أُمَّ أَيْمَنَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى سَاقَيْهَا وَكَأَنَّهُمَا ظنبوبا نَعَامَةٍ خَرْجَاءَ، فَقَالَ: هِيَ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أُمِّكَ وَأَكْرَمُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَكْرَمَ أَيْضًا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (الحجرات: 13) .
122- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالَ: كَانَ سُلَيْمٌ مَوْلَى زِيَادٍ مِنَ الدُّهَاةِ فَسَايَرَ مُعَاوِيَةَ وَمُعَاوِيَةُ عَلَى نَاقَةٍ وَسُلَيْمٌ عَلَى جَمَلٍ قَرَاسِيٍّ «1» فَعَلا مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: يَا سَلِيمُ انْزِلْ عَنْ بَعِيرِكَ، فَنَزَلَ وَرَكِبَهُ مُعَاوِيَةُ، ثُمَّ قَالَ: يَا سُلَيْمُ تَزْعُمُ أَنَّكَ مِنَ الدُّهَاةِ وَقَدْ غَبَنْتُكَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ خَرَجْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ مَا أَمْلِكُ بِتَحْوِيلِي إِيَّاكَ عَنْ مَرْكَبِكَ وَرُكُوبِي إِيَّاهُ كُنْتُ قَدْ غَبَنْتُكَ.
123- قَالَ «2» عُمَر بْن بكير: أنشد مُعَاوِيَة:
لا يبعد اللَّه جيرانًا لنا فقدوا «3» ... ماتوا «4» لوقت مناياهم فقد بعدوا
قبر بمصر وقبر بالحجاز وقب ... ر بالعراق منايا بينهم بدد
كانت لهم همم فرقن بينهم ... إذا المقاريف «5» عَنْ أمثالها قعدوا
فهم رهائن للأجداث ليس لهم ... من العوائد إلّا الهامة القرد «6»
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ «7» : من كرم الحي بدد قبورهم.
124- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ (704) لعبد الرحمن بْن زيد بْن الخطاب:
لقد هممت بأن أوليك الكوفة غير مرة فما منعني من ذلك إلّا أنّي قلت: أوليّه فيقول أنا
__________
123- وردت الأبيات 1- 3 في أمالي القالي 2: 97- 98، والبيتان 1، 3 في المنازل والديار: 223 والحماسة البصرية 1: 257 (ومعهما أبيات أخرى) والبيت 2 في حماسة البحتري: 274 (رقم: 1447) والأنساب الورقة:
286/ أ، وهي للشاعرة أم معدان الأنصارية.
__________
(1) س: راسبيّ، ط م: قراشي.
(2) م: المدائني قال.
(3) البصرية: أقواما رزئتهم، المنازل: فتيانا رزئتهم.
(4) البصرية والمنازل: بانوا.
(5) الأمالي والبصرية والمنازل: القعاديد.
(6) ط م: الغرد.
(7) قارن بما عند ابن كثير 8: 306(5/34)
ابن زيد بْن الخطاب أحد أبناء المهاجرين البدريين وعمي الفاروق أمير المؤمنين، وأنا أحق بالأمر من مُعَاوِيَة، قَالَ: لو وليتني لقلت ذلك «1» ، وأنا أقوله الآن، فضحك مُعَاوِيَة.
125- وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ دَأْبٍ قَالَ: نَظَرَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ: مَا أَحَدٌ أَوَدُّ أَنَّ هِنْدًا وَلَدَتْهُ غَيْرَ هَذَا وَعَبْدِ اللَّه بْنِ جَعْفَرٍ.
126- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قدم صعصعة بْن صوحان على مُعَاوِيَة قَالَ: نحن أهل البيضاوين «2» لم يتعبد فيهما قط غير اللَّه، ولم يضرب فيهما بناقوس، ولا كانت فيهما بيعة ولا كنيسة.
127- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ عمرو بْن العاص لِمُعَاوِيَةَ: غلبتك امرأتك، فَقَالَ:
إنهن يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام.
128- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: ذكر الأشتر النخعي عند مُعَاوِيَة، فَقَالَ رجل من النخع للذي ذكره: اسكت فإن موته أذل أهل العراق، وإن حياته أذلت أهل الشام، فسكت مُعَاوِيَة ولم يقل شيئًا.
129- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ: رجل لِمُعَاوِيَةَ يا أمير المؤمنين البر أهون أم الفجور؟ فَقَالَ: هما يتنازعانك، يروح عليك أحدهما ويغدو الآخر، فأهونهما ما لم يغالب عليه هواك ونفسك.
130- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَوَانَةَ وَغَيْرِهِ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ لَوْ كَانَ قَتَلَ الطَّعَّانِينَ عَلَيْهِ لَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُ، فَمَا الَّذِي يَقُولُ قَائِلُهُمْ؟ فَقَالَ أَبُو الأَسْوَدِ:
يَقُولُ قَائِلُهُمْ أَنْكَرْنَا مُنْكَرًا فَقَتِيلُنَا شَهِيدٌ وَحَيُّنَا ثائر، فسكت معاوية.
__________
125- انظر ما يلي رقم: 755 وابن عساكر 7: 328.
127- خمس رسائل للثعالبي رقم 1 ص: 16 ومحاضرات الراغب 2: 95 والميداني 2: 257 وأخبار النساء: 94 وابن عساكر 4: 230 128- قارن بعيون الأخبار 1: 186
__________
(1) م: وليت ذلك لقلته.
(2) البيضاء: انظر المشترك لياقوت: 97 وتاج العروس 5: 11(5/35)
131- المدائني عن عبد الله بن فائد قال: تَمَضْمَضَ مُعَاوِيَةُ يَوْمًا فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ فَاسْتَرْجَعَ، وَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا يَسُرُّنَا أَنَّهَا كَانَتْ بِغَيْرِكَ لِعِظَمِ الأَجْرِ لَكَ، وَمَا بَلَغَ رَجُلٌ مَبْلَغَكَ مِنَ السِّنِّ إِلا زَايَلَهُ بَعْضُ مَا كَانَ مُشْتَدًّا «1» مِنْهُ.
132- الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْوَقَّاصِيِّ قَالَ: قَدِمَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ:
بَلَغَنِي أَنَّكَ تَنْتَقِصُنِي، فَمَاذَا نَقِمْتَ فِيهِ عَلَيَّ؟ هَلْ تَعْلَمُ أَنِّي أُقَاتِلُ عَدُوَّ الْمُسْلِمِينَ وَأَجْبِي فَيْئَهُمْ وَأُعْنَى «2» بِأُمُورِهِمْ وَأَصِلُ وَافِدَهُمْ؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: فَنَشَدْتُكَ اللَّهَ أَتُذْنِبُ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا جَعَلَكَ أَحَقُّ بِرَجَاءِ الْمَغْفِرَةِ مِنِّي؟ قَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
133- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيِّ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ قَوْلُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ إِنِّي لَمْ أُشْرِكْ فِي دَمِ عُثْمَانَ فَقَالَ: بَلَى لَقَدْ شَرَكَ فِي دَمِهِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدَ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ: الرَّجُلُ كَانَ أَعْلَمَ بِنَفْسِهِ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنْتَ أَيْضًا قَدْ شَرَكْتَ فِي دَمِهِ بِطَعْنِكَ عَلَيْهِ وَخُذْلانِكَ لَهُ، فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَنْهَى عُثْمَانَ عَمَّا قِيلَ فِيهِ وَكُنْتَ تَأْمُرُهُ بِهِ، فَلَمَّا اشْتَدَّ الأَمْرُ وَالْتَقَتْ حَلَقَتَا الْبِطَانِ كَتَبَ إِلَيْكَ يَسْتَنْصِرُكَ، فَأَبْطَأْتَ عَنْهُ حَتَّى قُتِلَ.
134- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عَامِلُ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْمِصْرِ مِنَ الأَمْصَارِ «3» إِذَا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ نَادَى مُنَادِيهِ: مَنْ يَكْتُبْ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟
فَكَتَبَ إِلَيْهِ زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ، وَيُقَالُ أَيْمَنُ بْنُ خُرَيْمٍ، كِتَابًا لَطِيفًا وَرَمَى بِهِ في الكتب وكان فيه:
__________
131- في سقوط ثنايا معاوية أو مقاديمه انظر البيان 1: 60، 2: 341 ولم يتكلم على منبر في جماعة منذ سقطت ثناياه في الطست، والذي خاطبه هو يزيد بن معن السلمي، وانظر عيون الأخبار 3: 52 وربيع الأبرار: 177 ب.
132- قارن بما في تاريخ بغداد 1: 208 ومصنف عبد الرزاق 11: 344- 345 ومنها نصّ مسهب في تاريخ الاسلام 3: 80 وسير الذهبي 3: 100 133- سيرد فيما يلي رقم: 290، وقول حذيفة رقم: 1487 واتهام معاوية بالتباطؤ في نصرة عثمان سيرد رقم: 300، 315 134- الطبري 2: 213 وانظر ابن كثير 8: 141، والأشطار في الوحشيات رقم 251 منسوبة لعبدة بن الطبيب، وحلية الأولياء 4: 184 وابن يعيش: 699 والعقد 3: 426 وأدب الدنيا والدين: 94 ومعجم الأدباء 6: 86 وجمهرة العسكري 2: 246 (وفي كلها دون نسبة) .
__________
(1) س: مستبدا.
(2) م: وأعتني.
(3) الطبري: على المدينة.(5/36)
إِذَا الرِّجَالُ وَلَدَتْ أَوْلادَهَا ... وَجَعَلَتْ أَسْقَامَهَا تَعْتَادُهَا
فَهِيَ «1» زُرُوعٌ قَدْ دَنَا حَصَادُهَا
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَيْتَ شِعْرِي (705) مَنْ ذَا الَّذِي نَعَى إِلَيَّ نَفْسِي، لَقَدْ أَبْلَغَ فِي مَوْعِظَتِي.
135- حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمُغِيرَةِ الأَثْرَمُ عَنِ الأَصْمَعِيِّ قَالَ: اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ الْحُصَيْنِ بْنِ حَمَامٍ الْمُرِّيِّ على معاوية فقال: ايذنوا لابْنِ آبِي الضَّيْمِ، ثُمَّ قَالَ لآذِنِهِ: إِنْ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ حُصَيْنٍ أَوْ مِنْ وَلَدِ خِدَاشِ بْنِ زُهَيْرٍ فَاسْتَأْذِنْ لَهُ وَإِلا فَاغْرُبْ.
136- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْثَرَ «2» بْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: رَبُّ «3» الْمَعْرُوفِ أَفْضَلُ مِنَ ابْتِدَائِهِ.
137- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: ما شيء أعجب إلي «4» من غيظ أتجرعه أرجو بذلك ثواب اللَّه.
138- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لابْن الزُّبَيْرِ: ألا تعجب من الحسن وتثاقله عني؟ فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: مثلك ومثل الحسن «5» كما قَالَ الشاعر:
أجامل أقوامًا حياء وقد أرى ... قلوبهم تأرى «6» عليّ مراضها
__________
135- قارن بالأغاني 14: 4.
136- سيرد في ما يلي رقم: 250 وعيون الاخبار 3: 176 (منسوبا لسلم بن قتيبة) والعقد 1: 233 وأدب الدنيا والدين: 145 وابن عساكر 6: 238 137- الطبري 2: 213 ونهاية الأرب 6: 50 وانظر العقد 2: 279 وشرح النهج 1: 322 (منسوبا للأحنف بن قيس) 138- الأغاني 9: 167 وفيه البيت، وهو للشماخ، ديوانه: 215 وابن عساكر 6: 165 ومحاضرات الراغب 1: 121 وأخبار العباس: 58 ولباب الآداب: 285
__________
(1) الحلية: تلك.
(2) م س: عثير، وعبثر بن القاسم الزبيدي، أبو زبيد الكوفي. توفي سنة 178 (التهذيب 5: 136)
(3) م: ردّ.
(4) نهاية الأرب: ما وجدت لذة هي عندي ألذّ.
(5) ط: الحسين (في هذا الموضع) .
(6) المصادر: تغلي.(5/37)
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: واللَّه ما جامل ولقد أعلن، قَالَ: بلى واللَّه لقد جامل، ولو شاء أن يطلق عليك عقال حرب زبون لفعل، فَقَالَ: أراك يا ابْن الزبير تجول فِي ضلالتك، أما واللَّه لو ظفر بك لقتلك كما قتل أبوه أباك أو لغربك ونفاك.
139- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: ازْدِحَامُ الكلام فِي السمع مضلة لِلْفَهْمِ.
140- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَلِيمٍ «1» قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةَ: رَجُلانِ إِنْ مَاتَا فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَمُوتَا، وَرَجُلٌ إِنْ مَاتَ مَاتَ، أَنَا إِنْ مِتُّ فَخَلِيفَتِي ابْنِي يَزِيدُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ إِنْ مَاتَ فَخَلِيفَتُهُ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ، وَابْنُ عُمَرَ إِنْ مَاتَ مَاتَ، فَقَالَ مَرْوَانُ: أَمَا ذكر ابني عبد الملك فو الله مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِابْنِي ابْنَيْهِمَا.
141- حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أبي عمر «2» قَالَ: وَفَدَ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرِّيَاحِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِّنِي خُرَاسَانَ، فَقَالَ: ما هجا ما لا هَجَا لَهُ «3» ، قَالَ: فَشُرْطَةُ الْبَصْرَةِ، قَالَ: لا يُمْكِنُ «4» ، قَالَ: فَاحْمِلْنِي عَلَى بَغْلَةٍ وَأَعْطِنِي قَطِيفَةً، فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَنَعَمْ، فَوَهَبَ لَهُ بَغْلَةً وَقَطِيفَةَ خَزٍّ، فَلامَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَقَدْ أَخَذْتُ شَيْئًا وَأَنْتُمْ لَمْ تَأْخُذُوا.
142- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: بَعَثَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِمَالٍ فَدَعَا بِصَحِيفَةِ دَيْنِهِ فَقَضَى مَا فِيهَا، ثُمَّ دَعَا بِصَحِيفَةِ الْعِيَالِ فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ أَمَرَ
__________
139- محاضرات الراغب 1: 23 والبيان 2: 57 (ونسب فيها لعتبة بن أبي سفيان) والمحاضرات 1: 22 (دون نسبة) وجامع بيان العلم 1: 148 وقد ورد قبله في توصية المؤدب: ولا تخرجهم من علم إِلَى علم حَتَّى يفهموه فان ازدحام ... إلخ.
140- الطبري 2: 214 والتمثيل والمحاضرة: 168.
141- البيان 2: 259- 260 والقول في البغال: 111 (وفيه: المغيرة بن عبد الرحمن) ، وانظر نصّا مشابها في عيون الاخبار 3: 131 ومحاضرات الراغب 1: 266 142- ابن كثير 8: 137 وقارن بما في عيون الاخبار 3: 40.
__________
(1) م: عن علي عن سليم، الطبري: علي بن سليمان.
(2) ط: أبي عمرو.
(3) الهجا: القدر والشكل.
(4) م: تمكن.(5/38)
بِصَدَقَةٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا، وَقَسَّمَ فِي أَصْحَابِهِ قِطْعَةً مِنَ الْمَالِ، وَبَعَثَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَالٍ فَدَعَا بِصُنْدُوقٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ، فَأَخْبَرَ مُعَاوِيَةَ رَسُولُهُ بِفِعْلِهِمَا فَقَالَ: هَكَذَا هُمَا لَوْ وُلِّيَا.
143- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ قَالَ: زَارَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ جَبَلَةَ بْنَ الأَيْهَمِ الْغَسَّانِيَّ بِجَلْقٍ فَجَفَاهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ لَقِيَهُ جَبَلَةُ مُتَنَكِّرًا فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الَّذِي قَدِمْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي أَصْدُقُ فِي ذَمِّهِ لَذَمَمْتُهُ، وَلَكِنِّي أَسْكُتُ فَلا أَذُمُّ وَلا أَحْمَدُ، قَالَ: فَارْجِعْ، ثُمَّ وَصَلَهُ وَقَالَ: لا يَأْتِيكَ مِنِّي تَحِيَّةً إِلا وَمَعَهَا صِلَةٌ، فَلَمَّا ظَهَرَ الإِسْلامُ وَلَحِقَ جَبَلَةُ بِالرُّومِ بَعَثَ مُعَاوِيَةُ «1» رَجُلا يَفْدِي مَنْ فِي أَيْدِي الرُّومِ مِنْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ، فَرَآهُ جَبَلَةُ فَسَأَلَهُ عَنْ حَسَّانَ فَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ بَاقٍ وَأَنَّهُ خَلَّفَهُ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: أَقْرِئْهُ السَّلامَ وأعطه هذه الخمس المائة «2» الدِّينَارِ، فَقَدِمَ الرَّجُلُ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَحَسَّانُ عِنْدَهُ، فقال له: جَبَلَةُ يُقْرِئُكَ السَّلامَ يَا حَسَّانُ، قَالَ: هَاتِ مَا مَعَكَ، قَالَ: مَا مَعِي شَيْءٌ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: أَعْطِهِ، فَأَعْطَاهُ الدَّنَانِيرَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّ هَذَا لَعَهْدٌ كَرِيمٌ.
144- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ حين مات عتبة أخوه: لولا أن الدنيا بنيت على نسيان الأحبة لظننت أني لا أنسى أخي عتبة أبدًا.
145- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ (706) بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَلَّى مُعَاوِيَةُ عنبسة ابن أَبِي سُفْيَانَ، وَأُمُّهُ ابْنَةُ أَبِي أُزَيْهِرٍ «3» ، الطَّائِفَ، ثُمَّ عَزَلَهُ وَوَلَّى الطَّائِفَ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَأُمُّهُ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، فَقَالَ لَهُ عَنْبَسَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاللَّهِ مَا نَزَعْتَنِي عَنْ ضَعْفٍ وَلا خِيَانَةٍ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّ عُتْبَةَ ابْنُ هِنْدٍ، فَوَلَّى عَنْبَسَةُ وَهُوَ يَقُولُ:
__________
143- قصة حسان وجبلة في الشعر والشعراء: 170 والمحاسن والمساوئ: 74- 76 والأغاني 15: 122 (واسم الرسول: عبد الله بن مسعدة الفزاري) والعقد 2: 56- 62 144- العقد: 3: 244 145- الجمهرة: 29 ومختصر الجمهرة: 5 ب (وفيهما البيت الأول) والمصعب: 125 والطبري 2: 210 (وفيهما الأبيات) .
__________
(1) م: معه.
(2) م: مائة
(3) م: أزيهير.(5/39)
كنّا لحرب «1» صَالِحًا ذَاتُ بَيْنِنَا ... جَمِيعًا فَأَمْسَتْ «2» فَرَّقَتْ بَيْنَنَا هند
فإن تك هِنْدٌ لَمْ تَلِدْنِي فَإِنَّنِي ... لِبَيْضَاءَ يُنَمِّيهَا غَطَارِفَةٌ مُجدُّ
أَبُوهَا أَبُو الأَضْيَافِ فِي كُلِّ شِتْوَةٍ ... وَمَأْوَى ضِعَافٍ قَدْ أَضَرَّ بِهَا الْجَهْدُ
146- الْمَدَائِنِيُّ عن سحيم بْن حَفْص قَالَ، قَالَ معاوية: إِذَا ذَهَبَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ الْوَرَعُ، وَإِذَا ذَهَبَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ذَهَبَ الْحِلْمُ.
147- حَدَّثَنِي هشام بن عمّار حدثنا صدقة عن زيد بْنِ وَاقِدٍ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: أَفْضَلُ مَا أعطيه الرجل العقل والحلم، فإن ذكّر ذُكِّر، وَإِنْ أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإِنِ ابْتُلِيَ صَبَرَ، وَإِنْ غَضِبَ كَظَمَ، وَإِنْ قَدَرَ غَفَرَ، وَإِنْ أَسَاءَ اسْتَغْفَرَ، وَإِنْ وَعَظَ ازْدَجَرَ «3» .
148- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ وَغَيْرِهِ قَالُوا، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: مَا بَلَغَ مِنْ دَهْيِكَ «4» ؟ قَالَ: لَمْ أَدْخُلْ فِي أَمْرٍ قَطُّ إِلا خَرَجْتُ مِنْهُ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: لَكِنِّي لَمْ أَدْخُلْ فِي أَمْرٍ قَطُّ فَأَرَدْتُ الْخُرُوجَ مِنْهُ.
149- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْعَبْدِيِّ قَالَ: أَكَلَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ مَعَ مُعَاوِيَةَ فَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ أَبْعَدْتَ النَّجْعَةَ «5» ، قَالَ: مَنْ أَجْدَبَ انْتَجَعَ.
150- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ لِمُعَاوِيَةَ بْن حديج: ما جرأك على قتل محمد بْن أبي بَكْر؟ قَالَ: الذي جرأك على قتل حجر بْن عدي «6» ، أفتقتل حلماءنا وتلومنا على قتل سفهائكم؟!
__________
147- الطبري 2: 214 والمجتنى: 40 وزهر الآداب: 49 وابن كثير 8: 141 148- العقد 2: 242 وعيون الأخبار 1: 280 ومحاضرات الراغب 1: 8 149- البيان 2: 181 والبخلاء: 137 والمحاسن والمساوئ: 486 والميداني 2: 184 ومحاضرات الراغب 1: 301 150- البيان 2: 108 وسيرد في رقم: 704
__________
(1) المصعب: لصخر.
(2) مختصر الجمهرة: فأضحت.
(3) الطبري والمجتنى: وان وعد أنجز.
(4) العيون: دهائك.
(5) البيان والميداني: لقد انتجعت من بعيد.
(6) معاوية بن حديج وحجر بن عديّ كلاهما من قبيلة كندة.(5/40)
151- حدثني العمري عن الهيثم عن ابن عياش قَالَ: دَخَلَ مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ السَّكُونِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا طَلَعَ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ هَذَا مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ: وَمَا يَهُولُكَ مِنْهُ؟ قَالَ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَوْ كَانَ مِنْهُمْ لأَهَمَّتْكَ نَفْسُكَ وَمَا خَلَوْتَ بِمِصْرَ، فَلَمَّا دَنَا سَلَّمَ وَجَلَسَ، قَالَ: وَخُدَرْت رِجْلُهُ فَمَدَّهَا فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ وَدَدْتُ أَنَّ لِي جَارِيَةٌ لَهَا مِثْلُ سَاقَيْكَ، قَالَ: فِي مِثْلِ عَجِيزَتِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: حَبْجَةٌ بِلَبْجَةٍ وَالْبَادِئُ أَظْلَمُ «1» ، فَلَمَّا نَهَضَ قَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرٍو: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ بِكَ إِذْ جَعَلَ هَذَا مِنْ كِنْدَةَ.
152- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَفَّانَ «2» عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى «3» قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ حِينَ أصابته قرحته فقال:
هلمّ يا ابن أَخِي فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا وَقَدْ سَبُرَتْ فَقُلْتُ: لَيْسَ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَأْسٌ، وَدَخَلَ يَزِيدُ فَقَالَ لَهُ: إِنْ وُلِّيتَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَاسْتَوْصِ بِهَذَا فَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ أَخًا لِي وَخَلِيلا، غَيْرَ أَنِّي رَأَيْتُ فِي الْقِتَالِ غَيْرَ رَأْيِهِ «4» .
153- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ عَنِ شَرِيكٍ قَالَ: كَتَبَتْ عَائِشَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ فِي قَتْلِ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: أَمَّا بَعْدُ فَلا يَغُرَّنَّكَ يَا مُعَاوِيَةُ حِلْمُ اللَّهِ عَنْكَ فَيَزِيدُكَ ذَلِكَ اسْتِدْرَاجًا «5» ، فَإِنَّهُ بِالْمِرْصَادِ، وَإِنَّمَا يُعَجِّلُ مَنْ يَخَافُ الْفَوْتَ.
154- حَدَّثَنِي العمري عَن الهيثم بن عدي عَنِ عوانة عن عبد الملك بن عمير
__________
151- قارن بعيون الاخبار 2: 230 والعقد 1: 54، 4: 31 وابن عساكر 5: 131 (عن خريم بن فاتك) ونهاية الأرب 6: 52 والبصائر 3: 322، 628.
152- طبقات ابن سعد 4/ 1: 83 والطبري 2: 209 والفائق 1: 143 (ط 1945) وتاريخ الاسلام 2: 323 وسير الذهبي 2: 287، 3: 106 153- قارن بابن عساكر 4: 86 وانظر ما يلي رقم: 695 والنصوص المشابهة 154- قارن بابن عساكر 6: 137، وانظر فيما يخصّ الحسن ما تقدّم رقم: 108 وانظر بعض النصّ في اللسان 9: 131 والتاج 5: 109 ونهاية ابن الأثير 1: 103 والفائق 1: 102 وانظر كذلك جمهرة الزبير 1: 525
__________
(1) في الأمثال: هذه بتلك والبادي اظلم
(2) عن عفان: سقطت من م.
(3) ط م س: عن أبي بردة عن أبي موسى.
(4) الطبري وابن سعد: ما لم يره.
(5) ط م س: استخراجا.(5/41)
قَالَ: سَأَلَ قَبِيصَةُ بْنُ جَابِرٍ مُعَاوِيَةَ عَنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ: أَمَّا سَيِّدُهَا غَيْرُ مُدَافَعٍ فسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ، وَأَمَّا رَجُلُهَا فَمَرْوَانُ مَعَ غَلَقٍ فِيهِ وَحَدٍّ، وَأَمَّا فَتَاهَا نَائِلا وَتَوَسُّعًا فَعَبْدُ الله بن عامر ابن كريز، وأمّا (707) أكرمها أبا وأمّا وجدّا وَجَدَّةً وَعَمًّا وَعَمَّةً وَخَالا وَخَالَةً فَالْحَسَنُ، وَأَمَّا رَجُلُ نَفْسِهِ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأَمَّا مَنْ يَرِدُ «1» مَعَ دَوَاهِي السِّبَاعِ وَيَرُوغُ رَوَغَانَ الثَّعْلَبِ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَمَّا سَيِّدُ النَّاسِ جَمِيعًا فَمَنْ يَقْعُدُ هَذَا الْمَقْعَدَ بَعْدِي، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ نَفْسِكَ، قَالَ: قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي أَشَدُّهَا ثَبَاتَ قَدَمَيْنِ فِي بُعْثُطِ «2» البطحاء.
155- المدائني عن عوانة قال: تغدّى مَعَ مُعَاوِيَةَ يَوْمًا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ وَمَعَهُ ابْنُهُ بَشِيرُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ وَلَدِهِ فَأَكْثَرَ مِنَ الأَكْلِ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ أَكُولا نَهِمًا، فَلَحَظَهُ مُعَاوِيَةُ، فَلَمَّا خَرَجَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ لامَهُ أَبُوهُ عَلَى مَا صَنَعَ، ثُمَّ عَادَ ابْنُ أَبِي بَكْرَةَ مِنَ الْغَدِ وَلَيْسَ ابْنُهُ مَعَهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا فَعَلَ ابْنُكَ التِّلِقَّامَةُ؟ قَالَ: اشْتَكَى، قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنْ أَكْلَهُ سَيُورِثُهُ دَاءً.
156- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ يَحْسُدُ النَّاسَ عَلَى النِّكَاحِ، فَقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ جُلَسَائِهِ مِنْ كَلْبٍ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا: كَيْفَ أَنْتَ وَالنِّسَاءُ؟ قَالَ: مَا أَشَاءُ أَنْ أَفْعَلَ إِلا فعلت، فجفاه وَحَرَّمَهُ صِلَتَهُ، فَدَسَّ الْكَلْبِيُّ امْرَأَتَهُ إِلَى ابْنَةِ قرظة امرأة معاوية فشكت «3» وقالت: ما أنا وَهُوَ فِي اللِّحَافِ إِلا بِمَنْزِلَةِ امْرَأَتَيْنِ، وَدَخَلَ مُعَاوِيَةُ عَلَى ابْنَةِ قَرَظَةَ فَقَالَ: مَنِ الْمَرْأَةُ «4» الَّتِي عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: امْرَأَةُ فُلانٍ الْكَلْبِيِّ، قَالَ:
وَمَا قَالَتْ؟ قَالَتْ: شَكَتْ حَالَهَا وَكَبِرَ زَوْجِهَا وَأَنَّهُ لا يَنَالُ مِنْهَا شَيْئًا وَلا يَقْدِرُ عليه،
__________
155- الطبري 2: 208 والبخلاء: 139 وعيون الأخبار 3: 228 والبصائر 4: 242 وربيع الأبرار: 219/ أوالعقد 6: 299 وابن الأثير 4: 7- 8 وقوت القلوب 4: 79 وما يلي رقم: 357 وابن كثير 8: 141 وتاريخ ابن عساكر 10: 157 156- المختار من شعر بشار: 210 وانظر الأغاني 20: 269 (حيث القصة عن عبد الملك وأيمن خريم) .
__________
(1) ابن عساكر: وأما من يرد الشريعة.
(2) البعثط: سرة الوادي.
(3) ط: فشكته.
(4) ط م س: الامرأة.(5/42)
فَقَالَ: مَا كَذَا يَزْعُمُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ وَتَوَارَتِ امْرَأَتُهُ عِنْدَ النِّسَاءِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: يَا فُلانُ كَيْفَ قُوَّتُكَ عَلَى الْجِمَاعِ؟ فَقَالَ: مَا أَشَاءُ أَنْ أَفْعَلَ إِلا فَعَلْتُ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: كَذَبَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ الشَّيْخُ: أَقِلْنِي هَذِهِ الْكِذْبَةَ، فَضَحِكَ مُعَاوِيَةُ وَقَالَ: أَنَا أَبُو عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَمَرَهُ فَانْصَرَفَ، وَعَادَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ بِرِّهِ وَصِلَتِهِ.
157- قَالُوا: وَقَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ رُومِيٌّ لَمْ يُرَ قَطُّ أَطْوَلَ مِنْهُ، فَدَعَا مُعَاوِيَةُ قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَطَالَهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِقَيْسٍ: أَعْطِهِ سَرَاوِيلَكَ، فَلَبِسَهَا الرُّومِيُّ فَكَادَتْ تَبْلُغُ عُنُقَهُ، فَقَالَ: اتْرُكْهَا عَلَيْهِ، فَتَرَكَهَا، وَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ لِقَيْسٍ بِسَرَاوِيلَ مِنْ سَرَاوِيلاتِهِ فَوَجَدَهُ قَصِيرًا عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنَّمَا أَمَرْتَ لِي بِتُبَّانٍ، يُعَيِّرُهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:
أَمَّا قُرَيْشٌ فَأَشْيَاخٌ مُسْرَوْلَةٌ ... وَالْيَثْرِبِيُّونَ أَصْحَابُ التُّبَّابِينَ
فَقَالَ قيس:
تلك اليهود التي تغنى «1» بِقَرْيَتِنَا ... أَضْحَتْ قُرَيْشٌ هُمْ أَهْلُ السَّخَاخِينَ «2»
158- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ: قَدِمَ أَبُو مُوسَى عَلَى مُعَاوِيَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فِي بُرْنُسٍ أَسْوَدَ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ: قَدِمَ الشيخ لأوليه وو الله لا وَلَّيْتُهُ.
159- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ الْعِجْلِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لا يَزَالُ يَكُونُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَرْوَانَ الشَّيْءُ فَتَقْهَرُهُ وَتَسْتَعْلِيهِ وَتَظْفَرُ بِهِ، فَقَالَ ابْنُ «3» عَامِرٍ: إِنَّهُ يَجِدُنِي عَضَا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إنّك لو
__________
157- قارن بالمعارف: 593 وابن رسته: 225 واللسان 13: 355 والتاج 7: 375 والكامل 2: 115 وابن خلكان 4: 170- 171 (ترجمة ابن الحنفية) والاقتضاب: 265 والمستطرف 2: 32 ومحاضرات الراغب 2: 129 وربيع الأبرار: 116 ب وابن كثير 8: 101 والنجوم الزاهرة 1: 108 وثمار القلوب: 480 (ولم تورد المصادر البيت الذي قاله معاوية، وأوردت أبياتا لقيس غير الذي ورد هنا) وذكر في أسد الغابة 4: 216 أن الخبر باطل لا أصل له.
158- الطبري 2: 208 وابن الأثير 4: 8 وانظر طبقات ابن سعد 4/ 1: 83.
__________
(1) ط: تعنى.
(2) هامش ط: جمع سخينة.
(3) ط م س: أبو(5/43)
لَقِيتَ رَجُلا عَرَّفَكَ نَفْسَكَ، قَالَ: فَكُنْ أَنْتَ ذَلِكَ الرَّجُلَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَنَا ابْنُ هِنْدٍ، قَالَ ابْنُ عَامِرٍ: أَنَا ابْنُ أُمِّ حَكِيمٍ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: ارْتَفَعْتُ جِدًّا، قَالَ ابْنُ عَامِرٍ: وَانْخَفَضْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ دُجَاجَةُ بنت (أسماء ابن) «1» الصلت وأخت «2» أَبِيهِ أَرْوَى بِنْتُ كُرَيْزٍ وَأُمُّهَا أُمُّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
160- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ التَّمِيمِيِّ قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي الْقُدُومِ، فَقَدِمَ عَمْرٌو مِنْ مِصْرَ وَالْمُغِيرَةُ مِنَ الْكُوفَةِ، فَقَالَ عَمْرٌو لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: (708) مَا جَمَعَنَا إِلا لِيَعْزِلَنَا، فَإِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِ فَاشْكُ الضَّعْفَ وَاسْتَأْذِنْهُ فِي إِتْيَانِ الْمَدِينَةِ أَوِ الطَّائِفِ، فَإِنِّي سَأَسْأَلُهُ إِتْيَانَ مَكَّةَ أَوِ الْمَدِينَةِ «3» ، فَسَيَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّا إِنَّمَا نُرِيدُ إِفْسَادَ النَّاسِ عَلَيْهِ، فَفَعَلَ الْمُغِيرَةُ ذَلِكَ، ثُمَّ دَخَلَ عَمْرٌو فَسَأَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي إِتْيَانِ مَكَّةَ أَوِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: قَدْ تَوَاطَأْتُمَا عَلَى أَمْرٍ وَإِنَّكُمَا لَتُرِيدَانِ شَرًّا فَارْجِعَا إِلَى عَمَلِكُمَا «4» .
161- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: نظر مُعَاوِيَة إلى فتيان من بني عبد مناف فتمثّل:
بنو الحرب لم تقعد بهم أمهاتهم ... وآباؤهم آباء صدق فأنجبوا
ونظر إلى فتيان من بني أسد بْن عبد العزى بْن قصي فَقَالَ:
شربن حتى نفد القليب ... أكلن حمضًا «5» فالوجوه شيب «6»
162- الْمَدَائِنِيّ عَنْ سَعِيد بْن عامر الخزرجي عَنْ عبادة بن نسيّ قال: خطب
__________
160- محاضرات الراغب 1: 83 ونهاية الأرب 6: 178.
161- الاصابة 2: 60 (رقم: 1968) والبيت الأول في أمالي القالي 3: 81 والشعر والشعراء: 407 وديوان علي: 14، وهو لحريث بن محفض.
162- أمالي القالي 2: 311 وتاريخ الاسلام 2: 323 وسير الذهبي 3: 106 وانظر ما يلي رقم: 180 وابن عساكر 7: 212، وقوله: من أحب لقاء اللَّه أحب اللَّه لقاءه في الجامع الصغير 2: 159 وقنسنك (أحبّ) .
__________
(1) إضافة من ابن سعد.
(2) ط م س: وأمّ.
(3) المحاضرات والنويري: سأسأله مثل ذلك.
(4) النويري: عمليكما.
(5) اللسان: هرما.
(6) انظر البيت في الحيوان 1: 171 والشطر الثاني في اللسان 16: 89 وكتاب المعاني الكبير: 695، 789(5/44)
مُعَاوِيَة فَقَالَ: إني كزرع مستحصد، وقد طالت إمرتي عليكم حتى مللتكم ومللتموني، وتمنيت فراقكم وتمنيتم فراقي، ولن يأتيكم بعدي إلا من أنا خير منه كما أن من كان قبلي كان خيرًا مني، وقد قيل: من أحب لقاء اللَّه أحب اللَّه لقاءه، اللَّهم إني أحببت لقاءك فأحب لقائي وبارك لي فيه.
163- حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن عياش عن صفوان بن عمرو عن الأَزْهَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْهَوْزَنِيِّ «1» عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَوْزَنِيِّ قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أُخْبِرَ بِرَجُلٍ قَاصٍّ يَقُصُّ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، وَكَانَ مَوْلًى لِبَنِي مَخْزُومٍ «2» ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: أُمِرْتَ بِالْقَصَصِ؟ فَقَالَ: لا، قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَقُصَّ بِغَيْرِ إِذْنٍ «3» ؟
قَالَ: إِنَّمَا نَنْشُرُ عِلْمًا عَلَّمْنَاهُ اللَّهُ، قَالَ: لَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكَ لَقَطَعْتُ طَابِقًا «4» مِنْكَ.
164- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سُحَيْمِ بْنِ حَفْصٍ قَالَ: خَطَبَ رَبِيعَةُ بْنُ غُسْلٍ- وَذَلِكَ الثَّبْتُ، وَيُقَالُ عَسَلٌ- الْيَرْبُوعِيُّ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: اسْقُوهُ سُوَيْقًا «5» ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْنِي فِي بِنَاءِ دَارِي بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ جِذْعٍ، قَالَ: وَكَمْ دَارُكَ؟ قَالَ:
فَرْسَخَانِ فِي فَرْسَخَيْنِ أَوْ أَكْثَرُ، قَالَ: فَدَارُكَ بِالْبَصْرَةِ أَمِ الْبَصْرَةُ فِي دَارِكَ؟! قال: فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِهِ عَلَى ابْنِ هُبَيْرَةَ فَقَالَ: أَنَا الَّذِي خَطَبَ أَبِي إِلَى مُعَاوِيَةَ، قَالَ:
فَزَوَّجَهُ مُعَاوِيَةُ؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَمَا صَنَعَ «6» شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ لِسَلَمِ بْنِ قُتَيْبَةَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: ابْنُ أَحْمَقِ قَوْمِهِ، قَالَ: وانّ الحمق لبيّن فيه أيضا.
__________
163- المستدرك 1: 128.
164- الطبري 2: 209 والبيان 2: 259- 260 والعقد 4: 207 والاشتقاق: 139 وابن كثير 8: 140 وبعض الخبر في عيون الاخبار 4: 13
__________
(1) ط م: الهروي، س: الهزوي، وهو أزهر بن عبد الله بن جميع الحرازي الحمصي، ويقال هو أزهر بن سعيد، انظر طبقات ابن سعد 7/ 2: 166 ونسبته هوزني أو حرازي، وهوزن وحراز قبيلتان حميريتان من ذي الكلاع.
(2) في المصادر: لبني فروخ.
(3) عن اذن معاوية للقصاص انظر تاريخ بغداد 1: 208
(4) المصادر: طائفة.
(5) البيان: عسلا.
(6) العيون: فما صنعت.(5/45)
165- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: ذكر مروان يومًا لِمُعَاوِيَةَ كثرة عدد آل أبي العاص وقلة عدد آل حرب، فتمثل مُعَاوِيَة:
تفاخرني بكثرتها قريط ... وقبلك طالت الحجل الصقور
فإن أك فِي عدادكم قليلًا ... فإني فِي عدوكم كثير
بغاث الطير أكثرها فراخًا ... وأم الصقر مقلات نزور
166- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: زَوَّجَ مُعَاوِيَةُ ابْنَتَهُ رَمْلَةَ مِنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَسَمِعْتُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ يَقُولُ لَهُ وَقَدْ عَادَهُ: إِنَّمَا وَلِيَ مُعَاوِيَةُ الْخِلافَةَ بِذِكْرِ أَبِيكَ، فَمَا يَمْنَعُكَ مِنَ النُّهُوضِ لِطَلَبِ حَقِّكَ، فَنَحْنُ أَكْثَرُ مِنْ آلِ حَرْبٍ عَدَدًا، مِنَّا فُلانٌ وَفُلانٌ، وَحَجَّ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ وَخَرَجَتْ إِلَى أَبِيهَا فَقَالَ لها: مالك، أطلّقك زوجك؟ قَالَتِ: الْكَلْبُ أَضَنُّ بِشَحْمَتِهِ، وَحَدَّثَتْهُ حَدِيثَ مَرْوَانَ وَاسْتِكْثَارِهِ آلَ أَبِي الْعَاصِ وَاسْتِقْلالِهِ آلَ حَرْبٍ، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ:
أَوَاضِعٌ رِجْلٍ فَوْقَ رِجْلٍ «1» يَعُدُّنَا «2» ... كَعَدِّ «3» الْحَصَا مَا أَنْ يَزَالَ يُكَاثِرُ
(709) وَأُمُّكُمْ تُزْجِي تُؤَامًا لِبَعْلِهَا ... وَأُمُّ أَخِيكُمْ نَزْرَةُ الْوَلَدِ «4» عَاقِرُ
167- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ «5» قَالَ: لمّا بلغ معاوية موت زياد قال:
__________
165- قال البكري (السمط: 190) اختلف العلماء في عزو هذا الشعر فأنشده أبو تمام لعباس بن مرداس السلمي ونسبه ابن الاعرابي وأبو رياش الى معود الحكماء. وقد نسب الى ربيعة الرقي والصحيح أنه لمعود الحكماء، وتنسب الأبيات لكثير عزة، انظر تخريجها في ديوانه: 530- 531 وديوان العباس بن مرداس: 58.
166- المصعب: 109 وبرنستون 906 الورقة 37/ أوالسمط: 512- 513 وانظر الأغاني 12: 73 وبلاغات النساء: 153 وترد الأبيات في النقائض: 392 وياقوت 2: 579 والثاني في الحيوان 5: 31 ويقول شارح النقائض إن الشاعر هو عباس بن ريطة الرعلي وفي ياقوت: أنس بن عباس الرعلي وفي الحيوان: هياش (لعلها مصحفة عن عباس) الرعلي. وقولها: «الكلب أضن بشحمته» سيرد في ما يلي رقم: 323 وانظر أمالي القالي 1: 222.
167- الكامل 4: 27 ومحاضرات الراغب 2: 217 والبيت في الأغاني 15: 117 والفقرة: 750، وحماسة ابن الشجري: 141 والمعارف: 341 وابن عساكر 7: 202 وسير الذهبي 3: 310 وقائله هو: أبو الطفيل عامر بن واثلة (وقافيته في س وبعض المصادر: كاسر- دون هاء-) .
__________
(1) المصعب: أخرى.
(2) في شرح النقائض رواية مختلفة لهذا الشطر إلا أنه امضطربة.
(3) المصادر: عديد.
(4) في بعض المصادر: كزة الرحم.
(5) هو مسلمة بن محارب، والمدائني يروي عنه كثيرا.(5/46)
وَأُفْرِدْتُ «1» سَهْمًا فِي الْكِنَانَةِ وَاحِدًا ... سَيُرْمَى بِهِ أَوْ يَكْسِرُ السَّهْمَ كَاسِرُهُ
168- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَوَانَةَ وَابْنِ جَعْدَبَةَ قَالا، قَالَ مُعَاوِيَةُ لابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ عُثْمَانَ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا وَأَصَابَتْ مِنْهُ، وَإِنَّهَا قَدْ مَالَتْ بِي وَمِلْتُ بِهَا، فما ترى يا أبا عَبَّاسٍ؟ فَقَالَ: إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَمْكَنَتْكَ فَهِيَ فِي يَدِكَ وَلَكَ دُرُّهَا، وَإِنَّ الآخِرَةَ مُمْكِنَةٌ لَكَ إِنْ أَرَدْتَهَا، وَلَمَا نَقَصَكَ مِنْ دُنْيَاكَ وَزَادَكَ فِي آخِرَتِكَ خَيْرٌ لَكَ مِمَّا نَقَصَكَ مِنْ آخِرَتِكَ وَزَادَكَ فِي دُنْيَاكَ.
169- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعَمْرٌو عِنْدَهُ بِدِمَشْقَ: قَدْ جَاشَتِ الرُّومُ، وَهَرَبَ عَامِلٌ مِنْ عُمَّالِنَا «2» ، وَخَرَجَ أَهْلُ السِّجْنِ، قَالَ:
فَلا يَكْبُرَنَّ عَلَيْكَ ذَلِكَ، أَمَّا الرُّومُ، فَأَرْضِهِمْ بِشَيْءٍ تَرُدُّهُمْ بِهِ عَنْكَ، وَأَمَّا أَهْلُ السِّجْنِ فَإِنَّمَا خَرَجُوا حُفَاةً عُرَاةً فَابْعَثْ فِي طَلَبِهِم تُؤْتَ بِهِمْ، وَأَمَّا عَامِلُكَ فَأَظْهِرْ أَنَّكَ قَدْ تَرَكْتَ لَهُ مَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ سَيَرْجِعُ فَإِذَا رَجَعَ فَطَالِبْهُ، قَالَ: فَفَعَلَ مُعَاوِيَةُ ذَلِكَ.
170- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ غَسَّانَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ جعفر بن عبد الرحمن بن المسور ابن مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِيهِ (عَنْ جَدِّهِ الْمِسْوَرِ) قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقُلْتُ: السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَحْسَنَ مَا قُلْتَ فَكَيْفَ طَعْنُكَ عَلَى الأُمَرَاءِ؟ فَلَمْ أَدَعُ شَيْئًا إِلا بَكَّتْهُ بِهِ، فَقَالَ: يَا مِسْوَرُ إِنَّا غَيْرُ مُتَبَرِّئِينَ مِنَ الذُّنُوبِ وَنَرْجُو رَحْمَةَ اللَّهِ، إِنِّي لَعَلَى شَرِيعَةِ يَقِينٍ يَقْبَلُ اللَّهُ مَعَهَا الْحُسْنَى وَيَتَجَاوَزُ عَنِ السَّوْءَى، وَلَوْ خُيِّرْتُ بَيْنَ اللَّهِ وَمَا سِوَاهُ لاخْتَرْتُهُ، ثُمَّ قَضَى حَوَائِجَهُ.
171- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ عَبْدِ الملك بن عمير أنّ أبا موسى
__________
168- قارن بالطبري 2: 211 وما يلي رقم: 221، 329 169- قارن بالطبري 2: 210 والدينوري: 167 وشرح النهج 2: 26 170- انظر ابن كثير 8: 133 وتاريخ بغداد 1: 208 وتاريخ الاسلام 3: 80 وقد تقدم ذكر المسور رقم:
132
__________
(1) المعارف وابن عساكر: وبقيت، الذهبي: وخلفت.
(2) الطبري: وان ناتل بن قيس الجذامي غلب على فلسطين وأخذ بيت مالها.(5/47)
الأَشْعَرِيَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الأَمِيرُ، فَضَحِكَ مُعَاوِيَةُ وَقَالَ: بَايِعْ يَا أَبَا مُوسَى، وَبَسَطَ يَدَهُ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أُبَايِعُ عَلَيْنَا وَلَنَا، فَقَبَضَ مُعَاوِيَةُ يَدَهُ وَانْصَرَفَ أَبُو مُوسَى، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَضَاهٍ الأَشْعَرِيُّ: يَا أَبَا مُوسَى إِنَّكَ رَأَيْتَ رِجَالا مِنْ قُرَيْشٍ يَقُولُونَ لِمُعَاوِيَةَ فَيَحْلُمُ عَنْهُمْ، فَفَعَلْتَ كَمَا فَعَلُوا، وَإِنَّهُ يَهُونُ عَلَى مُعَاوِيَةَ أَنْ يَقْتُلَكَ فَيُؤَدِّبُ بِكَ غَيْرَكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ «1» : إِنَّ السُّلْطَانَ يَضْحَكُ ضَحِكَ الصَّبِيِّ وَيَصُولُ صَوْلَةَ الأَسَدِ، فَرَاحَ أَبُو مُوسَى إِلَى مُعَاوِيَةَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِالْخِلافَةِ وَقَالَ: مَا أَنْكَرْتَ مِنْ تَسْلِيمِي عَلَيْكَ بِالإِمْرَةِ فَقَدْ كُنَّا نَقُولُهَا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَيَرَاهَا وَغَيْرَهَا سَوَاءً، وَمَا أَنْكَرْتَ مِنْ قَوْلِي أُبَايِعُكَ عَلَيْنَا وَلَنَا؟ عَلَيْنَا الْوَفَاءُ بِهَا وَلَنَا أَجْرُهَا، فَتَبَسَّمَ مُعَاوِيَةُ وَقَالَ:
بَايَعَ أَبَا مُوسَى فَلَعَمْرِي مَا أَخْرَجْتُهَا حَتَّى زَمَمْتُهَا وَخَطَمْتُهَا، وَلَئِنْ كُنْتُ قَدْ قُلْتُ خَيْرًا لَقَدْ أَرَدْتُ شَرًّا.
172- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَفِيِّ عَنْ رَجُلٍ قَالَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ:
مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَحَقَّ بِالْمُلْكِ مِنْ مُعَاوِيَةَ، للَّهِ دَرُّهُ إِنْ كَانَ لَحَلِيمًا وَإِنْ كَانَ النَّاسُ لَيَنْزِلُونَ مِنْهُ بِأَرْجَاءِ وَادٍ خِصْبٍ، لَمْ يَكُنْ بِالضَّيِّقِ اللَّيِّقِ الْمُتَصَعِّبِ الْحَصُوصِ «2» ، يَعْنِي الَّذِي يُحَاصُّ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
173- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «3» عَنْ يَزِيدَ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: أَذِنَ مُعَاوِيَةُ لِلأَحْنَفِ ثُمَّ لِمُحَمَّدِ بْنِ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، فَجَلَسَ مُحَمَّدٌ فَوْقَ الأَحْنَفِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:
إِنِّي لَمْ آذَنْ لَهُ قَبْلَكَ لِتَكُونَ دُونَهُ إِلَيَّ، وَقَدْ فَعَلْتَ فِعْلَ مَنْ أَحَسَّ مِنْ نفسه بذلّ، إِنَّا كَمَا نَمْلِكُ أُمُورَكُمْ نَمْلِكُ تَأْدِيبَكُمْ، فَأَرِيدُوا مِنَّا مَا نُرِيدُ بِكُمْ «4» (710) فَإِنَّهُ أَبْقَى لَكُمْ،
__________
172- مصنف عبد الرزاق 11: 453 والطبري 2: 215 وابن الأثير 4: 9 وانظر تاريخ الاسلام 2: 321 وسير الذهبي 3: 101 وتاريخ البخاري 4: 327 وابن كثير 8: 135 واللسان: 5: 269، 8: 321 ونهاية ابن الأثير 1: 233، 3: 102، 116 173- الطبري 2: 209 والبيان 2: 156 وانظر عيون الاخبار 1: 90 والعقد 1: 68، وشرح النهج 4: 144
__________
(1) هذا القول سيرد فيما يلي رقم: 193، 194
(2) الطبري وابن الأثير: الحصحص، الذهبي وعبد الرزاق: العصعص (وهو الأصوب) .
(3) الطبري: شهاب بن عبيد الله.
(4) م والبيان: منكم.(5/48)
فقال محمد: إنّا لم نأتك ليقضى «1» مَكَانُنَا مِنْكَ، وَلَمْ نَعْدَمِ الأَدَبَ فَنَحْتَاجُ إِلَى تأديبك، فَخُذْ مِنَّا عَفْوَنَا تَسْتَوْجِبْ مَوَدَّتَنَا، وَإِنَّا عَنْكَ لَفِي غِنًى وَسِعَةٍ، ثُمَّ خَرَجَ.
174- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُبَارَكِ بْنِ سَلامٍ عَنْ مُجَالِدٍ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: كَمْ وَلَدُكَ؟ فَذَكَرَ عَشْرَةً أَوْ أَكْثَرَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَهَبُ لِمَنْ يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذّكور، فقال سعيد: ويؤتي الملك من يشاء وينزع «2» الملك ممن يشاء.
175- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ غَسَّانَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: إنّي رمت سِيرَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَلَمْ أُطِقْهَا، فَسَلَكْتُ طَرِيقَةً لَكُمْ فِيهَا حَظٌّ وَنَفْعٌ، عَلَى بَعْضِ الأَثَرَةِ، فَارْضَوْا بِمَا أَتَاكُمْ مِنِّي وَإِنَّ قَلَّ، فَإِنَّ الْخَيْرَ إِذَا تَتَابَعَ وَإِنْ قَلَّ أَغْنَى، وَإِنَّ السَّخَطَ يُكَدِّرُ الْمَعِيشَةَ، وَلَسْتُ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلا إِلَى مَنْ بَسَطَ يَدَهُ، فَأَمَّا الْقَوْلُ يَسْتَشْفِي بِهِ ذُو غَمْرٍ فَهُوَ دُبُرَ أُذُنِي وَتَحْتَ قَدَمِي حَتَّى يَرُومَ الْعَوْجَاءُ.
176- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بْن صالح عن أَبِي بكر بن عيّاش قال: حدّثت عن الشّعبي أنّ عمر بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: احْذَرُوا آدَمَ قُرَيْشٍ «3» وَابْنَ كَرِيمِهَا فَإِنَّهُ لا يَنَامُ إِلا عَلَى الرِّضَا وَيَضْحَكُ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَيَتَنَاوَلُ مَا فَوْقَهُ مِنْ تَحْتِهِ.
177- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي قُحَافَةَ عَنْ أَبِي قُرَّةَ «4» مَوْلَى عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ الْمَسْجِدَ وَمُعَاوِيَةُ يَخْطُبُ فَقَالَ: أيّها المعظّم «5» اسكت أنشد جملي، فسكت
__________
174- ابن عساكر 6: 144 وانظر ما تقدم رقم: 165 وما يلي رقم: 199.
175- انظر العقد 4: 81- 82 وابن كثير 8: 132 والصيغة المسهبة للقصة في تاريخ الاسلام 2: 320- 321 وسير الذهبي 3: 98.
176- عيون الأخبار 1: 9 والعقد 1: 25، 4: 363 (منسوبا لعمرو بن العاص) وابن كثير 8: 124 وكنز العمال 7: 87 (رقم: 743)
__________
(1) م: لنقضي، ط: لنقصى (اقرأ: ليقصى) .
(2) م: تؤتي ... تشاء ... وتنزع.
(3) تحرّف هذا في بعض المصادر ففي ابن عساكر: دم فتى قريش، وفي ابن كثير: دعوا فتى قريش، وفي احدى روايات العقد: ذمّ قريش.
(4) س ط: قذة، م: قدة.
(5) م: المتكلم.(5/49)
مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ دَعَا إِلَى جَمَلٍ عَلَيْهِ قَتَبٌ، فَرَدَّدَ الْقَوْلَ مِرَارًا، فقال معاوية: أيّها الأعرابي حلّه حلية سِوَى الْقَتَبِ فَلَعَلَّ الْقَتَبَ قَدْ ضَاعَ، ثُمَّ مَضَى فِي خُطْبَتِهِ.
178- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ غَسَّانَ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِسْوَرٍ قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَافِدًا فَأَمَرَ ابْنَهُ يَزِيدَ أَنْ يَأْتِيَهُ مُسَلِّمًا فَأَتَى يَزِيدُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَرَحَّبَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَحَدَّثَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا ذَهَبَ بَنُو حَرْبٍ ذَهَبَ حُلَمَاءُ النَّاسِ.
179- قالوا: دخل عبد اللَّه بْن الحارث بْن أُمَيَّة الأصغر على مُعَاوِيَة وكان بذيئًا «1» ، فجرى بينه وبين مُعَاوِيَة كلام، فَقَالَ عبد اللَّه: واللَّه لقد شججت أخاك حنظلة «2» فما أعطيتم عقلًا ولا سألتم فدى «3» ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: إنك هربت إلى أخوالك بالطائف، فَقَالَ: إني إذا مال أحد شقي عدلته بالآخر.
180- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: مَرِضَ مُعَاوِيَةُ «4» فَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ وَكَأَنَّهُمَا عَسِيبَانِ ثُمَّ قَالَ: هَلِ الدُّنْيَا إِلا مَا جَرَّبْنَا وَذُقْنَا، وَلَوَدَدْتُ أَنِّي لَمْ أُعَمَّرْ فِيكُمْ فَوْقَ ثَلاثٍ «5» حَتَّى أَلْحَقَ بِرَبِّي، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ عِنْدَهُ: بِمَاذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: بِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَ لِي، فَقَدْ عَلِمَ أَنِّي لَمْ أَهْوَ مَا كَرِهَ.
181- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: دخل على مُعَاوِيَة عدي بْن حاتم فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وهو
__________
178- بعضه في العقد 4: 362 179- انظر ابن عساكر 7: 346 180- قارن بما تقدم رقم: 162 181- سترد في ما يلي رقم: 295 وانظر الميداني 2: 117 والعقد 4: 35 وبهجة المجالس 1: 95
__________
(1) س ط م: بديا.
(2) حنظلة: سقطت من س.
(3) ط م: غفلا ولا نلتم فذا.
(4) انك هربت ... معاوية: سقط من م.
(5) س: ثلاثة.(5/50)
حاضر: إن عند هذا الأعور جوابًا، فأحركه «1» ؟ قَالَ: نعم، فَقَالَ: يا عدي أين ذهبت عينك؟ قَالَ: يوم قتل أبوك هاربًا وضربت أنت على قفاك موليًا «2» ، وأنا يومئذ مع الحق وأنت مع الباطل.
182- الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيِّ قَالَ: رَكِبَ مُعَاوِيَةُ وَأَنَا مَعَهُ، فَبَيْنَا نحن نسير إذ طلع رجل بَاذِّ الْهَيْئَةِ فَلَمْ أَرَهُ أَكْبَرَ مُعَاوِيَةَ وَلا اكْتَرَثَ لَهُ، وَأَعْظَمَهُ مُعَاوِيَةُ إِعْظَامًا شَدِيدًا ثُمَّ قَالَ:
أَجِئْتَ زَائِرًا أَمْ طَالِبَ حَاجَةٍ؟ فَقَالَ: لَمْ آتِ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنِّي جِئْتُ مُجَاهِدًا وَأَرْجِعُ زَاهِدًا، (711) فَمَضَى مُعَاوِيَةُ عَنْهُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ «3» ، قُلْتُ: مَا أَدْرِي مَا أراد بقوله أخيرا أم شَرًّا، قَالَ: دَعْهُ فَلَعَمْرِي لَئِنْ كَانَ أَرَادَ الشَّرَّ إِنَّ الشَّرَّ عَائِدٌ بِالسُّوءِ عَلَى أَهْلِهِ، قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا وَلَدَتْ قُرَشِيَّةٌ قُرَشِيًّا أَذَلَّ مِنْكَ، فَقَالَ: يَا حَبِيبُ أَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْتَمِعُونَ خَيْرٌ أَمْ أَجْهَلُ وَيَتَفَرَّقُونَ؟ قَالَ، قُلْتُ: بَلْ تَحْلُمُ وَيَجْتَمِعُونَ، قَالَ: امْضِ فَمَا وَلَدَتْ قُرَشِيَّةٌ قُرَشِيًّا لَهُ مِثْلُ قَلْبِي، قَالَ، قُلْتُ: إِنِّي لأَخَافُ «4» أَنْ يَكُونَ مَا تَصْنَعُ ذُلا، قَالَ: وَكَيْفَ وَقَدْ قَاتَلْتُ عَلِيًّا فَصَبَرْتُ عَلَى مُنَاوَأَتِهِ، وَبَعْضُهُمْ يَرْوِي هَذَا عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ قيس.
183- حدثني عُمَرُ «5» بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ عَوَانَةَ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ:
يَا مَعْشَرَ بَنِي أُمَيَّةَ إِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَدَعْ مِنَ الْمَجْدِ شَيْئًا إِلا حَازَهُ لأَهْلِهِ، وَقَدْ أُعِنْتُمْ عَلَيْهِمْ بِخُلَّتَيْنِ: فِي أَلْسِنَتِهِمْ ذَرَبٌ وَفِي الْعَرَبِ أنف، وهم محدودون «6» ، فأوسعوا الناس حلما فو الله إِنِّي لأَلْقَى الرَّجُلَ أَعْلَمُ أَنَّ فِي نَفْسِهِ عليّ شيئا فأستثيره فَيَثُورُ عَلَيَّ بِمَا يَجِدُ فِي قَلْبِهِ، فَيُوسِعُنِي شَتْمًا وَأُوسِعُهُ حِلْمًا، ثُمَّ أَلْقَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ أخا أستنجده فينجدني.
__________
183- بعضه في عيون الأخبار 1: 30 وانظر ابن كثير 8: 136 ورسائل ابن أبي الدنيا: 21 (رقم: 28) .
__________
(1) ط م: فأكرجه، س: فأكرحه، وما أثبته من هامش ط.
(2) انظر الطبري 1: 3207
(3) كان واليا على مصر وعزله معاوية، انظر الكندي: 36
(4) ط م: أخاف.
(5) س: عمرو.
(6) هذا القول سيرد فيما يلي رقم: 309.(5/51)
184- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْن عُمَرَ عَن الْهَيْثَم بْن عَدِيٍّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو ابن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ يُخَاطِبُ مُعَاوِيَةَ إِذْ قَالَ: وَاللَّهِ يَا مُعَاوِيَةُ لَتَسْتَقِيمَنَّ أَوْ لَنُقَوِّمَنَّ صَعْرَكَ «1» ، قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ؟ قَالَ: أَنَا فُلانُ بْنُ فُلانٍ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَ: وَمَا كَانَ عَلَيْكَ لَوْ كَانَ كَلامُكَ أَلْيَنَ مِنْ هَذَا؟ فَلَمَّا وَلَّى قَالَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ نَكَّلْتَ بِهَذَا تَأَدَّبَ بِهِ غَيْرُهُ فَقَالَ: يا بنيّ لربّ غيظ قد تحطّم بَيْنَ جَوَانِحِ أَبِيكَ لَمْ يَكُنْ وَبَالُهُ إِلا عَلَى مَنْ جَنَاهُ.
185- وقال ابن أم الحكم ليزيد: خالي من قريش «2» وخالك من كلب فجئني بخال مثل خالي، فشكاه يزيد إلى مُعَاوِيَة فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قل له هات أبًا مثل خالك.
186- حَدَّثَنِي عبد اللَّه بْن صالح قَالَ، بلغنا أن مُعَاوِيَة قَالَ: أحب الناس إلي أشدهم تحبيبًا لي إلى الناس.
187- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ، [قَالَ عَلِيٌّ رضي الله تعالى عنه: لا تمنّوا موت «3» معاوية فإنّكم لو فقدتموه رأيتم الرؤوس تَنْدُرُ عَنْ كَوَاهِلِهَا] .
188- قَالَ العتبي: وقع بين هدبة بْن خشرم العذري وبين آخر من عذرة كلام عند مُعَاوِيَة، فَقَالَ العذري: إنه لا يقال فِي مجلس أمير المؤمنين الكذب، فَقَالَ هدبة:
إنه لا مجلس يدخله من الكذب أكثر مما يدخل مجلس أمير المؤمنين، ولكن فيه عزًا نيل بالصدق، يعني الإسلام.
__________
184- المجتنى: 41 185- سيرد في ما يلي رقم: 298 186- الطبري 2: 214 وابن الأثير 4: 8 وأدب الدنيا والدين: 124 وقارن بالعقد 2: 316 187- ابن كثير 6: 228، 8: 131 وتاريخ الاسلام 2: 320 وسير الذهبي 3: 96 والكنز 11 رقم 1336، 1344 وشرح النهج 4: 10
__________
(1) س ط: ليقومن، المجتنى: لنقومنك.
(2) خال ابن أم الحكم هو معاوية نفسه.
(3) الذهبي والكنز وابن كثير: لا تكرهوا إمرة.(5/52)
189- أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ «1» عَنِ الْفَضْلِ بْنِ سُوَيْدٍ «2» قَالَ، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: مَا رَأَيْتُ أَكْرَمَ مِنْ مُعَاوِيَةَ، خَرَجَ حَاجِبُهُ يَوْمًا فَلَمْ يَرَ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرِي فَرَجَعَ، ثُمَّ خَرَجَ مُعَاوِيَةُ فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَتَوَكَّأَ عَلَيَّ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ أَجْرَى الْخَيْلَ فَسَبَقَ فِي الثَّنِيَانِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ غَدَوْتُ إِلَيْهِ وَخَرَجَ فَصَنَعَ بِي كَمَا صَنَعَ أَوَّلا، ثُمَّ أَجْرَى الْخَيْلَ فَسَبَقَ فِي الرِّبْعَانِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ يَوْمًا ثَالِثًا «3» وَخَرَجَ الْحَاجِبُ فَاسْتَتَرْتُ مِنْهُ مَخَافَةَ أَنْ يَتَشَاءَمَ بِي فَقَالَ لِحَاجِبِهِ: اطْلُبْهُ، فَرَآنِي، فَأَتَيْتُ مُعَاوِيَةَ فَتَوَكَّأَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: أجر القرّح، فسبق، فقال: يا ابن مَرْوَانَ، هَكَذَا الْقَرْحُ تَسْبِقُ لَهَا الْقُرْحَ، هَاتِ حَاجَتِكَ، فَمَا سَأَلْتُ حَاجَةً إِلا أَمَرَ بِهَا فعجّلت.
190- الْمَدَائِنِيّ عَنِ النَّضْرِ بْنِ إِسْحَاقَ عَن بَشِيرِ بْنِ عُبَيْد اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةَ لآذِنِهِ: ابْغِنِي قَوْمًا يَتَحَدَّثُونَ عِنْدِي وَيُحَدِّثُونِي، فَأَدْخَلَ إِلَيْهِ أَرْبَعَةً مِنْ سُلَيْمٍ فِيهِمْ نَصْرُ بْنُ الْحَجَّاجِ «4» ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَتَدْرُونَ لِمَ دَعَوْتُكُمْ؟ فَقَالَ نَصْرٌ (712) :
دَعَوْتَنَا لأَمْرٍ حَزَبَ «5» وَنَازِلَةٍ نزلت، فأردت أهل النَّصِيحَةَ وَالرَّأْيَ، قَالَ: مَا كَانَ بِحَمْدِ اللَّهِ إِلا خَيْرٌ وَلا جَاءَنَا إِلا مَا نُحِبُّ، قَالَ: فَدَعَوْتَنَا لأَنَّكَ رَوَأْتَ فَقُلْتَ مَا تَرَكْتُ رَحِمًا إِلا وَصَلْتُهَا وَزَيَّدْتُهَا «6» إِلا رَحِمَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ سُلَيْمٍ، فَدَعَوْتَنَا لِلصِّلَةِ وَقَضَاءِ الْحَقِّ، قَالَ:
إِنَّكُمْ لِذَلِكَ لأَهْلٌ وَمَا لِذَلِكَ دَعَوْتُكُمْ، قالوا: فدعوتنا «7» لأَمْرٍ عَرَاكَ فَأَرَدْتَ أَنْ نُحَدِّثَكَ لِيَذْهَبَ غَمُّكَ، فَإِنْ أَرَدْتَ حَدِيثَ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَيَّامَ الْعَرَبِ وَأَنْسَابَهَا فَنَحْنُ بَنُوهَا، وَإِنْ أَرَدْتَ حَدِيثَ الإِسْلامِ فَنَحْنُ أَهْلُهُ، قَرَأْنَا كِتَابَ اللَّهِ وَفَقِهْنَا فِي الدِّينِ، وإن أردت علم
__________
189- بعضه في ابن كثير 8: 135
__________
(1) ط م: أبي علقمة، وانظر ابن كثير 8: 132 حيث ورد اسمه في سند: «سليمان بن بلال حدثني علقمة ابن أبي علقمة» .
(2) ترجمة الفضل في التهذيب 8: 280
(3) س: ثانيا.
(4) انظر العقد 6: 133 والطبري 3: 480.
(5) م: خرب.
(6) الياء غير معجمة في س.
(7) م: قد دعوتنا.(5/53)
الْعَجَمِ فَقَدْ غَزَوْنَاهُمْ وَلَنَا بِأُمُورِهِمْ عِلْمٌ «1» ، قَالَ: فَأَطْرَقَ مُعَاوِيَةُ طَوِيلا ثُمَّ قَالَ «2» : أَنَا خَيْرُ قُرَيْشٍ لَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا، قَالَ نَصْرٌ: ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَدَاهَا اللَّهُ بِهِ مِنَ الضَّلالَةِ، وَبَصَّرَهَا بَعْدَ الْحِيرَةِ، وَأَعَزَّهَا بَعْدَ الذِّلَّةِ، وَأَغْنَاهَا مِنَ الْفَقْرِ، وَجَمَعَ لَهَا بِهِ الْحُسْنَيَيْنِ الْخِلافَةَ فِي الدُّنْيَا وَحُسْنَ الثَّوَابِ فِي الآخِرَةِ، وَأَوْرَثَهَا كِتَابَ اللَّهِ فَصِرْتُمْ بِهِ عَلَيْنَا أَرْبَابًا، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ أَخْبَرْنَاكَ أَنَّكَ شَرُّ قُرَيْشٍ لَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا، قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: لانَتْ لَهَا أَكْنَافُكَ، وَانْثَنَتْ لَهَا أَعْطَافُكَ، وَجَادَتْ لَهَا كَفُّكَ، وَعَوَّدْتَهَا بِحِلْمِكَ «3» عَادَةً لا يَحْمِلُهَا لَهَا مَنْ بَعْدَكَ، فَأَطْغَيْتَ بَرَّهَا وَأَكْفَرْتَ «4» فَاجِرَهَا، فَكَأَنِّي بِهِمْ إِذَا فَقَدُوا مَا عَوَّدْتَهُمْ قَدْ ثَارُوا إِلَى الْقَنَا فَعَقَدُوا فِيهَا خُمُرَهُمْ، فَأَصْبَحُوا مُصَرَّعِينَ شَائِلَةً أَرْجُلُهُمْ بِأَفْوَاهِ السِّكَكِ، فَقَامَ مُعَاوِيَةُ وَخَرَجُوا، فَدَعَا آذِنَهُ فَقَالَ: وَاللَّه مَا اسْتَرَحْتُ مِنْ هَؤُلاءِ إِلَى مُسْتَرَاحٍ، وَيْحَكَ أَرَدْتُ قَوْمًا يُحَدِّثُونِي «5» حَدِيثًا سَهْلا فَجِئْتَنِي بِشَيْطَانٍ.
191- ويروى أن مُعَاوِيَة قَالَ لسعد «6» مولاه: إن جلسائي قد ثقلوا علي ونازعوني الكلام فأدخل إلي غيرهم، فأدخل إليه أبا الأعور السلمي ورجلا آخر، فجرى بينه وبين مُعَاوِيَة ما نسب إلى نصر بْن الحجاج، قالوا: فلما قَالَ أَبُو الأعور: وأضحوا شائلة أرجلهم بأفواه السكك، قَالَ مُعَاوِيَةُ: وأبو الأعور فيهم، فَقَالَ: أغضبت يا مُعَاوِيَة أن صدقتك؟ ذلك إلى اللَّه فإن شاء كنت فيهم.
192- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سُحَيْمِ بْنِ حَفْصٍ قَالَ: كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَرْضٌ إِلَى جَانِبِ أَرْضٍ لِمُعَاوِيَةَ «7» ، فَاقْتَتَلَ غِلْمَانُ مُعَاوِيَةَ وَغِلْمَانُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَكَتَبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ غَلَبْتَنَا بِحُمْرَانِكَ وَسُودَانِكَ، وَلَوْ قد التقت حلقتا
__________
192- المستجاد: 34 والمستطرف 1: 263
__________
(1) م: وانا بأمورهم أعلم.
(2) انظر تاريخ الاسلام 3: 85 وزوائد ابن حجر 9: 355 وخبرا مشابها في محاضرات الراغب 1: 118
(3) م: وعودها حلمك.
(4) م: وأكرمت.
(5) م: يتحدثون.
(6) م: لسعيد.
(7) س: معاوية.(5/54)
الْبِطَانِ وَاسْتَوَتْ بِنَا وَبِكَ الأَقْدَامُ عَلِمْتَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ سُودَانَكَ وَحُمْرَانَكَ لا يُغْنُونَ عَنْكَ شَيْئًا، فَقَرَأَ مُعَاوِيَةُ الْكِتَابَ ثُمَّ رَمَى بِهِ إِلَى ابْنِهِ يَزِيدَ فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: تَبْعَثُ إِلَيْهِ مَنْ يَقْتُلُهُ فَتَسْتَرِيحَ مِنْ حُمْقِهِ وَعُجْبِهِ، قَالَ: يَا بُنَيَّ لَهُ بَنُونَ وَعَشِيرَةً تَمْنَعُهُ، إِنْ بَعَثْتَ بِمِائَةِ رَجُلٍ وَأَعْطَيْتَ كُلَّ رَجُلٍ أَلْفًا بَلَغَ ذَلِكَ مِائَةَ أَلْفٍ، وَلا أَدْرِي عَلَى مَنْ تَكُونُ الدَّبْرَةُ، فَإِنْ غَلَبُوا بَعَثْتَ أَلْفًا «1» وَأَعْطَيْتَهُمْ أَلْفَ أَلْفٍ، وَلَكِنِّي أَكْتُبُ إِلَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ مُعَاوِيَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ جَاءَنِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ أَنَّا غَلَبْنَاكَ بِحُمْرَانِنَا وَسُودَانِنَا وَأَنَّهُ إِنِ الْتَقَتْ حَلْقَتَا الْبِطَانِ وَاسْتَوَتْ بِنَا وَبِكَ الأَقْدَامُ عَلِمْنَا أَنَّ حُمْرَانِنَا وَسُودَانَنا لا يُغْنُونَ عَنَّا شَيْئًا، وَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ وَهَبَ لَكَ ذَلِكَ المال بحمرانه وسودانه فخذه خضرا مضرا «2» وَالسَّلامُ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: لِعَبْدِ اللَّهِ مُعَاوِيَةُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَمَّا (713) بَعْدُ، فَقَدْ غَلَبْتَنَا بِحِلْمِكَ وَجُدْتَ لَنَا بِمَالِكَ، فَجَزَاكَ اللَّهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ خَيْرَ جَزَاءٍ، فَلَمَّا أَتَى مُعَاوِيَةَ الْكِتَابُ قَالَ لِيَزِيدَ: يَا بُنَيَّ أَهَذَا خَيْرٌ أَمْ مَا أَرَدْتَ؟
193- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ، قال معاوية لأبي الجهم بن حذيفة: أيّنا «3» أَسَنُّ أَنَا أَمْ أَنْتَ؟ فَقَالَ أَبُو الْجَهْمِ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَذْكُرُ دُخُولَ أُمِّكَ عَلَى زَوْجِهَا، قال: أيّ أزواجها؟ فو الله إِنْ كَانَتْ لَكَرِيمَةَ الْمَنَاكِحِ، فَإِيَّاكَ يَا أَبَا الْجَهْمِ وَالإِقْدَامِ بَعْدِي عَلَى السُّلْطَانِ بِمِثْلِ هَذَا، فَإِنَّمَا أَمْرُ السُّلْطَانِ كَاللَّعِبِ وَصَوْلَتُهُ كَصَوْلَةِ الأَسَدِ، فَاحْذَرْ أَنْ يُؤْمَرَ بِكَ فَيُؤْتَى «4» عَلَى نَفْسِكَ.
194- وَحَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَنِ الْهَيْثَمِ عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ الرَّحَبِيِّ عَنِ ابْنِ عَضَاهٍ الأَشْعَرِيِّ قَالَ: دَخَلَ أَبُو الْجَهْمِ عَلَى مُعَاوِيَةَ فأجلسه معه على سريره وأكرمه ثم
__________
193- 194: - تتشابه الروايتان، وانظر عيون الاخبار 1: 283 والعقد 1: 52 ومحاضرات الراغب 1: 92 والمستطرف 1: 127 وروض الأخيار: 37 وراجع ما تقدم رقم: 171 وانظر ابن كثير 8: 135 وسير الذهبي 3: 102
__________
(1) م: أيضا.
(2) ط م: نضرا.
(3) س: أيما.
(4) م ط: فيوتا (والياء غير معجمة في ط) .(5/55)
قَالَ لَهُ: أَيُّمَا أَسَنُّ أَنَا أَمْ أَنْتَ؟ قَالَ: لَقَدْ أَكَلْتُ فِي عُرْسِ أُمِّكَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَبُوكَ، فَقَالَ: لَقَدْ كَانَتْ تَسْتَكْرِمُ الأَزْوَاجَ، فَفِي عُرْسِ أَيِّ أَزْوَاجِهَا أَكَلْتَ؟ قَالَ: فِي عُرْسِ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: ذَاكَ سَيِّدُ قَوْمِهِ. ثُمَّ قَالَ: إِيَّاكَ وَالسُّلْطَانَ فَإِنَّهُ يَغْضَبُ غَضَبَ الصِّبْيَانَ وَيَصُولُ صَوْلَةَ الأَسَدِ.
195- أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ الْعَجْلانِيِّ عَن سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: دَخَلَ قَوْمٌ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، قُرَيْشٌ لَكُمْ خَيْرٌ مِنْكُمْ لَهَا، فَإِنْ يَكُ ذَلِكَ لِقَتْلَى أُحُدٍ فَقَدْ نِلْتُمْ يَوْمَ بَدْرٍ مِثْلَهُمْ، وَإِنْ يَكُنْ لِلأَثَرَةِ «1» فو الله مَا تَرَكْتُمْ لَنَا إِلَى صِلَتِكُمْ سَبِيلا، لَقَدْ خَذَلْتُمْ عُثْمَانَ يَوْمَ الدَّارِ وَقَتَلْتُمْ أَنْصَارَهُ يَوْمَ الْجَمَلِ وَصَلَّيْتُمْ بِالأَمْرِ يَوْمَ صِفِّينَ، فَتَكَلَّمَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ «2» فَقَالَ: أَمَّا مَا قُلْتَ مِنْ أَنَّ قُرَيْشًا خَيْرٌ لَنَا مِنَّا لَهُمْ فَإِنْ يَفْعَلُوا فَقَدْ أَسْكَنَّاهُمُ الدَّارَ وَقَاسَمْنَاهُمُ الأَمْوَالَ وَبَذَلْنَا لَهُمُ الدِّمَاءَ وَدَفَعْنَا عَنْهُمُ الأَعْدَاءَ، وَأَنْتَ زَعَمْتَ سَيِّدَ قُرَيْشٍ فَهَلْ لَنَا عِنْدَكَ جَزَاءٌ؟ وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنْ يَكُنْ ذَلِكَ لِقَتْلَى أُحُدٍ فَإِنَّ قَتِيلَنَا شَهِيدٌ وَحَيُّنَا ثَائِرٌ «3» ، وَأَمَّا ذِكْرُكَ الأَثَرَةَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِالصَّبْرِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا خُذْلانُ عُثْمَانَ فَإِنَّ الأَمْرَ فِي عُثْمَانَ كَانَ الأَجْفَلَى «4» ، وَأَمَّا قَتْلُ أَنْصَارِهِ يَوْمَ الْجَمَلِ فَمَا لا نَعْتَذِرُ مِنْهُ وَبِوُدِّكَ أَنَّ الْجَمِيعَ اصْطَلَمُوا، وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنَّا صَلَّيْنَا بِالأَمْرِ يَوْمَ صِفِّينَ فَإِنَّا كُنَّا مَعَ رَجُلٍ لَمْ نَأْلُهُ خَيْرًا «5» ، ثُمَّ قَامُوا فَخَرَجُوا، فقال معاوية: لله درّهم فو الله مَا فَرَغَ كَلامُهُ حَتَّى ضَاقَ الْمَجْلِسُ عَلَيَّ وَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ يُجِيبُهُ، ثُمَّ تَرَضَّاهُمْ وَوَصَلهم.
196- الْمَدَائِنِيّ عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ الْعَجْلانِيِّ عَن سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ قَالَ: دَخَلَ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الأَنْصَارِيُّ مَعَ رَهْطٍ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى مُعَاوِيَةَ
__________
195- البصائر 3: 168 وقارن بالفقرة التالية.
196- العقد 4: 34 والمروج 5: 46 والبصائر 3: 169، وسير الذهبي 3: 73
__________
(1) التوحيدي: للامرة.
(2) التوحيدي: فتكلم رجل منهم.
(3) انظر ما تقدم، رقم: 130
(4) التوحيدي: كان الى قتلته.
(5) التوحيدي: خبرا.(5/56)
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا مَعْشَر الأَنْصَارِ بِمَاذَا تَطْلُبُونَ مَا قِبَلِي؟ وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُمْ قَلِيلا مَعِي كَثِيرًا عَلَيَّ «1» ، وَلَقَدْ فَلَلْتُمْ حَدِّي يَوْمَ صِفِّينَ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَنَايَا تَلَظَّى فِي أَسِنَّتِكُمْ، وَهَجَوْتُمُونِي بِأَشَدَّ مِنْ وَخْزِ الأَشَافِي، حَتَّى إِذَا أَقَامَ اللَّهُ مَا حَاوَلْتُمْ مَيْلَهُ قُلْتُمُ ارْعَ فِينَا وَصِيَّةُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ يَأْبَى الْحَقِينُ الْعُذْرَةَ «2» ، فَقَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ: إِنَّا نَطْلُبُ مَا عِنْدَكَ بِالإِسْلامِ الْكَافِي بِهِ اللَّهُ فَقْدَ مَا سِوَاهُ لا بما تمتّ به إِلَيْكَ الأَحْزَابُ، وَأَمَّا عَدَاوَتُنَا لَكَ فَلَوْ شِئْتَ كَفَفْتَهَا عَنْكَ، وَأَمَّا هِجَاؤُنَا إِيَّاكَ فَقَوْلٌ يَزُولُ بَاطِلُهُ وَيَثْبُتُ حَقُّهُ، وَأَمَّا اسْتِقَامَةُ الأَمْرِ لَكَ فَعَلَى كُرْهٍ كَانَ مِنَّا، وَأَمَّا فَلُّنَا حَدَّكَ يَوْمَ صِفِّينَ فَإِنَّا «3» كُنَّا مَعَ رَجُلٍ نَرَى طَاعَتَهُ للَّهِ طَاعَةً، وَأَمَّا وَصِيَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَا فَإِنَّ مَنْ آمَنَ بِهِ رَعَاهَا بَعْدَهُ، وَأَمَّا قَوْلُكَ يَأْبَى الْحَقِينُ الْعُذْرَةَ فَلَيْسَ دُونَ اللَّهِ يَدٌ تَحْجِزُكَ، فَشَأْنُكَ يَا مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: سَوْءَةٌ (714) ارْفَعُوا حَوَائِجَكُمْ، فَرَفَعُوهَا فَقَضَاهَا.
197- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة بْن محارب قال: هجا عقيبة الأسدي أبا بردة بْن أبي موسى فَقَالَ:
أنت امرؤ فِي الأشعرين مقابل ... وبالبيت والبطحاء أنت غريب
وما كنت من حداث أمك بالضحى ... ولا من يزكيها «4» بظهر مغيب
فشخص أَبُو بردة إلى مُعَاوِيَة فشكا عقيبة، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لم يهجك، قَالَ أنت بالبطحاء غريب وقد صدق، وجعلك مقابلًا فِي قومك وأنه لم يكن من حداث أمك، وقد قَالَ لي أشد مما قَالَ لك:
أكلتم «5» أرضنا فجردتموها «6» ... فهل من قائم أو من حصيد
__________
197- ابن عساكر 7: 174 وانظر العقد 1: 52، 5: 390- 391 والخزانة 1: 343 ووكيع 2: 409 وما يلي رقم: 310 والبيتان 3 و 4 في العقد 3: 171، 4: 33 والشعر والشعراء: 32، 33 وشرح شواهد المغني: 294 (ط 1322) والسمط: 149 والبيت 3 في الرماني: 90 (رقم 76) والشنتمري على سيبويه 1: 34 وقد سمّي الشاعر عقبة الأزدي أو عتبة أو عقيبة في بعض المصادر.
__________
(1) العقد: كثيرا مع عليّ.
(2) يأبى الحقين العذرة: انظر في هذا المثل الميداني 1: 37 ولسان العرب (حقن) والمستقصى رقم: 92
(3) ط م س: وأما استقامة الناس فانا كنا ... إلخ.
(4) ابن عساكر: وما كنت زوارا لأمك في الضحى، ولا بمزكيها.
(5) وكيع: أخذتم.
(6) العقد: فجذذتموها.(5/57)
فهبها «1» أمة هلكت «2» ضياعا ... يزيد يسوسها «3» وأبو يزيد
فهلم ندعو اللَّه عليه.
198- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ عَنْ مُسَافِعِ بْنِ شَيْبَةَ قَالَ: حَجَّ مُعَاوِيَةُ فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الرَّدْمِ «4» ، أَخَذَ الْحُسَيْنُ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ فَأَنَاخَ بِهِ رَاحِلَتَهُ، ثُمَّ سَارَّهُ طَوِيلا ثُمَّ انْصَرَفَ، وَزَجَرَ مُعَاوِيَةُ رَاحِلَتَهُ وَسَارَ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: يُنِيخُ بِكَ الْحُسَيْنُ وَتَكُفُّ عَنْهُ وَهُوَ ابن (علي بن) أَبِي طَالِبٍ وَتُسْرِعُهُ عَلَى مَا تَعْلَمُ، فَقَالَ معاوية: دعني من عليّ فو الله مَا فَارَقَنِي حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يَقْتُلَنِي، وَلَوْ قَتَلَنِي مَا أَفْلَحْتُمْ، وَإِنَّ لَكُمْ مِنْ بَنِي هاشم ليوما عصيبا.
199- حَدَّثَنِي الْحِرْمَازِيُّ عَنْ جَهْمِ «5» بْنِ حَسَّانَ قَالَ: أَخْبَرَتْ رَمْلَةُ بِنْتُ مُعَاوِيَةَ امْرَأَةُ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ أَبَاهَا بِقَوْلٍ قَالَهُ مَرْوَانُ لِزَوْجِهَا فَكَتَبَ إِلَيْهِ: يَا مَرْوَانُ سَمِعْتُ رَسُولَ [اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «6» : إِذَا بَلَغَ وَلَدُ الْحَكَمِ ثَلاثِينَ رَجُلا اتَّخَذُوا مَالَ اللَّهِ دُولا وَدِينَ اللَّهِ دَخَلا وَعِبَادَ اللَّهِ خَوَلا، فَكَتَبَ] إِلَيْهِ مَرْوَانُ: فَإِنِّي أَبُو عَشْرَةٍ وَأَخُو عَشْرَةٍ وَعَمُّ عَشْرَة وَالسَّلامُ.
200- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: دَعَا مُعَاوِيَةُ بِجَارِيَةٍ لَهُ خُرَاسَانِيَّةٍ فَخَلا بِهَا، وَعَرَضَتْ لَهُ وَصِيفَةٌ مُوَلَّدَةٌ فَتَرَكَ الْخُرَاسَانِيَّةَ وَخَلا بِالْوَصِيفَةِ فَنَالَ مِنْهَا وَخَرَجَ، فَقَالَ لِلْخُرَاسَانِيَّةِ: مَا اسْمُ الأَسَدِ بِالْفَارِسِيَّةِ؟ فَقَالَتْ: كفتار، فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا الْكفتار، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَدْرِي مَا الكفتار؟ قَالَ: نَعَمُ الأَسَدُ، قَالُوا: لا وَلَكِنَّهُ الضَّبُعُ الْعَرْجَاءُ، فَقَالَ: مَا لَهَا للَّهِ دَرُّهَا مَا أَسْرَعَ مَا أدركت بثأرها.
__________
198- انظر سير الذهبي 3: 198 199- انظر ما يلي رقم: 342 وابن حنبل 3: 80 والمستدرك 4: 479 وشرح النهج 2: 56 واللسان (دخل) والكنز 11: 148- 149، 349- 354 وتاريخ الاسلام 3: 73 وسير الذهبي 3: 315 وانظر ما تقدم رقم: 165 والأغاني 12: 74 وصبح الأعشى 1: 441 200- ربيع الأبرار: 420/ أوالحيوان 6: 452
__________
(1) اكثر المصادر: فهبنا.
(2) وكيع: ذهبت.
(3) السمط ووكيع: أميرها.
(4) الردم: بجوار مكة (ياقوت 2: 773) .
(5) ط س: جهيم.
(6) في هذا القول روايات مختلفة في المصادر.(5/58)
201- العمرى عَنِ الْهَيْثَم عَنْ عوانة قَالَ، قَالَ عبد الرحمن بْن حسان:
ألا أبلغ مُعَاوِيَة بْن حرب ... فقد أبلغتم الحنق الصدورا
تقون بنا نفوسكم المنايا ... عست بكم الدوائر أن تدورا
بحرب لا يرى القرشي «1» فيها ... ولا الثقفي إلا مستجيرا
فبلغ مُعَاوِيَة الشعر فَقَالَ: لئن استجار القرشي إنه لأسوأ الحالات «2» .
202- الْمَدَائِنِيّ عَنْ عَامِرِ بْنِ الأَسْوَدِ قَالَ: وَفَدَ الزَّعْلُ بْنُ مَنَّانٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ:
لَقَدْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَاكَ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ، فَقَالَ معاوية: أوتنعى إِلَيَّ نَفْسِي، بِكَ الْوَجْبَةُ، وَضَحِكَ.
203- حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عن مَرْوَانِ بْنِ جَنَاحٍ قَالَ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَذَكَرَ مُعَاوِيَةُ وَهُوَ بِمِصْرَ: إِنَّ إِمَامَكُمْ لَمِمَّنْ سَهَّلَ اللَّهُ خَلِيقَتَهُ، وَقَوَّمَ طَرِيقَتَهُ، وَأَحْسَنَ صيغته، فمن كانت النعمة تبطره إنّها لتذلّله وَتُوَقِّرُهُ.
204- وَحَدَّثَنِي هِشَامٌ عَنْ صَدَقَةَ الْقُرَشِيِّ قَالَ: قَالَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: يَا أَمِيرَ (715) الْمُؤْمِنِينَ مَا أَدْرِي أَتَخْدَعُ النَّاسَ أَمْ يَتَخَادَعُونَ لَكَ، فَقَالَ: مَنْ تَخَادَعَ لَكَ لِيَخْدَعَكَ فَقَدْ خَدَعْتَهُ.
205- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَوَانَةَ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عَيْنٍ خَرَّارَةٍ فِي أَرْضٍ خَوَّارَةٍ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: مَا شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُبَيِّتَ عَرُوسًا بِعَقِيلَةٍ مِنْ عَقَائِلِ الْعَرَبِ، فَقَالَ وَرْدَانُ مَوْلَى عَمْرٍو: مَا شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الإِفْضَالِ عَلَى الإِخْوَانِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَنَا أَوْلَى بِهَذَا منك، قال: قد ملكت فافعل.
__________
202- انظر رقم: 242 في ما يلي.
203- انظر الموفقيات: 153 204- المجتنى: 42 ومحاضرات الراغب 1: 10 والكامل 2: 110 205- الطبري 2: 212 والكامل 1: 135 والمحاسن والمساوئ: 294 والمعمرين: 41 والمصون: 208 وشرح النهج 4: 354
__________
(1) خ بهامش ط س: الأموي.
(2) ط س: لحالاته.(5/59)
206- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ «1» عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ وَهُوَ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ: مَا بَقِيَ مِنْ لَذَّتِي إِلا الْحَدِيثُ وَأَنْ يَأْتِينِي مِنْ ضَيْعَتِي مَا أُحِبُّ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنَا وَاللَّهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ وَرْدَانُ: مَا بَقِيَ فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حَدِيثٍ حَسَنٍ أَسْمَعُهُ، أَوْ أَنْ يَأْتِيَنِي رجل في حاجة قد عيّ بِهَا وَضَاقَ ذَرْعُهُ فَأُفَرِّجَ كُرْبَتَهُ وَأَقْضِي حَاجَتَهُ، فَأَنَالُ بِذَلِكَ ذِكْرًا فِي الدُّنْيَا وَأَجْرًا فِي الآخِرَةِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَيْنَ كُنَّا عَنْ هَذِهِ يا عمرو؟ قال وردان: أنما وَاللَّهِ أَقْدَرُ عَلَى ذَلِكَ مِنِّي.
207- حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَنِ الْهَيْثَمِ عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ عَنْ (أَبِي الْهَيْثَمِ) «2» الرَّحْبِيِّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِيَزِيدَ: مَا أَلْقَى اللَّهُ بِشَيْءٍ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنَ اسْتِخْلافِكَ.
208- حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ الْقَوَارِيرِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا مِجْلَزٍ «3» عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ قَالَ: إِنَّمَا بِيعَتْ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ، قُلْتُ:
فَأَكْتُبُهَا؟ قَالَ: اسْتَعْمِلْ يَدَكَ بِمَا شِئْتَ.
209- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ وَغَيْرِهِ قَالُوا: كَتَبَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى مُعَاوِيَةَ يَسْأَلُهُ أَنْ يُوَلِّيَ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَهُ مِصْرَ بَعْدَهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَرَادَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَنْ يكت فهدر «4» .
210- وروي عَنْ عمرو بْن العاص أنه قَالَ: ما رأيت مُعَاوِيَة قط متكئًا واضعًا إحدى رجليه على الأخرى كاسرًا عينه يَقُول لمن يكلمه إيه «5» إلا رحمت الذي يكلمه.
211- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة قَالَ، قَالَ عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان: ما رأيت مثل ابن
__________
206- ياقوت 3: 195 وعيون الأخبار 3: 181 والبصائر 3: 456 والمروج 5: 58 ومحاضرات الراغب 1: 282 وربيع الأبرار: 335/ أ.
209- الطبري 2: 212.
210- الطبري 2: 212 والبيان 2: 302، وانظر عيون الاخبار 2: 171 وأمالي القالي 2: 121 (حيث يقول معاوية ذلك في عمر) وشرح النهج 4: 74 وحماسة الخالديين 1: 71 (وفي العيون وشرح النهج يقال ذلك في زياد) .
__________
(1) ط م س: عبد الحكيم.
(2) زيادة موضحة، انظر ما تقدم رقم: 194
(3) هو لاحق بن حميد.
(4) م: يكتب فهذر، ويكتّ: يلقي السرّ في أذن رفيقه.
(5) البيان: يا هناه.(5/60)
هِنْد فِي حلمه وكرمه، وما رحمت أحدًا قط رحمتي لرجل رأيت ابن هِنْد قد اجتنح «1» على يده اليسرى ثم قَالَ: يا هذا قل.
212- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: اشترى مُعَاوِيَة من حُوَيْطِب بْن عبد العُزّى داره بخمسة وأربعين ألف دينار «2» ، فهنّأه قوم فَقَالَ: وما خمسة وأربعون ألف دينار بالحجاز «3» مع سبعة من العيال.
213- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لرجل من قريش: ما المروة؟ قَالَ: إطعام الطعام وضرب الهام، ثم قَالَ لرجل من ثقيف: ما المروة؟ فَقَالَ: تقوى اللَّه وإصلاح المال، فبلغ ذلك عمرو بْن العاص فَقَالَ: أما قول القرشي فهو الفتوة، وأما الثقفي فأصاب «4» فِي قوله تقوى اللَّه ولم يصنع بعد ذلك شيئًا، ولكنّ المروّة أن تعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك «5» وتسلط الحقوق على مالك.
214- وقال مُعَاوِيَة لصعصعة بْن صوحان: ما المروة؟ قَالَ: الصبر على النوائب والصمت حتى يحتاج إلى الكلام.
215- وزعموا أنّ معاوية قال للحسن «6» بْن علي: ما المروة؟ فَقَالَ: فقه الرجل فِي دينه وإصلاحه معاشه وحسن مخالقته للناس، قَالَ: فما النجدة؟ قَالَ: الذب عَنِ الجار والإقدام على الكريهة، قَالَ: فما الجود؟ قَالَ: التبرّع بالإفضال والإعطاء قبل السؤال والإطعام عند الإمحال، فقال معاوية: أشهد بالله لقد صدقت.
__________
212- البخلاء: 137 والمعارف: 312 والاستيعاب: 399 ومشاكلة الناس لزمانهم: 17 وتاريخ الاسلام 2: 278 وسير الذهبي 3: 32 وابن عساكر 5: 15 213- محاضرات الراغب 1: 145 وأدب الدنيا والدين: 213 وانظر ما تقدم رقم: 87 214- فاضل الوشاء: 31 وابن عساكر 6: 426 وانظر محاضرات الراغب 1: 31 215- اليعقوبي 2: 268 وانظر المروج 5: 32 والعقد 1: 239 وما تقدم رقم: 87 وألف باء 1: 157 ووكيع 2: 64.
__________
(1) ط م: احتبج، س: احتيج.
(2) في المصادر ما عدا البخلاء: بأربعين ألفا.
(3) س: بالحجار، وسقطت اللفظة من م.
(4) المحاضرات: وقد أجاد الثقفي ولم يصب.
(5) انظر رسائل ابن أبي الدنيا: 17، 18 وزوائد ابن حجر 8: 188
(6) ط: للحسين.(5/61)
216- المدائني (716) عن أَبِي الْيَقْظَانِ وَغَيْرِهِ قَالُوا: وَفَدَ إِلَى مُعَاوِيَةَ الأَحْنَفُ وَجَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ وَالْحَتَّاتُ بْنُ يَزِيدَ الْمُجَاشِعِيُّ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِجَارِيَةَ: أَأَنْتَ السَّاعِي مَعَ عَلِيٍّ وَالْمُوقِدُ النَّارَ فِي نُصْرَتِهِ؟ فَقَالَ جَارِيَةُ: يا معاوية دع عنك عليا وذكره، فو الله مَا أَبْغَضْنَاهُ مُذْ أَحْبَبْنَاهُ، وَلا غَشَشْنَاهُ مُذْ نَصَحْنَاهُ، قَالَ: وَيْحَكَ يَا جَارِيَةُ مَا كَانَ أَهْوَنَكَ عَلَى أَهْلِكَ إِذْ سَمَّوْكَ جَارِيَةَ، فَقَالَ: أَنْتَ كُنْتَ أَهْوَنَ عَلَى أَهْلِكَ إِذْ سَمَّوْكَ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: اسْكُتْ لا أُمَّ لَكَ، قَالَ: أُمٌّ لَمْ تَلِدْنِي، إِنَّ قَوَائِمَ السُّيُوفِ الَّتِي لَقِينَاكَ بِهَا «1» بِصِفِّينَ لَفِي أَيْدِينَا، قَالَ: إِنَّكَ لَتُوعِدُنِي، قَالَ: إِنَّكَ لَمْ تَمْلِكْنَا قَسْرًا وَلَمْ تَفْتَحْنَا عُنْوَةً وَلَكِنَّا أَعْطَيْنَا «2» عُهُودًا وَمَوَاثِيقَ، فَإِنْ وَفَّيْتَ لَنَا وَفَّيْنَا، وَإِنْ نَزَعْتَ «3» إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ تَرَكْنَا وَرَاءَنَا رِجَالا أَنْجَادًا وَأَذْرُعًا شِدَادًا وَأَسِنَّةً «4» حِدَادًا، فَإِنْ بَسَطْتَ لَنَا فَتْرًا مِنْ غَدْرٍ دَلَفْنَا إِلَيْكَ بِبَاعٍ مِنْ خَتْرٍ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: اسْكُتْ فَلا أَكْثَرَ اللَّهُ فِي النَّاسِ أَمْثَالَكَ، فَقَالَ: قُلْ مَعْرُوفًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ بَلَوْنَا قُرَيْشًا فَوَجَدْنَاكَ اليوم أوراها زندا وأكثرها زبدا وأحسنها رفدا، فارعنا رويدا فإنّ شرّ الرّعاء الْحُطَمَةُ.
217- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِرَجُلٍ مِنْ سَبَإٍ: مَا كَانَ أَجْهَلَ قَوْمِكَ حِينَ مَلَّكُوا عَلَيْهِمُ امْرَأَةً ثُمَّ قَالُوا (رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا) (سبأ: 19) فَقَالَ: قَوْمُكَ أَجْهَلُ مِنْ قَوْمِي حِينَ قَالُوا وَرَسُولُ اللَّهِ يَدْعُوهُمْ (إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (الأنفال: 32) .
218- الْمَدَائِنِيُّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ يَوْمًا لِلْحُسَيْنِ: يَا حُسَيْنُ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: يَا
__________
216- المستطرف 1: 84 وسرح العيون: 109 وتاريخ الاسلام 3: 132 ونهاية الأرب 7: 237 وسراج الملوك:
51 وانظر أيضا بعضه في ما يلي رقم: 316، 337 وفي المثل «شر الرعاء الحطمة» انظر قنسنك (حطمة) وأساس البلاغة (حطم) والمستقصى 2 رقم: 442 وتاريخ الاسلام 3: 44، 45 وسير الذهبي 3: 357 وزوائد ابن حجر 5: 212 217- بهجة المجالس 1: 102 والعقد 4: 27 والمستطرف 1: 84 والاكليل 2: 228 وابن حنبل 5: 43
__________
(1) بها: سقطت من س.
(2) العقد: ولكن أعطينا.
(3) العقد: فزعت.
(4) العقد: وألسنة.(5/62)
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِيَّاكَ يَعْنِي، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يا ابن الزُّبَيْرِ أَتُرِيدُ أَنْ تُغْرِيَهُ بِي إِذْ سَمَّيْتُهُ وَكَنَّيْتُهُ؟! أَمَا وَاللَّهِ مَا أُوِلَع شَيْخُ قَوْمٍ قَطُّ بِالرِّتَاجِ وَالْبَابِ إِلا مَاتَ بَيْنَهُمَا.
219- حَدَّثَنِي عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شُعْبَةَ قَالَ: أَرَادَ مُعَاوِيَةُ أَنْ يَدَّعِي جُنَادَةَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ الأَزْدِيَّ «1» ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: [سَمِعْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لا يَرِيحُ رِيحَ الْجَنَّةِ مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ،] فَقَالَ جُنَادَةُ: أَنَا سَهْمُكَ فِي كِنَانَتِكَ، فَأَمَّا الدَّعْوَةُ فَلا.
220- حَدَّثَنَا الْعُمَرِيُّ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ حدثني ابن زعبان عَنْ أَبِي الْمُخَارِقِ قَالَ: كُنْتُ أَحْمِلُ كُتُبَ كَاتِبِ مُعَاوِيَةَ وَأَدْخُلُ بِهَا مَعَهُ إِلَيْهِ، فَدَخَلْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ مِنِّي مَا يُعْجِبُ الْمَلِكُ مِنْ خَادِمِهِ فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا زِيَادٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُذَيْنَةَ الْحَارِثِيِّ، قَالَ: صَاحِبُنَا بِصِفِّينَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَرْحَمُهُ اللَّهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى كَاتِبِهِ فَقَالَ: عَلَيْكَ أَبَدًا بِصَاحِبِكَ الأَوَّلِ فَإِنَّكَ تَلْقَاهُ عَلَى مَوَدَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ طَالَ الْعَهْدُ وَشَطَّتِ الدَّارُ، وَإِيَّاكَ وَكُلَّ مُسْتَحْدَثٍ فَإِنَّهُ يَسْتَطْرِفُ قَوْمًا وَيَمِيلُ مَعَ كُلِّ رِيحٍ.
221- أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ مِنْ دِمَشْقَ هَارِبًا مِنَ الطَّاعُونِ، فَلَمَّا كَفَّ الطَّاعُونُ رَجَعَ إِلَيْهَا، فَبَيْنَا هُوَ يَسِيرُ وَقَدْ قَرُبَ مِنَ الْغُوطَةِ وَقَيْسُ بْنُ ثَوْرٍ الْكِنْدِيُّ وابن زمل السّكسكي يسايرانه أَقْبَلَ هَمَّامُ بْنُ قَبِيصَةَ النُّمَيْرِيُّ فَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَبَيْنَهُمَا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَلا أُخْبِرُكُمْ عَنْ صَدْرِنَا، قَالُوا بَلَى، قَالَ:
إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ فَضْلُهُ لا يُوصَفُ وَلا يُبْلَغُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ثُمَّ وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يُرِدِ الدُّنْيَا وَلَمْ تُرِدْهُ ثُمَّ وَلِيَ عُمَرُ فَأَرَادَتْهُ الدُّنْيَا وَلَمْ يُرِدْهَا ثُمَّ وَلِيَ عُثْمَانُ فَأَرَادَتْهُ الدُّنْيَا وَأَرَادَهَا حَتَّى قُتِلَ، ثم صار الأمر إليّ فو الله (717) مَا بَلَغَ مِنْ حُسْنِ عَمَلِي مَا يَكُونُ مثل سيّئ
__________
219- قارن بابن عساكر 7: 409 وفي الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو انظر ابن حنبل 2: 194 والكنز 7 رقم: 731، 737، 741 وكذلك راجع ابن كثير 8: 28 ومختصر تهذيب الألفاظ: 297 220- بعضه في محاضرات الراغب 2: 10 وروض الأخيار: 126 وانظر ابن عساكر 7: 154 221- بعضه في ابن كثير 7: 134 وبهجة المجالس 1: 345 وانظر ما تقدم رقم: 168 وما يتلو رقم: 329
__________
(1) بهامش ط: الأرحبي، وفي ترجمة جنادة انظر التهذيب 2: 115(5/63)
عُثْمَانَ الَّذِي قُتِلَ عَلَيْهِ. ثُمَّ بَكَى، فَقَالَ هَمَّامُ بْنُ قَبِيصَةَ: مَا بُكَاؤُكَ مِنْ أَمْرٍ أَنْتَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ لا تُنْزَعُ عَنْهُ؟! فَلَمْ يُكَلِّمُهُ مُعَاوِيَةُ وَمَضَى حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى الْغُوطَةِ فَقَالَ: أَيُّ بُسْتَانِ رَجُلٍ، فَقَالَ هَمَّامٌ: يَا مُعَاوِيَةُ مَلَكْتَ الشَّرْقَ وَالْغَرْبَ فَلَمْ تَكْتَفِ بِذَلِكَ حَتَّى أَرَدْتَ أَنْ تَأْخُذَ أَمْوَالَنَا، لا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَكَ. فَضَحِكَ مُعَاوِيَةُ ثُمَّ حَرَّكَ دَابَّتَهُ فَقَالَ: حَتَّى نُمَيْرٍ تَحَاقَّنِي «1» فِي الْغُوطَةِ.
222- الْمَدَائِنِيّ عَنْ علي بْن سليم قَالَ، قَالَ عبد اللَّه بْن همام السلولي:
فإن تأتوا ببرة «2» أو بهند ... نبايعها أميرة مؤمنينا
وكلّ بنيك نرضاهم جميعًا «3» ... وإن شئتم فعمهم البطينا «4»
إذا ما مات كسرى قام كسرى ... نعد «5» ثلاثة متناسقينا «6»
أيا لهفا لو أن لنا رجالا ... ولكنا نعود «7» كما عنينا
إذا لضربتم حتى تعودوا ... بمكة تلعقون بها السخينا
حشينا «8» الغيظ حتى لو سقينا ... دماء بني أُمَيَّة ما روينا
لقد ضاعت رعيتكم وأنتم ... تصيدون الأرانب غافلينا
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: ما ترك ابن همام شيئًا، عيرنا بالسخينة وذكرنا أمهاتنا وتهددنا وذكر أنّه لو شرب دماءنا ما اشتفى، اللَّهم اكفناه.
223- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لعبد الرحمن (بن
__________
222- الأبيات في الوحشيات: 102 (وفيه بيت زائد) ، و 1، 3- 7 في المروج 5: 71، و 1، 3، 6 في البدء والتاريخ 6: 8 والبيتان 1، 6 في ابن كثير 8: 328، 329 وتاريخ الاسلام 3: 186 والبيت 5 في البخلاء:
214 والبيت: 6 سيرد في ما يلي رقم: 786 والبيت 7 في المعاني الكبير: 210 223- العقد: 469 والأغاني 13: 261 وانظر الشعر والشعراء: 189 وعيون الأخبار 2: 198 ومحاضرات الراغب 2: 78 وأبو عبيدة: 162، والبيت الأول في اللسان 8: 161، 16: 92 وجمهرة ابن دريد 1: 52 وحماسة البحتري: 54 وعيون الاخبار 1: 163 وأبو عبيدة: 135 وحماسة ابن الشجري: 34 وشرح النهج 4: 89 والاشتقاق: 294 والحماسة البصرية 1: 15 والتنبيه لحمزة: 162 ومعاهد التنصيص 4: 209- 210
__________
(1) م: يخافني.
(2) بعض المصادر: برملة.
(3) الوحشيات: وكل الناس نحن مبايعوهم.
(4) الوحشيات: فعمكم السمينا.
(5) ط م س: يعد.
(6) الوحشيات: متتابعينا.
(7) الوحشيات: ولكن لن نعود.
(8) بعض المصادر: شربنا.(5/64)
الْحَكَمِ) بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَخِي مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ يَا أَبَا مُطَرِّفٍ أَلا أَعْرِضُ عَلَيْكَ خَيْلا؟ قَالَ: بَلَى، فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَفْرَاسًا فَقَالَ: هَذَا سَابِحٌ وَهَذَا أَجَشُّ وَهَذَا هَزِيمٌ، فَقَالَ معاوية: إنّ صاحبها لا يشبّب بكنّاته «1» وَلا يَتَّهِمُ بِرِيبَةٍ، أَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَوْلَ النَّجَاشِيِّ لِمُعَاوِيَةَ:
وَنَجَّى ابْنَ حَرْبٍ سَابِحٌ ذُو عِلالَةٍ ... أَجَشُّ هَزِيمٌ وَالرِّمَاحُ دَوَانِ
فَعَيَّرَهُ بِالْفِرَارِ يَوْمَ صِفِّينَ، وَأَرادَ مُعَاوِيَةُ تَشْبِيبَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِامْرَأَتَيْ أَخِيهِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أُمِّ أَبَانَ بِنْتِ عُثْمَانَ «2» وَقَطِيَّةَ بِنْتِ بِشْرِ بْنِ عَامِرِ مُلاعِبِ الأَسِنَّةِ:
قَطِيَّةُ كَالدِّينَارِ أُحْسِنَ نَقْشُهُ ... وَأُمُّ أَبَانٍ كَالشَّرَابِ الْمُبَرَّدِ
224- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ عَنْ حَرْبِ بْنِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: أَرَادَ مُعَاوِيَةُ عَزْلَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ عَنِ الْمَدِينَةِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مَرْوَانَ فَقَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَقَالَ: لا آذَنُ لَهُ إِلا مَعَ جَمَاعَةِ النَّاسِ، فَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ!! وَتَهَدَّدَهُ، فَبَلَغَ مُعَاوِيَةَ قَوْلُهُ فَأَذِنَ لَهُ وَتَعَوَّذَ مِنْ شَرِّهِ، فَدَخَلَ فَقَالَ: يَا أمير المؤمنين علام تعزلني؟ فو الله لَقَدْ أَمَّرْنَاكَ فَمَا عَزَلْنَاكَ، وَوَصْلَنَاكَ فَمَا قَطَعْنَاكَ، وَلا حَرْمَنَاكَ مُذْ أَعْطَيْنَاكَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:
أَعْزِلُكَ لِثَلاثٍ لَوْ لَمْ تَكُنْ إِلا وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لَوَجَبَ أَنْ تُقْتَلَعَ اقْتِلاعَ الصَّمْغَةِ، قَالَ: وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: أَتَيْتَنِي وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ فِي يَدِي وَقَدْ أَقَرَّ لِي بِأَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَانْتَزَعْتَهُ مِنِّي، وَاسْتَصْرَخَتْكَ ابْنَتِي عَلَى زَوْجِهَا فَلَمْ تُصْرِخْهَا، وَرَأَيْتُ أَنَّكَ قَدْ ذَهَبْتَ فِي السَّمَاءِ عَالِيًا فَأَرَدْتُ أَنْ أَضَعَ مِنْكَ، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّا ابْنُ عَامِرٍ فَقَرَابَتُهُ مِنِّي وَمِنْكَ سَوَاءٌ، فَلَسْتُ بِأَحَقَّ بِهِ مِنْكَ، فَإِنْ تَطِبْ نَفْسُكَ بِمَا عَلَيْهِ وَإِلا فَإِنِّي ضَامِنٌ لَكَ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَأَمَّا ابْنَتُكَ فَإِنَّ أُخْتَ زَوْجِهَا عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عِنْدِي، وَأَنَا أُغَيِّرُهَا وَأُمْضِهَا فَلَمْ أَكُنْ لأَنْهَى عَمْرًا عَنْ شَيْءٍ أَصْنَعُ مِثْلَهُ بِأُخْتِهِ، وَأَمَّا ذَهَابِي فِي السَّمَاءِ فَأَنَا ابْنُ عَمِّكَ وَشَرَفِي شَرَفُكَ وَزَيْنِي زَيْنُكَ، قَالَ:
صَدَقْتَ أَبَا عَبْدِ الْمَلِكِ، فَارْجِعْ إِلَى عَمَلِكَ وَأَزِرْنِي رَمْلَةَ ابْنَتِي «3» . (718) فَرَجَعَ مروان إلى
__________
224- الأغاني 13: 261- 262 ومعاهد التنصيص 4: 210 وبعضه في أمالي القالي 1: 222 والمصعب:
109 والسمط: 512- 513 وبلاغات النساء: 153
__________
(1) س: بكنات.
(2) ابنتي: سقطت من م.
(3) ابنتي: سقطت من م.(5/65)
الْمَدِينَةِ وَحَمَلَ رَمْلَةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ كَيْفَ رِضَاكِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ زَوْجِكِ؟
قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا يَزَالُ بَنُو أَبِي الْعَاصِ يَتَكَثَّرُونَ عَلَيْنَا بِعَدَدِهِمْ «1» حَتَّى لَوَدِدْتُ أَنَّ ابْنَيَّ هَذَيْنِ مِنْهُمْ فِي الْبَحْرِ، قَالَ: يَا بُنَيَّةُ إِنَّ هَذَا مِنْكِ كَبِيرٌ، وَلَنَحْنُ كُنَّا أَشْقَى بِمُنَاوَأَةِ الرَّجُلِ مِنْ أَنْ تَكُونِي رَجُلًا.
225- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يمان عَنْ سُفْيَان قَالَ: ذكر الأعمش مُعَاوِيَة فَقَالَ: لقد كان مستصغرًا لعظيم ما يجبه به من القول الغليظ مغتفرًا له إذا قيل له يا أمير المؤمنين.
226- حَدَّثَنِي محمد بن سعد عن الواقدي عن مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا مِنْ عَدُوٍّ إِلا وَأَنَا أَقْدِرُ عَلَى مداراته واستصلاحه، إلّا عدوّ نعمة وحاسدها، فإنّه «2» لا يُرْضِيهِ مِنِّي إِلا زَوَالَ نِعْمَتِي، فَلا أَرْضَاهُ اللَّهُ أَبَدًا.
227- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَائِدٍ وَغَيْرِهِ قَالَ: أَرَادَ مُعَاوِيَةُ ابْتِيَاعَ ضَيْعَةٍ مِنْ بَعْضِ الْيَهُودِ، وَذُكِرَتْ لَهُ، فَبَعَثَ إِلَى صَاحِبِهَا فَأُتِيَ بِهِ، وَهُوَ شَارِبُ نَبِيذٍ، فَلَمَّا رَآهُ مُعَاوِيَةُ طَمِعَ فِي غَبْنِهِ، فَقَالَ لَهُ: بِعْنِي ضَيْعَتَكَ، فَضَحِكَ الْيَهُودِيُّ وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا وَقْتُ بَيْعٍ وَلا شِرَاءٍ، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ غَنَّيْتُكَ صَوْتًا، فَضَحِكَ مُعَاوِيَةُ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اخْزِهِ فَمَا أشَدَّ عُقْدَتَهُ وَأَثْبَتَ عُكْدَتَهُ!! 228- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ قَالَ: سَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرَ مُعَاوِيَةَ حَوَائِجَ فَمَنَعَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ يَا مُعَاوِيَةُ، إِنِّي لَخَلِيقٌ أَنْ أَخْرُجَ فَأَقْعُدَ عَلَى طَرِيقِ الشَّامِ فَلا أَشْتُمُ لَكَ عِرْضًا وَلا أَقْصُبُ لَكَ حَسَبًا، وَلَكِنِّي أَسْدُلُ عِمَامَتِي بَيْنَ يَدَيَّ ذِرَاعًا وَخَلْفِي ذِرَاعًا، وَأَذْكُرُ سِيرَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَيُقَالُ هَذَا ابْنُ حَوَارِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فقال معاوية: كفى بذلك، وقضى حوائجه.
__________
226- عيون الأخبار 2: 10 والعقد 2: 319 وبهجة المجالس 1: 414 ومحاضرات الراغب 1: 123 ولطائف المعارف: 53 وابن كثير 8: 138 227- قارن بالأغاني 3: 124- 125 وابن عساكر 6: 157 228- ابن عساكر 7: 406 وابن كثير 8: 338
__________
(1) م: بعدهم.
(2) فانه: سقطت من ط.(5/66)
229- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: طلب عبد اللَّه بْن الزبير الإذن على مُعَاوِيَة هو «1» وعمرو بْن الزبير، وكانت أم عبد اللَّه بْن الزبير أسماء بنت أبي بَكْر، وأم عمرو بنت خالد بن سعيد ابن العاص، فَقَالَ سَعِيد بْن العاص: يا أمير المؤمنين ايذن لعمرو أولًا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:
دعني من ولادتكم له، فما هما عندي إلا كجنبي شاة لا أبالي أيهما وضع على النار أولًا.
230- حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ عوانة قَالَ: دخل الضحّاك بن قيس الفهريّ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَعِنْدَهُ أَبُو الْجَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ، فَقَالَ أَبُو الْجَهْمِ: يَا أَبَا أَنِيسٍ كَيْفَ تَرَى الدَّهْرَ؟ قَالَ: هُوَ كَمَا قَالَ الأَسَدِيُّ:
أَبَى الْخُلْدَ أَنَّ الدَّهْرَ أَفْنَتْ صُرُوفُهُ ... رِجَالًا كِرَامًا مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ
فَلا تَأْمَنَنَّ الدّهر إنّي رأيته ... تناول كسرى مجذيا «2» في الكتائب
فلم تنجه م الْمَوْتِ حَزْمٌ وَحِيلَةٌ ... وَقَدْ كَانَ مُحْتَالا كَثِيرَ التَّجَارِبِ
فَقَالَ أَبُو الْجَهْمِ- وَكَانَ شِرِّيرًا: كَأَنَّكَ أَرَدْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِهَذَا، قَالَ: كِلَيْكُمَا أَرَدْتُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: كُلُّنَا يَجْرِي «3» إِلَى غَايَةٍ وَهُوَ بَالِغُهَا.
231- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ بَكْرِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ قَالَ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ لِمُعَاوِيَةَ: وَاللَّهِ يَا مُعَاوِيَةُ لَوْ لَمْ تَجِدْ إِلا الزَّنْجَ لَتَكَثَّرْتَ بهم علينا قلّة وذلّة، كأننا «4» لَسْنَا بَنِي أَبِيكَ، فَأَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ عَلَى مَرْوَانَ فَقَالَ: أَلا تُغْنِي عَنَّا أخَاكَ هَذَا الْخَلِيعُ!! فَقَالَ مَرْوَانُ: قَدْ عَلِمْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ لا يُطَاقُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَاللَّهِ لَوْلا حِلْمِي لَعَلِمْتَ أَنَّهُ يُطَاقُ.
232- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَمَنَعَهُ الْحَاجِبُ، فَكَسَرَ أَنْفَهُ وَمُعَاوِيَةُ يَنْظُرُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ له: ما حملك
__________
231- شرح النهج 4: 71.
232- محاضرات الراغب 1: 128
__________
(1) هو: سقطت من م.
(2) ط م س: مجدبا.
(3) ط س: نجري.
(4) ط م: كأنا.(5/67)
عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: (719) وَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ وَأَنَا بِالْمَكَانِ الَّذِي أَنَا بِهِ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: وَيْحَكَ، أَلا قُلْتَ وَأَنَا بِالْمَكَانِ الَّذِي أَنَا بِهِ مِنْ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ؟! 233- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الأسود الدؤلي قَالَ:
وَجَّهَ مُعَاوِيَةُ رَوْحَ بْنَ زِنْبَاعٍ الْجُذَامِيَّ إِلَى بَعْضِ الْمُلُوكِ فِي صُلْحٍ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ لِيَكْتُبَ بَيْنَهُمَا كِتَابًا، فَلَمَّا قَدِمَ رَوْحٌ عَلَى الْمَلِكِ تَشَدَّدَ «1» فِي الشَّرْطِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا هَذَا التَّشَدُّدُ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ مِنْ صَعَالِيكِ الْعَرَبِ، وَأَنَّكَ تُرِيدُ الرُّكُوبَ إِلَى صَاحِبِكَ فَتَسْتَعِيرَ الدَّوَابَّ، وَأَنَّكَ لَسْتَ تُبْصِرُ أَمْرَكَ وَلا تَقْصِدُ لِمَا فِيهِ الْحَظُّ لَكَ، فَأَصِبْ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ، فَأَعْطَاهُ عِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَلَيَّنَ لَهُ الشَّرْطَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ نَظَرَ فِي الشَّرْطِ فَقَالَ: وَيْحَكَ مَا عَمِلْتَ إِلا لَهُ عَلَيَّ، وَلَقَدْ خُنْتَنِي وَغَشَشْتَنِي، وَاللَّهِ لأُعَاقِبَنَّكَ عُقَوبَةً أَجْعَلُكَ فِيهَا نَكَالا لِمَنْ بَعْدَكَ، خُذَاهُ، فَقَالَ رَوْحٌ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تُبْدِيَ مِنِّي خَسِيسَةً أَنْتَ رَفَعْتَهَا، أَوْ تَهْدِمَ مِنِّي رُكْنًا أَنْتَ بَنَيْتَهُ، أَوْ تَنْقُضَ لِي مَرِيرَةً «2» أَنْتَ أَبْرَمْتَهَا، وَأَنْ تُشْمِتَ بِي عَدُوًّا أَنْتَ وَقَمْتَهُ وَكَبَتَّهُ، لِيَأْتِ حِلْمُكَ عَلَى جَهْلِي، وَعَفْوُكَ عَلَى ذَنْبِي، وَإِحْسَانُكَ عَلَى إِسَاءَتِي، فَرَقَّ لَهُ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ: خَلُّوهُ:
إِذَا اللَّهُ سَنَّى حلّ عقد «3» تيسّرا «4»
234- المدائني عن علي بن مجاهد عن عبد الأَعْلَى بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أُحِبُّ أَنْ تَصْفَحَ لِي عَنِ الوهط «5» ،
__________
233- عيون الاخبار 1: 102 والجهشياري: 30 وأمالي القالي 2: 255 والبيان 1: 358 وابن عساكر 5: 338 والعقد 2: 156 وزهر الآداب: 571 وأمالي الزجاجي: 7 ومحاضرات الراغب 1: 113 234- قارن بالميداني 2: 91 وانظر ما يلي رقم: 240 وفي رغبة معاوية في الوهط انظر رواية أخرى في بهجة المجالس 1: 320
__________
(1) س: فشدد.
(2) العيون: مرة.
(3) ط: عقد شيء، وبالهامش: حلّ.
(4) انظر اللسان 6: 342، 19: 129 والصحاح 2: 496 وأمالي القالي 1: 235 وتهذيب الألفاظ: 77 والبيان 1: 41 والتاج 10: 185 (سنى) وصدر البيت في التاج: وأعلم علما ليس بالظن أنه.
(5) انظر ياقوت 4: 943 والبكري 4: 1384(5/68)
ضيعتك، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أُحِبُّ أَنْ تَعْرِضَ لِي عَنْهَا، قَالَ: لا، فَأَبَى عَمْرٌو أَنْ يَفْعَلَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَثَلُكَ يَا عَمْرُو كَمَثَلِ ثَوْرٍ فِي رَوْضَةٍ، إِنْ تُرِكَ رَتَعَ، وَإِنْ هُيِّجَ نَطَحَ، فَقَالَ عَمْرٌو: وَمَثَلُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَثَلُ بَعِيرٍ فِي رَوْضَةٍ يُصِيبُ مِنْ أَخْلاطِ الشَّجَرِ فِيهَا، فَرَأَى شَجَرَةً عَلَى صَخْرَةٍ زَلاءَ، فَرَغِبَ عَمَّا هُوَ فِيهِ وَتَعَاطَى «1» الشَّجَرَةَ فَتَكَسَّرَ.
235- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمٍ التَّمِيمِيِّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِقَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: وَاللَّهِ يَا قَيْسُ لَقَدْ كُنْتُ أكره أن تنجلي هذه الغمّة وتنكشف الْهَبْوَةُ وَأَنْتَ حَيٌّ، فَقَالَ قَيْسٌ: وَأَنَا وَاللَّهِ يَا مُعَاوِيَةُ قَدْ كُنْتُ أَكْرَهُ أَنْ تَنْجَلِيَ وَأَنْتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ.
236- الْمَدَائِنِيُّ عَن عَبْد اللَّهِ بْن سَلامٍ عَن عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: تَنَازَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ فَمَالَ معاوية مع مروان، فقال ابن الزبير: يا مُعَاوِيَةُ إِنَّ لَنَا حَقًّا وَحُرْمَةً وَطَاعَةً، مَا أَطَعْتَ اللَّهَ نُطِعْكَ، إِنَّا يَا مُعَاوِيَةُ لا نَدَعُ «2» مَرْوَانَ يَرْكَبُنَا فِي جَمَاهِيرِ قُرَيْشٍ بِمَشَاقِصِهِ، وَيَضْرِبُ صِفَاتِهِمْ بِمَعَاوِلِهِ، وَلَوْلا مَكَانُكَ كَانَ أَخَفَّ عَلَى رِقَابِنَا مِنْ فَرَاشَةٍ، وَأَذَلَّ «3» فِي أَنْفُسِنَا مِنْ خَشَاشَةٍ، وَلَئِنْ مَلَكَ أَعِنَّةَ خَيْلٍ تَنْقَادُ لَهُ لَيَرْكَبَنَّ مِنْكَ طَبَقًا تَخَافُهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنْ يَطْلُبِ الأَمْرَ فَقَدْ يَطْمَعُ فِيهِ مَنْ هُوَ دُونَهُ، وَإِنْ يَتْرُكْهُ يَتْرُكْهُ لِمَنْ هُوَ فَوْقَهُ، وَمَا أَرَاكُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ بِمُنْتَهِينَ حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مَنْ لا يَعْطِفُ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ بِقَرَابَةٍ، وَلا يَذْكُرُكُمْ فِي مُلِمَّةٍ، يَسُومُكُمُ الْخَسْفَ وَيُورِدُكُمُ التَّلَفَ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِذًا وَاللَّهِ يَا مُعَاوِيَةُ نُطْلِقُ عِقَالَ «4» الْحَرْبِ بِكَتَائِبَ تَمُورُ كَرَجْلِ الْجَرَادِ، لَهَا دَوِيٌّ كَدَوِيِّ الرِّيحِ «5» ، تَتَّبِعُ غِطْرِيفًا مِنْ قُرَيْشٍ لَمْ تَكُنْ أُمُّهُ بِرَاعِيَةِ ثُلَّةٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَنَا ابْنُ هِنْدٍ، (720) أَطْلَقْتُ عِقَالَ الْحَرْبِ، وَأَكَلْتُ عَبِيطَ «6» السَّنَامِ، وَشَرِبْتُ عُنْفُوَانَ الْمَكْرَعِ، فَلَيْسَ لِلآكِلِ بَعْدِي إلّا الفلذة، ولا للشارب
__________
235- ابن كثير 8: 99 236- انظر ما يلي رقم: 252 والبيان 2: 90، 92، والفائق 1: 213 وشرح النهج 4: 493 وقوله «أذل من خشاشة» انظره في اللسان (خشش) .
__________
(1) م: وتعلط، ط: وتعاطا.
(2) شرح النهج: لا تدعنّ.
(3) شرح النهج والبيان: وأقلّ.
(4) م: عنان.
(5) في الفائق رواية مختلفة.
(6) البيان وشرح النهج والفائق: ذروة.(5/69)
إِلا الرَّنَقُ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: رُبَّ آكِلِ عَبِيطٍ سَيَغَصُّ، وَشَارِبِ صَفْوٍ سَيَشْرَقُ، وَيُقَالُ قَالَ: رَبُّ آكِلِ عَبِيطٍ سَيُقَدُّ، وَالْقِدَادُ حَرٌّ فِي الصَّدْرِ.
237- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: دَخَلَ مُعَاوِيَةُ الْبَيْتَ الْحَرَامَ وَمَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَكَلَّمَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي حَاجَةٍ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ فَأَبَاهَا مُعَاوِيَةُ، فَأَخَذَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِيَدِهِ فَغَمَزَهَا، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: خَلِّنِي وَيْحَكَ، قَالَ: لا وَاللَّهِ أَوْ تَقْضِيَ حَاجَةَ الْحُسَيْنِ وَإِلا كَسَرْتُهَا، قَالَ: فَإِنِّي أَفْعَلُ، فَخَلَّى يَدَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَكُنْتَ تَرَى أَنَّنِي أَكْسِرُ يَدَكَ؟ قَالَ: وَمَا يُؤَمِّنُنِي ذلك منك؟
238- وحدثني العمري عَنِ الهيثم بْن عدي قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عَيَّاشٍ عَنْ (أَبِي) الْهَيْثَمِ الرَّحْبِيِّ، قَالَ: دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَهُوَ خَالٍ، فَأَخَذَ يَدَهُ فَغَمَزَها غَمْزَةً شَدِيدَةً تَأَوَّهَ لَهَا مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا يُؤَمِّنُكَ أَنْ أَقْتُلَكَ؟ قَالَ: لَسْتَ مِنْ قَتَّالِي الْمُلُوكِ، إِنَّمَا يَصِيدُ كُلُّ طَائِرٍ قَدْرَهُ، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي قَدِ اسْتَجْفَيْتُكَ، قَالَ: وَلِمَ؟
فَسَأَلَهُ حَوَائِجَ فَقَضَاهَا.
239- وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ لَيْلا مُسْتَخْفِيًا، وَبَلَغَ ابْنَ الزُّبَيْرِ خُرُوجُهُ فَلَحِقَهُ وَسَايَرَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: لَوْ شِئْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقَتَلْتُكَ مُذِ اللَّيْلَةِ، قَالَ:
كَلا لَسْتَ مِنْ قَتَّالِي الْمُلُوكِ، إِنَّمَا يَصِيدُ كُلُّ طَائِرٍ قَدْرَهُ.
240- قَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: أراد مُعَاوِيَة أن يأخذ أرضا لعمرو بْن العاص فكتب إليه عمرو بشعر (هجي به) خفاف بْن ندبة:
أبا خراشة إمَّا كنت «1» ذا نفرٍ ... فإنّ قومي لم تأكلهم الضبع «2»
وكل قومك يخشى منك بائقة ... فانظر قليلًا وأبصرها بمن تقع
__________
239- قارن بابن عساكر 7: 407 وابن كثير 8: 338 وشرح النهج 4: 488 240- انظر ما تقدم رقم: 234 حول الوهط، وهذا الشعر للعباس بن مرداس في اكثر المصادر، انظر ديوانه: 128، 86 ففيه البيت الأول والثالث وتخريجهما، وينسب أيضا لغيره.
__________
(1) رواية النحويين: أما أنت.
(2) الضبع: السنة المجدبة.(5/70)
فالسلم تأخذ منها ما رضيت به ... والحرب يكفيك من أنفاسها الجرع
241- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن العجلاني قال، قال معاوية يوما وَهُوَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ: مَنْ يكفيني ابن الزبير، فو الله مَا أَرَدْتُ أَمْرًا إِلا عَانَدَ فِيهِ، وَلا تَكَلَّمْتُ فِي شَيْءٍ إِلا اعْتَرَضَ فِي قَوْلِي، وَهُوَ بَعْدُ غُلامٌ مِنْ غِلْمَانِ قُرَيْشٍ، إِلا أَنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ بِالأَفَنِ وَإِنْ كَانَ حَدِيثَ السِّنِّ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: ضَمَنْتُ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ أُلَيِّنَ عَرِيكَتَهُ، وَأُذْهِبَ نَخْوَتَهُ، وَأُخْرِسَ لِسَانَهُ، وَأَعْدِمَهُ بَيَانَهُ، حَتَّى أَدَعَهُ أَلْيَنَ مِنْ خَمِيرَةِ مَرِيثَةٍ، وَأَذَلَّ مِنْ نَقْدَةٍ «1» ، عَلَى أَنْ تُرْفِدَنِي وَتَقْضِيَ حَوَائِجِي، قَالَ: نَعَمْ، وَجَاءَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَقَدْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ، فَنَكَتَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي الأَرْضِ ثُمَّ قَالَ:
وإنّي لَنَارٌ مَا يُرَامُ اصْطِلاؤُهَا ... لَدَى كُلِّ أَمْرٍ مُعْضِلٍ مُتَفَاقِمِ «2»
فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مُجِيبًا لَهُ:
وَإِنِّي لَبَحْرٌ مَا يُسَامَى عُبَابُهُ ... مَتَى يَلْقَ بَحْرِي حَرَّ نَارِكَ تَخْمَدِ
فَقَالَ عَمْرٌو: مَهْلا يا ابن الزُّبَيْرِ فَإِنَّكَ لا تَزَالُ مُتَجَلْبِبًا جَلابِيبَ التِّيهِ «3» ، مُؤْتَزِرًا بِوَصَائِلِ التَّهَكُّمِ، تَعَاطَى الأَقْوَرَيْنِ «4» وَلَسْتَ مِنْ قُرَيْشٍ فِي لُبَابِ حَسَبِهَا وَلا مُؤْنِقِ جَوْهَرِهَا، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ تجلبي جَلابِيبَ التِّيهِ وَائْتِزَارِي بِوَصَائِلِ التَّهَكُمِّ فَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، لَقَدْ عَرَفَ مَنْ عَرَفَنِي أَنَّ الأُبَّهَةَ لَيْسَتْ مِنْ شَأْنِي، وَإِنَّكَ لأَنْتَ الْمَتُوهُ فِي وَادِي الضَّلالَةِ، (721) الْمُسْتَشْعِرُ جَخَائِفَ «5» الْكِبْرِ، الْلابِسُ لِلسُّبَّةِ، الْمُتَجَرْثِمُ جَرَاثِيمَ الْبَطَالَةِ، السَّاهِي عَنْ كُلِّ مُرُوءَةٍ وَخَيْرٍ، وَايْمُ اللَّهِ لَتَنْتَهِيَنَّ عَنْ تَنَاوُلِكَ القلل الشامخة
__________
241- شرح النهج 4: 493
__________
(1) النقد: صغار الغنم، ويقال «هو أذل من النقد» (اللسان 4: 437) كما يقال: ألين من خميرة ممرثة (الميداني 2: 134) .
(2) م: بنقاقم.
(3) شرح النهج: الفتنة.
(4) تقول: لقيت منه الأقورين أي الدواهي العظام.
(5) م: جحائف.(5/71)
وَالذُّرَى الْبَاسِقَةَ أَوْ لأَرْمِيَنَّكَ بِلِسَانٍ صَارِمٍ مِنْ أَرِيبٍ مُرَاجِمٍ، يَلْدَغُكَ بِحُسْبَانٍ، فَإِنَّكَ ذُو خِدَعٍ وَمَكْرٍ، قَتَّاتٌ عَيَّابٌ مُغْتَابٌ، تُقَلِّبُ لِسَانَكَ فِي قُرَيْشٍ كَتَقْلِيبِ الْمَحَالَةِ، وَوَاللَّهِ لَتَدَعَنَّ وَقِيعَتَكَ فِي الرِّجَالِ أَوْ لأَسِمَنَّكَ بِسِمَةٍ تَدَعُكَ شَنَارًا وَتُكْسِبُكَ عارا، فقال عمرو: كلا يا ابن الزُّبَيْرِ لَقَدْ أَحْكَمَتْنِي التَّجَارِبُ، وَجَرَّسَتْنِي الدُّهُورُ، وَعَرَفْتُ نَظَائِرَ الأُمُورِ، وَحَلَبْتُ الزَّمَانَ أَشْطُرَهُ، وَرَضَعْتُ أَفَاوِيقَهُ، فَأُغِرَق سَهْمِي نَزْعًا، وَلَمْ تُعْرَفْ لِي نَبْوَةٌ فِي شِدَّةٍ، وَلا جَهَالَةٌ عِنْدَ الْحِدَّةِ، وَلَقَدْ ضَرَبْتُ أُمُورَ الْبَاطِلِ بِذَرْبِ «1» الْحَقِّ حَتَّى أَقَمْتُ مَيْلَهَا، وَثَقَفْتُهَا بَعْدَ اعْوِجَاجِهَا.
فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لَقَدْ قَرُبَ غَوْرُكَ، وَضَاقَ صَدْرُكَ، فَانْتَفَخَ سَحْرُكَ، وَالْتَوَى عَلَيْكَ أَمْرُكَ، فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ تَعَاطِي مَا أَتَعَاطَاهُ فَإِنِّي امْرُؤٌ سَمَا بِي إلى ذلك ما لا تصول بِمِثْلِهِ: أَنْفِي حَمِيٌّ، وَحَسَبِي زَكِيٌّ، وَقَلْبِي ذَكِيٌّ، وَأَمْرِي سَدِيدٌ، وَرَأْيِي رَشِيدٌ، وَلَقَدْ قَعَدَ بِكَ عَنْ ذَلِكَ ضَعْفُ جَنَانِكَ، وَصَغِيرُ هِمَّتِكَ، وَأَمَّا ذَمُّكَ نَسَبِي وَحَسَبِي فَقَدْ حَضَرَنِي وَإِيَّاكَ النُّظُرَاءُ الأَكْفَاءُ الْعُلَمَاءُ بِي وَبِكَ، وَأَنْشَدَ «2» :
تَعَالَوْا فَإِنَّ الْعِلْمَ عِنْدَ ذَوِي النُّهَى ... مِنَ النَّاسِ كَالْبَلْقَاءِ بَادٍ حُجُولُهَا
نُنَافِرُكُمْ «3» بِالْحَقِّ حَتَّى تَبَيَّنُوا ... عَلَى أَيِّنَا تُلْقِي الْفُرُوعَ أُصُولُهَا «4»
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَمَنْ حَضَرَ: أَنْصَفَكَ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أَمَا وَاللَّهِ لأَغُصَنَّكَ بِرِيقِكَ، وَلأُلَيِّنَنَّ أَخْدَعَيْكَ، وَلأُقِيمَنَّ صَعْرَ خَدَّيْكَ، وَلأُبَيِّنَنَّ لِلنَّاسِ كَهَامَةَ لِسَانِكَ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَأَنَا فِي نَفْسِي خَيْرٌ أَمْ هُوَ؟ قَالُوا: أنت، قال: أفأبي خير أم أَبُوهُ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ أَبُوكَ حَوَارِيِّ رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ: أَفَأُمِّي خَيْرٌ أَمْ أُمُّهُ؟ قَالُوا: أُمُّكَ وَاللَّهِ أَسْمَاءُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ، قَالَ: أَفَجَدَّتِي خَيْرٌ أَمْ جَدَّتُهُ؟ قَالُوا: جَدَّتُكَ صَفِيَّةُ عَمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَظَفَرَ بِهِ ابن الزبير فأنشد:
__________
(1) م: بدروب.
(2) الشعر للأعشى، ديوانه: 123 (رقم: 23) .
(3) الديوان: نعاطيكم.
(4) الديوان: تؤدي الحقوق فضولها.(5/72)
قَضَتِ الْغَطَارِفُ مِنْ قُرَيْشٍ بَيْنَنَا ... فَاصْبِرْ عَلَى رُغْمٍ لِفَصْلِ قَضَائِهَا «1»
وَإِذَا جَرَيْتَ فَلا تُجَارِ مُهَذَّبًا «2» ... بَذَّ الْجِيَادِ لَدَى احْتِفَالِ جَرَائِهَا
ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ يَا عَمْرُو لَوْ أَنَّ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا إِيَّاي وَاجَهَ، لَقَصَرْتُ مِنْ سَامِي طرفه، ولجرجرت الغيظ في صدره، فو الله مَا اسْتَغَاثَ بِكَهْفٍ وَلا لَجَأَ إِلَى وَزْرٍ «3» ، يَعْنِي مُعَاوِيَةَ.
فَلَمَّا خَرَجَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرٍو: وَاللَّهِ لَقَدْ عَلاكَ بِخُصُومَتِهِ، وَفَلَّجَ عَلَيْكَ بِحُجَّتِهِ، وَمَا زِدْتَ عَلَى أَنْ فَضَحْتَنَا وَنَفْسَكَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَجَّلَ عَلَيَّ بِالْمَقَالَةِ، فَقَطَعْتُمْ عَلَيَّ الشَّهَادَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: للَّهِ أَبُوكَ أَفَأَرَدْتَ أَنْ نَبَّهْتُهُ لَكَ؟! 242- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قدم الزعل السلمي من الأزد على مُعَاوِيَة فَقَالَ: الحمد لله الذي لم يمتك حتى رأيتك، فَقَالَ: بك الوجبة «4» ، أتنعاني إلى نفسي لا أم لك؟! وابنه سُفْيَان بْن الزعل كان على شرطة عبد الملك بْن المهلب، وعبد الملك يومئذ خليفة الحكم بْن أيوب.
243- حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ: قَدِمَتْ رَمْلَةُ بِنْتُ مُعَاوِيَةَ عَلَى أَبِيهَا فَقَالَ: أَطَلَّقَكِ عَمْرٌو؟ فَقَالَتْ: لا، فَقَالَ: لَيْتَهُ فَعَلَ، وَكَانَتْ هِنْدُ بِنْتُ «5» مُعَاوِيَةَ عِنْدَ ابْنِ عَامِرٍ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ:
أَيَرْجُو ابْنُ هِنْدٍ أَنْ يَمُوتَ ابْنُ عَامِرٍ ... وَرَمْلَةُ يَوْمًا أَنْ يُطَلِّقَهَا عَمْرُو
244- (722) وحدثت عَنْ عيسى بْن يزيد «6» الكناني قَالَ: كان بين الوليد بن
__________
242- انظر عن الزعل السلمي ما تقدم رقم: 202 243- انظر ما تقدم رقم: 9 244- أمالي القالي 2: 37
__________
(1) شرح النهج: فاصبر لفصل خصامها وقضائها.
(2) شرح النهج: مبرزا، والمهذب من الخيل: السريع.
(3) م: زور.
(4) س: الواجبة.
(5) ط: ابنة.
(6) ط م: زيد، وعيسى بن يزيد هو ابن دأب، انظر تهذيب التهذيب 9: 135 وعيون الأخبار 2: 139 والمعارف: 537 والفهرست: 90.(5/73)
عقبة بْن أبي معيط وعمرو بْن العاص لحاء بين يدي مُعَاوِيَة، فقصبه «1» عمرو، فَقَالَ له الوليد: اسكت يا عبد السلطان وأخا الشيطان، يا منزوع الحياء وطوع النساء، يا أَلأَم أهل بيته وأذلّ عشيرته، لقد بلغ بك اللُؤم «2» الغاية الْقُصْوَى المُذلة لأهلها فِي الآخرة والأولى، فمنعت الحقوق ولزمت العقوق وماريت «3» أهل الفضل، فَقَالَ عمرو: إنك لتعلم أني مر المذاقة وأن ليس لك بي طاقة، وأني حية الوادي وداهية «4» الأعادي، لا أتبع الأفياء ولا أنتمي إلى غير الآباء، أحمي الذِمار «5» فِي المِضْمار، غير هَيوبة للوعيد ولا فروقة رعديد، أطعم الطعام وأضرب الهام، أفبالبخل تعيرني وإياه حالفت وعليه جبلت؟! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أقسمت لما سكتما، ثم أنشد:
وليد إذا ما كنت فِي القوم جالسًا ... فهن وليكن «6» منك الوقار على بال
ولا يأتين «7» الدهر من فيك منطق ... بلا نظر قد كان منك وإعمال «8»
لرأيك فيه، خوف ما ليس راجعًا ... فما كل من تلقى ابن عم ولا خال
قَالَ لي هشام بْن عمار: نظرت فِي أحاديث مُعَاوِيَة عندكم فوجدت أكثرها مصنوعًا، وذكر هذا الحديث.
245- حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَنِ الْهَيْثَمِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ دَاوُدَ عَنْ يَزِيدَ بن بشر عن همّام ابن قَبِيصَةَ وَعَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ عَنْ (أَبِي) الْهَيْثَمِ الرَّحْبِيِّ قَالا: كَانَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ فَأَغَارَهَا، فَشَكَتْ فِعْلَهُ إِلَى أَخِيهَا، فَقَالَ لِمُعَاوِيَةَ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ يُسِيءُ إِلَى أُخْتِي، وَلَوْلا مَكَانُكَ لَعَدَلْتُهُ عَنْ طَرِيقَتِهِ «9» ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأقنى العرنين،
__________
(1) م: فغضب.
(2) أمالي القالي: البخل.
(3) قد تقرأ في ط م: وجانبت.
(4) م: داهية (دون واو) ، وفي حية الوادي انظر ثمار القلوب: 422
(5) م: الضمار.
(6) أمالي القالي: فكن ساكنا.
(7) أمالي القالي: يبدرن.
(8) أمالي القالي: وإغفال.
(9) م: طريقه.(5/74)
أَصْمَعُ الْكَعْبَيْنِ «1» ، أَحَذُّ الْقَدَمَيْنِ، أَعَزُّ قُرَشِيٍّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمْ يَزِدْنِي الإِسْلامُ إِلا عِزًّا، فَقَالَ الْمَخْزُومِيُّ: لَمْ أُرِدْ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَدَعَا بِعَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: أَحْسِنْ إِلَى امْرَأَتِكَ.
246- المدائني عن مسلمة بْن محارب قَالَ: كان مُعَاوِيَةُ مُعْجَبًا بِجَارِيَةٍ لَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ يَزِيدُ يَوْمًا وَهِيَ جَالِسَةٌ عَلَى السَّرِيرِ، وَمُعَاوِيَةُ عَلَى الأَرْضِ، وَفِي يَدِهَا قَضِيبٌ تَلْوِيهِ عَلَى رَأْسِهِ، فقال يزيد: أو هذا أَيْضًا؟! وَهَمَّ بِهَا، فَبَادَرَتْ فَدَخَلَتْ بَيْتًا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَيْحَكَ شُدِّي لِزَازَ الْبَابِ دُونَهُ، وَأَرَادَ يَزِيدُ دَفْعَ الْبَابِ فَنَهَاهُ مُعَاوِيَةُ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْذُرُنَا مِنْ هَذَا، يَدْخُلُ عَلَيْنَا وَيَضْرِبُ جَوَارِينَا، ارْجِعْ يَا بُنَيَّ فَإِنَّ الْجَوَارِيَ لِعْبٌ، وَالرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ مَعَ أَهْلِهِ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ، فَاسْتَحْيَا يَزِيدُ وَخَرَجَ.
247- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُمَرَ قَالَ، قَالَ ابْن الزُّبَيْرِ لِمُعَاوِيَةَ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَاتَلْتُ عَلِيًّا لِحُبِّ عُثْمَانَ فَلَمْ تُجْزِنِي، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قَاتَلْتَ عَلِيًّا مَعَ أَبِيكَ فَغَلَبَكُمَا بشماله، وو الله أَنْ لَوْلا بُغْضُكَ عَلِيًّا لَجَرَرْتَ «2» بِرِجْلٍ مَعَ الضَّبُعِ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّا قَدْ أَعْطَيْنَاكَ عَهْدًا سَنَفِي لَكَ بِهِ، وَلَكِنْ سَيَعْلَمُ مَنْ بَعْدَكَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَمَا إِنِّي لا أَخَافُكَ إِلا عَلَى نَفْسِكَ، وَكَأَنِّي بِكَ قَدْ تَوَرَّطْتَ فِي الْحَبَالَةِ فَعَلَقَتْكَ الأُنْشُوطَةُ، فَلَيْتَنِي عِنْدَكَ فَاسْتَشْلَيْتُكَ مِنْهُمَا «3» ، وَلَبِئْسَ الْمَوْلَى أَنْتَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ.
248- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ قال: حضر ناجد «4» بن سمرة وواثلة ابن الأَسْقَعِ «5» الْكِنَانِيُّ بَابَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لآذِنِهِ، وهو أبو أيّوب يزيد مولاه: ايذن لناجد، فَأَذِنَ لَهُ، فَمَنَعَهُ وَاثِلَةُ، وَوَاثِلَةُ أَحَدُ بَنِي ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وناجد أَحَدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةِ بْنِ كِنَانَةَ، فَدَخَلَ الآذِنُ فَأَعْلَمَ مُعَاوِيَةَ، فَأَمَرَهُ أَنْ
__________
246- التاج: 126 والمحاسن والمساوئ: 171 247- قارن بابن عساكر 7: 407 وشرح النهج 4: 488
__________
(1) أصمع الكعبين: لطيف الكعبين.
(2) ط م: لجزت، س: لجرت.
(3) ط م س: فاستشلتك منها، وانظر ما يلي رقم: 893 حيث ورد: «فاستنقذتك» .
(4) ط م: ناجذ (حيث وقع) .
(5) ط م س: الأصقع، وانظر الاستيعاب: 1563 وطبقات ابن سعد 1/ 2: 48.(5/75)
يُدْخِلَهُمَا مَعًا، فَقَالَ وَاثِلَةُ. يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِمَ أَذِنْتَ لَهَذَا قَبْلِي وَلِي صُحْبَةٌ بِرَسُولِ اللَّهِ (723) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِي السِّنُّ عَلَيْهِ؟ قَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنِّي وَجَدْتُ بَرْدَ أَسْنَانِكَ بَيْنَ ثَدْيَيَّ، وَوَجَدْتُ كَفَّ هَذَا تَدْفَعُ ذَلِكَ الْبَرْدَ، يَعْنِي يَوْمَ الْفِجَارِ الَّذِي كَانَ بِسَبَبِ الْبُرَاضِ، وَهُوَ يَوْمُ نَخْلَةَ، فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ أَبِثَأْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تُطَالِبُنِي؟! أَفَلا آخَذْتَ الَّذِي قَالَ «1» :
أَغَرَّكَ أَنْ كَانَتْ لِبَطْنِكَ عُكْنَةٌ ... وَأَنَّكَ مَكْفِيٌّ بِمَكَّةَ طَاعِمُ
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:
إِذَا جَاءَكَ الْبَكْرِيُّ يَحْمِلُ قُصْبَهُ ... فَقُلْ قُصْبُ كَلْبٍ صَادَهُ وَهُوَ نائم
فقال واثلة «2» :
فما منع العير الضَّرُوطَ ذِمَارُهُ ... وَلا مَنَعَتْ مَخْزَاةَ وَالِدِهَا هِنْدُ
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: سَوْءَةٌ أَجْهَلَتْنَا وَأَجْهَلْنَاكَ، وَأَسَأْنَا إِلَيْكَ وَلَنَا الْمَقْدِرَةُ عَلَيْكَ، ارْفَعْ إِلَيْنَا حَوَائِجَكَ، فَقَضَاهَا وَوَصَلَهُ.
249- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: شَهِدَ أَعْرَابِيٌّ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ بِشَهَادَةٍ فَقَالَ: كَذَبْتَ، فقال: الْكَاذِبُ وَاللَّهِ الْمُتَزَمِّلُ فِي ثِيَابِكَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ عَجَّلَ.
250- حَدَّثَنِي «3» هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: خَيْرُ الصَّنَائِعِ مَا أَبْقَى ذِكْرًا حَسَنًا، وَخَيْرَ الْجُودِ مَا لَمْ يُعَدَّ سَرَفًا، وَخَيْرَ السُّلْطَانِ مَا لَمْ يُوَرِّثْ «4» صَاحِبَهُ كِبْرًا، وَرَبُّ الْمَعْرُوفِ أَفْضَلُ مِنَ ابْتِدَائِهِ «5» .
__________
249- الكامل: 302، 356 وروضة العقلاء: 195 وربيع الأبرار: 95/ أوروض الأخيار: 139
__________
(1) البيت لخداش بن زهير، كما في الشعر والشعراء: 541 وأمالي اليزيدي: 96
(2) البيت لحسان، ديوانه: 362 والسيرة: 275 (1: 414) والمنمق: 238.
(3) م: وحدثني.
(4) م س: يوثر
(5) مرّ هذا القول في رقم: 136(5/76)
251- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ يَوْمًا: مَا أَعْجَبُ الأَشْيَاءِ؟ فَقَالَ يَزِيدُ ابْنُهُ: أَعْجَبُ الأَشْيَاءِ هَذَا السَّحَابُ الرَّاكِدُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا يَدْعَمُهُ شَيْءٌ مِنْ تَحْتِهِ وَلا هُوَ مَنُوطٌ بِشَيْءٍ مِنْ فَوْقِهِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ: أَعْجَبُ الأَشْيَاءِ إِكْدَاءُ الْعَاقِلِ وَحَظُّ الْجَاهِلِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ: أَعْجَبُ الأَشْيَاءِ مَا لَمْ يُرَ مِثْلَهُ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: أَعْجَبُ الأَشْيَاءِ غَلَبَةُ مَنْ لا حَقَّ لَهُ ذَا الْحَقِّ عَلَى حَقِّهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ إِعْطَاءُ مَنْ لا حَقَّ لَهُ مَا لَيْسَ لَهُ بِحَقٍّ مِنْ غَيْرِ غَلَبَةٍ. وَإِنَّمَا عَرَّضَ عَمْرٌو بِمُعَاوِيَةَ وَعَرَّضَ مُعَاوِيَةُ بِعَمْرٍو فِي أَمْرِ مِصْرَ.
252- الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ مَرْوَانَ نَازَعَ ابْن الزُّبَيْرِ، فَكَانَ هَوَى مُعَاوِيَةَ مَعَ مَرْوَانَ، فَقَالَ ابْن الزُّبَيْرِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ لَكَ حَقًّا وَطَاعَةً، وَلَنَا بَسْطَةً وَحُرْمَةً، فَأَطِعِ اللَّهَ نُطِعْكَ، فَإِنَّهُ لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ خَالِقٍ، وَلا طَاعَةَ لَكَ عَلَيْنَا إِلا فِي حَقِّ اللَّهِ «1» ، وَلا تُطْرِقْ إِطْرَاقَ الأُفْعُوَانِ فِي أُصُولِ السَّخْبَرِ فَإِنَّهُ أَقَرَّ صَامِتٌ «2» .
253- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ عَنْ حَرْبِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: كَان عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُمِّ الْحَكَمِ يُنَازِعُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ كَثِيرًا، فَقَالَ معاوية لأبي خداش بن عتبة بْنِ أَبِي لَهَبٍ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لا يَزَالُ يَتَعَرَّضُ لِيَزِيدَ، فَتَعَرَّضْ لَهُ أَنْتَ حَتَّى يَسْمَعَ يَزِيدُ مَا يَجْرِي بَيْنَكُمَا، وَلَكَ عَشْرَةُ آلافِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: عَجِّلْهَا، فَحُمِلَتْ إِلَيْهِ، ثُمَّ الْتَقَيَا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ أَبُو خِدَاشٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْدِنِي عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَإِنَّهُ قَتَلَ مَوْلًى لِي بِالْكُوفَةِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: كذبت يا ابن المتبوب التابّ، فقال أبو خداش: يا ابن تمدّر «3» يا ابن البريح يا ابن أُمِّ قَدْحٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: حَسْبُكَ رَحِمَكَ اللَّهُ، عَلَيَّ دِيَةُ مَوْلاكَ، فَخَرَجَ أَبُو خِدَاشٍ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لِمُعَاوِيَةَ: أَعْطِنِي عَشْرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ أخرى وإلا
__________
251- العقد 4: 21 والبصائر 1: 34 252- ابن عساكر 7: 406 وراجع ما تقدم: 236 في المنازعة بين مروان وابن الزبير.
__________
(1) انظر هذا الحديث في قنسنك (طاعة) والجامع الصغير 2: 44
(2) انظر الميداني 2: 45
(3) سيجيء مزيد بيان عن «تمدّر» فيما يلي رقم: 395(5/77)
أَعْلَمْتُهُ أَنَّكَ أَمَرْتَنِي بِالْكَلامِ، فَأَعْطَاهُ عَشْرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: فَسِّرْ لِيَزِيدَ مَا قُلْتَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: هُنَّ أُمَّهَاتٌ لَهُ حَبَشِيَّاتٌ، وَقَدْ ذَكَرَهُنَّ ابْنُ الْكَلْبِيَّةِ الثَّقَفِيُّ فَقَالَ:
ثَلاثٌ قَدْ وَلَدْنَكَ مِنْ حُبُوشٍ ... إِذَا تَسْمُو جذبنك بالزّمام
(724) تمدّر والبريح وأمّ قدح ... ومجلوب يُعَدُّ مِنْ آلِ حَامٍ
254- الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو نَوْفَلٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ حَجَّ فَدَخَلَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ وَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَبَلَغَ ابْن الزُّبَيْرِ ذَلِكَ فَجَاءَ فَحَرَّكَ الْبَابَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لا تَفْتَحُوا لَهُ، ثُمَّ جَاءَ ابْنُ عُمَرَ فَفُتِحَ لَهُ وَدَخَلَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:
يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيْنَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ دَخَلَ الْبَيْتَ؟ فَذَكَرَ السَّارِيَةَ الْيُسْرَى، ثُمَّ دَخَلَ ابْن الزُّبَيْرِ بَعْدَ خُرُوجِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ أَمَا هُوَ إِلا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ؟! قال: نعم يا ابن الزُّبَيْرِ، أَمَّا عُرَى الأُمُورِ الَّتِي هِيَ عُرَاهَا فَلَهَا قَوْمٌ سِوَاكَ، وَفِيمَا دُونَ تِلْكَ أُمُورٌ يُسْتَعَانُ «1» بِكَ فِيهَا، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: وَاللَّهِ يَا مُعَاوِيَةُ لَقَدْ عَلِمْتَ أَنِّي أَعْلَمُ مِنَ الَّذِي سَأَلْتَ، وَلَكِنَّكَ حَسُودٌ فَحَسَدْتَنِي، قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ لَوْ شِئْتَ قُلْتَ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ.
255- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ خَالِدِ «2» بْنِ عَجْلانَ قَالَ، قَالَ عَبْدُ الله ابن الزُّبَيْرِ لِمُعَاوِيَةَ: لَقَدْ أَعْظَمَ النَّاسُ وِلادَةَ صَفِيَّةَ إِيَّانَا حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ تَلِدْنَا حُرَّةٌ غَيْرَهَا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هِيَ وَاللَّهِ أَدْنَتْكَ مِنَ الظِّلِّ وَلَوْلا ذَلِكَ كُنْتَ ضَاحِيًا، وَيْحَكَ هَلْ وَلَدَكَ مِثْلَهَا أَوْ تَجِدُ مِثْلَهَا إِلا أُخْتَهَا أَوْ عَمَّتَهَا، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: وَاللَّهِ يَا مُعَاوِيَةُ إِنَّهَا وَبَنِي أَبِيهَا مَعَ قَوْلِكَ لَرَضْفَةٌ بَيْنَ جَنْبَيْكَ يُوشِكُ أَنْ تَطْلُعَ عَلَى قَلْبِكَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ذَلِكَ زَمَانًا وَهُمُ الرَّدِيفُ.
256- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُحَيْمٍ قَالَ: خَطَبَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي أَدَالَنَا على عدوّنا وردّ علينا زماننا، فقال رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ: أَمَا وَاللَّهِ مَا ذاك لكرامتك على الله يا
__________
256- فاضل المبرد: 88
__________
(1) س: يستعاذ.
(2) ط م س: خليد، وسيرد في رقم: 276 في ط م خليد أيضا، ولكنه ورد بصيغة «خالد» (رقم: 434)(5/78)
مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِلشَّامِيِّ: مَا أَنْتَ وَالْكَلامُ، وَأَنْتَ مِنْ حُثَالَةِ أَهْلِ الشَّامِ وَسُقَّاطِهِمْ وَسِفْلَتِهِمْ، فَقَالَ الشَّامِيُّ: يَا عَمْرُو مَا عَدَوْتَ صِفَتَكَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:
إِنِّي أَرَى الْحِلْمَ مَحْمُودًا مَغَبَّتُهُ ... وَالْجَهْلُ أَرْدَى «1» مِنَ الأَقْوَامِ أَقْوَامَا
257- حَدَّثَنِي العمري عَن الهيثم بن عدي عَنِ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بَعَثَ إِلَى رجل من الأنصار بخمسمائة دِينَارٍ «2» فَاسْتَقَلَّهَا، وَأَقْسَمَ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يَأْتِيَ معاوية فيضرب بها وجهه، فانطلق حَتَّى دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: ما جاء بك يا ابن أَخِي؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ لأَبِي طِيَرَةً وَفِيهِ حِدَّةٌ، وَقَدْ قَالَ لِي كَيْتَ وَكَيْتَ، وَعَزَمَهُ الشَّيْخُ عَلَى مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَوَضَعَ مُعَاوِيَةُ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَقَالَ: افْعَلْ مَا أَمَرَكَ بِهِ أَبُوكَ وَارْفُقْ بِعَمِّكِ، فَرَمَى الدَّنَانِيرَ، وَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ لِلأَنْصَارِيِّ بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ يَزِيدَ فَدَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ مُغْضَبًا وَقَالَ: لَقَدْ أَفْرَطْتَ فِي الْحِلْمِ حَتَّى خِفْتُ أَنْ يعدّ ذلك مِنْكَ ضَعْفًا وَجُبْنًا، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ إِنَّهُ لا يَكُونُ مَعَ الْحِلْمِ نَدَامَةٌ وَلا مَذَمَّةٌ، فَامْضِ لِشَأْنِكَ.
258- وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنِ الْوَلِيدِ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ ضَرَبَ غُلامًا لَهُ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: يَا بُنَيَّ كَيْفَ طَوَّعَتْ لَكَ نَفْسُكَ ضَرْبَ مَنْ لا يَسْتَطِيعُ امْتِنَاعًا مِنْكَ؟! 259- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي زَكَرِيَّا الْعَجْلانِيِّ قَالَ: دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَجْلانِ أَخُو يَعْمُرَ بْنِ الْعَجْلانِ الزُّرْقِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَشَكَا عَمْرًا فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ ابْنَ الْعَاصِ بِمِصْرَ يَنْبَعِقُ مِنْهُ كَلامٌ لَهُوَ أَشَدُّ مِنْ وَخْزِ الأَشَافِي، لا يَرْعَوِي عَنْ إِسَاءَةٍ، وَلا يَرْجُو اللَّهَ فِي عَاقِبَةٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنَّ عَمْرًا رجل حديد، فاحمل له قوله فَإِنَّهُ يَفِيءُ إِلَى خَيْرٍ، فَقَالَ: اكْفُفْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ رَاعٍ وَنَحْنُ رَعِيَّةٌ، وَرُبَّمَا ساق السيء الرّعي الثلّة
__________
257- ألف باء 1: 456 258- عيون الاخبار 1: 284 والمجتنى: 37 وابن كثير 8: 227 وفاضل المبرد: 88 والبصائر 1: 266 والفائق 3: 150 وربيع الأبرار: 67 ب والحكمة الخالدة: 160 وشرح النهج 4: 37 وفاضل الوشّاء: 146 (وفي بعض المصادر اختلاف في الرواية) .
__________
(1) فاضل المبرد: أفنى.
(2) البلوي: قطفا.(5/79)
إِلَى (725) مَجْزَرِهَا، قَالَ مُعَاوِيَةُ: أَجَلْ ثُمَّ تَفْلِتُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ذَاكَ إِذَا كُنْتَ أَنْتَ الْجَازِرَ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْجَازِرُ مَنْ قَدْ كَدَحَتْهُ السُّنَّةُ الْحَمْرَاءُ فَمِنْ أَنْيَابِهِ تَفْلِتُ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَوَ يُخَالَفُ «1» أَمْرِي وَتُهْمَطُ رَعِيَّتِي؟ إِنِّي إِذًا لَغَافِلٌ مُضَيِّعٌ، إِلَيَّ تَقُولُ هَذَا يَا عَبْدَ اللَّهِ؟! ثُمَّ تَمَثَّلَ:
أَلَمْ تَكُ قَدْ جَرَّبْتَنِي قَبْلَ هَذِهِ ... وَعَضَّكَ مِنِّي حَدُّ نَابٍ وَمِخْلَبِ
قَالَ: فَحِلْمًا «2» يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَصَفْحًا، فَضَحِكَ ثُمَّ قَالَ: ذَاكَ لَكَ، وَتَقَدَّمَ إِلَى عمرو في أمره.
260- حَدَّثَنِي أَبُو مسعود الْكُوفِيُّ عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ عَوَانَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ، قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ لِمُعَاوِيَةَ فِي كَلامٍ جَرَى: قَاتَلْتَ عَلِيًّا وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِالأَمْرِ مِنْكَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: [لأَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ «3» ، وَلِفَضْلِهِ فِي نَفْسِهِ وَسَابِقَتِهِ، قَالَ: فَمَا كُنْتَ قَطُّ أَصْغَرُ فِي عَيْنِي مِنْكَ الآنَ، قَالَ سَعْدٌ: وَلِمَ؟ قَالَ: لِتَرْكِكَ نُصْرَتَهُ وَقُعُودِكَ عَنْهُ وَقَدْ عَلِمْتَ هَذَا مِنْ أَمْرِهِ] .
261- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ «وَاللَّهِ لَفُلانٌ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ ذَرَّةٍ، أَوْ كَلْبٍ مِنَ الْحَرَّةِ» ثُمَّ قَالَ لِلْكَاتِبِ: امْحُ الْحَرَّةَ وَاكْتُبْ «مِنْ كَلْبٍ مِنَ الْكِلابِ» .
262- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَامِرِ بْنِ الأَسْوَدِ قَالَ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِمُعَاوِيَةَ: رَأَيْتُكَ فِي مَنَامِي وَقَدْ أَلْجَمَكَ الْعَرَقُ وَأَنْتَ تُحَاسَبُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: فَمَا رَأَيْتُ ثَمَّ دَنَانِيرَ مصر؟
__________
262- عيون الاخبار 1: 318
__________
(1) ط م: تخالف، س: إذا يخالف.
(2) س: فلحما.
(3) الحديث في مسند أحمد 1: 152 والتنبيه: 255 وابن كثير 7: 346، 5: 209، وانظر مجازات القرآن: 164 والعثمانية: 143- 144 وزوائد ابن حجر 9: 103- 109 وأمالي الطوسي 1: 341، 343 وتاريخ الاسلام 2: 196- 197.(5/80)
263- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ، قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن الحارث «1» بْن نوفل بْن الحارث بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِمُعَاوِيَةَ: وَلِّنِي، فَقَالَ: لامٌ أَلِفٌ.
264- الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا بَايَعَ مُعَاوِيَةُ لِيَزِيدَ قَالَ رَجُلٌ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ نَفْسِكَ فَشَرُّهَا أَضَرُّ عَلَيْكَ، وَبَايِعْ رَحِمَكَ اللَّهُ فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ فِي الْكَثْرَةِ «2» خَيْرًا كَثِيرًا.
265- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالَ: مَرِضَ مُعَاوِيَةُ فَأَرْجَفَ بِهِ مِصْقَلَةُ بْنُ هُبَيْرَةَ الشَّيْبَانِيُّ وَسَاعَدَهُ قَوْمٌ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ تَمَاثَلَ مُعَاوِيَةُ وَهُمْ يُرْجِفُونَ بِهِ، فَحَمَلَ زِيَادٌ «3» مِصْقَلَةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ مِصْقَلَةَ كَانَ يَجْمَعُ مُرَّاقًا مِنْ مُرَّاقِ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَيُرْجِفُونَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ حَمَلْتُهُ إِلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِتَرَى فِيهِ رَأْيَكَ، وَيَرَى عَافِيَةَ «4» اللَّهِ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا قَدِمَ بِمِصْقَلَةَ جَلَسَ مُعَاوِيَةُ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا دَخَلَ مِصْقَلَةُ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: ادْنُ، فَدَنَا، فَأَخَذَ مُعَاوِيَةُ بِيَدِهِ فَجَذَبَهُ فَسَقَطَ مِصْقَلَةُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ للناس:
أبقى الحوادث من خلي ... لك مثل جندلة المراجم
قد رامني الأقوام قب ... لك فَامْتَنَعْتُ مِنَ الْمَظَالِمِ
فَقَالَ: مَصْقَلَةُ: قَدْ أَبْقَى اللَّهُ مِنْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ: حِلْمًا يُزَيِّنُكَ، وَكَلأً وَمَرْعًى لأَوْلِيَائِكَ، وَسُمًّا نَاقِعًا لأَعْدَائِكَ، فَمَنْ يَرُومُكَ وَكَانَ أَبُوكَ سَيِّدَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنْتَ فِي الإِسْلامِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ لَهُ: قُمْ، وَأَمَرَ بِصِلَتِهِ وَأَذِنَ لَهُ، فَانْصَرَفَ إِلَى الْكُوفَةِ فَقِيلَ لَهُ: كيف تركت معاوية؟ فقال: زعمتم أنّه لما بِهِ، وَاللَّهِ لَغَمْزُ يَدِي غَمْزَةً فَكَادَ يُحَطِّمُهَا، وجبذني جبذة فكاد يكسر منّي عظما.
__________
265- أمالي القالي 2: 315 وعيون الأخبار 3: 50 وزهر الآداب: 49
__________
(1) م: عبد الحارث.
(2) م: الكرة، ط: الكره، س: الكشرة.
(3) م: فحمله زياد في.
(4) س: عاقبة.(5/81)
266- المدائني عَن عَبْد اللَّهِ بْن سَلْم الفهري عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِرَجُلٍ: هَلْ تَذْكُرُ أَبَا سُفْيَانَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ أَذْكُرُهُ وَقَدْ تَزَوَّجَ هِنْدًا، فَأَطْعَمَنَا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ لَحْمَ جَزُورٍ وَسَقَانَا خَمْرًا، وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَحْمَ غَنَمٍ وَسَقَانَا نَبِيذَ زَبِيبٍ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَحْمَ طَيْرٍ وَسَقَانَا نَبِيذَ عَسَلٍ، (726) وَإِنْ كَانَتْ لَذَّاتُ أَزْوَاجٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: كِرَامٍ.
267- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الأَشَجِّ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ الْمَلَكِ وَمَعَهُ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، فَوَقَفَ عَلَى رَاهِبٍ، فَذَكَرَ الرَّاهِبُ مُعَاوِيَةَ فَأَطْرَاهُ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لِنَافِعٍ: لَشَدَّ مَا أَطْرَى هَذَا الرَّاهِبُ ابْنَ هِنْدٍ، فَقَالَ نَافِعٌ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلا، أَصْمَتَهُ الْحِلْمُ وَأَنْطَقَهُ الْعِلْمُ، بِجَأْشٍ رَبِيطٍ، وَكَفٍّ نَدِيَّةٍ.
268- الْمَدَائِنِيُّ «1» قَالَ: دَخَلَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ فَتَلَقَّاهُ بَعْضُ سُودَانِهَا فَقَالَ: وَاللَّهِ لَكَأَنَّ وَجْهَكَ وَجْهَ هِنْدٍ، قَالَ: وَأَيْنَ رَأَيْتَهَا؟ قَالَ: فِي مَأْتَمِ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنْ كَانَتْ لَكَرِيمَةَ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ.
269- قَالَ ابن دأب: خرج نابغة بني جعدة إلى صفين مع علي، فساق به يومًا فَقَالَ:
قد علم المصران والعراق ... أن عليًا فحلها العتاق
أبيض جحجاح له رفاق ... إن الألى جاروك لا أفاقوا
لكم سياق ولهم سياق
فلما قدم مُعَاوِيَة الكوفة قام النابغة بين يديه فَقَالَ:
ألم تأت أهل المشرقين رسالتي ... وإني «2» نصيح لا يبيت على عتب
__________
267- انظر ما يلي رقم: 352، 354 269- الأغاني 5: 26 وانظر العقد 5: 9 وابن الأثير 3: 231 وديوان النابغة 133- 134 والبيتان 4، 5 في الديوان: 153 وانظر ما يلي رقم: 587 والبيتان «من راكب ... إلخ» في طبقات الجمحي: 130 والخزانة 1: 514 وديوان النابغة: 11
__________
(1) كل الفقرة 268 ساقط من م.
(2) الأغاني والديوان: وأيّ.(5/82)
هلكتم وكان الشر آخر عهدكم ... لئن لم تدارككم حلوم بني حرب
وكان مروان قد أخذ أهل النابغة وماله، فدخل على مُعَاوِيَة فأنشده:
من راكب يأتي ابن هِنْد بحاجتي ... ومروان «1» والأنباء تنمي وتجلب
فإن يأخذوا أهلي ومالي بظنة ... فإني إذا ما ريم ظلمي أغضب «2»
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لمروان: ما تقول؟ قَالَ: لا نرد عليه، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وما أهون عليك أن ينجحر هذا فِي غار فيقطع عرضي بشعر ترويه العرب «3» ، فرد عليه ماله وأهله.
270- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ «4» إِسْمَاعِيلَ بْنِ هِشَامٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: للَّهِ دَرُّ مُعَاوِيَةَ إِنْ كَانَ لَيَتَخَادَعُ لَنَا وَإِنَّهُ لأَدْهَى الْعَرَبِ، مَعَ حِلْمٍ لا يُنَادَى وَلِيدُهُ، وَإِنْ كَانَ لَيَتَضَاعَفُ لَنَا وَهُوَ أَنْجَدُ الْعَرَبِ، فَكَانَ كَمَا قَالَتِ النَّادِبَةُ:
أَلا يَا عَيْنُ فَابْكِيهِ ... أَلا كُلُّ النُّهَى فِيهِ
وَلَوَدِدْتُ أَنَّهُ بَقِيَ لَنَا مَا بَقِيَ أَبُو قُبَيْسٍ.
271- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ عبد اللَّه بْن فائد: كانوا يذكرون عبد الملك وَمُعَاوِيَة فيقولون: مُعَاوِيَة أحلم وعَبْد الْمَلِكِ أحزم.
272- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَوَانَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: للَّهِ دَرُّ ابْنِ هِنْدٍ وَلِيَنَا عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا آذَانَا عَلَى ظَهْرِ مِنْبَرٍ وَلا بِسَاطٍ، صِيَانَةً مِنْهُ لِعِرْضِهِ وَأَعْرَاضِنَا، وَلَقَدْ كَانَ يُحْسِنُ صِلَتَنَا وَيَقْضِي حَوَائِجَنَا.
273- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ وَمَسْلَمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالا: قَدِمَ رَجُلٌ ممّن
__________
270- الأغاني 17: 144 (والبيت منسوب لفاختة بنت قرظة زوجة معاوية) والموفقيات: 517 (والنادبة هي رقيقة أو بنت رقيقة) والكامل 4: 111 وانظر المصعب: 229 وعيون الأخبار 1: 11 273- محاضرات الراغب 2: 215
__________
(1) الأغاني والديوان والخزانة: على النأي.
(2) الديوان: فاني لحراب الرجال محرب.
(3) زاد في الأغاني: اما والله إن كنت لممن يرويه.
(4) ط م س: أنّ.(5/83)
كَانَ فِي الصَّائِفَةِ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَسَأَلَهُ مُعَاوِيَةُ عَنِ النَّاسِ وَحَالِهِمْ، فَبَيْنَا هُوَ يُحَدِّثُهُ إِذْ حَبَقَ الرَّجُلُ فَحُصِرَ وَسَكَتَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: خُذْ أَيُّهَا الرَّجُلُ فِي حَدِيثِكَ فَمَا سَمِعْتُهَا مِنْ أَحَدٍ أَكْثَرَ مِمَّا سَمِعْتُهَا مِنْ نَفْسِي.
274- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُسْلِمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالَ، قَالَ زياد: لَمْ يَغْلِبْنِي مُعَاوِيَةُ بِالسِّيَاسَةِ إِلا فِي رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ اسْتَعْمَلْتُهُ (727) فَكَسَرَ الْخَرَاجَ وَلَحِقَ بِهِ فَآمَنَهُ، فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ:
إِنَّ فِي هَذَا مَفْسَدَةً لِلْعُمَّالِ وَحَمْلا عَلَى سُوءِ الأَدَبِ، فَابْعَثْ بِهِ إِلَيَّ، فَكَتَبَ إِلَيَّ مُعَاوِيَةُ: إِنَّهُ لا يَصْلُحُ أَنْ أَسُوسَ وَتَسُوسَ النَّاسَ سِيَاسَةً وَاحِدَةً، إنّا إن نشتدّ جميعا نهلك الناس ونخرجهم، وَإِنْ نَلِنْ جَمِيعًا نَبْطَرْهُمْ، وَلَكِنْ تَلِينُ وَأَشْتَدُّ وَتَشْتَدُّ وَأَلِينُ، فَإِذَا خَافَ أَحَدُهُمْ وَجَدَ بَابًا فَدَخَلَهُ.
275- حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ زِيَادٍ قَالَ: مَا غَلَبَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةُ إِلا بِوَاحِدَةٍ، اسْتَعْمَلْتُ فُلانًا فَكَسَرَ الْخَرَاجَ وَهَرَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ: إِنَّ هَذَا أَدَبُ سُوءٍ لِمَنْ قِبَلِي، فَكَتَبَ إِلَيَّ: إِنَّهُ لا يَنْبَغِي لِي وَلَكَ أَنْ نسوس الناس سياسة واحدة، فنلين جميعا تمرج «1» النَّاسَ فِي الْعَصَبِيَّةِ، وَأَنْ لا نَشْتَدَّ «2» جَمِيعًا فَنَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى الْمَهَالِكِ، وَلَكِنْ تَكُونُ أَنْتَ لِلْغِلْظَةِ وَالشِّدَّةِ، وَأَكُونُ أَنَا لِلِّينِ وَالرَّأْفَةِ، أَوْ قَالَ: لِلرَّحْمَةِ.
276- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ عن خالد «3» بْنِ عَجْلانَ قَالَ: دَخَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ: يَا مُعَاوِيَةُ أَرَاكَ مُعْجَبًا بِمَا أَنْتَ فِيهِ، وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنِّي نِلْتُ مَا أَنْتَ فِيهِ وَأَنِّي هرقت محجمة من دم، قال: لكنّني وَابْنَ عَمِّكَ قَدْ هَرَقْنَا مَحْجَمَةً وَمَحْجَمَةً وَمَحَاجِمَ.
__________
274- محاضرات الراغب 1: 80 275- العقد 1: 42، 5: 10 وسير الذهبي 1: 102 276- ابن عساكر 6: 106 وانظر تاريخ الاسلام 2: 284 وشرح النهج 1: 201، 2: 263
__________
(1) م: يمرج، والياء غير معجمة في ط.
(2) م ط: ولا أن نستبد، س: يشتد.
(3) ط م س: خليد.(5/84)
277- حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَنْ لَقِيطٍ الْمُحَارِبِيِّ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنَ الزُّهْرِيِّينَ قَالُوا: لَمَّا دَخَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ الشَّامَ فِي وِلايَةِ مُعَاوِيَةَ، بَعَثَ مُعَاوِيَةُ قَوْمًا يَنْعَوْنَ عُثْمَانَ وَيَلْعَنُونَ قَتَلَتَهُ وَمَنْ خَذَلَهُ وَقَعَدَ عَنْ نُصْرَتِهِ، فَقَالَ سَعْدٌ: هَذَا عَمَلُ الْفَاسِقِ مُعَاوِيَةَ، فَأَتَاهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ قَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ هَؤُلاءِ الَّذِينَ دَسَسْتَهُمْ، أَفَمَنْ نَهَى عُثْمَانَ عَمَّا فَعَلَهُ ثُمَّ كَفَّ عَنْهُ وَاعْتَزَلَهُ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَمَرَ عُثْمَانَ بِمَا فَعَلَهُ ثُمَّ خَذَلَهُ وَخَذَّلَ عَنْهُ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا أَرَاكَ أَبَا إِسْحَاقَ رَحِمَكَ اللَّهُ إِلا مُحْتَاجًا إِلَى عَطَائِكَ، فَقَدْ حُرِمْتَهُ مُذْ وُلِّينَا، فَأَمَرَ لَهُ بِذَلِكَ.
278- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ ابن أبي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَلِيَ مُعَاوِيَةُ فَلَمْ يَزَلْ أَمْرُهُ مُسْتَقِيمًا، وَلَمْ تَزَلِ الأَمْوَالُ عَلَيْهِ دَارَّةً، فَاسْتَمَالَ الْقُلُوبَ بِالْبَذْلِ وَالإِعْطَاءِ، وَكَانَ يَقُولُ: الْبَذْلُ يَقُومُ مَقَامَ الْعَدْلِ.
279- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَزْهَرَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مَوْلًى لأَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ قَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَجَلَسَ مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا أَيُّوبَ مَنْ قَتَلَ صَاحِبَ الْفَرَسِ الأَشْقَرِ «1» الَّذِي كَانَ يَجُولُ؟ قَالَ: أَنَا قَتَلْتُهُ يَوْمَ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ عَلَى الْجَمَلِ الأَحْمَرِ تَحْمِلانِ لِوَاءَ الْمُشْرِكِينَ.
280- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: لَوْ كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ شَعْرَةٌ مَا انْقَطَعَتْ، قِيلَ: وَكَيْفَ يَا أمير المؤمنين؟ قال: إن جبذوها أرسلتها، وإن خلّوها جبذتها.
281- وروي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أنه قَالَ: قد علمت بما كان مُعَاوِيَة يغلب الناس، كان إذا طاروا وقع وإذا وقعوا طار، وإذا قعدوا قام وإذا قاموا قعد.
__________
279- ابن عساكر 5: 41 وسير الذهبي 2: 294 280- العقد 1: 25، 4: 364 واليعقوبي 2: 283 وعيون الأخبار 1: 9 وروضة العقلاء: 57 ونهاية الأرب 6: 44 واللسان (عزّ) وألف باء 1: 465 ومحاضرات الراغب 1: 134 281- العقد 4: 364 والبصائر 1: 202 (منسوبا لمعاوية) وسير الذهبي 3: 102
__________
(1) سير الذهبي: البلقاء.(5/85)
282- حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ عَنْ عَوَانَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَغْزَى مُعَاوِيَةُ النَّاسَ فِي سَنَةِ خَمْسِينَ وَعَلَيْهِمْ سُفْيَانُ بْنُ عَوْفٍ وَأَمَرَ يَزِيدَ بِالْغَزْوِ فَتَثَاقَلَ وَاعْتَلَّ فَأَمْسَكَ عَنْهُ، وَأَصَابَ النَّاسَ فِي غَزَاتِهِمْ جُوعٌ وَأَمْرَاضٌ، فَأَنْشَأَ يَزِيدُ يَقُولُ:
مَا إِنْ أُبَالِي «1» بِمَا لاقَتْ جُمُوعُهُمْ ... بِالْقَرْقَذُونَةِ «2» مِنْ جُوعٍ وَمِنْ مُومِ
إِذَا اتَّكَأْتُ عَلَى الأنماط في غرف ... بدير مران «3» عندي أم كُلْثُومِ
(728) وَأُمُّ كُلْثُومٍ امْرَأَتُهُ، وَهِيَ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَرِيزٍ، فَبَلَغَ مُعَاوِيَةُ شِعْرَهُ، فَأَقْسَمَ عَلَيْهِ لَيَلْحَقَنَّ بِسُفْيَانَ فِي أَرْضِ الرُّومِ لِيُصِيبَهُ مَا أَصَابَ النَّاسَ وَلَوْ مَاتَ، فَلَحِقَ بِهِ فِي فَرَسِ أَنْطَاكِيَّةَ وَبَعْلَبَكَ وَجَمَاعَةٌ أَنْهَضَهُمْ مَعَهُ، فَبَلَغَ بِالنَّاسِ الْخَلِيجَ «4» ، وَضَرَبَ بِسَيْفِهِ بَابَ الذَّهَبِ وَهَزَمَ الرُّومَ، وَخَرَجَ وَسُفْيَانُ بِالنَّاسِ.
283- حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَنِ الْهَيْثَمِ قَالَ: وَلَّى مُعَاوِيَةُ رَوْحَ بْنَ زِنْبَاعٍ بَعْلَبَكَّ فَرَجَمَ امْرَأَةً وَرَجُلا، فقال الشاعر:
إن الجذامي روحا في إقامته ... حَدَّ الإِلَهِ لِمَعْذُورٍ وَإِنْ عَجَّلا
لَوْ كَانَ رَفَّهُ عَنْ حَسْنَاءَ نَاعِمَةٍ ... وَعَنْ أَخِي غَزَلٍ لَمْ يُحْسِنِ الْغَزَلا
فَبَلَغَ الشِّعْرُ مُعَاوِيَةَ فَكَتَبَ إِلَى رَوْحٍ: لا تُعَجِّلَنَّ بِإِقَامَةِ حَدٍّ حَتَّى تَثْبُتَ فِي أَمْرِهِ، فَتَكُونَ إِقَامَتُكَ إِيَّاهُ بِإِقْرَارٍ ظَاهِرٍ أَوْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ مَسْتُورِينَ.
284- حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَن الهيثم بن عدي عَنِ يعقوب بن داود قال: خطب
__________
282- سيرد الشعر في ما يلي رقم: 773 وانظر اليعقوبي 2: 272 والمروج 5: 62 والأغاني 17: 141 والنجوم الزاهرة 1: 151 ومعجم البكري: 586 وياقوت 2: 407، 697، 3: 555، 778 وابن الأثير 3: 38 والمحاسن والمساوئ: 145 ونهاية الأرب 4: 91 والمصعب: 130 283- انظر ما يلي: رقم: 415 284- العقد 4: 30 وابن عساكر 6: 215 وأسد الغابة 2: 335 وقارن بما يلي رقم: 285
__________
(1) المصعب: أهون عليّ.
(2) المصعب: يوم الطوانة.
(3) المصعب: سمعان.
(4) س: الخلنج.(5/86)
مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: إِنَّ عُمَرَ وَلانِي مَا وَلانِي من الشام ثم عثمان بعده، فو الله مَا غَشَشْتُ وَلا اسْتَأْثَرْتُ، ثُمَّ وَلانِي اللَّهُ الأَمْرَ فَأَحْسَنْتُ وَأَسَأْتُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ بَلِ اسْتَأْثَرْتَ وَأَسَأْتَ وَلَمْ تُحْسِنْ وَلَمْ تُنْصِفْ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: اجْلِسْ فَمَا أَنْتَ وَالْكَلامُ؟! وَاللَّهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيْتِكَ بفجّ «1» تَهْفُو الرِّيحُ بِجَوَانِبِهِ، بِفِنَائِهِ تَيْسٌ وَبُهْمَةٌ وَأَعْنُزٌ، دَرُّهُنَّ نَزْرٌ يَحْلِبْنَ فِي مِثْلِ مَحَارَةٍ أَلْقَاهَا الْمَوْجُ، فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ رَأَيْتُ ذَلِكَ فِي شَرِّ زَمَانٍ، وَكَانَ تَحْتَ مَا رَأَيْتَ حَسَبَ كَرِيمٍ غَيْرَ دَنِسٍ، فَهَلْ رَأَيْتَنِي قَتَلْتُ مُسْلِمًا وَانْتَهَكْتُ «2» مَحْرَمًا؟
قَالَ: وَأَيْنَ أَنْتَ حَتَّى أَرَاكَ وَأَنْتَ لا تَبْرُزُ إِلا فِي خِمَارٍ «3» ، وَأَيُّ مسلم تقوى عليه حتى تقتله، اجلس لاجلست، قَالَ: لا أَجْلِسُ وَلَكِنِّي سَأَذْهَبُ عَنْكَ إِلَى أَبْعَدِ أَرْضٍ وَأَسْحَقِهَا، وَقَامَ الرَّجُلُ فَوَلَّى، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: رُدُّوهُ، فَرَدُّوهُ فَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أَمَا لَقَدْ رَأَيْتُكَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتَ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْكَ، وَأَهْدَيْتَ إِلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْكَ، وَأَسْلَمْتَ فَحَسُنَ إِسْلامُكَ، وَلَقَدْ غَلُظَ عَلَيْكَ مِنَّا الْقَوْلُ، فَاذْكُرْ حَاجَتَكَ فَإِنِّي أُعْطِيكَ حَتَّى تَرْضَى.
285- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمٍ قَالَ: خَطَبَ مُعَاوِيَةُ النَّاسَ فَذَكَرَ تولية عمر إيّاه ثم قال: فو الله مَا خُنْتُ وَلا كَذَبْتُ، ثُمَّ وُلِّيتُ هَذَا الأَمْرَ فَتَقَدَّمْتُ وَتَأَخَّرْتُ، وَأَصَبْتُ وَأَخْطَأْتُ، وَأَحْسَنْتُ وَأَسَأْتُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ كِنَانَةَ يُقَالُ لَهُ سَلَمَةُ «4» فَرَدَّ قَوْلَهُ، فَقَالَ لَهُ: وَمَا أَنْتَ وَذَاكَ؟! كَأَنِّي «5» أَنْظُرُ إِلَى حَفْشِ بَيْتِكَ مَرْبُوطًا بِطَنَبٍ مِنْهُ تَيْسٌ، وَبِطَنَبِ بُهْمَةٍ، وَالرِّيحُ تَخْفِقُ «6» بِهِ كَأَنَّهُ جَنَاحُ نَسْرٍ، وَلَكَ أَعْنُزٌ تَحْتَلِبُ فِي مِثْلِ قُوارَةِ حَافِرِ عِيرٍ «7» ، قَالَ: رَأَيْتَ ذَلِكَ فِي زَمَنٍ عَلَيْنَا لا لَنَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ حَشْوَهُ لَحَسَبٌ غَيْرَ دَنِسٍ، ثُمَّ ذكر باقي الحديث.
__________
285- انظر الفقرة السابقة رقم: 284
__________
(1) س ط: بفخ، م: نفخ.
(2) ابن عساكر وأسد الغابة: أو كسبت.
(3) ابن عساكر: في غمار الناس، العقد: في خمر.
(4) هو سلمة بن الخطل العرجي، كما في العقد (وفيه: الخضل خطأ) .
(5) م: فاني.
(6) ابن عساكر والعقد: تهفو.
(7) ط م س: وحافر عير.(5/87)
286- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيِّ «1» قَالَ: قَدِمَ قَوْمٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَفِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَوَصَلَهُمْ وَفَضَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمْ، أعطاه ألف ألف درهم، فَقَالَ عَبْد الله ابن صَفْوَانَ: يَا مُعَاوِيَةُ إِنَّمَا صَغُرَتْ أُمُورُنَا عِنْدَكَ لأَنَّا لَمْ نُقَاتِلْكَ كَمَا قَاتَلَكَ غَيْرُنَا، وَلَوْ كُنَّا فَعَلْنَا كُنَّا كَابْنِ جَعْفَر، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنِّي (729) أُعْطِيكُمْ فَتَكُونُونَ إِمَّا رَجُلا مُعِدًّا بِمَا أُعْطِيهِ لِحَرْبِي، وَإِمَّا مضمًا لَهُ مَعَ بُخْلٍ بِهِ «2» ، وَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ يُعْطِي أَكْثَرَ مِمَّا يَأْخُذُ، ثُمَّ لا يَلْبَثُ أَنْ يَلْزَمَهُ مِنَ الدَّيْنِ بِتَوَسُّعِهِ أَكْثَرَ مِمَّا نُعْطِيهِ، فَخَرَجَ ابْنُ صَفْوَانَ وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ لَيَحْرِمُنَا حَتَّى نَيْأَسَ وَيُعْطِينَا حَتَّى نَطْمَعَ.
287- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ قَالَ: أَرَادَ الْمُغِيرَةُ أَنْ يَبْلُوَ مَا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ في إتيان الحجاز أو المصير إِلَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: إِنْ شِئْتَ فَأْتِ الْحِجَازَ وَإِنْ شِئْتَ فَصِرْ إِلَيْنَا، فَإِنَّكَ كَمَا قَالَ الأَوَّلُ:
اخْتَرْ لِنَفْسِكَ مَا بَدَا لَكَ رَاشِدًا ... وَدَعِ الْخِدَاعَ فَقَدْ كَفَاكَ الأَوَّلُ
فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْمُغِيرَةُ:
إِنَّ الَّذِي يَرْجُو سِقَاطَكَ وَالَّذِي ... سَمَكَ السَّمَاءَ مَكَانَهَا لَمُضَلَّلُ
أَجَعَلْتَ مَا أُلْقِي إِلَيْكَ خَدِيعَةً ... حَاشَا الإِلَهِ وَتَرْكُ ظَنِّكَ أَجْمَلُ
288- المدائني عن علي بن سليم قال، قال عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي مَجْلِسِ مُعَاوِيَةَ:
احْمَدُوا اللَّهَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ الَّذِي جَعَلَ وَالِي أَمْرِكُمْ مُعَاوِيَةَ، مَنْ يُغْضِي عَلَى الْقَذَى، وَيَتَصَامُّ عَنِ الْعَوْرَاءِ، وَيَجُرُّ ذَيْلَهُ عَلَى الْخَدَائِعِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمَشَيْنَا إِلَيْهِ الضَّرَّاءَ وَدَبَبْنَا لَهُ الْخُمُرَ، وَقَلَبْنَا لَهُ ظَهْرَ الْمِجَنِّ، وَرَجَوْنَا أَنْ يَقُومَ بِأَمْرِنَا مَنْ لا يُعْطِيكَ «3» مَالَ مِصْرَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ حَتَّى مَتَى لا تنصفون من
__________
286- المجتنى: 37 وقارن بما يلي رقم: 774 288- العقد 4: 21- 22 والموفقيات: 153 والبصائر 3: 181
__________
(1) المجتنى: المدائني عمن حدثه عن أبي الحسن بن عبد الرحمن الأنصاري.
(2) المجتنى: إما معدم فأعطيه لخزن أو مضمر لها مع بخل به.
(3) الموفقيات والتوحيدي: يطعمك.(5/88)
أَنْفُسِكُمْ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ عَمْرًا وَذَوِيهِ أَفْسَدُوكَ عَلَيْنَا وَأَفْسَدُونَا عَلَيْكَ، لَوْ أَغْضَيْتَ عَنْ هَذِهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّ عَمْرًا لِي نَاصِحٌ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَأَطْعِمْنَا مِصْرَ كَمَا أَطْعَمْتَهُ ثُمَّ خُذْنَا بِمِثْلِ نَصِيحَتِهِ، إِنَّا رَأَيْنَاكَ تَضْرِبُ عَوَامَّ قُرَيْشٍ بِأَيَادِيكَ فِي خَوَاصِّهَا، كَأَنَّكَ تَرَى أَنَّ كِرَامَهَا جَازَوْكَ عَنْ لِئَامِهَا، وَلَعَمْرُ اللَّهِ إِنَّكَ لَتُفْرِغُ مِنْ وِعَاءٍ ضَخْمٍ فِي إِنَاءٍ فَعْمٍ «1» ، وَكَأَنَّكَ بِالْحَرْبِ قَدْ حَلَّ عَلَيْكَ عِقَالُهَا ثم لا ينظر «2» إِلَيْك، فَقَالَ مُعَاوِيَة: يَا ابْن أَخِي مَا أَحْوَجَ أَهْلُكَ إِلَيْكَ، ثُمَّ قَالَ معاوية:
أغرّ رجالا من قريش تتايعوا «3» ... عَلَى سَفَهٍ مِنِّي الْحَيَا وَالتَّكَرُّمُ
289- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ قَالَ، قَالَ قَوْمٌ مِنْ قُرَيْشٍ: مَا نَظُنُّ مُعَاوِيَةَ أَغْضَبَهُ شَيْءٌ قَطُّ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلَى إِذَا ذُكِرَ مِنْ أُمِّهِ «4» غَضِبَ، فَقَالَ مالك ابن أَسْمَاءَ الْمُنَى الْقُرَشِيُّ وَهِيَ أُمُّهُ، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا الْمُنَى لِجَمَالِهَا: وَاللَّه لأُغْضِبَنَّهُ إِنْ جَعَلْتُمْ لِي جُعْلا، فَجَعَلُوا لَهُ جُعْلا رَضِيَ بِهِ، فَأَتَى مُعَاوِيَةُ وَقَدْ حَضَرَ الْمَوْسِمُ فَقَالَ لَهُ فِي جَمَاعَةٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَشْبَهَ عَيْنَيْكَ بِعَيْنَيْ أُمِّكَ، قَالَ: تَانِكَ عَيْنَانِ طَالَ ما أعجبتا أبا سفيان، انظر يا ابن أَخِي إِلَى مَا أُعْطِيتَ مِنَ الْجُعْلِ فَخُذْهُ، وَلا تَتَّخِذْنَا مَتْجَرًا، ثُمَّ دَعَا مُعَاوِيَةُ مَوْلاهُ سَعْدًا فَقَالَ لَهُ: أَعْدِدْ لأَسْمَاءَ الْمُنَى دِيَةَ ابْنِهَا فَإِنِّي قَدْ أَقْتَلته «5» ، فَرَجَعَ مَالِكٌ فَأَخَذَ جعله، فقال له رجل: لك ضعفا جُعْلِكَ إِنْ أَتَيْتَ عَمْرَو بْنَ الزُّبَيْرِ فَقُلْتَ لَهُ كَمَا قُلْتَ لِمُعَاوِيَةَ، وَكَانَ عَمْرٌو ذَا نَخْوَةٍ وَكِبْرٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: مَا أَشْبَهَكَ بِأُمِّكَ يَا عَمْرُو، فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ حَتَّى مَاتَ، فَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ بِدِيَتِهِ إِلَى أُمِّهِ وَقَالَ:
أَلا قُلْ لأَسْمَاءَ الْمُنَى أُمِّ مَالِكٍ ... فَإِنِّي لعمر الله أقتلت مالكا
__________
289- المحاسن والمساوئ: 553 ومآثر الانافة 3: 343 (وفيهما البيتان) وانظر عيون الأخبار 1: 284 (حيث تروى القصة عن عمرو) والعقد 1: 53 وسيجيء الحديث عن عمرو بن الزبير في ما يلي رقم: 814
__________
(1) التوحيدي: إنك لتغرغر من إناء يغمر (اقرأ: فعم) في إناء ضخم.
(2) م: تنظر (والتاء غير معجمة في ط) .
(3) التوحيدي: تشايعوا، العقد: تتابعوا، والتتايع: اللجاج في السفه والشرّ.
(4) هامش ط: ذكرت أمه.
(5) هامش ط: أقتلته أي عرضته للقتل، والمحاسن: اني قد قتلته وهو لا يدري.(5/89)
290- الْمَدَائِنِيَّ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ «1» قَالَ: ذَكَرُوا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ قَوْلَ حُذَيْفَةَ (730) إِنِّي لَمْ أُشْرِكْ فِي دَمِ عُثْمَانَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: بَلَى وَاللَّهِ لَقَدْ شَرَكَ فِيهِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ: الرَّجُلُ كَانَ أَعْلَمَ بِنَفْسِهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنْتَ قَدْ شَرَكْتَ فِي دَمِهِ، قَالَ: كَلا وَاللَّهِ، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَنْهَاهُ عَمَّا قِيلَ فِيهِ، وَكُنْتَ تَأْمُرُهُ بِهِ، فَلَمَّا صَعُبَ الأَمْرُ عَلَيْهِ «2» اسْتَغَاثَ بِكَ، فَأَبْطَأْتَ عَنْهُ حَتَّى قُتِلَ.
291- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ قَالَ: أَوْفَدَ زِيَادٌ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ «3» النُّمَيْرِيَّ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَخْبَرْنِي عَنْ زِيَادٍ، قَالَ: يَسْتَعْمِلُ عَلَى الْجُرْأَةِ «4» وَالأَمَانَةِ دُونَ الْهَوَى وَالْمُحَابَاةِ، وَيُعَاقِبُ فَلا يَعْدُو بِالذَّنْبِ قَدْرَهُ، وَيَسْمُرُ وَيُحِبُّ السَّمَرَ لِيَسْتَجِمَّ «5» بِحَدِيثِ اللَّيْلِ تَدْبِيرَ النَّهَارِ، قَالَ: أَحْسَنَ، إِنَّ التَّثْقِيلَ عَلَى الْقَلْبِ مَضَرَّةٌ بِالرَّأْيِ، فَكَيْفَ رَأْيُهُ «6» فِي حُقُوقِ النَّاسِ؟ قَالَ: يَأْخُذُ مَا لَهُ عَفْوًا وَيُعْطِي مَا عَلَيْهِ عَفْوًا، قَالَ: فَكَيْفَ عَطَايَاهُ؟ قَالَ: يُعْطِي حَتَّى يُقَالَ جَوَادٌ وَيَمْنَعُ حَتَّى يُقَالَ بَخِيلٌ، قَالَ مُعَاوِيَةُ «7» : إِنَّ الْعَدْلَ ضَيِّقٌ وَفِي الْبَذْلِ عِوَضٌ مِنَ الْعَدْلِ، فَكَيْفَ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ؟ قَالَ: لَيْسَ فِيهَا بِمَطْمَعٍ، مَا أَرَادَ مِنْ خَيْرٍ جَعَلَهُ لَكَ أَوْ لَهُ.
292- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ رجل من قريش لِمُعَاوِيَةَ: يا مُعَاوِيَة لا تباعدن منا ما قرب اللَّه، ولا تصغرن ما عظم، ولا تقطعن منا ما أمر اللَّه به أن يوصل، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:
يرحمك اللَّه، واللَّه ما صغرت منكم شيئًا إلا بما أنزلتموه بأنفسكم، وما باعدت منكم إلا ما تباعدتم به مني، ولا قطعت إلا ما بدأتم بقطعة، هذا مروان بن الحكم وسعيد بن
__________
290- راجع ما تقدم رقم: 133.
291- لباب الآداب: 40
__________
(1) س: أبي جعدبة.
(2) عليه: زيادة من ط م.
(3) م: أوفدني زياد بن عبيد الله ... إلخ، ط س: زياد بن عبيد الله بن كعب، اللباب: عبيد بن كعب.
(4) اللباب: الخير.
(5) م: يستجم.
(6) م: رأيته.
(7) انظر ما تقدم رقم: 278، وفي اللباب: إن البذل رضيع العدل.(5/90)
العاص وعبد اللَّه بْن عامر وعمرو بْن العاص شرفتهم بالمنابر، ووليتهم معالي الأمور، ثم لا تزال تأتيني منهم هنة «1» كراغية البَكْر «2» .
293- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: يَا مُعَاوِيَةُ إِذَا اسْتَعْتَبْنَاكَ مِنْ أَمْرٍ فأعتبنا مِنْهُ، وَلا تَحْمِلْنَا عَلَى مَا نَكْرَهُ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَحْتَمِلْ رِجَالَ قُرَيْشٍ عَابُوكَ وَخَذَلُوكَ وَقَاتَلُوكَ، وَإِذَا هَمَمْتَ لَنَا بِخَيْرٍ فَهَنِّئْنَاهُ قَبْل الْمَسْأَلَةِ «3» ، فَإِنَّكَ إِذَا أَلْجَأْتَنَا إِلَى الْمَسْأَلَةِ أَخَذْتَ ثَمَنَ عَطِيَّتِكَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَاللَّهِ مَا اسْتَعْتَبْتُمُونِي مِنْ أَمْرٍ قَطُّ إِلا وَجَدْتُمُونِي قَدِ اسْتَعْتَبْتُكُمْ مِنْ أَعْظَمَ مِنْهُ، وَأَمَّا إِعْطَائِي إِيَّاكُمْ قَبْلَ الْمَسْأَلَةِ فَمَنْ سَأَلَنَا أَعْطَيْنَاهُ وَمَنِ اسْتَغْنَى عَنَّا وَكَلْنَاهُ إِلَى غِنَاهُ، وَأَحَبُّكُمْ إِلَيْنَا السَّائِلُ، فَاعْتَرِفُوا بِذُنُوبِكُمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّه تعالى عنه: ما لنا إليك ذنب فنتعذر «4» مِنْهُ، وَإِنَّ خَيْرَكَ عَلَيْنَا لَقَلِيلٌ «5» فَقَالَ مُعَاوِيَةُ مُتَمَثِّلا «6» :
إِذَا الْعَفْوُ لَمْ يَنْفَعْ وَلَمْ يَشْكُرِ امْرِؤٌ ... وَجَاشَتْ صُدُورٌ مِنْكُمُ حَشْوُهَا الْغَمْرُ «7»
فَكَيْفَ أُدَاوِي دَاءَكُمْ وَدَواؤُكُمْ ... يَكُونُ لَكُمْ «8» دَاءٌ فَقَدْ عَسِرَ «9» الأَمْرُ
294- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جُوَيْريَةَ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ: ذَكَرَ مُعَاوِيَةُ يَوْمًا الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ فَتَنَقَّصَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَقَالَ: إِنَّهُ يَرَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِمَا أَنْتَ فِيهِ مِنْكَ لِمَكَانَةٍ مِنْ عُثْمَانَ، أَخِيهِ لأُمِّهِ، فَلَمْ يُجِبْهُ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنه، وبلغ الوليد فدخل
__________
(1) س: هيت، والنون مشددة في ط.
(2) أي شؤم ونحس، وهو مأخوذ من قصة قوم صالح الذين رغا فوقهم البكر (ولد الناقة) أو «سقب السماء» انظر الميداني 2: 58.
(3) نسب في الف باء 1: 157 إلى الحسن قوله لمعاوية: «أعطنا من قبل أن نسألك فإنك ان أعطيتنا بعد المسألة كان ثمن وجوهنا ولم نحمدك» .
(4) س: فتعتذر.
(5) س: لقديم.
(6) الشعر في عيون الأخبار 3: 160 والمرزباني: 393 (313) منسوبا لمعاوية نفسه.
(7) روايته في المصدرين:
إذا العذر لم يقبل ولم ينفع الأسى ... وضاقت قلوب منهم حشوها الغمر
(8) في المصدرين: يزيدكم.
(9) في المصدرين: عظم.(5/91)
عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ إِذَا دَبَّتِ الرِّجَالُ إِلَيْكَ فِينَا بِالْبَاطِلِ فَلا تَقْبَلْ مِنْهُمْ مَا لا تعرفنا به، وخذ منّا عفو طَاعَتَنَا، وَلا تُجَشِّمْنَا مَا لا نُرِيدُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إِنِّي لا أَقْبَلُ فِيكُمْ إِلا مَا أَعْرِفُكُمْ بِهِ، وَكُلُّ ذَنْبٍ عَنْكُمْ مَوْضُوعٌ مَا خَلا الْقَدَحَ فِي هَذَا الْمُلْكِ.
295- وَحَدَّثَنِي (731) أَبُو مَسْعُودٍ عَنْ عَوَانَةَ قَالَ: دَخَلَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ الطَّائِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: يَا أَبَا طَرِيفٍ مَتَى ذَهَبَتْ عَيْنُكَ؟ قَالَ: يَوْمَ فَرَّ أَبُوكَ وَقُتِلَ خَالُكَ- يَعْنِي طَلْحَةَ لأَنَّهُ مِنْ بَنِي تَيْمٍ- وَضُرِبْتَ عَلَى قَفَاكَ، وَأَنَا مَعَ الْحَقِّ وَأَنْتَ مَعَ الْبَاطِلِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا بَقِيَ مِنْ حُبِّكَ لِعَلِيٍّ؟ قَالَ: هُوَ عَلَى مَا كَانَ وَكُلَّمَا ذُكِرَ زَادَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا أَبَا طَرِيفٍ مَا نُرِيدُ «1» بِذِكْرِكَ لَهُ إِلا خِلافَهُ، قَالَ: إِنَّ الْقُلُوبَ إِذًا بِيَدِكَ يَا مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّ طَيِّئًا كَانُوا لا يَحُجُّونَ الْبَيْتَ وَلا يُعَظِّمُونَ حُرْمَتَهُ، فَقَالَ عَدِيٌّ: كُنَّا كَمَا قُلْتَ إِذْ كَانَ الْبَيْتُ لا يَنْفَعُ حَجُّهُ وَلا يَضُرُّ تَرْكُهُ «2» ، فَأَمَّا إذ نَفَعَ وَضَرَّ تَرْكُهُ فَإِنَّا نَغْلِبُ النَّاسَ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ طَيِّئٌ وَخَثْعَمٌ لا يَحُجُّونَ فَكَانُوا يُدْعَوْنَ الأَفْجَرَانِ «3» .
296- الْمَدَائِنِيُّ عَن عَبْد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الهمداني قَالَ: دَخَلَ أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ على معاوية فقال له مُعَاوِيَةُ: يَا أَبَا الطُّفَيْلِ أَنْتَ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ؟ قَالَ: لا وَلَكِنِّي مِمَّنْ حَضَرَهُ فَلَمْ يَنْصُرْهُ، قَالَ: وَمَا مَنَعَكَ مِنْ نَصْرِهِ؟ قَالَ: مَنَعَنِي أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ لَمْ يَنْصُرُوهُ، وَلا رأيت أحدا نصره، قال: أو ما طَلَبِي بِدَمِهِ نُصْرَةٌ لَهُ؟ فَضَحِكَ أَبُو الطُّفَيْلِ وَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ أَنْتَ وَعُثْمَانُ كَمَا قَالَ الشاعر:
لألفينّك «4» بعد الموت تندبني ... وفي حياتي ما زودتني زادي
__________
295- راجع ما تقدّم: 181 296- الموفقيات: 154 وابن عساكر 7: 200 والأغاني 23: 419 والمروج 5: 44 والعقد 4: 29 وأسد الغابة 5: 234 وانظر: الخزانة 2: 91 وابن عساكر 5: 137 والامامة 1: 179 (دون البيت) ويرد البيت أيضا فيما يلي رقم: 1366 وديوان عبيد: 70 وابن عساكر 3: 433 ومختارات ابن الشجري: 99 وينسب لحارثة بن بدر الغداني في ابن عساكر 3: 433 (ولعله تمثل به) ، وبعض هذه الفقرة في سير الذهبي 3: 310
__________
(1) م: يريد.
(2) تركه: زيادة من م ط.
(3) كذا في النسخ، وهو صواب.
(4) ط م: لا ألفينك، وهي رواية صحيحة. وفي المصادر: لا أعرفنك.(5/92)
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا أَبَا الطُّفَيْلِ فَمَا بَقِيَ من وجدك بعلي؟ قال: وجد العجوز المقلات وَالشَّيْخِ الرَّقُوبِ، قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ حُبُّكَ لَهُ؟ قَالَ: حُبُّ أُمِّ مُوسَى لِمُوسَى، وَأَشْكُو إِلَى اللَّهِ التَّقْصِيرَ.
297- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَامِرِ بْنِ حَفْصٍ أَنَّ الأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ وَجَارِيَةَ بْنَ قُدَامَةَ وَالْجَوْنَ بْنَ قَتَادَةَ «1» الْعَبْشَمِيَّ وَالْحُتَاتَ بْنَ يَزِيدَ الْمُجَاشِعِيَّ وَفَدُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ: فَوَصَلَهُمْ وَفَضَّلَ الأَحْنَفَ وَجَارِيَةَ، أَعْطَاهُمَا مِائَةَ أَلْفٍ، وَكَانَ الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ وَجَارِيَةُ عَلَوِيَّيْنِ وَكَانَ الْحُتَاتُ مَعَ عَائِشَةَ يَوْمَ الْجَمَلِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَضَّلْتَ مَنْ كَانَ عَلَيْكَ عَلَى مَنْ كَانَ لَكَ، قَالَ: إِنِّي اشْتَرَيْتُ دِينَهُمْ «2» ، قَالَ: وَمِنِّي «3» فَاشْتَرِ دِينِي، فَأَلْحَقَهُ بِهِمَا، فَعَرَضَتْ لَهُ عِلَّةٌ مَاتَ مِنْهَا قَبْلَ قَبْضِهِ صِلَتَهُ، فَحَبَسَ مُعَاوِيَةُ الْمَالَ، فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
أَبُوكَ وَعَمِّي يَا مُعَاوِيَ أَوْرَثَا ... تراثًا فيحتاز التُّرَاثَ أَقَارِبُهْ «4»
فَمَا بَالُ مِيرَاثِ الْحُتَاتِ حَبَسْتَهُ «5» ... وَمِيرَاثُ حَرْبٍ «6» جَامِدٌ لَكَ ذَائِبُهْ
وَلَوْ كَانَ إذ كنّا وللكفّ بسطة ... لصمّم عضب فِيكَ مَاضٍ ضَرَائِبُهْ «7»
فَلَوْ كَانَ هَذَا الأَمْرُ فِي جَاهِلِيَّةٍ ... عَلِمْتَ مَنِ الْمَوْلَى الْقَلِيلُ حَلائِبُهْ
وَلَوْ كَانَ فِي دِينٍ سِوَى ذَا عَرَفْتُمُ ... لَنَا حَقَّنَا «8» أَوْ غَصَّ بِالْمَاءِ شَارِبُهْ
وَكَمْ مِنْ أَبٍ لِي يَا مُعَاوِيَ لَمْ يَزَلْ ... أَغَرَّ يُبَارِي الرِّيحَ مُذْ طَرَّ شَارِبُهْ
نَمَتْهُ فُرُوعُ الْمَالِكَيْنِ «9» وَلَمْ يَكُنْ ... أَبُوكَ الَّذِي مِنْ عَبْدِ شَمْسٍ يُخاطِبُهْ «10»
تَرَاهُ كَنَصْلِ السَّيْفِ يَهْتَزُّ للندى ... جوادا منيع الجار جزلا مواهبه
__________
297- انظر الطبري 2: 96 والنقائض: 608 وأسد الغابة 1: 379 والأغاني 21: 392 وابن الأثير 3: 389 والاشتقاق: 148 وجمهرة العسكري 1: 208، 209 وسرح العيون: 464، 465
__________
(1) ط س: قدامة، وبهامش ط: قتادة.
(2) دينهم: سقطت من س.
(3) س: قال ومني قال (وقال الثانية مزيدة سهوا) وفي النقائض والطبري، قال: وأنا فاشتر مني ديني.
(4) سرح العيون: فأولى بالتراث أقاربه.
(5) في بعض المصادر: أكلته، أخذته.
(6) يروى: صخر.
(7) في أكثر المصادر: مضاربه.
(8) يروى: ولو كان هذا الأمر في غير ملككم لأديته.
(9) هما مالك بن زيد مناة ومالك بن حنظلة.
(10) سرح العيون: يقاربه.(5/93)
فَأُنْشِدَ مُعَاوِيَةُ الشِّعْرَ، فَلَمَّا بَلَغَ إِلَى قَوْلِهِ: «وَلَمْ يَكُنْ أَبُوكَ الَّذِي مِنْ عَبْدِ شَمْسٍ يُخَاطِبُهْ» قَالَ: صَدَقَ وَاللَّهِ، مَا كَانَ قَدْرُهُ أَنْ يُخَاطِبَهُ أَبِي.
وَزَعَمُوا «1» أَنَّ الْفَرَزْدَقَ كَانَ بَاعَ جَمَلا وَصَرَّ ثَمَنَهُ، فَعَيَّرَهُ رَجُلٌ بَصُرَهُ وَقَالَ: (732) لَوْ كُنْتَ كَرِيمًا مَا صَرَرْتَ هَذَا الصَّرَ، فَرَمَى بِالدَّرَاهِمِ وَنَثَرَهَا حَتَّى انْتَهَبَهَا النَّاسُ، وبلغ ذلك زيادا فقال: هذا أحمق يغري «2» النَّاسَ بِالنَّهْبِ، فَطَلَبَهُ فَلَمْ يُوجَدْ وَبَلَغَهُ هَذَا الشِّعْرُ فَقَالَ: مَنْ صَاحِبُهُ؟ فَقِيلَ: الَّذِي نَثَرَ الدَّرَاهِمَ، فَجَدَّ فِي طَلَبِهِ، فَكَانَ يَهْرُبُ مِنَ الْبَصْرَةِ إِلَى الْكُوفَةِ، وَمِنَ الْكُوفَةِ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ زِيَادًا كَانَ يَأْتِي هَذِهِ مَرَّةً وَهَذِهِ مَرَّةً.
وَكَانَ الْمَنْصُورُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا ذَكَرَ شِعْرَ الْفَرَزْدَقِ فِي مُعَاوِيَةَ قَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ مُعَاوِيَةَ «3» وَرَأْيَهُ، مَا كَانَ هَذَا لِحِلْمٍ «4» وَمَا كَانَ إِلا ضَعْفًا.
298- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ ابن أم الحكم ليزيد بْن مُعَاوِيَة: خالي من قريش وخالك من كلب، فشكاه يزيد إلى مُعَاوِيَة، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قل له فجئني بأب مثل خالك.
299- ولما مات سَعِيد بْن العاص قَالَ مُعَاوِيَةُ لعمرو بْن سَعِيد: إلى من أوصى بك أبوك؟ قال: أوصى إلي ولم يوص بي، فَقَالَ: إنه الأشدق.
300- حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن عَوَانَةَ، وَذَكَرَهُ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: يَا بَنِي هَاشِمَ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ تَقَلَّدْتُمْ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ كَفَرْمِ الإِمَاءِ الْعَوَارِكَ، وَأَطَعْتُمْ فُسَّاقَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فِي عَيْبِهِ، وَأَجْزَرْتُمُوهُ مُرَّاقَ
__________
298- راجع ما تقدم رقم: 185 299- سيرد خبر عمرو بن سعيد فيما يلي رقم: 1132، وانظر البيان 1: 316، 2: 112 والمعارف: 296 وعيون الاخبار 1: 235 والعقد 2: 189- 190 وربيع الأبرار: 143/ أوشرح البسامة: 203 300- تاريخ الاسلام 2: 238 وسير الذهبي 3: 49 وراجع ما تقدم رقم: 133 وانظر ما يلي رقم: 315 وفي تحريض عمرو على عثمان انظر ما يلي رقم: 1438
__________
(1) انظر ما يلي رقم: 591
(2) ط م: يضري.
(3) قال قبح الله معاوية: سقط من س.
(4) س: الحلم.(5/94)
أَهْلِ مِصْرَ، وَآوَيْتُمْ قَتَلَتَهُ، وَإِنَّمَا نَظَرَ النَّاسُ إِلَى قُرَيْشٍ، وَنَظَرَتْ قُرَيْشٌ إِلَى بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَنَظَرَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمُعَاوِيَةَ: مَا تَكَلَّمَ عَمْرٌو إِلا عَنْ رَأْيِكَ، وَإِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ أَنْ لا يَتَكَلَّمَ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ لأَنْتُمَا، أَمَّا «1» أَنْتَ يَا مُعَاوِيَةُ فَزَيَّنْتَ لَهُ مَا صَنَعَ، حَتَّى إِذَا حُصِرَ طَلَبَ نَصْرَكَ، فَأَبْطَأْتَ عنه وَتَثَاقَلْتَ وَأَحْبَبْتَ قَتْلَهُ، وَتَرَبَّصْتَ لِتَنَالَ مَا نِلْتَ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا عَمْرُو فَأَضْرَمْتَ الْمَدِينَةَ عَلَيْهِ نَارًا، ثُمَّ هَرَبْتَ إِلَى فِلَسْطِينَ، فَأَقْبَلْتَ تُحَرِّضُ عَلَيْه الْوَارِدَ وَالصَّادِرَ، فَلَمَّا بَلَغَكَ قَتْلُهُ دَعَتْكَ عَدَاوَةُ عَلِيٍّ إِلَى أَنْ لَحِقْتَ بِمُعَاوِيَةَ، فَبِعْتَ دِينَكَ مِنْهُ بِمِصْرَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: حَسْبُكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، عَرَّضَنِي لَكَ وَنَفْسَهُ فَلا جُزِيَ خَيْرًا.
301- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَرَادَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مُعَاوِيَةَ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مِصْرَ طُعْمَةً وَيُبَايِعَهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنِّي لا أُحِبُّ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ إِنَّكَ إِنَّمَا بَايَعْتَنِي عَلَى تَأْمِيرٍ لَكَ وَشَكْمٍ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِيَوْمِ مَسْأَلَةٍ، وَقَدْ تَدَانَتِ الأُمُورُ بِكَ فَلا تَدْبُرَنَّ بَعْدَ إِقْبَالِهَا، فَقَالَ عَمْرٌو: يَا مَرْوَانُ قَدِمْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَأَمْرُهُ زَلِقٌ دَحْضٌ مُنْفَرِجٌ انْفِرَاجَ الْقَتَبِ «2» ، فَمَا بَرِحْتُ أُبْرِمُهُ قُوَّةً بَعْدَ قُوَّةٍ حَتَّى تَرَكْتُهُ عَلَى مِثْلِ دَائِرَةِ الْفُلْكَةِ، وَلَعَمْرُ اللَّهِ إِنْ تَرَكْتُهُ وَالشُّبَهَ الْمُشْكِلاتِ لَتَهِنَّنَّ «3» قُوَاهُ حَتَّى يُدْبِرَ عَنْهُ مَا قَدْ تَدَانَى مِنْهُ، فَقَالَ مَرْوَانُ: إِنْ يَكُنِ اللَّهُ قَدْ سَهَّلَ بِكَ أَمْرًا، فَمِثْلُكَ سَهَّلَ اللَّهُ بِهِ الْوَعْرَ وَأَعَانَ بِهِ عَلَى حُسْنِ الْعَاقِبَةِ، فَقَارِبْهُ فَإِنَّهُ مُؤَاتِيكَ، ثُمَّ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّ الأُمُورَ قَدْ لَزِمَ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَاكْمِشْ أَمْرَكَ، وَاكْتُبْ لَهُ بِمَا أَرَادَ، فَلَيْسَ مِثْلُ عَمْرٍو يُبْخَلُ عَلَيْهِ بِالْجَزِيلِ يَطْلُبُهُ، فَكَتَبَ لَهُ، وَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِلْكَاتِبِ «4» : اكْتُبْ لا يَنْقُضُ «5»
شَرْطَ طَاعَةٍ، فَقَالَ عَمْرٌو: لا وَلَكِنِ اكْتُبْ وَلا تَنْقُضُ طَاعَةً شَرْطًا.
فَلَمَّا قُتِلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا بمصر، غلب عمرو عليها،
__________
(1) س: انما.
(2) م: البيت.
(3) م: لتهتز.
(4) انظر الكامل: 325 والعقد 4: 345 وشرح النهج 2: 67
(5) س م: تنقض (والتاء غير منقوطة في ط) .(5/95)
وَاسْتَقَامَتِ الأُمُورُ لِمُعَاوِيَةَ، فَلَمْ يَحْمِلْ عَمْرٌو إِلَيْهِ مِنْهَا شَيْئًا، فَكَانَ أَهْلُ مُعَاوِيَةَ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى عَمْرٍو فِي هَدَايَا (733) مِصْرَ فَيَقُولُ: عَمْرٌو «1»
جَمُوحٌ طَمُوحٌ مَنُوعٌ، فَاعْفُونِي مِنَ الْكِتَابِ إِلَيْهِ وَاكْتُبُوا أَنْتُمْ، فَكَانُوا يَكْتُبُونَ إِلَيْهِ فَلا يَبْعَثُ إِلَيْهِمْ بِشَيْءٍ، فَقَالُوا لِمُعَاوِيَةَ:
اعْزِلْهُ، فَقَالَ: أَمَّا عَزْلُهُ فَلا، وَلَكِنِّي أُرَوِّعُهُ بِالْقُدُومِ فَإِنَّهُ شَبِيهٌ بِالْعَزْلِ لَهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ فَقَدِمَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا عَمْرُو بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُومُ عَلَى مِنْبَرِ مِصْرَ فَتَذْكُرُ بَلاءَكَ بِصِفِّينَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ للَّهِ فَأَجْرُكَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِلدُّنْيَا فَقَدْ أَعْظَمْنَا مُكَافَأَتَكَ، فَهَلْ عَلِمْتَ أَنَّكَ قَدْ نَقَضْتَ شَرْطَكَ لِرَدِّكَ كُتُبِي؟ قَالَ: مَا رَدَدْتُ لَكَ كِتَابًا أَعْلَمُ أَنُّه مِنْكَ، وَلَكِنَّهُ كَانَتْ تَأْتِينِي كُتُبٌ عَلَى لِسَانِكَ، فَأَمَّا قِيَامِي عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمْ أُرِدْ بِهِ مَنًّا عَلَيْكَ، وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنِّي أَعْظَمْتُ مُكَافَأَتَكَ بِمِصْرَ فَعَلَيْهَا بَايَعْتُكَ، قَالَ: انْصَرِفْ إِلَى رَحْلِكَ، فَانْصَرَفَ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ أَزَلْ أَقْدَحُ فِي غَارِبِ خَيْرٍ بِمِصْرَ حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْكَ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أُحْضِرَكَ مَا قَدِمْتُ بِهِ لِتَرَى فِيهِ رَأْيَكَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ مَالَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِذَا دُعِيتَ إِلَى مَأْدُبَةِ قَوْمٍ أَوْ قَالَ مَائِدَةِ قَوْمٍ- فَقَدْ عَدَّكَ أَهْلُهَا مِمَّنْ يَأْكُلُ، فَإِنْ شِئْتَ فَكُلْ وَإِنْ شِئْتَ فَجُعْ، وَمَا أَعْطَيْتُكَ مِصْرَ إِلا لأَنْفَعَكَ، فَارْجِعْ إِلَى عَمَلِكَ.
302- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي زَكَرِيَّا الْعَجْلانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ يُرِيدُ الْحَجَّ، [فَلَقِيَهُ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ لَهُ: يَا مُعَاوِيَةُ قَدْ بَلَغَنِي ذِكْرُكَ وَذِكْرُ ابْنِ النَّابِغَةَ بَنِي هَاشِمٍ بِالْعُيُوبِ، فَارْجِعْ إِلَى نَفْسِكَ وَسَلِّطِ الْحَقَّ عَلَيْهَا، فَإِنَّك تَجِدُ أَعْظَمَ عُيُوبِهَا أَصْغَرُ عَيْبٍ فِيكَ، لَقَدْ تَنَاوَلْتَنَا بِالْعَدَاوَةِ وَأَطَعْتَ فِينَا عمرا، فو الله مَا قَدُمَ إِيمَانُهُ وَلا حَدُثَ نِفَاقُهُ، وَاللَّهُ مَا يَنْظُرُ لَكَ وَلا يُبْقِي عَلَيْكَ، فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ أَوْ دَعْ] .
303- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ غَسَّانِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ: قُمْ فَاذْكُرْ عَلِيًّا وَتَنَقَّصْهُ، فَقَامَ شَدَّادٌ فَقَالَ: الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي افْتَرَضَ طاعته،
__________
303- عيون الاخبار 1: 56 والبيان 4: 69 وشرح النهج 4: 322 والعقد 4: 135 وقوله «إن الدنيا أجل حاضر ... والفاجر» في ابن عساكر 6: 291 وقوله: «وان الله إذا أراد ... بخلائهم» في الحسن البصري لابن الجوزي: 50
__________
(1) ط: عمرا (دون إنّ قبلها) .(5/96)
وَجَعَلَ فِي التَّقْوَى رِضَاهُ، عَلَى ذَلِكَ مَضَى أَوَّلُ الأُمَّةِ، وَعَلَيْهِ يَمْضِي آخِرُهُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الآخِرَةَ وَعْدٌ صَادِقٌ، يَحْكُمُ فِيهَا مَلِكٌ قَادِرٌ، وَإِنَّ الدُّنْيَا أَجَلٌ «1»
حَاضِرٌ، يَأْكُلُ فِيهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَإِنَّ السَّامِعَ الْمُطِيعَ لا حُجَّةَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ السَّامِعَ الْعَاصِي لا حُجَّةَ لَهُ «2»
، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِالنَّاسِ صَلاحًا عَمَّلَ «3»
عَلَيْهِمْ صُلَحَاؤُهُمْ، وَقَضَى بَيْنَهُمْ فُقَهَاؤُهُمْ، وَجَعَلَ الْمَالَ فِي سُمَحَائِهِمْ، وَإِذَا أَرَادَ بِالْعِبَادِ شَرًّا عَمَّلَ عَلَيْهِمْ سُفَهَاؤُهُمْ، وَقَضَى بَيْنَهُمْ جُهَلاؤُهُمْ، وَجَعَلَ الْمَالَ عِنْدَ بُخَلائِهِمْ، وَإِنَّ مِنْ صَلاحِ الْوُلاةِ أَنْ تَصْلُحَ قَرَابِينُهَا «4»
وَوُزَرَاؤُهَا، نَصَحَكَ يَا مُعَاوِيَةُ مَنْ أَسْخَطَكَ بِالْحَقِّ، وَغَشَّكَ مَنْ أَرْضَاكَ بِالْبَاطِلِ، فَكَرِهَ معاوية أن يجيء بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ فَقَالَ: اجْلِسْ رَحِمَكَ اللَّهُ، وَأَمَرَ لَهُ بِمَالٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَلَسْتَ مِنَ السُّمَحَاءِ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ مِنْ مَالِكَ دُونَ مَالِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا تَعَهَّدْتَهُ عِنْدَ جَمْعِهِ مَخَافَةَ تَبِعَتِهِ، وتعهّده لَكَ مَنْ مَحَضَّكَ النُّصْحَ وَآثَرَ الْحَقَّ، وَإِنْ كُنْتَ أَصَبْتَهُ اقْتِرَافًا وَأَنْفَقْتَهُ إِسْرَافًا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ (الإسراء: 27) .
304- وقال العتبي: دخل عبد الرحمن بن سيحان «5»
، وَكَانَ أَبُوهُ حَلِيفًا لِحَرْبٍ، عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: قُلْتُ:
إِنِّي لأَشْرَبُهَا «6» حتى تميل بنا ... كما تمايل وسنان بوسنان
قَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَشْرَبَ الْخَمْرَ وَأَصِفَهَا، وَلَكِنِّي الَّذِي أَقُولُ:
عَمَدْتُ بِحِلْفِي لِلطِّوَالِ «7» وَلِلذُّرَى ... ولم تلقني «8»
كالنّسي في ملتقى الحرب
__________
304- انظر ما يلي رقم: 389 والأغاني 2: 221، 224، 225 (وقد تنسب الأبيات لعبد الرحمن بن أرطاة) .
__________
(1) البيان والعقد: عرض.
(2) وإن السامع العاصي ... له: سقط من م.
(3) م وهامش س: استعمل ... صلحاءهم، وفي ط: عمل، وبهامش النسخة: خ استعمل.
(4) هامش ط: جمع قربان، وفي البيان والعيون: قرناؤها.
(5) ط م س: شيحان (ووردت سيحان في ف 389) .
(6) الأغاني وف 389: إنا لنشربها.
(7) ف 389: للمعالي.
(8) ف 389: تلفني.(5/97)
فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ لأَبِيهِ: مَا يَمْنَعُكَ مِنْ ضَرْبِهِ مِائَةَ سَوْطٍ؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ أَضْرِبُهُ وَهُوَ حَلِيفُ مُعَاوِيَةَ؟! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِسَعِيدٍ: أَمْرُكَ أَحْمَقُكَ أَنْ تَضْرِبَ حَلِيفِي، واللَّهِ لَوْ ضَرَبْتَهُ مِائَةَ سَوْطٍ لَضَرَبْتُكَ مِائَتَين، وَلَوْ قَطَعْتَ يَدَهُ لَقَطَعْتُ يَدَيْكَ، قَالَ: (734) غَفْرًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنَّكَ ضَرَبْتَ حَلِيفَكَ عَمْرَو بْنَ جَبَلَةَ، قَالَ: إِنِّي آكُلُ لَحْمِي وَلا أُوكِلُهُ «1» .
305- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ لِشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ: أَنَا أَفْضَلُ أَمْ عَلِيٌّ، وَأَيُّنَا أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَلِيٌّ أَقْدَمُ إِسْلامًا وَهِجْرَةً، وَأَكْرَمُ بَيْتًا وَعِتْرَةً، وَأَقْدَمُ لِنَبِيِّ اللَّهِ نُصْرَةً، وَأَشَدُّ إِلَى الْخَيْرِ سَبْقًا، وَأَشْجَعُ نَفْسًا وَأَسْلَمُ قَلْبًا، وَأَمَّا الْحُبُّ فَقَدْ مَضَى عَلِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَأَنْتَ الْيَوْمَ عِنْدَ النَّاسِ أَرْجَى مِنْهُ.
306- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لرجل من اليهود: هل تروي من شعر أبيك شيئًا؟ قَالَ: أي شعره أردت؟ قَالَ: أبياتًا كانت قريش تستحسنها، فأنشده:
هل أضرب الكبش فِي ملمومة قدمًا ... أم هل سمعت بشر كان لي نشرًا
أم هل يلومنني «2» قوم إذا نزلوا ... أم هل يقولن «3»
يومًا قائل بسرا
نقريهم الوجه ثم البشر «4»
يتبعه ... لا يمنع العرف منا قل أو كثرا
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أنا أحق بهذا الشعر من أبيك، فَقَالَ اليهودي: لا لعمر اللَّه لأبي أحق بها إذ سبق إليها، فاستلقى مُعَاوِيَة ووضع ساعده على وجهه، فَقَالَ الوليد بْن عقبة وعبد الرحمن بْن أم الحكم: اسكت يا ابْن اليهودية، وشتماه، فَقَالَ: كفا عَنْ شتمي وإلا شتمت صاحب السرير، فرفع مُعَاوِيَة رأسه ضاحكًا ثم قَالَ: كفا عنه يكفّ عنّي، ثمّ قال
__________
305- عيون الأخبار 2: 211 وابن عساكر 6: 291 306- حماسة الخالديين 2: 100 (ونسب الشعر لأعرابي) .
__________
(1) انظر الفاخر: 55
(2) م: يلومونني.
(3) م: تقولن.
(4) ط م س: الشر.(5/98)
لليهودي «1»
: إنكم أهل بيت تجيدون صنعة الهريسة فِي الجاهلية، فكيف صنعتكم لها اليوم؟ قَالَ: نحن اليوم «2»
يا أمير المؤمنين لها أجود صنعة، قَالَ: فاغد بها علي، وأمر له بأربعة آلاف درهم. فخرج، فَقَالَ الوليد وعبد الرحمن: كذبك وتأمر له بجائزة؟! قَالَ:
أنتما أجزتماه بما شتمتماه، فأردت أن أسل سخيمته، وغدا بالهريسة فأكلها مُعَاوِيَة.
307- حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن عوانة قال: أغزى مُعَاوِيَة الناس، فحمل اليمانية فِي البحر، وحمل مضر فِي البر، فَقَالَ رجل من صداء متهدّدا لمعاوية:
يا أيّها القوم الذين تجمعوا ... بعكا أناس أنتم أم أباعر
أتترك قيس «3» ترتعي فِي بلادكم ... ونحن نسامي البحر والبحر زاخر
فو الله ما أدري وإني لسائل ... أكنده تحمي أصلنا «4»
أم يحابر «5»
أم الغر من حيي قضاعة إنهم «6»
هم أصلنا لو تستمر المرائر
أما كان في همدان حامي حقيقة ... ولا كان فِي عك ولا فِي الأشاعر
فبلغ مُعَاوِيَة الشعر فَقَالَ: حتى صداء تهددني. ويقال إن مُعَاوِيَة غرب قومًا من اليمانية فحملهم فِي البحر، فَقَالَ شاعرهم هذا الشعر، وكان يقال ليزيد بْن يزيد بن حرب بن علة «7»
: صداء.
308- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَوَانَةَ قَالَ: قَدِمَ زِيَادٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَمَعَهُ شَرِيكُ بْنُ تَمَّامٍ الْحَارِثِيُّ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ يَا أبا المغيرة؟ فقال شريك: لم أر لك هفوة قبل
__________
307- الخزانة 1: 467 والأغاني 20: 172 (والأبيات للنجاشي) وابن عساكر 5: 301 308- عيون الأخبار 1: 90
__________
(1) انظر الفقرة: 44 فيما تقدم حيث قدم سعية بن غريض الحيس لمعاوية.
(2) اليوم: سقطت من م.
(3) ابن عساكر: أنترك قيسا.
(4) المصادر: أهمدان ... ضيمها.
(5) هامش ط: يحابر هو مرّ بن أد بن مالك.
(6) س: أيهم.
(7) س: عكة، وانظر جمهرة ابن حزم: 413 والاشتقاق: 397(5/99)
هذه، قال: وما رَأَيْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ؟ قَالَ: إِنْكَارُكَ مِثْلِي «1»
مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:
عَسَى أَنْ تَكُونَ مَعْرِفَتِي إِيَّاكَ مُتَفَرِّقَةً، أَعْرِفُ وَجْهَكَ إِذَا حَضَرْتَ فِي الْوُجُوهِ الْحَاضِرَةِ، وَأَعْرِفُ اسْمَكَ إِذَا ذُكِرْتَ فِي الأَسْمَاءِ الْكَافِيَةِ، فَلا أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ هُوَ لِذَلِكَ الاسْمِ، فَمَا اسْمُكَ تَجْتَمِعُ لِي مَعْرِفَتُكَ؟ قَالَ: أَنَا شَرِيكُ بْنُ تَمَّامٍ الْحَارِثِيُّ، فقال معاوية:
الآن عرفتك.
309- المدائني عن عَوَانَةُ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِيَزِيدَ: يَا بُنَيَّ احْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ:
أَكْرَمُ أَهْلَ مَكَّةٍ وَالْمَدِينَةَ فَإِنَّهُمْ أَصْلُكَ وَمَنْصِبُكَ، وَمَنْ أَتَاكَ مِنْهُمْ (735) فَأَكْرِمْهُ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِكَ فَابْعَثْ إِلَيْهِ بِصِلَةٍ، وَانْظُرْ أَهْلَ الْعِرَاقِ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ طَعْنٍ عَلَى أُمَرَائِهِمْ وَمَلالَةٍ لَهُمْ، فَإِنْ سَأَلُوكَ أَنْ تبدل «2»
كلّ يوم أميرا فَافْعَلْ، وَانْظُرْ أَهْلَ الشَّامِ فَلْيَكُونُوا عَيْبَتَكَ «3»
وَحِصْنَكَ، فَمَنْ رَابَكَ أَمْرُهُ «4»
فَارْمِهِ بِهِمْ، فَإِذَا فَرَغُوا فَأَقْفِلْهُمْ فَإِنِّي «5»
لا آمَنُ النَّاسَ عَلَى إِفْسَادِهِمْ، وَقَدْ كَفَاكَ اللَّهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَيْسَ يُخَالِفُ عَلَيْكَ «6»
غَيْرُ الْحُسَيْنِ وَابْنُ الزُّبَيْرِ- فَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَقَدْ وَقذه الإِسْلامُ «7»
- وَأَمَّا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَخَبَّ خَدَعَ، فَإِذَا هُوَ شَخَصَ لَكَ فَالْبَدْ لَهُ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ عَلَى الْمُطَاوَلَةِ، وَأَمَّا الْحُسَيْنُ فَلَسْتُ أَشُكُّ فِي وُثُوبِهِ، ثُمَّ يَكْفِيكَهُ اللَّهُ بِمَنْ قَتَلَ أَبَاهُ وَجَرَحَ أَخَاهُ، إِنَّ بَنِي أَبِي طَالِبٍ مَدُّوا أَعْنَاقَهُمْ إِلَى غَايَةٍ أَبَتِ الْعَرَبُ أَنْ تُعْطِيَهُمْ إِيَّاهَا، وَهُمْ مَحْدُودُونَ «8» .
310- حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَن الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنِ عَوَانَةَ قَالَ: هَجَا عُقَيْبَةُ بْنُ هُبَيْرَةَ الأَسَدِيُّ عَمْرَو بْنَ قَيْسٍ الأَسَدِيُّ فَقَالَ:
__________
309- انظر ما يلي رقم: 408، 409، 411 وابن الأثير 4: 3 والبيان 2: 131 والعقد 4: 87 وأبو الفداء 1: 372 310- المجتنى: 38
__________
(1) س: لمثلي.
(2) م: تتبدل.
(3) م: عتبتك (والتاء غير معجمة في ط) .
(4) العقد والبيان: فان رابك من عدو ريب، الطبري: فان نابك.
(5) س: فان.
(6) الطبري والعقد والبيان والفقرة: 409: فلست أخاف عليك.
(7) يريد أنه لن يخالف، وفي ف 408 عدّ ابن عمر أحد الثلاثة.
(8) قوله «وهم محدودون» قد مرّ في ف: 183، م: محددون.(5/100)
لعمرك إنّ اللؤم خِدْنٌ وَصَاحِبٌ ... لِعَمْرِو بْنِ قَيْسٍ مَا دَعَا اللَّهَ رَاغِبُ
تَرَاهُ عَظِيمًا ذَا رِوَاءٍ وَمَنْظَرٍ ... وَأَجْبَنُ مِنْ مَنْزُوفٍ «1» إِنْ صَاحَ «2»
نَاعِبُ
شُجَاعٌ عَلَى جِيرَانِهِ وَصَدِيقِهِ ... وَأَجْرَأُ مِنْهُ فِي اللِّقَاءِ الثَّعَالِبُ
فَشَكَاهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قَدْ هَجَانَا بِأَشَدَّ مِنْ هَذَا، فَقَالَ:
أَرَى ابْنَ أبي سفيان يزجي جياده ... ليغزو عليّا ظلّة وَتَحَامُقَا
وَبِئْسَ الْفَتَى فِي الْحَرْبِ يَوْمًا إِذَا بَدَتْ ... بَرَازِيقُ خَيْلٍ يَتَّبِعْنَ بَرَازِقَا
فَهَلُمَّ نَدْعُو اللَّهَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَمَا غَيْرُ هَذَا؟ قَالَ: لا، وَإِنْ شِئْتَ هَجَوْتَهُ.
311- حَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: دَخَلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا أَخَذَ مَجْلِسَهُ قَالَ مُعَاوِيَةُ: عَجَبًا لِعَائِشَةَ تَزْعُمُ أَنِّي فِي غَيْرِ مَا أَنَا أَهْلُهُ، وَأَنَّ الَّذِي أَصْبَحْتُ فِيهِ لَيْسَ لِي بِحَقٍّ، مَا لَهَا وَلِهَذَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَهَا، إِنَّمَا كَانَ يُنَازِعُنِي فِي هَذَا الأَمْرِ أَبُوكَ، وَقَدِ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهِ، فقال الحسن: [أو عجب هَذَا «3» يَا مُعَاوِيَةُ؟
قَالَ: أَيْ وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَعَجَبٌ، قَالَ: أَفَلا أُنَبِّئُكَ بِأَعْجَبَ مِنْهُ؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ:
جُلُوسُكَ فِي صَدْرِ الْمَجْلِسِ، وَأَنَا عِنْدَ رِجْلَيْكَ، فَضَحِكَ] مُعَاوِيَةُ ثُمَّ قال «4» : يا ابن أَخِي بَلَغَنِي أَنَّ عَلَيْكَ دَيْنًا، قَالَ: إِنَّ عَلَيَّ دَيْنًا، قَالَ: وَكَمْ هُوَ؟ قَالَ: مِائَةُ ألف، قال: فقد أمرنا لك بثلاثمائة أَلْفٍ، ثُمَّ قَالَ: مِائَةُ أَلْفٍ لِقَضَاءِ دَيْنِكَ، وَمِائَةُ أَلْفٍ تُقَسِّمُهَا فِي أَهْلِ بَيْتِكَ، وَمِائَةُ أَلْفٍ لِخَاصَّةِ بَدَنِكَ، فَاقْبِضْ صِلَتَكَ، فَلَمَّا خَرَجَ الْحَسَنُ قَالَ يَزِيدُ: تَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ رَجُلا اسْتَقْبَلَكَ بِمَا اسْتَقْبَلَكَ بِهِ، ثُمَّ أَمَرْتَ لَهُ بثلاثمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّ الْحَقَّ حَقُّهُمْ، فَمَنْ أَتَاكَ مِنْهُمْ فَاحْثُ لَهُ وَاحْتَفِلْ.
__________
311- شرح النهج 4: 4
__________
(1) في المثل: أجبن من المنزوف ضرطا، انظر الميداني 1: 180 والعسكري 1: 324 والدرة الفاخرة: 108 والمستقصى رقم: 154 واللسان (نزف) والفاخر: 111
(2) س: صاع (اقرأ: ضاع) .
(3) س: أو عجبت لهذا.
(4) انظر ابن عساكر 4: 200 والدميري 1: 50(5/101)
312- حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن عوانة عن عبد الملك بن عمير قَالَ، قَالَ قبيصة بْن ذؤيب «1» الأسدي: ما رأيت أحدا قط أعلم باللَّه من عُمَر بن الخطاب، ولا رأيت أحدا أطول بلاء فِي اللَّه من علي بْن أبي طالب، ولا رأيت أحدا قط أعطى من طلحة، ولا رأيت أحدًا قط أحمل «2» لأحدٍ من مُعَاوِيَة لمصقلة بْن هبيرة «3» ، ولا رأيت أحدًا قط أظهر جلدًا وظرفًا من عمرو بْن العاص، ولا رأيت أحدًا أيسر «4» لصديق فِي عداوة العامة من المغيرة بْن شعبة، ولا رأيت أحدًا قط أخصب رفيقًا ولا أقل أذًى لجليسه من زياد.
313- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ قَالَ: دَخَلَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ عَلَى مُعَاوِيَةَ أَوَّلَ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ يَبْلُغُهُ عَنْهُ مَا يَكْرَهُ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مِمَّنِ الرَّجُلُ؟ قَالَ:
مِنْ نِزَارٍ، قَالَ: وَمَا نِزَارٌ؟ قَالَ: كَانَ إِذَا غَزَا احْتَوَشَ «5» ، وَإِذَا انْصَرَفَ انْكَمَشَ، وَإِذَا لَقِيَ «6» افْتَرَشَ، قَالَ: فَمِنْ أَيِّ (736) وَلَدِهِ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ رَبِيعَةَ، قَالَ: وَمَا رَبِيعَةُ؟ قَالَ: كَانَ يَغْزُو بِالْخَيْلِ، وَيُغِيرُ بِاللَّيْلِ، وَيَجُودُ بِالنَّيْلِ، قَالَ: فَمِنْ أَيِّ رَبِيعَةٍ؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِ أَسَدٍ، قَالَ:
وَمَا أَسَدٌ؟ قَالَ: كَانَ إِذَا طَلَبَ أَفْضَى، وَإِذَا أَدْرَكَ أَرْضَى، وَإِذَا آبَ أَنْضَى، قَالَ: فَمِنْ أَيِّ وَلَدِهِ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ جُدَيْلَةَ، قَالَ: وَمَا جُدَيْلَةُ قَالَ: كَانَ يُطِيلُ «7» النِّجَادَ وَيُعِدُّ الْجِيَادَ وَيُجِيدُ الْجِلادَ، قَالَ: فَمِنْ أَيِّ وَلَدِهِ (أَنْتَ) «8» ؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِ دُعْمِيٍّ (قَالَ) : وَمَا دُعْمِيٌّ؟
(قَالَ) : كَانَ نُورًا سَاطِعًا وَشَرًّا قَاطِعًا وَخَيْرًا نَافِعًا، قَالَ: فَمِنْ أيّ ولده أنت؟ قال: من
__________
312- انظر ما يلي رقم: 347 والطبري 2: 215 والنجوم الزاهرة 1: 64، 72 وابن عساكر 5: 413 والتهذيب 8: 345 وابن كثير 8: 135 والعثمانية: 95 وتاريخ الاسلام 2: 239، 3: 60 وسير الذهبي 3: 21، 49 وسراج الملوك: 127 ورقم: 749 في ما يلي.
313- أمالي القالي 2: 226، 3: 25 وابن عساكر 6: 425- 426 والمروج 5: 96 وصبح الأعشى 1: 255
__________
(1) سيرد في ف 347: قبيصة بن جابر، وهي الرواية نفسها، ففي أحد الموضعين سهو.
(2) س: أجمل.
(3) انظر تحمل معاوية لشطط مصقلة في ف: 265
(4) ط م س: أسر.
(5) النويري والأمالي: انحوش.
(6) س: ألقى.
(7) م: يعطي.
(8) كل ما يرد بين معقفين فهو زيادة عن الأمالي.(5/102)
وَلَدِ أَفْصَى، قَالَ: وَمَا أَفْصَى؟ قَالَ: كَانَ يُنْزِلُ الْقَارَاتِ وَيُغِيرُ الْغَارَاتِ وَيَحْمِي الْجَارَاتِ، قَالَ: فَمِنْ أَيِّ وَلَدِهِ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، قَالَ: وَمَا عَبْدُ الْقَيْسِ؟
(قَالَ) : أَبْطَالُ ذَادَةَ جَحَاجِحَةٌ سَادَةٌ صَنَادِيدُ قَادَة، قَالَ: فَمِنْ أَيِّ وَلَدِهِ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِ أَفْصَى، قَالَ: وَمَا أَفْصَى؟ (قَالَ) : كَانَتْ رِمَاحُهُمْ مُشْرَعَةً وقدورهم مُتْرَعَةٌ وَجِفَانُهُمْ مُشْبِعَةٌ «1» ، قَالَ: فَمِنْ أَيِّ وَلَدِهِ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِ عَمْرٍو، قَالَ: وَمَا عَمْرٌو؟
قَالَ: كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ السَّيْفَ وَيَكْرِمُونَ الضَّيْفَ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، قَالَ: فَمِنْ أَيِّ وَلَدِهِ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِ لُكَيْزٍ، (قَالَ) : وَمَا لُكَيْزٌ؟ (قَالَ) : كَانَ يُبَاشِرُ الْقِتَالَ وَيُعَانِقُ «2» الأَبْطَالَ ويبذّر «3» الأموال، قَالَ: فَمِنْ أَيِّ وَلَدِهِ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِ عِجْلٍ، (قَالَ) :
وَمَا عِجْلٌ؟ (قَالَ) : اللُّيُوثُ الضراغمة الملوك القماقمة القروم القشاعمة، قَالَ: فَمِنْ أَيِّ وَلَدِهِ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ ذُهْلِ بْنِ عَجْلانَ «4» ، (قَالَ) : وَمَا ذُهْلٌ؟ (قَالَ) : كَانَ يَغْشَى «5» الْحَرْبَ وَيُجِيدُ الضَّرْبَ وَيَكْشِفُ الْكَرْبَ، قال: يا ابن صُوحَانَ مَا تَرَكْتَ لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ شَيْئًا، قَالَ: تَرَكْتُ لَهُمْ أَكْثَرُهُ وَأَكْبَرُهُ، تَرَكْتُ لهم الوبر والمدر والأبيض وَالأَصْفَرَ وَالصَّفَا وَالْمَشْعَرَ وَالسَّرِيرَ وَالْمِنْبَرَ وَالْمُلْكَ إِلَى المحشر، قال «6» : يا ابن صُوحَانَ لَقَدْ كَانَ يَسُوءُنِي «7» أَنْ أَرَاكَ خَطِيبًا «8» ، قَالَ: وَأَنَا وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ يَسُوءُنِي أَنْ أَرَاكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ «9» ، فَرَدَّهُ وَوَصَلَهُ. قَالُوا: هُوَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ بْنِ حَجَرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْهَجْرَسِ بْنِ صَبْرَةَ بْنِ حَدْرَجَانَ بْنِ عَسَّاسِ بْنِ لَيْثِ بْنِ حَدَّادِ بْنِ ظَالِمِ بْنِ ذُهْلِ بْنِ عِجْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وديعة ابن لُكَيْزِ بْنِ أَفْصَى بْنِ عَبْدِ الْقَيْسِ بْنِ أفصى بْن دعمى بْن جديلة بْن أسد بن ربيعة «10» ابن نزار.
__________
(1) الأمالي: مفرغة
(2) ابن عساكر: ويعاشر.
(3) الأمالي: ويبدد.
(4) الأمالي: من كعب وما كعب.
(5) الأمالي: يسعر.
(6) انظر سير الذهبي 3: 346 وتاريخ الاسلام 2: 293
(7) الذهبي: إن كنت لأبغض.
(8) الأمالي: أسيرا.
(9) الأمالي وابن عساكر: أن أراك أميرا، الذهبي: خليفة.
(10) س: زمعة.(5/103)
314- المدائني عن عتاب بْن إبراهيم أن مُعَاوِيَة استعمل على الصائفة وقد جاشت الروم عَبْد الرَّحْمَنِ بْن خَالِد بْن الْوَليِد وكتب لَهُ عهدا ثُمَّ قَالَ له: ما تصنع بعهدي هذا؟
قَالَ: أتخذه إمامًا فلا أتجاوزه، قَالَ: رد علي عهدي، فَقَالَ: أتعزلني ولم تخبرني؟ أما واللَّه لو كنا ببطن مَكَّة عَلَى السواء ما فعلت بي هذا، فَقَالَ: لو كنا ببطن مَكَّة كنت مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان بْن حرب، وكنت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن خَالِد بْن الْوَليِد، وَكَانَ منزلي بالأبطح، وَكَانَ منزلك بأجياد، أعلاه مدرة وأسفله عذرة. ثُمَّ بعث إِلَى سُفْيَان بْن عوف الغامدي فَقَالَ له: قد وليتك الصائفة وَهَذَا عهدي، فما أنت صانع به؟ قَالَ: اتخذه إماما مَا أم الحزم، فإذا خالفه أعملت رأيي «1» ، وباللَّه التوفيق. قَالَ مُعَاوِيَةُ:
أنت لها، فلما ودعه قَالَ: هذا واللَّه الذي لا يدفع عَنْ نطق، وَلا يكفكف من عجلة، وَلا يضرب عَلَى الأمور ضرب الجمل الثفال، فغزا بالناس الصائفة، ثم هلك فاستخلف عبد الرحمن بْن مسعدة الفزاري وَقَالَ لَهُ: احرص عَلَى أن ترجع بالناس سالمين، فغزا بهم فأصيبوا ورجع منهزما، وقد كَانَ الشاعر قَالَ فِيهِ «2» :
أقم يا ابْن مسعود قناة قويمة «3» ... كما كَانَ سُفْيَان بْن عَوْفٍ يقيمها
وسمْ يَا ابْن مَسْعُود مدائن قيصر ... كما كَانَ سُفْيَان بْن عَوْفٍ يسومها
(737) فلما قدم عَلَى مُعَاوِيَة قَالَ: «أقم يا ابْن مسعود» فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قرنتني إِلَى رجل قل أشباهه فِي حزمه، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إن من فضلك عندي معرفتك بفضل من هُوَ أفضل منك، ولكنك قلت هذه أول ولا يأتي ومحني فحرصت فغررت، والله يغفر لك.
__________
314- العقد 1: 132 وابن عساكر 6: 182 وبعضه في عيون الأخبار 1: 221 والعقد 4: 47 والبيان 2: 264 والبصائر 3: 165 والموفقيات: 112- 114 ومحاضرات الراغب 1: 96 والاصابة 5: 69، 4: 128 (ترجمة عبد الله بن مسعدة) .
__________
(1) العقد وابن عساكر والاصابة: فإذا خالفه خالفته.
(2) الشعر في المستدرك 3: 446 والأول في الاصابة 3: 107 (ترجمة سفيان بن عوف) ، 4: 128
(3) المستدرك: صليبة.(5/104)
315- المدائني عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكُمْ مَعْشَرَ بَنِي هَاشِمٍ لَسْتُمْ إِلَى أَحَدٍ بِالْمَسَاءَةِ أَسْرَعُ مِنْكُمْ إِلَى أَنْصَارِ عُثْمَانَ، فَإِنْ يَكُ ذَلِكَ لِسُلْطَانِ بَنِي أُمَيَّةَ فَقَدْ وَلِيَهَا بَنُو تَيْمٍ وَعَدِيٍّ فَأَظْهَرْتُمُ الطَّاعَةَ، وَقَدْ وَقَعَ مِنَ الأَمْرِ ما ترى معما كَانَ مِنْ وَقْعَةِ الْبَصْرَةِ «1» الَّتِي لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ عَظِيمِ الْمَصَائِبِ، وَذَهَابِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَأَخْذِ هَذِهِ الْحَرْبِ مِنَّا وَمِنْكُمْ، حَتَّى اسْتَوَيْنَا فِيهَا، وَقَدْ رَجَوْنَا غَيْرَ الَّذِي كَانَ، وَخَشِينَا دُونَ الَّذِي وَقَعَ، وَلَسْتُمْ بِلاقِينَا «2» الْيَوْمَ بِأَحَدٍ مِنْ حَدِّكُمْ أَمْسَ، وَلا غَدًا بِأَحَدٍ مِنْ حَدِّكُمُ الْيَوْمَ، وَقَدْ مُنِعْنَا بِمَا كَانَ مِنَّا الشَّامَ، وَمُنِعْتُمْ «3» بِمَا كَانَ مِنْكُمُ الْعِرَاقَ، فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي قُرَيْشٍ فَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْ رِجَالِهَا سَبْعَةُ «4» نَفَرٍ:
رَجُلانِ بِالشَّامِ وَرَجُلانِ بِالْعِرَاقِ وَثَلاثَةٌ «5» بِالْحِجَازِ، فَأَمَّا الَّذِي بِالْحِجَازِ فَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأَمَّا اللَّذَانِ بِالشَّامِ فَأَنَا وَعَمْرٌو، وَأَمَّا اللَّذَانِ بِالْعِرَاقِ فَعَلِيٌّ وَأَنْتَ، وَمِنَ السَّبْعَةِ رَجُلانِ نَاصِبَانِ وَرَجُلانِ مُدْبِرَانِ وَثَلاثَةٌ وُقُوفٌ عَنَّا وَعَنْكَ «6» ، وَأَنْتَ رَأْسُ هَذَا الْجَمْعِ الْيَوْمَ، وَلَوْ بَايَعَ النَّاسُ لَكَ بَعْدَ عُثْمَانَ كُنَّا إِلَيْكَ أَسْرَعُ مِنَّا إِلَى عَلِيٍّ وَالسَّلامُ. فَلَمَّا قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ كِتَابَهُ ضَحِكَ ثُمَّ قَالَ: حَتَّى مَتَى يَخْطُبُ إِلَيَّ مُعَاوِيَةُ عَقْلِي وَأُجَمْجِمُ «7» لَهُ عَمَّا فِي نَفْسِي؟! ثُمَّ كَتَبَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ عَبْد اللَّهِ ابن عَبَّاسٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ أَتَانِي كِتَابُكَ، فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ سُرْعَتِنَا إِلَى أَنْصَارِ عُثْمَانَ بِسُلْطَانِ «8» بَنِي أُمَيَّةَ فَقَدْ أَدْرَكْتَ حَاجَتَكَ بِعُثْمَانَ، لَقَدِ اسْتَنْصَرَكَ فَلَمْ تَنْصُرْهُ «9» حَتَّى صِرْتَ إِلَى مَا صِرْتَ إِلَيْهِ، وَبَيْنِي وَبَيْنَكَ فِي ذَلِكَ ابْنُ عَمِّكَ
__________
315- وقعة صفين: 414 والامامة 1: 183
__________
(1) يعني يوم الجمل.
(2) وقعة صفين: بملاقينا.
(3) وقعة صفين: قنعنا ... واقنعوا.
(4) وقعة صفين: ستة (ولم يذكر فيهم سعيد بن زيد) .
(5) وقعة صفين: ورجلان.
(6) وقعة صفين: واثنان واقفان، الامامة: وآخران واقفان عليك، (والواقفون هم سعد بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ الله بن عمر) .
(7) س: وأحتجم، والرواية في ط م موافقة لما في الامامة ووقعة صفين.
(8) وقعة صفين: كراهيتنا لسلطان بني أمية.
(9) راجع ف: 133 في ما تقدم.(5/105)
الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ وَمَا كَتَبَ بِهِ إِلَيْكَ «1» ، وَأَمَّا طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَإِنَّهُمَا طَلَبَا الْمُلْكَ وَنَكَثَا الْبَيْعَةَ، فَقَاتَلْنَاهُمَا عَلَى النَّكْثِ، وَقَاتَلْنَاكَ عَلَى الْبَغْيِ، وَأَمَّا قَوْلُكَ لَمْ يَبْقَ مِنْ قُرَيْشٍ غَيْرُ سَبْعَةِ نَفَرٍ، فَمَا أَكْثَرُ رِجَالِهَا وَأَحْسَنُ بَقِيَّتِهَا بِحَمْدِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ، وَقَدْ قَاتَلَكَ مِنْ خِيَارِهَا مَنْ قَاتَلَكَ، وَأَمَّا إِغْرَاؤُكَ إِيَّايَ بِتَيْمٍ وَعَدِيٍّ فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ خَيْرٌ مِنْ عُثْمَانَ، كَمَا أَنَّ عُثْمَانَ خَيْرٌ مِنْكَ، وَمَاذَا تَقِيسُ بِهِ نَفْسَكَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنَّا لَنْ نَلْقَاكُمْ بِمِثْلِ مَا لَقِينَاكُمْ «2» بِهِ بِالأَمْسِ، فَقَدْ بَقِيَ لَكَ مِنَّا يَوْمٌ يُنْسِيكَ مَا قبله، ويخيفك مَا بَعْدَهُ، وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنَّهُ لَوْ بَايَعَنِي النَّاسُ اسْتَقَمْتَ «3» لِي، فَقَدْ بَايَعُوا عَلِيًّا وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي فَلَمْ تَسْتَقِمْ «4» لَهُ، وَإِنَّ الْخِلافَةَ لا تَصْلُحُ إِلا لِمَنْ كَانَ فِي الشُّورَى «5» مِمَّنْ سَمَّاهُ عُمَرُ، فَمَا أَنْتَ وَالْخِلافَةُ يَا مُعَاوِيَةُ، وَأَنْتَ طَلِيقُ الإِسْلامِ «6» ، وَابْنُ رَأْسِ الأَحْزَابِ، وَابْنُ آكِلَةِ الأَكْبَادِ؟! فَلَمَّا أَتَى مُعَاوِيَةَ كِتَابُهُ قَرَأَهُ عَلَى عَمْرٍو فَقَالَ لَهُ عمَرْوٌ: أَنْتَ عَرَّضْتَ نَفْسَكَ لِهَذَا، فَقَالَ: لَسْتُ وَاللَّهِ أَعُودُ لِمِثْلِهَا.
316- حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عِيسَى بْنِ يَزِيدَ الْمَدَنِيِّ «7» قَالَ، قَالَتْ فَاخِتَةُ بِنْتُ قَرْظَةَ «8» امْرَأَةُ مُعَاوِيَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لِمَ تُصَانِعُ النَّاسَ وَتَرَى أَنَّهُمْ مُنْصِفُونَ مِنْكَ، فَلَوْ أَخَذْتَهُمْ مِنْ عَلٍ كَانُوا الأَذَلِّينَ وَكُنْتَ لَهُمْ قَاهِرًا، فَقَالَ: وَيْحَكِ إِنَّ في العرب بقيّة بعد، ولولا ذلك لَجَعَلْتُ عَالِيَهَا سَافِلَهَا، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا بَقِيَ أَحَدٌ إِلا وَأَنْتَ عَلَيْهِ قَادِرٌ، قَالَ: فَهَلْ لَكِ فِي أَنْ أُرِيَكِ بَعْضَ ذَلِكَ مِنْهُمْ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَدْخَلَهَا بَيْتًا وَأَسْبَلَ عَلَيْهَا سِتْرَهُ، ثُمَّ أَمَرَ حَاجِبَهُ أَنْ (738) يُدْخِلَ عَلَيْهِ رَجُلا مِنْ أَشْرَافِ مَنْ بِالْبَابِ، فَأَدْخَلَ عَلَيْهِ رَجُلا مِنْ قَيْسٍ يُقَالُ لَهُ الْحَارِثُ، فَقَالَ لَهُ معاوية: يا حويرث، إيه
__________
316- قارن بما جاء في ربيع الأبرار: 291/ أففيه حكاية مشابهة.
__________
(1) وما كتب به إليك: سقط من المصدرين.
(2) س: لاقيناكم.
(3) وقعة صفين: لاستقامت.
(4) وقعة صفين: يستقيموا.
(5) وقعة صفين: كانت له المشورة.
(6) وقعة صفين: وأنت طليق وابن طليق.
(7) هو ابن دأب، كما تقدم في ف: 125، 244، 269 وكما سيرد في ف: 356
(8) س: قرطة.(5/106)
أَنْتَ الَّذِي طَعَنْتَ فِي الْخِلافَةِ وَتَنَقَّصْتَ أَهْلَهَا؟ وَاللَّهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَجْعَلَكَ نَكَالا، فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ إِنَّمَا دَعَوْتَنِي لِهَذَا؟ وَاللَّهِ إِنَّ سَاعِدِي لَشَدِيدٌ، وَإِنَّ رُمْحِي لَمَدِيدٌ، وَإِنَّ سَيْفِي لَحَدِيدٌ، وَإِنَّ جَوَابِي لَعَتِيدٌ، وَلَئِنْ لَمْ تَأْخُذْ ما أعطيت بشكر لتنزعنّ «1» عَمَّا نَكْرَهُ بِصِغَرٍ، فَقَالَ: أَخْرِجُوهُ عَنِّي، فَأُخْرِجَ، فَقَالَتْ فَاخِتَةُ: مَا أَجْرَأَ «2» هَذَا وَأَقْوَى قَلْبَهُ!! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا ذَاكَ إِلا لإِدْلالِهِ بِطَاعَةِ قَوْمِهِ لَهُ، ثُمَّ أَمَرَ الْحَاجِبَ فَأَدْخَلَ عَلَيْهِ رَجُلا مِنْ رَبِيعَةَ يُقَالُ لَهُ جَارِيَةُ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: إِيهٍ يَا جُوَيْرِيَةُ، أَنْتَ الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكَ تَخْبِيبٌ لِلْجُنْدِ وَقِلَّةٌ مِنَ «3» الشُّكْرِ؟ فَقَالَ: وَعَلامَ نَشْكُرُ «4» ؟ مَا تُعْطِي إِلا مُدَارَاةً وَلا تَحْلُمُ إِلا مُصَانَعَةً، فَاجْهَدْ جُهْدَكَ، فَإِنَّ وَرَائِي مِنْ رَبِيعَةَ رُكْنًا شَدِيدًا لَمْ تَصْدَأْ أَدْرُعُهُمْ مُذْ جَلَوْهَا، وَلا كَلَّتْ سُيُوفُهُمْ مُذْ شَحَذُوهَا، فَقَالَ: أَخْرِجُوهُ، ثُمَّ أَمَر مُعَاوِيَةُ حَاجِبَهُ فَأَدْخَلَ إِلَيْهِ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ: إِيهٍ يَا عُبَيْدَ السُّوءِ، أَلْحَقْتُكَ بِالأَقْوَامِ وَأَطْلَقْتُ لِسَانَكَ بِالْكَلامِ، ثُمَّ يَبْلُغُنِي عَنْكَ مَا يَبْلُغُنِي مِنْ سُوءِ الإِرْجَافِ؟! لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُخْرِجَكَ وَأَنْتَ عِبْرَةٌ «5» لأهل الشام، فقال: أيا مُعَاوِيَةَ أَلِهَذَا دَعَوْتَنِي، ثُمَّ صَغَّرْتَ اسْمِي وَلَمْ تَنْسِبْنِي إِلَى أَبِي؟ وَإِنَّمَا سُمِّيتَ مُعَاوِيَةَ بِاسْمِ كَلْبَةَ عَاوَتِ الْكِلابَ «6» ، فَارْبَعْ عَلَى ظِلْعِكَ فَذَلِكَ خَيْرٌ لَكَ، فَقَالَ لِحَاجِبِهِ: أَخْرِجْهُ، فَقَالَتْ فَاخِتَةُ:
صَانِعِ النَّاسَ بِجُهْدِكَ، وَسُسْهُمْ بِرِفْقِكَ وَحِلْمِكَ، فَأَخْزَى الله من لامك.
317- حدثني أبو حفص الشامي «7» قَالَ: بلغنا أن يزيد بْن مُعَاوِيَة قَالَ لأبيه: يا أمير المؤمنين متى يكون العلم ضارًا؟ قَالَ: إذا نقصت القريحة وفصلت الرواية «8» .
__________
317- قارن بعيون الأخبار 1: 330
__________
(1) ط: لينزعنّ.
(2) س: اجراء.
(3) من: زيادة من م ط.
(4) ط س: تشكر.
(5) س: عيرة.
(6) وانما سميت ... الكلاب: راجع ف: 216 وانظر ما يرد رقم: 337
(7) ط م س: السامي.
(8) م: الرواية.(5/107)
318- وقال مُعَاوِيَة: إذا لم يكن الهاشمي شجاعًا سخيًا لم يشبه قومه ولم يشبه من هو منه، وقال: إذا لم يكن الأموي مصلحًا لماله، حليمًا عند غضبه، لم يشبه من هو منه، ولن تعدم «1» من الهاشمي لسنا أو سخاء أو شجاعة، وربما اجتمع ذلك لبعضهم.
319- المدائني عَنْ أبي إسحاق التميمي قَالَ: سمع مُعَاوِيَة رجلًا يَقُول:
ومن رقاش ماجد سميدع ... يأبى الذي يكرهه فيمنع
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: ذلك منا، ذاك ابْن الزُّبَيْرِ.
320- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سَلامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَرَمَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ ابْنًا لِصُهَيْبٍ عَطَاءَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: إِنَّكَ حَفِظْتَ عَلَى ابْنِ صُهَيْبٍ مَا كَانَ مِنْ أَبِيهِ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ، وَنَسِيتَ مَا كَانَ مِنْ سَابِقَتِهِ مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَارْدُدْ عَلَيْهِ عَطَاءَهُ وَأَكْرِمْهُ وَأَحْسِنْ مُجَاوَرَتِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
321- وقال مُعَاوِيَة لخالد بْن معمر: كيف حبك لعلي؟ قَالَ: شديد، أحبه لحلمه إذا غضب، وصدقه إذا قَالَ، ووفائه إذا وعد، وجوده إذا سئل.
322- وقال عمرو بْن العاص: عقم النساء أن يلدن مثل مُعَاوِيَة، وما استدر لِمُعَاوِيَةَ كلام قط فقطعه حتى يأمر «2» بخير ويصيب الناس بفضل.
323- حَدَّثَنِي هشام بْن عمار عَنْ أبيه أو غيره قَالَ: قدمت رملة بنت مُعَاوِيَة الشام من المدينة، وكانت عند عمرو بْن عثمان بْن عفان، وكان عمرو لها محبًا إلا أنه كان ربما أغارها، فَقَالَ لها: أطلقك ابن عمي؟ فقالت: كلا، الكلب أضن بالشحمة، قَالَ ويقال: قالت بشحمته.
__________
318- شرح النهج 4: 425 (مع إضافات) وابن عساكر 4: 219 وانظر عيون الأخبار 1: 196 319- سيرد هذا في الجزء التالي وانظر البيان 4: 61 323- راجع ف: 166. فيما تقدم.
__________
(1) س: أقدم.
(2) س: أمر.(5/108)
324- وقال هشام: كان مُعَاوِيَة يَقُول: زين الشرف العفاف.
325- وقال هشام: (739) أتي مُعَاوِيَة بصريع فَقَالَ ليزيد: أما فِي أخوالك من يصارع هذا؟ قَالَ: بلى، الزبان خالي، فأتي به فصرعه، فَقَالَ يزيد:
أقول له والعبد يكبو لوجهه ... لقد فعل الزبان ما كنت أعرف
326- وقال الْمَدَائِنِيّ: قدم بحير بْن ريسان الحميري على معاوية وعنده أبو الأسود الدؤلي فَقَالَ:
ألا إن خير الناس بعد نبيهم ... وبعد أمير المؤمنين بحير
وإني لأرجو من بحير وليدة ... وذاك على الحر الكريم يسير
فَقَالَ بحير: بل وليدة ووليدة، ولو قلت ألف دينار لأعطيتك إياها.
327- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَن الواقدي قَالَ: توفي خالد بْن الوليد بْن المغيرة بحمص سنة عشرين وأوصى إلى عُمَر بْن الخطاب، وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن خَالِد يلي الصوائف فيبلي ويحسن أثره، فعظم أمره بالشام، فدس إليه مُعَاوِيَة متطّببًا يقال له ابن أُثال «1» ليقتله، وجعل لَهُ خراج حِمْص، فسقاه شربة فمات، فاعترض خالد بْن المهاجر بْن خالد- ويقال خالد بْن عبد الرحمن بْن خالد- ابن أثال فضربه بالسيف فقتله، فرفع أمره إلى مُعَاوِيَة، فحبسه أيامًا وأغرمه «2» ديته ولم يقده به.
328- الْمَدَائِنِيّ وغيره قالوا: غزا عبد العزيز بْن زرارة الكلابي الصائفة مع يزيد بن
__________
324- الطبري 2: 212 326- لم يرد في ديوان أبي الأسود (تحقيق آل ياسين) وانظر ابن عساكر 7: 112 (وفيه البيت الثاني) .
327- الطبري 2: 82 واليعقوبي 2: 265 وابن عساكر 5: 80 والنجوم الزاهرة 1: 131 وابن كثير 8: 31 والميداني 2: 110 وأسد الغابة 3: 289 وانظر أسماء المغتالين: 168- 169 (مع فروق) والمنمق: 449 والمستقصى 2: 261 (رقم: 908) وابن أبي أصيبعة 1: 117، 118 328- النجوم الزاهرة 1: 125 وربيع الأبرار: 189 ب وانظر ابن الأثير 2: 382 وابن عساكر 5: 370 (وفيه الشعر) والاصابة 3: 8 والعقد 2: 69 والخزانة 4: 164 وعيون الأخبار 1: 83 وصبح الأعشى 1: 257
__________
(1) انظر ترجمته في ابن أبي أصيبعة 1: 116- 119
(2) م: وأعرضه.(5/109)
مُعَاوِيَة فمات وبلغ مُعَاوِيَة ذلك فَقَالَ لأبيه: هلك واللَّه فتى العرب، فَقَالَ «1» : ابني أوه، قَالَ: ابنك، فآجرك اللَّه، وأمر فنودي ليعزي الناس أمير المؤمنين عَنْ عبد العزيز بْن زرارة، فقال زرارة «2» :
فإن يكن الموت أودى به ... وأصبح مخ الكلابي ريرا «3»
فكل فتى شارب كأسه ... فإما صغيرًا وإما كبيرا
329- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ ذات يوم: إن اللَّه بعث رسوله بفضل بين فلم يرد الدنيا ولم ترده، وكان بعده أَبُو بَكْر وعمر فلم ير يداها «4» ولم تردهما، ثم كان عثمان فنال منها ونالت منه، ثم آتانا اللَّه هذا الأمر والمال فأعطينا كل ذي حق حقه «5» ، وفضل مال كثير عاث فيه أهل مُعَاوِيَة، فإن يغفر اللَّه لهم فأهل ذاك هو، وإن يعذبهم فأهل ذاكَ هم.
330- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لسعية بْن عريض اليهودي: أنشدني مرثية أبيك نفسه، فأنشده:
يا ليت شعري حين أندب هالكًا ... ماذا تؤبنني «6» به أنواحي «7»
ولقد حملت عَنِ العشيرة ثقلها «8» ... ولقد أخذت «9» الحقّ غير ملاح
إنّ امرأ أمن «10» الحوادث جاهلًا ... ورجا الخلود كضارب بقداح
فَقَالَ معاوية: صدق، وتغرغرت عيناه.
__________
329- راجع ما تقدم ف: 168، 221 330- الأغاني 3: 123، 125 والبصائر 2: 573 وطبقات الجمحي: 285 وابن عساكر 6: 158 ويرد البيت الثالث منسوبا للسموأل (ديوانه: 64 تحقيق شيخو) وحماسة الخالديين 2: 14 وانظر ف: 44، 306.
__________
(1) م: قال.
(2) فقال زرارة: سقط من س.
(3) س: ديرا.
(4) ط م س: يرداها.
(5) س: حق.
(6) ابن عساكر: تبكيني.
(7) البصائر: نواحي.
(8) البصائر: كففت ... ريبتي.
(9) ابن عساكر: نطقت.
(10) البصائر: خاف.(5/110)
331- وزعموا أن مُعَاوِيَة كتب إلى علي رضي اللَّه تعالى عنهما: يا أبا الحسن، إن لي فضائل كثيرة، كان أبي سيدًا فِي الجاهلية، وولاني عُمَر فِي الإسلام، وأنا صهر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخال المؤمنين، وأحد كتاب الوحي، فلما قرأ علي كتابه قَالَ:
أبالفضائل يفخر علي ابن آكله الأكباد؟! يا غلام اكتب، فكتب:
محمد النبي أخي وصهري ... وحمزة سيد الشهداء عمي
وجعفر الذي يمسي ويضحي ... يطير مع الملائكة ابن أمي
(740) وبنت محمد سكني وعرسي ... مسوط لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمد ولداي منها ... فأيكم له سهم كسهمي
سبقتكم إلى الإسلام طرًا ... غلامًا قبل حين أوان حلمي
فلما قرأه مُعَاوِيَة قَالَ: يا غلام مزق الكتاب لئلا يقرأه أهل الشام فيميلوا إليه دوني قالوا: وانتحل السيد الحميري هذه الأبيات فأدخلها فِي شعره.
332- ورحل حضين بْن المنذر إلى مُعَاوِيَة فِي وفد من أهل العراق، فتأخر وصوله إليه من بينهم، فَقَالَ:
وكل صغير الشأن يسعى مشمرًا «1» ... إذا فتح البواب بابك إصبعًا
ويبقى الجلوس الماكثون رزانة ... حياء «2» إلى أن يفتح الباب أجمعا
فأمر مُعَاوِيَة أن يدخل أول الناس.
333- وذكروا أن مُعَاوِيَة أقبل على بني هاشم فَقَالَ: يا بني هاشم إن خيري لكم
__________
331- مناقب ابن شهر اشوب 2: 19 والكنز 6: 392 (رقم: 6003) ومعجم الأدباء 5: 266، 14: 47- 48 والمجتنى: 39 وابن كثير 8: 8 وقارن أيضا بابن عساكر 4: 312 والشعر في ألف باء 1: 439 332- عيون الأخبار 1: 88 وابن عساكر 4: 374 وترد الأبيات أيضا في مجموعة المعاني: 176 ونهاية الأرب 6: 87 والمستجاد: 195 333- المستطرف 1: 84 (دون شعر) وأخبار العباس: 54- 56 وفيه الشعر.
__________
(1) المستجاد: وكل خفيف الساق يمشي مشمرا.
(2) العيون وابن عساكر: وحلما.(5/111)
ممنوح، وبابي مفتوح، فلا تقطعوا خيري عنكم، ولا تغلقوا بابي دونكم، وقد رأيت أمري وأمركم متفاوتًا، ترون أنكم أحق بما فِي يدي مني، وأنا أرى أني أحق به منكم، فإذا أعطيتكم العطية فيها قضاء حقوقكم قلتم: أخذنا «1» دون حقنا وقصر بنا عَنْ قدرنا، فصرتُ كالمسلوب لا يُحمد على ما أُخذ منه، فبئست المنزلة نزلتُ بها منكم، أعطي فلا أشكر، وأمنع فلا أعذر، ونعمت المنزلة نزلتم بها مني: إنصاف «2» قائلكم، وإعطاء «3» سائلكم، فَقَالَ عبد اللَّه بْن عباس: واللَّه ما منحتنا خيرك حتى طلبناه، ولا فتحت لنا بابك حتى قرعناه، ولئن قطعتَ عنّا خيركَ لَلَّهُ أوسعُ لنا منك «4» ، ولئن أغلقت دوننا بابك لنكفّنّ أنفسنا عنك، فو الله ما أحفيناك في مسئلة ولا سألناك باهظة «5» ، فأما هذا المال فليس لك منه إلا ما لرجل من المسلمين، ولنا فِي كتاب اللَّه حقان: حق الغنيمة وحق الفيء، فالغنيمة ما غلبنا عليه، والفيء ما اجتبيناه، فعلى أي وجه خرج ذلك منك أخذناه وحمدنا اللَّه عليه، ثم لم نخلك من شكر خير جرى على يدك، ولولا حقنا فِي هذا المال ما أتاك منا زائر يحمله خف ولا حافر، أكفاك أم أزيدك؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:
حسبك يا أبا عباس فإنك تكوي ولا تغوي «6» ، فَقَالَ الفضل بْن عَبَّاس بْن عتبة بْن أَبِي لهب:
ألا أبلغ مُعَاوِيَة بْن صخر «7» ... فإن المرء يعلم ما يَقُول «8»
لنا حقان حق الخمس وَافٍ «9» ... وحق الفيء جاء «10» به الرسول
فكل عطية وصلت إلينا ... وإن سحبت لخدعتها الذيول
__________
(1) المستطرف: أعطانا.
(2) المستطرف: مع انصاف.
(3) المستطرف: واسعاف.
(4) المستطرف: فخير الله أوسع منك.
(5) س: باهطة.
(6) م س: تعوي (وله وجه بمعنى يثير فتنة) .
(7) أخبار العباس: حرب.
(8) أخبار العباس: وكل الناس يعلم ما أقول.
(9) أخبار العباس: جار.
(10) أخبار العباس: وحق قد أثار.(5/112)
ففي حكم القران لنا مزيد ... على ما كان لا قَالَ وقيل
أتأخذ «1» حقنا وتريد حمدًا ... له، هذاك تأباه العقول «2»
فَقَالَ له ابن عباس مجيبًا ... فلم يدر ابن هِنْد ما يَقُول
فلا تهج ابن عباس مجيبًا ... فإن جوابه جذع «3» أصيل
334- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَاسِطِيُّ عَنِ الْفُرَاتِ الْعِجْلِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: خَطَبَ مُعَاوِيَةُ بِالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللَّهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَرَ عَلِيًّا فَنَالَ مِنْهُ وَنَسَبَهُ إِلَى قَتْلِ عُثْمَانَ وَإِيوَاءِ قَتَلَتِهِ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَحْتَ الْمِنْبَرِ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ: يَا أَهْلَ الشَّامِ إِنَّ مُعَاوِيَةَ يَخْدَعُكُمْ بِهَذَا الْخَاتَمِ (741) الَّذِي مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ جَازَتْ كُتُبُهُ فِي الآفَاقِ، وَادَّخَرَ «4» لِعِيَالِهِ الذَّخَائِرَ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ عَلَى الْحَسَنِ كَلامَهُ فَقَالَ: يَا حَسَنُ قَدْ وَصَفْتَ لَنا مُعَاوِيَةَ، فكيف صفتك للخراءة «5» ؟ فقال الحسن: يا أحيمق أبعد الممشى، وأنفي الأذى، وأستنجي بِالْيُسْرَى، فَغَاظَ قَوْلُهُ مَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْلِ المدينة، واستشاط الْحَسَنُ، فَلَمَّا رَأَى مُعَاوِيَةُ ذَلِكَ نَزَلَ عَنْ مِنْبَرِهِ تَخَوُّفًا أَنْ يَأْتِيَ الْحَسَنُ بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ، وَأَنْ يَتَشَارَّ النَّاسُ، فَأَخَذَ بِيَدِ الْحَسَنِ وَأَدْخَلَهُ مَنْزِلَهُ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ وَسَوِيقٍ فَجَدَحَهُ بِيَدِهِ، ثمّ قال: اشرب يا ابن فاطمة فو الله ما جدحته لأحد قبلك، فأخذه الْحَسَنُ فَشَرِبَ مِنْهُ الْحَسَنُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ مُعَاوِيَةَ وقال: اشرب يا ابن هند فو الله مَا نَاوَلَكَ مِثْلِي، وَإِنَّ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ «6» لَبَوْنًا بَعِيدًا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَجَلْ وَاللَّهِ وَمَا أَرَدْتُ بما قلت بأسا.
__________
334- عيون الأخبار 2: 172 وألف باء 1: 416 والعقد 4: 19- 20 وبعضه في أمالي الزجاجي: 115 وفصل المقال: 57 وأمالي القالي 2: 168 (منسوبا لغير الحسن) .
__________
(1) ط: أنأخذ.
(2) أخبار العباس:
أتأخذ حقنا وتجود حمقا ... وهذا ليس تقبله العقول
(3) م س: جدع.
(4) س: فادخر.
(5) س: للجراءة.
(6) س ط م: الامرأتين، وبهامش ط س: الأمرين.(5/113)
335- وقال مُعَاوِيَة لعقيل: إن فيكم لينا قَالَ: أجل فِي غير ضعف، وإن لنا لعزًا فِي غير كبر، وأما أنتم فإن فِي لينكم غدرًا، وإن فِي كبركم كفرًا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:
دون هذا يا أبا يزيد، فَقَالَ عقيل:
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... وما علم الإنسان إلا ليعلما «1»
فَقَالَ معاوية:
إنّ سفاه الشيخ لا حلم بعده ... وإن الفتى بعد السفاه ليحلم «2»
فقام عقيل وهو يَقُول «3» :
إن السفاهة قدمًا من خلائقكم «4» ... لا قدس اللَّه أخلاق الملاعين
336- الْعَمْرِيّ عَنِ الْهَيْثَم عَنِ ابن عباس قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: الرأي الثاقب كهانة، والحلم سؤدد.
337- الْمَدَائِنِيّ وغيره قالوا: دخل شريك الحارثي على مُعَاوِيَة، وكان رجلًا دميمًا آدم شديد الأدمة شريفًا فِي قومه، فلما استقر به المجلس أراد مُعَاوِيَة أن يضع منه فَقَالَ: إنك لشريك وما لله شريك، وإنك لابن الأعور والصحيح خير من الأعور،
__________
335- العقد 4: 5 وشرح النهج 1: 368، وانظر مشابه من هذا الحوار بين معاوية وعقيل في البيان 2: 326 وعيون الأخبار 2: 197 والموفقيات: 334 وبهجة المجالس 1: 97 337- أمالي ابن الشجري 2: 47 والمستطرف 1: 83 والشرواني: 37 والاكليل 2: 229 والأبيات 1- 2، 2- 7 في الحماسة البصرية 1: 70 (رقم 149) والأول في الاشتقاق: 239 ونزهة الجليس للموسوي (النجف:
1968) 2: 139
__________
(1) البيت للمتلمس في ديوانه: 26 والبيان 3: 38، 269 وجمهرة ابن دريد 2: 284، 384 والشعر والشعراء: 113 وعيون الأخبار 2: 205 والمصون: 84 والمستقصى 2: 281 (رقم: 978) وما يلي رقم: 648 وفصل المقال: 131
(2) البيت لزهير وروايته «بعد السفاهة يحلم» ، شرح الزوزني: 167.
(3) انظر أضداد ابن الأنباري: 259 وألف باء 2: 197 وروايته «ان السفاهة طه..» على أن طه معناه بالسريانية «انسان» .
(4) البلوي: شمائلكم، الاضداد: خليقتكم.(5/114)
وإنك لدميم «1» حنزقرة «2» أسود. فكيف سودك قومك؟ فَقَالَ شريك «3» : انك لِمُعَاوِيَةَ، وما مُعَاوِيَة إلا كلبه عاوت فاستعوت «4» فسميت مُعَاوِيَة، وإنك لابن صخر والسهل خير من الصخر، وإنك لابن حرب والسلم خير من الحرب، فكيف صرت أمير المؤمنين؟ ثم خرج مغضبًا وهو يَقُول:
أيشتمني مُعَاوِيَة بْن صخر «5» ... وسيفي صارم ومعي لساني
وحولي من ذوي يمن «6» ليوث ... ضراغمة تهش إلى الطعان
يعير بالدمامة من سفاه ... وربات الحجال هي الغواني
ذوات الحسن، والرئبال جهم ... شتيم وجهه ماضي الجنان
فلا تبسط لسانك يا ابْن هِنْد ... علينا أن «7» بلغت مدى الأماني
فإن تك للشقاء لنا أميرًا ... فإنا لا نقيم على الهوان
وإن تك من أُمَيَّة فِي ذراها ... فإني من بني عبد المدان
338- قالوا: وصعد مُعَاوِيَة المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه، فلما أراد الكلام قطع عليه غلام من الأنصار قام فَقَالَ: يا مُعَاوِيَة ما جعلك وأهل بيتك أحق بهذه الأموال منا، وإنما أفاءها اللَّه على المسلمين بسيوفنا ورماحنا، وما لنا عندك ذنب نعلمه إلا أنا قتلنا خالك وليدا وجدك عتبة وأخاك حنظلة «8» ، فَقَالَ مُعَاوِيَة: لا واللَّه يا ابْن أخي، ما أنتم قتلتموهم «9» ولكن اللَّه قتلهم بملائكة (742) بعد ملائكة، على يدي بني أبيهم، وما ذاك بعارٍ ولا منقصة، قَالَ الأنصاري: فأين العار والمنقصة إذًا؟ قَالَ: صدقت، أفلك
__________
(1) س: لذميم.
(2) س: حترقراه، والحنزقرة: القصير الدميم.
(3) راجع ما تقدم ف: 216، 316.
(4) م: فاستعرت.
(5) في اكثر المصادر: حرب.
(6) المستطرف: ذوي يزن.
(7) في بعض المصادر: يا ابن حرب فإنك قد.
(8) الوليد بن عتبة أخو هند وعتبة بن ربيعة والدها وحنظلة بن أبي سفيان أخو معاوية: قتلوا يوم بدر.
(9) س: قتلتموه.(5/115)
حاجة؟ قَالَ: نعم لي عجوز كبيرة وأخوات عواتق «1» وقد عضنا الدهر «2» وحل بنا الحدثان، فَقَالَ له مُعَاوِيَة: خذ من المال ما استطعت، وكان مالًا ورد من بعض النواحي، فحمل الغلام وقره، ومضى مُعَاوِيَة فِي خطبته حتى فرغ.
339- وقال سَعِيد بْن عثمان لِمُعَاوِيَةَ: وليناك فما عزلناك ولا نازعناك، ووصلناك فما قطعناك، ثم حلأتنا ما نرى كله، فولاه خراسان، ويقال كتب إلى زياد فِي توليته.
340- وحدثت أن مُعَاوِيَة خطب الناس يومًا، فذكر عليًا فتنقصه، فَقَالَ أَبُو الدرداء: كذبت «3» يا مُعَاوِيَة ليس هو كما تقول، فنزل مُعَاوِيَة، فَقَالَ يزيد: أتحتمل هذا كله؟ فَقَالَ: إنه من عصبة عاهدوا اللَّه أن لا يسمعوا كذبة إلا ردوها.
341- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: حج مُعَاوِيَة فلما قرب من المدينة تلقاه الناس، وتلقته الأنصار وأكثرها مشاة، فَقَالَ: ما منعكم من تلقي من بعد «4» كما تلقاني الناس من بعدٍ؟
فَقَالَ ابن لسعد بْن عبادة «5» يقال له سَعِيد: منعنا من ذلك قلة الظهر وخفة ذات اليد بإلحاح الزمان علينا وإيثارك بمعروفك غيرنا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ كالمعير لهم: فأين أنتم عَنْ نواضح المدينة؟ قالوا: أحرثناها «6» يوم بدر، يوم قتلنا حنظلة بْن أبي سُفْيَان، فأعرض مُعَاوِيَة عنه وتبسم وقال: حبجة بلبجةٍ «7» ، والبادئ أظلم.
__________
339- انظر ما يلي رقم: 1587 وانظر الطبري 2: 177 والأغاني 18: 187 وابن خلكان 6: 348 وابن عساكر 6: 155 341- أخبار الظراف: 24 ونهاية ابن الأثير (حرث، نضح) والمقاييس 2: 49 (حرث) وابن عساكر 7: 213 والفائق 2: 105 وتاريخ الاسلام 4: 141 ومناقب ابن شهر اشوب 1: 96 وزوائد ابن حجر 10: 38 وغريب أبي عبيد 4: 295 ومصنف عبد الرزاق 11: 60 وربيع الأبرار: 97 ب.
__________
(1) س: عوايق.
(2) بهامش ط: خ الزمان.
(3) س: اكذبت.
(4) ط م: من تلقي معكم.
(5) بعض المصادر: فقال قيس بن سعد بن عبادة.
(6) هامش ط س: أي أهزلناها وفي الروايات: أفنيناها، عقرناها، أنضيناها
(7) ابن الشجري (أمالي 2: 47) : واحدة بواحدة.(5/116)
342- وقال القحذمي: يروى أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نظر إلى الحكم بْن أبي العاص فقال: [إذا بلغ ولده ثلاثين «1» كان الأمر لهم،] فشاجر مُعَاوِيَة مروان يومًا فَقَالَ: أنا أَبُو عشرة وأخو عشرة وعم عشرة، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لقد أخذتها من عين صافية.
343- الْمَدَائِنِيُّ عَن عَبْد اللَّهِ بْن سَلَمٍ الْفِهْرِيِّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ يَوْمًا: لَقَدْ «2» أَكْرَمَ اللَّهُ الْخُلَفَاءَ أَفْضَلَ الْكَرَامَةِ، أَنْقَذَهُمْ مِنَ النَّارِ وَأَوْجَبَ لَهُمُ الْجَنَّةَ، وَجَعَلَ أَنْصَارَهُمْ أَهْلَ الشَّامِ، فَقَالَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ: تَكَلَّمْتَ فَهَجَرْتَ، وَلَيْسَ الأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتَ، أَنَّى يَكُونُ خَلِيفَةً مَنْ ضَرَبَ النَّاسَ قَسْرًا، وَخَدَعَهُمْ مكرا، وساسهم جبرا «3» ؟! فَأَمَّا إِطْرَاؤُكَ أَهْلَ الشَّامِ فَلا أَعْلَمُ أَحَدًا أَطْوَعُ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ خَالِقٍ مِنْهُمْ، اشْتَرَيْتَ أَدْيَانَهُمْ بِالْمَالِ، فَإِنْ تُدِرَّهُ عَلَيْهِمْ يَمْنَعُوكَ وَيَنْصُرُوكَ، وَإِنْ تَقْطَعْهُ عَنْهُمْ يَخْذُلُوكَ، فَاسْتَبَانَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِ مُعَاوِيَةَ ثُمَّ قَالَ: لَوْلا أَنَّ الْقُدْرَةَ تُذْهِبُ الْحَفِيظَةَ «4» ، وَأَنَّ الْحِلْمَ مَحْمُودُ الْمَغَبَّةِ، مَا عُدْتَ لِقَوْلِكَ يَا صَعْصَعَةُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، ثُمَّ قَالَ:
عَفَوْتُ عَنْ جَهْلِهِمْ حِلْمًا وَمَكْرُمَةً «5» ... وَالْحِلْمُ عَنْ قُدْرَةٍ مِنْ أَفْضَلِ الْكَرَمِ «6»
344- قَالُوا: وَاجْتَمَعَ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ بِصِفِّينَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَغَيْرُهُمَا، فَقَالَ عُتْبَةُ: إِنَّ أَمْرَنَا وَأَمْرَ عَلِيٍّ لَعَجَبٌ، وَذَكَرَ مَنْ قَتَلَ عَلِيٌّ «7» يَوْمَ بَدْرٍ مِنْهُمْ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنْ كَانَ لَيَنْبَغِي أَنْ تَشْجُرُوهُ بِالرِّمَاحِ طَلَبًا لِثَأْرِكُمْ «8» ، فقام الوليد بن عقبة وهو يقول:
__________
342- البصائر 2: 74 وانظر ف: 199 فيما تقدّم.
343- قارن بالمروج 5: 99 344- وقعة صفين: 417 (وفيه الشعر) وشرح النهج 2: 110 والأبيات: 1- 5 في مناقب ابن شهر اشوب 1: 357
__________
(1) خ بهامش ط س: أربعين.
(2) س: قد.
(3) ط م س: خبرا (اقرأ: خترا) .
(4) القدرة تذهب الحفيظة: انظر عيون الاخبار 1: 288 والمروج 5: 414 وما يلي رقم: 766
(5) المروج: ومغفرة.
(6) الشطر الثاني في محاضرات الراغب 1: 117 منسوب لسالم بن وابصة وفيه «فضل من الكرم» .
(7) علي: سقطت من ط م.
(8) لثأركم: سقطت من م.(5/117)
يَقُولُ لَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ حَرْبٍ ... أَمَا فِيكُمْ لِوِتْرِكُمْ «1» طَلُوبُ
يَشُدُّ عَلَى أَبِي حَسَنٍ عَلِيٍّ ... بِأَسْمَرَ لا تُهَجِّنُهُ الْكُعُوبُ
فَقُلْتُ لَهُ أَتَلْعَبُ يا ابن هِنْدٍ ... كَأَنَّكَ بَيْنَنَا رَجُلٌ غَرِيبُ
أَتَأْمُرُنَا «2» بِحَيَّةِ بَطْنِ وَادٍ ... إِذَا نَكَزَتْ فَلَيْسَ لَهَا طَبِيبُ
كَأَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا عَايَنُوهُ ... خِلالَ النَّقْعِ لَيْسَ لهم قلوب
(743) لعمر أَبِي مُعَاوِيَةَ بْنِ حَرْبٍ ... وَرَأْيُ الْمَرْءِ يُخْطِئُ أَوْ يُصِيبُ «3»
لَقَدْ نَادَاهُ فِي الْهَيْجَا عَلِيٌّ ... فَأَسْمَعَهُ وَلَكِنْ لا يُجِيبُ
345- وحدثني هشام قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: ما غضبي على من أملك وأنا قادر عَلَيْهِ، وما غضبي عَلَى من لا أملك ويدي لا تناله.
346- الْعُمَرِيُّ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ عَوَانَةَ وَغَيْرِهِ قَالُوا، [قَالَ عَلِيٌّ بِصِفِّينَ: يَا مُعَاوِيَةُ مَا قَتْلُكَ «4» النَّاسُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، ابْرُزْ لِي فَإِنْ قَتَلْتَنِي كَانَ الأَمْرُ إِلَيْكَ، وَإِنْ قَتَلْتُكَ كَانَ الأَمْرُ إِلَيَّ] «5» ، فَالْتَفَتَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَمْرٍو كَالْمُسْتَشِيرِ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: مَا أَرَى الرَّجُلَ إِلا مُنْصِفًا، وَلَنْ تُبَلَّ لَكَ بَالَّةٌ عِنْدَ أَهْلِ الشَّامِ إِنْ لَمْ تُبَارِزْهُ، فَحَقَدَهَا عَلَيْهِ وَأَمْسَكَ وَعَلِمَ أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ، فَقَالَ:
يَا عَمْرُو إِنَّكَ قَدْ قَشَرْتَ لِي الْعَصَا «6» ... بِرِضَاكَ لِي «7» وسط العجاج برازي
__________
345- قارن بنهاية الأرب 6: 8 وأربع رسائل للثعالبي: 4 وجمهرة العسكري 1: 63 وراجع ما تقدم في ف:
343 346- وقعة صفين: 275 (وفيه الشعر) والمحاسن والمساوئ: 51 (وفيه الأبيات ما عدا الأول) والطبري 1: 3322 وابن الأثير 3: 259 والامامة 1: 174 (دون شعر) والدينوري: 189 (وفيه البيت الأول) .
__________
(1) في المصادر: لواتركم.
(2) شرح النهج: أتغرينا.
(3) شرح النهج ووقعة صفين: وما ظني ستلحقه العيوب.
(4) س: قبلك.
(5) م: لي.
(6) المحاسن: يا عمرو قد أسررت تهمة غادر.
(7) وقعة صفين: برضاك في.(5/118)
مَا لِلْمُلُوكِ وَلِلْبِرَازِ وَإِنَّمَا ... حَظُّ «1» الْمُبَارِزِ خَطْفَةٌ مِنْ بَازِ
وَلَقَدْ أَعَدْتَ فَقُلْتُ مُزْحَةَ مَازِحٍ ... وَالْمَرْءُ يُفْحِمُهُ «2» مَقَالُ الْهَازِي
فَقَالَ عَمْرٌو:
مُعَاوِيَ إِنْ ثَقُلْتَ عَنِ الْبِرَازِ ... لَكَ الْخَيِّرَاتُ «3» فَانْظُرْ مَنْ تُنَازِي
وَمَا ذَنْبِي إِذَا نَادَى عَلِيٍّ ... وَكَبْشُ الْقَوْمِ يَدْعُو لِلْبِرَازِ
أَجِبْنَا فِي الْعَجَاجَةِ «4» يا ابن هِنْدٍ ... وَعِنْدَ السِّلْمِ «5» كَالتَّيْسِ الْحِجَازِي
347- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُسْلِمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالَ، قَالَ قبيصة بْن جابر: ما رأيت رجلًا أقرأ لكتاب اللَّه ولا أشد فِي دين اللَّه من عُمَر بْن الخطاب، وما رأيت أحدًا أسود من مُعَاوِيَة «6» ، ولا رجلًا أعطى لماله فِي غير ولاية «7» من طلحة بْن عبيد اللَّه، ولا رأيت رجلا أنصع ظَرْفًا ولا أحضر «8» جوابا ولا أكثر صوابًا من عمرو بْن العاص، ولا رأيت رجلًا المعرفة عنده أنفع منها عند المغيرة بْن شعبة، ولا رأيت رجلًا أحلم جليسًا ولا أخصب رفيقًا ولا أشبه سريرة بعلانية من زياد.
348- وقال مُعَاوِيَة لعدي بْن حاتم ودخل عليه: ما فعل الطرفات يا أبا طريف، طريف وطرفة وطراف؟ فَقَالَ: قتلوا يوم صفين، قَالَ: ما أنصفك عليّ، أخّر بنيه وقدّم بنيك، قال: لئن فعل لقد قتل وبقيت، قَالَ: قد بقيت قَطْرةٌ من دم عثمان عند قوم ولا بدّ من أن نطلب بها، قَالَ عدي: اغمد سيفك، فإنّ السيف إذا سلّ سلّت
__________
347- راجع ف: 312 فيما تقدم وقارن بالبصائر 3: 337- 338.
348- العقد 4: 28 والمحاسن والمساوئ: 46 وانظر المروج 5: 17 وأمالي المرتضى 1: 297- 298.
__________
(1) وقعة صفين والمحاسن: حتف.
(2) وقعة صفين: والمزح يحمله.
(3) وقعة صفين: نكلت ... الويلات.
(4) وقعة صفين: أضبع، المحاسن: في العشيرة.
(5) المحاسن ووقعة صفين: الباه.
(6) ابن الأثير: ولا اكثر سؤددا من معاوية.
(7) المصادر: ولا أعطى للجزيل في غير مسألة.
(8) س: أخصر.(5/119)
السيوف، قال: فالتفت معاوية إلى عمرو «1» فَقَالَ له: ضعها فِي قرنك فإنها كلمة حكم «2» .
349- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ حُضَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ، قَالَ لِي مُعَاوِيَةُ: إِنَّ لَكَ رَأْيًا، فَمَا فَرَّقَ هَذِهِ الأُمَّةَ وَسَفَكَ دِمَاءَهَا وَشَقَّ عَصَاهَا وَشَتَّتَ مَلأَهَا؟ قُلْتُ: قَتْلُ عُثْمَانَ، قَالَ: صدقت «3» .
[كتاب معاوية إلى الحسين بن عليّ]
350- قالوا: وكتب مُعَاوِيَة إلى الحسين بْن علي رضي اللَّه تعالى عنهم: أما بعد، فقد انتهت إلي عنك أمور أرغب بك عنها، فإن كانت حقًا لم أقارك عليها، ولعمري إن من أعطى صفقة يمينه وعهد اللَّه وميثاقه لحري بالوفاء، وإن كانت باطلًا فأنت أسعد الناس بذلك، وبحظ نفسك تبدأ، وبعهد اللَّه توفي، فلا تحملني على قطيعتك والإساءة بك، فإني متى أنكرك تنكرني، ومتى تكدني أكدك، فاتق شق عصا هذه الأمة وأن يرجعوا على يدك إلى الفتنة، فقد جربت الناس وبلوتهم، (744) وأبوك كان أفضل منك، وقد كان اجتمع عليه رأي الذين يلوذون بك، ولا أظنه يصلح لك منهم ما كان فسد عليه فانظر لنفسك ودينك، وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الّذين لا يوقنون «4» .
[جواب الحسين عليه السلام وسائر ما جرى بينهما]
فكتب إليه الحسين: أما بعد، فقد بلغني كتابك تذكر أنه بلغتك عني أمور ترغب عنها، فإن كانت حقًا لم تقارني عليها، ولن يهدي إلى الحسنات ويسدد لها إلا اللَّه، فأما ما نمي إليك فإنّما رقّاه الملاقون المشّاءون بالنمائم المفرقون بين الجميع «5» ، وما أريد حربًا
__________
349- راجع ف: 95 فيما تقدم.
350- في كتاب معاوية إلى الحسين انظر ابن عساكر 4: 327 وسير الذهبي 3: 198 (مع اختلاف) ومعرفة أخبار الرجال للكشي: 32- 34 وفي جواب الحسين انظر المصادر المذكورة والامامة: 1: 284.
__________
(1) العقد: فالتفت معاوية إلى حبيب بن مسلمة.
(2) س: فإنها كلها حكم، العقد: فإنها حكمة، المروج: هذا كلمات حكم.
(3) بعد هذا في س يجيء عنوان «كتاب معاوية إلى الحسين» . وبهامش ط: كتاب معاوية إلى الحسين بخط مخالف لخط الأصل.
(4) بعده في س عنوان «جواب الحسين» وبهامش ط بخط مخالف لخط الأصل: «جواب حسين» .
(5) الامامة: الجمع.(5/120)
لك ولا خلافًا عليك، وأيم اللَّه لقد تركت ذلك وأنا أخاف اللَّه فِي تركه «1» ، وما أظن اللَّه راضيًا عني بترك محاكمتك إليه، ولا عاذري دون الإعذار إليه فيك وفي أوليائك القاسطين الملحدين «2» ، حزب الظالمين وأولياء الشياطين، ألست قاتل حجر بْن عدي وأصحابه المصلين العابدين، الذين ينكرون الظلم ويستعظمون «3» البدع، ولا يخافون فِي اللَّه لومة لائم، ظلمًا وعدوانًا، بعد إعطائهم الأمان بالمواثيق والإيمان المغلظة «4» ؟ أولست قاتل عمرو بْن الحمق صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي أبلته «5» العبادة وصفرت لونه وأنحلت جسمه؟! أولست المدعي زياد بْن سمية المولود على فراش عبيد عبد ثقيف، وزعمت أنه ابن أبيك وقد [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» : «الولد للفراش وللعاهر الحجر] » ، فتركت سنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخالفت أمره متعمدًا، واتبعت هواك مكذبًا، بغير هدى من اللَّه، ثم سلطته على العراقين فقطع أيدي المسلمين وسمل أعينهم، وصلبهم على جذوع النخل، كأنك لست من الأمة «7» وكأنها ليست منك، [وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من ألحق بقوم نسبًا ليس لهم فهو ملعون «8» ] » ، أولست صاحب الحضرميين الذين كتب إليك ابن سمية أنهم على دين علي، فكتبت إليه: اقتل من كان على دين علي ورأيه، فقتلهم ومثل بهم بأمرك، ودين علي دين محمد صلى اللَّه عليه وسلم الذي كان يضرب عليه أباك، والذي انتحالك إياه أجلسك مجلسك هذا ولولا هو كان أفضل شرفك تجشم الرحلتين فِي طلب الخمور، وقلت: انظر لنفسك ودينك والأمة واتق شق عصا الألفة وأن ترد الناس إلى الفتنة «9» ، فلا أعلم فتنة على الأمة أعظم من ولايتك عليها، ولا أعلم نظرا لنفسي وديني
__________
(1) الامامة: واني لأخشى الله في ترك ذلك منك.
(2) الامامة: الملحين.
(3) الامامة: ويستفظعون.
(4) الامامة: الغليظة.
(5) الامامة: أبلت وجهه.
(6) الحديث في قنسنك: (الحجر) وهو كثير الورود في كتب الحديث، وانظر الطبري 3: 2173 والنجوم الزاهرة 1: 141.
(7) الامامة: من هذه الأمة.
(8) قارن بالطبري 3: 2173
(9) الامامة: لا تردّ هذه الأمة في فتنة.(5/121)
أفضل من جهادك، فإن أفعله فهو قربة إلى ربي، وإن أتركه فذنب أستغفر اللَّه منه فِي كثير من تقصيري، وأسأل اللَّه توفيقي لأرشد أموري، وأما كيدك إياي فليس يكون على أحد أضر منه عليك، كفعلك بهؤلاء النفر الذين قتلتهم ومثلت بهم بعد الصلح من غير أن يكونوا قاتلوك ولا نقضوا عهدك، إلا مخافة أمر لو لم تقتلهم مت قبل أن يفعلوه، أو ماتوا قبل أن يدركوه، فأبشر يا مُعَاوِيَة بالقصاص، وأيقن بالحساب، وأعلم أن لله كتابًا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وليس اللَّه بناس لك أخذك بالظنة، وقتلك أولياءه على الشبهة والتهمة، وأخذك الناس بالبيعة لابنك، غلام سفيه يشرب الشراب ويلعب بالكلاب، ولا أعلمك إلا خسرت نفسك، وأوبقت دينك، وأكلت أمانتك، وغششت رعيتك، وتبوأت مقعدك من النار، فبعدا للقوم الظّالمين.
351- المدائني قال، قال معاوية لصحار بن عبّاس «1» العبدي: يا أزرق، قَالَ:
البازي أزرق، قَالَ: (745) يا أحمر، قَالَ: الذهب أحمر، قَالَ: يا صحار ما هذه البلاغة فِي عبد القيس؟ قال: شيء يعتلج في صدورنا «2» فنلفظه كما يلفظ البحر الزبد، قَالَ: فما رأس البلاغة؟ قَالَ: أن تقول فلا تخطئ وتعجل فلا تبطئ، ثم قَالَ: يا أمير المؤمنين، ومنا أعقل أهل زمانه «3» ، اشترط على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلم الجنة، ومنا الَّذِي [قَالَ لَهُ «4» رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فيك خصلتان يحبهما اللَّه ورسوله الأناة والحلم،] ومنا أزهد أهل زمانه هرم بْن حيان، ومنا أشجع أهل زمانة حكيم بن جبلة «5» العبدي الذي قطعت
__________
351- بعضه في العقد 2: 261، 4: 31 وبهجة المجالس: 72 والاصابة 3: 236 وانظر عيون الأخبار 2: 172 والبيان 1: 96، 4: 46 والحيوان 1: 45، 5: 330 والمعارف: 339 والعمدة 1: 213 والمحاسن والمساوئ: 427 والصناعتين: 32 وقارن بعضه بما في طبقات ابن سعد 1/ 2: 54، 5: 406 ورسائل ابن أبي الدنيا:
19 (رقم: 19) وألف باء 1: 38 والطبراني: 163 وتاريخ خليفة: 61 وربيع الأبرار: 383/ أ.
__________
(1) الاصابة وأسد الغابة: عياش.
(2) البيان: يجيش في صدورنا.
(3) هامش ط: هو الجارود (بن بشر بن المعلّى) ، انظر الطبري 1: 1736- 1737 أو هو الجارود بن المنذر كما في الاصابة 1: 227 (رقم: 1039) وأسد الغابة 1: 261 وفي خليفة أنه الجارود واسمه بشر بْن عَمْرو بْن حنش بْن المعلى.
(4) بهامش ط: هو الأشج (وهو عبد الله بن عوف من عبد القيس) رئيس وفد هذه القبيلة الى الرسول كما عند ابن سعد، ويسميه خليفة: المنذر بن عائذ بن أعصر بن عوف.
(5) قارن بالطبري 1: 3136 وابن الأثير 3: 176- 178(5/122)
رجله فرمى بها قاطعه فقتله ثم توسده، فقيل له: من بك يا أبا نجيد؟ فَقَالَ: وسادي، ومنا أبلغ الناس فِي زمانه صعصعة بْن صوحان، ومنا الحارث بْن مرة، حمل فِي غزاة على خمس مائة دابة «1» ، ومنا عبد اللَّه بْن سوار «2» خرج فِي أربعة آلاف إلى ثغر السند ولم يوقد أحد فِي عسكره نارًا لطعام «3» حتى أتى البلاد «4» ، ورأى فِي عسكره نارًا فسأل عنها فقيل امرأة ولدت فاتُّخذ لها خبيص، فأمر أن يُطعم أهل العسكر كلهم الخبيص ثلاثة أيام «5» ، ومنا أرمى أهل زمانه عمرو بْن مساور النكري «6» ، ومنا أيمن الناس فِي زمانه شعرًا: الممزق، غزا النعمان «7» بْن المنذر بلاد عبد القيس فسايره وحدثه وأنشده فأعجبه فكلمه فيهم فعدل عنهم.
352- حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عدي عَنِ ابن عياش عَنْ أبي الْهَيْثَم الرحبي قَالَ، قَالَ لي عَبْد الْمَلِكِ بْن عُمَيْرٍ وأنا أماشيه عند الباب الصغير بدمشق: مررنا بقبر مُعَاوِيَة فوقف عليه عبد الملك بْن مروان فقيل له: لمن القبر؟ فَقَالَ: لرجل كان واللَّه ما علمته يسكته الحلم وينطقه العلم، إذا أعطى أغنى، وإذا حارب أفنى، ثم عجل له الدهر ما أخر لغيره، إنا لله ما يصنع الزمان، هذا قبر مُعَاوِيَة.
353- حَدَّثَنِي حَفْصٌ عَنِ «8» الْهَيْثَمِ وَغَيْرِهِ قَالُوا: أُتِيَ مُعَاوِيَةُ بِشَابٍّ قَدْ سَرَقَ فَأَمَرَ بقطع يده فقال:
__________
352- انظر ما يلي رقم: 443 وابن الأثير 4: 9 وراجع ما تقدم ف: 267 وما سيلي رقم: 354 353- روض الأخيار: 40 والأحكام السلطانية: 216 وانظر عيون الاخبار 1: 99 (وفيه البيتان 1، 2 والقصة مع عبد الملك) وابن عساكر 7: 103 والعقد 2: 167 (وفيه 1، 2) ومحاضرات الراغب 2: 83 (دون شعر) وابن كثير 8: 136 والأذكياء: 139، 140 والمستطرف 1: 267 (مع عبد الملك) والبرصان: 241 والشاعر طهمان ابن عمرو الكلابي، انظر ديوانه: 40
__________
(1) قارن بفتوح البلدان: 531 وياقوت 4: 217
(2) انظر المصدرين السابقين.
(3) لطعام: سقطت من م.
(4) م: أثا البلادة.
(5) أيام: زيادة من ط م.
(6) قارن باللسان 13: 21 والتاج 7: 69
(7) ابن الأثير: عمرو بن المنذر بن عمرو بن النعمان.
(8) س: بن.(5/123)
يَدِي يَا أَمِيرَ «1» الْمُؤْمِنِينَ أُعِيذُهَا ... بِعَفْوِكَ أَنْ تَلْقَى مَكَانًا يَشِينُهَا «2»
وَلا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا وَكَانَتْ حَبِيبَةً «3» ... إِذَا مَا شِمَالٌ «4» فَارَقَتْهَا يَمِينُهَا
وَلَوْ قَدْ أَتَى الأَخْبَارَ قَوْمِي لَقُلِّصَتْ ... إِلَيْكَ الْمَطَايَا وَهِيَ خُوصٌ عُيُونُهَا
وَدَنَتْ أُمُّهُ وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَاحِدِي «5» اعْفُ عنه، عف اللَّهُ عَنْكَ، فَقَالَ: وَيْحَكِ إِنَّ هَذَا حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، فَقَالَتْ: اجْعَلْ تَرْكَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذُنُوبِكَ الَّتِي تَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهَا، فَخَلَّى سَبِيلَهُ وَتَصَدَّقَ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
354- وروى الْمَدَائِنِيّ عَنْ أبي بَكْر الهذلي أنه قَالَ: وقف عبد الملك بْن مروان على قبر مُعَاوِيَة ومعه محمد بْن جبير «6» بْن مطعم، فرأى على القبر ثمامة تهتز، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: يرحمك اللَّه أبا عبد الرحمن. ثم قَالَ لابن جبير: يَا أبا سَعِيد مَا كَانَ علمك بِهِ؟ قَالَ: كان واللَّه ممن ينطقه العلم ويسكته الحلم، فَقَالَ عبد الملك: كذلك كان، وولى وهو يَقُول:
وما الدهر والأيام إلا كما أرى «7» ... رزيئة مالٍ أو فراق حبيب
355- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ قَالَ، قَالَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ لِمُعَاوِيَةَ: أَنَّا تَرَكْنَا الْحَقَّ وَعَلِيُّ يَدْعُونَا إِلَيْهِ، وَبَايَعْنَاكَ عَلَى مَا تَعْلَمُ، فَلَمَّا تَسَهَّلَتْ لَكَ الأُمُورُ جَعَلْتَ الدُّنْيَا لأَرْبَعَةٍ: سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ السَّهْمِيُّ وَمَرْوَانُ بْنُ
__________
354- راجع ف: 267، 352 وما يلي رقم: 443 والبيت أيضا في عيون الأخبار 3: 32 والمستطرف 2: 56 (والشاعر هو أبو الأسود) وتاريخ ابن عساكر (ترجمة عبد الملك) والمنتخل للثعالبي: 193 وديوان علي: 11، 8 ونهاية الأرب 3: 73 (والشاعر فيه هو زياد بن سيد) والحماسة البصرية 2: 411
__________
(1) الماوردي: يميني أمير.
(2) روض الأخيار: بعفوك من عار عليها يشينها، ابن الجوزي والديوان: بحقويك، ابن عساكر: بحقك ... يهينها، الماوردي: نكالا يبينها.
(3) الماوردي: خبيثة، روض الاخيار وابن الجوزي: ولا في نعيمها.
(4) عيون: شمالي.
(5) زاد في العيون: وكاسبي.
(6) مرّ في ف: 267 نافع بن جبير.
(7) م وهامش ط س: ترى.(5/124)
الْحَكَمِ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ (746) شُعْبَةَ، وَتَرَكْتَنَا لا فِي عِيرٍ وَلا فِي نَفِيرٍ، فَأَطْرَقَ مُعَاوِيَةُ طَوِيلا ثمّ قال: يا ابن أَخِي إِنِّي مَيَّلْتُ بَيْنَ مُعَاتَبَتِكَ وَتَرْكِكَ فَوَجَدْتُ مُعَاتَبَتِكَ أَبْقَى لَكَ، إِنِّي أَرَاكَ شَدِيدَ التَّقَحُّمِ رَحْبَ الذِّرَاعِ بِالْقَوْلِ، وَلَسْتَ كُلَّمَا شِئْتَ وَجَدْتَ مَنْ يَحْمِلُ لَكَ سَفَهَكَ.
356- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلَ دَارَ عُثْمَانَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ عُثْمَانَ بْنِ عفّان وا أبتاه وَبَكَتْ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: ابْنَةَ «1» أَخِي إِنَّ النَّاسَ أَعْطُونَا طَاعَةً تَحْتَهَا حِقْدٌ، وَأَظْهَرْنَا لَهُمْ حِلْمًا تَحْتَهُ غَضَبٌ، وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ سَيْفٌ وَهُوَ يَرَى أَنْصَارَهُ، فَإِنْ نَكَثْنَا بِهِمْ نَكَثُوا بِنَا، وَلا نَدْرِي أَعَلَيْنَا يَكُونُ أَوْ لَنَا، وَلأَنْ تَكُونِي ابْنَةَ عَمِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَكُونِي امْرَأَةً مِنْ عَرَضِ الْمُسْلِمِينَ.
357- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عُقْبَةَ الأَصَمِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ يُؤْتَى بِالثَّرِيدَةِ تَكَادُ تَسْتُرُ الَّذِي يُوَاكِلُهُ فَيَأْكُلُ وَيَدْعُو إِلَى طَعَامِهِ «2» عِدَّةً بَعْدَ عِدَّةٍ فَيَأْكُلُ مَعَهُمْ جَمِيعًا.
358- الْمَدَائِنِيّ عَنْ عَامِرِ بْنِ الأَسْوَدِ قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ يَأْكُلُ فِي الْيَوْمِ أَرْبَعَ أَكْلاتٍ آخِرُهُنَّ أَعْضَلُهُنَّ وَأَشَدُّهُنَّ، وَيَتَعَشَّى فَيَأْكُلُ ثَرْدَةً عَلَيْهَا بَصَلٌ كَثِيرٌ «3» .
359- حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وإسحاق قالوا، حدثنا الحجّاج بن
__________
356- عيون الأخبار 1: 14 والعقد 4: 364 وابن كثير 8: 132 والبصائر 2: 586 وقارن بمحاضرات الراغب 1: 81 357- أخبار الظراف: 24 وانظر في أكل معاوية ف: 44، 155، 358 358- نهاية الارب 3: 343 وانظر ف: 44، 155 والمروج 5: 74 والمستطرف 1: 165 وابن كثير 8: 119 وربيع الأبرار «سبع أكلات» 211/ أ.
359- الاستيعاب: 1421 وسير الذهبي 3: 81 وشرح النهج 3: 444 ومناقب ابن شهر اشوب 1: 140 وانظر مسند أحمد 1: 291، 335، 338 وابن كثير 8: 119 وأسد الغابة 4: 386 وما تقدم ف: 44، 155، 357 وفي قول الرسول «لا أشبع الله بطنه» انظر ابن خلكان 1: 77
__________
(1) العيون والعقد: يا ابنة.
(2) خ بهامش ط س: بطعامه.
(3) ط م: كبير.(5/125)
محمّد الأعور حدثنا شعبة عن أبي جمرة «1» قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: مَرَّ بِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَاخْتَبَأْتُ مِنْهُ خَلْفَ بَابٍ، فَدَعَانِي فَحَطَأَنِي حَطَأَةً ثُمَّ بَعَثَنِي إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ، ثُمَّ بَعَثَنِي إِلَيْهِ فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ بَعْدُ، [فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا أَشْبَعَ اللَّهُ بطنه،] قال أبو جمرة: فَكَانَ مُعَاوِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لا يَشْبَعُ.
360- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [بَعَثَ إِلَى مُعَاوِيَةَ لِيَكْتُبَ لَهُ شَيْئًا فَقَالَ الرَّسُولُ: هُوَ يَأْكُلُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فَقَالَ: هُوَ يَأْكُلُ، فَقَالَ: لا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ] .
361- حَدَّثَنِي مُظَفَّرُ بْنُ مُرَجَّى حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: [الآنَ يَطْلُعُ عَلَيْنَا مِنْ هَذَا الْفَجِّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَطَلَعَ مُعَاوِيَةُ، فَقُلْتُ: هُوَ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ هُوَ هَذَا] .
362- وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: [يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْفَجِّ رَجُلٌ يَمُوتُ «2» عَلَى غَيْرِ مِلَّتِي، قَالَ:
وَكُنْتُ تَرَكْتُ أَبِي قَدْ وُضِعَ لَهُ وَضُوءٌ، فَكُنْتُ كَحَابِسِ الْبَوْلِ مَخَافَةَ أَنْ يَجِيءَ، قَالَ: فَطَلَعَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ هَذَا] .
363- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ شريك عن ليث عن
__________
360- انظر الطبري 3: 2171 والفقرة السابقة.
361- قارن بالفقرة التالية.
362- الطبري 3: 2171 وشرح النهج 3: 444.
363- محاضرات الراغب 1: 45.
__________
(1) ط م س: حمزة، وفوقها في ط علامة «صح» . وانظر التهذيب 10: 431 واسمه نصر بن عمران بن عاصم أو نصر بن عاصم بن واسع.
(2) الطبري: يحشر.(5/126)
طَاوُسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: [يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْفَجِّ رَجُلٌ يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ عَلَى غَيْرِ مِلَّتِي، قَالَ: وَكُنْتُ تَرَكْتُ أَبِي يَلْبَسُ ثِيَابَهُ فَخَشِيتُ أَنْ يَطْلُعَ، فَطَلَعَ مُعَاوِيَةُ] .
364- وَحَدَّثَنِي مُظَفَّرُ بْنُ مُرَجَّى حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سِوَارٍ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ زِيَادٍ التَّمِيمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ رُوَيْمٍ اللَّخْمِيِّ قَالَ: [دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاوِيَةَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِهِ وَاهْدِ بِهِ وَعَلِّمْهُ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ وَقِهِ الْعَذَابَ.]
وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ عَنْ شَبَابَةَ فِي هَذَا الإِسْنَادِ بِنَحْوِهِ.
365- حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ السَّوَّاقُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَيَّانَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبَانَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ ائْتَمَنَنِي اللَّهُ عَلَى وَحْيِهِ وَائْتَمَنَكَ وَائْتَمَنَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ] .
366- وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَيَّانَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: [أَهْدَى جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ سَفَرْجَلاتٍ فَأَعْطَى مُعَاوِيَةَ مِنْهُنَّ ثَلاثًا وَقَالَ: الْقَنِي بِهِنَّ فِي الْجَنَّةِ] .
367- حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَيَّانَ «1» عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: [دَخَلْتُ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعَاوِيَةُ يَصُبُّ عَلَى يَدَيْهِ الْمَاءَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ أخذ كفّا من ماء فضرب
__________
364- الكنز 6: 190 (رقم: 3276، 3277) ومسند أحمد 4: 216 والترمذي 2: 316 وابن كثير 8: 120- 122 وأسد الغابة 4: 386 وتاريخ بغداد 1: 208 والنجوم الزاهرة 1: 134 وتاريخ البخاري 4/ 1: 327، 328 والاستيعاب: 1420 وتاريخ الاسلام 2: 318- 319 وسير الذهبي 3: 82- 84 والصواعق المحرقة: 133 وزوائد ابن حجر 9: 356 وأخبار أصفهان 1: 180 366- قارن بترتيب المدارك 1: 209
__________
(1) م: حبان (والباء غير معجمة في ط) .(5/127)
به وجه معاوية ثمّ قال: يا ابن أَبِي سُفْيَانَ كَأَنِّي بِكَ فِي الْجَنَّةِ] .
368- حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التِّرْمِذِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ الْمِنْقَرِيِّ عن عبد الله بن كثير عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
[أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنْزِلِ أُمِّ حَبِيبَةَ فِي يَوْمِهَا، فَدَقَّ مُعَاوِيَةُ الْبَابَ فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ وَعَلَى أُذُنِهِ قَلَمٌ لَمْ يُمَطْ «1» بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا هَذَا عَلَى أُذُنِكَ؟
قَالَ: قَلَمٌ أَعْدَدْتُهُ للَّهِ وَلِرَسُولِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ «2» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا إِنَّهُ جَزَاكَ اللَّهُ عَنْ نَبِيِّكَ خَيْرًا، وَاللَّهِ مَا اسْتَكْتَبْتُكَ إِلا بِوَحْيٍ مِنَ السَّمَاءِ] .
369- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى وَأَبُو مُوسَى إِسْحَاقُ الْفَرْوِيُّ «3» قَالا حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ وَالأَعْمَشُ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ، [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِذَا رَأَيْتُمْ مُعَاوِيَةَ عَلَى مِنْبَرِي فَاقْتُلُوهُ «4» ، فَتَرَكُوا أَمْرَهُ فَلَمْ يُفْلِحُوا ولم ينجحوا] .
370- حدثني خلف بن هشام البزار حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُعَاوِيَةُ فِي تَابُوتٍ مُقْفَلٍ عَلَيْهِ فِي جَهَنَّمَ] .
371- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ وَأَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ الأَنْطَاكِيُّ قَالا حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سلمة عن علي بن زيد عن أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ أَرَادَ قَتْلَ مُعَاوِيَةَ، فَقُلْنَا لَهُ: لا تَسُلَّ السَّيْفَ فِي عَهْدِ عُمَرَ حَتَّى تَكْتُبَ إِلَيْهِ، قَالَ: [أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا رأيتم معاوية
__________
368- قارن بابن كثير 8: 120 وابن عساكر 6: 399، 404 وطبقات ابن سعد 1/ 2: 21، 34، 35 وراجع ما تقدم ف: 331 369- انظر ما يلي رقم: 378 والطبري 3: 2171 وابن كثير 8: 133 والتهذيب 7: 324 وشرح النهج 3: 444 والعلل لابن حنبل 1: 132 (رقم: 818) وانظر تاريخ الاسلام 2: 321- 322 وسير الذهبي 3: 99 وميزان الاعتدال 2: 613 (رقم 5044) والملاحم والفتن لابن طاوس: 90 370- قارن بالطبري 3: 2171 371- قارن بما يلي رقم: 378.
__________
(1) ابن كثير وابن عساكر: لم يخط.
(2) م: فقال له رسول الله.
(3) م: القروي.
(4) ف: 378: فاضربوا عنقه.(5/128)
يَخْطُبُ عَلَى الأَعْوَادِ فَاقْتُلُوهُ،] قَالَ: وَنَحْنُ قَدْ سَمِعْنَاهُ «1» وَلَكِنْ لا نَفْعَلُ حَتَّى نَكْتُبَ إِلَى عُمَرَ، فَكَتَبُوا إِلَيْهِ فَلَمْ يَأْتِهِمْ جَوَابُ الْكِتَابِ حَتَّى مَاتَ.
372- حَدَّثَنَا خَلَفٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بن سعيد عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا فَمَرَّ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى بَعِيرٍ وَمَعَهُ مُعَاوِيَةُ وَأَخٌ لَهُ «2» ، أَحَدُهُمَا يَقُودُ الْبَعِيرَ وَالآخَرُ يَسُوقُهُ، [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعَنَ اللَّهُ الْحَامِلُ وَالْمَحْمُولُ وَالْقَائدُ وَالسَّائِقُ] .
373- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعَجْلِيُّ عَنْ عبيد اللَّه بْن موسى قَالَ: ذكر مُعَاوِيَة عند الأعمش فقالوا: كان حليمًا، فَقَالَ الأعمش: كيف يكون حليمًا وقد قاتل عليًا وطلب- زعم- بدم عثمان من لم يقتله؟ وما هو ودم عثمان، وغيره كان أولى بعثمان منه.
374- وحدثت عَنْ شريك عَنِ الأعمش أنه قَالَ: كيف يعد مُعَاوِيَة حليمًا وقد قاتل علي بْن أبي طالب؟
375- وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن الأَسْوَدِ عَنْ يحيى عَنْ «3» عبد الله بن المبارك قال: هاهنا قوم يسألون «4» عَنْ فضائل مُعَاوِيَة، وبحسب مُعَاوِيَة أن يترك كفافًا.
376- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَائِدٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ قَالَ، قَالَ الْحَسَنُ: لَوْ سَلَكَ مُعَاوِيَةُ بِالنَّاسِ غَيْرَ سَبِيلِ الاحْتِمَالِ وَالْبَذْلِ وَالْمُدَارَةِ لاخْتُطِفَ اخْتِطَافًا.
377- وحدثنا يوسف (748) وإسحاق قالا حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي
__________
372- الطبري 3: 2170 وشرح النهج 2: 102 (حيث القصة تروى على صورة حوار بين الحسن ومعاوية) و 3: 443 والامتاع 3: 178.
373- السعادة والإسعاد: 168 374- ميزان الاعتدال 2: 274
__________
(1) م: سمعنا.
(2) الطبري: ويزيد ابنه، شرح النهج: وأخوه عتبة.
(3) م: بن.
(4) ط: يسألونا.(5/129)
وائل قَالَ: كنت مع مسروق بالسلسلة فمرت به سفائن فيها أصنام من صفر تماثيل الرجال، فسألهم عنها فقالوا: بعث بها مُعَاوِيَة إلى أرض السند والهند تباع له، فَقَالَ مسروق: لو أعلم أنّهم يقتلونني لغرّقتها، ولكني أخاف أن يعذبوني ثم يفتنوني، واللَّه ما أدري أي الرجلين مُعَاوِيَة، أرجل قد يئس من الآخرة فهو يتمتع من الدنيا أم رجل زين له سوء عمله.
378- وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَلافِ الْبَصْرِيُّ قَالَ، سَمِعْتُ سَلامًا أَبَا الْمُنْذِرِ يَقُولُ، قَالَ عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ حَدَّثَنِي زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ، [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا رَأَيْتُمْ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ] .
379- وَرَوَى الْحَكَمُ «1» بْنُ ظَهِيرٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِمِثْلِهِ.
380- وحدثني الحرمازي عَنْ محمد بْن الحسن بْن زبالة «2» قَالَ: سمع الزبير بْن خبيب «3» رجلًا من الطالبيين يَقُول أمص مُعَاوِيَة، فَقَالَ له الزبير «4» ، وهو أشد لِمُعَاوِيَةَ بغضًا وعداوة من الطالبيين: أي رحمك اللَّه ليس هكذا يقال، إنما يلعنه من عاداه أو يكفّره، فأمّا أن يمصّه فلا، هو يرتفع عن ذلك.
381- المدائني قال، قال معاوية لابن عبّاس: ما حالت الفتنة بيني وبين أحد كان أعزّ عليّ فقدا وأحبّ إليّ قربا منك، فالحمد لله الذي قتل عليّا، فقال ابن عبّاس:
أو غير هذا، تدع لي ابن عمي وأدع لك ابن عمّك، قال: ذاك لك، ثمّ قال: أخبرني عن أبي سفيان، قال: اللهمّ إنّه تجر فأربح وأسلم فأفلح، وكان رأس الشرك حتّى
__________
378- راجع رقم: 369، 371 379- ميزان الاعتدال 1: 572 381- بعضه في طبقات ابن سعد 2/ 2: 122، 123
__________
(1) م: الحكيم، وانظر التهذيب 2: 247 والطبري 1: 376
(2) ط م س: زيالة (وفي م: محمد بن الحسن عن زيالة) وانظر التهذيب 9: 115
(3) م س: حبيب.
(4) ط م س: ابن الزبير، وانظر الطبري 3: 260.(5/130)
انقضى، فقال: يا ابن عبّاس في علمك ما تسرّ به جليسك ولولا أن أقارضك الثناء لأخبرتك عن نفسك.
382- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: لما مات المغيرة بْن شعبة قَالَ زياد «1» : لم يبق للمعضلات إلا مُعَاوِيَة ورجل آخر، يعني نفسه.
383- وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ مُعَاوِيَةُ بْن حُدَيْجٍ: أَتَيْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَقَدْ ثَقُلَ فَقُلْتُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: أَجِدُنِي أَذُوبُ «2» وَلا أَثُوبُ، وَأَجِدُ نَجْوِي أَكْثَرُ مِنْ رِزْئِي، فَمَا بَقَاءُ الْكَبِيرِ الْفَانِي عَلَى هَذَا؟ فَلَمَّا مَاتَ قَالَ مُعَاوِيَةُ: مَاتَ رُبُعُ رَأْيِ النَّاسَ وَإِرْبُهُمْ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: ذَهَبَ نِصْفُ دَهَاءِ قُرَيْشٍ، أَرَادَ أَنَّ النِّصْفَ الْبَاقِي مُعَاوِيَةُ وَلَمْ يَعُدَّ زِيَادًا.
384- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ عمرو بْن العاص: أنا للبديهة، وَمُعَاوِيَة للأناة، والمغيرة للمعضلات، وزياد لصغار الأمور وكبارها.
385- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: لما مات المغيرة بْن شعبة قَالَ مُعَاوِيَةُ: لله رأي دفن مع المغيرة، وقال مُعَاوِيَة حين مات ابن عامر بْن كريز: بمن أباهي بعد ابن عامر؟ وقال مُعَاوِيَة حين أتاه موت سَعِيد بْن العاص: ما مات من ترك مثل عمرو بْن سَعِيد، وقال:
قد مات من هو أكبر مني ومن أنا أكبر منه وأنشد:
إذا سار من خلف امرئ وأمامه ... وأجمع يوما رحلة فهو ظاعن «3»
__________
383- طبقات ابن سعد 4/ 2: 7 والبيان 1: 409 وعيون الأخبار 3: 49 ونهاية ابن الأثير 1: 137 (ثوب) واللسان 1: 79 384- النجوم الزاهرة 1: 72، 116 والعقد 5: 7 وبهجة المجالس 1: 424 وابن عساكر 5: 413 وأمالي القالي 3: 102 وأسد الغابة 4: 407 وانظر طبقات ابن سعد 2/ 2: 110 وسير الذهبي 3: 39 وما يلي رقم: 472 385- قارن بما مرّ في ف: 382 وف: 140 وانظر بعضه في ابن كثير 8: 78 وابن عساكر 6: 143 والبيان 2: 94 والبيت في حماسة ابن الشجري: 141 والكامل 4: 27
__________
(1) ط م س: لما مات زياد قال المغيرة، وهذا غير ممكن لأن المغيرة توفي سنة 50 وتوفي زياد سنة 53
(2) س: أذرب.
(3) الكامل والعيون وابن الشجري: سائر.(5/131)
386- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي قَالَ: كانوا يقولون إن أبا سُفْيَان بْن حرب رجل شحيح بخيل له مال، وإنما سود لرأيه وعظم لماله. وهلك فِي أيام عثمان وله ثمان وثمانون سنة، وكانوا يقولون: إن مُعَاوِيَة كان ذا رأي وسخاء.
387- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي أَصْحَابُنَا عَنِ ابْنِ جَعْدَبَةَ وَغَيْرِهِ قَالُوا: كَانَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَرْضٌ إِلَى جَانِبِ أَرْضٍ لِمُعَاوِيَةَ وَكَانَ وَكِيلُ مُعَاوِيَةَ (749) بِالْمَدِينَةِ النَّضِيرَ مَوْلاهُ، فَعَمَدَ إِلَى أَرْضٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَضَمَّهَا إِلَى أَرْضِ مُعَاوِيَةَ وَقَالَ هَذِهِ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: عِنْدِي الْبَيِّنَةُ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي قُحَافَةَ قَطَعَهَا لِي مَقْتَلَ أَبِي بِالْيَمَامَةِ، فَقَالَ النَّضِيرُ: هَذِهِ قَطِيعَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَخَاصِمْهُ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَقَالَ: اصْطَلَحَا، وَكَرِهَ أَنْ يَجْزِمَ الْقَضَاءَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَتَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ الشَّامَ فَلَمَّا صَارَ إِلَى بَابِ مُعَاوِيَةَ أَلْفَاهُ جَالِسًا بِالْخَضْرَاءِ بِدِمَشْقَ، فَقَالَ لأَبِي يُوسُفَ «1» : اسْتَأْذِنْ لِي عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَاعْتَلَّ عَلَيْهِ، فَرَفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ: مَا لِي بُدٌّ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ، فَإِنَّا «2» إِلَى أن توصل أرحامنا وتثمّر «3» لَنَا أَمْوَالُنَا أَحْوَجُ مِنَّا إِلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنَّا مَا فِي أَيْدِينَا، فَسَمِعَهُ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: أَدْخِلْهُ، فَدَخَلَ فَسَلَّمَ، «4» وَقَالَ: إِنَّ وَكِيلَكَ بِالْمَدِينَةِ تَعَدَّى عَلَيَّ، وَعَمَدَ إِلَى مَا قَطَعَ لِي خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَجَازَهُ لِي عُمَرُ فَأَلْجَأَهُ إِلَى أَرْضِكَ، وَزَعَمَ أَنَّ عِنْدَهُ كِتَابًا مِنْ عُثْمَانَ بِأَنَّهُ قَطَعَهُ لَكَ، وَكَيْفَ يَقْطَعُ لَكَ عُثْمَانُ حَقًّا هُوَ لِي؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:
تَرَكْتَ أَرْضَكَ «5» لَمْ تَعْمُرْهَا حَتَّى عَمِلْتَهَا، فَلَمَّا غُرِسَتْ فِيهَا خَمْسَةُ آلافِ وَدِيَّةٍ قُلْتُ: قَطِيعَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ «6» أَنَّهُ بَلَّغَهُ أَنَّ قَوْمًا يَتَحَجَّرُونَ الأَرْضَ ثُمَّ يَدْعُونَهَا عَطَلا فَيَجِيءُ آخَرُونَ فَيَزْرَعُونَهَا إِنَّهَا لِمَنْ زَرَعَهَا، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا قُلْتُ الْحقُّ يَا مُعَاوِيَةُ فَأَنْصِفْنِي، فَقَالَ: عَلَيَّ بِالْقَاضِي، وَهُوَ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدِ الأَنْصَارِيُّ ثُمَّ الزُّرَقِيُّ، فلم يأته وقال: في بيته
__________
386- قارن بابن عساكر 6: 407 وراجع في تاريخ وفاة أبي سفيان ف: 41
__________
(1) مرّ في ف: 248 أن آذن معاوية أبو أيوب يزيد مولاه.
(2) س: فإنما.
(3) س: ويثمن.
(4) م: فسلم عليه.
(5) م: أرضها.
(6) بهامش س: خ أبي بكر.(5/132)
يُؤْتَى الْحَكَمُ «1» ، فَصَارَ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ إِلَيْهِ، فَأُلْقِيَتْ لَهُمَا وِسَادَةً وَقِيلَ اجْلِسَا عَلَيْهَا، فَتَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِقَوْلِهِ الأَوَّلِ، وَتَكَلَّمَ مُعَاوِيَةُ بِقَوْلِهِ الأَوَّلِ، فَرَأَى فَضَالَةُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْحَقُّ مَعَهُ، فَقَضَى بِهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: نَقْبَلُ مَا قُلْتَ، أَرَأَيْتَ مَا غُرِسَتْ فِيهَا؟ قَالَ: يَقُومُ ذَلِكَ لَكَ «2» ، فَإِنْ شَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ دَفَعَ إِلَيْكَ قِيمَةَ غَرَاسَكَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَنَكَ قِيمَةَ الأَرْضِ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَدْ أَنْصَفْتَ، فَقَالَ فَضَالَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَوَ بِمِثْلِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُمَرَ يُفْعَلُ هَذَا بِعَقِبِهِمَا؟! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: فَالْغِرَاسُ لَهُ، وَمَا مَدَّ إِلَيْهِ يَدَهُ مِنْ أَرْضِي فَهُوَ لَهُ صِلَةٌ لِرَحِمِهِ، وَكَتَبَ لَهُ بِذَلِكَ إِلَى وَكِيلِهِ وَقَضَى دَيْنَهُ وَأَلْحَقَهُ فِي شَرَفِ الْعَطَاءِ وَقَالَ: أَنْتَ مستحقّ لذلك يا ابن أَخِي الْفَارُوقِ وَالشَّهِيدِ، وَأَعْطَاهُ مَالا، فَقَالَ فَضَالَةُ لِمُعَاوِيَةَ حِينَ مَضَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتَ غَيْرَ هَذَا فَقَدِمَ عَلَى أَهْلِ مَدِينَةِ الْهِجْرَةِ وَبَقِيَّةِ «3» النَّاسِ فَشَكَاكَ لَكَانَ فِي ذَلِكَ ما لا يحسن ولا يحمل، فقال معاوية: جزاك الله على المعاوية عَلَى الْحَقِّ خَيْرًا، وَانْصَرَفَ ابْنُ زَيْدٍ فَأَخَذَ مَالَهُ.
388- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال:
خَطَبَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ وَاللَّهِ لَنَقْلُ «4» الْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ أَيْسَرُ مِنَ اتِّبَاعِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي سِيرَتِهِمَا، وَلَكِنِّي سَالِكٌ بِكُمْ طَرِيقًا تَقْصُرُ عَمَّنْ تَقَدَّمَنِي وَلا يُدْرِكُنِي فِيهَا مَنْ بَعْدِي.
389- حَدَّثَنِي الْحِرْمَازِيُّ عَنْ جَهْمِ بْنِ حَسَّانَ قَالَ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَيْحَانَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ أَأَنْتَ الْقَائِلُ:
إِنَّا لَنَشْرَبُهَا حتى تميل بنا ... كما تمايل وسنان بوسنان
__________
388- عيون الأخبار 1: 9 389- انظر ما تقدم ف: 304 والأغاني (دار الثقافة) 2: 224.
__________
(1) في بيته يؤتى الحكم: مثل، انظر جمهرة العسكري 1: 368، 2: 101 والفاخر: 76 والميداني 2: 13 والمستقصى: 251
(2) م: لك ذلك.
(3) خ بهامش ط س: ولقيه.
(4) م: لثقل.(5/133)
فَقَالَ مَعَاذَ اللَّهِ وَلَكِنِّي أَقُولُ:
عَمَدْتُ بِحِلْفِي لِلْمَعَالِي وَلِلذُّرَى ... وَلَمْ تَلْفَنِي كَالنَّسِيِّ فِي مُلْتَقَى الْحَرْبِ
إِذَا مَا حَلِيفُ الذُّلِّ أَقْعَى مَكَانَهُ ... ودبّ كما يمشي الكسير على العتب «1»
(750) وَهَصْتُ الْحَصَى لا أَرْهَبُ الذُّلَّ قَائِمًا ... إِذَا أَنَا رَاخَى لِي خِنَاقِي بَنُو حَرْبِ
فَقَالَ لَهُ ابْنُه عَمْرٌو الأَشْدَقُ: اضْرِبْهُ، فَقَالَ: هَذَا حَلِيفُ مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا لَقِيَ سَعِيدٌ مُعَاوِيَةَ قَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: أَأَمَرَكَ أَحْمَقُكَ أَنْ تَضْرِبَ حَلِيفِي؟! وَاللَّهِ لَوْ ضَرَبْتَهُ لَضَرَبْتُكَ، فَقَالَ سَعِيدٌ: اللَّهُمَّ غَفْرًا، قَدْ ضَرَبْتَ حَلِيفَكَ عَمْرَو بْنَ جَبَلَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنِّي آكَلُ لَحْمِي وَلا أُوكِلُهُ، وَكَانَ حَلِيفًا لِحَرْبٍ.
390- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي الْيَقْظَانَ قَالَ: قَدِمَ «2» سَحْبَانُ وَائِلٌ الْبَاهِلِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَخَطَبَ بِبَابِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا سَحْبَانُ أَنْتَ السُّحُّ، فَقَالَ:
لَقَدْ عَلِمَ الْوَفْدُ الْعِرَاقِيُّ أَنَّنِي ... إِذَا قُلْتُ عِنْدَ الْبَابِ «3» أَيُّ خَطِيبِ «4»
391- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِجُلَسَائِهِ: أَيُّكُمْ يُنْشِدُ قَصِيدَةً أَنْصَفَ فِيهَا صَاحِبُهَا وَلَمْ يَخِفَّ لِقَوْمِهِ؟ فَلَمْ يَأْتُوا بِشَيْءٍ، فَقَالَ: يَا غُلامُ هَاتِ تِلْكَ الرُّقْعَةَ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَصِيدَةٍ لِلْمُفَضَّلِ «5» الْعَبْدِيِّ.
بِكُلِّ قَرَارَةٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ ... بَنَانُ فَتًى وَجُمْجُمَةٌ فَلِيقُ
فَأَشْبَعْنَا الضِّبَاعَ «6» وَأَشْبَعُوهَا «7» ... فَرَاحَتْ كُلُّهَا تَئِقُّ تَفُوقُ
__________
390- البيت في الخزانة 4: 346 واللسان 1: 444 والتاج 1: 294 وابن كثير 8: 71 والميداني 1: 167 والدرة الفاخرة: 91 391- أبيات المفضل في الأصمعيات: 231 والعيني 2: 236 والحماسة البصرية 1: 53 و 1- 4 في حماسة البختري: 48 والبيتان 1، 5 في الاشتقاق: 200 والمنصفات: 5- 27
__________
(1) الأغاني: الحسير ... نقب (من النقب) والعتب: الظلع، وأعتب العظم: أعنت بعد الجبر، وفي ط: العقب.
(2) خ بهامش ط: وفد.
(3) الميداني: أما بعد.
(4) المصادر: أني خطيبها.
(5) ط: لمفضل.
(6) المصادر: السباع.
(7) س ط: واشبعونا، وبهامشهما: خ وأشبعوها.(5/134)
قَتَلْنَا الْفَارِسَ «1» الْوَضَّاحَ مِنْهُمْ ... كَأَنَّ فُرُوعَ لُمَّتِهِ الْعُذُوقُ «2»
وَقَدْ قَتَلُوا بِهِ مِنَّا غُلامًا ... كَرِيمًا لَمْ تُخَوِّنْهُ «3» الْعُرُوقُ
فَأَبْكَيْنَا نِسَاءَهُمْ وَأَبْكَوْا ... نِسَاءَ مَا يَسُوغُ لَهُنَّ رِيقُ «4»
392- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى الْحِمْصِيُّ عَنْ بَقْيَةَ بْنَ الْوَلِيدِ قَالَ: بلغنا أنّ عمرو ابن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةُ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ فَقَالَ لَهُ: إِلَى مَنْ أَوْصَى بك أبوك؟
قال: أوصى إلي ولم يوص بِي، قَالَ: فَمَا كَانَتْ وَصِيَّتَهُ؟ قَالَ: أَنْ أَقْضِيَ دَيْنَهُ وَأَلا يَفْقِدُ إِخْوَانَهُ «5» مِنْهُ إِلا وَجْهَهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّ ابْنَ سَعِيدٍ هَذَا لأَشْدَقَ.
393- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ «6» أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ ابن سيحان المحاربي شاعرًا حلو اللسان «7» ، وهو على ذلك يقارف الشراب، وكان نديمًا للوليد بْن عتبة «8» ، فخرج يومًا سكران، فدس مروان من غلمانه من أخذه وكان له عدوًا وللوليد بْن عتبة، فلما رأى الوليد أن مروان إنما أراد فضيحته ضربه الحد تحسنًا عند الناس بذلك، فكتب مُعَاوِيَة إليه: من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الوليد بْن عتبة أما بعد فالعجب من ضربك «9» ابن سيحان فيما تشرب منه، ما زدت على أن أعلمت أهل المدينة أن شرابك الذي تشربه معه يوجب الحد. إذا جاءك كتابي فأبطل الحد عَنِ ابن سيحان، وأطفه على حلق «10» المسجد، وأعلمهم أن صاحب شرطك ظلمه، وأن أمير المؤمنين قد أبطل ذلك الظلم عنه، أو ليس ابن سيحان الذي يقول:
__________
392- راجع ف: 299 وانظر ما يلي ف: 1122 وشرح النهج 3: 478 393- الأغاني 2: 207- 208 والمنمق: 35 وانظر ما يلي رقم: 1580
__________
(1) الاصمعيات والبختري: الحارث، البصرية: الأبيض.
(2) البصرية: كأن سواد ... العذيق.
(3) البصرية والعيني: لم تأشبه.
(4) البصرية: ما يجف لهن موق.
(5) ط س: أخواته.
(6) ابن: سقطت من م.
(7) الأغاني: حلو الحديث.
(8) ط م: عقبة (في هذا الموضع فقط) .
(9) الأغاني: لضربك.
(10) الأغاني: وطف به في حلق.(5/135)
إني امرؤ أنمي إلى أفضل الربى «1» ... عديدًا إذا ارفضت عصا المتخلف «2»
إلى نضد من عبد شمس كأنهم ... هضاب أجا أركانها لم تقصف
ميامين يرضون الكفاية إن كفوا ... ويكفون ما ولوا بغير تكلف
غطارفة ساسوا البلاد فأحسنوا ... سياستها حتى أقرت لمردف
فمن يك منهم موسرًا يفش فضله ... ومن يك منهم معسرا يتعفّف
(751) وأمر له بخمسمائة دينار وإبل وغنم، وكتب إلى مروان يلومه على ما فعل.
394- وروى جرير بْنِ عَبْدِ الحميد عَن مغيرة قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ بْن أبي سُفْيَان:
من أولى الناس بهذا الأمر؟ قالوا: أنت، قَالَ: لا ولكن علي بْن الحسين، أمه ابنة أبي مرة بْن عروة بْن مسعود «3» ، وأمها بنت أبي سُفْيَان، فيه شجاعة بني هاشم، وحلم بني أُمَيَّة، ودهاء ثقيف كذا. روي هذا، والثبت أن غير مُعَاوِيَة قال ذلك.
395- أبو الحسن الْمَدَائِنِيّ قَالَ: كان عُمَر بْن سعد بْن أبي وقّاص ولي خراج كورة همذان فبقي عليه مال، فلما ولى مُعَاوِيَة ابن أم الحكم الكوفة وقدمها أخذ عُمَر بذلك المال فَقَالَ له: إنه لا سلطان لك علي، وكان مُعَاوِيَة كتب له كتابًا بأنه لا سلطان لأحد عليه غيره، فاجتمعا عند مُعَاوِيَة بعد وجرى بينهما كلام، فَقَالَ ابن أم الحكم: أنت الذي ذهبت بمال اللَّه قبلك فَقَالَ عُمَر: اسكت، قَالَ: أنت أحق بالسكوت يا أحمق، فأنا والله خير منك، قال: وكيف وإنّما تعرف بأمك وتنسب إليها كالبغل، يقال له من أبوك فيقول أمي «4» الفرس، وأنا أعرف بأبي وأدعى له فاسكت يا ابْن تمدر، وهي جدة له سوداء «5» ، فقالت أم الحكم، وهي من وراء الستر: أيذكر هذا مني ما يذكر وأنت تسمع؟! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: من شتم الرجال شتموه، فَقَالَ ابن همام السلولي في ذلك وسأله حاجة فلم يقضها:
__________
(1) الأغاني: الورى.
(2) الأغاني والمنمق: المتحلف.
(3) ينتمي إلى قبيلة ثقيف.
(4) م وهامش ط س: خالي.
(5) راجع ما تقدّم ف: 253(5/136)
لعمر أبي تمدر ما بنوها ... بمذكورين إن عد الفخار
فإن تفخر بأمك من قريش ... فقد ينزو على الفرس الحمار
396- وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ عَنِ الْقَحْذَمِيِّ قَالَ: اسْتَعْدَى عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ مُعَاوِيَةَ عَلَى ابْنِ أُمِّ الْحَكَمِ وَتَظَّلَمَ مِنْهُ فِي وِلايَتِهِ الْكُوفَةَ حَتَّى تَشَاتَمَا، فقال عمر: إنّما كانت أُمُّ الْحَكَمِ مَجْنُونَةٌ فَلَمْ يَرْغَبْ فِيهَا رِجَالُ قُرَيْشٍ، فَزَوَّجَهَا أَبُو سُفْيَانَ أَبَاكَ، فَنَادَتْ أُمُّ الْحَكَمِ: لا وَصَلَتْكَ يَا مُعَاوِيَةُ رَحِمٌ، فَقَالَ: وَمَا أَصْنَعُ بِكَ؟ ابْنُكِ جَنَى هَذَا عَلَيْكِ.
397- قَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ وَالْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ: كَانَ سَبَبُ عَزْلِ مُعَاوِيَةَ ابْنَ أُمِّ الْحَكَمِ، وهو عبد الرحمن بن عبد الله الثَّقَفِيُّ، أَنَّهُ قِيلَ لِمُعَاوِيَةَ: إِنَّ ابْنَ أُخْتِكَ «1» خَطَبَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ «2» قَاعِدًا، وَإِنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ رَآهُ فَقَالَ: أَلا تَرَوْنَ هَذَا الأَحْمَقَ وَمَا فَعَلَ، وَاللَّهُ يَقُولُ (انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) الجمعة: 11) وَإِنَّهُ اشْتَدَّ فِي أَمْرِ الخراج «3» حتّى قتل ابن صلوبا، وَكَانَ صَاحِبَ شَرَابٍ يَشْرَبُ مَعَ سَعْدِ بْنِ هَبَّارٍ مِنْ وَلَدِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بن قصيّ، فقال حارثة بن بدر الغداني فِيهِ:
نَهَارُهُ فِي قَضَايَا غَيْرِ عَادِلَةٍ ... وَلَيْلُهُ فِي هَوَى سَعْدِ بْنِ هَبَّارِ
لا يَسْمَعُ النَّاسُ أَصْوَاتًا لَهُمْ خَفِيَتْ ... إِلا دَوِيًّا دَوِيَّ النَّحْلِ فِي الْغَارِ «4»
فَيُصْبِحُ الْقَوْمُ أَطْلاحًا أَضَرَّ بِهِمْ ... سَيْرُ «5» الْمَطِيِّ وَمَا كَانُوا بِسُفَّارِ
لا يَرْقُدُونَ وَلا تُغْضِي عُيُونُهُمُ ... لَيْلَ التَّمَامِ وَلَيْلَ الْمُدْلِجِ السَّارِي
فَبَلَغَ الشِّعْرُ خَالَهُ مُعَاوِيَةَ، وَقَدِمَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيُّ عَلَى معاوية فقال
__________
397- قارن بأسد الغابة 3: 288 وانظر الشعر في العقد 6: 305.
__________
(1) س: أخيك.
(2) أسد الغابة: الجمعة.
(3) ط م س: الخوارج، وهامش ط: خ الخراج.
(4) في رواية للبلاذري (الورقة 882 ب من النسخة س) جاء البيت:
يدأب أصحابه فيما يسر به ... أخذًا بأخذ وتكرارًا بتكرار
وقد سقط هذا البيت والذي يليه من م.
(5) العقد: حث.(5/137)
لَهُ: أَيَشْرَبُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: لا، قَالَ: أَفَيَسْمَعُ الْغِنَاءَ؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَمَا تَنْقِمُونَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: إِنْكَارَهُ بَيْعَةَ يَزِيدَ ابْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَظَنُّهُ أَنَّ الْفَيْءَ لَهُ وَأَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَمَا نَصْنَعُ بِأَبْيَاتِ ابْنِ هَمَّامٍ «1» ؟ قَالَ: كَذَبَ عَلَيْهِ، قَالَ: أَنْشِدْنِي إِيَّاهَا إِنْ كُنْتَ تَرْوِيهَا، فَأَنْشَدَهُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: شَرِبَهَا وَاللَّهِ الْخَبِيثُ، وَعَزَلَهُ (752) وَوَلَّى النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ الأَنْصَارِيَّ الْكُوفَةَ.
398- وقال الْهَيْثَم: قدم الفرزدق متعرضًا لمعروف ابن أم الحكم فشرب مع بعض الكوفيين فأخذه صاحب العسس، فقالوا لابن أم الحكم: إن الفرزدق فِي حبسك، فأمر بإطلاقه وأعطاه عشرة آلاف درهم، فَقَالَ:
فداك من الأقوام كل مزند ... قصير يد السربال مسترق الشبر
فأنت ابن بطحاوي قريش وإن تشأ ... تكن من ثقيف فِي أرومتها الكبر «2»
وأنت ابن سوار اليدين إلى العلى «3» ... تلقت بك الشمس المنيرة للبدر «4»
فقيل له: فضلت أمه على أبيه، فَقَالَ: إنها بنت قريع البطحاء أبي سفيان، و (هو) ابن أخت أمير المؤمنين.
ومدح الفرزدق ابن أم الحكم فَقَالَ:
إليك ابن عبد اللَّه حملت حاجتي ... على صبر الأخفاف «5» خوص المدامع
نواعج كلفن الذميل فلم تزل ... مقلصة أبصارها «6» كالشراجع
__________
398- الأبيات الرائية في ديوان الفرزدق 179 (الفحام) والعمدة 2: 122 والأبيات العينية في الديوان: 175 (الفحام) .
__________
(1) لعل الصواب: فما نصنع بأبيات حارثة بن بدر.
(2) الديوان: تنل من ثقيف سيل ذي حدب غمر.
(3) الديوان: وأنت ابن فرع ماجد لعقيلة.
(4) الديوان: له ... المضيئة بالبدر.
(5) الديوان: ضمر الأحقاب.
(6) الديوان: أنضاؤها.(5/138)
وما ساقها من خلة «1» أجحفت بها ... إليك ولا من قلة فِي مجاشع
ولكنها اختارت بلادك رغبة ... على من سواها من ثنايا المطالع
399- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: خطبت «2» أم الحكم إلى مُعَاوِيَة ابنته على ابنها فأبى تزويجه فقالت: قد زوج أبوك أباه، وأنا خير من ابنتك، وهو خير من أبيه، فَقَالَ: أن أبا سُفْيَان كان سوقة ونحن اليوم ملوك، وكان أَبُو سُفْيَان يحب الزبيب والزبيب عندنا كثير، فَقَالَ ابن أم الحكم: إن عليًا زوج ابنته ابن أخته، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إن عليًا زوج قرشيًا وأنت ثقفي.
400- قالوا: وكانت لابْن الزُّبَيْرِ «3» الأسدي منزلة من ابن أمّ الحكم، فقتل قوم من بني أسد رجلًا من بني عم ابْن الزُّبَيْرِ، فخرج ابن أم الحكم وافدًا إلى مُعَاوِيَة وابْن الزُّبَيْرِ معه، وكان مع ابن أم الحكم قوم من بني أسد، فكلموه فِي فتكة «4» الرجل، فكلم ابن أم الحكم ابْن الزُّبَيْرِ فِي أن يقبل ديتين فأبى، فغضب عليه ابن أم الحكم ورده عَنِ الوفد وتوعده، فاستجار بيزيد بن معاوية، وكان يزيد يتنقّص ابن أم الحكم، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ «5» :
أبلغ يزيد ابن الخليفة أنني ... لقيت من الظلم الأغر المحجلا
بأن ابن عود قد أناخ مطيتي ... بجو لقد أثويت مثوى مضللا
وقال تعلم أن رحلك ماكث ... بجو ونادى وفده فترحلا
فلا هو أعطى الحق حين سألته ... ولا هو إذ رس العداوة أجملا
فلولا أمير المؤمنين ودفعه ... وراءك كنت العاجز المتذللا
عياذًا أمير المؤمنين فلا أكن ... طريد ابن عودٍ أو أسيرًا مكبلا
__________
400- قارن بالأغاني 14: 208
__________
(1) الديوان: حاجة.
(2) س: خطب.
(3) هامش ط: الزبير- بفتح الزاي- هذا شاعر مشهور.
(4) م: قتلة.
(5) البيت الأول في ياقوت 4: 211 والخامس في المرصع: 118(5/139)
وكان عبد اللَّه أَبُو ابن أم الحكم دخل بستانًا فأفسد فيه فليم على ذلك ومنع من البستان، فَقَالَ: اجعلوني كعودٍ من عيدان البستان. وقال ابن الكلبي: وكان قد كتب فِي هدم داره وحبس أهله فَقَالَ «1» :
ألست ببغل أمه عربية ... أبوه حمار أدبر الظهر ينخس
أتاني من أهلي كتاب بأننا ... حبسنا ولم يترك من المال منفس
وأن بناء الدار فضّ فأصبحت ... أما ليس ما فيها لضيف معرس
فلله عينا من رأى من مسير ... كأسماء إذ تمشي قليلًا وتجلس
دعت دعوة إذ عض كلبك ساقها ... ومن دونها مستنة الآل بسبس
فلو كان أزمان «2» الطعان تركتها ... ذميمًا وقد مارت دماء وأنفس
(753) وصدك عنها من خزيمة أسرة ... يقودهم ذو نخوة متغطرس
تصاغرت إذ جئت ابن حرب ورهطه «3» ... وفي أرضنا أنت الهمام القلمس
فهل يعمرن الأرض ردك رحلتي ... وأسماء محروسًا عليها المخيس
فقالت أم الحكم لِمُعَاوِيَةَ: أما تسمع هذا الشاعر يشتمني ويهجوني؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:
ما شتمك ولا هجاك ولكنه مدحك.
وقال ابْن الزُّبَيْرِ «4» :
إلا إن ذلًا أن أقيم ببلدة ... مؤمرة فيها على ثقيف
فأبلغ بني دودان أن أخاهم ... رهين بأرطال الحديد رسوف
يرد عليه الهم باب مضبب ... وذو طنف دون السماء منيف
الطنف الإفريز ببعض «5» الحائط ويروى «وأجرد من دون» يعني الحائط.
__________
(1) البيتان 1، 8 في العقد 6: 129 والأغاني 14: 234 والبغال: 110 ولم يورد جامع ديوانه غيرهما: 94
(2) س: زمان.
(3) البغال: تثعلبت لما أن أتيت بلادهم.
(4) لم يوردها أيضا جامع ديوانه.
(5) ط م: يعني، س: بعض.(5/140)
وذو بردة ( ... ) له عجرفية ... عنيف وبواب السجون عنيف
401- المدائني قَالَ: هجا ابْن الزُّبَيْرِ ابن أم الحكم، فَقَالَ له مُعَاوِيَة: ما دعاك إلى هجاء ابن أختي؟ قَالَ: إنه هدم داري، قَالَ: فأنا كنت أبنيها، قَالَ: وأين كنت يومئذ منك؟ فابنها الآن وأنا أكف عنه، فَقَالَ: ومن يعلم أنه هدمها؟ قَالَ: عبد اللَّه بْن عامر. فسأل عبد اللَّه فَقَالَ: ما أدري ولكني أعطيته أربعين ألف درهم فاشترى بها ساجًا.
402- وقال ابْن الزُّبَيْرِ أيضًا:
ألا أبلغ مُعَاوِيَة بْن حرب ... فقد خرب السواد فلا سوادا
وإن جبالنا خربت وبادت ... فقد تركت لحالبها جمادا
فهل لك أن تدارك ما لدينا ... وترفع «1» عَنْ رعيتك الفسادا
فإن أمينكم لا اللَّه يخشى ... ولا ينوي لأمتكم سدادا
إذا ما قلت أقصر عَنْ هواه ... تمادى فِي ضلالته وزادا
403- وقال الْمَدَائِنِيّ: نازع مروان ابن عامر، فَقَالَ عبد الرحمن بن أم الحكم:
أما تجد ريح الفرث من هذا؟ فَقَالَ ابن عامر: أمني تجد ريح الفرث؟ أما إني لو شئت أن أختنك على الصفاة التي ختنت عليها أخاك لفعلت، فغلبه ابن عامر.
404- حَدَّثَنِي الرِّفَاعِيُّ عَنْ عَمِّهِ عن ابن عيّاش الهمداني قَالَ: قَدِمَ وَفَدَ أَهْلُ الْكُوفَةِ عَلَى مُعَاوِيَةَ يَشْكُونَ ابْنَ أُمِّ الْحَكَمِ إِلَيْهِ وَزَعِيمَهُمْ هَانِئُ بْنُ عُرْوَةَ، فَقَالَ: عَلَيْكُمْ لَعْنَةَ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ بَلَدٍ لا تَرْضَوْنَ عَنْ أَمِيرٍ، فَقَالَ أَبُو بردة: قد سمعتم وأنا أعزله لكم، فدخلوا على يزيد، فَقَالَ هانئ: ما ننقم على عبد الرحمن أن لا نكون أحظى أهل
__________
401- قارن بالأغاني 14: 245 402- الأبيات 1، 3، 5 أيضا في أسد الغابة 3: 287 منسوبة لعبد الله بن همام السلولي، ولم يورد جامع الديوان شيئا منها.
__________
(1) أسد: وتدفع.(5/141)
المصر عنده، ولكنا غضبنا لك، وذلك أنه أتي بجام من مها- أي بلور- فَقَالَ:
أرفعوها حتى نهديها إلى يزيد يشرب فيها الخمر بماء بردى، فَقَالَ يزيد: ومن سمع ذلك؟ قَالَ أَبُو بردة: أنا، وقال غيره: أنا، فقام يزيد فدخل إلى مُعَاوِيَة فأخبره بقولهم، فَقَالَ: هذا أمر مصنوع، فاللَّه اللَّه فِي ابن عمتك، فَقَالَ: ما شاء فليكن، أليس قد سمع به الناس؟ فعزل ابن أم الحكم وولى النعمان بْن بشير الأنصاري.
405- وَحَدَّثَنِي الرِّفَاعِيُّ عَنْ عَمِّهِ عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ قَالَ: وَلَّى مُعَاوِيَةُ ابْنَ أُمِّ الْحَكَمِ مِصْرَ فقال له معاوية بن حديج الكندي: يا ابن أَخِي إِنَّمَا بَعَثَ بِكَ أَهْلُكَ لِيُفَكِّهُوكَ بِهَا، الْحَقْ بِأَهْلِكَ، ثُمَّ إِنَّ ابْنَ حُدَيْجٍ قَدِمَ (754) عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَتْ لَهُ أُمُّ الْحَكَمِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ دَعْنِي أُكَلِّمُهُ قَالَ: لا تَفْعَلِي، قَالَتْ: بِالْقَرَابَةِ لِمَا فَعَلْتَ، قَالَ:
فَأَنْتِ وَذَاكَ، فقالت: يا ابن حُدَيْجٍ، لا جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا عَنْ وَاحِدِي، قَالَ ابْنُ حُدَيْجٍ: مَنْ هَذِهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: أُمُّ الْحَكَمِ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: اسْكُتِي أَيَّتُهَا الْوَرْهَاءُ، فَقَدْ تَزَوَّجْتِ فَمَا اسْتَكْرَمْتِ، وَوَلَدْتِ فَمَا أَنْجَبْتِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قَدْ وَاللَّهِ نَهَيْتُهَا فَأَبَتْ.
406- محمد عَنِ الواقدي عَنِ ابن أبي الزناد أن خارجة بْن زيد بْن ثابت حدثه أن أباه كتب إلى مُعَاوِيَة فِي آخر كتابه: والسلام عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّه وَبَرَكَاتُهُ ومغفرته.
407- حَدَّثَنِي محمد بن سعد عن الواقدي عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أُمِّ بَكْرٍ بنت الْمِسْوَرِ عَنْ أَبِيهَا قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ وَهُوَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَنْ يَخْطُبَ أُمَّ كُلْثُومِ «1» بِنْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَر، وَأُمُّهَا زَيْنَبُ «2» بِنْتُ عَلِيٍّ. وَأُمُّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم،
__________
405- ابن الأثير 4: 426 والنجوم الزاهرة 1: 151 وأسد الغابة 3: 287 والبيان 2: 108 وابن كثير 8: 82 وانظر الاكليل 2: 231 407- قارن بالكامل 3: 208- 209 وياقوت 1: 697 والبكري: 659 والسمهودي 2: 262- 263 ومناقب ابن شهر اشوب 3: 199 ووكيع 1: 153
__________
(1) ط م س: زينب.
(2) ط م س: أم كلثوم.(5/142)
عَلَى ابْنِهِ يَزِيدَ وَيَقْضِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ دَيْنَهُ، وَكَانَ خَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَيُعْطِيهِ عَشْرَةَ آلاف دينار، ويصدقها أربعمائة وَيُكَرِّمُهَا بِعَشْرَةِ آلافِ دِينَارٍ، فَبَعَثَ مَرْوَانُ إِلَى ابْنِ جَعْفَرٍ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: نَعَمْ وَاسْتَثْنَى رِضَاءَ «1» الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَأَتَى الْحُسَيْنَ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْخَالَ وَالِدٌ وَأَمْرُ هَذِهِ الْجَارِيَةِ بِيَدِكَ، فأشهد عليه الْحُسَيْنَ بِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ لِلْجَارِيَةِ: [يَا بُنَيَّةُ إِنَّا لَمْ نُخْرِجْ مِنَّا غَرِيبَةً قَطُّ، أَفَأْمُرُكِ بِيَدِي؟] قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخَذَ بِيَدِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّد بْنِ جَعْفَر بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَدْخَلَهُ الْمَسْجِدَ، وَبَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو أُمَيَّةَ وَغَيْرُهُمْ مُجْتَمِعُونَ، فَحَمِدَ مَرْوَانُ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ أَحَبَّ أَنْ يَزِيدَ القرابة لُطْفًا وَالْحَقِّ عِظَمًا، وَأَنْ يَتَلافَى مَا كَانَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ بِصِهْرِهِمَا، وَعَائِدَةُ فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ عَلَى بَنِي عَمِّهِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَقَدْ كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي ابْنَتِهِ مَا يَحْسُنُ «2» فِيهِ رَأْيُهُ. وَوَلَّى أَمْرَهَا الْحُسَيْنَ خَالَهَا، وَلَيْسَ عِنْدَ الْحُسَيْنِ خِلافُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَتَكَلَّمَ الْحُسَيْنُ فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الإِسْلامَ دَفَعَ الْخَسِيسَةَ وَتَمَّمَ النَّقِيصَةَ وَأَذْهَبَ اللائِمَةَ، فَلا لَوْمَ عَلَى مُسْلِمٍ إِلا فِي أَمْرِ مَأْثَمٍ، وَإِنَّ الْقَرَابَةَ الَّتِي عَظَّمَ اللَّهُ حَقَّهَا وَأَمَرَ بِرِعَايَتِهَا، وَأَنْ يَسْأَلَ نَبِيُّهُ الأَجْرَ لَهُ بِالْمَوَدَّةِ «3» لأَهْلِهَا قَرَابَتِنَا «4» أَهْلَ الْبَيْتِ، وَقَدْ بَدَا لِي أَنْ أُزَوِّجَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ نَسَبًا وَأَلْطَفُ سَبَبًا، وَهُوَ هَذَا الْغُلامُ، وَقَدْ جَعَلْتُ مَهْرَهَا عَنْهُ الْبُغَيْبَغَةَ «5» ، فَغَضِبَ مَرْوَانُ وَقَالَ: غَدْرًا يَا بَنِي هَاشِمٍ؟! ثُمَّ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: مَا هَذَا بِمُشْبِهِ أَيَادِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَكَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنِّي جَعَلْتُ أَمْرَهَا إِلَى خَالِهَا، فَقَالَ الْحُسَيْنُ:
رُوَيْدَكَ، أَلا تَعْلَمُ يَا مِسْوَرُ بْنَ مَخْرَمَةَ أَنَّ حُسَيْنَ «6» بْنَ عَلِيٍّ خَطَبَ عَائِشَةَ بِنْتَ عُثْمَانَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَجْلِسِ، وَقَدْ أَشْفَيْنَا عَلَى الْفَرَاغِ، وَقَدْ وَلَّوْكَ يَا مَرْوَانُ أَمْرَهَا قُلْتَ: قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أُزَوِّجَهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ؟ قَالَ مَرْوَانُ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ، [قَالَ الْحُسَيْنُ: فَأَنْتُمْ أَوَّلُ الْغَدْرِ وَمَوْضِعُهُ، ثُمَّ] نَهَضَ فَقَالَ مَرْوَانُ لِلْمِسْوَرِ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ والله لغيظي على
__________
(1) م: واستغني، ط: برضا.
(2) م: حسن.
(3) إشارة إلى الآية «قل لا أسئلكم عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» (الشورى: 23) .
(4) قرابتنا خبر إنّ.
(5) انظر في تعريفها ياقوت 1: 697 والكامل: 655
(6) م: حسن.(5/143)
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَشَدُّ مِنْ غَيْظِي عَلَى الْحُسَيْنِ، لِرَأْيِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِيهِ وَأَيَادِيهِ عِنْدَهُ، وَلأَنَّ الْحُسَيْنَ وَغَرَ الصَّدْرِ عَلَيْنَا وَعَبْدَ اللَّهِ سَلِيمُ الصَّدْرِ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لِصَنَائِعِهِ عِنْدَهُ، فَقَالَ الْمِسْوَرُ: لا تَحْمِلْ عَلَى الْقَوْمِ، فَالَّذِي صَنَعُوا أَفْضَلُ، وَصَلُوا رَحِمًا وَوَضَعُوا كَرِيمَتَهُمْ حَيْثُ أَرَادُوا، فَأَمْسَكَ مَرْوَانُ «1» .
408- قَالَ: وحدثني (755) عبد الحميد بْن حبيب عَنْ أشياخه قالوا: لما أخذ مُعَاوِيَة البيعة ليزيد على أهل الحجاز وقدم الشام قَالَ له: يا بني إني قد وطأت لك الأمور وأخضعت لك أعناق العرب، ولم يبق إلا هؤلاء النفر وهم «2» حسين بْن علي وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْر وعبد اللَّه بْن الزبير، ولست أتخوف أن ينازعك فِي هذا الأمر غيرهم، فأما حسين فإن له رحمًا ماسة وحقًا عظيمًا وقرابة بالنبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولا أظن أهل العراق تاركيه حتى يخرجوه عليك، فإن قدرت عليه فاصفح عنه، فلو أني الذي إلي أمره لعفوت عنه، وأما ابن عُمَر فرجل قد وقذته العبادة وقراءة القرآن وتخلّى من الدنيا، ولا أظنه يرى قتالك على هذا الأمر، ولا يريده ما لم يأته عفوا «3» ، وأما عبد الرحمن فشيخ عشمة «4» هامة اليوم أو غدٍ وهو مشغول عنك بالنساء، وأما الذي يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك مراوغة الثعلب فإن أمكنته فرصة وثب، فهو عبد الله بن الزبير، فإذا فعلها فاستمكنت «5» منه فلا تبق عليه، قطعه إربًا إربًا إلا أن يلتمس منك صلحًا، فإن فعل فاقبل منه، واحقن دماء قومك ما استطعت. ولم يمكث إلا يسيرًا حتى أتاه موت عبد الرحمن بْن أبي بَكْر فدعا يزيد فبشّره بذلك.
__________
408- الطبري 2: 196 والدينوري: 239 وشرح النهج 4: 490 وابن كثير 8: 115 وراجع ما تقدم ف:
309، وما سيلي رقم: 409، 411
__________
(1) بهامش ط في هذا الموضع: «يتلوه في الأصل الثالث بعد قوله فأمسك مروان: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أن ابْن عباس ... »
(2) س: وهو.
(3) الدينوري: وليس بطالب الخلافة إلا أن تأتيه ...
(4) ط م س: عسمة.
(5) ط م: واستمكنت.(5/144)
409- وَحَدَّثَنِي حَفْص بْن عُمَر عَن الْهَيْثَم بْن عَدِيٍّ عَنْ عَوَانَةَ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لابْنِهِ فِي وَصِيَّتِهِ: يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدْ وَطَّأْتُ لَكَ الأَشْيَاءَ، وَأَذْلَلْتُ لَكَ الأَعْدَاءَ، وَأَخْضَعْتُ أَعْنَاقَ النَّاسِ بِبَيْعَتِكَ، فَانْظُرْ أَهْلَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ فَأَكْرِمْهُمْ، فَإِنَّهُمْ أَصْلُكَ وَمَنْصِبُكَ:
مَنْ «1» وَرَدَ عَلَيْكَ مِنْهُمْ فَأَكْرِمْهُ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِكَ فَابْعَثْ إِلَيْهِ بِصِلَتِهِ، وَانْظُرْ أَهْلَ الْعِرَاقِ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ طَعْنٍ عَلَى الأمراء وملالة لهم، فإن يسألوك أن تبذل «2» لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ عَامِلا فَافْعَلْ، وَانْظُرْ أَهْلَ الشَّامِ فَلْيَكُونُوا بِطَانَتَكَ وَعَيْبَتَكَ وَحِصْنَكَ، فَمَنْ رَابَكَ أَمْرُهُ فَارْمِهِ بِهِمْ، فَإِذَا فَرَغُوا فَأَقْفِلْهُمْ إِلَيْكَ فَإِنِّي لا آمَنُ النَّاسَ عَلَى إِفْسَادِهِمْ «3» ، وَقَدْ كَفَاكَ اللَّهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَسْتُ أَخَافُ عَلَيْكَ إِلا حُسَيْنًا وَابْنَ عُمَرَ وَابْنَ الزُّبَيْرِ، فَأَمَّا حُسَيْنٌ فَلَسْتُ أَشُكُّ فِي وثوبه عَلَيْكَ، فَسَيَكْفِيكَهُ مَنْ قَتَلَ أَبَاهُ وَجَرَحَ أَخَاهُ، إِنَّ آلَ أَبِي طَالِبٍ قَدْ مَدُّوا أَعْنَاقَهُمْ إِلَى غَايَةٍ أَبَتِ الْعَرَبُ أَنْ تُعْطِيَهُمُ الْمَقَادَةُ فِيهَا، وَهُمْ مَحْدُودُونَ، وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَقَدْ وَقَذَهُ الإِسْلامُ وَشَغَلَهُ عَنْ مُنَازَعَتِكَ، وَأَمَّا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَخَبٌّ خَدِعٌ فَإِذَا شَخَصَ إِلَيْكَ فَالْبَدْ لَهُ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ عَلَى الْمُطَاوَلَةِ.
410- حَدَّثَنَا هشام بن عمار حدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْر بِحَبَشِيٍّ «4» - وَهُوَ عَلَى اثْنَيْ عشر ميلًا «5» من مَكَّة- فحمل ودفن بمكة، فَلَمَّا قَدِمَتْ عَائِشَةُ مَكَّة مِنَ الْمَدِينَةِ أَتَتْ قَبْرَهُ فَقَالَتْ:
وَكُنَّا كَنَدْمَانِي جُذَيْمَةَ حِقْبَةً ... مِنَ الدهر حَتَّى قيل لن يتصدّعا
__________
409- راجع ف: 309، 408 وما يلي رقم: 411 ومناقب ابن شهر اشوب 3: 239- 240 410- الأغاني 16: 96 وياقوت 2: 197 وقارن بالكامل 4: 30 وابن كثير 6: 322، 8: 98 والبيت لمتمم بن نويرة من مفضلية له مشهورة، شرح ابن الانباري رقم: 67 وانظر كتاب مالك ومتمم: 111 وانظر تخريجه 120- 122
__________
(1) م: ومن.
(2) م: تبدل.
(3) م: فسادهم.
(4) ط م: بحبس.
(5) ياقوت: ستة أميال.(5/145)
قالوا: وتوفيت عائشة سنة ثمان وخمسين. وروى بعضهم أن عبد الرحمن كان باقيًا حتى مات مُعَاوِيَة، وذلك باطل.
411- وحدثني عباس بْن هشام الكلبي عن أبيه عن عوانة وغيره قالوا: لما حضرت مُعَاوِيَة الوفاة وذلك فِي سنة (756) ستين كان يزيد غائبًا، فدعا مُعَاوِيَة الضحاك بْن قيس الفهري، وكان على شرطه، ومسلم بن عقبة بن رباح «1» بْن أسعد المري، فأوصي إليهما فَقَالَ: بلغا يزيد وصيتي، وكتب فيها: يا بني انظر أهل الحجاز فإنهم أصلك فأكرم من قدم عليك منهم، وتعهد من غاب عنك من وجوههم، وانظر أهل العراق وإن «2» سألوك أن تعزل عنهم فِي كل يوم عاملًا فافعل، فإن عزل عامل أهون عليك من أن تشهر عليك مائة ألف سيف، وانظر أهل الشام فإنهم بطانتك وعيبتك فإذا رابك من عدو شيء فانتصر بهم ثم ردهم إلى بلادهم فإن هم أقاموا فِي غيرها فسدت أخلاقهم.
412- حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ قَالَ: جَامَعَ مُعَاوِيَةُ جَارِيَةً لَهُ «3» خُرَاسَانِيَّةً ثُمَّ حُمَّ مِنْ يَوْمِهِ فَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ.
413- حَدَّثَنِي هشام بْن عمار قَالَ: مات مُعَاوِيَة وعامله على مصر مسلمة بْن مخلد الأنصاري، وقد كان ولى ابن أم الحكم مصر بعد الكوفة.
414- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفًّى عَنْ بَقْيَةَ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا فَشَكَرَ وَأَثْنَى، فَقَالَ: لَكِنَّ أَبَا سُفْيَانَ أُعْطِيَ فَلَمْ يُثْنِ وَلَمْ يَشْكُرْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: إِنَّ أَبِي يَرَى له حقّا على الكرام.
__________
411- الطبري 2: 197 وابن الأثير 4: 2 والعقد 4: 87 والبيان 2: 131 وانظر ف 309، 408 وعن وفاة معاوية انظر ما يلي رقم: 435 413- النجوم الزاهرة 1: 153 وراجع ما تقدم ف: 9 عن تولية ابن أم الحكم مصر.
414- قد تقدم في ف: 35
__________
(1) ط م: رياح.
(2) م: فان.
(3) له: سقطت من ط م.(5/146)
415- قالوا: وولى مُعَاوِيَة روح بْن زنباع الجذامي عملًا، فرجم رجلًا وامرأة فَقَالَ الشاعر:
إن الجذامي روحا في إقامته ... حد الإله لمعذور وإن عجلا
فبلغ مُعَاوِيَة هذا البيت فَقَالَ: أولى الأمور بالتعجيل أداء حقوق اللَّه.
