مُؤَذِّنَهُ، وَحَمَلَهَا بَيْنَ يَدَيْ عُمَرَ، وَكَانَ وَلَدُهُ يَحْمِلُونَهَا بَيْنَ يَدَيِ الْوُلاةِ بِالْمَدِينَةِ [1] .
حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن محمد بن أبي شيبة، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، أنبأ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: [رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ] .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نِيَارٍ الأَسْلَمِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَسَمَ أَبِي الْفَيْءَ عَامَ أَوَّلٍ، فَأَعْطَى الْحُرَّ عَشَرَةً، وَالْمَمْلُوكَ عَشَرَةً، وَالْمَرْأَةَ عَشَرَةً، وَأَمَتَهَا عَشَرَةً، ثُمَّ قَسَمَ الْعَامَ الثَّانِي فَأَعْطَاهُمْ عِشْرِينَ عِشْرِينَ.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا الأَنْصَارِيُّ عَنْ صَالِحِ بْنِ رُسْتُمَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ يَسِيرٍ- أَوْ بَشِيرٍ- عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: أَوْصَانِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا سَلْمَانُ إِنَّهُ سَتَكُونُ فُتُوحٌ فَلا يَكُونَنَّ حَظُّكَ مِنْهَا مَا جَعَلْتَهُ فِي بَطْنِكَ وَأَلْقَيْتَهُ عَلَى ظَهْرِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ صَلَّى الْخَمْسَ فَإِنَّهُ يُصْبِحُ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلا يَقْتُلَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ ذِمَّةِ اللَّهِ فَيَطْلُبُكَ اللَّهُ بِذِمَّتِهِ، فَيُكِبَّكَ اللَّهُ عَلَى وَجْهِكَ فِي النَّارِ.
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عَزَّةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْصَى بِخُمُسِ مَالِهِ، وَقَالَ أَخَذَ مِنْ مَالِي مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ الْخُمُسُ.
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن معمر عَن قَتَادَة والكلبي فِي قوله: «فَأَمَّا من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى [2] .
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 236- 237.
[2] سورة الليل- الآيتان: 5- 6.(10/81)
قَالا: أعطى زكاة ماله واتقى ربه، نزلت فِي أَبِي بَكْرٍ، قَالَ قَتَادَة:
والحسنى نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الْكَلْبِيّ: شهادة الحق.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى رَجُلٍ جَرَّ إِزَارَهُ مِنَ الْخُيَلاءِ] [1] فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ إِزَارِي لَيَسْتَرْخِي حَتَّى يَمَسَّ الأَرْضَ، قَالَ: [ «إِنَّكَ لَسْتَ تُرِيدُ ذَاكَ» ] .
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:
كَانَ عُمَرُ يَكْتُبُ إِلَى عُمَّالِهِ: مَنْ فَضَلَنِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَاضْرِبُوهُ حَدَّ الْمُفْتَرِي، أَوْ قَالَ أَرْبَعِينَ سَوْطًا.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: مَرَّ أَبُو بَكْرٍ بِرَجُلٍ مَعَهُ ثَوْبٌ فَقَالَ لَهُ: أَتَبِيعُهُ؟ قَالَ: لا رَحِمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ: قَدْ قَوَّمْتُ أَلْسِنَتَكُمْ لَوْ تَسْتَقِيمُ.
حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَنْ الْهَيْثَمِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: عَرَضَ أَبُو بَكْرٍ خَيْلا فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: احْمِلْنِي عَلَى هَذَا الْفَرَسِ:
فَقَالَ: لأَنْ أَحْمِلَ غُلامًا قَدْ رَكِبَ الْخَيْلَ عَلَى عَزْلَتِهِ [2] أَحَبُّ إِلَيَّ فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: وَاللَّهِ لأَنَا خَيْرٌ مِنْكَ وَمِنْ أَبِيكَ فَارِسًا، قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَمَا مَلَكْتُ نَفْسِي أَنْ رَثَمْتُ [3] أَنْفَهُ فَابْتَدَرَ مِنْخَرَاهُ دَمًا، فَتَهَدَّدَنِي الأَنْصَارُ وَقَالُوا: يُقَادُ مِنْهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لا أقيد ظالما متعديا.
__________
[1] انظر كنز العمال- الحديث: 7760- 41157- 41179.
[2] بهامش الأصل: عرفته.
[3] رثم: كسر.(10/82)
الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَائِشَةَ: إِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ حَائِطِي، وَإِنِّ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَرُدِّيهِ إِلَى الْمِيرَاثِ، وَانْظُرِي ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ فَاغْسِلِيهِمَا وَكَفِّنِينِي فِيهِمَا فَإِنَّ الْحَيَّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ، إِنَيِّ وُلِّيتُ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ فَأَكَلْتُ مِنْ جَرِيشِ طَعَامِهِمْ، وَلَبِسْتُ مِنْ خَشِنِ ثِيَابِهِمْ، فَلَيْسَ لَهُمْ قِبَلِي دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ لَهُمْ عِنْدِي إِلا هَذَا النَّاضِحُ، وَالْعَبْدُ الْحَبَشِيُّ، وَهَذِهِ الْقَطِيفَةُ فَإِذَا مُتُّ فَابْعَثِي بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ.
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، ثنا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَدَّانِيُّ، ثنا أَبُو كِبَاشٍ الْكِنْدِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن الأشعث بن قيس قال: حدثني عَائِشَةُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي أَحَبُّ إِلَيَّ غِنًى مِنْكِ، وَقَدْ كُنْتُ أَقْطَعْتُكِ أَرْضًا لا إِخَالُكِ رَزَأْتِ مِنْهَا شَيْئًا، وَأَنَا رَادُّهَا مِيرَاثًا يُقْسَمُ بَيْنَ وَلَدَيَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، وَإِذَا مُتُّ فَابْعَثِي بِهَاتَيْنِ اللَّقْحَتَيْنِ وَأَحْلاسِهِمَا وَحَالِبِهِمَا، وَهَذِهِ الْجَارِيَةُ إِلَى عُمَرَ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ بَعَثْتُ بِذَلِكَ فَقَبَضَهُ وَرَدَّ الْجَارِيَةَ وَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ فَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ.
حَدَّثَنَا عَفَّانُ وَهُدْبَةُ قَالا ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، أنبأ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِي حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِي أَحَبُّ إِلَيَّ غِنًى، وَلا أَعَزَّ عَلَيَّ فَقْرًا مِنْكِ، وَقَدْ كُنْتُ نَحَلْتُكِ مِنْ أَرْضِي بِالْعَالِيَةِ جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا وَلَوْ كُنْتُ جَدَّدْتُهُ تَمْرًا عَامًا وَاحِدًا لَحَازَ ذَلِكَ، وهو مال الوارث، وإنما هو أَخَوَاكِ وَأُخْتَاكِ، فَقُلْتُ: إِنَّمَا هِيَ أَسْمَاءُ، فَقَالَ: قَدْ أُلْقِيَ فِي رُوعِي أَنَّ ذَا بَطْنِ ابْنَةِ خَارِجَةَ جَارِيَةٌ، فَاسْتَوْصِي بِهَا خَيْرًا، فَوَلَدَتْ أُمَّ كُلْثُومٍ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْن سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ قَالَ: كَانَ المال الَّذِي نحله أَبُو بكر(10/83)
عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا من أموال بني النضير وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعطاه ذَلِكَ المال فأصلحه وغرس فِيهِ وديا [1] .
حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، ثنا الْمَسْعُودِيُّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ رَأَتْ كَأَنَّ أَقْمَارًا ثَلاثَةَ سَقَطَتْ فِي حِجْرِهَا. قَمَرًا بَعْدَ قَمَرٍ فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: هَذَا أَحَدُ أَقْمَارِكِ، ثُمَّ دُفِنَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ، وَفِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ قَدْ ذَكَرْتُهَا مَعَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَتْ خُطَبَاءُ الأَنْصَارِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يقول: يا معاشر المهاجرين، رسول الله ص كَانَ إِذَا اسْتَعْمَلَ رَجُلا مِنْكُمْ قَرَنَ مَعَهُ رَجُلا مِنَّا، فَنَرَى أَنْ يَلِيَ هَذَا الأَمْرَ رَجُلانِ وَاحِدٌ مِنْكُمْ وَالآخَرُ مِنَّا، قَالَ: فَلَمَّا تَتَابَعَتْ خُطَبَاءُ الأَنْصَارِ عَلَى ذَلِكَ، قَامَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَكَانَ إِمَامَنَا وَإِمَامَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الإِمَامُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَنَحْنُ أَنْصَارُهُ كَمَا كُنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: جَزَاكُمُ اللَّهُ مِنْ حَيٍّ خَيْرًا يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، وَثَبَّتَ قَائِلَكُمْ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ مَا صَالَحْنَاكُمْ عَلَيْهِ.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بن عينية، أنبأ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا بَكْرٍ الْوَفَاةُ جَلَسَ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا بُنَيَّةُ فَإِنَّكَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ غِنًى، وَأَعَزُّ النَّاسِ عَلَيَّ فَقْرًا، وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكَ جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِي، فَوَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنَّكِ حُزْتِهِ وَقَبَضْتِهِ، وإنما
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 195، والودي: فسيل النخل وصغاره. القاموس.(10/84)
هُوَ أَخَوَاكِ، وَأُخْتَاكِ. قُلْتُ: هَذَانِ أَخَوَايَ فَمَنْ أُخْتَاي؟ فَقَالَ: إِنِّي أَظُنُّ ذَا بَطْنِ بِنْتٍ خَارِجَةٍ جَارِيَةً.
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الأبلِّي، ثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ بِنَحْوِهِ.
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخُوَارَزْمِيُّ، ثنا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ مَوْلَى الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا احْتَضَرَ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ كَلِمَةً مِنْ قَوْلِ حَاتِمٍ:
لَعَمْرُكَ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى ... إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ
[1] فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ، هَلا قُلْتِ: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الحق بالموت ذلك ما كنت منه تحيد [2] وَكَذَا كَانَ يَقْرَأُهَا، انْظُرُوا هَاتَيْنِ فَإِذَا مِتُّ فَاغْسِلُوهُمَا وَكَفِّنُونِي فِيهِمَا فَإِنَّ الْحَيَّ أَحْوَجُ إِلَى الجديد من الميت.
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، ثنا هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا مَرِضَ وَثَقُلَ قَعَدَتْ عَائِشَةُ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَتْ:
كُلُّ ذِي إِبِلٍ مُوَرِّثُهَا ... وَكُلُّ ذِي سَلَبٍ مَسْلُوبُ
[3] فَقَالَ: لَيْسَ كَمَا قُلْتِ يَا عَائِشَةُ وَلَكِنْ كَمَا قَالَ اللَّهُ: وَجَاءَتْ سكرة الحق بالموت ذلك ما كنت منه تحيد.
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، أنبأ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ
__________
[1] ديوان حاتم الطائي- ط. دار صادر بيروت ص 51 وفيه: «أماوي ما يغني ... » .
[2] سورة ق- الآية: 19، ونصها: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ منه تحيد) .
[3] ديوان عبيد بن الأبرص- ط. دار صادر بيروت ص 26.(10/85)
أَنَّ عَائِشَةَ تَمَثَّلَتْ بِهَذَا الْبَيْتِ وَأَبُو بَكْرٍ يَقْضِي:
وَأَبْيَضُ يَسْتَسْقِي الْغَمَامَ بِوَجْهِهِ ... رَبِيعُ الْيَتَامَى عِصْمَةً لِلأَرَامِلِ
[1] فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعَجْلِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ ثَابِتٌ عَنْ سُمَيَّةَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ وَأَبُوهَا مَرِيضٌ شَدِيدُ الْمَرَضِ:
وَمَنْ لا يَزَالُ الدَّمْعُ مِنْهُ مَغِيضًا ... فَلا بُدَّ يَوْمًا أَنْ يُرَى وَهُوَ دافق
فقال أبو بكر: وجاءت سكرة الحق بالموت ذلك ما كنت منه تحيد) .
حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَن ثَابِت قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْر يتمثل، ولم يقل فِي مرضه وَلا غيره:
مَا أن يزال المرء ينعى ميتا حتى يكونه ... ولقد يرجّي ما يحبّ بلوغه فيموت دونه
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنْ أَبِي السَّفَرِ قَالَ: لَمَّا مَرِضَ أَبُو بَكْرٍ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قِيلَ:
يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ وَيَا أَبَا بَكْرٍ لَوْ بَعَثْتَ إِلَى الطَّبِيبِ فَنَظَرَ إِلَيْكَ، قَالَ: قَدْ نَظَرَ إِلَيَّ الطَّبِيبُ فَقَالَ لِي إِنِّي أَفْعَلُ مَا أُرِيدُ، يَعْنِي اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، أنبأ هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: وَدَدْتُ أَنِّي خَضِرَةٌ تَأْكُلُنِي الدَّوَابُّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنه:
__________
[1] البيت لأبي طالب عم الرسول عليه السلام في مدحه صلى الله عليه وسلم. انظره في سيرة ابن هشام.
تحقيق سهيل زكار ص 185.(10/86)
(توفني مسلما والحقني بالصالحين) [1] .
حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن ابْنِ جُعْدُبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عُثْمَانَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِدْتُ أُوَسْوِسُ جَزَعًا فَمَرَّ بِي عُمَرُ يَوْمًا فَسَلَّمَ فَسَهَوْتُ عَنْ أَنْ أَرُدَّ السَّلامَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَلَّمَ عَلَيْكَ عُمَرُ فَلَمْ تَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ، فَقُلْتُ: كُنْتُ مُفَكِّرًا فِي تَرْكِي مَسْأَلَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الأَمْرِ الَّذِي فِيهِ نَجَاةُ الأُمَّةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ سَأَلْتُهُ فَقَالَ: [ «نَجَاةُ الأُمَّةِ فِي الْكَلِمَةِ الَّتِي عَرَضْتُهَا عَلَى عَمِّي فَرَدَّهَا وَهِيَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ» ] .
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا اللَّيْثُ، أنبأ عَقِيلٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَالْحَارِثَ بْنَ كَلَدَةَ أَكَلا خَزِيرَةٍ [2] أُهْدِيَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ الْحَارِثُ لأَبِي بَكْرٍ: ارْفَعْ يَدَكَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ فو الله إن فيها لسما وَأَنَا وَأَنْتَ نَمُوتُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد عَنْ مُحَمَّد بْن حُمَيْدِ بْنِ يَعْمُرَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لأَنْ أُوصِي بِالْخُمُسِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوصِي بِالرُّبُعِ.
وَلأَنْ أُوصِي بِالرُّبُعِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوصِي بِالثُّلُثِ، وَمَنْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا [3] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إسناده: دعا أَبُو بَكْر عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ فَقَالَ:
أَخْبَرَنِي عَن عُمَر بْن الْخَطَّابِ فَقَالَ: مَا تسألني عَن أمر إِلا وأنت أعلم به
__________
[1] سورة يوسف- الآية: 101.
[2] الخزيرة: تؤخذ قطع اللحم الصغيرة فتطبخ بالماء الكثير والملح، فإذا نضجت ذر عليها الدقيق. القاموس.
[3] طبقات ابن سعد ج 3 ص 199.(10/87)
مني، ثُمَّ قَالَ: هُوَ وَاللَّه أفضل من رأيك فِيهِ، ثُمَّ دعا عُثْمَان فسأله عَن عمر فَقَالَ: اللَّهُمَّ إن علمي بِهِ أن سريرته خير من علانيته وإنه ليس فينا مثله، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ولو تركته مَا عدوتك، وشاور معهما سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرو وأسيد بْن حضير وغيرهما من المهاجرين والأنصار، وَقَالَ أسيد: لن يلي هَذَا الأمر أحد أقوى عَلَيْهِ منه، وَقَالَ رجل: مَا أنت قائل لربك إن سألك عَن استخلافك عمر وقد ترى غلظته؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أبالله تخوفني؟ خاب من تزود من أمركم ظلما، أقول: اللَّهُمَّ إني استخلفت عَلَيْهِم خير أهلك ابلغ عني هَذَا القول من وراءك،
[وصية أبي بكر في استخلاف عمر]
ثُمَّ اضطجع ودعا عُثْمَان فَقَالَ:» اكتب:
بسم اللَّه الرحمن الرحيم.
هَذَا مَا عهد أَبُو بَكْر بْن أَبِي قحافة فِي آخر عهده بالدنيا خارجا مِنْهَا، وعند أول عهده بالآخرة داخلا فِيهَا، حَيْثُ يؤمن الكافر، ويوقن المرتاب الفاجر، ويصدق الشاك المكذب.
إني استخلفت عليكم بعدي عُمَر بْن الْخَطَّابِ، فاسمعوا لَهُ وأطيعوا، فإني لم آل اللَّه ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيرا، فإن عدل فذاك ظني بِهِ، وعلمي فِيهِ، وإن بدل فلكل امرئ مَا اكتسب، والخير أردت، وَلا يعلم الغيب إِلا اللَّه (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [1] والسلام عليكم ورحمة اللَّه» .
ثُمَّ أمر بالكتاب فختم.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَقَالَ بعضهم: لما أمل صدر الكتاب غمر وذهب بِهِ قبل أن يسمي أحدا، فكتب عُثْمَان: إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن
__________
[1] سورة الشعراء- الآية: 227.(10/88)
الْخَطَّابِ، ثُمَّ أفاق فَقَالَ: اقرأ مَا كتبت بِهِ فقرأ عَلَيْهِ ذكر عمر، فكبر أَبُو بكر وقال: أراك خفت إن انثلت نفسي فِي غشيتي فيختلف النَّاس، فجزاك اللَّه عَن الإِسْلام وأهله خيرا، إن كنت لها أهلا، ثُمَّ أمره فخرج بالكتاب مختوما ومعه عُمَر بْن الْخَطَّابِ وَابْن سعية القرظي، فَقَالَ عُثْمَان: أتبايعون لمن فِي هَذَا الكتاب؟ قَالُوا: نعم. فَقَالَ علي: قد علمناه، هُوَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ، فأقروا بِذَلِكَ جميعا ورضوا بِهِ وبايعوا، ثُمَّ دعا أَبُو بَكْر عمر خاليا فأوصاه، ثُمَّ خرج من عنده فرفع أَبُو بَكْر يديه مدا فَقَالَ: اللَّهُمَّ إني لم أرد إِلا صلاحهم، وخفت الفتنة عَلَيْهِم فعملت فيهم بما أنت أعلم بِهِ وَمَا رجوت أن يكون لك رضى، وقد اجتهدت رأيي بهم فوليت عَلَيْهِم خيرهم لهم، وأقواهم عَلَيْهِم، وأحرصهم عَلَى مَا يرشدهم، وقد حضرني من أمرك مَا حضر فاخلفني فيهم، فهم عبادك، ونواصيهم بيدك، أصلح لهم ولاتهم، واجعل عمر من خلفائك الراشدين يتبع هدى نبيه، نبي الرحمة، واصلح لَهُ أموره ورعيته [1] .
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، أنبأ فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَابِطٍ قَالَ: لَمَّا احْتَضَرَ أَبُو بَكْرٍ ذَكَرَ أَنَّهُ يَسْتَخْلِفْ عُمَرَ، فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ فَقَالُوا: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِنِ اسْتَخْلَفْتَ ابْنَ الْخَطَّابِ وَقَدْ عَرَفْتَ فَظَاظَتَهُ وَغِلْظَتَهُ وَشِدَّتَهُ؟ فَقَالَ:
أَجْلِسُونِي، أَبِاللَّهِ تُخَوِّفُونَنِي. أَقُولُ اسْتَخْلَفْتُ. عَلَيْهِم خير أهلك.
[وفاة أبي بكر]
حَدَّثَنِي شُجَاعُ بْنُ الْوَليِدِ الْفَلاسُ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، أَنْبَأَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ أَبُو بكر في مرضه قال:
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 200.(10/89)
أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: يَوْمَ الاثْنَيْنِ. فَقَالَ: إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَقْبِضَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ عَلَيْهِ ثوب فيه ردع [1] مَشِقٌ. فَقَالَ إِذَا أَنَا مِتُّ فَاغْسِلُوا ثَوْبِي هَذَا، وَضُمُّوا إِلَيْهِ ثَوْبَيْنِ جَدِيدَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ، فَقُلْنَا: أَلا نَجْعَلُهَا جُدُدًا كُلَّهَا؟
قَالَ: لا، الْحَيُّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ. قَالَتْ: فَمَاتَ لَيْلَةَ الثُّلاثَاءِ.
حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنِي عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ لَهَا:
فِي أَيِّ يَوْمٍ مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: فِي يَوْم الاثْنَيْنِ. فَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ.
إِنِّي لأَرْجُو ذَلِكَ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ. قَالَ: فَفِيمَ كَفَّنْتُمُوهُ؟ قَالَت: فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ يَمَانِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ، قَالَ:
وَقَالَتْ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: انْظُرِي ثَوْبِي هَذَا فَإِنَّ فِيهِ رَدْعُ زَعْفَرَانٍ، أَوْ مِشْقٌ، فَاغْسِلِيهِ وَاجْعَلِي مَعَهُ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ. فَقَالَتْ: هُوَ خَلِقٌ. فَقَالَ: الْحَيُّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ.
قَالَ عُرْوَةُ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ خَلَّفَ حُلَّةً حَبْرَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْرَجَ فِيهَا، ثُمَّ اسْتَخْرَجُوهُ وَكَفَّنُوهُ فِي ثَلاثِ أَثْوَابٍ بِيضٍ، فَأَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ الْحُلَّةَ وَقَالَ لأُكَفِّنَنَّ نَفْسِي فِي شَيْءٍ مَسَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: وَاللَّهِ لا أُكَفَّنُ فِي شَيْءٍ مَنَعَهُ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يُكَفَّنَ فِيهِ، فَكُفِّنَ أَبُو بَكْرٍ فِيهَا، وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ لَيْلَةَ الثُّلاثَاءِ وَدُفِنَ لَيْلا، وَمَاتَتْ عَائِشَةُ لَيْلا، وَدَفَنَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ لَيْلا.
حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْن عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ عَن أَبِيهِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ
__________
[1] الردع: اللطخ.(10/90)
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَائِشَةَ وَقَدْ ثَقُلَ فِي مَرَضِهِ: فِي كَمْ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: خُذُوا هَذَا الثَّوْبِ- لِثَوْبٍ عَلَيْهِ قَدْ أَصَابَهُ مِشْقٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ، قَالَ وَالْمِشْقُ الْمَغَرَةُ- فَاغْسِلُوهُ ثُمَّ كَفِّنُونِي فِيهِ مَعَ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَلِمَ هَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّ الْحَيَّ أَحْوَجُ إِلَى الْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ: كَانَ أَوَّلُ مَا بُدِئَ أَبُو بَكْرٍ بِهِ أَنَّهُ اغْتَسَلَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ وَكَانَ يَوْمًا باردا فحمّ خمسة عشر يَوْمًا لا يَخْرُجُ إِلَى صَلاةٍ، وَكَانَ يَأْمُرُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَيَدْخُلُ النَّاسُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ يَعُودُونَهُ وَهُوَ يَثْقُلُ كُلَّ يَوْمٍ، وَذَلِكَ فِي دَارِهِ الَّتِي أَقْطَعَهُ إِيَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِجَاهَ دَارِ عُثْمَانَ الْيَوْمَ، وَكَانَ عُثْمَانُ أَلْزَمَهُمْ لَهُ فِي مَرَضِهِ، وَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ مَسَاءَ لَيْلَةِ الثُّلاثَاءِ لِثَمَانِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةَ سَنَةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَكَانَتْ أَيَّامُهُ سَنَتَيْنِ وَثَلاثَةَ أَشْهُرٍ، وَسِتَّةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي مَعْشَرٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ كَانَتِ أَيَّامُهُ سَنَتَيْنِ وَثَلاثَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَ لَيَالٍ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً وَذَلِكَ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ فِي سِنِّهِ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ بَعْدَ الْفِيلِ بِثَلاثِ سِنِينَ.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ جُدْعَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَسَنُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَسُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ.
حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ قَالَ: غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَهُوَ أَوْصَى أَنْ تُغَسِّلَهُ.
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، أنبأ مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، ثنا أَشْعَثُ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ،(10/91)
أَحْسَبُهُ قَالَ: ابْنُ صَبْرَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْصَى أَنْ تُغَسِّلَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، فَإِنْ عَجَزَتْ أَعَانَهَا ابْنُهَا مُحَمَّدٌ [1] .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ:
أَوْصَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ تُغَسِّلَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، فَإِنْ عَجَزَتْ فَلَمْ تَسْتَطِعِ اسْتَعَانَتْ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ [2] ، فَلَمْ تَحْتَجْ إِلَى غَيْرِهَا.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَهَذَا الْمُثْبَتُ، وَكَيْفَ يُعِينُهَا ابْنُهَا مُحَمَّدٌ، وَإِنَّمَا وُلِدَ سَنَةَ عَشْرٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْصَى أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ أَنْ تُغَسِّلَهُ إِذَا مَاتَ، وَعَزَمَ عَلَيْهَا لِمَا أَفْطَرَتْ لأَنَّهُ أَقْوَى لَهَا، فَذَكَرَتْ يَمِينَهُ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ فَدَعَتْ بِمَاءٍ فَشَرِبَتْ وَقَالَتْ: وَاللَّهِ لا أُتْبِعُهُ فِي يَمِينِهِ حَنَثًا.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، أنبأ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ خَرَجَتْ فَسَأَلَتْ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي صَائِمَةٌ وَهَذَا يَوْمٌ شَدِيدٌ الْبَرْدِ فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ غُسْلٍ؟ فَقَالُوا: لا [3] .
حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الأَزْدِيُّ، ثنا وَكِيعٌ، أنبأ حَنْظَلَةُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: كُفِّنَ أَبُو بَكْرٍ فِي رَيْطَتَيْنِ [4] ، رَيْطَةٍ بَيْضَاءَ وَأُخْرَى
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 203.
[2] عبد الرحمن بن أبي بكر.
[3] طبقات ابن سعد ج 3 ص 204.
[4] الريطة: الملاءة قطعة واحدة. اللسان.(10/92)
مُمَصَّرَةٍ [1] وَقَالَ: الْحَيُّ أَحْوَجُ إِلَى الْكُسْوَةِ مِنَ الْمَيِّتِ، إِنَّمَا هُوَ لِمَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ وَفَمِهِ.
حَدَّثَنَا خلف بْن هِشَام البزار، ثنا منذر بْن علي العنزي عَن ليث عَن عطاء قَالَ: كفن أَبُو بَكْر فِي ثوبين غسيلين.
حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا عَبْد اللَّهِ بْن نمير، أنبأ عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قَالَ: كفن أَبُو بَكْر فِي ثلاثة أثواب أحدها ممصر.
حدثني وهب بْن بقية، ثنا يَزِيد، أنبأ حميد الطويل عَن بكر بْن عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ أن أَبَا بَكْر كفن فِي ثوبين.
حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن صَالِح، أنبا شريك عَن عمران بْن مسلم عَن سويد بْن عقلة قَالَ: كفن أَبُو بَكْر فِي ثوبين معقدين [2] .
وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا أَبُو نعيم الْفَضْل بْن دُكَيْنٍ، أنبا زهير بْن عمران بْن مسلم عَن سويد بْن غفلة أن أَبَا بَكْر كفن فِي ثوبين من هَذِهِ الثياب الموصولة.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سَيْفِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ سَمِعَهُ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: كَفِّنُونِي فِي ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ كُنْتُ أُصَلِّي فِيهِمَا، وَاغْسِلُوهُمَا فَإِنَّمَا هُمَا لِلْمُهْلِ [3] وَالْبِرَازِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْد اللَّهِ الأنصاري عن سَعِيد بن
__________
[1] ممصرة: فيها شيء من صفرة. اللسان.
[2] المعقد: ضرب من برود هجر. تاج العروس.
[3] المهل: صديد الموت. اللسان.(10/93)
أَبِي عروبة عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كفن فِي ثوبين أحدهما غسيل [1] .
حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّامِي قَالا: ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، ثنا خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَسَّانٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ أَيْنَ صُلِّيَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ. قَالَ: وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ؟ قَالَ: عُمَرُ. قَالَ: كَمْ كَبَّرَ؟ قَالَ:
أَرْبَعًا.
حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَنِ بْن صَالِح الأَزْدِيّ، ثنا وكيع بْن الجراح عَن كَثِيرِ بْن زَيْد عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ أن أَبَا بَكْرٍ وعمر دفنا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصلى عليهما تجاه المنبر.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الأَزْدِيُّ، حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، أَنْبَأَ خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ كَبَّرَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَرْبَعًا.
حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، ثنا وَكِيعٌ عَنْ مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قُبِرَ أَبُو بَكْرٍ بِاللَّيْلِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ لَيْلا فَدَفَنَّاهُ قَبْلَ أَنْ نُصْبِحَ [2] .
حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا حَفْصُ بْنُ غَيَّاثٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ بَعْضِ وَلَدِ سَعْدٍ أَنَّ عُمَرَ حِينَ صَلَّى عَلَى أَبِي بَكْر في المسجد ربّع.
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 306.
[2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 207.(10/94)
حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، أنبأ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي السَّبَّاقِ- أَوِ ابْنِ السَّبَّاقِ- أَنَّ عُمَرَ دَفَنَ أَبَا بَكْرٍ لَيْلا، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَأَوْتَرَ بِثَلاثٍ.
حَدَّثَنَا الْوَليِدُ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالا: ثنا الْوَاقِدِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ خَالِدٍ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: حَضَرْتُ دَفْنَ أَبِي بَكْرٍ فَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْزِلَ، فَقَالَ لِي عُمَرُ: كُفِيتَ [1] .
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ أَقَمْنَ عَلَيْهِ النَّوْحَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ، فَنَهَاهُنَّ عَنِ النَّوْحِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَنْتَهِينَ، فَقَالَ عُمَرُ لِهِشَامِ بْنِ الْوَليِدِ:
ادْخُلْ فَأُخْرِجَ إِلَى ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ حِينَ سَمِعَتْ ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ.
إِنِّي أُحَرِّجَ عَلَيْكَ بَيْتِي، فَقَالَ عُمَرُ لِهِشَامٍ: ادْخُلْ فَقَدْ أَذِنْتُ لَكَ، فَدَخَلَ هِشَامٌ فَأَخْرَجَ أُمَّ فَرْوَةَ أُخْتَ أَبِي بَكْرٍ فَعَلاهَا بِالدِّرَّةِ، فَتَفَرَّقَ النَّوْحُ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تُوُفِّيَ أَبِي بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، فَأَصْبَحْنَا فَاجْتَمَعَ نِسَاءُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ فَأَقَمْنَ النَّوْحَ، وَأَبُو بَكْرٍ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ، فأمر عمر بالنوائح ففرّقن، فو الله إِنْ كُنَّ لَيُفَرَّقْنَ وَيَجْتَمِعْنَ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولانِ: أوصى أبو بكر عائشة
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 208.(10/95)
أَنْ يُدْفَنَ إِلَى جَنْبِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا تُوُفِّيَ حُفِرَ لَهُ وَجُعِلَ رَأْسُهُ عِنْدَ كَتِفَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَلْصَقُوا اللَّحْدَ بِقَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُبِرَ هُنَاكَ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَخْبَرَنِي رَبِيعَة بْن عُثْمَان عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: رأس أَبِي بَكْر عند كَتِفَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورأس عمر عند حقوي أَبِي بَكْر، فَقَالَ: قَالَ الْوَاقِدِيّ: وأخبرني ابْن أَبِي سبرة عَن عَمْرو بْن أَبِي عَمْرو عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ قَالَ: جعل قبر أَبِي بَكْر مثل قبر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسطحا ورش عَلَيْهِ الماء.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ هَانِئٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّهْ، اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ، فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلاثَةِ قُبُورٍ لا مُشْرِفَةٍ وَلا لاطِيَةٍ، فَرَأَيْتُ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَدِّمًا، وَقَبْرَ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَرَأْسُ عُمَرَ عِنْدَ رِجْلَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقِفُ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدْعُو لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا.
قَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد، ثنا عَمْرو بْن الْهَيْثَم أَبُو قطن، ثنا الرَّبِيع الصائغ قَالَ: كَانَ نقش خاتم أَبِي بَكْرٍ «نعم القادر اللَّه» .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي شُعَيْبُ بْن طَلْحَة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أبي بكر عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَرَّثَ أَبُو بَكْرٍ أَبُوهُ أَبُو قُحَافَةَ السُّدُسَ، وَوَرِثَهُ مَعَهُ وَلَدُهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدٌ، وَعَائِشَةُ، وَأَسْمَاءُ، وَأُمُّ كُلْثُومٍ وَامْرَأَتَاهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَحَبِيبَةُ بِنْتُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي(10/96)
زُهَيْرٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ [1] .
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَارِيَابِيُّ، ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ- وَذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ-: [كَانَا وَاللَّهِ إِمَامَيْ هُدًى رَاشِدَيْنِ مُفْلِحَيْنِ مُنْجِحَيْنِ خَرَجَا مِنَ الدُّنْيَا خَمِيصَيْنِ] [2] .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الْوَاقِدِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: كَلَّمَ أَبُو قُحَافَةَ فِي مِيرَاثِهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ:
رَدَدْتُ ذَلِكَ عَلَى وَلَدِ أَبِي بَكْرٍ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ أَن أَبَا بَكْرٍ تَخَتَّمَ فِي الْيَسَارِ.
قَالُوا: وَأُتِيَ أَبُو بَكْرٍ بِمَالٍ فَقَالَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّةٌ فَلْيَأْتِنِي: فَأَتَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَحَفَنَ لَهُ ثَلاثَ حَفَنَاتٍ [3] .
حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، ثنا إِسْمَاعِيل بْن علية عَن منصور بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: مات أَبُو بَكْرٍ وعمر ولم يجمعا الْقُرْآن، قَالَ إِسْمَاعِيل: يعني لم يحفظاه.
حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيع الزَّهْرَانِيّ، حَدَّثَنِي حَمَّاد بْن زَيْد وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سعد عن عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ حَمَّادِ بْن زَيْد، أنبأ أَيُّوب وهشام عَن مُحَمَّد بْن سيرين قَالَ: تُوُفِّيَ أَبُو بَكْر ولم يجمع القرآن
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 208- 211.
[2] بهامش الأصل: هذا الأبر بعلي واللائق بجلالته رضي الله عنه، خلاف ما يقوله الضلال.
[3] طبقات ابن سعد ج 3 ص 211.(10/97)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، ثنا عَوْنُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِعُمَرَ: ابْسُطْ يَدَكَ نُبَايِعْ لَكَ فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ أَفْضَلُ مِنِّي، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَنْتَ أَقْوَى مِنِّي، فَقَالَ عُمَرُ: فَإِنَّ لَكَ مَعَ فَضْلِكَ قُوَّةً، فَبَايِعْ أَبَا بَكْرٍ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا أبو معاوية عن السري عن يحيى عَنْ بِسْطَامِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: «لا يَتَأَمَّرُ عَلَيْكُمَا أَحَدٌ بَعْدِي» .]
[خطبة أبي بكر عقب بيعته]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ قَامَ خَطِيبًا، فو الله مَا خَطَبَ خُطْبَتَهُ أَحَدٌ بَعْدَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد: فقد وليت هذا الأمر وأناله كاره، وو الله لَوَدَدْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ كَفَانِيهِ، أَلا وَإِنَّكُمْ كَلَّفْتُمُونِي أَنْ أَعْمَلَ فِيكُمْ بِمِثْلِ مَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَقُمْ بِهِ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِالْوَحْيِ وَعَصَمَهُ بِهِ، أَلا وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَلَسْتُ بِخَيْرٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْكُمْ فَرَاعُونِي، فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي غَضِبْتُ فَاجْتَنِبُونِي لا أُوثِرُ فِي أَشْعَارِكُمْ وَأَبْشَارِكُمْ» .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشَيْبُ، ثنا زُهَيْرٌ، ثنا عُرْوَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ فَذَكَرَ كَلامًا فِي الْخِضَابِ فَقَالَ: هَذَا الصِّدِّيقُ قَدْ خَضَّبَ، يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: الصِّدِّيقُ؟. قَالَ: نَعَمْ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، إِنَّهُ الصِّدِّيقُ [1] .
الْمَدَائِنِيّ قَالَ، أخذ المهاجر بْن أَبِي أمية المخزومي قينة باليمن شتمت
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 211- 212.(10/98)
أَبَا بَكْر بعد صلح النجير [1] فقطع يدها: فكتب إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ: بلغني أنك أخذت امْرَأَة شتمتني فقطعت يدها وقد أهدر اللَّه من الشرك مَا هُوَ أعظم من ذَلِكَ، وتركت المثلة في ظاهر الكفر ففعلت حقا وعملت بحسن، وإذا أتاك كتابي فاقبل الدعة ودع المثلة فإنها مأثمة، وقد نزه اللَّه الإِسْلام وأهله عَن فرط الغضب، وقد أَخَذَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوما آذوه وشتموه وأخرجوه وحاربوه فلم يمثل بهم [2] .
وولد لأَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ:
عَبْد الرَّحْمَنِ، وعائشة، وأمهما أم رومان بِنْت عامر بْن عويمر، كنانية، وعَبْد اللَّهِ، وأسماء، وأمهما قتيلة بِنْت عَبْد العزى من بني عامر بْن لؤي، وَمُحَمَّد، وأمه أسماء بِنْت عميس بْن معد الخثعمية، وأم كلثوم، وأمها حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير بْن مالك بْن امرئ القيس من الخزرج، وَهَذَا البطن يعرفون ببني الأغر.
وأما أبو قحافة [والد أبي بكر:]
عُثْمَان بْن عامر بْن عُمَرَ بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم، فإنه أسلم يَوْم فتح مَكَّة وَكَانَ قد سند فِي الجبل يومئذ، وأسماء ابنته تقوده، وَهُوَ مكفوف البصر فرماه بعض الْمُسْلِمِينَ فشجه، وأخذت قلادة أسماء، فأدركه أَبُو بَكْر وَهُوَ يستدمي فمسح الدم عَن وجهه وَقَالَ: رحم اللَّه من فعل بك هَذَا، ثُمَّ إنه أُتِيَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
[يَا أَبَا بَكْرٍ، هلا تركته حَتَّى نأتيه،] فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ أولى بإتيانك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فأسلم وبايع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمره بتغيير شيبه فخضب، وَقَالَ أبو
__________
[1] النجير حصن منيع قرب حضر موت لجأ إليه المرتدون مع الأشعث بن قيس الكندي.
[2] بهامش الأصل: بلغ العرض بالأصل الثالث من أول الكتاب ولله الحمد.(10/99)
بَكْرٍ: يَا معشر الْمُسْلِمِينَ. نشدت اللَّه رجلا أخذ قلادة الصبية إِلا ردها، فلم ترد. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إن الأمانة لعليلة.
قَالُوا: ولما تُوُفِّيَ أَبُو بَكْر سمع أَبُو قحافة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الهائعة [1] فَقَالَ:
مَا هَذَا؟ قيل: تُوُفِّيَ ابنك أَبُو بَكْر فَقَالَ: رحمه اللَّه، رزء جليل، فمن استخلف؟ قيل: ابْن الخطاب. قَالَ: صاحبه، فرضيت بنو عبد مَنَاف بِهِ؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: يفعل اللَّه مَا يشاء.
وتوفي أَبُو قحافة فِي المحرم سنة أربع عشرة، وَهُوَ ابْن سبع وتسعين سنة، وَهُوَ كَانَ المنذر لأهل مَكَّة حين أقبل الحبشي بالفيل.
وأسلمت أم الخير سلمى بِنْت صخر بْن عَمْرِو بْنِ كعب بْن معد، أم أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهما، وَكَانَ إسلامها مَعَ إسلام أَبِي قحافة، وقد كَانَتْ قبل ذَلِكَ مائلة إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتوفيت فيما ذكر الْوَاقِدِيّ قبل وفاة أَبِي بَكْر.
وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي، أَخْبَرَنِي هِشَام بْن عُرْوَةَ عَن أَبِيهِ أن أَبَا بَكْر لما تُوُفِّيَ ورثه أبواه، وقالت أسماء بِنْت أَبِي بَكْرٍ: دعاني أَبِي إِلَى الإِسْلام يَوْم أسلم فأسلمنا قبل أن يريم مجلسه، ولقد جاءني يوما وَهُوَ يبكي فقلنا:
مَا يبكيك؟ فَقَالَ: مَا لقي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أَبِي جهل وابن الغيطلة [2] ، فجلسنا نبكي معه.
[أم رومان امرأة أبي بكر]
قَالُوا: ولما أسلم سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ أتى أَبَا بَكْرٍ فأخبره بما لقيه بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسمعته أم رومان امْرَأَة أَبِي بَكْر وَهُوَ يفاوضه أمر الاسلام،
__________
[1] الهائعة: صوت الحزن المفزع والشديد. اللسان.
[2] بالأصل: القبطية، وهو تصحيف صوابه ما أثبتناه.(10/100)
فلما خرج سَعْد قَالَت لأَبِي بَكْرٍ: مَا الَّذِي كنتما فِيهِ؟ فأخبرها ودعاها إِلَى شهادة الحق ورفض الأوثان، فأسلمت وقالت: لقد كنت أعلم أن محمدا خليق بكل خير، واسم أم رومان دعد [1] وأبوها عامر بْن عويمر بْن عَبْدِ شمس، من بني كنانة بْن خزيمة، ويقال عمير بْن عامر، وكانت قبل أَبِي بَكْر عند عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث بْن سخبرة الأَزْدِيّ فقدم بِهَا مَكَّةَ وَحَالَفَ أَبَا بَكْرٍ قَبْلَ الإِسْلامِ وتوفي عَنْهَا، فخلف عَلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ، فولدت عَائِشَة أم الْمُؤْمِنِينَ، وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْرٍ، وهاجرت أم رومان وماتت بالمدينة فِي ذي الحجة سنة ست، فصلى عَلَيْهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونزل قبرها وَقَالَ: [من سره أن ينظر إِلَى امْرَأَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى أُمِّ رومان.]
[عبد الرحمن بن أبي بكر]
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وأم رومان يدعوان عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْر إِلَى الإِسْلام فيأباه ويقول: أف لكما، أتعدانني أن أخرج من القبر بعد أن صرت رمة وبليت أعظمي؟ فأين من خلا من الأمم قبلي، أين أَبُو زهير عَبْد اللَّهِ بْن جدعان؟ أين فلان، وفلان؟. وكانا يستغيثان اللَّه- أي يدعوانه لَهُ بالهدى- ويقولان: ويلك آمن فيقول: هَذَا أساطير الأولين. فنزلت فيه:
والذي قال لوالديه أف لكما) [2] الآية، ثُمَّ قَالَ: (أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ القول [3] يعني من عدد من ابْن جدعان وغيره.
وروي عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها قَالَت: نزلت هَذِهِ الآية فِي غير عَبْد الرَّحْمَنِ، وأسلم عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْر في هدنة الحديبية، ومات في
__________
[1] بهامش الأصل: أم واسمها في قول ابن هشام زينب، رواه ابن الأثير في جامع الأصول.
[2] سورة الأحقاف- الآية: 17.
[3] سورة الأحقاف- الآية: 18.(10/101)
سنة ثلاث وخمسين خارجا من مَكَّة فجاءة.
وذكر بعض الرواة أن عَائِشَة أدخلته الحرم فدفن بِهِ، وَقَالَ أَبُو اليقظان البصري: وَهُوَ أول من مات من أهل الإِسْلام فجاءة وَكَانَ لَهُ شعر، وغزا الشام وشهد الجمل مَعَ عَائِشَة.
وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْر بِحَبَشِيٍّ- وَهُوَ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ مِيلا مِنْ مَكَّةَ- فَحُمِلَ وَدُفِنَ فَلَمَّا قَدِمَتْ عَائِشَةُ مَكَّة مِنَ الْمَدِينَةِ أَتَتْ قَبْرَهُ فَقَالَتْ [1] :
وَكُنَّا كَنَدْمَانِي جُذَيْمَةَ حِقْبَةً ... مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا
فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا ... بِطُولِ اجْتِمَاعٍ لَمْ نَبِتْ لَيْلَةً مَعًا
وَقَالَ هِشَامُ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: جُذَيْمَةُ الأَبْرَشُ بْنُ مَالِكِ بْنِ فَهْمِ بْنِ غَانِمِ بْنِ دَوْسِ بْنِ عُدْثَانَ، وَهُوَ الْوَضَّاحُ، وَنَدِيمَاهُ مَالِكٌ وَعَقِيلٌ ابْنَا فَارِجِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ جِسْرِ بْنِ شيعِ اللَّهِ بْنِ وَبْرَةَ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ، وَبَعْضُ النُّسَّابِ يَقُولُ: فَالِجُ بْنُ مَالِكٍ.
وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ- يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ- عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ تُوُفِّيَ فِي مَنْزِلِهِ، قَالَ:
فَحَمَلْنَاهُ عَلَى رِقَابِنَا سِتَّةَ أَمْيَالٍ إِلَى مَكَّةَ، فلما قدمت عائشة قالت: أروني قبر
__________
[1] البيتان من قصيدة لمتمم بن نويرة في رثاء أخيه مالك الذي قتل في حروب الرده. انظر المفضليات- ط. بيروت 1920 ص 534- 535.(10/102)
أَخِي فَأَرَوْهَا إِيَّاهُ، فَصَلَّتْ عَلَيْهِ وَقَالَتْ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ حَضَرْتُكَ لَدَفَنْتُكَ حَيْثُ مِتَّ، وَلَوْ شَهِدْتُكَ لَمْ أَبْكِ عَلَيْكَ.
وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يُكْنَى أَبَا مُحَمَّدٍ، وَشَهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، وَدَعَا بِالْبِرَّازِ، فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِيُبَارِزَهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ. تَبْعَثُ إِلَيْنَا آبَاءَنَا، فَكَفَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: وَيْحَكَ مَا فَعَلَ الْمَالُ؟ فَقَالَ:
لَمْ يُبْقِ إِلا شَكَّةً وَيَعْبُوبَ [1] ... وَفَارِسٌ يَضْرِبُ إِذْ خَامَ الشَّيْبُ
وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ يَقْدِمُ الشَّامَ فَعَشِقَ ابْنَهُ الْجُودِيِّ الْغَسَّانِيِّ، وَاسْمُهَا لَيْلَى، وَقَالَ فِيهَا:
تَعَلَّقَ لَيْلَى وَالسَّمَاوَةُ دُونَهُ ... فَمَا لابْنَةِ الْجُودِيِّ لَيْلَى وَمَالِيَا
وَكَيْفَ تَعَاطَى قَلْبَهُ حَارِثِيَّةً ... تُدَمِّنُ بَصَرِي أَوْ تُحِلُّ الجوابيا
[2]
وكيف أرجّي أن أراها وعلّها ... إذا النَّاسُ وَافَوْا قَابِلا أَنْ تُوَافِيَا
وَقَالَ أَيْضًا:
يابنة الْجُودِيِّ قَلْبِي كَئِيبٌ ... مُسْتَهَامٌ عِنْدَكُمْ مَا يُثِيبُ
جَاوَزَتْ أَخْوَالَهَا حَيَّ عَكٍّ ... فَلِعَكٍّ مِنْ فُؤَادِي نَصِيبٌ
قَالَ: وَصَحِبَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ حِجَالٌ فَقَالَ:
لَيْتَهَا صَاحِبِي مَكَانَ حِجَالٍ ... وَحِجَالٌ حَيْثُ أم الرئال
[3]
انها قد سبت فؤادي وأصبح ... ت رهينا للهم والبلبال
__________
[1] الشكة: السلاح، واليعبوب: الفرس السريع. اللسان.
[2] كانت الجابية قائمة قرب بلدة نوى في حوران سورية وهي ليست نائية عن بصرى.
[3] أم الرئال هي النعامة. المرصع لابن الأثير.(10/103)
وَلَمَّا أَسْلَمَ حَسُنَ إِسْلامُهُ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَلَمَّا أَغْزَى عُمَرُ الشَّامَ أَعْلَمَهُ عَبْدُ الرحمن كلفه بِابْنَةِ الْجُودِيِّ، فَأَمَرَ إِنْ ظُفِرَ بِهَا أَنْ تُدْفَعَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَدُفِعَتْ إِلَيْهِ، وَقِيلَ إِنَّهَا وَقَعَتْ لَهُ فِي سَهْمِهِ. وَيُقَالُ بِهَا كَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ فَوَهَبُوا لَهُ سِهَامَهُمْ مِنْهَا، فَحَمَلَهَا مَعَهُ، وَيُقَالُ إِنَّهَا حُمِلَتْ فِي السَّبْيِ وَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَيْهِ فَكَانَتْ عِنْدَهُ فَلَمْ يَزَلْ نِسَاؤُهُ يَكِيدُونَهَا حَتَّى شَنَأَهَا وَمَلَّهَا وَشَنِفَ لَهَا فَطَلَّقَهَا وَمَتَّعَهَا، فَأَتَتِ الشَّامَ، وَيُقَالُ مَاتَتْ عِنْدَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ عَنْهَا، فَرَجَعَتْ إِلَى الشَّامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فمن ولد عَبْد الرَّحْمَنِ:
مُحَمَّد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
جلد فِي الشراب هُوَ ومصعب بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ، جلدهما مروان، وأمه من ولد قَيْس بْن عدي السهمي.
وعَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
وحفصه، أمهما قريبة بِنْت أَبِي أمية بْن الْمُغِيرَةِ المخزومي، وأمها ابنة عتبة بْن رَبِيعَة.
وطلحة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
وأمه عَائِشَة بِنْت طلحة بْن عُبَيْد اللَّهِ، وأمها أم كلثوم بِنْت أَبِي بَكْر الصديق، وَكَانَ طلحة سخيا وفيه يَقُول الحزين الأشجعي أَوِ الكناني:
فانك يَا طلح أعطيتني ... جمالية تستخف الصغارا
فما كَانَ يفعل لِي مرة ... وَلا مرتين ولكن مرارا
أبوك الَّذِي بايع المصطفى ... وسار مَعَ المهتدي حَيْثُ سارا
فولد طلحة محمدا، وَكَانَ عاملا عَلَى مَكَّة [1] وفيه يَقُول الشاعر:
قد قَالَ لِي صاحبي سرا فقلت لَهُ ... إن ابْن طَلْحَةَ فِي الأركان محتاطا
__________
[1] لعمر بن عبد العزيز. تهذيب التهذيب لابن حجر- ط. حيدر أباد ج 9 ص 237.(10/104)
وله ولد ينزلون خارجا مِنَ الْمَدِينَةِ، وكانت عَائِشَة بِنْت مُحَمَّد بْن طَلْحَةَ عند سُلَيْمَان بْن علي وَقَالَ فِيهِ البكائي:
إن فتى تيم بْن مرة الَّذِي ... لعائشة الصغرى وبنت أَبِي بَكْر
وأودعه عروة مالا وخاف أن يكون قد أتلفه، فلما قدم وجده وافرا فتمثل عروة:
وَمَا استخبيت فِي رجل خبيئا ... كدين الصدق أَوْ حسب عتيق
وعَبْد اللَّهِ بن مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن أبي بَكْر الَّذِي يقال لَهُ ابْن أَبِي عتيق، رمى بسهم فِي نضال فَقَالَ: أصبت وأنا ابْن أَبِي عتيق، يعني أبا قحافة، ويقال أن مُحَمَّد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ يكنى أبا عتيق.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: تناضل عدة من ولد أَبِي بَكْر فَقَالَ أحدهم: أنا ابْن الصديق، وَقَالَ الآخر: أنا ابْن صاحب الغار، وَقَالَ مُحَمَّد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْرٍ: أنا ابْن أَبِي عتيق، وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ ابْن أَبِي عتيق ظريفا كثير الملح.
حَدَّثَنِي الْحِرْمَازِيّ وغيره قَالُوا: كَانَ بعض الأعراب منقطعا إِلَى ابْن أَبِي عتيق، ثُمَّ غاب عَنْهُ حينا فإنه جالس عَلَى باب داره بالمدينة إذ مر بِهِ الأعرابي وَهُوَ مقيد بأزواج فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا ويلك؟ قَالَ: لطت [1] حوضا لِي فثلمه بعض جيراني فخطرت يدي خطرة فأصابت صدره فأتى عَلَيْهِ أجله. فَقَالَ:
ولم فعلت ذَلِكَ ويحك؟ فأنشد:
وأي امرئ فِي النَّاس يهدم حوضه ... إذا كَانَ ذا رمح ولمّا يماصع
[2]
__________
[1] لطته: كسوته بالطين. انظر اللسان.
[2] يماصع: يجالد ويضارب. القاموس.(10/105)
فَقَالَ ابْن أَبِي عتيق: أنا وَاللَّه كنت أصلحه بكف من طين وَلا يكون فِي رجلي مَا فِي رجلك.
وَحَدَّثَنِي الْحِرْمَازِيّ قَالَ: بعثت عَائِشَة إِلَى ابْن أَبِي عتيق تسأله أن يعيرها بغلة لَهُ لترسل عَلَيْهَا رسولا فِي حاجة لها، فَقَالَ لرسولها: قل لها وَاللَّه مَا غسلنا رءوسنا من عار يَوْم الجمل أفمن رأيك أن تأتينا بيوم البغلة؟
الْمَدَائِنِيّ عَنِ ابْنِ جعدبة قَالَ: سأل ابْن أَبِي عتيق غلامه عَن مرآة لَهُ فَقَالَ: جلوتها بدرهمين فَقَالَ: وَاللَّه لو صديت عين الشمس ما ساوى جلاؤها درهمين.
وكانت عَائِشَة بِنْت طلحة سيئة الخلق، فاعتزلت عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر غضبى عَلَيْهِ وجلست فِي غرفة لها، ورفعت السلم، فَقَالَ عمر:
ترضها لِي ولك عشرة آلاف درهم، فوقف أسفل الغرفة ثُمَّ قَالَ: يَا بِنْت عم. إنّ هَذَا الرجل قد جعل لِي عشرة آلاف درهم إذا أنت رضيت، فأظهري الرضا عَنْهُ وضعي السلم، ثُمَّ عودي إِلَى مَا عوده اللَّه من سوء خلقك.
قَالَ: وسمع ابْن أَبِي عتيق عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ ينشد:
من رسولي إِلَى الثريا بأني ... ضقت ذرعا بهجرها والكتاب
[1] فَقَالَ: أنا الرسول ومضى إِلَى مَكَّةَ، ويقال إِلَى الطائف فأنشدها البيت، ثُمَّ عدل راحلته منصرفا، فسئل أن يقيم فَقَالَ: إن مقامي بعد قضاء حاجتي جهل وفراغ. وانصرف.
__________
[1] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 430.(10/106)
وذكر ابْن أَبِي عتيق رجل من المغنين فَقَالَ: رحمه اللَّه فقد كَانَ يحسن غناء:
لمن ربع بذات الجي [1] ... ش أضحى دارسا خلقا
[2] وقام منصرفا، ثُمَّ رجع فَقَالَ: لخفيفه لا لثقيلة، ثُمَّ مضى، ويقال إنه قَالَ ذَلِكَ للدلال [3] حين خصي قَالَ: لئن خصيتموه لقد كَانَ يحسن هَذَا الصوت.
وعاد ابْن أَبِي عتيق عَائِشَة أم الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا فَقَالَ: يَا أم الْمُؤْمِنِينَ كيف تجدينك جعلني اللَّه فداك؟ قَالَت: وجعة مَا أراني أمسي، فَقَالَ: لا جعلني اللَّه إذا فداءك.
قَالُوا وأنشد نصيب [4] وَكَانَ أسود:
وددت ولم أخلق من الطين أنني ... أعار جناحي طائر فأطير
فَقَالَ ابْن أَبِي عتيق: يابن أم قل: غاق فإنك تطير- أي أنك أسود-.
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح الْمُقْرِئ عَن ابْن كناسة الأسدي قَالَ: كَانَ ابْن أَبِي عتيق وأصحاب لَهُ يجتمعون بالمدينة فِي مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فينشدون الشعر وَكَانَ بناحية من المسجد رجل يصلي فيطيل الصلاة في كل
__________
[1] موضع قرب المدينة. معجم البلدان.
[2] شعر الأحوص الأنصاري ص 205.
[3] كان مخنثا من ظرفاء المدينة، خصاه أبو بكر بن حزم بأمر من سليمان بن عبد الملك. الأغاني ج 4 ص 273- 278.
[4] نصيب بن رباح مولى عبد العزيز بن مروان، كان شاعرا مجودا في النسيب والمديح.
انظر شعره. ط. بغداد 1968 ص 91 مع فوارق.(10/107)
يَوْم فإذا سلم قَالَ لهم: يَا فسقة أتنشدون الشعر فِي مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فانصرف ابن أَبِي عتيق يوما من المسجد فقالت لَهُ جاريته إن رجلا يصلي قرب حلقتكم يتعرض بي ويدعوني إِلَى مَا لا يحل لَهُ، فَقَالَ: ويحك عديه فإذا دخل إِلَيْك فآذنيني بِهِ، فلما عرض لها أدخلته منزل مولاها فآذنته فلم يلبث أن جاء ابْن أَبِي عتيق وأصحابه فقالت الجارية للرجل: قد جاء مولاي فادخل هَذِهِ الحجلة [1] فدخلها وزرتها عَلَيْهِ، ودعا ابْن أَبِي عتيق بالطعام فأتي بِهِ فأكل هُوَ وأصحابه، ثُمَّ قَالَ: يَا جارية افتحي الحجلة حَتَّى أنام فلما فتحتها نظر الرجل إليهم فَقَالَ: يَا فسقة، مَا تصنعون هاهنا؟ فَقَالَ لَهُ ابْن أَبِي عتيق: استر علينا ستر اللَّه عليك، فخرج الرجل ولم يعد إِلَى المسجد.
ونزل ابْن أَبِي عتيق عَن بغلته فبال، ثُمَّ حمله أصحابه عَلَى البغلة فَقَالَ: قد قضيتم مَا عليكم من حملي وبقي مَا علي من الاستمساك.
ومن ولد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهم: شعيب بْن طَلْحَة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو مُحَمَّد،
مات سنة أربع، ويقال خمس وسبعين ومائة.
وأما عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي بَكْرٍ
فإنه شهد يَوْم الطائف مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجرح جراحة انتقضت بِهِ بعد فمات مِنْهَا.
وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: تزوج عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي بَكْر عاتكة بِنْت زَيْد فغلبته على رأيه وشغلته عَن سوقه، فأمره أَبُو بَكْر بطلاقها فطلقها واحدة، ثُمَّ قعد لأبيه على الطريق فلما رأى أباه بكى وأنشده:
لم أر مثلي طلق العام مثلها ... ولا مثلها في غير ذنب تطلق
__________
[1] الحجلة كالقبة وموضع يزين بالثياب والستور للعروس. القاموس.(10/108)
لها خلق جزل ورأي ومنصب ... وخلق سوي فِي الحياة ومنطق
فأمره بمراجعتها.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: شهد عَبْد اللَّهِ يَوْم الطائف مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجرح بسهم، ثُمَّ بقي إِلَى زمن أَبِيهِ، وتزوج عاتكة بِنْت زَيْد بْن عَمْرو العدوي، فكانت عاقرا لا تطمث وَلا تلد، فأمره أَبُو بَكْر بطلاقها فَقَالَ فِي ذَلِكَ:
يقولون طلقها وامسك مكانها ... وذلك قول من رشيد وحازم
وإن فراقي أهل بيت جمعتهم ... عَلَى كبر مني لإحدى العظائم
وَقَالَ أَيْضًا:
لم أر مثلي طلق الْيَوْم مثلها ... وَلا مثلها فِي غير شَيْء تطلق
فطلقها وجعل لها مالا عَلَى أن لا تتزوج بعده، ولما هلك ترك سبعة دنانير فاستكثرها أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
وقالت عَائِشَة بِنْت زَيْد ترثيه وخلف عَلَيْهَا عمر:
فأقسمت لا تنفك عيني سخينة ... عليك وَلا ينفك جلدي أغبرا
فولد عَبْد اللَّهِ إِسْمَاعِيل، فهلك وَلا عقب لِعَبْدِ اللَّهِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أخرج أَبُو بَكْر السهم الَّذِي رمي بِهِ عَبْد اللَّهِ. فَقَالَ أَبُو محجن الثَّقَفِيّ: أنا بريته ورشته ورميته بِهِ، ثُمَّ رزق اللَّه الإِسْلام.
وقد كتبنا خبر أم الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَة، وخبر أسماء بِنْت أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّهُ عنهم.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: ولدت أسماء للزبير عدة، وأراد مرة أن يضربها، فمنعه عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر من ذَلِكَ فَقَالَ الزُّبَيْر: إن لم تخل عني فهي طالق. فَقَالَ: لا وَاللَّه لا تحلف بطلاقها بعد هَذِهِ ومنعه مِنْهَا فطلقها، وكانت(10/109)
مَعَ عَبْد اللَّهِ وَهُوَ بِمَكَّةَ فلما أتيت بجيفته عزاها عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ فَقَالَتْ: وَمَا يمنعني من الصبر وقد أهدي رأس يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا إِلَى بغي من بغايا بني إِسْرَائِيل، ثُمَّ بقيت أسماء حَتَّى بلغت مائة سنة وماتت بِمَكَّةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا.
وأما مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهما،
وأمه أسماء بِنْت عميس الخثعمية فكان من خبره رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بمصر وغيرها مَا قد ذكرنا، وَكَانَ يكنى أبا الْقَاسِم، وَكَانَ من فتيان قُرَيْش، وَكَانَ ممن أعان عَلَى عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
فولد مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْرٍ:
الْقَاسِم بْن مُحَمَّد
لأم ولد، وَكَانَ يكنى أبا عَبْد الرَّحْمَنِ، وَكَانَ فقيها.
وَقَالَ ابْن سَعْد: ويكنى أبا مُحَمَّد ومات فِي سنة اثنتي عشرة ومائة وَهُوَ ابْن سبعين سنة، ويقال اثنتين وسبعين سنة، ويقال مات فِي سنة ثمان ومائة.
وَكَانَ قد كف بصره [1] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الأعرابي الراوية عَن سَعِيد بْن سلم الباهلي عَن أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَوْفٍ عَن الْقَاسِم بْن مُحَمَّد أنه كَانَ يصلي ثُمَّ يسجد فيقول: اللَّهُمَّ أغفر لأبي ذنبه فِي عُثْمَان.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْن أَنَسٍ قَالَ: أتى الْقَاسِم أميرا من أمراء الْمَدِينَة فسأله عَن شَيْء فَقَالَ الْقَاسِم: إن من إكرام المرء نفسه أَلا يَقُول إِلا مَا أحاط بِهِ علمه.
وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: كَانَ الْقَاسِم بْن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْر فقيها
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 5 ص 194.(10/110)
صالحا، وَكَانَ يَقُول: من خاف اللَّه فِي الدنيا أمن عذابه فِي الآخرة، وَقَالَ:
التقى زاد المؤمن.
وسئل الْقَاسِم بْن مُحَمَّد عَن الرجل يكلم امرأته بالرفث إذا خلا، فَقَالَ: إذا غلقت الأبواب فليصنع مَا شاء.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: ولد الْقَاسِم بْن مُحَمَّد: عَبْد الرَّحْمَنِ،
وأم فروة،
تزوجها مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بن أبي طالب، ولعَبْد الرَّحْمَنِ عقب بالمدينة.
قَالَ ابْن سَعْد:
مات عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْقَاسِم بْن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْر
أَبُو مُحَمَّد بالفدين من الشام سنة ست وعشرين ومائة، وَكَانَ الْوَليِد [1] بعث إِلَيْهِ وإلى ابْن أَبِي الزناد، وَمُحَمَّد بْن المنكدر، وربيعة الرأي فمات فشهدوه.
وأراد عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تزوج أم كلثوم بِنْت أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ خطبها إِلَى عَائِشَة فأنعمت لَهُ وكرهته أم كلثوم، فاستحيت عَائِشَة من عمر، فبعثت إِلَى عَمْرو بْن الْعَاصِ فأخبرته الخبر، فَقَالَ: أنا أحتال فِي هَذَا الأمر، فأتى عمر فَقَالَ: بلغني أنك ذكرت أم كلثوم ولست أرى لك أن تزوجها لأنها مرفهة عند عَائِشَة، فإن حملتها عَلَى معيشتك وخلقك خفت أَلا تصبر فتكون القطيعة بينك وبين آل أَبِي بَكْرٍ، وإن تابعتها عَلَى خلقها أضرت بدينك. فَقَالَ عمر: لقد قلت قولا فما الحيلة؟ قَالَ: أنا أكفيك. قَالَ:
فافعل. فأتى عَائِشَة فأخبرها الخبر ثُمَّ انصرف إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ عمر: نشدتك اللَّه هل كنت لقيت عَائِشَة؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نعم. فتزوجها طلحة بْن عُبَيْد الله
__________
[1] الوليد بن يزيد بعث يستفتيهم عن الطلاق قبل النكاح، والفدين بلدة من أرض حوران. معجم البلدان.(10/111)
فقتل عَنْهَا فتزوجها عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عُمَرَ بْن أَبِي رَبِيعَةَ المخزومي فولدت لَهُ.
ومن ولد أَبِي بَكْر عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الْقَاسِم،
ولي قضاء الْمَدِينَة أيام حسن بْن زَيْد.
وَقَالَ خفاف بْن ندبة- وَهِيَ أمة أخيذة لبني الْحَارِث بْن كعب، وَهِيَ سوداء، وأبوه عَمير بْن الْحَارِث بْن الشريد- السلمي:
ليس لحي فاعلمي من بقاء ... وكل دنيا قصرها للفناء
والمال فِي الأقوام مستودع ... عارية والشرط فِيهِ الأداء
إن أَبَا بكر هو الغيث إذ لم ... ينبت الجوزاء بقلا بماء
فِي أبيات:
وقال ابن الكلبي: وتوفي أبو بكر بالمدينة ليلة الثلاثاء لثماني ليال بقين من جمادي الأولى سنة ثلاث عشرة وَهُوَ ابْن ثلاث وستين وصلى عليه عمر، ودفن ليلا.
[وصية أبي بكر ليزيد بن أبي سفيان]
حَدَّثَنِي مُحَمَّد [1] بْن سَعْد عَنِ الواقدي قَالَ: أوصى أبو بكر رضي الله تعالى عَنْهُ رجاله الذين وجههم إِلَى الشام، فَقَالَ ليزيد بْن أَبِي سُفْيَان: إني قد وليتك لأبلوك وأجربك وأخرجك من فيء أهلك، فإن أحسنت زدتك، وإن أسأت عزلتك فعليك بتقوى اللَّه فإنه يرى من باطنك مثل الَّذِي يرى من ظاهرك، وإن أولى النَّاس بِالنَّاسِ أشدهم توليا لَهُ وأقرب النَّاس من اللَّه أشدهم تقرّبا إليه بعمله، وقد وليتك عمل خَالِد بْن الْوَليِد فإياك وعبية [2] الجاهلية، فإن اللَّه يبغضها ويبغض أهلها، وإذا قدمت على جندك فأحسن
__________
[1] بهامش الأصل: وصية أبي بكر رضي الله تعالى عنه ليزيد بن أبي سفيان، وفيها فوائد.
[2] أي نخوة الجاهلية وكبرها. اللسان.(10/112)
صحبتهم وابدأهم بالخير وعدهم إياه، وإذا وعظتهم فأوجز فإن كثير الكلام ينسي بعضه بعضا، فأصلح نفسك يصلح النَّاس لك، وصل الصلوات الخمس لأوقاتها بإتمام ركوعها وسجودها والتخشع فِيهَا، وإذا قدم عليك رسل عدوك فأكرمهم وأقلل لبثهم حَتَّى يخرجوا من عسكرك وهم جاهلون بِهِ، وَلا تريثهم فيروا خللك، ويعلموا علمك، وأنزلهم فِي ثروة عسكرك، وامنع من قبلك من محادثتهم، وكن أنت المتولي لكلامهم، وَلا تجعل سرك كعلانيتك، وإذا استشرت فاصدق الحديث تصدق المشورة، وَلا تخزن عَن المشير خبرك فتؤتى من قبل نفسك، واسمر بالليل فِي أصحابك تأتك الأخبار، وتنكشف عنك الأستار، وأذك حرسك وبددهم فِي عسكرك، وأكثر مفاجأتهم فِي محارسهم بغير علم منهم بك، فمن وجدته غفل عن محرسه فأحسن أدبه، وعاقبه فِي غير إفراط، واعقب بينهم بالليل، واجعل النوبة الأولى أطول من الآخرة، فإنها أيسرهما لقرب النهار مِنْهَا، وَلا تجاف عَن عقوبة المستحق فتستجرح النَّاس، وَلا تلحن فِي العقوبة، وَلا تسرع إِلَيْهَا وأنت تجد لها مدفعا، وَلا تغفل عَن أهل عسكرك فتفسده وَلا تجسسه فتفضحهم، وَلا تكشف النَّاس عَن أسرارهم، واكتف بعلانيتهم وَلا تجالس العيابين، وجالس أهل الصدق والوفاء. وأصدق اللقاء وَلا تجبن فتجبن النَّاس، واجتنب الغلول، فإنه يقرب الفقر، ويدفع النصر، وستجدون أقواما حبسوا أنفسهم فِي الصوامع فدعوهم وَمَا حبسوا أنفسهم.
[وصية أبي بكر لعمرو بن العاص]
وَقَالَ لعمرو بْن العاص: أرفق بجندك فِي مسيرك، وتعهدهم بنفسك، وإذا انتهيت إِلَى فلسطين فعسكر هناك حَتَّى تلحقك الجيوش، وإياك والوهن، وَلا تقل رمي بي فِي نحر العدو فقد رأيت نصر اللَّه إيانا ونحن قليل،(10/113)
وأكرم وجوه من معك تستنزل نصائحهم، وتستخرج ما عندهم.
[وصية أبي بكر لخالد بن الوليد]
وَقَالَ لخالد بْن الْوَليِد: قد وليتك مَا وليتك، فإياك أن تقول إني شاهد وَهُوَ غائب، فإذا قدمت عَلَى القوم فوجدتهم قد كفوك أمرا فأقبله وَلا تنازعهم فِيهِ، وواس جندك فِي اللقاء إذا كَانَ عاما، وإن كَانَ بينكم نوبا فلير مكان نوبتك وحسن أثرك، وإذا قاتلت العدو فاحرص عَلَى الشهادة، وَلا تصبحن إِلا عَلَى ظهر آخذا لأهبة للحرب، وول أمر جيشك أهل النجدة والتجربة وَلا تبادر الفرصة بلا روية التماسا لأن يخلص الأمر لك دونهم فإني لا آمن أن تسلمك المبادرة إِلَى غرة أغفلتها، ومعصية غيبت عَنْهَا، وَلا تبتذل أهل البأس واستبقهم فإنهم حصنك وثقاتك فِي عسكرك وقوام أمرك، وانظر النساء والصبيان وأهل الضعف فارفعهم إِلَى أمنع المواضع، ووكل بهم من يذب عنهم.(10/114)
ومن بني مرة بْن كعب بْن لؤي بْن غالب
طلحة بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة،
ويكنى أبا مُحَمَّد، وأمه الصعبة بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن عماد الحضرمي، وأمها عاتكة بِنْت وهب بْن عَبْدِ بْن قصي.
حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْوَالِبِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: قَالَ طَلْحَةُ:
حَضَرْتُ سُوقَ بُصْرَى، فَإِذَا رَاهِبٌ فِي صَوْمَعَتِهِ يَقُولُ: سَلُوا هَؤُلاءِ الْقَوْمِ أَفِيهِمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ؟ قَالَ طَلْحَةُ: قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ: ظَهَرَ أَحْمَدُ بَعْدُ؟
قُلْتُ: مَنْ أَحْمَدُ؟ قَالَ: ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، هَذَا زَمَانُهُ، وَهُوَ آخِرُ الأَنْبِيَاءِ، وَمَخْرَجُهُ مِنَ الْحَرَمِ، وَمُهَاجَرُهُ إِلَى نَخْلٍ، قَالَ طَلْحَةُ: فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا قَالَ فَخَرَجْتُ مُسْرِعًا حَتَّى أَتَيْتُ مَكَّةَ فَقُلْتُ: هَلْ كَانَ مِنْ حَدِيثٍ؟ قَالُوا:
نَعَمْ. مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الأَمِينُ تَنَبَّأَ وَقَدْ تَبِعَهُ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ.
قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَقُلْتُ أَتَبِعْتَ هَذَا الرَّجُلَ؟
قَالَ: نَعَمْ فَانْطَلِقْ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْحَقِّ، فَأَخْبَرَهُ طَلْحَةُ بِمَا قَالَ الرَّاهِبُ، فَخَرَجَ وَهُوَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ طَلْحَةُ، وَأَخْبَرَ(10/115)
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ الرَّاهِبُ، فَسُرَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ وَطَلْحَةُ أَخَذَهُمَا نَوْفَلُ بْن خُوَيْلِدِ بْن أَسَدِ بْن عَبْد الْعُزَّى، - وَأُمُّهُ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَبِهَا يُعْرَفُ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَدَوِيَّةِ، وَكَانَ يُدْعَى أَسَدَ قُرَيْشٍ، وَقَتَلَهُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ يَوْمَ بَدْرٍ- فَقَرَنَهُمَا فَسُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَطَلْحَةُ الْقَرِينَيْنِ [1] .
وَقَالَ الشاعر وَهُوَ عَبْد اللَّهِ بْن مصعب الزُّبَيْرِيّ فِي صَالِح وَهُوَ من ولد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْرٍ: وأمه من ولد طَلْحَة:
يَا صَالِح ابْن القرينين اللذين هما ... مَعَ النَّبِيّ أذلا كُلّ جبار
هَذَا المسمى بفعل الخير نافلة ... دون الأنام وَهَذَا صاحب الغار
وَقَالَ بعض الرواة: كَانَ عُبَيْد اللَّهِ أَبُو طَلْحَة قرن أَبِي بَكْرٍ وطلحة فِي الجاهلية، فسميا القرينين.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: لما أسلما قرنهما عُثْمَان بْن عُبَيْد اللَّهِ أخو طَلْحَة بحبل، ولم يبلغنا لَهُ إسلام، وله عقب، وَكَانَ طَلْحَة أحد العشرة الذين سموا للجنة.
قَالُوا وَكَانَ يقال لطلحة بْن عُبَيْد اللَّهِ: طَلْحَة الخير، وطلحة الفياض.
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ أبي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: وَفَدَتْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وُفُودٌ مِنْ سَرَوَاتِ أَهْلِ الْيَمَنِ فَأَعْطَاهُمْ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالا وَكَسَاهُمْ وَأَحْسَنَ ضِيَافَتَهُمْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ [اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أنت الفياض» فسمي الفياض] .
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 214- 215.(10/116)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي سُعْدَى بِنْتُ عَوْفٍ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ طَلْحَةُ، وَهُوَ كَالْحَزِينِ، فَقُلْتُ: مَالَكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ هَلْ أَنْكَرْتَ مِنْ نَاحِيَتِنَا شَيْئًا؟. قَالَ: لا، وَلَنِعْمَ زَوْجَةُ الْمُسْلِمِ أَنْتِ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي مَالٌ مِنَ الْعِرَاقِ من ضيعتي الشاسبتج [1] يكون أربعمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ فَمَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ:
تَبْعَثُ غُلامَكَ إِلَى الصَّرَّافِ فَتَأْمُرُهُ أَنْ يُفَرِّقَهُ فِي أَهْلِكَ ثُمَّ فِي قَرَابَتِكَ وَإِخْوَانِكَ، فَقَالَ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ، فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ فَفَرَّقَهَا حَتَّى بَقِيَتْ عَشْرَةُ آلافِ دِرْهَمٍ، فَقُلْتُ: أَمَا لَنَا فِي هَذَا الْمَالِ نَصِيبٌ قَالَ: بَلَى فَخُذِيهَا إِلَيْكِ، وَقَامَ وَمَا بَقِيَ عِنْدَهُ مِنَ الْمَالِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فَمَا فَوْقَهُ [2] .
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمُقْرِئُ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عينية عن طلحة بن يحيى قال حدثتني جَدَّتِي سُعْدَى بِنْتُ عَوْفٍ الْمُرِّيَّةُ قَالَتْ: دَخَلْتُ على طلحة ذات يوم فقلت: مالي أَرَاكَ كَذَا، أَرَابَكَ مِنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَعَتَبْتَ؟ فَقَالَ:
نَعَمْ حَلِيلَةُ الْمَرْءِ أَنْتِ وَلَكِنْ عِنْدِي مَالٌ قَدْ أَهَمَّنِي- أَوْ قَالَ أَغَمَّنِي- فَقُلْتُ:
اقْسِمْهُ، فَدَعَا جَارِيَتَهُ فَقَالَ: أَدْخِلِي عَلَيَّ قَوْمِي فُلانًا وَبَنِي فُلانٍ، وَأَخَذَ يَقْسِمُهُ، فَسَأَلْتُهَا. كَمْ كان المال؟ قالت: قدر أربعمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ.
وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عن أبيه عن أبي مخنف قال: قال عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: [مُنِيتُ بِأَشْجَعِ النَّاسِ- يَعْنِي الزُّبَيْرَ- وَبِأَسْخَى النَّاسِ- يَعْنِي طَلْحَةَ- وَبِأَطْوَعِ النَّاس فِي النَّاس- يَعْنِي عَائِشَةَ] .
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أبان الواسطي، ثنا أَبُو هلال عَنِ ابن سيرين قال:
__________
[1] لم يذكرها ياقوت في معجمه.
[2] انظر طبقات ابن سعد ج 3 ص 220- 221.(10/117)
كَانَ طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّهِ جميلا، رأته امْرَأَة يَوْم دخل البصرة فَقَالَتْ: من هَذَا الَّذِي كأنه دينار هرقلي؟ وَكَانَ أشيب لا يغير شيبه.
وَحَدَّثَنِي خَلَفٌ الْبَزَّارُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالا: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ طلحة بن عبيد الله فسأله برحم بينهما فَقَالَ:
هَذَا حَائِطِي بِمَكَانِ كَذَا وَقَدْ أَعْطَيْتُ به ستمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ شِئْتَ فَالْحَائِطُ.
فَاخْتَارَ الْمَالَ، فأوجب الحائط للذي أعطاه به ستمائة ألف درهم، وأحال عليه بثمنه فقبضه.
حدثني مصعب بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بلغنا أن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سمع رجلا ينشد:
فتى كَانَ يدنيه الغنى من صديقه ... إذا مَا هُوَ استغنى ويبعده الفقر
فَقَالَ: ذاك أَبُو مُحَمَّد طَلْحَة رحمه اللَّه.
وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ قَالَ: سَمِعْتُ طَلْحَةَ يَقُولُ- وَكَانَ مِنْ حُلَمَاءِ قُرَيْشٍ-: إِنَّ أَقَلَّ لِعَيْبِ الرَّجُلِ جُلُوسُهُ فِي مَنْزِلِهِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَن سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عن عبد الملك بن عمير عَنْ قبيصة بْن جابر قَالَ: ما رأيت أحدا أعطى لجزيل عَن غير مسألة من طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّهِ [1] .
وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: اشْتَرَى طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي غَزَاةِ ذِي قَرَدٍ بِئْرًا فَتَصَدَّقَ بِهَا،
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 221.(10/118)
وَنَحَرَ جَزُورًا فَأَطْعَمَهَا النَّاسَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «يَا طَلْحَةُ أَنْتَ الْفَيَّاضُ» ] .
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ الْبَصْرِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّ قُرَيْشًا قَالَتْ قَيِّضُوا لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ وَلِيَّهُ لِيَأْخُذَهُ، فَقَيَّضُوا لأَبِي بَكْرٍ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَأَتَاهُ وَهُوَ فِي قَوْمِهِ أَوْ قَالَ فِي الْقَوْمِ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ قُمْ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِلَى أَيِّ شَيْءٍ تَدْعُونِي؟ قَالَ: أَدْعُوكَ إِلَى اللاتِ وَالْعُزَّى فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:
وَمَا اللاتُ وَالْعُزَّى؟ قَالَ: بَنَاتُ اللَّهِ. قَالَ: فَمَنْ أَبُوهُمَا؟ فَسَكَتَ طَلْحَةُ فَلَمْ يُجِبْهُ وَقَالَ لأَصْحَابِهِ: أَجِيبُوهُ فَأُسْكِتَ [1] الْقَوْمُ، فَقَالَ طَلْحَةُ: قُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنِّي أَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلا اللَّه وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قرين [2] .
وذكر الْوَاقِدِيّ فِي إسناده: لما ارتحل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الخرار [3] فِي هجرته إِلَى الْمَدِينَة لقيه من غد ذَلِكَ الْيَوْم طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّهِ جائيا من الشام فِي عير فكسا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبَا بَكْر من ثياب الشام، فخبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باستبطاء أهل الْمَدِينَة لقدومه وتوقعهم إيّاه، فعجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسير وأغذه، ومضى طَلْحَة إِلَى مَكَّةَ فقضى حوائجه، ثُمَّ خرج بعد ذَلِكَ مَعَ آل أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ الَّذِي قدم بهم إِلَى الْمَدِينَة فنزل عَلَى سَعْد بْن زرارة، وآخى
__________
[1] بهامش الأصل: يقال سكت الرجل وأسكت.
[2] سورة الزخرف- الآية: 36.
[3] الخرار: واد من أودية المدينة. المغانم المطابة.(10/119)
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرو بْن نفيل، وآخى بينه وبين أَبِي بْن كعب [1] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلْحَة وسعيد بْن زَيْد إِلَى طريق الشام يتحسسان [2] خبر عير قُرَيْش الَّتِي كَانَ القتال بسببها يَوْم بدر، فقدما الْمَدِينَة فِي الْيَوْم الَّذِي كَانَتْ فِيهِ الوقعة، وخرجا يريدان رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولقياه وَهُوَ منحدر من بدر يريد الْمَدِينَة، ولم يحضرا بدرا، فأسهم لهما رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسهم لعثمان بْن عَفَّان، وَكَانَ قد تخلف عَلَى رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: شهد طَلْحَة وقعة أحد مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فثبت مَعَ من ثبت من النَّاس حين ولى الْمُسْلِمُونَ، وبايعه عَلَى الموت، فرمى مالك بْن زُهَيْر الجشمي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاتقاه طَلْحَة بيده، فأصاب السهم خنصره فشلت، فَقَالَ حين أصابته الرمية: حس. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لو قَالَ بسم اللَّه لدخل الجنة والنَّاس ينظرون إِلَيْهِ» .] قَالَ: ويقال إن الَّذِي رمى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حبان بْن العرقة، وأصابت رأس طَلْحَة يومئذ المصلبة [3] ضربه رجل من المشركين ضربتين وَهُوَ مقبل، وأخرى وَهُوَ معرض فنزف منهما، وَكَانَ ضرار بْن الخطاب بْن مرداس بْن كبير، من ولد محارب بْن فهر يَقُول:
أنا ضربته يومئذ، وشهد طَلْحَة الخندق والمشاهد كلها مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسلم ضرار يَوْم الفتح ومات بالشام غازيا.
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 215- 216.
[2] التحسس: الاستماع لحديث القوم وطلب خبرهم في الخير، والحاسوس، الجاسوس- أو هو في الخير، وبالجيم في الشر. القاموس.
[3] أي صارت الضربة كالصليب. النهاية لابن الأثير.(10/120)
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ ثنا هَشِيمُ بْنُ بَشِيرٍ، أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ طَلْحَةَ قَالَ: لَمَّا أُصِيبَتْ إِصْبَعُ طَلْحَةَ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ: حَسِّ، [فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كُنْتَ قُلْتَ بِسْمِ اللَّهِ لَرَأَيْتَ بَيْتًا يُبْنَى لَكَ فِي الْجَنَّةِ وَأَنْتَ فِي الدُّنْيَا» ] .
وَقَالَ الْكَلْبِيّ وغيره: أصاب طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّهِ يَوْم أحد سهم رمى بِهِ حبان بْن العرقة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتلقاه طَلْحَة بيده فقطع أصبعه الخنصر فجف عصبه.
قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: وَابْن العرقة: حبان بْن أَبِي قَيْس بْن علقمة بْن عَبْدِ بْن عَبْدِ مَنَاف من بني معيص بْن عامر بْن لؤي، والعرقة: قلابة بِنْت سَعِيد بْن سهم، وَهِيَ أم عبد بْن عَبْدِ مَنَاف بْن الْحَارِث بْن منقذ بْن عَمْرِو بْنِ معيص، نسبوا إليها، وحبّان هُوَ الَّذِي رمى سَعْد بْن معاذ الأَنْصَارِيّ يَوْم الخندق وَقَالَ: خذها وأنا ابْنُ العرقة، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
[ «عرق اللَّه وجهك فِي النار» ،] وسميت العرقة لطيب ريح عرقها.
وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين عن زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أُصِيبَ أَنْفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَبَاعِيَتِهِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَوَقَاهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بِيَدِهِ، فَضُرِبَتْ فَشُلَّتْ أُصْبُعُهُ.
حَدَّثَنَا عَمْرٌو، ثنا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بن أبي حَازِمٍ قَالَ: رَأَيْتُ أُصْبُعَيْ طَلْحَةَ مِنَ الْيَدِ الَّتِي وَقَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شُلَّتَا.
وروي أن أَبِي بْن خلف شد عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد بحربة، فتلقاها طَلْحَة بيده.(10/121)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أنبأ سَعِيد بْن منصور، ثنا صالح بن موسى عَن مُعَاوِيَة بْن أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَائِشَةَ، وأم إِسْحَاق ابنتي طَلْحَة قالتا: جرح أبونا يَوْم أحد أربعا وعشرين جراحة، ووقعت مِنْهَا فِي رأسه شجة مربعة، وقطع نسأه وشلت إصبعه، وَكَانَ سائر جراحه فِي جسده [1] .
وَحَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى إِسْحَاق الفروي، ثنا عَبْد اللَّهِ بْن الْمُبَارَكِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: جرح طَلْحَة سبعا وثلاثين جراحة، وشلت أصبعه الَّتِي تلي الإبهام.
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الأَسْوَدُ الْعَجْلِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، أنبأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنِي محمد بن إسحاق بن يحيى بن عباد عن أبيه عن جده عَنْ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: «أَوْجَبَ طَلْحَةُ» ] .
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالا: ثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: [ «من أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ وَقَدْ قُضِيَ نَحْبُهُ فَلْيَنْظُرْ إِلَى طَلْحَةَ] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ طَلْحَةُ رَجُلا آدَمَ كَثِيرَ الشَّعْرِ، لَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلا السَّبْطِ، حَسَنَ الْوَجْهِ دَقِيقَ الْعِرْنِينِ، إِذَا مَشَى أَسْرَعَ وَكَانَ لا يُغَيِّرُ شَعْرَهُ.
حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ- امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَوْ عَنْ أَسْلَمَ- أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رأى على طلحة
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 217- 218.(10/122)
ثَوْبَيْنِ مُمَشَّقَيْنِ فَقَالَ: مَا هَذَا يَا طَلْحَةُ؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ مَصْبُوغٌ بِمَدَرٍ [1] . فَقَالَ: إِنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِكُمْ، وَلَوْ رَآكَ جَاهِلٌ لَقَالَ عَلَى طَلْحَةَ ثِيَابٌ مُصَبَّغَةٌ، أَوْ قَالَ لَوْ رَآكَ جَاهِلٌ لَقَالَ طَلْحَةُ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُصَبَّغَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، إِنَّ أَحْسَنَ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْبَيَاضُ، فَلا تَلْبَسُوا عَلَى النَّاسِ.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أنبأ عَمْرُو بْنُ عَفَّانَ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: كَانَ طَلْحَةُ يَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَاتِ، أَوْ قَالَ الْمُصَبَّغَاتِ.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ طَلْحَةَ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ.
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، ثنا نُعَيْمٌ، ثنا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ عِمْرَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ فِي يَدِ طَلْحَةَ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ فَنَزَعَهَا وَجَعَلَ مَكَانَهَا جِزْعَةً فَأُصِيبَ يَوْمَ الْجَمَلِ وَهُوَ عَلَيْهِ.
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَالْكَلْبِيِّ قَالا: قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ قَدْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجْتُ عَائِشَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أزواجه من بعده أبدا [2] .
وَقَالَ مَعْمَرٌ، قَالَ الْكَلْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ: هُوَ طَلْحَةُ بن عبيد الله.
__________
[1] المدر: الطين المتماسك، ومصبوغ بالمدر، مصبوغ بالطين. النهاية لابن الأثير.
[2] سورة الأحزاب- الآية: 53.(10/123)
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، ثنا سَلَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عباد عن أبيه عن جده عن الزبير قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ يَقُولُ: [ «أَوْجَبَ طَلْحَةُ» ] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد مولى بَنِي هاشم، ثنا عَبْد اللَّهِ بْن مسلمة بْن قعنب، أنبأ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَن أشياخهم قَالُوا: كَانَتْ غلّة طلحة بن عبيد اللَّهِ فِي كُلّ يَوْم ألف واف، وفي رواية وزن كل درهم درهم وثلث وأقل وأكثر [1] .
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، ثنا هِشَامٌ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ طَلْحَةَ بَاعَ أَرْضًا لَهُ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بسبعمائة أَلْفٍ فَحَمَلَهَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا أُتِيَ بِهَا قَالَ: إِنَّ رَجُلا تَبَيَّتَ هَذِهِ عِنْدَهُ فِي بَيْتِهِ وَلا يَدْرِي مَا يَطْرُقُهُ مِنْ أَمْرٍ لَغَرِيرٌ بِاللَّهِ، فَبَاتَ وَرُسُلُهُ تَخْتَلِفُ بِهَا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ حَتَّى أَسْحَرَ وَمَا عِنْدَهُ مِنْهَا دِرْهَمٌ.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بن عينية عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْن جابر قَالَ: مَا رأيت أحدا أعطى لجزيل مِنَ الْمَالِ عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ.
وعن مُوسَى بْن مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ طَلْحَة يغلّ بالعراق ما بين أربعمائة ألف إلى خمسمائة ألف، ويغل بالشراة عشرة آلاف دينار وأقل وأكثر، وكانت لَهُ بالأعراض غلات، وَكَانَ لا يدع سائلا من بني تيم إِلا كفاه مؤونته ومؤونة عياله، وَكَانَ يزوج أياماهم، ويخدم من لا خادم لَهُ منهم، ويقضي دين غارمهم، ولقد كَانَ يبعث إِلَى عَائِشَة إذا جاءته غلته بعشرة آلاف.
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 220- 221.(10/124)
وقال الواقدي: حَدَّثَنِي إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ أن مُعَاوِيَة قَالَ لَهُ: كم ترك أَبُو مُحَمَّد رحمه اللَّه من العين؟ قَالَ: قلت: ترك ألفي ألف ومائتي ألف دينار وَكَانَ ماله قد اغتيل كَانَ يدخل نصابه كل سنة من العراق أربعمائة ألف سوى غلاته من الشراة وغيرها عَلَى عشرين ناضحا، وإنه لأول من زرع القمح بقناة [1] فَقَالَ مُعَاوِيَة: عاش حميدا سخيا شريفا وقتل فقيدا.
حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن أَبِي إِسْرَائِيل، أَوْ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَن مُحَمَّد بْن يوسف عَن السائب بْن يَزِيدَ قَالَ: صحبت طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّهِ، وسَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ، والمقداد، وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ، فما سمعت أحدا منهم حدث عَن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أني سمعت طَلْحَة يحدث بحديثه يَوْم أحد.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي ابْن أَبِي سبرة عَن محمد بن زيد بن مهاجر عن إبراهيم بْن مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: كَانَتْ قيمة مَا ترك طَلْحَة من العقار والأموال، وَمَا ترك من الناض ألف ألف درهم، وترك من الناض ألفي ألف درهم ومائتي ألف دينار، والباقي عروض.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن يَحْيَى عَن جدته سعدى أم يَحْيَى قَالَت: قتل طَلْحَة وفي يد خازنة ألف ألف درهم ومائتي ألف درهم، وقومت عقاراته بثلاثين ألف ألف درهم.
حَدَّثَنَا الْوَليِدُ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالا: ثنا الْوَاقِدِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنِ الْوَالِبِيِّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يزيد قال: صحبت طلحة بن عبيد الله في
__________
[1] بهامش الأصل: قناة اسم مكان بالمدينة.(10/125)
السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا أَعَمَّ سَخَاءً منه على الدرهم والدينار والثوب والطعام [1] .
[مصرع طلحة بن عبيد الله]
قَالُوا: وَكَانَ طَلْحَة شديدا عَلَى عُثْمَان فلما كَانَ يَوْم الجمل قَالَ: إنا داهنا فِي أمر عُثْمَان فلا نجد الْيَوْم شَيْئًا أفضل من ان نبذل له دماءنا اللَّهُمَّ خُذْ لِعُثْمَانَ مِنِّي حَتَّى يَرْضَى.
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ العجلي، حدثني أبو اسامة عن اسماعيل بن حكيم الأحمسي قال: قال طلحة يوم الجمل: إنا داهنا فِي أمر عُثْمَان فلا نجد اليوم شيئا أفضل من بذل دمائنا فيه، اللهم خذ لعثمان مني حَتَّى يرضى.
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سعد قالا: ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَن نافع قَالَ: رأى مروان فرجة فِي درع طَلْحَة يَوْم الجمل فرماه بسهم فقتله [2] .
حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة أَبُو بَكْرٍ، ثنا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: قَالَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ يَوْمَ الْجَمَلِ:
لا أَطْلُبُ أَحَدًا بِثَأْرِي فِي عُثْمَانَ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَرَمَى طَلْحَةُ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ رُكْبَتَهُ فَكَانَ الدَّمُ يَسِيلُ، فَإِذَا أَمْسَكُوا رُكْبَتَهُ انْتَفَخَتْ، فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ سَهْمٍ أَرْسَلَهُ اللَّهُ، اللَّهُمَّ خُذْ لِعُثْمَانَ مِنِّي حَتَّى يَرْضَى.
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالا: ثنا روح بن عبادة عن
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 222- 223.
[2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 223.(10/126)
سَعِيدِ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: رُمِيَ طَلْحَةُ فَاعْتَنَقَ فَرَسَهُ، فَرَكَضَ حَتَّى مَاتَ فِي بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: تَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مَصْرَعَ شَيْخٍ أَضْيَعَ [1] .
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ عَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ أَنَّ مَرْوَانَ رَمَى طَلْحَةَ يَوْمَ الْجَمَلِ وَهُوَ وَاقِفٌ إِلَى جَنْبِ عَائِشَةَ فَأَصَابَ سَاقَهُ وَقَالَ: وَاللَّهِ لا أَطْلُبُ قَاتِلَ عُثْمَانَ بَعْدَكَ أَبَدًا، فَقَالَ طَلْحَةُ لِمَوْلًى لَهُ: أَلْقِنِي مَكَانًا فَقَالَ:
مَا أَدْرِي أَيْنَ أُلْقِيكَ، فَقَالَ طَلْحَةُ: هَذَا وَاللَّهِ سَهْمٌ أَرْسَلَهُ اللَّهُ، اللَّهُمَّ خُذْ مِنِّي لِعُثْمَانَ حَتَّى يَرْضَى ثُمَّ وَسَّدَ حَجَرًا فَمَاتَ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْهُذَلِيِّ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَصَابَ ثَغْرَةَ نَحْرِ طَلْحَةَ يَوْمَ الْجَمَلِ سَهْمٌ فَجَعَلَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ مَصْرَعَ شَيْخٍ أَضْيَعَ.
حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ:
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْن مروان: لولا أن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مروان أَخْبَرَنِي أنه هُوَ قتل طَلْحَة مَا تركت من ولد طَلْحَة أحدا إِلا قتلته بعثمان، فهو كَانَ أشد النَّاس عَلَيْهِ حَتَّى قتل.
حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا حَمَّاد بْن زَيْد، ثنا قرة بْن خَالِد، أنبأ مُحَمَّد بْن سيرين أن مروان رمى طَلْحَة لما جال النَّاس يَوْم الجمل بسهم فأصابه فقتله.
قَالَ أَبُو مخنف فِي روايته: أحيط بطلحة يَوْم الجمل فجعل يَقُول: اللَّهُمَّ اعط عُثْمَان مني حَتَّى يرضى، ومروان يقاتل مَعَهُ فلما رأى مروان النَّاس قد انهزموا، قَالَ: وَاللَّه لا أطلب ثأري بعثمان بعد الْيَوْم أبدا فما كنت إِلَيْهِ أقرب مني الساعة، فانتحى لطلحة بسهم فأصاب بِهِ ساقه فأثخنه، وأتى طَلْحَة مولى لَهُ
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 223.(10/127)
ببغلة فركبها وجعل يَقُول لمولاه: أما من موضع أقدر عَلَى النزول فِيهِ؟
فيقول: لا، قد لحقك القوم فيقول: مَا رأيت مصرع شيخ أضيع، ثُمَّ صار فِي دار من دور بني سَعْد فمات بِهَا ودفن.
حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن علي الأسود، أنبأ حَمَّاد بْن أسامة عَن إِسْمَاعِيل بْن قَيْس قَالَ: رمى مروان طَلْحَة بسهم فأصابه فِي ركبته فمات، فدفنوه عَلَى شاطئ الكلاء [1] فرأى بعض أهله أنه قَالَ: أَلا تزيحوني من هَذَا الماء، فإني قد غرقت، فنبشوه من قبره، وَهُوَ أخضر كأنه السلق ونزفوا عَنْهُ الماء، ثُمَّ استخرجوه فإذا مَا عَلَى الأرض من لحمه ووجهه قد أكلته الأرض، فاشتروا دارا من دور آل أَبِي بَكْرة فدفنوه فِيهَا.
قَالُوا: وَكَانَ يَوْم الجمل يَوْم الخميس لعشر ليال خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، وَكَانَ طَلْحَة يَوْم قتل ابْن أربع وستين سنة، ويقال ابْن اثنتين وستين.
وَقَالَ أَبُو اليقظان وغيره من البصريين: دفن طَلْحَة عند قنطرة قرة بالبصرة، فرأت عَائِشَة بِنْت طَلْحَة بعد ثلاثين سنة أنه يشكو النز، فأمرت فاستخرج فوجد طريا، وتولى استخراجه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سلامة التميمي، فدفن بالهجريين، وقبره هناك معروف.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا أَبَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ: إِنِّي لَعِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ جَالِسٌ إِذْ جَاءَ ابْنٌ لِطَلْحَةَ فَسَلَّمَ فَرَحَّبَ به علي فقال:
__________
[1] الكلاء: كل مكان ترفأ فيه السفن، وهو ساحل كل نهر، والكلاء: اسم محلة مشهورة وسوق بالبصرة. معجم البلدان.(10/128)
أَتُرَحِّبُ بِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ قَاتَلْتَ أَبِي- وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَقَدْ قَتَلْتَ وَالِدِي، وَأَخَذْتَ مَالِي؟ - فَقَالَ: أَمَّا مَالُكَ فَهُوَ مَعْزُولٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَاغْدُ فَخُذْهُ، وَأَمَّا قَوْلُكَ قَاتَلْتَ أَبِي فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا وَأَبُوكَ مِن الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غلّ) [1] فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ- قَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: أَحْسَبُهُ الْحَارِثَ الأَعْوَرَ- أَعُوذُ بِاللَّهِ، اللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَصَاحَ عَلِيٌّ صَيْحَةً كَادَ يَتَدَاعَى لَهَا الْقَصْرُ، فَقَالَ: مَنْ أُولَئِكَ، إِذَا لَمْ نَكُنْ أُولَئِكَ؟!.
وحدثني أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدورقي، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، أنبأ أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ مَوْلَى طَلْحَةَ قَالَ: دَخَلَ عِمْرَانُ بْنُ طَلْحَةَ عَلَى عَلِيٍّ بَعْدَ يَوْمِ الْجَمَلِ فَرَحَّبَ بِهِ وَقَالَ: إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَنِي اللَّهُ وَأَبَاكَ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا قَالَ: (إِخْوَانًا على سرر متقابلين) [2] ، وَرَجُلانِ جَالِسَانِ عَلَى نَاحِيَةِ الْبِسَاطِ فَقَالا: اللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ ذَلِكَ، تَقْتُلُهُمْ بِالأَمْسِ وَتَكُونُوا إِخْوَانًا فِي الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ: قُومَا إِلَى أَبْعَدِ أَرْضٍ وَأَسْحَقِهَا، فَمَنْ هُمْ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَنَا وَطَلْحَةُ، ثُمَّ قَالَ لِعِمْرَانَ: كَيْفَ أُهْلِكَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ وَلَدِ أَبِيكَ؟
أَمَا إِنَّا لَمْ نَقْبِضْ أَرْضِيكُمْ هَذِهِ السِّنِينَ- أَوْ قَالَ هَذِهِ السَّنَتَيْنِ- وَنَحْنُ نُرِيدُ أَنْ نَأْخُذَهَا إِنْ قَبَضْنَاهَا مَخَافَةَ أَنْ يَخْتَطِفَهَا- أَوْ قَالَ يَنْهَبَهَا- النَّاسُ. يَا فُلانُ اذْهَبْ مَعَهُ إِلَى ابْنِ قَرَظَةَ فَمُرْهُ فَلْيَدْفَعْ إِلَيْهِ أَرْضَهُ وَغَلَّتَهَا لِهَذِهِ السَّنَتَيْنِ- أَوْ قَالَ:
السِّنِينَ شك أحمد بن ابراهيم- يا بن أَخِي ائْتِنَا فِي الْحَاجَةَ إِنْ كَانَتْ لَكَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: توفيت الصعبة أم طَلْحَة عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، واخبرني بعض آل طلحة أنها أسلمت.
__________
[1] سورة الحجر- الآية: 47.
[2] سورة الحجر- الآية: 47.(10/129)
ومنهم عُثْمَان بْن عُبَيْد اللَّهِ أخو طَلْحَة،
كَانَ لَهُ قدر فِي الجاهلية، وَهُوَ الَّذِي أخذ أَبَا بَكْر وطلحة فقرنهما فِي حبل فِي بعض الرواية.
ومن ولده مُحَمَّد بْن عُثْمَان،
يقال لَهُ: ابْن الطويل، ويكنى أبا عَبْد اللَّهِ، مات سنة ثمانين لم تبعد سنة.
ومنهم مالك بْن عُبَيْد اللَّهِ، أخو طَلْحَة،
قتل يَوْم بدر كافرا، وله عقب بالمدينة.
وولد لطلحة بْن عُبَيْد اللَّهِ:
مُحَمَّد السجاد وبه كَانَ يكنى، وعمران وأمهما حمنة بِنْت جحش أخت زينب بِنْت جحش، زوج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمهما أميمة بِنْت عَبْد المطلب.
وموسى بْن طَلْحَةَ، وأمه خولة بِنْت القعقاع بْن معبد بْن زرارة بْن عدس التميمي.
ويعقوب بْن طَلْحَةَ، وزكريا، وإسماعيل، وعائشة أمهم أم كلثوم بِنْت أبي بكر الصديق.
وعيسى، ويحيى، أمهما سعدى بِنْت عوف بْن خارجة بْن سنان بْن أَبِي حارثة المري.
وأم إِسْحَاق بِنْت طَلْحَة، تزوجها الْحَسَن بْن علي، فولدت لَهُ طَلْحَة، وتوفي عَنْهَا فخلف عَلَيْهَا الحسين عليه السلام، فولدت له فاطمة، وأمها أم الْحَارِث بِنْت قسامه من طي.
والصعبة بِنْت طَلْحَة لأم ولد، ومريم لأم ولد.
وإسحاق أمه أم أبان بِنْت عتبة بْن رَبِيعَة.
وصالح بْن طَلْحَةَ أمه تغلبية، وَلا عقب له.(10/130)
فأما مُحَمَّد بْن طَلْحَةَ
فكان كثير الصلاة، يعرف بالسجاد، وقتل يَوْم الجمل مَعَ أَبِيهِ، وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: كَانَ يكنى أبا الْقَاسِم، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ كَانَ يكنى أبا سُلَيْمَان.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أنبأ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مهاجر عن إبراهيم بن محمد بن طلحة قَالَ: لَمَّا وَلَدَتْ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ مُحَمَّدَ بْنَ طَلْحَةَ جَاءَتْ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: سَمِّهِ يَا رسول الله، فقال: [ «اسميه محمد وَكُنْيَتُهُ أَبُو إِسْحَاقَ، لا أَجْمَعُ لَهُ اسْمِي وَكُنْيَتِي» ] [1] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: روى مُحَمَّد بْن طَلْحَةَ عَن عمر، وأمره عمر بالنزول فِي قبر خالته زينب بِنْت جحش زوج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولما شهد مُحَمَّد الجمل مَعَ أَبِيهِ، نهى عَلِيّ بْن أَبِي طالب عَنْهُ وَقَالَ:
إياكم وصاحب البرنس فقتله شريح بْن أوفى العبسي الَّذِي خرج بعد مَعَ الحرورية وَقَالَ:
وأشعث قوام بآيات ربه ... قليل الأذى فيما يرى العين مسلم
هتكت لَهُ بالرمح حضن قميصه ... فخر قتيلا لليدين وللفم
عَلَى غير شَيْء غير أن ليس تابعا ... عليا ومن لا يتبع الحق يظلم
يناشدني حاميم والرمح شارع ... فهلا تلا حاميم قبل التقدم
وَقَالَ حين غشيه بالرمح: أنشدك حاميم، ومر بِهِ علي عَلَيْهِ السلام وَهُوَ صريع فَقَالَ: [هَذَا السجاد قتله بره بأبيه] .
فولد مُحَمَّد بْن طَلْحَةَ:
إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد
وأمه خوله بنت منظور بنت
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 5 ص 53.(10/131)
زبان الفزاري، وَكَانَ إِبْرَاهِيم أصلع أعرج، ولاه عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر خراج الْكُوفَة، وَكَانَ يقال لَهُ: أسد الحجاز، وقد ذكرنا خبره بالكوفة فيما تقدم.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: روى إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَن أَبِي هريرة، وعَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ العاص، ومات بالمدينة سنة عشر ومائة، وَقَالَ بعض الرواة:
بِمَكَّةَ محرما، والأول أثبت، ولقي هشاما فكلمه كلاما شديدا وقد ذكرنا ذَلِكَ فِي خبر هِشَام بْن عَبْدِ الملك، فَقَالَ هِشَام: من زعم أن قومي ذهبوا؟!.
وولد إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد:
عمران بْن إِبْرَاهِيمَ،
وأمه ابنة عمر بْن أَبِي سَلَمَةَ المخزومي، وموسى بْن إِبْرَاهِيمَ، ويعقوب بْن إِبْرَاهِيمَ، وأمهما ابنة إِسْمَاعِيل بْن طَلْحَةَ، وأمها لبابة بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن الْعَبَّاس.
فمن ولد عمران بْن إِبْرَاهِيمَ بْن مُحَمَّد بْن طَلْحَة:
مُحَمَّد بْن عمران،
وحفصة بِنْت عمران، تزوجها الْقَاسِم بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عُثْمَان بْن عَفَّان، فمات عَنْهَا، وتزوجها هِشَام بْن عَبْدِ الملك، فطلقها فتزوجها مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو بْن عُثْمَان، ثُمَّ طلقها فتزوجها عَبْد اللَّهِ بْن الْحَسَن بْن الْحَسَن، ثُمَّ تزوجها عون بْن مُحَمَّد بْن عَلِي بْن أَبِي طَالِب، ثُمَّ تزوجها عُثْمَان بْن طَلْحَة بْن عُمَرَ بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر، فكانت تسمى ذات الأزواج.
وَكَانَ مُحَمَّد بْن عمران بْن إِبْرَاهِيمَ بْن مُحَمَّد السجاد بْن طَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّهِ عَلَى قضاء الْمَدِينَة من قبل أَبِي جَعْفَر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، ومات وَهُوَ عَلَى القضاء بالمدينة، ويكنى أبا سُلَيْمَان، قضى لبني أمية وبني هاشم، ومات سنة أربع وخمسين ومائة، فَقَالَ أَبُو جَعْفَر المنصور: الْيَوْم استوت قُرَيْش. وَكَانَ بخيلا.
قَالَ الشاعر فِيهِ:
وإني لأستحيي لتيم لما أرى ... بقدرة عمران الطويل من البخل(10/132)
وَقَالَ آخر:
بنو حسن كانوا مناخ ركابنا ... قديما وَمَا كنا ابْن عمران نتبع
وولي بعد مُحَمَّد بْن عمران هَذَا قضاء الْمَدِينَة ابنه عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد وَهُوَ لأم ولد، ولاه إياه المهدي أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، وَكَانَ سخيا، وولاه الرشيد هَارُون ابْن المهدي أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَكَّة.
وأما مُوسَى بْن إِبْرَاهِيمَ
فمن ولده عَبْد اللَّهِ بْن مُوسَى بْن إِبْرَاهِيمَ بْن مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، ولي شرطة الْمَدِينَة.
وأما عمران بْن طَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّهِ
فلا عقب لَهُ وكانت عنده أم كلثوم بِنْت الفضل بْن الْعَبَّاس.
وأما مُوسَى بْن طَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّهِ،
فكان من خيار ولد طَلْحَة وذوي القدر والنبل منهم، وتوفي فِي سنة ثلاث ومائة، ويقال فِي سنة أربع ومائة.
فولد مُوسَى بْن طَلْحَةَ: مُحَمَّد بْن مُوسَى وأمه ابنة عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْرٍ، وامرأة أمها أَيْضًا ابنة عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْر الصديق، تزوجها عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان.
وعمران بْن مُوسَى، أمه أم ولد يقال لها جيداء.
وأما مُحَمَّد بْن مُوسَى بْن طَلْحَةَ،
فكان عَلَى جيش أَهْل الْكُوفَةِ أيام ساروا مَعَ عُمَر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر إِلَى أَبِي فديك الخارجي وَهُوَ باليمامة.
وَكَانَ عُمَر بْن مُوسَى بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر عَلَى أهل البصرة، وكانا يتباريان فِي الفقه، فَقَالَ عَبْد الله بن شبل البجلي: يفضل عمر بن مُوسَى- ويقال فضل الطلحي- عَلَى العمري.
تباري ابن موسى يا بن مُوسَى ولم تكن ... يداك جميعا يعدلان لَهُ يدا(10/133)
تباري أمرأ إحدى يديه مفيدة ... وأخراهما تبني بناء مشيدا
ويروى: يسرى يديه مفيدة ويمناهما.
ثُمَّ وجه عَبْد الْمَلِكِ: مُحَمَّد بْن مُوسَى إِلَى شبيب الخارجي فقتله شبيب.
وأما عمران بن موسى بن طلحة
فكان سخيا، وَهُوَ الَّذِي يَقُول فِيهِ الشاعر:
فإن يك يَا جداح علي دين ... فعمران بْن مُوسَى يستدين
تلم بِهِ الخصاصة ثُمَّ يأوي ... إِلَى أبياته كرم ودين
فما يعدمك لا يعدمك منه ... نبيذ التمر واللحم السمين
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد عَن الْهَيْثَم بْن عدي عَن ابْن عياش الهمداني قَالَ: تحول مُوسَى بْن طَلْحَةَ إِلَى الْكُوفَة فنزلها، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وهلك بِهَا سنة ثلاث ومائة وصلى عَلَيْهِ الصقر بْن عَبْدِ اللَّهِ عامل عمر بْن هبيرة عَلَى الْكُوفَة.
وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: مات مُوسَى، وَأَبُو بردة والشعبي فِي جمعة، ماتوا سنة أربع ومائة [1] .
وأما يَعْقُوب بْن طَلْحَةَ فقتل يَوْم الحرة، وله يَقُول ابْن الزُّبَيْر الأسدي:
لعمري لقد جاء الكروس [2] كاظما ... عَلَى خبر للمؤمنين وجيع
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 6 ص 211.
[2] الكروس: العظيم الرأس من الناس، والأسود، والجمل العظيم الفراسن، الغليظ القوائم. القاموس.(10/134)
شباب كيعقوب بْن طَلْحَةَ أقفرت ... منازلهم من رومة فبقيع
وله عقب.
ومن ولد يَعْقُوب: الخربشت، وسمي الخربشت لأنه كَانَ أحدب واسمه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّدِ بْنِ يوسف بْن يَعْقُوب بْن طَلْحَةَ، ولي شرطة الْكُوفَة.
وأما زَكَرِيَّا بْن طَلْحَةَ فمن ولده: أَبُو نعرة، وَهُوَ الْقَاسِم بْن مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا بْن طَلْحَةَ، ولي شرطة الْكُوفَة لعيسى بْن مُوسَى بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاس وفيه يَقُول الأقيشر:
نضر اللَّه بالسلام وحيا ... زَكَرِيَّا بْن طَلْحَةَ الفياض
حين ناديته عَلَى نازلات ... من جدوب وعثرة واعتراض
[1] فِي أبيات.
وأما عِيسَى بْن طَلْحَةَ فكان ناسكا، وَهُوَ الَّذِي وفد مَعَ الْحَجَّاج إِلَى عَبْد الْمَلِكِ، فشكا الْحَجَّاج، وقد ذكرنا خبره. ومن ولده: مُحَمَّد بْن عِيسَى بْن طَلْحَةَ، وكانت فاطمة بِنْت مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عِيسَى بْن طَلْحَةَ عند أَبِي جَعْفَر المنصور أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، ولدت لَهُ سُلَيْمَان ويعقوب وعيسى.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: مات عِيسَى بْن طَلْحَةَ فِي زمن عمر بْن عَبْدِ العزيز بْن مروان.
ومن ولده: طَلْحَة بْن عِيسَى بْن عِيسَى بْن طَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّه الَّذِي يقال فِيهِ:
تتباهى عرفات ... بابن عِيسَى ومناها
__________
[1] ديوان الأقيشر الأسدي- ط. بيروت 1991 ص 52، البيت الأول فقط مع فوارق.(10/135)
فيقول الركن واها ... لك يَا طَلْحَة واها
وعلى قطبك يا طلح ... ة تطاف رحاها
وأنشدت لمحمد بْن عِيسَى بْن طَلْحَةَ صهر المنصور وَكَانَ شاعرا:
فلا تعجل عَلَى أحد بظلم ... فَإِن الظلم مرتعه وخيم
فِي أبيات قد كتبناها فِي خبر المنصور.
وأما يَحْيَى بْن طَلْحَةَ فكان خيرا يروى عَنْهُ الفقه، وَكَانَ طَلْحَة بْن يَحْيَى فقيها. وكان إسحاق بن يحيى بْن طَلْحَةَ فقيها مات فِي أيام المهدي.
وبلال بْن يحيي بْن طَلْحَةَ الَّذِي مدحه الحزين الشاعر فَقَالَ:
بلال بْن يحيى غرة لا خفى بِهَا ... لكل أناس غرة وهلال
وَكَانَ بلال يلقب وسخ الظفر.
وأما إِسْمَاعِيل بْن طَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّهِ فكان سريا، وَكَانَ مصعب بْن الزُّبَيْر وجهه إِلَى بعض النواحي، وعقد له على أربعمائة وكانت عنده ابنة لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاس، وكانت عند إِسْمَاعِيل امْرَأَة من بني حنيفة، فأوصاها عند موته أَلا تتزوج أخاه مُوسَى فلما هلك تزوجته.
وأما إِسْحَاق بْن طَلْحَةَ فاستعمله مُعَاوِيَة عَلَى خراسان شريكا لسعيد بْن عُثْمَان بْن عَفَّان فِي الخراج، فَقَالَ ابْن مفرّغ:
فيا لهفي على تركي سعيدا ... وإسحاق بْن طَلْحَةَ واتباعي
عُبَيْد اللَّهِ عبد بني علاج ... عبيدا فقع قرقرة بقاع
[1] ومات إِسْحَاق بالري.
ولعُبَيْد اللَّهِ بْن إِسْحَاقَ بْن طَلْحَةَ، يَقُول الأقيشر الأسدي:
__________
[1] ديوان يزيد بن مفرغ ص 152- 153 مع فوارق.(10/136)
إن الأغر عُبَيْد اللَّهِ ليس لَهُ ... فِي المشعرين عروق ذات إنفاق
اردد علي سلامي غير متّئب [1] ... وامنع سلامك مني يا بن إِسْحَاقَ
مَا يذكر الدهر إِلا كنت أوله ... ولست ألقاك أَوْ يلقاك بي لاق
أخطأت من طَلْحَة الفياض نائله ... وَمَا وقاك أدق الدقة الواقي
[2] وله عقب. قَالَ الْكَلْبِيّ: بنو طَلْحَة: مُحَمَّد السجاد، وعمران بْن طَلْحَةَ، وموسى بْن طَلْحَةَ، ويعقوب بْن طَلْحَةَ، وإسماعيل بْن طَلْحَةَ، وإسحاق بْن طَلْحَةَ، وزكريا، ويوسف، ويحيى، وعيسى.
وكانت عَائِشَة بِنْت طَلْحَة من نبل نساء قُرَيْش تزوجها عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْر الصديق، ثُمَّ خلف عَلَيْهَا مصعب بْن الزُّبَيْر، ثُمَّ عُمَر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر التَّيْمِيّ من قُرَيْش.
قَالُوا: وشكت عَائِشَة أم الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَة بِنْت طَلْحَة وعددت ذنوبا لها، وقالت: مات ابْن خالها عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ فما فتحت فاها عَلَيْهِ، وكانت عَائِشَة بِنْت أم كلثوم بِنْت أَبِي بَكْر.
حَدَّثَنِي العمري عَن الهيثم بن عدي إن المصعب بْن الزُّبَيْرِ قَالَ لحبى المدينية: ابغيني امْرَأَة أتزوجها، فَقَالَتْ: بأبي أنت وأمي، عَائِشَة بِنْت طَلْحَة عَلَى عظم فِي أذنيها وقدميها، فَقَالَ المصعب: أما الأذنان فيغطيهما الخمار، وأما القدمان فيغطيهما الخفان. فتزوجها، وأصدقها خمسمائة ألف درهم، وأهدى لها خمسمائة ألف درهم، فَقَالَ يُونُس بْن أَبِي أناس الديلي، ويقال ابن همام السلولي:
__________
[1] وأبه: فعل به فعلا يستحيا منه، أو أغضبه، أو رده بخزي عن حاجته. القاموس.
[2] لم ترد هذه الأبيات في ديوان الأقيشر المطبوع.(10/137)
أبلغ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ رسالة ... من ناصح مَا إن يريد متاعا
بضع الفتاة بألف ألف كامل ... وتبيت سادات الجيوش جياعا
فلو أنني الفاروق أخبر بالذي ... شاهدته ورأيته لارتاعا
يعني بأمير الْمُؤْمِنِينَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر.
الْمَدَائِنِيّ عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ مجالد عَنْ الشعبي قال: ركبت مع مصعب يوما، فلما نزل أمرني بالنزول فأخذ بيدي فلم أزل أدخل مَعَهُ حَتَّى صرت إِلَى بيت قد سدلت ستوره فترك يدي ودخل فبقيت لا أقدر عَلَى تقدم وَلا تأخر، ثُمَّ ناداني من وراء الستر: ادخل يَا شعبي، فدخلت فإذا هُوَ وعائشة بِنْت طَلْحَة عَلَى سرير فو الله مَا شبهت بوجهها إِلا القمر طالعا، فكلمني ثُمَّ قَالَ لِي: انصرف. وَقَالَ: هَذِهِ وأنا كما قَالَ القائل:
وَمَا زلت فِي ليلى لدن طر شاربي ... إِلَى الْيَوْم أبدي أحنة وأواحن
وأضمر فِي ليلى لقومي ضغينة ... وتضمر فِي ليلى علي الضغائن
فَقَالَتْ: وَاللَّه لا تنصرف إِلا بجائزة، قَالَ: فأظنه قَالَ: أمر لِي بعشرة آلاف درهم، وأمرت لِي بمثلها. قَالَ: فلما كَانَ الغد دخلت عَلَيْهِ والنَّاس عنده، وَهُوَ عَلَى سريره فاستدناني فدنوت حَتَّى ألصقت صدري بالسرير، فَقَالَ: أدن فمددت إِلَيْهِ عنقي فَقَالَ: كيف رأيت ذَلِكَ الإنسان؟ قلت: وَاللَّه مَا رأيت مثله قط فبارك اللَّه للأمير، ثُمَّ رجعت إِلَى مقعدي.
حَدَّثَنَا الْحِرْمَازِيُّ عَنِ الْعُتْبِيِّ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْمِقْدَامِ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ سَيِّئَةَ الْخُلُقِ تُشَارُّ أَزْوَاجَهَا، فَغَضِبَتْ يَوْمًا عَلَى زَوْجِهَا عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكر الصديق، وَكَانَ أَبَا عُذْرِهَا فَخَرَجَتْ تَجْزَعُ(10/138)
الْمَسْجِدَ، مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَآهَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَحْسَنَ مَا غَذَاكِ أَهْلُكَ، مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ وَجْهًا مِنْكِ.
حَدَّثَنِي العمري عَن الْهَيْثَم عَن صَالِح بْن حسان قَالَ: دخل مصعب عَلَى عَائِشَة وَهِيَ تمتشط فأنشد:
مَا أنس لا أنس مِنْهَا نظرة عرضت ... بالحجر يَوْم جلتها أم منظور
[1] فقيل لَهُ: إن أم منظور حية، وَهِيَ من بني عذرة، فدعا بها وقال:
حديثني عن قول جميل وأنشدها هَذَا البيت وسألها عَن حديثها، فَقَالَتْ:
مشطت رأس بثينة بِنْت حبا بْن ثعلبة العذرية، وجعلت بين ذؤابتين من ذوائبها خلوقا وألبستها وشاحا من بلخ، ثُمَّ أقبل جميل عَلَى بعيره فرآها بمؤخر عينه حَتَّى مضى.
فَقَالَ مصعب: فاصنعي بعائشة مثل ذَلِكَ ففعلت، وركب مصعب راحلته وأقبل ينظر إِلَيْهَا بمؤخر عينه حَتَّى توارى عَنْهَا، حكاية بجميل والحجر حجر ثمود.
الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قيل لعمر بْن عُبَيْد اللَّهِ: أَلا ترى سوء خلق عَائِشَة فلو طلقتها استرحت من تعذيبها إياك؟ فَقَالَ:
يقولون طلقها وتصبح ثاويا ... مقيما عليك الهم أضغاث حالم
وإن فراقي أهل بيت أودهم ... لهم زلفة عندي لإحدى العظائم
الْمَدَائِنِيّ وغيره قَالُوا: قدم الْحَارِث بْن خَالِد المخزومي عَلَى عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان، فأقام ببابه ستة أشهر لا يأذن له فانصرف وهو يقول:
تبعتك إذ عيني عَلَيْهَا غشاوة ... فلما انجلت قطعت نفسي ألومها
__________
[1] ديوان جميل بثينة ص 70، مع فوارق.(10/139)
فما بي إن أقصيتني من ضراعة ... ولا افتقرت نفسي إِلَى من يسومها
عطفت عليك النفس حتى كأنما ... بكفيك بؤسي أولديك نعيمها
ورحل فأرسل إِلَيْهِ عَبْد الْمَلِكِ فرده وَقَالَ: يَا حارث ترى عَلَى نفسك غضاضة فِي وقوفك ببابي؟ قَالَ: لا وَاللَّه ولكن طالت غيبتي وانتشرت ضيعتي، ووجدت فضلا من قول فقلت. فَقَالَ: كم دينك؟ قَالَ: ثلاثون ألفا. قَالَ: فإنما تختار قضاءها عنك أَوْ توليتك مَكَّة، فاختار توليه مَكَّة، فولاه إياها فقدمها وبها عَائِشَة، فأقيمت الصلاة وَهِيَ تطوف فأرسلت إِلَيْهِ إني لم أقض طوافي فقام بِالنَّاسِ ينتظر فراغها من الطواف فكتب بِذَلِكَ إِلَى عَبْد الْمَلِكِ فعزله، وَقَالَ: إني لم استعملك لتنتظر بِالنَّاسِ طواف عَائِشَة بِنْت طَلْحَة. قَالُوا وَكَانَ الْحَارِث بْن خَالِد يحب عَائِشَة وكانت تحبه فخطبها الْحَارِث قبل تزوج مصعب إياها فلم تجبه، فقيل لها: أحبك رجل وأحببتيه حينا، ثُمَّ خطبك فلم تتزوجيه؟ فَقَالَتْ: كَانَ في عيب ما يسرني أن لي طلاع الأرض ذهبا، وأنه اطلع عَلَيْهِ، فقيل هُوَ سوء الخلق، وقيل عظم الأذنين والقدمين.
حَدَّثَنِي الْحِرْمَازِيّ عَن الْعُتْبِيّ عَن أَبِيهِ عَن أَبِي المقدام عَن رجل من أهل مَكَّة أنه قدم الْمَدِينَة فإذا غلمان بيض عَلَيْهِم ثياب بيض يدعون النَّاس إِلَى الغداء، قَالَ: فدخلت فإذا عَائِشَة بِنْت طَلْحَة عَلَى سرير، وإذا النَّاس يطعمون، فَقَالَتْ: يَا هَذَا كأنك غريب؟ قلت: نعم. قَالَت فمن أين أنت؟ قلت: من أهل مَكَّة، قَالَت: كيف تركت الأعرابي؟ قلت: من الأعرابي؟ قَالَت: لا أحسبك تعرفه. اقعد فاطعم، فلما خرجت قيل لِي إنما سألتك عَن الْحَارِث بْن خَالِد المخزومي، فَقَالَ فقدمت مَكَّة فأخبرته فَقَالَ:(10/140)
من كَانَ يسأل عنا أين منزلنا ... فالأقحوانة [1] منا منزل قمن
[2]
إذ نلبس العيش صفوا لا يكدره ... طعن الوشاة وَلا ينبو بنا الزمن
قَالُوا: وكانت عند عمر بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر رملة بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن خلف الخزاعي، وكانت مسنة، فلما تزوج عَائِشَة بِنْت طَلْحَة وأشخصها إِلَى البحرين، وخلف رملة قَالَ الشاعر:
عش بعايش عيشا غير ذي دنق ... وانبذ برملة نبذ الجورب الخلق
ولم تلد عَائِشَة إِلا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ الشاعر لعمر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر:
يومان بؤس يَوْم رملة منهما ... ويوم ابنة الفياض طلق وأسعد
وَكَانَ تزوج عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ عَائِشَة بالكوفة، وقدم بِهَا البصرة، وحملها مَعَهُ حَتَّى سار إِلَى أَبِي فديك وخلف رملة وَقَالَ الشاعر:
من يجعل الديباج عدلا للزيق ... بين الحواري وبين الصديق
كبكرة مما تباع فِي السوق
وأم عَائِشَة أم كلثوم بِنْت أَبِي بَكْرٍ، وجعل طَلْحَة حواريا، وكانت عَائِشَة تقول لعمر: أي اليومين كَانَ أشد عليك؟ أيوم أَبِي فديك أم يَوْم فارقت رملة؟ فيضحك. ويقال إنها قَالَت لَهُ: أيوم أَبِي فديك كَانَ أشد عليك، أم يَوْم كنت تزور رملة فترى خلقتها وعظم أنفها؟
ولما مات عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ جعلت عَائِشَة بِنْت طَلْحَة تنوح عَلَيْهِ قائمة، فقيل لها: لم تفعلي هَذَا بغيره من أزواجك؟ فَقَالَتْ: فعلت هَذَا
__________
[1] وقعت الأقحوانة في وادي الأردن قرب عقبة أفيق. معجم البلدان.
[2] قمن: خليق. جدير. القاموس.(10/141)
لثلاث خلال كن فِيهِ، ولم تكن فِي غيره من أزواجي: كَانَ أقربهم رحما، وَكَانَ سيد بني تيم بْن مرة، وعزمت أن لا أتزوج أحدا بعده.
وأما مريم بِنْت طَلْحَة
فتزوجها عنبسة بْن سَعِيد بْن العاص، وَكَانَ مر ببابها فاستسقى فسقته الجارية فِي إناء مطيب، فتمنى أن يتزوجها فتزوجها.
وأما الصعبة فتزوجها الْمُغِيرَة بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر.
ومن بني تيم بْن مرة بْن كعب:
عُثْمَان بْن عَمْرِو بْنِ كعب بْن سَعْد ابْن مرة،
ويقال لعثمان: شارب الذهب، وذاك أنه دق لؤلؤات فشربهن، ويقال: بل كَانَ يبذل الدنانير فِي الخمر فقيل إنما يشرب الخمر بالذهب، وقيل كَانَ سخيا فقيل هُوَ يشرب الذهب شربا لكثرة نفقته.
فولد عُثْمَان:
معمر بْن عُثْمَان، وعمرو بْن عُثْمَان، وعمير بْن عُثْمَان، وزهرة بْن عُثْمَان، وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عُثْمَان،
وَكَانَ يقال لَهُ: ابْن شارب الذهب، وَهُوَ الَّذِي قَالَ: دخلنا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عمرة القضية فسلك فيما بين الصخرتين اللتين فِي المروة مصعدا فِيهَا.
فولد معمر: معبد بْن معمر، وعُبَيْد اللَّهِ بْن معمر، وعثمان بْن معمر بْن عُثْمَان وَكَانَ معبد فيما ذكر أَبُو اليقظان ممن تولى دفن عُثْمَان بْن عَفَّان، وليس يعرف لمعبد عقب.
وأما عَمْرو بْن عُثْمَان بْن عَمْرو فهو من مهاجرة الحبشة، واستشهد يَوْم القادسية.
وأما عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر
فكان يكنى أبا معاذ، وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن عامر بْن كريز حين غزا فارس عَلَى مقدمته، فاستقبله أهل إصطخر بمكان يعرف بدامجرد فقتلوه، ودفن فِي بستان هناك، وَكَانَ يدعى الشهيد.(10/142)
فولد عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر بْن عُثْمَان: عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ، وموسى بْن عُبَيْد اللَّهِ، وعثمان بْن عُبَيْد اللَّهِ، وأمهم فاطمة بِنْت الْحَارِث بْن أَبِي طَلْحَةَ العبدري. وعُبَيْد اللَّه بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر لأم ولد ويكنى عُبَيْد اللَّهِ أبا معاذ بكنية أَبِيهِ.
ومعاذ بْن عُبَيْد اللَّهِ، وَهُوَ ممن حضر دفن عُثْمَان أَيْضًا، وَهُوَ جد التَّيْمِيّ عمر بْن مُحَمَّدِ بْنِ معاذ بْن عُبَيْد اللَّهِ الَّذِي يَقُول:
من يسامج، من يقاذر ... من يقاصر بزياد
هُوَ فِي الطول كشبر ... هُوَ فِي الشر كعاد
من يبادلني قريبي ... ببعيد من إياد
وأما عُبَيْد اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّهِ
أَبُو معاذ فولاه ابْن الزُّبَيْر البصرة، ويقال ولى عمر أخاه، فاستخلفه عمر عَلَيْهَا، وحضر قتل مصعب، فلما قتل هرب ثُمَّ أَوْ من بعد واستعمله عَبْد الْمَلِكِ عَلَى السوس تقصيرا بِهِ فمات بِهَا. فَقَالَ الفرزدق:
إن الرزية لا رزية مثلها ... جبل الأباطح مات بالأهواز
[1] وله عقب بالبصرة منهم:
زياد بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر
ويلقب الطويل، وفيه يَقُول عمر بْن مُحَمَّد التَّيْمِيّ:
من يسامج من يقاذر ... من يقاصر بزياد
من يبادلني قريبي ... ببعيد من إياد
وأما مُوسَى بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر فهلك بسجستان غازيا في ولاية عبد
__________
[1] ليس في ديوان الفرزدق المطبوع.(10/143)
الرحمن بن سمرة. واستعمل عمر بن عبيد اللَّهِ بْنِ معمر ابنه عمر بْن مُوسَى بْن عُبَيْد اللَّهِ، وأمه خزاعية، وَكَانَ جميلا، عَلَى جيش بالبصرة، حين غزا أبا فديك الحروري، وَهُوَ الَّذِي ذكره عَبْد اللَّهِ بْن شبل بْن معَبْد الْبَجْلِيّ وَهُوَ يفضله حين قال: «تباري ابن موسى يابن مُوسَى» ، وقد كتبنا الشعر فيما تقدم من نسب طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّهِ وخرج مَعَ ابْن الأشعث ثُمَّ انهزم، فَقَالَ الفرزدق:
ولو شهد الخيل ابْن مُوسَى أمامه ... لهاب ولكن ابْن مُوسَى تأخرا
[1] وظفر بِهِ الْحَجَّاج فلما دخل عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: يَا عار قُرَيْش. ثُمَّ قتله صبرا، وَكَانَ عزله بأخيه فطمع بالحياة ثم بدا له فضربت عنقه بين يديه.
وَكَانَ لعمر بْن مُوسَى ابْن يقال لَهُ: عُثْمَان بْن عُمَرَ بْن مُوسَى بْن عُبَيْد اللَّهِ، ولاه أَبُو جَعْفَر المنصور قضاء عسكره، وولى الرشيد عمر بْن عُثْمَان هَذَا قضاء البصرة.
وَكَانَ حفص بْن عُمَرَ بْن مُوسَى بْن عُبَيْد اللَّهِ بفارس فوثب عَلَيْهِ غلمانه فقتلوه.
وَكَانَ عُبَيْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مُوسَى بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر يلقب، المفتي لأنه أمر يوما لأكارين لَهُ بسبع تمرات سبع تمرات.
وأما عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر،
فكان يكنى أبا حفص، وكان من أجود العرب كفا، ولي البصرة لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْر، وولي فارس لمصعب بْن الزُّبَيْر، وولي البحرين لِعَبْدِ الْمَلِكِ، وقتل أبا فديك الخارجي. قال العجاج:
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 240 مع فوارق.(10/144)
هذا أوان الجد إذ جد عمر ... وصرح ابن معمر لمن ذمر
وظهر الحق وأودى من كفر
[1] ومات بالشام بضمير [2] ، وصلى عَلَيْهِ عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان، وقعد على قبره فقالت امرأة: يا سيد العرب، تعني عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ، فَقَالَ لها رجل من أهل الشام: اسكتي. أتقولين هَذَا وأمير الْمُؤْمِنِينَ حاضر؟ فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: دعها فقد صدقت. وَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ متمثلا:
أَلا ذهب العرف والنائل ... ومن كَانَ يعتمد السائل
ومن كَانَ يطمع فِي سيبه ... غني العشيرة والعائل
ثُمَّ قام عَبْد الْمَلِكِ عَلَى قبره فَقَالَ: رحمك اللَّه أبا حفص فقد كنت لا تحسد غنينا، وَلا تحقر فقيرنا. وَقَالَ الفرزدق يرثيه:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ لا تبكوا عَلَى أحد ... بعد الَّذِي بضمير وافق القدرا
من يقتل الجوع بعد ابْن الشهيد ومن ... بالسيف يضرب كبش القوم إن عكرا
بكي هبلت أبا حفص وصاحبه ... أبا معاذ إذا المولى بِهِ انتصرا [3]
ومات عمر وَهُوَ ابْن ستين سنة، وَكَانَ سمي عمر بعُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَقَالَ الفرزدق:
ألم تريا أن الجواد ابْن معمر ... لَهُ راحتا غيث يفيض مديمها
إذا جاءه السؤال فاضت عَلَيْهِم ... سماء يديه فاستقل عديمها
نمته بنو تيم بْن مرة للعلى ... وحاطت حماة من قريش قرومها
__________
[1] ديوان العجاج ص 1429. مع فوارق.
[2] ما تزال تحمل الاسم نفسه إلى الشرق من دمشق في أحوازها.
[3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 235- 236.(10/145)
وهم سادة الإِسْلام والقادة الألى ... يقوم عَلَى الحكام يوما حلومها
[1] وَقَالَ بعض ولد عُثْمَان لبيهس بْن صهيب الجرمي: يَا أبا المقدام، أمية بْن عَبْدِ اللَّهِ أفضل أم عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ؟ فَقَالَ: عمر وَاللَّه أجود منه جودا، وأكرم نفسا وأشد بأسا.
قَالُوا: وكانت للمغيرة بن حبناء التيمي جارية نفيسة كَانَ محبا لها، فاضطر إِلَى بيعها فجعل يمسك حَتَّى قَالَت لَهُ: لو بعتني فانتفعت واتسعت بثمني كَانَ أمثل مما أراك.
قَالَ: أفعل وَاللَّه عَلَى كره، فعرضها للبيع فاشتراها عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر بمائة ألف فقبضها وَقَالَ:
لولا قعود الدهر بي عنك لم يكن ... يفرقنا شَيْء سوى الموت فاعذري
أروح بهم فِي الفؤاد مبرح ... أناجي بِهِ قلبا قليل التصبر
عليك سلاما لا زيارة بيننا ... وَلا وصل إِلا أن يشاء ابْن معمر
فلما بلغ عمر الشعر قَالَ: قد شاء ابْن معمر، فرد الجارية وسوغه المال.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْن سَلَمَةَ عَن حميد بْن سُلَيْمَانَ بْن قتة قَالَ: بعث معي عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ بألف دينار إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن الْخَطَّابِ، وبألف دينار إِلَى الْقَاسِم بْن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْر، فقبل ابْن عُمَرَ مَا بعث بِهِ، وأخذه بيده وَهُوَ فِي المغتسل وَقَالَ: وصلته رحم فقد جاءتنا عَلَى حاجة، وأبي الْقَاسِم بْن مُحَمَّد أن يقبلها فقالت امرأته: إن لم تقبلها فهاتها.
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 261 مع فوارق.(10/146)
قَالَ وَكَانَ عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ يبعث هَذِهِ الثياب المعمرية إِلَى الْمَدِينَة فيقسمها بينهم، فَقَالَ ابْن عُمَرَ: جزى اللَّه من أفشى هَذِهِ الثياب بالمدينة خيرا.
قَالَ ابْن قتة: وَقَالَ لِي ابْن عُمَرَ: بلغني عَن صاحبك أنه يعطي المهاجرين ألفا ألفا ويعطي الأنصار سبعمائة سبعمائة فأعلمت عمر قوله فسوى بينهم.
الْمَدَائِنِيّ قَالَ: ولي عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر بَعْد ببَّة عُمَر بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر البصرة، وَكَانَ سخيا شجاعا ممدحا، وَقَالَ المهلب بْن أَبِي صفرة: مَا رأيت مثل أحمر قُرَيْش فِي شجاعته، مَا لقينا خيلا قط إِلا كَانَ فِي سرعان خيلنا، يعني عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ، وَقَالَ فِيهِ نصيب:
وَاللَّه مَا يدري امرؤ ذو جناية ... وَلا جار بيت أي يوميك أجود
أيوم إذا ألفيته ذا يساره ... فأعطاك عفوا منه أَوْ يَوْم يجهد
وإن حليفيك السماحة والندى ... يقيمان بالمعروف مَا كنت توجد
[1] وله يَقُول يَزِيد بْن الحكم بْن أَبِي العاص الثَّقَفِيّ:
فما كعب بْن مامة وَابْن سعدي ... بأكرم منك يَا عمر الجوادا
فِي شعر.
وَقَالَ هِشَام ابْن الْكَلْبِيّ: وفد رجل إِلَى عُمَرَ بْن عُبَيْد اللَّهِ، فأقام ببابه شهرا فلم يحل منه بشيء، فَقَالَ:
رأيت أبا حفص تجهم مقدمي ... ولظ بقول عذرة أو مواربا
فلا تحسبنّي إذ تجهمت مقدمي ... أرى ذاك عارا أَو أرى الخير ذاهبا
ومثلي إذا مَا بلده لم تؤاته ... تنكب عنها واستدام المعاتبا
__________
[1] شعر نصيب ص 79.(10/147)
فبلغ عمر شعره فدعا بِهِ وَقَالَ: كم أقمت؟ فَقَالَ: ثلاثين يوما.
فأمر لَهُ بثلاثين ألفا، وحمله وكساه فَقَالَ:
جزى اللَّه خيرا والجزاء بكفه ... عَن الزور يأتيه الكريم ابْن معمر
تذمم إذ عاتبته ثُمَّ نالني ... بما شئت من مال وبر محبر
وَكَانَ العطاء كالمقام عديده ... ألوفا كثيرا بعد عرض موفر
المدائني عن عبد الله بن فائد قال: قَالَ عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر: أنا بما أعطيت أسر مني بما تركت.
فمن ولد عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر:
طَلْحَة بْن عُمَرَ
وأمه رملة بِنْت عُبَيْد اللَّهِ بْن خلف الخزاعي أخت طَلْحَة الطلحات، وكانت ابنته أم عُثْمَان عند عُبَيْد اللَّهِ بْن زياد، وكان ابنه عُبَيْد اللَّهِ بفارس فقتلته الخوارج من الأزارقة.
قَالُوا: وَكَانَ عُبَيْد اللَّهِ بْن أَبِي بَكْرة استخلف عُمَر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر عَلَى سجستان، وشخص إِلَى زياد، فلما قدم وهب لَهُ كُلّ شَيْء كَانَ فِي بيت المال وَكَانَ عمر أتاه زائرا.
قَالَ الأَصْمَعِيّ وَأَبُو عبيدة: البستان الَّذِي تدعوه العامة بستان ابْن عامر بقرب مَكَّة، هُوَ بستان ابْن معمر.
قَالُوا: وكانت رملة بِنْت عَبْد اللَّهِ عند عمر بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر.
فولدت لَهُ طَلْحَة بْن عُمَرَ، وكبرت عنده وكانت تصغر سنها وتجحد كبرها وانقطاع طمثها، فربما تغسلت لتظهر أنها تحيض، فَقَالَ عون بْن سلامة التَّيْمِيّ:(10/148)
جعل اللَّه كُلّ قطرة حوز [1] ... خرجت منك فِي حماليق عيني
ولما مات عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ تزوج رملة بعده خَالِد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِد بْن أسيد، فمات عَنْهَا، فلما ماتت رملة أرسل طَلْحَة بْن عُمَرَ بْن عُبَيْد اللَّهِ ابنها إِلَى يَزِيد بْن طَلْحَةَ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خلف يطلب ميراثه فكتب إِلَيْهِ يَزِيد:
بعثت إِلَي عزرة فِي بلادي ... وقد أنفقت مالك فِي حرين
[2]
فلا يذهب بك الرحمن حَتَّى ... أرى رجليك فِي خفي حنين
فغضب لَهُ عُبَيْد اللَّهِ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن معمر فَقَالَ:
إذا مَا النادبات ندبن يوما ... بحمل غرامة وثقيل دين
فلا تندب لمكرمة ولكن ... لحلب معاقر ولكعثبين
[3]
إذا الآباء زانهم بنوهم ... فلست لمن نسبت لَهُ بزين
وَقَالَ واثلة بْن خليفة السدوسي يهجو عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ، وَكَانَ نقله فِي ولايته فارس من مكان إِلَى شر منه، وَكَانَ فِي جنده هناك:
نبت بك أم من ثمالة جانبت ... بك القصد واجترت إِلَيْك المخازيا
كفيناكم جل الأمور وأنتم ... بني معمر لا تعملون العواليا
ولو كنت من خلان رملة ضمني ... جنابك أَو أقررتني بمكانيا
وكانت رملة شفعت لقوم فأقرهم، وكانت أم عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ من بني عَبْد الدار، وأمها أزدية من ثمالة فلذلك قال أم من ثمالة.
__________
[1] الحوز: النكاح وفرج المرأة والمحاوزة: المخالطة والوطء. القاموس.
[2] حرين: بلد قرب آمد. معجم البلدان.
[3] الكعثب: الركب الضخم. القاموس.(10/149)
قَالُوا: وكانت عند طَلْحَة بْن عُمَرَ بْن عُبَيْد اللَّهِ فاطمة بِنْت الْقَاسِم بْن مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَر ذي الجناحين بْن أَبِي طالب، فولدت لَهُ إِبْرَاهِيم بْن طَلْحَةَ، وَكَانَ خيرا نبيلا، ذا جلالة، وكانت فاطمة قبله عند حمزة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْر، وكانت بارعة الجمال، فلما احتضر أوصاها بألا تتزوج طَلْحَة بْن عُمَرَ بْن عُبَيْد اللَّهِ، وأحلفها عَلَى ذَلِكَ فحلفت أَلا تتزوجه بصدقة مالها، وعتق رقيقها، فلما مات حمزة خطبها طَلْحَة وَكَانَ جميلا بهيا، فأعلمته مَا حلفت بِهِ، فضمن لها أن يعطيها إذا تزوجته وحنثت بكل شَيْء شيئين، فتزوجت بِهِ، ووفى لها فأعطاها، عشرين ألف دينار، ومهرها أربعين ألف دينار، فولدت لَهُ إِبْرَاهِيم بْن طَلْحَةَ، ورملة بِنْت طَلْحَة، فزوج طَلْحَة بْن عُمَرَ ابنته رملة إِسْمَاعِيل بْن عَلِيّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى مائة ألف دينار، وكانت فائقة الجمال فَقَالَ إِسْمَاعِيل بْن يسار النساء لطلحة بْن عُمَرَ: أنت أتجر النَّاس، تزوجت فاطمة بِنْت الْقَاسِم عَلَى أربعين ألف دينار، وأعطيتها ليمينها عشرين ألف دينار، فولدت لك إِبْرَاهِيم، ورملة، فزوجت رملة بمائة ألف دينار وربحت إِبْرَاهِيم وأربعين ألف دينار، وَكَانَ يقال: إذا رأيت إِبْرَاهِيم بْن طَلْحَة بْن عُمَرَ بْن عُبَيْد اللَّهِ، وإعظام قُرَيْش لَهُ ظننت أنهم عبيد لَهُ، وَكَانَ عظيم الشأن كثير الأتباع، وسقط سوطه فابتدره ثلاثون من أهل بيته حَتَّى أخذه من أخذه منهم، وناوله إياه فوصلهم. وَكَانَ كثير الغاشية والأتباع يمر فِي طريقه إِلَى المسجد فلا يتجاوزه أحد من قُرَيْش وغيرها بل يتزاحمون خلفه، ومات إِبْرَاهِيم بْن طَلْحَةَ وله ستون سنة، واقتسم ولده ميراثه، فأصاب كُلّ ذكر منهم مال جسيم.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: كره الْوَليِد بْن عَبْدِ الملك تزوج طَلْحَة بن عمر(10/150)
فاطمة، وَكَانَ هم بتزوجها، فكتب إِلَى عامله عَلَى الْمَدِينَة أن يخرجه إِلَى السوق ويجبره عَلَى طلاقها فلم يطلقها.
قَالُوا: ومات طَلْحَة بْن عُمَرَ بْن عُبَيْد اللَّهِ، فورث كُلّ ولد لَهُ ذكر أربعين ألف دينار.
وأما جَعْفَر بْن طَلْحَةَ
فأنفق ماله فِي ضيعته الَّتِي سماها أم العيال بالفرع [1] ، وَكَانَ لها قدر عظيم، فأقام بِهَا وأصابه وَهُوَ فِيهَا الوباء، فقدم الْمَدِينَة وقد تغير، فرآه مَالِك بْن أَنَسٍ الفقيه، فَقَالَ:
هَذَا الَّذِي عمر ماله وأخرب بدنه، وقد تفرقت تلك الضيعة وصارت فِيهَا شرك، وركب عُثْمَان بْن طَلْحَة بْن عُمَرَ بْن عُبَيْد اللَّه دين فأراد الشخوص إِلَى العراق فِي أمر دينه، فبلغ ذَلِكَ أخاه جَعْفَر فَقَالَ: لا بارك اللَّه فِي مال بعد عُثْمَان أخي فجمع لَهُ ألفي دينار فقضي دينه، وأقام بالمدينة.
وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن طَلْحَةَ بْن عُمَرَ من وجوههم، وَكَانَ يلي صدقتهم ولاه إياها الرشيد هَارُون أَمِير الْمُؤْمِنِينَ.
وَكَانَ مُحَمَّد بْن طَلْحَةَ بْن عُمَرَ
من خيار قُرَيْش، وأمه أم ولد، وَهِيَ أم أخيه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن طَلْحَةَ.
وعثمان بْن طَلْحَةَ،
ولاه المهدي أَمِير الْمُؤْمِنِينَ قضاء الْمَدِينَة فلم يأخذ عَلَيْهِ رزقا، وقال: أكره أن أرتزق فيضريني ذَلِكَ عَلَى ولاية القضاء، ثُمَّ استعفى عُثْمَان المهدي فأعفاه.
وَقَالَ الزُّبَيْرِيّ: تغدى عُثْمَان بْن طلحة مع العباس بن محمد بن
__________
[1] الفرع: قرية من نواحي الربذة عن يسار السقيا، بينها وبين المدينة ثمانية برد. المغانم المطابة.(10/151)
عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاس ببغداد، فَقَالَ لَهُ: دلني عَلَى براح بنخله أشتريه وأعتمله، فَقَالَ: هُوَ عندي. قَالَ: بكم هُوَ، قَالَ: بخمسة آلاف دينار فوثق بقوله وأعطاه الثمن عَلَى مَا قَالَ.
وَقَالُوا: ودعا الْحَسَن بن زيد- إذ كَانَ يلي الْمَدِينَة- إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ بْن طَلْحَة بْن عُمَرَ بْن عُبَيْد اللَّهِ إِلَى القضاء عَلَيْهَا فأبى ذَلِكَ، فحبسه وحلف أَلا يخليه أَوْ يلي القضاء، فكلم فِيهِ فدعا بِهِ وَقَالَ: إنك قد ألححت وقد حلفت فأبر يميني ففعل، وأرسل مَعَهُ حسن جندا حَتَّى جلس فِي المسجد فجاء رجل من مواليهم فوقف عَلَى رأسه فَقَالَ:
طلبوا الفقه والمروءة والفض ... ل وفيك اجتمعن يَا إِسْحَاق
فأمر بتنحيته وأعفاه حسن بْن زَيْد عَن القضاء، فلما صار إِلَى منزله أعطى الَّذِي أنشده البيت خمسين دينارا وَقَالَ: استعن بِهَا عَلَى أمرك، ويقال أنه مولى لَهُ يقال لَهُ: داود بْن سلم.
وَقَالَ الزُّبَيْرِيّ: كَانَ داود بْن سلم نبطيا وأمه مولاتهم فادعى ولاءهم.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: وَكَانَ عُثْمَان بْن عُمَرَ بْن طَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر عَلَى قضاء الْمَدِينَة لجعفر بْن سُلَيْمَان بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْعَبَّاس.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ عُثْمَان بْن عُمَرَ بْن مُوسَى بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر عَلَى قضاء الْمَدِينَة فِي أيام مروان بْن مُحَمَّد، ثُمَّ ولاه المنصور أَمِير الْمُؤْمِنِينَ قضاءه، فكان مَعَ المنصور حَتَّى مات بالحيرة قبل تحول المنصور إِلَى بغداد.
وَكَانَ ابنه عمر بْن عُثْمَان بْن عُمَرَ بْن مُوسَى من وجوه قُرَيْش وبلغائها ولاه الرشيد قضاء البصرة فحج ثُمَّ أقام بالمدينة واستعفى فأعفاه الرشيد من(10/152)
القضاء، وأقره بالمدينة فلم يزل بِهَا حَتَّى مات، وقيل لَهُ: إنك متواضع وينبغي للقاضي أن يكون مهيبا فَقَالَ: إنكم إذا وليتم القضاء وضعتموه على رؤوسكم، وأنا أضعه تحت قدمي، وخاصمه بعض القرشيين فَقَالَ وقد حمل القرشي عَلَيْهِ: عَلَى رسلك فإنك سريع الإنفاد، وشيك الانقطاع، ولست وَاللَّه بمكافئ لِي دون أن تبلغ غاية المدى، وأبلغ غاية الإعذار.
قَالُوا: وَكَانَ مَعَ عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ بالبصرة أخوه عُثْمَان بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر فبعثه بفارس لقتال الأزارقة فقتله ابْن برز مولى عَبْد القيس فَقَالَ الشاعر:
ونال الشهادة منهم فتى ... بدولاب كالقمر الأزهر
طويل النجاد رفيع العماد ... كهمك من ماجد معسر
[1]
أطاع الكتاب رجاء الثواب ... فقاتل عَن دبر المدبر
ليعذره اللَّه والْمُسْلِمُونَ ... ومعذرة اللَّه للمعذر
وفر الَّذِينَ أرادوا الفرار ... كأنهم خشب العرعر
فِي أبيات.
ومن ولد عمير بْن عُثْمَان بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة:
عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عمير
وأمه سلامة [2] ، أم ولد، وإليها ينسبون، وزعم ولدها أن سلامة كَانَتْ تخدم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ هَذَا المتولى لاستخراج طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّهِ من قبره، وتحويله إِلَى موضعه اليوم.
__________
[1] بهامش الأصل: مسعر.
[2] بهامش الأصل: ولدها يقولون سلامة بالتخفيف.(10/153)
ومنهم: عون بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عمير بْن عُثْمَان
وَكَانَ لَهُ قدر، وَكَانَ صديقا لأمية بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد، فمرض فلم يعده أمية فَقَالَ:
إن من غره أمية بعدي ... مثل من غره أجيج السراب
كنت أرجو أن يحفظ العهد مني ... فإذا عهده كعهد الغراب
وَكَانَ عون هَذَا خاف الْحَجَّاج فهرب منه، وأنشأ يَقُول:
وددت مخافة الْحَجَّاج أني ... بكابل فِي است شيطان رجيم
فأخذ هَذَا مساور الوراق فَقَالَ:
ما زال بي صوت دندان [1] يؤرقني ... والنَّاس من بين مجلود ومحبوس
حَتَّى تمنيت أني من مخافته ... بكابل استار حولا فِي است جاموس
فقيل: لو قلت فوق جاموس، فَقَالَ: ذاك أخفى.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ: كَانَ عُبَيْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن عون بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عمير بْن عُثْمَان بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد قائدا من قواد خراسان بمرو فوقعت بين بكر بْن وائل وتميم فتنة، بسبب حوانيت ابتناها عُبَيْد اللَّهِ بْن عون أخو خَالِد بْن عون فِي بعض أفنية بكر بْن وائل فهدموها.
وأما زهرة بْن عُثْمَان بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم
فولد هِشَام، ويقال هاشم بْن زهرة. كَانَ صريعا، فأمره عُمَر بْن الْخَطَّابِ أن يصارع رجلا قدم يتحدى النَّاس بالمصارعة فصرعه هِشَام، وجلد مروان بْن الحكم عَبْد اللَّهِ بْن هاشم بْن زهرة بْن عُثْمَان بْن عَمْرو فِي الخمر ثمانين، ويقال ابْن هِشَام.
ومن بني تيم بْن مرة: عَبْد اللَّهِ وعمير ابنا جدعان بْن عَمْرِو بن
__________
[1] الدندنة: صوت الذّباب والزبابير، وهينمة الكلام. القاموس.(10/154)
كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة، وكلدة ابْن جدعان، قتل يَوْم الفجار.
فأما عمير بْن جدعان
فولد: قنفذ بْن عمير، أدرك النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان مؤذيا لَهُ فَقَالَ أَبُو طالب فِيهِ وفي عُثْمَان بْن عُبَيْد اللَّهِ:
وإني أرى عُثْمَان أمسى وقنفذا ... ومن جمعا من شر تلك القبائل
وَكَانَ المهاجر بْن قنفذ بْن عمير بْن جدعان عَلَى شرط عُثْمَان بْن عَفَّان، وَكَانَ عمر جلده وامرأته ثمانين ثمانين فِي شراب.
وأما عَبْد اللَّهِ بْن جدعان،
وأمه سعدى بِنْت عويج، فكان شريفا سيدا فِي الجاهلية ولما كبر حجر عَلَيْهِ قومه أن يتلف ماله فكان يَقُول للرجل:
أدن مني ألطمك وطالبني بالقود، فيلطم الرجل فيرضيه قومه عَنْهُ من ماله، فَقَالَ ابْن قَيْس فِي ذَلِكَ:
وَالَّذِي إن أشار نحوك لطما ... تبع اللطم نائل وعطاء
[1] وَكَانَ لَهُ ذكر فِي العرب، فسأل كسرى يوما عَن دين العرب، وأمر البيت وَقَالَ: إني لأحب أن ألقى من أهل مَكَّة رجلا ذا عقل وفهم فأسائله عَن أمورهم، فذكر لَهُ قوم من العرب كانوا بحضرته أمر عَبْد اللَّهِ بْن جدعان، فكتب إِلَى صاحب اليمامة يأمره بالمسير إِلَى مَكَّةَ ليشخص إِلَيْهِ ابْن جدعان مكرما، فأشخصه إليه فلما رآه كسرى أعجبته هيئته وعقله ونبله، وَكَانَ قد أهدى إِلَيْهِ عصبا يمانيا وأدما فقبل هديته وآنسه فكان يدعو بِهِ يسائله وبينهما ترجمان، فإذا قام منصرفا قَالَ: مَا ظننت أن فِي العرب مثل هَذَا فِي حلمه وثخانته [2] وجودة رأيه. وَكَانَ يؤاكله، ثُمَّ إنه وصله وزوده من ثياب
__________
[1] ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات ص 93.
[2] الثخين: الحليم. القاموس.(10/155)
العراق وطرائفه وَقَالَ لَهُ وَهُوَ يأكل: هل لك فِي حاجة تذكرها؟ قَالَ:
نعم، تهب لِي هَذَا الطباخ الَّذِي يتخذ لك هَذِهِ الحيسة يعني الفالوذ، فوهب لَهُ طباخا، فلما انصرف فقدم مَكَّة أمر باتخاذ الفالوذ فكان يتخذ ويطعمه أهل مَكَّة، فَقَالَ أمية بْن أَبِي الصلت الثَّقَفِيّ:
وأبيض من بني عَمْرو بْن كعب ... وهم كالمشرفيات الحداد
لَهُ داع بِمَكَّةَ مشمعل [1] ... وآخر فوق داريه ينادي
إِلَى ردح من الشيزى [2] ملاء ... لباب البر يلبك بالشهاد
لكل قبيلة ثبج وهاد ... وكنت الرأس يقدم كُلّ هادي
فما لاقيت مثلك يا بن سعدى ... لمعروف وخير مستفاد
[3] وأم عَبْد اللَّهِ جمحية واسمها سعدى، وقد سمعت فِي قدومه عَلَى كسرى وجها آخر، وَهُوَ أن الْحَارِث بْن ظالم لما خاف النعمان استجار بزرارة بْن عدس ثُمَّ التمس أحرز من مكانه عنده، فأتى مَكَّة واستجار بعَبْد اللَّهِ بْن جدعان، فكره النعمان ومن جمع لَهُ أن يأتوا مَكَّة وَهِيَ حرم، فكتب النعمان إِلَى كسرى يعلمه فتك الْحَارِث وشرارته وأنه يسعى بالفساد فِي عمله، ويسأله أن يكتب إِلَى صاحب اليمامة فِي أشخاص الْحَارِث إِلَيْهِ وأخذ من هُوَ عنده بِهِ، فلما صار صاحب اليمامة بقرب مَكَّة كره أن يطأها بجيش وانتظر يوما من أيام أسواقهم بعكاظ وغيرها، فلما اجتمعوا فِيهِ لقي ابْن جدعان فسأله أن يسلم إِلَيْهِ الْحَارِث بْن ظالم فَقَالَ: إنه فارقني، فأشخص صاحب
__________
[1] المشمعل: الرجل الخفيف الظريف، أو الطويل. القاموس.
[2] الردح: الجفنة العظيمة. والشيزى: خشب أسود للقصاع. القاموس.
[3] ديوان أمية بن أبي الصلت- ط. دمشق 1977 ص 380- 381 مع فوارق.(10/156)
اليمامة ابْن جدعان إِلَى كسرى، ويقال إن باذام صاحب كسرى باليمن تعبث بأهل مَكَّة فِي شَيْء التمسه منهم، فشخص ابْن جدعان فِي عدة من قُرَيْش إِلَى كسرى يشكونه، فكتب لَهُ إِلَى باذام بما أراد، وَاللَّه أعلم.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إسناده: كَانَ بنو تيم فِي حياة ابْن جدعان كأهل بيت واحد يقوتهم ابْن جدعان، وَكَانَ يطعم كُلّ يَوْم فِي داره الدهر كله جزورا، فينادي مناديه: من أراد اللحم والشحم فعليه بدار ابْن جدعان، ووفد عَلَى ملك فارس فَقَالَ لَهُ: بلغني أنك أعظم العرب مروءة فسلني حوائجك، فسأله طباخا يعمل الفالوذ، فكان يطعمها قريشا.
وَكَانَ لرجل من بني جشم بْن بكر عَلَى رجل من بني كنانة دين، فأعدم الكناني، فأتى إِلَى الجشمي بقرد فَقَالَ: من يشتري هَذَا القرد بدين الجشمي علي، فوثب الجشمي فقتل القرد، فاقتتل بنو كنانة وبنو بكر فأصلح بينهم ابْن جدعان، وحمل ذَلِكَ الدين.
وَكَانَ ابْن جدعان يكنى أبا زهير، وفي داره كَانَ اجتماع أهل حلف الفضول حين عقدوه، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بدر: «لو كَانَ أَبُو زهير أَوْ مطعم بْن عدي حيا فاستوهبهم لوهبتهم لَهُ» .
وسكر ابْن جدعان ليلة من الخمر فجعل ليتناول القمر، فأخبر بِذَلِكَ فترك الشراب وَقَالَ:
شربت الخمر حَتَّى قَالَ صحبي ... ألست عَن الشراب بمستفيق
وحتى مَا أوسّد في منام ... أبيت به سوى الترب السحيق
وَقَالَ مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان: إنما تقسم الشرف بعد أَبِي زهير عَبْد اللَّهِ بْن جدعان، وَكَانَ مقدما عند قُرَيْش، ومدح أمية بْن جدعان(10/157)
فَقَالَ:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء
وعلمك بالحقوق وأنت فرع ... لك الحسب المهذب والسناء
كريم لا يغيره صباح ... عَن الخلق الجميل وَلا مساء
يباري الريح مكرمة وجودا ... إذا مَا الكلب أحجره الشتاء
وأرضك أرض مكرمة بناها ... بنو تيم وأنت لها سماء
[1] وَقَالَ أمية يرثيه فِي أبيات:
آباؤك الشّم المراجي ... ح المساميح الأخاير
علم ابن جدعان بن عم ... رو أنّه يوما مدابر
ومسافر سفرا بعي ... دا لا يؤوب له المسافر
فقدوره بفنائه للضي ... ف مترعة زواخر
زبدا وغرغرة [2] كغرغرة الفح ... ول إذا تخاطر
وكأنهنّ إذا حمين بما شج ... ين بِهِ ضرائر
وكأنما يدعى عرينة فِي ... طوائفها وضاطر [3]
وإذا تشام بروقهم ... جادت أكفهم المواطر
لا يحتويهم جانب ... نأي المحل وَلا مجاور
قوم حصونهم الأس ... نّة والأعنّة والبواتر
__________
[1] ديوان أمية بن أبي الصلت ص 333- 335.
[2] الغرغرة: صوت القدر إذا غلت.
[3] عرينة وضاطر من قبائل العرب. انظر جمهرة الأنساب العرب لابن حزم ص 235- 236، 387- 388.(10/158)
نزلوا البطاح ففصلت ... بهم البواطن والظواهر [1]
وله يَقُول أمية أَيْضًا:
نعم الفتى وأخو العشيرة إنه ... يعطي الجزيل وَلا يكد السائلا
[2] وَقَالَ خداش بْن زهير بْن رَبِيعَة بْن عَمْرِو بْنِ عامر بْن رَبِيعَة بْن عامر بْن صعصعة يهجو ابْن جدعان:
أغرك أن قَالَت قُرَيْش مسود ... وأنك مكفي بِمَكَّةَ طاعم
فبعث إليه فأرضاه.
قالوا: ولما مروا بنعش ابن جدعان صرخت ضباعة بِنْت عَامِر بْن قرط بْن سَلَمَةَ بْن قشير بْن كعب بْن ربيعة بن عامر بن صعصعة- وكانت عند ابْن جدعان، خلف عَلَيْهَا بعد أَبِي هوذة الحنفي فلم تلد منه، وَكَانَ عقيما فسألته الطلاق فطلقها فتزوجها هِشَام بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم، فولدت لَهُ سَلَمَة- فَقَالَ لها زوجها هِشَام: مَا هَذَا؟ قَالَت: إنه نعم زوج الغريبة. فَقَالَ: أي وَاللَّه والقريبة، مَا ألومك أن تبكي سيد قريش.
[ولد عبد الله بن جدعان]
قَالُوا: وَكَانَ ابْن جدعان عقيما فادعى بنوة رجل فسماه زهيرا، وكناه أبا مليكة فولده كلهم ينسبون إِلَى أَبِي مليكة، ويقال أَبُو مليكة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جدعان، فمن ولد أَبِي مليكة عُبَيْد اللَّهِ وعَبْد اللَّهِ ابني أَبِي مليكة.
وذكر أَبُو اليقظان أن أهل مَكَّة يقولون فِي مثل لهم يضربونه: حتى
__________
[1] ديوان أمية بن أبي الصلت ص 411- 414 مع فوارق.
[2] ليس في ديوان أمية المطبوع.(10/159)
يرجع أَبُو مليكة إِلَى عصيدته، وذلك أنه أمر أن تعمل لَهُ عصيدة ففقد فلم بعد إِلَيْهَا.
فأما عُبَيْد اللَّهِ بْن أَبِي مليكة فأقامه عُمَر بْن الْخَطَّابِ مقيما للحدود بِمَكَّةَ.
وأما عَبْد اللَّهِ فمن ولده زَيْد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مليكة، وَكَانَ زَيْد مَعَ بعض ولد زياد بْن أَبِي سُفْيَان بسجستان، فقتله الترك، وَكَانَ ابنه عَلِيّ بْن زيد بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي مليكة الَّذِي يقال لَهُ: عَلِيّ بْن زَيْد بْن جدعان محدثا، روى عَن سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ وغيره، ومات فِي أرض بني ضبة بالطاعون وَلا عقب لَهُ.
ولأخيه مُحَمَّد بْن زَيْد بْن أَبِي مليكة عقب بالبصرة.
حَدَّثَنِي الْحِرْمَازِيّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ الحجري عَن أَبِيهِ قَالَ: سمعت ابْن أَبِي مليكة يَقُول: إذا غلب عَلَى العالم الطمع ذهب بهاؤه.
قَالَ: سوار بْن زهدم الجرمي فِي بعض ولد أَبِي مليكة:
بنى تيم بْن مرة إن فيكم ... مكارم لسن فِي أحد سواكم
فمنهن الطعان إذا لقيتم ... وإعطاء المضاف إذا اعتراكم
وسعيكم إِلَى المعروف سهل ... ولم تحلل إِلَى جهل حباكم
وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن أَبِي مليكة يروي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاس، مات سنة سبع عشرة ومائة.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد: كَانَ من ولد جدعان: يَعْقُوب بْن زَيْد بْن طَلْحَةَ، ويكنى أبا عرفة، وَكَانَ قاصا، روى عَنْهُ مَالِك بْن أَنَسٍ، مات فِي خلافة أَبِي جَعْفَر.(10/160)
ومن بني تيم بْن مرة:
مُحَمَّد بْن المنكدر بن عبد الله بْن الهدير بْن عَبْدِ العزى بْن عَامِر بْن الْحَارِث بْن حارثة بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة،
وَكَانَ الهدير منقطعا إِلَى عَائِشَة ووصلته بعشرة آلاف درهم فاشترى أم ولد.
قَالَ أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيمَ عَن الْحَجَّاج بْن مُحَمَّد عَن أَبِي معشر أن عَائِشَة وهبت للمنكدر عشرة آلاف درهم فابتاع مِنْهَا جارية بألفي درهم، فولدت لَهُ: محمدا، وأَبَا بَكْرٍ، وعمر بني المنكدر، فأتى رجل بمال فَقَالَ: دلوني عَلَى رجل فاضل بالمدينة أدفع إِلَيْهِ هَذَا المال، فدل عَلَى عمر بْن المنكدر، فلم يقبل المال فدل عَلَى أَبِي بَكْر فلم يقبله، فدل عَلَى مُحَمَّد فلم يقبله، فَقَالَ الرجل: يَا أهل الْمَدِينَة، إن استطعتم أن يلدكم كلكم المنكدر فافعلوا.
وَقَالَ ابْن عُيَيْنَةَ: كَانَ مُحَمَّد بْن المنكدر من معادن الصدق، وَكَانَ يجتمع إِلَيْهِ الصالحون.
أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيمَ عَن عَلِيّ بْن الْحَسَن عَن سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ قَالَ: قلت لمحمد بْن المنكدر أي الأعمال أحب إِلَيْك؟ قَالَ: إدخال السرور عَلَى المسلم، قيل فما بقي مما تستلذه؟ قَالَ: الإفضال عَلَى الإخوان.
قَالُوا: وَكَانَ مُحَمَّد بْن المنكدر يضع خده بالأرض ثُمَّ يَقُول لأمه:
قومي فضعي قدمك عَلَى خدي، وَكَانَ ابْن المنكدر يقوم الليل فيصلي فسمع صياح جار لَهُ مبتلى، فكان يرفع صوته بالحمد فقيل لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: رفع هَذَا صوته بالبلاء وأرفع صوتي بالنعمة.
حَمَّاد بْن زَيْد عَن عمر بْن جابر عَن مُحَمَّد بْن المنكدر قَالَ: إن المتكلم يخاف مقت اللَّه وإن المستمع يرجو رحمة اللَّه.
وَقَالَ عمر بْن مُحَمَّدِ بْنِ المنكدر: كنت أمشي مَعَ أَبِي فِي الطريق فإذا مر(10/161)
بهذه القراطيس الممزقة أمرني أن آخذها فأجعلها فِي كوة، ويأخذها هُوَ أَيْضًا.
وروى ابْن الْمُبَارَكِ عَن أسامة بْن زَيْد، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن المنكدر قَالَ:
كَانَ يقال شر قتيل قتل فِي الإِسْلام قتيل يقتل بين ملكين يريدان الدنيا.
أَحْمَد بْن أَبِي مُعَاوِيَة، ثنا مُحَمَّد بْن سَوْقَةَ عَن مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِرِ أنه كَانَ يستقرض ويحج، فقيل لَهُ: آلحج بالدين؟ فَقَالَ: الحج بالدين أقضى للدين.
حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ أسلم عَن زائدة بْن قدامة، أنبأ مُحَمَّد بْن سوقة، سمعت مُحَمَّد بْن المنكدر يَقُول: إن اللَّه يصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده، وأهل دويرته، وأهل الدويرات حوله، فما يزالون فِي حفظ من اللَّه مادام فيهم، وَكَانَ الغاضري [1] ربما حضر مجلس ابْن المنكدر.
وَقَالَ سُفْيَان: لما حضرت ابْن المنكدر الوفاة جزع فَقَالُوا: ادع أبا حَازِم يعزيه، فجاء أَبُو حَازِم فَقَالَ لَهُ ابْن المنكدر: إن اللَّه يَقُول: (وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لم يكونوا يحتسبون) [2] ، وأخاف أن يبدو لِي من اللَّه، مَا لم أكن أحتسب، فجعلا يبكيان جميعا. ويقال إن القائل هَذَا عمر بْن المنكدر.
وقيل لابن المنكدر: أتصلي عَلَى رجل يرتهن؟ فَقَالَ: إني أكره أن يعلم اللَّه من قلبي أن رحمته تعجز عَن واحد.
حَدَّثَنِي غسان بْن المفضل قَالَ: أعطى مُحَمَّد بْن المنكدر حَتَّى بقي فِي إزار، وقالت أم عمر بْن المنكدر لعمر: يَا بني أني لأشتهي أن تنام فقال:
__________
[1] لعله أراد عمران بن الحصين أبو نجيد الخزاعي الغاضري، له صحبة. اللباب لابن الأثير.
[2] سورة الزمر- الاية: 47.(10/162)
إني لأستقبل الليل فيهولني، فيدركني الصبح وَمَا قضيت حاجتي.
حَدَّثَنِي الْحِرْمَازِيّ قَالَ: حج مُحَمَّد بْن المنكدر ومعه فتيان من قُرَيْش، وكانت الريح إذا رفعت ستارة عَن وجه امْرَأَة فِي قبتها وعمارتها قَالَ: برقة، فرفعت الريح ستارة مِنْهَا فإذا وجه امْرَأَة سوداء فَقَالَ مُحَمَّد بْن المنكدر أما هَذِهِ فصاعقة.
وَقَالَ الْحِرْمَازِيّ: قيل لمحمد بْن المنكدر: إن ههنا رجلا يغني غناء السفهاء. قَالَ: وَمَا يَقُول؟ قالوا يَقُول:
أطوف بالبيت فيمن يطوف ... وأرفع من مئزري المسبل
قَالَ: قد أحسن ونعم مَا صنع، ثُمَّ أنشد:
وأسجد بالليل حَتَّى الصباح ... وأتلو من المحكم المنزل
فَقَالَ: هَذَا رجل صدق، فأنشد:
عسى فارج الهم عَن يوسف ... يسخر لِي ربة المحمل
قَالَ: آه، آه امسكوا، هَذَا رجل سوء.
وأخبرني بعض أصحابنا عَن الحرامي أنه ذكر أن سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ المنشد هَذَا الشعر، الَّذِي غنى بِهِ ابْن جامع السهمي وَاللَّه أعلم.
وأنشد ابْن المنكدر:
فما تولت حَتَّى تضرعت حولها ... وأعلمتها مَا أنزل اللَّه فِي اللمم
فَقَالَ: لمن هَذَا؟ قَالَ: لوضاح اليمن. فضحك وَقَالَ: إن وضاح لمقيتا لنفسه.
ومات مُحَمَّد بْن المنكدر فِي سنة ثلاثين ومائة، ويكنى أبا عَبْد اللَّهِ.
وكلم ابْن المنكدر عَبْد الْمَلِكِ فِي قضاء دينه فَقَالَ: أقضيه عنك عَلَى أن(10/163)
لا تعود للدين. فَقَالَ: إن المؤمن لا يُلدَغ من جُحر مرتين، يَقُول:
لا أسألك بِهَا قضاء دين.
وَكَانَ أَبُو بَكْر بْن المنكدر فقيها.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: ولد الهدير رَبِيعَة، وعَبْد اللَّهِ والمنكدر، فولد المنكدر محمدا، وأَبَا بَكْرٍ، وعمر، وكلهم كَانَ دينا خيرا.
قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّد بْن المنكدر: بات أخي عمر يصلي بالليل، وبت أغمز قدمي أمي، فما تسرني ليلته بليلتي.
قَالَ: ودخل أعرابي الْمَدِينَة فرأى إعظام النَّاس بني المنكدر وذكرهم لهم، فسئل عَن أهل الْمَدِينَة لما خرج مِنْهَا فَقَالَ: تركتهم بخير، وإن استطعت أن تكون من بني المنكدر فكن.
وحج مُحَمَّد بْن المنكدر فأعطى مَا مَعَهُ وتصدق وفرق، فلم يبق مَعَهُ شَيْء، فَقَالَ لأصحابه: ارفعوا أصواتكم بالتلبية، ورفع صوته فمر ببعض المياه وعليه مُحَمَّد بْن هِشَام المخزومي فَقَالَ: بلغني أن ابْن المنكدر أنفق نفقة كبيرة، وَمَا أظن مَعَهُ شَيْئًا، فبعث إِلَيْهِ بأربعة آلاف درهم، فأخذها وحمد اللَّه كثيرا وَقَالَ: إن من أفضل أعمال أهل الإيمان إطعام الشبعان.
قَالَ وَكَانَ رَبِيعَة الرأي ابْن أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ، مولى بني الهدير، وَكَانَ رَبِيعَة يكنى أبا عَبْد الرَّحْمَنِ أَيْضًا بكنية أَبِيهِ، وَكَانَ اسم أَبِيهِ فروخ، وَكَانَ يسار النساء من سبي أذربيجان مولاهم أَيْضًا، وَكَانَ يشتري متاع العرائس ويبيعه، وكانت تلك تجارته فقيل لَهُ: يسار النساء، وَكَانَ إِسْمَاعِيل بْن يسار، وَمُحَمَّد بْن يسار، وسليمان بْن يسار أخوه. قَالَ مُحَمَّد بْن يسار لإسماعيل أخيه:(10/164)
تلوم عَلَى القطيعة من أتاها ... وأنت سننتها فِي النَّاس قبلي
وَقَالَ إِسْمَاعِيل:
لا تحسبني كمعشر كذب ... علفتهم مَا أنيت فاعتلفوا
وقد فرق اللَّه بين نيتينا ... فِي كُلّ أمر فكيف نأتلف
وَكَانَ إِسْمَاعِيل يكنى أبا فايد، وَكَانَ شاعرا سديد العقل، ذا رأي، وَكَانَ سُلَيْمَان بْن يسار منقطعا إِلَى ابْن الزُّبَيْر، وليس هُوَ سُلَيْمَان بْن يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ بِنْت الْحَارِث بْن حزن الهلالية الفقيه.
وَكَانَ الماجشون مولى بني الهدير أَيْضًا.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد: كَانَ رَبِيعَة بْن عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ أَبُو سَلَمَة بْن الهدير فقيها، روى عَن أَبِي بَكْرٍ وعمر [1] .
وَكَانَ رَبِيعَة بْن عُثْمَان بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الهدير فقيها ومات فِي سنة أربع وخمسين ومائة وَهُوَ ابْن سبع وسبعين سنة، ويكنى أبا عُثْمَان.
قَالَ أَبُو اليقظان: ومن بني تيم بْن مرة:
عون بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي هند،
ويكنى أبا عَبْد اللَّهِ، وَكَانَ لَهُ قدر بفارس، وولي اصطخر لمنصور بْن زياد، وهلك منصرفا من مَكَّة.
وَقَالَ ابْن سَعْد: كَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن صبيحة التَّيْمِيّ من قُرَيْش وقد حج مَعَ أَبِي بَكْرٍ، وروى عَنْهُ، وله بالمدينة دار عند أصحاب الأقفاص.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ صبيحة بْن الْحَارِث بْن جبيلة بْن عامر بْن كعب بْن سَعْد فيمن بعثه عُمَر بْن الْخَطَّابِ لإقامة أنصاب الحرم.
قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: ومن بني تيم بْن مرة: الحارث بن خالد بن
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 5 ص 27.(10/165)
صخر بْن عَمْرِو بْنِ كعب بْن سَعْد بْن تيم، وَكَانَ من مهاجرة الحبشة فِي المرة الثانية، وقد ذكرناه فيما تقدم من كتابنا هَذَا.
ومنهم: خَالِد بْن عَبْدِ مَنَاف بن كعب بن سعد بن تيم
وهو الشرقي وبعضهم يَقُول الشرفي، وَكَانَ يأتي مشارف الشام، وَكَانَ فِيهِ وفي أهل بيته بغي وشرارة.
ومن ولده: شييم بْن قَيْس بْن خَالِد بْن عَبْدِ مَنَاف،
وله تقول أمه سبيعة بِنْت لاحب النصرية:
أبني لا تظلم بمك ... ة لا الصغير وَلا الكبيرا
إني رأيت الظلم أورث ... هم لبغيهم ثبورا
والفيل أهلك جيش ... هـ يغشى عناتهم الصخورا
وَاللَّه آمن طيرها ... والوحش حين أوت ثبيرا
وأنشدنيه عَمْرو بْن الأسود الشيباني:
لا تظلمن من جاء مك ... ة من صغير أَوْ كبير
أبني من يظلم بمك ... ة يلق أطراف الشرور
واحفظ محارمها ولا يغرر ... ك بالله الغرور
فالله آمن طيرها ... والوحش تعقل في ثبير
والفيل أهلك جيش ... هـ يرمون فيها بالصخور
فاسمع إذا حدّث ... ت وافهم كيف عاقبة الأمور
والرواية الأولى رواية الْحِرْمَازِيّ.
وقالت لَهُ أَيْضًا:
أبني إني رابني حجر ... يغدو بكفك كلما تغدو(10/166)
قَالَ:
ومنهم مسافع بْن عياض بْن صخر بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم
وَهُوَ الَّذِي هجاه حسان بْن ثَابِت الأَنْصَارِيّ فَقَالَ:
يَا آل تيم أَلا تنهون جاهلكم ... قبل القذاف بأمثال الجلاميد
[1]
ومنهم مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ بْن الْحَارِث بْن خَالِد بْن صخر بْن عَمْرِو بْنِ كعب بْن سَعْد بْن تيم الفقيه أَبُو عَبْد اللَّهِ
مات سنة عشرين ومائة، وابنه مُوسَى بْن مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ مات فِي خلافة المهدي.
قَالَ: ومن بني تيم بْن مرة:
أَبُو الغشم بْن عَبْدِ العزيز بْن عَامِر بْن الْحَارِث بْن حارثة بْن سَعْد بْن تيم.
والحويرث بْن دباب بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِر بْن الْحَارِث بْن حارثة بْن سَعْد، وَكَانَ من قصة دباب، وذكر أَبِي طالب إياه مَا قد شرحناه مَعَ تسمية ولد أَبِي طالب لصلبه.
وَحَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّد التَّوَّزِيّ النحوي عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ العلاء قَالَ: كَانَ ابْن جدعان يوجه أبا مليكة وغيره بالهدايا إِلَى ملك الحيرة، وإلى كسرى، ويفد إليهم فِي الأمور، ويكاتبهم، فبعث بهدايا إِلَى ملك الحيرة، فقطع عَلَى رسله بنو يربوع، فأغار ابن جدعان بقريش ومن لافهم عَلَى بني يربوع، ولم يعرض لغيرهم من بني تميم.
وَقَالَ ابْن جدعان فِي ولد سبيعة بِنْت الأحب، وفي خَالِد بْن عَبْدِ مناف بن كعب بن سعد بن تيم وإخوته:
إذا ولد السبيعة فارقوني ... فأي مراد ذي حسب أرود
أأقعد بعدهم فِي النَّاس حيا ... وقد هلك المصاليت الأسود
يكبون العشار لمن أتاهم ... إذا مَا لم يكن فِي الأرض عود
__________
[1] ديوان حسان ج 1 ص 349.(10/167)
حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ حَاتِمِ بْنِ اسماعيل عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ يُضِيفُ الضَّيْفَ، وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ، قَالَ: «يَا عَائِشَةُ كَيْفَ وَلَمْ يَقُلْ قَطُّ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ: رَبِّ اغْفِرْ (لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدين) [1] ؟
__________
[1] سورة الشعراء- الآية: 82.(10/168)
نسب ولد يقظة بْن مرة بْن كعب
ولد يقظة بْن مرة:
مخزوم بْن يقظة،
وأمه كلبة بِنْت عامر بْن لؤي.
فولد مخزوم: عَمْرو بْن مخزوم، وعامر بْن مخزوم، وحبيب بْن مخزوم، وأسد بْن مخزوم، فدرج حبيب وأسد وأمهم عنبة، ويقال: غنى بِنْت سيار واسمها لبنى بِنْت سيار بْن نزار بْن معيص بْن عامر بْن لؤي.
وعمران بْن مخزوم، وعميرة وأمهما سعدى بِنْت وهب بْن تيم بْن الأدرم بْن غالب.
فولد عمر بْن مخزوم:
عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ، وعبيد بْن عُمَرَ، وعَبْد العزى بْن عُمَرَ وأمهم برة بِنْت قصي بْن كلاب.
فولد عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ بْن مخزوم:
الْمُغِيرَة بْن عبد الله إليه البيت والعدد، وعائد بْن عَبْدِ اللَّهِ- بدال غير معجمة- وأسد بْن عَبْدِ اللَّهِ- وهو ابن جندب- وخالد بْن عَبْدِ اللَّهِ، وعثمان. وأمهم ريطة بِنْت عَمْرو بْن كعب بْن أسعد بْن تيم بْن مرة.
وهلال بْن عَبْدِ اللَّهِ وأمه برة بِنْت ساعدة بْن مشنوء بْن عَبْدِ حبتر من خزاعة.(10/169)
فولد الْمُغِيرَة بْن عَبْدِ اللَّهِ:
هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ، وهاشم بْن الْمُغِيرَةِ درج وَلا عقب لَهُ، وأبا حُذَيْفَة بْن الْمُغِيرَةِ واسمه مهشم، وأبا رَبِيعَة، وَهُوَ ذو الرمحين، واسمه عَمْرو، وأبا أمية بْن الْمُغِيرَةِ، واسمه حُذَيْفَة، وأبا زهير بْن الْمُغِيرَةِ واسمه تميم، والفاكه قتلته كنانة وأمه ريطة بِنْت سَعِيد بْن سهم بْن عَمْرِو بْنِ هصيص، وبعضهم يَقُول: ريطة بِنْت سَعِيد بْن سَعْد بْن سهم، والأول قول الْكَلْبِيّ.
والوليد بْن الْمُغِيرَةِ
وَكَانَ يقال لَهُ: العدل، وَهُوَ الوحيد، وعبد شمس بْن الْمُغِيرَةِ وأمهما صخرة بِنْت الْحَارِث بْن عَبْدِ اللَّهِ من قشير بجيلة، وحفص بْن الْمُغِيرَةِ، وأمه حبيبة بِنْت شيطان من بني كنانة، ويقال حنتمة، وكانت لَهُ: حفصة، وصفية، وهند. فأما حفصة فكانت عند حنطب بْن الْحَارِث بْن عُبَيْد بْن عُمَر بْن مخزوم فَقَالَتْ:
ومالي لا أبكي وأحلق جمتي ... وقد نكح البيض الأوانس حنطب
وكانت هند وصفية عند أَبِي أحيحة بْن سَعِيد بْن العاص بْن أمية.
قَالُوا: وَكَانَ الْمُغِيرَة بْن عَبْدِ اللَّهِ ذا قدر فِي قُرَيْش، وَكَانَ يطعم الطعام، وأطعم يوما قوما من خزاعة فَقَالَ: قبح اللَّه هَذِهِ الوجوه أعناق ضباع كرم، وأكل غثم أي شديد، فَقَالَ الخزاعي، وَكَانَ الْمُغِيرَة يكنى أبا هِشَام، وَمَا قَالَ الْمُغِيرَة ذاك إِلا ليعلم علم مَا قد يستثير:
سيغني عن خزير [1] أَبِي هِشَام ... صفايا كثة الأوبار خوز
وَقَالَ قوم ممن يلتمس الطعن عَلَى الْمُغِيرَة أنه استرضع للمغيرة فِي بني شجع بْن عَامِر بْن ليث بْن بكر بْن عَبْدِ مَنَاف بن كنانة بن خزيمة، فمات
__________
[1] الخزيز: العوسج الجاف جدا. القاموس.(10/170)
فجعلت الشجعية ابنها مكانه، وسمته الْمُغِيرَة، وادعت أن الميت ابنها فوقع لما شب فِي بئر فَقَالَ: يَا أخوتي يَا شجع، وَكَانَ عابد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم حاضرا فَقَالَ:
عال يديك وارتفع ... أنا أخوك لا شجع
وَقَالَ قوم: إن المسترضع لَهُ الْوَليِد بْن الْمُغِيرَةِ، فمات الْوَليِد فجعل الشجعي مكانه، فلما وقع فِي البئر قَالَ لَهُ هَذَا القول بعض أخوته من بني الْمُغِيرَة، وَاللَّه أعلم.
وَقَالَ حسان بْن ثَابِت للوليد:
فمالك فِي كعب قناة صليبة ... وإن قلت من شجع فأنت كذوب
[1] ونفاه حسان من شجع أَيْضًا لأنه يقال إن الشجعية جعلت مكان الميت المسترضع لَهُ ابْن عَبْدِ لهم يقال لَهُ صقعب وكان اسم الصبي ديسم بن صقعب.
وَقَالَ حسان فِي بني الْمُغِيرَة من بني مخزوم أَوْ بني الْوَليِد:
إذا ذكر الأطايب من قُرَيْش ... تلاقت دون نسبتكم كلاب
نفتك بنو هصيص عَن أبيها ... بشجع حَيْثُ تسترق العياب
وعمران بْن مخزوم فدعها ... هناك العز والحسب اللباب
[2] وَكَانَ كُلّ من حج من العرب ينزلون عَلَى بطون قُرَيْش فيعطونهم ثيابا يطوفون فِيهَا، ويلقون ثيابهم ويأخذ البطن الَّذِي ينزلون عَلَيْهِم مَا ينحرون من الجزر حَتَّى منع مَا ينحره رجل من فزاره من بني شمخ، وكان نازلا على
__________
[1] ديوان حسان ج 1 ص 409.
[2] ديوان حسان ج 1 ص 342 مع فوارق.(10/171)
الْمُغِيرَة، فتهدده الْمُغِيرَة فترك الحج وَقَالَ:
يَا رب هل عندك من عقيره ... أصبح مالي تاركا محيره
إنّ منى مانعها الْمُغِيرَه
فأما هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم،
فكان يكنى أبا عُثْمَان، وَكَانَ سيدا من سادات قُرَيْش فِي زمانه إطعاما للطعام وتوسعا عَلَى النَّاس.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: روى عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قال: [ «لو دخل مشرك من العرب الجنة لدخلها هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ، إن كَانَ لأقراهم للضيف وأحملهم للكل» ،] وكانت قُرَيْش جعلت موته تاريخا. تقول كَانَ هَذَا ليالي مات هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ، وَكَانَ موت هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ بِمَكَّةَ فَقَالَ الشاعر:
وأصبح بطن مَكَّة مقشعر ... لأن الأرض ليس بِهَا هِشَام
فبكيه ضباع وَلا تملي ... البكاء فانه رجل إمام
إمام الحلم والتقوى وسيب ... عَلَى الأقوام إن فقد الغمام
يروح كأنه أثناء سوط ... وفوق خوانه حيس ركام
وقالت ضباعة القشيرية ترثيه:
إن أبا عُثْمَان لم أنسه ... وإن صمتنا عَن بكاء لهوب
تفاقدوا من معشر مَا لهم ... أي كريم دفنوا بالقليب
وَقَالَ هِشَام ابْن الْكَلْبِيّ: مات هشام بن المغيرة بعد عبد اللَّه بْن جدعان بيسير، وَكَانَ شريفا سيدا فِي أخلاقه، فلم تقم سوق عكاظ ثلاثا، وَقَالَ فِيهِ ابْن عبلة الشاعر وَهُوَ الْحَارِث بْن أمية الأصغر:
ألا ذهب الفياض والحامل الثقلا ... ومن لا يصون عَن عشيرته فضلا(10/172)
وعان تريك يستكين لعلة ... فككت أبا عُثْمَان عَن يده الغلا
وَمَا أنت كالهلكى فتبكى بكاءهم ... ولكن ترى الهلاك فِي جنبه وغلا
وَحَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْمُغِيرَةِ الأثرم عَن أَبِي عُبَيْدَة معمر بْن المثنى قَالَ: لما قَالَ الْحَارِث: «وَمَا أنت كالهلكى» قَالَ بنو حرب بْن أمية إنما عرضت بأبينا حرب فِي قولك: «وَمَا أنت كالهلكى» وضربوه ليموت، فهرب إلى الطائف، وأخربوا منزله الَّذِي فِي بني عبد شمس، فاشترى لَهُ بنو هاشم داره الَّتِي فِي أجياد، فقدم من الطائف. وَقَالَ بحير بْن عَبْدِ اللَّهِ القشيري:
دعيني أصطبح يَا بكر إني ... رأيت الموت نقب عَن هِشَام
وود بنو الْمُغِيرَة لو فدوه ... بألف مقاتل وبألف رام
وود بنو الْمُغِيرَة لو فدوه ... بألف من رجال أَوْ سوام
[1] قَالُوا: وأتى هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ نجران فِي أمر من أموره، وبها أسماء بِنْت مخربة بْن جندل بْن وبير- ويقال: أبير- بْن نهشل بْن دارم، وقد هلك عَنْهَا زوج لها، وكانت جميلة لبيبة فقيل إن ههنا امْرَأَة من قومك، فلما رآها رغب فِيهَا فَقَالَ: هل لك فِي أن أتزوجك وأنقلك إِلَى مَكَّةَ؟ فَقَالَتْ: مَا أعرفك ولكني أنكحك عَلَى أن تحملني إِلَى مَكَّةَ فتزوجها وحملها إِلَى مَكَّةَ، فولدت لَهُ عَمْرو بْن هِشَام ويكنى أبا الحكم، وَهُوَ أَبُو جهل، والحارث بْن هِشَام، ثُمَّ هلك عَنْهَا فخلف عَلَيْهَا أَبُو رَبِيعَة بْن الْمُغِيرَةِ فولدت لَهُ عياش بْن أَبِي رَبِيعَةَ.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: سأل مُعَاوِيَة رجلا عَن بني مخزوم، فَقَالَ: معزى مطيرة غير بني الْمُغِيرَة.
فولد هِشَام بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم أبا جهل بن
__________
[1] السوام: الإبل الراعية. القاموس.(10/173)
هِشَام، واسمه عَمْرو، وَكَانَ يكنى أبا الحكم فكناه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا جهل، قتل يَوْم بدر كافرا وَقَالَ فِيهِ حسان بْن ثَابِت:
النَّاس كنُوه أبا حكم ... وَاللَّه كناه أبا جهل
[1] وقد ذكرنا أخباره ومقتله فيما تقدم من كتابنا.
وكانت جويرية ابنته عند عَتَّابَ بْن أُسَيْدِ بْن أَبِي الْعِيصِ بْن أمية.
قَالُوا: وَكَانَ هِشَام، وَابْن جدعان، وحرب بْن أمية يتجالسون، فلما مات حرب بْن أمية جاء أَبُو سُفْيَان ليجلس مكان أَبِيهِ فنحاه هِشَام، فَقَالَ: وَاللَّه ليجلسني مجلس أَبِي من هُوَ أشرف منك، عَبْد اللَّهِ بْن جدعان.
والحارث بْن هِشَام أمه أسماء بِنْت مخربة النهشلية، وسلمة بْن هِشَام وأمه ضباعة القشيرية، والعاص بْن هِشَام قتل يَوْم بدر كافرا، وجاء هِشَام بْن العاص بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ يَوْم الفتح إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنظر إِلَى خاتم النبوة، ووضع يده عَلَيْهِ، فأقعده رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يديه وضرب فِي صدره ثلاثا، ثُمَّ قَالَ: [ «الهم أذهب عَنْهُ الغل والحسد» ] فكان ولده يقولون: نحن أقل قُرَيْش حسدا، وخالد بْن هِشَام أسر يَوْم بدر كافرا، وَلا عقب لَهُ وأمهما مخزومية، وأم حرملة بِنْت هِشَام تزوجها العاص بْن وائل السهمي، فولدت لَهُ هِشَام بْن العاص، ومعبد بْن هِشَام درج.
وأما أَبُو جهل هِشَام
فولد: عِكْرِمَة، وَكَانَ فارسا، أسلم يَوْم فتح مَكَّة، وكانت لَهُ صحبة واستشهد بالشام يَوْم أجنادين سنة ثلاث عشرة وَهُوَ الثبت، ويقال يَوْم اليرموك سنة خمس عشرة وَلا عقب لعكرمة وَكَانَ يكنى أبا هشام.
__________
[1] ديوان حسان ج 1 ص 261 مع فوارق.(10/174)
وأما الْحَارِث بْن هِشَام، أخو أَبُو جهل
فكان يكنى أبا عَبْد الرَّحْمَنِ، أسلم يَوْم فتح مَكَّة وحسن إسلامه، وَقَالَ: لا أدع واديا سلكته فِي قتال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا سلكته فِي سبيل اللَّه، وَلا أدع درهما أنفقته فِي قتاله إِلا أنفقت مثله فِي طاعة اللَّه وطاعة رسوله، فغزا الشام فهلك فِي طاعون عمواس [1] ، وقيل بل استشهد يَوْم أجنادين، وخلف عُمَر بْن الْخَطَّابِ عَلَى امرأته ابنة الْوَليِد بْن الْمُغِيرَةِ، وَهِيَ أم عَبْد الرَّحْمَنِ الأصغر المكنى أبا شحمة، ودفع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عرفة بين الْحَارِث وبين أَبِي سُفْيَان بْن حرب.
فولد الْحَارِث بْن هِشَام:
أبا سَعِيد
وَلا عقب لَهُ،
وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث،
وأمه فاطمة بِنْت الْوَليِد بْن الْمُغِيرَةِ ويقال خالدة بِنْت الْوَليِد، وَكَانَ يقال لَهُ ولامرأته- وَهِيَ فاختة بِنْت عنبه بْن سهيل من بني عامر بْن لؤي- شريفا قُرَيْش، وذلك لأن أبويهما غزوا فهلكا بالشام، وجيء بهذين صغيرين فَقَالَ عُمَر بْن الخطاب: زوجوا هَذَا بهذه لعل اللَّه أن يخرج بينهما ذرية فزوجا.
وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام من سادة قُرَيْش وخيارهم وله دار بالمدينة، وزوجه عُثْمَان بْن عَفَّان ابنته، وكانت فيمن حضر جمع الْقُرْآن فِي المصحف وإقامته عَلَى لغة قُرَيْش، ثُمَّ شهد يَوْم الجمل مَعَ عَائِشَة، فكان أول منهزم حَتَّى أتى الْمَدِينَة فَقَالَ لهم: إني سمعت اللَّه يَقُول: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عبادي الشكور) [2] فالزموا مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا يخلون من بعضكم، وَكَانَ يكنى أبا مُحَمَّد. ووقف عُثْمَان بْن عَفَّان عَلَى
__________
[1] كان طاعون عمواس سنة 18 هـ، وعمواس قرية قريبة من القدس.
[2] سورة سبأ- الآية: 13.(10/175)
بني مخزوم فِي مجلسهم فَقَالَ: إنه ليعجبني مَا أرى من جمال أمركم وهيبتكم، فَقَالَ بعضهم: فلو زوجت بعضنا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: إن خطب إلي عَبْد الرَّحْمَنِ، قَالَ: فإني أخطب إِلَيْك، فزوجه ابنته، وأرسلته عَائِشَة إِلَى مُعَاوِيَة فِي أمر حجر بْن عدي فوجده قد قتله فعاتبه عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ: غاب عني مثلك من حلماء قومي.
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ أَبُو يَعْقُوبَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُثْمَانَ دَعَا بِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَأَمَرَهُمْ يَنْسَخُوا الصُّحُفَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ فِي الْمَصَاحِفِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الْقَائِلُ لِمُعَاوِيَةَ، وَذَكَرَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَقَالَ: هُوَ لِي نَاصِحٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَطْعِمْنَا مِصْرَ كَمَا أَطْعَمْتَهُ إِيَّاهَا، ثُمَّ خُذْنَا بِمِثْلِ نَصِيحَتِهِ، إِنَّا رَأَيْنَاكَ يَا مُعَاوِيَةُ تَضْرِبُ عَوَامَّ قُرَيْشٍ بِأَيْدِيَكَ فِي خَوَاصِّهَا كَأَنَّكَ تَرَى أَنَّ كِرَامَهَا جَازَوْكَ عَنْ أَيَّامِهَا، وَكَأَنَّكَ بِالْحَرْبِ قَدْ حُلَّ عِقَالُهَا، وَايْمُ اللَّهِ إِنَّكَ لَتَفْرُغُ مِنْ وِعَاءٍ فَعُمْ [1] فِي إِنَاءٍ ضَخْمٍ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَابْنَ أَخِي مَا أَحْوَجَ أَهْلُكَ إِلَيْكَ.
وولد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام: محمدا وبه كَانَ يكنى، وأَبَا بَكْرٍ، وعمر، وعثمان، والوليد، أمهم فاختة بِنْت عنبه بْن سهيل.
والمغيرة، وعوفا، أمهما سعدى بِنْت عوف بْن خارجة بْن سنان المري، وعياشا أمه أم الْحَسَن بِنْت الزُّبَيْر بْن العوام، وعكرمة بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وعُبَيْد اللَّهِ لأم ولد. وأسماء، وأم خَالِد، وزينب الواصلة، وصلت حسن
__________
[1] فعم الإناء: امتلأ. القاموس.(10/176)
خلقها وخلقها بحسن وجهها، ويقال الموصلة، وتزوجها يَحْيَى بْن أَبِي الحكم بْن أَبِي العاص عَلَى مائة ألف درهم، وكانت قبله عند أبان بْن مروان بْن الحكم، وَكَانَ عَبْد الْمَلِكِ أرادها فعصت فأخذ مال يَحْيَى فَقَالَ:
كعكة وزينب، وتزوج أم خَالِد عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ عُثْمَان بْن عَفَّان، وتزوج أسماء الْوَليِد بْن عتبة بْن أَبِي سُفْيَان.
فأما مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَام
فقد روى عَنْهُ الزُّهْرِيّ وغيره وله عقب.
وأما أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَام
فكان ذا قدر وفضل ومنزلة من عَبْد الْمَلِكِ، وأوصى بِهِ وبعَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر الْوَليِد، ولم يمت حَتَّى عمي، وله عقب بالمدينة.
وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أم الحكم: جاء الإِسْلام وفينا معشر ثقيف من قُرَيْش عدة نساء، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إذا لا تجد فيهن مغيرية، فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ: إنا نعتام [1] لمناكحنا فنأتي الأودية من ذروتها وَلا نأتيها من أذنابها، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: ويحك مَا أسبك.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَن عَبْد اللَّهِ بْن عِكْرِمَة قَالَ: سمعت أَبِي يَقُول: مَا رأيت أحدا قط جمع اللَّه فِيهِ من خصال الخير مَا جمع فِي أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْن هِشَام عبادة وحلما وشرفا وأفضالا، وإغضاء عَن الأذى، واحتمالا لكل ما ناب العشيرة [2] .
__________
[1] اعتام: أخذ. والعيمة: شهوة اللبن، والعطش. القاموس.
[2] ترجم ابن سعد لأبي بكر بن عبد الرحمن: ج 5 ص 207- 209، لكنه لم يورد هذا الخبر.(10/177)
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَقَالَ ابْن أَبِي سبرة: وزوج أَبُو بَكْر فِي غداة واحدة عشرة من بني الْمُغِيرَة وأصدقهم وأخدمهم وبعثر مالا عظيما فأداه فِي ديات تحملها.
قَالَ: وَقَالَ ابْن أبي سبرة: قَالَ صَالِح بْن حسان: سمعت عمر بْن عبد العزيز يقول في خلافته، وذكر أبا بَكْر بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إن هناك شرفا وفضلا ونسكا واحتمالا.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالَ ابْن أَبِي الزناد: منع النَّاس من أن يرووا عَن أَبِي بَكْر بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ فيكبروا جلالته وهيبته ونبله.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالَ أَبُو عون مولى الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَةَ: رأيت أَبَا بَكْر بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ وقد ذهب بصره يفرش له وسط الدار، وهي دار فِيهَا من أهل بيته خلق، مَا يفتح باب وَلا يغلق، وَلا يدخل داخل، وَلا يخرج وَلا يمر بِهِ أحد حَتَّى يقوم إعظاما لَهُ.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الواقدي عن إبراهيم بن مُوسَى الربعي قَالَ: قَالَ لِي عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ لِي أَبِي: يَا بني لا يفقدن مني جليسي إِلا وجهي، هَذَا عهدي إِلَيْك وَهُوَ عهد أَبِي كَانَ إلي.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَن الْوَاقِدِيِّ قَالَ: كَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام يكنى أبا مُحَمَّد، وكان حِينَ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْن عشر سنين، وأشف، ومات فِي أيام مُعَاوِيَة، وروى عَن عُمَر بْن الْخَطَّابِ، وَكَانَ فِي حجره لأن أمه كَانَتْ عنده، خلف عَلَيْهَا بعد أَبِيهِ، قَالَ: وولد ابنه أَبُو بَكْر بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أيام عمر واسمه وكنيته واحدة، وَكَانَ يقال(10/178)
لأَبِي بَكْر بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ راهب قُرَيْش لكثرة صلاته وصومه وزهده، وَكَانَ مكفوفا.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: صلى العصر ودخل مغتسله فسقط فحمل فجعل يَقُول: وَاللَّه مَا أحدثت فِي صدر نهاري شَيْئًا فلم تغرب الشمس حَتَّى مات، وذلك بالمدينة سنة أربع وستين [1] .
ومن ولد أَبِي بَكْرٍ: عِيسَى بْن عُمَرَ بْن أَبِي بَكْر بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الَّذِي يَقُول فِيهِ سهيل أَبُو الأبيض:
كَانَ مما زانني ربي بِهِ ... طيب الأثواب عِيسَى بْن عُمَرَ
حسن الوجه كريم ماجد ... سبط الكفين وهاب الغرر
وأما عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ
فأن ابْن الزُّبَيْر استعمله عَلَى الْكُوفَة، فأعطاه المختار بْن أَبِي عبيد مائة ألف درهم وانصرف عَنْهُ، ثُمَّ صار مَعَ الْحَجَّاج، ومات بالعراق وقد ذكرنا خبره فِي أخبار المختار.
وَكَانَ مُحَمَّد بْن عُمَرَ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ
ابنه من رجال قُرَيْش، وَهُوَ الَّذِي أتى يَزِيد بْن عَبْدِ الملك بْن مروان برأس يَزِيد بْن المهلب فأقطعه دارا وبعض ضياع المهلب وعقبه بالكوفة.
وَكَانَ عتبة بْن عُمَرَ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ
ابنه أَيْضًا من دهاة قُرَيْش وعلمائهم ومياسيرهم، وَكَانَ ذا سخاء فلم يزل مَعَ الْحَجَّاج وَكَانَ الْحَجَّاج يقدمه ويأنس بِهِ، وحفص وسهيل ابناه أَيْضًا ولهما عقب بالبصرة وواسط.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيّ: قَالَ خَالِد بْن عَبْدِ الله القسري يوما: إن
__________
[1] طبقات ان سعد ج 5 ص 207- 208.(10/179)
أقواما ينفقون أموالهم فإذا أنفدوها أدانوا فِي أديانهم، فظن عتبة بْن عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام أنه يعرض بِهِ فَقَالَ: إن أقواما أموالهم أكبر من مروءاتهم فلا ينفقونها فتبقى لهم، وإن أقواما مروءاتهم أكبر من أموالهم فهم ينفقون أموالهم فإذا أنفدوها ادانوا عَلَى فضل اللَّه وسعة رزقه، قَالَ:
صدقت وإنك لمنهم.
وأما عِكْرِمَة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام،
فكان يكنى أبا عَبْد اللَّهِ، ومات فِي أيام يَزِيد بْن عَبْدِ الملك، وَكَانَ ابنه عَبْد اللَّهِ بْن عِكْرِمَة بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث يكنى أبا مُحَمَّد، وَكَانَ محدثا وولي صدقات حنظلة، وعمرو بْن تميم.
وأما أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث فمن ولده: عَبْد الْمَلِكِ بْن أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ سخيا سريا، فمات فِي أول أيام هِشَام بْن عَبْدِ الملك.
وأما عُثْمَان بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام فولد: عُثْمَان بْن عُثْمَان، وَكَانَ عُثْمَان من خيار الْمُسْلِمِينَ من قُرَيْش وذوي الهيئة منهم، وَكَانَ يكنى أبا عَبْد الرَّحْمَنِ وله عقب بالبصرة، وولد أَيْضًا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عُثْمَان بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَ لَهُ عقب فانقرضوا.
وأما الْوَليِد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام
فله عقب.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ لحفص بْن عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام عقب بالبصرة وواسط.
وأما المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هِشَام
فكان مطعاما للطعام، جوادا.
حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن عوانة بْن الحكم قَالَ:(10/180)
كَانَ عَبْد الْمَلِكِ بْن بشر بْن مروان، وعمران بْن مُوسَى العمري من بني تيم قُرَيْش، وبعض آل أَبِي سُفْيَان بْن حرب، وخالد بْن الْوَلِيد بْن عُقْبَةَ بْن أَبِي معيط يتوسعون فِي الطعام وَلا يمنعونه من حضر، فقدم الْكُوفَة الْمُغِيرَة الأعور بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ المخزومي، فكان يطعم طعاما كثيرا خاصا وعاما، وكانت مائدته أسرى من موائد الآخرين، وَكَانَ يأمر فتتخذ لَهُ حيسه تجعل عَلَى الأنطاع فيأكل منها الراكب، ويطعم النَّاس لحم الجزور فِي الجفان حَتَّى غمر الباقين، وعجزوا عَن مجاراته فأمسكوا فَقَالَ الأقيشر:
أتاك البحر طم عَلَى قُرَيْش ... مغيري فقد راغ ابْن بشر
وراغ الحدي حدي [1] التيم لما ... رأى المعروف منه غَيْر نزر
ومن أولاد عقبة قَدْ شفاني ... ورهط الحاطبي ورهط صخر
[2] وابتاع منزل أَبِي أَيُّوب الأَنْصَارِيّ الَّذِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزله بألف دينار من أفلح مولى أَبِي أَيُّوب، ونزل أفلح دارا غيرها فكان الْمُغِيرَة يمر بِهِ فيقول:
فريق فِي الجنة وفريق فِي السعير، فيقول: فتنتني الدنانير يَا أبا هاشم.
ولما اشتراها تصدق بِهَا، وقد صارت دار أفلح لعمر بْن بزيع، ودخل داره أعرابي وَهُوَ يطعم النَّاس الثرد وعليها العراق، فلما رآه أعور قَالَ:
الدجال وَاللَّه، وخرج من الدار مبادرا، ولم يطعم شَيْئًا، وكانت عينه ذهبت بأرض الروم وفيه يَقُول الشاعر:
لقد علموا أن الْمُغِيرَة قائل ... لمن بين سديها ادخلوا بسلام
__________
[1] الحديا: المنازعة والمباراة. القاموس.
[2] لم ترد هذه الأبيات في ديوان الأقيشر المطبوع.(10/181)
قَالُوا: ولما شخص الْمُغِيرَة الأعور بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث عَن الْكُوفَة قَالَ الشاعر:
أَلا يَا معشر الأعراب سيروا ... فما بعد الْمُغِيرَة من مقام
وخطب الْمُغِيرَة امْرَأَة من بني جَعْفَر بْن كلاب، وخطبها ابْن عم لها فزوجها الْمُغِيرَة، فَقَالَ ابْن عمها:
إذا دخلت دار الْمُغِيرَة ضمها ... مصاريع أبواب غلاظ وحاجب
إذا حال أبواب الْمُغِيرَة دونها ... وعرض الفيافي لم يزرها الأقارب
فقالت حين بلغها الشعر:
فإذا شممت ريح طعام الْمُغِيرَة لم يكن شيء إلا أرى قريبا.
ومر الْمُغِيرَة فِي سفر لَهُ بغدير آجن الماء، فأمر بزقاق العسل فشقت فِيهِ وخيض ماء الغدير بِهِ، ثُمَّ سقاه من مَعَهُ.
فولدت الكلابية للمغيرة بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ: هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ، وَكَانَ يفرق شعره من خلف وقدام، فسمي ذا القرنين، وَكَانَ للمغيرة بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْن آخر يقال لَهُ صدقه وأمه الكلابية أَيْضًا، ويقال أمه كلبية- وَكَانَ صدقة سيدأ مطعاما، وله عقب بالمدينة، وَقَالَ رجل لغلام للمغيرة: عَلَى أي شَيْء جعلتم ثريدكم هَذَا عَلَى العمد؟ فَقَالَ بل عَلَى أعضاد الإبل، فأعتق الغلام ووهب لَهُ دنانير.
وأمر الْمُغِيرَة أن يدفن بأحد مَعَ الشهداء وأوصى أن يطعم النَّاس بألف دينار عند قبره، فمنع إِبْرَاهِيم بْن هِشَام من ذَلِكَ، وصرف صدقته فِي عمارة ضيعة وقفها.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: قدم مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَام عَلَى(10/182)
زياد بْن أَبِي سُفْيَان فزوجه ابنته، وعقبه بالبصرة منهم مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر بْن عُبَيْد اللَّهِ كَانَ جميلا نبيلا.
وولد مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر هَذَا: عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد، ويكنى أبا مُحَمَّد وَكَانَ قاضيا لمحمد بْن سُلَيْمَانَ بْن علي عَلَى البصرة.
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَمْرٍو الثَّقَفِيِّ قَالَ: قَالَت عَائِشَة: لأن أكون حبست عَن مسيري إِلَى البصرة أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي عَشْرَةُ بَنِينَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل ولد الْحَارِث بْن هِشَام أَوْ قَالَت: مثل ولد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام.
وأما سَلَمَة بْن هِشَام بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّه بْن عمرو بن مخزوم،
ويكنى أبا هاشم، وأمه ضباعة القشيرية فإنه أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فتية من قُرَيْش فعرض عَلَيْهِم الإِسْلام وقرأ عَلَيْهِم الْقُرْآن، وزهدهم فِي عبادة حجارة صم لا تسمع وَلا تبصر، فأسلموا وهاجر سَلَمَة إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ قدم مَكَّة فحبسه فِيهَا أخوه أَبُو جهل، وقد ذكرناه فِي مهاجره الحبشة، واستشهد بالشام يَوْم مرج الصفر سنة أربع عشرة.
وَقَالَ أَبُو اليقظان وغيره، قَالَت ضباعة:
لاهم رب الكعبة المحرمه ... انصر عَلَى كُلّ عدو سَلَمَه
أجرأ من ضرغامة فِي أجمه ... يحمي غداة الروع يَوْم الملحمه
بسيفه عورات سرب المسلمه
فقالت أَيْضًا:
لقد نماه للذرا هِشَام ... قدما وآباء لَهُ كرام
جحاجح خضارم عظام(10/183)
وأما العاص بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم
فإن أبا لهب لاعبه عَلَى إمرة مطاعة، فقمره أَبُو لهب فأسلمه قينا، ثُمَّ إنه لاعبه أَيْضًا فقمره فأرسله مكانه إِلَى بدر فقتله عُمَر بْن الْخَطَّابِ.
فحدثني أَبُو عدنان الأعور عَن هِشَام ابْن الْكَلْبِيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ساير عَلَي بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاس بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْحَارِث بْن خَالِدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةَ المخزومي فأصاب ساقه ركاب علي فَقَالَ: يَا سبحان اللَّه مَا رَأَيْت أحدا يسايرُ الناسَ بمثل هَذَا الركاب، فَقَالَ عَلِي: إنه من عمل قين كَانَ بِمَكَّةَ يُعرض بالعاص بْن هِشَام حِينَ أسلمه أَبُو لهب قينا.
فولد العاص بْن هِشَام: خالدا، والوليد.
فأما الْوَليِد
فقتل يَوْم أحد،
وأما خَالِد بْن العاص
فولد الْحَارِث بْن خَالِد بْن العاص الشاعر، صاحب عَائِشَة بِنْت طَلْحَة، وقد كتبنا خبره، وخبرها، ويزعمون أن عُمَر بْن الْخَطَّابِ ولى خَالِد بْن العاص عملا.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن العاص: أسلم خَالِد بْن العاص يَوْم الفتح، وأقام بِمَكَّةَ، وَهُوَ أَبُو عِكْرِمَة، والحارث الشاعر.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ: ولد خَالِد بْن العاص أَيْضًا: عِكْرِمَة بْن خَالِد بْن العاص أخا الْحَارِث الشاعر، وعَبْد الرَّحْمَنِ فكان شاعرا.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: ولى يَزِيد بْن مُعَاوِيَة فِي أيام عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر الْحَارِث بْن خَالِد بْن العاص مَكَّة فتقدم ليصلي فمنعه ابْن الزُّبَيْر من الصلاة، وولاه أيضا عبد الملك مكة ثُمَّ عزله.
وَقَالُوا: قدم الْحَارِث بْن خَالِد الشام، ومعه مال وفير فدعا ابْن سريج فظن أنه يريد صلته، قَالَ: فدخلت عَلَيْهِ فرحب بي ثُمَّ قَالَ: قم إِلَى الكوة(10/184)
فخذ مَا فِيهَا من الرقاع فاعمل من الشعر الَّذِي فِيهَا غناء تحسنه وتعجله.
فأخذتها ومن رأيي أن أخرقها إذ لم أحل منه بشيء، فلما نظرت فيها أعجبني شعره فتغنيت فِيهِ وسيرته.
وأما هِشَام بْن العاص بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ
فيقال إن لَهُ هجرة، ومن ولده: خَالِد بْن سَلَمَةَ بْن هِشَام بْن العاص بْن هِشَام، كَانَ شريفا بالكوفة، وَكَانَ فقيها، وَكَانَ يَزِيد بْن عُمَرَ بْن هبيرة بواسط، وَكَانَ بطيئا فكان يلقبه الحبلي.
ومن ولد العاص بْن هِشَام أَيْضًا: مُحَمَّد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأوقص، كَانَ قاضيا لأمير الْمُؤْمِنِينَ أَبِي جَعْفَر عَلَى مَكَّة.
وأما خَالِد بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ أخو أَبِي جهل
أَيْضًا، فإنه أسر يَوْم بدر، ثُمَّ أسلم وبقي إِلَى أيام مُعَاوِيَة، وَلا عقب لَهُ.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: وَكَانَ من ولد العاص بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ: خَالِد بْن إِسْمَاعِيل، وَكَانَ ذا قدر، وَهُوَ الَّذِي اتخذ الغمير منزلا فيما بين ذات عرق [1] والبستان، ويدعى ذَلِكَ الموضع وادي كندة وَقَالَ غير أَبِي اليقظان: هُوَ من ولد خَالِد بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ، والأول أثبت. وَقَالَ الشاعر:
لعمرك إن المجد مَا عاش خَالِد ... عَلَى الغمر من ذي كندة لمقيم
وأما هاشم بْن الْمُغِيرَةِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم،
ويكنى أبا عبد مَنَاف فولد: حنتمة أم عُمَر بْن الْخَطَّابِ.
وأما أبو رَبِيعَة بْن الْمُغِيرَةِ فهو ذو الرمحين،
قاتل في يوم من أيامهم
__________
[1] ذات عرق: مهل أهل العراق، وهو الحد بين نجد وتهامة، والغمير: موضع بين ذات عرق والبستان، وقبله بميلين قبر أبي رغال. معجم البلدان.(10/185)
برمحين معا، ويقال كسر واحدا، ثُمَّ اخلف آخر فَقَالَ ابْن الزبعرى:
وذو الرمحين أشباك ... من القوة والحزم
[1] فولد أبو ربيعة عمرو بْن الْمُغِيرَةِ: عياش بْن أَبِي رَبِيعَةَ،
وعَبْد اللَّهِ بْن أَبِي رَبِيعَةَ،
ولقبه بجير، وأمهما مخربة النهشلية. وفي عَبْد اللَّهِ يَقُول الشاعر:
بجير بْن ذي الرمحين قرب مجلسي ... يروح ويغدو فضله غير نائم
وبعضهم يرويه بحير.
ولما استخلف أَبُو بَكْرٍ، واعتزل الزُّبَيْر، وجهه أَبُو بَكْر مَعَ مُحَمَّد بْن مسلمة الأَنْصَارِيّ إِلَيْهِ فعقله بجير وصرعه وكسر سن سيفه، فَقَالَ الزُّبَيْر: أما وَاللَّه لئن كسرته الْيَوْم لرب كربة فرجتها عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
واستعمله أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى بعض اليمن، ويقال عَلَى جميع اليمن، وهلك فِي أيام عُثْمَان بْن عَفَّان فرثاه رجل من بني نهشل فَقَالَ:
نعيت ابْن أسماء الَّذِي هد يومه ... بيوت بني كعب وأسغب دارما
فلو كنت يابن النهشلية شاهدا ... لأبرمت ميمونا من الأمر حازما
فولد عَبْد اللَّهِ وَهُوَ بجير: الْحَارِث، وأمه أم ولد نصرانية، وَكَانَ أبوه أصابها من ساحل البحر، وكانت سوداء وتسمى: سيخا، وكانت صادت طائرا من حمام مَكَّة فأكلته.
وَحَدَّثَنِي الأثرم عَن الْكَلْبِيّ قَالَ: سبى عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي رَبِيعَةَ أم ولده، وكانت نصرانية، وسبى معها ستمائة من الحبش، وَهُوَ عامل لعثمان فَقَالَتْ:
لِي إِلَيْك ثلاث حوائج: تعتق هَؤُلاءِ الضعفاء، وَلا تمسني حَتَّى تصير إِلَى بلدك، وتقرني عَلَى ديني، فأجابها إلى ذلك.
__________
[1] شعر عبد الله بن الزبعرى ص 48.(10/186)
وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ربيعة، أمه ليلى ابنة عطارد بْن حاجب بْن زرارة بْن عدس، وعمر بْن عَبْدِ اللَّهِ، أمه أم ولد يقال لها مجد.
وأما الْحَارِث بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ،
فكان ذا قدر، وولاه عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر البصرة، فأتاه أهلها بمكيال لهم فَقَالَ: إن هَذَا القباع وَهُوَ الأجود فلقب القباع.
وَقَالَ أَبُو الأسود لابن الزُّبَيْر:
أَبَا بَكْر جزاك اللَّه خيرا ... أرحنا من قباع بني الْمُغِيرَه
[1] وَقَالَ أَبُو اليقظان: اتخذ مكيالا سماه القباع، والأول قول الْكَلْبِيّ.
قَالُوا: وهدم دار الفرزدق مرتين فَقَالَ:
أحارث داري مرتين هدمتها ... وكنت ابْن أخت لا تخاف غوائله
فأقسم لا آتيك سبعين حجة ... ولو وشرت [2] كف القباع وكاهله
[3] وولاه مصعب أَيْضًا الْكُوفَة، ثُمَّ أتى مَكَّة فهلك بِهَا فنعاه الْوَليِد بْن عَبْدِ الملك إِلَى أَبِيهِ عَبْد الْمَلِكِ فَقَالَ: هلك سيد بني مخزوم، فَقَالَ: أهكذا تقول؟
قل: مات سيد قُرَيْش، وَلا عقب لَهُ، وقد ذكرنا أمر ولايته فِي أخبار عبد الله بْن الزُّبَيْر ومصعب، وَقَالَ لَهُ ابْن الزُّبَيْر- وقد قَالَ لَهُ: اقبل أمان يزيد-:
يابن آكلة حمام مَكَّة، أتشير علي بمثل هَذَا الرأي.
حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الأثرم عَن الأَصْمَعِيّ عَن نافع عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي نعيم قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ للحارث بْن عبد الله بن أبي ربيعة، وهو
__________
[1] ديوان أبي الأسود الديلي ص 220 مع فوارق.
[2] وشر الخشبة بالميشار: نشرها. القاموس.
[3] ديوان الفرزدق ج 2 ص 172.(10/187)
القباع، وَكَانَ حازما: مَا كَانَ الكذاب يَقُول فِي هَذَا؟ فَقَالَ: مَا كَانَ كذابا، فَقَالَ يَحْيَى بْن الحكم: من أمك يَا حار؟ قَالَ: هِيَ من تعلم، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان، اسكت فإنها أنجب من أمك، قَالَ: وكانت أم الْحَارِث نصرانية، فلما ماتت أتاه قوم من الْمُسْلِمِينَ يعضدونه ويحشدون لَهُ ويجلسون مَعَهُ، فَقَالَ: رحمكم اللَّه انصرفوا فإن لها ولاة سواكم، وَكَانَ أبوه سباها من اليمن.
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ كناسة قَالَ: كَانَتِ ام القباع سوداء، فوقع بينه وبين يَحْيَى بْن الحكم بْن أَبِي العاص كلام، فقال له يحيى:
يابن السوداء، يابن آكلة حمام مَكَّة.
وضرب القباع مرة بْن محكان السعدي فقال:
عمدت فعاقبت امرأً كَانَ ظالمًا ... فألهب فِي ظهري القُباع وأوقدا
سياطًا كأذناب الكلاب معدة ... إذا أخلق السوط المدحرج جددا
وأما عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي رَبِيعَةَ بْن الْمُغِيرَةِ
فكان أحول، وَقَالَ الشاعر:
يَا ليل يَا أم الغلام الأحول ... أم غلام الْحُسَيْن المكحل
جودي بما منيتنا لا تبخلي
وَكَانَ ذا كبر، وتزوج أم كلثوم بِنْت أَبِي بَكْر بعد طَلْحَة فولدت لَهُ، وله عقب بالمدينة، وَكَانَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَأَى منه يوما شَيْئًا فعرك أذنه وَقَالَ: نخوة بني مخزوم، وتزوج أَيْضًا بِنْت الْوَلِيد بْن عَبْد شمس بْن الْمُغِيرَةِ الَّتِي كَانَتْ عند عُثْمَان، وَقَالَ مُعَاوِيَة: غلبنا عَبْد الرَّحْمَنِ عَلَى أيامي قُرَيْش، وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ لولده: إني كنت أنال من علي تقربا إِلَى(10/188)
الله فمن فعل ذلك اتباعا لِي فلا يفعلنه ومن كَانَ يفعله تدينا فليفعله.
وأما عُمَر بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي رَبِيعَةَ بْن الْمُغِيرَةِ،
فكان يكنى أبا الخطاب، وَهُوَ عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ الشاعر، وَكَانَ ذا فتوة وغزل وظرف، فلما حج عَبْد الْمَلِكِ لقيه فَقَالَ لَهُ: لقد علمت قُرَيْش أنك من أطولها صبوة وأبطئها توبة، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. بئست تحية ابْن العم لابن عمه عَلَى طول العهد وشحط [1] النوى، فقيل لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سلم عليك فتى قُرَيْش فتجهمته بهذا القول: فَقَالَ: صدقتم، ودعا بِهِ، فلما دخل عَلَيْهِ رأى عند رأسه جارية وعند رجله جارية فَقَالَ لَهُ: يَا أبا الخطاب سلني حوائجك، فَقَالَ: قد علمت قُرَيْش أني أكثرها عينا، وأقلها دينا، وَمَا حاجتي إِلا بقاؤك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فلما خرج من عنده قيل لَهُ: يَا أبا الخطاب، دعا بك أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فِي مجلس خاص، وأمرك أن تسأله حوائجك فلم تفعل، فَقَالَ: إنه جعل الشمس عند رأسه والقمر عند رجله، ثُمَّ قَالَ تصدق، وَاللَّه مَا كَانَ هَذَا ليكون أبدا.
وَقَالَ عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ: ابتدأت أنشد ابْن عَبَّاس فقلت:
تشط غدا دار جيراننا.
...
فَقَالَ:
....
والدار بعد غد أبعد
فقلت: كَذَا وَاللَّه قلت، فَقَالَ: إن الآراء تتفق.
وَقَالَ إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ الموصلي: كَانَ يقال: إذا أعياك أن يطرب القرشي فأسمعه غناء ابْن سريج بشعر عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ فإنك ترقصه.
__________
[1] شحط: بعد. القاموس.(10/189)
وَقَالُوا: كَانَ عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ موزعا [1] بالثريا بِنْت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن أمية الأصغر، وكانت تنزل الطائف، وَكَانَ عمر يغدو فيتلقى الَّذِينَ يقدمون بالفاكهة فيسألهم خبر الطائف وأهله ويتحسس من خبرها، فلقي يوما بعضهم وسأله عما حدث فَقَالَ: مَا حدث إِلا خير غير أني سمعت صياحا عَلَى امْرَأَة من قُرَيْش تسمى باسم نجم من النجوم، فَقَالَ عمر:
الثريا؟ قَالَ: نعم. قَالَ: وَمَا لها؟ قَالَ: ماتت أَوْ هِيَ مشفية عَلَى ذَلِكَ، وقد كَانَ بلغه قبل ذَلِكَ أنها عليلة، فركض فرسه قبل الطائف، وأخذ فِي طريق كرا [2] حَتَّى انتهى إِلَيْهَا فوجدها سالمة فَقَالَتْ: مه؟ فأخبرها الخبر، فضحكت وقالت: أنا وَاللَّه أمرتهم لأنظر حالي عندك. فَقَالَ عمر:
تشكى الكميت الجري لما جهدته ... وبين لو يسطيع أن يتكلما
[3] وفيها يَقُول:
من رسولي إِلَى الثريا بأني ... ضقت ذرعا بهجرها والكتاب
[4] يريد كتاب اللَّه عز وجل حلف بِهِ، فبلغ قوله ابْن أَبِي عتيق فَقَالَ: أنا وَاللَّه رسوله إِلَيْهَا، وخرج حَتَّى قدم مَكَّة بغير عمرة، وكانت الثريا تسكن الطائف، فخرج إِلَيْهَا بالطائف حَتَّى يصلح بينهما، وانصرف إِلَى الْمَدِينَة وقد قيل أنه خرج مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ ثُمَّ انصرف وطلب إِلَيْهِ فِي المقام فلم يقم.
وَقَالَ إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ الموصلي: حَدَّثَنِي كلثوم الفهري عَن أَبِيهِ قَالَ: رأيت عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ عظيما طويلا آدم يتهافت في مشيته تهافتا.
__________
[1] موزعا: مغرى- القاموس.
[2] كرا: ثنية بين مكة والطائف. معجم البلدان.
[3] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 462.
[4] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 430.(10/190)
قَالُوا: وكانت رملة بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن خلف، أخت طَلْحَة الطلحات الخزاعي، وَهِيَ أم طَلْحَة بْن عُمَر بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر التَّيْمِيّ حجت، فتعرض لها عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ حين لقيها، ففيها يَقُول:
قلت من أنتم فصدت وقالت ... أمبد سؤالك العالمينا
نحن من ساكني العراق وكنا ... قبلها قاطنين مكة حينا
قد صدقناك إذ سألت فمن أن ... ت عسى أن يجر شأن شؤونا
[1] وَقَالَ عمر فِي رملة:
تشط غدا دار جيراننا ... والدار بعد غد أبعد
تحمل للبين جيراننا ... وقد كَانَ قربهم يحمد
[2] فِي قصيدة.
وَكَانَ عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ يغني بقوله:
يَا أم طَلْحَة إن البين قد أفدا ... قل الثواء لئن كَانَ الرحيل غدا
[3] والغناء لَهُ أَوْ لغيره.
ولما تزوج عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر عَائِشَة بِنْت طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّهِ قَالَ جبر بْن حبيب وَكَانَ كري عمر حين خرج من البصرة:
أنعم بعائش فِي عيش وفي أنق ... وانبذ برملة نبذ الجورب الخلق
وكانت رملة حسنة البدن وفي وجهها ردة [4] ، وفي أنفها عظم، فقالت لَهُ عَائِشَة: أنت أشجع النَّاس حين قدمت عَلَى أنف رملة، وقال عمر:
__________
[1] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 300- 301 وقولها: أمبد: أي أمفرق سؤالك أنت بين العالمينا.
[2] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 308- البيت الأول فقط.
[3] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 317 مع فوارق كبيرة.
[4] الردة: القبح. القاموس.(10/191)
أشارت بمدراها [1] وقالت لأختها ... أهذا المغيري الَّذِي كَانَ يذكر
لئن كَانَ إياه لقد حال بعدنا ... عَن العهد والإنسان قد يتغير
[2] يعني عَائِشَة بِنْت طَلْحَة.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن سلام الجحمي: كَانَ بين عَائِشَة بِنْت طَلْحَة وزوجها عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر ليلة من الليالي كلام فسهرت ليلتها، فَقَالَ: ويح عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ مَا أجهله بليلي حين يَقُول:
ووال كفاها كُلّ شَيْء يهمها ... فليست لشيء آخر الليل تسهر
[3] قَالُوا: وَكَانَ سبب تزوج عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ عَائِشَة أنه أتاها يخطبها عَلَى بشر بْن مروان بْن الحكم فقالت لَهُ: أما وجد بشر رسولا إِلَى ابنة عمك غيرك، وأين بك عَن نفسك؟ قَالَ: وتفعلين؟ قَالَت: نعم، فتزوجها.
قَالَ الجحمي: قَالَ الأَصْمَعِيّ، قَالَت رملة لعمر: أسائل أنت كُلّ امْرَأَة تلقاها؟ أفمن رأيك أن تحدث النَّاس بأني من نسوتك اللاتي تزعم أنهن يعشقنك ويراسلنك فذلك قوله:
قلت من أنتم فصدت وقالت ... أمبد سؤالك العالمينا
أي أسائل أنت كُلّ إنسان عَلَى حدته لا ترى أحدا إِلا سألته، ويروى: أمبث.
وَقَالَ عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ:
وبالأمس أرسلنا بِذَلِكَ خالدا ... إليك وبيّنا له الشّأن أجمعا
__________
[1] المدرى: ما تصلح به الماشطة شعر النساء.
[2] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 93- 94 مع فوارق كبيرة.
[3] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 95.(10/192)
وفي قصيدة لَهُ يعني خَالِد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري، وذلك أن عَبْد الْمَلِكِ حين تسيير ابْن سَعِيد بْن العاص سير عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيدَ لأنه كَانَ عَلَى شرطة عَمْرو بْن سَعِيد الأشدق، فصار إِلَى مَكَّةَ ومعه ابنه خَالِد، وَهُوَ غلام، فنشأ بِمَكَّةَ، وكان فيه لين. وَقَالَ الأَصْمَعِيّ: وأنشد سُلَيْمَان بْن عَبْدِ الملك، أَوِ انشد قول عمر:
تبالهن بالعرفان لما عرفنني ... وقلن امرؤ باغ أكل وأوضعا
وقربن أسباب الصبا لمقتل ... يقيس ذراعا كلما قَيْس أصبعا
[1] فَقَالَ: إن من هَذَا اشتق النسيب.
قَالَ: وَكَانَ عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ وجميل العذري يتعارضان فِي الشعر، فَقَالَ عمر:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر ... غداة غد أم رائح فمهجر
[2] فَقَالَ جميل:
أغاد أخي من آل ليلى فمبكر ... ابْن لِي أغاد أنت أم متهجر
[3] فلم يصنع جميل مَعَ عمر شَيْئًا وعارضه عمر فِي قوله:
خليلي فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حب قاتله قبلي
[4] فَقَالَ:
جزى ناصح بالود بيني وبينها ... فقربني يَوْم الحصاب إِلَى قتلي
[5]
__________
[1] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 179 مع فوارق.
[2] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 92.
[3] ديوان جميل بثينة ص 62 وعنده «آل سلمى» بدلا من «آل ليلى» .
[4] ديوان جميل بثينة ص 99.
[5] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 344، ويوم الحصاب هو يوم رمي الجمار.(10/193)
فلم يصنع مَعَ جميل شَيْئًا.
وروي عَنِ ابْنِ أَبِي الزناد قَالَ: خرج عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ يريد الشام إما غازيا وإما إِلَى بعض بني أمية، فلما كَانَ بالخبار [1] لقيه جميل فَقَالَ لَهُ عمر: أنشدني فأنشده:
خليلي فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حب قاتله قبلي
فِي قصائد لَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ جميل: أنشدني يَا أبا الخطاب فأنشده:
ألم تعرف الأطلال والمتربعا ... ببطن خليات دوارس بلقعا
[2] حَتَّى مر بقوله:
فلما تواقفنا وسلمت أشرقت ... وجوه زهاها الْحَسَن أن تتقنعا
تبالهن بالعرفان لما رأينني ... وقلن امرؤ باغ أكل وأوضعا
فصاح جميل أَلا إن النسيب أخذ من هَذَا، ثُمَّ أنشده جميل طرفا من غزله، فَقَالَ عمر لجميل: امض بنا إِلَى بثينة نسلم عَلَيْهَا فَقَالَ: إن السلطان أحل لهم ضربي إن وجدوني بأرضهم، وهاتيك أبياتها فاتاها عمر، فوقف ببابها وتأنس حَتَّى كلم، فَقَالَ: يَا جارية أنا عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ فأعلمي بثينة مكاني، فخرجت إِلَيْهِ فِي مباذلها ثُمَّ قَالَت: يَا عمر، وَاللَّه لا أكون من نسائك اللاتي تزعم أن قد قتلهن الوجد بك. قَالَ عمر:
فانكسرت، وإذا امْرَأَة أدماء طويلة.
وذكر بعض القرشيين أن امْرَأَة شريفة أرسلت إِلَى عُمَرَ بْن أبي ربيعة أن
__________
[1] الخبار: موضع قريب من المدينة. معجم البلدان.
[2] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 177، وبطن حليات: موضع قرب المغمس الواقع في طريق الطائف.(10/194)
يوافيها بالصورين [1] ليلا وَهُوَ فِي طرف الْمَدِينَة، وسمت لَهُ ليلة فوافاها فتحدث عندها حَتَّى أدركه السحر، ثُمَّ ركب راجعا إِلَى مَكَّةَ ولم يدخل الْمَدِينَة، وَقَالَ: وَاللَّه مَا بي زهادة فِي زيارة قبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والصلاة فِي مسجده، ولكني لا أخلط زيارتك بشيء، وَلا أدخل مَكَّة إِلا حلالا، وَقَالَ يكنى عَنْهَا بزينب:
ألمم بزينب إن البين قد أفدا ... قل الثواء لئن كَانَ الرحيل غدا
[2] وقيل إنه قَالَ هَذَا الشعر فِي غير هَذِهِ المرأة.
وَقَالَ القحذمي: حجت امْرَأَة من آل أَبِي بَكْرة من أهل البصرة، فرآها عمر فشيعها حَتَّى بلغت الخرنق [3] وَقَالَ:
وكيف طلابي عراقية ... وقد جاوزت عيرها الخرنقا
تؤم الحداة بِهَا منهلا ... من الطف ذا بهجة مؤنقا
[4] فقالت لَهُ: لو بلغت أهلي فخطبتني زوجوك، فَقَالَ: لا أخلط تشييعي بخطبة، ولكني أرجع ثُمَّ آتيك خاطبا. وَقَالَ بعضهم اسمها سميعة وَهِيَ أم ولد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْرة، وأنشد ابْن قحذم فِيهَا لعمر:
من البكرات عراقية ... تسمى سميعة أطريتها
من آل أَبِي بَكْرة الأكرمين ... خصصت بودي فأصفيتها
ومن حبها زرت أهل العراق ... وأسخطت أهلي وأرضيتها
__________
[1] الصوران: موضع بالنقيع. المغانم المطابة.
[2] أفدا: دنا وقرب. ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 317 وفيه:
أبلغ سليمى بأن البين قد أفدا ... وأنبئ سليمى بأنا رائحون غدا
[3] الخرنق: موضع بين مكة والبصرة. معجم البلدان.
[4] ديوان عمر بن أبي ربيعه ص 443.(10/195)
وأقسم لو أن مَا بي بِهَا ... وكنت الطبيب لداويتها
[1] حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عدي عن عَبْد اللَّه بْن عَيَّاشٍ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ قَالَ: تَرَكَ عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ قَوْلَ الشِّعْرِ وَغَزَا فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ: لَقَدْ كَانَ هَزْلُهُ هَزْلا، وَجَدُّهُ جَدًّا.
وقال هشام ابن الْكَلْبِيّ: ولد عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ حين تُوُفِّيَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ، فكان يقال: أي خير رفع وأي شر وضع، ثُمَّ إنه تاب وغزا فَقَالَ ابْن عُمَرَ: لقد تلافى نفسه من سفهها بخير عملها.
قَالُوا: ولقي عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان فَقَالَ لَهُ: كيف تهكمك الْيَوْم بنساء قُرَيْش؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ليس وراء ذَلِكَ مكروه وَلا إثم واستغفر اللَّه.
قَالُوا: وآلى عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ أَلا يَقُول بيتا إِلا أعتق نسمة، فبينا هُوَ ذات ليلة فِي الطواف إذ فتى يتبع جارية مثل المهاة فأخذ عمر بيده فقال له:
يابن عم خل عني فإني أموت إن حبستني عَنْهَا. قَالَ: وَمَا خبرك؟ قَالَ: أنا فلان بْن فلان وَهَذِهِ ابنة عمي وأحب النَّاس إلي، خطبتها إِلَى عمي وأبت أمها أن تزوجني إياها فخلى يده، ومضى إِلَى أَبِي الجارية فضرب بابه فسئل من هُوَ؟
فَقَالَ: عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ، فخرج إِلَيْهِ أَبُو الجارية فَقَالَ لَهُ: يَا أبا الخطاب لم تعنيت؟ ولو أرسلت إلي أتيتك فما حاجتك بأبي أنت؟ قَالَ: جئتك خاطبا لابنتك. قَالَ: أمرها فِي يدك، فَقَالَ: قد زوجتها ابْن أخيك وأصدقتها عَنْهُ أربعة آلاف درهم، وأمر فحمل المال إِلَيْهِ وأهديت الجارية إِلَى الفتى يقال من ليلتها، واستلقى عمر عَلَى فراشه حين انصرف من عند الرجل فجعل يأتيه
__________
[1] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 487.(10/196)
الشعر، ويذكر يمينه فيتململ فقالت لَهُ جاريته: لقد عراك فِي هَذِهِ الليلة شر، وأنشا يَقُول:
تقول وليدتي لما رأتني ... طربت وكنت قد أقصرت حينا
بعيشك هل رأيت لها رسولا ... فشاقك أم رأيت لها خدينا
فقلت شكا إلي أخ محب ... لبعض زماننا إذ تعلمينا
وقص علي مَا يلقى بسعدى ... فوافق بعض مَا كنا لقينا
[1] ولم يزل يَقُول حتى استتم اثنا عشر بيتا، ويقال ثمانية أبيات فأعتق بكل بيت مملوكا، وكان له نحو من مائة مملوك في أعمال ومهن وللخدمة.
وغزا فِي بحر الشام فمات ويقال فِي غير البحر، فقالت جارية من جواري بني أمية كَانَتْ ربيت بالمدينة أَوْ بِمَكَّةَ: مات عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ فمن للظرف بالحجاز بعده؟ فقيل: قد نشأ فتى من ولد عُثْمَان لَهُ ظرف وغزل وتشبيب بالنساء، فَقَالَتْ: الحمد لله الَّذِي لم يخل حرمه من فتى يزينه، ويؤنس أهله ويذكر ملاحة نسائه أَوْ كما قَالَت.
قَالُوا: ولقي عمر ابنة الْحَارِث بْن عَوْفٍ المري وَهُوَ يسير عَلَى بغلة لَهُ فَقَالَ لها: قفي انشدك مَا قلت فيك فأنشدها:
ألا ياليل إن شفاء قلبي ... نوالك إذ بخلت فنولينا
وقد حضر الرحيل وحان منا ... فراق فانظري مَا تأمرينا
[2] فَقَالَتْ: آمرك بتقوى اللَّه وترك مَا أنت عَلَيْهِ.
وأما عياش بْن أَبِي رَبِيعَةَ
فكان من المستضعفين، وأمه أسماء بنت
__________
[1] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 403.
[2] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 502، مع فوارق.(10/197)
مخربة، وأخوه لأمه أَبُو جهل والحارث بْن هِشَام، أسلم فاشتد عَلَيْهِ أخوه أَبُو جهل وضربه، فتخلص وهاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ومعه امرأته ابنة سَلَمَة بْن مخربة، فولدت لَهُ بالحبشة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ ثُمَّ قدم مَكَّة وَكَانَ من خبره فِي الهجرة إِلَى الْمَدِينَة مَا قد ذكرناه فِي أخبار مهاجرة الحبشة، وَكَانَ بعد أَنْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى الشام فغزا وجاهد، ورجع إِلَى مَكَّةَ فأقام بِهَا إِلَى أن مات، ولم يبرح ابنه عَبْد اللَّهِ الْمَدِينَة وَكَانَ مولده بالحبشة.
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْحَارِث بْن زَيْد كَانَ شديدا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاء وَهُوَ يريد الإِسْلام، فلقيه عياش أَبِي رَبِيعَةَ وَعَيَّاشٌ لا يَدْرِي فَحَمَلَ عَلَيْهِ فقتله، فأنزل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مؤمنا إلا خطأ) [1] الآية.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: من ولد عياش بْن أَبِي رَبِيعَةَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عياش بن أبي ربيعة، مات فِي أول خلافة أَبِي جَعْفَر، وَكَانَ زياد بن عبيد اللَّهِ استعمله عَلَى تبالة فأصاب بِهَا مالا فقدم فبنى بالمدينة دارا وسماها تبالة، فاشتراها موسى بن جعفر من ورثته، وَكَانَ أَبُو سَلَمَة عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا خرج مَعَ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَن فأخذ أسيرا فقتله المنصور أَمِير الْمُؤْمِنِينَ.
وأما مهشم بْن الْمُغِيرَةِ
ويكنى أبا حُذَيْفَة فإنه أشار عَلَى قُرَيْش أن يضع الركن أول من يدخل من باب بني شَيْبَةَ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ قُرَيْش: قد دخل الأمين، ونحن نرضى بِهِ، فوضع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
[1] سورة النساء- الآية: 92.(10/198)
الحجر، وَلا عقب لمهشم، وَكَانَ ابنه هاشم- ويقال هِشَام- بْن أَبِي حُذَيْفَة من مهاجرة الحبشة فِي المرة الثانية، وأقام مَعَ جَعْفَر بْن أَبِي طالب، وقدم الْمَدِينَة ومات فِي أيام تبوك رَضِيَ اللَّهُ عنهم أجمعين.
وأما أَبُو أمية بْن الْمُغِيرَةِ
واسمه حُذَيْفَة، وأمه ريطة بِنْت سَعِيد بْن سهم فكان يقال لَهُ: زاد الراكب، وَكَانَ يطعم من صحبه في سفره ويموّنهم، وكان ذا قدر، وهلك بموضع ناحية اليمامة يعرف بسرو سحيم، فرثاه أَبُو طالب فَقَالَ:
أرقت وبت الليل فِي العين عائر ... وجادت بما فِيهَا العيون الغزائر
كأني عَلَى رضراض قض [1] وجندل ... من الليل أَوْ تحت الشعار المجامر
أَلا إن زاد الركب غير مودع ... بسرو سحيم غيبته المقابر
وَكَانَ إذا يأتي من الشام قافلا ... تقدمه تسعى إلينا البشائر
أخا ثقة لن يبرح الدهر عنده ... مجعجعة أدم سمان وباقر
إذا أكلت يوما أتى الغد مثلها ... زواهق زهم أو مخاض بهازر
البهازر: العظام، واحدها بهزرة.
ضروب بنصل السيف سوق سمانها ... إذا عدموا نادى فإنك عاقر
فإن لم يكن لحم غريض [2] فإنه ... يكب عَلَى أفواههن الغرائر
فمالك من ناع حبيت بألة [3] ... مؤللة تصفر مِنْهَا الأظافر
وقال أبو أحيحة يرثيه:
__________
[1] أي أرض ذات حصى. القاموس.
[2] غريض: طري القاموس.
[3] الإل: الجزع عند المصيبة، والألة: الأنة. القاموس.(10/199)
أَلا هلك الماجد الرافد ... وكل قُرَيْش لَهُ حامد
ومن هُوَ عصمة أيتامنا ... وغيث إذا فقد الراعد
وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ يقال إن أبا أمية كَانَ ربما كسا أهل مَكَّة حَتَّى تبيض البطحاء من كسوته.
فولد أَبُو أمية: زهير بْن أَبِي أمية، وعَبْد اللَّهِ، أمهما عاتكة بِنْت عَبْد المطلب.
وأم سلمة زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمها من بني مالك بْن كنانة.
وقريبة أمها بِنْت عتبة بْن رَبِيعَة.
وقريبة الصغرى أمها كنانية.
والمهاجر، ومسعود بْن أَبِي أمية قتل يَوْم بدر، قتله علي عَلَيْهِ السلام، وهشام بْن أَبِي أمية.
فأما أم سَلَمَة
فكانت عند أَبِي سَلَمَةَ بْن عَبْدِ الأسد، ثُمَّ خلف عَلَيْهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد كتبنا خبرها فِي قصة أزواج النبي صلى الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي الهجرة إِلَى الْمَدِينَة.
وأما قريبة
فتزوجها عُمَر بْن الْخَطَّابِ، ثُمَّ طلقها فخلف عَلَيْهَا مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان فِي أيام عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهم.
وأما قريبة الصغرى
فكانت عند عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي بَكْر الصديق رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهما.
وأما زهير بْن أَبِي أمية،
فكان ممن أعان على نقض الصحيفة، ومات ولم يسلم، وله عقب بِمَكَّةَ.
وأما عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي أمية
ففيه نزلت: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا(10/200)
من الأرض ينبوعا) إلى قوله (ملكا رسولا) [1] . ثُمَّ إنه أسلم واستشهد يَوْم الطائف، وَكَانَ شاعرا.
فولد عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي أمية: عَبْد اللَّهِ وَكَانَ شريفا، وفد عَلَى مُعَاوِيَة وقد خضب بالسواد، فَقَالَ مُعَاوِيَة: هَذَا شَيْء مادام فِي الوجه ماؤه وطراوته فإذا ذهب ماء الوجه فليس بشيء، وَكَانَ يَقُول الشعر.
وَكَانَ المهاجر بْن أَبِي أمية
مر بالزبرقان بْن بدر، وَهُوَ عَلَى ركي لَهُ فاستسقاه لنفسه وركابه فلم يسقه، فشكا ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ فدعا بالزبرقان فَقَالَ: مَا بالك لم تسقه، وَابْن السبيل أولى بأن يكون أول ريان؟ فَقَالَ الزبرقان: فإن لِي أن أمنع مَا استنبطته بمالي وعبيدي، فَقَالَ لَهُ عمر: لئن عدت لمنع فضل الماء لا تنزل من نجد قاعا، يَقُول أنفيك عَنْهُ، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أمية وَكَانَ مَعَ عمه:
وَمَا الزبرقان يَوْم يمنع ماءه ... بمحتسب تقوى وَلا متوكل
وَلا ناظر فِي نفعه غير أنه ... يرفع أعضاد الحياض بمعول
وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: قتل نَوْفَل بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أمية يَوْم الخندق كافرا، وقتل أخوه عُثْمَان بْن عَبْدِ اللَّهِ يَوْم أحد أَوْ يَوْم بدر كافرا، وأما المهاجر بْن أَبِي أمية فولاه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض اليمن، وكتب إِلَيْهِ أَبُو بَكْر أن يصير إِلَى زِيَادِ بْن لَبِيدٍ الْبَيَاضِيِّ مِنَ الأَنْصَارِ، فيكون مددا لَهُ، وولاه عمر بعض الصدقات.
وأما مسعود فدرج. وأما هِشَام فدرج أَيْضًا، وقد يقال إن لهما عقب،
وأما الفاكه بْن الْمُغِيرَةِ
فقتله بنو كنانة فِي الجاهلية، وقتل ابنه أبو
__________
[1] سورة الأسراء- الآيات 90- 95.(10/201)
قيس بن الفاكه بْن الْمُغِيرَةِ يَوْم بدر كافرا، قتله حمزة عَلَيْهِ السلام، ويقال الحباب بْن المنذر وَلا عقب لَهُ، وكانت هند أم مُعَاوِيَة عند الفاكه أَيْضًا.
وأما حفص بْن الْمُغِيرَةِ،
فكان سيدا فِي زمانه مطعاما للطعام، وفيه يَقُول الشاعر:
وناد الضعيف المستضيف وقل لَهُ ... إذا جئت حفص بْن الْمُغِيرَةِ فاجلس
وكانت عنده هند بِنْت عتبة أم مُعَاوِيَة قبل أَبِي سُفْيَان، وَكَانَ أَبُو عَمْرو بْن حفص شريفا، وَكَانَ ابنه عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي عَمْرو بْن حفص أول من خلع يَزِيد بْن مُعَاوِيَة، وفد إِلَى يَزِيد فوصله وأسنى جائزته، ثُمَّ قدم الْمَدِينَة فَقَالَ فِي مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: أني وفدت عَلَى يَزِيد، فأعطاني وأحسن جائزتي وإني أشهدكم أني قد خلعته كما خلعت عمامتي. فخلعوه بالمدينة، وَهُوَ الَّذِي أهاج يَوْم الحرة فقتل، فَقَالَ الشاعر:
إذ يناديهم أين حنظلة الخي ... ر وقد يسمع البعيد النداء
وببطن الغرارة ابن أبي عم ... رو قتيل جادت عَلَيْهِ السماء
ولأبي عَمْرو عقب بِمَكَّةَ، وكانت عند أَبِي عَمْرو فاطمة بِنْت قَيْس أخت الضحاك بْن قَيْس فطلقها البتة، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:
لا نفقة لها عَلَيْهِ، ثُمَّ تزوجت أسامة بْن زَيْد بْن حارثة.
وأما عبد شمس بْن الْمُغِيرَةِ
فولد: الْوَليِد بْن عَبْدِ شمس، فولد الْوَليِد: عمارة بْن الْوَليِد، وابنة كَانَتْ عند عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ، فولدت لَهُ: سَعِيد بْن عُثْمَان، وَكَانَ عمارة فِي قول أَبِي اليقظان عاملا لابن الزُّبَيْر عَلَى اليمن، وفيه يَقُول أَبُو دهبل الجمحي:(10/202)
نعم منه خير من ثمانين حلقة ... من آخر أعطى أَوْ تولى فعردا
[1]
أخ لِي عَلَيْهِ كُلّ شَيْء أهمني ... إذا مَا ينلني الْيَوْم لا يعتلل غدا
وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: كَانَ الأزرق، وَهُوَ عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الْوَليِد بْن عَبْدِ شمس بْن الْمُغِيرَةِ، عاملا لابن الزُّبَيْر عَلَى اليمن، وَكَانَ أجود العرب، وَهُوَ الَّذِي كَانَ أَبُو دهبل يمدحه، وَهَذَا أثبت الخبرين، ومات الأزرق بتهامة.
وأما الْوَليِد بْن الْمُغِيرَةِ
فكان يكنى أبا عبد شمس، ويقال كَانَ يكنى أبا الْمُغِيرَة، وَكَانَ عظيم القدر فِي زمانه، وَكَانَ من المستهزئين، وقد كتبنا خبره فيما مضى من هَذَا الكتاب، وَكَانَ يقال لَهُ العدل لأنه كَانَ يكسو الكعبة سنة وتكسوها قُرَيْش سنة فكان يعدلها، وقيل لَهُ الوحيد، فَقَالَ اللَّه عز وجل:
(ذرني وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا. وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا) [2] .
وَقَالَ أَبُو اليقظان: يسمى ماله الْيَوْم بالطائف الممدود، وَقَالَ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادع ربك أن يَزِيد فِي مالي مثله» ، فَقَالَ اللَّه عز وجل: (ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أزيد) [3] ويقال أن ماله ههنا ولده. وَاللَّه أعلم.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ ديسم بْن صقعب عبدا روميا، فرغب فِيهِ الْمُغِيرَة، فادعاه وسماه الْوَليِد، وَهَذَا الخبر الَّذِي قبله مما يكذب في الجاهلية.
قال حسان:
__________
[1] عرد تعريدا: هرب، والسهم في الرمية نفذ منها، وفلان: ترك الطريق، والنجم إذا ارتفع، وإذا مال للغروب. القاموس.
[2] سورة المدثر- الآيتان: 11- 12.
[3] سورة المدثر- الآية: 15.(10/203)
قل للوليد متى سميت باسمك ذا ... أم كَانَ ديسم فِي الأسماء كالحلم
[1] وَكَانَ الْوَليِد شريفا يتحاكم إِلَيْهِ وأمه صخرة، فَقَالَ أَبُو طالب:
هلم إِلَى حكم ابْن صخرة إنه ... سيحكم فيما بيننا ثُمَّ يعدل
فولد الْوَليِد بْن الْمُغِيرَةِ:
خَالِد بْن الْوَليِد وأمه لبابة الصغرى، وَهِيَ العصماء بِنْت الْحَارِث بْن حزن بْن بجير، أخت لبابة الكبرى، أم عَبْد اللَّهِ بْن الْعَبَّاس، وأخت ميمونة بِنْت الْحَارِث، زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت صفية بِنْت حزن عمه ولد الْحَارِث، أم أَبِي سُفْيَان بْن حرب.
وعمارة بْن الْوَليِد أمه كنانية.
وهشام بْن الْوَليِد أمه قشيرية.
والوليد بْن الْوَليِد.
وخالدة تزوجها الْحَارِث بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ.
وأبا قَيْس بْن الْوَليِد، قتل يَوْم بدر كافرا، قتله عَلِيّ بْن أَبِي طالب، وَلا عقب لَهُ.
وأما الْوَليِد بْن الْوَليِد
فكان من المستضعفين الْمُؤْمِنِينَ، وهاجر إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماشيا، وقد كتبنا خبره فِي أول هَذَا الكتاب، وَقَالَ الْوَليِد:
هاجر وليد وبع الأنباقة [2] ... واشتر منه جملا وناقة
ورم بنفس نحوهم مشتاقة
__________
[1] ديوان حسان ج 1 ص 262.
[2] النبق: ثمر السدر، وأشبه شيء به العناب أن تشتد حمرته. ودقيق يخرج من لب جذع النخلة حلو يقوى بالدبس ثم يجعل نبيذا. النهاية لابن الأثير. القاموس.(10/204)
ومات الْوَليِد فرثته أم سَلَمَة زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنها:
أبكي الوليد بن الولي ... د أبا الْوَليِد بْن الْمُغِيرَةِ
أن الْوَليِد بْن الولي ... د أبا الْوَليِد فتى العشيرة
قد كَانَ غيثا للصدي ... ق وجعفرا [1] هطعا [2] وميرة
وضمت الْوَليِد بْن الْوَليِد إِلَيْهَا، فرآه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: من هَذَا؟
قَالَت: الْوَليِد بْن الْوَليِد. فَقَالَ: لقد اتخذتم الْوَليِد حنانا [3] ، وسماه عَبْد الله. وزوّج عبد الله بن الوليد بْن الْوَليِد سعدى بِنْت عوف بْن خارجة بْن سنان المري فولدت لَهُ: سَلَمَة، فولد سلمة: يعقوب وأيوب. فمن ولد سَلَمَةَ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْوَلِيد بْن الْوَليِد: أم سَلَمَة بِنْت يَعْقُوب، تزوجها أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أَبُو الْعَبَّاس، وأخوها مُحَمَّد بْن يَعْقُوب بْن سَلَمَةَ.
وذكروا أن محمدا قتل رجالا من ولد أَبِي هريرة فِي الفتنة.
وأما أَيُّوب بْن سَلَمَةَ بْن عَبْدِ اللَّهِ فكان تائها، وتزوج فاطمة بِنْت حسن بْن حسن بْن علي، فخوصم فِي ذَلِكَ، وَكَانَ ساب عَبْد اللَّهِ بْن حسن بهذا السبب، ورفع أمره إِلَى هِشَام بْن عَبْدِ الملك فَقَالَ هشام: والله لا يدخل عليها نهارا.
__________
[1] الجعفر: النهر الصغير، أو النهر الملآن، أو فوق الجدول. القاموس.
[2] هطع: أقبل مسرعا، أو أقبل ببصره على الشيء لا يقلع عنه. القاموس.
[3] لم يكن اسم الوليد من الأسماء المرغوب بها عند المسلمين، على أساس أنه اسم فرعون موسى عليه السلام أو غير ذلك، والحنان: الصالح الذي يتمسح به. النهاية لابن الأثير.(10/205)
وولى أَبُو الْعَبَّاس أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إِسْمَاعِيل بْن أَيُّوبَ بْن سَلَمَةَ مَكَّة، وَكَانَ ذا قدر فِي قُرَيْش، وله عقب بالمدينة.
قَالُوا: ودخل نصيب عَلَى إِبْرَاهِيم [1] بْن هِشَام فأنشده مديحا لَهُ فِيهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا بشيء. أين هَذَا من قول أَبِي دهبل لصاحبنا الأزرق؟
فغضب نصيب فخلع عمامته وبرك عَلَيْهَا وَقَالَ: ائتوني برجل مثل الازرق نأتكم بأجود من شعر أَبِي دهبل:
لقد غال هَذَا القبر من بطن عليب ... فتى كَانَ من أهل الندى والتكرم
[2]
وأما هِشَام بْن الْوَليِد بْن الْمُغِيرَةِ
فهو قاتل أَبِي أزيهر الدَّوْسِيّ بعقر أَبِيهِ عنده، وَكَانَ الْوَليِد تزوج ابنة لأبي أزيهر فأمسكها عنده ولم يهدها إِلَيْهِ، وقد ذكرنا أمره فِي أول كتابنا، فأوصى الْوَليِد أن يطلب أَبُو أزيهر بعقره، وأسلم هِشَام فحسن إسلامه، وَهُوَ الَّذِي بعثه عمر إِلَى الْكُوفَة للمساءلة عَن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ حين رفع عَلَيْهِ وشكي، فكثر عَلَى سَعْد، فدعا عَلَيْهِ سَعْد أن يسلبه اللَّه عقله، فجن فِي آخر عمره، فكان يكشف ذكره ويخرج حَتَّى يراه النَّاس، وأدرك أيام عُثْمَان بْن عَفَّان.
فولد هِشَام بْن الْوَليِد بْن الْمُغِيرَةِ: إِسْمَاعِيل، أمه من بني أسد بْن عبد العزي، فولد إِسْمَاعِيل بْن هِشَام بْن الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَةِ: هشاما وَمُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل، أمهما من بني قَيْس بْن ثعلبه، وولى عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان هِشَام بْن إِسْمَاعِيل الْمَدِينَة.
__________
[1] نصيب بن رباح- أبو محجن- شاعر فحل، مقدم في النسيب والمدائح، توفي كما هو مرجح سنة 108 هـ/ 726 م. الأعلام للزركلي.
[2] بهامش الأصل: موضع هذه الحكاية بعد سبعة أسطر.(10/206)
فولد هِشَام: إِبْرَاهِيم ومحمدا، وأمهما جيداء أم ولد، وعائشة ويقال فاطمة وتكنى أم هِشَام، تزوجها عَبْد الْمَلِكِ، فولدت لَهُ هِشَام بْن عَبْدِ الملك، ولي الخلافة، وأمها مرية يقال لها مريم، ويقال إن اسمها هُوَ مريم.
وَكَانَ إِبْرَاهِيم بْن هِشَام بْن إِسْمَاعِيل بْن هِشَام بْن الْوَليِد عاملا لهشام بْن عَبْدِ الملك عَلَى الْمَدِينَة سنة، ثُمَّ عزله عَنْهَا، فلما ولي الْوَليِد بْن يَزِيدَ بْن عَبْدِ الملك بعث به إِلَى يوسف بْن عُمَرَ الثَّقَفِيّ فعذبه حَتَّى قتله، وكان يشير على هشام بخلعه.
وَكَانَ مُحَمَّد بْن هِشَام بْن إِسْمَاعِيل بْن هِشَام بْن الْوَليِد أخوه بخيلا، وولاه هِشَام بْن عَبْدِ الملك مَكَّة، ثُمَّ ولاه الْمَدِينَة فتحول إِلَيْهَا، وقد كَانَ هِشَام ولى إِبْرَاهِيم الموسم فِي بعض سنيه فحج بِالنَّاسِ. وَقَالَ رجل من بني أسد بْن خزيمة:
إذا كنت ترجو الخير أَوْ تبتغي الندى ... فحط قتود الرحل عند مُحَمَّد
فقتله يوسف بْن عُمَرَ أَيْضًا، وله عقب بالمدينة.
وأما عمارة بْن الْوَليِد بْن الْمُغِيرَةِ،
فكان يكنى أبا فايد، وَكَانَ فتى قُرَيْش جمالا، وقالت قُرَيْش لأبي طالب: أعطنا محمدا وخذ إِلَيْك عمارة، فَقَالَ بِئْسَ مَا سُمْتُمُونِي أَدْفَعُ إِلَيْكُمُ ابْنَ أَخِي لتقتلوه وأخذ ابنكم فأغذوه.
وقد كتبنا خبره وشخوصه إِلَى الحبشة مَعَ عَمْرو بْن الْعَاصِ، وَمَا فعل بِهِ الحبشي فِي أول كتابنا مَعَ ذكر من هاجر إِلَى الحبشة وَلا عقب لَهُ.
وأما خَالِد بْن الْوَليِد بْن الْمُغِيرَةِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ويكنى أبا سُلَيْمَان، وقد كَانَ قبل ذَلِكَ يكنى أبا الْوَليِد، فإنه أسلم فِي صفر سنة ثمان قبل الفتح،(10/207)
وأمه لبابة الصغرى بِنْت الْحَارِث الهلالية، أخت مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولبابة أم عَبْد اللَّهِ بْن الْعَبَّاس، وَهُوَ الَّذِي حمى النَّاس يَوْم مؤتة وقدم بهم، وَقَالُوا: إنه انكسرت فِي يده يومئذ عدة أسياف، وَهُوَ الَّذِي قتل مسيلمة، وَكَانَ لَهُ أجمل بلاء فِي أهل الردة فِي أيام أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وبالشام وبالحيرة، وقد ذكرت خبره فِي كتاب البلدان، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذكر لنا: [ «لا تسبوا خالدا إنه سيف اللَّه» ،] وَكَانَ يقال لَهُ: خَالِد سيف اللَّه، وتوفي خَالِد بحمص ودفن فِي قرية عَلَى ميل مِنْهَا.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فسألت عَن تلك القرية فقيل دثرت، وأوصى إِلَى عُمَر بْن الْخَطَّابِ وَكَانَ موته سنة إحدى وعشرين.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: حدث شُعْبَة بْن الْحَجَّاج أن خالدا لما مات أتى عمر منزله فكف النساء عَن البكاء، ثُمَّ قَالَ عمر: وَمَا عَلَى نساء بني الْمُغِيرَة لو بكين أبا سُلَيْمَان فِي غير نقع وَلا لقلقة [1] .
ولما حج عمر سمع حاديا من أهل الشام يَقُول:
إذا رأيت خالدا تجففا ... وهبت الريح شمالا حرجفا [2]
وود بعض القوم لو تخلفا ... رأيته فِي الحرب ليثا أغضفا
فبكى عمر حتى نشج، وَقَالَ: لو كَانَ حيا لرددته عليكم.
وَكَانَ خَالِد يَقُول: مَا ليلة يهدي إلي فِيهَا عروس أحبها، أو أبشر فيها
__________
[1] النقع: رفع الصوت، وشق الجيب. واللقلقة: كل صوت في اضطراب، أو شدة الصوت. القاموس.
[2] الحرجف: الريح الباردة الشديدة الهبوب. القاموس.(10/208)
بمولود ذكر، بأسرّ إلي من ليلة شديدة البرد، كثيرة الجليد، وأنا فِيهَا فِي سرية أصبح العدو.
وَقَالَ بعض الرواة عَن مَالِك بْن أَنَسٍ: كَانَ خَالِد بْن الْوَليِد يشبه عمر، فخرج عمر فِي السحر فلقيه رجل فَقَالَ: مرحبا بك يَا أبا الْوَليِد فرد عَلَيْهِ عمر فَقَالَ الرجل: عزلك ابْن الخطاب؟ قَالَ عمر: نعم. قَالَ: أما شبع لا أشبع اللَّه بطنه؟ قَالَ عمر: فماذا عندك؟ قَالَ: مَا عندي إِلا سمع وطاعة. فلما أصبح عمر أخبرهم الخبر وضحك وَقَالَ عمر: مَا عتبت عَلَى خَالِد إِلا فِي المال.
وولد خَالِد بْن الْوَليِد:
عَبْد الرَّحْمَنِ بْن خَالِدٍ.
وَكَانَ يلي الصوائف.
فحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ قَالَ: تُوُفِّيَ خَالِد بْن الْوَليِد بحمص سنة عشرين، أَو إحدى وعشرين، وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن خَالِد يلي الصوائف فيبلي ويحسن أثره، فعظم شأنه بالشام، ومال النَّاس إِلَيْهِ فحسده مُعَاوِيَة وخافه، فدس إِلَيْهِ متطببا يقال لَهُ: ابْن أثال، وجعل لَهُ خراج حِمْص فسقاه شربة فمات، فاعترض خَالِد بْن المهاجر بْن خَالِد بْن الْوَليِد، ويقال خَالِد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ابْن أثال وَكَانَ يعرف بالأركون، والأركون كالرئيس فِي الناحية، فقتله فرفع ذَلِكَ إِلَى مُعَاوِيَة فحبسه أياما ثُمَّ أغرمه ديته ولم يقده.
وَحَدَّثَنِي حَفْصُ بْن عُمَرَ الْعُمَرِيُّ عَن الْهَيْثَم بْن عدي وَابْن الْكَلْبِيّ عَن عَوَانَة عَن أَبِيهِ والمدائني عَن غياث بْن إِبْرَاهِيمَ أن مُعَاوِيَة ولى الصائفة- وقد جاشت الروم- عَبْد الرَّحْمَنِ بْن خَالِد بْن الْوَليِد، وكتب لَهُ عهدا ثُمَّ قَالَ لَهُ:(10/209)
مَا أنت صانع بعهدي؟ قَالَ: سأتخذه إماما ومثالا فلا أتجاوزه، فَقَالَ: رد علي عهدي. فَقَالَ: أتعزلني ولم تخبرني؟ أما واللَّه لو كنا ببطن مَكَّة عَلَى السواء مَا فعلت بي هَذَا، فَقَالَ مُعَاوِيَة: لو كنا ببطن مَكَّة لكنت مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان بْن حرب وكنت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن خَالِد بْن الْوَليِد، وَكَانَ منزلي بالأبطح وَكَانَ منزلك بأجياد أعلاه مدرة وأسفله عذرة، ثُمَّ بعث إِلَى سُفْيَان بْن عَوْفٍ الغامدي من الأزد فَقَالَ لَهُ: وليتك الصائفة وَهَذَا عهدي فما أنت صانع؟ قَالَ اتخذه إماما مَا أم الحزم فإذا خالفه أعملت رأيي وسألت اللَّه التوفيق، فَقَالَ مُعَاوِيَة: أنت لها، فلما ودعه قَالَ مُعَاوِيَة: هَذَا وَاللَّه الَّذِي لا يدفع من بطء وَلا يكفكف من عجلة، وَلا يضرب عَلَى الأمور ضرب الجمل الثقال، فغزا بِالنَّاسِ الصائفة ثُمَّ هلك واستخلف عَبْد اللَّهِ بْن مسعود الفزاري، وَقَالَ لَهُ: احرص عَلَى أن ترجع بِالنَّاسِ سالمين، فغزا بهم ورجع منهزما، وقد كَانَ الشاعر قَالَ فِيهِ:
أقم يَا بن مَسْعُود قناة صَليبة ... كما كَانَ سُفْيَان بْن عوف يقيمها
وسمْ يابن مَسْعُود مدائن قيصر ... كما كَانَ سُفْيَان بْن عَوْفٍ يسومها
فلما قدم عَلَى مُعَاوِيَة قَالَ له: أقم يابن مسعود. فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قرنتني إِلَى رجل قل أشباهه فِي حزمه وبأسه، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إن من فضلك عندي معرفتك بفضل من هُوَ أفضل منك، ولكنك قلت هذه أول ولا يأتي ومحني فحرصت فغررت، وَاللَّه يغفر لك.
وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ يلي بعد ذَلِكَ الصوائف- وَكَانَ كعب بْن جعيل صديقا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن خَالِد فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: لم ترث صديقك، ولو كَانَ للشعراء عهد لرثيته، فَقَالَ: قد قلت فيه:(10/210)
أَلا تبكي وَمَا ظلمت قُرَيْش ... بإعلان البكاء عَلَى فتاها
لو سئلت دمشق وبعلبك ... وحمص من أباح لها حماها
لقالت أن سيف اللَّه أوهى ... معاقل عزها وحوى قراها
وأنزلها مُعَاوِيَة بْن حرب ... وكانت أرضه أرضا سواها
فكان مُعَاوِيَة يكرم كعبا ويتقيه.
وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: قتل المهاجر بْن خَالِد بْن الْوَليِد مَعَ عَلِيّ بْن أَبِي طالب بصفين، والمهاجر القائل:
إما تريني أشمط الحسنات ... فقد لهوت بالنساء الحرات
فِي بعثط [1] البطحاء مضرجات
وَقَالَ أَيْضًا:
رب ليل ناعم أحييته ... فِي عفاف عند قباء الحشا
ونهار قد لهونا بالتي ... لا يرى شبه لها فيمن مشى
وَكَانَ خَالِد بْن المهاجر مَعَ ابْن الحنفية فِي الشعب فعلق عَلَيْهِ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر زكرة [2] فِيهَا الخمر، ثُمَّ ضربه الحد، وَهُوَ قاتل ابْن أثال طبيب كَانَ بدمشق.
قَالَ وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن خَالِد ناسكا وشهد صفين مَعَ مُعَاوِيَة، وَكَانَ الْحَجَّاج بْن علاط السلمي ادعى عُبَيْد اللَّهِ بْن رياح، وذكر أنه أتى أمه فِي الجاهلية، وَكَانَ رياح عبد أسود لخالد بْن الْوَليِد بْن الْمُغِيرَةِ، فخاصم فِيهِ نصر بْن الْحَجَّاج عَبْد الرَّحْمَنِ بْن خَالِد بْن الْوَليِد إِلَى مُعَاوِيَة، وَقَالَ نصر
__________
[1] البعثط: سرة الوادي. القاموس.
[2] الزكرة: زق للخمر والخل. القاموس.(10/211)
لعبيد الله بن رياح:
أبا خَالِد لا ترهبن ابْن خَالِد ... فلم يكن الْحَجَّاج يرهب خالدا
أبا خَالِد لا تجعلن بناتنا ... موالي مخزوم وكن مواجدا
أبا خَالِد أوصيك أمك حية ... وأوصى إِلَى عواده والعوائدا
فقضى مُعَاوِيَة بِهِ لبني مخزوم، وناول نصرا حجرا، فَقَالَ نصر:
مَا هَذَا؟ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ] .
فَقَالَ نصر: فهلا قضيت بهذه القضية فِي زياد؟
وَقَالَ يَزِيد بْن مُعَاوِيَة:
مَا أنت من بهز وَمَا كَانَ منهم ... أبوك ولكن أنت مولى لخالد
وولد عابد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم:
أبا السائب، واسمه صيفي بْن عابد، وأبا رفاعة واسمه أمية، وعتيق بْن عابد، وزهير بْن عابد، أمهم برة بِنْت أسد بْن عَبْدِ العزى بْن قصي [1] .
فمن بني عابد: عَبْد اللَّهِ بْن السائب بْن أَبِي السائب، وَكَانَ أَبُو السائب شريك النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الجاهلية، وأتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الفتح مسلما، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هل تعرفني؟ فَقَالَ: ألست شريكي؟ قَالَ: بلى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فكنت خير شريك، كنت لا تداري وَلا تماري وَلا تظلم، وقتل السائب بْن أَبِي السائب يَوْم بدر، قتله الزُّبَيْر.
ورفاعة، وصيفي ويكنى أبا السائب، وَأَبُو المنذر، وزهير بنو أبي رفاعة أمية بن عابد.
__________
[1] بهامش الأصل: بلغت عرضا ولله الحمد كله.(10/212)
فأما رفاعة فقتل يَوْم بدر، قتله سَعْد بْن الرَّبِيع.
وأما صيفي وَهُوَ السائب بْن رفاعة فقتله عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ يَوْم بدر.
وأما زهير فقتله أَبُو أسيد الساعدي يَوْم بدر.
وَأَبُو صيفي بْن أَبِي رفاعة أسر يَوْم بدر، ولم يكن لَهُ فداء فأطلق.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ وغيره قَالَ: روى عَبْد اللَّهِ بْن السائب بْن أَبِي السائب ويكنى أبا عَبْد الرَّحْمَنِ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمعه يَقُول فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخرة حسنة) [1] مَعَ أحاديث غير ذَلِكَ [2] . وروى عَن عُمَر بْن الْخَطَّابِ.
كَانَ قَيْس بْن السائب مولى مجاهد بْن جبر صاحب التفسير. وقالت امْرَأَة منهم ترثيهم:
إخوتي لا تبعدوا أبدا ... وبكى والله قد بعدوا
لو تملتهم عشيرتهم ... لثراء المال أَوْ ولدوا
هان من بعض التذكر أَوْ ... هان من بعض الَّذِي أجد
كُلّ من يمشي بعقوتها ... وارد الماء الَّذِي وردوا
وقالت هَذَا لأنهم لم يعقبوا.
ومنهم مُحَمَّد بْن صيفي بْن أَبِي رفاعة، وجدته أم أمه خديجة بِنْت خويلد رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا، كَانَتْ فِي الجاهلية عند عتيق بْن عابد، فولدت لَهُ جارية يقال لَهَا هند، فتزوجها صيفي بن أبي رفاعة، وهو أمية بن
__________
[1] سورة البقرة- الآية: 201.
[2] طبقات ابن سعد ج 5 ص 445، بدون هذا الحديث.(10/213)
عابد بْن عَبْدِ اللَّهِ، فيقال لبني مُحَمَّد بْن صيفي بالمدينة: بنو الطاهرة، لأنه كَانَ يقال لخديجة الطاهرة.
وقتل عَبْد الرَّحْمَنِ بْن السائب بْن أَبِي السائب يَوْم الجمل، وَكَانَ للسائب ابْن يقال لَهُ عطاء، ذكر ذَلِكَ الزُّبَيْرِيّ [1] ، ويقال إنه لم يكن فِي بني عابد هجرة. وَقَالَ الشاعر:
وإن تصلح فإنك عابدي ... وصلح العابدي إِلَى فساد
قَالُوا: وعمر أَبُو السائب صيفي بْن عابد، شريك النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وطاف مُعَاوِيَة بالبيت ومعه جنده، فزحم أَبُو السائب فسقط، فَقَالَ:
يَا مُعَاوِيَة جئتنا بأوباش يصرعونا، وَاللَّه لقد أردت أن أتزوج أمك، فَقَالَ:
ليتك فعلت، فجاءت بمثل أَبِي السائب، يعني عَبْد اللَّهِ بْن السائب.
وولد أسد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم:
عبد مَنَاف، وَهُوَ أَبُو الأرقم، وجندب، وعَبْد العزي، وعبد.
فمنهم: الأرقم بْن أَبِي الأرقم بْن أسد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم، وشهد بدرا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستخفيا فِي داره، يدعو النَّاس إِلَى الإِسْلام. وَقَالُوا: أم الأرقم بْن أَبِي الأرقم: أميمة بِنْت عَبْد الْحَارِث من خزاعة، وخاله: نافع بْن عَبْدِ الْحَارِث الخزاعي عامل عُمَر بْن الْخَطَّابِ عَلَى مَكَّة، وَكَانَ أرقم بْن أَبِي الأرقم يكنى فِي الجاهلية أبا عبد مَنَاف، فلما أسلم كنى أبا عَبْد الرَّحْمَنِ، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في داره عند الصفا، وفيها مات أرقم فِي زمن مُعَاوِيَة وولده يقولون أنه سابع سبعة في الإسلام،
__________
[1] كتاب نسب قريش للمصعب الزبيري ص 333.(10/214)
وكانت داره صدقة عَلَى ولده، فلما كَانَتْ خلافة أَبِي جَعْفَر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ خرج بعض ولده مَعَ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بْن حسن، فصارت لأبي جَعْفَر ابتياعا، ثُمَّ صارت للخيزران أم ولد أَمِير الْمُؤْمِنِينَ المهدي بإقطاع من المهدي، ثُمَّ صارت لجعفر بْن مُوسَى وَهِيَ الَّتِي يسكنها أصحاب العدني والشطوي.
وشهد الأرقم المشاهد كلها مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وآخى بينه وبين أَبِي طَلْحَةَ، وأوصى أرقم أن يصلي عَلَيْهِ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ، ومروان عَلَى الْمَدِينَة من قبل مُعَاوِيَة، ومات الأرقم فاحتبس سَعْد لأنه كَانَ فِي قصره بالعقيق، فَقَالَ مروان: أنحبس صاحب رسول الله لرجل غائب، وأراد الصلاة عَلَيْهِ فأبى ذَلِكَ عُبَيْد اللَّهِ بْن الأرقم، وقامت مَعَهُ بنو مخزوم، ووقع بينهم كلام وجاء سَعْد فصلى عَلَيْهِ، فِي سنة خمس وخمسين بالمدينة، وهلك الأرقم وله بضع وثمانون سنة.
وَكَانَ للأرقم من الولد: عُبَيْد اللَّهِ لأم ولد، وعثمان لأم ولد والعقب لَهُ، وَكَانَ بعضهم بالشام.
وَكَانَ للأرقم بنات: مريم، وصفية، وأمية.
وولد عُثْمَان بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم:
عَمْرو بْن عُثْمَان،
وأمه قلابة بِنْت عَمْرو من خزاعة، وعرفجة، وعريفجة، وعثمان، وأبا برد.
وولد عَمْرو بْن عُثْمَان: الْحَارِث، والحويرث، والوليد، وأمهم فاطمة بِنْت الْمُغِيرَة بْن عَبْدِ اللَّهِ، منهم عَمْرو، وسعيد ابنا حريث بْن عَمْرِو بْنِ عُثْمَان بْن عَبْدِ اللَّه بْن عمرو بْن مخزوم.(10/215)
[حريث]
فأما سَعِيد،
فصحب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال الْوَاقِدِيّ: سَعِيد أسن من أخيه عَمْرو بْن حريث، ويقولون إنه شهد الفتح مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْن خمس عشرة سنة وَكَانَ إسلامه قبل الفتح، وَهُوَ الَّذِي قتل ابْن خطل الأدرمي، وقسم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا وجده فِي البيت فأعطاه منه. وتحول سَعِيد إِلَى الْكُوفَة فنزل مَعَ أخيه بِهَا، وغزا خراسان، وزعموا أن غلمانه قتلوه بظهر الْكُوفَة، وَلا عقب لَهُ.
وأما عَمْرو بْن حريث
فكان يكنى أبا سَعِيد.
قَالَ أَبُو نعيم الْفَضْل بْن دُكَيْنٍ: تُوُفِّيَ سنة خمس وثمانين.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْن اثنتي عشرة سنة، وَكَانَ عمال العراق زياد وغيره يستخلفونه عَلَى الْكُوفَة إذا خرجوا مِنْهَا، ويتولى أمرهم وشرطهم إذا حضروها، وكان عمرو ابتاع سفطا كَانَ للنخيرجان فربح فِيهِ، فكان أول من اعتقد مالا عظيما بالكوفة وله بِهَا عقب.
قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن همام السلولي يمدح عَمْرو بْن حريث:
أبوك المنقى من قُرَيْش زناده ... وخالك زاد المرملين هِشَام
وحي بني سهم إذا عد مجدهم ... أصابك منه حارك [1] وسنام
حَدَّثَنِي هدبة بْن خَالِدٍ، ثنا أَبُو هلال، ثنا حميد بْن هلال قَالَ:
خطب عَمْرو بْن حريث إِلَى عدي بْن حاتم الطائي ابنته، فقال عدي:
ما أنا بمزوّجك إلا عَلَى حكمي. ثُمَّ رجع عَمْرو إِلَى أصحابه فَقَالَ: امرأة من قُرَيْش أتزوجها عَلَى أربعة آلاف درهم أحب إِلَى من امْرَأَة من طيّئ
__________
[1] الحارك: أعلى الكاهل، وعظم مشرف من جانبيه، ومنبت أدنى العرف إلى الظهر الذي يأخذ به من يركبه. القاموس.(10/216)
أتزوجها عَلَى حكم أبيها، قَالُوا: إن ذاك كذاك، ثُمَّ عاد فخطبها فزوجه إياها عَلَى حكمه وقال له: ما حكمك؟ قال: أربعمائة وثمانون، سنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثنتا عشرة أوقية، والأوقية أربعون فبعث إليه عمرو بن حريث بأربعمائة وثمانين درهما مهرا، وبعشرة آلاف درهم سوى الصداق، وَقَالَ:
هِيَ هدية.
قَالَ أَبُو هلال: يقال أن ولد عَمْرو بْن حريث من ابنه عديّ خير ولده.
حَدَّثَنِي أَبُو صَالِح الفراء الأنطاكي، حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ الفزاري عَن الشيباني عَن سَعِيد بْن جبير قَالَ: اعتكفت فِي مسجد الحي، فأرسل إلي عَمْرو بْن حريث، وَهُوَ أَمِير الْكُوفَة يدعوني فلم آته، ثُمَّ أتيته فَقَالَ:
مَا منعك من إتياننا؟ قلت: كنت معتكفا. فَقَالَ: وَمَا عَلَى المعتكف يشهد الجمعة، ويعود المريض ويمشي مَعَ الجنازة ويأتي الإمام.
حدثني عمر بْن شبة قَالَ: قَالَ خلف بْن خليفة: أراني أَبِي عَمْرو بْن حريث وأنا ابْن ست سنين فرأيت عَلَيْهِ عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين يديه وطرفها الآخر خلفه، فَقَالَ النَّاس: هَذَا قد صلى خلف رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وروى سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَن خَالِد بْن خَالِدٍ قَالَ: قَالَ عَمْرو بْن حريث: مَا ظلمت فِي داري هَذِهِ أجيرا، وإن أصلها لمن عطية رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ ضُرَيْسٍ قَاضِي الرَّيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ يَعِظُهُمْ، وَيَقُولُ: مَنْ تَعَزَّزَ بِالْمَعْصِيَةِ أَوْرَثَهُ اللَّهُ الذلة.(10/217)
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْن شَبَّةَ، ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيُّ، ثنا سُفْيَانُ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ أَجَازَ شَهَادَةَ الْمُخْتَبِئِ.
وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، ثنا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَان عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ جَعَلَ السِّلْعَةَ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ [1] .
وروي عَنِ الشَّعْبِيِّ أن رجلا ابتاع جارية بستين دينارا، فنقد ثلاثين واحتبس الجارية حَتَّى يأتيه بالثلاثين الباقية فأتاه بِهَا، فدفعها إِلَيْهِ وقد ماتت الجارية، فاختصما إِلَى عَمْرو بْن حريث فَقَالَ: أما الثلاثون الَّتِي أخذتها والجارية حية فهي لك، وأما الثلاثون الَّتِي أخذتها وقد ماتت الجارية فردها، وَكَانَ الشَّعْبِيّ يستحسن ذَلِكَ.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ خَالِدٍ الطَّحَّانِ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ:
قَالَ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، وَهُوَ صَاحِبُ زُقَاقِ عَمْرٍو بِالْكُوفَةِ: مَا تَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ ثَالِثٍ إِلا ظَنَّ بِهِمَا اغْتِيَابًا لَهُ أَوْ طَيًّا لأَمْرِهِمَا عَنْهُ فَأَحْنَقَتْهُ تِلْكَ وَأَوْحَشَتْهُ هَذِهِ.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ كِنَاسَةَ عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ قَالَ لابْنِهِ: اصْحَبْ مَنْ إِذَا صَحِبْتَهُ زَانَكَ وَإِذَا اختلك مَانَكَ [2] ، وَإِذَا رَأَى مِنْكَ حَسَنَةً أَظْهَرَهَا، وَإِذَا رَأَى سَيِّئَةً سَتَرَهَا، مَنْ لا يُخَافُ بَوَائِقَهُ وَلا تَخْتَلِفُ عَلَيْكَ طَرَائِقُهُ.
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سعيد عن مولى
__________
[1] بهامش الأصل: يعني من ثمنها.
[2] مانه: قام بكفايته. القاموس.(10/218)
لِعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلَيْنِ تَمَازَحَا: إِنَّ آخِرَ الْمُزَاحِ جِدٌّ فَكُفَّا.
حَدَّثَنِي رَوْحُ بْن عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، حَدَّثَنِي عَمِّي أَبُو هَاشِمٍ عَنِ الْمُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ: كَانَ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: إِنَّهُ لَيْسَتْ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مَنْزِلَةٌ ثَالِثَةٌ، فَمَنْ أَخْطَأَتْهُ الْجَنَّةُ دَخَلَ النَّارَ، فَلا تَكْذِبُوا.
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ أَضَرَّ الْكَذِبِ بِكَ كَذِبُكَ نَفْسَكَ.
قَالَ شريك: وَكَانَ عَمْرو يَقُول: من رضي الجهل استغنى عند نفسه عَن الحلم.
وَقَالُوا: قدم سدرة الهجيمي واسمه الهملع بْن أعفر الْكُوفَة، وَكَانَ حافيا، فرأى بالكناسة عمرا، وعليه ثياب خز مضاعفة، فَقَالَ: هَذَا سيد القوم، فأتاه فسأله فَقَالَ لَهُ عَمْرو: إن كنت تريد الخز، فهو حاضر، وإن كنت تريد النقد فعليك بصاحب البرذون الأشهب، قَالَ: الدال عَلَى الخير كفاعله. فقال: ومن هو؟ قال: أسماء بن خارجة، وعن يمينه لبيد بْن عطارد، وحجار بن أبجر، وشمر ذي الجوشن، فأنشأ يَقُول:
إِلَيْك تخطت عَن قُرَيْش ولم ترد تميما ولم تعرض لبكر بْن وائل
وَلا عامرا لم يعتمد للتي بِهَا ... وَلا غيرهم من جمع تلك القبائل
فوصله وَقَالَ لَهُ: عد إلي فأقم عندي، فَقَالَ لَهُ: إني أشأم العرب، مَا صحبت أحدا قط إِلا مات، فَقَالَ لَهُ: ليس فِي العرب شؤم، فمضى ثُمَّ قدم عَلَيْهِ فوافق جنازته محمولة، فَقَالَ: شؤمي وَاللَّه قتله.(10/219)
فمن ولد عَمْرو بْن حريث: جَعْفَر بْن عَمْرِو بْنِ حريث، وَكَانَ فقيها
ذا هيئة.
حدثني أَبُو مَسْعُود الكوفي عَنِ ابْن كناسة قَالَ: كَانَتْ بين عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عنبسة بن سعيد بن العاص وبين جعفر بن عَمْرِو بْنِ حريث مماظة [1] ومعاتبه، فدخل جَعْفَر بْن عَمْرو عَلَى خَالِد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري يوما وعنده عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عنبسة، فلما استقر بجعفر مجلسه قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، ورأى صبيا عَلَى صدر خَالِد وَهُوَ يقبله: من هَذَا الصبي؟ قَالَ: ابني فَقَالَ: أصلح الله الأمير، نح هذا الصبي عن صدرك فما رأيتُ أقذرَ منه وأنتَ تقبله، فقال خالد: أفي نفسك على أبي عبد الله موجدة؟ يعني أخاه أسد بْن عَبْدِ اللَّهِ. فقال: أصلح اللَّه الأمير، إن هَذَا الفاسق خدعني وزعم أنه ابنه، فضحك خالد حتى فحص برجليه.
وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، ثنا سُفْيَانُ عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» .
وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمُغِيرَةِ الأَثْرَمُ عَنْ خَالِدِ بْنِ كُلْثُومٍ عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ أَنَّهُ قَالَ: قَلَّمَا يَسْعَدُ بِرَأْيِهِ مُسْتَبِدٌّ.
وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: من ولد عَمْرو بْن حريث: عون بْن عَمْرو وجعفر بْن عون الفقيه.
وولد خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم:
وابصة بْن خَالِدٍ، فولد
__________
[1] ماظظته مماظة ومظاظا: شاررته ونازعته. القاموس.(10/220)
وابصة: العاص بن وابصة. فمن ولد وابصة: العطاف بن خالد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَان بْن العاص بْن وابصة، وَكَانَ العطاف محدثا، حَدَّثَنَا عَنْهُ إِسْحَاق بْن أَبِي إِسْرَائِيل، وهشام بْن عمار.
وولد هلال بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم:
عَبْد الأسد،
وأمه نعم بِنْت عَبْدِ الْعُزَّى بْن رِياح بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قرظ بْن رزاح، فولد عَبْد الأسد:
أبا سَلَمَة،
واسمه عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ الأسد، وأمه برة بِنْت عَبْد المطلب، هاجر إِلَى أرض الحبشة مرتين ومعه امرأته أم سَلَمَة بِنْت أَبِي أمية، وَكَانَ أول من قدم الْمَدِينَة مهاجرا، وَكَانَ قدومه إياها لعشر خلون من المحرم، وقدوم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياها لاثنتي عشرة ليلة خلت من شَهْر ربيع الأول.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: رَحَّلَ أَبُو سَلَمَةَ بَعِيرَهُ، وَحَمَلَنِي عَلَيْهِ وَفِي حِجْرِي ابْنِي سَلَمَةُ وَهُوَ يُرِيدُ بِي الْهِجْرَةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا رَآهُ رِجَالُ بَنِي الْمُغِيرَةِ قَالُوا لَهُ: هَذِهِ نفسُك قَدْ غلبتَنا عَلَيْهَا فَمَا بَالُ صَاحِبَتِكَ؟ لا نَدَعُكَ وَتَسْيِيرِهَا فِي الْبِلادِ، ثُمَّ انْتَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يَدِهِ وَأَخَذُونِي، فَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ الأَسَدِ وَقَالُوا: وَاللَّهِ لا نَتْرُكُ ابْنَهَا عِنْدَهَا إِذْ نَزَعْتُمُوهَا مِنْ صَاحِبِهَا، وَتَجَاذَبُوا ابْنِي سَلَمَةَ بَيْنَهُمْ حَتَّى خَلَعُوا يَدَهُ.
قَالُوا: فَكَانَتْ مَخْلُوعَةً حَتَّى مَاتَ، وَانْتَزَعَهُ بَنُو عَبْدِ الأَسَدِ وَانْطَلَقُوا بِي، وَحَبَسَنِي بَنُو الْمُغِيرَةِ عِنْدَهُمْ، وَمَضَى زَوْجِي أَبُو سَلَمَةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الأَبْطَحِ فَأَبْكِي حَتَّى أُمْسِي، فَلَبِثْتُ بِذَلِكَ قَرِيبًا مِنْ سَنَةٍ حَتَّى مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمِّي فَرَحِمَنِي لِمَا رَأَى بِي، فَكَلَّمَ بَنِي الْمُغِيرَةِ فِي(10/221)
وقَالَ: أَلا تَرَوْنَ مَا بِهَذِهِ الْمِسْكِينَةِ مِنَ الْجَهْدِ لِتَفْرِيقِكُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَوَلَدِهَا؟ فَقَالُوا لِي: الْحَقِي بِزَوْجِكِ إِنْ شِئْتِ، وَرَدَّ عَلَيّ بَنُو عَبْدِ الأَسَدِ ابْنِي، قَالَتْ فَرَحَلْتُ بَعِيرِي وَوَضَعْتُ ابْنِي فِي حِجْرِي، وَخَرَجْتُ أُرِيدُ زَوْجِي وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، فَلَمَّا كنتُ بِالتَّنْعِيمِ لقيتُ عُثْمَانَ بْن طَلْحَةَ بْنِ أبي طلحة العبدري فقال: أين تريدين يا بنة أَبِي أُمَيَّةَ؟ قُلْتُ:
أُرِيدُ زَوْجِي بِيَثْرِبَ. فَقَالَ: أو معك أحد؟ قلت: لا. فَقَالَ: مالك مترك، وأخذ بخطام البعير وانطلق معي يقودني، فو الله مَا رَأَيْت أَكْرَمَ مُصَاحَبَةً مِنْهُ، كُنْتُ أَبْلُغُ الْمَنْزِلَ فَيُنِيخُ جَمَلِي، ثُمَّ يَسْتَأْخِرُ عَنِّي فَإِذَا نزلت حطّ عن بعيري وفيّده، ثُمَّ أَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ تَحْتَهَا، فَإِذَا أَرَدْنَا الرَّوَاحَ قَدِمَ الْبَعِيرُ فَرَحَّلَهُ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ وقَالَ: ارْكَبِي ثُمَّ يَقُولُ:
يَا رَخَمُ الْبَيْتِ أَلا اسْتَقِلِّي ... ثُمَّ هِلالا وَعَلَيْهِ قِلِّي
فَإِذَا اسْتَوَيْتُ قَادَ فَلَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ حتَّى أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا رَأَى قَرْيَةَ بَنِي عَمْرو بْن عَوْفٍ بِقُبَاءٍ قَالَ: زَوْجُكِ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ فَادْخُلِيهَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّه، ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إِلَى مَكَّةَ [1] .
وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ مِثْلَهُ [2] .
قَالُوا: وَكَانَ أَبُو سَلَمَة وحمزة أخوي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الرضاع، أرضعتهم ثويبة مولاة أَبِي لهب بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وشهد أَبُو سلمة بدرا
__________
[1] لم يرد هذا الخبر في أي من ترجمتي أبي سلمة وأم سلمة في طبقات ابن سعد.
[2] سيرة ابن هشام ج 1 ص 322- 323.(10/222)
واحدا، فرماه أَبُو أسامة الجشمي بسهم أصاب عضده فانتقض عَلَيْهِ، فمات منه لثماني ليال خلون من جمادى الآخرة سنة أربع، فلما انقضت عدة أم سَلَمَة تزوجها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت أحد فِي شوال سنة ثلاث، وبعث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا سَلَمَة فِي المحرم سنة أربع فِي سرية إِلَى قطن [1] ، وَهُوَ لبني أسد فكان انتقاض الجرح بِهِ بعد ذَلِكَ، وكانت أم سَلَمَة أول ظعينة قدمت الْمَدِينَة مهاجرة.
وولد لأبي سَلَمَة: سَلَمَة، وعمر، وزينب الَّتِي كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول لها: «مَا فعلت زناب» ؟ وَكَانَ مولدها بالحبشة، ونضح النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وجهها ماء وَهُوَ يغتسل، فلم يتبين عَلَيْهَا الكبر، ولم يزل وجهها طريا بمائه، وتزوجها عَبْد اللَّهِ بْن زمعة بْن الأسود بْن المطلب بن أسد بن عبد العزى، ودرة، وأمهم أم سَلَمَة، واسمها هند بِنْت أَبِي أمية.
ولما أقطع الرسول صَلَّى الله عليه وسلم الدور بالمدينة جعل لأبي سلمة موضع داره التي عند الزهريان اليوم، ثم بيعت بعد.
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَن الزُّهْرِيِّ عَن قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا سَلَمَةَ الْوَفَاةُ، حَضَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّسَاءِ سِتْرٌ فَبَكَيْنَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «مَهْ. إِنَّ الْمَيِّتَ يَحْضُرُ وَيُؤَمِّنُ عَلَى مَا يَقُولُ أَهْلُهُ، وَإِنَّ الْبَصَرَ لَيَشْخَصُ لِلرُّوحِ حَتَّى يُعْرَجَ بِهَا» .] فَلَمَّا فَاظَتْ نَفْسُهُ بَسَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّيْهِ عَلَى عَيْنَيْهِ فأغمضهما [2] .
__________
[1] قطن: ماء ويقال جبل من أرض بني أسد بناحية فيد. معجم البلدان.
[2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 241.(10/223)
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا سُفْيَانُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغْمَضَ أَبَا سَلَمَةَ حِينَ مَاتَ وَقَدْ ذَكَرْنَا خَبَرَ أُمِّ سَلَمَةَ وَوَلَدِهَا فِي خَبَرِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْهِجْرَةِ.
والأسود بْن عَبْدِ الأسد،
قتل يوم بدر كافرا، وكان الأسود حلف يَوْم بدر ليكسرن حوض النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقاتل أشد قتال حَتَّى وصل إِلَى الحوض، فأدركه حمزة عَلَيْهِ السلام وَهُوَ يكسره فقتله، واختلط دمه بالماء، وكانت أمه كندية.
وسفيان بْن عَبْدِ الأسد
وله عقب، ولد لَهُ لصلبه: الأسود بْن سُفْيَان، وهبار بْن سُفْيَان هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، وأقام مَعَ جَعْفَر بْن أَبِي طالب، ثُمَّ قدم الْمَدِينَة قبله واستشهد يَوْم مؤته، ويقال يَوْم أجنادين، والأول قول الْكَلْبِيّ، وهاجر مَعَ هبار أخوه عُبَيْد اللَّهِ بْن سُفْيَان بْن عَبْدِ الأسد، وقتل يَوْم اليرموك بالشام.
ومن ولد سُفْيَان بْن عَبْدِ الأسد: مُحَمَّد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي سَلَمَةَ بْن سُفْيَان بْن عَبْدِ الأسد، استقضاه مُوسَى الهادي عَلَى مَكَّة، وَكَانَ الأوقص المخزومي استخلفه عَلَى القضاء حين تُوُفِّيَ، فأقره مُوسَى عَلَى القضاء، واستقضاه هَارُون الرشيد أَيْضًا.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: سرقت ابنة لسفيان بْن عَبْدِ الأسد عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقطعها وكلموه فِي ذَلِكَ فَقَالَ: [ «لو كَانَتْ فاطمة بِنْت مُحَمَّد لقطعتها» .](10/224)
وقال معن بن أوس المزني فِي نخل لَهُ:
لعمري مَا نخلي بحال مضيعة ... وَلا ربها إن غاب عَنْهَا بخائف
فإن لها جارين لن يغدرا بِهَا ... ربيب النَّبِيّ وَابْن خير الخلائف
يعني بربيب النَّبِيّ عُمَر بْن أَبِي سَلَمَةَ بْن عَبْد الأسد، وبابن خير الخلائف عَاصِم بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْر الصديق.
وَقَالَ مصعب الزُّبَيْرِيّ: كَانَ عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر بْن أَبِي طالب قَالَ لعاصم بْن عُمَرَ: امض بنا إِلَى مصعب نستحذيه من مال العراق، فأعطى عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر أربعين ألف دينار، وأعطى عاصما عشرين ألف دينار، وإنما حكم عاصما فاحتكم فاشترى بِهَا عَاصِم صدقته بالأكحل [1] ، وكانت قبله لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْر، وَقَالَ عَبْد اللَّهِ لمصعب: مَا بالك لم تحكمني كما حكمت عاصما؟ فَقَالَ: خفت أن تحربني أَوْ تنحلني. فَقَالَ: لو فعلت لفعلت.
ومن ولد الأسود بْن سُفْيَان بْن عَبْدِ الأسد: رزق، وأمه أم حبيب بِنْت الْعَبَّاس بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
وولد عبيد بْن عُمَرَ بْن مخزوم:
الْحَارِث بْن عبيد،
وأمه كنود بِنْت الْحَارِث من بني تيم الأدرم بْن غالب بْن فهر.
فولد الْحَارِث بْن عبيد:
حنطب بْن الْحَارِث،
وأمه من بني أسد بْن خزيمة.
فولد حنطب بْن الْحَارِث:
المطلب بْن حنطب بْن الحارث بْن عُبَيْد،
__________
[1] الأكحل: من توابع المدينة ومخاليفها قريبا من النقيع خارج المدينة. المغانم المطابة.(10/225)
أسر يَوْم بدر، وأمه مخزومية، وَكَانَ آخر من بقي بالمدينة، فكان يعمل فِي حائط لأبي أَيُّوب الأَنْصَارِيّ حَتَّى فدي.
ومن ولد المطلب بْن حنطب:
الحكم الجواد بْن المطلب بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المطلب بْن الْحَارِث بْن عُبَيْد بْن عُمَر بْن مخزوم.
حَدَّثَنِي مشايخ من أهل منبج منهم مزاحم الكاتب قَالَ: نزل الحكم الجواد بْن المطلب منبج، فكان أهلها يقولون: أغنى فقراءنا وَلا مال لَهُ يومئذ، كَانَ متزهدا، قيل وكيف ذَلِكَ؟ قالوا: حضّنا على التبارّ والتعاطف والتآسي، فأفضل غنينا عَلَى فقيرنا حَتَّى استغنى.
وسأله رجل حملانا إِلَى الثغر فأعطاه فرسا من فرسين كانا لَهُ. وفي الحكم يَقُول ابْن هرمة:
لا عيب فيك يعاب إِلا أنني ... أمسي عليك من المنون شفيقا
إن القرابة منك يأمل أهلها ... صلة وتأمل جفوة وعقوقا [1]
وَقَالَ أَيْضًا:
رأيت الإله كفاني الَّذِي ... يهم وشيب بني المطلب
قضوا لِي بلا خلف حاجتي ... أَلا مثل سائلهم لم يخب [2]
ولزم رجلا من وجوه قُرَيْش دين، وَكَانَ لَهُ مال من نخل وزرع، فخاف أن يباع عَلَيْهِ فشخص مِنَ الْمَدِينَةِ يريد خَالِد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري فِي العراق، وَكَانَ خَالِد يبر من قدم عَلَيْهِ من قريش، وأعدّ لخالد هدية من
__________
[1] ديوان ابن هرمة ص 149- البيت الأول فقط.
[2] ليسا في ديوان ابن هرمة المطبوع.(10/226)
طرف الْمَدِينَة، فلما صار بفيد وجد بِهَا الحكم بْن المطلب وَهُوَ عَلَى سعاية الْمَدِينَة والحجاز وبعض نجد، فأتاه فلما رآه قام إِلَيْهِ وأجلسه عَلَى فراشه وسأله عَن مقدمه فشرح لَهُ قصته ثُمَّ قَالَ لَهُ: إني لم أتلقاك ولكني أشيعك إِلَى منزلك، فلما دخل منزل القرشي رأى تلك الهدايا فَقَالَ: لمن هَذِهِ؟ فقدمت إِلَيْهِ فأكل مِنْهَا، وَقَالَ القرشي لغلمانه: احملوا إِلَى منزله فحملت، ثُمَّ قَالَ:
ههنا مال من مال الصدقات وأنت غارم فأنت أحق بِهِ فأعطاه ذَلِكَ المال وَهُوَ أربعة آلاف دينار، وإنما كَانَ دينه قريبا من ثلاثة آلاف دينار، وَقَالَ لَهُ الحكم: قد قرب اللَّه عليك الخطوة فانكفأ القرشي راجعا وشيعه الحكم، فلما أراد مفارقته قَالَ لَهُ: إن زوجتك تسألك عَن طرائف العراق، وهذه خمسمائة دينار، وكانت مَعَهُ فِي صرة، فأعطاه إياها عوضا عن هدية العراق.
ولما عزل عن السعاية أخذ بالحساب وَقَالَ لَهُ الَّذِي ولاه: أين الأبل والغنم؟ قَالَ: أكلنا لحومها بالخبز وأطعمناها. قَالَ: فأين الدنانير والدراهم؟ قَالَ: اعتقدنا بِهَا الأيادي، وقضينا الحقوق، فأمر بِهِ فحبس، فَقَالَ بعض شعراء الأنصار:
خليلي إن الجود فِي السجن فابكيا ... عَلَى الجود إذ سدت علينا طرائقه
ترى عارض المعروف كل عشية ... وكل ضحى يستن فِي السجن بارقه
فأعطاه ثلاثة آلاف درهم وَهُوَ محبوس.
وَكَانَ قد هوي جارية نفيسة فاشتراها بمال عظيم، فلما أراد أن يدخل عَلَيْهَا لبس ثيابا سرية، ودخل عَلَى أَبِيهِ ليدعو لَهُ بالبركة فَقَالَ: أقسمت عليك يَا بني لما وهبت الجارية لأخيك الْحَارِث بْن المطلب، وَكَانَ أبوه يحب(10/227)
الْحَارِث بْن المطلب حبا شديدا، فوهبها لَهُ وخلع عَلَيْهِ الثياب الَّتِي كَانَ لبسها، فَقَالَ الْحَارِث نشدتك اللَّه لما رددت الجارية إِلَى منزلك ولبست ثيابك، فَقَالَ: هِيَ حرة إن أنت لم تقبلها فصارت له.
[الحارث بن المطلب]
ومات الْحَارِث بْن المطلب قبل أَبِيهِ، فنظر إلى مضجعه بعد حول فَقَالَ: هَذَا مضجع ابني الْحَارِث وشهق شهقة خرجت معها نفسه:
ولما تنسك الحكم كَانَ يعلق اللحم بيده إِلَى منزله تواضعا، ومات الحكم بمنبج وبها دفن، فَقَالَ الراتجي يرثيه:
ماذا بمنبج أمسى فِي مقابرها ... من التهدم بالمعروف والكرم
سألوا عَن الجود والمعروف مَا فعلا ... فقلت إنهما ماتا مَعَ الحكم
ماتا مَعَ السيد الموفي بذمته ... قبل السؤال إذا لم يوف بالذمم
قَالُوا: وانقطع شسع نعل الحكم فطرحها فأخذها بعضهم فأصلحها وأتاه بِهَا، فوهب لَهُ ثلاثين دينارا وَقَالَ: خذ النعل فهي لك.
[عبد العزيز بن المطلب]
وَكَانَ عَبْد الْعَزِيزِ بْن المطلب أخو الحكم، والحارث ابني المطلب، ويكنى أبا المطلب، قاضيا عَلَى الْمَدِينَة لأمير الْمُؤْمِنِينَ أَبِي جَعْفَر المنصور، وعَبْد الْعَزِيزِ الَّذِي يَقُول:
ذهبت وجوه عشيرتي فتخرموا ... وبقيت بعدهم لشر زمان
أبغي الأنيس فما أرى من مؤنس ... لم يبق لِي سكنا من السكان
وَكَانَ عَبْد الْعَزِيزِ بْن المطلب تزوج امْرَأَة قد تزوجها قبله أربعة، فلما مرض قَالَت: من لِي بعدك يَا سيدي؟ قَالَ: السادس الشقي.
وَكَانَ عَبْد الْعَزِيزِ رديء العين، فكان لا يكاد يرفع طرفه، وَكَانَ يَقُول: كَانَ أخي الْحَارِث عليل العين وَكَانَ يكحل، فيقال اكتحل مَعَ أخيك، فأفسدت عيني.(10/228)
وقضى عَبْد الْعَزِيزِ بقضية عَلَى مُحَمَّد بْن لوط بْن الْمُغِيرَةِ بْن نَوْفَل بْن الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ مُحَمَّد: لعنك اللَّه ولعن من ولاك، فَقَالَ:
لعنت أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وَاللَّه الحميد لأوجعنك ضربا، برزوه، فبرز ليضرب فَقَالَ: وَاللَّه لئن ضربتني سوطا لتضربن مكانه سوطين، فَقَالَ لجلسائه: إنما يريد أن يحردني لأضربه فتقول قُرَيْش: أنت جلاد أهلك، لا وكرامة لا أضربك، خلوا سبيله فشكره مُحَمَّد بْن لوط وَقَالَ: مَا سمعت بكرامة فِي موضع قط أحسن مِنْهَا فِي هَذَا الموضع، وسكن عَبْد الْعَزِيزِ عَنْهُ.
وَكَانَ عَبْد الْعَزِيزِ حديدا قضى عَلَى حسين بْن زَيْد بْن علي، فَقَالَ حسين:
هَذَا قضاء يرد عَلَى استه فحك عَبْد الْعَزِيزِ لحيته حردا، وَقَالَ: وَاللَّه العظيم لقد أغلظ لِي وَمَا أراد إِلا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لأن قضائي قضاؤه، وَاللَّه لأضربنه حَتَّى يسيل دمه ولأحبسنه حَتَّى يكون أَمِير الْمُؤْمِنِينَ المخرج لَهُ، فَقَالَ حسين:
أَوْ تعفو عني وتصل رحمي؟ فَقَالَ: خلوا عَنْهُ.
وخاصم إِلَيْهِ بعض ولد أَبِي بَكْر الصديق، فقضى عَلَيْهِ، وأمر بِهِ إِلَى الحبس، فبلغ ذَلِكَ أباه، فاستأذن عَلَى عَبْد الْعَزِيزِ، فبعث عَبْد الْعَزِيزِ إِلَيْهِ: أنا غضبان وأنت غضبان وَلا أحب أن يلتقي غضبانين، وقد عرفت مَا جئت لَهُ وأمرت بإخراج ابنك من الحبس.
وفي عَبْد الْعَزِيزِ يَقُول الشاعر:
إذا قيل من للعدل والحلم والتقى ... أشارت إِلَى عَبْد الْعَزِيزِ الأصابع
أشارت إِلَى حر المحامد لم يكن ... ليدفعه عَن غاية المجد دافع
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَن الواقدي قَالَ: كَانَتِ ام المطلب بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المطلب بْن حنطب أم سَلَمَة بِنْت الحكم بْن أَبِي العاص بْن أمية،(10/229)
فوفد إِلَى هِشَام بْن عَبْدِ الملك بهذه الخؤولة فقضى عَنْهُ سبعة عشر ألف دينار من مال الصدقات، والبئر الَّتِي عَلَى طريق العراق تنسب إِلَى المطلب، هِيَ بئره.
وولد عامر بْن مخزوم:
هرمي وأمه خديجة بِنْت الْحَارِث بْن منقذ بْن عَمْرِو بْنِ معيص، وعنكثة بْن عامر وأمه غنى بِنْت عَمْرو، من تيم الأدرم.
فمن ولد عامر بْن مخزوم: شماس بْن عُثْمَان بْن الشريد بْن سويد بْن هرمي، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، وأمه صفية بِنْت رَبِيعَة بْن عَبْدِ شمس، واستشهد يَوْم أحد، وَقَالَ بعضهم يَوْم بدر، يعرف بابن ساقي العسل، وَكَانَ هرمي بْن عامر يسقي النَّاس العسل بِمَكَّةَ، وَكَانَ اسم شماس عُثْمَان، ويكنى أبا المقدام، وقتل وله أربع وثلاثون سنة وَلا عقب لَهُ.
ومنهم سَعِيد بْن يربوع بْن عنكثة بْن عامر، كَانَ من المؤلفة قلوبهم، وعاش مائة وعشرين سنة، وشهد يَوْم حنين فأعطاه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائة من الإبل، وَكَانَ يكنى أبا هوذ، باسم ابْن لَهُ، ومات فِي سنة أربع وخمسين، وَكَانَ استأذن عمر فِي الغزو فلم يأذن لَهُ وَقَالَ: لم يبق من أهل بيتك غيرك، ووهب لَهُ جارية فأولدها.
وَقَالَ الشاعر:
ويربوع بْن عنكثة بْن أرض ... وأعتقه هبيرة بعد حين
يعني هبيرة بْن أَبِي وهب، وَكَانَ مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ نسابه خبيث اللسان، فنفى آل يَزِيد بْن يربوع بْن عنكثة فجلد الحد.(10/230)
ومنهم أم مكتوم، وَهِيَ عاتكة بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن عنكثة بْن عامر بْن مخزوم، وَهِيَ أم الأعمى الَّذِي يعرف بابن أم مكتوم.
ومنهم عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سَعِيد بْن يربوع، ويكنى أبا مُحَمَّد، وَكَانَ فقيها صالحا وتوفي فِي سنة تسع ومائة.
ومنهم عَبْد الْمَلِكِ بْن عبيد بْن سَعِيد بْن يربوع، كَانَ فقيها، ويكنى أبا المسور.
وولد عمران بْن مخزوم:
عائذ بْن عمران،
بذال معجمة، وعبد بْن عمران لا عقب لَهُ، وأمهما تخمر بِنْت قصي بْن كلاب بْن مرة.
فمن بني عائذ:
فاطمة بِنْت عَمْرو بْن عائذ أم أَبِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[سعيد بن المسيب بن حزن بْن أَبِي وهب بْن عَمْرِو بْنِ عائذ بن عمران بن مخزوم]
ومنهم حزن بْن أَبِي وهب بْن عَمْرِو بْنِ عائذ وأم حزن مارية الهموم، وَكَانَ يقال فِيهَا وَهِيَ أَيْضًا أم هبار بْن الأسود من بني عَبْد العزى بْن قصي، ورمى عقيل بْن أَبِي طالب أم المسيب بْن حزن بما رماها بِهِ حين شهد لَهُ مخرمة، وقد ذكرنا ذَلِكَ فِي نسب بني زهرة.
قَالُوا: وأتى حزن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: «أنت سهل؟ فَقَالَ: بل أنا حزن، فَقَالَ: أنت سهل فَقَالَ: أنا حزن فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فأنت حزن» .
قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ: فمازلت أعرف تلك الحزونة فينا، وكان سعيد شرسا سيئ الخلق.
فولد حزن بْن الْمُسَيِّبِ أبا سَعِيد، وَكَانَ يتجر بالزيت، فكان سَعِيد لا يكلمه حَتَّى مات، وأم سَعِيد سلمية.(10/231)
وَقَالَ الشاعر:
أَلا يَا حزن أقصر عَن فخار ... فقد أخزتك مارية الهموم
وقيل لسعيد بْن الْمُسَيِّبِ يَوْم الحرة: بايع ليزيد عَلَى أنك عبد قن فَقَالَ: أنا أبايع عَلَى كتاب اللَّه وسنة نبيه وسيرة أَبِي بَكْر وعمر، وعلى أني ابْن عمه، فأراد مسلم بن عقبة قتله، فشهد له قوم أنه مجنون، فخلى سبيله.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالَ الزُّهْرِيّ: كَانَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ عظيم القدر عند النَّاس لخلال، ورع يابس، وكلام للسلطان بالحق، وعلم بارع من رواية، ورأي صليب، وكانت فِيهِ عزة لا يكاد يراجع إِلا محك.
وَقَالَ الزُّهْرِيّ: مَا كنت أقدر عَلَى مواجهته بمسألة حَتَّى أقول: قَالَ فلان: كَذَا، وَقَالَ فلان: كَذَا فيجيب حينئذ ويقول مَا عنده.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الهذلي قَالَ:
سمعت سُلَيْمَان بْن يسار يَقُول: سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ فقيه النَّاس، وسمعت سَعِيد يَقُول للسائل إذا سأله عَن شَيْء: اذهب إِلَى سُلَيْمَان بْن يسار مولى ميمونة، فإنه أعلم من بقي الْيَوْم [1] .
قَالُوا: وَكَانَ الْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن البصري لا يدع شَيْئًا فعله وَقَالَ بِهِ حَتَّى يأتيه عَن سَعِيد خلافه فيأخذ بقول سَعِيد.
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْفَرْوِيُّ أَبُو مُوسَى عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن عَلِي بْن أَبِي طَالِب أنه قَالَ: سُلَيْمَان بْن يسار أفهم عندنا من ابْن الْمُسَيِّبِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: نزع ابْن الزُّبَيْر عَبْد الرَّحْمَنِ بن محمد بن الأشعث عن
__________
[1] انظر طبقات ابن سعد ج 5 ص 119- 122.(10/232)
الْمَدِينَة فِي سنة ثمان وستين وولى جابر بْن الأسود بْن عَوْفٍ، فضرب سعيدا ستين سوطا فِي بيعة ابْن الزُّبَيْر، فَقَالَ والسياط تأخذه: والله مارغت عَن الكتاب، يَقُول اللَّه: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) [1] فنكحت الخامسة فِي عدة الرابعة، فكتب إِلَيْهِ ابْن الزُّبَيْر يلومه وَقَالَ: مَا لنا ولابن المسيب، تثور علينا صوتا نعارا [2] .
حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْن عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيّ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي الزناد عمن أخبره أن سعيدا أنشد بين القبر والمنبر ثلاثة أبيات للزبير بن عبد المطلب وهي:
وكاس لو تبين لها كلاما ... إذا قَالَت أَلا لهم استبيت
أهنت لشربها نفسي ومالي ... فآبوا حامدين وَمَا زريت
تبين لك القذى إن كَانَ فيها ... بعيد النوم شاربها هبيت
[3] وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْد الله بن جعفر عن حبيب بن نفيع قال:
جلست إلى سعيد بن المسيب يوما والمسجد خال، فجاءه رجل فَقَالَ: يَا أبا مُحَمَّد إني رأيت فِي النوم كأني أخذت عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان فوتدت فِي ظهره أربعة أوتاد، قَالَ: مَا أنت رأيت ذَلِكَ، فأخبرني من رآه، قَالَ أرسلني إِلَيْك ابْن الزبير بهذه الرؤيا لتعبرها، فقال: إن صدقت الرؤيا قتل عَبْد الْمَلِكِ عَبْد اللَّهِ بْن الزبير، وخرج من صلب عبد الملك أربعة كلهم يكون خليفة، قَالَ: فرحلت إِلَى عَبْد الْمَلِكِ فدخلت عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الخضراء فأخبرته
__________
[1] سورة النساء- الاية: 3.
[2] انظر طبقات ابن سعد ج 5 ص 123، فالرواية أوضح، لأن الذي تزوج هو جابر.
[3] الهبيت: الجبان الذاهب العقل. القاموس. ولم يرد الخبر في كتاب نسب قريش للمصعب.(10/233)
الخبر فسر بِهِ، وسألني عَن سَعِيد بْن المسيب وحاله، وسألني عن ديني فقلت أربعمائة دينار فأمر لي بأربعمائة دينار من ساعته وبمائة دينار أُخْرَى وحملني طعاما وزيتا وكسى ثُمَّ رجعت إِلَى الْمَدِينَة.
الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أنه قَالَ:
الغيبة توأم الحسد وليسا من أخلاق الكرماء ولا الصلحاء.
وقال الْوَاقِدِيُّ: حج الْوَليِد بْن عَبْدِ الملك سنة تسع وسبعين فأرسل إِلَى سَعِيد يسأله فأمره أن يحرم من البيداء [1] فأحرم من البيداء.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ضرب هِشَام بْن إِسْمَاعِيل المخزومي في سنة ست وثمانين سعيد بن المسيب ستين سوطا وطاف بِهِ فِي تبان من شعر حَتَّى بلغ بِهِ رأس الثنية، فلما كروا بِهِ قَالَ: أين تكرون بي؟ قَالُوا: إلى السجن، قال: والله لولا إني ظننته الصلب ما لبست هذا التبان أبدا، فرده إِلَى السجن وكتب إِلَى عَبْد الْمَلِكِ بامتناعه من البيعة للوليد وخلافه عَلَيْهِ، فكتب إِلَيْهِ يلومه فيما صنع، ويقول: سَعِيد وَاللَّه أحوج إِلَى أن نصل رحمه من أن نضربه، وإنا لنعلم أنه ليس عند سَعِيد شقاق وَلا خلاف، وَلا هُوَ ممن يخاف عَلَى مكروه، وَكَانَ الَّذِي دخل عَلَى عَبْد الْمَلِكِ بكتاب هِشَام بْن إِسْمَاعِيل عامله عَلَى الْمَدِينَة فِي أمر سَعِيد قَبِيصَة بْن ذؤيب، وَكَانَ عَلَى السكة والخاتم والأخبار.
وَقَالَ قَبِيصَة: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كيف يفتات عليك هِشَام بمثل هَذَا ويضرب ابْن الْمُسَيِّبِ ويطوف بِهِ ويقيمه، والله لا يكون سعيد أبدا أمحك
__________
[1] البيداء: اسم لأرض ملساء بين مكة والمدينة، وهي إلى مكة أقرب، تعد من الشرف أمام ذي الحليفة. معجم البلدان.(10/234)
وَلا ألج منه حين فعل بِهِ هَذَا، وسعيد ممن لا يخاف فتقه وغوائله عَلَى الإِسْلام وأهله، وَهُوَ من أهل الجماعة، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: اكتب كتابا منك إِلَى سَعِيد تخبره برأيي فِيهِ وكراهتي مَا صنع بِهِ، وأن هشاما قد خالف رأيي فيما كَانَ منه إِلَيْهِ، فكتب قَبِيصَة بِذَلِكَ، فَقَالَ سَعِيد حين قرا هَذَا الكتاب: اللَّه بيني وبين من ظلمني، وكتب عَبْد الْمَلِكِ إِلَى هِشَام يعنفه عَلَى مَا كَانَ منه، ويأمره بإكرام سَعِيد والوصاة به وبحفظه.
قَالُوا: ولما ضرب هِشَام بْن إِسْمَاعِيل سعيدا أقامه فِي سوق الطعام، فمرت بِهِ امْرَأَة فَقَالَتْ: لقد أقمت يَا شيخ مقام خزي. فَقَالَ: من مقام الخزي فررت.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي سلم مولى بني مخزوم قَالَ: صنعت ابنة سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ طعاما كثيرا حين حبس وبعثت بِهِ إِلَيْهِ، فلما جاءه الطعام دعاني فَقَالَ لِي: اذهب إِلَى ابنتي فقل لها: لا تعودي لمثل هَذَا فإن هشاما إنما يريد أن يذهب بمالي فأحتاج إِلَى مَا فِي أيديهم، ولست أدري مَا مدة حبسي، وانظري القوت الَّذِي كنت آكله فِي بيتي فابعثي بِهِ إلي، فكانت تبعث بِذَلِكَ لا تتجاوزه، وَكَانَ سَعِيد يصوم الدهر.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيدَ الهذلي قَالَ: دخلت عَلَى سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ، وَهُوَ فِي السجن، وقد ذبحت لَهُ شاة وجعل إهابها عَلَى ظهره ثُمَّ جعلوا لَهُ بعده قصبا رطبا يضطجع عَلَيْهِ ويقولون: يذهب بالأثر، فكان كلما نظر إِلَى عضديه قَالَ: اللَّهُمَّ انصرني عَلَى هِشَام، فلما كَانَتْ سنة تسع وثمانين مات عَبْد الْمَلِكِ وولي الْوَليِد وَكَانَ سيئ الرأي فِي هِشَام بْن إِسْمَاعِيل فعزله عَن المدينة وأمر أن يوقف للناس، فدعا سعيد ولده ومواليه،(10/235)
فَقَالَ إن هَذَا الرجل قد وقف للناس فلا يتعرضنّ له أحد ولا يؤنبنّه بكلمة، فقد تركنا مجازاته لله وللرحم، وإن كَانَ مَا علمته لسيء النظر لنفسه، فاما كلامه فلا أكلمه أَبَدًا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عن محمد بن عبد اللَّهِ الزُّهْرِيّ عَنِ ابْنِ شهاب الزُّهْرِيّ قَالَ: سمعت سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ يَقُول، وقيل لَهُ: هَذَا هِشَام بْن إِسْمَاعِيل موقوف للناس: اللَّه بيني وبينه، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد ابنه: خل بيننا وبينه، فَقَالَ لَهُ سَعِيد: لا تعرض لَهُ فإنك إن فعلت لم أكلمك أبدا.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وأرسل هِشَام بْن إِسْمَاعِيل إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ المخزومي: اكفني ابْن الْمُسَيِّبِ فإنه رجل حاله عند النَّاس عَلَى مَا علمت، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لن يأتيك منه شَيْء تكرهه أبدا، قَالَ: إنه حقود. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أما الحقد فهو فِيهِ، وَالَّذِي صنعت بِهِ غير خارج من نفسه أبدا ولكنه لن يعرض لك وَلا لأحد منك بسبيل فكان كَذَلِكَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وكلم هِشَام بْن عَبْدِ الملك الْوَليِد فِي هِشَام بْن إِسْمَاعِيل وَهُوَ جده أَبُو أمه فانتهره وأغلظ لَهُ، ثُمَّ أجابه بعد فصفح عَنْهُ، وحج الْوَليِد وَهُوَ خليفة سنة إحدى وتسعين فأتاه أَبُو بَكْر بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بذي خشب، وقد كف بصره، فَقَالَ لَهُ: قد غمني عناؤك عَلَى حالك هَذِهِ، فَقَالَ: إن تبرّني يا أمير المؤمنين فقد كَانَ أبوك يبرني، فَقَالَ: إنما أقبل وصية أَبِي فيك، ولقد سمعته يَقُول: لربما أردت بأهل الْمَدِينَة سوءا فما يمنعني منه إِلا الحياء من أَبِي بَكْر.
ودخل المسجد ومعه عمر بْن عَبْدِ العزيز فجعل ينظر إِلَى بنائه، وقد أخرج النَّاس من المسجد فما بقي أحد إِلا سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ، وذلك أن(10/236)
الحرس تهيبوا إخراجه إكراما له ولم يجترؤوا عَلَيْهِ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ إِلا ريطتان [1] لا يساويان خمسة دراهم وَهُوَ فِي مصلاه، فقيل لَهُ: لو قمت. فَقَالَ: وَاللَّه لا أقوم حَتَّى يأتي الوقت الَّذِي كنت أقوم فِيهِ، قيل: فلو سلمت عَلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: وَاللَّه لا أقوم إِلَيْهِ.
قَالَ عمر بْن عَبْدِ العزيز: فجعلت أعدل بالوليد فِي ناحية المسجد حَتَّى لا يرى سعيد حَتَّى يقوم، فحانت من الْوَليِد نظرة إِلَى القبلة فَقَالَ: مَا ذاك الجالس؟ أهو الشيخ سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ؟ فجعل عمر يَقُول: يَا أَمِير المؤمنين من حاله وأمره، ولو علم بمكانك لقام فسلم عليك لأنه ضعيف البصر، فَقَالَ الْوَليِد: قد علمت حاله، ونحن نأتيه فنسلم عَلَيْهِ، فدار فِي المسجد ثُمَّ وقف عَلَى سَعِيد فَقَالَ: كيف أنت أيها الشيخ؟ فو الله مَا تحرك لَهُ وَلا قام، فَقَالَ: بخير يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ والحمد لله، فكيف أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وكيف حاله، فَقَالَ الْوَليِد: بخير حال والحمد لله، فانصرف وهو يقول لعمر:
هذا بقية النَّاس، فَقَالَ عمر: أجل يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالَ عمر بْن عَبْدِ العزيز فِي شَيْء: إن الَّذِي سخر الْوَليِد فِي تجبره وعتوه حَتَّى جاء يمشي إِلَى ابْن الْمُسَيِّبِ فسلم عَلَيْهِ قادر عَلَى أن يسهل هَذَا الأمر، وَقَالَ عمر فِي شَيْء حلف عَلَيْهِ: لا وَالَّذِي صرف عَنِ ابْنِ المسيب شر الْوَليِد، وسخره لَهُ مَا كَانَ كَذَا.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: ومات سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ فِي سنة أربع وتسعين وَهُوَ ابْن خمس وسبعين، ومات عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طالب عليهم السلام
__________
[1] الريطة: كل ملاءة غير ذات لفقين كلها نسج واحد، وقطعة واحدة، أو كل ثوب لين رقيق. القاموس.(10/237)
فِي أول السنة بالمدينة، ثُمَّ مات سَعِيد بعده، ثُمَّ مات عروة بْن الزُّبَيْر، ومات فِي هَذِهِ السنة أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَام، فسميت سنة أربع وتسعين سنة الفقهاء.
وقيل لسعيد بْن الْمُسَيِّبِ حين مات عَلِيّ بْن الْحُسَيْن: أَلا تشهد هَذَا الرجل الصالح فِي البيت الصالح؟ فَقَالَ سَعِيد: صلاة ركعتين أحب إلي من أن أشهد هَذَا الرجل الصالح فِي البيت الصالح.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فخرج سُلَيْمَان بْن يسار فصلى عليه، وقال: شهادة جنازته أحب إلي من صلاة تطوع فغمز سعيدا فِي ذَلِكَ.
قَالُوا وَكَانَ سَعِيد يصلي خلف هِشَام بْن إِسْمَاعِيل بعد ضربه إياه لا يفوته بسجود وَلا ركوع.
وَقَالَ ابْن أَبِي الزناد: سئل سَعِيد عَنْ حَدِيثِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مريض، فَقَالَ: اجلسوني فإني اكره أن أحدث بحديث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا مضطجع.
وَقَالَ سَعِيد: مَا لقيت المنصرفين من الجمعة مذ أربعون سنة، يَقُول أمضي فأدرك الخطبة والصلاة.
قَالَ: وتوفي سَعِيد وَهُوَ ابْن خمس وسبعين سنة، وكانت ابنة أَبِي هريرة عنده.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن سعد عن الواقدي عن ابن أبي ذئب عن أبي الحويرث أنه شهد مُحَمَّد بْن جبير بْن مطعم يستفتي سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عن الواقدي عن هشام بن سعد عن الزُّهْرِيّ أنه سئل عَن سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: أخذ علمه من زَيْد بْن ثَابِت، وجالس(10/238)
ابْن عَبَّاس، وَابْن عُمَرَ، وسَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ، وَكَانَ يدخل عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَة وأم سَلَمَة، وسمع عُثْمَان بْن عَفَّان، وعليا، وصهيبا، وَمُحَمَّد بْن مسلمة، وجل روايته المسنده عَن أَبِي هريرة، وَكَانَ زوج ابنته، وسمع من أصحاب عمر وَكَانَ يقال: ليس أحد أعلم بما قضى عمر وعثمان مِنْهُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، ثنا قدامة بْن مُوسَى الجمحي قَالَ: كَانَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ يفتي وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحياء.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا الأسود بْن عامر، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْد عَن سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ قَالَ: بلغت ثمانين سنة وإن أخوف مَا أخاف علي النساء.
حَدَّثَنَا ابْن أَبِي شَيْبَةَ عَن يَحْيَى بْن أَبِي بَكْرٍ عَن شُعْبَة قَالَ: تُوُفِّيَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ سنة ثلاث وتسعين.
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَن معمر عَن قَتَادَة عَن سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ قَالَ: ولدت لسنتين مضتا من أيام عمر.
حَدَّثَنَا وهب بْن بقية وَمُحَمَّد بْن سَعْد قَالا ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَن همام عَن قَتَادَة قَالَ مَا حَدَّثَنَا الْحَسَن وسعيد بْن الْمُسَيِّبِ عَن بدري مشافهة إِلا سَعِيد عَن سَعِيد.
حَدَّثَنَا وهب بْن بقية وَمُحَمَّد بْن سَعْد قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثنا مسعر بْن كدام عَن سَعْد بْن إِبْرَاهِيمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: فما بقي أحد أعلم بكل قضاء قضاه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بكر وعمر مني، قَالَ يَزِيد:
وأحسبه قَالَ وعثمان ومعاوية.(10/239)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عن جارية بْن أَبِي عمران عَن مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حبان أنه قَالَ: رأس أهل الْمَدِينَة فِي دهره والمقدم عَلَيْهِم فِي الفتوى سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ، وَكَانَ يقال لَهُ فقيه الفقهاء.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَن إِسْمَاعِيل بْن أمية قَالَ: قَالَ مكحول: مَا حدثتكم بِهِ فهو عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ والشعبي.
حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوب الرَّقِّيّ المعلم، ثنا عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر عَن أَبِي الْمَلِيحِ عَن مَيْمُونِ بْن مِهْرَانَ قَالَ: قدمت الْمَدِينَة فسألت عَن أفقه أهلها فدفعت إِلَى سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ بمثله.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ العزيز التنوخي قَالَ: سألت مكحولا من أعلم من لقيت؟ قَالَ: سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ [1] .
حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْن عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ عَنْ مالك بن أنس قَالَ: سئل الْقَاسِم بْن مُحَمَّد عَن مسألة فقيل لَهُ إن ابْن الْمُسَيِّبِ يَقُول فِيهَا كَذَا فَقَالَ الْقَاسِم: ذَلِكَ سيدنا وعالمنا وحبرنا.
وَحَدَّثَنِي مصعب، حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ ابْنِ أَبِي ذئب عمن شهد مُحَمَّد بْن جبير بْن مطعم يستفتي سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو مروان عَن أَبِي جَعْفَر قَالَ: سمعت أَبِي عَلِيّ بْن الْحُسَيْن يَقُول: سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ أعلم النَّاس بما تقدمه من الآثار وأفقهم في رأيه.
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 5 ص 120- 122.(10/240)
سمعت هِشَام بْن عمار يَقُول: حَدَّثَنَا مالك قَالَ: بلغنا أن سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ قَالَ: كنت أسير الأيام والليالي فِي طلب الحديث الواحد.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالَ الزُّهْرِيّ: سمعت سُلَيْمَان بْن يسار يَقُول: كنت وسعيد بْن الْمُسَيِّبِ، وقبيصة بْن ذؤيب نجالس ابْن عَبَّاس، فأما أَبُو هريرة فكان سَعِيد أعلمنا بمستنداته لصهره، كَانَ عَلَى ابنته.
قَالَ: وَقَالَ بكير بْن عَبْدِ اللَّهِ الأشج: كَانَ جل مَا أخذه سَعِيد عَن زَيْد بْن ثَابِت، وَكَانَ إذا حكي لَهُ عَن بعضهم شَيْء ينكره قَالَ: فأين زَيْد بْن ثَابِت عَن هَذَا، وزيد أعلم النَّاس بما تقدمه من قضاء وأبصرهم بما يرد عَلَيْهِ مما لم يسمع فِيهِ بشيء، ثُمَّ يَقُول سَعِيد: لا أعلم لزيد قولا لا يعمل بِهِ فِي شرق وغرب، وإن غيره لتروى عَنْهُ أشياء لا يعمل أحد بها فيما علمنا.
الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أنه قَالَ: من الحزم انتهاز الفرص وَلا فرصة إِلا فيما كَانَ لله رضى.
حَدَّثَنِي العمري عَن الْهَيْثَم بْن عدي عَنِ المجالد عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:
وَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنة أم قرفة الفزارية لحزن بن أَبِي وهب، واسم أَبِي وهب حُذَيْفَة وَقَالَ: ادفعوها إِلَى خالي.