416- وحدثني هشام بْن عمار قَالَ: بلغنا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنه لما أتى الشام رأى مُعَاوِيَة فِي موكب يغدو ويروح فيه، فَقَالَ له: يا مُعَاوِيَة تروح فِي موكب وتغدو فِي مثله، وبلغني أنك تصبح فِي منزلك وذوو الحاجات ببابك، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين إنا بأرض عدونا قريب منها، وله علينا عيون ذاكية، فأردت أن يروا للإسلام عزًا، فَقَالَ عُمَر: أن هذا لكيد لبيب أو خدعة أريب، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يا أمير المؤمنين فأمرني بما شئت أنته إليه، قَالَ: ويحك ما ناظرتك فِي أمر أعتب «1» فيه عليك إلا تركتني منه فِي أضيق سبلي حتى ما أدري أآمرك أم أنهاك.
417- وقال هشام والمدائني: كان عُمَر يرى مُعَاوِيَة فيقول: هذا «2» كسرى العرب.
418- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفًّى الْحِمْصِيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِمْ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بَنَى الْخَضْرَاءَ بِدِمَشْقَ مِنْ لَبِنٍ وَطِينٍ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ صَاحِبِ الرُّومِ فَقَالَ لَهُمْ: كَيْفَ تَرَوْنَ بِنَائِي هَذَا؟
قَالُوا: مَا أَحْسَنَهُ إِلا أَنَّكَ تَبْنِيهِ لِنَفْسِكَ وَللْعَصَافِيرِ، يُرِيدُونَ أَنَّ الْعَصَافِيرَ تَحْفُرُه وَتَنْقُرُهُ، وَلَمْ تَبْنِهِ لِيَبْقَى لِمَنْ بَعْدَكَ، فَهَدَمَهَا وَبَنَاهَا بِالْحِجَارَةِ.
419- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: شخص سليمان بْن قتة مولى بني تيم «3» إلى سَعِيد «4» بن عثمان فلم
__________
415- قد تقدم في ف: 283، وهنا النهاية مختلفة.
416- الطبري 2: 207 وانظر الاستيعاب: 1417 417- ابن كثير 8: 125 وأمالي القالي 2: 121 وأسد الغابة 4: 386 والنووي (تحقيق وستنفلد) : 565 وتاريخ الاسلام 2: 320 418- محاضرات الراغب 2: 265 ومطالع البدور 1: 11
__________
(1) س: أعتبت.
(2) س: لهذا.
(3) بهامش س ط: خ مولى بني تميم.
(4) س: سعد.(5/147)
يصله، فقيل له: إنه يهجوك فَقَالَ: أو يهجوني وأنا ابن عثمان بن عفّان؟! فبلغ ابن قتة قوله فَقَالَ: صدق والناس كلهم بنو آدم، فمنهم ذهب ومنهم فضة ومنهم نحاس فسَعِيد فلس بني عثمان، وقال «1» :
سألت قريشًا عَنْ سَعِيد فأجمعوا ... عليه وقالوا معدن اللؤم والبخل
فقلت لنفسي حين أخبرت أنه ... بخيل ألا ليس ابن عثمان من شكلي
فكم من فتى كز اليدين مذمم ... وكان أبوه عصمة الناس فِي المحل
(757) فأجمعت يأسًا حين أيقنت «2» أنه ... بخيل وقد ألقى على غاربي رحلي «3»
فوجهت عنسا نحو عمرو فأسرعت ... مواشكة تهوي مواشكة الفحل
إلى ماجد الجدين سبط بنانه ... إذا سئل المعروف يهتز كالنصل
يعني عمرو بْن سَعِيد بْن العاص، فشكا سَعِيد حين قدم على مُعَاوِيَة ابن قتة، فَقَالَ له: كان ينبغي لك أن تفتدي منه عرضك، وأعطاه عمرو بْن سَعِيد ألف دينار «4» وجارية فَقَالَ:
ودون سَعِيد إن أراد ظلامتي ... أغر كريم الوالدين نجيب
سيمنعني من خطة الضيم سيفه ... ورأي إذا حار الرجال صليب
فأعطاه سَعِيد بْن عثمان ألفًا وجارية فَقَالَ:
لقد نالني سيب ابن عثمان بعد ما ... يئست وكان المرء ترجى فضائله
فجاد كما جاد السحاب ولم يكن ... بكيئًا ولكن غرقتنا «5» نوافله
وإن عاد عدنا للذي هو أهله ... وأحظى عباد اللَّه بالخير فاعله
420- وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده وشرقي بن «6» القطامي
__________
(1) في النسخ الثلاث: فسمعه قيس بن عثمان فقال، ولكني آثرت رواية خ بهامش ط، والمعنى أن سعيدا من نحاس، وقوله «وقال» يعني ابن قتة.
(2) س: أبقيت.
(3) خ بهامش ط: حبلي.
(4) خ بهامش ط: درهم.
(5) س: يكنى ... عرفتنا.
(6) بن: سقطت من م.(5/148)
قَالا: وَلِيَ مُعَاوِيَةُ الشَّامَ لِعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَأَتَاهُ وَهُوَ بِالشَّامِ بَحْدَلُ بْنُ أُنَيْفِ بْنِ دُلْجَةَ مِنْ وَلَدِ حَارِثَةَ بْنِ جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ بِابْنِ أَخٍ لَهُ قَدْ قَتَلَ أَخَاهُ، وَكَانَ ابْنَا أَخِيهِ هَذَانِ خَطَبَا مَيْسُونَ بِنْتَ بَحْدَلٍ جَمِيعًا فَزَوَّجَ الْمَقْتُولَ، فَإِنَّ رَأْسَهُ لَفِي حِجْرِهَا وَهِيَ تُفَلِّيهِ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ أَخُوهُ بِصَخْرَةٍ فَلَقَ بِهَا رَأْسَهُ، فَلَمَّا أَتَى مُعَاوِيَةَ قَالَ لَهُ: إِنْ شِئْتَ قَتَلْتُهُ لَكَ فَذَهَبَ ابْنَا أَخِيكَ جَمِيعًا، وَإِنْ شِئْتَ فَالدِّيَةُ، فَقَبِلَ الدِّيَةَ.
ووجه مُعَاوِيَة «1» بعد ذلك رسولًا إلى بهدل بْن حسان بْن عدي بْن جبلة بْن سلامة ابن عليم بْن جناب الكلبي ليخطب عليه ابنته، وكانت بكرا، فغلط فمضى إلى بحدل ابن أنيف فخطب ابنته، فزوجه ميسون، فَقَالَ عمرو الزهيري «2» من كلب يهجو حسان بْن مالك بْن حدل:
إذا ما انتمى حسان يومًا فقل له ... بميسون نلت المجد لا بابن بحدل
بخمصانة ريا العظام كأنها ... من الوحش مكحول المدامع عيطل
ولولا ابن ميسون لما ظلت عاملًا ... تخمط أبناء الأكارم «3» من عل
وما كان يرجو مالك أن يرى ابنه ... على منبر يقضي القضاء بفيصل
ألا بهدلا كانوا أرادوا فضللت ... إلى بحدل نفس الرسول المضلل
فشتان إن قايست بين ابن بحدل ... وبين ابن ذي الشرط الأغر المحجل
وكان لعدي بْن جبلة بْن سلامة شرط فِي قومه: لا يدفنوا ميتًا حتى يكون هو الذي يخط له موضع قبره، وفيه يقول الشاعر «4» طعمة بْن مدفع الكلبي:
عشية لا يرجو امرؤ دفن أمه ... إذا هي ماتت أو يخطّ لها قبرا «5»
__________
(1) تاج العروس 5: 168 والخزانة 3: 594 (دون شعر) والشاعر هو عرفطة بن عثمان (كما في الجمهرة: 24/ أمن نسخة الاسكوريال) .
(2) ط م س: الزهري.
(3) ط وهامش س: الأكابر، خ بهامش ط: الأكارم، وقد كتبت الكلمتان إحداهما فوق الأخرى في م.
(4) الشاعر: سقطت من ط م.
(5) انظر تاج العروس 5: 168، وانظر بيتا مشابها في حماسة البحتري: 202(5/149)
421- وقال الْمَدَائِنِيّ: طلق مُعَاوِيَة ميسون وهى حامل، وكان زوجها الذي قتل عنها زامل بْن عبد الأعلى فرماه بعض الأعراب، ولم يقل شيئًا، والصحيح أن الذي قتله أخوه.
422- وَحَدَّثَنِي «1» عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عن أبي السَّائِبِ قَالَ: كَانَ رَأْسُ مُعَاوِيَةَ كَبِيرًا فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّهِ لَيَسُوَدَنَّ ابْنِي هَذَا قُرَيْشًا، (758) فَقَالَتْ هِنْدٌ: إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَسُودَ الْعَرَبَ قَاطِبَةً.
423- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَوَانَةَ قَالَ «2» : بَلَغَ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ أَنَّ قُرَيْشًا بِبَابِهِ تَتَبَاشَرُ بِمَوْتِهِ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ دَعُوا لَهُ، فَقَالَ: أَتَتَبَاشَرُونَ بِمَوْتِي إِذَا خَلَوْتُمْ وَتَدْعُونَ لِي إِذَا حَضَرْتُمْ؟! فَانْتَفُوا مِنْ ذَلِكَ وَاعْتَذَرُوا، فَقَبِلَ مِنْهُمْ، وَقَالَ:
وَهَلْ مِنْ خالدٍ إما هلكنا ... وهل فِي الموت يا لِلنَّاسِ عَارُ
424- حَدَّثَنِي هشام بْن عمار قَالَ: أغمي على مُعَاوِيَة فِي مرضه ثم فتح عينيه فَقَالَ: اتقوا اللَّه فإن من اتقاه وقاه، ولا وقاء لمن لم يتق اللَّه.
425- وحدثني عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عن أَبِي السَّائِبِ قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ:
إِنْ تُنَاقِشْ يَكُنْ نقاشك يا ر ... بّ عذابا لا طوق لي بالعذاب
__________
422- عيون الأخبار 1: 224 وابن كثير 8: 118 ومحاضرات الراغب 1: 67 والعقد 2: 287 وبلاغات النساء: 142 وسير الذهبي 3: 80 وشرح النهج 1: 112 وثمة نص مشابه في البصائر 3: 165 423- قارن بابن الأثير 4: 5 وبهجة المجالس 2: 369- 370، وسيرد البيت فيما يلي رقم: 428، 433 وهو لعدي بن زيد، انظر ديوانه: 132 والتخريج هنا لك غير واف.
424- ابن كثير 8: 142 وابن الأثير 4: 4 وفي أنساب الاشراف (896/ أمن نسخة س) نسب القول إلى عمر.
425- ابن الأثير 4: 4 والعمدة 1: 14 وابن كثير 8: 142، 9: 68 والبيتان أيضا في ابن كثير 9: 68 وابن الأثير 4: 415 والفائق (نقش) ورسائل ابن أبي الدنيا: 65 (رقم: 110) ونور القبس 1: 292 وديوان ابن الدمينة: 130 وتذكرة ابن حمدون: 63 ب وبهجة المجالس 2: 369
__________
(1) ف: 422 سقطت من م.
(2) م: أنه قال.(5/150)
أَوْ تُجَاوِزْ فَأَنْتَ رَبِّ غَفُورٌ «1» ... عَنْ مُسِيءٍ ذُنُوبُهُ كَالتُّرَابِ
426- حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ مُعَاوِيَةَ الْوَفَاةُ وَضَعَ رَأْسَهُ فِي حِجْرِ رَمْلَةَ ابْنَتِهِ، فَجَعَلَتْ تُقَلِّبُهُ فَقَالَ: إِنَّكَ لَتُقَلِّبِينَهُ حَوْلًا قَلْبًا، ثُمَّ تَمَثَّلَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
لا يَبْعُدَنَّ رَبِيعَةُ بْنُ مُكَدَّمٍ ... وَسَقَى الْغَوَادِي قَبْرَهُ بِذُنُوبِ
427- وقال الْمَدَائِنِيّ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لابنتيه وهما تقلبانه «2» فِي مرضه: قلباه حولا قلبًا جمع المال من شب إلى دب، فليته لا يدخل النار، ثم تمثل:
لقد سعيت لكم سعي امرئ نصب «3» ... وقد كفيتكم التطواف والرحلا
428- الْمَدَائِنِيّ عَنْ بشر بن موسى وأبي طيبة «4» الحماني قالا: أغمي على مُعَاوِيَة فِي مرضه الذي مات فيه فقالت رملة ابنته، أو امرأة من أهله، متمثلة بشعر الأشهب بْن رميلة:
__________
426- الكامل 4: 111 (وفيه البيت) وانظر ما يلي رقم: 427 والميداني 1: 149 والعسكري 1: 409 وتذكرة ابن حمدون: 63 ب واللسان 2: 179، 189 13: 179 ويرد البيت أيضا في أنساب الأشراف (الورقة 943 ب، 960/ أمن نسخة س) والمرزباني: 36 وانظر 438، والمرصع: 161 والفائق (حول) ونهاية ابن الأثير (قلب، كبب) وشرح النهج 1: 113 والحماسة البصرية 2: 231 والمصعب: 444، ونسبته متنازعة فهو عند المصعب عمرو بن شقيق القرشي وعند المرزباني ينسبه قوم لحسان وقوم لمكرز وآخرون لعمرو بن شقيق وعند ابن الأثير لحفص الكناني وفي الحماسة البصرية لمكرز بن حفص بن الأحنف الكناني.
427- الطبري 2: 201 وانظر ابن الأثير 4: (وفيه البيت) وتمام المتون: 61- 62 428- المجتنى: 39 وانظر ما يلي رقم: 430 ويرد البيتان أيضا في المعمرين 2: 91 وديوان الأخطل: 381 وزهر الآداب: 923 وابن عساكر 5: 23 وديوان المعاني 1: 27 والمصون: 64 وينسب البيتان لنصر بن الحجاج بن علاط السلمي (المعمرين) وحي بن هزال السعدي (ابن عساكر) والأخطل (ديوان المعاني وزهر الآداب، وهو خطأ) .
__________
(1) ترد بروايات مختلفة: صفوح، رءوف، عفوّ، رحيم.
(2) ط س م: يقلبانه.
(3) الطبري: من سعي ذي نصب.
(4) س: طبة، م: طنبة، وتقرأ في ط «ظبية» إلا أن الياء غير معجمة ولعل هذه هي الأرجح، انظر التهذيب 12: 140 والاصابة 7: 117 والمشتبه: 422.(5/151)
إذا مت مات الجود «1» وانقطع الندى ... من الناس إلا من قليل مصرد
وردت أكف السائلين وأمسكوا ... من الدين والدنيا بخلف «2» مجدد
ثم أفاق وأغمي عليه فأنشدت «3» :
لو دام شيء لها لدام أَبُو ... حيان لا عاجز ولا وكل «4»
الحول القلب الأريب وهل ... يدفع زو المنية الحيل
ويقال إن مُعَاوِيَة أفاق فأنشد البيتين. وكان مُعَاوِيَة ينشد «5» .
وهل من خالدٍ إما هلكنا ... وهل فِي الموت يا للناس عار
429- وحدثت عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِم أنه قَالَ: جعل مُعَاوِيَة يهذي فِي مرضه ويقول: كم بيننا وبين الغوطة؟ فقالت ابنته: واحرباه، فأفاق وقال:
إن تنفري فقد رأيت منفرا
430- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ علي بن مجاهد عن عبد الأعلى بن مَيْمُونٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسَانِي قَمِيصًا فَرَفَعْتُهُ، وقلّم
__________
429- هذا الشطر من الرجز ورد في أنساب الاشراف (الورقة 790/ أمن نسخة س) .
430- الطبري 2: 201 وابن الأثير 4: 4 والعقد 3: 232- 233 وأسد الغابة 4: 387 (والاثنان الاخيران لم يرد فيهما شعر) وابن عساكر 5: 23 وما تقدم ف: 428 والشعر أيضا في مجموعة المعاني: 92 (والشاعر هو الأشهب بن رميلة، ونسب خطا إلى الأخطل في مجموعة المعاني) وانظر الدميري 1: 150 (ط 1321) وفاضل المبرد: 51 وسير الذهبي 3: 107 والسمط: 888 وقارن بالمستطرف 2: 380.
__________
(1) زهر الآداب. إذا مت مات العرف.
(2) ط س: بحلف (وعلامة ضبط الحاء المهملة في ط) ، م: بحبل.
(3) البيتان في الأغاني 17: 142 ومعجم الأدباء 5: 395 ونور القبس: 292 والبصائر 4: 266 والاستيعاب: 1419 وشرح النهج 4: 328 والنقائض: 59 وفاضل المبرد: 80 (وهما في الأغاني ونور القبس وشرح النهج والاستيعاب ليزيد بن معاوية) .
(4) روايته في الاستيعاب:
لو عاش حي على الدنيا لعاش إما ... م الناس لا عاجز ولا وكل
وروايته في المرزباني والأغاني: لو فات شيء يرى لفات أبا حيان، وفي ياقوت: لو أنّ حيا نجا، وفي ابن دريد: أبو حسان.
(5) مر في ف: 423 وسيرد في: 433.(5/152)
أَظْفَارَهُ فَأَخَذْتُ قِلامَتَهَا فَجَعَلْتُهَا فِي قَارُورَةٍ، فَإِذَا متّ فألبسوني الْقَمِيصَ، وَاسْحَقُوا تِلْكَ الْقِلامَةَ وَذُرُّوهَا فِي عَيْنِي، وَاجْعَلُوا الْقَمِيصَ بَيْنَ جِلْدِي وَكَفَنِي فَعَسَى «1» ، ثُمَّ تَمَثَّلَ:
(759)
إِذَا مِتُّ مَاتَ الْجُودُ وَانْقَطَعَ النَّدَى ... من الناس إلا من قليل مصرد
وردت أكف السائلين وأمسكوا ... من الدين والدنيا بخلف «2» مجدّد
فَقَالَتْ رَمْلَةُ أَوْ بَعْضُ أَهْلِهِ: بَلْ يَدْفَعُ الله عنك، فقال «3» :
وَإِذَا الْمَنِيَةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا ... أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لا تَنْفَعُ
431- وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ حَبِيبٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: كُنْتُ أُوَضِّئُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي: أَلا أَكْسُوكَ قَمِيصًا؟ قُلْتُ: بَلَى بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، فَنَزَعَ قَمِيصًا كَانَ عَلَيْهِ فَكَسَانِيهِ، وَقَلَّمَ أَظْفَارَهُ فَأَخَذْتُ قِلامَتَهَا، فَإِذَا مِتُّ فَأَلْبِسُونِي الْقَمِيصَ، وَخُذُوا الْقِلامَةَ فَاجْعَلُوهَا فِي عَيْنِي، فَعَسَى اللَّهُ.
432- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَمَرَ بِرَدِّ نِصْفِ مَالِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَطِيبَ لَهُ الْبَاقِي، وَقَالَ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَاسَمَ عُمَّالَهُ.
433- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي زَكَرِيَّا الْعَجْلانِيِّ قَالَ: دَخَلَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ الأَشْدَقُ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَهُوَ ثَقِيلٌ، فَقَالَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: أَصْبَحْتُ صَالِحًا، قَالَ: لَقَدْ أَصْبَحْتَ عَيْنُكَ غَائِرَةٌ وَلَوْنُكَ كَاسِفًا وَأَنْفُكَ ذَابِلًا، فَاعْهَدْ أَيُّهَا الرَّجُلُ ولا
__________
431- انظر الفقرة السابقة والنووي 2: 103 والاستيعاب: 1419 وسير الذهبي 3: 106 وتاريخ الاسلام 2: 323- 324 ونور القبس: 292 432- مرّ في ف: 97 433- البيان: 2: 242 وقد مرّ البيت في ف: 423، 428
__________
(1) الطبري وابن الأثير: فعسى الله أن يرحمني ببركته.
(2) ط م س: بحلف.
(3) هنا لك رواية أخرى في البصائر 1: 270 وربيع الأبرار: 366/ أوالبيت لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانه: 8 والمفضليات: 855 وورد في الطبري 2: 201 وابن خلكان 6: 155 والمنازل والديار: 224 ب وتمام المتون: 61، 62.(5/153)
تَخْدَعْ نَفْسَكَ «1» ، فَتَمَثَّلَ مُعَاوِيَةُ «2» :
وَهَلْ مِنْ خَالِدٍ إما هلكنا ... وهل فِي الموت يا للناس عَارُ
فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا كُنْتُ أُحِبُّ لَكَ أَنْ تُسْمِعَهُ هَذَا الْكَلامَ، فَقَالَ عَمْرٌو:
وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّهُ سَبَقَنِي بِنَفْسِهِ وَلَمْ أُسْمِعْهُ مَا أَسْمَعْتُهُ مِنْ هَذَا الْكَلامِ.
434- الْمَدَائِنِيّ عَنْ إسحاق بْن أيوب عَنْ خالد بْن عجلان قَالَ: ثقل مُعَاوِيَة ويزيد بحوارين، فأتاه الرسول بخبره، فجاء وقد دفن مُعَاوِيَة، فلم يدخل منزله حتى أتى قبره، فترحم عليه ودعا له ثم انصرف إلى منزله وقال:
جاء البريد «3» بقرطاس يخب به ... فأوجس القلب من قرطاسه فزعًا
قلنا لك الويل ماذا فِي كتابكم «4» ... قَالَ الخليفة أمسى مثبتًا وجعا
فمادت الأرض أو كادت تميد بنا ... كأن أغبر من أركانه انقلعا «5»
ثم انبعثنا على خوص مزممة ... نرمي الفجاج بها لا نأتلي سرعا «6»
وما نبالي إذا بلغن أرحلنا ... ما مات منهن بالبيداء «7» أو ظلعا
من لا تزل نفسه تشفي على تلف «8» ... توشك مقادير «9» تلك النفس أن تقعا
__________
434- قارن الطبري 2: 203 وابن الأثير 4: 5 والأغاني 17: 142- 143 وأسد الغابة 4: 387 والعقد 4: 373 وابن كثير 8: 144 والاستيعاب: 1419 وبما يلي رقم: 437، على تفاوت فيما يورده كل مصدر من الأبيات، والبيت العاشر ومعه آخر مهتدمان من الأعشى كما في العقد والاستيعاب، انظر ديوانه: 86.
__________
(1) البيان: ولا تخدعن عن نفسك.
(2) بعده في س: فأنشأ يقول، والأصح اثبات احدى العبارتين، فعبارة «فأنشأ يقول» لم ترد في م، كما أن «فتمثل معاوية» إنما هي خ بهامش ط.
(3) م: اليزيد.
(4) خ بهامش ط س: صحيفتكم، وهي رواية الاغاني وأسد الغابة والعقد والاستيعاب وابن كثير.
(5) س وخ بهامش ط: أركانها، وفي الاستيعاب: كأن ثهلان من أركانه انقطعا، وفي الطبري وابن الأثير: انقطعا.
(6) م ط س: العجاج، ابن كثير: مضمرة.
(7) العقد: بالموماة.
(8) الأغاني وابن كثير: توفي على وجل (شرف) .
(9) ابن الأثير والطبري وابن كثير: مقاليد.(5/154)
لما انتهينا وباب الدار منصفق «1» ... لصوت «2» رملة ريع القلب فانصدعا
ثم ارعوى القلب شيئًا بعد طيرته ... والنفس تعلم أن قد أثبتت جزعا
أودى ابن هِنْد وأودى المجد يتبعه ... كانا جميعًا خليطًا قاطنين معا «3»
أغر أبلج يستسقى الغمام به ... لو قارع الناس عَنْ أحسابهم قرعا «4»
435- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَوَانَةَ وَغَيْرِهِ قَالُوا «5» : تُوُفِّيَ مُعَاوِيَةُ لِلنِّصْفِ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ سِتِّينَ وَلَهُ اثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ سَنَةً، فَلَمَّا قُبِضَ صَعَدَ الضَّحَّاكُ ابن قَيْسٍ الْفِهْرِيُّ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مُعَاوِيَةَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ عُودَ الْعَرَبِ وَحَدَّهَا وَنَابَهَا، قَطَعَ اللَّهُ بِهِ الْفِتْنَةَ وَجَمَعَ بِهِ الْكَلِمَةَ، وَمَلَّكَهُ خَزَائِمَ الْعِبَادِ «6» وَفَتَحَ لَهُ الْبِلادَ، أَلا وَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ (760) وَهَذِهِ أَكْفَانُهُ وَنَحْنُ مُدْرِجُوهُ فِيهَا ثُمَّ مُدْخِلُوهُ قَبْرَهُ، وَمُخَلُّونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، ثُمَّ هُوَ الْهَرْجُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَشْهَدَهُ فَلْيَحْضُرْ عِنْدَ الظُّهْرِ. قَالَ هِشَامٌ: وَكَانَتْ أَكْفَانُ مُعَاوِيَةَ فِي يَدِ الضَّحَّاكِ وَهُوَ يَخْطُبُ، قَالَ هِشَامٌ: وَيُقَالُ إِنَّ مُعَاوِيَةَ مَاتَ فِي أَوَّلِ رَجَبٍ سَنَةَ سِتِّينَ، وَكَانَ عَمْرُهُ سَبْعًا وَسَبْعِينَ سَنَةً.
436- أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: خَرَجَ الضَّحَّاكُ حِينَ مَاتَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِ اللَّهِ أَطْفَأَ اللَّهُ بِهِ الْفِتَنَ وَبَسَطَ بِهِ الدُّنْيَا، فَقَدْ قَضَى نَحْبَهُ، وَنَحْنُ رَائِحُونَ بِهِ مُدْرَجًا فِي أَكْفَانِهِ، وَمُدْخِلُوهُ فِي قَبْرَهُ وَمُخَلُّونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ وَعِلْمِهِ، فَإِنْ شاء الله رحمه وإن شاء عاقبه.
__________
435- قارن بما في الطبري 2: 198، 199- 200 وما تقدم ف: 411 وانظر بعضه في الطبري 2: 202 وابن الأثير 4: 5 وأسد الغابة 4: 387 والدينوري: 240 والعقد 4: 87، 374 والأغاني 17: 142 والبيان 2: 131 وابن كثير 8: 142 وانظر الفقرتين التاليتين.
__________
(1) الأغاني: منطبق.
(2) ابن الأثير والطبري: وصوت، ابن كثير: بصوت.
(3) العقد: كذاك كنا خليطا، الاستيعاب: كانا جميعا فظلا يسريان معا.
(4) الأعشى: لو صارع ... صرعا، الأعشى وابن كثير الاستيعاب: أحلامهم.
(5) هذا الخبر عن وفاة معاوية يمثل رأي الواقدي لا ابن الكلبي (الطبري 2: 198) .
(6) في المصادر: وملكه على العباد.(5/155)
437- حَدَّثَنِي العمرى عَنِ ابن عدي عَنِ ابن عياش قَالَ: كان يزيد بْن مُعَاوِيَة حين مات أبوه بحوارين، فقدم وقد دفن أبوه عند الباب الصغير بدمشق، فأتى قبره فدعا له ثم انصرف فخطب فَقَالَ: إن مُعَاوِيَة كان عبدًا من عبيد اللَّه أنعم عليه ثم قبضه إليه، وهو خير ممن بعده ودون من قبله، ولا أزكيه على اللَّه فهو أعلم، فإن عفا عنه فبرحمته وإن عاقبه فبذنبه، ولن أني «1» عَنْ طلب ولا أعتذر من تفريط، وعلى رسلكم إذا أراد اللَّه شيئًا كان.
438- وحدثني الحسن بْن علي الحرمازي عَنْ علي القصير عَنْ أبي يعقوب الثقفي قَالَ: عزى عطاء بْن أبي صيفي الثقفي يزيد حين مات مُعَاوِيَة فَقَالَ: يا أمير المؤمنين إنك رزئت الخليفة وأعطيت الخلافة، قضى مُعَاوِيَة نحبه فغفر اللَّه له ذنبه، ووليت الرئاسة وكنت أحقّ بالسياسة، فاحتسب عند اللَّه عظيم الرزية، واشكره على حسن العطية، أعظم اللَّه على أمير المؤمنين أجرك وأحسن على الخلافة عونك.
439- وَحَدَّثَنِي حَفْص بْن عُمَر عَن الْهَيْثَم بْن عدي عن عوانة وابن عياش قالا:
لما مات مُعَاوِيَة جاء عبد اللَّه بْن همام السلولي أو غيره فَقَالَ: يا أمير المؤمنين أعظم اللَّه أجرك فِي الخليفة وبارك لك فِي الخلافة، ثم أنشد:
اصبر يزيد فقد فارقت ذا ثقة «2» ... واشكر عطاء «3» الذي بالملك أصفاكا
أصبحت لا رزء فِي الأقوام نعلمه «4» ... كما رزئت ولا عقبى كعقباكا
__________
437- عيون الأخبار 2: 238 وابن كثير 8: 143 وانظر المروج 5: 151 والعقد 4: 89 438- انظر ما يلي رقم: 780 والبيان 2: 191 والعقد 3: 309 وعيون الأخبار 3: 68 439- ما يلي رقم 780 والبيان 2: 132، 181 والمروج 5: 154 وزهر الآداب: 54 والعمدة 2: 147 ونهاية الأرب 5: 215- 216 وبديع القرآن: 298 وفاضل الوشاء: 172 ومعاهد التنصيص 1: 258، 287 والكامل 4: 111- 112 وعيون الأخبار 3: 68 (دون شعر) وربيع الأبرار: 302 ب والشعر والشعراء: 546 والعقد 3: 308، 4: 88، 374 والخزانة 3: 639
__________
(1) س: أبي، م: أبي.
(2) النويري: فاشكر ... مقة.
(3) النويري والوشاء والبديع: حباء.
(4) النويري: لا رزء أعظم في الأقوام قد علموا، العمدة والبديع والوشاء: لا رزء أصبح.(5/156)
أعطيت طاعة أهل الأرض كلهم «1» ... فأنت ترعاهم واللَّه يرعاكا
وفي مُعَاوِيَة الباقي لنا خلف ... إذا فقدت «2» ولا نسمع بمنعاكا
440- وقال أَبُو الدرداء العنبري يرثي مُعَاوِيَة:
ألا أنعى مُعَاوِيَة بْن حرب ... نعاه الحل والشهر الحرام
نعته الناعجات لكل حي «3» ... خواضع فِي الأزمة كالسهام
فهاتيك النجوم وهن خرسٌ ... يَنُحْنَ عَلَى معاوية الشامي «4»
441- وَقَالَ أيمن بْن خريم بْن فاتك الأسدي:
رمى المقدار «5» نسوة آل حرب ... بحادثة سمدن لها سمودا
فرد شعورهن السود بيضا ... ورد خدودهن «6» البيض سودا
فإنك لو سمعت «7» بكاء هِنْد ... ورملة إذ يلطمن «8» الخدودا
بكيت بكاء موجعة «9» بحزن «10» ... أصاب الدهر واحدها الفريدا «11»
__________
440- الأبيات في ابن كثير 8: 144 والثالث في اللسان 15: 208 وأنساب الأشراف (الورقة 1120/ أمن نسخة س) والتاج 8: 353 واسم الشاعر أبو درداء ميسرة (التاج واللسان) واسمه عند ابن كثير أبو الورد العنبري.
441- الحماسة: 427 والمرزباني: 177 وابن عساكر 3: 189 والعيني 2: 417 والخزانة 1: 344 وابن كثير 8: 144 وأمالي القالي 3: 116 والمنازل والديار: 264/ أوالأبيات في مجالس ثعلب 2: 507 وأضداد أبي الطيب 1: 373 والبيتان 1، 2 في عيون الأخبار 3: 67 والتاج 2: 380 واللسان 4: 204 وأضداد ابن الأنباري: 28 وبديع أسامة: 47 والأول في نهاية الأرب 7: 144، ونسبت الأبيات في العيون والمرزباني لفضالة بن شريك وفي أمالي القالي للكميت بن معروف الاسدي، وفي الحماسة والتاج والمنازل: لعبد الله بن الزبير الأسدي.
__________
(1) الوشاء: أصبحت والي أمور الناس كلهم.
(2) الوشاء: هلكت، العمدة: بقيت (اقرأ: نعيت كما في النويري والبديع)
(3) ابن كثير: نعاه الناعيات لكل حي.
(4) ابن كثير: الهمام.
(5) في اكثر المصادر: الحدثان.
(6) في اكثر المصادر: وجوههن.
(7) ابن كثير والقالي والمرزباني: شهدت.
(8) القالي والحماسة والمرزباني: تصكان، ابن كثير: يصفقن.
(9) ابن عساكر والقالي والمنازل: معولة.
(10) القالي: حزين، المنازل: فقيد.
(11) المنازل والقالي والحماسة والمرزباني: الفقيدا.(5/157)
442- وقال الأحوص (761) :
يا أيّها الرجل الموكل بالصبا ... وصبا الكبير إذا صبا تضليل
قدم لنفسك قبل يومك صالحا ... واعمل فليس إلى الخلود سبيل
إن الحمام لطالب لك لاحق ... والموت ربع إقامة محلول
لا بد من يَوْمٍ لكل معمر ... فيه لعدة عمره تكميل
والناس أرسال إلى أمد لهم ... يمضي لهم جيل ويخلف جيل
إنّ امرأ أمن الزمان وقد رأى ... غير الزمان وريبه لجهول
أين ابن هِنْد وهو فيه عبرة ... أفما اقتديت بمن له معقول
ملك تدين له الملوك مبارك ... كادت لمهلكه الجبال تزول
تجبى له بلخ ودجله كلها ... وله الفرات وما سقى والنيل
والشام أجمع داره فبكله ... تلفى كتائب جمة وخيول
وبكل أرض للعدى من غزوه ... حصن يخرب أو دم مطلول
يقضى فلا خرق ولا متتعتع ... لغباوةٍ فِي القول حين يَقُول
لو أنه وزن الجبال بحلمه ... لوفى بها ثقلًا بها ويميل
متأثل ما إن يظن لملكه ... عنه «1» ولا لسروره تحويل
فأزال ذلك ريب يوم واحد ... عنه وحكم ما له تبديل
حتى ثوى جدثًا كأن ترابه ... مما تطيره الصبا منخول
وهو الذي لو كان حي خالدًا ... يومًا لكان على المنون يؤول
443- وحدثني هِشَامُ بْن عَمَّارٍ عَنْ إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاشٍ أبي عتبة عَنْ صفوان بْن عمرو أن عبد الملك مر بقبر مُعَاوِيَة فوقف عليه فترحم، فَقَالَ له رجل من قريش: قبر من هذا يا أمير المؤمنين؟ فَقَالَ: قبر رجل كان واللَّه ما علمته ينطق عَنْ علم ويسكت عَنْ
__________
442- لم ترد في ديوانه المجموع سواء بعناية الدكتور السامرائي أو عادل سليمان.
443- ما تقدم ف: 352 وقارن بالفقرة: 267، 354
__________
(1) م: غبة.(5/158)
حلم، إذا أعطى أغنى وإذا حارب أفنى، ثم عجل له الدهر ما أخره لغيره ممن بعده، هذا قبر أبي عبد الرحمن مُعَاوِيَة يرحمه اللَّه.
444- ووجدت فِي كتاب لعبد اللَّه بْن صالح العجلي: ولى مُعَاوِيَة المدينة مروان ابن الحكم ثم عزله وولى سَعِيد بْن العاص، ثم رد مروان ثم عزله وولى الوليد بْن عتبة بْن أبي سُفْيَان. وولى مُعَاوِيَة مَكَّة «1» عتبة بْن أبي سُفْيَان ثم عزله، وولى خَالِدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةَ المخزومي ثم عزله، وولى عنبسة بْن أبي سُفْيَان وضم إليه الطَّائِف، فلم يزل عليها حتى مات فِي سنة ثمان وأربعين، فضم مَكَّة إلى مروان أشهرًا، ثم عزله وولى سَعِيد بْن العاص المدينة ومكة والطائف، فولى سَعِيد ابنه عمرًا الأشدق مَكَّة والطائف، فاشتد عليهم وعسفهم، فشكاه عبد اللَّه بْن صفوان بْن أُمَيَّة، فعزل مُعَاوِيَة سَعِيدا عَنْ عمله وولى مروان المدينة ومكة، فَقَالَ ابن صفوان لعمرو بن سعيد: الحمد لله الذي عزلك عَنْ رقاب قريش، فَقَالَ: عزلني عَنْ رقبتك ووضعني على رأسك ثم عزل مروان وولى الوليد بْن عتبة المدينة ومكة.
445- وقال أَبُو الحسن الْمَدَائِنِيّ: كان كاتب مُعَاوِيَة سرجون مولاه، وكان على شرطه يزيد بْن الحر العبسي «2» ثم زمل بْن عمرو، وكان مُعَاوِيَة أول من اتخذ حرسًا «3» وولى حرسه الضحاك بْن قيس، ثم ولاه شرطه وصير على حرسه يزيد بْن الحر.
446- قَالَ الْمَدَائِنِيّ، قَالَ مُعَاوِيَةُ للأحنف: من أعز أهل العراق؟ قَالَ: بنو الحارث بْن كعب: الربيع بْن زياد على خراسان، وقطن بْن عبد اللَّه على أذربيجان، وشريك بْن الأعور على فارس وكرمان، وكثير بْن شهاب (762) على الري، والسري ابن وقاص على أعمال الكوفة، وزياد بْن النضر على إصبهان، فكتب معاوية إلى زياد:
__________
445- قارن بعضه بالطبري 2: 205 وابن الأثير 4: 7 واليعقوبي 2: 276 وابن كثير 8: 21، 145 وما يلي رقم: 1006 والدميري 1: 52 وابن عساكر 7: 5 والفهرست: 242.
__________
(1) ط م: بمكة.
(2) أول من تولى شرطه قيس بن حمزة الهمداني (الطبري 2: 205 وابن الأثير 4: 7 وابن كثير 8: 145) .
(3) مثل هذا يقال عن زياد أيضا، انظر ما يلي رقم: 573 وقارن بالدميري 1: 52 وتاريخ خليفة 1: 218(5/159)
رأيت جل عمالك بني الحارث بْن كعب، فكتب إليه زياد: وجدت فيهم خلتين لو كانتا فِي الزنج لوليتهم معهما «1» الأمانة «2» والكفاية.
447- وقال المدائني عن جويرية بْن أسماء: كتب مروان إلى مُعَاوِيَة يسأله تولية عبد الملك بْن مروان ديوان المدينة ففعل، فكان عليه إلى آخر أيام يزيد.
448- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضَّبْعِيِّ قَالَ: ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الأَنْصَارِيُّ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ قَتْلَ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ الْيَهُودِيِّ، فَقَالَ يَهُودِيٌّ «3» كَانَ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ:
غَدَرَ بِهِ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ يَا مُعَاوِيَةُ أَتُمْسِكُ عَنْهُ وَقَدْ نَسَبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْغَدْرِ؟
فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ: اخْرُجْ عَنَّا، وَطَلَبَهُ مُحَمَّدٌ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ وَقَالَ لِمُعَاوِيَةَ: وَاللَّهِ لا كَلَّمْتُكَ أَبَدًا وَلأَقْتُلَنَّ الْيَهُودِيَّ إِنْ قَدَرْتُ عَلَيْهِ.
449- الْمَدَائِنِيّ قال: كتب عبد الله بن الزبير إلى مُعَاوِيَة: إنك كنت أذنت لي فِي سفينة من الجار «4» ، فكان لنا فِي ذلك مرفق، وقد قطعت ذلك، فإن أذنت لنا فيها فقد أحسنت، وإن أبيت فعسى أن يكون ذلك خيرا، وعندي فلانة وفلانة وفلانة ولهن بك حرمة وبهن إلى صلتك حاجة وهنّ أيتام، فوصلهنّ.
450- وقال مُعَاوِيَةُ: صحبني أربعة من الأنصار: النعمان بْن بشير فوليته حمص، ومسلمة بْن مخلد «5» فوليته مصر، وعمرو بْن سَعِيد فوليته فلسطين، وفضالة بْن عبيد «6» فوليته القضاء، ولو زادوني لزدتهم، ولأنا خير لهم من أبي بَكْر وعمر.
451- حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن عوانة وحدّثني العمري عن الهيثم بن
__________
451- قارن بما يلي رقم 742، 753 والطبري 2: 162، 163 وابن الأثير 3: 412 وأمالي القالي 3: 8، 157 وانظر أيضا ابن عساكر 7: 5
__________
(1) م: معها.
(2) س: الأمانية.
(3) اسمه عند الواقدي (192) ابن يمين النضري.
(4) الجار: ميناء المدينة (ياقوت 2: 5) وبهامش ط: الجار اسم موضع.
(5) انظر ما تقدم ف: 413.
(6) س: عبيد الله.(5/160)
عَدِيٍّ عَنْ عَوَانَةَ وَابْنِ عَيَّاشٍ قَالُوا: وَلَّى مُعَاوِيَةُ زِيَادًا الْعِرَاقَ، فَلَمَّا مَاتَ وَلَّى سَمُرَةَ ثُمَّ وَلَّى بَعْدَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ غَيْلانَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ ثُمَّ وَلَّى عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ، وَوَلَّى الْكُوفَةَ بَعْدَ زِيَادٍ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ الْفِهْرِيَّ، وَكَانَ زِيَادٌ اسْتَخَلَفَ عَلَى الْكُوفَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ فَأَقَرَّهُ مُعَاوِيَةُ أَشْهُرًا ثُمَّ وَلَّى الضَّحَّاكَ، ثُمَّ وَلَّى بَعْدَهُ ابْنَ أُمِّ الْحَكَمِ، ثُمَّ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ.
452- حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَنِ الْهَيْثَم عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ وَالْمَدَائِنِيِّ عَنْ مَسْلَمَةَ قَالا: وَلَّى مُعَاوِيَةُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ حضر موت فَكَتَبَ إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ:
أَبَا خَالِدٍ لا تَتْرُكْنِي بِبَلْدَةِ الْ ... قُرُودِ وَنِيرَانُ الْحَوَادِثِ تَلْمَعُ
أَبُوكَ خَلِيلِي وَاصْطَفَيْتُكَ بَعْدَهُ ... عَلَى النَّاسِ مَا كَانُوا مَعًا وَتَصَدَّعُوا
فَكَلَّمَ مُعَاوِيَةَ فِي إِعْفَائِهِ، وَوَلاهُ الْكُوفَةَ بَعْدَ ابْنِ أُمِّ الْحَكَمِ(5/161)
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
أخبار الخوارج فِي أيام مُعَاوِيَة رحمه اللَّه
1- أمر عبد اللَّه بْن أبي الحوساء الطائي «1» أحد بني ثعل:
453- قالوا: كان فروة بْن نوفل الأشجعي «2» اعتزل يوم النّهروان في خمسمائة- وذلك الثبت، ويقال في ألف وخمسمائة- وقال: واللَّه ما ندري على أي شيء نقاتل عليًا، ومضى حتى نزل بناحية البندنيجين والدسكرة ثم أتى شهرزور، فلما بلغه صلح الحسن وولاية مُعَاوِيَة وقدومه الكوفة قَالَ لأصحابه: قد جاء من لا نشك «3» فِي أمره ولا نرتاب بأنّ الحق فِي قتاله فقالوا: صدقت «4» ، وأقبل من شهر زور وَمُعَاوِيَة بالنخيلة، فعسكر بالنخيلة بالقرب منه، وكان الحسن بْن علي عليهما السلام قد شخص يريد المدينة، فكتب (763) إليه مُعَاوِيَة يدعوه إلى قتال فروة، فلحقه رسوله بالقادسية أو فويقها فلم يرجع، وكتب إلى مُعَاوِيَة: إني لو آثرت «5» أن أقاتل أحدًا من أهل القبلة لبدأت بقتالك، فإني تركته «6» لصلاح أمر الأمة وألفتها وحقن دمائها، فامسك معاوية، وبعث
__________
453- قارن بالطبري 1: 3310 وياقوت 2: 153 واليعقوبي 2: 257 وبعضه انظر فيه ابن الأثير 3: 290، 344 (وفيه الشعر) وانظر أيضا الطبري 1: 3380، 2: 10 والدينوري: 223 وياقوت 2: 153 وابن كثير 8: 22، وقوله: «وكان الحسن بن علي ... إلخ» انظر فيه الكامل: 240 والعقد 1: 216
__________
(1) س: الكلابي.
(2) ط س: الاسحقي.
(3) س: نشط، ط: تشك.
(4) فقالوا صدقت: زيادة من ط م.
(5) س: أشرت.
(6) ابن الأثير: تركتك.(5/163)
إليهم جماعة من أهل الشام فهزمهم الخوارج، فندب مُعَاوِيَة أهل الكوفة لقتالهم وقال:
لا أمان لكم عندي ولا رزق أو تكفوني أمرهم «1» ، فخرج من أهل الكوفة بشر كثير وعليهم خالد بْن عرفطة العذري، فواقفهم وتراموا بالحجارة والنبل، وجاءت أشجع إلى فروة فقالوا: هلم نكلمك، فاعتزل معهم، فوعظوه ثم حملوه حتّى أدخلوه الكوفة، وأخذت طيّئ القعقاع «2» بْن نفر «3» الطائي فأدخلته، وأخذ بنو شيبان عتريس بْن عرقوب فأدخلوه، وكان فروة جعل خليفته والقائم بأمر أصحابه إن حدث به حدث عبد اللَّه بْن أبي الحوساء الطائي، وكان ممن اعتزل يوم النهر فِي ثلاثمائة، وقدم الكوفة فبايعه الخوارج من أصحاب فروة بعد دخول فروة الكوفة وحبس قومه إياه «4» عندهم، فقاتل خالد بْن عرفطة وأهل الكوفة فقتل ابن أبي الحوساء، قتله رجل من بني تغلب يقال له عبيد بْن جرير، وذلك فِي سنة إحدى وأربعين «5» فِي شهر ربيع الأول «6» ، وَيُقَالُ فِي جمادى الأولى، وقتل جل أصحابه، وكان ابن أبي الحوساء حين ولي أمر الخوارج قد خوّف من السلطان أن يصلبه إذا قتله فَقَالَ «7» :
ما إن أبالي إذا أرواحنا قبضت ... ماذا فعلتم بأوصال «8» وأبشار
تجري المجرة والنسران عَنْ قدر «9» ... والشمس والقمر الساري بمقدار
وقد علمت وخير القول أنفعه «10» ... أن السَعِيد الذي ينجو من النار
ويقال: إن الشعر لفروة بْن نوفل حين خرج على المغيرة بن شعبة.
__________
(1) الطبري: تكفوا بوائقكم، ابن الأثير: تكفوهم.
(2) س: الفاقع، الطبري: القعقع بن قيس الطائي.
(3) م س: نقر، ط: تغّر.
(4) س: أتاه.
(5) في التهذيب (8: 266) أن ذلك تم سنة 45
(6) ابن الأثير: الآخر.
(7) شعر الخوارج: 41 والعقد 3: 303 وربيع الأبرار: 283 ب.
(8) العقد: بأجساد.
(9) العقد: بينهما.
(10) خ بهامش ط: أصدقه.(5/164)
2- أمر حوثرة بْن وداع الأسدي:
454- قالوا: لما قتل ابن أبي الحوساء اجتمعت الخوارج فولوا أمرهم حوثرة بن وداع ابن مسعود الأسدي، وكان حوثرة نازلًا ببراز الروز من السواد فلما قتل ابن أبي الحوساء قام فعاب فروة بْن نوفل لشكه «1» فِي قتال علي، ثم دعا الخوارج واعتقد من براز الروز وسار فِي مائة وخمسين حتى قدم النخيلة، وانضم إليه فل ابن أبي الحوساء وهم قليل، فدعا مُعَاوِيَة أبا حوثرة فَقَالَ: اخرج إلى ابنك فلعله يرق إذا رآك، فأتاه أبوه فكلمه وناشده وقال له: ألا أجيئك بابنك فلعلك إذا رأيته كرهت فراقه؟ فَقَالَ: أنا إلى طعنة من يد كافر برمح أتقلب «2» فيه ساعة أشوق مني إلى ابني، فرجع أبوه إلى مُعَاوِيَة فأخبره من يد كافر برمح أتقلب «3» فيه ساعة أشوق مني إلى ابني، فرجع أبوه إلى مُعَاوِيَة فأخبره بقوله، فَقَالَ: هذا عات، ووجه مُعَاوِيَة عبد اللَّه بْن عوف بْن أحمر فِي ألفين، وخرج أَبُو حوثرة فيمن خرج، فدعا ابنه إلى البراز، فَقَالَ: يا أبت «4» لك فِي غيري من القوم سعة فأعفني منك، فقاتلهم ابن أحمر وصبر وصبروا، وبارز حوثرة ابن أحمر فطعنه ابن أحمر فقتله وقتل أصحابه، إلا خمسين رجلًا دخلوا الكوفة، وذلك فِي جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعين. ونظر ابن أحمر إلى حوثرة فرأى بوجهه أثر السجود قد غلب على وجهه، وكان صاحب صلاة وعبادة، فندم على قتله وقال:
قتلت أخا بني أسد سفاها ... لعمر أبيك ما لقيت «5» رشدي
قتلت مصليا محياء ليل ... طويل الحزن ذا بر وقصد
قتلت أخا تقى لأنال دنيا ... وذاك لشقوتي وعثار جدي
فهب لي توبة يا رب واغفر ... لما قارفت من خطا وعمد
ومضي مُعَاوِيَة إلى الشام واستعمل المغيرة بن شعبة على الكوفة.
__________
454- ابن الأثير 3: 345 وقارن بالعقد 1: 216 وانظر بعضه في شرح النهج 5: 98 والكامل 3: 240
__________
(1) س: بشكه.
(2) س: أنقلب.
(3) س: أنقلب.
(4) ط: أبه.
(5) ابن الأثير: لقنت.(5/165)
3- أمر فروة بْن نوفل ومقتله:
455- قالوا: ثم إن فروة بْن نوفل الأشجعي اعتقد وخرج على المغيرة بْن شعبة، فوجه إليه المغيرة خيلا عليها شبث بْن ربعي- ويقال معقل بْن قيس- فلقيه بشهرزور فقتله، ويقال بل لقيه ببعض السواد فقتله وقتل أصحابه.
4- أمر شبيب بْن بجرة الأشجعي:
456- كان شبيب مع ابن ملجم حين قتل عليا ثم أنه أتى مُعَاوِيَة وهو بالكوفة كالمتقرّب إليه فَقَالَ له: إني وابن ملجم قتلنا عليا، فوثب مُعَاوِيَة من مجلسه مذعورًا فزعًا حتى دخل منزله، وبعث إلى أشجع فَقَالَ: واللَّه لئن رأيت شبيبًا أو بلغني أنه ببابي لأبيرنكم، أخرجوه عَنْ بلدكم، وكان شبيب إذا جن عليه الليل خرج فلم يلق صبيًا ولا رجلًا ولا امرأة إلا قتله، فلما ولي المغيرة بْن شعبة الكوفة خرج عليه شبيب بالقف «1» ، فبعث إليه المغيرة خيلًا عليها خالد بْن عرفطة- ويقال معقل بْن قيس- فواقعه فقتله وأصحابه. وقال الْهَيْثَم: القف بين باجوا وسورا، وقال الكلبي: القف بين زبارا وتل بونا «2» وذلك كله قريب من الكوفة. وقال رجل من ضبة كان معه «3» :
إني أدين بما دان الشراة به ... يوم النّخيلة عند الجوسق الخرب
ويقال قيل ذلك بعده:
5- أمر معين المحاربي:
457- قالوا: بلغ المغيرة أن معين بْن عبد «4» المحاربي يريد الخروج عليه،
__________
455- ابن الأثير 3: 346 456- ابن الأثير 3: 346 وقارن بياقوت 2: 265 والنجوم الزاهرة 1: 154، 1: 138 457- ابن الأثير 3: 346 وانظر أسماء المغتالين: 174
__________
(1) ط م س: بانقف، وتحديد القفّ في ياقوت 4: 153 قريب مما ذكره الهيثم وفيه خبر شبيب.
(2) م: بوزا (انظر ياقوت 1: 455، 3: 184) .
(3) شعر الخوارج: 125
(4) ابن الأثير: عبد الله.(5/166)
وكان اسمه معنًا فصغر، فأرسل إليه فأتته الخيل وعنده جماعة، فنذروا بها فتفرقوا، وأخذ معين ورجل من بني تميم فحبسهما المغيرة، وكتب إلى مُعَاوِيَة بخبرهما، فكتب إليه إن شهدا أني خليفة فخل سبيلهما، إذ كانا لم يخرجا ولم يقتلا أحدًا، فأما التميمي فشهدت بنو تميم أنه مجنون فخلي سبيله، وأمّا معين فقال له: أشهد أن مُعَاوِيَة خليفة وأنه أمير المؤمنين، فَقَالَ: أشهد أن اللَّه حق وَأَنَّ السَّاعَةَ آتية لا ريب فيها، قَالَ: إنك لمجنون، قَالَ: وددت أني من صالحي الجن، قَالَ: أتشهد «1» ويحك بما قلت لك؟ قَالَ: أشهد أن تميمًا أكرم من محارب، فَقَالَ رجل من بني هلال يقال له قبيصة: اسقني دمه، قَالَ: دونك، فقتله، فلما كانت ولاية بشر بْن مروان وقف رجل من خوارج الكوفة من أهل عمان على حلقةٍ فيها قبيصة وهو فِي صدرها، فَقَالَ: من هذا؟ فقالوا: هذا قاتل معين، فجلس على باب قبيصة حتى إذا خرج من منزله مشى معه ثم ضربه حتى قتله، فلم يعرف له أثر حتى خرج مع شبيب بْن يزيد، فلما قدم الكوفة جعل ينادي: يا أعداء اللَّه أنا قاتل قبيصة.
6- أمر أبي مريم مولى بني الحارث بْن كعب:
458- قالوا: خرج مولى لبني الحارث بْن كعب يقال له أَبُو مريم ومعه امرأتان قطام وكحيلة «2» ، وكان أول من أخرج معه النساء، فعاب عليه ذلك «3» أَبُو بلال مرداس ابن أدية، وكان أول من كره خروج النساء، فَقَالَ: قد قاتلت النساء (765) مع رَسُول اللَّهِ صلّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقاتلن مع المسلمين بالشام، ولكني أردهما، فردهما، فوجه إليه المغيرة جابرًا البجلي «4» فالتقوا ببادوريا «5» ، وجعل جابر يَقُول لهم: يا فسقة، يا أصحاب قطام وكحيلة، يعرض لهم بالفجور، وجعل أصحابه ينادونهم بمثل ذلك، فَقَالَ: ويلكم إنّ الله يقول، ولا
__________
458- ابن الأثير 3: 347 وانظر اليعقوبي 2: 262
__________
(1) م: اشهد، والتاء غير معجمة في ط.
(2) انظر البيان 1: 283
(3) ط: ذلك عليه.
(4) م وهامش س ط: الجعفي.
(5) انظر ياقوت 1: 460(5/167)
تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مسؤولا (الإسراء:
36) وقاتلهم فقتلهم.
7- أمر أبي ليلى الخارجي:
459- قالوا: وأتى أَبُو ليلى، وكان أسود طويلًا، مسجد الكوفة وفيه عدة من الأشراف، فأمسك بعضادتي باب من أبوابه، وحكم بصوت جهير «1» سمعه أهل المسجد، فلم يعرض له أحد، فخرج واتبعه ثلاثون راكبًا من الموالي، فبعث إليه المغيرة ابن شعبة معقل بْن قيس الرياحي أو غيره، فقتله بسواد الكوفة سنة اثنتين وأربعين. وقال أَبُو عبيدة «2» معمر بْن المثنى: جاء أَبُو ليلى مولى بني الحارث فحكم فِي عدة فقتلهم الشرط، وكان قد دبر أمرًا فلم يتم له.
8- أمر حيان بْن ظبيان وأمر المستورد بْن علفة:
460- كان حيان ممن ارتث يوم النهر من الأربع المائة الذين عفا علي عنهم ودفعهم إلى قومهم، وكان مجتهدًا، فمكث فِي منزله شهرًا أو نحوه، ثم خرج إلى الري لقتال الديلم فِي رجال يرون رأيه، فلما بلغه مقتل علي بْن أبي طالب عليه السلام دعا أصحابه إلى الرجوع إلى الكوفة، فأجابوه وفيهم سالم بْن ربيعة العبسي، وقال وكان شاعرًا «3» :
خليلي ما بي من عزاءٍ ولا صبر ... ولا إربة بعد المصابين بالنهر
سوى نهضات «4» فِي كتائب جمة ... إلى اللَّه ما ندعو ولله ما نفري
إذا جاوزت قسطانة الري «5» بغلتي ... فلست بسار نحوها آخر الدهر
__________
459- ابن الأثير 3: 347 460- قارن بالطبري 2: 17، 20، 28 وابن الأثير 3: 352، 353، 356 وبعضه في ابن كثير 8: 24
__________
(1) ابن الأثير: عال.
(2) س: أبو عبيد.
(3) شعر الخوارج: 44
(4) م: النهضات، ط س: النهضان.
(5) انظر ياقوت 4: 94(5/168)
فلما ولي المغيرة بْن شعبة الكوفة اجتمع سالم بْن ربيعة والمستورد بْن علفة التيمي- تيم الرباب- ومعاذ بْن جوين الطائي وعتريس بْن عرقوب وغيرهم إلى حيان فِي منزله ليتشاوروا فيمن يولّونه أمرهم، ليخرجوا منكرين للجور والظلم، ودعوه إلى تولي أمرهم فأبى، ودعوا معاذ بْن جوين إلى ذلك فأبى، ورضي حيان ومعاذ بالمستورد بْن علفة، فبايعاه وبايعه القوم فِي جمادى سنة ثلاث وأربعين، وعزموا على الخروج فِي غرة شعبان سنة ثلاث وأربعين. وأقبلوا «1» يتجهزون، فأتى شمر بْن جعونة الطائي قبيصة بْن الدمون وهو على شرطة المغيرة فأخبره، فأنهى ذلك إلى المغيرة، فوجه إليهم خيلًا وبلغ المستورد فأمر أصحابه فتفرقوا وغيبوا ما عندهم من السلاح وتغيب، فلما هجم رسل المغيرة فِي منزل حيان لم يجدوا هناك شيئًا من السلاح، ولم يجدوا إلا سالم بْن ربيعة وحيان بْن ظبيان ومعاذ بْن جوين، فَقَالَ المغيرة لحيان: ما هذا الذي بلغني؟ فَقَالَ سالم ومعاذ: كنا نأتي حيان فنقرأ عنده، فحبسهم نحوًا من سنة، وكانت الخوارج تختلف إلى المستورد وهو ينزل فِي عبد القيس، ويقال إنه خرج فنزل قصر العدسيين «2» بالحيرة مستترًا، فاطلع حجار بْن أبجر على بعض أمره، فخافه فنزل على سليم بْن محدوج «3» أحد بني سليمة «4» وهو صهره، وأتى حجار المغيرة فأخبره بما سقط إليه واطلع (766) عليه، فتواعد المستورد وأصحابه سورا، ووافاه ثلاثمائة وعزموا على إتيان المدائن، وبلغ المغيرة خبرهم، فوجه إليهم معقل بْن قيس الرياحي فِي ثلاثة آلاف، وكان المنتدب لهم، فَقَالَ له المغيرة: سر يا أبا زميلة راشدًا حتى تكفيني هذه المارقة، وقال له صعصعة بْن صوحان: ابعث بي إليهم فإني لدمائهم مستحل وبحملها مستقل، فَقَالَ له المغيرة:
اجلس فإنك خطيب: وندب المغيرة مع معقل من عرف من الشيعة، وأتى المستورد مدينة بهرسير فمنعه عبيد بْن سماك بْن الحزان بْن حصين العبسي- ويقال بل منعه سماك
__________
(1) انظر الطبري 2: 28 وابن الأثير 3: 353
(2) انظر ياقوت 4: 116
(3) الطبري: سليم بن محمد بن محدوج، ط م: محدوح (وفي ط علامة تمييز الحاء المهملة الاولى) .
(4) الطبري وابن الأثير: سلمة، وهو منسوب إلى سليمة بن مالك من الأزد انظر تبصير المنتبه 2: 692(5/169)
ابن عبيد بن سماك بْن الحزان- من العبور إلى المدينة العتيقة، وأمر بالجسر فقطع، وسار المستورد من الجانب الغربي حتى عبر إلى جرجرايا، ثم أتى المذار، وأقبل معقل إلى المدائن على مقدمته أبو الرّواع «1» الشاكريّ من همدان في ثلاثمائة، فالتقى أَبُو الرواع والمستورد فاقتتلا، وأبو الرواع يَقُول «2» :
إن الفتى كل الفتى من لم يهل
إذا الجبان حاد عَنْ وقع الأسل ... أنا أَبُو رواع الشهم البطل «3»
وقاتل قليلًا ثم انهزم فلحق بمعقل، وانحاز المستورد إلى المذار واتبعه معقل، ووجه عبد اللَّه بْن عامر من البصرة شريك بْن الأعور فِي ثلاثة آلاف فيهم خالد بْن معدان لأنه من شيعة علي، فنزل على فرسخ من عسكر المستورد، فَقَالَ المستورد: ليس الرأي أن نقيم بين جندين، فارتحل نحو المدائن، وانصرف شريك إلى البصرة، وواقع معقل الخوارج بجرجرايا فقاتلهم أشد قتال، وكان معه مسكين بْن عامر بن أنيف الدارمي الشاعر، فقاتل يومئذ قتالًا شديدًا عرف به موقفه، وأتى الخوارج ساباط، ونزل معقل ديلمايا «4» فأقام يومين، ثم لقي «5» المستورد وأصحابه فدعاه إلى المبارزة، فبرز له معقل، فاختلفا طعنتين فمات معقل والمستورد جميعًا، ويقال إن المستورد طعن معقلًا فأنفذ رمحه فِي صدره، وضربه معقل بالسيف على رأسه فخرا ميتين. فلما قتل معقل أخذ الراية عمرو بْن محرز بْن شهاب المنقري فقتل أصحاب المستورد فلم ينج منهم إلا خمسة نفر، وكان مقتلهم فِي شعبان سنة ثلاث وأربعين، ويقال فِي شهر رمضان، وكان من رجز مسكين بْن عامر الدارمي يومئذ «6» :
__________
(1) الطبري وابن الأثير: أبو الرواغ.
(2) الشطران: 1، 2 في الطبري 2: 56 وكلها في ابن الأثير 3: 363
(3) ابن الأثير: أروع يوم الهيج مقدام بطل.
(4) عن ديلمايا انظر الطبري 2: 57، 58
(5) قارن بما في الكامل 3: 238
(6) لم يرد في ديوان مسكين المجموع.(5/170)
أضربهم ولو أرى مستوردا تركته بالقاع يكبو مقصدا وأوفد المغيرة مسكينًا وأبا الرواع إلى مُعَاوِيَة، فوصلهما وزاد فِي إعطائهما، فَقَالَ جرير ابن عطية «1» :
ومنا فتى الفتيان والجود معقل ... ومنا الذي أردى «2» بدجلة معقلا
يعني المستورد.
وقال عُمَر بْن لجأ التيمي:
ونحن قتلنا معقلًا يوم دجلةٍ ... بمرهفةٍ تفلى «3» بهن الجماجم
وقال أيضا:
نحن قتلنا معقلا وتداءكت «4» ... بنا الحرب إذ هاب الجبان وعردا
وقال معاذ بْن جوين وهو محبوس فِي أبيات له «5» :
ألا أيها الشارون قد آن «6» لامرئ ... شرى نفسه لله أن يترحلا «7»
أقيم «8» بدار الخاطئين جهالة ... وكل امرئ منكم يصار ليقتلا
(767) ألا فاقصدوا يا قوم للغاية التي ... إذا ذكرت كانت أبر وأعدلا
ألا ليتني فيكم على ظهر سابح ... شديد القصيرى دارعا غير أعزلا
فلو أنني فيكم وقد قصدوا لكم ... أثرت إذا بين الفريقين قسطلا
__________
(1) ديوان جرير: 505 وابن الأثير 3: 365 والكامل: 596
(2) المصادر: لاقى.
(3) م: تعلى.
(4) س: وقد ألت. وتداءكت: تدافعت.
(5) الطبري 1: 36 وابن الأثير 3: 359 وشعر الخوارج: 45
(6) المصادر: حان.
(7) س م: يترجلا.
(8) المصادر: أقمتم.(5/171)
9- أمر معاذ بْن جوين الطائي:
461- قالوا: أخرج المغيرة معاذًا، فأشار عليه حيان بْن ظبيان أن يخرج منكرا للجور، فخرج في ثلاثمائة ببانقيا، وهي فِي حد الكوفة، فوجه إليهم المغيرة بْن شعبة أبا الرواع الهمداني ثم الشاكري وعمرو بْن محرز بْن شهاب المنقري في ألف وثلاثمائة، فقتل معاذ وأصحابه بجوخى، وقال معاذ حين دهمه الناس: إنا لقليل عددنا ولكنا نجاهد عدونا فنقتل منهم من قتلنا ثم نستشهد.
10- أمر سهم بن غالب الهجيمي «1» والخطيم وعباد بن حصين
«2» : 462- قالوا: خرج على عبد اللَّه بْن عامر بالبصرة سهم بْن غالب الهجيمي فِي أيام مُعَاوِيَة، وكان سهم من المستبصرين «3» فِي رأيه «4» ، وهو أول من سمى أهل القبلة بالكفر، ولم تكن الخوارج قبله تقطع بالشهادة فِي الكفر والإيمان، وكان خروجه فِي سنة أربع وأربعين فِي سبعين رجلًا فيهم الخطيم الباهلي، وهو يزيد بْن مالك أحد بني وائل، وإنما سمي الخطيم لضربة ضربها على وجهه «5» ، فنزلوا بين الجسرين بالبصرة «6» ، فصلى بهم سهم الغداة، ومر بهم عبادة بْن قرص الليثي، ومعه ابنه وابن أخته «7» فأنكروهم فقالوا: من أنتم؟ فقالوا: قوم مسلمون، قالوا: كذبتم، فَقَالَ عبادة: سبحان اللَّه اقبلوا ما قبل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني، قالوا: وما قبل منك؟ قَالَ: كذبته وقاتلته ثم أتيته فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّه وأنك رسول الله فقبل ذلك، قالوا: أنت كافر، وقتلوه وقتلوا ابنه وابن أخته،
__________
461- قارن بالطبري 2: 182، 184 وابن الأثير 3: 356، 353، 426 462- ابن الأثير 3: 350 وانظر: 379 والطبري 2: 15، 83
__________
(1) م: الجهيمي.
(2) ط م: وعياذ بن حصن، س: وعباد بن حصن، وسيرد على صواب في ما يلي، وانظر تاريخ خليفة 1: 210.
(3) س: المستنصرين.
(4) س: رواية.
(5) الطبري: لضربة أصابته.
(6) ابن الأثير: والبصرة.
(7) ابن الأثير: وابن أخيه.(5/172)
فخرج إليهم ابن عامر بنفسه، فقاتلهم فقتل منهم عدة، وانحازت بقيتهم إلى أجمةٍ، وفيهم سهم والخطيم، فعرض عليهم ابن عامر الأمان فقبلوه فآمنهم فرجعوا، وكتب إليه مُعَاوِيَة يأمره بقتلهم فكتب إليه ابن عامر: إني قد جعلت لهم ذمتك، فلما قدم زياد البصرة في سنة خمس وأربعين خاف سهم والخطيم أن لا ينفذ لهما أمان ابن عامر، فخرجا إلى الأهواز، فاعتقد بها سهم ودعا قومًا فأجابوه، وأقبل يريد البصرة فأخذ قومًا، فقالوا: نحن يهود فخلاهم، وأخذ سعدًا مولى قدامة بْن مظعون الجمحي فقتله، ثم أتى البصرة وقد تفرق عنه أصحابه فاستخفى- ويقال أن أصحابه تفرقوا بعد «1» استخفائه- فطلب الأمان ورجا أن يسوغ له عند زياد ما ساغ له عند ابن عامر، وبعث بأمان ابن عامر إليه فلم يؤمنه، وبحث زياد عنه فدل عليه، فأخذه فقتله وصلبه فِي داره- ويقال أنه استخفى حتى مات زياد فدل عليه عبيد اللَّه بْن زياد فقتله وصلبه- فَقَالَ رجل من الخوارج:
فإن يكن الأحزاب باءوا بصلبه ... فلا يبعدن اللَّه سهم بْن غالب
وكان قتل سهم فِي سنة أربع وخمسين- ويقال قبل ذلك- وسأل زياد الخطيم وقد أخذ وأتي به عَنْ قتل عبادة بْن قرص فأنكر ذلك، فسيره إلى البحرين، ثم إنه أذن له بعد ذلك لأنه لما أراد رسول زياد الشخوص من البحرين قَالَ له: أبلغ زيادًا أنه لي ظالم. ولما صار «2» الخطيم إلى البصرة قَالَ له زياد: أقم (768) فِي منزلك، وأمر مسلم ابن عمرو أبا قتيبة أن يتفقده وقال: إن غاب عَنْ منزله ولم يبت فيه ليلة واحدة فما فوقها فأعلمني ذلك، فبات عَنْ منزله ليلة من الليالي، وعلم به مسلم بْن عمرو فأتى به زيادًا فسأله أين بات؟ فَقَالَ: أدنني منك أخبرك، فَقَالَ زياد: إن كنت تريد أن تسر إلى شيئًا فأسره إلى مسلم بْن عمرو، فَقَالَ: واللَّه لو أدنيتني لقطعت أنفك لو أمكنني ذلك، فأمر بقتله فقتل وألقي فِي باهلة، فحملته امرأة يقال لها عمرة فدفنته، وأخذ زياد امرأتين أرادتا الخروج مع الخطيم يقال لهما أراكة وأم سريع فقتلهما، فَقَالَ رجل يعيب باهلة:
لعمري لقد أخزت أراكة قومها ... وما قصدت للدين أم سريع
__________
(1) ابن الأثير: عند.
(2) قارن بالطبري 2: 83 وابن الأثير 3: 379(5/173)
واستعمل زياد على المسجد وباب عثمان «1» شيبان بْن عبد اللَّه السعدي صاحب مقبرة شيبان، وهو أحد بني ربيعة «2» بْن كعب بْن سعد بْن زَيْد مناة بْن تميم، ففتك به قوم من الشراة وهو على باب داره وقتلوا ابنًا له، وكان رئيسهم عباد بْن حصين، وذلك فِي سنة سبع وأربعين، وكان شيبان شديدًا عليهم، فخرج إليهم بشر بن عتبة التميمي فِي الشرط فقاتل الخوارج فقتلهم، فَقَالَ الفرزدق «3» :
لعمرك ما ليث بخفان خادر ... بأشجع من بشر بْن عتبة مقدما
إباء بشيبان الثؤور «4» وقد رَأَى ... بني فاتك هابوا الوشيج المقوما
وبنو فاتك قومه. وكان زياد إذا أخذ رجلًا من الخوارج قَالَ: اقتلوه متكئًا كما قتل شيبان متكئًا، وكان زياد يبعث إلى الرجل من قعد الخوارج فيعطيه ويكسوه ويقول:
ما أراه منعك من إتياننا إلا الخلة والرجلة.
11- أمر حارثة بْن صخر القيني:
463- قالوا: كان مُعَاوِيَة سير حارثة بْن صخر إلى مصر، فلقي قومًا من الخوارج فأمالوه إلى رأيهم فصار خارجيّا، وقدم العراق فأراد الخروج على زياد وتأهب لذلك، فبلغ ذلك زيادا فطلبه فهرب وقال:
تمنّانا ليلقانا زيادا ... سفاها والمنى طرف «5» الضلال
فقلنا يا زياد دع الهوينا ... وشمر لا أبا لك للقتال
فإنا لا نفر من المنايا ... ولا ننحاش «6» من ضرب النصال
ولكنا نقيم لكم طعانًا ... وضربا يختلي هام الرجال
__________
(1) باب عثمان بالبصرة (الطبري 3: 1853) .
(2) خ بهامش ط س: زمعة (انظر الطبري 2: 96) .
(3) ديوانه: 2: 258 (صادر) وأسماء المغتالين: 170.
(4) ط م س: النؤوم.
(5) كذا ولعل الصواب: طرق.
(6) م: نتحاشى.(5/174)
فبعث زياد فِي طلبه شعيب بْن زيد بْن السائب، فدخل بلاد قضاعة فلم يقدر عليه لأنّهم منعوه، وكلّم فيه مُعَاوِيَة فآمنه، وكتب إلى زياد فِي الكف عنه فكف، ومضى مع مسلم بْن عقبة إلى المدينة فقتل يوم الحرة، وقال حين هرب:
سنلقح حربًا يا ابْن حرب شديدة ... وننتجها يتنًا «1» بسمرٍ ذوابل
فما لزياد يحرق الناب ظالمًا ... علي فإن اللَّه ليس بغافل
فِي أبيات.
12- أمر قريب بْن مرة وزحاف بْن زحر الطائي:
464- قالوا: ثم خرج قريب بْن مرة الأزدي وزحاف بْن زحر الطائي وهما ابنا (769) خالة فِي ثمانين- ويقال فِي ستين، ويقال فِي سبعين- وأرادوا أن يولوا زحافًا أو قريبًا فلم يفرق لهم الرأي فِي ذلك حتى بلغ زيادًا خبرهم، فبعث إليهم الشرط، فقالوا:
نقاتل يومنا هذا، فإن سلمنا أمرنا قريبًا أو زحافًا، فَقَالَ بعضهم: لا قتال إلا مع إمام، فصيروا قريبًا إمامهم.
وقال بعض الرواة: صيروا إمامهم زحافًا وخرجوا يستعرضون الناس ويقتلون من لقوا، وكانوا يدينون بالاستعراض، وكان خروجهم بناحية جبانة بني يشكر، وذلك فِي شهر رمضان، فَقَالَ أَبُو بلال مرداس بْن أدية: قريب (لا) قربه اللَّه من كل خير وزحاف (لا) عفا اللَّه عنه، لقد ركباها عشواء مظلمة، يَقُول: لاستعراضهما، فقتلوا رجلًا من بني ضبيعة يقال له حكاك رآهم فظنهم مع صاحب الشرط، وقتلوا غيره، وضربوا رجلا من بني قطيعة فصار أضجم «2» ، وأتوا مسجد بني قطيعة فأخذوا بأبوابه حتى هرب الناس ووثبوا الجدر، وصعد رجل المنارة فنادى: يا خيل اللَّه اركبي، فأنزلوه وقتلوه، وخرج بكير بْن وائل الطاحي من الأزد وقد اتقاهم بطيلسان له فقطعوه بأسيافهم، ثم نجا، وأتوا
__________
464- قارن بالطبري 2: 90 وابن الأثير 3: 385 واليعقوبي 2: 275
__________
(1) م: بنتا، واليتن: أن تخرج رجلا الجنين قبل رأسه.
(2) ط م: أصحم.(5/175)
بني راسب فقاتلوهم، وكان حجار بْن أبجر العجلي بالبصرة قد قدمها من الكوفة فِي حاجة، فضربوه فصرع، وحامى عليه شقيق بْن ثور السدوسي فنجا، فَقَالَ العديل بْن فرخ العجلي:
ونجيت حجار بْن أبجر بعد ما ... بدت للحروريين منه مقاتله
وإن بني ثورٍ إذا ما لقيتهم ... لهم زبرتا «1» مجد العراق وكاهله
ونادى حجار: يا بني راسب جئت لأنصركم أفأقتل بينكم؟! فقالوا: لا بأس عليك يا أبا الفضل، وحموه حتى ركب، وجاءت الشّرط- وكان الشّرط خمسمائة- فقاتلوهم مع بني راسب حتى اضطروهم إلى دار فحصروهم فيها، وكان عبّاد ابن الحصين الحبطي مستخفيًا لأن زيادًا غضب عليه، فأتاهم مع الفجر فدخل الدار ودخل الناس معه، وقصد لقريب فاجتلدا، وضربه عباد فصرعه وقتله، وقتل الباقون فِي الدار، وبعث عباد برأس قريب إلى زياد فرضي عنه، وكان خليفة زياد يومئذ بالبصرة عبيد اللَّه بْن أبي بَكْرة، وكان زياد بالكوفة يومئذ، فلما قدم زياد البصرة رأى مع الشرط رماحًا قصارًا فَقَالَ: أراكم تحضرون برماح كأنها أيدي الجداء. وصلب قريب وزحاف وناس من أصحابهم، فجاءت جارية لقوم من الخوارج فقالت: سلام اللَّه ورحمته عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خالدين، فأمر زياد فصلبت معهم، وقال زياد: أي خارجة خرجت فِي قبيلة فلم تقاتلها كما فعلت بنو راسب حرمتهم العطاء وأجليتهم. وسير زياد أهل قريب وزحاف، وحمل نساء من نساء من خرج معهما فِي البحر، ووهب امرأة زحاف لشقيق بْن ثور، وامرأة قريب لعباد بْن الحصين، فردها عباد إلى أهلها وكساها.
ومرض بكير بْن وائل من جراحه فكان الناس يعودونه، ويدخل النساء على أهله يسألن «2» به، فَقَالَ:
غناء قليل عَنْ بكير بن وائل ... ترمّز «3» أستاه النساء العوائد «4»
__________
(1) س: ثبجا.
(2) ط: يسألون.
(3) ط: تزمّر.
(4) انظر البيت في المخصص 12: 107 وجمهرة ابن دريد 2: 325(5/176)
وقال أيضًا:
عشية لولا الطيلسان لقطعت ... طوابق مني أو يميني لشلت
عشية قالوا إنما القوم شرطة ... وتلك حروريو البلاد استقلت
(770) وهل هي إلا عصبة سبئية ... دعاها مضل للهوى وأضلت
وأتي زياد «1» بامرأة فصلبها وعراها وقال: أيّما امرأة خرجت فعلت بها مثل هذه، فكف النساء عَنِ الخروج خوفًا من أن يعرين.
وحدثني بعض البصريين عَنْ أبي عبيدة قَالَ: مر أصحاب قريب وزحاف ببني علي وفيهم رماة فرموهم فقالوا لهم: يا بني علي لم ترمونا؟ خلوا لنا طريقنا، فَقَالَ رجل من أهل عمان:
يقول لنا الزحّاف خلّوا طريقنا ... فقلنا له لا والإله نريم
13- أمر زياد بْن خراش العجلي:
465- قالوا: وخرج على زياد بالكوفة زياد بْن خراش العجلي فِي سنة اثنتين وخمسين في ثلاثمائة، فأتى الأخنونيّة «2» من أرض مسكن بالسواد، فسرح إليه زياد خيلًا عليها سعد «3» بْن حذيفة أو غيره، فقتلوا وصاروا إلى ماه «4» .
14- أمر معاذ الطائي الثاني:
466- قالوا: وخرج على زياد رجل من طيّئ يقال له معاذ، فأتى نهر عبد الرحمن ابن أم الحكم فِي ثلاثين رجلًا، فِي سنة اثنتين وخمسين، فبعث إليه زياد من قتله
__________
465- ابن الأثير 3: 409 والنجوم الزاهرة 1: 143 466- ابن الأثير 3: 409 والنجوم الزاهرة 1: 143
__________
(1) قارن بالكامل 3: 246
(2) ط م س: الأخيونية (وانظر ياقوت 1: 167)
(3) ط س: سعيد.
(4) انظر ياقوت 4: 405(5/177)
وأصحابه- وقال بعض الرواة: بل حل لواءه واستأمن- ويقال لهم أصحاب نهر عبد الرحمن بن أم الحكم.
15- خبر طواف «1» بْن علاق وعقبة بْن الورد الجاوي وأصحاب الجدار فِي ولاية ابن زياد:
467- قالوا: كان قوم من الخوارج يجتمعون إلى جدار فيتحدثون عنده ويعيبون «2» السلطان، فأخذهم عبيد اللَّه بْن زياد فحبسهم، ثم دعا بهم فعرض عليهم أن يقتل بعضهم بعضًا ويخلي سبيلهم «3» ، فقتل اثنا عشر رجلًا منهم اثني عشر رجلًا من أصحابهم، قتل كلّ رجل رجلا، وكان ممن قتل طواف بْن علاق وأوس بْن كعب، فعذلهم أصحابهم وقالوا: قتلتم إخوانكم، قالوا: أكرهنا وقد يكره الرجل على الكفر وهو مطمئن بالإيمان، وكان حجير الباهلي «4» أتى الحي وقد أصابه نضح دم من دماء الخوارج المقتولين، فقيل له: ما هذا؟ فَقَالَ: قتل الأمير اليوم هؤلاء الكلاب فأصابني من دمائهم، فأتى عقبة بْن الورد الباهلي منزله واشتمل على سيفه، وكان يري رأي الخوارج، فحكم وقتل حجيرًا فأخذ فقتل. وندم طواف وأصحابه فَقَالَ طواف: أما من توبة؟ فكانوا يبكون، وعرض وأصحابه على أولياء من قتلوا القود فأبوا، وعرضوا الدّيات فأبوها، ولقي طوّاف الهثهاث بْن ثور السدوسي فَقَالَ له: يا ابْن عم أما ترى لنا من توبة؟
قَالَ: ما أجد لك إلا آية من كتاب اللَّه قوله ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لغَفُورٌ رَحِيمٌ (النحل: 110) فدعا طواف أصحابه إلى الخروج وإلى أن يفتكوا بابن زياد فبايعوه وذلك فِي سنة ثمان وخمسين، وكانوا سبعين رجلًا فِي عبد القيس، فسعى بهم رجل من أصحابهم إلى ابن زياد، وبلغ طوافًا ذلك فَقَالَ: إنا مأخوذون فعجلوا الخروج، فخرجوا من ليلتهم فقتلوا رجلا من بني
__________
467- ابن الأثير 3: 427
__________
(1) ابن الأثير: طواق (حيثما ورد) .
(2) س: ويعينون.
(3) ابن الأثير: سبيل القاتلين.
(4) انظر ما يلي رقم: 1035.(5/178)
ضبيعة ومضوا إلى الجلحاء «1» ، فندب عبيد اللَّه الشرط «2» والبخارية، فأتوهم وواقعوهم، فهزموا الشرط والبخارية (771) حتى دخلوا البصرة واتبعوهم، وذلك فِي يوم الفطر، فكثرهم الناس فقاتلوا فقتلوا، وبقي طواف فِي ستة، وعطش فرسه فاحتمله واقتحم «3» به الماء، فرماه البخارية بالنشاب حتى قتلوه، فأمر به ابن زياد فصلب، وجاء عند المساء ابن لأخيه بيهس وبعض آل علاق فاحتملوه ودفنوه، فَقَالَ شاعر منهم بعد ذلك:
يا رب هب لي التقى والصدق فِي ثبتٍ ... واكف المهم فأنت الرازق الكافي
حتى أبيع الذي يفنى «4» بآخره ... تبقى، على دين مرداس وطواف
وكهمس وأبي الشعثاء إذ نفروا ... إلى الإله وذي الإخبات زحاف
فِي قصيدة.
وقال عيسى الخطي للهثهاث فِي قصيدة له:
فجهلت طوافا وزينت فعله ... فأصبح طواف يمزق بالنبل
فقل لعبيد اللَّه إن كنت طالبا ... ذوي الغش والبغضاء واللؤم والبخل
فدونك أقوامًا سدوس أبوهم «5» ... فإن سدوسًا آفة الدين والعقل
وطلب ابن زياد بعض أولئك الخوارج، فترك مجالسة إخوانه وقال:
ما زال بي صرف الزمان وريبه ... حتى رفضت مجالس الفتيان
وألفت أقوامًا لغير مودةٍ ... وهجرت غير مفارق إخواني
وأفضت فِي لهو الحديث وهجره ... بعد اعتياد تلاوة القرآن
468- وحدثني الْعَمْرِيّ عَنِ الْهَيْثَم بْن عدي قَالَ: كان قوم يجتمعون إلى جدار فِي بني حنيفة، فإذا أتاهم رجل ليس منهم قالوا له: يا عبد اللَّه الحق بإخوانك «6» ، فبلغ ذلك
__________
(1) م: الحلجاء، وانظر ياقوت 2: 98
(2) س: للشرط.
(3) س: وأضخم.
(4) س: يغنى.
(5) م: أباهم.
(6) س: بأخوالك.(5/179)
ابن زياد فبعث قومًا فأخذوهم، وفيهم نافع بن الأزرق الحنفي، فأخذوا فحبسوا وقتل بعضهم، وكلم فِي بعض فأخرجهم فَقَالَ بعد ذلك رجل منهم:
ما كان فِي دين طوّاف وإخوته ... أهل الجدار حراث القطن والعنب
16- أمر أبي بلال مرداس بْن أدية:
469- قالوا: كان أَبُو بلال مرداس بْن أدية، وهي أمه، وأبوه حدير «1» بْن عمرو بْن عبيد بْن كعب، أحد بني ربيعة بْن حنظلة بْن مَالِك بْن زَيْد مناة بْن تميم، وأمه من محارب بْن خصفة، وكان عابدًا مجتهدًا عظيم القدر في الخوارج، وشهد مع علي صفّين فأنكر التحكيم، وشهد مع الخوارج النهروان، وكانت الخوارج كلها تتولاه، وسمع زيادًا يَقُول: لآخذن البريء بالسقيم والجار بالجار، فَقَالَ: يا زياد إن اللَّه يَقُول وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (الأنعام: 6) فحكم اللَّه خير من حكمك، فَقَالَ زياد: إنا لا نصل إلى ما نريد إلا ببعض الإغماض.
وكان غيلان بْن خرشة ذكر الخوارج فعابهم، فقال له مرداس: ما يؤمنك يا غيلان أن يلقاك بعض من عبت وتنقصت فيندر أكثرك شعرًا، فَقَالَ له: أذكرك اللَّه يا أبا بلال واللَّه لا أذكرهم بسوء أبدًا.
ورأى مرة ابن عامر وعليه قباء أنكره فَقَالَ: هذا لباس الفساق، فَقَالَ أَبُو بَكْرة: لا تقل هذا للسلطان فإن من أبغض السلطان أبغضه اللَّه.
وكان أَبُو بلال لا يدين «2» بالاستعراض، ويحرم خروج النساء ويقول: لا نقاتل إلا من يقاتلنا ولا نجبي إلا ما حمينا، ورد امرأة خرجت معه. وكانت الثبجاء «3» إحدى بنات حرام
__________
469- ابن الأثير 3: 428 والكامل 3: 249 والعقد 1: 217 وشرح النهج 1: 448 وقارن أجزاء منه بالطبري 2: 76 وابن الأثير 3: 276، 428 وعيون الأخبار 2: 242 وامالي القالي 3: 185 وما يلي رقم: 506
__________
(1) س: جدير.
(2) م س: لا يدين إلا.
(3) س: الشبجا (أو: الشيحا) ، ابن الأثير: البثجاء، ابن أبي الحديد والكامل: البلجاء.(5/180)
ابن يربوع من تميم تحرض على عبيد اللَّه بْن زياد وتذكر تجبره وسوء سيرته وفعله، وكانت من مخابيت «1» الخوارج، فذكر «2» ابن زياد الثبجاء، فأعلم غيلان (771) بْن خرشة أبا بلال بذلك، فَقَالَ لها أَبُو بلال: إن اللَّه قد جعل لأهل الإسلام سعة فِي التقية، فإن شئت فتغيبي فإن هذا الجبار المسرف على نفسه قد ذكرك، فقالت: أكره أن يلقى أحد مكروهًا بسببي إن طلبني، فأخذها ابن زياد فقطع يديها ورجليها، ومر أَبُو بلال فنظر إليها فِي السوق فعض على لحيته وقال: هذه أطيب نفسًا بالموت منك يا مرداس، ما من ميتة أموتها أحب إلي من ميتة الثبجاء، كل منية سوى منية الثبجاء ظنون.
ومر أَبُو بلال «3» ببعير قد هنيء فلما رأى القطران غشي عليه ثم أفاق ثم تلا سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ (إبراهيم: 50) . وألح ابن زياد فِي طلب الشراة فملأ منهم السجن، وأخذ الناس بسببهم، وحبس أبا بلال، فكان السجان يأذن له فِي الانصراف إلى منزله بالليل لما رأى من عبادته. وعزم ابن زياد على قتل من فِي السجن وأخذ الناس بسببهم «4» لوثوب بعضهم على رجل من الحرس وقتله إياه، وكان أَبُو بلال فِي منزله، فتنكر حتى عاد إلى محبسه وقال: ما كنت لأغدر بصاحبي وقد ائتمنني، وأصبح ابن زياد فدعا بالخوارج فقتل بعضهم وكلّم في بعض. وكان مرداس ممن كلم فيه فصفح عنه وخلى سبيله. وألح ابن زياد «5» فِي طلب الخوارج بعد ذلك وأخافهم، فعزم أَبُو بلال على الخروج، ودعا قومه فأجابوه، وقال فِي قصيدة له:
وقد أظهر الجور الولاة وأجمعوا ... على ظلم أهل الحق بالغدر والكفر
وفيك إلهي إن أردت مغير ... لكل الذي يأتي إلينا بنو صخر
وقال لأصحابه: إن الإقامة على الرضى (بما يرى) «6» لذنب، وإن تجريد السيف وقتل
__________
(1) في الأصول: مخانيث، وهو خطأ واضح.
(2) س: فذكرها.
(3) قارن بالكامل: 249 وشرح النهج 1: 448
(4) العبارة مكررة، وموضعها هنا قلق.
(5) قارن بالكامل: 249 والعقد 1: 217 وشرح النهج 1: 448 وشعر الخوارج: 51
(6) بما يرى: بياض في ط م.(5/181)
الناس «1» لعظيم، ولكنا نخرج من بين أظهرهم ولا نهيج أحدًا، ونمنع من قدرنا على منعه من الظلم، فإن أرادنا قوم بظلمهم امتنعنا منهم.
وأتوا قدامة جد سوار بْن عبد الله بن قدامة بن عنزة بن نقب العنبري فقالوا: أما ترى ما نحن فيه من الجور؟ فلو خرجنا على هؤلاء القوم فمنعناهم من الظلم، فَقَالَ: أنا معكم منكر لما تنكرون، فإذا جردتم السيف فلا أنا ولا أنتم.
وقال الحسن البصري لأبي بلال: أخبرني عَنْ رجلين خرجا فِي أمر فغشيتهما ظلمة، فوقف أحدهما حتى انجلت الظلمة فمضى، وتقحم الآخر الظلمة، أيهما أصوب رأيًا؟
قَالَ: أصوبهما عندي أخطأهما عندك.
وبايعوا «2» أبا بلال فخرج من البصرة فِي ثلاثين، فمروا بعبد اللَّه بْن رباح الأنصاري وكان على الجسر من قبل عبيد اللَّه بْن زياد، فخوفهم السلطان فأبوا الرجوع، وأتوا الأهواز فأصابوا بها ما لا يحمل إلى ابن زياد، فأخذ منه أَبُو بلال ما أعطى أصحابه ولم يعرض لما سوى ذلك، وقال للرسل: لا بأس عليكم، وبلغ ابن زياد خبرهم فندب لقتالهم أسلم ابن زرعة الكلابي فِي سنة ستين، وندب الناس معه، وبلغ الخبر أبا بلال فنزل بآسك فيما بين رامهرمز وأرجان، وكان معه أربعون رجلًا منهم عشرة صاروا معه بعد خروجه من البصرة، وكان مع ابن زرعة عبد اللَّه بْن رباح «3» الأنصاري، فقيل لأبى بلال: إن فيهم صديقك ابن رباح، فَقَالَ: اللَّه المستعان، هم أعوان الظلمة، وقال أصحاب ابن زرعة لأصحاب أبي بلال: اتقوا اللَّه وارجعوا، فقالوا: تردوننا إلى ابن زياد الفاسق الذي أخذ دية المسلم أربع مرات؟! والتقى أسلم وأبو بلال فرمى أصحاب ابن زرعة رجلًا من الخوارج فقتلوه، فَقَالَ أَبُو بلال: استعينوا باللَّه واصبروا، إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يشاء من عباده وقد بدا لكم القوم، فشد الخوارج «4» على أسلم وأصحابه شدّة رجل واحد، فهزموهم
__________
(1) شرح النهج: وإخافة الناس.
(2) قارن بالكامل: 3: 251- 252 والعقد 1: 217 وياقوت 1: 61 واليعقوبي 2: 279 وشرح النهج (نفسه) . وابن الأثير 3: 429 وفرق البغدادي: 71
(3) س: رياح.
(4) قارن بعيون الأخبار 1: 163 والعقد 1: 148- 149 وديوان المعاني 2: 230(5/182)
حتى قدموا (773) البصرة، فغضب ابن زياد على ابن زرعة وقال: هزمك أربعون رجلًا وأنت فِي ألفين؟! ما عندك خير، فَقَالَ ابن أسلم: لأن يذمني ابن زياد وأنا حي أحب إلي من أن يمدحني وأنا ميت، إني لقيت ناسًا ليسوا كالناس، فكان أسلم بْن زرعة إذا مر صاح الصبيان: يا أسلم، أَبُو بلال خلفك، حتى بعث ابن زياد الشرط فضربوا من صاح به فكفوا، فَقَالَ عيسى الخطي «1» .
أألفا مؤمن «2» فيما زعمتم ... ويهزمهم «3» بآسك أربعونا
كذبتم ليس ذاك كما زعمتم ... ولكن الخوارج مؤمنونا
هم الفئة القليلة قد علمتم ... على الفئة الكثيرة ينصرونا
فوجه «4» إليهم ابن زياد عباد بْن أخضر المازني وأخضر زوج أمه نسب إليه، وكان خلف عليها بعد أبيه- وهو عباد بْن علقمة بن عبّاد بن جعفي بْن حزابة بْن صعير بْن خزاعي بْن مازن بْن مالك بْن عَمْرو بْن تميم- فسار عباد إليهم فِي أربعة آلاف، فلقيهم بناحية درابجرد «5» من فارس فِي يوم جمعة، فدعا أبا بلال وأصحابه إلى طاعة السلطان، فَقَالَ أَبُو بلال: أتدعونا إلى طاعة من يسفك الدماء وينتهك المحارم، والرجوع إلى الفاسق ابن زياد الذي يقتل على الظنة ويأخذ بالشبهة؟! فقاتلهم حتى دخل وقت العصر، وكان القعقاع «6» بْن عطية قدم من «7» خراسان يريد الحج، فرآهم يقتتلون فقاتل معهم، حتى إذا علم أنهم خوارج كر على الخوارج حينئذ وقال:
__________
(1) الطبري 2: 187 وعيون الأخبار 1: 163 والكامل 3: 253 وياقوت 1: 62 واليعقوبي 2: 279 وديوان المعاني 2: 230 والدينوري: 269 وشعر الخوارج: 54 و 1، 2 أيضا في ابن الأثير 3: 430 والبكري: 123 وشطر الأول وعجز الثاني والثالث في العقد 1: 149 والأول في ياقوت 1: 61، 2: 454 ومعرب الجواليقي: 21
(2) ياقوت: مسلم.
(3) شرح النهج: ويهزمكم.
(4) انظر ابن الأثير 4: 81 وقارن بالطبري 2: 391 والكامل 3: 253
(5) انظر درابجرد في ياقوت 2: 560 والكامل 3: 253
(6) قارن بالكامل 3: 254 وشرح النهج 1: 448، 450
(7) من: سقطت من م.(5/183)
غزوتهم «1» وليس علي بعث ... نشاطًا أو أشد من النشاط «2»
أكر على الحروريين مهري ... لأحملهم على وضح الصراط
فقتل، قتله كهمس بْن طلق التميمي. وقال أَبُو بلال «3» : انكم فِي يوم عظيم، وهذا آخر أوقات العصر، فوادعونا حتى نصلي، فأجابهم ابن أخضر وتحاجزوا، فعجل عباد وأصحابه الصلاة- ويقال قطعها والقوم يصلون صلاتهم- ثم شد عباد وأصحابه فقتلوهم وهم بين قائم وراكع وساجد، لم ينثن «4» أحد منهم عَنْ حاله التي كان عليها حتّى أتوا عليهم، وأخذ رأس أبي بلال: بشر بْن حجل أحد بني تيم اللات وجاء به، وقتل مع أبي بلال حبيبة «5» بْن همام النكري من عبد القيس، فَقَالَ عمران بْن حطان السدوسي فِي قصيدة له أولها «6» :
أصبحت من وجل مني وإيجاس «7» ... أشكو كلوم جراح ما لها آسي
يا لهف نفسي لمرداس وصحبته «8» ... يا رب مرداس الحقني بمرداس «9»
وله شعر كثير، وكان من قعد الخوارج، وكان يبوح برأيه.
وقالت أم الجراح العدوية:
وما بعد مرداس وعروة بيننا ... وبينكم شيء سوى عطر منشم
فلست بناجٍ من يد اللَّه بعد ما ... هرقت دماء المسلمين بلا دم
وقعد قوم «10» من الخوارج لابن أخضر فِي يوم جمعة عند مسجد بني كليب بالبصرة، فخرج على بغلة له وابنه ردفه، فظفروا به فِي موضع يخفى فيه أمره فقتلوه، ومسحوا
__________
(1) شرح النهج: أقاتلهم.
(2) الكامل وشرح النهج: نشاطا ليس هذا بالنشاط.
(3) ابن الأثير: 3: 81
(4) س: ينبن.
(5) ط م س: خبية.
(6) الكامل: 3: 256 والعقد 1: 219 وشعر الخوارج: 141 وفيه مزيد من التخريج.
(7) س: وايحاس.
(8) الكامل والعقد وشرح النهج: يا عين بكي لمرداس ومصرعه.
(9) الكامل: اجعلني كمرداس.
(10) قارن بالكامل 3: 256 وديوان الفرزدق: 149 (يوسف هل) وأسماء المغتالين: 170(5/184)
سيوفهم بفخذه، وحكموا، ولم يعرضوا لابنه فهرب. وجاء معبد بْن علقمة أخو عباد فقاتل الخوارج فقتلوا، ولم ينج منهم أحد إلا عبيدة بْن هلال، فإنه خرق خصًا وخرج منه فمضى، فلقيه رجل من الشرط يقال له يحيى فتهدد (774) عبيدة فَقَالَ:
قولوا ليحيى يستعد كتيبة ... تجالد عَنْ حوبائه حين يحضر
فعما قليل سوف يلقى حمامه ... كمثل الذي لاقاه عباد فاحذروا
وقال معبد بْن علقمة:
ولقد قلت لخيلي والقنا ... تمتري الحرب سمامًا منقعا
انزلوا صبرًا إلى أقرانكم ... فاصطلوا الموت على الأرض معا
انزلوا نظفر بهم فِي حربنا ... أو نمت لم نبد منا جزعا
وقال الشاعر «1» :
لقد كان قتل ابني سمير خيانة ... كما غال ذؤبان العراق ابن أخضرا
ابنا سمير رجلان من بني نهشل.
وقال الرهين فِي قصيدة له طويلة:
كزيد ومرداس وعمرو وكهمس ... وكابن عقيل فِي الكتيبة عامر
أقاموا بدار الخلد لا يرتجيهم ... حميم كما يرجى إياب المسافر
وقال الفرزدق يذكر قتل عباد فِي بني كلب «2» :
لقد طلب الأوتار «3» غير ذميمة ... إذا ذمّ طلّاب الترات «4» الأخاضر
أراد لقد طلب الأخاضر غير ذميمة
__________
(1) سيرد البيت في أنساب الاشراف، الورقة 1064 ب (نسخة س) .
(2) ديوان الفرزدق: 150 (يوسف هل) وبعضها في الكامل 3: 257 والأول في أسماء المغتالين: 171
(3) الكامل: لقد أدرك الأوتار، الديوان والمغتالين: لقد طلبت بالذحل.
(4) الديوان والمغتالين: الذحول.(5/185)
هم جردوا الأسياف يوم أخيضر «1» ... فنالوا التي ما فوقها نال «2» ثائر
وخاست كليب يوم مات ابن أخضر «3» ... وقد شرعت «4» فيه الرماح الشواجر
هم شهدوه عاتمين «5» بنصرهم ... ونصر المليم عاتم غير حاضر «6»
فما لكليب فِي المكارم أول ... وما لكليب فِي المكارم آخر
وقالت امرأة من بني سليط فِي أبيات:
سقى اللَّه مرداسًا وأصحابه الألي ... شروا معه غيثا كثير الزماجر
فكلهم قد جاد لله مخلصًا ... بمهجته عند التقاء العساكر
470- وحدثني أَبُو خيثمة زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا غسان بْن مضر عَنْ سَعِيد بْن يزيد قَالَ: خرج أَبُو بلال بالبصرة فِي أربعين فأتوا بعض كور الأهواز فلم يقاتلوا إلا من قاتلهم ولم يجبوا مالًا. وقال كعب بْن عمير السمني «7» :
شرى ابن حدير نفسه اللَّه فاحتوى ... جنانًا من الفردوس جمًا نعيمها
وأسعده قوم كأنّ وجوههم ... نجوم دجنّات تجلّت غيومها
مضوا بسيوف الهند قدمًا وبالقنا ... على مقربات باديات سهومها
في أبيات «8» .
__________
470- الطبري 2: 187
__________
(1) الديوان والكامل والمغتالين: يوم ابن أخضر.
(2) ط م س: ثار.
(3) الديوان: كفعل كليب يوم يدعو ابن أخضر، الكامل: كفعل كليب إذ أخلت بجارها.
(4) الديوان: نشبت.
(5) الديوان: وهم حضروه غائبين.
(6) الديوان: غائب، الكامل: وهو حاضر.
(7) قد تقرأ السمني في ط، وهي غير واضحة في م، ولعلها «الشنّي» .
(8) بهامش ط مقابل هذا: بلغ العرض بأصل ثالث ولله كل حمد وكمال.(5/186)
أمر زياد ودعوته:
471- قالوا: كان من خبر زياد- ويكني أبا المغيرة- أن سمية أمه كانت لرجل من بني يشكر ينزل بناحية كسكر «1» . فأصاب اليشكري وجع شديد أعيا من حوله من الأطباء، فبلغه مكان الحارث بْن كلدة بْن عَمْرو بْن علاج بْن أبي سلمة بن عبد العزّى ابن غيرة بْن عوف بْن ثقيف الثقفي بالطائف، فحج ثم أتاه، فعالجه حتى برئ، فوهب له سمية فوقع الحارث عليها فولدت على فراشه نافع بْن الحارث، ثم ولدت له نفيعًا وهو أَبُو بَكْرة، فأنكره الحارث ونسبه إلى غلام له يقال له مسروح، وكان أشبه الناس بمسروح، فكان أَبُو بَكْرة يَقُول: أنا نُفَيْع بْن مسروح، وقيل للحارث: إن جاريتك فاجرة لا تدفع كفّ لامس، فزوجها الحارث من عبدٍ لامرأته صفية بنت عبيد ابن أسيد «2» بْن علاج (775) الثقفي، رومي يقال له عبيد، كان ساقه فِي مهرها، فولدت له زيادًا على فراشه، وتزوج عتبة «3» بْن غزوان أحد بني مازن بْن منصور أزدة «4» بنت الحارث بْن كلدة، فلما ولاه عُمَر بْن الخطاب البصرة قدمها ومعه نافع بْن الحارث بْن كلدة ونفيع أَبُو بَكْرة وزياد، وهو يومئذ ينسب إلى عبيد فيقال له زياد بن عبيد، وكان له فهم وذكاء وفطنة، ولم يكن مع عتبة بْن غزوان من يكتب ويحسب كتاب زياد وحسابه، فلما فتح اللَّه على المسلمين ما فتح على يد عتبة ولاه قسمة الغنائم، وأمره فكتب له كتابًا إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بالفتح، ثم ولى عُمَر المغيرة بْن شعبة البصرة بعد عتبة بْن غزوان، فكان زياد كاتبه، ثم لم يزل «5» فِي علو يدبر أمر كل عامل يكون على البصرة ويكتب له، فلما ولي أَبُو موسى البصرة استكتبه، ثم خرج غازيًا فاستخلفه على البصرة، فبلغ ذلك عُمَر فكتب إلى أبي موسى: بلغني أنّك استخلفت على البصرة غلاما
__________
471- قارن بالاصابة 8: 114 وأنساب البلاذري 1: 489
__________
(1) انظر كسكر في ياقوت 4: 274 والمشترك: 431
(2) س: أسد.
(3) فتوح البلدان: 343
(4) ط م س: أودة، وانظر فتوح البلدان والاشتقاق: 185 وفي الطبري (1: 2388) أردة.
(5) قارن بالطبري 1: 2465 وابن عساكر 5: 406، 407 والجهشياري: 15 وفتوح البلدان: 377، 403(5/187)
حديث السن ليس له قدم ولا هجرة ولا تجربة، فإذا أتاك كتابي فأشخصه إلي، فلما قرأ أَبُو موسى الكتاب بعث بزياد إليه، فكلمه عُمَر وسأله فرد عليه رد فهم عاقل، فَقَالَ له عُمَر: أتخبر الناس بما أخبرتني؟ فَقَالَ: إذا أخبرتك أنت «1» فالناس علي أهون، فخرج عُمَر آخذًا بيده وهو يَقُول: هذا ممن يرفع اللَّه به خسيسة أهله، فَقَالَ زياد «2» : أيها الناس أنفقنا فِي عام كذا كذا وبقي كذا، وفى عام كذا كذا وبقي كذا، فتعجب الناس من حفظه وعقله، ثم أمر له عُمَر بألف درهم، فاستأذن على عُمَر فِي بعض الأيام فبعث إليه: انتظر أخرج إليك، فغلبته عينه فنام «3» وعليه خفان جديدان، فلما رآه عُمَر علاه بالدرة، فلما انتبه قَالَ: إنما أخذته بدرهم واحد، فَقَالَ عُمَر: فلا بأس إذًا، وعجب من فطنته، فأمره عُمَر أن يكتب فِي بعض الأمر فكتب كتابًا بليغًا فَقَالَ: غيره، فكتب فِي ذلك المعنى كتابًا آخر، فقال غيّره، فكتب كتابا ثالثا بارعا، فعجب عُمَر من سعة معرفته وتصرفه فِي بلاغته، ثم رده إلى البصرة فاشترى بالألف أباه عبيدًا فعتق، فلما كان من قابلٍ وفد على عُمَر فسأله عَنْ الألف، فَقَالَ: ابتعت بها عبيدًا أبي من صفية بنت (عُبَيْد بْن) «4» أسيد بْن علاج، فَقَالَ له: نعم الألف كان ألفك.
ثم لما قدم «5» علي بْن أبي طالب البصرة فأخذها «6» فاستعمل عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، استكتب ابن عباس زيادًا، ثم ولاه فارس، فسأل زياد «7» عَنْ أمثل سيرة الفرس، فقيل له سيرة أنوشروان كسرى بْن قباذ، كان يضع عَنْ أهل فارس من خراج كل عشر سنين خراج سنة، ففعل زياد مثل ذلك حتى عمرت فارس عمارة لم يعمر مثلها قطّ.
__________
(1) أنت: زيادة من م.
(2) فتوح البلدان: 464
(3) قارن بالطبري 1: 2712 وابن عساكر 5: 407 والجهشياري 16، 17
(4) زيادة لازمة اعتمادا على ما تقدم.
(5) قارن بمروج الذهب 5: 22 وابن عساكر 5: 408
(6) س: فأخذ بها.
(7) قارن بالطبري 1: 3449(5/188)
واستخلف «1» ابن عباس حين غاضب عليًا وشخص إلى مَكَّة زيادًا، فكتب مُعَاوِيَة «2» إلى زياد يتوعده ويتهدده، فخطب الناس فَقَالَ: أيها الناس كتب إلي ابن آكلة الأكباد وكهف النفاق وبقية الأحزاب «3» يتوعدني، وبيني وبينه ابن عم رسول اللَّه «4» فِي سبعين «5» ألفًا، قبائع «6» سيوفهم عند أذقانهم، لا يلتفت أحد منهم حتى يموت، أما واللَّه لئن وصل هذا الأمر إليه ليجدني «7» ضرابًا بالسيف، فلما قُتل علي وصالح الحسن مُعَاوِيَة رضي اللَّه تعالى عنهم، واستقام الناس «8» له، تحصن زياد فِي قلعة بفارس هي تدعى قلعة زياد.
وبعث مُعَاوِيَة «9» بسر بْن أبي أرطاة إلى البصرة، وأمره بقتل من خالفه، وكان هواه مع علي، فلما قدم بسر البصرة أخذ بني زياد وهم عبيد اللَّه وسلم وعبد الرحمن والمغيرة و (أبو) حرب «10» ، وكانوا غلمانًا، فَقَالَ: لأقتلنكم أو ليأتيني زياد، فشخص أَبُو بَكْرة إلى مُعَاوِيَة (776) فكلمه فِي تخلية أولاد زياد وقال: أحداث ولا ذنب لهم «11» ، فكتب إلى بسر بتخلية سبيلهم، وكتب لزياد أمانًا، ويقال أن أبا بَكْرة طلب إلى بسر أن يؤجله أيامًا سماها ليأتي مُعَاوِيَة فيكلمه فِي بني زياد، فأجابه إلى ذلك، فلما كان آخر يوم من الأجل وقد طلعت الشمس أخرج بني زياد ليقتلهم، فبينا هو ينظر غروب الشمس إذ أقبل أَبُو بَكْرة وأعين الناس طامحة «12» ينتظرون قدومه، وهو على دابة له قد جهدها، حتّى أعطى
__________
(1) قارن بالتنبيه: 206.
(2) الطبري 2: 14 واليعقوبي 2: 259 والدينوري: 232 وابن عساكر 5: 411 والدرجات الرفيعة: 318 وانظر شرح النهج 4: 68.
(3) الطبري: رئيس الأحزاب.
(4) الطبري: ابنا عم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اليعقوبي: ابنا بنت رسول الله.
(5) الطبري: تسعين.
(6) اليعقوبي: واضعي قبائع، الطبري: واضعي سيوفهم على عواتقهم.
(7) م: لتجدني (والتاء غير معجمة في ط) .
(8) خ بهامش ط س: الأمر.
(9) قارن بالطبري 2: 11، 13 وابن الأثير 3: 348 وابن كثير 8: 22
(10) ابو حرب كنية عباد بن زياد.
(11) الطبري: غلمانا بلا ذنب.
(12) س: طافحة.(5/189)
بسرًا الكتاب من مُعَاوِيَة بالكف عنهم، فكبر الناس. وقال بعضهم: كان مقام بسر بالبصرة ستة أشهر.
وكان المغيرة بْن شعبة صديقًا لزياد لكتابته له، ولأنه لما وجد «1» مع المرأة فشهد عليه الشهود كان زياد رابعهم، فلما نظر إليه عُمَر قَالَ: أرى رجلًا لا يفضح اللَّه- أو لا يخزي- به رجلًا من أصحاب محمد، فأحجم عَنْ قطع الشهادة حتى درأ عُمَر الحد عَنِ المغيرة، فدخل المغيرة «2» على مُعَاوِيَة فَقَالَ مُعَاوِيَةُ حين رآه.
إنما موضع سر المرء إن ... باح بالسر أخوة المنتصح
فإذا بحت بسر فإلى ... ناصح يستره «3» أو لا تبح
فَقَالَ له المغيرة: يا أمير المؤمنين إن تستودعني سرك تستودعه ناصحًا شفيقًا ووعاء «4» وثيقًا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: شر الوطاء «5» العجز، أترضى أن يكون زياد وهو داهية العرب وقريع ذوي الرأي والحزم بمكانه؟ ما يؤمنني أن يبايع لبعض أهل هذا البيت فيعيدها «6» جذعة، واللَّه لقد بت ليلتي ساهرًا لذكري زيادًا واعتصامه بقلعة بأرض فارس، قَالَ المغيرة: فأذن لي فِي إتيانه آتك به، قَالَ: نعم فمضى جوادًا «7» حتى قدم على زياد، فلما رآه قَالَ: أفلح رائد، قَالَ: إليك ينتهي الخبر يا أبا المغيرة، أن الوجل منك قد استخف مُعَاوِيَة حتى بعثني إليك، وقد بايعه الحسن واجتمع عليه الناس، قَالَ: فأشر علي فإن المستشار مؤتمن «8» ، وارم الغرض الأقصى، قَالَ المغيرة: إن فِي محض الرأي بشاعة ولا خير فِي
__________
(1) قارن بفتوح البلدان: 344 والأغاني 14: 145 واليعقوبي 2: 166
(2) الطبري 2: 23 وابن الأثير 3: 354 والعقد 5: 6، والشعر أيضا في المرزباني: 368 منسوبا إلى المغيرة نفسه.
(3) المرزباني: يكتمه.
(4) الطبري والعقد: ورعا.
(5) س: الوطء.
(6) العقد: أعادها.
(7) جوادا: أي سريعا كالفرس الجواد (اللسان) .
(8) المستشار مؤتمن: ورد هذا في لباب الآداب: 333 وكنز العمال 3: 233 والجامع الصغير 2: 185 وأربع رسائل للثعالبي: 4 والطبري 2: 159 وأدب الدنيا والدين: 202.(5/190)
التمذيق، أرى أن تصل حبلك بحبله وتشخص إليه، قَالَ: أرى ويقضي اللَّه، وانصرف المغيرة، ومضى زياد بعد يوم أو يومين من مضي المغيرة فسار حتى صار إلى مُعَاوِيَة، فسأله مُعَاوِيَة عَنِ المال فضمن له أن يحمل إليه ألفي ألف درهم، فرضي بذلك.
472- وقال الْهَيْثَم بْن عدي: قَالَ المغيرة لِمُعَاوِيَةَ، وَمُعَاوِيَة بالكوفة: أترضى بأن يكون زياد وهو في دهائه ورأيه وحزمه متحصنًا فِي قلعة بفارس؟ قَالَ: فما ترى؟ قال:
أرى أن أشخص اليه فآتيك به، قَالَ: افعل.
473- قالوا: وشخص زياد إلى العراق لحمل «1» الألفي ألف إلى مُعَاوِيَة، فلقيه مصقلة بْن هبيرة الشيباني فَقَالَ له: أين تريد يا أبا الفضيل «2» ؟ قَالَ: مُعَاوِيَة، قَالَ: فلك عشرة آلاف درهم معجلة ومثلها مؤجلة إن ألقيت إليه ما أقول لك، إذا لقيته فقل له:
يا أمير المؤمنين كان زياد عندك وقد أكل العراق بره وبحره، فخدعك حتى رضيت منه بألفي ألف درهم، ما أرى ما تقول «3» الناس من أن زيادًا «4» ابن أبي سُفْيَان إلا حقًا، فضمن له ذلك، فلما لقي مُعَاوِيَة ألقي إليه ما قَالَ له زياد، قَالَ: أو قالوها؟ قَالَ: نعم، فبعث مُعَاوِيَة إلى زياد فقدم عليه فادعاه، وقال مُعَاوِيَة للمغيرة: يا أبا عبد الله سبقك زياد إلي وقد خرجت قبله، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين أن الأريب إذا كتم «5» الأريب شامه (777) ، خذ حذرك واطو عني شرك «6» ، إن زيادًا قدم يرجو الزيادة وقدمت أتخوف النقصان، فكان سيرنا على حسب ذلك.
__________
472- قارن بما مرّ ف: 384.
473- قارن بالأغاني 20: 17 وبعضه يقارن بابن الأثير 3: 371 وابن عساكر 5: 409 وبعضه في الطبري 2: 25 وانظر ابن كثير 8: 24
__________
(1) س: يحمل (والياء غير معجمة) .
(2) اليعقوبي: أبا الفضل.
(3) ط: يقول.
(4) من أن زيادا: زيادة من م ط.
(5) الطبري: كلم (ولا أراه صوابا إلا مع قوله بعدها «أفحمه» ) .
(6) الطبري: سرك.(5/191)
474- قالوا: فلما قدم زياد على مُعَاوِيَة فِي مرته الثانية صعد المنبر، وأمر زيادًا فصعد معه، فحمد مُعَاوِيَة اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إني قد عرفت شبهنا أهل البيت فِي زياد، فمن كانت عنده شهادة فليقمها، فقام الناس فشهدوا أنه ابن أبي سُفْيَان، أقر به قبل موته ثم مات. وقام أَبُو مريم السلولي- وكان خمارًا فِي الجاهلية- فَقَالَ: أشهد أن أبا سُفْيَان قدم علينا يا أمير المؤمنين الطَّائِف، فأتاني فاشتريت له لحمًا وأتيته بخمر وطعام، فلما أكل قَالَ يا أبا مَرْيَم أصب لي بَغيا، فخرجت فأتيته بسُمَيَّة وقلت لها: أن أبا سُفْيَان من قد عرفت شرفه وحاله، وقد أمرني أن أصيب له عرسًا فقالت: يجيء عبيد زوجي من غنمه، فإذا تعشّى ووضع رأسه أتيته، فلم تلبث أن جاءت تجُر ذيلها فدخلت معه، فلم تزل معه حتى أصبحت، فقلت له: كيف رأيتها؟
قَالَ: خير صاحبة لولا ذفر إبطيها ونتن رفغيها «1» ، فَقَالَ زياد من فوق المنبر: مه يا أبا مريم، لا تشتم أمهات الرجال فتشتم أمك. ثم جلس أَبُو مريم وقام آخر فَقَالَ «2» : أشهد أن عُمَر بْن الخطاب أخذ بيد زياد فأخرجه يوم أخرجه إلى الناس، فَقَالَ رجل ممن كان حاضرًا: لله أبوه من رجل لو كان له عنصر. فَقَالَ أَبُو سُفْيَان وهو إلى جانبي: أنا واللَّه وضعته فِي رحم أمه سمية وما له أب غيري.
475- وقال هشام بْن الكلبي: قَالَ مُعَاوِيَةُ لأبي البيضاء النهدي، وزياد حاضر:
ما عندك فِي أمر زياد؟ قَالَ: شهدت أبا سُفْيَان واقعها فِي الجاهلية، ورجع وذكره يقطر، وهو يَقُول: لعنها اللَّه فما أنتنها! فَقَالَ زياد: أد شهادتك ولا تفحش، فإنما دعيت شاهدًا ولم تدع شاتمًا.
476- قالوا: فلما تكلم مُعَاوِيَة على المنبر تكلم زياد فَقَالَ: أيها الناس إنّ أمير
__________
474- في شهادة أبي مريم السلولي انظر المروج 5: 24 وشرح النهج 4: 69- 70 وكذلك انظر المروج 5: 21 واليعقوبي 2: 259 وابن الأثير 3: 371 وابن عساكر 5: 409 والعقد 5: 4 وأخبار النساء: 110.
476- المروج 5: 25 والموفقيات: 302 وفاضل الوشاء: 52 وانظر اليعقوبي 2: 260 والعقد 5: 4- 5 وابن كثير 8: 28
__________
(1) وردت العبارة في المصادر بروايات مختلفة.
(2) قارن بالعقد 5: 5 واليعقوبي 2: 259 والدينوري: 233 وابن عساكر 5: 410 والاستيعاب 525 وشرح النهج 4: 67 والاصابة 3: 43(5/192)
المؤمنين والشهود قد قالوا ما سمعتم، ولست أدري ما حق هذا من باطله، وهو وهم أعلم، وإنما عبيد أب مبرور ووال مشكور «1» ، ثم نزل.
وقد كان مُعَاوِيَة بعث إلى سَعِيد «2» بْن عبيد أخي صفية بنت عبيد، فأرضاه حتى أقر ورضي بما صنع مُعَاوِيَة، وأبي يونس ابنه أن يرضى، وطلب الدخول على مُعَاوِيَة فلم يصل إليه، فلما كان يوم الجمعة وَمُعَاوِيَة يخطب على المنبر، أقبل يونس بْن سَعِيد حتى قام بين يديه فَقَالَ: [يا مُعَاوِيَة قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن الولد للفراش وللعاهر الحجر،] وإنك قضيت بالولد للعاهر وجعلت للفراش الحجر، فاتّق «3» الله فو الله لئن كان زياد ابن أبي سُفْيَان إنه لعبدي ومولاي أعتقته عمتي، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: واللَّه لتكفن يا يونس أو لأطيرن نعرتك- ويقال أنه قَالَ له: واللَّه لتكفن يا يونس أو لأطيرن بك طيرة بطيئًا وقوعها- فَقَالَ يونس بن سعيد: أو ليس المرجع بي وبك بعد إلى اللَّه؟
وقال الشاعر:
وقائلة إما هلكت «4» وقائل ... قضى ما عَلَيْهِ يونس بْن سَعِيد «5»
قضى ما عَلَيْهِ ثُمَّ ودع ماجدًا ... وكل فتى سمح الخليقة مودي
477- وقال ابن الكلبي، قَالَ يونس بْن سَعِيد العلاجي: رد علي ولاء عمتي من زياد، فَقَالَ: أتركت شرب ما فِي الدنان؟ قَالَ: نعم، وترك أبي الزنا «6» فِي الجاهلية.
478- حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيّ قَالَ: أسلم زياد بالطائف وهو ابن خمس سنين فِي كتاب جبير بْن حية الثقفي، فحفظ له زياد ذلك وولاه أصبهان، وكان يكنى أبا (778) فرتنا «7» .
479- وزعم أَبُو اليقظان عَنْ آل زياد أن زيادًا لأبي سُفْيَان وأمه أسماء بنت الأعور من بني تميم ثمّ من بني عبشمس، وذلك باطل.
__________
478- قارن بالاصابة 3: 43 وفتوح البلدان: 442 479- قارن بالاشتقاق 1: 185
__________
(1) المروج والعقد: وانما كان عبيد ربيبا مبرورا ووليّا مشكورا.
(2) س: سعد.
(3) س: واتق.
(4) س: ملكت.
(5) ط س م: عبيد،
(6) س: الزياد.
(7) س: فرمتا.(5/193)
480- قالوا: ووقع بين زياد وأبي الأسود حين ولى ابن عباس أبا الأسود الصلاة وولى زيادا الخراج تدارؤ «1» ، فَقَالَ أَبُو الأسود:
رأيت زيادًا باديًا لي شره ... وأعرض عنه «2» وهو بادٍ مقاتلة
وكنت امرأ بالدهر والناس عالمًا ... له عادة قامت عليها «3» شمائله
تعودها فيما مضى من شبابه ... كذلك يدعو كل أمر أوائله
ويعجبه صفحي له وتحملي «4» ... وذو الجهل يجزي الفحش من لا يعاجله «5»
فِي أبيات، وقال أيضًا:
نبئت أن زيادًا ظل يشتمني ... والقول يكتب عند اللَّه والعمل
وقد لقيت زيادًا ثم قلت له ... وقبل ذلك ما جاءت «6» به الرسل
حتام تشتمني «7» فِي كل مجتمع ... حتى إذا ما التقينا ظلت تنتقل «8» !
وقال أَبُو الأسود الدؤلي أيضًا:
ألا أبلغا عني زيادًا رسالة «9» ... تخب «10» إليه حيث كان «11» من الأرض
فما لك تلقاني «12» إذا ما لقيتني ... وتصرف «13» عني طرف عينك كالمغضي
__________
480- الأغاني 12: 316 والانباه 1: 18 والقصائد الثلاث في ديوان أبي الأسود: 39- 43، 44- 45، ولباب الآداب: 414 وقارن بالطبري 1: 3448.
__________
(1) ط: تداري.
(2) الديوان: وأعرض عني.
(3) س: عليه.
(4) الديوان: وتجملي.
(5) الديوان: وذو الفحش يحذو الجهل من لا يماثله.
(6) الديوان والأغاني: خبت.
(7) الديوان والأغاني: تسرقني.
(8) الديوان والأغاني: عرضي وأنت إذا ما شئت منتقل.
(9) الديوان واللباب: من مبلغ عني خليلي مألكا.
(10) الديوان واللباب: رسولا.
(11) س: كانت.
(12) الديوان واللباب: مسهوما.
(13) الديوان واللباب: وتقطع (الديوان: دوني) .(5/194)
أمر زياد بعد الدعوة:
481- قالوا: وولى مُعَاوِيَة زيادًا البصرة، فلما قدمها كان بينه وبين أقوام عداوة صعد المنبر فَقَالَ: الحمد لله الذي رفع مني ما وضع الناس، وعظم ما صغروا، ألا وإنه قد كان بيني وبين أقوام منكم أشياء «1» قد جعلتها دبر أذني وتحت قدمي، ألا إن القدرة تذهب الحفيظة «2» ، ألا وإني لو اطلعت على بعضكم وقد ورّاه بغضي لما هتكت له سترًا ولا كشفت له قناعًا حتى يبدي صفحته، فإذا فعل لم أناظره «3» ، فأعينوني على أنفسكم يرحمكم اللَّه، ألا ورب مغتبطٍ بقدومنا سييأس مما قبلنا، وآيس مما قبلنا سيغتبط بنا، ثم نزل، فلما كان الغد من يومه دعا رجلًا من الشرط فَقَالَ له «4» : انطلق إلى سنان بْن مشنوء «5» المزني فادعه، فانطلق إليه فوجده متصبحًا، فرجع إلى زياد فأعلمه، فَقَالَ: انطلق إلى ابن أبي الحر فادعه فإنك ستجده متحزمًا، وكان بينهما شيء، فانطلق فوجده فِي داره متحزمًا، بين يديه رواحل تعلف، فَقَالَ: أجب الأمير، فَقَالَ: إنا لله وإنا إليه راجعون ما لي وللأمير، ثم ذكر قوله على المنبر فانطلق مع الرسول، فاستعمله على دستميسان «6» فمكث عليها حينًا.
482- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: جاء قوم من أهل ميسان أو دستميسان فقالوا: البصرة من أرضنا، فحط عنا من خراجنا بقدر ما فِي أيدي العرب، فدعا بني الشعيراء «7» ، وكانوا أشعب أهل البصرة فأخبرهم بقولهم، فشتموهم وضربوهم حتى تركوا خصومتهم وهربوا.
__________
481- انظر ما يلي رقم: 491، 524 والكامل 1: 268 والبيان 2: 62 والدينوري: 233 وأمالي القالي 3: 185 وبهجة المجالس 1: 337 وعيون الأخبار 2: 241 وفي الموفقيات: 302- 308 صور من هذه الخطبة.
__________
(1) الطبري وابن الأثير والعقد: إحن، الدينوري: أحقاد.
(2) إن القدرة تذهب الحفيظة: انظر الكامل 1: 268 والميداني 1: 19: 17 والاعجاز والايجاز: 66 وما يلي رقم: 766، وفي الكامل: الامرة.
(3) الدينوري: أنظره.
(4) له: زيادة من م.
(5) مشنوء: هكذا في جميع النسخ.
(6) عن دستميسان انظر ياقوت 2: 574 والبكري: 351 وابن خرداذبه: 7 والمقدسي: 258
(7) بنو الشعيراء: انظر طبقات ابن سعد 7/ 2: 10 والاشتقاق: 251.(5/195)
483- قالوا: وسمع زياد حين قدم البصرة تكبيرًا فِي بعض الليالي، فَقَالَ: ما هذا؟ قيل هذه دار عبيد بْن عمير تحرس لأن الناس من البيات والسرق فِي أمرٍ عظيم، وإن المرأة لتستغيث فما يغيثها أحد، فَقَالَ زياد: ما كل الناس يقدر على ما يقدر عليه عبيد، ما قدومي ها هنا إلا باطل، فلما أصبح جمع الناس فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا الناس انّه بلغني ما لا صبر عليه، إني قد أجلتكم فِي أن يبلغ شاهدكم غائبكم ثلاثًا، إنا إن وجدنا أحدا (779) بعد صلاة العتمة ضربنا عنقه، ثم نزل. وجعلوا يتحدّثون بقوله فيهزؤون، فلما مضى الأجل دعا عباد بْن الحصين الحبطي، وكان قد ولاه شرطه، فأمره فطاف فلم يجد أحدًا بعد العتمة إلا ضرب عنقه، فاصبح في الرحبة خمسمائة رأس، وفعل ذلك ليالي متوالية، فجعل الناس إذا سلم الإمام فِي العتمة نهض الرجل من خلفه مبادرًا فربما ترك نعليه من العجلة. ثم نادى مناديه: برئت الذمة من رجل أغلق بابه، ومن ذهب له شيء فأنا له ضامن، ففتح الناس أبوابهم لا يخافون سرقًا.
484- قَالَ هشام بْن الكلبي: وبعث زياد بقطيفة ديباج منسوجة بذهب فألقيت بالخريبة «1» ، فمكثت ليالي وأياما «2» ما يمسها أحد، فبعث إليها بعد فأتي بها.
485- قَالَ: وقدم أعرابي ذات ليلة بغنم له يريد بيعها، فلما استوحش من الجبانة دخل البيوت، فأخذه عباد بْن الحصين فَقَالَ: ويحك أما علمت بنداء الأمير؟ قَالَ: لا واللَّه، فرحمه عباد. فلما أصبح دفعه إلى زياد فسأله عَنْ قصته فأخبره، فقال: لا أراك الّا صادقا ولكنّي أكره أن أكذب نفسي فِي وعدي ووعيدي، اضربوا عنقه. فقتل.
__________
483- قارن بعضه بما في الطبري 2: 77 وبعضه الآخر بما في الطبري 2: 74، 76 وابن الأثير 3: 376 ونفحة اليمن: 58 وشرح النهج 4: 76 484- قارن بالمحاسن والاضداد: 52 ونفحة اليمن: 59 485- قارن بالطبري 2: 76 وابن الأثير 3: 376 ونفحة اليمن: 58- 59
__________
(1) في تعريف الخريبة انظر ياقوت 2: 429، م: بالخربية.
(2) س: وأيام.(5/196)
486- قَالَ هشام بْن الكلبي: وأتي زياد بنباشين فأمر بهم فدفنوا أحياء، وأتي برجل غرق زرعًا فغرقه فِي الماء، وأمر برجل أحرق دارًا فأحرق بالنار.
487- قالوا: ونبش قبر فَقَالَ زياد لنافع بْن الحارث: اخرج فانظر قبرًا دفن صاحبه اليوم فكن قريبًا منه، فإنك ستجد الذي نبش «1» القبر ينبشه، ففعل، وجاء النباش على ما ظن زياد، فأخذه بعد أن رماه رمية أثخنته، فأمر زياد بدفنه فِي القبر.
488- وقال ابن الكلبي: قدم زياد وهو يريد البصرة، فلما صار ببعض الطريق أتاه موت المغيرة بْن شعبة بالكوفة، فخاف أن يستعمل ابن عامر «2» على الكوفة وقال: إن وليها لم آمن أن يضرنا «3» جواره ويلجأ أهل خراجنا إليه، فكتب إلى مُعَاوِيَة: كتبت إليك وقد مات المغيرة وترك بحمد الله ونعمته من عروة بْن المغيرة خلفًا صالحًا عفيفًا أمينًا مسلمًا طيبًا، وأرى أن يوليه «4» أمير المؤمنين عمل والده فيصطنعه ويرعى حق والده فيه، فإني أرجو أن يعرف فِي ذلك الخيرة إن شاء اللَّه، فلما قرأ مُعَاوِيَة الكتاب ضحك وعرف ما أراد، فكتب اليه: ليفرخ روعك يا أبا المغيرة، لست بمول عبد اللَّه بْن عامر، وبعث إليه بعهده على الكوفة، فجمع له المصرين وأعمالهما، فكان أول من ضما إليه.
489- وقال ابن الكلبي: قدم زياد الكوفة حين أتته ولايتها وهو بالبصرة، فحمد اللَّه وأثنى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إن هذا الأمر أتاني وأنا بالبصرة، فأردت أن آتيكم فِي ألف من الشرط «5» ثم نظرت فوجدتكم أهل حق، ووجدت حقكم طال ما دمغ الباطل،
__________
486- قارن بالطبري 2: 74 والمحاسن والمساوئ: 507 والمحاسن والأضداد: 52 وما يلي رقم: 524، 618 488- في كتاب زياد إلى معاوية انظر لسان العرب 4: 12، 9: 495 489- الطبري 2: 88 وعيون الأخبار 2: 241 وما تقدم ف: 481 وما يلي رقم: 491
__________
(1) س: تبس.
(2) انظر الطبري 2: 69- 70 وأبو الفداء 1: 190 وابن الفقيه: 190 في تصوير سوء العلاقة بين زياد وابن عامر.
(3) س: يضرّ بنا.
(4) م س: وأنا أن توليه.
(5) الطبري: في ألفين من شرطة البصرة.(5/197)
فجئتكم فِي أهل بيتي، فالحمد لله الذي رفع مني ما وضع الناس وحفظ ما ضيعوا.
490: الْمَدَائِنِيّ أن جماعة قَالَ بعضهم لبعض: أزياد أفضل أم عبيد اللَّه؟ فَقَالَ شيخ منهم: إن لم يولد لعبيد اللَّه ابن مثله فزياد أفضل من عبيد اللَّه.
491- وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ الْعِجْلِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ قَالَ: لَمَّا اسْتَعْمَلَ مُعَاوِيَةُ زِيَادًا، حِينَ هَلَكَ الْمُغِيرَةُ، عَلَى الْكُوفَةَ جَاءَ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: الْحَمْدُ للَّهِ الذي رفع مني ما وضع الناس وحفظ مِنِّي مَا ضَيَّعُوا، أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا قَدْ سُسْنَا وَسَاسَنَا السَّائِسُونَ، فَوَجَدْنَا هَذَا الأَمْرَ لا يَصْلُحُ إِلا بِالشِّدَّةِ فِي غَيْرِ عُنْفٍ، وَاللِّينِ في غير ضعف، ألا فلا أفتحنّ بَابًا فَتُغْلِقُوهُ، وَلا أُغْلِقُ بَابًا فَتَفْتَحُوهُ، وَلا أَعْقِدُ عُقْدَةً فَتَحُلُّوهَا وَلا أَحُلُّهَا فَتَعْقِدُوهَا، أَلا وَإِنِّي لا أَعِدُكُمْ خَيْرًا وَلا شَرًّا إِلا وَفَّيْتُ بِهِ، فَمَتَى وَجَدْتُمْ عَلَيَّ خُلْفًا أَوْ كَذِبًا فَلا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ، وَأَيُّ رَجُلٍ مَكْتَبُهُ بَعِيدٌ (780) فَأَجَلُهُ سَنَتَانِ ثُمَّ هُوَ أَمِيرُ نَفْسِهِ، وَأَيُّ رَجُلٍ مَكْتَبُهُ قَرِيبٌ فَأَجَلُهُ سَنَةٌ ثُمَّ هُوَ أَمِيرُ نَفْسِهِ، وَأَيُّ عِقَالٍ ذَهَبَ فِيمَا بَيْنَ مَقَامِي هَذَا وَخُرَاسَانَ فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ، إِنَّا لَكُمْ قَادَةٌ وَعَنْكُمْ ذَادَةٌ، وَمَهْمَا قَصَّرْتُ فِيهِ فَلَنْ أُقَصِّرَ فِي ثَلاثٍ: لَنْ أَحْبِسَ لَكُمْ عَطَاءً، وَلا أَحْرِمَكُمْ رِزْقًا، وَلا أُجَمِّرُ لَكُمْ جَيْشًا، فَاسْتَوْجِبُوا عَدْلَنَا بِطَاعَتِكُمْ إِيَّانَا، وَسَخَاءَنَا بِسَخَاءِ أَنْفُسِكُمْ لَنَا، وَادْعُوا اللَّهَ لأَئِمَّتِكُمْ بِالْعَافِيَةِ فَإِنَّهُمْ حِصْنُكُمُ الَّذِي تَسْتَجِنُّونَ «1» وَكَهْفُكُمُ الَّذِي إليه تلجؤون.
492- المدائني قَالَ: اسْتَأْذَنَ عَوْفُ بْنُ الْقَعْقَاعِ عَلَى زِيَادٍ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ أُخْتُهُ عَمْرَةُ بِنْتُ الْقَعْقَاعِ، فَأَغْلَظَ لَهُ الْحَاجِبُ فَضَرَبَهُ بِقَضِيبٍ كَانَ مَعَهُ فَأَدْمَاهُ، فَدَخَلَ عَلَى زِيَادٍ فَقَالَ: مَنْ ضَرَبَكَ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ بِالْبَابِ لا أَعْرِفُهُ، فَقَالَ زِيَادٌ للأَحْنَفِ: أقدم عوف؟
__________
491- في خطبة زياد هذه قارن ببهجة المجالس 1: 334 والطبري 2: 74، 75 وابن الأثير 3: 374، 375 والعقد 5: 6 واليعقوبي 2: 260، 273 وابن عساكر 5: 412 وعيون الأخبار 1: 9 والبيان 2: 62 وشرح النهج 4: 74 وما تقدم ف: 481 وما سيلي رقم: 525، 649.
__________
(1) تستجنون: تتخذونهم جنّة أي وقاء.(5/198)
قَالَ: نَعَمْ، فَهُوَ صَاحِبُهُ، أَدْخِلْهُ، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ لَهُ: يَا عَوْفُ إِنَّ خَدَمِي لا يَسْتَذِلُّونَ وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكَ لَقَطَعْتُ يَدَكَ.
493- الْمَدَائِنِيّ عَنْ أبي هلال الراسبي قَالَ: استعمل زياد أمير بْن أحمر على سابور «1» ، فكتب إليه أن يقتل دهقانًا هناك فلم يفعل، فاستعمل غيره فقتل الدهقان.
494- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة قَالَ: استعمل زياد أُمَيَّة بْن عبد اللَّه بْن خالد على الآبلة، واستعمل مسروق «2» بْن الأجدع على السلسلة، فهنأه رجل فَقَالَ: وقاك اللَّه خشية «3» الفقر وطول الأمل.
495- الْعَمْرِيّ عَنْ الهيثم بْن عدي عَنِ ابن عياش قال، قَالَ أُمَيَّة بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد لأبيه: قد أردت التزويج وما عندك مال، وما أظنّي إلا سآتي زيادا فأخطب إليه، فقال: يا بني والله ما أحب أن تخلط سمنك بإهالته، قَالَ: فرحل إليه فلقيه بالبصرة، فسأله عَنْ سبب قدومه فَقَالَ له: قدمت إليك لتزوجني وتصلني، فَقَالَ:
نعم ونعمة عين، فزوجه آمنة بنت زياد، ثم قَالَ لمهران «4» مولاه وكاتبه على الخراج:
اطلب له كورة ترتفع عَنْ عمق السواد وتتنحى «5» عَنْ حزونة الجبال وبردها، فَقَالَ:
السوس، فولاه إياها، قَالَ أُمَيَّة: فو الله ما كنت أفترش إلا الخز ولا أشرب إلا السكر، ولقد عزلت عنها وما أظن أحدًا من الخلق يلبس إلا الخز ولا يشرب إلا السكر. ولما قدم على زياد أمر بمحاسبته، فرآه أبوه فَقَالَ لزياد: أيها الأمير أتحاسب أُمَيَّة؟ فَقَالَ: نعم يا أبا أُمَيَّة، إنا نريد أن نصلح له حسابه خوفًا من التبعة عليه، قَالَ: فنعم إذًا.
__________
494- انظر ما يلي: 1174، واستعمال مسروق على السلسلة قد تقدّم في ف: 377 وقارن بطبقات ابن سعد 6: 55- 56 والخراج: 163 والتهذيب 10: 111 (ترجمة مسروق بن الأجدع) .
495- انظر ما يلي ف: 1181 وقارن بما يلي ف: 496
__________
(1) في الفتوح: 506 والطبري 2: 79 أن زيادا جعله حاكما على مرو، وفي الطبري 2: 81 أنه جعله جابيا في إحدى مقاطعات خراسان.
(2) س: مرزوق.
(3) س: فقال: كخشية الفقر.
(4) س: لمهراز، وفي الطبري 2: 243 أن مهران مولى عبيد الله بن زياد.
(5) ط س: وتنحى، م: وتنجتى.(5/199)
496- وقال الْمَدَائِنِيّ، قَالَ زياد لأمية: أنك تحب النعمة، وبالسوس خز وسكر، فولاه إياها فأصاب خمسمائة ألف درهم، فأخذ منه زياد نصفها وسوغة النصف، 497- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: أرسل زياد إلى قوم كانوا يصيبون «1» الطريق فيهم مالك بْن الريب فضمن كل رجل «2» منهم ما يليه، فَقَالَ الشاعر يذكر مالكًا وأصحابه:
اللَّه نجانا «3» من القصيم ... ومن أبي حردبة الأثيم
(781) ومن غويث «4» فاتح العكوم ... ومالك وسيفه المسموم
498- قالوا: وأراد زياد الحج، فأتاه أَبُو بَكْرَةَ- وهو لا يكلمه مذ ترك زياد الشهادة على المغيرة بْن شعبة وعرضه لأن حد- فدخل عليه، وأخذ ابنه فأجلسه فِي حجره ليخاطبه ويسمع أباه زيادًا فَقَالَ: أن أباك هَذَا أحمق قد فجر فِي الإسلام ثلاث فجرات: أولاهن كتمانه «5» الشهادة على المغيرة، واللَّه يعلم أنه قد رأى ما رأينا، والثانية فِي انتفائه من عبيد وادعائه إلى أبي سُفْيَان، وأقسم أن أبا سُفْيَان لَمْ ير سمية قط، والثالثة أنه يريد الحج وأم حبيبة زوج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هناك، وإن أذنت الأخت لأخيها فأعظم بها مصيبة وخيانة لرسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن هي حجبته فأعظم بها عليه حجة، فَقَالَ زياد: ما تدع «6» النصح لأخيك عَلَى حال، وترك الحج فِي تِلْكَ السنة، وماتت أم حبيبة فِي سنة أربع وأربعين.
499- حَدَّثَنِي رَوْحُ بْن عَبْدِ الْمُؤْمِنِ حَدَّثَنِي عَمِّي أَبُو هشام عَنْ المبارك بن فضالة عن
__________
497- قارن بالطبري 2: 178 والأغاني 22: 304 (وفيه الشعر) وانظر الشعر في البكري: 713 وراجع المحاسن والأضداد: 51 498- قارن بياقوت 2: 273 والعقد 5: 11- 12 والاستيعاب: 526 وشرح النهج 4: 70 499- راجع ما تقدم ف: 469 والطبري 2: 146 وابن الأثير 3: 407 وقارن هذا القول بقول آخر يدل على
__________
(1) الطبري: يقطعون.
(2) م: واحد.
(3) الطبري: نجاك.
(4) م: غريث.
(5) س: كتمان.
(6) س: تضع.(5/200)
الحسن البصري قَالَ، ذكر الحسن زيادًا فَقَالَ: ما كان أجراه على اللَّه، سمعته يَقُول لآخذن الجار بالجار، واللَّه يَقُول: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخرَى (الأسراء: 15) وكنت تراه فترى جمالًا: يكسر عينيه ويثني عطفه معرضًا عما خلق له، قتل حجرًا وملأ الأرض شرًا.
500- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُسْلِمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالَ، قَالَ زياد: يعجبني من الرجل إذا سيم خطة ضيم «1» أن يَقُول لا بملء فيه، وإذا أتى مجلس قوم أن يعرف قدره فيجلس مجلسه، وإذا ركب دابة أن يحملها على ما يريد ولا تحمله على ما تريد، وقل من رأيته هكذا إلا وجدته مبرزًا.
501- قَالَ، وقال زياد: جنبوني عدوين لا يقاتلان «2» الشتاء وبطون الأودية.
وكان يَقُول: لم يعجبني فتح أتى على غير تقدير.
وقال زياد لعماله: استعملوا عمال المعذرة ومن يزن بصلاح، وإياكم ومن يحترس منه.
وكان بالبصرة حين قدمها زياد سبعمائة ماخور فهدمها، وركب إلى ما خور كان فِي بني قيس بْن ثعلبة فتولى هدمه، وكان لا يقبل شهادة بني قيس بْن ثعلبة بالعشي ولا يعدي عليهم «3» .
502- وقال الْمَدَائِنِيّ: أهدى لزياد حمار وحش فَقَالَ له فيل مولاه: قد بعث إلينا
__________
ثناء الحسن على زياد في البخلاء: 65 والبيان 2: 66 وما يلي رقم: 567، وعن كسر زياد لعينه انظر ابن الأثير 3: 411 وما يلي رقم: 517، 596 والأعلاق النفيسة: 223.
500- ما يلي رقم: 547 وابن عساكر 5: 417 وشرح النهج 4: 75 وبهجة المجالس 1: 48 501- العقد 1: 132، 5: 7 502- قارن بالبيان 1: 73، وعيون الأخبار 2: 159 والمحاسن والمساوئ: 454 والمحاسن والأضداد: 8 ومحاضرات الراغب 1: 27 والحيوان 7: 73
__________
(1) يرد القول باختلاف يسير فيما يلي ف: 547.
(2) العقد: تجنبوا اثنين لا تقاتلوا فيهما العدو.
(3) بالعشي ولا يعدي عليهم: سقط من م.(5/201)
بهمار وهش، قَالَ: اسكت قبحك اللَّه فما أدري ما تقول، قَالَ: أهدي إلينا أير- يعني عيرًا- فَقَالَ: الأول أمثل «1» .
502- قَالَ: ووفد زياد إلى مُعَاوِيَة وعنده عبد اللَّه بْن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما فنظر إليه، وسلم عبد اللَّه عليه فلم يرد السلام، فَقَالَ له: يا أبا المغيرة ما هذه الهجرة؟ فَقَالَ: إنه ليس بيننا «2» بحمد اللَّه هجرة، ولكنه مجلس لا يقضى فيه إلا حق أمير المؤمنين وحده.
504- قَالَ: وكتب كاتب فِي ديوان زياد: ثلاثة دنان، فَقَالَ: أخرجوا هذا الكاتب من ديوانكم وأصلحوها ثلاثة أدن.
505- وكان زياد يَقُول: العجب من الخوارج أنك تجدهم من أهل البيوتات والشرف وذوي الغناء وحملة القرآن وأهل الزهد، وما أشكل علي أمر نظرت فيه غير أمرهم، فمن كف عني يده ولسانه كففت عنه.
506- قالوا «3» : وكان زياد أول من أحدث ديوان خاتم وديوان زمام، وأول من عرف العرفاء ونكب المناكب «4» وحبس بالظنة وأخذ الجار بالجار.
507- وحدثني عمرو بْن محمد عَنْ أبي نعيم عَنْ يونس عَنْ الحسن قَالَ: تتبع (782) زياد شيعة علي بْن أبي طالب يقتلهم «5» ، فَقَالَ الحسن: [اللَّهم تفرّد بموته فإنّ القتل كفّارة] .
__________
503- العقد 1: 16 والأنساب (الورقة 276/ أمن س) وقارن بعيون الأخبار 1: 21 504- الجهشياري: 22 506- فتوح البلدان: 464 والعقد 5: 8، وانظر بعضه فيما تقدم رقم: 469 وما يلي رقم: 570 507- ابن عساكر 5: 421 والبصائر 7 رقم: 454
__________
(1) البيان: أهون، العيون: خير.
(2) بيننا: زيادة من ط م.
(3) قالوا: زيادة من ط.
(4) المناكب: قوم دون العرفاء، واحدهم منكب، وقيل: المنكب رأس العرفاء وقيل أعوانه (النهاية 4: 174.
(5) س: يقتله.(5/202)
508- حَدَّثَنِي الْعَمْرِيّ عَنِ الْهَيْثَم عَنْ مجالد عَنِ الشعبي أنه قَالَ: لم أسمع متكلمًا قط يكثر ويطيل إلا تمنيت أن يسكت مخافة أن يسيء، إلا زيادًا فإنه «1» كان لا يزداد كلامًا إلا ازداد إحسانًا.
509- قَالَ: وكان حارثة بْن بدر الغداني أليفًا لزياد، فأتاه وبوجهه أثر، فَقَالَ: ما هذا؟ قَالَ: ركبت برذوني الكميت «2» فاعترم بي فسقطت، فَقَالَ: أما واللَّه لو ركبت الأشهب لسلمت.
510- وكان زياد يَقُول: المروءة اجتناب الريب وإصلاح المال وقيام الرجل بأمر أهله، فإنه لا يستكمل النبل من احتاج أهله إلى غيره.
511- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ زياد لعجلان حاجبه: كيف تأذن للناس؟ قَالَ: أبدأ بأهل السابقة والقدم، ثم أدعو أهل الشرف، ثم ذوي الأسنان، قَالَ: فقد وليتك حجابتي وعزلتك عَنْ أربعة «3» : المنادي بالصلاة، وطارق الليل فأمر «4» جاء به، ورسول صاحب الثغر فإن أبطأ ساعة فسد بإبطائه عمل سنة، وصاحب الطعام إذا أدرك طعامه فإنه إذا أعيد إسخان الطعام «5» فسد.
512- قالوا: وكان زياد يَقُول: ما أعلم شيئًا بعد الإخلاص وأداء الفرائض أفضل من نصيحة الوالي رعيته.
__________
508- الطبري 2: 76 والبيان 2: 65 ومحاضرات الراغب 1: 27 وعيون الأخبار 2: 171 وابن عساكر 5: 414 والموفقيات: 310 وشرح النهج 4: 75 509- العقد 2: 462 وابن عساكر 3: 432 والأشربة: 28 وعيون الاخبار 2: 201 والبصائر 3: 571 (عن عبيد الله وحارثة بن بدر) وانظر الأغاني 23: 482 والذخيرة 1: 468 وتروى في محاضرات الراغب 1: 326 عن البراء بن قبيصة والوليد.
511- العقد 1: 67، 5: 12 وانظر المحاسن والمساوئ: 173 وما يلي رقم: 571 وشرح النهج 4: 74 وبهجة المجالس 1: 266 والموفقيات: 312 ومحاضرات الراغب 1: 101 ونهاية الأرب 6: 87 وبعضه في الكامل 1: 300 وسراج الملوك: 115
__________
(1) س: فان.
(2) العقد وابن عساكر: الأشقر.
(3) العقد والطرطوشي والنويري: عن أربع.
(4) العقد والجاحظ وشرح النهج: فشرّ.
(5) العقد والنويري: تسخينه، بهجة والمجالس والجاحظ وشرح النهج: التسخين.(5/203)
513- قالوا: وكان زياد يَقُول: لأن يجاور أحدكم أسدًا فِي أجمة خير «1» له من أن يجاور تاجرًا إذا شاء أن يسلفه أسلفه وكتب عليه صكًا.
514- وقال هشام بْن الكلبي عَنْ عوانة: قدم زياد على مُعَاوِيَة فِي بعض وفداته «2» ، فقال له: ما بلغ من سياستك رعيتك؟ قَالَ: أقمتهم بعد جنف، وكففتهم عما لا يعرف، فأذعن المعاند رغبة «3» ، وخضع الأصيد الغشوم رهبة، قَالَ: لله أبوك، فبأي شيء صيرتهم إلى ذلك؟ قَالَ: بالُمْرهَفات القواضب يمضيها الحزم يتبعه العزم، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أنا ابن هِنْد، لكني ضبطت رعيتي بالحلم والحجى، وتوددت ذوي الضغن بالبذل والإعطاء، واستملت العامة بأداء الحقوق، وعقبت «4» بين أهل الثغور فسلمت لي الصدور عفوًا، وانقادت لي الأخشة طوعًا.
515- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة أن زيادًا قَالَ: اثنان يتعجّلان النصب «5» ولعلّهما لا يظفران ببغية: الحريص فِي حرصه، ومعلم البليد ما لا يبلغه فهمه.
516- وقال مسلمة بْن محارب، قَالَ زياد: ما كذبت قط إلا مرة واحدة، رأيت رجلًا من بني تميم فقلت له أين تريد؟ قَالَ: أريد عبد الرحمن بْن زياد، وكان بالطف، فقلت: أرجع وإلا قطعت منك طابقًا، وكان الرجل يشارب عبد الرحمن النبيذ، ثم رأيته بعد فقلت: أين تريد؟ قَالَ: عبد الرحمن، فقلت: ألم أنهك عنه؟ فَقَالَ: أيها الأمير لا صبر عنه، فقلت: إن رجلًا طابت نفسه بقطع طابق منه بمحبة عبد الرحمن لأهل لأن لا يؤذى، امض إليه.
__________
514- ابن عساكر 7: 2
__________
(1) س: خيرا.
(2) ط م: وفاداته.
(3) ابن عساكر: المعاند عن الحق رغبة.
(4) س: وغفصت.
(5) م: للنصب.(5/204)
517- وقال أَبُو اليقظان: كان زياد يكسر عينه فَقَالَ الفرزدق:
وقبلك ما أعييت كاسر عينه ... زيادًا فلم تقدر علي حبائله
518- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة بْن محارب وابن الكلبي عَنْ عوانة قَالَ: أشرف زياد على بلج بْن نشبة السعديّ وهو بباب داره، وكان خليفة لصاحب حرسه، وهو صاحب حمام بلج فَقَالَ:
ومحترس من مثله وهو حارس
519- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: اختصم بنو راسب والطفاوة فِي رجل (783) وأقاموا جميعًا البينة عند زياد، فَقَالَ سعد الرابية: أصلح اللَّه الأمير، يؤتى به النهر فيلقى فيه، فإن كان من راسب رسب، وإن كان من الطفاوة طفا، فضحك زياد «1» وقال: لا تعد لمزاح فِي مجلسي.
520- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة وغيره أن زيادًا قَالَ على المنبر: إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يقطع بها ذنب عنز مصور «2» لو بلغت إمامه سفكت دمه.
521- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: كان زياد يَقُول من قدر فلا يمنعن حسن الاستماع.
522- حَدَّثَنِي عبد اللَّه بْن صالح حَدَّثَنِي بعض أصحابنا أنّ رجلا قدّم إلى زياد
__________
517- قارن بما تقدّم: 499 وما يلي رقم: 596 وسيرد البيت أيضا: 539 ب من نسخة (س) ، وهو في ديوان الفرزدق: 2: 172 (صادر) والاستيعاب: 524 والبيان 1: 196 وعيون الأخبار 2: 171.
518- قارن بفتوح البلدان: 435 والأنساب، الورقة: 1110/ أ (من النسخة س) والعقد 5: 7 والحيوان 1: 216 وانظر أيضا عيون الأخبار 1: 58 (والشاعر هو عبد الله بن همام) والشعر والشعراء: 546 والمحاسن والمساوئ: 175 (واسم الشاعر فيه «البردخت» ) وفصل المقال: 94 519- العقد 3: 60 (لحارثة بن بدر) وانظر عيون الأخبار 2: 60 وإلى طه حسين: 286 ووردت القصة في الدرة الفاخرة: 135 منسوبة لهبنّقة.
520- البيان 1: 259 وعيون الأخبار 1: 331 522- قارن بالبيان 2: 301 ومحاضرات الراغب 1: 95 وعيون الأخبار 1: 70 والمحاسن والمساوئ: 507 وشرح النهج 4: 74
__________
(1) زياد: سقطت من م.
(2) س: مصبور، والمصور: القليلة اللبن.(5/205)
صديقًا له فِي منازعة كانت بينهما، فَقَالَ: أصلح اللَّه الأمير إنه يدعي أن بينك وبينه مودة، فَقَالَ: صدق وأنا ناظر فيما بينكما، فإن ثبت لك عليه حق أديناه عنه، وإن ثبت له عليك شيء أخذناك به له أخذًا عنيفًا.
523- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة «1» ، قَالَ: شخص زياد إلى مُعَاوِيَة ومعه الأحنف وعدة من وجوه أهل البصرة، فَقَالَ زياد: يا أمير المؤمنين، أشخص أقوامًا إليك الرغبة، وأقعد آخرين العذر، ولكلٍ من سعة رأيك وفضلك ما يجبر «2» المتخلف ويكافأ به الشاخص، فَقَالَ الأحنف: ما نعدم منك يا أمير المؤمنين نائلًا جزيلًا وبلاءً جميلًا ووعدًا ناجزًا، وزياد عاملك المستن بسنتك المحتذي لمثالك، ونستمتع اللَّه بك، فما نقول الا كما قَالَ زُهير، فإنّه ألقى عَنِ المادحين فضل الكلام حين قَالَ:
وما يك من خير أتوه فَإِنَّمَا ... توارثه آباء آبائهم قبل
فحباهم مُعَاوِيَة وبعث معهم إلى من تخلف من الوجوه بصلات.
524- حَدَّثَنِي الحِرمازي عَنْ جهم بْن حسان السليطي وغيره قالوا: كتب زياد كتابًا قرئ على أهل المصر نسخته: أما بعد، فالحمد لله على إفضاله وإحسانه، وإياه أسأل المزيد فِي نَعْمائه، وإليه أرغب فِي زيادتنا شكرًا كما زادنا إحسانًا، ثم إن الجهالة الجهلاء والضلالة العمياء والغي المورد أهله النار ما يأتيه سفهاؤكم ويشتمل عليه حلماؤكم، من الأمور العظام التي ينبت عليها الصغير ولا ينحاش «3» لها الكبير، كأن لم تسمعوا بنبي اللَّه، ولم تقرءوا كتاب اللَّه، ولم تعرفوا ما أعد اللَّه من الثواب الكريم لأهل طاعته، والعذاب
__________
523- زهر الآداب: 51 والأغاني 10: 300 (وفيهما البيت) والبيت في شرح ديوان زهير: 115 وحماسة البختري: 218 والمروج 5: 93 والعمدة 2: 127.
524- كتاب زياد في الطبري 2: 73 وابن الأثير 3: 374 والعقد 4: 110 وابن عساكر 5: 412 والبيان 2: 62 وعيون الأخبار 2: 241- 243 وانظر ما تقدم: 481، 491 وما يلي رقم: 649، 650 وشرح النهج 4: 75
__________
(1) عن مسلمة: سقطت من م.
(2) ط س: تجبر.
(3) س: يحاش، م: يتحاش، الطبري والعقد والبيان وابن الأثير: يتحاشى عنها.(5/206)
الأليم لأهل معصيته، فِي الدار التي لا تزول شدتها ورخاؤها، أترضون أن تكونوا كمن طرفت عينه الدنيا وسدت مسامعه الشهوات، فاختار الفانية على الباقية؟ قد أحدثتم هذه المواخير وسلبتم الضعيف فِي النهار المبصر والليل المظلم، أما منكم نهاة تمنع الغواة من الغارة فِي النهار والسرق فِي الليل؟! تعتذرون بغير عذر، وتسحبون ذيولكم على الغدر، كل امرئ منكم يذب عَنْ سفيهه، صنيع من لا يخاف عاقبة ولا يرجو معادا، فلم يزل بسفهائكم ما ترون من قيام حلمائكم دونهم، وذبهم عنهم، وسترهم عليهم، حتى انتهكوا حرمة الإسلام، وكنسوا فِي مكانس الريب، حرم علي «1» الطعام والشراب حتى أسويها «2» هدمًا وإحراقًا، وتقطيعًا ببطون السياط ظهور الغاوين، وإني أقسم «3» باللَّه لآخذن الولي بالولي، والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح فِي نفسه بالسقيم النطف، حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول: أنج سعد فقد هلك سَعِيد، أو لتستقيمن قناتكم إن كذبة المنبر مشهورة «4» ، فإذا تعلقتم علي بكذبة فِي وعد أو وعيد حلت لكم معصيتي، من ذهب له منكم شيء فأنا ضامن له، وإياي ودلج الليل فإني لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمه، وقد أجلتكم فِي ذلك قدر ما يأتي الخبر الكوفة ثم يرجع إليكم، وإياي ودعوى الجاهلية فإني لا أجد (784) أحدًا «5» دعا دعوتها واعتزي عزوتها إلا قطعت لسانه، وقد أحدثتم أحداثًا لم تكن، وأحدثنا لكل ذنب عقوبة، فمن غرق قومًا غرقناه، ومن حرق على قوم حرقناه، ومن نقب على بيت «6» نقبت عَنْ قلبه، ومن نبش قبرًا دفنته فيه حيًا، فكفوا أيديكم أكف يدي عنكم، ولا يظهر أحد منكم خلاف ما عليه عامتكم إلا ضربت عنقه، وقد كانت بيني وبين قوم منكم إحن جعلتها دبر «7» أذني وتحت قدمي، فمن كان
__________
(1) البيان: حرام عليّ.
(2) في اكثر المصادر: أسوّيها بالأرض.
(3) ورد في شرح النهج 4: 75 حتى قوله «قناتكم» .
(4) س: مشهودة.
(5) اكثر المصادر: لا أوتى بأحد.
(6) اكثر المصادر: نقب بيتا.
(7) س: وتر، شرح النهج: خلف.(5/207)
منكم محسنًا فليزدد إحسانًا، ومن كان مسيئًا فلينزع عَنْ إساءته، ولو علمت أن رجلًا قد قتله السل من بغضي لم أكشف له قناعًا ولم أهتك له سترًا حتى يبدي لي صفحته ويبادي بمعصيته، فإذا فعل ذلك لم أناظره «1» فاستأنفوا أموركم وأعينوا على أنفسكم، أيّها الناس انّا أصبحنا لكم ساسة وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان اللَّه الذي أعطانا، ونذود عنكم بالفيء الذي خولنا.
525- قالوا: وكتب زياد إلى مُعَاوِيَة: إني «2» قد ضبطت العراق بشمالي ويميني فارغة، فولني الحجاز والعروض «3» أكفك هذا الحي من قريش، فبلغ ذلك ابن عُمَر فَقَالَ: اللَّهم اشغله، فما مكث إلا أيامًا حتى طعن فِي إصبعه، فلما مات وبلغ ابن عُمَر موته قَالَ: يا ابْن سمية لا فِي الدنيا بقيت ولا الآخرة أدركت.
526- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة أن زيادًا قَالَ: لو أنّ لي ألف ألف دينار «4» ولي بعير جرب لقمت عليه قيامًا يَقُول من رآه إنيّ لا أملك معه غيره «5» ، ولو أنّ لي عشرة دراهم لا أملك غيرها ثم لَزِمَني حقٌّ وضعتها فيه.
527- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة قَالَ: شكا الناس إلى زياد نقصان المكاييل التي يرزقون بها، فدس من اتبع خدمهم الذين يتولون قبض أرزاقهم لهم، فوجدهم يشترون من أرزاقهم الطير وما يلعب به والحلواء، فخطب الناس فَقَالَ: أنكم تحملون علينا ذنب أنفسكم فِي أرزاقكم، يبعث أحدكم خادمه لقبض رزقه، فيشتري من رزقه ما اشتهى،
__________
525- الطبري 2: 158 وابن الأثير 3: 410 وابن عساكر 5: 421 والبدء والتاريخ 6: 2 وابن كثير 8: 62 وسراج الملوك: 128 وروض الأخيار: 69 وتاريخ الاسلام 2: 280 وسير الذهبي 3: 326 وابن خلكان 2: 462 وما يلي رقم: 733 والعقد 5: 12.
526- البيان 2: 81 وقارن بابن عساكر 5: 417 ومحاضرات الراغب 1: 235
__________
(1) في بعض المصادر: أنظره.
(2) إني: سقطت من م.
(3) زاد في ابن عساكر: يعني اليمامة والبحرين.
(4) البيان: درهم.
(5) البيان: قيام من لا يملك غيره.(5/208)
فتعهدوا أرزاقكم وتولوا قبضها بأنفسكم. وكان زياد يقول: ما بال أحدكم يأخذ عطاءه ومؤنته خفيفة ثم يدان «1» ؟! تعهدوا معايشكم وأصلحوا ما تحتاجون إليه من أموركم.
528- وكان زياد يَقُول: إذا لم يجد أحدكم سعة لتزوج من ترغب فيه لموضعه فليتزوج سبية.
529- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: خطب زياد فلما فرغ قام عبد اللَّه بْن الأهتم فَقَالَ: أشهد أيها الأمير أنك قد أوتيت الحكمة وفصل الخطاب، فَقَالَ: كذبت، ذاك نبي اللَّه داود، فقام الأحنف فَقَالَ: إن الثناء بعد البلاء والحمد بعد العطاء، فَقَالَ زياد: صدقت، وقام أَبُو بلال الخارجي فجعل يهمس فَقَالَ زياد: إنا لا نبلغ ما تريد وأصحابك حتى نخوض إليه الدماء.
530- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: أمر زياد حاجبه أن يدخل من على بابه فِي وقت انتصاف النهار فأدخلهم، فتمثل زياد:
وهاجرة تحلب الناعجات ... ماء حميمًا إذا الشاة «2» قالا
ثم قَالَ لهم: ما الذي تخافون على أهل البصرة؟ فَقَالَ بعضهم: الحرق، وقال بعضهم: الغرق، قَالَ زياد: أخوف من ذلك عدو يأتيكم لا رهج له أو رجل «3» يأتيكم فيشتد شدتي ولا يلين ليني، فجاء الحجاج فاشتد شدته ولم يلن لينه «4» ، وكان عدوًا لا رهج له، فكان يسيء بصالحهم ويحسدهم على نعمهم فينتزعها منهم.
531- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، كان الحسن يَقُول: أوعد عمر فعوفي وأوعد زياد فابتلي.
__________
528- قارن بزوائد ابن حجر 4: 260 529- الطبري 2: 76 وابن الأثير 3: 376 والبيان 2: 65 وعيون الأخبار 2: 242 وشرح النهج 4: 75 وما تقدم رقم: 469، 499 وبعضه في شرح النهج 4: 2 531- البيان 2: 66 وقارن به قول الحسن «تشبه زياد بعمر فأفرط» في البيان (نفسه) والموفقيات: 311 وعيون الأخبار 1: 329 والبخلاء: 65
__________
(1) م. ثم لا بدّ أن.
(2) م: المساءة، ط: الساة.
(3) م: زجل.
(4) قوله «فاشتد ... لينه» انظره في ما يلي رقم: 557(5/209)
532- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: أهدي إلى زياد خوان بايزهر «1» قوائمه منه، فاقتلع نافع بْن خالد قائمة وجعل مكانها قائمة ذهب فحبسه، فكلمه فيه سيف بْن وهب الأزدي، فَقَالَ زياد:
(785) أذكرتنا موقف أفراسنا ... بالجوّ «2» إذ أنت إلينا فقير
ثم وهبه له.
533- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة وغيره قالوا: كان زياد يؤخر العشاء الآخرة حتى يكون آخر من يصلي، ثم يأمر رجلًا فيقرأ سورة البقرة أو غيرها من الطوال ويرتل القرآن، فإذا أمهل بقدر ما يرى أن إنسانًا يبلغ الخريبة أمر صاحب شرطته بالخروج، فيخرج فلا يرى إنسانًا إلا قتله «3» .
534- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الكلبي عن أبيه عن عوانة وغيره قالوا: لَمَّا جَمَعَ مُعَاوِيَةُ لِزِيَادٍ الْكُوفَةَ وَالْبَصْرَةَ فِي سَنَةِ خَمْسِينَ كَانَ يُخْلِفُ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الْفَزَارِيَّ حَلِيفَ الأَنْصَارِ بِالْبَصْرَةِ إِذَا خَرَجَ إِلَى الْكُوفَةِ، وَيُخْلِفُهُ بِالْكُوفَةِ إِذَا خَرَجَ إِلَى الْبَصْرَةِ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، وَكَانَ يُقِيمُ بِالْبَصْرَةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَبِالْكُوفَةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَكَانَ سَمُرَةُ يُحْدِثُ أَحْدَاثًا عَظِيمَةً مِنْ قَتْلِ النَّاسِ وَظُلْمِهِمْ، أَعْطَى رَجُلٌ «4» زَكَاةَ مَالِهِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَمَرَ بِهِ سَمُرَةُ فَقُتِلَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: مَا شَأْنُ هَذَا؟ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ: لَقَدْ قَتَلَهُ سَمُرَةُ عِنْدَ أَحْسَنِ عَمَلِهِ فَاشْهَدُوا أَنَّهُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ لِسَمُرَةَ: وَيْلَكَ لِمَ قَتَلْتَ رجلا عند أحسن عمله؟
__________
532- قارن بالطبري 2: 79- 80 (وفيه البيت) وابن الأثير 3: 377 والذخائر والتحف: 169 والبيت للنعمان ابن بشير الانصاري، انظر ديوانه: 144- نقلا عن الأغاني.
533- الطبري 2: 76 وابن الأثير 3: 376 534- طبقات ابن سعد 7/ 1: 70 والطبري 2: 87 وابن الأثير 3: 383 وأسد الغابة 2: 354 وقارن بما يلي رقم: 589 وطبقات ابن سعد 6: 22، 7/ 1: 34
__________
(1) المعروف باذ زهر (الجماهر: 200) من الفارسية--.
(2) الأغاني والطبري: بالحنو.
(3) بعد هذا عنوان: «سمرة بن جندب» في س وهو بهامش ط، ولم يرد في م.
(4) أعطى رجل ... ربه فصلّى: في الطبري 2: 162 وابن الأثير 3: 412 وشرح النهج 1: 363(5/210)
فَقَالَ: هَذَا عَمَلُ أَخِيكَ زِيَادٍ هُوَ يَأْمُرُنِي بِهَذَا، فَقَالَ: أَنْتَ وَأَخِي فِي النَّارِ، أَنْتَ وَأَخِي فِي النَّارِ، وَتَلا أَبُو بَكْرَةَ، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (الأعلى:
14) . وَيَزْعُمُونَ أَنَّ زِيَادًا نَهَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنِ الْقَتْلِ.
535- حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرٍ الْقَوَارِيرِيُّ «1» عَنْ أَبِي الْمُعَلَّى الْجِنَانِيِّ «2» عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
كُنْتُ وَاقِفًا عَلَى رَأْسِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ فَقَدِمَ إِلَيْهِ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلا، يَسْأَلُ الرَّجُلَ مِنْهُمْ مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ الإِسْلامُ دِينِي وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّي فَيَقُولُ: قَدِّمَاهُ فَاضْرِبَا عُنُقَهُ، فَإِنْ يَكُ صَادِقًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ.
536- وروي عَنْ أنس بْن سيرين قَالَ: استخلف زياد سمرة على البصرة وخرج إلى الكوفة فجاء وقد قتل ثمانية آلاف، فَقَالَ له: هل تخاف أن تكون قتلت بريئًا؟
فَقَالَ: لو قتلت مثلهم لم أخف أن أقتل بريئًا.
537- حَدَّثَنِي عُمَر بْن شبه عَنْ مُحَمَّد بْن عبد اللَّه بْن الزبير عَنْ سُفْيَان «3» عَنْ عاصم الأحول عَنْ ابن سيرين عَنْ ابن سمرة قَالَ: من عرض لنا عرضنا له، ومن مشى على الكلاء «4» ألقيناه فِي النهر.
538- حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنْبَأَنَا «5» عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَوْسُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: كُنْتُ أَقْدُمُ عَلَى أَبِي مَحْذُورَةَ «6» فَيَسْأَلُنِي عَنْ سمرة، وأقدم على سمرة فيسألني عن
__________
536- الطبري 2: 90 وابن الأثير 3: 384 538- التهذيب 12: 222 (رقم 1019) وانظر الاشتقاق: 83: 172 والاستيعاب: 654 ودلائل النبوة لأبي نعيم: 488 والاصابة 3: 130، وسير الذهبي 3: 123- 124 وتاريخ الاسلام 2: 290- 291 وشرح النهج 1: 363
__________
(1) انظر القواريري في التهذيب 7: 40 وتاريخ بغداد 10: 320
(2) ط: الحناني، ولم ترد نسبة «الجناني» ملحقة به في الطبري 3: 2425، 2550 والتهذيب 12: 242 وأسد الغابة 5: 303، وفي ضبط «الجناني» انظر المشتبه: 128، 178.
(3) هو سفيان الثوري.
(4) انظر في تحديد «الكلاء» ياقوت 4: 293 والاشتقاق: 172
(5) م: أخبرنا، وانظر التهذيب 1: 382
(6) اسمه أوس بن معبر بن لوذان، انظر طبقات ابن سعد 5: 332 والطبري 3: 2330(5/211)
أَبِي مَحْذُورَةَ، فَقُلْتُ لأَبِي مَحْذُورَةَ: إِنَّكَ لَتَسْأَلُنِي عَنْ سَمُرَةَ فَلِمَ ذَاكَ؟ فَقَالَ: كُنْتُ أَنَا وَسَمُرَةُ «1» وَأَبُو هُرَيْرَةَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ [فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِضَادَتَيِ الْبَابَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ آخِرَكُمْ مَوْتًا فِي النَّارِ،] قَالَ: فَمَاتَ أَبُو هُرَيْرَةَ ثُمَّ مَاتَ أَبُو مَحْذُورَةَ ثُمَّ سَمُرَةُ.
539- الْمَدَائِنِيّ عَنْ نوح بْن قيس عَنْ أشعث الحداني عَنْ أبي السوار العدوي، قَالَ: قتل سمرة بْن جندب من قومي فِي غداة واحدة سبعة وأربعين رجلًا كلهم قد جمع القرآن.
540- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضَّبْعِيِّ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ: أَقْبَلَ سمرة من المربد فخرج رجل مِنْ بَعْضِ الأَزِقَّةِ فَتَلَقَّى الْخَيْلَ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَأَوْجَرَهُ «2» الْحَرْبَةَ، ثُمَّ مَضَتِ الْخَيْلُ، وَمَرَّ بِهِ سَمُرَةُ وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِي دِمَائِهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: رَجُلٌ أَصَابَتْهُ أَوَائِلُ خَيْلِ الأَمِيرِ، فَقَالَ: إِذَا سَمِعْتُمْ بِنَا قَدْ رَكِبْنَا فَاتَّقُوا أَسِنَّتَنَا.
541- حَدَّثَنَا عفان حَدَّثَنَا أَبُو هلال عَنْ ابْنِ سيرين قَالَ: كَانَ سمرة صدوق الحديث عظيم الأمانة يحب الإسلام وأهله حتى أحدث ما أحدث.
542- حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ «3» وَعَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ سَمُرَةَ قَالَ لأَبِي بَكْرَةَ (786) رَأَيْتُ كَأَنَّ الدَّجَّالَ خَرَجَ فَجَعَلْتُ أُهَرْوِلُ حَذَرًا، ثُمَّ الْتَفَتُّ خَلْفِي فَأَرَاهُ قَرِيبًا مِنِّي، ثُمَّ انْشَقَّتْ لِي الأَرْضُ فَدَخَلْتُهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكَ أَصَبْتَ قَحْمًا عِظَامًا فِي دِينِكَ «4» .
543- الْمَدَائِنِيّ، قَالَ: كان زياد يَقُول أكره للرجل أن يكون وصافًا لبطنه وفرجه.
__________
539- الطبري 2: 90 540- الطبري 2: 90 541- الاستيعاب: 654 والتهذيب 4: 237 وقارن بأسد الغابة 2: 354 543- ما يلي رقم: 642 وابن خلكان 2: 501 (منسوبا للأحنف) .
__________
(1) التهذيب: وفلان، ولذلك قال في آخر العبارة: ثم مات ذلك الرجل.
(2) س: فأوجذه.
(3) هو أَبُو عمران الجوني واسمه عَبْد الْمَلِكِ بْن حبيب الأزدي (الطبري 3: 2548) .
(4) بهامش ط عند هذا الموضع: يتلوه في الورقة: الْمَدَائِنِيّ قَالَ كان زياد يَقُول أكره للرجل ... إلخ، قلت هذا ملحق في ورقتين مستقلتين، وقال: هذا في الأصل الثالث المعارض به.(5/212)
544- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة قَالَ: نقب على رجل من بني سعد فذهب ما كان له، فأتى زيادًا فأخبره خبره، فَقَالَ زياد: لا يبقى محتلم من بني سعد إلا حضر، فحضروا فَقَالَ: هل تفقدون أحدًا؟ قالوا: لا، قَالَ: تألفوا عشرة عشرة، ثم قَالَ لكل عشرة:
أخرجوا إلي خيركم، ثم قَالَ لأولئك الصلحاء: أخبروني عَنْ أهل الريبة منكم، فقام رجل لم يكن بخيرهم فَقَالَ: الأمان، فأمنه، فأخبره بأهل الريبة، فرد المال.
545- قَالَ: وأرسل زياد رجلا إلى بني رميلة، وبلغه أنهم يصيبون الطريق، وكان رئاب «1» بْن رميلة يعضد قومًا يصيبون الطريق، فلما قدموا قَالَ زياد للأشهب بْن رميلة:
أنت رئاب فَقَالَ: لا أنا الأشهب، وهذا أخي رئاب، فَقَالَ زياد: قد بلغني عنكم أمر كرهته لكم ولمن كان مثلكم فِي موضعكم وشرفكم وجلدكم، أتدعان أن يكون حدكم على عدوكم وعدوّ الإسلام وتجعلان ذلك فِي أهل دعوتكم! فانتفوا من ذلك وجحدوه، فَقَالَ زياد لابني رميلة: قد قبلت قولكما وصدقتكما، وعرض عليهما الفريضة وضمّنهما ما يليهما، فَقَالَ الأشهب:
تداركني أسباب وردٍ وردني ... زياد كما رد الجموح الشكائم
ولو أنني أجمعت إذ أنا محرم «2» ... فرارًا ونت «3» دوني العتاق الروائم
إذًا لاتخذت الليل فِي الأرض جنة ... وبيني وبين الليل أبيض صارم
546- وقال زياد: واحدة من رأيتموها فيه لم يخطئ أن يكون ضعيفًا: من إذا مشى حرك رأسه وعنقه وكثر التفاته.
547- وقال: يعجبني من الرجل إذا سمع قولًا فيه عليه ضيم أن يقول لا بملء «4»
__________
545- قارن بالأغاني 9: 261 والاصابة 1: 110 والمحاسن والمساوئ: 507 547- مرّ في ف: 500 وسيرد رقم: 642 وانظر شرح النهج 4: 75
__________
(1) س: رباب، ط م: رياب (- رئاب) - حيثما وقع-.
(2) هكذا في ط م س، وربما كان الصواب «مجرم» .
(3) م س: وبت.
(4) س: تملا.(5/213)
فيه، وإذا أتى مجلس قوم عرف قدره وعلم أين ينبغي له أن يجلس منه، وإذا ركب دابة حملها على ما يريد ولم تحمله على ما تريد وقل من رأيته كذا إلا كان مبرزًا.
548- وقال زياد لأبي الأسود الدؤلي: لولا ضعفك وسنك لوليتك، فَقَالَ:
لعمري لئن كنت تريد مني مصارعة أهل عملي إني لضعيف «1» عَنْ ذلك، وإن كنت تريد مني ما تريد من غيري من عمالك إني لقوي عليه.
549- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: مر رجل من الدهاقين بخمرٍ فأتي به زياد فَقَالَ: ينبغي أن يكون أراد التوصل إلي فأقدم على حمل الخمر وإدخاله البصرة بعد نهيي عَنْ ذلك، فدعا به، فأخبر أن رجلًا عقر نخلًا له، فوجه من أغرم الرجل لكل نخلة ألف درهم، وقال: إن لم يعطه هذا المال بعد ثلاث ساعات فاضربوا عنقه، فغرّم له أربعين ألف درهم، وقال لو جئتني برأسه كان أحب إلي من المال.
550- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة وغيره قالوا: بنى زياد دار الرزق ثم زاد فيها عبيد اللَّه ابنه بعد، وكان عامل زيادٍ على دار الرزق عبد اللَّه بْن الحارث بْن نوفل ثم رواد بْن أبي بَكْرة، وكان الجعد بْن قيس النمري على السوق، وكان زياد يجلس فِي كل يوم جمعة، فيسأل رسل عماله عَنْ بلادهم وينظر فيما قدموا له وفي أمر الأموال والنفقات، ثم يأتيه عماله على دار الرزق والكلاء والسوق فيسألهم عما ورد دار الرزق، وعن الأسعار والأخبار وما يحتاجون إليه من مصالحهم.
551- حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَنِ الْهَيْثَم بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى زِيَادٍ فِي أَمْرٍ مِنَ الأُمُورِ يَكْرَهُهُ النَّاسُ، فَقَالَ (787) زِيَادٌ: إِنْ شَاءَ مُعَاوِيَةُ أَنْ يُعْصَى عُصِيَ، وأغلظ
__________
548- محاضرات الراغب 1: 11 والبصائر 3: 438 ونور القبس: 11 وأمالي المرتضى 1: 292 وشرح النهج 4: 328 وانظر الأنساب الورقة: 953- 954 من نسخة س.
549- المحاسن والمساوئ: 538.
550- في بناء دار الرزق انظر ابن الفقيه: 191، وفي جلوس زياد يوم الجمعة انظر الجهشياري: 22 وما يلي رقم: 626 552- انظر ما مرّ رقم: 46
__________
(1) م: لضعفت.(5/214)
لِلرَّسُولِ وَرَدَّهُ أَعْنَفَ رَدٍّ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ قَالَ لَهُ: أَنَا أُخْبِرُكَ بِمَا كَانَ، دَخَلْتَ عَلَى أَلْيَنِ النَّاسِ جَانِبًا وَأَغْلَظِهِمْ كَلامًا، قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَخْطَأْتَ.
552- وَقَالَ الْهَيْثَمُ حَدَّثَنَا الْمُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَتَبَ زِيَادٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ:
إِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَيَّ بِسِيرَةٍ أَسِيرُهَا فِي الْعَرَبِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: يَا أَبَا الْمُغِيرَةِ قَدْ كُنْتُ لِهَذَا مِنْكَ مُنْتَظِرًا، انْظُرْ أَهْلَ الْيَمَنِ فَأَكْرِمْهُمْ فِي الْعَلانِيَةِ وَأَهِنْهُمْ فِي السِّرِّ، وَانْظُرْ هَذَا الْحَيِّ مِنْ رَبِيعَةَ فَأَكْرِمْ أَشْرَافَهُمْ وَأَهِنْ سِفْلَتَهُمْ، فَإِنَّ السِّفْلَةَ تَبَعٌ لِلأَشْرَافِ، فَأَمَّا هَذَا الْحَيُّ مِنْ مُضَرَ فَإِنَّ فِيهِمْ فَظَاظَةً وَغِلْظَةً، فَاحْمِلْ بَعْضَهُمْ عَلَى رِقَابِ بَعْضٍ، وَلا تَرْضَ بِالظَّنِّ دُونَ الْيَقِينِ، وَبِالْقَوْلِ دُونَ الْفِعْلِ، وَاتْرُكِ الأُمُورَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ النَّاسِ عَلَى أَشُدِّهَا، وَالسَّلامُ.
553- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: نهى زياد عَنْ النوح، فبكت امرأة على بعض أهلها فأتوا زيادًا بها فقالت: ما عندي نساء، وإنما بكيت إخوتي فجهرت بالبكاء، فَقَالَ: وما قلت؟ قالت قلت:
ألا زعموا أني جزعت عليهما ... وهل جزع أن قلت وآبائي هما «1»
إذ افتقرا لم يجشعا «2» خشية الردى ... ولم يخش رزءًا منهما مولياهما
وإن غنيا «3» حب الصديق إليهما ... ولم يزو عَنْ رفد «4» الصديق غناهما
554- الْمَدَائِنِيّ عَنْ الهذلي ومسلمة أن بني عجل تحولوا إلى الكوفة أيام الجمل، فنزلت الأزد دورهم، فَقَالَ رجل من بني عجل:
لعمري لقد بدلتم من فوارس ... سراع «5» إلى الهيجا بطاء عن الجهل
__________
553- الشعر في الحماسة: 483- 485 وديوان الخنساء: 167- 168 (ط/ 1888) والثاني في تاج العروس 9: 57 والشاعرة هي عمرة الخثعمية.
__________
(1) الحماسة: لقد زعموا ... وابابا هما.
(2) التاج: يلحما.
(3) الحماسة والديوان: إذا استغنيا.
(4) الحماسة والديوان: ولم ينأ من نفع.
(5) س: سواع.(5/215)
555- وكان رجل من بني عجل باع دارًا لبني أخيه، وكانوا أيتامًا، فلما غلت الدور بالبصرة خاصم العجلي بنو أخيه إلى شريح، فرد البيع، فأتى الرجل زيادًا فأخبره بقصته وقال: خاصموني حين كثرت أثمان الدور وغلت، فَقَالَ زياد لبني أخي الرجل:
أتحلفون أن الدور لو كانت على حالها فِي الرخص لم تخاصموا عمكم، ولم تحاولوا نقض بيعه فلم يحلفوا، فَقَالَ: إن عمكم لم يبع إلا نظرًا لكم، فأنا أجيز بيعه.
556- الْمَدَائِنِيّ عَنْ إِسْمَاعِيل الباهلي عَنْ ابن عون عَنْ إبراهيم قَالَ: أمر رجل بالكوفة عبدًا لرجل أن يشجه حتى يستحقه، فشجه فتعلق به وخاصم مولاه إلى زياد، فأخبره مولى العبد بالقصة، وأعطى زياد مولى العبد قيمته، وقطع العبد ودفعه إلى المشجوج «1» .
557- الْمَدَائِنِيّ عَنْ جرير بْن حازم قَالَ: كان زياد بْن سمية أول من أخذ بالظنة وعاقب على الشبهة وأخاف الناس فِي «2» سلطانه، فلما قدم الحجاج سأل عَنْ سيرته فأخذ بشدته وترك لينه.
558- قَالَ: وكان زياد قد آمن الناس حتى إن الشيء ليسقط من الرجل فلا يعرض له أحد حتى يأتي صاحبه فيأخذه، وتبيت المرأة لا تغلق «3» عليها بابها، وأدر العطاء، فَقَالَ حارثة بْن بدر الغداني:
ألا من مبلغ عني زيادًا ... فنعم أخو الخليفة والأمير
وأنت إمام معدلة وقصد ... وحزم حين تحضرك الأمور
أخوك خليفة اللَّه ابن حرب ... وأنت وزيره نعم الوزير
__________
555- قارن بالعقد 5: 10 557- الطبري 2: 77 وابن الأثير 3: 376 وراجع ما تقدم ف: 553، وكذلك انظر ف: 530 حول اشتطاط الحجاج في الاقتداء به، والمحاسن والمساوئ: 507 558- الطبري وابن الأثير (انظر الفقرة السابقة) . وفي شعر حارثة انظر الطبري 2: 78
__________
(1) بهامش ط هنا: بلغت المقابلة، يتلوه في الأصل: المدائني عن جرير بن حازم قال.
(2) في: زيادة من ط م.
(3) س: يغلق (والياء غير معجمة في ط) .(5/216)
بإذن اللَّه منصور معان ... إذا جار الرعية لا تجور «1»
يدر على يديك لما أرادوا ... من الدنيا لهم حلب غزير
وتقسم بالسواء فلا غني ... بظلم «2» يشتكيك ولا فقير
(788) ولما قام سيف اللَّه فينا ... زياد «3» قام أبلج مستنير
قوي لا من الأحداث «4» غر ... ولا ضرع ولا فان كبير
559- قالوا: واستعمل زياد على شرطته بالبصرة عبد اللَّه بْن حصن صاحب مقبرة ابن حصن، وهو أحد بني ثعلبة بْن يربوع، والجعد بْن قيس صاحب طاق الجعد السلمي، وكانا جميعًا يسيران بين يديه بالحربة «5» ، ثم اقتصر على عبد اللَّه بْن حصن فحمل الحربة بين يديه، وولى الجعد أمر الفسّاق فكان يتبعهم، وفيه يَقُول جرير «6» :
إليك إليك يا جعد بْن قيس ... فإنك لست من حيي نزار
وولى زياد قضاء البصرة عمران بْن الحصين الخزاعي «7» من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
560- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: أبطأ زياد يومًا بالغداء لأمر كان ناظر فيه الدهاقين، فقال سعد ابن المخش الضبي: الغداء أصلح اللَّه الأمير، فَقَالَ رجل من الدهاقين «8» : بأي ذنوبنا ابتلينا بهؤلاء الكلاب؟! فسمعها زياد فَقَالَ: بجرأتك على اللَّه وكفرك به وكذبك عليه، وقال لابن مخش: لا تعودن لمثل هذا، ثم دعا بالغداء فأكل وأكل معه ابن المخشّ،
__________
559- الطبري 2: 77 وقارن بابن الأثير 3: 376 والبيان 2: 256 وما يلي رقم: 573 560- ابن عساكر 5: 416 (وفيه الأبيات) ، وانظر بعض القصة في أمالي القالي 2: 154 (وفيه الأبيات إلا ان القصة تتصل بعبيد الله بن زياد) والعقد 1: 271 (وفيه الأبيات) وراجع عيون الاخبار 3: 128
__________
(1) م: يجور (والياء غير معجمة في ط) .
(2) الطبري: لضيم.
(3) س: زيادة.
(4) الطبري: الحدثان.
(5) الطبري: بحربتين.
(6) انظر ديوان جرير: 696.
(7) في تولية عمران انظر الطبري 2: 79 وابن الأثير 2: 377 والجهشياري: 16
(8) زاد في ابن عساكر: بالفارسية.(5/217)
وكان أكولا، فقال له زياد: ما لك من الولد؟ قَالَ: تسع «1» بنات، أنا أجمل منهن وهن آكل «2» مني، فَقَالَ: لقد لطفت في المسئلة «3» ففرض لهن فَقَالَ ابن المخش:
إذا كنت مرتاد السماحة والندى ... فناد زيادًا أو أخًا لزياد
يجبك امرؤ يعطي على الحمد ماله ... إذا ضن «4» بالمعروف كل جواد
وما لي لا أثني عليك وإنما ... طريفي منكم كله وتلادي
561- الْمَدَائِنِيّ، قَالَ: لقي زيادًا رجل نشأ بالأهواز فَقَالَ: أصلح اللَّه الأمير إن أبينا مات، وإن أخونا شد «5» على ميراثنا فأخذه، فَقَالَ: لا رحم اللَّه أباك ولا حفظ أخاك، ولا أحسن الخلافة عليك، فما ضيّعت من نفسك أكثر ممّا ضاع من مالك «6» .
562- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة قَالَ، قَالَ زياد: جمال السلطان «7» لين فِي غير إهمال وشدة فِي غير إفراط.
563- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة قَالَ، قَالَ عجلان حاجب «8» زياد: أصبت فِي غداة واحدة ألفي ألف درهم وألفي سيف، أعطى زياد العطاء فأعطاني كل رجل نصف عطائه وسيفه.
564- المدائني عن مسلمة بْن محارب أن زيادًا كان يجبي من كور البصرة ستين ألف ألف، فيعطي المقاتلة من ذلك ستة وثلاثين ألف ألف، ويعطي الذريّة ستّة عشر ألف
__________
561- البيان 2: 222 والمحاسن والاضداد: 8 وابن عساكر 5: 417 وعيون الأخبار 2: 159 والمحاسن والمساوئ: 454 وربيع الأبرار: 271/ أومعجم الأدباء 4: 280 وابن خلكان 2: 536- 537 وابن عساكر 7: 109 562- بهجة المجالس 1: 339
__________
(1) ابن عساكر والعقد: سبع، القالي: ثمان.
(2) القالي: أكمل.
(3) لمثل هذا ... المسألة: سقط من م.
(4) س: ظن، م: طن.
(5) س: شف.
(6) س: منا لك، وفي المصادر روايات أخرى.
(7) بهجة المجالس: كمال الرأي.
(8) س: صاحب.(5/218)
ألف درهم، وينفق فِي نفقات السلطان ألفي ألف، ويجعل فِي بيت المال للبوائق والنوائب «1» ألفي ألف درهم، ويحمل إلى مُعَاوِيَة أربعة آلاف درهم. وكان يجبي من الكوفة أربعين ألف ألف، ويحمل إلى مُعَاوِيَة ثلثي الأربعة الآلاف ألف لأن جباية الكوفة ثلثا جباية البصرة. وحمل عبيد اللَّه بْن زياد إلى مُعَاوِيَة ستة آلاف ألف درهم فَقَالَ: اللَّهم ارض عَنِ ابن أخي.
565- حَدَّثَنَا خلف بْن سالم عَنْ وهب بْن جرير عَن مُحَمَّد بْن أَبِي عيينة عَن سبرة ابن نخف «2» قَالَ: ما بلغ الناس عاشوراء قط فِي أيام زياد إلا وطائفة يأخذون العطاء، ولا رأينا الهلال إلا مضينا إلى دار الرزق فأخذنا الأرزاق لعيالاتنا، وكان يأخذ الجزية ممن عجز عَنِ الدراهم عروضًا، فكانت خزائننا مملوءة من ذلك.
566- وحدثنا عبد اللَّه بْن صالح عَنِ الحسين الجعفي «3» عَنْ شيبان النحوي «4» عَنْ قتادة قَالَ: كان زياد إذا أهل هلال المحرم أخرج للمقاتلة أعطياتهم، وإذا رأى هلال شهر رمضان (789) أخرج للذرية أرزاقهم.
567- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ الحسن: أي سائس كان زياد لولا إسرافه على نفسه فِي العقوبات وسفك الدماء، كان إذا جاء شعبان أخرج أعطية المقاتلة فملأوا بيوتهم من كل حلو وحامض واستقبلوا رمضان بذلك، وإذا كان ذو الحجة أخرج أعطية الذرية.
568- حَدَّثَنِي بعض أصحابنا عَنْ عفان حَدَّثَنَا حماد عَنْ الحسن أن زيادًا قَالَ لمعقل بْن يسار: أبا زياد «5» ألست تعلم أن الأسواق قائمة، وأن السبل آمنة، وأن الأعطيات والأرزاق تخرج إلى شهر معلوم، ويبيع البائع إلى شهر معلوم؟ قَالَ: بلى، قَالَ: فلله الحمد لا يزال الناس بخير ما كان أمرهم هكذا.
__________
567- راجع رأي الحسن في زياد ف: 499
__________
(1) م: والنواكب.
(2) س: نخفى، وانظر الاشتقاق: 203 والطبري 2: 580، 1110
(3) هو الحسين بن علي بن الوليد الجعفي (التهذيب 2: 357) .
(4) هو شيبان بن عبد الرحمن التميمي مولاهم النحوي أبو معاوية (التهذيب 4: 373) ،
(5) أورد في التهذيب (10: 235) ثلاث كنى لمعقل ليست «أبو زياد» فيها.(5/219)
569- وقال الْمَدَائِنِيّ: كان المقاتلة بالبصرة حين قدم زياد أربعين ألفًا فبلغ بهم ثمانين ألفًا، وكانت الذرية «1» ثمانين ألفًا فبلغ بهم عشرين ومائة ألف، ويقال إن ابنه فعل ذلك.
570- قَالَ: وجعل زياد الناس بالبصرة أخماسًا، وجعل على كل خمس رجلًا، وعرف العرفاء، ونكب المناكب، وجعل خروج القبائل على الرايات، وكان أول من بنى المقصورة بالبصرة، وأول من جعل الأذانين يوم الجمعة، وأول من جلس بين يديه على الكراسي، وأول من لبس الخفاف «2» الساذجة بالبصرة، وأول من سقف حوانيت السوق، وأول من دعا النقرى وكانوا يدعون الجفلى.
571- حَدَّثَنِي عبد اللَّه بْن صالح قَالَ، قال زياد لعجلان حاجبه: كيف تدعو الناس؟ قَالَ: على الشرف ثم على الأسنان ثم أترك الذين لا يعبأ اللَّه بهم، قَالَ: ويحك ومن هم؟ قَالَ: الذين يلبسون فِي الصيف ثياب الشتاء وفي الشتاء ثياب الصيف، قَالَ:
يا ابْن اللخناء هذا هزل، ولو كنت تقدمت إليك فيه لأحسنت أدبك.
572- قالوا: وكان رجل من بني مخزوم أعمى يكنى أبا العريان، فمر به زياد فِي موكبه، فَقَالَ من هذا؟ قالوا: زياد بْن أبي سُفْيَان، قَالَ: ما ولد أَبُو سُفْيَان إلا فلانا وفلانا، فمن هذا فو الله لرب أمرٍ قد نقضه اللَّه، وبيت قد هدمه اللَّه، وعبدٍ قد رده اللَّه إلى مواليه، فبلغ مُعَاوِيَة قوله، فأرسل إلى زياد: ثكلتك أمك اقطع لسان أعمى بني مخزوم، فبعث إليه بألف دينار وقال لرسوله: أقرئه «3» السلام وقل له: يَقُول لك ابن أخيك أنفق هذه حتى يأتيك مثلها، ومر به زياد من الغد فسلم فَقَالَ قائل: من هذا؟ فقال أبو
__________
569- انظر ما يلي رقم: 603 وعن نسبة ذلك إلى ابنه رقم: 1072 570- عن بنائه المقصورة انظر الطبري 2: 90 والعقد 5: 8 وفتوح البلدان: 427 ونور القبس: 266 وانظر رقم: 573 571- انظر ما تقدم ف: 511 572- ابن عساكر 5: 411 ومحاضرات الراغب 1: 199- 200 وربيع الأبرار: 396 ب وشرح النهج 4: 70 والبصائر 2: 204
__________
(1) فتوح البلدان: عيالهم.
(2) انظر فتح المتعال: 104 (حيدر آباد: 1334) .
(3) ط م: أقره.(5/220)
العريان: هذا زياد بْن أبي سُفْيَان، وجعل يبكي ويقول: والله إنّي لأعرف منه حَزم أبي سُفْيَان ونُبْله وأشبه جِرْمه بجِرْمه، وبلغ مُعَاوِيَة خبره فكتب إليه:
ما لبثتك الدنانير التي رشيت ... أن لونتك «1» أبا العريان ألوانا
لله در زياد لو يعجلها «2» ... كانت له دون ما يخشاه قربانا
فكتب إلى مُعَاوِيَة:
أحدث «3» لنا صلة تحيا «4» النفوس بها ... قد كدت يا ابْن أبي سُفْيَان تنسانا
من يسد خيرًا يجده «5» حين يطلبه ... أو يسد شرًا يجده حيثما كانا
573- قالوا: وكان زياد أول من اتخذ الحرس واتخذ الثياب الزيادية، وأول من مشي بين يديه بالحراب والأعمدة، واتّخذ زياد رابطة «6» عدّتهم خمسمائة وولى أمرهم شيبان صاحب مقبرة شيبان من بني سعد، فكانوا لا يبرحون المسجد.
574- وحدثني محمد بْن خالد الواسطي «7» حَدَّثَنَا يزيد بْن هارون عَنْ هشام بْن حسان عَنْ الحسن أن زيادًا ولى الحكم بْن عمرو الغفاري خراسان فغزا فغنم (790) فكتب إليه زياد أن اصطف كل صفراء وبيضاء لأمير المؤمنين، ولا تقسم ذلك واقسم ما
__________
573- الطبري 2: 79 وانظر العقد 5: 8 وما تقدم ف: 445 (حيث يذكر أن معاوية كان أول من اتخذ الحرس) ، 559 (عن اتخاذ من يمشي بالحربة) وقد مرّ ذكر شيبان في رقم 462 574- البيان 2: 296- 297 والطبري 2: 110 وابن الأثير 3: 391 وابن عساكر 6: 18 والمستدرك 3: 442 والاستيعاب: 357- 358 وتاريخ الاسلام 2: 220 وانظر أيضا فتوح البلدان: 506 وابن كثير 8: 29، 47 والاصابة 2: 30
__________
(1) البصائر: غيرتك.
(2) المحاضرات: منذ قدمها.
(3) المحاضرات وشرح النهج. ابعث.
(4) ابن عساكر: تغني.
(5) ابن عساكر وشرح النهج: يصبه.
(6) الطبري: واتخذ الحرس رابطة.
(7) انظر ترجمته في التهذيب 9: 141(5/221)
سواه، فكتب الحكم إليه: إني وجدت كتاب اللَّه قبل كتابك، فلو أن السموات والأرض كانتا رتقًا على عبدٍ فاتقى اللَّه لجعل له منهما مخرجًا، والسلام، وقسم الغنائم بين الناس.
575- الْمَدَائِنِيّ عَنْ يزيد بمثله وزاد فيه: فكتب إليه زياد: واللَّه لئن بقيت لك لأقطعن منك طابقًا، فَقَالَ الحكم: اللَّهم إن كان ما عندك خيرًا لي فاقبضني إليك، فمات بعد أيام بخراسان.
576- وقال الْمَدَائِنِيّ صلى أنس بْن أبي أناس على الحكم وذلك فِي سنة خمسين، ويقال بعد ذلك، وكتب الحكم إلى زياد: إني قد استخلفت أنسا وإني أرضاه لك وللمسلمين «1» ، فَقَالَ زياد: اللَّهم إني لا أرضى أنسًا لك ولا لي ولا للمسلمين، وولى خراسان خليد بْن عبد اللَّه، فَقَالَ أنس:
ألا من مبلغ عني زيادًا ... مغلغلة يخب بها البريد
أيعزلني ويطعمها «2» خليدًا ... لقد لاقت حنيفة ما تريد
عليكم باليمامة فاحرثوها ... فأولكم وآخركم عبيد
فولى خليدًا أشهرًا ثم عزله وولى الربيع بْن زياد خراسان فغزا فغنم، وأعتق الربيع فروخًا- وكان كاتبه على مائة ألف- فَقَالَ: ما أقبح أن آخذ لك ثمنًا يا فروخ، وما أقبح أن تكون «3» مكاتبًا، أنت حر ومالك لك.
577- وحمل الربيع مرزبان مرو إلى زياد، فأمر الناس فصفّوا من المربد إلى دار
__________
576- في استخلاف الحكم لأنس: انظر الطبري 2: 81 وابن الأثير 3: 377، وفي تولية خليد: الطبري 2: 155 (وفيه الأبيات) وأسد الغابة 5: 141 والبيان 1- 2 في أنساب الأشراف، الورقة 953 (من النسخة س) وأسد الغابة والاستيعاب: 1605 والأول فيما يلي رقم: 593 من قصيدة للفرزدق.
__________
(1) الطبري: إني قد رضيته لله وللمسلمين.
(2) في المصادر: أتعزلني وتطعمها.
(3) س: يكون.(5/222)
الإمارة وعليهم السلاح، فَقَالَ: كيف رأيت عدتنا مع قرب عهدنا بالسلطان؟ فَقَالَ: ما أحسن ما رأيت، قد ملك السلاح قبلكم أقوام فلم أره أغنى عنهم شيئًا حين انقطعت آثارهم وانقضت مدتهم.
578- قَالَ الْهَيْثَم: كان لزياد صديق من بني شيبان يقال له عمير، فَقَالَ له زياد يومًا: كيف ترى عملي «1» ؟ قَالَ: أراك أصلحت الناس بفساد نفسك، فَقَالَ له زياد: ما فسد من صلحت عليه العامة.
579- قالوا «2» : وأقبل رجل ومعه سكين، فظن صاحب شرط زياد أنه يريده، فطعنه فقتله، فقيل له: إن قومًا نحروا جزورًا، فعبث «3» بعضهم بهذا الرجل فهرب من بين يديه، فوداه زياد.
580- وكان زياد يمنع الحمامات إلا فِي المواضع التي لا تضر بأحد.
581- وتعرض رجل من أصحابه لرجل فِي سفينة فأخذ منه درهما وقال: أمرت أن أجبي من كل سفينة درهمًا، فأخذ الرجل فقطع يده.
582- وجبى عامل له خراج السنة فِي ثلث السنة فَقَالَ له زياد: لو أردنا هذا لقدرنا عليه، فاردد عليهم ثلثي «4» ما جبيت.
583- وكان يَقُول: أحسنوا إلى الدهاقين فإنكم لن تزالوا سمانا ما سمنوا.
584- حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النبيل قَالَ: كان زياد يبعث إلى سكة المربد فيمسحها، فإن زيد فيها بناء أمر به فهدم.
__________
583- عيون الأخبار 1: 10 ومحاضرات الراغب 1: 81 وشرح النهج 4: 74 وروض الاخيار: 111 وسراج الملوك: 228
__________
(1) س: علي.
(2) سقطت هذه الفقرة من م.
(3) س: فبعث.
(4) س: ثلث.(5/223)
585- قالوا: وكتب مُعَاوِيَة إلى زياد أن أوفد إلي بنيك من معاذة العقيلية، وهم عبد الرحمن ومغيرة ومحمد، وكن معهم ففعل، فزوج عبد الرحمن فاختة بنت عتبة بْن أبي سُفْيَان، وزوج المغيرة ابنة المهاجر بْن طليق بْن سُفْيَان بْن أُمَيَّة، وزوج محمدًا ابنته صفية بنت مُعَاوِيَة، وقال: أما إنها أحسن بناتي، فَقَالَ زياد: وهو أحسن بني.
586- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: كان مع زياد رجل من عبد القيس فاستأذن زيادًا فِي إتيان عبد اللَّه بْن عامر بْن كريز وقال: إن له عندي أيادي، فأتاه فَقَالَ: هيه «1» وابن سمية يقبح آثاري (791) ويعرض بعمالي؟ لقد هممت «2» أن آتي بقسامة من قريش يحلفون أن أبا سُفْيَان لَمْ ير سمية قط، فَقَالَ زياد للرجل: ما قَالَ لك؟ فأبى أن يخبره، فأحلفه فأخبره، فشكا ذلك زياد إلى مُعَاوِيَة، فأمر حاجبه بضرب وجه دابة ابن عامر إذا حضر بابه، ففعل، فَقَالَ ابن عامر: ليس الرأي إلا إتيان يزيد، فأتاه فشكا ما فعل به، فَقَالَ يزيد: لعلك ذكرت زيادًا، فَقَالَ: نعم، فركب معه يزيد حتى أدخله على مُعَاوِيَة، فلما رآه مُعَاوِيَة قام فدخل، فانتظراه فأبطأ ثم خرج وفي يده قضيب يضرب به الأبواب ويتمثل «3» :
لنا سياق ولكم سياق ... قد علمت ذلكم الرفاق
ثم قعد فَقَالَ لابن عامر: أنت القائل فِي زياد ما قلت؟ واللَّه لقد علمت العرب أني كنت من أعزها فِي الجاهلية، وما زادني الإسلام إلا عزًا، وأني لم أتكثر بزياد من قلة، ولم أتعزز به من ذلة، ولكني عرفت حقًا فوضعته موضعه، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين نرجع إلى ما يحبه زياد، فَقَالَ: إذن نرجع لك إلى ما تحبه، فخرج ابن عامر إلى زياد فترضاه.
587- حَدَّثَنِي بَسَّامٌ الْحَمَّالُ «4» حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زيد «5» عن عبد
__________
586- الطبري 2: 69 وابن الأثير 3: 369 وانظر العقد 5: 9 587- مسند أحمد 5: 50 وجامع بيان العلم 2: 186
__________
(1) هيه: مكررة في الطبري وابن الأثير، س: هي.
(2) س: وهممت.
(3) انظر الرجز ف: 269 برواية أخرى.
(4) بسام بن يزيد النقال في ميزان الاعتدال 1: 308 (رقم: 116) .
(5) م: يزيد.(5/224)
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: وَفَدَ أَبُو بَكْرَةَ مَعَ زِيَادٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرَةَ، حَدَّثَنِي بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَتِ الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ تُعْجِبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: أَيُّكُمْ رَأَى رُؤْيَا؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا رَأَيْتُ كَأَنَّ مِيزَانًا دُلِّيَ مِنَ السَّمَاءِ فَوُزِنْتَ فِيهِ وَأَبُو بَكْرٍ فَرَجَحْتَ بِأَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ وُزِنَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَرَجَحَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ وُزِنَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَحَ عُمَرُ بِعُثْمَانَ، ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ، [فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَكُونُ خِلافَةَ نُبُوَّةٍ ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ،] فَقَالَ: فَأَمَرَ فَزُخَّ «1» فِي أَقْفِيَتِنَا فَأَخْرَجَنَا، فَقَالَ زِيَادٌ: لا أَبَا لَكَ أَمَا وَجَدْتَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ؟! ثُمَّ دَعَا مُعَاوِيَةُ بِأَبِي بَكْرَةَ فَسَأَلَهُ عَنِ الْحَدِيثِ فَحَدَّثَهُ بِهِ، فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ وَقَالَ: أَتَقُولُ الْمُلْكَ، قَدْ رَضِينَا بِالْمُلْكِ.
588- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: ضبط زياد العراق بالسيف، وضبطت العراق والشام والحجاز واليمن بالحلم.
589- وجمع مُعَاوِيَة لزياد البصرة والكوفة فِي سنة خمسين حين مات المغيرة بْن شعبة.
590- الْمَدَائِنِيّ: إن زيادًا أمر أن لا يباع القت إلا وزنًا، فسأل غلامًا له عَنْ قت اشتراه فَقَالَ: أخذته كذا وكذا حبلًا بدرهم، فتنكر وركب إلى أصحاب القت فَقَالَ لرجل منهم: كيف تبيع القت؟ قَالَ: كذا وكذا حبلًا بدرهم، قال: أو لم يأمر الأمير ببيع القتّ وزنا؟ فقال: أو كلّ ما يأمر الأمير به أطعناه «2» فيه؟! فقطع يده «3» ، فلم يبع الّا وزنا «4» .
__________
589- انظر ما يلي رقم: 649
__________
(1) م: فزج، وزخّ بمعنى دحّ ودعّ.
(2) س: قطعناه.
(3) يده: سقطت من م.
(4) بعد هذا يرد بهامش ط س عنوان «الفرزدق» .(5/225)
591- الْمَدَائِنِيّ، قَالَ: بعث غالب أَبُو الفرزدق معه بحلوبة من البادية فباعها وأقبل يصر ثمنها، فَقَالَ له رجل: لو كان مكانك رجل أعرفه ما صر الدراهم كما تصر، قَالَ:
ومن هو؟ قَالَ: غالب بْن صعصعة، فنثرها الفرزدق فانتهبها الناس، وصاح به صائح:
ألق رداءك يا ابْن غالب فألقاه وصاح صائح آخر: ألق قميصك فألقاه، وبلغ ذلك زيادًا فَقَالَ: هذا أحمق يضري «1» الناس بالنهب، فطلبه فلم يوجد، فلما قَالَ الشعر فِي مُعَاوِيَة بسبب ميراث الحتات المجاشعي بلغ زيادًا فغضب وازداد عليه حنقًا، فطلبه فلم يقدر عليه، ثم استعدت نهشل وبنو فقيم عليه زيادًا حين هجا بني نهشل وبني فقيم، فلم يعرفه (792) زياد، فقيل هذا الذي نثر الدراهم وقال الشعر، فطلبه فهرب الى عيسى ابن نضلة السلمي «2» فحمله على ناقة وخرج فِي الليل يريد الشام وقال:
حباني «3» بها البهزي حملان ناصرٍ «4» ... من الناس والجاني تخاف جرائمه
إذا أنت جاوزت الغريين فاسلمي ... وأعرض من فلج ورائي مخارمة
وبلغ زيادًا خروجه، فوجه فِي طلبه فلم يقدر عليه، وجعل زياد إذا نزل البصرة نزل الفرزدق الكوفة، وإذا نزل الكوفة أتى البصرة، فكتب زياد إلى عامله على الكوفة فِي طلبه.
592- وكان الفرزدق يَقُول: طلبت حتى تفطن الناس بمذاهبي. فأتيت أخوالي
__________
591- قارن بما تقدم: 297 والطبري 2: 94، 99 والنقائض: 607، 609- 610 والأغاني 21: 373، والشعر في ديوان الفرزدق 763- 764 (ط. الصاوي) والطبري والنقائض وفي طلب زياد له قارن بالطبري 2: 100 والنقائض: 616 (وفيه الشعر الذي يرد في ف 592) .
592- الأبيات الرائية المجرورة أيضا في ديوان الفرزدق: 221 (الصاوي) (هل رقم 306) والثالث والرابع في حماسة البختري: 10 (رقم: 12) ، والرائية المنصوبة في الديوان: 221 (الصاوي) ، 81 (الفحام) والبيتان 1، 2 في جمهرة العسكري 1: 209، 1- 5 في الأغاني 21: 375، ومنها أبيات في الشعر والشعراء: 388، وفي العقد 5: 320 ومعاهد التنصيص 1: 49.
__________
(1) س: الأحمق يغري.
(2) النقائض والطبري والأغاني: عيسى بن خصيلة البهزي.
(3) النقائض والأغاني: كفاني.
(4) المصادر: حملان من أبى(5/226)
من بني ضبة فحملوني ووجهوا معي رجلًا من بني تيم اللات بْن ثعلبة ليدلني على الطريق، فعرض لنا الأسد على متن طريقنا فلم نهجه حتى أصبحنا، فقلت:
ما كنت أحسبني جبانا بعد ما ... لاقيت ليلة جانب الأنهار
ليثًا كأن على يديه رحالة ... شئن البراثن مؤجد «1» الأظفار
لما سمعت له زماجر «2» أجهشت ... نفسي إلي وقلت أين فراري
فربطت «3» جروتها وقلت لها اصبري ... وشددت فِي ضيق المقام إزاري
فلأنت ألين من زيادٍ جانبًا ... فاذهب إليك مخرّم «4» السفّار
فأنشد شبث بْن ربعي زيادًا شعره فرق له فَقَالَ: لو جاءني لآمنته ووصلته، فبلغ الفرزدق قوله فَقَالَ:
دعاني زياد للعطاء ولم أكن ... لآتيه ما نال «5» ذو حسبٍ وفرا
وعند زياد لو يريد «6» عطاءهم ... رجال كثير قد أماتهم «7» فقرا
قعود لدى الأبواب طلاب «8» حاجةٍ ... عوان من الحاجات أو حاجة بَكْرا
فلما خشيت أن يكون عطاؤه «9» ... أداهم سودًا أو مدحرجة «10» سمرا
نميت إلى حرفٍ أضر بنيها ... سرى الليل واستعراضها البلد القفرا
يؤم بها الموماة «11» من لا يرى له ... إلى ابن أبي سفيان جاها ولا عذرا
__________
(1) ط م س: موحد.
(2) الطبري والديوان: زمازم، البحتري: هماهم.
(3) الديوان: فضربت.
(4) ط م س: محرم.
(5) المصادر: ساق.
(6) الأغاني: أراد.
(7) المصادر: قد يرى بهم.
(8) ط م س: طالب.
(9) س والنقائض: عطاؤهم.
(10) هامش س ط والمصادر: محدرجة.
(11) ط م س: المومات.(5/227)
593- وقدم الفرزدق المدينة هاربًا من زياد، فمدح سَعِيد بْن العاص وهو على المدينة بقصيدة يَقُول فيها:
عليك بني أُمَيَّة فاستجرهم ... وخذ منهم لما يخشى «1» حبالا
إليك فررت منك ومن زياد ... ولم أحسب دمي لكما حلالا
فإن يك فِي الهجاء يراد قتلي ... فلم أترك لمنتصرٍ مقالا «2»
فلم يزل بمكة والمدينة، وقال:
ألا من مبلغ عني زيادًا ... مغلغلة يخب بها البريد
بأني قد هربت إلى سَعِيدٍ ... ولا يسطاع ما يحوي «3» سَعِيد
فررت إليه من ليث هزبرٍ ... تفادى منه فِي الغيل «4» الأسود
فإن شئت انتسبت إلى النصارى ... وإن شئت انتسبت إلى اليهود
وإن شئت انتسبت إلى فقيمٍ ... وما نسبي وما نسب القرود «5»
594- وقال أيضًا فِي قصيدة:
وعيد أتاني «6» من زياد فلم أنم ... وإن كنت عند الهضب هضب التهائم «7»
فبت كأني مشعر خيبرية ... سرت في عظامي أو سمام «8» الأراقم
__________
593- لاميته في مدح سعيد في الديوان: 617 (صاوي) ، 148 (الفحام) والثاني سيرد في ف: 1126 والأول في الديوان: 607، والبيتان 2، 3 في جمهرة العسكري 1: 209، أما الأبيات الدالية فهي في الطبري 2: 107 والنقائض: 619 والأغاني 21: 375 والأبيات 1، 4، 5 في الديوان رقم: 399 (هل) والأول قد مرّ في ف:
576 والبيتان 1، 2 في جمهرة العسكري 1: 210 والبيتان 4، 5 من قصيدة أخرى في الجمهرة أيضا.
594- الديوان رقم: 96 (بوشيه) وما عدا الثالث في الديوان: 818 (الصاوي) ، والأبيات 1- 3 في الطبري 2: 108 والنقائض: 620 والبيتان 1، 2 في الديوان رقم 333 (هل) .
__________
(1) م: تخشى (والتاء غير معجمة في ط) .
(2) خ بهامش ط س: فقد قلنا لشاعرهم وقالا.
(3) المصادر: يحمي.
(4) الطبري والنقائض والأغاني: من فريسته.
(5) المصادر الثلاثة: وناسبني وناسبت القرود، الديوان: وان شئت انتسبت إلى القرود.
(6) المصادر: أتاني وعيد، وفي الديوان كما هو هنا.
(7) المصادر: وسيل اللوى دوني وهضب التهائم.
(8) الديوان: لعاب.(5/228)
زياد بْن صخر «1» لا أظنك تاركي ... وبالظن ما جشّمتني غير «2» ظالم
(793) فإنّك «3» من تغضب عليه من امرئ ... وإن كان ذا رهط يبت غير نائم
نمتك العرانين الطوال ولا أرى ... لسعيك «4» إلا حامدًا غير لائم
595- وكان فتيان المدينة يدعونه، فدعي إلى قينة فَقَالَ:
إذا شئت غنتني من البيض «5» قينة ... لها معصم ريان «6» لم يتخدد
لحسناء «7» من أهل المدينة لم تعش ... ببؤس ولم تتبع حمولة مجحد
وقامت تخشيني زيادًا وأجفلت ... حوالي فِي بردٍ يمانٍ «8» ومجسد
فقلت دعيني «9» من زياد فإنني ... أرى الموت وقافًا على كل مرصد
596- ولم يزل الفرزدق هاربًا من زياد حتى مات زياد، ثم كان يضرب به المثل بعد موته فِي كل ما خافه فَقَالَ «10» :
إذا ذكرت نفسي زيادًا تكمشت ... من الخوف أحشائي وشابت مفارقي
وقال «11» :
هم منعوني من زياد وقد رأى ... زياد مكاني وهو للناس قاهر
__________
595- الديوان رقم: 49 (بوشيه) ، 180 (الصاوي) ، رقم 649 (هل) والأغاني 21: 376، والبيتان 1، 2 في اللسان 4: 67 وتهذيب الألفاظ 1: 74
__________
(1) المصادر: حرب.
(2) ط س: عين.
(3) المصادر: رأيتك.
(4) م: لشيعتك.
(5) المصادر: من العاج.
(6) المصادر: قاصف على معصم ريان.
(7) المصادر: لبيضاء، م: كحسناء.
(8) المصادر: (ما عدا الأغاني) : رقيق.
(9) المصادر: ذريني.
(10) البيت في الديوان رقم: 244 (بوشيه) و 579 (الصاوي) .
(11) سيرد في رقم: 1195(5/229)
وقال الفرزدق لما حبسه مالك بْن المنذر «1» :
ولو كنت أخشى مالكًا «2» أن يروعني ... لطرتُ بوافٍ ريشه غير جاذف «3»
كما طرت عَنْ مصري زيادٍ وإنه ... لتصرف لي أنيابه بالمتالف
وقال للقباع المخزومي حين طلبه «4» :
وقبلك ما أعييت كاسر عينه ... زيادًا فلم تقدر علي حبائله
قالوا: وكان كسر عين زياد خلقة.
597- الْمَدَائِنِيّ، قَالَ: تواقف حيي بْن هزال التميمي ثم السعدي وزينب بنت أوس بْن مغراء القريعي فِي المربد، فترافثا فَقَالَ حيي:
زينب ذات العنبل النواس ... هل تذكرين ليلة الأواسي
وليلة الأزدي ذي الأفراس ... إذ تركبين طرف المنحاس
فقالت زينب «5» :
ناك حيي أمه نيك «6» الفرس ... أربعة وخمسة «7» ثم جلس
منتزع الشهوة محفوز النفس
فجاء قوم إلى زياد فسألوه أن يكفهما، فأرسل فِي طلب حيي فهرب إلى مُعَاوِيَة، فأخاف زياد أهله وأخذ ولده، فكتب مُعَاوِيَة إلى زياد فِي الكف عنه، فقدم البصرة وزياد يخطب، فَقَالَ: أردت أن أشهر مقدمي وأماني لئلا يقدم علي زياد، وقال:
__________
(1) الديوان رقم 468 (هل) 537 (الصاوي) واللسان 10: 366
(2) الديوان واللسان: خالدا.
(3) الديوان واللسان: جادف (بالدال المهملة) .
(4) انظر ما تقدم ف: 517.
(5) الشطران الأولان في اللسان 8: 246
(6) اللسان: باك ... بوك.
(7) اللسان: نشنشها أربعة.(5/230)
أتيت بقرطاس يلوح كتابه ... كنار اليفاع شبها الركب للقفل
كتاب أمير المؤمنين وإذنه ... فمن شاء فيه الآن أكثر أو أقل
ولج الأمير قبل عير وما جرى «1» ... بإخراجنا فاغفر له رب ما فعل
لو ان زيادًا قبل ما قادنا له ... دعانا عليما بالبراءة أو سأل
لجئنا ببرهان من الحق واضح ... وما شك فِي أنا ظلمنا وما عدل
فلا تعجلوا باللوم حتى تبينوا ... ويحصل من هرج الأحاديث ما حصل
فلا كوفةٌ أمي ولا بصرةٌ أَبِي ... ولا أنا يثنيني عَنِ الرحلة الكسل
وفي العيش لذّات وفي الموت راحة ... وفي الأرض منأى عَنْ زياد ومحتمل «2»
وفي الكرة خير للصبور وفي الهوى ... إذا ما الفتى لم يوق سيئة خبل
598- الْمَدَائِنِيّ قال: كان أبو الأسود الدؤلي يسأل زيادًا الحوائج فربما قضى له الحاجة (794) وربما رده، فَقَالَ:
رأيت زيادًا صد عني وردني ... ولم يك محرومًا من القوم سائله
ينفذ حاجات الرجال وحاجتي ... مؤخرة عَنْ إحنةٍ ما تزايله
599- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: خطب زياد فَقَالَ: إنه حضرتني ثلاثة أشياء وجدت صلاحكم فيها فمنعتني من غمضي، فاسمعوها، واللَّه لا أجد ساقطًا رد على شريف قوله ليهجنه إلا أوجعت بطنه وظهره وأطلت حبسه، ولا أوتى بحدث رد على ذي شيبة رأيه إلا فعلت ذلك به، ولا أجد جاهلًا رد على ذي علم رأيه تهجينًا له «3» إلا فعلت ذلك به، ثم نزل.
__________
598- انظر ديوان أبي الأسود: 47 والأغاني 12: 317 599- قارن بالمصون: 146 والبيان 2: 145 وفاضل الوشاء: 50- 51 والموفقيات: 311 وجامع بيان العلم 1: 53 ومحاضرات الراغب 1: 152
__________
(1) قبل عير وما جرى: انظر هذا المثل في فصل المقال: 300 وجمهرة العسكري 2: 120 والميداني 2: 28 والمستقصى: 252 واللسان (عير) .
(2) خ بهامش ط س: ومعتزل.
(3) م: به.(5/231)
600- قالوا: وبنى زياد مساجد لشيعة بني أُمَيَّة ومن يبغض عليًا، فمنها مسجد بني عدي، ومسجد بني مجاشع، ومسجد الأساورة، ومسجد الحدان، وكان لا يدع أحدًا يبني بقرب مسجد الجماعة مسجدًا، فكان مسجد بني عدي أقربها منه.
601- قالوا: وكان زياد عاتبًا على المهلب، فشخص زياد من البصرة يريد الكوفة، فشيعة المهلب مع من شيعه، وزياد على بغلةٍ ورد عليها رحالة وتحته قطيفة حمراء، وعليه قباء، فسار والناس «1» معه، فدنا المهلب منه فاعتذر إليه، فقبل عذره وقال: إذا عدت وليتك خراسان، فمات فِي وجهه ذلك.
602- قَالَ «2» الْمَدَائِنِيّ قَالَ مسلمة بْن محارب: كانت لزياد بغلة دهماء تدعى أطلال فَقَالَ يومًا:
كأنما أطلال تحتي حممه ... نعامة في رعلة «3» ململمه
تحمل وضاحًا رفيع الحكمه
603- قَالَ مسلمة: ونظرت ابنة لزياد إلى المقاتلة، وهم يومئذ ثمانون ألفًا، يعرضون فبكت، فَقَالَ لها أبوها: ما يبكيك؟ قالت: أبكي لزوال هذا، قَالَ: لا تبكي من ذلك، ولكن ابكي من دوامة، فلولا زواله عمن كان قبلنا لم يصل إلينا.
604- قَالَ الحرمازي: أتي زياد بفتيةٍ من بني قيس بْن ثعلبة قد شربوا خمرًا، وعنده عمرو بْن معتق اليشكري، فأمر بضربهم فَقَالَ عمرو: أروني هذا الشراب، فإني قد شربت الخمر فِي الجاهلية والطلا فِي الإسلام، فشرب جرعة منه وقال: طلا جيد،
__________
600- قارن بابن الفقيه: 191 603- في عدد المقاتلة انظر ما تقدم ف: 569 604- قارن بعيون الاخبار 1: 333 (عن معديكرب بن أبرهة وعبد العزيز بن مروان) وكذلك قطب السرور:
92
__________
(1) س: الناس.
(2) قال: سقطت من م.
(3) ط م: زعلة.(5/232)
فخلى عنهم زياد، فقيل لعمرو: شربت الخمر «1» ، فَقَالَ: أولا أدرأ الحد عَنْ فتيةٍ من بني بَكْر بْن وائل بجرعة أجرعها.
605- حَدَّثَنِي العمري عَن الهيثم بْن عدي عَنِ ابن عياش عَنِ الشعبي قَالَ: أتى عامر بْن مسعود زيادًا بأبي علاقة «2» التميمي فَقَالَ: أصلح اللَّه الأمير: إنه هجاني فَقَالَ:
وكيف أرجي بعد يومي نماءها ... وقد سار فيها خصية الكلب عامر
فَقَالَ أَبُو علاقة: لم أقل هكذا، ولكني قلت:
وإني لأرجو بعد يومي نماءها «3» ... وقد سار فيها يأخذ الحق «4» عامر
فَقَالَ زياد: قاتل اللَّه الشعراء يقلبون ألسنتهم كما يريدون، واللَّه لولا أن تكون «5» سنة يقتدى بها لقطعت لسانه، فقام قيس بْن قهد الأنصاري فَقَالَ: أصلح اللَّه الأمير، أحدثك بما سمعت من عُمَر بْن الخطاب، شهدته وأتاه الزبرقان بْن بدر بالحطيئة العبسي فَقَالَ له «6» : هجاني، فَقَالَ: وما قَالَ لك؟ قَالَ:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
فَقَالَ عُمَر: ما أسمع هجاء ولكنها معاتبة جميلة، فَقَالَ الزبرقان: أو ما تبلغ مروءتي إلا أن آكل وألبس؟! فَقَالَ عُمَر: علي بحسان بْن ثابت، فجيء به فسأله عُمَر عَنِ البيت فَقَالَ: (795) لم يهجه ولكنه خرئ عليه، فأمر به عُمَر فحبس ببئر وألقيت عليه خصفة، فَقَالَ الحطيئة «7» :
__________
605- الأغاني 2: 155
__________
(1) شربت الخمر: سقطت من م.
(2) الأغاني: علاثة.
(3) الأغاني: ثروها ونماءها.
(4) الأغاني: ناجذ الحق.
(5) م س: يكون (والياء غير معجمة في ط) .
(6) في قصة الزبرقان والحطيئة انظر ديوانه 206، 283 وأسد الغابة 2: 194 وطبقات الجمحي: 114 وابن كثير 8: 97 والأغاني 2: 150
(7) الديوان: 208(5/233)
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخٍ ... حمر الحواصل لا ماءٌ ولا شجر
ألقيتَ كاسبهم فِي قعر مُظلمة ... فاغفر عليك سلام اللَّه يا عُمَر
فأخرجه عُمَر وقال: إياك وهجاء الناس، قَالَ: إذًا يموت عيالي جوعًا، هذا كسبي ومعاشي، قَالَ: فإياك والقذع وأن تقول فِي شعرك فلان خير من فلان وفلان أكرم من فلان، فَقَالَ الحطيئة: أنت واللَّه أهجى مني، فَقَالَ عُمَر: واللَّه لولا أن تكون سنة لقطعت لسانك، ولكن خذه إليك يا ربرقان، فألقى الزبرقان فِي عنقه عمامته وجعل يقوده، وعارضته غطفان فقالت: يا أبا شذرة نحن إخوتك وبنو عمك فهبه لنا فوهبه لهم.
فأمر زياد عامر بْن مسعود أن يفعل بأبي علاقة مثل ذلك، فألقى فِي عنقه نسعة واجتره بها، فعارضته بَكْر بْن وائل فقالوا: جيرانك وإخوانك، هبه لنا، فوهبه لهم، وقوم يقولون إن عامرًا الشعبي المهجو، وهذا باطل «1» .
606- حَدَّثَنِي سُرَيْجُ «2» بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: عِزُّ الإِسْلامِ يَنْفَعُنِي أَوْ يَضُرُّنِي؟ قَالَ: بَلْ يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ، فَقَالَ: إِنَّ أَبِي كَانَ نَصْرَانِيًّا وَلَهُ وَلَدٌ نَصْرَانِيٌّ، وَإِنِّي أَسْلَمْتُ، وَمَاتَ أَبِي وَتَرَكَ مَالا كَثِيرًا، فَذَكَرَ إِخْوَتِي أَنَّ الْمَالَ لَهُمْ دُونِي، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَنْتَ وَهُمْ فِيهِ شَرْعٌ سواء، وكتب إلى زياد: ورّث المسلم مِنَ الْكَافِرِ وَلا تُوَرِّثِ الْكَافِرَ مِنَ الْمُسْلِمِ، فَأَرْسَلَ زِيَادٌ إِلَى شُرَيْحٍ يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ، وَكَانَ شُرَيْحٌ لا يَفْعَلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلا يَرَى أَنْ يَتَوَارَثَ مِلَّتَانِ، فَكَانَ إِذَا قَضَى بِهِ قَالَ: هَذَا رَأْيُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ.
607- قَالَ هشيم أخبرنا إِسْمَاعِيل عَنِ الشعبي بمثله وقال: لما قضى مُعَاوِيَة بذلك قَالَ عبد اللَّه بْن معقل: ما حدث فِي الإسلام حدث «3» بعد قضاء أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أعجب إليّ منه.
__________
606- ابن كثير 8: 139
__________
(1) إزاء هذا عنوان «القاضي شريح» بهامش ط س.
(2) م: شريح.
(3) س: ما حدثت ... بحدث.(5/234)
608- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: أمر زياد شريحًا بأن يورث المسلم من الكافر فقضى بذلك وقال: هذا رأي زياد، فَقَالَ قوم من الفقهاء: لقد أحسن، فَقَالَ شريح: سنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن «1» .
609- وحدثت عَنْ شعبة عَنْ حصين عَنْ إبراهيم قَالَ: أول من لم يتم التكبير زياد، واستخلف شريحًا فكان لا يتم التكبير، فمشى إليه علقمة وأصحاب عبد اللَّه بْن مسعود فقالوا: ما هذا؟ فَقَالَ: استخلفني رجل كرهت مخالفته.
610- الْمَدَائِنِيّ عَنِ القافلاني «2» عَنْ محمد بْن سيرين قَالَ: قدم شريح مع زياد الكوفة «3» فقضى بالبصرة، فكان زياد يجلسه إلى جنبه، وقال: إن حكمت بشيء ترى غيره أقرب إلى الحق فأعلمني، فكان زياد يحكم فلا يرد عليه شريح شيئًا.
611- حدثنا محمد بن الصباح البزاز «4» حدثنا هشيم أنبأنا «5» مجالد عَنْ الشعبي قَالَ:
أثنى شريح بْن الحارث على زياد، فَقَالَ له شريح بْن هانئ الحارثي: أمثلك يثني على زياد؟ فَقَالَ: إنه لو ولاك ما ولاني لأثنيت عليه.
612- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ زياد لشريح: إني أريد أن أزيدك فِي رزقك، فَقَالَ: لا حاجة لي فِي أكثر مما فرض لي عمر، قال: فإني أوليك عملًا أجري عليك رزقه، قَالَ: أنت وذاك، قَالَ: أوليك الصلاة قَالَ: إني لا آخذ على الصلاة رزقًا، فولاه بيت المال وأجرى عليه ألفًا فكان يأخذها.
613- حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنِ (796) عَبْدِ الْمُؤْمِنِ حَدَّثَنَا أَبُو عوانة عَنْ مغيرة عَنْ إبراهيم قَالَ: كان زياد بْن سمية أول من جعل الورق فِي الدية، وكان الورق بالبصرة وزن سبعة
__________
609- انظر ما يلي رقم: 624 610- العقد 5: 10 وانظر طبقات ابن سعد 6: 95 وابن عساكر 6: 308 وما يلي رقم: 737
__________
(1) أحسن: زيادة من ط م.
(2) ط م: القافلاءي، وانظر اللباب.
(3) العقد: من الكوفة.
(4) س: البزار (انظر التهذيب 10: 229) .
(5) م: أخبرنا.(5/235)
فجعلها عشرة آلاف درهم، وكان الورق بالكوفة وزن ستة «1» فجعلها اثني عشر ألفًا، قوم الجذعة وابنة مخاض وما بينهما عشرين ومائة وزن ستة.
614- حَدَّثَنِي بَكْر بْن الْهَيْثَم أنبأنا «2» أَبُو نعيم حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن مغيرة عَنْ إبراهيم قَالَ: إنما كان يقضي فِي الدية بالإبل حتى قومها زياد اثني عشر ألفًا، البعير عشرين ومائة.
615- حَدَّثَنَا خلف بن هشام حدثنا هشيم أنبأنا إِسْمَاعِيل بْن أبي خالد ومجالد بْن سعيد عن الشعبي قال: ابتاع رجل دارًا فوجد فيها كنزًا، فَقَالَ البيع: ما دفنت فيها شيئًا، وقال المشتري: ما الكنز لي، فأتيا شريحًا فقصا عليه قصتهما، فَقَالَ: ما أدري أجادان أنتما أم لاعبان، ودخل على زياد فأخبره خبرهما فَقَالَ: اعرض عليهما المال فأيهما قبله فهو له، وأن أبيا قبوله فانطلق به إلى بيت المال، فلم يقبلاه، فحمله إلى بيت المال، وكان أربعة آلاف واف.
616- حَدَّثَنِي عُمَر بْن شبة حَدَّثَنَا عمرو بْن عاصم عَنْ حماد بْن سلمة عَنْ الحجاج عَنْ الحكم بْن عتيبة أن زيادًا قطع تميم بْن مصاد فِي سرقٍ «3» ثم تاب وأصلح فأجاز شريح «4» شهادته.
617- حَدَّثَنِي عُمَر بْن شبة عَنْ يزيد بْن هشام عن محمّد بن سيرين أنّ ابن أخ لزياد خرج إلى السواد فقتل دهقانًا، فدفعه زياد إلى ولي الدهقان فعفا عنه.
618- حَدَّثَنِي عُمَر عَنْ «5» عفان عَنْ عبد الواحد بْن زياد عَنْ مجالد عَنْ الشعبي قَالَ:
__________
616- قارن بوكيع 2: 288، 395 618- قارن بما سبق: 486 وقوله ومن نبش قبرا دفنته فيه حيا في خطبته رقم: 524
__________
(1) يعني ان الدرهم في البصرة كان يزن سبعة قراريط وفي الكوفة ستة.
(2) م: أخبرنا.
(3) م: سرقة.
(4) م: فكان شريح يجيز.
(5) م: عمرو بن.(5/236)
أتى زياد بنباش أسود فقطع يده ورجله وقال: هذا ممن حارب اللَّه ورسوله وسعى فِي الأرض فسادًا.
619- حَدَّثَنِي خلف بْن هشام البزار حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن عياش أخبرني من صلى مع زياد فقرأ بالمعوذتين، قَالَ: وما قرأهما أحد من أمراء الكوفة قبله.
620- حَدَّثَنَا عُمَر بْن شبة حَدَّثَنَا أَبُو خيثمة بْن جرير الضبي عَنْ ابن شبرمة قَالَ، قَالَ ابن سمية: من عرض عرضنا له السوط، ومن صرح صرحنا له بالحد، يعني التعريض بالشتيمة.
621- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: كان زياد يأخذ صاحب كل دار بعد المطر إذا أصحت برفع ما بين يدي فنائه من الطين، فمن لم يفعل أمر بذلك الطين فألقي فِي حجلته «1» ، ويأخذ الناس بتنظيف طرقهم من القذر «2» والكناسات ثم انه اشترى عبيدًا ووكلهم به فكانوا ينحونه.
622- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: غلا الطعام على عهد زياد فدفع إلى التجار مالًا فابتاعوا به طعامًا، وقال: زيدوا ربعًا ربعًا، فلما رخص الطعام وشغر برجله ارتجع ماله.
623- حَدَّثَنَا الْعَمْرِيّ عَنِ الْهَيْثَم عَنِ ابن عياش عَنِ الشعبي قَالَ: كانت حطمة زياد، فَقَالَ للعرب: إن عشائركم قد وردت علينا، فاختاروا أن نأخذ «3» نصف أعطياتكم وأرزاقكم فنقوتهم بها مع ما لهم عندنا، أو تكفينا كل عشيرة من فيها، فمنهم من ضم عشيرته، ومنهم من طابت نفسه بنصف عطائه ورزقه وأرزاق عياله، وكان لكل عيل جريبان ومائة درهم، ومعونة الفطر خمسين «4» ، ومعونة الأضحى خمسين «5» ، وكان يعهدهم كل يوم ويقول: لتحسن رعيتكم «6» ، فإنّ العرب إذا سغبت «7» اقتتلت.
__________
619- انظر ما يلي رقم: 633
__________
(1) كذا في ط م س، والمعروف ان الججلة للنساء، فلعلّ الصواب: محلته.
(2) س: العذر.
(3) س: يأخذ.
(4) م: خمسون.
(5) م: خمسون.
(6) ط: رعتكم، م: روعتكم، س: زعيتكم.
(7) ط م س: شبعت.(5/237)
624- حدثنا خلف بن هشام حدثنا هشيم عن داود بْن أَبِي هِنْد عَنْ الشعبي أن زيادًا أرسل إلى مسروق: أنه شغلتنا أمور وأشغال فكيف التكبير فِي العيدين؟ قَالَ:
تسع، خمس فِي الأولى، وأربع فِي الآخرة، ووال بين القراءتين.
625- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ زياد: احفظوا عني (797) اثنتين: لا يستحيين من لا يعلم من أن يتعلم، ولا يستحيين من يعلم إذا سئل عما لا يعلم أن يَقُول اللَّه اعلم.
626- حَدَّثَنِي إبراهيم بْن الحسن العلاف حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: أول من جلس يوم الجمعة وأذن له فِي الجبانة زياد بْن سمية.
627- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: رأى زياد وهو على المنبر امرأة على سرج فَقَالَ: أفعلتموها؟ وكتب إلى عماله على الأمصار فِي منع النساء من السروج، وأن لا توجد امرأة على سرج إلا اشتد عليها.
628- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: بينا زياد يسير بظهر الكوفة إذ رأى امرأة تهدج على عير لها فَقَالَ لها: من أنت؟ قالت: حرقة بنت النعمان بْن المنذر، قَالَ: ما كان أغلب الأشياء على أبيك؟ قالت: محادثة الرجال والإفضال عليهم، وأنشدته:
وكنا ملوك الناس «1» والأمر أمرنا ... نحكم فيهم ثم لا نتنصف «2»
فما برح العصران إلّا وحالنا «3» ... تقلّب فيهم تارة «4» وتصرّف
__________
625- قارن بعيون الاخبار 2: 119 والبيان 2: 77 والعقد 3: 147 والمستطرف 2: 62 وألف باء 1: 22 (وكلها ينسب القول إلى علي) .
626- انظر ما تقدم ف: 550 628- قارن بياقوت 2: 707 والمروج 3: 209 (وفيه البيتان) والمحاسن والمساوئ: 387 والمحاسن والأضداد:
175. والأول والثاني في الحماسة: 534 والموازنة 1: 103 ومجموعة المعاني: 7 وشرح المضنون: 31 واللسان 11: 246 وشرح شواهد المغني: 246 وشرح العسكري: 382 وجامع الشواهد 2: 159 والأول في اللسان 12: 36 ودرة الغواص:
198 وتقويم اللسان: 141 وقارن بالديارات: 245
__________
(1) المصادر: فبينا نسوس الناس.
(2) المصادر: إذا نحن فيهم سوقة نتنصف.
(3) المصادر: فأف لدينا لا يدوم نعيمها.
(4) المصادر: تقلب تارات بنا.(5/238)
فأمر لها بمائة دينار ووسقًا من طعام وقال: إذا تقارب فناؤه فاعلمينا فقالت: جزتك يد افتقرت بعد غنى، ولا أعطتك يد استغنت بعد فقر.
629- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: سأل مولى لفاختة بنت قرظة أن يكتب له مُعَاوِيَة كتابًا منشورًا بأن يخلى له سوق الطعام بالبصرة، فلا يبيع فيها أحد غيره حتى يخرج ما فِي يده منه، فكتب له بذلك وقال له: ويحك إني أحذرك زيادًا، فلما منع الناس من بيع الطعام غلا السعر، فركب زياد وهو شارب دواء، فوجده على سطح وهو يناول الدنانير والرقاع بالقصب، فأمر به فأنزل، فَقَالَ: إن معي كتاب أمير المؤمنين، فَقَالَ: اقطعوا يده، فقطعت يده، ثم قَالَ: ادفعوا إليه منشوره ويده، فرجع إلى مُعَاوِيَة فَقَالَ له: قد نهيتك وحذرتك فأبيت.
630- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الوليد الطيالسي «1» عَنْ زائدة عَنْ سماك بْن حرب قَالَ: رأيت زيادًا يصلي يوم الفطر والأضحى بغير أذان ولا إقامة.
631- حَدَّثَنِي عُمَرُ «2» بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ ابن عياش عن عجلان حاجب زياد ومولاه قَالَ: دخل زياد يومًا من صلاة الظهر فإذا هرة فِي زاوية المجلس، فأردت طردها فنهاني، فلم تزل كذلك حتى صلى العصر، ثم عاد فجعل يلاحظها، فلما كادت الشمس تغرب خرج جرذ فوثبت عليه فأخذته، فَقَالَ: من طلب حاجة فليصبر صبر هذه الهرة فإنه يظفر بحاجته.
632- قَالَ عجلان: وقال لي زياد يومًا: اطلب لي رجلًا عاقلًا، قلت: لا أعرفه، قَالَ: وهل يخفى العاقل فِي وجهه وقده ولفظه؟ فخرجت فإذا رجل حسن الوجه مديد القامة فصيح اللسان، فأدخلته إليه، فَقَالَ: إني أريد مشاورتك في أمر، فقال: إنّي
__________
631- ابن عساكر 5: 415 632- قارن بعيون الاخبار 1: 31- 32 ومحاضرات الراغب 1: 12
__________
(1) هو هشام بن عبد الملك الباهلي البصري.
(2) م: عمرو.(5/239)
حاقن جائع ولا رأي لحاقن ولا جائع، فأمر عجلان فأدخله المتوضأ فقضى حاجته، ثم خرج فأمر فأتي بطعام، فلما شبع قَالَ: هات، فما أورد عليه شيئًا إلا وجد عنده فيه ما يريد، وكتب إلى عماله: لا ينظرن فِي أمر الناس حاقن ولا جائع.
633- حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ «1» بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عياش قَالَ: أخبرني من صلى مع زياد فقرأ بالمعوذتين.
634- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ أَبُو بردة: ولاني زياد صدقة أسد وغطفان، وأعطاني من بيت المال ثلاثة عشر ألف درهم فَقَالَ: انطلق فأعط، وألصق بأهل الفاقه، ومن أعطيته ورقًا فلا تعطه غنمًا، ومن أعطيته غنمًا فلا تعطه ورقًا، وما وجدت من شغار فاردده، وما رأيت من امرأة معضولة فأنخ إبل صاحبها فِي العطن حتى ينكحها كفؤًا، ولا يكن (798) كالأعور بْن بشامة حبس أخته حتى شمطت أصداغها.
635- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن معمر عن قتادة قَالَ: كان زياد سيئة من سيئات مُعَاوِيَة، وكان سمرة بْن جندب سيئة من سيئات زياد.
636- قالوا: ومات زياد وعلى الكوفة من قبله عبد اللَّه بْن خالد بْن أسيد، وعلى البصرة سمرة، فأقر مُعَاوِيَة سمرة على البصرة ستة أشهر، ويقال ثمانية عشر شهرًا، ثم عزله فَقَالَ سمرة: لعن اللَّه مُعَاوِيَة لو أطعت اللَّه كما أطعت مُعَاوِيَة ما عذبني أبدا.
637- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: قِيلَ لِعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ مَاتَ سَمُرَةُ، فَقَالَ: مَا ذَبَّ اللَّهُ بِهِ عَنِ الإِسْلامِ أَعْظَمُ.
638- وروى علي بْن عاصم عَنْ عيينة بْن عبد الرحمن عَنْ أبيه أنه قَالَ: جاءت امرأة إلى سمرة فأعلمته أن زوجها لا يستطيعها، وذكر زوجها أنّه يأتيها، فأشكل عليه
__________
633- مرّ في ف: 619 636- الطبري 2: 162 638- قارن بنهاية ابن الأثير 1: 232 (حصحص) والصحاح 1: 503 واللسان 8: 281 والتاج 4: 381
__________
(1) س: الحسن.(5/240)
القضاء فكتب إلى مُعَاوِيَة يستطلع رأيه، فكتب إليه مُعَاوِيَة أن زوجه امرأة جميلة وأصدقها من بيت المال، فزوجه امرأة وأصدقها أربعة آلاف درهم، ثم أدخلها عليه ليلًا فلما أصبح دعا سمرة بالرجل، فجاء وعليه أثر صفرة، فَقَالَ: ما صنعت؟ فَقَالَ: كان ذلك مني إليها حتى حصحص من ورائها فِي الثوب، فدعا بها سمرة فَقَالَ لها: ما صنع؟
قالت: لا شيء عنده، فَقَالَ: انتشر؟ قالت: نعم، ولكنه إذا دنا أكسل، قَالَ سمرة: طلق يا محصحص.
639- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: وقيل لسمرة فِي رجل أنه طويل الصلاة، فَقَالَ: لو مات ما صليت عليه، ذهب إلى أنه خارجي.
640- وولى مُعَاوِيَة بعد سمرة عبد اللَّه بْن عمرو بْن غيلان بْن المحبق الهذلي، فحصبه رجل وهو أمير، فأتي بالرجل فقطع يده ورجله.
641- الْمَدَائِنِيّ عَنْ قرة بْن خالد عَنْ عبد اللَّه بْن الداناج «1» أن رجلا حصب عبد الله ابن عمرو بْن غيلان على منبر البصرة، وكان يقال للرجل جبير بْن الضحاك أحد بني ضرار من ضبة، فأخذ وأتي به عبد اللَّه، فأمر به فقطعت يده ورجله وقال:
العفو «2» والطاعة والتسليم ... خير وأعفى لبني تميم
فكتب بذلك إلى مُعَاوِيَة وقالوا: قطع على شبهة، فعزل عبد اللَّه بْن عمرو وقال: قد وليت عليكم عبيد اللَّه ابن أخي زياد.
642- قَالَ زياد: ليس يعجبني من الرجل أن يكون وصافًا لبطنه وفرجه، ويعجبني منه إذا سيم خسفا أن يقول لا يملء فيه.
__________
639- قارن بعيون الاخبار 3: 214 640- الطبري 2: 166، 171 وتاريخ خليفة 1: 211 وما يلي رقم: 641 641- الطبري 2: 171 والفقرة السابقة: 640 642- تقدم في ف: 543 وبعضه في ف: 500، 547
__________
(1) في عبد الله بن الداناج انظر العلل لابن حنبل 1: 46، 158 والداناج من الفارسية ومعناها العارف، العاقل، انظر التاج (دنج) .
(2) الطبري: السمع.(5/241)
643- حَدَّثَنَا عمرو الناقد «1» عَنْ موسى بْن قيس عَنْ سلمة بْن كهيل قَالَ: أول من وطيء على صماخ الإسلام زياد.
644- قالوا: وكان زياد يغدّي الناس ويعشيهم وكانت له ألف ناقة يؤتى بلبنها، وقد نثر التمر على الأنطاع، فيتمجعون اللبن بالتمر، فإذا ارتفع النهار غدوا، ثم يعشي بعد العصر، ويحضر غداءه وعشاءه الصحابة والشرط والمقاتلة ومن حضر، وكان يطعم بالبصرة والكوفة، فإذا غاب عَنْ إحداهما قام عماله مقامه.
645- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: حمل شريك بْن الأعور مالًا من اصطخر مع رجل فَقَالَ له الخزان: أحضر وزنه ونقده، فَقَالَ: إنما دفع إلى مالًا مختومًا، فرفعوا قوله إلى زياد فَقَالَ: إن نقص المال فليؤخذ به شريك، فأما هذا فلا شيء عليه ثم تمثل بنصف بيت:
وأبرز للبراءة للبراز «2» .
أمر حجر بْن عدي الكندي ومقتله
646- حَدَّثَنِي «3» عباس بْن هشام عَنْ أبيه عَنْ عوانة قَالَ: جمع مُعَاوِيَة لزياد البصرة والكوفة، فأتى الكوفة فبعث إلى حجر فأجلسه معه على السرير، وقال: يا أبا عبد الرحمن (799) إن الأمر الذي كنا فيه مع علي كان باطلًا، وإنما الأمر ما نحن فيه الآن، فَقَالَ حجر: كلا واللَّه يا أبا المغيرة، ولكن الدنيا استمالتك وأفسدتك، فاللَّه المستعان.
فَقَالَ زياد: يا أبا عبد الرحمن هذا مقعدك، ولك فِي كل يوم عشر حوائج لا ترد عنها، واضبط لسانك وأمسك يدك، فو الله لئن أقطرت من دمك قطرة لأستفرغنه كله «4» ، وأنت تعلم أني إذا قلت فعلت، فَقَالَ: لست من هذا في شيء.
__________
643- انظر ما يلي رقم: 751 646- قارن بالأغاني 17: 79 واليعقوبي 2: 273 وما يلي رقم: 721
__________
(1) هو عمرو بن محمد الناقد (انظر فهرست فتوح البلدان) .
(2) ط م: البراءة.
(3) س: حدثنا.
(4) فو الله لئن ... كله، انظر ما يلي رقم: 650، 651(5/242)
647- وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَن أَبِي مِخْنَفٍ وغيره قالوا: لم يزل حجر بْن عدي منكرًا على الحسن بْن علي بْن أبي طالب صلحه لِمُعَاوِيَةَ، فكان يعذله على ذلك ويقول:
تركت القتال ومعك أربعون ألفًا ذوو نيات وبصائر فِي قتال عدوك. ثم كان بعد ذلك يذكر مُعَاوِيَة فيعيبه ويظلمه، فكان هذا هجيراه وعادته.
648- وولى مُعَاوِيَة المغيرة بْن شعبة الكوفة، فأقام بها تسع سنين وهو أحسن رجل سيرة وأشده حبًا للعافية، غير أنّه لا يدع ذم علي والوقيعة فيه، والعيب لقتلة عثمان واللعن لهم، وكان مُعَاوِيَة حين أراد توليته قَالَ له: يا مغيرة:
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... وما علم الإنسان إلا ليعلما
وقد يجزئ عنك الحلم «1» بغير تعليم، وقد أردت أن أوصيك بأشياء كثيرة، فتركت ذلك اعتمادًا على بصرك بما يرضيني ويشدد سلطاني ويصلح رعيتي، غير أني لا أدع إيصاءك بخصلة: لا تكفكفن «2» عَنْ شتم علي وذمة، والترحم على عثمان والاستغفار له «3» ، والعيب لأصحاب علي والإقصاء لهم وترك الاستماع منهم، والإطراء لشيعة عثمان والإدناء لهم والاستماع منهم. فَقَالَ المغيرة: قد جربت وجربت، وعملت قبلك لغيرك، فلم يذمم لي رفع ولا وضع، وستبلو فتحمد أو تذم، فَقَالَ: نحمد إن شاء اللَّه. فسمع حجر المغيرة يَقُول يومًا: لعن اللَّه فلانًا- يعني عليًا- فإنه خالف ما فِي كتابك، وترك سنة نبيك، وفرق الكلمة وهراق الدماء، وقتل ظالمًا، اللَّهم العن أشياعه وأتباعه ومحبيه والمهتدين بهديه والآخذين بأمره، فوثب حجر رضي اللَّه تعالى عنه، فنعر بالمغيرة «4» نعرة سمعت من كل جانب من المسجد، وسمعت خارجًا منه فَقَالَ له: انك لا تدري بمن
__________
647- قارن بالدينوري: 233 648- الطبري 2: 111- 113 وابن الأثير 3: 392، 396 وقارن بما تقدم: 75، والبيت مرّ أيضا رقم:
335، وورد جانب من الخبر في المصادر المذكورة في الفقرتين السابقتين.
__________
(1) م: عندك الحلم.
(2) س: لا تكف كفني.
(3) س: لهم.
(4) س: المغيرة.(5/243)
تولع، وقد هرمت أيها الإنسان وحرمت الناس أرزاقهم، وأخرت عنهم عطاءهم، وإنما أراد بهذا القول تحريض الناس عليه. وقام مع حجر أكثر من ثلاثين كلهم يَقُول مثل قوله ويسمعون المغيرة، فيقولون له: أولعت بذم الصالحين وتقريض «1» المجرمين، فنزل المغيرة فدخل داره، فعاتبه أصحابه على احتمال حجر وقالوا: ان مُعَاوِيَة غير محتملك على هذا، فَقَالَ: ويحكم إني قد قتلته بحلمي عنه، سيأتي بعدي من لا يحتمله فيقتله فِي أول وهلةٍ، وقد قرب أجلي وضعف عملي، ولا أحب أن أبتدئ أهل المصر بقتل خيارهم ووجوههم، فيسعدوا وأشقى، ويعزّ معاوية في الدنيا ويذلّ المغيرة فِي الآخرة، ولكني قابل من محسنهم وعافٍ عَنْ مسيئهم، وحامد حليمهم وواعظ سفيههم، حتى يفرق الموت بيني وبينهم «2» .
649- وكانت ولاية المغيرة فِي سنة إحدى وأربعين ووفاته فِي سنة خمسين «3» ، فجمعت البصرة والكوفة لزياد، فخطب خطبة قَالَ فيها: إنا وجدنا هذا الأمر لا يصلح آخره إلا بما صلح به أوله، من الطاعة اللينة الشبيهة «4» سريرتها بعلانيتها، وغيبها بشهادتها «5» ، وقلوب أهلها بألسنتهم، وقد بلغني أن قومًا يعيبون الخليفة إرصادًا للفتنة، فمهلًا مهلًا، فإن لكم صرعى فليخش «6» كل امرئ منكم أن يكون من صرعاي، فإني آخذ الكبير بالصغير، والقريب بالبعيد، والبريء بالسقيم، والشاهد بالغائب، (800) والمقبل بالمدبر، حتى تستقيم لي قناتكم، وحتى يلقى الرجل صاحبه فيقول: يا سعد انج فقد قتل سعيد.
__________
649- الطبري 2: 114 وما تقدم رقم 491، 524، 589 والأغاني 16: 2، وكذلك بعضه في الطبري 2: 75 وابن الأثير 3: 375 وجانب من الخطبة مرّ في ف: 524
__________
(1) م: وتعريض، الطبري والأغاني: وتقريظ.
(2) س: وبيته.
(3) الطبري: احدى وخمسين.
(4) الطبري: المشبه.
(5) الطبري: وغيب أهلها بشاهدهم.
(6) الطبري: فليحذر.(5/244)
650- وخطب أيضًا ذات يوم وعليه عمامة حمراء وقد أرسلها «1» فَقَالَ: أيها الناس، أن هذه السبئية الحائنة «2» - يعنى الشيعة- المتحيرة «3» قد ركبت أعجاز أمور هلك من ركب صدورها، ف إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَر لَهُم مَا قَد سَلَفَ وَإنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأوّلِينَ (الأنفال: 38) ونزل، فبعث إلى حجر، وقد كان له قبل ذلك ودا وصديقًا فَقَالَ له: قد بلغني ما كنت تصنع بالمغيرة وما كان يحتمل منك، وإني واللَّه غير محتملك، والرائد لا يكذب أهله، وأنت الأثير «4» عندي ما لم تبسط لسانًا ولا يدًا بشيء مما أكرهه، وإن فعلت فأقطرت من دمك قطرة استفرغته أجمع، فأرع على نفسك، فخرج حجر من عنده وهو هائب له، وكان زياد يدنيه ويكرمه، والشيعة فِي ذلك تختلف إليه وتسمع منه.
651- وكان زياد يقيم بالبصرة ستة أشهر وبالكوفة ستة أشهر، يصيف بهذه «5» ويشتو بهذه «6» ، ويستخلف على البصرة سمرة بْن جندب الفزاري، وعلى الكوفة عمرو بْن حريث المخزومي. فلما أراد زياد أن يشخص من الكوفة إلى البصرة دعا حجرًا فَقَالَ له: إن غب البغي والغي وخيم، وقد بلغني أنك تلقح الفتن، ولو صح ذلك عندي لم أبرح حتى أقتلك، فاتق اللَّه فِي نفسك وأربع على ظلعك، فو الله لئن أفرغت من دمك قطرة لآتين على آخره، وقد أعذر من أنذر، وقد ناديتك وناجيتك، فَقَالَ حجر: أبلغت، دون هذا يكفيني أيها الأمير. وكان حجر وطائفة من أصحابه يجتمعون فِي المسجد بعد شخوص زياد، ويجتمع الناس إليهم، فيذمون مُعَاوِيَة ويشتمونه، ويذكرون زيادًا فيتنقصونه
__________
650- انظر ما تقدم ف: 524 وما يلي رقم: 721، وجانب من تهديده لحجر قد مرّ في ف: 646، وسيرد في الفقرة: 651، وجانب آخر منه في الأغاني 17: 80 والطبري 2: 115- 117 وابن الأثير 3: 393 وابن كثير 8: 51 651- قد مرّ جانب منه في ف: 534، 589، 646، 650
__________
(1) س: أرسلهما.
(2) م: الحانية، س: الجانية.
(3) م: المتخيرة.
(4) س: الأبين.
(5) فوقها في ط س: بالكوفة.
(6) فوقها في ط س: بالبصرة.(5/245)
ويجدبونه «1» حتى تعلو أصواتهم بذلك، فأتى عمرو بْن حريث المسجد فصعد المنبر وقد اجتمع اليه رؤوس أهل المصر فَقَالَ: ما هذه الأصوات العالية والرعة السيئة؟ فوثب إليه عنق من أصحاب حجر، فضجوا وشتموا، ودنوا منه فحصبوه حتى دخل القصر «2» ، وكتب إلى زياد مع سنان بْن حريث الضبي بخبر حجر وأصحابه، وأنه لا يملك من الكوفة معهم إلا دار الإمارة، فلما قرأ زياد كتاب عمرو قَالَ: بئس الرجل حجر، ونعم الرجل عمرو، أركبوا بنا، فركب مغذًا للسير، وتمثل قول كعب بن مالك الأنصاري «3» :
فلمّا استووا بالعرض قَالَ سراتنا ... علام إذا لم يمنع العرض يزرع «4»
ثم قَالَ: ويل أمك حجر: سقط العشاء بك على سرحان «5» ، فلما أتى الكوفة صعد المنبر فَقَالَ: يا أهل الكوفة جممتم فأشرتم، وأمنتم فاجترأتم، وإن عواقب البغي شر العواقب، واللَّه يا أهل الكوفة لئن لم تستقيموا لأداوينكم بدوائكم، فإنه عندي عتيد، ثم بعث الْهَيْثَم بْن شداد الهلالي «6» صاحب شرطته إلى حجر بن عديّ ليأتيه به- ويقال:
بل أمر الْهَيْثَم أن يوجه إلى حجر من يأتيه به، فوجه حسين بْن عبد اللَّه البرسمي- فأبى أصحاب حجر أن يخلّوا بينه وبين إتيان زياد، فغضب زياد وقال لوجوه أهل المصر: يا أشراف أهل الكوفة، أتشجون بيد وتأسون بأخرى؟! أبدانكم معي وقلوبكم مع الهجهاجة المذبوب «7» ؟! قوموا إليه، فقالوا: معاذ اللَّه أن نكون إلا على طاعتك وخلاف حجر والزري عليه، وخرجوا فنحى كل امرئٍ عَنْ حجر من أطاعه من أصحابه.
652- وقال الْهَيْثَم بْن عدي عَنْ أبيه وعن مجالد عن الشعبي وعن أبي جناب
__________
652- طبقات ابن سعد 6: 151- 152 وابن كثير 8: 53 وما يلي رقم: 721 وسير الذهبي 3: 306
__________
(1) س: ويحدثونه.
(2) ط م س: المصر.
(3) ورد بيت كعب في الأغاني 17: 81 وانظر ديوانه: 224 وتخريجه: 303.
(4) ط والأغاني والديوان: تمنع ... نزرع م: نمنع ... يزرع.
(5) انظر الطبري 2: 115 وابن كثير 8: 51 والميداني 1: 276 (221) وجمهرة العسكري 1: 514 وفصل المقال: 362 والفاخر: 206
(6) س: الولالي.
(7) م: المذنوب.(5/246)
الكلبي قالوا: لما قدم زياد الكوفة بعث إلى حجر فَقَالَ: يا هذا كنا على ما علمت، وقد جاء أمر غير ذلك، (801) أمسك عليك لسانك، وليسعك منزلك، وهذا سريري فهو مجلسك، فإياك أن تستزلك هذه السفلة أو تستفزك، إني لو استخففت بحقك هان علي أمرك، ولم أكلمك من كلامي هذا بحرف «1» . فلما صار إلى منزله اجتمعت إليه الشيعة فقالوا: أنت شيخنا وأحق الناس بإنكار هذا الأمر. فلما شخص زياد إلى البصرة استخلف عمرو بْن حريث على الصلاة والحرب، ومهران مولاه على الخراج، وأمر العمال بمكاتبة عمرو، وكان الطريق يومئذ على الظهر، وربما ركبت الرسل الفرات حتى ترد آجام البصرة ثم تدخل البصرة، فأرسل عمرو «2» إلى حجر: ما هذه الجماعات التي تجتمع إليك؟ فَقَالَ: جماعة ينكرون ما أنتم فيه، فأرسل إليه قوما فقاتلهم أصحابه وألجئوهم إلى قصر الإمارة، فكتب عمرو إلى زياد: إن كانت لك بالكوفة حاجة فالعجل، فإني كتبت إليك وليس فِي يدي منها مع حجر بْن عدي إلا القصر، فأغذ السير حتى قدم الكوفة، فبعث إلى عدي بْن حاتم الطائي وجرير بْن عبد اللَّه البجلي وخليفة بْن عبد اللَّه الجعفري وعمرو بْن الحجاج الزبيدي وهانئ بْن عروة المرادي وثابت بْن قيس النخعي وخالد بْن عرفطة العذري فَقَالَ: ائتوا هذا الشيخ المفتون فإني خائف أن يحملنا من أمره على ما ليس من شأننا، فأتوه، فَقَالَ له عدي بْن حاتم: قد علمت يا أبا عبد الرحمن ما كان من كلام الأمير لك ومن ردك عليه ما رددت «3» ، وهذه عشيرتك، نسألك باللَّه والقرابة أن لا تفجعنا بنفسك، فهب لنا هذا الأمر، واكظم غيظك حتى يرى غيرك ما أنت عليه، فَقَالَ حجر: يا غلام اعلف البَكْر- لبَكْر كان فِي جانب داره- فَقَالَ عدي: أمجنون أنت؟ نكلمك وتقول هذا القول غير مكترث لكلامنا؟! فَقَالَ: أما واللَّه إني لأرجو أن أوقره من الغنائم غدًا، قَالَ عدي: فنحن نوقره لك الآن فضة وذهبًا، وتكف عَنْ هذا الأمر، فَقَالَ حجر: لك أول ما سمعت، فَقَالَ عدي: ما ظننت أن
__________
(1) س: هذا الحرف.
(2) زيادة من ط م، وفي أصل ط: فأرسل اليه عمرو، ثم صححت في الحاشية.
(3) س: ومن ردك اما ردت.(5/247)
الضعف بلغ بحجر ما أرى، وكلمه القوم فلم يكلم منهم أحدًا، فأتوا زيادًا فَقَالَ: مهيم، قَالَ عدي: أيها الأمير استذمه فإن له سنًا، فَقَالَ: لست لأبي سُفْيَان إذًا، ثم أرسل إليه الشرط فقوتلوا.
653- قَالَ أَبُو مخنف: لما حال أصحاب حجر بينه وبين رسل زياد، أمر الْهَيْثَم بْن شداد «1» أن يأتيه به، فلما صار إليه قَالَ أصحابه: لا ولا نعمة عين، لا نجيبه «2» ، فشد الْهَيْثَم ومن معه عليهم بعمد السوق، فضرب رجل من حمراء الديلم «3» يقال له بَكْر بْن عبيد رأس عمرو بْن الحمق الخزاعي- ويقال: بل ضربه رجل من الأزد يقال له عبد اللَّه بْن مرغد «4» - فحمل إلى أهله، وشد عبد اللَّه بْن خليفة الطائي وهو يَقُول:
قد علمت يوم الهياج طلتي «5» ... أني إذا ما فئتي تولت
أو كثرت أعداؤها وقلت «6» ... أني قتال «7» لكل ثلة «8»
وضرب رجلًا من جذام كان فِي الشرط، وضربت يد عائذ بْن حملة وكسر «9» نابه فَقَالَ:
إن يكسروا نابي ويحطم ساعدي ... فإني امرؤ في سورة المجد صاعد «10»
__________
653- الطبري 2: 117- 118، 119- 121 (وفيه الأبيات الميمية فقط) وانظر الأغاني 17: 81- 82
__________
(1) ط م س: الهيثم بن زياد.
(2) س: يجيبه.
(3) الطبري والأغاني: رجل من الحمراء.
(4) الطبري: عبيد الله بن مالك، الأغاني: عبد الله بن موعد، ط م: عبد الله بن مرعد.
(5) الطلة: الزوجة، وفي الطبري: خلتي.
(6) الطبري: أو كثرت عداتها أو قلت.
(7) ط: فتاك.
(8) الطبري: غداة بلت.
(9) الطبري: وكسرت.
(10) الطبري:
ان تكسروا نابي وعظم ساعدي ... فان فيّ سورة المناجد
وهو من الرجز.(5/248)
وحمي حجرًا أصحابه حتى خرج، وبغلته موقوفة، فحمله أَبُو العمرطة عمير بْن يزيد الكندي عليها فركبها، وشد يزيد بْن طريف المسلي على أبي العمرطة فضربه، واختلج «1» أَبُو العمرطة سيفه فضربه به على رأسه، فخر لوجهه ثم برئ بعد، وله يَقُول عبد اللَّه (802) بن همّام السلولي:
ألؤم ابن لؤم ما عدا بك حاسرًا ... إلى بطل ذي جرأة وشكيم
معاود ضرب الدارعين بسيفه ... على الهام عند الروع غير لئيم
حسبت ابن برصاء العجان «2» قتاله ... قتالك زيدًا عند «3» دار حكيم
وكان قتل رجلًا بالكوفة عند دار حكيم، وكان ذلك أول سيف ضرب به بالكوفة فِي الاختلاف بين الناس. وخرج قيس بْن قهدان الكندي ثم البدي على حمار له وهو يَقُول:
يا قوم حجر دافعوا وصاولوا ... وعن أخيكم ساعة فقاتلوا
لا يلفين «4» منكم لحجر خاذل ... أليس فيكم رامح ونابل
وفارس مستلئم أو راجل ... وضارب بالسيف لا يواكل «5»
فلم يجبه من كندة أحد. ثمّ عطفت «6» عدة من كندة منهم عمير بْن يزيد أَبُو العمرطة وقيس بْن يزيد أخوه، وهو الذي يَقُول فيه ابن همام السلولي:
وقيس كندة قد طالت إمارته ... فِي سرة الأرض بين السهل والجبل
وعبد الرحمن بْن محرز بْن مرة الكندي ثم الطمحي وقيس بْن سمي «7» الكندي ثم البدي وعبيدة بْن عمرو البدّيّ الشاعر، فقاتلوا ساعة.
__________
(1) الطبري: ويختلط، وفي بعض أصوله ما يشبه القراءة هنا «ويختلج» .
(2) الطبري وابن الأثير: الحتار، س: الفجار.
(3) الطبري وابن الأثير: يوم.
(4) س: يلقين.
(5) الطبري: يزايل.
(6) الطبري 2: 123 (دون البيت) وانظر الأغاني 17: 82
(7) الطبري: قيس بن شعر.(5/249)
654- قالوا: ووجه زياد أشراف أهل الكوفة من مضر ومذحج وهمدان إلى حجر ليأتوا به، وفرق بين مضر واليمن لئلا يختلفوا.
655- وقال الْهَيْثَم بْن عدي: أرسل زياد حين قوتل أصحابه إلى عدي بْن حاتم وخريم بْن أوس بْن حارثة بْن لام وسَعِيد بْن قيس الهمداني وهانئ بْن عروة المرادي وزياد بْن النضر الحارثي وشريح بْن هانئ وكثير بْن شهاب الحارثي ووائل بْن حجر الحضرمي وثابت بْن قيس النخعي وجماعة غيرهم من وجوه اليمانية فَقَالَ: هذا عَنْ ملأ منكم، فقالوا: معاذ اللَّه، قَالَ: فاكفوني بوائقكم، فخرجوا فخوفوا أصحاب حجر وأعلموهم أنه لا ينصرهم أحد فتفرقوا، وأرسل زياد إلى كندة يتهددهم إن لم يسلموا حجرًا.
656- وقال أَبُو مخنف وغيره: استخفى حجر فِي دار بالنخع، ثم أتى الأزد فنزل فِي دار ربيعة «1» بْن ناجذ بْن أنيس الأزدي فمكث بها يومًا وليلة.
657- وقال الكلبي: لجأ حجر إلى سليمان بْن يزيد بْن شراحيل الكندي من ولد حوت بْن الحارث، ودعا زياد محمّد بن الأشعث بْن قيس فَقَالَ له: يا مؤنث «2» لتأتيني بحجر أو لا أدع لك نخلة إلا قطعتها ولا دارًا إلا هدمتها، ثم لا تسلم مني، أقطعك «3» إربًا إربًا، وأمر به إلى الحبس، فقيل له: خله يطلب صاحبه، ففعل، وبعث حجر إلى محمد غلامًا له أسود، فَقَالَ له: يَقُول لك مولاي قد بلغني ما استقبلك به هذا الجبار العنيد، وأنا خارج إليك، فاجمع نفرًا من قومك يسألونه أن يؤمنني «4» حتّى يبعث بي إلى معاوية
__________
654- قارن بالطبري 2: 121 وابن الأثير 3: 395 والأغاني 17: 84 656- قارن بالطبري 2: 124 وابن الأثير 3: 395 657- الطبري 2: 124- 126 وابن الأثير 3: 395، 396 والأغاني 17: 86 وانظر ما يلي رقم: 721 والدينوري: 236، وانظر المثل «على نفسها تجني براقش» ، في الميداني: 310 وجمهرة العسكري 2: 75 (بهامش الميداني) وفصل المقال: 459 والدميري (البرقش) ورسالة الغفران: 532 وجمهرة ابن دريد 3: 306
__________
(1) خ بهامش ط س: زمعة.
(2) الطبري: يا أبا ميثاء.
(3) المصادر: مني حتى اقطعك.
(4) ط م س: يؤمني.(5/250)
فيرى رأيه فِي، فأتى محمد وجرير بْن عبد اللَّه البجلي ( «1» ) وعبد اللَّه بْن الحارث النخعي أخو الأشتر زيادًا فطلبوا إليه أن يؤمن حجرًا حتى يبعث به إلى مُعَاوِيَة ولا يعجل، ففعل، وأرسلوا إلى حجر فأتى زيادًا، وهو جريح، وكان يزيد بْن طريف المسلي ضربه على فخذه بعمود، فلما رآه زياد قَالَ «2» : يا أبا عبد الرحمن أحرب فِي أيام الحرب، وحرب فِي أيام السلم؟! على نفسها تجني براقش، فَقَالَ حجر: ما فارقت طاعة ولا جماعة ولا ملت إلى خلاف ومعصية، وإني لعلى بيعتي، فَقَالَ «3» : تشج وتأسو؟! وأمر به إلى الحبس وقال: (803) لولا أني آمنته ما برح حتى يلفظ عصبه «4» .
658- وجد زياد فِي أمر أصحاب حجر وطلبهم أشد الطلب، فأخذ من قدر عليه 5 260 منهم، فأتي بربعي بْن حراش العبسي بأمان فَقَالَ: واللَّه لأجعلن لك شغلًا «5» بنفسك عَنْ تلقيح الفتن، ودعاه إلى الوقيعة فِي علي فأبي فحبسه، ثمّ كلّم فيه فأخرجه، وأتي بكريم ابن عفيف «6» الخثعمي، فَقَالَ: ويحك ما أحسن اسمك وأقبح فعلك!! وأمر به إلى الحبس.
659- وجاء رجل من بني شيبان إلى زياد فقال له: انّ امرأ منا يقال له صيفي بْن فشيل «7» من رؤساء أصحاب حجر وهو أشد الناس عليك، فبعث إليه فأتي به فَقَالَ: يا عدو اللَّه، ما تقول فِي أبي تراب؟ قَالَ: ومن أَبُو تراب؟ قَالَ: ما أعرفك به، أما تعرف
__________
658- الطبري 2: 128- 129، 130- 131 وابن الأثير 3: 397، 402 وقارن بالأغاني 17: 88 659- انظر مصادر الفقرة السابقة.
__________
(1) زاد في الطبري وابن الأثير والأغاني: وحجر بن يزيد.
(2) انظر ما يلي رقم: 661
(3) انظر ما تقدم: 651 «يا أشراف أهل الكوفة: أتشجون بيد وتأسون بأخرى» ص: 246.
(4) م: تلفظ، س: يلقظ، الأغاني: يلقط، الطبري: يلفظ مهجة نفسه.
(5) الطبري: شاغلا.
(6) ط م س: خفيف ولكن سيرد «عفيف» في ف: 663
(7) سيرد «فشيل» في رقم: 663 وكذلك هو في الطبري 2: 147، وهو «فسيل» بالسين المهملة في م والطبري 2: 129 وابن الأثير واليعقوبي 2: 274 والأغاني 17: 88 وابن كثير 8: 52، وهو في بعض أصول ابن الأثير «نشيل» وفي بعض أصول اليعقوبي «وصفي بن فضل» .(5/251)
علي بْن أبي طالب؟ قَالَ: الذي كنت عامله؟ ذاك أَبُو الحسن والحسين، فَقَالَ له صاحب شُرَطه: يَقُول لك الأمير أَبُو تُراب وتقول لا؟! قَالَ: أكذب إن كذب الأمير وأشهد بالباطل كما شهد؟ فَقَالَ زياد: ما قولك فِي علي؟ فَقَالَ: أحسن قول أقوله فِي أحد من عباد اللَّه، أقول مثل قولك فيه قبل الضلال، قَالَ: اضربوا عاتقه بالعصا حتى يلصق بالأرض، فضرب حتى لصق بالأرض، ثم قَالَ: أقلعوا عنه، ما قولك فِي علي؟
قَالَ: لو شرحتني بالمواسي والمدى ما زلت عما سمعته مني، قَالَ: لتلعننه أو لأضربن عنقك، قَالَ: إذا تضربها قبل ذلك، فألقوه فِي السجن.
660- وبلغ زيادًا أن عبد اللَّه بْن خليفة الطائي بالكوفة، وكان قد قاتل مع حجر رضي اللَّه تعالى عنه، فحبس عدي بْن حاتم ليأتي به، فلم يبق أحد من نزار واليمن بالكوفة إلا ارتاع واغتم لحبسه، وبعث إليه عبد اللَّه: إن احببت أن أخرج فعلت، فبعث إليه:
لو أنك تحت قدمي ما رفعتها عنك، ودعا به زياد فَقَالَ: أخلي سبيلك على أن تنفي ابن خليفة من الكوفة فينزل بالجبلين، فَقَالَ: نعم، فلحق عبد اللَّه بالجبلين، وقال له عدي:
إذا سكن غضبه كلمته فيك.
661- وقال الْهَيْثَم بْن عدي، قَالَ زياد لحجر حين أدخل إليه: أتريد أن تنجو بعد أن أمكن اللَّه منك؟! فَقَالَ: أنا على بيعتي لم أنكثها ولم استقلها «1» ، ولم آتك إلا على أمان، قَالَ: يا دبر «2» بْن الأدبر، واللَّه إن كنت فِي حربك لسلما وإنك فِي سلمك لحرب، ثم حبسه.
662- وروي أن المغيرة «3» لما شتم عليًا وقام إليه حجر بْن عدي قَالَ له: والله لئن
__________
660- قارن بالطبري 2: 148.
661- قارن بطبقات ابن سعد 6: 152 والاصابة 1: 329 (رقم: 1624) وراجع ما تقدم ف: 657
__________
(1) ط س: أستقيلها، م: أستقبلها.
(2) هكذا في ط م س، وهو حجر بن عديّ الأدبر، انظر ابن سعد 6: 151 والاشتقاق: 218 والطبري 3: 2529، فما في الأصل صحيح، وقد يكون «يا أدبر بن الأدبر» .
(3) زاد في م: ابن شعبة.(5/252)
عدت لمثلها لأضربن بسيفي هذا ما ثبت قائمه فِي يدي، فكتب المغيرة بذلك إلى مُعَاوِيَة، فكتب إليه مُعَاوِيَة: إنك لست من رجاله فداره، فقال زياد: يا ابن الأدبر أتظنّ أنّي كالمغيرة إذ كتب أمير المؤمنين إليه بما كتب به فيك؟ أنا واللَّه من رجالك ورجال من يغمرك رأيًا وبأسًا ومكيدة، وكان زياد قد كتب إلى مُعَاوِيَة فِي حجر إنه وأصحابه يردون أحكامي وقضاياي، وكتب يستأذنه فِي قتله، فكتب إليه: ترفق حتى تجد عليه حجة، فكتب إليه: إني قد وجدت على حجر أعظم الحجة: خلعك وشهد الناس عليه بذلك.
وكان رجل من بني أسد قتل رجلًا، كان من أهل الذمة فأسلم، فَقَالَ زياد: لا أقتل عربيًا بنبطي، وأمر القاتل أن يعطي أولياء المقتول الدية فلم يقبلوها، وقالوا: كنا نخبر أن دماء المسلمين تتكافأ، وأن لا فضل لعربي على غيره، فقام حجر وأصحابه، فَقَالَ حجر: يَقُول اللَّه عز وجل (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وتقول أنت غير ذلك، واللَّه لتقيدنه أو لأضربنّك (804) بسيفي، فما برح حتّى قتل الأسدي، فلذلك كتب إلى مُعَاوِيَة فِي أمره «1» .
663- قالوا: فاجتمع فِي سجن زياد من الشيعة أربعة عشر رجلًا وهم: حجر بْن عدي الأدبر، الأرقم بْن عبد اللَّه الكندي، شريك بْن شداد الحضرمي، صيفي بْن فشيل الشيباني، قبيصة بْن ضبيعة بْن حرملة العبسي «2» ، كريم بْن عفيف الخثعمي، عاصم بْن عوف البجلي، وفاء «3» بْن سمي البجلي، ويقال: ورقاء بْن سمي «4» ، وكدام بْن حيان العنزي، وأخوه عبد الرحمن بْن حيان من بني هميم، ومحرز بْن شهاب المنقري، وعبد اللَّه بْن حوية الأعرجي- وبعضهم يَقُول جوية والأول أثبت- وعتبة بْن الأخنس «5»
__________
663- قارن بالطبري 2: 131، 136، وابن الأثير 3: 402- 404 والأغاني 17: 88- 89 وقارن بما يلي: 686 واليعقوبي 2: 274 وابن كثير 8: 52
__________
(1) هامش ط: يتلوه: قالوا فاجتمع فِي سجن زياد من الشيعة، ويبدو أنه كله سقط من ط.
(2) س: العنسي.
(3) الطبري (1: 3337) : وقاء.
(4) هكذا أيضا ورد اسمه في الطبري وابن الأثير والأغاني وابن كثير.
(5) م س: الأحلس (حيثما وقع) وهو الأخنس في الطبري وابن الأثير والأغاني.(5/253)
من بني سعد بْن بَكْر وسَعِيد بْن نمران «1» الناعطي من همدان، فأمر زياد وجوه أهل المصر أن يكتبوا شهادتهم عليهم، فكتب أَبُو بردة بْن أبي موسى أولهم «2» : هذا ما شهد عليه الشهود أَبُو بُرْدة بْن أبي موسى لله رب العالمين، شهد أن حجر بْن عدي خلع الطاعة وفارق الجماعة، ولعن الخليفة، ودعا إلى الحرب والفتنة، وجمع إليه جموعًا يدعوهم إلى نكث البيعة، وخلع أمير المؤمنين مُعَاوِيَة، فكفر باللَّه كفرة صلعاء، وأتى معصية شنعاء، فَقَالَ زياد: اشهدوا على مثل شهادته فشهد إسحاق بْن طلحة وموسى بْن طلحة، وإسماعيل بْن طلحة بْن عبيد اللَّه، وعمارة بْن عقبة بْن أبي معيط، وخالد بْن عرفطة، والمنذر بْن الزبير بْن العوام، وعبد الرحمن بْن هبار «3» ، وعمر بْن سعد بْن أبي وقاص، وعامر بْن أُمَيَّة بْن خلف الجمحي، ومحرز بْن حارثة «4» بْن ربيعة بْنِ عَبْدِ العزى بْن عَبْد شمس، وعبد اللَّه بْن مسلم الحضرمي، وعفاق «5» بْن شرحبيل بْن أبي رهم «6» التيمي من ربيعة، ووائل بْن حجر الحضرمي، وكثير بْن شهاب بْن الحصين الحارثي، وقطن بْن عبد اللَّه الحارثي، والسري بْن وقاص الحارثي، وهانئ بْن أبي حية الوادعي، وكريب بْن سلمة بْن يزيد، وعمرو بْن حريث المخزومي، وأسماء بْن خارجة الفزاري، ومحمد بْن عمير بْن عطارد التميمي، ويزيد بن رويم الشيباني، وشبث بْن ربعي التميمي، وعتاب بْن ورقاء الرياحي، ومحمد بن الأشعث الكندي، وعمرو بْن الحجاج الزبيدي، والعريان بْن الهيثم الخنعي.
664- وقال الْمَدَائِنِيّ: شهدوا أن حجرًا وأصحابه شتموا عثمان وَمُعَاوِيَة وبرئوا منهما، فَقَالَ: ما هذه بقاطعة، فقام أَبُو بردة فشهد أنهم خلعوا الخليفة، وفارقوا الجماعة، ودعوا
__________
664- قارن بالطبري 2: 131- 134 وابن الأثير 3: 402- 403 والأغاني 17: 89- 90
__________
(1) س م: عمران (ابن كثير: سعد بن عمران) ويجيء في مواضع من النسختين «نمران» وهو كذلك في الأغاني.
(2) هذه الشهادة في الطبري 2: 132- 133 وابن الأثير 3: 403 والأغاني 17: 89 وانظر ياقوت 2: 274 والدينوري: 237
(3) الأغاني: هنّاد.
(4) الطبري: جارية.
(5) الطبري: عناق، الأغاني: عثمان.
(6) الطبري: دهم.(5/254)
إلى الحرب، وكفروا باللَّه، وشهد رؤساء الأرباع على مثل شهادته، وكان على ربع المدينة عمرو بْن حريث، وعلى ربع تميم وهمدان خَالِد بْن عرفطة العذري حليف بني زهرة، وعلى ربع كندة وربيعة قيس بْن الْوَليِد بْن عَبْدِ شمس بْن الْمُغِيرَةِ المخزومي، وعلى ربع مذحج أَبُو بردة، فقام عفاق فَقَالَ: أنا أشهد على مثل شهادته «1» ، فَقَالَ زياد: معروف بالنصيحة، اكتبوا شهادته بعد مضر.
وشهد عليه لبيد بْن عطارد، وسويد بْن عبد الرحمن، وشمر بْن ذي الجوشن، وعبد اللَّه بْن أبي عقيل الثقفي، ومحفز بْن ثعلبة من عائذة قريش الشيباني «2» ، ومن ربيعة قعقاع بْن شور، وحجار بْن أبجر العجلي، وشهد أيضًا زحر «3» بْن قيس الجعفيّ، وقدامة ابن عجلان الأزدي، وعزرة «4» بْن قيس الأحمسي، وشريح بن هانئ، وهرب المختار ابن أبي عبيد وعروة بْن المغيرة بْن شعبة من أن يشهدا.
665- وقوم يقولون: أن (805) مصقلة بْن هبيرة كان من الشهود، وقوم يقولون: أن مصقلة هلك بطبرستان فِي أيام المغيرة، وقال بعضهم: شهد بسطام بْن مصقلة.
666- وقال الكلبي: كان من الشهود الْهَيْثَم بْن الأسود وشدّاد والحارث ابنا الأزمع الهمداني وسماك بن مخرمة الأسدي.
666- ويقال: ان ( ... ) «5» دعي إلى الشهادة من أمسك عَنِ الشهادة أو غاب فكتب زياد بشهادتهم، وكتب زياد شهادة شريح بن الحارث الكندي القاضي وهو
__________
665- انظر في مصقلة ما يلي رقم: 668 ص: 256 والطبري 2: 133، 1322.
666- انظر الطبري 2: 134، 137 وابن الأثير 3: 403 والأغاني 17: 90
__________
(1) م: شهادتهم.
(2) م: الضبابي، س: العنباني، وبنو عائذة من خزيمة بن لؤي وزوجه عائذة بنت الخمس بن قحافة من خثعم، فارقوا قريشا ونزلوا في بني شيبان، انظر المعارف: 69 والطبري 1: 1101
(3) س: زهر.
(4) س: وعروة.
(5) بياض في م س، وبحاشية س «كذا» .(5/255)
غائب، فلما بلغه ذلك كتب إلى مُعَاوِيَة: أني نبئت أن زيادًا كتب إليك كتابًا فِي منزله «1» ستره عَنِ العامة أكد فيه شهادات قوم على حجر أخي كندة وسماني فيهم، ألا وإن شهادتي على حجر أنه رجل مسلم عفيف يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم شهر رمضان ويديم الحج والعمرة ويأمر بالمعروف وينهى عَنِ المنكر، حرام الدم والمال، وإن له لغناءً فِي الإسلام، وقد رفعتها إليك فتقلد معها ما أنت مختار لنفسك، والسلام. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ حين قرأ كتاب شريح: أما هذا فقد أخرج نفسه من الشهادة.
667- وكان فيمن شهد على حجر شداد بْن المنذر أخو حضين بْن المنذر لأبيه، وكانت أمه نبطية من بارق، وهو موضع بطريق الكوفة، واسمها بزعة وكانت تصغر «2» فيقال بزيعة، ولم يكن ينسب إلا إليها، فلما مر اسمه بزياد فرأى: وشهد شداد بْن بزيعة قَالَ «3» : أما لهذا أب ينسب إليه؟ فقالوا: هذا أخو حضين بْن المنذر الرقاشي فَقَالَ:
اطرحوا اسمه، فَقَالَ شداد: ويلي على ابن الزانية وهل يعرف إلا بسمية الزانية.
668- وحمل زياد حجرًا وأصحابه إلى مُعَاوِيَة فِي السلاسل على جمال اكتراها لهم صعابا، ووجه معهم شبث بْن ربعي الرياحي ووائل بْن حجر الحضرمي ومصقلة بْن هبيرة الشيباني- ويقال ابنه وذلك أثبت- وكثير بْن شهاب الحارثي، وكتب إليه: قد بعثت إليك بحجر ووجوه أصحابه، فلما نفذوا «4» قَالَ عبيد اللَّه بْن الحر الجعفي: ألا أجد خمسين فارسًا ألا عشرين ألا خمسة نفر يتبعوني فأتخلصهم؟! فلم يجبه أحد، ومضى بهم إلى الشام، فلم يدخلوا على مُعَاوِيَة، وأمر أن يحبسوا فِي مرج عذراء، فحبسوا هناك.
وكتب مُعَاوِيَة إلى زياد: إني متوقف فِي أمرهم. وتوقف مُعَاوِيَة فِي أمرهم، فمرّة يرى
__________
667- الطبري- 2: 133 والأغاني 17: 89 668- انظر الطبري 2: 134، 135، 137، 138 وابن الأثير 3: 403 والأغاني 17: 90 وانظر ما يلي رقم 720، وطبقات ابن سعد 6: 153
__________
(1) م: كتب إليك في منزله كتابا.
(2) س: وكان يصغر.
(3) قال: سقطت من س.
(4) س: تغدوا.(5/256)
قتلهم ومرة يرى الصفح عنهم، فكتب إليه زياد: قد عجبت من اشتباه الأمر عليك فِي حجر وأصحابه، وقد حضرت أمرهم، وشهد خيار أهل المصر بما شهدوا به عليهم، فإن كانت لك في المصر حاجة فلا تردّن حجرا وأصحابه. فلما قرأ مُعَاوِيَة الكتاب فِي جواب ما كتب به إلى زياد قَالَ: ما ترون يا أهل الشام؟ فَقَالَ عبد الرحمن بْن عبد اللَّه بْن عثمان الثقفي، وهو ابن أم الحكم أخت معاوية: جدادها جدادها، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لا يغني «1» أمرًا، وقال يزيد بْن أسد البجلي: أرى أن تفرقهم فِي قرى الشام فيكفيكهم طواعينها، وقال له سَعِيد ابن العاص: فرقهم فِي قبائلهم بالشام يكفل كل قوم صاحبهم، ولعل طواعين الشام تكفيك أمرهم. فكلّم معاوية في وفاء بْن سمي وعاصم بْن عوف، وكتب فيهما جرير بْن عبد اللَّه البجلي، فشفعه مُعَاوِيَة ووهبهما له، وكلّمه أَبُو الأعور السلمي فِي عتبة بْن الأخنس فوهبه له، وكلّمه حمزة بن مالك الهمداني فِي سَعِيد بْن نمران فوهبه له، وكلمه حبيب بْن مسلمة الفهري فِي ابن حوية «2» فخلى سبيله، وكلم فِي الأرقم فخلي سبيله، وكلمه مالك بْن هبيرة السكوني فِي حجر فلم يجبه، وقال: هذا رأس القوم، وهو أنغل «3» المصر وأفسده، ولئن وهبته لك اليوم لتحتاجنّ أن تقاتله غدًا، فَقَالَ: (806) واللَّه ما أنصفتني، قاتلت معك ابن عمك حتى ظفرت، ثم سألتك ابن عمي فسطرت «4» علي من القول ما لا أنتفع به، ثم انصرف فجلس فِي بيته. وبعث مُعَاوِيَة إلى من بقي منهم بأكفان وحنوط مع رجل من أهل الشام ليرعبهم بذلك، وأمره أن يدعوهم إلى البراءة من علي وإظهار لعنه، ويعد من فعل ذلك أن يتركه، فإن لم يفعل قتل، فإن دماءهم حلال لشهادة أهل مصر هم عليهم، فقالوا: اللَّهم فإنا لا نفعل ذلك، ثم أمر بقبورهم فحفرت وأدنيت أكفانهم، فقاموا الليل يصلون، فلما أصبحوا عرض عليهم مثل الذي عرض فأبوه، وبعث إليهم مُعَاوِيَة هدبة الأعور بْن فياض القضاعي والحصين بْن عبد اللَّه الكلابي وأبا شريف الفزاري «5» ليقتلوهم، فلما رأوهم «6» يصلّون قالوا: ما
__________
(1) م: تغني.
(2) م: جوية.
(3) س: أتعل.
(4) الطبري: فسطوت.
(5) الطبري: البدي.
(6) س: روهم.(5/257)
أحسن صلاتكم!! فما تقولون فِي أمير المؤمنين عثمان؟ قالوا: جار فِي الحكم وعمل بغير الحق وخالف صاحبيه، فقالوا: أمير المؤمنين أعلم بكم، وما كان اللَّه ليظلمكم ولا يدعكم، وقال الْهَيْثَم بْن عدي: هو ابن أبي شريف.
وقالوا: لما «1» رأي حجر الأكفان قَالَ: تكفنوننا كأنا مسلمون، وتقتلوننا كأنا كافرون.
670- وكان هدبة أعور فلما رآه كريم بْن عفيف الخثعمي قَالَ: يقتل نصفكم وينجو نصفكم، فَقَالَ ابن نمران: اللَّهم اجعلني ممن ينجو وأنت عني راض، وقال عبد الرحمن بْن حيان «2» العنزي: اللَّهم اجعلني ممن يكرم بهوانهم وأنت عني راضٍ، فعزلوا الثمانية «3» ، وعرضوا على الباقين البراءة من علي رضي اللَّه تعالى عنه، فَقَالَ كريم بْن عفيف وعبد الرحمن بْن حيان:
انطلقوا بنا إلى مُعَاوِيَة فنحن نقول بقوله، فعزلوهما وأبى الآخرون.
671- قالوا: وأخذ كل رجل رجلًا فقتله، وسألهم حجر أن يصلي ركعتين فأذنوا له فِي ذلك، فصلى وقصر ثم قَالَ: والله ما صلّيت قطّ صلاة أقصر منها لأني خفت أن تظنوا بي أني أطلت صلاتي جزعًا من القتل، فقتله الأعور بْن فياض بالسيف، ويقال: ذبحه ذبحًا، وجيء بَكْريم بْن عفيف الخثعمي وعبد الرحمن بْن حيان إلى مُعَاوِيَة، فأما الخثعمي فَقَالَ له: ما تقول فِي علي؟ قَالَ: مثل مقالتك أنا أبرأ «4» من دين علي الذي يدين به فحبسه شهرا ليستبرىء أمره، فكلمه فيه شمر بْن عبد اللَّه الخثعمي فخلى سبيله على أن لا يدخل الكوفة، فأتى الموصل فأقام بها ومات قبل مُعَاوِيَة بشهر، وأما ابن حيان فَقَالَ له: ما تقول فِي علي، قَالَ: كان من الذاكرين كثيرا والآمرين بالحقّ سرا
__________
670- الطبري 2: 140، 141 وانظر ابن الأثير 3: 45 والأغاني 17: 92 وقارن بعيون الأخبار 1: 147 والمروج 5: 16 وربيع الأبرار: 196/ أوقارن بعضه بما يلي رقم: 676.
671- قارن بالطبري 2: 141- 143 والأغاني 16: 93 وعيون الأخبار 1: 147 وابن كثير 8: 52 وابن الأثير 3: 405- 406 وانظر ما يلي رقم: 676، 679.
__________
(1) م: ولما.
(2) الطبري والأغاني وابن الأثير: عبد الرحمن بن حسان.
(3) الطبري وابن الأثير: ستة.
(4) الطبري وابن الأثير: أتبرأ.(5/258)
وجهرًا، فلا تسألني عَنْ غير هذا فهو خير لك، فبعث به إلى زياد وكتب إليه أن اقتله شرّ قتلة، فبعث به إلى قس الناطف «1» فدفن حيًا.
672- وقال الْهَيْثَم بْن عدي: حمل هدبة بْن فياض الأعور على حجر بالسيف فاتقاه، فَقَالَ: ألم تزعم أنك لا تجزع من الموت؟ فَقَالَ: وما يمنعني وأنا أرى سيفًا مشهورًا وكفنا منشورًا وقبرًا محفورًا، ولا أدري على ما أقدم، فقتلوا وكفنوا ودفنوا.
673- وقال الْهَيْثَم قَالَ عوانة، قَالَ حجر: اللَّه بيننا وبين أمتنا، أما أهل العراق فشهدوا علينا، وأما أهل الشام فقتلونا، واللَّه لقد فتحت هذا الموضع وإني لأرجو أن أكون شهيدًا فيه، وهو كان فتح مرج عذراء.
674- قَالَ: ولما صلى ركعتين فقصرهما فَقَالَ «2» : واللَّه لئن كانت صلاتي فيما مضى لم تنفعني ما هاتان الركعتان بنافعتي «3» .
675- وقال الْمَدَائِنِيّ: أخذ زياد بعد مضي حجر رجلين: عتبة بْن الأخنس من بني سعد بن بكر، وسعيد بن نمران الهمداني، فبعث بهما مع يزيد بن حجيّة التيميّ وعامر بْن الأسود العجلي.
676- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ عَنِ ابن عوانة عن أبيه قَالَ (807) : دعا مُعَاوِيَة عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الأسود بْن عَبْدِ يغوث الزهري فَقَالَ: اذهب فاقتل حجرا
__________
672- الطبري 2: 141 وابن الأثير 3: 405 واليعقوبي 2: 274 والأغاني 16: 93- 94 والبيان 1: 286 وطبقات ابن سعد 6: 153 والمستدرك 3: 469 وسير الذهبي 3: 307 وتاريخ الاسلام 2: 276 وانظر ما يلي رقم:
688 والعقد 3: 234 وعيون الاخبار 1: 147 والمروج 5: 17 673- سير الذهبي 3: 307 وبعضه فيما يلي رقم: 690، 713 وقارن بطبقات ابن سعد 6: 151 والاصابة 1: 349 (رقم: 1624) (في فتحه مرج عذراء) .
674- انظر ما يلي رقم: 679.
675- قارن بالطبري 2: 138، 137 وابن الأثير 3: 403 وقارن بما تقدم رقم: 670، 671.
__________
(1) س والأغني: قيس الناطف.
(2) م: قال.
(3) م: بنافعي.(5/259)
وأصحابه، فَقَالَ: أما وجدت رجلًا أجهل باللَّه وأعمى عَنْ أمره مني؟! فدعا هدبة بْن الفياض الأعور فأعطاه سيفًا، وسرح معه عدة، وأمره أن يعرضهم على البراءة من علي، فإن فعلوا وإلا قتلهم، وبعث معه بأكفان وأمر أن يقبروا، فعرض عليهم ما أمر به مُعَاوِيَة فلم يجيبوا، فقتلوا وذبح حجر ذبحا، وبلغ ذلك أمّه فشهقت وماتت.
677- وقال علي بْن الغدير «1» :
لو كان حجر من بجيلة لم ينل ... هناك ولم يقرع «2» بأبيض صارم
يزيدهم أنجى «3» أساراه بعد ما ... جرى قتلهم «4» ذبحًا كذبح البهائم
يعني يزيد بْن أسد بْن كرز البجلي جد خالد بْن عبد اللَّه بْن يزيد القسري، لأنه تكلم فِي من كان من بجيلة فوهبوا له، وهم ثلاثة.
678- وحدثت عَنْ غياث بْن إبراهيم قَالَ: بعث مُعَاوِيَة ابن خريم «5» المري جد أبي الهيذام ليقتلهم، فلما صار إليهم قَالَ: ما أنتم؟ قالوا: مسلمون، فَقَالَ: على مُعَاوِيَة لعنة اللَّه يأمرني بقتل المسلمين!! ثم انصرف، ثم بعث عبد اللَّه بْن يزيد أبا خالد بْن عبد اللَّه فقتلهم، وذلك غير ثبت.
679- حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَمَّا أُتِيَ مُعَاوِيَةُ بِحَجَرٍ قَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، قَالَ:
أَوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا؟! اضْرِبَا عنقه، قال «6» : دعوني أصلّ «7» فصلّى ركعتين خفيفتين ثمّ
__________
679- سيرد فيما يلي رقم: 682 والمستدرك 3: 470 والاستيعاب: 134 وابن الأثير 3: 408 وتاريخ الاسلام 2: 276 وسير الذهبي 3: 308 والاصابة 1: 329 (رقم: 1624) وابن كثير 8: 52
__________
(1) انظر أيضا رقم: 683 وذكره في المؤتلف: 247 ومعجم المرزباني: 131
(2) س: يفزع.
(3) س: انحبوا، م: أنجوا.
(4) س م: قبلهم.
(5) قارن بالطبري 2: 1565 (وقد كتب: حريم) .
(6) الطبري 2: 141 وابن الأثير 3: 405، 408 وما تقدم: 671، 674
(7) م: أصلي.(5/260)
قَالَ: لَوْلا أَنْ يَظُنُّوا «1» أَنَّ الَّذِي بِي غَيْرُهُ «2» ، يَعْنِي مِنْ خَوْفِ الْمَوْتِ، لأَطَلْتُهُمَا، فَلَعَمْرِي لَئِنْ كَانَتْ صَلاتِي لا تَنْفَعُنِي فِيمَا مَضَى لا تَنْفَعُنِي الآنَ، ثُمَّ قَالَ لأَهْلِهِ «3» : لا تُطْلِقُوا عَنِّي حَدِيدًا، وَلا تَغْسِلُوا عَنِّي دَمًا، فَإِنِّي لاقٍ مُعَاوِيَةَ عِنْدَ أَعْلَى الْجَادَّةِ «4» ، فَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ إِذَا سُئِلَ عَنْ غُسْلِ الشَّهِيدِ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَالْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يدخل على معاوية.
679 ب- وقال الْهَيْثَم بْن عدي: كان الذي كفن حجرًا وأصحابه هدبة من بني سلامان إخوة عذرة.
680- وقال الْمَدَائِنِيّ: ومضى هدبة ومعه كريم بْن عفيف فنظر إلى قبر حجر فَقَالَ:
كفى بثواء القبر بعدًا لهالكٍ ... وبالموت قطاعًا لحبل القرائن
لا يبعدنك اللَّه يا حجر.
681- وقال هشام بْن عمار سمعت مشايخنا يتحدثون أنه قيل لحجر بْن الأدبر: مد عنقك، قَالَ: إنه لدم ما كنت لأعين عليه، فأقيم وضربت عنقه، رحمه اللَّه تعالى.
682- حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَمَّا أُتِيَ مُعَاوِيَةُ بِحَجَرٍ قَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، قَالَ: وَأَنَا عندك أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ!! اضْرِبَا عُنُقَهُ.
683- قالوا: وجمع مالك بْن هبيرة جموعًا وغضب لقتل حجر، وأنه لم يجب إلى إطلاقه، فبعث إليه مُعَاوِيَة بمائة ألف وداراه حتى رضي، فَقَالَ علي بْن الغدير فِي ذلك:
__________
680- قارن بالطبري 2: 143 والأغاني 17: 93- 94 681- طبقات ابن سعد 6: 153 وعيون الأخبار 1: 147 682- انظر: ف 679.
683- قارن بالطبري 2: 144- 145 وابن الأثير 3: 406- 407 والأغاني 17: 95
__________
(1) س: تظنوا.
(2) س: عبرة.
(3) ما يلي رقم: 684 ومصنف عبد الرزاق 3: 542 والمستدرك 3: 408 وابن عساكر 4: 86 والاصابة 1: 349 وابن كثير 8: 54 وابن الأثير 3: 408
(4) الاصابة: بالجادة، ابن عساكر: على الجادة، ولعل الصواب: غدا على الجادة.(5/261)
تداركتم أمر الهبيريّ بعد ما ... سما للتيا والتي كنت تحذر
فأضحى الهمام عاقدا ثمّ راية ... بحمص تناجيه السكون وحمير
يدارسهم أي الكتاب وقلبه «1» ... شج بمصاب أهل عذراء مشعر
684- وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: لَمَّا أُتِيَ مُعَاوِيَةُ بِحَجَرِ بْنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ حَبَسَهُمْ بِمَرْجِ عَذْرَاءَ، فَأَوْصَى حَجَرٌ فَقَالَ: ادْفِنُونِي وَمَا أَصَابَ (808) الأَرْضَ مِنْ دَمِي، وَلا تُطْلِقُوا حَدِيدِي، فَإِنِّي سَأَلْقَى مُعَاوِيَةَ غَدًا، إِنِّي وَاللَّهِ مَا قَتَلْتُ أَحَدًا، وَلا أَحْدَثْتُ حَدَثًا، وَلا آوَيْتُ مُحْدِثًا.
685- حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ ابْنَ عُمَرَ قَتْلُ حَجَرِ بْنِ عَدِيٍّ وَهُوَ مُحْتَبٍ حَلَّ حُبْوَتَهُ وَقَامَ وَقَدْ غَلَبَهُ «2» النَّحِيبُ.
686- قالوا: فكان من قتل بعذراء: حجر بْن عدي، شريك بْن شداد الحضرمي ثم التبعي «3» ، صيفي بْن فشيل الشيباني، قبيصة بْن ضبيعة بْن حرملة العبسي، محرز بْن شهاب المنقري، كدام بْن حيان العنزي من بني هميم- وكان بعضهم يَقُول العصري من عبد القيس- عبد الرحمن بْن حيان دفن حيًا بالكوفة. وكان من نجا منهم: كريم بْن عفيف الخثعمي، عبد اللَّه بْن حويّة «4» السعدي، عاصم بن عوف البجلي، وفاء بْن سمي البجلي، الأرقم بْن عبد اللَّه الكندي، عتبة بْن الأخنس من بني سعد بن بكر، سعيد بن نمران الهمداني، وصلي على حجر ومن قتل معه ودفنوا، يرحمهم الله.
__________
684- بعضه مرّ فيما تقدم رقم: 679 685- ما يلي رقم: 702 والاصابة 1: 349 وابن كثير 8: 55 وتاريخ الاسلام 2: 276 686- الطبري 2: 143- 144 والأغاني 17: 94 واليعقوبي 2: 274 وابن كثير 8: 52 وما تقدّم ف: 663
__________
(1) م س: وقبله.
(2) م: غلب عليه.
(3) م: النتعي، س: التبغي.
(4) م: جوية.(5/262)
687- وقد قيل: أن ربعي بْن حراش «1» كان ممن حمل مع حجر، فكلم «2» فيه يزيد ابن الحر العبسي، فخلى سبيله.
688- وَحَدَّثَنِي أَبُو مسعود الْكُوفِيّ عَن عوانة قَالَ: مشى هدبة بْن فياض إلى حجر بالسيف فأرعد فَقَالَ: كلا، زعمت أنك لا تجزع من الموت، قَالَ: وإن جزعت فإني لا أقول ما يسخط الرب، فقتله وجرّ بقيده.
689- وقالت هِنْد امرأة من كندة فِي قتل هدبة حجرًا:
كأن عيني ديمة تقطر ... تبكي على حجرٍ وما تفتر
لو غضبت للدين أبناؤه «3» ... لم يحمل السيف له الأعور
690- حَدَّثَنِي عباس بْن هشام عَنْ أبيه قَالَ: كان حجر فتح حين غزا المسلمون الشام مرج عذراء، فلما أرادوا قتله وهو بها قَالَ: لئن قتلت بها إني لأول من نبحته كلابها ومشى فِي أكنافها وكبر فِي واديها.
691- حَدَّثَنِي الْعَمْرِيّ عَنِ الْهَيْثَم عَنْ أبي جناب قَالَ: لم يبعث مُعَاوِيَة إلى حجر وأصحابه بأكفان، ولكن عشائرهم جاءوا بأكفان فكفنوهم فيها ودفنوهم.
692- وَحَدَّثَنِي أَبُو فِرَاسٍ «4» الشَّامِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مَسْرُوقًا قَالَ، قَالَتْ عَائِشَةُ حِينَ قُتِلَ حَجَرٌ: لَوْ عَلِمَ مُعَاوِيَةُ أَنَّ عِنْدَ أَهْلِ الكوفة منعة وغيرا ما اجترأ على
__________
687- ما تقدم رقم: 658 688- الطبري 2: 141 وانظر ما تقدم: 672 689- انيس الجلساء: 187 690- قارن بما تقدم: 673 وما يلي رقم: 713 واليعقوبي 2: 274 وأسد الغابة 1: 386 والاشتقاق: 218 والطبري 3: 2529 وطبقات ابن سعد 6: 151 وابن الأثير 3: 405 وسير الذهبي 3: 307 691- قارن بطبقات ابن سعد 6: 153 692- قارن بالاستيعاب: 329، وانظر البيت في ديوان لبيد: 153 وفيه التخريج، وقارن بابن عساكر 5: 164
__________
(1) س: خراش، م: فراش.
(2) م: فتكلم.
(3) الديوان: لو كانت القوس على أسره.
(4) م: فراش.(5/263)
قَتْلِ حَجَرٍ وَأَصْحَابِهِ، وَلَكِنَّ ابْنَ آكِلَةِ الأَكْبَادِ عَلِمَ أَنَّ النَّاسَ قَدْ ذَهَبُوا، للَّهِ دَرُّ لَبِيدٍ حِينَ يَقُولُ:
ذَهَبَ الَّذِينَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ ... وَبَقِيتُ فِي خَلَفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ
693- قَالُوا: وَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ رَجُلا وَقَالَ لَهُ: امْضِ حَتَّى تَجْلِسَ إِلَى الْحُسَيْنِ وَتَنْعِيَ حَجَرًا، وَانْظُرْ مَا يَقُولُ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَتَلَ حَجَرًا (وَأَصْحَابَهُ) قَالَ: ثُمَّ صَنَعَ مَاذَا؟ قَالَ: كَفَّنَهُمْ وَدَفَنَهُمْ، فَقَالَ: خَصَّمُوهُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ تَرَحَّمَ عَلَى حَجَرٍ.
694- قَالُوا: وَبَعَثَتْ عَائِشَةُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ لِيَسْأَلَهُ الصَّفْحَ عَنْ حَجَرٍ وَأَصْحَابِهِ، فَوَجَدَهُ قَدْ قَتَلَهُمْ، فَقَالَ لَهُ: أَقَتَلْتَ حَجَرًا! فَقَالَ: إِنَّهُ خَلَع يَدًا مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَفَعَلَ وَفَعَلَ، فَقَالَ لَهُ: وَأَيْنَ كَانَ حِلْمُكَ وَأَحْلامُ بَنِي حَرْبٍ عَنْكَ؟ قَالَ: غَابَتْ عَنِّي حِينَ غَابَ عَنِّي مِثْلُكَ مِنْ حُلَمَاءِ قَوْمِي.
695- حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُعْفِيُّ مِشْكَدَانَةُ «1» عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ «2» عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا حَجَّ أَتَى بَابَ عَائِشَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ يَسْتَأْذِنُ فَلَمْ تَأْذَنْ لَهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا ذَكْوَانُ غُلامُهَا حَتَّى أَذِنَتْ لَهُ، فَذَكَرَتْ أَمْرَ حَجَرٍ، فَقَالَ: خَشِيتُ فِتْنَةً فَكَانَ قَتْلُهُ خَيْرًا مِنْ حَرْبٍ تُهْرَاقُ فِيهَا الدِّمَاءُ وَتُسْتَحَلُّ الْمَحَارِمُ، فَدَعِينِي يَفْعَلُ اللَّهُ بِي مَا يَشَاءُ، فَقَالَتْ: نَدَعُكَ وَاللَّهِ، نَدَعُكَ وَاللَّهِ. (809) .
696- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنْبَأَنَا «3»
__________
693- هذه الفقرة لم ترد في س.
694- ما يلي رقم: 698، 699 والأغاني 17: 95 وطبقات ابن سعد 6: 153 والطبري 2: 145 وابن الأثير 3: 405، 408 وانظر الاستيعاب: 329 وسير الذهبي 3: 307 695- قارن بالطبري 2: 145 واليعقوبي 2: 275 وابن كثير 8: 55 والامامة 1: 288 والفقرة التالية رقم 700، 711 وما تقدم رقم: 153 وتاريخ الاسلام 2: 276 696- ابن كثير 8: 55 ورقم: 698 فيما يلي ورقم: 6 فيما تقدّم والامامة 1: 287
__________
(1) م: مشكا انه، والمشكدانة: حبة طيبة الرائحة.
(2) م س: زياد.
(3) م: أخبرنا.(5/264)
عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: دَخَلَ مُعَاوِيَةُ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ:
وَيْحَكَ فَعَلْتَ وَفَعَلْتَ، وَقَتَلْتَ بَعْدَ ذَلِكَ حَجَرًا وَأَصْحَابَهُ، أَمَا خِفْتَ أَنْ أُقْعِدَ لَكَ رَجُلا يَقْتُلُكَ؟ قَالَ: (مَا) «1» كُنْتِ لِتَفْعَلِي فَأَنَا فِي بَيْتِ أَمَانٍ، [وَقَدْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: قَيْدُ الإِسْلامِ الْقَتْلُ] «2» ، كَيْفَ أَنَا فِي حَوَائِجِكِ وَمَا بَيْنِي وَبَيْنَكِ؟
قَالَتْ: صُلْحٌ، قَالَ: فَدَعِينَا وَإِيَّاهُمْ حَتَّى نَلْقَى رَبَّنَا.
697- حَدَّثَنِي شيبان بْن فروخ عَنْ عثمان البري «3» قَالَ: [كان الحسن إذا ذكر مُعَاوِيَة قَالَ: ويل مُعَاوِيَة من حجر وأصحاب حجر، يا ويله] .
698- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: لما بلغ عائشة أخذ حجر وحمل زياد إياه وجهت إلى مُعَاوِيَة عبد الرحمن بْن الحارث بْن هشام فِي أمره، فقدم عليه وقد قتله وأصحابه، فَقَالَ له:
أين كان حلمك وحلم أبي سُفْيَان؟ فَقَالَ: غاب عني مثلك من حلماء قومي، وحملني ابن سمية فاحتملت.
699- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْكَلْبِيِّ وَقَتَادَةَ قَالا:
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا، وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهَا مُعَاوِيَةُ حِينَ حَجَّ: وَيْحَكَ أَقَتَلْتَ حَجَرًا وَأَصْحَابَهُ بِكِتَابِ زِيَادٍ؟! فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَقْتُلْهُمْ، إِنَّمَا قَتَلَهُمُ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِمْ، فَقَالَتْ: وَيْحَكَ أَفَلا تَثَبَّتُ، فَمَا كَانَ يُؤَمِّنُكَ أَنْ أُكْمِنَ لَكَ رَجُلا يَقْتُلُكَ بِمَنْ قَتَلْتَ مِنَ الصَّالِحِينَ؟
قَالَ: إِنَّمَا دَخَلْتُ بَيْتَ الأَمْنِ وَالأَمَانِ وَقَدْ قَيَّدَ الإِسْلامُ الْقَتْلَ «4» . ثُمَّ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهَا.
700- حَدَّثَنَا سَعْدَوَيْهِ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ عَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: حدّثنا عن عائشة أنّها
__________
697- الطبري 2: 146 وابن الأثير 3: 407 وقارن بالنجوم الزاهرة 1: 141 698- ما تقدم ف: 694 699- ما تقدم ف: 696 وما يلي رقم: 711 700- قارن بالطبري 2: 145 وابن الأثير 3: 407 والأغاني 17: 95 وابن كثير 8: 55
__________
(1) زيادة ضرورية.
(2) انظر فصل المقال: 14 وفيه: الايمان قيد الفتك.
(3) انظر لسان الميزان 4: 155
(4) س: للقتل.(5/265)
قَالَتْ: لَوْلا أَنَّا لَمْ نَنْوِ لأَمْرٍ إِلا غَلَبَنَا عَلَيْهِ سُفَهَاؤُنَا لَكَانَ لِي وَلِمُعَاوِيَةَ فِي قَتْلِ حَجَرٍ وَأَصْحَابِهِ حَالٌ.
701- حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ:
بَلَغَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَتَلَ حَجَرًا، فَجَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا فَمَنَعَتْهُ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى دَخَلَ، فَقَالَتْ: أَنْتَ صَاحِبُ حَجَرٍ؟! فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ عِنْدِي مَنْ يَمْنَعُنِي.
702- قَالَ ابن عون وأنبأنا نافع قَالَ: بلغ ابن عُمَر قتله وإنه لمحتبٍ فِي السوق، فأطلق حبوته ومضى، فسمعت نحيبه.
703- وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْن الْهَيْثَم حَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن صَالِحٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ أَنَّ عائشة قالت لمعاوية، ودخل عليها بالمدينة: [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُقْتَلُ بِعَذْرَاءَ سَبْعَةُ نَفَرٍ يَغْضَبُ اللَّهُ وَأَهْلُ السَّمَاءِ مِنْ قَتْلِهِمْ] » .
704- وَحَدَّثَنِي بَكْرٌ عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي قَبِيلٍ «1» قَالَ: لَمَّا قُتِلَ حَجَرُ بْنُ الأَدْبَرِ وَأَصْحَابُهُ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ بِإِفْرِيقِيَّةَ، بَلَغَهُ قَتْلُهُ فَقَامَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ: يَا أَشِقَّائِي فِي الرَّحِمِ، وَأَصْحَابِي فِي السَّفَرِ، وَجِيرَتِي فِي الْحَضَرِ، نُقَاتِلُ لِقُرَيْشٍ فِي الْمُلْكِ حَتَّى إِذَا اسْتَقَامَ لَهُمْ قَتَلُونَا.
705- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة وغيره أن مُعَاوِيَة لما احتضر جعلوا يقلبونه فيقول: أي جسدٍ يقلبون إن نجا من ابن عدي.
706- وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ
__________
701- ما تقدم ف: 695، 698 702- ما تقدم ف: 685 والاستيعاب: 329 وسير الذهبي 3: 308 703- الاصابة 1: 349 (رقم: 1624) وابن عساكر 4: 86 واليعقوبي 2: 275 وابن كثير 8: 55 704- ما تقدم ف: 150 705- قارن بما تقدم ف: 426 706- قارن باليعقوبي 2: 275
__________
(1) أبو قبيل هو حيي بن هانئ (المشتبه: 342) .(5/266)
قال: دخل عبد الله بْنِ أُسَيْدٍ «1» عَلَى مُعَاوِيَةَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَرَأَى مِنْهُ جَزَعًا فَقَالَ: مَا جَزَعُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ إِنْ مِتَّ دَخَلْتَ الْجَنَّةَ، وَإِنْ حَيِيتَ فَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ حَاجَةَ النَّاسِ إِلَيْكَ، فَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَاكَ إِنْ كَانَ لَنَا لَنَاصِحًا، نَهَانِي عَنْ قَتْلِ ابْنِ الأَدْبَرِ وَأَصْحَابِهِ.
707- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: كتب مُعَاوِيَة إلى زياد: أنه قد تلجلج «2» فِي صدري شيء من أمر حجر، فابعث (810) إلي رجلًا من أهل المصر له فضل ودين وعلم، فأشخص إليه عبد الرحمن بْن أبي ليلى وأوصاه أن لا يقبح له رأيه فِي أمر حجر، وتوعده بالقتل إن فعل، قَالَ ابن أبي ليلى: فلما دخلت عليه رحب بي وقال: اخلع ثياب سفرك والبس ثياب حضرك، ففعلت وأتيته، فَقَالَ: أما واللَّه لوددت «3» أني لم أكن قتلت حجرًا، وودت أني كنت حبسته وأصحابه أو فرقتهم فِي كور الشام فكفتنيهم الطواعين، أو مننت بهم على عشائرهم «4» . فقلت: وددت واللَّه أنك فعلت واحدة من هذه الخلال، فوصلني فرجعت وما شيء أبغض إلي من لقاء زياد، وأجمعت على الاستخفاء، فلما قدمت الكوفة صليت فِي بعض المساجد، فلما انفتل الإمام إذا رجل يذكر موت زياد، فما سررت بشيء سروري بموته.
708- وحدثت عَنْ عثمان بْن مقسم البري عن الحسن، وكان مع الربيع بن زياد بناحية خراسان، قَالَ، قَالَ الربيع لما بلغه قتل حجر وأصحابه: ألا إن الفتنة قد كانت تكون ولم يكن قتل الصبر، وقد قتل حجر وأصحابه صبرًا، فهل من ثائر، هل من معين، هل من منكر؟! قَالَ ذلك مرارًا، فلم يجبه أحد، فَقَالَ: أما إذ أبيتم فستبتلون بالقتل صبرًا على الظلم.
__________
708- قارن بالطبري 2: 161 وابن الأثير 3: 411 والمروج 5: 15
__________
(1) هو عبد الله بن خالد بن أسيد، س: أسد.
(2) خ بهامش ط س: تخلج.
(3) س: وددت.
(4) مرّ هذا الرأي في ف: 668(5/267)
709- وروي أن الحسن بْن الربيع قَالَ: رب إن حجرًا قتل صبرًا، فإن كنت مغيرًا ذلك وإلا فاقبضني إليك، فمات من ليلته.
710- قالوا: وفرق مُعَاوِيَة من صفح عنه من أصحاب حجر فلم ينزل اثنان بكورة واحدة.
711- وقال عوانة، فقالت عائشة لِمُعَاوِيَةَ، وقد حج فدخل إليها: أقتلت حجرًا وأصحابه؟! فَقَالَ: أنا قتلتهم؟! إنما قتلهم من شهد عَلَيْهِمْ.
712- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عن محمد بن بجاد «1» عن عائشة بنت سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ قَالَتْ: لَمَّا قَتَلَ مُعَاوِيَةُ حَجَرَ بْنَ عَدِيٍّ قَالَ أَبِي: لَوْ رَأَى مُعَاوِيَةُ مَا كَانَ مِنْ حَجَرٍ يَوْمَ عَبَرَ قَنْطَرَةَ حُلْوَانَ لَعَرَفَ أَنَّ لَهُ غِنَاءً عَظِيمًا عَنِ الإِسْلامِ.
713- وقال هشام بْن محمد عَنْ أبيه إن حجر بْن عدي الأدبر بْن جبلة جاهلي إسلامي، وإنما طعن عدي أَبُو حجر فِي دبره فسمي الأدبر، وإن حجرًا وفد عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو وأخوه هانئ بْن عدي، وكان فِي ألفين وخمسمائة من أهل العطاء، فشهد القادسية، وافتتح مرج عذراء بالشام وبها قتله مُعَاوِيَة، وقد كان شهد مع علي الجمل وصفين ويكني أبا عبد الرحمن.
714- قالوا: قالت امرأة من كندة يقال لها هِنْد، وقال الْهَيْثَم: هي هِنْد بنت مخرمة أنصاريّة، رضي الله تعالى عنها:
__________
711- ما تقدم: 699 712- فتوح البلدان: 302 713- الطبري 3: 2528 وطبقات ابن سعد 6: 151 والمعارف: 334 والاصابات 1: 349 وابن عساكر 4: 84، 85 وأسد الغابة 1: 386 714- أنيس الجلساء: 187 (رقم: 53) والطبري 2: 146 وابن كثير 8: 54، والأبيات 1- 5 أيضا في الأغاني 17: 95 والأبيات 1، 2، 3، 5، في المروج 5: 15 والأبيات 1، 2، 3، 6 في طبقات ابن سعد 6: 153 وابن عساكر 4: 86 وابن الأثير 3: 407 والبيتان 1، 2 في الأغاني 17: 78 والأول في الدينوري 1: 237 وسير الذهبي 3: 307 واسم الشاعرة عند ابن عساكر هنت بنت زيد الأنصارية أو أخت حجر بن عدي.
__________
(1) س: نجاد، (وانظر مغازي الواقدي 1: 27) .(5/268)
ألا يا «1» أيّها القمر المنير ... تأمل «2» هل ترى حجرًا يسير
يسير إلى مُعَاوِيَة بْن صخر «3» ... ليقتله كذا «4» زعم الأمير
أخاف عليك أسباب المنايا «5» ... وشيخًا فِي دمشق له زئير
يرى قتل الخيار عليه حقًا ... له من شر أمته وزير
ألا يا ليت حجرًا مات موتًا ... ولم ينحر كما نحر الجزور «6»
تطاولت «7» الجبابر بعد حجرٍ ... وطاب لها الخورنق والسدير
715- قالوا: وعوتب الْهَيْثَم بْن الأسود النخعي على شهادته على حجر، وكان ممن عاتبه عمير أَبُو العمرطة ورجل يقال له عمرو بْن أبي فروة، فَقَالَ:
ألا من عذيري من عمير ومن عمرو ... يلومانني أن مال دهر على حجر
وهل لي ذنب أن زياد «8» أراده ... وأصحابه يومًا بقاصمة الظهر
(811) وقد حدث الأقوام مينًا بأنني «9» ... دلفت له عمدًا بداهيةٍ هتر
فهلا إذًا إن كنت حرًا منعته ... وطاعنت عنه بالمثقفة السمر
فِي أبيات.
716- وقال الشاعر يحرض بني هند من بني شيبان «10» :
__________
716- الطبري 2: 147
__________
(1) خ بهامش ط س: ترفع (كسائر المصادر) .
(2) بعض المصادر: ترفع، تبصّر.
(3) المصادر: حرب.
(4) المصادر: كما.
(5) بعض المصادر: ما أردى عديا، الأغاني: سطوة آل حرب.
(6) بعض المصادر: البعير.
(7) معظم المصادر: تجبرت.
(8) س: أن زيادا تم.
(9) م س: ميثاء أنني.
(10) زاد في الطبري: على قيس بن عباد حين سعى بصفي بن فسيل (فشيل) .(5/269)
دعا ابن فشيل يال مرة دعوة ... وولى «1» ذباب السيف كفًا ومعصما
لتبك بني هِنْد قتيلة «2» مثل ما ... بكت عرس صيفي وتبعث مأتما
717- وقال عبد اللَّه بْن خليفة يرثي حجرًا بقصيدة طويلة، يَقُول فيها:
فيا حجر من للخيل تدمى نحورها ... وللملك الغاوي إذا ما تغشمرا
718- وقال قيس بْن قهدان الكندي:
طافت جمان «3» بأرحل السفر ... وسرت إليك ولم تكن تسري
وهي طويلة يَقُول فيها:
يا حجر يا ذا الخير والحجر ... يا ذا النوال ونابه الذكر
719- وقال أبو مخنف قالت امرأة مُعَاوِيَة، ورأته قد أطال الصلاة: ما أحسن صلاتك يا أمير المؤمنين، لولا أنك قتلت حجرًا وأصحابه، فَقَالَ: أنهم فعلوا وفعلوا.
720- قَالَ: وأحسن مُعَاوِيَة صلات القوم القادمين بحجر، وولى مصقلة طبرستان.
وقوم يزعمون أن مصقلة لم يشهد على حجر وهلك قبل ولاية زياد.
721- وحدثني أحمد بْن إبراهيم الدورقي وَأَبُو خَيْثَمَةَ قَالا حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْن حازم عَنْ أبيه حَدَّثَنَا محمد بْن الزبير الحنظلي عَنْ فيل مولى زياد قَالَ: لما قدم زياد الكوفة أميرًا أكرم حجر بْن الأدبر وأدناه وشفعه، فلما أراد الانحدار إلى البصرة دعاه فَقَالَ له: يا حجر انك قد رأيت ما صنعت بك، وإني أريد البصرة فأحب أن تشخص معي، فإني أكره أن تتخلف بعدي، فعسى أن أبلغ عنك شيئا فيقع في نفسي، وإذا
__________
717- الطبري 2: 149 وابن الأثير 3: 399 وأضداد ابن الأنباري: 243 وحماسة ابن الشجري: 87 720- انظر ما تقدم: 665، 668 721- انظر ما تقدم: 646، 650، 652، 657، 659، 668 وابن كثير 8: 51
__________
(1) الطبري: ولاقى.
(2) قتيلة: أخت قيس بن عباد.
(3) س: حماد.(5/270)
كنت معي لم يقع فِي نفسي منك شيء، فقد علمت رأيك فِي علي بْن أبي طالب، وقد كان رأيي فيه قبلك على مثل ذلك، فلما رأيت اللَّه صرف الأمر عنه إلى مُعَاوِيَة لم اتهم قضاء اللَّه ورضيت به، وقد رأيت إلى ما صار أمر علي وأصحابه، وإني أحذرك أن تركب أعجاز أمور هلك من ركب صدورها «1» ، فَقَالَ له حجر: إني مريض ولا أستطيع الشخوص، قَالَ: صدقت واللَّه إنك لمريض الدين والقلب مريض العقل، وأيم اللَّه لئن بلغني عنك شيء أكرهه لأحرصن «2» على قتلك، فانظر أو دع. فخرج زياد فلحق بالبصرة، واجتمع إلى حجر قراء أهل الكوفة، فجعل لا ينفذ لعامل زياد معهم أمر، ولا يريد شيئًا إلا منعوه إياه، فكتب إلى زياد: إني واللَّه ما أنا فِي شيء مع حجر وأصحابه، وأنت أعلم، فركب زياد بغاله حتى اقتحم الكوفة، فلما قدمها تغيب حجر، فجعل يطلبه فلا يقدر عليه، فبينا زياد جالس يومًا وأصحاب الكراسي حوله فيهم محمد بن الأشعث بْن قيس إذ أتى ابن الأشعث ابنه فناجاه وأخبره أن حجرا قد لجأ إلى منزله، فَقَالَ له زياد: ما قَالَ ابنك؟ قَالَ: لا شيء، قَالَ: واللَّه لتخبرني ما قال لك حتّى أعلم أنّك قد صدقتني، أو لا تبرح مجلسك حتى أقتلك، فلما عرف ابن الأشعث رأيه أخبره، فَقَالَ لرجل من أشراف أهل الكوفة: قم فاتني به، قَالَ: أعفني أصلحك اللَّه من ذلك وابعث غيري، فَقَالَ: لعنة اللَّه عليك مخبث خبيث، واللَّه لتأتيني به أو لأقتلنك، فخرج الرجل فدخل عليه حتى أخبره وقال له: ابعث إلى جرير بْن عبد اللَّه (812) ليكلمه فيك، فإني أخاف أن يعجل عليك، فدخل جرير على زياد فكلمه فيه، فَقَالَ:
هو آمن أن أقتله، ولكني أخرجه إلى مُعَاوِيَة، فجاء به على ذلك، فأخرجه من الكوفة ورهطا معه، وكتب إلى مُعَاوِيَة أن أغن عني حجرًا إن كان لك بما قبلي حاجة، فبعث مُعَاوِيَة إليه فتلقي بالعذراء فقتل هو وأصحابه «3» . وولي «4» زياد العراق ومات سنة ثلاث وخمسين «5» .
__________
(1) انظر ما تقدم ف: 650
(2) م س: لأحرضن.
(3) قارن بالطبري 2: 158 وابن الأثير 3: 410 وابن عساكر 4: 86 وما يلي 746
(4) قارن بالطبري 2: 158 وابن الأثير 3: 410 وابن عساكر 4: 86 وما يلي 746
(5) في هامش ط إزاء هذا: بلغ العرض بالأصل الثالث ولله الحمد.(5/271)
أمر عمرو بن الحمق الخزاعي:
«1» 721 ب- قالوا: لما طلب زياد أصحاب حجر بْن عدي هرب عمرو بْن الحمق بْن الكاهن الخزاعي ورفاعة بْن شداد البجلي إلى المدائن، ثم مضيا إلى الأنبار ثم إلى الموصل، فصارا إلى جبل من جبالها مما يلي الجزيرة، فكمنا «2» فيه، وبلغ عامل الرستاق أن رجلين كامنان فِي الجبل، فأنكر شأنهما واستراب بهما، وكان العامل رجلًا من همدان يقال له عبد اللَّه بْن أبي تلعة «3» ، فصار إليهما ومعه أهل البلد، فلما انتهي إلى موضعهما خرجا إليه، فأما عمرو بْن الحمق فكان مريضًا قد سقى بطنه، فلم يكن عنده امتناع فأخذ، وأما رفاعة بْن شداد البجلي فكان شابًا قويًا، فوثب على فرسٍ له جوادٍ، وحمل على القوم فأفرجوا له، فخرج وخرجت الخيل فِي طلبه، وكان راميًا فجعل يرمي من لحقه «4» فيجرحه، حتى نجا بنفسه وأمسكوا عَنْ طلبه، فيقال إنه قَالَ لعمرو بْن الحمق:
أقاتل عنك، فَقَالَ: انج بنفسك، وسألوا عمرًا من هو فلم يخبرهم، فبعث به عبد الله ابن أبي تلعة إلى عبد الرحمن بْن أم الحكم أخت مُعَاوِيَة، وهو الذي قتل علي جده عثمان الثقفي «5» يوم حنين، وكان عبد الرحمن على الموصل والجزيرة «6» - ويقال على الموصل وأعمالها ومعها شهرزور- فلما رأى عمرو بْن الحق عرفه فحبسه، وكتب إلى خاله مُعَاوِيَة بظفره به، فكتب مُعَاوِيَة إليه: إنه يزعم أنه طعن عثمان تسع طعنات، وإنا لا نريد أن نعتدي عليه، فاطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان، فأخرج فطعن تسعًا مات فِي الأولى منهن أو الثانية، ثم احتز رأسه وبعث به إلى مُعَاوِيَة، فهو أول رأس بعث به إلى
__________
721- الطبري 1: 3022، 2: 127 والأغاني 17: 87 وابن الأثير 3: 396- 397 وانظر اليعقوبي 2: 274، 275
__________
(1) هذا العنوان ثابت في ط م س.
(2) م: وكمنا.
(3) هكذا هو في ط م س، وفي الطبري والأغاني: بلتعة.
(4) س: خلفه.
(5) هو عثمان بن عبد الله بن ربيعة، وعند الطبري: عبد الرحمن بن عبد الله بن ربيعة.
(6) انظر ما تقدم ف: 9(5/272)
مُعَاوِيَة، ويقال إنه اتخذت له مشاقص فطعن بها كما فعل بعثمان، فإنه «1» قعد على صدره ووجأه بمشاقص كانت معه تسع وجآت مات فِي اثنتين «2» منها، وقال ابن الكلبي عَنْ أبيه «3» : قتله ابن أم الحكم فِي عمل الجزيرة.
722- وقال الْهَيْثَم بْن عدي: هرب عمرو بن الحمق إلى الموصل وعليها ابن أم الحكم، فصار إلى غارٍ فِي جبل، فعثر عليه وأخبر عبد الرحمن بْن أم الحكم بمكانه، فبعث إليه خيلًا فدخل أقصى الغار فنهشته حية فقتلته وأخذ رأسه فحمل إلى زياد، فحمله زياد إلى مُعَاوِيَة، فكان أول رأس حمل «4» فِي الإسلام من بلد إلى بلد.
723- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ شَرِيكٍ عَنِ أبي إسحاق قَالَ: أول رأس أهدي فِي الإسلام رأس عمرو بْن الحمق أهدي إلى مُعَاوِيَة.
724- وروي أن ابن الحمق أتى أذربيجان فنزل على رجل من بجيلة فمات عنده، فاحتز رأسه فأتى به ابن أم الحكم، فبعث به إلى مُعَاوِيَة، فنصبه للناس، ثم بعث به إلى امرأته آمنة بنت سويد «5» وكانت محبوسة عند مُعَاوِيَة، فقالت: لقد نفيتموه طويلًا وأهديتموه قتيلًا، فمرحبًا به من هديةٍ غير مقلية، ونفاها إلى حمص فماتت بحمص.
725 حدثنا خلف بن هشام حدثنا هشيم عن يونس بْن عبيد عَنْ حميد بْن هلال قَالَ: ولى زياد أبا بردة بعض الصدقة فَقَالَ: أنى أنزل نفسي وإياك فِي المال بمنزلة ولي اليتيم، من كان غنيًا فليستعفف (3 (813) ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف.
__________
722- قارن بالمعارف: 149 وطبقات ابن سعد 6: 15 والطبري 3: 2366 وابن رسته: 192 وأسد الغابة 4: 100 والاصابة 4: 294 والمحاسن والمساوئ: 394 والاشتقاق: 279 724- قارن باليعقوبي 2: 275 وأسد الغابة 4: 101 والمحبر: 292، 490 والديارات: 179- 180 (ط/ 1966) وبلاغات النساء: 95.
__________
(1) انظر ما يلي ف: 1470
(2) 1470: في ثلاث.
(3) طبقات ابن سعد 6: 15 والطبري 3: 2366
(4) الاشتقاق: نصب.
(5) بلاغات وأسد: الشريد.(5/273)
726- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: كان الجموح بْن عمرو الفهمي شهد صفين مع علي فآمنه مُعَاوِيَة وكتب إلى زياد: إني قد عرفت زلته وغفرتها له لحلفه أبا سُفْيَان، فدعاه زياد إلى ولاية بيت المال فأبى، فَقَالَ له زياد: أتتأبى علي وقد سفكت الدماء مع علي بْن أبي طالب؟! فَقَالَ: يا زياد أتقول هذا فو الله إن كنت لمنتفيًا من الأب الذي صرت إليه منسوبًا إلى الأب الذي انتفيت منه وأنت تسفك الدماء معه وتجبي الخراج إليه، وأنت يومئذ خير منك اليوم، فضربه زياد مائة سوط وحلق رأسه ولحيته، فكتب إليه مُعَاوِيَة كتابًا غليظًا يَقُول فيه: لهممت أن أوجه إليك من يقتص له منك، فأوفد الجموح إليه فأظهر كرامته، وأنشده الجموح:
معاوي إن اللَّه فوق سمائه ... وإنك ذو ذنب ولا يؤمن الذنب
سطا ببني عادٍ فلم يبق منهم ... بقايا ولا عين لعادٍ ولا شرب
وإن زيادًا موعب فِي أديمكم ... وشائمكم والشؤم أعظمه الخطب
وتارككم فِي لعنةٍ بعد لعنة ... وداء الصحاح أن تقارفها «1» الجرب
فو الله ما ينهى زيادًا وغيه ... سوى أن تقول لا زياد ولا حرب
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قل ما شئت فإنك حليف أبي سُفْيَان، ودعا له بخلعة قد لبسها فكساه إياها وقال: امش مشيتك فِي قريش، وأعطاه مخصرة فَقَالَ: اختصر بها.
727- وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ «2» بْنُ الْحَسَنِ الْعَلافُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ زِيَادًا أَهْدَى إِلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَصَفِيَّةَ هَدِيَّةً، وَفَضَّلَ عَائِشَةَ بِفُسْطَاطٍ، وَأَمَرَ رَسُولَهُ أَنْ يَعْتَذِرَ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَصَفِيَّةَ مِنْ تَفْضِيلِ عَائِشَةَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَتَا: لَقَدْ آثَرَهَا عَلَيْنَا مَنْ كَانَتْ أَثَرَتُهُ أَشَدُّ عَلَيْنَا مِنْ أَثَرَةِ زِيَادٍ.
728- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ زِيَادًا «3» كتب إلى
__________
(1) ط م س: تفارقها.
(2) م: أحمد بن ابراهيم.
(3) س: زياد.(5/274)
مُعَاوِيَةَ: إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ مَا أَلْقَى مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: كَتَبْتَ تَشْكُو مَا تَلْقَى مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ، فَاصْبِرْ فَإِنَّ حُلَمَاءَهَا صَبَرُوا عَلَيْكَ حَتَّى وَضَعُوكَ بِهَذَا «1» الْمَوْضِعِ.
729- الْمَدَائِنِيّ قال: خطب زياد على منبر الكوفة فأمر بالأبواب فمنعت، وجلس وعرض الناس عليه، فمن حلف تركه ومن أبى قطع يده، فقطع يومئذ ثمانين يدًا.
730- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة بْن محارب قَالَ: كان زياد إذا أراد أن يعاقب رجلًا حبسه ثلاثة أيام ثم دعا به، فإن رأى أن يعاقبه عاقبه ثم قَالَ: لم يمنعني من عقوبته إلا مخافة أن أكون إنما عاقبته للغضب.
731- حَدَّثَنِي عباس بن هشام عن أبيه عن أبي مخنف عَنِ القاسم بْن النضر العبسي عَنْ أبيه عن عمّه قال: أرسل إلينا زياد لنلعن عليًا ونبرأ منه، فإنا لمجتمعون إذ أغفيت إغفاءة، فرأيت رجلًا أسود فراعني فقلت له: من أنت؟ فَقَالَ: أنا النقاد ذو الرقبة، أرسلت إلى هذا الشاتم صاحب الرحبة «2» ، فأتانا رسول زياد فَقَالَ: انصرفوا فإن الأمير عليل، فعرضت له الأكلة فمات بعد ثلاثة أيام، فقلت:
ما كان منتهيا عمّاد أراد بنا ... حتى أتيح له «3» النقاد ذو الرقبة
فجلل الرأس «4» منه ضربة عجلًا «5» ... لما تناول بغيًا «6» صاحب الرحبة
732- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: وفد زياد إلى مُعَاوِيَة بأهل المصرين واشتعل «7» الطاعون بالكوفة، فَقَالَ له مُعَاوِيَة: أقم عندنا، فأقام ثلاثة أشهر، ثم قَالَ له: ما جاءك عن بلادك
__________
731- ابن عساكر 5: 421 والمحاسن والمساوئ: 54 والمروج 5: 67 (وفيه البيتان) وانظر أيضا اليعقوبي 2: 280 ومناقب ابن شهر اشوب 2: 169 وشرح النهج 3: 199 والروض المعطار: 152 732- قارن بما يلي رقم: 745
__________
(1) م: هذا.
(2) البيهقي وابن عساكر والمروج: صاحب هذا القصر.
(3) بعض المصادر: تأتى له، تناوله.
(4) بعض المصادر: فأثبت الشوق، فأسقط الشق.
(5) بعض المصادر: ثبتت.
(6) بعض المصادر: ظلما.
(7) س: واشتغل.(5/275)
يا (814) أبا المغيرة؟ قَالَ: ارتفاع الطاعون، قَالَ: قد بلغني ذاك فإن شئت فسر، فلما قدم الكوفة توفي بعد قليل من مقدمه.
733- قالوا: وكان زياد كتب إلى مُعَاوِيَة مع الْهَيْثَم بْن الأسود: إني قد أحكمت أمر العراق وضبطته بشمالي، ويميني فارغة- أو قَالَ: بيميني، وشمالي فارغة- فولني الحجاز واشغلها به، فبلغ ذلك ابن عُمَر فاستقبل القبلة فَقَالَ: اللَّهم اشغله عنا، فما أتى له من مقدمه عشرون ليلة حتى طعن فِي خنصره، ويقال إنه قَالَ: اللَّهم إن فِي القتل كفارة لمن تشاء من خلقك، وإني أسألك لابن سمية موتًا لا قتلًا، فخرجت فِي إصبعه بثرة فما أتت عليه جمعة حتى مات، ويقال لم تأت عليه ثلاثون ساعة.
734- وقال عبد اللَّه بْن مطيع: يا أهل المدينة اكتبوا كتابًا إلى مُعَاوِيَة بالاستعفاء من زياد ومن ولايته، واكتبوا كتابًا إلى زياد، فإذا أكب عليه ليقرأه ضربت عنقه، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أن الرجل ليبذل دمه فِي صلاح عشيرته.
735- حَدَّثَنِي الأَعْيَنُ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: [بَلَغَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ أَنَّ زِيَادًا يَتَّبِعُ شِيعَةَ عَلِيٍّ فَيَقْتُلَهُمْ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ تَفَرَّدْ بِمَوْتِهِ فَإِنَّ فِي الْقَتْلِ كَفَّارَةً] .
736- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قدم الْهَيْثَم بْن الأسود بولاية زياد الحجاز، فقيل له قدم الْهَيْثَم بعهدك على الحجاز، فَقَالَ: لشربة ماءٍ باردٍ أجد طعمها أحب إلي مما قدم به الأسود، ولم يلبث أن مات.
737- قالوا: وكان زياد لا يقطع أمرًا دون شريح، فَقَالَ له: يا أبا أُمَيَّة ما ترى فِي قطع إصبعي؟ قَالَ: سل أهل الطب، فبعث إلى دينار مولى أبي بكر بن وائل، فقال له:
__________
733- انظر الطبري 2: 158- 159 وابن الأثير 3: 140 وما يلي رقم 735 واليعقوبي 2: 280 والعقد 5: 12 وابن خلكان 2: 462 وتاريخ الاسلام 2: 280 735- ما تقدم ف: 733 والبصائر 7: 454 737- ابن عساكر 5: 421 وقارن بالطبري 2: 158 واليعقوبي 2: 258 وما تقدم: 610(5/276)
أين تجد الألم؟ قَالَ: فِي قلبي، قَالَ: عش سويًا ومت سويًا ولا تمثل بنفسك، وقال أَبُو بَكْر بْن عياش: الذي أشار عليه أن لا يقطع يده أَبُو جهيم مالك الأسدي الطبيب.
738- قالوا: وخرج شريح من عند زياد، فسأله مسروق بْن الأجدع والمسيب ابن نجبة وسليمان بْن صرد وعروة بْن المغيرة وخالد بْن عرفطة وأبو بردة بْن أبي موسى:
كيف تركت زيادًا؟ قَالَ: تركته يأمر وينهى، عنى شريح أنه يأمر بالوصية والكفن وينهى عَنِ النوح والبكاء.
739- وحدثني أَبُو مسعود الكوفي عَنِ ابن كناسة وعوانة، قَالَ: لما شاور زياد شريحًا فِي قطع أصبعه قَالَ له: إن كان الأجل قد حضرك لقيت اللَّه وقد قطعت يدك فرارًا من لقائه، وإن كان الأجل متأخرًا عشت أجذم فعير بذلك ولدك «1» ، فلم يلبث أن مات.
740- وقال له ابنه: لقد هيأت لكفنك ستين ثوبًا، فَقَالَ: يا بني قد دنا من أبيك لباس خير من هذا وسلب لا خير معه «2» ، وكان موت زياد بالكوفة.
741- وكان سليم مولى زياد على ديوان خراجه، فَقَالَ لشريح: أشر على الأمير بالوصية فإنه لا يخالفك، ففعل، فَقَالَ له زياد: من سألك أن تكلمني فِي الوصية؟
فَقَالَ: سليم، فَقَالَ: أما انه غير متهم فِي وصية «3» ولا شفعة، فكتب وصيته فِي ثلاث نسخ، فدفع نسخة إلى شريح ونسخة إلى سليم، وأخرى إلى أم ولده.
742- واستخلف عبد اللَّه بْن خالد بْن أسيد على الكوفة، وأقر سمرة على البصرة، ويقال إنه استخلف عبد اللَّه عليهما جميعا إلى أن يرى معاوية رأيه.
__________
738- عيون الأخبار 2: 199 والعقد 2: 467 وأخبار الظراف: 25 والأذكياء: 40 والبصائر 2: 238 وروض الأخيار: 147 وانظر الطبري 2: 159 وتأويل مختلف الحديث: 46 وربيع الأبرار 1: 716 (ط.
بغداد) 739- الطبري 2: 159 وانظر محاضرات الراغب 1: 12 وابن خلكان 2: 462- 463 740- الطبري 2: 159 742- ما يلي رقم: 753 وما تقدّم ف: 451
__________
(1) الطبري: وتعير ولدك.
(2) الطبري: أو سلب سريع.
(3) م وخ هامش ط س: نصيحة.(5/277)
743- وكثر بكاء الناس رجالهم ونسائهم عليه، فلما وضع ليصلى عليه تقدم عبيد اللَّه بْن زياد ليصلي عليه، فأخذ مهران «1» بمنكبيه وقال: وراءك، وقال شريح لعبيد اللَّه: الأمير غيرك، وقدما عبد اللَّه بْن خالد فصلى عليه، ووجد عبيد اللَّه على مهران فأضر به حين ولي.
744- وقال (815) عبد اللَّه بْن خالد لشريح وسليم: بماذا تأمرانني؟ قالا له: أنت الأمير فانزل القصر، فنزله، وقال مُعَاوِيَة حين بلغه خبره: لا واللَّه ولا على عجم أحد المصرين، فتركه سنة ثم بعث إليه: إن شئت حاسبناك وأعطيناك ألف ألف درهم، وإن شئت فلا محاسبة ولا جائزة، فدعا خالدًا وأمية ابنيه فَقَالَ: ما تريان؟ قالا: قد أخذنا لك عشرين ألف ألف فلا ترد محاسبة ولا جائزة، فعزله وولى الضحاك بْن قيس الكندي الكوفة «2» .
745- حَدَّثَنِي هِشَام بْن عمار عَنِ الوليد بْن مسلم قَالَ: كان زياد عند مُعَاوِيَة وقد وقع الطاعون بالعراق، فَقَالَ له: إني أخاف عليك يا أبا المغيرة عبر «3» الطاعون، فلمّا صار إلى العراق طعن فمكث شهرًا ثم مات.
746- قالوا: وكان موت زياد فِي شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وهو ابن خمس وستين سنة.
747- وحدثني الحرمازي عَنِ العتبي قَالَ: كانت وصية زياد: هذا ما أوصى به زياد بْن أبي سُفْيَان حين أتاه من أمر اللَّه ما لا ينظر، ورأى من قدرته ما لا ينكر، أوصى
__________
743- قارن باليعقوبي 2: 281 744- في عزل خالد وتولية الضحاك قارن بالطبري 2: 172 وما تقدم ف: 451 745- انظر ما تقدم ف: 732 746- قارن بما تقدم، آخر الفقرة: 721 والطبري 2: 158، 169 وابن الأثير 3: 410 وطبقات ابن سعد 7/ 1: 71 والجهشياري: 23.
747- البيان 1: 387- 388 وابن عساكر 5: 422 وما تقدم ف: 741 والبصائر 1: 511
__________
(1) كان على خراج البصرة (ف: 652) .
(2) الكوفة: سقطت من م وهي بهامش ط س.
(3) س: غير.(5/278)
أنه يشهد أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّه وَحْدَهُ لا شريك له شهادة من عرف ربه وخاف ذنبه، وأن محمدًا عبده ورسوله، أرسله إمام هدى صدق به من قبله وهدى به من بعده صلى اللَّه عليه وسلم، وأوصى أمير المؤمنين وجماعة المسلمين بتقوى اللَّه حق تقاته، وأن لا يموتوا إلا وهم مسلمون، ولا يراهم حيث نهاهم ولا يفقدهم أثرهم، وأن يتعهدوا كبير أمورهم وصغيره، فإن اللَّه جعل لعباده عقولًا عاقبهم بها على معصيته، وأثابهم بها على طاعته، ولله النعمة على المحسن، والحجة على المسيء، فما أحق من تمت به نعمة اللَّه عليه فِي نفسه ورأى «1» العبرة بأن يضع الدنيا حيث وضعها اللَّه، فيعطي ما عليه فيها، ولا يتكثر بما ليس له منها «2» ، فإن الدنيا دار زوال لا سبيل إلى بقائها، وأحذركم الذي حذركم نفسه، وأوصيكم بتعجيل «3» ما أخرت العجزة حتى صاروا إلى الحسرة والندامة ولم يقدروا على الأوبة، وقد وليت فلانًا وفلانًا أمر تركتي فإن يحسنا أو يسيئا فاللَّه وأمير المؤمنين من ورائهم، وكفى باللَّه شهيدًا.
748- حَدَّثَنَا خلف بْن هشام الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إسحاق أنه قَالَ: واللَّه ما رأينا بعد زياد مثله، فتعجبنا من يمينه، وقد رأى عُمَر بْن عبد العزيز فلم يستثنه.
749- وحدثت عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ مجالد عَنْ الشعبي عَنْ قبيصة بْن جابر قَالَ: ما رأيت رجلًا أخصب جليسًا ولا أشبه سريرة بعلانية من زياد.
750- وقال مُعَاوِيَة حين بلغه موت زياد:
أفردت «4» سهمًا فِي الكنانة واحدًا ... سيرمى به أو يكسر السهم كاسره
__________
749- ما تقدّم ف: 347، 312 وقارن بسير الذهبي 3: 326 وهذا التصوير ينسب لمعاوية في الطبري 2: 215 750- ما تقدم ف: 167 وسير الذهبي 3: 310
__________
(1) ط: وترى، ثم صححت في الهامش، س: وترى وراو (اضطرب فأثبت الوجهين أي: ويرى، ورأى) ، وفي ابن عساكر والبيان: ورأى العبرة في غيره) .
(2) م والبصائر: فيها.
(3) س: بتأخير.
(4) الذهبي: وخلفت.(5/279)
751- حَدَّثَنِي عمرو بْن محمد حَدَّثَنَا أَبُو نعيم عَنْ موسى بْن قيس «1» عَنْ سلمة بْن كهيل قال: أوّل من وطئ على صِماخ الإسلام زياد.
752- وأوصى زياد أن يدفن عند أبي موسى الأشعري، وقبره عند دكان عَبْد الحميد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن زَيْد بْن الخطاب، وهو عند منقطع البيوت بالكوفة «2» .
753- وحدثني الأثرم عَنْ ابن الكلبي عَنْ أبي عبيدة أن زيادًا ولى عبد اللَّه بن خالد ابن أسيد بْن أبي العيص «3» بْن أُمَيَّة فارس، ووهب له ابنة جوانبوذان بن المكعبر «4» .
فولدت له الحارث بْن عبد اللَّه، ولما مات زياد استخلفه على الكوفة وهو صلى عليه.
754- وقال المدائني: كتب زياد إلى معاوية ابن أبي سُفْيَان: إن الأنفس يغدى عليها ويراح، وأخاف أن يحدث بي حدث (816) ولا أجد أحدًا أوليه ما قبلي، فإن رأى أمير المؤمنين أن يوجه إلي رجلًا من قريش له بيت وموضع ودين فيكون عندي، فإن حدث بي حدث قبله وليته، فكتب إليه: سم لي رجلًا، فسمى له عبد اللَّه بْن خالد، فوجهه إليه فولّاه أردشير خرّه، وزوج ابنته أُمَيَّة بْن عبد «5» اللَّه.
755- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قصر عبد اللَّه بْن خالد بْن أسيد بعمر بْن سعد «6» فشكاه إلى مُعَاوِيَة، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لقد وجدته أحضر صلالا، قَالَ: أما واللَّه لو جريت وهو على السواء ما نزل بذلك المنزل، ولكنه قهرني بسلطانه، وخرج فأتبعه مُعَاوِيَة بصره وقال: ما فِي الأرض قرشي كنت أحب أن أمي ولدته غيره.
__________
751- ما تقدم ف: 643.
752- قارن بفتوح البلدان: 344 وياقوت 1: 940 (الثوية) والدينوري: 239 والطبري 2: 159 753- ما تقدّم ف: 451، 742.
754- ما يلي رقم: 1172.
755- بعضه في ما تقدم ف: 125
__________
(1) انظر ميزان الاعتدال 4: 217 (رقم: 8911) .
(2) م: من الكوفة.
(3) م: العاص.
(4) م: المعكبر.
(5) أنظر ما يلي: 1174
(6) م: سعيد.(5/280)
756- وقال الْمَدَائِنِيّ وغيره: أول من قدم بنعي زياد إلى البصرة مسعود بْن عمرو، فَقَالَ حارثة بْن بدر الغداني وكان صديق زياد:
لقد جاء مسعود أخو الأزد غدوةً ... بداهيةٍ شنعاء «1» بادٍ حجولها
من الشر ظل القوم فيها كأنّهم ... وقد جاء بالأخبار من لا يحيلها
ألم تر أن الأرض أصبح خاشعًا ... لفقد زيادٍ حزنها وسهولها
قضى أجل الدنيا وغادر أمةً ... به شفيت أضغانها وذحولها
وحذرها ما يتقى من أمورها ... وقومها حتى استقام سبيلها
وأبرأ «2» مرضاها وأقسط بينها ... فبان وقد فاءت إليها «3» عقولها
فِي أبيات، وقال أيضًا «4» :
صلى الإله على ميتٍ وطهره ... دون الثوية تسفي فوقه المور
زفت إليه قريش نعش سيدها ... ففيه ضافي الندى والحزم والخير «5»
أبا المغيرة والدنيا مفجعة ... وإن من غرت الدنيا لمغرور
قد كان عندك للمعروف «6» معرفة ... وكان عندك «7» للنكراء تنكير
ولا تلين إذا عوسرت مقتسرا ... وكل أمرك ما يوسرت ميسور
لم يعرف الناس مذ ووريت سنتهم «8» ... ولم يجلّ ظلاما عنهم نور
__________
756- الأغاني 23: 463 (وفيه البيتان الاول والثاني) وابن عساكر 5: 423 (وفيه الثالث والسادس) .
__________
(1) الأغاني: غرّاء.
(2) ابن عساكر: وآثر.
(3) م: إليه.
(4) زهر الآداب: 914، والأبيات 1- 4، 6 في اليعقوبي 1: 940 وأنيس الجلساء: 144، والأبيات 1- 4 في الكامل، 1: 217 والعقد 3: 297 والحماسة البصرية 1: 258 والمستدرك 3: 473 والأبيات 1- 5 في الأغاني 23: 462، والأبيات 1، 3- 6 في ابن عساكر 5: 423 والبيتان 1، 3 فيه 5: 303 والبيتان 3، 4 في العقد 3: 59، 241، وتنسب الأبيات في ديوان الخنساء للحارثية بنت زيد بن بدر.
(5) البصرية: فثم كل التقى والبر مقبور.
(6) المصادر ما عدا الكامل: بالمعروف.
(7) ط م س: عندي.
(8) ياقوت: كفنت سيدهم، م: أوريت، س: روريت.(5/281)
وقال أيضًا:
صلى الإله على ميتٍ وطهره ... دون الثوية لم نشهد له جننا
من آل حربٍ بها لاقى منيته ... فغيب الحزم ذاك اليوم إذ دفنا
أبا المغيرة والدنيا مفجعة ... من ذا الذي لم يجرع مرة حزنا
757- قالوا: ومات زياد وما يملك الا أقل من عشرة آلاف درهم، ولم يترك من الكسوة غير قميصين وإزارين وسراويلين، وكان يقول: ما دام سلطاننا فالدنيا كلها لنا، فإذا زال عنا فالذي يجزينا من الدنيا أقلها «1» .
758- وقال مسكين الدارمي:
رأيت زيادة الإسلام ولت ... جهارًا حين ودعنا زياد
وقال الفرزدق:
أمسكين أبكى اللَّه عينيك إنما ... جرى فِي ضلالٍ دمعها فتحدرا
بكيت امرأ من أهل ميسان أمة ... ككسرى على عدانه أو كقيصرا
أقول له لما أتاني نعيه ... به لا بظبي بالصريمة أعفرا
فَقَالَ مسكين «2» (817) :
ألا أيها المرء الذي لست ناطقًا ... ولا قاعدًا فِي القوم إلا انبرى ليا
فجئني بعم مثل عمي أو أبٍ ... كمثل أبي أو خال صدق كخاليا
__________
758- النقائض: 620 والطبري 2: 159 وابن الأثير 3: 411 والأغاني 20: 168، 21، 376 وياقوت 4: 715 وابن عساكر 5: 302 وجمهرة العسكري 1: 211، وبيت مسكين وحده أيضا في النجوم الزاهرة 1: 144 وابن عساكر 5: 423 وأبيات الفرزدق في ديوانه: 48، 1: 245 والأغاني 20: 168 وتاج العروس 2: 417 (عدد) والبيتان الأولان في المعرب: 142
__________
(1) انظر في جمهرة العسكري 1: 207
(2) شعر مسكين في النقائض: 621 والطبري 2: 160 والأغاني 20: 169، 21: 376 وابن عساكر 5: 303 وديوانه: 67(5/282)
وقال الفرزدق «1» :
أبلغ زيادًا إذا لاقيت مصرعه ... أن الحمامة قد طارت من الحرم
طارت فما زال تنميها قوادمها ... حتى استقامت إلى الأنهار والأجم
وقال أيضًا «2» :
كيف تراني قالبًا مجني ... أقلب «3» أمري ظهره للبطن
قد قتل «4» اللَّه زيادًا عني
759- قالوا: ووفد عبيد اللَّه بْن زياد إلى مُعَاوِيَة فسأله ان يوليه، فَقَالَ له: لو كان فيك خير لولاك أخي، فَقَالَ: أنشدك اللَّه يا أمير المؤمنين أن يَقُول الناس لو علم أبوك وعمك فيك خيرًا لولياك، ثم ولاه البصرة حتى شكاه عبد اللَّه بْن عمرو لقطعه رجلًا من بني ضبة على شبهة.
760- وكان الحجاج بْن علاط ادعى مولى لبني مخزوم، وذكر أنه أتى أمه فِي الجاهلية، فقضى به مُعَاوِيَة لعبد الرحمن بْن خالد بْن الوليد، وكانت الخصومة فيه بين نصر بْن الحجاج وبين عبد الرحمن بْن خالد، وقال نصر بْن الحجاج:
إليك أمير المؤمنين رحلتها ... لأمر أشاب الرأس مني وأنصبا
معاوي إلا تعطنا الحق ننتصر ... بأسيافنا والشر لم يك ترتبا «5»
__________
759- الطبري 2: 166 وابن الأثير 3: 414 وعيون الأخبار 1: 235 وتذكرة ابن حمدون: 109/ أوفي بعضه انظر: 640، 641 حيث (كما في الطبري وابن الأثير) كان عبد الله بن عمرو قبل عبيد الله بن زياد واليا على البصرة، وعزل عنها لأنه حدّ رجلا في شبهة، وعن عزل عبيد الله قارن بالطبري 2: 190- 191 وابن الأثير 3: 431 760- سيورده البلاذري في الورقة 870/ أ (من نسخة س) وقارن بالطبري 3: 480
__________
(1) شعر الفرزدق في ديوانه: 118، 2: 776 والنقائض: 621 والطبري 2: 161
(2) النقائض: 621 والأول والثالث في ديوان الفرزدق رقم: 525 (هل) 2: 881 وجمهرة العسكري 1: 211 والأول والثاني في اللسان 6: 192، 16: 264
(3) النقائض: أضرب.
(4) ط م س: قاتل.
(5) ط م: مرتبا، س: يرتبا.(5/283)
في أبيات، وسنذكر الخبر فِي نسب بني مخزوم وكان عبيد اللَّه بْن رياح الذي اختصما فيه رجلًا ظريفًا، وقد نادم يزيد بْن مُعَاوِيَة، وفيه يَقُول:
لهان علينا أن تبيتي مناخةً ... على الخسف يا بختية ابن رياح
ولد مُعَاوِيَة بْن أبي سُفْيَان رضي اللَّه عنهما:
761- ولد مُعَاوِيَة عبد الرحمن وبه كان يكنى، وأمه أم ولد يقال لها فاختة بنت قرظة بْن عَبْد عَمْرو بْن نوفل بن عبد مناف، لا عقب له، وعبد الله وهندًا، وأمهما فاختة بنت قرظة، وكان عبد اللَّه بْن مُعَاوِيَة من أضعف الناس عقدة وأحمقهم، وكان يكنى مبقّتا «1» ويكني أبا سليمان، ونكح بعض الموالي خالةً ليزيد فَقَالَ:
يا راكبًا ألا أبلغن يزيدا ... فكيف ترجو بعد أن تسودا
وأنكحوا خالته العبيدا
وقال فِي إبل من إبل الصدقة كانت تجمع ثم تخرج للرعي:
إلا ارسلا من أربعٍ وخمسٍ ... ذلك خير من زياد الحبس
ومر بقوم من كلب ولهم فرس دقيقة القوائم كأنها قصب، ولها متن ذو خلقة عجيبة، وكان الناس ينتابون فينحلون أصحابها إذا أخرجوها إليهم شيئًا، فأخرجوها إليه فَقَالَ: من أي شيء قوائمها؟ فقالوا: من صفصاف، قَالَ: فمن أي شيء متنها؟ قالوا: من تين، قَالَ: أترون، وقال أبوه «2» : سلني حوائجك، فَقَالَ: عبيد يمشون معي ويحفظوني. وكان يمدح فيسر ذلك (818) أمه، فتصل مادحيه وتستميح لهم مُعَاوِيَة، فَقَالَ فيه الأخطل فِي قصيدته التي أولها:
__________
761- قارن بالطبري 2: 204 وابن الأثير 4: 6 والمعارف: 350 وبعضه في تاج العروس 1: 527 (بقت) نقلا عن الأنساب.
__________
(1) س: مبقثا.
(2) تاج العروس 1: 527 (بقت) وشعر الاخطل في ديوانه: 76، 78، 81 وانظر أيضا ابن الأثير 4: 104(5/284)
بان الخليط فشاقني أجواري ... ونأوك بعد تقارب وجوار «1»
لأحبرن لابن الخليفة مدحة ... ولأقذفن بها إلى الأمصار
قرم تمهل فِي أُمَيَّة لم يكن ... فيها بذي أبن ولا خوار
بأبي سليمان الذي لولا يد ... منه علقت بظهر أحدب عار
وشهد «2» عبد اللَّه مرج راهط، فقاتل مع الضحاك بْن قيس والقيسية، ثم هرب فآمنه عبد الملك بعد ذلك.
762- المدائني قال: لمّا قدم الحجاج العراق وجد قبة كان بعث بها عبد اللَّه بْن مُعَاوِيَة إلى خالد بْن عبد اللَّه بْن أسيد، فكتب الحجاج إلى عبد الملك: إني وجدت قبة كان بعث بها عبد اللَّه بْن مُعَاوِيَة إلى مصعب، فغضب عبد الملك وقال: تهدي لأعدائي؟! ألست صاحب المرج؟! فقال: كذب إنما أهديتها إلى خالد بْن عبد اللَّه، فقبل عبد الملك قوله.
763- وكانت هِنْد «3» عند عَبْد اللَّه بْن عامر بْن كريز ثُمَّ عند عثمان بْن عنبسة بْن أبي سُفْيَان فماتت عنده، ورملة «4» وأمها كنود بنت قرظة كانت عند عمرو بْن عثمان بْن عفان، وصفية «5» لأم ولد كانت عند محمد بْن زياد بن أبي سُفْيَان، ويزيد «6» وأمة الشارق- وبعضهم يَقُول أمة ربّ المشارق- أمّها ميسون بنت بحدل «7» الكلبية، فماتت أمة الشارق وهي صغيرة، وأمّا يزيد فولي الخلافة.
__________
(1) الديوان، صدع الخليط ... ومزار.
(2) سيرد في الورقة 499 ب (من النسخة س) .
(3) قارن بما تقدم ف: 243 والطبري 2: 69
(4) قارن بما تقدم ف: 166، 198، 224، 243، 323 والطبري 2: 205 وابن الأثير 4: 7 وابن كثير 8: 145
(5) قارن بما يلي ف: 977
(6) قارن بالطبري 2: 204 وابن الأثير 4: 6 وابن كثير 8: 145
(7) م: بحدلة، س: بجدل.(5/285)
764- قَالَ أَبُو اليقظان: وكانت لعبد اللَّه بْن مُعَاوِيَة ابنة يقال لها عاتكة، وفيها يَقُول الشاعر «1» :
يا بيت عاتكة الَّذِي أتعزل ... حذر العِدى وبه الفؤاد موكّلُ
إني لأمنحك الصدود وإنني ... قسمًا إليك مع الصدود لأَمْيَلُ
أمر يزيد بْن مُعَاوِيَة:
765- وأما يزيد بْن مُعَاوِيَة فكان يكنى أبا خالد، حَدَّثَنِي الْعَمْرِيّ عَن الْهَيْثَم بْن عدي عَنِ ابن عياش وعوانة وعن هشام ابن الكلبي عَنْ أبيه وأبي مخنف وغيرهما قالوا:
كان يزيد بْن مُعَاوِيَة أول من أظهر شرب الشراب والاستهتار بالغناء والصيد واتخاذ القيان والغلمان والتفكه بما يضحك منه المترفون من القرود والمعاقرة بالكلاب والديكة ثم جرى على يده قتل الحسين وقتل أهل الحرة ورمي البيت وإحراقه، وكان مع هذا صحيح العقدة فيما يرى، ماضي العزيمة لا يهم بشيء إلا ركبه.
766- قالوا: ووقع بين غلمان يزيد وغلمان عمرو بْن سَعِيد الأشدق شر فأغضبه ذلك، وأمر بإحضار أولئك الغلمان، فلما أتي بهم قَالَ: خلوا سبيلهم فإن القدرة تذهب الحفيظة «2» .
767- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: دعا يزيد بأم خالد لينال منها فأبطأت عليه، وعرضت له جارية سوداء من جواريه فوقع عليها، فلما جاءت أم خالد أنشأ يَقُول:
__________
765- ابن كثير 8: 235 767- الأبيات 1- 4 في جمهرة العسكري 1: 480 وانظر ما يلي رقم: 779 وحماسة البحتري: 252 والطبري 2: 429 والمثل: «رب ساع لقاعد» في الفاخر: 144 والمستقصى: 217 والميداني 1: 201 وفصل المقال: 287
__________
(1) سيرد في الأنساب، الورقة: 759 ب (من النسخة س) وانظر شعر الأحوص: 152 (سامرائي) 166 (سليمان) وفيهما تخريج.
(2) ان القدرة ... الحفيظة: ورد هذا القول في عيون الاخبار 1: 128 والمروج 5: 414 وربيع الأبرار: 100 ب (منسوبا لزياد) والنبراس: 48 منسوبا للمأمون وانظر ف: 481(5/286)
اسلمي أم خالد ... رب ساعٍ لقاعد
إن تلك التي تري ... ن سبتني بوارد
تدخل الأير كله ... فِي حرٍ غير بارد (819)
768- الْمَدَائِنِيّ والهيثم وغيرهما قالوا: كان ليزيد بْن مُعَاوِيَة قرد يجعله بين يديه ويكنيه أبا قيس ويقول: هذا شيخ من بني إسرائيل أصاب خطيئة فمسخ، وكان يسقيه النبيذ ويضحك مما يصنع، وكان يحمله على أتان وحشية ويرسلها مع الخيل فيسبقها، فحمله عليها يومًا وجعل يَقُول «1» :
تمسك أبا قيس بفضل عنانها ... فليس عليها إن هلكت ضمان
فقد سبقت خيل الجماعة كلها ... وخيل أمير المؤمنين أتان
769- وذكر لي شيخ من أهل الشام أن سبب وفاة يزيد أنه حمل قرده على الأتان وهو سكران ثم ركض خلفها فسقط فاندقت عنقه أو انقطع فِي جوفه شيء.
770- وحدثني محمد بْن يزيد الرفاعي حَدَّثَنِي عمي عَنِ ابن عياش قَالَ: خرج يزيد يتصيد بحوارين وهو سكران، فركب وبين يديه أتان وحشية قد حمل عليها قردًا وجعل يركض «2» الأتان ويقول:
أبا خلفٍ احتل لنفسك حيلة ... فليس عليها إن هلكت ضمان
فسقط فاندقت عنقه.
771- قالوا: وكان يزيد هم بالحج ثم إتيان اليمن فقال رجل من تنوخ:
__________
768- انظر ما يلي رقم: 913 والمروج 5: 157 والمخصص 13: 177 769- انظر ما يلي رقم: 927 770- الموفقيات: 346
__________
(1) الحيوان 4: 23 وابن عساكر 5: 404 والدميري 2: 201 والمروج 5: 158
(2) خ بهامش س: تركض.(5/287)
يزيد صديق القرد مل جوارنا ... فحن إلى أرض القرود يزيد
فتبًا لمن أمسى علينا خليفة ... صحابته الأدنون منه قرود
772- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: كان يزيد ينادم على الشراب سرجون مولى مُعَاوِيَة.
773- وليزيد شعر منه قوله:
ولها بالماطرون إذا ... أكل النمل الذي جمعا
منزل حتى إذا ارتبعت ... سكنت «1» من جلق بيعا
فِي جنان ثم مؤنقة «2» ... حولها الزيتون قد ينعا
وقال لأم خالد:
إذا سرت ميلًا أو تخلفت ساعة ... دعتني دواعي الحب من أم خالد
وقال أيضًا:
إني إذا ما جئتكم أم خالدٍ ... لذو حاجة عنها اللسان كليل
وقال أيضًا «3» :
إذا أتكأت على الأنماط فِي غرف ... بدير مران عندي أم كلثوم
فلا أبالي بما لاقت جموعهم ... بالقرقذونة «4» من حمى ومن موم
__________
773- الكامل 1: 384 وياقوت 4: 395 وابن كثير 8: 234 والعيني 1: 149 والخزانة 3: 279 والأول في ياقوت 1: 374 والخزانة 3: 278 والأول والثاني في التاج 3: 546، والثالث في اللسان 5: 371، 10: 297، وذكر المبرد ان الأبيات تنسب أيضا للأحوص، وفي اللسان (5: 371) للأخطل.
__________
(1) ياقوت العيني: ذكرت.
(2) المصادر: في قباب حول دسكرة.
(3) فيما يلي، الورقة: 364 من المخطوطة س واليعقوبي 2: 272 والمروج 5: 62 والأغاني 17: 141 والنجوم الزاهرة 1: 151، 1: 135 والبكري: 586 (دير سمعان) والروض المعطار: 252، 400 وياقوت 2: 407، 697، 3: 555، 778 وابن الأثير 3: 381 وسيرد البيت الأول في رقم: 779 وانظر ف: 282
(4) القرقذونة () في آسيا الصغرى.(5/288)
وكان ناس غازين فأصابهم وبأ ومرض وجوع فلما بلغ مُعَاوِيَة شعره قَالَ: واللَّه ليغزون «1» ولو مات، فأغزاه بلاد الروم ومعه فرس أنطاكية وبعلبك وغيرهم فلحق بسفيان بْن عوف بالقرقذونة فغزا حتى بلغ الخليج ثم انصرف. وأم كلثوم بنت عبد اللَّه بْن عامر.
774- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: دخل عَبْد اللَّه بْن جعفر عَلَى يزيد فَقَالَ: كم كان أبي يعطيك فِي كل سنة؟ قَالَ: ألف ألف، قَالَ: فإني قد أضعفتها لك، فَقَالَ ابن جعفر: فداك أبي وأمي وواللَّه ما قلتها لأحد قبلك، قَالَ: فقد أضعفتها لك، فقيل أتعطيه أربعة آلاف ألف؟! فَقَالَ: نعم إنّه يفرّق ماله، (820) فإعطائي إياه إعطائي أهل المدينة.
775- قالوا: وكان يزيد آدم جعدًا معصوبًا «2» أحور العينين طوالًا بوجهه أثر جدري، ويقال كان أبيض وكان حسن اللحية خفيفها.
776- الْمَدَائِنِيّ عَنْ أبي عبد الرحمن العبدي عَنْ عَبْد الْمَلِكِ بْن عُمَيْرٍ قَالَ، قَالَ رجل لسَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ: أخبرني عَنْ خطباء قريش قَالَ مُعَاوِيَة وابنه يزيد ومروان وابنه وسَعِيد بْن العاص وابنه وما ابْن الزُّبَيْرِ بدونهم.
777- قالوا: وأخطأ يزيد فِي شيء فَقَالَ له مؤدبه: أخطأت يا غلام فَقَالَ يزيد:
الجواد يعثر فَقَالَ المؤدب: أي واللَّه ويضرب فيستقيم، فَقَالَ يزيد: أي واللَّه ويضرب أنف سائسه.
778- الْمَدَائِنِيّ عَنْ عبد الرحمن بْن مُعَاوِيَة قَالَ، قَالَ عامر بْن مسعود الجمحي: إنا لبمكة إذ مر بنا بريد ينعى مُعَاوِيَة، فنهضنا إلى ابن عباس وهو بمكة وعنده جماعة وقد وضعت المائدة ولم يؤت بالطعام فقلنا له: يا أبا العباس، جاء البريد بموت معاوية فوجم
__________
774- قارن بابن عساكر 7: 327، 328، ومعجم المرزباني: 314 وابن كثير 8: 230 775- العقد 4: 375 وانظر التنبيه والاشراف: 306 وابن كثير 8: 227 776- قارن بالبيان 1: 206 777- قارن بالأغاني 16: 34
__________
(1) س: ليغزونّه.
(2) العقد: مهضوما.(5/289)
طويلًا ثم قَالَ: اللَّهم أوسع لِمُعَاوِيَةَ، أما واللَّه ما كان مثل من قبله ولا يأتي بعده مثله وإن ابنه يزيد لمن صالحي أهله فالزموا مجالسكم وأعطوا طاعتكم وبيعتكم، هات طعامك يا غلام، قَالَ: فبينا نحن كذلك إذ جاء رسول خالد بْن العاص وهو على مَكَّة يدعوه «1» للبيعة فَقَالَ: قل له اقض حاجتك فيما بينك وبين من حضرك فإذا أمسينا جئتك، فرجع الرسول فَقَالَ: لا بدّ من حضورك فمضى فبايع.
779- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: تزوج يزيد بْن مُعَاوِيَة فاختة وهي حبة بنت أبي هاشم بن عتبة ابن ربيعة فولدت له مُعَاوِيَة، وخالدًا، وعبد اللَّه الأكبر، وأبا سُفْيَان، وتزوج أم كلثوم بنت عبد اللَّه بْن عامر فولدت له عبد اللَّه الأصغر الذي يقال له الأسوار، وعمر «2» ، وعاتكة أم يزيد بْن عبد الملك، وتزوج امرأة من غسان فولدت له رملة، ففي فاختة يَقُول «3» :
اسلمي أم خالد ... رب ساعٍ لقاعد
وفي أم كلثوم يَقُول «4» :
إذا أتكأت على الأنماط في غرف ... بدير مران عندي أم كلثوم
وكان قد وجد على أم خالد بنت (أبي) «5» هاشم وكان لها مؤثرًا فتزوج فِي حجةٍ حجها أم مسكين بنت عُمَر بْن عَاصِم بْن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّه عنه وَقَالَ «6» :
أراك أم خالد تضجين ... باعت على بيعك أم مسكين
ميمونة من نسوةٍ ميامين ... زارتك من طيبة «7» فِي حوّارين
__________
779- انظر ما يلي رقم: 923
__________
(1) م: يدعوا.
(2) خ بهامش ط: وعمرو.
(3) تقدّم رقم: 767
(4) تقدم رقم: 282، 773
(5) أبي: سقطت من ط م س.
(6) الاغاني 17: 259 وجمهرة العسكري 1: 479 وبعضها في اللسان 9: 373
(7) الأغاني: يثرب.(5/290)
فِي بلدة كنت بها تكونين ... فالصبر أم خالد من الدين
إن الذي كنت به تدلين ... ليس كما كنت به تظنين
وطلق يزيد أم مسكين فتزوجها عبيد اللَّه بْن زياد وإنما رضيت به مغايظة ليزيد، فقتل عنها ابن زياد، فخطبها محمد بْن المنذر بْن الزبير فتزوجته ثم نافرته وقالت: إني واللَّه ما تزوجتك رغبة فيك ولكني أردت أن أغسل سوءة كنت وقعت فيها.
780- الْمَدَائِنِيّ عَنْ يعقوب بْن داود أن عطاء بْن أبي صيفي بْن نضلة بْن قائف الثقفي دخل على يزيد (821) وقد مات مُعَاوِيَة فَقَالَ: أصبحت يا أمير المؤمنين فارقت الخليفة وأعطيت الخلافة، فأجرك اللَّه على عظيم الرزية، ورزقك الشكر على حسن العطية، فاحتذى ابن همام مثاله فِي هذا النثر فنظمه فَقَالَ:
اصبر يزيد فقد فارقت ذا ثقة «1» ... واشكر عطاء الذي بالملك أصفاكا
أصبحت لا رزء فِي الأقوام نعلمه ... كما رزئت ولا عقبى كعقباكا
أعطيت طاعة أهل الأرض كلهم ... فأنت ترعاهم واللَّه يرعاكا
وفي مُعَاوِيَة الباقي «2» لنا خلف ... إذا هلكت ولا نسمع بمنعاكا
وقال أيضًا «3» :
تعزوا يا بني حرب بصبر ... فمن هذا الذي يرجو الخلودا
تلقاها «4» يزيد عَنْ أبيه ... فخذها يا معاوي عَنْ يزيدا
أديروها بني حرب عليكم ... ولا ترموا بها الغرض «5» البعيدا
__________
780- راجع ف: 439 والبيان 2: 191 والمروج 5: 153
__________
(1) اكثر المصادر: مقة.
(2) هامش ط س: الثاني (معا) .
(3) نقائض الأخطل: 3 وطبقات الجحمي: 625 والأبيات 1، 2، 3 في الحماسة 3: 84، والثاني في البدء والتاريخ 6: 17 والثاني وعجز الثالث في المروج 5: 126 والثالث في أضداد ابن الانباري: 148 والخزانة 1: 344 والخامس في اللسان 2: 93 والتاج 1: 385
(4) ابن عساكر: تلقفها.
(5) ط: العرض.(5/291)
وإن دنياكم بكم استقرت ... فأولوا أهلها أمرا سديدا
فإن شمست عليكم فاعصبوها ... عصابا تستدر «1» لكم شديدا
وقال أيضًا أو غيره:
يزيد يا ابْن أبي سُفْيَان هل لكم ... إلى ثناء وود غير منصرم
إنا نقول ويقضي اللَّه مقتدرًا ... وما يشأ ربنا من صالح يدم
فاقتد بقائلكم «2» خذها يزيد وقل ... خذها معاوي غير العاجز البرم «3»
ولا تحط بها فِي غير داركم ... إني أخاف عليكم حيرة الندم
إن الخلافة إن تعرف لثالثكم ... تثبت معادنها «4» فيكم ولا ترم
ولا تزال وفود فِي دياركم ... فِي ظل «5» أبلج سباق إلى الكرم
781- فبايع يزيد لابنه مُعَاوِيَة، ويقال إنه إنما بايع له حين احتضر يزيد.
782- وكان على شرطة يزيد حميد بْن حريث بْن بحدل ثم عامر بْن عبد اللَّه الهمداني من أهل الأردن.
783- الْمَدَائِنِيّ عَنْ أبي عمرو المدائني قَالَ: وفد جرير بْن عطية بْن الخطفى على يزيد ووفد شعراء سواه، فخرج إليهم الآذن فَقَالَ: إن أمير المؤمنين أمرني ألا أدخل إليه إلا من عرف شعره فأنشدوني، فَقَالَ جرير: أنا الذي أقول:
تعرضت فاستمررت من دون حاجتي ... فحالك إني مستمر لحاليا
وإني لمغرور أعلل بالمني ... ليالي أدعو أن مالك ماليا
__________
781- انظر ما يلي رقم: 924 783- قارن بالاغاني: 34: 49 وانظر ديوان جرير 2: 168 والنقائض: 177 والشعر والشعراء: 398 وطبقات الجحمي: 381
__________
(1) م س: يستدر، ومن آخر البيت حتى أول ف 797 وعد بالحاقه في ط ولم يرد.
(2) س: فاعهد نقاتلكم.
(3) س: الهرم، م: اليرم.
(4) م: ثبتت معادتها.
(5) ظل: سقطت من م.(5/292)
بأيّ نجاد تحمل السيف بعد ما ... قطعت القوى من محمل كان باقيا
بأي سنان تطعن القوم بعد ما ... نزعت سنانًا من قناتك ماضيا
فدخل فأنشده الأبيات فَقَالَ: أدخل صاحبها، فَقَالَ له: من أنت؟ قال: جرير بن عطيّة ابن الخطفى «1» اليربوعي قَالَ: إني سمعت أبياتك هذه عائرة ولم أدر لمن هي، فعاتبت أمير المؤمنين مُعَاوِيَة يومًا فأنشدته إياها وهو يرى أنها من قولي، ووصل جريرًا.
784- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قدم عبد الرحمن بْن زياد من خراسان فأمره يزيد أن يعطي عبد اللَّه بْن جعفر خمسمائة ألف درهم فأعطاه ألف ألف (822) درهم فَقَالَ: خمسمائة من يزيد وخمسمائة مني.
785- الْمَدَائِنِيّ عَنْ عَلِيِّ بْن مُجَاهِد عَنْ هِشَامِ بْن عروة قَالَ: كان عبد اللَّه بْن صفوان مع عبد اللَّه بْن الزبير فذم يزيد واغتابه فقيل له ألم تبايعه؟ قَالَ: إني وجدت فِي البيعة له عوارًا فرددتها.
786- أَبُو الحسن الْمَدَائِنِيّ عَنْ أبي أيوب القرشي قَالَ: لما قدم ( ... ) يزيد بْن مُعَاوِيَة كتب إليه أن أحمل إلي ابن همام السلولي، وكان قد وجد عليه فِي قصيدته التي يَقُول فيها:
حشينا الغيظ حتى لو شربنا ... دماء بني أُمَيَّة ما روينا
فأخذه ابن زياد فسأله أن يكفله عريفه، وكان اسم العريف مالكًا، ففعل، وهرب ابن همام وأخذ عريفه به، وقدم على يزيد فعزاه عَنْ مُعَاوِيَة وهنأه بالخلافة وأتى ابنه مُعَاوِيَة فاستجار به فآمنه يزيد وصفح عنه وكتب إلى ابن زياد يأمره أن لا يعرض له وأوصاه به، فَقَالَ ابن همام حين رجع:
__________
786- قارن بالعيني 3: 190 وانظر المروج 5: 71 وابن كثير 8: 328، والبيتان 5، 6 من القصيدة الكافية في الشعر والشعراء: 545 واللسان 17: 48 والخزانة 3: 639 والخامس في الصحاح 2: 379 والعيني 3: 190 والتاج 9: 222 وورد العاشر في ف: 1 والبيتان 20، 21 في اللسان 17: 48 (واسم الشاعر فيه همام بن مرة) .
__________
(1) م: خطفى.(5/293)
جعلت الغواني من بالكا ... ولم ينهك الشيب عَنْ ذالكا
أقول لعثمان لا تلحني ... أفق عثم عَنْ بعض تعذالكا
غريب تذكر إخوانه ... فهاجوا له سقمًا ناهكا «1»
وكرهني أرضكم أنني ... رأيت بها أسدًا ناهكا
فلما خشيت أظافيره ... نجوت وأرهنتهم مالكا
عريفًا مقيمًا بدار الهوان ... أهون علي به هالكا
ويممت أبيض ذا سؤدد ... علا ذروة المجد والحاركا
فلما أنخت إلى بابه ... رأيت خليفتنا ذالكا
فقلت أجرني أبا خالد ... وإلّا فهبني امرأ هالكا
فجاد بنا «2» ثم قلت اعطفي ... بنا يا صفي ويا عاتكا
فأطت لنا رحم برة ... ولم يحقر النسب الشابكا
فكم فرجت بك من كربة ... ومن حلقة عند أبوابكا
وكان وراءك ضرغامة ... توائل «3» منه بحوبائكا
فيا ابن زياد وكنت امرأ ... كما زعموا عابدًا ناسكا
فإن معي ذمة من يزيد ... وإني أعوذ بإسلامكا
من أن أظلم اليوم أو أن تطيع ... بي الكاذب الآثم الآفكا
فلولا الثقال شفاعاتهم ... وعهد الخليفة لم آتكا
فقد خط لي الرق فيه الأمان ... إليك مخافة أنبائكا «4»
فلا تخفرنه فقد خط لي ... رقى من مخافة حياتكا
وأحضرت عذرًا عليه الشهود ... إن قابلا ذاك أو تاركا «5»
وقد شهد الناس عند الإمام ... أنّي عدوّ لأعدائكا
__________
(1) م س: تاهكا.