وَكَانَ مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ خبيث اللسان، عالما بالنسب، وَكَانَ ابنه عمران بْن مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيد عَلَى مثل ذَلِكَ، فاستعدي عَلَيْهِ عَبْد الْعَزِيزِ بْن المطلب بْن عَبْد اللَّهِ بْن المطلب بْن حنطب المخزومي قاضي المنصور فِي بعض الأمور، فقضى عَلَيْهِ وأمر بِهِ إِلَى الحبس، وَكَانَ جد عَبْد الْعَزِيزِ وَهُوَ المطلب بْن حنطب أسر يَوْم بدر، أسره أَبُو أَيُّوب الأَنْصَارِيّ، فكان يعمل(10/241)
فِي حائط لأبي أَيُّوب حَتَّى فدي، فَقَالَ عمران حين أمر بِهِ إِلَى الحبس: أين أحبس؟ فِي حائط أَبِي أَيُّوب؟ فَقَالَ: ردوه وخلوه فقد علمت مَا أراد.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ: ومن بني عمران بْن مخزوم: حاجز، وعويمر ابنا السائب بْن عويمر بْن عائذ بْن عمران قتلا يَوْم بدر كافرين، وبعض الرواة يَقُول: جابر وعويمر، وبجاد بْن السائب أخوهما قتل بأبي أزيهر باليمامة، وعائذ بْن السائب أخوهما أسر يَوْم بدر،
وهبيرة بْن أَبِي وهب بْن عَمْرِو بْنِ عائذ الشاعر
وَكَانَ من الفرسان، وَكَانَ أحد من يؤذي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قتل فِي قول بعضهم يَوْم الخندق، وقيل بل بقي إِلَى الفتح فهرب إِلَى اليمن فمات بِهَا كافرا، وَهُوَ الثبت، وَكَانَ عنده أم هَانِئ بِنْت أَبِي طالب فخطبها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد هبيرة فَقَالَتْ: وَاللَّه لقد كنت أحبك فِي الجاهلية فكيف فِي الإِسْلام؟ ولكني مصبية، فأكره أن يؤذيك صبياني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
[ «خير نساء ركبن المطايا نساء قُرَيْش، أحناه عَلَى ولد فِي صغر وأرعاه عَلَى زوج فِي ذات يده» ] .
وولدت أم هَانِئ لهبيرة بْن أَبِي وهب:
جعدة بْن هبيرة،
ولاه عَلِيّ بْن أَبِي طالب خراسان فالتاث عَلَيْهِ أمرها،
وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن جعدة بْن هبيرة
مَعَ سَعِيد بْن عُثْمَان بْن عَفَّان فأثر أثرا جميلا، فَقَالَ الشاعر:
لولا ابْن جعدة لم يفتح قهندزكم [1] ... وَلا خراسان حَتَّى نفخة الصور
وَكَانَ يَحْيَى بْن جعدة بْن هبيرة
من رجال قُرَيْش، قتله بهدل ومروان الطائيان اللصان، والسمهري العكلي فويق الثعلبية [2] ، وَهُوَ خارج من
__________
[1] قهندز: اسم الحصن أو القلعة في وسط المدينة في خراسان. معجم البلدان.
[2] الثعلبية: من منازل طريق مكة من الكوفة. معجم البلدان.(10/242)
العراق، فطلب عقيل بْن جعدة بدمه فحبس لَهُ بهدل ومروان بالمدينة، ثُمَّ قتلا، ولم يقتدر عَلَى السمهري ثُمَّ إنه حبس بالمدينة فِي جناية أُخْرَى، وأفلت وجعل آل جعدة فِيهِ جعلا رغيبا فعرفته امْرَأَة بصحراء منعج [1] فقالت لأخيها وغلام كَانَ معهم من بني عمهم: هَذَا وَاللَّه السمهري فأخذ وجعل للمرأة، فلما قدم بالسمهري الْمَدِينَة حبس فَقَالَ:
سيرضي الَّتِي قَالَت بصحراء منعج ... لِي الشرك يَا بني فايد بْن حبيب
ويضرب فِي لحمي بسهم ولم يكن ... لها فِي دماء الْمُسْلِمِينَ نصيب
وكانت أم الْحَسَن بِنْت علي عند جعدة بْن هبيرة ثُمَّ خلف عَلَيْهَا جَعْفَر بْن عقيل، فقتل عَنْهَا بالطائف، ثُمَّ خلف عَلَيْهَا عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر.
ومن ولد جعدة بْن هبيرة: سَعِيد بْن عَمْرِو بْنِ جعدة:
وَكَانَ قدم البصرة داعية لمروان بْن مُحَمَّد فِي الفتنة بعد قتل الْوَلِيد بْن يَزِيد بْنِ عَبْدِ الْمَلِك وإظهار مروان الطلب بدمه، فلم يتم لَهُ ذَلِكَ، وجعل يعدهم الأموال ويمنيهم أن تأتيهم الأعطية من قبل مروان، فلما تأخر ذلك ولم يروا لقوله مصداقا جعل الصبيان والإماء يقولون فِي السكك بالبصرة.
من يبايع بنسية ... ابْن جعدة الشقية
أنها بئس القضية
ظنوا أن جعدة امرأة، وقد كتبنا هَذَا الخبر فيما تقدم عَلَى تمامه.
وَقَالَ الزُّبَيْرِيّ: من ولد عائذ بْن عمران بْن مخزوم: السائب وعامر ابنا عويمر بن عائذ [2] .
__________
[1] منعج: واد بين حفر أبي موسى والنباج. القاموس.
[2] نسب قريش للمصعب الزبيري ص 343.(10/243)
فولد السائب بن عويمر: عبدنهم، وقيسا، وربيعة، وحاجزا قتل يَوْم بدر كافرا، قتله عَلِيّ بْن أَبِي طالب عَلَيْهِ السلام، وعويمر بْن السائب قتل يَوْم بدر كافرا.
فولد قَيْس بْن السائب بْن عويمر: عبد ربه الأكبر، أمه دجاجة بِنْت أسماء بْن الصلت، وأخوه لأمه عَبْد اللَّه بْن عامر بْن كريز، وعَبْد اللَّهِ بْن عمير الليثي من كنانة.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: تزوج دجاجة بِنْت أسماء بْن الصلت عامر بْن كريز، فولدت لَهُ عَبْد اللَّهِ بْن عامر، وتزوجها عمير بْن عَمْرو الليثي، فولدت لَهُ عَبْد اللَّهِ بْن عمير، ثُمَّ تزوجها عَبْد ربه بْن قَيْس المخزومي، فولدت لَهُ عَبْد الرَّحْمَنِ، وماتت بالبصرة.
وَقَالَ الزُّبَيْر بْن بكار: أم عبد، وعائذ ابني عمران: برة بِنْت قصي والكلبي يَقُول: تخمر بِنْت قصي، وَقَالَ الزُّبَيْر لا عقب لعبد بْن عمران إِلا نساء.(10/244)
نسب ولد هصيص بْن كعب بْن لؤي بْن غالب
وولد هصيص بْن كعب:
عَمْرو بْن هصيص،
وأمه قسامة سوداء، فولد عَمْرو:
جمح بْن عَمْرو،
وسهم بْن عَمْرو وأمهما الألوف بِنْت عدي بْن كعب بْن لؤي، وَكَانَ اسم جمح تيما، واسم سهم زيدا فجلست الألوف يوما ومعها أترجة يقال أنها كَانَتْ من ذهب ويقال من فضة، فدحت بِهَا وقالت لتيم وزيد: استبقا إِلَيْهَا فمن أخذها فهي لَهُ فسبق إِلَيْهَا سهم، فأخذها فَقَالَتْ: كأنك وَاللَّه يَا زَيْد سهم مرق من رميته، وكأن شَيْئًا جمح بك عَنْهَا يَا تيم، فقيل لهذا: أنت جمح، ولهذا: أنت سهم، فسميا بِذَلِكَ.
فولد جمح بْن عمرو:
حذافة،
وحذيفة، وسعدا، وأمهم أميمة بِنْت بوي بْن ملكان خزاعية.
فولد حذافة:
وهب،
ووهيب، ووهبان، وأمهم قتيلة بِنْت ذؤيب بْن جذيمة بْن عَوْفِ بْن نَصْرِ بْن مُعَاوِيَة بْن بَكْرِ بْن هوازن بْن منصور.
فولد وهب:
خلف بْن وهب بْن حذافة بْن جمح،
وَكَانَ شريفا(10/245)
مطعاما للطعام، وفيه يَقُول الشاعر:
خلف بْن وهب كَانَ كثر أهله ... وعياله من جوده بعيال
وَقَالَ مُعَاوِيَة: آل وهب قوم ورثوا الشرف أبا عَن أب، ولم يرثوه عَن عم ولا ذي قرابة.
فمن بني وهب بْن حذافة:
أمية بْن خلف بْن وهب بْن حذافة بْن جمح،
كَانَ عظيما من عظماء أهل الكفر، وَكَانَ أحد المطعمين يَوْم بدر، وقد ذكرنا خبره فيما تقدم من هَذَا الكتاب، وقتل يَوْم بدر كافرا، وقتل ابنه عَلِيّ بْن أَبِي طالب يَوْم بدر أَيْضًا.
وَكَانَ ولد أمية بْن خلف صفوان بْن أمية، وربيعة بْن أمية، ومسعود بْن أمية، والجعيد بْن أمية.
فأما صفوان بْن أمية
فكان يكنى أبا وهب، وَكَانَ شريفا.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ خلف بْن وهب يطعم فِي كُلّ يَوْم بِمَكَّةَ حَتَّى مات، ثُمَّ كَانَ أمية بْن خلف يفعل ذَلِكَ، ثُمَّ صفوان بْن أمية، ثُمَّ عَبْد اللَّهِ بْن صفوان، وَكَانَ عَمْرو بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صفوان يفعل ذَلِكَ وينادي مناديه أن احضروا غداء عَمْرو.
ولما كَانَ يَوْم فتح مَكَّة هرب صفوان بْن أمية، فتكلم فِيهِ عمير بْن وهب الجمحي وقَالَ: سيد قومي هارب خوفا، فآمنه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلحقه عمير فأعلمه ذَلِكَ فلم يثق حتَّى بعث إِلَيْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببردة كَانَ معتجرًا بِهَا فاطمأن ورجع مَعَ عمير، وأقام كافرا، وأعار رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائة درع بأداتها، وشهد حنينا والطائف مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأى غنما كثيرة من الغنيمة، فنظر إِلَيْهَا فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أعجبتك؟ قَالَ: نعم.(10/246)
قَالَ: فهي لَكَ، فَقَالَ: وَاللَّه مَا طابت بِهَا إِلا نفس نبي» ، وأسلم وأقام بِمَكَّةَ فقيل لَهُ: لا إسلام لمن لم يهاجر، فأتى الْمَدِينَة فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
[ «عزمت عليك أبا وهب لما رجعتَ إِلَى أباطح مَكَّة» ،] فرجع ومات أيام خروج النَّاس إِلَى البصرة للجمل.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، بعث صفوان بْن أمية مَعَ أخيه لأمه، وَهُوَ كلدة بْن الحنبل إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بضفابيس [1] وجداية، وأم صفوان جمحية اسم أبيها عمير.
وَحَدَّثَنِي الأثرم عَن أَبِي عبيدة قَالَ: كَانَتْ قُرَيْش إذا ضربت بالقداح قَالَت: باسم اللَّه وبجد أَبِي صفوان، وصفوان، يعنون أمية بْن خلف، وصفوان بْن أمية، وكانا ذوي ثروة، قَالَ: وأصيب عُثْمَان بْن عَفَّان حين سوي عَلَى صفوان بْن أمية، وجاء نعي أَبِي بَكْر حين سوي عَلَى عتاب بْن أسيد.
وَقَالَ أَبُو اليقظان وغيره: مر عُمَر بْن الْخَطَّابِ فِي أيامه بصفوان بْن أمية وَهُوَ يَقُول بِمَكَّةَ: أنا ابْن أبطحيها كدائها وكديها، فَقَالَ لَهُ عمر: إن كنت تقيا فإنك كريم، وإن كنت حسن الخلق فلك مروءة، وإن كنت عاقلا فإن لك شرفا، وإلا فأنت شر من كلب.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أقام صفوان بْن أمية بِمَكَّةَ حين رده رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ: [ «يَا أبا وهب من لأباطح مَكَّة» ؟] فلم يزل بِهَا حَتَّى مات فِي أيام خروج النَّاس ليوم الجمل إِلَى البصرة، وَكَانَ يحرض النَّاس عَلَى الخروج والطلب بدم عُثْمَان، ويقال إنه مات في أول أيام معاوية.
__________
[1] بهامش الأصل: هي صغار القثاء.(10/247)
فولد صفوان بْن أمية:
عَبْد اللَّهِ الطويل بْن صفوان،
أمه ثقيفة، وعَبْد الرَّحْمَنِ أمه بِنْت أَبِي سُفْيَان بْن حرب، وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن صفوان يكنى أبا صفوان، وَكَانَ سيدا من سادات أهل مَكَّة، وقدم مُعَاوِيَة مَكَّة فَقَالَ لَهُ:
كيف أنت أبا صفوان؟ فَقَالَ: خير لمن أراد الخير وشر لمن أراد الشر، وأهدى إِلَى مُعَاوِيَة غنما كثيرة فَقَالَ لَهُ: سل حاجتك فَقَالَ: قد قدمت عَلَى قومك فصل أرحامهم واقض حوائجهم فَقَالَ: افعل ذَلِكَ فسلني حاجتك فِي خاصة نفسك، فَقَالَ: حاجتي أن تنظر من بِمَكَّةَ من العرب فتحسن جوائزهم وتنظر فِي أمورهم، قَالَ: أفعل، فسل حاجتك، قَالَ: تحسن إِلَى من بِمَكَّةَ من الموالي. فَقَالَ: أفعل فما حاجتك؟ قَالَ: مَا لِي بعد الَّذِي سألت حاجة.
وبايع عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر وَكَانَ مَعَهُ فقتل وقد كتبنا خبره، وقيل إنه قتل وَهُوَ متعلق بأستار الكعبة، وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن صفوان لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَر:
مَا نعاتب أحدا من فتياننا عَلَى اللهو إِلا قَالَ: هَذَا ابْن جَعْفَر يلهو، فَقَالَ ابْن جَعْفَر: وَمَا نأخذ أحدا من فتياننا بتعلم الْقُرْآنِ إِلا قَالَ: هَذَا ابْنُ صَفْوَانَ لا يقرأ من كتاب اللَّه شَيْئًا.
أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيّ عَن عَلِيّ بْن سليم قَالَ: حضر قوم من قُرَيْش مجلس مُعَاوِيَة فيهم عَمْرو بْن الْعَاصِ، وعَبْد اللَّهِ بْن صفوان بْن أمية، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ، فَقَالَ عَمْرو بْن الْعَاصِ: احمدوا اللَّه يَا معشر قُرَيْش إذ جعل والي أمركم مَنْ يُغْضِي عَلَى الْقَذَى وَيَتَصَامُّ عَنِ الْعَوْرَاءِ وَيَجُرُّ ذَيْلَهُ عَلَى الْخَدَائِعِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ(10/248)
لمشينا إِلَيْهِ الضراء، ودببنا إِلَيْهِ الْخُمُرَ [1] ، وَقَلَبْنَا لَهُ ظَهْرَ الْمِجَنِّ، وَرَجَوْنَا أَنْ يقوم بأمرنا من لا يطعمك مال مصر. قَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى مَتَى لا تُنْصِفُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِث: إِنَّ عَمْرًا وَذَوِيهِ أَفْسَدُوكَ عَلَيْنَا وَأَفْسَدُونَا عَلَيْكَ، مَا ضارك لو أغضيت عَلَى هَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّ عَمْرًا لِي نَاصِحٌ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث: أطعمنا مثل مَا أطعمته ثُمَّ خذنا بمثل نصيحته، إنا يَا مُعَاوِيَة رَأَيْنَاكَ تَضْرِبُ عَوَامَّ قُرَيْشٍ بِأَيَادِيكَ فِي خَوَاصِّهَا، كَأَنَّكَ تَرَى أَنَّ كِرَامَهَا جَازَوْكَ عَنْ لِئَامِهَا، وايم اللَّه انك لتفرغ فِي وعاء ضخم من إناء فعم ولكأنك بالحرب قد أطلق عليك عقالها ثُمَّ لا تنظر إليك، فقال معاوية: يا بن أخي مَا أحوج أهلك إِلَى حياتك وأنشد:
أغر رجالا من قُرَيْش تتابعوا ... عَلَى سعة مني الحيا والتكرم
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيّ: قدم عَلَى مُعَاوِيَة وفد من قُرَيْش فيهم عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صفوان بْن أمية بْن خلف، وَابْن الزُّبَيْرِ فَوَصَلَهُمْ، وَفَضَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ عَلَيْهِم، أعطاه ألف أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ: يَا مُعَاوِيَة إنما صغر حقوقنا عليك وهون أمرنا عندك أنا لَمْ نُقَاتِلْكَ كَمَا قَاتَلَكَ غَيْرُنَا، وَلَوْ كُنَّا فَعَلْنَا كُنَّا كَابْنِ جَعْفَر! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنِّي أعطيكم فتكونون بين رجلين إما معد بما أعطيه لحربي، وإما مضم لَهُ مَعَ بُخْلٍ بِهِ، وَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْن جَعْفَر يعطي أكثر مما يأخذ، ثُمَّ لا يأتيني حَتَّى يدان أكثر مما أعطي، فخرج عَبْد اللَّهِ بْن صفوان وَهُوَ يَقُول: وَاللَّه إِنَّ مُعَاوِيَةَ لَيَحْرِمُنَا حَتَّى نَيْأَسَ، وَيُعْطِينَا حَتَّى نطمع.
فولد عَبْد اللَّهِ الطويل بْن صفوان بْن أمية:
عَمْرو بْن عَبْدِ اللَّهِ،
كان
__________
[1] الخمر: جماعة من الناس، وخمر توارى. القاموس.(10/249)
سيدا كريما وفيه يَقُول الشاعر لسليمان بْن عَبْدِ الملك:
يَا أيها الراكب المزجي مطيته ... لو كنت عَمْرو بْن عَبْدِ اللَّهِ لم تزد
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْن جريج عَن عَمْرو بْن عَبْدِ اللَّه بْن صفوان بْن أُمَيَّة بْن خلف أنه كَانَتْ لَهُ أبال، مِنْهَا إبل عادية، وَهِيَ مَا عدا فِي السحر، وإبل واضعة وَهِيَ مَا أكل الحمض، وإبل أوارك وَهِيَ مَا أكل الأراك، فكان يبعث إِلَى رجل من بني مخزوم يقال لَهُ خَالِد بْن يَزِيدَ، من ولد العاص بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ بلبن فِي كُلّ يَوْم، فبلغه عَن المخزومي شَيْء هجره لَهُ، فلما أمسى ولم يأته اللبن أرسل إِلَيْهِ: لا تجمع علينا غضبك ومنع لبنك، فبعث إِلَيْهِ بلبن ورضي عَنْهُ.
وَقَالَ ابْن جريج: كَانَ عَمْرو بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صفوان يطعم فِي كُلّ يَوْم سويقا بتمر، فأكل يوما وقد ضاقت المجالس، فقام قائما يأكل ولم يزعج أحدا، فرآه رجل وقد قام فَقَالَ: هَذَا أكرم النَّاس وأشرفهم.
وَكَانَ يَحْيَى بْن حكيم بْن صفوان بْن أمية ذا قدر، ولاه عَمْرو بْن سَعِيد مَكَّة، ورجع عَمْرو إِلَى الْمَدِينَة.
وَكَانَ صفوان بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صفوان
محدثا.
وأما رَبِيعَة بْن أمية بْن خلف،
فكان صاحب شراب، فقصد عُمَر بْن الْخَطَّابِ لمنزله وقد أخبر خبره فدخله، فَقَالَ لَهُ: نهاك اللَّه عَن التجسس فَقَالَ: صدقت، أفلم ينهك عَن شرب الخمر؟.
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّدِ بْنِ عرعرة الشامي، وعباس بْن يَزِيدَ البحراني قَالا! ثنا عَبْد الرَّزَّاقِ بْن همام، ثنا مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: جلد عمر: رَبِيعَة بْن خلف فِي الخمر، فلحق بهرقل فتنصر.(10/250)
وحدثني عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عن جَدِّهِ، وَعَوَانَةَ أَنَّ عُمَرَ دَخَلَ عَلَى رَبِيعَةَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَهُوَ يَشْرَبُ، فَقَالَ لَهُ: أَلَمْ يَنْهَكَ اللَّهُ عَنِ التَّجَسُّسِ؟ قَالَ: بَلَى وَنَهَاكَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَأَخْرَجَهُ فَجَلَدَهُ حَدًّا وَغَرَّبَهُ فَلَحِقَ بِأَرْضِ الرُّومِ فَقَالَ عُمَرُ: لا أُغَرِّبُ بَعْدَهُ أَحَدًا.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: حد عمر رَبِيعَة بْن أمية، فغضب ولحق بهر قل فتنصر ومات غرقا من الخمر.
وأما مسعود بْن أمية
فولد: عامر بْن مسعود، وَكَانَ يلقب دحروجة الجعل لدمامته وقصره، ولاه زياد بْن أَبِي سُفْيَان صدقات بكر بْن وائل، ولما نخس بعُبَيْد اللَّهِ بْن زياد اصطلح أَهْل الْكُوفَةِ عَلَيْهِ، فقام بأمرهم، وولاه عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر الْكُوفَة، وفيه يَقُول عَبْد اللَّهِ بْن همام السلولي:
واشف الأرامل من دحروجة الجعل.
وَكَانَ الْحَجَّاج بْن يوسف الثَّقَفِيّ يَقُول: العجب لأَهْل الْكُوفَةِ حَيْثُ رضوا بقضاء القرد، وقد كتبنا خبره فيما تقدم من هَذَا الكتاب، وولده بالكوفة.
وأما الجعيد بْن أمية
فولد: حجير بْن الجعيد، وَكَانَ حجير شريفا بالكوفة وله بِهَا دار تنسب إِلَيْهِ.
وأما أَبِي بْن خلف، أخو أمية،
فإنه كَانَ أشد النَّاس عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد كتبنا خبره فِي أول هَذَا الكتاب، ودنا من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد فَقَالَ:
واللات والعزى لأقتلنك يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «بل أقتلك إن شاء اللَّه» ،] فأخذ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حربته من يده ويقال حربة بعض الأنصار فقتله بِهَا، فجعل يخور خوار الثور وَقَالَ الشاعر:(10/251)
لقد ورث الضلالة عن أبيه ... أبيّ حين بارزه الرسول
وأخذ أَبِي عظما نخرا فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أتزعم أن ربك يَحْيَى هَذَا العظم؟ فَقَالَ: «نعم» . ففته ونفخه ثُمَّ قَالَ: باست هَذَا حديثا فنزلت فِيهِ: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وهي رميم [1] ) إلى آخر السورة.
فولد أَبِي: عَبْد اللَّهِ. فولد عَبْد اللَّهِ: عُبَيْد اللَّهِ. فولد عُبَيْد اللَّهِ:
صفوان بْن عُبَيْد اللَّهِ، فولد صفوان: مُحَمَّد بْن صفوان بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي بْن خلف، ولي القضاء أيام هِشَام بْن عَبْدِ الملك، وَكَانَ ابنه عُبَيْد اللَّهِ بْن عَبْدِ اللَّهِ عَلَى القضاء ببغداد لأبي جَعْفَر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، وولاه أَيْضًا الْمَدِينَة.
وأما أحيحة بْن خلف
فمن ولده: أَبُو دهبل الشاعر، واسمه وهب بْن وهب بْن زمعة بْن أسيد بْن أحيحة بْن خلف.
وأما وهب بْن خلف بْن حذافة بْن جمح
فمن ولده: عمير بْن وهب بْن خلف، وَهُوَ المضرب، أسر يَوْم بدر، ثُمَّ أسلم وحسن إسلامه، وبعثت قُرَيْش عميرا فحزر الْمُسْلِمِينَ يَوْم بدر، ولما مضى يَوْم بدر قَالَ عمير بْن وهب لصفوان بْن أمية: لولا دَين علي وعيال لأتيت محمدا فقتلته، فضمن لَهُ صفوان قضاءَ دينه وأمر عياله، فمضى حَتَّى أتى الْمَدِينَة وقصد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرآه عُمَر بْن الْخَطَّابِ، فشد عَلَيْهِ فأخذه، وانطلق بِهِ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: «مَا أقدمك» ؟ قَالَ: أمر وهب بْن عمير فإنه أسير، فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا شرطت لصفوان وَمَا شرط لك] » ؟ فَقَالَ: وَاللَّه مَا علم الذي كان
__________
[1] سورة ياسين- الآية: 78.(10/252)
بيني وبينه أحد، فَقَالَ عمير: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّكَ رسول الله، فو الله مَا أخبرك خبرنا إِلا اللَّه، وقد كتبنا خبره بعد قصة يَوْم بدر.
وَقَالَ بعضهم: الذي ضمن لصفوان ما ضمن وهب بْن عمير بْن وهب، والأول أثبت، وشهد عمير يَوْم أحد مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبقي إِلَى أيام عُمَر بْن الْخَطَّابِ، وَكَانَ يكنى أبا أمية.
وأما أسيد بْن خلف
فمن ولده: كلدة بْن أسيد بْن خلف، وَهُوَ أَبُو الأشدين، وفيه نزلت: (لقد خلقنا الإنسان في كبد) [1] . وَقَالَ حين نزلت هَذِهِ الآية (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عشر [2] ) : زعم مُحَمَّد أن أصحاب النار تسعة عشر، فأنا أكفيكم خمسة منهم أحملهم عَلَى ظهري، وأربعة بيدي فاكفوني بقيتهم، فنزلت: (وَمَا جَعَلْنَا أصحاب النار إلّا ملائكة) [3] .
وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن أسيد بْن خلف قتل يوم الجمل مع عائشة.
[حبيب بن وهب]
[معمر بن حبيب]
ومن بني وهب بْن حذافة بْن جمح: معمر بْن حبيب بْن وهب بْن حذافة، وكان أحد الرؤوس يَوْم الفجار.
ومظعون بْن حبيب بْن وهب بْن حذافة،
ولد:
عُثْمَان بْن مظعون،
هاجر إِلَى الحبشة مرتين، وقدم فهاجر إِلَى الْمَدِينَة وتوفي بِهَا فِي ذي الحجة سنة اثنتين، فصلى عَلَيْهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقبله وَهُوَ ميت ودفنه بالبقيع، وَقَالَ حين تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيم بْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «ادفنوه عند سلفنا الصالح عُثْمَان بْن مظعون» ،] فدفن إِلَى جنبه وَكَانَ يكنى أبا السائب.
__________
[1] سورة البلد- الآية: 4.
[2] سورة المدثر- الآية: 30.
[3] سورة المدثر- الآية: 31.(10/253)
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أقبل عُثْمَان مَعَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ وأبي عبيدة، وقد تبين الحق فلما قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآن أسلم قبل دُخُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم ودعائه فِيهَا، وأمه سخيلة بِنْت العنبس بْن وهبان الجحمي، ويقال إن أمه من خزاعة، وَهُوَ خال حفصة بِنْت عمر زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأن أمها زينب بِنْت مظعون، شهد بدرا ومات بالمدينة سنة اثنتين، وقبله رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ميت، ودفن إِبْرَاهِيم بْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جنبه بالبقيع، وحرم عُثْمَان عَلَى نفسه شرب الخمر فِي الجاهلية، وَقَالَ: لا أشرب شَيْئًا يذهب عقلي، ويضحك بي من هُوَ أدنى مني، ويحملني عَلَى أنكح كريمتي من لا أريد، فنزلت الآية فِي الخمر، فمر بِهِ رجل فأخبره بِذَلِكَ وتلاها عَلَيْهِ، فَقَالَ: تبا لها قد كان رأيي فِيهَا ثابتا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ الإِفْرِيقِيِّ عَنْ عِمَارَةَ الْيَحْصُبِيِّ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ تَرَى امْرَأَتِي عَوْرَتِي. فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ ابْنَ مَظْعُونٍ لَحَيِيٌّ سِتِّيرٌ» .
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ أَرَادَ أَنْ يَخْتَصِي وَيَسِيحَ فِي الأَرْضِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «أَلَيْسَ لَكَ فِيَّ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟ فَأَنَا آتِي النِّسَاءَ، وَآكُلُ اللَّحْمَ وَأُفْطِرُ، وَخِصَاءُ أُمَّتِي الصَّوْمُ، وَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنِ خَصَى وَاخْتَصَى] » .
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عن معاوية الجرمي عَنْ أَبِي قِلابَةَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ اتَّخَذَ بَيْتًا فَقَعَدَ فِيهِ يَتَعَبَّدُ فَجَاءَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِعُضَادَتَيِ الْبَابِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَقَالَ: « [يَا عُثْمَانُ، إِنَّ(10/254)
اللَّهَ بَعَثَنِي بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ وَلَمْ يَبْعَثْنِي بِالرَّهْبَانِيَّةِ] » .
وروي ان أمرأته قالت: هنيئا لك أبا السائب الْجَنَّةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كيف بمنعه مَا لا يغنيه وكلامه فيما لا يعنيه، وَاللَّه إني رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أدري مَا يفعل بي] » ، فلما قَالَ: «ادفنوا إِبْرَاهِيم عند سلفنا الصالح» سرى ذَلِكَ عَن الْمُسْلِمِينَ بما تداخلهم من الغم لهذا القول.
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ السَّمِينِ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي عَقِيلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: أَرَادَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ أَنْ يَتَبَتَّلَ فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: « [لَوْ جَازَ ذَلِكَ لاخْتَصَيْنَا] » .
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيم بْن سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيّ عن سَعِيد بنحوه [1] .
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَالْكَلْبِيِّ قَالا: أَرَادَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَعِدَّةٌ مَعَهُ أَنْ يَدَعُوا أَكْلَ اللَّحْمِ وَيَخْتَصُوا، وَكَانَ عُثْمَانُ دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ، فَنَهَاهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن ذَلِكَ ونزلت فيهم:
(يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ الله لكم) [2] وَنَزَلَتْ فِيهِمْ:
(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وأحسنوا والله يحب المحسنين) [3] .
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 393- 398.
[2] سورة المائدة- الآية: 87.
[3] سورة المائدة- الآية: 93.(10/255)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الأُوَيْسِيِّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُدَامَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ عَنْ أَبِيهَا عَنْ أَخِيهِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ تَشُقُّ عَلَيَّ الْعُزْبَةُ فِي الْمَغَازِي فَاخْصِنِي. قَالَ:
[لا وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالصِّيَامِ فَإِنَّهُ مَجْفَرَةٌ] » [1] .
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: دَخَلَتِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَ لَهَا: مَالَكِ سَيِّئَةُ الْهَيْئَةِ وَمَا فِي قُرَيْشٍ أَيْسَرُ مِنْ زَوْجِكِ؟
فَقَالَتْ: مَا لَنَا فِيهِ شَيْءٌ، أَمَّا نَهَارُهُ فَصَائِمٌ، وَأَمَّا لَيْلُهُ فَقَائِمٌ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَ لَهُ ذَلِكَ فَلَقِيَهُ فَقَالَ: « [يَا عُثْمَانُ أَمَالَكَ أُسْوَةٌ فِيَّ إِنَّ لِعَيْنِكَ مِنْكَ حَظًّا، وَإِنَّ لِجَسَدِكَ مِنْكَ حَظًّا، وَإِنَّ لأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَصَلِّ وَنَمْ وَأَفْطِرْ وَصُمْ] » [2] .
ولما مات عُثْمَان صلى عَلَيْهِ النَّبِيّ، وكبر عَلَيْهِ أربعا، وقام عَلَى قبره حَتَّى دفن بالبقيع، ونزل فِي قبره عَبْد اللَّهِ بْن مظعون، وقدامة بْن السائب بْن عُثْمَان، ومعمر بْن الْحَارِث.
وَرَوَى قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ قَبَّلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سالت دموعه على وجهه.
__________
[1] الجفور: انقطاع الفحل عن الضراب، وأجفر: عن المرأة انقطع. القاموس.
[2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 395.(10/256)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ بِمِثْلِهِ [1] .
قَالُوا: وَكَانَ عُثْمَان لما قدم من أرض الحبشة استجار بالوليد بْن الْمُغِيرَةِ، فرد عَلَيْهِ جواره وَقَالَ: لا أستجير بغير اللَّه، فحضر مجلسا لقريش وفيه لبيد بْن رَبِيعَة الْجُعْفِيّ الشاعر، فأنشد قوله:
أَلا كُلّ شَيْء مَا خلا اللَّه باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل
[2] فَقَالَ كذبت، نعيم الجنة غير زائل، فَقَالَ لبيد: يَا معشر قُرَيْش، وَاللَّه مَا عهدتكم يؤذى جليسكم فَقَالَ رجل منهم: هَذَا سفيه من سفهائنا ممن فارق ديننا، فرد عَلَيْهِ عُثْمَان حَتَّى قام الرجل فلطم عينه فخضرها، فَقَالَ عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
إن تك عيني فِي رضا اللَّه نالها ... يدا ملحد فِي الدين ليس بمهتد
فقد عوض الرحمن مِنْهَا ثوابه ... ومن يرضه الرحمن يَا قوم يسعد
وَقَالَ الْوَليِد لعثمان حين رأى عينه: مَا كَانَ أغناك عَن هَذَا يَا بني؟! فَقَالَ عُثْمَان: مَا أنا بغنى عَنْهُ لأنه ذخر لِي عند اللَّه، وإن عيني الصحيحة محتاجة إِلَى مثل مَا نال صاحبتها. فَقَالَ: لقد كنت فِي ذمة منيعة فعد إِلَى جواري؟ فَقَالَ: وَاللَّه لا أعود فِي جوار غير جوار اللَّه أبدا، وَكَانَ الَّذِي لطم عين عُثْمَان عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي أمية، فوثب عَلَيْهِ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ فكسر أنفه فكان ذَلِكَ أول دم هريق فِي الإِسْلام، وَقَالَ قوم هُوَ عَبْد اللَّهِ بْن عثمان جد
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 396- 397.
[2] ديوان لبيد بن ربيعة- ط. 1984 ص 256.(10/257)
عَمْرو بْن حريث بْن عَمْرِو بْنِ حريث بْن عَمْرِو بْنِ عُثْمَان بْن عَبْدِ اللَّهِ، والأول أثبت.
وَكَانَ عُثْمَان أول من قبر بالبقيع، ووضعت عَلَى قبره علامة وَقَالَ النَّبِيُّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذهبت ولم تلبس من الدنيا بشيء] » .
ومن ولد مظعون أَيْضًا: أَيْضًا:
قدامة بْن مظعون
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أسلم مَعَ أخيه، وَكَانَ يكنى أبا عَمْرو، وولاه عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ البحرين.
الْمَدَائِنِي عَنْ سحيم بْن حفص وغيره قَالُوا: ولى عمر قدامة بْن مظعون البحرين، وَهُوَ خال عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ وحفصة بِنْت عمر، فخرج الجارود العبدي من البحرين بغير إذن قدامة، فكتب فِيهِ قدامة إِلَى عُمَرَ يعلمه أنه خرج مشاقا عاصيا، وأتى الجارود الْمَدِينَة فنزل عَلَى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ، ويقال عَلَى عُثْمَان بْن عَفَّان، فأعلم الَّذِي نزل عَلَيْهِ أن قدامة يشرب الخمر فراح إِلَى عُمَرَ فأخبره بخبر الجارود، فَقَالَ عمر: لقد هممت بابْن عَبْدِ القيس أن أقتله أَوِ أحبسه بالمدينة أَو أسيره إِلَى الشام، فَقَالَ الرجل الَّذِي عنده الجارود للجارود مَا قَالَ عمر، فَقَالَ: أما قتلي فإنه لم يكن ليؤثرني عَلَى نفسه فأدخل الجنة ويدخل النار، وأما حبسي بالمدينة فعند قبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومهاجره ومنازل أزواجه، وأما تسييري إِلَى الشام فأرض المحشر والأرض المقدسة. ثُمَّ أصبح غاديا عَلَى عمر فَقَالَ لَهُ: يَا عدو اللَّه جئت عاصيا بغير إذن أميرك فما عندك؟ قَالَ: أشهد أن قدامة بْن مظعون شرب الخمر صراحية. قَالَ: ومن يشهد معك؟ قَالَ: أَبُو هريرة. قَالَ: أخيتنك لأوجعن ظهره، قَالَ: أيشرب ختنك وتوجع ختني؟! قَالَ: ومن أيضا؟(10/258)
قَالَ: علقمة الصدوق، قَالَ فكره عمر أن يَقُول الخصي فَقَالَ: السليم؟
قَالَ: فكتب عمر إِلَى قدامة وأبي هريرة، وعلقمة فقدموا فشهد الجارود أنه شرب الخمر، وشهد أَبُو هريرة أنه شرب الخمر مَعَ ابْن دسر، وَقَالَ علقمة:
أتقبل شهادة مثلي؟ قَالَ: نعم أقبل شهادة مثلك، قَالَ: اشهد أن قدامة مج الخمر، فقال عمر: وأنا أشهد أنه إذ قاءها إنه قد شربها، فَقَالَ الجارود: أقم عَلَى قدامة الحد. فَقَالَ عمر: أشاهد أم خصم؟ قَالَ:
شاهد. قَالَ: فقد أديت مَا عليك، وَكَانَ قدامة مريضا فشاور عمر النَّاس فِيهِ، فَقَالُوا: لا تضربه حَتَّى يبرأ فَقَالَ عمر: بل أقيم عَلَيْهِ الحد فإن مات لقي اللَّه وقد أقيم عَلَيْهِ الحد، فلما أتي بِهِ ليضرب قَالَ لَهُ عمر: أشربت الخمر؟ قَالَ: وَمَا بأس بِذَلِكَ؟ أليس قد قَالَ اللَّه: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وأحسنوا) [1] ؟ فَقَالَ عمر: تشرب الخمر وتخطئ فِي التأويل، لو اتقيت اللَّه لم تشربها. ثُمَّ قَالَ ليرفأ حاجبه ومولاه: هات سوطا فجاءه بسوط لَهُ شعب فَقَالَ: هات غير هَذَا فجاءه بسوط رضيه فضربه ثمانين سوطا. وَقَالَ عمر: مَا وليت أحدا كَانَ علي فِيهِ هوى غيره، فما بورك لِي فِيهِ.
ومر الجارود بامرأة من ولد عمر فَقَالَتْ: قبح اللَّه هاتين العينين الخفشاوين اللتين شهدتا عَلَى خالي. فَقَالَ: قبح اللَّه هاتين العينين اللتين شرب خالهما الخمر، وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ قَالَ للجارود قبل أن يشهد عَلَى قدامة: غدا يفضحك اللَّه، فَقَالَ: غدا يفضح اللَّه خالك أو يحيف أبوك.
__________
[1] سورة المائدة- الاية: 93.(10/259)
قَالُوا: وعلقمة بْن سهل من بني رَبِيعَة بْن مَالِك بْن زَيْد مناة بْن تميم، وَكَانَ يكنى أبا الوضاح، وَكَانَ لَهُ إسلام وفضل ويسار بعمان، وَكَانَ أسر باليمن فِي الجاهلية، فهرب ثُمَّ ظفر بِهِ فهرب ثانية، ثُمَّ أخذ فخصي، فهرب ثالثة وأخذ جملين يقال لهما عوهج وداعر، فصارا بعمان وإليهما تنسب العوهجية والداعرية.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ: الداعرية نسبت إِلَى داعر بْن الحماس بْن رَبِيعَة الحارثي فوقع إِلَى عمان فحل من الداعرية.
وعلقمة الخصي الَّذِي يَقُول وَهُوَ مختصي.
يَقُول رجال من صديق وحاسد ... نراك أَبَا الوضاح أصبحت ثاويا
فلا يعدم الباقون بيتًا يكنهم ... وَلا يعدم الميراث بعدي واعيا
وجفت عيون الباكيات وأقبلوا ... إلى مالهم إذ بِنْت منهم وماليا
حراصًا عَلَى مَا كنت أجمعه لهم ... هنيئًا لهم جمعي فَمَا كنت واليا
ومات علقمة بالبحرين، وقوم يقولون إن الْحَارِث بْن كعب نفر بِهِ بعيره فسقط، والأول أثبت.
وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثنا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بن عامر بن ربيعة، وكان أبو شَهِدَ بَدْرًا، أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، وَهُوَ خَالُ حَفْصَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَدِمَ الْجَارُودُ سَيِّدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى عُمَرَ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ قُدَامَةَ شَرِبَ فَسَكِرَ، وَإِنَّهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ رَأَيْتُ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أَرْفَعَهُ إِلَيْكَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَنْ شَهِدَ مَعَكَ؟
قَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ.. فَدَعَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ: بِمَاذَا تَشْهَدُ؟ قَالَ: لَمْ أَرَهُ يشرب(10/260)
وَلَكِنِّي رَأَيْتُهُ سَكْرَانُ يَقِيءُ، فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ تَنَطَّعْتَ فِي الشَّهَادَةِ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى قُدَامَةَ أَنْ يَقْدِمَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَقَدِمَ فَقَامَ الجاردو فَقَالَ: أَقِمْ عَلَى هَذَا كِتَابَ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَخَصْمٌ أَنْتَ أَمْ شَهِيدٌ؟ قَالَ: بَلْ شَهِيدٌ. قَالَ:
أَدَّيْتَ شَهَادَتَكَ، فَصَمَتَ عَنْهُ الْجَارُودُ حَتَّى غَدَا عَلَيْهِ فَقَالَ: أَقِمْ عَلَى هَذَا حَدَّ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَاكَ إِلا خَصْمًا وَمَا شَهِدَ مَعَكَ إِلا رَجُلٌ وَاحِدٌ، قَالَ الْجَارُودُ: إِنِّي أَنْشُدُكَ اللَّهَ، فَقَالَ عُمَرُ: لتمسكن لسانك أو لأسوءنّك، قَالَ الْجَارُودُ: وَاللَّهِ مَا ذَاكَ بِالْحَقِّ أَنْ يَشْرَبَ ابْنُ عَمِّكَ وَتَسُوءُنِي؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنْ كُنْتَ تَشُكُّ فِي شَهَادَتِنَا فَأَرْسِلْ إِلَى ابْنَةِ الْوَليِدِ فَسَلْهَا، وَهِيَ امْرَأَةُ قُدَامَةَ، فَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى هِنْدِ بِنْتِ الْوَليِدِ يَنْشُدُهَا اللَّهَ، فَأَقَامَتِ الشَّهَادَةَ عَلَى زَوْجِهَا، فَقَالَ عُمَرُ لِقُدَامَةَ: إِنِّي حَادُّكَ، فَقَالَ: لَوْ شَرِبْتُ كَمَا يَقُولُونَ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تَحُدُّونِي. قَالَ عُمَرُ: وَلِمَ؟ قَالَ قُدَامَةُ: لِقَوْلِ اللَّهِ: (لَيْسَ عَلَى الذين آمنوا جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا) الآيَةَ. فَقَالَ عُمَرُ:
أَخْطَأْتَ التَّأْوِيلَ، أَمَا لَوِ اتَّقَيْتَ اللَّهَ اجْتَنَبْتَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: مَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ قُدَامَةَ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: لا نَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ مَا كَانَ وَجِعًا. فَقَالَ عُمَرُ. لأَنْ يَلْقَى اللَّهَ تَحْتَ السِّيَاطِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَاهُ وَإِثْمُهُ فِي عُنُقِي، ائْتُونِي بِسَوْطٍ تَامٍّ، فَأَمَرَ عُمَرُ بِقُدَامَةَ فَجُلِدَ فَغَاضَبَ عُمَرُ قُدَامَةَ، وَهَجَّرَهُ فَحَجَّ قُدَامَةُ مَعَهُ وَهُوَ مُغَاضِبٌ لَهُ، فَلَمَّا قَفَلا مِنْ حَجِّهِمَا- وَقَالَ بَكْرٌ فِي حَدِيثِهِ انْصَرَفَا مِنْ حَجِّهِمَا- وَتَرَكَ عُمَرُ بِالسُّقْيَا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ مِنْ نَوْمِهِ فقال: عجلوا عليّ بقدامة فو الله لَقَدْ رَأَيْتُ آتِيًا أَتَانِي فِي النَّوْمِ، فَقَالَ: سالم قدامة فإنه أخوك، فعجلوا عليّ به فَلَمَّا أَتَوْهُ أَبَى أَنْ يَأْتِيَ عُمَرَ، فَأَمَرَ عُمَرُ أَنْ يُجَرَّ إِلَيْهِ، فَأَتَاهُ فَكَلَّمَهُ عُمَرُ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُ فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلُ صُلْحِهِمَا.(10/261)
وحدثني بكر بن الهيثم عن شيخ من بني جمح عَن أَبِيهِ قَالَ: هجر عمر قدامة بْن مظعون حينا، ثُمَّ رأى فِي منامه أن يرضى عَنْهُ ويصالحه، فرضي عَنْهُ وعانقه واستغفر لَهُ.
قَالُوا: وبقي قدامة إِلَى زمن مُعَاوِيَة، ولم يدخل فِي شَيْء من أمرهم.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ قدامة يكنى أبا عَمْرو، ومات فِي سنة ست وثلاثين وَهُوَ ابْن ثمان وستين سنة، وَهُوَ أثبت الخبرين فِي موته، وَكَانَ قدامة من مهاجرة الحبشة فِي المرة الثانية، وقدم مَكَّة وهاجر إِلَى الْمَدِينَة، وفي قدامة يَقُول الهذلي، وأتاه بصلة:
أآمل خيرا من قدامة بعد ما ... علا السوط منه كُلّ عضو ومفصل
شربت حراما يَا قدام فأرسلت ... عليك سياط الشارب الخمر من عل
فلا تشربن خمرا قدام فإنها ... حرام عَلَى أهل الكتاب المنزل
[1]
ومن ولد مظعون أَيْضًا:
عَبْد اللَّهِ بْن مظعون،
ويكنى أبا مُحَمَّد، أسلم مَعَ أخويه حين أسلما، وَهُوَ بدري وأمه سخيلة بِنْت أهبان من بني جمح، مات فِي سنة ثلاثين، وَهُوَ ابْن ستين سنة ومنهم: السائب بْن عُثْمَان بْن مظعون هاجر مَعَ أَبِيهِ إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ قدم فهاجر مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَة، وأصابه سهم يَوْم اليمامة فِي أيام أَبِي بَكْر فمات وَهُوَ ابْن بضع وثلاثين سنة، وولد حين ولد ولأبيه ثلاثون سنة.
[ولد معمر بْن حبيب بْن وهب بْن حذافة بن جمح]
[الحارث بن معمر]
ومن بني وهب بْن حذافة أَيْضًا، حاطب، وحطاب، ومعمر بنو الْحَارِث بْن معمر بْن حبيب بْن وهب بْن حذافة بْن جمح.
فأما حاطب بْن الْحَارِث
فهاجر إِلَى الحبشة في المرة الثانية وبها مات،
__________
[1] لم ترد هذه الأبيات في ديوان الهذليين.(10/262)
وولد لَهُ بِهَا: مُحَمَّد بْن حاطب، وأرضعته أسماء بِنْت عميس، وَهِيَ أم عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر بْن أَبِي طالب، وأرضعت أمه عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر، فهما أخوان من الرضاع، فكانا يتواصلان عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ مُحَمَّد بْن حاطب يكنى أبا إِبْرَاهِيم، وشهد مَعَ علي مشاهده، ومات بالكوفة فِي ولاية بشر بْن مروان أيام عَبْد الْمَلِكِ، وحفظ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه «رقاه حين احترقت يده» وَكَانَ مَعَ حاطب بأرض الحبشة ابنه الْحَارِث فقدم فِي إحدى السفينتين مَعَ جَعْفَر بْن أَبِي طالب ومعه أخوه مُحَمَّد.
وأما حطاب بْن الْحَارِث،
ويكنى أبا معمر، فيقال إنه هاجر إِلَى أرض الحبشة فمات بِهَا، ويقال مات فِي البحر وَهُوَ منصرف مِنْهَا، ويقال إنه لم يهاجر إِلَى أرض الحبشة.
وأما معمر بْن الْحَارِث،
أخو حاطب، وحطاب، فإنه قديم الإِسْلام، أسلم قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم المخزومي، وشهد بدرا وجميع المشاهد، وتوفي فِي أيام عمر، ونزل فِي قبر عُثْمَان بْن مظعون.
ومن ولد حاطب بْن الْحَارِث: عِيسَى بْن لقمان بْن حاطب بْن الْحَارِث. ولاه أَمِير الْمُؤْمِنِينَ المهدي الْكُوفَة وقد كَانَ ولي للمنصور أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا، وقد روى عَنْهُ ابْن إدريس الأودي.
ومن بني وهب بْن حذافة أَيْضًا:
جميل بْن معمر بْن حبيب بْن وهب،
ويكنى أبا معمر، وَهُوَ ابْن أخي مظعون، وَكَانَ شريفا وكانت لَهُ رئاسة فِي قُرَيْش ينكر عَلَيْهَا المنكر فيطاع. وكانت قُرَيْش تدعوه ذا القلبين لفهمه وفيه نزل: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ في جوفه) [1] . وكان جوادا وفيه يقول
__________
[1] سورة الأحزاب- الاية: 4.(10/263)
الهذلي.
وفجع أضيافي جميل بْن معمر ... بذي كرم تأوي إِلَيْهِ الأرامل
[1] وقيل فِيهِ أَيْضًا:
وكيف الثواء بالمدينة بعد ما ... قضى وطرا مِنْهَا جميل بْن معمر
وسفيان بْن معمر بْن حبيب أخو جميل هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ومات فِي أيام عمر، ويقال فِي أول أيام عُثْمَان، وَكَانَ مَعَهُ بالحبشة ابناه: جناده، وجابر، وأمهما حسنة أم شُرَحْبِيل بْن حسنة، وَكَانَ قدومه الْمَدِينَة بعد الهجرة، وقبل قدوم جَعْفَر بْن أَبِي طالب.
ومن بني وهب بْن حذافة أَيْضًا: هبار بْن وهب، ذكر مُحَمَّد بْن إسحاق أنه من مهاجرة الحبشة [2] .
[ولد وهبان بن حذافة بن جمح]
ومن بني أهبان بْن حذافة: نبيه بْن عُثْمَان بْن رَبِيعَة بْن أهبان، وَهُوَ وهبان بْن حذافة بْن جمح، هاجر إِلَى أرض الحبشة فِي المرة الثانية، وأقام حَتَّى ركب السفينة مَعَ جَعْفَر بْن أَبِي طالب ومات فِي البحر.
ومن بني وهيب وَهُوَ
أهيب بْن حذافة:
أَبُو عزَّة عَمْرو بْن عَبْدِ اللَّه بْن عمير بْن أهيب بْن حذافة، وَكَانَ أصاب أبا عزة مرض وسقي بطنه، فأخرجته قُرَيْش من مَكَّة مخافة العدوى، فلما طال عَلَيْهِ البلاء أخذ مدية فوجأ بِهَا بطنه ليستريح مما كَانَ فِيهِ، فسال الماء من بطنه وبرئ، وذهب مرضه، وعاد صحيحا سليما فأنشأ يَقُول:
لا هم رب وائل ونهد ... واليعملات والخيول الجرد
__________
[1] ديوان الهذليين- ط. القاهرة 1995 ص 148.
[2] في ابن اسحق- السير والمغازي ص 225 «هبار بْن سُفْيَان بْن عَبْد الأسد بْن هلال» .(10/264)
ورب من يسعى بأرض نجد ... أصبحت عبدا لك وَابْن عَبْدِ
أبرأت مني برصا بجلدي ... من بعد ما شردت فِي معد
فرجع إِلَى مَكَّةَ وأسر يَوْم بدر، فشكا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاقته وكثرة عياله، وأعطاه عهدا أَلا يخرج عَلَيْهِ أبدا، وَلا يعين قريشا، فلما كَانَ يَوْم أحد خرج يقاتله مَعَ المشركين ويحرضهم عَلَى قتال الْمُسْلِمِينَ، فأسر فضرب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنقه بيده صبرا، فيقال أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقتل بيده غير أَبِي عزة، وأبي بْن خلف.
ومنهم: مسافع بْن عَبْدِ مَنَاف، وَهُوَ عَبْد اللَّهِ بْن عمير بْن أهيب الشاعر، وأخوه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سابط بْن أَبِي حميضة بْن عَمْرِو بْنِ أهيب الفقيه، وأخوه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سابط، وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سابط بْن أَبِي حميضة بْن عَمْرِو بْنِ أهيب كَانَ فقيها.
قَالَ الْهَيْثَم بْن عدي والواقدي: مات سنة ثماني عشرة.
ومنهم: أَيُّوب بْن حبيب بْن أَيُّوبَ بْن علقمة بْن رَبِيعَة بْن الأعور بْن أهيب، قتل بقديد قتلته الخوارج.
وولد سَعْد بْن جمح:
عريج،
وَهُوَ دعموص الرمل، ولوذان، وأمهما ليلى بِنْت عائش بْن ظرب بْن الْحَارِث بْن فهر.
ومنهم: سَعِيد بْن عامر بْن حذيم بْن سَلْمَان بْن رَبِيعَة بْن عريج بْن سَعْد بْن جمح،
كَانَ خيرا فاضلا ورعا، ولاه عُمَر بْن الْخَطَّابِ الرقة وكورها وحمص، فلم يلبث إِلا قليلا حَتَّى مات فِي سنة عشرين، فولى مكانه عمير بْن سَعْد الأَنْصَارِيّ ففتح رأس العين.
حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَمَّا احْتَضَرَ(10/265)
سَعِيدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حُذَيْمٍ أَمَرَ فَكُتِبَ إِلَى عُمَرَ: «إِنَّ الْغِلْظَةَ مَعَ النَّصِيحَةِ خَيْرٌ مِنَ اللِّينِ مَعَ الْغِشِّ، وَقَدْ كُنْتَ مُنْكِرًا لأَمْرِ مَنْ أَمْرِكَ فَلَمْ أُوَاجِهْكَ بِهِ إِذْ لَمْ أَجِدْ لِذَلِكَ مَوْضِعًا، وَقَدْ خِفْتُ أَنْ أَمُوتَ وَلَمْ أُلْقِهِ إِلَيْكَ، إِنِّي رَأَيْتُ مِنْكَ فِي أَمْرِ قُدَامَةَ صِهْرِكَ تَحَامُلا عَلَى الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ، وَمُخَاصَمَةٍ عَنْهُ، وَالْحَاكِمُ لا يَكُونُ خَصْمًا، فَاحْذَرْ مِثْلَهَا، وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ مِنْهَا، وَاذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ لِسَانِكَ إِذَا نَطَقْتَ، وَعِنْدَ يَدِكَ إِذَا قَسَمْتَ وَبَطَشْتَ، وَعِنْدَ هَمِّكَ إِذَا هَمَمْتَ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يُخَادِعُ وَلا يَقْبَلُ إِلا نَخِيلَةَ الأَعْمَالِ بِخَالِصِ النِّيَّاتِ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ جَهْلٍ، وَأَنَا أَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ» . فَلَمَّا قَرَأَ عُمَرُ الْكِتَابَ بَكَى وَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ أَبَا عَمْرٍو، فَلَقَدْ مَضَيْتَ طَاهِرَ الثَّوْبِ، نَاصِحَ الْجَيْبِ، لا يَأْخُذُكَ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لائِمٍ.
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَمَّاعَةَ الْفَقِيهُ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَعْمَلَ سَعِيدَ بْنَ عَامِرِ بْنِ حُذَيْمٍ الْجُحَمِيَّ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَأَنْ تَخْشَى اللَّهَ فِي النَّاسِ، وَلا تَخْشَى النَّاسَ فِي اللَّهِ، وَأَنْ تُحِبَّ لِلْمُسْلِمِينَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَأَنْ يَعْتَدْكَ نَظَرُكَ وَقَضَاؤُكَ لِقَرِيبِ النَّاسِ وَبَعِيدِهِمْ، وَلا تَقْضِي فِي أَمْرٍ بِقَضَائَيْنِ فَتُوبِقَ نَفْسَكَ، وَخُضِ الْغَمَرَاتِ إِلَى الْحَقِّ حَيْثُ عَلِمْتَهُ، وَلا تَأْخُذْكَ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، فَقَالَ عُمَرُ:
مَنْ يَسْتَطِيعُ هَذَا؟ قَالَ سَعِيدُ: مَنْ جَعَلَ اللَّهُ فِي عُنُقِهِ مَا جَعَلَ فِي عُنُقِكَ، إِنَّمَا عَلَيْكَ أَنْ تَأْمُرَ فَيُتَّبَعُ أَمْرُكَ فَقَالَ عُمَرُ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، وَأَنَا أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَطَاعَتِهِ مَا اسْتَطَعْتَ.
ومنهم أَبُو محذورة، واسمه فيما ذكر الْكَلْبِيّ
أوس بْن معير بْن لوذان بْن رَبِيعَة بْن عريج بْن سَعْد، مؤذن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(10/266)
وَقَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الْوَاقِدِيِّ وغيره: هُوَ سمرة بْن معير واسم أخيه أوس [1] .
وَقَالَ أَبُو اليقظان: اسم أَبِي محذورة سَلْمَان، وأوس أخوه قتل يَوْم بدر كافرا، وأسلم أَبُو محذورة يَوْم الفتح، وجاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائذن لِي فِي الأذان مَعَ بلال فأذن لَهُ، فكان يؤذن فِي الفجر فقط، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن مكه كَانَ أَبُو محذورة يؤذن فِي الأوقات كلها، وأقام بِمَكَّةَ فيمن تخلف بِهَا، ولم يهاجر، وَكَانَ يَقُول: لولا الأذان لهاجرت، وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لسمرة وأبي محذورة: [ «آخر كما موتا فِي النار» ،] فكان القادم يقدم مَكَّة فيسأله أَبُو محذورة عَن سمرة بْن جندب، وَكَانَ القادم يقدم من مَكَّة فإذا لقيه سمرة سأله عَن أَبِي محذورة، فمات أَبُو محذورة، ثُمَّ مات سمرة وَكَانَ موته بالكوفة فِي آخر أيام مُعَاوِيَة، وَكَانَ يكنى أبا سَعِيد، وفي أَبِي محذورة يَقُول أَبُو دهبل الشاعر الجمحي:
أما ورب الكعبة المستورة ... وَمَا تلا مُحَمَّد من سوره
والنعرات من أَبِي محذورة ... لأفعلن فعلة مذكوره
وَقَالَ الْكَلْبِيّ: كَانَ لأبي محذورة أخ يقال لَهُ أنيس بْن معير قتل يَوْم بدر كافرا.
ومنهم: سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن جميل بْن عامر بْن حذيم بْن سَلْمَان بْن رَبِيعَة بْن عريج بْن سَعْد، ولي قضاء بغداد في أيام الرشيد.
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 5 ص 450.(10/267)
وَقَالَ أَبُو اليقظان: من بني جمح: لوذان بْن رَبِيعَة بْن عريج بْن سَعْد بْن جمح، قتله عَلِيّ بْن أَبِي طالب يَوْم بدر.
ومنهم: رَبِيعَة بْن دراج أسر يَوْم بدر.(10/268)
نسب بني سهم بْن عَمْرِو بْنِ هصيص بْن مرة بْن كعب بْن لؤي
فولد سهم بْن عَمْرو:
سَعْد بْن سهم،
وسعيد بْن سهم وأمهما نعم بِنْت كلاب بْن مرة، ورئاب بْن سهم، وعمرو بْن سهم، وعَبْد العزى.
درجوا.
فولد سَعْد:
عدي بْن سَعْد،
وحذيم بْن سَعْد أمهما تماضر بِنْت زهرة بْن كلاب، وحذيفة، وحذافة، وسعيد بْن سَعْد، أمهم عاتكة بِنْت عبده من بني غاضرة بن صعصعة، منهم
قَيْس بْن عدي بْن سَعْد بْن سهم،
كَانَ شريفا تتحاكم إِلَيْهِ قُرَيْش، وكانت عنده الغيطلة، وَهُوَ اسمها، من ولد شنوق بن مرة بن عبد مناة بْن كنانة بْن خزيمة، فهم ينسبون إِلَيْهَا ويدعون الغياطل، ويقال لبني قَيْس أَيْضًا المقايس، ويقال إن الغيطلة من خزاعة، وأنها كَانَتْ كاهنة، وَقَالَ أَبُو طالب:
لقد سفهت أحلام قوم تبدلوا ... بني خلف قيضا بنا والغياطل
وفي قَيْس يَقُول الشاعر:
لا يبتدي فِي مثل داره الندي ... كأنه فِي العز قَيْس بْن عدي
ويروى:
فِي داره يؤتى وداره الندي ... كأنه فِي العز قَيْس بْن عدي(10/269)
فولدت الغيطلة: الْحَارِث بْن قَيْس، وَهُوَ صاحب الأوثان كَانَ كلما رأى حجرا أحسن من الَّذِي عنده أخذه وألقى مَا عنده، وفيه نزلت:
(أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) [1] ومقيس بْن قَيْس، وعدي بْن قَيْس.
وَكَانَ فِي ولد قَيْس عرام، وفي بيت مقيس اقتسم الغزال الَّذِي سرق من الكعبة، وكانت لَهُ قينتان، وقد ذكرنا خبره فِي حديث أَبِي لهب حين كتبنا نسبه.
وَكَانَ مقيس بْن قَيْس بْن عدي سكر من خمر فجعل يخط ببوله نعامة أَوْ بعيرا، فلما أفاق أخبر بِذَلِكَ فحرم الخمر وَقَالَ:
لا تشرب الخمر إن الخمر فاضحة ... تزري بمن كَانَ ذا لب وذا كرم
حَتَّى يرى ضحكة فِي النَّاس محتقرا ... كأنما مسه طيف من اللمم
حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الْكَلْبِيّ عَن أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أقامت قُرَيْش بِمَكَّةَ لا يبغي بعضها عَلَى بعض، فكان أول من بغى من قُرَيْش بِمَكَّةَ المقايس، وهم: بنو قَيْس بْن عدي بْن سهم: تباغوا بينهم، فبعث اللَّه فأرة عَلَى ذبالة [2] فِيهَا نار فجرتها إِلَى خيام لهم فاحترقوا، ثُمَّ كَانَ من بني السباق بْن عَبْدِ الدار بْن قصي بغي وظلم، فألقى اللَّه عَلَيْهِم الفناء فقالت سبيعة بِنْت لاحب من بني نصر بْن مُعَاوِيَة وكانت عند عبد مَنَاف بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة لابنها، وكان ذا شرارة وبغي وظلم:
__________
[1] سورة الجاثية- الاية: 33.
[2] الذبالة: الفتيلة. القاموس.(10/270)
أبني لا تظلم بِمَكَّةَ لا الصغير وَلا الكبير ... واحفظ مكارمها وَلا تعلقك أسباب الغرور
أبني من يظلم بِمَكَّةَ يلق أطراف الشرور ... اللَّه أمن طيرها والوحش يعقل فِي ثبير
وكسا البنية تبع إذ جاءها حلل الحبير
وقالت أَيْضًا:
أَلا ليت شعري عَن مقيس وأهله ... أأفلت منهم فِي المحلة واحد
أم النار لم تخطئ من القوم واحدا ... فكلهم فِي هوة القبر خَالِد
قَالُوا: وَكَانَ أمية بْن عَبْدِ شمس بْن عَبْدِ مَنَاف رجلا جميلا، وَكَانَ طريقه عَلَى منزل وهب بْن عَبْد مَنَاف بْن زهرة بْن كلاب، وكانت لوهب قينتان فكره وهب ممره عَلَى رحله فنهاه عَن ذَلِكَ فأبى فضربه وهب بالسيف عَلَى اليته فَقَالَ:
مهلا أمي فإن البغي منقصة ... لا يكسبنك يوما شره ذكر
فنفرت لِذَلِكَ بنو عبد مَنَاف بْن قصي، والمطلب بْن عَبْدِ مَنَاف يومئذ حي، فغضب لابن أخيه، فأجمعوا عَلَى إخراج بني زهرة من مَكَّة، فعزم بنو زهرة عَلَى الرحلة، فبينا هم عَلَى ذَلِكَ إذ صاح صائح من دار عدي بْن قَيْس وَكَانَ سيدا عزيزا: أَلا إن الركب مقيم أصبح ليل. فقالت بنو عبد مَنَاف:
من الصارخ؟ قيل: عدي بْن قَيْس بْن عدي، وَكَانَ فِي سهم ثروة وعدد ومنعة فاجتمع بنو عبد مَنَاف إِلَى المطلب بْن عَبْدِ مَنَاف بأسفل مَكَّة وتجمعت بنو سهم وبنو زهرة، فعرف بنو زهرة أنهم ممنوعون، وَكَانَ أمية حليما، فلما رأى ذَلِكَ أتى عمه المطلب فَقَالَ: يَا عماه قد وهبت الضربة لبني عمي(10/271)
فاصطلحوا، وَهَذَا الْيَوْم يسمى يَوْم عز الركب، ويوم الصلح فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن الزبعرى:
نحن منعنا من الإجلاء إخوتنا ... لما أنخت مطايا القوم حالينا
لما رأوا مكفهرا لا كفاء لَهُ ... من شر سهم وناداهم منادينا
بأن أقيموا وأصبح ليل إن لنا ... أمرا سيكفيهم منا ويكفينا
[1] وَقَالَ أَبُو عبيدة: هَذَا الشعر فيما أحسب قيل فِي الإِسْلام، وقاله بعض بني سهم، وَقَالَ بعض بني زهرة الَّذِي ضرب الية أمية ذو الفرية.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: أراد بنو عبد مَنَاف أن يأخذوا المفتاح من بني عَبْد الدار، فأعانهم قَيْس بْن عدي فلم يؤخذ.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: وثب أَبُو جهم بْن حُذَيْفَة العدوي عَلَى أمية بْن خلف الجحمي فلطمه لأمر جرى بينهما، فوثبت جمح عَلَى بني عدي فغلبوهم، فأعانهم عدي بْن قَيْس بْن عدي عَلَى بني جمح فلم يقدروا عَلَى مضرتهم وَقَالَ:
سأحنو عَلَى حيي عدي مسيرا ... خفارتهم مَا بين أذني ومنكبي
تأشب عيصي [2] مَا حييت وعيصهم ... تأشب عيص الغيضة المتأشب
ومن ولد قَيْس بْن عدي بْن سَعْد بْن سهم:
أَبُو قَيْس بْن الْحَارِث بْن قَيْس بْن عدي،
هاجر إلى الحبشة في المرة
__________
[1] ليست في شعر عبد الله بن الزبعرى المطبوع.
[2] العيص: الشجر الملتف. القاموس.(10/272)
الثانية، فيقال إنه قدم مَعَ جَعْفَر، ويقال قبل ذَلِكَ، واستشهد يَوْم اليمامة فِي أيام أَبِي بَكْر.
وسعيد بْن الْحَارِث هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، وقتل يَوْم اليرموك.
وتميم بْن الْحَارِث هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، واستشهد يَوْم أجنادين فِي الشام.
وعَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث هاجر إِلَى أرض الحبشة مَعَ إخوته فِي المرة الثانية، ومات بالحبشة.
والحجاج بْن الْحَارِث يقال إنه هاجر إِلَى أرض الحبشة فِي المرة الثانية، وقدم الْمَدِينَة بعد هجرة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستشهد بالشام، ويقال إنه لم يكن لَهُ هجرة إِلَى أرض الحبشة، والواقدي يثبتها.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ: لم يهاجر، وأسر يَوْم بدر، ثُمَّ أسلم بعد.
والحارث بْن الْحَارِث يقال هاجر إِلَى أرض الحبشة، وليس ذَلِكَ بثبت، ولكنه استشهد بالشام.
والسائب بْن الْحَارِث، هاجر إِلَى الحبشة، وقدم الْمَدِينَة بعد الهجرة، ومات من جراحة أصابته يَوْم الطائف، ويقال بل استشهد بالشام، والواقدي يثبت هجرته إِلَى الحبشة، وبعضهم لا يثبتها.
ومن ولد قَيْس بْن عدي:
عَبْد اللَّهِ بْن الزبعرى بْن قَيْس،
وَكَانَ يهجو النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيه يَقُول حسان بْن ثَابِت الأَنْصَارِيّ:
أَلا ترون بأني قد ظلمت إذا ... كَانَ الزبعرى لنعلي ثابت خطرا
[1]
__________
[1] ديوان حسان ج 1 ص 346.(10/273)
وأباح رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دمه يَوْم الفتح، فأسلم قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ.
وَمَدَحَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلِمَ يعرض لَهُ، ولما أسلم ابْن الزبعرى قال لحسان: تعالى حَتَّى نتهاجى فإنك كنت تهجوني وجبريل معك، فَقَالَ حسان: إني لا أهجو من دخل فِي الإِسْلام.
ومنهم: خنيس بْن حذافة بْن قَيْس بْن عدي بْن سَعْد بْن سهم،
أسلم وهاجر إِلَى أرض الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ قدم إِلَى مَكَّةَ، وهاجر إِلَى الْمَدِينَة مَعَ الْمُسْلِمِينَ فمرض ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببدر وَهُوَ مَعَهُ، وتوفي مقدم رَسُول اللَّهِ من بدر فصلى عَلَيْهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودفنه إِلَى جنب عُثْمَان بْن مظعون وَلا عقب لَهُ، وكانت عند خنيس حفصة بِنْت عمر، فخلف عَلَيْهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأم خنيس بْن حذافة: ضعيفة بِنْت حذيم من بني سهم، وَكَانَ خنيس يكنى أبا حذافة، ويقال أبا الأخنس.
وعَبْد اللَّهِ بْن حذافة بْن قَيْس أخو خنيس،
أسلم وهاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، وَكَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله بكتابه إِلَى كسرى بْن هرمز يدعوه إِلَى الإِسْلام، وأمره أيام منى أن ينادي: إنها أيام أكل وشرب، وَكَانَ عَمْرو بْن الْعَاصِ ولاه الإسكندرية، فأسرته الروم، فكتب عمر إِلَى قسطنطين يتوعده بان يغزوه بنفسه إن لم يخل سبيل عَبْد اللَّهِ بْن حذافة فخلاه فمات عَبْد اللَّهِ فِي أيام عُثْمَان بْن عَفَّان.
وقيس بْن حذافة
هاجر مَعَ إخوته إِلَى الحبشة، وبعض الرواة يدفع هجرته والواقدي يثبتها، ويقول قدم من الحبشة بعد هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى المدينة.(10/274)
ومن بني قَيْس بْن عدي أَيْضًا:
العاص بْن قَيْس بْن عَبْدِ قَيْس بْن عدي
قتل يَوْم بدر كافرا.
ومن بني سَعْد بْن سهم أَيْضًا: عروة بْن قَيْس بْن حذافة بْن سَعْد
قتل يَوْم بدر.
ومنبه ونبيه ابنا الْحَجَّاج بْن عَامِر بْن حُذَيْفَة بْن سَعْد بْن سهم، كانا شريفين فِي الجاهلية، وكانا ممن يؤذي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد كتبنا خبرهما فِي أول كتابنا، وقتلا يَوْم بدر كافرين، وكانا من المطعمين.
وقتل العاص بْن منبه يَوْم بدر أَيْضًا وَكَانَ لَهُ ذو الفقار سيف النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقال كَانَ لمنبه، ويقال كَانَ لنبيه. والثبت أنه كَانَ للعاص بْن منبه.
وولد سَعِيد بْن سَعْد:
أسد بْن سَعِيد، وحذيم بْن سَعِيد، وصبيرة، وحذيفة وأمهم أم الخير بِنْت سَعِيد بْن سهم، فعاش صبيرة دهرا ويقال مائة سنة، ولم يشب، وله يَقُول الشاعر:
حجاج بيت الله إنّ صبي ... رة السّهمي ماتا
سبقت منّيته المس ... يب وَكَانَ ميتته افتلاتا
[1]
فتزودوا لا تهلكوا ... من دون أهلكم خفاتا
ومن ولد صبيرة: أَبُو وداعة بْن صبيرة أسر يَوْم بدر، وابنه:
المطلب بْن أَبِي وداعة كَانَ شريفا، وإسماعيل بْن جامع بْن إِسْمَاعِيل بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المطلب بْن أَبِي وداعة المغني فِي أيام هَارُون الرشيد، وعامر بْن أَبِي عوف بْن صبيرة قتل يَوْم بدر كافرا، هُوَ وأخوه عاصم بن أبي عوف،
__________
[1] افتلت: مات فجأة. القاموس.(10/275)
وكثير بن كثير بن المطلب كان يحدث عَنْهُ، وَكَانَ شاعرا شيعيا، وَهُوَ الَّذِي يَقُول لعمر بْن عَبْدِ العزيز:
يَا عمر بْن عُمَر بْن الْخَطَّابِ ... إن وقوفي بفناء الأبواب
يدفعني الحاجب بعد البواب ... يعدل عند الحر دق الأنياب
وله شعر فِي التشيع منه قوله:
لعن اللَّه من يسب عليا ... وحسينا من سوقة وإمام
وكانت أم المطلب بْن أَبِي وداعة ابنة الزُّبَيْر بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْن هاشم، وَكَانَ ينزل الْمَدِينَة، وله بِهَا دار، وله عقب بِمَكَّةَ.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ ولد المطلب بْن أَبِي وداعة: حرب بْن أَبِي شيخ بْن المطلب، كَانَ من فتيان قُرَيْش، وَكَانَ مَعَ يَزِيد بْن المهلب بخراسان، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْر بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ:
يَا حرب إنك قد مضيت لطية [1] ... ظلت مفرفة وبين مقطع
وَكَانَ المطلب بْن السائب بْن أَبِي وداعة عَلَى ابنة سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ، وولد سَعِيد بْن سهم: مهشم بْن سَعِيد،
وهاشم بْن سَعِيد،
وهشام بْن سَعِيد، وهشيم بْن سَعِيد، وأمهم عاتكة بِنْت عَبْد العزى بْن قصي.
فمن بني سَعِيد بْن سهم:
العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بْن سهم،
وَكَانَ ممن يعادي النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وسلم ويؤذيه.
__________
[1] الطية: الضمير والنية. القاموس.(10/276)
ولما تُوُفِّيَ الْقَاسِم بْن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ قَالَ العاص بْن وائل: قد انقطع نسل مُحَمَّد وَهُوَ أبتر. فأنزل الله: (إن شانئك هو الأبتر) [1] .
فولد العاص: عَمْرو بْن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وأمه النابغة بِنْت خزيمة، وَهِيَ امْرَأَة من عترة سبيئة، يقال إنها ممن سقط إِلَى مَكَّةَ.
وهشام بْن العاص وأمه حرملة بِنْت هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: يروى فِي الحديث أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ «ابنا العاص مؤمنان» ] .
فأما عَمْرو بْن الْعَاصِ:،
ويكنى أبا عَبْد اللَّهِ، فإن الْمُسْلِمِينَ لما هاجروا إِلَى الحبشة، بعثته قُرَيْش فِي عدة من المشركين إِلَى النجاشي ليكيدوهم عنده ويسألوه إخراجهم عَن بلاده، وجعلوا لَهُ جعلا، وشرطوا لَهُ شروطا، فأبى إجابتهم إِلَى مَا سألوا، وجعل يحقق أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويخبرهم بصدقه، فانصرفوا إِلَى مَكَّةَ.
فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عن الواقدي عن ابن أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سُهَيْلِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ مَوْلًى لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: أَسْلَمْتُ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ، وَبَايَعْتُهُ عَلَى الإِسْلامِ، فَقَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِخَيْبَرَ، وَنَحْنُ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَلَمَّا رَجِعَ مِنْ خَيْبَرَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَأَعْلَمْتُهُ قُدُومِي رَاغِبًا فِي الْهِجْرَةِ، وَفِي إِظْهَارِ الإِسْلامِ، وَأَنِّي أُحِبُّ أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ أَثَرِي وَغِنَائِي فِي الإِسْلامِ، فَطَالَمَا كُنْتُ عَوَّنًا عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «الإسلام يجبّ ما قبله» .
__________
[1] سورة الكوثر- الاية: 3.(10/277)
فلما كَانَ هلال جمادى الآخرة بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جيفر وعبد ابني الجلندي، وكتب إِلَيْهِمَا كتابا فانتهى إِلَى عمان، وَكَانَ الملك جيفر فاخبرته خبر النجاشي وإسلامه، فَقَالَ: أنظر مَا تقول، فقلت: مَا خلة أفضح لرجل من كذب، وَمَا يستحل الكذب فِي ديننا. فَقَالَ: تكلم بهذا الكلام عبدا، ففعلت فأجابا إِلَى الإِسْلام، وصدقا بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخليا بيني وبين الصدقة، والحكم فيما بينهم، فلم أزل مقيما معهما حَتَّى بلغتني وفاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد: قَالَ الْوَاقِدِيُّ: الثبت من خبر عَمْرو بْن الْعَاصِ أنه قدم عَلَى النَّبِيّ مسلما فِي صفر سنة ثمان قبل فتح مَكَّة بأشهر، وَكَانَ الفتح فِي شهر رمضان، فوجهه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جمادى الآخرة سنة ثمان إِلَى ذات السلاسل فِي سرية، ومعه أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْن الْجَرَّاحِ، فلقي العدو من قضاعة، وعاملة، ولخم، وجذام، وكانوا مجتمعين، ففضهم وقتل منهم بشرا كثيرا، ثُمَّ بعث بِهِ إِلَى ابني الجلندي: عبد، وجيفر، بعمان فأسلما وَكَانَ أميرا عليهما، ومعه أَبُو زَيْد الأَنْصَارِيّ عَلَى الصلاة، وأخذ الإِسْلام عَلَى النَّاس، وتعليمهم الْقُرْآن، فلم يزل عَمْرو بعمان حَتَّى قبض رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعمرو بْن العاص هُوَ الَّذِي فتح مصر ونواحيها فِي أيام عمر، وعزله عُثْمَان عَنْهَا فَقَالَ لَهُ: يَا عَمْرو أعلمت أن اللقاح قَدْ دَرَّتْ بَعْدَكَ أَلْبَانُهَا؟
فَقَالَ: لأَنَّكُمْ أَعْجَفْتُمْ أَوْلادَهَا، وله أخبار مَعَ عُثْمَان ومعاوية وقد ذكرناها فِي مواضعها فِي هَذَا الكتاب.(10/278)
وتوفي عَمْرو بْن الْعَاصِ فِي أيام مُعَاوِيَة بمصر، وَهُوَ عامله عَلَيْهَا يَوْم الفطر سنة اثنتين وخمسين، وذلك قول الْهَيْثَم بْن عدي [1] .
حَدَّثَنِي حفص بْن عُمَرَ عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيّ هِشَام بْن مُحَمَّد عَن عَوَانَة قَالَ: لما اشتدت علة عَمْرو بْن الْعَاصِ بمصر وشارف الموت قَالَ لَهُ ابنه عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو: يَا أبه كنت تقول ليتني أرى رجلا عاقلا عند نزول الموت يحدثني بما نجد وقد نزل بك مَا ترى وعقلك معك فصف الَّذِي تجده؟
فَقَالَ: يَا بني كأن جنبي فِي طخت [2] وكأني أتنفس من سم إبرة، وكأن غصن شوك يجر من قدمي إِلَى هامتي، ثُمَّ قَالَ متمثلا بقول أمية بْن أَبِي الصلت الثَّقَفِيّ اليهودي:
ليتني كنت قبل مَا قَدْ بدا لِي ... فِي رؤوس الجبال أرعى الوعولا
اجعل الموت نصب عينك واحذر ... غولة الدهر إن للدهر غولا
[3] ليتني كنت حيضا عركته الإماء بدرين الإذخر [4] ، ثُمَّ مد يديه فَقَالَ:
اللَّهُمَّ لا أنا ذو براءة فاعتذر وَلا ذو قوة فأنتصر. اللَّهُمَّ إني مذنب مستغفر.
وَحَدَّثَنِي حفص بْن عُمَرَ العمري عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيّ والهيثم بْن عدي، عَن عَوَانَة عَن أَبِيهِ قَالَ: جعل عَمْرو بْن الْعَاصِ يَقُول حين نزل بِهِ الأمر:
__________
[1] لحق ترجمة عمرو بن العاص في طبقات ابن سعد ج 4 ص 254 سقط من أولها، لذا لم ترد هذه الروايات في المطبوع.
[2] أي طست.
[3] ديوان أمية بن أبي الصلت ص 451.
[4] الاذخر: الحشيش الأخضر، وهو طيب الريح يسقف به البيوت فوق الخشب. والدرين:
حطام المرعى إذا تناثر وسقط على الأرض. النهاية لابن الأثير. معجم أسماء النباتات الواردة في تاج العروس.(10/279)
اللَّهُمَّ إنك أمرتنا فلم نأتمر، وزجرتنا فلم ننزجر، اللهم فإنا لا نعتذر ولكن نقر ونستغفر.
قَالَ ولما احتضر قَالَ لابنه: ائتني بجامعة فشد بِهَا يدي إِلَى عنقي ففعل، ثُمَّ رفع طرفه إِلَى السماء فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنك أمرتني فعصيت أمرك، ونهيت فجزت نهيك، ولست عزيزا فأنتصر، ولا بريئا فاعتذر، ولكني أشهد أن لا إله إِلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك. ثُمَّ قَالَ لابنه: إذا مت فعجّل أمري، وإذا دفنتني فعجّل الانصراف فو الله مَا أحسبكم تنصرفون حَتَّى تسمعوا صوتا.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: لما احتضر عَمْرو قَالَ: خدوا لِي الأرض خدا، وسنوا عَلَى التراب سنا، ووضع إصبعه فِي فمه وضع المفكر المتندم حَتَّى مات، وَكَانَ يَوْم مات ابْن ثلاث وتسعين سنة، وصلى عَلَيْهِ عَبْد اللَّهِ ابنه، ثُمَّ صلى بِالنَّاسِ يَوْم الفطر.
وَقَالَ غير أَبِي اليقظان: مات وله ثمان وثمانون سنة، والله أعلم [1] .
__________
[1] بهامش الأصل: «في صحيح مسلم من حديث عبد الرحمن بن شماسة المهدي قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت يبكي طويلا، وحول وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول له: ما يبكيك يا أبتاه؟ أما بشرّك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ أما بشرك رسول الله بكذا؟
فأقبل بوجهه فقال: إن أفضل ما نعدّ شهادة أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله، إني كنت على أطباق ثلاث، لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولا أحبّ إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته، فلو متّ على تلك الحال لكنت من أهل النار، فلما جعل الله الإسلام في قلبي أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: ابسط يدك فلأبايعك، فبسط يمينه فقبضت يدي فقال: «مالك يا عمرو؟ قلت: أردت أن اشترط، قال: تشترط ماذا؟
قلت: أن يغفر لي، قال: أما علمت أن الاسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله» ؟ وما أحد أحبّ إليّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم(10/280)
فولد عَمْرو بْن الْعَاصِ: عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو رَضِيَ اللَّهُ عنهما، ويكنى أبا مُحَمَّد، وأمه ريطة بِنْت منبه بْن الْحَجَّاج السهمي.
وَمُحَمَّد بْن عَمْرو وأمه ريطة أَيْضًا، ويقال غيرها.
فأما عَبْد اللَّهِ
فأسلم قبل أَبِيهِ، وَكَانَ صالحا ومات سنة خمس وستين وَهُوَ ابْن اثنتين وسبعين سنة، وقد حفظ عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عَن أَبِي بَكْر وعمر وقد ذكرنا خبره فِي يَوْم صفين.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو صحبة، واستأذن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أن يكتب مَا يسمع، فكتب وَكَانَ يَقُول: مَا شَيْء فِي الأرض أعز علي من كتاب كتبته عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن ضيعتي الوهط [1] ، وَقَالَ:
مَا سرني أن لِي أبا عير عَمْرو بْن الْعَاصِ، وقاتل يَوْم صفين طاعة لأبيه، ولم يقره مُعَاوِيَة عَلَى عمل أَبِيهِ.
فولد عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بن العاص:
محمد بن عبد الله بن عمرو،
فولد مُحَمَّد:
شعيب بْن مُحَمَّد.
فولد شعيب
عَمْرو بْن شعيب.
وَكَانَ عَمْرو بْن شُعَيْب بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ بْن وائل بْن هاشم بْن سَعِيد بْن سهم فقيها راوية للحديث، وَكَانَ عمرو بن شعيب سريا، ربما ولا أحلى في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن املأ عيني منه ولو متّ على تلك الحال لرجوت ان أكون من أهل الجنة ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها، فإذا متّ فلا تصحبني نائحة، ولا نار، فإذا دفنتموني فسنّوا على التراب سنّا ثم أقيموا حول قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها حتى استأنس بكم وانظر ماذا أراجع به رسل ربي» . كتبته لكثرة فوائده.
__________
[1] الوهط: ما كان لعمرو بن العاص بالطائف، وهو كرم كان على ألف ألف خشبة، شرى كل خشبة بدرهم. معجم البلدان.(10/281)
قسم فِي مجلس واحد صدقة جده خمسين ألفا، وفيه يَقُول الشاعر:
يَا عَمْرو إني بأرض غيرها وطني ... نائي المحلة فِي مطل وتمجيج
يَا ليت لِي بمكان الوهط منزلة ... من دونها ردم يأجوج ومأجوج
وولد عَمْرو بْن شعيب بالطائف، والوهط بالطائف. وَكَانَ شعيب بْن شعيب أخو عَمْرو بْن شعيب سريا، وكانت أم عَمْرو وشعيب ابني شعيب بْن مُحَمَّد من ولد عُبَيْد اللَّه بْن الْعَبَّاس بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وكانت أختهما عائذه بِنْت شُعَيْب بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو بْن الْعَاصِ عند حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاس بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وكانت فائقة الجمال والعقل.
وأما هِشَام بْن العاص بْن وائل أخو عَمْرو بْن الْعَاصِ،
وَكَانَ قديم الإِسْلام هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ قدم إِلَى مَكَّةَ للهجرة إِلَى الْمَدِينَة فحبسه أبوه، فلم يزل محبوسا بِمَكَّةَ حَتَّى مات أبوه العاص بْن وائل فِي آخر السنة الأولى من الهجرة، وله خمس وثمانون سنة، ثُمَّ حبسه قومه بعد أَبِيهِ فلم يزل يحتال حَتَّى تخلص وقدم عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد الخندق، وكانت غزاة الخندق فِي ذي القعدة سنة خمس، وَكَانَ من خيار الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ يكنى أبا العاص، فكناه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا مطيع، وأمه حرملة بِنْت هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ، وَأَبُو جهل خاله، وخرج مَعَ من وجهه أَبُو بَكْر الصديق إِلَى الشام، فقتل فِي قول الْكَلْبِيّ يَوْم أجنادين، وفي قول الْوَاقِدِيّ باليرموك، وَكَانَ أصغر سنا من عَمْرو بْن الْعَاصِ أخيه، وَلا عقب لهشام بْن العاص.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: قيل لعمرو بْن العاص أأنت أفضل أم أخوك هِشَام؟ قَالَ: أقول فاحكموا: أمه أم حرملة بِنْت هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ، وأمي عنزية، وَكَانَ أحب إِلَى أَبِيهِ مني، والوالد أعلم بولده، وأسلم قبلي، وتلك(10/282)
الفضيلة العظمى، فاستبقنا إِلَى اللَّه فسبقني، فاستشهد يَوْم اليرموك رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وأرضاه.
[مهشم بن سعيد]
ومن بني سَعِيد بْن سهم:
عمير بْن رئاب بْن مهشم بْن سَعِيد،
كَانَ مَعَ خَالِد بْن الْوَليِد بْن الْمُغِيرَةِ بعين التمر [1] ، فقاتلهم النمر بْن قاسط، وعليها عقة بْن قَيْس بْن البشر، ويقال هلال بْن عقة بْن قَيْس النمري فجرح بشير بْن سَعْد الأَنْصَارِيّ، أَبُو النعمان بْن بشير، ومات فدفن بعين التمر، وأصاب عمير بْن رئاب سهم فاستشهد فدفن إلى جنب بشير بْن سَعْد، وَكَانَ من مهاجرة الحبشة فِي المرة الثانية، وقدم مَعَ جَعْفَر أَوْ قبله وَهُوَ القائل:
نحن بنو زَيْد الأغر ومثلنا ... يحامي عَلَى الأحساب عند الحقائق
وَكَانَ اسم زَيْد سهم. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: ولد رئاب بْن سهم:
سعدا، وسعيدا، وعديا، وأمهم برة بِنْت تيم من خزاعة، وبعضهم يَقُول مرة.
وَقَالَ غير الْكَلْبِيّ: عمير بْن رئاب بْن حذافة بْن سَعِيد بْن سهم، وذلك خطأ ...
وانشدت لكثير بن كثير بن الْمُطَّلِبِ السهمي.
لعن اللَّه من يسب عليا ... وحسينا من سوقة وإمام
أيسب المطيبين جدودا ... والكرام الأخوال والأعمام
يأمن الوحش والحم ... أم وَلا يأمن الشفيع عند المقام
وقد كتبنا أول بيت من هَذِهِ الأبيات مَعَ نسبه.
__________
[1] عين التمر: بلدة قريبة من الأنمار غربي الكوفة. معجم البلدان.(10/283)
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
نسب بني عدي بْن كعب بْن لؤي:
وولد عدي بْن كعب:
رزاح بْن عدي،
وعويج بْن عدي، وأمهما حبيبة بِنْت بجالة بْن سَعْد بْن فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان.
فولد رزاح:
قرط بْن رزاح،
وأمه حبيبة بنت وائلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بْن فهر [1] .
فولد قرط:
عَبْد اللَّهِ
وأمه ليلى بِنْت سُلَيْمَان بْن بوي بْن ملكان بْن أفعى من خزاعة. وبعضهم يَقُول ملكان.
فولد عَبْد اللَّهِ بْن قرط:
رياح بْن عَبْدِ اللَّهِ،
وتميم بْن عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ عَبْد اللَّهِ أَيْضًا، وصداد بْن عَبْدِ اللَّهِ، وأمهم خناس بِنْت الأختم بْن عَمْرِو بْنِ خَالِد بْن أمية بْن ظرب بْن الْحَارِث بْن فهر.
وولد رياح بْن عَبْدِ اللَّهِ:
عَبْد العزى،
وأذاه- بذال معجمة- وأمهما عاتكة بنت عبد مناف بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة.
__________
[1] بهامش الأصل: انتهى الربع الثالث.(10/284)
[نفيل بن عبد العزى]
[خطاب بن نفيل]
منهم:
أَبُو حفص عُمَر بْن الْخَطَّابِ بْن نفيل بْن عَبْدِ الْعُزَّى بْن رِياح بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن قرط بْن رزاح بن عدي بْن كعب،
وأمه حنتمة بِنْت هاشم بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم بْن يقظة بْن مرة بْن كعب، وَكَانَ نفيل جد عمر شريفا نبيلا تتحاكم إِلَيْهِ قُرَيْش، وزيد بْن الخطاب أخو عمر، وعمهما عبدنهم بن نفيل قتل يوم الفجار.
[إسلام عمر]
فأما عُمَر بْن الْخَطَّابِ، فإنه كَانَ شديدا عَلَى الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أسلم فأعز اللَّه بِهِ دينه.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ الأَوْدِيُّ، ثنا حُصَيْنُ بْنُ هِلالِ بْنِ إِسَافٍ، قَالَ: أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ أَرْبَعِينَ رَجُلا وَإِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةٍ.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ وغيرهما، يَزِيد بعضهم عَلَى بعض قَالُوا: أسلمت فاطمة بِنْت الخطاب أخت عمر وأسلم زوجها سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل، فكانا يتكتمان بإسلامهما عَن عمر، وَكَانَ عمر شديدا عَلَى من أسلم من قومه، وأسلم نعيم بْن عَبْدِ النحام، وإنما سمي النحام لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ «دخلت الجنة فرأيت فِيهَا أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وسمعت نحمة من نعيم» ] فسمي النحام.
قَالُوا: وَكَانَ شريفا وَكَانَ خباب بْن الأرت يختلف إِلَى فاطمة بِنْت الخطاب فيقرئها الْقُرْآن، فخرج عُمَر بْن الْخَطَّابِ ذات يَوْم متوشحا بالسيف، يريد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورهطا من أصحابه ذكروا لَهُ، وأخبر أنهم(10/286)
مجتمعون فِي بيت عند الصفا، وهم أربعون، أَوْ نيف وأربعون بين رجال ونساء وَكَانَ مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ: عمه حمزة، وعلي، وَأَبُو بكر، فلقيه نعيم بْن عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: أين تريد؟ قَالَ: أريد محمدا هَذَا الصابئ الَّذِي فرق أمر قُرَيْش، وسفه أحلامها، وعاب دينها، وسب آلهتها، وذم من مضى من آبائها، فأقتله فيرجع الأمر إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، أيظن مُحَمَّد أن قريشا تنقاد لَهُ؟ كلا واللات والعزى، فَقَالَ لَهُ نعيم: قد وَاللَّه غرتك نفسك يَا عمر، أترى بني عبد مَنَاف تاركيك تمشي عَلَى الأرض إذا قتلت محمدا، لا أعلم رجلا جاء قومه بمثل مَا جئت بِهِ، فلئن تركناك لهي السوءة، ولئن نصرناك لتصطلمن. فَقَالَ عمر: إن مَعَ عدي غيرها من قُرَيْش، وأراك تتكلم عَنْهُ وَمَا أظنك إِلا قد تبعته. فسكت نعيم وَقَالَ ارجع إِلَى بيتك فأقم أمره فَقَالَ: وأي أهل بيتي اتبع محمدا؟ قَالَ: فاطمة أختك، وختنك سَعِيد بْن زَيْد قد وَاللَّه أسلما. فَقَالَ عمر: أراك وَاللَّه صادقا، إن سعيدا قد نازع إِلَى مَا كَانَ أبوه يدين بِهِ من خلاف قومه، وتركه أكل ذبائحهم، وحضور أعيادهم.
فمضى عمر يريدهما، قَالَ نعيم: وندمت عَلَى إخباري إياه بما أخبرته بِهِ وإني لم أطو أمرهما عَنْهُ كما طويت أمر نفسي. وَكَانَ عمر قد رأى خبابا يختلف إِلَيْهِمَا، قَالَ: فدخل عمر عَلَى أخته وزوجها، وعندهما خباب، ومعه صحيفة فِيهَا سورة طه وَهُوَ يقرئهما إياها، فلما سمعوا حسه تغيب خباب فِي مخدع لهم فِي البيت، وأخذت فاطمة الصحيفة فجعلتها تحت فخذها، فلما دخل عمر قال: ما هذه الهينمة [1] التي سمعت؟ قالا:
__________
[1] الهينمة: الصوت الخفي. القاموس.(10/287)
مَا سمعت شَيْئًا، قَالَ: بلى وَاللَّه لقد بلغني أنكما تابعتما محمدا عَلَى دينه، وبطش بختنه سَعِيد، فقامت فاطمة لتكفه عَنْهُ فضربها فشجها، فلما فعل ذَلِكَ قَالَت أخته وختنه: نعم وَاللَّه لقد أسلمنا، وآمنا بالله وبرسوله فاصنع مَا بدا لك.
فلما رأى عمر مَا بأخته من الدم ندم عَلَى مَا صنع، ورق وارعوى، وَقَالَ لأخته: هاتي الصحيفة لأنظر مَا هَذَا الَّذِي جاء بِهِ مُحَمَّد. وَكَانَ عمر كاتبا فَقَالَتْ: لا أفعل حَتَّى تغتسل فإنه كتاب لا يمسه إِلا طاهر، فاغتسل عمر، ثُمَّ اعطته الصحيفة وفيها: طه. فلما قرأ صدرا مِنْهَا قَالَ: مَا أحسن هَذَا الكلام وأكرمه، فلما سمع خباب قوله طمع فِيهِ فخرج وقرأ عَلَيْهِ السورة، وَقَالَ: يَا عمر إني لأرجو أن يكون اللَّه قد خصك بدعوة نبيه فإني سمعته أمس يَقُول: [ «اللَّهُمَّ أيد الإِسْلام بأحب الرجلين إِلَيْك بعمر أَوْ عَمْرو بْن هِشَام» ] .
قَالَ عمر: فدلني على محمد حتى آتيه فأسلم، فدله عَلَيْهِ، فخرج حَتَّى انتهى إِلَى دار الأرقم المخزومي، فضرب عَلَيْهِم الباب، فلما سمعوا صوته قَالَ الأرقم: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا عُمَر بْن الْخَطَّابِ متوشحا بسيفه، فَقَالَ حمزة بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: إن كَانَ يريد خيرا بذلناه لَهُ، وإن كَانَ يريد سوى ذَلِكَ قتلناه بسيفه، فأذن لَهُ، فدخل ونهض إِلَيْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لقيه فِي الحجرة فأخذ بحجزته، أَوْ بمجمع ردائه ثُمَّ جبذه جبذة شديدة، وَقَالَ: «وَاللَّه مَا أراك تنتهي أَوْ ينزل اللَّه بك قارعة. فَقَالَ: جئتك لأؤمن بالله ورسوله، وَمَا جئت بِهِ من عند اللَّه، فقد سمعت قولا لم أسمع مثله قط، فكبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تكبيرة عرف أهل البيت بِهَا أنه قد أسلم، وتفرق(10/288)
أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكانهم ذَلِكَ، وعزوا بإسلام حمزة، وعمر، وعلموا أنهما سيمنعان رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وينتصفان لَهُ من عدوه.
ولما أسلم عمر نزل جبريل فَقَالَ: قد استبشرنا باسلام عمر.
وعلموا أنهما سيمنعان رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وينتصفان لَهُ من عدوه.
ولما أسلم عمر نزل جبريل فَقَالَ: قد استبشرنا بإسلام عمر.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَمِّهِ ابْن شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب قَالَ: أَسْلَمَ عُمَرُ بَعْدَ أَرْبَعِينَ رَجُلا وَعَشْرِ نِسْوَةٍ، فَمَا هُوَ إِلا أَنْ أُسْلِمَ حَتَّى ظَهَرَ الإِسْلامُ بِمَكَّةَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ مُتَقَلِّدًا السَّيْفَ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تَعْمَدَ يَا عُمَرُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ أَقْتُلَ مُحَمَّدًا، قَالَ: وَكَيْفَ تَأْمَنُ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي زُهْرَةَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:
مَا أَرَاكَ إِلا قَدْ صَبَوْتَ. فَقَالَ لَهُ: أَفَلا أَدُلُّكَ عَلَى أُخْتِكَ وَخَتَنِكَ فَقَدْ صَبَآ وَتَرَكَا دِينَكَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، فَمَشَى عمر متذمرا حتى أتاهما وَعِنْدَهُمَا خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ، فَلَمَّا سَمِعَ خَبَّابٌ حِسَّ عُمَرَ تَوَارَى فِي الْبَيْتِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمَا فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْهَيْنَمَةُ الَّتِي سَمِعْتُهَا عِنْدَكُمْ؟ قَالَ: وَكَانُوا يَقْرَأُونَ:
طه. فَقَالا: حَدِيثٌ تَحَدَّثْنَاهُ بَيْنَنَا. فَقَالَ: لَعَلَّكُمَا قَدْ صَبَأْتُمَا؟ فَقَالَ خَتَنُهُ:
أَرَأَيْتَ يَا عُمَرُ إِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي غَيْرِ دِينِكَ، قَالَ: فَوَثَبَ عَلَيْهِ عُمَرُ فَوَطِئَهُ وَطْئًا شَدِيدًا فَجَاءَتْ أُخْتُهُ فَدَفَعَتْهُ عَنْ زَوْجِهَا فَنَفَحَهَا نَفْحَةً بِيَدِهِ فَدَمَى وَجْهُهَا، فَقَالَتْ وَهِيَ غَضْبَى: يَا عُمَرُ إِنَّ الْحَقَّ لَفِي غَيْرِ دِينِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ: أَعْطُونِي هَذَا الْكِتَابَ الَّذِي عِنْدَكُمْ أَقْرَأُهُ، وَكَانَ عُمَرُ يَقْرَأُ الْكُتُبَ، فَقَالَتْ أُخْتُهُ: إِنَّكَ نَجِسٌ، وَإِنَّهُ (لا يمسه(10/289)
إلا المطهرون) [1] فَقُمْ فَاغْتَسِلْ، أَوْ تَوَضَّأْ، فَقَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَخَذَ الْكِتَابَ فَقَرَأَ: «طه» حَتَّى انْتَهَى إِلَى قوله: (إني أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وأقم الصلاة لذكري) [2] . فَقَالَ: دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا سَمِعَ خَبَّابٌ قَوْلَ عُمَرَ خَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ فَقَالَ: أَبْشِرْ يا عمر فإني أَرْجُو أَنْ تَكُونَ دَعْوَةُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ لَكَ، فَإِنَّهُ قَالَ: [ «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الدِّينَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَوْ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ» ،] قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدَّارِ الَّتِي فِي أَصْلِ الصَّفَا، فَانْطَلَقَ عُمَرُ حَتَّى أَتَى الدَّارَ، وَعَلَى بَابِهَا حَمْزَةُ، وَطَلْحَةُ وَنَاسٌ من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ وَجِلُوا مِنْهُ، فَقَالَ حَمْزَةُ: هَذَا عُمَرُ فَإِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُسْلِمُ، وَإِنْ يَكُنْ غَيْرُ ذَلِكَ يَكُنْ قَتْلُهُ عَلَيْنَا هَيِّنًا، قَالَ: وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ دَاخِلٌ يُوحَى إِلَيْهِ فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى عُمَرَ فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ ثَوْبِهِ وَحَمَائِلِ سَيْفِهِ، وَقَالَ: مَا أَرَاكَ يَا عُمَرُ مُنْتَهِيًا حَتَّى يَنْزِلَ بِكَ مِنَ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ كَمَا نَزَلَ بِالْوَلِيدِ [3] اللَّهُمَّ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَعِزَّ بِهِ الدِّينَ. فَقَالَ عُمَرُ:
أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. وَأَسْلَمَ ثُمَّ قَالَ: أَخْرُجُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَنُصَلِّي حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ قَاتَلَهُمْ حَتَّى تَرَكُونَا فَصَلَّيْنَا وَطُفْنَا.
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ. ثنا أسد بن موسى، وأبو نعيم
__________
[1] سورة الواقعة- الاية: 79.
[2] سورة طه- الاية: 14.
[3] بهامش الأصل: «كان يقال لفرعون: الوليد بن مصعب» والمقصود هنا حسب التراث فرعون موسى عليه السلام.(10/290)
قَالا: ثنا سُفْيَانُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ:
كَانَ إِسْلامُ عُمَرَ فَتْحًا، وَكَانَتْ هِجْرَتُهُ نَصْرًا، وَكَانَتْ إِمَارَتُهُ رَحْمَةً، لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُصَلِّيَ وَنَطُوفَ بِالْبَيْتِ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ قَاتَلْنَاهُمْ حَتَّى تَرَكُونَا نُصَلِّي.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ حَفْصٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَمَّا أَسْلَمْتُ قُلْتُ: أَيُّ قُرَيْشٍ أَنْقَلُ لِلْحَدِيثِ؟
فَقِيلَ: جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا جَمِيلُ هَلْ عَلِمْتَ أَنِّي أَسْلَمْتُ وَبَايَعْتُ مُحَمَّدًا؟ فَمَا رَاجَعَنِي جَمِيلٌ حَتَّى قَامَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، وَقَامَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ، وَقُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهَا حَوْلَ الْكَعْبَةِ: أَلا إِنَّ ابْنَ الْخَطَّابِ قَدْ صَبَأَ، قَالَ عُمَرُ: فَقُلْتُ: كَذَبَ وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ، وَدَخَلْتُ فِي دِينِ مُحَمَّدٍ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَثَارُوا إِلَيْهِ فَمَا زَالَ يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ حَتَّى قَامَتِ الشَّمْسُ عَلَى رُؤُوسِهِمْ وَطَلَحَ [1] ، فَقَعَدَ وَقَامُوا عَلَى رَأْسِهِ وَنَالُوا مِنْهُ وَهُوَ يَقُولُ: اصنعوا ما شئتم فأقسم لو كنا ثلاثمائة لتركناها لكم أو تركتموها لنا، فبيناهم عَلَى ذَلِكَ إِذَا أَقْبَلَ شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَيْهِ جُبَّةٌ حَبْرَةٌ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ فَقَالُوا: صَبَأَ عُمَرُ، قَالَ: فَمَهْ؟ رَجُلٌ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَمْرًا فَمَا تُرِيدُونَ مِنْهُ؟ أترون بني عدي يسلمونه؟ فو الله لَكَأَنَّمَا كَانُوا ثَوْبًا كَشَفَ عَنْهُ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَقُلْتُ لأَبِي بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ إِلَى المدينة: يا أبه من الرجل
__________
[1] أي أصيب بالإعياء.(10/291)
الَّذِي زَجَرَ النَّاسَ عَنْكَ بِمَكَّةَ يَوْمَ أَسْلَمْتَ؟ فَقَالَ: ذَاكَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْوَاقِدِيُّ وَالْوَلِيدُ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا أَسْلَمْتُ تَذَكَّرْتُ أَيَّ أَهْلِ مَكَّةَ أَشَدَّ عَدَاوَةٍ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فَقُلْتُ: أَبُو جَهْلٍ، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى ضَرَبْتُ بَابَهُ فَخَرَجَ إِلَيَّ وَرَحَّبَ بِي وَقَالَ: مَا جاء بك يا بن أَخِي؟ قُلْتُ: جِئْتُ لأُخْبِرَكَ إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَاتَّبَعْتُ مُحَمَّدًا، قَالَ فَصَفَقَ الْبَابَ فِي وَجْهِي، وقال: قبحك الله وقبح ما جئت به.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالُوا: كَانَ عُمَرُ إِذَا لَقِيَ رَجُلا يَقُولُ لَهُ: قَدْ صَبَأْتَ؟ يَقُولُ: كَذَبْتَ وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَبَرِئْتُ مِنَ اللاتِ وَالْعُزَّى وَالأَصْنَامِ، وَشَهِدْتُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى لَقِيَهُ الوليد بن المغيرة فقال: يا بن أَخِي أَصَبَأْتَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: مَا صَبَأْتُ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ، قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ أَضَنُّ بِدِينِ آبَائِكَ مِنَ أَنْ تَتَّبِعَ أَمْرَ مُحَمَّدٍ، فَقُلْتُ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَشَهِدْتُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ: إذهب فو الله لَوْ كَانَ أَبُوكَ حَيًّا مَا تَبِعْتَ دِينَ مُحَمَّدٍ، وَتَرَكْتَ دِينَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُمِّيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْن أَبِي الْمُغِيرَة عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير قَالَ: جاء جبريل عَلَيْهِ السلام النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: [ «أقرئ عمر السلام، وأخبره أن رضاه حكم، وغضبه عز» ] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلْمَانَ الأَغَرِّ عَنْ(10/292)
أَبِيهِ عَنْ صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ظَهَرَ الإِسْلامُ، وَدُعِيَ إِلَيْهِ عَلانِيَةً، وَجَلَسْنَا حَوْلَ الْبَيْتِ حَلَقًا وَطُفْنَا بِالْبَيْتِ، وَانْتَصَفْنَا مِمَّنْ غَلُظَ عَلَيْنَا وَرَدَدْنَا عَلَيْهِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَلَقِيَنِي ابْنُ الأصدَاءِ وَابْنُ الْغَيْطَلَةِ [1] بِأَجْيَادَ فَخَنَقَانِي حَتَّى غُشِيَ عَلَيَّ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لابْنِ الْخَطَّابِ فَخَرَجَ وَأَخَذَ بِيَدِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَطُلَيْبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى نَلْقَى ابْنَ الأصدَاءِ فَبَدَرَنَا عُمَرُ إِلَيْهِ وَأَخَذَ بِجَمْعِ ثَوْبِهِ فَخَنَقَهُ بِرِدَائِهِ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ، وَانْصَرَفْنَا وَكُنَّا نَطْلُبُ ابْنَ الْغَيْطَلَةِ بِأَعْلَى مَكَّةَ وَأَسْفَلِهَا فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، قَالَ فَكُنْتُ أَرَاهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ مُقْصِرِينَ عَنِّي.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: وُلِدْتُ قَبْلَ الْفِجَارِ الآخَرِ بِأَرْبَعِ سِنِينَ، وَوُلِدَتْ حَفْصَةُ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ سِنِينَ، قَالَ: وَأَسْلَمَ عُمَرُ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ مِنَ الْمَبْعَثِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَأَشْهُرٍ، وَتُوُفِّيَ لِهِلالِ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ ابْنُ سِتِّينَ سَنَةٍ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ هَذَا أَثْبَتُ مَا سَمِعْنَا فِي عُمُرِهِ، وَكَانَتْ أَيَّامُهُ عَشْرَ سِنِينَ وَأَشْهُرًا، وَيُقَالُ مَاتَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ، وَقَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ: أَسْلَمَ أَبِي وَلِي سِتُّ سِنِينَ.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عن أبيه قال: توفي عمر وله ستون سنة [2] .
__________
[1] تقدم ذكرهما في الجزء الأول.
[2] ترجمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في طبقات ابن سعد ج 3 ص 265- 378.(10/293)
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا هشيم عَن عَلِيّ بْن زَيْد عَن سالم بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: تُوُفِّيَ عمر وَهُوَ ابْن ستين سنة.
قَالُوا:
وولد لعمر:
عَبْد اللَّهِ
رَضِيَ اللَّهُ عنهما، وعَبْد الرَّحْمَنِ الأكبر، وحفصة، أمهم زينب بِنْت مظعون الجمحي. وزيد الأكبر لا بقية لَهُ، ورقية أمهما أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ عَليّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأُمُّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وزيد الأصغر،
وعُبَيْد اللَّهِ قتل مَعَ مُعَاوِيَة يَوْم صفين
وقد كتبنا خبره، وأمهما أم كلثوم بِنْت جرول بْن مالك الخزاعي، وَكَانَ الإِسْلام فرق بينهما فراجعها أَبُو الجهم بْن حُذَيْفَة العدوي، وكانت عنده قبل فطلقها ثُمَّ طلقها أَبُو الجهم فراجعها عمر. وعاصم بْن عُمَرَ، وأمه جميلة بِنْت ثَابِت بْن أَبِي الأقلح من الأنصار من الأوس. وعَبْد الرَّحْمَنِ الأوسط وأمه لهية أم ولد وَهُوَ أَبُو المجبر، ويقال هُوَ المجبر لقب. وعَبْد الرَّحْمَنِ الأصغر الَّذِي ضربه عمر، وَلا عقب لَهُ، وَهُوَ أَبُو شحمة. وزينب وَهِيَ أصغر ولد عمر وأمهما فكيهة أم ولد، ويقال أن أم أَبِي شحمة ابنة الْمُغِيرَة المخزومي، وعياض وأمه عَاتِكَةَ بِنْت زَيْد بْن عَمْرو بْن نُفَيْلٍ.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الله بن سابط قال: لما احتضر أبو بَكْرٍ ذَكَرَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عُمَرَ، فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ فَقَالُوا: مَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِذَا اسْتَخْلَفْتَ عَلَيْنَا عُمَرَ وَقَدْ عَرَفْتَ فَظَاظَتَهُ وَغِلْظَتَهُ وَشِدَّتَهُ. فَقَالَ أَجْلِسُونِي، أَبِاللَّهِ تُخَوِّفُونِي؟ أَقُولُ: أَيْ رَبِّ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَ أَهْلِكَ.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ علية، ثنا يزيد بن عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ(10/294)
أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَصَبْتُ مَالا أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ فَمَا تَأْمُرُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ «إِنْ شِئْتَ تَصَدَّقْتَ بِهَا وَحَبَسْتَ أَصْلَهَا» ] فَجَعَلَهَا عُمَرُ صَدَقَةً لا تُبَاعُ وَلا تُوهَبُ وَلا تُوَرَّثُ، وَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَالْغُزَاةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالضَّيْفِ وَفِي الرِّقَابِ لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، وَيُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ مَالا، قَالَ: وَأَوْصَى بِهَا إِلَى حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، ثم إلى الأكابر فالأكابر من ولده.
[عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الْيَسَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَوَّلَ صَدَقَةٍ تُصُدِّقَ بِهَا فِي الإِسْلامِ صَدَقَةُ عُمَرَ.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ سَالِمٍ أَبِي الْعَلاءِ الْمُرَادِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ حُذَيْفَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: [ «إِنِّي لَسْتُ أَدْرِي مَا بَقَائِي فِيكُمْ فَاقْتَدُوا بِاللَّذَيْنَ مِنْ بَعْدِي، وَأَشَارَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ (ابْنِ) [1] أُمِّ عَبْدٍ» ] .
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأَيْلِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [يَقُولُ: «أُتِيتُ فِي مَنَامِي بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبْتُهُ حَتَّى رَأَيْتُ الرِّيَّ يَجْرِي فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُهُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَشَرِبَ فَضْلَتَهُ، قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْعِلْمُ» ] .
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى الْحِمْصِيُّ، ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الوليد عن الزبيدي عن
__________
[1] أضيف ما بين الحاصرتين لاستقامة السياق، وابن أم عبد: عبد الله بن مسعود.(10/295)
الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الزَّاهِدُ، ثنا إِسْمَاعِيلُ ابن عُلَيَّةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ غُضَيْفِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [ «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ فَهُوَ يَقُولُ بِهِ» ] .
حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُقْرِئُ، ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، ثنا نَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: [ «جُعِلَ الْحَقُّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ، وَفِي قَلْبِهِ» ] .
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا شُعْبَة، أنبأ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ:
كنا نتحدث أنه ينطق عَلَى لسان عمر ملك.
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: لَوْ وُضِعَ عِلْمُ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَ عِلْمُ عُمَرَ فِي كِفَّةٍ لَرَجَحَ بِهِ عِلْمُ عُمَرَ.
قَالَ: وَقَالَ الأَعْمَشُ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنْ كُنَّا لَنَحْسَبُ أَنَّ عُمَرَ قَدِ انْفَرَدَ بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ الْعِلْمِ.
وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَمِرٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: عِلْمُ النَّاسِ مَدْسُوسٌ فِي جُحْرٍ مَعَ عِلْمِ عُمَرَ.
وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عبيد الطَّنَافِسِيّ فِي إسناد لَهُ لم أحفظه عَن رجل من أهل الْمَدِينَة قَالَ: دفعت إِلَى مجلس عُمَر بْن الْخَطَّابِ فإذا الفقهاء عنده مثل الصبيان، قد استعلى عَلَيْهِم فِي فقهه وعلمه.
حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن علي الأسود ثنا مُحَمَّد بْن الفضل عَن الأشعث عَن عامر الشَّعْبِيّ قَالَ: إذا اختلف النَّاس فِي أمر فانظر كيف قضى فِيهِ عمر، فإنه لم يكن يقضي فِي أمر لم يقض فِيهِ من قبله حَتَّى يشاور.(10/296)
حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَلأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَلأَبِي ذَرٍّ: مَا هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ولم يَدَعْهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى مَاتَ إِلا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْن سَعْد عَنْ أَبِيهِ عَن صَالِح بْن كَيْسَانَ قَالَ: قَالَ ابْن شهاب: بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قَالَ لعمر «الفاروق» ، ولم يبلغنا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر من ذَلِكَ شَيْئًا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سعد: ثنا مُحَمَّدُ الأَزْرَقِيِّ الْمَكِّيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَنٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: [ «أن اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ، وَقَلْبِهِ، وَهُوَ الْفَارُوقُ فَرَقَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ» ] .
حَدَّثَنِي الأَعْيَنُ عَنْ مُوسَى بْنُ دَاوُدَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ رَجُلٍ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مَا شَيْءٌ أَحْسَنُ مِنْ كَلامٍ وَلا أَنْفَعُ مِنْ كَلامٍ، أَخَذْتُ مَضْجَعِي فَسَمِعْتُ قَائِلا يَقُولُ: السَّلامُ عَلَى أَهْلِ الْمَنْزِلِ، خُذُوا مِنْ دُنْيَا فَانِيَةٍ لآخِرَةٍ بَاقِيَةٍ وَاسْتَعِدُّوا لِلْمَعَادِ إِلَى اللَّهِ فَإِنَّهُ لا قَلِيلٌ مِنَ الأَجْرِ، وَلا غَنِيٌّ عَنِ اللَّهِ، وَلا عَمَلٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَصْلَحَ اللَّهُ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ.
الْمَدَائِنِيّ عَنِ ابْنِ جعدبة قَالَ: كَانَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِي اللَّه عَنْهُ يَقُولُ: النَّاس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم، قَالَ: وَكَانَ عمر يَقُول: أطيب طيبكم الماء.
الْمَدَائِنِيُّ عَنِ النَّضْرِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْمُلَيْحِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ مَنْ قَدَّمَ فَضْلَ الْمَالِ وَأَمْسَكَ فَضْلَ الْكَلامِ.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ ثنا يَعْمُرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، أنبأ(10/297)
يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ أَنَّ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ حَدَّثَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ دَعَا بِقَمِيصٍ لَهُ جَدِيدٍ فَلَبِسَهُ قَالَ أَحْسَبُهُ بَلَغَ تَرَاقِيَهُ حَتَّى قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي، وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي، ثُمَّ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ فَلَبِسَهَا، فَمَا أَحْسَبُهَا بَلَغَتْ تَرَاقِيَهُ حَتَّى قَالَ مِثْلَ مَا قُلْتُ، وَذَكَرَ كَلامًا» .
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ حرب، ثنا عبد العزيز بن أَبِي رَوَّادٍ، ثنا نَافِعٌ أَنَّ مُؤَذِّنًا لِعُمَرَ يُقَالُ لَهُ مَسْرُوحٌ أَذَّنَ بِلَيْلٍ، فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يُعِيدَ وَيُنَادِي: إِنَّ مَسْرُوحًا وَهِمَ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا أَبُو بَكْرٍ الأُوَيْسِيُّ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: غَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَ أُمِّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، وَهِيَ ابْنَةُ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الأَقْلَحِ، وَكَانَ اسْمُهَا عَاصِيَةَ، فَسَمَّاهَا جَمِيلَةَ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَتِ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ: إِنَّ اسْمِي عَاصِيَةُ فَسَمِّنِي، قَالَ: أُسَمِّكِ جَمِيلَةً، وَرَآهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ لَهُ:
اسْمِي عَاصِيَةُ، فَسَمِّنِي فَقَالَ: «أَنْتِ جَمِيلَةٌ» فَقَالَتْ: كَذَا سَمَّانِي عُمَرُ، فَقَالَ:
«أَمَا عَلِمْتِ إن الله جعل الحق على لسان عمر وَيَدِهِ» ؟.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا حماد بن زيد، ثنا يَزِيدُ بْنُ حَازِمٍ أنبأ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ: مَرَّ عُمَرُ بِضَجْنَانَ [1] فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لأَرْعَى غَنَمَ الْخَطَّابِ فِي هَذَا الْمَكَانِ، وَكَانَ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ فَظًّا غَلِيظًا، ثُمَّ أَصْبَحْتُ الْيَوْمَ وَأَمْرُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ إِلَيَّ وَتَمَثَّلَ:
__________
[1] ضجنان: جبل على بريد من مكة. معجم البلدان.(10/298)
لا شَيْءَ مِمَّا تَرَى تَبْقَى بَشَاشَتُهُ ... يَبْقَى الإِلَهُ وَيَفْنَى الْمَالُ وَالْوَلَدُ
أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ عَن ابْن جُعْدُبَةَ عَن إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَكَمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: حَجَّ عُمَرُ فَلَمَّا كَانَ بِضَجْنَانَ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، لَقَدْ كُنْتُ أَرْعَى إِبِلَ الْخَطَّابِ فِي هَذَا الْمَكَانِ فِي مِدْرَعَةِ صُوفٍ، وَكَانَ فَظًّا غَلِيظًا يَتَعَنَّتَنِي إِذَا عَمِلْتُ، وَيَضْرِبُنِي إِذَا قَصَّرْتُ، وَقَدْ أَمْسَيْتُ وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّهِ أَحَدٌ. وَتَمَثَّلَ:
لا شَيْء فِيمَا تَرَى تَبْقَى بَشَاشَتُهُ ... يَبْقَى الإِلَهُ وَيَفْنَى الْمَالُ وَالْوَلَدُ
لَمْ تُغْنِ عَنْ هُرْمُزَ يَوْمًا خَزَائِنُهُ ... وَالْخُلْدَ قَدْ حَاوَلَتْ عَادٌ فَمَا خَلَدُوا
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ وَسَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ قَالا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ عُمَرَ قَافِلِينَ مِنْ مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِشِعَابِ ضَجْنَانَ وَقَفَ وَوَقَفَ النَّاسُ فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي هَذَا الْمَكَانِ وَأَنَا فِي إِبِلِ الْخَطَّابِ، وَكَانَ فَظًّا غَلِيظًا، أَخْبِطُ عَلَيْهَا مَرَّةً، وَأَحْطَبُ أُخْرَى، ثُمَّ أَصْبَحْتُ الْيَوْمَ يَضْرِبُ النَّاسُ بِجَنَبَاتِي لَيْسَ فَوْقِي مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ تَمَثَّلَ هَذَا الْبَيْتَ:
لا شيء فيما ترى تبقى بشاشته ... يبقى الإِلَهُ وَيَفْنَى الْمَالُ وَالْوَلَدُ
قَالَ وَزَادَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بَيْتَيْنِ آخَرَيْنِ هُمَا قَوْلُهُ:
لَمْ تُغْنِ عَنْ هُرْمُزَ يَوْمًا خَزَائِنُهُ ... وَالْخُلْدَ قَدْ حَاوَلَتْ عَادٌ فَمَا خَلَدُوا
حَوْضٌ هُنَالِكَ مَوْرُودٌ بِلا كَذِبٍ ... لا بُدَّ مِنْ وِرْدِهِ يَوْمًا كَمَا وَرَدُوا
وَقَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد: سألت عَن منزل عمر فِي الجاهلية، فقيل لِي كَانَ ينزل فِي أصل الجبل الَّذِي يقال لَهُ اليوم جبل عمر، وَكَانَ يسمى العاقر، فنسب إِلَى عُمَرَ، وبه كَانَتْ منازل بني عدي بْن كعب.(10/299)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، ثنا خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ، عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ» .] فَكَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ عُمَرُ.
قَالُوا: ولما هاجر عمر إِلَى الْمَدِينَة نزل على رفاعة بن عبد المنذر بقباء، وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ عمر وأَبِي بَكْرٍ، وبينه وبين عويم بْن ساعدة، ويقال بينه وبين معاذ بْن عفراء، وأقطعه رَسُول اللَّهِ منزله وخطه لَهُ، وشهد عمر بدرا، وأحدا والخندق، وجميع المشاهد، وَكَانَ ممن انكشف يَوْم أحد ممن غفر لَهُ، وخرج فِي عدة سرايا كَانَ أَمِير بعضها.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، ثنا عَوْفٌ عَنْ مَيْمُونٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَعْطَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَر بْنَ الْخَطَّابِ اللِّوَاءَ بِخَيْبَرَ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ: أَنْشِدْنِي لأَشْعَرِ شُعَرَائِكُمْ زُهَيْرٍ، قُلْتُ: وَكَيْفَ جَعَلْتَهُ أَشْعَرَ شُعَرَائِنَا؟ قَالَ: لأَنَّهُ كَانَ لا يُعَاظِلُ [1] بَيْنَ الْكَلامِ، وَلا يَطْلُبُ حُوشِيَّهُ، وَلا يَمْدَحُ الرَّجُلَ إِلا بِمَا يَكُونُ فِي الرِّجَالِ، وَقَالَ عُمَرُ: أَشْعَرُ الشُّعَرَاءِ مَنْ يَقُولُ:
فَلَسْتُ بِمُسْتَبْقٍ أَخًا لا تَلُمُّهُ ... عَلَى شَعَثٍ أَيُّ الرِّجَالِ الْمُهَذَّبُ
وَهُوَ النَّابِغَةُ [2] .
__________
[1] عاظل في الكلام: حمل بعضه على بعض.
[2] ديوان النابغة الذبياني- ط. دار صادر، بيروت ص 18.(10/300)
الْمَدَائِنِيّ عَن عَلِيّ بْن هاشم عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سمعت زَيْد بْن علي يَقُول مَا البراءة من أَبِي بَكْر وعمر إِلا كالبراءة من عَلِيّ بْن أَبِي طالب رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنهم أجمعين.
[سبب تأخر اسلام عمر]
الْمَدَائِنِيّ عَن عِيسَى بْن زَيْد بْن دأب وَابْن جعدبة عَن صَالِح بْن كيسان وغيره قَالُوا: كَانَ إسلام عمر متأخرا، أسلم أخوه زَيْد بْن الخطاب قبله، وَكَانَ سبب تأخر إسلامه أنه خرج إِلَى الشام ومعه مال فلقيه قوم فخافهم فألقم المال ناقته فَقَالُوا: إنا ننكر سقوط عيني هذه الناقة وإنا لنحسبه قد ألقمها مالا كَانَ مَعَهُ فنحروها واستخرجوا الدنانير من بطنها، وَقَالَ بعضهم بل قاتلوه وأخذوا المال منه وشقوا مَا بين قصه إِلَى ثنته، فوأل [1] إِلَى أهل بيت من العرب فعالجوه، وأقام بالشام سنين وَقَالُوا سنتين وَقَالَ:
متى ألق زنباع بْن روح ببلدة ... إِلَى النصف منه يقرع السن من ندم
ثُمَّ شخص إِلَى الْمَدِينَة وَقَالَ:
يَا ليت قد فصلن من معان ... يحملن من زيت ومن دهان
وزعفران كدم الغزلان
فقدم مَكَّة فكانت فِيهِ غلظة عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فمر بثقل عامر بْن رَبِيعَة، وَهُوَ يريد الخروج إِلَى الحبشة مهاجرا فَقَالَ لامرأته: إِلَى أين يَا أم عَبْد اللَّهِ؟ قَالَت: إِلَى أرض اللَّه الواسعة إذ آذيتمونا حَتَّى يجعل اللَّه لنا فرجا ومخرجا، قَالَ: صحبكم اللَّه. فرأت منه رقة فأخبرت زوجها بِذَلِكَ فَقَالَ:
أَوْ طمعت فِي إسلامه، لا يسلم حَتَّى يسلم حمار الخطاب. ثُمَّ إنه أسلم.
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ، أنبأ الحسن بن
__________
[1] القص: الصدر أو رأسه، والثنة: العانة، ووأل: التجأ. القاموس.(10/301)
[عمر بن الخطاب]
صَالِح عَنْ أَبِي الجحاف عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْر شاعرا، وَكَانَ عمر شاعرا، وَكَانَ عَلِيّ بْن أَبِي طالب شاعرا.
وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ يَحْيَى بْن آدَمَ عَن الْحَسَن عَن أَبِي الجحاف عَن عامر الشَّعْبِيّ بمثله، وزاد فِيهِ: وَكَانَ عَلَى أشعر الثلاثة.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سُحَيْمِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ أَشْيَاخٍ حَدَّثُوهُ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَسِيرُ يَوْمًا إِذْ ظَلَعَتْ نَاقَتُهُ فَعَرَضَ لَهُ رَجُلٌ مَعَهُ نَاقَةٌ فَرَكِبَهَا عُمَرُ فَقَالَ:
كَأَنَّ رَاكِبَهَا غُصْنٌ بِمِزْوَدَةٍ ... إِذَا تَخَطَّتْ بِهِ أَوْ شَارِبٌ ثَمِلٌ
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَامِرِ بْنِ الأَسْوَدِ قَالَ: دَخَلَ ابْنُ الظَّرِبِ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ:
أَخْبِرْنِي حَالَكَ فِي جَاهِلِيَّتِكَ وَإِسْلامِكَ. قَالَ: أَمَّا جَاهِلِيَّتِي فَمَا نَادَمْتُ إِلا لِمَّهْ وَلا حُمْتُ عَنْ بُهْمِهِ [1] ، وَلا صَبَوْتُ إِلَى أُمَّهْ وَلا رَآنِي رَجُلٌ إِلا فِي نَادِي عَشِيرَةٍ، أَوْ خَيْلٍ مُغِيرَةٍ، أَوْ حِمْلِ جَرِيرَةٍ، فَأَمَّا مُذْ أَسْلَمْتُ فَلَسْتُ مُزَكِّيًا نَفْسِي، فَقَالَ عُمَرُ: أَحْسَنْتَ.
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَوِ اسْتَطَعْتَ الأَذَانَ مَعَ الْخَلِيفَا [2] لأَذَّنْتُ.
حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الواقدي عَنْ ابْنِ جُعْدُبَةَ عَنْ صَالِحِ بْن كَيْسَانَ قال: حج عمر، فحدا بهم رياح الْمُغْتَرِفِ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ، فَلَمَّا قَطَعَ قَالَ له عمر: خذ في غنائك.
__________
[1] اللمة: الجماعة والصحابة ما بين الثلاثة إلى العشرة، أو أصحاب السن الواحدة، والبهمة، الخطة الشديدة أو الأمر المشكل، وابن الظرب هو عامر بن الظرب العدواني، سيد مضر وحكمها وفارسها.
[2] بهامش الأصل: يعني الخلافة.(10/302)
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ عَن ابْن جُعْدُبَةَ عَن صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ:
قَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ أَعْوَرَ أُصِيبَتْ عَيْنُهُ فِي غَزَاةٍ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِدَ عِنْدَهُ على رؤية هلال شهر رَمَضَانَ: بِأَيِّ عَيْنَيْكَ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: بِشَرِّهِمَا يَعْنِي الصَّحِيحَةَ. فَقَالَ عُمَرُ وَإِنْ أَفْطَرْتَ فَمَا أَنْتَ صانع؟ قال: أفطر معكم، فَقَبِلَ قَوْلَهُ.
حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عن عَمِّهِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ أُعْطِيَ الدُّعَاءَ لَمْ يُحْرَمِ الإِجَابَةَ، وَمَنْ أُعْطِيَ الشُّكْرَ لَمْ يُحْرَمِ الزِّيَادَةَ، وَمَنْ أُعْطِيَ الاسْتِغْفَارَ لَمْ يُمْنَعَ الْقَبُولَ، قَالَ اللَّهُ تعالى: (ادعوني أستجب لكم) [1] وقال: (لئن شكرتم لأزيدنكم) [2] وقال: (استغفروا ربكم إنه كان غفارا) [3] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ ثنا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعُمْرَةِ فَأَذِنَ لَهُ، وَقَالَ: [ «يَا أَخِي أَشْرِكْنَا فِي صَالِحِ دُعَائِكَ وَلا تَنْسَنَا» ] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن نمير عَنِ الأَعْمَشِ عَن أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَ عَبْد اللَّهِ: أفرس النَّاس ثلاثة أَبُو بَكْرٍ وعمر وصاحبه مُوسَى حين قَالَت: (اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ) [4] وصاحبة يوسف [5] .
__________
[1] سورة غافر- الاية: 60.
[2] سورة ابراهيم- الاية: 7.
[3] سورة نوح- الاية: 10.
[4] سورة القصص- الاية: 26.
[5] انظر سورة يوسف- الآيات: 51- 53.(10/303)
حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَاكُسَائِيُّ، ثنا الْفَيْضُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ أَنَّهُ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَنِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِفَمِهِ كُلِّهِ، عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، كَانَ يَكْسُوهُمُ اللِّينَ، ويلبس الخشن، وَيُطْعِمُهُمُ الطِّيبَ، وَيَأْكُلُ خُبْزًا مَغْلُوثًا [1] ، وَأَعْطَى رَجُلا عَطَاءً وَزَادَهُ أَلْفًا، فَقِيلَ لَهُ: لَوْ زِدْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَإِنَّهُ ابْنُكَ وَهُوَ لِذَلِكَ مُسْتَحِقٌّ. فَقَالَ: هَذَا ثَبُتَ أَبُوهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَبُو هَذَا.
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ الْعَجْلِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثنا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يَقُولُ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، أَوِ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا بِرُومِيٍّ يُقِيمُ لَنَا حِسَابَ فَرَائِضِنَا.
حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، أنبأ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبِي الْوَفَاةُ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ، فَدَخَلَ عَلِيٌّ وَطَلْحَةُ، أَوْ قَالَتْ: الزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ، فَقَالا: مَنِ اسْتَخْلَفْتَ؟ قَالَ: عُمَرُ، قَالا: فَمَاذَا أَنْتَ قَائِلٌ لِرَبِّكَ؟ قَالَ:
أَبِاللَّهِ تَفْرِقَانِي. أَنَا أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَبِعُمَرَ مِنْكُمَا، أَقُولُ: اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِم خَيْرَ أَهْلِكَ.
الْمَدَائِنِيّ فِي إسناده أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ فِي مرضه الَّذِي مات فِيهِ: أنا ميت فِي مرضي هَذَا، إني رأيت بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أني قد فقت ثلاث فوقات فدسعت [2] فِي الآخرة منهن طعاما فمرضت بعده
__________
[1] الخبز المغلوث: ما صنع من خليط القمح مع الشعير أو مع الذرة.
[2] الدسع: التقيؤ.(10/304)
مرضتين، وَهَذِهِ الثالثة فأنا ميت.
ودخل عَلَيْهِ عدة من أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ:
فما تقول فِي عمر؟ قَالَ: قوي أمين وفيه غلظة. فَقَالَ: إني أرى مَا ترون، ولو قد أفضى إِلَيْهِ أمركم لترك كثيرا مما تنكرونه، إني قد رمقته وتأملته فإذا غلطت فِي أمر أراني التسهيل، وإذا لنت فِي أمر تشدد. وسأل عُثْمَان فَقَالَ:
خبرني عَن عمر؟ قَالَ: كفى بعلمك بِهِ، قَالَ: لتقولن، قَالَ: علمي بِهِ أنه يخاف اللَّه، وأنا مَا ههنا مثله، (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يرحمك اللَّه) [1] ولو عدوته مَا تركتك، ولخير لَهُ أَلا يلي، فإني رأيت أثقل النَّاس ظهرا من تولى أمرهم.
وَقَالَ علي: يَا خليفة رَسُول اللَّهِ أمض رأيك فِي عمر، فما نعلم منه إِلا خيرا. وَقَالَ طَلْحَة والزبير: أتستخلفه مَعَ مَا ترى من فظاظته علينا وأنت فينا. ونازله فِيهِ طَلْحَة، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ إن شاء اللَّه خيركم لكم، ولو وليتك لرفعت نفسك فوق قدرك حَتَّى يكون اللَّه هُوَ يضعك، أتريد أن تزيلني عَن رأيي.
الْمَدَائِنِيّ عَن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ آل عَبَّاس بْن مرداس السلمي يدعون قبل آل الشريد، فدعاهم عمر قبلهم، فَقَالَ هوذة بْن أشيم وَهُوَ ابْن أخي عَبَّاس:
لقد دار هَذَا الأمر فِي غير أهله ... فأبصر أمين اللَّه أين تريد
أتدعى رياح والشريد إمامنا ... وتدعى خثيم قبلنا وطريد
فإن كَانَ هَذَا فِي الكتاب فكلكم ... بنو ملك حر ونحن عبيد
رياح بْن يقظة، ومالك بْن يقظة، والشريد بْن رياح بْن يقظة بن
__________
[1] الإضافة من طبقات ابن سعد ج 3 ص 199.(10/305)
عصية بْن خفاف، ويعني بطريد: مطرود بْن مالك بْن عَوْفِ بْن رغل بْن سليم.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ لَيْلَةَ الثُّلاثَاءِ لِثَمَانِيَ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، فَاسْتَقْبَلَ عُمَرُ بِوِلايَتِهِ يَوْمَ الثلاثاء صبيحة موت أبي بكر.
[خطبة عمر عقب توليته]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا عُمَرُ، حَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَقَدِ ابْتُلِيتُ بِكُمْ، وَابْتُلِيتُمْ بِي، وَخُلِّفْتُ فِيكُمْ بَعْدَ صَاحِبِي، فَمَا كَانَ بِحَضْرَتِنَا بَاشَرْنَاهُ بِأَنْفُسِنَا، وَمَا غَابَ عَنَّا وَلَّيْنَاهُ أَهْلَ الْقُوَّةِ وَالأَمَانَةِ، فَمَنْ أَحْسَنَ جَزَيْنَاهُ حُسْنًا وَمَنْ أَسَاءَ عَاقَبْنَاهُ، وَيَغْفِرُ اللَّهُ لناولكم» .
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، ثنا الأَعْمَشُ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ أَوَّلُ كَلامٍ تَكَلَّمَ بِهِ عُمَرُ حِينَ صَعَدَ الْمِنْبَرِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي شَدِيدٌ فَلَيِّنِّي، وَإِنِّي ضَعِيفٌ فَقَوِّنِي، وَإِنِّي بَخِيلٌ فَسَخِّنِي» .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا جرير بن حازم قَالَ:
سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ هِلالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْ شَهِدَ وَفَاةَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا فَرَغَ عُمَرُ مِنْ دَفْنِهِ نَفَضَ يَدَهُ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ، ثُمَّ قَامَ خَطِيبًا مَكَانَهُ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ ابْتَلَاكُمْ بِي، وَابْتَلانِي بِكُمْ، وَأَبْقَانِي فِيكُمْ بعد صاحبيّ، فو الله لا يَحْضُرُنِي شَيْءٌ مِنْ أَمْرِكُمْ فَيَلِيهِ أَحَدٌ دُونِي، وَلا يَغِيبُ عَنِّي فَآلُو عَنِ اخْتِيَارِ أَهْلِ الْجَزَاةِ وَالأَمَانَةِ لَهُ، فَلَئِنْ أَحْسَنُوا لأُحْسِنَنَّ إليهم، ولئن أساءوا لأنكلنّ بهم» ، قال(10/306)
الرجل: فو الله مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لِيَعْلَمَ مَنْ وَلِيَ هَذَا الأَمْرَ مِنْ بَعْدِي أَنْ سَيُرِيدُهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ عَلَيْهِ، وَإِنِّي لأُقَاتِلُ النَّاسَ عَنْ نَفْسِي قِتَالا، وَلَوْ عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ أَقْوَى عَلَيْهِ مِنِّي، لَكَانَ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبُ عُنُقِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أن أليه وأتقدمه.
[خطبة لعمر في أصحابه]
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ قَالا: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الأَسَدِيُّ عَنْ أَيُّوبَ وَابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا بِبَابِ عُمَرَ فَمَرَّتْ جَارِيَةٌ فَقَالُوا: سَرِيَّةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَتْ: مَا أَنَا لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِسَرِيَّةٍ، وَمَا أَحِلُّ لَهُ إِنِّي لَمِنْ مَالِ اللَّهِ، فَمَا هُوَ إِلا قَدْرُ أَنْ بَلَغْتُ حَتَّى جَاءَ الرَّسُولُ فَدَعَانَا فَقَالَ: مَاذَا قُلْتُمْ؟ قُلْنَا: لَمْ نَقُلْ بَأْسًا، مَرَّتْ بِنَا جَارِيَةٌ فَقُلْنَا هَذِهِ سَرِيَّةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَتْ مَا أَنَا بِسَرِيَّتِهِ وَلا أَحِلُّ لَهُ فَمَاذَا يَحِلُّ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: أَنَا أُخْبِرُكُمْ، يَحِلُّ لِي حُلَّتَانِ:
حُلَّةُ الشِّتَاءِ، وَحُلَّةُ الْقَيْظِ، وَمَا أَحُجُّ عَلَيْهِ وَأَعْتَمِرُ مِنَ الظَّهْرِ، وَقُوتِي وَقُوتُ أَهْلِي كَقُوتِ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ لَيْسَ بِأَغْنَاهُمْ وَلا بِأَفْقَرِهِمْ، ثُمَّ أَنَا بَعْدُ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُصِيبُنِي ما أصابهم.
حدثنا خلف بن هشام البزاز، ثنا أَبُو شِهَابٍ الْحَنَّاطُ عَنِ الْحَرِيرِيِّ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدِ انْقَطَعَ الْوَحْيُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا أَعْرِفُكُمْ بِمَا تُظْهِرُونَ، فَمَنْ أَظْهَرَ خَيْرًا ظَنَنَّا بِهِ خَيْرًا، وَمَنْ أَظْهَرَ شَرًّا ظَنَنَّا بِهِ شَرًّا، فَأَحْبَبْنَا ذَلِكَ وَأَبْغَضْنَا هَذَا، وَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَأَنَا أَرَى أَنَّهُ لا يقرأ القرآن أحد إلا الله، وَقَدْ خُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّ(10/307)
قَوْمًا يَقْرَأُونَ الْقُرْآنَ لَيْسَ يُرِيدُونَ بِهِ مَا عِنْدَ اللَّهِ، إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ مَا عِنْدَ النَّاسِ فَأَرِيدُوا اللَّهَ بِعِلْمِكُمْ وَقِرَاءَتِكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنِّي لَسْتُ أَبْعَثُ عُمَّالِي عَلَيْكُمْ لِيَضْرِبُوا أَجْسَادَكُمْ، وَلا يَأْخُذُوا أَمْوَالَكُمْ، وَلَكِنْ لِيُعَلِّمُوكُمْ دِينَكُمْ فَمَنْ فَعَلَ غير ذلك فارفعوا إليّ أمره، فو الله لأَقُصَّنَّ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤَدِّبُ رَعِيَّتَهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ إِذَا تَعَدَّى، فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ مِنْ نَفْسِهِ، لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تجمروهم فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حُقُوقَهُمْ فَتُكَفِّرُوهُمْ، وَلا تُنْزِلُوهُمُ الْغِيَاضَ فَتُضَيِّعُوهُمْ.
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الأَسْوَدُ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ وَكِيعٍ ثنا سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ الْعَبْدِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ:
إِنِّي أَنْزَلْتُ نَفْسِي مِنْ مَالِ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ وَالِيَ الْيَتِيمِ، إِنِ اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفْتُ، وَإِنِ افْتَقَرْتُ أَكَلْتُ بِالْمَعْرُوفِ.
حَدَّثَنِي رُوحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالا: ثنا عارم بْن الفضل، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لا يَحِلُّ لِي مِنَ الْمَالِ إِلا مَا كُنْتُ آكِلا مِنْ صُلْبِ مَالِي.
حَدَّثَنِي هُدْبَةُ ثنا سَلامُ بْنُ مِسْكِينٍ عَنِ الْحُسَيْنِ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ رُبَّمَا اسْتَقْرَضَ مِنْ خَازِنِ بَيْتِ الْمَالِ فَيُقْرِضُهُ، فَرُبَّمَا لَزِمَهُ حَتَّى يَحْتَالَ مَا اسْتَقْرَضَ، وَرُبَّمَا أَخَّرَهُ حَتَّى يَخْرُجَ عَطَاؤُهُ، أَوْ يَجِيئَهُ سَهْمُهُ مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْبِضُهُ.
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، ثنا عِيسَى بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ عَنِ ابْنٍ لِلْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ أَنَّ(10/308)
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ يَوْمًا حَتَّى أَتَى الْمِنْبَرَ، وَقَدْ كَانَ اشْتَكَى، فَنُعِتَ لَهُ الْعَسَلَ، وَفِي بَيْتِ الْمَالِ عُكَّةٌ مِنْ عَسَلٍ، فَقَالَ: إِنْ أَذِنْتُمْ لِي فِيهَا أَخَذْتُهَا وَإِلا فَإِنَّهَا عليّ حرام فأذنوا له فيها.
[عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أنبأ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ أَبُو ضَمْرَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَرْسَلَ لِي عُمَرُ يَرْفَأُ فَأَتَيْتُهُ، وَهُوَ فِي مُصَلاهُ عِنْدَ الْفَجْرِ، أَوْ قَالَ عِنْدَ الظُّهْرِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ هَذَا الْمَالَ يَحِلُّ لِي مِنْ قَبْلِ أَنْ أَلِيَهُ إِلا بِحَقِّهِ، وَمَا كَانَ قَطُّ أَحْرَمُ عَلَيَّ مِنْهُ إِذْ وُلِّيتُهُ، وَقَدْ أَنْفَقْتُ عَلَيْكَ مِنْ مَالِ اللَّهِ شَهْرًا وَلَسْتُ بزائدك، ولكني مُعِينُكَ بِثُمْنِ [1] مَالِي بِالْغَابَةِ، فَاجْدُدْهُ وَبِعْهُ، ثُمَّ ائْتِ رَجُلا مِنْ قَوْمِكَ مِنْ تُجَّارِهِمْ فَقُمْ إِلَى جَنْبِهِ فَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَاسْتَشْرِكْهُ، وَأَنْفِقْ عَلَى أَهْلِكَ.
حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ الْحِرْمَازِيُّ عَنِ الْعُتْبِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلا مَرَّ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَاسْتَسْقَاهُ فَخَاضَ لَهُ عَسَلا بِمَاءٍ وَأَتَاهُ بِهِ فَلَمْ يَشْرَبْهُ، وَقَالَ: قَالَ الله: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا [2] فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَتِ الآيَةُ لَكَ قَالَ اللَّهُ: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا فَقَالَ: صَدَقْتَ وَشَرِبَ.
الْمَدَائِنِيّ عَن ابْن جُعْدُبَةَ عَن صَالِحِ بْن كَيْسَانَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَقُولُ مَنْ ظَلَمَهُ أَمِيرُهُ وَأَسَاءَ بِهِ فَلا أَمِيرَ عَلَيْهِ دُونِي.
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الصَّلْتِ بْنِ بَهْرَامَ عَنْ جَمِيعِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: شهدت
__________
[1] في طبقات ابن سعد ج 3 ص 277 «بثمر» والجداد: صرام النخل. القاموس.
[2] سورة الأحقاف- الآية: 20.(10/309)
جَلُولاءَ، فَابْتَعْتُ مِنَ الْمَغْنَمِ بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ قَالَ لِي:
أَرَأَيْتَ عُرِضْتُ عَلَى النَّارِ فَقِيلَ لَكَ افْتَدِهِ أَكُنْتَ مُفْتَدِيَّ؟ قُلْتُ: وَاللَّه مَا مِنْ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ إِلا كُنْتَ مُفْدَيِكَ مِنْهُ، فَقَالَ كَأَنِّي شَاهِدُ النَّاسِ حِينَ تَبَايَعُوا فَقَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ وَابْنُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَأَنْتَ كَذَاكَ، فَكَانَ أَنْ يَرْخُصُوا عَلَيْكَ بِمِائَةٍ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يُغْلُوا عليك بدرهم، وإني قاسم مسؤول، وَأَنَا مُعْطِيكَ أَكْثَرَ مِنْ رِبْحِ تَاجِرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، لَكَ أَنْ تَرْبَحَ لِلدِّرْهَمِ دِرْهَمًا، قَالَ: ثم دعا التجار فابتاعوا ذلك بأربعمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ فَدَفَعَ إِلَيَّ مِنْهَا ثَمَانِينَ أَلْفًا، وبعث بثلاثمائة وَعِشْرِينَ أَلْفًا إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ: اقْسِمْ هَذَا الْمَالَ فِي الَّذِينَ شَهِدُوا الْوَقْعَةَ، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَادْفَعْهُ إِلَى وَرَثَتِهِ.
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، وَكَانَ بِهِ جُذَامٌ فَكَانَ إِذَا قَعَدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَلَى طَعَامِهِ يَقُولُ لَهُ عُمَرُ: يَا فُلانُ كُلْ مِمَّا يَلِيكَ فَايْمُ اللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا سِوَاكَ كَانَ يَكُونُ بِهِ مِثْلُ الَّذِي بِكَ فَيَقْعُدُ مِنِّي عَلَى أَدْنَى مِنْ قَيْسِ [1] رُمْحٍ.
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ قَالَ:
كَانَ بِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُذَامٌ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ عَلَى مَا سَاقَهُ عَلَيْهِ إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ: بَلَغَنِي أَنَّهُ مُعَيْقِيبُ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ الدَّوْسِيُّ.
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا سُلَيْمَانُ بن داود الهاشمي، أنبأ
__________
[1] بهامش الأصل: قيد.(10/310)
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَبِي الطُّفَيْلِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَقِيَ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ بِعَسَفَانَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَنِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ قَالَ: اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ مَوْلًى لَنَا، قَالَ: مَنْ هُوَ؟
قَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى. قَالَ: اسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِم مَوْلًى؟ قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [ «يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَذَا الْقُرْآنِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ آخَرِينَ» .] قَالَ عَمْرٌو قَالَ سُلَيْمَانُ: «يَرْفَعُ بِهِ مَنْ قَرَأَهُ وَيَضَعُ بِهِ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ أَوْ مَنْ قَرَأَهُ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمَا فِيهِ» .
حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الصَّقْرِ الضَّبِّيُّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ يَسْتَحْمِلُهُ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ لَهُ: أَنَا نَاقَتِي دَبِرَةٌ نَقِبَةٌ فَقَالَ عُمَرُ: لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَسَمِعَهُ عُمَرُ يَحْدُو بِاللَّيْلِ وَهُوَ يَقُولُ:
أَقْسَمَ بِاللَّهِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرْ ... مَا مَسَّهَا مِنْ نَقَبٍ وَلا دَبَرْ
فَاغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ فَجَرْ
فَقَالَ عُمَرُ: يَا فُلانُ هَلْ عَلِمْتَ أَنِّي مَعَكُمْ؟ قَالَ لا، فَحَمَلَهُ وَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي.
أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ قَالَ: أَقْبَلَ قَوْمٌ غُزَاةٌ مِنَ الشَّامِ يُرِيدُونَ الْيَمَنَ، وَكَانَتْ لِعُمَرَ جَفْنَاتٌ يَضَعُهَا إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَجَلَسَ يَأْكُلُ فَجَعَلَ يَتَنَاوَلُ بِشِمَالِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ، وَكَانَ يَتَعَهَّدُ النَّاسَ عِنْدَ طَعَامِهِمْ: كُلْ بِيَمِينِكَ، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ: هِيَ مَشْغُولَةٌ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ دَعَا بِهِ فقال: ما شغل يدك(10/311)
الْيَمِينُ؟ فَأَخْرَجَهَا فَإِذَا هِيَ مَقْطُوعَةٌ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: أُصِيبَتْ يَدَيَّ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ. قَالَ: فَمَنْ يُوَضِّئُكَ؟ قَالَ: أَتَوَضَّأُ بِشِمَالِي وَيُعِينُ اللَّهُ، قَالَ:
فَأَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الْيَمَنَ إِلَى أُمٍّ لِي لَمْ أَرَهَا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا سَنَةٍ. قَالَ: وَبَرٌّ أَيْضًا، فَأَمَرَ لَهُ بِخَادِمٍ وَخَمْسَةِ أَبَاعِرَ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَأَوْقَرَهَا لَهُ.
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، ثنا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ مُجَالِدٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَتَذَاكَرُوا الأَحْسَابَ، فَقَالَ عُمَرُ: حَسَبُ الْمَرْءِ دِينُهُ، وَمُرُوءَتُهُ خُلُقُهُ، وَأَصْلُهُ عَقْلُهُ.
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الأَسْوَدُ ثنا وَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَلْخَرَقُ فِي الْمَعِيشَةِ أَخْوَفُ عِنْدِي عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَوْنِ، أَنَّهُ لا يَقِلُّ قَلِيلٌ مَعَ الإِصْلاحِ، وَلا يَبْقَى كَثِيرٌ مَعَ الْفَسَادِ.
حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ عَنْ أَبِي زَيْدٍ سَعِيدِ بْنِ أَوْسٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلاءِ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ سَتَرَهُ اللَّهُ.
حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عدي عَنِ ابن عياش عن أَبِيهِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: رَأَى عُمَرُ رَجُلَيْنِ يَتَفَاخَرَانِ فَقَالَ: إِنْ كَانَ لَكُمَا تُقًى فَلَكُمَا حَزْمٌ، وَإِنْ كَانَ لَكُمَا دِينٌ فَلَكُمَا حَسَبٌ، وَإِنْ كَانَ لَكُمَا عَقْلٌ فَلَكُمَا مُرُوءَةٌ وَإِنْ كَانَ لَكُمَا مَالٌ تَعُودَانِ بِفَضْلِهِ فَلَكُمَا شَرَفٌ، وَإِلا فَأَنْتُمَا شَرٌّ مِنْ حِمَارَيْنِ، وَلَئِنْ رَأَيْتُكُمَا تعودان للتفاخر لأُوجِعَنَّ رُءُوسَكُمَا.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح الْمُقْرِئُ عَن أَبِي زُبَيْدٍ عَبْثَرٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: الْكَفَافُ مَعَ الْقَصْدِ أَكْفَى مِنَ السَّعَةِ مَعَ الإِسْرَافِ.
حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن جَدِّهِ قَالَ: وَفَدَ عَلَى(10/312)
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ شِهَابُ بْنُ جَمْرَةَ، أَحَدُ بَنِي ضِرَامِ بْنِ مَالِكٍ الْجُهْنِيِّ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: شِهَابٌ. قَالَ: ابْنُ مَنْ؟ قَالَ: ابْنُ جَمْرَةَ قَالَ: مِمَّنْ؟ قَالَ: مِنَ الْحُرَقَةِ أَحَدِ بَنِي ضِرَامٍ. قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟
قَالَ: مِنْ حَرَّةِ النَّارِ، قَالَ: وَأَيْنَ مَنْزِلُكَ؟ قَالَ: بِلَظًى. فَقَالَ عُمَرُ:
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، وَمَا أَظُنُّ أَهْلَكَ إِلا قَدِ احْتَرَقُوا، فَانْصَرَفَ فَوَجَدَ نَارًا قَدْ أَحَاطَتْ بِأَهْلِهِ.
قَالَ هِشَامُ: وَالْحُرَقَةُ وَلَدُ حُمَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَوْدُوعَةَ بْنِ جُهَيْنَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ سَوْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَسُمُّوا الْحُرَقَةَ لأَنَّهُمْ أَحْرَقُوا بَنِي سَهْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ قَيْسِ بِالنَّبْلِ.
حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ عَنْ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سلمة الماجشون عن عبد الواحد بن أَبِي عَوْنٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ وَذَكَرَتْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كان والله أحوزيّا نسيج وحده، وقد أعد للأمور أقرانها.
الْمَدَائِنِيّ عَن سَعِيد بْن عُثْمَان قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنه: مَا أعلمني بطريق الدنيا لولا الموت وخوف الحساب.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: اتَّقِ اللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَتَقُولُ هَذَا لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: دَعْهُ فَلا خَيْرَ فِيهِمْ إِذَا لَمْ يَقُولُوهَا، وَلا خَيْرَ فِينَا إِذَا لَمْ تَقُلْ لَنَا.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سَالِمٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَقُولُ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَقَاهُ، وَمَنْ أَقْرَضَ اللَّهَ جَزَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ كَفَاهُ، وَلا عمل لمن لا نية له، ولا أجر لِمَنْ لا حَسَنَةَ لَهُ.(10/313)
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ وُزِنَ رَجَاءُ الْمُؤْمِنِ وَخَوْفُهُ لَوُجِدَا سَوَاءً، وَيُرْوَى ذَلِكَ بِعَيْنِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمٍ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: كَفَى سَرَفًا أَلا أَشْتَهِي شَيْئًا إِلا اشْتَرَيْتُهُ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى السُّوقِ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ فِيهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ رُقْعَةً، إِحْدَاهُنَّ أَدِيمٌ، وَفِي يَدِهِ الدِّرَّةُ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ وَغَيْرِهِ قَالَ: قَالَ الأَحْنَفُ: مَا كَذَبْتُ قَطُّ إِلا مَرَّةً وَاحِدَةً، رَأَى عُمَرُ رِدَاءَ عَلِيٍّ فَقَالَ: بِكَمِ ابْتَعْتَهُ؟ فَأَلْغَيْتُ ثُلُثَيْ ثَمَنِهِ فَقَالَ:
إِنَّهُ حَسَنٌ لَوْلا كَثْرَةُ ثَمَنِهِ.
حَدَّثَنِي هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سلمة، عَنْ حُمَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ رَأَى جَارِيَةً تَطِيشُ هُزَالا فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: هَذِهِ إِحْدَى بَنَاتِكَ، قَالَ: وَأَيُّ بَنَاتِي هَذِهِ؟ قَالَ: ابْنَتِي. قَالَ:
وَمَا بَلَغَ بِهَا مَا أَرَى؟ قَالَ: إِنَّكَ لا تُنْفِقُ عَلَيْهَا فَقَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَغُرُّكَ مِنْ وَلَدِكَ، اسْعَ عَلَى وَلَدِكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ.
حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَتْ حَفْصَةُ لأَبِيهَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ أَوْسَعَ اللَّهُ الرِّزْقَ، وَفَتَحَ عَلَيْكَ الأَرْضَ، وَأَكْثَرَ لَكَ مِنَ الْخَيْرِ، فَلَوْ أَكَلْتَ أَلْيَنَ مِنْ طَعَامِكَ وَلَبِسْتَ أَلْيَنَ مِنْ لِبَاسِكَ فَقَالَ: سَأُخَاصِمُكَ إِلَى نَفْسِكَ، أَمَا تَذْكُرِينَ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْقَى مِنْ شِدَّةِ الْعَيْشِ، أَمَا تَذْكُرِينَ، أَمَا تَذْكُرِينَ؟ فَمَا زَالَ يَذْكُرُهَا حَتَّى أَبْكَاهَا، ثُمَّ قَالَ إِنِّي قَدْ قُلْتُ لَكَ: إِنِّي وَاللَّهِ(10/314)
إِنِ اسْتَطَعْتُ لأُشَارِكَنَّهُ وَخَلِيفَتَهُ مِنْ بَعْدِهِ فِي عَيْشِهِمَا الشَّدِيدِ، لَعَلِّي أَلْقَى مَعَهُمَا عَيْشَهُمَا الرَّخِيَّ، قَالَ: يُرِيدُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْرٍ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَرَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالا: ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَبُو عَقِيلٍ، أنبأ الْحَسَنُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَبَى إِلا شِدَّةً وَحَصْرًا عَلَى نَفْسِهِ، فَجَاءَ اللَّهُ بِالسَّعَةِ، فَأَتَى الْمُسْلِمُونَ فَدَخَلُوا عَلَى حَفْصَةَ فَقَالُوا لَهَا: أَبَى عُمَرُ إِلا شِدَّةً، وَحَصْرًا عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ بَسَطَ اللَّهُ فِي الرِّزْقِ، فَلْيَبْسُطْ فِي هَذَا الْفَيْءِ أَوْ مَا شَاءَ مِنْهُ، فَهُوَ فِي حِلٍّ مِنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَأَنَّمَا قَارَبَتْهُمْ فِي هَوَاهُمْ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ عِنْدِهَا دَخَلَ عَلَيْهَا عُمَرُ فَأَخْبَرَتْهُ بِقَوْلِ الْقَوْمِ فَقَالَ عُمَرُ: يَا حَفْصَةُ بِنْتَ عُمَرَ نَصَحْتِ قَوْمَكِ وَغَشَشْتِ أَبَاكِ، إِنَّمَا حَقُّ أَهْلِي عَلَيَّ فِي نَفْسِي وَمَالِي، فَأَمَّا فِي دِينِي وَأَمَانَتِي فَلا.
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَلافِ الْبَصْرِيُّ قَالا: ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَتَّجِرُ وَهُوَ خَلِيفَةٌ فَجَهَّزَ عِيرًا إِلَى الشَّامِ، وَبَعَثَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يَسْتَقْرِضُهُ أَرْبَعَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ لِلرَّسُولِ: قُلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ يَرُدَّهَا.
فَلَمَّا جَاءَ الرَّسُولُ فَأَخْبَرَهُ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَلَقِيَهُ عُمَرُ فَقَالَ: أَنْتَ الْقَائِلُ خُذْهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؟ فَإِنْ مِتَّ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ الْمَالُ قُلْتُمْ أَخَذَهَا عُمَرُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ دَعُوهَا لِوَرَثَتِهِ، وَأُؤْخَذُ بِهَا فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لا وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَخْذَهَا مِنْ رَجُلٍ حَرِيصٍ شَحِيحٍ مِثْلِكَ، فَإِنْ مُتُّ أَخَذَهَا مِنْ مِيرَاثِي، أَوْ قَالَ مِنْ مَالِي.
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، أنبأ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ يَسَارِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَ: سَأَلَنِي عُمَرُ: كَمْ أَنْفَقْنَا فِي حَجَّتِنَا هَذِهِ؟
قُلْتُ: خَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا.(10/315)
وَحَدَّثَنَا عَمْروُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ أَخْبَرَنِي شَيْخٌ لَنَا قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى مَكَّةَ فَمَا ضَرَبَ فُسْطَاطًا حَتَّى رَجَعَ كَانَ يَسْتَظِلُّ بِالنَّطْعِ.
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الزَّهْرَانِيُّ أَبُو الرَّبِيعِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: صَحِبْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فِي الْحَجِّ ثُمَّ رَجَعْنَا فَمَا ضَرَبَ فُسْطَاطًا، وَلا كَانَ لَهُ بِنَاءٌ يَسْتَظِلُّ بِهِ، إِنَّمَا كَانَ يُلْقِي نَطْعًا أَوْ كِسَاءً عَلَى شَجَرَةٍ فَيَسْتَظِلُّ تَحْتَهُ.
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الأُبَلِّيُّ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: لأَمِيرُ جَيْشٍ مِنْ جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ أَمِيرِ مِصْرٍ مِنَ الأَمْصَارِ، لأَنَّ صَاحِبَ الْمِصْرِ يُرِيدُ الأَمْرَ فَيُرَاجِعُنِي، وَصَاحِبُ الْجَيْشِ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُرَاجِعُنِي.
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا الصَّعْقُ بْنُ حَزْنٍ، أنبأ عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ إِذَا بَعَثَ عُمَّالَهُ أَوْصَاهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَقَالَ: لا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ فَتُذِلُّوهُمْ، وَلا تُجَمِّرُوهُمْ فَتَفْتِنُوهُمْ، وَلا تَحْرِمُوهُمْ فَتُكَفِّرُوهُمْ، وَلا تَرْكَبُوا بِرْذَوْنًا، وَلا تَأْكُلُوا نَقِيًّا، وَلا تُغْلِقُوا بَابًا دُونَ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَقِلُّوا الرِّوَايَةَ، وَجَرِّدُوا الْقُرْآنَ.
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، ثنا عُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَ جَيْشًا فِي السُّفُنِ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ: أَحْمِلُ أُمَّةً عَلَى لَوْحٍ فَأُغْرِقُهُمْ، لا وَاللَّهِ لا أَفْعَلُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، أنبأ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ يَعْلَى عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لا يَسْأَلُنِي اللَّهُ عَنْ رُكُوبِ الْمُسْلِمِينَ بَحْرًا أَبَدًا.(10/316)
حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَسْأَلُهُ عَنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ، فَقَالَ عَمْرٌو فِي جَوَابِ كِتَابِهِ: «دُودٌ عَلَى عُودٍ، فَإِنِ انْكَسَرَ الْعُودُ هَلَكَ الدُّودُ» فَكَرِهَ عُمَرُ أَنْ يَحْمِلَهُمْ فِي الْبَحْرِ، وَأَمْسَكَ عَنْ ذَلِكَ.
حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الأَسْوَدُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَهُوَ عَلَى الْكُوفَةِ أَنِ ارْزُقْهُمُ الطِّلاءَ مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أبان الواسطي حَدَّثَنِي جرير بْن حَازِم قَالَ: سمعت الْحَسَن يحدث قَالَ: قدم أَبُو مُوسَى فِي وفد أهل البصرة عَلَى عمر، قَالُوا: فكنا ندخل عَلَيْهِ كُلّ يَوْم فنجد لَهُ خبزة تلت فربما وافقناها مأدومة بزيت، وربما وافقناها مأدومة بسمن، وربما وافقناها مأدومة بلبن، وربما وافقنا القدائد اليابسة قد دقت، ثم أغليت بها، وربما وافقنا اللحم الغريض [1] وذلك قليل، فَقَالَ لنا يوما: أيها القوم إني وَاللَّه أرى تعذيركم فِي الأكل وكراهتكم لطعامي، وإني وَاللَّه لو شئت لكنت أطيبكم طعاما وأرفعكم عيشا، أما وَاللَّه مَا أغبى عَن كراكر وأسنمة وصلائق [2] ولكني سمعت اللَّه عير قوما بأمر فعلوه فقال: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا فاستمتعتم بها [3] . وَكَانَ أَبُو مُوسَى كلمنا فَقَالَ: لو كلمتم أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ففرض لنا من بيت المال أرزاقا، فو الله ما زال بنا حَتَّى كلمناه فَقَالَ: يَا معشر الأمراء أما ترضون
__________
[1] اللحم الغريض: اللحم الطري. النهاية لابن الأثير.
[2] الكراكر: زور البعير، والصلائق: الخبز الرقيق وقيل هي الحملان المشوية، اللسان.
[3] سورة الأحقاف- الآية: 20.(10/317)
لأنفسكم بما أرضى بِهِ لنفسي؟ قلنا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إن الْمَدِينَة أرض العيش بِهَا شديد، وَلا نرى طعامك يغشى وَلا يؤكل، وإنا بأرض ذات ريف، وان أميرنا يغشى ويؤكل طعامه، فنكث عَلَى الأرض ساعة، ثُمَّ رفع رأسه فَقَالَ لأبي مُوسَى: نعم فإني قد فرضت لك كُلّ يَوْم من بيت المال شاتين وجريبين، فإذا كَانَ الغداة فضع إحدى الشاتين عَلَى أحد الجريبين فكل أنت وأصحابك، ثُمَّ ادع بشرابك فاشرب، ثُمَّ اسق الَّذِي عَن يمينك، ثُمَّ الَّذِي يليه، ثُمَّ الَّذِي يليه، ثُمَّ قم لحاجتك، فإذا كَانَ العشي فضع الشاة الغابرة عَلَى الجريب الغابر فكل أنت وأصحابك، وادع بشرابك أَلا واشبعوا النَّاس فِي بيوتهم واطعموا عيالهم، ومع ذَلِكَ وَاللَّه مَا أظن رستاقا يؤخذ منه كُلّ يَوْم شاتان، وجريبان إِلا أسرع ذَلِكَ فِي خرابه.
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الزَّاهِدُ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ يُونُسَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ أَنَّ حَفْصَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيَّ كَانَ يُحْضِرُ طَعَامَ عُمَرَ فَلا يَأْكُلُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا يَمْنَعُكَ مِنْ طَعَامِنَا؟ فَقَالَ: إِنَّ طَعَامَكَ جَشِبٌ [1] غَلِيظٌ، وَإِنِّي أَرْجِعُ إِلَى طَعَامٍ لَيِّنٍ قَدْ صُنِعَ لِي فَأُصِيبُ مِنْهُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَتَرَانِي أَعْجَزُ عَنْ أَنْ آمُرُ بِشَاةٍ يُلْقَى عَنْهَا شَعْرُهَا، وَآمُرُ بِدَقِيقٍ يُنْخَلُ فِي خِرْقَةٍ ثُمَّ آمُرُ بِهِ فَيُخْبَزُ خُبْزًا رِقَاقًا وَآمُرُ بِصَاعٍ مِنْ زَيْتٍ فَيُقْذَفُ فِي سَعْنٍ [2] ، ثُمَّ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَيُصْبِحُ كَأَنَّهُ دَمُ غَزَالٍ؟ فَقَالَ: إِنِّي لأَرَاكَ عَالِمًا بِطَيِّبِ الطَّعَامِ وَرَخِيِّ الْعَيْشِ، فَقَالَ: أَجَلْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلا أَنْ تنتقص حساتي لشاركتكم في لين عيشكم.
__________
[1] جشب: غليظ خشن. اللسان.
[2] السعن: شيء يتخذ من أدم شبه دلو، إلا أنه مستطيل مستدير. اللسان.(10/318)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ سَعِيدٌ الْجَرِيرِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ الْحَارِثِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَفَدَ الرَّبِيعُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَعْجَبَتْهُ هَيْئَتُهُ وَنَحْوَهُ، فَشَكَا عُمَرُ طَعَامًا غَلِيظًا أَكَلَهُ، فَقَالَ الرَّبِيعُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِطَعَامٍ لَيِّنٍ، وَمَرْكَبٍ وَطِيءٍ، وَمَلْبَسٍ لَيِّنٍ لأَنْتَ، فَرَفَعَ عُمَرُ جَرِيدَةً كَانَتْ مَعَهُ فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَهُ، وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِهَذَا إِلا مُقَارَبَتِي، هَلْ تَدْرِي مَا مَثَلِي وَمَثَلُ هَؤُلاءِ؟
مَثَلِي وَمَثَلُهُمْ مثل قَوْمٌ سَافَرُوا فَدَفَعُوا نَفَقَاتِهِمْ إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَقَالُوا: أَنْفِقْ عَلَيْنَا فَهَلْ يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْثِرَ مِنْهَا بِشَيْءٍ؟ قَالَ: لا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: إِنِّي لَمْ أَسْتَعْمِلْ عَلَيْكُمْ عُمَّالِي لِيَضْرِبُوا أَبْشَارَكُمْ وَيَشْتُمُوا أَعْرَاضَكُمْ، وَيَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ، وَلَكِنِّي اسْتَعْمَلْتُهُمْ لِيُعَلِّمُوكُمْ كِتَابَ رَبِّكُمْ، وَسُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، فَمَنْ ظَلَمَهُ عَامِلُهُ بِمَظْلَمَةٍ فَلْيَرْفَعْهَا إِلَيَّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَدَّبَ أَمِيرٌ رَجُلا مِنْ رَعِيَّتِهِ، أَتَقُصُّهُ مِنْهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: وَمَا لِي لا أَقُصُّهُ مِنْهُ إِذَا تَعَدَّى، وَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ مِنْ نَفْسِهِ.
وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ أَلا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ فَتُذِلُّوهُمْ، وَلا تَحْرِمُوهُمْ فَتُكَفِّرُوهُمْ، وَلا تُجَمِّرُوهُمْ فَتَفْتِنُوهُمْ، وَلا تُنْزِلُوهُمُ الْغِيَاضَ فَتُضَيِّعُوهُمْ.
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالا: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بن همام، ثنا معمر عن قَتَادَةَ قَالَ: حَضَرَ طَعَامَ عُمَرَ قَوْمٌ وَفَدُوا إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَرَآهُمْ يَكْرَهُونَهُ، فَقَالَ لهم: كلوا فو الله لَوْ شِئْتُ لَكُنْتُ أَطْيَبَكُمْ طَعَامًا وَشَرَابًا، أَتَرَوْنِي أَغْبَى عَنْ طَيِّبِ الطَّعَامِ وَصِغَارِ الْمَعْزِ بِلُبَابِ الْبُرِّ، وَلَكِنِّي وَجَدْتُ اللَّهَ ذَمَّ قَوْمًا فَقَالَ: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعم بها.(10/319)
حدثني الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثنا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ حِينَ افْتَتَحَ أَذْرَبِيجَانَ فَصَنَعَ سَفَطَيْنِ فِيهِمَا خَبِيصٌ وَأَلْبَسَهُمَا الْجُلُودَ وَاللُّبُودِ ثُمَّ بَعَثَ بِهِمَا إِلَى عُمَرَ مَعَ سُحَيْمٍ مَوْلاهُ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ: مَا الَّذِي جِئْتَ بِهِ أَذَهَبٌ أَمْ وَرَقٌ؟
وَأَمَرَ بِهِ فَكَشَفَ عَنْهُ فَذَاقَ الْخَبِيصَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَطَيِّبٌ لَيِّنٌ أَفَكُلُّ الْمُهَاجِرِينَ أَكَلَ مِنْهُ شِبَعَهُ؟ قَالَ: لا إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ خَصَّكَ بِهِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَمَّا بَعْدُ فَلَيْسَ مِنْ كَدِّكَ، وَلا كَدِّ أُمِّكَ، وَلا كَدِّ أَبِيكَ، لا تَأْكُلُ إِلا مَا شَبِعَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُ فِي رِحَالِهِمْ.
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الآجُرِّيُّ، ثنا أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ كَاتِبًا لأَبِي مُوسَى كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: «مِنْ أَبُو مُوسَى» فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: إِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَاضْرِبْ كَاتِبَكَ سَوْطًا وَاعْزِلْهُ عَنْ عَمَلِكَ.
وَحَدَّثَنِي شَيْبَانُ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالا: ثنا أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: تَكَلَّمَتِ امْرَأَةُ عُمَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الأَمْرِ فَانْتَهَرَهَا وَقَالَ:
مَا أَنْتِ وَهَذَا، إِنَّمَا أَنْتُنَّ لُعَبٌ، فَأَقْبِلِي عَلَى مِغْزَلِكِ وَلا تَعْرِضِي فِيمَا لَيْسَ مِنْ شَأْنِكِ.
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَليِدِ، ثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ أنبأ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ خَالِدٍ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ أَنَّ أَبَا مُوسَى كَتَبَ إِلَى عُمَرَ كِتَابًا فَلَحَنَ فِيهِ الْكَاتِبُ حَرْفًا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنِ اجْلِدْ كَاتِبَكَ سوطا، واتخذ كاتبا حنيفا.
[البدء بالتأريخ بالهجرة]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ، ثنا حَسَّانٌ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَتَبَ أَبُو مُوسَى إِلَى عُمَرَ إنه(10/320)
يَأْتِينَا مِنْكَ كُتُبٌ لا نَعْرِفُ عَهْدَهَا وَتَارِيخَهَا، فَأَرِّخْ فَاسْتَشَارَ عُمَرُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرِّخْ لِمَبْعَثِ رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال بَعْضُهُمْ:
أَرِّخْ لِمَوْتِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: أُؤَرِّخُ لِمُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ فَرَقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ مُهَاجَرُهُ فَأَرَّخَ بِهِ.
حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ كَانَ يُقَالُ لَهُ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَاسْتُخْلِفَ عُمَرُ قِيلَ لِعُمَرَ خَلِيفَةُ خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ فَمَنْ جَاءَ بَعْدَ عُمَرَ مَا يُقَالُ لَهُ؟ أَيُقَالُ خَلِيفَةُ خَلِيفَةِ خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ، هَذَا يَطُولُ وَلَكِنْ أَجْمِعُوا عَلَى اسْمٍ تَدْعُونَ بِهِ الْخَلِيفَةَ، وَيُدْعَى بِهِ مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَحْنُ الْمُؤْمِنُونَ وَعُمَرُ أَمِيرُنَا، فَدُعِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ بِذَلِكَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ كَتَبَ التَّارِيخَ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: وقد حدثت أن عمر قال: أنتم الْمُؤْمِنُونَ، وَأَنَا أَمِيرُكُمْ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ هُوَ قَالَ ذَلِكَ.
حَدَّثَنَا عَبْد الأَعْلَى بْن حَمَّاد النَّرْسِيُّ أَبُو يَحْيَى، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: اسْتَعْمَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ابْنَ مُطِيعٍ عَلَى الْكُوفَةِ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ عَهْدَهُ، وَقَالَ: لا تُخْبِرَنَّ أَحَدًا فَذَهَبَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اسْتَعْمَلَنِي عَلَى الْكُوفَةِ فَاسْتَعِيرِي لِي أَدَاةَ الرَّاكِبِ، فَبَعَثَتْ إِلَى أُخْتِهَا وَهِيَ تَحْتَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فَقَالَتْ لَهَا: إِنَّ زَوْجِي قَدِ اسْتُعْمِلَ عَلَى الْكُوفَةِ فَابْعَثِي إِلَيْهِ بِأَدَاةِ الرَّاكِبِ، فَلَمَّا جَاءَ الْمُغِيرَةُ أَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ، فَأَتَى بَابَ عُمَرَ نِصْفَ النَّهَارِ، وَقَدْ تَبَوَّأَ لِلْمَقِيلِ، فَقَالَ لِلْبَوَّابِ اسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ ولك أربعمائة دِرْهَمٍ فَأَذِنَ لَهُ، فَكَانَتْ تِلْكَ أَوَّلُ رِشْوَةٍ فِي الإِسْلامِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: وَفَّقَكَ اللَّهُ يا أمير(10/321)
الْمُؤْمِنِينَ لَقَدِ اسْتَعْمَلْتَ قَوِيًّا أَمِينًا. قَالَ: مَنْ؟ قَالَ: ابْنَ مُطِيعٍ اسْتَعْمَلْتَهُ عَلَى الْكُوفَةِ. قَالَ: وَيْحَكَ مَنْ أَخْبَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: السِّقَايَاتُ يَتَحَدَّثْنَ بِهِ فِي الطُّرُقِ، قَالَ: فَهَلْ عِنْدَكَ خَيْرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: اذْهَبْ فَخُذِ الْعَهْدَ مِنْهُ، ثُمَّ اذْهَبْ إِلَى الْكُوفَةِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الَّذِي كَانَ وَلاهُ قَبْلَ الْمُغِيرَةِ جُبَيْرُ بْنُ مطعم.
[الإدارة زمن عمر]
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْوَاقِدِيِّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ عمه الزهري وغيره قَالُوا: كَانَ عُمَرُ أَوَّلَ مَنْ دُعِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَوَّلَ مَنْ أَرَّخَ لِلْكُتُبِ أَرَّخَهَا فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَأَوَّلَ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ فِي الصُّحُفِ، وَأَوَّلَ مَنْ سَنَّ قِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَجَمَعَ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ، وَكَتَبَ بِهِ إِلَى الْبُلْدَانِ، وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: نُورُ اللَّهِ لِعُمَرَ كَمَا نُورُ مَسَاجِدِنَا، وَجَعَلَ عُمَرُ بِالْمَدِينَةِ قَارِئَيْنِ: قَارِئًا لِلرِّجَالِ وَقَارِئًا لِلنِّسَاءِ يُصَلِّي بِهِنَّ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ، وَضَرَبَ فِي السُّكْرِ ثَمَانِينَ، وَقَالَ: مَنْ سَكِرَ شَتَمَ فَأَبْلَغَ بِهِ إِذَا صَحَا حَدَّ الْقَاذِفِ، وَكَانَ أَوَّلُ مَنِ اشْتَدَّ عَلَى أَهْلِ الرِّيَبِ، وَأَحْرَقَ عُمَرُ بَيْتَ رُوَيْشِدٍ الثَّقَفِيِّ، وَكَانَ حَانُوتًا، وَغَرَّبَ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيَّ إِلَى خَيْبَرَ، وَكَانَ صَاحِبَ شَرَابٍ، فَدَخَلَ أَرْضَ الرُّومِ فَارْتَدَّ، وَكَانَ عُمَرُ أَوَّلَ مَنْ عَسَّ عَلَيْهِ فِي عَمَلِهِ بِالْمَدِينَةِ، وَحَمَلَ الدَّرَّةَ وَأَدَّبَ بِهَا حَتَّى قِيلَ بَعْدَهُ: لَدِرَّةُ عُمَرَ أَهْيَبُ مِنْ سَيْفِكُمْ هَذَا، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ فَتَحَ الْفُتُوحَ، بَعْدَ الَّذِي فُتِحَ فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ، فَتَحَ الْجَزِيرَةَ، وَطَائِفَةً مِنَ الشَّامِ، وَفَتَحَ مِصْرَ وَالسَّوَادَ، وَوَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَى الأَرْضِ وَالْجِزْيَةَ عَلَى الطَّبَقَاتِ، وَقَالَ: لا يَعُوزُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ دِرْهَمٌ فِي الشَّهْرِ، فَبَلَغَ خَرَاجُ السَّوَادِ عَلَى عَهْدِهِ مِائَةَ أَلْفِ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفِ أَلْفِ وَافٍ، وَالْوَافِي وَزْنُ مِثْقَالٍ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ مَصَّرَ الْكُوفَةَ وَالْبَصْرَةَ، وَالْجَزِيرَةَ، وَالشَّامَ وَالْمَوْصِلَ، وَأَنْزَلَهَا(10/322)
الْعَرَبَ، وَأَوَّلُ مَنِ اسْتَقْضَى الْقُضَاةَ فِي الأَمْصَارِ، وَأَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ، وَكَتَبَ النَّاسَ عَلَى قَبَائِلِهِمْ، وَفَرَضَ الأَعْطِيَةَ مِنَ الْفَيْءِ، وَأَوَّلُ مَنْ حَمَلَ الطَّعَامَ فِي السُّفُنِ مِنْ مِصْرَ فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَرَدَ الْجَارَ، ثُمَّ حَمَلَ مِنَ الْجَارِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ إِذَا بَعَثَ عَامِلا كَتَبَ لَهُ مَالَهُ ثُمَّ قَاسَمَهُ الْفَضْلَ عَلَيْهِ، فَقَاسَمَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَمُعَاذٌ، وَكَانَ يَسْتَعْمِلُ رِجَالا مِمَّنْ صَحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَمُعَاوِيَةَ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَيَدَعُ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ مِثْلَ: عَلِيٍّ، وَعُثْمَانَ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَغَيْرِهِمْ، لِقُوَّةِ أُولَئِكَ عَلَى الْعَمَلِ وَبَصَرِهِمْ بِهِ، وَلإِشْرَافِ عُمَرَ عَلَيْهِمْ وَهَيْبَتِهِمْ لَهُ. وَقِيلَ لَهُ:
مَالَكَ لا تُوَلِّي الأَكَابِرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أُدَنِّسَهُمْ بِالأَعْمَالِ.
وَاتَّخَذَ عُمَرُ دَارًا لِلرِّزْقِ فِيهَا الدَّقِيقُ، وَكَانَ يَجْعَلُ فِيهَا السَّوِيقَ، وَالتَّمْرَ، وَالزَّبِيبَ، وَالزَّيْتَ، وَمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ وَيُعَيِّنُ بِذَلِكَ الْمُنْقَطِعَ بِهِ، وَيُقْرِي الضَّيْفَ، وَوَضَعَ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ مَا يَصْلُحُ لِلنَّاسِ مِمَّنْ يَنْقَطِعُ بِهِ، وَوَسَّعَ مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَثُرَ النَّاسُ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَخْرَجَ الْيَهُودَ مِنَ الْحِجَازِ، وَأَخْرَجَ أَهْلَ نَجْرَانَ إِلَى النَّجْرَانِيَّةِ بِالْكُوفَةِ، وَخَرَجَ إِلَى الْجَابِيَةِ بِالشَّامِ فِي صَفَرٍ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ، وَأَقَامَ بِهَا عِشْرِينَ لَيْلَةً يَقْصُرُ الصَّلاةَ، وَحَضَرَ فَتْحَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَقَسَمَ الْغَنَائِمَ بِالْجَابِيَةِ، وَخَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ يُرِيدُ الشَّامَ فِي جُمَادَى الأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ فَلَمَّا بلغ سرع [1] أخبر بوقوع
__________
[1] سرع: قرية بالشام هي أوله وآخر الحجاز في وادي تبوك، بينها وبين المدينة المنورة ثلاث عشرة مرحلة: معجم البلدان.(10/323)
الطَّاعُونِ بِالشَّامِ فَرَجَعَ مِنْ سُرُعَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: أَتَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ أَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ.
وَفِي أَيَّامِهِ كَانَ طَاعُونُ عَمْوَاسَ [1] ، سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ، وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتِ الرَّمَادَةُ، أَصَابَ النَّاسُ مَحَلٌ وَجَدْبٌ وَمَجَاعَةٌ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَاسْتَعْمَلَ عُمَرُ فِي أَوَّلِ سِنِيهِ- وَهِيَ سَنَةُ ثَلاثَ عَشْرَةَ- عَلَى الْحَجِّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَحُجُّ فِي كُلِّ سَنَةِ أَيَّامِهِ كُلِّهَا، فَحَجَّ بِهِمْ عَشْرَ سِنِينَ مُتَوَالِيَةٍ وَاعْتَمَرَ فِي أَيَّامِهِ ثَلاثَ عُمَرٍ، وَحَجَّ بِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا سَنَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ، وَكَانَتْ أَوَّلُ عُمْرَةٍ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَالثَّانِيَةُ فِي رَجَبٍ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَالثَّالِثَةُ فِي رَجَبٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ، وَهُوَ آخِرُ الْمَقَامِ إِلَى مَوْضِعِهِ الْيَوْمَ، وَكَانَ مُلْصَقًا بالبيت.
[تمصير الأمصار]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ عَنِ الأَشْعَثِ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَصَّرَ الأَمْصَارَ: الْمَدِينَةَ، وَالْبَصْرَةَ، وَالْكُوفَةَ، وَالْبَحْرَيْنِ، وَمِصْرَ، وَالشَّامَ، وَالْجَزِيرَةَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ، أنبأ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: لَهَانَ عَلَيَّ فِي إِصْلاحِ قَوْمٍ أَنْ أُبْدِلَهُمْ أَمِيرًا بِأَمِيرٍ.
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الأَسْوَدُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا أَبُو سَعْدٍ الْبَقَّالُ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: مَا أَحَدٍ يُفَتِّشُ إِلا فَتَّشَ عَنْ جَائِفَةٍ أَوْ مُنَقِّلَةٍ [2] ، إِلا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَابْنَهُ.
__________
[1] عمواس: بلدة على ستة أميال من الرملة، على طريق القدس. معجم البلدان.
[2] المنقلة من الجراح: ما ينقل العظم عن موضعه. والمنقلة: السفر، والطريق في الجبل. القاموس.(10/324)
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: إِمَامُنَا فِي الجماعة عمر، وإمامنا في الفتنة ابنه.
[عمر بن الخطاب]
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنْبَأَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَلْقَى الْحَصَى فِي مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَكَانَ النَّاسُ إِذَا رَفَعُوا رُؤُوسَهُمْ مِنَ السُّجُودِ نَفَضُوا أَيْدِيَهُمْ، فَأَمَرَ بِالْحَصَى فَجِيءَ بِهِ مِنَ الْعَقِيقِ فَبُسِطَ فِي مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لا يُرْحَمْ مَنْ لا يَرْحَمْ وَلا يُغْفَرُ لِمَنْ لا يَغْفِرُ، وَلا يُوقَى مَنْ لا يَتَوَقَّى، وَلا يُتَابُ عَلَى مَنْ لَمْ يَتُبْ.
قَالَ: وَقَالَ شُعْبَةُ: أُتِيَ عُمَرُ بِصَبِيٍّ لَهُ فَحَمَلَهُ فِي حِجْرِهِ، وَأَقْبَلَ يُقَبِّلُهُ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ، وَهُوَ ابْنُ الْمُنْتَفِقِ [1] : مَا فَعَلْتُ مِثْلَ هَذَا بِصَبِيٍّ لِي قَطُّ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ نَزَعَ الرَّحْمَةَ مِنْ قَلْبِكَ فَمَا ذَنْبِي! وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُنْتَفِقِ أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُقَبِّلُ ابْنَهُ فَقَالَ: أَتُقَبِّلُ ابْنَكَ وَأَنْتَ خَلِيفَةٌ، وَاللَّهِ لَوْ كُنْتُ مِثْلَكَ مَا قَبَّلْتُ ابْنًا لِي أَبَدًا، فَقَالَ عُمَرُ: وَمَا ذَنْبِي إِنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ نَزَعَ الرَّحْمَةَ مِنْكَ! إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَوَانَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مَنْ عَذِيرِي مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، إِنِ اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْهِمُ الضَّعِيفَ حَقَّرُوهُ وَإِنِ اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْهِمُ الْقَوِيَّ فَجَّرُوهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. أَيْنَ أَنْتَ عَنْ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: ذَاكَ
__________
[1] عبد الله بن المنتفق، له ترجمة في أسد الغابة ج 4 ص 416.(10/325)
بِالشَّامِ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: أَمَّا الْمُؤْمِنُ الضَّعِيفُ فَلَهُ إِيمَانُهُ وَعَلَيْكَ ضَعْفُهُ، وَأَمَّا الْفَاجِرُ الْقَوِيُّ فَلَكَ قُوَّتُهُ وَعَلَيْهِ فُجُورُهُ، قَالَ عُمَرُ: فَلَعَلَّكَ يَا أَعْوَرُ إِنْ وَلَّيْتُكَ تَعُودُ لِشَيْءٍ مِمَّا رُمِيتَ بِهِ، قَدْ وَلَّيْتُكَ الْكُوفَةَ وَأَجَّلْتُكَ ثَلاثًا حَتَّى تَشْخَصَ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَوَانَةَ وَمَسْلَمَةَ قَالا: كَانَ عُمَرُ إِذَا وَلَّى عَمَلا رَجُلا قَالَ لَهُ: إِنَّ الْعَمَلَ كِيرٌ فَانْظُرْ كَيْفَ تَخْرُجُ مِنْهُ، وَكَانَ يَقُولُ: مَنِ اتَّقَى وُقِيَ، وَمَنْ وُقِيَ اسْتَحْيَا، وَمَنِ اسْتَحْيَا سَتَرَهُ اللَّهُ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَفْضَلُ اللِّينِ مَا كَانَ مَعَ سُلْطَانٍ، وَأَفْضَلُ الْعَفْوِ مَا كَانَ عَنْ قُدْرَةٍ.
الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لأَبِي الدَّرْدَاءِ: إِنَّ مَنْ فَقَّهَكَ رَفَّقَكَ فِي مَعِيشَتِكَ.
حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَليِدِ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو اللَّيْثِ الْيَمَانِيُّ، عَنْ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: السَّيِّدُ الْجَوَادُ حِينَ يُسْأَلُ، الْحَلِيمُ حِينَ يُسْتَجْهَلُ، الْكَرِيمُ الْمُجَالَسَةِ لِمَنْ جَالَسَهُ، الْحَسَنُ الْخُلُقِ عِنْدَ مَنْ جَاوَرَهُ، أَوْ قَالَ حَاوَرَهُ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَنْ يُقِيمَ أَمْرَ اللَّهِ فِي النَّاسِ إِلا عَفِيفُ الْفِعْلِ، بَعِيدُ الْقَعْرِ، لا يُطَّلَعُ مِنْهُ عَلَى عَوْرَةٍ وَلا يَحْنَقُ عَلَى جَرَّهُ [1] ، ولا يأخذه في الحق لومة لائم.
__________
[1] الجرة: الجماعة يقيمون ويظعنون، وربما أراد هنا «الجريرة» . النهاية لابن الأثير.
القاموس.(10/326)
قَالَ وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَهُوَ بِالْقَادِسِيَّةِ: أَنْ جَنِّبِ النَّاسَ أَحَادِيثَ الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الأَحْقَادَ وَتُنْشِئُ الضَّغَائِنَ، وَعِظْهُمْ بِآيَاتِ اللَّهِ مَا نَشِطُوا لِلاسْتِمَاعِ.
الْمَدَائِنِيّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فائد قَالَ: قَالَ عمر: آخ من آخيت عَلَى التقوى وَلا تجعل حديثك بذلة لمن لا يريده، وشاور الَّذِينَ يخافون اللَّه.
حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ عَنِ ابْنِ كِنَاسَةَ وَالْهَيْثَمِ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَعَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأَيْلِيِّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ: النُّخَيْلَةُ خَيْرٌ أَمِ الْحَبَلَةُ [1] ؟ فَقَالَ: الْحَبَلَةُ، أَتَزَبَّبُهَا وَأَتَشَتِّيهَا، وَأَقِيلُ فِي ظِلِّهَا، وَأُصْلِحُ بِهَا سِقَامِي، وَآدَمُ بُرْمَتِي. فَقَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ:
مَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قَالَ: كَذَبَ، إِنْ آكُلُ الزَّبِيبَ أَضْرَسُ، وَإِنْ أَتْرُكْهُ أَغْرَثُ [2] ، لَيْسَ كَالصَّقْرِ السَّائِلِ مِنْ رُؤُوسِ الرَّقْلِ [3] : الرَّاسِخَاتِ فِي الْوَحْلِ الْمُطْعِمَاتِ فِي الْمُحْلِ، صَمْتَةَ الصَّغِيرِ وَتُحْفَةَ الْكَبِيرِ، وَزَادَ الْمُسَافِرِ، وَتَحْرُسُهُ مَرْيَمُ بِنْتُ عمران، ينضج ولا يعيي طَابِخًا، وَتَحْتَرِشُ بِهَا الضَّبَابُ بِالصَّلْعَاءِ [4] ، فَضَحِكَ عُمَرُ.
حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ وَكَانَ يَرْوِي ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أيضا.
__________
[1] الحبلة: الكرمة.
[2] أغرث: جاع.
[3] الرقلة: النخلة فاتت اليد. القاموس.
[4] الصلعاء: الأرض لا نبت فيها، وحرش الضب يحرشه حرشا وتحرشا: صاده.
القاموس.(10/327)
حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ عَنْ كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَرْقَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، قَالَ اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَمَنَعَهَا، ثُمَّ عَاوَدَتْهُ فَمَنَعَهَا، ثُمَّ عَاوَدَتْهُ فَمَنَعَهَا.
الْمَدَائِنِيّ عَن عُمَر بْن الْخَطَّابِ أنه قَالَ: تعلموا العربية فإنها تزيد فِي المروءة، وتعلموا النسب فرب رحم مقطوعة قد وصلت بمعرفة نسبها.
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَمَانٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمْ يَضْحَكْ إِلا تَبَسُّمًا، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْتَسِمْ مُذْ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَمْزَحْ إِلا سَاهِيًا.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ الْعَافِيَةَ، وَعَفَا عَمَّنْ تَحْتَ يَدِهِ رَزَقَهُ اللَّهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ [1] .
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ يحيى بْن يمان عَنْ سُفْيَان قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لا يُلْهِكَ النَّاسُ عَنْ نَفْسِكَ، فَإِنَّ الأَمْرَ يَصِلُ إِلَيْكَ دُونَهُمْ وَلا تَقْطَعِ النَّهَارَ بِاللَّعِبِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَحْفُوظٌ عَلَيْكَ وَإِذَا أَسَأْتَ فَأَحْسِنْ، فَإِنِّي لم أرقط أَشَدَّ طَلَبًا وَلا أَسْرَعَ دَرَكًا مِنْ حَسَنَةٍ حَدِيثَةٍ لِذَنْبٍ قَدِيمٍ.
حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ أَخِيهِ أُمَيَّةَ بْنُ خَالِدٍ عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ حِينَ اسْتُخْلِفَ فَقَالَ: وَاللَّهِ لأَعْزِلَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَليِدِ وَالْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ، لِيَعْلَمَا أَنَّ اللَّهَ هو الناصر لدينه وَلَيْسَ إِيَّاهُمَا فَعَزَلَهُمَا.
حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْنُ عَليّ الأَسْوَدُ، ثنا عُبَيْد اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثنا سُفْيَانُ عَنْ عِيسَى عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لَقَدْ تَرَكْتُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْحَلالِ مَخَافَةَ الحرام.
__________
[1] بهامش الأصل: بلغت المعارضة بالأصل الثالث من أول هذا الباب، ولله الحمد.(10/328)
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ قَالَ: قَالَ أَبُو حَيَّانَ: قَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَرْقَمِ الزُّهْرِيِّ: انْظُرْ مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ مِنْ مَالٍ فَاقْسِمْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ، وَفِي كُلِّ يَوْمٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَبْقَيْتَ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ مَالا تُعِدُّهُ لِنَائِبَةٍ تَحْدُثُ أَوْ شَيْءٍ يَكُونُ، فَقَالَ عُمَرُ: هَذِهِ كَلِمَةٌ أَلْقَاهَا الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِكَ لَقَّانِي اللَّهُ حُجَّتَهَا وَوَقَّانِي فِتْنَتَهَا أَعْصَى الْعَامَ مَخَافَةَ قَابِلٍ، أُعِدُّ لَهُمْ مَا أَعَدَّ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَعَدَّ لَهُمْ طَاعَةَ اللَّهِ.
حَدَّثَنِي الأَثْرَمُ أَبُو الْحَسَنِ، ثنا الأَصْمَعِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلاءِ عَنْ أَبِي وَجْزَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمْسَكَ أَرْنَبَةَ أَنْفِهِ ثُمَّ جَالَ فِي مَتْنِ فَرَسِهِ وَكَانَ أَيْدًا [1] .
قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَخَرَجَ عُمَرُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَعَ عُمَارَةَ بْنِ الْوَليِد بْنِ الْمُغِيرَةِ إِلَى الشَّامِ أَجِيرًا، فَشَذَّتْ نَاقَةٌ لَهُ فَلَحِقَهَا عُمَرُ بَعْدَ طَلَبٍ فَاعْتَقَلَهَا وَطَرَحَهَا لِجَنْبِهَا كَسِيرًا، فَحَسَدَهُ عُمَارَةُ عَلَى مَا رَأَى من قوته فقال: انحرها وهيئ لَنَا طَعَامًا فَاخْتَبَزَ عُمَرُ وَأَطْبَخَ، وَقَدَّمَ إِلَى عُمَارَةَ طَعَامًا فَقَالَ لَهُ: الشَّحْمُ الْحَارُّ عَلَى الْخُبْزِ الْحَارِّ فِي الْيَوْمِ الْحَارِّ؟ مَا تُرِيدُ إِلا قَتْلِي، ثُمَّ وَثَبَ لِيَضْرِبَهُ فَبَادَرَ إِلَيْهِ عُمَرُ بِالسَّيْفِ فَهَرَبَ عُمَارَةُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ.
وَعُمَرُ يَقُولُ:
وَاللَّهِ لَوْلا شُعْبَةٌ مِنَ الْكَرَمْ ... وسبطة فِي الْحَيِّ مِنْ خَالٍ وَعَمْ
لَضَمَّنِي الشَّرُّ إلى شر مضمّ ... وما أساء مطعم وَلا ظَلَمْ
إِنْ خَلَطَ الْخُبْزَ بِلَحْمٍ وَدَسَمْ
__________
[1] أي كان قويا.(10/329)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ، الْمُلَقَّبُ بِعَيْنِ الْحِدَأَةِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دلافٍ الْمُزَنِيِّ عَنْ بِلالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَلا إِنَّ أُسَيْفِعَ جُهَيْنَةَ رَضِيَ مِنْ دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ بِأَنْ قِيلَ سَبَقَ الْحَاجَّ، فَادَّانَ مُعْرِضًا [1] فَأَصْبَحَ قَدْ دِينَ بِهِ، ألا وإنّا قاسموا مَالِهِ غَدًا بَيْنَ غُرَمَائِهِ فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَحْضُرْ.
حَدَّثَنَا عَفَّانُ وَالْعَبَّاسُ بْنُ الْوَليِد النَّرْسِيُّ قَالا: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجْلِيِّ أَنَّ رَجُلا كَانَ مَعَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، وَكَانَ ذَا بَأْسٍ وَنِكَايَةٍ فِي الْعَدُوِّ، فَأَعْطَاهُ أَبُو مُوسَى بَعْضَ سَهْمِهِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ فَجَلَدَهُ عِشْرِينَ سَوْطًا وَحَلَقَهُ، فَجَمَعَ الرَّجُلُ شَعْرَهُ ثُمَّ رَحَلَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ، فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ فُلانًا أَخْبَرَنِي بِكَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتَ فَعَلْتَ بِهِ ذَاكَ فِي مَلأٍ مِنَ النَّاسِ فَعَزَمْتَ لَمَّا قَعَدْتَ لَهُ فِي مَلأٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى يَقْتَصَّ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ فِي خَلاءٍ لَمَا قَعَدْتَ لَهُ فِي خَلاءٍ حَتَّى يَقْتَصَّ مِنْكَ.
فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي مُوسَى قَالَ لَهُ النَّاسُ: اعْفُ عَنْهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لا عَفَوْتُ عَنْهُ لأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى إِذَا قَعَدَ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَقْتَصَّ مِنْهُ، رَفَعَ الرَّجُلُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ لَكَ.
حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الدُّورِيّ الْمِنْقَرِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ حميد عن
__________
[1] أي استدان معرضا عن الوفاء، وكان أسيفع يشتري الرواحل، ويسبق الحجاج، فيتغالى بثمن ما اشتراه، فأفلس. الاصابة لابن حجر.(10/330)
أَنَسٍ أَنَّ رَجُلا خَطَبَ عِنْدَ عُمَرَ فَأَكْثَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُطَبِ مِنْ شَقَائِقِ الشَّيْطَانِ.
حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ الرَّقِّيُّ الْمُعَلَّمُ عَنِ الْحَجَّاجِ الرُّصَافِيِّ عَنْ جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: الرَّأْيُ كَثِيرٌ، وَالْحَزْمُ قَلِيلٌ.
وَكَانَ عُرْوَةُ بْنُ الْوَرْدِ مِنْ حُزَمَاءِ الرِّجَالِ، وَقَالَ كَانَ عُمَرُ يَقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ مَنْ قَدَّمَ فَضْلَ الْمَالِ، وَأَمْسَكَ فَضْلَ الْكَلامِ.
حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَليِدِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: لا يَغُرَّنَّكَ خُلُقُ امْرِئٍ حَتَّى يَغْضَبَ، وَلا دِينُهُ حَتَّى يَطْمَعَ.
حَدَّثَنِي مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: مَرَّ عُمَرُ بِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا ابْنُ بَطْحَائِهَا كِدَائِهَا وَكُدْيَهَا [1] . فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا فَأَنْتَ كَرِيمٌ، وَإِنْ كُنْتَ حَسَنَ الْخُلُقِ فَإِنَّ لَكَ مُرُوءَةٌ، وَإِنْ كُنْتَ عَاقِلا فَإِنَّ لَكَ أَصْلا، وَإِلا فَأَنْتَ شَرٌّ مِنْ كَلْبٍ أَوْ قَالَ مِنْ حِمَارٍ.
الْمَدَائِنِيّ عَن مسلمة بْن محارب عَن حرب بْن خَالِد بْن يَزِيدَ بْن مُعَاوِيَة قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَة: خذوا من الحديث مَا كَانَ فِي عهد عمر، فإن عمر أتقن ذَلِكَ فِي حياته، وأخاف النَّاس فِي كثرة الحديث عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ:
لا تكذبوا عَلَيْهِ.
الْمَدَائِنِيّ عَن الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد عَن عَلِيّ بْن أبي طلحة قال: قال
__________
[1] كداء: موضع بأعلى مكة، وكدي: موضع بأسفل مكة- معجم البلدان.(10/331)
عيينة بن حصن لعثمان: كَانَ عمر خيرا لنا منك، إن عمر أعطانا فأغنانا، وأخشانا فأتقانا.
الْمَدَائِنِيّ عَن أَبِي الْوَليِد المكي قَالَ: أقبل رجل أعرج إِلَى عُمَرَ وَهُوَ يقود ناقة تظلع، فوقف عَلَيْهِ وَقَالَ:
إنك مسترعى وإنا رعية ... وإنك مدعو بسيماك يَا عمر
لذي يَوْم شر شره بشراره ... قد حمّلتك اليوم أثقالها مضر
فَقَالَ عمر: لا حول وَلا قوة إِلا بالله. وشكا الرجل ظلع ناقته فقبضها عمر وحمله عَلَى جمل وزوده وَقَالَ: أين تريد؟ قَالَ: أريد أما لِي لم أرها منذ زمان، فزاده.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ مُسَاحِقٍ، قَالَ اسْتَعْمَلَ عُمَرُ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى كِنَانَةَ، فَقَدِمَ مَعَهُ بِمَالٍ فَقَالَ عُمَرُ:
مَا هَذَا يَا عُتْبَةُ؟ قَالَ: خَرَجْتُ مَعِي بمال فتجرت فيه. قال: ومالك تُخْرِجُ الْمَالَ مَعَكَ، انْظُرْ مَا كَانَ فِي هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِبْحٍ فَاحْمِلْهُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ فَفَعَلَ، فَلَمَّا قَامَ عُثْمَانُ قَالَ لأَبِي سُفْيَانَ: إِنْ طَلَبْتَ مَا أَخَذَ عُمَرُ مِنْ عُتْبَةَ رَدَدْتُهُ عَلَيْكَ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: إِنَّكَ إِنْ خَالَفْتَ صَاحِبَكَ الَّذِي قَبْلَكَ سَاءَ رَأْيُ النَّاسِ فِيكَ، إِيَّاكَ أَنْ تَرُدَّ أَمْرَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ فَيَرُدُّ مَنْ بَعْدَكَ أَمْرَكَ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْفِهْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لا يُعَاشُ بِعَقْلِ رَجُلٍ حَتَّى يُعَاشُ بِظَنِّهِ، قَالَ: وَقَالَ عُمَرُ: إِذَا لَمْ أَعْلَمْ إِلا بِمَا رَأَيْتُ فَلا عَلِمْتُ.
الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِمُتَمِّمِ بْنِ نُوَيْرَةَ: مَا بلغ من جزعك على أخيك مالك بن نُوَيْرَةَ؟ قَالَ: لَمْ أَنَمْ حَوْلا، وَلَمْ أَرَ نَارًا إِلا بَكَيْتُ لأَنَّهُ كَانَ(10/332)
يَأْمُرُ أَنْ تُوقَدَ نَارُهُ إِلَى الصُّبْحِ مَخَافَةَ أَنْ يَأْتِيَهُ ضَيْفٌ فَلا يَعْرِفُ مَكَانَهُ.
حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَبِي الْمُنْذِرِ عَنْ عَوَانَةَ أَنَّ مُتَمِّمَ بْنَ نُوَيْرَةَ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: مَا بَلَغَ مِنْ جَزَعِكَ عَلَى أَخِيكَ؟
قَالَ: بَكَيْتُ حَوْلا حَتَّى أَسْعَدَتْ عَيْنِي الذَّاهِبَةُ عَيْنِي الصَّحِيحَةَ، وَمَا رَأَيْتُ نَارًا إِلا كِدْتُ أَنْقَطِعُ لَهَا أَسَفًا، لأَنَّهُ كَانَ يُوقِدُ نَارَهُ إِلَى الصُّبْحِ مَخَافَةَ أَنْ يَأْتِيَهُ ضَيْفٌ فَلا يَعْرِفُ مَكَانَهُ، فَقَالَ: صِفْهُ لِي. قَالَ: كَانَ يَرْكَبُ الْفَرَسَ الْجَرُورَ فِي اللَّيْلَةِ الْقَرَّةِ بَيْنَ الْمَزَادَتَيْنِ النَّضُوحَيْنِ، وَعَلَيْهِ شَمْلَةٌ فَلُوتٌ مُعْتَقِلا رُمْحًا خَطْلا فَيَسْرِي لَيْلَهُ وَيُصْبِحُ كَأَنَّ وَجْهَهُ فَلْقَةُ قَمَرٍ، قَالَ: فَأَنْشَدَنِي مِنْ شِعْرِكَ فِيهِ، فَأَنْشَدَهُ مَرْثِيَتَهُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا:
وَكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جُذَيْمَةَ حِقْبَةً ... مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا
فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ أَحْسَنْتُ قَوْلَ الشِّعْرِ لَرَثَيْتُ زَيْدًا أَخِي، فَقَالَ مُتَمِّمٌ:
وَلا سَوَاءَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قُتِلَ أَخِي كَافِرًا، وَقُتِلَ أَخُوكَ مُسْلِمًا مُجَاهِدًا، وَلَوْ صُرِعَ أَخِي مَصْرَعَ أَخِيكَ مَا رَثَيْتُهُ وَلا بَكَيْتُهُ. فَقَالَ عُمَرُ: مَا عَزَّانِي أَحَدٌ عَنْ أَخِي بِأَحْسَنَ مِمَّا عَزَّيْتَنِي بِهِ.
حَدَّثَنِي هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ أَبِي الأَشْهَبِ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مر بمزبلة فَاحْتَبَسَ عِنْدَهَا فَكَأَنَّ أَصْحَابَهُ تَأَذَّوْا بِرِيحِهَا، فَقَالَ عُمَرُ: هَذِهِ دُنْيَاكُمُ الَّتِي تَحْرِصُونَ عَلَيْهَا.
حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى إِسْحَاقُ الْفَرْوِيُّ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَا تَرَكَ الْمَوْتُ لِذِي لُبٍّ قُرَّةَ عَيْنٍ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ ثنا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي إِبِلِ الصدقة يمرن [1] أخفافها،
__________
[1] أي دهن ما حفي منها. القاموس.(10/333)
فَجَاعَ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْجُوعُ وَالْحَرُّ، فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ نَأْكُلُهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قُبَاعٌ مِنْ تَمْرٍ فَأَتَوْهُ بِهِ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ شَرِبَ مَاءً وَمَسَحَ بَطْنَهُ وَقَالَ: وَيْلٌ لِمَنْ أَدْخَلَتْهُ بَطْنُهُ النَّارَ، إِنَّمَا يَكْفِي الرَّجُلَ مَا يَسُدُّ جَوْعَتَهُ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ غَسَّانَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: فَقَدَ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ، وَلَمْ يَشْهَدْ مَعَهُمُ الصَّلاةَ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى أُسَيْدٍ فَقَالَ:
مَا أَقْعَدَكَ عَنَّا؟ فَأَخْبَرَهُ بِشُغُلٍ فَقَالَ: لِلَّهِ الْحَمْدُ، خَشِيتُ أَنْ تَكُونَ تَرَكْتَ الصَّلاةَ مَعَنَا لأَمْرٍ كَرِهْتَهُ مِنَّا. قَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَرَى مِنْكَ شَيْئًا مُنْكَرًا وَلا أَنْهَاكَ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ تَنْزِعْ عَنْهُ جَاهَدْتُكَ عَلَيْهِ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مسلمة بن محارب عَن بَشِيرِ بْنِ عُبَيْد اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرةَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ: «إِنَّ النَّاسَ ابْتَنَوْا بِالْقَصَبِ، فَكَثُرَ الْبِنَاءُ، وَلا نَأْمَنُ الْحَرْقَ، وَقَدِ اسْتَأْذَنُونِي فِي الْبِنَاءِ بِالْمَدَرِ، فَكَرِهْتُ أَنْ آذَنَ لَهُمْ فِيهِ دُونَ أَمْرِكَ فِيهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عمر: «إني قد كُنْتُ أَكْرَهُ لَهُمُ الْبِنَاءَ فَأَمَّا إِذْ فَعَلُوهُ فَلْيُقِلُّوا السَّمْكَ، وَيَعْرِضُوا الْجُدُرَ وَيُقَارِبُوا بَيْنَ الْخَشَبِ فِي السُّقُوفِ» .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ كَثِيرٌ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَجْلانَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ بِقَوْمٍ يَرْمُونَ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَسَيْتَ. فَقَالَ عُمَرُ: سُوءُ اللَّحْنِ أَسْوَأُ مِنْ سُوءِ الرَّمْيِ.
الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ عمر: من ظلمه أميره فلا أَمِير عَلَيْهِ دوني.
حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ يَعُسُّ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذْ سَمِعَ امْرَأَةً تَقُولُ.(10/334)
هل من سبيل إلى خمر فأشربها ... أم هَلْ سَبِيلٌ إِلَى نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ
فَلَمَّا أَصْبَحَ عُمَرُ سَأَلَ عَنْهُ فَقِيلَ هُوَ نَصْرُ بْنُ الْحَجَّاجِ بْنِ عِلاطٍ السُّلَمِيُّ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأَتَاهُ فَإِذَا هُوَ أَحْسَنُ النَّاسِ شَعْرًا، وَأَصْبَحُهُمْ وَجْهًا، فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَعْتَمَّ فَفَعَلَ فَازْدَادَ حُسْنًا، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تجامعني بأرض أنابها وأمر له بما يُصْلِحُهُ وَسَيَّرَهُ إِلَى الْبَصْرَةِ.
وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: غرب عمر نصر بْن الْحَجَّاج إِلَى البصرة فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أعلمهم أنك إنما أخرجتني لهذا الشعر لا لغيره.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ يَعِسُّ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَإِذَا هُوَ بِنِسْوَةٍ يَتَحَدَّثْنَ، وَإِذَا هُنَّ يَقُلْنَ: أَيُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَصْبَحُ؟ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: أَبُو ذُؤَيْبٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ سَأَلَ عَنْهُ فَقِيلَ هُوَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ عُمَرُ رَآهُ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ وَاللَّهِ ذِئْبُهُنَّ، أَنْتَ وَاللَّهِ ذِئْبُهُنَّ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تُجَامِعُنِي فِي بَلَدٍ أَنَا فِيهِ، قَالَ:
فَإِنْ كُنْتَ لا بُدَّ مُسَيِّرِي فَسَيِّرْنِي إِلَى حَيْثُ سَيَّرْتَ ابْنَ عَمِّي نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ، فَسَيَّرَهُ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَأَمَرَ لَهُ بِمَا يُصْلِحُهُ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ هِشَامِ بن عروة وابن عون عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ أُلْقِيَ إِلَى عُمَرَ كِتَابٌ فِيهِ:
أَلا أَبْلِغْ أَبَا حَفْصٍ رَسُولا ... فدى لك من أخي ثقة إزار
قَلائِصُنَا هَدَاكَ اللَّهُ إِنَّا ... شُغِلْنَا عَنْكُمُ زَمَنَ الْحِصَارِ
فَمَا قُلُصٌ وَجَدْنَ مُعَقَّلاتٍ ... قَفَا سَلْعٍ بِمُخْتَلَفِ التِّجَارِ
قَلائِصُ مِنْ بَنِي جُشْمِ بْنِ بَكْرٍ ... وَأَسْلَمَ أَوْ جُهَيْنَةَ أَوْ غِفَارِ(10/335)
يُعَقِّلُهُنَّ جَعْدَةُ مِنْ سَلِيمٍ ... مُعِيدًا يَبْتَغِي سَقَطَ الْعِذَارِ
يُعَقِّلُهُنَّ أَبْيَضُ شَيْظَمِيٌّ [1] ... وَبِئْسَ مُعَقِّلِ الذَّوْدِ الظُّؤَارِ [2]
فَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى جَعْدَةَ فَضَرَبَهُ مِائَةً مَعْقُولا [3] ، وَنَهَاهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْمُغَيَّبَاتِ، وَلَمْ يَضْرِبْهُ حَتَّى أَقَرَّ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ أَنَّ جَعْدَةَ بْنَ عَبْدِ الله السلمي كان يحدث النساء، ويخرج الْجَوَارِي إِلَى سَلْعٍ وَيُلاعِبُهُنَّ، وَيَعْقِلُ الْجَارِيَةَ ثُمَّ يَقُولُ لَهَا قُومِي فِي الْعِقَالِ فَإِنَّهُ لا يَصْبِرُ فِي الْعِقَالِ إِلا حِصَانٌ، فَتَقُومُ سَاعَةً ثُمَّ تَسْقُطُ فَرُبَّمَا انْكَشَفَتْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَجُلا مِنْ كِنَانَةَ يُقَالُ لَهُ نُمَيْلَةُ، فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ: «أَلا أَبْلِغْ أَبَا حَفْصٍ رَسُولا» الأَبْيَاتَ كُلَّهَا، فَدَعَا بِجَعْدَةَ، وَسَأَلَهُ عَنِ الأَمْرِ فَأَقَرَّ فَقَالَ: أَنْتَ كَمَا وَصَفْتَ أَبْيَضُ شَيْظَمِيٌّ فَضَرَبَهُ مِائَةً مَعْقُولا، وَنَهَاهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْمُغَيَّبَاتِ، وَأَخْرَجَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الشَّامِ، فَكَلَّمَ فِيهِ فَأَذِنَ لَهُ فَرَجَعَ وَلَمْ يَدْخُلِ الْمَدِينَةَ، فَكَلَّمَ فِيهِ فَأَذِنَ لَهُ بَعْدُ فِي أَنْ يَجْمَعَ، ثُمَّ يَخْرُجُ، وَكَانَ عُمَرُ إِذَا رَآهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَتَوَعَّدُهُ إِنْ عَاد وَيَقُولُ لَهُ: يَا فَاسِقُ فَقَالَ جَعْدَةُ:
أَكُلُّ الدَّهْرِ جَعْدَةُ مُسْتَحِقٌّ ... أَبَا حَفْصٍ لِشَتْمٍ أَوْ وَعِيدِ
فَمَا أَنَا بِالْبَرِيءِ بَرَاهُ عُذْرٌ ... وَلا بِالْخَالِعِ الرَّسَنِ الشَّرِيدِ
فَأَذَّنَ لَهُ مَرَّتَيْنِ فِي الْجُمُعَةِ.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أنبأ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أبي عون عن
__________
[1] الشيظمي: الطويل الجسم الفتي من الناس. القاموس.
[2] الذود: القطيع من النوق، والظئار هو أن تعطف الناقة على ولد غيرها بشد أنف الناقة وعينيها. اللسان.
[3] بهامش الأصل: أي طويل.(10/336)
مُحَمَّدٍ أَنَّ بُرَيْدًا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ فَنَثَرَ كِنَانَتَهُ فَبَدَرَتْ صَحِيفَةٌ فَأَخَذَهَا وَقَرَأَ فِيهَا:
أَلا أَبْلِغْ أَبَا حَفْصٍ رَسُولا ... فِدًى لَكَ من أخي ثقة إزار
قَلائِصُنَا هَدَاكَ اللَّهُ إِنَّا ... شُغِلْنَا عَنْكُمُ زَمَنَ الْحِصَارِ
فَمَا قُلُصٌ وَجَدْنَ مُعَقَّلاتٍ ... قَفَا سَلْعٍ بِمُخْتَلَفِ التِّجَارِ
قَلائِصُ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ... وَأَسْلَمَ أَوْ جُهَيْنَةَ أَوْ غِفَارِ
يُعَقِّلُهُنَّ جَعْدَةُ مِنْ سُلَيْمٍ ... سَفِيهٌ يَبْتَغِي سَقَطَ الْعِذَارِ
فَقَالَ: ادْعُوا إِلَيَّ جَعْدَةَ، فَدُعِيَ فَجَلَدَهُ مِائَةً مَعْقُولا، وَنَهَاهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى امْرَأَةٍ مُغَيَّبَةٍ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضِ بْنِ جُعْدُبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ:
سَمِعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رَجُلا يُنْشِدُ:
أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مِنْ شَرِّ مِعْقَلٍ ... إِذَا مِعْقَلٌ رَاحَ الْبَقِيعَ مُرَجَّلا [1]
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ: جُزَّ شَعْرَكَ فَجَزَّهُ، وَكَانَ جَمِيلا حَسَنَ الشَّعْرِ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: سَمِعَ عُمَرُ امْرَأَةً لَيْلا وَهِيَ تَقُولُ:
تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ واخضلّ جانبه ... فأرّقني إلّا حليل ألاعبه
فو الله لَوْلا اللَّهُ لا شَيْءَ غَيْرُهُ ... لَحَرَّكَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهْ
فَسَأَلَ عُمَرُ: كَمْ تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا؟ فَقِيلَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَقَالَ:
إِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْحَصَانِ لَصَبْرٌ جَمِيلٌ، وَأَقْفَلَ عُمَرُ زَوْجَ تِلْكَ الْمَرْأَةِ، وَصَيَّرَ الْقُفُولَ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ.
حَدَّثَنِي هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عن
__________
[1] الترجيل: تسريح الشعر.(10/337)
عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ إِذْ بَرَدَ بَرِيدًا إِلَى مَوْضَعٍ، نَادَى مُنَادِيهِ: مَنْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى بَلَدِ كَذَا.
حَدَّثَنِي بَكْرُ بن الهيثم ومحمد بن سعد، قالا: ثنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، ثنا عَاصِمُ بْنُ الْعَبَّاسِ الأَسَدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُحِبُّ الصَّلاةَ فِي كَبِدِ اللَّيْلِ، يَعْنِي فِي وَسَطِ اللَّيْلِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، ثنا أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَدِ اعْتَرَاهُ نِسْيَانٌ فِي الصَّلاةِ فَجَعَلَ رَجُلٌ خَلْفَهُ يُلَقِّنُهُ، فَإِذَا أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ أَوْ يَقُومَ فَعَلَ.
حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ أَخُو بَهْزٍ، ثنا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي دَبْرَةِ الْبَعِيرِ وَيَقُولُ: إِنِّي لخائف أن أسأل عما بك.
[عمر يمنع من تدوين الحديث]
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ فِي الْعَامِ الَّذِي طُعِنَ فِيهِ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي أُكَلِّمُكُمْ بِالْكَلامِ فَمَنْ حَفِظَهُ فَلْيُحَدِّثْ بِهِ حَيْثُ انْتَهَتْ به راحلته، ومن لم يحفظه فليمسك، فإني أحرّج بالله على امرئ أن يقول عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ» .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، ثنا سُفْيَانُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَكْتُبَ السُّنَنَ فَاسْتَخَارَ اللَّهَ شَهْرًا، ثُمَّ أَصْبَحَ وَقَدْ عَزَمَ لَهُ فَقَالَ: ذَكَرْتُ قَوْمًا كَتَبُوا كِتَابًا فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ وَتَرَكُوا كِتَابَ اللَّهِ.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ وَابْنُ سَعْدٍ قَالا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ الْقِرْقِسَانِيُّ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ عُمَرَ أَتَى بِمَالٍ(10/338)
فَجَعَلَ يَقْسِمُهُ بَيْنَ النَّاسِ فَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ، فَأَقْبَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يُزَاحِمُ النَّاسَ حَتَّى خَلُصَ إِلَيْهِ، فَعَلاهُ عُمَرُ بِالدَّرَّةِ وَقَالَ: إِنَّكَ أَقْبَلْتُ لا تَهَابُ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الأَرْضِ فأحببت أَنْ أُعَلِّمَكَ أَنَّ سُلْطَانَ اللَّهِ لَنْ يَهَابَكَ.
[عمر بن الخطاب]
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، وَسُلَيْمَانُ الرَّقِّيُّ قَالا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ حَجَّامًا كَانَ يَقُصُّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَكَانَ عُمَرُ رَجُلا مَهِيبًا فَتَنَحْنَحَ، قَالَ عَمْرٌو:
فَأَحْدَثَ الْحَجَّامُ حَدَثًا، وَقَالَ سُلَيْمَانُ: فَحَبَقَ الْحَجَّامُ، فَأَمَرَ لَهُ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا.
حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَخَرَجَتْ مِنْ رَجُلٍ رِيحٌ، وَحَضَرَتِ الصَّلاةُ فَقَالَ عُمَرُ: عَزَمْتُ عَلَى مَنْ كَانَتْ هَذِهِ الرِّيحُ مِنْهُ إِلا قَامَ فَتَوَضَّأَ، فَقَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اعْزِمْ عَلَيْنَا جَمِيعًا أَنْ نَقُومَ فَنَتَوَضَّأَ فَهُوَ أَسْتَرُ. فَفَعَلَ.
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ شُبَيْلٍ الْيَحْصُبِيِّ قَالَ: كَانَتْ لِي حَاجَةٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَغَدَوْتُ لأُكَلِّمَهُ فِيهَا، فَسَبَقَنِي إِلَيْهِ رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ فَسَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لَهُ: لَئِنْ أَطَعْتُكَ لِتُدْخِلَنِي النَّارَ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ مُعَاوِيَةُ.
أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ شُبَيْلٍ بِمِثْلِهِ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زيد عن سعيد بن المسيب قَالَ: حَمَلَ عُمَرُ الْهُرْمُزَانَ، وَجُفَيْنَةَ فِي الْبَحْرِ، وَقَالَ اللَّهُمَّ اكْسِرْ بِهِمَا، فَكَسَرَ بِهِمَا وَنَجَوْا.(10/339)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: اجْتَمَعَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَسَعْدٌ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَجْرَأَهُمْ عَلَى عُمَرَ فَقَالُوا: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، لَوْ كَلَّمْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِلنَّاسِ فَإِنَّهُ يَأْتِي طَالِبُ الْحَاجَةِ فَتَمْنَعُهُ هَيْبَتُهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ حَتَّى يَرْجِعَ وَلَمْ يَقْضِ حَاجَتَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَكَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أنشدك الله: أعليّ، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعدا، وَبَعْضُهُمْ أَمَرُوكَ بِهَذَا؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
فَقَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَاللَّهِ لَقَدْ لِنْتَ لِلنَّاسِ حَتَّى خَشِيتَ اللَّهَ فِي اللِّينِ، ثُمَّ اشْتَدَدْتَ عَلَيْهِمْ حَتَّى خِفْتَ اللَّهَ فِي الشِّدَّةِ، فَأَيْنَ الْمَخْرَجُ؟! فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَبْكِي وَيَجُرُّ إِزَارَهُ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ: أُفٌّ لَهُمْ بَعْدَكَ، أُفٌّ لَهُمْ بَعْدَكَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثنا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاس قَالَ: كَانَ عُمَرُ كُلَّمَا صَلَّى صَلاةً جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَمَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ نَظَرَ فِيهَا، فَصَلَّى صَلَوَاتٍ لَمْ يَجْلِسْ بَعْدَهَا فَأَتَيْتُ الْبَابَ فَقُلْتُ: يَا يَرْفَأُ، أَبِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عِلَّةٌ مِنْ شَكْوٍ؟ قَالَ:
لا، فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ عُثْمَانُ، فَدَخَلَ يَرْفَأُ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: قم يا بن عباس فدخلنا على عمر وبين يديه صبر مِنْ مَالٍ فَقَالَ: إِنِّي نَظَرْتُ فَلَمْ أَجِدْ بِالْمَدِينَةِ أَكْثَرَ عَشِيرَةً مِنْكُمَا، فَخُذَا هَذَا الْمَالَ فاقسماه بين الناس، وإن فضل فَضُلَ فَرُدَّاهُ، قَالَ فَجَثَوْتُ لِرُكْبَتِي فَقُلْتُ: وَإِنْ كَانَ نُقْصَانٌ رَدَدْتَ عَلَيْنَا؟ فَقَالَ: شَنْشَنَةٌ أَعْرِفُهَا مِنْ أَخْزَمَ، أَيْنَ كَانَ هَذَا وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَأْكُلُونَ الْقَدَّ؟ قُلْتُ: لَوْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَصَنَعَ غَيْرَ الَّذِي تَصْنَعُ. قَالَ:
وَمَا كَانَ يَصْنَعُ؟ قُلْتُ: إِذًا لأَكَلَ وَأَطْعَمَنَا. قَالَ: فَنَشَجَ حَتَّى اخْتَلَفَتْ(10/340)
أَضْلاعُهُ وَقَالَ: لَوَدِدْتُ أَنِّي خَرَجْتُ مِنَ الأَمْرِ كَفَافًا لا عَلَيَّ وَلا لِي.
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: أُصِيبَ بَعِيرٌ مِنَ الْفَيْءِ فَنَحَرَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَأَرْسَلَ مِنْهُ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَنَعَ مَا بَقِيَ، فَدَعَا عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِيهِمُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ:
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ صَنَعْتَ لَنَا كُلَّ يَوْمٍ مِثْلَ هَذَا فَأَكَلْنَا عِنْدَكَ وَتُحَدِّثُنَا، فَقَالَ عُمَرُ: لا أَعُودُ لِمِثْلِهَا، إِنَّهُ مَضَى صَاحِبَايَ وَقَدْ عَمِلا عَمَلا وَسَلَكَا طَرِيقًا، وَإِنِّي إِنْ عَمِلْتُ بِغَيْرِ عَمَلِهِمَا سَلَكْتُ فِي غَيْرِ طَرِيقِهِمَا.
حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْن عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ عَن أَبِيهِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَعَدَ الْمِنْبَرَ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ مِنْ نَوَاحِي مَكَّةَ، فَعَلَّمَهُمْ وَأَمَرَهُمْ، وَنَهَاهُمْ، وَتَوَعَّدَهُمْ، ثُمَّ أَتَى أَهْلَهُ فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُمْ وَإِنْ أَتَى أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا مِمَّا نُهِيتُ عَنْهُ أَضْعَفْتُ لَهُ الْعُقُوبَةَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حكيم- أَوِ ابْنِ أَبِي حَكِيمٍ- عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إِذَا أَتَاهُ الْخَصْمَانِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمَا، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَرُدُّنِي عَنْ دِينِي.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ هَوْذَةَ بْنِ خَلِيفَةَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مَا بَقِيَ فِيَّ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ إِلا أَنِّي لَسْتُ أُبَالِي أَيُّ النَّاسِ نَكَحْتُ وَأَيُّهُمْ أَنْكَحْتُ.
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَشَدُّ أُمَّتِي فِي أَمْرِ اللَّهِ عمر» .](10/341)
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سعيد عن سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ:
مَا أُبَالِي إِذَا اخْتَصَمَ إِلَيَّ رَجُلانِ لأَيِّهِمَا كَانَ الْحَقُّ.
حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ، ثنا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَدَّانِيُّ قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَبَيْنَكَ وَبَيْنَ أَهْلِ نَجْرَانَ قَرَابَةٌ؟ قَالَ الرَّجُلُ: لا. قَالَ عُمَرُ: بَلَى، قَالَ الرَّجُلُ: لا. قَالَ عُمَرُ: بَلَى، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: أَنْشُدُ اللَّهَ كُلَّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَعْلَمُ أَنَّ بَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ وَبَيْنَ أَهْلِ نَجْرَانَ قَرَابَةٌ لَمَا تَكَلَّمَ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: بَلَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ نَجْرَانَ قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلِ كَذَا. فَقَالَ عُمَرُ: مَهْ، إِنَّا لا نَقْفُوا الآثَارَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، أنبأ سُفْيَانُ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرَ النَّاسِ صِيَامًا، وَأَكْثَرَ النَّاسِ سِوَاكًا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ يُونُسَ، أنبأ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَة، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْن أَبِي حَازِمٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَوْ كُنْتُ أُطِيقُ الأَذَانَ مَعَ الْخَلِيفَاءِ لأَذَّنْتُ.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَوْلا أَنْ أَسِيرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ أَضَعَ جَبِينِي فِي التُّرَابِ لِلَّهِ أَوْ أُجَالِسُ قَوْمًا يَلْتَقِطُونَ طَيِّبَ الْقَوْلِ كَمَا تُلْتَقَطُ الثَّمَرَةُ، لأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ قَدْ لَحِقْتُ بِاللَّهِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عن عمر بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَتِ الشِّفَاءُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ- وَرَأَتْ فِتْيَانًا يَقْصِدُونَ فِي الْمَشْيِ(10/342)
وَيَتَكَلَّمُونَ رُوَيْدًا-: مَا هَؤُلاءِ؟ قَالُوا: نُسَّاكٌ، فَقَالَتْ: كَانَ وَاللَّهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا تَكَلَّمَ أَسْمَعَ، وَإِذَا مَشَى أَسْرَعَ، وَإِذَا ضَرَبَ أَوْجَعَ، وَهُوَ وَاللَّهِ النَّاسِكُ حَقًّا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أُمِّ بَكْرٍ بِنْتِ الْمِسْوَرِ عَنْ أَبِيهَا الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: كُنَّا نَلْزَمُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ نَتَعَلَّمُ مِنْهُ الْوَرَعَ.
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيُّ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي أويس عَنِ الزُّهْرِيِّ عَن سالم قَالَ: كَانَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ وعَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ لا يعرف فيهما البر حَتَّى يقولا أَوْ يفعلا، قَالَ: قلت: يَا أَبَا بَكْر مَا تعني بِذَلِكَ؟ قَالَ: لم يكونا متماوتين.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لا يَزَالُ النَّاسُ مُسْتَقِيمِينَ مَا اسْتَقَامَتْ أَئِمَّتُهُمْ وَهُدَاتُهُمْ.
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مَا آتِي النِّسَاءَ لِلشَّهْوَةِ وَلَوْلا الْوَلَدُ مَا بَالَيْتُ أَلا أَرَى امْرَأَةً بِعَيْنِي.
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، أنبأ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا غَالِبٌ القطان عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَكْسَبَةٌ فِيهَا بَعْضُ الدَّنِيَّةِ خَيْرٌ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ. قَالَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ:
مَثَلُ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ، وَتَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ بِكِرَاءٍ وَعَسْبِ [1] الْفَحْلِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أنبأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، ثنا مَالِكُ بْنُ
__________
[1] الكراء الذي يؤخذ من ضرب الفحل. والمعروف أن ذلك مكروه. اللسان.(10/343)
أَنَسٍ عَنْ قَطَنِ بْنِ وَهْبِ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ الأَجْدَعِ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي سَفَرٍ، فَلَمَّا كَانَ قَرِيبًا مِنَ الرَّوْحَاءِ [1] ، سَمِعَ صَوْتَ رَاعٍ فِي جَبَلٍ فَعَدَلَ إِلَيْهِ فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ صَاحَ. يَا رَاعِيَ الْغَنَمِ، فَأَجَابَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنِّي مَرَرْتُ بِمَكَانٍ هُوَ أَخْصَبُ مِنْ مَكَانِكَ، وإن كل راع مسؤول عن رعيته، ثم عدل صدور الركاب.
[رأي لعمر في أصحاب الشورى]
حَدَّثَنِي حَفْص بْن عُمَر العُمري عَن الْهَيْثَم بْن عَدِيٍّ عَنْ عَوَانَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ مَنْ يُوَلَّى الْخِلافَةَ بَعْدَهُ فَقَالَ: إِنْ أُوَلِّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أُوَلِّ رَجُلا صَالِحًا فِي نَفْسِهِ، أَخَافُ إِيثَارَهُ قَرَابَاتِهِ، وَأَنْ يَغْلِبُوهُ عَلَى رَأْيِهِ، وَإِنْ أُوَلِّ عَلِيًّا أُوَلِّ شُجَاعًا تَقِيًّا عَلَى دُعَابَةٍ [2] فِيهِ، وَخَلِيقٌ أَنْ يَحْمِلَهُمْ عَلَى طَرِيقَةٍ صَالِحَةٍ، وَإِنْ أوّل الزبير فوعقة لقس [3] فيه شراسة وشعاسة، وَإِنْ أُوَلِّ طَلْحَةَ أُوَلِّ رَجُلا ذَا بَأْوٍ وَكِبْرٍ، وَإِنْ أُوَلِّ ابْنَ عَوْفٍ أُوَلِّ رَجُلا لَيِّنَ الْجَانِبِ سَلِسَ الْقِيَادَةِ، فَلَيْسَ يُصْلِحُ هَذَا الأَمْرَ إِلا شِدَّةٌ فِي غَيْرِ عُنْفٍ، وَلِينٌ فِي غَيْرِ ضَعْفٍ، وَلَكِنِّي أَدَعُهَا شُورَى بَيْنَهُمْ فَيَخْتَارُ الْمُسْلِمُونَ لأَنْفُسِهِمْ مِنْ هَؤُلاءِ مَا شَاءُوا.
[عمر بن الخطاب]
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ الأَسَدِيُّ عَنِ الْعَلاءِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ دَعَا بِحَلاقٍ فَحَلَقَهُ بِمُوسَى يَعْنِي جَسَدَهُ، قَالَ: فَاسْتَشْرَفَ لَهُ النَّاسُ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ، وَلَكِنَّ النُّورَةَ [4] مِنَ النَّعِيمِ فكرهتها.
__________
[1] موضع قريب من المدينة من أعمال الفرع على نحو من أربعين ميلا من المدينة. المغانم المطابة.
[2] الدعابة: اللعب والمزاح.
[3] رجل وعقه: سريع التبرم مع ضجر وصخب. واللقس: الشحيح. اللسان.
[4] النورة: الكلس الذي يستخدم لإزالة شعر العانة. اللسان.(10/344)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمَّانِيُّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الْحَوْتَكِيَّةِ قَالَ: سُئِلَ عُمَرُ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ: لَوْلا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَزِيدَ فِي الْحَدِيثِ أَوِ أَنْقُصَ لَحَدَّثْتُكُمْ بِهِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَوْمًا، وَدَخَلَ حَائِطًا، يَقُولُ، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ جِدَارٌ، وَهُوَ فِي جَوْفِ الْحَائِطِ: عُمَرُ بن الخطاب أمير المؤمنين بخ، والله يابن الْخَطَّابِ لَتَتَّقِيَنَّ اللَّهَ أَوْ لَيُعَذِّبَنَّكَ اللَّهُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: الرَّعِيَّةُ مُؤَدِّيَةٌ إِلَى الإِمَامِ حَقَّهُ مَا أَدَّى الإِمَامُ إِلَى اللَّهِ، فَإِذَا رَتَعَ الإِمَامُ رَتَعُوا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَاصِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ:
يَا أَسْلَمُ أَخْبَرَنِي عَنْ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ بِبَعْضِ شَأْنِهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حِينِ قُبِضَ كَانَ أَجَدَّ حَيْثُ انْتَهَى مِنْ عُمَرَ.
حَدَّثَنَا خلف بْن هِشَام البزار، ثنا مندل بْن علي العنزي عَن أَبِي عُثْمَان النهدي قال: والله الذي لو شاء لأنطق قناتي هَذِهِ، لو كَانَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ ميزانا لما كَانَ فِيهِ ميط شعيرة [1] .
وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ قَالَ: سَمِعْتُ سفيان بن عينية قال: قال
__________
[1] أي ميل شعره.(10/345)
عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ مَنْ رَفَعَ إِلَيَّ عُيُوبِي.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أنبأ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقِيُّ الْمَكِّيُّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رَجُلٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَقِيَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أيها الناس لقد رأيتني ومالي مِنْ أَكَالٍ إِلا أَنَّ لِي خَالاتٍ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ كُنْتُ أَسْتَعْذِبُ لَهُنَّ الْمَاءَ، فَيَقْبِضْنَ لِي الْقَبَضَاتِ مِنَ الزَّبِيبِ» ، ثُمَّ نَزَلَ فَقِيلَ لَهُ: مَا أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: إِنِّي وَجَدْتُ فِي نَفْسِي شَيْئًا فَأَرَدْتُ أَنْ أُطَأْطِئَ مِنْهَا.
حَدَّثَنِي هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ثنا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الْهُرْمُزَانَ رَأَى عُمَرَ بْنَ الخطاب رضي الله تعالى عنه مضطجعا فِي مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ حَوْلَهُ أَحَدٌ فَقَالَ: هَذَا وَاللَّهِ آخِرُ الْمُلْكِ الْهَنِيءِ.
حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، ثنا الْهَيْثِمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأَيْلِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي مَرَضِهِ فَقَالَ: قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيَّ مَعَ مَرَضِي مَرَضٌ آخَرُ، يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ إِنِّي وَلَّيْتُ عَلَيْكُمْ خَيْرَكُمْ فَكُلُّكُمْ وَرِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْفُهُ يَوَدُّ أَنَّ الأَمْرَ يَكُونُ لَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدِ الدُّنْيَا وَلَمْ تُرِدْهُ، وَقَدْ أَشْرَفَتْ لَكُمْ، وَلَمَّا تَأْتِكُمْ، وَكَأَنْ قَدْ أَتَتْكُمْ حَتَّى تَتَّخِذُوا نَضَائِدَ الدِّيبَاجِ وَسُتُورَ الْحَرِيرِ، وَحَتَّى يَأْلَمَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَنَامَ عَلَى الصُّوفِ كَمَا يَأْلَمُ أَنْ يَنَامَ عَلَى شَوْكِ السَّعْدَانِ، إِنَّكُمْ أَوَّلُ مَنْ يَضِلُّ مِنَ النَّاسِ بَعْدَ أَنْ كُنْتُمْ هُدَاتَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أُفَتِّشْ مَنْزِلَ فَاطِمَةَ وَلَوْ نَصَبَ عَلِيٌّ لِي الْحَرْبَ. وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَحْرِقِ الْفُجَاءَةَ السُّلَمِيَّ وَقَتَلْتُهُ قَتْلا مريحا، أو أطلقته إطلاقا سريحا. وودت أَنِّي قَتَلْتُ الأَشْعَثَ حِينَ أُتِيتُ بِهِ، فَإِنَّهُ يُلْقَى فِي رُوعِي أَنَّهُ(10/346)
لا يرى غيّا إلا اتبعه، وودت أَنِّي يَوْمَ السَّقِيفَةِ أَخَذْتُ بِيَدِ أَحَبِّ الرَّجُلَيْنِ فَبَايَعْتُهُ فَكُنْتُ وَزِيرًا، وَلَمْ أَكُنْ أَمِيرًا.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَوْصَى أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ حِينَ اسْتَخْلَفَهُ فَقَالَ: إِنَّ لِلَّهِ حَقًّا فِي اللَّيْلِ لا يَقْبَلُهُ فِي النَّهَارِ وَحَقًّا فِي النَّهَارِ لا يَقْبَلُهُ فِي اللَّيْلِ، وَلا يَقْبَلُ نَافِلَةً حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ وَإِذَا ثَقُلَتْ مَوَازِينُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ الْحَقَّ، ولحقّ لِمِيزَانٍ وُضِعَ فِيهِ الْحَقُّ أَنْ يَكُونَ ثَقِيلا، وَإِنَّمَا خَفَّتْ مَوَازِينُ مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ بِاتِّبَاعِهِمُ الْبَاطِلَ، وَحُقَّ لِمِيزَانٍ لا يُوضَعُ فِيهِ إِلا الْبَاطِلُ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا، إِنَّهُ نَزَلَتْ آيَةُ الرَّخَاءِ مَعَ آيَةِ الشِّدَّةِ لِيَكُونَ الْمُؤْمِنُ رَاغِبًا رَاهِبًا، وَلَوْ وُزِنَ رَجَاءُ الْمُؤْمِنِ وَخَوْفُهُ لَوُجِدَا سَوَاءً.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْبَجْلِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ يَأْخُذُ أُذُنَ الْفَرَسِ بِيَدٍ ثُمَّ يَأْخُذُ أُذُنَهُ الأُخْرَى بِيَدٍ ثُمَّ يَنْزُو عَلَى مَتْنِهِ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ عَنْ مَرْحُومٍ الْعَطَّارِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مُؤَذِّنِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ، وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْذِمْ، أَيْ أَسْرِعْ.
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَأْمُرُ عُمَّالَهُ أَنْ يُوَافُوهُ بِالْمَوْسِمِ فَإِذَا اجْتَمَعُوا قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ عُمَّالِي عَلَيْكُمْ لِيُصِيبُوا مِنْ أَبْشَارِكُمْ وَلا مِنْ أَمْوَالِكُمْ، إِنَّمَا بَعَثْتُهُمْ لِيَحْجِزُوا بَيْنَكُمْ وَيَقْسِمُوا فَيْئَكُمْ فَمَنْ فُعِلَ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ فَلْيَقُمْ، فَمَا قَامَ إِلا رَجُلٌ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ عَامِلَكَ(10/347)
فُلانٌ ضَرَبَنِي مِائَةَ سَوْطٍ. قَالَ: فِيمَ ضَرَبْتَهُ؟ فَلَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ فَقَالَ: قُمْ فَاقْتَصَّ مِنْهُ فافتدي مِنْهُ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ كُلَّ سَوْطٍ دِينَارَيْنِ.
حَدَّثَنِي أبو عمر الدوري، ثنا عباد بن عَبَّادٌ عَنْ وَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: تَعَلَّمُوا إِعْرَابَ الْقُرْآنِ كَمَا تُعَلَّمُونَ حِفْظَهُ.
وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ عَنِ الْحُسَيْنِ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ زَكَرِيَّا عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ فَمَاتَ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ أَجْرُ شَهِيدٍ.
حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ الْجَرِيرِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَعُسُّ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَلا يَرَى فِيهِ أَحَدًا إِلا أَخْرَجَهُ إِلا رَجُلا قَائِمًا يُصَلِّي، فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: نَفَرٌ مِنْ أَهْلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: مَا خَلْفَكُمْ بَعْدَ الصَّلاةِ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ. فَجَلَسَ مَعَهُمْ، ثُمَّ قَالَ لأَدْنَاهُمْ: خُذْ فِي الدُّعَاءِ فَدَعَا فَاسْتَقْرَأَهُمْ رَجُلا رَجُلا حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ وَأَنَا بِجَنْبِهِ فَقَالَ:
هَاتِ. فَحُصِرْتُ وَأَخَذَنِي أَفْكَلٌ [1] فَقَالَ: قُلْ وَلَوْ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا، اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا. قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ عُمَرُ فِي الدُّعَاءِ فَمَا كَانَ أَحَدٌ أَكْثَرَ دَمْعَةً وَلا أَشَدَّ بكاء منه، ثم قال: تفرقوا الان.
__________
[1] أفكل: رعدة. اللسان.(10/348)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَليِدِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَجْلِسُ مُتَرَبِّعًا وَيَسْتَلْقِي عَلَى ظَهْرِهِ، وَيَرْفَعُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى، قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الْجُلُوسَ فِي الْمَسْجِدِ فَلا عَلَيْهِ أَنْ يَضَعَ جَنْبَهُ فَهُوَ أَجْدَرُ أَلا يَقِلَّ جُلُوسُهُ.
حَدَّثَنِي رُوحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْد، قَالا: ثنا عارم بْن الفضل، ثنا حَمَّاد بْن زَيْد عَن أَيُّوب وهشام عَنِ ابْنِ سيرين قَالَ: قتل عمر ولم يجمع الْقُرْآن، قَالَ روح يعني أنه لم يحفظه.
الْمَدَائِنِيّ عَن ابْن جُعْدُبَةَ عَن صَالِحِ بْن كَيْسَانَ. قَالَ: كَانَ عُمَرُ كَثِيرَ النِّسَاءِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: قَدْ بَدِنْتَ، فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي وَأَنَا بَيْنَ نِسَاءٍ لا هِمَّةَ لَهُنَّ إِلا مَا وَضَعْنَهُ فِي بَطْنِي، وَاللَّهِ مَا ذَاكَ إِلا لأَنْفُسِهِنَّ دُونِي أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: شَخَصَ رَجُلٌ مِنَ الدَّهَاقِينَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي مَظْلَمَةٍ لَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ سَأَلَ عَنْ عُمَرَ فَقِيلَ: هُوَ ذَاكَ وَإِذَا هُوَ مُسْتَلْقٍ قَدْ جَمَعَ إِزَارَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، وَدِرَّتَهُ إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قِيلَ: فَذَاكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ، فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: لَقَدْ غُرِرْتُ بِنَفْسِي وَذَهَبْتُ بِنَفَقَتِي، ثُمَّ دَنَا مِنْ عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ بِقِصَّتِهِ، فَأَخَذَ قِطْعَةَ جِلْدٍ فَكَتَبَ فِيهَا بِخَطِّهِ: «لَيُنْصَفَنَّ هَذَا الدِّهْقَانُ، أَوْ لأَبْعَثَنَّ مَنْ يُنْصِفُهُ» . فَقَالَ الدِّهْقَانُ: لَقَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ، أنفقت مالي وأتبعت نَفْسِي، وَتَجَشَّمْتُ هَذَا السَّفَرَ الْبَعِيدَ الشَّدِيدَ، ثُمَّ رَجَعْتُ بِقِطْعَةِ جِلْدٍ مِنْ صَحِيفَةٍ، وَهَمَّ أَنْ يُلْقِيَهَا، فَلَمَّا صَارَ إِلَى الْعَامِلِ(10/349)
وَدَفَعَهَا إِلَيْهِ قَامَ عَلَى رِجْلَيْهِ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى أَنْصَفَهُ، فَقَالَ الدِّهْقَانُ: هَذَا وَاللَّهِ الْمَلِكُ، وَهَذِهِ الطَّاعَةُ لا مَا كُنَّا فِيهِ.
حَدَّثَنِي عباس بن هشام ابن الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَوَانَةَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ وَالِيًا فَكَانَ يَجْلِسُ لِلرَّعِيَّةِ فَوْقَ جَبَلٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ فَأَسْهِلْ تُثْمِرْ وَالسَّلامُ. فَكَانَ يَجْلِسُ بَعْدَ ذَلِكَ أَسْفَلَ الْجَبَلِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ لا تُمْلَكُ رَقَبَتُهُ إِلا وَلَهُ فِي هَذَا الْفَيْءِ حَقٌّ أُعْطِيَهُ أَوْ مُنِعَهُ، وَلَئِنْ عِشْتُ لَيَأْتِيَنَّ الرَّاعِي بِالْيَمَنِ حَقُّهُ قَبْلَ أَنْ يَحْمَرَّ وَجْهُهُ فِي طَلَبِهِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ يُبْلِغُ بِهِ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: وَالَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ إِلا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ أُعْطِيَهُ أَوِ مُنِعَهُ وَمَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا أَنْ يكون عبد مملوك، وَمَا أَنَا فِيهِ إِلا كَأَحَدِكُمْ، وَلَكِنَّا عَلَى مَنَازِلِنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالرَّجُلُ وَبَلاؤُهُ فِي الإِسْلامِ، وَالرَّجُلُ وَحَاجَتُهُ، وو الله لَئِنْ بَقِيتُ لَيَأْتِيَنَّ الرَّاعِي بِجَبَلِ صَنْعَاءَ حَظُّهُ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَهُوَ بِمَكَانِهِ.
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شَبَّةَ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ مَرْحُومٍ الْعَطَّارِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مُؤَذِّنِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إِذَا أَذَّنْتَ فتزيل، وإذا أقمت فاحذم [1] .
__________
[1] التزييل: التفريق، والحذم الاسراع. القاموس.(10/350)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبا أَبُو عَقِيلِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَدِمَتْ رُفْقَةٌ مِنَ التُّجَّارِ فَنَزَلُوا الْمُصَلَّى فَقَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: هَلْ لَكَ أَنْ تَحْرُسَهُمُ اللَّيْلَةَ مِنَ السَّرَقِ؟ فَبَاتَا يَحْرُسَانِهِمْ وَيُصَلِّيَانِ. فَسَمِعَ عُمَرُ بُكَاءَ صَبِيٍّ فَتَوَجَّهَ نَحْوَهُ فَقَالَ لأُمِّهِ: اتَّقِي اللَّهَ وَأَحْسِنِي إِلَى صَبِيِّكِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى مَكَانِهِ فَسَمِعَ بُكَاءَهُ فَعَادَ إِلَى أُمِّهِ فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ آخِرُ اللَّيْلِ سَمِعَ بُكَاءَهُ فَقَالَ لأُمِّهِ: وَيْحَكِ إِنِّي أَرَاكِ أُمَّ سُوءٍ، أَرَى ابْنَكِ لا يَقَرُّ مُنْذُ اللَّيْلَةِ.
قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ قَدْ أَبْرَمْتَنِي مُنْذُ اللَّيْلَةِ أَنِّي أُرِيغُهُ عَلَى الْفِطَامِ غِيَابًا، قَالَ:
وَلِمَ؟ قَالَتْ: لأَنَّ عُمَرَ لا يَفْرِضُ إِلا لِلْفَطِيمِ قَالَ: وَكَمْ لَهُ؟ قَالَت: كَذَا وَكَذَا فَقَالَ: وَيْحَكِ لا تَعْجِلِيهِ، فَصَلَّى الْفَجْرَ وَمَا يَسْتَبِينُ النَّاسَ قِرَاءَتَهُ مِنَ الْبُكَاءِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: يَا بُؤْسَ لِعُمَرَ كَمْ قَتَلَ مِنْ أَوْلادِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ مُنَادٍ فَنَادَى: لا تُعْجِلُوا صِبْيَانَكُمْ عَنِ الرَّضَاعِ بِالْفِطَامِ فإنا نَفْرِضُ لِكُلِّ مَوْلُودٍ فِي الإِسْلامِ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى الآفَاقِ.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأُلْحِقَنَّ آخِرَ النَّاسِ بِأَوَّلِهِمْ وَلأَجْعَلَنَّهُمْ شَيْئًا وَاحِدًا.
حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ حَدَّثَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ يَقُولُ: لأُلْحِقَنَّ أَسْفَلَ النَّاسِ بِأَعْلَاهُمْ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ قَالا: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَ إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ عَنْ عمر(10/351)
قَالَ: لَئِنْ عِشْتُ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ لأَجْعَلَنَّ عَطَاءَ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ ثَلاثَةَ آلافٍ أَلْفًا لِكُرَاعِهِ وَسِلاحِهِ، وَأَلْفًا نَفَقَةً لَهُ وَأَلْفًا نَفَقَةً لأَهْلِهِ.
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ الآجُرِّيُّ وَهُدْبَةُ قَالا: ثنا أَبُو الأَشْهَبِ، ثنا الْحَسَنُ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَوْ قَدْ عَلِمْتُ نَصِيبِي مِنْ هَذَا الْمَالِ لآتِي الرَّاعِي بِسَرَوَاتِ حَمِيرٍ نُصِيبُهُ مِنْهُ لا يَعْرَقُ فِيهِ جَبِينُهُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عارم بن الفضل، ثنا حماد بن زيد عَنْ عَمْرٍو قَالَ: قَسَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بين أهل مكة عشرة عَشَرَةً فَأَعْطَى رَجُلا فَقِيلَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ مَمْلُوكٌ فَقَالَ: رُدُّوهُ، ثُمَّ قَالَ: دَعُوهُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ هَارُونَ الْبَرْبَرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَكِيلَ لَكُمُ الْمَالَ بِالصَّاعِ.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى عَنْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ يَحْمِلُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ بَعِيرٍ، يَحْمِلُ الرَّجُلُ إِلَى الشَّامِ عَلَى بَعِيرٍ، وَالرَّجُلَيْنِ إِلَى الْعِرَاقِ عَلَى بَعِيرٍ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالَ: احْمِلْنِي وَسُحَيْمًا فَقَالَ: نَشَدْتُكَ اللَّهَ أَسُحَيْمٌ زِقٌّ؟ قَالَ نَعَمْ.
وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: لا يَغُرَّنَّكَ خُلُقُ امْرِئٍ حَتَّى يَغْضَبَ، وَلا دِينُهُ حَتَّى يَطْمَعَ.(10/352)
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
كَانَ عُمَرُ قَائِفًا صَلِيبَ الرَّأْيِ كَأَنَّ عَزْمَهُ حُسَامٌ ذَكَرٌ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ قَالا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، أَنْبَأَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ عُمَرُ يُرْسِلُ إِلَيْنَا بِأَحَاظِينَا حَتَّى مِنَ الرؤوس وَالأَكَارِعِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالا: ثنا يَعْلَى بْنُ عبيد، ثنا هَارُونُ الْبَرْبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لأَزِيدَنَّهُمْ مَا زَادَ الْمَالُ، لأَعُدَّنَّهُ لَهُمْ عَدًّا، فَإِنْ أَعْيَانِي كِلْتُهُ لَهُمْ كَيْلا، فَإِنْ أَعْيَانِي حَسَوْتُهُ بِغَيْرِ حِسَابٍ.
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ، ثنا الْحَسَنُ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي مُوسَى: اجْعَلْ يَوْمًا فِي السَّنَةِ لا يَبْقَى فِيهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ حَتَّى يُكْتَسَحَ اكْتِسَاحًا لِيَعْلَمَ اللَّهُ أَنْ قَدْ أَدَّيْتُ إِلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، قَالَ الْحَسَنُ: فَأَخَذَ وَاللَّهِ صَفْوَهَا وَتَرَكَ كَدَرَهَا، حَتَّى أَلْحَقَهُ اللَّهُ بِصَاحِبَيْهِ.
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَعْدَوَيْهِ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ أَنْبَأَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلالٍ، ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَيَّانَ. قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: دَعَانِي عُمَرُ فَأَتَيْتُهُ فَإِذَا بَيْنَ يَدَيْهِ نِطْعٌ عَلَيْهِ الذَّهَبُ مَنْثُورًا، وَجَثَا فَقَالَ: هَلُمَّ فَاقْسِمْ هذا بين قومك فالله أعلم حيث زوى هَذَا عَنْ نَبِيِّهِ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَأَعْطَيْتُهُ، أَلِخَيْرٍ أَعْطَيْتَهُ أَمْ لِشَرٍّ، قَالَ فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ أَقْسِمُ وَأُفَرِّقُ، قَالَ: فَسَمِعْتُ الْبُكَاءَ فَإِذَا صَوْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَإِذَا هُوَ يَقُولُ فِي بُكَائِهِ: كَلا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا حَبَسَهُ اللَّهُ عَنْ نَبِيِّهِ وأَبِي بَكْرٍ إِرَادَةَ الشَّرِّ بِهِمَا، وَأَعْطَاهُ عُمَرَ إِرَادَةَ الْخَيْرِ به.(10/353)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سيرين أن صهر لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ فَعَرَضَ لعمر بأن يعطيه من بيت المال فانتهر وَقَالَ: أَرَدْتَ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ مَلِكًا خَائِنًا، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَعْطَاهُ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ عَشْرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ.
حَدَّثَنِي عَفَّانُ، ثنا شُعْبَةُ، أَنْبَأَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ، دَخَلَ عَلَى عُمَرَ شَابٌّ وَقَدْ طُعِنَ فَقَالَ لَهُ وَرَآهُ يَجُرُّ ثَوْبَهُ: ارْفَعْ ثَوْبَكَ فَإِنَّهُ أَتْقَى لِرَبِّكَ وَأَبْقَى لِثَوْبِكَ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: عَجِبْتُ لِعُمَرَ أَنْ رَأَى حَقًّا عَلَيْهِ فَلَمْ يَشْغَلْهُ مَا هو فيه مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ سُوَيْدٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ قَالَ: أَيُّمَا عَامِلٍ لِي ظَلَمَ أَحَدًا، فَبَلَغَتْنِي مَظْلَمَتُهُ فَلَمْ أُغَيِّرْهَا، فَأَنَا ظَلَمْتُهُ.
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن معمر عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: لا يَحْرُجُ أَنْ أَسْتَعْمِلَ الرَّجُلَ وَأَنَا (أَجِدُ) [1] أَقْوَى مِنْهُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عن عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَاطِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ مَاتَتْ سَخْلَةٌ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ ضَيَاعًا لَخَشِيتُ أَنْ يَسْأَلَنِي اللَّهُ عَنْهَا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله عن الزهري
__________
[1] أضيف ما بين الحاصرتين من طبقات ابن سعد ج 3 ص 305.(10/354)
عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: رَأَيْتُ عِنْدَ عمر خيلا موسومة في أفخاذها:
«حبس فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ فِرَاسٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ شَرِيكٍ الْفَزَارِيِّ قَالَ: عَقِلْتُ عُمَرَ بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فحمل عَلَى ثَلاثِينَ أَلْفِ بَعِيرٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ في كل حول، وعلى ثلاثمائة فَرَسٍ، وَكَانَتِ الْخَيْلُ تَرْعَى بِالنَّقِيعِ، وَكَانَ حَمَى النَّقِيعَ [1] لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَرُّوخَ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ يُصْلِحُ أَدَوَاتَ الإِبِلِ الَّتِي يَحْمِلُ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَرَاذِعَهَا وَأَقْتَابَهَا، فَإِذَا حَمَلَ رَجُلا عَلَى بَعِيرٍ جَعَلَ مَعَهُ أَدَاتَهُ.
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنِي عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم [قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ عُمَرَ فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَبْغَضَهُ فَقَدْ أَبْغَضَنِي» ] .
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، أنبأ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ثنا سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى عَلَى عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ قَمِيصًا سُنْبُلانِيًّا [2] طَوِيلَ الْكُمَّيْنِ، فَدَعَا بِشَفْرَةٍ لِيَقْطَعَ كُمَّيْهِ مِنْ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، فَقَالَ: أَنَا أَقْطَعُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنِّي أَسْتَحْيِي مِنَ النَّاسِ فَقَطَعَهُ عُمَرُ.
أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي وَجْزَةَ قَالَ: قال عمر لأعرابي وهو يعلمه الصلاة:
__________
[1] النقيع: من اودية الحجاز، على عشرين ميلا من المدينة المنورة. معجم البلدان.
[2] السنبلاني: الثوب السابغ الطويل، وقد يكون منسوبا إلى مكان. اللسان.(10/355)
إِنَّ الصَّلاةَ أَرْبَعٌ وَأَرْبَعٌ ... ثُمَّ ثَلاثٌ بَعْدَهُنَّ أَرْبَعٌ
ثُمَّ صَلاةُ الصُّبْحِ لا تَضِيعُ
قَالَ: وهما رَكْعَتَانِ.
الْمَدَائِنِيُّ عَن شُعْبَةَ عَن عَمْرو بْن مُرَّةَ قَالَ: قِيلَ لِعُمَرَ: مَنْ شَرُّ النَّاسِ؟ قَالَ: الَّذِي لا يُبَالِي أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ مُسِيئًا.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ اللَّيْلَةَ، وَكَذَاكَ فِي الأَمْرِ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَا مَعَهُ.
حَدَّثَنِي بَكْرٌ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عن أَبِي سَلَمَةَ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ أنه قَالَ: كَانَتْ درة عمر أهيب فِي الصدور من سوطكم هَذَا.
الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إنما أنا فِي مالكم هَذَا كوالي اليتيم إن استغنيت عففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف قضما كقضم البهمة لا خضما كخضم الكودن الهرم [1] . قَالَ: وَقَالَ عمر فِي خطبة لَهُ:
يَا معشر الْمُسْلِمِينَ تعلموا أنسابكم تصلوا أرحامكم، وتعلموا القرآن تعرفوا به، واعلموا بما فِيهِ تكونوا من أهله ولم يبلغ حق ذي حق أن يطاع فِي معصية اللَّه.
وَقَالَ عمر بْن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي بعض خطبه: أَيُّهَا النَّاسُ، إن بعض الطمع فقر حاضر، وإن بعض اليأس غنى، وإنكم تجمعون مَا لا تأكلون، وتأملون مَا لا تدركون، وأنتم مؤجلون فِي دار غرور.
وَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أظهروا لنا أحسن أخلاقكم، والله أعلم
__________
[1] الخضم: الأكل بجميع الفم. والكودن هو البرذون البطيء. اللسان.(10/356)
بسرائركم، فإنه من أظهر لنا علانية حسنة ظننا بِهِ حسنا، ومن أظهر لنا سوءا، وزعم أن سريرته حسنة لم نصدقه.
وَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اتقوا اللَّه وأصلحوا أموالكم وَلا تلبسوا نساءكم القباطي [1] فإنها إِلا تشف تصف، وَاللَّه لوددت أني أنجو من أمركم كفافا لا علي وَلا لِي، وإني لأرجو إن عمرت يسيرا أَوْ كثيرا أن أعمل فيكم بالحق، وألا يبقى أحد من الْمُسْلِمِينَ إِلا أتاه نصيبه من مال اللَّه، فأصلحوا أموركم واعلموا أن قليل الرزق فِي رفق خير من كثيره مَعَ عنف وخرق.
وَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي خطبة لَهُ: إن الدنيا خضرة حلوة فإياكم وإياها، خافوها عَلَى أعمالكم حيثما كنتم، وإن نزلتم بأرض عدو لا يفهمون كلامكم فأشار أحدكم إِلَى السماء لبعضهم فقد أمن لأنه يظن أن ذَلِكَ عقده.
وَقَالَ عمر: إني فرضت الضيافة ثلاثة أيام، فأتت رفقة جن عَلَيْهَا الليل فاضطرها إِلَى قرية مصالحة فلم ينزلوهم حَتَّى باتوا بالعراء فقد برئت من أهل تلك القرية الذمة.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ الْوَاسِطِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: كُنَّا نَعُدُّ المقرض بخيلا، إِنَّمَا كَانَتِ الْمُؤَاسَاةُ.
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذِ بْن مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شُعْبَة عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ فَحَيَّ هَلا بِعُمَرَ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى الْحِمْصِيُّ، ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الوليد، حدثني
__________
[1] القباطي: ثياب كتان رقاق كانت تعمل في مصر. اللسان.(10/357)
الزَّبِيدِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ [اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى أَنِّي لأَرَى الرِّيَّ يَجْرِي فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلَهُ عُمَرَ. قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْعِلْمَ» ] .
الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَمْ يَفْضُلْ عُمَرُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأَنَّهُ كَانَ أَطْوَلَهُمْ وَأَكْثَرَهُمْ صِيَامًا، وَلَكِنَّهُ فَضَلَهُمْ بِأَنَّهُ كَانَ أَزْهَدَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَأَشَدَّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ.
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، ثنا أَبُو شِهَابٍ الْحَنَّاطُ عَبْدُ رَبِّهِ، أنبأ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي جُحَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: [يَا وَهْبُ، أَلا أُنَبِّئُكَ بِأَفْضَلِ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَرَجُلٌ آخَرُ] .
وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، ثنا أَبُو شِهَابٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: كَانَ عُمَرُ حِصْنًا حَصِينًا، وَكَانُوا يَدْخُلُونَ فِيهِ وَلا يَخْرُجُونَ، فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ انْثَلَمَ الْحِصْنُ فَالنَّاسُ يَخْرُجُونَ مِنْهُ وَلا يَدْخُلُونَ، فَإِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ فَحَيِّ هَلا بِعُمَرَ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: ذُكِرَ رَجُلٌ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقِيلَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لا يَعْرِفُ مِنَ الشَّرِّ شَيْئًا، فَقَالَ ذَلِكَ أَوْقَعُ لَهُ فِيهِ.
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثنا سُفْيَانُ عَنْ عِيسَى عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَقَدْ تَرَكْتُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْحَلالِ مَخَافَةَ الحرام.(10/358)
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ طُعْمَةَ بْنِ غَيْلانَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَسْلَمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: دَخَلَ عُمَرُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ غَسِيلانِ فَقَالَ النَّبِيُّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبَسْ جَدِيدًا وَعِشْ حَمِيدًا، وَانْبَعِثْ شَهِيدًا، وَيُعْطِكَ اللَّهُ خَيْرًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» ] .
وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: رَوَى لَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: [ «إِنَّ اللَّهَ أَيَّدَنِي مِنَ الْمَلائِكَةِ بِجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَمِنْ أَهْلِ الأَرْضِ بأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَمَنْ خَالَفَهُمَا فَقَدْ خَالَفَنِي» ] .
وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ عَنِ ابْنِ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الأَمْصَارِ، أَوْ قَالَ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ: أَنْ عَلِّمُوا أَوْلادَكُمُ الْفُرُوسِيَّةَ وَالْعَوْمَ، وَرَوُّوهُمُ الشِّعْرَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، ثنا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُغْزِي الْعَزَبَ عَنْ ذِي الْحَلِيلَةِ، وَالْفَارِسَ عَنِ الْقَاعِدِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن سعد عن الواقدي عن ابن أبي سَبْرَةَ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُعَاقِبُ بَيْنَ الْغَزَاةِ وَيَنْهَى أَنْ تُحْمَلَ الذُّرِّيَّةُ إِلَى الثُّغُورِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ عُمَرَ غَضِبَ قَطُّ، فَذُكِرَ اللَّهُ عِنْدَهُ أَوْ خَوْفٌ أَوْ قَرَأَ عِنْدَهُ إِنْسَانٌ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ إِلا وَقَفَ عَمَّا كَانَ يُرِيدُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنِ بْنِ مَالِكٍ الدَّارِعِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: صَاحَ عُمَرُ عَلَيَّ يَوْمًا وَعَلانِي بِالدَّرَّةِ فَقُلْتُ:
اذْكُرِ اللَّهَ، فَطَرَحَهَا وَقَالَ: لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي عَظِيمًا.(10/359)
حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن عبد الله بن عمر عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ بِلالٌ فَاسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ فَقُلْتُ: إِنَّهُ نَائِمٌ، فَقَالَ:
يَا أَسْلَمُ كَيْفَ تَجِدُونَ عُمَرَ؟ قُلْتُ: هُوَ خَيْرُ النَّاسِ إِلا أَنَّهُ إِذَا غَضِبَ فَهُوَ أَمْرٌ عَظِيمٌ، فَقَالَ بِلالٌ: لَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ إِذَا غضب قَرَأْتُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ حَتَّى يَذْهَبَ غَضَبُهُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ زَاذَانَ عَنْ سَلْمَانَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لَهُ: أَمَلِكٌ أَنَا أَمْ خَلِيفَةٌ؟ فَقَالَ سَلْمَانُ: إِنْ أَنْتَ جَبَيْتَ مِنَ الأَرْضِ دِرْهَمًا أَوِ أَقَلَّ ثُمَّ وَضَعْتَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَأَنْتَ مَلِكٌ غَيْرُ خَلِيفَةٍ، فَاسْتَعْبَرَ عُمَرُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِث عَنْ أَبِيهِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَخَلِيفَةٌ أَنَا أَمْ مَلِكٌ؟ فَإِنْ كُنْتُ مَلِكًا فَهَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: إِنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا، إِنَّ الْخَلِيفَةَ لا يَأْخُذُ إِلا حَقًّا وَلا يَضَعُهُ إِلا فِي حَقٍّ، وَأَنْتَ بِحَمْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ، وَالْمَلِكَ يَعْسِفُ النَّاسَ فَيَأْخُذُ مِنْ هَذَا وَيُعْطِي هَذَا، قَالَ: فَسَكَتَ عُمَرُ.
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: عُمَرُ إِمَامُنَا فِي الْجَمَاعَةِ، وَابْنُهُ إِمَامُنَا فِي الْفُرْقَةِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ كَانَ إِذَا اسْتَعْمَلَ عَامِلا كَتَبَ مَالَهُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ عُمَّالَهُ فَكَتَبُوا أَمْوَالَهُمْ مِنْهُمْ(10/360)
سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَشَاطَرَهُمْ إِيَّاهَا، فَأَخَذَ نِصْفًا وَأَعْطَاهُمْ نِصْفًا وَقَالُوا:
قَاسَمَ عُمَرُ أَبَا هُرَيْرَةَ حِينَ وَلاهُ الْبَحْرَيْنِ، وَقَاسَمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَقَاسَمَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ مَوْلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَكَثَ عُمَرُ زَمَانًا لا يَأْكُلُ مِنَ الْمَالِ شَيْئًا حَتَّى دَخَلَتْ عَلَيْهِ خَصَاصَةٌ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَشَارَهُمْ فَقَالَ: قَدْ شُغِلْتُ بِهَذَا الأَمْرِ فَمَا يَصْلُحُ لِي مِنَ الْمَالِ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: كُلْ وَأَطْعِمْ، وَقَالَ سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: مَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قَالَ: غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ، قَالَ: فَأَخَذَ عُمَرُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْبَقَّالُ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: مَا أَحَدٍ يُفَتِّشُ إِلا فَتَّشَ عَنْ جَائِفَةٍ أَوْ مُنَقِّلَةٍ إِلا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَابْنَهُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُوتُ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ وَيَكْتَسِي الْحُلَّةَ فِي الصَّيْفِ، وَرُبَّمَا خُرِقَ الإِزَارُ فِي الصَّيْفِ حَتَّى يُرَقِّعَهُ فَمَا يُبْدِلُ مَكَانَهُ، وَمَا مِنْ عَامٍ يَكْثُرُ فِيهِ الْمَالُ إِلا وَكُسْوَتُهُ فِيهِ أَدْنَى مِنَ الْعَامِ الْمَاضِي، فَكَلَّمَتْهُ حَفْصَةُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّمَا أَكْتَسِي مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا يَبْلُغُنِي.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُوسَى بْن مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَسْتَنْفِقُ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمَيْنِ لَهُ وَلِعِيَالِهِ، وَأَنْفَقَ فِي حَجَّتِهِ ثَمَانِينَ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ.(10/361)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ صالح مولى التوأمة عَنِ ابْنِ الزُّبَيْر قَالَ: أَنْفَقَ عُمَرُ فِي حَجَّتِهِ مِائَةً وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا، وَقَالَ: قَدْ أَسْرَفْنَا فِي هَذَا الْمَالِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَمِائَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا عَلَى صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ خَمْسَةُ عَشَرَ دِينَارًا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ أَكَلَ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنَ الْمَالِ وَاحْتَرَفَ فِي مَالِ نَفْسِهِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَهْدَى أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ لامْرَأَةِ عُمَرَ عَاتِكَةَ بِنْتِ زَيْدِ بْن عَمْرو بْن نُفَيْلٍ طِنْفِسَةً أَرَاهَا تَكُونُ ذِرَاعًا وَشِبْرًا، فَرَآهَا عُمَرُ عِنْدَهَا فَقَالَ: أَنَّى لَكِ هَذِهِ؟ فَقَالَتْ: أَهْدَاهَا لِي أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ، فَأَخَذَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَهَا حَتَّى نَفَضَ رَأْسَهَا، ثُمَّ قَالَ: عَلَيَّ بِأَبِي مُوسَى وَأَتْعَبُوهُ فَأُتِيَ بِهِ وَقَدْ أُتْعِبَ وَهُوَ يَقُولُ: لا تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عُمَرُ: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى أَنْ تُهْدِي لِنِسَائِي ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ فَضَرَبَ بِهَا فَوْقَ رَأْسِهِ وَقَالَ: خُذْهَا فَلا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، ثنا عبد الله بن عمر عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ: يَا أَسْلَمَ أَمْسِكْ عَلَيَّ الْبَابَ وَلا تَأْخُذَنَّ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا، قَالَ: فَرَآى عَلَيَّ يَوْمًا ثَوْبًا جَدِيدًا فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟ قُلْتُ كَسَانِيهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَقَالَ: أَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ فَخُذْ مِنْهُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلا تَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا.(10/362)
قَالَ أَسْلَمُ: وَجَاءَ الزُّبَيْرُ وَأَنَا عَلَى الْبَابِ فَسَأَلَنِي أَنْ يَدْخُلَ فَقُلْتُ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَشْغُولٌ، قِفْ سَاعَةً. قَالَ: فَدَفَعَ يَدَهُ فَضَرَبَنِي خَلْفَ أُذُنِي ضَرْبَةً صَيَّحَتْنِي، فَدَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ فَجَعَلَ عُمَرُ يَقُولُ: الزُّبَيْرُ وَاللَّهِ أَرَى، قَالَ: وَأَدْخَلَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَضَرَبْتَ هَذَا الْغُلامَ؟ فَقَالَ الزُّبَيْر: زَعَمَ أَنَهُ يَمْنَعُنَا مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْكَ، فَقَالَ عُمَرُ: هَلْ رَدَّكَ عَنْ بَابِي قَطُّ؟ قَالَ: لا، فَقَالَ عُمَرُ: أَفَقَالَ لَكَ اصْبِرْ سَاعَةً فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَشْغُولٌ فَلَمْ تَعْذِرْنِي، إِنَّهُ وَاللَّهِ إِنَّمَا يَدْمَى السَّبُعُ لِلسِّبَاعِ فَتَأْكُلُهُ [1] .
حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ عَنِ النَّضْرِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يَقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ مَنْ قَدَّمَ فَضْلَ الْمَالِ وَأَمْسَكَ فَضْلَ الْكَلامِ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْوَقَّاصِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لا شَيْءَ أَنْفَعُ فِي دُنْيَا وَأَبْلَغُ فِي أَمْرِ دين من كلام.
[خطبة لعمر عقب توليته]
الْمَدَائِنِيُّ فِي إِسْنَادِهِ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حِينَ وَلِيَ فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى نَبِيِّهِ ثُمَّ قَالَ: «إِنِّي قَدْ وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ، وَلَوْلا رَجَائِي أَنْ أَكُونَ خَيْرَكُمْ لَكُمْ، وَأَقْوَاكُمْ عَلَيْكُمْ، وَأَشَدَّكُمُ اضْطِلاعًا بِمَا يَنُوبُ مِنْ مُهِمِّ أَمْرِكُمْ، مَا تَوَلَّيْتُ ذَلِكَ مِنْكُمْ، وَلَكَفَى عُمَرَ مُهِمًّا مُحْزِنًا انْتِظَارُ الْحِسَابِ عَلَى مَا يَصْنَعُ بِكُمْ وَيَسِيرُ بِهِ فِيكُمْ، وَلَمْ يُصْبِحْ عُمَرُ يَنُوءُ بِقُوَّةٍ وَلا حِيلَةٍ إِنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَعَوْنِهِ وَتَأْيِيدِهِ، وَإِنِّي مُعْطِي الْحَقِّ مِنْ نَفْسِي، وَإِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ، فَمَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ أَوْ مَظْلَمَةٌ أو عتب عليّ في خلق فليؤذنّي،
__________
[1] المعروف أن الذئب إذا رأى دما على ذئب أقدم عليه ليأكله، وأراد هنا: إن رفقي بكم جرأكم علي.(10/363)
وعليكم بتقوى الله في سركم وعلانيتكم وحرماتكم وَأَمْوَالِكُمْ وَأَعْرَاضِكُمْ، وَأَعْطُوا الْحَقَّ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، فَلَيْسَ بيني وبين أحد هوادة» .
[خطبة لعمر]
قَالُوا: وَقَالَ عُمَرُ فِي خُطْبَةٍ لَهُ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مِنْكُمْ زَمَانٌ قَلِيلُ الأُمَنَاءِ وَالْفُقَهَاءِ، كَثِيرُ الأُمَرَاءِ وَالْقِرَاءِ، يَعْمَلُ فِيهِ أَقْوَامٌ بِعَمَلِ الآخرةِ طَلَبًا لِلدُّنْيَا الَّتِي تَأْكُلُ دِينَ صَاحِبِهَا كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَصْبِرْ» .
وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: «أَيُّهَا النَّاسُ إنا لا نَبْعَثُكُمْ أُمَرَاءَ جَبَّارِينَ، وَلَكِنَّا نَبْعَثُكُمْ أَئِمَّةَ هُدًى يُقْتَدَى بِكُمْ، فَأَدِرُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَقْحَتَهُمْ، وَلا تَضْرِبُوهُمْ فَتُذِلُّوهُمْ، وَلا تُجَمِّرُوهُمْ فَتَفْتِنُوهُمْ، وَلا تَسْتَأْثِرُوا عَلَيْهِمْ فَتَظْلِمُوهُمْ، وَلا تَجْهَلُوا عَلَيْهِم فَتُحَرِّجُوهُمْ، وَقَاتِلُوا الْكُفَّارَ بِهِمْ طَاقَتَهُمْ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ بِهِمْ كَلالا فَكُفُّوهُمْ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي جِهَادِ عَدُوِّهِمْ» .
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ أُعَشِّرُ بَنِي تَغْلِبَ إِذَا أَقْبَلُوا وَإِذَا أَدْبَرُوا، فَانْطَلَقَ شَيْخٌ مِنْهُمْ إِلَى عُمَرَ فَشَكَا إِلَيْهِ فَقَالَ: تَكْفِي ثُمَّ أَتَاهُ الشَّيْخُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: أَنَا الشَّيْخُ النَّصْرَانِيُّ. قَالَ عُمَرُ: وَأَنَا الشَّيْخُ الْمُسْلِمُ، وَكَتَبَ إِلَيَّ أَلا تُعَشِّرْهُمْ فِي السَّنَةِ إِلا مَرَّةً وَاحِدَةً.
وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن الأَسْوَدِ عَن أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ:
«أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِأَهْلِ الأَمْصَارِ فَإِنَّهُمْ جُبَاةُ الْمَالِ وَغَيْظُ الْعَدُوِّ، وَرِدْءُ الْمُسْلِمِينَ، أَنْ يَقْسِمَ فِيهِمْ بِالْعَدْلِ وَلا يَحْمِلْ مِنْ عِنْدِهِمْ فَضْلَ إِلا أَنْ تَطِيبَ بِهِ أَنْفُسُهُمْ، وَأُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِأَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يُوفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتِلَ مِنْ وَرَاءِهِمْ وَلا يُكَلَّفُوا فَوْقَ طاقتهم» .(10/364)
[عمر يفرض لشيخ ذمي]
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَن إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رَأَى شَيْخًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَقُومُ عَلَى أَبْوَابِ النَّاسِ يَسْأَلُهُمْ فَقَالَ:
مَا أَنْصَفْنَاكَ، أَخَذْنَا مِنْكَ الْخَرَاجَ شَابًّا فَلَمَّا كَبِرْتَ خَذَلْنَاكَ. فَأَجْرَى عَلَيْهِ قُوتَهُ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ.
حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا حَفْصُ بْنُ غَيَّاثٍ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يُصَالِحُ أَهْلَ السَّوَادِ فَاشْتَرَطَ عَلَيْهِم الضِّيَافَةَ، وَأَنْ يُهْدُوا ابْنَ السَّبِيلِ. قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:
وَنَحْنُ بَرَاءٌ من معّرة الجيش، قالوا: وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِنْ حَبَسَتِ الرجل علة أو مطر أَضَافُوهُ يَوْمًا آخَرَ أَوْ يَوْمَيْنِ، فَإِنْ زَادَ اسْتُنْفِقَ مِنْ مَالِهِ، وَأَنْ لا يَتَعَدَّى مَا عندهم من طعام وعلف.
[عمر بن الخطاب]
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، أنبأ خَالِدُ بْنُ سَمِيرٍ أَنَّ رَجُلا يُقَالُ لَهُ مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ انْتَقَشَ عَلَى خَاتَمِ الْخِلافَةِ، فَأَصَابَ خَرَاجًا مِنْ خَرَاجِ الْكُوفَةِ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَكَتَبَ إِلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلا يُقَالُ لَهُ مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ انْتَقَشَ عَلَى خَاتَمِ الْخِلافَةِ فَأَصَابَ خَرَاجًا مِنْ خَرَاجِ الْكُوفَةِ فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَإِذَا رَأَيْتَهُ فَنَفِّذْ أَمْرِي فِيهِ، وَأَطِعْ رَسُولِي، فَلَمَّا صَلَّى الْمُغِيرَةُ الْعَصْرَ وَأَخَذَ النَّاسُ مَجَالِسَهُمْ، خَرَجَ الْمُغِيرَةُ وَمَعَهُ رَسُولُ عُمَرَ، فَاشْرَأَبَّ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَعْنٍ فَقَالَ لِلرَّسُولِ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَرَنِي أَنْ أُطِيعَ فِيهِ أَمْرَكَ فَمُرْنِي بِمَا شِئْتَ فَقَالَ: ادْعُ بِجَامِعَةٍ فَاجْعَلْهَا فِي عُنُقِهِ فَفَعَلَ وَجَبَذَهَا جَبْذًا شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَ: احْبِسْهُ إِلَى أَنْ يَأْتِيَك فِيهِ أَمْرُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَفَعَلَ، وَكَانَ السِّجْنُ يَوْمَئِذٍ مِنْ قَصَبٍ، فَتَحَيَّلَ مَعْنٌ(10/365)
لِلْخُرُوجِ، وَبَعَثَ إِلَى أَهْلِهِ أَنِ ابْعَثُوا إِلَيَّ بِنَاقَتِي وَجَارِيَتِي وَعَبَاءَتِي الْقَطَوَانِيَّةِ فَفَعَلُوا، وَخَرَجَ مِنَ اللَّيْلِ وَأَرْدَفَ جَارِيَتَهُ، وَسَارَ حَتَّى إِذَا رَهِبَ أَنْ يَفْضَحَهُ الصُّبْحُ أَنَاخَ نَاقَتَهُ وَعَقَلَهَا، ثُمَّ كَمَنَ حَتَّى إِذَا سَكَنَ عَنْهُ الطَّلَبُ، أَعَادَ عَلَى نَاقَتِهِ الْعَبَاءَةَ وَأَرْدَفَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ سَارَ كَذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى عُمَرَ وَهُوَ يُوقِظُ الْمُتَهَجِّدِينَ النُّوَّامَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ، وَمَعَهُ دِرَّتُهُ، فَجَعَلَ نَاقَتَهُ وَجَارِيَتَهُ بِبَعْضِ الْمَوَاضِعِ، ثُمَّ دَنَا مِنْ عُمَرَ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَقَالَ: وَعَلَيْكَ مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ قَدْ جِئْتُكَ تَائِبًا قَبْلَ أَنْ تَقْدِرَ عَلَيَّ فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ مَعْنٌ فَلا حَيَّاكَ اللَّهُ، فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ قَالَ لِلنَّاسِ: مَكَانَكُمْ. فَلَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَالَ: هَذَا مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ انْتَقَشَ عَلَى خَاتَمِ الْخِلافَةِ فَأَصَابَ بِهِ خَرَاجًا مِنْ خَرَاجِ الْكُوفَةِ، فَأَشِيرُوا عَلَيَّ. فَقَالَ قَائِلٌ: اقْطَعْ يَدَهُ وَقَالَ قَائِلٌ: اصْلُبْهُ، وَعَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ سَاكِتٌ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا الْحَسَنِ؟ قَالَ: [رَجُلٌ كَذَبَ كِذْبَةً عُقُوبَتُهُ فِي بَشَرِهِ،] فَضَرَبَهُ عُمَرُ ضَرْبًا شَدِيدًا، أَوْ قَالَ مُبَرِّحًا، وَحَبَسَهُ فَكَانَ مَحْبُوسًا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى صَدِيقٍ لَهُ مِنْ قُرَيْشٍ أَنْ كِلِّمْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَخْلِيَةِ سَبِيلِي فَقَدْ بَلَغَ مِنْ عُقُوبَتِي مَا أَرَادَ، فَكَلَّمَهُ الْقُرَشِيُّ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ قَدْ أَصَبْتَهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ بِمَا كَانَ لَهُ أَهْلا فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُخَلِّيَ سَبِيلَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: «ذَكَّرْتَنِي الطَّعْنَ وَقَدْ كُنْتُ نَاسِيًا» ، ثُمَّ دعا بمعن فضربه وَأَمَرَ بِهِ إِلَى السِّجْنِ، فَبَعَثَ مَعْنٌ إِلَى كُلِّ صَدِيقٍ لَهُ لا تَذْكُرُونِي لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ انْتَبَهَ لَهُ فَقَالَ: مَعْنُ فَأُتِيَ بِهِ فَقَاسَمَهُ مَالَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ، أَوْ قَالَ فقاسمه ما كان له.
[وصف عمرو بن معدي كرب للسلاح]
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عُثْمَانَ الزِّيَادِيُّ أَبُو حَسَّانٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي(10/366)
خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَمْرَو بْنَ مَعْدِي كَرِبَ الزَّبِيدِيَّ وَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بَعْدَ فَتْحِ الْقَادِسِيَّةِ، فَسَأَلَهُ عَنْ سَعْدٍ وَعَنْ رِضَا النَّاسِ عَنْهُ، فَقَالَ تَرَكْتُهُ يَجْمَعُ لَهُمْ جَمْعَ الذَّرَةِ، وَيُشْفِقُ عَلَيْهِمْ شَفَقَةَ الأُمِّ الْبَرَّةِ، أَعْرَابِيٌّ فِي نَمِرَتِهِ [1] ، نَبَطِيٌّ فِي جِبَايَتِهِ يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ وَيَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ وَيَبْعُدُ بِالسَّرِيَّةِ، فَقَالَ عُمَرُ: كَأَنَّكُمَا تَقَارَضْتُمَا الثَّنَاءَ، وَكَانَ سَعْدٌ كَتَبَ يُثْنِي عَلَى عَمْرٍو، فَقَالَ عَمْرٌو: كلا يا أمير المؤمنين ولكني أثنيت بما أعلم.
قَالَ: يَا عَمْرُو أَخْبِرْنِي عَنِ الْحَرْبِ. قَالَ: مُرَّةُ الْمَذَاقِ إِذَا قَامَتْ عَلَى سَاقٍ، مَنْ صَبَرَ فِيهَا عُرِفَ، وَمَنْ ضَعُفَ عَنْهَا تَلِفَ. قَالَ: فأخبرني عَنِ السِّلاحَ، قَالَ: سَلْ عَمَّ شِئْتَ مِنْهُ. قَالَ: الرُّمْحَ؟ قَالَ: أَخُوكَ وَرُبَّمَا خَانَكَ، قَالَ: فَالسِّهَامُ؟ قَالَ: رُسُلُ الْمَنَايَا تُخْطِئُ وَتُصِيبُ. قَالَ:
فَالتُّرْسُ؟ قَالَ: ذَلِكَ الْمِجَنُّ وَعَلَيْهِ تَدُورُ الدَّوَائِرُ، قَالَ: فَالدِّرْعُ؟ قَالَ:
مَشْغَلَةٌ لِلْفَارِسِ مَتْعَبَةٌ لِلرَّاجِلِ، وَإِنَّهَا لَحِصْنٌ حَصِينٌ. قَالَ: فَالسَّيْفُ؟ قَالَ هُنَاكَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، قَالَ عُمَرُ: بَلْ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، فَقَالَ عَمْرو: الحمى أضرعتني إليك [2] .
[عمر بن الخطاب]
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ الآجُرِّيُّ، ثنا أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ، ثنا مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، فَاجْتَمَعَ لِي اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَيْهِ قَالَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ قَالَ: وَعَدُوَّ كِتَابِهِ، سَرَقْتَ مَالَ اللَّهِ؟ قَالَ: قلت:
__________
[1] النمرة: شملة مخططة من مآزر العرب. اللسان.
[2] مثل يضرب عند ما يضطر القائل إلى قبول الذل، والمراد هنا أن الاسلام وامرة المؤمنين أرغمت عمرا على السكوت والإغضاء.(10/367)
لَسْتُ بِعَدُوٍّ لِلَّهِ، وَلا لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ قَالَ: وَلا كِتَابِهِ، وَلَكِنِّي عَدُوُّ مَنْ عَادَاهُمَا، وَلَكِنْ خَيْلٌ تَنَاتَجَتْ وَسِهَامٌ اجْتَمَعَتْ، قَالَ: فَأَخَذَ مِنِّي اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا فَلَمَّا صَلَّيْتُ الْغَدَاةَ قُلْتُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُمَرَ.
قَالَ: وَكَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمْ وَيُعْطِيهِمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدُ قَالَ: أَلا تَعْمَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: قَدْ عَمِلَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ: (قَالَ اجْعَلْنِي على خزائن الأرض) [1] قُلْتُ: يُوسُفُ نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ، وَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ بْنُ أُمَيْمَةَ، وَأَخَافُ مِنْكُمْ ثَلاثًا، وَاثْنَتَيْنِ.
قَالَ: فَهَلا قُلْتَ خَمْسًا. قُلْتُ: أَخْشَى أَنْ تَضْرِبُوا ظَهْرِي، وَتَشْتُمُوا عِرْضِي، وَتَأْخُذُوا مَالِي، وَأَكْرَهُ أن أقول بغير حلم، وَأَحْكُمَ بِغَيْرِ عِلْمٍ.
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ وَرَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالا: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيِّ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ الْبَحْرَيْنَ قَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّ كِتَابِهِ، أَسَرَقْتَ مَالَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَسْتُ عَدُوَّ اللَّهِ، وَلا عَدُوَّ كِتَابِهِ، وَلَكِنِّي عَدُوُّ مَنْ عَادَاهُمَا، لَمْ أَسْرِقْ مَالَ اللَّهِ. قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ اجْتَمَعَ لَكَ عَشْرَةُ آلافِ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: خَيْلٌ تَنَاسَلَتْ، وَعَطَاءٌ تَلاحَقَ، وَسِهَامٌ اجْتَمَعَتْ فَقَبَضْتُهَا مِنْهُ، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ نَحْوَ الَّذِي ذَكَرَ أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنَ الْبَحْرَيْنِ قَالَ لَهُ عُمَرُ: مِنْ أَيْنَ لَكَ عَشْرَةُ آلافِ دِرْهَمٍ؟ فَقَالَ: سِهَامٌ اجْتَمَعَتْ وَخَيْلٌ تَنَاتَجَتْ وَعَطَاءٌ تَلاحَقَ، فَضَرَبَهُ ضَرَبَاتٍ، ثُمَّ قَاسَمَهُ مَالَهُ، فَأَخَذَ خمسة آلاف وترك له خمسة آلاف.
__________
[1] سورة يوسف- الاية: 55.(10/368)
وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: إِنَّ عِنْدَكَ مَالا أَصَبْتَهُ مِنَ الْيَمَنِ؟ فَقَالَ: قَدْ طَيَّبَهُ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَعْرِضْ لِي فِيهِ أَبُو بَكْرٍ، فَتَرَكَهُ عُمَرُ، فَرَأَى مُعَاذٌ فِي مَنَامِهِ كَأَنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ، فَأَرَادَ أَنْ يَنْهَضَ فَلَمْ يَقْدِرْ، فَقَصَّ ذَلِكَ عَلَى عُمَرَ وَقَالَ: مَا أَظُنُّ هَذَا إِلا لِمَكَانِ الْمَالِ؟
فَقَالَ عُمَرُ: اقْسِمْهُ قِسْمَيْنِ فَاجْعَلْ شَطْرَهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَقَسَمَهُ فِيهِمْ.
وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن الأسود عَن يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَكْتُبُ أَمْوَالَ عُمَّالِهِ إِذَا وَلاهُمْ وَيُقَاسِمَهُمْ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَرُبَّمَا أَخَذَهُ مِنْهُمْ، فَكَتَبَ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ بِمِصْرَ أَنَّهُ قَدْ فَشَتْ لَكَ فَاشِيَةٌ مِنْ مَتَاعٍ وَرَقِيقٍ وَآنِيَةٍ وَحَيَوَانٍ لَمْ تَكُنْ لَكَ حِينَ وُلِّيتَ مِصْرَ؟ فَكَتَبَ عَمْرٌو: إِنَّ أَرْضَنَا أَرْضُ مَتْجَرٍ وَمُزْدَرَعٍ، فَنَحْنُ نُصِيبُ فَضْلا عَمَّا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِنَفَقَتِنَا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: إِنِّي قَدْ خُبِّرْتُ مِنْ عُمَّالِ السُّوءِ مَا كَفَى، وَكِتَابُكَ إِلَيَّ كِتَابُ ضَجِرٍ قَدْ أَقْلَقَهُ الأَخْذُ بِالْحَقِّ، فَقَدْ سُؤْتُ بِكَ ظَنًّا، وَقَدْ وَجَّهْتُ إِلَيْك مُحَمَّد بن مسلمة لِيُقَاسِمَكَ مَالَكَ، فَاخْرُجْ مِمَّا يُطَالِبُكَ بِهِ، وَاعْفِهِ مِنَ الْغِلْظَةِ عَلَيْكَ، فَإِنَّهُ بَرِحَ الْخَفَاءَ.
عَلِيُّ بْن مُحَمَّد أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيّ عَن ابْنِ الْمُبَارَكِ بِمِثْلِهِ.
الْمَدَائِنِيُّ عَن عِيسَى بْن يَزِيدَ قَالَ: لَمَّا قَاسَمَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ عَمْرٌو: إِنَّ زَمَانًا عَامَلَنَا فِيهِ ابْنُ حَنْتَمَةَ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ لَزَمَانُ سُوءٍ، لَقَدْ كَانَ الْعَاصُ يَلْبَسُ الْخَزِّ بِكِفَافِ الدِّيبَاجِ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: مَهْ يَا عَمْرُو فَلَوْلا زَمَانُ ابْنِ حَنْتَمَةَ هَذَا الَّذِي تَكْرَهُهُ لأَلْفَيْتَ مُعْتَقَلا عَنْزًا بِفِنَاءِ بَيْتِكَ يَسُرُّكَ(10/369)
غَزْرُهَا وَيَسُوءُكَ بُكْؤُهَا [1] ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَنْ تُخْبِرَ عُمَرَ بِقَوْلِي، فَإِنَّ الْمَجَالِسَ بِالأَمَانَةِ، فَقَالَ: لا أَذْكُرُ شَيْئًا مِمَّا جَرَى بَيْنَنَا وَعُمَرُ حَيٌّ.
الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَقُول: لا يُسَمِّيَنَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، أَوِ ابْنَهُ الْحَكَمَ، وَأَبَا الْحَكَمِ، وَلا يَرْكَبَنَّ الدَّابَّةَ فَوْقَ اثْنَيْنِ وَلا تَرْكَبُوا عَلَى مُسُوكِ [2] السِّبَاعِ، وَعَلَيْكُمْ بِالأُزْرِ وَالْبِغَالِ وَبِالسِّوَاكِ وَتَقْلِيمِ الأَظَافِرِ، وَقَصِّ الشَّوَارِبِ.
حَدَّثَنِي أَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ عَنْ مُوسَى بْنُ دَاوُدَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ مُحَمَّد بْن سَوْقَةَ عَن مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِرِ التَّيْمِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنه: مَا شَيْءٌ أَحْسَنُ وَلا أَنْفَعُ مِنْ كَلامٍ، وَحَدَّثَ فَقَالَ: حَلَلْتُ إِزَارِي وَأَخَذْتُ مَضْجَعِي فَسَمِعْتُ قَائِلا يَقُولُ: السَّلامُ عَلَى أَهْلِ الْمَنْزِلِ خُذُوا مِنْ دُنْيَا فَانِيَةٍ لآخِرَةٍ بَاقِيَةٍ، وَاخْشَوُا الْمَعَادَ إِلَى اللَّهِ فَإِنَّهُ لا قَلِيلٌ مِنَ الأَجْرِ، وَلا غِنًى عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلا عَمَلَ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَصْلَحَ اللَّهُ أَعْمَالَكُمْ [3] .
وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: قَالَ عُمَرُ: ارْكَبُوا الْحَقَّ، وَخُوضُوا الْغَمَرَاتِ، وَكُونُوا وَاعِظِي أَنْفُسِكُمْ، وَالْزَمُوا أَدَبَ اللَّهِ لَكُمْ.
الْمَدَائِنِيّ أن عُمَر بْن الْخَطَّابِ قَالَ: لا بأس بالأبيات يقدمها الرجل أمام حاجته يستنزل بِهَا الكريم، ويستعطف بِهَا اللئيم، قَالَ: وَقَالَ عمر:
ليس العاقل الَّذِي يحتال للأمر إذا وقع فيه، ولكنه الذي يحتال لئلا يقع.
__________
[1] بكؤها: قلة لبنها. اللسان.
[2] المسوك: الجلود. اللسان.
[3] بهامش الأصل: بلغ العرض بالأصل الثالث من أول هذا الباب ولله كل حمد وجمال.(10/370)
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ قَالَ: مَنْ طَعَنَنِي؟ قَالُوا: أَبُو لُؤْلُؤَةَ، فَقَالَ لِلْعَبَّاسِ: هَذَا عَمَلُكَ وَعَمَلُ أَصْحَابِكَ، لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَى أن تجلبوا إلينا منهم أحدا، الحمد الله الَّذِي لَمْ أُخَاصِمْ فِي دَمِي أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
حَدَّثَنِي عَبْد الأَعْلَى بْن حَمَّاد النَّرْسِيُّ أَبُو يَحْيَى، ثنا وَهْبُ بْنُ خَالِدٍ، أنبأ ابْنُ عَوْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ بَلَغ عُمَرَ أَنَّ رَجُلا كَتَبَ كِتَابَ دَانِيَالَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَرْتَفِعَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ جَعَلَ عُمَرُ يَضْرِبُ بَطْنَ كَفِّهِ بِيَدِهِ وَيَقُولُ: (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قرآنا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص) [1] قَالَ عُمَرُ: أَفَقَصَصٌ أَحْسَنُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؟ فقال الرجل: يا أمير المؤمنين اعفني فو الله لأَمْحُوَنَّهُ.
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ الآجُرِّيُّ، ثنا الْبَرَاءُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخطاب أنه كان يقول: اقرأوا الْقُرْآنَ، وَسَلُوا اللَّهَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَهُ أَقْوَامٌ يَسْأَلُونَ اللَّهَ بِهِ.
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ الْبَصْرِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ أَيُّوبُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ الْمَدَنِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنه نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْمُصْحَفِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، أَوْ قَالَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَازِنِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ بِسْطَامٍ أَنَّ رَجُلا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَدَفَعَ عَنْهُ فَقَالَ: إِنِّي جَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي أَلا أَدَّخِرَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ شَيْئًا مِنْ مَالِي، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ هَذَا الأَخُ الْبَارُّ؟ فَدَنَا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ: ما مالك؟ قال: ناقتان أتيتك بهما. قال: ما عيالك؟ فأخبره،
__________
[1] سورة يوسف: الآيات: 1- 3.(10/371)
فَقَالَ: مَا أَرَى لَكَ عَنْ عِيَالِكَ فَضْلا خُذْهُمَا، وَدَعَا لَهُ بِنَاقَتَيْنِ فَقَالَ: خُذْهُمَا فَهُمَا عِنْدَكَ مِنْحَةٌ، وَإِذَا حَلَبَتْ فَاجْعَلْ فِي سِقَائِكَ مَاءً وَاغْبِقْ عِيَالَكَ، وَإِنْ كَانُوا نِيَامًا فَلا تُوقِظْهُمْ فَإِنَّ النَّوْمَ عَوْنٌ لَكَ عَلَيْهِم صَالِحٌ، ثُمَّ أَتَاهُ بِهِمَا بَعْدَ وَضْعِهِمَا وَمَعَهُمَا فَصِيلانٍ فَوَهَبَ ذَلِكَ لَهُ.
حَدَّثَنِي بَسَّامُ الْجَمَّالُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ثنا حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَهَّزَ جَيْشًا فَغَنِمُوا مَغْنَمًا، فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ اسْتَقْبَلَهُمْ وَقَدْ لَبِسُوا أَقْبِيَةَ الدِّيبَاجِ وَثِيَابَ الْعَجَمِ فَأَعْرَضَ عَنْهُمْ وَقَالَ: أَلْقُوا عَنْكُمْ ثِيَابَ أَهْلِ النَّارِ، فَأَلْقَوْهَا وَلَبِسُوا ثِيَابَهُمْ وَقَالُوا: إِنَّا أَرَدْنَا أَنْ نُرِيَكَ الَّذِي أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْنَا، قَالَ: فَلا تَشَبَّهُوا بِهِمْ فِي لِبَاسِهِمْ، فَإِنَّهُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ، وَأَذِنَ فِي الْعَلَمِ [1] مَا كَانَ إِصْبَعَيْنِ وَثَلاثًا وَأَرْبَعًا.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا شعيب بْنُ حَرْبٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قال: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ: «أَمَّا بَعْدُ فَارْتَدُوا وَاتَّزِرُوا، وَأَلْقُوا السَّرَاوِيلاتِ، وَانْتَعِلُوا، وَأَلْقُوا الْخِفَافَ، وَارْمُوا بِالأَغْرَاضِ [2] ، وَاقْطَعُوا الرَّكْبَ، وَانْزُوا عَلَى الْخَيْلِ نَزْوًا، وَعَلَيْكُمْ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَتَمَعْدَدُوا وَاخْشَوْشِنُوا، وَكُونُوا إِخْوَانًا، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْحَرِيرِ، إِلا مَا كَانَ هَكَذَا وَهَكَذَا:
ثَلاثَ أَصَابِعَ، وَأَرْبَعَ أصابع.
__________
[1] العلم: رسم الثوب، ورقمه في أطرافه، والرقم: مخطط من الوشي. اللسان.
[2] الغرض: الحزام. اللسان.(10/372)
حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن جَدِّهِ وَعَوَانَةُ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: دَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ وَعِنْدَهَا جَارِيَةٌ تَضْرِبُ بِدُفٍّ، فَلَمَّا رَأَتْهُ خَبَّأَتِ الدُّفَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَفِرُّ إِذَا سَمِعَ حِسَّ عُمَرَ» ] .
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ يَزِيدَ الْكِنَانِيِّ عَنْ أَبِي معَبْدٍ الأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِنَاسٍ مِنْ قُرَيْشٍ: إِنَّكُمْ تَتَّخِذُونَ مَجَالِسَ فَلا يَجْلِسَنَّ اثْنَانِ مَعًا حَتَّى يُقَالَ مَنْ جُلَسَاءِ فُلانٍ مَنْ صَحَابَةُ فُلانٍ؟ فَتُحُومِيَتِ الْمَجَالِسُ.
قَالَ: وَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَقُولُونَ هَذَا رَأْيُ فُلانٍ، وَقَوْلُ فُلانٍ، فَلا يَقُولُوا ذَلِكَ فَيُقَسِّمُوا الإِسْلامَ أَقْسَامًا.
وَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ قَدْ مَلُّونِي وَمَلِلْتُهُمْ، وَلا أَدْرِي مَا يَكُونُ مِنَ الْكَوْنِ، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اتَّخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ أَفْرَاسًا بِالْمَدِينَةِ، فَمَنَعَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَكَلَّمُوهُ فِي أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فَقَالَ: لا آذَنُ لَهُ إِلا أَنْ يَجِيءَ بِعَلَفِهَا مِنْ غَيْرِ الْمَدِينَةِ، فَكَانَ يَحْمِلُ عَلَفَهَا مِنْ أَرْضٍ لَهُ بِالْيَمَنِ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْمُزَنِيِّ ابْنِ عَوْنٍ [1] عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَتَى عُمَرَ رَجُلٌ فَقَالَ، أَنَا مُسْلِمٌ فَعَلامَ تُؤْخَذُ مِنِّي الْجِزْيَةُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَعَلَّكَ تَتَعَوَّذُ بِالإِسْلامِ، قَالَ: أَوَ مَا فِي الإِسْلامِ مَا يُتَعَوَّذُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى فَكَتَبَ: لا تُؤْخَذَنَّ مِنْهُ الْجِزْيَةُ فَكَفَى بِالإِسْلامِ معاذا.
__________
[1] بالأصل المبني، وهي تصحيف صوابه ما أثبتناه، فهو عبد الله بن عون بن أرطبان المزني، رأى أنس بن مالك وروى عن ثمامة بن عبد الله بن أنس، وأنس بن سيرين، ومحمد بن سيرين وابراهيم النخعي وزياد بن جبير بن حية والحسن البصري والشعبي ... تهذيب التهذيب ج 5 ص 346- 347.(10/373)
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلا خَطَبَ عِنْدَ عُمَرَ فَأَكْثَرَ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُطَبِ مِنْ شَقَائِقِ الشَّيْطَانِ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ أَنَّ نَفَرًا كَلَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَقَالُوا: كَلِّمْ عُمَرَ فَإِنَّهُ قَدْ أَخْشَانَا حَتَّى مَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَدُومَ فِيهِ أَبْصَارَنَا، فَذَكَرَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِعُمَرَ، فَقَالَ: أَوَقَدْ قالوها فو الله لَقَدْ لِنْتُ لَهُمْ حَتَّى خِفْتُ اللَّهَ وَاشْتَدَدْتُ عَلَيْهِم حَتَّى خِفْتُ اللَّهَ، وَاللَّهِ لأَنَا أَشَدُّ فَرَقًا مِنْهُمْ، مِنْهُمْ مِنِّي.
حَدَّثَنِي عَفَّانُ، ثنا الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عمر إذا كنت بمنزلة تسعني وتعجز عن النَّاسَ فَلَيْسَتْ تِلْكَ لِي بِمَنْزِلَةٍ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَظَرَ عُمَرُ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَالْحَارِثِ بن نوفل بن الحارث، فقال، يا بن عَبَّاسٍ، إِنَّ قَوْمَكُمْ يَكْرَهُونَ إِلْفَتَكُمْ وَيَخَافُونَ أَنْ يَصِيرَ الأَمْرَ لَكُمْ وَيَرَوْنَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَظٌّ مَعَكُمْ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَفْلَحَ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّصْرِيُّ لِعُمَرَ: هَلُمَّ أُكَلِّمُكَ. قَالَ: إِنِّي عَنْكَ لَفِي شُغُلٍ، قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا نَهَابُ عَصَاكَ وَيَدَكَ وَأَنْتَ سُوقَةٌ، فَكَيْفَ الْيَوْمَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْنِي إِلَيْهِمْ وَحَبِّبْهُمْ إِلَيَّ» ، قَالَ مَالِكٌ: فَانْصَرَفْتُ وَمَا فِي الأَرْضِ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَعْطَى عُمَرُ النَّاسَ يَوْمًا فَأَعْطَى رَجُلا لِقْحَةً، فَاتَّبَعَهَا فَصِيلٌ لَهَا، فَقَالَ عُمَرُ مُتَمَثِّلا:(10/374)
وَمُطْعِمُ الْغُنْمِ يَوْمَ الْغُنْمِ مَطْعَمُهُ ... أَنَّى تَوَجَّهَ وَالْمَحْرُومُ مَحْرُومُ
حَدَّثَنِي مُظَفَّرُ بْنُ مُرَجِّي، ثنا عَفَّانُ، أنبأ شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [قَالَ: «كَانَ فِيمَنْ مَضَى مِنَ الأُمَمِ قَوْمٌ قَبْلَكُمْ يُحَدِّثُونَ وَيُكَلِّمُونَ وَلَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ مِثْلُهُمْ فَعُمَرُ» ] .
قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ عَنْ حَمَّاد بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بِنَحْوِهِ.
حَدَّثَنِي هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ أَخِي أُمَيَّةَ، حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، حَدَّثَنِي صَاحِبُ أَذْرِعَاتٍ [1] قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَدَفَعَ إِلَيَّ قَمِيصًا فَقَالَ: اغْسِلْهُ وَارْقَعْهُ، فغسلته ورقعته، قال: فأتتيه بِقَمِيصٍ قِبْطِيٍّ فَقُلْتُ: الْبَسْ هَذَا فَرَمَى بِهِ إِلَيَّ وَقَالَ: هَذَا أَنْشَفُ لِلْعَرَقِ وَلَمْ يَقْبَلْهُ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَكِّيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: عُمَرُ أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ ثُمَّ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، الْوَلَدُ أَلْوَطُ [2] بِالْقَلْبِ، وَلَكِنَّ عُمَرَ أَعَزُّ الْخَلْقِ عَلَيَّ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَكِّيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ عُمَرُ قَالَ عَلِيٌّ: حَلَبْتُ حَلْبًا لَكَ شَطْرُهُ، بَايَعْتُهُ عَامَ أَوَّلٍ، وَبُويِعَ لَكَ الْعَامُ.
أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ مُعَاذٍ عَن شُعْبَةَ عَن عَمْرو بْن مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ أَنَّهُ قَالَ: مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الشَّرِّ إِلا رَجُلٌ فِي عُنُقِهِ الْمَوْتُ، وَلَوْ قَدْ مَاتَ لَقَدْ صَبَّ عَلَيْكُمُ الشَّرَّ.
حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ عَنِ ابْنِ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أن
__________
[1] يعتقد أنها درعا الحالية في سورية.
[2] ألوط: ألصق. القاموس.(10/375)
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الأَمْصَارِ، أَوْ قَالَ: إِلَى أَهْلِ الشَّامِ: أَنْ عَلِّمُوا أَوْلادَكُمُ الْفُرُوسِيَّةَ وَالْعَوْمَ وَرَوُّوهُمُ الشِّعْرَ.
حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن عوانة عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَطُوفُ الأَسْوَاقَ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَيَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ حَيْثُ أَدْرَكَهُ الْخُصُومُ، وَكَتَبَ إِلَى الْحُكَّامِ: لا تَبُتُّوا الْقَضَاءَ إِلا عَنْ مَلأٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ رَأْيَ الْوَاحِدِ يَقْصُرُ، وَمَنْ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ فَلْيَصْبِرْ وَلْيَحْتَسِبْ، وَلا تَحْمِلُوا عَلَى حُكَّامِكُمْ مَا جَرَّ عَلَيْكُمْ شُهُودُكُمْ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ عَلَى مَا يَسْمَعُ أَوْ يَشْهَدُ بِهِ عِنْدَهُ وَاللَّهُ حَسِيبٌ لِلشَّاهِدِ وَالآخِذِ لِغَيْرِ الْحَقِّ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّ رَجُلا قَالَ لِعُمَرَ: لَوْ قَدَرْتُ جَعَلْتُ خَدِّي نَعْلا لَكَ، فَقَالَ عُمَرُ: إِذًا يُهْيِنكَ اللَّهُ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: لَوْ كَلَّمْنَا عُمَرَ فَزَادَ فِي أَرْزَاقِهِ مَا يَتَهَيَّأُ بِهِ لِلْوُفُودِ وَمُلُوكِ الأَعَاجِمِ، فَقَدْ كَثُرَتِ الْفُتُوحُ، ثُمَّ خَافُوا أَنْ يَتَلَقَّوْهُ بِذَلِكَ، فَأَتَوْا حَفْصَةَ فَذَكَرُوا لَهَا ذَلِكَ. وَقَالُوا: كَلِّمِيهِ فَإِنَّهُ مِنْكِ أَسْمَعُ، فَكَلَّمَتْهُ فَقَالَ: لَوْ عَرَفْتُ الَّذِينَ أَشَارُوا بِهَذَا لَسَوَّدْتُ وُجُوهَهُمْ، أَخْبِرِينِي مَا أَفْضَلُ مَا اقْتَنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِكِ مِنَ اللِّبَاسِ؟ قَالَتْ ثَوْبَيْنِ مُمَشَّقَيْنِ كَانَ يَلْبَسُهُمَا لِلْوُفُودِ. قَالَ: فَأَيُّ طَعَامٍ نَالَهُ عِنْدَكِ أَرْفَعُ؟ قَالَتْ: خُبْزَةٌ صَبَبْنَا عَلَيْهَا أَسْفَلَ عُكَّةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا وَتَلَمَّظَ اسْتِطَابَةً لَهَا. قَالَ: فَأَيُّ بِسَاطٍ بَسَطَهُ عِنْدَكِ أَوْطَأُ؟ قَالَت: كِسَاءٌ لَنَا، وَأَتَيْنَاهُ يَوْمًا بِطَعَامٍ عَلَى مَائِدَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَنِ الأَرْضِ فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ.
قَالَ عُمَرُ: فَأَخْبِرِينِي عَنْ ثَلاثَةٍ اصْطَحَبُوا فَمَشَى سَيِّدُهُمْ أَمَامَهُمْ وَلَحِقَهُ الثَّانِي(10/376)
مُتَّبِعًا أَثَرَهُ، هَلْ يَبْلُغُهُمَا الثَّالِثُ إِنْ خَالَفَ طَرِيقَهُمَا؟ فَأَعْلِمِيهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَلَّغَ بِالتَّجْزِئَةِ وَقَدَّمَ الْفُصُولَ فَوَضَعَهَا مَوَاضِعَهَا، وَاللَّهِ لأَتَّبِعَنَّ أَثَرَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
حَدَّثَنَا بَسَّامٌ الْجَمَّالُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جَهْضَمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ أَنَّ الْعَبَّاسَ كَانَ أَخًا لِعُمَرَ، قَالَ: فَسَأَلْتُ اللَّهَ حَوْلا أَنْ يُرِيَنِي عُمَرَ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ حَوْلٍ وَهُوَ يَسْلِتُ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِهِ، فَقَالَ: هَذَا أَوَانُ فَرَغْتُ وَإِنْ كَادَ عَرْشِي (لَيُهَدُّ) [1] لَوْلا أَنِّي لَقِيتُ رَبًّا رَحِيمًا.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: مَرَّ بِعُمَرَ رَجُلٌ ضَخْمٌ طَوِيلٌ سَبْطٌ، ثُمَّ اتَّبَعَهُ رَجُلٌ نَحِيفٌ جَعْدٌ أَسْوَدُ، فَقَالَ عُمَرُ: هُمَا أَخَوَانِ فَنَظَرَ فَإِذَا هُمَا أَخَوَانِ، وَكَانَ عُمَرُ قَائِفًا.
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ لِفَتًى مِنْ قُرَيْشٍ: اسْتَغْفِرْ لِي فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ، وَمَرَرْتُ بِهِ: نِعْمَ الْفَتَى، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [ «إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ فِي لِسَانِ عُمَرَ وَيَدِهِ وَقَلْبِهِ» ] .
حَدَّثَنِي شيبان بْن فروخ عَن عُثْمَان المري [2] عَن الْحَسَن قَالَ: يرحم اللَّه عمر ولي الْمُسْلِمِينَ فأحسن ولايتهم ثُمَّ مات خائفا، هكذا الْمُؤْمِنُونَ.
حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ معمر عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: لا يَزَالُ الإِسْلامُ صَالِحًا مَا حُوفِظَ عَلَى أَرْبَعٍ: أَنْ يجمع هذا المال من
__________
[1] أضيف ما بين الحاصرتين من طبقات ابن سعد ج 3 ص 375.
[2] بالأصل: البري، وهو تصحيف صوابه ما أثبتناه، انظر تهذيب التهذيب ج 7 ص 117 ففيه روى عثمان بن سعيد المري عن الحسن بن صالح.(10/377)
حِلِّهِ، وَيُوضَعَ فِي حَقِّهِ، وَأَنْ تُوَفَّرَ أَقْسَامُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ، وَأَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِي هَذَا الْحَيِّ مِنَ الأَنْصَارِ، وَيُتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ.
الْمَدَائِنِيّ قَالَ: أمر عمر ملك الدار أن يكسو عُبَيْد اللَّهِ ابنه حلة فكساه حلة، فلما رآها عمر قَالَ: هلا كسوته دونها وأمره أن يأتي بِهَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ فيكسوه إياها ففعل، واشترى لعُبَيْد اللَّهِ بْن عُمَرَ دونها، وبعث عَبْد الرَّحْمَنِ بالحلة إِلَى عُبَيْد اللَّهِ. وَقَالَ: هَذِهِ كسوة مني، قَالُوا وملك الدار كَانَ عَلَى نفقات من فِي دار عمر، وَهُوَ الَّذِي أعتق ذكوان، الَّذِي يقال لَهُ ذكوان مولى عمر، وملك هُوَ مالك بْن عياض.
الْمَدَائِنِي عَنْ مَسْلَمَةَ بْن مُحَارِبٍ عَنْ خَالِد الْحَذَّاءِ قَالَ: أَتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَيْرٍ عُمَرَ وَهُوَ يَفْرِضُ لِلنَّاسِ، وَكَانَ أَبُوهُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ افْرِضْ لِي فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ فَنَخَسَهُ، فَقَالَ عُمَرُ حَسِّ وَأَقْبَلَ فَقَالَ:
مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَيْرٍ. قَالَ: يا يرفأ أعطه ستمائة فأعطاه خمسائة فَلَمْ يَقْبَلْهَا عُمَيْرٌ وَرَجَعَ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ، فقال: أعطه ستمائة وَحُلَّةً، فَلَمَّا لَبِسَ الْحُلَّةَ أَلْقَى الثِّيَابَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا بُنَيَّ خُذْ ثِيَابَكَ هَذِهِ لِتَكُونَ لِمِهْنَةِ أَهْلِكَ وَتَكُونَ هَذِهِ لِزِينَتِكَ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي الْوَليِدِ الْمَكِّيِّ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَإِنَّا لَنَسْرِي لَيْلَةً. وَقَدْ دَنَوْتُ مِنْهُ إِذْ ضَرَبَ مَقْدِمَ رَحْلِهِ بِسَوْطِهِ وَقَالَ:
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ يُقْتَلُ أَحْمَدُ ... وَلَمَّا نطاعن دونه ونناضل
ونسلمه حتى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ ... وَنَذْهَلُ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلائِلِ(10/378)
ثُمَّ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَسَارَ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ إِلا قَلِيلا ثُمَّ قَالَ:
وَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا ... أَبَرَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً مِنْ مُحَمَّدِ
وَأَكْسَى لِبَرْدِ الْخَالَ قَبْلَ ابْتِذَالِهِ ... وَأَعْطَى لِرَأْسِ السَّابِقِ الْمُتَجَرِّدِ
ثُمَّ قَالَ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ يا بن عَبَّاسٍ، أَبُوكَ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ، وَأَنْتَ ابْنُ عَمِّهِ، فَمَا مَنَعَ قَوْمَكُمْ مِنْكُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: لا أَدْرِي. قَالَ: لَكِنِّي أَدْرِي، يَكْرَهُونَ أَنْ تَجْتَمِعَ فِيكُمُ النُّبُوَّةُ وَالْخِلافَةُ.
الْمَدَائِنِيُّ عَن يَعْقُوبَ بْن دَاوُد الثَّقَفِيّ عَن إِبْرَاهِيمَ بْن حَكِيمٍ عَنْ عَاصِمِ بْن عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِذَا ذَكَرَ عُمَرَ قَالَ:
لِلَّهِ دَرُّ ابْنِ حَنْتَمَةَ، قَدِمْتُ عَلَيْهِ بِمَالٍ مِنْ مِصْرَ فَقَالَ: مَا جَبَيْتَ إِلا هَذَا؟
قُلْتُ: أَتَسْتَقِلُّ هَذَا؟ قَالَ: إِنَّ الأَرْضَ حَفَلَتْ حَفْلا لَمْ تَحْفَلْ مِثْلَهُ فَحَلَبْتَ وَبَقِيتَ، فَمَا أَخْطَأَ، فَقُلْتُ: صَدَقْتَ وَأَنَا أُعْطِيكَ عَهْدًا أَلا أَخُونَكَ، وَأَعْطِنِي مِثْلَهُ أَلا تَصَدَّقَ عَلَيَّ، فَقَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ إِنِّي لا آمَنُ إِنْ فَعَلْتُ أَنْ تَهِمَّ وَإِنْ هَمَمْتَ حَنَثْتَ، وَايْمُ اللَّهِ لأُكَمِّمَنَّ أَفْوَاهَكُمْ عَنْ هَذَا الْمَالِ كَمَا ظَلَفْتُ نَفْسِي عَنْهُ، فَلَوْ قَدْ مُتُّ لَتُكَافِحُنَّ عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ، فَكَانَ كَمَا قَالَ.
قَالُوا: وَحَدَّ عُمَرُ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ الْجُمَحِيَّ، وَقَدْ كَتَبْنَا خَبَرَهُ مَعَ نَسَبِهِ، وَحَدَّ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيَّ أَيْضًا، وَقَدْ كَتَبْنَا خَبَرَهُ أَيْضًا، وَحَدَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ.
حَدَّثَنِي عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، أنبأ مَعْمَرٌ، أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ عُمَرَ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَقَالَ: إِنِّي وَجَدْتُ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رِيحًا فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا فَزَعَمَ أَنَّهُ الطِّلاءُ، وَأَنَا سَائِلٌ عَنِ الشَّرَابِ الَّذِي شَرِبَهُ فَإِنْ كَانَ يسكر جلدته.(10/379)
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَحَدَّثَنِي السَّائِبُ أَنَّهُ شَهِدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ جَلَدَهُ فِي ذَلِكَ الشَّرَابِ الَّذِي شَرِبَهُ، وَحَدَّثَنَا الْقَوَارِيرِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ بِمِثْلِهِ.
وحدثنا الْقَوَارِيرِيُّ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ قَالا: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَقُولُ:
ذُكِرَ لِي أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأَصْحَابًا لَهُ شَرِبُوا شَرَابًا، وَأَنَا سَائِلٌ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ حَدَدْتُهُمْ.
قَالَ سُفْيَانُ: فَحَدَّثَنِي مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ أَنَّهُ حَدَّهُمْ.
وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ عَقِيلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ ابْنِ أُخْتِ النَّمِرِ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ فصلى على جِنَازَةً، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ وَأَنَا أَسْمَعُ فَقَالَ: إِنِّي وَجَدْتُ آنِفًا مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رِيحَ شَرَابٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ طِلاءٌ، وَإِنِّي سَائِلٌ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ، ثُمَّ شَهِدْتُ عُمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ جَلَدَ عُبَيْدَ اللَّهِ ثَمَانِينَ فِي رِيحِ الشَّرَابِ الَّذِي وَجَدَهُ مِنْهُ.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ رَجُلا وَجَدَ مِنْهُ رِيحَ الشَّرَابِ الْحَدَّ تَامًّا.
حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ وَالْعَبَّاسُ بْنُ الْوَليِدِ قَالا: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْتُ وَأَخِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ غَازِيَيْنِ إِلَى مِصْرَ فَشَرِبَ أَخِي وَأَبُو سِرْوَعَةَ شَرَابًا، فَأُتِيَ بِهِمَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَجَلَدَ أَخِي فِي الدَّارِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنِ اجْمَعْ يَدَيْهِ(10/380)
إِلَى عُنُقِهِ وَجُبَّ عَلَيْهِ مِدْرَعَةً وَاحْمِلْهُ إِلَيَّ عَلَى قِتْبٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَر جَلَدَهُ علانية على رؤوس النَّاسِ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَحَبَسَهُ فِي السِّجْنِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَبَرِئَ مِنْ جَلْدِهِ، ثُمَّ اعْتَرَاهُ وَجَعٌ فَمَاتَ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَالْحَلْقُ سُنَّةٌ.
حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن عوانة بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ضَرَبَ أَبَا شَحْمَةَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عُمَرَ، وَقَدِمَ بِهِ مِنْ مِصْرَ، فِي الشَّرَابِ فَقَالَ: الْمَوْتَ، فَقَالَ عُمَرُ: إِذَا لَقِيتَ رَبَّكَ فَاعْلِمْهُ أَنَّ أَبَاكَ يُقِيمُ الْحُدُودَ، وَمَاتَ مِنْ ضَرْبِ عُمَرَ إِيَّاهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَكْبَرُ ابْنُ عُمَرَ، أُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ مَظْعُونٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَوْسَطُ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ أَبُو الْمُجَبِّرِ وَأُمُّهُ لُهَيَّةُ أُمُّ وَلَدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ الأَصْغَرُ، وَهُوَ أَبُو شَحْمَةَ أُمُّهُ فُكَيْهَةُ امْرَأَةٌ مِنَ الْيَمَنِ، وَيُقَالُ أُمُّ وَلَدٍ.
الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ عمر فِي خطبة خطبها: عَلَيْكُمْ بتقوى اللَّه فِي أنفسكم، وأموالكم، وأعراضكم، وأعمالكم، وَمَا ملكت أيمانكم فإنكم محاسبون عَلَى مَا كسبتم، ومجزون بما عملتم.
حَدَّثَنِي عُمَر بْن شَبَّةَ عَن أَبِي عَاصِم النَّبِيلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ رَأَى بِيَدِهِ جُرْحًا: بُطَّهُ [1] وَلَوْ بِعَظْمٍ.
وَحَدَّثَنِي عُمَر بْن شَبَّةَ عَنْ أَبِي عَاصِم النَّبِيلِ عَنِ ابْنِ خُرَيْمٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ قَالَ: التُّرَابُ رَبِيعُ الصِّبْيَانِ.
وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَرْسِيٍّ الْخَيَّاطُ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ مِقْسَمٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ مَرَّ بِصِبْيَانٍ يَلْعَبُونَ بِالتُّرَابِ فَقَالَ: التُّرَابُ رَبِيعُ الصِّبْيَانِ.
__________
[1] بط الجرح: شقه. القاموس.(10/381)
[عام الرمادة]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنِي حَرَامُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا صَدَرَ النَّاسُ عَنِ الْحَجِّ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ أَصَابَ النَّاسُ جَهْدٌ شَدِيدٌ وَأَجْدَبَتِ الْبِلادُ، وَهَلَكَتِ الْمَاشِيَةُ، وَجَاعَ النَّاسُ، وَهَلَكُوا حَتَّى كَانُوا يَسِفُّونَ الرُّمَّةَ، وَيَحْفِرُونَ أَنْفَاقَ الْيَرَابِيعِ وَالْجُرْذَانِ فَيُخْرِجُونَ مَا فِيهَا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَبْد الْمَجِيدِ بْن سُهَيْلٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سُمِّيَ ذَلِكَ الْعَامُ عَامَ الرَّمَادَةِ لأَنَّ الأَرْضَ كُلَّهَا صَارَتْ سَوْدَاءَ فَشُبِّهَتْ بِالرَّمَادِ، وَكَانَ ذَلِكَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَامَ الرَّمَادَةِ: «مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عُمَرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْعَاصِي بْنِ الْعَاصِي سَلامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ: أَفَتَرَانِي هَالِكًا وَمَنْ قِبَلِي وَتَعِيشُ أَنْتَ وَمَنْ قِبَلَكَ، فَيَا غَوْثَاهُ، يَا غَوْثَاهُ» . فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: «سَلامٌ عَلَيْكَ فَإِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَيْكَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ أَتَاكَ الْغَوْثُ فَلأَبْعَثَنَّ إِلَيْكَ بِعِيرٍ أَوَّلُهَا عِنْدَكَ وَآخِرُهَا عِنْدِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ» . فَلَمَّا قَدِمَ أَوَّلُ الطَّعَامِ كَلَّمَ عُمَرُ الزبير بن العوام فقال: تعترض العير فتميلها إِلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَأَبَى الزُّبَيْرُ وَاعْتَلَّ، وَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لَكِنَّ هَذَا لا يَأْبَى، فَكَلَّمَهُ عُمَرُ فَفَعَلَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: انْظُرْ مَا لَقِيتَ مِنَ الطَّعَامِ فَمِلْ بِهِ إِلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَاجْعَلِ الظروف لحفا يلبسونها، وانحر الإبل لهم يأكلون لحومها، ويحتملون مِنْ وَدَكِهَا وَلا تَنْتَظِرْ أَنْ تَقُولَ نَنْتَظِرُ بِهَا الْحَيَا حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ بِالْفَرَجِ، وكان(10/382)
عُمَرُ يَصْنَعُ الطَّعَامَ وَيُنَادِي مُنَادِيهِ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَحْضُرَ طَعَامَنَا فَيَأْكُلَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ مَا يَكْفِيهِ وَأَهْلَهُ فَلْيَأْتِ فَيَأْخُذَهُ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي أَسَانِيدِهِ: كَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنْ يَحْمِلَ الطَّعَامَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ عَلَى الإِبِلِ، وَفِي السُّفُنِ فَفَعَلَ، فَبَعَثَ عُمَرُ مِنْ عَدْلٍ بِالإِبِلِ مِنْ أَفْوَاهِ الشَّامِ يَمِينًا وَشِمَالا فَنُحِرَتِ الْجُزُرُ، وَأَطْعَمَ الدَّقِيقَ وَكَسَا الْعِبَادَ، وَبَعَثَ إِلَى الْجَارِ فَحَمَلَ مَا بُعِثَ بِهِ عَمْرٌو إِلَى تِهَامَةَ، فَأَطْعَمَهُ النَّاسَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالَ حِزَامُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ أَبِي: رَأَيْتُ رُسُلَ عُمَرَ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ الَّذِي وَرَدَ الْجَارَ مِنْ قِبَلِ عَمْرٍو، قَالَ:
وَبَعَثَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، أَوْ مُعَاوِيَةُ، مِنَ الشَّامِ بِطَعَامٍ فَبَعَثَ عُمَرُ مَنْ تَلَقَّاهُ بِأَفْوَاهِ الشَّامِ، فَصَنَعَ بِهِ كَمَا صَنَعَ بِمَا بَعَثَ بِهِ عَمْرٌو عَلَى الإِبِلِ، وَبَعَثَ إِلَى سعد فبعث بالطعام من الْعِرَاقِ، وَكَانَ عُمَرُ يُطْعِمُ النَّاسَ قَبْلَهُ الثَّرِيدَ مِنَ الْخُبْزِ يَأْدُمُهُ بِالزَّيْتِ، وَيَنْحَرُ لَهُمْ فِي الأَيَّامِ الْجَزُورَ، فَيَجْعَلُ لَحْمَهَا عَلَى الثَّرِيدِ، وَيَأْكُلُ مَعَ النَّاسِ كَمَا يَأْكُلُونَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: بعث عَمْرو بعشرين سفينة تحمل الدقيق والودك، وبعث فِي البر بألف بعير تحمل الدقيق، وبعث إِلَيْهِ مُعَاوِيَة بثلاثة آلاف بعير تحمل الدقيق، وبثلاثة آلاف عباءة، وبعث عَمْرو بخمسة آلاف كساء، وبعث سَعْد بألفي بعير عَلَيْهَا دقيق، ويقال بعث بِذَلِكَ غير سَعْد.
مُحَمَّد عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَصُومُ الدَّهْرَ، فَكَانَ فِي زَمَانِ الرَّمَادَةِ إِذَا أَمْسَى أُتِيَ بِخُبْزٍ قَدْ ثُرِدَ بِالزَّيْتِ، إِلَى أَنْ نَحَرُوا يَوْمًا مِنَ الأَيَّامِ جَزُورًا، فَلَمَّا طَعِمَهَا النَّاسُ(10/383)
وَغَرَفُوا لَهُ طَيِّبَهَا فَأُتِيَ بِهِ، فَإِذَا فِدْرٌ [1] مِنْ سِنَامٍ، وَكِبْدٌ فَقَالَ: بَخٍ بَخٍ بِئْسَ الوالي أنا إن أكلت طيّبها وأطعمت الناس كَرَادِيسَهَا، ارْفَعْ هَذِهِ وَهَاتِ لَنَا غَيْرَ هَذَا الطَّعَامِ، قَالَ فَأُتِيَ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ فَجَعَلَ يَكْسِرُ بِيَدِهِ، وَيَثْرِدُ ذَلِكَ الْخُبْزَ، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ يَا يَرْفَأُ، احْمِلْ هَذِهِ الْجَفْنَةِ حَتَّى تَأْتِيَ بِهَا أَهْلَ بَيْتٍ ذَكَرَهُمْ لَهُ بِثَمْغٍ [2] فَإِنِّي لَمْ آتِهِمْ مُذْ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ أَحْسَبُهُمْ مُقْفِرِينَ فضعها بين أيديهم.
وروى الْوَاقِدِيّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أحدث عمر فِي زمان الرَّمَادَة أمرا مَا كَانَ يفعله قبل، كَانَ يصلي بِالنَّاسِ العشاء، ثُمَّ يدخل إِلَى بيته فلا يزال يصلي إِلَى آخر الليل، ثُمَّ يخرج فيأتي الأنقاب [3] فيطوف عَلَيْهَا، وإني لأسمعه ليلة فِي السحر وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ لا تجعل هلاك أمة مُحَمَّد عَلَى يدي، وفي ولايتي.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ: رَكِبَ عُمَرُ عَامَ الرَّمَادَةِ دَابَّةً فَرَاثَتْ شَعِيرًا، فَقَالَ عُمَرُ: الْمُسْلِمُونَ يَمُوتُونَ هَزْلا، وَهَذِهِ الدَّابَّةُ تَعْتَلِفُ الشَّعِيرَ، وَاللَّهِ لا أَرْكَبُهَا حَتَّى يَحْيَا النَّاسُ.
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْن زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ عَامَ الرَّمَادَةِ بِخُبْزٍ مَفْتُوتٍ بِسَمْنٍ، فَدَعَا رَجُلا بَدَوِيًّا فَأَكَلَ مَعَهُ، فَجَعَلَ الْبَدَوِيُّ يَتَتَبَّعُ الْوَدَكَ فِي جَانِبِ الْقَصْعَةِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: كَأَنَّكَ مُقْفِرٌ من الودك؟ فقال: أجل، ما أكلت
__________
[1] فدر: قطع.
[2] ثمغ: موضع بخيبر، وكان مالا لعمر بن الخطاب، رضي الله عنه. المغانم المطابة.
[3] أنقاب المدينة: الطرق المؤدية إليها. اللسان.(10/384)
سَمْنًا وَلا زَيْتًا وَلا رَأَيْتُ آكِلا لَهُ مُذْ كَذَا وَكَذَا قَبْلَ الْيَوْمِ، فَحَلَفَ عُمَرُ أَلا يَذُوقَ لَحْمًا وَلا سَمْنًا حَتَّى يَحْيَا النَّاسُ.
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن معمر عن ابن طاووس عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَا أَكَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سَمْنًا وَلا سمينا في الرمادة حتى أحيا الناس.
[ابن الصعق يدعو عمر إلى محاسبة عماله]
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَمَّادٍ وَسُحَيْمِ بْنِ حَفْصٍ وَغَيْرِهِمَا قَالُوا: قَالَ أَبُو الْمُخْتَارِ يَزِيدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الصَّعْقِ كَلِمَةً رَفَعَ فِيهَا عَلَى عُمَّالِ الأَهْوَازِ وَغَيْرِهِمْ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَهِيَ:
أَبْلِغْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رِسَالَةً ... فَأَنْتَ أَمِينُ اللَّهِ فِي النَّهْيِ وَالأَمْرِ
وَأَنْتَ أَمِينُ اللَّهِ فِينَا وَمَنْ يَكُنْ ... أَمِينًا لِرَبِّ الْعَرْشِ يَسْلَمْ لَهُ صَدْرِي
فَلا تَدَعَنْ أَهْلَ الرَّسَاتِيقِ وَالْقُرَى ... يُسِيغُونَ مَالَ اللَّهِ فِي الآدَمِ الْوَفْرِ
فَأَرْسِلْ إِلَى الْحَجَّاجِ فاعرف حسابه ... وأرسل إِلَى جزء وأرسل إِلَى بِشْرِ
وَلا تَنْسَيَنَّ النَّافِعَيْنَ كِلَيْهِمَا ... وَلا ابْنَ غَلابٍ مِنْ سَرَاةِ بَنِي نَصْرِ
وَمَا عَاصِمٌ مِنْهَا بِصِفْرٍ عِيَابُهُ [1] ... وَذَاكَ الَّذِي فِي السُّوقِ مَوْلَى بَنِي بَدْرِ
وَأَرْسِلْ إِلَى النُّعْمَانِ فَاعْرِفْ حِسَابَهُ ... وَصِهْرِ بَنِي غَزْوَانَ إِنِّي لَذُو خُبْرِ
وَشِبْلا فَسَلْهُ الْمَالَ وَابْنَ مُحَرِّشٍ ... فَقَدْ كَانَ فِي أَهْلِ الرَّسَاتِيقِ ذَا ذِكْرِ
فَقَاسِمْهُمُ نَفْسِي فِدَاؤُكَ إِنَّهُمْ ... سَيَرْضَوْنَ إِنْ قَاسَمْتَهُمْ مِنْكَ بِالشَّطْرِ
وَلا تَدَعُونِي لِلشَّهَادَةِ إِنَّنِي ... أَغِيبُ وَلَكِنِّي أَرَى عجب الدهر
نؤوب إذا آبوا ونغزو إِذَا غَزَوْا ... فَأَنَّى لَهُمْ وَفْرٌ وَلَسْنَا ذَوِي وَفْرِ
فَقَاسَمَ عُمَرُ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ، فَأَخَذَ شَطْرَ أموالهم حتى أخذ نعلا وترك
__________
[1] العياب جمع عيبة وهي الوعاء يكون من أدم للمتاع. اللسان.(10/385)
نَعْلا، وَكَانَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي لَمْ أَلِ لَكَ شَيْئًا، فَقَالَ: أَخُوكَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَعُشُورِ الأُبُلَّةَ فَهُوَ يُعْطِيكَ الْمَالَ تَتَّجِرُ فِيهِ، فَأَخَذَ مِنْهُ عَشْرَةَ آلافٍ، وَيُقَالُ قَاسَمَهُ فَأَخَذَ شَطْرَ مَالِهِ، قَالَ: وَالْحَجَّاجُ الَّذِي ذَكَرَهُ: الْحَجَّاجُ بْنُ عَتِيكٍ الثَّقَفِيُّ، وَكَانَ عَلَى الْفُرَاتِ، وَجُزْءُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَمُّ الأَحْنَفِ وَكَانَ عَلَى سُرَّقَ [1] ، وَبِشْرُ بْنُ الْمُحْتَفزِ، وَكَانَ على جنديسابور. وَالنَّافِعَانِ: نُفَيْعُ أَبُو بَكْرةَ، وَنَافِعُ بْنُ الْحَارِث بْنِ كَلْدَةَ أَخُوهُ، وَابْنُ غَلابٍ: خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ بَنِي دُهْمَانَ بْن نَصْرِ بْن مُعَاوِيَة بْن بَكْرِ بْن هَوَازِنَ وَكَانَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ بِأَصْبَهَانَ، وَعَاصِمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الصَّلْتِ كَانَ عَلَى مَنَاذِرَ، وَالَّذِي فِي السُّوقِ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ كَانَ عَلَى سُوقِ الأَهْوَازِ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَضْلَةَ- وَيُقَالُ نُضَيْلَةُ- بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حَرْثَانَ أَحَدُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، كَانَ عَلَى كُوَرِ دِجْلَةَ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ:
مَنْ مُبْلِغِ الْحَسْنَاءَ أَنَّ حَلِيلَهَا ... بِمِيسَانَ يُسْقَى مِنْ زُجَاجٍ وَحَنْتَمِ
وَقَدْ كَتَبْنَا هَذَا الْخَبَر وَالشِّعْرَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَخْبَارِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَصِهْرُ بَنِي غَزْوَانَ مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ السُّلَمِيِّ كَانَتْ عِنْدَهُ ابْنَةُ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ، وَكَانَ عَلَى صَدَقَاتِ الْبَصْرَةِ وَشِبْلِ بْنِ معَبْدٍ الْبَجْلِيِّ ثُمَّ الأَحْمَسِيِّ كَانَ عَلَى قَبْضِ الْمَغَانِمِ وَابْنِ مُحَرِّشٍ أَبُو مَرْيَمَ الْحَنَفِيِّ كَانَ عَلَى رَامَهُرْمُزَ، وَكَانَ جُزْءٌ عَلَى الفرات.