(2) التعليق رقم: 4 ص: 1.
(3) م: توابل.
(4) م: أبنائكا (، إليك: سقطت من م)
(5) روايته في اللسان وأحضرت عذري عليه الشهود ابن عاذرا لي أو تاركا(5/294)
787- وقال الْهَيْثَم بْن عدي وَابْن الْكَلْبِيّ عَنْ عَوَانَة: كتب يزيد لابن همام بالرضا عنه وبجائزة فبسطه وآنسه وأطلق عريفه، وكان حبسه إذ لم يعد ابن همام إليه ليتولى حمله إلى يزيد وهرب، وأمر كاتبيه عمرو بْن نافع وحسان مولى الأنصار أن يدفعا إليه «1» جائزته، فكان عمرو يدافعه وحسان يعينه (823) عليه، فدخل ذات يوم على ابن زياد فَقَالَ: ألك حاجة؟ قَالَ:
نعم حاجة كلفتها القيظ كلّه ... أرواحها البردين حتّى شتيتها
يعاودها حسان عمرو بْن نافع ... فحسان يحييها وعمرو يميتها
وقال ابن همام فِي عمرو بْن نافع:
أفي جرجرايا أنت كفنا بْن فرزن ... وفينا أَبُو عثمان عمرو بْن نافع
وأنبئت فِي جوخا فلا تتركنه ... بقية ميراث لشيخك ضائع
ثلاثة أخلاق بلين ومنجلًا ... وأم جراء تتقى فِي المراتع
فلهفا عليكم آل كفنا بْن فرزن ... فكم كان فيكم من مثير وتارع
وبعض الرواة يزعم أن ابن همام عصى فطلبه ابن زياد فأخذ به عريفه فهرب إلى يزيد.
788- الْمَدَائِنِيّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن حَكِيمٍ عَنْ عَاصِمِ بْن عروة بْن مسعود الثقفي قَالَ:
دخل عطاء بْن أبي صيفي الثقفي على يزيد بْن مُعَاوِيَة فَقَالَ له يزيد: لم تحالفت ثقيف فصارت بنو غيرة وسعد بن عوف وأسعد ابن غاضرة يدا وصارت بنو مالك يدا؟ و ( ... ) «2»
لم يتحالف قوم قط الا عَنْ ذلة وقلة، فَقَالَ عمرو بْن عبد عمرو: ما رأيت قط كلامًا أبعد من صواب وسداد، واللَّه لتكفن يا ابْن أبى صيفي أو لأردن لك شعابًا يبابا، لا تنبت إلا سلعًا وصابًا، فَقَالَ عطاء: إن ترد شعابي تلقها مكلئة خصابا، تفهق بمياهها عذابًا، وتلق أهلها شوسًا غضابا، قَالَ: إن أردها ألقها قليلًا نداها، يابسًا ثراها، ذليلًا حماها، خاشعة صواها، قَالَ: بل إن تردها تلقها مريًا مرعاها، نديّا ثراها، عزيزا حماها،
__________
(1) بعد هذا سقطت ورقة من م، وانفردت س.
(2) بهذا النقص جاء الخبر مضطربا.(5/295)
مضرّة بمثلك هيجاها، قَالَ: بل ألقها للريح الزعزع، والذئاب الجوع، كبيداء بلقع، قال: بل تلقها طيّبة المرتع، يضيق بها على مثلك المضجع، فقال يزيد: عنكما فقد أحسنتما وما قلتما فحشًا، فَقَالَ عطاء: يا امير المؤمنين الأصل مؤتلف، والشكل بعد مختلف، وأنا بذاك مقر معترف.
789- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ عاصم الجحدري: جاءت بيعة يزيد البصرة وأنا أكتب فِي مصحف (إِذَا السماءُ انْشَقَّتْ) .
790- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: استعمل ابن زياد عبد الرحمن بْن أم برثن- كما يقال فيروز حصين- وأم برثن امرأة من بني ضبيعة كانت تعالج الطيب وتخالط آل عبيد اللَّه بْن زياد، وكان منبوذًا فأخذته وربته وتبنته حتى أدرك وصار رجلًا جزلًا له نبل وفضل وتأله، ثم كلمت نساء عبيد اللَّه بْن زياد فيه فكلمن عبيد اللَّه فيه فولاه، فرمى عبد له ذات يوم بسفود فأصاب السفود رأس ابنه فنثر دماغه فظنّ الغلام أنه سيقتله فَقَالَ له حين أتي به: اذهب يا بني فأنت حر فإنك قتلت ابني خطأ ولن أقتلك متعمدًا، ثم عمي بعد. ولما استعمله ابن زياد ثم عزله أغرمه مائتي ألف درهم فخرج إلى يزيد بْن مُعَاوِيَة، فلما كان على مرحلة من دمشق نزل وضرب له خباء وحجرة، فإنّه لجالس إذا كلبة من كلاب الصيد قد دخلت عليه وفي عنقها طوق من ذهب وهي تلهث، فأخذها وطلع يزيد على فرس له، فلما رأى هيئته أدخله الحجرة وأمر بفرسه أن تقاد، فلم يلبث أن توافت الخيل فَقَالَ له يزيد: من أنت وما قصتك؟ فأخبره، فكتب له من ساعته إلى عبيد الله ابن زياد فِي رد المائتي الألف عليه، وأعتق ذلك اليوم ثلاثين مملوكًا وقال: من أحب أن يقيم فليقم ومن أحب أن يذهب فليذهب.
791- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: هجا فضالة (824) بْن شريك رجلًا من قريش يقال له عاصم- قَالَ الْمَدَائِنِيّ: وأراه عاصم بْن عُمَر- فخافه فعاذ بيزيد بن معاوية وقال فيه:
__________
791- قارن بالأغاني 12: 67(5/296)
إذا ما قريش فاخرت بطريفها ... فخرت بمجد يا يزيد تليد
بمجد أمير المؤمنين ولم يزل ... أبوك أمين اللَّه جد رشيد
به عصم اللَّه الأنام من الردى ... وأدرك نبلًا من معاشر صيد
فكتب يزيد إلى عاصم: إني قد أجرت فضالة فهبه لي، ووصله.
792- وقال عبد الرحمن بْن الحكم أخو مروان فِي يزيد حين خلعه ابْن الزُّبَيْرِ:
ثكلتك أمك من إمام جماعةٍ ... أيضل رأيك فِي الأمور ويعزب
متوسد إذ فالذته جيأل ... هلباء أو ضبعان سوء أهلب
ألهاك برقعة الضباع عَنِ العمى ... حتى (أتاك) وأنت لاه تلعب
793- وحدثني الحرمازي عَنْ أبي سويد الشامي عَنْ ابيه قال، قال يزيد بْن مُعَاوِيَة: حفظ النديم والجليس وإكرامهما من كرم الخليفة وقضاء حق النعمة.
794- وقال الْمَدَائِنِيّ: لاط خالد بْن إِسْمَاعِيل بْن الأشعت بغلام له فِي استه فشهد عليه امرءان من مواليه وامرأتاهما وغلام لم يحتلم فحده يزيد وكان ماقتًا له.
795- قالوا: ومن شعر يزيد قوله:
لشر الناس عبد وابن عبد ... وآلم من مشى مولى الموالي
وقوله:
اعص العواذل وارم الليل عَنْ عرض ... بذي سبيب يقاسي ليله خببا
أقب لم يثقب «1» البيطار سرته ... ولم يدجه ولم يرقم له عصبا
__________
795- الأبيات 1- 3 من البائية في الأصمعيات: 47- 48 (رقم: 12) والعمدة 1: 54- 55 (ط: 1934) والأول والثاني في الحيوان 1: 84 والثالث في ديوان ذي الرمة: 56 واللسان 1: 483 والتاج 1: 321 والخزانة 4: 125 (وتنسب في اكثر المصادر لسهم بن حنظلة الغنوي وزاد في التاج: ونسبه الصاغاني وابن رشيق الى يزيد ابن معاوية) .
__________
(1) الأصمعيات: كالسمع لم ينقب.(5/297)
حتى يثمر مالًا أو يقال فتى ... لاقى التي تشعب الفتيان فانشعبا
لا خير عند فتى أودت مروءته ... يعطي المقادة من لا يحسن الجنبا
وقال «1» :
وساع يجمع الأموال جمعًا ... ليورثها أعاديه شقاء
وكم ساع ليثري لم ينله ... وآخر ما سعى نال الثراء
ومن يستعتب الحدثان يومًا ... يكن ذاك العتاب له عناء
وقال «2» :
وإن نديمي غير شك مكرم ... لدي وعندي من هواه الذي ارتضي
ولست له فِي فضلة الكأس قائلًا ... لأصرعه سكرًا تحس وقد أبى
ولكن أحييه وأكرم وجهه ... وأصرفها عنه «3» وأسقيه ما اشتهى
وليس إذا ما نام عندي بموقظ ... ولا سامع يقظان شيئًا من الأذى
وقال يزيد «4» :
اسقني مزة تروي مشاشي ... وأدر مثلها على ابن زياد
موضع السر والأمانة عندي ... وعلى ثغر مغنمي وجهادي
يعني سلم بْن زياد وكان على خراسان «5» .
796- وكان مسلم بْن عمرو الباهلي أَبُو قتيبة نديمًا ليزيد يشرب معه ويغنيه، فَقَالَ الشاعر حين عزل يزيد بْن المهلب عَنْ خراسان ووليها قتيبة:
__________
796- انظر المخطوطة س: 697/ أ- ب، 1173 ب.
__________
(1) ديوان علي بن أبي طالب (بومبي 1316) : 4
(2) الأربعة في حلبة الكميت: 33 والبيتان 2، 4 في ديوان المعاني 1: 318 ونهاية الأرب 4: 150 (منسوبين إلى يحيى بن زياد) .
(3) ديوان المعاني والنويري: وأشرب ما أبقى.
(4) الأغاني 15: 232 وأساس البلاغة 2: 28 (ط: 1923) والمروج 5: 157.
(5) انظر ما يلي رقم: 979(5/298)
شتان من بالصنج «1» أدرك والذي ... بالسيف أدرك والحروب تسعر
797- (825) الْمَدَائِنِيّ، قَالَ: أتي عبد الرحمن بْن حسان يزيد فرأى منه جفوة له وإغفالًا فهجاه فَقَالَ شعرًا استبطأه فيه، فَقَالَ حصين بْن نمير أو مسلم بْن عقبة: اقتله فإن حلم أمير المؤمنين مُعَاوِيَة جرأ الناس عليكم، فَقَالَ: جفوناه وحرمناه فاستحققنا ذلك منه، فبعث إليه بثلاثين ألف درهم، فمدحه.
ذكر ما كان من أمر الحسين بْن علي وعبد اللَّه بْن عُمَر وابْن الزُّبَيْرِ فِي بيعة يزيد بعد موت مُعَاوِيَة بْن أبي سُفْيَان
«2» : 798- قَالَ أَبُو مخنف وعوانة وغيرهما: ولي يزيد بْن مُعَاوِيَة وعمال أبيه على الكوفة النعمان بْن بشير الأنصاري، وعلى البصرة عبيد اللَّه بْن زياد، وعلى المدينة الوليد بن عتبة ابن أبي سُفْيَان، وعلى مَكَّة عمرو بْن سَعِيد الأشدق- وقال بعضهم: كان على مَكَّة الحارث بْن خالد، وعلى المدينة الأشدق والأول أثبت- فلما ولي كتب إلى الوليد مع عبد الله ابن عمرو بْن أويس، أحد بني عامر بْن لؤي: أما بعد فإن مُعَاوِيَة بْن أبي سُفْيَان كان عبدًا من عبيد اللَّه «3» أكرمه الله واستخلفه وخوله ومكن له فعاش بقدرٍ ومات بأجل فرحمة اللَّه عليه فقد عاش محمودًا ومات برًا تقيًا والسلام.
وكتب إليه فِي صحيفة كأنها أذن فأره: أما بعد فخذ حسينًا وعبد اللَّه بْن عُمَر وعبد اللَّه بْن الزبير بالبيعة أخذا شديدًا ليست فيه رُخْصَةٌ ولا هَوادة حتى يبايعوا والسلام.
قالوا: فلما أتى ابن عتبة الكتاب فظع «4» بموت مُعَاوِيَة وكبر عليه، وقد كان مروان بْن الحكم على المدينة قبله، فلما ولي بعد مروان كان مروان لا يأتيه إلا معذرًا متكارها حتى شتمه الوليد في مجلسه فجلس عنه مروان، فلما جاء نعي مُعَاوِيَة إلى الوليد قرأ عليه كتاب
__________
797- قارن بالأغاني 8: 90 798- قارن بالاخبار الطوال: 240 (227) . والطبري 2: 216 وابن الأثير 4: 9 وتاريخ خليفة 1: 281.
__________
(1) في س: بالصبح، والقراءة من المخطوطة 1173 ب وأساس البلاغة: 362.
(2) ط: في بيعة يزيد بن معاوية بعد موت معاوية.
(3) الطبري: عباد الله.
(4) ط م س: قطع.(5/299)
يزيد واستشاره فَقَالَ: أرى أن تبعث الساعة إلى هؤلاء النفر فتدعوهم إلى البيعة فإن بايعوا قبلت ذلك منهم وإن أبوه «1» قدمتهم فضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بوفاة «2» مُعَاوِيَة، فإنهم إن علموا بها وثب كل امرئ منهم فِي ناحية، فأظهر الخلاف والمنابذة ودعا إلى نفسه. فَقَالَ الوليد: أما ابن عُمَر فإني أراه لا يرى القتال ولا يختار أن يلي أمر الناس إلا أن يدفع الأمر إليه عفوًا، وأرسل الوليد عبد اللَّه بْن عمرو بْن عثمان بْن عفان، وهو إذ ذاك غلام، إلى الحسين وعبد اللَّه بْن الزبير يدعوهما فوجدهما جالسين فِي المسجد وكان إتيانه إياهما فِي ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها (للناس) «3» ولا يأتونه فَقَالَ: أجيبا الأمير، فقالا له: انصرف الآن نأته بعد، ثم أعاد إليهما الرسل وألح عليهما، فأما الحسين فامتنع بأهل بيته ومن كان على رأيه، وفعل ابْن الزُّبَيْرِ مثل ذلك، وبعث إليه الحسين أن كف حتى ننظر وتنظروا «4» ونرى وتروا، وبعث ابْن الزُّبَيْرِ: لا تعجلوا فإني آتيكم، فوجه الوليد موالي له فشتموه وقالوا: يا ابْن الكاهلية إن أتيت الأمير وإلا قتلناك، فجعل يَقُول: الآن أجيء الآن أجيء، وأتى جعفر بْن الزبير الوليد فَقَالَ له: كف رحمك اللَّه عَنْ عبد اللَّه فقد أفزعته وذعرته بكثرة رسلك وهو يأتيك غدًا إن شاء اللَّه، فصرف الوليد رسله عنه وتحمل (826) ابْن الزُّبَيْرِ من ليلته- وهي ليلة السبت لثلاث ليال بقين من رجب سنة ستين- فأخذ طريق الفرع ومعه أخوه جعفر بْن الزبير وتجنبا الطريق الأعظم، فلما أصبح الوليد طلبه فلم يجده فَقَالَ مروان: ما أخطأ مَكَّة، فوجه الوليد فِي طلبه حبيب بْن كرة «5» مولي بني أُمَيَّة فِي ثلاثين راكبًا من موالي بني أُمَيَّة فلم يلحقوه وتشاغلوا عَنِ الحسين بطلب ابْن الزُّبَيْرِ، فخرج الحسين ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب سنة ستين، وسمع عبد اللَّه بْن الزبير جعفرًا أخاه يتمثل ببيت متمم بن نويرة الحنظلي «6» :
__________
(1) م: أبوا
(2) م: بموت.
(3) زيادة من الطبري.
(4) م: تنظر وتنظروا.
(5) الدينوري: طبيب بن كدين (كوين) .
(6) البيت في حماسة البحتري رقم: 331 والطبري 2: 220 والمنازل والديار: 233 والأغاني 15: 249 وديوانه: 88(5/300)
وكل بني أم سيمسون ليلة ... ولم يبق من أعقابهم «1» غير واحد
فتطير ابْن الزُّبَيْرِ فَقَالَ لجعفر أخيه: ما أردت بإنشادك هذا البيت؟ قَالَ: ما أردت إلا خيرًا، ونزل ابْن الزُّبَيْرِ مَكَّة وعليها عمرو الأشدق بْن سَعِيد بْن العاص بْن سَعِيد بْن العاص بن أميّة فقال: إنما أنا عائذ ولم يكن يصلي بصلاتهم، ولزم جانب الكعبة فكان يصلي عندها عامة نهاره ويطوف، ويأتي «2» الحسين بْن علي فيشير عليه بالرأي فِي كل يومين وثلاثة أيام، وحسين أثقل الناس عليه لعلمه بأن أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام حسين بالبلد لأن حسينًا كان أعظم فِي أنفسهم وأطوع عندهم، فأتاه يومًا فحادثه ساعة ثم قَالَ: ما أدري ما تركنا هؤلاء القوم وكفنا عنهم ونحن أبناء المهاجرين وأولي الأمر «3» منهم، فخبرني بما تريد أن تصنع؟ فَقَالَ الحسين: واللَّه لقد حدثت نفسي بإتيان الكوفة، فإن شيعتي بها، وأشراف أهلها قد كتبوا إلي فِي القدوم عليهم، وأستخير اللَّه. فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لو كان لي بها مثل شيعتكم ما عدلت بها، ثم خشي أن يتهمه فَقَالَ: إنك لو أقمت بالحجاز ثم أردت الأمر هاهنا ما خولف عليك إن شاء اللَّه. ثم خرج من عنده فَقَالَ الحسين: ما شيء من أمر الدنيا يؤتاه أحب إليه من خروجي عَنِ الحجاز لأنه قد علم أنه ليس له معي من الأمر شيء.
وبعث «4» الوليد إلى عبد اللَّه بْن عُمَر أن بايع ليزيد فَقَالَ: إذا بايعت الناس بايعت، فتركوه لثقتهم بزهادته فِي الأمر وشغله بالعبادة، وأخذ الوليد ممن كان هواه مع ابْن الزُّبَيْرِ وميله إليه عبد اللَّه بْن مطيع بْن الأسود بْن حارثة العدوي وهو ابن العجماء- نسب إلى جدته، وذلك اسمها، وهي خزاعية- ومصعب بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عوف الزهري فحبسهما، فاجتمعت بنو عديّ إلى عبد اللَّه بْن عُمَر فقالوا: حبس صاحبنا مظلومًا، وبلغ الوليد ذلك فصار إلى ابن عُمَر، فحمد ابن عُمَر اللَّه وأثنى عَلَيْهِ وصلى عَلَى نبيه صَلَّى الله
__________
(1) الحماسة والأغاني والمنازل: أعيانهم.
(2) قارن بالدينوري: 242 وابن عساكر 4: 329
(3) م: وأولوا الأمر (وهي قراءة جيدة) .
(4) الطبري 2: 222 وابن الأثير 4: 12(5/301)
عليه وسلم ثم قَالَ: استعينوا على إقامة أمركم بالحق ولا تطلبوه بالظلم فإنكم إن استقمتم أعنتم وإن جرتم وكلتم إلى أنفسكم، كف رحمك اللَّه عَنْ صاحبنا وخل سبيله فإنا لا نعلم لكم حقًا تحبسونه به «1» ، فَقَالَ: حبسته بأمر أمير المؤمنين، فنكتب «2» وتكتبون، فانصرف ابن عُمَر واجتمع فتية من بني عدي فانطلقوا حتى اقتحموا على ابن مطيع وهو فِي السجن فأخرجوه، فلحق بابْن الزُّبَيْرِ ثم رجع بعد فأقام بالمدينة.
799- وقد روي أيضًا أن الحسين أتى الوليد فَقَالَ له الوليد: قد آن أن تعلم بموت (827) مُعَاوِيَة وهو فِي مواليه وفتيانه، فلما رأى «3» عنده مروان، وقد كانت بينه وبين الوليد تلك النفرة قَالَ: الصلة خير من القطيعة، والصلح خير من العداوة، وقد آن لكما أن تجتمعا، أصلح اللَّه ذات بينكما، فلم يجيباه بشيء، وأقرأه الوليد كتاب يزيد ونعى إليه مُعَاوِيَة، ودعاه إلى البيعة، فَقَالَ: إنا لله وإنا إليه راجعون، رحم اللَّه مُعَاوِيَة وأعظم لك الأجر، وأما البيعة فإن مثلي لا يبايع سرًا ولا أراك ترضى مني إلا بإظهارها على رؤوس الناس، فإذا خرجت إليهم فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا فكان أمرنا واحدًا، وكان الوليد رجلًا محبًا للعافية فَقَالَ: انصرف على اسم اللَّه حتى تبايع مع جماعة الناس، فَقَالَ مروان: لئن فارقك الساعة لا قدرت منه على مثلها أبدًا حتى يكثر القتلى بينكم وبينه، احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه، قَالَ: فوثب الحسين فقال: يا ابن الزرقاء كذبت والله (و) لؤمت «4» لا تقدر ولا هو على ضرب عنقي، ثم خرج فَقَالَ مروان للوليد: لتندمن على تركك إياه، فَقَالَ: يا مروان إنك أردت بي التي فيها هلاك ديني، واللَّه ما أحب أن أملك الدنيا بحذافيرها على أن أقتل حسينًا، إن الذي يحاسب بدم الحسين لخفيف الميزان عند اللَّه يوم القيامة.
800- وقال بعض أهل العلم: حجب الوليد بْن عتبة أهل العراق عَنِ الحسين، [فَقَالَ له: يَا ظالمًا لنفسه عاصيًا لربه، علام تحول بيني وبين قوم عرفوا من حقي مَا جهلته
__________
(1) م: فيه.
(2) م: فنكتب إليه.
(3) الطبري: 2: 218 وابن الأثير 4: 10 وتاريخ خليفة 1: 282.
(4) الطبري: وأثمت، ط: لو متّ(5/302)
وعمك «1» مُعَاوِيَة؟] فَقَالَ الوليد: ليت حلمنا عنك لا يدعو جهل غيرنا إليك، فجناية لسانك مغفورة لك ما سكنت يدك فلا تخطر بها فيخطر بك.
وخرج «2» الحسين إلى مَكَّة فِي بنيه وإخوته وبني أخيه وجل أهل بيته غير محمد ابن الحنفية فإنه قَالَ له: يا أخي أنت أعز الناس علي، تنحّ عن مروان بيعتك وعن الأمصار، وابعث رسلك إلى الناس فإن أجمعوا عليك حمدت اللَّه على ذلك، وأن أجمع الناس على غيرك لم ينقص اللَّه دينك ومروءتك وفضلك، إني أخاف أن تدخل بعض الأمصار ويختلف الناس فيك ويقتتلون فتكون لأول الأسنة، فإذا «3» خير الناس نفسًا وأمًا وأبًا قد ضاع دمه وذل أهله، قَالَ: وأين أذهب يا أخي؟ قَالَ: تنزل مَكَّة فإن اطمأنت بك الدار وإلا لحقت باليمن، فإن اطمأنت بك وإلا لحقت بشعف الجبال حتى تنظر إلى ما يصير أمر الناس ويفرق لك الرأي، فأتى مَكَّة وجعل يتمثل قول الشاعر «4» :
لا ذعرت السوام في وضح الصب ... ح مُغِيرًا وَلا دُعِيتُ يَزِيدَا
يَوْمَ أَعْطَى مَخَافَةَ الموت ضيما ... والمنايا يرصدنني أن أحيدا
ومضى الحسين إلى العراق فقتل، وقد كتبنا حديثه مع أخبار آل أبي طالب.
801- وقال الْمَدَائِنِيّ: كتب يزيد إلى ابْن الزُّبَيْرِ يدعوه إلى بيعته فكتب ابْن الزُّبَيْرِ يدعوه إلى الشورى، وكان فيما كتب به يزيد «5» :
لو بغير الماء حلقي شَرِقٌ ... كنتُ كالغَصَّان بالماء اعتصاري
فأذكرك اللَّه فِي نفسك، فإنك ذو سن من قريش، وقد مضى لك سلف صالح وقدم
__________
(1) م: وعدك.
(2) الطبري: 220 وابن الأثير 4: 12
(3) م ط س: فاذن.
(4) هو يزيد بن مفرغ، انظر المخطوطة (س) ، الورقة 239/ أوابن هشام: 737 والشعر والشعراء: 279 وحماسة البحتري رقم: 38 والأغاني 18: 180، 211 وابن عساكر 4: 329 وديوان ابن مفرغ: 72
(5) البيت لعديّ بن زيد العبادي، انظر ديوانه: 93 والبيان 2: 359 والحيوان 5: 46 والشعر والشعراء: 153 والمفضليات: 413 والطبري 2: 1587 وما يلي رقم: 1194(5/303)
صدق من اجتهاد وعبادة، فاربب «1» صالح ما مضى ولا تبطل ما قدمت من حسنٍ، وادخل فيما دخل فيه الناس ولا تردهم فِي فتنة ولا تحل (828) حرم اللَّه، فأبى أن يبايع، فحلف أن لا يقبل بيعته إلا فِي جامعة.
أمر عبد اللَّه بْن الزبير بعد مقتل الحسين:
802- قالوا: لما قتل الحسين عليه السلام قام عبد اللَّه بْن الزبير فِي أهل مَكَّة خطيبًا فعظم مقتله وعاب أهل الكوفة خاصة وذم أهل العراق عامة وقال: دعوا حسينا ليولوه عليهم فلما أتاهم ساروا «2» إليه فقالوا: أما أن تضع يدك فِي أيدينا فنبعث بك إلى ابن زياد بْن سمية فيمضي فيك حكمه، وإما أن تحارب، فرأى أنه وأصحابه قليل فِي كثير، فاختاروا المنية «3» الكريمة على الحياة الذميمة، فرحم اللَّه حسينًا ولعن قاتله، لعمري لقد كان فِي خذلانهم إياه وعصيانهم له واعظ وناه عنهم، ولكن ما حم نازل، واللَّه لقد قتلوه طويلا بالليل قيامه، كثيرًا فِي النهار صيامُه، أحقّ بما هم فيه منهم، واللَّه ما كان ممن يتبدل بالقرآن الغناء، ولا بالبكاء من خشية اللَّه الحداء، ولا بالصيام شرب الحرام، ولا بالذكر كلاب الصيد- يعرض بيزيد بْن مُعَاوِيَة- وقد قتلوه فَسَوْفَ يلقون غيّا، فثار إليه أصحابه فقالوا: أيها الرجل أظهر بيعتك فإنه لم يبق أحد إذ 5/ 320 هلك الحسين ينازعك فِي هذا الأمر وقد كان ابْن الزُّبَيْرِ يبايع سرًا على الشورى ويظهر أنه عائذ بالبيت فَقَالَ لهم: لا تعجلوا، وعمرو بْن سَعِيد الأشدق يومئذ على مَكَّة، وكان شديدًا عليه وعلى أصحابه وهو مع ذلك يداري ويرفق، فلما استقر عند يزيد بْن مُعَاوِيَة ما قد جمع ابْن الزُّبَيْرِ بمكة وما قيل له فِي أمر البيعة وإظهارها أعطى اللَّه عهدًا ليؤتين به فِي سلسلة، فبعث بسلسلة من فضة فمر بها البريد على الوليد بْن عتبة ومروان بالمدينة فأخبرهما الرسول خبر ما قدم له وخبر السلسلة التي معه، فقال مروان:
__________
802- الطبري 2: 395 وابن الأثير 4: 84
__________
(1) م: فارتب، س: فاريب.
(2) الطبري: ثاروا.
(3) اقرأ أيضا: الميتة.(5/304)
خذها فليست للعزيز مذلة ... وفيها مقال لامرئ متضعف «1»
ويقال أن مروان بعث بهذا البيت إليه مع عبد العزيز بْن مروان، والثبت «2» :
خذها فليست للعزيز مذلة ... وفيها مقال لامرئ متذلل
ثم مضى البريد من عندهما حتى قدم على ابْن الزُّبَيْرِ وقد كان كتب إلى ابْن الزُّبَيْرِ بتمثل مروان بالبيت فَقَالَ: واللَّه لا أكون أنا المتضعف، ورد ذلك البريد ردًا رفيقًا.
وعلا أمر ابْن الزُّبَيْرِ بمكة وكاتبه أهل المدينة.
803- قَالَ هشام ابن الكلبي فحدثني عوانة قَالَ: أرسل يزيد إلى عبد اللَّه بْن الزبير إني قد جعلت علي نذرًا أن يؤتى بك فِي سلسلة، قَالَ: فلا أبر اللَّه قسمة ولا وفق له الوفاء بنذره، فَقَالَ له أخوه عروة بْن الزبير أو غيره: وما عليك أن تبر قسم ابن عمك؟ قَالَ:
قلبي إذًا مثل قلبك، فَقَالَ أَبُو دهبل الجمحي وهو وهب بْن وهب بْن زمعة بْن أسيد بْن أحيحة بْن خلف بْن وهب بْن حذافة بْن جمح «3» :
لا يجعلنك فِي قيد وسلسلة ... كيما يَقُول أتانا وهو مغلول
بين الحواري والصديق ذو نسب ... صاف «4» وسيف على الأعداء مسلول
804- وأراد ابْن الزُّبَيْرِ ابن عباس على البيعة وقد بايعه الناس فامتنع عليه نحوًا من سنة ثم بايعه بعد، ويقال إنه لم يبايعه حتى توفي.
وكان امتناع ابن عباس (829) عَنِ البيعة لابْن الزُّبَيْرِ قد بلغ يزيد فظن أن ذلك لتمسكه ببيعته، فكتب يزيد إليه: أما بعد فقد بلغني أن الملحد ابْن الزُّبَيْرِ دعاك إلى نفسه
__________
804- اليعقوبي 2: 294 وابن الأثير 4: 105- 106 وأخبار العباس: 85 والمعرفة والتاريخ 1: 531
__________
(1) م: يتضعف.
(2) البيت في الحماسة: 215 واليعقوبي 2: 293 وحماسة البحتري رقم: 111 والطبري 2: 226 وابن عساكر 7: 411 (واسم الشاعر في الحماسة: العباس بن مرداس السلمي) .
(3) ديوان أبي دهبل: 75
(4) ط: ضاف.(5/305)
وعرض عليك الدخول فِي طاعته لتكون له على الباطل ظهيرًا وفي المأثم شريكًا وأنك امتنعت من طاعته واعتصت «1» عليه فِي بيعته وفاء منك لنا وطاعة لله بتثبيت ما عرفك من حقنا فجزاك اللَّه من ذي رحم كأفضل جزاء الواصلين لأرحامهم الموفين بعهودهم، فما أنس من الأشياء لا أنس برك وحسن مكافاتك وتعجيل صلتك، فانظر من قبلك ومن يطرأ إليك من الآفاق ممّن يسحره الملحد بلسانه وزخرف قوله فأعلمهم حسن «2» رأيك فِي طاعتي وتمسّك ببيعتي فإنهم لك أطوع ومنك أسمع منهم للمحل الحارب الملحد المارق والسلام.
فأجابه عبد اللَّه بْن عباس بجواب طويل يَقُول فيه: سألتني أن أحث الناس عليك وأثبطهم عَنْ نصرة ابْن الزُّبَيْرِ وأخذلهم عنه، فلا ولا كرامة ولا مسرة، تسألني نصرك وتحذوني على ودك وقد قتلت حسينًا، بفيك الكثكث، وإنك إذ تمنيك نفسك لعازب الرأي، وإنك لأنت المفنّد المثبور، أتحسبني لا أبا لك نسيت قتلك حسينًا وفتيان بني عبد المطلب مصابيح الدجى الذين غادرهم جنودك مصرعين فِي صعيد واحد مرملين بالدماء مسلوبين بالعراء غير مكفنين ولا موسدين تسفي عليهم الرياح وتعروهم الذئاب وتنتابهم عرج الضباع، حتى أتاح اللَّه لهم قومًا لم يشركوك فِي دمائهم فكفنوهم وأجنوهم، ومهما أنس من الأشياء فلن أنسى تسليطك عليهم ابن مرجانة الدعي ابن الدعي للعاهرة الفاجرة البعيد منهم رحمًا اللئيم أما وأبًا الذي اكتسب أبوك فِي ادعائه إياه لنفسه العار والخزي والمذلة فِي الدنيا والآخرة، فلا شيء أعجب من طلبك ودي ونصري وقد قتلت بني أبي وسيفك يقطر من دمي وأنت أحد ثأري، وذكر كلامًا بعد ذلك.
805- وكتب يزيد اليه كتابا يأمره فيه بالخروج إلى الوليد بْن عتبة ومبايعته له وينسبه إلى قتل عثمان والممالأة عليه، فكتب ابن عباس إليه أيضًا كتابًا يَقُول فيه: إني كنت بمعزل عَنْ عثمان ولكن أباك تربص به وأبطأ عنه بنصره وحبس من قبله عنه حين استصرخه واستغاث به ثم بعث الرجال إليه معذرًا حين علم أنهم لا يدركونه حتى يهلك.
__________
(1) م: واعتصبت، أخبار العباس: واعتصمت ببيعتنا.
(2) م: أحسن.(5/306)
806- وقال الواقدي: عزل يزيد الوليد بْن عتبة لأن مروان كتب يذكر ضعفه ووهنه وإدهانه، وولى المدينة عمرو بْن سَعِيد الأشدق، وولى يحيي بْن الحكم بْن صفوان بْن أُمَيَّة بْن خلف الجمحي مكة- وقال هشام ابن الكلبي: هو يحيى بْن حكيم بْن صفوان- ولاه عمرو بْن سَعِيد مَكَّة وصار إلى المدينة. قَالَ الواقدي: فأتاه ابْن الزُّبَيْرِ فبايعه ليزيد وقال إني سامع مطيع غير أن الوليد رجل أخرق فكرهت جواره، ولقد خبرنا من مُعَاوِيَة ما لم نخبره من غيره، وإنما أنا عائذ بالبيت من أمر لا آمنه.
807- قَالَ أَبُو مخنف وعوانة: عزل يزيد الوليد بن عتبة، وجمع مكة والمدينة لعمرو ابن سَعِيد، فحج بالناس وحج ابْن الزُّبَيْرِ بمن معه فلم يصل بصلاة عمرو ولا أفاض بإفاضته ثم قدم المدينة فأغزى ابْن الزُّبَيْرِ منها جيشًا بكتاب يزيد إليه فِي ذلك.
808- وقال الواقدي: وجه يزيد إلى ابْن الزُّبَيْرِ النعمان (830) بْن بشير الأنصاري وهمام بْن قبيصة النميري وقال لهما: ادعواه إلى البيعة لي وخذاها عليه وأمراه أن يبر قسمي، فلما صارا إلى المدينة لقيهما عبد اللَّه بْن مطيع بْن الأسود بْن حارثة بْن نضلة بْن عَبْدِ العزى بْن حرثان بْن عَوْفِ بْن عُبَيْد بْن عويج بْن عدي بْن كعب، - ويقال حارثة ابن نضلة بْن عوف بْن عبيد، وهو أثبت- فَقَالَ: يا ابْن بشير أتدعو ابْن الزُّبَيْرِ إلى بيعة يزيد وهو أحق بالخلافة منه؟ فَقَالَ له النعمان: مهلًا فإن عواقب الفتن وبيلة وخيمة، ولا طاقة لأهل هذا البلد بأهل الشام. ثم أتيا مَكَّة فأبلغا ابْن الزُّبَيْرِ عَنْ يزيد السلام، وسألاه أن يبايع له، فوقع فِي يزيد وذكره بالقبيح، وخلا بالنعمان فَقَالَ له: أسألك باللَّه أأنا أفضل عندك أم يزيد؟ قَالَ: أنت، قَالَ: فأينا أفضل أبًا وأمًا، قَالَ: أنت ولكني أحذرك الفتنة إذ بايع الناس واجتمعوا عليه. وانصرف النعمان وهمام- ويقال إن عبد اللَّه «1» بْن عضاه كان مع النعمان، وبعثه بهمام أثبت- فأعلما يزيد ما كان من ابْن الزُّبَيْرِ فغضب واستشاط وأكد يمينه فِي ترك قبول بيعته إلا وفي عنقه جامعة يقدم به فيها،
__________
806- قارن بالطبري 2: 222 والفاكهي 2: 168 والأخبار الطوال: 240 وابن عساكر 7: 410
__________
(1) س: عبد الرحمن، وانظر تاريخ خليفة 1: 315(5/307)
فَقَالَ له «1» عبد اللَّه بْن جعفر وَمُعَاوِيَة بْن يزيد: يا أمير المؤمنين إن ابْن الزُّبَيْرِ رجل أبي لجوج فدعه على أمره ولا «2» تهجه لما لا تحتاج إليه، فأوفد إليه «3» الحصين بْن نمير السكوني ومسلم بْن عقبة المري وزفر بْن الحارث الكلابي وعبد اللَّه بْن عضاه الأشعري وروح بْن زنباع الجذامي ومالك بْن هبيرة السكوني ومالك بْن حمزة «4» الهمداني وأبا «5» كبشة السكسكي وزمل بْن عمرو العذري وعبد الله بن مسعدة الفزاري وناتل بْن قيس الجذامي والضحاك بْن قيس، وأمرهم أن يعلموه أنه إنما بعث بهم احتجاجًا عليه وإعذارًا إليه، وأن يحذروه الفتنة ويعرفوه ما له عنده من البر والتكرمة إذا أبر يمينه وأتاه فِي الجامعة التي بعث بها إليه معهم، وكان قد دفع اليهم جامعة من فضّة، فقال له ابن عضاه: يا أبا بكر قد كان من أثرك في أمر الخليفة المظلوم ونصرتك إياه يوم الدار ما لا يجهل، وقد غضب أمير المؤمنين بما كان من إبائك مما «6» قدم عليك فيه النعمان وهمام، وحلف أن تأتيه فِي جامعة خفيفة لتحل يمينه، فالبس عليها برنسًا فلا ترى، ثم أنت الأثير عند أمير المؤمنين الذي لا يخالف «7» فِي ولاية ولا مال، وقال له القوم مثل ذلك، فَقَالَ: واللَّه ما أنا بحامل نفسي على الذلة ولا راض بالخسف، وما يحل لي أن أفعل ما تدعوني إليه، فليجعل يزيد يمينه هذه فِي أيمان قد حنث فيها، وقال أيوب بْن زهير بْن أبي أُمَيَّة المخزومي: ليست يمين يزيد فِي ابْن الزُّبَيْرِ بأول يمين حنث فيها ووجب عليه تكفيرها ولا آخرها، ثم بسط ابْن الزُّبَيْرِ لسانه فِي يزيد بْن مُعَاوِيَة وتنقصه وقال: لقد بلغني أنه يصبح سكران ويمسي كذلك، ثم تمثل قول الشاعر «8» :
ولا ألين لغير الحق أساله ... حتى يلين لضرس الماضغ الحجر
__________
(1) قارن بابن عساكر 7: 410
(2) م: فلا.
(3) قارن بالطبري 2: 397 والأغاني 1: 33 وابن عساكر 7: 410
(4) الأغاني: وسعد بن حمزة.
(5) ط م س: وأبو.
(6) ط م: بما.
(7) م: تخالف.
(8) البيت في الدينوري: 273 (262) وابن الأثير 4: 86 والسمهودي: 88 وخليفة 1: 316(5/308)
يا ابْن عضاه واللَّه ما أصبحت أرهب الناس ولا الباس، وإني لعلى بينة من ربي وبصيرة من ديني، فإن أقتل فهو خير لي، وإن أمت حتف أنفي فاللَّه يعلم إرادتي وكراهتي لأن يعمل فِي أرضه بالمعاصي، وأجاب الباقين بنحو من هذا القول.
809- وقال الواقدي والهيثم بْن عدي فِي روايتهما: قَالَ ابْن الزُّبَيْرِ (831) لابن عضاه: انّما انا حمامة بن حمام هذا المسجد، أفكنتم قاتلي حمامةٍ من حمام المسجد؟! فَقَالَ ابن عضاه: يا غلام ائتني بقوسي وأسهمي، فأتاه بذلك، فأخذ سهمًا فوضعه فِي كبد القوس ثم سدده لحمامة من حمام المسجد وقال: يا حمامة أيشرب يزيد الخمر؟ قولي نعم، فو الله لئن قلت لأقتلنك، يا حمامة أتخلعين أمير المؤمنين يزيد وتفارقين الجماعة وتقيمين بالحرم ليستحل بك؟ قولي نعم، فو الله «1» لئن قلت لأقتلنك. فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: ويحك يا ابْن عضاه أو يتكلم الطير؟ قَالَ: لا ولكنك أنت تتكلم «2» ، وأنا أقسم باللَّه لتبايعن طائعًا أو كارهًا أو لتقتلن، ولئن أمرنا بقتالك ثم دخلت الكعبة لنهدمنّها او لنحرقنّها عليك، أو كما قَالَ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أو تحل الحرم والبيت؟ قَالَ: إنما يحله من ألحد فيه.
810- وقال لوط بْن يحيى أَبُو مخنف: قدم الأشدق المدينة واليًا عليها وحج فِي تلك السنة فِي جماعة من مواليه وهو خائف من ابْن الزُّبَيْرِ، وكان يزيد قد ولاه الموسم، فأتاه ابْن الزُّبَيْرِ فسكن لذلك وأتى عمرو ابن عباس فشكا ابْن الزُّبَيْرِ فَقَالَ: عليكم بالرفق فإن له قرابة وحقًا، ثم انصرف الأشدق إلى المدينة.
811- وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حَدَّثَنَا وهب بْن جرير بْن حازم عَن أبيه عن محمد بن الزبير الحنظلي حدثني زريق مولى مُعَاوِيَة قَالَ: لما هلك مُعَاوِيَة بعثني يزيد إلى الوليد بْن عتبة، ولم يكن بسيرته بأس، وكتب إليه بموت مُعَاوِيَة وأن يبعث إلى هؤلاء الرهط فيأخذهم بالبيعة، قَالَ: فقدمت المدينة ليلًا فاستأذنت على الوليد، فلما قرأ كتاب
__________
809- الأغاني 1: 33 والدينوري (263) .
__________
(1) فو الله: سقطت من ط.
(2) م: فتكلم.(5/309)
يزيد بموت مُعَاوِيَة جزع جزعًا شديدًا وجعل يقوم ويرمي بنفسه على فراشه ثم بعث إلى مروان فجاءه وعليه قميص أبيض وملاءة موردة لبيسة، فنعى إليه مُعَاوِيَة وأعلمه أن يزيد بعث إليه بأخذ «1» البيعة على هؤلاء الرهط، فترحم مروان على مُعَاوِيَة ثم قَالَ: ابعث إلى النفر الساعة فأدعهم إلى البيعة، فإن بايعوا وإلا فاضرب أعناقهم، فَقَالَ الوليد: يا سبحان اللَّه أقتل الحسين وعبد اللَّه بْن الزبير، قَالَ: هو ما قلت لك، فبعث «2» إلى الحسين وابْن الزُّبَيْرِ وابن عُمَر وابن مطيع، فجاء الحسين أولهم وعليه قميص قوهي وإزار مصبوغ بزعفران، وهو مطلق إزاره، فسلم ثم جلس، ثم جاء عبد اللَّه بْن الزبير فِي ثوبين غليظين مشمرًا إلى نصف ساقه فسلم وجلس، ثم جاء عبد اللَّه بْن مطيع فإذا رجل «3» ثائر الشعر أحمر العينين فسلم ثم جلس، فحمد الوليد اللَّه وأثنى عليه، ثم نعى مُعَاوِيَة ودعاهم إلى بيعة يزيد، فبدر ابْن الزُّبَيْرِ بالكلام وكأنه خاف أن يهنوا، ثم ترحم على مُعَاوِيَة ودعا له، ثم ذكر الوليد فجزاه خيرًا فَقَالَ: وليتنا فأحسنت «4» ولايتنا ووصلت أرحامنا، وقد علمت الذي كان منا فِي بيعة يزيد، وأنه قد احتمل ذلك علينا، ومتى بايعنا والباب مغلق علينا تخوفنا أن لا يذهب ذلك ما فِي قلبه، فإن رأيت أن تصل أرحامنا وتحسن فيما بيننا وبينك فتخلي سبيلنا ثم تأمر فينادى «5» الصلاة جامعة وتصعد المنبر فنأتي فنبايع على رؤوس الناس طائعين غير مكرهين، قَالَ: وجعل مروان كلما نظر إلى الوليد أشار إليه أن اضرب «6» أعناقهم، قَالَ: فخلى الوليد عنهم، فخرجوا فَقَالَ مروان: واللَّه لا يصبح (832) وبها منهم أحد، فلما أتى كل واحد منهم منزله دعا براحلته ثم رمى بها الطريق إلى مَكَّة وأصبح الوليد فلم يجد منهم أحدًا.
812- وحدثنا أحمد بْن إبراهيم وَأَبُو خَيْثَمَةَ قَالا حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ عَن ابْن جُعْدُبَةَ عَنْ صَالِحِ بْن كَيْسَانَ قَالَ: مات مُعَاوِيَة والوليد أمير على مَكَّة والمدينة، وكان على
__________
(1) م: يأخذ.
(2) م: ثم بعث.
(3) م: برجل.
(4) م: وأحسنت.
(5) م: فتنادي.
(6) س: يضرب.(5/310)
مكة من قبله أخوه لأمه عبد الرحمن بْن نبيه، فكتب إليه يزيد يأمره أن يأخذ بيعة حسين ابن علي وعبد اللَّه بْن الزبير، فاستضعفه فِي ذلك فعزله، وأمر عمرو بْن سَعِيد الأشدق على المدينة ومكة، وأمره أن يبعث إليه بابْن الزُّبَيْرِ فِي جامعة ولا يؤخره، وبعث فِي ذلك النعمان بْن بشير وابن مسعدة الغفاري «1» وابن عضاه الأشعري، وبعث معهم بجامعة من فضة لتبر يمينه، فلما قدموا قَالَ قائل وهو يسمع ابْن الزُّبَيْرِ ذلك «2» :
خذها فليست للعزيز بسبّة ... وفيها مقال لامرئ متذلّل
فأبى أن يخرج معهم وقال: قولوا ليزيد يجعل يمينه هذه من أيمانه التي يجب عليه أن يكفرها.
أمر عمرو بْن الزبير بْن العوام ومقتله:
813- قَالَ الواقدي فِي روايته: لما قدمت رسل يزيد عليه وليس ابْن الزُّبَيْرِ معهم وأعلموه ما يَقُول، كتب إلى عمرو بْن سَعِيد الأشدق يأمره أن يوجه إلى عبد اللَّه بْن الزبير جيشًا من أهل العطاء والديوان لمحاربته ويولي أمرهم رجلًا حازمًا مناصحا، وكان عمرو ابن الزبير- وأمه أمة بنت خالد بْن سَعِيد بْن العاص- على شرطة عمرو بْن سَعِيد الأشدق، فسأله توجيهه على ذلك الجيش، وكان مباينًا لأخيه عبد اللَّه بْن الزبير يظهر عيبه ويكثر الطعن عليه، وكان عمرو «3» عظيم الكبر شديد العجب ظلوما قد أساء السيرة وعسف الناس وأخذ من عرفه بموالاة عبد اللَّه والميل إليه فضربهم بالسياط، وله يقال:
عمرو لا يكلم، من يكلمه يندم، فكان ممن ضرب المنذر بْن الزبير ومحمد بْن المنذر وعثمان بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامِ وخبيب بْن عبد اللَّه بْن الزبير ومحمد بن عمّار بن
__________
813- قارن بالطبري 2: 223، 226 وابن الأثير 4: 13
__________
(1) قد مرّت نسبته «الفزاري» ص 308 (ف: 808) .
(2) مرّ البيت ف: 802
(3) في صفة عمرو انظر المخطوطة س، الورقة 817/ أ.(5/311)
ياسر، وطلب قومًا من قريش يرون رأي أخيه فاستخفوا «1» ثم لحقوا بمكة فأتى رافع بْن خديج الأنصاري عمرًا الأشدق فَقَالَ له: اتق اللَّه ولا تغز الجيوش مَكَّة فإن اللَّه حرمها فلم تحل لنبيه إلا ساعة من نهار ثم عادت حرمتها، فَقَالَ: وما أنت وهذا؟ لقريش علم لا تبلغه أنت ولا أصحابك، فانصرف رافع.
814- وقال أَبُو مخنف فِي روايته: صار عمرو بْن سَعِيد الأشدق إلى المدينة فجهز جيشًا يريد به ابْن الزُّبَيْرِ بمكة فَقَالَ عمرو بْن الزبير لعمرو بْن سَعِيد: أمرني على هذا الجيش فأنا أكفيك أخي، فقد تعرف الذي بيني وبينه لاستخفافه بحقي وقطيعته إياي، فولاه الجيش، وكان أكثر الجيش بدلاء من العطاء وجلهم يهوون ابْن الزُّبَيْرِ عبد اللَّه، فساروا حتى انتهوا إلى مَكَّة، فأخرج إليهم عبد اللَّه بْن الزبير رجالًا من أهل الحجاز ذوي دين وفضل ورأي وثبات وبصائر، فلما التقوا لم ينشب «2» جند عمرو بْن الزبير أن تفرقوا وأخذ عمرو بعد أن أجاره عبيدة «3» وآمنه، فلما أتي به عَبْد اللَّهِ قَالَ: من كانت له قبل عمرو 5 329 ابن الزبير مظلمة فليأخذها منه، فكان عبد اللَّه يخرجه الى الناس فليطم ويوجأ ويضربه ضارب بعصًا ويشجه (833) آخر بحجر اقتصاصًا ثم يرد إلى السجن ثم يخرج فيفعل به مثل «4» ذلك، وضرب بالسياط «5» اقتصاصًا للذين ضربهم إلا من عفا عنه، ثم إن رجلًا من هذيل بْن مدركة يقال له جنادة بْن الأسود أتى عبد اللَّه بْن الزبير فَقَالَ: إن عمرًا نطحني مرة فِي وجهي نطحة لم أزل أصدع منها حينًا، فأذن له فِي الاقتصاص منه، فنطح جبينه نطحة خر منها مغشيًا عليه، وكان عبد اللَّه إذا ضربه بالسياط اقتصاصًا لرجل تركه أيامًا حتى يبرأ ثم يضربه لآخر فيوجد صبورًا، فكان ذلك قد نهكه وأضعفه، فلما
__________
(1) م: واستخفوا.
(2) م: ينتشب.
(3) يعني عبيدة بن الزبير.
(4) س ط: بمثل.
(5) س: السياط.(5/312)
نطحه الهذلي لم يمكث إلا ليلة حتى مات، فَقَالَ عبد اللَّه بْن الزبير الأسدي فِي قصيدة قالها بعد حصار ابْن الزُّبَيْرِ الأول «1» :
فيا راكبًا إما عرضت فبلغن ... كبير بني العوام إن قيل من تعني
لعمري لقد أردى عبيدة جاره ... بشنعاء غدرٍ لا توارى على الدفن
قتلتم أخاكم بالسياط سفاهة ... فيا لك من رأى مضل ومن أفن
فلو أنكم أجهزتم إذ قتلتم ... ولكن قتلتم بالسياط وبالسجن
جعلتم لضرب الظهر منه عصيكم ... تراوحه والأصبحية «2» للبطن
وتخبر من لاقيت أنك عائذ ... وتكثر قتلى بين زمزم والركن
815- وقال الواقدي فِي روايته: إن مروان بْن الحكم أشار على عمرو بْن سَعِيد ألا يغزي مَكَّة جيشًا وقال: إنكم إن تركتم ابْن الزُّبَيْرِ كفيتم مؤنته بالموت فأبى، قَالَ: وسار عمرو بْن الزبير على جيش الأشدق وبين يديه لواء عقده له عمرو الأشدق، وخرج في أربعمائة من الجند وقوم من موالي بني امية وقوم من غير أهل الديوان، وتحلب «3» الناس على ابْن الزُّبَيْرِ من نواحي الطَّائِف يعاونونه ويدفعون عَنْ الحرم، وشخص المسور بْن مخرمة من المدينة إلى مَكَّة فسأل عنه عمرو بْن سَعِيد فأخبر بشخوصه فَقَالَ: لا يزال حب الفتنة بالمسور حتى يرديه، فكان ابْن الزُّبَيْرِ يشاوره فِي أموره. وقدم أيضًا على ابْن الزُّبَيْرِ مصعب بْن عبد الرحمن بْن عوف وعبيد بْن عمير وعَبْد اللَّه بْن صفوان بْن أُمَيَّة بْن خلف الجمحي وهو عبد اللَّه الطويل، فأوصى الأشدق عمرو بْن الزبير بالصبر على القتال وأن يتبع الهارب ويجهز على الجريح، ولا يرضى إلا بأسر عبد اللَّه بْن الزبير أو بنزوله على حكم يزيد ولبس الجامعة، فلما فصل عمرو من المدينة ندم وقال: قد فعلت بعبد الله
__________
815- قارن بالطبري 2: 224 وابن الأثير 4: 13
__________
(1) الأبيات ما عدا الثاني في الأغاني 14: 224 والأول والسادس في المروج 5: 175 والثاني في حماسة البحتري رقم: 716، وكلها في مجموع شعره: 133
(2) الأصبحية: نوع من السياط.
(3) م: وتجلب.(5/313)
وأصحابه ما لا يخرج من قلبه، ووافى مَكَّة ومع ابْن الزُّبَيْرِ بشر كثير فِي عدة وسلاح، فقدم عباد بْن عبد اللَّه ابنه ثم تلاحق الناس وراسل «1» عمرو أخاه فِي بيعة يزيد وقال «2» له:
وما عليك فِي قبول ما دعاك أمير المؤمنين إليه من لبس الجامعة والمصير إليه فيها ثم يصير إلى محبتك؟ فَقَالَ: إني على طاعة يزيد وقد بايعت عامل مَكَّة حين دخلها، وكان عسكر عمرو بْن الزبير بذي طوى وعليه أنيس بْن عمرو الأسلمي- ويقال كان بالحجون إلا أنهم انكشفوا فقتل من قتل بذي طوي- فَقَالَ عبد اللَّه بْن صفوان بْن أُمَيَّة لعبد اللَّه بْن الزبير: إن هذا أعدى عدوّ لك فناجزه، قَالَ: نعم، فنهد إليه فِي جماعة من موالي ابْن الزُّبَيْرِ وهو وأصحابه غارون، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، فقتل أنيس بْن عمرو الأسلمي وأسر عمرو، وقد قَالَ له أخوه عبيدة بْن الزبير أنا أجيرك، فعندها وضع يده فِي أيديهم، فأتي به عبد اللَّه بْن الزبير وقد شج فِي وجهه والدم يقطر على قدميه، فَقَالَ عمرو متمثلًا «3» :
لَسْنَا عَلَى الأَعْقَابِ تَدْمَى كُلُومُنَا ... وَلَكِنْ عَلَى أقدامنا تقطر الدما
(834) فوبخه فَقَالَ: أي عدو اللَّه استخففت بحرم اللَّه، وأمر به إلى الحبس، فَقَالَ عبيدة بْن الزبير: إني قد أجرته، فَقَالَ عبد الله: إنّ للناس عليه حقوقا ولا بدّ من أن أقصهم، فضربه عبد اللَّه بكل سوط ضربه أحدًا بالمدينة سوطًا وأقص منه كلّ من لطمه وتناوله حتى سبط ميتًا، وقيل ان عمرو بْن الزبير لم يزل محبوسًا حتى بويع ابْن الزُّبَيْرِ وأقاد منه حتى مات، وإن فل عمرو قدموا المدينة فضربهم الأشدق فلامه يزيد على ذلك.
816- وقال الواقدي فِي رواية أخرى: لما قتل أنيس فِي المعركة وانفض عَنْ عمرو جل من معه وجه إليه عبد اللَّه بْن الزبير مصعب بن عبد الرحمن بن عوف فأسره، فجاءه عبيدة فَقَالَ: أنا أجيرك يا عمرو، فلما أخبر أخاه بإجارته إياه قَالَ: لا بدّ من أن يقتصّ
__________
816- قارن بالطبري 2: 225 وابن الأثير 4: 14
__________
(1) في النسخ: وأرسل.
(2) ط س: فقال:
(3) البيت في الطبري 2: 851 وابن الأثير 4: 290 والمروج 5: 264 والدينوري: 320 وابن عساكر 7: 415، 420 والشعر والشعراء: 542 والمفضلية رقم: 12 وشرح المرزوقي رقم: 41، 133 (للحصين بن الحمام أو خالد بن الأعلم) .(5/314)
الناس منه، وأمر به فحبس ومعه غلام مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «1» بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هشام بن المغيرة المخزومي يقال له عارم- ويقال إنه مولى لبني زهرة واسمه زيد ولقبه عارم، ويقال هو غلام مصعب بْن عبد حمن بن عوف.
817- وقال أَبُو الحسن الْمَدَائِنِيّ: أسر زيد- عارم- غلام مصعب بْن عبد الرحمن بْن عوف فبني له بناء ذراعين فِي ذراعين وأقيم فيه، وكان ذلك البناء فِي السجن فقيل سجن عارم. وصير عارم وعدة معه فِي بناء بني لهم ضيق وأطبق عليهم حتى ماتوا، قَالَ كثير يذكر ابن الحنفية ويهجو عبد اللَّه «2» .
تخبر من لاقيت أنك عائذ ... بل العائذ «3» المحبوس فِي سجن عارم
فما ورق الدنيا بباق لأهلها ... ولا شدة البلوى بضربة لازم
818- وكان ابْن الزُّبَيْرِ يخطب فيقول: واللَّه لا أريد إلا الإصلاح وإقامة الحق، ولا ألتمس جمع مال ولا ادخاره، وإنما بطني شبر أو أقل، يكفيني ما ملأه «4» ، فلما قتل عمرًا أخاه قَالَ الضحاك «5» بْن فيروز بْن الديلمي من أحرار اليمن «6» :
تقول لنا أن سوف تكفيك قبضة ... وبطنك شبر أو أقل من الشبر
وأنت إذا ما نلت شيئًا قضمته ... كما قضت نار الغضا حطب السدر
لكم سنة الفاروق لا شيء غيرها ... وسنة صديق النبي أبي بَكْر
فلو ما اتقيت اللَّه لا شيء غيره ... إذا عطفتك العاطفات على عمرو
ويروى «7» :
__________
818- قارن بالبصائر 7 رقم: 304
__________
(1) الطبري (2: 226) : عبد الله.
(2) ديوان كثير: 224 والتخريج ص: 226، س: ويهجوا عبد الله يذكر ... إلخ.
(3) س: وللعائذ.
(4) قارن بالدرة الفاخرة: 90
(5) ط م س: محمد.
(6) البيتان 1، 2 في المروج 5: 175
(7) هذا البيت أيضا في المروج.(5/315)
فلو كنت تجزي أو تثيب بنعمة ... قريبًا لردتك العطوف على عمرو
وقال أَبُو حرة مولى بني مخزوم «1» :
ما زال في سورة الأعراف يقرأها ... حتى فؤادي مثل الخز فِي اللين
لو كان بطنك شبرًا قد شبعت وقد ... أفضلت فضلا كثيرا للمساكين
فإن تصبك من الأيام جائحة ... لا نبك منك على دنيا ولا دين
819- وقال الْمَدَائِنِيّ: لما تفرق أصحاب عمرو عنه قَالَ بعض الشعراء:
كرهت كتيبة الجمحيّ لمّا ... رأيت الموت سال به كداء «2»
فقلت أبا أُمَيَّة سوف تلقى ... شهيدًا أو يكون لك العناء
يعني ابن صفوان.
820- وقال الْهَيْثَم بْن عدي: كان عمرو بْن الزبير مائلًا إلى أخواله من ولد العاصي «3» ، فوجهه الأشدق إلى مَكَّة لقتال أخيه، فوجه عبد اللَّه عبد اللَّه بْن صفوان بْن أُمَيَّة الجمحي فقاتله فهزمه وأسره (835) فلما رآه عبد اللَّه قَالَ: ويحك ما صنعت؟ أما حقّي فقد تركته للأخوّة «4» ولا بدّ من الأخذ بمظالم الناس، فحبسه أشهرًا يقفه كلّ يوم فيأتي الرجل فيقول: لكزني فليكزه، ويقول الآخر: لطمني فيلطمه، ويقول الآخر:
نتف لحيتي فيقول: انتف لحيته «5» ، حتى قدم سهيل بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عوف فَقَالَ:
جلدني مائة ولم أجن ذنبًا، فأمر به فجرد وقال: اضربه مائة، فضربه مائة سوط فنغل ظهره حتى مات، فأمر به عبد اللَّه فصلب، فكان ذلك أول ما نقمه الناس عليه.
__________
(1) الشعر في عيون الاخبار 2: 31 والعقد 6: 176 والبدء والتاريخ 6: 25 والاثنان الأولان في الأغاني 1: 34 والدرة الفاخرة: 90 والمروج 5: 175 والبصائر (نفسه) والثاني والثالث في الميداني 1: 75 والثالث في المفضليات: 118 والخزانة 2: 92 (واسم الشاعر في عيون الأخبار أبو وجزة، وفي العقد أبو وجرة أو عبد الله بن الزبير.
(2) كداء: جبل قريب من ذي طوى (ياقوت 4: 241) .
(3) ط م: العاص.
(4) س: قد ... بالأخوة.
(5) س: فينتف لحيته.(5/316)
821- وحدثني العمري عَنِ الهيثم بْن عدي عَنِ عَبْد اللَّه بْن عياش الهمداني قَالَ، حَدَّثَنِي محمد بْن المنتشر قَالَ: حضرت مَكَّة أيام ابْن الزُّبَيْرِ فما رأيت أحدًا قط أبخل منه ولا أشد أفنًا، أتته الخوارج فضللهم «1» وعاب قولهم فِي عثمان حتى فارقه نافع بْن الأزرق الحنفي وبنو ماحوز «2» بْن بحدج فانصرفوا عنه «3» وغلبوا على اليمامة ونواحيها إلى حضرموت وعامة أرض اليمن، وأظهر سوء الرأي فِي بني هاشم «4» ، وترك ذكر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أجلهم، وقال: إن له أهيل سوء فإن ذكر مدوا أعناقهم لذكره «5» ، وحبس ابن الحنفيّة فِي الشعب حتى شخص من أهل الكوفة من شخص وعليهم أَبُو عبد اللَّه الجدلي، فلم يقدر له على مضرة، ففارقته الشيعة بهذا السبب وأكفرته، وكان المختار معه فلما رأى تفننه وتخليطه تركه وانصرف إلى الكوفة، وقال له الحصين بْن نمير «6» صر معي إلى الشام أبايعك والناس فأبي، وجعل حصين يكلمه سرًا وذلك حين ورد عليهم موت يزيد وهو يرفع صوته فَقَالَ له: ما عرفك من زعم أنك داهية، أكلمك سرًا وترفع صوتك، وزعم أنّه عائذ بالبيت ثم دعا الناس إلى بيعته فبايعه من بايعه.
822- وقال الْهَيْثَم بْن عدي «7» : وجاءه قوم من الأعراب لينصروه فَقَالَ: إن سلاحكم لرث وإن حديثكم لغث وإنكم لأعداء فِي الخصب عيال فِي الجدب. وأتاه أعرابي فَقَالَ له: افرض لي قَالَ: أثبتوه فأثبتوه قَالَ: أعطني، قَالَ: قاتل أولًا فَقَالَ: بأست هذا «8» دمي نقد ودرهمك نسيئة، هذا واللَّه ما لا يكون، قال: وولّى الحارث بن الحصين ابن الحارث بْن قيس الجعفي وادي القرى وبها تمر كثير من تمر الصدقة ففرقه فيمن معه،
__________
(1) ط م: فظللهم، س: فظلله.
(2) ط م س: ماحور.
(3) سيأتي الخبر عن علاقة ابن الزبير بالخوارج في الورقة 564/ أ (من النسخة س) .
(4) قارن بالمروج 5: 177
(5) قارن بالمروج 5: 184
(6) انظر أيضا ما يلي: 887، 896، 907
(7) يرد هذا أيضا في النسخة س، الورقة: 515 أ، 564/ أ، ب.
(8) باست هذا: وقعت في م بعد لفظة «نسيئة» .(5/317)
وكان كتب إليه أن يحتفظ به، فلما قدم عليه جعل يضربه بالدرّة ويقول: أكلت تمري وعصيت أمري.
823- وقال أَبُو مخنف فِي روايته: رفع الوليد بْن عتبة وناس معه على عمرو بْن سَعِيد الأشدق وقالوا: لو شاء أن يأخذ ابْن الزُّبَيْرِ لأخذه، فسرح يزيد عند ذلك الوليد واليًا على الحجاز، وعزل عمرو بْن سَعِيد، فشخص عمرو إلى الشام، فعاتبه يزيد فَقَالَ: كنت أرفق به لآخذه ولو كان معي جند لناهضته، على أني قد اجتهدت، فَقَالَ يزيد: اشد ما أنكرت عليك أنك لم تكتب إلي تسألني أن أمدك بأهل الشام إذا لم يكن فيمن أنهضت معك الى ابن الزبير كفاية وكانوا غير أولي عدد وعدة.
824- قالوا: ولما قتل الحسين ثار نجدة بْن عامر باليمامة فحج فيمن حج وكان الوليد بْن عتبة يفيض من عرفة ويفيض معه عامة الناس وابْن الزُّبَيْرِ واقف بأصحابه، ونجدة واقف بأصحابه، ثم يفيض كل امرئ منهم بأصحابه على حدته.
825- قالوا: وكتب ابْن الزُّبَيْرِ إلى يزيد عَنْ أهل مَكَّة: إنك بعثت إلينا رجلًا أخرق لا يتجه لأمر رشد ولا يرعوي (836) لعظة الحليم، فلو بعثت إلينا رجلًا سهل الخليقة لين الكنف «1» لرجونا أن يسهل من هذه الأمور ما استوعر، وأن يجمع منها ما تفرق، فانظر فِي ذلك، فإن فيه صلاح خواصنا وعوامنا. فلما ورد الكتاب عليه عزل الوليد وولى عثمان بْن محمد بْن أبي سُفْيَان، فقدم عليهم فتى حدث لم تحنكه الأمور ولم تحكمه التجارب ولم تجرسه «2» الأيام.
826- وقال الْمَدَائِنِيّ: قدم عبد الرحمن بْن زيد بن الخطّاب على يزيد فقال له:
__________
824- الطبري 2: 401 وابن الأثير 4: 86 825- في سيرة عمرو بن سعيد وعزله وتولية عثمان بن محمد انظر الموفقيات: 152 826- قارن بابن سعيد 5: 36
__________
(1) س م: الكتف.
(2) الطبري: تضرّسه.(5/318)
قد لججت فِي أمر ابن عمك، فلو أعطيته شيئًا يطمئن إليه، فَقَالَ له: قد وليتك مَكَّة فاعمل فِي أمره بما يطمئن به، فمال إلى ابْن الزُّبَيْرِ ميلًا شديدًا وقال له: أنت أحب إلي من أولاد الطلقاء، فعزله يزيد وولى عبد اللَّه بْن معين «1» بن عبد الأسد المخزومي.
827- قال: وقدم مروان على ابْن الزُّبَيْرِ فَقَالَ له: إن القوم لا يدعون سلطانهم حتى يذبوا عنه، وخوّفه أهل الشام 7 فلقم يجبه إلى شيء مما أشار به عليه.
828- وقال الْهَيْثَم: تحصن سعد مولى عتبة بْن أبي سُفْيَان بالطائف فِي خمسين رجلًا فاستنزلهم ابْن الزُّبَيْرِ وضرب أعناقهم فِي الحرم، فَقَالَ ابن عُمَر: يا سبحان اللَّه ما أحمق هذا الرجل، أما أنه لم يقتل أحد أحدًا بالحرم إلا قتل به، وقال ابن عباس: لو لقيت قاتل أبي بالحرم ما قتلته.
خبر يوم الحرة:
829- قَالَ الواقدي وغيره فِي روايتهم: لما قتل عبد اللَّه بْن الزبير أخاه عمرو بْن الزبير خطب الناس فذكر يزيد بْن مُعَاوِيَة فَقَالَ: يزيد الخمور، ويزيد الفجور، ويزيد الفهود، ويزيد القرود، ويزيد الكلاب، ويزيد النشوات، ويزيد الفلوات، ثم دعا الناس الى إظهار خلعه وجهاده، وكتب إلى أهل المدينة بذلك، فاجتمع أهل الحجاز على أمر ابْن الزُّبَيْرِ وطاعته، وأخذ البيعة له على أهل المدينة عبد اللَّه بْن مطيع العدوي، وقد كان ابن عضاه وأصحابه الوافدون معه عرفوا يزيد ميل أهل المدينة على يزيد مع ابْن الزُّبَيْرِ، وأتاه خبر عمرو بْن الزبير وما أعلن عبد اللَّه من الأمر بعد ذلك، وأن أهل المدينة قد كاشفوا بعداوته، فكتب يزيد الى عثمان بْن محمد بْن أبي سُفْيَان عامله أن يوجه إليه وفدًا ليستمع مقالتهم ويستميل قلوبهم، فأوفد إليه «2» المنذر بْن الزبير بْن العوام وعبد اللَّه بْن أبي عمرو بْن
__________
829- قارن قول ابن الزبير في يزيد بما جاء في البيان 2: 123 والعيون 2: 249 والأغاني 23: 136 (في خطبة أبي حمزة الشاري) .
__________
(1) بهامش ط س: سفين.
(2) قارن بالطبري 2: 402 وابن الأثير 4: 87(5/319)
حفص بْن المغيرة المخزومي وعبد اللَّه بْن حنظلة الغسيل ابن أبي عامر الأنصاري فِي آخرين «1» من الأشراف، فلما قدموا عليه أكرمهم ووصل كل واحد «2» منهم بخمسين ألف درهم، ووصل المنذر بمائة ألف درهم، ثم انصرفوا من عنده، فلما وردوا المدينة قالوا:
قدمنا من عند رجل فاسق يشرب الخمور ويضرب الطنابير ويعزف عنده القيان ويلعب بالكلاب، فعاقدهم الناس على خلعه، وولوا أمرهم عبد اللَّه بْن حنظلة الغسيل، وقدم المنذر بْن الزبير البصرة من بين الوفد، فأكرمه ابن زياد وبره وأمر له بمائة ألف درهم.
830- وقال عوانة: كان مسور بْن مخرمة وفد إلى يزيد قبل ولاية عثمان بْن محمد، فلما قدم شهد عليه بالفسق وشرب الخمر، فكتب إلى يزيد بذلك فكتب إلى عامله يأمره أن يضرب مسورا الحدّ، فقال ابو حرّة «3» :
أيشربها صهباء كالمسك ريحها «4» ... أَبُو خالد ويضرب الحدّ مسور
831- وقال هشام ابن الكلبي، أخبرني أَبُو مخنف قَالَ: لما بلغ يزيد خلع أهل المدينة وتوليتهم ابن الغسيل أمرهم، كتب إلى ابن زياد فِي حمل المنذر بْن الزبير إليه، فكره ابن زياد ذلك إذ كان ضيفه وصديق أبيه زياد، فكتب إليه: إنه إنما صار إلى متبرئًا من أصحابه مخالف لقولهم وفعلهم، ثم أمر منذرًا أن يستأذنه على رؤوس الناس فِي إتيان (837) الحجاز، وقد كتم ابن زياد أمر الكتاب، فلما فعل أذن له فِي اللحاق بأهله، فلما صار إلى الحجاز قَالَ فِي يزيد مثل قول الوفد وقال: إن يزيد أجازني بمائة ألف درهم، وما يمنعني ذلك من أن أخبركم خبره، واللَّه إنه ليسكر من الخمر حتى يدع الصلاة، فيقال إن المنذر أقام فشهد الحرة ثم صار إلى مَكَّة، ويقال إنه قدم مَكَّة قبل الحرّة.
__________
830- انظر الورقة 823 ب (من المخطوطة س) والمعارف: 429 والعقد 4: 35 (وقد نسب البيت في المصدرين الأخيرين للمسور) .
831- قارن بالطبري 2: 403 وابن الأثير 4: 87
__________
(1) م: أخر.
(2) واحد: سقطت من س.
(3) ط م: حزة.
(4) العقد: صرفا يفض ختامها.(5/320)
832- وبعث يزيد إلى النعمان بْن بشير فَقَالَ له: إن عدد الناس بالمدينة الأنصار وهم قومك، فأتهم فأفثأهم «1» عما يريدون، فصار النعمان إلى قومه فاستنهاهم من أنفسهم، وحذرهم جنود أهل الشام، ورغبهم فِي بيعة يزيد فَقَالَ له عبد اللَّه بْن مطيع العدوي: يا نعمان: قد جئتنا بأمر تريد به تفريق جماعتنا وإفساد ما قد أصلح اللَّه من أمرنا، فَقَالَ النعمان: كأني بك على بغلتك تضرب جنبيها «2» ثم تلحق بمكة، وتترك هؤلاء المساكين من الأنصار يقتلون فِي سككهم ومساجدهم، فلم يلتفت إلى قوله، وكان مع النعمان كتاب من يزيد نسخته: من عبد اللَّه يزيد أمير المؤمنين إلى أهل المدينة، أما بعد فقد أنظرتكم حتى لا نظرة، ورفقت «3» بكم حتى عجزت عندكم، وحملتكم على رأسي ثم على عيني ثم على نحري، وأيم اللَّه لئن وضعتكم تحت قدمي لأطأنكم وطأة أجعلكم بها أحاديث تؤثر مع أحاديث عاد وثمود، وتمثل بهذين البيتين:
أظن الحلم دل علي قومي ... وقد يستضعف الرجل الحليم
ومارستُ الرجال ومارسوني ... فَمُعْوَجٌّ عليّ ومستقيم
833- ووثب أهل المدينة على عثمان بْن محمد ومن بالمدينة من بني أُمَيَّة ومواليهم ومن عرف بالميل اليهم من قريش، وكانوا زهاء ألف، فأخرجوهم. فخرجت بنو أُمَيَّة حتى نزلوا بجماعتهم دار مروان، فحاصرهم الناس في دار مروان وهو معهم وابنه عبد الملك حصارًا ضعيفًا، وهتفوا بخلع يزيد، فكتب مروان ومن معه بخبرهم إلى يزيد كتابًا مع حبيب بْن كرة، فلما قدم حبيب على يزيد دفع الكتاب إليه ورجلاه فِي الماء لنقرس عرض له، فَقَالَ: يا حبيب ما كان بنو أُمَيَّة بالمدينة ألف رجل؟ فقال: بلى يا امير
__________
832- الطبري 2: 404 وابن الأثير 4: 88 ونصّ كتاب يزيد في الموفقيات: 197 والامامة 1: 327 وعيون الأخبار 1: 202 والعقد 4: 388 وصبح الأعشى 6: 390 والبصائر 2: 734، والبيتان لقيس بن زهير العبسي، انظر النقائض: 97 والموفقيات: 198 والحماسة 1: 221 والعيون 1: 202 والأغاني 17: 138 والمرزباني: 198 وأمالي القالي 1: 261 833- الطبري 2: 405 وابن الأثير 4: 93 (وفيهما الرجز التالي) .
__________
(1) م: فافثهم.
(2) م: جنبها، الطبري: جبينها.
(3) م: ورفعت.(5/321)
المؤمنين، قَالَ: فما استطاعوا «1» أن يقاتلوا ساعة من نهار؟ وقرأ يزيد الكتاب على عمرو بْن سَعِيد الأشدق وعرض عليه أن يصير إلى المدينة فَقَالَ: قد كنت ضبطت لك البلد وأحكمت الأمور وأردت أن ألطف للرجل فآخذه فِي رفق أو أقتله وحده بحيلة، فأما الآن فإني لا أحب هراقة «2» دماء قريش، فبعث بالكتاب إلى مسلم بْن عقبة المري، فجاء حتى دخل على يزيد فَقَالَ: يا أمير المؤمنين ما أعجب هذا، أما قدروا وهم ألف رجل أن يقاتلوا عَنْ أنفسهم ساعة واحدة؟ ثم أمره يزيد بالشخوص ونادى مناديه فِي الناس بالمسير إلى الحجاز على أن يعطوا أعطياتهم كملًا ويعان كل امرئ منهم بمائة دينار، وانتدب «3» اثنا عشر ألفًا وركب يزيد فرسًا وتقلد سيفًا وتنكب قوسًا وأقبل يتصفح الخيل ويقول «4» :
أبلغ أبا بَكْر إذا الجيش انبرى ... وأشرف القوم على وادي القرى
أجمع سكران من الخمر ترى ... أم جمع يقظان إذا حث السرى
وا عجبا من ملحد وا عجبا ... مخادعٍ فِي الدين يقفو بالفرى «5»
834- ولما بلغ أهل المدينة خبر من أقبل عليهم حصروا بني أُمَيَّة فِي دار مروان (838) حصارًا شديدًا وضيقوا عليهم وقالوا: لا نكف عنهم حتى يوثقوا لنا بالعهد أنا إذا جليناهم من المدينة لم يبغونا «6» غائلة ولم يدلوا لنا على عورة ولم يظاهروا علينا أحدًا، ففعلوا ذلك، ثم أخرجوهم بأثقالهم وأموالهم فمضوا إلى الشام.
835- وقال يزيد لمسلم بْن عقبة: أنت أمير الجيش وإن حدث بك حدث فأمير الجيش «7» الحصين بْن نمير السكوني، فإذا وردت المدينة فادع الناس ثلاثا، فإن أجابوك
__________
834- الطبري 2: 410 وابن الأثير 4: 95 835- الطبري 2: 409 وابن الأثير 4: 94
__________
(1) م: اسطاعوا.
(2) س: هراق.
(3) س: انتدب.
(4) انظر هذا الرجز أيضا في ابن كثير 8: 219، والأشطار 1- 4 في التنبيه والاشراف: 304، 305، 1- 3 في الأخبار الطوال: 275 والمروج 5: 161 وخليفة 1: 290، 1- 2 في البدء والتاريخ 6: 14
(5) م: نفقوا بالقرى، الطبري: بالعرى.
(6) س: يبلغونا.
(7) وان حدث ... الجيش: سقط من س.(5/322)
وإلا فقاتلهم، فإن ظهرت عليهم فأبحها ثلاثًا، فما كان بها من مال أو رثة أو سلاح أو طعام فهو للجند، فإذا مضت الثلاث فاكفف عَنِ الناس واستوص بعلي بْن الحسين بْن علي خيرًا وأدن مجلسه فإنه لم يدخل فِي شيء مما دخل الناس فيه، واعلم أنك تقدم على قوم ذوي جهالة واستطالة قد أفسدهم حلم أمير المؤمنين معاوية وطنّوا أن الأيدي لا تنالهم، فلا تردن أهل الشام عما أرادوه بهم، وكان علي بْن الحسين آوى عائشة بنت عثمان بْن عفان وهي أم أبان بْن مروان بْن الحكم واعتزل فِي ضيعة بقرب المدينة كراهة أن يشهد شيئًا من أمرهم.
836- ولقيت بنو أُمَيَّة مسلم بْن عقبة بوادي القرى فسلموا عليه فدعا عمرو بْن عثمان بْن عفان أول الناس فسأله عَنِ الخبر فلم يخبره بشيء ليمينه التي حلفها لأهل المدينة، فَقَالَ: لولا أنك ابن عثمان لضربت عنقك، واللَّه لا أقلتها قرشيًا بعدك. وقدم مروان ابنه عبد الملك ليخبره خوفًا من الحنث، فسأل مسلم عبد الملك فأخبره فَقَالَ: لله درك يا ابْن مروان لقد رأى بك أبوك خلفًا منه فِي حياته.
837- ويقال إن يزيد لما عرض بجنده «1» كتب إلى ابْن الزُّبَيْرِ رقعة لطيفة أفرد بها رسولًا، ويقال إنه لم يكتب ولكنه قَالَ قولًا ظاهرًا:
استعد ربك فِي السماء فإنني ... أدعو إليك رجال عك وأشعر
ورجال «2» كلب والسكون ولخمها ... وجذام تقدمها كتائب حمير
كيف النجاء أبا خبيبٍ منهم ... فاحتل لنفسك قبل أتي العسكر
والشاميون يقولون إنما قَالَ:
اجمع رجال الأبطحين فإنني ... أدعو إليك رجال عكّ وأشعر
__________
836- الطبري 2: 410 وابن الأثير 4: 95 837- البيتان 1، 3 في المروج 5: 162
__________
(1) لعلّ الصواب: عرض جنده.
(2) س: وقعال.(5/323)
838- قالوا: وارتحل مسلم فلما قدم المدينة مضى فِي الحرة حتى أتى المدنيين فقدم من قبل المشرق، وكان عبد الملك بْن مروان أشار عليه بذلك، ثم أجلهم ثلاثًا وقال: إن دخلتم فيما دخل الناس فيه انصرفت عنكم وأتيت الملحد الذي بمكة، وإن أبيتم قاتلتكم بعد الإعذار إليكم، وكان أهل المدينة قد اتخذوا خندقًا ونزل بباب من أبوابه جمع عظيم، فكان عليهم عبد الرحمن بْن أزهر بْن عوف الزهري وكانوا ربعًا، وكان عبد الله ابن مطيع على ربع آخر مما يلي المدينة، وكان معقل بْن سنان الأشجعي على ربع مثل ذلك، وكان عبد اللَّه بْن حنظلة الغسيل على ربع آخر مما يلي الحرة، وجعلوا اليه رئاستهم وترتيبهم «1» . ويقال إن كل قوم خندقوا على ربعهم، وكان ابن الغسيل وابن مطيع فِي الأنصار ومعقل فِي المهاجرين، وكان على الموالي يزيد بْن هرمز، فَقَالَ الشاعر وهو شهوات «2» مولى بني تيم وذلك الثبت، وقوم يقولون مولى آل الزبير.
إنّ في الخندق المكلّل بالمج ... د لضربًا يسوء ذا النشوات
لست منا وليس خالك منا ... يَا مضيع الصلاة للشهوات
برقع «3» الدب واحمل القرد وانزل ... فِي بلاد الوحوش بالفلوات
فإذا ما غلبتنا فتنصر ... واتركن الصلاة والجمعات
839- وقال ابن الكلبي: سمي شهوات لهذا البيت، وقال غيره: سمي شهوات لأنه كان (839) يتشهى على عبد اللَّه بْن جعفر الشهوات فيطعمه إياها. وقال الْمَدَائِنِيّ:
يقال إن هذا الشعر لمحمد بْن عَبْدِ اللَّه «4» بْن سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْن نفيل هجاه به حين
__________
838- الطبري 2: 412 وابن الأثير 4: 96 839- الخزانة 1: 144 والمرزباني: 286 والشعر والشعراء: 481 والمعارف: 237 والبدء والتاريخ 5: 86 وابن كثير 8: 23 والورقة 928 ب (من المخطوطة س) والمصعب: 240 والأغاني 3: 147 والسمط: 807
__________
(1) م س: وتربيتهم (وهي غير معجمة في ط) .
(2) يعني موسى شهوات، وشعره في معظم المصادر المذكورة في ف: 839 يضاف إليها الأخبار الطوال: 275 والتنبيه والاشراف: 305
(3) م: يرفع، س: يرتع.
(4) ط م س: لمحمد بن عبد الرحمن.(5/324)
عزل عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن زَيْدِ بْن الْخَطَّابِ عَنْ مَكَّة، وسمعت من يذكر أن أهل المدينة كتبوا بهذا الشعر إلى يزيد، فَقَالَ رجل من كلب:
أنت منا وليس خالك «1» منا ... يا مجيب الصلاة للدعوات «2»
840- قالوا: ولما انقضت الأيام الثلاثة التي ضربها مسلم بْن عقبة لهم أجلًا قَالَ لهم: يا قوم إن أمير المؤمنين يكره إراقة دمائكم، ولقد استدامكم منذ زمان لأنكم أصله «3» ، فاتقوا اللَّه فِي أنفسكم، فشتموه وشتموا يزيد وفجروه، وقالوا: بل نحارب ثم نحارب، فأمر مسلم بفسطاط عظيم فضرب له ثم زحف إلى أهل المدينة وصمد بمن معه صمد ابن الغسيل، فحمل ابن الغسيل بالرجال حتى كشف الخيل، فانتهت الخيل إلى فسطاط مسلم، فصاح مسلم بالخيل فكرها فقاتل طويلًا، ثم إن الفضل بْن العباس بْن ربيعة بْن الحارث بْن عَبْد المطلب قَالَ لابن الغسيل: مر فرسانك أن يصيروا إلي، فأمرهم بالمصير إليه فقاتل بهم فكشف أصحاب مسلم حتى لم يبق إلا فِي خمسين قد أشرعوا أسنتهم وجثوا على ركبهم فشدوا عليه فقتلوه وقتل معه زيد بْن عبد الرحمن بن عوف الزهري وإبراهيم بْن نعيم بْن عبد اللَّه النحام فِي رجال من أهل المدينة.
841- ويقال أن مسلمًا كان مريضًا يوم القتال، فأمر بسرير أو كرسي فوضع له بين الصفين، ثم حض أهل الشام وحرضهم على القتال فقاتلوا، فقتل الفضل بْن العباس ومن كان معه بعد قتال شديد انثنت فيه السيوف وانقصفت الرماح، فحمل الفضل فِي جماعة من وجوه الناس وفرسانهم يريد مسلمًا وهو على سريره أو كرسيه فَقَالَ: احملوني فحمل فجعل أمام فسطاطه، وكان الفضل رجلًا أحمر، فصاح بهم: إن العبد الأحمر قاتلي فأين أنتم يا بني الحرائر، اشجروه برماحكم، فطعنوه حتى سقط.
__________
840- الطبري 2: 412، 413 وابن الأثير 4: 96، 97 841- الطبري 2: 415 وابن الأثير 4: 97
__________
(1) م: ذلك.
(2) م: للدعات.
(3) م: أصوله.(5/325)
842- قالوا: ثم إن خيل ابن الغسيل ورجالته رجعوا إلى مسلم يريدونه، فركب فرسًا وجعل يَقُول: يا أهل الشام إنكم لستم بخير العرب وإنما رزقتم النصر بطاعتكم لأمرائكم وصبركم فِي لقاء عدوكم. ثم انتهى إلى مصافه «1» وأمر أن يحملوا على ابن الغسيل وأصحابه، فقاتلوهم اشد قتال، ونزل حصين بْن نمير فِي أهل حمص ثم مشي إليهم فَقَالَ ابن الغسيل حين رآهم يمشون تحت راياتهم: إن عدوكم قد أصاب جهة قتالكم، ولن يلبثوا «2» إلا ساعة من نهار حتى يحكم اللَّه بينكم وبينهم، ثم قدم أمامه ولده حتى قتلوا واحدًا بعد واحد، ودنا عبد اللَّه بْن عضاه بْن الكركر الأشعري وأصحابه فمشى في خمسمائة رامٍ فنضحوهم بالنبل، فَقَالَ ابن الغسيل: علام تستهدفون «3» للنبل؟ من أراد التعجل إلى الجنة فليلزم رايتي، فتقدم إليه كل مستميت، فنهض القوم واقتتلوا أبرح قتال وأشده، وجعل ابن الغسيل يَقُول «4» :
بؤسًا لمن شد فسادًا وطغى ... وجانب القصد وأسباب «5» الهدى
لا يبعد الرحمن إلا من عصى
ثم استقدم فجالد حتى قتل وقتل معه أخوه لأمه مُحَمَّدُ بْن ثَابِتِ بْن قَيْسِ بْن شَمَّاسٍ الأنصاري ومحمد بْن عمرو بْن حزم النجاري «6» .
843- ومن رواية الواقدي: إن مروان (840) والأمويين رجعوا إلى المدينة مرتهم الأولى فلم يعيبوا على أهل المدينة فكانوا بها حتى أمر ابْن الزُّبَيْرِ بإشخاصهم بعد موت يزيد.
__________
(1) الطبري: انتهى إلى مكانه الذي كان فيه.
(2) الطبري: تلبثوا.
(3) س: يستهدفون.
(4) انظر الرجز أيضا في السمهودي: 93
(5) الطبري: وآيات.
(6) الطبري: الأنصاري (وما هنا صواب أيضا) .(5/326)
844- قالوا: فَقَالَ مروان حين رأى ابن الغسيل: يرحمك «1» اللَّه فلرب سارية رأيتك تطيل الصلاة إلى جانبها.
845- قالوا: وخرج محمد بْن سعد بْن أبي وقاص يرد الناس بسيفه حتى غلبته الهزيمة، فذهب فيمن ذهب من الناس، وأباح مسلم المدينة ثلاثة أيام يقتلون ويأخذون المتاع ويعبثون بالإماء ويفعلون ما لا يحبه اللَّه. وخرج أَبُو سَعِيد الخدري فاقتحم مغارة فدخل عليه رجل بسيفه فانتضاه ليرعبه، فلما أقبل عليه قال أبو سعيد (لَئِنْ بسطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقتلَني مَا أَنَا بباسطٍ يديَ إِلَيْكَ لأقتلَك إِنِّي أخافُ اللَّهَ ربَّ العالمين) (المائدة:
28) فقال له الشامي: من أنت لله أبوك؟ قَالَ: أَبُو سَعِيد الخدري، قَالَ: صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نعم، فتركه وقال: استغفر لي.
846- وقال عوانة بْن الحكم: دخلوا من قبل بني حارثة إلى المدينة فلم يبق دار إلا انتهبت، إلا دار أسامة بْن زَيْد بْن حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن كلبًا حمتها، ودار امرأة من حمير فإن حمير حمتها. وكان أهل الشام يقاتلون أهل المدينة ويقولون يا يهود.
847- وقال الواقدي فِي بعض رواياته: ولى الأنصار أمرهم ابن الغسيل وتساند القوم، فلما قرب مسلم من المدينة عسكروا بحرة واقم وخندقوا، وكان ابْن الزُّبَيْرِ أمر بإخراج بني أُمَيَّة ومواليهم من مَكَّة والمدينة إلى الشام، وفي ذلك يَقُول ابن قيس الرقيات «2» :
لبيك البقيع ودور البلاط ... رهط ابن عفان والمسجد
فمروة فالسنح يبكيهم ... فعسسفان فالحجر الأسود
__________
844- الطبري 2: 417 وابن الأثير 4: 99 845- الطبري 2: 418 وابن الأثير (نفسه) وتاريخ خليفه 1: 292: 864 والعقد 4: 389- 390
__________
(1) ط م: رحمك.
(2) لم ترد في ديوان الرقيات.(5/327)
فخرج منهم أربعة آلاف فيما يزعمون، فلما صاروا بوادي القرى أمرهم مسلم بالرجوع معه، فنفذت من وجوههم إلى يزيد جماعة ورجع سائرهم، فلما قدم مسلم المدينة أكمن كمينًا مما يلي منازل بني حارثة، فتناهض الجمعان، وكان بمسلم النقرس فحمل فِي ترس ووضع أمام الصف ثم جلس عليه وقال: يا أهل الشام قاتلوا عَنْ إمامكم أو دعوا، فنشبت الحرب فصبر أهل المدينة وقاتلوا أشد قتال، فلم يشعروا إلا بالكمين يضربهم فِي أدبارهم فانهزموا، وقتل عبد اللَّه بْن الغسيل وابن عمرو بْن حزم الأنصاري- وكان قاضيهم- وفر ابن مطيع فلحق بابْن الزُّبَيْرِ. ثم أنهب الناس المدينة ثلاثة أيام.
فلما انقضت الثلاثة الأيام جلس للبيعة «1» ودعاهم إليها «2» ، فكان أول من أتاه يزيد بْن عَبْد اللَّه بْن زمعة بْن الأسود وأمّه زينب بنت أبي سلمة وجدته أم سلمة زوج رسول الله صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بايع لأمير المؤمنين على أنك عبد قن يحكم فِي مالك ودمك، قَالَ: أبايعك له «3» عَلَى كتاب اللَّه وسنة نبيّه وعلى أني ابن عمه فقدمه فضرب عنقه وقال:
واللَّه لا تشهد على أمير المؤمنين بشهادة بعدها، وكان وفد إليه فأعطاه فقدم يفجره ويشهد عليه بشرب الخمر. ثم أتي بمعقل بْن سنان الأشجعي فَقَالَ له: مرحبًا بأبي محمد، فأخذ بيده فأقعده معه على طنفسته، ودعا معقل بماء فَقَالَ مسلم: ائتوه بشربة عسل وخوضوها (841) بثلج مما حمل معنا ففعلوا، فلما شربها قَالَ: سقى اللَّه الأمير من شراب الجنة فَقَالَ: واللَّه لا شربت بعدها شرابًا إلا من جهنم حين تسقى من حميمها، فَقَالَ معقل:
نشدتك اللَّه والإسلام، قَالَ: أتذكر حين مررت بطبرية فقلت لك: من أين اقبلت؟
فقلت «4» : سرنا شهرًا وأحرثنا «5» ظهرا ورجعنا صفرا ووجدناه يشرب خمرًا، نأتي واللَّه المدينة فنخلع الفاسق ابن الفاسق ونبايع رجلًا من أبناء المهاجرين، فإني آليت تلك الليلة
__________
(1) س: بالبيعة.
(2) من هنا ومن ضمن ذلك ف 848 وبعض 849 في الأخبار الطوال: 275 وانظر الطبري 2: 418، 421 وابن الأثير 4: 99 (ولم يرد فيهما البيت) وتاريخ خليفه 1: 291- 292.
(3) له: سقطت من س.
(4) يرد هذا القول في الورقة 1170 ب (من المخطوطة س) .
(5) س: وأحربنا، الدينوري: وأنضينا.(5/328)
ألا أقدر عليك فِي موطن يمكنني فيه قتلك إلا قتلتك، وما أشجع «1» والخلافة والخلع؟! قدّماه فاضربا عنقه، فضربت عنقه، فَقَالَ الشاعر «2» :
ألا تلكم الأنصار تبكي سراتها ... وأشجع تبكي معقل بْن سنان
848- الْهَيْثَم بْن عدى عَنْ عوانة قَالَ: أتى محمد بْن أبي «3» الجهم فَقَالَ له: أبايعك على كتاب اللَّه وسنة نبيه، فأمر فضربت عنقه وقال: حباك أمير المؤمنين وأعطاك ثم تشهد عليه بشرب الخمر؟! واللَّه لا تشهد بعدها بشهادة زور أبدًا، ودعا «4» بعمرو بْن عثمان بْن عفان وكان ممن رجع وقد كان سأله عَنْ خبر أهل المدينة فلم يخبره به فأغلظ له وقال:
لولا أنك ابن أمير المؤمنين لقتلتك فإنك الخبيث ابن الطيب، إذا ظهر أهل المدينة قلت: انا رجل منكم و «5» إذا ظهر أهل الشام قلت: أنا ابن أمير المؤمنين عثمان، يا غلام انتف لحيته، فنتفت حتى ما تركت فيها طاقة، ثم قَالَ: إن أم هذا كانت ورهاء تحمل فِي شدقها الشيء ثم تقول لعثمان: حاجيتك ما في شدقي، وفيه ما يسوؤها. ويقال حملت مرة خنفساء «6» ، ويقال أنه ضربه بالسياط وقال: نحن نقاتل عَنْ دولتكم وأنت تكيدها.
وتكلم فيه مروان وقال: ابن عمي فَقَالَ: ومعقل ابن عمي أيضًا. ويقال أنه وهب له ضربه وخلى سبيله، وكانت أمه من دوس يقال لها أم عمرو بنت جندب «7» . وأتاه «8» مروان وعبد الملك بعلي بْن الحسين بن عليّ ليطلبا له الأمان وذلك أنه استجار بهما، فلما رآه أدناه وقربه وقال: لولا أن أمير المؤمنين أمرني ببره وإكرامه وعرفت براءته وسلامته ما شفعتكما فيه، ثم أمره بالانصراف على بغله وجزاه الخير. وبعث إلى علي بن عبد الله بن
__________
(1) يعني قبيلة أشجع.
(2) ابن سعد 4/ 2: 24 وأسد الغابة 4: 398 والاصابة 3: 915 والسمهودي: 93
(3) أبي: سقطت من م س.
(4) انظر هذا الخبر في ف: 1554 وعيون الاخبار 2: 38
(5) إذا ظهر ... و: سقط من م وهو بهامش ط س.
(6) ويقال ... خنفساء: سقط من م (وهو بهامش ط) ثم ورد في م بعد قوله «عمرو بنت جندب» في ما يلي، وانظر عيون الأخبار 2: 38 والفقرة: 1554 والطبري 2: 421
(7) ط: جنيدبة، م: جندبية، س: جندبة.
(8) م: ويقال أتاه.(5/329)
عباس ليدخل فيما دخلوا فيه من البيعة ليزيد على «1» حكمه، فرأى فسطاطًا فسأل عَنْ صاحبه فقيل فسطاط حصين بْن نمير بْن ناتل «2» السكوني، فأتاه فاستجار به فأجاره بالخؤولة لأن أم علي بْن عبد اللَّه كندية، وحال بينه وبين رسل مسلم ومنعهم أهل حمص منه تعصبًا لحصين بْن نمير وأحالوا عليهم بالسياط حتى تركوه، ثم أتى به الحصين مسلمًا فبايعه ليزيد على السمع والطاعة.
849- وقال الْهَيْثَم بْن عدي: أتي مسلم بعلي بْن عبد اللَّه فأراد تناوله فكلمه فيه حصين وكان حاضرًا. وقال علي بْن عبد اللَّه «3» :
أبي العباس قرم بني لؤي «4» ... وأخوالي الملوك بنو وليعه «5»
هم منعوا ذماري يوم جاءت ... كتائب مسرفٍ وبني «6» اللكيعه
أراد بي التي لا عز فيها ... فحالت دونه أيدٍ رفيعه «7»
هم ملكوا بني أسدٍ وأدًا ... وقيسًا والعمائر من ربيعه
وكندة معدن للملك قدمًا ... يزين فعالهم عظم الدسيعة
850- وقال الْهَيْثَم بْن عدي: وَجْهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسامة بْن زيد إلى بني (842) غطفان فسبى مسلم بْن عقبة المري فيمن سبى، فاشترت مسلمًا امرأة من الأنصار وأعتقته، فلما كان يوم الحرة بعث الأنصار إلى مسلم احفظ بلاءنا عندك فقال: ما أحفظني له ولكنكم قتلتم عثمان.
851- قالوا: ثم شخص مسلم بالجيش بعد أخذه البيعة على ما أراد وبعد إنهابه المدينة
__________
851- قارن بالامامة 1: 345، 2: 15 واليعقوبي 2: 299 والاخبار الطوال: 277 وانظر ما يلي ف:
852، 855
__________
(1) م: وعلى.
(2) م: ناصل، س: نابل.
(3) الأبيات 1، 2، 3 في الكامل 1: 260 والمروج 5: 165 وابن الأثير 4: 101 وأخبار العباس: 137 والثاني في اللسان 10: 199.
(4) الكامل وابن الأثير: قصيّ.
(5) س: ربيعة.
(6) المصادر: وبنو.
(7) الكامل والمروج: منيعه.(5/330)
وتفتيشه النساء وهو يريد عبد اللَّه بْن الزبير بمكة كما أمره يزيد، وخلف على المدينة روح بْن زنباع الجذامي، فلما صار إلى المشلل- ويقال عقبة هرشى- اعتل علة شديدة وكانت به دبيلة أو علة غيرها، فلما حضره الموت قَالَ: أسندوني فأسندوه، فرفع يديه ثم قَالَ:
اللَّهم إنك تعلم إني لم أغش خليفة قط فِي سر ولا علانية، وأن أزكى عمل عملته قط فِي نفسي بعد شهادة أن لا إله إلا اللَّه قتلي أهل الحرة، ولئن دخلت النار بعد قتلهم إني لشقي، ثم قَالَ لحصين بْن نمير بْن ناتل «1» بْن لبيد بْن جعثنة السكوني: يا ابْن بردعة الحمار لولا عهد «2» أمير المؤمنين إلي فِي توليتك أمر هذا الجيش إن حدث بي حدث لوليت حبيش بْن دلجة، فإذا قدمت مَكَّة فناجز عدوك، وإياك أن تمكن قريشًا من أذنيك «3» فإنهم قوم خدع، وإذا لقيت عدوك فالوقاف ثم الثقاف ثم الانصراف، ثم أعلم الناس بأن «4» واليهم الحصين.
852- وقال الْمَدَائِنِيّ عَنْ عوانة ويزيد بْن عياض قالا، قَالَ مسلم لحصين: إن أمير المؤمنين أمرني أن أوليك أمر هذا الجيش وأكره خلافه عند الموت، ولولا ذلك كان الوالي حبيش بْن دلجة فإنه أولى بذلك منك، ثم مات فدفن على ظهر المشلل، وسار حصين بالجيش إلى مَكَّة.
853- الْمَدَائِنِيّ عَنِ ابن جعدبة: أن يزيد أصحب مسلم بْن عقبة طبيبًا فَقَالَ للطبيب: إليك عني إنما كنت أحب أن أبقى حتى أشتفي من قتلة عثمان، وقد أدركت ما أردت، فما شيء أحب إلي من أن أموت على طهارتي قبل أن أحدث حدثا فإن اللَّه قد طهرني بقتل هؤلاء الأرجاس.
854- قالوا: وأقبلت أم ولد ليزيد بْن عبد اللَّه بْن زمعة وكانت بخاريّة في غلمة
__________
852- قارن بالطبري 2: 424 854- انظر ما يلي ف: 866 والامامة 2: 15 واليعقوبي 2: 99 ومحاسن البيهقي: 67
__________
(1) م: ناثل.
(2) س: جهد.
(3) م: دينك.
(4) م: أن.(5/331)
لها، فلما انتهت إلى قبر مسلم قالت بالفارسية: يا مسرف خربت البيوت وأحرقت القلوب، ثم نبشته وصلبته على نخلة- ويقال على جذع- ثم أحرقته. ويقال: إن امرأة من قريش قتل ابنين لها نبشته وأحرقته، والأول اثبت.
855- ويقال إن مسلم بْن عقبة قَالَ للحصين: احفظ عني ما أقول لك، لا تطلبن المقام بمكة فإنها أرض محتدمة الحر لا تصلح الدواب بها، ولا تمنع أهل الشام الحملة، ولا تمكن قريشًا من أذنيك فإنهم قوم خدع، وعليك بالوقاف ثم الثقاف ثم الانصراف، ولئن دخلت النار بعد قتلي أهل الحرة إني لشقي.
856- وقال الواقدي: كانت وقعة الحرة يوم الجمعة لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين، وكان مسير مسلم من المدينة للنصف من المحرم سنة أربع وستين، ومات لسبع بقين من المحرم سنة أربع وستين، وقال غيره: كان يوم الحرة يوم الأربعاء.
857- وكان ممن قتل بالحرة من الأشراف:
الفضل بْن العباس بْن ربيعة بْن الحارث بْن عَبْد المطلب، إِسْمَاعِيل بْن خالد بْن عقبة بْن أبي معيط، (843) يحيى بْن نافع بْن عجير بْن عبد يزيد بْن هاشم بْن المطلب بْن عبد مناف، عبيد اللَّه بْن عتبة بْن غزوان من بني مازن بْن منصور، المغيرة بْن عَبْد اللَّه بْن السائب بْن أبي حبيش بْن المطّلب ابن أسد بْن عبد العزى بْن قصي، عياض بْن حمير بْن عوف الزهري، فِي خلق من قريش والأنصار.
858- وقال أَبُو مخنف: قتل بالحرّة من وجوه قريش سبعمائة رجل وكسر سوى من قتل من الأنصار، فَقَالَ محمد بْن أسلم بْن بجرة الساعدي:
إن يقتلونا يوم حرة واقم ... فنحن على الإسلام أوّل من قتل
__________
855- انظر ما يلي رقم: 871 857- هناك ثبت كامل بأسماء من قتل في الحرة في تاريخ خليفة 1: 293- 314.
858- الشعر الوارد هنا: في ياقوت 2: 253 والسمهودي: 96 وربيع الأبرار: 88 ب والبيتان 1، 2 في المروج 5: 163 والاصابة 6: 151 والشذرات 1: 71 والأول في البدء والتاريخ 6: 4 والثالث في ابن عساكر 7: 409 (منسوبا لعمرو بن سعيد بن زيد) .(5/332)
ونحن قتلناكم ببدر أذلة ... وأُبْنا بأسياف لنا منكم نفل
فإن ينج منها عائذ البيت سالمًا ... فما نالنا منهم وإن شفنا جلل
859- وقال الْهَيْثَم بْن عدي: قتل يوم الحرة من أخلاط الناس نحو من ستة آلاف وخمسمائة وذلك في سنة اثنتين وستين.
860- قالوا: وقال يزيد بْن مُعَاوِيَة حين بلغه خبر وقعة الحرة:
ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل «1»
وذكر القصيدة كاملة.
861- وحدثني أَبُو خيثمة زهير بن حرب وخلف بن سالم وأحمد بن إبراهيم الدورقي قالوا، حَدَّثَنَا وهب بْن جرير بْن حازم عَن ابْنِ جُعْدُبَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: لما أقبل مسلم بْن عقبة من الشام مر بأسفل المدينة فَقَالَ: أنزلوني منزلًا إذا حاربت «2» القوم استدبرتني الشمس واستقبلتهم، فنزل بحرة واقم شرقي المدينة، وكان الذي يقيم أمر «3» أهل المدينة عبد اللَّه بْن مطيع العدوي وعبد اللَّه بْن الغسيل الأنصاري، وذلك قبل أن يستجمع أمر ابْن الزُّبَيْرِ، فالتقوا بحرة واقم بعد صلاة الصبح، فلم ينشب أهل المدينة أن يستجمع أمر ابْن الزُّبَيْرِ، فالتقوا بحرة واقم بعد صلاة الصبح، فلم ينشب أهل المدينة أن انهزموا، وأخرج جميع اهل المدينة حتى أربعمائة رجل من أهل البحرين من أهل دارين كانوا عطارين فقالوا: ما لنا وهذا إنما نحن تجار، فأبوا إلا إخراجهم، وعقدوا لهم لواء، فكانوا أول من انهزم بالناس، وكانوا عمدوا إلى لوائهم فجعلوا حوله الحجارة وعمدوه بها حتى تماسك، ثم انصرفوا فجعل أهل البصائر يرون لواءهم منصوبًا فيقاتلون عنده حتى كاد اهل الشام يفنون فكان مسلم يَقُول: ويلكم لمن هذا اللواء؟ فيقال للداريين
__________
860- السيرة 2: 137 ورسائل الجاحظ 2: 15 والطبري 2: 436، 2174 والعقد 4: 390، 5: 86، 6: 153 والبدء والتاريخ 6: 12 والشذرات 1: 69، والبيت من قصيدة لعبد الله بن الزبعرى، وتنسب خطأ ليزيد نفسه.
__________
(1) بهامش م في هذا الموضع تعليق لحسين أمير المؤمنين الناصر لدين الله بن محمد الحسني سنة 1212
(2) ط م: حاذيت (وعلامة الحاء المهملة مثبتة في ط) ، س: جاريت.
(3) م: بأمر.(5/333)
العطارين، فيقول: ما لي وللعطارين، فلما فرغ مسلم من أمر أهل الحرة ذكر أمرهم فِي كتابه إلى يزيد، فكتب يزيد إلى عامله بالبحرين، فأغرم أهل دارين أربعمائة ألف درهم، قَالَ: وقتل يومئذ ابن حنظلة الغسيل ومحمد بْن عمرو بْن حزم وعبد اللَّه بْن أبي عمرو بْن حفص المخزومي وعبيد اللَّه وسليمان ابنا عاصم بْن عُمَر بن الخطّاب. وأباح مسلم المدينة ثلاثة أيّام حتى كانوا ينفضون «1» صوف الفرش ويأخذونها، وشخص عَنْ المدينة وبه السل فمات، ودفن بالمشلل، واستخلف على عسكره حصين بْن نمير.
862- حَدَّثَنَا خَلَفٌ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ جُوَيْرِيَةَ عَنْ أَشْيَاخِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِيَزِيدَ ابْنِهِ: إِنَّ لَكَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَوْمًا فَإِنْ فَعَلُوهَا فَارْمِهِمْ بِمُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ فَإِنَّهُ رَجُلٌ قَدْ عَرَفْنَا نَصِيحَتَهُ، فَلَمَّا مَلَكَ يَزِيدُ وَفَدَ إِلَيْهِ وَفْدُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ غَسِيلُ الْمَلائِكَةِ، وَكَانَ حَنْظَلَةُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ «2» فَغَسَّلَتْهُ (844) الْمَلائِكَةُ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ شَرِيفًا عَابِدًا، وَمَعَهُ ثَمَانِيَةُ أَوْلادٍ لَهُ، فَأَعْطَاهُ مِائَةَ أَلْفٍ وَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِيهِ عَشْرَةَ آلافٍ سِوَى كِسْوَتِهِمْ وَحِمْلانِهِمْ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ سَأَلُوهُ عَنْ يَزِيدَ فَقَالَ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ وَاللَّهِ إِنْ لَوْ لَمْ أَجِدْ غَيْرَ بَنِيَّ هَؤُلاءِ لَجَاهَدْتُهُ بِهِمْ، فَقَالُوا: بَلَغَنَا أَنَّهُ أَجَازَكَ وَأَعْطَاكَ، فَقَالَ: مَا قَبِلْتُ ذَلِكَ مِنْهُ إِلا لأَقْوَى «3» بِهِ عَلَيْهِ، فَبَايِعُوهُ، وَبَلَغَ ذَلِكَ يَزِيدَ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مُسْلِمَ بْنَ عُقْبَةَ، وَبَعَثَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إِلَى كُلِّ مَاءٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الشَّامِ فَصِيرَ فيه زقّ من قطران وعوّروه «4» ، فَتَتَابَعَ الْمَطَرُ فَلَمْ يَسْتَقُوا بِدَلْوٍ حَتَّى وَرَدُوا الْمَدِينَةَ، فَخَرَجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِجُمُوعٍ كَثِيرَةٍ وَأُهْبَةٍ «5» لم ير مثلها، فلما رأوهم أَهْلُ الشَّامِ هَابُوهُمْ وَكَرِهُوا قِتَالَهُمْ، وَمُسْلِمٌ شَدِيدُ الْوَجَعِ، فَأَمَرَ بِسَرِيرِهِ وَهُوَ عَلَيْهِ فَقُدِّمَ حَتَّى جُعِلَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، ثُمَّ أَمَرَ مُنَادِيهِ فَنَادَى: قَاتِلُوا عَنِّي أَوْ فَدَعُوا، فَبَيْنَا النَّاسُ فِي قتالهم إذ أتاهم
__________
862- الطبري 2: 422 والعقد 4: 387 (برواية أبي اليقظان) وبعضه في تاريخ خليفه 1: 289- 291
__________
(1) لعل الصواب: «ينقضون» ، وفي الامامة: ولا فراش إلا نقض صوفه.
(2) م: بدر.
(3) الطبري: لأتقوّى.
(4) م: وغوره، هامش س: وغوروه.
(5) الطبري والعقد: وهيئة.(5/334)
أَهْلُ الشَّامِ مِنْ قِبَلِ بَنِي حَارِثَةَ وَهُمْ فِي أَجَدِّ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْقِتَالِ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ، وَقِيلَ إِنَّ بَنِي حَارِثَةَ أَقْحَمُوهُمْ «1» فَسَمِعُوا التَّكْبِيرَ مِنْ وَرَائِهِمْ فَانْهَزَمَ النَّاسُ، فَكَانَ مَنْ أُصِيبَ فِي الْخَنْدَقِ أَكْثَرَ مِمَّنْ قُتِلَ، فَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ مُسْنَدًا إِلَى أَحَدِ بَنِيهِ وَهُوَ مَعِي يَغُطُّ نَوْمًا فَنَبَّهَهُ ابْنُهُ، فَلَمَّا رَأَى مَا صَنَعَ النَّاسُ قَدَّمَ أَكْبَرَ بَنِيهِ فَقُتِلَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ بِجَمِيعِ بَنِيهِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى قُتِلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ كُسِرَ جَفْنُ سَيْفِهِ وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَدَخَلَ مسلم الْمَدِينَةَ وَدَعَا النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ عَلَى أَنَّهُمْ خَوَلٌ لِيَزِيدَ يَحْكُمُ بِمَا شَاءَ فِي دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ، حَتَّى أُتِيَ بِابْنِ زَمْعَةَ وَكَانَ صَدِيقًا لِيَزِيدَ فَقَالَ: أُبَايِعُ عَلَى أَنِّي ابْنُ عَمِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَحْكُمُ فِي دَمِي وَمَالِي، فَقَدَّمَهُ فَضُرِبَ عُنُقُهُ.
863- وَحَدَّثَنِي حَفْصُ بْن عُمَر الْعَمْرِيّ عَن الْهَيْثَم بْن عدي عَنْ أبي زهير عَنْ أبي أسماء السكسكي قَالَ: لما شارف مسلم بْن عقبة المدينة لقي طويسًا المغني وهبه اللَّه وسائب خاثر فِي آخرين وهم يريدون الشخوص عَنِ المدينة فَقَالَ: ما هؤلاء؟ قالوا: نحن قوم مغنون فإن أحببت غنيناك وكنا بين يديك فَقَالَ: ويش- وهي كلمة لأهل حمص- أللغناء واللَّهو جئنا؟! اضربوا أعناقهم، فقتلهم.
864- وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي عُقَيْلٍ الدَّوْرَقِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ قَالَ: دَخَل أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَوْمَ الْحَرَّةِ غَارًا فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَفِي عُنُقِهِ سَيْفٌ، فَوَضَعَ أَبُو سَعِيدٍ سَيْفَهُ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: بُؤْ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ وَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ، فَقَالَ: أَنْتَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، قَالَ خَلَفٌ قَالَ وَهْبٌ: فَيُقَالُ إِنَّ الرَّجُلَ الشَّامِيَّ يَزِيدَ بْنَ شَجَرَةَ الرَّهَاوِيَّ نَظَرَ إِلَيْهِ فَأَثْبَتَهُ مَعْرِفَةً.
865- وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالا حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ جُوَيْرِيَةَ عَنْ أشياخ أهل المدينة قالوا: لما سار مسلم بالناس نحو مَكَّة وهو ثقيل فِي الموت
__________
864- انظر ما سبق ف: 845 865- العقد 4: 390
__________
(1) م س ط: أفحموهم.(5/335)
فصدر عَنْ الأبواء هلك، فلما عرف الموت دعا حصين بْن نمير الكندي «1» فَقَالَ له «2» : قد دعوتك وما تدري أستخلفك على جيش «3» أم أقدمك فأضرب عنقك، فَقَالَ: أصلحك اللَّه إنما أنا سهمك فارم بي حيث شئت، فَقَالَ: إنك أعرابي جلف جاف، وإن هذا الحي من قريش قوم لم يمكنهم قط رجل من أذنيه إلا غلبوه على رأيه، فسر بهذا الجيش فإذا لقيت القوم فلا يكونن إلا الوقاف ثم الثقاف ثم الانصراف ولا تمكنهم من أذنيك «4» ، فمضى الحصين فلم يزل محاصرًا عبد اللَّه بْن الزبير وأهل مَكَّة (845) حتى مات يزيد، وكان خبره قد بلغ ابْن الزُّبَيْرِ قبل أن يبلغ ابن نمير.
866- حَدَّثَنَا أَبُو خيثمة حَدَّثَنَا وهب بْن جرير عن جويرية عن أشياخ أهل المدينة أن أم ولد لابن زمعة لما بلغها موت مسلم خرجت فِي عبيد لها حتى أتت قبره فنبشته، فلما رفع ما على لحده إذا أسود مثل الجمرة «5» قد وضع فاه على فمه، فهابه الغلام الذي رفع عنه، فاحتزمت وأخذت فأسًا لتضرب بها الأسود فانساب عَنْ مسلم فاستخرجته «6» فألقته على شجرة ثم انصرفت.
867- وقال الْمَدَائِنِيّ: لما توجه مسلم يريد مَكَّة انشد:
خذها إليك أبا خبيب إنها ... حرب كناصية الجواد الأشقر «7»
وسار وبين يديه عامر الخضري من خضر محارب فَقَالَ: احد بشعر نصيب فإن فيه صفتي فَقَالَ «8» :
__________
866- قارن بالامامة 1: 346 وما تقدم ف: 854
__________
(1) هو سكوني، والسكون من كندة.
(2) له: سقطت من س.
(3) س م: جيشي.
(4) س: أذيتك.
(5) ط م س: الجزيرة، والجمرة: الظلمة الشديدة.
(6) س: واستخرجته.
(7) ديوان أوس: 48 (برواية مختلفة) وابن الأثير 10: 90 وياقوت 1: 387
(8) السيرة: 65 والمفضليات: 101 والاشتقاق: 176 والعقد 5: 159، 74 والطبري 2: 418 والأغاني 15: 79- 80 والبكري: 635 والميداني 2: 44 واللسان 13: 94، 308، 140: 3 والشطر الاول في الصحاح 2: 191 والمرزباني: 25 والثاني في العقد 3: 352 (واسم الشاعر في السيرة والبكري: عامر الخصفي، وعند المرزباني: عمرو بن ذكوان الحضرمي، وفي العقد: عمرو بن قيس الجشمي) .(5/336)
ترى الملوك حوله مُرَعْبَلَه «1» ... يَقتل ذا الذّنْبِ ومن لا ذنب له
فقال: انا كذاك «2» ، وأعطاه شيئًا ضمنه له.
868- وفي رواية الْمَدَائِنِيّ قَالَ: كان بمسلم النقرس فركب بقديد فرسًا فسقط عنه فتوطأه الفرس فثقل ومات، فَقَالَ الشاعر.
قد خر منجدلًا بوطأة حافر ... والموت يغشاه ولات أوان
869- وقال الحصين قَالَ مسلم حين احتضر: اللَّهم إنك تعلم أني لم أشاق خليفة ولم أفارق جماعة، فأغفر لي.
حصار ابْن الزُّبَيْرِ بمكة فِي أيام يزيد بْن مُعَاوِيَة وهو الحصار الأول:
870- حَدَّثَنِي عباس بن هشام عن أبيه عن أبي مخنف قَالَ: خرج مسلم بْن عقبة المري بالناس إلى مَكَّة بعد الحرة وخلف على المدينة روح بْن زنباع الجذامي، فنزل به الموت يقفا المشلل، فَقَالَ لحصين بْن نمير: يا بردعة الحمار أما والله أن لو كان (هذا الأمر) «3» إلي ما وليتك هذا الجند «4» ، ولكن أمير المؤمنين أوصاني أن أوليك إياه، فأسرع وعم الأخبار وعجل الوقاع. وكان موت مسلم لسبع بقين من المحرم، فسار حصين فدخل مَكَّة فِي آخر المحرم سنة أربع وستين.
871- وقال الْمَدَائِنِيّ «5» : نزل الموت بمسلم فَقَالَ حين احتضر: اللهمّ إنّك تعلم أنّي لم
__________
869- سيكرره في ف: 871 870- الطبري 2: 424 وابن الأثير 4: 102 871- انظر ما تقدم ف: 869، 851 والطبري 2: 425 وتاريخ خليفة 2: 320.
__________
(1) ط م: مزعبله.
(2) م: كذلك.
(3) هذا الأمر: زيادة من الطبري.
(4) س: اليوم.
(5) هنا تعليق لأمير المؤمنين الناصر الحسني، بهامش م وفيه حطّ على مسلم.(5/337)
أشاق خليفة ولم أفارق جماعة ولم أغش إمامًا سرًا ولا علانية، ولم أعمل بعد الإيمان باللَّه ورسوله عملًا أحب إلي ولا أرجى عندي من قتل أهل الحرة، فاغفر لي ذنوبي وبارك لي فيما أقدم عليه، ثم قَالَ: ما أغلقت عليه فلانة امرأتي بابها فهو لها، وداري بحوران صدقة على مهاجرة بني مرة، ثم دعا حصين بْن نمير وحبيش بْن دلجة القيني وعبد اللَّه بْن مسعدة الفزاري فَقَالَ: إن أمير المؤمنين عهد إلي فِي أن أولي أمركم حصين بْن نمير وأكره خلافه عند الموت، ثم قَالَ لحصين: إن حبيش بْن دلجة أولى بما ولّيتك منك ولكنّه أمر أمير المؤمنين، فاحفظ عني ما أقول لك: لا تطيلنّ المقام بمكة فإنها أرضٍ جردية لا تحتمل الدواب، ولا تمنع أهل الشام من الحملة، ولا تمكن قريشًا من أذنك فإنهم قوم خدع، وليكن أمرك الوقاف ثم الثقاف ثم الانصراف، أفهمت (846) يا حصين؟ قَالَ:
نعم، قَالَ: واعلم أنك تقدم على قوم لا منعة لهم ولا عدة ولا سلاح، ولهم جبال مشرفة عليهم، فانصب عليهم المجانيق فإن عاذوا بالبيت فارمه فما أقدرك على بنائه. وأقام حصين بمر الظهران ثلاثة أيام.
872- وقال الواقدي: دخل الحصين مَكَّة «1» لثلاث بقين من المحرم سنة أربع وستين.
873- قالوا: وخطب ابْن الزُّبَيْرِ الناس وحرضهم على قتال أهل الشام ودعاهم إلى بيعته فبايعه أهل مَكَّة على القتال وأتاه فل أهل الحرة فصار فِي بشر كثير، وقدم عليه نجدة بْن عامر الحنفي فِي ناس من الخوارج وفيهم حسان بْن بحدج «2» الحنفي ليمنعوا البيت من أهل الشام، فَقَالَ عبد اللَّه بْن الزبير لأخيه المنذر بْن الزبير: ما يريد هؤلاء، يعني أهل الشام، إلا أنا وأنت- قَالَ أَبُو مخنف: وكان المنذر شهد الحرة ثم لحق بأخيه، وقال غيره: لم يشهدها- فناهضهم المنذر ساعة ثم دعاه رجل من أهل الشام الى البراز
__________
873- الطبري 2: 425 وانظر ابن الأثير 4: 103
__________
(1) م: بمكة.
(2) س: يحدج.(5/338)
فاختلفا «1» ضربتين فسقط المنذر والشامي قتيلين- وقال بعضهم: لم يقتل المنذر فِي هذا الحصار ولكنه قتل فِي الحصار الثاني.
874- وقال لي مصعب بْن عبد اللَّه الزبيري: الرواة تدخل من خبر هذا الحصار فِي هذا وخبر هذا فِي هذا- قَالَ: ودعا عبد اللَّه لنفسه واجتمع على خلافته بعد موت يزيد وكان قبل ذلك يدعو إلى الشورى.
875- وقال الْمَدَائِنِيّ: أقبل الحصين فنزل معسكره من الحجون إلى بئر ميمون «2» ، فخرج إليه عبد اللَّه بْن صفوان فوعظه حصين وخوفه ثقل وطأة أهل الشام، فأغلظ لحصين فَقَالَ: إنما أباح حرم اللَّه من قاد الخيل إليه قبل. وميمون هو ابن شعبة الحضرمي أَبُو عمار.
876- وقال أَبُو مخنف: جثا ابن لعبد اللَّه بْن الزبير «3» وقال لأصحابه: قاتلوا، فقاتلوا إلى المساء فقتل المسور بْن مخرمة، ويقال أصابه حجر فمات يوم أتاهم نعي يزيد. وقاتل أهل الشام إلى أن انسلخ صفر، فلما مضت ثلاثة أيام من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين نصبوا على البيت المجانيق فدقوه «4» بها، وأخذوا يرتجزون ويقولون «5» :
خطارة مثل الفنيق المزبد ... نرمي بها عواذ هذا المسجد
وكان صاحب الرمي الزبير بْن خزيمة «6» الخثعمي من أهل فلسطين، وهو أول من ارتجز بهذين البيتين، قالوا: وجعلوا يقولون:
__________
875- بعضه في ابن عساكر 4: 373 876- قارن بالطبري 2: 426 وابن الأثير 4: 103
__________
(1) م: واختلفا.
(2) في تحديد بئر ميمون انظر: الفتوح: 57، 361 وياقوت 1: 436 والبكري: 1285 والازرقي 2: 124 وابن سعد 4/ 2: 76 وصفة جزيرة العرب: 129
(3) عند الطبري: عبد الله بن الزبير (وهو أصوب) .
(4) لعل الصواب: «قذفوه» أو «فقذفوه» .
(5) يرد الرجز في الورقة 563 ب (من النسخة س) .
(6) عند ابن عساكر (5: 354) : حزيمة- بفتح الحاء المهملة وكسر الزاي-.(5/339)
كيف ترى صنيع أمّ فروة ... تأخذهم «1» بين الصفا والمروة
877- وحدثني مصعب بْن عبد اللَّه الزبيري قَالَ: كان الشاميون يرتجزون فِي الحصار الثاني بمثل ما يرتجزون به فِي الحصار الأول «2» معما زادوا فيه.
878- وقال الْمَدَائِنِيّ: نصب حصين منجنيقًا فِي الجبل الأحمر الذي يلي دار الندوة، قَالَ: وكان المسور قد أعان ابْن الزُّبَيْرِ بمواليه وسلاح كثير فاقتتلوا، وكان أول قتالهم يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من صفر، فقتل فِي أول يوم ثلاثة من أصحاب حصين وأربعة من أصحاب ابْن الزُّبَيْرِ، وكان المختار بْن أبي عبيد الثقفي قال لابْن الزُّبَيْرِ: انهض إلى القوم، وكان قد مكث أيامًا لا يقاتل، وقال له المختار أيضًا: إن اللَّه يَقُول وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجدِ الْحَرَامِ حَتّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ (البقرة:
191) فنهض ابْن الزُّبَيْرِ ومعه عمير بْن ضبيعة فِي سبعين من الخوارج فقيل له أتقاتل بهذه المارقة؟ فَقَالَ «3» : لو أعانتني الشياطين على أهل الشام لقاتلتهم بهم، وقال «4» : ما أبالي إذا قاتل معي المختار من لقيت (847) فإني لم أر أشجع منه قط، وأبلى غلام لابْن الزُّبَيْرِ يقال له سليم أو سليمان فأعتقه، وقال بعض الشعراء «5» :
وشد أَبُو بَكْر لدى الباب شدة ... أبت لحصين أن يحيا ويكرما
هنالك لا أخشى حصين بْن ناتل ... ولا جلد أير «6» العير نعمان خثعما
ونعمان قائد من قواد أهل الشام.
879- وَحَدَّثَنِي حَفْص بْن عُمَر عَن الْهَيْثَم بْن عدي عَنِ ابن عياش والمجالد عن
__________
(1) ط م: نأخذهم.
(2) الأول: سقطت من م.
(3) يرد هذا القول في الورقة 564/ أ (س) .
(4) انظر ف: 881 في ما يلي.
(5) البيت الأول في ابن عساكر 7: 413 (والشاعر هو ذو العنق الجذامي، انظر معجم المرزباني: 448 وتاج العروس 7: 26) وروايته: يطاع فيغنما.
(6) م: ابن.(5/340)
الشعبي قَالَ: نصب ابن نمير المنجنيق على الكعبة فارتفعت سحابة فاستدارت على أبي قبيس ثم رعدت وأصعقت فأحرقت المنجنيق ومن تحتها فلم يعيدوا الرمي، فَقَالَ أعشى همدان «1» :
ورمى البيت بالحجارة حتى ... أحرق «2» اللَّه منجنيق الزبير
يعني الزبير بْن خزيمة الخثعمي وكان صاحب الرمي مع حصين بن نمير، وكان ابْن الزُّبَيْرِ يهزمهم فيتبعهم وحده وهو يَقُول «3» :
إنّا إذا عضّ الثقا ... ف براس صعدتنا أبينا
فقيل لابن نمير: ألا ترى أن رجلًا واحدًا يتبعنا على رجليه فلا يعطف عليه أحد، فَقَالَ:
كل امرئ يحاذر البليه ... يخاف أن تدركه المنية
من يتعرض لأسدٍ يحامي بجد وشجاعة عَنْ ملك يحاوله؟ وأرسل ابْن الزُّبَيْرِ إلى حصين يدعوه إلى مبارزته، فَقَالَ: واللَّه ما بي جبن، ولكني أخاف أن أفعل فإن قتلتني كنت قد ضيعت أصحابي، وإن قتلتك فأنا على خطأ فِي التدبير وإضاعة للحزم. وقال المختار: يا بني الكرارين «4» يا حماة الحقائق قاتلوا، فقتل من أهل الشام بشر كثير، فَقَالَ بعض الشعراء:
لقد ضرب المختار ضربة حازم ... أزالت يزيد عَنْ حشاياه ضارطا
وقتل مصعب بْن عبد الرحمن بْن عوف عدة، وأجهزت عليهم امرأة من الخوارج يقال لها سلمى، فقال رجل من الشاميّين «5» :
__________
(1) سيرد في ف: 892، ولم يرد في ديوان أعشى همدان.
(2) م: أخرق.
(3) البيت لعبيد بن الأبرص، ديوانه: 7 (تحقيق ليال) .
(4) س: الكرادين.
(5) البيت في الفاكهي: 19(5/341)
إني لم أنس «1» إلا ريث أذكره ... أيام تطردنا سلمى وتنفينا «2»
وحكّم ابن بحدج «3» وأصحابه فقتلوا جماعة من أهل الشام فَقَالَ رجل من قضاعة «4» :
يا صاحبي ارتحلا وأملسا ... لا تحبسا لدى حصين محبسا «5»
إن لدى الأركان بأسًا أبأسا «6» ... وبارقات يختلسن الأنفسا
إن الفتى حكم ثم كبسا «7»
وجرح عبد اللَّه بْن مسعدة الفزاري فلم يقاتل حتى جاءت وفاة يزيد، وكان الذي جرحه مصعب بْن عبد الرحمن.
880- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ عبد اللَّه فِي بعض أيامه للمنذر: احمل عليهم، فَقَالَ:
إني عليك لهين، تعرضني لأنباط «8» الشام، فحمل وهو على بغلة له ورد فنفرت من قعقعة السلاح وتوقلت فِي الجبل، فَقَالَ عبد اللَّه: انج أبا عثمان، ولحقه أهل الشام فقتلوه، فقال ابن مُفرغ:
لابن الزبير غداة يذمر «9» منذرًا ... أولى بغاية كل يوم دفاع
وأحق بالصبر الجميل من امرئ ... كز أنامله قصير الباع
__________
880- قارن برسائل الجاحظ: 86 (سندوبي) والطبري 2: 426 وابن الأثير 4: 103 وشعر ابن مفرغ في الأغاني 18: 203 ورسائل الجاحظ، 2: 259- 260، وما يلي ف: 1048، وسيرد الأول في الورقة 818 ب (من المخطوطة: س) وانظر ديوان ابن مفرغ: 107
__________
(1) الفاكهي: ما أنس لا أنس.
(2) الفاكهي: وتنحدر.
(3) س: يحدج.
(4) الكامل 3: 282 وما يلي ف: 1045
(5) م: لا تجلسا ... مجلسا.
(6) الكامل: ناسا بؤسا.
(7) ط م: كيسا، الكامل: كلسا، وفي ما يلي في الأنساب: عنسا.
(8) س ط م: لأقباط.
(9) ط م س: يأمر، وفي ما يلي: يجمع أمره.(5/342)
881- وقال الْمَدَائِنِيّ: قتل المنذر بْن الزبير وأبو بَكْر بْن الزبير وحذافة بْن عبد الرحمن بْن العوام والمقداد بْن الأسود بْن العوام «1» ومصعب بن عبد الرحمن (848) ابن عوف بعد أن قتل خمسة من أهل الشام وانحنى سيفه فَقَالَ «2» :
سنورد بيضًا ثم نعقب حمرة ... وفيها انحناء بين بعد تقويم
وقاتل مصعب بْن عبد الرحمن يومًا حتى يبست يده، فدعا ابْن الزُّبَيْرِ بشاة فحلبت على يده حتى لانت. وقال ابْن الزُّبَيْرِ «3» : ما كنت أبالي إذا كان المختار معي من فارقني، فما رأيت قط أشد قتالًا «4» منه.
882- قالوا: ووضع أهل مَكَّة مجانيق أو خشبًا حول الكعبة وجللوها بالجلود لترد عَنِ الكعبة.
883- وقال الْمَدَائِنِيّ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عروة: أرسل النجاشي جماعة من الحبش للدفع عَنِ الكعبة وأعان ابْن الزُّبَيْرِ بهم «5» فضمهم إلى أخيه مصعب بْن الزبير فكانوا يقاتلون معه، فانكشفوا ذات يوم فاعتذروا وقالوا «6» : نحن اصحاب مزاريق نرمي بها من انكشف.
884- وقال أبو مخنف فِي روايته: مكث أهل الشام يقاتلون ابْن الزُّبَيْرِ حتى إذا مضى من شهر ربيع الأول أربعة عشر يومًا مات يزيد، فمكثوا أربعين يومًا لا يعلمون بموته، وبلغ ابْن الزُّبَيْرِ موته قبل أن يبلغ الحصين، وقد ضيّقوا على ابن الزبير مكة
__________
881- انظر ف: 905 في ما يلي.
883- انظر ف: 909 في ما يلي، والورقة 564/ أ (من النسخة س) .
884- قارن بالطبري 2: 429، 430 وابن الأثير 4: 107
__________
(1) ف: 905 أبو بَكْر بْن المنذر بْن الزبير ... والزبير بْن المقداد بن الأسود بن العوام.
(2) انظر طبقات ابن سعد 5: 118 حيث يرد بيت مشابه.
(3) انظر ما تقدم ف: 878
(4) م: إقبالا.
(5) بهم: سقطت من م.
(6) ط م س: وقال.(5/343)
وحصروه حصارًا شديدًا، فَقَالَ: يا أهل الشام لماذا تقاتلون وقد هلك طاغيتكم؟ فجعلوا لا يصدقون حتى قدم عليهم ثابت بْن المنقع النخعي- واسم المنقع قيس- وهو من أهل الكوفة وكان صديقًا للحصين، فأخبره بهلاك يزيد.
885- وقال الْمَدَائِنِيّ: مات يزيد للنصف من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين، فبلغ أهل المدينة ذلك ولم يأتهم من يقوم بالأمر، فمنعوا عامل المدينة الصلاة وتراضوا بسعد القرظ فصلى بالناس، وكان مؤذنهم، وجاء الخبر أهل مَكَّة فخافهم حصين فاستأمنهم وقال: يا معاشر قريش أنتم ولاة الأمر، وإنما قاتلناكم فِي طاعة رجل منكم قد هلك، فأذنوا لنا فِي الطواف، فَقَالَ عبد اللَّه بْن صفوان: لا يحل لنا أن نمنعهم، وبعث إلى المسور يشاوره فوجده ثقيلًا، فَقَالَ: أرى أن تأذن لهم وإن لم يكونوا لذلك أهلًا لقول اللَّه عز وجل (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنْ مَنَعَ مَسَاجد اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) (البقرة:
114) وأغمي عليه. ووادعهم ابْن الزُّبَيْرِ ومنعهم من الطواف ثم أذن لهم فيه.
886- وقال عوانة: لما أذن ابْن الزُّبَيْرِ للحصين وأصحابه فِي الطواف أراد الخوارج منعهم، ثم قالوا: ندعهم يطوفون ويذهبون إلى لعنة اللَّه فلن يزيدهم اللَّه بطوافهم إلا شرًا.
887- قالوا: وبعث الحصين إلى عبد اللَّه بْن الزبير حين مات يزيد وبلغه موت مُعَاوِيَة ابنه فواعده بالأبطح ليلًا، فلما اجتمعا قَالَ له الحصين: إنك أحق الناس بهذا الأمر اليوم، فهلم فلنبايعك ثم اخرج معنا إلى الشام فإني من أهله بمكان قد علمته والجند الذين معي أشراف أهل الشام ووجوههم وفرسانهم، فليس يختلف عليك منهم اثنان، والشام معدن الخلافة اليوم إذ نقله اللَّه إليها، وجعل الحصين يَقُول له هذا القول سرًا وابْن الزُّبَيْرِ يرفع صوته بإبائه، فَقَالَ: لله أبوك ما عرف من نسبك إلى الدهاء، أنا أكلمك بمثل هذا سرّا وتجيبني عليه علانية.
__________
885- قارن بالطبري 2: 506 وانظر في وفاة يزيد ف: 895، 916، 917 887- الطبري 2: 430 وابن الأثير 4: 107 وقارن باليعقوبي 2: 307 وما تقدم ف: 821(5/344)
888- قالوا: وكان ابْن الزُّبَيْرِ يَقُول لأصحابه صونوا سيوفكم كما تصونون وجوهكم «1» .
889- قَالَ الْمَدَائِنِيّ: وكان عبيد بْن عمير الليثي يقص أيام الموادعة فيقول له أهل الشام: أيها الرجل (849) الصالح ارجع إلى ما كنت فيه ولا تنقص خليفة اللَّه فِي أرضه فإنه أعظم حرمة من البيت.
890- قَالَ الْمَدَائِنِيّ: وانصرف نافع بْن الأزرق وقوم من الخوارج فالتقطهم عُبيد اللَّه بْن زياد فحبسهم مع من كان فِي حبسه من الخوارج.
891- قال المدائني: ودعا حُصين عبد اللَّه بْن عُمَر إلى مثل ما دعا إليه ابْن الزُّبَيْرِ فأباه وقال: لست من هذا الأمر فِي شيء.
892- قالوا: وحمل بعض أصحاب ابْن الزُّبَيْرِ نارًا فأطارتها الريح فاحترق ما جعل حول الكعبة ليقيها واحترقت أستارها وتصدعت فبناها بعد، وقال الشاعر:
أبلغ أمير المؤمنين من كان ... ابْن الزُّبَيْرِ عائذ بالأركان
وقال ابن قيس الرقيات «2» :
ليس لله حرمة مثل بيتٍ ... نحن جيرانه «3» عليه الملاء
خصّه الله بالكرامة فالبا ... دون والعاكفون فيه سواء
حرقته رجال كلبٍ وعك ... حين جاءوا وحمير وصداء
فبنيناه بعد ما حرّقوه ... فاستوى السّمك واستقلّ البناء
__________
888- ابن عساكر 7: 420 890- قارن بما يرد في النسخة س، الورقة 569 ب (طبعة آلورد: 73) .
__________
(1) م: سيوفكم.
(2) ديوان الرقيّات: 95
(3) الديوان: حجابه.(5/345)
وقال بعضهم «1» :
ابْن الزُّبَيْرِ بئس ما تولى ... إذ حرق المقام والمصلى
قبلة من حج معًا ولبى
وقال رجل من بني تميم:
أقول لأهل اللَّه لما أتاهم ... محرق «2» بيت اللَّه هيجوا «3» البواكيا
جزى اللَّه أهل الشام فيه ملامة ... وأصلاهم جمرًا من النار حاميا
وقال عمرو بْن الوليد بْن أبي معيط:
جلبنا لكم من غوطة الشأم خيلنا ... إلى أرض بيت اللَّه يا بعد مجلب
تلوذ قريش كلها بلوائه ... لأمحض منها فِي قريش وأطيب
وقال أَبُو حرة مولى خزاعة:
يا رب إن جنود الشام قد كثروا ... وهتكوا من حجاب البيت أستارا
يا رب إنّي ضعيف الركن مضطهد ... فابعث إليّ جنودا منك أنصارا
وقال أعشى همدان «4»
ورمى البيت بالحجارة حتى ... أحرق اللَّه منجنيق الزبير
يعني الزبير بْن خزيمة الخثعمي وكان رمى البيت فأحرقت الصاعقة منجنيقه.
893- وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلابَةَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ: إِنَّ الشُّحَّ وَالْحِرْصَ لن يدعاك حتى يدخلاك
__________
(1) الشطر الأول والثاني في المروج 5: 167 والشاعر هو أبو حرّة (كتب: أبو وجزة) .
(2) م: حرق.
(3) م: ضجوا.
(4) انظر ف: 879 فيما تقدم.(5/346)
مُدْخَلا ضَيِّقًا، فَوَدَدْتُ أَنِّي حِينَئِذٍ عِنْدَكَ فَأَسْتَنْقِذُكَ، فَلَمَّا حُصِرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: هَذَا مَا قَالَ لِي مُعَاوِيَةُ، وَدِدْتُ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا.
894- وقال الواقدي: كان أصحاب ابْن الزُّبَيْرِ فيما حول المسجد إلى المروة وإلى ما وراء ذلك، ونزل الحصين بالحجون إلى بئر ميمون وصير عسكره هناك، ونصب منجنيقًا فرمى بها فرميت بصاعقة فأحرقتها ومن كان فيها، فكف الحصين عَنِ الرمي.
895- قَالَ: ولما قدم الحصين مَكَّة أمسك عَنِ القتال حتى وقف عند دار عُمَر بْن عبد العزيز (850) فَقَالَ لأصحاب ابْن الزُّبَيْرِ: لو أن صاحبكم أبر قسم أمير المؤمنين لوجد عنده ما يحب من البر والصلة ولرده واليًا على الحجاز، فجعلوا يقولون: نحن عواذ بالبيت وابْن الزُّبَيْرِ أحدنا إلا أنه يصلي بنا، وكان ابْن الزُّبَيْرِ قد رتب أصحابه فِي مواضع، ومعه قوم من الخوارج أنكروا غزو البيت وانتدبوا للذب عنه، فهم فِي حيز ابْن الزُّبَيْرِ، فكانت كل مسلحة تذب الحصين عَنْ ناحيتها، ثم إنهم اقتتلوا يوم أحد وتراموا بالنبل وتشاولوا بالرماح فِي الليل، ثم رجعوا الى معسكرهم وقد قتل من الشاميين ثلاثة نفر وجرح من أصحاب ابْن الزبير عدّة وقتل اربعة نفر، فمكثو على ذلك أيامًا، وأخرج المسور بْن مخرمة سلاحًا فرقه على مواليه وكان متسلحًا يقف عند الحذّائين ويخرج ابن الزبير وجبير ابن شيبة ومصعب بْن عبد الرحمن بْن عوف وعبيد بْن عمير فيجتمعون إلى المِسور فكانوا يردون الشاميين إلى الأبطح، وجاءهم نعي يزيد فكان القتال أربعة وستين يومًا، وكانت وفاة يزيد لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ووصول الخبر إلى مَكَّة فِي ستّة عشر يوما، وكان اهل الشام يسبّون «1» ابْن الزُّبَيْرِ فيقولون: يا ابْن ذات النطاقين، فيقول «2» :
وعيرها الواشون أني أحبها ... وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
وشتموه أيضًا فِي الحصار الثاني فتمثل بهذا البيت.
__________
(1) ط م س: يسمون.
(2) البيت لأبي ذؤيب الهذلي (ديوان الهذليين 1: 70) .(5/347)
896- وقال الواقدي: لما جاء نعي يزيد أرسل الحصين إلى ابْن الزُّبَيْرِ والمسور وأصحابهما يسألهم فتح أبواب المسجد ليطوفوا بالبيت ثم ينصرفوا إلى الشام، فأبى ذلك ابْن الزُّبَيْرِ ثم أجابهم فطافوا وانصرفوا. وقال الحصين لابْن الزُّبَيْرِ «1» : صر معي الى الشام حتى أدعو لك، فقد مرج أمر الناس وما أجد أحق بالأمر منك، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رافعًا صوته: أما دون أن أقتل بكل رجل من أهل الحرة عشرة من أهل الشام فلا، فَقَالَ حصين: يزعم هذا أنه داهية أكلمه سرًا ويكلمني علانية، وأدعوه إلى الخلافة ويتوعدني بالقتل، فسيعلم. ثم انصرف وأصحابه إلى الشام، فلما صار بالمدينة بلغه أن أهلها يريدون محاربته، فقام روح بْن زنباع على منبرها فَقَالَ: يا أهل المدينة ما هذا الذي بلغنا عنكم، فاعتذروا وكذبوا عَنْ أنفسهم، ومضى الحصين ومن معه إلى الشام.
[احتراق الكعبة وبناؤها]
897- قَالَ الواقدي «2» : وصدع حجر المنجنيق الحجر الأسود فضببه ابْن الزُّبَيْرِ بفضة.
898- قَالَ: واحترقت الكعبة قبل أن يأتي خبر موت يزيد بسبعة وعشرين يومًا وكان إحراقها بعد الصاعقة التي أصابت المنجنيق، وكان سبب احتراقها أن رجلًا من أصحاب ابْن الزُّبَيْرِ يقال له مسلم أخذ نارًا فِي ليفة على رأس رمح فِي يوم ريح فطارت شررة فتعلقت بأستار الكعبة فأحرقتها، وكانت لهم حول الكعبة بيوت من خصف ورفوف «3» .
899- قَالَ: ويقال أن جرذًا جر فتيلة فيها نار فسقطت فِي متاع بعض من حول الكعبة فاحترق، وهاجت ريح حملت الشرر إلى الأستار.
__________
896- قارن بالأخبار الطوال: 277 والمروج 5: 19 والدميري 1: 53 وما تقدم ف: 821 897- 902: قارن بالأزرقي: 139، 140، 142، 146، 150 والطبري 2: 427، 528، 537، 592، وفتوح البلدان: 54 والأغاني 3: 272 وحديث «لولا قومك ... إلخ» في البلوي 1: 357
__________
(1) والمسور وأصحابهما ... لابن الزبير: سقط من م.
(2) بإزاء هذا في هامش ط س عنوان «احتراق الكعبة وبناؤها» .
(3) ط م: ودفوف، س: ودنوف، الازرقي: 139 ورفافا.(5/348)
900- قَالَ: فلما ارتحل ابن نمير هدم ابْن الزُّبَيْرِ ما حول الكعبة حتى بدت وأمر بالمسجد فكنس مما فيه من الحجارة، وإذا الكعبة ترتج وإذا الركن قد اسود من النار، فشاور فِي هدمها، فأشار عليه جابر «1» بْن عبد اللَّه الأنصاري وعبد اللَّه بْن عُمَر «2» بهدمها، (851) وكره ذلك ابن عباس «3» وقال: أخاف أن يأتي من بعدك فيهدمها، فجمع ابن الزبير الفعلة فهدمها إلى الأرض ثم بناها، وقال ابن عباس: ما زلنا نعلم أن الحجر من البيت، فبنيت وأدخل الحجر فيها، وجعل لها بابين بالأرض: بابًا يدخل منه وبابًا يخرج منه، وجعل الحجر الأسود فِي سرقة حرير فِي تابوت، وجعل ما كان فِي البيت من شيء فِي تابوت، وكان الناس يطوفون من وراء أساس البيت ويصلون إلى أساسه حتى بني، ثم ستر الركن بثوب وردّ الحجر ووضعه هو وولده فغضب الحجبة من ذلك، ويقال انه تولى وضعه هو وولده حمزة وقوم من الحجبة. وكان ابْن الزُّبَيْرِ روى عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قال: [ «لولا حداثة عهد قومك بالشرك لأعدت فيها «4» ما ترك منها» ] فعمل ابْن الزُّبَيْرِ على ذلك، فلما فرغ من بنائها رد إليها جميع ما كان فيها وسترها بالديباج، فلما هدمها الحجاج ردها إلى ما كانت عليه حين هدمها ابْن الزُّبَيْرِ وأخرج الحجر منها ورفع بابها.
901- وقال بعضهم: بعث ابْن الزُّبَيْرِ إلى اليمن فِي حمل الورس إليه ليجعله كالقصة «5» يمسك مدرها، فقيل له انه لا يثبت فبناها بالقصة.
902- وقال عبد الملك: لو بلغني حديث عائشة قبل بناء الحجاج إياها لأمرته أن يبنيها على بناء ابْن الزُّبَيْرِ ولوليته ما تولى.
903- وقال الواقدي: أصابت المسور شظية من حجر فِي وجنته فتوفي منها يوم
__________
903- انظر ما يلي ف: 905 وطبقات ابن سعد 5: 119
__________
(1) س: جرير.
(2) س: وعبيد بن عمير.
(3) س: وكره ابن عباس ذلك.
(4) فيها: سقطت من م.
(5) القصة: الجصّ، لغة حجازية.(5/349)
جاء نعي يزيد فِي آخر النهار، ومات مصعب بْن عبد الرحمن فِي حصار ابن نمير، ويقال بل قتل. قَالَ: فلما مضى هذان الرجلان وكان الأمر بينهما وبين ابْن الزُّبَيْرِ شورى وشخص ابن نمير، بويع ابْن الزُّبَيْرِ بالخلافة بمكة، وكان عبد اللَّه بْن صفوان أسرع الناس إلى بيعته ثم عبيد بْن عمير وعبد اللَّه بْن مطيع العدوي والحارث بْن عبد اللَّه بْن أبي ربيعة، فولى المدينة فيما يَقُول بعضهم المنذر بْن الزبير- ويقال ولاها غير المنذر لأن المنذر قتل فِي هذا الحصار- وولى الكوفة ابن مطيع وولى البصرة الحارث بْن عبد اللَّه المخزومي وولى الشام الضحاك بْن قيس الفهري وكان مائلًا إليه.
904- حَدَّثَنِي بَسَّامٌ الْحَمَّالُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زيد عَنِ الْحَسَنِ قَالَ:
كَتَبَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ حِينَ مَاتَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ إِلَى قَيْسِ بْنِ الْهَيْثَمِ: إِنَّ يَزِيدَ قَدْ مَاتَ وَأَنْتُمْ إِخْوَانُنَا وَأَشِقَّاؤُنَا فَلا تَسْبِقُونَا بِشَيْءٍ حَتَّى نَخْتَارَ لأَنْفُسِنَا، قَالَ حَمَّادٌ: فَاخْتَارَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، قَالَ: وَوُلِّيَ مِصْرَ ابْنُ جَحْدَمٍ وَفَرَّقَ عُمَّالَهُ.
905- وقال الواقدي: وكان ممن قتل فِي هذا الحصار- ويقال في الثاني- المنذر ابن الزبير وأبو بَكْر بْن المنذر بْن الزبير والزبير بْن المنذر وحذافة بْن عبد الرحمن بْن العوام والزبير بْن المقداد بْن الأسود بْن العوام وعامر بْن عروة بْن الزبير ومصعب بْن عبد الرحمن بْن عوف- ويقال مات حتف أنفه فِي أيام هذا الحصار- وزيد بن عبد الرحمن ابن عوف والمسور، أصابه حجر مات منه، وأبو عمرو بْن عَبْدِ اللَّه «1» بْن أَبِي بْن خلف الجمحي.
906- وقال الْمَدَائِنِيّ: أرسل ابن نمير إلى ابْن الزُّبَيْرِ يستأذنه فِي الطواف زفر بن الحارث الكلابي وابن مسعدة الفزاري.
907- حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حَدَّثَنَا وهب بْن جرير بْن حازم عَن «2»
__________
904- الطبري 2: 433 905- انظر ف: 881 وبعضه في ف: 903 907- انظر ف: 821 حيث ورد قول الحصين هذا.
__________
(1) م: عبيد الله.
(2) م: بن.(5/350)
جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ حَدَّثَنِي بُرْدٌ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ أَنَّ حُصَيْنًا بَعَثَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ إِنِّي أُحِبُّ لِقَاءَكَ قَالَ: فَمَوْعِدُكَ بَعْدَ الْعَتْمَةِ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَخَرَجَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَعَدَهُ فِيهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ سِلاحٌ، (852) وَأَقْبَلَ ابْنُ نُمَيْرٍ وَعَلَيْهِ الدِّرْعُ وَالسَّيْفُ وَقَدْ لَبِسَ مَمْطَرًا، فَلَمَّا أَرَادَ الْجُلُوسَ بَدَتْ نَعْلُ السَّيْفِ، فَقَالَ لَهُ ابن الزبير: أغدرا يا ابن نُمَيْرٍ؟ قَالَ: لا وَلَكِنِّي خِفْتُ أَصْحَابَكَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أُبَايِعُكَ غَدًا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ أنا وَجَمِيعُ أَصْحَابِي عَلَى أَنْ تَنْتَقِلَ إِلَى الشَّامِ فَتَسْكُنُهَا وَنُقَاتِلُ عَنْكَ النَّاسَ مَا بَقِيَتْ أَرْوَاحُنَا، فَقَالَ: إِنَّ لِي أُمَرَاءَ لَسْتُ أَقْطَعُ أَمْرًا دُونَهُمْ، فَأُنَاظِرُهُمْ «1» ثُمَّ يَأْتِيكَ رَأْيِي، فَرَجَعَ فَأَخْبَرَ ابْنَ صَفْوَانَ وَذَوِيهِ فَقَالُوا: أَتَخْرُجُ مِنْ بَلَدٍ نَصَرَكَ اللَّهُ بِهِ وَتُفَارِقُ حَرَمَ اللَّهِ وَأَمْنَهُ وَتَسْتَعِينَ بِقَوْمٍ رَمَوْا بَيْتَ اللَّهِ لا خَلاقَ لَهُمْ؟! فَأَرْسَلَ إِلَى الْحُصَيْنِ: إِنَّ أَصْحَابِي قَدْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا إِلَى الشَّامِ، قَالَ: فَهَلْ أَنْتَ مُؤَمِّنِّي وَأَصْحَابِي حَتَّى نَطُوفَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ نَنْصَرِفُ عَنْكَ؟
فَآمَنَهُمْ فَطَافُوا ثُمَّ انْصَرَفُوا.
908- وحدثنا زهير بْن حرب أَبُو خَيْثَمَةَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا جويرية عَنْ نافع أن ابْن الزُّبَيْرِ لم يدع له بالخلافة حتى مات يزيد، وقال نافع: كنت تحت منبره يوم دعا إلى نفسه وكان قبل ذلك يدعو إلى الشورى.
909- وقال الْمَدَائِنِيّ: جرح عبد اللَّه بْن مسعدة الفزاري فلم يقاتل حتى انفض أمرهم، وكان الذي جرحه مصعب بْن عبد الرحمن، وقاتل مصعب بْن عبد الرحمن يومًا حتى يبست يده فدعا ابْن الزُّبَيْرِ بشاة فحلبها عليها حتى لانت، وأرسل النجاشي إلى ابْن الزُّبَيْرِ مائتي رجل فضمهم إلى أخيه مصعب فكانوا يقاتلون معه فِي ناحية.
910- قَالَ جويرية وحدثني غير نافع أن أبا حرة مولى أسلم كان شاعرًا شجاعًا فَقَالَ: يا ابْن الزبير ما أرانا سفكنا الدماء وقاتلنا الناس الّا لتملك، وأنشأ يقول:
__________
909- انظر ف: 879، 881، 883 910- ابن عساكر 7: 414 وانظر أيضا الورقة 513/ أ (من س) ، والبيتان البائيان في المروج 5: 175 وانظر ف: 912، والبيت الذي يليهما في المروج (نفسه) والشطر الأول منه يروى في شعر كثير: 224
__________
(1) فأناظرهم: سقطت من م.(5/351)
إنّ الموالي أمست وهي عاتبة ... على الخليفة تشكو الجوع والحربا
ماذا علينا وماذا كان يرزؤنا ... أي الملوك على ما حولنا غلبا
وقال أيضًا:
تخبر من لاقيت أنك عائذ ... وتكثر قتلًا بين زمزم والركن
911- قَالَ جويرية: كان الخوارج يقاتلون مع ابْن الزُّبَيْرِ نصرة للبيت وذبًا عنه إذ تعوذ به، فلما رماه أهل الشام ازدادوا عليهم حنقًا. قَالَ: وقاتل المختار مع ابْن الزُّبَيْرِ ثم انصرف عنه فأتى العراق.
912- الْمَدَائِنِيّ عَنْ أشياخه قالوا: لما دعا ابْن الزُّبَيْرِ إلى نفسه بايعوه على كتاب اللَّه وسنة نبيه وسيرة الخلفاء الصالحين، فبايعه عبيد اللَّه بن علي بن أبي طالب وقبض ابن مطيع يده، وقام مصعب «1» فبايع فَقَالَ الناس: بايع مصعب ولم يبايع ابن مطيع، أمر فيه صعوبة والتياث طاعة، وبايعه عبد الله بن جعفر، وأراد ابن الحنفية، على البيعة فلم يبايع، وأبى ابن عُمَر أن يبايع وقال: لا أعطي صفقة يميني فِي فرقة ولا أمنعها فِي جماعة وألفة، فقال له: الزم المدينة، وقال أَبُو حرة مولى خزاعة: ألا صبرت «2» حتى نختارك فنبايعك؟
وقال:
أبلغ أُمَيَّة عني إن عرضت لها ... وابن الزبير وأبلغ ذلك العربا
أن الموالي أضحت وهي عاتبة ... على الخليفة تشكو الجوع والحربا
إخوانكم إن بلاء حل ساحتكم ... ولا ترون لنا فِي غيره سببا
نعاهد اللَّه عهدًا لا نخيس به ... لن نقبل الدهر شورى بعد من ذهبا
وأتت ابْن الزُّبَيْرِ بيعة أهل الآفاق: أتته بيعة أهل الشام ما خلا الأردن، ودعا (853) له النعمان بْن بشير بحمص، وزفر بْن الحارث الكلابي بقنّسرين والضحّاك بن قيس الفهري
__________
912- 914: يرد معظمه في الورقة 513/ أ- ب (من س) .
__________
(1) يعني مصعب بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عوف.
(2) ابن عساكر: فهلا انتظرت.(5/352)
بدمشق، ودعا بالكوفة أهلها وتراضوا بعامر بْن مسعود «1» الجمحي، ودعا له بالبصرة سلمة بْن ذؤيب الرياحي وأخرجوا عبيد اللَّه بْن زياد، ودعا له بخراسان عبد الله بن خازم «2» السلمي، وباليمن بحير «3» بْن ريسان وكان قبل عاملًا ليزيد بْن مُعَاوِيَة، وولى ابْن الزُّبَيْرِ المدينة جابر بْن الأسود بْن عوف الزهري.
913- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: ولى ابْن الزُّبَيْرِ المدينة رجلًا يكنى أبا قيس أو ولاه بعض أعمالها فأساء السيرة فَقَالَ الناس: قد كان ليزيد بْن مُعَاوِيَة أَبُو قيس لا يضر ولا ينفع، ولابن الزبير أبو قيس يضرّ و (لا) ينفع.
914- وقال ابن الكلبي: ولى ابْن الزُّبَيْرِ المدينة جابر بْن الأسود بْن عوف فقدم حبيش بْن دلجة من الشام فخرج جابر عنها إلى مَكَّة، فبعث ابْن الزُّبَيْرِ مكانه عبيدة بن الزبير حين خرج حبيش عَنْ المدينة يريد الربذة، فلقيه الحنتف بْن السجف «4» فقتله، ثم وجه مصعب بْن الزبير فقتل أسراء أسرهم الحنتف من أصحاب حبيش ثم رجع إلى مَكَّة، وعزل ابْن الزُّبَيْرِ عبيدة وولى ابن أبي ثور حليف بني عبد مناف، فأصابت الناس فِي ولايته مجاعة وغلت أسعارهم، فكان يخطب فيقول: اتقوا اللَّه وتأسوا بنبيكم وانزعوا «5» عَنْ المعاصي فإنه أهلك قوم صالح في ناقة قيمتها خمسمائة درهم، فسمي مقوم الناقة، وكان الناس يأكلون من ليل إلى ليل ما ينالون إلا حسى من حنطة وعدس، ثم عزله وولى الحارث بن حاطب الجمحي ثم عزله وولى جابر بْن الأسود ثم عزله وولى جعفر بن الزبير ثم وهب ابن أبي معتب «6» مولى الزبير ثم أبا قيس، وولى صدقة المدينة عبد الرحمن بْن محمد بن الأشعث، وولى الكوفة عبد اللَّه بْن يزيد الخطمي، وولى إبراهيم بْن طلحة الخراج بها ثم عزلهما وولى عملهما عبد اللَّه بْن مطيع العدوي فأخذ بيعتهم.
__________
(1) ط م س: اسماعيل.
(2) م: حازم.
(3) م: بحيرة.
(4) س: السحف.
(5) س: فانزعوا.
(6) في الأنساب (الورقة 513 ب) : ابن معتب.(5/353)
915- وقال الراعي عبيد بْن حصين يمدح يزيد فِي شعر يقول فيه:
راحت كما راح أو تغدو كغدوته ... عنس وخود «1» عليها راكب يفد
تنتاب آل أبي سُفْيَان واثقة ... بسيب أبلج منجاز لما يعد
916- وقال الْمَدَائِنِيّ: كان على شرط يزيد حميد بْن حريث بْن بحدل وصاحب أمره سرجون بْن منصور وقاضيه أَبُو إدريس الخولاني، ومات يزيد بحوارين وهو ابن ثمان وثلاثين سنة، ويقال: ابن تسع وثلاثين وأشهر وكانت ولايته ثلاث سنين، ويقال وتسعة أشهر، ويقال وسبعة اشهر واثنين وعشرين يومًا، وكان موته يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين، وصلى عليه مُعَاوِيَة ابنه.
917- وقال ابن الكلبي: ولي يزيد لهلال رجب سنة ستين، فولي ثلاث سنين وثمانية أشهر، ومات لتسع عشرة ليلة خلت من صفر سنة أربع وستين وهو ابن ست وثلاثين سنة.
918- وقال الواقدي: دفن يزيد بدمشق فِي مقبرة «2» الباب الصغير ومات بحوارين فحمل على أيدي الرجال إليها، وفيها دفن أبوه مُعَاوِيَة.
919- وقال الواقدي: قيل لأبي مسلم الخولاني يوم مات يزيد: ألا تصلي على يزيد؟ فَقَالَ: يصلي عليه ظباء حوارين، وقال غيره: دفن بحوارين.
920- الْمَدَائِنِيّ عَنْ أبي أيوب القرشي عَنْ خالد بْن يزيد بْن جابر قَالَ: مات يزيد ابن تسع وثلاثين سنة، وكان عامله على مَكَّة الحارث بْن خالد بْن العاص بْن هشام، ويقال (854) خالد بْن العاص بْن هشام، 921- وقال الأخطل «3» يرثي يزيد:
__________
916- بعضه في الطبري 2: 205 وقارن بالتنبيه والاشراف: 306 921- ديوان الأخطل: 289 والبيتان 1، 2 في المروج 5: 127، وشعر ابن عرادة في الطبري 2: 488 وابن الأثير 4: 128 والأشربة: 34 وبيت ابن حنظلة في الحيوان 5: 177 (منسوبا لابن الخلال) والصناعتين: 117 (أبو الخلال) وبحسب الرواية الثانية في المروج 5: 127 والبدء والتاريخ 6: 16
__________
(1) ط م: وحود، س: وجود.
(2) ط م: المقبرة، س: المغيرة.
(3) ط م س: الحطيئة.(5/354)
لعمري لقد دلى إلى القبر خالد ... جنازة لا كابي الزناد ولا غمر
مقيم بحوارين ليس ببارح ... سقته الغوادي من ثوي ومن قبر
يضج الموالي أن رأوا أم خالدٍ ... مشنعة بالريط والسرق الحمر «1»
إذا حل «2» سرب من نساء يعدنها ... تعرين إلا من جلابيب أو خمر
وقال ابن عرادة السعدي:
أبني أُمَيَّة إن آخر ملككم ... جسد بحوارين ثم مقيم
طرقت منيته وعند وساده ... كوب وزق راعف مرثوم
ومرنة تبكي على نشواته ... بالصنج تقعد ساعة وتقوم
وقال رجل من عنزة يقال له أَبُو بكر بن حنظلة:
يا أيّها الميت بحوارينا ... أصبحت خير الناس أجمعينا
ويروى:
يا أيّها القبر بحوّارينا ... ضممت خير «3» الناس أجمعينا
992- وقال أَبُو اليقظان: ولي يزيد سنة ستّين وهلك بحوّارين بعد ثلاث سنين وأشهر.
923- فولد يزيد بْن مُعَاوِيَة:
مُعَاوِيَة، وخالدًا، وعبد اللَّه الأكبر، وأبا سُفْيَان، أمهم أم خالد بنت (أبي) هاشم ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وَكَانَ اسمها فاختة وتلقب حبة، وعبد اللَّه الأصغر الذي يقال له الأسوار، وعمر، وعاتكة تزوجها عبد الملك بْن مروان فولدت له يزيد بن عبد
__________
923- انظر المعارف: 351 والطبري 2: 428 وابن الأثير 4: 104 والمروج 5: 208 وما تقدم ف: 779
__________
(1) الديوان: مسلبة تبكي على الماجد الغمر.
(2) الديوان: جاء.
(3) المسعودي والمقدسي: شرّ.(5/355)
الملك، أمهم أم كلثوم بنت عَبْد اللَّه بْن عامر بْن كريز، (وعَبْد الرحمن، وعبد الله الذي يقال له أصغر الأصاغر، وعثمان، وعتبة الأعور، ويزيد، ومحمدا، وأبا بَكْر، وأم يزيد، لأمهات أولادٍ شتى، وأم عبد الرحمن، ورملة، فتزوج أمّ يزيد الأصبغ بن عبد العزيز ابن مروان، وأمّا رملة وأمّ عبد الرحمن فتزوّجهما عباد بْن زياد واحدة بعد أخرى، وكان الذي زوج عبادًا خالد بْن يزيد، فعيره عبد الملك بذلك وقال: زوجته وقد عرفت دعوته فَقَالَ خالد: أما إنه سلفك وهو دعيّي، ولو كان دعيّ غيري ما زوجته.
924- وأما مُعَاوِيَة بْن يزيد:
فولاه أبوه يزيد عهده فِي صحته، ويقال بايع له حين احتضر، فلما مات يزيد بايع الناس مُعَاوِيَة وأتته بيعة الآفاق إلا ما كان من ابْن الزُّبَيْرِ، فولي ثلاثة أشهر- ويقال أربعين يومًا، ويقال عشرين يومًا- ولم يزل فِي أيامه مريضًا، وكان الضحاك بْن قيس يصلي بالناس، فلما ثقل قيل له لو عهدت عهدًا فَقَالَ: واللَّه ما نفعتني حيًا أفأتحملها ميتًا، واللَّه لا يذهب بنو أُمَيَّة بحلاوتها القليلة وأتحمل مرارتها الطويلة، وإذا مت فليصل علي الوليد بْن عتبة وليصل بالناس الضحاك بْن قيس حتى يختاروا لأنفسهم رجلًا مرضيًا عندهم. فلما صلى عليه الوليد وقام مروان بْن الحكم على قبره فَقَالَ: أتدرون من دفنتم؟ قالوا: نعم مُعَاوِيَة بْن يزيد، قَالَ: بل دفنتم أبا ليلى، يستضعفه، وكانوا يكنون كل ضعيف أبا ليلى، فَقَالَ بعض بني فزارة «1» :
لا تخدعن فإن الأمر مختلف «2» ... والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا
وقام الضحاك بأمر الناس بدمشق، ولم يعزل مُعَاوِيَة بْن يزيد أحدًا من عمال أبيه ولا حرك شيئًا ولا أمر ولا نهى وكان موته سنة أربع وستين وهو ابن تسع عشرة سنة،
__________
924- طبقات ابن سعد 5: 27 وبعضه في العقد 4: 391
__________
(1) البيت في اللسان 14: 13 وعجزه في طبقات ابن سعد 5: 27 والمعارف: 352 والامامة 2: 19 والتنبيه والاشراف: 307 والطبري 2: 429 والبدء والتاريخ 6: 17 والمرصع: 192 (وصدره في هذه المصادر: إنّي أرى فتنة تغلي مراجلها، وهو منسوب في اللسان لابن همام السلولي وفي بعض المصادر لابن أزنم الفزاري) .
(2) اللسان: لا تخدعن بآباء ونسبتها.(5/356)
(855) - ويقال ابن عشرين، ويقال ابن ثماني عشرة سنة، ويقال ابن إحدى وعشرين سنة- ودفن بدمشق.
925- وحدثت عَنْ ابن «1» الكلبي أنه قَالَ: ولي أَبُو ليلى مُعَاوِيَة بْن يزيد أربعين يومًا، وتوفي وهو ابن ثلاث وعشرين سنة وثمانية عشر يوما.
926- حدثني هشام بن عمار حَدَّثَنَا صدقة بْن خالد حَدَّثَنِي زيد بْن واقد قَالَ:
مرض يزيد بْن مُعَاوِيَة بعد ولايته الأمر بسنتين من كبده، فلما برئ «2» واستقل قَالَ لحسّان ابن مالك بْن بحدل: إني أريد البيعة لِمُعَاوِيَةَ بْن يزيد، قَالَ: فافعل، فدعاه يزيد فصافقة بولاية العهد، وبايع له حسان بْن مالك والناس، وكان مُعَاوِيَة ركيكًا لينا فكني أبا ليلى، وهي كنية كل ضعيف.
927- قَالَ هشام بْن عمار، وسمعت الوليد بْن مسلم يَقُول: كانت أم مُعَاوِيَة بْن يزيد- وهي أم هاشم بنت أبي هاشم بْن عتبة بْن ربيعة بْن عَبْد شمس- امرأة برزة عاقلة فدعا يزيد يومًا بمعاوية بْن يزيد وأمه حاضرة فأمره بأمر، فلما ولى قالت له: لو وليت مُعَاوِيَة عهدك، فَقَالَ: أفعل، وناظر حسان بْن مالك بْن بحدل الكلبي فِي أمره فشجعه على البيعة له، فأحضر الناس وأعلمهم أنه قد ولاه الخلافة بعده، فبايع له ابن بحدل والناس، فلما مات يزيد بحوارين بويع لِمُعَاوِيَةَ بالخلافة وهو كاره، وكان سبب موت يزيد أنه ركض فرسًا فسقط عنه وأنه أصابه قطع، ويقال ان عنقه اندقت.
928- وحدثني أحمد بْن إبراهيم الدورقي حَدَّثَنِي وهب بْن جرير حَدَّثَنَا أبي أن يزيد ابن مُعَاوِيَة كان استخلف مُعَاوِيَة بْن يزيد فولي شهرين أو أربعين ليلة ثم مات، فلما حضرته الوفاة قيل له لو استخلفت فَقَالَ: كفيتها حياتي وأتضمنها بعد موتي؟ فأبي، قَالَ: وكان فتى لا بأس به، ومات وله تسع عشرة سنة.
__________
(1) ابن: سقطت من م.
(2) ط م: برأ، س: براء.(5/357)
929- وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه قال: كان معاوية بن يزيد كارهًا للخلافة، وكان يكنى أبا عبد الرحمن بكنية جده، ومات ابن ثلاث وعشرين، ودفن فِي مقبرة باب الصغير بدمشق.
930- حَدَّثَنِي محمد بن يزيد الرفاعي حدثني عمي كثير «1» بن محمد عَنْ ابن عياش الهمداني عَنْ أبي أسماء السكسكي قَالَ: كان مُعَاوِيَة بْن يزيد يظهر التأله، وكان ضعيفًا فِي أمر دنياه فكني أبا ليلى، فلما أفضى الأمر إليه قام خطيبًا فَقَالَ: أيها الناس إن يكن هذا الأمر خيرًا فقد استكثر منه آل أبي سُفْيَان، وإن يكن شرًا فما أولاهم بتركه، واللَّه ما أحب أن أذهب إلى الآخرة وأدع لهم الدنيا، ألا فليصل بكم حسان بْن مالك، وتشاوروا فِي أمركم، عزم اللَّه لكم على الرشد والخيرة فِي قضائه، ثم نزل فأغلق بابه وتمارض فلم ينظر فِي شيء حتى مات، وصلى حسان بالناس وهم منكرون لأمرهم حتى ولى ابْن الزُّبَيْرِ الضحاك بْن قيس فبايعوه له، وأتى حسان أول حد الأردن فأقام هناك.
931- وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَن الوليد بْن مُسْلِم قال: دخل مروان بْن الحكم على مُعَاوِيَة بْن يزيد فَقَالَ له: لقد «2» أعطيت من نفسك ما يعطي الذليل المهين، ثم رفع صوته فَقَالَ: من أراد أن ينظر فِي خالفةٍ «3» آل حرب بْن أُمَيَّة فلينظر إلى هذا، فَقَالَ له مُعَاوِيَة: يا ابْن الزرقاء اخرج عني لا قبل اللَّه لك عذرًا يوم تلقاه.
932- وحدثني محمد بْن مصفى الحمصي قَالَ سمعت مشايخ من مشايخنا يقولون: إن مُعَاوِيَة بْن يزيد بْن مُعَاوِيَة قبل البيعة وهو لها كاره، فلما مات أبوه أنفذت كتب بيعته إلى الآفاق فلم يرجع الجواب حتى مات، وكان فتى صالحًا كثير الفكر فِي أمر معاده.
933- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْن سَعْدٍ عَنْ الْوَاقِدِيِّ عَنْ ابن جعدبة عَنْ صالح بْن كيسان
__________
933- قارن بعضه بالمروج 5: 169 والدميري 1: 54 وبعضه في النجوم الزاهرة 1: 164
__________
(1) ط م س: كبير.
(2) لقد: سقطت من س.
(3) س: خلافة.(5/358)
قال: ولّى يزيد بن معاوية (856) مُعَاوِيَة بْن يزيد ابنه الخلافة بعده وكان كارهًا لها، فلما مات أبوه خطب الناس فَقَالَ: إن كانت الخلافة خيرًا فقد استكثر آل أبي سُفْيَان منه، وإن كان شرًا فلا حاجة لنا فيه، فاختاروا لأنفسكم إمامًا تبايعونه «1» هو أحرص على هذا الأمر مني واخلعوني فأنتم فِي حل من بيعتي، فقالت له أمه أم هاشم: لوددت يا بني أنك كنت نسيًا منسيًا وأنك لم تضعف هذا الضعف، فَقَالَ: وددت واللَّه أني كنت نسيًا منسيًا ولم أسمع بذكر جهنم، فلما احتضر قيل له: لو بايعت لأخيك خالد بْن يزيد فإنه أخوك لأبيك وأمك، فَقَالَ: يا سبحان اللَّه كفيتها حياتي وأتقلدها بعد موتي؟! يا حسّان بن مالك اضبط ما قبلك وصل بالناس إلى أن يرضى «2» المسلمون بإمام يجتمعون عليه.
934- وحدثني هشام بْن عمار حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْن دينار عَنْ مولى لِمُعَاوِيَةَ بنحوه وزاد فيه: فلما مات مُعَاوِيَة مال أكثر الناس إلى ابْن الزُّبَيْرِ وقالوا: هو رجل كامل السن، وقد نصر أمير المؤمنين عثمان، وهو ابْنُ حَوَارِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمه بنت أبي بَكْر بْن أبي قحافة، وله فضل في نفسه ليس لغيره «3» ، فما هو إلا أن ورد كتاب ابْن الزُّبَيْرِ بتولية الضحاك بْن قيس دمشق حتى سارعوا إلى طاعة ابْن الزُّبَيْرِ وبيعته، فأخذها الضحاك له «4» عليهم، وانخزل ابن بحدل إلى فلسطين فأقام بها ينتظر ما يكون، وهو في ذلك يدعو الى خالد بن يزيد ويذكره، وكانت فلسطين والأردن فِي يده من قبل يزيد بْن مُعَاوِيَة ثم بقي عليهما وعماله فيهما.
935- قَالَ الْمَدَائِنِيّ: كان اسم أم مُعَاوِيَة وخالد ابني يزيد فاختة وكنيت أم هاشم ثم «5» كناها يزيد أم خالد بخالدٍ ابنها ولقبت حبة.
936- وأما خالد بْن يزيد بْن معاوية،
ويكنى أبا هاشم: فكان شاعرا ينظر في
__________
(1) ط س: تبايعوه.
(2) س: ترضى، والتاء غير معجمة في ط.
(3) ط م: كغيره.
(4) له: سقطت من س.
(5) ثم: سقطت من م.(5/359)
الكيمياء والنجوم وغيرهما من العلوم، وكان طويل الصمت فَقَالَ مولى له: أرى الناس يخوضون فيما أنت أعلم به منهم وأنت ساكت، فَقَالَ: ويحك إني عنيت بطلب الأحاديث والعلم وصححت ذلك فأخاف إن نشرت ذلك أن يحفظوه، فَقَالَ: جعلت فداك يكفيكهم اللَّه بالبلغم. وتزوج ابنة عبد اللَّه بْن جعفر فَقَالَ فيها:
منافية غراء جادت بودها ... لعبد منافي أغر مشهر
مطهرة بين النبي محمد ... وبين الشهيد ذي الجناحين جعفر
وقال عبد اللَّه بْن جعفر ما صنع فِي قوله «لعبد» شيئا، لو كان قال «لقرم منافي» .
937- وأنشدني بعض الحجازيين لخالد فِي ابنة عبد اللَّه بْن جعفر:
أتتنا بها «1» دهم البغال وشهبها ... عفيفة أخلاق كريمة عنصر
مقابلة بين النبي محمد ... وبين علي ذي الفخار وجعفر
منافية جادت بخالص ودها ... لعبد منافي أغر مشهر
وقد قيل: إنه لم يتزوجها وأن هذا الشعر معمول.
938- وتزوج أيضًا رملة بنت الزبير بْن العوام فَقَالَ:
أحب بني العوام طرًا لحبها ... ومن حبها أحببت أخوالها كلبا
ولا تكثروا فيها الضجاج «2» فإنني ... تنخلتها «3» عمدًا زبيرية قلبا
(857) فإن تسلمي نسلم وإن تتنصّري ... يخطّ «4» رجال بين أعينهم صلبا
__________
937- عجز الأول، والثاني والثالث في الأغاني 17: 263 938- الكامل 1: 348 والأغاني 17: 257، والأبيات 1، 3، 4 في الأغاني 17: 263 والمختار من شعر بشار: 151 والبيتان 1، 4 في ابن خلكان 2: 224، و 1، 2، 4 في معجم الأدباء 4: 168، و 1، 4 في المعارف:
221 والشذرات 1: 96 وفي البيت الثاني روايتان أخريان في ف: 940
__________
(1) م: بهم.
(2) الكامل: الملام.
(3) ط م س: تنحلتها، وفي المصادر: تخيرتها.
(4) ط م: يحط، س: بخط.(5/360)
تجول خلاخيل النساء ولا أرى ... لرملة خلخالًا يجول ولا قلبا
939- وحدثني عُمَر بْن بكير عَنْ أبي المنذر هشام بْن محمد الكلبي عَنْ عوانة قَالَ:
كان خالد بْن يزيد بْن مُعَاوِيَة قد حج فِي السنة التي قتل فيها الحجاج عبد اللَّه بْن الزبير فخطب رملة بنت الزبير، فبلغ ذلك الحجاج فأرسل إليه حاجبه وقال: قل له ما كنت أراك تخطب إلى آل الزبير حتى تشاورني، ولا كنت أراك تخطب إليهم وليسوا لك بأكفاء وقد قاتلوا أباك على الخلافة ورموه بكل قبيح، فلما بلغه الرسالة نظر إليه خالد طويلًا ثم قَالَ: لو كانت الرسل تعاقب لقطعتك آرابًا ثم ألقيتك على باب صاحبك، قل له: ما كنت أظن أن الأمر بلغ بك إلى أن تؤهل نفسك لأن أشاورك فِي مناكحة قريش، قلت ليس القوم لك بأكفاء، فقاتلك اللَّه يا ابْن أم الحجاج تَزَوَّجَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خديجة ابنة «1» خويلد وتزوج العوام صفية بنت عبد المطلب ولا تراهم أكفاءً لآل أبي سُفْيَان وبني أُمَيَّة؟ وأما قولك: قاتلوا أباك على الخلافة ورموه بكل قبيح، فهي قريش تقارع بعضها بعضًا حتى إذا أقرّ اللَّه الأمر مقره عادت إلى أحلامها وفضلها، فرجع إليه رسوله فأدى إليه قوله، فتزوج خالد رملة وهي أخت مصعب بْن الزبير لأبيه وأمه «2» ، أمهما الرباب الكلبية وهي ابنة أنيف بن عبيد بْن مصاد بْن كعب بْن عليم بْن جناب، وكانت قبله عند عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حزام.
940- قَالَ أَبُو اليقظان: تزوّجها خالد بعد عثمان بْن عبد اللَّه بْن حكيم وقال:
لما رأيت العتق فيها مبينًا ... تنخلتها «3» منهم زبيرية قلبا
ويروى:
تخيرتها من سر قومٍ كريمة ... موسّطة فيهم زبيريّة قلبا
__________
939- الأغاني 17: 260
__________
(1) م: بنت.
(2) م ط: لأمه، وانظر الأغاني 17: 260
(3) ط م: تنحلتها، س: بنحلتها.(5/361)
قالوا: وكانت معروفة بالجزالة والعقل والفضل. وقال شديد بْن شداد أحد بني عامر بْن لؤي «1» :
لا يستوي الحبلان حبل تنقضت «2» ... قواه وحبل قد أمر شديد
عليك أمير المؤمنين بخالد ... ففي خالدٍ عما تريد صدود
إذا ما نظرنا فِي مناكح خالدٍ ... عرفنا الذي يهوى «3» وأين يريد «4»
941- قالوا: وقال الأسوار بْن يزيد لخالد: واللَّه لقد هممت اليوم بقتل الوليد بْن عبد الملك، فَقَالَ له: بئس ما هممت به، ابن أمير المؤمنين وولي عهد المسلمين، قَالَ إنه لقي خيلًا لي فنفرها وتلعب بها، فأتى خالد عبد الملك فأخبره بما شكا إليه أخوه، فرفع رأسه وهو يضحك ثم قَالَ: إنَّ المُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُون (النمل: 34) فَقَالَ خالد وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْها الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (الإسراء: 16) فَقَالَ عبد الملك: أتكلمني فيه وهو لحان وقد أعياكم تقويم لسانه، فَقَالَ: أعيانا منه ما أعياك من الوليد، فقال عبد الملك: إن يكن لحانًا فأخوه سليمان فصيح، قَالَ خالد: وإن يكن عبد اللَّه لحانًا فأخوه خالد غير لحان، فَقَالَ الوليد لخالد: أتتكلم ولست فِي عيرٍ ولا نفيرٍ، فَقَالَ خالد: ألا تسمع يا أمير المؤمنين ما يَقُول؟ أنا واللَّه ابن العير والنفير، سيد العير جدي أَبُو سُفْيَان، (858) وسيد النفير جدي عتبة بْن ربيعة، ولكن لو ذكرت حبيلاتٍ وغنيماتٍ بالطائف لصدقت، فرحم اللَّه عثمان. ثم نهى عبد الملك الوليد عَنِ التعبث بعبد اللَّه بْن يزيد.
__________
941- الكامل: 1: 335 والمروج 5: 412 والأغاني 17: 264 ومعجم الأدباء 4: 166 وابن عساكر 5: 118 وانظر أيضا الورقة 594/ أ (من النسخة س- طبعة آلورد: 237) والشذرات 1: 96 وربيع الأبرار: 94 ب، وانظر أيضا الفاخر: 177 والميداني 2: 114 والمستقصى: 281 وجمهرة العسكري 2: 399 واللسان (نفر) حيث ورد المثل «لا في العير ولا في النفير» .
__________
(1) الأغاني 17: 264 والبيتان 2، 3 في الكامل: 347 والثالث في الورقة 935/ أمن النسخة س.
(2) م س: تنقصت.
(3) م: تهوى.
(4) ط م: تريد.(5/362)
942- وقال الْمَدَائِنِيّ: دخل الوليد حائطًا لعبد اللَّه بْن يزيد الأسوار فشكا ذلك إلى أخيه وجرى هذا القول بسببه ولم يذكر خيلًا وقال: الذي قَالَ لست فِي عير ولا نفير رجل من بني الحكم، قَالَ ذلك لأبي القاسم بْن أبي سُفْيَان بْن خالد بْن يزيد فِي عسكر هشام، فأجابه أَبُو القاسم بجواب أغلظ له، فطرده هشام عَنْ عسكره.
943- وقال خالد لبعض قريش: لقد رضيت بالقليل لدناءتك، فَقَالَ: أدنى مني من نيكت أمه وسلب خلافته وفرغ لعمل الكيمياء الذي لا يدرك منه شيئًا.
944- وكان خالد يتعصب لأخوال أبيه من كلب ويعينهم على قيس فِي حرب قيس وكلب، فَقَالَ شاعر قيس:
يا خالد بْن أبي سُفْيَان قد قرحت «1» ... منا القلوب وضاق السهل والجبل
أأنت تأمر كلبا أن تقتّلنا «2» ... جهلًا وتمنعهم منا إذا قتلوا
ها إن «3» ذا لا يقر الطير ساكنة ... ولا تكفكف «4» من نكرائه الإبل
945- وتزوج مروان بْن الحكم أم خالد بْن يزيد، فدخل عليه يومًا فأراد أن يضع منه فَقَالَ: يا ابْن الرطبة فَقَالَ: أمين مختبر، لولا حمقها ما قلت لها هذا، فأتى أمه فاخبرها، فغمته وجواريها وهو نائم بمرفقة فمات، ويقال بل سقته شربة لبن مسموم فقتلته.
946- وقال خالد بْن يزيد:
أرى زمنًا ثعالبه قيام ... على الأشراف تخطر كالأسود
وكان الثعلب الضباح يرضى ... بما يرث الكلاب من الصيود
__________
944- الأغاني 17: 264 945- انظر الورقة 505/ أ، 501/ أ، 504 ب (من س) ومحاضرات الراغب 2: 93
__________
(1) س: فرحت.
(2) الأغاني: تقاتلنا، س: يقتلنا.
(3) م: ها أنا.
(4) س: تكفك.(5/363)
وقال خالد «1» :
سرحت سفاهتي «2» وأرحت حلمي ... وفي على تحلمي اعتراض
على أني أجيب إذا دعتني ... إلى حاجاتها الحدق المراض
947- وكان خالد على حمص فبنى مسجدها، وكان له أربعمائة عبد يعملون فِي المسجد، فلما فرغوا من بنائه أعتقهم، وهو صلى على أخيه أبي ليلى، ويقال الوليد بْن عتبة.
948- وحضر خالد مع عبد الملك بْن مروان أمر زفر بْن الحارث الكلابي بقرقيسيا.
949- وكان خالد قصيرًا فلما خطب رملة استقصروه فبلغه ذلك فجمع قومًا قصارًا ومشى معهم ولبس قلنسوة فرضيت به.
950- ومات خالد فِي أيام عبد الملك بْن مروان.
951- قَالَ الْمَدَائِنِيّ: كان أَبُو بَكْر بْن حنظلة العنزي منقطعًا إلى خالد بْن يزيد فجفاه فَقَالَ:
بدا لي ما لم أخش منك ورابني ... صدود وطرف منك دوني خاشع
وما ذاك من شيء سوى أن ألسنًا ... علي فرت ذنبًا وهن سوابع «3»
أبا هاشم لا ضارع إن جفوتني ... ولا مستكين للذي أنت صانع
ولكن إعراضًا جميلًا وعفة ... وبينًا سليمًا عنك والبين فاجع
952- قَالَ: وفاخر مُعَاوِيَة (بْن) مروان بْن الحكم، وكان مائقًا، خالد بْن يزيد، فَقَالَ سالم بْن وابصة:
__________
948- انظر الورقة 546 أ- ب (من س) .
952- ابن عساكر 6: 57.
__________
(1) زهر الآداب: 54 وابن كثير 8: 138 والعمدة 1: 22 (منسوبا لمعاوية) .
(2) ابن كثير: صرمت سفاهتي، الحصري: سئمت غوايتي، العمدة: فقدت سفاهتي.
(3) خ بهامش ط س: ضوالع.(5/364)
إذا افتخرت يومًا أُمَيَّة أطرقت ... قريش وقالوا معدن الفضل والكرم
فإن قيل هاتوا خيركم أطبقوا معا ... على أن خير الناس كلهم الحكم
ألستم بني مروان غيث بلادنا ... إذا السنة الشهباء سدت على الكظم
(859) وقال خالد بْن يزيد:
دعوا الحكم ليس الحكم فيكم بني استها ... ولكنه فِي الغر من آل غالب «1»
بني مرة الأثرون «2» كانت إليهم ... تساق حكومات الكرام المناجب
953- وكانت عند خالد بْن يزيد آمنة بنت سَعِيد بْن العاص بْن سَعِيد بْن العاص ابن أُمَيَّة فولدت له سَعِيدًا.
954- وكان له ابن يقال له يزيد لأم ولد وكان سخيًا وفيه يَقُول الشاعر وهو موسى شهوات مولى بني سهم، ويقال مولى بني تيم، ويقال مولى بني عدي، ويقال غيره:
ثم صوت «3» إذا دخلت دمشقًا ... يا يزيد بْن خالد بْن يزيد
يا يزيد بْن خالد إن تجبني ... يلقني طائري بسعد السعود
كنت أرجو نداك والشام دوني ... كرجاء الأسير فك القيود
ثم لَمْ يخلف «4» الرجاء ولكن ... زاد فَوْقَ الرجاء كل مزيد
وليزيد هذا عقب بالشام.
955- وفي آمنة بنت سَعِيد وأمها أم عمرو بنت عثمان بْن عفان وأمها رملة بنت شيبة ابن ربيعة بْن عبد شمس يَقُول خالد بْن يزيد.
__________
953- 954- قارن بالكامل 1: 347- 348 والأغاني 3: 354 (وفيه البيتان 1، 2) .
955- البيتان الرائيان في الكامل 1: 347، والأول في البيان 3: 99 والمرصع: 162 والميداني 1: 127 وثمار القلوب: 290
__________
(1) يعني غالب بن فهر.
(2) كذا في النسخ وحقه أن يكون «الأثرين» .
(3) الأغاني: قم فصوّت.
(4) م: تخلف.(5/365)
كعاب أبوها ذو العمامة «1» وابنه ... وعثمان ما أكفاؤها بكثير «2»
فإن تستفدها «3» والخلافة تنقلب ... بأفضل علقي منبر وسرير
وفيها يَقُول وطلقها:
وليت آمنة الطلاق كريمة ... عندي ولم يكبر علي طلاقها
ولأقطعن حبال أخرى بعدها ... يومًا إذا لم تستقم «4» أخلاقها
956- وقال الْمَدَائِنِيّ: قدم محمد بْن عمرو بْن سَعِيد بْن العاص الشام غازيًا فدخل على عمته آمنة امرأة خالد فَقَالَ خالد: ما يقدم أحد من الحجاز إلا اختار المقام عندنا على المدينة، فَقَالَ محمد: وما يمنعهم وقد قدموا «5» من المدينة على النواضح فنكحوا أمك وسلبوك ملكك وفرغوك لطلب الحديث وقراءة الكتب وطلب ما لا يقدر عليه، يعني الكيمياء.
957- وكان لخالد أيضًا ابن يقال له حرب بْن خالد وكان ذا قدر ونبل وله عقب بالشام، وأمه أم ولد، ففيه يَقُول داود بْن سلم ونزل به، فبدر غلمانه إلى راحلته فحطوا عنها، وأكرمه وأجازه بجائزة سنية، ثم استأذنه فِي الانصراف فأذن له، وأمر له بألف دينار، ولم يقم غلمانه معه ولم يعاونوه حين أراد الرحيل كما فعلوا حين نزل، وقالوا: إنا نكرم من نزل بنا نعينه ونخدمه سرورًا به، ولا نفعل ذلك بمن رحل عنا، وفي حرب يَقُول داود:
ولما دفعت لأبوابهم ... ولاقيت حربا لقيت النجاحا
__________
956- العقد 4: 24 والأغاني 17: 262 957- الأغاني 6: 20
__________
(1) الكامل والبيان: ذو العصابة.
(2) ط م س: بكبير.
(3) الكامل: تفتلتها.
(4) ط س: يستقم.
(5) وقد قدموا: كتابتها مضطربة في ط م.(5/366)
وجدناه يحمده المعتفون ... ويأبى على العسر إلا سماحا
فحدث داود الغاضري بالمدينة بحديثه وقول غلمانه وأنشده شعره، فَقَالَ: أنا لزنيةٍ إن لم يكن فعل غلمانه خيرًا من شعرك فيه.