[خبر المغيرة بن شعبة]
وحدثني [2] عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ.
وَوَهْبِ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سلمة عن علي بن زيد
__________
[1] سرق: من كور الأهواز. معجم البلدان.
[2] بهامش الأصل: خبر المغيرة بن شعبة.(10/386)
وَغَيْرِهِمْ، فَسُقْتُ حَدِيثَهُمْ، قَالُوا: كَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ عَامِلا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى الْبَصْرَةِ، فَجَعَلَ يَخْتَلِفُ إِلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي هِلالِ بْنِ عَامِرٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ جَمِيلٍ بِنْتُ مِحْجَنِ بْنِ الأَفْقَمِ بْنِ شُعَيْثَةَ بْنِ الْهَزْمِ بْنِ رُوَيْبَةَ، وَكَانَ لها زوج من ثقيف يقال له الحجاج بْن عتيك، فبلغ ذلك أَبَا بكرة بْن مَسْرُوحٍ، مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مِنْ مُوَلَّدِي ثَقِيفٍ، وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدِ بْنِ عُبَيْدٍ الْبَجَلِيَّ، وَنَافِعَ بْنَ الْحَارِثِ، وَزِيَادَ بْنَ سُمَيَّةَ، فَرَصَدُوهُ حَتَّى إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا هَجَمُوا عَلَيْهِ فَإِذَا هُمَا عُرْيَانَانِ وَهُوَ مُتَبَطِّنُهَا، فَخَرَجُوا حَتَّى أَتَوْا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَشَهِدُوا عِنْدَهُ بِمَا رَأَوْا، فَقَالَ عُمَرُ لأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ:
إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَكَ إِلَى بَلَدٍ قَدْ عَشَّشَ فِيهِ الشَّيْطَانُ، قَالَ: فَأَعِنِّي بِعِدَّةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَبَعَثَ مَعَهُ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ، وَعِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ أَبَا نُجَيْدٍ الْخُزَاعِيَّ، وَعَوْفَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِيَّ، فَوَلاهُ الْبَصْرَةَ، وَأَمَرَهُ بِإِشْخَاصِ الْمُغِيرَةِ فَأَشْخَصَهُ بَعْدَ قُدُومِهِ بِثَلاثٍ، فَيُقَالُ إِنَّهُ رَأَى امْرَأَةً فِي طَرِيقِهِ فَخَطَبَهَا وَتَزَوَّجَهَا، وَكَانَ نَكَّاحًا شَبِقًا، فَلَمَّا صَارَ إِلَى عُمَرَ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشُّهُودِ، فَقَالَ نَافِعُ بْنُ الْحَارِثِ: رَأَيْتُهُ عَلَى بَطْنِ امْرَأَةٍ يَحْتَفِزُ عَلَيْهَا، وَرَأَيْتُهُ يُدْخِلُ مَا مَعَهُ وَيُخْرِجُهُ كَالْمُلْمُولِ [1] فِي الْمُكْحُلَةِ، ثُمَّ شَهِدَ شِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ مِثْلَ شَهَادَتِهِ، ثُمَّ أَبُو بَكْرَةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ زِيَادٌ رَابِعًا فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ عُمَرُ قَالَ: أَمَا إِنِّي أَرَى وَجْهَ رَجُلٍ أَرْجُو أَلا يُرْجَمَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدٍ بِشَهَادَتِهِ، وَكَانَ الْمُغِيرَةُ قَدْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ زِيَادٌ: رَأَيْتُ مَنْظَرًا قبيحا، وسمعت نفسا عاليا، وما أدري أخالطها أَمْ لا، وَقِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ بِشَيْءٍ، فَأَمَرَ عُمَرُ بِالثَّلاثَةِ فَجُلِدُوا، فَقَالَ شِبْلٌ: أَيُجْلَدُ شهود الحق، ويبطل
__________
[1] الملمول: الميل في الدارجة.(10/387)
الْحَدُّ، فَلَمَّا جُلِدَ أَبُو بَكْرَةَ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ زَانٍ، فَقَالَ عُمَرُ: حِدُّوهُ.
فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: [إِنْ جَعَلْتَهَا شَهَادَةً فَارْجُمْ صَاحِبَكَ،] فَحَلَفَ أَبُو بَكْرَةَ أَلا يُكَلِّمَ زِيَادًا أَبَدًا، وَكَانَ أَخَاهُ لأُمِّهِ سُمَيَّةَ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ رَدَّهُمْ إِلَى مِصْرِهِمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمَّا شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ أَوَّلُ الشُّهُودِ قَالَ عُمَرُ: وَيْحَكَ يَا مُغِيرَةُ قَدْ ذَهَبَ رُبُعُكَ، ثُمَّ لَمَّا شَهِدَ الثَّانِي قَالَ: قَدْ ذَهَبَ نِصْفُكَ، ثُمَّ لَمَّا شَهِدَ الثَّالِثُ قَالَ: قَدْ ذَهَبَ ثَلاثَةُ أَرْبَاعِكَ، ثُمَّ قَالَ لِزِيَادٍ: أَرَى وَجْهَ رَجُلٍ لا يُخْزِي اللَّهُ رَجُلا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهَادَتِهِ فَعُذِرَ فِي الْقَوْلِ.
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ زِيَادًا، وَنَافِعًا، وَأَبَا بَكْرَةَ، وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ، كَانُوا فِي غُرْفَةٍ فِي دَارِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَأَشْرَفُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ، فَإِذَا الْمُغِيرَةُ بَيْنَ فَخِذَيِ الْمَرْأَةِ وَهُمْ يَتَثَبَّتُونَ مَا يَصْنَعُ، فَتَعَاهَدُوا وَتَعَاقَدُوا أَنْ يَقُومُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الصَّلاةُ أَرَادَ الْمُغِيرَةُ أَنْ يَتَقَدَّمَ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ فَمَنَعَهُ أَبُو بَكْرَةَ وَقَالَ: لا وَاللَّهِ لا تُصَلِّي، وَقَدْ رَأَيْنَا مِنْكَ مَا رَأَيْنَا، وَكَتَبُوا بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ أَنِ اقْدُمُوا عَلَيَّ فَلَمَّا قَدِمُوا شَهِدَ أَبُو بَكْرَةَ، وَنَافِعٌ، وَشِبْلٌ، وَقَالَ زِيَادٌ: رَأَيْتُ رِعَةً سَيِّئَةً وَلَكِنِّي لا أَدْرِي أَتَبَطَّنَهَا أَمْ لا، فَجَلَدَ عُمَرُ الشُّهُودَ الثَّلاثَةَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ حِينَ حُدَّ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ مَرَّةً أُخْرَى أَنَّهُ قَدْ فَعَلَ، فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَحُدَّهُ ثَانِيَةً، فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ: إِنْ عَدَدْتَ شَهَادَةَ أَبِي بَكْرَةَ مَرَّتَيْنِ فَهِيَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، فَارْجُمْ صَاحِبَكَ.
الْمَدَائِنِيّ عَن القافلاني عَنْ قَتَادَةَ أن هَؤُلاءِ الَّذِينَ سمينا اتهموه فرصدوه، ثُمَّ شهدوا بما رأوا إِلا زيادا.
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا هُشَيْمٌ عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَوْشَنٍ(10/388)
عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْمُغِيرَةَ يَخْرُجُ مِنْ دَارِ الإِمَارَةِ وَسَطَ النَّهَارِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَلْقَاهُ فَيَقُولُ لَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ فَيَقُولُ: حَاجَةً لِي. فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الأَمِيرَ يُؤْتَى وَلا يَأْتِي أَحَدًا وَيُزَارُ وَلا يزور.
[كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري في القضاء]
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخَوَارِزْمِيُّ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ رَجُلٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ [1] كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: «أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ، وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، فَافْهَمْ إِذَا أُدْلِيَ إِلَيْكَ، وَانْفِذِ الْحَقَّ إِذَا وَضَحَ لَكَ، وَآسِ بَيْنَ الْخُصُومِ فِي مَجْلِسِكَ ووجهك وعملك، حَتَّى لا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِكَ، وَلا يَيْأَسْ ضَعِيفٌ مِنْ عَدْلِكَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَنِ ادَّعَى، وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ النَّاسِ، إِلا أَنْ يَكُونَ صُلْحًا حَرَّمَ حَلالا، أَوِ أَحَلَّ حَرَامًا، وَلا يَمْنَعَنَّكَ قَضَاءٌ قَضَيْتَهُ الْيَوْمَ فَرَاجَعْتَ فِيهِ نَفْسَكَ وَهُدِيتَ لِرُشْدِكَ أَنْ تُرَاجِعَ فِيهِ الْحَقَّ، فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ وَلا يُبْطِلُهُ شَيْءٌ، وَإِنَّ مُرَاجَعَةَ الْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّرَدِّي فِي الْبَاطِلِ. الْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا يَتَلَجْلَجُ فِي صَدْرِكَ مِمَّا لَيْسَ فِي قُرْآنٍ وَلا سُنَّةٍ، وَاعْرِفِ الأَشْبَاهَ وَالأَمْثَالَ وَقِسِ الأُمُورَ ثُمَّ اعْمِدْ إِلَى أَحَبِّهَا إِلَى اللَّهِ وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ، وَاجْعَلْ لِمَنِ ادَّعَى حَقًّا غائبا أو بينة غائبة أَمَدًا يَنْتَهِي إِلَيْهِ فَإِنْ أَحْضَرَ بَيِّنَةً أَخَذْتَ لَهُ بِحَقِّهِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا اسْتَحْلَلْتَ عَلَيْهِ الْقَضِيَّةَ، فَإِنَّهُ أَبَّلُغ لِلْعُذْرِ، وَأَجْلَى لِلْمَعْمَى، وَالْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلا مَجْلُودًا فِي حَدٍّ أَوْ مُجَرَّبَةً عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ، أَوْ ظَنِينَ فِي وَلاءٍ أَوْ قَرَابَةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَوَلَّى مِنْكُمُ السَّرَائِرَ، وَدَرَأَ عَنْكُمُ الْبَيِّنَاتِ وَالأَيْمَانَ، وَإِيَّاكَ وَالْغَضَبَ وَالْقَلَقَ وَالضَّجَرَ وَالتَّأَذِّيَ بالناس عند تنافر الخصوم، والتنكر لهم
__________
[1] بهامش الأصل: مكتوب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه. قد سبق من هذا في هذا الكتاب أيضا.(10/389)
فَإِنَّ تَرْكَ الْغَضَبِ فِي مَوَاطِنِ الْحُكْمِ مِمَّا يُوجِبُ اللَّهُ بِهِ الأَجْرَ، وَيُحْسِنُ فِيهِ الذُّخْرُ، فَمَنْ خَلُصَتْ نِيَّتُهُ لِرَبِّهِ كَفَاهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ تَزَيَّنَ لِلنَّاسِ بِمَا يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي قَلْبِهِ شَانَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ مِنْ عَبْدِهِ إِلا مَا كَانَ خَالِصًا، فَمَا ظَنُّكَ بِثَوَابِ غَيْرِ اللَّهِ فِي عَاجِلِ رِزْقِهِ وَخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ، وَالسَّلامُ» .
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ: حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عِيسَى بْنِ مُوسَى أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ: «أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ، وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، وَفَهْمٌ يَقْسِمُهُ اللَّهُ، افْهَمْ إِذَا أُدْلِيَ إِلَيْكَ، وَاقْضِ إِذَا فَهِمْتَ، وَأَنْفِذْ إِذَا قَضَيْتَ، ثُمَّ اعْرِفْ أَهْلَ الْمَحْكِ وَالشَّغْبِ وَاللَّظِّ فِي الْخُصُومَةِ، فَإِذَا عَرَفْتَ أُولَئِكَ فَأَنْكِرْ وَغَيِّرْ فانه من لَمْ يَزَعِ النَّاسَ عَنِ الْبَاطِلِ لَمْ يَحْمِلْهُمْ عَلَى الْحَقِّ، قَاتِلْ هَوَاكَ كَمَا تُقَاتِلُ عَدُوَّكَ، وَأَوْجِبِ الْحَقَّ غَيْرَ مُضَارٍّ فِيهِ، وَإِذَا حَضَرَكَ الْخَصْمُ فَرَأَيْتَ مِنْهُ الْعِيَّ وَالْفَهَاهَةَ فَسَدِّدْهُ وَارْفُقْ بِهِ فِي غَيْرِ مَيْلٍ وَلا جَوْرٍ عَلَى صَاحِبِهِ، وَشَاوِرْ ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ جُلَسَائِكَ وَإِخْوَانِكَ فإنه مجلس لا يحابى فيه قريب، وَلا يُجْفَى فِيهِ بَعِيدٌ، عَادِ وَلَدَكَ وَأَهْلَ بَيْتِكَ فِيمَا وُلِّيتَ مِنَ الْحُكْمِ، فَإِنَّ فِيهِ مُقْحِمَاتِ جَهَنَّمَ، وَلَيْسَ لِوَالٍ وَلا قَاضٍ أَنْ يَأْخُذَ بِظِنَّةٍ، وَلا بِعِلْمِهِ دُونَ مَا وَضَحَ لَهُ بِالْبَيِّنَاتِ الْعَادِلَةِ، وَأَبْلِغِ النَّاسَ رِيقَهُمْ، وَأَفْهِمْهُمْ حُجَجَهُمْ، وَإِيَّاكَ وَالضَّجَرَ وَالتَّبَرُّمَ بِالْخُصُومِ وَالتَّأَذِّيَ بِهِمْ، وَالسَّلامُ» .
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ لِلنَّاسِ وُجُوهًا يَرْفَعُونَ حَوَائِجَهُمْ، فَأَكْرِمْ وُجُوهَ النَّاسِ، وَبِحَسْبِ الْمُسْلِمِ الضَّعِيفِ أَنْ يُؤْتَى نصيبه من القسم والحكم، والسلام» .(10/390)
[من كتب عمر إلى عماله]
وَرُوِيَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى أَوْ مُعَاوِيَةَ: «أَمَّا بَعْدُ فَالْزَمْ خَمْسَ خِلالٍ يَسْلَمْ لَكَ دِينُكَ، وَتَظْفَرْ بِأَفْضَلِ حَظِّكَ: عَلَيْكَ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ، وَالأَيْمَانِ الْقَاطِعَةِ وَإِدْنَاءِ الضَّعِيفِ حَتَّى يَبْسُطَ لِسَانَهُ، وَيَقْوَى قَلْبُهُ، وَتَعَهَّدِ الْغَرِيبَ فَإِنَّهُ إِذَا طَالَ احْتِبَاسُهُ تَرَكَ حَقَّهُ وَلَحِقَ بِأَهْلِهِ، وَإِنَّمَا أَبْطَلَ حَقَّهُ مَنْ أَرْجَأَ أَمْرَهُ، وَلَمْ يَرْفَعْ بِهِ رَأْسًا، وَاحْرِصْ عَلَى الصُّلْحِ بَيْنَ النَّاسِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَكَ وَجْهُ الْقَضَاءِ، وَالسَّلامُ» .
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثنا حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى: «أُوصِيكَ بِمَا أَوْصَاكَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَأَنْهَاكَ عَمَّا نَهَاكَ عَنْهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَآمُرُكَ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وَالْفِقْهِ وَالتَّفَهُّمِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَعِبَارَةِ الرُّؤْيَا، وَإِذَا قَصَّ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ رُؤْيَا فَلْيَقُلْ: خَيْرٌ لَنَا، وَشَرٌّ لِعَدُوِّنَا» .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ شَبَّةَ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى: أَلا تَجْلِدَ فِي النَّكَالِ إِلا عِشْرِينَ سَوْطًا.
حَدَّثَنِي شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ الآجُرِّيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَاهِلِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الرُّومِيِّ عَنْ أُمِّ طَلْقٍ قَالَتْ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ يُقَالُ لَهَا الْخُضَيْرَاءُ سَتَرَتْ بَيْتَهَا كَمَا تُسْتَرُ الْكَعْبَةُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَكَتَبَ إِلَى عَامِلِهِ بِالْبَصْرَةِ أَبِي مُوسَى: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ سَتَرَتْ بَيْتَهَا كَمَا تُسْتَرُ الْكَعْبَةُ، وَإِنِّي عَزَمْتُ عَلَيْكَ لَمَا أَرْسَلْتَ إِلَيْهَا حِينَ تَقْرَأَ كِتَابِي مَنْ يَنْزِعَ سُتُورَهُ» ، فَلَمَّا قَرَأَ أَبُو مُوسَى الْكِتَابَ سَارَ إِلَيْهَا وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ حَتَّى دَخَلُوا الْبَيْتَ فَقَالَ أَبُو مُوسَى لأَصْحَابِهِ: لِيَكْفِنِي كُلُّ قَوْمٍ مَا يَلِيهِمْ، فَنُزِعَتِ السُّتُورُ كُلُّهَا، وَوُضِعَتْ وَسَطَ الْبَيْتِ، وَدَعَا أَبُو مُوسَى بِنَارٍ لِيُحْرِقَهَا فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: لَوْ(10/391)
أَمَرْتَ بِهَا فَبِيعَتْ وَأَمَرْتَ بِقِسْمَةِ ثَمَنِهَا بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ كَانَ خَيْرًا مِنْ أَنْ تَحْرِقَهَا. فَفَعَلَ ذَلِكَ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا أُمَّ طَلْقٍ بِأَيِّ شَيْءٍ سَتَرْتِ بَيْتَكِ؟ قَالَت:
بِالسَّبَائِبِ مِنَ الكرابيس [1] .
[عام الرمادة]
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: تُقَرْقِرُ بَطْنُ عُمَرَ عَامَ الرَّمَادَةِ، وَكَانَ يَأْكُلُ الزَّيْتَ لأَنَّهُ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ السَّمْنَ حِينَئِذٍ، فَنَقَرَ بَطْنَهُ بِإِصْبَعِهِ وَقَالَ: يَقَرُّ تَقَرْقُرُكِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدَنَا غَيْرُهُ، حَتَّى يَحْيَا النَّاسُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثنا سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: لَتَمُوتِنَّ أَيُّهَا البطن على الزيت، مادام السَّمْنُ يُبَاعُ بِالأَوَاقِيِّ.
حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَصَابَ النَّاسُ عَامُ سِنَةٍ، فَغَلا السَّمْنُ، فَكَانَ عُمَرُ يَأْكُلُهُ، فَلَمَّا قَلَّ قَالَ: لا آكُلُهُ حَتَّى يَأْكُلَهُ النَّاسُ، فَكَانَ يَأْكُلُ الزَّيْتَ، فَقَالَ: يَا أَسْلَمَ اكْسِرْ عَنَّا حَرَّهُ بِالنَّارِ، فَكُنْتُ أَطْبُخُهُ لَهُ فَيَأْكُلُهُ فَيُقَرْقِرُ عَنْهُ بَطْنُهُ، فَقَالَ: تُقَرْقِرُ؟ لا وَاللَّهِ لا تَأْكُلَهُ- يَعْنِي السَّمْنَ- حَتَّى يَأْكُلَهُ النَّاسُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُسَيْدِ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن زَيْدِ بْن الْخَطَّابِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَرَّمَ عُمَرُ عَلَى نَفْسِهِ اللَّحْمَ عَامَ الرَّمَادَةِ حَتَّى يَأْكُلَهُ النَّاسُ فَكَانَتْ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بَهْمَةٌ فَجَعَلَتْ فِي التَّنُّورِ فَخَرَجَ رِيحُهَا عَلَى عُمَرَ وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَا أَظُنُّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِي اجْتَرَأَ عَلَى هذا، وقال: يا أسلم
__________
[1] السبائب: الشقق، والكرابيس: القطن.(10/392)
اذْهَبْ فَانْظُرْ مِنْ أَيْنَ هَذِهِ الرِّيحُ، قَالَ: فَوَجَدْتُ الْبَهْمَةَ فِي التَّنُّورِ فَخَرَجَ رِيحُهَا، فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: اسْتُرْ عَلَيَّ سَتَرَكَ اللَّهُ، فَقُلْتُ: قَدْ عَرَفَ حِينَ أَرْسَلَنِي أَنِّي لا أَكْذِبُهُ، قَالَ: فَاسْتَخْرَجَهَا ثُمَّ جَاءَ فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ بِهَا وَقَالَ: إِنَّمَا كُنْتُ اشْتَرَيْتُهَا لابْنِي فَقَرِمَ إِلَى اللَّحْمِ [1] فَذَبَحْتُ لَهُ وَشَوَيْتُ [2] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: يَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ حَنْتَمَةَ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ عَامَ الرَّمَادَةِ وَقَدْ حَمَلَ عَلَى ظَهْرِهِ جِرَابَيْنِ، وَفِي يَدِهِ عُكَّةُ زَيْتٍ، وَإِنَّهُ لَيَعْتَقِبُ هُوَ وَأَسْلَمُ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: مِنْ أَيْنَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قُلْتُ: قَرِيبًا، فَقَالَ: كُنْ مَعَنَا، فَحَمَلَنَا ذَلِكَ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى صِرْمٍ [3] نَحْوِ عِشْرِينَ بَيْتًا مِنْ مُحَارِبٍ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَقْدَمَكُمْ؟ قَالُوا: الْجَهْدُ، فَأَخْرَجُوا لَنَا جِلْدَ مَيْتَةٍ مَشْوِيًّا كَانُوا يَأْكُلُونَ مِنْهُ، وَرِمَّةَ عِظَامٍ مَسْحُوقَةٍ كَانُوا يَسْتَفُّونَهَا، فَرَأَيْتُ عُمَرَ طَرَحَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ ائْتَزَرَ فَمَا زَالَ يَطْبُخُ لَهُمْ وَيُطْعِمُهُمْ حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ أَرْسَلَ أَسْلَمَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَجَاءَ بِأَبْعِرَةٍ فَحَمَلَهُمْ عَلَيْهَا حَتَّى أَنْزَلَهُمُ الْجَبَّانَةَ ثُمَّ كَسَاهُمْ، وَكَانَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِمْ وَإِلَى غَيْرِهِمْ حَتَّى رَفَعَ اللَّهُ ذَلِكَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الْوَاقِدِيُّ عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَامَ الرَّمَادَةِ مَرَّ عَلَى امْرَأَةٍ وَهِيَ تَعْصِدُ عَصِيدَةً [4] لَهَا فَقَالَ: لَيْسَ هَكَذَا، وَأَخَذَ المسوط [5] فقال: هكذا وأراها.
__________
[1] قرم إلى اللحم: اشتهاه. اللسان.
[2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 313- 314.
[3] صرم: عدة أبيات مجتمعة. اللسان.
[4] العصيدة: دقيق يلت بالسمن ثم يطبخ. اللسان.
[5] المسوط ما يخلط به من عصا ونحوها. القاموس.(10/393)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَمِّهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَامَ الرَّمَادَةِ يَقُولُ: لا تَذَرَنَّ إِحْدَاكُنَّ الدَّقِيقَ حَتَّى يَسْخَنَ الْمَاءُ ثم تذروه قَلِيلا قَلِيلا وَتَسُوطُهُ بِمِسْوَطِهَا فَإِنَّهُ أَرْيَعُ لَهُ وَأَحْرَى أَنْ لا يَتَقَرَّدَ [1] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ خَلِيفَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَامَ الرَّمَادَةِ وَهُوَ أَسْوَدُ اللَّوْنِ، وَعَهِدْتَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَبْيَضَ فَقُلْتُ: لِمَ اسْوَدَّ؟ فَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ السَّمْنَ وَاللَّبَنَ، فَلَمَّا أَمْحَلَ النَّاسُ حَرَّمَهُمَا حَتَّى يَحْيَوْا فَأَكَلَ الزَّيْتَ فَغَيَّرَ لَوْنَهُ، وَجَاعَ فَأَكْثَرَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ عُمَرُ أَبْيَضَ أَمْهَقَ [2] تَعْلُوهُ حُمْرَةٌ، طُوَالا أَصْلَعَ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: جَاءَتْنَا الأُدْمَةُ [3] مِنْ قِبَلِ أَخْوَالِي وَالْخَالُ أَنْزَعُ شَيْءٍ، وَجَاءَنِي الْبَضْعُ [4] مِنْ قِبَلِ أَخْوَالِي فَهَاتَانِ الْخَلَّتَانِ لَمْ تَكُونَا فِي أَبِي، كَانَ أَبِي أَبْيَضَ لا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ لِشَهْوَةٍ إِلا لِطَلَبِ الْوَلَدِ.
حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن سُفْيَان الثوري عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ جيش قَالَ: رأيت عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي يَوْم عيد، فرأيته آدم شديد الأدمة.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: هَذَا لا يعرف عندنا إِلا أن يكون رآه فِي زمن الرَّمَادَة، فإنه كَانَ تغير لونه لما أكل من الزيت.
__________
[1] يتقرد: يركب بعضه بعضا. اللسان.
[2] أمهق: شديد البياض. اللسان.
[3] الأدمة: السمرة. اللسان.
[4] لعله أراد الميل إلى السمنة. أو الرغبة بالنكاح. القاموس. اللسان.(10/394)
قَالَ: وَكَانَ عمر يصفر لحيته ويرجل رأسه بالحناء، ودفن فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الْوَاقِدِيُّ عَنْ أسامة بْن زَيْد عَنْ أَبِيهِ عَن جده قَالَ: كنا نقول: لو لم يرفع اللَّه المحل عَام الرَّمَادَةِ لظننا أن عمر يموت هما بأمر الْمُسْلِمِينَ.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، أُخْتِ الْمُخْتَارِ، امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَتْ: حَدَّثَنِي بَعْضُ نِسَاءِ عُمَرَ قَالَتْ: مَا قَرُبَ عُمَرُ امْرَأَةً زَمَنَ الرَّمَادَةِ حَتَّى أَحْيَا النَّاسَ، هَمًّا.
مُحَمَّدٌ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ فِرَاسٍ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ كُلَّ يَوْمٍ لِمَوَائِدِهِ عِشْرِينَ جَزُورًا مِنْ جُزُرٍ بَعَثَ بِهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنْ مِصْرَ، وَيُطْعِمُهَا النَّاسُ.
مُحَمَّدٌ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ الْجَحَّافِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْمَرٍ قَالَ: نَظَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَامَ الرَّمَادَةِ إِلَى بِطِّيخَةٍ فِي يَدِ بَعْضِ وَلَدِهِ فَقَالَ:
بَخٍ بَخٍ، تَأْكُلُ الْفَاكِهَةَ وَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ هَزْلَى؟ فَخَرَجَ الصَّبِيُّ هَارِبًا وَبَكَى فَسَأَلَ عُمَرُ عَنْ أَمْرِ تِلْكَ الْبِطِّيخَةِ فَقِيلَ لَهُ اشْتَرَاهَا بِكَفٍّ مِنْ نَوَى فَأُسْكِتَ عُمَرُ.
مُحَمَّدٌ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ الْجَحَّافِ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ عَامَ الرَّمَادَةِ: نُطْعِمُ النَّاسَ مَا وَجَدْنَا مَا نُطْعِمُهُمْ فَإِنْ أَعْوَزْنَا جَعَلْنَا مَعَ كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ مِمَّنْ يَجِدُ عُدَّتَهَمْ مِمَّنْ لا يَجِدُ إِلَى أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ بِالْحَيَا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثَنَا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَوْ لَمْ أَجِدْ لِلنَّاسِ مِنَ الْمَالِ مَا يَسَعُهُمْ لأَدْخَلْتُ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ عُدَّتَهُمْ فَقَاسَمُوهُمْ أَنْصَافَ(10/395)
بُطُونِهِمْ، حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِالْحَيَا، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْلَكُوا عَلَى أَنْصَافِ بُطُونِهِمْ.
الْوَاقِدِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أُمِّ بَكْرِ بِنْتِ الْمِسْوَرِ عَنْ أَبِيهَا قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ بَعْدَ أَنْ رَفَعَ اللَّهُ الْمَحْلَ فِي الرَّمَادَةِ: لَوْ لَمْ يَرْفَعْهُ اللَّهُ لَجَعَلْتُ مَعَ أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ مِثْلَهُمْ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا كان عام الرماة تَحَلَّبَتِ الْعَرَبُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ، وَكَانَ عُمَرُ قَدْ أَمَرَ رِجَالا أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِمْ وَيَقْسِمُوا أَطْعِمَتَهُمْ وَإِدَامَهُمْ بَيْنَهُمْ، مِنْهُمُ ابْنُ أُخْتِ [1] النَّمِرِ، وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْقَارِي، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ فَكَانُوا إِذَا أَمْسَوُا اجْتَمَعُوا عِنْدَ عُمَرَ فَأَخْبَرُوهُ بِكُلِّ مَا كَانُوا فِيهِ، وَكَانَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ الأَعْرَابُ حُلُولا فِيمَا بَيْنَ رَأْسِ الْبَنِيَّةِ إِلَى بَنِي حَارِثَةَ إِلَى بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ إِلَى الْبَقِيعِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ بِنَاحِيَةِ بَنِي سَلَمَةَ، فَسَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لَيْلَةً وَقَدْ تَعَشَّى النَّاسُ: أَحْصُوا مَنْ تَعَشَّى عِنْدَنَا فَأَحْصَوْهُمْ مِنَ الْقَابِلَةِ فَوَجَدُوهُمْ سَبْعَةَ آلافِ رَجُلٍ، وأحصوا الْعِيَالاتِ الَّذِينَ لا يَأْتُونَ الْعِشَاءَ وَالْمَرْضَى وَالصِّبْيَانَ فَوَجُدوا أَرْبَعِينَ أَلْفًا، ثُمَّ مَكَثْنَا لَيَالِيَ فَزَادَ النَّاسُ فَأَحْصَوْهُمْ فَوُجِدَ مَنْ تَعَشَّى عِنْدَ عُمَرَ عَشْرَةَ آلافٍ وَوُجِدَ الآخَرُونَ خَمْسِينَ أَلْفًا فَمَا بَرِحُوا حَتَّى أَرْسَلَ اللَّهُ السَّمَاءَ فَلَمَّا أَمْطَرَتْ رَأَيْتُ عُمَرَ، وَقَدْ وُكِّلَ بِهَؤُلاءِ النَّفَرِ مَنْ في نواحيهم يخرجونهم إلى البادية ويعطونهم قوة وحملانا إلى باديتهم، ولقد رأيت عمر يخرجهم بِنَفْسِهِ، قَالَ أَسْلَمُ: وَكَانَ الْمَوْتُ وَقَعَ فِيهِمْ فَأَظُنُّهُ مَاتَ ثُلُثَاهُمْ، وَبَقِيَ الثُّلُثُ وَكَانَتْ قُدُورُ عمر يقوم
__________
[1] في طبقات ابن سعد ج 3 ص 316 «يزيد ابن أخت النمر» .(10/396)
إِلَيْهَا الْعُمَّالُ فِي السَّحَرِ فَيَعْمَلُونَ الْكركوزِ [1] حَتَّى يُصْبِحُوا ثُمَّ يُطْعِمُونَ الْمَرْضَى مِنْهُمْ وَيَعْمَلُونَ الْعَصَائِدَ، وَكَانَ عُمَرُ يَأْمُرُ بِالزَّيْتِ فَيَصِيرُ فِي الْقُدُورِ الْكِبَارِ عَلَى النَّارِ حَتَّى يَذْهَبَ حَرُّهُ، ثُمَّ يُثْرَدُ الْخُبْزُ وَيُؤْتَدَمُ بِذَلِكَ الزَّيْتُ، كَانَتِ الْعَرَبُ تُحَمُّ مِنْ ذَلِكَ الزَّيْتِ، وَمَا أَكَلَ عُمَرُ فِي بَيْتِ أَحَدٍ مِنْ وَلَدِهِ وَنِسَائِهِ ذَوَاقًا زَمَانَ الرَّمَادَةِ، وَلا كَانَ يَأْكُلُ إِلا مَعَ النَّاسِ حَتَّى أَحْيَا النَّاسُ أَوَّل مَا أَحْيَوْا.
مُحَمَّدُ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي نَصْرٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ عَامُ الرَّمَادَةِ قَدِمَ عَلَيَّ مِنْ قَوْمِي مِائَةٌ أَهْلُ بَيْتٍ فَنَزَلُوا بِالْجَبَّانَةِ، وَكَانَ عُمَرُ يُطْعِمُ مَنْ جَاءَهُ مِنَ النَّاسِ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ أَرْسَلَ إِلَيْهِ بِالدَّقِيقِ وَالتَّمْرِ وَالأَدَمِ فِي مَنْزِلِهِ، فَكَانَ يُرْسِلُ إِلَى قَوْمِي مَا يَصِلُهُمْ شَهْرًا شَهْرًا، وَكَانَ يَتَعَهَّدُ مَرْضَاهُمْ وَيُقِيمُ أَكْفَانَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَوْتَ وَقَعَ فِيهِمْ حِينَ أَكَلُوا الثَّفِلَ، فَكَانَ عُمَرُ يَأْتِي بِنَفْسِهِ فَيُصَلِّي عَلَيْهِمْ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ صَلَّى عَلَى عَشْرَةٍ جَمِيعًا، فَلَمَّا أَحْيَوْا قَالَ: أَخْرِجُوا مِنَ الْقَرْيَةِ إِلَى مَا كُنْتُمُ اعْتَدْتُمْ مِنَ الْبَرِّيَّةِ، فَجَعَلَ عُمَرُ يَحْمِلُ الضَّعِيفَ مِنْهُمْ حَتَّى لَحِقُوا بِبِلادِهِمْ [2] .
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ، ثنا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ يَتَحَلَّبُ فُوهُ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكَ؟ قال: أشتهي جرادا مقلوا.
[عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
__________
[1] لم أقف لها على معنى في معاجم العربية والمعربات.
[2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 314- 317.(10/397)
عُمَرَ قَالَ: ذُكِرَ لِعُمَرَ جَرَادٌ بِالرَّبَذَةِ فَقَالَ: لَوَدَدْتُ لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا مِنْهُ فِقَعَةً أَوْ فِقَعَتَيْنِ فَنَأْكُلُ مِنْهُ.
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَكَلَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ بِحَشَفِهِ [1] .
حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، أَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ وَهُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يُطْرَحُ لَهُ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ فَيَأْكُلُهُ حَتَّى الْحَشَفَ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: ارْزُقِ النَّاسَ مِنَ الطِّلاءِ الَّذِي قَدْ طُبِخَ حَتَّى بَقِيَ ثُلُثُهُ، قَالَ:
جُوَيْرِيَةُ وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنِ اسْتَنْشِدِ الشُّعَرَاءَ قِبَلَكَ فَأَمَّا الأَغْلَبُ فَقَالَ:
أَرَجَزًا تُرِيدُ أَمْ قَصِيدًا ... إِذًا يَكُونُ عِنْدَنَا عَتِيدًا
وَقَالَ لِلَبِيدٍ: أَنْشِدْنَا فَقَالَ: شَغَلَنِي الْقُرْآنُ عَنِ الشِّعْرِ فَزَادَهُ عُمَرُ فِي عطائه خمسمائة. وَنَقَصَ الأَغْلَبَ فَأَتَاهُ فَكَلَّمَهُ فَأَقَرَّ زِيَادَةَ لَبِيدٍ وَلَمْ يُنْقِصِ الأَغْلَبَ، فَلَمَّا وَلِيَ زِيَادٌ نَقَصَ لبيد زِيَادَةَ عُمَرَ فَقَالَ: هَذِهِ أَلْفَاي، فَأَيْنَ الْعِلاوَةُ؟ أَعْطِنِيهَا فَمَا أَحْسَبُنِي أَقْبِضُهَا بَعْدَ عَامِي هَذَا، فَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَلِيلٍ وَدُفِنَ بِالْكُوفَةِ.
حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى إِسْحَاقُ الْفِهْرِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عيينة عن عاصم بن
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 318.(10/398)
عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَمْسَحُ يَدَيْهِ- وَقَدْ أَكَلَ لَحْمًا- بِرِجْلَيْهِ وَنَعْلَيْهِ وَيَقُولُ: إِنَّ مَنَادِيلَ آلِ عُمَرَ نِعَالُهُمْ.
حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ- ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ثنا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
كَانَ أَحَبُّ الطَّعَامِ إِلَى عُمَرَ الثُّفْلُ وَأَحَبُّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ النَّبِيذُ.
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا عَفَّانُ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، ثنا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: مَا ادَّهَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَتَّى قُتِلَ إِلا بِسَمْنٍ أَوِ إِهَالَةٍ أَوْ زَيْتٍ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الأَغَرُّ الْمَكِّيُّ، ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: دَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ ابْنَتِهِ فَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ مَرَقًا بَارِدًا وَخُبْزًا، وَصَبَّ عَلَى الْمَرَقِ زَيْتًا، فَقَالَ: أَأَدَمَانِ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ؟ لا أَذُوقُهُ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ.
حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ وَشُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ هِشَامٌ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ فَاسْتَسْقَاهُ وَهُوَ عَطْشَانُ فَأَتَاهُ بِعَسَلٍ مَضْرُوبٍ بِمَاءٍ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: عَسَلٌ. فَقَالَ:
وَاللَّهِ لا يَكُونُ هَذَا فِيمَا أُحَاسَبُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [1] .
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالا: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، ثنا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقِ بْنِ يَسَارِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَ: وَاللَّهِ مَا نَخَلْتُ لِعُمَرَ دَقِيقًا قَطُّ إِلا وأنا له عاص.
[عام الرمادة]
حَدَّثَنِي ابْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ رَضِيَ الله تعالى عنه يصلي في
__________
[1] انظر طبقات ابن سعد ج 3 ص 319.(10/399)
جَوْفِ اللَّيْلِ فِي مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الرَّمَادَةِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لا تُهْلِكْنَا بِالسِّنِينَ، وَارْفَعْ عَنَّا الْبَلاءَ، يُرَدِّدُ هَذَا الْكَلِمَةَ.
ابْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ فِرَاسٍ الدِّيلِيُّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي زَمَنِ الرَّمَادَةِ إِزَارًا فِيهِ سِتَّ عَشْرَةَ رُقْعَةً، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ هَلَكَةَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَى رِجْلِي.
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ حَضَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَامَ الرَّمَادَةِ وَهُوَ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ ادْعُوا اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَ عَنْكُمُ الْمَحْلَ، وَهُوَ يَطُوفُ، وَعَلَى عُنُقِهِ دَرَّةٌ، قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَاعِدَةَ: رَأَيْتُ عُمَرَ إِذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ نَادَى أَيُّهَا النَّاسُ (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا) [1] وَتُوبُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَاسْتَسْقُوهُ سُقْيَا رَحْمَةٍ لا سُقْيَا عَذَابٍ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى فَرَّجَ اللَّهُ.
مُحَمَّدٌ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ خَرَجَ يَسْتَسْقِي فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَرَأَ هَؤُلاءِ الآيَاتِ: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا) [2] يَقُول اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، ثُمَّ نَزَلَ فَقِيلَ لَهُ: مَا يَمْنَعُكَ مِنْ أَنْ تَسْتَسْقِيَ فَقَالَ: طَلَبْتُ الْمَطَرَ بِمَجَادِيحِ [3] السَّمَاءِ الَّتِي يَنْزِلُ بِهَا الْمَطَرِ.
مُحَمَّد عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ عَنْ أَبِي وَجْزَةَ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ خَرَجَ بِنَا إِلَى الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِي فَكَانَ أَكْثَرَ
__________
[1] سورة نوح- الاية: 10.
[2] سورة نوح- الآيتان: 10- 11.
[3] مجاديح السماء: أنواء السماء. اللسان.(10/400)
دُعَائِهِ الاسْتِغْفَارُ حَتَّى قُلْتُ لا يَزِيدُ عَلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى، وَدَعَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُوَيْمِرٍ الأَسْلَمِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا أَجْمَعَ عُمَرُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ وَيَخْرُجَ بِالنَّاسِ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَخْرُجُوا يَوْمَ كَذَا، وَأَنْ يَتَضَرَّعُوا إِلَى رَبِّهِمْ وَيَطْلُبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ هَذَا الْمَحْلَ عَنْهُمْ، وَخَرَجَ عُمَرُ لِذَلِكَ الْيَوْمِ وَعَلَيْهِ بُرْدُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمُصَلَّى فَخَطَبَ النَّاسَ فَتَضَرَّعَ، وَجَعَلَ النَّاسُ يُلِحُّونَ فَمَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ إِلا الاسْتِغْفَارَ حَتَّى إِذَا قَرُبَ أَنْ يَنْصَرِفَ رَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ فَجَعَلَ الْيَمِينَ عَلَى الْيَسَارِ ثُمَّ الْيَسَارَ عَلَى الْيَمِينِ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ وَجَعَلَ يُلِحُّ فِي الدُّعَاءِ وَيَبْكِي بُكَاءً طَوِيلا حَتَّى اخْضَلَّ لِحْيَتَهُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ خَالِدِ بْنِ إِلْيَاسَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى بِالنَّاسِ عَامَ الرَّمَادَةِ رَكْعَتَيْنِ وَكَبَّرَ فِيهِمَا خَمْسًا أَوْ سبعا.
[عمر يستسقي بعم رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: يَا أَبَا الْفَضْلِ كَمْ بَقِيَ عَلَيْنَا مِنَ النُّجُومِ؟ قَالَ: الْعَوَّاءُ. قَالَ: كَمْ بَقِيَ مِنْهَا؟ قَالَ: ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ. فَقَالَ عُمَرُ: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ فِيهَا خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ لِلْعَبَّاسِ: أَعِدَّ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ: فَلَمَّا أَلَحَّ عُمَرُ بِالدُّعَاءِ أَخَذَ بِيَدِ الْعَبَّاسِ ثُمَّ رَفَعَهَا وَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَشْفِعُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّكَ أَنْ تُذْهِبَ عَنَّا الْمَحْلَ وَتَسْقِيَنَا الْغَيْثَ» ، قَالَ: فَلَمْ(10/401)
يَبْرَحُوا حَتَّى سُقُوا، فَأَطْبَقَتِ السَّمَاءُ عَلَيْهِمْ أَيَّامًا فَلَمَّا مُطِرُوا وَأُحْيُوا، أَخْرَجَ عُمَرُ الْعَرَبَ مِنَ المدينة وقال: ألحقوا ببلادكم.
[عام الرمادة]
حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: نَظَرْتُ إِلَى عُمَرَ يَوْمًا فِي الرَّمَادَةِ وَقَدْ غَدَا مُتَبَتِّلا مُتَضَرِّعًا عَلَيْهِ بُرْدٌ لا يَبْلُغُ رُكْبَتَيْهِ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالاسْتِغْفَارِ، وَعَيْنَاهُ تُهْرِقَانِ عَلَى خَدَّيْهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَدَعَا يَوْمَئِذٍ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ رَافِعًا يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَعَجَّ إِلَى رَبِّهِ وَدَعَا، وَدَعَا النَّاسَ مَعَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ الْعَبَّاسِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَشْفِعُ إِلَيْكَ بِعَمِّ رَسُولِكَ» فَمَا زَالَ الْعَبَّاسُ إِلَى جَانِبِهِ مُلَبِّيًا يَدْعُو وَعَيْنَاهُ تَهْمِلانِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ نَافِعِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ فِي زَمَنِ الرَّمَادَةِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَفِيمَا غَابَ عَنِ النَّاسِ مِنْ أَمْرِكُمْ، فَقَدِ ابْتُلِيتُ بِكُمْ، وَابْتُلِيتُمْ بِي، فَمَا أَدْرِي السَّخْطَةَ عَلَيَّ دُونَكُمْ، أَمْ عَلَيْكُمْ دُونِي، أَمْ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ، فَهَلُمُّوا فَلْنَدْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْحَمَنَا، وَيُصْلِحَ قُلُوبَنَا، وَيَرْفَعَ عَنَّا الْمَحْلَ، فَرُئِيَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو، وَدَعَا النَّاسُ، وَبَكَى وَبَكَوْا مَلِيًّا ثُمَّ نَزَلَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي أَخْشَى أَنْ تَكُونَ سَخْطَةً عَمَّتْنَا، فَاعْتُبُوا رَبَّكُمْ، وَانْزَعُوا وَتُوبُوا إِلَيْهِ وَأَحْدِثُوا خَيْرًا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا فِي الرَّمَادَةِ لا نَرَى سَحَابًا، فَلَمَّا اسْتَسْقَى عُمَرُ بالناس مكثنا أياما(10/402)
ثُمَّ جَعَلْنَا نَرَى قَزَعَ السَّحَابِ [1] وَجَعَلَ عُمَرُ يُظْهِرُ التَّكْبِيرَ كُلَّمَا دَخَلَ وَخَرَجَ، وَجَعَلَ النَّاسُ يُكَبِّرُونَ حَتَّى نَظَر إِلَى سَحَابَةٍ سَوْدَاءَ جَاءَتْ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَحْرِ ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَكَانَ الْحَيَا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الْوَاقِدِيُّ، أنبأ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي وَجْزَةَ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ قَدْ عَلِمَتِ الْيَوْمَ الَّذِي اسْتَسْقَى فِيهِ عُمَرُ وَقَدْ بَقِيَتْ غَبَرَاتٌ [2] مِنْهُمْ فَخَرَجُوا يَسْتَسْقُونَ كَأَنَّهُمُ النُّسُورُ الْعِجَافُ تَخْرُجُ مِنْ وُكُورِهَا يَعِجُّونَ إِلَى اللَّهِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَخَّرَ الصَّدَقَةَ عَامَ الرَّمَادَةِ فَلَمْ يَبْعَثِ السُّعَاةَ، فَلَمَّا كَانَ قَابِلُ وَرَفَعَ اللَّهُ ذَلِكَ الْجَدْبَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فَأَخَذُوا عِقَالَيْنِ [3] فَأمَرَهَمْ أَنْ يَقْسِمُوا عِقَالا، وَيُقَدِّمُوا عَلَيْهِ بِعِقَالٍ أَيْ صَدَقَةِ سَنَةٍ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ كَرْدَمٍ أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ مُصَدِّقًا عَامَ الرَّمَادَةِ فَقَالَ أَعْطِ مَنْ أَبْقَتْ لَهُ السَّنَةَ غَنَمًا وَرَاعِيًا، وَلا تُعْطِ مَنْ أَبْقَتْ لَهُ غَنَمَيْنِ وَرَاعِيَيْنِ.
حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالا: ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، ثنا سُفْيَانُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل.
قال: وَحَدَّثَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زيد كلهم عن عاصم بن
__________
[1] قزع السحاب: قطع السحاب رقاق. اللسان.
[2] غبرات: بقايا. اللسان.
[3] العقال: صدقة عام. اللسان.(10/403)
أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ خَرَجَ مَخْرَجًا لأَهْلِ الْمَدِينَةِ فَكَانَ آدَمَ طَوِيلا أَعْسَرَ يَسَّرَ أَصْلَعَ مُتَلَبِّبًا بِرِدَاءٍ قَطَرِيٍّ يَمْشِي حَافِيًا مُشْرِفًا عَلَى النَّاسِ كَأَنَّهُ رَاكِبٌ عَلَى دَابَّةٍ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا عِبَادَ اللَّهِ هَاجِرُوا وَلا تَهْجُرُوا وَاتَّقُوا الأَرْنَبَ أَنْ يَحْذِفَهَا أَحَدُكُمْ بِالْعَصَا، أَوْ يَرْمِيَهَا بِالْحَجَرِ ثُمَّ يَأْكُلُهَا، وَلَكِنْ لِيَذِلَّ لَكُمُ الأَسَلَ [1] وَالنَّبْلَ، قَالَ: يَقُولُ كُونُوا مُهَاجِرِينَ خُلَصَاءَ وَلا تَكُونُوا مُتَشَبِّهِينَ بِهِمْ [2] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: لا نَعْرِفُ عِنْدَنَا أَنَّ عُمَرَ كَانَ آدَمَ إِلا أَنْ يَكُونَ رَآهُ عَامَ الرَّمَادَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ حِينَ أَكَلَ الزَّيْتَ وَاغْتَمَّ وَجَاعَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عِمْرَانَ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ رَجُلا أَبْيَضَ أَمْهَقَ، تَعْلُوهُ حُمْرَةٌ، طُوَالا أَصْلَعَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سعد عن الْوَاقِدِيُّ عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قال:
ما رأيت عمر مع قوم قط إلا رأيت أنه فوقهم.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا أَبُو هِلالٍ قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا التَّيَّاحِ يُحَدِّثُ فِي مَجْلِسِ الْحَسَنِ قَالَ: لَقِيَ رَجُلٌ رَاعِيًا فَقَالَ لَهُ: أَشَعَرْتَ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ الأَعْسَرَ الْيَسِرَ- يَعْنِي عُمَرَ- قَدْ أَسْلَمَ؟ فَقَالَ:
الَّذِي يُصَارِعُ فِي سُوقِ عُكَاظَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَاللَّهِ لَيُوسِعَنَّهُمْ خَيْرًا أَوْ شَرًّا.
[عمر بن الخطاب]
حدثني عبيد الله بن معاذ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سماك بن
__________
[1] الأسل: نبات له أغصان كثيرة بلا ورق، والأسل الرماح. اللسان.
[2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 320- 323.(10/404)
حَرْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي هِلالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ رَجُلا جَسِيمًا كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ بَنِي سَدُوسَ.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ هِلالٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُسْرِعُ فِي مِشْيَتِهِ، وَكَانَ آدَمَ وَكَانَ فِي رِجْلَيْهِ رَوْحٌ [1] .
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْن عطاء، أنبأ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: صلع عمر فاشتد صلعه.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، ثنا مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَسْلَمَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ إِذَا غَضِبَ أَخَذَ بِهَذَا وَأَشَارَ إِلَى سَبَلَتِهِ [2] ، أَوْ قَالَ: شَارِبَهُ فَقَالَ بِهَا إِلَى فَمِهِ وَنَفَخَ فِيهِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، ثنا مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذِهِ بِلادُنَا قَاتَلْنَا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمْنَا عَلَيْهَا فِي الإِسْلامِ ثُمَّ تُحْمَى عَلَيْنَا؟ قَالَ: فَجَعَلَ عُمَرُ يَنْفُخُ وَيَفْتِلُ شَارِبَهُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن سعد، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَ إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: رَكِبَ عُمَرُ فَرَسًا فَانْكَشَفَ ثَوْبُهُ عَنْ فَخْذِهِ فَرَأَى أَهْلُ نَجْرَانَ بِفَخِذِهِ شَامَةً سَوْدَاءَ فَقَالُوا: هَذَا الَّذِي نَجِدُ فِي كِتَابِنَا أَنَّهُ يخرجنا من أرضنا.
__________
[1] الروح: اما سعة بين الرجلين أو انبساط في صدر القدم. اللسان.
[2] السبلة: الدائر وسط الشفة العليا، وقيل طرف الشارب. اللسان.(10/405)
حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هارون، ثنا حميد الطويل عن أنس ابن مَالِكٍ قَالَ: خَضَّبَ عُمَرُ بِالْحِنَّاءِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ، وَيُرَجِّلُ رَأْسَهُ بِالْحِنَّاءِ.
حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْن عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ عَن أَبِيهِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاق بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي طلحة قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ رَقَعَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِرِقَاعٍ ثَلاثٍ لَبَدَ بَعْضُهُنَّ عَلَى بَعْضٍ.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ مَرْقُوعٌ بِفَرْوٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ وَالٍ.
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: لَقَدْ رَأَيْتُ بَيْنَ كَتِفَيْ عُمَرَ أَرْبَعَ رِقَاعٍ فِي قَمِيصٍ لَهُ.
حدثني خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ فِي ظهره أربع رقاع فقرأ (وفاكهة وأبا) [1] فَقَالَ مَا الأَبُّ؟ ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ التَّكَلُّفُ وَمَا عَلَيْكَ أَلا تَدْرِي مَا الأَبُّ، الأَبُّ الْحَشِيشُ الْيَابِسُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ، ثنا سُفْيَانُ عَنْ سَعِيدٍ الْجَرِيرِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَرْمِي الْجَمْرَةَ، عَلَيْهِ إِزَارٌ قِطْرِيٌّ مرقوع برقعة من أدم.
حدثنا عَفَّانُ، ثنا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، ثنا سَعِيدٌ الجريري عن أبي عثمان
__________
[1] سورة عبس- الاية: 31.(10/406)
النَّهْدِيِّ قَالَ: طَافَ عُمَرُ بِالْبَيْتِ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ فِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ رُقْعَةً إِحْدَاهُنَّ مِنْ أَدَمٍ أَحْمَرَ.
حَدَّثَنَا خَلَفٌ الْبَزَّارُ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي أَنَسٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حُمَيْرٍ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ يَرْمِي الْجِمَارَ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ مَرْقُوعٌ عَلَى مَوْضِعِ الْقُعُودِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ وَكِيعٍ عَنِ الأَعْمَشِ عن إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون قَالَ: رأيت عَلَى عُمَر بْن الْخَطَّابِ يَوْم أصيب إزار أصفر.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أنبأ وَكِيعٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ أَبِي سَعِيدٍ الْبَقَّالِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: أَمَّنَا عُمَر بْن الْخَطَّابِ فِي بَتٍّ [1] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عمرو بن ميمون قال: رأيت على عمر لَمَّا طُعِنَ مِلْحَفَةً صَفْرَاءَ قَدْ وَضَعَهَا عَلَى جُرْحِهِ وَهُوَ يَقُولُ: (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا) [2] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ بُدَيْلِ ابن مَيْسَرَةَ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمًا إِلَى الْجُمُعَةِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ سُنْبُلانِيٌّ فَجَعَلَ يَعْتَذِرُ إِلَى النَّاسِ فَيَقُولُ حَبَسَنِي قَمِيصِي هَذَا وَجَعَلَ يَمُدُّ كُمَّهُ فَإِذَا تَرَكَهُ رَجَعَ إِلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ، ثنا عُمَرُ بْنُ زِيَادٍ الْهُذَلِيُّ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قَالَ:
حَدَّثَنِي دِهْقَانُ قَرْيَةِ كَذَا قَالَ: مَرَّ بِي عُمَرُ فَأَلْقَى إِلَيَّ قَمِيصَهُ فَقَالَ: اغْسِلْ هَذَا
__________
[1] البت: كساء غليظ أخضر. اللسان.
[2] سورة الأحزاب- الاية: 38.(10/407)
بِالأُشْنَانِ، فَعَمِدْتُ إِلَى ثَوْبَيْنِ فَقَطَعْتُ مِنْهُمَا قَمِيصَيْنِ وَأَتَيْتُهُ بِهِمَا فَقُلْتُ: الْبَسْ هَذَيْنِ فَإِنَّهُمَا أَجْمَلُ وَأَلْيَنُ، فَقَالَ: أَمِنْ مَالِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ خَالَطَهُ شَيْءٌ مِنْ مَالِ الذِّمَّةِ؟ قُلْتُ: لا إِلا خِيَاطَتَهُ. فَقَالَ: اعْزُبْ عَنِّي [1] ، هَلُمَّ قَمِيصِي، قَالَ: فَلَبِسَهُ وَإِنَّهُ لأَخْضَرُ مِنَ الأُشْنَانِ.
حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَليِدِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عُمَرَ إِزَارًا فِيهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ رُقْعَةً بَعْضُهَا أُدُمٌ، وَمَا عَلَيْهِ قَمِيصٌ وَلا رِدَاءٌ وَهُوَ مُعْتَمٌّ مَعَهُ الدَّرَّةَ يَطُوفُ فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ [2] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثنا حِزَامُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ يَأْتَزِرُ فَوْقَ السُّرَّةِ.
حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُقْرِئُ، ثنا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، أنبأ شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ عُبَيْدَةَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الْخَزِّ فَقَالَ: وَدَدْتُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْهُ وَمَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا وَقَدْ لَبِسَهُ إِلا عُمَرَ وَابْنَ عُمَرَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مَعْنُ بْنُ عيسى، ثنا سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَن عُمَرَ تَخَتَّمَ فِي الْيَسَارِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُهَاجِرٍ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
__________
[1] أي: اذهب أو ابعد عني.
[2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 328- 330.(10/408)
عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ تَوَفَّنِي مَعَ الأَبْرَارِ وَلا تَخْلُفْنِي فِي الأَشْرَارِ، وَقِنِي عَذَابَ النَّارِ، وَأَلْحِقْنِي بِالأَخْيَارِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ عُمَرَ أَبَاهَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي قَتْلا فِي سَبِيلِكَ، وَوَفَاةً فِي بَلَدِ نَبِيِّكَ، قَالَتْ: فَقُلْتُ:
وَأَنَّى ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِأَمْرِهِ أَنَّى شَاءَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَى عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّاسَ جُمِعُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَإِذَا رَجُلٌ أَعْلَى مِنْهُمْ بِقَدْرِ ثَلاثَةِ أَذْرُعٍ، فَقَالَ:: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. قَالَ: بِمَاذَا يَعْلُوهُمْ؟
قَالُوا: إِنَّ فِيهِ ثَلاثُ خِصَالٍ: لا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ، وَإِنَّهُ خَلِيفَةٌ مُسْتَخْلَفٌ، وَشَهِيدٌ مُسْتَشْهَدٌ، فَحَدَّثَ عَوْفُ أَبَا بَكْرٍ بِذَلِكَ فَدَعَا عُمَرَ فَبَشَّرَهُ بِهِ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ، وَانْطَلَقَ إِلَى الشَّامِ رَأَى عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ لَهُ: اقْصُصْ عَلَيَّ رُؤْيَاكَ فَقَصَّهَا، فَقَالَ: أَمَا أَلا أَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ فَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَنِي اللَّهُ كَذَلِكَ، وَأَمَّا خَلِيفَةٌ مُسْتَخْلَفٌ فَإِنِّي أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُعِينَنِي عَلَى مَا وَلانِي، وَأَمَّا شَهِيدٌ مُسْتَشْهَدٌ فَأَنَّى لِي بِالشَّهَادَةِ وَأَنَا بَيْنَ ظَهْرَانِيِّ جزيرة العرب، ولست أغزو وَالنَّاسُ حَوْلِي، ثُمَّ قَالَ: بَلَى بَلَى يَأْتِي اللَّهُ بِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
حَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن أمية البصري، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دينار عَن سَعْد مولى عُمَر بْن الْخَطَّابِ أن كعب الأحبار قَالَ لعُمَر بْن الْخَطَّابِ: إنا لنجدك فِي كتاب اللَّه عَلَى باب من أبواب جهنم تمنع النَّاس أن يقعوا فِيهَا، فإذا مت لم يزالوا يقتحمونها إِلَى يَوْم القيامة.(10/409)
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنْبَأَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ كَأَنِّي انْتَهَيْتُ إِلَى جَبَلٍ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَهُ، وَإِلَى جَنْبِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَإِذَا هُوَ يومىء إِلَى عُمَرَ أَنْ تَعَالَ، فَقُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ.
مَاتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: فَقُلْتُ أَلا تَكْتُبُ بِهَذَا إِلَى عُمَرَ؟ فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأَنْعَى إِلَيْهِ نَفْسَهُ.
حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنْتُ وَاقِفًا مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِعَرَفَاتٍ وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ رُكْبَتَهُ وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ غُرُوبَ الشَّمْسِ لِنُفِيضَ، فَلَمَّا رَأَى تَكْبِيرَ النَّاسِ وَدُعَاءَهُمْ أَعْجَبَهُ ذَلِكَ فَقَالَ:
يَا حُذَيْفَةُ، كَمْ تَرَى هَذَا يَبْقَى لِلنَّاسِ؟ فَقُلْتُ: إِنَّ عَلَى الْفِتْنَةِ بَابًا، فَإِذَا كُسِرَ الْبَابُ، أَوْ فُتِحَ خَرَجَتْ. فَفَزِعَ فَقَالَ: وَمَا ذَلِكَ الْبَابُ وَمَا كَسْرُ بَابٍ أَوْ فَتْحُهُ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ يَمُوتُ أَوْ يُقْتَلُ. فَقَالَ: يَا حُذَيْفَةُ مَنْ تَرَى قَوْمَكَ يُؤَمِّرُونَ بَعْدِي؟ قُلْتُ: رَأَيْتُ النَّاسَ قَدْ أَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ.
حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: بَيْنَا عُمَرُ وَاقِفٌ عَلَى جِبَالِ عرفة إذ سَمِعَ رَجُلا يَصْرُخُ يَقُولُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَزْدِ يَزْجُرُ وَيَعْتَافُ فَقَالَ: مَالَكَ فَكَّ اللَّهُ لَهَوَاتِكَ؟ قَالَ جُبَيْرٌ: فَإِنِّي مِنَ الْغَدِ وَاقِفٌ مَعَ عُمَرَ عَلَى الْعَقَبَةِ يَرْمِي إِذْ جَاءَتْ حَصَاةٌ غَائِرَةٌ فَنَقَفَتْ رَأْسَ عُمَرَ فَأَدْمَتْهُ، فَسَمِعْتُ رَجُلا مِنَ الْجَبَلِ يَقُولُ: أَشْعُرُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، لا يَقِفُ عُمَرُ هَذَا الْمَوْقِفَ بَعْدَ الْعَامِ أَبَدًا، قَالَ جُبَيْرٌ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ الأَزْدِيُّ بِعَيْنِهِ فَاشْتَدَّ عَلَيَّ ما سمعت.(10/410)
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الرَّجُلُ الَّذِي قَالَ لِعُمَرَ أَشْعُرُ، مِنْ قَوْمٍ مِنَ الأَزْدِ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لَهَبِ بْنِ حُجْرِ بْن كَعْبِ بْن الْحَارِث بْن كَعْبِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن مَالِك بْن نصر بْن الأزد، وهم أَعْيَفُ الْعَرَبِ وَأَزْجَرُهُمْ.
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَنْ صَاحِبُ هَذِهِ الأَبْيَاتِ:
جَزَى اللَّهُ خَيْرًا مِنْ إِمَامٍ وباركت ... يد الله في ذاك الأديم الممزق
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ... ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها ... بوائق في أكمامها لم تفتق
وَمَا كُنْتُ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ وَفَاتُهُ ... بِكَفِّ سَبَنْتَى [1] أَحْمَرِ الْعَيْنِ مُطْرِقِ
فَقَالُوا: لِمُزَرِّدِ بْنِ ضِرَارٍ أَخِي الشَّمَّاخِ، قَالَتْ: فَلَقِيتُ مُزَرِّدًا فَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا شَهِدَ هَذَا الْمَوْسِمِ الَّذِي سَمِعْتُ فِيهِ هَذِهِ الأَبْيَاتَ [2] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ عُمَرُ حَجَّ بِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، فَلَمَّا صَدَرَ عَنْ عَرَفَةَ أَقْبَلَ رَاكِبٌ فَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، ثُمَّ رَفَعَ عَقِيرَتَهُ وَقَالَ:
عَلَيْكَ السَّلامُ مِنْ إِمَامٍ وَبَارَكَتْ ... يَدُ اللَّهِ.......
الأَبْيَاتَ، وَأَوَّلُهَا: «جَزَى اللَّهُ خَيْرًا» . فكان يقال انه جنّي.
[مصرع عمر]
حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: لَمَّا صَدَرَ عُمَرُ عَنْ مِنًى أَنَاخَ بِالأَبْطَحِ فَجَمَعَ كَوْمًا مِنَ الْبَطْحَاءِ فَأَلْقَى عَلَيْهِ رِدَاءَهُ ثُمَّ اسْتَلْقَى وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت
__________
[1] السبنتي: النمر الجريء، وقيل الأسد. اللسان.
[2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 333- 335.(10/411)
رَعِيَّتِي، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلا مُفَرِّطٍ، قَالَ سَعِيدٌ: فَمَا انْسَلَخَ ذُو الْحَجَّةِ حَتَّى قُتِلَ.
حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الأَزْدِيُّ ثُمَّ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: رَأَيْتُ كَأَنَّ دِيكًا نَقَرَنِي نَقْرَتَيْنِ، فَقُلْتُ: يَسُوقُ اللَّهُ لِي الشَّهَادَةَ وَيَقْتُلُنِي رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ عَنْ أَبِيهِ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ، ثنا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيِّ أَنَّ عُمَرَ خَطَبَ النَّاسَ فِي يَوْمَ جُمُعَةٍ فَذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: رَأَيْتُ كَأَنَّ دِيكًا نَقَرَنِي وَلا أَرَاهُ إِلا حُضُورَ أَجَلِي، وَإِنَّ قَوْمًا يَأْمُرُونَنِي أَنْ أَسْتَخْلِفَ وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيُضِيعَ دِينَهُ وَخِلافَتَهُ، وَالَّذِي بَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ فَإِنْ عَجِلَ بِيَ أَمْرٌ فَالْخِلَافَةُ شُورَى بَيْنَ هَؤُلاءِ الرَّهْطِ السِّتَّةِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ سَيَطْعَنُ فِي هَذَا الأَمْرَ أَقْوَامٌ بَعْدِي أَنَا ضَرَبْتُهُمْ بِيَدِي هَذِهِ عَلَى الإِسْلامِ، فَإِن فَعَلُوا فَأُولَئِكَ أَعْدَاءُ اللَّهِ الضَّالُّونَ، ثُمَّ إِنِّي لَمْ أَدَعْ شَيْئًا هُوَ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنَ الْكَلالَةِ [1] ، وما رَاجَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مُرَاجَعَتِي إِيَّاهُ فِيهَا، وَمَا أَغْلَظَ لِي مُذْ صَحِبْتَهُ مَا أَغْلَظَ لِي فِي أَمْرِهَا حَتَّى طَعَنَ بِأُصْبُعِهِ فِي بَطْنِي فَقَالَ: يَا عُمَرُ، يَكْفِيكَ الآيَةُ الَّتِي آخِرَ النِّسَاءِ وَإِنْ أَعِشْ أَقْضِ فِيهَا بِقَضِيَّةٍ يَقْضِي بِهَا مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَمَنْ لا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، ثم قال: اللهم إني أشهدك على
__________
[1] الكلالة: من لا ولد له ولا والد، وما لم يكن من النسب لحّا، أو من تكلل نسبه بنسبك كابن العم وشبهه، أو هي الأخوة للأم، أو بنو العم الأباعد، أو ما خلا الوالد والولد، أو هي من العصبة من ورث معه الأخوة للأم. القاموس.(10/412)
أُمَرَاءِ الأَمْصَارِ فَإِنِّي إِنَّمَا بَعَثْتُهُمْ لِيُعَلِّمُوا النَّاسَ دِينَهُمْ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِمْ، وَيَعْدِلُوا عَلَيْهِمْ، وَيَقْسِمُوا فَيْئَهُمْ فِيهِمْ، وَيَرْفَعُوا إِلَيَّ مَا أَشْكَلَ مِنْ أَمْرِهِمْ، ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ الْخَبِيثَتَيْنِ: الْبَصَلِ وَالثَّوْمِ، وَقَدْ كُنْتُ أُرِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ فَأُخِذَ بِيَدِهِ فَأُخْرِجَ مِنَ الْمَسْجِدِ إِلَى الْبَقِيعِ فَمَنْ كَانَ لا بُدَّ آكِلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا.
حَدَّثَنِي شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ عَنْ عُثْمَانَ الْبِرْتِيِّ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَقُولُ اعْتَزِلْ عَدُوَّكَ وَتَجَانَبْهُ وَتَحَرَّزْ مِنْ خَلِيلِكَ وَاحْذَرْهُ، وَلا تُفْشِ سِرَّكَ إِلَى فَاجِرٍ فَيُضَيِّعُهُ، وَشَاوِرْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْعَقْلِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَعَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ قَالُوا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنْ جَارِيَةَ بْنِ قُدَامَةَ التَّمِيمِيِّ قَالَ: حَجَجْتُ عَامَ تُوُفِّيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَأَتَى الْمَدِينَةَ فَخَطَبَ فَقَالَ: رَأَيْتُ كَأَنَّ دِيكًا نَقَرَنِي. فَمَا عَاشَ إِلا تِلْكَ الْجُمُعَةَ حَتَّى طُعِنَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ أَهْلُ الشَّامِ، ثُمَّ أَهْلُ الْعِرَاقِ، قَالَ: وَكُنَّا آخِرُ مَنْ دَخَلَ إِلَيْهِ فَكُلَّمَا دَخَلَ قَوْمٌ بَكَوْا وَأَثْنَوْا، قَالَ فَكُنْتُ فِيمَنْ دَخَلَ فَإِذَا هُوَ قَدْ عَصَبَ جِرَاحَتَهُ قَالَ: فَسَأَلْنَاهُ الْوَصِيَّةَ وَمَا سَأَلَهُ الْوَصِيَّةُ أَحَدٌ غَيْرُنَا، فَقَالَ: أُوصِيكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا مَا اتَّبَعْتُمُوهُ وَأُوصِيكُمْ بِالْمُهَاجِرِينَ فَإِنَّ النَّاسَ يُكْثِرُونَ وَهُمْ يَقِلُّونَ وَأُوصِيكُمْ بِالأَنْصَارِ فَإِنَّهُمْ شِعْبُ الإِسْلامِ الَّذِي لَجَأَ إِلَيْهِ، وَأُوصِيكُمْ بِالأَعْرَابِ فَإِنَّهُمْ أَصْلُكُمْ وَمَادَّتُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَعَدُوُّ عَدُوِّكُمْ، وَأُوصِيكُمْ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُمْ ذِمَّةُ نَبِيِّكُمْ وَأَرْزَاقُ عِيَالِكُمْ. قُومُوا عني.
حدثني عمرو النَّاقِدِ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ بْنِ(10/413)
غَزْوَانَ الضَّبِّيُّ، ثنا حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ وَاقِفًا عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنِ حَنِيفٍ وَهُوَ يَقُولُ لَهُمَا: أَتَخَافَانِ أَنْ تَكُونَا قَدْ حَمَلْتُمَا عَلَى الأَرْضِ مَا لا تُطِيقُ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: لَقَدْ حَمَلْتُهَا مَا هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ وَمَا فِيهَا كَبِيرُ فَضْلٍ. وَقَالَ عُثْمَانُ: لَوْ شِئْتُ لأَضْعَفْتُ مَا عَلَى أَرْضِي، فَجَعَلَ يَقُولُ: انْظُرُوا مَا لَدَيْكُمَا أَنْ تَكُونَا حَمَلْتُمَا عَلَى الأَرْضِ فَوْقَ طَاقَتِهَا، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ لأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ لا يَحْتَجْنَ إِلَى أَحَدٍ بَعْدِي أَبَدًا. قَالَ: فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعٌ حَتَّى أُصِيبَ، وَكَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَامَ بَيْنَ الصُّفُوفِ ثُمَّ قَالَ: اسْتَوُوا وَتَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، فَلَمَّا كَبَّرَ طُعِنَ، قَالَ:
فَسَمِعْتُهُ يَقُول قَطَعَنِي الْكَلْبُ، أَوْ قَالَ أَكَلَنِي الْكَلْبُ، وَطَارَ الْعِلْجُ وَمَعَهُ سِكِّينٌ ذَاتُ طَرَفَيْنِ مَا يَمُرُّ بِرَجُلٍ يَمِينًا وَشِمَالا إِلا طَعَنَهُ فَأَصَابَ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، مَاتَ مِنْهُمْ تِسْعَةٌ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ طَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسًا لَهُ فَأَخَذَهُ فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ نَحَرَ نَفْسَهُ، قَالَ عَمْرٌو: وَمَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ حِينَ طُعِنَ إِلا ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ فَصَلَّوُا الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ صَلاةً خَفِيفَةً، فَأَمَّا أَهْلُ نَوَاحِي الْمَسْجِدِ فَلا يَدْرُونَ مَا الأَمْرُ لأَنَّهُمْ حِينَ فَقَدُوا صَوْتَ عُمَرَ جَعَلُوا يَقُولُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ، قَالَ: فَلَمَّا انْصَرَفُوا كَانَ أَوَّلُ مَنْ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي، فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَجَالَ سَاعَةً حَتَّى اسْتَثْبَتَ، ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: غُلامُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ الصَّنَّاعُ، قَالَ: وَكَانَ نَجَّارًا، فَقَالَ: مَا لَهُ قَاتَلَهُ اللَّهُ؟ وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفًا. وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مَنِيَّتِي بِيَدِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: أَمَا أَنَّكَ وَأَبُوكَ كُنْتُمَا تُحِبَّانِ أَنْ يَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ فَعَلْنَا؟ فَقَالَ: بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمُوا بِكَلامِكُمْ، وَصَلَّوْا(10/414)
صَلَوَاتِكُمْ، وَنَسَكُوا نُسُكَكُمْ. فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: لَيْسَ عَلَيْكَ بَأْسٌ فَدَعَا بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّهُ الْمَوْتُ، قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، انْظُرْ كَمْ عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ؟ قَالَ: فَحَسَبَهُ فَوَجَدَهُ سِتَّةً وَثَمَانِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِنْ وَفَّى بِهَا مَالُ آلِ عُمَرَ فَأَدِّهَا عَنِّي مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَإِنْ لَمْ تَفِ بِهَا أَمْوَالُهُمْ فَسَلْ فِيهَا بَنِي عَدِيٍّ، فَإِنْ لَمْ تَفِ أَمْوَالُهُمْ فَسَلْ فِيهَا قُرَيْشًا وَلا تَعْدُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ اذْهَبْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْ لَهَا: يُقْرِئُكِ عُمَرُ السَّلامَ وَلا تَقُلْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ لَهُمْ بِأَمِيرٍ، وَيَقُولُ: أَتَأْذَنِينَ أَنْ أُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيَّ، فَأَتَاهَا ابْنُ عُمَرَ فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي، فَسَلَّمَ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: عُمَرُ يَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَقَالَتْ: كُنْتُ أريده لنفسي ولأؤثرنّه الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي، فَلَمَّا جَاءَ قِيلَ: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: ارْفَعَانِي فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: أَذِنَتْ لَكَ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا كَانَ شَيْءٌ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَضْجَعِ، يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ انْظُرْ إِذَا أَنَا مُتُّ فَاحْمِلْنِي عَلَى سَرِيرِي، ثُمَّ قِفْ عَلَى الْبَابِ فَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَإِنْ أَذِنَتْ لَكَ فَأَدْخِلْنِي، وَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ لَكَ فَادْفِنِّي فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا حُمِلَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ كَأَنَّهُمْ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ إِلا يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَأَذِنَتْ لَهُ عَائِشَةُ، فَدُفِنَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْر، وَقَالُوا لَهُ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: اسْتَخْلِفْ، فَقَالَ: لا أَجِدُ أَحَقَّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ هَؤُلاءِ النَّفَرِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، فَسَمَّى عَلِيًّا، وَعُثْمَانَ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وسعد بن أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَالَ: إِنْ أَصَابَتْ سَعْدًا فَذَاكَ، وَإِلا فَأَيُّهُمُ اسْتُخْلِفَ فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ، فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَلا خِيَانَةٍ، قَالَ: وَجَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مَعَهُمْ يُشَاوِرُونَهُ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ.(10/415)
فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اتْرُكُوا أَمْرَكُمْ إلى ثلاثة نَفَرٍ مِنْكُمْ فَجَعَلَ الزُّبَيْرُ أَمْرَهُ إِلَى عَلِيٍّ، وَجَعَلَ طَلْحَةُ أَمْرَهُ إِلَى عُثْمَانَ، وَجَعَلَ سَعْدٌ أَمْرَهُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَائْتَمَرُوا أَمْرَ أُولَئِكَ الثَّلاثَةِ حِينَ جُعِلَ الأَمْرُ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمْ يَبْرَأُ مِنَ الأَمْرِ وَيَجْعَلُ الأَمْرَ إِلَيَّ، وَلَكُمْ عَلَيَّ أَلا آلُوكُمْ نُصْحًا، فَأَسْكَتَ الشَّيْخَانُ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ، فَقَالَ عَبْدُ الرحمن: أتجعلانه إلي وأنا أخرج منها فو الله لا آلُوكُمْ عَنْ أَفْضَلِكُمْ وَخَيْرِكُمْ لِلْمُسْلِمِينَ؟ قَالُوا: نَعَمْ فَخَلا بِعَلِيٍّ فَقَالَ: إِنَّ لَكَ مِنَ القرابة برسول الله والقدم مالك، فَاللَّهُ عَلَيْكَ لَئِنِ اسْتُخْلِفْتَ لَتَعْدِلَنَّ، وَلَئِنِ اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ لَتَسْمَعَنَّ وَتُطِيعَنَّ؟ فَقَالَ:
نَعَمْ. فَخَلا بِعُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ عُثْمَانُ: نَعَمْ، فَقَالَ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعَهُ عَلِيٌّ وَالنَّاسُ.
وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَنْ يَحْفَظَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَيَعْرِفُ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ، وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الأَمْصَارِ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الإِسْلامِ وَغَيْظُ الْعَدُوِّ وَجُبَاةُ الْمَالِ، وَلا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ إِلا بِحُقُوقِهِمْ، أَوْ قَالَ: فَضْلُهُمْ عَنْ رِضًى مِنْهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالأَنْصَارِ الَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ، وَأَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِالأَعْرَابِ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ وَمَادَّةُ الإِسْلامِ، أَنْ تُؤْخَذَ صَدَقَاتُهُمْ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ، وَذِمَّةِ رَسُولِهِ أَنْ يُوفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَلا يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتِلَ مَنْ وَرَاءَهُمْ [1] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ عُمَرَ الأَزْدِيُّ، ثنا زُهَيْرُ بْنُ
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 338- 339.(10/416)
معاوية، ثنا أبو إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: شَهِدْتُ عمر رضي عَنْهُ حِينَ طُعِنَ فَأَتَاهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ وَهُوَ يُسَوِّي الصُّفُوفَ فَطَعَنَهُ وَطَعَنَ اثْنَيْ عَشَرَ مَعَهُ، وَكَانَ الثَّالِثَ عَشَرَ قَالَ: فَأَنَا رَأَيْتُ عُمَرَ بَاسِطًا يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: أَدْرِكُوا الْكَلْبَ فَقَدْ قَتَلَنِي، فَمَاجَ النَّاسُ وَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ وَرَائِهِ فَأَخَذَهُ، فَمَاتَ مِمَّنْ جَرَحَ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ، وَحُمِلَ عُمَرُ إِلَى مَنْزِلِهِ وَأَتَاهُ الطَّبِيبُ فَقَالَ: أَيُّ الشَّرَابِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: النَّبِيذُ. فَدَعَا بِنَبِيذٍ فَشَرِبَ مِنْهُ فَخَرَجَ مِنْ إِحْدَى طَعَنَاتِهِ فَقَالُوا: إِنَّمَا هَذِهِ صَدِيدُ الدَّمِ. فَدَعَا بِلَبَنٍ فَشَرِبَ مِنْهُ فَخَرَجَ فَقَالَ: أَوْصِ بِمَا كُنْتَ موصيا به، فو الله مَا أَرَاكَ تُمْسِي. وَأَتَاهُ كَعْبٌ فَقَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ تَمُوتُ شَهِيدًا فَتَقُولُ: مِنْ أَيْنَ وَأَنَا فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ؟ قَالَ: وَقَالَ رَجُلٌ: الصَّلاةُ يَا عِبَادَ اللَّهِ فَقَدْ كَادَتِ الشَّمْسُ تَطْلُعُ فَتَدَافَعُوا حَتَّى قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَقَرَأَ أَقْصَرَ سُورَتَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ: وَالْعَصْرَ، وَإِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ ائْتِنِي بِالْكَتِفِ الَّذِي كُنْتَ كَتَبْتَ فِيهَا بِشَأْنِ الْجِدِّ بِالأَمْسِ فَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُتِمَّ هَذَا الأَمْرَ لأَتَمَّهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ:
نَحْنُ نَكْفِيكَ مَحْوَهَا، فَقَالَ: لا وَأَخَذَهَا فَمَحَاهَا بِيَدِهِ، ثُمَّ دَعَا بِسِتَّةِ نَفَرٍ:
عَلِيٍّ، وَعُثْمَانَ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَطَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّه، وَالزُّبَيْرِ بْن الْعَوَّامِ، فَدَعَا عُثْمَانَ أَوَّلَهُمْ فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ، إِنْ عَرَفَ لَكَ أَصْحَابُكَ سِنَّكَ وَصِهْرَكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَّقِ اللَّهَ وَلا تَحْمِلْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، ثُمَّ دَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَوْصَاهُ، ثُمَّ أَمَرَ صُهَيْبًا أَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثَلاثًا [1] .
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَ إِسْرَائِيلُ بن
__________
[1] انظر طبقات ابن سعد ج 3 ص 340- 341.(10/417)
يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: شَهِدْتُ عُمَرَ يَوْمَ طُعِنَ فَمَا مَنَعَنِي مِنْ أَنْ أَكُونَ مِنَ الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ إِلا هَيْبَتُهُ، وَكَانَ رَجُلا مَهِيبًا فَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ، وَكَانَ عُمَرُ لا يُكَبِّرُ حَتَّى يَسْتَقْبِلَ الصَّفَّ الْمُتَقَدِّمَ بِوَجْهِهِ، فَإِنْ رَأَى رَجُلا مُتَقَدِّمًا مِنَ الصَّفِّ أَوْ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ ضَرَبَهُ بِالدَّرَّةِ، فَذَلِكَ الَّذِي مَنَعَنِي مِنْهُ فَأَقْبَلَ عُمَرُ فَعَرَضَ لَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ غُلامُ الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ فَتَأَخَّرَ عُمَرُ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ طَعَنَهُ ثَلاثَ طَعَنَاتٍ، قَالَ: فَسَمِعْتُ عُمَرَ وَهُوَ يَقُولُ هَكَذَا بِيَدِهِ وَقَدْ بَسَطَهَا: دُونَكُمُ الْكَلْبَ قَدْ قَتَلَنِي، وَمَاجَ النَّاسُ فَجَرَحَ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلا، وَشَدَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ فَاحْتَضَنَهُ وَاحْتُمِلَ عُمَرُ وَمَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ حَتَّى قَالَ قَائِلٌ: الصَّلاةُ عِبَادَ اللَّهِ، طَلَعَتِ الشَّمْسُ.
فَدَفَعُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَصَلَّى بأقصر سورتين في القرآن: إذ جاء نصر الله والفتح، وإنا أعطيناك الكوثر، وَاحْتُمِلَ عُمَرُ فَدَخَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَقَالَ:
يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ اخْرُجْ فَنَادِ فِي النَّاسِ: أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ أَعَنْ مَلأٍ مِنْكُمْ هَذَا؟ فَقَالُوا: مَعَاذَ اللَّهِ. مَا عَلِمْنَا وَلا اطَّلَعْنَا، ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لِي الطَّبِيبَ فَدُعِيَ لَهُ فَقَالَ: أَيُّ الشَّرَابِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ فَقَالَ:
النَّبِيذُ. فَسُقِيَ نَبِيذًا فَخَرَجَ مِنْ بَعْضِ طَعَنَاتِهِ فَقَالَ النَّاسُ: هَذَا صَدِيدٌ، اسْقُوهُ لَبَنًا فَخَرَجَ فَقَالَ الطَّبِيبُ. مَا أرك تُمْسِي فَمَا كُنْتَ فَاعِلا فَافْعَلْهُ فَقَالَ:
يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ نَاوِلْنِي الْكَتِفَ، فَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَمْضِيَ مَا فِيهَا أَمْضَاهُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَنَا أَكْفِيكَ مَحْوَهَا. فَقَالَ: لا وَاللَّهِ لا يَمْحُوَهَا أَحَدٌ غَيْرِي، فَمَحَاهَا عُمَرُ بِيَدِهِ وَكَانَ فِيهَا فَرِيضَةُ الْجِدِّ، ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لِي عَلِيًّا، وَعُثْمَانَ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدًا، فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ غَيْرَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، لَعَلَّ(10/418)
هَؤُلاءِ الْقَوْمَ يَعْرِفُونَ لَكَ قَرَابَتَكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِهْرَكَ، وَمَا آتَاكَ اللَّهُ مِنَ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ، فَإِنَّ وُلِّيتَ هَذَا الأَمْرَ فَاتَّقِ اللَّهَ فِيهِ، ثُمَّ دَعَا عُثْمَانَ فَقَالَ:
يَا عُثْمَانُ، لَعَلَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ سَيَعْرِفُونَ لَكَ صِهْرَكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسِنَّكَ وَشَرَفَكَ، فَإِنْ وُلِّيتَ هَذَا الأَمْرَ فَاتَّقِ اللَّهَ وَلا تَحْمِلَنَّ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لِي صُهَيْبًا فَدُعِيَ فَقَالَ: صَلِّ بِالنَّاسِ ثَلاثًا وَلِيُخَلَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمُ فِي بَيْتٍ فَإِذَا أَجْمَعُوا عَلَى رَجُلٍ فَمَنْ خَالَفَهُمْ فَاضْرِبُوا رَأْسَهُ، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِ عُمَرَ قَالَ: إِنْ وَلُّوهَا الأَجْلَحَ سَلَكَ بِهِمُ الطَّرِيقَ، يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَمَا يَمْنَعُكَ مِنْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ؟ قَالَ:
أَكْرَهُ أَنْ أَتَحَمَّلَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا، ثم دخل عليه كعب فقال: جاءالحق من ربك فلا تكن من الممترين [1] قَدْ أَنْبَأْنَاكَ أَنَّكَ شَهِيدٌ، فَقُلْتَ أَنَّى لِي بِالشَّهَادَةِ وَأَنَا فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ.
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا وَكِيعٌ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، ثنا أَشْيَاخُنَا قَالُوا: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لا يَصْلُحُ إِلا بِالشِّدَّةِ الَّتِي لا جَبْرِيَّةَ مَعَهَا، وَاللِّينِ الَّذِي لا وَهَنَ فِيهِ.
الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَقُولُ الرَّأْيُ كَثِيرٌ، وَالْحَزْمُ قَلِيلٌ، وَكَانَ عُرْوَةُ بْنُ الْوَرْدِ الْعَبْسِيُّ مِنْ حُزَمَاءِ الرِّجَالِ، وَأَشَارَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ عَلَى عُمَرَ أَنْ يُنَحِّيَ عَنْهُ الْعَجَمَ وَقَالَ: إِنِّي لأَخَافُ عَلَيْكَ هَذِهِ الْحَمْرَاءَ، فَلَمَّا طُعِنَ قَالَ: مَا فَعَلَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ؟ قَالُوا: مَاتَ قَالَ: لِلَّهِ رأي بين الحاجر
__________
[1] سورة آل عمران- الآية: 60.(10/419)
وَالرَّقَمِ [1] ، وَيُقَالُ إِنَّهُ قَالَ: لِلَّهِ قَبْرٌ بَيْنَ الْحَاجِرِ وَالرَّقَمِ لَقَدْ ضَمِنَ رَأْيًا وَحَزْمًا.
حَدَّثَنِي شَيْبَانُ الآجُرِّيُّ عَنْ نَافِعٍ أَبِي هُرْمُزَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ:
لِكُلِّ شَيْءٍ رَأْسٌ وَرَأْسُ الْمَعْرُوفِ أَعْجَلُهُ.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا عَلِيُّ بْنُ مَسْعَدَةَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ الرُّومِيُّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ طَلْقٍ بَيْتَهَا فَإِذَا سَمْكُهُ قَصِيرٌ يَكَادُ يَنَالُهُ رَأْسِي فَقُلْتُ لَهَا يَا أُمَّ طَلْقٍ، مَا أَقْصَرُ سَقْفَ بَيْتِكِ! فَقَالَتْ: أَيْ بُنَيَّ أَوْ مَا عَلِمْتَ مَا كَتَبَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى الأَمْصَارِ وَالآفَاقِ، كَتَبَ لا تُطِيلُوا بُيُوتَكُمْ فَإِنَّهُ مِنْ شَرِّ أَعْمَالِكُمْ. قُلْتُ: هَلْ رَأَيْتِ أَبَا ذَرٍّ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ بَيْتَهُ، قُلْتُ: كَيْفَ رَأَيْتِ هَيْئَتَهُ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُهُ أَشْعَثَ أَغْبَرَ وَبِيَدِهِ عُودَانِ قَدْ خَالَفَ بَيْنَهُمَا وَإِلَى جَانِبِهِ صُوفٌ مَنْفُوشٌ فَهُوَ يَأْخُذُ مِنْهُ وَيَغْزِلُ، فَأَعْطَيْتُهُ شَيْئًا مِنْ دَقِيقٍ أَوْ سُوَيْقٍ كَانَ مَعِي فَأَخَذَهُ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ، ثُمَّ قَالَ لِي: ثَوَابُكِ أَوِ أَجْرُكِ عَلَى الله.
حدثني محمد بن سعد، ثنا عبد الْكَرِيمِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، ثنا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ عَنْ سِمَاكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمَّا احْتُضِرَ قَالَ: إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَسُنَّةٌ، وَإِنْ لَمْ أَسْتَخْلِفْ فَسُنَّةٌ، تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ، وَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ فَاسْتَخْلَفَ. فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ:
[عَرَفْتُ وَاللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْدِلْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،] فَذَاكَ حِينَ جَعَلَهَا شُورَى بَيْنَ: عَلِيٍّ، وَعُثْمَانَ، وَالزُّبَيْرِ، وَطَلْحَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وسعد، وقال
__________
[1] الحاجر موضع قبل معدن النقره على طريق مكة، والرقم جبال دون مكة بديار غطفان.
معجم البلدان.(10/420)
لِلأَنْصَارِ: أَدْخِلُوهُمْ بَيْتًا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنِ اسْتَقَامُوا، وَإِلا فَادْخُلُوا عَلَيْهِمْ فَاضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ [1] .
حَدَّثَنَا عَفَّانُ بن مسلم، ثنا حماد بن سلمة، أنبأ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ مُسْنَدًا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَ عِنْدَهُ ابْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، فَقَالَ: اعْلَمُوا أَنِّي لَمْ أَقُلْ فِي الْكَلالَةِ شَيْئًا، وَلَمْ أَسْتَخْلِفْ بَعْدِي أَحَدًا، وَأَنَّهُ مَنْ أَدْرَكَ وَفَاتِي مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَهُوَ حُرٌّ مِنْ مَالِ اللَّهِ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ: أَمَا أَنَّكَ لَوْ أَشَرْتَ بِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ائْتَمَنَكَ النَّاسُ.
فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ رَأَيْتُ مِنْ أَصْحَابِي حِرْصًا سَيِّئًا، وَإِنِّي جَاعِلٌ هَذَا الأَمْرَ إِلَى هَؤُلاءِ النَّفَرِ السِّتَّةِ الَّذِينَ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عَنْهُمْ رَاضٍ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَدْرَكَنِي أَحَدُ رَجُلَيْنِ فَجَعَلْتُ هَذَا الأَمْرَ إِلَيْهِ لَوَثَقْتُ بِهِ: سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؟ فَقَالَ لَهُ: قَاتَلَكَ اللَّهُ. وَاللَّهِ مَا أَرَدْتَ اللَّهَ بِهَا.
أَسْتَخْلِفُ رَجُلا لَمْ يُحْسِنْ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ؟ قَالَ عَفَّانُ: يَعْنِي بِالرَّجُلِ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ.
حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ثنا أَيُّوبُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لِعُمَرَ: لَوِ اسْتَخْلَفْتَ. قَالَ: مَنْ؟ قَالَ:
تَجْتَهِدُ. لَوْ أَنَّكَ بَعَثْتَ إِلَى قَيِّمِ أَرْضِكَ أَلَمْ تَكُنْ تُحِبُّ أَنْ تَسْتَخْلِفَ مَكَانَهُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الأَرْضِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ بَعَثْتَ رَاعِيَ غَنَمِكَ أَلَمْ تَكُنْ تُحِبُّ أَنْ تستخلف رجلا حتى يرجع؟
[أمر الشورى]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزهري عن أبيه عن
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 342.(10/421)
صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أخبرني سالم بن عبد الله أن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: دَخَلَ الرَّهْطُ عَلَى عُمَرَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنِّي نَظَرْتُ لَكُمْ فِي أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَجِدْ عِنْدَ النَّاسِ شِقَاقًا إِلا أَنْ يَكُونَ مِنْكُمْ، وَإِنَّمَا الأَمْرُ إِلَى هَؤُلاءِ الستة، وكان طلحة غائبا في ماله بالشراة، وَإِنَّمَا يَؤُمُّ قَوْمَكُمْ أَحَدُكُمْ أَيُّهَا الثَّلاثَةُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، فَإِنْ كُنْتَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَلا تَحْمِلَنَّ ذَوِي قَرَابَتِكَ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتَ يَا عُثْمَانُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ فَلا تَحْمِلْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتَ يَا عَلِيُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ فَلا تَحْمِلَنَّ بَنِي هَاشِمٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا فَتَشَاوَرُوا وَأَمِّرُوا أَحَدَكُمْ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَقَامُوا يَتَشَاوَرُونَ، فَدَعَانِي عُثْمَانُ لِيُدْخِلَنِي فِي الأَمْرِ، وَلا وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنِّي كُنْتُ دَخَلْتُ فِيهِ، عَلِمَا أَنَّهُ سَيَكُونُ فِي أَمْرِهِمْ ما قال أبي، فو الله لَقَلَّمَا رَأَيْتُهُ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ بِشَيْءٍ قَطُّ إِلا كَانَ حَقًّا، فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيَّ عُثْمَانُ قُلْتُ لَهُ: أَلا تَعْقِلُونَ؟ أَتُؤَمِّرُونَ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَيٌّ؟ فو الله لَكَأَنَّمَا أَيْقَظْتُ عُمَرَ مِنْ رَقْدَةٍ فَقَالَ: أَمْهِلُوا فَإِنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ فَلْيُصَلِّ بِكُمْ صُهَيْبٌ ثَلاثَ لَيَالٍ، ثُمَّ اجْمَعُوا أَمْرَكُمْ فَمَنْ تَأَمَّرَ عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ سَالِمٌ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ: ابْدَأْ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ قَبْلَ عَلِيٍّ. قَالَ: نعم والله.
[مصرع عمر]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي شِهَابٍ قَالَ: كَانَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ(10/422)
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لا يَأْذَنُ لِصَبِيٍّ قَدِ احتلم في دخول الْمَدِينَةَ حَتَّى كَتَبَ الْمُغِيرَةُ وَهُوَ عَلَى الْكُوفَةِ يَذْكُرُ غُلامًا لَهُ صَانِعًا، وَيَسْتَأْذِنُهُ فِي دُخُولِهِ الْمَدِينَةَ، وَيَقُولُ إِنَّ عِنْدَهُ أَعْمَالا كَثِيرَةً فِيهَا مَنَافِعُ لِلنَّاسِ، إِنَّهُ: حَدَّادٌ، نَقَّاشٌ، نَجَّارٌ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ أَنْ يُرْسِلَ بِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَضَرَبَ عَلَيْهِ الْمُغِيرَةُ مِائَةَ دِرْهَمٍ كُلَّ شَهْرٍ، فَجَاءَ إِلَى عُمَرَ يَشْتَكِي إِلَيْهِ شِدَّةَ الْخَرَاجِ وَثِقَلَهُ فَقَالَ لَهُ: مَاذَا تُحْسِنُ؟
فَذَكَرَ لَهُ الأَعْمَالَ الَّتِي يُحْسِنُهَا، فَقَالَ عُمَرُ: مَا خَرَاجُكَ بِكَثِيرٍ فِي جَنْبِ مَا تَعْمَلُ، فَانْصَرَفَ سَاخِطًا يَتَذَمَّرُ فَلَبِثَ عُمَرُ لَيَالِيَ، ثُمَّ إِنَّ الْعَبْدَ مَرَّ بِهِ فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: أَلَمْ أُحَدَّثْ أَنَّكَ تَقُولُ لَوْ أَشَاءُ لَصَنَعْتُ رَحًى تَطْحَنُ بِالرِّيحِ؟
فَالْتَفَتَ الْعَبْدُ إِلَى عُمَرَ سَاخِطًا عَابِسًا، وَكَانَ مَعَ عُمَرَ رَهْطٌ، فَقَالَ:
لأَصْنَعَنَّ لَكَ رَحًى تَتَحَدَّثُ النَّاسُ فِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ بِهَا. فَلَمَّا وَلَّى الْعَبْدُ أَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى الرَّهْطِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فَقَالَ لَهُمْ: أو عدني العبد آنفا، فلبث ليالي ثم اشتمل عَلَى خِنْجَرٍ ذِي رَأْسَيْنِ نِصَابُهُ فِي وَسَطِهِ، فَكَمَنَ فِي زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا الْمَسْجِدِ فِي غَبَشِ السَّحَرِ، فَلَمْ يَزَلْ هُنَاكَ حَتَّى خَرَجَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُوقِظُ النَّاسَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ، وَكَانَ عُمَرُ يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَنَا عُمَرُ مِنْهُ وَثَبَ عَلَيْهِ فَطَعَنَهُ ثَلاثَ طَعَنَاتٍ إِحْدَاهُنَّ تَحْتَ السُّرَّةِ فَخَنَقَتِ [1] الصِّفَاقَ، وَهِيَ الَّتِي قَتَلَتْهُ ثُمَّ أَغَارَ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ فَطَعَنَ مَنْ يَلِيهِ حَتَّى طَعَنَ سِوَى عُمَرَ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلا، ثُمَّ انْتَحَرَ بِخِنْجَرِهِ، فَقَالَ عُمَرُ حِينَ أَدْرَكَهُ النَّزْفُ وَانْقَصَفَ النَّاسُ عَنْهُ: قُولُوا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، ثُمَّ غَلَبَ عُمَرَ النَّزْفُ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاحْتَمَلْتُهُ فِي رَهْطٍ حَتَّى أَدْخَلْتُهُ، ثُمَّ صَلَّى لِلنَّاسِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَنْكَرَ النَّاسُ صوت عبد الرحمن، قال ابن
__________
[1] في طبقات ابن سعد ج 3 ص 345 «فخرقت» وهو أوضح وأقوم.(10/423)
عَبَّاسٍ: فَلَمْ أَزَلْ عِنْدَ عُمَرَ وَلَمْ يَزَلْ فِي غَشْيَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى أَسْفَرَ الصُّبْحُ، ثُمَّ أَفَاقَ فَنَظَرَ إِلَى وُجُوهِنَا ثُمَّ قَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ:
لا إِسْلامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ، ثُمَّ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ يَا عَبْدَ اللَّهِ فَسَلْ مَنْ قَتَلَنِي، قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى فَتَحْتُ بَابَ الدَّارِ فَإِذَا النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ جَاهِلُونَ بِخَبَرِ عُمَرَ، فَقُلْتُ مَنْ طَعَنَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالُوا: طَعَنَهُ عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو لُؤْلُؤَةَ غُلامُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ثُمَّ طَعَنَ مَعَهُ رَهْطًا، ثُمَّ قَتَلَ نَفْسَهُ، فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ قَاتِلِي يُحَاجِّنِي عِنْدَ اللَّهِ بِسَجْدَةٍ سَجَدَهَا لَهُ قَطُّ، مَا كَانَتِ الْعَرَبُ لِتَقْتُلَنِي. قَالَ سَالِمٌ: فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ: أَرْسِلُوا إِلَى الطَّبِيبِ يَنْظُرُ فِي جُرْحِي هَذَا فَأَرْسَلُوا إِلَى طَبِيبٍ مِنَ الْعَرَبِ فَسَقَاهُ نَبِيذًا فَشُبِّهَ النَّبِيذُ بِالدَّمِ حِينَ خَرَجَ مِنَ الطَّعْنَةِ الَّتِي تَحْتَ السُّرَّةِ، قَالَ فَدَعَوْتُ طَبِيبًا آخَرَ مِنَ الأَنْصَارِ فَسَقَاهُ لَبَنًا فَخَرَجَ مِنَ الطَّعْنَةِ أَبْيَضَ، فَقَالَ الطَّبِيبُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اعْهَدْ، فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقَنِي أَخُو بَنِي مُعَاوِيَةَ، وَلَوْ قُلْتَ غَيْرَ ذَلِكَ كَذَّبْتُكَ. قَالَ: فَبَكَى عَلَيْهِ الْقَوْمُ حِينَ سَمِعُوا قَوْلَهُ، فَقَالَ:
لا تَبْكُوا عَلَيْنَا أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [: «يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» ،] فَبَلَغَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنها قوله فقال: [ «إِنَّمَا مَرَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نُوَّحٍ يَبْكِينَ عَلَى هَالِكٍ، فَقَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ يَبْكُونَ وَصَاحِبُهُمْ يُعَذَّبُ وَكَأَنَّ قَدِ اجْتَرَمَ ذَلِكَ» ] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الْمَدِينَةَ ضَرَبَ عَلَى غُلامِهِ أَبِي لُؤْلُؤَةِ مِائَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، فِي كُلِّ شَهْرٍ، أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ فِي الْيَوْمِ، وَكَانَ خَبِيثًا إِذَا نَظَرَ إِلَى السَّبْيِ الصِّغَارِ مَسَحَ رُؤُوسَهُمْ وَبَكَى وَقَالَ: إِنَّ الْعَرَبَ أَكَلَتْ كَبِدِي،(10/424)
فَلَمَّا قَدِمَ عُمَرُ مِنْ مَكَّةَ جَاءَ أَبُو لؤلؤة إِلَى عُمَرَ يُرِيدُهُ فَوَجَدَهُ غَادِيًا إِلَى السُّوقِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى يَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ سَيِّدِي الْمُغِيرَةَ يُكَلِّفُنِي مِنَ الضَّرِيبَةِ مَا لا أُطِيقُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَكَمْ كَلَّفَكَ؟ قَالَ: أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ يَوْمٍ، قَالَ: وَمَا تَعْمَلُ؟ قَالَ: الأَرْحِيَةَ، وَسَكَتَ عَنْ سَائِرِ أَعْمَالِهِ. قَالَ: فِي كَمْ تَعْمَلُ الرَّحَى؟ فَأَخْبَرَهُ، قَالَ: وَبِكَمْ تَبِيعُهَا؟ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ كَلَّفَكَ يَسِيرًا، انْطَلِقْ فَاعْطِ مَوْلاكَ مَا سَأَلَكَ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ عمر: ألا تعمل لنا رحى؟ قال: بلى أَعْمَلُ لَكَ رَحًى يَتَحَدَّثُ بِهَا أَهْلُ الأَمْصَارِ فَفَزَعَ عُمَرُ مِنْ كَلِمَتِهِ وَقَالَ لِعَلِيٍّ وَكَانَ مَعَهُ: مَا تَرَاهُ أَرَادَ؟ قَالَ:
أَوْعَدَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ عُمَرُ: يَكْفِينَاهُ اللَّهُ، قَدْ ظَنَنْتُ أَنَّهُ يُرِيدُ بِكَلِمَتِهِ غَوْرًا. قَالُوا وَكَانَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ مِنْ سَبْيِ نَهَاوَنْدَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أَبِي بَكْر بْن إِسْمَاعِيل عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ هَرَبَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ وَجَعَلَ عُمَرُ يُنَادِي: الكلب، الكلب، وطعن نفسه، فأخذ أبو لُؤْلُؤَةَ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ، وَهَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَرَجُلٌ، فَطَرَحَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْفٍ خَمِيصَةً كَانَتْ عَلَيْهِ فَانْتَحَرَ بِالْخِنْجَرِ حِينَ أُخِذَ، وَاحْتَزَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْفٍ رَأْسَ أبي لؤلؤة، وقال هشام ابن الْكَلْبِيِّ: وَثَبَ كُلَيْبُ بْنُ قَيْسِ بْنِ بُكَيْرٍ الْكِنَانِيُّ الْجَزَّارُ عَلَى أَبِي لُؤْلُؤَةَ فَقَتَلَهُ.
حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عن رقبة بْنِ مَصْقَلَةَ عَنْ أَبِي صَخْرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ حِينَ طُعِنَ يقول: وكان أمر الله قدرا مقدورا [1] .
__________
[1] سورة الأحزاب- الآية: 38. طبقات ابن سعد ج 3 ص 348- 349.(10/425)
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا الْعُمَرِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَكْتُبُ إِلَى أُمَرَاءِ الْجُيُوشِ أَلا تَجْلِبُوا عَلَيْنَا شَيْئًا مِنَ الْعُلُوجِ أَحَدًا جَرَتْ عَلَيْهِ الْمُوسِيُّ، فَلَمَّا طَعَنَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: غُلامُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. قَالَ: قَدْ قُلْتُ لَكُمْ:
لا تَجْلِبُوا عَلَيْنَا مِنَ الْعُلُوجِ أَحَدًا فَغَلَبْتُمُونِي.
حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا يعلى بْن عبيد عَن يَحْيَى بْن سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ قَالَ: طعن الَّذِي طعن عمر اثني عشر رجلا بعمر، فمات منهم ستة بعمر، وأفرق [1] ستة.
حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ قَالا: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا طُعِنَ جَعَلَ يُغْمَى عَلَيْهِ، فَقِيلَ إِنَّكُمْ لَنْ تُنَبِّهُوهُ أَوْ لَمْ تُفْزِعُوهُ بِمِثْلِ الصَّلاةِ إِنْ كَانَتْ بِهِ حَيَاةٌ.
فَقَالُوا: الصَّلاةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّلاةُ فَقَدْ صُلِّيَتْ، فَانْتَبَهَ فَقَالَ: الصَّلاةُ؟
هَا اللَّهُ إِذًا، وَلا حَظَّ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ. قَالَ: فَصَلَّى وَإِنَّ جُرْحَهُ لَيَثْغَبُ دَمًا.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي عَاتِكَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طُعِنَ فَقَرَأَ فِي الأُولَى: وَالْعَصْرِ. وَفِي الثانية: قل يا أيها الْكَافِرُونَ.
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ حِينَ طُعِنَ فَجَعَلْتُ أُثْنِي عَلَيْهِ، فَقَالَ: بأي شيء تثني عليّ يا بن عَبَّاسٍ؟ بِالإِمْرَةِ أَمْ بِغَيْرِهَا؟ قَالَ: قُلْتُ: بِكُلٍّ، قَالَ: لَيْتَنِي أَخْرُجُ مِنْهَا كَفَافًا بِلا أَجْرٍ ولا وزر.
__________
[1] أفرق المطعون: برأ. اللسان.(10/426)
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا وَهْبُ بن جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، ثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ يُحَدِّثُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: رَأَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ السِّكِّينَ الَّذِي قُتِلَ بِهِ عُمَرُ، فَقَالَ: رَأَيْتُ هَذَا السِّكِّينَ أَمْسِ مَعَ الْهُرْمُزَانِ وَجُفَيْنَةَ فَقُلْتُ: مَا تَصْنَعَانِ بِهَذَا السِّكِّينِ؟ فَقَالا: نَقْطَعُ بِهِ اللَّحْمَ، فَإِنَّا لا نَمَسُّ اللَّحْمَ فَقَالَ لَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَنْتَ رَأَيْتَهَا مَعَهُمَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَخَذَ عُبَيْدُ اللَّهِ سَيْفَهُ ثُمَّ أَتَاهُمَا فَقَتَلَهُمَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى قَتْلِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ وَهُمَا فِي ذِمَّتِنَا، فَأَخَذَ عُبَيْدُ اللَّهِ عُثْمَانَ فَصَرَعَهُ حَتَّى قَامَ النَّاسُ فَحَجَزُوهُ عَنْهُ، وَكَانَ حِينَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ أَخَذَ سَيْفَهُ فَتَقَلَّدَهُ فَعَزَمَ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنْ يَضَعَهُ فَوَضَعَهُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مَعْنُ بْنُ عيسى، ثنا مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ عُمَرَ الوفاة قال: أبالإمارة تغيظونني، فو الله لَوَدَدْتُ أَنِّي أَنْجُو كَفَافًا لا عَلَيَّ وَلا لِي، قَالَ مَالِكُ: فَحَدَّثَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: كذبت. قال سليمان: أو كذبت؟
أَبُو الْحَسَنِ عَلِيّ بْن مُحَمَّد الْمَدَائِنِيّ قَالَ: سمع عمر بكاء من سقيفة النساء وفيهن خولة بِنْت حكيم بْن أمية بْن حارثة بْن الأوقص امْرَأَة عُثْمَان بْن مظعون، فأتاهن وخولة تبكي فَقَالَ لها: مَا يبكيك؟ فَقَالَتْ: رأيت ديكا أحمر وثب عليك فنقرك ثلاث نقرات، فأولت ذاك أن رجلا علجا أحمر يطعنك ثلاث طعنات، فَقَالَ: أنى لِي بالشهادة ولست بأرضها وبيني وبين الروم مسيرة أشهر.
الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ عُيَيْنَة بْن حصن لعمر: إن اللَّه قد جعلك فتنة عَلَى(10/427)
أمة مُحَمَّد، فَقَالَ: كذبت. إن ربي ليعلم أني لم أضمر لها غير العدل والإحسان، فَقَالَ عُيَيْنَة: لم أذهب هناك، ولكن يفقدون سيرتك فيضرب بعضهم رقاب بعض، فَقَالَ: مَا أنا لِذَلِكَ بآمن، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ احترس من الأعاجم، وأخرجهم مِنَ الْمَدِينَةِ، فإني لا آمنهم عليك، فلما طعن قَالَ: مَا فعل عُيَيْنَة؟ قَالُوا: مات بالحاجر، فَقَالَ: إن هناك لرأيا.
قَالَ: وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر: دعا عمر أبا لؤلؤة عَبْد الْمُغِيرَة فَقَالَ لَهُ: اعمل لِي رحى، فَقَالَ: نعم أعمل لك رحى يسمع بِهَا من بين لأبتيها [1] ، قَالَ: وَكَانَ أَبُو لؤلؤة من سبي نهاوند.
قَالَ الْمَدَائِنِيّ: ومن رواية بعضهم أن عمر افتتح سورة النحل فطعنه أَبُو لؤلؤة، وجال فِي الصفوف، فطعن من عرض لَهُ قريبا، فرماه رجل ببرنس، كَانَ عَلَيْهِ فصرعه فنحر نفسه، قَالَ: ويقال إن الَّذِي رمى أبا لؤلؤة رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي رباح يقال لَهُ حطان بْن مالك. قَالَ: ويقال إنه مات من طعنه أربعة منهم: إياس بْن البكير بْن عَبْدِ ياليل الكناني، وكليب بْن قَيْس الجزار الكناني، فأخبر عمر، فَقَالَ: مَا كنت أرى كليبا يسبقني إِلَى الجنة.
الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيّ: طعن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَوْم الأربعاء لسبع بقين من ذي الحجة، وَقَالَ غيره لست بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، وتوفي لهلال المحرم سنة أربع وعشرين، وتوفي ابْن ستين سنة وذلك أثبت الأقاويل، قَالَ: وَكَانَ مغشيا عَلَيْهِ حَتَّى قيل لَهُ الصلاة، فَقَالَ: نعم الصلاة، وَلا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.
__________
[1] لابتيها: حرّتيها، فاللأبة: الحرة، والمدينة بين حرتين. معجم البلدان.(10/428)
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَيْنَا رَأْسُ عُمَرَ فِي حِجْرِي إِذْ قَالَ: ضَعْ رَأْسِي بِالأَرْضِ، قُلْتُ:
وَمَا عَلَيْكَ أَنْ يَكُونَ فِي حِجْرِي هُوَ أَوْقَى لَهُ، قَالَ: ضَعْهُ لا أُمَّ لَكَ، قَالَ فَوَضَعْتُهُ. فَقَالَ: وَيْلٌ لِعُمَرَ وَلأُمِّ عُمَرَ إِنْ لَمْ يَغْفِرِ اللَّهُ لَهُ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ لاحِقٍ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: لَيْتَنِي أَنْجُو مِنَ الأَمْرِ كَفَافًا لا عَلَيَّ وَلا لِي، يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ضَعْ خَدِّي عَلَى الأَرْضِ، وَيْلٌ لِعُمَرَ وَأُمِّ عُمَرَ إِنْ لَمْ يُنْجِهِ اللَّهُ مِنَ النَّارِ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عاصم بن عمر عن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ كَعْبَ الأَحْبَارِ قَالَ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْتَ مَيِّتٌ فِي ثَلاثٍ، أَجِدُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ:
أَتَجِدُ اسْمِي وَنَسَبِي؟ قَالَ: لا وَلَكِنِّي أَجِدُ صِفَتَكَ وَسِيرَتَكَ، فَقَالَ عُمَرُ:
أَيُوعِدُنِي كَعْبٌ ثَلاثًا أَعُدُّهَا ... وَلا شَكَّ أَنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَ لِي كَعْبُ
وَمَا بِيَ خَوْفُ الْمَوْتِ إِنِّي لَمَيِّتٌ ... وَلَكِنَّ خَوْفِي الذَّنْبَ يَتْبَعُهُ الذَّنْبُ
وَقَالَ الشاعر:
ليبك عَلَى الإِسْلام من كَانَ باكيا ... فقد أوشكوا هلكا وَمَا قدم العهد
وأدبرت الدنيا وأدبر أهلها ... وقد ملها من كَانَ يؤمن بالوعد
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: دَخَلَ عَلِيٌّ عَلَى عُمَرَ وَهُوَ مُسَجًّى فَقَالَ: مَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِصَحِيفَتِهِ مِنْ هَذَا الْمُسَجَّى.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لابْنِ عُمَرَ:
أَيُغَسَّلُ الشَّهِيدُ؟ قَالَ: كَانَ عُمَرُ شَهِيدًا فَغُسِّلَ، وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ.
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ الآجُرِّيُّ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ مِقْسَمٍ الْبُرِّيُّ عن نافع(10/429)
قَالَ: قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ لِعُمَرَ: أَلا أَدُلُّكَ عَلَى الْقَوِيِّ الأَمِينِ تَسْتَخْلِفُهُ؟
قَالَ: بَلَى. قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: وَيْحَكَ مَا أَرَدْتَ اللَّهَ بِقَوْلِكَ، وَلأَنْ يَمُوتَ فَأُكَفِّنُهُ بِيَدِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوَلِّيَهُ وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ فِي النَّاسِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَائِدٍ وَابْنِ جُعْدُبَةَ قَالا: لَمَّا مَاتَ عُمَرُ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الشُّورَى لِيُصَلِّي عَلَيْهِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْحِرْصُ، وَقَدَّمَ صُهَيْبًا فَصَلَّى، وَقَالَ: إِنَّ عُمَرَ وَلَّى صُهَيْبًا الصَّلاةَ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى إِمَامٍ يَخْتَارُهُ السِّتَّةُ وَدُفِنَ عُمَرُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ.
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ الجلحي:
ثَلاثَةٌ لا تَرَى عَيْنٌ لَهُمْ شَبَهًا ... تَضُمُّ أَعْظُمُهُمْ فِي الْمَسْجِدِ الْحُجَرُ
الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: لَمَّا مَاتَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ نَدَبَتْهُ ابْنَةُ أَبِي حَثْمَةَ فَقَالَتْ:
وَاعُمَرَاهُ أَقَامَ الأَوَدَ وَأَبْرَأَ الْعُمُدَ وَأَمَاتَ الْفِتَنَ وَأَحْيَا السُّنَنَ، وَاعُمَرَاهُ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا نَقِيَّ الثَّوْبِ بَرِيئًا مِنَ الْعَيْبِ.
وَقَالَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ زَيْدٍ تَرْثِيهِ:
فَجَّعَنِي فَيْرُوزُ لا دَرَّ دَرُّهُ ... بِأَبْيَضَ تَالٍ لِلْقُرَانِ مُنِيبِ
عَطُوفٍ عَلَى الأَدْنَى غَلِيظٍ عَلَى الْعِدَى ... أَخِي ثِقَةٍ فِي النَّائِبَاتِ نَجِيبِ
مَتَى مَا يَقُلْ لا يَكْذِبُ الْقَوْلَ فِعْلُهُ ... سَرِيعٌ إِلَى الْخَيْرَاتِ غَيْرِ قَطُوبِ
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أنبأ إِسْرَائِيلُ عَنْ كَثِيرٍ النَّوَّاءِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
كُنْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَسَمِعْنَا الصَّيْحَةَ عَلَى عُمَرَ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَقَالَتْ(10/430)
أُمُّ كُلْثُومٍ: وَاعُمَرَاهُ، وَكَانَ مَعَهَا نِسْوَةٌ يَبْكِينَ، فَارْتَجَّ الْبَيْتُ بُكَاءً، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ لِي مَا عَلَى الأَرْضِ لافْتَدَيْتُ بِهِ نَفْسِي مِنْ هَوْلِ الْمَطْلَعِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَلا تَرَاهَا إِلا قَدْرَ مَا قَالَ اللَّهُ: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا [1] لَقَدْ كُنْتَ مَا عَلِمْنَاكَ تَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ، وَتَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ.
قَالَ: فَضَرَبَ عَلَى كَتِفَيِ ابْنِ عباس وقال: تشهد يابن عَبَّاسٍ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ أَشْهَدُ بِهِ.
حَدَّثَنِي عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ الصَّفَّارُ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، ثنا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ، ثنا ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ طُعِنَ، فَقَالَ: احْفَظْ مِنِّي ثَلاثًا فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ لا يُدْرِكَنِي النَّاسُ: أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَقْضِ فِي الْكَلالَةِ، وَلَمْ أَسْتَخْلِفْ خَلِيفَةً، وَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي عَتِيقٌ. قُلْتُ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ، صَاحَبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطَلْتَ صُحْبَتَهُ وَوُلِّيتَ أَمْرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَوِيتَ فِيهِ، وَأَدَّيْتَ الأَمَانَةَ. قَالَ: أَمَّا تَبْشِيرُكَ إياي بالجنة فو الله الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَوْ أَنَّ لِي الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ مَا أَمَامِي، وَأَمَّا قَوْلُكَ فِي إِمْرَةِ المؤمنين فو الله لَوَدَدْتُ أَنِّي أَنْجُو مِنْ ذَلِكَ كَفَافًا لا لِي وَلا عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَتِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَاكَ.
حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عن أبي سعيد الخدري قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ حِينَ طُعِنَ وَنَحْنُ تِسْعَةَ عَشَرَ فَشَكَا إِلَيْنَا أَلَمَ الْوَجَعِ.
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ قالا: ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، ثنا هَارُونُ بْنُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
__________
[1] سورة مريم- الآية: 71.(10/431)
عُمَيْرٍ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا طُعِنَ سُقِيَ لَبَنًا فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ، فَلَمَّا رَأَى بَيَاضَهُ بَكَى، وَأَبْكَى النَّاسَ حَوْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَنَّ لِي مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ لافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ الْمَطْلَعِ، قَالُوا: فَهَذَا أَبْكَاكَ؟ قَالَ: مَا أَبْكَانِي غَيْرُهُ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقَدْ كَانَ إِسْلامُكَ نَصْرًا، وَإِمَارَتُكَ فَتْحًا، وَلَقَدْ مَلَأْتَ الأَرْضَ عَدْلا، فَقَالَ عُمَرُ: أجلسوني، فلما جلس قال: يابن عَبَّاسٍ أَعِدْ عَلَيَّ كَلامَكَ، فَأَعَادَهُ فَقَالَ: أَتَشْهَدُ لِي بِهَذَا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ تَلْقَاهُ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَعَمْ، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ عُمَرَ وَفَرِحَ بِهِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ جَعَلَ جُلَسَاؤُهُ يُثْنُونَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ مَنْ غَرَّهُ عُمُرُهُ لَمَغْرُورٌ، وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أَخْرُجُ مِنْهَا كَمَا دَخَلْتُ فِيهَا، وَاللَّهِ لَوْ كَانَ لِي مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ لافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هول المطلع.
[عبيد الله بن عمر يقتل المتآمرين على قتل والده]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أنبأ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ حِينَ قُتِلَ عُمَرُ: مَرَرْتُ عَلَى قَاتِلِ عُمَرَ أَبِي لُؤْلُؤَةَ فَيْرُوزٍ، وَمَعَهُ جُفَيْنَةُ، وَالْهُرْمُزَانُ وَهُمْ نَجِيٌّ، فَلَمَّا بَغَتَهُمْ ثَارُوا فَسَقَطَ مِنْ بَيْنِهِمْ خِنْجَرٌ لَهُ رَأْسَانِ وَنِصَابُهُ وَسَطَهُ، فَانْظُرُوا مَا الْخِنْجَرُ الَّذِي قُتِلَ بِهِ عُمَرُ فَنَظَرُوهُ فَإِذَا هُوَ الْخِنْجَرُ الَّذِي نَعَتَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَانْطَلَقَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَعَهُ السَّيْفُ حَتَّى دَعَا الْهُرْمُزَانَ فَلَمَّا خَرَجَ إِلَيْهِ قَالَ: انْطَلِقْ مَعِي نَنْظُرُ إِلَى فَرَسٍ لِي، وَتَأَخَّرَ عَنْهُ حَتَّى إِذَا مَضَى بَيْنَ يَدَيْهِ عَلاهُ بِالسَّيْفِ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَلَمَّا وَجَدَ حَرَّ السَّيْفِ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: وَدَعَوْتُ جُفَيْنَةَ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا مِنْ نَصَارَى الْحِيرَةِ وَكَانَ ظِئْرًا لِسَعْدِ بْنِ أبي(10/432)
وَقَّاصٍ أَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ لِلْمِلْحِ [1] الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَكَانَ يُعَلِّمُ الْكِتَابَ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا عَلَوْتُهُ بِالسَّيْفِ صُلِبَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَتَلَ ابْنَةً لأَبِي لُؤْلُؤَةَ صَغِيرَةً تَدَّعِي الإِسْلامَ، وَأَرَادَ عُبَيْدُ اللَّهِ أَنْ لا يَتْرُكَ يَوْمَئِذٍ سَبْيًا بِالْمَدِينَةِ إِلا قَتَلَهُ، فَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ الأولون عليه فنهوه وتوعدوه فَقَالَ: وَاللَّه لأَقْتُلَنَّهُمْ وَغَيْرَهُمْ، وَعَرَّضَ بِبَعْضِ الْمُهَاجِرِينَ فَلَمْ يَزَلْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِهِ حَتَّى دَفَعَ إِلَيْهِ السَّيْفَ، فَلَمَّا دَفَعَهُ إِلَيْهِ أَتَاهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِرَأْسِ صَاحِبِهِ يَتَنَاصَيَانِ حَتَّى حُجِزَ بَيْنَهُمَا، وَأَقْبَلَ عُثْمَانُ قَبْلَ أَنْ يُبَايَعَ لَهُ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي فَكَلَّمَهُ حَتَّى تَنَاصَيَا، وَأَظْلَمَتِ الأَرْضُ يَوْمَ قَتَلَ عُبَيْدُ اللَّهِ الْهُرْمُزَانَ وَجُفَيْنَةَ وَابْنَةَ أَبِي لُؤْلُؤَةَ عَلَى النَّاسِ، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ دَعَا الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ فَقَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي قَتْلِ هَذَا الَّذِي فَتَقَ فِي الدِّينِ مَا فَتَقَ فَأَجْمَعَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يُشَايِعُونَ عُثْمَانَ عَلَى قَتْلِهِ وَجُلُّ النَّاسِ مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُونَ: لَجُفَيْنَةُ وَالْهُرْمُزَانُ أَبْعَدَهُمَا اللَّهُ، لَعَلَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُتْبِعُوا عُمَرَ ابْنَهُ، فَكَثُرَ اللَّغَطُ فِي ذَلِكَ وَالاخْتِلافُ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: هَذَا أَمْرٌ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ لَكَ عَلَى النَّاسِ سُلْطَانٌ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ خُطْبَةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَوَدَى عُثْمَانُ الرَّجُلَيْنِ وَالْجَارِيَةَ.
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: يَرْحَمُ اللَّهُ حَفْصَةَ فَإِنَّهَا مِمَّنْ شَجَّعَ عُبَيْدَ اللَّهِ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ قَتْلِهِمْ.
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي وَجْزَةَ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ وَإِنَّهُ لَيُنَاصِي عثمان وشعر عبيد الله في
__________
[1] الظئر: العاطفة على ولد غيرها المرضعة له، في الناس وغيرهم، للذكر والأنثى، والملح: الرضاع القاموس.(10/433)
يَدِهِ وَهُوَ يَقُولُ لَهُ: قَاتَلَكَ اللَّهُ قَتَلْتَ رَجُلا يُصَلِّي، وَصَبِيَّةً صَغِيرَةً، وَآخَرَ مِنْ ذِمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا فِي الْحَقِّ تَرْكُكَ. فَعَجِبَ النَّاسُ لِعُثْمَانَ حِينَ وَلِيَ كَيْفَ تَرَكَهُ وَلَكِنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ لَفَتَهُ عَنْ رَأْيِهِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ جُبَيْرَةَ عَن عَاصِم بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَن مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: مَا كَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ إِلا كَالسَّبْعِ الْحَرِبِ، وَجَعَلَ يَعْتَرِضُ الْعَجَمَ بِالسَّيْفِ حَتَّى جَلَسَ فِي السِّجْنِ فَكُنْتُ أَحْسَبُ عُثْمَانَ يَقْتُلُهُ إِنْ وُلِّيَ لِمَا كُنْتُ أَرَاهُ يَصْنَعُ بِهِ، وَكَانَ هُوَ وَسَعْدٌ أَشَدَّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عَلَيٌّ هَرَبَ وَلَحِقَ بِمُعَاوِيَةَ.
الْوَاقِدِيّ قَالَ: لما تناصى عُثْمَان وعُبَيْد اللَّهِ جعل عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَقُول:
لعمري لقد أصبحت تهدر دائبا ... وغالت أسود الأرض عنك الغوائل
وجعل عُبَيْد اللَّهِ يَقُول:
وَمَا أنا باللحم الغريض تسيغه ... فكل من خشاش الأرض إن كنت آكلا
قَالَ وحبسه عُثْمَان ثُمَّ أطلقه.
قَالُوا: وكانت تلك أول مغالظة بين عمار بْن ياسر وعثمان فِي أمر عُبَيْد اللَّهِ، قَالَ لَهُ: اتق اللَّه واقتله بالهرمزان فإنه مسلم قد حج.
[عمر بن الخطاب]
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: تطاول عَمْرو بْن الْعَاصِ للشورى فَقَالَ عمر: اطمئن كما وضعك اللَّه، وَاللَّه لا أجعل فِيهَا أحدا حمل السلاح عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ كَثِيرِ بْن زَيْد عَن الْمُطَّلِبِ بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لا يَصْلُحُ لِلطُّلَقَاءِ وَلا(10/434)
لأَبْنَاءِ الطُّلَقَاءِ. وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا طَمِعَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَمُعَاوِيَةُ أَنْ أَسْتَعْمِلَهُمَا عَلَى الشَّامِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ اللَّهِ: أَلْصِقْ خَدِّي بِالتُّرَابِ، وَكَانَ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ: وَيْلٌ لِعُمَرَ إِنْ لَمْ يَغْفِرِ اللَّهُ لَهُ، وَيْحَ عُمَرَ إِنْ لَمْ يُنْجِهِ اللَّهُ مِنَ النَّارِ، وَجَعَلَ يَلْوِي رِجْلا عَلَى رِجْلٍ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: دَخَلَ عَلِيٌّ عَلَى عُمَرَ حِينَ طُعِنَ وَهُوَ يَبْكِي فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: لا أَدْرِي أَيَذْهَبُ بِي إِلَى الْجَنَّةِ أَمْ إِلَى النَّارِ؟ فَقَالَ: [أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ فَقَالَ: أَوَ تَشْهَدُ لِي بِهَا يَا أَبَا الْحَسَنِ؟ فَقَالَ:] نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وَيَقُولُ: «إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ] .
الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: مَا يُبْكِيكَ وَفِيكَ خِصَالٌ لا يُعَذِّبُكَ اللَّهُ بَعْدَهَا: إِنَّكَ إِذَا قُلْتَ صَدَقْتَ، وَإِذَا حَكَمْتَ عَدَلْتَ، وَإِذَا اسْتَرْحَمْتَ رُحِمْتَ.
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى الْقَوِيِّ الأَمِينِ لِهَذَا الأَمْرِ؟ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: ابْنُ عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: بَخٍ بَخٍ أَرَدْتُ أَنْ أَحْمَدَكَ وَلَمْ تُرِدِ اللَّهَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سعد عن الواقدي عن سفيان الثوري عن حسين بن عبد الرحمن عن عمرو بن مَيْمُونٍ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ جَعَلَ الشُّورَى إِلَى السِّتَّةِ، وَقَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مَعَكُمْ وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ ابْنُ عَوْنٍ، ثنا نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ أَوْصَى إِلَى حَفْصَةَ، فَإِذَا مَاتَتْ فَإِلَى الأَكْبَرِ مِنْ آلِ عمر.(10/435)
حَدَّثَنِي هُدبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا هَمَّامٌ عَنِ قَتَادَةَ قَالَ: أَوْصَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالرُّبُعِ.
حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَدِ اسْتَسْلَفَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ثَمَانِينَ أَلْفًا، فَدَعَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: بِعْ فِيهَا أَمْوَالَ عُمَرَ فَإِنْ وَفَّتْ، وَإِلا فَسَلْ بَنِي عَدِيٍّ، وَإِلا فَسَلْ قُرَيْشًا وَلا تَعْدُهُمْ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَلا نَسْتَقْرِضُهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ حَتَّى نُؤَدِّيَهَا؟ فَقَالَ عُمَرُ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ تَقُولَ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ بَعْدِي أَمَّا نَحْنُ فَقَدْ تَرَكْنَا نَصِيبَنَا لِعُمَرَ، فَلَيْزَمُنِي تَبِعَتُهُ، ثُمَّ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: اضْمَنْهَا، فَضَمِنَهَا، قَالَ: فَلَمْ يُدْفَنْ عُمَرُ حَتَّى أَشْهَدَ بِهَا عَبْدَ اللَّهِ عَلَى نَفْسِهِ أَهْلَ الشُّورَى وَعِدَّةً مِنَ الأَنْصَارِ فَمَا مَضَتْ جُمُعَةٌ بَعْدَ دَفْنِ عُمَرَ حَتَّى حَمَلَ ابْنُ عُمَرَ الْمَالَ إِلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَأَحْضَرَ الشهود على البراءة ودفع المال.
[عمر يذكر ابنه بخصال الإيمان]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ بن عبد الله بن يونس: ثنا أبو الأَحْوَصِ عَنْ لَيْثٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ: أَوْصَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَقَالَ: عَلَيْكَ بِخِصَالِ الإِيمَانِ. قَالَ: وَمَا هُنَّ يَا أَبَةِ؟ قَالَ:
الصَّوْمُ فِي شِدَّةِ أَيَّامِ الصَّيْفِ، وَقِتَالُ الأَعْدَاءِ بِالسَّيْفِ، وَالصَّبْرُ عَلَى الْمُصِيبَةِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِي، وَتَعْجِيلُ الصَّلاةِ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ، وترك ردعة الخبال، فقال: وما ردعة الْخَبَالِ؟ قَالَ: شُرْبُ الْخَمْرِ.
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي رَاشِدٍ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ لابْنِهِ: إِذَا قُبِضْتُ فَأَغْمِضْنِي، وَاقْتَصِدْ فِي الْكَفَنِ، ولا تخرجنّ(10/436)
مَعِي امْرَأَةٌ وَلا تُزَكُّونِي بِمَا لَيْسَ فِيَّ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ أَعْلَمُ بِي، وَأَسْرِعُوا فِي الْمَشْيِ بِي فَإِنَّهُ إِنْ يَكُنْ لِي عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ قَدَّمْتُمُونِي إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لِي، وَإِنْ كُنْتُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ كُنْتُمْ قد ألقيتم عن رقابكم شرا.
[عمر بن الخطاب]
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: إِنْ وَلَّيْتُمْ سَعْدًا فَسَبِيلُ ذَاكَ، وَإِلا فَلْيَسْتَشِيرُهُ الْوَالِي، فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ سَخْطَةٍ.
حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُثْمَانَ قَالَ: أَنَا آخِرُكُمْ عَهْدًا بِعُمَرَ، دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: ضَعْ خَدِّي بِالأَرْضِ. فَقَالَ: فَخْذِي والأرض سواء، فَقَالَ: ضَعْ خَدِّي بِالأَرْضِ لا أُمَّ لَكَ فِي الثَّانِيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ وَقَالَ: وَيْلِي وَوَيْلَ أُمِّي إِنْ لَمْ يَغْفِرِ اللَّهُ لِي حَتَّى فَاضَتْ نَفْسُهُ.
حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ شعبة عن عاصم بن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخَذَ تَبِنَةً مِنَ الأَرْضِ فَقَالَ: لَيْتَنِي كُنْتُ هَذِهِ التَّبِنَةَ، لَيْتَنِي كُنْتُ هَذِهِ التَّبِنَةَ، لَيْتَنِي لَمْ أُخْلَقْ، لَيْتَ أُمِّي لم تلدني، ليتني لم أكن شيئا، ليتني كُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا.
حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ جَرِيرُ بْنُ عُثْمَانَ، ثنا حَبِيبُ بْنُ عُبَيْدٍ الرَّحَبِيُّ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ قَالَتْ حَفْصَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ، وَيَا أَمِيرَ(10/437)
الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ لَهَا: أُحَرِّجُ عَلَيْكَ بِمَا لِي عَلَيْكَ مِنَ الْحَقِّ أَنْ تَنْدُبِينِي بُعْدَ مَجْلِسِكِ، وَأَمَّا عَيْنَاكِ فَلَنْ أَمْلُكَهُمَا.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا أَبُو الْوَليِدِ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ نَهَى أَهْلَهُ أَنْ يَبْكُوا عَلَيْهِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ رَبَاحٍ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى فِي ثِيَابِهِ الَّتِي جُرِحَ فِيهَا ثَلاثًا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ اسْتَأْذَنَ عَائِشَةَ فِي حَيَاتِهِ، فَأَذِنَتْ لَهُ فِي أَنْ يُدْفَنَ فِي بَيْتِهَا، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: إِذَ مُتُّ فَاسْتَأْذِنُوهَا فَإِنْ أَذِنَتْ لَكُمْ وَإِلا فَدَعُوهَا، فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ تَكُونَ أَذِنَتْ لِي لِسُلْطَانِي، فَلَمَّا مَاتَ أَذِنَتْ لَهُمْ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا زلت أضع خماري وأ تفضّل [1] فِي ثِيَابِي فِي بَيْتِي حَتَّى دُفِنَ عُمَرُ فِيهِ، فَلَمْ أَزَلْ مُتَحَفِّظَةً حَتَّى بَنَيْتُ بَيْنِي وَبَيْنَ الْقُبُورِ جِدَارًا.
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، ثنا قَتَادَةُ أن عُمَر طعن يوم الأربعاء ومات يوم الخميس.
[أمر الشورى]
حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ أَنْ كُنْ في
__________
[1] تفضلت المرأة: لبست ثوبا واحدا. اللسان.(10/438)
خَمْسِينَ مِنْ قَوْمِكَ مِنَ الأَنْصَارِ مَعَ هَؤُلاءِ النَّفَرِ، فَإِنَّهُمْ سَيَجْتَمِعُونَ فِيمَا أَحْسَبُ فِي بَيْتِ أَحَدِهِمْ، فَقُمْ عَلَى الْبَابِ بِأَصْحَابِكَ، فَلا تَتْرُكْ أَحَدًا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ، وَلا تَتْرُكْهُمْ يَمْضِي الْيَوْمُ الثَّالِثُ حَتَّى يُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ، اللَّهُمَّ أَنْتَ خَلِيفَتِي عَلَيْهِمْ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: وَافَى أَبُو طَلْحَةَ فِي أَصْحَابِهِ سَاعَةَ قَبْرِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَلَزِمَ الشُّورَى، فَلَمَّا جَعَلُوا أَمْرَهُمْ إِلَى عَبْد الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يَخْتَارُ لَهُمْ، لَزِمَ أَبُو طَلْحَةَ بَابَ ابْنِ عَوْفٍ بِأَصْحَابِهِ حَتَّى بَايَعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: طعن عُمَر بْن الْخَطَّابِ يَوْم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، ودفن يَوْم الأحد صباح هلال المحرم سنة أربع وعشرين، فكانت ولايته عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين ليلة من متوفى أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهما.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَقَالَ عُثْمَان بْن مُحَمَّد الأخنسي: تُوُفِّيَ عمر لأربع بقين من ذي الحجة، وبويع لعثمان بْن عَفَّان يَوْم الأثنين لليلة بقيت من ذي الحجة فاستقبل عُثْمَان بولايته المحرم من سنة أربع وعشرين.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وأثبت مَا يقال فِي سنة أنه تُوُفِّيَ ابْن ستين سنة، وقد قيل أنه تُوُفِّيَ ابْن ثلاث وستين سنة، وليس ذلك بثبت.
[عمر بن الخطاب]
قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً.(10/439)
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: تُوُفِّيَ عمر وَهُوَ ابْن خمس وخمسين سنة.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن صباح البزاز، ثنا هشيم عَن عَلِيّ بْن زَيْد عَن سالم بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: تُوُفِّيَ عمر وَهُوَ ابْن خمس وخمسين سنة.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَكَانَ شَهِيدًا.
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، ثَنَا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابن عمر أَنَّ عُمَرَ غُسِّلَ وَكُفِّنَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَكَانَ شَهِيدًا.
حَدَّثَنِي رَوْحُ بْن عَبْد الْمُؤْمِنِ الْمُقْرِئُ، وَأَحْمَد بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالا: ثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا شُعْبَةُ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ: أَنَّ عُمَرَ أَوْصَى أَلا يُغَسِّلُوهُ بِمِسْكٍ وَلا يُقَرِّبُوهُ مِسْكًا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ غُسِّلَ ثَلاثًا بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا وَكِيعٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَوْدِيُّ [1] ، ثنا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عن سالم عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ كُفِّنَ فِي ثلاثة أَثْوَابٍ، قَالَ وَكِيعٌ: ثَوْبَيْنِ سَحُولِيَّيْنِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: ثَوْبَيْنِ صَحَارِيَّيْنِ، وَقَمِيصٍ كَانَ يَلْبَسُهُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَن سَعْد بْن بشير عَنْ قَتَادَةَ عَن الحسن أن عمر رضي الله تعالى عنه كفن في قميص وحلة.
__________
[1] بهامش الأصل: الأسدي.(10/440)
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالُوا: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ فُضَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: لا تَجْعَلُوا فِي حَنُوطِي مِسْكًا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَوْصَى عُمَرُ أَنْ لا يُتْبَعَ بِنَارٍ، وَلا تَتْبَعُهُ امْرَأَةٌ، وَلا يُحَنَّطَ بِمِسْكٍ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ يَقُولُ: لَمَّا وُضِعَ عُمَرُ لِيُصَلَّى عَلَيْهِ أَقْبَلَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ جَمِيعًا وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِيَدِ الآخَرِ، فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: قُمْ يَا أَبَا يَحْيَى فَصَلِّ عَلَيْهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ صُهَيْبٌ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عُمَرُ نَظَرَ الْمُسْلِمُونَ فَإِذَا صُهَيْبٌ يُصَلِّي بِهِمُ الْمَكْتُوبَاتِ بِأَمْرِ عُمَرَ، فَقَدَّمُوا صُهَيْبًا فَصَلَّى عَلَى عُمَرَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ فِيمَا أَوْصَى بِهِ: إِنْ قُبِضْتُ فَلْيُصَلِّ بِكُمْ صُهَيْبٌ ثَلاثًا، ثُمَّ أَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ فَبَايِعُوا أَحَدَكُمْ، فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ وَوُضِعَ لِيُصَلَّى عَلَيْهِ أَقْبَلَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ أَيُّهُمَا يُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْحِرْصُ عَلَى الإِمَارَةِ، لَقَدْ عَلِمْتُمَا مَا هَذَا إِلَيْكُمَا وَلَقَدْ أَمَرَ بِهِ غَيْرَكُمَا، تَقَدَّمْ يَا صُهَيْبُ فَصَلِّ عَلَيْهِ، فَتَقَدَّمَ صُهَيْبٌ فَصَلَّى عَلَيْهِ.(10/441)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صُلِّيَ عَلَى عُمَرَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، ثنا خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَسَّانٍ قَالَ: سَأَلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ: مَنْ صَلَّى عَلَى عُمَرَ؟ فَقَالَ: صُهَيْبٌ. قَالَ: كَمْ كَبَّرَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَرْبَعًا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ صُهَيْبًا كَبَّرَ عَلَى عُمَرَ أَرْبَعًا.
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قالا: ثنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ إِلْيَاسَ عَنْ صَالِحِ بْنِ يَزِيدَ مولى الأسود قَالَ: كنت عند سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ فمر عَلَيْهِ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن عليهما السلام فَقَالَ: أين صلي عَلَى عمر؟
فَقَالَ سَعِيد: بين القبر والمنبر.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَزَلَ فِي قَبْرِ عُمَرَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَسَعِيدُ بْن زَيْد بْن عَمْرو بْن نُفَيْلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثنا خَالِد بْن أَبِي بَكْرٍ قَالَ: دفن عمر فِي بيت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجعل رأس عمر عند حقوي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجعل رأس أَبِي بَكْر عند كتفي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ الأَنْبَارِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: لَمَّا سَقَطَ الْحَائِطُ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْر وَعُمَرَ رَضِيَ الله عنهما(10/442)
فِي زَمَنِ الْوَليِدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَخَذُوا فِي بِنَائِهِ فَبَدَتْ لَهُمْ قَدَمٌ فَفَزِعُوا وَظَنُّوا أَنَّهَا قَدَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا وَجَدُوا أَحَدًا يَعْلَمُ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَهُمْ عُرْوَةُ: وَاللَّهِ مَا هِيَ قَدَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا هِيَ إِلا قَدَمُ عُمَرَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْوَكِيعِيُّ قَالا: ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، ثنا سُفْيَانُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ يَوْمَ أُصِيبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: الْيَوْمَ وَهَى الإِسْلامُ، وَقَالَ طَارِقٌ: كَانَ ظَنُّ عُمَرَ كَيَقِينِ رَجُلٍ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ عَنْ خَلَفِ بْنِ خَلِيفَةَ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ مَاتَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: الْيَوْمَ أَصْبَحَ الإِسْلامُ مُوَلِّيًا مَا رَجُلٌ بِأَرْضِ فَلاةٍ يَطْلُبُهُ الْعَدُوُّ فَيَحْذَرُهُ، بِأَشَدَّ فِرَارًا مِنَ الإِسْلامِ الْيَوْمَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ عَنْ سَالِمٍ الْمُرَادِيِّ، ثنا بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ وَقَدْ صُلِّيَ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ سَبَقْتُمُونِي بِالصَّلاةِ عَلَيْهِ لا تَسْبِقُونِي بِالثَّنَاءِ، فَقَامَ عِنْدَ سَرِيرِهِ، فَقَالَ: نِعْمَ أَخُو الإِسْلامِ كُنْتَ يَا عُمَرُ. جَوَادًا بِالْحَقِّ، بَخِيلا بِالْبَاطِلِ، تَرْضَى حِينَ الرِّضَا، وَتَغْضَبُ حِينَ الْغَضَبِ، عَفِيفَ الطَّرْفِ طَيِّبَ الظَّرْفِ لَمْ تَكُنْ مَدَّاحًا وَلا مُغْتَابًا، ثُمَّ جَلَسَ.
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْفَرَوِيُّ أَبُو مُوسَى، وَعَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ قَالا: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عَلِيًّا دَخَلَ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَهُوَ مُسَجًّى فَقَالَ: مَا عَلَى الأَرْضِ أَحَدٌ أَلْقَى اللَّهَ بِصَحِيفَتِهِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ هَذَا الْمُسَجَّى بَيْنَكُمْ.(10/443)
حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ الطَّحَّانُ قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَظَرَ عَلِيٌّ إِلَى عُمَرَ وَهُوَ مُسَجًّى فَقَالَ: مَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ صَحِيفَتِهِ مِنْ هَذَا الْمُسَجَّى.
حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ وَخَلَفُ الْبَزَّارُ قَالا: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَأَبِي جَهْضَمٍ قَالُوا: لَمَّا مَاتَ عُمَرُ دَخَلَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ فَقَالَ:
رَحِمَكَ اللَّهُ، مَا عَلَى الأَرْضِ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمَا فِي صَحِيفَتِهِ مِنْ هَذَا الْمُسَجَّى.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَنْبَسَةَ الْخَزَّازُ الْوَاسِطِيُّ ثنا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: بَيْنَا ابْنُ مَسْعُودٍ قَدْ ذَكَرَ عُمَرَ فَبَكَى حَتَّى ابْتَلَّ الْحَصَى مِنْ دُمُوعِهِ وَقَالَ: كَانَ حِصْنًا لِلإِسْلامِ حَصِينًا يَدْخُلُونَ فِيهِ وَلا يَخْرُجُونَ مِنْهُ، فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ انْثَلَمَ الْحِصْنُ فَالنَّاسُ يَخْرُجُونَ مِنَ الإِسْلامِ وَلا يَدْخُلُونَ.
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَنَعَى إِلَيْنَا عُمَرَ، فَلَمْ أَرَ يَوْمًا كَانَ أَكْثَرَ بَاكِيًا وَحَزِينًا مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَوْ أَعْلَمْ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُحِبُّ كَلْبًا لأَحْبَبْتُهُ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَحْسَبُ الْعِضَاةَ [1] قَدْ وَجَدَتْ فَقْدَ عُمَرَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ زَيْدٍ مِنْ وَلَدِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَكَى سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: يا
__________
[1] العضاة: اسم يقع على شجر من شجر الشوك. اللسان.(10/444)
أَبَا الأَعْوَرِ مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: أَبْكِي عَلَى الإِسْلامِ، إِنَّ مَوْتَ عُمَرَ ثَلَمَ الإِسْلامَ ثَلْمَةً لا تُسَدُّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَن إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيمَ بْن عُقْبَةَ عَن زياد بْن أَبِي بشير عَن الْحَسَن قَالَ: إن أهل بيت لم يجدوا فقد عمر لأهل سوء [1] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالَ أَبُو عبيدة بْن الجراح يوما وَهُوَ يذكر عمر: إن مات عمر رق الإِسْلام، مَا أحب أن لِي مَا طلعت عَلَيْهِ الشمس وأني أبقى بعد عمر، فَقَالَ لَهُ قائل: ولم؟ قَالَ: لأنه إن ولي وال بعد عمر فأخذهم بما كَانَ عمر يأخذهم بِهِ لم يطعه النَّاس بِذَلِكَ ولم يحتملوه، وإن صعب [2] عَلَيْهِم قتلوه.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ مَاتَ عُمَرُ: الْيَوْمَ نَزَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى حَافَّةِ الإِسْلامِ.
حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ الإِسْلامُ فِي زَمَنِ عُمَرَ كَالرَّجُلِ الْمُقْبِلِ لا يَزْدَادُ إِلا قُرْبًا، فَلَمَّا قُتِلَ عُمَرُ كَانَ كَالرَّجُلِ الْمُدْبِرِ لا يَزْدَادُ إِلا بُعْدًا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْعَرَبِ حَاضِرٍ وَلا بَادٍ إِلا وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ بِقَتْلِ عمر نقص.
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 372.
[2] في طبقات ابن سعد ج 3 ص 372 «ضعف عنهم» .(10/445)
حدثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَصْحَابَ الشُّورَى اجْتَمَعُوا: فَلَمَّا رَآهُمْ أَبُو طَلْحَةَ وَمَا يَصْنَعُونَ قَالَ: كُنْتُ لأَنْ تَتَدَافَعُوهَا أَخْوَفَ مني لأن تتنافسوا فيها، فو الله مَا أَهْلُ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلا وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فِي مَوْتِ عُمَرَ نَقْصٌ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ: مَا أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِصَحِيفَتِهِ إِلا هَذَا الْمُسَجَّى بَيْنَكُمْ.
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو جَهْضَمٍ، حَدَّثَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ لِي خَلِيلا، فَلَمَّا تُوُفِّيَ لَبِثْتُ حَوْلا أَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُرِينِيهِ فِي الْمَنَامِ، فَرَأَيْتُهُ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ يَمْسَحُ الْعَرَقَ عَنْ جَبْهَتِهِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا فَعَلَ بِكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: هَذَا أَوَانُ فَرَغْتُ، وَإِنْ كَادَ عَرْشِي لَيُهَدُّ لَوْلا أَنِّي لَقِيتُ رَبًّا رَءُوفًا رَحِيمًا.
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، ثنا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَعَوْتُ اللَّهَ سَنَةً أَنْ يُرِيَنِي عُمَرَ فَرَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ: كَادَ عَرْشِي يهوي لولا أني وجدت ربا رحيما.
[ولد عمر بن الخطاب]
وأما عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ الخطاب [1]
ويكنى أبا عَبْد الرَّحْمَنِ فكان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بارع الفضل، مبرز الزهد، وأراد علي عَلَيْهِ السلام أن يوليه الشام فأبى وعرضت عليه الخلافة
__________
[1] بهامش الأصل: عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.(10/446)
فأباها وقد ذكرنا لَهُ أخبارا فيما تقدم من كتابنا هَذَا فِي المغازي وغيرها، وكانت أمه وأم حفصة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا زينب بِنْت مظعون الجمحي.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: كره عَبْد اللَّهِ بيعة علي، وبايع عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان خوفا عَلَى نفسه [1] .
وَقَالَ أَبُو اليقظان: رأت حفصة لِعَبْدِ اللَّهِ رؤيا قصتها عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فَقَالَ: نعم الرجل أخوك لو كَانَ يكثر الصلاة من الليل، فكان بعد ذَلِكَ أكثر النَّاس صلاة] .
قَالَ: وسمع رجلا من أهل العراق يستفتي فِي محرم قتل جرادة، وآخر يستفتي فِي قتل قملة، وآخر يستفتي فِي نملة، فقال: وا عجبا لأهل العراق يقتلون ابْن بِنْت نبيهم ويستفتون فِي قتل الجرادة، والقملة، والنملة.
الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ قَالَ: قِيلَ لابْنِ عُمَرَ: أَلا تُقَاتِلُ مَعَ عَلِيٍّ؟
فَقَالَ: أَنَا مِثْلُ الْبَعِيرِ الرَّازِحِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: لَوْ كَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مِثْلَكَ مَا قَامَ الدِّينُ. فَقَالَ: وَيْحَكَ لَوْ كَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مِثْلِي مَا بَالَتْ أُمُّكَ أَلَّا تُغْلِقَ عَلَيْهَا بَابَهَا.
قَالَ: وَقَالَ بعض أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا فينا معشر أصحاب مُحَمَّد أحد إِلا ولو قيل فِيهِ لصدق عَنْهُ، غير عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ، فإنه لم يدخل فِي شَيْء من الفتن.
قَالَ: وبقي عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ إِلَى زمن عَبْد الْمَلِكِ، فيزعمون أن الْحَجَّاج دس لَهُ رجلا فسم زج رمحه وجعله فِي طريقه فطعنه فِي ظهر قدمه، فدخل عَلَيْهِ الْحَجَّاج يعوده، فَقَالَ: يَا أبا عبد الرحمن من أصابك؟
__________
[1] كذا بالأصل وهو وهم، صوابه أن يقول: «كره بيعة ابن الزبير» .(10/447)
قال: أنت أصبتني، قال: لا تقل هذا رحمك اللَّه، قَالَ: حملت السلاح فِي بلد لم يحمل فِيهِ قبلك، فمات فصلى عَلَيْهِ عند الردم.
قال الواقدي: وطيء ابْن عُمَرَ عَلَى زج بعض أصحاب الْحَجَّاج: فَقَالَ لَهُ: من أصابك بهذا؟ قَالَ: أنت وأصحابك، يَقُول لأنكم أدخلتم مَكَّة السلاح.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: شهد عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ الخندق وَمَا بعده، وَكَانَ إسلامه مَعَ إسلام أَبِيهِ بِمَكَّةَ وَهُوَ صغير ومات فِي سنة أربع وسبعين بِمَكَّةَ، ودفن بفخ وَهُوَ ابْن أربع وثمانين سنة.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَن الْفَضْل بْن دُكَيْنٍ أَبِي نعيم قَالَ: تُوُفِّيَ ابْن عُمَرَ فِي سنة ثلاث وسبعين.
وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: مات بعد ابْن الزُّبَيْر بشهرين أَوْ ثلاثة أشهر.
وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عن ابن عمر أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ وَلَدَهُ عَلَى اللَّحْنِ، وَلا يَضْرِبُهُمْ عَلَى الْخَطَأِ فِي الْقُرْآنِ.
حَدَّثَنِي مُصْعَبٌ عَنِ ابْنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ بَنِيهِ عَلَى اللَّحْنِ، قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ، فَكَانَ يَلْحَنُ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ: إِمَّا أَنْ تَتَنَحَّى عَنَّا وَإِمَّا أَنْ نَتَنَحَّى عَنْكَ.
حَدَّثَنِي رَوْحُ بْن عَبْد الْمُؤْمِنِ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَقِيلِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الْخَصِيبِ قَالَ: جَاءَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى رَجُلٍ فَقَامَ الرَّجُلُ عَن مَجْلِسِهِ فَلَمْ يَقْعُدْ فِيهِ ابْنُ عُمَرَ وَقَعَدَ فِي مكان آخر، وقال: «قام رجل لرجل عَنْ مَجْلِسِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَاهُ أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ» .(10/448)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، ثنا هُشَيْمٌ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنِ الْوَليِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «بِأَنَّ مَنْ شَهِدَ جِنَازَةً فَلَهُ قِيرَاطٌ» ] فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: انْظُرْ مَا تُحَدِّثُ بِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَإِنَّكَ تُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ حَتَّى أَتَى عَائِشَةَ فَصَدَّقَتْ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا كَانَ يَشْغَلُنِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرْسُ الْوَدِيِّ [1] ، وَلا الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَنْتَ أَعْلَمُنَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ وَأَحْفَظُنَا لِحَدِيثِهِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ قَالا: ثنا زهير بْن مُعَاوِيَة عَن مُحَمَّد بْن سوقة عَن أَبِي جَعْفَر قَالَ: لم يكن مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحد أجدر أَلا يَزِيد فِي حديث سمعه من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا ينقص منه، وَلا كَذَا وَلا كَذَا من عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن الْخَطَّابِ [2] .
حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ يُونُسَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: ذَرْ مَا لَسْتَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ، وَلا تَنْطِقْ فِيمَا لا يَعْنِيكَ، وَأَحْرِزْ لِسَانَكَ كَمَا تُحْرِزْ دَرَاهِمَكَ، قَالَ: وَقَالَ يُونُسُ: أَمَا والله إن أحدهما لأشد عليك إضاعة.
حَدَّثَنِي الأَعْيَنُ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْيَمَامِيِّ عَنْ طَيْسَلَةَ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ. مَنِ الْمُؤْمِنُ؟ فقال: من إذا نزل بعقوته عَارِفٌ أَوْ مُنْكِرٌ أَمِنَهُ عَلَى دَمِهِ وَمَالِهِ.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
__________
[1] الودي: فسيل النخل وصغاره. اللسان.
[2] طبقات ابن سعد ج 4 ص 144.(10/449)
قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لا تَمُوتَنَّ وَأَحَدٌ يَطْلُبُكَ بِدَيْنٍ فَيُؤْخَذُ لَهُ مِنْ حَسَنَاتِكَ.
حَدَّثَنِي الأَعْيَنُ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِيِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ لِرَجُلٍ مِنَ الْعَبَلاتِ مِنْ قُرَيْشٍ: احْفَظْ عَنِّي ثَلاثًا: لا تَمُوتَنَّ وَعَلَيْكَ دَيْنٌ وَلا لَهُ وَفَاءٌ، وَلا تَنْتَفِيَنَّ مِنْ وَلَدِكَ فَتَفْضَحَهُ فِي الدُّنْيَا، وَيَفْضَحَكَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَانْظُرْ إِلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ فَلا تَدَعْهُمَا فَإِنَّ فِيهِمَا الرَّغَائِبَ.
حَدَّثَنِي أَبُو حَفْصٍ السَّامِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو النَّصِيبِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ لَمْ يَقْنَعْ حَسَدَ، وَمَنْ حَسَدَ هَلَكَ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ الْبَصْرِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ: يُعَدُّ الْحِلْمُ وَالْجُودُ وَالسُّؤْدُدِ، وَيُعَدُّ الْعَفَافُ وَإِصْلاحُ الْمَالِ مِنَ الْمُرُوءَةِ.
الْمَدَائِنِيّ عَن مُحَمَّد بْن عَبْدِ الملك قَالَ: كتبت أم ولد لمروان بْن الحكم إِلَى وكيل لها بالمدينة: ابتع لِي غلاما عالما بالسنة، قارئا لكتاب اللَّه، فصيح اللسان، عفيفا. فكتب إِلَيْهَا: قرأت كتابك وطلبت لك غلاما عَلَى مَا وصفت فلم أجده إِلا عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن الْخَطَّابِ، وقد رأى أهله أَلا يبيعوه.
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا مَعْمَرٌ، أنبأ مَنْصُورٌ عَنِ الْحَكَمِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ:
لا يَعِيبُ الرَّجُلُ حَقِيقَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يَتْرُكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ صَادِقٌ، وَالْكَذِبَ وَهُوَ مَازِحٌ.
حَدَّثَنَا بَسَّامٌ الْجَمَّالُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ رَجُلا مَدَحَ ابْنَ عُمَرَ فَحَثَا نَحْوَ وَجْهِهِ التُّرَابَ بِأَصَابِعِهِ وَقَالَ: قَالَ(10/450)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ «إذا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ» ] .
الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ لابْنِهِ وَاقِدٍ:
انْسِبْ نَفْسَكَ وَأُمَّهَاتِ أَبِيكَ، فَلَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ نَسَبَهُ لَمْ يَصِلْ رَحِمًا، وَلَمْ يَقْضِ حَقًّا، قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ:
تَعَلَّمُوا أَنْسَابَكُمْ تَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، فَرُبَّ رَحِمٍ قَدْ قُطِعَتْ لِجَهْلِ صَاحِبِهَا بِهَا.
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ يُمَازِحُهُ: إِنَّكَ لَتُحِبُّ الْفِتْنَةَ. فَاغْتَمَّ الرَّجُلُ لِذَلِكَ وَوَجَمَ، فَضَحِكَ ابْنُ عُمَرَ وَقَالَ: وَيْحَكَ أَلَسْتَ تُحِبُّ الْمَالَ وَالْوَلَدَ؟ ثُمَّ تَلا: إنما أموالكم وأولادكم فتنة [1] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ الْوَاسِطِيُّ عَنْ أَبِي هِلالٍ عَنْ بَكْرٍ الْمُزَنِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ شَيْء فَقَالَ: لا عِلْمَ لِي بِهِ، ثُمَّ قَالَ لِنَفْسِهِ: أَحْسَنَ ابْنُ عُمَرَ، سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ لا يَعْرِفُهُ فَقَالَ: لا عِلْمَ لِي بِهِ.
حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَشْعَبَ الطَّمَّاعَ أَبَا الْعَلاءَ كَانَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ، وَكَانَ يُبْغِضُنِي فِي اللَّهِ.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيّ قَالَت أم أشعب لأشعب: ويلك الزم عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ، فأتاه فلما قام من مجلسه قَالَ لَهُ: أن أمي أمرتني أن ألزمك فلا تبرح، فقيل لأمه فجاءت إِلَيْهِ فَقَالَتْ: يَا عدو اللَّه إنما أمرتك أن تجلس إِلَيْهِ وتسمع منه.
__________
[1] سورة التغابن- الآية: 15.(10/451)
حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ الزِّيَادِيُّ، ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: مَرَّ ابْنُ عُمَرَ عَلَى رَاعٍ فَقَالَ لَهُ: يَا رَاعِي. أَتَبِيعُ شَاةً مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ؟ فَقَالَ: إِنِّي لا أَمْلِكُهَا، وَإِنَّمَا اسْتَرْعَانِيهَا رَجُلٌ، فَقَالَ: تَقُولُ لِصَاحِبِهَا: أَكَلَهَا الذِّئْبُ. قَالَ: أَمَا إِنَّكَ سَمْحٌ بِدِينِكَ، فَمَاذَا أَقُولُ لِلَّهِ غَدًا؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ مَعَهُ ثَوْبٌ؟ فَضَنَّ الْقَوْمُ بِثِيَابِهِمْ، فَأَخَذَ عُمَرُ رِدَاءَهُ، أَوْ قَالَ إِزَارَهُ، فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ ذَلِكَ قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذِهِ ثِيَابُنَا. قَالَ: لا، وَأَلْقَى الرِّدَاءَ أَوِ الإِزَارَ إِلَى الرَّاعِي.
وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ مَرَّ يَوْمًا بِرَاعٍ مَمْلُوكٍ فَقَالَ لَهُ: أَلا تَبِيعَنَا شَاةً مِنْ غَنَمِكَ؟ فَقَالَ:
إِنَّهَا لَيْسَتْ لِي، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ أَسْتَرْعِيهَا، قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَأَيْنَ الْعِلَلَ؟ قَالَ الْغُلامُ: فَأَيْنَ اللَّهُ، فَاشْتَرَاهُ ابْنُ عُمَرَ فَأَعْتَقَهُ، وَابْتَاعَ الْغَنَمَ فَوَهَبَهَا لَهُ.
وَقَالَ غَيْرُ الْهَيْثَمِ: لَمَّا أَعْتَقَهُ قَالَ: أَسْأَلُ الَّذِي رَزَقَنِي الْعِتْقَ الأَصْغَرَ أَنْ يَعْتِقَكَ الْعِتْقَ الأَكْبَرَ، وَيُقَالُ إِنَّهُ قَالَ: أَسْأَلُ الَّذِي أَعْتَقَنِي الْعِتْقَ الأَصْغَرَ مِنَ الرِّقِّ أَنْ يَعْتِقَكَ الْعِتْقَ الأَكْبَرَ مِنَ النَّارِ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو الْوَليِدِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وطيء زُجًّا مِنْ أَزِجَّةِ أَصْحَابِ الْحَجَّاجِ فَمَرِضَ، فَعَادَهُ الْحَجَّاجُ فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ كَانَ هَذَا؟ قَالَ: سَلْ أَصْحَابَكَ. فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْحَجَّاجَ دَسَّ مَنْ أَلْقَاهُ فِي طَرِيقِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ.
الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: صَلَّى أَشْعَبُ فَخَفَّفَ صَلَاتَهُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَيْحَكَ لَقَدْ خَفَّفْتَ صَلاتَكَ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يُخَالِطْهَا رِيَاءٌ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ حُجْرٍ القيسي عن(10/452)
الأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ الْحَارِثِيِّ قَالَ: جَلَسَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى رَجُلٍ مُذَكِّرٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَفْتِيهِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: لا تَحُلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الذِّكْرِ.
ولعَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهما أحاديث، قد ذكرناها فيما تقدم من كتابنا.
قَالَ أَبُو عبيد: وروي عَن عَبْد اللَّهِ بْنِ عُمَر أَنَّهُ قَالَ: إني وأخي عاصما لا نشاتم أحدا، قَالَ ونازع عَاصِم بْن عُمَرَ رجل فِي أرض ادعياها، فَقَالَ الرجل: إن كنت رجلا فضع رجلك فِيهَا، فَقَالَ لَهُ عَاصِم: وقد بلغ بك الغضب مَا أرى، إن كَانَتْ لك فهي لك، وإن كَانَتْ لِي فهي لك، فاستحيا منه الرجل وتركها وأبي عَاصِم أن يقبلها [1] .
__________
[1] بهامش الأصل: بلغ العرض ولله كل حمد وفضل.(10/453)
فولد عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَبْد اللَّهِ، أمه صفية، بِنْت أَبِي عبيد الثَّقَفِيّ، وخاله المختار بْن أَبِي عبيد.
وعُبَيْد اللَّهِ كَانَ أسن من أخيه عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ اللَّهِ.
وسالم بْن عَبْدِ اللَّهِ أمه أم ولد.
وعاصم بْن عَبْدِ اللَّهِ.
وحمزة بْن عَبْدِ اللَّهِ ويكنى أبا عمارة.
وبلال بْن عَبْدِ اللَّهِ.
وواقد بْن عَبْدِ اللَّهِ.
وزيد بْن عَبْدِ اللَّهِ.
والمجبر بْن عَبْدِ اللَّهِ وبنات كَانَتِ احداهن عند عروة بْن الزُّبَيْر، وكانت أُخْرَى عند عَمْرو بْن عُثْمَان بْن عَفَّان.
وأخبرني بعض العمريين أن المجبر سقط فجبر فِي مواضع.
وأما عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر
فأوصى إِلَيْهِ أبوه، وَكَانَ من رجال قُرَيْش ومات بالمدينة فِي أول خلافة هِشَام وله عقب بالمدينة. ومن ولده:(10/455)
عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّه بْن عُمَرَ، ولي كرمان للمهدي أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ ولاه مُوسَى الهادي بالمدينة.
وأخوه عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ العزيز، كَانَ زاهدا عابدا، وهلك فِي بادية بقرب الْمَدِينَة.
ومن ولد عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ:
خَالِد بْن أَبِي بَكْر بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَرَ، ومات خَالِد هَذَا سنة اثنتين وستين ومائة، وروي عَنْهُ الحديث.
وأما سالم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
رَضِيَ اللَّهُ عنهم، فكان يكنى أبا عمر، وَكَانَ من خيار المسلمين وعبّادهم وفقهائهم، وهلك بالمدينة، فصلى عَلَيْهِ هِشَام بْن عَبْدِ الملك فِي سنة ست ومائة، ودفن بالبقيع، وَكَانَ هِشَام حج فِي تلك السنة فَقَالَ: مَا أدري أي الأمرين أسر إلي: تمام حجي أم صلاتي عَلَى أَبِي عمر.
وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: مات سالم فِي سنة ثمان ومائة.
الْمَدَائِنِيّ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ عَن عِكْرِمَة بْن خَالِد قَالَ: قَالَ الْوَليِد بْن عَبْدِ الملك لسالم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ- وذكر لَهُ زهده: مَا أدمك؟ قَالَ: الخل والزيت، قَالَ: فما تأجمهما [1] ؟ قَالَ: بلى، قَالَ: فما تصنع إذا أجمتهما؟
قَالَ: أدعهما حَتَّى أشتهيهما.
وَكَانَ جَعْفَر بْن سَالِمِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فقيها، وروى عَن أبيه، والقاسم بن محمد.
__________
[1] أجم الطعام: كرهه. اللسان.(10/456)
وأما عاصم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
رحمه اللَّه: فولد محمدا، وعقبه بالكوفة.
وأما واقد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: فسقط من بعيره وَهُوَ محرم فهلك.
وفي عَبْد اللَّهِ بْن واقد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُول الشاعر، وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن واقد ذا هيئة وجسم:
أحب من النسوان كُلّ خريدة ... لها حسن عباد وجسم ابْن واقد
يعني عباد بْن حمزة بْن عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر.
وقد روى عَبْد اللَّهِ بْن واقد عَنِ ابْنِ عُمَرَ وحدث عَنْهُ يَحْيَى بْن سَعِيد، وأسامة بْن زَيْد، ومات عَبْد اللَّهِ بْن واقد فِي سنة عشر ومائة.
وأما بلال بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ،
فكان أشج، وَكَانَ أبوه عَبْد اللَّهِ يَقُول: يَا بلال أرجو أن تكون أشج ولد عمر، فهلك صغيرا وَلا عقب لَهُ.
وَكَانَ أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن زَيْد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن الْخَطَّاب فقيها، ومات بعد خروج مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بْن حسن بسنتين، ومات أخوه عمر بْن مُحَمَّدِ بْنِ زَيْد بعده بقليل.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ من المحدثين من ولد عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ: عَبْد الرَّحْمَنِ بْن المجبر بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وقد رأيته ومات حديثا.
وأما عُبَيْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن الْخَطَّابِ
رَضِيَ اللَّهُ عنهم، فقد ذكرنا لَهُ أخبارا، وذكرنا مقتله بصفين مَعَ مُعَاوِيَة، وَكَانَ شديد البطش، وأمه خزاعية.(10/457)
وولد عُبَيْد اللَّهِ بْن عُمَرَ: أَبَا بَكْرٍ، أمه أسماء بِنْت عطارد بْن حاجب.
وعثمان، وأم عِيسَى أمهما من بني البكاء، وكانت أم عِيسَى عند يَحْيَى بْن سَعِيد بْن العاص، وكانت أم سَلَمَة بِنْت أَبِي بَكْر بْن عُبَيْد اللَّهِ عند الْحَجَّاج بْن يوسف.
حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه قَالَ: قَدِمَ الْحُرُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْمَدِينَةَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ: أَنَا الْحُرُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ: أَنْتَ ابْنُ أَخِي الشَّيْطَانِ، لَسْتُ أُدْخِلُ فِي هَذَا النَّسَبِ أَحَدًا إِلا بِثَبْتٍ فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَكَ بَيِّنَةٌ وَإِلا فَاذْهَبْ، فَانْصَرَفَ مُغْضَبًا فَمَرَّ بِعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَانَ عَاصِمٌ عَالِمًا بِالْقِيَافَةِ فَقَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ هَذَا الْغُلامَ فَلَئِنْ كَانَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ ابْنٌ إِنَّهُ لَهَذَا، فَقَالَ: يَا غُلامُ مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: أَنَا الْحُرُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: مَرْحَبًا بِكَ أَنْتَ ابْنُ أَخِي لَعَمْرِي، فَقَبِلَهُ آلُ عَاصِمٍ وَزَوَّجُوا وَلَدَهُ نِسَاءَهُمْ، وَأَبَاهُمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَوَلَدَهُ.
ووقد بين الحر وبين عَبْد الحميد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن زَيْد بْن الخطاب مشاجرة، وكانا بحران فنفاه فاستعدى عَلَيْهِ الْوَليِد بْن عَبْدِ الملك- وَقَالَ بعضهم هشاما- فَقَالَ عَبْد الحميد: اكتب إِلَى قوم- سماهم- من أهل الْمَدِينَة ليأتيك من أمره مَا تحكم بِهِ بيننا. فلما جاءه جواب كتابه قَالَ: إن شئتم فضضت الكتاب وحكمت بما فِيهِ، وإن شئتم أن تدعوه وأنتم عَلَى مَا أنتم عَلَيْهِ فعلتم، فَقَالَ عَبْد الحميد: فضه. وَقَالَ الآخر: لا تفضه.
فتركوا عَلَى ذَلِكَ فهم يعيرون بالكتاب. وزوجهم بعد أَبُو بَكْر بْن سَالِمِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فلحقوا بهم، وثبت نسبهم فلا يعلم الْيَوْم أحد يدفعهم.
ويقال إن عُبَيْد اللَّهِ كَانَ اكتسب أمة من الْكُوفَة، فنال مِنْهَا، ثُمَّ خرج(10/458)
وتركها فولدت بعده الحر، وولد الحر: البختري بْن الحر، ولولد البختري عدد بحران.
وَقَالَ مصعب الزُّبَيْرِيّ: كَانَتْ أم الحر أمة لعُبَيْد اللَّهِ فوقع عَلَيْهَا فاشتملت عَلَى ولد وَهُوَ لا يدري ثُمَّ إنه غضب عَلَيْهَا فضربها وطلبت إِلَيْهِ فِيهَا امْرَأَة من بني أسد فوهبها لها، فولدت عندها، فباعتها من جرير بْن عَبْدِ اللَّهِ الْبَجْلِيّ، فقالت لجرير: إن هَذَا ابْن عُبَيْد اللَّهِ بْن عُمَرَ، فَقَالَ جرير:
مَا كنت لأستعبد ابنا لعمر [1] .
وأما عَاصِم بْن عُمَر بْن الْخَطَّابِ
رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ فكان صالحا عاقلا.
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ عَن روح بْن عبادة عَن السري بْن يَحْيَى عَن مُحَمَّد بْن سيرين قَالَ: قَالَ فلان: مَا رأيت رجلا إِلا وقد يتكلم ببعض مَا لا يريد غير عَاصِم، وَكَانَ بين عَاصِم يوما وبين رجل شَيْء فأنشأ عَاصِم يَقُول:
قضى مَا قضى فيما مضى ثُمَّ لا ترى ... لَهُ هفوة فيما بقى آخر الدهر
وَكَانَ عَاصِم طلق أم عمارة بِنْت سُفْيَان بْن عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيّ، ثُمَّ ندم فَقَالَ:
ولما رأيت أنني غير صابر ... وقد فاتني يَا أم عمارة الركب
__________
[1] انظر كتاب نسب قريش للمصعب الزبيري ص 363 حيث وردت اشارة عابرة إلى الحر بن عبيد الله.(10/459)
ركبت عَلَى وجناء يوما فأدركت ... بي القوم مرداة عثانينها صهب [1]
عَلَى شرف البيداء حَتَّى تطخطخ الظ [2] ... لام ودون النجم من طخيه حلب
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: سمع عَاصِم من أَبِيهِ، ومات سنة سبعين، وكان يكنى أيضا أبا عَمْرو. وفي عَاصِم يَقُول معن بْن أوس الْمُزَنِيّ:
تعرض للأبواب أبواب عَاصِم ... تعرض مملال لها غير لازم
فلما رأى أن غاب عَنْهُ شفيعه ... وأخلفه مَا يرتجي عند عَاصِم
رمى سدف الظلماء واحتفر السرى ... بمرجمة أود هنات مراجم
فولد عَاصِم: حفص بْن عَاصِم، وحفصة، وأم عَاصِم، وأم مسكين، وقد ذكرنا أخبارهن ولهاتين يقال: ليس حفصة من رجال أم عَاصِم [3] .
ومن ولد عَاصِم بْن عُمَرَ: عَاصِم بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن عَاصِم بْن عُمَرَ، خرج عَلَى أَبِي الْعَبَّاس أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، وأما أَبُو شحمة بْن عُمَرَ فلا عقب لَهُ.
وأما زَيْد بْن عُمَرَ
فقتل فِي حرب زجاجة وسنذكرها إن شاء اللَّه.
وأما عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عُمَرَ،
وَهُوَ المجبر، لقّب بذلك، ويقال هو أبو المجبر، فكان لَهُ ولد بادوا وَلا عقب لَهُ.
وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: ولي عَاصِم بْن عُمَر بْن الْخَطَّابِ صدقات غطفان.
وَقَالَ: كَانَ أَبُو بَكْر بْن سَالِمِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ شريفا ناسكا.
__________
[1] العثانين: شعيرات عند مذبح البعير، وصهب: شقر. اللسان.
[2] تطخطخ الليل: أظلم.
[3] تقدم هذا لدى الحديث عن عمر بن عبد العزيز.(10/460)
وولي عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سَلَمَةَ بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَرَ شرطة الْمَدِينَة.
وولي عمر بْن عَبْدِ العزيز بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن عمر شرط الْمَدِينَة أَيْضًا.
وَقَالَ بعض من روى عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيّ: هُوَ عمر بْن عَبْدِ العزيز بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَرَ، ولي شرط الْمَدِينَة، والأول أثبت.
وَأَبُو بكر بْن عُمَرَ بْن حفص بْن عَاصِم: ولي القضاء لمحمد بْن خَالِد القسري.
وابنه عَمْرو بْن أَبِي بَكْر. ولي القضاء بالأردن.
وعُبَيْد اللَّهِ بْن أَبِي سَلَمَةَ بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن عَبْدِ اللَّهِ ولي القضاء.
وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن حَفْص بْن عَاصِم ولي القضاء.
وعَبْد اللَّهِ بْن واقد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عامر، روى عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وحدث عَنْهُ يَحْيَى بْن سَعِيد، وأسامة بْن زَيْد. مات سنة سبع عشرة ومائة.
ومن ولد عمر: أَبُو بَكْر بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَرَ، وخالد بْن أَبِي بَكْر. ومات أَبُو بَكْر قديما.
وقد روي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عمر، وأخوه الْقَاسِم بْن عُبَيْد اللَّهِ، ومات خَالِد سنة اثنتين وثلاثين ومائة، ومات زمن مروان بْن مُحَمَّد.(10/461)
وأما زَيْد بْن الخطاب
أخو عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما ويكنى أبا عَبْد الرَّحْمَنِ وأمه أسماء بِنْت وهب بْن حبيب بْن الْحَارِث، من بني أسد بْن خزيمة، فكان أسن من عمر، وأسلم قبله، وَكَانَ لَهُ من الولد: عَبْد الرَّحْمَنِ، وأسماء. وَكَانَ رجلا طوالا، أسمر، وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين معن بْن عدي العجلاني، واستشهدا جميعا باليمامة، وشهد زَيْد بْن الخطاب: بدرا، وأحدا، وَالْخَنْدَقِ، وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: [ «أَرِقَّاءَكُمْ أَرِقَّاءَكُمْ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَإِنْ جاؤوا بِذُنُوبٍ لا تَغْفِرُونَهَا، فَبِيعُوا عِبَادَ اللَّهِ، وَلا تُعَذِّبُوهُمْ» ] [1] وَكَانَ زَيْد يحمل راية الْمُسْلِمِينَ يَوْم اليمامة، وانكشف الْمُسْلِمُونَ يومئذ فجعل زَيْد يَقُول: أما الرجال فلا رجال. وجعل يصيح بأعلى صوته:
اللَّهُمَّ إني أعتذر إِلَيْك من فرار أصحابي، وأبرأ إِلَيْك مما جاء بِهِ مسيلمة
__________
[1] انظر طبقات ابن سعد ج 1 ص 185 ج 3 ص 377.(10/463)
الكذاب، ومحكم اليمامة، وجعل يشد بالراية وتقدم بِهَا عَلَى العدو، ثُمَّ ضارب بسيفه حَتَّى قتل، ووقعت الراية فأخذها سالم مولى أَبِي حُذَيْفَة.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ الَّذِي قتل زيدا أَبُو مريم الحنفي، واسمه صبح بْن محرش، فقال له عمر رضي الله تعالى عنه: أقتلت زيدا؟ قَالَ:
اللَّه أكرمه بيدي، ولم يهني بيده. فَقَالَ عمر: كم قتل منكم يومئذ؟ قال:
ألف وأربعمائة. فَقَالَ عمر: بئس القتلى، وقضى أَبُو مريم بعد ذلك على البصرة.
وقال هشام بن الْكَلْبِيّ: قتل زيدا لبيد بْن برغث العجلي، فقدم بعد ذَلِكَ عَلَى عمر، فَقَالَ لَهُ: أأنت الجوالق؟ واللبيد، الجوالق [1] ودخل متمم بْن نويرة عَلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ لَهُ: مَا بلغ من وجدك عَلَى أخيك مالك بْن نويرة؟ فَقَالَ: بكيته حَوْلا حَتَّى أَسْعَدَتْ عَيْنِي الذَّاهِبَةُ عَيْنِي الصَّحِيحَةَ، وَمَا رَأَيْتُ نَارًا إِلا كِدْتُ أَنْقَطِعُ لَهَا أسفا عَلَيْهِ. أَلا أنه كَانَ يُوقِدُ نَارَهُ إِلَى الصُّبْحِ مَخَافَةَ أَنْ يأتيه ضيف، وَلا يعرف مكانه، وَكَانَ مالك قتل فِي الردة مرتدا. فَقَالَ عمر: صفه لِي: فَقَالَ: كَانَ يركب الفرس الحزور [2] ، ويقود الخيل الثفال [3] ، وَهُوَ بين المزادتين [4] النضوحتين فِي الليلة القرة وَعَلَيْهِ شَمْلَةٌ فَلُوتٌ، مُعْتَقِلا رُمْحًا خَطْلا [5] فَيَسْرِي ليلته، ثُمَّ يصبح وكان وجهه فلقة قمر.
__________
[1] اللبيد: الجوالق الضخم. اللسان.
[2] الفرس الحزوز: الفرس القوي. اللسان.
[3] الخيل الثفال: الخيل البطيئة. اللسان.
[4] المزادة: الراوية المصنوعة من جلد. اللسان.
[5] الرمح الخطل: الرمح الطويل المضطرب. اللسان.(10/464)
قَالَ: فأنشدني بعض مَا قلت فِيهِ، فَأَنْشَدَهُ مَرْثِيَتَهُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا:
وَكُنَّا كندماني جذيمة حقبة ... منَ الدهر حَتَّى قيل لن يتصدعا
فَقَالَ عُمَر: لو كنت أحسن قول الشعر لرثيت أخي زيدًا، فَقَالَ مُتَمِّمٌ: وَلا سَوَاءَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. لو كَانَ أخي صرع مصرع أخيك مَا بكيته، فَقَالَ عُمَر: مَا عزاني أحد بأحسن مَا عزيتني بِهِ.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: شهد زَيْد بدرا وبينه وبين عمر درع، فجعل كل واحد منهما يَقُول لصاحبه: لا يلبسها غيرك.
وشهد يَوْم أحد فصبر فِي أربعة أنفس، ولم يهرب فيمن هرب، وأمره الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصعد الجبل فيتلقى أبا الجهم بْن حُذَيْفَة فيرده، فَقَالَ لَهُ أَبُو الجهم: أنا والغ الدم. فَقَالَ لَهُ زَيْد: قد أتاك والغ مثلك. وَكَانَ يقال لبني عدي ولغة الدم، لأنهم غمسوا أيديهم فِي الدم حين غمسها المطيبون فِي الطيب، يَوْم حلف المطيبين، وَكَانَ عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَقُول:
مَا هبت صبا قط إِلا ذكرت زيدا.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِزَيْدٍ أَخِيهِ يَوْمَ أُحُدٍ:
أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلا لَبِسْتَ دِرْعِي، فَلَبِسَهَا لِقَسَمِهِ، ثُمَّ نَزَعَهَا فَقَالَ لَهُ:
مالك؟ فَقَالَ لَهُ إِنِّي أُرِيدُ لِنَفْسِي مَا تُرِيدُ لِنَفْسِكَ، قَالَ الْعُمَرِيُّ: يَعْنِي بِهَا الشَّهَادَةَ.
فولد زَيْد بْن الخطاب:
عَبْد الرَّحْمَنِ أمه ابنة أَبِي لبانة بْن عَبْدِ المنذر الأَنْصَارِيّ، وأسماء تزوجها عُبَيْد اللَّهِ بْن عُمَرَ، فقتل عَنْهَا بصفين.
فولد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن زَيْد: عَبْد الحميد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ وأمه بكائية.(10/465)
وعَبْد اللَّهِ، وأمه فاطمة بِنْت عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فأمها أم حكيم بِنْت الْحَارِث بْن هِشَام. وأسيد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ أمه ثقيفة فأما عَبْد الحميد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فولاه عمر بْن عَبْدِ العزيز الْكُوفَة، وَكَانَ أعرج، وقد كتبنا خبره فِي ولايته. فمن ولده: إِبْرَاهِيم بْن عَبْدِ الحميد. وَأَبُو يَعْقُوب إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ، وَأَبُو يَعْقُوب هَذَا يعرف بالخطابي، وله دار بالبصرة، وولده بِهَا.
ومنهم: عَبْد الْمَلِكِ بْن عَبْدِ الحميد، ولي البحرين لأبي جَعْفَر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ.
وعَبْد الكبير بْن عَبْدِ الحميد، وقد ولي الصوائف، وكان له قدر وَكَانَ يَقُول الشعر.
وعمر بْن عَبْدِ الحميد، كَانَ سريا جميلا ولي اليمن ومكة لأبي الْعَبَّاس أَمِير الْمُؤْمِنِينَ.
وسعيد بْن عَبْدِ الكريم، وهم بحران.(10/466)
ومن بني عدي بن كعب
[عمرو بن نفيل]
زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل،
وكانت قُرَيْش تتحاكم إِلَى نفيل بْن عَبْدِ العزي هَذَا.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «أن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل يبعث أمة وحده» ] .
وَكَانَ قد ترك عبادة الأصنام، وطلب دين إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السلام، وَكَانَ يسجد عَلَى يده، ثُمَّ كَانَ يسجد إِلَى الكعبة، وَكَانَ يَقُول فِي صلاته: البر أرجو لا الخال، هل مهجر كمن قَالَ، عذت بما عاذ بِهِ إِبْرَاهِيم، مستقبل الكعبة وَهُوَ قائم يَقُول: أنفي لك عان راغم مهما تجشمني فإني جاشم، ثُمَّ يكبر ويخر ساجدا.
وَكَانَ ينتظر مبعث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لعامر بْن رَبِيعَة: يَا عام إني أنتظر هَذَا النَّبِيّ، فإن أدركته فلأومنن بِهِ وإلا فأقره مني السلام. فلما بعث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبره عامر بِذَلِكَ فَقَالَ: وعليه السلام.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ الصَّفَّارُ، ثنا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ(10/467)
يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، أنه لقي زيد بن عمرو بِأَسْفَلِ بَلْدَحَ [1] وَذَلِكَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، فَقَدَّمَ إِلَيْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفْرَةً فِيهَا لَحْمٌ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لا آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ، وَلا آكُلُ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ.
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ الْعَجْلِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَ:
[ «يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ» ] .
حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن مُوسَى بْنِ شَبَّةَ عَنْ خَارِجَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَذْكُرُ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو فَيَقُولُ: تُوُفِّيَ وَقُرَيْشٌ تَبْنِي الْكَعْبَةَ قَبْلَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ سِنِينَ، وَلَقَدْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ.
وَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ زَيْدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «غَفَرَ اللَّهُ لِزَيْدِ بْنِ عَمْرٍو وَرَحِمَهُ، فَإِنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ» ،] فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَرَحَّمُونَ عَلَيْهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَفَرَ لَهُ.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: قتلت النصارى زَيْد بْن عَمْرو، وَقَالَ زَيْد:
تركت اللات والعزى جميعا ... كَذَلِكَ يفعل الجلد الصبور
فلا العزى أدين وَلا ابنتيها ... ولا صنمي بني غنم أزور
__________
[1] انظر طبقات ابن سعد ج 1 ص 161- 162، ج 3 ص 379- 381 وبلدح: واد قبل مكة من جهة المغرب. معجم البلدان.(10/468)
وَقَالَ ورقة بْن نَوْفَل لزيد:
رشدت فأنعمت ابْن عَمْرو وإنما ... تجنبت تنورا من النار حاميا
دعاؤك ربا ليس رب كمثله ... وتركك أصنام الطواغي كماهيا
وَكَانَ سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأمه فاطمة بِنْت بعجة بْن أمية بْن خويلد، من ولد غنم بْن مليح من خزاعة من المهاجرين الأولين، أسلم قديما قبل عُمَر بْن الْخَطَّابِ، وَهُوَ أحد العشرة الَّذِينَ سموا للجنة، وَكَانَ يكنى أبا الأعور، وَكَانَ إسلامه مَعَ أَبِي عبيدة فِي يَوْم واحد قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَ أبوه زَيْد بْن عَمْرو قد أنكر أمر الأصنام فِي الجاهلية وكرهه، وطلب دين إِبْرَاهِيم، وامتنع من أكل مَا ذبح عَلَى النصب، ولم يتهود ولم يتنصر، وَكَانَ يستقبل الكعبة ويقول: لبيك حقا حقا، تعبدا ورقا. وَكَانَ يَقُول: رب، لو أعلم لأية جهة أسجد لك لسجدت إِلَيْهَا، فكان يسجد عَلَى راحته، وَكَانَ يفدي كُلّ مولودة يريد أهلها أن يئدوها بِمَكَّةَ إذا أمكنه ذَلِكَ بعبد أَو أمة أَوْ فرس أو إبل أو غنم، فلما كثر عَلَيْهِ ذَلِكَ تضمن مؤونة الَّتِي يريدون أن يئدوها وطعام أمها، وبني خيمة بحراء يتحنث فِيهَا، واعتزل قريشا فسموه الراهب، ومات فدفن فِي أصل حراء، وكانت وفاته وقريش تبني الكعبة قبل الوحي بخمس سنين.
وَكَانَ قد طوف ببلاد الشام وناظر أهل الكتب، فسمع علماءهم يخبرون بأنه قد أظل نبي يخرج من بلاده يدعو إِلَى دين إِبْرَاهِيم وملته، ويقاتل العرب ويدعو العجم إِلَى التوحيد، وخلع مَا يعبدون من دون اللَّه، فكان يَقُول لابنه سَعِيد بْن زَيْد: أي بني إني سمعت أهل الكتاب يخبرون(10/469)
بأنه يبعث من بلدنا هَذَا نبي فلئن أدركته لأتبعنه، ولأقاتلن مَعَهُ، وإن مت أي بني قبل مبعثه فلا تحد عَن اتباعه ونصرته، وكن أول النَّاس إيمانا بِهِ، فإن قومك عَلَى ضلال. فلما ظَهَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتحقق أنه يدعو النَّاس إِلَى اللَّه وحده لا شريك لَهُ، أتاه مستخفيا من قومه فأسلم، وَكَانَ سَعِيد يقول:
استخفيت بالإسلام سنة سنة.
وقد روي أن زيدا كَانَ بالبلقاء فبلغه خروج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمات دونه، والأول أثبت.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ضمه والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الجاهلية سفر فنزل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت شجرة ونزل زَيْد مَعَهُ، فدعا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْن حارثة لسفرته، فأكلا جميعا وزيد يعيب دين قُرَيْش، ويذكر دين إِبْرَاهِيم ويقول:
إن نبيا يخرج بِمَكَّةَ من أوسط أهلها نسبا، وأحسنهم خلقا، وأظهرهم إصابة، ولئن أدركته لأومنن بِهِ، ولأقاتلن مَعَهُ.
وكانت عند سَعِيد بْن زَيْد فاطمة بِنْت الخطاب، أخت عمر فأسلمت يَوْم أسلم، وأتت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا أَبُو صَالِحٍ شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا شُعْبَةُ، ثنا الْحُرُّ بْنُ صَيَّاحٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَخْنَسِ قَالَ:
سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَخْطُبُ فَنَالَ عَلِيًّا، فَقَالَ لَهُ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو:
أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: [ «النَّبِيُّ فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ» .] وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّي الْعَاشِرَ، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى ذَكَرَ نَفْسَهُ.(10/470)
وبعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلْحَةَ وَسَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ يَتَحَسَّسَانِ مِنْ خَبَرِ عِيرِ قُرَيْشٍ فَقَدِمَا فَلَقِيَاهُ بَيْنَ مَلَلٍ وَالسَّيَالَةِ مُنْصَرِفًا مِنْ بَدْرٍ، فَلَمْ يَشْهَدْهَا سَعِيدٌ، وَأَسْهَمَ له رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَهِدَ سَعِيدٌ أُحُدًا وَجَمِيعَ الْمَشَاهِدِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ الأَنْمَاطِيُّ، ثنا حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «عَشْرَةُ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْجَنَّةِ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَسَعْدَ بْنُ مَالِكٍ، وَسَعِيدُ بْن زَيْد بْن عَمْرو بْن نُفَيْلٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» ] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَمَّنْ سَمِعَ عَائِشَةَ بِنْتَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ تُحَدِّثُ قَالَتْ: غَسَّلَ سَعْدٌ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو بِالْعَقِيقِ، ثُمَّ احْتَمَلُوهُ يَمْشُونَ بِهِ حَتَّى إِذَا حَاذَى سَعْدٌ دَارَهُ دَخَلَ وَمَعَهُ النَّاسُ، ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ فَاغْتَسَلَ وَخَرَجَ فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَغْتَسِلْ مِنْ غُسْلِ سَعِيدٍ، إِنَّمَا اغْتَسَلْتُ مِنَ الْحَرِّ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَنَّطَ سَعِيدَ بْنَ عَمْرٍو، وَحَمَلَهُ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِأَنَّهُ اسْتَصْرَخَ عَلَى سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى، فَأَتَاهُ ابْنُ عُمَرَ بِالْعَقِيقِ، وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ.
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخُوَارِزْمِيُّ قَالا: ثنا(10/471)
وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، أَنْبَأَنَا الْعُمَرِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ اسْتَصْرَخَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَابْنُ عُمَرَ يَتَجَهَّزُ لِلْجُمُعَةِ فَأَتَاهُ وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ وَمُحَمَّدٌ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِمِثْلِهِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ حَنَّطَ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ فَقِيلَ لَهُ: أَنَأْتِيكَ بِمِسْكٍ؟ فَقَالَ:
نَعَمْ وَأَيُّ طِيبٍ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ.
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالا: ثنا الفضل بن دكين، ثنا ابن عينية عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: دُعِيَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ يَمُوتُ وَابْنُ عُمَرَ يُرِيدُ الْجُمُعَةَ فَأَتَاهُ وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مَعْنُ بْنُ عيسى، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أن سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرو مات بالعقيق فحمل إِلَى الْمَدِينَة ودفن بِهَا.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ زَيْدٍ مِنْ وَلَدِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تُوُفِّيَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ بِالْعَقِيقِ فَحُمِلَ عَلَى رِقَابِ الرِّجَالِ، فَدُفِنَ بِالْمَدِينَةِ وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ خَمْسِينَ أَوِ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ بِضْعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَكَانَ رَجُلا آدَمَ طُوَالا أَشْعَرَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: قَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ مَاتَ سَعِيدٌ بِالْكُوفَةِ فِي وِلايَةِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ لِمُعَاوِيَةَ، وَهُوَ صَلَّى عَلَيْهِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أنبأ حَكِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ- مِنْ وَلَدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ(10/472)
مَنَافٍ- عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى فِي خَاتَمِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ [1] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَأَهْلُ الْكُوفَةِ يرون أن سَعِيد بْن زَيْد مات عندهم، وصلى عَلَيْهِ الْمُغِيرَة بْن شُعْبَةَ. قَالَ: وَقَالَ مَالِك بْن أَنَسٍ: سمعت جماعة من أهل العلم لا يشكون فِي أنه دفن بالمدينة.
وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: مات سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل بْن عَبْدِ الْعُزَّى بْن رِياح بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن قرط بْن رزاح بْن عدي بْن كعب بالكوفة فِي زمن مُعَاوِيَة، وصلى عَلَيْهِ الْمُغِيرَة بْن شُعْبَةَ وَهُوَ يومئذ وال.
قَالُوا: وَكَانَ لسعيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل من الولد:
عَبْد الرَّحْمَنِ الأكبر، لا بقية لَهُ، وأمه أم جميل بِنْت الخطاب، واسمها رملة. وعَبْد اللَّهِ الأكبر لا بقية لَهُ. وعَبْد الرَّحْمَنِ الأصغر لا بقية لَهُ، وعمرو الأكبر لا بقية لَهُ، وعمرو الأصغر. والأسود هلك قبل أَبِيهِ لا بقية لَهُ. وإبراهيم الأكبر. وخالد، وأم زَيْد، وكانت عند المختار بْن أَبِي عبيد.
وإبراهيم الأصغر. وبنات.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّه بْن سَعِيد بْن زَيْد شاعرا، وَهُوَ القائل ليزيد بْن مُعَاوِيَة:
أنت منا وليس خالك منا ... يَا مضيع الصلاة للشهوات
وَقَالَ غيره: هَذَا البيت لموسى شهوات.
وَقَالَ هِشَام بْن مُحَمَّدِ بْنِ السائب الكلبي: ومن بني عدي:
عبدنهم بْن نفيل:
قتل يَوْم الفجار فِي الجاهلية.
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 382- 385.(10/473)
قَالَ: وولد تَميم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن قرط بْن رزاح: حبيب بْن تميم، وأمه من بني أسد.
فولد حبيب: المؤمل، وأمه ابنة عامر بْن بياضة من خزاعة، ومن ولده:
أَبُو بَكْرٍ- ويقال اسمه أَيُّوب الأشل- بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مؤمل- كَانَ يرى رأي الخوارج وَكَانَ مَعَ عَبْد اللَّهِ بْن يَحْيَى المعروف بطالب الحق، وقد ذكرنا خبر طالب الحق فِي كتابنا.
وولد صداد بْن عبد اللَّهِ بْن قرط: خلف بْن صداد. وعبد شمس، أمهما ليلى بِنْت سَعْد بْن رباب بْن سهم.
وولد أذاه بْن رِياح بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن قرط:
عَبْد اللَّهِ بْن أذاه. وأنس بْن أذاه، منهم
سراقة بْن المعتمر بْن أنس بْن أذاه،
مات كافرا. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «أشد النَّاس عذابا كُلّ جَعّار نَعّار صخاب فِي الأسواق مثل سراقة بْن المعتمر» ،] وَكَانَ ابنه
عَمْرو بْن سراقة
[1] من خيار الْمُسْلِمِينَ، شهد بدرا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي رواية مُوسَى بْن عُقْبَةَ وَمُحَمَّد بْن إِسْحَاقَ، وأبي معشر، والواقدي جميعا.
وذكر مُحَمَّد بْن إِسْحَاقَ أن عَبْد اللَّهِ بْن سراقة شهد مَعَ ابنيه بدرا، ولم يذكر ذَلِكَ غيره، وليس هُوَ بثبت، وشهد عَمْرو بن سراقة مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحدا، والخندق والمشاهد، وتوفي فِي أيام عُثْمَان.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاقَ: تُوُفِّيَ عَبْد اللَّهِ بْن سراقة بعد أخيه وَلا عقب لَهُ.
__________
[1] بهامش الأصل: عمرو بن سراقة رضي الله عنه.(10/474)
وَكَانَ لسراقة أَيْضًا ابْن يقال لَهُ: عُبَيْد اللَّهِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ: من ولد سراقة:
زائدة بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عُثْمَان بْن عَبْد اللَّهِ بْنِ سراقة، ولي شرطة الْمَدِينَة، وَكَانَ أخوه أَيُّوب مَعَ الخوارج وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ عُثْمَان بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سراقة مَعَ الْحَجَّاج، فقطع الأعراب الطريق فبعثه إليهم، فكان يأخذهم فيعذبهم بالنار.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ والواقدي: أم عُثْمَان بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سراقة: زينب بِنْت عُمَر بْن الْخَطَّابِ، كَانَت أصغر ولد عمر، ومات سنة ثماني عشرة ومائة، وَهُوَ ابْن ثلاث وثمانين سنة، وقد روى عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهما.(10/475)
وولد عويج بْن عدي بْن كعب
عبيد
- بفتح العين- وأمه مخشية بِنْت سلول بْن عدي بْن كعب من خزاعة.
فولد عبيد:
عوف بْن عبيد.
وعَبْد اللَّهِ، وأمهما ماوية بِنْت عدي بْن حجر بْنِ عَبْدِ بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لؤي.
فولد عوف: عبد بْن عَوْفٍ. ونفيلة بْن عَوْفٍ. وحرثان بْن عَوْفٍ، وأمهم قلابة بِنْت الْحَارِث هذلية.
فمن بني عويج:
نعيم [1]- وَهُوَ النحام- بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أسيد بْن عَبْدِ عوف بْن عُبَيْد بْن عويج بْن عدي بْن كعب،
وسمي النحام لأَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ «دخلت الجنة فرأيت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وسمعت نحمة من نعيم» ،] فسمي النحام. وَقَالُوا: أسلم نعيم بْن عَبْدِ الله قبل دُخُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيِّ، قَالَ: أَسْلَمَ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بعد عشرة، وكان
__________
[1] بهامش الأصل: نعيم النحام، رضي الله عنه.(10/477)
يَكْتُمُ إِسْلامِهِ، وَكَانَ أَبُوهُ يَقُوتُ فُقَرَاءَ بَنِي عَدِيٍّ، فَلَقِيَهُ الْوَليِدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ فَقَالَ: يا بن عَبْدِ اللَّهِ. هَدَمْتَ مَا كَانَ أَبُوكَ يَبْنِي وَقَطَعْتَ مَا وَصَلَهُ حِينَ تَابَعْتَ مُحَمَّدًا. قَالَ نُعَيْمٌ: قَدْ بَايَعْتُهُ فَلا تَقُلْ هَذَا يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ، فَإِنِّي إِنَّمَا رَفَعْتُ بُنْيَانَ أَبِي وَشَرَّفْتُهُ. قَالَ: فَلَمَّا أَرَادَ نُعَيْمٌ الْهِجْرَةَ إِلَى الْمَدِينَةِ تَعَلَّقَ بِهِ قَوْمُهُ، وَقَالُوا: دِنْ بِأَيِّ دِينٍ شِئْتَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ لا يَقْرَبُهُ أَحَدٌ، ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا فِي سَنَةِ سِتٍّ وَمَعَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ أَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْلِمًا فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ وَقَالَ: [ «يَا نُعَيْمُ، قَوْمُكَ كَانُوا خَيْرًا لَكَ مِنْ قَوْمِي» ،] قَالَ: فَأَصَابَتْ مَنْ مَعَهُ الْحُمَّى وَسَلْسَلَتْ بُطُونَهُمْ، فَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَرِبُوا مِنَ الْمَاءِ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ، فَأَفَاقَ الْمَحْمُومُ وَاعْتَقَلَ بَطْنُ الْمَبْطُونِ [1] .
وَقَالَ الْكَلْبِيّ: استشهد نعيم النحام يَوْم مؤته، وَقَالَ أَبُو اليقظان: هاجر نعيم إِلَى أرض الحبشة، وَلا عقب لَهُ، والثبت أنه لم يهاجر إِلَى الحبشة قط.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ وغيره: كَانَتْ تحت أسامة بْن زَيْد امْرَأَة من طيّئ تزوجها حين بلغ وَهُوَ ابْن أربع عشرة سنة يقال لها زينب بِنْت حنظلة، فطلقها أسامة، فزوجها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعيما، فولدت لَهُ: إِبْرَاهِيم بْن نعيم بْن عَبْدِ اللَّهِ، فتزوج إِبْرَاهِيم بْن نعيم: أم عُثْمَان بِنْت عُبَيْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن الْخَطَّابِ، ثُمَّ توفيت، فتزوج رقية بِنْت عُمَر بْن الْخَطَّابِ فتوفيت عنده، فانصرف بِهِ عَاصِم بْن عُمَرَ من البقيع إِلَى منزله، فاخرج إِلَيْهِ ابنتيه: أم عَاصِم، وحفصة وَقَالَ: اختر. وكانت حفصة أدناهما، فنظر إِلَى جمال أم عَاصِم فَقَالَ: سيصيب بِهَا عَاصِم لهوة من مال فتركها، وقال: زوجني حفصة
__________
[1] انظر طبقات ابن سعد ج 4 ص 138- 139.(10/478)
فزوجه إياها، فأرسل إِلَى عَاصِم بْن عُمَرَ بعشرة آلاف درهم، فرد عَلَيْهِ ستة آلاف، وأخذ أربعة آلاف.
وخطب أم عَاصِم: عَبْد الْعَزِيزِ بْن مروان بْن الحكم، فتزوجها فولدت لَهُ: أَبَا بَكْرٍ، وعمر ابني عَبْد الْعَزِيزِ، وحملت إِلَيْهِ وَهُوَ والي مصر، فتوفيت عَنْهُ، فتزوج حفصة، وقد كَانَ قتل إِبْرَاهِيم بْن نعيم عَنْهَا يَوْم الحرة، ولما مرت أم عَاصِم بأيلة أهدى لَهَا معتوه كَانَ هناك يقال لَهُ شرشير هدية فأثابته وأحسنت إِلَيْهِ، ومرت بِهِ حفصة ففعل مثل ذَلِكَ فدنت فيما وهبت لَهُ وأغفلته، فَقَالَ: هيهات ليست حفصة من رجال أم عَاصِم، فمرت مثلا.
وَكَانَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَقُول: رحم اللَّه نعيما، سبقني إِلَى الحسنيين، أسلم قبلي وسبقني إِلَى الجنة.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: استشهد نعيم يَوْم أجنادين، ويقال يَوْم اليرموك سنة خمس عشرة، وَقَالَ الْكَلْبِيّ: استشهد بمؤتة، وَكَانَ نعيم يكنى أبا عَبْد اللَّهِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عن الواقدي عن فَرْوَةَ عَنْ أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حازم قَالَ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدَارٍ أَكْثَرَ زِيَارَةٍ مِنْهُ لِدَارِ نُعَيْمٍ النَّحَّامِ.
وَقَالَ أَبُو الْيَقْظَانِ: لا عَقِبَ لِنُعَيْمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
ومن بني عويج:
عدي بْن نضلة [1] بْن عَبْدِ العزى بْن حرثان بْن عَوْفِ بْن عبيد بْن عويج،
هاجر فِي المرة الثانية إِلَى أرض الحبشة، ومات بأرض الحبشة، وَهُوَ أول من ورث فِي الإِسْلام، ورثه ابنه النعمان بْن عدي. والنعمان هذا هو الذي
__________
[1] بهامش الأصل: عدي بن نضلة رضي الله عنه.(10/479)
ولاه عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهما ميسان فَقَالَ:
أَلا أبلغ الحسناء أن حليلها ... بميسان يسقى من زجاج وحنتم
إذا شئت غنتني دهاقين قرية ... وصناجة تحذو عَلَى كُلّ منسم
لعل أَمِير الْمُؤْمِنِينَ يسوءه ... تنادمنا بالجوسق المتهدم
إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني ... وَلا تسقني بالأصغر المتثلم
فلما بلغ عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الشعر قَالَ: أي وَاللَّه إنه ليسوءني تنادمهم فمن لقيه فليعلمه أني قد عزلته، وكتب فِي عزله، فلما قدم عَلَيْهِ قَالَ:
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاللَّه مَا صنعت شَيْئًا مما ذكرت، ولكني امرؤ شاعر أصبت فضلا من قول فقلته. فَقَالَ عمر. وَاللَّه لا تعمل لِي عملا أبدا.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاقَ: قد كَانَ النعمان بالحبشة مَعَ أَبِيهِ وله عقب.
ومنهم:
مطيع بْن الأسود بْن حارثة بْن نضلة بْن عَبْدِ العزى بْن حرثان بْن عَوْفِ بْن عبيد بْن عويج،
كَانَ اسمه العاص، فسماه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مطيعا [1] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أسلم مطيع يَوْم الفتح وسماه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مطيعا، وَكَانَ اسمه العاص وأقام بِمَكَّةَ، ومات فِي أيام عُثْمَان، وله بودان أموال ومنازل.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وولد عَبْد اللَّهِ بْن مطيع بْن الأسود عَلَى عهد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومات بِمَكَّةَ فِي فتنة عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر.
قَالَ: وَكَانَ لمطيع أَيْضًا ابْن يقال لَهُ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مطيع مَعَ ابْن الزُّبَيْر، وولاه ابْن الزُّبَيْر الْكُوفَة فأخرجه المختار عنها، ثم لحق بابن الزبير فلم
__________
[1] بهامش الأصل: مطيع بن الأسود وابنه رضي الله عنهما.(10/480)
يزل مَعَهُ وأصابته جراحات فمات مِنْهَا بِمَكَّةَ، فصلى عَلَيْهِ الْحَجَّاج، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنه عدوك، كان مواليا لأعدائك، معاديا لأوليائك، فاملأقبره نارا، والعنه لعنا مخزيا.
وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن مطيع أخذ البيعة لابن الزُّبَيْر
عَلَى أهل الْمَدِينَة حين قدم عَلَيْهِم أهل الشام ليواقعوهم إن خالفوا يَزِيد بْن مُعَاوِيَة، ثُمَّ إنه فر حين ظفر مسلم بْن عُقْبَةَ، فلحق بابن الزُّبَيْر، وفي ذَلِكَ يَقُول وَهُوَ يقاتل مَعَ ابْن الزُّبَيْر فِي الحصار الثاني.
أنا الَّذِي فررت يَوْم الحرة ... والحر لا يفر إِلا مرة
فاليوم أجزي فرة بكرة
قَالَ: وولى عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر عَبْد اللَّهِ بْن مطيع الْكُوفَة، فدعا النَّاس إِلَى بيعة ابْن الزُّبَيْر، ولم يسمه، وَقَالَ: بايعوا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، فكان فيمن بايعه فضالة بْن شريك الأسدي، ويقال عَبْد اللَّهِ بْن همام السلولي وَقَالَ:
دعا ابْن مطيع للبياع فجئته ... إِلَى بيعة قلبي لها غير آلف
فأخرج لِي خشناء حين لمستها ... من الخشن ليست من أكف الخلائف
من الشزنات [1] الكرم أنكرت مسها ... فليست من البيض السباط اللطائف
معاودة ضرب الهراوي لقومها ... فرور إذا مَا كَانَ حين التسائف
وَلَمْ يسم إذ بايعته من خليفتي ... وَلَمْ يشترط إِلا اشتراط المجازف
وخرج عَلَيْهِ المختار بْن أَبِي عبيد فحصر وخرج من قصر الْكُوفَة واستخفى، وعرف المختار خبره، فبعث إِلَيْهِ بمائة ألف درهم فخرج من الْكُوفَة حين قبضها ولحق بابن الزُّبَيْر، واعتذر إِلَيْهِ بغدر أَهْل الْكُوفَةِ، وقاتل
__________
[1] الشزن: شدة الإعياء من الحفا، والشدة، والغلظة. القاموس.(10/481)
مَعَهُ حَتَّى قتل. ويقال بل أصابته جراح مات مِنْهَا بعد الوقعة بأيام وذلك أثبت.
قَالَ: وَكَانَ يَزِيد بْن مُعَاوِيَة كتب إِلَى الْوَليِد بْن عتبة: أن خذ عَبْد اللَّهِ بْن مطيع فاحبسه، فأخذه الْوَليِد فحبسه، فاجتمع بنو عدي وفيهم أَبُو جهم بْن حُذَيْفَة، وعَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ فكلموا الْوَليِد، وَقَالُوا: لماذا حبست صاحبنا؟ قَالَ: كتب أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إلي فِي حبسه، فأكتب وتكتبون، وأنظر وتنظرون فأتوا السجن فأخرجوه.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ إِبْرَاهِيم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مطيع رأس قُرَيْش يَوْم حرب الخوارج بقديد، ومات بالمدينة، وَكَانَ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ مكينا عند مُحَمَّد بْن سُلَيْمَانَ بْن علي.
قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ:
وقتل سُلَيْمَان بْن مطيع يَوْم الجمل مَعَ عَائِشَة.
قَالَ: ومنهم:
مسعود بْن حارثة بْن نضلة قتل يَوْم مؤتة، وقيس بْن الْحَارِث بْن نضلة قتل يَوْم الفجار فِي الجاهلية.
ومنهم:
معمر بْن عَبْدِ اللَّهِ [1] بْن نضلة بْن عَبْدِ العزى بْن حرثان،
هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، وَكَانَ قدومه مَعَ جَعْفَر بْن أَبِي طالب، وَهُوَ كَانَ يرحل رحل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حجته، ومات فِي أيام عمر، وَكَانَ إسلامه بمكة.
ومنهم:
__________
[1] بهامش الأصل: معمر بن عبد الله رضي الله عنه.(10/482)
عروة بْن أَبِي أثاثة [1] بْن عَبْدِ العزى بْن حرثان،
هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ومات بأرض الحبشة.
وولد عَبْد اللَّهِ بن عبيد بْن عويج:
عامر بْن عَبْدِ اللَّهِ،
وأمه أم سُفْيَان بِنْت رياح بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قرط، فولد عامر بْن عَبْدِ اللَّهِ:
غانم بْن عامر، فولد غانم بْن عامر: حذافة بن غانم الشاعر. وحذيفة ابن غانم.
فولد حذافة:
خارجة بْن حذافة بْن غانم بْن عَامِر، وَكَانَ خارجة قاضيا عَلَى مصر من قبل عَمْرو بْن الْعَاصِ.
وَكَانَ فِي جيشه، قتله الخارجي وَهُوَ يظن أنه عَمْرو بْن الْعَاصِ، فلما أخذ وأدخل عَلَى عَمْرو، قَالَ لَهُ: أردت عمرا وأراد اللَّه خارجة، فذهبت مثلا:
ومن ولده: سُلَيْمَان بْن أَبِي حثمة بْن حذافة، وأم سُلَيْمَان: الشفاء بِنْت عَبْد اللَّهِ من بني عدي أَيْضًا وللشفاء دار بالمدينة فِي الحكاكين.
قَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الْوَاقِدِيِّ أن عمر استعمله عَلَى بعض العمل [2] .
وحكيم بْن مؤرق بْن حذافة كَانَ شريفا. وحطيط بْن شريق بْن غانم، هلك فِي طاعون عمواس بالشام.
وولد حُذَيْفَة بْن غانم:
أبا الجهم بْن حُذَيْفَة بن غانم [3] ،
وكان من علماء
__________
[1] بهامش الأصل: عروة رضي الله عنه.
[2] طبقات ابن سعد ج 5 ص 26- 27.
[3] بهامش الأصل: أبو جهم بن حذيفة رضي الله عنه.(10/483)
قُرَيْش ونسابها، وكانت لَهُ صحبة، وقتل ابنه مُحَمَّد بْن أَبِي الجهم بْن حُذَيْفَة يَوْم الحرة، وَكَانَ أَبُو بَكْر بْن عَبْدِ اللَّهِ، ويقال ابْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي الجهم فقيها.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ: ولد صخير بْن أَبِي الجهم بالكوفة مقيمون بِهَا، وَكَانَ صخير يطعم الطعام، وغير الْكَلْبِيّ يَقُول: سحيم.
وجلد عُمَر بْن الْخَطَّابِ أبا الجهم بْن حُذَيْفَة ثمانين جلدة فِي شهادته مَعَ عقيل بْن أَبِي طالب ومخرمة بْن نَوْفَل عَلَى زناء أم المسيب، وقد كتبنا هَذِهِ القصة فِي نسب بني مخزوم.
وسمعت من يذكر أن اسم أَبِي جهم عبيد. وَهُوَ قول الْوَاقِدِيّ أَيْضًا.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قدم الْمَدِينَة فابتني بِهَا دارا فِي آخر زمن مُعَاوِيَة.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ أَبُو جهم بْن حُذَيْفَة بْن غانم شرسا وَكَانَ قد بقي إِلَى بعد أيام يَزِيد بْن مُعَاوِيَة، وَكَانَ أَبُو الجهم يَقُول: أعنت عَلَى بناء الكعبة مرتين، مرة حين بنيت فِي الجاهلية قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخرى حين بناها ابْن الزُّبَيْر، وَكَانَ حين بعث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسعى عَلَيْهِ هُوَ وعُمَر بْن الْخَطَّابِ، ثُمَّ رزق اللَّه عمر الإِسْلام، وبقي أَبُو الجهم حَتَّى أسلم فِي فتح مَكَّة، فذكروا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بخميصتين إحداهما معلمة والأخرى غير معلمة، فبعث بالتي لا علم لها إِلَى أَبِي الجهم، ولبس رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المعلمة وصلى فِيهَا، فلما رأى علمها بعث بِهَا إِلَى أَبِي الجهم، وَكَانَ لَهُ بنون أشداء، وَكَانَ يجلس فِي مجلسه فِي أيام عمر هُوَ وعقيل بْن أَبِي طالب، ومخرمة بْن نَوْفَل الزُّهْرِيّ، فما يكاد يمر بهم رجل من قُرَيْش إِلا ثلبوه، وَقَالُوا: كَانَتْ جدته كَذَا وأمه كَذَا فبلغ عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ففرق بينهم.(10/484)
وَكَانَ بنو أَبِي الجهم يعيبون عَبْد اللَّهِ بْن مطيع ويسعون مَعَهُ، وَكَانَ مروان بْن الحكم عَلَى الْمَدِينَة وعلى شرطه مصعب بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ، فخرج مروان إِلَى مَكَّةَ فتبعه مصعب وجعل يسير مَعَهُ فبينا هُوَ يسير فِي الموسم إذ أقبل عَبْد اللَّهِ بْن مطيع فدنا من مروان فألح عَلَيْهِ فِي الكلام حَتَّى أغلظ لَهُ عَبْد اللَّهِ، فضرب صخير بْن أَبِي الجهم وجه مصعب، ثُمَّ ركض، فبعث مروان فِي طلبه فلم يقدر عَلَيْهِ، وَقَالَ: لئن قدرت عَلَيْهِ لأقطعن يده، فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّهِ بْن مطيع: لقد أحببت أن يكثر الجدماء فِي قُرَيْش، يعني إنك إن قطعته قطعت أيدي رجال من قُرَيْش، فلما قدموا مَكَّة فقضوا نسكهم، بعث عَبْد اللَّهِ بْن مطيع جارية لَهُ يقال لها خيرة فَقَالَ: تعرضي لمصعب، فتعرضت له فقال لمن أنت؟ قال: لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مطيع، فَقَالَ أيبيعك؟ ثُمَّ جاءت فأخبرت مولاها فبعث بِهَا إِلَى مصعب، ثُمَّ ركب عَبْد اللَّهِ بْن مطيع وعَبْد اللَّهِ بْن صفوان بْن أمية إِلَى مصعب فطلبا إِلَيْهِ أن يعفو عَن ضربة السوط، فوهبها لهم، فَقَالَ صخير بْن أَبِي الجهم:
نحن ضربنا بالسياط مصعبا ... عمدا عَلَى خيشومه ليغضبا
لعل حربا بيننا أن تنشبا ... قد ركبت خيرة منه مركبا
ولعبت منه بلهو ملعبا
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أن مُعَاوِيَة قَالَ لأبي الجهم بْن حُذَيْفَة: أين سني من سنك؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ! إِنِّي لأَذْكُرُ دُخُولَ أُمِّكَ عَلَى زَوْجِهَا، فَقَالَ: أي أزواجها فو الله إِنْ كَانَتْ لَكَرِيمَةَ الْمَنَاكِحِ فَإِيَّاكَ يَا أَبَا الجهم والإقدام بعدي على السلطان [1] .
__________
[1] لم يرد هذا الخبر في ترجمة أبي الجهم في طبقات ابن سعد ج 5 ص 451.(10/485)
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أغلظ أَبُو الجهم بْن حُذَيْفَة لمعاوية وَقَالَ: أراحنا اللَّه منك، فَقَالَ: وَيْحَكَ إِلَى مَنْ؟ إِلَى بَنِي زُهْرَةَ؟ فما عندهم بصر وَلا فضل، أم إلى بني مخزوم؟ فو الله لو ولوا مِنَ الأَمْرِ شَيْئًا مَا كَلَّمُوكُمْ كِبْرًا. أَمْ إلى بني هاشم؟ فو الله لو ولّوا لا ستأثروا عَلَيْكُمْ.
وَقَالَ أَبُو الْجَهْمِ: أَمَرَ لِي مُعَاوِيَةُ بِمِائَةِ أَلْفِ درهم فذممته، فلما ورد يَزِيدُ أَعْطَانِي خَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ ابْن الزُّبَيْرِ فَأَعْطَانِي أَلْفًا، فَقُلْتُ: أَبْقَاكَ اللَّهُ، فَإِنَّا لا نَزَالُ بِخَيْرٍ مَا بَقِيتَ. فَقِيلَ: أتدعو لابن الزُّبَيْر بالبقاء ولم تدع لمعاوية وَلا ليزيد. فقلت: أخشى وَاللَّه أَلا يأتي بعده إِلا خنزير.
وَقَالُوا: كَانَتْ عند أَبِي الجهم بْن حُذَيْفَة: خولة بِنْت القعقاع بْن معبد بْن زرارة بْن عدس، وَهِيَ أم مُوسَى بْن طَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّهِ، خلف عَلَيْهَا أَبُو الجهم، وكانت لأبي الجهم سرية تسمى زجاجة وَكَانَ محبا لها، فولدت لَهُ سُلَيْمَان بْن أَبِي الجهم وغيره، فمرضت خولة فدخلت عَلَيْهَا امْرَأَة كَانَتْ تطبب فقالت لها: أنت مسحورة، وَمَا سحرك إِلا زجاجة، وليس لك دواء إلا أن تذبحيها وتطلي ساقيك بدمها، ومخ ساقيها، فذكرت ذَلِكَ لأبي الجهم فَقَالَ: افعلي، وبلغ ذَلِكَ ولدها فكلموا أباهم فَقَالَ: وَاللَّه مَا أمكم عندي مثل خولة، وَمَا أنتم عندي كولدها فانطلقوا فأتوا مُحَمَّد بْن أَبِي الجهم فَقَالُوا لَهُ: إن أمك قَالَت كَذَا، وَقَالَ أبوك كَذَا، فَقَالَ: مَا أنا بالذي أخالف أَبِي وأمي، فلما سمعوا ذَلِكَ انطلقوا إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن الْخَطَّابِ فكلموه وأخبروه الخبر فَقَالَ: سبحان اللَّه مَا هَذَا بكائن وَلا أقبله، فلقوا الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَةَ الزُّهْرِيّ فأخبروه بما قَالَ ابْن عُمَرَ فَقَالَ: ليس عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ بمغن عنكم شَيْئًا، ولكن ائتوا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن زَيْد بْن الخطاب فأتوه فأخبروه الخبر(10/486)
فعجب وَقَالَ: مَا كنت أرى أن الجفاء بلغ بأبي الجهم وامرأته هَذَا كله، وبعث ابنا لَهُ إِلَى خولة وَقَالَ لَهُ: قل لها إن أَبِي يقرئك السلام، ويقول: مَا الَّذِي تجدين، وَمَا الَّذِي وصف لك؟ فلما بلغها رسالة أَبِيهِ، قَالَت: إن زجاجة سحرتني وقد وصف لِي دمها ومخ ساقيها، فكثر تعجب عَبْد الرَّحْمَنِ بْن زَيْد من ذَلِكَ، وَقَالَ: انطلقوا فاحملوا أمكم وائتوني بِهَا، فانطلقوا فحملوا أمهم فأنزلها منزل عبيد بْن حنين مولاه، ثُمَّ أتى بنو عَاصِم بْن عُمَرَ فأجابهم إِلَى نصرتهم، وكلموا زَيْد بْن عُمَر بْن الْخَطَّابِ، وأمه أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ عَليّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأُمُّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأجابهم إِلَى نصرتهم، وكلموا بني المؤمل من بني عدي بْن كعب فأجابوهم إِلَى مثل ذَلِكَ، وبقي آل أَبِي الجهم، وآل عَبْد اللَّهِ بْن مطيع، وآل النعمان بْن عدي بْن نضلة فصار هؤلاء حزبا وهؤلاء حزبا فجعلوا يخرجون فيقتتلون بالعصي وأحيانا بالسيوف، فقيل لأبي الجهم: أدرك ولدك فإنهم يقتتلون، فَقَالَ: دعوا النبع يقرع بعضه بعضا، فلذلك قَالَ الشاعر فِي أبياته فِي ابْن مطيع:
معاودة ضرب الهراوي لقومها ... فرور لعمر اللَّه عند التسايف
ومر عَبْد اللَّهِ بْن مطيع عَلَى بغلة لَهُ فاتبعه فتية من آل عمر منهم:
زَيْد بْن عُمَرَ، وخرج بنو أَبِي الجهم من حوله، وبنو عَبْد اللَّهِ بْن مطيع يريدون عَبْد اللَّهِ بْن مطيع، فتلاحق القوم وتراموا فأصابت زَيْد بْن عُمَرَ رمية، فسقط صريعا، فجعل سُلَيْمَان بْن أَبِي الجهم بْن زجاجة يرتجز لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مطيع:
أنا سُلَيْمَان أَبُو الرَّبِيع ... تفرجوا عَن رجل صريع
أدركه شؤم بني مطيع(10/487)
فلما رأى عَبْد اللَّهِ بْن مطيع زَيْد بْن عُمَرَ قد صرع عَن دابته، أقبل يفديه حَتَّى كلمه، ثُمَّ حمله عَلَى دابته، وأتى بِهِ منزله، وزرفت [1] عَلَيْهِ الرمية فمات، وماتت أمه أسفا عَلَيْهِ فِي يَوْم، فصلي عليهما جميعا.
وَقَالَ بعض العدويين فيما حَدَّثَنِي بِهِ مصعب الزُّبَيْرِيّ: شج زَيْد بْن عُمَرَ، فلم يزل من شجته مريضا، وأصابه ذرب واختلاف، ومرضت أمه وماتا جميعا، فلم يدر كيف يقسم ميراثهما.
وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: سئل زَيْد من ضربه، فلم يسمه، وإنما كَانَ أتى ليصلح بين القوم، فضرب فشج.
قَالُوا: وسأل الْحَجَّاج مُحَمَّد بْن يوسف أخاه: من أشد أهل الحجاز مؤونة عَلَى السلطان وأغلظ أمرا؟ فَقَالَ: آل أَبِي الجهم بن حذيفة [2] .
__________
[1] زرف الجرح: انتقض بعد البرء. القاموس.
[2] بهامش الأصل: بلغت عراضا بالأصل الثالث من أول الكتاب، ولله كل حمد وفضل.(10/488)
[الجزء الحادي عشر]
[نسب بني مدركة بن إلياس بن مضر]
[نسب بني خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر]
[نسب بني كنانة بن خزيمة بن مدركة]
[نسب قريش وهم بني النظر بن كنانة]
[نسب بني مالك بن النظر]
[نسب بني فهر بن مالك بن النظر]
[نسب بني غالب بن فهر بن مالك بن نظر بن كنانة]
[نسب بني لؤي بن غالب بن فهر]
نسب بني عامر بن لؤي بن غالب بن فهر
[1] ولد عامر بن لؤي:
حسل بن عامر،
وأمه خارجة بنت عَمْرِو بْنِ شيبان بْن محارب بْن فهر. ومعيص بن عامر. وعويص بن عامر، درج. وأمهما ليلى بنت الحارث بن عضل بن الديش من القارة من ولد الهون بن خزيمة.
فولد حسل:
مالك بن حسل،
وأمه قسامه سوداء، وأخوه لأمه عمرو بن هصيص بن كعب.
فولد مالك:
نصر بن مالك،
وأمه ليلى بنت هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر. وجذيمة بن مالك، وأمه شحام بنت حرب بْن سَعْد [2] بْن فهم بْن عَمْرِو بْنِ قيس.
فولد نصر بن مالك:
عبدود.
وجابر بن نصر. والأقيشر بن نصر.
وعبد أسعد بن نصر، وأمهم ماوية بنت سعد بن سهم.
__________
[1] بهامش الأصل: بلغت عراضا بالأصل الثالث من أول الكتاب ولله كل حمد وفضل.
[2] بهامش الأصل: أسعد.(11/7)
فولد عبد ود بن نصر:
عبد شمس.
وأبا قيس وأمهما ناهية بنت عبده بن ذكوان بن غاضرة بن صعصعة.
فمن بني عبد شمس بن عبدود:
سهيل بن عمرو [1] بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل،
وهو الأعلم [2] ، ويكنى أبا يزيد، وإياه مدح أمية بن أبي الصلت فقال:
أبا يزيد رأيت سيبك واسعا ... وسجال كفك يستهل فيمطر
[3] وكان سهيل من سادة قريش، وكان مكثرا، فقوى المشركين لوقعة بدر بحملان ومال، ولما كان يوم بدر أسره مالك بن الدخشم الخزرجي، وقال:
أسرتُ سهيلا فلن أبتغي ... بِهِ غيره من جميع الأمم
وخندف تعلم أن الفتى ... سهيلا فتاها إذا يظلم
ضربتُ بذي الشفر حتَّى انثنى ... وأكرهتُ نفسي على ذي العلم
وكان أعلم الشفة السفلى.
ولما قدم بسهيل المدينة رآه أسامة بْن زَيْد بْن حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. هذا الذي كان يطعم السريد بمكة- يعني الثريد- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « [نعم هذا الذي كان يطعم الطعام بمكة، وَلَكِنَّهُ سَعَى فِي إِطْفَاءِ نُورِ اللَّهِ فَأَمْكَنَ الله منه] » .
ورأته سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود زوج رسول
__________
[1] بهامش الأصل: سهيل بن عمرو رضي الله عنه.
[2] عرف بذلك لشق في شفته العليا، وقيل السفلى.
[3] ليس في ديوان أمية المطبوع.(11/8)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ في القد، ويده إلى عنقه، فلم تملك نفسها أن قالت: يا أبا يزيد أعطيتم بأيديكم، هلا متم كراما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « [أعلى اللَّه ورسوله] » ؟ فقالت: والذي بعثك بالحق ما ملكتُ نفسي حين رَأَيْته عَلَى هَذِهِ الحال، فاستغفر لي يَا رَسُول اللَّه، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: « [يغفر اللَّه لَكَ] » .
وقَالَ عُمَر: يا رَسُول الله، هذا سهيل خطيب قريش فانزع ثنيتيه فلا يقوم خطيبا بك أبدا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « [دعه فعسى أن يقوم مقاما يحمده وينفع الله به] » . فلما كان يوم الفتح أسلم سهيل فحسن إسلامه، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، كان عتاب بن أسيد بن أبي العيص على مكة، فقام سهيل فقال: قد تعلمون أني أكثر قريش قَتَبًا فِي بر وجارية فِي بحر، فأقروا أميركم وأعطوه صدقاتكم، وأنا ضامن إن لم يتم الأمر أن أردها عليكم، وبكى وسكن الناس، ورجع عتاب.
ولما كانت أيام عمر بن الخطاب أتاه سهيل بن عمرو، والحارث بن هشام بن المغيرة ليسلما عليه، فقدم عليهما صهيبا وعمارا، فغضب الحارث لذلك فَقَالَ سهيل: دعينا ودُعوا، فأجابوا وأبطأنا، ثُمَّ تغضب إن تقدموا علينا، فأمَّا إذا فاتنا الجهاد مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنا نطلبه بعده، فخرجا إلى الشام مجاهدين فماتا هناك في طاعون عمواس. وكان سهيل لما أسر يوم بدر هَرَبَ فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ فَوَجَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم بين سمرات [1] ، فأمر فَرُبِطَتْ يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ، وَجُنِّبَ إِلَى رَاحِلَتِهِ.
وقال الواقدي: رمى سعد بن أبي وقاص سهيلا فأصاب نسأه، فجاء
__________
[1] شجر معروف صغار الورق، قصار الشوك، وله برمة صفراء، يأكلها الناس. معجم أسماء النباتات الواردة في تاج العروس.(11/9)
مالك بن الدخشم فأسره، وأسلم أبو جندل بن سهيل بن عمرو، واسمه عمرو، فحبسه أبوه، فلما كان يوم قدوم النبي صلى الله عليه وسلم الحديبية، وتشاغل الناس، أقبل أبو جندل يرسف في قيده، حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد قاضى قريشا، فقام إليه أبوه فضرب وجهه ورده. وقد ذكرنا قصته في أول كتابنا.
وأسلم عبد الله بن [1] سهيل بن عمرو،
ويكنى أَبَا سهيل، وأمه فاختة بنت عَامِر بن نوفل بن عبد مناف، وهاجر إِلَى أرض الحبشة فِي المرة الثانية في رواية محمد بن إسحاق والواقدي، ولم يذكر موسى بن عقبة وأبو معشر هجرته، ثم رجع إلى مكة فأخذه أبوه فأوثقه وحبسه عنده وقيده، فأظهر له الرجوع عن الإسلام حتى أخرجه محملا إلى بدر بحملانه ونفقته، فانحاز إلى المسلمين حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقاتل مع المسلمين وأبوه مغيظ عليه.
قال الواقدي: شهد بدرا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن سبع وعشرين سنة، وشهد أيضا أحدا، والخندق والمشاهد كلها، واستشهد بجواثا من البحرين في الردة، ويقال استشهد باليمامة، وهو ابن ثماني وثلاثين سنة، فلما حج أَبُو بَكْر الصديق رَضِي اللَّه تَعَالى عنه في أيامه أتاه سهيل بن عمرو، فعزاه أبو بكر عن عبد الله، فقال: لقد بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « [يشفع الشهيد في سبعين من أهله] » ، فأنا أرجو ألا يبدأ ابني في شفاعته بأحد قبلي، وكان يقول حين أسلم في الفتح: لقد جعل الله لي في إسلام ابني خيرا كثيرا، ومات أبو جندل ابنه أيضا في طاعون عمواس [2] .
[هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّد بْن عَبْد الله وسهيل بن عمرو]
وقال الكلبي: كان سهيل بن عمرو أول من نعى رسول الله صلى الله عليه وسلّم
__________
[1] بهامش الأصل: عبد الله بن سهيل رضي الله عنه.
[2] المغازي للواقدي ج 1 ص 157. طبقات ابن سعد ج 5 ص 453.(11/10)
بمكة، وأخبرهم بوفاته وضمن لهم الدرك فيما يؤدون من صدقاتهم، قال:
ولما كان يوم الحديبية وقد جاء للصلح، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [قد سهل لكم أمركم] » ، وفيه يقول الشاعر:
حاط أخواله خزاعة لما ... كثرتهم بمكة الأحياء
ولما كتبت القضية بالحديبية، كتب عَلِيّ بْن أَبِي طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنه: «بسم اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم» . فَقَالَ سهيل: لا أعرف هَذَا. اكتب كما نكتب: باسمك اللهم. وكتب: «هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّد بْن عَبْد الله وسهيل بن عمرو» .
وحدثني أبو عدنان عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ العلاء قال: وقع إلي كتاب لمجاهد بن جبر فإذا فيه، قال سهيل بن عمرو بن عبد شمس الأعلم: من عدم إخوانه ولذاته فهو غريب ولو كان في أهله، وقال: كانت الجاهلية عمى جلاه الله عنا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي.
وحدثني هشام بْن عمار قَالَ: بلغنا أن سهيل بن عمرو العامري قال: كأن الله أبدلنا بعقولنا عقولا وبقلوبنا قلوبا، فاستقبحنا ما كنا نستحسنه، وأبصرنا ما كنا عميا عنه، وإني لأذكر الأوثان فأستحيي من عبادتنا إياها، فالحمد لله الذي أكرمنا بمحمد فهدانا من الحيرة، وأيقظنا بعد الغفلة.
قالوا: وبلغنا أنه كان يقول: جهاد المرء نفسه أفضل من جهاد عدوه، وقالوا: ولم يكن لسهيل عقب من الرجال.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ أَنَّ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو بَعَثَ ابْنَهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْفَتْحِ فَأَمَّنَهُ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: بِأَبِي وَأُمِّي هُوَ، فلم يزل(11/11)
حَلِيمًا كَرِيمًا صَغِيرًا وَكَبِيرًا، وَخَرَجَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شِرْكِهِ فَأَسْلَمَ بِالْجُعْرَانَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ [1] .
ومنهم سهل بن عمرو [2] أخو سهيل بن عمرو،
أسلم في الفتح، وله عقب بالمدينة، ودار وبقي بعد النبي صلى الله عليه وسلم دهرا.
ومن ولده فيما ذكر الكلبي: عبد الرحمن بن عمرو بن سهل، ولي المدينة.
وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عمرو بن سهل بن عمرو على بني عامر بن لؤي يوم الحرة، وكانت ابنته أم سلمة بنت عبد الرحمن عند الحجاج بن يوسف، ثُمَّ خلف عَلَيْهَا الوليد بْن عَبْد الْمَلِكِ، ثُمَّ سليمان بْن عَبْد الْمَلِكِ، ثُمَّ هِشَام بن عبد الملك، وله عقب بالمدينة.
قال: وكان بكار بن عبد الرحمن أخوها جميلا، وتزوج ابنة سَعِيد بْن خَالِد بْن عَمْرو بْن عُثْمَان بن عفان، فأخذه الوليد بن معاوية عامل مروان على دمشق، فضربه مائة سوط على أن يطلقها فأبى، فبعث مروان بن محمد إلى المرأة فحبسها عنده، ثم زوجها من محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، فلم تزل عنده، فلما قتل مروان وولي بنو العباس الخلافة استعدى بنو عامر بن لؤي دَاوُد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن العَبَّاس وهو على مكة على محمد بن عبد الله فلم ينالوا شيئا.
والسكران [3] بن عمرو، أخو سهيل أيضا
رحمه الله، هاجر إلى
__________
[1] انظر طبقات ابن سعد ج 5 ص 453.
[2] بهامش الأصل: سهل بن عمرو أخو سهيل رحمهما الله.
[3] بهامش الأصل: السكران أخوه، رحمه الله.(11/12)
الحبشة في المرة الثانية، ومعه امرأته سودة بنت زمعة، ويقال إنه هاجر في المرتين جميعا، ثم إنه قدم مكة فمات قبل الهجرة فدفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف على سودة.
وقال بعض الرواة: مات بالحبشة مسلما، وقال بعضهم: إنه قدم مكة، ثم رجع إلى أرض الحبشة مرتدا أو متنصرا فمات بها، وهو قول أبي عبيدة البصري، وليس بصحيح والخبر الأول أثبت وأصح، وليس للسكران بن عمرو عقب.
وسليط بن عمرو [1]
أخوه رحمه الله، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ومعه امرأته فاطمة بنت علقمة، وقدم المدينة قبل قدوم جعفر بن أبي طالب إياها، وكان إسلامه قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم المخزومي، واستشهد باليمامة سنة اثنتي عشرة، وكان له ابن يقال له سليط بن سليط.
وحاطب بن عمرو [2] أخوهم أيضا
رحمه الله، وأمه أسماء بنت الحارث من أشجع، أسلم قبل دخول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى أرض الحبشة في المرتين جميعا، في رواية الْوَاقِدِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُوسَى بن عقبة وأبو معشر.
وقال الواقدي: والثبت أن حاطب بن عمرو كان أول من قدم من الحبشة في المرة الأولى، وشهد بدرا، وأحدا، وهو زوج النبي صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة.
__________
[1] بهامش الأصل: سليط أخوه. رحمه الله.
[2] بهامش الأصل: حاطب بن عمرو، رحمه الله.(11/13)
وقال محمد بن سعد: وذكر موسى بن عقبة أن سليطا أخاه شهد معه بدرا، ولم يذكره غيره [1] .
وروى بعض الرواة أن حاطبا خرج مع جعفر عليه السلام من أرض الحبشة، والقول الأول أثبت وأصح.
وقال أبو طالب في عمرو بن عبد شمس وكان شريفا:
ألا أبلغا حسلا وتيما رسالة ... جميعا وأبلغها لؤي بن غالب
بأن أخا المعروف والبأس والندى ... مقيم فلا يرجى ولا هو آئب
وقد عاش محمودا وخلف سادة ... سهيلا وسهلا ذا الندى والمكاسب
وخلف أيضا من بنيه ثلاثة ... سليطا مع السكران والمرء حاطب
ومن بني أبي قيس بن عبد ود:
عبد الله بن أبي قيس،
الذي قتل عمرو بن علقمة بن المطلب في سفر لهم فقال أبو طالب:
أفي فضل حبل لا أبالك ضربة ... بمنسأة قد جاء حبل بأحبل
وقد كتبنا خبره في نسب بني المطلب بن عبد مناف.
وأبو ذؤيب وهو هِشَام بْن شُعْبَة بْن عَبْد اللَّهِ بْن أبي قيس،
وكان من أشراف قريش، حبسه ملك الروم في عدة من أشراف قريش فمات في حبسه، وقد كتبنا خبره وخبرهم حين ذكرنا عُثْمَان بْن الحويرث بْن أسد بْن عَبْد العزى في نسب بني أسد بن عبد العزى.
ومن ولده: محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب الفقيه ويكنى أبا الحارث، مات بالكوفة سنة تسع وخمسين ومائة وهو ابن
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 405.(11/14)
تسع وسبعين سنة، وكان يفتي بالبلد. وروى عنه الواقدي، وكان يقال له ابن أبي ذئب.
وعبد الرحمن وعبد الله ابنا حمير بن عمرو بن عبد الله بن أبي قيس
قتلا يوم الجمل مع عائشة رضي الله تعالى عنها.
وعمرو ذو الثدي بن عبد ود بن أبي قيس،
وكان فارس قريش يوم الخندق، وهو يومئذ ابن قريب من مائة وأربعين سنة، قتله علي عليه السلام مبارزة.
وحويطب بن عبد العزى [1] بن أبي قيس،
وكان من علماء قريش، وكان امتنع من الحلف على دم عمرو بن علقمة الكندي، قتله خداش في الحبل الذي أعاره، وحلف غيره من قومه فهلكوا وبقي فورثهم، وكان حويطب من أوسع الناس خطة، وكان سلف رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كانت عنده أميمة بنت أبي سفيان، فولدت له أبا سفيان بن حويطب، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكان سلفه أيضا من قبل سودة بنت زمعة، كانت عنده أختها أم كلثوم بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود، وهرب حويطب بن عبد العزى يوم فتح مكة، فرآه أَبُو ذَرّ فِي حائط، فأخبر رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكانه فَقَالَ: « [أوليس قَدْ أمنا النَّاس إلا من أمرنا بقتله] » ؟
فأخبر حويطب بذلك فأمن، وكان حويطب بْن عَبْد العزى، دخل عَلَى مروان بْن الحكم بعدُ وهو والي المدينة، فقال له مروان: لقد تأخر إسلامك يا شيخ. فقال: والله لقد هممتُ بِهِ غير مرة فكان أبوك يصدني عنه.
وقال الواقدي: كان حويطب يكنى أبا محمد، ومات بالمدينة سنة
__________
[1] بهامش الأصل: حويطب بن عبد العزى، رحمه الله.(11/15)
أربع وخمسين وهو ابن مائة وعشرين سنة، وله دار بالمدينة بالبلاط عند أصحاب المصاحف.
وقال الواقدي: بايع حويطب للعباس بن مرداس السلمي حين سار النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر على ظفر النبي صلى الله عليه وسلم بأهلها، فظفر فقمر حويطب، وأخذ الخطر منه وهو مائة بعير، وكان مع ابن مرداس نوفل بن معاوية، وكان مع حويطب صفوان.
وقال أبو اليقظان كان حويطب يكنى أبا صفوان، ثم يكنى أبا محمد، وله عقب بمكة، وكان أقرض رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالا، يقال أربعين ألفا، فردها عليه.
فولد أبو سفيان بن حويطب: إبراهيم بن أبي سفيان الذي يقول فيه حشرج الأشجعي:
لا بأس بالبيت إلا ما فعلت به ... يبني وتهدمه هدا له غول
تقول إني في عز وفي شرف ... أجل صدقت ولكن أنت مدخول
نعم شغلت ولا أعطيت من سعة ... حتى يغيب لحين رأسك الجول
[1] ومن ولده: محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب، قتل يوم نهر أبي فطرس مع من قتله عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بن العباس، في أول دولة بني العباس.
ومنهم: عَبْد اللَّهِ بْن مخرمة [2] بْن عَبْد العزى بن أبي قيس
ويكنى أبا محمد، وأمه: بهنانة بنت صفوان بن أمية بن محرّث بن مخمّل بن شق بن
__________
[1] الجول: التراب. القاموس.
[2] بهامش الأصل: عبد الله بن مخرمة رضي الله عنه.(11/16)
رقبة بن مجدع من بني كنانة بن خزيمة، شهد بدرا، واستشهد باليمامة في أيام أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وله إحدى وأربعون سنة، وكان حين شهد بدرا ابن ثلاثين سنة وأشهر، وكان ممن هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ قدم مكة، وهاجر إلى المدينة.
ومن ولده: نوفل بْن مساحق بْن عَبْد اللَّهِ بْن مخرمة، ولي صدقات بني عامر.
وقال الواقدي: كان نوفل بن مساحق يكنى أبا مساحق، ولي قضاء المدينة.
ومن ولد نوفل: عبد الملك بن نوفل بن مساحق المحدث، وله يقول الحزين الأشجعي:
أقول وما شأني وشأن ابن نوفل ... وشأن بكائي نوفل بن مساحق
ولكنها كانت سوابق عبرة ... على نوفل من كاذب غير صادق
فهلا على قبر الوليد وبقعة ... وقبر سليمان الَّذِي عند دابق
وقبر أَبِي عمرو أخي وأخيهما ... فحزني في كل الجوانح لاحقي
أبو عمرو هو عبد الله بن عبد الملك.
و (سعيدا) [1] . وولي سعيد شرط المدينة لحسن بن زيد.
وقال أبو اليقظان: لا عقب لعبد الله بن مخرمة، ولكن عقب أخيه ينسبون إليه.
ومنهم: أبو سبرة بن أبي رهم [2] بْن عَبْد العزى بْن أَبِي قَيْس
بْن عبد
__________
[1] أضيف ما بين الحاصرتين اقتباسا من نسب قريش للمصعب الزبيري ص 427.
[2] بهامش الأصل: أبو سبرة بن أبي رهم، رحمه الله.(11/17)
وُدّ بن نَصْر بن مالك بن حسل، وأمه برة بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخوه لأمه أيضا أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي، أسلم قديما، وهاجر إلى أرض الحبشة في المرتين جميعا، وهاجر من مكة إلى المدينة، وتوفي بمكة في أيام عثمان رضي الله تعالى عنه.
قال الواقدي: وولده ينكرون رجوعه إلى مكة وموته بها، ويغضبون من ذلك.
وكانت مع أبي سبرة بالحبشة امرأته أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو.
وقال بعضهم: كان أبو سبرة يسمى عبد مناف، وقيل اسمه المطلب.
ومن ولده في رواية الكلبي: أَبُو بَكْر بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي سبرة، ولي القضاء لداود بن علي.
وقال الواقدي: مات أبو بكر بن عبد الله سنة اثنتين وستين ومائة ببغداد وهو ابن ستين سنة، وكان يفتي بالبلد، وكان قد ولي قضاء موسى الهادي بن المهدي وهو ولي عهد، فلما مات بعث إلى أبي يوسف القاضي فاستقضي، وكان ولي قضاء مكة لزياد بن عبيد الله. وأخوه محمد بن عبد الله بن محمد، مات زمن زياد بن عبيد الله وكان ولاه قضاء المدينة.
وولد جذيمة بن مالك بن حسل:
حبيب
وهو ابن شحام، ينسب إلى جدته أم جذيمة وهي شحام، وأمه التي قامت عنه ماوية بنت عبد بن معيص بن عامر، فولد حبيب:
الحارث
وأمه آمنة بنت اذاه بن رياح.
فولد الحارث:
ربيعة،
وأبا سرح، وأمهما الصماء بنت سعيد بن سهم.
منهم
هشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب
الذي كان يتعهد(11/18)
بني هاشم وبني المطلب في الشعب، وهو أول من قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش عليهم، وزعموا أنه كان أخا نضلة بن هاشم لأمه أميمة بنت عدي من بني سلامان من قضاعة، وله يقول حسان بن ثابت:
أخني أبو خلف وأخنى قنفذ ... وابن الربيع وطاب ثوب هشام
من معشر لا يغدرون بذمة ... الحارث بن حبيب بن شحام
[1] وإنما شدد حبيب لضرورة الشعر.
وأبو خرشة بن عمرو بن ربيعة أخوه، وعمير بن حصين بن ربيعة بن الحارث، وأخواه لأمه: عدي بن الخيار، وأبو عزة الشاعر الجمحي.
قالوا: وأمسك هشام على من هاجر من قومه دورهم فلم تبع.
[أبو سرح]
ومنهم
وهب بن سعد بن أبي سرح بن حبيب بن جذيمة بن مالك،
شهد بدرا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رواية موسى بن عقبة وأبي معشر والواقدي، ولم يذكره محمد بن إسحاق، وشهد أحدا والخندق وقتل يوم مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان وهو ابن أربعين سنة.
وعبد اللَّه بْن سَعْد بْن أَبِي سرح أخوه،
وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فيجعل الكافرين مكان الظالمين والمتقين مكان المؤمنين، وحكيم مكان حليم، وأشباه ذلك، ويقول لقريش: أنا آتي بمثل ما أتى بِهِ مُحَمَّد. فأنزل اللَّه فِيهِ:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ الله [2] ثم إنه لحق بقريش بمكة مرتدا، وكان أخا عثمان بن عفان من الرضاعة، فلما فَتْحِ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بقتله فطلب
__________
[1] ديوان حسان ج 1 ص 514. نسب قريش للمصعب الزبيري ص 432.
[2] سورة الأنعام- الآية: 93.(11/19)
فيه عثمان أشد طلب حتَّى كف عَنْهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَالَ: [ «أما كَانَ فيكم من يقوم لهذا الكلب فيقتله قبل أن أؤمنه» ،] وكان يأتي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيسلم عليه، وولاه عثمان حين استخلف مصر والمغرب، فابتنى بمصر دارا، ثم تحول منها إلى فلسطين فمات بها، وبعض الرواة يَقُولُ مات بإفريقية، والأول أثبت.
وقال الواقدي: فتح عمرو بن العاص مصر والإسكندرية، واستخلف على الإسكندرية عبد الله بن حذافة السهمي، وسار في جنده إلى المغرب ففتح به فتوحا، ثم ولى عثمان عبد الله بن سعد ما كان عمرو يليه، ففتح إفريقية وغيرها من المغرب فلما التاث الأمر على عثمان تحول إلى فلسطين، وقد كتبت أخباره وفتوحه بالمغرب في كتاب البلدان الذي ألفته [1] .
وفي سعد بن أبي سرح يقول حسان:
لعمرك ما أدري وإني لسائل ... مهانة ذات النوف ألأم أم سعد
[2] يعني أمه.
وكان يحدث عن عياض بن عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح.
وكان يزيد بن معاوية كتب مع عبد بن عمرو بن أويس بن سعد بن أبي سرح إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وهو عامله على المدينة، بنعي معاوية، وأخذ الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير بالبيعة.
وكانت لأروى ابنة أويس أرض إلى جنب أرض سعيد بن زيد بن
__________
[1] انظر كتاب البلدان وفتوحها وأحكامها- تحقيق سهيل زكار- ط. بيروت 1992 ص 259 264.
[2] ديوان حسان ج 1 ص 163 مع فوارق.(11/20)
عمرو، فحفرت في حق سعيد ركية فمنعها فشكته فكلم، فقال: والله ما منعتها حقا، وما كنت لأمنعها ذلك وقد سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « [من أخذ شبرا من الأرض بغير حقه طوقه من سبع أرضين في نار جهنم] » . ولم يعرض لها وقال: اللهم إن كانت كاذبة فاعم بصرها واجعل ميتتها في ركيتها، فحفرت حتى إذا نبطت الماء جاءت تنظر فعمي بصرها ووقعت في الركية فماتت.
وولد معيص بن عامر بن لؤي:
عبد بن معيص،
وعمرو بن معيص. ونزار بن معيص، وأمهم أنيسة بنت كعب بن عمرو من خزاعة.
فولد عبد: حجير بن عبد. وحجر بن عبد، وأمهما ابنة تيم بن مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة.
فولد حجير: ضباب بن حجير. وحبيب بن حجير. وعمرو بن حجير. ووهب بن حجير، وأمهم فاطمة بنت عوف بن الحارث بن عبد مناة بن كنانة.
فولد ضباب: وهب بن ضباب. وأهيب بن ضباب. ووهبان بن ضباب.
فمنهم لبيد بن عبدة بن جابر بن وهب، من فرسان قريش وكان شاعرا. وعبيد الله بن مسافع بن أنس بن عبدة بن جابر بن وهب بن ضباب بن حجير بن عبد بن معيص. قتل يوم الجمل.
وشديد بن شداد بن عامر بن لقيط بن جابر بن وهب بن ضباب الشاعر الذي يقول لخالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان:
إذا ما نظرنا فِي مناكح خالدٍ ... عرفنا الذي يهوى وأين يريد(11/21)
وقد ذكرنا خالد في نسب بني حرب بن أمية.
وعبيد الله بن قيس بن شريح [1] بن مالك بن ربيعة بن أهيب بن ضباب بْنِ حُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ بْنِ مَعِيصِ بْنِ عامر بن لؤي الشاعر،
والذي يقال له ابن قيس الرقيات، وقد ذكرنا له أخبارا وأشعارا فيما تقدم من كتابنا هذا، وإنما قيل ابن قيس الرقيات لأنه كان يشبب برقية بنت عبد الواحد بن أبي سعد بن قيس بن وهب بن وهبان بن ضباب بن حجير، وبابنة عم لها أيضا يقال لها رقية.
ومنهم أسامة بن عبد الله بن قيس بن شريح بن مالك، قتل يوم الحرة وله يقول عبيد الله بن قيس الرقيات وكان ابن أخيه:
فنعى أسامة لي وأخوته ... فظلت مستكا مسامعيه
وقرأ رجل على حماد الراوية الكوفي هذا الشعر:
إن الحوادث بالمدينة قد ... أوجعنني وقرعن مروتيه
وجببنني جب السنام ولم ... يتركن ريشا في مناكبيه [2]
فقال: لقد وضع ابن قيس في هذا الشعر وتخنث فقال له حماد:
يا أحمق إن هذا من حر كلام العرب أما سمعت الله يقول: يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ. وَلَمْ أَدْرِ ما حسابيه [3] ويقول: ما أغنى عني ماليه. هلك عني سلطانيه [4] .
ومنهم: العلاء بن وهب بن عبد بن وهبان بن ضباب بن حجير
__________
[1] بهامش الأصل: عبيد الله بن قيس الرقيّات الشاعر.
[2] ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات ص 98- 99.
[3] سورة الحاقة- الآيتان: 25- 26.
[4] سورة الحاقة- الآيتان: 28- 29.(11/22)
وقد شهد القادسية، وساد بالكوفة، وولي في أيام عثمان الجزيرة، وفتح الله عليه فيما ذكر الكلبي: ماه، وهمدان. وتزوج هند بنت عقبة بن أبي معيط، فولدت له: محمدا. وعثمان وهم بالجزيرة والرقة أشراف، وعبد الواحد بن أبي سعد بن قيس بن وهب بن وهبان أبو رقية التي كان ابن قيس يشيب بها.
ومنهم: شَيْبَة بْن مالك بْن المضرب بْن وهب بن حجير
قتل يوم أحد كافرا.
وولد حجر بن عبد معيص: رواحة بن حجر، وعمرو بن حجر.
وحجير بن حجر ووهب بن حجر، وأمهم ابنة ضاطر بْن حبشيَّة بْن سلول من خزاعة، منهم:
حميد بن عمرو بن مساحق بن قيس بن هزم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص، وأمه درة بنت أبي هاشم بْن عتبة بْن ربيعة بْن عَبْد شمس.
ويقال هي ابنة أخيه هاشم بْن عتبة بْن ربيعة بْن عَبْد شمس، وكان حميد شريفا بالشام.
ومنهم عمرو بن قيس بن زيادة بن الأصم بن هزم بن رواحة بن حجر بْنِ عَبْدِ بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لؤي، وهو الأعمى، وأمه أم مكتوم،
واسمها عاتكة بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن عنكثة بْن عامر بن مخزوم، وبعضهم يقول زائدة، والأول أثبت، وهو قديم الإسلام، وكان أتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُقْبِلٌ على الوليد بن المغيرة يكلمه، وقد طمع في إسلامه، فكلمه الأعمى فلم يكلمه فأنزل الله عز وجل: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى. أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى. فَأَنْتَ لَهُ تصدى. وما(11/23)
عليك ألا يزكى يعنى وليدا وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى. وَهُوَ يخشى. فأنت عنه تلهى [1] .
وقال محمد بن سعد عن الواقدي: قدم ابن أم مكتوم المدينة مهاجرا بعد بدر، فنزل دار مخرمة بن نوفل، وشهد القادسية في أيام عمر بن الخطاب ومعه الراية، ثم رجع إلى المدينة فمات بها، ولم يسمع له ذكر بعد عمر.
وقال بعضهم أن اسم ابن أم مكتوم: عبد الله والأول أثبت.
وقد روي أن ابن أم مكتوم من أول المهاجرين هجرة إلى المدينة.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالا: ثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ [2] .
وقال الهيثم بن عدي: مات ابن أم مكتوم في آخر سني عمر، وأول سني عثمان واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم على المدينة في أكثر غزواته، وقد ذكرنا ذلك في غزوات رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الزَّهْرَانِيُّ أَبُو الرَّبِيعِ، ثنا أَبُو الْمُعَافَى عَنْ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيَ فَلَمَّا نَزَلَتْ: لا يستوي القاعدون من المؤمنين وَالْمُجَاهِدُونَ جَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ: يَا رسول الله إني مكفوف البصر
__________
[1] سورة عبس- الآيات: 1- 10.
[2] طبقات ابن سعد ج 4 ص 205- 208.(11/24)
لا أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ، فَوَقَعَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَشْيَةٌ وَوَقَعَتْ فَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي كَأَنَّهَا رَصَاصٌ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قال: اكتب غير أولي الضرر [1] .
حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْعِجْلِيُّ قَالا: ثنا وَكِيعٌ، أنبأ سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ نَزَلَتْ:
لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرٌ، فَنَزَلَتْ غَيْرُ أولي الضرر.
وولد عمرو بن معيص:
منقذ بن عمرو بن معيص. والحارث.
وحبيب بن عمرو، وأمهم دعد بنت سعد بن كعب بن عمرو.
فولد منقذ: الحارث بن منقذ. وعبيد بن منقذ. ورواحة بن منقذ، وأمهم ميمونة بنت رواحة بن عصية بن خفاف السلمي.
فولد الحارث: عبد مناف، ربع الناس في الجاهلية، أي أخذ المرباع، ويربوع بن الحارث. وعبد الحارث بن الحارث. وأمهم سلمى بنت زمعة بن أهيب بن ضباب. والأحب بن الحارث. وأبا الحارث بن الحارث. وعوف بن الحارث. ومالك بن الحارث، وأمهم ليلى بنت هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر.
ومنهم حبان بْن أَبِي قَيْس بْن علقمة بْن عبد بْن عَبْدِ مَنَاف بْن الْحَارِث بْن منقذ بن عمرو بن معيص وهو ابن العرقة
الَّذِي رمى سَعْد بْن معاذ الأَنْصَارِيّ يَوْم الخندق وَقَالَ خذها وأنا ابْنُ العرقة [2] ، فَقَالَ رَسُول اللَّه
__________
[1] سورة النساء- الآية: 95 (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضرر والمجاهدون في سبيل الله ... ) .
[2] بهامش الأصل: ابن العرقة.(11/25)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [عرق اللَّه وجهك في النار] » . والعرقة أم عبد بن عبد مناف، وهم ينسبون إليها، وسميت فيما زعموا: العرقة لطيب عرقها.
ومنهم: عبد الأكبر بن عبد مناف بن الحارث
الذي ربع المرباع.
ومنهم: مكرز بن حفص بن الأخيف بن علقمة بن عبد الحارث،
وكان ابن لحفص بن الأخيف خرج يبغي ضالة له وهو غلام ذو ذؤابة وعليه حلة، وكان غلاما وضيئا فمر بعامر بن يزيد بن الملوح بن يعمر الكناني وكان بضَجنان [1] . فَقَالَ: من أنت يا غلام؟ قال: أنا ابن حفص بن الأخيف.
فقال: يا بني بكر، لكم في قريش دم؟ قالوا: نعم. فقال: ما كَانَ رَجُل ليقتل هَذَا برجله إلا استوفى. فأتبعه رجل من بني بكر فقتله بدم كان له في قريش، فبينا مكرز بن حفص أخوه بمر الظهران إذ نظر إلى عامر بْن يزيد بن الملوح، وهو سيد بني بكر، فقال: ما أطلب أثرا بعد عين، وكان متوشحا بسيفه فعلاه بِهِ حتَّى قتله، ثُمَّ أتى مكة فعلق سيف عامر بأستار الكعبة. وقد كتبنا خبره مع خبر بدر فيما تقدم، وقال مكرز:
لما رأيت إنما هو عامر ... تذكرت أشلاء الحبيب الملحب
وقلت لنفسي إنما هو عامر ... فلا ترهبيه وانظري أي مركب
ربطت له جأشي وألقيت كلكلي ... على بطل شاكي السلاح مجرب
وله عقب بالشام.
ومنهم غزية بنت دودان بن عوف بن عَمْرو بن عامر بن رواحة، [أم شريك]
وهي
__________
[1] ضجنان: جبيل على بريد من مكة، أي بينه وبين مكة خمسة وعشرين ميلا. معجم البلدان.(11/26)
أم شريك التي وهبت نفسها للنبي صَلَّى الله عليه وسلم في قول ابن الكلبي، وقال غيره: أم شريك التي وهبت نفسها للنبي صَلَّى الله عليه وسلم غيرها.
ومنهم خداش بن بشير بن الأصم بن رحضة.
وعبد الله بن يزيد بن الأصم بن رحضة بن عامر بن رواحة قاتل مسيلمة الكذاب، فيما يقول بنو عامر بن لؤي، وعبد الله بن يزيد بن الأصم بن رحضة بن عامر بن رواحة بن منقذ بن عمرو بن معيص قتل يوم الجمل مع عائشة. وأبو علي بن الحارث بن رحضة قتل يوم اليمامة.
وولد نزار بْن معيص بْن عامر بْن لؤي:
سيار بن نزار. وجذيمة بن نزار. وعوف بن نزار، وأمهم خالدة بنت عَوْفِ بْن نَصْرِ بْن مُعَاوِيَة بْن بَكْرِ بْنِ هوازن بن منصور.
فولد سيار بن نزار: الحليس بن سيار. وعامر بن سيار. وحبيب بن سيار. وعبد بن سيار. وجذيمة بن سيار. وصخير بن سيار. وعوف بن سيار. وعمران بن سيار. وسيار بن سيار، وأمهم دعد بنت عمرو بن مدلج.
منهم بسر بن أبي أرطأة بن عويمر بن عمران بن الحليس بن سيار بن سيار بن نزار بن معيص،
وهو الذي وجهه معاوية لقتل من كان في طاعة على بن أبي طالب، فقتل ولد عُبَيْد اللَّه بْن الْعَبَّاس بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وقد كتبنا خبره في الغارات بين علي ومعاوية رضي الله عنهما.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قبض النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وبسر صغير، وأنكر أن يكون روَى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا سماعا.
وقال الواقدي: بقي بسر إلى أيام عبد الملك.(11/27)
وقال الكلبي: لم يمت حتى جن فكان يأخذ قضيبا، ويضرب به الوسادة توضع له بين يديه، وكان يسكن الشام وقد كان من غزاة أرض المغرب مَعَ عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح، وله هناك ذكر ومواضع تنسب إليه، وروي عنه أنه كان يقول إذا رأى الموالي: قاتلكم الله غلب الرقاب، ألسن العرب وأحلام فارس.
وقال محمد بن سعد: كان محمد بن عمرو بن عطاء، من بني عامر بن لؤي، ويكنى أبا عبد الله من ذوي السرو والهيئة والمروءة، وكانوا يتحدثون بالمدينة أن الخلافة تفضي إليه، ولقي ابن عباس.
قال: وقال الهيثم بن عدي: مات في أيام الوليد بن يزيد [1] .
__________
[1] لا ترجمة له في المطبوع من طبقات ابن سعد، وهو عند خليفة بن خياط في طبقاته ص 457 (2327) : «مولى بني عامر بن لؤي» .(11/28)
نسب بني سامة بن لؤي بن غالب
وولد سامة بن لؤي: الحارث، وأمه هند بنت تيم بن غالب.
وغالب بن سامة، وأمه ناجية بنت جرم بن ريان. فهلك غالب بعد أبيه وهو ابن اثنتي عشرة سنة. وقد كتبنا قصته في أول كتابنا.
فولد الحارث بن سامة: لؤي بن الحارث. وعبيدة. وربيعة.
وسعد بن الحارث، وأمهم سلمى بنت تيم بن شيبان بن محارب بن فهر.
وعبد البيت، وأمه ناجية بنت جرم بن ريان، خلف عليها بعد أبيه نكاح مقت، وهؤلاء هم الذين كانوا مع الخريت بن راشد. وقد كتبنا خبر الخريت بن راشد مع أخبار علي عليه السلام.
فولد لؤي بن الحارث: عباد بن لؤي. ومالك بن لؤي. وعبد الله.
وزائدة، وهو رهط منصور بن منجاب صاحب الدرب ببغداد عند الصيارفة، بقرب باب الكرخ.
فولد عباد: عوف بن عباد. فولد عوف بن عباد: عاداه بن عوف بن عباد. وكعب بن عوف. وعمرو بن عوف.
فولد عاداه: الحارث. فولد الحارث: حمام بن الحارث. وذهل بن الحارث.(11/29)
فولد حمام: العاتل. وولد ذهل بن الحارث: هراب بن ذهل.
وحيي. وولد كعب بن عوف: الحارث وجابر بن كعب. ولكاد. وولد عمرو بن عوف: بكر بن عمرو. فولد بكر: المجزم بن بكر. وعوف بن بكر. فولد المجزم: الحارث بن المجزم. وعمرو بن المجزم. وعوف بن المجزم.
منهم العقيم بن زياد، ويقال العقيم بن ذهل بن عوف بن المجزم، قتل يوم الجمل، وكانت ابنة الحارث بن قطيعة بن عوف بن ذهل بن عوف بن المجزم امرأة عمرو بن العاص.
وولد مالك بن لؤي: الشطن بن مالك. وعمرو بن مالك.
وذهل بن مالك. وحكالة بن مالك.
فولد الشطن: سعد بن الشطن. ومزر بن الشطن.
فولد سعد بن الشطن: وهب بن سعد. وصبرة بن سعد.
وشأس بن سعد.
فولد وهب بن سعد: وثاق بن وهب. وجذع بن وهب.
فمن بني مالك بن لؤي: عبد الله بن نعام، كان شريفا.
وولد عبد الله بن لؤي: مطيرة بن عبد الله. وأصبح بن عبد الله.
ووائل بن عبد الله.
فولد مطيرة: ربيعة. وولد أصبح: غضن [1] بن أصبح. وجابر بن أصبح.
وولد وائل بكر بن وائل ويزيد بن وائل.
__________
[1] بهامش الأصل: غضن بضاد معجمة.(11/30)
وولد زائدة بن لؤي: كعب بن زائدة. وتيم بن زائدة، وسالم بن زائدة. وظفر بن زائدة.
وولد عبيدة بن الحارث بن سامة: سعد بن عبيدة. ومالك بن عبيدة. وعمرو بن عبيدة فولد سعد بن عبيدة: مالك بن سعد. وسودة بن سعد.
فمن بني مالك بن سعد: سيف بن حكام، وقد رأس.
وولد مالك بن عبيدة: داجية. ومالك بن مالك. وذهل بن مالك فولد داجية: أحزم بن داجية. وبكر بن داجية.
منهم سمان بن الرشيد قد رأس. وعباد بن منصور الناجي القاضي بالبصرة في خلافة أبي جعفر المنصور.
وولد عمرو بن عبيدة بن الحارث: عوف بن عمرو. وسعد بن عمرو.
فولد عوف بن عمرو: بكر بن عوف.
منهم: قبيصة بن عمرو بن حمزة بن عمرو بن سعد بن عمرو بن عبيدة. كان شريفا. وجعفر بن يعمر وهو أبو زهير بن طلق بن مجاهد بن القريح بن المنخل بن ربيعة بن قبيصة بن عمرو بن حمزة صاحب سيف فارس.
ومنهم خالد بن ربيعة بن قطنة بن قريح الخارجي قتله شيخ بن عميرة أيام أبي جعفر أمير المؤمنين المنصور.
وولد عبد البيت: ساعدة. فولد ساعدة: الحارث. فولد الحارث:
جابر بن الحارث. وقطبة.(11/31)
وولد ربيعة بن الحارث بن سامة: جشم بن ربيعة. ومازن بن ربيعة. وحمامي وهو حمام.
منهم أسلم بن كرب بن سفيان بن سهم.
وولد سعد بن الحارث بن سامة: كمن بن سعد. وقديّ بن سعد، رهط نصر بن سعيد بن العلاء بن مالك الموصلي.
ومن بني سامة: كابس بن ربيعة بن مالك بن عدي بن الأسود بن جشم بن ربيعة بن الحارث بن سامة بن لؤي: كَانَ يشبه بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبلغ معاوية ذلك فكتب في إشخاصه إليه مكرما، فلما رآه قام إليه فتلقاه وقبل ما بين عينيه، وأقطعه المرغاب بالبصرة.(11/32)
نسب خزيمة بن لؤي
وولد خزيمة بن لؤي: عبيد بن خزيمة. وحرب بن خزيمة.
فولد عبيد: مالك بن عبيد.
فولد مالك: الحارث بن مالك، وأمه عائذة بنت الخمس بن قحافة من خثعم، بها يعرفون يقال لهم عائذة قريش.
وولد الحارث بن مالك: قيس بن الحارث. وتيم بن الحارث.
فولد قيس: عمرو بن قيس.
فولد عمرو: قطن بن عمرو. وقنان بن عمرو. وحصن بن عمرو.
منهم: محفز بن ثعلبة بن مرة بن خالد بن عامر بن قنان بن عمرو بن قيس بن الحارث بن مالك بن عبيد بن خزيمة، الذي ذهب برأس الحسين بن علي إلى الشام، وقال: أنا محفز بن ثعلبة جئت برؤوس اللئام الكفرة، فقال يزيد بن معاوية: مَا تحفزت عَنْهُ أم محفز ألأم وأفجر.
وولد تيم بن الحارث: سمي بن تيم. وربيعة. منهم: مقاس الشاعر، وهو مسهر بن النعمان بن عمرو بن ربيعة بن تيم بن الحارث، وعداده في بَنِي أَبِي ربيعة بْن ذهل بْن شَيْبَان بن ثعلبة بن عكابة من ربيعة بن(11/33)
نزار، وغير الكلبي يقول هو مقاس بن أصرم، وإنما قال: قد مقست إبلي، أي رويتها، فسمي مقاسا.
وعلي بن مسهر بن عمير بن حصبة أو عصم أو حصن- شك هشام ابن الكلبي- بن عبد الله بن مرة بن ربيعة بن حارثة بن سمي بن تيم بن الحارث قاضي أهل الموصل.
ومنهم أبو طلق، وهو عدي بن حنظلة بن نعيم بن زرارة بن عبد العزى بْن رَبِيعَة بْن عَمْرِو بْنِ عامر بْن سمي الشاعر الذي قال لامرأته ورآها تحتف بخيط من كتان:
استعينى بقطرة [1] من جمال ... هو خير من كل ما تصنعينا
هو أدنى للحسن من أن تحفي ... بخيوط الكتان منك الجبينا
وله شعر رثى به عمر بن سعد بن أبي وقاص حين قتله المختار بن أبي عبيد، فمنه:
لقد قتل المختار لا در دره ... أبا حفص المأمول والسيد الغمرا
فتى لم يكن كزا بخيلا ولم يكن ... إذا الحرب أبدت عن نواجذها غمرا
وولد حرب بن خزيمة: الديل، درج. وعوف بن حرب فبنو عوف مع بني محلم بن ذهل بن شيبان.
وولد عوف: جذيمة بن عوف: وعامر بن عوف. وسلامة بن عوف. ومالك بن عوف ومغوية وعدي بطون كلهم.
__________
[1] بهامش الأصل: معا بمسحة.(11/34)
نسب بني سعد بن لؤي وولده
ولد سعد بن لؤي: بنانه. وعمار. وعماري. ومخزوم.
فولد عمار: غانم. وأوفى. وعوذ. فولد غانم: عبد الله. وعمار بن غانم.
فولد عبد الله بن غانم: حبيب بن عبد الله. وهيثم بن عبد الله.
وأبان بن عبد الله. وجني بن عبد الله.
وولد عوذ بن عمار: صعب بن عوذ. وبكر بن عوذ. وجلان بن عوذ. فولد جلان: عوف بن جلان.
وولد صعب بن عوذ: وري.
وبعض من روى عن الكلبي يقول: عمار وعماري، والأول قول عباس بن هشام في روايته عن أبيه. وقال الشاعر:
بنانة وبنو عوف بن حرب ... كما لز الحمار إلى الحمار
وعائذة التي تدعي قريشا ... وما جعل النحيت إلى النضار(11/35)
نسب بني الحارث بن لؤي
ولد الحارث بن لؤي: وهب بن الحارث. وعداء بن الحارث.
ويقال لبني الحارث بنو جشم حضنهم عبد للؤي يقال له جشم فنسبوا إليه.
فولد وهب: عقيدة، فولد عقيدة حصن بن عقيدة. وحمل بن عقيدة. ومحصن بن عقيدة. ويزيد بن عقيدة.
فولد يزيد بن عقيدة: نبهان بن يزيد. ومسعود بن يزيد. ومرة بن يزيد.
وولد حصن بن عقيدة: وبرة بن حصن. وأقيش.
وولد حمل بن عقيدة: جابر بن حمل. وقدامة.
وولد محصن بن عقيدة: عبد العزى. فولد عبد العزى: حصن بن عبد العزى. وجذيمة. وعباد بن حصن، وهو الخطيم الذي ضرب أنفه يوم الجمل. وأكمه.
وولد عداء بن الحارث: مالك بن عداء، وعبد الله.
فولد مالك بن عداء كيشامة، وأحمر، فولد كيشامة بن مالك:(11/37)
عون بن كيشامة. وولد عبد الله بن عداء: دبيب بن عبد الله، من ولده: سلمة بن سكن بن الجون بن دبيب.
ومن ولده: حاجب بن عمرو بن مسلمة. والوازع. والحارث ابنا عمرو، وكان عمر بن عبد العزيز بعث إلى حاجب هذا بعهده على هراة من خراسان، وأقطعه قطيعة بخراسان، فلم يقبل ذلك فمات والعهد عنده، وولي بيت المال بخراسان، وكان صاحب قرآن وقصص. وابنه نصر بن حاجب خلف عنده نصر بن سيار ولده حين هرب، وكان حاجب خرج من البصرة إلى خراسان مع ترفل.
وأما بنو جشم فكانوا في عنزة، ويزعمون أن أبا جشم لم يكن الحارث ولكنه كان عبدا يقال له زميل، وكان يقال لأمه شنة، فوقع إلى موضع باليمامة يقال له العلاة، وكانوا مجاورين لبني هزان، وقدموا معهم البصرة، وكانوا كأنهم منهم، ثم وقع بينهم شر ففارقوهم وقالوا نحن بنو جشم.(11/38)
نسب بني تيم بن غالب وهو الأدرم
وولد تيم بن غالب وهو الأدرم، سمي بذلك لأنه كان ناقص الذقن: الحارث بن تيم الأدرم. وثعلبة بن تيم. وكبير بن تيم. وأبا دهر بن تيم، وأمهم فاطمة بنت معاوية بن بكر بن هوازن. ووهب بن تيم. ودهر بن تيم. وحراق بن تيم، وأمهم دعد بنت فراس بن غنم بن مالك بن كنانة.
فولد الحارث: ثعلبة بن الحارث. وكعب بن الحارث. والأحب بن الحارث، وأمهم برة بنت مالك بن كنانة.
فولد ثعلبة بن الحارث: خنيس بن ثعلبة. ووهبان بن ثعلبة.
ونضلة بن ثعلبة، وأمهم عاتكة بنت عبد بن معيص.
فولد وهب: شيطان بن وهب. وعبد العزى، وأمهما هند بنت عمرو بن رواحة بن منقذ.
فولد شيطان: خالد بن شيطان. وجعونة، ويزيد، أمهم فاطمة بنت صخر بن عمرو بن الحارث بن الشريد.
فولد خالد: سهيل بن خالد. وجرو بن خالد. وعبيد الله.(11/39)
وحكيم بن خالد وأمهم أميمة بنت عوف بن وهب بن خنيس بن ثعلبة.
وعباس بن خالد. ونهشل بن خالد. ونعمان بن خالد، وأمهم ماوية بنت أنس بن عمرو بن أبي الأخش أو الأجش. وعبد العزيز بن خالد. وأبا سعيد، وأمهما أم سويد بنت مالك بن قيس بن سفيان بن كعب بن الحارث بن تيم.
وولد جعونة بن شيطان: خالد بن جعونة. والحكم، وأمهما فهمية.
منهم أبو حزيق وهو عقبة بن جعونة، وهم بفلسطين، ولهم يقول قائد البلوي الشاعر:
فلا سلمت لقاح بني حزيق ... ولا درت لحالبها درورا
وولد يزيد بن شيطان: عبد الله بن يزيد. وعمرو بن يزيد، وأمهما فاطمة بنت عمرو بن خنيس بن ثعلبة.
وأبا الحكم بن يزيد. وخالد بن يزيد، وأمهما خولة بنت الأسود بن حفص بن الأخيف.
وولد نضلة بن ثعلبة: زيد بن نضلة. وضبيع بن نضلة.
وولد كعب بن الحارث: الحارث. والأعجم.
وولد كبير بن تيم: جابر بن كبير، وأمه عاتكة بنت حسل بن عامر.
فولد جابر: أسعد. ويعمر بن جابر. ووهب بن جابر. وكرز بن جابر.
فولد أسعد: عبد مناف وجارية، فولد عبد مناف: عبد العزى(11/40)
وعبد الله [1] وهما الخطلان، ويقال الخطلان منهم هلال بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد مناف بن أسعد بن جابر بن كبير بن تيم بن الأدرم بن غالب قتل يوم فتح مكة وهو الَّذِي قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [من لقي ابن خطل فليقتله وإن كان متعلقا بأستار الكعبة،] وكانت له قينتان تغنيان بهجاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكانتا تسميان أرنب وفرتنا، وكان ابن خطل أبو هلال شريفا، مدحه عتبة بْن ربيعة بْن عَبْدِ شمس فَقَالَ:
كان أبا الأخطال في الروع تتقي ... به عصل الأنياب عبل مناكبه
هوت أمه ما كان أحسن وجهه ... وأمنعه للضيم ممن يحاربه
هو الأبيض الجعد الذي ليس مثله ... بسوق عكاظ يوم تأتي حلائبه
وكان عتبة نديما لمطعم بن عدي، وابن خطل أو خطل، وبعضهم يقول هو عبد الله بن هلال والأول أثبت وهو قول الكلبي، وقال بعضهم هو قيس بن خطل وذلك باطل.
قالوا: وكان هلال بن عبد الله أسلم بمكة وهاجر إلى المدينة فبعثه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساعيا عَلَى الصدقة، وبعث معه رجلا من خزاعة فوثب على الخزاعي فقتله ثم فكر فقال: إن محمدا سيقتلني بِهِ، فارتد وهرب وساق ما كان معه من الصدقة وأتى مكَّة فَقَالَ لأهلها: إني لم أجد دِينا خيرا من دينكم. وكانت له قينتان تتغنيان بهجاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويدخل عليهما المشركون فيشربون عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: « [أقتلوه ولو كَانَ متعلقا بأستار الكعبة] » فقتله أَبُو برزة نضلة بْن عَبْد اللَّهِ الأسلمي وذلك الثبت، ويقال قتله شريك بن عبدة العجلاني من بلي، ويقال ان اسم أبي برزة
__________
[1] بهامش الأصل: عبد الله بن خطل.(11/41)
خالد بن نضلة، ويقال اسمه عبد الله بن نضلة والأول أثبت.
وروي عن أبي برزة أنه قال: ضربت عُنُقَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَيُقَالُ قَتَلَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَيُقَالُ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ الْمَخْزُومِيُّ.
وأما أرنب قينة ابن خطل أو صاحبتها فقتلت، وبقيت الأخرى فجاءت مسلمة، وَقَدْ تنكرت ولم تزل باقية إلى أيام عثمان، وقد كتبنا قصة ابن خطل في فتح مكة، وزعم بعضهم أن قينتيه أرنب واسمها قريبة وفرتنا.
ومنهم قطبة- العاقر فرس [1] البلقاء البيضاء الناصية- بن عبد العزى بن عبد مناف، كان من الفرسان. وعبد الله بن شتيم بن عبد العزى قتل يوم الجمل، ويقال شتيم، وولد عمرو بن جابر بن تيم الأدرم:
غفيلة. وحويرثة ودهر ووهب وأمهما بنت عبد الله بن عمر بن مخزوم.
فولد غفيلة: عبد العزى. والجموح، وأمهما مخزومية. وسلمة وأمه أم سفيان بنت الأعجم.
وولد حويرثة: الحارث وأمه ابنة المطلب بن عبد مناف بن قصي.
وولد وهب بن تيم: عباد بن وهب. وثعلبة بن وهب. والحارث.
ولؤي بن وهب. وخزيمة بن وهب. وعوف بن وهب، وأمهم بنت شيبان بن ثعلبة بن عكابة.
وولد دهر بن تيم: عوف بن دهر الشاعر، عمر حينا. وخالد بن دهر. وحبيب بن دهر. وسليم بن دهر. وعيينة بن دهر. ومالك بن
__________
[1] بهامش الأصل: خ. فارس، وجاء في جمهرة النسب لابن الكلبي ج 1 ص 174:
«ومنهم قطبة العاقر فارس البلقاء، البيضاء الناصية» .(11/42)
دهر. وأسدة. والأعجم. وسلمة. وخويلد. والأوفى، وأمهم الصماء بنت يم بن الحارث بن فهر.
فولد خالد بن دهر عبد الله بن خالد. وعاصم بن خالد.
ونويرة بن خالد. وكلثوم بن خالد. وجوين وحسل وأبا الأجش، وأمهم الأسدية.
فولد عبد الله: نافع بن عبد الله، وأمه فاطمة بنت عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم بن مرة.
ولد حراق بن تيم: عامر بن حراق. ويزيد بن حراق. وزيد بن حراق. وحارثة بن حراق. وخالد بن حراق. ومازن بن حراق. وعبد العزى، والحارث. ومعاوية، وأمهم ابنة الحارث بن بهثة بن سليم بن منصور.
انقضى نسب بني غالب بن فهر(11/43)
بسم الله الرحمن الرحيم
نسب بني محارب بن فهر
وولد محارب بن فهر: شيبان بن محارب، وأمه ليلى بنت عدي بن عمرو بن ربيعة بن خزاعة. وشمخ بن محارب.
فولد شيبان: عمرو بن شيبان، وأمه دعد بنت الحارث بن فهر.
وحبيب بن شيبان. ووائلة لا عقب له، وأمهما دعد بنت منقذ بن غاضرة بن حبشية بن كعب.
فولد عمرو بن شيبان: وائلة بن عمرو. وحبيب بن عمرو.
وحجوان بن عمرو. وجابر بن عمرو. وسعد بن عمرو، وأمهم عدية بنت وائلة بن كعب من بني الحارث بن عبد مناة.
فولد وائلة: ثعلبة بن وائلة. وسواد بن وائلة، وأمهما هند بنت مالك بن عوف بن الحارث بن عبد مناة.
فولد ثعلبة: وهب بن ثعلبة. وخراش بن ثعلبة، وأمهما ابنة الْحَارِث بْن منقذ بْن عَمْرِو بْنِ معيص. وحبيب بن ثعلبة، وأمه من بني عامر بن لؤي.(11/45)
فولد وهب بن ثعلبة: مالك بن وهب الأكبر. وخالد بن وهب الأكبر. وثعلبة بن وهب الأكبر. وخلف بن وهب، وأمهم ابنة كعب بن وائلة بن كعب. وعبد العزى بن وهب. ومالك بن وهب الأصغر.
وخالد بن وهب الأصغر. وناقش بن وهب، وأمهم لبني بنت عمرو بن عتوارة بن عائش بن ظرب. وزيد بن وهب. وقيس بن وهب، وأمهما ابنة الأحب بْن الْحَارِث بْن منقذ بْن عَمْرِو بْنِ معيص.
منهم الضحاك بن قيس [1] بن خالد الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن وائلة بْن عَمْرِو بْنِ شيبان بْن محارب بن فهر، وكان على شرط معاوية،
وكان يثق به، وولاه عبد الله بن الزبير الشام، وقتل يوم مرج راهط في طاعة ابن الزبير، وقد كتبنا خبره، وكان يكنى أبا أنيس، وقد كتبنا أيضا قصته في الغارات بين علي ومعاوية رضي الله تعالى عنهما، وولاه معاوية الكوفة بعد زياد.
وعبد الله بن خالد بن أسيد، خليفة زياد على الكوفة.
وقال هشام ابن الكلبي والهيثم بن عدي: ولى معاوية الضحاك بن قيس الكوفة سنة أربع وخمسين، فأقره عليها سنة، وكان الضحاك يقول حين تهتك أمره بالمرج أو يقال له: أبا أنيس: أعجزا بعد كيس؟
حَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ بِلالِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ مُؤَذِّنَ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ لَهُ: إِنِّي لأُحِبُّكَ فِي اللَّهِ، قَالَ لَهُ: لَكِنِّي أُبْغِضُكَ فِي اللَّهِ، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ:
لأَنَّكَ تَبْغِي فِي الأَذَانِ وترتشي في التعليم، وكان معلم كتّاب.
__________
[1] بهامش الأصل: الضحاك بن قيس.(11/46)
وَحَدَّثَنِي هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ حَمَّادٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ وَزَادَ فِيهِ: وَكَانَ جَهْوَرِيًّا.
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الآجُرِّيُّ، ثنا أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ، ثنا قَتَادَةُ وَحَنْظَلَةُ السَّدُوسِيُّ قَالا: لَقِيَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ رَجُلا فَقَالَ لَهُ: إِنِّي لأُحِبُّكَ فِي اللَّهِ، قَالَ: لَكِنِّي أُبْغِضُكَ فِي اللَّهِ، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: لأَنَّكَ تَبْغِي فِي الأَذَانِ وَتُشَارِطُ عَلَى تَعْلِيمِ الْغِلْمَانِ.
حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، ثنا جَرِيرُ بْنُ عبد الْحَمِيدِ الضَّبِّيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، عَلِّمُوا أَوْلادَكُمْ وَأَهَالِيكُمُ الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ مَنْ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنْ مُسْلِمٍ بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَاكْتَنَفَاهُ ثُمَّ قَالا: اقْرَأْ وَارْتَقِ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُنْزِلاهُ حَيْثُ انْتَهَى بِهِ عِلْمُهُ بِالْقُرْآنِ.
حدثنا خلف بن هشام البزار عن جرير عن منصور في هذا الإسناد بمثله.
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا الْحُسَيْنُ الْجُعْفِيُّ عَنْ جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: خَطَبَ الضَّحَّاكُ بِالْكُوفَةِ فَقَالَ: اذْكُرُوا اللَّهَ فِي الرَّخَاءِ يَذْكُرْكُمْ فِي الشِّدَّةِ، فَإِنَّ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ عَبْدًا ذَاكِرًا لِلَّهِ، فَلَمَّا وَقَعَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ذَكَرَ اللَّهَ فَنَجَّاهُ. قَالَ اللَّهُ: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ في بطنه إلى يوم يبعثون [1] .
حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا جَرِيرٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طُرْفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ قيس يقول: أيها الناس
__________
[1] سورة الصافات- الآيتان: 143- 144.(11/47)
أَخْلِصُوا أَعْمَالَكُمْ وَلا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِذَا عَفَا عَنْ مَظْلَمَةٍ تَرَكْتُهَا لِلَّهِ وَلِوُجُوهِكُمْ، وَلا يَصِلُ أحدكم رحمة الله ثُمَّ يَقُولُ هَذَا لِلَّهِ وَلِرَحِمِي، وَلا تُشْرِكُوا فِي أَعْمَالِكُمْ مَعَ اللَّهِ أَحَدًا فَإِنَّ اللَّهَ يقول يقوم الْقِيَامَةِ: مَنْ أَشْرَكَ مَعِيَ شَرِيكًا فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ فَهُوَ لِشَرِيكِي وَلَيْسَ لِي مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِنِّي لا أَقْبَلُ الْيَوْمَ إِلا عَمَلا صَالِحًا خَالِصًا.
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن صَالِحِ بْن مُسْلِمٍ الْعِجْلِيُّ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلِ الصَّلاةِ مِنْ شَأْنِهِ، فَإِنَّمَا مَثَلُ الَّذِي يَقُومُ فِي الصَّلاةِ وَلَيْسَ مُقْبِلا عَلَيْهَا مَثَلُ بِرْذَوْنٍ فِي رَأْسِهِ مُخْلاةٍ لا عَلَفَ فِيهَا، فَمَنْ رَآهُ حَسِبَ أَنَّهُ يَأْكُلُ عَلَفًا، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ.
وروي عن الضحاك أنه أرسل إلى مؤذن له بشيء فلم يقبله فقال:
ولم، إذا لم يكن عندك شيء تجب فيه الزكاة فاقبل.
وقال الواقدي: كان مولد الضحاك بن قيس قبل وفاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الْمَدَائِنِيّ قَالَ: بعث يَزِيد بْن مُعَاوِيَة الضحاك بْن قَيْس إلى ابن الزبير ليأخذ بيعته فأبى عليه، فقال الضحاك: إِن لَمْ تبايع طائعا بايعت كارها.
فَقَالَ ابن الزبير: يا ثعلبة بن ثعلبة تيس بحيرة يبيع الضربة بالقبضة، أراد الحقحقة فأخطأت استه الحفرة. يقال ضرب اللبن في سقائه، وهي الضربة، والجماع ضراب. وقالت امرأة لزوجها وقدم من سفر له معجلا للشبق: قبح الله ضربة أوقعت بك، فقال: قبح الله شعبا دخنت أسفله.
ثم إن الضحاك صار زبيريا بعد موت يزيد، والحقحقة: غاية الإسراع في السير.(11/48)
وقال أبو اليقظان: ظن ابن الزبير أن الضحاك قد خلعه، فقال فيه هذا القول.
حَدَّثَنِي شجاع بْن مخلد الفلاس، ثنا جرير الضَّبِّيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ قَالَ: بَعَثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ بِعَشَرَةِ آلافِ دِرْهَمٍ، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ وَقُلْتُ: أَمَرَنِي الضَّحَّاكُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنِ الَّذِي كَانَ الْحَبْرُ أَخْبَرَكَ بِهِ بِالْيَمَنِ، فَقَالَ: نَعَمْ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ كُنْتُ أُؤْمِنُ بِأَنَّهُ يَمُوتُ مَا فَارَقْتُهُ، فآتي حبر، فَقَالَ لِي: الْيَوْمَ مَاتَ مُحَمَّدٌ، فَلَوْ كَانَ مَعِيَ سِلاحٌ لَضَرَبْتُهُ بِهِ. فَلَمْ أَلْبَثْ إِلا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَنِي كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ بِوَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ النَّاسَ قَدْ بَايَعُوا لَهُ، وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ بَيْعَةً مِنْ قِبَلِي، فَأَرْسَلْتُ إِلَى الْحَبْرِ فَقُلْتُ لَهُ: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ مَا أَعْلَمْتَنِي؟ فَقَالَ: إِنَّهُ نَبِيٌّ نَجِدُ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ يَمُوتُ فِي يَوْمِ كَذَا، قُلْتُ فَمَا يَكُونُ بَعْدَهُ؟ قَالَ: تَسْتَدِيرُ رَحَاكُمْ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً.
حَدَّثَنِي هُدْبَةُ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ شَرِيكٍ أَنَّ الضَّحَّاكَ بَعَثَ مَعَهُ بِكِسْوَةٍ إِلَى مَرْوَانَ ثُمَّ حَارَبَهُ.
الْمَدَائِنِيُّ عَن غسان بن عبد الحميد أن الضحاك بن قيس قدم المدينة فصلى بين القبر والمنبر، فرآه رجل من التجار يكنى أبا الحسين وعليه برد مرتفع من كسوة معاوية، فقال له وهو لا يعرفه: يا أعرابي أتبيع بردك؟
فواقفه من ثمنه على ثلاثمائة دينار، وقال: انطلق حتى أدفعه إليك فأتى منزل حويطب بن عبد العزى فقال: يا جارية، هلمي بعض أردية أخي، فأخرجت إليه بردا فارتدى به، ثم قال للرجل: أراك قد أغريت ببردي وأعجبت به، وقبيح بالرجل أن يبيع رداءه فخذه فهو لك فأخذه الرجل(11/49)
فباعه فكان سبب يساره.
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ قَالَ: رَأَيْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَرَأَ [سُورَةَ «ص» ] فَنَزَلَ فَسَجَدَ، وَعَلْقَمَةُ وَأَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ وَرَاءَهُ فَسَجَدُوا.
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شَبَّةَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، أنبأ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ الضَّحَّاكَ صَلَّى بِقَوْمٍ فَسَهَا، فَلَمَّا فَرَغَ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ ثُمَّ سَلَّمَ.
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: خَطَبَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ إِمَامٌ يَخْطُبُ وَهُوَ قَاعِدٌ.
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلا أَتَى امْرَأَةً لَيْلا فَجَعَلَتْ تَصْرُخُ فَلَمْ يُصْرِخْهَا أَحَدٌ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ قَالَتْ:
رُوَيْدًا أَسْتَعِدَّ وَأَتَهَيَّأْ لَكَ فَأَخَذَتْ فِهْرًا- أَوْ قَالَ: حَجَرًا- وَقَامَتْ خَلْفَ الْبَابِ فَلَمَّا دَخَلَ فَلَقَتْ رَأْسَهُ فَرُفِعَتْ إِلَى الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ فَأَخْبَرَتْهُ بِالأَمْرِ فَأَبْطَلَ الضَّحَّاكُ دَمَهُ. وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ الضَّحَّاكُ تَوْلِيَةَ مَسْرُوقٍ السِّلْسِلَةَ [1] قَالَ لَهُ عُمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ: أَتُوَلِّي رَجُلا مِنْ بَقَايَا قَتَلَةِ عُثْمَانَ؟ فَقَالَ مَسْرُوقٌ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرَادَ قَتْلَ أَبِيكَ قال: من
__________
[1] لم أجد السلسلة، لكن في معجم البلدان: سلسل: نهر في سواد العراق يضاف إلى طسوج من طريق خراسان، وسلسل أيضا جبل بالدهناء، من أرض تميم، وفي المغازي النبوية ذات السلاسل نسبة إلى ماء بأرض جذام يقال له السلسل.(11/50)
لِلصِّبْيَةِ يَا مُحَمَّدُ؟ [قَالَ: «النَّارُ» ،] فَقَدْ رَضِيتُ لَكَ بِمَا رَضِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَطَبَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: إِنَّ فِيكُمْ رِجَالا يَشْتِمُونَ أَسْلافَنَا الصَّالِحِينَ، وَأَمَّا وَالَّذِي لَيْسَ لَهُ نِدٌّ وَلا شَرِيكٌ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا عَمَّا يَبْلُغُنِي عَنْكُمْ لأُجَرِّدَنَّ فِيكُمْ سَيْفَ زِيَادَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ثُمَّ لا تَجِدُونِي ضَعِيفَ السَّوْرَةِ، وَلا كَلِيلَ الشَّفْرَةِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَصَاحِبُكُمُ الَّذِي أَغَرْتُ عَلَى بِلادِكُمْ فَسِرْتُ فِيمَا بَيْنَ الثَّعْلَبِيَّةِ وَشَاطِئِ الْفُرَاتِ أُعَاقِبُ مَنْ شِئْتُ وَأَعْفُو عَمَّنْ شَئِتُ، وَلَقَدْ ذعّرت المخبّآت فِي خُدُورِهِنَّ حَتَّى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَتُرْهِبُ صِبْيَانَهَا بِي إِذَا بَكَوْا فَمَا تُسْكِنُهُمْ إِلا بِاسْمِي، وَاعْلَمُوا أَنِّي الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ أَبُو أُنَيْسٍ قَاتِلَ ابْنِ عُمَيْسٍ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدٍ فَقَالَ: صَدَقَ الأَمِيرُ، أَعْرِفُ وَاللَّهِ مَا تَقُولُ وَلَقَدْ لَقَيْنَاكَ بِغَرْبِيِّ تَدْمُرَ فَوَجَدْنَاكَ صَبُورًا وَقُورًا أَبِيًّا، ثُمَّ جَلَسَ وَقَالَ: يَفْخَرُ عَلَيْنَا بِمَا صَنَعَ بِبِلادِنَا لَقَدْ ذَكَرْتُهُ أَبْغَضَ مَوَاطِنِهِ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ الضَّحَّاكُ: لَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكُمْ رَجُلا بِغَرْبِيِّ تَدْمُرَ وَمَا كُنْتُ أَرَى فِي النَّاسِ مِثْلَهُ، حَمَلَ عَلَيْنَا فَمَا كَذَبَ أَنْ ضَرَبَ فِي الْكَتِيبَةِ بِسَيْفِهِ فَصَرَعَ رَجُلا وَضَرَبْتُ رَأْسَهُ ضَرْبَةً شَدِيدَةً وَضَرَبَنِي فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا فَمَا رَاعَنِي إِلا مَجِيئُهُ عَاصِبًا رَأْسَهُ مُقْبِلا فَقُلْتُ لَهُ: أَمَا نَهَتْكَ الأُولَى عَنِ الأُخْرَى؟ فَقَالَ: وَلِمَ وَأَنَا أَحْتَسِبُ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ حَمَلَ عَلَيَّ فَطَعَنَنِي وَطَعَنْتُهُ، وَحَمَلَ أَصْحَابَهُ فَاقْتَتَلْنَا ثُمَّ تَحَاجَزْنَا، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدٍ: ذَلِكَ يَوْمٍ قَدْ شَهِدَهُ هَذَا، يَعْنِي رَبِيعَةَ بْنَ نَاجِذٍ الأَزْدِيَّ وَلا أَحْسَبُ هَذَا الْفَارِسَ الَّذِي ذَكَرَهُ الأَمِيرُ يَخْفَى عَلَيْهِ، قَالَ لَهُ أَتَعْرِفُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: أَنَا، قَالَ:(11/51)
فَأَرِنِي الضَّرْبَةَ فَأَرَاهُ إِيَّاهَا فَقَالَ: أَرَأْيُكَ الْيَوْمَ كَرَأْيِكَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: لا، رَأْيِي الْيَوْمَ الْجَمَاعَةُ. قَالَ الضَّحَّاكُ: مَا عَلَيْكُمْ مِنِّي بَأْسٌ، أَنْتُمْ آمِنُونَ مَا لَمْ تُظْهِرُوا خِلافًا وَلَكِنَّ الْعَجَبَ كَيْفَ نَجَوْتَ مِنْ زِيَادٍ فَلَمْ يَقْتُلْكَ فِيمَنْ قَتَلَ أَوْ يُسَيِّرُكَ. قَالَ: أَمَّا التَّسْيِيرُ فقد سيّرني وقد عافى الله من القتل.
ثم حدث الضحاك فقال: أصابني يومئذ عطش، ضل الجمل الذي كان عليه ماؤنا، وأصابني نعاس فملت عن الطريق فبعثت من يطلب الماء فلم يجده، ووقفنا على جادة فلزمتها فسمعت قائلا يقول:
دعاني الهوى فازددت شوقا وربما ... دعاني الهوى من ساعة فأجيب
فأرقني بعد المنام وإنما ... أرقت لساري الهم حين يؤوب
فأشرفت فإذا الرجل فاستسقيته فقال: أما والله دون أن تعطيني ثمنه فلا، قلت: وما ثمنه؟ قال: ديتك- ويقال إنه قال فرسك- قلت:
أو ما يجب عليك أن تسقي الضيف وتطعمه وتكرمه؟ قال: ربما فعلنا وربما بخلنا، قلت: والله ما أراك فعلت خيرا قط فضمنت له مائة دينار وأعطيته قوسي رهنا، فمضى إلى ماء وانطلق يعدو حتى أتاني بإناء فقلت لا حاجة لي فيه، ودنوت من الناس وهم على الماء فاستسقيت فقال شيخ لابنته:
أسقيه، وقلما رأيت أجمل منها فأتتني بماء ولبن فشربته، فقال الرجل الأول:
أنجيتك من العطش وتذهب بحقي؟ لا أفارقك حتى أستوفي مائة، واجتمع إلى أهل الماء فقلت: هذا ألأم الناس فعل كذا وكذا، وهذا أكرم الناس فعل كذا فشتموه. وأقبل أصحابي فسلموا علي بالإمرة فذهب لينهض فقلت: لا والله حتى أوفيك مائة، وأمرت به فجلد مائة جلدة، وأمرت للشيخ وابنته بمائة دينار وكسوة، وقد يروى هذا الحديث عن حبيب بن مسلمة الفهري(11/52)
وهو عن الضحاك أثبت.
وقالوا: وكان مالك الدار مولى عمر بن الخطاب قيما على داره، وكان له مولى يقال له ذكوان مولى مالك ويكنى أبا خالد، وهو الذي سار في ليلة من مكة إلى المدينة، فولاه الضحاك بن قيس سوق الكوفة، ويقال عملا غير ذلك فوجد عليه، فأمر به فقرب إليه، والضحاك على سرير مرتفع، وجعل يضربه بقضيب، ويقال بسوط، وكان ذكوان قصيرا، فقال له: تطاول لا أم لك حتى أستمكن من ضربك ويقال بل تطاول لئلا يقع الضرب على رأسه، ويقال ضربه الجلاد بسوط فجعل يتطاول لئلا يصيب السوط خاصرته فقال ذكوان:
تطاولت للضحاك حتى رددته ... إلى نسب في قومه متقاصر
يقول حتى ضربني فلؤم في ذلك:
فلو شهدتني من قريش عصابة ... قريش البطاح لا قريش الظواهر
لغطوك حتى لا تنفس بينهم ... كما غط في الدوارة المتزاور
ولكنهم غابوا فأصبحت حاضرا ... فقبحت من حامي ذمار وناصر
فريقان منهم ساكن بطن يثرب ... ومنهم فريق ساكن بالمشاعر
فبلغ معاوية شعره فقال له: قاتله الله، والله ما زلت أتوقع أن يفرق بعض شعراء العرب بين قريش الظواهر من قريش البطاح.
وقال ابن الكلبي: قريش الظواهر كانوا يغيرون على جيرانهم بمكة، ويغزون غيرهم، ويعيرون قريش البطاح بترك الغزو، فمن قريش الظواهر الذين كانوا ينزلون ظواهر مكة بنو عامر بن لؤي، وتيم الأدرم بن غالب، ومحارب، والحارث ابنا فهر بن مالك إلا أن بني حسل بن عامر دخلوا بعد(11/53)
إلى مكة فصاروا من قريش البطاح، ودخل رهط أبي عبيدة بن الجراح مكة أيضا فصاروا من قريش البطاح، ومن المطيبين. والمطيبون: بنو عبد مناف، وأسد بن عبد العزى، وزهرة، وتيم بن مرة، والحارث بن فهر.
والأحلاف: عبد الدار، وسهم، وجمح، ومخزوم، وعدي بن كعب، ولم يدخل عامر بن لؤي في ذلك.
وقال الهيثم بن عدي وغيره: بعث الضحاك بن قيس بعثا إلى خراسان فكان فيمن كان في البعث شقيق بن السليك بن حبيش الأسدي وهو ابن أخي زر بن حبيش، فرفع في الجعالة، وجعل عليها حطان بن خفاف الجرمي، فبلغ ذلك الضحاك فطلبه فظفر به فأمر بتجريده، فقال لا تعجل علي حتى أنشدك، فأنشده:
أتاني عن أبي أنس وعيد ... فهد توعد الضحاك جسمي
فلم أعص الأمير ولم أربه ... ولم أسبق أبا أنس بوغم
[1]
ولكن البعوث جرت علينا ... فكنا بين تطويح وغرم
فجاشت من جبال السّغد نفسي ... وجاشت من جبال خوارزم
وقارعت الرجال وقارعوني ... فطار بضجعة في الحي سهمي
ووليت الجعالة مستميتا ... خفيف الحاذ من فتيان جرم
فأمر فخلي سبيله، وقال شقيق:
وليس بتجريد الأمير خزاية ... علي إذا ما كنت غير مريب
ويقال أن الشعر لغيره، وقال عتبة بن الوغل:
أراح الله منك أبا أنيس ... وشاكر قد خربن من الفرات
__________
[1] بهامش الأصل: الوغم: الوتر.(11/54)
وقدم عليه كعب بن جعيل الكوفة فسأله حاجة فأبطأ بها فقال:
لعمرو أبيها لا أبي لكأنما ... يرى تغلب الغلباء عني غيبا
قصير القميص فاحش عند بيته ... وشر قريش في قريش مركبا
بني لك قيس في قرى عربية [1] ... من اللؤم بيتا آخر الدهر يرتبا
أرى إبلي حنت طروقا كأنما ... تجاوب طنبورا أجش مثقبا
أتبكي على دين ابن عفان بعد ما ... تضاحك ضحاك بنا وتلعبا
وكان عبد الرحمن بن الضحاك عامل يزيد بن عبد الملك على المدينة فنظر إلى بعض بني مروان يجر ثيابه فقال له: أما والله لو رأيت أباك لرأيته مشمرا، فما يمنعك من التشمير؟ فقال: منعني منه قول الشاعر لأبيك:
قصير الثياب فاحش عند بيته ... وشر قريش في قريش مركبا
وقد ذكرنا خبر عبد الرحمن وسبب عزل يزيد إياه فيما تقدم من كتابنا هذا.
حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَن الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ قَالَ: قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ بِالْكُوفَةِ فِي خُطْبَةٍ خَطَبَهَا: بَلَغَنَا عَنْ يَعْقُوبَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ قَالَ لِوَلَدِهِ: إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَى السُّلْطَانِ فَأَقِلُّوا الْكَلامَ، وَإِنَّكُمْ لَتُكْثِرُونَ الْكَلامَ حَتَّى تَمَلُّونِي فَاقْصِدُوا لِحَوَائِجِكُمْ بِإِيجَازِ اللَّفْظِ وَحَذْفِ الْفُضُولِ.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ خَطَبَ يَوْمًا فَنَهَى عَنِ الاحْتِكَارِ وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لعن المحتكرين، وو الله لا عرفت من
__________
[1] على مقربة من المدينة المنورة، ويفهم من كلام المتقدمين أن قرى عربية هي قرى وادي القرى. المغانم المطابة ص 261.(11/55)
رَجُلٍ احْتِكَارًا إِلا قَطَعْتُ يَدَهُ، وَأَبَحْتُ النَّاسَ مَا احْتَكَرَ مِنْ طَعَامِهِ.
وَقَالَ الْهَيْثَمُ: كَانَ الضَّحَّاكُ يَقُولُ: اتَّكِلُوا عَلَى اللَّهِ، وَلا تَتَّكِلُوا عَلَى حِيَلِكُمْ، فَرُبَّ حِيلَةٍ جَرَّتْ لِصَاحِبِهَا هَلَكَةً.
المدائني قَالَ: دخل عقيل بن أبي طالب عَلَى معاوية رضي الله عنهما وقد كف بصر عقيل يومئذ فلم يسمع متكلما، فقال: يا أمير المؤمنين أما في مجلسك أحد؟ فقال: بلى قوم من قريش وفيهم الضحاك بن قيس، وقوم من أهل الشام. قَالَ: فَمَا لَهُمْ لا يَتَكَلَّمُونَ؟ فَتَكَلَّمَ الضَّحَّاكُ. فقال: من هذا يا معاوية؟ قال: الضحاك بن قيس. قال: ابن خاصي القرود؟
وما كان بمكة أخصى لكلب وقرد من أبي هذا.
قالوا: وعزل معاوية الضحاك عن الكوفة في سنة سبع وخمسين، وقد ذكرنا له أخبارا فيما تقدم من كتابنا.
ومنهم الأسود بن كلثوم بن قيس ولي دمشق.
ومنهم حبيب بن مسلمة [1] بن مالك الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن واثلة بْن عَمْرِو بْنِ شيبان بْن محارب بْن فهر،
كان شريفا، وله يَقُول شريح الْقَاضِي حِينَ بعثه مُعَاوِيَة فِي خيل من الشام ليصير إلى عثمان رضي الله عنه:
كل امرئ يدعى حبيبا وإن بدت ... مروءته يفدي حبيب بَنِي فهر
أمِير يقود الْخَيْل حَتَّى كأنما ... يطأن برضراض الحصى جاحم الجمر
وكان لحبيب أثر جميل في فتوح الشام، وغزو الروم، ووجه في أيام عثمان رضي الله تعالى عنهما إلى أرمينية، ففتح مدائن من مدائنها، وصالح
__________
[1] بهامش الأصل: حبيب بن مسلمة رحمه الله.(11/56)
أهل تفليس وفيه يقول الشاعر:
وإن تقتلوا سلمان نقتل حبيبكم ... وإن ترحلوا نحو ابن عفان نرحل
وقد ذكرت خبره في كتابي الذي ألفته في أمور البلدان، ومات حبيب بالشام.
وقال الواقدي: مات بشمشاط وهي أرمينية الرابعة في سنة اثنتين وأربعين.
وقال الواقدي: ونحن نقول أن حبيب بن مسلمة ولد قبل وفاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين، وغير الواقدي يقول: إنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع منه، كان حبيب بن مسلمة يكنى أبا سعيد، ويقال إنه يكنى أبا عبد الرحمن، وكان ابن رغبان أبو صاحب المسجد ببغداد مولاه.
وولد خراش بن ثعلبة: عاصم بن خراش، وأمه ابنة ضباب بن حجير بن عبد بن معيص، وعدادهم في بني تميم ثم في بني حدان بن قريع.
وولد حبيب بن عمرو بن شيبان بن محارب: عمرو بن حبيب. وكان عمرو أغار على بني بكر بن كنانة وهم يعبدون سقبا [1] فأكله فسمي آكل السقب.
والأحب بن حبيب. وظهر بن حبيب، ويقال ظهير، وأمهما السوداء بنت زهرة بن كلاب. وتيم بن حبيب وأمه من بني تيم الأدرم.
منهم ضرار بْن الخطاب [2] بْن مرداس بْن كبير بن عمرو بن حبيب بْن عَمْرِو بْنِ شيبان بْن محارب بْن فهر،
وكان فارس قريش وشاعرها وهو ممن
__________
[1] السقب: ولد الناقة. القاموس.
[2] بهامش الأصل: ضرار بن الخطاب رضي الله عنه.(11/57)
كان بمكة مقيما بها في منزله، ولم يفارقه، وقال بعضهم: هو ضرار بن مرداس بن حبيب بن عمرو بن كبير بن عمرو بن شيبان، والأول أثبت، وقال ضرار في يوم عكاظ حين اقتتلت بنو كنانة وهوازن وسليم
ألم تسأل الناس عن شأننا ... وما جاهل الأمر كالخابر
غداة عكاظ وقد أجفلت ... هوازن في لفها الحاضر
ولما التقينا أذقناهم ... طعانا بصم القنا العاتر
ففرت سليم ولم يصبروا ... وطارت شعاعا بنو عامر
وفرت ثقيف وأشياعها ... بمنقلب الجانب الخاسر
وأسلم ضرار في الفتح، وقال يمدح النبي صلى الله عليه وسلم:
أحق بالمدح ممن كنت مادحه ... محمد ذو المعالي خاتم الرسل
به هدانا إله الخلق قاطبة ... من الضلال وأغنانا من العيل
خير البرية أتقاها وأعدلها ... وأفضل الناس من حاف ومنتعل
وكان ضرار أتى السراة وهي بلاد دوس والأزد، وهي فوق الطائف فوثبت عليه دوس ليقتلوه حين قتل أبو أزيهر لأنه قرشي، وكانت الأزد تقتل من لقيته من قريش بأبي أزيهر لقتل هشام بن الوليد بن المغيرة إياه، فلجأ ضرار بن الخطاب إلى امرأة من الأزد يقال لها أم جميل فأجارته، فلما استخلف عمر رضي الله تعالى عنه ظنت أن ضرارا أخوه فأتت المدينة فلما كلمت عمر عرف القصة فقال: لست بأخيه إلا في الإسلام وهو غاز، وقد عرفنا منتك عليه فأعطاها على أنها ابنة سبيل.
وقال الواقدي: اسمها أم غيلان، وقال غيره اسمها أم جميل، وكان لها ابن يقال له غيلان، وفي ذلك يقول ضرار بن الخطاب:(11/58)
جزى الله عنا أم غيلان صالحا ... ونسوتها إذ هن شعث عواطل
فهن صرفن الموت بعد اقترابه ... وقد برزت للنائرين المقاتل
دعت دعوة دوسا فسالت شعابها ... بعز ولما يبد منهم تخاذل
وجردت سيفي ثم قمت بنصله ... وعن أي نفس بعد نفسي أقاتل
وقيل إن أم غيلان هذه كانت مولاة للأزد ماشطة، وكان ضرار رئيس محارب بن فهر وقائدها في الفجار.
وقال أبو عبيدة: كنية ضرار أبو مرداس، وغزت بنو فهر وبنو عبس، وكان بينهم يومئذ بعض الحلف على اليمن فقال ضرار بن الخطاب رضي الله تعالى عنه:
قرب بني فهر وقرب عبسا ... قوما تراهم للقاء تعسا
لا يسامون بالرماح الدعسا
وقتل ضرار يوم أحد أوس بن عبيد أحد بني عبد الأشهل، وقتل أيضا عمرو بن ثابت بن قيس الأنصاري.
وحفص بن مرداس كان شريفا.
وولد حجوان: بن عمرو بن شيبان المغترف، واسمه أهيب بن حجوان، وعبد الله بن حجوان. ومالك بن حجوان، وأمهم ابنة جابر بن نصر بن عبد بن عدي بن الديل.
منهم: رباح بن المغترف [1] ،
كانت له صحبة، وهو شريك عبد الرحمن بن عوف الزهري في التجارة، وكان أحسن الناس صوتا، وهو الذي قال له عمر وقد حدا به: خذ في غنائك.
__________
[1] بهامش الأصل: رباح بن المغترف رحمه الله.(11/59)
وابنه عبد الله بن رباح بن المغترف كان حسن الصوت أيضا.
وولد سعد بن عمرو بن شيبان: وهب بن سعد. ومالك بن سعد.
وضبعان بن سعد، وأمهم سلمى بنت الأحب بن منقذ.
منهم: نهشل بن عمرو بن عبد الله بن وهب كان من عظماء قريش ومطاعيمهم، وفيه يقول الشاعر:
تقدم نهشل في الخير قدما ... وجاد بما يصان على الفقير
وأطعم غير ما كز بخيل ... ولم يطلع بأعباء الأمور
وبنوه: عبد الرحمن. وعبد الله. ونضلة. وقطن. وصالح، قتلوا يوم الحرة.
وولد الأحب بن حبيب بن عمرو بن شيبان: حسل بن الأحب.
وعمرو بن الأحب، وأمهما بنت عائش بن ظرب.
منهم: كرز بن جابر بن حسل بن الأحب بن حبيب.
وكان كرز بن جابر على سرح المدينة، وكان السرح يرعى بالجماء ونواحيها، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في طلبه حتى بلغ سَفَوان وشارف بدرا ثم رجع ولم يلق كيدا، وفاته السرح، ثم إنه أسلم وبعثه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سرية فطلب الذين ساقوا لقاح رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقتلوا يسارا مولاه، وبعد ذلك كانت غزاة الحديبية وقتل كرز بن جابر يوم فتح مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم. أخطأ الطريق فلقيته خيل المشركين فقتلوه، وقد ذكرنا خبره.
وولد تيم بن حبيب: حذيم بن تيم. والأخيف بن تيم. ومحلم بن تيم، وأمهم ابنة جابر بن كبير.
وولد حذيم بن تيم: أسيد بن حذيم. ومالك بن حذيم، وأمهما من خثعم.(11/60)
فولد أسيد بن حذيم: عوف بن أسيد. ووقش بن أسيد. وحجر بن أسيد. وعصمة، وأمهم التحفة بنت عوف بْن الْحَارِث بْن منقذ بْن عَمْرِو بْنِ معيص.
وولد شمخ بن محارب: عبيد بن شمخ. ووهب بن شمخ. وتيم بن شمخ. وعائذ بن شمخ. وربيعة بن شمخ. وعامر بن شمخ، وأمهم بنت كلاب بْن ربيعة بْن عَامِر بْن صعصعة.
فولد ربيعة: عبيد بن ربيعة.
فولد عبيد: سلامان بن عبيد. وعامر بن عبيد. وقيس بن عبيد، وأمهم ابنة عائش بْن ظرب بْن الْحَارِث بْن فهر.
ومن بني محارب بن فهر: عمرو بن أبي عمرو. وأبو شداد، ذكره الواقدي وأبو معشر فيمن شهد بدرا، ولم يذكره موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق فيمن شهد بدرا.
وقال الواقدي: شهدها وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة، ومات سنة ست وثلاثين.
وولد الحارث بن فهر:
[ومنهم قيس بن الحارث بن فهر وهو الخلج]
وديعة بن الحارث وضبة بن الحارث.
وظرب بن الحارث. وضباب بن الحارث، وأمهم الوارثة بنت الحارث بن مالك بن كنانة. وقيس بن الوارث وهو الخلج، ويقال الخلج من بقية العماليق.
وقال أبو اليقظان: زعموا أنهم كانوا من عدوان بن عَمْرو بن قيس بن غيلان وهم بنو وهيب، فشذوا عنهم فوقعوا في بني نصر بن معاوية فلم يزالوا كذلك حتى كانوا في أيام عمر بن الخطاب فأتوه فقالوا: نحن من قريش(11/61)
فقال: إن لي بصرا بالقيافة فأخرجوا إلى مربد النعم [1] ، وهو موضع بالمدينة، فإن لقريش شمائل فإن أشبهتموهم ألحقتكم بهم، فخرج معهم فقال: أقبلوا، ثم قال: أدبروا. ففعلوا فقال: ما أرى شمائل تشبه شمائل قريش فالحقوا بمن أنتم منه، فلما كان أيام عثمان أتوه فقبلهم وألحقهم بالحارث بن فهر، وأتاه بعض بني نصر فقال: يا أمير المؤمنين، منعتهم رماحنا في الجاهلية وهم معنا، فلم يلتفت عثمان إلى قولهم.
وقال بعضهم سموا الخلج لأنهم اختلجوا من عدوان.
وقال أبو اليقظان: فقال أبو عمرو المدني. نزلوا على ثلاثة خلج، فسموا الخلج، وهم بالمدينة كثير، وكان منهم بالبصرة جعفر بن عيينة بن الحكم وكان سريا، وكان أبوه أو عمه حفص بن الحكم يقول الشعر وهو القائل:
خلت البصرة من أقنائها ... وخلونا بالرعابيب الخرد
تسلب العقل إذا أبصرتها ... صعدة في سابري تطرد
فلما قدم الحجاج قال: قد تفرغت للرعابيب، أما والله لأبعدن دارك منهن، وأخرجه إلى خراسان فسقط عن فرس له فمات بها.
ومن الخلج: يعقوب بن نافع وكان له سرو وأقطعه ابن عامر دارا.
وفيهم يقول جرير بن عطية الخطفي:
وغابر الخلج أعمى مات قائده ... والله أذهب منه السمع والبصرا
لو أن صاحب ديوان يعدهم ... لم تكمل الخلج في ديوانه سطرا
لا ينقلون إلى الجبان ميّتهم ... حتى يؤاجر يعقوب له نفرا
__________
[1] موضع على ميلين من المدينة. المغانم المطابة.(11/62)
لولا ابن زرعة قد طيرت جمعكم ... كما يفرق كي الميسم الوبرا [1]
يعني ضمرة بن زرعة الهلالي، وإنما راقبه فيهم لجوارهم، ويعقوب بن نافع جد عثمان بن الحكم بن صخر بن عثمان بن بشر، أمه أسماء بنت يعقوب بن نافع، وفيهم يقول جرير:
وأفضل من أتى الخلجي رهطا ... أغصته عداوتنا بريق
متى يهجم عليك تقل دعي ... أحلته السنابك في مضيق [2]
وقال حارثة بن بدر العدواني:
لقد عجبت وكان الشيء يعجبني ... مما تناهك من أعراضنا الخلج
هم خسا وزكا [3] من دون أربعة ... لم يخلقوا إذ جدود الناس تعتلج
قد يسلب الجرذ الغادي فطيمهم ... ولا ينهنهه الأصوات واللجج
وقال آخر:
وكانوا على عهد ابن بدر ثلاثة ... فمات من الرهط الثلاثة واحد
وأصبح باقي الخلج أعرج مقعدا ... وأعمى يهاديه إلى الحش قائد
وتيم بن الحارث بن فهر. وجذاعة بن الحارث. وعميرة بن الحارث. ونضر بن الحارث وأمه بنت الحارث بن مالك بن النضر. وبتيرة، درج فقيل أبتر من بتيرة.
فولد وديعة بن الحارث: عميرة بن وديعة. وعبد العزى بن وديعة.
وعامر بن وديعة. ومالك بن وديعة، وأمهم عميرة بنت الأحمر بن الحارث من كنانة.
__________
[1] ديوان جرير ص 172 مع فوارق.
[2] ديوان جرير ص 317 مع فوارق.
[3] الخسا: الفرد، وزكّا: مرّ يقارب خطوه ضعفا. القاموس.(11/63)
فولد عميرة: عامرة بن عميرة. وخالد بن عميرة. وتيم بن عميرة.
وحبيب بن عميرة. وطريف بن عميرة، وأمهم عميرة بنت عوف بن الحارث بن تميم بن مرة بن أد.
فولد عامرة: عبد العزى. وعبد الله بن عامرة. وسلمة. وقنيع بن عامرة، وأمهم هند بنت عبد الله بن الحارث بن واثلة من عدوان.
فولد عبد العزى بن عامرة: أبا همهمة وهو عمرو. وطريف بن عبد العزى. وسلامان. وجابر بن عبد العزى، وأمهم قلابة بنت عبد مناف بن قصي، وكان عبد العزى ينزل بين مكة واليمن فقال له أبو همهمة ابنه:
ما مقامنا بأرض ليس فيها من بني عبد مناف أحد؟ فقال: ما رغبت في مكة وبلدنا أخصب منها. فلحق أبو همهمة بهم ومعه بنو الحارث.
وقال مصعب بن عبد الله الزبيري: صار بنو الحارث بن فهر أبطحيين بمكة لأن عبد العزى بن عامرة تزوج قلابة بنت عبد مناف، ولأن أم حرب بن أمية كانت أميمة بنت أبي همهمة أحد بني الحارث بن فهر [1] .
فمن ولد عبد العزى: شريف بن عمرو بن فقيم بن أبي همهمة بن عبد العزى، وكان شريفا. وعمرو بن شقيق بن سلامان بن عبد العزى الذي يقول:
لا يَبْعُدَنَّ رَبِيعَةُ بْنُ مُكَدَّمٍ ... وَسَقَى الْغَوَادِي قبره بذنوب
نفرت قلوصي من حجارة حرة ... بنيت على طلق اليدين وهوب
بنيت على بطل وفارس مشهر ... نهد مراكله [2] أغر ذنوب
__________
[1] نسب قريش للمصعب الزبيري ص 443- 444.
[2] المراكل: الحوافر. والذنوب الفرس ذات الذنب العظيمة. القاموس.(11/64)
نفرت قلوصي ساعة فزجرتها ... وبما أراها وهي غير هيوب
لا تنفري يا ناق منه فإنه ... سباء [1] خمر مسعر لحروب
نعم الفتى أدى نبيشة بزه [2] ... يوم الكديد نبيشة بن حبيب
لولا السفار وطول خرق مهمه ... لتركتها تحبو على العرقوب
لله در بني علي إنهم ... لم يجشموا غزوا كولغ الذيب [3]
وكان الذي قتل ربيعة نبيشة بن حبيب بن رئاب بن رواحة بن مليل السلمي.
وولد ظرب بن الحارث: عائش بن ظرب. وأمية بن ظرب.
ومالك بن ظرب، وأمهم سلمى بنت لؤى.
فولد عائش: عمرو بن عائش. وعامر بن عائش. وعبد العزى بن عائش. وعبد شمس بن عائش. وأمية بن عائش. وعتوارة، وأمهم ابنة وهب بن الأدرم.
__________
[1] في حماسة أبي تمام ص 457، ولباب الآداب لأسامة بن منقذ- ط. القاهرة 1987 ص 185 «شريب، أو شراب» .
[2] ادى بزه: دفع سلاحه إلى ورثته. والبز: السلاح والثياب وكذلك البزة. شرح حماسة أبي تمام ج 1 ص 458.
[3] صاحب هذه الأبيات في حماسة أبي تمام- ط. دمشق 1992 ج 1 ص 457- 458 هو جعفر بن الأحنف، ويقال حفص بن الأحنف الكناني، وربيعة بن مكدم أحد فرسان العرب المشاهير وهو من كنانة، ونبيشة بن حبيب هو قاتل ربيعة، ويعرف بابن صرمة، وكان قد أعطى سلاحه إلى أهله، وأدى: أعطى، والبز السلاح والثياب. والغوادي:
السحاب، والذنوب الدلو، والقلوص: الناقة الفتية، والحرة: أرض غليظة تركبها حجارة سود، والطلق: المنطلق اليدين بالمعروف.(11/65)
فولد عمرو بن عائش: أمية بن عمرو. وعبد شمس بن عمرو.
وجحدم بن عمرو، وأمهم ابنة أمية بن ظرب.
ومنهم جنيدة بن عوف بن عبد شمس بن عمرو، كان شريفا.
ومن ولده: أبو بكر بن عثمان ولي شرط المدينة. وعبد الله ويقال عبد الرحمن- وذلك الثبت- بْن عتبة بْن أَبِي إياس بْن الْحَارِث بن عبد بن أسد بن جحدم عامل ابن الزبير على مصر والمغرب، فلما اجتمع لمروان بن الحكم أمره بالشام، وذلك في سنة خمس وستين توجه نحو مصر فصالحه ابن جحدم على الخروج من مصر فخرج فلحق بابن الزبير، وذلك بعد أن وجه إليه مروان من حاربه. ويقال بل قتل مروان ابن جحدم بمصر، وفتح مصر عنوة، وولاها عقبة بن نافع الفهري فلم يزل عليها حتى مات مروان، وقد ذكرنا خبر ابن جحدم ومروان فيما تقدم من كتابنا هذا.
وولد أمية بن ظرب: خالد بن أمية. وعامر بن أمية. وأسد بن أمية. وذئب بن أمية، وأمهم نعم بنت لؤي.
فولد خالد بن أمية: عمرو بن خالد. وسعيد بن خالد. وسفيان بن خالد. ومالك بن خالد. وعبد بن خالد، وأمهم بنت مالك بن حذيمة المصطلق.
ومنهم سبيع بن عمرو بن خالد الذي يقول له أبو طالب في قصيدته الطويلة:
كما قد لقينا من سبيع ونوفل ... وكان تولى معرضا غير آيل
وكان ممن يعين على بني هاشم في أمر الصحيفة وغيرها.
وولد عامر بن أمية: عبد الله بن عامر. ولقيط بن عامر، وأمهما(11/66)
زينب بنت عُثْمَان بْن عَبْدِ اللَّه بْن عَمْرو بْن مخزوم.
منهم نافع بن عبد قيس بن لقيط الذي كان مع هبار بن الأسود يوم عرض لزينب بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، وقد ذكرنا خبره فيما تقدم.
ومنهم عبد الرحمن بن عقبة بن نافع بن عبد قيس، ولاه مروان مصر وإفريقية، وله عدد بإفريقية، وزعم الهيثم بن عدي أن عقبة بن نافع كان فيمن استعان به عثمان في نسخ الصحف التي جمع فيها المصحف مع ابن الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحارث بن هشام، وعبد الرحمن بن أبي معمر بن عبد الله بن إياس بن عبد الله بن عامر، وهم بالمدينة.
وولد ضبة بن الحارث بن فهر: أهيب بن ضبة، وأمه عاتكة بنت غالب بن فهر. وهلال بن ضبة. ومالك بن ضبة. وعبد الله بن ضبة.
وعمرو بن ضبة، وأمهم سلمى بنت تيم الأدرم.
فولد أهيب: هلال بن أهيب، وأمه هند بنت هلال بن عامر.
منهم: أَبُو عُبَيْدة عَامِر بْن عَبْد اللَّهِ بْن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر،
وأمه أميمة بنت غنم بن جابر بن عبد العزى بن عامرة بن عميرة بن وديعة بن الحارث بن فهر.
قالوا: وكان إسلام أبي عبيدة، والطفيل، وعبيدة، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن مظعون، وأصحابهم في وقت واحد قبل دُخُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم، وَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «أنت أمين هذه الأمة» ،] وانتزع حلق المغفر من وَجْهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد، فسقطت ثنيتاه، فلم ير أثرم قط أحسن فما منه، وكان نحيفا معروق الوجه، خفيف اللحية طوالا(11/67)
أجنى، أشعر، آدم، يصبغ لحيته ورأسه بالحناء والكتم، وهاجر أبو عبيدة إلى أرض الْحَبَشَةِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، فِي قَوْلِ الْوَاقِدِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَأَبُو مَعْشَرٍ.
وقال الهيثم بن عدي: هاجر في المرتين جميعا، وهاجر أبو عبيدة مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مَكَّة إِلَى المدينة، وشهد بدرا والمشاهد كلها، ونزل بالمدينة على كلثوم بن الهدم، وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين سالم مولى أبي حذيفة، وبينه وبين محمد بن مسلمة الأوسي، ومات فِي طاعون عمواس بالشام سنة ثماني عشرة، وهو أمير، وفتح بالشام فتوحا قد ذكرتها في الكتاب الذي ألفته في أمور البلدان، وكان حين توفي ابن ثمان وخمسين سنة.
وكان لأبي عبيدة من الولد: يزيد، وعمير وأمهما هند بنت جابر بن أهيب- أو بنت وهب- بن ضباب بْن حجير من بني عامر بْن لؤي، فدرج ولده ولا عقب له. وقال بعضهم أسلمت أم أبي عبيدة وزوجها جميعا.
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا شُعْبَةُ، أنبأ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ «لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» ] .
وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، ثنا الأَشْيَبُ عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخِلائِي مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ ثَلاثَةٌ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْن الْجَرَّاحِ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَرْقَانَ، ثنا ثَابِتُ بْنُ الْحَجَّاجِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَوْ أَدْرَكَ أَبُو عُبَيْدَةَ هَذَا الْيَوْمَ لاسْتَخْلَفْتُهُ وَمَا شَاوَرْتُ فَإِنْ سُئِلْتُ عَنْهُ قُلْتُ: اسْتَخْلَفْتُ أَمِينَ اللَّهِ وَأَمِينَ رَسُولِهِ.(11/68)
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ اسْتَعْمَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَأَبَى فَقَالَ: لَتَذْهَبَنَّ أَوْ لأَذْهَبَنَّ أَنَا، فَذَهَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَلَمَّا قَدِمَ أَتَاهُ بِالصَّدَقَةِ ثُمَّ أَتَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ. بِمِقْلاتٍ [1] قَدْ شَدَّ بِهِ مِنْ عُرَى الْجَوَالِيقِ، فَقَالَ لِعُمَرَ: خُذْهُنَّ فَقَالَ عُمَرُ: انْبِذْهُنَّ عَنْكَ، قَالَ:
بَلْ أَنْتَ فَخُذْهُنَّ فَانْبِذْهُنَّ.
ووجه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا عبيدة في سرية بعد سرية وقد ذكرناها فيما تقدم.
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنبأ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدٍ وَالْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بِطَعَامٍ فَقَالَ: [ «خُذْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ فَإِنَّ خَيْرَ الطَّعَامِ مَا أَكَلَ مِنْهُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ» ] .
حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن جده قال: «أمينا قريش أبا بكر وأبا عبيدة بن الجراح لا يكذبانك» .
حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عن رجال من قوم أبي عبيدة أن أبا عبيدة شهد بدرا وهو ابن إحدى وأربعين سنة.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَعْدَوَيْهِ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى، ثنا عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَاءَ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فَإِذَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَطَلْحَةُ مَعَهُ، فَوَجَدْنَا طَلْحَةَ قَدْ غَلَبَهُ النَّزْفُ، وَإِذَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْثَلُ مِنْهُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ «عليكم بصاحبكم» ] فلم نقبل
__________
[1] المقلى: عودان يلعب بهما الصبيان ج قلات. القاموس.(11/69)
عَلَيْهِ وَأَقْبَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَعَلَى رَأْسِهِ مِغْفَرُهُ وَقَدْ عَلِقَتْ بِوَجْنَتَيْهِ حَلَقَتَانِ مِنْهُ فَذَهَبْتُ لأَنْزَعَهُ عَنْ رَأْسِهِ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: نَشَدْتُكَ اللَّهَ لَمَا تَرَكْتَنِي أَنْزَعُهُ فَتَرَكْتُهُ فَجَذَبَ حَلَقَةً فَانْتُزِعَتْ ثَنِيَّتُهُ، وَذَهَبْتُ لأَنْزِعَ الْحَلَقَةَ الأُخْرَى فَقَالَ لِي أَبُو عُبَيْدَةَ: نَشَدْتُكَ اللَّهَ لَمَا تَرَكْتَنِي فَتَرَكْتُهُ، فَانْتَزَعَهَا فَعَلِقَتْ ثَنِيَّتُهُ الأُخْرَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «إِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدِ اسْتَوْجَبَ» ، أَوْ أَوْجَبَ، يَعْنِي طَلْحَةَ [1]] .
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا وَكِيعٌ، ثنا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لَوْ كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ حَيًّا لاسْتَخْلَفْتُهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؟
فَقَالَ عُمَرُ: قَاتَلَكَ اللَّهُ، وَاللَّهِ مَا اللَّهَ أَرَدْتَ بِهَذَا الْقَوْلِ، أَسْتَخْلِفُ رَجُلا لَمْ يُحْسِنْ أَنْ يُطَلِّقِ امْرَأَتَهُ؟
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي عُبَيْدَةَ بن الجراح ونحن ثلاثمائة، وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلا، وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ، فَأَعْطَانَا مِنْهُ قَبْضَةً قَبْضَةً، فَلَمَّا أَنْزَحْنَاهُ [2] أَعْطَانَا تَمْرَةً تَمْرَةً، فَلَمَّا فَقَدْنَاهَا وَجَدْنَا فَقْدَهَا ثُمَّ كُنَّا نَخْبِطُ الْخَبَطَ [3] وَنَسِفُّهُ وَنَشْرَبُ عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتَّى سُمِّينَا جَيْشَ الْخَبَطِ، ثُمَّ أَخَذْنَا عَلَى السَّاحِلِ فَإِذَا دَابَّةٌ مَيِّتَةٌ مِثْلُ الْكَثِيبِ يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَيِّتَةٌ لا تَأْكُلُوا، ثُمَّ قَالَ: جَيْشُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَنَحْنُ مُضْطَرُّونَ فَأَكَلْنَا مِنْهَا عِشْرِينَ يَوْمًا أَوْ خَمْسَ عشرة ليلة، واصطبحنا وقد
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 409- 410.
[2] بهامش الأصل: أنحزناه.
[3] الخبط ورق ينفض بالمخابط ويجفف ويطحن ويخلط بدقيق أو غيره. القاموس.(11/70)
جَلَسَ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلا مِنَّا فِي مَوْضِعِ عَيْنِهَا، وَأَقَامَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلاعِهَا فَوَجَدَ لَهَا جِسْمَ بَعِيرٍ مِنْ أَبَاعِرِنَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا حَسْبُكُمْ» ؟ قُلْنَا: كُنَّا نَنْتَظِرُ عِيرَ قُرَيْشٍ وَذَكَرْنَا لَهُ شَأْنَ الدَّابَّةِ فَقَالَ: [ «رِزْقٌ رَزَقَكُمُوهُ اللَّهُ أَمَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ» ؟] قُلْنَا: نَعَمْ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ ابْتَاعَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي هَذِهِ الْغَزَاةِ، وَهِيَ غَزَاةُ الْخَبَطِ جَزَائِرَ مِنْ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَهَا بِالْمَدِينَةِ، فَأَطْعَمَهَا النَّاسَ.
حدثنا شيبان بن أبي شيبة، ثنا أبو هلال، ثنا قتادة أن أبا عبيدة وخالد بن الوليد كتبا إلى عمر بن الخطاب فبدءا بأنفسهما، فقال زياد وذكر له ذلك: ما كان هذان إلا أعرابيين. فقال ابن سيرين: كانا والله خيرا منه وأكرم.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ أَنْ يَبْعَثَ مَعَهُمْ رَجُلا يُعَلِّمُهُمُ السُّنَّةَ وَالإِسْلامَ، فَأَخَذَ بِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ فَقَالَ: [ «هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ» ] .