958- وأنشد حمّاد الراوية لخالد بْن يزيد:
قصر الجديد بلى وقص ... ر العيش فِي الدنيا انقطاعه
من نال فِي الدنيا متا ... عا ثم طال به متاعه؟
(860) أم أي منتفع بشي ... ء ثم دام به انتفاعه؟
أم أي شعب ذي التئا ... م لم يشتته انصداعه؟
والأول الماضي الذي ... حق على الباقي اتباعه
قد قَالَ فِي أمثاله: ... «يكفيك من شر سماعه»
959- وأما عبد اللَّه الأسوار بْن يزيد بْن مُعَاوِيَة:
فكان فارسًا صاحب خيل، فتزوج أم عثمان بنت سَعِيد بْن العاص فولدت له أبا سُفْيَان وأبا عتبة، وهي أم سَعِيد ورملة ابني خالد بْن عمرو بْن عثمان بْن عفان، فقيل لسَعِيد بْن خالد اخطب أمه أم كلثوم بنت عبد اللَّه بْن عامر لتذله كما أذلك، فخطبها وهي بادية فِي قبة من نمور اشترت جلالها بألف دينار فَقَالَ لها وهو غلام: أحب أن تزوجيني نفسك، وكانت يومئذ عجوزًا كبيرة قد قيدت أسنانها بالذهب فقالت: مرحبًا بك يا ابْن أخي لو كنت متزوجة أحدًا من قريش لتزوجتك، إن أمك امرأة شابة وأنا عجوز مسنة، وأراهم قالوا لك: تزوج أمه كما تزوج أمك، فانطلق يا ابْن أخي فِي حفظ اللَّه وستره، فقام مثبورًا.
960- وقال مدرك بْن حصن الأسدي يهجو عبد الله الأسوار:
__________
958- الأبيات 1، 3، 4، 6 في ديوان علي (ط. بومبي 1316) : 58 مع اختلافات في القراءة.
960- البيت الثاني في الورقة 1163 ب (من النسخة س) وقارن أيضا بالاشتقاق: 173 وأمثال العسكري 2: 15 والميداني 1: 74(5/367)
قبح الإله ولا أقبح غيره ... نسبًا أمت به الى الأسوار
المؤكلي حيي فزارة بعد ما ... أكلت فزارة أير «1» كل حمار
إنا لنعلم يا سخينة «2» أنكم ... بطن العشي مباشم الأسحار
961- وكان من ولد الأسوار أَبُو محمد بْن عبد اللَّه السفياني الذي قتل بالمدينة وكان مستخفيا بقبا «3» .
962- وأما عبد الرحمن بْن يزيد بْن مُعَاوِيَة:
فكان ناسكًا متألهًا، أتاه رجل ضرير بمكة ليسأله فَقَالَ لقيمه: أعطه ما عندك، وكان عنده ثمانية آلاف درهم، فَقَالَ له القيم: هذا يكتفي منك بأقل مما عندنا، أفأعطيه بعضه؟ فَقَالَ: إني أكره أن يفضل قولي فعلي، فأعطاه ثمانية آلاف درهم.
963- وقال عبد اللَّه بْن المبارك، قَالَ عبد الرحمن بْن يزيد بْن مُعَاوِيَة لرجل من إخوانه كان يجالسه: أترضى حالك هذه للموت؟ قَالَ: لا، قَالَ: فهل أنت مجمع على الانتقال إلى حال ترضاها للموت؟ قَالَ: ما سخت نفسي بذلك بعد، قَالَ: ويحك، فهل بعد الموت دار فيها معتمل؟ قال: لا، قَالَ: فهل تأمن أن يأتيك الموت على حالك هذه؟
قَالَ: لا، فَقَالَ: ما رأيت مثل هذه الحال رضي بها عاقل، فاتق اللَّه يا أخي واعمل قبل أن تندم.
964- وأما عُمَر بْن يزيد،
فحدثني أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيّ عَنْ مَسْلَمَةَ بْن مُحَارِبٍ أنه أصابته صاعقة فهلك، ويقال رعدت السماء رعدة شديدة فمات خوفًا، فَقَالَ ابن همام:
عُمَر الخير يا شبيه أبيه ... أنت لو عشت قد خلفت يزيدا
__________
963- عيون الأخبار 2: 358
__________
(1) م: ابن.
(2) سخينة: لقب يطلق على قريش.
(3) م ط: بقباء.(5/368)
سلط الحتف فِي الغمام عليه ... فتلقى الغمام روحًا سَعِيدا
(861) أيها الراكبان من عبد شمس ... بلغا الشام أهلها والجنودا
أن خير الفتيان أصبح في لح ... د وأمسى من الكرام فقيدا
965- وأما أَبُو بَكْر بْن يزيد بْن مُعَاوِيَة:
فإن خالد بْن يزيد هجاه فَقَالَ:
سمين البغل من مال اليتامى ... رخي البال مهزول الصديق
وقال خالد فِي أبي بَكْر:
فقدم أبا بَكْر لكل عظيمة ... وقدم أبا جهل للقم الثرائد
أَبُو جهل حرب بْن عبد اللَّه بْن يزيد بْن مُعَاوِيَة، ويقال هو عبد اللَّه بْن سليمان بْن يزيد بْن مُعَاوِيَة، والثبت أنه ابن سليمان بْن عتبة بْن يزيد «1» بْن مُعَاوِيَة.
966- وأبو بَكْر الذي يَقُول:
وإذا العبد أغلق الباب دوني ... لم يحرم علي متن الطريق
967- وقال الْمَدَائِنِيّ: كان أَبُو بَكْر بْن يزيد ذا نيقة فِي الطعام وكان صاحب تنعم، فمر بقرية لعباد بْن زياد بْن أبي سُفْيَان بالشام ومعه رجل من تيم اللَّه بْن ثعلبة بْن عُكابة، وكانت القرية تدعى تنهج «2» فلم يقروهم فقال التيمي:
بتنهج ليلة طالت علينا ... وأخلفنا المواعد والعشاء
نناديهم ليقرونا فقالوا: ... سنقريكم إذا خرج العطاء
ودون عطائهم شهرا ربيع ... ونحن نسير إن متع الضحاء
أنادي خالدًا والباب دوني ... وكيف يجيبك البرم العياء
__________
966- البيان 1: 382
__________
(1) بن يزيد: سقطت من م.
(2) تنهج: قرية قرب دمشق (ياقوت 1: 882) .(5/369)
ويقال انّ الأبيات لأبي بكر نحلها التيمي، فأجاب خالد بْن عباد على الشعر على أنه للتيمي فَقَالَ «1» :
وما علم الكرام بجوع كلب ... عوى، والكلب عادته العواء
وتيم اللات لا ترجى لخير ... وتيم اللات تفضلها النساء
968- وأما عتبة بْن يزيد
فله عقب بالشام، وكذلك يزيد بن يزيد وعقبه بالبصرة،
وكانت عند عثمان بْن يزيد
كاملة بنت زياد الكلبية، وبعضهم يَقُول هي ابنة زياد بْن أبي سُفْيَان،
وولد محمد بْن يزيد
محمد بْن محمد لأم ولد.
ولد زياد بْن أبي سُفْيَان:
969- ولد زياد عبد الرحمن، والمغيرة وبه كان يكنى زياد، ومحمدًا، وأبا سُفْيَان، أمهم معاذة عقيلية من بني خفاجة، وسلم بْن زياد، لأم ولد، وعثمان، وعبادًا، والربيع، وأبا عبيدة، ويزيد، لأمهات أولاد شتى، وعنبسة، وأم مُعَاوِيَة، أمهما بنت عثمان بْن أبي العاص الثقفي، وعمرًا، أمه بنت القعقاع بْن معبد بْن زرارة، والغصن، وعتبة بْن زياد، وأبان بْن زياد، وجعفر بْن زياد، وإبراهيم، وسعيدا، لأمهات أولاد، وبنات منهن أم حبيب، أمها خزاعية، ورملة، وريطة، وصخرة، وأم أبان، أمها لبابة بنت أوفى الحرشي، وجويرية، وعبد اللَّه، وعبيد اللَّه، أمهما مرجانة أم ولد.
970- فأما جويرية فكانت عند عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَبَّاس بْن ربيعة بْن الحارث بْن عبد المطلب.
971- وأما أم أبان فكانت عند عبيد اللَّه بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر التيمي من قريش.
__________
969- 991: انظر المعارف: 347- 348
__________
(1) انظر ابن عساكر 5: 63 حيث ذكر أن الشعر لخالد بن عبادة.(5/370)
972- (862) وأما صخرة فكانت عند عبيد اللَّه بْن عبد الرحمن بْن الحارث بْن هشام.
973- وأما رملة فكانت عند أُمَيَّة بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد.
973 ب- وأما ريطة فكانت عند رواد بْن أبي بَكْرة.
974- وأما أم حبيب فكانت عند أبي الصهباء بْن عامر.
975- وأما عبد الرحمن بْن زياد فكان يكنى أبا خالد ولاه مُعَاوِيَة خراسان فأصاب مالا فَقَالَ: أعيش مائة سنة وأنفق كل يوم ألف درهم ثم قدم البصرة فأتلف ذلك المال قبل موته ومات بالبصرة وله عقب بها، وكانت عنده فاختة بنت عتبة بْن أبي سُفْيَان.
976- وأما المغيرة بْن زياد فلا عقب له.
977- وأما محمد فكانت عنده صفية بنت مُعَاوِيَة ولا عقب له.
978- وأما أَبُو سُفْيَان فكانت عنده بنت حكيم بْن قيس بْن عاصم فهرب من الطاعون الجارف إلى البادية فطعن بالبادية فمات وله عقب بالبصرة.
979- وأما سلم فيكنى أبا حرب وكان أجود بني زياد وولي خراسان ليزيد بْن مُعَاوِيَة وفيه يَقُول زياد الأعجم:
إلى سلمٍ أبي حرب ابن حرب ... غدت سفواء من فره البغال
فما عدلت يمينك من يمين ... ولا عدلت شمالك من شمال
وفيه يَقُول ابن عرادة السعدي:
يقولون اعتذر من حب سلم ... إذًا لا يقبل اللَّه اعتذاري
تخيرت الملوك فحل رحلي ... إلى سلم ولم يخب «1» اختياري
__________
(1) م: يجب.(5/371)
ولم يزل بخراسان حتى مات يزيد فقدم البصرة ثم أتى «1» ابْن الزُّبَيْرِ وقد ظهر بمكة فحبسه وأغرمه اربعة آلاف الف درهم فاحتال لصاحب سجن ابْن الزُّبَيْرِ حتى أخرجه أيّام قدم الحجاج مَكَّة فلحق بعبد الملك بْن مروان فكتب له عهده على خراسان فقدم البصرة.
فمات بها وله بها عقب.
980- وأما عباد بْن زياد، ويكنى أيضًا أبا حرب «2» ، فولاه مُعَاوِيَة سجستان، ويقال ولاه إياها أخوه، وكان منزله بالشام، وكان صاحب خيل يسابق عليها، فَقَالَ الراجز «3» :
سبق عباد وصلى وثلث ... بأعوجيّات قليلات اللبث
وفيه يقول الأخطل «4» :
ما أرض عبادٍ إذا ما أتيتها ... بحزن ولا أعطانها بجدوب
ربيع لهلاك البلاد إذا ارتمت ... رياح الثريا من صبا وجنوب
حباني بطرف أعوجي وقينة ... من البربريات الحسان لعوب
إليه أشار الناظرون كأنه ... هلال بدا للناس بعد غيوب
ولولا أَبُو حرب وفيض بحاره ... علينا رمانا دهرنا بخطوب
كريم مناخ القوم لا عاتم «5» القرى ... ولا عند أطراف القنا بهيوب
فِي أبيات، وقال الأخطل أيضًا «6» :
إلى فتى لا تخطاه الرفاق ولا ... جدب الخوان إذا ما استحسن المرق
__________
(1) النصّ حتى آخر الفقرة في فتوح البلدان: 433
(2) م: أبا حرب أيضا.
(3) هو ابن مفرغ الحميري، والبيت كله يرد في الورقة 586/ أ 622 ب (من النسخة س) ولم يرد في ديوانه المجموع.
(4) ديوان الأخطل: 180، 181
(5) م: عاثم.
(6) ديوان الأخطل: 262، 263 والأول في البيان 1: 373، 3: 10 والشعر والشعراء: 397 والثاني في التاج 7: 90(5/372)
موطأ البيت محمود شمائله ... عند الحمالة لا كز ولا عوق
وله عقب بالشام والبصرة، ومات سنة مائة بجرود، وكان صديقًا لعلي بْن عبد اللَّه بْن عباس وهو كلم الوليد فيه حين ضربه وأقامه فِي الشمس «1» .
981- وأما الربيع بْن زياد فكان أعرج وكانت عنده تاجة بنت القعقاع بْن (863) شور الذهلي وله عقب بالبصرة قليل.
982- وأما أَبُو عبيدة فولاه سلم بْن زياد كابل وأسر ففداه بسبعمائة ألف درهم، وله عقب بالبصرة.
983- وأما يزيد بْن زياد فإن سلما ولاه سجستان فقتله العدو ولا عقب له.
984- فأما الغصن فمات وهو غلام لا عقب له.
985- وأمّا عمرو فهلك وهو غلام لا «2» عقب له.
986- وأمّا عتبة فله عقب بالبصرة.
987- وأما أبان فلا عقب له.
988- فأما «3» جعفر فكان من أشد الناس ولا عقب له.
989- وأما إبراهيم بْن زياد فقتل مع ابن الأشعث ولا عقب له.
990- وأما سَعِيد بْن زياد فله عقب.
991- وأما عبد اللَّه فله عقب قليل بالبصرة.
992- وأما عبيد اللَّه بْن زياد:
فكان يكنى أبا حفص، وكان جميلا أرقط، ولّاه
__________
982- انظر فتوح البلدان: 433
__________
(1) م: بالشمس.
(2) ط م: ولا.
(3) م: وأما.(5/373)
مُعَاوِيَة خراسان ثم ولي بعد أبيه البصرة وولاه الكوفة بعد ابن أم الحكم، وهو قتل الحسين ابن علي بْن أبي طالب عليهما السلام، وقد كتبنا خبره وخبر الحسين فِي أخبار آل أبي طالب، وأخرجه أهل البصرة حين مات يزيد فصار إلى الشام ثم قتل بالخازر وهو نهر بالموصل بالقرب من الزاب فَقَالَ فيه ابن مفرغ الحميري «1» :
إن الذي عاش ختارًا بذمته ... ومات عبدًا قتيل اللَّه بالزاب
993- وكان «2» يزيد بْن زياد بْن ربيعة بْن مفرغ الحميري صديقا لسعيد بن عثمان ابن عفان، فسأله أن يخرج معه إلى خراسان حين ولاه إياها مُعَاوِيَة فلم يفعل وصحب عبّاد ابن زياد وقد ولي سجستان، فجفاه ولم ير منه ما يحب، فهجاه فأمر عباد غرماءه أن يستعدوا عليه ففعلوا، فباع غلامًا له يقال له برد كان رباه وجارية له يقال لها أراكة وقضى غرماءه ثمنهما وقال «3» :
لهفي على الأمر الذي ... كانت عواقبه ندامة
تركي سَعِيدًا ذا الندى ... والبيت يعمد بالدعامه
وصحبت عبد بني علا ... ج تلك أشراط القيامة
وشريت بردًا ليتني ... من بعد برد كنت هامة
هامة تدعو الصدى ... بين المشقر واليمامة
ثم هرب، فكتب عباد إلى عبيد اللَّه أخيه بهجاء ابن المفرغ، فألفاه الكتاب وهو عند
__________
993- في أخبار ابن مفرغ وشعره انظر الشعر والشعراء: 276 والطبري 2: 191 وابن الأثير 3: 431 وأمالي الزجاجي: 229 والأغاني 18: 180، ومعجم الأدباء 7: 298 والخزانة 2: 212، 516 وطبقات الجمحي: 686 والكامل 1: 272، 273 وأضداد ابن الأنباري: 47 واللسان 4: 54، 19: 156 وابن خلكان 6: 342 والحيوان 1: 67 والموفقيات: 179 والعقد 6: 133 والعيني 3: 216، 4: 314 وأبو الفداء 1: 195 وديوانه (جمع الدكتور داود سلوم، بغداد، 1968) .
__________
(1) العقد 4: 404 والتنبيه والاشراف: 312 والأغاني 18: 209 والبدء والتاريخ 6: 22 وياقوت 2: 903 (ونسب البيت في العقد ليزيد بن معن، وترد ابيات أخرى من القصيدة في الورقة 531/ أ (من س) .
(2) إزاء هذا بهامش ط عنوان: «ابن مفرغ الشاعر» .
(3) ديوان ابن مفرغ: 143(5/374)
مُعَاوِيَة وافدًا عليه، فاستأذن مُعَاوِيَة فِي قتله، فقال: لا ولكن ما دون القتل، وأتى ابن مفرغ البصرة فاستخفى عند المنذر بْن الجارود العبدي، وكانت ابنته عند عبيد اللَّه بْن زياد، فلما قدم عبيد اللَّه البصرة طلب يزيد بْن المفرغ وجعل يستدل عليه حتى قيل له هو عند المنذر، فبعث إلى المنذر من أتاه به، والمنذر لا يعلم، فكلمه المنذر فيه فلم يجبه ابن زياد، وأخذ ابن المفرغ فقيده وحبسه، ثم دعا به فحمل على جمل عود- ويقال على حمار- وقرن به خنزيرة وسقاه مسهلًا وأمر أن يطاف به فِي الأسواق والمحال، وجعلت الخنزيرة تصيح من شدة وثاقها فيقول ابن المفرغ «1» :
ضجت سمية «2» لما مسها القرن
وأقبل يسلح فِي ثيابه، ويقال إنه ضربه مع هذا بالسياط، ورآه رجل من (864) الفرس فقال: اين شيست «3» فَقَالَ: ابن مفرغ: آب است نبيذ است، عصارات زبيب است، سميّه روسپى است «4» ، وفي ذلك يَقُول «5» :
يغسل الماء ما صنعت وشعري ... راسخ فِي العظام منك البوالي
994- وذكر بعضهم أن شعرًا قيل فِي مُعَاوِيَة نسب إلى ابن مفرغ فاحتمل «6» عليه غيظًا وهو «7» :
ألا أبلغ معاوية ابن حرب ... مغلغلة من الرجل اليماني
أتغضب أن يقال أبوك عف ... وترضى أن يقال أبوك زان
فأقسم أن رحمك من زياد ... كرحم الفيل من ولد الأتان
__________
(1) لم يرد في ديوان ابن المفرغ.
(2) س ط م: أمية.
(3) ط م س: شبست (وشيست- چيست والمعنى: ما هذا؟) .
(4) المعنى: هذا ماء، إنه نبيذ التمر، إنه عصير الزبيب، وهذه (الخنزيرة) سمية العاهرة.
(5) ديوان ابن مفرغ: 127
(6) ط م س: فاحتملوا.
(7) انظر ابن خلكان 6: 350 والشعر في الحيوان والأغاني وأبو الفداء منسوبا لعبد الرحمن بن الحكم وهو في العقد لعبد الرحمن بن حسان، وانظر الديوان: 153(5/375)
وبعضهم يَقُول أن الشعر لابن قتة.
995- ثم إن وجوه أهل الشام كلموا مُعَاوِيَة فِي أمر ابن مفرغ، لليمانية، وقالوا:
شاعرنا وقد تعدى عليه ابن زياد وفضحه، وخرج طلحة الطلحات فِي أمره إلى مُعَاوِيَة، فكتب مُعَاوِيَة بإطلاقه، فأطلقه ابن زياد وعاتبه فَقَالَ له ابن مفرغ: إني أحب أن أنزل كرمان لئلا تبلغ عني شيئًا، فكتب له إلى عامله على كرمان بصلة، وأمره أن يقطعه بها قطيعة ففعل، ولم يزل بَكْرمان حتى هرب ابن زياد إلى الشام من البصرة فقدم البصرة.
996- وحدثني أَبُو عدنان الأعور عَنْ أبي زيد الأنصاري قَالَ: كتب عباد بْن زياد إلى أخيه عبيد اللَّه بشعر لابن مفرغ يَقُول فيه:
إذا أودى مُعَاوِيَة ابن حرب ... فبشر شعب قعبك بانصداع
شهدت بأن أمك لم تباشر ... أبا سُفْيَان واضعة القناع
ولكن كان أمر فيه لبس ... على وجل شديد وارتياع
فأنشده عبيد اللَّه مُعَاوِيَة وكان قد وفد إليه واستأذنه فِي قتل ابن مفرغ «1» فَقَالَ: أما القتل فلا ولكن أدبه.
997- وقدم ابن مفرغ البصرة هاربًا من عباد بْن زياد فاستجار الأحنف فَقَالَ: إني لا أجير على ابن سمية فإن شئت كفيتك شعراء بني تميم فقال: ذلك مالا أبالي ألا أكفاه، فأتى خَالِد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد «2» فوعده أن يكلم فيه ابن زياد، ووعده عمرو بْن عبيد اللَّه بْن معمر مثل ذلك، ثم أتى المنذر بْن الجارود فأجاره، وكانت ابنته بحرية عند ابن زياد، فلما قدم عبيد اللَّه البصرة دس إليه من أتاه به، فسقاه دواء سلحه فِي ثيابه وهو على حمار يطاف به فَقَالَ ابن مفرغ «3» :
تركت قريشًا أن أجاور فيهم ... وجاورت عبد القيس أهل المشقّر
__________
(1) م: المفرغ.
(2) س: أسد.
(3) ديوانه: 83، 80، 115.(5/376)
أناسًا أجاروني فكان جوارهم ... أعاصير «1» من فسو العراق المبذر
فأصبح جاري نائمًا متبسطًا ... ولا يمنع الجيران غير المشمّر
وقال أيضا:
أصبحت لا من بني بَكْر فتنصرني ... بَكْر العراق ولم تغضب «2» لنا مضر
ولم تكلم «3» قريش في حليفهم ... إذ غاب ناصره بالشام واحتضروا
998- وكلمت اليمانية مُعَاوِيَة فِي أمره فأرسل رسولًا إلى عبيد اللَّه وأمره بحمل ابن 5 405 مفرغ معه، وكان قد أشخصه إلى أخيه عباد وهو بسجستان، فرد وأتي (865) به مُعَاوِيَة فَقَالَ فِي طريقه «4» :
فما إن لعباد عليك إمارة ... نجوت وهذا تحملين طليق
لعمري لقد نجاك من هوة الردى ... إمام وحبل للأمير وثيق
سأشكر ما أوليت من فضل نعمة ... ومثلي بشكر المنعمين حقيق
فلما دخل على مُعَاوِيَة بكى وقال: ركب مني ما لم يركب من مسلم على غير حدث ولا جرم، فَقَالَ ألست القائل:
ألا أبلغ معاوية ابن حرب ... مغلغلة من الرجل اليماني
وأنشده أشعارًا بلغته عنه، فحلف أنه لم يقلها فَقَالَ: اذهب فقد عفوت عنك وانظر أي بلد تحب أن تسكنه «5» فأسكنه، فنزل الموصل ثم ارتاح للبصرة «6» فقدمها ودخل على عبيد اللَّه بن زياد فآمنه.
__________
(1) س: اعامير.
(2) س: يغضب (والياء غير معجمة في ط) .
(3) س: يكلم (والياء غير معجمة في ط) .
(4) الديوان: 115 والتخريج 112- 113.
(5) م: تسكن فيه.
(6) م: البصرة.(5/377)
999- قالوا: ولم يزل عبيد اللَّه على البصرة حتى مات مُعَاوِيَة فأقره يزيد بْن مُعَاوِيَة على ما ولاه أبوه.
1000- حَدَّثَنِي أحمد بْن إبراهيم الدورقي عَنْ موسى بْن إِسْمَاعِيل عَنْ عبد الحميد ابن عبد اللَّه عَنْ ثابت البناني قَالَ: كنت عند الحسن فقام سائل ضرير البصر فَقَالَ:
تصدقوا على من لا قائد له يقوده ولا بصر يهديه، فقال الحسن: أليس ذاك صاحب هذه الدار- يعني عبيد اللَّه بْن زياد- ما كان له من حشمه قائد يقوده إلى خير ولا يشير به عليه، ولا كان له بصر يبصر به فينفعه.
1001- قالوا: وكان عبيد اللَّه بْن زياد أول من طلب المثالب وعني بجمعها ليعارض الناس بمثل ما يقولون فيه.
1002- أَبُو الحسن الْمَدَائِنِيّ قَالَ: كان ابن زياد يَقُول حبذا الإمارة لولا قعقعة البريد والتشزن «1» للخطب.
1003- وقال الْهَيْثَم بْن عدي، قَالَ عبيد اللَّه للأحنف: أي الشراب أطيب؟ قَالَ:
الخمر، قَالَ: كيف علمت ذلك، قَالَ: إني رأيت من استحلها لا يتعداها، ومن حرمها يتناولها، فعلمت أنها أطيبه، فضحك عبيد اللَّه وقال: صدقت.
1004- قَالَ: وكان ابن زياد يغري بين الشعراء، فَقَالَ يومًا لحارثة بْن بدر الغداني أهج أنس بْن زنيم، فَقَالَ: أعفني، فلم يعفه فَقَالَ:
وحدثت عَنْ أنس أنه ... قليل الأمانة خوانها
بصير بما ضر منه «2» الصديق ... وشر الأخلاء عورانها
__________
1000- ربيع الأبرار: 376 ب.
1002- البيان 1: 135 وعيون الأخبار 2: 285 والفائق (شزن) .
1004- انظر الورقة 953/ أ (النسخة س) وشعر حارثة في الأغاني 23: 450 والخزانة 3: 122
__________
(1) العيون: والتشرف، البيان: والتشدق.
(2) خ بهامش ط: فيه ضرّ (وكذلك س 953/ أ) .(5/378)
فَقَالَ أنس:
أتتني رسالة مستكره ... فكان جوابي غفرانها
1005- وقال الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة: ولى ابن زياد جزء بْن مُعَاوِيَة عم الأحنف الفرات فاختان مائة ألف درهم، وعرف الأحنف ذلك فأخبر به ابن زياد، فَقَالَ له عبيد اللَّه: هات خاتمك، فأخذه منه وبعث به الى أهله مع رسل له فقال رسله: هذا خاتم جزء وابعثوا بالمال الذي قدم به، فبعثوا بالمائة الألف مع رسل ابن زياد، فَقَالَ جَزْء للأحنف: لا جزاك اللَّه عَنِ الرحم خيرًا، فَقَالَ الأحنف: وأنت فلا جزاك اللَّه عَنِ الأمانة خيرًا، ويقال إن زيادا فعل هذا.
1006- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح الْمُقْرِئُ عَن أبي زبيد عَنْ أبي حصين قَالَ: بلغ يزيد بْن مُعَاوِيَة أن الحسين عليه السلام (866) يريد الخروج إلى الكوفة فغمه ذلك وساءه، فأرسل إلى سرجون مولاهم وكان كاتبه وأنيسه فاستشاره فيمن يوليه الكوفة فأشار بعبيد اللَّه بْن زياد، فَقَالَ: إنه لا خير عنده، قَالَ: أرأيت لو كان مُعَاوِيَة حيّا فأشار عليك به أكنت توليه؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فهذا عهد مُعَاوِيَة إليه بخاتمه وقد كان ولاه، فلم يمنعني أن أعلمك ذلك إلا معرفتي ببغضك له، فأنفذه إليه وعزل النعمان بْن بشير، وكتب إليه: أما بعد فإن الممدوح مسبوب يومًا وإن المسبوب ممدوح يومًا، وقد سمي بك يومًا إلى غاية أنت فيها كما قَالَ الأول «1» :
رفعت فجاوزت السحاب وفوقه ... فما لك إلا مرقب الشمس مقعد
1007- حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَحَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسَى القطّان قالا حدثنا حَكَّامٌ عَنْ عَمْرُو بْنُ مَعْرُوفٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ، قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُوَ بِالْكُوفَةِ: [كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا أَتَاكُمْ أَهْلُ بيت نبيّكم يحمل قويّهم ضعيفهم؟
__________
1005- انظر الورقة 1097 ب (النسخة س) .
1006- الجهشياري: 27 وقارن بالطبري 2: 228
__________
(1) الجهشياري: 27(5/379)
فَقَالُوا: نَفْعَلُ وَنَفْعَلُ، فَحَرَّكَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: تُورِدُونَ ثُمَّ تَعْرِدُونَ ثُمَّ تَطْلُبُونَ الْبَرَاءَةَ وَلا بَرَاءَةَ لَكُمْ.] وحدثني صديق لي عَنْ يوسف بن موسى انّ في حديثه: وتعينون عليه شر أهل زمانه فِي نسبه وسيرته.
1008- حَدَّثَنَا عُمَر بْن شبة حَدَّثَنَا محمد بْن حاتم حَدَّثَنَا القاسم بْن مالك حَدَّثَنَا مسعر بْن كدام عَنْ معبد بْن خالد قَالَ، قَالَ لنا مروان: صلوا مع ابن زياد واجعلوا صلاتكم معه سبحة «1» .
1009- حَدَّثَنِي يوسف بْن موسى حَدَّثَنَا جرير عَنْ مغيرة عَنْ إبراهيم قَالَ: أول من جهر بالمعوذتين فِي الصلاة عبيد اللَّه ابن مرجانة.
1010- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا المسعودي عن عليّ ابن مُدْرِكٍ قَالَ: أُتِيَ ابْنَ زِيَادٍ بِابْنِ مُكَعْبَرٍ «2» فَقَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَسَمَلَ عَيْنَيْهِ، فَقَالَ عَلْقَمَةُ سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: أَعْصَى النَّاسِ قَتَلَةُ أَهْلِ الإِيمَانِ.
1011- قالوا: وبنى ابن زياد مسجد الكوفة ووهى بعض «3» ما بنى فبناه يوسف بْن عُمَر.
1012- قالوا: وتزوج عبيد اللَّه بْن زياد هندا بنت أسماء بن خارجة الفزاري فعاب ذلك على أسماء محمد بْن عطارد «4» ومحمد بن الأشعث بْن قيس فتزوج أم النعمان ابنة محمد
__________
1008- قارن بنهاية ابن الأثير (سبح) .
1009- ابن كثير 8: 285 1010- قارن بالطبري 1: 985 1011- قارن بياقوت 4: 325 1012- عيون الاخبار 4: 97 وانظر الورقة 1020 ب (النسخة س) .
__________
(1) م: سحبة.
(2) م: معكبر.
(3) بعض: سقطت من م.
(4) هو محمد بن عمير بن عطارد.(5/380)
ابن الأشعث، وزوج أخاه عُثْمَان «1» بْن زياد ابْنَة مُحَمَّد بْن عمير «2» ، وزوج أخاه عبد اللَّه بْن زياد ابنة عمرو بْن حريث المخزومي فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الأسدي «3» :
لقد أنكحت خوف الهزل عبدًا ... وصهر العبد أدنى للهزال
ويقال إن عقبة «4» الأسدي تقلد سيفا ليفتك بهند فلم يمكنه ذلك فَقَالَ:
أردت بها أمرًا قضى اللَّه غيره ... وليس لأمر حمه اللَّه مدفع
وأقسم لو عاينتها لكسوتها ... بتوكا إذا عض الضريبة يقطع
وقال أيضًا «5» :
جزاك اللَّه يا أسماء خيرًا ... كما أرضيت فيشلة الأمير
بفرج «6» قد يفوح المسك منه ... عظيم «7» مثل كركرة البعير
وذي حبك كأن الجمر فيه ... يشبه حره لهب السعير
1013- وقال الْهَيْثَم بْن عدي: أرسل ابن زياد مولى له إلى أسماء قبل ولاية ابن زياد الكوفة وهو بالبصرة يخطب عليه ابنته فزوجه إياها، فَقَالَ له عمرو بْن حريث: أزوجته (867) ولا سلطان له عليك؟ فلما قدم الكوفة زوج أخاه ابنة عمرو بْن حريث. قَالَ:
وقال عبيد اللَّه بْن زياد لجرير بْن عبد اللَّه البجلي زوجني ابنتك قَالَ: قد زوجتها من عمرو ابن حريث قَالَ أكذاك يا عمرو؟ قَالَ: نعم، فلما خرجا زوّجه إيّاها.
__________
1013- عيون الأخبار 4: 97
__________
(1) العيون: عبد الله.
(2) ط س: عمر.
(3) الأغاني 20: 334 واللسان 14: 221 والتاج 8: 167 (هزل) وديوانه: 124.
(4) يرد أيضا: عقيبة (انظر العيون وف: 1024) .
(5) البيتان 1، 2 في العيون 4: 98 والأغاني (نفسه) والنويري 2: 105 والشعر في الأغاني يشير إلى الحجاج لا الى ابن زياد، وانظر البصائر 3: 516
(6) العيون: بصدع.
(7) الأغاني والنويري: عليه.(5/381)
1014- الْمَدَائِنِيّ عَنْ جرير بْن حازم عَنِ الحسن وعن «1» هشيم عن مغيرة عن ابراهيم، قالا: ما رأينا أحدًا شرًا من ابن زياد.
1015- وقال الأعمش: كان مملوءًا شرًا ونغلًا.
1016- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: هجا عبد اللَّه بْن همام عمرو بْن نافع مولى بني أُمَيَّة وكان يتولى ديوان الكوفة لزياد، فلما ولي عبيد اللَّه وشي به إليه فطلبه فهرب إلى يزيد بْن مُعَاوِيَة ومدح عثمان بْن عنبسة بْن أبي سُفْيَان واستجار به فِي شعر يَقُول فيه:
أراك إذا أجرت على أمير ... وثيق عرى الأمانة والجوار
فإني لا أبثك بث فقري ... ولكني أحاذر من طمار
أعوذ من العقوبة يا ابْن «2» حرب ... ومعقد ما عقدت من الإزار
وكان ابن زياد إذا غضب على رجل ألقاه من فوق قصر الكوفة، وطمار كل مرتفع.
1017- حَدَّثَنِي الْعَمْرِيّ عَنِ الْهَيْثَم بْن عدي قَالَ: أذن ابن زياد إذنًا عامًا فدخل الناس عليه، فزحم غسان بْن نباته أخو الأصبغ بْن نباتة المجاشعي عمرو بْن الزبير، فلما استقر بهم المجلس رفع عمرو يده فلطم لبيد بْن عطارد بْن حاجب بْن زرارة، فغضبت له بنو تميم، وكلم الناس لبيدًا فَقَالَ: لا أطلبها أبدًا، وبلغ الخبر أَهْل الكوفة فَقَالَ عبد اللَّه ابن الزبير الأسدي:
فلا يَصْرِم اللَّه اليمين التي عَلَتْ ... على البغض والشحناء أنفَ لبيد
فآبَ بنو ولد اسْتَهَا بمضاعف ... من اللطم لا يحصونه بعديد
نمت بك أعراق الزبير وهاشم ... وعرق نمى من خالد بْن سَعِيد
أم عمرو أم خالد بِنْت خَالِد بْن سَعِيد بْن العاص أَبِي أحيحة، وأم الزبير صفية بنت عبد
__________
1017- الورقة 1020 ب (من النسخة س) .
__________
(1) م: عن.
(2) م: بابن.(5/382)
المطلّب بن هاشم. فقال مسكين الدارمي وهو (ابن) عامر بْن أنيف بْن شريح بْن عمرو بْن عدس «1» :
مُعَاذِ اللَّه أن تُلْفَى «2» ركابي ... سراعًا إذ وردن على ضمير
طوال الدهر أو يرضى لبيد ... وكان الضيف محقوقا «3» بخير
سنِلطم منذرًا أو وجه عمرو ... ولو دخلا بيثرب فِي است عير
فَإِن تَكُ لطمة أدركتموها ... فلما تدركوا بدم الزبير
وكان المنذر وافدًا على عبيد اللَّه بْن زياد حين ولي الكوفة وكان صديقًا له، فرصده رَجَال من بني تميم منهم نعيم بْن القعقاع بْن معبد بْن زرارة ورجل من بني ظاعنة «4» إخوة تميم، وهم حلفاء لبني عَبْد اللَّه بْن دارم، وثالث معهم، وجاء المنذر يوم جمعة يريد المسجد، فلطمه أحدهم ثُمَّ الثاني ثُمَّ الثالث، فدخل المنذر على عُبَيْد اللَّه فَقَالَ له: ما أتيتك حَتَّى ظننت أنّ الجدرات ستلطمني، فأرسل ابن زياد إِلَى مُحَمَّد بْن عمير ولم يكن فيمن لطمه، إلا أنه قد أمرهم بذلك، فحبسه فِي السجن، وأخذ نعيمًا وأصحابه فضربهم بالسياط، وقال بعضهم إنه قطع أيديهم.
1018- وقال ابن الأعرابي قَالَ المفضل الضبي: لما قدم منذر بْن الزبير على ابن زياد بعد لطم عمرو لبيدًا لطم (868) مُحَمَّد بْن عمير منذرًا فأخذه ابن زياد فضربه، وجاءت بنو أسد بْن خزيمة فجعلت تلطم بني تميم، فيقال إنه لم يبق من بني تميم أحد يظهر إلا لطم، فَقَالَ الشاعر «5» :
ونحن لطمنا منذرًا يوم جمعة ... إذا نهلت منّا الأكفّ نعيدها
__________
1018- 1019: الورقة 1021/ أ (من النسخة س) .
__________
(1) لم يرد في ديوان مسكين.
(2) م س: تلقى.
(3) 1021/ أس: محفوفا.
(4) ط م س: طاعنة.
(5) 1021/ أس- شاعر بني تميم.(5/383)
لطمناه حَتَّى أسبلت بدمائها ... خياشيم كَانَتْ مُسْتكنًّا فصيدها
رَأَى منذر دفَّاع موجٍ عَرَمْرَمٍ ... وكثرة أيدٍ لم يجد من يذودها
فقل لبني الْعَوَّام ينهوا سفيههم ... عَنِ الجهل لا تنكأ بلطم خدودها
1019- وقد روى بعضهم إن عُمَر بْن سعد بْن أَبِي وقاص نازع ابن أم الحكم عند مُعَاوِيَة، فأجابه لبيد عَنِ ابن أم الحكم، وكان ابن أم الحكم مائلًا إلى بني حنظلة، فقام مُعَاوِيَة فدخل إِلَى أهله، فقال عُمَر بْن سعد: يا معاشر قريش أما أحد يكفيني هَذَا الكلب التميمي؟ فَقَالَ عمرو بْن الزبير لغلام له: ائت صاحب العمامة الحمراء فاكسر أنفه، ففعل الغلام، فصاح لبيد: يا أمير المؤمنين أيفعل بي هذا فِي مجلسك؟ فخرج مُعَاوِيَة وأمر بضرب الغلام، فَقَالَ لبيد: ما يقنعني هذا، فَقَالَ: أيضربك الغلام وأضرب عَمْرًا؟ لستُ بفاعل، وبلغ ذلك بني تميم ففعلوا بعد ذلك ما فعلوا واللَّه أعلم.
1020- وقال الْمَدَائِنِيّ: حبس ابن زياد عبد اللَّه بْن الحارث بْن نوفل وأراد قتله لإحنة كانت فِي صدور آل زياد عليه، وبلغ خبره خالاته بنات أبي سُفْيَان، لأن أمه هِنْد بنت أبي سُفْيَان، فكلمن يزيد فيه وقلن: إنا لا نأمن عليه، فوجه يزيد رسولًا وكتب معه إلى ابن زياد بتخلية سبيله، وكتب للرسول منشورًا، فانطلق الرسول إلى عبيد اللَّه فأخرجه، وكان مع المختار فِي محبس واحد حين حبس ابن زياد المختار.
1021- قالوا: وكان زياد يطعم الناس بالغداة والعشي، إلا يوم الجمعة فإنه كان يعشي ولا يغدي، وكان لا يرد عَنْ طعامه أحد، وكان يتمجع عنده بالغداة اللبن من حضره، وكان لعبيد اللَّه بْن زياد طعام لخاصته وحرسه ولم يكن له طعام للعامة، وكان عبيد اللَّه أكولًا يأكل فِي اليوم خمس أكلات آخرها جبنة بعسل توضع بين يديه بعد فراغه من الطعام، وكان يأكل جديًا أو عناقًا يتخير له فِي كل يوم فيأتي عليه، ومر بالطف فَقَالَ له رجل من بني أسد: أتتغدّى أصلح اللَّه الأمير؟ فأكل عنده عشر بطات وزبيلًا من عنب ثم عاد وأكل عشر بطّات أخر وزبيلا من عنب وجديا.
__________
1021- يقارن بعضه عن أكل عبيد الله بما في العيون 3: 228 والمروج 7: 218 والنويري 3: 352 والمستطرف (ط 1350) 1: 166(5/384)
1022- وحدثنا الْمَدَائِنِيّ عَنْ عبد اللَّه بْن سلم وعن عامر بْن فائد قالا قَالَ الحسن:
قدم علينا عبيد اللَّه بْن زياد فقدم شابًا مترفًا فاسقًا يأكل فِي اليوم خمس أكلات، وإن فاتته أكلة ظل لها صريعًا يتكئ على شماله ويأكل بيمينه، حتى إذا غلبت عليه الكظة قَالَ: أبغوني حاطومًا، ثكلتك أمك إنما تحطم دينك.
1023- وقال ابن الكلبي وغيره: حلف ابن زياد ليقتلن المختار بْن أبي عبيد، فسمع ذلك أسماء بْن خارجة وعروة بْن المغيرة فدخلا عليه فأخبراه بذلك وقالا: أوصنا فِي مالك واحفظ لسانك، فَقَالَ: كذب واللَّه ابن مرجانة الزانية، واللَّه لأقتلنه ولأضعن رجلي على خده، فَقَالَ أسماء: يا أبا إسحاق قد كانت تبلغنا عنك أشياء فأما إذ سمعنا منك هذا «1» القول فما فيك مستمتع، ثم نهضا متعجبين من (869) قوله مستحمقين له، وبَكْرا إلى ابن زياد فإذا زائدة بْن قدامة الثقفي قد دخل عليه بكتاب من يزيد بْن مُعَاوِيَة يعلمه فيه أن عبد اللَّه بْن عُمَر كتب إليه فيه ويعزم عليه أن يخلي سبيله، فَقَالَ لزائدة «2» :
يا ابن جمانة أي الرجلين: الكذاب الذي فِي محبسي «3» أم الخارج بغير إذني «4» ؟ ثم أمر به فوجئت عنقه وقال: انطلقوا به إلى الحبس، فقام إليه مسلم بْن عمرو الباهلي فطلب فيه حتى أخرجه من الحبس وقال للمختار: يا كذاب قد أجلتك ثلاثًا فلا تساكني، ففكت قيوده بالعذيب.
1024- وقال عقيبة الأسدي، وهو عقيبة بْن هبيرة بْن فروة بْن عمرو بْن عبيد بْن أسعد بْن جذيمة بْن مالك بْن نَصْر بْن قعين بْن الحارث بْن ثعلبة بْن دودان بْن أسد:
لبس ابن زياد «5» كساء الخز منكرة ... لكن كساء زياد كان من صوف
__________
1022- محاضرات الراغب (بيروت) 2: 635 في بلال بن أبي بردة.
1023- قارن بعضه بالطبري 2: 522
__________
(1) هذا: سقطت من م.
(2) ط س: لزيادة.
(3) س: مجلسي.
(4) الخارج بغير إذنه هو زائدة بن قدامة (انظر الطبري 2: 523)
(5) كذا وفيه لفظة زائدة.(5/385)
نجار فهر مبين فِي توسمهم ... لكن نجار زياد غير معروف
لستم قريشًا ولكن أنتم نبط ... صهب اللحى والنواصي صهبة الليف
فكان عبيد اللَّه بْن زياد يذكر هذا الشعر ثم يَقُول: كذب ابن الفاعلة.
1025- حَدَّثَنِي الحرمازي قَالَ: كان سَعِيد بْن شداد اليربوعي معلمًا، وكان ابن زياد يستملحه ويدعو به كثيرًا، فأبطأت عليه صلته، وقال ابن زياد يومًا: ما أحوجني إلى وصفاء، فعمد إلى صبية فِي كتابه فألبسهم الثياب وأتاه بهم وقال: هؤلاء وصفاء، فاشتراهم منه، فلما أمسوا جعلوا يبكون ويطلبون منازلهم، فأطلقهم ابن زياد وقال لسَعِيد: ما حملك على هذا؟ قَالَ: إبطاء صلتي، فضحك وسوغه أثمان الصبيان وزاده.
1026- قالوا: ولم يزل ابن زياد على العراقين حتى مات يزيد بْن مُعَاوِيَة، وهو يومئذ بالبصرة، وعلى الكوفة من قبله عمرو بْن حريث، ومات أَبُو ليلى بعد أبيه بيسير، فأخرج أهل الكوفة عمرًا، وتراضوا بعامر بْن مسعود الجمحي، وهو دحروجة الجعل «1» وكان قصيرًا «2» .
1027- قالوا: ولما طلب ابن زياد الخوارج تضمن عبيد اللَّه بْن أبي بَكْرة بعروة بْن أدية فهرب، فَقَالَ له ابن زياد: ائتني به وإلا قتلتك، فطلبه أشد الطلب وجعل فيه جعلًا، فوجد فِي سرب فِي دار لبعض بني سُفْيَان، فقرأ عبيد اللَّه قصته: «إنا وجدنا عروة يشرب «3» فِي دار» فضحك عبيد اللَّه وقال: كذبتم ليته كان يشرب، فَقَالَ له بعض من حضره: إنما وجد بسرب. فلما أدخل عروة عليه قَالَ: جهزت علي أخاك، فَقَالَ: واللَّه لقد أردته على المقام فأبى، ولقد كنت به ضنينًا وبحياته كثيرًا، قَالَ: أفأنت على دينه؟
قَالَ: كلنا «4» نعبد ربًا واحدًا، قَالَ: فما قولك فِي؟ قَالَ: أولك لزنيةٍ وآخرك لدعوةٍ،
__________
1027- قارن بعيون الأخبار 1: 337 والكامل 3: 258- 259 وتنبيه حمزة: 12
__________
(1) انظر ما يلي ف: 1054
(2) بهامش ط: يتلوه: وحدثني يحيى بن معين قال: كان ابن زياد يوم قتل الحسين (ولم يرد هذا) .
(3) م س: بسرب.
(4) م: كنا.(5/386)
قَالَ: لأمثلن بك، قَالَ: اختر لنفسك من القصاص ما أحببت، فأمر به فقطعوا يديه ورجليه، فَقَالَ: كيف ترى؟ قَالَ: أراك أفسدت علي دنياي وأفسدت عليك آخرتك، وما أحب أن الذي نالني نال غيري، فأمر به أن يصلب فِي داره، فسقط عَنِ الجذع فقال: لا حكم الّا لله ولو كره المشركون، فصلب، وسأل ابن زياد رجلًا كان يخدم عروة عنه فَقَالَ: لم أفرش له بليل مذ صحبته ولم أعد له طعامًا بنهار.
1028- وتغيب رجل من بني حنيفة فقتل ابن زياد كفيله.
1029- وقال الرهين بن سهم المرادي:
(يا) نفس قد طال فِي الدنيا مراوغتي ... لا تأمني لصروف الدهر تنغيصا
(870) فأسأل اللَّه بيع النفس محتسبًا ... حتى ألاقي فِي الفردوس حرقوصا
وابن المنيح ومرداسًا وإخوته ... إذ فارقوا زهرة الدنيا مخاميصا
تخال صفهم فِي كل معترك ... للموت سورًا من البنيان مرصوصا
1030- وحدثنا أَبُو خيثمة وأحمد بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرِ بْن حازم عَنْ أبيه عَنْ عيسى بْن عاصم قَالَ: خرج ابن زياد فِي رهان له فلما جلس ينتظر الخيل جمع الناس وفيهم عروة بْن أدية، فأقبل «1» عروة على ابن زياد فَقَالَ: خمس كن فِي الأمم قبلنا قد أصبحن فينا، قَالَ اللَّه أَتَبْنُونَ بكُلِّ رِيعٍ آيَةً تعْبثون. وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعلَّكُمْ تَخْلُدُونَ. وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (الشعراء: 26) وخلتان أخريان ذكرهما لا أحفظهما، فظن ابن زياد أنه لم يقل له هذا القول إلا وهو فِي جماعة من أصحابه، فقام فانصرف وترك رهانه، فقيل لعروة: ما صنعت؟ واللَّه ليقتلنك، فتوارى عروة وطلبه ابن زياد فخرج إلى الكوفة، فأخذه ابن أبي بَكْرة وكتب إلى ابن زياد: إني أخذت عروة بْن
__________
1029- الأبيات 1- 3 في الكامل: 3: 262- 263 وانظر شعر الخوارج: 62 (ط. ثانية) وفتوح ابن أعثم 4: 130 وشرح النهج 1: 453.
1030- ابن الفقيه: 156 والطبري 2: 185 وابن الأثير 3: 428 والمحاسن والمساوئ: 552 (وفيه تروى عن زياد) .
__________
(1) ط م: فأقبل على.(5/387)
أدية بسرب فظن ابن زياد أنه كتب: «وجدته يشرب» فلما أتي به أمر فقطعت يداه ورجلاه ثم قَالَ: كيف ترى؟ قَالَ: أفسدت دنياي وأفسدت عليك آخرتك، ثم بعث برأسه إلى ابنته فجاءت وجثته مطروحة بين يدي ابن زياد، فَقَالَ لها: أنت على دينه؟
قالت: وكيف لا أكون على دينه وما رأيت قط خيرًا منه، فأمر بها فقتلت مع أبيها.
1031- وأنشدني أَبُو الكردي الإباضي لعمران بن حطّان او سعيد بن مسجوج «1» :
لقد زاد الحياة إليّ بغضا ... وخبّا للخروج أَبُو بلال
وعروة بعده سقيًا ورعيًا ... لعروة ذي الفضائل والمعالي
أخاف أن أموت على فراشي ... وأرجو الفتك تحت ذري العوالي
ولو أني وثقت بأن حتفي ... كحتف أبي بلال لم أبال
1032- أمر مالك النميري:
قالوا: أخذ ابن زياد رجلًا يقال له مالك بْن نمير فَقَالَ ابن زياد لنميلة بْن مالك: أتعرفه؟ فَقَالَ: أَبُو عزة الشرطي يعرفه «2» لأنه من بني نمير، فَقَالَ ابن زياد: قم يا أبا عزة فاقتله، فَقَالَ: دمي دون ديني، فَقَالَ ابن زياد: أراد أَبُو عزة أن يتشبه بعبد اللَّه بْن عُمَر، وأمر بحبس أبي عزة، فكلمه فيه نميلة فخلى سبيله، وأمر غير أبي عزة فقتل مالكًا. وقال أَبُو عزة:
نميلة إن اللَّه أعظم طاعة ... على خلقه من طاعة ابن زياد
دمي دون ديني ليس للقتل توبة ... بذاك ينادي يا نميل منادي
1033- أمر سليم عبد اليشكري:
قالوا: كان عبد لبعض بني يشكر يقال له سليم يرى رأي الخوارج، ففسد على مولاه فحبسه وحال بينه وبين أصحابه من الخوارج،
__________
1031- الأبيات 1، 3، 4 في الكامل: 3: 168 والبيتان 1، 3 في الخزانة 2: 439 وانظر شعر الخوارج: 142 وشرح النهج 1: 450 وقناطر الخيرات 2: 144
__________
(1) ط م: مسجوح.
(2) م: نعرفه (والنون غير معجمة في ط) .(5/388)
فجاء قوم من عنزة إلى مولاه فسألوه أن يبيعهم إيّاه فأبى، ثم إنّهم فقدوا العبد فعلموا أن مولاه قتله، فجاء نفر منهم إلى إبل اليشكري ليلًا فعقروها، وقال شاعرهم:
نحن عقرنا الإبل البهازر «1» ... بسيف حمران وسيف جابر
(871) واليشكري ساء ما يباكر
فكان بين يشكر وعنزة فِي أمر الإبل كلام، فكادوا يقتتلون «2» حتى غرمها «3» حمران العنزي، فَقَالَ رجل من بني شيبان:
لقد دربخوا بالإبل بعد نفورهم ... كما دربخت للمؤكفين حميرها «4»
1034- أمر خالد بْن عباد السدوسي
فِي أيام يزيد، ويقال: فِي أيام مُعَاوِيَة، قالوا: أخذ عبيد اللَّه بْن زياد فِي أيام مُعَاوِيَة أو أيام يزيد خالد بْن عباد، ويقال عباد، وكان من عباد الخوارج ومجتهديهم وهو من بني عمرو بْن سدوس بْن شيبان بْن ذهل بْن ثعلبة فكلم فيه فخلى سبيله، وقيل له إنه قد كذب عليه وليس من أهل هذا الرأي، وضمنه صهر «5» له، فكان لا ينام الليل لتعهده إياه فِي بيته، ففقده ليلة وأخبر أنه لم يبت فِي بيته فأتى ابن زياد فأعلمه ذلك، فدعا ابن زياد خالدًا فسأله أين بات، فَقَالَ: كنت مع إخوان لي نذكر اللَّه ونقرأ القرآن، قَالَ: فدلني عليهم، قَالَ: لو دللتك عليهم لقتلتهم ولو فعلت لنالوا سعادة وشهادة، ولكني أكره أن أروعهم، فَقَالَ ابن زياد: العن أهل النهروان قَالَ: إن كانوا أعداء اللَّه فلعنهم اللَّه، قَالَ: فتول مُعَاوِيَة، أو قَالَ يزيد بْن مُعَاوِيَة، قَالَ: إن كان مؤمنًا وليا لله فأنا ولي له فلم يزده على هذا، فَقَالَ رجل ممن حضر: أنا أكفيكه أيها الأمير، فخلا به فقال: إنّك في تقيّة، فقال: لا تقيّة اليوم فِي اللَّه، فَقَالَ ابن زياد: أخرجوه الى
__________
1034- قارن بالكامل: 3: 273
__________
(1) البهازر الإبل العظام.
(2) س: يقاتلون.
(3) س: غرمهما.
(4) دربخ: حنى ظهره وذل، والمؤكفون: الذين يضعون الاكاف- وهو القتب وما أشبهه- على الدابة.
(5) م: ضامن.(5/389)
السوق فاقتلوه، وكان ضاويًا من العبادة، فلم يقدم أحد على قتله وجعلوا يتفادون منه، فمر به المثلم بْن مسروح الباهلي أحد بني وائل أو فراص، وكان فِي الشرط، فشد عليه فقتله، فوضع الخوارج عليه عيونا فرأوه يسوم بلقحة، فَقَالَ له رجل منهم: إن عندي لقحة من حالها وحالها فانطلق معي لتراها وأنا أساهلك فِي ثمنها، فمضى معه يمشي بين يديه، والمثلم على فرسه، ثم دخل دارًا ودخل المثلم معه، وفي الدار خوارج فوثبوا عليه فقتلوه، وكان الذي قتله حريث بْن حجل، ودفنوه فِي ناحية الدار وجعلوا دراهم كانت معه فِي بطنه، وحكوا أثر الدم، وخلوا فرسه حين أمسوا. وطلب المثلم فلم يوجد، فاتهموا به بني سدوس واستعدوا عليهم ابن زياد، وخرج قوم من باهلة إلى مُعَاوِيَة أو يزيد فحكم على بني سدوس بالقسامة، فحلفوا بالله ما قتلنا ولا علمنا له قاتلًا، فأخذ به ابن زياد أربع ديات من أعطية بني سدوس، وقال ابن زياد: ما أدري كيف أصنع ما أقتل رجلا من هذه المارقة إلا قتل قاتله، فقال ابو الأسود الدئلي «1» :
آليتُ لا أَمشي إلى رب لقحةٍ ... أساومه حتى يؤوب المثلم
وقال له كوماء حمراء جلدة ... وقاربه فِي السوم والفتك يكتم
فأصبح قد عمي على الناس أمره ... وقد بات يجري فوق أثوابه «2» الدم
وكان أَبُو الأسود يَقُول: ما قتل المثلم إلا الطمع.
1035- أمر عقبة بْن الورد الجآوي من باهلة:
قالوا: رأى مسلم بْن عمرو عند مسجد بني قتيبة عقبة ومعه سيف، وكان (872) خارجيًا مجتهدًا وأقبل حجير الجآوي من عند عبيد اللَّه بْن زياد وقد قتل عبيد اللَّه قوما من الخوارج فأصاب حجيرًا نضح من دمائهم، فرآه عقبة مسرورًا بذلك وهو يمضي إلى المسجد، فضربه بسيفه فِي المسجد فقتله، وضرب ربيعة بْن عمرو ومضى ليخرج، فألقى عليه رجل من أهل المسجد من بني أود شملة كانت عليه فصرعه، فقالت بنو جآوة: ثأرنا، وقالت بنو أود: ثأرنا،
__________
(1) ط م: الدؤلي، وانظر الأبيات: في ديوانه: 95
(2) س: أبوابه (وقد تقرأ كذلك في م) .(5/390)
وجآوة وأود أخوان أبوهما معن بْن وائل من باهلة، وفراص أخوهما أيضًا، فضربت عنقه وقذف في بئر.
1036- أمر الهثهاث بن ثور السدوسي:
قالوا: سعى بالهثهاث بْن ثور ابن عم له إلى ابن زياد فكلمه فيه سويد بْن منجوف بْن ثور وقال: إن عمي بريء مما قرف به، فشتمه عبيد اللَّه وقال: يا ابْن البظراء فَقَالَ: لقد كذبت نساء «1» بني سدوس إذًا، فاستحيا عبيد اللَّه من سويد ودعًا بالهثهاث فَقَالَ «2» له شقيق بْن ثور: إنك لا تدع هذا الرأي فاخرج عَنْ هذه البلدة، فخرج إلى الطف فمات هناك، وقال بعضهم: انّ ابن زياد لما أخرج الهثهاث غربه إلى أدام، ويقال: أدم.
1037- قالوا: وسعي بأم الفضل بنت شقيق إلى ابن زياد فحبسها ثم كلم فيها فأخرجها، وكان الذي سعى بها رجل من ولد مجزأة «3» بْن ثور يقال له فدكي فقال لأي ابن شقيق يهجو فدكيا فِي شعر يَقُول فيه:
لن تجدي فِي بيوت الناس صالحة ... إلا لها من بيوت السوء أعداء
فِي أبيات.
1038- أمر أبي السليل:
قالوا: خرج خارجي بالبصرة فحكم فِي المسجد وكان يكنى أبا السليل، فقام إليه عقبة بْن وساج البرساني من الأزد وعليه بت فألقاه عليه فصرعه وأخذ سيف الخارجي فقتله به.
1039- أمر جزعة وصاحبها:
قالوا: خرج رجل وامرأة يقال لها جزعة ومعهما سيفان فحكما فِي مسجد البصرة ثم أخذت المرأة نحو بني سليم وأخذ الرجل نحو رحبة بني تميم فرآها قد بعدت منه فناداها: يا جزعة أقربي مني، فقالت (إِنَّ أَوْلِياءَ الله لا خَوْفٌ
__________
1036- قارن بالبيان 2: 211
__________
(1) البيان: على نساء.
(2) م: فقيل.
(3) م: مخزاة.(5/391)
عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنونَ) (يونس: 62) فقتلهما الناس، ويقال: بل أتي بهما ابن زياد فأمر بقتلهما، ويقال أنه قتل الرجل وحبس المرأة.
1040- وحدثنا الْمَدَائِنِيّ قَالَ: دخل رجل مسجد البصرة فحكم فيه، فقام إليه رجل من بني تميم فقتله، وبلغ ابن زياد خبرُهُ فَقَالَ: من كان فِي المسجد؟ فقيل: كان فيه أَبُو حميلة مولى سمرة بْن جندب الفزاري، فلامه ابن زياد وقال: لم تقم إليه حتى قتله غيرك، فَقَالَ: إني لو قمت إليه لاحتملته حتى أضرب برأسه الحائط فأنثر دماغه ولكني كرهت أن يقال قام اثنان إلى واحد.
1041- أمر أبي الوازع الراسبي:
قالوا: لما قتل عروة بْن أدية- وهو عروة بن حدير ابن عمرو أحد بني ربيعة بْن حنظلة بْن مَالِك بْن زَيْد مناة بْن تميم- قَالَ أَبُو الوازع لبني الماحوز: إني شار فاشروا ودعوا المضاجع فطال ما نمتم وغفلتم عَنْ أهل البغي حتى صيّرهم ذلك إلى أن يتبعوكم «1» يقتلونكم فِي مضاجعكم قتل الكلاب فِي مرابضها، وقال لنافع بْن الأزرق الحنفي صاحب الأزارقة: لقد أعطيت لسانًا صارمًا وقلبًا كليلًا، فليت كلال قلبك للسانك وصلابة لسانك لقلبك، ولقد خفتُ أن يكون (873) حبّ هذه الدنيا الفانية قد غلب على قلبك فملت إليها وأظهرت بلسانك الزهد فيها، وذلك أنه سمع نافعًا يصف جور السلطان ويعظ أصحابه ويحضهم على الجهاد، فَقَالَ له نافع: كلا يا أبا الوازع، ولكنني «2» أطلب الفرص، فرويدك يجتمع ملأ أصحابك، قَالَ: كلا إن فِي غدو الموت ورواحه ما يعجلني فأخاف معه فوت ما أريد، وقال:
سأشري ولا أبغي سوى اللَّه صاحبًا ... وأبيض كالمخراق عضب المضارب
فقد ظهر الجور المبير وأجمعت ... على ذاك أقوام كثير التكاذب
فِي أبيات. ثم اشترى أَبُو الوازع سيفًا وأتى صيقلًا كان يشتم الخوارج ويدل عليهم، فقال
__________
1041- قارن بالكامل: 3: 276- 277 وانظر شعر الخوارج: 69- 70
__________
(1) س: بيعتكم، ط: يتبعكم (دون إعجام للياء، اقرأ: إلى تتبعكم.)
(2) م: ولكني.(5/392)
له: اشحذ لي سيفي هذا، فشحذه، ثم أخذه فهزه وحكم وقتل به الصيقل، فهرب الناس عنه، وأخذ فِي بني يشكر «1» وهو يحكّم، فدفع عليه رجل حائطا ابراسبج «2» فقتله، فأمر به ابن زياد فصلب فِي بني يشكر، فكرهوا ذلك وخافوا أن يتخذ الخوارج مصلبه مهاجرًا.
1042- أمر ثابت بْن وعلة الراسبي:
قالوا: كان ثابت من مخابيت «3» الخوارج، وكان عظيم الشأن فيهم، فبينا قوم من أصحابه يتحدّثون في بيته إذا أنشد الزبير بْن علي مرثية للخوارج فبكى وقال لأصحابه: عليكم السلام، لا واللَّه لا أتأخر عَنْ إخواني بعد يومي هذا إلا مكرهًا، فخرج فِي يوم جمعة، فحكم عند مسجد الحرورية بالبصرة وجعل يَقُول:
سأتبع إخواني وأحسو بكأسهم ... وفي الكف عضب الشفرتين مهند
وقتل يومئذ مولى لبني الحارث بْن كعب وآخر من بني نهد، وكانا قتلا ابن عم له بأمر عبيد اللَّه بْن زياد، ثم اعترض الناس فقتل، ولم يدر من قتله لكثرة الناس عليه، وصلب.
1043- أمر عيسى الخطي:
قالوا: أراد عيسى الخطي «4» - وهو عيسى بْن حدير «5» أحد بني وديعة بْن مَالِك بْن تيم اللَّه بْن ثَعْلَبَة بْن عُكابة، ويقال هو عيسى بْن عاتك، الخروج، وله بنات فتعلّقن به وبكين وقلن: إلى متى تدعنا؟ فَقَالَ:
لقد زاد الحياة إلي حبًا ... بناتي أنهن من الضعاف
مخافة أن يرين البؤس بعدي ... وأن يشربن كدرًا بعد صاف
__________
1043- انظر شعر الخوارج: 57- 58 وفيه تخريج كثير وتوضيح للاختلاف في نسبة الأبيات.
__________
(1) س: بشير، وما في ط م متفق مع الكامل.
(2) كذا في ط س، م: ابراستج، وفي الكامل: حائط السترة.
(3) في النسخ: مخابيث (وأحيانا: مخانيث) وهو وجه مرفوض من الزاوية التاريخية، والمخابيت (بالتاء بنقطتين) جمع مخبت وهو الشديد الخشوع.
(4) بهامش ط: نسبة إلى خط هجر باليمن.
(5) س: جدير.(5/393)
وأن يعرين إن كسي الجواري ... فتنبو العين عَنْ حرم «1» عجاف
ولولا ذاكم أرسلت مهري ... وفي الرحمن للضعفاء كاف
وكان عيسى يذم السلطان ويعيبهم، فعذله أصحابه وقالوا: أتق اللَّه فِي نفسك وفينا أن نقتل بجريرتك، فقد ترى ما يصنع عبيد اللَّه بْن زياد، فَقَالَ فِي قصيدة له:
أخاف عقاب اللَّه إن مت راضيًا ... بحكم عبيد اللَّه ذي الجور والغدر
وأحذر أن ألقى إلهي ولم أرع ... ذوي البغي والإلحاد فِي جحفل مجر
وله شعر كثير.
1044- أمر رجاء النمري «2» :
قالوا: لما بلغ أهل اليمامة مسير أهل الشام إلى المدينة لقتال أهلها، قَالَ رجاء النمري لقوم من الشراة: إن أهل الشام قد ساروا إلى المدينة ولا شك أنهم (874) يأتون مَكَّة إن ظهروا وغلبوا على المدينة، فاخرجوا نمنع مَكَّة ونقاتل عَنْ حرم اللَّه وكعبته إن أتوا مَكَّة، فأجابه ثمانون منهم نجدة بن عامر وبنو بحدج «3» : حسان وعبد الرحمن وأخ لهما ثالث وحجية بْن أوس العطاردي من بني تميم وأبو الأخنس الهزاني وأبو مالك وأبو طالوت سالم بْن مطر من بني مازن «4» ، ويقال مولاهم، وعطية الأسود، فلما خرجوا لحق أوس العطاردي ابنه حجية فَقَالَ له: إن الشوصة «5» عرضت لأمك بعد خروجك فاتها فانظر إليها ثم عد إلى أصحابك. فلما أتى منزله أخذه فحبسه، فانتظره أصحابه ثلاثًا ثم مضوا وعليهم رجاء، ويقال: كان عليهم حسّان بن بحدج «6» ، فقدموا مَكَّة قبل أن يأتيها أهل الشام فقال الشاعر «7» :
__________
1044 قارن بالكامل 3: 283 وانظر شعر الخوارج: 71 (عن الأنساب) .
__________
(1) اللسان والتاج: كرم، المرزباني: غرّ.
(2) هامش ط: نسبة إلى النمر بن قاسط، الكامل: النصري.
(3) س ط: بخدج.
(4) الطبري (2: 517) : زمّان.
(5) الشوصة: ورم في حجاب الأضلاع من داخل.
(6) ط: بخذج.
(7) انظر الكامل: 3: 282(5/394)
يا ابن الزُّبَيْرِ أترضى معشرًا قتلوا ... أباك ظلمًا فما أبقوا ولا تركوا
ضحوا بعثمان يوم النحر ضاحية ... ما أعظم الحرمة العظمى التي انتهكوا
فَقَالَ «1» : نعم لو أعانني الشيطان على أهل الشام لقبلته، ولحق بهم عيسى الخطي وعمير بْن ضبيعة الرقاشي وخرجا من البصرة فِي ستة عشر راكبًا من الخوارج فكانوا مع ابْن الزُّبَيْرِ، فبعضهم يَقُول: بايعوه، وبعضهم يَقُول: لم يبايعوه، وكانوا معتزلين له، إلا أنهم يقاتلون أهل الشام إذا قاتلوه، فلما انقضى الحصار الأول وجاء موت يزيد بْن مُعَاوِيَة انصرفت طائفة من الخوارج إلى البصرة وأقامت طائفة وقالوا: قد انصرف أهل الشام عَنْ مَكَّة، وإنما قدمنا لهم، فينبغي أن نفتش ابْن الزُّبَيْرِ عَنْ قوله فِي عثمان وعلي، فإن كان لنا موافقًا أقمنا معه وإن كان لنا مخالفًا انصرفنا عنه، فأتاه عيسى الخطي وأبو طالوت وعطية ونجدة فسألوه عَنْ رأيه فِي عثمان وعلي رضي اللَّه تعالى عنهما فخالفهم، فولّوا أمرهم ابن بحدج «2» وانصرفوا إلى البصرة ثم تفرقوا، وذلك فِي سنة أربع وستين، وأصيب فِي قتال أهل الشام رجاء وناس من أصحابه فبكاهم حجية بْن أوس فَقَالَ:
إذا ذكرت نفسي رجاء وصحبه ... أكاد على بعض الأمور ألومها
فلله عينا من رأى مثل عصبة ... أقام بضبع ابْن الزُّبَيْرِ مقيمها
ترى عافيات الطير يحجلن حولهم ... يقلّبن أجساما قليلا لحومها
فوا حربا ألّا أكون شهدتهم ... بمكّة والخيلان تدمى كلومها
وقال أيضًا:
ندمت على تركي رجاء وصحبه ... وتلك لعمري هفوة لا أقالها
1045- وقال بعض أهل الشام يذكر حصين بْن نمير السكوني وكان على أهل الشام بمكة، وقد كتبنا خبره في خبر ابن الزبير:
__________
1045- راجع ف: 879 في ما تقدم.
__________
(1) سيجيء في الورقة 564/ أ.
(2) ط: بحذج.(5/395)
يا صاحبي ارتحلا وأملسا ... لا تحبسا لدى حصين محبسا «1»
إن لدى الأركان بأسًا أبأسا ... وبارقات يختلسن الأنفسا
إذا الفتى حكم ثم كبّسا «2»
خبر عبيد الله بن زياد بعد موت يَزِيد بْن مُعَاوِيَة ومقتل مَسْعُود بْن عَمْرو: (875)
1046- قَالَ هِشَام بْن الكلبي فِي إسناده: أتى عبيد اللَّه بْن زِيَاد خبر وفاة يَزِيد بْن مُعَاوِيَة وَهُوَ بالبصرة، وخليفته عَلَى الكوفة عَمْرو بْن حريث المخزومي، فَقَالَ لأهل البصرة: إِن شئتم فبايعوني بالإمرة حَتَّى تنظروا مَا يصنع النَّاس وتروا رأى من وراءكم «3» ، فبايعه أهل البصرة عَلَى ذَلِكَ، ووجه عبيد اللَّه من البصرة عامر بْن مسمع من بَنِي قَيْس بْن ثعلبة وسعد بْن القرحاء ليعلما أهل الكوفة مَا كَانَ من أهل البصرة ويسألاهم البيعة لابن زِيَاد عَلَى الإمرة حَتَّى يصطلح النَّاس عَلَى إمام، فجمع عَمْرو بْن حريث النَّاس «4» وعرض ذَلِكَ عَلَيْهِم، وأمر عامر بْن مسمع أَن يتكلم فتكلم ودعاهم «5» إِلَى البيعة لعبيد اللَّه وَقَالَ: إِنَّمَا الكوفة والبصرة شَيْء واحد فليكن أمرنا وأمركم مجتمعًا، وقام سَعْد بْن القرحاء فَقَالَ نحوًا من ذَلِكَ، فقام يَزِيد بْن الْحَارِث بْن رويم الشيباني فحصبهما، ثُمَّ حصبهما النَّاس وَقَالُوا: أنحن نبايع لابن مرجانة! لا ولا كرامة، فشرف بِذَلِكَ يَزِيد «6» بالمصر وارتفع، فرجع الرجلان إِلَى البصرة فأخبرا النَّاس الْخَبَر، فَقَالَ أهل البصرة: أيخلعه «7» أهل الكوفة ونبايعه نحن؟ هَذَا مَا لا يَكُون! فوثب النَّاس بِهِ وَكَانَ عبيد الله يقول: ما نزلت بزياد نازلة
__________
1046- الطبري 2: 440، 453، 460- 462 وقارن بابن الأثير 4: 108، والنقائض: 113، 732 والاشتقاق: 294 والكامل: 1: 140 والورقة: 1111 ب، 1112/ أ (س) .
__________
(1) م: تجلسا ... مجلسا.
(2) ط م س: عنسا، وكبس: شدّ وحمل على.
(3) س: وتروا من ورائكم.
(4) الناس: سقطت من س.
(5) م: أن يتكلم فيهم ودعاهم.
(6) س: زيد (والمعني هو يزيد بن الحارث بن رويم المذكور قبل) .
(7) س: أتخلعه (والتاء غير معجمة في ط) .(5/396)
فاستجار فِيهَا إلا بالأزد، فاستجار بمسعود بْن عَمْرو الأزدي من ولد معن بْن مَالِك بْن فهر «1» بْن غنم بْن دوس، وَكَانَ مَسْعُود يدعى القمر لجماله، وَهُوَ جد الوجناء «2» الحلبي فيما يقال، فأجار ابْن زِيَاد ومنعه، فمكث ابْن زِيَاد بالبصرة أربعين ليلة بَعْد موت يَزِيد ثُمَّ خرج إِلَى الشام واستخلف مسعودًا عَلَى البصرة ووجه مَعَهُ مَسْعُود من شخص بِهِ إِلَى مأمنه من الشام، فَقَالَتْ بنو تميم وقيس: لا نرضى ولا نولي عَلَيْنَا إلا رجلا «3» ترضاه جماعتنا، فَقَالَ مَسْعُود: استخلفني عبيد اللَّه ولا «4» أدع ذَلِكَ أبدًا، وخرج فِي قومه حَتَّى انتهى إِلَى القصر فدخله، واجتمعت بنو تميم إِلَى الأحنف بْن قَيْس فَقَالُوا لَهُ: إِن الأزد قَدْ دخلت الْمَسْجِد، فَقَالَ الأحنف: وإن دخلوه فمه، إِنَّمَا هُوَ لكم وَلَهُمْ وأنتم تدخلونه أيضًا، ثُمَّ قَالُوا: إِن مسعودًا قَدْ دَخَلَ القصر وصعد المنبر، وكانت خوارج قَدْ خرجوا فنزلوا بنهر «5» الأساورة حِينَ مضى عبيد اللَّه إِلَى الشام، فزعموا أَن الأحنف بعث إِلَى أولئك الخوارج:
إِن الرجل الَّذِي دَخَلَ القصر عدو لنا ولكم، فما يمنعكم أن تبدءوا بِهِ؟ فجاءت عصابة من الخوارج حَتَّى دخلوا الْمَسْجِد ومسعود عَلِي المنبر يبايع من أتاه، فضربه علج فارسي يقال لَهُ مُسْلِم، وَكَانَ مُسْلِم «6» هَذَا دَخَلَ البصرة فأسلم وصار مَعَ الخوارج، فضرب مسعودا فقتله وخرج، فجال بَعْض النَّاس فِي بَعْض وَقَالُوا: قتل مَسْعُود، قتله الخوارج، فخرج الأزد إِلَى تلك الخوارج فقاتلوهم، فقتلوا مِنْهُم وطردوا من بقي وأخرجوهم عَنِ البصرة، ودفنوا مَسْعُود بْن عَمْرو، وجاء ناس من النَّاس إِلَى الأزد فَقَالُوا: أتعلمون أَن قيسًا «7» من بَنِي تميم يزعمون أنهم قتلوا مسعودًا؟ فبقيت الأزد تسأل عَنْ ذَلِكَ، فَإِذَا قوم يقولون «8» ويتحدثون بِمَا كَانَ من رسالة الأحنف، فاجتمعت الأزد عِنْدَ ذلك إلى زياد بن
__________
(1) الاشتقاق: فهم.
(2) هو الوجناء بن الروّاد.
(3) ط س: رجل (اقرأ: ولا يولّى ... رجل) .
(4) م: فلا.
(5) م: بنهي.
(6) وكان مسلم: سقطت من س.
(7) في بني تميم: قيس بن حنظلة.
(8) الطبري: يقولونه.(5/397)
عَمْرو بْن الأشرف العتكي فرأسته عَلَيْهَا، ثُمَّ ازدلفوا إِلَى بَنِي تميم وخرج (876) مَعَ الأزد مَالِك بْن مسمع فِي بَكْر بْن وائل، وأتت بنو تميم الأحنف فَقَالُوا لَهُ: قَدْ جاء الْقَوْم فاخرج، فجعل يتمكث حَتَّى جاءته امْرَأَة من بَنِي تميم من قومه فَقَالَتْ: يا أحنف اجلس عَلَى هَذَا، وأشارت إِلَيْهِ بإصبعها الإبهام، أي إِنَّمَا أَنْتَ امْرَأَة، فَقَالَ: استك أحق بِهِ، فَمَا سمعت من الأحنف قط كلمة أرفث منها، ويقال إنها جاءته بمجمر فَقَالَ: استك أولى بالمجمر. ثُمَّ دعا الأحنف برأيته فَقَالَ: اللَّهُمَّ انصرها ولا تذلها، اللَّهُمَّ احقن دماءنا وأصلح ذَات بيننا، وكانت قَيْس «1» مَعَ بَنِي تميم، فسار الأحنف وسار بَيْنَ يديه ابْن أخته «2» إياس بْن قَتَادَة بْن أوفى «3» من بَنِي عَبْد شمس بْن سَعْد، فالتقى الْقَوْم فاقتتلوا أشد قتال فقتل بينهم قتلى كثيرة، فَقَالَتْ بنو تميم: اللَّه اللَّه يا معشر الأزد فِي دمائنا ودمائكم، بيننا وبينكم الْقُرْآن أَوْ من شئتم من أهل الإِسْلام، فَإِن كانت لكم عَلَيْنَا بقتل مَسْعُود بينة فاختاروا أفضل رجل منا فاقتلوه بِهِ، وإن لَمْ تكن بينة فنحن نحلف لكم بالله أنا مَا قتلنا ولا أمرنا، وأن الخوارج اعتمدت صاحبكم من قبل أنفسهم، وأنا لا نعرف قاتله، وإن كرهتم ذَلِكَ فنحن ندي صاحبكم مائة ألف درهم، فاصطلحوا، وأتاهم الأحنف فِي وجوه مضر إِلَى منزل زِيَاد بْن عَمْرو العتكي فَقَالَ لَهُمْ: يا معشر الأزد أنتم جيراننا فِي الدار وإخواننا عِنْدَ القتال، وَقَدْ أتيناكم فِي رحالكم لنطفئ حسيكتكم ونسل سخيمتكم، ولكم الحكم، فعولوا عَلَى أموالنا فإنا لا يتعاظمنا منها شَيْء يَكُون فِيهِ صلاح ذَات بيننا، ولأنتم أحب إلينا من تميم الكوفة، فَقَالُوا: تدون صاحبنا عشر ديات، فَقَالَ: هِيَ لكم، وانصرف النَّاس وَقَدِ اصطلحوا.
1047- وَقَالَ هِشَام بْن الكلبي عَنْ أَبِيهِ: أنهم قتلوا مسعودا وَهُمْ يظنون أَنَّهُ عبيد اللَّه بْن زِيَاد فاقتتلوا، ثُمَّ إِن إياس بْن قَتَادَة حمل الديات الَّتِي ودوه إياها وَهِيَ عشر، قَالَ: وكانت الأزد تقاتل وَهِيَ تقول:
__________
(1) قيس: سقطت من م، وهي بهامش س ط.
(2) س: ابن أخيه.
(3) م: بن أبي أوفى.(5/398)
إياس لا نرضى بِهِ ... أحنف لا ننطى «1» بِهِ
قَالَ: وقتل مَسْعُود وَهُوَ ابْن ثمانين سنة، قَالَ، وَقَالَ الهيثم بْن الأسود النخعي ابو العريان ابن الهيثم بْن الأسود «2» :
علا النعي لمسعود فَقُلْتُ لَهُمْ ... نعم اليماني تنعى أيها الناعي
وَفِي ثمانين لا يسطيعه أحد ... حَتَّى دعاه لرأس العدة الداعي
آوى ابْن حرب وَقَدْ سدت مذاهبه ... وأوسع السرب منه أي إيساع
وَقَالَ عبيد اللَّه بْن الحر الجعفي «3» :
مَا زلت (أرجو) الأزد حَتَّى رأيتها ... تقاصر من بنيانها المتطاول
ومقتل مَسْعُود فلم «4» يثأروا بِهِ ... وصارت سِيُوف الأزد مثل المناجل
وَمَا خير عقل أورث الأزد ذلة ... يسب بِهَا أحياؤهم فِي المحافل
1048- قَالُوا: وَكَانَ يَزِيد بْن زِيَاد بْن ربيعة بْن مفرغ الحميري قَدْ قدم من كرمان حِينَ مضى ابْن زِيَاد إِلَى الشام فَقَالَ:
أعبيد هلا كنت أول فارس ... يَوْم الهياج دعا لحينك «5» داع
أسلمت أمك والرماح شوارع ... يا ليتني لَك ليلة الأفزاع
لابن الزُّبَيْر غداة يجمع أمره ... أولى بغاية كُل يَوْم وقاع
وأحق بالصبر الجميل من امرئ ... كزّ أنامله قصير الباع
__________
1048- الأغاني 18: 203، والبيتان 3، 4 في ما تقدم ف: 880 وديوان ابن مفرغ: 105 وف: 1052 في ما يلي.
__________
(1) ط م س: نبطي.
(2) الطبري 2: 463
(3) المصدر السابق.
(4) الطبري: أيقتل مسعود ولم.
(5) الأغاني: بحتفك.(5/399)
1049- (877) وَقَالَ ابْن الكلبي فِي إسناده عَنْ أَبِي مخنف وغيره: لما اصطلح النَّاس وتفرقوا جعلوا عَبْد اللَّهِ بْن الحارث بْن نوفل بْن الْحَارِث بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ يصلي بِهِمْ، ارتضوا بِهِ، ثُمَّ إِن ابْن الزُّبَيْر ولى البصرة القباع، وهو الحارث بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة المخزومي، وإنما سمي القباع «1» لأن أهل البصرة أتوه بمكيال لَهُمْ فَقَالَ: مَا هَذَا القباع، والقباع الأجوف، وَلَهُ يَقُول أَبُو الأسود الدئلي «2» :
أَبَا بَكْر جزاك اللَّه خيرا ... أرحنا من قباع بَنِي المغيره
وأبو بَكْر عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر.
قَالَ «3» : واجتمع أهل الكوفة عَلَى عامر بْن مَسْعُود بْن أمية بْن خلف الجمحي وَكَانَ يلقب دحروجة الجعل لقصره، وفيه يَقُول عَبْد اللَّهِ بْن همام السلولي «4» :
يا ابْن الزُّبَيْر أمِير الْمُؤْمِنيِنَ ألم ... يبلغك مَا فعل العمال بالعمل
باعوا التجار طَعَام الأرض واقتسموا ... صلب الخراج شحاحا «5» قسمة النفل
وقدموا لَك شيخا خائنا خذلا ... مهما يقل لَك شيخ كاذب يقل
وقيل طَالِب حق ذو مرانية «6» ... جلد القوى لَيْسَ بالواني ولا الوكل
أشدد يديك بزيد إِن ظفرت بِهِ ... واشف الأرامل من دحروجة الجعل
يريد «7» (مرثد بْن) شراحيل كان أساء في البيع، و (زيد) مولى عتاب بْن ورقاء الرياحي كَانَ خازنه، فمكث عامر «8» ستة أشهر ثُمَّ عزله ابْن الزُّبَيْر وولى عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد الخطمي.
__________
(1) في تسميته القباع، انظر الورقة 532 ب (من س) . والبيت في البيان 1: 196 والاشتقاق: 61 والصحاح 1: 612 وديوان أبي الأسود: 155
(2) الدئلي: سقطت من م.
(3) الورقة 514/ أ (من س) والطبري 2: 466
(4) انظر أيضا الورقة 514/ أ (من س) .
(5) ط س: سجاجا.
(6) ط م: مزاينة.
(7) م: يعني.
(8) انظر الورقة 514/ أ.(5/400)
1050- وَحَدَّثَنِي العمري عَنِ الهيثم بْن عدي أَن مسعودًا آوى ابْن زِيَاد ثُمَّ وجه مَعَهُ رجلًا فِي جَمَاعَة فأبلغه مأمنه من الشام، وَكَانَ ابْن زِيَاد صير مسعودًا خليفته، فصعد مَسْعُود المنبر وجعل يخطب، فبايعه قوم يهوون هوى بَنِي أمية، فلم يزل كَذَلِكَ إِلَى الليل ثُمَّ انصرف وَقَدْ تفرق النَّاس عَنْهُ وبقي فِي جميعة، فلما صار فِي بَنِي تميم شدت عَلَيْهِ الخوارج فقتلته، فأتهم بنو تميم، وجعل قوم يقولون: إِن الأحنف دسهم وجعلها زبيرية «1» يَعْنِي أَنَّهُ دس للزبير حَتَّى قتل.
1051- وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة مَعْمَر بْن المثني فِي روايته: عاد ابْن زِيَاد عَبْد اللَّهِ بن نافع «2» ابن الْحَارِث بْن كلدة الثقفي ثُمَّ خرج من عنده فلقيه حمران مولاه، وَكَانَ قَدْ وجهه إِلَى يَزِيد، فأسر إِلَيْهِ موت يَزِيد واخْتِلاف أهل الشام، فأمر عبيد اللَّه فنودي الصلاة جامعة، ثُمَّ خطب فنعى يَزِيد وحض النَّاس عَلَى الطاعة وَقَالَ: اختاروا لأنفسكم فماسحوه، ثُمَّ بدا لَهُمْ فِي بيعته وجعلوا يمسحون أيديهم منها بالحيطان، وَكَانَ فِي سجنه نَافِع بْن الأزرق الحنفي ونجدة بن عامر الحنفي وعبد اللَّه بْن إباض وعبيدة بْن هلال العنزي «3» وعمرو القنا «4» بْن عميرة من بَنِي ملادس «5» بْن عبشمس بْن سَعْد بْن زَيْد مناة بْن تميم، وكانوا غضبوا للبيت فقاتلوا مَعَ ابْن الزُّبَيْر وَهُمْ لا يرون نصره، ولكنهم احتسبوا فِي جهاد أهل الشام. ثُمَّ إنهم قدموا البصرة فالتقطهم ابْن زِيَاد وحبسهم، فيقال إنه كَانَ فِي سجنه من الخوارج مائة وأربعون.
1052- وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: لما هرب ابْن زِيَاد إِلَى الأزد أقام «6» أهل البصرة ببة، وَكَانَ هربه «7» الى الشام بعد قتل مسعود.
__________
1051- قارن بالنقائض: 721 والطبري 2: 436
__________
(1) يعني قتله غدرا كما قتل الزبير، إذ دست له بنو تميم من قتله.
(2) س: رافع.
(3) الكامل (3: 257) والطبري: اليشكري.
(4) م: بن القنا.
(5) ط م س: بلادس (وانظر الورقة 1111/ أمن س) .
(6) م: وأقام.
(7) س: هرب.(5/401)
1053- قال ابو عبيدة فِي بَعْض روايته: لما كَانَ موت يَزِيد بْن مُعَاوِيَة وإظهار ابْن زِيَاد إياه بالبصرة، خرج سلمة بْن ذؤيب الرياحي الفقيه وَهُوَ (878) عَلَى فرس لَهُ شهباء وَقَدْ لبس سلاحه ومعه لواء، فدعا النَّاس إِلَى بيعة ابْن الزُّبَيْر وطاعته وَقَالَ: عليكم بالعائذ بالبيت الحرام وابن حواري رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبايعه جَمَاعَة يسيرة، وبلغ ابْن زِيَاد ذَلِكَ فخطب النَّاس فاقتص أول أمره وأمر أَبِيهِ بالبصرة وعدد بلاءه عِنْدَ أهلها ثُمَّ قَالَ: بايعتموني ثُمَّ مسحتم أيديكم بالحيطان وقلتم مَا قلتم، ثُمَّ هَذَا سلمة بْن ذؤيب يدعوكم إِلَى الخلاف إرادة أَن يفرق جماعتكم ليضرب بعضكم جباه بَعْض، وَكَانَ الَّذِي أخبر (ابْن) زِيَاد بأمر سلمة بْن ذؤيب عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكرة ويكنى أبا الحر، فَقَالَ الأحنف بْن قَيْس والناس: نحن نجيئك بسلمة، فأتوا سلمة فَإِذَا مَعَهُ جمع كثيف قَدْ سافر إِلَيْهِ وإذا الفتق قَدِ اتسع، فامتنع «1» عَلَيْهِم، فلما رأوا ذَلِكَ قعدوا عَنِ ابْن زِيَاد فلم يأتوه، فَقَالَ: والله لَقَدْ لبسنا الخز حَتَّى أجمته «2» جلودنا فَمَا نبالي «3» أَن نعقبها الحديد أيامًا، والله لو اجتمعتم عَلَى قرن «4» عنز لتكسروه مَا كسرتموه، ودعا البخارية ومن كَانَ من أَصْحَاب السلطان إِلَى المحاربة مَعَهُ فلم يجيبوه واعتلوا عَلَيْهِ، فانغمس فِي الأزد فِي بَيْت مَسْعُود.
1054- قَالَ: وَكَانَ فِي بَيْت مال ابْن زِيَاد نَحْو ثمانية آلاف ألف درهم، فَقَالَ لِلنَّاسِ حِينَ خطب: هَذَا فيئكم فخذوا أرزاقكم وأرزاق عيالاتكم وذريتكم، وأمر 3/ 14 الكتاب بتحصيل النَّاس وتقرير مَا لَهُمْ، فلما رأى قعود النَّاس عَنْهُ وظهور أمر سلمة كف عَنْ ذَلِكَ، وأمر بنقل المال حِينَ هرب فَهُوَ «5» يتردد فِي آل زِيَاد، وَقَالَ لَهُ إخوته: والله مَا من خليفة تقاتل عَنْهُ، ولا تأمن «6» أَن يدال عليك فتعطب وتهلك وتذهب أموالنا، وقال
__________
1053- قارن بالنقائض: 723 والطبري 2: 437، 439، 443 1054- النقائض: 724 والطبري: 439، 445
__________
(1) ط م س: فاتسع.
(2) ط م س: أحمته.
(3) ط م س: بنا إلى، والتصويب عن النقائض.
(4) النقائض: على ذنب عنز، الطبري: على ذنب عير.
(5) النقائض والطبري: فهي (أي الأموال) إلى اليوم.
(6) س: يقاتل ... يأمن (والحرف الأول في اللفظتين غير معجم في ط) .(5/402)
لَهُ عَبْد اللَّهِ أخوه وَهُوَ ابْن مرجانة: والله لئن قاتلت الْقَوْم لأقتلن نفسي بسَيْفي هَذَا، فلما رأى عبيد اللَّه ذَلِكَ أرسل إِلَى الْحَارِث بْن قَيْس بْن صهبان الجهضمي فسأله أَن يسأل مسعودًا أَن يجيره، فسأله ذَلِكَ فأباه، فَقَالَ لَهُ الْحَارِث: يا معشر الأزد إنكم أجرتم «1» زيادا فبقي لكم شرف ذَلِكَ وذكره وفخره، فَقَالَ مَسْعُود: أترى أَن نعادي أهل مصرنا فِي عبيد اللَّه وَقَدْ أبليناه فِي أَبِيهِ مَا أبليناه فلم يكافنا وَلَمْ يشكر، مَا كنت أحب «2» أَن يَكُون هَذَا رأيك، فَقَالَ: قَدْ بايعته فيمن بايع ولن يعاديك أحد عَلَى الوفاء لَهُ، فلما أَبِي مَسْعُود إجارة ابْن زِيَاد أتي الْحَارِث «3» إِلَى أم بسطام امْرَأَة مَسْعُود وَهِيَ ابنة عمه فَقَالَ لَهَا: إني دعوت مسعودًا إِلَى مكرمة فأباها، وأنا أدعوك إِلَى أَن تسودي نساء قومك أبدًا، وكلمها فِي إجارة ابْن زِيَاد، فأجارته، ويقال إنه أعطاها مائة ألف درهم كانت مَعَ ابْن زِيَاد، فأدخلته حجلتها وألبسته ثوبا لزوجها، فلما جاء مَسْعُود أعلمته ذَلِكَ، فغضب وأخذ برأسها، حَتَّى خرج عبيد اللَّه والحارث فحجزا بينهما، وَقَالَ لَهُ عبيد اللَّه: أجارتني عليك وألبستني ثوبك وأكلت من طعامك وَقَدِ التف عَلَى منزلك، وتلطف والحارث لَهُ حَتَّى رَضِيَ، فلم يزل فِي منزل مَسْعُود حَتَّى قتل مَسْعُود ثُمَّ شخص إِلَى الشام، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة:
وآل زِيَاد ينكرون أَن يَكُون ابْن زِيَاد شخص قبل قتل مَسْعُود وأن يَكُون مَسْعُود بعث مَعَهُ من بذرقه «4» .
1052- وَقَالَ يَزِيد بْن ربيعة «5» بْن مفرغ شعرًا ذكر فِيهِ فرار ابْن زِيَاد من دار الإمارة إِلَى الأزد ثُمَّ إِلَى الشام بَعْد مقتل مَسْعُود وخذلانه إياه وذكر هربه عن أمّه وامرأته هند الفزاريّة «6»
:
__________
(1) ط م س: اخترتم.
(2) الطبري والنقائض: أحسب.
(3) س ط م: أتى الحارث حارة بن زياد أنس، والصواب بهامش ط.
(4) س م: يذرقه.
(5) ط م: معاوية (معوية) .
(6) الأبيات 1- 6 في الأغاني 18: 204، 1- 4، 6 في النقائض: 9 وديوان ابن مفرغ: 41(5/403)
(879) أقر لعيني أَنَّهُ عق أمه «1» ... دعته فولاها استه وَهُوَ يهرب
وَقَالَ عليك الناس «2» كوني سبية ... كَمَا كنت أَوْ موتي فللموت أقرب
وَقَدْ هتفت هند بِهِ «3» مَا أمرتني ... ابْن لي وخبرني إِلَى أين أذهب
فَقَالَ أريد الأزد في عقر دراهم ... وبكرًا فَمَا لي عَنْهُم متجنب
بِمَا قدمت كفّاك ما لك مهرب ... من الْقَوْم يوما والدماء تصبب
ولو كنت صلب العود أَوْ ذا حفيظة ... كررت عَلَى هند وهند تسحب
وغادرت مسعودًا رهينة حتفه ... يمج نجيع الجوف وَهُوَ ملحب «4»
ولو لَمْ يفت ركضا حثيثا لحلقت ... بأشلائه فِي الجو عنقاء مغرب
وَقَالَ أيضًا «5» :
قدمت مسعودا ليصلى حرها ... ووألت «6» لما أَن نعاه الناعي
أفلا كررت وراءه متشزبا «7» ... لما أصيب، دعا لحتفك «8» داع
وتركت أمك والرماح شوارع ... يا ليتني لَك ليلة الأفزاع «9»
لَيْسَ الكريم بمن يفارق أمه ... وبناته بالمنزل الجعجاع
وخذلت مسعودًا وطرت مولّيا ... مثل الظليم أثرته بالقاع
قال أَبُو عُبَيْدَة: فهذا دليل عَلِي أَنَّهُ إِنَّمَا هرب إِلَى الشام بَعْد مَسْعُود وأنه حِينَ قتل مسعود كان بالمصر «10» لم يبرح.
__________
(1) الأغاني: أقر عبيد والسيوف عن أمه.
(2) ط: الياس، الأغاني: عليك الصبر.
(3) م س: هندية، الأغاني: هند بماذا أمرتني.
(4) م س: ملجب.
(5) انظر ما تقدم ف: 1048
(6) وألت: نجوت، س: وقالت، م: وواليت.
(7) ط م س: متشربا.
(8) ف 1048: لحينك.
(9) م: الأقراع.
(10) م: بالبصرة (وكذلك في حاشية ط س) .(5/404)
1053- قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: ولما هرب ابْن زِيَاد بقي النَّاس بغير أمِير، فلما لَمْ يكن لَهُمْ أمِير ارتضوا بنعمان بْن صهبان الراسبي وقيس بْن الهيثم يختاران لَهُمْ، فكان رأى قَيْس فِي عَبْد اللَّهِ بْن الأسود الزهري، ورأى النعمان بْن صهبان فِي ببة «1» ، وَقَالَ النعمان: هُوَ هاشمي وابن أخت الْقَوْم الَّذِينَ الْمَلِك فيهم، لأن أم ببة هند بنت أَبِي سُفْيَان، وَكَانَ النعمان شيعيًا شهد مَعَ عَلِي صفين، وأقبلوا بببة فنزل دار الإمارة، قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَكَانَ ذَلِكَ برضا «2» جَمِيع النَّاس الأزد وغيرهم، وقوم يقولون إِن ذَلِكَ لَمْ يكن برضا «3» الأزد فقولهم باطل، قَالَ الفرزدق «4» :
وبايعت أقواما وفيت بعهدهم ... وببة قد بايعته غَيْر نادم
وقوم يروونه: وَهُوَ نائم.
1054- قَالَ أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِي: جعل ببة عَلِي شرطته هميان بْن عدي- ويقال النعمان بْن صهبان، وهميان بْن عدي أثبت- فأتى هميان دار فيل مولي زِيَاد وَهِيَ فِي بَنِي سليم فأمر بتفريغها لينزلها رجل قدم عَلَى ببة من المدينة، وَكَانَ فيل قَدْ هرب وأقفل أبواب داره، فمنعت بنو سليم هميان بْن عدي مَا أراد حَتَّى قاتلوه واستصرخوا عَبْد الْمَلِك بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَرِيزٍ، فأرسل بخاريته ومواليه فِي السلاح حَتَّى طردوا هميان بْن عدي، وعدل عَبْد الْمَلِك من الغد إِلَى دار الإمارة ليسلم عَلَى ببة، فلقيه عَلِي الباب «5» رجل من قَيْس بْن ثعلبة فَقَالَ: أَنْتَ المعين عَلَيْنَا بالأمس، ورفع يده فلطمه، فضرب رجل من البخارية يد القيسي فأطارها، ويقال بَل ضربه ضربة شلت منها يده، وغضب ابْن عامر فرجع، وغضبت لَهُ مضر واجتمعت، وأتت بَكْر بن وائل أشيم بن شقيق بن
__________
1053- قارن بالنقائض: 726 والطبري 2: 446 وابن الأثير 4: 112 وما يلي ف: 1083 1054- الطبري 2: 464
__________
(1) زاد في النسخ: فاستعمل بية على شرطه هميان بن عدي السدوسي، قال النعمان ... إلخ، (وهذا كلام سيرد من بعد وليس هذا موطنه) .
(2) م: برضاء.
(3) م: برضاء.
(4) النقائض: 112، 727 واللسان 1: 215
(5) س: باب.(5/405)
ثور فاستصرخوه، فأقبل ومعه مَالِك بْن مسمع، ثُمَّ إِن الْقَوْم تحاجزوا وانصرفت بَكْر والمضرية، وتحالف بَكْر والأزد، فَقَالَ حارثة بْن بدر الغداني «1» :
(880) نزعنا وأمرنا وبكر بْن وائل ... تجر خصاها تبتغي من تحالف
وما بات بكري من الدهر ليلة ... فيصبح «2» إلا وَهُوَ للذل عارف
1055- وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة حَدَّثَنِي زهير بْن هنيد عَنْ عَمْرو بْن عيسى قال: كان مالك ابن مسمع فِي الْمَسْجِد فبينا هُوَ قاعد، وَفِي الحلقة رجل من ولد عَبْد اللَّهِ بْن عامر بْن كريز، إذ نازع القرشي مالكا فأغلظ لَهُ القرشي، فلطم رجل من بَكْر القرشي فتهايج من ثُمَّ من مضر وربيعة، وكثرتهم ربيعة مِمَّن فِي الْمَسْجِد، فنادى رجل يال تميم، فوثب قوم من بَنِي ضبة عَلِي رماح حرس الْمَسْجِد وترستهم، ثُمَّ شدوا عَلِي الربعيين فهزموهم، وبلغ ذَلِكَ أشيم بْن شقيق بْن ثور، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ رئيس بَكْر بْن وائل، فأقبل إِلَى الْمَسْجِد فَقَالَ: لا يجدن «3» ربعي مضريا إلا قتله، فبلغ ذَلِكَ مَالِك بْن مسمع فأقبل متفضلا فسكن النَّاس حَتَّى كف بَعْضهم عَنْ بَعْض، وسأل مَالِك أَن يجدد الحلف بَيْنَ الأزد وربيعة.
1056- حَدَّثَنَا الْمَدَائِنِي: أَن الأحنف قَالَ لمالك بْن مسمع حِينَ تحالفوا: أحلف فِي الإِسْلام؟! قَالَ: حالفت عَلِي الزط والسيابجة، فَقَالَ: معاذ اللَّه، قَالَ: يا أبا بحر كانت نعمة سبقناك إِلَيْهَا، فَقَالَ الأحنف: والله مَا أردتها ولتحلبنها دما عبيطا «4» ، لَقَدْ حالفت قومًا إِن اتبعتهم استذلوك وإن خالفتهم عزوك وقهروك.
1057- وَقَالَ الْمَدَائِنِي فِي بَعْض روايته: لما جددوا الحلف وأقبلوا مَعَ مَسْعُود إِلَى الْمَسْجِد الجامع فزعت تميم إِلَى الأحنف فعقد عمامته عَلِي قناة ودفعها إِلَى سلمة بن ذؤيب
__________
1055- النقائض: 727، 729 والطبري 2: 447، 449 1057- الطبري 2: 465 وانظر بعضه في النقائض: 742
__________
(1) النقائض: 112، 729 والطبري 2: 449 والاول في الكامل 3: 13 والطبري 2: 445 (منسوبا للفرزدق) .
(2) س: ويصبح.
(3) س: لا يحدث.
(4) م: وعبيطا، س: عبيطا وغيظا.(5/406)
الرياحي، فأقبل وبين يديه الأساورة حَتَّى دَخَلَ المسجد ومسعود يخطب، فاستنزلوه فقتلوه، فجعلوا يحكمون فقيل إِن الخوارج قتلته، وزعمت الأزد أَن الأزارقة قتلوه بأمر الأحنف، فكانت الْفِتْنَة، وسفر بينهم عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن معمر وعمرو «1» بن عبد الرحمن ابن الْحَارِث بْن هِشَام حَتَّى رضيت الأزد من دم مَسْعُود بعشر ديات، ولزم ببة بيته وَكَانَ متدينًا، وَكَانَ الْقَاضِي فِي هذه الْفِتْنَة هِشَام بْن هبيرة، وكتب ابْن الزُّبَيْر إِلَى عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بعهده عَلِي البصرة فوافاه وَهُوَ متوجه يريد العمرة، فكتب عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ إِلَى أخيه عبيد اللَّه بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر أَن يصلي بالناس، فصلى بِهِمْ حَتَّى قدم عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ أَبُو الْحَسَن: ولما لزم ببة بيته كتب أهل البصرة إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر بِذَلِكَ، فكتب إِلَى أَنَس بْن مَالِك يسأله أَن يصلي بِهِمْ، فصلى بِهِمْ أربعين يومًا.
1058- وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: لما جددوا الحلف فِي الْفِتْنَة قَالَتِ الأزد: لا: نرضى حَتَّى يَكُون الرئيس منا، فرأسوا مسعودًا، وَقَالَ (مَسْعُود لعبيد اللَّه) سر معنا حَتَّى ننزلك الدار، وبعث عبيد اللَّه غلمانا لَهُ عَلَى خيل مَعَ مَسْعُود، وأتي بكرسي فجلس عَلَى بَاب مَسْعُود، وقدم مَسْعُود مَالِك بْن مسمع فِي ربيعة فأخذوا سكة الْمَدِينَة، فامتلأ المربد رماحًا، وجاء مَسْعُود حَتَّى علا المنبر وببة فِي دار الإمارة، وقيل لَهُ: إِن ربيعة واليمن قَدْ ساروا وسيهيج بَيْنَ النَّاس شر فلو أصلحت بينهم وركبت مَعَ بَنِي تميم إليهم، فَقَالَ: أبعدهم اللَّه والله لا أفسد نفسي بصلاحهم. وجعل رجل من أَصْحَاب مَسْعُود يَقُول «2» :
لأنكحن ببة جارية فِي قبه ... تمشط رأس لعبه
فلما لَمْ يحل أحد بَيْنَ مَسْعُود وبين صعود المنبر خرج مَالِك بْن مسمع فِي كتيبة (881) حَتَّى علا الجبان «3» ، وأتى دور بني تميم فدخل دور بني العدويّة فجعل يحرّق دورهم،
__________
1058- النقائض: 730- 734 والطبري 2: 450- 455 وانظر أيضا النقائض 113- 115 وابن الأثير 4: 113- 115
__________
(1) النقائض: وعمر، الطبري: وعبد الرحمن بن الحارث.
(2) الاشتقاق: 44 والصحاح 1: 32 واللسان 1: 215، 335، 377 والتاج 1: 152 وقد مرّ في الورقة 340 ب (من س) .
(3) س: كثيبة ... الجبار.(5/407)
وَذَلِكَ أَن رجلا من بَنِي ضبة كَانَ لاحى رجلا من بَنِي يشكر فقتله الضبي، فبينا هُوَ كَذَلِكَ إذ أتاه قتل مَسْعُود.
قَالَ: وأتت بنو تميم الأحنف فَقَالُوا يا أبا بحر أَنْتَ سيدنا وَقَدِ اجتمعت الأزد وربيعة، فَقَالَ: سيدكم الشَّيْطَان، فقيل: قَدْ أتوا الرحبة، فَقَالَ: لستم بأحق بِهَا مِنْهُم، ثُمَّ قَالُوا: قَدْ دخلوا الْمَسْجِد، فَقَالَ: لستم بأحق بالمسجد مِنْهُم، فَقَالَ سلمة بْن ذؤيب:
يا معشر مضر إِنَّمَا هَذَا كبش منجر «1» فِي أذنيه لا خير لكم عنده، فندب بَنِي تميم فانتدب منهم خمسمائة، وتلقاه رأس الأساورة يَوْمَئِذٍ فِي بَعْض الطريق وهو في أربعمائة من الرماة، فَقَالَ لَهُمْ سلمة: أين تريدون؟ قَالُوا: إياكم «2» . وأتت الأحنف امْرَأَة بمجمر فَقَالَتْ مَا لَك وللرئاسة، تجمر، فَقَالَ: است المرأة أحق بالمجمر، فعتبت عَلَيْهِ، وتحول الأحنف فِي تلك الأيام من داره إِلَى بَنِي عامر بْن عُبَيْدَة، وأتوه فَقَالُوا: إِن عبلة «3» بنت ناجية الرياحي، وَهِيَ أخت مطر، وامرأة أُخْرَى قد سلبتا وأخذت خلاخيلهما من أسؤقهما، وقتل المقعد الَّذِي كَانَ عَلِي بَاب الْمَسْجِد والصباغ الَّذِي فِي طريقك، وحرق «4» مَالِك بْن مسمع دور بَنِي العدوية، فَقَالَ: ثبتوا ذَلِكَ، فثبتوه، فطلب عباد بْن الحصين فلم يوجد، فدعا بعبس بْن طلق- ويقال طليق- السعدي ثُمَّ انتزع معجرا فِي رأسه ثُمَّ جثا على ركبتيه وعقده فِي رمح ثُمَّ دفعه إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ «5» :
مَا إِن أرى فخرًا «6» ولا حياء ... إِذَا اتخذت معجري لواء «7»
ثُمَّ قَالَ: لعبس سر، فلما ولى قَالَ: اللَّهُمَّ لا تخزها اليوم فإنّك لم تخزها فيما مضى. فسار عبس وصاحت النظارة هاجت زبراء، وزبراء أمة للأحنف- أرادوه بذلك «8» - وقال
__________
(1) ط م س: منحر. (النقائض: جبس يجر أذنيه) .
(2) الطبري: إياكم أردنا.
(3) النقائض والطبري: علية.
(4) س: وتحرّق.
(5) م: فقال.
(6) م: فجرا.
(7) هذا الشطر سقط من م.
(8) وهاجت ... بذلك: وردت في هامش ط، ولم ترد في م، وفي س: هلعت ... إلخ.(5/408)
الأحنف «1» : يا بَنِي تميم إِن شر النَّاس من لَمْ يستحي من الفرار، ثُمَّ جاء عباد فِي ستين راكبًا، فأبي أَن يسير تَحْتَ لواء عبس، ولقوا الْقَوْم فاقتتلوا، ورمى الأساورة بألفي نشّابة في شرق «2» واحد فتلقوهم برماحهم، فرماهم الأساورة بألفي نشابة فِي رشق آخر، فأجلوا «3» عَنْ أفواه السكك وأقاموا «4» عَلَى أبواب الْمَسْجِد، فاقتتلوا، ورماهم الأساورة فقلعوهم عَنِ الأبواب، ودخلت تميم «5» الْمَسْجِد فاقتتلوا فِيهِ ومسعود عَلَى المنبر، وَكَانَ الحكم بْن مخرمة «6» العبدي قد ثبط قومه وَقَالَ: أتقتلون إخوتكم مَعَ الأزد؟ فردهم، وَذَلِكَ عِنْدَ بَاب الْمَسْجِد، قَالَ «7» إِسْحَاق بْن سويد «8» العدوي: فأتوا مسعودًا وَهُوَ عَلِي المنبر واستنزلوه وقتلوه، وَذَلِكَ فِي شعبان سنة أربع وستين، فانهزم الْقَوْم، وهرب أشيم بْن شقيق فطعنه رجل طعنًا فتنحى «9» ، فَقَالَ الفرزدق «10» :
لو أَن أشيم لَمْ يسبق أسنتنا ... وأخطأ الباب إذ نيراننا تقد
إِذَا لصاحب مسعودًا وصاحبه ... وَقَدْ تماءت لَهُ الأعفاج والكبد
قَالَ «11» : فبينا ابْن زِيَاد ينتظر مَا يَكُون من مَسْعُود أتي فقيل: قَدْ صعد المنبر، فتهيأ للركوب، فبينا هُوَ كَذَلِكَ إذ قيل قَدْ قتل، فاغترز فِي ركابه ولحق بالشام، وَذَلِكَ فِي أول شعبان سنة أربع وستين، قَالَ: وقوم يقولون أَنَّهُ شخص فِي شوال، وَكَانَ مقتل مَسْعُود فِي شوال، وَالأَوَّل أصح، وَكَانَ نزوله دار مَسْعُود فِي جمادى الآخرة سنة أربع وستين.
__________
(1) البيان 2: 72 والورقة 1097 ب (من النسخة س) .
(2) س: رشيق.
(3) ط م س: فأخلوا، وتحتها في ط: «فأخلوهم» .
(4) الطبري والنقائض: وقاموا (وهو أصوب) .
(5) تميم: سقطت من م.
(6) النقائض: محربة.
(7) س: فقال.
(8) الطبري: يزيد.
(9) م: قبيحا، ط: فتنحا (دون إعجام) النقائض: فنجا.
(10) ديوان الفرزدق رقم 472 (يوسف هل) .
(11) النقائض: 734 والطبري 2: 455(5/409)
1059- وَقَالَ الْمَدَائِنِي: مَاتَ الْحَارِث بْن مُعَاوِيَة أَيَّام مَسْعُود (882) فَقَالَ الأحنف: رحمك اللَّه أبا المؤرق فارقتنا أحوج مَا كُنَّا إليك.
1060- أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِي عَنْ عامر بْن حفص، قَالَ: خرج ابْن زِيَاد من البصرة هاربًا إِلَى الشام في قوم وفوا لَهُ، فَقَالَ ذَات ليلة: إنه قَدْ ثقل عَلِي ركوب الإبل فوطئوا لي عَلَى ذَات حافر، فألقيت لَهُ قطيفة عَلَى حمار فركبه وإن رجليه لتخدان فِي الأَرْض، فَقَالَ بَعْض من كَانَ مَعَهُ ورآه قَدْ سكت سكتة طويلة: هَذَا عبيد اللَّه بْن زِيَاد أمِير العراق بالأمس نائمًا «1» عَلَى حمار لو سقط عَنْهُ أعنته، ثُمَّ دنا منه فَقَالَ: أنائم أَنْتَ؟ فَقَالَ ابْن زِيَاد: لا، قَالَ: فَمَا هذه السكتة؟ قَالَ: كنت أحدث نفسي، قَالَ لَهُ: أنا أخبرك بِمَا فكرت فِيهِ، قَالَ: قل، قَالَ: قُلْت ليتني لَمْ أقتل حسينًا، وليتني لَمْ أكن بنيت البيضاء «2» ، وليتني لم أكن استعملت الدهاقين، وليتني لَمْ أقتل من قتلت، فَقَالَ ابْن زِيَاد: والله مَا نطقت بصواب ولا سكت عَنْ خطأ، أما الْحُسَيْن فَإِنَّهُ سار إِلَى يريد قتلي فاخترت قتله عَلَى أَن يقتلني، وأمّا البيضاء فإنّي اشتريتها من عبد اللَّه بْن عُثْمَان الثقفي فأرسل إِلَى يَزِيد بألف ألف فأنفقتها عَلَيْهَا، فَإِن بقيت فلأهلي (و) إلّا فإني لا آسى عَلَيْهَا، وَأَمَّا استعمالي الدهاقين فإنّ عبد الرحمن بن أبي بكرة وزاد انفرّوخ رفعا عَلِي عِنْدَ مُعَاوِيَة فخيرني مُعَاوِيَة بَيْنَ الضمان والعزل فكرهت العزل، وكنت إِذَا استعملت الرجل من العرب فكسر الخراج فأقدمت عَلَيْهِ «3» أو غرت صدور عشيرته، أَوْ أغرمته فحملت عَلَى عَطَاء قومه أضررت بِهِمْ، وإن تركته تركت مال اللَّه وأنا أعرف مكانه، فوجدت الدهاقين أبصر بالجباية وأوفى بالأمانة وأهون عَلِي مطالبة، وَأَمَّا قتلي من قتلت فَمَا علمت بَعْد قولي كلمة الإخلاص عملًا أقرب إِلَى اللَّه من قتلي من قتلت من الخوارج، ولكني حدثت نفسي فَقُلْتُ: ليتني قاتلت أهل البصرة فإنهم بايعوني طائعين ثُمَّ نكثوا، ولقد أردت ذَلِكَ ولكنّ
__________
1060- الطبري 2: 457 وابن الأثير 4: 115
__________
(1) الطبري: نائم.
(2) البيضاء: دار عبيد الله بن زياد بالبصرة.
(3) الطبري: فتقدمت إليه.(5/410)
بَنِي زِيَاد أتوني فَقَالُوا: إنك إِن قاتلتهم فظهروا عليك لَمْ يبقوا منا أحدًا إلا قتلوه، وإن تركتهم تغيب الرجل منا عِنْدَ أخواله «1» وأصهاره وخلطائه، فلم أقاتل، وقلت: ليتني أخرجت أهل السجن فضربت أعناقهم، فأما إذ فاتت هاتان فليتني أقدم الشام وَلَمْ يبرموا شيئًا فأكون معهم فيما يبرمون، قَالَ: وبينا هُوَ يسير إذ عرض لَهُ فارس بيده رمح، فَقَالَ:
لا وألت إِن وألت، فَقَالَ: أوما هو خير لَك، ألف دِينَار، فركن إِلَيْهَا، فشددنا عَلَيْهِ فأخذناه، فَقَالَ لَهُ ابْن زِيَاد: لا ترع فكان دليلنا حَتَّى وردنا الشام، فَقَالَ الرجل: عهدنا بابن زِيَاد يأكل فِي كُل يَوْم أكلات أولها عناق أَوْ جدي يتخير لَهُ «2» ، فكان يأكل وَهُوَ يريد الشام أقل مِمَّا يأكله أحدنا وَيَقُول: الأكل مَعَ الأمر والسرور.
1061- وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة قَالَ يُونُس بْن حبيب: لما قتلوا مسعودًا وهرب ابْن زِيَاد إِلَى الشام أقبلت فعمة ابنه مَسْعُود وَقَدْ ركبت دابة موكفة وولت وجهها قبل ذنبها وسدلت شعرها وتجلببت مسحا ومعها نادبة تقول:
مَسْعُود من يقتل بك ... أحنف لا نعطى «3» بك
ثُمَّ أتت مالكًا وَهُوَ واقف فِي سكة المربد وَقَدْ رجع من تحريق دور بَنِي العدوية فَقَالَ:
ارجعي، فقالت: لا أو أتى برأس الأحنف، فأتوها برأس من رؤوس القتلى ضخم فأزمت بأنفه عضّا وغمست اطراف كميها فِي دم لغاديده ثُمَّ انصرفت إِلَى رحلها، فتزوجت بَعْد.
1062- قَالَ: وأتى دار مَالِك قوم من مضر وحرقوا عَلَيْهِ، فَقَالَ (883) غطفان ابن أنيف الكعبي في ذلك:
__________
1061- النقائض: 115 1062- النقائض: 735 والطبري 2: 456 وانظر ابن الأثير 4: 114 والأشطار 1- 3، 5، 8 في ما يلي ف: 1192 والشطران 8، 9 في الطبري والنقائض والاصابة 1: 117
__________
(1) ط م س: اخوانه.
(2) راجع ف: 1021 في مبلغ ما كان يأكله ابن زياد.
(3) م س: يعطى (والياء غير معجمة في ط) .(5/411)
كَيْفَ ترانا وترى الأميرا ... بصرحة «1» المربد إذ أبيرا
نقود «2» فِيهِ جحفلا جرورا ... أَكْثَر جمعًا حلقًا مسمورا
وصارمًا ذا هيبة مأثورا ... فَقَدْ قَدِ الجازر الجزورا
لما رجا مَسْعُود التأميرا ... وأصبح ابْن مسمع محصورا
وَقَدْ شببنا حوله السعيرا
1063- ولما هرب عبيد اللَّه طلب فأعجز طلبته، فانتهب مَا وجد لَهُ، فَقَالَ واقد بْن خليفة السعدي «3» :
يا رب جبار شديد كلبه ... قَدْ صار فينا تاجه وسلبه
لو لَمْ ينج ابْن زِيَاد هربة ... منا للاقى شر يَوْم يشعبه «4»
وقاد مسعودا شقاء يأدبه ... فِي عارض أرعن ضاح «5» كؤبه
وَقَالَ جَرِير بْن عطية «6» :
ويوم عبيد اللَّه خضنا برأيه ... وزافرة تمت إلينا تميمها «7»
وَقَالَ سؤر الذئب السعدي «8» :
نحن نهطنا «9» الأزد يَوْم الْمَسْجِد ... والحي من بَكْر ويوم المربد
بكل عراص «10» المهز مذود ... محرّب وصارم لم ينأد
__________
(1) ط: يضرحه، م س: بضرحة.
(2) م: تقود.
(3) الطبري: وافد، والأشطار 1- 4 في النقائض: 735، 1- 3 في الطبري 2: 456
(4) ط م س: شغبه.
(5) ط م: صاح.
(6) النقائض: 112 وديوان جرير: 986
(7) ط م: نمت نميمها، س: نمت ... تميمها.
(8) 1- 2 في النقائض: 737. وسور الذئب أحد بني مالك بن سعد، (كما في النقائض) ، س: سوار.
(9) نهطنا: طعنّا بالرماح، ط: بهظنا، س: نهظنا (والحرف الأول غير معجم في م وصورة الكلمة: نهضنا) . النقائض: خبطنا.
(10) س: عراض.(5/412)
كأنهم من مقعص ومقصد ... وداحض بالرجل منه واليد
من السواري وطريق الْمَسْجِد ... أعجاز نخل النيط «1» والمسنّد
إذ خر مَسْعُود وَلَمْ يوسد
وَقَالَ جَرِير أيضًا «2» :
سائل ذوي يمن إِذَا لاقيتهم ... والأزد إذ ندبوا لنا مسعودا
لاقاهم عشرون ألف مدجج ... متسربلين دلامصا «3» وحديدا
فلغادروا مسعودهم متجدلا ... قَدْ أودعوه «4» جنادلا وصعيدا
1064- قَالَ أَبُو عُبَيْدَة، وَقَالَ قوم: انصرف مَسْعُود من عيادة صديق لَهُ فلما كَانَ بموضع من بَنِي تميم عرض لَهُ خارجي فقتله وَذَلِكَ بهت وباطل، وَقَالَ قوم: لما صعد مَسْعُود «5» المنبر وأغفل النَّاس الخوارج خرجوا من السجن ودخلوا الْمَسْجِد لا يلقون أحدًا إلا قتلوه حَتَّى قتلوا مسعودًا في المسجد في اثني عشر من قومه ثُمَّ ظهروا «6» إِلَى الأهواز، وأقبل قوم من بَنِي منقر فاحتملوا مسعودًا «7» إِلَى دورهم ثُمَّ مثلوا بِهِ، وَذَلِكَ باطل أيضًا.
1065- وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: لما قتل مَسْعُود ولت الأزد رئاستها زِيَاد بْن عَمْرو بْن الأشرف العتكي ثُمَّ خرجوا من الغد، وخرجت ربيعة وعليها مَالِك بْن مسمع يطلبون بدماء من أصيب منهم، وعبّئوا «8» عَبْد القيس وألفافها من أهل هجر وعليهم الحكم بن مخرّبة «9» ميسرة، وعبّئوا بكرًا وألفافها من عنزة والنمر «10» وعليهم مَالِك بن مسمع ميمنة،
__________
1064- النقائض: 113.
1065- النقائض: 737 والكامل 1: 140 والأغاني 23: 465- 466
__________
(1) قد تقرأ في م: السنط.
(2) النقائض: 736 وديوان جرير: 340 والبيتان 1- 2 في الكامل 1: 142
(3) الديوان والنقائض: يلامقا.
(4) س: ودعوه (وسقطت: قد) .
(5) مسعود: سقطت من م.
(6) النقائض: طموا (أي ذهبوا) .
(7) س: مسعود.
(8) ط والنقائض: وعبوا.
(9) ط س: محرّبة.
(10) ط م س: واليمن.(5/413)
وعلى الأزد زِيَاد بْن عَمْرو وَهُمُ القلب، وخرجت مضر وعليها الأحنف بْن قَيْس، وَقَدْ عبّأ بني سعد وألفافهم من الأساورة والاندغان «1» وضبة وعديا «2» وعبد مناة وعليهم قَبِيصَة بْن حريث بْن عَمْرو بْن ضرار الضبي، وعلى الآخرين من بَنِي سَعْد والأساورة عبس بْن طلق «3» الصريمي- ويقال طليق- فجعلهم بإزاء الأزد، وعبأ قَيْس عيلان وعليهم قَيْس بْن الهيثم السلمي فجعلهم بإزاء الأزد وعبد (884) القيس، وعبأ بَنِي عَمْرو بْن تميم وعليهم عباد بْن الحصين الحنظلي ومعهم بنو حنظلة بْن مَالِك وألفافها من بَنِي العم والزط والسيابجة وعلى جماعتهم سلمة بْن ذؤيب الرياحي وجعلهم بإزاء بكر، وفي ذلك يقول الشاعر من بَنِي عَمْرو أَوْ بَنِي حنظلة «4» :
سيكفيك «5» عبس أَخُو كهمس ... مقارعة الأزد بالمربد
وتكفيك قَيْس وألفافها «6» ... لكيز بن أفصى وما عدّدوا
ونكفيك «7» بكرا وألفافها ... بضرب يشيب لَهُ الأمرد
فاقتتلوا ثُمَّ إِن عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر وعمر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام مشيا للصلح فيما بينهم «8» حَتَّى التقى الأحنف وَمَالِك والعمران فِي الصلح، فجعل الأحنف يخف عِنْدَ المراوضة وجعل مَالِك يثقل، فَقَالَ القرشيان: يا أبا بحر، ما لك تخف وَقَدْ ذهب حلمك فِي النَّاس، وَمَالِك يرزن؟ فَقَالَ: إنه يرجع إِلَى قوم لا يخالفونه إِذَا قَالَ، وأنا أرجع إِلَى قوم يتابون عَلِي. فلم يتفق بينهم صلح، واجتمعت «9» ربيعة واليمن فكتبوا قتلاهم «10» فلما بلغوا دِيَة مَسْعُود كتبوها عشر ديات لأنه كَانَ مثل به، فقال الأحنف: لا
__________
(1) ط م س: والأندعان.
(2) وعديا: مكررة في م، النقائض: وعدي بن زيد مناة.
(3) ط م س: طليق.
(4) الشعر في الكامل والأغاني (لحارثة بن بدر) . وانظر الورقة 1101/ أ (من س) .
(5) ط م س: ستكفيك.
(6) الأغاني: وأشياعها.
(7) م س: ويكفيك.
(8) س والنقائض: بينهما.
(9) س: ثم اجتمعت.
(10) س: قتالهم.(5/414)
نزيد «1» عَلِي دِيَة رجل من الْمُسْلِمِينَ فاضطربوا بالأيدي والنعال، ثُمَّ عادوا للقتال فاقتتلوا أياما، ثُمَّ إِن عُمَر وعمر «2» أتيا الأحنف فعظما أمر الإِسْلام وحرمته وحق الجوار وَقَالا: إِنَّمَا أنتم إخوان وأصهار ويد عَلَى العدو، فَقَالَ الأحنف: انطلقا فاعقدا عَلَى مَا أحببتما وأبعدا عني «3» العار، فأتيا ربيعة واليمن، فلما دنوا رماهما السفهاء فركضا حَتَّى وقفا حيث لا ينالهما النبل والنشّاب، وصبّ عبس «4» بأمر الأحنف عَلَيْهِم الْخَيْل فأجلت عَنْ قتلى، فَقَالَ أهل الحجى مِنْهُم: رميتم رجلين مشيا فِي الصلح بينكم، ثُمَّ إنهم اجتمعوا على الرضاء «5» بِمَا حكم بِهِ عُمَر وعمر، فحمل عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ تسع ديات، ويقال حملاها بينهما وَقَالا:
قَدْ لج «6» الأحنف وأبى إلا دِيَة وإنما سألنا أَن نحكم «7» عَلَيْهِ ونحن أولى بأن نحمل «8» هذا الشيء، قال: ويقال أَن بَنِي تميم قَالُوا: نحن نحملها، وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن حَكِيم بْن زِيَاد بْن حوي «9» بْن سُفْيَان بْن مجاشع بْن دارم أنا فِي أيديكم رهينة بِهَذِهِ الديات، فقبلا ذَلِكَ، فَقَالَ الفرزدق «10» :
ومنا الَّذِي أعطى يديه رهينة ... لغاري «11» نزار قبل ضرب الجماجم
كفى كُل أم مَا تخاف «12» عَلَى ابنها ... وهن قيام رافعات المعَاصِم
عشية سال المربدان كلاهما ... عجاجة موت بالسيوف الصوارم
رأونا أحق ابني نزار وغيرها ... بإصلاح صدع بينهم متفاقم
__________
(1) س: تزيد.
(2) النقائض: العمرين.
(3) س: عن.
(4) س: عيس.
(5) ط: الرضا.
(6) س: لح.
(7) س: يحكم.
(8) س: يحمل.
(9) م: جوي.
(10) شرح ديوان الفرزدق (الصاوي) : 86 والنقائض: 720، والبيتان 1- 2 يردان في ف: 1092 والورقة: 1042/ أ (من س) ، والأبيات 1، 4، 5 في النقائض: 740، والبيتان 1، 3 في الكامل 1: 142 والثالث في اللسان 4: 150 (ربد) .
(11) ط م: لعاري، س: لعازى.
(12) س: يخاف.(5/415)
حقنا دماء الْمُسْلِمِينَ فأصبحت ... لنا نعمة يثنى «1» بها في المواسم
1065 ب- الْمَدَائِنِي عَنْ مُحَمَّد بْن حفص الباهلي عَنْ هلال بْن أحوز قَالَ: أتى الغضبان بْن القبعثرى الأحنف فَقَالَ: يا أبا بحر أتيتك فِي أمر عليك فِيهِ قضاء، قَالَ:
أيصلحني «2» وإياك؟ قَالَ: نعم قَالَ: فلا قضاه اللَّه عَلِي فيما يصلحنا، فَمَا هُوَ؟ قَالَ:
اختاروا واحدة من ثَلاث، إِن شئتم فاخرجوا من المصر فلا يبقى فِيهِ مضري وتهدر هذه الدماء، وإن شئتم فدوا قتلانا ولا ندي قتلاكم وتدون مسعودًا عشر ديات، أَوِ الحرب، فَقَالَ الأحنف: لا حول ولا قوة إلا بالله لَقَدْ (885) سمتمونا خطة الذليل، أما خروجنا عَنِ المصر فإنا لا ندع مهاجرنا ومراكزنا وفيء اللَّه عَلَيْنَا فِيهِ فنتعرب «3» بَعْد الهجرة، وَأَمَّا الحرب فلسنا بأجزع فِيهَا منكم، وَأَمَّا أَن ندي قتلاكم ونلغي قتلانا فليس ذَلِكَ فِي «4» صلاحنا، وَأَمَّا مَسْعُود فرجل مُسْلِم ديته دِيَة رجل من الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَالَ الأحنف: فِي ربيعة عجب شديد.
1066- الْمَدَائِنِي فِي إسناده قَالَ: لما توادعوا ورضوا بالديات خطب الأحنف فَقَالَ: يا معشر الأزد وربيعة إنكم إخواننا فِي الإِسْلام وشركاؤنا فِي الصهر وجيراننا فِي الدار ويدنا عَلَى العدو، ولأزد البصرة أحب إِلَى من تميم الكوفة، ولأزد الكوفة أحب إِلَى من تميم الشام، فَإِذَا استشرت شأفتكم «5» وحميت جمرتكم وأبت حسائك صدوركم أَن تلين، ففي أموالنا وأحلامنا سعة لنا ولكم، أرضيتم بحمل هذه الديات- يعني ديات الأزد- من أعطياتنا فِي بَيْت المال؟ قَالُوا: رضينا، فضمنها والقيام بِهَا إياس بْن قَتَادَة بْن أوفي، وأمة من رهط الأحنف، وعرض ذَلِكَ عَلَى غيره من وجوه تميم فأباه، وَقَالَتِ الأزد وربيعة لإياس: قَدْ رضينا بك لأنك رجل شريف مسلم ورع، فقام بذلك، ثم
__________
1066- النقائض: 740 وبعضه في البيان 2: 135 وانظر الكامل 1: 141
__________
(1) س وأصل ط: يدني (اقرأ: يدلى) .
(2) م: أتصلحني.
(3) م: فنتغرب.
(4) فوقها في ط: من، م: من.
(5) م: انتشرت، س: شاقيكم، البيان: استشرف شنآنكم.(5/416)
رجع إِلَى منزله فَقَالَ قومه: طلت دماؤنا وحملت دماء الأزد وربيعة فحملها لَهُمْ «1» ، وَكَانَ إياس ناسكًا فَقَالَ لبني تميم «2» : قَدْ وهبت لكم شبيبتي فهبوا لي شيبتي «3» ، وأقام يؤذن فِي مسجده حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ الْحَسَن البصري: علم والله أَن القبر يأكل السمن ولا يأكل الْإِيمَان.
1067- قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وحمل القرشيان أَوْ أحدهما تسع ديات أرضوا بِهَا الأزد من دم مَسْعُود، وَقَالَ القلاخ فِي أرجوزته «4» :
ثُمَّ بعثنا لَهُمْ إياسا ... حمال أثقال بِهَا قنعاسا «5»
وَقَالَ عَمْرو بْن دراك العبدي:
قتلنا بقتلى الأزد مثنى «6» وضوعفت ... ديات وأهدرنا دماء تميم
بعشر ديات لابن عَمْرو توفيت «7» ... عيانا وَلَمْ تجعل «8» ضمان نجوم «9»
نزلتم عَلَى حكم الأغزّ «10» ابن مسمع ... عَلَى حكم طلاب الترات غشوم
1068- قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَكَانَ هَذَا وببة ملازم لمنزله لا يعين أحدًا ولا يدخل فِي شَيْء، والناس على الرضاء «11» بِهِ، وَكَانَ متدينًا، وكانت هذه الهزاهز ثمانية اشهر او تسعة اشهر.
__________
1067- الرجز والشعر في النقائض: 741- 742
__________
(1) زاد في م: ورع.
(2) قول اياس هذا في ابن سعد 7/ 1: 102 والبيان 3: 152 وعيون الأخبار 2: 324
(3) ط م س: شيبي.
(4) هو القلاخ بن حزن (انظر التاج: قلخ) .
(5) القنعاس: الشديد المنيع.
(6) النقائض: قتلى.
(7) النقائض: فوفيت.
(8) م س: يجعل.
(9) النقائض: ضمار نجوم.
(10) ط: الأعز.
(11) ط: الرضا.(5/417)
1069- وَقَالَ أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِي: خرج نَافِع بْن الأزرق فِي أَيَّام ببة حَتَّى أتى الأهواز وخافه النَّاس، فانتدب مُسْلِم بْن عبيس «1» بْن كريز لقتاله، فعقد لَهُ ببة فسار إِلَى نَافِع، فقتل مُسْلِم بدولاب من الأهواز واختلط أمر النَّاس، فأخذ ببة نعله فلبسها وصار إِلَى منزله وَكَانَ متدينا وَقَالَ: لست أحب إصلاحكم بفساد نفسي وديني.
1070- حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إبراهيم الدورقي حَدَّثَنَا وهب بْن جرير عَن أبيه عَن حبيب ابن الشهيد عَنِ الْحَسَن قَالَ: جاء مَسْعُود وعليه قباء ديباج وحوله قومه حَتَّى صعد المنبر فخطب وَهُمْ يقولون الشَّمْس.
1071- وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة حَدَّثَنَا سلام عَنِ الْحَسَن قَالَ: أقبل مَسْعُود من هنا، وأشار إلى منازل الأزد، فِي أمثال الطير معلمًا عَلَيْهِ قباء ديباج أصفر معين بسواد يأمر بالسنة.
1072- وَحَدَّثَنِي أحمد (886) بن إبراهيم حدثنا وهب بن جرير حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُيَيْنَة حَدَّثَنِي شهرك قَالَ: شهدت عبيد اللَّه بْن زِيَاد حِينَ جاء موت يَزِيد بْن مُعَاوِيَة فقام خطيبا فحمد اللَّه وأثنى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يا أهل البصرة أتسبّوني «2» فو الله لتجدن مهاجر أَبِي ومولدي وداري فيكم وبينكم، ولقد وليتكم وَمَا أحصي (فِي) ديوان مقاتلتكم إلا أربعون ألفا، ولا فِي ديوان عيالاتكم إلا سبعون ألفًا، ولقد أحصي إِلَى اليوم فِي ديوانكم ثمانون ألف مقاتل، وَفِي ديوان عيالاتكم مائة وعشرون ألفًا «3» ، وَمَا تركت لكم ظنينًا أخافه عليكم إلا وَهُوَ فِي سجنكم، وإن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ قَدْ توفي، وولى عهده من بعده مُعَاوِيَة بْن يَزِيد ابنه، وإنكم اليوم أَكْثَر النَّاس عددًا وأعرضهم فيئًا «4» وأغناهم عَنِ النَّاس، فاختاروا لأنفسكم «5» رجلا ترضونه لدينكم وجماعتكم، فأنا اوّل من يرضى
__________
1071- النقائض: 734 1072- الطبري 2: 433، وابن الأثير 4: 108 وانظر البيان 2: 130
__________
(1) ط م س: عبس.
(2) الطبري والبيان: انسبوني (وهي قراءة جيدة) .
(3) هذه الأرقام تختلف في البيان والطبري عما هي هنا.
(4) س: فناء.
(5) لأنفسكم: سقطت من م.(5/418)
ويبايع ويعين «1» بنصيحته وماله، فَإِذَا اجتمع أهل الشام عَلَى رجل يرضونه لدينهم دخلتم فيما دَخَلَ فِيهِ المسلمون، فقامت خطباء أهل البصرة فَقَالُوا: قَدْ سمعنا مقالتك أيها الأمير، ولا نعلم أحدًا أقوى عَلَيْهَا منك فهلم نبايعك، فَقَالَ: لا حاجة لي فِي ذَلِكَ فاختاروا لأنفسكم، فلما كرروا عَلَيْهِ القول بسط يده ودعاهم إِلَى بيعته فبايعوه، ثُمَّ انصرفوا وَهُمْ يقولون: أيظن ابْن مرجانة أننا ننقاد لَهُ فِي الْجَمَاعَةِ والفرقة، كذب والله «2» ، ثُمَّ وثبوا به.
1073- وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا وهب بْن جرير حدثنا غسان بْن مضر عن سَعِيد بْن يَزِيد «3» قَالَ: بايعوا عبيد اللَّه بْن زِيَاد ثُمَّ قَالُوا: أخرج لنا إخواننا. وكانت السجون مملوءة من الخوارج، فَقَالَ: لا تفعلوا فإنهم يفسدون عليكم، فَقَالُوا: لا بد من إخراجهم، فجعلوا يخرجون ويبايعونه فَمَا تتام آخرهم حتى جعلوا يغلظون له.
1074- وَحَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ حَدَّثَنَا أَبِي عن مُصْعَب بْن يَزِيد «4» قَالَ: لما مَاتَ يَزِيد بْن مُعَاوِيَة نعاه ابْن زِيَاد وَقَالَ: اختاروا لأنفسكم، قَالُوا: قَدْ رضينا بك، ثُمَّ خرجوا فجعلوا يمسحون أيديهم بجدر دار الإمارة ويقولون: هذه بيعة ابْن مرجانة، واجترأ النَّاس عَلَيْهِ «5» حَتَّى جعلوا يأخذون دوابه من مربطه.
1075- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَخَلَفُ بْنُ سَالِمٍ «6» قَالا حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا الأسود بْن شيبان عن خالد بن سمير أَن شقيق بْن ثور وَمَالِك بْن مسمع وحضين بْن المنذر أتوا ابْن زِيَاد وَهُوَ فِي دار الإمارة ليلا، قبل أَن يتحول الى مسعود بن عمرو، فأقاموا عنده
__________
1075- قارن بالطبري 2: 434
__________
(1) ط م س: نرضى ونبايع ونعين.
(2) س: وأمه.
(3) الطبري: سعيد بن زيد.
(4) مصعب بن يزيد: يرد أيضا مصعب بن زيد (ف: 1175، 1176، 1186) وصعب بن يزيد (ف: 1095) وصعب بن زيد (في مواطن من الأنساب، انظر مثلا 531 ب، والكامل 3: 353) ، والصعب بن يزيد (آلورد: 108، 304 والطبري 2: 466 وميزان الاعتدال 1 رقم 3832) .
(5) عليه: سقطت من م.
(6) م: سليمان.(5/419)
عامة ليلة ثُمَّ خرجوا ومعهم بغل موقر مالا، فَقَالَ رجل من بَنِي سدوس: خوفتهم بأن أنادي إِن فلانا وفلانا قَدِ اجتمعوا في دمائكم، فأعطوه خمسمائة درهم.
1076- وَحَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالا حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير حَدَّثَنَا القاسم بْن الفضل «1» الحداني قَالَ: أخرج ابْن زِيَاد الحرورية من السجن حِينَ طلب إِلَيْهِ، فخرجوا مَعَ نَافِع بْن الأزرق فعسكروا بالمربد، فلما رأى ذَلِكَ ابْن زِيَاد خافهم عَلَى نَفْسه، فعرض نَفْسه عَلَى أشراف أهل البصرة فكرهوا وأبوا أن يقبلوه، فأرسل الى الحارث ابن قَيْس فمضى بِهِ إِلَى منزل مَسْعُود.
1077- وَحَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ «2» قَالا حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير بْن حازم حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الزُّبَيْر بْن خريت «3» عَنْ أَبِي لبيد عَنِ الْحَارِث بْن قَيْس قَالَ، قَالَ ابْن زياد: إنّي لأعرف سوء رأي «4» كان في قومك، ولكنهم قوم كرام كَانَ بلاؤهم عِنْدَ أبي جميلا، فرققت لَهُ «5» فأردفته عَلَى بغلي ليلًا وأخذت «6» بِهِ عَلَى بَنِي سليم، فَقَالَ: من هَؤُلاءِ قُلْت: بنو سليم، قَالَ: (887) سلمنا إِن شاء اللَّه، ثُمَّ مررنا ببني ناجية وَهُمْ جلوس ومعهم «7» السلاح، وَكَانَ النَّاس يَوْمَئِذٍ يتحارسون فَقَالَ رجل مِنْهُم: هذا والله ابن مرجانة خلف الْحَارِث بْن قَيْس فرماه بسهم وقع فِي كور عمامته، فَقَالَ: يا أبا مُحَمَّد من هَؤُلاءِ؟
قُلْت: الَّذِينَ كنت تزعم أنّهم من قريش، هَؤُلاءِ بنو ناجية فَقَالَ: نجوت إن شاء الله.
1077 ب- قَالَ وهب وَحَدَّثَنِي القاسم بْن الفضل الحداني بنحو هَذَا الْحَدِيث وزاد فِيهِ:
ومررنا ببني طاحية فوثبوا عَلَيْنَا وتشبثوا بنا حَتَّى افتدينا منهم بشيء.
__________
1077- انظر الطبري 2: 441
__________
(1) م: المفضل.
(2) زاد في م: الدورقي.
(3) ط م س: حريث (في اكثر المواطن) .
(4) ط م س: شوارى.
(5) م س: فوقفت بهم، ط: فرفقت بهم.
(6) س: فأخذت.
(7) م: معهم.(5/420)
1078- وَحَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالا حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير بْن حازم حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الزُّبَيْر بْن خريت عَنْ أَبِي لبيد عَنِ الْحَارِث بْن قَيْس قَالَ، قَالَ لي ابْن زِيَاد: إنك قَدْ أحسنت وأجملت، فهل أَنْتَ صانع مَا أشير بِهِ عليك؟ قَدْ عرفت منزلة مَسْعُود بْن عَمْرو وشرفه وسنه وطاعة قومه لَهُ، فهل لَك فِي أَن تذهب بي إِلَيْهِ فأكون فِي داره فَهِيَ فِي وسط الأزد؟ قَالَ: فانطلقت بِهِ فَمَا شعر مَسْعُود بشيء حَتَّى دخلنا عَلَيْهِ وَهُوَ جالس يوقد لَهُ بقصب «1» عَلَى لبنة، وَهُوَ يعالج خفيه حَتَّى خلع أحدهما وبقي الآخر، فلما نظر فِي وجوهنا عرفنا فَقَالَ: إنّه كان يتعوّد «2» من طارق السوء وإنكما لمن طارق السوء، قَالَ الْحَارِث: فقلنا أتخرج «3» رجلا قَدْ دَخَلَ إليك متعوذًا بك؟ قَالَ: فأمره فدخل بَيْت عَبْد الغافر بْن مَسْعُود وامرأته خيرة بنت خفاف بْن عَمْرو، ثُمَّ ركب مَسْعُود من تَحْتَ ليلته ومعه الْحَارِث وجماعة من قومه فطافوا فِي الأزد وَهُمْ «4» فِي مجالسهم فَقَالُوا: إِن ابْن زِيَاد قَدْ فَقَدْ ولا نأمن أَن تلطخوا بِهِ، فأصبحوا فِي السلاح، فأصبحت الأزد فِي السلاح، وفقد النَّاس ابْن زِيَاد فقالوا: أين توجّه؟ ما هو الّا في الأزد، فَقَالَتْ عجوز من بَنِي عقيل: اندحس والله فِي أجمة أَبِيهِ- يَعْنِي الأزد- لأن أباه كَانَ فيهم أَيَّام «5» دار ابْن الحضرمي.
1079- قَالَ وهب فَقَالَ جَرِير بْن حازم: أقبلت الحرورية إِلَى الأزد فخرجوا إليهم فقاتلوهم حَتَّى نفوهم ومرج أمر النَّاس.
1080- وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير حَدَّثَنَا غسان بْن مضر عَنْ سَعِيد بْن يَزِيد أَن ابْن زِيَاد قَالَ لمسعود فِي بَعْض الليالي: ابعث إليّ رجلا من الأزد
__________
1078- الطبري 2: 442 وابن الأثير 4: 111
__________
(1) الطبري: بقضيب.
(2) م: يتعوذ بالله.
(3) م: أتحرج، س: أيخرج.
(4) وهم: سقطت من م.
(5) م: أمام.(5/421)
نستشيره، فبعث إِلَى رجل مِنْهُم يقال لَهُ حدش «1» الأعور، فجاء يجر ملحفته، فَقَالَ لَهُ مَسْعُود: هَذَا ابْن زِيَاد وَقَدْ بعث إليك يستشيرك، فَقَالَ لابن زِيَاد: والله مَا أتيتنا لمعروف صنعته «2» إلينا، ولقد كنت تقصينا وتهيننا وتذمنا وتقع فينا ثُمَّ لَمْ ترض حَتَّى جئتنا لتهريق دماءنا، ثُمَّ أقبل عَلَى مَسْعُود فَقَالَ لَهُ: أيها الشيخ الأحمق ادفن هَذَا ولا تره أحدا «3» من النَّاس حَتَّى تدسه فينطلق فيكون كطائر وقع ثُمَّ طار، فَقَالَ ابْن زِيَاد: أين كُنَّا عَنْ مثل هَذَا الرأي قبل اليوم؟ فأخرجه فِي نَحْو من ستين أَوْ سبعين من الأزد مَعَهُ.
1081- حَدَّثَنَا أَبُو خيثمة حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّبَيْر بْن خريت عَنْ خيرة بنت خفاف قَالَتْ: كَانَ ابْن زِيَاد يقبل عَلِي فيشكو بثه وَهُوَ فِي حجلتي، فَإِذَا أتته امرأته هند بنت أسماء الفزارية ضاحكها وحدثها وذهب عَنْهُ الهم حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يصبه شَيْء، وَكَانَ أرفق النَّاس كفًا، رقعت «4» يومًا ثوبًا لي فَقَالَ: مَا أرى لَك رفقًا «5» ، وأخذه فعالجه فَإِذَا أرفق النَّاس «6» .
1082- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جرير عَن أبيه عَن الزبير (888) ابن خريت قَالَ: بعث مَسْعُود مَعَ ابْن زِيَاد مائة عَلَيْهِم فروة بْن عُمَر حَتَّى قدموا بِهِ «7» الشام.
1083- وَحَدَّثَنِي أَبُو خيثمة حَدَّثَنَا وهب عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّبَيْر بْن خريت قَالَ: أقام ابْن زِيَاد عِنْدَ مَسْعُود نحوًا من ثلاثة أشهر.
1084- وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْن جرير عَن أبيه عَن الزبير
__________
1082- قارن بابن الأثير 4: 115 1084- الطبري 2: 444 وف: 1084 في ما تقدم.
__________
(1) م: حيش.
(2) م: ما أتيت المعروف الذي صنعته، س: ما أتيت المعروف الذي ... إلخ.
(3) ط م س: ولا تريه أحد.
(4) م: رفعت.
(5) س: رقعا.
(6) الناس: سقطت من س.
(7) به: سقطت من م.(5/422)
ابن خريت عَنْ أَبِي لبيد أَن أهل البصرة اجتمعوا فقلدوا أمرهم النعمان بْن صهبان الأزدي ثم الراسبي ورجلا من مضر ليختارا لَهُمْ رجلا يولونه عَلَيْهِم، فَقَالُوا: من رضيتماه لنا فَقَدْ رضينا بِهِ، قَالَ وهب وَقَالَ غَيْر أَبِي لبيد: إِن الرجل قَيْس بْن الهيثم السلمي، قَالَ:
وَكَانَ رأى المضري فِي بني أمية ورأي النعمان في بني هاشم، فَقَالَ النعمان للمضري: مَا أرى أحدًا أولى بِهَذَا الأمر من فُلان يَعْنِي رجلا من بني أميّة، قال: أو ذاك رأيك؟ قَالَ:
نعم قَالَ: فَقَدْ قلدتك أمري ورضيت بمن رضيت بِهِ، ثُمَّ خرجا إِلَى النَّاس فَقَالُوا لهما: مَا صنعتما؟ فَقَالَ المضري: رضيت بمن رَضِيَ بِهِ النعمان فمن سمى فأنا راض بِهِ، فَقَالَ النَّاس للنعمان: مَا تقول؟ فَقَالَ: مَا أرى أحدًا غَيْر عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث يَعْنِي ببة، فَقَالَ المضري:
مَا هَذَا الَّذِي سميت فَقَالَ: إنه لهو، فرضي النَّاس بببة وبايعوه.
1085- قَالَ وهب فحدثني ابن أبي عيينة عن سبرة بن النخف قال: بايعوا عبد الله ابن الحارث وغدت الأزد مع مَسْعُود للبيعة.
1086- وَحَدَّثَنِي خلف بْن سالم المخزومي حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير حَدَّثَنَا غسان بْن مضر عَنْ سَعِيد بْن يَزِيد عَنْ إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّهِ قَالَ: سارت الأزد وربيعة حَتَّى أتوا الْمَسْجِد، وصعد مَسْعُود بْن عَمْرو المنبر، ثُمَّ خرج وخرجنا فَإِذَا بمسعود عَلَى بغلته وَقَدِ ازدحم النَّاس عَلَيْهِ حَتَّى سقط، وأقبل ابْن الأزرق من قبل بَنِي سليم فِي نَحْو من أربعين يحكمون، فقصدوا لَهُ فضربوه بأسيافهم حَتَّى قتلوه، قَالَ خلف قَالَ وهب: فكان يقال إِن الأحنف بعث إِلَى الخوارج فحرضهم عَلَيْهِ.
1087- وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدورقي حَدَّثَنَا وهب بْن القاسم بْن الفضل الحداني قال: لما بايعوا عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث انطلقت الأزد مَعَ مَسْعُود للبيعة، ووقفت بَكْر بْن وائل بالمربد، فلما كَانَ الغد أراد بنو بَكْر أَن ينطلقوا للبيعة فأتاهم ناس من قومهم حرورية فَقَالُوا: لا تنطلقوا فإنا نخاف عليكم الحرورية إلا أَن ينطلق «1» معكم الأزد، فكلمت ربيعة مسعودًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ عَبْد الله بن حوذان: أتسير «2» معهم؟ قال: قد
__________
(1) م: تنطلق.
(2) ط م س: الا تسير.(5/423)
بايعنا أمس ووقفوا بالمربد فدعهم فلينطلقوا ونقف لَهُمْ بالمربد، فَإِن أتاهم شَيْء أعناهم وأغثناهم، فقالوا «1» لمسعود: لا بدّ من أَن تسير معنا، فَقَالَ لَهُ ابْن «2» حوذان: والله لئن ذهبت لا ترجع، والله لا أسير معك، فإنا لَمْ نخرج أمس حَتَّى ظننا أنك لا ترجع، فسار مَسْعُود معهم وتخلف ابْن حوذان وناس من الأزد، فلما كَانَ مَسْعُود بالرحبة ازدحم النَّاس عَلَيْهِ فلم يشعر حَتَّى أتاه قوم من الحرورية فقتلوه، وهرب النَّاس.
1088- حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنِي وهب بْن جَرِير عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُصْعَب بْن يَزِيد قَالَ: كَانَ مَسْعُود يدعو إِلَى بَنِي أمية وَقَدْ بايعه قوم، وكانت الخوارج قَدْ ظهرت بالبصرة وكانت تطلبه، فقتله قوم مِنْهُم وَقَدِ انصرف من الْمَسْجِد، فلما انصرفت الأزد وجدته فِي بَنِي منقر وَقَدْ مثل بِهِ، فرميت بِهِ بنو تميم، فاقتتلوا ثُمَّ اصطلحوا، واجتمع (889) أهل البصرة عَلَى عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث ببة فبايعوه ثُمَّ إنه كثر الشر والقتال فاعتزلهم.
1089- حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِير عَنْ مُحَمَّد بْن أبي عيينة قال:
حدّثت أنّ مسعودا لما قتل اجترته بنو منقر إِلَى «3» دور بَنِي إِبْرَاهِيم فأصبح وَقَدْ مثل بِهِ وأصبحت «4» بنو تميم ترمى بقتله.
1090- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا وَهْبُ أَخْبَرَنِي القاسم بْن الفضل الحداني عَنْ أشياخه قَالُوا: لما قتل مَسْعُود جعلت الأزد زِيَاد بْن عَمْرو العتكي رئيسا عَلَيْهِم، والمهلب بْن أَبِي صفرة يَوْمَئِذٍ غائب، فلما قدم أتاه زِيَاد فَقَالَ لَهُ: إني قَدْ كفيتك أمر قومك مَا غبت، فأمّا إذ شهدت فشأنك بِهِمْ، وجاءت الأزد فدخلت عَلَى المهلّب فقال لهم: ألجأتم هذا العبد وناويتم أهل بلدكم، فغضبت الأزد وَقَالَتْ: إِنَّمَا سيدنا من غضب لغضبنا ورضي لرضانا، ثُمَّ انطلقوا فشق ذَلِكَ عَلَى المهلب ومضى إِلَى ابْن الزُّبَيْر وأظهر أَنَّهُ كاتبه فِي القدوم عَلَيْهِ، واجتمعت تميم إِلَى الأحنف فقالوا: إنّ الأزد
__________
(1) ط م س: فقال.
(2) ط م: أبو.
(3) س: اجتر الى.
(4) س م: فأصبحت.(5/424)
قد اجتمعت علينا ولا بدّ من أَن تلي أمرنا فَقَالَ: لا إلا أَن تجعلوا الأمر إِلَى فَمَا أمضيته قبلتموه وأمضيتموه، اتّهمتم بقتل مَسْعُود وَلَمْ تنتفلوا «1» من دمه، فولوه أمرهم فسار بِهِمْ إِلَى المربد، واجتمعت الأزد وبكر بْن وائل فاقتتلوا ثُمَّ تواقفوا، فبعث الأحنف الى زياد بْن عَمْرو أَن هلم فرسوا بيننا صلحًا، وبعثوا بالغضبان (بْن) القبعثري الشيباني فأتى الأحنف فَقَالَ: تدي قتلاهم وتهدر قتلاك وتدي مسعودًا بمائة ألف، فَقَالَ الأحنف: أما قتلانا فندعهم وَأَمَّا قتلاهم فنديهم وَأَمَّا دِيَة مَسْعُود فكدية رجل مُسْلِم.
1091- وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم وأبو خيثمة زهير بْن حرب قَالا حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير أَنْبَأَنَا «2» حماد بْن زَيْد أنبأنا «3» خالد الحذّاء عن المثنّى بن عفّان قال: رأيت الأحنف يطوف فِي الْمَسْجِد عَلَى الحلق وَهُوَ يَقُول: إنكم تلقون عدوكم غدًا فاصبروا فإنهم يألمون كَمَا تألمون.
1092- وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا وهب حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُيَيْنَة قَالَ، حدثت أَن الأحنف قَالَ: يا معشر الأزد اتقوا اللَّه فإنا والله مَا نحن قتلنا مسعودا إِنَّمَا قتله الخوارج، قَالُوا: فإنا وجدناه عندكم فِي دوركم وَمَا نطلب بِهِ إلا من وجدناه عنده قتيلا وَفِي داره، قال الأحنف: فما الذي يرضيكم؟ قالوا: واحدة من ثَلاث، ترحلون فتلحقون بباديتكم وتخلون بيننا وبين المصر، أَوْ تقيمون الحرب بيننا وبينكم حَتَّى تكون الدار لنا أَوْ لكم، أو تدون مسعودا عشر ديات وتهدرون قتلاكم وتدون قتلانا، فَقَالَ الأحنف: أما هذه فَقَدْ قبلناها، وَأَمَّا الأخريان فلا، فدعا لَهَا أناسا من قومه فأبوا أَن يحملوها، فدعا لَهَا إياس بْن قَتَادَة فتحملها وأداها كلها من عطائه وأعطيات قومه وأمواله «4» ، فقال الفرزدق:
__________
1092- قارن بالفقرة: 1065 في ما تقدم.
__________
(1) س: تنتقلوا.
(2) م: أخبرنا ... أخبرنا.
(3) م: أخبرنا ... أخبرنا.
(4) وأمواله: سقطت من م.(5/425)
ومنا الَّذِي أعطى يديه رهينة ... لغار «1» نزار يَوْم ضرب الجماجم
كفى كُل أم مَا تخاف «2» عَلَى ابنها ... وهن قيام رافعات المعَاصِم
قال: وكان الأحنف قام في قومه يحرّضهم عَلَى الأزد فِي الليلة الَّتِي اقتتلوا فِي صبيحتها فكان ذَلِكَ مِمَّا تعلق بِهِ عَلَيْهِ.
1093- وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا وهب عَنِ القاسم بْن الفضل الحداني عَنْ أشياخه قَالُوا: لَمْ يزالوا «3» فِي أمرهم وَقَدِ أبوا أَن يدوا مسعودًا إلا دِيَة رجل من الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قدم القباع (890) ، وَهُوَ الْحَارِث بْن عَبْد اللَّهِ المخزومي، أميرًا من قبل عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر، فأخبر بأن الأحنف كره أَن يحمل دِيَة مَسْعُود مائة ألف، فَقَالَ: قَدْ تحملتها من بَيْت المال، فَقَالَتْ لَهُ الأزد: فمن يقوم لنا بِذَلِكَ؟ فدعا الأحنف إياس بْن قَتَادَة وَهُوَ ابْن أخته «4» فاصطلح النَّاس وودوا قتلى الأزد وهدروا قتلاهم، وأعطى القباع- وهو الحارث بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة بْن المغيرة- مائة ألف درهم من بَيْت المال فقام بِذَلِكَ إياس بْن قَتَادَة.
1094- وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدورقي حَدَّثَنَا وهب بْن جرير عَن أبيه عَن محمد ابن الزُّبَيْر قَالَ: وليهم عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث ببة أربعة أشهر، وخرج نَافِع بْن الأزرق إِلَى الأهواز فَقَالَ النَّاس لببة: قَدْ أكل بَعْض النَّاس بَعْضًا، تؤخذ المرأة من الطريق فتفضح فَمَا يمنعها أحد، قَالَ: فتريدون ماذا؟ قَالُوا: تشهر سَيْفك وتبسط يدك، فَقَالَ: مَا كنت لأصلح أمركم بفساد أمري، ثُمَّ انتقل ولحق بأهله وأمر النَّاس عَلَيْهِم عبيد اللَّه بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر التيمي أَخَا عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ.
1095- وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير بْن حازم حدثني أبي عن
__________
1095- الطبري 2: 580
__________
(1) م: لغاز، س: لعار (وقد مرّ ف: 1065: لغاري) .
(2) س: يخاف.
(3) خ بهامش ط س: لما نزلوا، وعلى «لم يزالوا» ضبة في م.
(4) ط م س: أخيه.(5/426)
صعب بْن يَزِيد أَن الطاعون الجارف وقع بالبصرة وعُبَيْد اللَّه بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر التيمي عَلَيْهَا، فماتت أمه فَمَا وجدوا من يحملها حَتَّى استأجروا لَهَا أربعة أعلاج فحملوها إِلَى حفرتها، وَهُوَ الأمير يَوْمَئِذٍ.
1096- وَقَالَ هشام ابن الكلبي: صلى بِهِمْ ببة أشهرا ثُمَّ أمروا عَلَيْهِم عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ فاستخلف أخاه.
1097- قَالُوا: وَكَانَ من موالي آل أَبِي سُفْيَان بْن حرب عَبْد اللَّهِ بْن هرمز مولى عنبسة وَكَانَ عَلَى ديوان الجند زمن الْحَجَّاج ثُمَّ ولده من بعده، وَلَهُ يَقُول القائل:
أعوذ بالله الأحد ... من هرمز وَمَا ولد
وَكَانَ قدرهم بالبصرة عظيمًا وَكَانَ لَهُمْ يسار، وعبد اللَّه بْن دراج مولى مُعَاوِيَة ولاه خراج الكوفة مَعَ معونتها وَكَانَ قدم مَكَّة أَيَّام ابْن الزُّبَيْر فقتله، فَقَالَ ابْن الزُّبَيْر الشاعر «1» :
أيها العائذ فِي مَكَّة كم ... من دم تسفكه من غَيْر دم
أيد عائذة معصمة «2» ... ويد تقتل من جاء الحرم
1098- وولد «3» سُفْيَان بْن أمية:
الْحَارِث، وطليقا، وحمنه وَهِيَ أم سَعْد بْن أَبِي وقاص، وَكَانَ لسفيان قدر فِي زمانه، وَكَانَ حَكِيم بْن طليق «4» من المؤلفة قلوبهم، أعطاه النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم حنين مائة من الإبل، وَكَانَ لَهُ ابْن يقال لَهُ مهاجر تزوج ابنته زِيَاد بْن سمية فدرج عقبة.
1099- وَكَانَ من بَنِي أَبِي سُفْيَان بْن أمية:
(سُفْيَان بْن) أمية بْن أَبِي سُفْيَانَ بْن أمية وَهُوَ الَّذِي قدم بموت عليّ عليه السلام إلى الحجاز.
__________
(1) يرد في الورقة 565/ أ.
(2) ط م س: معظمة، الأغاني: مفصمة.
(3) إزاء هذا بهامش ط س: صحّ، وهذا معطوف على ما رتبه في أول نسب بني أمية فلا يتوهم خلل.
(4) راجع ترجمته في أسد الغابة 2: 42(5/427)
1100- وولد العاص بْن أمية:
سعيدا أبا أحيحة، وأم حبيب تزوجها عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن أَبِي قَيْس من بَنِي عَامِر بْن لؤي خلف عَلَيْهَا بَعْد أخ لَهُ، وَكَانَ أَبُو أحيحة عظيم القدر عزيزًا فِي قومه وَكَانَ إِذَا اعتم «1» لَمْ يعتم أحد بمكة بلون عمامته إعظامًا لَهُ، وَكَانَ يقال لَهُ ذو التاج وذو العمامة، وَكَانَ عظيم النخوة «2» وأدرك النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما احتضر بكى «3» فَقَالَ لَهُ أَبُو جهل (891) وأبو لهب: مَا يبكيك؟ فَقَالَ: والله مَا أبكي جزعًا من الْمَوْت ولكن أخاف أَن يعبد إله ابْن أَبِي كبشة بعدي، فأبكي عَلَى العزى ومفارقتها، وَمَاتَ فدفن بالظريبة. وأم أَبِي أحيحة ريطة بنت البياع بْن عَبْد ياليل من كنانة.
1101- فمن ولد أَبِي أحيحة:
أحيحة بْن سَعِيد، قتل يَوْم الفجار قتلته خزاعة وَلَهُ عقب، وأمه هند بنت المغيرة، والعاص بْن سَعِيد، وعبيدة بْن سَعِيد قتلا يَوْم بدر كافرين، فأما عُبَيْدَة فقتله الزُّبَيْر وأمه صفية بنت المغيرة، وَأَمَّا العاص فقتله عَلِي بْن أَبِي طَالِب وأمه هند بنت المغيرة.
1102- وخالد بْن سَعِيد بْن العاص
ويكنى أبا سَعِيد وأمه ثقفية «4» وَكَانَ قديم الإِسْلام، رأى فِي منامه كَأَنَّهُ وقف عَلَى شفير جهنم فذكر من نعتها «5» مَا اللَّه بِهِ أعلم، ورأى كَانَ أباه جعل يدفعه فِيهَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِذٌ بحقويه لئلا يقع فِيهَا، فلقي أبا بَكْر فأعلمه ذلك فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْر: تدرك خيرًا، هَذَا رَسُول اللَّهِ فاتبعه فَإِن الإِسْلام هُوَ الَّذِي يمنعك من الوقوع فِي النار، وابوك واقع فِيهَا فَإِن أطعته واتبعته كنت مَعَهُ، فلقي خَالِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: يا مُحَمَّد إِلَى مَا تدعو؟ [فقال: الى
__________
1102- طبقات ابن سعد 4/ 1: 67- 68 وأسد الغابة 2: 90- 91
__________
(1) في اعتمام أبي أحيحة: انظر البيان 3: 97 وابن بدرون: 202 والعقد 4: 46 وأسد الغابة 2: 310 وربيع الأبرار: 370/ أ. والمستطرف 1: 125 (ط: 1300) .
(2) س م: البخور، ط: النخور، خ بهامش ط: النخوة.
(3) قارن بياقوت 3: 665
(4) س: نفيفه.
(5) ابن سعد وأسد الغابة: من سعتها.(5/428)
اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عبده ورسوله وخلع مَا أَنْتَ عَلَيْهِ من عبادة حجر لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا يعرف من عبده مِمَّن لَمْ يعبده،] فَقَالَ خَالِد: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلا اللَّه وَأَنَّكَ رَسُول اللَّهِ، فسر النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسلامه. ويقال أَنَّهُ رأى نارًا خرجت من زمزم فملأت الأفقين وسمع قائلًا يَقُول: هلكت اللات والعزى، فأتى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقص عليه رؤياه «1» ثُمَّ أسلم، ولما أسلم خَالِد تغيب، وبلغ أباه خبره فأرسل فِي طلبه إِلَى الطائف فلم يوجد بِهَا فأخبر أَنَّهُ بأعلى مَكَّة فِي شعب أَبِي دب الخزاعي، فأرسل إِلَيْهِ أبان وعمرًا أخويه ورافعًا مولاه فوجدوه قائمًا يصلي، فأتوه بِهِ فأنبه وبكته وضربه بعصا كانت مَعَهُ حَتَّى كسرها وَقَالَ: اتبعت محمدًا وأنت ترى خلافة لقومه وَمَا جاء بِهِ من عيب آلهتهم والزري «2» عَلَى من مضى من آبائهم وزعمه أَن بَعْد موتهم نارا يخلدون فِيهَا، فَقَالَ خَالِد: قَدِ اتبعته وَهُوَ والله صادق، فَقَالَ: أَوْ تصدقه أيضًا؟ فحدثه رؤياه فشتمه أَبُو أحيحة وَقَالَ: أذهب يا لكع حيث شئت فو الله لأمنعنك القوت، وأمر بنيه أَن لا يكلموه، ولقي أبا سُفْيَان بْن حرب فَقَالَ لَهُ: هدمت شرفك، قَالَ: بَل شيدته وعمرته، فَقَالَ: أَنْتَ غلام حدث ولو بسط عليك العذاب لأقصرت، فانصرف خَالِد فلزم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكثر تأنيب قريش لَهُ، ودخل أَبُو جهل عَلَى أَبِي أحيحة فَقَالَ لَهُ: والله مَا أدري أضعفت أم ضجعت الرأي أم أدركتك المنافية، فَقَالَ أَبُو أحيحة: والله لَقَدْ غاظني أمر مُحَمَّد وَإِنَّهُ لأوسطنا نسبًا، ولقد نشأ صادق الْحَدِيث مؤديا للأمانة، ولقد جاء بدين محدث فرق بِهِ جماعتنا وشتت أمرنا وأذهب بهاءنا، ولئن صدقني ظني فِيهِ ليخرجن إِلَى قوم يقوى بِهِمْ عَلَيْنَا، فَقَالَ أَبُو جهل: لا تقل هَذَا فَمَا الفرج لنا إلا فِي خروجه عنا وتحوله من دارنا حَتَّى تعود ألفتنا.
وروي «3» عَنْ أم خَالِد بنت خَالِد بْن سَعِيد أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ أَبِي خامسًا فِي الإِسْلام، تقدمه ابْن أَبِي طَالِب وزيد بْن حارثة وابن أبي قحافة وسعد (892) بن أبي وقّاص.
__________
(1) م: فقصّ روياه عليه.
(2) م وخ بهامش ط س: والإزراء.
(3) ابن سعد 4/ 1: 69 وأسد الغابة 2: 90(5/429)
1103- قَالُوا: وقدم عُثْمَان بْن الحويرث بْن أسد بْن عَبْد العزى بْن قصي عَلَى قيصر، وَكَانَ قَدْ رفض الأوثان وَمَاتَ عَلَى النَّصْرَانِيَّة، فكان ترجمان قيصر يحرف مَا يَقُول لَهُ عُثْمَان فلا يرى عِنْدَ قيصر مَا يحب، فبينا هُوَ يمر يوما فِي مدينة قيصر إِذْ سمع رجلا فِي زي الروم يتكلم بالعربية وينشد بيتا فَقَالَ لَهُ: يا هَذَا مِمَّن أَنْتَ؟ قَالَ: أنا عربي من بَنِي أسد فاكتم مَا سمعت، فشكا إِلَيْهِ جفوة قيصر فَقَالَ: قَدْ بلغني خبرك، وإِنَّما تؤتى من الترجمان، فدخل عُثْمَان عَلَى قيصر فدعا لَهُ الترجمان فَقَالَ: قل للملك إِن الكذوب الفاجر الغادر، قَالَ: الْمَلِك هيه، فالتزم عُثْمَان الترجمان يريد أَنَّهُ الموصوف بِهَذِهِ الصفة، فَقَالَ: إِن لِهَذَا العربي لقصة، فدعا لَهُ ترجمانا آخر فكلمه وأدى عَنْهُ إِلَى قيصر فَقَالَ: إني ضارب للملك ضريبة عَلِي قريش يؤدونها إِلَيْهِ كُل عام إذا جاءوا بتجاراتهم، فأتى مَكَّة فَقَالَ لقريش وغيرها: إِن قيصر يأمركم أَن تجعلوا لَهُ ضريبة عليكم وإلا منعكم من الدخول إِلَى بلاده، فزبروه وأغلظوا لَهُ وعابوا دينه، وَكَانَ أشدهم عَلَيْهِ أَبُو أحيحة والوليد بْن المغيرة ثُمَّ إِن أبا أحيحة قدم الشام ومعه أَبُو ذؤيب هِشَام بْن شُعْبَة بْن عَبْد اللَّهِ بْن أبي قيس أحد بني عامر ابن لؤي، وَكَانَ أَبُو ذؤيب ابْن أخته، فسعى بِهما عُثْمَان إِلَى قيصر وَقَالَ: إِن هذين اعترضا عَلِي وحملا قريشا عَلَى مخالفتي، فحبس قيصر أبا أحيحة والوليد وعدة من قريش، فمات أَبُو ذؤيب فِي الحبس، وتكلم عُثْمَان فِي الباقين فخلوا فَقَالَتْ أروى بنت الْحَارِث بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ «1» :
أبلغ لديك بَنِي عمي مغلغلة ... حربًا وعفان أهل الصيت والحسب
وابني ربيعة والأعياص كلهم ... واعمم بَنِي عَبْد شمس سادة العرب
مَا لي أراكم قعودًا فِي بيوتكم ... وخيركم منكم للجار ذي الجنب
وذو الحفاظ عَلَى جل الأمور إِذَا ... نابت نوائبها فِي شدة الكرب
أَبُو أحيحة محبوس لدى ملك ... بالشام فِي غير ما ذنب ولا ريب
__________
1103- قارن بالسيرة 1: 222- 224 وجمهرة الزبير بن بكار: 427 والورقة: 822 ب (من النسخة س) وبعضه في الروض الأنف 1: 146 (ط: 1914) .
__________
(1) الأبيات في الورقة 823/ أمن النسخة س ما عدا الرابع.(5/430)
لو كَانَ بعضكم فِي غَيْر محبسه ... ألفيتموهُ شديد الهم والنصب
إِن الَّذِي صده عنكم وثبطكم ... عَبْد لعبدٍ لئيم حق مجتلب
لو كَانَ منكم صميمًا فِي أرومتكم ... لشفَّه مَا عناكم غَيْر مَا كذب
1104- ومن ولد أَبِي أحيحة: عَمْرو بْن سَعِيد بْن العاص
ويكنى أبا عتبة، سمع قَوْل أخيه خَالِد ودعاه إِلَى الإِسْلام، فأتى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ، وهاجر خَالِد وعمرو إِلَى أرض الحبشة وأقاما بِهَا حَتَّى قدما مَعَ أَصْحَاب السفينتين حِينَ قدم جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب، فوافوا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ، وكلم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ فِي خَالِد وعمرو فأسهموا لهما في الغنيمة.
1102 ب- ويقال إِن خالدا هاجر إِلَى الحبشة ثُمَّ أتى عَمْرو النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم ولحق بخالد بالحبشة وولى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالدًا صدقات اليمن، ويقال «1» : ولاه أمر بَنِي زبيد خاصة، فتوفي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو باليمن وقدم «2» منها بَعْد أَن بويع أَبُو بَكْر، (893) فكان جالسًا فِي بيته نحوًا من ثلاثة أشهر فمر عَلَيْهِ أَبُو بَكْر مظهرًا وَهُوَ فِي داره فسلم فَقَالَ: أتحب أَن أبايعك؟ قَالَ أَبُو بَكْر:
أحب أَن تدخل فيما دَخَلَ فِيهِ النَّاس، فَقَالَ لَهُ: موعدك العشية، فجاءه وَهُوَ عَلَى المنبر فبايعه، وَكَانَ قَالَ حِينَ قدم من اليمن لعلي وعثمان: أرضيتم يا بَنِي عَبْد مناف بأن يلي عليكم الأمر غيركم؟ فاحتملها أَبُو بَكْر وحقدها عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُم، واستشهد خَالِد يَوْم مرج الصفر بالشام، ويقال أَنَّهُ استشهد يَوْم اليرموك، وَكَانَ مِمَّن كَتَبَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ووهب عَمْرو بْن معدي كرب لخالد سَيْفه الصمصامة وَقَالَ:
حبوت بِهِ كريما من قريش ... فسر بِهِ وصين عَنِ اللئام «3»
فأعطاه خَالِد خاتم ذهب كَانَ عَلَيْهِ.
__________
1104- قارن بابن سعد 4/ 1: 73 والسيرة 1: 323 وأسد الغابة 2: 91
__________
(1) المعارف: 296 وفتوح البلدان: 82
(2) طبقات ابن سعد 4/ 1: 70 وقارن بالطبري 1: 2079
(3) الاشتقاق: 49 وفتوح البلدان: 142(5/431)
وولّى رسول الله صلّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرو بْن سَعِيد قرى عربية «1» منها تبوك وخيبر وفدك واستشهد يَوْم أجنادين بالشام، ويقال: يَوْم فحل بالأردن، وأمه صفية بنت المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم.
1105- وأبان بْن أَبِي أحيحة:
ويكنى أبا الْوَلِيد وأمه صفيّة بنت المغيرة وكان مقيما بمكة حَتَّى قدم خَالِد وعمرو ابنا أَبِي أحيحة من أرض الحبشة، فكتبا إِلَيْهِ يدعوانه إِلَى الإِسْلام فأجابهما وخرج حَتَّى أتى الْمَدِينَةَ مسلمًا، وصار معهما إِلَى خيبر، وَكَانَ أبان أجار عُثْمَان بْن عَفَّان وأنزله حِينَ دَخَلَ مَكَّة فِي عمرة القضية، وأبان يَوْمَئِذٍ كافر، ولما رأى أَبُو أحيحة أَن عمرًا وخالدًا قَدْ أسلما غمه ذَلِكَ، فشخص إِلَى الطائف فاعتزل فِي مال لَهُ هناك، وَمَاتَ بَعْد الهجرة بسنة أَوْ سنتين وَلَهُ تسعون سنة، فلما غزا «2» رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطائف رأى ابو بكر قبر أبي أحيحة مشرفًا قَالَ: لعن اللَّه صاحب هَذَا القبر فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّن يحاد اللَّه ورسوله، فَقَالَ ابناه عَمْرو وأبان، وهما مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَل لعن اللَّه أبا قحافة فَإِنَّهُ كَانَ لا يَقري الضيف ولا يمنع الضيم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [سب الأموات يؤذي الأحياء فَإِذَا سببتم فعموا] .
1106- وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْن خربوذ «3» عن مشايخ اهل مكة انّ أبا أحيحة مَاتَ بالظريبة، وَكَانَ عَمْرو وخالد ابناه مهاجرين بالحبشة، فكتبا إِلَى أبان أخيهما يدعوانه إِلَى الإِسْلام واللحاق بهما فَقَالَ «4» :
ألا ليت ميتا بالظريبة شاهد ... لما يفتري فِي الدين عَمْرو وخالد
أطاعا بنا أمر الغواة فأصبحا ... يعينان من أعدائنا ما نكابد
__________
1105- ترجمة أبان ابن أبي أحيحة سعيد بن العاص في الاستيعاب وأسد الغابة والاصابة ...
__________
(1) م: عرنية (ياقوت: عرينة) وراجع في تحقيق هذا الاسم مقالة محمود شاكر في مجلة العرب ج 9 (1968) 790- 797.
(2) مغازي الواقدي: 925 وقول الرسول في الترمذي 1: 358 (ط: 1292) ومسند أحمد 4: 252
(3) م: جربوذ.
(4) السيرة 2: 260 وياقوت 3: 576 وأسد الغابة 1: 35 والاصابة 2: 91 والبيتان 1، 2 (على قافية الدال) في البكري: 904 والاول في الاصابة 1: 10 والأبيات الرائية في معظم المصادر المذكورة.(5/432)
فأجابه خَالِد:
أَخِي مَا أَخِي لا شاتم أنا عرضه ... ولا هُوَ عَنْ سوء المقالة يقصر
يَقُول إِذَا شدت عَلَيْهِ أموره ... ألا ليت ميتا بالظريبة ينشر
فدع عَنْك ميتا قَدْ مضى لسبيله ... وأقبل عَلَى الحق الَّذِي هو أحضر
فأسلم حِينَ قدم أخوه من الحبشة مَعَ جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب، ولحق برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وولاه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستشهد أبان يَوْم أجنادين بالشام، وَقَالَ بَعْضهم: توفي فِي سنة تسع وعشرين، وقيل إنه توفي يَوْم فحل بالشام، وَالأَوَّل أثبت.
1107- ومن ولد أَبِي أحيحة (894) سَعِيد بْن سَعِيد بْن العاص،
وأمه هند بنت المغيرة أخت صفية أم عَمْرو، فلحق سَعِيد بالمدينة بَعْد أبان فقلده النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْض أمره، واستشهد مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الطائف.
1108- والحكم بْن أَبِي أحيحة
وأمه هند بنت المغيرة، لحق بإخوته مسلمًا قبل الفتح فسماه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد اللَّهِ وجعله يعلم الحكمة بالمدينة واستشهد يَوْم مؤتة، ويقال يَوْم اليمامة، ويقال إنه تلقى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسلما فيمن تلقاه وَهُوَ يريد مَكَّة.
1109- وَكَانَ لأبي أحيحة فيما ذكر غَيْر «1» الكلبي ابْن يقال لَهُ عياش درج.
1110- ومن بَنِي أَبِي أحيحة: سَعِيد بْن العاص بْن سَعِيد بْن العاص بْن أمية،
وأمه أم كلثوم من ولد عامر بْن لؤي، ويكنى أبا عُثْمَان، ويقال أبا عَمْرو، وَكَانَ جوادًا مبرزًا، وولاه عُثْمَان بْن عَفَّان الكوفة فَقَالَ: ويل للأشراف منّي وقال: انّما السواد بستان لقريش «2» ، فأخرجه أهلها عَنْهَا، وولاه مُعَاوِيَة المدينة وولّاه الموسم، وفيه يقول الحطيئة «3» :
__________
(1) س: عن غير، أصل ط: عن، وفي الحاشية: غير.
(2) إنما السواد.. إلخ.. انظر هذا القول في ف: 1376.
(3) ديوان الحطيئة: 247 و 2، 3 في الخزانة 3: 438 والثاني في البيان 1: 315، 3: 116 وابن عساكر 6: 144(5/433)
سَعِيد وَمَا يفعل «1» سَعِيد فَإِنَّهُ ... نجيب فلاه فِي الرباط «2» نجيب
سَعِيد فلا يغررك قلة لحمه ... تخدد «3» عَنْهُ اللحم وَهُوَ صليب
إِذَا غاب عنا غاب عنا ربيعنا ... ونسقي الغمام الغرّحين يؤوب
وَكَانَ سَعِيد آدم خفيف اللحم لا ينزع قميصه، وَمَاتَ فِي سنة تسع وخمسين فَقَالَ فِيهِ إِبْرَاهِيم بْن متمم «4» بْن نويرة:
فدى لسعيد من أمِير وخلةٍ «5» ... ردائي وَمَا ضمت عَلَيْهِ الحمائل
أتاني ورحلي بالشربة أَنَّهُ ... توفي والأخبار حق وباطل
فأصبحت لا أدري أحيّ بغبطة ... فأفرح أم غالبته ثُمَّ الغوائل
1111- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الأعرابي عَنِ المفضل الضبي «6» أَن عبيد «7» بْن الحصين الراعي لما مدح سعيدًا بقصيدته الَّتِي يَقُول فِيهَا:
كريم تعزب العلات عَنْهُ ... إِذَا مَا حان يوما أَن يزارا
قَالَ لوكيله: كم عندك؟ قال: ثلاثة آلاف دينار، قال: ادفعها إِلَيْهِ، وأعتذر من قلتها.
1112- وَكَانَ سَعِيد بْن العاص حِينَ قتل أبوه العاص ببدر صغيرًا فكلفه عمه الحكم بْن سَعِيد، فرآه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ بالمدينة أَوْ بمكة فِي أَيَّام الفتح فَقَالَ لَهُ: من هَذَا الصَّبِيُّ؟ قَالَ: ابْن أَخِي، فمسح رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه ودعا بثوب يمان مسهم فكساه إياه، فقطعت لَهُ منه جبة، فسمي كُل ثوب مسهم مذ ذاك سعيديًا بسعيد بْن العاص، ويقال إنه كساه جبّة مسهّمة مخيطة.
__________
1112- قارن بالمعارف: 296 وابن عساكر 6: 132 والاصابة 3: 98
__________
(1) م: يفضل.
(2) ط م: الرياط.
(3) ط م س: تجرد.
(4) م: تميم، وشعره هذا في الورقة 1016 ب (من النسخة س) .
(5) س ط: وخالد، وهامش ط: خ وخلة.
(6) الأغاني 23: 348 وعنده أن القصيدة في مدح سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عتاب بْن أسيد.
(7) م: عبيد الله، وكانت كذلك في ط ثم جرى ترميج فوق الكلمة الثانية.(5/434)
1113- وَقَالَ هِشَام بْن الكلبي: كَانَ سَعِيد يوجه فِي كُل قليل إِلَى اليمن فيعمل لَهُ ثياب مسهمة تبركا بكسوة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان يلبسها ويكسو منها ويهدي.
1114- وَحَدَّثَنِي العمري عَنِ الهيثم بْن عدي عَنِ ابْن عياش عَنْ رجل من آل سَعِيد بْن العاص أَن الجبة الَّتِي كانت لسعيد من كسوة النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تزل عنده حَتَّى دفنت مَعَهُ.
1115- وَحَدَّثَنِي (895) الْمَدَائِنِي عَنْ أَبِي اليقظان قَالَ: كَانَ سَعِيد بْن العاص أول من خش الإبل، والخش أَن تجعل البرة فِي جوف عظم الأنف، وَهُوَ الخشاش، وَذَلِكَ لأنه كَانَ يسير إِلَى مُعَاوِيَة فجذب زمام ناقته فانخرمت البرة، فآلى أَن لا يركب بعيرًا إلا وَفِي يده عظم منه «1» ، فخشّ إبله.
1116- الْمَدَائِنِي عَنِ ابْن جعدبة عَنْ أَبِي الزناد قَالَ، قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر: أرسل الزُّبَيْر إِلَى سَعِيد بْن العاص يسأله قرض مائة ألف درهم فبعث بِهَا إِلَيْهِ، فلما قتل الزُّبَيْر قُلْت لسعيد: اقبض مَالِك فَإِنَّهُ بخواتيمه، قَالَ: ابعث بِهِ، قُلْت: أحب أَن تتولى قبضه، فلما صار إِلَى أخرجت المال إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا تريد؟ قُلْت: أريد أَن تدعه، فتركه وَلَمْ يأخذ منه درهما.
1117- وَحَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن صَالِح الْعِجْلِيُّ قَالَ سمعت سُفْيَان بْن عُيَيْنَة قَالَ: كلم سَعِيد بْن العاص فِي يتيم كَانَ يمونه أَن يزوجه فَقَالَ: والله مَا عندي مَا يحتاج إِلَيْهِ لتزويجه فادانوا عَلِي مَا يصلحه، فاستقرضوا عشرة آلاف درهم، فأتوا ابنه عَمْرو بْن سَعِيد وَهُوَ الأشدق حِينَ مَاتَ فأخبروه بالقصة فَقَالَ: سبحان اللَّه والله لو أَنَّهَا مائة الف لقضيتها فقضاها.
__________
1115- المعارف (نفسه) والبيان 1: 315 1117- قارن بالاغاني 1: 44
__________
(1) م: إلا خشه في عظم منه.(5/435)
قَالَ: وَكَانَ سَعِيد يسأل المال بالغًا مَا بلغ مِمَّا يسأله مثله، فَإِذَا لَمْ يكن عنده مال قَالَ لسائله: اكتب عَلِي ذكر حق.
1118- وَحَدَّثَنِي مَنْصُور بْن أَبِي مزاحم عَنْ شُعَيْب بْن صفوان قَالَ: لما احتضر سَعِيد بْن العاص قَالَ لابنه عَمْرو الأشدق «1» : انظروا في ديني، فوجدوه تسعين ألف دِينَار منها سبعون ألفا لمن سَأَلَهُ الرفد والصلة، فَإِذَا هُوَ قَدْ كتب بِذَلِكَ أجمع عَلَى نَفْسه صكاكًا، فحول عَمْرو تلك الصكاك عَلَى نَفْسه وقضاها.
1119- وَحَدَّثَنِي مَنْصُور عَنْ شُعَيْب وَحَدَّثَنِي عُمَر بْن بُكَيْر عَنِ الْهَيْثَمِ بْن عَدِيٍّ عَنِ الضحاك بْن رمل السكسكي قَالَ: خرج سَعِيد بْن العاص ذَات يَوْم من عِنْدَ مُعَاوِيَة مظهرًا، فبصر بِهِ رجل وَهُوَ وحده، فسار «2» مَعَهُ نَحْو منزله، فلما قرب منه قَالَ: ألك حاجة؟ قَالَ: لا ولكني رأيتك وحدك فأحببت أن أونسك وأصل جناحك، فتركه حَتَّى إِذَا وصل إِلَى منزله قَالَ لخازنه: كم عندك؟ قَالَ: ألفا «3» دِينَار، قَالَ: أعطه منها ألفا واحبس لنفقتنا ألفا، وَقَالَ: هَذَا لَك عندي فِي كُل سنة.
1120- الْمَدَائِنِي عَنِ ابْن أَبِي الزناد، قَالَ: سال ميزاب لسعيد بْن العاص فِي الطريق فَقَالَ رجل من الأنصار لَقَدْ آذتنا ميازيب سَعِيد فأمر بكل ميزاب لَهُ «4» أَن يحول إِلَى داره.
1121- حَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن صَالِح الْعِجْلِيُّ حَدَّثَنِي ابْن كناسة الأسدي عَنْ بَعْض ولد عنبسة بْن يَحْيَى بْن سَعِيد بْن العاص قَالَ: كَانَ سَعِيد سخيا عَلَى كبر فِيهِ، وَكَانَ يَقُول: إِن رجلًا بات ليله متململًا يراوح بَيْنَ شقيه يعرض النَّاس عَلِي نفسه أيّهم يراه
__________
1118- التذكرة الحمدونية: 157/ أ (نسخة برنستن) والعيون 1: 337 1119- قارن بالاغاني (نفسه) .
__________
(1) ط م س: عمرو بن الأشدق.
(2) م: فصار.
(3) س: ألف.
(4) له: سقطت من س.(5/436)
موضعًا لحاجته ورغبته، فاعتمدني دونهم بأمله واختارني لتنفيس كربته، لأعظم منة عَلِي من منتي عَلَيْهِ إِذَا قضيت حاجته وبلغته أمله.
1122- وَحَدَّثَنِي منصور بن أبي مزاحم عن شعيب بن صفوان عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن عمير قَالَ: لما حضرت سَعِيد بْن العاص الوفاة دعا ولده فَقَالَ أيكم يكفل ديني؟ فَقَالَ عَمْرو الأشدق: أنا أكفله، وكم هُوَ يا أبه؟ قَالَ: سبعون ألف دِينَار أَوْ تسعون ألف دِينَار، فَقَالَ: فيما ادنت هَذَا المال يا أبه؟ قَالَ: فِي لئيم اشتريت عرضي منه أَوْ كريم وفرت عرضه وسددت خلته، فدعا غرماءه فحول صكاكهم عَلَى نَفْسه، ثُمَّ قَالَ سَعِيد:
يا بَنِي لا تزوج بناتي إلا من أكفائهن (896) ولو بفلق خبز الشعير وانظر اخواني فلا تقطع وجوههم «1» عَنْك ولا معروفي الَّذِي كنت آتيه إليهم عَنْهُم.
1123- وَحَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَن «2» الْمَدَائِنِي عَنِ ابْن جعدبة وغيره قالوا، قال سَعِيد بْن العاص لابنه: يا بَنِي إني والله مَا شتمت رجلا مذ كنت رجلا ولا زحمته بركبتي ولا كلفت راجيا لمعروفي أَن يسألني فيبذل وجهه إِلَى.
1124- الْمَدَائِنِي عَنْ عوانة قَالَ: كَانَ «3» سَعِيد بْن العاص يَقُول: أربعة لا أبلغ مكافأتهم ولو خرجت إليهم من مالي كله، رجل قام لي فِي مجلس غاص بأهله فأجلسني مكانه، ورجل تخطى النَّاس إِلَى حَتَّى أتاني مسلما عَلِي لغير رغبة ولا رهبة، ورجل رآني منفردًا فانسني بحَدِيثه ووصل جناحي بمسايرته ومماشاته، ورجل فكر ليله فرآني موضعا لحاجته ورغبته فغدا إِلَى حَتَّى واجهني بمسألته.
1125- وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عَنْ أَبِيهِ عَنْ عوانة وابن خربوذ وغيرهما
__________
1122- ابن عساكر 6: 143 وأسد الغابة 2: 310 وانظر ما تقدم ف: 1118، ف: 392 1123- ابن عساكر 6: 143 1125- ابن عساكر 6: 143
__________
(1) ط م س: أخواتي ... وجوههن.
(2) س: الحسين.
(3) كان: سقطت من س.(5/437)
قَالُوا: كَانَ سَعِيد بْن العاص بْن سَعِيد بْن العاص بْن أمية يَقُول: قبح اللَّه المعروف إلا ابتداء «1» ، فأما إِذَا سألك الرجل حاجته وجبينه يرشح رشح السقاء والدم يكاد يبرز من وجهه مخاطرًا لا يدري أتقضيها لَهُ أم لا ولسانه معتقل «2» بحصر المسألة وذلّ الطلب، فو الله لو خرجت إِلَيْهِ من جَمِيع مَا أملكه مَا كافأته ولا بلغت مَا يستحقه.
1126- حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ (الْمُغِيرَةَ) الأَثْرَمُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَة قَالَ: لما طلب زِيَاد الفرزدق وهرب من البصرة أتى الْمَدِينَة فدخل عَلَى سَعِيد بْن العاص، فأنشده قَوْله فِيهِ وَهُوَ وال يَوْمَئِذٍ عَلَى الْمَدِينَة:
إليك هربت منك ومن زِيَاد ... وَلَمْ أحسب دمي لكما حلالا
ترى الغر الجحاجح من قريش ... إِذَا مَا الأمر فِي الأحداث عالا
قياما ينظرون إِلَى سَعِيد ... كأنهم يرون بِهِ الهلالا
فَقَالَ لَهُ مَرْوَان بْن الحكم وَكَانَ حاضرًا: لو جعلتنا قعودا، فَقَالَ: كلا يا أبا عَبْد الْمَلِك وإنك فيهم لصافن. وأنشد الفرزدق بلال بْن أَبِي بردة شعرًا لَهُ فِيهِ فَقَالَ لَهُ: هلا مدحتني بمثل مَا مدحت بِهِ سعيدًا وفلانا وفلانًا، قَالَ: جئني بحسب كأحسابهم «3» حَتَّى أقول فيك مثل قولي فيهم.
1127- وَحَدَّثَنِي العمري عَنِ الهيثم بْن عدي عَنِ ابْن عياش الهمداني أَن سَعِيد بْن العاص كَانَ جالسًا ومعه قوم وَهُوَ يحدثهم فسقط جدار عَلَى قوم فانفضوا إلا فتى ثبت مَعَهُ حَتَّى استتم حَدِيثه، فَقَالَ لغلامه: ادع وكيلنا، فلما جاءه قَالَ: أعط الفتى عشرة آلاف درهم لإعظامه حقنا وحسن مجالسته إيّانا.
__________
1126- قارن بالأغاني 21: 346 والخزانة 3: 73 وجمهرة العسكري 1: 209 والبيتان 2، 3 في الأغاني والخزانة وابن عساكر 6: 134 ومعجم الأدباء 7: 258 وانظر ما سبق ف: 593 وديوان الفرزدق: 150 (الفحام) .