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: ابْعَثْ مَعَنَا رَجُلا أَمِينًا فَقَالَ: [ «لأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ، حَقَّ أَمِينٍ، حَقَّ أَمِينٍ» .] قَالَهَا ثَلاثًا. فَاسْتَشْرَفَ لَهَا أَصْحَابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ.
وحدثني مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عطاء الخفاف، أنبأ(11/71)
سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كان نقش خاتم أبي عبيدة بن الجراح:
الخمس لله.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أنه قال: [ «نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» ] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الكلابي، - سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، ثنا ثَابِتٌ قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ- وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الشَّامِ-:
أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي امْرُؤٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحْمَرَ وَلا أَسْوَدَ فَضَّلَنِي بِتَقْوَى اللَّهِ إِلا وَدِدْتُ أَنِّي فِي مِسْلاخِهِ.
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ قَالا: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِجُلَسَائِهِ: تَمَنُّوا فَتَمَنَّوْا، فَقَالَ: لَكِنِّي أَتَمَنَّى مِلْءَ بَيْتٍ رِجَالا مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا أَلَوْتَ الإِسْلامَ، قَالَ: ذَاكَ مَا أَرَدْتُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ شَهْرَ بْنَ حَوْشَبٍ يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخِطَابِ: لَوْ أَدْرَكْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ فَاسْتَخْلَفْتُهُ فَسَأَلَنِي اللَّهَ عَنْهُ لَقُلْتُ: رَبِّ سَمِعْتُ نَبِيَّكَ يَقُولُ: [ «هُوَ أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ» ] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، ثنا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي كَبْشٍ فذبحني أهلي فأكلوا لحمي وحسوا مرقي [1] .
__________
[1] صفات ابن سعد ج 3 ص 411- 413.(11/72)
حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ:
أَرْسَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ بأربعمائة دِينَارٍ أَوْ أَرْبَعَةِ آلافِ دِرْهَمٍ وَقَالَ لِلرَّسُولِ: أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ قَالَ: فَقَسَّمَهَا أَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فَأَتَاهُ رَسُولُهُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ مُعَاذًا قَسَّمَهَا إِلا شَيْئًا، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الإِسْلامِ مَنْ يَصْنَعُ مِثْلَ هَذَا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ سَمِعَ رَجُلا يَقُولُ: لَوْ كَانَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَا كَانَ بِالنَّاسِ ذُو كُوزٍ [1] . فَقَالَ مُعَاذٌ: فَإِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ تَضْطَرُّ الْعَجَزَةُ لا أَبَا لَكَ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ خَيْرِ مَنْ عَلَى الأَرْضِ.
حدثني محمد بن سعد، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أويس المديني، حدثني سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الْعَزِيزِ الربعي عن أيوب بن خالد الأنصاري عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة أن أبا عبيدة بن الجراح لما أصيب استخلف معاذ بن جبل وذلك عام عمواس.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَحْيَى الأَسْلَمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَهُوَ مُحْتَضِرٌ فَقَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رُجُوعَهُ مِنْ سَرْغَ [2] ، وَكَانَ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ يُرِيدُ الشَّامَ، فَلَمَّا صَارَ بِسَرْغَ بَلَغَهُ وقوع الطاعون فانصرف، فقال أبو
__________
[1] في طبقات ابن سعد ج 3 ص 414 «ذي كون» وذلك في حصر أبي عبيدة بن الجراح» .
[2] سرغ: أول الحجاز وآخر الشام بين المغيثة وتبوك من منازل حاج الشام، بينها وبين المدينة ثلاث عشرة مرحلة. معجم البلدان.(11/73)
عُبَيْدَةَ: أَتَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا أَفِرُّ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [ «الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجَمْعٍ أَيْ وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا شَهِيدَةٌ، وَالْمَيِّتُ بِذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ» ] [1] .
ومنهم: عياض بن عبد غنم [بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن ضبة بن الحارث بن فهر]
[2] رضي الله عنه.
وهو عياض بن غنم، سمي أبوه بذلك حين أسلم وهو عبد غنم بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن ضبة بن الحارث بن فهر، وأسلم قبل الفتح وكان عنده أم الحكم بنت أبي سفيان فأسلم ففرق بينهما الإسلام، وشهد الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم وولاه عمر الجزيرة، وكان أبو عبيدة استخلفه، ومات عياض بالشام سنة عشرين، وهو ابن اثنتين وستين سنة.
وقال الهيثم: مات بالجزيرة سنة عشرين.
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ يَحْيَى بْن آدم عَنِ عدة منَ الجزريين عن سُلَيْمَان بْن عطاء القرشي قَالَ بعث أَبُو عُبَيْدة عياض بْن غنم إِلَى الجزيرة، فمات أَبُو عُبَيْدة وهو بها، فولاه عمر بن الخطاب إياها.
قال الواقدي: مات أبو عبيدة في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة، واستخلف عليها عياضا، فورد كتاب عمر على عياض بتوليته قنسرين والجزيرة، فسار إِلَى الجزيرة يوم الخميس للنصف من شعبان سنة ثماني عشرة في خمسة آلاف، وعلى مقدمته ميسرة بْن مسروق العبسي، وعلى ميمنته سَعِيد بْن عَامِر بْن حذيم، وعلى ميسرته صفوان بن المعطل السلمي.
__________
[1] لحق نص طبقات ابن سعد ج 3 ص 414 بعض التصحيف.
[2] بهامش الأصل: عياض بن غنم رضي الله عنه.(11/74)
وقال غير الواقدي: ولى عمر: سعيد بن عامر بن حذيم الجزيرة وحمص بعد وفاة عياض، وكانت توليته إياه من المدينة، ووعظه حين ولاه مشافهة وأنه كان على ميمنة عياض غيره، وهذا أثبت الخبرين.
ومنهم: عياض بن زهير [1] بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن مالك،
هاجر إلى الحبشة ويكنى أبا سعد وأمه سلمى بنت عامر بن ربيعة بن هلال بن مالك، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية وأقام هناك ثم قدم المدينة قبل بدر وشهد بدرا ومات في سنة ثلاثين ولا عقب له، وهو عم عياض بن غنم بن زهير، وكان عياض بن غنم يكنى أبا سعيد.
وعمرو بن الحارث بن زهير بن أبي شداد،
هاجر إلى الحبشة في المرة الثانية ومعه عثمان بن عبد غنم بن زهير أخو عياض صاحب الجزيرة، ومعه أيضا سعيد بن قيس بن لقيط بن عامر بْن أمية بْن ظرب بْن الْحَارِث بْن فهر، فأقام عثمان وسعيد بأرض الحبشة، ثم قدما المدينة مع جعفر بن أبي طالب وسبقهما عمرو بن الحارث إلى مكة، فهاجر إلى المدينة.
ومن بني الحارث بن فهر: [سهيل بن وهب بن ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث بن فهر]
سهيل بن البيضاء [2] ويكنى أبا موسى، والبيضاء أمه، وهي دعد بنت جحدم بن عمرو بن عائش بْن ظرب بْن الْحَارِث بْن فهر، وأبوه وهب بن ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث بن فهر، هاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعا في رواية محمد بن إسحاق والواقدي، وشهد بدرا وهو ابن أربع وثلاثين سنة، وشهد المشاهد كلها مع النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وناداه
__________
[1] بهامش الأصل: عياض بن زهير رضي الله عنه.
[2] بهامش الأصل: سهيل بن البيضاء، رضي الله عنه.(11/75)
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مسيره إلى تبوك فقال: «يا سهيل» . فقال: لبيك.
ووقف الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له حرمه الله على النار» .] ومات سهيل بعد رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك بالمدينة سنة تسع وهو ابن أربعين سنة، وليس له عقب.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ عَجْلانَ عَنْ عَبَّادٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ، ثنا وُهَيْبٌ، أنبأ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَرْسَلَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمُرُّوا بِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَبَلَغَهُنَّ أَنَّ النَّاسَ عَابُوا ذَاكَ، وَقَالُوا: مَا كَانَتِ الْجَنَائِزُ تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: مَا أَسْرَعَ النَّاسَ إِلَى عَيْبِ مَا لا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ، مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ بن بيضاء إلا في جوف المسجد [1] .
ومنهم: سهل بن البيضاء، أخو سهيل
رحمه الله، أسلم بمكة قبل الهجرة وأقام بها فأكرهه المشركون على الخروج معهم ليوم بدر فأسر فيمن أسر من المشركين فشهد له عبد الله بن مسعود أنه كان يصلي بمكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ «لا يخرجن أحد من الأسرى من أيديكم بغير فداء إلا سهل بن بيضاء لأنه مسلم» ،] وخلى سبيله رضي الله تعالى عنه وفيه يقول الشاعر:
هم رجعوا سهل بن بيضاء راضيا ... وسر أبو بكر بها ومحمد
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ أَوْ مُحَمَّدُ بن سعد، ثنا سفيان بن عينية
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 415- 416.(11/76)
عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَسَنُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أبو بَكْرٍ وَسَهْلَ بْنَ بَيْضَاءَ.
وزعم أبو اليقظان أن سهل بن بيضاء استشهد يوم بدر، وذلك غلط [1] .
وصفوان بن بيضاء أخوهما لأبيهما وأمهما،
هاجر من مكة إلى المدينة ولم يهاجر إلى أرض الحبشة، وشهد بدرا مع أخيه سهيل، فقيل إنه استشهد يوم بدر قتله طعيمة بن عدي، وقال بعضهم مات في سنة ثمان وثلاثين، وكان صفوان يكنى أبا عمرو، وبعض الرواة يقول شهد سهل بن بيضاء وصفوان بن بيضاء مع النبي صلى الله عليه وسلم فيجعل سهيلا سهلا، وسألت مصعب بن عبد الله الزبيري عن سهل بن بيضاء فقال: الذي عندنا أن سهلا أتى مكة منصرفا من بدر، ثم هاجر إلى المدينة، قال: وقد ذكر بعضهم أنه انصرف من بدر وأقام بمكة إلى الفتح، قال: والأول أثبت عندي.
ومنهم: عمرو بن أبي سرح بن [2] ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث بن فهر،
ويكنى أبا سعد، وأمه زينب بنت أهيب بن ضباب بن حجير بن عامر بن لؤي، وكان أبو معشر نجيح يقول: هو معمر بن أبي سرح، والأول قول موسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، والواقدي، وشهد بدرا وجميع المشاهد مع النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومات بالمدينة في أيام عثمان سنة ثلاثين.
ووهب بن أبي سرح أخو عمرو
هذا شهد بدرا.
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 4 ص 213.
[2] بهامش الأصل: عمرو بن أبي سرح رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.(11/77)
وقال الهيثم بن عدي: هو من مهاجرة الحبشة، وليس ذلك بثبت.
وقال الواقدي: كان لهما أخ يقال له معمر بن أبي سرح [1] شهد بدرا، ولم يهاجر إلى أرض الحبشة.
وولد قيس بن الحارث بن فهر- وقيس هو الخلج-: عدي بن قيس.
وعلقة بن قيس.
فولد عدي: صبح بن عدي. وسيار بن عدي.
فولد صبح: عامر بن صبح.
فولد عامر: ربيع بن عامر.
فولد ربيع: هذيل بن ربيع، وأوس بن ربيع، فولد هذيل: دبية.
ونجية. وهرمة.
فولد دبية: سويد بن دبية.
فولد سويد: زفر بن سويد. ومالك بن سويد.
[عبد الرحمن بن هرمة هذيل بن ربيع بن عامر بن صبح بن عدي بن قيس بن الحارث بن فهر وهو ابن هرمة الشاعر]
وولد هرمة: عبد الرحمن بن هرمة الشاعر الذي يقال له ابن هرمة [2] .
وكان محمد بن الأعرابي الراوية ينشد أبياتا من قصيدته اللامية التي مدح بها أمير المؤمنين المنصور فيقول: ختم به الشعر.
وكان صاحب شرب فحده خثيم بن عراك الكناني وهو على شرط المدينة في أيام أبي العباس، ومر ابن هرمة بحيزته بالمدينة، وهو سكران، فعاتبوه حين صحا فقال: يا سبحان الله ما أعجبكم أنا في طلب مثل هذه السكرة مذ حين سمعتموني أقول:
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 417.
[2] بهامش الأصل: ابن هرمة الشاعر.(11/78)
أسأل اللَّه سكرة قبل موتي ... وصياحَ الصبيانِ يا سكران [1]
فخرجوا وهم يقولون: لا يفلح والله أبو إسحاق أبدا، وكان السلطان أمر أن يضرب كل من شهد عليه بالسكر مائة، فكان إذا سكر بالمدينة قال: من يشتري المائة بالثمانين.
[ومنهم المستورد بن شداد الفهري]
وولد نجبة بن الهذيل: عدي بن نجبة.
فولد عدي: نافع بن عدي.
وولد أوس بن الربيع: الأرقم بن أوس.
وولد سيار بن عدي: حارثة.
فولد حارثة: ربيعة.
وولد علقة بن قيس: هلال بن علقة. والأعجم بن علقة.
ونهيك بن علقة.
فولد هلال: مالك بن هلال.
فولد مالك: مودع بن مالك. ووهب بن مالك. منهم هارون بن محمد، ولي شرط المدينة.
وولد الأعجم بن علقة: كعب بن الأعجم.
وولد نهيك بن علقة: كعب بن نهيك. وعبدنهم بن نهيك. ومن بني فهر ممن كتب عنه الحديث: المستورد بن شداد الفهري [2] حفظ عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو صغير وقبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام.
وولد يخلد بن النضر بن كنانة:
حارثة بن يخلد. والحارث بن يخلد.
__________
[1] ديوان ابن هرمة ص 218.
[2] بهامش الأصل: المستورد بن شداد، رحمه الله.(11/79)
وحطيط بن يخلد. وحطان بن يخلد، وأمهم الوارثة بنت ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة.
فولد الحارث بن يخلد: يخلد بن الحارث. وزيد مناة بن الحارث، وأمهما الزاهرية بنت ذبيان بن بغيض.
فولد يخلد بن الحارث بن يخلد: الحارث. وعداء. وزيد بن يخلد.
قال هشام ابن الكلبي: ومما وضعه ابن سيف بن عمر بن الوليد بن أبان المنسوب إلى ضبه قال:
ولد بدر بن يخلد: قريش بن بدر، وبه سميت قريش، كان دليلها في عيرها وليس يعرف أبي هذا وإنما ينتهي إلى بدر.
قال: وقال ابن سيف: إن الماء المعروف ببدر نسب إلى بدر بن يخلد هذا.
وقال أبي محمد بن السائب: بدر الذي نسب الماء إليه من جهينة، والوادي يقال له بليل. قال: وحكاه لي عن أبي صالح عن ابن عباس.
انقضى نسب قريش
قالوا: سميت قريش قريشا لأنهم أصحاب تجارات وكسب وجمع،
يقال فلان يقرش لعياله يكسب لهم ويجمع. وقال أبو خلدة اليشكري:
أخوة قرشوا الذنوب علينا ... في حديث من أمرهم وقديم
وقال بعضهم: تقرشت قريش من النضر أي تجمعت.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «نحن بنو النضر بن كنانة، لا نقفوا أمنا ولا ننتفي من أبينا» .](11/80)
ويقال إن النضر جاء في ثوب فقال قومه: قد تقرش في ثوبه أي تجمع.
وقال قوم: جاء إلى قومه فقالوا: كأنه جمل قرش، والقرش الشديد المجتمع.
ولقيت أعرابيا من كنانة بالربذة في سنة إحدى وثلاثين ومائتين فسألته عن حمار رأيته فقال: هو لي أقرش عليه قوت العيال، أي أجمعه عليه [1] .
__________
[1] بهامش الأصل: بلغت المعارضة، ولله أفضل الحمد.(11/81)
[ولد كنانة غير النظر]
بسم الله الرحمن الرحيم نسب بني كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر ولد كنانة بن خزيمة بن مدركة: عبد مناة بن كنانة. ومالك بن كنانة. وملكان بن كنانة. وعامر بن كنانة. والحارث بن كنانة. وعمرو بن كنانة. وسعد بن كنانة. وعوف بن كنانة. وغنم بن كنانة. ومخرمة بن كنانة. وجرول بن كنانة. وغزوان بن كنانة. وحدال بن كنانة، وهم باليمن ليسوا في قومهم. والنضر بن كنانة وقد فرغنا من نسبهم.
فولد عبد مناة بن كنانة:
بكر بن عبد مناة بطن. وعامر بن عبد مناة بطن. ومرة بن عبد مناة. وهلال بن عبد مناة درج، وأمهم هند بنت أبي بَكْر بْن وائل بْن قاسط بْن هِنْب بْن أفصى بْن دعمى بْن جديلة بْن أسد بن ربيعة بن نزار، أخوتهم لأبيهم: مخربة. وعوف. وساعدة بنو علي بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدي بن عمرو بن مازن الغساني، وكان على حصر بني عبد مناة بن كنانة فغلب عليهم، وكان علي بن مسعود أخا عبد مناة بن كنانة من أمه وهي فكهة الدفراء بنت هني بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، ولهم يقول أمية بن أبي الصلت:
لله در بني علي ... أيّم منهم وناكح [1]
__________
[1] ديوان أمية بن أبي الصلت ص 350.(11/83)
ووثب مالك بن كنانة على علي بن مسعود فقتله فوداه أسد بن خزيمة.
فولد بكر بن عبد مناة بن كنانة:
ليث بن بكر
بطن. والديل بطن.
والحارث درج، وأمهم أم خارجة البجلية، وهي عمرة بنت سعد بن عبد الله بن قذاذ بن ثعلبة بن معاوية بن زيد بن الغوث بن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث بن بنت بْن مَالِك بْن زَيْد بْن كهلان بْن سبأ بْن يشجب بْن يعرب بْن قحطان.
وكانت بجيلة بنت صعب بن سعد العشيرة عند أنمار بن أراش فنسب ولده إليها.
وأم خارجة هي التي يقال في المثل: أسرع من نكاح أم خارجة [1] ، وذلك لأنه كان يقال لها خطب فتقول: نكح، وقد ولدت في العرب.
تزوجها رجل من إياد بن نزار ففرق بينهما ابن أخيها خلف بن دعج بن سعد.
ثم خلف عليها بكر بن يشكر بن عدوان فولدت له خارجة فكنيت به.
ثم تزوجها عمرو بن ربيعة بين حارثة بن عمرو مزيقياء فولدت له:
سعدا أبا المصطلق. والحيا.
ثم خلف عليها بكر بن عبد مناة بن كنانة فولدت له: ليث بن بكر.
والديل بن بكر.
ثم خلف عليها مَالِك بْن ثعلبة بْن دودان بْن أسد فولدت له:
غاضرة بن مالك. وعمرو بن مالك.
__________
[1] انظره في أمثال أبي عبيد ص 372.(11/84)
ثم خلف عليها جشم بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ جسر فولدت له: عرانية.
ثم خلف عليها عامر بن عامر بن لحيون بن تام مناة بن بهراء فولدت له: ستة أحدهم العنبر.
ثم تزوجها عمرو بن تميم بن مر فولدت: أسيد. والهجيم، واحتبس العنبر عنده وتبناه إليه، والله تعالى أعلم.
وولد بكر بن عبد مناة بن كنانة سوى ليث. والديل. والحارث:
ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. وعريج بن بكر بطن، وأمهما الصحارية من قضاعة، وقد يقال إن أم عريج أم خارجة أيضا، فولد ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة:
عامر بن ليث،
وأمه سلمى بنت الحارث بن بهثة بن سليم بن منصور. وجندع بن ليث بطن. وسعد بن ليث بطن. وعبد الله بن ليث دخل في بهراء من قضاعة فنسب فيها.
وعدي بن ليث درج، وأمهم تماضر بنت زيد بن حُمَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَوْدُوعَةَ بن جهينة بن زيد.
فولد عامر بن ليث: كعب بن عامر. وشجع بن عامر بطن.
وقيس بن عامر بطن، وأمهم نصيّة بنت زمان بن عدي بن عمرو من خزاعة ويقال: نصية بنت عمرو من خزاعة. وعتورة بن عامر بطن، وأمه البراح من غسان تدعى فأرة الجبل.
فولد كعب بن عامر بن ليث: عوف بن كعب. وزبين بن كعب بطن مع بني يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث، وأمهما ابنة رئاب بن وائلة بن دَهْمَانَ بْن نَصْرِ بْن مُعَاوِيَة بْن بَكْرِ بْن هوازن.(11/85)
[فولد كعب بن عامر بن ليث]
فولد عوف بن كعب بن عامر بن ليث:
الشداخ واسمه يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث.
وكانت بين خزاعة وولد كنانة من قريش وغير قريش حرب، ثم اصطلحوا وحملت الديات فعفا يعمر عن دماء من أصيب من بني كنانة سوى النضر بن كنانة وقال: قد شدخت دماءهم تحت قدمي، وغرمها لقومه دون خزاعة فسمي الشداخ على فعال بالضم. وقوم يقولون الشداخ، والأول قول الكلبي وهو أثبت.
وقال الكلبي: شدخ الدماء بين خزاعة وقريش فأهدرها عن خزاعة، وغرم الديات وأصلح أمر القوم. وقيس بن عوف بن كعب بطن. ويقال قريش بن عوف. وعامرة بطن، وأمهما السؤوم بنت جزة بن الحارث بن كعب بن ضمرة بن بكر. وكلب بن عوف بطن. وسعد بن عوف بطن وأمهما رقبة بنت ركبة بن بليلة من فهم.
فولد يعمر: الملوح بطن. وعبد الله بطن، وأمهما ابنة الأصقع بن عامر بن نمير بن عامر بن صعصعة. ووهب بن يعمر. وقيس بن يعمر بطن، وأمهما بنانة بنت يسار بن مالك بن حطيط من ثقيف. وأحمر بن يعمر بطن. وزجل بن يعمر. وضيغم بن يعمر بطن، وأمهم الشفاء، وهي ريطة بنت مالك بن قيس بن عامر بن ليث. ولقيط بن يعمر بطن، أمه من بني عريج، ويقال هي عمرة بنت عبيد الله بن ملحة بن جدي بن ضمرة بن بكر.
فمن بني الملوح بن يعمر: عامر بن يزيد بن عامر بن الملوح، قتله مكرز بن حفص بن الأخيف القرشي من بني عامر بن لؤي أيام بدر بأخيه، وقد كتبنا حديثه فيما تقدم. وعامر الذي يقول:(11/86)
لعمرك ما ليث وإن كنت منهم ... بتاركة ليث خلافي وعصياني
هم أسلموني يوم ذي الرمث والغضا ... وهم تركوني بين هرْشيَ وَوَدَّان [1]
وهم أخرجوا من كل بيتين سيدا ... كما أخرجت ساداتها قبل عدوان
ومنهم قباث بن أشيم بن عامر بن الملوح الذي كان على إحدى المجنبتين يوم اليرموك مع أبي عبيدة، ووجه معاوية عبد الرحمن بن قباث بن أشيم نحو الجزيرة للغارة، فلقيه كميل بن زياد النخعي ففض عسكره، وقد ذكرنا خبره فيما تقدم من أمر الغارات بين علي ومعاوية رضي الله عنهما.
[الملوح بن يعمر]
ومنهم بكير بن شداد بن عامر بن الملوح بن يعمر، وهو فارس أطلال الذي يقول فيه الشماخ بن ضرار.
وغيبت عن خيل بموقان أسلمت ... بكير بني الشداخ فارس أطلال [2]
وكان بكير مع سَعِيد بْن العاص بْن سَعِيد بْن العاص بن أمية حين غزا آذربيجان في أيام عثمان، فأصيب بكير بموقان من عمل آذربيجان، وكان بكير سمع يهوديا ينشد في أيام عمر:
وأشعث غره الإسلام مني ... خلوت بعرسه ليل التمام
أبيت على ترائبها ويضحي ... على جرداء لا حقة الحزام
كأن مجامع الربلات منها ... قيام ينهضون إلى قيام
لهوت بها مكان الخصر منها ... وقد خلفت منقطع الخذام
فقتل اليهودي، فرفع أمره إلى عمر فعزم على المسلمين لما قام قاتله، فقام بكير فأخبره خبره فقال: إن عادوا فعد.
__________
[1] هرشى: ثنية في طريق مكة قريبة الجحفة يرى منها البحر وودان بين مكة والمدينة، بينها وبين هرشى ستة أميال. معجم البلدان.
[2] ديوان الشماخ بن ضرار الذبياني- ط. القاهرة 1977 ص 456.(11/87)
ومن بني عبد الله بن يعمر:
حميضة، وهو بلعاء بن قيس بن عبد الله بن يعمر الشداخ بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث،
وكان بلعاء فارسا شاعرا رئيسا، وكان أبرص فقيل له: ما هذا البياض؟ قال: سيف الله جلاه. وكان في يوم شمظة على بني بكر،
ويوم شمظة يوم من أيام الفجار
قاتلت فيه بنو كنانة من قريش وغيرها هوازن ومن لافهم، وفيه يقول خداش بْن زهير بْن رَبِيعَة بْن عَمْرِو فارس الضحياء بْنِ عامر بْن رَبِيعَة بْن عامر بْن صعصعة:
فأبلغ إن عرضت لهم هشاما ... وعبد الله أبلغ والوليدا
بأنا يوم شمظة قد أقمنا ... عمود المجد إن له عمودا
وكانت الدبرة في أول النهار على هوازن وألفافهم، ثم صارت على ولد كنانة، وكان على بني هاشم في هذا اليوم: الزبير بن عبد المطلب، وعلى بني عبد شمس ومن لافهم: حرب بن أمية وعلى بني المطلب: عبد يزيد بْن هاشم بْن المطلب بْن عبد مناف، وعلى بني نوفل: مطعم بن عدي، وعلى بني عَبْد الدار: عكرمة بْن عَامِر بْن هاشم بْن عَبْد مناف بن عبد الدار، ويقال عامر أبوه، وعلى بني أسد بن عبد العزى: خويلد بن أسد بن عبد العزى، وعلى بني زهرة: مخرمة بن نوفل، وعلى بني تيم: عبد الله بن جدعان، وعلى بني مخزوم: هشام بن المغيرة ومعه أخوه الوليد، وعلى بني سهم:
العاص بن وائل، وعلى بني جمح: أمية بن خلف، وعلى بني عدي بن كعب: زيد بن عمرو بن نفيل، وعلى بني عامر بن لؤي: عمرو بن عبد شمس أبو سهيل بن عمرو، وعلى بني محارب بن فهر: ضرار بن الخطاب بن مرداس، وعلى بني الحارث بن فهر: عبد الله بن الجراح أبو أبي(11/88)
عبيدة، وعلى بني بكر: بلعاء بن قيس، وعلى الأحابيش: الحليس بن يزيد الكناني.
وشهد بنو كنانة أيضا يوم شرب من عكاظ على هذه التعبئة، وجعل بلعاء يقول يومئذ: إن عكاظا ماؤنا فخلوه. وقال ضرار بن الخطاب في هذا اليوم.
ألم تسأل الناس عن شأننا ... وما جاهل الأمر كالخابر
وقد كتبنا أبياته فيما تقدم من نسب بني فهر.
وقال عمرو بن قيس، وهو جذل الطعان، أي أصله، ويقال شبه بأصل الشجرة لثباته للطعان.
لقد علمت معد أن قومي ... كرام البأس إن عدوا الكراما
غداة يقود بلعاء بن قيس ... إليهم جحفلا لجبا ركاما
ونحن الناسئون على معد ... شهور الحل نجعلها حراما
ومات بلعاء بن قيس بعد هذا اليوم بيسير.
ومنهم جثامة بن قيس، أخو بلعاء،
قام مقام بلعاء حين مات في أيام الفجار وهو يوم الحريرة، وهي حرة إلى جانب عكاظ في مهب الجنوب منها، فهزمت كنانة يومئذ، وكانت على اجتماعها الذي كانت تجتمع عليه وعلى تساندها، ولما مضت أيام الفجار أغارت أخلاط من هوازن على بني ليث بن بكر بصفراء الغميم فقتلوا فيهم وأصابوا نعما، ثم أقبلوا وعرضت لهم خزاعة فلم يكن لها بهم يد فقال مالك بن عوف في كلمة له:
سمونا إليهم بالغميم فلم ندع ... لهم سارحا يرعى ولا متروّحا(11/89)
وقال أيضا:
ونحن تركنا بعد يوم ملوح ... خزاعة أتياسا تمص أيورها
وولد جثامة بن قيس:
الصعب بن جثامة [1]
روَى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «في ترك قتل الأطفال من أولاد المشركين، وأنه لا حمى إلا الله ولرسوله، وأنه أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حمار وحش فرده وكان محرما وكان ينزل بودان» .
ومحلم بن جثامة
توجه في سرية فقتل عامر بن الأضبط الأشجعي وهو مسلم، فيقال إنه مات فلفظته الأرض عَلَى عهد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ «الأرض تقبل مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أن يعظكم به» ،] ويقال أنه بقي بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ومن قال إنه مات عَلَى عهد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الذي مات بحمص: الصعب أخوه، ونزل ناحزة موضع بحمص، وبقي إلى فتنة عبد الله بن الزبير.
والليث بن جثامة.
وقال الواقدي: قتل محلّمُ بْن جُثّامة: عامرُ بْن الأضبط الأشجعي في سنة ثمان، وقد كتبنا خبر محلم في أول كتابنا.
ومن بني أحمر بن يعمر بن عوف:
كرز بن الحارث بن عبد الله ذو السهمين.
ومن ولده عيسى بن يزيد بن بكر بن دأب بن كرز بن الحارث بن عبد الله بن أحمر بن يعمر، وهو الذي يقال له ابن دأب، وكان له علم ورواية، ويكنى أبا الوليد، ومات في خلافة هارون الرشيد أمير المؤمنين.
__________
[1] بهامش الأصل: الصعب بن جثامة.(11/90)
وقال أبو اليقظان: كان يزيد أبوه عالما بأمور العرب وأيامها، وله عقب بالبصرة، وهو القائل:
الله يعلم في علي علمه ... وكفاك علم الله في عثمان
ومنهم: حذيفة بن دأب. وسليمان بن دأب، قتلا يوم الحرة في أيام يزيد بن معاوية.
ومنهم: قيس وبكر ابنا الصقير بن الحارث بن عبد الله بن أحمر بن يعمر، قتلا مع علي عليه السلام يوم صفين.
ومن بني رجل بن يعمر:
عروة بن أذينة، واسم أذينة: يحيى بن مالك وهو أبو سعيد بن الحارث بن عمرو بن عبد الله بن رجل الذي يقول:
لقد علمت وما الإسراف من خلقي ... أن الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى له فيعنيني تطلبه ... ولو صبرت أتاني لا يعنيني
وله حديث مع هشام بن عبد الملك قد كتبناه، وكنية عروة أبو سعيد أيضا.
ومن بني قيس بن يعمر:
الحارث بن قيس، وهو أبو طرفة الشاعر، ولهم يقول بعض الشعراء:
تجهمني بالقول حتى كأنه ... أخو الطرفات وسط قيس بن يعمر
ومن بني لقيط بن يعمر بن عوف:
فزارة بن ثور بن حرام بن مهان- وبعضهم يقول نبهان، ومهان أثبت- بن وهب بن لقيط بن يعمر بن عوف، وهو كان رئيس كنانة يوم(11/91)
العريش، وقد أغار عليهم ثابت بن نعيم الجذامي في أهل اليمن بمصر، وقد شهد شبيب جده الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكر الكلبي.
ومنهم الحكم بن عرفطة بن الحارث بن لقيط، قتل يوم فتح مكة مشركا.
وقتل الحجاج سعيد بن ثعلبة بن الحكم بن عرفطة بسبب ابن الأشعث، ويقال بسبب غيره، وكان ثعلبة بن الحكم ممن روي عنه الحديث، وكان ينزل الكوفة.
ومطهر بن الحارث بن عمرو بن لقيط نازع بني الحارث بن كعب بن صخرة في السقي، فرماه رجل منهم فقتله فوقع بينهم الشر حتى قتل الرجل الذي كان رماه واصطلحوا، وقال بعض الرواة: مر بني الحارث بن كعب من اليمانيين فقتلوه، والأول أثبت.
ومنهم المتوكل بن عبد الله بن نهشل بن مسافع بن وهب بن عمرو بن لقيط، وهو أشعر بني كنانة في الإسلام وأنشدني له بعضهم:
لحى الله أحرانا بأن يعتم القرى ... وأضعفنا عن عرض والده ذبّا
وأخلقنا أن يدخل البيت باسته ... إذا النقب أبدى من ثنيته ركبا
ومن بني كلب بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث:
نميلة بن عبد الله [1] بن فقيم بن حزن بن سيار بن عبد الله بن عبد بن كلب بن عوف،
صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قديم الاسلام، واستخلفه
__________
[1] بهامش الأصل: نميلة بن عبد الله رحمه الله.(11/92)
رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته، و (هو الذي قتل) [1] مقيس بن صبابة بن حزن بن سيار.
وكان هشام بن صبابة [2]
أسلم وشهد غزاة المريسيع مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقتله رَجُل منَ الأنصار خطأ وهو يحسبه مشركا، فقدم مقيس [3] عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقضى لَهُ بالدية عَلَى عاقلة الْأَنْصَارِيّ فأخذها وأسلم، ثُمَّ عدا عَلَى قاتل أخيه فقتله وهرب مرتدا فقال:
شفا النفس أن قد مات بالقاع مسندا ... يضرج ثوبيه دماء الأخادع
ثأرت بِهِ فهرا وحملتُ عقله ... سراة بني النجار أرباب فارع [4]
حللت به وترى وأدركت ثورتي ... وكنتُ عَنِ الْإِسْلَام أول راجع
فَأَمَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن يقتله من لقيه، فلما كان يوم فتح مكة خرج مدججا وهو يَقُولُ: دون دخول مُحَمَّد إياها ضرب كأفواه المزاد، وكان قَدِ اصطبح ذَلِكَ اليوم فِي أصحاب لَه، وكانت أمه سهمية، وكان معهم، فعاد حين انهزم إلى أصحابه فشرب، وعرف نميلة بن عبد الله بن فقيم مكانه فدعاه فخرج إليه ثملا وهو يقول:
دعيني أصطبح يَا بكر إني ... رأيت الموت نقب عن هشام
ونقب عن أبيك وكان فرعا ... أخا القينات والسرب الكرام
فلم يزل نميلة يضربه بالسيف حتى قتله فقال شاعرهم:
__________
[1] أضيف ما بين الحاصرتين لاستقامة السياق انظر أسد الغابة لابن الأثير ج 4 ص 586، وبقية الخبر.
[2] بهامش الأصل: هشام بن صبابة رحمه الله.
[3] بهامش الأصل: مقيس بن صبابة.
[4] فارع حصن- أطم- بالمدينة. المغانم المطابة.(11/93)
لعمري لقد أخزى نميلة قومه ... وفجّع أضياف الشتاء بمقيس
فلله عينَا من رأى مثل مقيس ... إذا النفساء أضحت لم تخرس
الخرس: طعام النفاس.
ومقيس الذي يقول:
رأيت الخمر طيبة وفيها ... فعال كلها دنس ذميم
فلا والله أشربها حياتي ... طوال الدهر ما بدت النجوم
سأتركها وأترك ما سواها ... من اللذات ما أرسى يسوم [1]
ومن بني عامر بن عوف:
قسيط بن أسامة بن عمرو بن أبي ربيعة بن عامر بن عوف،
الذي بعثه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يعلم أهل البادية، حين بعث عبد الله بن مسعود وأصحابه ليعلموا الناس القرآن.
ويزيد بن عبد الله بن قسيط مات سنة اثنتين وعشرين ومائة، ويكنى أبا عبد الله.
ومن بني شجع بن عامر بن ليث:
مالك بن قيس بن عوذ بن جابر بن عبد مناف بن شجع، وهو ابن البرصاء [2] ،
والبرصاء أم أبيه، واسمها ريطة بنت ربيعة بن رباح بن ذي البردين من بني هلال بن عامر، وسميت البرصاء لبياضها.
وروى ابن البرصاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح: [ «لا تغزى مكة بعدها إلى يوم القيامة» ] .
__________
[1] يسوم: جبل في بلاد هذيل. معجم البلدان، وجاء بهامش الأصل: يسوم اسم جبل.
[2] بهامش الأصل: ابن البرصاء رحمه الله.(11/94)
ومنهم: الأسود بن عبد شمس بن مالك بن جعونة بن عويرة بن شجع،
وأمه شعوب من خزاعة، وهو قتل حنظلة الغسيل بن أبي عامر يوم أحد، وكان حنظلة قد علا أبا سفيان بن حرب فأعانه ابن شعوب فقتله ابن شعوب، فوقف أبو عامر على ابنه فقال: لقد كنت أنهاك عن هذا الرجل وأحذرك هذا المصرع:
وقال أَبُو سُفْيَان:
ولو شئتُ نجتني كميتٌ طِمِرَّةٌ ... ولم أحمل النعماءَ لابن شَعوب
وسَلَّي شجون النفس بالأمس أنني ... قتلت به مل أوس [1] كل نجيب
وما زال مهري يزجر الكلب منهم ... لدن غدوة حتَّى دنت لغروب [2]
وابنه شداد بن الأسود الذي رثى قتلى يوم بدر، ويكنى أبا بكر فقال:
دعيني أصطبح با بكر إني ... رأيت الموت نقب عَن هِشَام
ونقب عن أبيك أبي يزيد ... أخي القينات والسرب الكرام
فكم لَكَ بالطويِّ طويِّ بدر ... من الخيرات والدسع العظام
وكم لك بالقليب قليب بدر ... من الإحسان والنعم الجسام
وكم لك بالطويّ طوي بدر ... من الشيزي [3] تكلل بالسنام
ألا من مبلغ الأقوام عني ... بأني تارك شهرَ الصيام
يخبرنا النبي بأن سنحيا ... وكيف حياة أصداء وهام [4]
__________
[1] أي من الأوس.
[2] سيرة ابن هشام ج 2 ص 595- 596.
[3] الشيزي: خشب أسود تتخذ منه القصاع.
[4] سيرة ابن هشام ج 1 ص 554.(11/95)
ومنهم: أبو واقد الليثي [1] رحمه الله، وهو الحارث بن عوف بن أسيد بن جابر بن عبد مناف بن شجع،
ويقول غير الكلبي اسمه:
الحارث بن مالك، ويقول بعضهم: هو عوف بن الحارث، وكان أبو واقد قد جاور بمكة سنة، فمات بها، ودفن في مقبرة المهاجرين، وكان موته سنة ثمان وستين، وهو ابن خمس وستين سنة، وروي عَن أَبِي بكر، وعمر رَضِيَ اللَّهُ عنهما، وسميت المقبرة مقبرة المهاجرين لأنه دفن فيها جماعة منهم.
ومن بني عتوارة بن عامر بن ليث:
عبد الله بن شداد [2] بن أسامة بن عمرو، وعمرو هو الهاد بن عبد الله بن جابر بن عتوارة، وأم عبد الله بن شداد سلمى بنت عميس الخثعمية، وسمي الهاد لأنه كان يوقد ناره للأضياف، ولمن سلك الطريق ليلا، وكان يقال عبد الله بن الهاد، ينسب إلى جده، وقد سمع عمر بن الخطاب، وكان يأتي الكوفة، وقتل في قول الواقدي يوم دجيل مع مصعب، ويقال قتل مع ابن الأشعث، وكانت سلمى بنت عميس أولا عند حمزة بن عبد المطلب، ثم خلف عليها شداد بن الهاد، فولدت له:
عبد الله. وعبد الرحمن.
وحدثني ابن الأعرابي أن شداد بن الهاد مر بقوم يتسابّون فقال:
ما هذا؟ قالوا: مزاح. قال: إذا كان هذا مزاحا فما الجد؟
ويزيد بن عبد الله بن شداد بن الهاد وهو يكنى أبا عبد الله وكان يخمع [3]
__________
[1] بالهامش: أبو واقد الليثي رحمه الله.
[2] بهامش الأصل: عبد الله بن شداد بن الهاد.
[3] خمع: كأن به عرجا. القاموس.(11/96)
من رجله، مات سنة تسع وثلاثين ومائة وقد روي عنه الحديث وله دار بالمدينة.
وقال أبو اليقظان: كان عبد الله بن شداد رسول الحجاج إلى عبد الله بن جعفر في الخطبة لابنته، وقتل مع ابن الأشعث.
ومنهم محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص بن محصن بن كلدة بن عبد يا ليل بن طريف بن عتوارة الفقيه أبو عبد الله مات سنة أربع وأربعين ومائة، ومات جده علقمة بن وقاص فِي أيام عبد الملك بن مروان بالمدينة، وله دار بالمدينة في بني ليث.
ومن بني قيس بن عامر بن ليث:
عَبْد اللَّهِ بْن عمير بْن عَمْرو بْن مالك بن خلف بن صباح بن مالك بن قيس وهو أخو عبد الله بن عامر لأمه دجاجة بنت أسماء بن الصَّلْت بن حبيب بن حارثة السلمي، وكان يكنى أبا حبيب، وقطعت رجل عمير يوم خيبر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [ «سبقتك رجلك إلى الجنة» ،] وكانت له صحبة.
ومن بني سعد بن ليث بن بكر:
أبو الطفيل عامر بن واثلة [1] بن عبد الله بن عمير بن جابر بن حميش بن جدي بن سعد بن ليث
الذي يحدث عنه، وكان من أصحاب ابن الحنفية، ودخل على معاوية فقال له: يَا أَبَا الطُّفَيْلِ، أَنْتَ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ. قَالَ:
لا وَلَكِنِّي مِمَّنْ حَضَرَهُ فَلَمْ يَنْصُرْهُ، قال: وما منعك من نصره؟ قال: لم أر المهاجرين والأنصار نصروه، قال معاوية: أما لقد كان حقه واجبا، وكان عليهم أن ينصروه. قال: فما منعك أنت من نصره ومعك أهل الشام؟
__________
[1] بهامش الأصل: أبو الطفيل عامر بن واثلة رحمه الله.(11/97)
قال: أو ما طَلَبِي بِدَمِهِ نُصْرَةٌ لَهُ؟ فَضَحِكَ أَبُو الطُّفَيْلِ وقال: أنت وعثمان كما قال الشاعر:
لا أعرفنك بعد الموت تندبني ... وفي حياتي ما زودتني زادي
فقال معاوية: يا أبا الطفيل ما أبقى الله من حزنك على علي؟ قال:
حزن الثاكل المقلات، والشيخ الرقوب. قال فكيف حُبُّكَ لَهُ؟ قَالَ: حُبُّ أُمِّ مُوسَى لِمُوسَى، وإلى الله أشكو التقصير.
وقال الهيثم بن عدي: قال أبو الطفيل: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف على راحلته بالبيت» ، وقد ذكرنا خبره مع ابن الحنفية.
وابنه طفيل بن عامر بن واثلة قتل مع ابن الأشعث فقال فيه أبوه:
خلى طفيل عَلَى الهم فانشعبا ... فهد ذَلِكَ ركني هدة عجبا
وقد كتبنا خبره، وروى الواقدي أن أبا الطفيل قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطوف بالبيت» ، وقال: الثبت أنه روى هذا عن عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومات أبو الطفيل بعد ابنه بقليل.
ومنهم: إياس. وخالد. وعاقل. وعامر، بنو البكير [1] بن عبد يا ليل بن ناشب بن غيره بن سعد بن ليث بن بكر،
وكان اسم عاقل غافلا، فسماه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاقلا، وهم حلفاء في بني عدي بن كعب.
وقال غير الكلبي: هم بنو البكير، والأول أثبت، وكان إسلامهم في دار الأرقم والنبي صلى الله عليه وسلم مستخف فيها، وهم فيما يقال أول من أسلم فيها.
وقال الواقدي: توفي عاقل في سنة أربع وثلاثين، وبعض الرواة يقول استشهد ببدر، وكانت عفراء بنت عبيد بن ثعلبة من بني النجار من
__________
[1] بهامش الأصل: إياس وخالد وعاقل وعامر بنو البكير، رضي الله عنهم.(11/98)
الخزرج عند الحارث بن رفاعة بن الحارث أحد بَنِي غَنْم بْن مَالِك بْن النجار من الخزرج، فولدت له: معاذا. ومعوذا، ثم طلقها فقدمت مكة حاجة فتزوجها البكير بن عبد يا ليل، فولدت له: عاقلا. وإياسا. وعامرا.
وخالدا. ثم رجعت إلى المدينة وهي فارغة فراجعها الحارث بن رفاعة، فولدت له: عوفا فقتل معاذ ومعوذ ببدر شهيدين، وقتل خالد بن البكير يوم الرجيع شهيدا، وقتل عامر بن البكير يوم بئر معونة شهيدا، ويقال إنه لم يقتل، وشهد يوم الدار، دار عثمان، واستشهد إياس بن البكير يوم اليمامة، وتوفي عاقل في سنة أربع وثمانين، ولما هاجر بنو البكير إلى المدينة أغلقوا أبوابهم لأنهم لم يخلفوا بمكة شيئا.
وحدثني رجل من أصحابنا عن الجمحي محمد بن سلام قال: كانت كنية عاقل أبا البكير، ويقال كانت كنيته أبا المغيرة، وكنية خالد أبا يزيد، وكنية عامر أبا عمرو، وكنية إياس أبا سعيد، ويقال إنه كان يكنى أبا الحارث.
وقتل حبيب بن عدي يوم الرجيع مع خالد بن البكير، فقال حسان بن ثابت يذكرهما:
ألا ليتني فيها شهدت ابن طارق ... وزيدا وما يغني الأماني ومرثدا
فدافعت عن حبي خبيب وعاصم ... وكان الشفاء لو تداركت خالدا [1]
ومنهم أم كليب بن قيس بن بكير بن عبد يا ليل، وهو الجزار الذي وثب على أبي لؤلؤة حين وجأ عمر بن الخطاب
رضي الله تعالى عنه فقتله، وذلك أنه وجأه بالخنجر الذي قتل به عمر رضي الله تعالى عنه.
__________
[1] ديوان حسان ج 1 ص 460.(11/99)
ومنهم البياع، واسمه عبد شمس بن عبد ياليل بن ناشب،
وهو جد أبي أحيحة سعيد بن العاص لأمه وله يقول أبو أحيحة:
غضبت قريش كلها لحليفها ... وأنا امرؤ بكر هم ولدوني
لا تسقني أمي شرابا بعده ... إن كان حي قبيلها يشكوني
ومن ولده: عروة بن شييم بن البياع أحد الرؤوس المصريين الذين قدموا على عثمان بن عفان،
وقد ذكرنا خبره وخبرهم.
ومنهم واثلة بن الأصقع [1] رضي الله عنه ابن عبد يا ليل،
بعثه خالد على خيل دمشق وكان يكنى أبا قرصافة، مات بالشام سنة خمس وثمانين وهو ابن عثمان وتسعين سنة.
وقال الواقدي: حدثني بعمره وسنه معاوية بن صالح، قالوا:
وأسلم واثلة والنبي صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى تبوك، وكان من أهل الصفة، وخرج إلى الشام، فمات هناك.
حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمْشَقِيُّ، ثنا صَدَقَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَصْقَعِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: [ «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ» .]
ومن بني جندع بن ليث:
أمية الشاعر بن حرثان بن الأسكر بن عبد الله، وهو سربال الموت بن زهرة بن زبينة بن جندع بن ليث،
وأخوه لاعق الدم واسمه أبي.
وابنا أمية: كلاب، وأبي هاجرا إلى البصرة، وبالبصرة مربعة تعرف بمربعة كلاب، نسبت إلى كلاب بن أمية، وكان يكنى أبا هارون، ولما
__________
[1] بهامش الأصل: واثلة بن الأصقع رضي الله عنه.(11/100)
هاجر إلى البصرة كتب إليه أبوه أمية:
تركت أباك مرعشة يداه ... وأمك ما تسيغ لها شرابا
إذا غنت حمامة بطن واد ... على بيضاتها تدعو كلابا
أتاه مهاجران تكنفاه ... بترك كبيرة خطيا وخابا
يقول: أتى زياد بن أبي سفيان مهاجران: كلاب وأبي، وكان زياد ولى كلابا الأبلة فحدثه عثمان بن أبي العاص الثقفي أن داود النبي عليه السلام كان يجمع أهله في السحر فيقول: ادعوا ربكم فإن في السحر ساعة لا يدعو فيها عبد مؤمن إلا غفر له إلا أن يكون عشارا، فلما سمع كلاب ذلك قدم على زياد فاستعفاه، فأعفاه وبعث إلى عمله غيره، وقال أمية:
يا بني أمية إني عنكما غان ... وما الغنى غير أني مشعر فان
يا بني أمية ألا تشهد كبري ... فإن عيشكما والموت سيان
وذاك إذ خانني صبري لفقدكما ... وإذ فراقكما والموت مثلان
فكتب عمر إلى أبي موسى أن احمل كلابا وأخاه إلى أبيهما فحملهما، وقال غير الكلبي هما: كلاب وعمرو، ابنا أمية.
ومن بني جندع:
سيار بن رافع بن جري بن ربيعة بن عامر بن عوف بن جندع،
وبعضهم يقول سيار بن رافع بن ربيعة بن جري والأول قول الكلبي وهو أثبت، وكان سيار مع مصعب بن الزبير، وقطعت يده، فكان يقال له:
الأقطع، وكان الذي قطعه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سمرة بْن حبيب بْن عبد شمس في(11/101)
عنبة سرقها، ويقال إنها قطعت في القتال، والأول قول أبي عبيدة وأبي اليقظان، وروي عن أبي اليقظان أيضا أنه قال: قطعت في القتال مع مصعب، وأبو الحسن المدائني والقحذمي يقولان القول الأول أيضا.
وكان يقال لنصر بن سيار: ابن الأقطع، وولي نصر بن سيار خراسان، وقد كتبنا أخباره فيما تقدم من أخبار بني العباس، وأم نصر من تغلب، فقال له رجل من تغلب:
أتاك من تغلب جار تسر به ... أكرم بخالك يا نصر بن سيار
وكان يكنى أبا الليث، فولد نصر: ليث بن نصر. وتميم بن نصر.
وجري بن نصر. وقديد بن نصر. ومظفر بن نصر. وبشر بن نصر وغيرهم، وأمهم متقربة وكانت له ابنة يقال لها خندف فقال فيها نصر:
وسميتها من حب خندف خندفا ... وأسمي أخاها بعدها بتميم
أبى القلب إلا أن يكون بطانة ... له وصفاء دون كل حميم
ولبشر عقب بالبصرة، وأما قديد فكان يكنى أبا مريم ولي بعض الولايات وله عقب بالبصرة.
ومن بني جندع:
عبيد بن عمير بن قتادة بن سعد بن عامر بن جندع الفقيه،
ويكنى أبا عاصم، وكان عبيد قاضي أهل البصرة، وقد قاتل مع ابن الزبير وله عقب بالبصرة، وكان ابنه عبد الله بن عبيد فقيها.(11/102)
حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ رَجُلٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فِي الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ» .
وولد عريج بن بكر بن عبد منافة بن كنانة:
حماس بن عريج. ومن ولده: أبو نوفل بن أبي عقرب بن خويلد بن خالد بن بجير بن عمرو بن حماش بن عريج، واسم أبي نوفل معاوية.
وقال الواقدي: أدرك أبو عمرو بن أبي عقرب النبي صلى الله عليه وسلم، ورآه وروى عنه، وهو أبو أبي نوفل، وكان أبو نوفل صاحب قرآن وحروف يختارها من القراءة. وقال عمرو بن أبي عقرب: ما أصبت من العمل الذي بعثني إِلَيْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بردين معقدين كسوتهما مولاي.
وكان من بني الليث من المحدثين:
طلحة بن عبد الله،
ويقال ابن عمر، ويقال إنه من أهل الصفة.
وعبد الله بن يعلى الليثي، أو عبد الملك، كان قاضيا بالبصرة قبل الحسن بن أبي الحسن، ومات في أيام عمر بن عبد العزيز. وأبو الرداد الليثي كان يسكن المدينة في بني ليث، واسمه عامر. وعمارة ابن أكيمة الليثي أبو الوليد مات سنة إحدى ومائة وهو ابن تسعين سنة. وعبد الرحمن بن قيس من ولد الشداخ، ولاه عدي بن أرطأة عمان في أيام عمر بن عبد العزيز، وله عقب بالبصرة.(11/103)
ومن بني ليث:
عبادة بن قرص
رضي الله عنه، وله صحبة وقتله الخطيم الخارجي زمن ابن عامر.
ومن بني ليث:
مالك بن الحويرث
رحمه الله، وله صحبة وكان جار أبي الأسود وفيه يقول:
وإن امرأ نبئته عن صديقنا ... يسائل: هل يسقي من اللبن الجارا؟
وإني لأسقي الجار في قعر بيته ... وبيتي ما لا إثم فيه ولا عارا
شرابا حلالا يترك المرء صاحيا ... ولا يتولى يقلس الخمر والقارا [1]
ومن بني الليث:
غالب بن عبد الله [2]
رحمه الله بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية بعد أخرى واستاق إبلا للمشركين، وقال:
أبى رسول الله أن يغر بي ... في خضر نباته مغلولب
__________
[1] القلس: ما خرج من الحلق ملء الفم أو دونه وليس بقيء، والرقص في غناء، والشرب الكثير، وغثيان النفس، وقذف الكأس. القاموس. والقار: من أنواع الخمر انظر ديوان أبي الأسود ص 223 مع فوارق.
[2] بهامش الأصل: غالب بن عبد الله رحمه الله.(11/104)
صفر أعاليه كلون المذهب ... وذاك قول صادق لم يكذب
وقال أبو اليقظان: ومن بني ليث:
قيس بن ذريح:
وكان شاعرا.
قال أبو اليقظان: ومن بني ليث:
عبد الله بن يسار بن أبي عقب،
كان رضيع الحسين عليه السلام.
ومن بني ليث:
علباء بن منظور
الذي يقول:
ما للطلاق فقدته ... وفقدت عاقبة الطلاق
طلقت خير حليلة ... تحت السموات الطباق
وعطاء بن مرثد الليثي
مات سنة سبع ومائة وهو ابن اثنتين وثمانين سنة.
ومن بني ليث:
قارظ بن شيبة،
كانت ابنته أم حكيم، وهي جويرية بنت قارظ، مات قارظ في خلافة سليمان بن عبد الملك بالمدينة.
وشريك بن أبي نمر الليثي، أبو عبد الله، مات سنة أربعين ومائة.
وحماس الليثي، وهو ابن أبي عمرو بن حماس، روى عن عمر، وله دار بالمدينة.(11/105)
ومن بني ليث:
يزيد بن عياض بن جعدبة أبو الحكم
انتقل إلى البصرة ومات بها في خلافة المهدي أمير المؤمنين، وأنس بن عياض أبو ضمرة مات حديثا.
انقضى بنو ليث
وولد الديل بْن بَكْر بْن عَبْدِ مناة بْن كنانة:
عدي بن الديل. والحارث بن الديل. وصبيغ بن الديل وأمهم منيعة بنت خلاوة من مزينة، ويقال إنها من جُهَيْنَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ سَوْدِ بن أسلم بن الحاف بن قضاعة.
فولد عدي بن الديل: معاوية بن الديل. وعبد بن عدي.
وجذيمة بن عدي. ونفاثة بن عدي. وسعد بن عدي.
وولد الحارث بن الديل: أسيد بن الحارث. وعزية بن الحارث.
ويزيد بن الحارث. ونفيل بن الحارث. وهفان بن الحارث، فدخل بنو هفان في الدؤل بن حنيفة.
فمن بني الديل بن بكر:
نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل بن بكر
وهو بيت بني الديل، وكان معاوية أبو نوفل على بني الديل يوم الفجار، وله يقول تأبط شرا:
فلا وأبيها ما نزلنا بعامر ... ولا عامر ولا النفاثيّ نوفل [1]
__________
[1] انظر الأغاني ج 21 ص 139 حيث روايات هذا البيت.(11/106)
وابنه سلمى بن نوفل كان من أجود العرب، وله يقول الجعفري:
تسود أقوام وليسوا بسادة ... بل السيد المذكور سلمى بن نوفل
وسلمى القائل:
وما المال إلا ما بذلت وإنما ... مال البخيل لوارث أو للعدى
ومنهم ربيعة بن أمية بن صخر بن يعمر بن نفاثة الذي قتل كعب بن زيد النجاري ثم الذبياني من الأنصار يوم الخندق
فقال:
ألا أبلغ أبا هدم رسولا ... مغلغلة تخب بها المطي
وكان كعب بن زيد قتل ابن الحضرمي عمرا يوم بدر، ويقال في سرية عبد الله بن جحش الأسدي، فقتل ربيعة كعبا، وأبو هدم هو عمرو بن الحضرمي، وكان بنو الحضرمي أولا حلفاء بني نفاثة، ثم حالفوا بني عبد شمس بن عبد مناف.
ومنهم: علقمة بن مرحل،
كان فارسا شجاعا، وهو الذي يقول:
لكل الناس من دهر نصيب ... يصبح أو يبيت أو يقيل
وما يبقى على الحدثان إلا ... أصم الصخر والجبل الطويل
وسارية بن زنيم بن عمرو بن عبد الله بن جابر بن محمية بن عبد بن عدي بن الديل،
وكان خليعا في الجاهلية وكان أشد الناس حصرا، وبعثه عمر بن الخطاب في جيش فكان لشدة اهتمامه بذلك الجيش يفكر في أمره ويمثله قد لقي العدو، فجعل يقول بينه وبين نفسه، يا سارية الجبل، كأني به قد صعد الجبل.
ومنهم: أبو أناس [1]
رحمه الله تعالى، وهو اسمه وكنيته في قول
__________
[1] بهامش الأصل: أبو أناس، وقيل أنس رحمه الله.(11/107)
الكلبي. وقيل اسمه أنس وكنيته أبو أناس، وكان شريفا شاعرا، وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم أنه هجاه، فأتاه يوم فتح مكة معتذرا ومدحه فقال:
وما حملتْ من ناقة فوق رحلها ... أعفَّ وأوفى ذمة من محمد
أحث على خير وأوسع نائلا ... إِذَا راح يهتز اهتزاز المهند
ونبي رَسُولُ اللَّه أني هجوته ... فلا رفعت سوطي إلي إذا يدي [1]
ومنهم أنس بن أبي أناس،
وبعضهم يقول أنه سمي أنسا باسم أبيه.
قال أبو اليقظان: كان أنس بن أبي أناس شاعرا، وكان أعور، وقال لمصعب بن الزبير وهو يعاتبه:
تسهل لي ولا تعرض لصرمي ... أبا عيسى فإن أبا أناس
بني لي في العفاف وفي المعالي ... مآثره فلست لها بناسي
وأنس الذي يقول لما تزوج مصعب عائشة بنت طلحة فأصدقها خمسمائة ألف درهم وأهدى إليها خمسمائة ألف درهم:
بضع الفتاة بألف ألف كامل ... وتظل سادات الجيوش جياعا
فلو أنني الفاروق أخبر بالذي ... شاهدته ورأيته لارتاعا
وكان الحكم بن عمرو الغفاري لما حضرته الوفاة بخراسان، استخلف أنس بن أبي أناس، وكتب إلى زياد: إني قد استخلفت أنسا وإني أرضاه لله ولك وللمسلمين، فعزله وولى خليدا الحنفي، فقال أنس بن أبي أناس:
ألا من مبلغ عني زيادا ... مغلغلة تخب بها البريد
أتعزلني وتطعمها خليدا ... لقد لاقت حنيفة ما تريد
__________
[1] سيرة ابن هشام ج 2 ص 871.(11/108)
في أبيات قد كتبناها في خبر زياد.
وقال عبيد الله بن زياد لحارثة بن بدر الغداني: اهج أنسا، فَقَالَ:
أعفني فلم يعفه فَقَالَ:
وحدثت عَنْ أنس أنه ... قليل الأمانة خوانها
بصير بما فيه ضر الصديق ... وشر الأخلاء عورانها
فَقَالَ أنس:
أتتني رسالة مستكره ... فكان جوابي غفرانها [1]
وكان لزنيم أيضا ابن يقال له أنس، وبقي أنس إلى زمن عبد الملك، ومات في آخره، وقد بلغ التسعين.
وقال الكلبي: قال أنس بن زنيم عم أنس بن أبي أناس:
في كل مجمع غاية أخراهم ... جذع أبر على المذالي [2] القرّع
يعني على بن أبي طالب يحرض عليه.
ومنهم: عويف بن الأضبط [3]
رحمه الله تعالى، واسم الأضبط ربيعة بن أبير بن نهيك بن جذيمة بن عدي بن الديل، الذي قالت له خزاعة حين اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الحديبية: هلم يا رسول الله إلى أعز بيت بتهامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ «لا نفزع نسوة عويف بن ربيعة الأضبط أنه كان يأمرهم بالإسلام،] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف عويف بن الأضبط على المدينة حين اعتمر عمرة القضاء أو غيرها.
__________
[1] قارن هذه الرواية بما رواه صاحب الأغاني ج 8 ص 388- 389.
[2] مذل: ضجر وقلق. القاموس.
[3] بهامش الأصل: عويف بن الأضبط رحمه الله.(11/109)
ومنهم: بنو عَبْد اللَّهِ بْن عمير بْن عَمْرو بْن عمير بن أوس- وهو الأدرع- بن عبد الله بن مالك بن جذيمة بن عدي
وهو بالمدينة. وبنو يعمر، ومنقذ ابنا عمير بن أوس بمكة، منهم: آل سباع بن ربيعة بن يعمر، وبنو زاجل بن ربيعة بن يعمر بالمدينة.
ومن بني حلس بن نفاثة:
أبو الأسود وهو ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بن حلس بن نفاثة بن عدي بن الديل،
ويقال إن اسمه عثمان بن عمرو بن سفيان بن جندل والأول أثبت، وأمه من بني عَبْد الدار بن قصي، واسمها الطويلة، وكان أبو الأسود شيعيا وولاه عبد الله بن عباس الصلاة بالبصرة حين خرج إلى صفين مع علي عليه السلام، وولى زياد بن أبي سفيان الخراج، ويقال إن ذلك بأمر علي، وكتب أبو الأسود إلى علي: «أما بعد فإن الله قد جعلك واليا مؤتمنا، وقد بلوناك فوجدناك عظيم الأمانة ناصحا للرعية توفر فيهم وتظلف نفسك عَن دنياهم فلا تأكل أموالهم ولا ترتشي فِي أحكامهم وإن عاملك وابن عمك قد أكل ما تحت يديه بغير علمك، ولا يسعني كتمانك ذَلِكَ، فانظر رحمك الله فيما قبلنا من أمرك واكتب إلي برأيك إن شاء الله والسلام» .
فكتب علي إلى أبي الأسود في جواب كتابه: «أما بعد فقد فهمت كتابك، ومثلك نصح الإمام والأمة، ودل عَلَى الحق، وفارق الجور، وقد كتبت إلى صاحبك فيما كتبت إلى فيه، ولم أعلمه كتابك إلى في أمره، فلا تدع إعلامي ما يكون بحضرتك مما للأمة فيه صلاح، فإنك بذلك محقوق، وهو عليك واجب والسلام» .
وكتب إلى ابن عباس يأمره برفع حسابه إليه وجرت بينه وبينه كتب قد(11/110)
كتبناها فيما تقدم من كتابنا هذا، وكان عبد الله بن عباس قال لأبي الأسود:
لو كنت من البهائم لكنت جملا ثقالا لا تنقاد، فقال أبو الأسود: لو كنت راعي ذاك الجمل ما اتخذته كلاء، ولا أرويته ماء، ولا بلغت بِهِ المرعى ولا أحسنت مهنته فِي المشتى.
وقال قوم منهم أبو اليقظان: إن أبا الأسود شهد صفين مع علي عليه السلام، وأبو الأسود الذي وضع العربية وقال:
ولا أقول لقدر القوم قد غليت ... ولا أقول لباب الدار مغلوق [1]
وذلك أنه لما خالط العرب بالبصرة الخوز [2] ، ونبط كور دجلة وفرسها فسدت ألسنتهم، وقال أبو الأسود في شعر له:
أتاني من خلي حديث كرهته ... وما هو إذ يغتابني متورع [3]
فقيل له: إن الله يقول: مَا هذا بشر [4] فقال: هذا الذي قلته كلام العرب الفصيح، ولكن الكاتب زاد هذه الألف، حدثني بذلك رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ عَنْ أَبِي زَيْد الأَنْصَارِي عَنْ أَبِي عَمْرو بن العلاء.
حدثني عباس بن هشام عن أبيه قال: سأل أبو الأسود زيادا أن يوليه عملا فقال: إنك قد كبرت وضعفت، فقال: أصلح الله الأمير إنك لست تبعثني لأصارع أهل عملي، وإنما تستحفظني فيهم وتأمنني على قسمة فيئهم وتجعل إلي النظر في أحكامهم.
__________
[1] ليس في ديوان المطبوع.
[2] نسبة إلى خوزستان، وهي من الأهواز، وهي من بلاد ما بين فارس والبصرة. اللباب لابن الأثير.
[3] ليس في ديوانه المطبوع.
[4] سورة يوسف- الآية: 31.(11/111)
المدائني وغيره أن أبا الأسود كان يقول: لو أطعنا السؤال كنا أسوأ حالا منهم.
قالوا: ومر به سائل ليلا وهو يقول: من يعشيني لوجه الله، وطلب ما عنده، فأدخله منزله فعشاه وأخرجه، فعاد لمثل قوله الأول فرده وحبسه في منزله ليلته، قال: والله لأكفن عن أمة محمد شرك ليلتهم فلما أصبح خلاه.
المدائني قال: كان أبو الأسود عظيم السرة، فقال له رجل: يا أبا الأسود أشتهى أن أضع أيري في سرتك، فقال له: يا أحمق فأين يكون أيري حينئذ.
المدائني قال: كسا المنذر بن الجارود، ويقال عبيد الله بن زياد أبا الأسود فقال:
كساني ولم استكسه فحمدته ... أخ لي يعطيني الجزيل وناصر
وإن أحق الناس إن كنت حامدا ... بحمدك من أعطاك والعرض وافر [1]
وقال ابن زياد لأبي الأسود، ورأى عليه جبة خلقاء قد أطال لبسها أما تمل لبس هذه الجبة يا أبا الأسود؟ فقال: رب مملوك لا يستطاع فراقه وساوم أبو الأسود رجلا بثوب فقال: أنا أقاربك فيه، فقال أبو الأسود: إنك إن لم تقاربني باعدتك، قال: فإني قد أعطيت به كذا وكذا فذكر ثمنا مفرطا، فقال: اللهم اخز هؤلاء التجار فما يزالون يحدثون عن خبر قد فاتهم.
وحدثني عبد الله بن صالح وغيره أن أبا الأسود كان يقول: إذا دخلت
__________
[1] ديوانه ص 193.(11/112)
مع رجل منزله فادخل بعده، وإذا خرجت منه معه فاخرج قبله.
قالوا: وجرى بين أبي الأسود وجار له كلام فرماه جاره فلما أصبح قال له: أرميتني لا أم لك، فقال: ما رميتك إنما رماك الله. فقال: كذبت يا عدو الله لو رماني الله لم يخطئني.
قالوا: ومرض أبو الأسود فجزع فقيل له: اصبر فإنه أمر الله، فقال: ذاك أشد له.
وقال المدائني: مر أبو الأسود في مر بد البصرة فرآه رجل كان بطالا يتعبث بالناس فقال له: كأن قفاك يا أبا الأسود خلق من فقاح [1] فولاه قفاه ثم قال: يا بن أخي تأمله، فانظر هل ترى فقحة أمك فيه؟.
وقال قيل لأبي الأسود: إنك تكثر الركوب على ضعف بدنك وكبر سنك فقال: إن في الركوب نشرة والقعود عقلة، وإذا خامر الرجل منزله ولزمه ذهبت هيبته واستخف به عياله حتى أن الشاة تبعر أو تبول فلا تتنحى عنه.
قالوا: وأرق أبو الأسود في بعض الليالي فسمع وقع أضراس بغلته وهي تعتلف فقال أراني أنام وأنت تسرين في مالي؟ فباعها واشترى حمارا.
وقال أبو الحسن المدائني: دخل أبو الأسود على معاوية فبينا هو يكلمه إذ حبق أبو الأسود، فقال: يا أمير المؤمنين إني عائذ بسترك، فقال معاوية:
ثق بذلك مني. فلما خرج أبو الأسود دخل عمرو بن العاص على معاوية فأخبره بما كان من أبي الأسود، وبلغ أبا الأسود ذلك فأتاه فَقَالَ: يا مُعَاوِيَة إن الذي كان مني قد كان مثله منك ومن أبيك وإن من لم يؤتمن على ضرطة
__________
[1] الفقحة: حلقة الدبر أو واسعها، ج فقاح. القاموس.(11/113)
لجدير ألا يؤتمن على أمر الأمة.
قالوا: وكان لأبي الأسود دكان على بابه صغير مرتفع، وكان يجلس عليه وحده ويؤتى بطبق عليه رغيف وعرق فيأكله، فسقطت من يده ذات يوم لقمة فقال لغلامه: ناولنيها فإني أكره أن أدعها للشيطان، فقال له أعرابي كان بحضرته وقد سأله فلم يطعمه: لا والله ولا للملائكة المقربين.
وكان أبو الأسود يذكر التجار فيقول: لصوص فجار إلا أن بعضهم أحسن سرقة من بعض.
وكان أبو الأسود يختم كيسه وهو فارغ ويقول: طينه خير من ظنه، وهو أول من قال ذلك.
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح المقرئ عَن ابْن كناسة قال: قال أبو الأسود الديلي: البلاغة سلاطة اللسان، ورحب الذراع حتى ينطق بالحاجة، ويصدع بالحجة وتضم الكلمة إلى أختها فلا يتبعها من ليس من شكلتها، ولا تنقض بالمتقدمة ما يتلوها.
قالوا: وكان أبو الأسود يقول: ما الماء إذا وجد سبيله منحدرا بأشد تغلغلا إلى مستقره من كلمة أصيب بها موضعها إلى قلب.
المدائني قال: دخل أبو الأسود على زياد فقال له: يا أبا الأسود كيف حبك لعلي وولده؟ فقال: يزداد شدة كما يزداد حبك- كان- لهم تغيرا وتنقصا. فغضب زياد فقال أبو الأسود:(11/114)
غضب الأمير لأن صدقت وربما ... غضب الأمير على البريء المسلم
الله يعلم أن حبي صادق ... لبني النبي وللقتيل المحرم [1]
يا أبا المغيرة رب يوم لم يكن ... أهل البراءة عندكم كالمجرم [2]
وقال ابن الكلبي: كان أبو الأسود يمر على رجل فيؤذيه ويتعبث به فقال:
وأهوج ملحاح تصاممت قيله ... أن أسمعه وما بسمعي من باس
ولو شئت ما أعرضت حتى أصبته ... بموضحة شنعاء تغني على الآسي [3]
قالوا وخاصمت امرأة أبي الأسود الديلي أبا الأسود إلى زياد في ولدها وكان أبو الأسود قد طلقها فقالت: أنا أحق بولدي، قال أبو الأسود: بل أنا أحق به حملته قبل أن تحمله ووضعته قبل أن تضعه، قالت: صدق أصلح الله الأمير، حمله خفا وحملته ثقلا. ووضعه شهوة ووضعته كرها.
فقال زياد: قد خصمتك يا أبا الأسود وهي أحق به ما لم تتزوج.
قال أبو الحسن المدائني وغيره: خرج أبو الأسود مع أصحاب له يتصيدون فوقف أعرابي على أبي الأسود وهو جالس في خباء قد ضرب لهم فقال الأعرابي: السلام عليكم، قال أبو الأسود: كلمة مقولة. فقال الأعرابي: أدخل الخباء؟ فقال أبو الأسود: وراءك أوسع لك. قال الأعرابي: إن الرمضاء قد أحرقت رجلي قال: بل عليها. قال: عندك شيء تطعمنيه؟ قال: نأكل ونطعم من معنا فإن فضل شيء كنت أحق به من
__________
[1] بهامش الأصل: أراد بالمحرم الذي لم يحل دمه.
[2] لم ترد هذه الأبيات بديوانه المطبوع.
[3] ديوان أبي الأسود ص 204- 206 مع فوارق.(11/115)
الكلب. قال الأعرابي: ما رأيت قط ألأم منك، قال أبو الأسود: بلى ولكنك نسيت.
قالوا: وقال رجل راكب لأبي الأسود: الطريق، فقال أبو الأسود:
أعن الطريق تعداني.
وقال أبو الأسود: البخل بما في يدك خير من مسألة الناس ما في أيديهم.
قالوا: وركب أبو الأسود مع فيل مولى زياد وحاجبه، وركب معهما أنس بن أبي أناس بن زنيم الكناني، وكان فيل على برذون هملاج، وهما على فرسين قطوفين، فقال أنس: أجزنا أبا الأسود فقال: هات، فقال:
لعمرو أبيك ما حمام كسرى ... عَلَى الثلثين من حمام فيل
فقال أَبُو الأسود:
وما أرقاصنا خلف الموالي ... بسنتنا على عهد الرسول [1]
وقال القحذمي: قال أنس هذا لأن فيلا ركب إلى حمام اتخذه ينظر إليه.
وقال أبو اليقظان: كتب أبو الأسود إلى رجل وعده عدة توفى له بها:
وإذا وعدت الوعد كنت كغارم ... دينا أقر به وأحضر كاتبا
وإذا منعت منعت منعا بينا ... وأرحت من طول العناء الراغبا [2]
وقال: وكان أبو الأسود بخيلا فقيل له: أنت أظرف الناس لولا بخلك، فقال: أخزى الله ظرفا لا يمسك ما فيه على أهله وقال أبو الأسود:
__________
[1] انظر مادة «حمام فيل» في معجم البلدان.
[2] ديوان أبي الأسود ص 212- 213.(11/116)
إذا المرء ذو القربي وذو الذنب أجحفت ... به نكبة سلت مصيبته حقدي [1]
وبلغ أن أبا الأسود أن رجلا اغتابه فقال:
وذو حسد يغتابني حيث لا يرى ... مكاني ويثني صالحا حيث أسمع
تورعت أن اغتابه من ورائه ... وما هو إذ يغتابني متورع [2]
وقال المدائني عن أبي اليقظان: أصاب أبا الأسود بالبصرة فالج شديد ومات بها، وقد أسن.
وَحَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّد التوزي عَنْ أَبِي عُبَيْدَة قال: مات أبو الأسود وله مائة سنة.
وقال الْمَدَائِنِيّ عَن عَبْد اللَّهِ بْن مسلم الفهري قال: قال أبو الأسود:
فارقت الناس مذ فارقت علي بن أبي طالب وإني لأعجب اليوم من قوم يزعمون أن حسنا وحسينا وولدهما ليسوا بارثة النبي صلى الله عليه وسلم والله يقول:
وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وزكريا ويحيى وعيسى والياس [3] ، وإنما عيسى ابن ابنته.
فولد أبو الأسود الديلي: عطاء بن أبي الأسود. وأبا حرب بن أبي الأسود.
فأما عطاء فكان على شرطة أبيه بالبصرة وهو واليها، وهو فتق البحر مع يحيى بن يعمر العدواني بعد أبي الأسود، ولا عقب لعطاء.
__________
[1] ليس في ديوانه المطبوع.
[2] ليسا في ديوانه المطبوع.
[3] سورة الأنعام- الآيتان: 84- 85.(11/117)
وأما أبو حرب فكان عاقلا شاعرا صاحب قرآن، ولاه الحجاج بن يوسف جوخى فقال له: العام عامك تخلخل فيه عظامك، وقال له: أما والله لو أدركت أباك لقتلته فإنه كان ترابيا، فقال: أصلح الله الأمير أو كان يأتي عليه عفوك كما أتى عليه عفو من كان قبلك؟ قال: أو ذاك؟ ولم يزل أبو حرب على جوخى حتى مات الحجاج وكان لأبي حرب من الولد: جعفر، وغيره وله عقب بالبصرة.
ومن بني الديل:
حماس بن خالد الديلي
الذي قال لامرأته حين أظلهم النبي صلى الله عليه وسلم: لآتينّك بخادم من أصحاب محمد، فَلَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةُ، ودخلها جاء منهزما فقالِت له أمرأته وهي هازئة: أين الخادم فإني لم أزل متوقعة لمجيئك به فقال:
إنك لو شهدتنا بالخندمة ... إذ فر صفوان وفر عكرمة
وأبو يزيد كالعجوز المؤتمة ... لم تنطقي فِي اللوم أدني كلمة
إذ ضربتنا بالسيوف المسلمة ... لهم زئير خلفنا وغمغمة [1]
وكان هؤلاء الذين سمى يقولون: لا ندع محمد يدخل مكة أبدا.
ومن بني الديل:
سنان بن أبي سنان،
وكان محدثا ومات في سنة خمس ومائة، وله اثنتان وثمانون سنة.
ومنهم: نوفل بن معاوية [2]
رحمه الله تعالى الديلي ثم النفاثي، وكان شديدا على المسلمين، ثم وافى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الفتح مسلما، وأتى المدينة
__________
[1] سيرة ابن هشام ج 2 ص 859.
[2] بهامش الأصل: نوفل بن معاوية رحمه الله.(11/118)
فنزلها في بني الديل وحج مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه سنة تسع، ومع النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر، ومات بالمدينة أيام يزيد بن معاوية وقد بلغ المائة.
ومنهم: ربيعة بن عباد [1] الديلي
رحمه الله تعالى، نزل بالمدينة في بني الديل، ومات في أيام الوليد بن عبد الملك، وقال ربيعة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار ويقول: [ «أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا،] ووراءه رجل أحول ذو غديرتين يقول: إنه كذاب. فسألت عنه فقيل هو عمه أبو لهب، ويقال إنه مات وله مائة ونيف وعشرون سنة، ويقال مائة وعشرون.
ومن بني الديل أيضا: أبو بشر بن محجن،
كان يسكن المدينة وروي عنه.
ومن بني الديل: أبو الشعثاء وهو الحزين،
شرب حتى سكر فأخذ وحبس في دار الإمارة وحماره معه فقال:
أقول لهم وقد حبسوا حماري ... بأي جريرة حبس الحمار
فما للعير مظلمة لديهم ... وما بالعير إن ظلم انتصار
إذا ركب الحزين على حمار ... فقد ركب الخسار على الدبار
وولد ضمرة بن بكر بن عبد مناة:
كعب بن ضمرة. وجدي بن ضمرة، وأمهما سلمى بنت الحارث بن كعب بن عمرو بن مدحج.
وعوف بن ضمرة. ومليل بن ضمرة، وأمهم عفراء بنت العنبر بن عمرو بن تميم.
فولد كعب بن ضمرة: جابر بن كعب. والحارث بن كعب.
وكليب بن كعب. وعوف بن كعب. وزيد بن كعب. وربيعة بن كعب.
__________
[1] بهامش الأصل ربيعة بن عباد رحمه الله.(11/119)
وعمرو بن كعب، وأمهم مجد بنت عائش بن ظرب بن الحارث بن فهر.
منهم مالك بن صخر بن حريم بن عبد العزى بن كعيب بن خرد بن جابر بن كعب كان رئيسا فيهم.
وولد جدي بن ضمرة: عوف بن جدي. وقيس بن جدي.
وعتوارة بن جدي. وكعب بن جدي. وملحة بن جدي، وأمهم ابنة بهدلة بن عوف التميمي.
منهم مسافع بن عبد العزى بن حارثة بن يعمر بن عوف بن جدي الذي عمر فطال عمره وجلس هو وثلاثة نفر معمرون فقال:
جلست غدية وأبو عقيل ... وعروة ذو الندى وأبو رباح
كأنا مضرحيات [1] برضوى ... تنوء إذا تنوء بلا براح
ومن ولد مسافع بن عبد العزى: تميم بن نصر بن مسافع، كان معه لواء بني كنانة يوم صفين مع معاوية.
ومنهم عمارة بن مخشيّ بن خويلد بن عبدنهم بن يعمر بن عوف بن جدي، الذي عاقد النبي صلى الله عليه وسلم عن بني ضمرة في الصلح.
وعمرو بن أمية [2] بن خويلد بن عبد الله بن إياس بن عبد بن ناشرة بن كعب بن جدي بن ضمرة،
صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد يوم بئر معونة فلم يفلت من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيره، وخلى عامر بن الطفيل سبيله حين قال: إني من مضر، وكانت عنده سخيلة بنت عبيدة بن الحارث بن
__________
[1] مضرح: مرمي بناحية. القاموس.
[2] بهامش الأصل: عمرو بن أمية الضمري رحمه الله.(11/120)
المطلب بن عبد مناف، فولدت له عدة منهم: جعفر بن عمرو بن أمية الضمري الفقيه.
وكان عمرو بن أمية قتل رجلين من بني كلاب مواد عين للنبي صلى الله عليه وسلم خطأ فبسبب ذلك كانت غزاة بني النضير.
ووجه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرو بن أمية الضمري في سنة ثمان إلى مكة لقتل أبي سفيان فلم يمكنه ذلك.
وكتب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع عمرو إلى النجاشي في دعائه إلى الإسلام، وفي أمر أم حبيبة بنت أبي سفيان وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم.
وبعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرا إلى مشركي قريش بصلة وقد أقحطوا وجهدوا حتى أكلوا الرمة والعلهز [1] .
وقال الواقدي: شهد عمرو بن أمية الضمري بدرا وأحدا مع المشركين، ثم أسلم بعد ذلك، وبقي إلى زمن معاوية، وله دار بالمدينة عند الحكاكين وبها مات، وكان يكنى أبا أمية، وتزوج ابنة الزبرقان بن بدر فقال كثير لولده:
وشان بنات الزبرقان نكاحهم ... ولم يرضكم للزبرقان كريم
ولو صدقوه عنكم لرجعتم ... وفي الأوجه الشوه القباح وجوم [2]
وولد عمرو: معيه، وأم معيه ابنة الزبرقان. فولد معية:
الزبرقان. ولعمرو عقب.
ومنهم البراض بن قيس بن رافع بن قيس بن جدي، وهو الذي قتل
__________
[1] طعام من الدم والوبر، كان يتخذ في المجاعة. القاموس.
[2] ليسا في ديوانه المطبوع.(11/121)
عروة الرحال الكلابي، وبسببه كانت وقعة الفجار العظمى وقد ذكرنا خبره فيما تقدم.
ومن بني ضمرة: عمرو بن يثربي [1]
رحمه الله تعالى، فكان يسكن ناحية البحر ولم يسكن المدينة ولا مكة، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم في الفتح مسلما، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم التروية ويوم عرفة.
ومن بني ضمرة: أبو الجعد الضمري [2] ،
بعثه النبي صلى الله عليه وسلم يحشر قومه لغزاة الفتح، وروى أبو الجعد عن النبي صلى الله عليه وسلم: [ «من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاونا طبع الله على قلبه] » ، وله دار بالمدينة في بني ضمرة.
[بني غفار بن مليل بن ضمرة]
وولد مليل بن ضمرة: غفار بن مليل، بطن. وثعلبة بن مليل وهم في بني غفار.
ومنهم: الحكم بن عمرو بن مخدج بن جذيم بن الحارث بن نعلية،
وكان رجلا صالحا، وأمر زياد بن أبي سفيان أن يدعى له الحكم، وهو يريد الحكم بن العاص الثقفي، فدعا رسوله الحكم بن عمرو الغفاري فلما رآه تبرك به، وقال: رجل من أصحاب رسول الله فولاه خراسان.
وروى الحكم بن عمرو [3] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ «لا طاعة لأحد في معصية الله» .] وكان موت الحكم بخراسان.
وكان أسلم بن زرعة الكلابي ينبش قبور الدهاقين يطلب فيها الجوهر، فأسرف في ذلك فقال بيهس بن صهيب الجرمي.
__________
[1] بهامش الأصل: عمرو بن يثربي رحمه الله.
[2] بهامش الأصل: أبو الجعد الضمري رحمه الله.
[3] بهامش الأصل: الحكم بن عمرو الغفاري رحمه الله.(11/122)
تجنب لنا قبر الغفاري والتمس ... سوى قبره لا يعل مفرقك الدم
وقال الكلبي: أم غفار ونعيلة مارية بنت الجعيد العبدية.
وحدثني هدبة بن خالد عن أخته آمنة عَنْ هشام بْن حسان عَنْ الحسن أن الحكم بن عمرو غزا فأصاب غنائم فكتب إليه زياد: أن اصطف لأمير المؤمنين معاوية كل صفراء وبيضاء وكل جارية بارعة الجمال، فكتب إليه الحكم: إن كتاب الله قبل كتاب الأمير، وقسم الغنائم بين الناس وعزل الخمس.
وكان للحكم بن عمرو الغفاري من الولد: غيلان، أمه من بني قيس بن ثعلبة، وأبو بردة ضربه مالك بن المنذر لغضبه عليه في أيام عمر بن يزيد. واليسع وله عقب بالبصرة، ومات الحكم سنة خمسين.
وولد غفار بن مليل. حرام بن غفار. وحارثة بن غفار، وأمهما ابنة الحارث بن مالك بن كنانة. وحاجب بن غفار. ومبشر بن غفار.
ولوذان بن غفار. وخفاجة بن غفار. وعبد الله بن غفار. وأحيمس بن غفار، وأمهم النوار بنت كلب بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث.
فمن بني حرام بن غفار:
حذيفة رحمه الله، ويكنى أبا سريحة [1] بن أمية بن أسيد بن الأغوس بن واقعة بن حرام بن غفار،
صحب النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَوَّلُ مشهد له معه الحديبية، وروى عن أبي بكر الصديق، وقد روى أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والوليد بن غصين بن مسلم بن صعير بن كعب بن حرام، قتل يوم
__________
[1] بهامش الأصل: أبو سريحة الغفاري رحمه الله.(11/123)
عين الوردة مع سليمان بن صرد الخزاعي وقد ذكرنا خبر هذا اليوم فيما تقدم من كتابنا.
ومنهم: أبو ذر [1] جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة،
وأمه رملة، غفارية أيضا، وهي أيضا أم عمرو بن عبسة السلمي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال غير الكلبي والواقدي والهيثم بن عدي: اسم أبي ذر: برير بن جنادة.
وقال الواقدي في روايته: كان أبو ذر خامسا في الإسلام، ولكنه رجع إلى بلاد قومه فأقام حتَّى قدم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، وتوفي لأربع سنين بقيت من أيام عثمان وصلى عليه ابن مسعود بالربذة.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ خَامِسًا فِي الإِسْلامِ، قَالُوا: وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ رَجُلا يُصِيبُ الطَّرِيقَ فَارِسًا وَرَاجِلا كَأَنَّهُ سَبُعٌ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ قَذَفَ فِي قَلْبِهِ الإِسْلامَ حِينَ سَمِعَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ مُسْتَخْفٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَتَوَصَّلَ إِلَيْهِ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ فَقُلْتُ:
يَا مُحَمَّدُ إِلَى مَاذَا تَدْعُو؟ فَقَالَ: [ «إِلَى اللَّه وحده لا شريك له وخلع لأوثان، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» ،] فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّه وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قُلْتُ: إِنِّي مُنْصَرِفٌ إِلَى أَهْلِي فَإِذَا أُمِرْتُ بِالْقِتَالِ لَحِقْتُ بِكَ فَإِنِّي أَرَى قَوْمَكَ جَمِيعًا عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: [ «صدقت، وأصبت فانصرف» .] فكان
__________
[1] بهامش الأصل: أبو ذر الغفاري رضي الله عنه.(11/124)
أَبُو ذَرٍّ يَكُونُ بِأَسْفَلِ ثَنِيَّةِ [1] غَزَالٍ، وَكَانَ يَعْتَرِضُ عِيرَاتِ قُرَيْشٍ فَيَأْخُذُهَا، فَمَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ رَدَّ عَلَيْهِ مَالَهُ وَإِلا فَلا، فَكَانَ كَذَلِكَ حَتَّى هَاجَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَضَى يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ قَدِمَ فَأَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ نَجِيحٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَتَأَلَّهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلا يَعْبُدُ الأَصْنَامَ، فمر عليه رجل بعد ما أُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّ رَجُلا بِمَكَّةَ يَقُولُ كَمَا تَقُولُ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ. قَالَ: وَمِمَّنْ هُوَ؟ قَالَ: مِنْ قُرَيْشٍ. فَأَخَذَ شَيْئًا مِنْ بَهْشٍ وَهُوَ الْمُقْلُ [2] فَتَزَوَّدَهُ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَرَأَى أَبَا بَكْرٍ يُضِيفُ النَّاسَ وَيُطْعِمُهُمُ الزَّبِيبَ فَجَلَسَ مَعَهُمْ فَأَكَلَ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ سَأَلَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ رَاقِدٌ وَكَانَ قَدْ سَدَلَ ثَوْبَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَنَبَّهَهُ وَقَالَ: أَنْعِمْ صَبَاحًا، فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَعَلَيْكَ السَّلامُ» . فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: أَنْشِدْنِي مَا تَقُولُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «لَيْسَ هُوَ بِشِعْرٍ، هُوَ الْقُرْآنُ وَمَا أَنَا قُلْتُهُ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَالَهُ» ،] قَالَ: اقْرَأْهُ. فَقَرَأَ عَلَيْهِ سُورَةً، فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّه وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِمَّنْ أَنْتَ» ؟ قَالَ: مِنْ بَنِي غِفَارٍ. فَعَجِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّهُمْ قَوْمٌ يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ وَأَنَّهُ مِنْهُمْ.
ثُمَّ قَالَ: [ «إِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءَ» ] » ، وَأَخَذَهُ أَبُو بَكْرٍ إِلَى مَنْزِلِهِ فَكَسَاهُ ثَوْبَيْنِ مُمَشَّقَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ، فَكَانَ عَلَى ثَنِيَّةِ غَزَالٍ يَعْتَرِضُ عِيرَ قُرَيْشٍ فَمَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ لَمْ يعرض لما معه.
__________
[1] على الطريق من ثنية هرش بينها وبين الجحفة ثلاثة أودية. معجم البلدان.
[2] البهش: المقل ما دام رطبا، وبلاد البهش الحجاز، والمقل المكي: ثمر شجر الدوم. القاموس.(11/125)
حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، أنبأ حُمَيْدُ بْن هِلالٍ عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ كَعَمَلِهِمْ. قَالَ: [ «أَنْتَ يا أباذر مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» ] .
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا الحجاج بن محمد، ثنا ابن جريج عن أبي حرب بن الأسود الديلي عن أمه عن علي أنه سئل عن أبي ذر [فقال: وعى علما عجز فيه وكان شحيحا على دينه حريصا على العلم وكان يكثر السؤال فيعطى ويمنع، أما لقد ملئ له وعاؤه حتى امتلأ، قال:
يقول: عجز عن كشف ما عنده] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ عبد الرحمن، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا ربعي أبو عمرو، ثنا مرثد عن أبيه قال: جلست إلى أبي ذر فوقف عليه رجل فقال: ألم ينهك أمير المؤمنين عن الفتيا؟ فقال أبو ذر: لو وضعتم الصمصامة على هذا، وأشار إلى حلقه على أن أترك كلمة سمعتها من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنفذتموه قبل أن يكون ذلك [1] .
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالا: ثنا وَكِيعٌ، أنبأ فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنِ الْمُنْذِرِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: لَقَدْ تَرَكْنَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُقَلِّبُ طَائِرٌ جَنَاحَيْهِ فِي السَّمَاءِ إِلا ذَكَرْنَا فِيهِ عِلْمًا.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أنبأ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ أَنَّهُ زَارَ أَبَا الدَّرْدَاءِ بِحِمْصَ ثُمَّ أَمَرَ بِحِمَارِهِ فَأُوكِفَ وَأَمَرَ أَبُو الدَّرْدَاءِ بِحِمَارِهِ فَأُسْرِجَ فلقيهما
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 4 ص 222- 232.(11/126)
رَجُلٍ شَهِدَ الْجُمُعَةَ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ بِالأَمْسِ وَهُوَ بِالْجَابِيَةِ، فَعَرَفَهُمَا الرَّجُلُ وَلَمْ يَعْرِفَاهُ، فَأَخْبَرَهُمَا بِخَبَرِ النَّاسِ ثُمَّ قَالَ: وَخَبَرٌ آخَرُ أَرَاكُمَا تَكْرَهَانِهِ، فقال أبو الدرداء: ويحك لعل أباذر نُفِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَاسْتَرْجَعَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَصَاحِبُهُ قَرِيبًا مِنْ عَشْرِ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ أَخِيرًا: ارْتَقِبْهُمْ، وَاصْطَبِرْ كَمَا قِيلَ لأَصْحَابِ النَّاقَةِ اللَّهُمَّ إِنِ اتَّهَمُوهُ فَإِنِّي لا أَتَّهِمُهُ وإن استغشوه فإني لا أستغشه، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَأْمَنُهُ وَيُسِرُّ إِلَيْهِ، أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِيَدِهِ لَوْ أن أباذر قطع يميني ما أبغضته بعد مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [ «مَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ، وَلا أَطْبَقَتِ الْخَضْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ] » .
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «مَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ، وَلا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ أَحَدًا أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ» ] .
قالوا: وكان ينكر سيرة عثمان ويذمها، فأشخصه إلى الشام، فأظهر الطعن عليه بالشام، فكتب إليه معاوية بذلك فأمره أن يرده إلى المدينة، فجرى بينه وبين عثمان كلام، فأنزله الربذة.
ويقال إن أباذر اختار ألا يساكنه، وأن ينزل الربذة، فلما حضرت أباذر الوفاة أقبل ركب من الكوفة فيهم جَرِير بْن عَبْد اللَّهِ البجلي، ومالك بن الحارث بن عبد يغوث الأشتر النخعي، والأسود بْن يَزِيد بْن قَيْس النخعي أخي علقمة بن قيس الفقيه فِي عدة آخرين، فسألوا عَنْهُ ليسلموا عَلَيْهِ فوجدوه قد توفي، فحنطه جرير وكفنه، وصلى عليه ودفنه.
وقال بعضهم: صلى عَلَيْهِ الأشتر وحملوا امرأته حَتَّى أتوا بها المدينة،(11/127)
وكانت وفاة أبي ذر لأربع سنين من أيام عثمان رضي الله تعالى عنهما.
وكان الواقدي يقول: صلى على أبي ذر عبد الله بن مسعود وكانت وفاته بالربذة في ذي القعدة سنة إحدى وثلاثين.
وقالوا: كان أبو ذر نحيفا آدم، أبيض الرأس واللحية.
وحدثنا عفان بن مسلم، ثنا معتمر بن سليمان، عن أيوب. قال:
وحدثنا سليمان بن المغيرة، ثنا حُمَيْدُ بْنُ هِلالٍ أَنَّ رِفْقَةً خَرَجُوا مِنَ الْكُوفَةِ لِحِجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ فَأَتَوُا الرِّبْذَةَ فَبَعَثُوا رَجُلا يَشْتَرِي لَهُمْ شَاةً، فَأَتَى عَلَى خِبَاءٍ فقال: هل عندكم جزرة؟ فقالت أمرأة أبي ذَرٍّ: أَوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟. قَالَ:
وَمَا هُوَ؟ قَالَتْ: مَاتَ أَبُو ذَرٍّ وَالنَّاسُ خُلُوفٌ وليس عندي أحد يغسله ويجنه، وقد دعا أن يوفق الله له قَوْمًا صَالِحِينَ يُغَسِّلُونَهُ وَيَدْفِنُونَهُ، فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَأَعْلَمَهُمْ فَأَقْبَلُوا مُسَارِعِينَ، وَمَعَهُمُ الْكَفَنُ وَالْحَنُوطُ فَقَامُوا بِأَمْرِهِ حتى أجنوه.
حدثني النرسي عن معتمر عن أيوب بمثله.
ومن بني حارثة بن غفار:
إماء بن رحضة [1] بن خربة بن خلاف بن حارثة بن غفار، وبعضهم يقول إيماء بن رحضة، والأول قول الكلبي، وكانت لإماء بن رحضة صحبة، وأسلم قريبا من قدوم النبي صلى الله عليه وسلم الحديبية، وكان المشركون مروا به وهو مشرك وهم يريدون بدرا فأهدى لهم وعرض عليهم التقوية.
وابنه خفاف بن إماء كانت له صحبة، وروى خفاف: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الفجر، فلما رفع رأسه قال: [لعن الله لحيان ورعلا وذكوان، وأما
__________
[1] بهامش الأصل: إيماء بن رحضه وابنه خفاف رحمها الله.(11/128)
غفار فغفر الله لها» ] أو كما قال، وهذا الحديث يروى عن الحارث بن خفاف عن أبيه خفاف. ومخلد بن خفاف، وبعضهم يقول محمد بن خفاف.
وعبد الله. وعبد الرحمن ابنا أبي غرزة بن عمرو بن خربة بن خلاف بن حارثة قتلا مع الحسين بن علي بالطف.
وقيس بن أبي غرزة كانت له صحبة.
ومن بني حاجب بن غفار: عزة بنت جميل [1] بن حفص بن إياس بن عبد العزى بن حاجب بن غفار، التي كان كثير بن عبد الرحمن يشبب بها.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ كناسة أن وكيلا لعزة ابتاع لها ثيابا من غلام كان كثير قد أذن له في التجارة، فبقيت عليه من ثمنها فضلة فمطله بها فأنشد الغلام ذات يوم قول لكثير:
أرى كل ذي دين يوفي غريمه ... وعزة ممطول معنى غريمها [2]
فقال له وكيل عزة: إن التي ابتعت لها الثياب منك عزة، فقال الغلام: أما إذا كانت الثياب لها فلا والله لا قبضت من ثمنها شيئا، ورد عليه ما كان أخذ منه، فبلغ ذلك كثيرا فأعتق الغلام ووهب له ما كان في يده من المال.
ومن بني عبد الله بن غفار: آبي اللحم [3]
- من الإباء- كان لا يأكل ما ذبح للأصنام، وهو خلف بن مالك بن عبد الله بن غفار، ويقال إنه كان لا يأكل شيئا من اللحمان كما يفعل الرهبان، شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر،
__________
[1] بهامش الأصل: عزة صاحبة كثير.
[2] ديوان كثير ص 207.
[3] بهامش الأصل: آبي اللحم وابنه الحويرث رحمهما الله.(11/129)
وكان يسكن الصفراء [1] ، ولم يسكن مكة ولا المدينة.
ومن ولده: الحويرث بن عبد الله بن أبي اللحم، قتل مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم حنين، وأبو نويرة بن شيطان بن عبد الله بن آبي اللحم قتل يوم اليرموك.
ومن بني أحيمس بن غفار:
العقام. والعقيم،
وهما العقامان، وهما ابنا جنيدب بن أحيمس بن غفار، كانا من الفرسان، ولهما يقول الطفيل بن خالد بن الطفيل بن مدرك بن العقام.
إن العقامين هما ما هما ... ضاما أبيت اللعن براضا
ومنهم: معشر بن بدر بن أحيمس،
وكان بدر أبوه منيعا مستطيلا ذا كبر وفخر على من ورد عكاظ، فقعد في مجلسه بعكاظ يوما فبذخ على الناس وعلى رأسه راجز يقول:
نحن بنو مدركة بن خندف ... من يطعنوا في عينه لا يطرف
ومن يكونوا قومه يغطرف ... كأنهم لجة بحر مسدف
وبسط رجله وقال: أنا أعز العرب، فمن زعم أنه أعز مني فليضربها بالسيف، فضربها، الأحمر بن مازن أحد بني نَصْر بْن مُعَاوِيَة بْن بكر بْن هوازن على الركبة فأندرها، وقال: خذها إليك أيها المخندف، وقام رجل من هوازن فقال:
نحن ضربنا ركبة المخندف ... إذ مدها في أشهر المعرف
وقال الأحمر بن مازن:
__________
[1] الصفراء: واد من ناحية المدينة، كثير النخل والزرع والخير في طريق الحاج، بينه وبين بدر مرحلة. معجم البلدان.(11/130)
لما رأيت غفارا حافلين لدى ... بدر وأبرز عن رجل يعريها
ضربت ركبتها إذ مدها أشرا ... وقلت دونكها خذها بما فيها
فتهايج الحيان ثم تحاجزوا عن صلح واقتصاص، ولم تقع بينهم دماء، وحمل ما بينهم، وهذا كان أول الفجار. وقال بعضهم: إن معشر بن بدر هو الذي قطعت رجله، ومن قال هذا أنشد شعر أحمر بن مازن:
لما رأيت غفارا حول معشرهم ... وأنه مبرزا رجلا يعريها
ومنهم: خالد بن سيار [1] بن عبد عوف بن معشر بن بدر بن أحيمس سائق بدن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنهم: أبورهم [2] وهو كلثوم بن الحصين بن خالد بن معشر،
استخلفه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بعض غزواته، وأسلم أبورهم بعد قدوم النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وشهد أحدا وكان ينزل الصفراء أكثر ذلك، وله دار بالمدينة.
ومن بني غفار: أبو بصرة الغفاري،
روى عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قال: [ «إنا غادون إلى يهود فلا تبدأوهم بالسلام، وإن سلموا عليكم فقولوا: وعليكم» ] .
وابنه بصرة حمل عنه الحديث، وهو من أهل الشام.
ومن بني غفار: عباد بْن خَالِد الغفاري،
من أهل الصفة شهد الحديبية، ومات في أيام معاوية.
__________
[1] بهامش الأصل: خالد بن سيار رحمه الله.
[2] بهامش الأصل: أبو رهم رحمه الله.(11/131)
ومن بني غفار: كعب بن عمير [1]
بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذات أطلاح في سرية، فأصيب من معه، وتحامل حتَّى أتى المدينة.
ومن بني غفار: وهب بن حذيفة [2]
الذي روَى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: [ «إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به» .]
ومن بني غفار: يعيش بن طخفة،
ويقال طهفة، من أهل الصفة.
ومنهم أبو طهفة [3] الغفاري
الذي قال: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم يتعهد ضيفانه فوجدني مضطجعا على بطني فركضني برجله ثم قال: [إنها ضجعة يبغضها الله» .]
ومن بني غفار: سباع بن عرفطة [4]
استخلفه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بعض غزواته على المدينة.
ومنهم: رافع بن عمرو
صحب النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه.
ومنهم: جهجاه الغفاري [5]
كانت له صحبة، وهو أحد من ألب على عثمان رضي الله تعالى عنه وقد ذكرنا خبره.
وعراك بن مالك الغفاري
مات في زمن يزيد بن عبد الملك، وَرُوِيَ عَنْ عِرَاكٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قَالَ: [ «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النسب] » .
__________
[1] بهامش الأصل: عباد بن خالد وكعب بن عمير رحمهما الله.
[2] بهامش الأصل: وهب بن حذيفة رحمه الله.
[3] بهامش الأصل: طخفة وأبو طهفة رحمهما الله.
[4] بهامش الأصل: سباع بن عرفطة رحمه الله.
[5] بهامش الأصل: رافع بن عمرو، وجهجاه رحمهما الله.(11/132)
وكان ابنه خثيم بن عراك [1] على شرط المدينة في أيام أبي العباس،
وهو الذي حد ابن هرمة في السكر فقال ابن هرمة:
عققت أباك ذا نشب ويسر ... فلما أفنت الدنيا أباكا
علقت عداوتي هذا لعمري ... ثياب البر تلبسها عراكا
سأذكر من زغاوة فيك قوما ... هم صبغوا بصبغهم شواكا [2]
زغاوة من السودان، يقول عققته حين أيسرت، وكان خثيم يصلي في المسجد ذات يوم تطوعا فمر بين يديه مخنث فسبح ربه فقال المخنث وهو لا يعرفه: مالك يا مقيت سبحت في رأية قراصة، وغل قمل، فلما انفتل من صلاته أمر بالمخنث فضرب مائة سوط.
وحدثني الحرمازي قال: كان بالمدينة رجل يجمع بين الرجال والنساء على الفاحشة فرفع قوم أمره إلى خثيم بن عراك، فقال: ما الدليل على ما رفعتم؟ قالوا: الدليل أنه لا تحمل امرأة من مجمع المكارين على حمار إلا وافى بها الحمار منزله فقال خثيم: إن في هذا لدليلا فامتحنه فوجده كما قالوا فأمر بالرجل فشبح، فلما أرادوا ضربه قال: أصلح الله الأمير والله ما بي أن تضربني، ولكن أكره أن يقول أهل العراق: إن أهل المدينة أجازوا شهادة حمار، فضحك وخلاه.
وقال أبو اليقظان: كان منزل عراك بمصر وقدم على عمرو بن عبيد الله فارس، فقال زياد الأعجم:
يخبرنا أن القيامة قد أتت ... مجيء عراك يطلب المال من مصر
__________
[1] بهامش الأصل: عراك بن مالك وابنه خثيم.
[2] ديوان ابن هرمه البيتان الأولان فقط ص 161.(11/133)
وكم دون باب اليون إن كنت حاسبا ... إلى دار كسرى من فلاة ومن جسر [1]
وولد مرة بن عبد مناة بن كنانة:
مدلج بن مرة، بطن. وشنوق بن مرة. وشنظير بن مرة.
فولد مدلج: عمرو بن مدلج. وتيم بن مدلج. والحارث بن مدلج.
منهم سراقة [2] بن مالك بن جعشم الذي زعموا أن إبليس كان يأتي في صورته، وكانت قريش جعلت لمن اتبع النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ حين هاجرا، فقتلهما أو أتى بهما مائة ناقة فاتبعهما سراقة بن مالك فلما قرب منهما ساخت قوائم فرسه في الأرض، فطلب الأمان، وأخبر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم خبره، فكتب لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاب أمنة وموادعة في قطعة من أدم، فلم يزل الكتاب عنده حتَّى أتاه بِهِ وهو بين الطائف والجعرانة، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [هَذَا يوم بر ووفاء» .] وأسلم سراقة، وفي بعض الروايات أن سراقة بن مالك شهد خيبر مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يسكن قديد (وقيل إنه مات) [3] بعد قتل عثمان بيسير.
وحرملة بن جعشم [4] أبو عبد الله، روَى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقال إنه سافر معه أسفارا.
ومعن بن حرملة، كان سيد أهل مصر.
وأبو مالك بن كلثوم بن مالك بن جعشم كان شريفا بالشام.
__________
[1] شعر زياد الأعجم ص 122.
[2] بهامش الأصل: سراقة المدلجي رحمه الله.
[3] أضيف ما بين الحاصرتين من أسد الغابة لاستقامة السياق.
[4] بهامش الأصل: حرملة المدلجي رحمه الله.(11/134)
ومنهم علقمة بن مجزر [1] بن الأعور بن جعدة بن معاذ بن عتوارة بن عمرو بن مدلج، بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سرية في سنة تسع إلى مراكب للحبشة رأوها بالقرب من مكة في البحر فلم يلق كيدا، وبعثه عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه إِلَى الحبشة في جيش فهلكوا كلهم فقال جواس العذري يرثيه:
إن السلام وحسن كل تحية ... تغدو على ابن مجزر وتروح
والقصيدة طويلة، قالوا: وكان قائفا.
ومن ولده: عبيد الله وعبد الله ابنا عبد الملك بن عبد الرحمن بن علقمة اللذين مدحهما جواس فقال:
غدا همي علي فقلت لما ... غدا همي علي من اللذان
عبيد الله إذ أحبت [2] ركابي ... وعبد الله لا يتواكلاني
كريما خندف نميا وشبا ... على نمطي مقابلة حصان
وولد عامر بن عبد مناة بن كنانة:
مبذول بن عامر. وقعن بن عامر.
وجذيمة، وهما الزندان. وعوف بن عامر. فبنو جذيمة بن عامر أصحاب يوم الغميضاء [3] الذين توجه إليهم خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي، فأظهروا الإسلام فلم يلتفت إلى ذلك ووضع فيهم السيف وأمرهم أن يستأسروا، فبعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي بن أبي طالب عليه بمال صرفه إليهم،
__________
[1] بهامش الأصل: علقمة بن مجزر رحمه الله.
[2] أحب البعير: برك ولم يثر، أو أصابه كسر أو مرض فلم يبرح مكانه حتى يبرأ أو يموت.
القاموس.
[3] بهامش الأصل: الغميضاء ماء لهم.(11/135)
وأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عن خالد ثم رضي عنه فقال عبد الرحمن بن عوف الزهري لخالد: إنما ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة، ولم يكن أمر القوم على ما وصفت.
وكان نفر من قريش مروا ببني جذيمة في الجاهلية، وفيهم الفاكه بن المغيرة وعوف بن عبد عوف. وعفان بن أبي العاص بن أمية، وكان مع القرشيين رجل من ثقيف، فسألهم رجل من بني جذيمة: من أنتم؟
فقالوا: نفر من قريش ومعنا هذا الثقفي. فقال الرجل: فإن ثقيفا قتلت أخي، وو الله لأقتلنه به، فقال القرشيون: إذا نحول بينك وبينه فاستغاث بقومه فجاؤوا من كل ناحية فمانعهم القرشيون فقاتلوهم حتى قتل القرشيون جميعا، وقتل الثقفي أيضا معهم. وقيل فيمن قتل خالد فيها:
وكائن ترى يوم الغميضاء من فتى ... أصيب ولم يجرح وقد كان جارحا
وكان فيمن سبى خالد من بني جذيمة امرأة اسمها حبيش وكان رجل منهم يتعشقها فقال: ألا اسلمي حبيش على نكد العيش، فقالت حين بلغها قوله: وأنت فاسلم عشرا، وتسعا وترا، وثلاثة تترى.
وقال الرجل:
أريت إذا أدركتكم فلحقتكم ... بحنوة أو أدركتكم بالخوانق
أما كان حقا أن ينوك عاشق ... تكلف أهوال السرى والدقائق
فلا ذنب لي قد قلت إذ أهلنا معا ... أثيبي بود قبل إحدى الصفائق [1]
ومن بني جذيمة: بنو مساحق بن أقرم بن جذيمة بن عامر وهم النفر الشباب الذين اتبعوا الظعن.
__________
[1] الخبر والشعر في سيرة ابن هشام ج 2 ص 879- 880.(11/136)
وولد الحارث بن عبد مناة بن كنانة:
عمرو بن الحارث، وهو الأحمر. ومبذول بن الحارث. والرشد بن الحارث، وكان يقال لهم بنو غوي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ «أنتم بنو الرشد» ] وهو الراعي، وعوف بن الحارث وهو ذو الحلة [1] وإليه أوصى الحارث.
منهم: عمرو وهو أبو معيط وهو مسك الذئب وهو السياح بن عامر بن عوف بن الحارث. وأخوه تيم الذي عقد حلف بني المصطلق والحيا من خزاعة. ومسك الذئب الذي عقد حلف الأحابيش [2] إلى قريش.
والأحابيش الذين تحبشوا واجتمعوا وهم: بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وبنو نفاثة بن الديل، وبنو الحيا من خزاعة، والقارة من بني الهون بن خزيمة.
ومنهم الحليس بن علقمة بن عمرو بن الأوقح بن جذيمة رئيس الأحابيش يوم أحد، وعمرة بنت الحارث بن الأسود بن عبد الله بن عمر التي رفعت اللواء يوم أحد لقريش، ولها يقول حسان بن ثابت:
لولا لواء الحارثية أصبحوا ... يباعون في الأسواق بالثمن الكسر [3]
وقال أيضا:
عمرة تحمل اللواء وصدت ... عن صدور القنا بنو مخزوم [4]
ومنهم: المغفل بن عبد يا ليل بن خزامة بن زهرة بن مالك بن عوف- وهو المرقع الأكبر- بن الحارث بن عبد مناة.
__________
[1] بهامش الأصل: لبس حلة يمانية غنمها.
[2] بهامش الأصل: الأحابيش.
[3] ديوان حسان ج 1 ص 480.
[4] ديوان حسان ج 1 ص 41- 43.(11/137)
ومن ولده: الحليس بن عمرو بن الحارث بن المغفل الذي ذكره تأبط شرا فقال:
ولا بابن وهب منهب القوم ماله ... ولا بالحليس وسط آل المغفل
ومنهم طارق بن المرقع، وهو علقمة بن عريج بن جذيمة بن مالك بن سعد بن عوف صاحب الدار بمكة.
وولد مالك بن كنانة بن خذيمة: ثعلبة بن مالك. والحارث بن مالك. وحداد بن مالك. وشعل بن مالك. وساعدة بن مالك.
وحساحسة، أو حساسة، شك هشام ابن الكلبي.
فولد ثعلبة: غنم بن ثعلبة.
فولد غنم: فراس بن غنم بطن. والحارث بن غنم بطن.
وعمرو بن غنم بطن. والنابغة بن غنم بطن. وبجيل بن غنم. وفلاق بن غنم بطن.
فولد فراس: علقمة وهو جذل الطعان، والحارث بن فراس.
ومالك بن فراس درج.
فولد علقمة بن فراس: جذيمة بن علقمة. وفرع بن علقمة، أمهم رهم بنت عبد الله بن هبل من كلب بن وبرة.
ومنهم ربيعة بن مكدم بن عامر بن جدبان بن جذيمة. وبنو المطلب بن جدبان بالكوفة، وهم الأطباء آل الأبجر.
ومنهم: حملة بن حوية بن عبد الله بن نضلة بن هلال بن عامر بن عمرو بن دهمان بن الحارث بن فراس كان على بيت مال علي عليه السلام بالكوفة، وكان الذي قتل ربيعة بن مكدم نشيبة بن حبيب يوم الكديد،(11/138)
وكان يوما لقيت فيه بنو كنانة قوما من هوازن بن منصور وسليم بن منصور، ونشيبة بن حبيب سلمي فلما ضرب ربيعة قال ربيعة:
شدي على العصب أم سيار ... فقد رزئت فارسا كالدينار
وأم سيار أمه. فقالت أمه:
إنا بنو ثعلبة بن مالك ... مرزّءو أخيارنا كذلك
من بين مقتول وبين هالك ... وهل يكون الموت إلا ذلك
وقالت أم عمرو بن مكدم ترثيه:
ما بال عينك منها الدمع مهراق ... سحا فلا غائض منها ولا راق
أبكي على هالك أودى وأورثني ... بعد التفرق حزنا حره باق
لو كان يرجع ميتا وجد ذي رحم ... أبقى أخي سالما وجدي وإشفاقي
فقتل أخوه أبو الفارعة بن مكدم رجلا من بني سليم، فقال أبو الفارعة:
تجاوزت هندا رغبة عن قتاله ... إلى مالك أعشو إلى ضوء مالك
وأيقن أني ثائر بابن مكدم ... غداتئذ أو هالك في الهوالك
فدي لكم أمي وأمكم لكم ... ببرزة إذ تخبطهم بالسنابك
وقال عمرو بن شقيق بن سلامان بن عبد العزى أحد بني الحارث بن فهر:
لا يَبْعُدَنَّ رَبِيعَةُ بْنُ مُكَدَّمٍ ... وَسَقَى الْغَوَادِي قبره بذنوب
وقد تقدمت هذه الأبيات في كتابنا.
وروي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: وقع بين بني سليم بن(11/139)
منصور وبين بني فراس بن مالك بن كنانة تدارؤ [1] ، فقتلت بنو فراس رجلين من بني سليم، ثم ودوهما، فلما كان بعد حين خرج نشيبة بن حبيب السلمي في ركب من قومه، فلما كانوا بالكديد بصر بهم نفر من بني فراس فيهم عبد الله بن جذل الطعان، والحارث بن مكدم، وأبو الفارعة وربيعة بن مكدم فتوجه ربيعة نحو القوم ليعرف خبرهم، وجعل يقول وسمع امرأة من أهله يقال إنها أم عمرو بنت مكدم:
لقد علمن أنني غير فرق ... لأطعنن طعنة وأعتنق
وأصبحنهم حين تحمر الحدق ... عضبا حساما وسنانا يأتلق
ثم انطلق يعدو به فرسه فحمل عليه بعض القوم فاستطرد له ثم قتله ربيعة ورمى نشيبة ربيعة أو طعنه فلحق بمن كان معهم من الظعن يستدمي فقال لأمه:
شدي على العصب أم سيار ...
الأبيات، وأجابته أمه بالأبيات الكافية. ورثى الفهري ربيعة.
وقال كعب بن زهير:
أبلغ كنانة غثها وسمينها ... النازلين رباعها بالقاطن
إن المذلة أن تظل دماؤكم ... ودماء عوف تقتضى بضغائن [2]
وولد الحارث بن مالك بن كنانة: ثعلبة بن الحارث، وعمرو بن الحارث.
فولد ثعلبة: عامر بن ثعلبة. وعوف بن ثعلبة. والريم بن ثعلبة.
__________
[1] تدارأوا: تدافعوا في الخصومه. القاموس.
[2] ليسا في ديوان كعب المطبوع انظر ص 101- 102- ط. بيروت 1987.(11/140)
وسرين بن ثعلبة. وصهيب بن ثعلبة. ولبوان بن ثعلبة.
فولد عامر بن ثعلبة: عدي بن عامر. ومخدج بن عامر وهو الحارث.
وسعد بن عامر، وهم حلفاء في بني مخدج. وعبد الله بن عامر.
فولد عدي بْن عامر بْن ثعلبة بْن الْحَارِث بْن مالك بن كنانة:
فقيم بن عدي،
بطن، وحشيش بن عدي وهم قليل. وقيس بن عدي، هلكوا في أول الإسلام.
فمن بني فقيم:
جنادة وهو أبو ثمامة وهو القلمس بن عوف بن قلع بن حذيفة بن عبد بن فقيم نسأ [1] الشهور أربعين سنة،
وهو الذي أدرك الإسلام منهم، وكان أول من نسأ: قلع، نسأ سبع سنين، ونسأ أمية إحدى عشرة سنة. وكان أحدهم يقوم فيقول: إني لا أحاب ولا أعاب ولا يرد قولي، ثم ينسأ الشهور وهذا قول هشام ابن الكلبي.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ كِنَاسَةَ عَنِ مشايخه قالوا: كانوا لا يحبون أن يكون يوم صدورهم عن الحج في وقت واحد من السنة فكانوا ينسئونه، والنسء التأخير، فيؤخرونه في كل سنة أحد عشر يوما، فإذا وقع في عدة من أيام ذي الحجة جعلوه في العام المقبل لزيادة أحد عشر يوما من ذي الحجة، ثم على تلك الأيام يفعلون كذلك في أيام السنة كلها، وكانوا يحرمون الشهرين اللذين يقع فيهما الحج والشهر الذي بعدهما ليواطئوا في النسء بذلك عدة ما حرم الله، وكانوا يحرمون رجبا كيف وقع الأمر، فيكون في السنة أربعة أشهر حرم.
وقال عمرو بن بكير: قال المفضل الضبي: يقال لنسّاءة الشهور
__________
[1] بهامش الأصل: النسء.(11/141)
القلامس، وأحدهم قلمس وهو الرئيس المعظم، وكان أولهم حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدي بْن عامر بْن ثعلبة بْن الْحَارِث بْن مالك بن كنانة، ثم ابنه قلع بن حذيفة ثم عباد بن قلع، ثم قلع بن عباد بن قلع، ثم أمية بن قلع ثم عوف بن أمية، ثم جنادة بن أمية بن عوف بن قلع.
قال وكانت خثعم وطيء لا يحرمون الأشهر الحرم فيغيرون فيها ويقاتلون، فكان من نسأ الشهور من النسّاءين يقوم فيقول: إني لا أحاب ولا أعاب ولا يرد ما قضيت به، وإني قد أحللت دماء المحلين من طيّئ وخثعم فاقتلوهم حيث وجدتموهم إذا عرضوا لكم.
وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: حَجُّوا فِي ذِي الْحِجَّةِ عَامَيْنِ، ثُمَّ حَجُّوا الْمُحَرَّمَ عَامَيْنِ، ثُمَّ حَجُّوا فِي صَفَر عَامَيْنِ، حَتَّى وَافَتْ حَجَّةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ وَذَلِكَ قَبْلَ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَامٍ لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ فِي قَابِلٍ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَةِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ» ] .
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ كِنَاسَةَ عَنِ أشياخه: كانوا يكرهون أن يسموا المحرم إذا أحلوا محرما فيسمونه صفر الأول، ويسمون صفرا الصفرين.
وحدثني إسحاق الفروي، ثنا سفيان بن عبيد عن عمرو بن دينار عن طاووس: أن أهل الجاهلية كانوا يقولون للمحرم صفرا فيحلونه عاما ويحرمونه عاما، فجعله الله مَحْرَمًا.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ كناسة قال: كانوا إذا حجوا في(11/142)
شوال وذي القعدة حرموا ذا الحجة وأحلوا المحرم، فقال القلمس: إني لا أحاب ولا أعاب ولا يرد ما حكمت به، اللهم إني قد أحللت أحد الصفرين، وهو الأول منهما.
وأنشدني عبد الله بن صالح لبعض القلامس:
لقد علمت عليا كنانة أننا ... إذا الغصن أمسى مورق العود أخضرا
أعزهم سربا وأمنعهم حمى ... وأكرمهم في أول الدهر عنصرا
وإنا أريناهم مناسك دينهم ... وحزنا لهم حظا من الخير وافرا
وإن بنا يستقبل الأمر مقبلا ... وإن نحن أدبرنا عن الأمر أدبرا
وقال بعض بني أسد:
لهم ناسئ يمشون تحت لوائه ... يحل إذا شاء الشهور ويحرم
وكانت العرب إذا حجت قلدت الإبل النعال، وألبستها الجلال فلا يعرض لها أحد إلا خثعم، فقال بعض الشعراء:
وخشيف [1] ما خشيف تلكم ... وهممنا بخشيف كل هم
تلك شهران وتلكم ناهس ... حلل الله أذاهم ثم عم
غارة قد شنها فرسانهم ... حرم الشهر وفي غير الحرم
ولقي أنس بن مدرك الخثعمي عبد الله بن الحارث الهمداني فسلبه فقال:
وما رحلت من سرو حمير ناقتي ... ليحجبها عن دون بيتك حاجب
تعلم مليك الله أن ابن مدرك ... لأمثالها إن لم تنكله آئب
أرى أنسا قد صدنا بسفاهة ... عن البيت إذ أعيت عليه المكاسب
__________
[1] خشيف: ذاهب في الأرض والماء جمد، والبرد اشتد. والدليل الماضي. القاموس.(11/143)
وقال التوزي النحوي: قال أبو زيد الأنصاري: كانوا يحرمون إذا حرموا أربعة أشهر من السنة ليواطئوا عدة ما حرم الله ويحلون غيرها مما حرم الله.
وقال عمير بن قيس بن جذل الطعان:
ألسنا الناسئين على معد ... شهور الحل نجعلها حراما
وقال أبو اليقظان: كان من ولد القلمس رجل مع عبد الملك بن مروان، فعاب عَمْرو بْن الْوَلِيد بْن عقبة بْن أَبِي معيط، فبلغ ذلك عمرا، فقال عمرو:
وانبئت أن ابن القلمس عابني ... ومن ذا من الناس البريء الْمُسَلَّمُ
تبين سبيل الرشد سيد قومه ... فقد يُبصر الرشد الرئيس المعَمَّمُ
فَمَنْ أنتُمُ إنا علمنا من أنتم ... وقد جعلت أشياء تبدو وتكتم
ومنهم: جهور بن جندب بن ظرب بن أمية بن عوف، كان صاحب اللواء يوم صفين.
ومن بني مخدج بن عامر: علقمة بن صفوان بن محرث بن حمل بن شق بن رقبة بن مخدج، وهو حليف لبني عبد شمس، وهو جد مروان بن الحكم أبو أمه.
فولد علقمة: نافع بن علقمة، أمه ابنة نافع بن الحارث. وكان نافع بن علقمة على مكة من قبل عبد الملك بن مروان والوليد، وداره بين الصفا والمروة وله عقب.
وولد عمرو بن الحارث بن مالك:
الفاكه بن عمرو النواح واسمه نصر. والشرخي بن عمرو، وعبس بن عمرو.(11/144)
منهم: عبد الرحمن بن الرماحس بن الرسارس بن السكران بن واقد بن وهيب بن هاجر بن عرينه بن وائلة بن الفاكه بن عمرو.
والرماحس بن عبد العزيز بن الرماحس بن الرسارس كان على شرطة مروان بن محمد، فيقال إنه لما قتل مروان بن محمد استخفى فمات مستخفيا، وقيل إنه مضى مع ولده إلى الحبشة فهلك هناك، ويقال إنه قتل في المعركة، ويقال إن بني العباس ظفروا به وهو مستخف فقتل والله أعلم.
وقال الحرمازي: استخفى فأمن وظهر.
ومنهم أبو زهير بن ثواب بن سلمة بن ضبيس بن عبد عوف بن الحارث بن الضمري، واسمه عمرو بن الفاكه، وهو حليف المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم، فتزوج هند بنت عقبة بن أبي معيط، فولدت له:
عبد الله. وعبيد الله. وعبد الرحمن وهم بالجزيرة فقهاء، وقد ولي القضاء بها قوم منهم.
ومن بني بحديد بن الفاكه: مسلم بن عامر بن ربيعة حليف بني جمح.
ومن بني مالك بن كنانة:
بنو شبابة وهم ينزلون اليمن وإليهم ينسب العسل الشبابي.
وولد ملكان وغير الكلبي يقول
ملكان بن كنانة:
حرام بن ملكان.
وثعلبة بن ملكان وسعد بن ملكان. وأسيد بن ملكان. وغنم بن ملكان.
منهم: آل ينفع بن حثمة بن عامر بن الحارث بن عبد مناة بن علي بن ودمه بن عمرو بن سعد بن كدادة بن غنم، وإليهم ينسب البيت من بني ملكان.(11/145)
ومن ولده: عبد الله بن ينفع، سماه سليمان بن عبد الملك الأمين.
وقال أبو اليقظان: قال علي بن أبي طالب لأهل الكوفة: وددت أن لي بكم ألف فارس من بني فراس بن غنم بن ثعلبة من بني مالك بن كنانة.
قال: ومن بني فراس: هشام بن خلف بن قواله، كان شريفا في الجاهلية وهو الذي بال على رأس النعمان بمكة وكان قد ترك عبادة الأصنام وتنصر.
فمن ولد هشام بن خلف بن قواله: آل القعقاع بن حكيم: وهم بالبصرة، وأم القعقاع بن حكيم ابنة عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي بكر، وأم حكيم رميثة بنت الحارث من بني مالك بن كنانة ثم من بني فراس، وقد روت عن عائشة، وأم عبد الرحمن بن أبي بكر، وعائشة: أم رومان بنت الحارث من بني فراس.
قال: وكان جذل الطعان فارس العرب وهو الذي يقول:
بني أسد أغنوا سليما لديكم ... ستغني تميم عندها غطفانا
ونحن سنغني الجذم جذم هوازن ... ونوسعهم يوم اللقاء طعانا
وكونوا كمن آسي أخاه حياته ... نعيش جميعا أو يموت كلانا
المدائني قال: دلست على أبي المتوكل الناجي عجوز من بني فراس فلما رفع الستر نظر إلى عجوز منقبضة الوجه كأن عارضها عارض خنزير، وكأن فمها فم سنور، فقالت له: لا تعجل فإن لك عندنا خلالا ثلاثا: حسبا غير شائن، وشكرا لما يكون منك، وحفظا لمالك عليك. فقال:(11/146)
إن امرأ كانت عجوزا ضجيعه ... يعاني بها فوق الفراش السلاسل
خذي نصف مالي واتركي لي نصفه ... وبيني ثلاثا قبل ما أنا فاعل
له الويل منها حين يسمع جرسها ... ولو كثرت في معصميها الجلاجل
تم نسب كنانه(11/147)
بسم الله الرحمن الرحيم
نسب بني الهون بن خذيمة بن مدركة
وولد الهون- مفتوح الهاء- بن خزيمة: مليح بن الهون.
فولد مليح: ييثغ بن مليح بن الهون. والحكم وهو قليل دخلوا في مذحج قالوا: نحن بنو الحكم بن سعد العشيرة وهم رهط الجراح بن عبد الله الحكمي. والله أعلم. فولد ييثغ: عائذة بن ييثغ. وسعد بن ييثغ.
فولد عائذة: غالب بن عائدة. وسعد بن عائذة. فولد غالب:
جندلة بن غالب. ومحلم بن غالب. وعامر بن غالب. وشجب بن غالب.
فولد محلم بن غالب: عبد العزى. وحلمة بن محلم وهم الأبناء.
والديش بن محلم. والدئل بن محلم- مهموز على مثال الدعل.
فولد الديش بن محلم: عضل بن الديش. والأيسر بن الديش.
فبنو محلم بن الديش كلهم يسمون القارة [1] غير ولد عضل. وقد يقال إن ولد عضل قارة أيضا، ويقال أن المسلمين جعلوا يقولون في يوم الخندق أو غيره:
__________
[1] بهامش الأصل: القارة.(11/149)
يا رب إلعن عضلا والقارة ... لولاهم لم نحمل الحجارة
وكان يعمر الشداخ الليثي أراد أن يفرق أولئك في بطون كنانة فقال رجل منهم:
دعونا قارة لا تنفرونا ... فنجفل مثل إجفال الظليم
أي دعونا مجتمعين. والقارة: جبيل صغير، وكان بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة مضطغنين على قريش إخراج قصي بن كلاب إياهم عن مكة، وقسمتها رباعا بين قريش، فلما كان زمن عبد المطلب وكثر بنو بكر هموا بإخراج قريش عن الحرم أو نزوله معهم، فجمعت قريش واستعدت، وعقد عبد المطلب الحلف بين قريش والأحابيش، وهم بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وبنو نفاثة بن عدي بن الديل بن كنانة، وبنو الحيا من خزاعة، والقارة من ولد الهون بن خزيمة، وبنو عضل بن الديش بن محلم من بني الهون أيضا، فلقوا بني بكر ومن لافهم وضوى إليهم. وعلى قريش عبد المطلب بن عبد مناف، وكان على الأحابيش الحليس فاقتتلوا بذات نكيف [1] فانهزمت بكر وقتلوا قتلا ذريعا، وبارز يومئذ عبد بن سفاح القاري قتادة بن قيس أخا بلعاء بن قيس، فطعنه عبد فقتله، فقال عبد وهو ابن السفاح:
يا طعنة ما قد طعنت مرشة ... قتادة حين الخيل بالقوم تخنف
وكان قتادة قال لقومه: ارموهم بالنبل، فإذا فنيت فشدوا عليهم بالرماح، وكانت القارة رماة يقال لهم رماة الحدق، فقال قائل منهم: قد أنصف القارة من راماها. فذهبت مثلا.
__________
[1] ذو نكيف: موضع من نواحي مكة. معجم البلدان.(11/150)
فمن القارة: مسعود بن عامر رضي الله تعالى عنه ابن ربيعة بن عمرو بن سعد بن عبد العزى بن محلم بن غالب بن عائذة بن ييثغ بن مليح. والناس ينسبونه إلى جده فيقولون: مسعود بن ربيعة، ومنهم من يقول مسعود بن الربيع، وكنية مسعود أبو عمير، ويعرف بالقاري.
قالوا: أسلم قبل دخول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم دار الأرقم للدعاء فيها، وكان إسلامه مع أبي عبيدة بن الجراح وعدة من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتوه جميعا فأسلموا، وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مسعود وبين عبيد بن التيهان. وشهد مسعود بدرا، وأحدا، وجميع المشاهد مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عنه ومات في سنة ثلاثين، وقد زاد سنه على ستين سنة وله عقب، وكان موته بالمدينة، ويقال بالشام.
ومن القارة: عبد الرحمن بن مُحَمَّد بن عَبْد الله بن عَبْد أبو محمد، روي عنه الحديث، وبقي إلى خلافة أبي جعفر المنصور.
ومنهم: عبد الله بن عثمان بن خثيم القاري حليف بني زهرة، توفي في خلافة أمير المؤمنين أبي العباس.(11/151)
نسب بني أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر
ولد أسد بن خزيمة:
دودان بن أسد.
وكاهل بن أسد. وعمرو بن أسد. وصعب بن أسد. وحلمة بن أسد، وهم بيت مع بني جذيمة بْن مالك بْن نصر بْن قعين، وأمهم أودة بنت زيد بن ليث بن أسلم بن الحاف بن قضاعة.
فولد دودان بن أسد:
ثعلبة بن دودان.
وغنم بن دودان، وهم حلفاء في بني عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، وأمهما الرباب بنت نهد بْنِ زَيْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ سَوْدِ بْنِ أسلم بن الحاف بن قضاعة.
فولد ثعلبة بن دودان:
الحارث بن ثعلبة.
وسعد بن ثعلبة، وأمهما سلمى بنت مالك بن نهد من قضاعة ولهم يقول عمرو بن شأس:
إن بني سلمى رجال جلة ... شم الأنوف لم يساموا الذله
مستحقبين حلق الأسله [1]
ومالك بن ثعلبة. وغنم بن ثعلبة وأمهما بنت ذي الحوضين، واسمه الحسحاس من غسان، والثعلبية بطريق مكة من الكوفة نسبت إلى بني ثعلبة بن دودان.
__________
[1] الأسل: الرماح والنبل. القاموس.(11/153)
فولد الحارث بن ثعلبة:
قعين بن الحارث بن ثعلبة.
وسعد بن الحارث، وأمهما الصدوق بنت سعد بن ضبة بن أدة. ووالبة بن الحارث بن ثعلبة، وأمه ابنة والبة بن الديل بن سعد مناة بن غامد، وهو عمرو بن عبد الله من بني نصر من الأزد.
فولد قعين بن الحارث بن ثعلبة:
عمرو بن قعين.
ونصر بن قعين.
وكلفة بن قعين وهو عبس، وكان قد حزبه أمر فقال: إنه لأمر ذو مؤونة وكلفة فسمي كلفة، وأمهم سلمى بنت مالك بن غنم بن دودان.
فولد عمرو بن قعين.
طريف بن عمرو.
والصيد بن عمرو.
وكعب بن عمرو وهو دبير، وإنما سمي كعب دبير لأنه حمل شيئا ثقيلا فأدبر ظهره، وبنو دبير يقولون أنه أدبره السلاح لكثرة حمله إياه. وعبد الله بن عمرو بن قعين، وأمهم أميمة بنت شقرة بن ربيعة بن ثعلبة بن سعد بن ضبة، ويقال هند بنت زيد مناة بن تميم.
فولد طريف بن عمرو بن قعين:
فقعس بن طريف بن عمرو بن قعين.
ومنقذ بن طريف وأمهما من بني كنانة بن خزيمة. وأعيا بن طريف واسمه الحارث. وقيس بن طريف، وأمهما عويفة بنت نمير بن أسامة بن نصر بن قعين.
حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه قال أخبرني أبي قال: كانت حية بنت عامر بن مالك بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان عند فقعس بن طريف فطلقها وهي حبلى، فتزوجها رواحة بْن ربيعة بْن مازن بْن الحارث بن قطيعة بن عبس بن بغيض، فولدت له جذيمة بن فقعس، فتبناه رواحة فنسب إليه، ومات فقعس فأتى(11/154)
جذيمة عمه الحارث بن طريف بن عمرو بن قعين فقال له: أعطني ميراثي من أبي فقال: مالك عندي شيء. قال: فاعطني سيفه. قال: لا، قال:
فرمحه. قال: لا. قال: فقدره. قال: لا. قال جذيمة: لقد أعيا علي عمي كل الإعياء. فسمي الحارث أعيا.
وحدثت عن أبي اليقظان بنحو هذا، وقال الشاعر:
تقاعس حتى فاته المجد فقعس ... وأعيا بنو أعيا وضل المضلل
ويقال إن فقعسا مات عن حية، فخلف عليها رواحة فولدت له جذيمة عنده، فلما ترعرع طلب ميراثه، والله أعلم.
وقال بعثر أحد بني فقعس لبني جذيمة:
وإنا نرى أقدامنا في نعالكم ... وآنافنا بين اللحى والحواجب
وأعناقنا لا نستطيع انتزاعها ... تلوونها بين اللهى والترائب
وما ولدتكم حية ابنة مالك ... سفاحا وما كنتم أحاديث كاذب
ولكن أبوكم فقعس قد علمتم ... ومنصبكم إن صرتم للمناصب
فولد فقعس بن طريف:
جحوان بن فقعس.
ودثار بن فقعس، ونوفل بن فقعس. ومنقذ بن فقعس، وحذلم بن فقعس، سمي حذلما لكثرة كلامه، وكان دثار راعي امرئ القيس بن حجر الكندي وإياه يعني في قوله:
كأن دثارا حلقت بلبونه ... عقاب ينوف لا عقاب القواعل [1]
فولد جحوان بن فقعس:
الأشتر بن جحوان
وأمه غني- خفيفة- وقد ثقلها بعضهم في الشعر فقال:
__________
[1] ديوان إمرئ القيس ص 146.(11/155)
بني غني لا تبغوا علينا ... فإن عواقب البغي الثبور
ومنقذ بن جحوان وأمه ابنة عمير بن نصر بن قعين.
فمن بني الأشتر بن جحوان:
عمرو بن نضلة
الذي آلى أن يطعم رفقة كان فيها السويق والتمر، فبعث من يأتيه بذلك، فأبطأ رسوله، فرحلت امرأة من بني محارب كانت في الرفقة فاتبعها حتى ردها وقال:
يا ربة العير رديه لمربعه ... لا تظعني فتهيجي الناس للظعن
وخالد بن نضلة بن الأشتر، وهو خالد المهزول.
وقال ابن الكلبي: سمي المهزول لأنه نظر إلى تيس يعتلف ولحيته تتحرك فقال: أأرضى بأن تتحرك لحيتي كما تتحرك لحية هذا التيس فترك كثيرا من الأكل، وجعل يقنع بالشيء يحسوه والشيء يمضغه مما يهون مضغه فهزل جدا فدعي المهزول، وقتله بعد عمرو بن هند ملك الحيرة وقتل خالد بن المضلل الأسدي وكانا نديميه ففخرا عليه وهو سكران فقتلهما، ثم ندم فبنى عليهما الغريين [1] .
وقال غير الكلبي: رأى خالد التيس يعتلف أنف أن تتحرك لحيته كتحرك لحية التيس، فترك الأكل فسقط وعرضت له الخلفة حتى خرج سرمه، فجاء غراب فجعل يمده وجعل يقول له: يا غراب جر، فلتجرن بسرم رجل كريم.
وقال أبو اليقظان: إنه ترك الأكل حتى مات وقال الأسود بن يعفر [2] :
__________
[1] بهامش الأصل: الغريين. والغري: نصب كان يذبح عليه العتائر، والغريان بناءان كالصومعتين بظاهر الكوفة. معجم البلدان.
[2] شاعر متقدم من شعراء الجاهلية. الأغاني ج 13 ص 15- 28.(11/156)
ومن قبل مات الخالدان كلاهما ... عميد بني جحوان وابن المضلل
يعني خالد بن نضلة بن الأشتر وهو المهزول وخالد بن المضلل الأسدي. وقال بعض ولده:
وجدي خالد المهزول حسبي ... به في كل مكرمة زعيما
ومنهم: المرار بن سعيد بن حبيب بن خالد بن نضلة،
وأمه دره بنت مروان بن قيس بن منقذ.
ومنهم: طليحة بن خويلد بن نوفل بن نضلة بن الأشتر بن جحوان،
وكان يعدل- فيما يقولون- بألف فارس، وهو الذي ادعى النبوة، فاتبعه بنو أسد، وأتاه عيينة بن حصن في سبعمائة من فزارة فصار معه، وكان طليحة يكنى أبا حبال وكان ببزاخة، وبزاخة ماء لبني أسد، فوجه إليه أَبُو بَكْر الصديق رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي فسار خالد إليه، وعلى مقدمته عكاشة بن محصن الأسدي، وثابت بن أقرم البلوي حليف الأنصار فلقيا حبال بن خويلد أخا طليحة فقتلاه، وخرج طليحة وأخوه سلمة وهما الطليحتان إليهما فقتلاهما، فقاتله خالد ومن معه من المرتدين أشد قتال، وصبر المسلمون، وأتاه عيينة بن حصن فقال: إنا كنا مع محمد، فكان جبريل يأتيه بخبر السماء فهل أتاك جبريل؟ فقال: نعم قد أتاني فقال لي: إن لك رحى كرحاه، ويومًا لا تنساه. فقال عيينة: أرى والله أن لك يوما لا تنساه، فانهزم عيينة فأسر، وانهزم أصحاب طليحة وتفرقوا عنه ودخل طليحة خباء له فاغتسل ثم أتى مكة معتمرا وأتى المدينة مسلما، ويقال بل أتى الشام فلما قدم المسلمون الشام وجهوا به إلى أبي بكر، وهو مسلم فقال له عمر: ويحك قتلت الرجلين الصالحين:(11/157)
عكاشة بن محصن وابن أقرم. فقال: ذانك رجلان سعدا بي ولم أشق على أيديهما وقد رزق الله الإسلام، وكنت يومئذ فتى ضلال، وأنا اليوم شيخ إسلام، فقال له عمر: فعلت وفعلت وقلت وقلت فقال: إن ذلك من فتن الكفر الَّذِي هدمه الإِسْلام كله فلا تعنيف علي ببعضه، فأسكت عمر رضي الله عنه.
وكان من سجع طليحة: إن اللَّه لا يصنع بتعفير وجوهكم وقبح أدباركم شيئا، فاذكروه أعفة قياما فإن الرغوة فوق الصريح. وكان منه قوله: الملك الجبار نصفه ثلج ونصفه نار. ومنه: والسائرات خببا، والراكبين عصبا على قلائص صهب وحمر لأجمعن شملا ولأبددن شملا.
ووجهه عمر رضي الله تعالى عنه فيمن وجهه إلى العراق، فأبلى في فتوح العراق. وأشخصه إلى نهاوند فكفى ناحية وكل بها وشخص إلى آذربيجان فمات هناك، ويقال بل قدم فمات في قومه. والله أعلم.
ومن ولد طليحة: مالك بن أبي حبال، الذي يقول له الشاعر:
إذا كنت مختبطا بليل ... فنبه مالك بن أبي حبال
فتى يزجى المطي على وجاه ... ويصبر عند مختلف العوالي
ومنهم: أبو مهوش، وهو ربيعة بن حوط بن رئاب بن الأشتر بن جحوان الذي يقول:
فلئن يسرك من تميم خصلة ... فلما يسوءك من تميم أكثر
قد كنت أحسبكم أسود خفية ... فإذا لصاف يبيض فيه الحمر
وقال أيضا:
ألا أبلغ لديك بني تميم ... فانكم فشيشة أجمعونا(11/158)
والفش: السرقة ولصاف: ماء لبني نهشل فقال نهشل بن جري يرد على أبي مهوش:
قبح الإله الفقعسي ورهطه ... ما نص في السهب المطايا الضمر
ضمن القنان لفقعس سوءاتها ... إن القنان لفقعس لمعمر
عيرتنا أن باض حمر أرضنا ... وبأي أرض لا يبيض الحمر
فحدثني المدائني أن الفرزدق مر بمضرس بن ربعي الأسدي وهو ينشد بالمربد فقال: يا أخا بني فقعس ما فعل المعمر؟ فقال: بلصاف يبيض فيه الحمر. فأسكته.
ومنهم الكميت بن معروف [1] بن الكميت بن ثعلبة بن رئاب بن الأشتر بن جحوان الشاعر
القائل:
لا تكثروا فيه الضجاج فإنه ... محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا
فحدثني أحمد بن موسى الفزاري قال: كان سالم بن دارة القمر أحد بني عبد الله بن غطفان- ويقال إن دارة القمر أمه، ويقال أبوه وأمه من بني أسد- هجا رجلا يقال له ثابت بن واقع، وكان ثابت فزاريا فقال له:
ويحك يا بْن واقعٍ ... ما أنتا
أنتَ الَّذِي طلقت لما جعتا
فغضب له رجل من قومه من بني فزارة يقال له زميل فضرب ابن دارة بالسيف فقتله، وكان الكلبي يقول: دارة القمر أبو سالم قيل له ذلك
__________
[1] من يقال له الكميت ثلاثة من بني أسد بن خزيمة، هم: الكميت الأكبر بن ثعلبة بن نوفل بن نضلة بن الأشتر بن جحوان بن فقعس، والكميت بن معروف هذا ابن الكميت الأكبر، والكميت بن زيد. المؤتلف والمختلف للآمدي- ط. القاهرة 1961 ص 257، ونسب الآمدي هذا البيت إلى الكميت الأكبر.(11/159)
لجماله، واسمه رويبة بن ضب، وقال ابن دارة:
أنا ابن دارة معروف له نسبي ... وهل بدارة يا للناس من عار
من فرع قيس وأخوالي بنو أسد ... من أكرم الناس زندي فيهم واري
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: هجا سالم بن دارة بني فزارة ففتك به بعضهم فضربه فقتله فقيل:
.......
محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا
فذهب مثلا.
ومنهم ربيعة بن ثعلبة بن رئاب بن الأشتر بن جحوان، وهو أبو ثور وهو الثبت.
وقال غير الكلبي: ربيعة بن ثور الذي قتل صخر بن [1] عمرو بن الحارث بن الشريد أخا الخنساء وفيه يقول الشاعر:
وصخر بن عمرو بن الشريد كسونه ... بمنعرج العرفاء ثوبا معصفرا
حدثني علي الأثرم عن أبي عبيدة، وعن أبي المنذر هشام بن محمد، وحديث أبي عبيدة أتم الحديثين، قالا: غزا صخر بن عمرو بني أسد بن خزيمة فأطرد إبلهم، فركبوا في طلبه حين أتاهم الصريخ، فلما لحقوه بذات الأثل اقتتلوا اقتتالا شديدا، فطعن أبو ثور صخرا في جنبه، وفات القوم فكان أهله يمرضونه قريبا من حول حتى ملوه، فسألت امرأة سلمى امرأة صخر: كيف بعلك؟ وهو يسمع فقالت: هو لقي لا حي يرجى ولا ميت ينعى ولقد لقينا منه الأمرين. فقال صخر:
أرى أم صخر ما تملّ عوائدي ... وملّت سليمى مضجعي ومكاني
__________
[1] بهامش الأصل: صخر أخو الخنساء.(11/160)
وما كنت أخشى أن أكون جنازة ... عليك ومن يغتر بالحدثان
لعمري لقد نبهت من كان نائما ... وأسمعت من كانت له أذنان
أهم بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنزوان
فأي امرئ ساوى بأم حليلة ... فلا عاش إلا في مقر هوان
قال أبو عبيدة، فلما طال به البلاء، وتناءت في موضع الجراحة منه قطعة مثل اللبد في جنبه قالوا له لو قطعتها، وعولج قطعها رجونا أن تبرأ.
فقال: شأنكم وأشفق عليه بعضهم من ذلك، فأبى فأخذوا شفرة فقطعوا ذلك المكان فيئس من نفسه فقال:
كأني وقد أدنوا لحز شفارهم ... من الصبر دامي الصفحتين نكيب
فقلت لهم لا تحرقوني فإنني ... مقيم مكاني ما أقام عسيب
ومات فدفنوه، ورثته أخته خنساء بالشعر الذي رثته به. ويقال إنه دخلت في لحمه حلق من حلق الدرع فاندملت الجراحة ثم انتقضت بعد حين، فكان ذلك سبب موته. ويقال أصابته دبيلة في بطنه من الطعنة، ويقال: إن يهوديا رأى جماله فقال: إني لأحسد العرب على أن يكون فيها مثل هذا فسقاه شربة هاجت عليه ألم الطعنة ونقضت جرحها، والأول أثبت.
ومنهم: حبيب بن مطهر قتل مع الحسين بن علي عليهما السلام.
والكميت بن ثعلبة بن نوفل بن نضلة بن الأشتر.
وولد نوفل بن فقعس:
الحِندِمات بن نوفل. ورئاب بن نوفل.
وجابر بن نوفل. وعمرو بن نوفل. وعبد مناف بن نوفل.
وولد دثار بن فقعس:
وهبان بن دثار. ووهب بن دثار. والأشد بن(11/161)
دثار. منهم جريبة بن الأشيم بن عمرو بن وهب بن دثار الشاعر.
وولد حذلم بن فقعس:
عمرو بن حذلم. ووهب بن حذلم.
منهم النظار بن هاشم بن الحارث بن ثعلبة بن وهب الشاعر.
وولد قيس بن طريف:
الطماح،
وأمه من بني كاهل. وصحار بن قيس. ووهب بن قيس. وكان الطماح ركب إلى قيصر فمحل عنده بامرئ القيس ولطف حتى أتاه بدهن كان قيصر يدهن به، فقال: إن ابنتك فلانة بعثت بهذا الدهن إلى امرئ القيس، وإنه كان يعشقها وكانت تعشقه، فبعث قيصر إلى امرئ القيس بخلعه مسمومة، فلما لبسها تقرح جلده، فلذلك قيل له ذو القروح ثم مات من علته ودفن ببلاد الروم. وقال حين أقرحت الخلعة جسده:
لقد طمح الطماح من بعد أرضه ... ليلبسني من دائه ما تلبسا [1]
وقال الشاعر:
وأشرافا من الطماح فأسأل ... فليسوا للشهادة كاتمينا
فولد الطماح:
الحارث بن الطماح.
ومنقذ بن الطماح. وعرفطة، وأمهم فاطمة بنت حبيب بن أسامة بن مالك بن نصر.
وولد أعيا بن طريف:
ووهب بن أعيا. ومنقذ بن أعيا. ورئاب بن أعيا.
وفي بني أعيا يقول الشاعر:
تقاعس حتى فاته المجد فقعس ... وأعيا بنو أعيا وضل المضلل
وفيهم يقول عمارة بن عقيل بن بلال بن حرب:
__________
[1] ديوان إمرئ القيس ص 118.(11/162)
أعيا بني أعيا إذا قيل أنصفوا ... وجبنا إذا ما الحرب دفت عقابها [1]
وأنتم بنو أعيا فلم يخطئ اسمه ... أبوكم إذا الأسماء صح انتسابها
وقال غير الكلبي: من بني أعيا بنو قرة الذين يقول فيهم الفرزدق:
لولا بنو قرة الأخيار قلت لكم ... يا أهل خضلة بيتا باقي العار [2]
قال ومنهم بنو برثن الذين يقول فيهم الشاعر:
لخطاب ليلي منكم آل برثنٍ ... على الهول أمضى مِنْ سليك المقانب
وولد منقذ بن طريف:
مالك بن منقذ، وهو المضلل،
أرسله أبوه فضل وسمي المضلل. وقيس بن منقذ. وعبد الله بن منقذ. والأعرج بن منقذ.
فولد المضلل:
خالد بن المضلل،
كان شريفا وفيه يقول الأسود بن يعفر:
وقبلي مات الخالدان كلاهما ... عميد بني جحوان وابن المضلل
وولد قيس بن منقذ:
بجرة بن قيس.
ونكرة بن قيس. وحذيفة بن قيس. ووهب بن قيس.
منهم مطير بن الأشيم بن الأعشى بن بجرة الشاعر
وابنه الحسين بن مطير.
ومنهم: عبد الله بن الزبير بن الأشيم بن الأعشى بن بجرة الشاعر
وقد ذكرناه في مواضع متفرقة من هذا الكتاب وذكرنا أشعارا له. وقال بعض بني منقذ بن طريف:
أنا ابن أباة الضيم من آل منقذ ... فوارسهم والرائسين الجحاجح
__________
[1] العقاب راية الحرب، والدفّ: المشي الخفيف. القاموس.
[2] ليس في ديوانه المطبوع.(11/163)
وولد الصيداء بن عمرو،
واسمه عمرو:
نكرة بن الصيداء.
وجذيمة بن الصيداء. ونوفل بن الصيداء. ومعشر بن الصيداء، وأمهم ابنة قرفة بن عمرو بن عوف بن مازن بن كاهل، وفي بني الصيداء يقول مساور بْن هند بْن قيس بْن زهير بْن جذيمة بن رواحة العبسي [1] :
وإني تارك الصيداء حتى ... تريع حلومها بعد انتشار
وحتى لا يلوم بنو قعين ... على شيء حميت به ذماري
متى أنسب فإني فقعسي ... وعمي منقذ وبنو دثار
وعبسي إذا ما شئت يوما ... فإن أختر فإني بالخيار
وما للمرء ما يختار يوما ... ولكن ما أحل من الديار
فولد نكرة بن الصيداء:
جسر بن نكرة.
والمجر بن نكرة.
وحجر بن نكرة وأمهم عاتكة بنت عامر بن عبد الله بن عمرو بن قعين.
فمن بني جسر:
عباد بن ثعلبة بن منقذ بن جسر بن نكرة،
وهو أنف الكلب كان غزا يوما فأتاهم وهم غارون غافلون فقالوا: والله لكأنه استنشانا بأنف كلب، وقد رأس. وزعموا أن ابن أنف الكلب نافر بني فقعس إلى ضمرة بن ضمرة ورشاه فنفر بني الصيداء على بني فقعس فزعموا أن تلك أول رشوة كانت في الجاهلية، وقال غير الكلبي: اسن ابن أنف الكلب خالد بن عباد.
ومنهم: قيس بن مسهر بن خليد بن جندب بن منقذ بن جسر بن نكرة بن الصيداء، كان مع الحسين بن علي عليهما السلام،
وهو كان رسول
__________
[1] هو حفيد قيس بن زهير صاحب الحرب بن عبس وفزارة. الشعر والشعراء لابن قتيبة ص 201- 202.(11/164)
الحسين إلى أهل الكوفة بكتابه فأخذه به ابن زياد فطرحه من فوق القصر بالكوفة فتقطع.
وولد جذيمة بن الصيداء:
عتبة بن جذيمة. وصحار بن جذيمة.
ونكرة بن جذيمة.
منهم: شيخ بن عميرة بن حيان بن سراقة بن النتيف وهو مرثد بن حميري بن عتبة بن جذيمة بن الصيداء،
ويكنى أبا علي، وولاه أبو جعفر المنصور فارس، وولاه جرجان، وولي فارس للمهدي أيضا ومات وقد بلغ مائة سنة، وله درب في مدينة أبي جعفر ببغداد يعرف بدرب شيخ بن عميرة.
وولد نوفل بن الصيداء:
نكرة بن نوفل. وجذيمة بن نوفل.
وصحار بن نوفل.
منهم: الحارث بن ورقاء بن سويط بن الحارث بن نكرة بن نوفل بن الصيداء، الذي مدحه زهير بن أبي سلمى.
ومنهم الصامت بن الأفقم بن الحارث بن نكرة.
وقال غير الكلبي: الأفقم بن منقذ بن كثير الذي قتل ربيعة بن مالك بن جعفر أبا لبيد بن ربيعة يوم ذي علق، فقال لبيد:
ولا من ربيع المقترين رزئته ... بذي علق فاقني حياءك واصبري [1]
وكان بنو عامر بن صعصعة لقوا بني أسد، وبنو أسد سائرون يقودهم خالد بن نضلة بن الأشتر بن جحوان بن فقعس، فتشاروا وخرج عليهم أبو براء من غبب من الأرض فقال له: يا أبا معقل لو شئت أجرتنا وأجرناك
__________
[1] ديوان لبيد ص 48.(11/165)
حتى ندفن قتلانا ونتحمل ما بيننا. قال: فإني قد فعلت. قال أبو براء مالك بن جعفر: هل أحسستم لي أخي ربيعة بن مالك؟ فقال خالد بن نضلة: وما سيماه؟ قال: عليه سراويل يمينة. قال: هو ذاك قتيلا عند البيضاب. قال: ومن قتله؟ قال: ضربته أنا وتمم عليه صامت بن الأفقم بن منقذ بن جسر بن نكرة.
وقال الشاعر:
نعم القتيل غداة ذي علق فلا ... ظفرت يداك قتلت يا بن الأفقم
لله درك أي كبش كتيبة ... تحت الغبار تركت يشرق بالدم
وولد كعب بن عمرو وهو دبير:
وهب بن كعب. وجحوان بن كعب. ونوفل بن كعب. وبنو دبير فصحاء.
منهم: ركاض بن أباق الشاعر الذي يقول:
يا عرو كم من جراب جئت تحمله ... ودهنة ريحها يعطي على النقل
قد ساقها الله حتى كنت صاحبها ... يا عرو يا ليته أو كنت لم تبل
ويقول:
أمؤثرة الرجال عليك حبى ... ولم تؤثر على حبى النساء
فلو كانت بسوس البحر حبى ... صدرنا عن شرائعه ظماء
وأدخل ركاض على أمير المؤمنين هارون الرشيد وهو ابن سبع سنين فوضع بين يديه دنانير ودراهم وقال: أيهما أحبّ إليك؟ فقال: أمير المؤمنين أحب إلي منهما.
وأخته أم البهلول قريبة بنت أباق، وقد كتب عنها الفراء النحوي، ومحمد بن الأعرابي والناس، فكانت فصيحة وهي التي تقول:(11/166)
ما لقى الناس من الفراء ... يحور في النحو إلى وراء
قد ترك الناس على عوجاء
ولبني دبير رجز وشعر. وقال شاعر منهم:
أنجعل فقعسا كبني دبير ... معاذ الله ذلك أن يكونا
حللنا فوقهم شرفا بعيدا ... وحلوا تحتنا شرفا شعينا [1]
وولد نصر بن قعين:
مالك بن نصر.
وعمير بن نصر. وعمرو بن نصر. ونمير بن نصر. وذؤيبة بن نصر. وأسامة بن نصر.
فولد مالك بن نصر: جذيمة بن مالك.
وطريف بن مالك.
وعبد الله بن مالك. وأسامة بن مالك. وضبيس بن مالك. وحرقوص بن مالك. والحارث بن مالك. وكعب بن مالك، وأمهم العدان بنت رأس الحجر الجرمي، بها يعرفون.
فمن بني طريف بن مالك:
عامر بن عبد الله بن طريف الأبرص، حامل لواء بني أسد في الجاهلية،
ونهيك بن نضلة بن الأبرص بن جابر وله يقول الشاعر:
نهيك كان أنهك للأعادي ... ونضلة كان أعطى للمخاض
وولد أسامة بن مالك:
حبيب بن أسامة.
فولد حبيب:
شجنة بن حبيب.
وسعد بن حبيب. وطثر بن حبيب. وجابر بن حبيب. ومعير بن حبيب.
فمن بني شجنة:
منظور بن قيس بن نوفل بن جابر بن شجنة،
وابنه محمد بن منظور ويكنى أبا الصباح، ولي شرطة الكوفة أيام عمر بن هبيرة
__________
[1] الشعن: ما تناثر من ورق العشب بعد يبسه. القاموس.(11/167)
للصقر المري. وابنه العلاء بن محمد بن منظور ولي شرطة الكوفة أيضا.
ومنهم عبد الرحمن بن قيس بن نوفل ولي شرط مصعب بن الزبير.
وقيس بن أهبان بن جابر بن شجنة بن نوفل بن جابر ولهم يقول زيد الخيل الطائي [1] :
ألا أبلغ الأقياس قيس بن نوفل ... وقيس بن أهبان وقيس بن جابر
فردوا إلينا ما بقى من نسائنا ... وأبنائنا واستمتعوا بالأباعر
وكانت الحلال بنت قيس بن نوفل عند الزبير بن العوام، فولدت له جارية.
ومنهم: الأبار بن أبي بن نضلة بن جابر كان شريفا.
وقال أبو اليقظان: كان أبي بن الأباء من أشراف أهل الكوفة أيام الحجاج.
وولد جذيمة بن مالك بن نصر: سعد بن جذيمة. وأسعد بن جذيمة. وسعيد بن جذيمة. وعامر بن جذيمة. وطريف بن جذيمة. وعبد العزى بن جذيمة. وكعب بن جذيمة. وعرعرة بن جذيمة. ومريط بن جذيمة. وحبيب بن جذيمة، ولبني جذيمة يقول النابغة:
وبنو جذيمة حي صدق سادة ... غلبوا على خبث إلى تعشار [2]
ومنهم: عوف بن عبد الله بن عامر بن جذيمة، عقد الحلف بين أسد وطيء وقد رأس.
__________
[1] كان زيد الخيل فارسا مغوارا، مظفر شجاعا، بعيد الصيت في الجاهلية، وأدرك الْإِسْلَام، ووفد إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ولقيه وسرّ به وقرظه، وسماه زيد الخير. الأغاني ج 17 ص 245.
[2] ديوان النابغة الذبياني ص 60.(11/168)
ومنهم: ذؤاب بن ربيعة بْن عبيد بْن أسعد بْن جذيمة بْن مالك بن نصر
قاتل عتيبة بن الحارث بن شهاب التميمي ثم اليربوعي، وغير الكلبي يقول دؤاب- بالدال غير معجمة- بن ربيعة وقول الكلبي أصح.
قالوا: خرج بنو ثعلبة بن يربوع منتجعين في أرض بني أسد حتى إذا كانوا بخو [1] أغارت طوائف من بني أسد عليهم، فاكتسحوا إبلهم، فركب بنو ثعلبة في آثارهم، ولم يركب عتيبة لرؤيا رآها في منامه هالته، ثم لن تقره نفسه حتى لحقهم وهم يقتتلون، فحمل عليهم وهو على فرس له حصان، وكان ذؤاب على فرس له أنثى، فجعل فرس عتيبة يتبع فرس ذؤاب منتشيا لريحها في الليل حتى هجم به على ذؤاب، فطعنه ذؤاب في ثغرة نحره، ويقال في سرته فخر صريعا ومات في وقته، وليس يدرون من قتله، وشد ربيع بن عتيبة على ذؤاب وهو لا يعلم أنه قاتل أبيه ومعه نفر، فأسروا ذؤابا واستنقذت الإبل، وأتى أبو ذؤاب بني يربوع ففارقهم في فدائه على إبل معلومة يأتي بها سوق عكاظ، ويأتون بذؤاب، فأحضر أبو ذؤاب الإبل ولم يحضر بنو يربوع ذؤابا لأن الربيع بن عتيبة شغل عن ذلك ببعض أمره، فساء ظن أبيه وخاف أن يكون قد قتل، وقد كان ذؤاب حين أتى أبوه لفدائه أول مرة أعلمه أنه قاتل عتيبة فقال يرثيه حين انصرف من عكاظ في كلمة يقول فيها:
ولقد علمت على التجلد والأسى ... أن الرزية مثل رزء ذؤاب
أن يقتلوك فقد هتكت بيوتهم ... بعتيبة بن الحارث بن شهاب
بأحبهم فقدا إلى أعدائه ... وأعزهم فقدا على الأصحاب
__________
[1] خو: واد في ديار بني أسد يفرغ ماؤه في ذي العشيرة. معجم البلدان.(11/169)
أهوى له تحت الظلام بطعنة ... والخيل تردى في القتام الكابي
أذؤاب صاب على صداك فجاده ... نوء الربيع بوابل سكاب
فسمع قوم هذا الشعر، فنقلوه إلى بني يربوع فثاروا على ذؤاب وجعلوا يلهزونه بقباع سيوفهم، وقال الربيع: أنا معيل، وركن إلى أخذ الفداء فأعطوه إبلا من إبلهم خاصة، وأسلم ذؤابا فقتله الحليس بن عتيبة.
ويقال بل سألهم الربيع فقال: دعوني أقتله فإنما تريدون قتله، فأذنوا له فيه- وهذا أثبت- فقتله بيده وأخذ الإبل، وكان الحليس قتل من بني أسد يوم خو سبعة نفر فقال الحصين بن القعقاع بن معبد بن زرارة:
بكر النعي بخير خندف كلها ... بعتيبة بن الحارث بن شهاب
قتلوا ذؤابا بعد مقتل سبعة ... فشفى الغليل وريبة المرتاب
يوم الحليس بذي الفقار كأنه ... كلب بضرب جماجم ورقاب
وذكرت ندماني عتيبة بعد ما ... عصبت رؤوس نسائه بسلاب
المشتري حسن الثناء بماله ... والباذل الجفنات للأصحاب
وقال مالك بن نويرة:
فإن يقتلوا منا كريما فإننا ... ذوو الخيل إذ نخبطكم بالحوافر
أقول وقد جلت رزية قومه ... فدى للحليس خالتي أي ثائر
أزار ذؤابا حتفه غير مشفق ... عليه ولم ينظر سياق الأباعر
لعمرك ما تنسى تميم عقيدها ... وفارسها أخرى الليالي الغوائر
ومنهم: ذو الخمار، وهو عوذ بن ربيع بن سماعة- وهو ذو الخمار، كان بجهته وضح، فكان يغطيه بخمار، وقومه يقولون أصاب خمارا من قوم غزوهم فكان يلبسه- ابن حارثة بن ساعدة بن جذيمة وهم أشراف بالجزيرة.(11/170)
ومنهم عقبة بْن هبيرة بْن فروة بْن عمرو بْن عبيد بْن أسعد بْن جذيمة بْن مالك بن نصر بن قعين الشاعر
الذي يقول:
فهبها أمة هلكت ضياعا ... يزيد يسوسها وأبو يزيد
وله في كتابنا ذكر متقدم، وكان عاصم بن أبي النجود، واسم أبي النجود بهدلة مولى جذيمة بن مالك.
وولد أسامة بن نصر: عمير بن أسامة. وعمرو بن أسامة. ونمير بن أسامة. وذؤيبة بن أسامة. وحارثة بن أسامة. وبجير بن أسامة.
منهم أبو سمال، وهو سمعان بن هبيرة بن مساحق بن بجير، وكان شريفا شاعرا.
وقال غير الكلبي: اسم أبي سمال البراء بن سمعان.
وشهد أبو سمال القادسية وكان سيدا من ساداتهم يومئذ، وكان يشرب الخمر في شهر رمضان مع النجاشي الحارثي، فحد وذلك حين يقول النجاشي:
ضربوني ثم قالوا قدر ... قدر الله لهم شر قدر
وقال أبو اليقظان: حضر أبو سمال طعام عبيد الله بن زياد وهو مسن، فقال له يوما: ابعث إلي بخبازك يهيئ لي طعاما ففعل فلما أتاه الخباز أقعده عند التنور ولم يعطه دقيقا ولا شيئا يصنعه، ودعا قومه ثم قال للخباز:
غدنا. فقال: والله ما أعطيتني شيئا أعمل منه غداء فقال: لو كان عندنا دقيق أو لحم أو تابل لكفتنا أم سمال، فبلغ الخبر ابن زياد فأعطاه مالا وأمر له بدقيق وما يصلحه، وقال: ادع قومك. فقال الناس: أفرغ من خباز أبي سمال، وأفقر من خباز أبي سمال.(11/171)
قال: وكان أبو سمال عظيم الأنف، فقال: لقد حضر القادسية من بني أسد سبعون رجلا كلهم أعظم أنفا مني.
وكانت أم واصل بن حيان الأحدب الأسدي أحد بني سعد بن الحارث بن ثعلبة الفقيه من ولد أبي سمال، ومات واصل في سنة عشرين ومائة.
وقال أبو اليقظان: كان من ولد أبي سمال عبد الله النجاشي، ولي الأهواز لأبي جعفر المنصور، وكان رافضيا غاليا، وولي ابنه محمد بن عبد الله اصطخر.
ومن بني أسامة: خالد بن الأبح بن عبد الله بن الحارث بن نمير بن أسامة، وكان رئيس بني أسد يوم قتل بدر بن عمرو الفزاري، وكانت بنو أسد أغارت على بني فزارة وقوم من غطفان، فركب بدر بن عمرو بن جوية في غطفان، فغزا بني أسد في بلادهم فواقعهم بناحية منها فقتل بدر بن عمرو بن جوية وفض جمعه، وكان الذي قتله أنس بن مساحق بن بجير بن أسامة.
وقال غير الكلبي: قتله ابن الأبح نفسه.
وقال أبو اليقظان: قتل بالحجر فقال الشاعر منهم:
هلا سألت وأنت سائلة ... فتخبري بمواقع الحجر
عنا وعن غطفان إذ حسروا ... في ملتقى الخيلين عن بدر
ومنهم ربيع بن هبيرة بن مساحق، كان من رؤساء بني أسد يوم القادسية.
ومنهم قبيصة بن برمة بن معاوية بن أبي سفيان بن منقذ بن وهب بن(11/172)
عمير بن أسامة بن نصر كان سيدا.
وجراح بن سنان الذي وجأ الحسن بن علي في مظلم ساباط، وقد كتبنا خبره.
وولد نصر بن أسامة:
الحارث. ومالكا، ويقال لمالك: عقدة، وهم في بني تغلب.
ومن بني نصر: بنو ذؤيبة، قتلوا مع طليحة بن خويلد في الردة، وكانوا ثلاثين فقال الحطيئة:
فباست بني عبس وافناء طيّئ ... وباست بني دودان حاشى بني نصر [1]
ومن بني نصر: عوف بن عبد الله بن عامر رئيس بني أسد يوم النسار [2] حين قاتلت تميم وعامرا بني أسد، والرباب، وبني ذبيان بسبب غارات بني تميم على الرباب: ضبة وغيرها وهم عمومتهم، ويقال إن رئيسهم كان خالد المهزول الأسدي، فاستحر القتل ببني عامر، وانهزمت تميم، ثم كان يوم الجفار بعده فصبرت تميم وغضبت فقال بشر:
غضبت تميم أن تقتل عامر ... يوم النسار فأعتبوا بالصيلم [3]
وولد والبة بن الحارث بن ثعلبة بن دودان:
ذؤيبة. وأسامة. ونمير.
وأريل.
فولد ذؤيبة: مالك بن ذؤيبة. وعامر بن ذؤيبة. وبروان بن ذؤيبة.
فولد مالك: أبا سود. وأريل بن مالك. وكعب بن مالك.
__________
[1] ديوان الحطيئة ص 142.
[2] قيل النسار ماء لبني عامر بن صعصعة، وقال بعضهم: النسار جبل في ناحية حمى ضرية.
معجم البلدان.
[3] ديوان بشر بن أبي حازم الأسدي- ط. دمشق 1972 ص 180.(11/173)
منهم: حمل. والأخثم. وزياد بنو مالك بن جنادة بن سفيان بن وهب بن كعب شهدوا القادسية، وقيل حمل بنهاوند مع النعمان بن مقرن المزني.
وأبو هياج وهو عمرو بن مالك بن جنادة، وجعله عمر بن الخطاب على خطط الكوفة.
وقال أبو اليقظان: ولي أبو هياج الري أيام ابن الزبير، وإياه عنى ابن همام حين قال:
والوالبي الذي مهران أمره ... قد زال مهران مذموما ولم يزل
ومهران مولى زياد، وكان وسيلة أبي الهياج، وكان عظيم المنزلة من عبيد الله بن زياد.
ومنهم: بشر بن غالب بن مالك بن ربيع بن كعب بن جنادة بن سفيان، كان صبيحا فصيحا، وكان على شرطة مصعب، وجهه الحجاج إلى شبيب الخارجي فقله شبيب، وكان شريفا.
وقال الشاعر:
بكت دار بشر شجوها أن تبدلت ... هلال بن مرزوق بتيس بن غالب
وهل هي إلا مثل عرس تنقلت ... على رغمها من هاشم في محارب
وقد بن مالك بن حبيب بن ربيع بن كعب بن أريل بن ذؤيبة الذي ذكره النابغة فقال:
ولرهط حراب وقد سورة ... في البر ليس غرابها بمطار [1]
وقال الكميت.
__________
[1] ديوان النابغة الذبياني ص 59 مع فوارق.(11/174)
وعوف وحراب وقد بن مالك ... وحية والأقياس ألوية الحرب
وحراب بن زهير بن مالك بن هتيم بن عتير بن بروان بن ذؤيبة.
والموقد وهو عامر بن حربش وهو الثبت، ويقال حريش بن نمير بن والبة. وحرملة بن الكاهل بن الجزار بن سلمة بن الموقد الذي قتل عباس بن علي بن أبي طالب مع الحسين عليهم السلام. وسمي الموقد لأنه كان يوقد لأضياف نارا وهو الذي يقول:
وأوقد للضيوف النار حتى ... أفوز بهم إذا قصدوا لناري
وما إن لامني أحد لبخل ... ولا دنست أثوابي بعار
وقال بعضهم: كان يسعى بالنميمة بين الناس فيوقد الشر بينهم.
وشتير بن خالد بن رزام بن عوف بن عامر بن ذؤيبة الذي يقول له الشاعر:
وتنسى مصادا أو شتير بن خالد ... وتترك من أمسى مقيما بضلفعا
وقال أبو عبيدة: قيل هذا في شتير بن خالد بن نفيل بن عمرو بن كلاب، قال: والبيت:
أتنسى مصاداو الشتير بن خالد.
........
قتله ضرار الضبي.
ومنهم: مخزوم بن ضبا بن مخزوم بن أسامة بن نمير الذي يقول له بشر بن أبي خازم:
فمن يك من قتل ابن ضباء ساخرا ... فقد كان في قتل ابن ضباء مسخر [1]
قالوا: أغارت خيل لبني أسد بن خزيمة على بني أبي بكر بن كلاب،
__________
[1] ديوان بشر بن أبي خازم ص 85.(11/175)
فقتل ابن ضباء الوالبي برثن بن أبي ربيعة بن عبد بن أبي بكر بن كلاب، وأطرد بنو أسد النعم وبنو كلاب بتربة [1] ، فركب كعب بن أبي ربيعة أخو برثن فاستغاث ببني كلاب واستنصرهم، فركبت بنو كلاب معه وليس فيهم من بني أبي بكر بن كلاب غير بني عبد بن أبي بكر بن كلاب فلم يلبثوا أن أدركوهم فأخذوا ابن ضباء قاتل برثن فدفعوه إلى أبي ربيعة بن عبد، ويقال دفعوه إلى ربيعة بن عمرو بن عبد فضربه حتى ظن أنه قد قتله ثم اقلع عنه وبه رمق، وولت الخيل فأفاق ابن ضباء فلحق بقومه، ثم أتى بني جعفر بن كلاب فأقام فيهم مجاورا لهم فأجاروه وقالوا له: قد نال القوم ثأرهم منك ولكنك حييت وعجزوا، فمكث سنة، ثم إن الناس حضروا تربة، فنزل بنو جعفر وعبد الله ابني كلاب أسفل من تربة، وكان في بني جعفر صهرهم مالك بن ربيعة بن عَبْد اللَّه بْن أبي بَكْر بْن كلاب، فأتاه كعب أخو برثن فسأله أن يدله على عورة ابن ضباء وغرته ففعل، ويقال أن الذي دله على ذلك جدار بن عامر بن كعب بن كلاب، فانتظر كعب الفرصة من ابن ضباء حتى أمكنته وهو يلوط حوضا فطعنه فشك جنبه فخر في الحوض، ولحق كعب بقومه. فلما علم بنو جعفر بقتل ابن ضباء حزبوا وتجمعوا فأتاهم مالك بن ربيعة بن أبي عبد الله بن أبي بكر فقال: إنما قتل كعب ثأره وأنا أديه أربعين من الأبل، وهذا ابني قحافة رهينة بها. وبلغ عوف بن الأحوص بن جعفر خبر ابن ضباء، وكان غازيا، فرجع عوده على بدئه، فأخذ ربيعة بن كعب بن عبد بن أبي بكر، فقال مالك بن ربيعة صهر بني جعفر: يا بني جعفر معكم أسيران، أسير حرب. وأسير سلم فاختاروا أيهما شئتم فقالوا:
__________
[1] تربة: واد بالقرب من مكة، على مسافة يومين منها. معجم البلدان.(11/176)
نختار أسير السلم فأخذوا قحافة، وتركوا ربيعة بن كعب بن عبد حتى أدى أبوه إليهم أربعين بعيرا، وبعث بنو جعفر الأربعين إلى بني ضباء، فلما ساروا بها عرض لهم بنو عبد بن أبي بكر فانتزعوها فقال بشر بن أبي خازم:
لعمرك ما اضطر ابن ضباء في النوى ... حساء وروض بالقنان منور
وستة آلاف بحر بلاده ... تثير الحصى ملبونة [1] وتضمر
دعا عتبة جار الثبور وغره ... أجم خدور يتبع الضأن جيدر
كبش أجم: لا قرن له. والخدور: البطيء الثقيل المتخلف من الخدر.
سمين القفا شبعان تربض حجره ... حديث الخصى وارم العفل معبر
المعبر الذي جاوز الهرم وكبر السن، والعفل ما بين الخصى والأست
وفي صدره رمح كأن كعوبه ... نوى القسب عراض المهزة أسمر
حباك به مولاك عن ظهر بغضه ... وطوقها طوق الحمامة جعفر
تظل النساء المفلتات عشية ... يقلن ألا يلقى على المرء مئزر [2]
والعرب من الجاهلية كانوا يقولون: إن المرأة التي لا يعيش لها ولد والتي لا تلد إذا رأت قتيلا مظلوما أو شريفا فوطئته ودارت حوله عاش ولدها وولدت، قال: فكان هذا عريان قد سلب.
ومنهم ثوب بن تلدة عمر في الجاهلية دهرا، ثم أدرك الإسلام، فقال له معاوية: ما تعقل؟ قال أعقل بني والبة ثلاث مرات يعني قرنا بعد قرن.
ومنهم بشر بن أبي خازم الشاعر، واسم أبي خازم عمرو بن عوف بن
__________
[1] بهامش الأصل: ملبونة: تسقى اللبن.
[2] ديوان بشر بن أبي خازم ص 85- 89 مع فوارق.(11/177)
حميري بن ناشرة بن أسامة بن والبة.
وولد سعد بن الحارث بن ثعلبة:
نهد بن سعد. وسهم بن سعد.
وعامر بن سعد. وكعب بن سعد. وربيعة بن سعد. وحنظلة بن سعد.
والعوام بن سعد.
فولد نهد بن سعد: كعب بن نهد. وعتبة بن نهد. وبرباط بن نهد.
ومدحي بن نهد.
فمن بني كعب بن نهد: سالم بن وابصة بن عتبة بن قيس بن كعب بن نهد الشاعر الذي يقول في محمد بن مروان يمدحه:
لا يجعلن مؤنثا سرة ... ضخما سرادقه عظيم الموكب
كأغر يتخذ السيوف سرادقا ... يمشي برايته كمشي الأنكب
وقد ذكرناه في خبر مقتل مصعب بن الزبير.
وعقبة بن مرثد بن دبير بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن كعب بن نهد الشاعر.
وولد سعد بن ثعلبة بن دودان: الحارث وهو الحلاف. ومالك بن سعد.
فولد الحارث بن سعد: مالك بن الحارث. وضنة بن الحارث.
ومرة بن الحارث. وجشم بن الحارث. وسوءة بن الحارث. وغنم بن الحارث.
فمن بني جشم بن الحارث أبو حصين الفقيه، وهو عثمان بن عاصم بن حصين، وهم في بني مرة بن الحارث بن سعد من بني أسد، مات سنة ثمان وعشرين ومائة بالكوفة.(11/178)
فولد مالك بن الحارث بن سعد بن ثعلبة: هر بن مالك. وذؤيبة بن مالك. فولد هر بن مالك: عامر بن هر. ورئاب بن هر.
فولد عامر بن هر: جشم بن عامر. وخدان.
فولد جشم، الأبرص، وهو أبو عبيد بن الأبرص الشاعر الذي يقول لامرئ القيس بن حجر الكندي:
يا ذا المخوّفنا بقت ... تل أبيه إذلالا وجبنا
هلّا سألت جموع كن ... دة إذ تولوا أين أينا [1]
قالوا: كان حجر بن الحارث أبو امرئ القيس على بني أسد، فكان يأخذ من كل رجل منهم في كل سنة جزتي شعر، وجزتي صوف، ونحيين من سمن وأقط وكبشا، يستعين بذلك في مروءته، فمكث بذلك حينا، ثم إنه بعث إليهم جابيه فمنعوه ذلك وضربوا رسله وهو يومئذ بتهامة، فسار إليهم حجر بجند من ربيعة وجند من جند أخيه من قيس وكنانة فجعل يأخذ سرواتهم فيقتلهم بالعصي، فسموا عبيد العصا، وأباح أموالهم وسيرهم من تهامة، وآلى أن لا يساكنهم في بلد، وحبس منهم عمرو بن مسعود بن كلدة بن مرارة الأسدي وكان سيدا، وعبيد بن الأبرص، ثم ردهم فيقال أن ذلك لإنشاد عبيد إياه قصيدته التي يقول فيها:
حلا أبيت اللعن حلا ... إن فيما قلت آمه [2]
أنت المليك عليهم ... وهم العبيد إلى القيامه [3]
__________
[1] ديوان عبيد بن الأبرص- ط. دار صادر بيروت ص 141- 142.
[2] الحل ما يكفر عن اليمين، والآمة: العيب.
[3] ديوان عبيد ص 137- 138.(11/179)
ثم إنهم صبحوا عسكر حجر وهو غافل وعمدوا إلى قبته فطعنه علباء بن الحارث بن حارثة الكاهلي من بني أسد، وكان حجر قتل أباه، ضربه بعكاز فأصاب نسأه فمات، فلما قتل قالت بنو أسد: يا بني كنانة قد عرفتم سوء سيرته فينا. فانتهبوا ماله وشدوا على هجائنه فمزقوها ولفوه في ريطة بيضاء، ثم طرحوه على الطريق، ووثب عمرو بن مسعود فضم عياله إليه وقال: أنا جار لهم.
واستنصر امرؤ القيس بكر بن وائل فأجابوه، وأتى الخبر بني أسد فهربوا وجاؤوا إلى بني كنانة بليل، ثم خرجوا عنهم فطرق امرؤ القيس بني كنانة وهو يظن أنهم من بني أسد فوضع فيهم السلاح وقال: يا لثارات حجر فقالوا: أبيت اللعن لسنا بثأرك، نحن بنو كنانة وقد خرج بنو أسد عنا فقال امرؤ القيس:
يا لهف نفسي إذ خطئن كاهلا ... القاتلين الملك الحلاحلا [1]
بالله لا يذهب شيخي باطلا
وقال أيضا:
ألا يا لهف نفسي إثر قوم ... هم كانوا الشفاء فلم يصابوا
وقاهم جدهم ببني أبيهم ... وبالأشقين ما كان العقاب
وأدركهن علباء جريضا ... ولو أدركته صفر الوطاب [2]
ثم إنه أتى بني أسد، فحاربهم فقتل فيهم مقتلة عظيمة. وعبيد الذي يقول في يوم الجفار:
__________
[1] ديوان إمرئ القيس ص 150.
[2] ديوان إمرئ القيس ص 78.(11/180)
ولقد أتاني عن تميم أنهم ... ذئروا لقتلى عامر وتغضبوا
رغم لعمرو أبيك عندي هين ... ولقد يهون علي ألا يعتبوا [1]
وكان امرؤ القيس خرج إلى قيصر ليستنصره على بني أسد ليبيدهم فقتل هناك ودفن بأنقرة.
وزعموا أن ملك الحيرة آلى ألا يلقى رجلا في مخرج خرجه لنزهته إلا قتله، فلقي عبيدا فقال له: أنشدني قصيدتك التي تقول فيها:
أقفر من أهله ملحوب
وقال:
أقفر من أهله عبيد ... فليس يبدي ولا يعيد [2]
ومن ولد عبيد بن الأبرص: بدر بن دثار بن ربيعة بن عبيد بن الأبرص كان فقيها.
وولد خدان بن عامر: معاوية بن خدان. وشبيب بن خدان.
وتقية بن خدان، وهم الذين أكبوا على حجر بن الحارث ليمنعوه من القتل.
وولد رئاب بن هر: ربيعة.
فولد ربيعة: سويد بن ربيعة وهو أبو جبيلة، وقد رأس. وثعلبة بن ربيعة بن رئاب.
فولد ثعلبة:
عوسجة أبا مسلم بن عوسجة الذي قتل مع الحسين بن علي بالطفّ.
__________
[1] ديوان عبيد ص 35 مع فوارق.
[2] ديوان عبيد ص 21.(11/181)
وولد ذؤيبة بن مالك: ثعلبة.
فولد ثعلبة: عبيد بن ثعلبة وهو أبو يلي جد عمرو بن شاس بن أبي بلي الشاعر، وهو عبيد بن ثعلبة بن ذؤيبة بن مالك بن الحارث بن ثعلبة، وكان عمرو بن شاس شاعرا.
وولد مرة بن الحارث بن سعد: حذار بن مرة. وزيد بن مرة.
وقنفذ بن مرة. وربيعة بن مرة. ورفاعة بن مرة.
فولد حذار بن مرة: ربيعة بن حذار، وربيعة هو الكاهن وكان يتنافر إليه فتنافر إليه خالد بن مالك بن ربعي النهشلي والقعقاع بن معبد بن زرارة، ففضل القعقاع، وهو الذي ذكره النابغة فقال:
رهط ابن كوز محقبوا أدراعهم ... فيها ورهط ربيعة بن حذار [1]
وعميرة بن حذار.
فولد عميرة: الحارث وشريح بن عميرة.
وولد ربيعة بن حذار: مالك بن ربيعة.
منهم: قيس بن الربيع بن الحارث بن قيس الكوفي الفقيه.
وأسلم الحارث بن قيس بن الربيع وعنده سبع نسوة فقيل له إنه لا يحل لمسلم إلا أربع نسوة فقال لنسوته: أقبلن فأقبلن، قال: أدبرن فأدبرن ليختار منهن من يمسكه فجعلت كل امرأة منهن تقول له: أنشدك الله والصحبة والحرمة لما لم تجعلني ممن تعتزل، فأمسك أربعا وترك ثلاثا، وكانت الأربع بنات عمومته، وكان ممن أمسك جدة قيس بن الربيع، وكان قيس بن الربيع يكنى أبا محمد، ومات سنة ثمان وستين ومائة.
__________
[1] ديوان النابغة الذبياني ص 59.(11/182)
وقبيصة بن جابر بن وهب بن مالك بن عميرة بن جذار بن مرة بن الحارث بن سعد بن ثعلبة.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد عَنْ مُحَمَّد بْن قيس بن الربيع عن أبيه قال:
مات قبيصة بن جابر قبل الجماجم، قال وروي عن عمر [1] .
ومن ولد قبيصة بن جابر: المليس، ووردان. وفاطمة أم الربيع أبي قيس بن الربيع الفقيه.
وولد سواءة بن الحارث بن سعد: غنم بن سواءة. ومالك بن سواءة. فولد غنم: محلم بن غنم. وحدان بن غنم. وحميري بن غنم.
فولد محلم: عبد ثبير.
قال هشام بن محمد الكلبي: أخبرني أبي قال: لقيت ابن عبد ثبير فقال: ولد أبي في أصل ثبير [2] في الجاهلية فسمي عبد ثبير.
فمن ولده: المرقع بن قمامة بن خويلد بن عصم بن أوس بن عبد ثبير، أصابته جراحة مع الحسين بن علي فمات منها بعد بالكوفة.
وولد مالك بن سعد بن ثعلبة: سبيع بن مالك. وعمرو بن مالك.
وشريح بن مالك. وحمحمة بن مالك. وعباد بن مالك.
فولد عمرو بن مالك: الحارث.
منهم: الكميت بن زيد بن الأخنس بن زيد بن مجالد بن ربيعة بن قيس بن الحارث بن عامر بن عمرو بن مالك بن سعد بن ثعلبة الشاعر الشيعي.
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 6 ص 145.
[2] ثبير: من أعظم جبال مكة. معجم البلدان.(11/183)
ومنهم: مرداس بن خذام الشاعر. والجليح وهو ربيعة بن أسلم بن عمرو بن مالك بن سعد بن ثعلبة.
ومنهم سنان بن معشر بن هرّ بن ظالم بن محزوم بن عمرو بن مالك.
وولد مالك بن ثعلبة بن دودان:
غاضرة بن مالك. وعمرو بن مالك، وأمهما أم خارجة عمرة البجلية.
وثعلبة بن مالك. وسعد بن مالك، وأمهما البارقية.
ومالك بن مالك وهم بنو الزنية، وأمه سلمى بنت مالك بن غنم بن دودان، وفدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت سلمى تحت سعد بن زيد مناة بن تميم هي والناقمية رقاش بنت عامر وهو الناقم بن جدان بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار، فلحقتا بقومهما وكل واحدة في شهرها توقع أن تلد، فتزوج سلمى مالك بن ثعلبة، فولدت مالك بن مالك على فراشه، وتزوج الناقمية معاوية بن بكر، فولدت صعصعة على فراشه، فجعلت سلمى ترقص مالك بن مالك ابنها وتقول:
بأبي زنيتي، فديت زنيتي.
فسمّي الزنية. فوفد حضرمي بن عامر أحد بني الزنية في نفر منهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من أنتم؟ قالوا: من بني أسد من بني الزنية.
فقال: أنتم بنو الرشدة، وقال لحضرمي: أتقرأ شيئا من القرآن؟ فقرأ:
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى. الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى. وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى.
والذي [1] امتن على الحبلى فأخرج منها نسمة تسعى من بين شغاف وحشى.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «لا تزد فيها فإنها شافية كافية» ] .
__________
[1] سورة الأعلى- الآيات: 1- 4.(11/184)
فولد مالك بن مالك: القين بن مالك. وكعب بن مالك. وحبى بن مالك. وسعد بن مالك. وربيعة بن مالك.
فولد القين: كعب بن القين. ومالك بن القين. وحبيب بن القين.
فولد كعب: زفر بن كعب. وعدي بن كعب. وضب بن كعب.
فولد ضب: همام بن ضب، وجشم بن ضب. فولد همام:
مواءلة. فولد مواءلة: كوز بن مواءلة. وعامر بن مواءلة. ومجمع بن مواءلة. وصخر بن مواءلة. وزيد بن مواءلة. وغريب بن موائلة.
وجبيل بن مواءلة. ومخاشن بن مواءلة.
منهم يزيد بن حذيفة بن كوز بن مواءلة كان شريفا، وقال النابغة:
رهط ابن كوز محقبوا أدراعهم ... فيها ورهط ربيعة بن حذار
ومنهم حضرمي بن عامر بن مجمع بن مواءلة الشاعر الوافد على النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ أبو اليقظان: أسر بنو سليط بن يربوع حضرمي بن عامر ومنوا عليه، وفي ذلك يقول جرير:
وبالحكمي ثم بحضرمي ... وما بالخيل يومئذ صدود [1]
قال: وحضرمي القائل:
أهلكت جندك من صديقك فالتمس ... جندا تجمعهم من الأوغاب
ما زال معروفا لعمرك فيهم ... منع الحقوق وكثرة الألقاب
حتى تركت كأنّ صوتك فيهم ... في كل حزنة طنين ذباب
فاعمد إلى سعد الهذيم فسدهم ... أو سد عيبي عندك ابن جناب
__________
[1] ليس بديوان جرير المطبوع.(11/185)
وهلك إخوة له فورثهم، فَقَالَ رجل من بني أسد يقال لَهُ جزء: قد فرح بموتهم إذ ورثهم فقال حضرمي:
قد قال جزء ولم يقل أمما ... إني تزوجت ناعما جدلا
إن كنت أزننتني بها كذبا ... جزء فلاقيت مثلها عجلا
أفرح أن أرزأ الكرام وان ... أورث ذودا بها رزا نبلا
كم كان في إخوتي إذا ... أعمل الأبطال تحت العجاجة الأسلا
من فارس ماجد أخي ثقة ... يعطي جزيلا ويقتل البطلا
إن جئته خائفا حماك وإن ... قال سأعطيك نائلا فعلا
ولحضرمي يقول زيد الخيل:
ولو كان جازي بحضرمي لأصبحت ... قنابل خيل تحمل البيض والأسل
وكان كدام بن حضرمي على بني أسد مع علي بن أبي طالب يوم صفين.
ومنهم سفيان بن سلمة أبو وائل الفقيه.
ومنهم ضرار بن الأزور رحمه الله تعالى، وهو مالك بن أوس بن جذيمة بن ربيعة بن مالك بن مالك الذي قال حين أسلم:
جعلت القداح وعزف القيان ... والخمر تصلية وابتهالا [1]
وكري مهري في غمرة ... وجهدي على المشركين القتالا
وقالت جميلة بددتنا ... وطردت أهلك شتى عيالا
فيا رب لا أغبنن بيعتي ... وقد بعت أهلي ومالي بدالا
__________
[1] في أسد الغابة ج 2 ص 424:
«خلعت القداح وعزف القيان ... والخمر أشربها والثمالا»(11/186)
وضرار قاتل مالك بن نويرة التميمي، وله يقول متمم بن نويرة:
نعم القتيل إذا الرياح تناوحت ... ملث الظلام قتيلك ابن الأزور
وكان النبي صلى الله عليه وسلم ولى مالك بن نويرة صدقات بني حنظلة، فلما قبض صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلى ما كان في يده من فرائض الصدقة وقال: شأنكم بأموالكم يا بني حنظلة. فغزا خالد بن الوليد بني تميم بالبطاح، فيقال إن مالكا قتل في المعركة، ويقال بل أخذ فأمر خالد ضرارا بقتله فقتله صبرا.
ومنهم يزيد بن أنس بن كلاب بن طفيل بن رواد بن سعد بن مالك بن مالك، وهو الذي وجهه المختار بن أبي عبيد، فأتي بأسرى وهو بالموت، فجعل يَقُول: اقتل اقتل حَتَّى ثقل لسانه، فجعل يومىء بيده فثقلت يده فجعل يريهم بحاجبيه حتى مات على تلك الحال.
ومن بني كعب بن مالك: إسماعيل بن عمار بن عيينة أحد بني خلف بن كعب الذي يقول في أبيه معن:
فيا موت إن لم تبق معنا فإنني ... أذكرك الرحمن في مهجتي خذني
فلو قاتل الموت امرأ عن حميمه ... لقاتلت جهدي عسكر الموت عن معن
قتالا يقول الموت من وقعاته ... لك ابنك خذه ليس من حاجتي دعني
وولد سعد بن مالك بن ثعلبة: سواءة بن الحارث. وعمرو بن الحارث. وسلامة بن الحارث. فولد سلامة: لغن بن سلامة. وناشب بن سلامة. والحارث.
منهم: أشعر الرقبان، وهو عمرو بن حارثة بن ناشب.
وولد سواءة بن سعد: مرارة بن سواءة. وصيفي بن سواءة. فولد مرارة: عبد بن مرارة. فولد عبد: كلدة. وثمامة. فولد كلدة:(11/187)
مسعود بن كلدة أبا عمرو بن مسعود. الذي يقال فيه:
ألا بكر الناعي بخير بني أسد ... بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
وقد مدحه أوس [1] بن حجر وكان شريفا.
وولد سواءة بن الحارث بن سعد: عامر بن سواءة. وسعد بن سواءة. ونصر بن سواءة. والحارث بن سواءة.
فولد عامر بن سواءة: ربيعة. فولد ربيعة: عوف بن ربيعة الكاهن وهو الذي يقول لعيينة بن حصن:
ألا أبلغا عني عيينة آية ... وإخوته إني امرؤ كنت في الحرب
وكنت إذا أهلكت قوما بأمة ... تسميت وثابا ونحن أولوا الوثب
ومظهر بن ربيعة.
وولد الحارث بن سواءة بن الحارث بن سعد: جنبوب بن الحارث.
وعوف بن الحارث.
وولد نصر بن سواءة: ناشرة. فولد ناشرة: مالكا. وعبد الله بن ناشرة. وحميس بن ناشرة. والحارث بن ناشرة. وجشم بن ناشرة.
وكسر بن ناشرة.
منهم: أبو مظفار، وهو مالك بن عوف بن معاوية بن كسر بن ناشرة الذي يقول له النابغة:
جيش يقودهم أبو المظفار [2]
وقال أبو اليقظان: يقال إن بني ناشرة من بني مازن بن عمرو بن
__________
[1] من شعراء الجاهلية وفحولها. الأغاني ج 11 ص 70- 74.
[2] ديوان النابغة الذبياني ص 60، والشطر الأول: وبنو سواءة زائروك بوفدهم.(11/188)
تميم. وقال الشاعر:
أنتم بنو كابية بن حرقوص ... كلكم هامته كأفحوص [1]
قال: ومنهم الأقيصر الذي قال له الحجاج: صف لي الفرس الجواد الكريم فقال: الذي إذا استقبلته أقعى، وإذا استدبرته جبى، وإذا استعرضته استوى، وإذا جرى دحا يأخذ قريبا، وإذا نظر نظر بعيدا.
وكان يقول: إن الجياد تشبه الجياد، فشبهوا عينا بعين، وعنقا بعنق، وأذنا بأذن.
وولد غاضرة بن مالك: نصر بن غاضرة.
فولد نصر: حبال بن نصر. وسالم بن نصر. والحارث بن نصر.
ومروان بن نصر. وحزابة بن نصر. منهم جمل بن فضالة بن هند بن عوف بن ثعلبة بن حبال بن نصر كان شريفا.
ومنهم شقيق بن سليك بن حبيش بن حباشة بن أوس بن بلالي بن سعد بن حبال الشاعر الذي يقول:
وما استخبأتُ فِي رجلٍ خبيئا ... كدين الصدق أو حسب عتيق
ومنهم زر بن حبيش [2] بن حباشة بن أوس بن بلالي بن سعد بن حبال الفقيه. بلغ مائة وثلاثين سنة فقال ولحياه ترجفان كبرا: إن أخوف ما أخاف على نفسي النساء. وكان زر يكنى أبا مريم، روى عن عمر وعبد الله بن مسعود.
والحكم بن عبدك- الشاعر- بن جبلة بن عمرو بن ثعلبة بن عقال بن
__________
[1] الأفحوص: مجثم القطا. القاموس.
[2] بهامش الأصل: زر بن حبيش.(11/189)
بلالي بن سعد بن حبال بن نصر.
وولد عمرو بن مالك بن ثعلبة بن دودان: سعد بن عمرو. منهم:
عبد بني الحسحاس بن هند بن سفيان بن غضاب بن كعب بن سعد بن عمرو بن مالك الشاعر، واسمه سحيم [1] . وكانت أم مالك بن ثعلبة ابنة الحسحاس من غسان.
وولد غنم بن دودان:
كبير بن غنم. وعامر بن غنم. ومالك بن غنم.
فولد كبير: مرة بن كبير. وقيس بن كبير. وصبح بن كبير.
ومالك بن كبير.
منهم: عبد الله بن جحش [2] بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة،
وأمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم، عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان جحش حليفا لحرب بن أمية، وكان إسلام عبد الله قبل دُخُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة في المرة الثانية، ثم رجع إلى المدينة وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين ثابت بن أبي الأقلح، وعقد له ووجهه في سرية إلى نخلة ومعه جماعة من المهاجرين ولم يكن فيهم أنصاري، وكان فيهم سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان، وكانت غنيمته أول غنيمة أفاءها الله على نبيه، وقد ذكرنا خبرها فيما تقدم، واستشهد يوم أحد فدفن مع حمزة بن عبد المطلب في قبر، وكان خاله، وكان يكنى أبا محمد.
__________
[1] أدرك الإسلام، وقتل في زمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان قبل سنة 35 هـ. نشر ديوانه في القاهرة سنة 1950.
[2] بهامش الأصل: عبد الله بن جحش رضي الله عنه.(11/190)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلا سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ يَقُولُ قَبْلَ أُحُدٍ بِيَوْمٍ: «اللَّهُمَّ إِنَّا لاقُوا هَؤُلاءِ غَدًا، فَأُقْسِمُ عَلَيْكَ أَنْ يَقْتُلُونِي وَيَبْقُرُوا بَطْنِي، وَيَجْدَعُونِي فَإِذَا قُلْتَ لِي: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: فِيكَ» . فَلَمَّا الْتَقَوْا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ [1] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ الَّذِي قَتَلَهُ أَبُو الْحَكَمِ بْن الأَخْنَسِ بْن شَرِيقٍ الثَّقَفِيُّ.
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَوْمَ قُتِلَ ابْنَ بِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَكَانَ رَجُلا لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلا الْقَصِيرِ، كَثِيرَ الشَّعَرِ، وَوَلِيَ تَرِكَتَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَرَى لابْنِهِ مَالا بِخَيْبَرَ.
وعبد بن جحش [2]
رحمه الله تعالى، وأمه أميمة، ويكنى أبا أحمد، وقد اختلف في هجرته إلى الحبشة فقيل هاجر في المرة الثانية، وقيل لم يهاجر إليها قط ولم يختلفوا في هجرته من مكة إلى المدينة، وكان مكفوفا يطوف مكة أعلاها وأسفلها بلا قائد، وكان شاعرا وكانت عنده الفارعة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية فكان يقول كثيرا:
يا حبذا مكة من واد ... أرض بها أهلي وعوادي
إني بها ترسخ أوتادي ... إني بها أمشي بلا هادي
وبقي أبو أحمد حتى توفيت أخته زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم في سنة عشرين، ومات بعدها بقليل.
__________
[1] لم يرد هذا الخبر في المطبوع من طبقات ابن سعد.
[2] بهامش الأصل: عبد بن جحش رحمه الله.(11/191)
وقال الجحشي: توفي بعدها بسنة.
وكان جحش شار رجلا فقال: والله لأحالفن أعز أهل مكة ولأتزوجن إلى أكرم أهلها وأشرفهم، فحالف حربا، وتزوج أميمة بنت عبد المطلب.
وعبيد الله بن جحش،
وأمه أميمة، كانت عنده أم حبيبة بنت أبي سفيان، وأسلم وهاجر إلى أرض الحبشة، ثم تنصر بها وهلك على النصرانية، وقد ذكرنا خبره، وخبر أم حبيبة.
وكانت حمنة بنت جحش عند مصعب بن عمير العبدري،
فقتل عنها يوم أحد فتزوجها طلحة بن عبيد الله، وقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «قتل خالك حمزة فاسترجعت، وقال: قتل أخوك فاسترجعت، فقال: قتل زوجك مصعب فشقت جيبها فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إن الزوج ليقع من المرأة موقعا لا يقعه شيء» .] وكانت فيمن تكلم في عائشة مع أهل الأفك فحدت.
ومنهم شجاع بن وهب [1] بن ربيعة بن أسد بن صهيب بن مالك بن كبير بن غنم،
كانت له صحبة، وكان يكنى أبا وهب، وكان نحيفا طوالا أجنأ، وهاجر إِلَى أرض الحبشة فِي المرة الثانية، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أوس بن خولي، وبعثه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى جمع من هوازن بالسي [2] ، فأغار عليهم، وبعثه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكتابه إلى الحارث بن أبي شمر بغوطة دمشق، وأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالته فقال: [ «صدق شجاع» .] وشهد بدرا وأحدا
__________
[1] بهامش الأصل: شجاع بن وهب رحمه الله.
[2] انظر مغازي الواقدي ص 753- 755. والسيّ: علم لفلاة على جادة البصرة إلى مكة بين الشبيكة والوجرة، وما بين ذات عرق إلى وجرة ثلاث مراحل من مكة إلى البصرة.
معجم البلدان.(11/192)
والخندق وجميع المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، واستشهد يوم اليمامة سنة اثنتي عشرة وهو ابن بضع وأربعين سنة.
وزعم الهيثم بن عدي أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجهه إِلَى كسرى وذلك غلط.
وأخوه عقبة بن وهب [1]
رضي الله تعالى عنه بن ربيعة، أسلم مع أخيه، وشهد بدرا وأحدا، وجميع المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، واستشهد فيما ذكر الهيثم بمؤتة.
وقيس بن عبد الله الأسدي ظئر عبيد الله بن جحش
وكان معهم.
ويزيد بن رقيش [2] بن رئاب بن يعمر بن صبرة،
ويكنى أبا خالد، شهد بدرا وجميع المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقتل يوم اليمامة شهيدا.
عكاشة بن محصن [3] بن حرثان بن قيس بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان،
ويكنى أبا محصن، أسلم قديما، وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها، وبعثه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سرية إلى الغمر، وتوفي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْن أربع وأربعين سنة، وقتل بعد ذلك بسنة ببزاخة، قتله طليحة بن خويلد، ولقيه وقد بعثه خالد بن الوليد طليعة، وكان النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا له أن يدخله الله الجنة، فلم يزل المسلمون يعلمون أنه سيدخلها.
وأبو سنان بن محصن [4] أخو عكاشة
أسلم مع أخيه وشهد بدرا وجميع المشاهد إلى غزاة بني قريظة، وتوفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم محاصر بني قريظة، واسمه فيما زعم أبو نعيم الفضل بن دكين: مرة.
__________
[1] بهامش الأصل: عقبة بن وهب رحمه الله.
[2] بهامش الأصل: يزيد بن رقيش رحمه الله.
[3] بهامش الأصل: عكاشة بن محصن رضي الله عنه.
[4] بهامش الأصل: أبو سنان بن محصن رضي الله عنه.(11/193)
وقال الواقدي: وقد روي أن أبا سنان بايع بيعة الرضوان بالحديبية وهو وهم، لأن أبا سنان توفي سنة خمس، ودفن في مقبرة بني قريظة، قال:
وكان أبو سنان يوم توفي ابن أربعين سنة، وكان أسن من أخيه عكاشة بسنتين، قال: والذي بايع بالحديبية: سنان بن أبي سنان بن محصن.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ بَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ أَبُو سِنَانٍ، قَالَ وَهَذَا غَلَطٌ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَقَالَ غَيْرُ وَكِيعٍ: هُوَ سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ [1] .
ومنهم: سنان بن أبي سنان [2] بن محصن رضي الله عنه بن حرثان،
وكان بينه وبين أبيه في السن عشرون سنة، وشهد بدرا وأحدا والخندق، وشهد الحديبية وهو أول من بايع بيعة الرضوان، وتوفي سنة اثنتين وثلاثين.
وذكر ابن أنس الأسدي أنه كان يكنى أبا سلمة.
ومنهم: ربيعة بن أكثم [3]
رضي الله تعالى عنه، ويقال ابن أبي أكثم بن عمرو، أحد بني غنم بن دودان، وكان يكنى أبا يزيد، وكان قصيرا دحداحا، شهد بدرا وهو ابن ثلاثين سنة، وشهد ما بعدها، وقتل بخيبر شهيدا سنة سبع وثلاثين قتله الحارث اليهودي بالشظاة [4] ، وكانت عنده الصقباء بنت الحارث بن حرب بن أمية، وأمها صفية بنت عبد المطلب.
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 93- 94.
[2] بهامش الأصل: سنان بن أبي سنان رضي الله عنه.
[3] بهامش الأصل: ربيعة بن أكثم رضي الله عنه.
[4] الشظاة: عظم الساق. وأرجح أن الشظاة تصحيف النطاة وهو أحد حصون خيبر.(11/194)
ومنهم: محرز بن نضلة [1] بن عبد الله بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان،
ويكنى أبا نضلة، وكان أبيض حسن الوجه يلقب فهيرة، وكان بنو عبد الأشهل من الأنصار يدعون أنه حليفهم، وقال إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة: ما خرج في غزاة ذي قرد إلا من دار بني عبد الأشهل على فرس لمحمد بن مسلمة يقال له ذو اللمة.
وقال الواقدي: والذي عند الناس أنه حليف بني عبد شمس، وشهد محرز بن نضلة بدرا وأحدا والخندق، ورأى في منامه كأن السماء انفرجت له فدخلها حتى بلغ سدرة المنتهى، فقيل له هذا منزلك فقص رؤياه على أبي بكر، وكان من أعبر الناس للرؤيا فقال: أبشر بالشهادة فقتل بعد ذلك بيوم، خرج مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى غزاة ذي قرد، فقتله مسعدة بن حكمة الفزاري، وكان يوم استشهد ابن سبع وثلاثين سنة، ويقال ثمان وثلاثين سنة، وشهد بدرا، وهو ابن إحدى وثلاثين سنة.
ومنهم: أسلم بن الأحنف
وكان من أشراف أهل الشام وروي عنه أنه قال: المستشير في الأمور متحصن من السقط متخير للرأي، وعادة المشورة أداة في المرء كاملة.
وذكر بعضهم أن عمرو بن محصن كان مهاجرا وهو أخو عكاشة بن محصن.
ومنهم: أربد بن حمير الأسدي [2]
رضي الله تعالى عنه، شهد بدرا، وكان يكنى أبا مخشي.
__________
[1] بهامش الأصل: محرز بن نضلة رضي الله عنه.
[2] بهامش الأصل: أربد بن حمير رضي الله عنه.(11/195)
وولد عمرو بن أسد:
المسيب بن عمرو. ورهم بن عمرو.
وسعد بن عمرو وهو معرض. والقليب بن عمرو. والمليح بن عمرو.
وهاشم بن عمرو. والهالك بن عمرو، وهو أول من عمل الحديد، وبه تعيّر العرب بني أسد وبني عمرو خاصة وتسميهم القيون. قال لبيد:
جنوح الهالكي على يديه ... مكبا يجتلي زرق النصال [1]
فولد رهم بن عمرو: عوف بن رهم. وعامر بن رهم وربيعة بن رهم.
وكان من ولد القليب: أيمن بن خريم بن الأخرم بن شداد بن عمرو بن الفاتك بن القليب بن عمرو بن أسد، وكان أيمن شاعرا، ولقي طليحة بن خويلد فقال له: ما بقي من كهانتك؟ قال: نفخة أو نفختان بالكير، يعيرِه بأنه من القيون.
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا مُحَمَّدُ بْن يَزِيد الواسطي عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَيْمَنَ بْن خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ قَالَ: دَعَانِي مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ إِلَى الْقِتَالِ مَعَهُ فَقَالَ: أَلا تَخْرُجُ فَتُقَاتِلُ مَعَنَا؟ قُلْت:
لا لأن أَبِي وَعَمِّي شَهِدَا بَدْرًا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَا عَهِدَا إِلَيَّ أَلا أُقَاتِلَ إِنْسَانًا يَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إلا الله وأن محمد رسوله، فَإِنْ جِئْتَنِي بِبَرَاءَةٍ مِنَ النَّارِ قَاتَلْتُ مَعَكَ، قَالَ: انْطَلِقْ عَنَّا لا حَاجَةَ لَنَا بِكَ.
حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عدي عن إسماعيل عن الشعبي بمثله، قال: وقال أيمن بن خريم:
ولست بقاتل رجلا يصلي ... عَلَى سلطان آخر من قريش
لَهُ سلطانه وعلي إثمي ... معاذ اللَّه من سفه وطيش
__________
[1] ديوان لبيد ص 78. مع فوارق.(11/196)
أأقتل مسلما في غير شيء ... فلست بنافعي ما عشت عيشي
وكان أيمن أبرص يصفر يده بالزعفران. وأخوه سبرة بن خريم بن فاتك، وروى مسلمة بن محارب الزيادي أن خريم بن فاتك مر بمجذوم في الطريق فاحتمله وآواه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ «رحم الله من فعل هذا بالمجذوم» ] .
وقال أبو اليقظان: كان لأيمن فضل ودين، وكتب إليه عبد الملك يسأله أن يقاتل مع عمرو بن سعيد فقال:
أأقتل في حجاج بين عمرو ... وبين خصيمه عبد العزيز
فأقتل ضيعة في غير جرم ... ويبقى بعدها أهل الكنوز
لعمرك ما هديت إذا لرشدي ... ولا وفقت للحرز الحريز
فإني تارك لهما جميعا ... ومعتزل كما اعتزل ابن كوز
وقال أيضا:
إن للفتنة شرا بينا ... فاصطبر للأمر حتى يعتدل
وإذا كان عطاء فاتهم ... وإذا كان قتال فاعتزل
إنما يسعرها جهالها ... حطب النار فذرها تشتعل
وقال أيضا:
يقول لي الأمير إذا رآني ... تقدم حين خد به المراس
فمالي إن أطعتك غير نفس ... ومالي غير هذا الرأس راس
ويقال إن الشعر لغيره.
ومن بني معرض: الأقيشر الأسدي، وهو المغيرة بن عبد الله بن الأسود بن وهب بن رباعج بن قيس بن معرض الشاعر.(11/197)
ومن بني الهالك: سماك بن مخرمة بن حمين بن بلث بن الهالك وهو صاحب مسجد سماك بالكوفة، وخرج من الكوفة هاربا من علي عليه السلام. منابذا له مع من خرج منها، فلحق بالجزيرة وله يقول الأخطل:
إن سماكا بني مجدا لأسرته ... حَتَّى الممات وفعل الخير يبتدر
نعم المجير سماك من بني أسد ... بالبشر إذ قتلت جيرانها مضر
أبلى بلاء كريما لا يزال له ... منه بعاقبة مجد ومفتخر
قَدْ كنت أحسبه قينا وأخبره ... فاليوم طير عن أثوابه الشرر [1]
فقال له سماك: ويحك ما أعياك، أردت أن تمدحني فهجوتني كان الناس يقولون قينا قولا فحققته.
وقال أبو اليقظان: كان سماك خال سماك بن حرب وبه سمي سماكا [2] .
وولد صعب بن أسد: عبد الله. فولد عبد الله: مرة.
فولد مرة: عبد الله. وعبد منبه.
فولد عبد الله بن مرة: جميرة بن عبد الله. والبحير بن عبد الله، وهم بنو النعامة، والنعامة أمهم ولدتهم. فمن بني النعامة: ابن حياش الشاعر الذي مدح الحسن بن علي والحسين عليهم السلام فقال:
كأن جفانه أحواض نهي ... إذا وضعت على ظهر الخوان
ويعلم ربها أن كل شيء ... من الأشياء إلا الأجر فان
وقال أيضا:
__________
[1] ديوان الأخطل ص 187 مع فوارق.
[2] ترجم خليفة بن خياط لسماك بن حرب وقال إنه توفي في ولاية يوسف بن عمر. الطبقات ص 273.(11/198)
لقد كل طرف العين حتى كأنما ... أرى كل شخص شافعا لقرين
وقال أبو اليقظان: يقال: إن أسد استلحق صعبا، قال: وقال بعضهم:
نحن بنو صعب وصعب لأسد ... لا يعرف المجد علينا لأحد
وقال شاعر من بني أسد:
وحيا من نعامة فاسألنهم ... بني صعب وكانوا مصعبينا
وولد كاهل بن أسد:
مازن بن كاهل. منهم علباء بن الحارث بن حارثة بن هلال الذي يقول له امرؤ القيس:
وأفلتهن علباء جريضا ... ولو أدركنه صفر الوطاب [1]
يقول: أخذت إبله فلم يحلب، وهو الذي كان طعن أبا امرئ القيس.
وقال غير هشام ابن الكلبي: ومن بني أسد: شقيق بن سلمة أبو وائل الفقيه أحد بني مالك، وكان من أصحاب عبد الله بن مسعود، شهد صفين فقال: شهدت صفين فأشرعوا الرماح في صدورنا وأشرعنا في صدورهم وبئست الصفون كانت.
وقال: ما مررت بالصفارين قط إلا ذكرت يوم صفين، وبقي حتى أدرك الحجاج فقال له: متى نزلت هذه البلدة؟ يعني الكوفة. فقال شقيق:
نزلتها حين نزلها أهلها. فقال: إني أريد توليتك. فقال: أو تعفيني وإن تقحمني انقحم. فولاه عملا. وكان جاهليا إسلاميا، وتوفي بعد الجماجم، وروى عن عمر وعلي وابن مسعود.
__________
[1] ديوان إمرئ القيس ص 78.(11/199)
وقال أبو اليقظان: ومن بني أسد: شداد بن عمرو بن فاتك قاتل ابن أخي خريم بن فاتك قتله زيد الفوارس الضبي وأنشأ يقول:
ليبك لشداد بن عمرو بن فاتك ... قيون وقينات بهن مياسم
ليبكين قينا فلق السيف رأسه ... بما نال منا وهو في الحلف آثم
وقال أبو اليقظان: ولد علباء بن الحارث: جحش بن علباء، وكان جحش قتل ثوب بن سحمة العنبري، وكان يقال لثوب مجير الطير، وكان يضع سهمه في الأرض فلا يصطاد أحد طيرها. فقال باكيته:
ألم تر أن ثوبا أسلمته ... بنو البيضاء والخلان سي
فإذ أسلمتموه فأخلفوه ... ولن ترضى خلافتكم عدي
أضعتم مجدكم فسلبتموه ... وفات به الغلام الكاهلي
فبات لآل جحش ليل صدق ... وبات لأهله ليل قسي
وبنو البيضاء: بنو بيضاء بنت عبدة بن عدي بن جندب.
وثوب بن سحمة من ولد المنذر بن جهمة.
قال: وعاصم بن بهدلة مولى بني كاهل، وكان يحيى بن وثاب مولى بني كاهل أيضا، وكان قارئا يؤم بني كاهل، فلما قدم الحجاج قال:
لا يؤمنكم إلا عربي، فوثبوا بابن وثاب وقالوا: نعزله عن الإمامة، فبلغ الحجاج ذلك فقال: ويحكم إنما قلت عربي اللسان. فأبى ابن وثاب أن يصلي بهم.
وكان من موالي بني كاهل: أبو بكر. والحسن ابنا عياش الفقيهان.
قال أبو اليقظان: كان في بني سعد بن الحارث بن ثعلبة بن دودان عيافة وكان منهم: حلبس الخطاط الذي يقول له الشاعر:(11/200)
وإني لراجيها وإني خائف ... لما قال يوم الثعلبية حلبس
جرت طيرة واستخبرت ثم نبأت ... وقد طال فيها شكه المتلبس
وقال أبو اليقظان: كان من بني والبة: شتير بن خالد الذي يقول فيه الشاعر:
أوالب إن تنهى شتير بن خالد ... عن البغي لا يغرركم بأيام
وفي بني كلاب: شتير بن خالد الذي قتلته ضبه، وفيه يقول الشاعر:
أتنسى مصادا والشتير بن خالد. ... ولم يقل ذلك في شتير الأسدي.
قال: ومن بني أسد: قبيصة بن ذؤيب، كانت له صحبة، وهو القائل حين بايع طلحة عليا: أول يد بايعت هَذَا الرجل من أصحاب محمد شلاء، والله مَا أرى هَذَا الأمر يتم.
وروى عوانة عن عبد الملك بن عمير قال: قَالَ قبيصة بْن ذؤيب الأسدي: ما رأيت أحدا قط أعلم باللَّه من عُمَر بْن الخطاب، ولا رأيت أحدا أطول بلاء في الله من علي، ولا رأيت قط أعطى لجزيل من طلحة، ولا رأيت قط أحمل لمعضلة من معاوية، ولا رأيت أحدا قط أظهر جلدا وطرفا من عمرو بن العاص، ولا رأيت قط أسر لصديق في عداوة العامة من المغيرة، ولا رأيت قط أخصب رفيقا ولا أقل أذى لجار من زياد.
ومن بني أسد من المحدثين: المعرور بن سويد [1] أحد بني الحارث بن ثعلبة بن دودان، روى عن عمر وعبد الله. وحبيب بن صهبان، ويكنى أبا
__________
[1] بهامش الأصل: المعرور بن سويد.(11/201)
مالك. روى عن عمر.
قال محمد بن سعد: ومن بني أسد: أبو سنان عبد الله بن سنان مات زمن الحجاج قبل الجماجم [1] .
ومنهم حصين بن قبيصة الفقيه.
وقال أبو اليقظان: ومن بني أسد: حاجب بن حبيب الأسدي الذي يقول:
دلفت له تحت الغبار بطعنة ... لها عاند حينا وحينا تصرح
عبأت سنانا كالقدامي مدربا ... بكفي له والخيل بالقوم تكبح
قال محمد بن سعد: ومن بني أسد: زياد بن حدير أحد بني مالك بن مالك، روى عن عمر بن الخطاب ويكنى أبا المغيرة [2] .
وقبيصة بن جابر بن وهب بن مالك بن عميرة بن جدار أحد بني مرة بن الحارث بن سعد بن ثعلبة مات قبل الجماجم وروى عن عمر [3] .
وعباءة بن ربعي الأسدي روى عن عمر وعلي [4] .
ونعيم بن دجاجة الأسدي [5] .
والبراء بن ناجية الكاهلي روى عن علي [6] .
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 6 ص 178.
[2] طبقات ابن سعد ج 6 ص 130.
[3] طبقات ابن سعد ج 6 ص 145.
[4] طبقات ابن سعد ج 6 ص 127.
[5] طبقات ابن سعد ج 6 ص 128.
[6] طبقات ابن سعد ج 6 ص 206.(11/202)
والمسيب بن رافع أسدي من بني كاهل مات سنة خمس ومائة [1] .
والربيع بن سحيم الكاهلي [2] . قال: والأعمش سليمان بن مهران مولى بني كاهل يكني أبا محمد [3] .
قال الهيثم: مات سنة سبع وأربعين ومائة.
وقال الواقدي: وأبو نعيم: مات سنة ثمان وأربعين ومائة.
ومن بني أسد من أنفسهم: محمد بن قيس أحد بني [4] والبة، يكنى أبا نصر.
وقال أبو اليقظان: كان من بني أسد: الميدان بن صخر الذي كان يهاجي ابن دارة فقال الشاعر:
سأقضي بين ميدان بن صخر ... وعبد الله ثمت لا لجور
جرى الميدان حتى ما يجاري ... وبرز وابن دارة يستدير
وقال أبو اليقظان: كان بعثر الفقعسي شاعرا، وكان بالربذة، وكان عليها رجل يقال له راشد أبو علي، مولى بني فقعس، فوجد عليه فضربه فانطلق فاستعدى إليه إلى عمر بن عبد العزيز وهو يقول:
أقول لراشد أمسك كتابي ... وخل لناقتي عنك السبيلا
أغثها بالمدينة يا بن ليلى ... وحكمتك التي تشفي الغليلا
فأقصه عمر بن عبد العزيز منه فلما ضرب أتي بإهاب شاة فألبسه،
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 6 ص 293.
[2] طبقات ابن سعد ج 6 ص 341.
[3] طبقات ابن سعد ج 6 ص 342.
[4] طبقات ابن سعد ج 6 ص 361.(11/203)
وجعل راشد يعاتب بعثرا فقال:
رأيت أخا الصفاء أبا علي ... يعاتبني ويدرع الإهابا
يقول ظلمتني وأقول كل ... أصاب إلى أخيه ما أصابا
وكان بعثر لقي الحسين بن علي قبل أن يصل إلى الكوفة، فسأله عنهم فقال: إن أهل العراق أهل غدر.
وقال جاء رجل من بني أعيا من بني أسد يقال له ابن حمامة إلى الحطيئة فقال له: القري يا حطيئة. فقال: لا قرى لك عندي فقال له: أنا ابن حمامة، قال: كن ابن أي طير شئت فما لك عندي إلا مذقة من لبن.
فقال: هاتها فشربها فقال الحطيئة.
شددت حيازيم ابن أعيا بشربة ... على ظمأ شدت أصول الجوانح [1]
فقال ابن حمامة:
دعيت إلى زاد قليل رزأته ... كما كل عبسي على الزاد نائح
يبيت حذار الضيف يخنق كلبه ... ألا كل كلب لا أبا لك صائح
قال أبو اليقظان: كان قصاقص الأسدي من أهل الجزيرة، وكان له بها قدر، وكان في صحابة أبي العباس أمير المؤمنين ومولاه أبو دلامة الشاعر أعتقه قصاقص، فقال أبو دلامة لأبي العباس إن قصاقص امتن علي فأعتقني فإن رأى أمير المؤمنين أن يجعله في صحابته لامتن بذلك عليه فليفعل، فقال: قد فعلنا يا أبا دلامة فلا تعد.
ومن موالي بني أسد: أبو عطاء السندي كان شاعرا، وكان منهم مهران أبو الأعمش المحدث، واسمه سليمان، شهد عين الوردة مع
__________
[1] ديوان الحطيئة ص 129.(11/204)
سليمان بن صرد، فقتل وكان الأعمش يكنى أبا محمد، وولد الأعمش أيام قتل الحسين بن علي عليهما السلام ومات بالكوفة سنة ست وأربعين ومائة.
قال أحمد بن إبراهيم الدورقي: كان زياد بن حدير الأزدي عابدا زاهدا.
حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، ثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا مَالِكُ بْنُ مغول عن جامع بن شداد قال: قال زياد بن حدير الأسدي: ليت أني في حير من حديد لا أكلم الناس ولا يكلموني ومعي ما يكفيني حتى ألقى الله.
حدثني أحمد، حدثني عبد الرحمن بن مهدي، حدثني يعقوب بن عبد الله بن سعد عن حفص بن حميد قال: كان الرجل يأتي زياد بن حدير فيقول: إني أريد مكان كذا فيقول له: اقطع طريقك بذكر الله. قال:
وقال لي اقرأ علي: فقرأت أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ. وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ.
الَّذِي أنقض ظهرك [1] فقال: يا بن أم زياد أنقض ظهرا من ظَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجعل يبكي كما يبكي الصبي، قال: وكان يقول: سلوا الشهادة.
فيقال: يا أبا المغيرة إنها مخزونة، فيقول: سلوا الخازن فإنه يغضب على من لا يسأله.
حدثني أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي، ثنا يعقوب بن عبد الله بن سعد عن حفص بن حميد قال: كان زياد بن حدير يقول: أتجهزتم؟
فيسمعه الرجل فيقول: ما معنى ذا؟ فيقول: تجهزوا للقاء الله.
حدثني أحمد بن إبراهيم، ثنا علي بن الحسن بن شقيق، أنبأ شريك عن أبي إسحاق الشيباني عن خناس بن سحيم قال: أقبلت مع زياد بن
__________
[1] سورة الشرح- الآيات: 1- 3.(11/205)
حدير الأسدي من الكناسة فقلت في كلام له: لا والأمانة، فجعل يبكي فظننت أني قد أتيت أمرا عظيما فقلت: كأنك تكره ما قلت؟ قال: نعم كان عمر ينهى عن الحلف بالأمانة أشد النهي.
حدثني أحمد بن الصباح، ثنا هشيم عن العوام عن ربيع بن عتاب قال: كنت أمشي مع زياد بن حدير فسمع رجلا يحلف بالأمانة فبكى فقلت: ما يبكيك؟ فقال: أما سمعت هذا الحلف بالأمانة لحك خشاشي [1] حتى تدمي أحب إلى من أن أحلف بالأمانة.
حدثني أحمد بن إبراهيم، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أبي النجود عن زياد بن حدير الأسدي قال: قدمت على عمر وعلي طيلسان وشاربي عاف، فرفع رأسه، فنظر إلي ولم يرد السلام، قال: فانصرفت عنه وأتيت ابنه عاصما فشكوت ذلك إليه وقلت له: لقد رميت من أمير المؤمنين في الرأس قال: سأكفيك ذاك. فلقي أباه فقال: يا أمير المؤمنين أخوك زياد بن حدير سلم عليك فلم ترد عليه السلام فقال: إني رأيت عليه طيلسانا ورأيت شاربه عافيا، قال: فأخبرني فقصصت شاربي، وكان معي برد فحللته وجعلته إزارا، ثم أقبلت إلى عمر فسلمت عليه فقال: وعليك السلام، هذا خير مما كنت فيه يا زياد.
حدثني أحمد بن إبراهيم، ثنا زكريا بن عدي عن أبي خالد الأحمر عن الأعمش عن شمر بن عطية عن زياد بن حدير قال: أفقه قوم ما لم يبلغوا التقى.
__________
[1] الخشاش: عويد يجعل في أنف البعير يشد به الزمام ليكون أسرع لانقياده. النهاية لابن الأثير.(11/206)
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا يحيى بن آدم، ثنا سفيان الثوري عن إبراهيم بن مهاجر قال: سمعت زياد بن حدير يقول: أنا أول من عشر في الإسلام.
حدثني أبو عبيد عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَان عَنْ عبد الله بن خالد عن عبد الرحمن بن معقل قال: سألت زياد بن حدير: من كنتم تعشرون؟ قال: ما كنا نعشر مسلما ولا معاهدا، كنا نعشر تجار أهل الحرب كما كانوا يعشرونا إذا أتيناهم.
حدثني أبو عبيد عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَان عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مهاجر عن زياد بْن حدير قال: كنا نعشر نصارى بني تغلب [1] .
المدائني أن عبد الله بن فضالة بن شريك الأسدي قال لعبد الله بن الزبير: نفدت نفقتي ونقبت راحلتي فقال: إما راحلتك فارقعها بسبت واخصفها بهلب وسر بها البردي يبرد خفها [2] ويقال إنه قال: سر بها السيرات، فقال لابن الزبير: لعن الله ناقة حملتني إليك. قال: إن وراكبها فانصرف وهو يقول:
أرى الحاجات عِنْدَ أَبِي خبيب ... نكدن ولا أمية بالبلاد
ومالي حِينَ أقطع ذَات عرق ... إِلَى ابْن الكاهلية من معاد
فقال: لو علم أن لي أما ألأم من عمته لسبني بها.
__________
[1] الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام ص 709.
[2] السبت: سير للأبل وجلود البقر المدبوغة. والهلب شعر الذنب أو شعر الخنزير الذي يخرز به. والابردان: الغداة والعشي، كالبردين، والظل والفيء، وأبرد: دخل في آخر النهار. النهاية. القاموس. وانظر ما تقدم ص 2621.(11/207)
وقال محمد بن سعد: من بني أسد: إسماعيل بن عبد الله بن ذؤيب الأسدي، روى عن ابن عمر وروى عنه ابن أبي نجيح.
ومنهم سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش من حلفاء بني أمية [1] .
__________
[1] بهامش الأصل: بلغت عراضا بالأصل الثالث من أول الكتاب، ولله الحمد والكمال.(11/208)
نسب هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر
وولد هذيل بن مدركة:
سعد بن هذيل
ولحيان بن هذيل، بطن.
وعميرة بن هذيل. وهرمة بن هذيل، وأمهم ليلى بنت مران بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة.
فولد سعد بن هذيل:
تميم بن سعد.
وخناعة، بطن. وحريب بن سعد. ومنعة بن سعد. ورهم بن سعد. وغنم بن سعد. ورهام بن سعد. وريث بن سعد وهو عوف، وأمهم الفرعة بنت شقر بن الحارث بن تميم بن مرو. وجوية بن سعد. يقال إنهم دخلوا في عبس فالحطيئة الشاعر منهم.
فولد تميم بن سعد:
الحارث بن تميم.
ومعاوية بن تميم. وعوف بن تميم، أمهم الكنود بنت لحيان بن هذيل فولد الحارث بن تميم: عمرو بن الحارث.
وكاهل بن الحارث،
وأمهما هند بنت مازن بن كاهل بن أسد بن خزيمة.
فولد كاهل بن الحارث:
صاهلة بن كاهل،
بطن. وصبح بن كاهل، بطن. وكعب بن كاهل. فولد صاهلة بن كاهل
مخزوم
بن(11/209)
صاهلة. وخزيمة بن صاهلة، بطن، وقريم بن صاهلة. وملاص بن صاهلة.
فولد مخزوم بن صاهلة.
فارّ بن مخزوم.
وزبيد بن مخزوم.
والحارث بن مخزوم. وحارثة بن مخزوم. فولد فار بن مخزوم:
شمخ بن فار.
منهم: عبد الله بن مسعود [1] بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن حارث بن تميم بن سعد بن هذيل،
وأمه أم عبد بنت عبد ود، من ولد قريم بن صاهلة. وأمها هند بنت عبد الحارث بن زهرة بن كلاب. وكان عبد الله بن مسعود يكنى أبا عبد الرحمن.
وقال الواقدي: كان إسلام عبد الله قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم.
وقال الواقدي وأبو معشر: هاجر ابن مسعود إلى أرض الحبشة مرتين.
وقال محمد بن إسحاق: هاجر في المرة الثانية [2] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ الْكِلابِيُّ عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَخَذَ فِي أَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي شَيْءٍ فَرَشَا دِينَارَيْنِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ
__________
[1] بهامش الأصل: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
[2] السير والمغازي لابن اسحق ص 225.(11/210)
أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنْتُ غُلامًا يَافِعًا أَرْعَى غَنَمًا لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ فَجَاءَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر وَقَدْ فَرَّا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالا: «يَا غُلامُ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ لَبَنٍ» ؟ فَقُلْتُ: إِنِّي مُؤْتَمَنٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «هَلْ عِنْدَكَ مِنْ جَذَعَةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ] » ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَاعْتَقَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسَحَ ضَرْعَهَا وَدَعَا فَحَفَلَ الضَّرْعَ، ثُمَّ أَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِصَخْرَةٍ مُنْقَعِرَةٍ فَاحْتَلَبَ فِيهَا ثُمَّ شَرِبَ وَأَبُو بَكْرٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلضَّرْعِ: «اقْلِصْ» ، فَقَلَصَ، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقُلْتُ: عَلِّمْنِي هَذَا الْقَوْلَ. فَقَالَ: إِنَّكَ غُلامٌ مُعَلَّمٌ. قَالَ فَأَخَذْتُ مِنْ فِيهِ سَبْعِينَ سُورَةً لا يُنَازِعُنِي فِيهَا أَحَدٌ.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالا: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا الْمَسْعُودِيُّ.
وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: كَانَ أَوَّلُ مَنْ أَفْشَى الْقُرْآنَ بِمَكَّةَ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله بن مسعود [1] .
حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثنا الأَعْمَشُ، أنبأ شَقِيقٌ قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ فَذَكَرَ كَلامًا ثُمَّ قَالَ: عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ تَأْمُرُونَنِي أَنْ أَقْرَأَ، عَلَى قراءة زيد؟ فو الله الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ لَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعضا وَسَبْعِينَ سُورَةً وَزَيْدٌ غُلامٌ لَهُ ذُؤَابَتَانِ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ. ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، لَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِكِتَابِ الله مني تبلغه الإبل لأتيته.
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 150- 151.(11/211)
قال شقيق: فقعدت في حلق فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما سمعت أحدا منهم رد عليه ما قال.
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
« [مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَطْبًا- أَوْ قَالَ غَضًّا- كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ- أَوْ كَمَا يَقْرَأُ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ-] » .
حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ الْقَوَارِيرِيُّ قَالا: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ، ثنا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ وَهُوَ لا يَعْرِفُهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ جِئْتُكَ مِنَ الْكُوفَةِ وَتَرَكْتُ بِهَا رَجُلا يُمْلِي الْمَصَاحِفَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ، فَغَضِبَ عُمَرُ، وَقَالَ: مَنْ هُوَ وَيْحَكَ؟. قَالَ:
عَبْدُ الله بن مسعود. قال: فذهب الغصب عَنْ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُهُ بَقِيَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَطْبًا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ] » .
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو خَيْثَمَةَ، ثنا جرير بن عبد الحميد الصبي عَنِ الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَهُ يَقُولُ: « [اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ- فبدأبه- وَمِنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمِنْ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَمِنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ] » .
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ عَنِ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ عَلَيَّ، فَقُلْتُ: كَيْفَ أَقْرَأُ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي. فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى بَلَغْتُ: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا(11/212)
من كل أمة بشهيد [1] قال: حسبك. ونظرت إليه وقد أغر ورقت عَيْنَاهُ.
[فَقَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ قِرَاءَةَ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ] » .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا عبد الله بن نمير الهمداني، أنبأ الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق قال: لقد جالست أصحاب محمد فوجدتهم كالأخاذ فمنها: ما يروي الرجل، ومنها ما يروي الرجلين ومنها ما يروي العشرة، ومنها ما يروي المائة، ومنها ما يروي لو نزل به أهل الأرض لصدروا رواء فوجدت عبد الله بن مسعود أغزر تلك الأخاذ.
حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، ثنا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أخَذْتُ مِنْ فَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً.
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ثنا سُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ قَالَ: كَانَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فِي دَارِ أَبِي مُوسَى يَعْرِضُونَ مُصْحَفًا فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ فَخَرَجَ فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ: هَذَا أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: إِنْ يَكُنْ كَذَاكَ فَلَقَدْ كَانَ يُؤْذَنُ لَهُ إِذَا حُجِبْنَا وَيَشْهَدُ إِذَا غِبْنَا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَخَذْتُ مِنْ فَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعِينَ سُورَةً لا ينازعني فيها أحد.
__________
[1] سورة النساء- الآية: 41.(11/213)
حدثني محمد بن سعد [1] ، ثنا عبيد الله بن موسى، أنبأ الحسن بن صالح عن مطرف، حدثني عامر عن مسروق قال: كان أصحاب الفتوى مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: علي، وعمر، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وأبو موسى الأشعري [2] .
حدثنا عفان بن مسلم، ثنا وهيب بن خالد، أنبأ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: كان مهاجر عبد الله بن مسعود إلى حمص فحدره عمر إلى الكوفة، وكتب إليهم: والله الذي لا إله إلا هو لقد آثرتكم بعبد الله بن مسعود على نفسي فخذوا عنه.
قالوا وبعث عمر عبد الله بن مسعود على قضاء أهل الكوفة وبيت مالهم، وفرض له ولعمار ولعثمان بن حنيف شاة: شطرها وسواقطها لعمار ولابن مسعود، ولعثمان الشطر الآخر.
المدائني عن الوقاصي عن الزهري قال: كان ابن مسعود يوافي عمر في كل موسم فيعرض عليه ما كان فيه فما رضيه أقام عليه وما نهاه عنه تركه.
وجاء قوم فشكوه فلم يحفل بشكيتهم.
حَدَّثَنِي شجاع بْن مخلد الفلاس، ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مُغِيرَةَ قال: كانت دار ابن مسعود شبيهة بالمدينة فأحدث ولد له حدثا فأخربوها.
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَائِدَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: طُولُ الصَّلاةِ وَقِصَرُ الخطبة مئنة [3] من فقه الرجل.
__________
[1] بهامش الأصل: مطلب أصحاب الفتوى.
[2] لم ترد هذه الرواية في ترجمة ابن مسعود في طبقات ابن سعد.
[3] المئنة في الحديث: العلامة، ومخلقة، ومجدرة. القاموس.(11/214)
حَدَّثَنَا خَلَفٌ الْبَزَّارُ، ثنا سَلامٌ الْخُرَاسَانِيُّ الطَّوِيلُ عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، وَفِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي كُلِّ ثَلاثِ لَيَالٍ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا أَوِ الْحَدِيثَ بَعْدَهَا.
حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ لا يُخْطِئُ بِأَلِفٍ وَلا وَاوٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمُقْرِئُ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِينَاءَ عَنْ نُفَيْعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ مِنْ أَجْوَدِ النَّاسِ ثَوْبًا أَبْيَضَ وَأَطْيَبَ النَّاسِ رِيحًا.
وحدثني محمد بن سعد عن يزيد بن هارون عن المسعودي عن سليمان بن نفيع بمثله [1] .
حَدَّثَنَا ابْنُ الشَّاذَكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ، حَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى فِي يَدِ عَبْدِ اللَّهِ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ.
حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، ثنا شَرِيكٌ عَنْ جَابِرٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ عَلَى خَاتَمِ ابْنِ مَسْعُودٍ ذِيبَانِ [2] بَيْنَهُمَا الْحَمْدُ لِلَّهِ.
حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ الرَّقِّيُّ الْمُعَلِّمُ، ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِيَّاكُمْ وَالْمَعَاذِيرَ فَإِنَّهُ يُخَالِطُهَا الْكَذِبُ.
وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ الزِّيَادِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ عَنْ بَيَانٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ لِسَعْدٍ: رُدَّ الْمَالَ الَّذِي اسْتَسْلَفْتَهُ من
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 257.
[2] الذيب: العيب. القاموس.(11/215)
بَيْتِ الْمَالِ فَغَضِبَ سَعْدٌ وَقَالَ: هَلْ أَنْتَ إِلا عَبْدٌ مِنْ هُذَيْلٍ. فَقَالَ: وَأَنْتَ ابْنُ حَمْنَهْ، فَقَامَ سَعْدٌ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَسَأَلَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ أَلا يَلْعَنَهُ وَلا يَدْعُوَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ.
حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ مَعْمَرٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: لا يَبْلُغُ أَحَدُكُمْ حَقِيقَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يَدَعَ الْمِرَاءَ فِي الْحَقِّ وَالْكَذِبِ فِي الْمِزَاحِ وَالسَّفَهِ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَيَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالْمِزَاحُ فَإِنَّ فِيهِ التَّذَابُحَ.
وقال الواقدي: لما هاجر ابن مسعود من مكة إلى المدينة نزل على معاذ بن جبل، ويقال عَلَى سَعْد بْن خيثمة، وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين معاذ.
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عينية عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ قَالَ بَنُو عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ: نَكِّبْ عَنَّا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [فَلِمَ بُعِثْتُ إِذًا، إِنَّ اللَّهَ لا يُقَدِّسُ قَوْمًا لا يُعْطُونَ الضَّعِيفَ مِنْهُمْ حَقَّهُ] .
وقال الْوَاقِدِيُّ: خط رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لابن مسعود عند المسجد.
قالوا: وشهد عبد الله بدرا وضرب عنق أبي جهل بعد أن أثبته ابنا عفراء، وشهد أيضا أحدا والخندق وجميع المشاهد مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وروي عن ابن مسعود في قول الله عز وجل: الذين استجابوا لله(11/216)
والرسول [1] قال: كنا ثمانية عشر رجلا [2] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ صَاحِبَ سَوَادِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي سِرَّهُ، وَصَاحِبَ وِسَادِهِ وَسِوَاكِهِ وَنَعْلَيْهِ وَطَهُورِهِ، وَهَذَا فِي السَّفَرِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَليّ بْنِ الأَسْوَدِ قَالا: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَلِيحٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَسْتُرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اغْتَسَلَ وَيُوقِظُهُ إِذَا نَامَ وَيَمْشِي مَعَهُ عَلَى الأَرْضِ وَحْشًا [3] ، يَعْنِي وَحْدَهُ.
حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عن القاسم بن عبد الرحمن قال: كان عبد الله يلبس رسول الله نَعْلَيْهِ، وَيَمْشِي أَمَامَهُ بِالْعَصَا، فَإِذَا جَلَسَ فِي مَجْلِسِهِ نَزَعَ نَعْلَيْهِ فَأَدْخَلَهُمَا فِي ذِرَاعِهِ، وَأَعْطَاهُ الْعَصَا، فَإِذَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُومَ أَلْبَسَهُ نَعْلَيْهِ، ثُمَّ مَشَى بِالْعَصَا أَمَامَهُ حَتَّى يَدْخُلَ الْحُجْرَةَ قَبْلَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وحدثني مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ عَيَّاشٍ الْعَامِرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ صَاحِبَ السَّوَادِ وَالْوِسَادَةِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ادريس قال: سمعت الحسن بن
__________
[1] سورة آل عمران- الآية: 172.
[2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 153.
[3] طبقات ابن سعد ج 3 ص 153.(11/217)
عُبَيْدِ اللَّهِ النَّخَعِيَّ يَذْكُرُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِذْنُكَ عَلَيَّ أَنْ يُرْفَعَ الْحِجَابُ وَتَسْمَعُ سَوَادِي، حَتَّى أَنْهَاكَ] .
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ، أنبأ شُعْبَةُ، ثنا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ:
قَالَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ: لَقَدْ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أَرَى ابْنَ مَسْعُودٍ إِلا مِنْ أَهْلِهِ [1] .
حدثني عمرو بن محمد، ثنا أبو معاوية، أنبأ الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: كان عبد الله يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في هديه وسمته. قال: وكان علقمة يشبه بعبد الله.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ إِنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ هَدْيًا وَدَلا وَسَمْتًا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ مَا يَدْرِي مَا يُصْنَعُ فِي بَيْتِهِ [2] .
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ شعبة عن المغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن أبي الدرداء سمعته يقول: ألم يكن فيكم صاحب السواد الوساد، يعني ابن مسعود.
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، أنبأ الأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا دَخَلَ الدَّارَ اسْتَأْنَسَ وَرَفَعَ كَلامَهُ حَتَّى يَسْمَعُوا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أنبأ مَالِكُ بن اسماعيل النهدي، أنبأ إسرائيل
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 153- 154.
[2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 154.(11/218)
عَنْ ثُوَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَا نِمْتُ نَوْمَةَ الضُّحَى مُنْذُ أَسْلَمْتُ [1] .
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ فَقِيهًا أَقَلَّ صَوْمًا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ فَقِيلَ لَهُ: لِمَ لا تَصُومُ؟ قَالَ: إِنِّي أَخْتَارُ الصَّلاةَ عَلَى الصَّوْمِ وَإِذَا صُمْتُ ضَعُفْتُ عَنِ الصَّلاةِ.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيّ، ثنا وُهَيْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُرَّةَ عَنِ النَّزَّالِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ صَلاةٌ فَقَرَأَ فِيهَا: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَوَدِدْتُ أَنَّهُ قَرَأَ بِنَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ مِنْ حُسْنِ صَوْتِهِ وَتَرْتِيلِهِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى الرَّمْلِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَا نَزَلَتْ سُورَةٌ إِلا وَأَنَا أَعْلَمُ فِيمَا نَزَلَتْ وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ بِكِتَابٍ مِنِّي تَبْلُغُهُ الإِبِلُ- أَوْ قَالَ: الْمَطِيُّ- لأَتَيْتُهُ.
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ قَاسِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ.
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ عَنِ الْعَلاءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: اقْتِصَادٌ فِي سُنَّةٍ، خَيْرٌ مِنِ اجْتِهَادٍ فِي بِدْعَةٍ.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ عَنْ شُعَيْبِ بن حرب عن عبد
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 155.(11/219)
الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أُنْذِرُكُمْ فُضُولَ الْقَوْلِ فَبِحَسْبِ الرَّجُلِ مِنَ الْكَلامِ مَا بَلَغَ بِهِ حَاجَتَهُ.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ وَمَسْرُوقٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يَفْتَتِحُ بِهَا الصَّلاةَ، ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلاثًا، ثُمَّ يَقْرَأُ ثُمَّ يُكَبِّرُ، فَيَرْكَعُ بِالْخَامِسَةِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا يَرْكَعُ بِالرَّابِعَةِ.
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ، ثنا الْمُغِيرَةِ عَنْ أُمِّ مُوسَى قَالَتْ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ:
أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنْ يَصْعَدَ شَجَرَةٌ فَيَأْتِيهِ مِنْهَا بِشَيْءٍ فَنَظَرَ أَصْحَابُهُ إِلَى خُمُوشَةِ سَاقَيْهِ فَضَحِكُوا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «مَا تَضْحَكُونَ لِرَجُلٍ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ أُحُدٍ] » [1] .
حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنْتُ أَجْتَنِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الأَرَاكِ فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: [ «مم تَضْحَكُونَ؟
قَالُوا: مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ. فَقَالَ: لَهِيَ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ] » .
حَدَّثَنِي أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، ثنا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ الْهَمَذَانِيِّ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا مُوسَى عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَهُ فِيهَا، ثُمَّ أَتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَخَالَفَ أَبَا مُوسَى، فَأَتَى الرَّجُلُ أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ وَهَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أظهركم.
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 155.(11/220)
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالا: ثنا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: قَالَ أبو موسى: لا تسألوني مادام هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ، يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْوَكِيعِيُّ قَالا: ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، أنبأ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي عمرو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى بِمِثْلِهِ.
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ذَاتَ يَوْمٍ، وَعُمَرُ جَالَسَ فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ، قَالَ: كَنِيفٌ مَلِيءٌ فِقْهًا، أَوْ قَالَ عِلْمًا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، ثنا الأَعْمَشُ عَنْ حَبَّةَ بْنِ جُوَيْنٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَذَكَرْنَا بَعْضَ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَثْنَى الْقَوْمُ عَلَيْهِ وَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رَجُلا كَانَ أَحْسَنَ خُلُقًا، وَلا أَرْفَقَ تَعْلِيمًا، وَلا أَحْسَنَ مُجَالَسَةً وَلا أَشَدَّ وَرَعًا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ [فَقَالَ عَلِيٌّ: نَشَدْتُكُمُ اللَّهَ، أَهُوَ الصِّدْقُ مِنْ قُلُوبِكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي أَقُولُ فِيهِ مِثْلَ مَا قَالُوا وَأَفْضَلَ] [1] .
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا يحيى بن آدم، ثنا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا حَدَّثَ حَدِيثًا جَاءَ بِمِصْدَاقِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ.
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قالا: ثنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: اختلفت إلى
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 156.(11/221)
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ سُنَّةٌ فَمَا سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ فِيهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا أَنَّهُ حَدَّثَ ذات يوم فجرى على لسانه قال رسول الله، فَعَلاهُ كَبْتٌ حَتَّى رَأَيْتُ الْعِرْقَ يَتَحَدَّرُ عَنْ جَبْهَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِمَّا فَوْقَ ذَاكَ، وَإِمَّا دُونَ ذَاكَ، وَإِمَّا قَرِيبًا مِنْ ذَاكَ [1] .
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا شُعْبَةُ، أنبأ جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مِرْدَاسٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَخْطُبُنَا كُلَّ خُمَيْسٍ فَيَتَكَلَّمُ بِكَلِمَاتٍ وَنَسْكُتُ نَحْنُ حِينَ يَسْكُتُ، وَنَحْنُ نَشْتَهِي أَن يَزِيدَنَا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُعْرَفُ بِاللَّيْلِ بِرِيحِ الطِّيبِ [2] .
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، ثنا خَالِدُ بن عبد الله، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْن أبي حازم قال رأيت عبد الله بن مسعود رجلا خفيف اللحم.
المدائني قال: يروي عن ابن مسعود أنه قال: إذا أكره القلب عمي.
وروي عنه أنه قال: ليس الواعظ من جهل أقدار السامعين وإرادة المريدين. وروي ذلك عن بكر بن عبد الله المزني أيضا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عن المسعودي عن القاسم بن عبد
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 156- 157.
[2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 157.(11/222)
الرحمن قال: كان عطاء ابن مسعود ستة آلاف درهم [1] .
وروى عن أبي الأحوص عن عبد الله أنه رأى عبد الله بن مسعود يخطب فرأى حية فنزل عن المنبر فقتلها.
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا عُبَيْد اللَّهِ بْن مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لَوْ كُنْتُ مُؤْثِرًا أَحَدًا دُونَ شُورَى الْمُسْلِمِينَ لأَمَّرْتُ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ] .
حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن سعيد القطان، أنبأ سفيان عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن حارث بن ظهير قال: لما نعي ابن مسعود إلى أبي الدرداء قال: ما خلف بعده مثله.
حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ قُلْنَا لَهُ: حَدِّثْنَا ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ:
[عَلِمَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، ثُمَّ انْتَهَى وَكَفَى بِذَلِكَ عِلْمًا] .
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي خَالِدٍ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ:
وَفَدْنَا عَلَى عُمَرَ فَأَجَازَنَا فَفَضَّلَ أَهْلَ الشَّامِ عَلَيْنَا فَقُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتُفَضِّلُ أَهْلَ الشَّامِ عَلَيْنَا؟ فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ، أَجَزِعْتُمْ أَنْ فَضَّلْتُ أَهْلَ الشَّامِ عَلَيْكُمْ لِبُعْدِ سَفَرِهِمْ وَقَدْ آثَرْتُكُمْ بِابْنِ أُمِّ عَبْدٍ.
حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِيَّاكُمْ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ فَإِنَّهُ قَلَّمَا اعْتَذَرَ رَجُلٌ إِلا كذب.
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 157.(11/223)
حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَجُلا نَحِيفًا قَصِيرًا شَدِيدَ الأُدْمَةِ وَكَانَ لا يُغَيِّرُ شَيْبَهُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ قَالَ: كَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ شَعَرٌ يَرْفَعُهُ عَلَى أُذُنَيْهِ كَأَنَّمَا جُعِلَ بِعَسَلٍ، قَالَ وَكِيعٌ: لا يُغَادِرُ شَعْرَةً شَعْرَةً.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ قَالَ: كَانَ شَعْرُ عَبْدِ اللَّهِ يَبْلُغُ تَرْقُوَتَهُ فَإِذَا صَلَّى جَعَلَهُ وَرَاءَ أُذُنِهِ [1] .
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ شَوْرٍ الْمُقْرِئُ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ خَاتَمُ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ حَدِيدٍ.
حَدَّثَنَا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا فَجَزِعَ فَقُلْنَا لَهُ: مَا رَأَيْنَاكَ جَزِعْتَ مِنْ مَرَضٍ جَزَعَكَ مِنْ مَرَضِكَ هَذَا فَقَالَ: إِنَّهُ أَخَذَنِي وَأَقْرَبَ بِي مِنَ الْغَفْلَةِ.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن سفيان الثوري قَالَ: ذُكِرَ الْمَوْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: مَا أَنَا لَهُ الْيَوْمَ بِمُتَيَسِّرٍ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بُجَيْلَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي إِذَا نمت لا أبعث [2] .
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 158.
[2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 158.(11/224)
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ أَبُو عُبَيْدٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةَ امْرَأَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَخَذَتْ حُلِيًّا لَهَا فَقَالَ لَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبِينَ بِهَذَا؟ قَالَتْ: أَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَقَالَ: هَلُمِّي فَتَصَدَّقِي بِهِ عَلَيَّ وَعَلَى وَلَدِي فَأَنَا لَهُ مَوْضِعٌ. قَالَتْ: لا وَاللَّهِ أَوِ اسْتَأْذَنَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْذَنْتُهُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [تَصَدَّقِي بِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى بَنِيهِ فَإِنَّهُمْ لَهُ موضع] » .
[وصية عبد الله بن مسعود]
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخُوَارَزْمِيُّ، ثنا وَكِيعٌ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَوْصَى إِلَى الزُّبَيْرِ وَكَانَتْ وَصِيَّتُهُ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
ذِكْرُ مَا أَوْصَى بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ إِنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ فِي مَرَضِهِ.
هَذَا مَا أَوْصَى إِنَّ مَرْجِعَ وَصِيَّتِهِ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَنَّهُمَا فِي حِلٍّ وَبِلٍّ مِمَّا وَلِيَا وَقَضَيَا مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لا تُزَوَّجُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ إِلا بِإِذْنِهِمَا- أَوْ قَالَ: بِعِلْمِهِمَا- وَلا تُحْجَزْ عَنْ ذَلِكَ زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيَّةُ.
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا وَكِيعٌ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ خُثَيْمِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي حُلَّةٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا شَرِيكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُرَادِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ(11/225)
مَسْعُودٍ قَالَ: ادْفِنُونِي عِنْدَ قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ [1] .
حَدَّثَنِي هُدبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا هَمَّامٌ عَنِ قتادة أن ابن مسعود دفن ليلا.
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ والكلبي أنهم قالوا في قول الله عز وجل: حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا العلم ماذا قال آنفا [2] كان منهم عبد الله بن مسعود.
وقال الواقدي، أنبأ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن محمد القاري عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عتبة قال: مات عبد الله بن مسعود بالمدينة ودفن بالبقيع في سنة اثنتين وثلاثين وله دار بالكوفة ابتناها إلى جانب المسجد.
وقال الواقدي: توفي ابن مسعود وهو ابن بضع وستين سنة وصلى عليه عمار بن ياسر، ويقال عثمان بن عفان، واستغفر كل واحد منهما لصاحبه قبل موت عبد الله، قال: وصلاة عثمان عليه أثبت عندنا. وقد روى قوم أنه أوصى ألا يصلي عليه عثمان.
حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ خَازِمٍ، أنبأ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا مُوسَى وَأَبَا مَسْعُودٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَتَرَاهُ تَرَكَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، قَالَ: لَئِنْ قُلْتُ ذَاكَ فَقَدْ كَانَ يَدْخُلُ إِذَا حُجِبْنَا وَيَشْهَدُ إِذَا غِبْنَا.
حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن منصور بن أبي الأسود عن إدريس بن يزيد عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حبيش قال: ترك ابن
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 159.
[2] سورة محمد- الآية: 16.(11/226)
مسعود لتسعين ألف درهم [1] .
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بن أبي حازم قال: دَخَلَ الزُّبَيْرُ عَلَى عُثْمَانَ بَعْدَ وَفَاةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: أَعْطِنِي عَطَاءَ عَبْدِ اللَّهِ فَأَهْلُ عَبْدِ اللَّهِ أَحَقُّ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَأَعْطَاهُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا حَفْصُ بْنُ غَيَّاثٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَوْصَى إِلَى الزُّبَيْرِ، وَكَانَ عُثْمَانُ قَدْ حَرَمَهُ عَطَاءَهُ سَنَتَيْنِ، فَأَتَاهُ الزُّبَيْرُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ عِيَالَ عَبْدِ اللَّهِ أَحْوَجُ إِلَى عَطَائِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَأَعْطَاهُ عِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا.
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنَّا يَوْمًا عِنْدَ أَبِي مُوسَى فِي الْمَسْجِدِ فَنَظَرَ إِلَى الشَّمْسِ حِينَ زَالَتْ فَقَالَ: أَيْنَ عَبْدُ اللَّهِ، هَذَا مِيقَاتُ هَذِهِ الصَّلاةِ فَمَا كَانَ بِأَسْرَعَ أَنْ جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ مُسْرِعًا، قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُصَلِّي يَوْمَئِذٍ بِالنَّاسِ.
حدثني بكر بن الهيثم وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالا: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ، أنبأنا زيد بن وهب قال: كان عبد الله يؤمنا في شهر رمضان وينصرف بليل.
حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ فِي إِسْنَادِهِ قَالَ: بَعَثَ عُمَرُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ إِلَى الْكُوفَةِ يُعَلِّمُ النَّاسَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، وَوَلاهُ بَيْتَ الْمَالِ، وَكَانَ أَوَّلَ النَّاسِ جَاءَ بِبَيْعَةِ عُثْمَانَ إِلَى الْكُوفَةِ وَأَخَذَهَا عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ إِنَّهُ بلغ
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 160.(11/227)
عُثْمَانَ عَنْهُ بَعْضُ الأَمْرِ، فَأَشْخَصَهُ إِلَى مَا قَبْلَهُ وَأَسْمَعَهُ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْخُرُوجِ مِنَ الْمَدِينَةِ فَأَقَامَ بِهَا ثَلاثَ سِنِينَ حَتَّى مَاتَ، وَكَانَ مَوْتُهُ قَبْلَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ. وَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ مَرَّضَهُ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، وَأَتَاهُ عُثْمَانُ يَعُودُهُ فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تَجِدُكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: بِخَيْرٍ.
قَالَ: مَا تَشْتَكِي؟ قَالَ: ذُنُوبِي. قَالَ: فَمَا تَتَمَنَّى؟ قَالَ: رَحْمَةَ رَبِّي.
قَالَ: أَلا أَدْعُوَ لَك طَبِيبًا؟ قَالَ: الطَّبِيبُ أَمْرَضَنِي. قَالَ: أَفَلا آمُرُ لَكَ بِعَطَائِكَ، وَكَانَ قَدْ قَطَعَهُ عَنْهُ لِمَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنَعْتَنِيهِ وَأَنَا مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ وَتُعْطِينِيهِ وَأَنَا مُسْتَغْنٍ عَنْهُ. قَالَ: يَكُوُن لِوَلَدِكَ. قَالَ: يَرْزُقُهُمُ اللَّهُ. فَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ وَصَلَّى عَلَيْهِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَكَلَّمَ الزُّبَيْرُ عُثْمَانَ فِي عَطَائِهِ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ لِوَلَدِهِ وَعِيَالِهِ.
قال: وكان ابن مسعود يخطب بالكوفة فيقول: الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من وعظ بغيره، وكان يعلم الرجال القرآن ثم يتحول فيعلم النساء وكان يطرد النساء يوم الجمعة من المسجد ويقول: عليكن ببيوتكن فإن هذا ليس لكن بمجلس.
وروي عن ابن مسعود أنه قال: إياكم وفضول القول فبحسب المرء من الكلام ما بلغ من حاجته.
وقال أبو اليقظان: قتل ابن مسعود أبا جهل. وَكَانَ مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الجن وكان صاحب سواده أي أسراره، وصاحب وساده، وصاحب نعليه ورحلته، وصلى عليه الزبير، وإليه أوصى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم آخي بينه وبينه.
ومن ولد عبد الله بن مسعود: أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود.(11/228)
والقاسم بن معن بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن مسعود ولي قضاء الكوفة، وكان عالما بأمور العرب وأشعارهم فقهيا، وذكروا أنه فلج، والقاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله مات في ولاية خالد بن عبد الله القسري.
ومنهم: عتبة بن مسعود [1] أخو عبد الله بن مسعود لأبيه وأمه،
يكنى أبا عون، أسلم وهاجر مع أخيه إلى أرض الحبشة في المرة الثانية، ومات بالمدينة في أيام عمر بن الخطاب، وكان ممن أقام مع جَعْفَر بْن أبي طالب بأرض الحبشة، ثم قدم مع جعفر حين قدم.
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ- يَعْنِي- ابْنَ عُلَيَّةَ عَنِ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ وَجَدَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَجْدًا شَدِيدًا، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ! إِذْ قَضَى اللَّهُ فِيهِ مَا قَضَى فَمَا أُحِبُّ أَنِّي دَعَوْتُهُ فَأَجَابَنِي.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، أنبأ رَوْحُ بْنُ مُسَافِرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ لَمَّا نُعِيَ إِلَيْهِ أَخُوهُ عُتْبَةُ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّهُ جَالِسٌ فِيكُمُ السَّاعَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ، قَالُوا: وَلِمَ تَقُولُ هَذَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: لأَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أُؤْجَرَ فِيهِ وَلا يُؤْجَرَ فيّ.
ووعبد الله بن عتبة بن مسعود،
وقد ولي لعمر بن الخطاب.
وعبيد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مسعود صاحب عبد الله بن عباس.
وعون بْنِ عَبْدِ اللَّهِ [2] بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ
وهو الذي يقول فيه:
وقالوا مؤمن من أهل جور ... وليس المؤمنون بجائرينا
__________
[1] بهامش الأصل: عتبة بن مسعود رحمه الله.
[2] بهامش الأصل: عون بن عبد الله.(11/229)
وقالوا مؤمن دمه حلال ... وقد حرمت دماء المؤمنينا
ثم إن عون بن عبد الله خرج مع ابن الأشعث فيما يقال، فلما هزم أصحابه هرب فأتى محمد بن مروان بن الحكم بنصيبين فأمنه، ثم إنه لزم عمر بن عبد العزيز وهو خليفة فكانت له منزلة منه حسنة، وإياه عنى جرير بن عطية في قوله:
يا أيها القارئ المرخي عمامته ... هذا زمانك إني قد مضى زمني
أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه ... إني لدى الباب كالمقرون في قرن
[1] وقد ذكرنا هذا الخبر فيما تقدم من كتابنا.
ووعظ عون المفضل بن المهلب فقال: إياك والكبر فإنه أول ذنب عصي به الله ثم تلا: إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ من الكافرين [2] .
وكان عبد الملك ألزمه ابنه الوليد، فسأله عنه فقال: ألزمتني رجلا إن قعدت عنه عتب، وإن أتيته حجب، وإن عاتبته غضب. وقال بعضهم إن محمد بن مروان ألزمه ابنه فقال فيه هذا القول، ويقال إن سليمان بن عبد الملك ألزمه ابنه.
المدائني قال: قال عون بن عتبة: المؤمن أشد الناس لله خوفا وعلى نفسه زريا ولعمله احتقارا وأكثرهم حزنا وأشدهم فيما عند الله رغبة، وأحسنهم بالله ظنا.
حدثنا أحمد بن إبراهيم الدوقي، ثنا يحيى بن معين، ثنا حجاج بن محمد عن المسعودي عن عون بن عبد الله بن عتبة قال: الخير من الله كثير،
__________
[1] ديوان جرير ص 486.
[2] سورة البقرة- الآية: 34.(11/230)
ولن يبصره من الناس إلا اليسير، وهو للناس معروض، ولكن لا يعرفه من لا يراعيه، ولا يجده من لا يبتغيه، ولا يستوجبه من لا يعمل له، ألا ترون إلى كثرة نجوم السماء التي لا يهتدي بها إلا العلماء.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو الْقَيْسِيُّ عَنْ قُرَّةَ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « [أَرْبَعٌ مِنَ الإِيمَانِ: الْحَيَاءُ، وَالْعَفَافُ، وَعِيُّ اللِّسَانِ لا عِيَّ الْقَلْبِ، وَالْفِقْهُ، وَهُنَّ يَزِدْنَ فِي الآخِرَةِ وَيَنْقُصْنَ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَا يَزِدْنَ فِي الآخِرَةِ أَكْثَرُ مِمَّا ينقصن من مِنَ الدُّنْيَا. وَثَلاثٌ مِنَ النِّفَاقِ: الْفُحْشُ وَالْبَذَاءُ وَالشُّحُّ، وَهُنَّ يَزِدْنَ فِي الدُّنْيَا وَيَنْقُصْنَ مِنَ الآخِرَةِ وَمَا يَنْقُصْنَ مِنَ الآخِرَةِ أَكْثَرُ مِمَّا يَزِدْنَ فِي الدُّنْيَا] » قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَأَعْجَبَهُ.
المدائني عن يحيى بن اليمان عن سفيان قال: قال عون بن عبد الله:
الدنيا غير مأمونة، من أكرمها أهانته، ومن رفضها أكرمته تخرج من يد من اطمأن إليها ووثق بدوامها وينالها من لم يكن يرجوها.
المدائني عن جويرية بن أسماء قال: حدث عون بن عبد الله عمر بن عبد العزيز عن ملك بنى مدينة له فأحسن بناءها، وهيأ طعاما للناس فجعل الرجل يأكل ويخرج فيسأله قوم قد وكلهم بمسألة الناس عن المدينة: هل تعرفون فيها عيبا؟ فجعلوا ينعتون ويصفون، حتى خرج من المدينة رجل قد طعم فقالوا له: هل رأيت في المدينة عيبا؟ فقال: نعم رأيت أنها تخرب بموت صاحبها، فأخبر الملك بذلك فقال: صدق، وترك ملكه وجعل يتعبد مع قوم كانوا يعرفونه وتركهم، وقال: إن هؤلاء قد رأوني ملكا فهم يجلوني، فاعتزلهم وأتى قوما لا يعرفونه فساح معهم، فهم عمر بن عبد(11/231)
العزيز أن يسيح ويخرج من الخلافة حتى رده مسلمة عن ذلك، وقال له:
أتضيع أمر أمة محمد فسكن.
حدثنا محمد بن إبراهيم الدورقي عن حنظلة عن عون بن عبد الله قال: قلت لعمر بن عبد العزيز إن استطعت أن تكون عالما فكن عالما، فإن لم تستطيع فكن متعلما، فإن لم تكن متعلما فأحب العلماء فإن لم تحبهم فلا تبغضهم.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو نعيم الأحول، ثنا حنظلة قال:
سمعت عون بن عبد الله بن عتبة يقول: كان عبد الله بن مسعود يعلم الناس أربعا: اللهم إني أعوذ بك من غني يطغي، وفقر ينسي. وهوى يردي، وعمل يخزي. قال وزدت أنا عليها: ومن صاحب يغوي، وجار يؤذي.
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا أبو أسامة عن مسعر عن معن بن عبد الرحمن عن عون قال: بينا رجل في بستان بمصر، وهو مهموم إذ وقف عليه رجل فقال له: مالي أراك مهموما أللدنيا، فإن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر، أم للآخرة، فإن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك عادل. فكانوا يرون أنه الخضر.
حدثنا الحسين بن علي، ثنا وكيع عن مسعر عن زيد العمي عن عون بن عبد الله قال: كان أهل الخير يقولون ويكتبون: من عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته.
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ يمان عن سفيان قال: قال عون بن(11/232)
عبد الله بن عتبة: الخير الذي لا شر فيه: الشكر مع العافية، فرب منعم عليه غير شاكر، ومتبلى غير صابر.
حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، ثنا يزيد بن هارون عن المسعودي عن عون أنه كتب إلى رجل: أما بعد فإني أوصيك بوصية الله التي حفظها سعادة لمن حفظها، وإضاعتها شقوة لمن ضيعها، واعلم أن رأس تقوى الله البصر وحقيقتها العمل، وكمالها الورع، وأن يفي لله بشرطه الذي شرط، وعهده الذي عهد، وفرضه الذي افترض، وأن ينقض كل عهد للوفاء بعهده ولا ينقض عهده للوفاء بعهد غيره، هذا جماع من القول يبصره البصير ولا يعرفه إلا اليسير.
حدثنا أحمد بن إبراهيم ثنا أبو النضر عن عبد الرحمن المسعودي عن عون قال: كان يقال: من كان في صورة حسنة، وموضع لا يشينه، ووسع عليه في رزقه ثم تواضع لله واتقاه كان من خلصان [1] الله.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو النضر عن عبد الرحمن المسعودي عن عون قال: كان يقال أزهد الناس في عالم أهله ومثل ذلك مثل السراج بين أظهر القوم ليستصبح الناس به ويقول أهل البيت هو معنا وفينا، ويتكلون فلا يفجئهم ألا طفؤه.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا حجاج بن محمد عن المسعودي عن عون بن عبد الله قال: قال رجل من الفقهاء: روأت في أمري فلم أجد خيرا لا شرّ معه إلا المعافاة والشكر.
__________
[1] بهامش الأصل: خلصاء.(11/233)
المدائني عن عون بن عبد الله قال: ما أحسن الحسنة في أثر الحسنة، وأقبح منها السيئة في أثر السيئة.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ الطيالسي عن قرة عن عون بن عبد الله قال: كان يقال إن من البيان سحرا، ومن ذلك أن يكون بين الرجلين خصومة فيقول أحدهما لصاحبه اختر أي الخصومتين شئت فإنك لا تختار واحدة إلا خصمتك بالأخرى.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا علي بن إسحاق المروزي عن ابن المبارك عن عبد الله بن الوليد عن عون بن عبد الله قال: أوصى رجل ابنه فقال يا بني عليك بتقوى الله وطاعته، وإن استطعت أن تكون اليوم خيرا منك أمس، وغدا خيرا منك اليوم فافعل، وإذا صليت فصل صلاة مودع.
وإياك وكثرة تطلب الحاجات فإنه فقر حاضر، ودع ما يعتذر منه.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا حجاج بن نصر عن قرة عن عون قال:
مثل الذي يطلب العلم في الأحاديث ويترك القرآن مثل رجل أخذ باب زربه على غنمه فمرت به ظباء فاتبعها يطلبها فلم يدركها، ورجع فوجد غنمه قد خرجت وتفرقت فلا هذه أدرك ولا تلك حفظ.
حدثني عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هارون عن المسعودي قال: قال عون بن عبد الله: إن من قبلنا كانوا يجعلون للدنيا ما فضل عن آخرتهم وإنكم اليوم تجعلون لآخرتكم ما فضل عن دنياكم.
المدائني قال: قال عون بن عبد الله: إن الله ليبتلي الرجل بما يكرهه عليه ليأجره، كما يكره أهل المريض مريضهم على الدواء لينفعه.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ صاحب الطيالسة، ثنا مطرف(11/234)
عن عون بن عبد الله أنه سمعه يقول: الدنيا والآخرة في قلب ابن آدم ككفتي الميزان إذا رجحت إحداهما خفت الأخرى. قال: وسمعته يقول ما تحاب رجلان في الله إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا مطرف قال: سمعت عون بن عبد الله يقول إذا سرك أن تنظر إلى الرجل أحسن ما يكون حالا فانظر إليه وهو قائم يصلي.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا يزيد بن هارون عن المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله عن عون قال: ما أحسب أحدا تفرغ لعيب الناس إلا من غفلة غفلها عن نفسه.
حدثنا أحمد بن إبراهيم عن يزيد بن هارون عن المسعودي عن عون أنه كان يقول: ما أنزل أحد الموت حق منزلته إلا وهو لا يعد عدة إلا من أجله. فكم من مستقبل يوما لا يستكمله وراج غدا لا يدركه، إنك لو أذكرت الأجل ومسيره أبغضت الأمل وغروره.
حدثنا أحمد، ثنا أبو النصر عن عبد الرحمن المسعودي عن عون بن عبد الله قال: الصيام من أربع: من المطعم، والمشرب، والمأثم، والمحرم.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا قتيبة أبو رجاء البلخي، ثنا ليث بن سعد عن ابن عجلان عن عون أنه كان يقول: اليوم المضمار، وغدا السباق، والسبقة الجنة، وبالعفو تنجون.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا قتيبة بن سعيد أبو رجاء عن ليث عن ابن عجلان عن عون أنه قال: من تمام التقوى أن تبتغي إلى ما علمت منها وما لم(11/235)
تعلم فإن لم تعلم فإن النقص مما علمت ترك ابتغاء الزيادة فيه، وإنما يحمل الرجل على ترك ابتغاء الزيادة منه قلة انتفاعه بما علم.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو السري سهل بن محمود عن الأشجعي عن موسي الجهني عن عون بن عبد الله أنه كان يقول: ويح نفسي كيف أغفل ولا يغفل عني أم كيف يهنئني عيشي واليوم الثقيل ورائي، أم كيف يشتد عجبي بدار في غيرها قراري وخلودي.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث عن قرة عن عون أنه قال في قول الله عز وجل: ولا تنس نصيبك من الدنيا [1] قال:
نصيبه من الدنيا العمل الصالح فيها وليس كما تظنون.
حدثنا المدائني عن المسعودي عن عون بن عبد الله أنه قال: بحسبك من الكبر أن ترى لنفسك فضلا على غيرك.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا الحجاج بن نصر عن قرة عن عون قال:
إن الله ليأخذ بحجزة العبد أن يقع في النار.
حدثنا أحمد بن إبراهيم عن ميسرة بن إسماعيل الحلبي عن نوفل بن فرات عن عون أنه كان يقول: إن لكل إنسان سيدا من عمله، وأن سيد عملي الذكر.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو السري سهل بن محمود، ثنا سفيان عن أبي هارون قال: أتانا عون بن عبد الله في مجلس محمد بن كعب فجعل يبكي، وكان من موعظته أن قال: يا إخوتي لا تنسوا الفضل بينكم وإن أتي أحدكم سائل فلم يكن عنده ما يعطيه فليدع له بخير.
__________
[1] سورة القصص- الآية: 77.(11/236)
حدثنا أحمد، ثنا سهل بن محمود عن سفيان قال كان عون يقول:
جالست الأغنياء فكنت كثير الهم أرى مركبا أفره من مركبي، وثوبا أحسن من ثوبي، ثم جالست الفقراء فاسترحت.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا سهيل بن محمود عن سفيان قال: كان عون يقول الحمد لله الذي إذا شئت وضعت سري عنده أية ساعة شئت من ليل أو نهار بلا شفيع، فيقضي حاجتي، والحمد لله الذي إذا دعوته أجابني، وإن كنت بطيئا حين يدعوني.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا مبشر الحلبي عن تمام بن نجيح قال:
رأيت على عون مطرف خز وجبة خز، وهو جالس بين المساكين، قال:
وكنا نأتيه فيأمر جارية له فتقرأ القرآن بصوت حزين حتى تبكينا.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو النصر عن المسعودي عن عون بن عبد الله أنه مر برجل يسبح فقال: نعم ما تغرس.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عنبسة بن سعيد القرشي عن ابن المبارك عن المسعودي عن عون قال: الذاكر في الغافلين كالمقاتل خلف الفارين.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو معاوية الضرير، ثنا عاصم الأحول عن عون بن عبد الله قال: اجعلوا مسألة ربكم مهم حوائجكم في الصلاة المكتوبة، فإن فضل الدعاء فيها كفضلها على النافلة.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا مبشر بن إسماعيل عن الأوزاعي عن عمر بن سعيد عن عون بن عبد الله قال: من قال هؤلاء الكلمات حين يصبح ويمسي لم يكتب يومئذ من الغافلين: اللهم أسلمت ديني إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، والجأت ظهري إليك، رهبة لك(11/237)
ورغبة إليك، لا ملجأ منك إلا إليك، آمنت بالرسول الذي أرسلت، والكتاب الذي أنزلت، وأنت مننت علي بذلك، وهديتني فلك الحمد كثيرا.
[زهد عون بن عبد الله في الدنيا]
حدثني أحمد بن إبراهيم، حدثني يحيى بن معين، ثنا الحجاج بن محمد عن المسعودي عن عون أنه كان يقول في بكائه وذكر خطيئته: ويحي لأي شيء أعصى ربي إنما عصيته بنعمته عندي، ويحي من خطيئة ذهبت شهوتها عني وبقيت تبعتها علي في كتاب كتبه كتاب لم يغيبوا عني. وا سوءتي إذا لم استحيهم ولم أراقب ربي، ويحي نسيت ما لم ينس مني، ويحي طاوعت نفسا لا تطاوعني، طاوعتها فيما يضرها ويضرني ولم تطاوعني فيما ينفعها وينفعني. رب إني لم أرحم نفسي فارحمني، رب لا تكلني إليها فتهلكني، ويحي كيف أنسى ملك الموت الذي قد وكل بي، أنساه ولا ينساني، يقص أثري فإن فررت أدركني، وإن ثبت وجدني، ويحي كيف ينام على مثل هذا الأمر ليلي، وكيف يقر على مثله مثلي، ويحي كيف لا يذهب ذكر خطيئتي كسلي في عبادة ربي، ولا يبعثني لما يذهبها عني، ويحي إن لم يرحمني ربي، ويحي أما تنهاني أولى خطيئتي عن الأخرى التي عمي عنها قلبي، ويحي إن حجبت يوم القيامة عن ربي فلم يزكني ولم ينظر إلي، ويحي كيف لا يشغلني ذكر خطيئتي عما يضرني ولا ينفعني. ويحك يا نفس تنسين ما لا ينسى، وقد أتيت ما لا يؤتى، وكل ذلك عليك محصى في كتاب لا يبيد ولا يبلى، أما تخافين أن تجزي به فيمن يجزى يوم تجزى نفس بما تسعى وقد آثرت ما يفنى على ما يبقى، يا نفس ويحك ألا تشفقين، وعلى ما أنت فيه تندمين، وبربك تأتمين، مالك إذا افتقرت تحزنين، وإذا استغنيت تبطرين، وإذا(11/238)
دعيت للخير تكسلين، ويحك لم تقولين في الدنيا قول الزاهدين، ولا تعملين للآخرة عمل الراغبين، يا نفس أترجين أن يرضى وأنت لا ترضين، مالك إن سألت تكثرين، وإن أنفقت تقترين، ترجين الآخرة بغير عمل وتؤخرين التوبة بطول الأمل، وإن ابن آدم إذا سقم ندم، وإذا صح أمن، وإذا افتقر حزن، وإذا استغنى فتن أيرغب ولا ينصب فيما يرغب، ويرجو السلامة، ولم يحذر البلاء، ويح لنا ما أغرنا، ويح لنا ما أغفلنا، ويح لنا ما أجهلنا، ويح لنا ماذا يراد بنا، ويح لنا إن ختم على أفواهنا وتكلمت أيدينا وشهدت أرجلنا، ويح لنا حين تفشو أسرارنا وتستفتى جوارحنا، وتشهد علينا أجسادنا، فيومئذ لا براءة عندنا ولا عذر لنا، لنا الويل الطويل إن لم يرحمنا ربنا. رب ما أحكمك، وأمجدك، وأجودك، وأرأفك، وأرحمك، وأعلاك، وأقربك، وأقدرك، وأقهرك، وأوسعك، وأفضلك، وأبينك، وأنورك، وآناك وأحضرك، وألطفك وأخبرك، وأحكمك، وأشكرك، وأحلمك، وأكرمك. رب ما أبلغ حجتك وأكثر مدحتك، رب ما أبين كتابك، وأشد عقابك، وأحسن مآبك وأجزل ثوابك، رب ما أسنى عطاءك، وأجل ثناءك رب ما أحسن بلاءك، وأسبغ نعماءك، رب ما أعظم سلطانك وأوضح برهانك، رب ما أمتن كيدك، وأغلب أيدك، رب ما أعز ملكك وأنفذ أمرك، رب ما أعظم عرشك، وأشد بطشك، رب ما أسرع فرجك وأحكم فعلك، رب ما أوفى عهدك، وأصدق وعدك، رب ما أحضر نفعك، وأتقن صنعك، عجبا كيف تعظم في الدنيا رغبتي، وقليل ما فيها يكفيني، أم كيف يشتد فيها حرصي ولا ينفعني ما تركت منها بعدي، وكيف أؤثرها وقد ضرت من آثرها قبلي، أم كيف لا أبادر بعملي(11/239)
قبل أن يغلق رهني، أم كيف تقر عيني مع ذكر ما سلف مني، فاغفر لي، واجعل طاعتك همي، وقو عليها عزمي، ولا تعرض عني يوم تعرضني بما سلف من ظلمي وجرمي، وآمني يوم الفزع الأكبر حين لا يهمني إلا نفسي.
وحدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا يحيى بن معين عن الحجاج بن محمد عن المسعودي عن عون بن عبد الله أنه قال: يا بني كن ممن نئي به عمن نئي عنه بغنى ونزاهة ودنوه ممن دنا منه بلين ورحمة، ليس نأيه بكبر وعظمة، ولا دنوه بخدع وخلابة، يقتدي بمن قبله وهو إمام من بعده، ولا يعجل فيما رابه، ويعفو إذا تبين، يغمض في الذي له ويزيد في الحق الذي عليه، ولا يعزب حلمه ولا يحضر جهله، الخير منه مأمول والشر مأمون، إن زكي خاف ما يقولون واستغفر لما لا يعلمون، يقول: ربي أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي من غيري، فهو لا يغره ثناء من جهل أمره ولا ينسى إحصاء شيء من عمله، يستبطئ نفسه في العمل ويأتي ما أتى من الصالحات على وجل، إن عصته نفسه فيما كرهت لم يتبعها فيما أحبت، يبيت حذرا ويصبح فرحا حذرا من الغفلة، وفرحا لما أصاب من الفضل، لا يحيف للأصدقاء ولا يجنف على الأعداء، ولا يعمل الخير رياء، ولا يدع شيئا منه حياء، يصمت ليسلم، ويخلو ليغنم وينظر ليفهم، ويخالط الناس ليعلم، مجالس الذكر مع الفقراء أحب إليه من مجالس اللغو مع الأغنياء، ولا تكن يا بني كمن تغلبه نفسه على ما نظر ولا يغلبها على ما يستيقن، يتمنى المغفرة، ويعمل بالمعصية، طال به الأمل ففتر وطال عليه الأمد فاغتر، وأعذر إليه فيما عمر، وليس هو فيما عمر بمعذر، إن أعطي لم يشكر ما أعطي ويبتغي الزيادة فيما بقي، يحب الصالحين ولا يعمل عملهم ويبغض المسيئين وهو(11/240)
أحدهم، يعوذ بالله ممن فوقه ولا يريد أن يعيذ الله منه من تحته، يبصر الغررة من غيره ويغفلها من نفسه، يتصنع لتحسب عنده أمانة وهو مرصد للخيانة، يخف عليه الشعر، ويقل عليه الذكر، يعجل النوم ويؤخر الصوم يبيت نائما ولا يصبح صائما، يتصبح بالنوم ولم يسهر ويمسي وهمه العشاء وهو مفطر، إن صلى اعترض، وإن ركع ربض، وإن سجد نقر، وإن جلس شغر، إن سأل ألحف، وإن سئل سوف، وإن وعد أخلف وإن حلف حنث، وإن وعظ كلح، وإن مدح فرح، ليس له في نفسه عن عيب الناس شغل، أهل الخيانة له بطانة، وأهل الأمانة عليه علاوة، يعجب من أن يفشو سره، ولا يشعر من أين جاء ضره. يسر من الناس ما لا يخفى على الله، فيستحييهم ولا يستحي ربه، ينظر نظر الحسود، ويعرض إعراض الحقود، ويرضي الشاهد ويسخط الغائب، يضحك من غير عجب، ويسعى إلى غير أرب، لا ينجو منه من جانبه ولا يسلم منه من صاحبه، إن حدثته ملك، وإن حدثك غمك، وإن فارقك أكلك، إن حاورته بهتك لا ينصت فيسلم، ولا يتكلم بما لا يتعلم، يغلب لسانه قلبه، ويضبط قلبه قوله، يتعلم المراء وينفقه للرياء ويكثر الكبرياء، يسعى للدنيا ويواكل في التقى.
المدائني قال: كان عون بن عبد الله بن عتبة يقول: لم يعذب أحد في الدنيا بمثل الظن السيء، والحسد الدائم، والجار البذيء، والزوجة السليطة.
قال: وكان يقول: عجبت لرجل يطلب ما لعله لا يدركه، ويدع ما يتيقن أنه مدركه.(11/241)
كان يقول: عجبا لمن آثر ظنا على يقين، وغررا على ثقة.
وقال عمر لعون بن عبد الله بن عتبة: أما آن لك أن تترك الشعر؟
فقال: يا أمير المؤمنين لا بدّ للمصدور من أن ينفث.
وكان عون يقول: ليس كلام أوجز من كلام العرب، قال امرؤ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل.
... [1]
فوقف واستوقف، وبكى واستبكى، وذكر حبيبه، ومنزله في نصف بيت.
تم خبر عون.
وقال أبو اليقظان: كان عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ
صاحب ابن عباس فقيها من خيار أهل المدينة، وهو القائل لعمر بن عبد العزيز، وعبد الله بن عمرو بن عثمان، ومرا فلم يسلما عليه:
لا تعجبا أن تؤتيا وتكلما ... فما حشي الأقوام شرا من الكبر
وهذا تراب الأرض منه خلقتما ... وفيها المعاد والمصير إلى الحشر
وقال أيضا:
أبا عمرو كن مثلي أو ابتغ صاحبا ... كمثلك إني مبتغ صاحبا مثلي
فما يلبث الأقوام أن يتفرقوا ... إذا لم يؤلف شكل قوم إلى شكل
ولا ترجون ود امرئ ذي ملالة ... ولا يحبب الإخوان إلا ذوي عقل
قال: وقيل لعبيد الله بن عبد الله: كيف تقول الشعر مع فقهك وورعك؟ فقال: إن المصدور لا يملك نفسه أن ينفث.
__________
[1] ديوان امرؤ القيس ص 29.(11/242)
ومن ولد عون بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ القاري: عون بن عبد الله بن عون بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، ولي القضاء ببغداد والنظر في أمر الزنادقة.
ومن ولد عتبة:
عبد الله بن عبيد الله بن عتبة،
وكان شاعرا.
وقال غير الكلبي: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة ومن شعره قوله:
أيها الشاتمي ليوهن عظمي ... أنت بي جاهل وفيك اغترار
ومتى أدع زهرة بن كلاب ... يستجيبوا أو تأتني أنصار
فيهم غلظة لمن خاشنوه ... ويسار إذا يراد يسار
وهو القائل:
تمكن حب عثمة في فؤادي ... فباديه مع الخافي كبير
صدعت القلب ثم ذرأت فيه ... هواك فليم فالتام القطور
[1]
تغلغل حيث لم يبلغ شراب ... ولا حزن ولم يدخل سرور
وقال أيضا:
أبادر بالمال سهمانه ... وقول المعوض والرائث
[2]
وأمنح نفسي الذي تشتهي ... وأؤثر نفسي على الوارث
ومنهم: عمرو بن عميس بن مسعود قتله الضحاك بن قيس الفهري بالقطقطانة،
وقد كتبنا خبره في الغارات بين علي ومعاوية رضي الله تعالى عنهما.
__________
[1] قطر الماء والدمع قطرا وقطورا. القاموس.
[2] الرائث: المتريث. القاموس.(11/243)
وولد عمرو بن الحارث بن تميم:
جشم بن عمرو. ومازن بن عمرو. وضبة بن عمرو. وخثيم بن عمرو. وعنزة بن عمرو.
وولد معاوية بن تميم:
سهم بن معاوية، بطن. وقرد بن معاوية، بطن. ومازن بن معاوية، بطن. وعوف بن معاوية، بطن. وحي بن معاوية- ويقال: حي: بطن- وجعيل.
ومن هذيل ثم من خناعة: مالك بن خالد الشاعر.
ومن بني قريم: أبو أراكة الشاعر وأبو بثينة الشاعر أيضا.
[شعراء من بني هذيل]
ومن بني كعب بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل.
صخر الغي [1] الشاعر،
وكان صخر الغي عمد إلى جار لبني خناعة فقتله، وكان المقتول مزنيا، فحرض أبو المثلم الهذلي الشاعر قومه عليه، فقال صخر قصيدة رد عليه فيها وهي التي أولها:
إني بدهماء عز ما أجد ... عاودني من حبابها الزؤد
[2] وصخر الغي: صخر بن حبيب بن سويد بن رياح بن كليب بن كعب بن كاهل.
وأبو كبير بن ثابت بن عبد شمس [3] بن خالد بن عمر بن عبد بن كعب بن مالك بن كاهل الشاعر،
وأبو كبير القائل:
__________
[1] بهامش الأصل: صخر الغي الشاعر.
[2] بهامش الأصل: قلب مزؤود: مذعور. ديوان الهذليين- ط. القاهرة 1945 ج 2 ص 57. والحباب والحب وأحد، والزؤد: الزعر.
[3] اسمه في ديوان الهذليين ص 88: عامر بن الحليس. وجاء بهامش الأصل: أبو كبير الشاعر.(11/244)
عجلت يداك لخيرهم بمرشة ... كالعط وسط مزادة المستخلف
[1] وهو القائل:
يهدي العمود [2] له الطريق إذا هم ... نهضوا وتعمد للطريق الأسهل
ولقد سريت على الظلام بمغشم [3] ... جلد من الفتيان غير مهبل
[4]
مما حملن به وهن عواقد ... حبك [5] النطاق فشب غير مثقل
حملت به في ليلة مزؤودة ... كرها وعقد نطاقها لم يحلل
فأتت به حوش [6] الجنان مسهدا ... سهدا إذا ما نام ليل الهوجل
[7]
ومن بني كعب بن كاهل:
ساعدة بن جؤية [8] بن عبد
ويقال إنه من بني كعب بن صبيح بن كاهل وهو القائل:
هجرت غضوب وحب من يتجنب ... وعدت عواد دون وليك تشعب
[9] يقول: ما أحب إلينا من يتجنب يعني غضوب. وهو القائل:
__________
[1] ديوان الهذليين ج 2 ص 109- والمرشة: طعنة واسعة الفرغ، يتفرق دمها، والعط الشق. والمزادة: الراوية، والمستخلف: الذي يستقي لأصحابه.
[2] العمود: العصا التي يتوكأ عليها.
[3] المغشم: الذي يغشم الناس ويظلمهم.
[4] المهبل: الكثير اللحم.
[5] الحبك: كل ما حزم به.
[6] حوش الجنان: حوش الفؤاد، حديده.
[7] فلاة هوجل: إذا لم يكن يهتدي فيها. ديوان الهذليين ج 2 ص 90- 93.
[8] بهامش الأصل: ساعدة بن جؤية الشاعر.
[9] ديوان الهذليين ج 1 ص 167.(11/245)
فالطعن شغشغة والضرب هيقعة [1] ... ضرب المعول تحت الديمة العضدا
والعاله: أن تقطع الشجر يستظل بها من المطر، والعضد ما عضدت من الشجر أي قطعت.
ومن هذيل: البريق وهو غياض بن خويلد الشاعر،
أحد بني سهم بن معاوية بن تميم بن سعد بن هذيل.
وأسامة بن الحارث الشاعر،
وهو أحد بني عمرو بن الحارث بن تميم بن سعد، وهو القائل لرجل مهاجر من قيس في أيام عمر بن الخطاب.
عصاني أنيس في الذهاب كما أبت ... عسوس صوى في ضرعها الغبر مانع
عسوس: سيئة الخلق من الإبل. وصوى: يبس. مانع: تمنع الحلب.
ومن هذيل: أبو خويلد الشاعر،
وهو معقل بن خويلد بن واثلة بن عمرو بن عبد يا ليل بن مطحل بن مرمض بن حرب بن جداعة بن سهم بن معاوية بن تميم، وكان حليف أبي سفيان بن حرب، وكان وفد إلى النجاشي في أسراء قومه فوهبهم له، فقال في قصيدة له:
وسود جعاد غلاظ الرقاب ... مثلهم يرهب الراهب
أتيت لإنقاذهم منهم ... وليس معي منكم صاحب
يرى الشاهد الحاضر المطمئن ... من الأمر ما لا يرى الغائب
ومن بني قرد بن معاوية بن تميم بن سعد بن هذيل:
__________
[1] الشغشغة: تحريك السنان في المطعون، والهيقعة: حكاية وقع السيف، أو ضربك الشيء اليابس على اليابس لتسمع صوته. القاموس.(11/246)
أبو خراش [1] واسمه خويلد بن مرة.
وإخوته: الأسود بن مرة. وعروة بن مرة. وأبو جندب بن مرة.
وأبو الأسود. وعمرو. وزهير. وجناد. وسفيان، كانوا دهاة شعراء سراعا، وأمهم هذلية، ويقال إن أم سفيان وحده هذلية.
فأما الأسود بن مرة فكان على مالهم وهو غلام، فوردت عليه إبل لبعض القرديين يقال له رئاب، فرمي الأسود ضرع ناقة لرئاب فغضب الشيخ فضربه بالسياط فقتله، فغضب بنو مرة، وكان أبو جندب أشدهم غضبا فكلم حتى رضي بالعقل، فلما أتوه به سكت وقال احبسوه حتى اعتمر وأرجع، ومضى نحو الحرم وهو يقول:
فمن كان يرجو الصلح فيه فإنه ... كأحمر عاد أو كليب بن وائل
وهم بقتل رجال من هذيل فكفوا مؤونته بذبحة أصابته بجانب الحرم. وقتل زهير بن مرة قوم من ثمالة من الأزد، وهو متقلد لحاء من شجر الحرم، فقال أبو خراش:
قتلتم فتى لا يفجر الله عامدا ... ولا يحتويه جاره عام محل
وقتل عروة أخوه، قتلته خزاعة فقال أبو خراش:
تقول أراه بعد عروة لاهيا ... وذلك رزء لو علمت جليل
فلا تحسبي أني تناسيت عهده ... ولكن صبري يا أميم جميل
[2] وقتل أبا الأسود بن مرة بنو فهم بن عمرو بياتا تحت الليل.
وكان أبو جندب بن مرة مرض وكان له جار من خزاعة، فقتله بنو
__________
[1] بهامش الأصل: أبو خراش الشاعر.
[2] ديوان الهذليين ج 2 ص 116.(11/247)
لحيان في مرض أبي جندب وأخذوا ماله وقتلوا امرأته فخرج أبو جندب حين أفاق إلى مكة وقال:
إني امرؤ أبكي على جارية ... أبكي على الكعبي والكعبية
ولو هلكت بكيا عليه ... كانا مكان الثوب من حقويه
ثم استجاش على بني لحيان فقتل منهم وسبى وقال:
لقد أمسى بنو لحيان مني ... بحمد الله في خزي مبين
[1] في أبيات.
وكان الأبح بن مرة عمد في أصحاب له يريد حيا من الديل، وكان بين عدي بن الديل وبين بني يعمر من بني نفاثة بن عدي بن الديل شر وحرب، وبلغ ذلك سارية بن زنيم فطلبه ففاته وقال:
لعمرك ساري بن زنيم أعلم ... لأنت بعرعر الثأر المنيم
عليك بني معاوية بن صخر ... فأنت بمربع وهم بضيم
تساويهم على وصف وظن ... كدابغة وقد حلم الأديم
[2] وأما أبو خراش فأسلم وحسن إسلامه، ورأى في خلافة عمر رضي الله عنه نفرا من حجاج اليمن فاستسقوا ماء، فأخذ قربه وسعى إلى ماء هناك، فلدغته حية فما برحوا حتى دفنوه.
وقال أبو خراش حين حضرته الوفاة:
لعمرك والمنايا غالبات ... على الإنسان تطلع كل نجد
__________
[1] ديوان الهذليين ج 3 ص 90.
[2] حلم الأديم، أصابته الحلمة وهي دودة تأكله. الأغاني ج 21 ص 220.(11/248)
لقد أهلكت حية بطن أنف ... على الإخوان ساقا ذات فقد
[1] وقال أيضا:
لقد أهلكت حية بطن أنف ... على الإخوان ساقا ذات فضل
فما تركت عدوا بين بصري ... إلى صنعاء يطلبه بذحل
[2] وهاجر خراش ابنه فقال فيه:
ألا من مبلغ عني خراشا ... وقد يأتيك بالنبأ البعيد
ألا فاعلم خراش بأن خير ال ... ... مهاجر بعد هجرته زهيد
فإنك وابتغاء البر بعدي ... كمخضوب اللبان ولا يصيد
[3] يعني كلبا يخضب صدره بالدم ولم يصد، ليري صاحبه الناس أنه قد صاد.
ومن هذيل: المتنخل الشاعر [4] واسمه مالك بن عويمر، أحد بني لحيان بن هذيل،
وهو الذي رثي أباه فقال:
لعمرك ما إن أبو مالك ... بوان ولا بضعيف قواه [5]
ومنهم:
__________
[1] ديوان الهذليين ج 2 ص 171، وبطن أنف: من منازل هذيل.
[2] الأغاني ج 21 ص 228.
[3] هذا مثل يعني أن الكلب يلطخ حلقه وصدره بالدم، يرى بذلك الناس أنه قد صاد، ولم يصد. ديوان الهذليين ج 2 ص 170- 171.
[4] بهامش الأصل: المتنخل الشاعر.
[5] ديوان الهذليين ج 2 ص 29.(11/249)
الداخل واسمه زهير [1] ويقال الأدخل أحد بني سهم بن معاوية بن تميم.
ومنهم:
قيس بن عيزارة [2] الشاعر أحد بني صاهلة.
ومنهم:
حذيفة بن أنس [3] الشاعر الذي غزا بعض بني كنانة وفيهم آدم بْن ربيعة بْن الحارث بْن عَبْد المطلب وهو صغير فقتل.
ومنهم: ربيعة بن جحدر الشاعر الطابخي، من ولد طابخة بن لحيان بن هذيل
الذي يقول:
ألا إن خير الناس رسلا ونجدة ... بعجلان قد خفّت إليه الأكادس
[4]
فو الله لا ألقى كيوم ابن مالك ... أثيلة [5] حتى يعلو الرأس رامس
وذي إبل فجعته بخيارها ... فأصبح منها وهو أسوان بالس
ومن هذيل ثم من بني خناعة: بدر بن عامر الشاعر، وأخوه أبو العيال [6] ،
وكان أبو العيال حصر ببلاد الروم في زمن معاوية، فيقال إنه كتب بشعر إلى معاوية يقول فيه:
__________
[1] هو في ديوان الهذليين ج 3 ص 98 «عمرو الداخل» .
[2] في ديوان الهذليين ج 3 ص 72 «أخو بني صاهلة» .
[3] ديوان الهذليين ج 3 ص 18.
[4] الكدس: اسراع المثقل في السير، والكدسة: عطسة البهائم. القاموس.
[5] تأثل: عظم، والمال اكتسبه، والأهل: كساهم أفضل كسوة. القاموس.
[6] بهامش الأصل: أبو العيال الشاعر.(11/250)
أبلغ معاوية بن صخر آية ... يهوي إليه بها البريد الأعجل
والمرء عمرا فالقه بصحيفة ... مني يلوح بها كتاب مجمل
[1] وهو القائل في ابن عم له استشهد يقال له عبد الله:
فتى ما غادر الأجنا ... د لا نكس ولا جنب
ولا زميلة [2] رعدي ... دة رعش إذا ركبوا
ألا لله درك من ... فتى قوم إذا رهبوا
وقالوا من فتى للحر ... ب يرقبها ويرتقب
وحمج [3] للجبان المو ... ت حتى قلبه يجب
فكنت فتاهم فيها ... إذا تدعى لها تثب
ذكرت أخي فعاودني ... صداع الرأس والوصب
[4]
كما يعتاد أمّ الب ... و [5] بعد سلوها الطرب
[6]
ومنهم: أبو المثلم الخناعي
الذي يقول:
أصخر بن عبد الله إن تك شاعرا ... فانك لا تهدي القريض لمفحم
أصخر بن عبد الله قد طال ما تري ... ومن لا يكرم نفسه لا يكرم
[7] ومنهم: خويلد بن واثلة، وهو أبو معقل بن خويلد الذي يقول
__________
[1] ديوان الهذليين ج 2 ص 253.
[2] الزميلة: الضعيف من الرجال.
[3] حمج: يقول: نظر الجبان إلى الموت فهابه، والتحميج: رفع البصر إلى السماء وفتح العينين.
[4] الوصب: الوجع، وهو النصب والتعب أيضا.
[5] البوّ: جلد ولد الناقة يحشى تبنا، ويلقى عليه ما كثر من وبر وريش، فترأمه وتشمه.
[6] ديوان الهذليين ج 2 ص 241- 252.
[7] ديوان الهذليين ج 2 ص 226.(11/251)
إلى معشر لا يخنثون نساءهم ... وأكل الجراد فيهم غير أفند
ومن هذيل: الربيع بن الكودن الذي يقول في وصف قوس:
وصفراء تلتذ اليدان نشابها ... براها رجال وهي لما تذوق
نشرت لها ثوبي فبات يكنها ... تحلب معجاج من الماء ملتق
وأبيض يهديني وإن لم أناده ... كفرق العروس طوله غير مخرق
ومن هذيل: المعطل أحد بني رهم بن سعد بن هذيل،
وهو الذي يقول في قصيدة له:
سؤال الغني عن أخيه كأنه ... بذكرته وسنان أو متواسن
[1] فحدثني أبو محمد التوزي عن أبي زيد الأنصاري قال: قال أبو عمرو بن العلاء: هذا من أشعر بيت قالته العرب.
قال: وقال المفضل الضبي شبيها بذلك، وكان يتعجب منه.
ومن هذيل: أبو قلابة أحد بني طابخة بن لحيان.
ومنهم: عمرو ذو الكلب، كان له كلب نسب إليه ويقال عمرو الكلب،
وهو من بني لحيان وكان شاعرا.
وكانت أخته جنوب شاعرة
وهي التي تقول ترثي أخاها عمرو الكلب:
كل امرئ بطوال العيش مكذوب ... وكل من غالب الأيام مغلوب
وكل حي وإن طالت سلامتهم ... يوما طريقهم في الشر دعبوب [2]
__________
[1] ديوان الهذليين ج 3 ص 45.
[2] الدعبوب: الطريق الموطوء، أي سيركبون طريقا في الشر. ديوان الهذليين ص 124.
وبهامش الأصل: أي موطوء يقال: عتباء وطئة.(11/252)
[تتمة بني هذيل]
ومنهم: الأعلم بن عبد الله واسمه حبيب [1] وكان شاعرا.
ومن هذيل: أمية بن أبي عائذ الذي يقول:
تمرّ كجندلة المنجنيق ... يرمى بها السور يوم القتال
[2] ومن هذيل: ساعدة بن العجلان الشاعر.
ومنهم: أبو صخر واسمه عبد الله وهو عبد الله بن جشم بن عمرو بن الحارث بن تميم وهو الذي يقول:
إذا ذكرت يرتاح قلبي لذكرها ... كما انتفض العصفور بلله القطر
ومن هذيل: أبو ذؤيب الهذلي [3] الشاعر، وهو خويلد بن خالد بن المحرث بن زبيد أحد بني مازن بن معاوية بن تميم، وابن عمه خالد بن زهير بن المحرث. وكان أبو ذؤيب غزا المغرب فمات هناك ودفن بإفريقية، وقام بأمره عبد الله بن الزبير بن العوام.
ومن هذيل: عمرو بن عائذ الذي يقول له زياد الأعجم:
ولولا هذيل أن أسوأ سراتها ... لألجمت بالمقراض عمرو بن عائذ
[4] ومن هذيل: صخر وهو المحبق بن عتبة بن صخر بن حضير بن الحارث بن عبد العزى بن وائلة بن دابغة بن لحيان بن هذيل.
ومن ولد المحبق: سلمة بن المحبق [5] رحمه الله تعالى. وسنان بن سلمة بن المحبق. وكان لسلمة بن المحبق صحبة وشهد حنينا مع النبي صلى الله عليه وسلم،
__________
[1] بهامش الأصل: الأعلم الشاعر.
[2] ديوان الهذليين ج 2 ص 188.
[3] بهامش الأصل: أبو ذؤيب الهذلي.
[4] ليس في شعره المطبوع.
[5] بهامش الأصل: سلمة بن المحبق، رحمه الله.(11/253)
وحضر فتح المدائن أيام عمر، وولد له سنان بن سلمة أيام حنين، فلما بشر به قال: لسنان أطعن به في سبيل الله أحب إلي منه، وأتى به النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحنّكَهُ وسماه سنان لقول أبيه، وكان سنان يكنى أبا حبيب.
وقالوا: لما كان زياد بن أبي سفيان وثب أهل مكران بأميرهم عبد الله بن سوار العبدي فقتلوه، كتب معاوية إلى زياد في تولية سنان فظفر وكان أول من أحلف الجند بالطلاق فقال شاعرهم:
رأيت هذيلا أحدثت في يمينها ... طلاق نساء ما تسوق لها مهرا
لهانت عَلَى حلفة ابن محبق ... إذا رفعت أعناقها حلقا صفرا
ثم عزله واستعمل راشد بن عمرو الجنيدي، فقال لسنان وكان صغير الرأس عظيم الكفل: والله ما أنت بعظيم الرأس فتكون سيدا، ولا بأرسح [1] فتكون فارسا، ولم يلبث راشد أن مات فولي سنان الثانية.
وقال أبو اليقظان: ولد سلمة سنانا وأمه أمامة بنت التوأم ذات النحيين [2] ، وموسى، وحبيبا، وشبيبا.
قال: وذات النحيين من هذيل، وكان خوات بن جبير الأنصاري في الجاهلية رآها وهي تبيع سمنا، ففتح رأس نحي ونظر إلى السمن ثم دفعه إليها، وفتح رأس نحي آخر ودفعه إليها فشغل يديها، ووثب بها، فقالت العرب: «أشغل من ذات النحيين» .
وقال هشام ابن الكلبي: وولد لحيان بن هذيل: طابخة. ودابغة.
ومعاوية.
__________
[1] رجل أرسح: قليل لحم العجز والفخذين. اللسان.
[2] بهامش الأصل: ذات النحيين.(11/254)
فولد دابغة: وائلة.
فولد وائلة: عبد العزى.
فولد عبد العزى: الحارث. منهم صخر وهو المحبو بن عتبة بن صخر وقد ذكرناه.
وولد طابخة بن لحيان: هند بن طابخة. وكعب بن طابخة.
وثور بن طابخة.
فولد هند: كبير بن هند.
فولد كبير: الحارث.
فولد الحارث: عمرو بن الحارث. وكعب بن الحارث.
منهم: أبو مليح عامر بن أسامة بن عمير بن عامر الأقيشر، وهو عمير بن عبد الله بن حبيب بن يسار بن ناجية بن عمرو بن الحارث بن كبير بن هند بن طابخة بن لحيان، وكان شريفا فقيها، ومات في سنة اثنتي عشرة ومائة، وكان الحجاج ولاه الأبلة وله عقب بالبصرة.
وولد كعب بن طابخة: صعصعة.
فولد صعصعة: عادية والحارث. فولد عادية: حبشي. وعنزة.
وكلفة. وعامر.
منهم: زهير بن الأغر، واسم الأغر حبيب بن عمرو بن عبدة بن عامر بن عادية بن صعصعة الذي ذكره حسان بن ثابت، وكان أخذ خبيب بن عدي الأنصاري يوم الرجيع، ومعه رجل من بني لحيان يقال له مالك، ويقال جامع، فباعه من بني نوفل بن عبد مناف ليقتلوه بطعيمة بن عدي أبي الريان، الذي قتله رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بدر، قال حسان:(11/255)
فليت خبيبا لم تخنه أمانة ... وليت خبيبا كان بالقوم عالما
أجرتم فلما أن أجرتم غدرتم ... وكنتم بأكناف الرجيع لهازما
شراه زهير بن الأغر ومالكا ... وكانا قديما يركبان المحارما
[1] وقال أبو اليقظان: من بطون هذيل: بنو سعد بن هذيل، وبنو خناعة، وبنو قرد وبنو سهم. وبنو تميم. وبنو مؤمل، فأغار صخر الغي على بعض العرب فتبعوه، فمر بهذه البطون فكلما مر ببطن منهم أغاثوه حتى جاوزهم فلحق فقتل فقال:
لو أن أصحابي بنو خناعة ... أهل الندى والمجد والبراعة
تحت جلود البقر القراعة ... لنهنهوا عني ذا اليراعة
[2] وقال أيضا:
لو أن عندي من قريم رجلا ... بيض الوجوه يحملون النبلا
سفح الوجوه لم يكونوا عزلا ... لمنعوني نجدة أو رسلا
[3] وقال أبو اليقظان: ومن هذيل: أبو تقاصف جاوره رجل من العرب فآذاه فقال:
يا ربّ كل آمن وخائف ... وسامعا هتفة كل هاتف
أخز الخناعي أبا تقاصف
وقد جاور بني المؤمل من هذيل رجل فآذوه إلا رجل منهم فقال:
لا هم زلها عن بني مؤمل ... وارم على أقفائهم بمنكل
إلا رياحا إنه لم يفعل
__________
[1] ديوان حسان ج 1 ص 248.
[2] ديوان الهذليين ج 2 ص 236- 237.
[3] ديوان الهذليين ج 2 ص 237 مع فوارق. وأراد ب «رجلا» : رجالا.(11/256)
وقال أبو اليقظان: أتى أبو كبير النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: أحل لي الزنا.
فقال له: « [أترضى أن يؤتى إليك مثل ذلك؟] قال: لا. قال: فادع الله أن يذهب عني الشبق، فدعا له» ، وكان قد أسلم فقال حسان بن ثابت:
سألت هذيل رسول الله فاحشة ... ضلت هذيل بما سألت ولم تصب
سألوا نبيهم ما ليس يعطيهم ... حتى المماة وكانوا غرة العرب
[1] قالوا: ومن هذيل: مسلم بن جندب وكان قاص مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة وإمامه وقارئه، وكان يأخذ العطاء مع القراء والفقهاء والشعراء ومع المسجديين.
وقال عمر بن عبد العزيز: من سره أن يسمع القرآن غضا فليسمع قراءة مسلم بن جندب.
وقال محمد بن سعد: كان مسلم بن جندب يكنى أبا عبد الله، وسمع ابن عمر وأصحاب عمر، ومات فِي أول أيام هِشَام بْن عَبْدِ الملك.
قالوا: ومن هذيل: أبو بكر الهذلي [2] المحدث، واسمه سلمى بن عبد بن حبيب بن عويمر بن مالك بن كعب بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل. ويقال عبد بن الحارث بن عويمر بن كعب، وولاه المنصور أبو جعفر أمير المؤمنين القضاء، وكان سميرا لأبي العباس أمير المؤمنين، ومات بالبصرة في خلافة أبي جعفر أمير المؤمنين، وصلى عليه عيسى بن شبيب خليفة عبد الملك بن أيوب النميري.
__________
[1] ديوان حسان ج 1 ص 443.
[2] بهامش الأصل: أبو بكر الهذلي.(11/257)
وقال هشام ابن الكلبي: ولد صبح بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل: زليفة وربيعة.
وقالوا: من بني سعد بن هذيل.
أبو سبرة سالم بن سلمة بن عمرو، وكان أبو سبرة من رجال أهل البصرة، وكان يروي عن ابن عباس أحاديث، واستعمله زياد بن أبي سفيان على قطائع البصرة، وكان يهاجي أبا الأسود الدولي وفيه يقول أبو الأسود:
أبلغ أبا الجارود عني رسالة ... يخب بها الواشي ليلقاك إذ تغدو
أإن نلت خيرا سرني أن تناله ... تنمّرت لي ذالبدة لونه ورد
فعيناك عيناه ولونك لونه ... تبدلته لي غير أنك لا تعدو
[1] فولد أبو سبرة:
الجارود بن أبي سبرة. وعبد الله، وكان عبد الله من أفتى أهل البصرة وأسخاهم في زمانه وكان خيرا، وكان الجارود صاحب علم وقرآن، وكان يكنى أبا نوفل، وناطقه الحجاج فقال: ما كنت أرى أن بالعراق مثل هذا.
وكان الجارود يقول: ما أمكنني وال من إذنه إلا غلبته على أمره، خلا هذا اليهودي، يعني بلال بن أبي بردة، وكان متحاملا عليه، فلما عذب بلال بن أبي بردة بلغه أنهم دقوا ساقه وجعلوا وترا في إحدى خصيتيه فقال:
أقر بعيني أن ساقيه دقتا ... وأن قوى الأوتار في الخصية اليسرى
__________
[1] ديوان أبي الأسود الدولي ص 124- 125.(11/258)
بخلت وأظهرت الخيانة والخنا ... فيسرك الله المهيمن للعسرى
فما خدع سوء خرب السوس جوفه ... يقارعه النجّار يبرى كما تبرى
وكان يتمثل:
أقول إذا ما الرمح أخطأ لبتي ... وأن كان في أصحابي الله أكبر
ومات الجارود بالبصرة، وله عقب بها.
وقال محمد بن سعد: من هذيل: نبيشة الخير [1] .
وعبد الله بن عتبة [2] أبو عبد الرحمن مات في خلافة عبد الملك في ولاية بشر بن مروان.
وعبد الله بن ساعدة أبو محمد [3] ، روى عن عمر ومات سنة مائة.
والحارث بن عمرو الهذلي ولد عَلَى عهد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومات سنة سبعين وروى عن عمر رضي الله تعالى عنه.
ومنهم: عبد الله بن يزيد الهذلي، ويكنى أبا يزيد، مات في سنة سبع وأربعين ومائة، ويقال له ابن قنطس، وكان مسنا ذكر أنه قال: حضرت موت أنس بن مالك.
وأبو العميس عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود.
والمسعودي أخو عبد الرحمن بن عبد الله.
والقاسم بن معن بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن مسعود، يكنى أبا عبد الله.
وقال أبو اليقظان: أعانت هذيل على قتل عثمان، فقال عبد
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 7 ص 50- 51.
[2] طبقات ابن سعد ج 6 ص 120- 121.
[3] طبقات ابن سعد ج 5 ص 60.(11/259)
الرحمن بن أم الحكم الثقفي: أما هذيل أهل سلع فإنهم أعانوا علينا بالحجارة والنبل.
قال: وكانت امرأة من هذيل يقال لها صفراء عند رجل من بَنِي لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةِ بن كنانة يقال له عبد الرحمن، ويلقب جان، وكان رآها بالعقيق فأعجبته لجمالها فقال فيها:
دار لصفراء التي لا أنتهي ... عن ذكرها أبدا ولا أنساها
لو يستطيع ضجيعها لأجنها ... في الجوف منه لحبها وهواها
وكانت قبله عند رجل فلم يفض إليها، فسمعت امرأة تقول: أما والله لو كانت عند عبد الرحمن لثقبها ثقب اللؤلؤة، فوقع في قلبها فلم ترد غيره.
تم نسب هذيل ونسب بني مدركة.(11/260)
بسم الله الرحمن الرحيم
نسب ولد طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار
ولد طابخة بن إلياس بن مضر:
أد بن طابخة.
وعمرو بن طابخة درج، وأمهما تملك بنت النخع بن سليح بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قضاعة.
فولد أد بن طابخة: مر بن أد.
وعبد مناة بن أد،
وهم الرباب، وأمهما ماوية بنت جلي بن أحمس بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار. وضبة بن أد. وعمرو بن أد، وهم مزينة. وحميس بن أد. فشهد ولد حميس يوم الفيل فهلكوا، وأفلت منهم ستون رجلا فهم إلى اليوم لا يزيدون على ستين، إذا ولد مولود مات رجل، وهم في بني عبد الله بن دارم، وأمهم الخشناء بنت وبرة أخت كلب بن وبرة، ويقال إن أم عبد مناة بن أد صفية بنت الْقَيْنِ بْنِ جِسْرِ بْنِ شيعِ اللَّهِ بْنِ أسد بْنِ وَبْرَةَ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عمران بن الحاف بن قضاعة.
فولد عبد مناة بن أد: تيم بن عبد مناة. وعدي بن عبد مناة.
وعوف بن عبد مناة.
وأشيب بن عبد مناة. وثور بن عبد مناة، وهو ثور(11/261)
أطحل [1] ، نسب إلى جبل يقال له أطحل، كان يسكنه عدي، وأمهم سلمى بنت نهد بن زيد من قضاعة، ويقال إن أمهم المفداة بنت ثعلبة بن دودان بن أسد، وأمها سلمى بنت مالك بن نهد.
وسموا الرباب لأن تيما [2] ، وعديا، وعوفا وثورا، وأشيب، وضبة عمهم غمسوا أيديهم في الرب، وتحالفوا على بني تميم بن مر، فهم الرباب جميعا، وقيل تيم الرباب ليفرق بينها وبين تيم ربيعة، وقيل أيضا إنهم اجتمعوا كرباب القداح، والواحدة ربابة.
نسب عكل فولد عوف بْن عَبْد مناة بْن أد بْن طابخة:
قيس بن عوف.
فولد قيس:
وائل بن قيس.
وعوافة.
فولد وائل:
عوف بن وائل. [الملقب بعكل]
وثعلبة بن وائل، ويقال لثعلبة ركبة القلوص.
قال هشام بن محمد: حدثني محمد بن السائب قال: أقبل نفر من النمر بن قاسط على قلوص حتى نزلوا بعكل فقالوا: من أنتم؟ قالوا: ركبة القلوص، وكانوا مترادفين على قلوصهم، فانتسبوا في عكل، وأقاموا معهم.
فولد عوف بن وائل: قيس بن عوف بن عبد مناة بن أد بن الحارث بن عوف. وجشم بن عوف. وسعد بن عوف، وعلي بن عوف.
وقيس بن عوف، درج، وأمهم ابنة ذي اللحية من حمير، وحضنتهم أمة
__________
[1] بهامش الأصل: ثور أطحل.
[2] بهامش الأصل: تيم الرباب.(11/262)
لهم يقال لها عكل فغلبت عليهم.
فولد سعد بن عوف بن وائل: عبد الله بن سعد. وجذيمة بن سعد.
وعبادة بن سعد.
فولد عبادة: هلال بن عبادة. وضرار بن عبادة. وعبد الله بن عبادة، ذكروا أن وائلا هذا قتل الحارث بن تميم بن مر، فقتله به ابنه معاوية بن الحارث.
فمن بني سعد بن عوف: خزيمة بن عاصم بن قطن بن عبد الله بن عبادة بن سعد أتى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام عكل، فمسح وجهه وكتب له كتابا يوصي به فيه من ولي الأمر بعده، وجعله ساعيا على صدقات قومه.
وولد جشم بن عوف بن وائل: عتبة بن جشم. وعمرو بن جشم.
ومرة بن جشم.
فمن بني مرة: سلمى بنت الحارث بن مرة أم عمرو بن معدي كرب الزبيدي سبيئة. ويقال إنها ابنة زهير بن أقيش العكلي.
ومنهم وصيلة بنت وائل بن عمرو بن عبد العزى بن معاوية بن عتبة بن جشم، وهي أول امرأة أسلمت من عكل، وأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذت منه أمانا لأخيها ذباب بن وائل بن عمرو.
وولد الحارث بن عوف بن وائل بن قيس بن عوف بن عبد مناة:
كنانة بن الحارث. وعوف بن الحارث.
منهم زياد بن ذئب بن ثعلبة بن عوف بن كنانة بن الحارث، وأخوه زيد بن ذئب، قتل فقتل به أخوه قاتله، ثم إنه مر بقبره فقال:
بأهلي من مررت على بناه ... بواقصة فلم أعقر بعيري(11/263)
ومنهم حزام بن عقبة بن حزام بن جناب بن مسعود بن زيد بن ذئب بن ثعلبة بن عوف بن كنانة، كان على شرطة يوسف بن عمرو الثقفي.
ومن بني كنانة بن الحارث أيضا: أكتل بن شماخ بن يزيد بن شداد بن صخر بن مالك بن لأي بن ثعلبة بن سعد بن كنانة، كان علي بن أبي طالب إذا نظر إليه قد أقبل قال: من أحب أن ينظر إلى الفصيح الصبيح فلينظر إلى هذا.
ومنهم الخطيم اللص، أحد بني محرز بن مالك بن سعد بن كنانة بن الحارث وهو القائل:
ظللنا بمخشي الردى آجن الصري [1] ... يناذره الركبان جدب المعلل
قليلا كلا حتى روين وعلقت ... أداوى سقوا منها ولما تبلل
وأشعث راض في الحياة بصحبتي ... وإن مت آسى فعل خرق شمردل
[2]
وداع دعا والليل من دون صوته ... بهيم كلون السندس المتجلل
دعا دعوة عبد العزيز وعرقلا [3] ... وما خير هيجا لا تحش بعرقل
وهو القائل أيضا:
أبني كنانة إنني قد جئتكم ... وعرفت ما فيكم من الأحساب
وعرفت أني منكم إذ جئتكم ... وعرفت ما فيكم من الألباب
__________
[1] الصري: البقية، ونقيع ماء، ولبن صرى: متغير الطعم. القاموس.
[2] الشمردل: الفتى السريع، والحسن الخلق. القاموس.
[3] عرقل: جار عن القصد، وكلامه عوّجه، والعراقيل: الدواهي ومن الأمور صعابها.
القاموس.(11/264)
وكان يقال أن بني محرز من بني عبشمس بن سعد بن كنانة، والأول قول الكلبي وهو أثبت.
وقال الخطيم:
بني ظالم إن تبغضوني فإنني ... إلى صالحي الأقوام غير بغيض
بني ظالم إن تمنعوا فضل ما لكم ... فإن بساطي في البلاد عريض
ومن بني محرز أيضا: عرقل اللص القائل:
تمنى أن يلاقيني سفاها ... وما لك في لقائي من رواح
وبي كان الصحاب يرضن قدما ... ويشفى ذو الجماح من الجماح
وأعدل ذو التمايل عن صغاه ... وأكوي الناظرين من الطماح
وبيض كالأهلة حول كأس ... نداماها تسارع في السماح
ندبتهم وقلت لهم سلمتم ... وحييتم ولذ به اصطباحي
وقال عرقل، ويقال إن اسم أبيه الخطيم أيضا:
قل للصوص أما علمتم أنني ... أحوي بسيفي مال كل بخيل
ما أن أهاب إذا قعدتم خيفة ... ما نالني واغتالني من غول
حتى أفرقه بغير ضنانة ... وأميله بالجود كل مميل
وولد عوف بن الحارث بن عوف: عمرو بن عوف. وكعب بن عوف. ومالك بن عوف. وأسيد بن عوف. وعامر بن عوف.
فولد كعب بن عوف بن الحارث: عبد بن كعب. وعامر بن كعب.
وأيمن بن كعب.
فولد عبد بن كعب: أقيش بن عبد وهو بيت عكل، وفيهم يقول النابغة:(11/265)
كأنك من جمال بني أقيش ... يقعقع خلف رجليه بشن
[1] وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم لبني أقيش كتابا في أمر ركية لهم بالبادية وهو في أيديهم.
وسالم بن عبد.
منهم النمر بن تولب [2] بن أقيش الشاعر، وكان سخيا كريما يقري الأضياف، وكان جاهليا ثم أدرك الإسلام، فأسلم واسلم ابنه ربيعة، وهاجر إلى الكوفة وطمع في أن يهاجر أبوه فقال:
ألا إن أشقى الناس إن كنت سائلا ... أخو إبل يمسي ويصبح راعيا
يمارس قعسا [3] ما ييسرن للكرى ... بليل ولا يصبحن إلا غواديا
وليس بآتيه طعام يحبه ... ولو بلغ المحض الحليب التراقيا
فقال النمر مجيبا
أعذني رب من حصر وعي ... ومن شج أعالجه علاجا
ومن حاجات نفسي فاعصمني ... فإن لمضمرات النفس حاجا
وأنت نحلتنا كرما تلادا ... نرجي النسل منها والنتاجا
فلست بحازم الأضياف منها ... وجاعل دونهم بابي رتاجا
أتأمرني ربيعة كل يوم ... لأهلكها واقتني الدجاجا
[4] وخرف النمر بن تولب فجعل يقول: أصبحوا الراكب، أصبحوا
__________
[1] ديوان النابغة الذبياني ص 123.
[2] بهامش الأصل: النمر بن تولب الشاعر.
[3] القعس من الإبل: المائل الرأس والعنق والظهر، ومن الليالي: الطويلة. القاموس.
[4] أورد صاحب الأغاني ثلاثة أبيات هي الأولى مع فوارق. الأغاني ج 22 ص 284.(11/266)
الراكب لا يزيد على ذلك، فقال بعض أحداث قومه: نيكوا الراكب، نيكوا الراكب فعلقها، فجعل يقولها، وكان يشبب بامرأة يقال لها حمزة وهي التي يقول فيها:
لها ما تشتهي لبن مصفى ... وإن شاءت فحوّاري بسمن
فنعاها إليه رجل يقال له حزام، ولم يكن الخرف اشتد به فأنشا يقول:
نعاها بالبديع لنا حزام ... أحق ما يقول لنا حزام
فلا تبعد وقد بعدت فأجرى ... على قبر تضمنها الغمام
[1] والنمر القائل:
ألا يا ليتني حجرا بواد ... أقام وليت أمي لم تلدني
وأغارت طوائف من بني بكر بن وائل على عكل فظفرت بهم عكل وعليها النمر بن تولب فقال:
ولقد شهدت الخيل نحوي ما رأت ... وشهدتها تعدو على آثارها
راح المشمرخ [2] للركاب جنيبة ... في القد مأسورا على أدبارها
ومن بني أقيش: السمهري- اللص- بن أويس بن مالك بن الحارث بن أقيش وهو القائل:
ما كنت هيابا ولا قطع السرى ... ولكن مضى حجر بغير دليل
ولولا بنات الحين والشر لاحق ... لزرت على الوجناء أم جميل
والسمهري الذي لقي عون بن جعدة بن هبيرة المخزومي ومعه
__________
[1] الأغاني ج 22 ص 279 مع فوارق. وهي في الأغاني «جمرة» .
[2] الشمراخ: غرة الفرس إذا دقّت وسالت وجللت الخيشوم. القاموس.(11/267)
الطائيان: بهدل، ومروان، فقتله السمهري وبهدل، فطلب عقيل بن جعدة بدمه، وبذل في السمهري وفي صاحبيه مالا رغيبا، فأخذ بهدل فحبس في المدينة ثم قتل، وشد رجلان من فقعس على السمهري ليأخذاه رغبة في الجعل فمارسهما، وجاءت امرأة من قومهما فأعانتهما عليه واستجعلت منهما الشركة فيما يعطيان، فأنشا السمهري العكلي يقول:
أشكو الَّتِي قَالَت بصحراء منعج ... لِي الشرك يَا بني فائد بن حبيب
[1] فرفعاه إلى عامل المدينة فقتل وصلب، وقال ابن دارة [2] يحض بني عكل:
يا راكبا إما عرضت فبلغن ... مغلغلة عني القبائل من عكل
فكيف تنام الليل عكل ولم يكن ... لها قود في السمهري ولا عقل
إذا هتفت يوما بواد حمامة ... نعت سمهريا للفوارس والرجل
فبيعوا الردينيات بالحلي واقعدوا ... على الذل وابتاعوا المغازل بالنبل
وكنا حسبنا فقعسا قبل هذه ... أدل على وطء الهوان من النعل
جلت حمما عنها القصاف وما جلت ... أقيش وفي الشدات والسيف ما يجلو
[3] القصاف من بني طمبة من تميم كان لهم ثأر قبل بكر بن وائل فأدركوه، وقال بهدل الطائي:
ولما دعاني السمهري أجبته ... بأبيض من ماء الحديد صقيل
ولم آل ما اشتدت على السيف قبضتي ... لأسلم حيا للحياة زميلي
__________
[1] تفاصيل أخبار السمهري في الأغاني ج 21 ص 233- 246.
[2] هو عبد الرحمن بن مسافع بن داره، وقيل بل هو عبد الرحمن بن ربعي بن مسافع بن داره.
انظر ترجمته وأخباره في الأغاني ج 21 ص 230- 248.
[3] الأغاني ج 21 ص 231- 233 مع فوارق.(11/268)
وقال المرار الفقعسي:
أظن قريشا لا تضيع ذمامنا ... كما لم يضع ثأر ابن جعدة طالبه
فنحن رددنا السمهري إليكم ... يعاطي القرين مرة ويجاذبه
بسجل دم منكم حرام أصابه ... وقد كان خطافا بعيدا مناهبه
ومن بني أقيش: زهير بن أقيش، وكان شريفا. وربيعة بن جذار بن عامر بن عوف بن الحارث بن عوف الذي يقول فيه الأعشى:
وإذا طلبت بأرض عكل حاجة ... فاعمد لبيت ربيعة بن جذار
يهب النجيبة والجواد بسرجه ... والأدم بين لواقح وعشار
[1] وولد علي بن عوف بن وائل: الحارث بن علي. وتيم بن علي.
وهرم بن علي. وعمرو بن علي. وكلب بن علي. وعامر بن علي.
ومن عكل: الأسود بن كراع، وهو الذي قال: إن لكل شيء بذرا، وبذر العداوة المزاح، والمزاح حمقة تورث ضغينة.
وهو القائل: كل مستشار ينزع بك في مشورته إلى مساوئه.
ومن عكل: أبو الحسن [2] زيد بن الحباب المحدث، مات في ذي الحجة سنة ثلاث ومائتين.
وقال الشاعر في بني كنانة من عكل:
لا يبعد الله بني كنانة ... الضاربين العبد ذا المهانة
حتى يؤدي فيهم الأمانة
__________
[1] ديوان الأعشى ص 73.
[2] بهامش الأصل: خ- الحسين.(11/269)
وقال أبو اليقظان: انتقل بنو مالك بن جعفر بن ثعلبة بن يربوع إلى عكل، فهم فيهم إلى اليوم.
وزعم يونس النحوي أن عكلا أفصح بني أد.
وقال جرير بن عطية:
فلا يصمعنّ الليث عكلا بنابه ... وعكلا يسمون الفريس [1] المنيبا
فهل لوم تيم لا أبا لك زاجر ... كنانة أو تنهى زهيرا وتولبا
[2] زهير بن أقيش وهم بطن.
وقال بعض الأعراب: ما رأيت قوما أحسن وجوها في غب لقاء من عكل.
ومن عكل: البردخت الشاعر، هجا جريرا فقال جرير: أخبروني ما البردخت؟ قالوا: الفارغ. قال: فو الله لأشغلنّه بشعري [3] .
__________
[1] الفريس: القتيل. القاموس.
[2] ليسا في ديوان جرير المطبوع.
[3] بهامش الأصل: بلغت عراضا بالأصل الثالث من أول الكتاب ولله الحمد والكمال.(11/270)
نسب بني تيم الرباب بن عبد مناة بن أد
وولد تيم بن عبد مناة بن أد:
الحارث بن تيم.
وذهل بن تيم، وأمهما ريطة بنت دودان بن أسد بن خزيمة.
فولد الحارث بن تيم بن عبد مناة:
عمرو بن الحارث،
وأمه زينة بنت ثعلبة بن أسد بن خزيمة.
فولد عمرو بن الحارث بن تيم:
عبد الله بن لؤي
وفيه العدد.
ورفاعة بن لؤي. وخزيمة. وكاهل.
فولد عبد الله بن لؤي: وديعة بن عبد الله بن لؤي. وعامر بن عبد الله بن لؤي.
وعمرو بن عبد الله بن لؤي
وفيه العدد. فولد عمرو بن عبد الله بن لؤي:
وائلة بن عمرو.
وربيع بن عمرو. وفهوس بن عمرو، وهم في بني مرة بن عوف من غطفان على نسب ينتسبون به فيهم.
فولد وائلة بن عمرو بن عبد الله:
صريم بن وائلة.
والحارث بن وائلة. وقامشة.
فمن بني صريم بن وائلة:
عصمة بن أبير بن يزيد بن عبد الله بن صريم
الذي أجار عتبة بن أبي سفيان يوم الجمل، وهو الذي شهد يوم(11/271)
الكلاب الثاني فعمد إلى عبد يغوث بن وقاص الحارثي وقد قتل مصاد بن ربيعة التيمي فاتبعه وأودعه الأهتم المنقري، فطلب منه فلم يقر بأسره إياه وركن إلى الفداء الرغيب، فقال قيس بن عاصم للأهيم: ادفعه إلى الرباب وإلا فسد ما بيننا وبينهم، فأبى أن يدفعه إلا إلى عصمة بن أبير، وقالت الرباب لعصمة: ثأرنا في يدك فقال: إني معيل محتاج إلى اللبن، فاشتراه بنو النعمان بن مالك بن الحارث بن عامر بن جساس بن عصمة بثلاثين من الإبل، وكان النعمان قتل يومئذ فدفعه إليهم من عند الأهتم ورضخ عصمة للأهتم من الإبل بشيء، فلما صار عبد يغوث إلى التيم كعموه [1] بنسعه مخافة أن يهجوهم وكان شاعرا فقال: أطلقوا لساني أذم أصحابي وأنوح على نفسي وجعل لهم ألا يهجوهم فقال:
فيا راكبا إما عرضت فبلغن ... نداماي من نجران ألا تلاقيا
أبا كرب والأيهمين كليهما ... وقيسا بأعلى حضرموت اليمانيا
أقول وقد شدوا لساني بنسعة ... أمعشر تيم أطلقوا عن لسانيا
وتضحك مني شيخة عبشمية ... كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا
جزى الله قومي بالكلاب ملامة ... صريحهم والآخرين المواليا
كأني لم أركب جوادا ولم أقل ... لخيلي كري قاتلي عن رجاليا
ولم أسبا الزق الروي ولم أقل ... لإنسان صدق أعظموا ثم ناريا
وعادية سوم الجراد وزعتها ... بكرّي وقد أنحوا إليّ العواليا
[2]
__________
[1] كعم: شدّ فاه. القاموس.
[2] العقد الفريد- ط. القاهرة 1953 ج 6 ص 68- 75.(11/272)
فقدمه بنو النعمان بن مالك فقتلوه، فقالت صفية بنت الخرع التيمية:
أحيا جساسا فلما حان مصرعه ... خلى جساسا لأقوام سيبكونه
تقول: حياه وتودده فلما قتل قعد جساس يبكي.
قد غاب عنهم فلم تشهد فوارسه ... ولم يكونوا غداة الروع يحمونه
نطاقه هندواني وجنته ... فضفاضة كأضاء النهي موضونه
وقد قتلنا شفاء النفس لو شفيت ... وما قتلنا به إلا أمرأ دونه
وقال أبو عمرو بن العلاء: كان يوم الكلاب الثاني والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة قد بعث ولم يهاجر.
ومن بني قامشة بن وائلة:
جخدب بن جرعب بن أبي قرفة بن زاهر بن عامر بن وهب بن قامشة بن وائلة النساب،
وكان شاعرا وفيه يقول جرير:
قبح الإله ولا يقبح غيره ... نظرا تعلق عن مفارق جخدب
[1] ولقيه خالد بن سلمة المخزومي وكان جخدب ذا قدر بالكوفة وعلم فقال له: ما أنت من حنظلة الأكرمين، ولا سعدا الأكثرين، ولا عمرا الأعزين، ولا من ضبة الأكياس، وما في أد خير بعد هؤلاء. فقال جخدب: ولست في قريش من أهل نبوتها، ولا من أهل خلافتها، ولا من أهل سدانتها، وما في قريش خير بعد هؤلاء. وكان جخدب أعان عمر بن لجأ التيمي على جرير حين هجاه جرير.
__________
[1] ليس في ديوانه المطبوع.(11/273)
وولد ربيع بن عمرو بن عبد الله:
مخزوم بن ربيع.
ونشبة بن ربيع.
وعلباء بن ربيع.
فمن بني نشبة:
النعمان بن مالك بن الحارث بن عامر بن جساس بن نشبة المقتول يوم الكلاب [1] الثاني،
وكان القتال فيه بين ولد أد وبين الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن خالد، وكان النعمان الجساسي ثقيلا فغمز به فرسه، فنزل ليتحول على دابة أخرى فطعنه رجل من اليمانية في عضده ففتها، وقال: خذها مني. وفي هذا اليوم أسر أبو رجاء العطاردي ونجا، فلم يزل إمام بني عطارد يصلي بهم ويصلي على جنائزهم حتى مات في أيام الحجاج بن يوسف بالبصرة. وزعموا أن النعمان كان يقاتل ويقول متمثلا:
أكل عام نعم تحوونه ... يلقحه قوم وينتجونه
أصحابه نوكى فما يحمونه ... ولا يلاقون طعانا دونه
هيهات هيهات الذي ترجونه
وكانت مع النعمان بن مالك راية الرباب يومئذ.
وقال هشام ابن الكلبي: لم أسمع في العرب بجساس، بكسر الجيم غير جساس بن نشبة.
ومن ولد جساس: مزاحم بن زفر بن علاج بن مالك بن الحارث بن عامر بن جساس بن نشبه،
كان شريفا بالكوفة، وكان فقيها، وولاه يوسف بن عمر بعض أعماله، وقال له يوسف: أين بيتك من بيت حاجب بن زرارة؟ فقال: هما متقاربان.
__________
[1] ويعرف أيضا بيوم الصفقة. انظر أخبار هذا اليوم في العقد الفريد ج 6 ص 68- 75.(11/274)
ومنهم دجاجة-
مكسور الدال- قال هشام: لم أسمعه ألا كذلك ابن عبد قيس بن امرئ القيس بن علباء بن ربيع الشاعر، وهو جاهلي.
ومنهم: محجم بن سلامة بن دجاجة،
قتل مع علي يوم صفين.
ومنهم: وردان بن مجالد بن علفة بن الفريش بن ضباري بن نشبة بن ربيع،
وكان جلس لعلي عليه السلام مع ابن ملجم ليلة قتل علي.
وقال ابن الكلبي: ضباري بن نشبة، بفتح الضاد، وفي بني يربوع: ضباري بكسر الضاد.
ومنهم: المستورد بن علفة بن الفريش الخارجي، الذي قتله معقل بن قيس الرياحي صاحب علي
في زمن المغيرة بن شعبة وولايته الكوفة وقد كتبنا خبره.
وأخوه هلال بن علفة، وهو قتل رستم يوم القادسية.
ومن بني وديعة بن عبد الله بن لؤي:
عوف بن عطية بن الخزع، واسم الخرع عمرو بن عيش بن ربيعة الشاعر
الذي يقول:
لها حافر مثل قعب الوليد ... يتخذ الفأر فيه مغارا
ويقول:
يرد علينا العير من دون إلفه ... أو الثور كالدرّي يتبعه الدم
وولد كاهل بن لؤي بن عمر:
سعد بن كاهل. وعوف بن كاهل.
ودهمان بن كاهل.
منهم: عبد الله بن نجبة بن عبيد بن عمرو بن عتبة بن ظريف بن عوف بن كاهل، وهو الذي قتل وردان بن المجالد
القاعد كان مع ابن ملجم، فلما ضرب ابن ملجم عليا هرب وردان فتلقاه ابن نجبة فقال له:(11/275)