__________
(1) ابن عساكر: إذا لم يكن ابتداء من غير مسألة.
(2) م: متعقل.
(3) خ بهامش س ط: حتى تحسن كإحسانهم.(5/438)
1128- وَحَدَّثَنِي بَعْض أهل العلم قَالَ: خرج هدبة بْن خشرم بْن كريز «1» بْن أَبِي حبة «2» بْن الأسحم بْن عامر بْن ثعلبة بْن قرة بْن حبيش بْن عَمْرو بْن ثعلبة بْن عَبْد اللَّهِ بْن ذبيان بْن الْحَارِث بْن سَعْد «3» بْن زَيْد «4» أَخِي عذرة بْن زَيْد «5» فِي نفر من بَنِي عمه وزيادة بْن زَيْد بْن مَالِك بْن ثعلبة من ولد الحارث بن سعد أيضًا فِي نفر من بَنِي عمه فِي سفر، ومع هدبة أخته فاطمة بنت خشرم ومع زيادة أخته أم القاسم، وَكَانَ هدبة وزيادة شاعرين راجزين فساق بهم زيادة وَهُوَ يَقُول:
عوجي عَلَيْنَا واربعي يا فاطما ... ألا ترين الدمع مني ساجما
فظن هدبة أَنَّهُ عرض بأخته فاطمة، ثُمَّ إِن هدبة ساق بِهِمْ فَقَالَ:
(897) لَقَدْ أراني والغلام الحازما ... نزجي المطي ضمرا سواهما
مَتَى تظن القلص الرواسما ... يدركن «6» أم قاسم وقاسما
فغضب زيادة، وَقَالَ هدبة: إني والله مَا ذهبت حيث ذهبت، ولا عنيت أختك ولقد عنيت أختي، وتشاتما ثُمَّ تناصيا، ووثب رهط هدبة ورهط زيادة فتضاربوا بالنعال، ثُمَّ أقبل كُل واحد منهما يهجو صاحبه، وجعلا يتفاخران، وجاء زيادة فِي قومه ليلا إِلَى هدبة فشجوا أباه عشرًا وعقروه فَقَالَ زيادة «7» :
شججنا خشرما فِي الرأس عشرا «8» ... ولم نرهب هديبة إذ هجانا
__________
1128- قارن بالحماسة 2: 12 (التبريزي) والشعر والشعراء: 581 والكامل 4: 84 والأغاني 21: 276 والخزانة 4: 84 (وفيها الأبيات) .
__________
(1) المصادر: كرز.
(2) المصادر: حية.
(3) ط م: سعيد.
(4) م: زائد، الأغاني: سعد بن هذيم.
(5) المعروف أن عذرة هو ابن سعد لا أخوه.
(6) ط م س: يذكرن، وما هنا بحاشية س ط.
(7) الحماسة 2: 12 والشعر والشعراء: 582
(8) الحماسة: سبعا.(5/439)
ثُمَّ اقتتل هدبة ورهطه وزيادة ورهطه، فقتل هدبة زيادة وجدع زيادة أنف هدبة، وهرب هدبة والنفر الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فلحقوا باليمن وَقَالَ «1» :
ألا ليت الرياح مسخرات ... لحاجتنا تباكر أَوْ تؤوب
فتخبرنا الشمال إِذَا التقينا ... وتخبر أهلنا عنا الجنوب
ثُمَّ إِن رهط زيادة استعدوا مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان عَلَى هدبة، فكتب لَهُمْ إِلَى سَعِيد بْن العاص، وَهُوَ عامل الْمَدِينَة، يأمره بإعدائهم عَلَى هدبة، وأن ينظر فِي دعواهم عَلَيْهِ، وأن يطلبه طلبا حثيثا، وأن يأخذ بِهِ أولياءه، فأخذ عمه وأهله فحبسهم فِي السجن حينا، فلما بلغ هدبة ذَلِكَ أتى السلطان فوضع يده فِي يده كراهة أَن يسلم عمه وأهله، فأمر سَعِيد بحبس هدبة وخلى سبيل من حبس بسببه ووهب لَهُمْ مالًا، وسأل أولياء زيادة سعيدًا أَن ينظر فِي أمرهم فأخر ذَلِكَ وأبطأ بِهِ، وَكَانَ هدبة قَدْ مدحه، وعرض عَلَيْهِم أَن يدي صاحبهم عَنْهُ ثَلاث ديات، فأبوا وَقَالُوا: ارفعنا إِلَى أمِير الْمُؤْمِنيِنَ مُعَاوِيَة، فَقَالَ هدبة «2» :
ألا يا لقوم «3» للنوائب والدهر ... وللمرء يردي نَفْسه وَهُوَ لا يدري
وللأرض كم من صَالِح قَدْ تلاءمت «4» ... عَلَيْهِ فوارته بداوية قفر
ولما دخلت السجن يا أم مَعْمَر ... ذكرتك والأطراف فِي حلق سمر
وَلَمْ يزالوا بسعيد حَتَّى حملهم إِلَى مُعَاوِيَة ودس إِلَى هدبة صلة وكسوة، ونظر مُعَاوِيَة فِي أمرهم فقضى بقود «5» هدبة، وكتب بِذَلِكَ كتابًا مَعَ أولياء زيادة إِلَى سَعِيد فجعل لَهُمْ سَعِيد «6» عشر ديات عَلَى أَن لا يقتلوه، فأبى «7» أخوه وأهل بيته ذَلِكَ فأخرج فقتل، وَقَالَ حِينَ أخرج:
__________
(1) الخزانة 4: 82- 83
(2) البيتان 1، 2 في الأغاني 21: 276، 287 والخزانة 4: 86 والثالث في الكامل: 4: 85
(3) الخزانة والأغاني: لقومي.
(4) الخزانة والأغاني: تأكمت.
(5) س ط: بقتل، خ بقود.
(6) فجعل لهم سعيد: سقط من س.
(7) م: فأبوا.(5/440)
إِن تقتلوني فِي الحديد فإنني ... قتلت أخاكم مطلقا غَيْر موثق
فقيل لسعيد لا تقتله إلا مطلقًا عَنْهُ حديده ثُمَّ قتل.
1129- ومن ولد سَعِيد بْن العاص: عَمْرو بْن سَعِيد
وَكَانَ سخيا لسنا «1» وقيل لَهُ الأشدق للقوة عرضت لَهُ فأمالت شدقه، وسمي أيضًا لطيم الجن ولطيم الشَّيْطَان «2» ، ويقال إِن مُعَاوِيَة دعاه فِي غلمة من بَنِي أمية فاستنطقهم فَقَالَ عَمْرو: إِن الابتداء مركب صعب ومع اليوم غد «3» ، ثُمَّ دعاه فتكلم بكلام أعجبه فَقَالَ: إِن ابْن سَعِيد لأشدق، وَهَذَا مِمَّا يقوله (898) ولده، وَكَانَ عَمْرو يكنى أبا أمية، وأمه أم البنين بنت الحكم بْن أَبِي العاص، وَهِيَ أخت مَرْوَان وعمه عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان، وَقَدْ ولى الْمَدِينَة ليزيد بْن مُعَاوِيَة.
[إخراج بَنِي أمية عَنِ الْمَدِينَة]
1130- حَدَّثَنِي «4» أَبُو هِشَام مُحَمَّد بْن يَزِيد الرفاعي حَدَّثَنِي عمي كثير «5» بْن مُحَمَّد أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّهِ بْن عياش الهمداني حَدَّثَنِي أمية بْن عَمْرو عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو المعيطي قَالَ: كتب ابْن الزُّبَيْر إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن مطيع فِي نفي بَنِي أمية عَنِ الْمَدِينَة إِلَى الشام، ومروان يَوْمَئِذٍ شيخهم وابنه عَبْد الْمَلِك ناسكهم ومن يصدرون عَنْ رأيه، وَكَانَ بعبد الْمَلِك يَوْمَئِذٍ جدري قَدْ ظهر بِهِ، فدخلهم من إخراجهم عَنِ الْمَدِينَة أمر عظيم، وَكَانَ ابْن الزُّبَيْر رجلًا إِذَا عرض لَهُ الرأي أمضاه من غير روية ولا مشاورة، فأشخصهم ابْن مطيع وحمل مَرْوَان ابنه عَبْد الْمَلِك عَلَى جمل وشده عَلَيْهِ شدا، ثُمَّ إِن وجوه قريش ومشايخهم اجتمعوا إِلَى ابْن الزُّبَيْر فَقَالُوا: بلغنا مَا أمرت بِهِ من إلحاق بَنِي أمية بالشام، وإنما بعثت عليك أفاعي «6» لا يبل سليمها، أمثل مَرْوَان وَبَنِي أمية يشخصون إِلَى الشام؟
فوجه ابْن الزُّبَيْر رسولا إِلَى ابْن مطيع بكتاب منه يأمره فِيهِ بإقرار بَنِي أمية بالمدينة وترك
__________
(1) ط س: لسينا.
(2) البيان 1: 122، 315- 316 والحيوان 6: 178 والبرصان: 275 والعقد 4: 409
(3) قارن بما قاله عثمان في ف: 1320
(4) في حاشية ط س هنا عنوان: اخراج بني أمية عن المدينة.
(5) م س: كبير.
(6) ط س م: أفاع.(5/441)
إشخاصهم، فاتبعهم حَتَّى وافاهم بأداني أرض الشام فعرض عَلَيْهِم الانصراف فأبوا، وَقَالَ عَبْد الْمَلِك «1» وَقَدْ نقه من مرضه للرسول: قل لأبي خبيب إنا نقول لا حول ولا قوة إلا بالله يصنع اللَّه. وَكَانَ فيمن شخص معهم عَمْرو بْن سَعِيد الأشدق وخاله مَرْوَان بْن الحكم، وَكَانَ معهم خَالِد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد بن أبي العاص بْن أمية فكانا خاصين بمروان وبعبد الْمَلِك، فوافوا الشام وَقَدْ بايع النَّاس لمعاوية بْن يَزِيد وَهُوَ كاره لِذَلِكَ، فلم يلبث مَرْوَان بَعْد ذَلِكَ إلا يسيرا حَتَّى مَاتَ مُعَاوِيَة بْن يَزِيد وبويع لَهُ بالخلافة، فبايع لابنه عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان ولعبد الْعَزِيز من بعده، وَكَانَ عَمْرو الأشدق أجد النَّاس فِي أمر مَرْوَان وأحسنهم معاونة ومكانفة لَهُ واجتهادا فِي صلاح أمره وإفساد أمر ابْن الزُّبَيْر، فقاتل مَعَهُ يَوْم المرج، ووجه ابْن الزُّبَيْر أخاه مُصْعَب بْن الزُّبَيْر إِلَى فلسطين فوجه مَرْوَان عمرًا الأشدق فِي جيش لهام فلقيه قبل أَن يدخلها فهزم مصعبًا وأَصْحَابه حَتَّى رجعوا إِلَى الْمَدِينَة، وَكَانَ مَرْوَان يعد عمرًا بالخلافة بعده، يستدعي بِذَلِكَ طاعته ويستنزل نصيحته، فكان يَقُول: الأمر لي بَعْد مَرْوَان فَقَدْ ولاني العهد، فلما استقام لمروان أمره ووجّه عمرا إِلَى ابْن جحدم عامل ابْن الزُّبَيْر عَلِي مصر- وَهُوَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عتبة بْن أَبِي إياس بْن الْحَارِث بْن عَبْد بْن أسد بْن جحدم بْن عَمْرو بْن عابس بْن ظرب بْن الْحَارِث بْن فهر- وفتحت مصر ورجع مَرْوَان إِلَى دمشق، قَالَ لحسان بْن مَالِك بْن بحدل الكلبي: إني أريد تولية عهدي عَبْد الْمَلِك وبعده عَبْد الْعَزِيز، وإن عَمْرو بْن سَعِيد يدعي أَنَّهُ الخليفة بعدي، وخالد بْن يَزِيد يدعي مثل ذَلِكَ، فَقَالَ حسان: أنا أكفيك أمرهما، وجمع النَّاس ثُمَّ قام فَقَالَ: يبلغ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ ويبلغنا أَن رجالا يتمنون الأماني ويدعون الأباطيل ويحدثون أنفسهم بِمَا لَمْ يجعله اللَّه لَهُمْ، وَمَا أولئك بالراشدين ولا المسددين، فقوموا أيها النَّاس فبايعوا لعبد الْمَلِك ابْن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ ولعبد الْعَزِيز من بعده، فقام النَّاس فبايعوا مسارعين غَيْر مثقلين من عِنْدَ آخرهم حَتَّى لَمْ يبق مِنْهُم أحد.
1131- الْمَدَائِنِي عَنْ خَالِد بْن عطية قَالَ: ولى يَزِيد بْن مُعَاوِيَة عَمْرو بن سعيد
__________
1131- الموفقيات: 152
__________
(1) سيرد في الورقة 495 ب (من س) .(5/442)
الْمَدِينَة فشكوه (899) إِلَى يَزِيد فعزله وولى مكانه عُثْمَان بْن مُحَمَّد بْن أَبِي سُفْيَان، فلما قرب من الْمَدِينَة تلقوه بذي خشب فشكوا إِلَيْهِ عمرًا، فلما قدم عُثْمَان خطبهم فمناهم ووعدهم ونال من عَمْرو وَقَالَ: مَا كَانَ قرشي ليفعل هَذَا بقريش «1» ، فَقَالَ عَمْرو من تحت المنبر: مهلا يا عثمان فو الله مَا أنا بحلو المذاق وإني لقمن المضرة، ولقد ضرستني الأمور وجرستني الدهور فزعًا مرة وأمنا مرة، وإن قريشا لتعلم أني ساكن الليل داهية النهار لا أتتبع الظلال ولا أنمّص حاجبي «2» ولا يستنكر شبهي «3» ولا أدعى لغير أَبِي.
1132- وقيل لعمرو بن سعيد إلى من أوصى بك أبوك؟ قَالَ: أوصى إِلَى وَلَمْ يوص بي.
1133- مقتل عَمْرو بْن سَعِيد بْن العاص:
قَالَ أَبُو مخنف فِي روايته وغيره: كَانَ عَمْرو بْن سَعِيد أشد النَّاس فِي أمر مَرْوَان حَتَّى ولي الخلافة وقاتل مَعَهُ الضحاك بْن قَيْس الفهري يَوْم مرج راهط، فلما مَاتَ مَرْوَان وبويع عَبْد الْمَلِك بالخلافة بلغه أَن مُصْعَب بْن الزُّبَيْر بْن العوام يريد الجزيرة متوجهًا من العراق، فسار عَبْد الْمَلِك حَتَّى شارف الفرات ومعه عَمْرو بْن سَعِيد الأشدق فَقَالَ لَهُ عَمْرو: إنك تشخص إِلَى العراق فَقَدْ كَانَ أبوك أوعدني «4» أَن يوليني الأمر بعده، وعلى ذَلِكَ قمت بشأنه وحاربت مَعَهُ، فاجعل لي الأمر بعدك، فلم يجبه عَبْد الْمَلِك بشيء مِمَّا يسره، فانصرف عَنْ عَبْد الْمَلِك وقصد إِلَى دمشق حَتَّى دخلها وَقَالَ: إِن مَرْوَان كَانَ ولاني عهده ولذلك قمت بنصره وصنعت مَا أنتم عالمون بِهِ، فبايعه عَبْد الله بن يزيد بن أسد بن كرز- وَهُوَ أَبُو خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ البجلي ثُمَّ القسري- ثُمَّ بايعه وجوه أهل دمشق ومالوا إِلَيْهِ لسخائه وجود كفه، وألقى عَلَى سور دمشق المسوح والخشب والكرابيس والفرش المحشوة وتهيّأ للحصار واستعدّ له، وبلغ عَبْد الْمَلِك خبره فانكفأ راجعًا يغذ السير ويجد فِيهِ حَتَّى أتى دمشق، وَقَدْ أغلق عمرو أبوابها
__________
1132- مرّ في ف: 299 وتخريجه هنا لك.
__________
(1) الموفقيات: بقرشي.
(2) ط م س: ولا أقمص حاجتي.
(3) ط: ولا تستنكر شبهي.
(4) كذا هو في النسخ.(5/443)
وجعل عَلَى شرطه عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد، فحاصره عَبْد الْمَلِك وَلَمْ يزل يراسله ويمنيه ويعده وضمن لَهُ أَن يوليه بَيْت المال والديوان ويجعل لَهُ ولاية الأمر بعده مقدمًا عَلَى عَبْد الْعَزِيز، وكتب بينه وبينه بِمَا شرطه لَهُ كتابًا، فخرج عَمْرو إِلَيْهِ وَهُوَ فِي عسكره وَكَانَ نازلًا فِي قصر بالمعسكر وأَصْحَابه حوله، فلما دَخَلَ عَلَيْهِ بسطه ووانسه ثُمَّ قَالَ: يا أبا أمية إني حلفت أَن أجعل فِي عنقك سلسلة وأوثقك بجامعة ثُمَّ لا بأس عليك، فأوثق وجعل السلسلة فِي عنقه، فَقَالَ عَمْرو: يا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أخرجني إِلَى النَّاس لأقوم فيهم بِمَا تحب وأقول مَا تريد، وإنما التمس أَن يخرجه من عنده فيخلصه «1» أَصْحَابه وكانوا مطيفين بالقصر، فَقَالَ عَبْد الْمَلِك: هيهات أمكرًا فِي السلسلة «2» أبا أمية، ثُمَّ قَالَ عَبْد الْمَلِك لبشر بْن مَرْوَان: قم فاقتله، فأبي، وَقَالَ لعبد الْعَزِيز: اقتله، فأبي، فأسمعهما وشتمهما وعجزهما ثُمَّ قَالَ لأبي الزعيزعة «3» البربري مولاه: خذه إليك فاقتله، فجره بالسلسلة فَقَالَ: ارفق ارفق، وأصاب «4» فمه الأرض وجذبه «5» فَقَالَ: فمي فمي فَقَالَ عَبْد الْمَلِك: اللَّهُمَّ أخزه فَمَا أحمقه يسأل الرفق ويشكو فمه وَهُوَ يجر للقتل، ثُمَّ قَالَ لأبي الزعيزعة: لا أنصرفن من الصلاة إلا وَقَدْ كفيتنيه، فقتله أَبُو (900) الزعيزعة قبل انصرافه، ذبحه ذبحا، فلما انصرف عَبْد الْمَلِك من صلاته أمر برأسه فاحتز ورمي بِهِ إِلَى أَصْحَابه الَّذِينَ حضروا بَاب القصر ومعهم يَحْيَى بْن سَعِيد أخوه، فشد يَحْيَى عَلَى الْوَلِيد بْن عَبْد الْمَلِك وَهُوَ قائم عَلَى بَاب القصر بالسَيْف، فلما رآه أدبر فضرب بِهِ إليته، فبادر الْوَلِيد فدخل، وأمن «6» عَبْد الْمَلِك النَّاس «7» أسودهم وأبيضهم وَلَمْ يعرض ليحيى فِي ذَلِكَ الوقت ولا لغيره، ودعا النَّاس إِلَى العطاء، ولحق يَحْيَى بْن سَعِيد بمصعب بْن الزُّبَيْر فصار مَعَهُ، فلما رآه مُصْعَب قَالَ:
يا يَحْيَى أفلت العير وانحصّ الذنب، قَالَ: إنه لبهلبه «8» .
__________
(1) م: فيحمله.
(2) هذا مثل، انظر: جمهرة العسكري 1: 34 والميداني 2: 176
(3) س: الزعزعة.
(4) م: وأصحب.
(5) ط م س: وخديه.
(6) س: وأمر، م: وابن.
(7) الناس: سقطت من م.
(8) فصل المقال: 447 والميداني 2: 12(5/444)
1134- وَحَدَّثَنِي هِشَام بْن عمار الدمشقي أَنْبَأَنَا صدقة بن خالد القرشي عن خالد ابن دهقان قَالَ: كَانَ عَمْرو بْن سَعِيد فِي عسكر عَبْد الْمَلِك وَقَدْ فصل من دمشق وَهُوَ يريد العراق فَقَالَ لَهُ: إِن أباك وعدني أَن يجعل لي الأمر بعده فبايع لَك ولعبد الْعَزِيز إِن كَانَ بعدك، فاجعل لي العهد بعدك، فقال له: يا لطيم الشَّيْطَان أَوْ أَنْتَ تصلح للخلافة؟ أَنْتَ ذو كبر وجبن وسرف وعجب وإفك ظاهر، لا ولا كرامة ولا نعمة عين، فانخزل عَنْهُ وأتي دمشق ودعا إِلَى نَفْسه، وَكَانَ سخيًا، فبويع وأغلق أبواب الْمَدِينَة واستعد للحصار، فرجع عَبْد الْمَلِك وترك وجهه ذَلِكَ، فحاصره وجعل يرسل إِلَيْهِ ويعده ويرفق بِهِ ويحلف لَهُ ليولينه عهده، فقبل ذَلِكَ وسكن إِلَيْهِ وخرج إِلَى عَبْد الْمَلِك، فيقال إنه دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي قصر كَانَ فِي عسكره وأَصْحَابه مطيفون «1» بِهِ فقتله من يومه.
1135- قَالَ صدقة، وَقَالَ غَيْر خَالِد بْن دهقان: أَنَّهُ فتح أبواب دمشق لعبد الْمَلِك فدخلها ونزل فِي دار الخلافة، وَكَانَ عَمْرو يركب إِلَيْهِ أيامًا، ثُمَّ إنه جعل فِي عنقه جامعة فَقَالَ لَهُ: يا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أنشدك اللَّه أَن تخرجني إِلَى النَّاس فِي هذه الجامعة فيروني، وإنما أراد أَن «2» يريه كراهته للخروج، يغريه ذَلِكَ بإخراجه فيخلصه أَصْحَابه، فَقَالَ أمكرًا فِي الجامعة أبا أمية؟ ثُمَّ أمر أبا الزعيزعة «3» بقتله فقتله، وجعل يَحْيَى بْن سَعِيد أخوه ومن كَانَ عَلَى بَاب القصر من أَصْحَابه يقولون: يا أبا أمية مَا خبرك؟ أسمعنا كلامك، فأمر عَبْد الْمَلِك برأسه فاحتز ورمي به اليهم فسكتوا «4» ، ووثب أَصْحَاب عَمْرو «5» عَلَى بَيْت المال بدمشق فانتهبوه فلم يعرض لَهُمْ عَبْد الْمَلِك فِيهِ حَتَّى إِذَا استقام الأمر أخذهم بِهِ فارتجعه وفضل مائة ألف درهم.
1136- قَالَ هِشَام: وسمعت بَعْض مشايخنا يحدث أَن عَبْد الْمَلِك خرج الى الصلاة
__________
(1) ط س: مطيفين، م: مصطفين.
(2) أن: زيادة من م.
(3) ط م: الزعزعة.
(4) ط س: فسكنوا.
(5) عمرو: إضافة من م.(5/445)
وأمر أبا الزعيزعة أَن يقتله قبل انصرافه من الصلاة، فلما ابتدأ عَبْد الْمَلِك صلاته ضج أَصْحَاب عَمْرو فَقَالُوا: أخرجوه إلينا، فوضع عَبْد الْمَلِك يده عَلَى أنفه كَأَنَّهُ قَدْ رعف ثُمَّ انسل فدخل القصر، وأمر برأس عمرو فاحتزّ وألقاه الى أصحابه فسكتوا «1» .
1137- وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَن الوليد بْن مُسْلِم حَدَّثَنِي رجل من ولد سَعِيد بْن العاص قَالَ: خرج عَبْد الْمَلِك إِلَى صلاة العصر وأقبل يحيى بن سعيد في خلق ينادون: يا أبا أمية أين أَنْتَ؟ اخرج إلينا، أسمعنا كلامك، فراع ذَلِكَ عَبْد الْمَلِك فَقَالَ: مَا أحسبني عَلَى طهر للصلاة، ودخل القصر كَأَنَّهُ يريد الطهور، وإذا عَمْرو مقتول، فأمر برأسه فألقي إِلَى أَصْحَابه والناس، ثُمَّ وضع لَهُمُ المال ودعاهم إِلَى العطاء فسكتوا.
1138- الْمَدَائِنِي عَنْ عَلِي بْن مجاهد عَنْ عَبْد الأعلى بْن ميمون بْن مهران قَالَ) : لما صَالِح عَمْرو بْن سَعِيد عَبْد الْمَلِك دَخَلَ عَبْد الْمَلِك دمشق فأقام بِهَا وعمرو يدخل عَلَيْهِ مكرما، فدخل عَلَيْهِ ذَات يَوْم فكلمه بكلام شديد، فأغلظ لَهُ عَمْرو وَقَالَ: إني لأحق بالخلافة منك فَإِن شئت فافسخ الصلح وأعد الحرب، فأمر (901) بِهِ فجعلت فِي عنقه سلسلة وأوثق بجامعة من فضة، ثُمَّ قَالَ لعبد الْعَزِيز بْن مَرْوَان: قم فاضرب عنقه، فأبي، فَقَالَ لأبي الزعيزعة مولاه: لا أرجعن من الصلاة إلا وَقَدْ قتلته وأرحتني منه، فخرج إِلَى صلاة العصر فلما انصرف وجد أبا الزعيزعة قَدْ ضرب عنقه، فأمر برأسه فِألقي إِلَى أَصْحَابه وكانوا مجتمعين يطلبونه ومعهم يَحْيَى بْن سَعِيد أخوه.
1139- وَقَالَ هِشَام بْن عمار: سمعت من يذكر أَن أبا الزعيزعة أدخل سَيْفه فِي ظهر عَمْرو حَتَّى أَخْرَجَهُ من بطنه ثُمَّ جذبه ففاضت نَفْسه.
1140- وَحَدَّثَنِي حَفْص بْن عُمَر عَن الْهَيْثَم بْن عدي عَنِ ابن عياش الهمداني وأبي خبّاب «2» قَالا، قَالَ قَبِيصَة بْن ذؤيب الخزاعي: كنت عند عبد الملك بن مروان أنا
__________
(1) ط م س: فسكنوا.
(2) ط م: جناب.(5/446)
وحسان بْن مَالِك بْن بحدل الكلبي وولده وأخواته وأبو الزعيزعة مولاه فجاء الآذن فاستأذن لعمرو بْن سَعِيد، فأذن لَهُ وجعل يَقُول «1» :
احذر عدوك أَن يَكُون صديقا ... وإذا هممت بقتله فتمكّن
أدنيته منّي ليسكن رعوعه ... فأصول صولة حازم مستمكن
غضبا ومحمية لديني إنه «2» ... لَيْسَ المسيء سبيله كالمحسن
ثُمَّ التفت «3» إِلَى وإلى حسان فَقَالَ إِن شئتما فقوما، فلما نهضنا وَقَدْ أقبل عَمْرو قَالَ عَبْد الْمَلِك وَهُوَ يتضاحك: يا حسان أَنْتَ أطول من قَبِيصَة، ثُمَّ خرجنا فَقَالَ حسان: هُوَ والله قاتله، إِن عَبْد الْمَلِك رجل لَيْسَ فِي منطقه فضل وإنما مازحنا ليؤنسه ثُمَّ يثب بِهِ.
قَالَ: وسلم عَمْرو ثُمَّ جلس مَعَ عَبْد الْمَلِك عَلَى سريره فحادثه ساعة ثم أقبل ابو الزغيزعة فأخذ السَيْف عَنْ عاتقه فَقَالَ: يا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أيؤخذ سَيْفي؟ فضحك عَبْد الْمَلِك ثُمَّ قَالَ: أَوْ تطمع لا أبا لغيرك أَن تقعد معي بسَيْف بَعْد الَّذِي كَانَ منك؟ فأطرق عَمْرو ثُمَّ قَالَ لَهُ عَبْد الْمَلِك: يا أبا أمية إني كنت أعطيت اللَّه عهدًا إِن ملأت عيني منك مستمكنا أَن أجمع يديك إِلَى عنقك ثُمَّ أثقلك حديدًا، فَقَالَ عَبْد الْعَزِيز بْن مَرْوَان: ثُمَّ تصنع ماذا يا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ؟ قَالَ: ثُمَّ أطلقه وَمَا عسيت أَن أصنع بأبي أمية؟ قم يا أبا الزعيزعة فأت بجامعة وقيد، فأتى بهما وكانا قَدْ أعدا لَهُ فصيرهما فِي عنقه ورجليه، فَقَالَ عَمْرو:
نشدتك اللَّه يا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أَن تخرجني فيهما عَلَى رءوس النَّاس، فقال: أو مكرا يا أبا أمية، لعمري مَا أخرجك فيهما ولا أخرجهما منك إلا صعدا، ثُمَّ جذبه أَبُو الزعيزعة جذبة سقط منها عَلَى وجهه فأصابت قائمة السرير ثنيته فانكسرت، فَقَالَ: يا عَبْد الْمَلِك نشدتك اللَّه أَن يدعوك كسر عظم مني إِلَى أَن تركبني «4» بأشد منه، فقال: يا أبا أميّة لو
__________
(1) البيتان: 2، 3 في ف: 1145 والبيان 4: 61 وحماسة البحتري رقم: 53 والطبري 2: 795 وابن الأثير 4: 250 والمروج 5: 237 وابن كثير 8: 310 والثاني في اليعقوبي 2: 323
(2) إنه: سقطت من س.
(3) قارن باليعقوبي 2: 323 والطبري 2: 787 وابن الأثير 4: 246 والعقد 4: 408
(4) م: توليني.(5/447)
علمت أَن العرب والعجم يبقون هملا ويصلح أمر قريش فَقَط لفديتك بدم النواظر، ولكنه والله مَا اجتمع فحلان فِي هجمة قط إلا قتل أحدهما صاحبه «1» ، قم يا عَبْد الْعَزِيز فاضرب عنقه، وخرج عَبْد الْمَلِك لصلاة العصر فَإِذَا يَحْيَى بْن سَعِيد قَدْ وافى فِي ألف من مواليه من أهل حمص، فلما أحس بِهِ عَبْد الْمَلِك أمسك أنفه بيده كالرعيف وقدم ابْن أم الحكم الثقفي وَكَانَ خلفه، فصلى ابْن أم الحكم بالناس، ودخل عَبْد الْمَلِك القصر فَقَالَ لعبد الْعَزِيز: مَا صنعت؟ قَالَ: يا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ ناشدني اللَّه والرحم فكرهت قتله، فَقَالَ: أخزى اللَّه أمك البوالة عَلَى عقبيها فإنك لَمْ تشبه غيرها- وكانت أمه ليلى بنت زبان «2» بْن الأصبغ الكلبي- أدنه يا غلام، فأضجع لَهُ ثُمَّ ذبحه بيده بالسَيْف ذبحًا وَهُوَ يَقُول «3» :
(902) يا عَمْرو إلا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حيث تقول الهامة اسقوني
قَالَ: وانقضت الصلاة وخرج يَحْيَى بْن سَعِيد إِلَى الباب فِي مواليه وأَصْحَابه، فكثر ضجيجهم وجعلوا يقولون: أسمعنا صوتك يا أبا أمية، فخرج إليهم الْوَلِيد بْن عَبْد الْمَلِك فِي موالي عَبْد الْمَلِك وغيرهم فناوشوهم فأصابته ضربة عَلَى إليته وَذَلِكَ الصحيح- ويقال عَلَى رأسه- فأخذه ابْن أرقم «4» فأدخله بيتا وأجاف عَلَيْهِ الباب، ودخل عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أم الحكم من بَاب الْمَسْجِد فقال لعبد الملك: أيّها الرجل مَا صنعت فَقَدْ جل «5» الخطب؟ قَالَ: قتلته، قَالَ: أصاب اللَّه بك الخير والرشد «6» ، فأخذ ابْن أم الحكم الرأس فرمى بِهِ إِلَى أَصْحَاب الأشدق فانكسروا حِينَ يئسوا منه، وأمر عَبْد الْمَلِك ببيت المال ففتح ونادى فِي النَّاس أَن أحضروا أعطياتكم، فأقبل النَّاس وتركوا مَا كَانُوا فِيهِ.
ووضع لعبد الْمَلِك سرير فخرج فجلس عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُول: أين الْوَلِيد والله لئن كانوا أصابوه
__________
(1) قارن بما في البصائر 1: 21
(2) ط م س: زياد، وسترد «زبان» في الورقة 507 ب (من س) .
(3) انظر ف: 1142 والنقائض: 387، 762 والشعر والشعراء: 597 والكامل 1: 374 والمفضليات: 321 والعقد 1: 328 والطبري 2: 791 وابن الأثير 4: 248 والأغاني 3: 108 (والبيت لذي الاصبع العدواني) .
(4) الطبري: ابراهيم بن عربي.
(5) ط س: حلّ.
(6) م: خيرا ورشدا.(5/448)
لَقَدْ أدركوا ثأرهم، فأخبر بمكانه وأنه لَمْ يصب فأمسك «1» ، وأمر عَبْد الْمَلِك فنودي: من أتى بيحيى بْن سَعِيد أَوْ بأحد من ولد سَعِيد فله ألف دِينَار فأخذوا جميعا من ساعتهم فأمر بإشخاصهم إِلَى الكوفة فصار يَحْيَى مَعَ مُصْعَب بْن الزُّبَيْر.
1141- الْمَدَائِنِي عَنْ سحيم بْن حفص قَالَ: انتدب قوم يقاتلون عَنْ عَمْرو بْن سَعِيد فبعث إليهم عَبْد الْمَلِك قومًا فقاتلوهم وعليهم خَالِد بْن الحكم بْن أَبِي العاص.
1142- قَالُوا: وَقَالَ عوانة بْن الحكم: كَانَ عَبْد الْمَلِك يتمثل قبل قتل عَمْرو.
يا عَمْرو إلا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حَتَّى تقول الهامة اسقوني
1143- وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بن هشام الكلبي عن أبيه عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاس أَنَّهُ بلغه قتل عَبْد الْمَلِك عمرًا الأشدق فَقَالَ: أيها النَّاس إِن عَبْد الْمَلِك قتل ابْن عمه وابن عمته بَعْد أَن آمنه «2» فلا تأمنوه ولا تصدقوه. قَالُوا: وَكَانَ ابْن الحنفية قَدْ شخص يريد عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان، فلما بلغه قتله عمرا بَعْد الَّذِي أعطاه من المواثيق استوحش فانصرف إِلَى الحجاز.
1144- وَقَالَ يَحْيَى بْن الحكم بْن أَبِي العاص، ويقال بشر بْن مَرْوَان:
أعيني جودا بالدموع عَلَى عَمْرو ... عشية شددنا الخلافة بالغدر «3»
كَانَ بَنِي مَرْوَان إذ يقتلونه ... بغاث من الطير اجتمعن عَلَى صقر
فرحنا وراح الشامتون بنعشه ... كأن على أكتافها فلق الصخر
__________
1141- سيرد في الورقة: 505 ب (من س) .
1142- انظر ما سبق ف: 1140 1144- شعر يحيى بن الحكم أو بشر في المروج 6: 218- 219، والأبيات 2، 3، 5 في الأخبار الطوال:
295 والثاني في الحيوان 6: 315 وحماسة البحتري رقم: 713 (وتنسب في المروج لأخت عمرو) . اما الأول من بيتي يحيى بن سعيد فهو في حماسة البحتري والمروج والأخبار الطوال، والثاني يرد في الورقة 512 ب.
__________
(1) م: وأمسك.
(2) م س: آمنوه.
(3) المروج: بالقهر.(5/449)
لحا اللَّه دنيا تدخل النار أهلها ... وتهتك مَا دُونَ المحارم من ستر
وَمَا كَانَ عمرو عاجزا غير أنه ... أتته المنايا بغتة وَهُوَ لا يدري
وَقَالَ يَحْيَى بْن سَعِيد أَخُو الأشدق:
غدرتم بعمرو يا بَنِي خيط باطل ... ومثلكم «1» يبني البيوت عَلَى الغدر
وددت وَبَيْت اللَّه أني فديته ... وعبد الْعَزِيز يَوْم يضرب فِي الخمر
وَكَانَ مُصْعَب بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف ضرب عَبْد الْعَزِيز فِي شراب، ويقال بَل حدة عَمْرو بْن سَعِيد.
1145- وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حَدَّثَنَا وهب بْن جرير بْن حازم عَن أبيه عن أشياخه قَالَ: بايع عَبْد الْمَلِك أهل الشام والجزيرة إلا زفر بْن الْحَارِث الكلابي فَإِنَّهُ غلب عَلَى قرقيسياء وتحصن بِهَا، فخرج إِلَيْهِ (903) عَبْد الْمَلِك وخلف بعقبه عمرًا الأشدق، فغلب عَلَى دمشق وأغلق أبوابها وأعطى أهلها عطايا كثيرة، فرجع عَبْد الْمَلِك حِينَ أتاه الْخَبَر، فأغلق عَمْرو أبواب الْمَدِينَة وتحصن، فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمَلِك: إنك قَدْ أفسدت أمر أهل بيتك وأطمعت فيهم عدوّهم (و) فيما صنعت قوة لابن الزُّبَيْر، أرجع إِلَى بيعتك وطاعتك، فإني اجعل لَك العهد وأنفذ كُل مَا أعطيت من الأَمْوَالِ، فرضي وفتح الأبواب ودخل عبد الملك المدينة، ومع عمرو خمسمائة رجل ينزلون حيث نزل، فَقَالَ عَبْد الْمَلِك لحاجبه: ويحك أتستطيع إِذَا جاء عَمْرو بْن سَعِيد أَن تغلق الباب دُونَ أَصْحَابه؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فأفعل، وَكَانَ عَمْرو عظيم الكبر لا يرى لأحد عَلَيْهِ فضلًا ولا يلتفت إِذَا مشى، فلما جاء فتح لَهُ الحاجب، وأعوانه بالباب دُونَ أَصْحَاب عَمْرو، ومضى وَهُوَ لا يلتفت وَهُوَ يظن أَن أَصْحَابه قَدْ دخلوا مَعَهُ كعادتهم، فعاتبه عَبْد الْمَلِك طويلًا وَكَانَ قَدْ أوصى أبا الزعيزعة صاحب شرطه أَن يضرب عنقه، فكلمه عَبْد الْمَلِك فأغلظ لَهُ فَقَالَ لعبد الْمَلِك: أتستطيل عَلِي كأنك ترى أَن لَك عَلِي فضلا، إِن شئت
__________
1145- المروج 5: 234
__________
(1) المروج وحماسة البحتري: وكلكم.(5/450)
نقضت العهد بيني وبينك ثُمَّ نصبت لَك الحرب، فَقَالَ عَبْد الْمَلِك: فَقَدْ شئت، فَقَالَ عَمْرو: قَدْ فعلت، ثُمَّ قَالَ عَبْد الْمَلِك: يا أبا الزعيزعة شأنك بِهِ، فنظر عَمْرو فَإِذَا لَيْسَ أَصْحَابه فِي الدار، فسقط فِي يده، فدنا من عَبْد الْمَلِك فَقَالَ: وَمَا يدنيك مني؟ قَالَ:
أستعطفك بِمَا بَيْنَ الرحم والقرابة، فَقَالَ لأبي الزعيزعة: إيه، فقتله أَبُو الزعيزعة فَقَالَ عَبْد الْمَلِك: ارموا برأسه إِلَى أَصْحَابه، فلما رأوه تفرقوا، وخطب عَبْد الْمَلِك فذكر عمرا وشقاقه وَمَا جنى بعقوقه ومروقه وادعائه مَا لَيْسَ لَهُ حَتَّى قتله، وأنشد «1» :
أدنيته منى ليسكن نفره ... وأصول صولة حازم مستمكن
غضبا ومحمية لديني إنه ... لَيْسَ المسيء سبيله كالمحسن
وَكَانَ «2» عَبْد الْمَلِك إِذَا توعد «3» رجلا قَالَ: إِن جامعة عَمْرو عندي، والله لا يدخل فِيهَا عنق رجل فيخرج منها إلا صعدا، وَقَالَ هذه المقالة فِي خطبته بالكوفة.
1146- ومن ولد سَعِيد بْن العاص سِوَى الأشدق: يَحْيَى بْن سَعِيد
ويكنى أبا أيوب، وَهُوَ الَّذِي ضرب الْوَلِيد بْن عَبْد الْمَلِك ولحق بمصعب، فكان عَبْد الْمَلِك مغيظا عَلَيْهِ، فلما قتل مُصْعَب آمن النَّاس كلهم إلا نفرًا يَحْيَى أحدهم ثُمَّ كلم فِيهِ فتركه، وولده بالكوفة وواسط.
1147- قَالَ هِشَام ابن الكلبي: لما ولد يَحْيَى بْن سَعِيد استرضع في بَنِي كنانة، فأتاه قوم من كنانة فِي حمالة فمتوا «4» إِلَيْهِ بالرضاع فلم يصنع بِهِمْ خيرًا، فَقَالَ بَعْضهم «5» :
وربتك منا كهلة نوفلية ... لَهَا فِي بَنِي الديل الكرام عروق
رأيت أبا أيّوب للصهر منكرا ... وما أنت يا يحيى لذاك خليق
__________
(1) انظر ما تقدم ف: 1140
(2) البيان 2: 244 والورقة 561 ب (من س) .
(3) س: تواعد.
(4) س: فمنوا، م: فمثوا.
(5) الأبيات في م بترتيب: 3، 1، 2(5/451)
غذوناك يا يحيى فكان جزاءنا ... لَك الخير فيكم جفوة وعقوق
فاعتذر وقضى حاجتهم «1» .
1148- ومن ولد يَحْيَى بْن سَعِيد هَذَا (904)
عنبسة بْن يَحْيَى
الَّذِي يَقُول فِيهِ الشاعر العدواني «2» :
إِذَا مَا جئت عنبسة بْن يَحْيَى ... رجعت مقلدًا خفي حنين
يظنك حِينَ تطلبه لأكل ... غريما جاء يطلبه بدين
فَمَا هُوَ بالمؤمل من قريش ... ولا هُوَ فِي بَنِي العاصي بزين
1149- وسعيد بْن يَحْيَى بْن سَعِيد
وولده فِي جعفي وَكَانَ شريفًا، وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِي عن علي بن مجاهد عن عبد الأعلى بْن ميمون بْن مهران قَالَ: حبس عَبْد الْمَلِك سَعِيد بْن يَحْيَى بْن سَعِيد أربعين يومًا ثُمَّ دعا بِهِ وعنده رجال من خاصته فشاورهم فِي قتله فَقَالَ بَعْضهم: اقتله، وَقَالَ بَعْضهم: لا تقتله، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بن مسعدة الفزاري: إِن لَهُ يا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ رحما وقرابة، والعفو أقرب للتقوى، وأنت أحق بالفضل، فمن عَلَيْهِ وسيره إِلَى عدوك تكف أمره بخيل من خيلك، فلحق بعَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر فَقَالَ لَهُ: الحق بمصعب.
1150- ومحمد بْن سَعِيد بْن العاص
وولده بالشام وأمه أم الأشدق.
1151- وعبد اللَّه بْن سَعِيد
وولده بالكوفة وواسط وهو الَّذِي مدحه الأخطل فَقَالَ «3» :
فمن يك سائلا ببني سعيد ... فعبد الله أكبرهم نصابا
__________
1149- قارن بالطبري 2: 792
__________
(1) ط م: حاجته.
(2) البيتان 1، 3 في المؤتلف والمختلف: 295 (واسم الشاعر النابغة العدواني) .
(3) ديوان الأخطل: 55(5/452)
أيجمع «1» نوفلا وَبَنِي عكب «2» ... كلا الحيين أفلح من أصابا
فَقَالَ عَبْد الْمَلِك: كذب الأخطل، عُثْمَان بْن سَعِيد أكبرهم نصابا. وأم عُثْمَان بْن سَعِيد ابنة عُثْمَان بْن عَفَّان وولده بالكوفة، وأم عَبْد اللَّهِ «3» بنت جُبَيْر بْن مطعم بْن عدي بْن نوفل بْن عَبْد مناف، وأم أمه من بَنِي عكب من بَنِي تغلب «4» .
1152- وعنبسة بْن سَعِيد بْن العاص:
وَكَانَ أثيرًا عِنْدَ الْحَجَّاج وَلَمْ يزل مَعَهُ لا يفارقه، وأمه أمة يقال لَهَا عصماء، وولده بالمدينة والكوفة، وبقي بَعْد الْحَجَّاج وَمَاتَ وَقَدْ هرم، ويكنى أبا خَالِد.
1153- قَالُوا: ولما ولد عنبسة قَالَ سَعِيد ليحيى ابنه: انحله قَالَ: وَمَا انحله وَهُوَ ابْن أمة؟ فنحله دجاجة فَقَالَ سَعِيد: لئن صدق القائل ليكونن «5» أكثرهم ولدا.
1154- ومن ولد عنبسة عَبْد اللَّهِ بْن عنبسة،
وَكَانَ بمكة قبل أَيَّام دَاوُد بْن عَلِي وَهُوَ والي الحجاز، وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عنبسة بْن سَعِيد كَانَ شريفًا بالكوفة.
1155- وأبان بْن سَعِيد بْن العاص بْن (أَبِي) أحيحة:
كَانَ «6» ينزل أيلة للعزلة فخطب عَائِشَة ابنة عُثْمَان «7» بْن عَفَّان فَقَالَتْ: مَا أنزله أيلة الّا سقوطه وتمثّلت:
مقيم بجحر الضبّ لا أنت ضائر ... عدوّا ولا مستنفعا أنت نافع
__________
1153- ربيع الأبرار: 295/ أ.
1155- الحيوان 6: 104- 105 والبيان 3: 300 وحماسة البحتري رقم: 1123 والأغاني 11: 182
__________
(1) م: أتجمع.
(2) ط س: علي، م وخ بهامش ط: عكب.
(3) ط م: عبد الملك.
(4) اضطرب ترتيب هذه العبارة في س، (وقوله: وأم أمه من بَنِي عكب من بَنِي تغلب: سقط من م) .
(5) م: لتكونن.
(6) س: وكان.
(7) الأغاني: عائشة بنت طلحة.(5/453)
وَلَهُ يَقُول عَبْد اللَّهِ بْن عنبسة بْن سَعِيد وَهُوَ ابْن أخيه:
أتركت طيبة رغبة عَنْ أهلها ... ونزلت منتبذًا بدير القنفذ «1»
فأجابه:
أوطنت أرضًا برها كترابها ... والفقر معدنه بقصر الجنبذ «2»
(905) وولد أبان «3» بالكوفة.
1156- وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن سعيد:
كان ابنه سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سَعِيد مع يَزِيد بْن عُمَر بْن هبيرة وفيه يَقُول خلف بْن خليفة:
وَأَمَّا سَعِيد إِذَا مَا مشى ... فحبلى تراد لَهَا قابله
وَكَانَ عظيم البطن وقتل مَعَ ابْن هبيرة.
وَكَانَ لعنبسة بْن سَعِيد ابْن يقال لَهُ الْحَجَّاج بْن عنبسة سماه الْحَجَّاج باسمه فآمنه الْمَنْصُور، وَلَهُ عقب.
1157- ومن بَنِي عَمْرو الأشدق:
موسى بْن عَمْرو «4»
الَّذِي يَقُول فِيهِ ابْن قنيع النصري «5» :
وكلّ بَنِي العاصي حمدت عطاءه ... وإني لموسى فِي العطاء للائم
وليس بمعط نائلا وَهُوَ قاعد ... وحسبك من بخل امرئ وَهُوَ قائم
فَإِن يك من قوم كرام فَإِنَّهُ ... ذنابى أبت أن تستوي والقوادم
فزعموا أَن خَالِد بْن سَعِيد قَالَ: والله مَا أعطى أحد خيرًا قط حَتَّى يقعد.
__________
(1) س: بدين القنفذ، ط م: العنقذ.
(2) البكري: بباب الجنبذ.
(3) س: وولده.
(4) زاد في م: الاشدق، وقد رمج عليها في ط.
(5) ط م س: ابن قبيع البصري.(5/454)
1158- وَمِنْهُم إِسْمَاعِيل «1» بْن عَمْرو بْن سَعِيد وَهُوَ صاحب الأعوص «2»
الَّذِي قَالَ فِيهِ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز: لو أَن لي من الأمر شَيْئًا لوليت صاحب الأعوص «3» .
1159- وَمِنْهُم إِسْمَاعِيل بْن أمية بْن عَمْرو الأشدق الفقيه
وَكَانَ بمكة.
1160- وسعيد بْن عَمْرو الأشدق
وَكَانَ أعلم قريش بالكوفة وولده بِهَا، وفيه يَقُول دَاوُد بْن متمّم بن نويرة:
إن تجفني بشر بْن مَرْوَان يكفني ... سَعِيد بْن عَمْرو ذو الندى ابْن سَعِيد
فتى وجد الخيرات قَدْ قُدِّمَت لَهُ ... مساعي أباء لَهُ وجدود
1161- وعمرو بْن أمية بْن عَمْرو بْن سَعِيد الشاعر.
1162- وزعم أَبُو اليقظان: أَن معيقيب بْن أَبِي فاطمة الدوسي كَانَ مولى أَوْ حليفا لأبي أحيحة وكانت لَهُ صحبة وَكَانَ بِهِ جذام، وَكَانَ لسعيد بْن العاص مولى لَهُ يقال لَهُ أَبُو رافع، وَلَهُ ابْن يقال لَهُ رافع، وَلَهُ ابْن يقال لَهُ عبيد اللَّه، وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعتق رافعًا فكان يدعي ولاء رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فضربه الأشدق بالسياط حَتَّى قَالَ: أنا مولاك، وَقَدْ ذَكَرْنَا خبره فِي موالي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قتل الأشدق قَالَ عبيد اللَّه بْن أَبِي رافع:
صحت ولا شلت وضرت عدوها ... يمين هراقت مهجة ابْن سَعِيد
وجدت ابْن مَرْوَان الرشيد فعاله ... أبيا حديد العزم غَيْر بليد
هُوَ ابْن أَبِي العاصي قرارًا «4» وينتمي ... الى عصبة طابت له وجدود
__________
1158- قارن بالبكري (الأعوص) وابن عساكر 3: 38 والتهذيب 1: 320 1160- الورقة: 1061 ب (من النسخة س) .
1162- قارن بالطبري 1: 1778 وانظر أيضا ف: 1102، وأبيات عبيد الله بن رافع في ابن كثير 8: 310، والبيتان 1، 3 في الطبري 1: 1779 (واسم الشاعر البهيّ بن أبي رافع أخي عبيد الله، والبيت الأول في فوات الوفيات 2: 404
__________
(1) ط م س: سعيد، خ بهامش ط: اسماعيل.
(2) ط م س: الأحوص.
(3) ط م س: الأحوص.
(4) هذه قراءة ط م، وفي الطبري وابن عساكر: مرارا.(5/455)
1163- وولد أَبُو العيص بْن أمية:
أسيد بْن أَبِي العيص،
أمه أروي بنت أسيد بْن علاج الثقفي، وأمها صفية بنت وهب بْن الْحَارِث بْن زهرة، وكانت أم أسيد الثقفي سوداء، فكان أَبُو سُفْيَان وولده يسبون بالسواد، وأروي بنت أَبِي العيص أمها رقية مخزومية فتزوج أروي أَبُو جهل بْن هِشَام، وعمي أسيد بْن أَبِي العيص وَلَمْ يدرك الإِسْلام.
1164- فمن ولد أسيد أَبِي العيص: عتاب بْن أسيد بْن أَبِي العيص،
أسلم يَوْم فتح مَكَّة فحسن إسلامه واستعمله رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مكة فقال «1» :
يا رَسُول اللَّهِ أصحبك وأكون معك، فَقَالَ له: أو ما ترضي بأن استعملتك عَلِي أهل اللَّه، فلم يزل عَلَيْهَا (906) حَتَّى قبض رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وولاه رَسُول اللَّهِ الطائف أيضًا، وأمره أَن يخرص أعناب ثقيف كخرص النخل، ولما استخلف أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه تعالى عنه أقرّه خلافته كلها، فماتا جميعا لَمْ يعلم واحد منهما بموت صاحبه. ولما حضرت عتّابا الوفاة استخلف محرز «2» بْن حارثة بْن ربيعة بْنِ عَبْدِ العزى بْن عَبْد شمس فأقره عمر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه، وَقَالَ الهيثم بْن عدي: بقي عتاب إِلَى خلافة عُمَر وَمَاتَ بمكة وَذَلِكَ وَهُمْ، وَقَالَ مُصْعَب بْن عَبْد اللَّهِ الزبيري: جاء نعي أَبِي بكر حين توفّي عتّاب.
1165- وحدثني عُمَر بْن شبة عَنْ أَبِي عَاصِم النبيل عَنْ خَالِد بْن أَبِي عُثْمَان قَالَ، قَالَ عتّاب بن أسيد: ما أصبت من عملي إلا ثوبين معقدين كسوتهما غلامي كيسان.
1166- وولد عتاب بْن أسيد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عتاب،
وأمه جويرية بنت أَبِي جهل، وأمها أروي بنت أَبِي العيص، وَكَانَ من رجال قريش، وشهد الجمل مَعَ عَائِشَة فقتل فمر بِهِ عَلِي بْن أَبِي طَالِب عَلَيْهِ السَّلام فَقَالَ: [هَذَا يعسوب قريش،] ويقال إِن كفه قطعت فاحتملها عقاب فأصيبت ذَلِكَ اليوم بحجر من اليمامة، فعرفت بخاتمه.
__________
(1) ط: فقال له.
(2) ط م س: محمد، وخ بهامش ط س: محرز.(5/456)
1167- وَكَانَ لعَبْد الرَّحْمَنِ هَذَا ابْن يقال لَهُ سَعِيد ويلقب الطرس لسواده، وفيه يَقُول عبيد «1» بْن حصين الراعي «2» :
أبلغ سَعِيد بْن عتاب مغلغلة ... إِن لَمْ تغلك «3» بأرض دونه غول
وَكَانَ معبد بْن علقمة المازني عنده فخرج فوجد سرجه مكسورًا فلم يعطه سرجًا مكانه فقال:
ألا لا فابلغا ابْن أَبِي سَعِيد ... جزاه اللَّه شرًا من عميد
فلو فِي دار طَلْحَة دق سرجي ... لاداني عَلَى سرج جديد
وَمَا اعروريت تَحْتَ الليل لبدا ... عَلَى بغل وسيساء «4» حديد
يقال اعروريت الدابّة: إذا ركبتها عريا.
1168- ومن ولده أمّ الحلاس «5» بنت سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عتاب، وأمها من تيم قريش تزوجها الْحَجَّاج بْن يُوسُف الثقفي.
1169- ومن ولد عتاب بْن أسيد حليلان وهو عتّاب بن عتاب بْن سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عتاب بْن أسيد بْن أمية «6» ،
وأمه أمة، وَكَانَ من فتيان أهل البصرة، وَكَانَ صاحب حمام وصيد ولهو وشرب ينتابه الفتيان والمغنون وأَصْحَاب الشطرنج والنرد، واستشهده رجل عَلَى رجل بمال فدعاه إِلَى الشهادة عِنْدَ سوار بْن عَبْد اللَّهِ العنبري قَاضِي أمِير الْمُؤْمِنيِنَ الْمَنْصُور بالبصرة، فخاف إلا يجيز شهادته، فغرم المال افتداء من الشهادة، وَكَانَ ذا يسار وسخاء يصوغ الغناء ويتغنى للناس أيضا، وكان للحليلان ابْن يقال لَهُ سَعِيد صاحب نبيذ وَكَانَ حسن المذهب سخيّا.
__________
(1) ط م س: عبيدة.
(2) ابن عساكر 6: 151 وديوان الراعي: 115 والنسب للمصعب: 196
(3) م: تغلل.
(4) السيساء: الظهر من الحمار أو البغل.
(5) ط م: الجلاس.
(6) الصواب: ابن أسيد بن أبي العيص بن أمية.(5/457)
1170- وكانت كنية عتاب بْن أسيد أبا عَبْد الرَّحْمَنِ، وأمه وأم خَالِد بْن أسيد بْن أَبِي العيص زينب بنت أَبِي عَمْرو بْن أمية، وأسلم خَالِد بَعْد «1» فتح مَكَّة وتوفي بمكة، ويقال أَنَّهُ استشهد باليمامة، ويزعم قوم «2» [أَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بِهِ فسلم عَلَيْهِ فلم يرد فَقَالَ: اللَّهُمَّ جنبهم النصر وألزمهم العجز،] فلم يلق (907) أحد من ولده أحدًا إلا هزمه العدو.
1171- فولد خَالِد بْن أسيد
أمية بْن خَالِد، وعبد اللَّه بْن خَالِد، وأبا عُثْمَان.
1172- فأما عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد
فكان ذا قدر، ولاه زياد أردشير خرّه من فارس، ويقال ولاه فارس بأسرها، ووهب له ابنة جوانبوذان بن المكعبر «3» فولدت له الْحَارِث بْن عَبْد اللَّهِ، وكتب زِيَاد إِلَى مُعَاوِيَة وعبد اللَّه بْن خَالِد عنده أَن ابعث إِلَى رجلا من قريش يَكُون بقربي فَإِن حدث بي حدث استخلفته، فكتب إِلَيْهِ: اختر من شئت، فاختار عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد، فكان عِنْدَ زِيَاد وَهُوَ صلى عَلَيْهِ حِينَ مَاتَ، وجعله خليفته فلم يزل قائمًا بعمله حَتَّى قدم الضحاك بْن قَيْس الفهري واليا عَلِي الكوفة، فلعبد اللَّه بْن خَالِد يقول قنيع النصري «4» :
وأنت كريم من لؤي بْن غالب ... وقومك أقوام وأنت شريف
1173- فولد عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد أمية بْن عَبْد اللَّهِ، وخالد بْن عَبْد اللَّهِ، وعَبْد الرَّحْمَنِ، وأمهم بنت شيبة بْن عُثْمَان العبدري يقال لَهَا أم حجر «5» ، وعبد الْعَزِيز بْن عَبْد اللَّهِ، وعبد الْمَلِك بْن عَبْد اللَّهِ، وأمهما أم حبيب بنت جُبَيْر بْن مطعم «6» ، وعمران، والقاسم، وعمر، ومحمدًا، والمخارق، والحصين، وأبا عُثْمَان لأمّهات أولاد شتّى.
__________
(1) م: يوم.
(2) وردت في الاصابة 2: 86 (نقلا عن البلاذري) وانظر الورقة: 786/ أ (من النسخة س) .
(3) م: المعكبر.
(4) ط م: قبيع البصري.
(5) ابن سعد (5: 347، 352) : أم حجير.
(6) وأمهما ... مطعم: سقط من م وهو بهامش ط.(5/458)
1174- فأما أمية بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد
فكان يكنى أبا عَبْد اللَّهِ، استعمله زِيَاد على السوس ثم على الأبلّة وكور دجلة، وزوّجه رملة بنت زِيَاد، وَكَانَ أمية جوادًا، فتوجه إِلَى أَبِي فديك عَبْد اللَّهِ بْن ثور «1» الخارجي وَهُوَ بالبحرين، ففر أَبُو فديك، فَقَالَ الفرزدق «2» :
جاءوا عَلَى الريح أَوْ طاروا بأجنحة ... ساروا ثلاثا إِلَى الجلحاء «3» من هجرا
1175- حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِير عَنْ أَبِيهِ عَنْ عمه مُصْعَب بْن زَيْد ومحمد بْن أَبِي عُيَيْنَة قَالا: خرج أَبُو فديك بالبحرين فلقيه أمية بْن عَبْد اللَّهِ فهزم، فركب أمية فرسا لَهُ جوادا كَانَ يقال لَهُ المهرجان فدخل البصرة عَلَيْهِ فِي ليلتين، فَقَالَ يوما وَهُوَ بالبصرة: لَقَدْ سرت عَلَى المهرجان إِلَى البصرة فدخلتها فِي ليلتين، فَقَالَ بَعْضهم: هَذَا المهرجان فلو ركبت النوروز لَمْ تسر إلا ليلة حَتَّى تدخلها.
1176- وَحَدَّثَنَا خلف وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قَالا حَدَّثَنَا وَهْبُ بْن جَرِير عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُصْعَب بْن زَيْد وغيره أَن خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ قدم البصرة فتجهز لقتال الحرورية ثُمَّ خرج إليهم وَهُمْ بنهر تيري «4» ، وَكَانَ بإزائه قطري، وخرج أَبُو فديك بالبحرين، فبعث إِلَيْهِ خَالِد أخاه أمية فهزم، فبعث عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر فقتله، ثُمَّ استعمل عَبْد الْمَلِك أمية عَلَى خراسان فمكث عَلَيْهَا حينًا ثُمَّ أتى دمشق فمات بِهَا، وصلى عَلَيْهِ عَبْد الْمَلِك وَقَالَ: أما إني أعلم أنّ بقائي بعده قليل.
1177- وَكَانَ أمية ولى ابنه عَبْد اللَّهِ بْن أمية سجستان فَقَالَ أَبُو حزابة «5» :
__________
1175- قارن بالعقد 1: 141- 143
__________
(1) ط م: عبد الله بن نوفل.
(2) ديوان الفرزدق: 507 (يوسف هل) والورقة 637/ أ، 638/ أ (من النسخة س) ، وتفيد الأبيات الاخرى في القصيدة كما تفيد الأخبار (انظر مثلا ف: 1176) أن أمية هو الذي فرّ وليس أبو فديك.
(3) الديوان: البحّاء.
(4) س: تيزى.
(5) هذا هو اسمه في ط م والمؤتلف: 84 وانظر الأغاني 22: 271 (ط. دار الثقافة) واللسان 9: 83، 8: 238، وفي س: أبو حرابة، وهو في الأغاني (فهرس جويدي) ومشتبه النسبة: 233 والتاج 9: 175 والمفضليات: 772 أبو حزانة التميمي واسمه الوليد بن حنيفة.(5/459)
إنّي وإن كنت كبيرا نازحا ... يطّرح الفقر «1» بي المطارحا
ألقي من الغرام «2» برحا بارحا ... لمادح إني كفى بي مادحا
(908) من لَمْ أجد فِي العرض منه قادحا ... إِن لعبد اللَّه وجها واضحا
ونسبا فِي الصالحين صالحا ... النافحين بالندى المنافحا
وخرج عَبْد اللَّهِ بْن أمية مَعَ ابْن الأشعث فامنه الْحَجَّاج وبعث بِهِ إِلَى عَبْد الْمَلِك، فلما دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: ويلك أخرجت مَعَ ابْن الأشعث؟ فَقَالَ: إِنَّمَا مثلي ومثلك قَوْل الشاعر:
إِذَا نزوات الحب أحدثن بيننا ... عتابا تراجعنا وعاد العواطف
فَقَالَ لَهُ: كذبت يا أحمق، وعفا عَنْهُ.
1178- وولد لعبد اللَّه بْن أمية عَبْد اللَّهِ، أمه ابنة «3» ضرار بْن القعقاع، وأبو عُثْمَان، وإبراهيم، وعبد العظيم.
1179- وَكَانَ عَبْد العظيم فاضلًا ناسكًا، وذكروا أَنَّهُ سأل الْحَسَن البصري عَنْ لعب الشطرنج فَقَالَ: لا بأس مَا لَمْ تحلفوا عَلَيْهَا، وتزوج مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن عَلِي ابنته نهية «4» ثُمَّ خلف عَلَيْهَا إِسْحَاق بْن سُلَيْمَان وماتت عنده.
1180- وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي عُثْمَان بْن عَبْد اللَّهِ بْن أمية بْن خَالِد بْن أسيد ولي البصرة، وَذَلِكَ أَن أهلها اصطلحوا عَلَيْهِ حِينَ قتل الْوَلِيد بْن يَزِيد بْنِ عَبْدِ الْمَلِك وهرب القاسم بْن مُحَمَّد الثقفي عامل يُوسُف بْن عُمَر عَلَيْهَا، وَهُوَ القائل:
مَا قريش بمنكرين إذا ما ... قلت إنّي كريمها وفتاها
__________
(1) هذه هي قراءة م، وفي ط: القفر، س: الفتو.
(2) الضبط من ط م، أي الدائنون، وقد تقرأ كذلك في س.
(3) م: بنت.
(4) م: بهية، وقد أعجمت الباء في ط بواحدة من فوق وواحدة من تحت.(5/460)
وأقره عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز عَلَى البصرة، ويقال إنه كَانَ المتولى لحفر نهر عبد الله ابن عُمَر بالبصرة «1» ، ثُمَّ ضعف أمره لأنه لَمْ يكن مَعَهُ جند فولى عَمْرو «2» بْن سهيل بْن عَبْد الْعَزِيز بْن مَرْوَان البصرة وعزله «3» ، وَكَانَ ابْن أَبِي عُثْمَان هَذَا يشذ «4» حِينَ اصطلحوا عَلَيْهِ فِي كُل أَيَّام ساعة فيصير إِلَى منزله فيأتيه وجوه أهل البصرة فيردونه.
1181- وَحَدَّثَنِي حَفْص بْن عُمَر عَن الْهَيْثَم بْن عدي عَنِ ابْن عياش أَن أمية بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد قَالَ لأبيه: والله مَا عندك شَيْء أقوى بِهِ، وَقَدْ أردت التزويج، وَمَا أظنني «5» إلا سآتي زيادا فأخطب إليه، فقال: يا بني والله ما أحب أن تخلط سمنك بإهالته، قال: فرحل إِلَى زِيَاد وَهُوَ بالبصرة فَقَالَ: يا ابْن أخي مَا أقدمك؟ قَالَ: لتصلني وتزوجني، قَالَ: نعم ونعمة عين، فزوجه آمنة بنت زِيَاد، ثُمَّ دعا كاتبه عَلَى الخراج فَقَالَ: اطلب لَهُ كورة يعيش بِهَا مرتفعة عَنْ عمق السواد متنحية عَنْ حزونة الجبال وبردها، فقال الكاتب: السوس، فولّاه إيّاها فَقَالَ أمية: والله مَا كنت أفرش إلا الخز ولا أستشعر إلا بِهِ ولا أشرب «6» إلا السكر، ولقد عزلت عنها وما أظن أحدًا يلبس إلا الخز ولا يأكل إلا السكّر، ثم ولّاه كور دجلة، وولاه عَبْد الْمَلِك خراسان ثُمَّ عزله وضم خراسان إِلَى الْحَجَّاج.
1182- وَحَدَّثَنِي عَلِي بْن المغيرة الأثرم عَنْ مَعْمَر بْن المثنى قَالَ: كانت عِنْدَ عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد أم حجر الحجبية وكانت موسرة، فضاق عَبْد اللَّهِ ضيقًا شديدًا فَقَالَ لأم حجر: إني خارج إِلَى مُعَاوِيَة فاصحبيني جارية تخدمني، فأصحبته جارية لَهَا فزانية «7» سوداء، فخرج إِلَى مُعَاوِيَة وَهِيَ مَعَهُ، فوصله مُعَاوِيَة وأسنى له العطيّة، فانصرف
__________
1181- راجع ف: 495 في ما تقدم.
__________
(1) انظر فتوح البلدان: 455
(2) ط م س: عمر.
(3) انظر الورقة 512 ب (من س) .
(4) ط م س: يشد.
(5) م: ظني.
(6) ف 495: ولا يشرب.
(7) ط: قرّانيّة، س: قزانية.(5/461)
إِلَى منزله وبالجارية حبل، فسألتها أم حجر عَنْ حبلها فَقَالَتْ: هُوَ من عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ: والله مَا وطئتها قط، أَوْ مثلي يطأ مثلها؟ وحلف عَلَى كذبها، فولدت غلامًا فسمي رشيدًا فكان يخدمهم، وَمَاتَ عَبْد اللَّهِ وبلغ رشيد أربعين سنة فأعتقته أم حجر فاكتنى أبا عُثْمَان وادعى أَنَّهُ ابْن عَبْد اللَّهِ (909) بْن خَالِد.
وأمر عَبْد الأعلى بْن أَبِي عُثْمَان لخلف الأقطع بشيء وَلَمْ ينفذه فَقَالَ:
أراك إِذَا هممت بفعل خير ... هممت لدفع ذاك بأمر شر
أبت لَك ذاك أمات ثَلاث ... من الأحبوش هن لشر نجر
وَلَمْ يعتق أبوك من اعتباد «1» ... أَبُو «2» عُثْمَان إلا بَعْد دهر
ألم تك أمه أمة لكاعا ... من الفزان «3» قينة أم حجر
تعممت الخبيث عَلَى اعتداء ... بلا إذن الحليلة أَوْ بمهر
وأبو عُثْمَان جد الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الشوارب عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي عُثْمَان بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد قاضي «4» سرّمن رأى.
خبر يوم الجفرة «5» بالبصرة في سنة تسع وستين:
كَانَ يقال لَهَا جفرة نَافِع ثُمَّ «6» سميت جفرة خَالِد.
1183- قَالُوا: وَأَمَّا خَالِد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد فكان جوادًا، ويكنى أبا سَعِيد، وَكَانَ بالشام مَعَ عَبْد الْمَلِك يحبه ويستصحبه.
1184- فحدثني عَبَّاس «7» بْن هِشَام عن أبيه عن أَبِي مخنف بإسناده أنّ خالدا قال
__________
(1) ط م س: اعتياد.
(2) ط م: أبا.
(3) ط س: القزّان.
(4) فوقها في م: كذا.
(5) س: الحفرة.
(6) ثم: سقطت من س.
(7) ط س م: عامر.(5/462)
لعبد الْمَلِك: وجهني إِلَى البصرة فِي جَمَاعَة من أهل الشام آخذها لَك وأدعو النَّاس إِلَى طاعتك، فَقَالَ لَهُ: اذهب بكتبي إِلَى وجوه أهلها وامض مستخفيا، وأنا متبعك جندًا كثيفًا مَعَ رجل أثق بِهِ، فسار خَالِد حَتَّى دخلها وعليها من قبل مُصْعَب بْن الزُّبَيْرِ عمر بْن عبيد اللَّه بْن معمر القرشي ثُمَّ التيمي، وجهه إِلَيْهَا من الكوفة عِنْدَ مقتل المختار بْن أَبِي عبيد، وَكَانَ صاحب شرطته عباد بْن الحصين الحبطي من بَنِي تميم، وَكَانَ مُصْعَب يستخلفه عَلَيْهَا ويوليه تدبير الأمر فِيهَا إِذَا حضرها أَوْ غاب عَنْهَا، فنزل خَالِد عَلَى عَلِي بْن أصمع الباهلي، فعجز عَلِي عَنِ الذب عَنْهُ ومنعه من عباد إِن أراده، فدله عَلَى مَالِك بْن مسمع بْن شهاب أحد بَنِي جحدر «1» بْن ضبيعة بْن قيس بْن ثعلبة بْن عكابة، فأتى مالكًا فاستجار بِهِ وأوصل إِلَيْهِ كتابًا من عَبْد الْمَلِك، فسره مَا وعده فيه ومنّاه فأجاره، وبعث إلى من يثق بِهِ من أهل البصرة مِمَّن كتب إِلَيْهِ عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان وغيرهم، فأتاه زِيَاد بْن عَمْرو «2» العتكي فِي الأزد إلا آل المهلب، ووافته خيول بَكْر بْن وائل إلا آل شقيق بْن ثور السدوسي، واجتمعت إِلَيْهِ شيعة بَنِي أمية من العثمانية، وأتاه صعصعة بْن مُعَاوِيَة عم الأحنف وَكَانَ مِمَّن كتب إِلَيْهِ عَبْد الْمَلِك، وأتاه عبيد اللَّه بْن أَبِي بكرة، ثُمَّ قدم عَلَيْهِ عبيد اللَّه بْن زِيَاد بْن ظبيان من الشام فِي جيش سرحه مَعَهُ عَبْد الْمَلِك إِلَى خَالِد كَمَا وعده، وَكَانَ عبيد اللَّه بْن زِيَاد بْن ظبيان قَدْ خلع مصعبًا ولحق بعبد الْمَلِك بْن مَرْوَان لأن مصعبًا قتل أخاه النابئ بْن زِيَاد فكان حنقًا عَلَيْهِ، فسأل عَبْد الْمَلِك أَن يَكُون الَّذِي يوجهه إِلَى العراق لمحاربته، فسرحه إِلَى خَالِد بِذَلِكَ الجيش وأمره أَن يسمع لَهُ ويطيع، فاجتمعوا بالجفرة الَّتِي تعرف بجفرة «3» خَالِد، وزحف إليهم عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر فِي الزبيرية ومن مَعَهُ من أهل البصرة فاقتتلوا أشد قتال وأبرحه، وفقئت عين مَالِك بْن مسمع يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ إِن الْقَوْم كرهوا الحرب وخافوا أَن يتفانوا فتحاجزوا، وأقبل مُصْعَب بْن الزُّبَيْر من الكوفة حِينَ بلغه خبر خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد وشغل عَبْد الملك بن مروان عنه بعمرو
__________
(1) ط م س: حجر.
(2) م: عمران.
(3) ط: بحفرة.(5/463)
(910) وبزفر بْن الْحَارِث، وكتابه إِلَى خَالِد أَنَّهُ لا يمكنه ورود العراق فِي عامه لما انتشر عَلَيْهِ من الأمور، فوهن أمر خَالِد، وطلب مَالِك بْن مسمع بْن شهاب ومن مَعَهُ مِمَّن أنجد خالدًا الأمان من عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ فآمنهم، وهرب خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ حَتَّى أتى عَبْد الْمَلِك، وهرب أيضًا مَالِك بْن مسمع إِلَى قرية من قرى اليمامة لبكر بْن وائل يقال لَهَا ثاج، فلم يزل بِهَا إِلَى أَن صَالِح عَبْد الْمَلِك زفر بْن الْحَارِث الكلابي وانصرف إِلَى الشام ثُمَّ شخص إِلَى العراق فقتل مصعبًا، ويقال إنه رجع إِلَى البصرة فِي أَيَّام حمزة بْن عَبْد اللَّهِ ثُمَّ رجع إِلَى ثاج، ويقال أيضًا أَن مصعبًا استؤمن لَهُ حِينَ رجع إِلَى البصرة، وولى عَبْد الملك خَالِد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد بَعْد استقامة الأمور لَهُ بالبصرة، فأكرم مالكًا ومن كَانَ أجاره وقاتل مَعَهُ، فكان عبيد اللَّه بْن زِيَاد بْن ظبيان أتى الشام بَعْد الجفرة ثُمَّ قدم العراق مَعَ عَبْد الْمَلِك، ويقال إنه اعتزل فِي بَعْض النواحي حَتَّى أقبل عَبْد الْمَلِك إِلَى العراق فأتاه.
1185- وَحَدَّثَنِي عَلِي بْن المغيرة الأثرم عَنْ مَعْمَر بْن المثنى عَنْ أَبِي عَمْرو قَالَ:
كَانَ قَيْس بْن الهيثم ويكنى أبا كبير خليفة للحارث بْن أَبِي ربيعة- وَهُوَ القباع- عَلِي البصرة أَيَّام ابْن الزُّبَيْر، وَكَانَ مِمَّن قاتل مَالِك بْن مسمع مَعَ الزبيرية وَهُوَ عَلَى فرس مجلجل، وَقَدِ استأجر قومًا يقاتلون مَعَهُ فكانوا يرتجزون «1» :
لساء مَا تحكم يا جلاجل ... النقد دين والطعان عاجل
وأنت بالماء «2» ضنين باخل
1186- وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حدثنا أبي قال ولا أعلمه إلا عَنْ مُصْعَب بْن زَيْد أن أشراف أهل العراق كتبوا إلى عبد الْمَلِك بْن مَرْوَان يدعونه إِلَى أنفسهم ويخبرونه أنهم مبايعوه «3» ، فلم يبق بالبصرة شريف إلا كتب اليه غير المهلّب بن
__________
(1) الرجز في ف 1191 منسوب لغطفان بن أنيف.
(2) ف: 1191 بالبذل.
(3) م: مبايعونه، س ط: يبايعوه.(5/464)
أَبِي صفرة، فبعث عَبْد الْمَلِك خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد ليقاتل فِي طاعته، فقدم وَقَدْ كَانَ الطاعون الجارف وقع بالبصرة، وَذَلِكَ فِي سنة تسع وستين، فكثر الْمَوْت بالبصرة حَتَّى جعل أهل الدار يموتون عَنْ آخرهم لا يجدون من يدفنهم، وأمير البصرة يَوْمَئِذٍ عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر بِهَا، استعمله عَلَيْهَا مُصْعَب، فقدم خَالِد عَلَى مَالِك بْن مسمع وعسكر بجفرة «1» خَالِد، ومال إِلَيْهِ كثير من النَّاس، فكان ممّن أتاه من الأزد معن ابن المغيرة بْن أَبِي صفرة وَكَانَ قَدْ عتب عَلَى المهلب فِي تأخير صلته، فكان الْقَوْم يغدون إِلَى المربد ثُمَّ يفترقون: فرقة إِلَى خَالِد وفرقة إِلَى المصعبية فَإِذَا رجعوا رجع الأخوان أحدهما من هَؤُلاءِ وأحدهما من هَؤُلاءِ فيقول هَذَا: فعلنا بكم، وَيَقُول هَذَا: فعلنا بكم، فلم يزالوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى هرب خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ وتفرق أَصْحَابه وهرب مَالِك إِلَى اليمامة، فلما قتل عَبْد الْمَلِك مصعبًا ودخل الكوفة بعث خالدًا أميرًا عَلَى البصرة، واستعمل بشر «2» ابن مَرْوَان أخاه عَلَى الكوفة، وبلغ ذَلِكَ مَالِك بْن مسمع وَهُوَ باليمامة، فأقبل حَتَّى دَخَلَ البصرة، فأتى دار الإمارة عَلَى ناقته، ففتح لَهُ الباب فدخل حَتَّى أناخ عَلَى بساط خَالِد، وأقطعه عَبْد الْمَلِك قطائع كثيرة ووصله، وكتب عَبْد الْمَلِك إِلَى المهلب وَهُوَ بإزاء الحرورية: إِن النَّاس مجتمعون عَلِي بيعتي، فَإِن دخلت فيما دَخَلَ النَّاس فِيهِ عرفنا لَك منزلتك وشرفك، وإن لَمْ تفعل استعنا بالله عليك، فكتب اليه: أمّا إذا اجتمع النَّاس فإني لَمْ أكن أشق (911) عصا الْمُسْلِمِينَ ولا أسفك دماءهم ولا أفرق جماعتهم، فكتب إِلَيْهِ بإقراره عَلَى مَا هُوَ بسبيله.
1187- وحدثني العمري عَنِ الهيثم بْن عدي قَالَ: التقى الأموية والزبيرية بالبصرة ففقئت عين مَالِك بْن مسمع، وَقَالَ وهب بْن أبجر الْعِجْلِيُّ «3» :
__________
(1) ط: بحفرة.
(2) س: بشير.
(3) البيتان 1، 3 في شرح الحماسة: 1541 (المرزوقي) 4: 53 (التبريزي) والأول في معجم المرزباني: 69 والاصابة 5: 120 واللسان 18: 209 والتاج 10: 96 وعجز الأول في ياقوت 1: 914 (واسم الشاعر: عمرو بن الهذيل العبدي أو الربعي، وزاد التبريزي قوله: وقال ابو رياش هي لرجل من بني عجل) .(5/465)
ونحن صرمنا أمر بَكْر بْن وائل ... وأنت بثاج لا تمر ولا تحلي
هجرت لجيما أَن أصبت زيادة ... وعذت بِهِمْ عِنْدَ الزلازل والأزل
فلا ترج خيرًا عِنْدَ بَاب ابْن مسمع ... إِذَا كنت من حيي حَنِيفَة أَوْ عجل
قَالَ، فَقَالَ جَرِير «1» :
وفينا كَمَا أدت ربيعة خالدًا ... إِلَى قومه حربًا ولما يسالم «2»
1188- وحدثنا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَن مُحَمَّد بْن أبي عيينة عن ذكوان مولى أَبِي «3» عُيَيْنَة قَالَ: لما قدم خَالِد البصرة واجتمعت الحرورية بالأهواز خرج إِلَيْهَا خَالِد فِي نَحْو تسعين ألفًا من أهل البصرة والكوفة ومن أمده بِهِ بشر بْن مَرْوَان، فقاتلته الخوارج وفلوه ونادوا: يا خَالِد يا مخنث، فأتى البصرة، وَكَانَ رئيس الخوارج قطري، وَكَانَ خَالِد قَدْ وجه أخاه عَبْد الْعَزِيز إِلَى جَمَاعَة من الخوارج انحازوا إِلَى فارس بَعْد قتل أَبِي فديك فهزموه أقبح هزيمة وفضحوه، فكتب خَالِد بأمر الخوارج إِلَى عَبْد الْمَلِك وَقَالَ للمهلب «4» : مَا ظنك بأمير «5» الْمُؤْمِنيِنَ؟ قَالَ: أحسبه سيعزلك فَمَا كنت صانعًا فاصنعه، فَقَالَ: أتراه ينسى بلائي ويستخف بحق قرابتي؟ قَالَ المهلب: إِن النَّاس حَدِيثو عهد بفتنة، ويبلغه «6» مَا لقيته من الخوارج ويأتيه خبر أخيك عَبْد الْعَزِيز فيخاف أَن يطمع فيما قبلك ويجترأ عليك، فتنتشر الأمور ويضيع العمل، فعزله عَبْد الْمَلِك وجمع البصرة والكوفة لبشر بْن مَرْوَان.
1189- قَالُوا: ولما قتل عَبْد الْمَلِك مصعبًا ودخل الكوفة ولاها حِينَ أراد الرجوع الى
__________
1189- انظر الورقة 561/ أ (من س) .
__________
(1) ديوان جرير: 998 (1: 558 الصاوي) والنقائض: 766
(2) ط م س: تسالم.
(3) س: ابن.
(4) قارن بالكامل 3: 361
(5) م س: يا أمير.
(6) س: وتبلغه.(5/466)
الشام قطن بْن عَبْد اللَّهِ بْن الحصين الحارثي أربعين يومًا أَوْ شهرين، ثُمَّ عزله وولى بشرا أخاه، فاستخلف بشر عَلَى الكوفة حِينَ ولي البصرة عَمْرو بْن حريث، ثُمَّ قدم البصرة فأقام أشهرًا «1» ثُمَّ احتضر فاستخلف خالدًا عَلَى عمله حَتَّى قدم الْحَجَّاج وَقَدْ شد خَالِد عَلَى بَيْت المال فأخرج جَمِيع مَا فِيهِ ففرقه عَلَى النَّاس، فيزعمون أَنَّهُ جلس مجلسين فلم يقم حَتَّى فرق ألف ألف درهم، وَكَانَ الْحَجَّاج «2» أراد حبسه ومحاسبته، فأمر عَبْد الْمَلِك أَن لا يعرض لَهُ فتركه، فلما شخص عَنِ البصرة شيعة القرشيون، ففرّق فيهم ثلاثمائة ألف درهم.
1190- وَقَالَ الْمَدَائِنِي وأبو عُبَيْدَة: أقبل عَبْد الْمَلِك من الشام يريد العراق ومعه خَالِد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد فَقَالَ لَهُ: إِن وجهتني إِلَى العراق واتبعتني خيلًا يسيرة كفيتك البصرة، فوجهه عَبْد الْمَلِك فقدمها مستخفيًا فِي خاصته ومواليه حَتَّى نزل عَلَى (عَلِي) «3» بْن أصمع الباهلي، فأرسل إِلَى عباد بْن الحصين وَهُوَ عَلَى شرطة ابْن مَعْمَر: إني قَدْ أجرت خالدًا وأنا أحب أَن تعلم ذَلِكَ وتكون «4» لي ظهيرًا، فبعث إِلَيْهِ: والله لا أنزل عَنْ فرسي حَتَّى آتيك فِي الْخَيْل، فَقَالَ ابْن أصمع لخالد: لا أغرك إِن عبادًا يأتينا الساعة ولا أقدر عَلَى منعك ولكن عليك بمالك بْن مسمع، ويقال ان نزوله كَانَ عَلَى عَمْرو بْن أصمع، وأن عبادًا أرسل إِلَيْهِ ابتداءً: إنه قَدْ بلغني نزول خَالِد عليك، وأنا موافيك فِي الْخَيْل.
1191- الْمَدَائِنِي عَنْ مسلمة وعوانة (912) قَالا: فخرج خَالِد من عِنْدَ ابْن أصمع يركض وعليه قميص قوهي رقيق، وَقَدْ حسر عَنْ فخذيه وأخرج رجليه من الركابين حَتَّى أتى مالكًا فَقَالَ: إني قَدِ اضطررت إليك فأجرني، قال: نعم، وخرج وبنو أميّة «5»
__________
1190- الطبري 2: 798 وابن الأثير 4: 252 وانظر النقائض: 749، 1089 1191- الطبري 2: 799 وابن الأثير 4: 252
__________
(1) ط س: شهرا، م وخ بهامش ط س: أشهرا.
(2) وقد شدّ ... وكان الحجاج: سقط من س.
(3) النقائض: عمرو.
(4) س: يعلم ... ويكون.
(5) الطبري: وخرج هو وابنه.(5/467)
فأرسل إِلَى بَكْر بْن وائل والأزد، فكانت أول رايه أتته رايه بَنِي يشكر، وأقبل عباد بْن الحصين فِي الْخَيْل فتواقفوا وَلَمْ يقتتلوا، فلما كَانَ الغد بدروا إِلَى جفرة «1» نَافِع بْن الْحَارِث الَّتِي نسبت بَعْد إِلَى خَالِد، ومع خَالِد رجال «2» من بَنِي تميم وافوه، وَهُمْ: صعصعة بْن مُعَاوِيَة وعبد الْعَزِيز بْن بشر ومرة «3» بْن محكان الربيعي، ومعه عبيد اللَّه «4» بْن أَبِي بكرة وحمران ومغيرة بْن المهلب، وَكَانَ عَلَى الزبيرية قَيْس بْن الهيثم السلمي، وَكَانَ يستأجر الرجال يقاتلون مَعَهُ، فتقاضى رجل أجرته فَقَالَ: غدًا أعطيك إياها، وَكَانَ فِي عنق فرسه جلاجل، فَقَالَ رجل يقال لَهُ غطفان بْن أنيف أَحَدَ بَنِي كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ «5» :
لبئس مَا حكمت يا جلاجل ... النقد دين والطعان عاجل
وأنت بالبذل ضنين باخل
وَكَانَ عَلَى خيل بَنِي حنظلة عَمْرو بْن وبرة العجيفي، وَكَانَ (لَهُ) عبيد يؤاجرهم كُل يَوْم بثلاثين فيعطيهم عشرة عشرة، فقيل لَهُ:
لبئس مَا حكمت يا (ابن) وبره ... تعطى ثلاثين وتعطي عشره
ووجه مُصْعَب بْن الزُّبَيْر زحر «6» بْن قَيْس الجعفي مددًا لابن مَعْمَر فِي ألف، ووجه عَبْد الْمَلِك عبيد اللَّه بْن زِيَاد بْن ظبيان بْن الجعد أحد بَنِي عائش بْن مَالِك بْن تيم الله بن ثعلبة ابن عكابة مددًا لخالد، فوافى وَقَدْ تفرق النَّاس عَنْهُ، فلحق بعبد الْمَلِك.
1192- أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِي عَنْ رجل عَنِ السكن بْن قَتَادَة قَالَ: اقتتلوا أربعة
__________
1192- الطبري 2: 800 وابن الأثير 4: 252 وشعر الفرزدق في ديوانه: 157 (بوشيه) والنقائض: 751 وابن عساكر 5: 64 وشعر الحنظلي واسمه عرهم بن قيس في النقائض: 750 ورجز غطفان قد تقدم في ف: 1062 وبعضه في النقائض: 735 والطبري 2: 456 والاصابة 1: 117 (ترجمة أنيف) .
__________
(1) ط: حفرة.
(2) ط: رجل، وفوقها «رجال» .
(3) ط م س: بشر بن مرة.
(4) ط م س: عبد الله.
(5) انظر ف: 1185 في ما تقدم، والطبري 2: 799
(6) س: زجر.(5/468)
وعشرين يومًا فأصيبت عين مَالِك بْن مسمع، فضجوا «1» من الحرب، ومشت السفراء بينهم وفيهم: يُوسُف بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُثْمَان بْن أَبِي العاص الثقفي، فصالحهم ابْن مَعْمَر عَلَى أَن يخرج خالدًا من البصرة وَهُمْ آمنون، فخرج خَالِد فلحق بالشام، وخاف مَالِك ألا يجيز مُصْعَب أمان عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ أَوْ عبيد اللَّه بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر فلحق مَالِك بثاج، فَقَالَ الفرزدق:
عجبت لأقوام تميم أبوهم ... وَهُمْ فِي بَنِي سَعْد عظام المبارك
وكانوا أعز النَّاس قبل مصيرهم «2» ... إِلَى الأزد مصفرًا لحاها وَمَالِك
وَمَا ظنكم بابن الحواري مُصْعَب ... إِذَا افتر عَنْ أنيابه غَيْر ضاحك
ونحن نفينا مالكا عَنْ بلاده ... ونحن فقأنا عينه بالنيازك
وَقَالَ بَعْض بَنِي حنظلة:
أبلغ أبا غسّان «3» أنّك إن تعد ... تعد لك بالبيض الخفاف تميم
تقاضوك «4» عينا منك حَتَّى قضيتها ... ورحت وَفِي الأخرى عليك خصوم
وَقَالَ غطفان بْن أنيف:
كَيْفَ رأيت نصرنا الأميرا ... بصرحة المربد إذ أبيرا
نقود «5» فِيهِ جحفلا جرورا ... الْخَيْل والصلادم الذكورا
وصارما ذا هيبة «6» مأثورا ... فأصبح ابْن مسمع محصورا
(913) يرى قصورًا دونه ودورا
__________
(1) الطبري وابن الأثير: فضجر (يعني مالك بن مسمع) .
(2) المصادر: مسيرهم.
(3) س: حسان، النقائض: تعلم أبا غسان.
(4) س: يقاضوك.
(5) س: يقود.
(6) ط م س: هيئة.(5/469)
وَقَالَ الشاعر لمصعب «1» :
الحق أمية بالحجاز وخالدًا ... وأضرب علاوة مالك يا مصعب
فلئن فعلت لتحزمن بقتله ... وليصفون لَك بالعراق المشرب
وَقَالَ آخر «2» :
أخاف عليك زياد العراق ... وأخشى عليك بني مسمع
فقال مصعب: يكفي الله مؤنتهم.
1193- قَالُوا: ولما بويع مُصْعَب وانصرف عَبْد الْمَلِك إِلَى دمشق بسبب عَمْرو الأشدق لَمْ يكن لَهُ همة إلا البصرة، وطمع أَن يدرك خالدًا، فلما قدمها وجده قَدْ خرج، ووجد ابن مَعْمَر قَدْ آمن الجفرية «3» ، فغضب عَلَى ابْن مَعْمَر وحلف أَن لا يوليه، وأرسل إِلَى الجفرية «4» فشتمهم وأنبهم وَقَالَ: نصرتم ابْن طريد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْن حوارية، وأقبل عَلَى عبيد اللَّه بْن أَبِي بكرة فَقَالَ: يا ابْن مسروح إِنَّمَا أَنْتَ ابْن كلبة تعاورتها الكلاب فجاءت بأحمر وأسود وأصفر من كُل كلب مَا يشبهه «5» ، وإنما كَانَ أبوك عبدا نزل إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حصن الطائف، تدعون أَن أبا سُفْيَان زنى بأمكم، أما والله لئن بقيت لألحقنكم بنسبكم، ثُمَّ دعا بحمران فقال: يا ابن اليهوديّة انّما أَنْتَ علج نبطي سبيت من عين التمر وكان أبوك يدعى أمي «6» . ثُمَّ قَالَ للحكم بْن المنذر بْن الجارود: يا ابْن الخبيثة اللخناء أتدري من أَنْتَ ومن الجارود؟ إِنَّمَا كَانَ علجا بجزيرة ابْن كاوان فارسيًا فقطع إِلَى ساحل العرب فانتمى الى عبد القيس، ولا
__________
1193- الطبري 2: 801- 804 وابن الأثير 4: 253 (دون الشعر) وانظر النقائض: 751
__________
(1) يرد البيتان في الورقة 540 ب (من س) .
(2) هو الحارث بن ضب العتكي كما في الورقة 517/ أويرد أيضا في 540 ب (من س) .
(3) ط س: الحفرية، وتحت الحاء في ط علامة إهمال.
(4) ط س: الحفرية، وتحت الحاء في ط علامة إهمال.
(5) وأقبل على ... ما يشبهه: يرد في الورقة 818 ب (من النسخة س) .
(6) م: أنه، ط: أنى، وفي الفتوح (302) وقوم يقولون كان اسم ابيه أبّا () وفي النقائض: وزعمت أن أباك أبان وإنما هو أبيّ (اقرأ: أبّا) .(5/470)
والله مَا أعرف حيًا أشد اشتمالا عَلَى سوءة مِنْهُم ثُمَّ أنكح أخته المكعبر «1» الفارسي فلم يصب شرفا قط أَعْظَم من ذَلِكَ، فهؤلاء ولدها يا ابْن قباذ «2» ، ثُمَّ أتي بعبد اللَّه بْن فضالة الزهراني «3» فَقَالَ: ألست من أهل هجر ثُمَّ من أهل سماهيج؟ أما والله لأردنك إِلَى نسبك.
ثُمَّ أتي بعلي بْن أصمع فَقَالَ: أَنْتَ عَبْد لبني تميم مرة، وعربي من باهلة «4» مرة. ثُمَّ أتي بعبد الْعَزِيز بْن بشر بْن حناط «5» فَقَالَ: يا ابْن المشتور «6» ألم يسرق عمك فِي زمن عُمَر فأمر بِهِ فسير ليقطعه؟ أما والله مَا أعيب «7» إلا من نكح أختك، وكانت أخته تَحْتَ مقاتل بْن مسمع. ثُمَّ أتي بأبي حاضر الأسدي فَقَالَ: يا ابْن الإصطخرية وَمَا أَنْتَ والأشراف؟ إِنَّمَا أَنْتَ دعي فِي بَنِي أسد. ثُمَّ أتي بزياد بْن عَمْرو فَقَالَ: يا ابْن الكرماني إِنَّمَا أَنْتَ علج من أهل كرمان قطعت إِلَى فارس فصرت ملّاحا، ما لك وللحرب؟ أَنْتَ بجر القلس أعلم. ثُمَّ أتي بعَبْد الرَّحْمَنِ «8» بْن عُثْمَان بْن أَبِي العاص فَقَالَ: أعلي تكثر وأنت علج من أهل هجر لحق أبوك بالطائف، وَهُمْ يضمون من تأشب إليهم ليتعززوا بِهِ، أما والله لأردنك إِلَى أصلك. ثُمَّ أتي بشمخ «9» بْن النعمان فَقَالَ: يا ابْن الخبيثة أَنْتَ علج من أهل زندورد هربت أمك وقتل أبوك فتزوج أخته رجل من بَنِي يشكر فجاءت بغلامين فألحقك «10» بنسبهما. ثُمَّ ضربهم مائة مائة، وحلق رؤوسهم ولحاهم، وهدم دورهم، وصهرهم فِي الشَّمْس ثلاثا، وحملهم عَلَى طلاق نسائهم، وجمر أولادهم فِي البعوث، وطاف بِهِمْ فِي أقطار البصرة، وأحلفهم أن لا ينكحوا
__________
(1) م: المعكبر.
(2) م س: قتادة، والتاء غير معجمة في ط.
(3) س: الزاهري.
(4) س: باهل.
(5) ط م س: خياط.
(6) ط م س: المسور.
(7) الطبري: أعنّت.
(8) الطبري: بعبد الله، النقائض: بعبيد الله.
(9) م: بشمح، الطبري: بشيخ.
(10) ط م: فألحقاك.(5/471)
الحرائر، فلما استقام الأمر لعبد الْمَلِك أمر ببناء دورهم. وبعث مُصْعَب خداش بْن يَزِيد فِي طلب من هرب من أَصْحَاب خَالِد، فأدرك مرة بْن محكان فَقَالَ «1» :
(914) بَنِي أسد إِن تقتلوني تحاربوا ... تميمًا إِذَا الحرب العوان أشمعلت
بَنِي أسد هل عندكم من هوادة ... فتعفوا وإن كانت بي النعل زلت
أيمشي خداش فِي الأزقة آمنًا ... وَقَدْ نهلت مني الرماح وعلت
فضربه خداش فقتله وَكَانَ عَلَى شرط مُصْعَب يَوْمَئِذٍ، وهدم مُصْعَب دار مَالِك بْن مسمع وأخذ مَا كَانَ فِيهَا فكان مِمَّا أخذ جارية ولدت لَهُ عُمَر «2» بْن مُصْعَب، وَلَمْ يزل مُصْعَب بالبصرة حَتَّى أتى الكوفة ثم مسكن فقتل.
1194- قالوا: ولما قتل مُصْعَب وثب حمران بْن أبان وعبيد اللَّه بْن أَبِي بكرة فتنازعا ولاية البصرة، فَقَالَ ابْن أَبِي بكرة: أنا أَعْظَم غناء منك، أنا كنت أنفق عَلَى أَصْحَاب خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ يَوْم الجفرة «3» ، فقيل لحمران: إنك لا تقوى عَلَى ابْن أَبِي بكرة فاستعن بعبد اللَّه بْن الأهتم، فاستعان بِهِ فغلب حمران عَلَى البصرة، وجعل ابْن «4» الأهتم على شرطها، وكانت لحمران عِنْدَ بَنِي أمية منزلة، وزعموا أَن رداء حمران زال عَنْ كتفه فابتدره مَرْوَان وسعيد بْن العاص أيهما يسويه، وقيل إنه مد رجله فابتدرها مُعَاوِيَة وابن عامر أيهما يغمزها، وَكَانَ الْحَجَّاج «5» حبس حمران لأنه ولي لخالد بْن عَبْد اللَّهِ سابور فكتب إِلَى عَبْد الْمَلِك:
لو بغير الماء حلقي شَرِقٌ ... كنتُ كالغَصَّان بالماء اعتصاري
فكتب إِلَى الْحَجَّاج: إِن حمران أَخُو من مضى منا وعم من بقي، وَهُوَ ربع من أرباع بَنِي
__________
1194- الطبري 2: 817
__________
(1) البيت الأول في الكامل 1: 199
(2) س وابن الأثير: عمرو.
(3) ط س: الحفرة.
(4) ابن: سقطت من س.
(5) في قصة حمران مع الحجاج: انظر ابن عساكر 4: 436، وبيت عديّ قد مرّ في ف: 801(5/472)
أمية، فلا تعرض لَهُ وأكرمه واعرف لَهُ حقه، ففعل واعتذر إِلَيْهِ ورد عَلَيْهِ مَا استأداه، وبعث بِذَلِكَ مَعَ غلمان وهبهم لَهُ، وَكَانَ الَّذِي أغرمه مائة ألف درهم فقسمها فِي أَصْحَابه وَقَالَ للغلمان: أنتم أحرار.
1195- الْمَدَائِنِي قَالَ: ولي خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ البصرة سنتين فوجه فِي ولايته أخاه أمية إِلَى أَبِي فديك إِلَى البحرين فهزمه أَبُو فديك، ووجه أخاه عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد اللَّهِ إِلَى الأزارقة بفارس فهزموه أيضًا وأخذوا امرأته أم حفص بنت المنذر بْن الجارود فقتلوها، فَقَالَ الفرزدق:
كُل بَنِي السوداء قَدْ فر فرة ... فلم يبق إلا فرة عِنْدَ خَالِد
فضحتم قريشا بالفرار وأنتم ... لدى الحرب أنكاس قصار «1» السواعد
فطلبه خَالِد فلحق ببشر بْن مَرْوَان وَقَالَ:
وَمَا كف عني خَالِد عَنْ تقية ... ولكن بدت دوني الليوث الهواصر
غداة رأى من مَالِك تَحْتَ غابها ... ورائي ودوني من يخاف المحاذر
تحللت إذ أقسمت أنك قاتلي ... وكفر «2» إِذَا آليت أنك قادر
أتوعدني «3» والمالكان «4» كلاهما ... ورائي وسعد والحلول الكراكر
هُمْ منعوني من زياد وقد رأى ... زياد مكاني وَهُوَ لِلنَّاسِ «5» قاهر
ومن مُصْعَب حيث القباع يحضّه «6» ... عليّ ولمّا تستطعني زماخر «7»
__________
1195- بعضه يقارن بالكامل: 3: 359 والعقد 3: 414 والطبري 2: 822 وف: 1203 في ما يلي، وشعر الفرزدق الداليّ في ديوانه: 183 (بوشيه) والورقة 637/ أ (من النسخة س) والعقد 1: 151، والأول من الأبيات الرائية في الأساس 1: 58 والخامس قد مرّ في ف: 566
__________
(1) الديوان: طوال، م: قصير.
(2) ط م س: وأنت، خ بهامش ط: وكفر.
(3) م: أيوعدني.
(4) المالكان: مالك بن زيد مناة ومالك بن حنظلة.
(5) حاشية ط: إذ ذاك (وقد تقرأ كذلك في س) .
(6) ط س: لخوفه.
(7) ط م س: زماجر.(5/473)
وقال في ابن أبي بكرة «1» :
تداركني من خَالِد بَعْد مَا التقت ... عَلَى ودجي أنيابه ومخالبه
1196- قَالَ أَبُو الْحَسَن: ولما قتل مُصْعَب خرج رَسُول فطم «2» إِلَى مَالِك بْن مسمع وَهُوَ بثاج يبشره «3» بقتله، فقدم وخالد بْن عَبْد اللَّهِ «4» بالبصرة قَدْ قدمها واليا، فجاء يسير حَتَّى أناخ ناقته عَلَى بساط خَالِد، فَقَالَ العديل بْن الفرخ «5» :
(915) أنيخت «6» عَلَى ظهر البساط فلم تثبر ... عَلَى رغم من أمسى عدوا لخالد
ثُمَّ انصرف مَالِك إِلَى داره وَقَدْ هدمت، فعدل عَنْهَا فنزل فِي بَنِي جحدر، وَلَمْ يمكث مَالِك إلا سبع عشرة ليلة حَتَّى هلك، فدفن عِنْدَ دار عيسى بْن سُلَيْمَان حيث دفن بعده بشر بْن مَرْوَان، وجاء مَالِك فخاصم فِي الجارية الَّتِي أخذها مُصْعَب، فمات قبل أَن يحكم لَهُ بِهَا.
1197- وَقَالَ الأخطل يمدح خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد، وقدم إِلَيْهِ وَهُوَ بالبصرة:
إِلَى خالد حتّى أنخن بخالد ... فنعم الفتى يرجى ونعم المؤمل
أخالد مأواكم لمن حل واسع ... وجدواك غيث للصعاليك مرسل
أبى عودك المعجوم إلا صلابة ... وكفاك إلا نائلا حِينَ تسأل
ألا أيها الساعي ليدرك خالدًا ... تناه وأقصر بَعْض مَا كنت تفعل
__________
1197- ديوان الأخطل: 8 والاول في العقد 1: 308
__________
(1) شرح ديوان الفرزدق (الصاوي) : 58
(2) فطم: وقعت في هامش ط، وفي م: خرج رسول إذ ذاك.
(3) س: باشره.
(4) س: عبد الملك.
(5) س: الفرج.
(6) أنيخت: الياء غير معجمة في ط.(5/474)
فهل أَنْتَ إِن مد المدى لَك خَالِد ... مواز لَهُ «1» أَوْ حامل مَا يحمل
1198- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعَجْلِيُّ عَنْ ابن عوانة عَنْ عوانة قَالَ: كَانَ خَالِد وأمية ابنا عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد عند عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان، فقدمت عَلَيْهِ عير من العراق عَلَيْهَا مال حمله الْحَجَّاج بْن يُوسُف، فَقَالَ عَبْد الْمَلِك: هَذَا والله الجلب الأغر لا جلبكما، أما أَنْتَ يا خَالِد فاستعملتك عَلَى البصرة وَهِيَ تهدم بالأموال، فاستعملت كلّ ذئب فاجر: يحمل من العشرة درهما ويحتجن التسعة لنفسه «2» ، وَأَمَّا أَنْتَ يا أمية فإني وليتك خراسان وسجستان وهما يقلسان الذهب والفضّة، فبعثت إليّ يبرذون حطم «3» وحريرتين «4» ومفتاح فِيهِ رطل من ذهب زعمت أَنَّهُ مفتاح مدينة الفيل «5» ، وَمَا مدينة الفيل قبحها اللَّه، فَإِذَا استعملناكم أسأتم وقصرتم، وإذا استعملنا غيركم قلتم:
حرمنا وقطع أرحامنا وآثر عَلَيْنَا غيرنا، والملك لا يصلح إلا بالرجال، والرجال لا يقيمها إلا الأموال، والأموال لا تجتمع إلا بالتوفير والاحتياط وأداء الأمانة، فَقَالَ خَالِد: بعثتني إِلَى البصرة والناس بِهَا رجلان: رجل هواه معك، ورجل هواه لسواك، فأعطيت الَّذِي هواه معك لأستثبت «6» مودته وأستديم طاعته، وأعطيت الَّذِي يهوى غيرك متألفا لأجتر هواه وأعطف قلبه وأستنزل نصيحته، وَكَانَ اتخاذ الرجال أحب إِلَى وأصوب عندي من جمع الأَمْوَال، وإن الْحَجَّاج جمع الأَمْوَال وأوغر صدور الرجال، فكأني بِهِمْ قَدِ انتقضوا عَلَيْهِ فأنفقت هذه الأَمْوَال وأضعافها، فلما خرج أهل العراق عَلَى الْحَجَّاج قَالَ عَبْد الْمَلِك: يا خَالِد هَذَا مصداق مَا قُلْت.
1199- وَحَدَّثَنِي الْحَسَن بْن عَلِي الحرمازي عَنْ أَبِي الْحَسَن الْمَدَائِنِي عَنْ عبد الله بن
__________
(1) الديوان والنقائض: موازنه.
(2) ط م س: تحمل ... وتحتجن ... لنفسك.
(3) س: خطم.
(4) ط: وجريرتين.
(5) مدينة الفيل. انظر ياقوت 3: 933
(6) ط س: لاستتبّ.(5/475)
مُسْلِم قَالَ، قَالَ عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان: إنا لنولي الرجل فيخون ويعجز، كَأَنَّهُ يعرض بخالد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد، فَقَالَ خَالِد: أما العجز فَإِنَّهُ لَمْ يعجز من وطأ لَك مجلسك هَذَا، وَأَمَّا الخيانة فَمَا طلب العمل إلا لاصطناع المعروف، وَمَا زال النَّاس من لدن عُثْمَان يصيبون من هَذَا المال: أَنْتَ وغيرك، فسكت عَبْد الْمَلِك.
1200- وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مسكين المدني قَالَ:
باع خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ ثمرة أَبِيهِ وحمل ثمنها فِي كمه، فلقيه أَبُو صخر الهذلي فَقَالَ لَهُ: هب لي هذه الدنانير الَّتِي فِي كمك، فَقَالَ: والله مَا مدحتني قط، قَالَ: بلى والله قبل (916) أَن تولد، قَالَ: وَمَا قُلْت؟ قَالَ: قُلْت:
إِذَا نفس المولود من آل خَالِد ... بدا كرم للناظرين يطيب
قَالَ: خذها فَهِيَ لَك، فأتى أباه عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد فسأله عَنْ ثمن الثمرة فأخبره بخبرها فقال: أحسنت، وكانت ثلاثمائة دِينَار.
1201- وَكَانَ سَعِيد بْن خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد جوادًا يقال لَهُ عقيد الندى فمدحه موسى شهوات فَقَالَ:
فدى للكريم العبشمي ابْن خَالِد ... بَنِي ومالي طارفي وتليدي
عقيد الندى ما عاش يرضى بِهِ الندى ... فَإِن مَاتَ لَمْ يرض الندى بعقيد
أبا خَالِد أعني سَعِيد بْن خَالِد ... أَخَا العرف لا أعني ابْن بنت سَعِيد
ولكنني أعني ابْن عَائِشَة الَّذِي ... كلا أبويه خَالِد بْن أسيد «1»
دعوه دعوه إنكم قَدْ رقدتم ... وما هو عن إحسانكم برقود «2»
__________
1201- الشعر في معجم الأدباء 7: 195، 194 والبيتان 1، 5 في الأغاني 3: 351 والأبيات 2- 5 في الأغاني 3: 348 وابن عساكر 6: 125 والأبيات 2، 3، 5 في العقد 1: 316، والأبيات 2- 4 في الشعر والشعراء:
482 والورقة 659 ب (من النسخة س) والبيت الثالث في الورقة 490/ أ (من س) ، وبعض مادة هذه الفقرة في الأغاني وقارن بالعقد (نفسه) .
__________
(1) ط س: سعيد، خ بهامش ط: أسيد.
(2) زاد بعده في ط س م: «فقل لبغاة الخير ... » ، وسيأتي التنويه بهذا البيت في ف: 1202(5/476)
وأم عقيد الندى عَائِشَة بنت عَبْد اللَّهِ بْن خلف الخزاعي أخت طَلْحَة الطلحات الجواد، وابوه خَالِد، وجده خَالِد بْن أسيد، وكل واحد منهما ابْن أسيد، وابن بنت سَعِيد: سعيد ابن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفان أمه «1» آمنة- ويقال حميدة- بنت سَعِيد بْن العاص ابن أَبِي أحيحة فَهُوَ ابْن بنت سَعِيد، ويقال أَنَّهُ كَانَ يغلب عَلَى عقله ستة أشهر ويفيق ستة فيكون أصح النَّاس وأسخاهم، وَقَدْ ذكر ذَلِكَ أَبُو اليقظان.
1202- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح الْمُقْرِئُ عَن ابْن عوانة عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده قَالَ:
شكا سَعِيد بْن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفان موسى شهوات إِلَى سُلَيْمَان بْن عَبْد الْمَلِك وَقَالَ هجاني، فَقَالَ سُلَيْمَان لموسى: لا أم لَك أتهجو سَعِيد بْن خَالِد وَهُوَ ابْن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ عُثْمَان؟ فَقَالَ: يا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أحدثك بقصتي وقصته، عشقت جارية لبعض أهل دمشق، فأبى أهلها أَن ينقصوها من مائتي دِينَار، فأتيت سَعِيد بْن خَالِد هَذَا فأخبرته بِذَلِكَ وسألته أَن يشتريها لي، فَقَالَ: بورك فيك، فَقَالَ سُلَيْمَان: مَا هَذَا بموضع بورك فيك، قَالَ: ثُمَّ أتيت سَعِيد بْن خَالِد بْن عَبْد اللَّه (بْن خَالِد) بْن أسيد فشكوت إِلَيْهِ ذَلِكَ فدعا بمطرف خز فبسط ثُمَّ قَالَ: يا جارية صري فِي كُل جانب منه مائتي دِينَار وَفِي وسطه مائتي دِينَار، ثُمَّ قَالَ: خذ المطرف بِمَا فِيهِ، فأخذته وفيه ألف «2» دِينَار فَقُلْتُ، وأنشده الأبيات التي قد تقدم ذكرها، وزاد فِيهَا ببيت وَهُوَ:
فقل لبغاة الخير قَدْ مَاتَ خَالِد ... وَمَاتَ الندى إلا فضول سَعِيد «3»
قَالَ «4» : فَقَالَ سُلَيْمَان بْن عَبْد الْمَلِك: قل مَا بدا لَك فلن تلام.
1203- الْمَدَائِنِي عَنْ سحيم قَالَ: كَانَ عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد
__________
1202- المستطرف 1: 227 (ط: 1300) وربيع الأبرار: 321 ب.
1203- قارن بما مرّف: 1195 والشعر لابن قيس الرقيات، ديوانه: 190 والطبري 2: 828 وابن الأثير 4: 279، 280 والورقة 631/ أ (من النسخة س) .
__________
(1) ط: وأمّه.
(2) الف: سقطت من س.
(3) وفي وسطه ... فضول سعيد: سقط من م وهو بهامش ط.
(4) زيادة من ط م.(5/477)
سيدًا، وجهه أخوه «1» خَالِد إِلَى الخوارج بفارس وعليهم قطري فهزموه وقتلوا أَصْحَابه وأخذوا امرأته أم حفص بنت المنذر بْن الجارود، فمر بالمهلب فكساه ووصله وحمله، فَقَالَ الشاعر:
عَبْد الْعَزِيز فضحت جيشك كلهم ... وتركتهم صرعى بكل سبيل
هلا صبرت مَعَ الشهيد مقاتل «2» ... إذ رحت تمعن هاربًا بأصيل
(917) وتركت عرسك والرماح شوارع ... عار عليك إِلَى الممات طويل
الشهيد: مقاتل بْن مسمع كَانَ مَعَهُ فقتل.
1204- وولى عَبْد الْمَلِك عَبْد الْعَزِيز بَعْد ذَلِكَ مَكَّة، فمدحه رجل من بني الحارث ابن كعب فَقَالَ:
أبا خَالِد إني أعوذ بخالد ... وما جاره بالمستذلّ المغرّر
أعوذ ببرديه اللذين ارتداهما ... كريم المحيا طيب المتأزر
وعزل عَبْد الْمَلِك عَبْد الْعَزِيز وولى بعده أخاه عَمْرو بْن عَبْد اللَّهِ «3» وبقي عَمْرو إِلَى دولة بَنِي الْعَبَّاس.
1205- وَأَمَّا عَبْد الْمَلِك بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد فله شرف وعقب بالبصرة.
1206- ومن ولد عَبْد الرحمن بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد العالية بنت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد، تزوجها الْمَنْصُور أمِير الْمُؤْمِنيِنَ وبعث إِسْحَاق الأزرق مولاه فحملها من الحجاز، وحمل إِلَيْهِ امْرَأَة أُخْرَى تزوجها من ولد طلحة بن عبيد الله التيمي.
__________
(1) س: أبوه.
(2) الديوان والطبري وابن الأثير: مقاتلا.
(3) ذكر عمر ولم يذكر عمرا في أولاد عبد الله بن خالد بن أسيد (انظر ما سبق ف: 1173) .(5/478)
1207- وولد أَبُو العاص بْن أمية:
عَفَّان وعفيف
بْن (أَبِي) العاص درجا «1» ، وعوفًا درج فِي الجاهلية، وصفية، أمهم آمنة بنت عَبْد الْعَزِيز بْن حارث «2» من بَنِي عدي، والحكم، والمغيرة وريحانة تزوّجها بشر بن عبد بْن دهمان الثقفي، أمهم رقية بنت الْحَارِث بْن عُبَيْد بْن عُمَر بْن مخزوم، فأما صفية فتزوجها أَبُو سُفْيَان بْن حرب، وسعيد ابن أَبِي العاص درج، وخالدة تزوجها الأخنس بْن شريق الثقفي، ولبابة أمها صفية بنت ربيعة بْن عَبْد شمس، تزوجها غيلان بْن سلمة بْن معتب الثقفي، وأم حبيب بنت أَبِي العاص تزوجها أمية بْن أَبِي الصلت الثقفي الشاعر.
1208-
وَأَمَّا المغيرة بْن أَبِي العاص
فولد مُعَاوِيَة بْن المغيرة، وأمه ابنه صفوان بْن نوفل بْن أسد بْن عَبْد العزى، فولد مُعَاوِيَة بْن المغيرة عَائِشَة أم عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان وَكَانَ مُعَاوِيَة بْن المغيرة جدع أنف حمزة بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ، فقتل بأحد بَعْد انصراف قريش بثلاث، ولا عقب لَهُ سوى عائشة «3» ، وأمّ عائشة ابنة عقبة بْن أَبِي معيط.
1209- وكانت لمعاوية بْن المغيرة بْن أَبِي العاص ابنة يقال لَهَا أم جميل، تزوجها سُفْيَان بْن عَبْد الأسد المخزومي، وكانت لَهُ ابنة ثالثة يقال لها عمرة تزوجها أَبُو تجراه «4» النَّصْرَانِيُّ فَهُمْ يعابون بِذَلِكَ.
1210- وَقَالَ الْمَدَائِنِي: لعن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحكم وولده إلا الْمُؤْمِنيِنَ مِنْهُم، وسيره النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بطن وج.
1211- وَقَالَ الْمَدَائِنِي: فِي آل الحكم يَقُول حسان، وكانوا فِي الجاهلية فقراء «5» :
لقد أبصرتكم عن غير بعد ... وما تلقون في بيت بساطا
__________
(1) ط م: درج.
(2) ط م: حرثان.
(3) الورقة 580/ أ (من النسخة س آلورد: 151) .
(4) قراءة ط م، وفي س: نجذاه.
(5) لم يردا في ديوان حسان وهما في الموفقيات: 156 (والشاعر هو عبد الرحمن بن حسان) ، انظر ديوانه: 29(5/479)
وكان أَبِي لكم فِي الدهر نكلا ... وَفِي الإِسْلام كنت لكم علاطا
فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر: علاط سوء، وَقَالَ عَبْد الْمَلِك: مَا كَانَ ابْن الزُّبَيْر يعيرنا بِهِ؟
قَالُوا: الفقر.
1212- فولد عَفَّان بْن أَبِي العاص
عُثْمَان بْن عَفَّان
ويكنى أبا عَمْرو وأبا عَبْد اللَّهِ، وآمنة، وأرنب «1» وَهِيَ أم طَلْحَة، أمهم أرْوَى بنت كُريز بْن ربيعة بْن حبيب بْن عَبْد شمس، فأما آمنة فتزوجها الحكم بْن كيسان حليف بَنِي المغيرة ثُمَّ تزوجها عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي سَعْد- ويقال ابْن سَعْد- (918) حليف أَبِي أمية بْن المغيرة، ويقال أَنَّهُ من سَعْد العشيرة.
1213- وقتل عَفَّان بالغميصاء «2» مَعَ الفاكه بْن المغيرة، ويقال إنه مَاتَ بالشام فِي تجارة، وَمَاتَ عَفَّان وحرب بْن أمية فِي شَهْر واحد، فَقَالَ الْحَارِث بْن أمية الأصغر بْن عَبْد شمس وَكَانَ شاعرًا:
والله لولا أَن حربًا دعامة ... لقلت عَلَى عَفَّان مَا يسمع الصما
أفي نصف شَهْر كَانَ موتهما معا ... لَقَدْ جاء أهل اللَّه «3» مَا ينطق البكما
1214- وإخوة عُثْمَان لأمه الْوَلِيد، وخالد، وعمارة، وأم كلثوم بنو عقبة بْن أَبِي معيط.
1215- وَقَالَ الْمَدَائِنِي: لَمْ يكن لعفان نباهة فَقَالَ الشاعر:
عَفَّان أول حائك لثيابكم ... قدما وَقَدْ يدعى أَخَا الأشرار
ولكن جاء والله الإسلام فشرف عفّان بعثمان، والحمد لله.
__________
1213- السيرة 2: 431
__________
(1) ط م س: وأريب.
(2) ط س: بالعميصا.
(3) هامش ط: يعني أهل مكة.(5/480)
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
أمر عُثْمَان بْن عَفَّان وفضائله وسيرته ومقتله رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ
1216- أم عُثْمَان أروي بنت كريز وَأُمُّهَا أُمُّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ توأمة عَبْد اللَّهِ والد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ عُثْمَان يدعى فِي الجاهلية أبا عَمْرو، فلما ولدت لَهُ رقية بِنْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد اللَّهِ اكتنى أبا عَبْد اللَّهِ وكناه المسلمون بِذَلِكَ.
1217- وكانت أم حَكِيم بنت عَبْد الْمُطَّلِبِ ترقص عُثْمَان فِي صغره فتقول:
ظني بِهِ صدق وبر ... يأمره ويأتمر
من فتية بيض صبر «1» ... يحمون عورات الدبر
ويضرب الكبش النعر ... يضربه حَتَّى يخر
من سرر ومن آخر «2»
1218- المدائني قال: نزل عقفان «3» بْن قَيْس اليربوعي عَلَى أروي بنت كريز فقري وأكرم فَقَالَ:
خلف عَلَى أروي السَّلام فإنّما ... جزاء الثّويّ أن يعفّ ويحمدا «4»
__________
1216- طبقات ابن سعد 3/ 1: 36 والمصعب: 101 وجمهرة ابن حزم: 74، وابن الكلبي: 23 1217- الأنساب 3: 311 1218- الورقة 798 ب (من س) وفي الاصابة: 255 من اسمه عقفان التميمي.
__________
(1) الأنساب 3 زهر.
(2) الأنساب 3 من قبل ومن دبر.
(3) ط م س: عصفان.
(4) س (798 ب) : جزاء الثواء أن تعف وتحمدا.(5/481)
1219- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد مولى بَنِي هاشم «1» عَنِ الْوَاقِدِيِّ مُحَمَّد بْن عُمَر عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رومان قَالَ: خرج عُثْمَان وطلحة بْن عُبَيْدِ اللَّهِ عَلَى أثر الزبير ابن العوام حِينَ أسلم فدخلا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَضَ عَلَيْهِمَا الإِسْلام وقرأ الْقُرْآن فآمنا وصدقا. وَقَالَ عُثْمَان: يا رَسُول اللَّهِ قدمت حَدِيثا من الشام، فلما كنت بَيْنَ معان وموضع سماه إِذَا مناد ينادي: أيها النيام هبوا إِن أَحْمَد قَدْ خرج بمكة، فقدمنا فسمعنا بك فلم أتمالك أَن جئتك.
1220- قَالُوا: ولما أسلم عُثْمَان بْن عَفَّان أوثقه عمه الحكم بْن أَبِي العاص «2» بْن أمية رباطًا وَقَالَ: أترغب عَنْ دين آبائك إِلَى دين محدث؟ والله لا أحلك أبدًا! فلما رأى صلابته فِي دينه تركه، وحلفت أمه أروي بنت كريز ألا تأكل لَهُ طعامًا ولا تلبس لَهُ ثوبًا ولا تشرب لَهُ شرابًا حَتَّى يدع دين مُحَمَّد، فتحولت إِلَى بَيْت أخيها عامر بْن كريز فأقامت بِهِ حولًا فلما أيست منه رجعت إِلَى منزلها.
1221- قَالُوا: وأتى عُثْمَان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ أبا أحيحة فَقَالَ لَهُ: إني قَدْ آمنت واتّبعت محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: قبحت وقبح مَا جئت بِهِ. ثُمَّ خرج من عنده وأتى أبا سُفْيَان بْن حرب فأعلمه إسلامه فعنفه. وَكَانَ عُثْمَان مِمَّن هاجر (919) الهجرتين جميعًا إِلَى أرض الحبشة فرارًا من قريش بأديانهم وتنحّيا عن أذاهم ومكروههم، وكانت مَعَهُ فِي هجرته الثَّانِيَة رقية «3» بِنْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [وإنهما لأول من هاجر إِلَى اللَّه تَعَالَى بَعْد إِبْرَاهِيم ولوط،] ثُمَّ هاجر إِلَى الْمَدِينَة. ولما هاجر من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة نزل عَلَى أوس بن ثابت الأنصاري من بني
__________
1219- طبقات ابن سعد 3/ 1: 37 1220- طبقات ابن سعد 3/ 1: 38 1221- في هجرة عثمان انظر طبقات ابن سعد (نفسه) و 8: 24 والمعارف: 192 والطبري 3: 2430 وأسد الغابة 3: 376 والمصعب: 101
__________
(1) ط وهامش س: هشام، خ بهامش ط: هاشم
(2) م: العاصي.
(3) تذكر المصادر أن رقية كانت معه في الهجرتين.(5/482)
النجار، فأقطعه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ داره الَّتِي فِي الْمَدِينَة وآخى بينه وبين عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف وآخى أيضًا بينه وبين أوس بْن ثابت، ويقال: آخى بينه وبين سَعْد بْن عُثْمَان الزرقي من الأنصار ويكنى أبا «1» عبيد.
1222- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مَالِك بْن أَنَس عَنِ العلاء بْن عَبْد الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَن عُثْمَان دفع مالا مضاربة عَلَى النصف.
1223- وَحَدَّثَ ابْنُ دَأْبٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ قَالَ، قَالَ عُثْمَانُ: دَخَلْتُ عَلَى خَالَتِي بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَعُودُهَا وَعِنْدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا أَعْجَبَ مَا يُقَالُ عَلَيْكَ مَعَ مَكَانِكَ مِنَّا، فَقَالَ:
يَا عُثْمَانُ لا إِلَهَ الا الله، الله يعلم أنّي قَدِ اقْشَعْرَرْتُ ثُمَّ قَالَ (وَفي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَ رَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُون) الذاريات:
22- 23) فَخَرَجَ فَاتَّبَعْتُهُ فَأَسْلَمْتُ.
1224- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: [هَذَا التَّقِيُّ الْمُؤْمِنُ الشَّهِيدُ شَبِيهُ إِبْرَاهِيمَ] .
1225- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ جُبَيْرَةَ عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ «2» عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ لَبِيدٍ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ عَلَى بَغْلَةٍ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَصْفَرَانِ وَرَاءَهُ غَدِيرَتَانِ.
1226- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ وَعَلَيْهِ خُمَيْصَةٌ سَوْدَاءُ وَهُوَ مخضوب بالحنّاء.
__________
1222- طبقات ابن سعد 2/ 1: 41 1225- 1233: طبقات ابن سعد 3/ 1: 39- 41
__________
(1) كنيته «أبو عبادة» عند ابن سعد (3/ 2: 127) وسيرة ابن هشام: 1: 700
(2) ط م س: عبد الرحمن عن، أصل ط س: عبد الله.(5/483)
1227- الْمَدَائِنِي عَنْ شُعْبَة عَنْ حصين «1» قَالَ: قُلْت لأبي وائل: أعلي أفضل أم عُثْمَان؟ قَالَ: عَلِي إِلَى أَن أحدث، فأما الآن فعثمان.
1228- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ عَلَى بَغْلٍ مُصَفِّرًا لِحْيَتَهُ.
1229- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَجْلانَ عَنْ سَلِيمٍ أَبِي عَامِرٍ «2» قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عُثْمَانَ بُرْدًا ثَمَنُهُ مِائَةُ دِينَارٍ «3» .
1230- حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (هَلْ يَسْتَوي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْل) (النحل: 76) قَالَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ.
1231- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي الأَعْرَجُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَسِّعُونَ عَلَى نِسَائِهِمْ فِي اللِّبَاسِ الَّذِي يُصَانُ وَيُتَجَمَّلُ بِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: رَأَيْتُ عَلَى عُثْمَانَ مِطْرَفَ خَزٍّ ثَمَّنْتُهُ مِائَةَ دِينَارٍ «4» ، فَقَالَ: هَذَا لِنَائِلَةَ، كَسَوْتُهَا إِيَّاهُ فَأَنَا أَلْبَسُهُ لأَسُرَّهَا بِذَلِكَ.
1232- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ يَتَخَتَّمُ فِي الْيَسَارِ.
1233- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ رَبْعَةً لَيْسَ
__________
1227- قارن بالتهذيب 4: 362.
1233- طبقات ابن سعد (نفسه) واليعقوبي 2: 205 والطبري 1: 3054 والعقد 4: 284 وف: 1480
__________
(1) س ط: شعبة بن حصين.
(2) ط م س: عاقر.
(3) ابن سعد: درهم.
(4) خ بهامش ط س: مائتي، ابن سعد: ثمن مائتي درهم.(5/484)
بِالطَّوِيلِ وَلا الْقَصِيرِ حَسَنَ الْوَجْهِ رَقِيقَ الْبَشْرَةِ كَثَّ اللِّحْيَةِ أَسْمَرَ اللَّوْنِ عَظِيمَ الْكَرَادِيسِ بَعِيدَ ما بين المنكبين كثير شعر الرأس يصفر (920) لِحْيَتَهُ.
1234- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ حُصَيْنٍ (عَنْ عَمْرِو) بْنِ «1» جَأْوَانَ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عُثْمَانَ مِلاءَةً صَفْرَاءَ.
1235- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ وَاقِدِ بْنِ أَبِي يَاسِرٍ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ قَدْ شَدَّ أَسْنَانَهُ بِالذَّهَبِ، قَالَ وَاقِدُ «2» بْنُ أَبِي يَاسِرٍ: وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي دَارَةَ «3» أَنَّهُ كَانَ بِعُثْمَانَ سَلَسُ الْبَوْلِ فَكَانَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاةٍ.
1236- حَدَّثَنَا عَمْرو بْن مُحَمَّد النَّاقِد وَأَحْمَدُ بْن إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قَالا، أَنْبَأَنَا أَبُو أُسَامَةَ حمّاد بن أسامة عن عَلِيُّ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الدُّومِيِّ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ يَلِي وُضُوءَ اللَّيْلِ بِنَفْسِهِ فَقِيلَ لَهُ: لَوْ أَمَرْتَ بَعْضَ الْخَدَمِ لَكَفَاكَ، فَقَالَ: اللَّيْلُ لَهُمْ يَسْتَرِيحُونَ فِيهِ.
1237- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا عَفَّانُ أَنْبَأَنَا «4» وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ مُتَوَسِّدًا رِدَاءَهُ.
1238- حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْمُؤَذِّنُونَ يُؤَذِّنُونَ وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ وَيَسْتَخْبِرُهُمْ عَنْ أَسْعَارِهِمْ وَأَخْبَارِهِمْ وَمَرْضَاهُمْ.
1239- وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَزَادَ فِيهِ: فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ قَامَ فَتَوَكَّأَ عَلَى عَصًا لَهُ عقفاء وخطب وهي
__________
1234- 1242: طبقات ابن سعد 3/ 1: 39- 41، 53 1235- العقد 4: 284 وف: 1480
__________
(1) ط م س: عن حصين أبي.
(2) س: وافد.
(3) ابن سعد: عبيد الله بن دارة.
(4) م: أخبرنا.(5/485)
بِيَدِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ جِلْسَتَهُ فَيَبْتَدِئُ كَلامَ النَّاسِ فَيَسْأَلُهُمْ كَمَسْأَلَتِهِ الأُولَى ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ وَيُقِيمُ الْمُؤَذِّنُونَ.
1240- حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ أَخْضَرَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ:
كَانَ عُثْمَانُ أَعْلَمَهُمْ بِالْمَنَاسِكِ وَبَعْدهُ ابْنُ عُمَرَ.
1241- وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، أَنْبَأَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، حَدَّثَنِي أَبُو قِلابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ [رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصْدَقُ «1» أُمَّتِي حَيَاءً عُثْمَانُ] .
1242- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ نُمَيْرٍ «2» عَنْ قَيْسٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ «3» عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلا طَيِّبَ الرِّيحِ نَظِيفَ الثَّوْبِ قَائِمًا يُصَلِّي إِلَى الْكَعْبَةِ وَغُلامٌ خَلْفَهُ كُلَّمَا تَعَايَا فَتَحَ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: عُثْمَانُ.
1243- حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَبَّابِ أَنْبَأَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عن زيد بْنِ عُمَرَ «4» الْمَعَافِرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ثَوْرٍ الفهمي يقول: قال عبد الرحمن ابن عُدَيْسٍ «5» الْبَلَوِيُّ وكَانَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ: دَخَلْنَا عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ:
إِنِّي رابع الاسلام.
1244- محمد بن أبان والمدائني عَنْ أَبِي هِلالٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ، قَالَ رَجُلٌ بِالْكُوفَةِ: أَشْهَدُ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ شَهِيدًا، فَأَتَى بِهِ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ [فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: وَمَا عِلْمُكَ؟
قَالَ: فَأَنْتَ تَعْلَمُ، أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتَ حَاضِرٌ فَسَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي وَسَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ فَأَعْطَانِي وَسَأَلْتُ عُمَرَ فَأَعْطَانِي وَسَأَلْتُ عُثْمَانَ فَأَعْطَانِي فَقُلْتُ للنبي صلّى
__________
1243- أسد الغابة 3: 376 1244- كنز العمال 6: 5877، 5936
__________
(1) م وخ بهامش ط س: أشد.
(2) س: بن نمير.
(3) ط م س: بن أبي إسحاق.
(4) لعل الصواب: يزيد بن عمرو (انظر التهذيب 11: 351) .
(5) ط م س: عدبس.(5/486)
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْعُ لِي بِالْبَرَكَةِ، فَقَالَ: وكيف لا يبارك الله لك وإنما أَعْطَاكَ نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ] .
1245- وَحَدَّثَنَا خلف البزّار حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ، [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْحَمُكُمْ أَبُو بَكْرٍ وَأَشَدُّكُمْ فِي الدِّينِ عُمَرُ وَأَقْرَؤُكُمْ أُبَيُّ وَأَصْدَقُكُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ وَأَعْلَمُكُمْ بِالْحَلالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَفْرَضُكُمْ (921) زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ] .
1246- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْجَرِيرِيُّ عَنْ ثُمَامَةُ بْنُ حَزْنٍ «1» الْقُشَيْرِيُّ قَالَ: أَشْرَفَ عُثْمَانُ مِنْ دَارِهِ عَلَيْنَا فَقَالَ: ائْتُونِي بِصَاحِبَيْكُمُ اللَّذَيْنِ أَلَّبَاكُمْ عَلِيَّ، قَالَ: فَجِيءَ بِهِمَا كَأَنَّهُمَا «2» حِمَارَانِ فَقَالَ: أنْشُدُكُمَا اللَّهُ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ مُسْتَعْذَبٌ إِلا بِئْرَ رُومَةَ فَقَالَ: [مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلُ دَلْوُهُ فِيهَا مَعَ دِلاءِ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا الْجَنَّةِ، فَاشْتَرَيْتُهَا] مِنْ صُلْبِ مَالِي؟ قَالا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: فَأَنْشُدُكُمَا اللَّهَ وَالإِسْلامَ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ الْمَسْجِدَ ضَاقَ بِأَهْلِهِ، [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ يَشْتَرِي بُقْعَةَ آلِ فُلانٍ لِتُزَادَ فِي الْمَسْجِدِ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا الْجَنَّةِ، فَاشْتَرَيْتُهَا] مِنْ صُلْبِ مَالِي؟ قَالا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: فَأَنْشُدُكُمَا اللَّهَ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنِّي جَهَّزْتُ جَيْشَ الْعُسْرَةَ مِنْ مَالِي؟ قَالا:
اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: أَنْشُدُكُمَا اللَّهُ هَلْ تَعْلَمَانِ [أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِثَبِيرٍ، أَوْ قَالَ بِحِرَاءَ، فَتَحَرَّكَ الْجَبَلُ حَتَّى تَسَاقَطَتْ حِجَارَتُهُ إِلَى الْحَضِيضِ فَرَكَضَهُ بِرِجْلِهِ فَقَالَ:
اسْكُنْ، فَمَا عَلَيْكَ إِلا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ؟] قَالا: اللهمّ نعم.
__________
1245- الترمذي 2: 239 وحلية الأولياء 38: 122 والرياض النضرة: 24 1246- الترمذي 2: 296 ومسند أحمد 1: 74 والرياض النضرة 2: 93 وكنز العمال 6: 5906 وانظر بعضه في البخاري 2: 430 وابن عبد الحكم: 111 وأسد الغابة 3: 378، 380 وياقوت 2: 228
__________
(1) ط م س: حرب.
(2) س: فإنهما.(5/487)
1247- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونَ قَالا، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ «1» قَالَ: سَمِعْتُ حُصَيْنًا يَذْكُرُ عَنْ عَمْرِو «2» بْنِ جَأْوَانَ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ:
قَدِمْنَا حَاجِّينَ فَإِنَّا لَبِمِنًى «3» إِذْ أَتَى آتٍ فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ، فَانْطَلَقْنَا فَإِذَا النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ «4» عَلَى نَفَرٍ فِي وَسطِ الْمَسْجِدِ، وَإِذَا عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: فَإِنَّا كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ عُثْمَانُ وَعَلَيْهِ لَمُلاءَةٌ «5» صَفْرَاءُ قَدْ قَنَّعَ بِهَا رَأْسَهُ فَقَالَ:
أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [مَنِ ابْتَاعَ مِرْبَدَ بَنِي فُلانٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ فَابْتَعْتُهُ لَهُ بِعِشْرِينَ- أَوْ قَالَ «6» : بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ- أَلْفًا] فَقَالَ: اجْعَلْهُ فِي مَسْجِدِنَا وَأَجْرُهُ لَكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: [من ابْتَاعَ بِئْرَ رُومَةَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، فَابْتَعْتُهَا بِكَذَا وَكَذَا،] فَقَالَ: اجْعَلْهَا سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَأَجْرُهَا لَكَ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ فَقَالَ: [مَنْ جَهَّزَ هَؤُلاءِ يَعْنِي جَيْشَ الْعُسْرَةِ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ فَجَهَّزْتُهُمْ حَتَّى لَمْ يَفْتَقِدُوا عِقَالا وَلا خِطَامًا؟ قَالُوا:] نَعَمْ، قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدِ، اللَّهُمَّ اشْهَدِ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ.
1248- وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَدَارَأَ «7» عُثْمَانُ وَالزُّبَيْرُ فِي شَيْءٍ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أنا ابْنُ صَفِيَّةَ، فَقَالَ عُثْمَان:
هِيَ أَدْنَتْكَ مِنَ الظِّلِّ وَلَوْلا هِيَ كُنْتَ ضَاحِيًا.
1249- حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُقْرِئُ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بن إبراهيم حدثنا قرّة بن
__________
1247- مسند ابن حنبل 1: 70 وكنز العمال 6: 5898 1249- طبقات ابن سعد 2/ 2: 113
__________
(1) س: يونس.
(2) ط م س: عمر.
(3) مسند أحمد والكنز: بالمدينة.
(4) م س: يجتمعون.
(5) م: ملاءة.
(6) قال: سقطت من م.
(7) س: تداروا.(5/488)
خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: جَمَعَ عُثْمَانُ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: حَفِظَهُ 1250- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: جَمَعَ عُثْمَانُ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَهَذَا أَثْبَتُ مَا رُوِيَ.
1251- حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ الأُبَلِّيُّ حَدَّثَنَا سَلامُ بْنُ مِسْكِينٍ وَأَبُو هِلالٍ قَالا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ، قَالَتِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ حِينَ أَرَادُوا قَتْلَهُ: إِنْ تَقْتُلُوهُ أَوْ تَدْعُوهُ فَقَدْ كَانَ يَحْيَى اللَّيْلَ بِرَكْعَةٍ يَخْتِمُ فِيهَا الْقُرْآنَ.
1252- حَدَّثَنِي (922) الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ أَنْبَأَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو «1» عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «2» التَّيْمِيِّ قَالَ: قُمْتُ فِي الْحِجْرِ فَقُلْتُ: لا يَغْلِبُنِي عَلَيْهِ أَحَدٌ اللَّيْلَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي فَغَمَزَنِي، فَأَبَيْتُ أَنْ أَلْتَفِتَ، ثُمَّ غَمَزَنِي فَأَبَيْتُ أَنْ أَلْتَفِتَ، ثُمَّ غَمَزَنِي الثَّالِثَةَ فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا عُثْمَانُ، فَتَأَخَّرْتُ عَنِ الْحِجْرِ، فَقَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ ثُمَّ انْصَرَفَ.
1253- حَدَّثَنَا شَيْبَانُ الآجُرِّيُّ حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ الأَصَمِّ قَالَ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ مِنْ غَنِيمَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدِ الْقِتَالَ، تَخَلَّفَ عَلَى رُقَيَّةَ.
1254- وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ بُخْتٍ حَدَّثَنَا رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشٍ «3» قَالَ، [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ
__________
1250- هذه الفقرة لم ترد في س.
1251- 1252: طبقات ابن سعد 3/ 1: 53 1253- قارن بمغازي الواقدي: 101 1254- طبقات ابن سعد 8: 57
__________
(1) س: عمر.
(2) ط س: ابراهيم بن عبد الرحمن.
(3) م: خراش.(5/489)
الْخَطَّابِ: أَلا أَدُلُّكَ عَلَى خَتَنٍ خَيْرٌ لَكَ مِنْ عُثْمَانَ وَأَدُلُّ عُثْمَانَ عَلَى خَتَنٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْكَ؟
قَالَ: بَلَى يَا رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجُ ابْنَتِي مِنْ عُثْمَانَ] .
1255- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ الْكِلابِيُّ قَالَ، حَدَّثَتْنِي أُمُّ غُرَابٍ جَدَّةُ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ عَنْ بُنَانَةَ «1» أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يَتَنَشَّفُ «2» إِذَا تَوَضَّأَ بَعْدَ الْوُضُوءِ، فَكُنْتُ أَجِيئُهُ إِذَا تَنَشَّفَ بِثِيَابِهِ فَقَالَ: لا تَنْظُرِي إِلَيَّ فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لَكِ، وَعَلَيْهِ حلّة صفراء كانت لامرأته، قالت «3» : وكانت لِحْيَتُهُ بَيْضَاءُ.
1256- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: أَعْطَى عُثْمَانُ طَلْحَةَ فِي خِلافَتِهِ مِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ.
1257- حَدَّثَنِي خَلَفُ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ ابْنِ أَخِي مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: لَقِيتُ عَلِيًّا يَوْمَ الْجَمَلِ، فَأَسْرَعَ إِلَيَّ بِدَابَّتِهِ فَقُلْتُ: أَنَا أَحَقُّ أَنْ أُسْرِعَ إِلَيْكَ، فَقَالَ: أَحْسَبُ عُثْمَانَ مَنَعَكَ مِنْ إِتْيَانِنَا، فَأَقْبَلْتُ أَعْتَذِرُ إِلَيْهِ فَقَالَ: لَئِنْ أَحْبَبْتَهُ «4» لَقَدْ كَانَ أَبَرَّنَا وَأَوْصَلَنَا.
1258- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ وَأَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ أَخْبَرَنِي شَرِيكٌ أَخْبَرَنِي بَعْضُ آلِ حَاطِبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عثمان قميصا قُوهِيًّا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ.
1259- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ «5» حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ «6» قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ
__________
1255- طبقات ابن سعد 3/ 1: 40- 41 1256- قارن بالرياض النضرة 2: 99 1258- 1259: طبقات ابن سعد 3/ 1: 39
__________
(1) ط م: نباتة.
(2) ط م س: ينشف.
(3) م: قال.
(4) س: أجبته.
(5) ط م س: سعيد.
(6) عن موسى بن طلحة: سقط من س.(5/490)
1260- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلَ عَلَى سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَجُلٌ، وَكَانَ مِمَّنْ يَحْمَدُ عَلِيًّا وَيَذُمُّ عُثْمَانَ، فَذَكَرَ لَهُ فَضَائِلَ عُثْمَانَ ثُمَّ قَالَ:
غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَاةَ تَبُوكَ فَلَمْ يَلْقَ فِي غَزَاةٍ مِنْ غَزَوَاتِهِ مَا لَقِيَ فِيهَا مِنَ الظَّمَأِ وَالْمَخْمَصَةِ، فَاشْتَرَى عُثْمَانُ طَعَامًا وَأَدَمًا وَمَا يَصْلُحُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُقْبِلٌ فَرَفَعَ يَدَيْهِ «1» [وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي رَاضٍ عَنْهُ فَارْضَ عَنْهُ، ثَلاثًا] .
1261- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ قَالَ: أَتَى عُثْمَانُ مَنْزِلَ عَائِشَةَ فَسَأَلَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: ذَهَبَ يَبْتَغِي لأَهْلِهِ قوتا فإنّه ما أوقد في أبياته «2» نار مُنْذُ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، فَقَالَ: [رَحِمَكِ اللَّهُ أَفَلا تُعْلِمِينِي إِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا؟ وَرَجَعَ فَبَعَثَ بِطَعَامٍ وَشَاةٍ إِلَى كُلِّ بَيْتٍ. فَلَمَّا رَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟
قَالَتْ: بَعَثَ بِهِ عُثْمَانُ، فَقَالَ: ابْعَثِي مِنْهُ إِلَى النِّسْوَةِ، فَقَالَتْ: مَا مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ إِلا أَتَاهَا مِثْلَ هَذَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ لا تَنْسَهَا لِعُثْمَانَ] .
1262- حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَاطِبٍ لِعَلِيٍّ: إِنَّ هَؤُلاءِ سَيَسْأَلُونَا عَنْ عُثْمَانَ غَدًا فَمَا نَقُولُ؟ قَالَ: [نَقُولُ «3» ، كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا] .
1263- حَدَّثَنِي أَبُو عُمَرَ الدُّورِيُّ (923) الْمُقْرِئُ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: أَوْصَى عُثْمَانُ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ فِي الْوَصِيَّةِ، قَالَ عَبَّادٌ: إِنْ يَتَشَهَّدَ الرَّجُلُ فحسن وإن لم يتشهّد فلا بأس.
__________
1260- قارن بالرياض النضرة 2: 99 1261- المصدر السابق وكنز العمال 6: 5843 1262- الرياض 2: 113 1263- طبقات ابن سعد 3/ 1: 41
__________
(1) ط م س: يده.
(2) م: بيته.
(3) ط س: قال تقول.(5/491)
1264- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ، قَالَ رَجُلٌ لِعُثْمَانَ: إِنَّكَ لأَجْمَلُ النَّاسِ، قَالَ: ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
1265- حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ إِذَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ دَعَا بِهِ وَهُوَ فِي خِرْقَةٍ فَشَمَّهُ، فَقِيلَ لَهُ: لِمَ تَفْعَلُ هَذَا؟ قَالَ:
أُحِبُّ إِنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ أَنْ يَكُونَ قَدْ وَقَعَ لَهُ فِي قَلْبِي شَيْءٌ، يَعْنِي «1» مِنَ الْحُبِّ وَالرِّقَّةِ.
1266- الْمَدَائِنِيّ عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ، قَالَ: بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُثْمَانَ بِشَيْءٍ، فَأَبْطَأَ الرَّسُولُ بِالانْصِرَافِ، فَلَمَّا رَجَعَتْ إِلَيْهِ قَالَ: [أَرَاكِ جَعَلْتِ تَنْظُرِينَ إِلَى عُثْمَانَ وَرُقَيَّةَ أَيُّهُمَا أَحْسَنُ] .
1267- حَدَّثَنِي عَلانُ الْوَرَّاقُ عَنِ الْجُمَحِيِّ عَنِ ابْنِ دَأْبٍ، قَالَ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ يَرْبُوعَ بْنِ عَنْكَثَةَ الْمَخْزُومِيُّ يَقُولُ: دَخَلْتُ «2» وَأَنَا غُلامٌ وَمَعِي طَائِرٌ أُرِيدُ أَنْ أُرْسِلَهُ وَذَلِكَ فِي الْهَاجِرَةِ وَإِذَا شَيْخٌ نَائِمٌ تَحْتَ رَأْسِهِ لَبِنَةٌ «3» ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ مُتَعَجِّبًا مِن حُسْنِهِ، فَفَتَحَ عَيْنَهُ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ يَا غُلامُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَدَعَا لِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وحلّة، فأمر فألبست الحلّة وأعطيت الألف الدرهم، فَرَجَعْتُ إِلَى أَبِي فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ هَذَا أمِيرُ الْمُؤْمِنيِنَ عُثْمَانُ.
1268- حَدَّثَنِي مُصْعَب بْن عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ عَن أَبِيهِ عَنْ أشياخهم أَن عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر قَالَ: لقيني قوم مِمَّن يطعن عَلَى عُثْمَان فحاجوني فحدثتهم بسيرة أبي بكر وعمر وما
__________
1264- قارن بمسند أحمد 1: 72.
1265- طبقات ابن سعد (نفسه) : 40 1266- قارن بكنز العمال 6: 5884
__________
(1) ط س: بعث، وسقطت اللفظة من م.
(2) لعله يريد: دخلت المسجد.
(3) م: رايته لينة.(5/492)
كَانَ منهما مِمَّا لَمْ يعب وعيب عَلَى عُثْمَان فحججتهم حَتَّى كأنهم صبيان يمضغون سخبهم «1» .
1269- وَحَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنِ الْقَاسِمِ الْحَدَّانِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَخِي مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ، [قَالَ عَلِيٌّ: أَنَا وَاللَّهِ عَلَى أَثَرِ الَّذِي أَتَى عُثْمَانُ، لَقَدْ سَبَقَتْ لَهُ فِي اللَّهِ سَوَابِقُ لا يُعَذِّبُهُ بَعْدَهَا أَبَدًا] .
1270- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عن الواقدي عن ابن أبي الزناد عن أَبِيهِ أَن رجلا كَانَ آنسًا بعثمان، وَكَانَ الرجل من ثقيف، فحد فِي الشراب، فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: لَنْ تعود والله إِلَى مجلسي والخلوة معي مَا لَمْ يكن لنا «2» ثالث.
1271- حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ عَنْ عَوْفِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ، قَالَ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: [إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا وَعُثْمَانُ مِمَّن قَالَ اللَّهُ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِين) (الحجر: 47) .]
1272- وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ عَنْ جَعْفَرَ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ سَعِيدٍ مَوْلَى حَاطِبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ، وَكَانَ قَدِمَ الْبَصْرَةَ مَعَ عَلِيٍّ، أَنَّ عَلِيًّا ذَكَرَ عُثْمَانَ فَقَالَ [وَمَعَهُ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ (إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُون) (الأنبياء: 101) أُولَئِكَ عُثْمَانُ وَأَصْحَابُ عُثْمَانَ] .
1273- الْمَدَائِنِيّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَوْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي حائط مدلّيا رجله «3» في
__________
1269- كنز العمال 6: 5878 1271- الرياض 2: 113 وقارن بابن سعد 3/ 1: 80، 160 1273- قارن بالبخاري 2: 429 وصحيح مسلم 7: 117 (119) والترمذي 2: 297
__________
(1) ط م س: سحنهم، وفي المفضليات: 301
أحلام صبيان إذا ما قلدوا ... سخبا فهم يتعلقون بمضغها
والسخب جمع سخاب وهو العقد، ومضغهم لها كناية عن أنهم قد تحيروا في أمرهم.
(2) س: أنا.
(3) صحيح مسلم: رجليه.(5/493)
بِئْرٍ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: [ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، فَدَخَلَ فَدَلَّى رِجْلَهُ فِي الْبِئْرِ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، فَدَخَلَ فَدَلَّى رِجْلَهُ فِي الْبِئْرِ أَيْضًا، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوًى شَدِيدَةٍ سَتَنَالُهُ،] فَدَخَلَ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ.
1274- الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُضْطَجِعٌ وَعَلَيْهِ ثَوْبُهُ فَقَضَى حَاجَتَهُ وَخَرَجَ، وَدَخَلَ عُمَرُ فَقَضَى حَاجَتَهُ وَخَرَجَ، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَقَضَى حَاجَتَهُ وَخَرَجَ، (924) ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَجَلَسَ له رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: لَمْ تَصْنَعْ هَذَا بِأَحَدٍ، [فَقَالَ: إِنَّ عُثْمَانَ شَدِيدُ الْحَيَاءِ وَلَوْ رَآنِي عَلَى تلك الحال لا نقبض عَنْ حَاجَتِهِ وَقَصَّرَ فِيهَا] .
1275- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ رَاشِدٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ، [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يُجَهِّزُ هَذَا الْجَيْشِ- يَعْنِي جَيْشَ الْعُسْرَةَ- بِشَفَاعَةٍ مُتَقَبَّلَةٍ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِشَفَاعَةٍ «1» مُتَقَبَّلَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ،] قَالَ: أَنَا، فَجَهَّزَهُمْ «2» بِسَبْعِينَ أَلْفًا.
1276- وَفِي حَدِيث آخر أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [كَيْفَ لا أستحيي ممّن تستحيي منه الملائكة؟] 1277- وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ حَدَّثَنَا شُعَيْب بْن حرب أَنْبَأَنَا إسرائيل أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاق عَنْ حارثة بْن مضرب قَالَ: حججت مَعَ عُمَر فسمعت الحادي يَقُول:
إنّ الأمير بعده ابن عفّان
__________
1274، 1276: قارن بصحيح مسلم (نفسه) ومسند أحمد 6: 62، 155، 1: 71 وكنز العمال 6: 5839، 5845- 47 ومصنف عبد الرزاق 11: 230، 232
__________
(1) بشفاعة: سقطت من ط م.
(2) س: أجهزهم.(5/494)
1278- وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن هِشَام، حَدَّثَنَا وكيع بْن الجراح عَنِ الأَعْمَش عَنْ أَبِي صَالِح قَالَ: كَانَ الحادي يحدو لعثمان «1» فَيَقُولُ:
إِنَّ الأَمِيرَ بَعْدَهُ عَلِيٌّ ... وَفِي الزُّبَيْرِ «2» خَلَفٌ رَضِيَ
فَقَالَ كعب: لا بل هو صاحب البغلة الشهباء- يَعْنِي مُعَاوِيَة- فأتى مُعَاوِيَة كعبًا فَقَالَ:
يا أبا إِسْحَاق أنى يَكُون هَذَا وَهَؤُلاءِ أَصْحَاب النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَنْتَ صاحبها يا أبا عَبْد الرَّحْمَنِ.
1279- وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن أسامة أنبأنا إسماعيل ابن أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي سَهْلَةَ «3» مَوْلَى عُثْمَانَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي [مَرَضِهِ: وَدِدْتُ أَنَّ عِنْدِي بَعْضَ أَصْحَابِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أندعو «4» لك أبا بكر؟ فاسكت، فقلت: أندعو لك عمر؟ فأسكت، فَقُلْتُ: أَنَدْعُو لَكَ عُثْمَانَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَدَعَوْتُهُ، فَلَمَّا أَقْبَلَ أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَبَاعَدِي. وَجَاءَ عُثْمَانُ فَجَلَسَ «5» فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول لَهُ قَوْلا وَلَوْنُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ قِيلَ لِعُثْمَانَ: أَلا تُقَاتِلُ؟
فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا وَأَنَا صَائِرٌ إِلَيْهِ «6» ، قَالَ أَبُو سَهْلَةَ:
فَيَرَوْنَ أَنَّهُ مِمَّا كَانَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ] .
1280- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضِ بْنِ جُعْدُبَةَ «7» عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: كَانَ عثمان محبّبا في قريش، قال القائل:
__________
1278- الطبري 1: 2946- 47 والبدء والتاريخ 5: 208 وابن الأثير 3: 123 1279- طبقات ابن سعد 3/ 1: 46 وقارن بالطبري 1: 3020 والترمذي 2: 297 وكنز العمال 6: 5900 1280- المعارف: 192 والعقد 4: 285
__________
(1) م: بعثمان.
(2) م: ابن الزبير.
(3) س: ابن أبي سهلة.
(4) ط م س: ندعو.
(5) ابن سعد: فجلس إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(6) المصادر: صابر عليه.
(7) ط م س: عن ابن جعدبة.(5/495)
أحبك والرحمن ... حب قريش عُثْمَان
إِذَا دعا بالميزان
1281- حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَالِد بْن سَعِيد الأموي قَالَ: تزوج سَعِيد بْن العاص بْن أَبِي أحيحة هند بنت الفرافصة بْن الأحوص «1» الكلبي، فبلغ ذَلِكَ عُثْمَان فكتب إِلَيْهِ إِن كَانَ لَهَا أخت أَن يخطبها عَلَيْهِ، فبعث سَعِيد إِلَى الفرافصة بْن الأحوص «2» الكلبي، وَكَانَ نصرانيًا، أَن زوج أمِير الْمُؤْمِنيِنَ ابنتك فَقَدْ ذكرها، فَقَالَ لضب بْن الفرافصة: زوجها أمِير الْمُؤْمِنيِنَ فإنك عَلَى دينه، فزوجه نائلة، وَقَالَ لَهَا الفرافصة: إنك تقدمين عَلَى نساء من قريش هن أقدر «3» عَلَى العطر منك فلا تغلبي عَلَى الكحل والماء، تطهري حَتَّى يَكُون ريحك ريح شنة أصابها قطر، فَقَالَتْ حِينَ حملت إِلَى الْمَدِينَةِ:
ألست ترى يا ضب بالله أنني ... مصاحبة نَحْو الْمَدِينَةِ أركبا
أريد «4» أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أَخَا التقى ... وخير قريش منصبًا ثُمَّ مركبا
(925) وَكَانَ عُثْمَان مهرها عشرة آلاف درهم وأعطاها كيسان أبا سليم وامرأته رمانة، وَهِيَ من سبي كرمان، فأعتقتها «5» نائلة وَهُوَ خرج معها إِلَى الشام بَعْد عُثْمَان، ويقال إنه من موالي كلب، قدم معها ثُمَّ خرج إِلَى الشام معها. فلما دخلت عَلَى عُثْمَان جلس عَلَى سرير وأجلست عَلَى سرير ثُمَّ وضع قلنسوته فبدت صلعته فَقَالَ: لا تكرهن «6» مَا ترين من صلعي فَإِن وراءه مَا تحبين، فَقَالَتْ: إني من نسوة أحب بعولتهن إليهن الشيخ السيد، قَالَ: إِمَّا أَن تقومي «7» إِلَى أو أقوم إليك، فقالت: مَا تجشمت من مسافة السماوة أبعد من عرض
__________
1281- الأغاني 16: 248، 249 وربيع الأبرار: 390/ أوعيون الأخبار 4: 46 ومحاضرات الراغب 2: 90
__________
(1) الأحوص، وفي هامش ط ان الفرافصة هذا بفتح الفاء وغيره بضمها (عن ابن ماكولا) .
(2) س: الأحوض.
(3) م: أقدم.
(4) خ بهامش ط: تؤمّ.
(5) اقرأ أيضا فاعتقتهما (وهو الأصح) .
(6) ط: نكرهين.
(7) ط م س: تقومين.(5/496)
الْبَيْت «1» ، ثُمَّ قامت فجلست إِلَى جانبه فمسح رأسها ودعا لَهَا ثُمَّ قَالَ: اطرحي ملحفتك، فطرحتها، ثُمَّ قَالَ: اطرحي خمارك، فطرحته، ثُمَّ قَالَ: اطرحي درعك، فطرحته، ثُمَّ قَالَ: اطرحي إزارك، فقالت: أنت وذاك، فلم تزل عنده حَتَّى قتل، فلما دَخَلَ عَلَيْهِ أهل مصر، وكانت عظيمة العجيزة، ضرب رجل مِنْهُم بيده عَلَى أليتها فَقَالَتْ: أشهد أنك فاسق وأنك لَمْ تأت غضبا لِلَّهِ ولا محاماة عَنِ الدين، وذهب بَعْضهم ليضرب عُثْمَان فاتقته بيدها فقطع السَيْف إصبعين من أَصَابِعها، وولدت لعثمان مريم، فتزوّجها عمرو ابن الْوَلِيد بْن عقبة بْن أَبِي معيط، وكانت مريم سيئة الخلق، فكانت تقول لَهُ: جئتك بردا وسلامًا، فَيَقُولُ: قَدْ أفسد بردك وسلامك سوء خلقك، وخطب مُعَاوِيَة «2» نائلة وألح عَلَيْهَا، فنزعت ثنيتين من ثناياها فأمسك عَنْهَا، وولدت لعثمان أم أبان وأم خَالِد وأروي أيضًا «3» ، وَقَالَتْ نائلة حِينَ قتل عُثْمَان «4» :
وَمَا لي لا أبكي وأبكي «5» قرابتي ... وَقَدْ نزعت منا فضول أَبِي عَمْرو
إِذَا جئته يومًا ترجي نواله ... بدت لَك سيماه بأبيض كالبدر
1282- قَالَ: وَكَانَ جندب بْن عَمْرو بْن حممة الدوسي قدم الْمَدِينَةَ مهاجرًا ثُمَّ أتى الشام غازيًا وخلّف ابنته عند عمر بن الْخَطَّاب وَقَالَ: إِن حدث بي حدث فزوجها كفؤا ولو بشراك نعله، فكان يدعوها ابنتي وتدعوه أَبِي، فلما استشهد أبوها قَالَ عُمَر: من يتزوج الجميلة الحسيبة «6» ؟ فَقَالَ عُثْمَان: أنا، فزوجه إياها عَلَى صداق بذله، فأتاها بِهِ عُمَر فوضعه فِي حجرها، فَقَالَتْ: مَا هَذَا؟ قَالَ مهرك، فنفحت بِهِ، فأمر حفصة فأصلحت من شأنها، ودخل بِهَا عُثْمَان فولدت لَهُ. وَكَانَ يَقُول: مَا شَيْء أحببته فِي امْرَأَة إلا وهو
__________
1282- الأغاني 1: 153، 383
__________
(1) الأغاني: أبعد مما بيني وبينك.
(2) انظر البرهان: 131 وف: 1520 في ما يلي.
(3) تتكرر اسماؤهن أيضا في ما يلي ف: 1548.
(4) الأغاني 16: 251 والكامل: 3: 28 والمروج 4: 284 والاصابة 6: 322 واللسان (وجوب) والتاج (تجب) والشعر ينسب للوليد بن عقبة، وانظر ف: 1514 والأول في المصعب: 105
(5) المصادر: وتبكي.
(6) س: الجسيمة.(5/497)
فِيهَا، وتزوج عُثْمَان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ ابنة شيبة بْن ربيعة عَلِي ثلاثين ألفًا ويقال أربعين ألفًا، وتزوج ابنة خَالِد بْن أسيد على أربعين ألفا «1» ، وتزوّج أم عَبْد اللَّهِ بِنْت الْوَلِيد بْن عَبْد شمس بْن الْمُغِيرَةِ عَلَى ثلاثين ألفًا، وخطب فاطمة بِنْت عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنه بَعْد وفاة عُمَر وأصدقها مائة ألف، فَقَالَ ابْن عُمَر: إِن ابْن عمها أحق بِهَا، فزوجها عَبْد الرَّحْمَنِ بْن زَيْد بْن الْخَطَّاب. وتزوّج ابنة عيينة على خمسمائة دِينَار.
1283- وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُثْمَانَ شَكَا عَلِيًّا إِلَى الْعَبَّاسِ فَقَالَ لَهُ: يَا خَالُ إِنَّ عَلِيًّا قَدْ قَطَعَ رَحِمِي وَأَلَّبَ النَّاسَ عَلِيَّ «2» ، وَاللَّهِ لَئِنْ كُنْتُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَقْرَرْتُمْ هَذَا الأَمْرَ فِي أَيْدِي بَنِي تَيْمٍ وَعَدِيٍّ فَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ (926) أَحَقُّ أَنْ لا تُنَازِعُوهُمْ فِيهِ وَلا تَحْسُدُوهُمْ عَلَيْهِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ: فَأَطْرَقَ أَبِي طويلا ثم قال: يا ابن أُخْتِ، لَئِنْ كُنْتَ لا تَحْمَدُ عَلِيًّا فَمَا نَحْمَدُكَ «3» لَهُ، وَإِنَّ حَقَّكَ فِي الْقَرَابَةِ وَالإِمَامَةِ «4» لَلْحَقُّ الَّذِي لا يُدْفَعُ وَلا يُجْحَدُ، فَلَوْ رَقِيتَ فِيمَا تَطَأْطَأَ أَوْ تَطَأْطَأْتَ مَا يَرْقَى تقاربتما، وكان ذلك أوصل وأجمل، قال: قد صَيَّرْتُ الأَمْرَ فِي ذَلِكَ إِلَيْكَ، فَقَرِّبِ الأَمْرَ بَيْنَنَا، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ دَخَلَ عَلَيْهِ مَرْوَانُ فَأَزَالَهُ عَنْ رَأْيِهِ فَمَا لَبِثْنَا أَنْ جَاءَ أَبِي رَسُولُ عُثْمَانَ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: يَا خَالُ، أُحِبُّ أَنْ تُؤَخِّرَ النَّظَرَ فِي الأَمْرِ الَّذِي أَلْقَيْتُ إِلَيْكَ حَتَّى أَرَى مِنْ رَأْيِي، فَخَرَجَ أَبِي مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، لَيْسَ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ مِنْ أَمْرِهِ شَيْءٌ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اسْبِقْ بِي الْفِتَنَ وَلا تُبْقِنِي إِلَى مَا لا خَيْرِ لِي فِي الْبَقَاءِ إِلَيْهِ، فَمَا كَانَتْ جُمُعَةٌ حَتَّى هَلَكَ.
1284- وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو داود الطيالسي عن شعبة
__________
(1) وتزوج ابنة خالد ... ألفا: سقط من م وهو بهامش ط.
(2) ط م س: ابنك عليّ، وفوق الكلمة الأولى ضبّة خطأ في ط.
(3) قراءة م (والنون) غير معجمة في ط) .
(4) م: والأمانة.(5/498)
عن عمرو بن مرة عن ذكوان عن صهيب مولى الْعَبَّاس أَن الْعَبَّاس قَالَ لعثمان: أذكرك اللَّه فِي أمر ابْن عمك وابن خالك وصهرك وصاحبك مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ بلغني أنك تريد أَن تقوم بِهِ وبأَصْحَابه، فَقَالَ: أول مَا أجيبك بِهِ أني قَدْ شفعتك، إِن عليا لو شاء لَمْ يكن أحد عندي إلا دونه، ولكنه أبى إلا رأيه، ثُمَّ قَالَ لعلي مثل قَوْله لعثمان فَقَالَ [عَلِي: لو أمرني عُثْمَان أَن أخرج من داري لخرجت] .
1285- وجدت فِي كتاب لعبد اللَّه بْن صَالِح الْعِجْلِيُّ: ذكروا أَن عُثْمَان نازع الزُّبَيْر، فَقَالَ الزُّبَيْر: إِن شئت تقاذفنا، فَقَالَ عُثْمَان: بماذا؟ بالبعر يا أبا عَبْد اللَّهِ؟
قَالَ: لا والله ولكن بطبع خباب وريش المقعد، وَكَانَ خباب يطبع السيوف وَكَانَ المقعد يريش النبل.
1286- حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عَنْ جده مُحَمَّد بْن السائب عَنْ مُحَمَّد بْن سهل بْن سَعْد الساعدي قَالَ: تنازع عَلِي وطلحة فِي شرب، فكان عَلِي يحب إقراره وَكَانَ طَلْحَةُ يحب إبطاله، فاختصما إِلَى عُثْمَان، فركب معهما إِلَى الشرب، ووافاهم مُعَاوِيَة قادمًا من الشام فأدركته المنافية فَقَالَ: إِن كَانَ هَذَا الشرب مقرا فِي خلافة عُمَر فمن ذا يغير شَيْئًا أقره عُمَر؟ فلقنها عُثْمَان فَقَالَ: هَذَا شرب لَمْ يغيره عُمَر ولسنا بمغيري مَا أقره عُمَر، فَقَالَ طَلْحَةُ: وماذا الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ من أمر عُمَر؟
1287- الْمَدَائِنِي قَالَ: وقع بَيْنَ سالم بْن دارة- وَهِيَ أمه وابوه مسافع بْن عقبة من بَنِي عَبْد اللَّهِ بْن غطفان- وبين زميل بْن أبير الفزاري- وَهُوَ ابْن أم دِينَار- كَلام، فضربه فجرحه زميل، فأدخل الْمَدِينَةَ وحمل إِلَى عُثْمَان، فأمر عُثْمَان الطبيب فنظر إِلَيْهِ فَقَالَ: لا عمق «1» للجراحة، فأمر أَن يداوى، فدسّت ابنة عيينة «2» امرأة عثمان الى الطبيب دنانير فذرّ
__________
1285- تاج العروس 1: 228 (خبب) .
1287- قارن بالحماسة 1: 203- 206 (التبريزي) وجمهرة الزبير: 9 وانظر خبر ابن دارة في الخزانة 1: 289 والشعر والشعراء: 315 والاصابة 3: 161 والأغاني 21: 54 والمؤتلف: 166 والسمط: 688، 862
__________
(1) س: حمق.
(2) س م: عتيبة (والباء غير معجمة في ط) .(5/499)
عَلَى جرحه سما فانتقض فمات، ويقال: أعطى منظور «1» الطبيب دينارين فسم جرحه، فَقَالَ لأبيه وَهُوَ بالموت:
أبلغ أبا سالم عني مغلغلة ... فلا تكونن «2» أدنى الْقَوْم للعار
لا تأخذن مائة عنّي «3» موسّمة ... ولو أتاك بها تخدي «4» ابْن سيار
أمر الشورى وبيعة عُثْمَان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ:
1288- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عن الواقدي عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ (927) عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: أَنَّ رِجَالا يَقُولُونَ إِنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كانت فلتة وقى اللَّه شرها، وإن بيعة عُمَر كانت عَنْ غَيْر مشورة، والأمر بعدي شورى، فَإِذَا اجتمع رأى أربعة فليتبع الاثنان الأربعة وإذا اجتمع رأى ثلاثة وثلاثة فاتبعوا رأى عَبْد الرَّحْمَنِ «5» ، فاسمعوا وأطيعوا، وإن صفق عَبْد الرَّحْمَنِ بإحدى يديه عَلِي الأخرى فاتبعوه.
1289- وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، أَنْبَأَنَا قَتَادَةُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ مَعْدَانَ الْيَعْمَرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنَّ دِيكًا نَقَرَنِي وَلا أَرَاهُ إِلا حُضُورَ أَجَلِي، وَإِنَّ قَوْمًا يَأْمُرُونَنِي أَنْ أَسْتَخْلِفَ وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيُضِيعَ دِينَهُ وَخِلافَتَهُ وَالَّذِي بَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ، فَإِنْ عَجِلَ بِيَ الأَمْرُ فَالْخِلافَةُ شُورَى بَيْنَ هَؤُلاءِ السِّتَّةِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، وَقَدْ عَلِمْتُ أنّه سَيَطْعَنُ فِي الأَمْرِ أَقْوَامٌ أَنَا ضَرَبْتُهُمْ بِيَدِي عَلَى الإِسْلامِ، فَإِن فَعَلُوا فَأُولَئِكَ أَعْدَاءُ اللَّهِ الضالّون.
__________
1288- قارن بطبقات ابن سعد 3/ 1: 42 1289- طبقات ابن سعد (نفسه) ومسند أحمد 1: 48 والورقة 915/ أ (من س) .
__________
(1) ط م س: منصور.
(2) س ط: يكونن.
(3) ط س: مني.
(4) س: بحذي، ط: يخذي، م: بحدي.
(5) س: أبي عبد الرحمن.(5/500)
1290- وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى أَنْبَأَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: كُنْتُ شَاهِدًا لِعُمَرَ يَوْمَ طُعِنَ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلا ثُمَّ قَالَ (، قَالَ عُمَرُ) : ادْعُوا لِي عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَبْدَ الرحمن «1» ابن عَوْفٍ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ غَيْرَ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، لَعَلَّ هَؤُلاءِ سَيَعْرِفُونَ لَكَ قَرَابَتَكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِهْرِكَ وَمَا أَنَالَكَ «2» اللَّهُ مِنَ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ، فَإِنَّ وُلِّيتَ هَذَا الأَمْرَ فَاتَّقِ اللَّهَ فِيهِ «3» ، ثُمَّ دَعَا بِعُثْمَانَ فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ، لَعَلَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ يَعْرِفُونَ لَكَ صِهْرَكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَسِنَّكَ، فَإِنْ وُلِّيتَ هَذَا الأَمْرَ فَاتَّقِ اللَّهَ وَلا تَحْمِلْ آلَ أَبِي مُعَيْطٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لِي صُهَيْبًا، فَدُعِيَ، فَقَالَ:
صَلِّ بِالنَّاسِ ثَلاثًا وَلْيُخْلَ هَؤُلاءِ النَّفَرُ فِي بَيْتٍ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْهُم فَمَنْ خَالَفَهُمْ فَاضْرِبُوا رَأْسَهُ. فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِ عُمَرَ قَالَ: إِنْ وَلُّوهَا الأَجْلَحَ «4» سَلَكَ بِهِمُ الطَّرِيقَ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَمَا يَمْنَعُكَ مِنْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ؟ قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أَتَحَمَّلَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا.
1291- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، قَالَ عُمَرُ: لا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ بِأُمَّةِ «5» مُحَمَّدٍ- وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُطْعَنَ- فَقُلْتُ: وَلِمَ «6» تَهْتَمُّ وَأَنْتَ تَجِدُ مَنْ تَسْتَخْلِفُهُ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ:
أَصَاحِبُكُمْ؟ يَعْنِي عَلِيًّا، قُلْتُ: نَعَمْ هُوَ أَهْلٌ لَهَا فِي قرابته برسول الله صلى الله عليه وسلم وَصِهْرِهِ وَسَابِقَتِهِ وَبَلائِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ فِيهِ بَطَالَةً وَفُكَاهَةً، قُلْتُ: فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ طَلْحَةَ؟ قَالَ: فَأَيْنَ الزَّهْوُ وَالنَّخْوَةُ؟ قُلْتُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: هُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ عَلَى ضَعْفٍ فِيهِ، قُلْتُ: فَسَعْدٌ، قَالَ: ذَاكَ صَاحِبُ مقنب وقتال لا يقوم بقرية لو حمّل
__________
1290- طبقات ابن سعد: 246 والورقة 917/ أ (من النسخة س) .
__________
(1) ط س: وعبد الله.
(2) ابن سعد: آتاك.
(3) يزاد هنا: ولا تحمل بَنِي عَبْد الْمُطَّلِبِ عَلَى رقاب النَّاس.
(4) الأجلح: يعني علي بن أبي طالب (الورقة 917/ أ) .
(5) م: يا أمة.
(6) س: وكم.(5/501)
أَمْرَهَا، قُلْتُ: فَالزُّبَيْرُ، قَالَ لَقِسٌ مُؤْمِنُ الرِّضَى كَافِرُ الْغَضَبِ شَحِيحٌ، إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لا يَصْلُحُ إِلا لِقَوِيٍّ فِي غَيْرِ عُنْفٍ، رَفِيقٍ فِي غَيْرِ ضَعْفٍ، جَوَادٍ فِي غَيْرِ سَرَفٍ، قُلْتُ: فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ عُثْمَانَ؟ قَالَ: لَوْ وَلِيَهَا لَحَمَلَ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، وَلَوْ فَعَلَهَا لَقَتَلُوهُ.
1292- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سعد عن الواقدي عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ مِنْ يَسْتَخْلِفُ فَقِيلَ: أَيْنَ أَنْتَ عَنْ عُثْمَانَ؟ قَالَ: لَوْ فَعَلْتُ لَحَمَلَ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، قِيلَ: الزُّبَيْرُ، قَالَ: مُؤْمِنٌ الرِّضَى كَافِرُ الْغَضَبِ، قِيلَ: طَلْحَةُ، قَالَ: أَنْفُهُ فِي السَّمَاءِ (928) وَاسْتُهُ فِي الْمَاءِ، قِيلَ:
سَعْدٌ، قَالَ: صَاحِبُ مِقْنَبٍ، قريَةٌ لَهُ كَثِيرٌ، قِيلَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: بِحَسْبِهِ أَنْ يُجْرِيَ أَهْلَ بَيْتِهِ.
1293- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ حُصَيْنِ عَنْ عَمْرِو «1» بْنِ مَيْمُونٍ أَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الشُّورَى إِلَى سِتَّةٍ وَقَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مَعَكُمْ وَلَيْسَ مَعَهُ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ.
1294- حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ، سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى رَجُلٍ «2» بَرٍّ تَقِيٍّ أُوَلِّيهِ؟ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: أَنَا أَدُلُّكَ عَلَيْهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَر، قَالَ: قَاتَلَكَ اللَّهُ، وَاللَّهِ مَا اللَّهَ أَرَدْتَ بِهَا. قَالَ هِشَامٌ: وَبَلَغَنَا أَنَّ عُثْمَانَ لَمَّا وَلِيَ الْخِلافَةَ قَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ وَلِيَ غَيْرُكَ مَا بَايَعْتُهُ، فقال عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: كَذَبْتَ يَا أَعْوَرُ، لَوْ وَلِيَ غَيْرُهُ لَبَايَعْتَهُ وَلَقُلْتَ لَهُ مِثْلَ هذا القول.
__________
1293- الورقة 912/ أ (من النسخة س) .
1294- قارن بطبقات ابن سعد: 248 وابن الأثير 3: 50 وبعضه بالطبري 1: 2787
__________
(1) س ط: عمر.
(2) رجل: سقطت من س.(5/502)
1295- وَفِي رواية الْوَاقِدِيِّ أَن عَمْرو بْن العاص تطاول ليدخل فِي الشورى فَقَالَ لَهُ عُمَر: اطمئن كَمَا وضعك اللَّه، لا أجعل فِيهَا أحدا حمل السلاح عَلَى نبي الله.
1296- حدثنا محمد بن سعد حدثني شهاب بن عبّاد «1» حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: أُخْبِرْنَا أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِعَلِيٍّ: إِنْ وُلِّيتَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا فَلا تَحْمِلَنَّ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، وَقَالَ لِعُثْمَانَ: إِنْ وُلِّيتَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا فَلا تَحْمِلَنَّ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ.
1297- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا طُعِنَ قَالَ: لِيُصَلِّ صُهَيْبٌ ثَلاثًا وَتَشَاوَرُوًا فِي أَمْرِكُمْ وَالأَمْرُ إِلَى هَؤُلاءِ السِّتَّةِ، فَمَنْ نَغِلَ بِأَمْرِكُمْ «2» فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ.
1298- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ نَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ «3» عَنْ نَافِعٍ «4» عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ، قَالَ عُمَرُ: لِيَتَّبِعِ الأَقَلُّ الأَكْثَرَ، فَمَنْ خَالَفَكُمْ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ.
1299- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ أَنَّ الْمِسوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ صَحِيحٌ يُسْأَلُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فَيَأْبَى ذَلِكَ، ثُمَّ صَعدَ الْمِنْبَرَ فَتَكَلَّمَ بِكَلِمَاتٍ ثُمَّ قَالَ: إِنْ متّ فأمركم إلى هؤلاء الستّة النفر الذين فَارَقُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُم رَاضٍ: عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَنَظِيرِهِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَنَظِيرِهِ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَنَظِيرِهِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، أَلا وَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي الْحُكْمِ وَالْعَدْلِ في القسم.
__________
1295- الورقة 920/ أ (من النسخة س) .
1296- طبقات ابن سعد: 249 1297- طبقات ابن سعد: 42 ونهاية ابن الأثير (بعل) .
1299- 1300: طبقات ابن سعد: 41- 42
__________
(1) ط م س: عبادة.
(2) النهاية: بعل بأمركم، م: فعل خلاف أمركم، ط: فغل (ثم كلمة غير واضحة) بأمركم.
(3) هو نافع بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي نعيم (التهذيب 10: 407) .
(4) هو نافع مولى ابن عمر.(5/503)
1300- وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عَنْ أَبِي مخنف فِي إِسْنَادِهِ أَن عُمَر ابن الْخَطَّاب أمر صهيبًا مولى عَبْد اللَّهِ بْن جدعان حِينَ طعن أَن يجمع إِلَيْهِ وجوه المهاجرين والأنصار، فلما دخلوا عَلَيْهِ قَالَ لَهُمْ إني قَدْ جعلت أمركم شورى إِلَى الستة نفر المهاجرين الأولين الَّذِينَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وهو عنهم راض ليختاروا أحدهم لإمامتكم، وسماهم، ثُمَّ قَالَ لأبي طَلْحَةَ زَيْد بْن سهل الخزرجي: اختر خمسين رجلا من الأنصار يكونون معك فَإِذَا توفيت فاستحث هَؤُلاءِ النفر حَتَّى يختاروا لأنفسهم وللأمة أحدهم ولا يتأخرن «1» عَنْ أمرهم فَوْقَ ثَلاث. وأمر صهيبًا أَن يصلي بالناس إِلَى أَن يتفقوا عَلَى إمام، وَكَانَ طَلْحَةُ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ غائبًا فِي ماله بالسراة فَقَالَ عُمَر: إِن قدم طَلْحَةُ فِي الثلاثة الأيام وإلا فلا تنتظروه «2» بعدها وأبرموا الأمر واصرموه وبايعوا من تتفقون عَلَيْهِ، فمن خالف عليكم فاضربوا عنقه، قَالَ: فبعثوا إِلَى طَلْحَةَ رسولًا يستحثونه ويستعجلونه بالقدوم فلم يرد الْمَدِينَةَ إلا بَعْد وفاة عُمَر والبيعة لعثمان، فجلس فِي بيته وَقَالَ: (929) أعلى مثلي يفتأت؟ فأتاه عُثْمَان فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ: إِن رددت الأمر أترده؟ قَالَ: نعم قَالَ:
فإني أمضيته، فبايعه، وَقَدْ قَالَ بَعْض الرواة إِن طَلْحَةَ كَانَ حاضرًا لوفاة عُمَر والشورى، وَالأَوَّل أثبت.
1301- وَقَالَ أَبُو مخنف: أمر عُمَر أَصْحَاب الشورى أَن يتشاوروا فِي أمرهم ثلاثًا فَإِن اجتمع اثنان عَلَى رجل واثنان عَلَى رجل واثنان عَلَى رجل رجعوا فِي الشورى، فَإِن اجتمعوا أربعة عَلَى واحد وأباه واحد كَانُوا مَعَ الأربعة، وإن كَانُوا ثلاثة (وثلاثة) كَانُوا مَعَ الثلاثة الَّذِينَ فيهم ابْن عوف، إذ كَانَ الثقة فِي دينه ورأيه الْمَأْمُون عَلَى الاختيار للمسلمين.
1302- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ سَعْدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الواقدي عَنْ إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم من ولد عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة أَن عَبْد اللَّهِ قَالَ: إِن بايعتم عليا سمعنا وعصينا وإن بايعتم عُثْمَان سمعنا وأطعنا، فاتق اللَّه يا ابن عوف.
__________
1301- قارن بابن سعد: 42 1302- قارن بالطبري 1: 2785
__________
(1) م: يتأخرون، س: يتأخر.
(2) م: تنتظرونه (اقرأ: تنتظرنه) .(5/504)
1303- وَحَدَّثَانِي عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: إِنِ اجْتَمَعَ رَأْيُ ثَلاثَةٍ وَثَلاثَةٍ فَاتَّبِعُوا صِنْفَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا.
1304- وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ فِي إِسْنَادِهِ أَنَّ عَلِيًّا شكا إِلَى عمه الْعَبَّاس مَا سمع من قَوْل عُمَر «كونوا مَعَ الَّذِينَ فيهم عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف» [وَقَالَ: والله لَقَدْ ذهب الأمر منا، فَقَالَ الْعَبَّاس: وكيف قُلْت ذَلِكَ يا ابْن أَخِي؟ فَقَالَ:
إِن سعدًا لا يخالف ابْن عمه عَبْد الرَّحْمَنِ، وعَبْد الرَّحْمَنِ نظير عُثْمَان وصهره، فأحدهما لا يخالف صاحبه لا محالة، وإن كَانَ الزُّبَيْر وطلحة معي فلن أنتفع بِذَلِكَ إذ كَانَ ابْن عوف فِي الثلاثة الآخرين،] وَقَالَ ابْن الكلبي: عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف زوج أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وأمها أروي بنت كريز وأروي أم عُثْمَان فلذلك قَالَ صهره.
1305- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أَبِي بَكْر بْن إِسْمَاعِيل عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ طَلْحَةُ بالسراة فِي أمواله وافى الموسم ثُمَّ أتى أمواله وانحدر عُمَر، فلما طعن وذكره في الشورى، بعث إليه رسول مسرع، فأقبل مسرعًا فوجد النَّاس قَدْ بايعوا لعثمان، فجلس فِي بيته وَقَالَ: مثلي لا يفتأت عَلَيْهِ، ولقد عجلتم وأنا عَلَى أمري، فأتاه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف فعظم عَلَيْهِ حرمة الإِسْلام وخوفه الفرقة.
1306- حَدَّثَنِي مُحَمَّد عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّد بْن زَيْد أَن طَلْحَةَ لما قدم أتاه عُثْمَان فسلم عَلَيْهِ، فَقَالَ طَلْحَةُ: يا أبا عَبْد اللَّهِ، أرأيت إِن رددت الأمر أترده حَتَّى يَكُون فينا «1» عَلَى شورى؟ قَالَ «2» عُثْمَان: نعم يا أبا مُحَمَّد، قَالَ طَلْحَةُ:
فإني لا أرده، فَإِن شئت بايعتك فِي مجلسك وإن شئت ففي الْمَسْجِد، فبايعه، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ ابن سعد بن أبي سرح: مازلت خائفًا لأن ينتقض «3» هَذَا الأمر حَتَّى كَانَ من طلحة ما
__________
1303- طبقات ابن سعد: 42 وما تقدم ف: 1288
__________
(1) ط س م: فيه (اقرأ: نكون فيه)
(2) م: فقال.
(3) س: ينتقص.(5/505)
كَانَ فوصلته رحم. وَلَمْ يزل عُثْمَان مكرمًا لطلحة حَتَّى حصر، فكان طَلْحَةُ أشد النَّاس عَلَيْهِ.
1307- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ، قَالَ عُمَر قبل أَن يموت بساعة: يا أبا طَلْحَةَ كن فِي خمسين من الأنصار من قومك مَعَ أَصْحَاب الشورى ولا تتركهم يمضي اليوم الثالث من وفاتي حَتَّى يؤمروا أحدهم، قَالَ: فلما قبض عُمَر وافى أَبُو طَلْحَةَ فِي أَصْحَابه فلزم أَصْحَاب الشُّورَى، فَلَمَّا جَعَلُوا أَمْرَهُمْ إِلَى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف ليختار لَهُمْ لزم بَاب عَبْد الرَّحْمَنِ حَتَّى بايع عُثْمَان.
1308- وَفِي رواية أَبِي مخنف أَن عليا خاف أَن يجتمع أمر عَبْد الرَّحْمَنِ وعثمان وسعد فأتى سعدًا ومعه الْحَسَن والحسين (930) فَقَالَ لَهُ: [يا أبا إِسْحَاق إني لا أسألك أَن تدع حق ابْن عمك بحقي أَوْ تؤثرني «1» عَلَيْهِ فتبايعني وتدعه، ولكن إِن دعاك إِلَى أَن تكون لَهُ ولعثمان ثالثًا «2» فأنكر ذَلِكَ فإني أدلي إليك من القرابة والحق بِمَا «3» لا يدلي بِهِ عُثْمَان، وناشده بالقرابة بينه وبين الْحَسَن والحسين وبحق آمنة أم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،] فَقَالَ سَعْد: لَك مَا سألت، وأتى سَعْد عَبْد الرَّحْمَنِ فَقَالَ لَهُ عَبْد الرَّحْمَنِ: هلم فلنجتمع «4» ، فَقَالَ سَعْد: إِن كنت تدعوني والأمر لَك وَقَدْ فارقك عُثْمَان عَلَى مبايعتك كنت معك، وإن كنت إِنَّمَا تريد لعثمان فعلي أحق بالأمر وأحب إِلَى من عُثْمَان، قَالَ:
وأتاهم أَبُو طَلْحَةَ فاستحثهم وألح عَلَيْهِم، فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ: يا قوم أراكم تتشاحون عَلَيْهَا وتؤخرون إبرام هَذَا الأمر، أفكلكم رحمكم اللَّه يرجو أَن يَكُون خليفة؟ ورأى أَبُو طَلْحَةَ مَا هُمْ فِيهِ فبكى وَقَالَ: كنت أظن بِهِمْ خلاف هَذَا الحرص، إِنَّمَا كنت أخاف أَن يتدافعوها.
__________
1307- طبقات ابن سعد: 42 والورقة 921 ب (من س) .
1308- قارن بالطبري 1: 2783
__________
(1) م: تؤثروني.
(2) م: تاليا (وغير معجمة في ط) .
(3) س: ما.
(4) س: فليجتمع.(5/506)
1309- حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم بْن عقبة عَنْ موسى بْن عقبة عَنْ مكحول قَالَ: لَمْ يكن سَعْد فِي الشورى، قَالَ وَحَدَّثَنِي ابْن أَبِي ذئب عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمْ يكن سَعْد فِي الشورى.
1310- الْمَدَائِنِي عَن عَبْد اللَّهِ بْن سَلْم الفهري وابن جعدبة أَن عُمَر أدخل ابنه عَبْد اللَّهِ فِي الشورى عَلَى أَنَّهُ خارج من الخلافة وليس لَهُ إلا الاختيار فَقَط، قَالَ أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِي: وَلَمْ يجتمع عَلَى ذَلِكَ.
1311- وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مخنف فِي إسناد لَهُ قَالَ:
لما دفن عُمَر أمسك أَصْحَاب الشورى وأبو طَلْحَةَ يومهم فلم يحدثوا شَيْئًا، فلما أصبحوا جعل أَبُو طَلْحَةَ يحوشهم للمناظرة فِي دار المال، وَكَانَ دفن عُمَر يَوْم الأحد وَهُوَ اليوم «1» الرابع من يَوْم طعن وصلى عَلَيْهِ صهيب بْن سنان، قَالَ: فلما رأى عَبْد الرَّحْمَنِ طول تناجي الْقَوْم وتناظرهم وأن كُل واحد مِنْهُم يدفع صاحبه عَنْهَا قَالَ لَهُمْ: يا هَؤُلاءِ، أنا أخرج نفسي وسعدا من الأمر على أن أختار يا معشر «2» الأربعة أحدكم، فَقَدْ طال التناجي وتطلع النَّاس إِلَى معرفة خليفتهم وإمامهم واحتاج من أقام لانتظار ذَلِكَ من أهل البلدان إِلَى الرجوع إِلَى أوطانهم، فأجابوا إِلَى مَا عرض عَلَيْهِم إلا عليا فَإِنَّهُ قَالَ: أنظر. وأتاهم أَبُو طَلْحَةَ فأخبره «3» عَبْد الرَّحْمَنِ بِمَا عرض وبإجابة الْقَوْم إياه إلا عليا، فأقبل أَبُو طَلْحَةَ عَلَى عَلِي فَقَالَ: يا أبا الْحَسَن، إِن أبا مُحَمَّد ثقة لَك وللمسلمين فَمَا بالك تخالفه وَقَدْ عدل الأمر عَنْ نَفْسه فلن يتحمل المأثم لغيره؟ فأحلف عَلِي عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف أَن لا يميل إِلَى هوى وأن يؤثر الحقّ وأن يجتهد «4» للأمة وأن لا يحابى ذا قرابة، فحلف لَهُ، فَقَالَ:
اختر مسددًا، وَكَانَ ذَلِكَ فِي دار المال ويقال فِي دار المسور بْن مخرمة، ثم إنّ عبد
__________
1311- قارن باليعقوبي 2: 186 والطبري 1: 2786، 2794
__________
(1) اليوم: سقطت من س.
(2) ط م س: اختاروا معشر.
(3) س ط: فأخبرهم.
(4) ط م: ويجتهد.(5/507)
الرَّحْمَنِ أحلف رجلا رجلا مِنْهُم بالأيمان المغلظة وأخذ عَلَيْهِم المواثيق والعهود أنهم لا يخالفون إِن بايع مِنْهُم رجلًا وأن يكونوا مَعَهُ عَلَى من يناويه، فحلفوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ أخذ بيد عَلِي فَقَالَ لَهُ: عليك عهد اللَّه وميثاقه إِن بايعتك أَن لا تحمل بَنِي عَبْد الْمُطَّلِبِ عَلَى رقاب النَّاس ولتسيرن بسيرة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تحول عَنْهَا ولا تقصر فِي شَيْء منها، فَقَالَ عَلِي: [لا أحمل عهد اللَّه وميثاقه عَلَى مَا لا أدركه ولا يدركه أحد، من ذا يطيق سيرة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ولكني أسير من سيرته بِمَا يبلغه الاجتهاد مني وبما يمكنني وبقدر علمي،] فأرسل عَبْد الرَّحْمَنِ يده. ثُمَّ أحلف عُثْمَان وأخذ عَلَيْهِ العهود والمواثيق أَن لا يحمل بَنِي أمية عَلَى (931) رقاب النَّاس وعلى أَن يسير بسيرة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْر وَعُمَرَ ولا يخالف «1» شَيْئًا من ذَلِكَ، فحلف لَهُ، فَقَالَ عَلِي:
قَدْ أعطاك أَبُو عَبْد اللَّهِ الرضا فشأنك فبايعه. ثُمَّ إِن عَبْد الرَّحْمَنِ عاد إِلَى عَلِي فأخذ بيده وعرض عَلَيْهِ أَن يحلف بمثل تلك اليمين أَن لا يخالف سيرة رَسُول اللَّهِ وأبي بَكْر وعمر، فَقَالَ عَلِي: [عَلِي الاجتهاد،] وعثمان يَقُول: ونعم، عَلِي عهد اللَّه وميثاقه وأشد مَا أخذ عَلَى أنبيائه أَن لا أخالف سيرة رَسُول اللَّهِ وأبي بَكْر وعمر فِي شَيْء ولا أقصر عَنْهَا، فبايعه عَبْد الرَّحْمَنِ وصافقه وبايعه أَصْحَاب الشورى وَكَانَ عَلِي قائمًا فقعد، فَقَالَ لَهُ عَبْد الرَّحْمَنِ: بايع وإلا ضربت عنقك، وَلَمْ يكن مَعَ أحد يَوْمَئِذٍ سَيْف غيره، فيقال إِن عليا خرج مغضبا فلحقه أَصْحَاب الشورى وَقَالُوا: بايع وإلا جاهدناك، فأقبل معهم يمشي حَتَّى بايع عُثْمَان.
1312- وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عَنْ أبيه عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عليا أول من بايع عُثْمَان من أَصْحَاب الشورى بَعْد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف، لَمْ يتلعثم.
1313- مُحَمَّدٌ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ دَخَلَ عَلِيٌّ عَلَى الْعَبَّاسِ فقال له: إنّي ما
__________
1312- قارن بابن سعد: 43 1313- قارن بالطبري 1: 2780
__________
(1) س: تسير ... تخالف.(5/508)
قَدَّمْتُكَ قَطُّ إِلا تَأَخَّرْتَ، قُلْتُ لَكَ: هَذَا الْمَوْتُ بَيِّنٌ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ فَتَعَالَ نَسْأَلُهُ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، فَقُلْتَ: أَتَخَوَّفُ أَنْ لا يَكُونَ فِينَا فَلا نُسْتَخْلَفُ أَبَدًا، ثُمَّ مَاتَ وَأَنْتَ الْمَنْظُورُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: تَعَالَ أُبَايِعكَ فَلا يُخْتَلَف عَلَيْكَ، فَأَبَيْتَ، ثُمَّ مَاتَ عُمَرُ فَقُلْتُ لَكَ: قَدْ أَطْلَقَ اللَّهُ يَدَيْكَ فَلَيْسَ لأَحَدٍ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ فَلا تَدْخُلْ فِي الشُّورَى عَسَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا.
1314- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالَ الْعَبَّاسُ لِعَلِيٍّ حِينَ طُعِنَ عُمَرُ: الْزَمْ بَيْتَكَ وَلا تَدْخُلْ فِي الشُّورَى فَلا يَخْتَلِفْ عَلَيْكَ اثْنَانِ.
1315- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ سَعِيدٍ الْمُكْتِبِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ «1» أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَ عثمان: عبد الرحمن ابن عَوْفٍ ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
1316- حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنْبَأَنَا عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ سَارَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْكُوفَةِ حِينَ اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ فِي ثَمَانٍ فَحَمِدَ «2» اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَاتَ فَلَمْ نَرَ «3» يَوْمًا كَانَ أَكْثَرَ نَشِيجًا مِنْ يَوْمِهِ، وَإِنَّا اجْتَمَعْنَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ فَلَمْ «4» نَأْلُ عَنْ خَيْرِنَا ذَا فَوْقٍ فبايعنا عثمان بن عفّان فَبَايَعُوهُ.
1317- حَدَّثَنَا خلف بْن هِشَام البزار، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة الضرير عَنِ الأَعْمَش عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن سنان قَالَ، قَالَ عَبْد اللَّهِ حِينَ استخلف عُثْمَان: مَا ألونا أعلانا ذا فَوْقَ.
1318- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة وعبيد اللَّه بْن موسى والفضل بْن
__________
1315- طبقات ابن سعد: 42 1316- المصدر نفسه: 43 ونهاية ابن الأثير (فوق) .
1317- 1319: طبقات ابن سعد (نفسه) .
__________
(1) س: عن.
(2) س: وحمد.
(3) س م: ير.
(4) س: فلما.(5/509)
دكين عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن ميسرة عَنِ النزال بْن سبرة قَالَ، قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود:
استخلفنا خير من بقي وَلَمْ نأل.
1319- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ: بويع عُثْمَان يَوْم الأثنين لليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين واستقبل بخلافته المحرم سنة أربع وعشرين، ووجه فِي سنة أربع وعشرين للحج عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف فحج بالناس، ثُمَّ حج عُثْمَان فِي خلافته كلها عشر سنين إِلَى السنة الَّتِي حوصر فِيهَا، ووجه فِي تلك السنة عَلَى الموسم وَهِيَ سنة خمس وثلاثين عَبْد اللَّهِ بْن الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ فحج بالناس.
1320- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الواقدي، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُثْمَانَ لَمَّا بُويِعَ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ (932) فَخَطَبَ فَحَمدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ أَوَّلَ مَرْكَبٍ صَعْبٌ وَإِنَّ بَعْدَ الْيَوْمِ أَيَّامًا وَإِنْ أَعِشْ تَأْتِكُمُ الْخُطْبَةُ عَلَى وَجْهِهَا فَمَا كُنَّا خُطَبَاءَ وَسَيُعَلِّمُنَا اللَّهُ.
1321- وروي أَبُو مخنف أَن عُثْمَان لما صعد المنبر قَالَ: أيها النَّاس، إِن هَذَا مقام لَمْ أزور لَهُ خطبة ولا أعددت لَهُ كلامًا وسنعود فنقول إِن شاء اللَّه.
1322- الْمَدَائِنِي عَنْ غياث بْن إِبْرَاهِيم أَن عُثْمَان صعد المنبر فَقَالَ: أيها النَّاس «1» ، إنا لَمْ نكن خطباء وإن نعش تأتكم الخطبة عَلَى وجهها إِن شاء اللَّه، وَقَدْ كَانَ من قضاء اللَّه أَن عُبَيْد اللَّهِ بْن عُمَر أصاب الهرمزان، وَكَانَ الهرمزان من الْمُسْلِمِينَ ولا وارث لَهُ إلا المسلمون عامة وأنا إمامكم وَقَدْ عفوت أفتعفون؟ قَالُوا: نعم، فَقَالَ عَلِي: [أقد الفاسق فَإِنَّهُ أتى عظيمًا، قتل مسلمًا بلا ذنب، وَقَالَ لعبيد اللَّه: يا فاسق لئن ظفرت بك يومًا لأقتلنك بالهرمزان] .
1323- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي رواية لَهُ: خطب عُثْمَان النَّاس فَقَالَ: الحمد لله أحمده
__________
1320- المصدر السابق وعيون الأخبار 2: 235 1322- قارن بعضه بالطبري 1: 2795
__________
(1) إن هذا مقام ... الناس: سقط من م.(5/510)
وَأَسْتَعِينُهُ وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريك لَهُ وأشهد أَن محمدًا عبده ورسوله، من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فَقَدْ غوى، إني أيها النَّاس قَدْ وليت أمركم فأستعين اللَّه «1» ولو كنت بمعزل عَنِ الأمر كَانَ خيرًا لي وأسلم، مضى قبلي صاحباي رحمها اللَّه فهما لي سلف وقدوة فإنما أنا متبع، وأرجو القوة من القوي الْعَزِيز، فادعوا لي الله بالعون والتسديد، فدعا النَّاس لَهُ ثُمَّ بايعوه.
1324- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي رواية لَهُ: خطب عُثْمَان فَقَالَ: الحمد لِلَّهِ الَّذِي لا ينبغي الحمد إلا لَهُ، الحمد لِلَّهِ الَّذِي هدانا للإسلام وأكرمنا بمحمد عَلَيْهِ الصلاة والسلام، أما بَعْد أيها النَّاس، فاتقوا اللَّه فِي سر أمركم وعلانيته، وكونوا أعوانا على الخير والبرّ والصلة ولا تكونوا إخوانا فِي العلانية أعداء في السرّ «2» فإنا قَدْ كُنَّا نحذر أولئك، من رأى منكم منكرًا فليغيره فَإِن كَانَ لا قوة له به فليرفعه إليّ، وكفّوا سفهاءكم وشدوا بِهِمْ أيديكم فَإِن السفيه إِذَا قمع انقمع وإذا ترك تتايع، ثُمَّ جلس وبايعه النَّاس.
1325- وروي أَن عُثْمَان خطب فَقَالَ: إِن أبا بَكْر وعمر كانا يعدان لِهَذَا المقام مقالا وسيأتي اللَّه بِهِ.
1326- وَقَالَ الفرزدق:
صلى صهيب ثلاثا ثُمَّ أنزلها ... عَلَى ابْن عَفَّان ملكا غَيْر مقسور «3»
وصية من أَبِي حفص لستّتهم ... كانوا أخلّاء «4» مهديّ ومأمور «5»
__________
1326- ديوان الفرزدق 1: 103 والطبري 1: 2787 والتنبيه والاشراف: 291 والبيان 3: 363
__________
(1) م: بالله.
(2) ط: الستر.
(3) ط م: مقسوم، الديوان والبيان: مقصور.
(4) الديوان: أحباء.
(5) م ط: ومأموم.(5/511)
ذكر مَا أنكروا من سيرة عُثْمَان بْن عَفَّان وأمره رَضِيَ اللَّه عَنْهُ:
1327- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن سعد عن الواقدي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أُمِّ بكر بنت المسور بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِيهَا قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كانا يتأوّلان «1» في هذا المال ظلف أَنْفُسَهُمَا وَذَوِي أَرْحُمِهِمَا وَإِنِّي تَأَوَّلْتُ فِيهِ صِلَةَ رَحِمِي.
1328- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ حَدَّثَنِي «2» مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمَّا وَلِي عُثْمَانُ عَاشَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً أَمِيرًا، فَمَكَثَ سِتَّ سِنِينَ لا يَنْقمُ النَّاسُ عَلَيْهِ شَيْئًا وَإِنَّهُ لأَحَبُّ إِلَى قُرَيْشٍ مِنْ عُمَرَ لِشِدَّةِ عُمَرَ وَلِينِ عُثْمَانَ لَهُمْ وَرِفْقِهِ بِهِمْ، ثُمَّ تَوَانَى فِي أَمْرِهِمْ وَاسْتَعْمَلَ أَقَارِبَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ فِي السِّتِّ الأَوَاخِرِ وَأَهْمَلَهُمْ وَكَتَبَ لِمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ بِخُمْسِ إِفْرِيقِيَّةَ «3» ، وَأَعْطَى أَقَارِبَهُ الْمَالَ وَتَأَوَّلَ فِي ذَلِكَ الصِّلَةَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا وَاتَّخَذَ الأَمْوَالَ وَاسْتَسْلَفَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَالا وَقَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ تَرَكَا مِنْ هَذَا الْمَالِ مَا كَانَ لَهُمَا وَإِنِّي آخُذُهُ فَأَصِلُ بِهِ ذَوِي رَحِمِي، فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
1329- (933) وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سميع عن محمد بن أبي ذئب عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ كَرِهَ وِلايَتَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُحِبُّ قَوْمَهُ، فَوَلِيَ النَّاسَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ حَجَّةً وَكَانَ كَثِيرًا مَا يُوَلِّي مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُحْبَةٌ، فَكَانَ يَجِيءُ مِنْ أُمَرَائِهِ مَا يُنْكِرُهُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُسْتَعْتَبُ فِيهِمْ فَلا يَعْزِلُهُمْ، فَلَمَّا كَانَ فِي السِّتِّ الأَوَاخِرِ اسْتَأْثَرَ بِبَنِي عَمِّهِ فَوَلاهُمْ وَوَلَّى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ مِصْرَ فَمَكَثَ عَلَيْهَا سِنِينَ «4» فَجَاءَ أَهْلُ مِصْرَ يَشْكُونَهُ وَيَتَظَلَّمُونَ مِنْهُ، وَقَدْ كَانَتْ مِنْ عُثْمَانَ قَبْلُ هَنَاتٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي ذَرٍّ وعمّار بن ياسر فكان في
__________
1327- 1328: طبقات ابن سعد: 44 1329- العقد 4: 287 والرياض النضرة 2: 124
__________
(1) م: يتناولون.
(2) م: عن.
(3) ابن سعد: مصر.
(4) هامش س: سنتين.(5/512)
قُلُوبِ هُذَيْلٍ وَبَنِي زُهْرَةَ وَبَنِي غِفَارٍ وَأَحْلافِهَا مِنْ غَضَبٍ لأَبِي ذَرٍّ مَا فِيهَا، وَحَنِقَتْ بَنُو مَخْزُومٍ لِحَالِ «1» عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، فَلَمَّا جَاءَ أَهْلُ مِصْرَ يَشْكُونَ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ كَتَبَ إِلَيْهِ كِتَابًا يَتَهَدَّدَهُ فِيهِ، فَأَبَى أَنْ يَنْزعَ عَمَّا نَهَاهُ عُثْمَانُ عَنْهُ وَضَرَبَ بَعْضَ مَنْ كَانَ شَكَاهُ إِلَى عُثْمَانَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ حَتَّى قَتَلَهُ، فَخَرَجَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ سبعمائة إِلَى الْمَدِينَةِ فَنَزَلُوا الْمَسْجِدَ وَشَكَوْا مَا صَنَعَ بِهِمُ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ فِي مَوَاقِيتِ الصَّلاةِ إِلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، فَقَامَ طَلْحَةُ إِلَى عُثْمَانَ فَكَلَّمَهُ بِكلامٍ شَدِيدٍ، وَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا تَسْأَلُهُ أَنْ يُنْصِفَهُمْ مِنْ عَامِلِهِ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- وَكَانَ مُتَكَلِّمَ الْقَوْمِ- فَقَالَ لَهُ: إِنَّمَا يَسْأَلُكَ الْقَوْمُ رَجُلا مَكَان رَجُلٍ وَقَدِ ادَّعَوْا قِبَلَهُ دَمًا فَاعْزِلْهُ عَنْهُمْ وَاقْضِ بَيْنَهُمْ فَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ فَأَنْصِفْهُمْ مِنْهُ، فَقَالَ لَهُمْ: اخْتَارُوا رَجُلا أُوَلِّيهِ عَلَيْكُمْ مَكَانَهُ، فَأَشَارَ النَّاسُ عَلَيْهِمْ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقَالُوا: اسْتَعْمِلْ عَلَيْنَا مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَكَتَبَ عَهْدَهُ عَلَى مِصْرَ وَوَجَّهَ مَعَهُمْ عِدَّةً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ والأنصار ينظرون فيما بينهم وبين ابن أبي سَرْحٍ.
1330- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عن محمد بن عبد الله عن الزهري أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يَأْخُذُ مِنَ الْخَيْلِ الزَّكَاةَ، فَأُنْكِرَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ وَقَالُوا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ] .
1331- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ محمد بن عبد اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده- وَفِي أحد الحَدِيثين زيادة عَنِ الآخر فسقتهما ورددت بعضهما عَلَى بَعْض- أَن الحكم بْن أَبِي العاص بْن أمية عم عُثْمَان بْن عَفَّان بْن أَبِي العاص بْن أمية كَانَ جارًا لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الجاهلية وَكَانَ أشد جيرانه أذى لَهُ فِي الإِسْلام وَكَانَ قدومه الْمَدِينَةَ بَعْد فتح مَكَّة «2» وَكَانَ مغموصًا عَلَيْهِ فِي دينه، فكان يمر خلف رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيغمز به ويحكيه ويخلج بأنفه وفمه
__________
1331- قارن بالطبري 3: 2170- 71 والورقة 34 ب (من س) وما يلي الورقة 495/ أ (من س) وابن الأثير 4: 159 واليعقوبي 2: 189
__________
(1) تاريخ الخميس (2: 261) : لأجل.
(2) مكة: سقطت من م.(5/513)
وإذا صلى قام خلفه فأشار بأَصَابِعه، فبقي عَلَى تخليجه وأصابته خبلة، واطلع عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات يَوْم وَهُوَ فِي بَعْض حجر نسائه فعرفه وخرج إِلَيْهِ بعنزة.
وَقَالَ: [من عذيري من هَذَا الوزغة اللعين، ثُمَّ قَالَ: لا يساكنني ولا ولده،] فغربهم جميعًا إِلَى الطائف، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلم عُثْمَان أبا بَكْر فيهم وسأله ردهم فأبى ذَلِكَ وَقَالَ: مَا كنت لآوي طرداء رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ لما استخلف عُمَر كلمه فيهم فَقَالَ مثل قَوْل أَبِي بَكْر. فلما استخلف عُثْمَان أدخلهم الْمَدِينَةَ وقال: قد كنت كلّمت رسول الله (934) فيهم وسألته ردهم فوعدني أَن يأذن لَهُمْ فقبض قبل ذَلِكَ، فأنكر المسلمون عَلَيْهِ إدخاله إياهم الْمَدِينَةَ.
1332- قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَمَاتَ الحكم بْن أَبِي العاص بالمدينة فِي خلافة عُثْمَان فصلى عَلَيْهِ وضرب عَلِي قبره فسطاطًا.
1333- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: خَطَبَ عُثْمَانُ فَأَمَرَ بِذَبْحِ الْحَمَامِ وَقَالَ: إِنَّ الْحَمَامَ قَدْ كَثُرَ فِي بُيُوتِكُمْ حَتَّى كَثُرَ الرَّمْيُ وَنَالَنَا بَعْضُهُ، فَقَالَ النَّاسُ: يَأْمُرُ بِذَبْحِ الْحَمَامِ وَقَدْ آوَى طُرَدَاءَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
1334- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى الزُّبَيْر عَن عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ قَالَ: أَغْزَانَا عُثْمَانُ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ إِفْرِيقِيَّةَ، فَأَصَابَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ غَنَائِمَ جَلِيلَةً، فَأَعْطَى عُثْمَانُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ خُمُسَ الْغَنَائِمِ.
1335- وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أبيه عن لوط بن يحيى بن أَبِي مِخْنَفٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَخَا عُثْمَانَ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَعَامِلَهُ عَلَى الْمَغْرِبِ، فَغَزَا إِفْرِيقِيَّةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ فَافْتَتَحَهَا وَكَانَ مَعَهُ مروان بن الحكم، فابتاع
__________
1333- قارن مسند أحمد 1: 72 1334- 1335: قارن بابن الأثير 3: 70(5/514)
خُمُسَ الْغَنِيمَةِ بِمِائَةِ أَلْفِ أَوْ مِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ، فَكَلَّمَ عُثْمَانَ فَوَهَبَهَا لَهُ، فَأَنْكَرَ النَّاسُ «1» ذَلِكَ عَلَى عُثْمَانَ.
1336- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أُمِّ بَكْر بنت المسور قَالَتْ: لما بَنِي مَرْوَان داره بالمدينة دعا النَّاس إِلَى طعامه، وَكَانَ المسور فيمن دعا، فَقَالَ مَرْوَان وَهُوَ يحدثهم: والله مَا أنفقت فِي داري هذه من مال الْمُسْلِمِينَ درهمًا فَمَا فوقه، فَقَالَ المسور: لو أكلت طعامك وسكت لكان خيرًا لَك، لَقَدْ غزوت معنا إفريقية وإنك لأقلنا مالا ورقيقًا وأعوانًا وأخفنا ثقلا فأعطاك ابْن عَفَّان خمس إفريقية، وعملت عَلَى الصدقات فأخذت أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ، فشكاه مَرْوَان إِلَى عروة وَقَالَ: يغلظ لي وأنا لَهُ مكرم متق.
1337- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أُمِّ بَكْرٍ عَنْ أَبِيهَا قَالَتْ: قَدِمَتْ إِبِلُ الصَّدَقَةِ عَلَى عُثْمَانَ فَوَهَبَهَا لِلْحَارِثِ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ.
1338- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ الأَعْوَرُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ مِمَّا أَنْكَرُوا عَلَى عُثْمَانَ أَنَّهُ وَلَّى الْحَكَمَ بْنَ أبي العاص صدقات قضاعة فبلغت ثلاثمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ فَوَهَبَهَا لَهُ حِينَ أَتَاهُ بِهَا.
1339- وَقَالَ أَبُو مخنف والواقدي فِي روايتهما: أنكر الناس على عثمان إعطاءه سعيد ابن العاص مائة ألف درهم فكلمه عَلِي والزبير وطلحة وسعد وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِن لَهُ قرابة ورحما، قَالُوا: أفما كَانَ لأبي بَكْر وعمر قرابة وذوو «2» رحم؟
فَقَالَ: إِن أبا بَكْر وعمر كانا يحتسبان فِي منع قرابتهما وأنا أحتسب فِي إعطاء قرابتي، قَالُوا: فهديهما والله أحب إلينا من هديك، فقال: لا حول ولا قوّة إلا بِاللَّهِ.
1340- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْن أَبِي سبرة عَنْ أشياخه قَالُوا:
كَانَ عُثْمَان يبعث السعاة لقبض الصدقات إِذَا حضر النَّاس المياه ثُمَّ يعهد إليهم فيتعدّون
__________
(1) م: مروان.
(2) س: وذو.(5/515)
حدوده فلا يَكُون منه لِذَلِكَ تغيير ولا نكير، فاجترءوا عَلَيْهِ ونسب فعلهم إِلَيْهِ وتكلم النَّاس فِي ذَلِكَ وانكروه.
1341- حَدَّثَنِي «1» مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ زَيْد بْن السائب عَنْ خَالِد مولى أبان بْن عُثْمَان قَالَ: كَانَ مَرْوَان (935) قَدِ ازدرع بالمدينة فِي خلافة عُثْمَان عَلَى ثلاثين جملًا، فكان يأمر بالنوى أَن يشترى فينادي: إِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ يريده، وعثمان لا يشعر بِذَلِكَ، فدخل عَلَيْهِ طَلْحَةُ وكلمه فِي أمر النوى فحلف أَنَّهُ لَمْ يأمر بِذَلِكَ، فَقَالَ طَلْحَةُ:
هَذَا أعجب أَن يفتأت عليك بمثل هَذَا، فهلا صنعت كَمَا صنع ابْن حنتمة، يعني عمر ابن الْخَطَّاب، خرج يرفأ «2» بدرهم يشتري بِهِ لحمًا فَقَالَ للحام: إني أريده لعمر، فبلغ ذَلِكَ عُمَر فأرسل إِلَى يرفأ فأتى بِهِ وَقَدْ برك عُمَر عَلَى ركبتيه وَهُوَ يفتل شاربه، فلم أزل أكلمه فِيهِ حَتَّى سكنته، فَقَالَ لَهُ: والله لئن عدت لأجعلنك نكالًا، أتشتري السلعة ثُمَّ تقول هِيَ لأمير الْمُؤْمِنيِنَ؟
أمر الْوَلِيد بْن عقبة حِينَ ولاه عُثْمَان الكوفة:
1342- حَدَّثَنِي عباس بن هشام عن أبيه عن أبي مخنف ومحمد بن سعد عن محمد ابن عُمَر الواقدي أَن عُمَر بْن الْخَطَّاب أوصى أَن يقر عماله من ولي الأمر بعده سنة وأن يولي سَعْد بْن أَبِي وقاص الكوفة ويقر أبا «3» موسى الأشعري عَلَى البصرة، فلما ولي عُثْمَان عزل المغيرة بْن شُعْبَة وولى سعدًا الكوفة سنة ثُمَّ عزله وولى أخاه لأمه الْوَلِيد بْن عقبة بْن أَبِي معيط بْن أَبِي عَمْرو بْن أمية، فلما دَخَلَ الكوفة قَالَ لَهُ سَعْد: يا أبا وهب، أأمير «4» أم زائر؟ قَالَ: لا بَل أمِير، فَقَالَ سَعْد مَا أدري أحمقت بعدك؟ قال «5» : ما حمقت بعدي
__________
1341- الرياض النضرة 2: 138 1342- قارن بالطبري 1: 2802 وبعضه بالأغاني: 113، وابن الأثير 3: 63- 64
__________
(1) م: وحدثني.
(2) يرفأ: خادم عمر.
(3) م: أبو.
(4) م: أمير.
(5) م: قال له.(5/516)
ولا كست بعدك، ولكن الْقَوْم ملكوا فاستأثروا، فَقَالَ سَعْد: مَا أراك إلا صادقًا، وَقَالَ النَّاس: بئسما ابتدلنا بِهِ عُثْمَان، عزل أبا إِسْحَاق الهين اللين الحبر «1» صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وولى أخاه الفاسق الفاجر الأحمق الماجن، فأعظم النَّاس ذَلِكَ، وَكَانَ الْوَلِيد يدعى الأشعر بركًا، والبرك الصدر. وعزل أبا موسى عَنِ البصرة وأعمالها وولى ذَلِكَ عَبْد اللَّهِ بْن عامر بْن كريز، وَهُوَ ابْن خاله، فَقَالَ لَهُ عَلِي بْن أَبِي طَالِب وطلحة والزبير: ألم يوصك عُمَر ألا تحمل آل أَبِي معيط وَبَنِي أمية عَلَى رقاب النَّاس؟
فلم يجبهم بشيء.
1343- وَقَالَ أَبُو مخنف فِي إِسْنَادِهِ: لما شاع فعل عُثْمَان وسارت به الركبان كَانَ أول من دعا إِلَى خلعه والبيعة لعلي عَمْرو بْن زرارة بْن قَيْس بْن الْحَارِث بْن عَمْرو بْن عداء النخعي وكميل بن زياد بن نهيك بن هتيم «2» النخعي ثُمَّ أحد بَنِي صهبان، فقام عَمْرو بْن زرارة فَقَالَ: أيها النَّاس، إِن عُثْمَان قَدْ ترك الحق وَهُوَ يعرفه وَقَدْ أغري بصلحائكم يولي عَلَيْهِم شراركم، فمضى خَالِد بْن عرفطة بْن أبرهة بْن سنان العذري حليف بَنِي زهرة إِلَى الْوَلِيد فأخبره بقول عَمْرو بْن زرارة واجتماع النَّاس إِلَيْهِ، فركب الْوَلِيد نحوهم، فقيل لَهُ:
الأمر أشد من ذاك «3» ، والقوم مجتمعون، فاتق اللَّه ولا تسعر الْفِتْنَة، وَقَالَ لَهُ مَالِك بْن الْحَارِث الأشتر «4» النخعي: أنا أكفيك أمرهم، فأتاهم فكفهم وسكنهم وحذرهم الْفِتْنَة والفرقة فانصرفوا. وكتب الْوَلِيد إِلَى عُثْمَان بِمَا كَانَ من ابْن زرارة، فكتب إِلَيْهِ عُثْمَان: إِن ابْن زرارة أعرابي جلف فسيره إِلَى الشام، فسيره وشيعه الأشتر والأسود بْن يَزِيد بْن قَيْس وعلقمة بْن قَيْس بْن يَزِيد وَهُوَ عم الأسود والأسود أكبر منه، فَقَالَ قَيْس بْن قهدان «5» بْن سلمة من بني البدّاء من كندة يومئذ:
__________
(1) م: الخبر، ط: الحبز.
(2) م وابن سعد (6: 124) والاشتقاق (242) : هيثم، وفي الطبري والتاج واللسان (هتم) والمشتبه: هيتم.
(3) م: ذلك.
(4) ط م س: بن الأشتر
(5) م والطبري (1: 3307) وابن الأثير (3: 253) : فهدان.(5/517)
أقسم بالله رب الْبَيْت مجتهدًا ... أرجو الثواب بِهِ سرا وإعلانا
(936) لأخلعن أبا وهب «1» وصاحبه ... كهف الضلالة عُثْمَان بْن عفانا
1344- وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عن أبي مخنف فِي إِسْنَادِهِ قَالَ: لما قدم الْوَلِيد الكوفة ألفى ابْن مَسْعُود عَلَى بَيْت المال فاستقرضه مالًا وَقَدْ كانت الولاة تفعل ذَلِكَ ثُمَّ ترد مَا تأخذ، فأقرضه عَبْد اللَّهِ مَا سَأَلَهُ، ثُمَّ إنه اقتضاه إياه، فكتب الْوَلِيد فِي ذَلِكَ إِلَى عُثْمَان فكتب عُثْمَان إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود: إنما أَنْتَ خازن لنا فلا تعرض للوليد فيما أخذ من المال، فطرح ابْن مَسْعُود المفاتيح وَقَالَ: كنت أظن أني خازن للمسلمين فأما إذ كنت خازنًا لكم فلا حاجة لي فِي ذَلِكَ، وأقام بالكوفة بَعْد إلقائه مفاتيح بَيْت المال.
1345- حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن مَعْمَر عَنْ جَابِر عَنْ عامر الشَّعْبِيِّ قَالَ: قدم الْوَلِيد الكوفة فكان عمله خمس سنين، وغزا أذربيجان، وَكَانَ يشرب الخمر.
1346- حَدَّثَنِي عَمْرو بْن مُحَمَّد الناقد حَدَّثَنَا حفص بْن غياث حَدَّثَنَا الأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانَ حذيفة وعلقمة وأَصْحَاب عَبْد اللَّهِ فِي غزاة، فأصاب أمِير الجيش حدًا فأرادوا أَن يقيموه عَلَيْهِ فَقَالَ حذيفة: أتقيمون عَلَيْهِ الحد وَهُوَ بإزاء العدو؟ فكفوا عَنْ ذَلِكَ، قَالَ حفص: أراه الْوَلِيد بْن عقبة.
1347- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مَعْمَر عَنْ جَابِر عَنْ عامر الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب ولى الْوَلِيد بْن عقبة صدقات بَنِي تغلب، فوجد أبا زبيد حرملة بْن المنذر الطائي الشاعر فيهم وَقَدْ ظلمه أخواله فأخذ لَهُ مِنْهُم بحقه فمدحه، فلما سمع بولايته الكوفة لعثمان قدم فيمن قدم عَلَيْهِ فكان ينادمه، وأنزله دارا «2» بقربه تعرف بدار الضيافة.
__________
1344- الطبري 1: 2811، 2840 1346- الخراج: 109، 212 1347- قارن بالأغاني 4: 182، 5: 123
__________
(1) أبو وهب: الوليد بن عقبة.
(2) دارا: سقطت من م.(5/518)
1348- وَقَالَ أَبُو مخنف: كَانَ الْوَلِيد يدخل أبا زبيد الْمَسْجِد وَهُوَ نصراني ويجري عَلَيْهِ وظيفة من خمر وخنازير تقام لَهُ كُل شَهْر، فقيل لَهُ: قَدْ عظم إنكار النَّاس لما تجري عَلَى أَبِي زبيد، فقوم مَا كَانَ وظف لَهُ دراهم وضمها إِلَى رزق كَانَ يجريه عَلَيْهِ.
1349- وروي أَبُو مخنف وغيره أَن الْوَلِيد أتي بساحر يقال لَهُ نطروي «1» ، ويقال بساني، فرآه جندب الخير- وَهُوَ جندب بْن عَبْد اللَّهِ الأزدي، وَقَالَ غَيْر الكلبي: هُوَ جندب بْن كعب- يلعب بَيْنَ يديه فأتى معقلا مولى الصقعب بْن زهير الكبيري من ولد كبير بْن الدول من الأزد، ويقال: بَل أتى مولى لبني ظبيان بْن غامد وَهُمْ قومه، فاستعار منه سَيْفًا قاطعًا فاشتمل عَلَيْهِ وخرج يريد الْوَلِيد بْن عقبة، فلقيه معضد بْن يَزِيد أحد بَنِي تيم اللَّه بْن ثعلبة بْن عكابة، وَكَانَ ناسكًا، فأخبره بِمَا يريد، فَقَالَ لَهُ: أما قتل الْوَلِيد فَإِنَّهُ يورث فرقة وفتنة ولكن شأنك بالعلج، فشد عَلَى الساحر فقتله ثُمَّ قَالَ لَهُ:
أحي نفسك إِن كنت صادقًا، فَقَالَ الْوَلِيد: هَذَا رجل يلعب فيأخذ بالعين سرعة وخفة، فقدم جندبًا ليضرب عنقه فأنكرت الأزد ذَلِكَ وَقَالُوا: تقتل «2» صاحبنا بعلج ساحر؟ فحبسه، فلما رأى السجان طول صلاته وكثرة صيامه تحوب من حبسه فخلى سبيله، فمضى جندب فلحق بالمدينة وَكَانَ يكنى أبا عَبْد اللَّهِ، فأخذ الْوَلِيد السجان، وَكَانَ يقال لَهُ دِينَار ويكنى أبا سنان، فضرب عنقه وصلبه بالسبخة، ويقال إنه ضرب عنقه بالسبخة وَلَمْ يصلبه. وَلَمْ يزل جندب بالمدينة حَتَّى كلم فِيهِ عَلِي بْن أَبِي طَالِب عُثْمَان فكتب إِلَى الْوَلِيد يأمره بالإمساك عَنْهُ، فقدم الكوفة.
1350- وَقَالَ أَبُو مخنف وغيره: خرج الْوَلِيد بْن عقبة لصلاة الصبح وَهُوَ يميل، فصلى ركعتين ثُمَّ التفت إِلَى النَّاس فَقَالَ: أزيدكم، فَقَالَ لَهُ عتاب بن علّاق أحد بني
__________
1349- قارن باليعقوبي 2: 190 والمروج 4: 266 والاصابة 1: 260 والأغاني 4: 185، 5: 130 ومصنف عبد الرزاق 10: 182 1350- ربيع الأبرار: 163/ أ.
__________
(1) بطروي عند اليعقوبي والمروج، وبطرونا في الاصابة.
(2) م: يقتل (والياء غير معجمة في ط) .(5/519)
عوافة بْن سَعْد (937) ، وَكَانَ شريفا: لا زادك اللَّه مزيد الخير، ثُمَّ تناول حفنة من حصى فضرب بِهَا وجه الْوَلِيد، وحصبه النَّاس، وَقَالُوا: والله مَا العجب إلا مِمَّن ولاك، وَكَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب فرض لعتاب هَذَا مع الأشراف في ألفين وخمسمائة. وذكر بَعْضهم أَن القيء غلب عَلَى الْوَلِيد فِي مكانه. وَقَالَ يَزِيد بْن قَيْس الأرحبي ومعقل بْن قَيْس الرياحي: لَقَدْ أراد عُثْمَان كرامة أخيه بهوان أمة مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
1351- وَفِي الْوَلِيد يَقُول الحطيئة، وَهُوَ جرول بْن أوس بْن مَالِك بْن جؤية العبسي:
شهد الحطيئة يَوْم يلقى ربه ... أَن الوليد أحقّ بالعذر «1»
نادى وَقَدْ نفدت «2» صلاتهم ... أأزيدكم ثملا وَمَا يدري
ليزيدهم خيرًا ولو قبلوا ... منه لزادهم عَلَى عشر
فأبوا أبا وهب ولو فعلوا ... لقرنت بين الشفع والوتر «3»
حبسوا عنانك إذ جريت ولو ... خلوا عنانك لَمْ تزل تجري
1352- قَالُوا: وَلَمْ يكن بسيرة الْوَلِيد فِي عمله بأس، ولكنه كَانَ فاسقًا مسرفًا عَلَى نَفْسه.
1353- حَدَّثَنِي الْعَبَّاس بْن يَزِيد البصري حَدَّثَنَا عَبْد الْوَهَّاب الثقفي عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْوَلِيد صلى بالناس الصبح ثُمَّ أقبل عَلَيْهِم فَقَالَ: أزيدكم، فرحل فِي ذَلِكَ رجل، أَوْ قَالَ رجال، إِلَى عُثْمَان فأتى بالوليد فأمر بجلده، فلم يقم أحد، فلما قَالَ الثالثة: من يجلده؟ قَالَ عَلِي: أنا، فقام إِلَيْهِ فجلده بدرة يقال لَهَا السبتية لها رأسان، فضربه بها أربعين فذلك ثمانون.
__________
1351- ديوان الحطيئة 233، 237 والمروج 4: 285 وأبو الفداء 1: 176 والبدء والتاريخ 5: 201 ومجالس ثعلب: 456
__________
(1) ط س: بالغدر.
(2) ط م س: نفذت، وفي المصادر: تمت، كملت، فرغت.
(3) هذا البيت والذي يليه غير ثابتي النسبة للحطيئة، وانظر الأغاني 5: 116- 117(5/520)
1354- وَقَالَ أَبُو مخنف: لما صلى الْوَلِيد بالناس وهو سكران، أتى أبو زينب زهير ابن عوف الأزدي صديقًا لَهُ من بَنِي أسد يقال لَهُ مورع «1» ، فسأله أَن يعاونه عَلَى الْوَلِيد فِي التماسه غرته، فتفقداه ذَات يَوْم فلم يرياه خرج لصلاة العصر، فانطلقا إِلَى بابه ليدخلا عَلَيْهِ فمنعهما البواب، فأعطاه أَبُو زينب دينارًا فسكت، فدخلا، فَإِذَا هما بِهِ سكران مَا يعقل، فحملاه حَتَّى وضعاه عَلَى سريره، فقاء خمرًا، وانتزع أَبُو زينب خاتمه من يده ومضى وصاحبه عَلَى طريق البصرة حَتَّى قدما عَلَى عُثْمَان فشهدا عَلَيْهِ عنده بِمَا رأيا حِينَ صلى وبما كَانَ منه حِينَ دخلا عَلَيْهِ، فَقَالَ عُثْمَان لعلي: مَا ترى؟ قَالَ: أرى أَن تشخصه إليك، فَإِذَا شهدا فِي وجهه حددته، فعزله عُثْمَان وولى سَعِيد بْن العاص بْن أَبِي أحيحة الكوفة، وأمره بإشخاص الْوَلِيد ففعل، ودعا عُثْمَان بالرجلين فشهدا عَلَيْهِ فِي وجهه، فَقَالَ عَلِي للحسن ابنه: قم يا بَنِي فاجلده، فَقَالَ عُثْمَان «2» : يكفيك ذَلِكَ بَعْض من ترى، فأخذ عَلِي السوط ومشى إِلَيْهِ «3» فجعل يضربه والوليد يسبه، وَكَانَ للسوط طرفان فضربه أربعين وعليه جبة حبر.
1355- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عيسى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَن أَبِي إِسْحَاق الهمداني أَن الْوَلِيد بْن عقبة شرب فسكر فصلى بالناس الغداة ركعتين ثُمَّ التفت فَقَالَ: أزيدكم؟ فَقَالُوا: لا، قَدْ قضينا صلاتنا، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ بَعْد ذَلِكَ أَبُو زينب وجندب بْن زهير الأزدي وَهُوَ سكران فانتزعا خاتمه من يده وَهُوَ لا يشعر سكرًا.
1356- قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وأخبرني مسروق أَنَّهُ حِينَ صلى لَمْ يرم حَتَّى قاء، فخرج فِي أمره إِلَى عُثْمَان أربعة نفر: أَبُو زينب وجندب بْن زهير وأبو حبيبة «4» الغفاري والصعب ابن جثامة «5» ، فأخبروا عُثْمَان خبره، فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف: مَا لَهُ أجن؟ قَالُوا: لا،
__________
1354- قارن بالطبري 1: 2846 والأغاني 5: 118
__________
(1) الطبري والأغاني: أبو مورع.
(2) الأغاني (5: 130) : الحسن.
(3) ومشى اليه: سقط من م.
(4) الطبري (1: 2846) والمشتبه (162) : أبو خشة.
(5) الطبري: جثامة بن الصعب بن جثامة.(5/521)
ولكنه سكر، قَالَ: فأوعدهم عُثْمَان وتهددهم وَقَالَ لجندب: أَنْتَ رَأَيْت أَخِي يشرب الخمر؟ قَالَ: معاذ اللَّه، ولكني أشهد أني رأيته (938) سكران يقلسها من جوفه وأني «1» أخذت خاتمه من يده وَهُوَ سكران لا يعقل، قَالَ أَبُو إسحاق: فأتى الشهود عائشة فأخبروها بِمَا جرى بينهم وبين عُثْمَان وأن عُثْمَان زبرهم، فنادت عَائِشَةُ: إِن عُثْمَان أبطل الحدود وتوعد الشهود.
1357- قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَقَدْ يقال إِن عُثْمَان ضرب بَعْض الشهود أسواطا، فأتوا عليا فشكوا ذَلِكَ إِلَيْهِ، فأتى عُثْمَان فَقَالَ: [عطلت الحدود وضربت قوما شهدوا على أخيك فقلبت الحكم وَقَدْ قَالَ عُمَر: لا تحمل بَنِي أمية وآل أَبِي معيط خاصة عَلَى رقاب النَّاس، قَالَ: فَمَا ترى؟ قَالَ: أرى أَن تعزله ولا توليه شيئًا من أمور الْمُسْلِمِينَ وأن تسأل عَنِ الشهود فَإِن لَمْ يكونوا أهل ظنة ولا عداوة أقمت عَلَى صاحبك الحد] .
1358- قَالَ: ويقال إِن عَائِشَةَ أغلظت لعثمان وأغلظ لَهَا وَقَالَ: وَمَا أَنْتَ وَهَذَا؟ إِنَّمَا أمرت أن تقرّي في بيتك، فقال قوم مثل قَوْله، وَقَالَ آخرون: ومن أولى بِذَلِكَ منها؟
فاضطربوا بالنعال، وَكَانَ ذَلِكَ أول قتال بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بَعْد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
1359- وَقَالَ الهيثم بْن عدي: اللذان دخلا عَلَى الْوَلِيد وَهُوَ سكران زِيَاد بْن علاقة التَّيْمِي وجندب بْن زهير الأزدي.
1360- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ وعباس بْن هِشَام عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده وأبي «2» مخنف وغيرهما قَالُوا: أتى طلحة والزبير عُثْمَان فقالا لَهُ: قَدْ نهيناك عَنْ تولية الْوَلِيد شيئًا من أمور الْمُسْلِمِينَ فأبيت «3» ، وَقَدْ شهد عَلَيْهِ بشرب الخمر والسكر فاعزله، وَقَالَ لَهُ عَلِي: [اعزله وحده إِذَا شهد الشهود عَلَيْهِ في وجهه،] فولّى عثمان سعيد
__________
1358- قارن بالأغاني 5: 119.
__________
(1) ط م س: وأنا.
(2) ط م: وأبو.
(3) م: وأبيت.(5/522)
ابن العاص الكوفة وأمره بإشخاص الْوَلِيد، فلما قدم سَعِيد الكوفة غسل المنبر ودار الإمارة وأشخص الْوَلِيد، فلما شهد عَلَيْهِ فِي وجهه وأراد عُثْمَان أَن يحده ألبسه جبة حبر وأدخله بيتًا، فجعل إِذَا بعث إِلَيْهِ رجلا من قريش ليضربه قال له الوليد: أنشدك الله أن تقطع رحمي وتغضب أمِير الْمُؤْمِنيِنَ عليك، فيكف، فلما رأى ذَلِكَ عَلِي بْن أَبِي طَالِب أخذ السوط ودخل عَلَيْهِ ومعه ابنه الْحَسَن، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيد مثل تلك المقالة، فَقَالَ له الحسن: صدق يا أبت «1» ، فَقَالَ عَلِي: مَا أنا إِذَا بمؤمن، وجلده بسوط له شعبتان أربعين جلدة ولم ينزع جبته، وَكَانَ عَلَيْهِ كساء فجاذبه عَلِي إياه حَتَّى طرحه عَنْ ظهره وضربه وَمَا يبدو إبطه.
1361- قَالُوا: وسئل عُثْمَان أَن يحلقه «2» ، وقيل لَهُ إِن عُمَر حلق مثله، فَقَالَ: قَدْ كَانَ فعل ذَلِكَ، ثُمَّ تركه.
1362- وَكَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجه الْوَلِيد عَلَى صدقات بني المصطلق فجاء فَقَالَ: إنهم منعوا الصدقة، فنزل فيه (إِنْ جَاءكمْ فَاسِقٌ فَتَبَيَّنُوا) (الحجرات: 6) الآية.
1363- وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن يَزِيد البحراني حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن عثمان عن سعيد ابن أَبِي عروبة عَنْ عَبْد اللَّهِ الداناج عَنْ حضين «3» بْن المنذر أَنَّهُ شهد عَلَى الْوَلِيد بْن عقبة عِنْدَ عُثْمَان بشرب الخمر، فكلم عَلِي عُثْمَان فِيهِ، فَقَالَ: دونك ابْن عمك، فَقَالَ عَلِي [قم يا عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر، فقام عَبْد اللَّهِ فجلده، وعد عَلِي، فلما أتم أربعين قَالَ:
حسبك، أَوْ قَالَ: أمسك، جلد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بَكْر أربعين واكتمل عُمَر ثمانين وكل سنة] .
1364- وَحَدَّثَنِي هِشَام بْن عمار حَدَّثَنَا عيسى بْن يُونُس عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خالد
__________
1362- قارن بالسيرة 2: 296 1363- الأغاني 5: 121 وصحيح مسلم 5: 126 (كتاب الحدود: 8) وابن ماجه: 188 (الحدود: 14) .
__________
(1) ط م: أبه.
(2) س: يحلق.
(3) ط: حصين.(5/523)
عَنْ زِيَاد مولى بَنِي مخزوم قَالَ: لما ضرب عَلَى الْوَلِيد بْن عقبة الحد جعل الْوَلِيد يَقُول: يا مكيثة يا مكيثة.
1365- قَالُوا: وَقَالَ الْوَلِيد حِينَ حد:
باعد اللَّه مَا بيني وبينكم ... بَنِي أمية من قربى ومن نسب
(939) إِن يكثر المال لا يذمم «1» فعالكم ... وإن يعش عائلا مولاكم يخب
أمر عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود الهذلي رَضِيَ اللَّه عَنْهُ:
1366- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عن أبيه عن أبي مخنف وعوانة فِي إسنادهما أَن عَبْد اللَّهِ بْن مسعود حين ألقى مفاتيح بيت المال إِلَى الْوَلِيد بْن عقبة قَالَ: مَنْ غَيَّرَ غَيَّرَ اللَّهُ مَا بِهِ ومن بَدَّلَ أسخط اللَّه عَلَيْهِ، وَمَا أرى صاحبكم إلا وقد غيّر وبدّل، أيعزل مثل سعد ابن أَبِي وقاص ويولى الْوَلِيد؟ وَكَانَ يتكلم بكلام لا يدعه وَهُوَ: إِن أصدق القول كتاب اللَّه وأحسن الهدي هدي مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم وشرّ الأمور محدثاتها وكلّ محدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فِي النار، فكتب الوليد إلى عثمان بذلك وَقَالَ: إنه يعيبك ويطعن عليك، فكتب إِلَيْهِ عُثْمَان يأمره بإشخاصه، وشيعه أهل الكوفة، فأوصاهم بتقوى اللَّه ولزوم الْقُرْآن، فَقَالُوا لَهُ: جزيت خيرًا، فلقد علمت جاهلنا وثبت عالمنا وأقرأتنا الْقُرْآن وفقهتنا فِي الدين فنعم أَخُو الإِسْلام أَنْتَ ونعم الخليل، ثُمَّ ودعوه وانصرفوا وقدم ابْن مَسْعُود الْمَدِينَةَ وعثمان يخطب عَلَى منبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما رآه قَالَ: ألا أَنَّهُ قدمت عليكم دويبة سوء من تمش على طعامه يقيء «2» ويسلح، فَقَالَ ابْن مَسْعُود: لست كَذَلِكَ، ولكني صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بدر ويوم بيعة الرضوان «3» ونادت عَائِشَةُ: أي عُثْمَان، أتقول هَذَا لصاحب رَسُول الله صلّى الله
__________
1366- كلام ابن مسعود في النسائي 1: 143
__________
(1) م: تذمم (والتاء غير معجمة في ط) .
(2) م: تمشي ... يقيء.
(3) فيه تلميح إلى أن عثمان لم يشهد بدرا ولم يحضر بيعة الرضوان.(5/524)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ثُمَّ أمر عُثْمَان بِهِ فأخرج من الْمَسْجِد إخراجًا عنيفًا، وضرب بِهِ عَبْد اللَّهِ بْن زمعة بْن الأسود بْن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي الأَرْض، ويقال بَل احتمله يحموم غلام عُثْمَان ورجلاه تختلفان عَلَى عنقه حَتَّى ضرب بِهِ الأَرْض فدق ضلعه، فَقَالَ [عَلِي: يا عُثْمَان أتفعل هَذَا بصاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقول الْوَلِيد بْن عقبة؟] فَقَالَ: مَا بقول الْوَلِيد فعلت هَذَا، ولكن وجهت زبيد بْن الصلت الكندي إِلَى الكوفة فَقَالَ له ابن مسعود: إنّ دم عُثْمَان حلال، فَقَالَ عَلِي أحلت من زبيد عَلَى غَيْر ثقة، وَقَالَ ابْن الكلبي: زبيد بْن الصلت أَخُو كثير بْن الصلت الكندي.
وقام عليّ بأمر ابْن مَسْعُود حَتَّى أتى بِهِ «1» منزله، فأقام ابْن مَسْعُود بالمدينة لا يأذن لَهُ عُثْمَان فِي الخروج منها إِلَى ناحية من النواحي، وأراد حِينَ برئ «2» الغزو فمنعه من ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُ مَرْوَان: إِن ابْن مَسْعُود أفسد عليك العراق أفتريد أَن يفسد عليك الشام؟ فلم يبرح الْمَدِينَةَ حَتَّى توفي قبل مقتل عُثْمَان بسنتين، وَكَانَ مقيما بالمدينة ثَلاث سنين، وَقَالَ قوم إنه كَانَ نازلا عَلَى سَعْد بْن أَبِي وقاص.
ولما مرض «3» ابْن مَسْعُود مرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ أتاه عُثْمَان عائدًا فَقَالَ: مَا تشتكي؟
قَالَ: ذنوبي قَالَ: فَمَا تشتهي؟ قَالَ: رَحْمَةَ رَبِّي، قَالَ: أَلا أَدْعُوَ لَك طَبِيبًا؟ قَالَ:
الطَّبِيبُ أَمْرَضَنِي، قَالَ: أَفَلا آمُرُ لَك بعطائك؟ قَالَ: مَنَعْتَنِيهِ وَأَنَا مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ وَتُعْطِينِيهِ وَأَنَا مُسْتَغْنٍ عَنْهُ؟ قَالَ: يَكُون لولدك، قَالَ: رزقهم عَلَى اللَّه قَالَ: استغفر لي يا أبا عَبْد الرَّحْمَنِ، قَالَ: أسأل اللَّه أَن يأخذ لي منك بحقي. وأوصى أَن لا يصلي عَلَيْهِ عُثْمَان، فدفن بالبقيع وعثمان لا يعلم، فلما علم غضب وَقَالَ: سبقتموني بِهِ، فَقَالَ لَهُ عمار بْن ياسر: إنه أوصى أَن لا تصلي عَلَيْهِ، وَقَالَ الزُّبَيْر «4» .
(940) لأعرفنك بَعْد الْمَوْت تندبني ... وَفِي حياتي ما زودتني زادي
__________
(1) به: سقطت من م.
(2) ط: برأ.
(3) قارن بأسد الغابة 3: 259 والنووي 1: 290 ومحاضرات الراغب 1: 205
(4) س: ابن الزبير، والبيت لعبيد بن الأبرص، ديوانه: 70(5/525)
وَكَانَ الزُّبَيْر «1» وصي ابْن مَسْعُود فِي ماله وولده، وَهُوَ كلم عُثْمَان فِي عطائه بَعْد وفاته حَتَّى أَخْرَجَهُ لولده، وأوصى ابْن مَسْعُود أَن يصلي عَلَيْهِ عمار بْن ياسر، وقوم يزعمون أَن عمارًا كَانَ وصيه، ووصية «2» الزُّبَيْر أثبت.
1367- وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ الْفَرْوِيُّ «3» أَبُو مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَهُ إِسْحَاقُ قَالَ: دَخَلَ عُثْمَانُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فِي مَرَضِهِ فَاسْتَغْفَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ عُثْمَانُ قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ: إِنَّ دَمَهُ لَحَلالٌ «4» ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّنِي سَدَّدْتُ إِلَيْهِ سَهْمًا يُخْطِئَهُ وَأَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا.
1368- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: مَاتَ عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود فِي سنة اثنتين وثلاثين وَلَهُ بضع وستون سنة ودفن بالبقيع، وَكَانَ نحيفًا قصيرًا شديد الأدمة يغير شيبه ويكنى أبا عَبْد الرَّحْمَنِ.
أمر الحمى وغيره:
1369- حَدَّثَنِي محمد بن سعد عن الواقدي عن معمر عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَن عُثْمَان حمى النقيع لخيل الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ يحمل فِي كُل سنة عَلَى خمسمائة فرس وألف بعير، وكانت الإبل ترعى بناحية الربذة فِي حمى لَهَا، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: النقيع عَلَى ليلتين من الْمَدِينَةِ «5» 1370- وَقَالَ أَبُو مخنف في إسناده: أنكر على عثمان مع ما أنكر أَن حمى الحمى، وأن أعطى زَيْد بْن ثابت مائة ألف درهم من ألف ألف درهم حملها أبو موسى الأشعري
__________
1368- طبقات ابن سعد 3/ 1: 113، 111
__________
(1) طبقات ابن سعد 3/ 1: 113
(2) ط م: ووصيه.
(3) ط: الغزوي، وسيرد في ف 1451: الفروي، وإسحاق الفروي كنيته أبو يعقوب، فلعل (اللباب) .
(4) م: حلال.
(5) وقال الواقدي ... المدينة: سقط من م.(5/526)
وَقَالَ لَهُ: هَذَا حقك، فَقَالَ أسلم بْن أوس بْن بجرة الساعدي من الخزرج، وَهُوَ الَّذِي منع أَن يدفن عُثْمَان بالبقيع «1» :
أقسم بالله رب الْعِبَاد ... مَا ترك اللَّه خلقا سدى
دعوت اللعين فأدنيته ... خلافا لسنة من قَدْ مضى
يَعْنِي الحكم «2»
وأعطيت مَرْوَان خمس الْعِبَاد ... ظلما لَهُمْ وحميت الحمي
ومال أتاك به الأشعري ... من الفيء أنهبته من ترى
فأما الأمينان إذ بينا ... منار الطريق عَلَيْهِ الصوى «3»
فلم يأخذا درهما غيلة ... وَلَمْ يصرفا درهما فِي هوى
1371- وَحَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: وَسَّعَ عُثْمَانُ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ عَشْرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ النَّاسُ: يُوَسِّعُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ وَيُغَيِّرُ سُنَّتَهُ.
1372- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَلَّيْتُ مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ خِلافَتِهِ، ثُمَّ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا فَتَكَلَّمَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَأَكْثَرُوا، وَسُئِلَ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَرْجِعْ.
1373- قَالَ الْوَاقِدِيُّ: بلغنا أَن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف قَالَ له ألم تصلّ مع رسول
__________
1372- قارن بالطبري 1: 2833 1373- قارن بالطبري 1: 2833.
__________
(1) المعارف: 195 والأغاني 6: 253 والبدء والتاريخ 5: 200 والعقد 4: 284 وأبو الفداء 1: 178، وتنسب الأبيات لعبد الرحمن بن حنبل الجمحي أو لحسن بن مليل (بن جعل) الكندي.
(2) يعني الحكم: خ بهامش م.
(3) المصادر: الهدى، والأمنيات هما أبو بكر وعمر.(5/527)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا المكان ركعتين وصليت فِي خلافتك كَذَلِكَ؟ قَالَ: بلي، قَالَ: فَمَا هَذَا؟ قَالَ: إني أخبرك «1» يا أبا مُحَمَّد أَن بَعْض حجاج اليمن وجفاة النَّاس قَالُوا فِي عامنا هَذَا: إِن صلاة المقيم أربعًا، وإن إمامنا عُثْمَان قَدِ اتخذ بمكة أهلًا فَهُوَ كالمقيم وَقَدْ صلى اثنتين فرأيت أَن أصلي أربعًا، فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ: يا سبحان اللَّه زوجتك بالمدينة تقدم بِهَا إِذَا شئت وتخرجها إِذَا أردت، فعظم إنكار النَّاس لِذَلِكَ وكانت تلك الحجة فِي سنة تسع وعشرين، وَكَانَ أول فسطاط ضرب بمنى فسطاط ضرب لَهُ.
1374- وَحَدَّثَنِي (941) مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ لِلصَّلاةِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ ثُمَّ يُقِيمُ، وَكَذَلِكَ كَانَ الأَمْرُ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَفِي صَدْرٍ مِنْ أَيَّامِ عُثْمَانَ ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ نَادَى النِّدَاءَ الثَّالِثَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ فَعَابَ النَّاسُ ذَلِكَ وَقَالُوا بِدْعَةٌ.
1375- قَالَ: وَكَانَ ربيعة بْن الْحَارِث بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ شريك عُثْمَان فِي الجاهلية، فَقَالَ الْعَبَّاس بْن ربيعة بْن الْحَارِث لعثمان: اكتب إِلَى ابْن عامر يسلفني مائة ألف درهم، فكتب لَهُ فأعطاه مائة ألف درهم صلة وأقطعه دار الْعَبَّاس بْن ربيعة فَهِيَ تعرف بِهِ.
أمر سَعِيد بْن العاص بْن أَبِي أحيحة وولايته الكوفة بَعْد الْوَلِيد:
1376- حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن هِشَام عن أبيه عن أبي مخنف فِي إِسْنَادِهِ قَالَ: لما عزل عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ الْوَلِيد بْن عقبة عَنِ الكوفة ولاها سَعِيد بْن العاص وأمره بمداراة أهلها، فكان يجالس قراءها ووجوه أهلها ويسامرهم، فيجتمع عنده مِنْهُم:
مَالِك بْن الْحَارِث الأشتر النخعي وزيد وصعصعة ابنا صوحان العبديان وحرقوص بْن زهير السعدي وجندب بْن زهير الأزدي وشريح بْن أوفى بْن يَزِيد بْن زاهر العبسي وكعب بْن عبدة النهدي- وَكَانَ يقال لعبدة بن سعد والحبكة «2» ، وكان كعب ناسكا، وهو الذي
__________
(1) الطبري: أخبرت.
(2) م: ذي الحنكة، س ط: ذو الحنكة (انظر الطبري 1: 2908 والتاج: حبك)(5/528)
قتله بسر بْن أَبِي أرطأة بتثليث «1» - وعدي بْن حاتم الجواد بْن عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن الحشرج الطائي ويكنى أبا طريف وكدام بْن حضرمي بْن عامر أحد بَنِي مالك بن مَالِك بْن مَالِك بْن ثعلبة بْن دودان بْن أسد بْن خزيمة وَمَالِك بْن حبيب بن خراش من بني ثعلبة ابن يربوع وقيس بْن عطارد بْن حاجب بْن زرارة بْن عُدُس بْن زَيْد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم وَزِيَاد بْن خصفة بْن ثقف من بَنِي تيم اللَّه بْن ثعلبة بْن عكابة ويزيد بْن قَيْس الأرحبي وغيرهم، فإنّهم لعنده وقد صلّوا العصر إذ تذاكروا «2» السواد والجبل ففضلوا السواد وَقَالُوا:
هُوَ ينبت مَا ينبت «3» الجبل وَلَهُ هَذَا النخل، وَكَانَ حسان بْن محدوج بْن بشر بْن حوط بْن سعنة الذهلي الَّذِي ابتدأ الْكَلام فِي ذَلِكَ، فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ «4» بْن خنيس الأسدي صاحب شرطه: لوددت أَنَّهُ للأمير وأن لكم أفضل منه، فَقَالَ لَهُ الأشتر: تمن للأمير أفضل منه ولا تمن لَهُ أموالنا، فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ: مَا يضرك من تمني حتى تزوي ما بين عينيك؟ فو الله لو شاء كَانَ لَهُ، فَقَالَ الأشتر: والله لو رام ذَلِكَ مَا قدر عَلَيْهِ، فغضب سَعِيد وَقَالَ «5» : إِنَّمَا السواد بستان لقريش، فَقَالَ الأشتر: أتجعل مراكز رماحنا وَمَا أفاء اللَّه عَلَيْنَا بستانًا لَك ولقومك؟ والله لو رامه أحد لقرع قرعا يتصأصأ منه، ووثب بابن خنيس فأخذته الأيدي، فكتب سعيد بن العاص بِذَلِكَ إِلَى عُثْمَان وَقَالَ: إني لا أملك من الكوفة مَعَ الأشتر وأَصْحَابه الَّذِينَ يدعون القراء- وَهُمُ السفهاء- شيئًا، فكتب إِلَيْهِ أَن سيرهم إِلَى الشام، وكتب إِلَى الأشتر: إني لأراك تضمر شيئًا لو أظهرته لحل دمك، وَمَا أظنك منتهيًا حَتَّى تصيبك قارعة لا بقيا بعدها، فَإِذَا أتاك كتابي هَذَا فسر الى الشام لإفسادك من قبلك وأنك لا تألوهم خبالًا. فسير سَعِيد الأشتر ومن كَانَ وثب مَعَ الأشتر وَهُمْ: زَيْد وصعصعة ابنا صوحان وعائذ بْن حملة الطهوي من بَنِي تميم وكميل بْن زِيَاد (942) النخعي وجندب بْن زهير الأزدي والحارث بْن عبد الله الأعور الهمداني من
__________
(1) تثليث: مكان قرب مكة (ياقوت 1: 826) .
(2) م: تذكروا.
(3) ما ينبت: سقطت من م وهي بهامش ط.
(4) ط م س: عبد الله.
(5) انظر ما تقدم ف: 1110(5/529)
بَنِي حوث بْن سبع بْن صعب إخوة السبيع بْن سبع بْن صعب ويزيد بْن المكفف النخعي وثابت بْن قَيْس (بْن) المنقع بْن الْحَارِث النخعي وأصعر بْن قَيْس بْن الْحَارِث بْن وقاص الحارثي من بَنِي المعقل.
فكتب جَمَاعَة من القراء إِلَى عُثْمَان مِنْهُم معقل بْن قَيْس الرياحي وعبد اللَّه بْن الطفيل العامري وَمَالِك بْن حبيب التميمي ويزيد بْن قَيْس الأرحبي وحجر بْن عدي الكندي وعمرو بْن الحمق الخزاعي وسليمان بْن صرد الخزاعي ويكنى أبا مطرف والمسيب بْن نجبة الفزاري وزيد بْن حصن «1» الطائي وكعب بْن عبدة النهدي وزياد بن النضر بن بشر ابن مَالِك بْن الديان الحارثي ومسلمة بْن عَبْد القاريّ من القارة من بَنِي الهون بْن خزيمة ابن مدركة، أَن سعيدًا كثر عَلَى قوم من أهل الورع والفضل والعفاف فحملك فِي أمرهم عَلَى مَا لا يحل فِي دين ولا يحسن فِي سماع، وإنا نذكرك اللَّه فِي أمة مُحَمَّد فَقَدْ خفنا أَن يَكُون فساد أمرهم عَلَى يديك، لأنك قَدْ حملت بَنِي أبيك على رقابهم، وأعلم أنّ لك ناصرا ظالمًا وناقمًا عليك مظلومًا، فَمَتَى نصرك الظَّالِم ونقم عليك الناقم تباين الفريقان واختلفت الكلمة، ونحن نشهد عليك اللَّه وكفى بِهِ شهيدًا، فإنك أميرنا مَا أطعت اللَّه واستقمت، ولن تجد دُونَ اللَّه ملتحدا ولا عَنْهُ منتقذًا «2» . وَلَمْ يسم أحد مِنْهُم نَفْسه فِي الكتاب، وبعثوا به مع رجل من عنزة يكنى أبا ربيعة، وكتب كعب بْن عبدة كتابًا من نَفْسه تسمى فِيهِ ودفعه إِلَى أَبِي ربيعة.
فلما قدم أَبُو ربيعة عَلَى عُثْمَان سَأَلَهُ عَنْ «3» أسماء الْقَوْم الَّذِينَ كتبوا الكتاب فلم يخبره، فأراد «4» ضربه وحبسه فمنعه عَلِي من ذَلِكَ وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ رَسُول أدى مَا حمل، وكتب عُثْمَان إِلَى سَعِيد أَن يضرب كعب بْن عبدة عشرين سوطًا ويحول ديوانه إِلَى الري ففعل، ثُمَّ إِن عُثْمَان تحوب وندم فكتب فِي إشخاصه إِلَيْهِ ففعل، فلما ورد عَلَيْهِ قال له: انّه كانت
__________
(1) الطبري (1: 3330) حصين.
(2) ط: منتفدا، م: منتقذا، س: منتقدا.
(3) عن: سقطت من م.
(4) م: وأراد.(5/530)
مني طيرة، ثُمَّ نزع ثيابه وألقى إِلَيْهِ سوطًا وَقَالَ: اقتص، فَقَالَ: قَدْ «1» عفوت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ.
ويقال إِن عُثْمَان لما قرأ كتاب كعب كتب إِلَى سَعِيد فِي إشخاصه إِلَيْهِ، فأشخصه إِلَيْهِ مَعَ رجل أعرابي من أعراب بَنِي أسد، فلما رأى الأعرابي صلاته وعرف نسكه وفضله قَالَ:
ليت حظي من مسيري بكعب ... عفوه عني وغفران ذنبي
فلما قدم بِهِ عَلَى عُثْمَان قَالَ عُثْمَان: لأن تسمع بالمعيدي خير من أَن تراه، وَكَانَ شابا حَدِيث السن نحيفًا، ثُمَّ أقبل عَلَيْهِ فَقَالَ: أأنت تعلمني الحق وَقَدْ قرأت كتاب اللَّه وأنت فِي صلب رجل مشرك، فَقَالَ لَهُ كعب: إِن إمارة الْمُؤْمِنيِنَ إِنَّمَا كانت لَك بِمَا أوجبته الشورى حِينَ عاهدت اللَّه عَلَى نفسك لتسيرن بسيرة نبيه لا تقصر عَنْهَا، وإن يشاورونا فيك ثانية نقلناها عَنْك، يا عُثْمَان إِن كتاب اللَّه لمن بلغه وقرأه، وَقَدْ شركناك فِي قراءته، ومتى لَمْ يعمل القارئ بِمَا فِيهِ كَانَ حجة عَلَيْهِ، فَقَالَ عُثْمَان: والله مَا أظنك تدري أين ربك فَقَالَ: هُوَ بالمرصاد «2» ، فقال مَرْوَان: حلمك أغرى «3» مثل هَذَا بك وجرأه عليك، فأمر عُثْمَان بكعب فجرد وضرب عشرين سوطًا وسيره إِلَى دباوند، ويقال إِلَى جبل الدخان «4» ، فلما ورد عَلَى سَعِيد حمله مَعَ بُكَيْر بْن حمران الأحمري فَقَالَ الدهقان الَّذِي ورد عَلَيْهِ: لَمْ فعل بِهَذَا الرجل مَا أرى؟ قَالَ بُكَيْر: لأنه شرير، فَقَالَ: إِن قومًا هَذَا من شرارهم لخيار.
ثُمَّ إِن طَلْحَةَ والزبير وبخا عُثْمَان فِي أمر كعب وغيره، وقال طلحة: عند غبّ الصّدر
__________
(1) قد: سقطت من م.
(2) قارن بالبيان 1: 236 وعيون الأخبار 2: 370 والمجتنى: 75 والبصائر 7 الفقرة: 339 (والقول فيها منسوب لعامر بن عبد قيس) .
(3) م: أغر.
(4) دباوند أو دنباوند (ياقوت 2: 606، 608) ومعنى اللفظة: جبل الدخان.(5/531)
تحمد عاقبة الورد، فكتب فِي رد كعب رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ «1» وحمله إِلَيْهِ فلما قدم عَلَيْهِ نزع ثوبه وَقَالَ: يا كعب اقتصّ، فعفا رضي الله عنهم اجمعين.
(943) أمير المسيرين من أهل الكوفة إِلَى الشام:
1377- قَالُوا: لما خرج المسيرون من قراء أهل الكوفة فاجتمعوا بدمشق نزلوا مع عمرو بْن زرارة فبرهم مُعَاوِيَة وأكرمهم، ثُمَّ إنه جرى بينه وبين الأشتر قَوْل حَتَّى تغالظا، فحبسه مُعَاوِيَة، فقام عَمْرو بْن زرارة فَقَالَ: لئن حبسته لتجدن من يمنعه، فأمر بحبس عَمْرو، فتكلم سائر الْقَوْم فَقَالُوا: أَحْسَن جوارنا يا مُعَاوِيَة، ثُمَّ سكتوا فَقَالَ مُعَاوِيَة: مَا لكم لا تكلمون؟ فَقَالَ زَيْد بْن صوحان: وَمَا نصنع بالكلام «2» لئن كُنَّا ظالمين فنحن نتوب إِلَى اللَّه، وإن كُنَّا مظلومين فإنا نسأل اللَّه العافية، فَقَالَ مُعَاوِيَة: يا أبا عَائِشَةَ أَنْتَ رجل صدق، وأذن لَهُ فِي اللحاق بالكوفة، وكتب إِلَى سَعِيد بْن العاص: أما بَعْد فأني قَدْ أذنت لزيد بْن صوحان فِي المسير إِلَى منزله بالكوفة لما رَأَيْت من فضله وقصده وحسن هديه، فأحسن جواره وكف الأذى عَنْهُ وأقبل إِلَيْهِ بوجهك وودك فَإِنَّهُ قَدْ أعطاني موثقًا أَن لا ترى منه مكروهًا، فشكر زَيْد مُعَاوِيَة وسأله عند وداعه إخراج من حبس ففعل.
وبلغ مُعَاوِيَة أَن قومًا من أهل دمشق يجالسون الأشتر وأَصْحَابه، فكتب إِلَى عُثْمَان: أنك بعثت إلي قومًا أفسدوا مصرهم وأنغلوه ولا آمن أَن يفسدوا طاعة من قبلي ويعلموهم مَا لا يحسنونه حَتَّى تعود سلامتهم غائلة واستقامتهم اعوجاجًا، فكتب إِلَى مُعَاوِيَة يأمره أَن يسيرهم إِلَى حمص ففعل، وَكَانَ وإليها عَبْد الرَّحْمَنِ بْن خَالِد بْن الْوَلِيد بْن المغيرة. ويقال إِن عُثْمَان كتب فِي ردهم إِلَى الكوفة فضج مِنْهُم سَعِيد ثانية فكتب فِي تسييرهم إِلَى حمص فنزلوا الساحل.
__________
1377- ابن عساكر 6: 11 والأغاني 11: 30 وقارن بالطبري 1: 2909 وانظر ما تقدم ف: 1376 وبعضه في الطبري 1: 2920
__________
(1) رضي ... عنه: لم ترد في م ط، وكذلك في ما يلي «رضي الله عنهم أجمعين» .
(2) ابن عساكر: وما يصنع الكلام.(5/532)
1378- قَالُوا: وكتب عُثْمَان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ إِلَى أمرائه فِي القدوم عَلَيْهِ للذي رأى من ضجيج النَّاس وشكيتهم، فقدم عَلَيْهِ مُعَاوِيَة من الشام وعبد اللَّه بْن سَعْد بْن أَبِي سرح من المغرب وعبد اللَّه بْن عامر بْن كريز من البصرة وسعيد بْن العاص من الكوفة، فأما مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ: أعدني وعمالك إِلَى أعمالنا وخذنا بِمَا تَحْتَ أيدينا، وأشار عليه أيضا بالمسير إِلَى الشام فأبى وَقَالَ: لا أخرج من مهاجر رَسُول اللَّهِ وجوار قبره ومسكن أزواجه، فعرض عَلَيْهِ أَن يوجه إِلَيْهِ جيشا يقيم مَعَهُ فيمنع منه فَقَالَ: لا أكون أول من وطئ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنصاره بجيش، وَأَمَّا سَعِيد بْن العاص فَقَالَ لَهُ: إِنَّمَا دعا النَّاس إِلَى الشكية وسوء القول الفراغ فاشغلهم بالغزو، وَأَمَّا ابْن عامر فَقَالَ: إِن النَّاس نقموا عليك فِي المال فأعطهم إياه، فردهم إِلَى أعمالهم.
وَقَالَ عَلِي: [يا عُثْمَان إِن الحق ثقيل مريء وإن الباطل خفيف وبيء، وإنك مَتَى تصدق تسخط ومتى تكذب ترض،] وَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ: إنك قَدْ أحدثت أحداثًا لَمْ يكن النَّاس يعهدونها، فَقَالَ عُثْمَان: مَا أحدثت حدثًا ولكنكم أظناء تفسدون عَلِي النَّاس وتؤلبونهم.
وَكَانَ «1» علباء بْن الهيثم السدوسي قَدْ شخص مَعَ سَعِيد بْن العاص إِلَى الْمَدِينَةِ ليقرظه ويثني عَلَيْهِ لأنه سَأَلَهُ ذَلِكَ، وأحب علباء أيضًا أَن يلقي عليا ويعلم حال عُثْمَان وَمَا يَكُون منه، فلما رأى أَن عُثْمَان قَدْ عزم عَلَى رد عماله تعجل إِلَى الكوفة عَلَى ناقة لَهُ، فلما قدمها قَالَ: يا أهل الكوفة هَذَا أميركم الَّذِي يزعم أَن السواد بستان لَهُ قَدْ أقبل، واغتنم أهل الكوفة غيبة مُعَاوِيَة عَنِ الشام فكتبوا إِلَى إخوانهم الَّذِينَ بحمص مَعَ هانئ بْن خطاب الأرحبي (944) يدعونهم إِلَى القدوم ويشجعونهم عَلَيْهِ ويعلمونهم أَنَّهُ لا طاعة لعثمان مع إقامته على ما ينكر منه، فسار إليهم هانئ بْن خطاب مغذا للسير راكبا للفلاة، فلما قرءوا كتاب أصحابهم أقبل الأشتر والقوم المسيرون حَتَّى قدموا الكوفة فأعطاه القرّاء والوجوه
__________
1378- قارن بالطبري 1: 2932، 2949
__________
(1) قارن بالأغاني 11: 30 والرياض النضرة 2: 140(5/533)
جميعًا مواثيقهم وعهودهم أَن لا يدعوا سَعِيد بْن العاص يدخل الكوفة واليا أبدًا، وَكَانَ الَّذِينَ كتبوا مَعَ هانئ بْن خطاب: مَالِك بْن كعب بْن عَبْد اللَّهِ الهمداني ثُمَّ الأرحبي، ويزيد بْن قَيْس بْن ثمامة الأرحبي «1» ، وشريح بْن أوفى العبسي، وعبد اللَّه بْن شجرة السلمي، وجمرة بْن سنان الأسدي، وحرقوص بْن زهير السعدي، وَزِيَاد بْن خصفة التَّيْمِي، وعبد اللَّه بْن قفل البكري ثُمَّ التَّيْمِي، وَزِيَاد بْن نضر الحارثي، وعمرو بْن شُرَحْبِيل أَبُو ميسرة الهمداني، وعلقمة بْن قَيْس النخعي فِي رجال أشباههم.
وقام مَالِك بْن الْحَارِث الأشتر يومًا فَقَالَ: إِن عُثْمَان قَدْ غَيْر وبدل، وحض النَّاس عَلَى منع سَعِيد من دخول الكوفة، فَقَالَ لَهُ قَبِيصَة بْن جَابِر بْن وهب الأسدي من ولد عميرة بْن حذار «2» : يا اشتر دام شترك، وعفا أثرك، أطلت الغيبة، وجئت بالخيبة، أتأمرنا بالفرقة والفتنة ونكث البيعة وخلع الخليفة؟ فَقَالَ الأشتر: يا قَبِيصَة بن جابر وما أنت وهذا، فو الله مَا أسلم قومك إلا كرها ولا هاجروا إلا فقرا، ثُمَّ وثب «3» النَّاس عَلَى قَبِيصَة فضربوه وجرحوه فوق حاجبه، وجعل الأشتر يقول: لا حرّ بوادي عوف «4» ، من لا يذد عَنْ حوضه يهدم «5» ، ثُمَّ صلى بالناس الجمعة وقال لزياد بن النضر: صل بالناس سائر صلواتهم والزم القصر، وأمر كميل بْن زِيَاد فأخرج ثابت بْن قَيْس بْن الخطيم الأنصاري من القصر، وَكَانَ سَعِيد بْن العاص خلفه عَلَى الكوفة حِينَ شخص إِلَى عُثْمَان، وعسكر الأشتر بَيْنَ الكوفة والحيرة وبعث عائذ بن حملة في خمسمائة إِلَى أسفل كسكر مسلحة بينه وبين البصرة، وبعث جمرة «6» بن سنان الأسدي في خمسمائة إِلَى عين التمر ليكون مسلحة بينه وبين الشام، وبعث هانئ بْن أَبِي حية بْن علقمة الهمداني ثم الوادعي
__________
(1) م: الأرجا.
(2) ط م س: جدار، التهذيب (8 رقم: 626) جذار، النووي (2: 56) حدان، وقارن باللسان (حذر) .
(3) س: وبث.
(4) هذا مثل، انظر: فصل المقال: 129 والميداني 2: 124
(5) من قول زهير في معلقته
ومن لا يذد عَن حوضه بسلاحه ... يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
(6) م: حمزة.(5/534)
إِلَى حلوان فِي ألف فارس ليحفظ الطريق بالجبل، فلقي الأكراد بناحية الدينور وَقَدْ أفسدوا فأوقع بِهِمْ وقتل مِنْهُم مقتلة عظيمة، وبعث الأشتر أيضًا يَزِيد بْن حجية التَّيْمِي إِلَى المدائن وأرض جوخي، وولى عروة بْن زَيْد الْخَيْل الطائي مَا دُونَ المدائن، وتقدم إِلَى عماله أَن لا يجبوا درهما وأن يسكنوا النَّاس وأن يضبطوا النواحي، وبعث مَالِك بْن كعب الأرحبي في خمسمائة فارس ومعه عَبْد اللَّهِ بْن كباثة «1» أحد بَنِي عائذ اللَّه بْن سَعْد العشيرة بْن مَالِك بْن أدد بْن زَيْد إِلَى العذيب ليلقى سَعِيد بْن العاص ويرده، فلقي مَالِك بْن كعب الأرحبي سعيدًا فرده وَقَالَ: لا والله لا تشرب من ماء الفرات قطرة، فرجع إِلَى المدينة فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: مَا وراءك؟ قَالَ: الشر، فَقَالَ عُثْمَان: هَذَا كله عمل هَؤُلاءِ يَعْنِي عليا والزبير وطلحة.
وأنهب الأشتر دار الْوَلِيد بْن عقبة وَكَانَ فِيهَا مال سَعِيد ومتاعه حَتَّى قلعت أبوابها، ودخل الأشتر الكوفة فَقَالَ لأبي موسى: تول الصلاة بأهل الكوفة وليتول حذيفة السواد والخراج.
وكتب عُثْمَان إِلَى الأشتر وأَصْحَابه مَعَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْر والمسور بْن مخرمة يدعوهم إِلَى الطاعة ويعلمهم أنهم أول من سن الفرقة ويأمرهم بتقوى اللَّه ومراجعة الحق والكتاب إِلَيْهِ بالذي يحبون، فكتب إِلَيْهِ الأشتر: من مَالِك بْن الْحَارِث إِلَى (945) الخليفة المبتلي الخاطئ الحائد «2» عَنْ سنة نبيه النابذ لحكم الْقُرْآن وراء ظهره، أما بَعْد فَقَدْ قرأنا كتابك فأنه نفسك وعمالك عَنِ الظلم والعدوان وتسيير الصالحين نسمح لَك بطاعتنا، وزعمت أنا قَدْ ظلمنا أنفسنا وَذَلِكَ ظنك الَّذِي أرداك فأراك الجور عدلا والباطل حقًا، وَأَمَّا محبتنا فأن تنزع وتتوب وتستغفر اللَّه من تجنيك عَلَى خيارنا وتسييرك صلحاءنا وإخراجك إيانا من ديارنا «3» وتوليتك الأحداث عَلَيْنَا وأن تولي مصرنا عَبْد اللَّهِ بْن
__________
(1) م وابن سعد (5: 22) : كنانة.
(2) م: الحادي.
(3) م: دارنا.(5/535)
قَيْس أبا موسى الأشعري وحذيفة فَقَدْ رضيناهما، وأحبس عنا وليدك وسعيدك ومن يدعوك إِلَيْهِ الهوى من أهل بيتك إِن شاء اللَّه والسلام.
وخرج بكتابهم يَزِيد بْن قَيْس الأرحبي «1» ومسروق بْن الأجدع الهمداني وعبد اللَّه بْن أَبِي سبرة الجعفي، واسم أَبِي سبرة يَزِيد، وعلقمة بْن قَيْس أَبُو شبل النخعي وخارجة بْن الصلت البرجمي من بَنِي تميم فِي آخرين، فلما قرأ عُثْمَان الكتاب قَالَ: اللَّهُمَّ إني تائب، وكتب إِلَى أَبِي موسى وحذيفة: أنتما لأهل الكوفة رضى ولنا ثقة فتوليا أمرهم وقومًا بِهِ بالحق، غفر اللَّه لنا ولكما، فتولى أَبُو موسى وحذيفة الأمر وسكن أَبُو موسى النَّاس.
وَقَالَ عتبة بْن الوغل «2» :
تصدق عَلَيْنَا يا ابْن عَفَّان واحتسب ... وأمر عَلَيْنَا الأشعري لياليا
فَقَالَ عُثْمَان: نعم وشهورًا إِن بقيت «3» .
ذكر قَوْل جبلة «4» الأَنْصَارِيِّ وجهجاه الغفاري لعثمان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ:
قَالَ الكلبي: هُوَ رخيلة بْن ثعلبة البياضي بدري.
1379- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إسناده قَالَ: مر عُثْمَان بْن عَفَّان عَلَى جبلة بْن عَمْرو الساعدي وَهُوَ عَلَى بَاب داره وَقَدْ أنكر النَّاس عَلَيْهِ مَا أنكروا فَقَالَ لَهُ: يا نعثل والله لأقتلنك ولأحملنك عَلَى قلوص جرباء ولأخرجنك إِلَى حرة النار، ثُمَّ أتاه وَهُوَ عَلَى المنبر فأنزله وَكَانَ أول من اجترأ عَلَى عُثْمَان وتجهمه بالمنطق الغليظ، وأتاه يوما بجامعة
__________
1379- الطبري 1: 2980 وما يلي ف: 1458
__________
(1) م: الأرجا.
(2) الوغل- بالغين المعجمة كما في ياقوت 2: 393 والخزانة 1: 458، وفي ابن سعد والطبري (1: 2476) : الوعل.
(3) فقال ... بقيت: سقط من م.
(4) ط م: جلة.(5/536)
فَقَالَ: والله لأطرحنها فِي عنقك أَوْ لتتركن بطانتك هذه، أطعمت الْحَارِث بْن الحكم السوق وفعلت وفعلت. وَكَانَ عُثْمَان ولى الْحَارِث السوق فكان يشتري الجلب بحكمه ويبيعه بسومه ويجبي «1» مقاعد المتسوقين ويصنع صنيعًا منكرًا فكلم فِي إخراج السوق من يده فلم يفعل، وقيل لجبلة فِي أمر عُثْمَان وسئل الكف عَنْهُ فقال: والله لا القى الله غدا فأقول إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السبيل.
1380- وقال الواقدي فِي بَعْض إسناده: خطب عُثْمَان فِي بَعْض أيامه فَقَالَ لَهُ جهجاه بْن سَعِيد «2» الغفاري: يا عُثْمَان أنزل ندرعك عباءة ونحملك عَلَى شارف من الإبل إِلَى جبل الدخان كَمَا سيرت خيار النَّاس، فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: قبحك اللَّه وقبح مَا جئت بِهِ، وَكَانَ جهجاه متغيظًا عَلَى عُثْمَان، فلما كَانَ يَوْم الدار دَخَلَ عَلَيْهِ ومعه عصا كَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتخصر بِهَا فكسرها عَلَى ركبته «3» ، فوقعت فِيهَا الأكلة.
1381- حَدَّثَنِي روح بْن عَبْد المؤمن حَدَّثَنِي «4» أَبُو الرَّبِيع سُلَيْمَان بْن دَاوُد الزهراني أَنْبَأَنَا حماد بْن زَيْد عَنْ يَزِيد بْن حازم عَنْ سُلَيْمَان بْن يسار أَن جهجاها الغفاري دَخَلَ عَلَى عُثْمَان فأخذ منه عصا النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كَانَ يتخصر بِهَا فكسرها عَلَى ركبته فأخذته الأكلة (946) فِي ركبته، وَكَانَ جهجاه مِمَّن بايع تَحْتَ الشجرة، رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ «5» .
أمر عمار بْن ياسر العنسي رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ:
1382- حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن هِشَام «6» بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِي مخنف فِي إِسْنَادِهِ قَالَ: كان في
__________
1380- الطبري 1: 2982 1382- انظر في ما يلي ف: 1484
__________
(1) م: ويجني.
(2) في السيرة (2: 292) : جهجاه بن مسعود.
(3) م: ركبتيه.
(4) م: حدثنا.
(5) رضي ... عنه. لم يرد في م ط.
(6) زاد في م: الكلبي.(5/537)
بَيْت المال بالمدينة سفط فِيهِ حلي وجوهر فأخذ منه عُثْمَان مَا حلى بِهِ بَعْض أهله، فأظهر النَّاس الطعن عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وكلموه فِيهِ بكلام شديد حَتَّى أغضبوه، فخطب فَقَالَ:
لنأخذن حاجتنا من هَذَا الفيء وإن رغمت أنوف أقوام، فَقَالَ لَهُ عَلِي: [إِذَا تمنع من ذَلِكَ ويحال بينك وبينه،] وَقَالَ عمار بْن ياسر: أشهد اللَّه أَن أنفي أول راغم من ذَلِكَ، فَقَالَ عُثْمَان: أعلي يا ابْن المتكاء تجترئ؟ خذوه، فأخذ ودخل عُثْمَان فدعا بِهِ فضربه حَتَّى غشي عَلَيْهِ ثُمَّ أخرج فحمل حَتَّى أتي بِهِ منزل أم سلمة زوج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يصل الظهر والعصر والمغرب، فلما أفاق توضأ وصلى وَقَالَ: الحمد لِلَّهِ لَيْسَ هَذَا أول يَوْم أوذينا فِيهِ فِي اللَّه، وقام هِشَام بْن الْوَلِيد بْن المغيرة المخزومي وَكَانَ عمار حليفًا لبني مخزوم فَقَالَ: يا عُثْمَان أما عَلِي فاتقيته وَبَنِي أَبِيهِ «1» ، وَأَمَّا نحن فاجترأت عَلَيْنَا وضربت أخانا حَتَّى أشفيت بِهِ عَلَى التلف، أما والله لئن مات لأقتلنّ به رجلا من بني أمية عظيم السرة، فَقَالَ عُثْمَان: وإنك لَهَا هنا يا ابْن القسرية، قَالَ: فإنهما قسريتان، وكانت أمه وجدته قسريتين من بجيلة «2» ، فشتمه عُثْمَان وأمر بِهِ فأخرج، فأتى أم سلمة وإذا «3» هِيَ غضبت لعمار، وبلغ عَائِشَة مَا صنع بعمار فغضبت وأخرجت شَعْرًا مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وثوبا من ثيابه ونعلًا من نعاله ثُمَّ قَالَتْ: مَا أسرع مَا تركتم سنة نبيكم وَهَذَا شعره وثوبه ونعله لم يبل بَعْد، فغضب عُثْمَان غضبًا شديدًا حَتَّى مَا درى مَا يَقُول، فالتج «4» الْمَسْجِد وَقَالَ النَّاس: سبحان اللَّه سبحان اللَّه، وَكَانَ عَمْرو بْن العاص واجدًا عَلَى عُثْمَان لعزله إياه عَنْ مصر وتوليته إياها عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح، فجعل يكثر التعجب والتسبيح، وبلغ عُثْمَان مصير هِشَام بْن الْوَلِيد ومن مشى مَعَهُ من بَنِي مخزوم إِلَى أم سلمة وغضبها لعمار فأرسل إِلَيْهَا: مَا هَذَا الجمع؟ فأرسلت إِلَيْهِ: دع ذا عَنْك يا عُثْمَان ولا تحمل النَّاس فِي أمرك عَلَى مَا يكرهون. واستقبح النَّاس فعله بعمار وشاع فيهم فاشتدّ إنكارهم له.
__________
(1) م: وبني أمية.
(2) س م: قسريتان، م: من جيلة.
(3) س: فإذا.
(4) ط س: فالتحّ.(5/538)
1383- ويقال إِن المقداد بْن عَمْرو وعمار بْن ياسر وطلحة والزبير فِي عدة مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتبوا كتابًا عددوا فِيهِ أحداث عُثْمَان وخوفوه ربه وأعلموه أنهم مواثبوه إِن لَمْ يقلع، فأخذ عمار الكتاب وأتاه بِهِ، فقرأ صدرًا منه فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: أعلي تقدم من بينهم؟ فَقَالَ عمار: لأني أنصحهم لَك، فَقَالَ: كذبت يا ابن سميّة، فقال: انا والله ابْن سمية وابن ياسر، فأمر غلمانا لَهُ فمدوا بيديه ورجليه ثُمَّ ضربه عُثْمَان برجليه وَهِيَ «1» فِي الخفين عَلَى مذاكيره فأصابه الفتق، وَكَانَ ضعيفًا كبيرًا فغشي عَلَيْهِ.
1384- وَقَدْ قيل أيضًا إِن عُثْمَان مر بقبر جديد فسأل عَنْهُ فقيل قبر عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود، فغضب عَلَى عمار لكتمانه إياه موته إذ كَانَ المتولي للصلاة عَلَيْهِ والقيام بشأنه، فعندها وطيء عمارًا حَتَّى أصابه الفتق.
1385- وَكَانَ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر بْن أَبِي قحافة ومحمد بْن أَبِي حذيفة خرجا إِلَى مصر عام خرجَ «2» عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح إِلَيْهَا، فأظهر (947) مُحَمَّد بْن أَبِي حذيفة عيب عُثْمَان والطعن عَلَيْهِ وَقَالَ: استعمل عُثْمَان رجلا أباحَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دمه يَوْم الفتح ونزل الْقُرْآن بكفره حِينَ قال سأنزل مثل ما أنزل الله.
وكانت غزاة «3» ذَات الصواري فِي المحرم سنة أربع وثلاثين وعليها عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد فصلى بالناس، فكبر ابْن أَبِي حذيفة تكبيرة أفزعه بِهَا فَقَالَ: لولا أنك حدث أحمق لقاربت بَيْنَ خطوك، وَلَمْ يزل يبلغه عَنْهُ وعن ابْن أَبِي بَكْر مَا يكره، وجعل ابْن أَبِي حذيفة يَقُول: يا أهل مصر إنا خلفنا الغزو وراءنا يَعْنِي غزو عُثْمَان، وقد كان عثمان رضي
__________
1383- قارن بالرياض النضرة 2: 140 1385- الطبري 1: 2870
__________
(1) كذا ورد في النسخ.
(2) س: فخرج (اقرأ: مخرج) .
(3) انظر الطبري 1: 2869، وفي رواية الواقدي أن غزوة ذات الصواري كانت سنة 31 (وانظر أيضا 1: 2865) .(5/539)
اللَّه تَعَالَى عَنْهُ ضرب ابْن أَبِي حذيفة فِي الشراب فاحتمل عَلَيْهِ لِذَلِكَ حقدًا وحنقًا وهو كان ربّاه بَعْد مقتل أَبِيهِ باليمامة، فكتب ابْن أَبِي سرح إِلَى عُثْمَان إِن مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر وَمُحَمَّد بْن أَبِي حذيفة قَدْ أنغلا عَلِي المغرب وأفسداه، فكتب إِلَيْهِ عُثْمَان: أما مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر فإني أدعه لأبي بَكْر الصديق وعائشة أم الْمُؤْمِنيِنَ، وَأَمَّا مُحَمَّد بْن أَبِي حذيفة فَإِنَّهُ ابني وابن أَخِي وأنا ربيته وَهُوَ فرخ قريش.
1386- وَحَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِير عَنِ ابْن جعدبة عن صالح ابن كَيْسَان عَنْ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز أَن مُحَمَّد بْن أَبِي حذيفة ومحمد بْن أَبِي بَكْر حِينَ أَكْثَر النَّاس فِي أمر عُثْمَان قدما مصر وعليها عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح، ووافقا بمصر محمد ابن طَلْحَة بْن عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ مَعَ عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد، وأن ابْن أَبِي حذيفة شهد صلاة الصبح فِي صبيحة الليلة الَّتِي قدم فِيهَا ففاتته الصلاة فجهر بالقراءة، فسمع ابْن أَبِي سرح قراءته فسأل عَنْهُ فقيل رجل أبيض طوال «1» وضيء الوجه، فأمر إِذَا صلّى أن يؤتى به، فلما رآه قَالَ: مَا جاء بك إِلَى بلدي؟ قَالَ: جئت غازيًا قَالَ: ومن معك؟ قَالَ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر، فَقَالَ: والله مَا جئتما إلا لتفسدا النَّاس وأمر بهما فسجنا، فأرسلا إِلَى مُحَمَّد بْن طَلْحَة يسألانه أَن يكلمه فيهما لئلا يمنعهما من الغزو، فأطلقهما ابْن أَبِي سرح، وغزا ابْن أَبِي سرح إفريقية فأعد لهما سفينة مفرده لئلا يفسدا عَلَيْهِ النَّاس، فمرض ابْن أَبِي بَكْر فتخلف وتخلف «2» مَعَهُ ابْن أَبِي حذيفة، ثُمَّ إنهما خرجا فِي جَمَاعَة النَّاس فَمَا رجعا من غزاتهما إلا وَقَدْ أوغرا صدور النَّاس عَلَى عُثْمَان، فلما وافى ابْن أَبِي سرح مصر وافاه كتاب عُثْمَان بالمصير إِلَيْهِ، فشخص إِلَى الْمَدِينَة وخلف عَلَى مصر رجلا كَانَ هواه مَعَ ابْن أَبِي بَكْر وابن أَبِي حذيفة، فكان مِمَّن شايعهم وشجعهم عَلَى المسير إِلَى عُثْمَان.
1387- قَالُوا: وبعث عُثْمَان إِلَى ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ بثلاثينَ ألف درهم وبجمل «3» عَلَيْهِ كسوة فأمر بِهِ فوضع فِي المسجد وقال: يَا معشر المسلمين ألا ترونَ إِلَى عُثْمَان يخاد عني عن
__________
(1) طوال: لم ترد في س.
(2) وتخلف: سقطت من م.
(3) س: ويحتمل.(5/540)
ديني ويرشوني عَلَيْهِ، فازداد أهل مصر عيبًا لعثمان وطعنًا عَلَيْهِ، واجتمعوا إِلَى ابْن أَبِي حذيفة فرأسوه عَلَيْهِم، فلما بلغ عُثْمَان ذَلِكَ دعا بعمار بْن ياسر فاعتذر إِلَيْهِ مِمَّا فعل بِهِ واستغفر اللَّه منه وسأله أَن لا يحقده عَلَيْهِ وَقَالَ: بحسبك من سلامتي لَك ثقتي بك، وسأله الشخوص إِلَى مصر ليأتيه بصحة خبر ابْن أَبِي حذيفة وحق مَا بلغه عَنْهُ من باطله، وأمره أَن يقوم بعذره ويضمن عَنْهُ العتبى لمن قدم عَلَيْهِ، فلما ورد عمار مصر حرض النَّاس عَلَى عُثْمَان ودعاهم إِلَى خلعه وأشعلها عَلَيْهِ، وقوي رأى ابْن أَبِي حذيفة وابن أَبِي بَكْر وشجعهما عَلَى المسير إِلَى الْمَدِينَة، فكتب ابْن أَبِي سرح إِلَى عُثْمَان يعلمه مَا كَانَ من عمار ويستأذنه فِي عقوبته، فكتب إِلَيْهِ بئس الرأي رَأَيْت يا ابْن أَبِي سرح، فأحسن جهاز عمار واحمله إِلَيّ، فتحرك أهل مصر وَقَالُوا: سير عمار، ودب فيهم ابْن أَبِي حذيفة ودعاهم إِلَى المسير فأجابوه.
1388- حَدَّثَنِي رَوْحُ بْن عَبْد الْمُؤْمِنِ الْمُقْرِئُ وَأَحْمَد بن ابراهيم الدورقي قَالا حَدَّثَنَا بهز بْن أسد حَدَّثَنَا حصين بْن نمير عَنْ جهيم الفهري قَالَ: أنا حاضر أمر عُثْمَان، قَالَ:
فجاء (948) سَعْد وعمار ومعهما من معهما إِلَى بَاب عُثْمَان فأرسلوا الى عثمان: إنّا نريد إن نذاكرك أشياء أحدثتها، فأرسل إليهم: إني مشغول عنكم اليوم فانصرفوا يومكم وعودوا يوم كَذَا، فانصرف سَعْد وَلَمْ ينصرف عمار، وأعاد الرسول إِلَى عُثْمَان، فرد عَلَيْهِ مثل القول الأَوَّل، فأبى أَن ينصرف فتناوله رَسُول عُثْمَان، فلما اجتمعوا للميعاد قَالَ لَهُمْ عُثْمَان:
مَا تنقمون عَلِي؟ قَالُوا: أول ذَلِكَ ضربك عمارًا، فَقَالَ: تناوله رسولي بغير رضائي وأمري، وذكر كلاما بعد ذلك.
أمر أبي ذر جندب بْن جنادة الغفاري رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: من بَنِي كنانة بْن خزيمة
1389- قَالُوا: لما أعطى عُثْمَان مَرْوَان بْن الحكم مَا أعطاه وأعطى الْحَارِث بْن الحكم بْن أَبِي العاص ثلاثمائة ألف درهم وأعطى زَيْد بْن ثابت الأَنْصَارِيَّ مائة الف
__________
1389- بعضه في المروج 4: 268 وطبقات ابن سعد 4/ 1: 166 والطبري 1: 2860 والسمهودي 1: 84(5/541)
درهم جعل أَبُو ذر يَقُول بشر الكانزين «1» بعذاب أليم ويتلو قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ والْفِضَّةَ) الآية (التوبة: 34) فرفع ذَلِكَ مَرْوَان بْن الحكم إِلَى عُثْمَان فأرسل إِلَى أَبِي ذر ناتلا «2» مولاه أَن انته عما يبلغني عَنْك فَقَالَ: أينهاني عُثْمَان عن قراءة كتاب اللَّه وعيب من ترك أمر الله، فو الله لأن أرضي اللَّه بسخط عُثْمَان أحب إلي وخير لي من أَن أسخط اللَّه برضاه، فأغضب عُثْمَان ذَلِكَ وأحفظه، فتصابر وكف.
وَقَالَ عُثْمَان يومًا: أيجوز للإمام أَن يأخذ من المال فَإِذَا أيسر قضى؟ فَقَالَ كعب الأحبار: لا بأس بِذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو ذر: يا ابْن اليهوديين أتعلمنا ديننا؟ فَقَالَ عُثْمَان: مَا أَكْثَر أذاك لي وأولعك بأَصْحَابي، الحق بمكتبك، وكان مكتبه بالشام إلا أَنَّهُ كَانَ يقدم حاجًا ويسأل عُثْمَان الإذن لَهُ فِي مجاورة قبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيأذن لَهُ فِي ذَلِكَ، وإنما صار مكتبه بالشام لأنه قَالَ لعثمان حِينَ رأى البناء قَدْ بلغ سلعا: أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: [إِذَا بلغ البناء سلعا «3» فالهرب، فأذن لي آت الشام فأغزو هناك، فأذن لَهُ] .
وَكَانَ أَبُو ذر ينكر عَلَى مُعَاوِيَة أشياء يفعلها، وبعث اليه معاوية بثلاثمائة دِينَار فَقَالَ: إِن كانت من عطائي الَّذِي حرمتمونيه عامي هَذَا قبلتها، وإن كانت صلة فلا حاجة لي فِيهَا، وبعث إِلَيْهِ حبيب بْن مسلمة الفهري. بمائتي دِينَار فَقَالَ: أما وجدت أهون عليك مني حِينَ تبعث إِلَى بمال؟ وردها. وبنى مُعَاوِيَة الخضراء بدمشق فَقَالَ: يا مُعَاوِيَة إِن كانت هذه الدار من مال اللَّه فَهِيَ الخيانة، وإن كانت من مَالِك فهذا الإسراف، فسكت مُعَاوِيَة.
وَكَانَ أَبُو ذر يَقُول: والله لَقَدْ حدثت أعمال مَا أعرفها، والله ما هي في كتاب اللَّه ولا سنة نبيه، والله إني «4» لأرى حقا يطفأ وباطلا يحيا وصادقا يكذّب وأثرة بغير تقى
__________
(1) م: الكافرين.
(2) س: نايلا.
(3) سلع: بالمدينة أو بجوارها (ياقوت 3: 117) .
(4) إني: سقطت من م.(5/542)
وصالحا مستأثرًا عَلَيْهِ. فَقَالَ حبيب بْن مسلمة لمعاوية: إنّ أبا ذرّ مفسد عليك الشام فتدارك أهله إِن كانت لكم بِهِ حاجة، فكتب مُعَاوِيَة إِلَى عُثْمَان فِيهِ، فكتب عُثْمَان إِلَى مُعَاوِيَة: أما بَعْد فاحمل جندبًا إلي عَلَى أغلظ مركب وأوعره، فوجه مُعَاوِيَة من سار بِهِ الليل والنهار، فلما قدم أَبُو ذر الْمَدِينَةَ جعل يَقُول: يستعمل الصبيان ويحمي الحمى ويقرب أولاد الطلقاء، فبعث إِلَيْهِ عُثْمَان الحق بأي أرض شئت، فَقَالَ: بمكة، فَقَالَ: لا، قَالَ فبيت المقدس، قَالَ: لا، قَالَ فبأحد المصرين «1» ، قَالَ: لا، ولكني مسيرك إِلَى الربذة، فسيره إِلَيْهَا فلم يزل بِهَا حَتَّى مَاتَ.
1390- ويقال (949) إِن عُثْمَان قَالَ لأبي ذر حِينَ قدم من الشام: قربنا يا أبا ذر خير لَك من بعدنا يغدى عليك باللقاح ويراح فَقَالَ: لا حاجة لي فِي دنياكم ولكني آتى الربذة فإذن لَهُ فِي ذَلِكَ فأتاها وَمَاتَ بِهَا.
1391- حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن هِشَام بْن الغاز حَدَّثَنَا مكحول قَالَ: قدم حبيب بْن مسلمة من أرمينية فمر بأبي ذر بالربذة فعرض عَلَيْهِ خادمين مَعَهُ ونفقة فأبى قبول ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ: مَا أتى بك هاهنا؟ قَالَ: نفسي، رَأَيْت مَا هاهنا أسلم لي.
1392- حَدَّثَنِي مُحَمَّد عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن سمعان عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قيل لعثمان إِن أبا ذر يَقُول إنك أخرجته إِلَى الربذة، فَقَالَ: سبحان اللَّه مَا كَانَ من هَذَا شَيْء قط، وإني لأعرف فضله وقديم إسلامه وَمَا كُنَّا نعد فِي أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل شوكة منه.
1393- وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عن أبي مخنف عن فضيل بْن خديج «2» عَنْ كميل بْن زِيَاد قَالَ: كنت بالمدينة حِينَ أمر عُثْمَان أبا ذر باللحاق بالشام، وكنت بِهَا فِي العام المقبل حين سيّره الى الربذة.
__________
1390- طبقات ابن سعد 4/ 1: 167 واليعقوبي 2: 200
__________
(1) المصران: الكوفة والبصرة.
(2) ط م س: حديج (بضم المهملة في ط) وانظر المشتبه: 222(5/543)
1394- وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: تَكَلَّمَ أَبُو ذَرٍّ بِشَيْءٍ كَرِهَهُ عُثْمَانُ فَكَذَّبَهُ فَقَالَ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا يُكَذِّبُنِي بَعْدَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ وَلا أَطْبَقَتِ الْخَضْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ] ثُمَّ سيره إِلَى الربذة، فكان أَبُو ذر يَقُول: مَا ترك الحق لي صديقًا، فلما سار إِلَى الربذة قَالَ: ردني عُثْمَان بَعْد الهجرة أعرابيًا.
1395- قَالَ: وشيع عَلِي أبا ذر فأراد مَرْوَان منعه منه، فضرب عَلِي بسوطه بَيْنَ أذني راحلته، وجرى بَيْنَ عَلِي وعثمان فِي ذَلِكَ كَلام حَتَّى قَالَ عُثْمَان: مَا أَنْتَ بأفضل عندي منه، وتغالظا، فأنكر النَّاس قَوْل عُثْمَان ودخلوا بينهما حَتَّى اصطلحا.
1396- وَقَدْ رُوِيَ أيضًا أَنَّهُ لما بلغ عُثْمَان موت أَبِي ذر بالربذة قَالَ: رحمة اللَّه، فَقَالَ عمار بْن ياسر: نعم فرحمه اللَّه من كُل أنفسنا، فَقَالَ عُثْمَان: يا عاض أير أَبِيهِ أتراني ندمت عَلَى تسييره؟ وأمر فدفع فِي قفاه وَقَالَ: الحق بمكانه، فلما تهيأ للخروج جاءت بنو مخزوم إِلَى عَلِي فسألوه أَن يكلم عُثْمَان فِيهِ فَقَالَ لَهُ عَلِي: يا عُثْمَان اتق اللَّه فإنك سيرت رجلًا صالحًا من الْمُسْلِمِينَ فهلك فِي تسييرك، ثُمَّ أَنْتَ الآن تريد أَن تنفي نظيره، وجرى بينهما كَلام حَتَّى قَالَ عُثْمَان: أَنْتَ أحق بالنفي منه، فَقَالَ عَلِي: رم ذَلِكَ إِن شئت، واجتمع المهاجرون فَقَالُوا: إِن كنت كلما كلمك رجل سيرته ونفيته فَإِن هَذَا شَيْء لا يسوغ، فكف عَنْ عمار.
1397- حَدَّثَنِي مُحَمَّد عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ (عَبْد اللَّهِ بْن) «1» خراش الكعبي قَالَ: وجدت أبا ذر بالربذة فِي مظلة شعر فَقَالَ: مَا زال بي الأمر بالمعروف والنهي عَنِ المنكر حَتَّى لَمْ يترك الحقّ لي صديقا.
__________
1394- طبقات ابن سعد 4/ 1: 168 والورقة 957/ أ (من س) وانظر بعضه في ف: 1397 والحلية 2: 83 1395- قارن باليعقوبي 2: 200 والمروج 4: 273 1396- قارن باليعقوبي 2: 201 1397- طبقات ابن سعد 4/ 1: 174 (170)
__________
(1) زيادة من ابن سعد والتهذيب (5 رقم: 341) .(5/544)
1398- حَدَّثَنِي مُحَمَّد عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ شيبان النحوي عَنِ الأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِي عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْت لأبي ذر مَا أنزلك الربذة قَالَ: نصحي «1» لعثمان ومعاوية.
1399- مُحَمَّد عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ طَلْحَةَ بْن مُحَمَّد عَنْ بشر بْن حوشب الفزاري عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ أهلي بالشربة فجلبت غنمًا لي إِلَى الْمَدِينَةِ فمررت بالربذة وإذا بِهَا شيخ أبيض الرأس واللحية، قُلْت: من هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو ذر صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا هو في حفش ومعه قطعة من غنم، فَقُلْتُ: والله مَا هَذَا البلد بمحلة لبني غفار، فَقَالَ: (950) أخرجت كارهًا، فَقَالَ بشر بْن حوشب: فحدثت بِهَذَا الْحَدِيث سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فأنكر أَن يَكُون عُثْمَان أَخْرَجَهُ وَقَالَ: إِنَّمَا خرج أَبُو ذر إِلَيْهَا راغبًا فِي سكناها.
1400- وَقَالَ أَبُو مخنف: لما حضرت أبا ذر الوفاة بالربذة أقبل ركب من أهل الكوفة فيهم جَرِير بْن عَبْد اللَّهِ البجلي وَمَالِك بْن الْحَارِث الأشتر النخعي والأسود بن يزيد ابن قَيْس بْن يَزِيد النخعي وعلقمة بْن قَيْس بْن يَزِيد عم الأسود فِي عدة آخرين فسألوا عَنْهُ ليسلموا عَلَيْهِ فوجدوه وَقَدْ توفي، فَقَالَ جَرِير: هذه غنيمة ساقها «2» اللَّه إلينا، فحنطه جَرِير وكفنه ودفنه وصلى عَلَيْهِ- ويقال بَل صلى عَلَيْهِ الأشتر- وحملوا امرأته حَتَّى أتوا بِهَا الْمَدِينَةَ، وكانت وفاته لأربع سنين بقيت من خلافة عُثْمَان، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ:
صلى عَلَيْهِ ابْن مَسْعُود بالربذة فِي آخر ذي القعدة سنة إحدى وثلاثين.
1401- وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مسلم حدثنا معتمر بن سلمان حدثنا أيّوب حدثنا سليمان ابن الْمُغِيرَةَ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلالٍ أَنَّ رِفْقَةً خَرَجُوا مِنَ الْكُوفَةِ لِحِجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ فَأَتَوُا الرِّبْذَةَ فَبَعَثُوا رَجُلا يَشْتَرِي لَهُمْ شَاةً، فَأَتَى عَلَى خِبَاءٍ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ جَزَرَةٌ فَقَالَتْ أُمُّ ذَرٍّ:
أَوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَتْ: مَاتَ أَبُو ذَرٍّ وَالنَّاسُ خلوف، وليس عنده «3» أحد
__________
1401- الورقة 957 ب (المخطوطة س) .
__________
(1) س: أصح.
(2) م: قد ساقها.
(3) س (957 ب) : عندي.(5/545)
يُغَسِّلُهُ وَيُجِنُّهُ وَقَدْ دَعَا اللَّهَ أَنْ يُوَفِّقَ له قَوْمًا صَالِحِينَ يُغَسِّلُونَهُ وَيَدْفِنُونَهُ، فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَأَعْلَمَهُمْ فَأَقْبَلُوا مُسَارِعِينَ وَمَعَهُمُ الْكَفَنُ وَالْحَنُوطُ فَقَامُوا بِأَمْرِهِ حَتَّى أَجَنُّوهُ.
1402- وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ هُشَيْمِ فِي إِسْنَادِهِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ مَاتَ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: بَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ عِنْدَهُ وَقَدْ تُوُفِّيَ إِذْ أَقْبَلَ رَكْبٌ فَسَلَّمُوا فَقَالُوا: مَا فَعَلَ أَبُو ذَرٍّ؟ قُلْتُ: هُوَ هَذَا مَيْتًا «1» قَدْ عَجَزْتُ عَنْ غُسْلِهِ وَدَفْنِهِ، فَأَنَاخُوا فَحَفَرُوا لَهُ وَغَسَّلُوهُ، وَأَخْرَجَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَنُوطًا وَكَفَنًا فَحَنَّطَهُ وَكَفَّنَهُ ثُمَّ دَفَنُوهُ وَحَمَلُوهَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَتْ حَدَّثَنِي أَبُو ذَرٍّ قَالَ، قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِنَّكَ تَمُوتُ بِأَرْضِ غُرْبَةٍ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يَلِي دَفْنِي رَهْطٌ صَالِحُونَ] .
1403- وَحُدِّثْتُ عَنْ هِشَامٍ «2» عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ وَقَوْمٌ يَقُولُونَ لَهُ فَعَلَ بِكَ هَذَا الرَّجُلُ وَفَعَلَ، يَعْنُونَ عُثْمَانَ، فَهَلْ أَنْتَ نَاصِبٌ لَنَا رَأْيَهُ فَتَجْتَمِع «3» إِلَيْكَ الرِّجَالُ؟ فَقَالَ: لَوْ أَنَّ ابْنَ عَفَّانَ صَلَبَنِي عَلَى أَطْوَلِ جِذْعٍ لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ وَاحْتَسَبْتُ وَصَبَرْتُ فَإِنَّهُ مَنْ أَذَلَّ السُّلْطَانَ فَلا تَوْبَةَ لَهُ، فَرَجَعُوا.
قَوْل عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف فِي عُثْمَان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ:
1404- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيم بْن سَعْد عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لما توفي أَبُو ذر بالربذة تذاكر عَلِي وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف فعل عُثْمَان فَقَالَ عَلِي: [هَذَا عملك،] فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ: إِذَا شئت فخذ سَيْفك وآخذ سَيْفي، إنه قَدْ خالف مَا أعطاني.
1405- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ محمد بْن صَالِح عَنْ عبيد بْن رافع عَنْ عُثْمَان بْن الشريد قَالَ: ذكر عُثْمَان عِنْدَ عبد الرحمن بن عوف في مرضه
__________
1403- طبقات ابن سعد 4/ 1: 167
__________
(1) م: ميت.
(2) لعل الصواب «هشيم» .
(3) م: فيجتمع (والياء غير معجمة في ط) .(5/546)
الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ: عاجلوه قبل أَن يتمادى فِي ملكه، فبلغ ذَلِكَ عُثْمَان، فبعث إِلَى بئر كَانَ يسقى منها نعم عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف فمنعه إياها فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ: اللَّهُمَّ اجعل ماءها غورًا، فَمَا وجدت فِيهَا قطرة.
1406- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ (951) عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ محمد بن عبد اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ أَن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف كَانَ حلف ألا يكلم عُثْمَان أبدًا.
1407- وَحَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيم بْن سَعْد عَنْ أَبِيهِ أَن عَبْد الرَّحْمَنِ أوصى أَن لا يصلي عَلَيْهِ عُثْمَان، فصلى عَلَيْهِ الزُّبَيْر أَوْ سَعْد بْن أَبِي وقاص، وتوفي سنة اثنتين وثلاثين.
أمر عامر بْن عَبْد قَيْس بْن ناشب العنبري من بَنِي تميم:
1408- قَالَ أَبُو مخنف لوط بْن يَحْيَى وغيره: كَانَ عامر بْن عَبْد قَيْس التميمي ينكر عَلَى عُثْمَان أمره وسيرته، فكتب حمران بْن أبان مولى عُثْمَان إِلَى عُثْمَان بخبره، فكتب عُثْمَان إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عامر بْن كريز فِي حمله فحمله، فلما قدم عَلَيْهِ فرآه، وَقَدْ أَعْظَم النَّاس إشخاصه وإزعاجه عَنْ بلده لعبادته وزهده، ألطفه وأكرمه ورده إِلَى البصرة، وَكَانَ عُثْمَان وجه حمران إِلَى الكوفة حِينَ شكا النَّاس الْوَلِيد بْن عقبة ليأتيه بحقيقة خبره فرشاه الْوَلِيد، فلما قدم عَلَى عُثْمَان كذب عَنِ الْوَلِيد وقرظه، ثُمَّ إنه لقي مَرْوَان فسأله عَنِ الْوَلِيد فَقَالَ لَهُ: الأمر جليل، فأخبر مَرْوَان عُثْمَان بِذَلِكَ، فغضب عَلَى حمران وغربه إِلَى البصرة لكذبه إياه وأقطعه دارًا. وَكَانَ يقال للوليد الأشعر بركًا، والبرك الصدر «1» .
أمر عَبْد اللَّهِ بْن الأرقم الزهري:
1409- قَالَ أَبُو مخنف: كَانَ عَلَى بَيْت مال عُثْمَان عَبْد اللَّهِ بْن الأرقم بْن عَبْدِ يغوث ابن وهب بْن عَبْد مَنَاف بْن زهرة بْن كلاب- وَبَعْض الرواة يَقُول: عَبْد اللَّهِ بْن الأرقم
__________
1408- الورقة 1116/ أ (من س) وانظر أيضا الطبري 1: 2924
__________
(1) راجع ما تقدم ف: 1342(5/547)
ابن أهيب بْن عَبْد مناف بْن زهرة- فاستسلف عُثْمَان من بَيْت المال مائة ألف درهم وكتب عَلَيْهِ بِهَا عَبْد اللَّهِ بْن الأرقم ذكر حق للمسلمين وأشهد عَلَيْهِ عليا وطلحة والزبير وسعد بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فلما حل الأجل رده عُثْمَان،، ثم قدم عليه عبد الله ابن خَالِد بْن أسيد بْن أَبِي العيص من مَكَّة وناس مَعَهُ غزاة، فأمر لعبد اللَّه بثلاثمائة ألف درهم ولكل رجل من الْقَوْم بمائة ألف درهم وصك بِذَلِكَ إِلَى ابْن أرقم فاستكثره ورد الصك لَهُ، ويقال أَنَّهُ سأل عُثْمَان أَن يكتب عَلَيْهِ بِهِ ذكر حق فأبى ذَلِكَ، فامتنع ابْن الأرقم من أَن يدفع المال إِلَى الْقَوْم، فَقَالَ لَهُ عُثْمَان «1» : إِنَّمَا أَنْتَ خازن لنا فَمَا حملك عَلَى مَا فعلت؟ فَقَالَ ابْن الأرقم: كنت أراني خازنا للمسلمين، وإنما خازنك غلامك، والله لا إِلَى لَك بَيْت المال أبدًا، وجاء بالمفاتيح فعلقها عَلَى المنبر، ويقال بَل ألقاها إِلَى عُثْمَان، فدفعها عُثْمَان إِلَى ناتل مولاه، ثُمَّ ولى زَيْد بْن ثابت الأَنْصَارِيَّ بَيْت المال وأعطاه المفاتيح، ويقال إنه ولى بَيْت المال معيقيب «2» بْن أَبِي فاطمة، وبعث إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الأرقم ثلاثمائة ألف درهم فلم يقبلها.
مسير أهل الأَمْصَار إِلَى عُثْمَان واجتماعهم إِلَيْهِ مَعَ من اجتمع من أهل الْمَدِينَةِ:
1410- (952) حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مخنف فِي إِسْنَادِهِ قَالُوا: التقى أهل الأَمْصَار الثلاثة: الكوفة والبصرة ومصر فِي الْمَسْجِد الحرام قبل مقتل عثمان بعام، وكان رئيس أهل الكوفة كعب «3» بْن عبدة النهدي ورئيس أهل البصرة المثنى بْن مخربة العبدي ورئيس (أهل) مصر كنانة بْن بشر بْن عتاب بْن عوف السكوني ثُمَّ التجيبي، فتذاكروا سيرة عُثْمَان وتبديله وتركه الوفاء بِمَا أعطى من نَفْسه وعاهد اللَّه عَلَيْهِ وَقَالُوا: لا يسعنا الرضى بِهَذَا، فاجتمع رأيهم عَلَى أَن يرجع كُل واحد من هَؤُلاءِ الثلاثة إِلَى مصره فيكون رَسُول من شهد مَكَّة من أهل الخلاف عَلَى عُثْمَان إِلَى من كَانَ عَلَى مثل رأيهم من أهل بلده، وأن يوافوا عُثْمَان فِي العام المقبل فِي داره فيستعتبوه فإن أعتب وإلّا
__________
(1) انظر ف: 1843
(2) س: معيقيل.
(3) ط س: لعب.(5/548)
رأوا رأيهم فيه، ففعلوا ذلك، فلما حضر «1» الوقت خرج الأشتر إِلَى الْمَدِينَةِ فِي مائتين، وخرج حَكِيم بْن جبلة العبدي فِي مائة ولحق بِهِ بَعْد ذَلِكَ خمسون فكان فِي مائة وخمسين، وجاء أهل مصر وهم أربعمائة، ويقال خمسمائة ويقال سبعمائة ويقال ستّمائة، عَلَيْهِم أمراء أربعة: أَبُو عَمْرو «2» (بْن) بديل بْن ورقاء بْن عَبْد العزى الخزاعي عَلَى ربع، وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عديس البلوي عَلَى ربع، وكنانة بْن بشر التجيبي عَلَى ربع، وعروة بن شييم ابن البياع «3» الكناني ثُمَّ الليثي عَلَى ربع، فلما أتوا المدينة أتوا دار عُثْمَان، ووثب معهم رجال من أهل الْمَدِينَةِ مِنْهُم عمار بْن ياسر العنسي ورفاعة بْن رافع الأَنْصَارِيُّ وَكَانَ بدريا والحجاج بْن غزية وكانت لَهُ صحبة وعامر بْن بُكَيْر «4» أحد بَنِي كنانة، فحصروا عُثْمَان الحصار الأَوَّل.
1411- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ: لما كانت سنة أربع وثلاثين كتب بَعْض أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَعْض يتشاكون سيرة عُثْمَان وتغييره وتبديله وَمَا النَّاس فِيهِ من عماله ويكثرون عَلَيْهِ ويسأل بَعْضهم بعضًا أَن يقدموا الْمَدِينَةَ إِن كَانُوا يريدون الجهاد، وَلَمْ يكن أحد مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدفع عَنْ عُثْمَان ولا ينكر مَا يقال فِيهِ، إلا زَيْد بْن ثابت وأبو أسيد الساعدي وكعب بْن مَالِك بْن أَبِي كعب من بَنِي سلمة من الأنصار وحسان بْن ثابت الأنصاري، فاجتمع المهاجرون وغيرهم إِلَى عَلِي فسألوه أَن يكلم عُثْمَان ويعظه، فأتاه فَقَالَ لَهُ: إِن النَّاس ورائي قَدْ كلموني فِي أمرك، والله مَا أدري مَا أقول لَك، مَا أعرفك شَيْئًا تجهله ولا أدلك عَلَى أمر لا تعرفه، وأنك لتعلم مَا نعلم وَمَا سبقناك إِلَى شَيْء فنخبرك عَنْهُ، لَقَدْ صحبت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسمعت ورأيت مثل مَا سمعنا ورأينا، وَمَا ابْن أَبِي قحافة وابن
__________
1411- الطبري 1: 2936- 41 وابن الأثير 3: 118
__________
(1) قارن بابن سعد 3/ 1: 49 والطبري 1: 2954، 2986
(2) ط م: عمر، الاصابة (4: 286) عمرو.
(3) الطبري (2991) : النباع (وانظر ابن سعد 3/ 1: 45 وابن الأثير 3: 134) .
(4) ابن سعد (3/ 1: 282) ابن أبي البكير.(5/549)
الْخَطَّاب بأولى بالحق «1» منك، ولأنت أقرب إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحما، ولقد نلت من صهره مَا لَمْ ينالا، فالله اللَّه فِي نفسك، فإنك لا تبصر من عمى ولا تعلم من جهل، فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: والله لو كنت مكاني مَا عنفتك ولا أسلمتك ولا عتبت عليك أَن وصلت رحما «2» وسددت خلة وآويت ضائعًا ووليت من كَانَ عُمَر يوليه، نشدتك اللَّه ألم يول عُمَر المغيرة بْن شُعْبَة وليس هناك قَالَ: نعم، قَالَ أولم يول مُعَاوِيَة؟ فَقَالَ عَلِي: [إِن مُعَاوِيَة كَانَ أشد خوفًا وطاعة لعمر من يرفأ «3» وَهُوَ الآن يبتز الأمور دونك ويقطعها بغير علمك وَيَقُول لِلنَّاسِ هَذَا أمر عُثْمَان ويبلغك فلا تغير.] ثُمَّ خرج وخرج عُثْمَان بعده فصعد المنبر فَقَالَ: أما بَعْد فَإِن لكل شَيْء آفة ولكل أمر عاهة، وإن آفة هذه الأمة وعاهة هذه النعمة عيابون طعانون يرونكم (953) مَا تحبون ويسرون لكم مَا تكرهون مثل النعام يتبعون أول ناعق، أحب مواردهم إليهم البعيد، والله لَقَدْ نقمتم عَلِي مَا أقررتم لابن الْخَطَّاب بمثله، ولكنه وطئكم برجله وخبطكم بيده وقمعكم بلسانه فدنتم لَهُ عَلَى مَا أحببتم وكرهتم، وألنت لكم كنفي وكففت عنكم لساني ويدي فاجترأتم عَلِي، فأراد مَرْوَان الْكَلام فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: اسكت ودعني وأَصْحَابي.
1412- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي روايته: وَكَانَ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر وَمُحَمَّد بْن أَبِي حذيفة لا يفتران من التحريض عَلَى عُثْمَان بمصر، فخرج عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عديس البلوي وسودان ابن حمران المرادي وعمرو بْن الحمق الخزاعي وعروة بن شييم الليثي في خمسمائة وأظهروا أنهم يريدون العمرة، وَكَانَ خروجهم فِي رجب، ووجه عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح إِلَى عُثْمَان بخبرهم رسولا سار إحدى عشرة ليلة، وساروا المنازل حَتَّى نزلوا بذي خشب، فَقَالَ عُثْمَان: هَؤُلاءِ يظهرون أنهم يريدون العمرة وو الله مَا يريدون إلا الْفِتْنَة، لَقَدْ طال عَلَى النَّاس عمري ولئن فارقتهم ليتمنون يوما من أيّامي. فأتى عثمان عليّا في منزله
__________
1412- الطبري 1: 2968- 71
__________
(1) الطبري وابن الأثير: بأولى بعمل الحق.
(2) الطبري (2938) ولا عبت عليك ولا جئت منكرا أن وصلت رحما.
(3) هامش ط س: يرفأ غلام عمر.(5/550)
فَقَالَ لَهُ: يا ابْن عم إِن قرابتي قريبة وحقي عظيم، والقوم فيما بلغني عَلَى أَن يصبحوني ليقتلوني، وأنا أعلم أَن لَك عِنْدَ النَّاس قدرا وأنهم يَسْمَعُونَ منك، فأحب أَن تركب إليهم فتردهم عَلَى أَن أصير إِلَى مَا تشير بِهِ وتراه ولا أخرج عَنْ أمرك ولا أخالفك. فركب عَلِي ومعه سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل أَبُو الأعور وأبو الجهم (بْن) حذيفة العدوي وجبير ابن مطعم وحكيم بْن حزام وسعيد بْن العاص وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عتاب بْن أسيد ومن الأنصار أَبُو حميد الساعدي وأبو أسيد الساعدي وزيد بْن ثابت وحسان بْن ثابت وكعب ابن مَالِك ومحمد بْن مسلمة- وَقَالَ بَعْضهم: إِن عمار بْن ياسر كَانَ معهم- فكلمهم عَلِي ومحمد بْن مسلمة حَتَّى انصرفوا راجعين إِلَى مصر، ثُمَّ لَمْ ينشبوا أَن رجعوا وادعوا أمورًا، فأقسم عُثْمَان أَنَّهُ لَمْ يفعلها.
1413- وَحَدَّثَنِي بَكْر بْن الهيثم حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الكريم من آل منبه اليماني حَدَّثَنِي عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّاس كَانُوا يأتون عليا لسابقته وقرابته وفضله لا أَنَّهُ أراد ذَلِكَ مِنْهُم، وَكَانَ مَرْوَان يَأْتِي عثمان فيخبره أنّه يؤلب النَّاس عَلَيْهِ ويعصب كُل شَيْء يَكُون من أهل مصر وغيرهم به، وأبلغه عَنْهُ أَن قوما قدموا من مصر فاستقل عدتهم فَقَالَ لَهُمْ: ارجعوا فتأهبوا فإني باعث إِلَى العراق من يأتيني من أهله بجيش يبطل اللَّه بِهِ هذه السيرة الجائرة ويريح من مَرْوَان وذويه، فَقَالَ عُثْمَان: اللَّهُمَّ إِن عليا أبى إلا حب الإمارة فلا تبارك لَهُ فِيهَا.
1414- مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن ابن جريج وَدَاوُد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ العطار عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّهِ أَن المصريين لما نزلوا بذي خشب بعث عُثْمَان إليهم مُحَمَّد بْن مسلمة فِي خمسين من الأنصار أنا فيهم، فلم يزل بِهِمْ حَتَّى رجعوا، فرأوا بعيرا عَلَيْهِ ميسم الصدقة وعليه غلام لعثمان فوجدوا مَعَهُ كتابًا أَن اقتل فلانا وفلانا، فرجعوا فحصروه.
1415- وروي أَبُو مخنف أَن المصريين وردوا الْمَدِينَةَ فأحاطوا وغيرهم بدار عثمان في
__________
1414- موجز لما في طبقات ابن سعد 3/ 1: 44 وانظر ف: 1418 1415- قارن بالطبري (رواية سيف) 1: 2952(5/551)
المرة الأولى فأشرف عَلَيْهِم عُثْمَان فَقَالَ: أيها النَّاس مَا الَّذِي نقمتم عَلِي فإني معتبكم ونازل عِنْدَ محبتكم، فَقَالُوا: زدت فِي الحمى لإبل الصدقة عَلَى مَا حمى عُمَر فَقَالَ:
إنها زادت فِي ولايتي، قَالُوا: أحرقت كتاب اللَّه، قَالَ: اختلف النَّاس فِي القراءة فَقَالَ (954) هَذَا: قرآني خير من قرآنك، وَقَالَ هَذَا: قرآني خير من قرآنك، وَكَانَ حذيفة أول من أنكر ذَلِكَ وأنهاه إِلَى، فجمعت النَّاس عَلَى القراءة الَّتِي كتبت بَيْنَ يدي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: فلم حرقت المصاحف، أما كَانَ فِيهَا مَا يوافق هذه القراءة الَّتِي جمعت النَّاس عَلَيْهَا، أفهلا تركت المصاحف بحالها؟ قَالَ: أردت أَن لا يبقى إلا مَا كتب بَيْنَ يدي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وثبت فِي الصحف الَّتِي كانت عِنْدَ حفصة زوج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا أستغفر اللَّه، قَالُوا «1» : فإنك لَمْ تشهد بدرًا، قَالَ: خلفني رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابنته، قَالُوا: لَمْ تشهد بيعة الرضوان، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّة فصفق عني بيده، وشمال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير من يميني، قَالُوا: فررت من الزحف «2» قَالَ: فَإِن اللَّه قَدْ عفا عَنْ ذَلِكَ، قَالُوا: سيرت خيارنا وضربت أبشارنا ووليت عَلَيْنَا سفهاء أهل بيتك، قَالَ: إِنَّمَا سيرت من سيرت من مخافة الْفِتْنَة فمن مَاتَ مِنْهُم فارضوا بالله حكما بيني وبينه ومن بقي مِنْهُم فردوه واقتصوا مني لمن ضربت، وَأَمَّا عمالي فمن شئتم عزله فاعزلوه ومن رأيتم إقراره فأقروه، قَالُوا: فمال اللَّه الَّذِي أعطيت قرابتك؟ قَالَ: اكتبوا بِهِ عَلِي للمسلمين صكا لأعجل منه مَا قدرت عَلَى تعجيله وأسعى فِي باقيه، أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول «3» : [لا يحل دم امرئ مُسْلِم إلا بإحدى ثَلاث زنى بَعْد إحصان أَوْ كفر بَعْد إيمان أَوْ أَن يقتل رجل رجلا فيقتل به، وو الله ما] زنيت في جاهلية ولا إسلام ولا قتلت نفسًا بغير حقها ولا ابتغيت بديني بدلا مذ هداني الله للإسلام، ولا والله «4» ما وضعت يدي عَلَى عورتي مذ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إكرامًا ليده.
__________
(1) انظر مغازي الواقدي: 101
(2) يعني في معركة أحد.
(3) قارن بالبخاري 4: 317 والترمذي 1: 263
(4) الطبري 1: 3016(5/552)
فلما قَالَ هذه المقالة كسر حلماؤهم عَنْهُ، ونصب لَهُ كنانة بْن بشر التجيبي وعروة بْن شييم فأقبلا لا يقلعان ولا يكفان عَنْهُ، وأتى المغيرة بْن شُعْبَة عُثْمَان فَقَالَ لَهُ: دعني آت الْقَوْم فأنظر مَا يريدون، فمضى نحوهم فلما دنا مِنْهُم صاحوا بِهِ يا أعور وراءك، يا فاجر وراءك «1» ، يا فاسق وراءك، فرجع، ودعا عُثْمَان عَمْرو بْن العاص فَقَالَ لَهُ: ائت الْقَوْم فادعهم إلى كتاب اللَّه والعتبى مِمَّا ساءهم، فلما دنا مِنْهُم سلم فَقَالُوا: لا سلم اللَّه عليك، ارجع يا عدو اللَّه، ارجع يا ابْن النابغة فلست عندنا بأمين ولا مأمون، فَقَالَ لَهُ ابْن عُمَر وغيره: لَيْسَ لَهُمْ إلا عَلِي بْن أَبِي طَالِب فبعث عُثْمَان إِلَى عَلِي «2» فلما أتاه قَالَ: يا أبا الْحَسَن ائت هَؤُلاءِ الْقَوْم فادعهم إِلَى كتاب اللَّه وسنة نبيه، قَالَ: نعم إِن أعطيتني عهد اللَّه وميثاقه عَلَى أنك تفي لَهُمْ بكل مَا أضمنه عَنْك، قَالَ: نعم، فأخذ عَلِي عَلَيْهِ عهد اللَّه وميثاقه عَلَى أوكد مَا يَكُون وأغلظ، وخرج إِلَى الْقَوْم فَقَالُوا: وراءك قَالَ: لا بَل أمامي تعطون كتاب اللَّه وتعتبون من كُل مَا سخطتم، فعرض عَلَيْهِم مَا بذل عُثْمَان فَقَالُوا: أتضمن ذَلِكَ عَنْهُ؟ قَالَ: نعم، قَالُوا: رضينا، وأقبل وجوههم وأشرافهم مَعَ عَلِي حَتَّى دخلوا عَلَى عُثْمَان وعاتبوه فأعتبهم من كُل شَيْء فَقَالُوا: اكتب بِهَذَا كتابا فكتب «3» : بسم اللَّه الرحمن الرحيم هَذَا كتاب من عَبْد اللَّهِ عُثْمَان أمِير الْمُؤْمِنيِنَ لمن نقم عَلَيْهِ من الْمُؤْمِنيِنَ والمسلمين «4» ، إِن لكم أَن أعمل فيكم بكتاب اللَّه وسنة نبيّه، يعطى المحروم ويؤمن الخائف ويرد المنفي ولا تجمر البعوث ويوفر «5» الفيء، وعلي بْن أَبِي طَالِب ضمين للمؤمنين والمسلمين عَلَى عُثْمَان بالوفاء بِمَا فِي هَذَا الكتاب، شهد الزُّبَيْر بْن العوام وطلحة بْن عُبَيْدِ اللَّهِ (955) وسعد بْن مَالِك بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وزيد بْن ثابت وسهل بْن حنيف وأبو أيوب خَالِد بْن زَيْد، وكتب فِي ذي القعدة سنة خمس وثلاثين، فأخذ كُل قوم كتابًا فانصرفوا.
__________
(1) وراءك: سقطت من م.
(2) فبعث ... إلى عليّ: سقط من س.
(3) يختلف نصّ هذه الرسالة في الطبري 1: 3040- 45 عما هو هنا.
(4) م: المسلمين والمؤمنين.
(5) الطبري: ويوفى.(5/553)
وَقَالَ عَلِي بْن أَبِي طَالِب لعثمان «1» : [اخرج فتكلّم كلاما يسمعه الناس ويحملونه عَنْك وأشهد اللَّه عَلَى مَا فِي قلبك فَإِن البلاد قَدْ تمخضت عليك ولا تأمن أَن يَأْتِي ركب آخر من الكوفة أَوْ من البصرة أَوْ من مصر فتقول: يا عَلِي اركب إليهم فَإِن لَمْ أفعل قُلْت: قطع رحمي واستخفّ بحقي،] فخرج عُثْمَان فخطب النَّاس فأقر بِمَا فعل واستغفر اللَّه منه وَقَالَ:
سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول [من زل فلينب «2» فأنا أول من اتعظ،] فَإِذَا نزلت فليأتني اشرافكم فليروني رأيهم «3» فو الله لو ردني إِلَى الحق عَبْد لاتبعته، وَمَا عَنِ اللَّه مذهب إلا إِلَيْهِ، فسر النَّاس بخطبته واجتمعوا إِلَى بابه مبتهجين بِمَا كَانَ منه، فخرج إليهم مَرْوَان «4» فزبرهم وَقَالَ: شاهت وجوهكم، مَا اجتماعكم؟ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ مشغول عنكم، فَإِن احتاج إِلَى أحد منكم فسيدعوه فانصرفوا. وبلغ عليا «5» الْخَبَر فأتى عُثْمَان وَهُوَ مغضب فَقَالَ: أما رضيت من مَرْوَان ولا رَضِيَ منك إلا بإفساد دينك وخديعتك عَنْ عقلك، وإني لأراه سيوردك ثُمَّ لا يصدرك، وَمَا أنا بعائد بَعْد مقامي هَذَا لمعاتبتك. وَقَالَتْ لَهُ امرأته نائلة بنت الفرافصة: قَدْ سمعت قَوْل عَلِي بْن أَبِي طَالِب فِي مَرْوَان وَقَدْ أخبرك أَنَّهُ غَيْر عائد إليك، وَقَدْ أطعت مروان ولا قدر لَهُ عِنْدَ النَّاس ولا هيبة، فبعث إِلَى عَلِي فلم يأته.
1416- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ شُرَحْبِيل بْن أَبِي عَوْنٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سمعت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الأسود بْن عَبْد يغوث ذكر «6» مَرْوَان فَقَالَ: قبحه اللَّه خرج عُثْمَان عَلَى النَّاس فأعطاهم الرضى وبكى عَلَى المنبر حَتَّى استهلت دموعه فلم يزل مَرْوَان يفتله فِي الذروة والغارب حَتَّى لفته عَنْ رأيه، قَالَ: وجئت إِلَى عَلِي فأجده بَيْنَ القبر والمنبر ومعه عمار بْن ياسر ومحمد بن أَبِي بَكْر وهما يقولان صنع مَرْوَان بالناس وصنع وانتهرهم
__________
1416- الطبري 1: 2977
__________
(1) الطبري 1: 2972- 76
(2) الطبري: فليتب.
(3) س: فليردوني برأيهم، وما في م ط موافق للطبري.
(4) الطبري 1: 2977
(5) الطبري 1: 2976
(6) الطبري: يذكر.(5/554)
وأغلظ لَهُمْ حَتَّى ردهم عَنْ بَاب عُثْمَان عَلَى أقبح الوجوه، فأقبل عَلِي عَلِي فَقَالَ:
أحضرت خطبة عُثْمَان؟ قُلْت نعم، قَالَ أفحضرت مقالة مروان للناس «1» ؟ قُلْت نعم.
1417- قَالَ أَبُو مخنف: لما شخص المصريون بَعْد الكتاب الَّذِي كتبه عُثْمَان فصاروا بأيلة أَوْ بمنزل قبلها رأوا راكبًا خلفهم يريد مصر فَقَالُوا لَهُ: من أَنْتَ؟ فَقَالَ: رَسُول أمِير الْمُؤْمِنيِنَ إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد وأنا غلام أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، وَكَانَ أسود، فَقَالَ بَعْضهم لبعض: لو أنزلناه وفتشناه «2» لا يَكُون صاحبه قَدْ كتب فينا بشيء، ففعلوا فلم يجدوا مَعَهُ شيئًا فَقَالَ بَعْضهم لبعض: خلوا سبيله، فَقَالَ كنانة بْن بشر: أما والله دُونَ أَن أنظر فِي أداوته فلا فَقَالُوا: سبحان اللَّه أيكون كتاب فِي ماء؟ فقال: إنّ للناس حيلا، ثم حلّ الادواة فإذا فيها قارورة مختومة «3» - او قال مضمونة- فِي جوف القارورة كتاب فِي أنبوب من رصاص فأخرجه فقرئ فَإِذَا فِيهِ: أما بَعْد فإذا قدم عليك أبو عَمْرو بْن بديل فاضرب عنقه واقطع يدي ابْن عديس وكنانة وعروة ثُمَّ دعهم يتشحطون فِي دمائهم حَتَّى يموتوا ثُمَّ أوثقهم عَلِي جذوع النخل. فيقال إِن مَرْوَان كتب الكتاب بغير علم عُثْمَان، فلما عرفوا مَا فِي الكتاب قَالُوا: عُثْمَان محل، ثُمَّ رجعوا عودهم عَلَى بدئهم حَتَّى دخلوا الْمَدِينَةَ، فلقوا عليا بالكتاب وَكَانَ خاتمه من رصاص، فدخل بِهِ عَلِي عَلَى عُثْمَان فحلف بالله مَا هُوَ كتابه ولا يعرفه وَقَالَ: أما الخط فخط كاتبي وَأَمَّا الخاتم فعلى خاتمي، قَالَ عَلِي: [فمن تتهم؟ قَالَ أتهمك وأتهم كاتبي، (956) فخرج عَلِي مغضبًا وَهُوَ يَقُول: بَل هُوَ أمرك.] قَالَ أَبُو مخنف: وَكَانَ خاتم عُثْمَان بديًا فِي يد حمران «4» بْن أبان ثُمَّ أخذه مَرْوَان حِينَ شخص حمران إِلَى البصرة فكان مَعَهُ.
وجاء المصريون إِلَى دار عُثْمَان فأحدقوا بِهَا وَقَالُوا لعثمان وَقَدْ أشرف عَلَيْهِم: يا عُثْمَان أهذا كتابك؟ فجحد وحلف، فَقَالُوا: هَذَا شر، يكتب عَنْك بِمَا لا تعلمه، مَا مثلك
__________
(1) وصنع ... للناس: سقط من س.
(2) م: ففتشناه.
(3) خ بهامش ط: محشوة.
(4) س: بديا حمران.(5/555)
يلي «1» أمور الْمُسْلِمِينَ، فاختلع من الخلافة، فَقَالَ: مَا كنت لأنزع قميصًا قمصنيه اللَّه- أَوْ قَالَ سربلنيه اللَّه- وَقَالَتْ بنو أمية: يا عَلِي أفسدت عَلَيْنَا أمرنا ودسست وألبت، فَقَالَ:
[يا سفهاء إنكم لتعلمون أَنَّهُ لا ناقة لي فِي هَذَا ولا جمل، وأني رددت أهل مصر عَنْ عُثْمَان ثُمَّ أصلحت أمره مرة بَعْد أُخْرَى فَمَا حيلتي؟ وانصرف وَهُوَ يقول: اللهمّ إنّي بريء مِمَّا يقولون ومن دمه إِن حدث بِهِ حدث.] قَالَ: وكتب عُثْمَان حِينَ حصروه كتابًا قرأه ابْن الزُّبَيْر عَلَى النَّاس يَقُول فِيهِ: والله مَا كتبت الكتاب ولا أمرت بِهِ ولاعلمت بقصته وأنتم معتبون من كُل مَا ساءكم فأمروا عَلَى مصركم من أحببتم، وَهَذِهِ مفاتيح بَيْت مالكم فادفعوها إِلَى من شئتم، فَقَالُوا: قَدِ اتهمناك بالكتاب فاعتزلنا، وَقَالَ بَعْضهم: الَّذِي قرأ كتاب عُثْمَان الزُّبَيْر نَفْسه، وَالأَوَّل أثبت.
1418- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ دَاوُد العطار عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّهِ أَن عُثْمَان وجه إِلَى المصريين لما أقبلوا يريدونه مُحَمَّد بْن مسلمة فِي خمسين من الأنصار أنا فيهم فأعطاهم الرضى وانصرفوا، فلما كَانُوا ببعض الطريق رأوا جملًا عَلَيْهِ ميسم الصدقة فأخذوه، فَإِذَا غلام لعثمان، ففتشوه فَإِذَا مَعَهُ قصبة من رصاص فِي جوف إداوة فِيهَا كتاب إِلَى عامل مصر أَن افعل بفلان كَذَا وبفلان كَذَا، فرجع الْقَوْم إِلَى الْمَدِينَةِ، فأرسل إليهم عُثْمَان مُحَمَّد بْن مسلمة فلم يرجعوا وحصروه.
1419- وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سميع «2» عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي ذئب عَنِ ابْن شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَن المصريين لما قدموا فشكوا عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح سألوا عُثْمَان أَن يولى مكانه مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر، فكتب عهده وولاه ووجه معهم عدة من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بينهم وبين ابْن أَبِي سرح، فشخص مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر وشخصوا جميعًا، فلما كَانُوا عَلَى مسيرة ثلاث من
__________
1418- انظر ما سبق ف: 1414 1419- الامامة 1: 62 والرياض النضرة 2: 124 والعقد 4: 288 والنص هنا تتمة لما ورد في ف 1329
__________
(1) م: من يلي.
(2) هو محمد بن عيسى بن سميع (انظر ف: 1329) .(5/556)
الْمَدِينَةِ إِذَا هُمْ بغلام أسود عَلَى بعير وَهُوَ يخبط البعير خبطًا كَأَنَّهُ رجل يطلب أَوْ يطلب، فَقَالَ لَهُ أَصْحَاب مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر: مَا قصتك وَمَا شأنك كأنك هارب أَوْ طَالِب، فَقَالَ لَهُمْ مرة: أنا غلام أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، وَقَالَ مرة أُخْرَى: أنا غلام مَرْوَان وجهني إِلَى عامل مصر برسالة، قَالُوا: فمعك كتاب؟ قَالَ: لا، ففتشوه فلم يجدوا مَعَهُ شيئًا، وكانت مَعَهُ إداوة قَدْ يبست وفيها شَيْء يتقلقل، فحركوه ليخرج فلم يخرج، فشقوا الإداوة فَإِذَا فِيهَا كتاب من عُثْمَان إِلَى ابْن أَبِي سرح. فجمع مُحَمَّد من كَانَ مَعَهُ من المهاجرين والأنصار وغيرهم ثُمَّ فك الكتاب بمحضر مِنْهُم فَإِذَا فِيهِ: إذا أتاك مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر وفلان وفلان فاحتل لقتلهم وأبطل كتاب مُحَمَّد وقر عَلَى عملك حَتَّى يأتيك رأيي واحبس (957) من يجيء إلي متظلما منك إِن شاء اللَّه. فلما قرءوا الكتاب فزعوا وغضبوا ورجعوا إِلَى الْمَدِينَةِ، وختم مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر الكتاب بخواتيم نفر مِمَّن كَانَ مَعَهُ ودفعه إِلَى رجل مِنْهُم، وقدموا الْمَدِينَةَ فجمعوا عليا وطلحة والزبير وسعدا ومن كَانَ مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ فكوا الكتاب بمحضر مِنْهُم وأخبروهم «1» بقصة الغلام وأقرأوهم الكتاب فلم يبق أحد من أهل الْمَدِينَةِ إلا حنق عَلَى عُثْمَان، وزاد ذَلِكَ من كَانَ غضب لابن مَسْعُود وعمار بْن ياسر وأبي ذر حنقا وغيظًا، وقام أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنازلهم مَا مِنْهُم أحد إلا وَهُوَ مغتم لما فِي الكتاب.
وحاصر النَّاس عُثْمَان وأجلب عَلَيْهِ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر ببني تيم «2» وغيرهم، وأعانه عَلَى ذَلِكَ طَلْحَةُ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ، وكانت عَائِشَةُ تقرصه كثيرًا، ودخل عَلِي وطلحة والزبير وسعد وعمار فِي نفر مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلهم بدري عَلَى عُثْمَان، ومع عَلِي الكتاب والغلام والبعير، فَقَالَ لَهُ عَلِي: [هَذَا الغلام غلامك؟ قَالَ: نعم، قَالَ: والبعير بعيرك؟ قَالَ: نعم، قَالَ: وأنت كتبت هَذَا الكتاب؟ قَالَ: لا، وحلف بالله مَا كتبت هَذَا الكتاب ولا أمرت بِهِ ولا علمت شأنه، فَقَالَ لَهُ عَلِي: أفالخاتم خاتمك؟ قَالَ:
نعم، قَالَ: فكيف يخرج غلامك ببعيرك بكتاب عَلَيْهِ خاتمك ولا تعلم به؟] فحلف بالله
__________
(1) س: وأخبرهم.
(2) م: تميم (وهو خطأ) .(5/557)
مَا كتبت الكتاب ولا أمرت بِهِ ولا وجهت هَذَا الغلام إِلَى مصر قط، وعرفوا أَن الخط خط مَرْوَان فسألوه أَن يدفع إليهم مَرْوَان فأبى، وَكَانَ مَرْوَان عنده فِي الدار، فخرج أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عنده غضابًا وعلموا أَنَّهُ لا يحلف بباطل، إلا أَن قومًا قَالُوا: لَنْ يبرأ عُثْمَان فِي قلوبنا إلا بأن «1» يدفع إلينا مَرْوَان حَتَّى نبحثه عَنِ الأمر، ونعرف حال الكتاب وكيف يؤمر بقتل رجال من أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ بغير حق، فَإِن يكن عُثْمَان كتبه عزلناه، وإن يكن مَرْوَان كتبه عَنْ لسان عُثْمَان نظرنا مَا يَكُون منا فِي أمر مَرْوَان، فلزموا بيوتهم وأبى «2» عُثْمَان أَن يخرج مَرْوَان، فحاصر النَّاس عُثْمَان ومنعوه الماء، فأشرف عَلَى النَّاس فَقَالَ: أفيكم عَلِي؟ فَقَالُوا: لا، قَالَ: أفيكم سَعْد، فَقَالُوا: لا، فسكت ثُمَّ قَالَ: ألا أحد يبلغ «3» فيسقينا ماء؟ فبلغ ذَلِكَ عليا فبعث إِلَيْهِ بثلاث قرب مملوءة ماء فَمَا كادت تصل إِلَيْهِ، وجرح بسببها عدة من موالي بَنِي «4» هاشم وَبَنِي أمية حَتَّى وصلت. وبلغ عليا «5» أَن الْقَوْم يريدون قتل عُثْمَان فَقَالَ: [إِنَّمَا أردنا مَرْوَان، فأما قتل عُثْمَان فلا، وَقَالَ للحسن والحسين: اذهبا بسَيْفيكما حَتَّى تقوما عَلَى بَاب عثمان فلا تدعى أحدا يصل إِلَيْهِ،] وبعث الزُّبَيْر ابنه عَبْد اللَّهِ، وبعث طَلْحَةُ ابنه عَلَى كره، وبعث عدة من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبناء هم ليمنعوا النَّاس من «6» الدخول عَلَى عُثْمَان ويسألوه إخراج مَرْوَان، فلما رأى «7» ذَلِكَ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر، وَقَدْ رمى النَّاس عُثْمَان بالسهام حَتَّى خضب الْحَسَن بالدماء عَلَى بابه وأصاب مَرْوَان سهم وَهُوَ فِي الدار وخضب مُحَمَّد بْن طَلْحَةَ وشج قنبر مولى عَلِي، خشي مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر أَن يغضب بنو هاشم لحال الْحَسَن والحسين فيثيروها فتنة، وأخذ بيد رجلين فَقَالَ لهما: إِن جاءت بنو هاشم فرأت الدماء عَلَى وجه الْحَسَن كشفوا النَّاس عَنْ عُثْمَان وبطل مَا تريدون، ولكن
__________
(1) س: إلا أن.
(2) س: فأبى.
(3) العقد: يبلغ عليّا.
(4) بني: سقطت من س.
(5) انظر المروج 4: 479 والطبري 1: 3013 (رواية سيف) .
(6) من: سقطت من س.
(7) الامامة 1: 71(5/558)
مروا بنا حَتَّى نتسور عَلَيْهِ الدار فنقتله من غَيْر أَن يعلم أحد، فتسور مُحَمَّد وصاحباه من دار رجل من الأنصار حَتَّى دخلوا عَلَى عُثْمَان وَمَا يعلم أحد مِمَّن كَانَ مَعَهُ لأنهم كَانُوا فَوْقَ البيوت وَلَمْ يكن مَعَهُ إلا امرأته. فَقَالَ مُحَمَّد بْن أبي بكر «1» : أنا ابدأ كما بالدخول، فَإِذَا أنا ضبطته فادخلا فتوجاه حَتَّى تقتلاه، فدخل مُحَمَّد فأخذ بلحيته (958) فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: والله «2» لو رآك أبوك لساءه مكانك مني، فتراخت يده، ودخل الرجلان عَلَيْهِ فتوجاه حَتَّى قتلاه وخرجوا هاربين من حيث دخلوا وصرخت امرأته إِلَى النَّاس فلم يسمع صراخها لما كَانَ فِي الدار من الجلبة، وصعدت امرأته إِلَى النَّاس فَقَالَتْ: إِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ قَدْ قتل، فدخل الْحَسَن والحسين ومن كَانَ معهما فوجدوا عُثْمَان مذبوحًا، فانكبوا عَلَيْهِ يبكون، وخرجوا ودخل النَّاس فوجدوه مذبوحًا، وبلغ عَلِي بْن أَبِي طَالِب الْخَبَر وطلحة والزبير وسعدًا ومن كَانَ بالمدينة فخرجوا وَقَدْ ذهبت عقولهم للخبر الَّذِي أتاهم حَتَّى دخلوا عَلَى عُثْمَان فوجدوه مقتولًا فاسترجعوا، وَقَالَ عَلِي لابنيه: [كَيْفَ قتل أمِير الْمُؤْمِنيِنَ وأنتما عَلَى الباب؟] ورفع يده فلطم الْحَسَن وضرب صدر الْحُسَيْن وشتم مُحَمَّد بْن طَلْحَةَ ولعن عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر، وخرج عَلِي وَهُوَ غضبان يرى أَن طَلْحَةَ أعان عَلَى مَا كَانَ، فلقيه طَلْحَةُ فَقَالَ: مَا لَك يا أبا الْحَسَن ضربت الْحَسَن والحسين، فَقَالَ: عليك لعنة اللَّه أبيت إلا أَن يسوءني ذَلِكَ، يقتل «3» أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدري لَمْ يقم عَلَيْهِ بينة ولا حجة، فَقَالَ طَلْحَةُ: لو دفع مَرْوَان لَمْ يقتل، فَقَالَ عَلِي: [لو أخرج إليكم مروان لقتل قبل أن يثبت «4» عَلَيْهِ حكومة] .
وخرج عَلِي «5» فأتى منزله وجاء النَّاس كلهم يهرعون إِلَى عَلِي، أَصْحَاب النَّبِي صلّى الله عليه وسلّم وغيرهم وهم يقولون: إِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ عَلِي، حَتَّى دخلوا داره فقالوا له: نبايعك فمدّ يدك فإنّه لا بدّ من أمِير، فَقَالَ عَلِي: لَيْسَ [ذاك إليكم إنما ذاك إلى أهل بدر فمن
__________
(1) الامامة 1: 74
(2) والله: زيادة من ط م.
(3) م: بقتل.
(4) م: تثبت.
(5) الامامة 1: 78(5/559)
رَضِيَ بِهِ أهل بدر فَهُوَ خليفة،] فلم يبق أحد من أهل بدر إلا أتى عليا فَقَالُوا: مَا نرى أحدًا أحق بِهَا منك فمد يدك نبايعك، فَقَالَ: أين طَلْحَةُ والزبير؟ وَكَانَ طَلْحَةُ أول من بايعه بلسانه وسعد بيده، فلما رأى عَلَى ذَلِكَ صعد المنبر وَكَانَ أول من صعد إِلَيْهِ، فبايعه طَلْحَةُ بيده، وكانت إصبع طَلْحَةَ شلاء فتطير منها عَلِي وَقَالَ: مَا أخلقه أَن ينكث «1» ، ثُمَّ بايعه الزُّبَيْر وسعد وأَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جميعًا ثُمَّ نزل فدعا النَّاس وطلب مَرْوَان وَبَنِي أَبِي معيط فهربوا منه.
وخرجت عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا باكية تقول: قتل عُثْمَان رحمه اللَّه، فَقَالَ لَهَا عمار بْن ياسر: أَنْتَ بالأمس تحرضين عَلَيْهِ ثُمَّ أَنْتَ اليوم تبكينه «2» . وجاء عَلِي إِلَى امْرَأَة عُثْمَان فَقَالَ لَهَا: [من قتل عُثْمَان رحمه اللَّه تَعَالَى؟] فَقَالَتْ: لا أدري دَخَلَ عَلَيْهِ رجلان لا أعرفهما إلا أَن أرى وجوههما، وَكَانَ معهما مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر، وأخبرت عليا والناس بِمَا صنع مُحَمَّد، فدعا عَلِي محمدا فسأله عما ذكرت امْرَأَة عُثْمَان فَقَالَ مُحَمَّد: لَمْ تكذب فَقَدْ دخلت والله عَلَيْهِ وأنا أريد قتله، فذكر أَبِي فقمت عَنْهُ وأنا تائب، والله مَا قتلته ولا أمسكته، قَالَتِ امْرَأَة عُثْمَان: صدق ولكنه أدخلهما «3» .
1420- حدثني أَحْمَد «4» بْن هِشَام بْن بهرام حَدَّثَنَا وكيع عَنِ الأَعْمَش عَنْ عبيد بْن عمير قَالَ، قَالَ عَلِي: [لا آمركم بالإقدام عَلَى عُثْمَان فَإِن أبيتم فبيض سَيْفرخ] .
1421- وَحَدَّثَنِي عَمْرو بْن مُحَمَّد عَنْ قَبِيصَة بْن عقبة «5» عَن سُفْيَان عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ عَمْرو (بْن) الأصم قَالَ: كنت فيمن أرسلوا من ذي خشب فَقَالُوا: سلوا أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم واجعلوا عليّا آخر من تسألونه، قال: فسألناهم (959) فَقَالُوا: أقدموا إلا عليا فَإِنَّهُ قَالَ: [لا آمركم فإن أبيتم فبيض سيفرخ] .
__________
1421- طبقات ابن سعد 3/ 1: 45 وقارن بالفائق والنهاية واللسان (فرخ) .
__________
(1) الامامة: ما أخلقها أن تنكث.
(2) س: تبكيه.
(3) م: أخبرهما.
(4) ط م س: محمد.
(5) ط م س: عن عقبة (وانظر التهذيب 8: 347) .(5/560)
1422- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ عَنْ أَبِي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح قال، قَالَ [عَلِيٌّ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ الأَمْرَ يَبْلُغُ مَا بَلَغَ مَا دَخَلْتُ فِيهِ] .
1423- وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الأعرابي حَدَّثَنَا أزهر بْن سَعْد السمان أَبُو بَكْر حَدَّثَنَا ابْن عون عَنِ الْحَسَن قَالَ: خطب عُثْمَان فقام رجل فَقَالَ:
نريد كتاب اللَّه فَقَالَ لَهُ: اقعد أما لكتاب اللَّه طَالِب غيرك؟ قال: فحصب وتحاصبوا فنزل الشيخ وَمَا يكاد يقيم عنقه، فَقَالَ ابْن عون: فَقُلْتُ للحسن ابْن كم كنت يَوْمَئِذٍ؟
قَالَ: ابْن أربع عشرة خمس عشرة.
1434- وَقَالَ أَبُو مخنف وغيره: حرس الْقَوْم عُثْمَان ومنعوا من أَن يدخل عَلَيْهِ، وأشار عَلَيْهِ سَعِيد بْن العاص «1» بأن يحرم ويلبي ويخرج فيأتي مَكَّة فلا يقدم عَلَيْهِ، فبلغهم قوله فقالوا: والله لئن خرج لا فارقناه حَتَّى يحكم اللَّه بيننا وبينه، واشتد عَلَيْهِ طَلْحَةُ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ فِي الحصار، ومنع من أَن يدخل إِلَيْهِ الماء حَتَّى غضب عَلِي بْن أَبِي طَالِب من ذلك، فأدخلت عليه روايا الماء.
1425- قالوا: وكتب عُثْمَان إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عامر بْن كريز ومعاوية بْن أَبِي سُفْيَان يعلمهما أَن أهل البغي والعدوان من أهل العراق ومصر والمدينة قَدْ أحاطوا بداره فليس يرضيهم بزعمهم شَيْء دُونَ قتله أَوْ يخلع السربال الَّذِي سربله اللَّه إياه، ويأمرهما بإغاثته برجال ذوي نجدة وبأس ورأى لعل اللَّه أَن يدفع بِهِمْ عَنْهُ بأس من يكيده ويريده، وَكَانَ رسول إِلَى ابْن عامر جُبَيْر بْن مطعم وإلى مُعَاوِيَة المسور بْن مخرمة الزُّهْرِيِّ فأما ابْن عامر فوجه إِلَيْهِ مجاشع بْن مَسْعُود السلمي في خمسمائة أعطاهم خمسمائة خمسمائة درهم، وَكَانَ فيمن ندب مَعَ مجاشع زفر بْن الْحَارِث الكلابي عَلَى مائة رجل. وَأَمَّا مُعَاوِيَة فبعث إِلَيْهِ حبيب بْن مسلمة الفهري فِي ألف فارس فقدم حبيب أمامه يَزِيد بْن أسد البجلي جد خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد القسري من بجيلة وبلغ أهل مصر ومن معهم مِمَّن حاصر عُثْمَان
__________
1423- قارن بالطبري 1: 2979 1425- المصدر السابق: 2985
__________
(1) س: بن أبي العاص.(5/561)
مَا كتب بِهِ إِلَى ابْن عامر ومعاوية فزادهم ذَلِكَ شدة عَلَيْهِ وجدا فِي حصاره وحرصًا عَلَى معاجلته بالقتل.
1426- الْمَدَائِنِي عَنْ حبان «1» بْن موسى عَنْ مجالد عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كتب عُثْمَان إِلَى مُعَاوِيَة أَن أمدني، فأمده بأربعة آلاف مَعَ يَزِيد بْن أسد بْن كرز البجلي فتلقاه النَّاس بمقتل عُثْمَان فرجع من الطريق وَقَالَ: لو دخلت الْمَدِينَةَ وعثمان حي مَا تركت بِهَا محتلما إلا قتلته لأن الخاذل والقاتل سواء.
ذكر كراهة عُثْمَان للقتال رَضِيَ اللَّه عَنْهُ:
1427- قَالَ أَبُو مخنف والواقدي وغيرهما فِي روايتهم: أن المغيرة بْن شُعْبَة الثقفي أشار عَلَى عُثْمَان بأن يأمر مواليه ومن مَعَهُ من أهل بيته بالتسلح ليراهم المحاصرون لَهُ فينكسروا عَنْهُ، ففعل، وجعلوا يمرون عَلَى تعبيتهم، ثُمَّ أمرهم بالانصراف وأن لا يقاتلوا، فَقَالَ الْوَلِيد بْن عقبة بْن أَبِي معيط «2» .
وكف يديه ثُمَّ أغلق بابه ... وأيقن أَن اللَّه لَيْسَ بغافل
وَقَالَ لأهل الدار مه «3» لا تقاتلوا ... عفا اللَّه عَنْ كُل امرئ لَمْ يقاتل
وكيف رَأَيْت اللَّه ألقى عليهم ال ... عداوة والبغضاء بَعْد التواصل
وكيف رَأَيْت الخير أدبر بعده ... عَنِ النَّاس إدبار المخاض الحوامل «4»
1428- قَالُوا: ولما انصرف أولئك الَّذِينَ تسلحوا خرج سيدان بْن حمران المرادي- ويقال سودان بْن حمران- حَتَّى لحق بِهِمْ، فرجع إِلَيْهِ مَرْوَان فاضطربا بسيفيهما فلم يصنعا شيئًا، فَقَالَ عُثْمَان: يا سبحان اللَّه أكل هَذَا فِي نزعي وتأميري، يا ناتل الق مَرْوَان بعزمة مني أَن ينصرف إلي ومن معه، فجاء مروان حتى دخل الدار.
__________
(1) س: خباب، ط م: حباب.
(2) الأغاني: 16: 171 (منسوبة لكعب بن مالك) .
(3) الأغاني: وقال لمن في داره.
(4) الأغاني: النعام الجوافل.(5/562)
1429- قَالُوا: وأتى قطن بْن عَبْد اللَّهِ بْن الحصين ذي الغصة الحارثي عُثْمَان وَهُوَ محصور فدعاه الى دفعهم عَنْ نَفْسه بمن أطاعه ومال إِلَيْهِ فَقَالَ: أنا أكلهم إِلَى اللَّه ولا أقاتلهم فَإِن ذَلِكَ أَعْظَم لحجتي عَلَيْهِم فانصرف محمودًا رشيدًا، فكان يَقُول: لوددت أني قتلت مَعَ عُثْمَان.
1430- وحدثني «1» عمرو بن محمد الناقد حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ يَوْمَ الدَّارِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ أَنُفَرِّجُهُمْ عَنْكَ بِالضَّرْبِ؟
فَقَالَ: لا إِنَّكَ إِنْ قَتَلْتَ رَجُلا وَاحِدًا فَكَأَنَّمَا قَتَلْتَ النَّاسَ جَمِيعًا «2» ، قَالَ: فَرَجَعْتُ وَلَمْ أُقَاتِلْ.
1431- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن حاتم بْن ميمون حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن إدريس الأزدي عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: جاء زَيْد بْن ثابت إِلَى عُثْمَان فَقَالَ لَهُ: إِن الأنصار بالباب يقولون إِن شئت كُنَّا أنصارا لله «3» مرتين فَقَالَ عُثْمَان: أما القتل «4» فلا.
1432- حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابن عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ، قَالَ عُثْمَانُ يَوْمَ الدَّارِ: أَعْظَمُكُمْ «5» عَنِّي غِنَاءً رَجُلٌ كَفَّ يَدَهُ وَسِلاحَهُ.
1433- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنْتُ فِي الدَّارِ يَوْمَ قُتِلَ عُثْمَانُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: عَزَمْتُ عَلَى مَنْ رَأَى لَنَا عَلَيْهِ سَمْعًا وَطَاعَةً أَنْ يُلْقِيَ سِلاحَهُ، فَأَلْقَى الْقَوْمُ أَسْلِحَتَهُمْ إِلا مَرْوَانَ فَإِنَّهُ قَالَ: وَأَنَا أَعْزِمُ عَلَى نَفْسِي أَلا أُلْقِي سِلاحِي، قَالَ: وَكَانَ شُجَاعًا، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَلْقَيْتُ سَيْفِي فلا أدري من أخذه.
__________
1430، 1431، 1432- طبقات ابن سعد 3/ 1:
__________
(1) م: حدثني.
(2) إشارة إلى الآية: 32 من المائدة.
(3) ط: أنصار الله.
(4) خ بهامش ط س: القتال.
(5) ابن سعد: إن أعظمكم.(5/563)
1434- وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الزَّاهِدُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابن عُلَيَّةَ «1» عَنِ ابْن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ يَوْمَ الدَّارِ إِنَّ فِي الدَّارِ مَعَكَ عِصَابَةً مُسْتَبْصِرَةً تَنْصُرُ اللَّهَ فَأْذَنْ لِي أُقَاتِلْ، فَقَالَ: أُذَكِّرُ اللَّهَ رَجُلا هَرَاقَ فِيَّ دَمًا.
1435- وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بن ايّوب عن اسماعيل ابن علية عَنِ ابْن عَوْنٍ عَنِ ابْن سِيرِينَ قَالَ: كان مع عثمان في الدار سبعمائة لو يدعهم لضربوهم إِن شاء اللَّه حَتَّى يخرجوهم من أقطارها مِنْهُم الْحَسَن والحسين ابنا عَلِي وابن الزُّبَيْر.
1436- وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ يَوْمَ الدَّارِ قَاتِلْهُمْ فو الله لقد أحلّ الله لَكَ قِتَالُهُمْ فَقَالَ: لا وَاللَّهِ لا أُقَاتِلُهُمْ أَبَدًا، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَهُوَ صَائِمٌ فَقَتَلُوهُ، وَكَانَ عُثْمَانُ قَدْ أَمَرَ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى الدَّارِ وَقَالَ: مَنْ كَانَتْ لِي عَلَيْهِ طَاعَةٌ فَلْيُطِعْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ.
1437- وَفِي رواية أَبِي مخنف وغيره أَن عُثْمَان بْن أَبِي العاص الثقفي دَخَلَ عَلَى عُثْمَان وَهُوَ محصور فعرض عَلَيْهِ أَن يقاتل ليقاتل مَعَهُ فأبى، فاستأذنه فِي إتيان البصرة فأذن لَهُ فِي ذَلِكَ فلحق بالبصرة.
أمر عَمْرو بْن العاص وغيره:
1438- (961) قَالُوا: وَكَانَ عَمْرو بْن العاص قَالَ لعثمان حين حصر «2» الحصار الأَوَّل: إنك يا عُثْمَان ركبت بالناس النهابير فاتق اللَّه وتب إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: يا ابْن النابغة وإنك لممن تؤلب عَلَى الطغام لأن عزلتك عَنْ مصر، فخرج إِلَى فلسطين فأقام بها في ماله
__________
1435، 1436- طبقات ابن سعد (نفسه) .
1438- الطبرى 1: 2972، 2967 وابن سعد: 48 وما يلي ف: 1482
__________
(1) اسماعيل بن ابراهيم بن مقسم بن علية (ابن سعد والتهذيب 1 رقم: 513) .
(2) ط م: حضر.(5/564)
هناك، وجعل يحرض النَّاس عَلَى عُثْمَان حَتَّى رعاة الغنم، فلما بلغه مقتله قَالَ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي إِذَا حَكَكْتُ قرحة نكأتها.
1439- قَالُوا: ومر مجمع بْن جارية الأَنْصَارِيُّ بطلحة بْن عُبَيْدِ اللَّهِ فَقَالَ: يا مجمع مَا فعل صاحبك؟ قَالَ: أظنكم والله قاتليه، فَقَالَ طَلْحَةُ: فَإِن قتل فلا ملك مقرب ولا نبي مرسل.
1440- قَالُوا: وَقَالَ عُثْمَان لعبد اللَّه بْن سلام: اخرج إليهم فكلمهم، فخرج إليهم فوعظهم وعظم حرمة الْمَدِينَةِ وَقَالَ لَهُمْ: إنه مَا قتل خليفة قط إلا قتل بِهِ خمسة وثلاثون ألفا، فَقَالُوا: كذبت يا يهودي ابْن اليهودية.
1441- قَالُوا: ولما اشتد الأمر عَلَى عُثْمَان أمر مَرْوَان بْن الحكم وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عتاب بْن أسيد فأتيا عَائِشَةَ وَهِيَ تريد الحج فقالا لَهَا: لو أقمت فلعل اللَّه يدفع بك عَنْ هَذَا الرجل، فَقَالَتْ: قَدْ قربت «1» ركابي وأوجبت الحج عَلَى نفسي ووالله لا أفعل، فنهض مَرْوَان وصاحبه ومروان يَقُول:
وحرق قَيْس عَلِي البلاد ... حَتَّى إِذَا اضطرمت أجذما
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يا مَرْوَان وددت والله أَنَّهُ فِي غرارة من غرائري هذه وأني طوقت حمله حَتَّى ألقيه فِي البحر. ومر عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس بعائشة وَقَدْ ولاه عُثْمَان الموسم وَهِيَ بمنزل من منازل طريقها فَقَالَتْ: يا ابْن عَبَّاس إِن اللَّه قَدْ آتاك عقلا وفهما وبيانا فإياك أن تردّ الناس عن هذا «2» الطاغية.
1442- حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عن
__________
1440- طبقات ابن سعد: 58 ومصنف عبد الرزاق 11: 445 1441- طبقات ابن سعد 5: 25، والبيت للربيع بن زياد العبسي كما في الحماسة 2: 22 والعقد 4: 299 والصحاح واللسان والتاج (جذم) .
1442- (ا، ب) ، 1443، 1444- طبقات ابن سعد 3/ 1: 46، 47، 6: 140
__________
(1) س: قرنت.
(2) م ط: هذه.(5/565)
أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ فَدَخَلَ يَوْمًا لِحَاجَتِهِ فَسَمِعَ كَلامَ مَنْ بِالْبَلاطِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا وَهُوَ مُتَغَيِّرُ اللَّوْنِ فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَيَتَوَعَّدُونَنِي بِالْقَتْلِ، [أَمَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يحل دم امرئ مسلم إِلا فِي إِحْدَى ثَلاثٍ:
رَجُلٌ «1» كَفَرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ أَوْ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ أَوْ قَتَلَ نفسا بغير نفس،] وو الله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام ولا تَمَنَّيْتُ أَنَّ لِي بِدِينِي مُذْ هَدَانِي اللَّهُ بدلا ولا قتلت نفسا، فبماذا يقتلونني؟
1442 ب- حَدَّثَنَا عَفَّانُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ بِنَحْوِهِ.
1443- حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: لَمَّا حُوصِرَ عُثْمَانُ فِي الدَّارِ بَعَثَ رَجُلا فَقَالَ لَهُ: اسْمَعْ مَا يَقُولُ النَّاسَ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: سَمِعْتُ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: لَقَدْ حَلَّ دَمُهُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: مَا يَحِلُّ دَمُ مُسْلِمٍ إِلا أَنْ يَكْفُرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ أَوْ يَزْنِيَ بَعْدَ إِحْصَانِهِ أَوْ يَقْتُلَ رَجُلا «2» فَيُقْتَلَ بِهِ أَوْ يَسْعَى فِي الأَرْضِ فَسَادًا.
1444- وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي لَيْلَى الْكِنْدِيِّ قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ وَهُوَ محصور فاطّلع من كوّ فقال: أيّها الناس لا تقتلوني فو الله لَئِنْ قَتَلْتُمُونِي لا تُصَلُّونَ جَمِيعًا أَبَدًا وَلا تُجَاهِدُونَ جَمِيعًا أَبَدًا وَلَتَخْتَلِفُنَّ (حَتَّى تَصِيرُوا هَكَذَا) «3» وشبك بين أصابعه، ثم قال (يا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُم مِثْلُ مَا أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُم بِبَعِيدٍ (هود: 89) ثُمَّ دَعَا ابْنَ سَلامٍ فَقَالَ: مَا تَرَى؟ قَالَ: الْكَفُّ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي الحجّة.
__________
(1) رجل: سقطت من م وهي بهامش ط.
(2) فقال له اسمع ... رجلا: سقط من س (والنص كامل عند ابن سعد، مشابه لما في ط م) .
(3) زيادة من ابن سعد.(5/566)
1445- حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْن مُسْلِمٍ أَبُو عُثْمَانَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ أَنْبَأَنَا يَعْلَى بْنُ حَكِيمٍ عَنْ نَافِعٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ، قَالَ عُثْمَانُ وَهُوَ مَحْصُورٌ: مَا تَقُولُ فِيمَا أَشَارَ بِهِ عَلِيَّ الْمُغِيرَةُ بْنُ الأَخْنَسِ؟ قال، قلت: وما هو؟ قال قَالَ: إِنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ يَرَوْنَ «1» خَلْعَكَ، فَإِنْ فَعَلْتَ وَإِلا قَتَلُوكَ، فَدَعْ أَمْرَهُمْ إِلَيْهِمْ (962) قَالَ فَقُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ تَخْلَعْ هَلْ يَزِيدُونَ عَلَى قَتْلِكَ؟ قَالَ: لا، قَالَ فَقُلْتُ: فَلا أَرَى أَنْ تَسُنَّ هَذِهِ السُّنَّةَ فِي الإِسْلامِ فَكُلَّمَا سَخطَ قَوْمٌ أَمِيرَهُمْ خَلَعُوهُ، لا تَخْلَعْ قَمِيصًا قَمَّصَكَهُ اللَّهُ.
1446- وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مخنف بإسناده قَالَ: أشرف عُثْمَان عَلَى النَّاس فسمع بَعْضهم يَقُول لا نقتله ولكن نعزله فَقَالَ: أما عزلي فلا وَأَمَّا قتلي فعسى، وسلم عَلَى جَمَاعَة فيهم طَلْحَةُ فلم يردوا عَلَيْهِ فَقَالَ: يا طَلْحَةُ مَا كنت أرى أني أعيش إِلَى أَن أسلم عليك فلا ترد عَلِي السَّلام.
1447- قَالَ: وجاء الزُّبَيْر إِلَى عُثْمَان فَقَالَ لَهُ إِن فِي مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَة يمنعون من ظلمك ويأخذونك بالحق فاخرج فخاصم الْقَوْم إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرج معه فوثب النَّاس عَلَيْهِ بالسلاح فَقَالَ: يا زبير مَا أرى أحدا يأخذ بحق ولا يمنع من ظلم، ودخل ومضى الزُّبَيْر إِلَى منزله.
1448- وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ: إِنْ وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنْ تَضَعُوا رِجْلِي فِي الْقُيُودِ فَضَعُوهُمَا.
1449- وَقَالَ أَبُو مخنف والواقدي فِي روايتهما: أَن أم حبيبة بنت أَبِي سُفْيَانَ زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتت عُثْمَان بإداوة وَقَدِ اشتد عَلَيْهِ الحصار فمنعوها من الدخول فَقَالَتْ: إنه كَانَ المتولي لوصايانا وأمر أيتامنا وأنا أريد مناظرته فِي ذلك، فأذنوا لها فأعطته الإداوة.
__________
1445، 1448- طبقات ابن سعد 3/ 1: 45، 48 1449- قارن بالطبري 1: 3010
__________
(1) س م وخ بهامش ط: يريدون.(5/567)
1450- وَحَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن صَالِح عَنْ عَبْد الجبار بْن الورد قَالَ سمعت ابْن أَبِي مليكة يَقُول قَالَ جُبَيْر بْن مطعم: حصر عُثْمَان حَتَّى كَانَ لا يشرب إلا من فَقِير «1» فِي داره، فدخلت عَلَى عَلِي فَقُلْتُ: أرضيت بِهَذَا أَن يحصر ابْن عمتك حَتَّى والله مَا يشرب إلا من فَقِير فِي داره؟ فَقَالَ: [سبحان اللَّه أوقد بلغوا بِهِ هذه الحال؟ قُلْت: نعم، فعمد إِلَى روايا ماء فأدخلها إِلَيْهِ فسقاه] .
1451- وَحَدَّثَنِي إِسْحَاق الفروي أبو موسى حدثنا عبد الله بن إدريس حدثنا يحيى ابن سَعِيد قَالَ: كَانَ طَلْحَةُ قَدِ استولى عَلَى أمر النَّاس فِي الحصار، فبعث عُثْمَان عَبْد الله ابن الحارث بْن نوفل بْن الحارث بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ إِلَى عَلِي بِهَذَا الْبَيْت:
إِن كنت مأكولا فكن أَنْتَ آكلي ... وإلا فأدركني ولما أمزّق
وقال هشام بن الكلبي: هَذَا الْبَيْت للممزق العبدي واسمه شأس بْن نهار بْن الأسود بْن حزيل، وَبِهِ سمي الممزق.
1452- قَالُوا: وَقَالَ أُسَامَةُ بْن زَيْد بْن حارثة لعلي بْن أَبِي طَالِب: والله يا أبا الْحَسَن والله لأنت أعز عَلِي من سمعي وبصري فأطعني وأخرج إِلَى أرضك بينبع «2» فَإِن عُثْمَان إِن قتل وأنت بالمدينة رميت بدمه، وإن أَنْتَ لَمْ تشهد أمره لَمْ يعدل النَّاس بك، فَقَالَ ابْن عَبَّاس لأسامة: يا أبا مُحَمَّد أتطلب أثرا بَعْد عين؟ أبعد ثلاثة من قريش ينبغي لعلي أَن يعتزل؟
1453- وَقَالَ أَبُو مخنف: صلى عَلِي بالناس يَوْم النحر وعثمان محصور، فبعث إِلَيْهِ عثمان ببيت الممزق:
__________
1451- قارن بالكامل 1: 7 والامامة 1: 58 وعيون الأخبار 1: 34 وغريب الحديث 3: 428 ومحاضرات الراغب 1: 130 وربيع الأبرار: 56 أ، والبيت في هذه الفقرة (وفي ف: 1453، 1485) أيضا في المفضليات:
291 وطبقات الجمحي: 274 والبدء والتاريخ 5: 206.
__________
(1) هامش ط: الفقير البئر القريبة القعر.
(2) س: ينبع.(5/568)
إِن كنت مأكولا فكن أَنْتَ آكلي ... وإلا فأدركني ولما أمزق
وَكَانَ رسوله بِهِ عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث، ففرق عَلِي النَّاس عَنْ طَلْحَةَ، فلما رأى ذَلِكَ طَلْحَةُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَان فاعتذر فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: يا ابْن الحضرمية ألبت عَلِي النَّاس ودعوتهم إِلَى قتلي حَتَّى إِذَا فاتك مَا تريد جئت معتذرًا، لا قبل اللَّه مِمَّن قبل عذرك.
1454- وَقَالَ أَبُو مخنف فِي روايته: [نظر مَرْوَان بْن الحكم إِلَى الْحُسَيْن بْن عَلِي فَقَالَ لَهُ: مَا جاء بك؟ قَالَ: الوفاء ببيعتي،] قَالَ: اخرج عنا، أبوك يؤلب النَّاس عَلَيْنَا وأنت (963) هاهنا معنا، وَقَالَ لَهُ عُثْمَان: انصرف فلست أريد قتالا ولا آمر بِهِ.
1455- حَدَّثَنَا عَمْرو النَّاقِدُ عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر الرقي عَنْ عُبَيْد اللَّهِ بْن عَمْرو عَنْ إِسْحَاق بْن راشد عَنْ أَبِي جَعْفَر أَنْبَأَنَا أبان بْن عُثْمَان قَالَ: [لما كثر عَلَيْنَا الرمي بالحجارة أتيت عليا فَقُلْتُ: يا عم قَدْ كثرت عَلَيْنَا الحجارة، فمشى معى فرماهم حَتَّى فترت يده، ثُمَّ قَالَ: يا ابْن أَخِي أجمع مواليكم ومن كَانَ منكم بسبيل ثُمَّ لتكن هذه حالكم] .
1456- وقال أَبُو مخنف فِي روايته: إِن زَيْد بْن ثابت الأَنْصَارِيَّ قَالَ: يا معشر الأنصار إنكم نصرتم اللَّه ونبيه فانصروا خليفته، فأجابه قوم مِنْهُم فَقَالَ سهل بْن حنيف:
يا زَيْد أشبعك عُثْمَان من عضدان «1» الْمَدِينَة- والعضيدة نخلة قصيرة ينال حملها- فَقَالَ زَيْد: لا تقتلوا الشيخ ودعوه حَتَّى يموت فَمَا أقرب أجله، فَقَالَ الْحَجَّاج بْن غزية الأَنْصَارِيُّ أحد بَنِي النجّار: والله لو لَمْ يبق من عمره إلا مَا بَيْنَ الظهر والعصر لتقربنا إِلَى اللَّه بدمه. وجاء رفاعة بْن رافع بْن مَالِك الأَنْصَارِيُّ ثُمَّ الزرقي بنار فِي حطب فأشعلها فِي أحد البابين فاحترق وسقط وفتح النَّاس الباب الآخر واقتحموا الدار. وَقَالَ عدي بْن حاتم الطائي: أيها النَّاس اقتلوه فَإِنَّهُ لا تحبق فِيهِ عناق «2» . وتهيأ مَرْوَان وعدة مَعَهُ للقتال فنهاهم عُثْمَان فلم يقبلوا منه وحملوا عَلَى من دَخَلَ الدار فأخرجوهم، ورمي عُثْمَان بالحجارة من
__________
(1) س: عضدات.
(2) البصائر 3: 340(5/569)
دار بني حزم بن زيد بن لوذان الأَنْصَارِيِّ ونادوا: لسنا نرميك اللَّه يرميك، فَقَالَ: لو رماني اللَّه لَمْ يخطئني. وشد المغيرة «1» بْن الأخنس بالسَيْف وَهُوَ يَقُول:
قَدْ علمت جارية عطبول ... لَهَا وشاح وَلَهَا جديل
أني بمن حاربت ذو تنكيل
فشد عَلَيْهِ رفاعة بْن رافع وَهُوَ يَقُول:
قَدْ علمت خود سحوب للذيل ... ترخي قرونا مثل أذناب الْخَيْل
أَن لقرني فِي الوغى مني الويل
فضربه عَلَى رأسه بالسَيْف فقتله- ويقال بَل قتله رجل من عرض النَّاس- وقاتل يَوْمَئِذٍ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر حَتَّى جرح جراحات، وخرج مَرْوَان بْن الحكم وَهُوَ يَقُول:
قَدْ علمت ذَات القرون الميلْ ... والكف والأنامل الطفول
أني أروع أول الرعيل
ثُمَّ ضرب عَنْ يمينه وشماله، فحمل عَلَيْهِ الْحَجَّاج بْن غزية وهو يقول:
قد علمت بيضاء حسناء الطلّ ... واضحة الليتين قعساء الكفل
أني غداة الروع مقدام بطل
فضربه عَلَى عنقه بالسَيْف فلم يقطع سَيْفه وخر مَرْوَان لوجهه، وجاءت فاطمة بنت شريك «2» الأنصارية من بلي، وَهِيَ أم إِبْرَاهِيم بْن عربي الكناني الَّذِي كَانَ عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان ولاه اليمامة وَهِيَ الَّتِي كانت ربت مَرْوَان، فقامت عَلَى رأسه ثُمَّ أمرت بِهِ فحمل وأدخل بيتا فِيهِ كتب «3» . وشدّ عامر بن بكير الكناني وَهُوَ بدري عَلَى سَعِيد بْن العاص بن
__________
(1) الطبري 1: 3014، 3005، 3001- 2، 3015، 2: 617 وابن الأثير 3: 14
(2) الطبري: فاطمة بنت أوس.
(3) س: كنت.(5/570)
سَعِيد بْن العاص بْن أمية فضربه بالسَيْف عَلَى رأسه فصرعه وقامت نائلة بنت الفرافصة عَلَى رأسه ثُمَّ احتملته فأدخلته بيتا وأغلقت بابه.
1457- الْمَدَائِنِي عَنْ مَسْلَمَةَ بْن مُحَارِبٍ عَنْ خَالِد بْن حرب قَالَ: لجأ بنو أمية يَوْم قتل عُثْمَان إِلَى أم (964) حبيبة، فجعلت آل العاصر وآل حرب وآل أَبِي العاص وآل أسيد فِي كندوج «1» وجعلت سائرهم فِي مكان آخر، ونظر مُعَاوِيَة يومًا إِلَى عَمْرو بْن سَعِيد يختال فِي مشيته فَقَالَ: بأبي وأمي أم حبيبة مَا كَانَ أعلمها بِهَذَا الحي حِينَ جعلتك فِي كندوج.
1458- قَالُوا: ومشى النَّاس إِلَى عُثْمَان وتسلقوا عَلَيْهِ من دار بَنِي حزم الأَنْصَارِيِّ، فقاتل دونه ثلاثة نفر من قريش: عبد الله بن زمعة بن الأسود أحد بني أسد بْن عبد العزى بْن قصي وعبد اللَّه بْن عوف بْن السباق بْن عَبْد الدار بْن قصي وعبد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن العوام بْن خويلد، وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن العوام يَقُول: يا عباد اللَّه بيننا وبينكم كتاب اللَّه، فشد عَلَيْهِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ الجمحي وَهُوَ يَقُول:
لأضربن اليوم بالقرضاب ... بقية الكفار والأحزاب
ضرب امرئ لَيْسَ بذي ارتياب ... أأنت تدعونا إِلَى كتاب
نبذته فِي سائر الأحقاب
فقتله، وشد جَمَاعَة من النَّاس عَلَى عَبْد اللَّهِ بْن وهب بْن زمعة وعبد اللَّه بْن عوف بْن السباق فقتلوهما فِي جانب الدار.
1459- وَقَالَ الْمَدَائِنِي: كَانَ كنانة مولى صفية بنت حيي بْن أخطب أخرج أربعة محمولين كَانُوا يذودون عَنْ عُثْمَان: الْحَسَن بْن عَلِي وعبد اللَّه بْن الزُّبَيْر وعبد الله بن حاطب
__________
(1) الكندوج: مخزن الغلال.(5/571)
ومروان بْن الحكم. والذي قتله رجل من أهل مصر يقال لَهُ جبلة بْن الأيهم «1» طاف بالمدينة ثلاثة أَيَّام يَقُول: أنا قاتل نعثل، وَكَانَ عَلِي فِي داره.
1460- قَالُوا: وجاء مَالِك الأشتر حَتَّى انتهي إِلَى عُثْمَان فلم ير عنده أحدًا فرجع، فَقَالَ لَهُ مُسْلِم بْن كريب القابضي من همدان: يا أشتر دعوتنا إِلَى قتل رجل فأجبناك حَتَّى إِذَا نظرت إِلَيْهِ نكصت عَنْهُ عَلَى عقبيك، فَقَالَ لَهُ الأشتر: لِلَّهِ أبوك أما تراه لَيْسَ لَهُ مانع ولا عَنْهُ وازع، فلما ذهب لينصرف قال ناتل مولى عثمان: وا ثكلاه هَذَا والله الأشتر الَّذِي سعر البلاد كلها عَلَى أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، قتلني اللَّه إِن لَمْ أقتله، فشد فِي أثره فصاح بِهِ عَمْرو بْن عبيد الحارثي من همدان وراءك الرجل يا أشتر، فالتفت الأشتر إِلَى ناتل فضربه بالسَيْف فأطار يده اليسري، ونادى الأشتر: يا عَمْرو بْن عبيد إليك الرجل، فاتبع عَمْرو ناتلا فقتله.
1461- وَقَالَ مَرْوَان فِي يَوْم الدار:
وَمَا قُلْت يَوْم الدار للقوم حاجزوا ... رويدا ولا اختاروا الحياة عَلَى القتل
ولكنني قَدْ قُلْت للقوم قاتلوا ... بأسيافكم لا يوصلن إِلَى الكهل
1462- الْمَدَائِنِي عَنْ قَيْس «2» بْن الرَّبِيع عَنْ أَبِي حصين قَالَ، [قَالَ عَلِي: لو أعلم أَن بَنِي أمية يذهب مَا فِي أنفسها أَن أحلف لَهَا لحلفت خمسين يمينًا مرددة بَيْنَ الركن والمقام أني لَمْ أقتل عُثْمَان وَلَمْ أمالئ عَلَى قتله] .
1463- الْمَدَائِنِي عَنْ أَبِي جزي عَنْ أيوب وابن عون «3» عَنِ ابْن سيرين قَالَ: لَمْ يكن أَحَدٌ مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشد عَلَى عثمان من طلحة.
__________
1461- الطبري 1: 3022 1462- قارن بالعقد 4: 302 1463- العقد 4: 299 وف: 1306
__________
(1) س: الأهيم (لعلها: الأهتم) . وراجع الفقرة: 1379 حيث الحديث عن جبلة (أو رخيلة) بن عمرو الساعدي، وانظر ابن سعد 3/ 1: 58 والرياض النضرة 2: 131
(2) انظر التهذيب 8: 391.
(3) س: وأبي عون، وهي أيضا كنية محمد بن عون.(5/572)
1464- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي جَزِيٍّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: لَوْ كَانَ قَتْلُ عُثْمَانَ هُدًى لاحْتَلَبُوا بِهِ لَبَنًا لَكِنَّهُ كَانَ ضَلالا «1» فَاحْتَلَبُوا بِهِ دَمًا.
1465- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي جَزِيٍّ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: [رَأَى عَلِيُّ الْحَسَنَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ لَهُ: أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، فَقَالَ (965) الْحَسَنُ: لَقَدْ قَتَلْتُمْ «2» رَجُلا كَانَ يُسْبِغُ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلاةٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَقَدْ طَالَ حُزْنُكَ عَلَى عُثْمَانَ.]
رؤيا عُثْمَان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ ومقتله:
1466- قَالُوا: لما كَانَ اليوم الَّذِي قتل فِيهِ عُثْمَان، وَقَدْ أصبح صائمًا، قَالَ لأَصْحَابه: إني مقتول، قَالُوا: وكيف ذَلِكَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بَكْر وعمر رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمَا أتوني فِي منامي البارحة، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أفطر عندنا غدًا يا عُثْمَان.
1467- وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَنَا فَرَجُ بْنُ فُضَالَةَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ قَالَ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ حِينَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ: مَرْحَبًا بِأَخِي «3» ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَقَالَ لِي: [يَا عُثْمَانُ حَصَرُوكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَعَطَّشُوكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَدْلَى لِي دَلْوًا «4» فَشَرِبْتُ مِنْهَا حَتَّى رَوِيتُ فَإِنِّي لأَجِدُ بَرْدَ الْمَاءِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ وَكَتِفَيَّ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ شِئْتَ أَفْطَرْتَ عِنْدَنَا وَإِنْ شِئْتَ نُصِرْتَ عَلَيْهِمْ] فَاخْتَرْتُ أَنْ أَفْطِرَ عِنْدَهُ «5» ، فَقُتِلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ.
__________
1464- طبقات ابن سعد 3: 83 (ط. بيروت) ومصنف عبد الرزاق 11: 446 وف: 1488 1466- قارن بابن سعد 3/ 1: 52 1467- الرياض النضرة 2: 127
__________
(1) م: ضلالة
(2) س: قتلت.
(3) س: يا أخي.
(4) فأدلى لي دلوا: مكررة في س.
(5) الرياض: عندهم.(5/573)
1468- حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْن مُسْلِم حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ الْكِنْدِيِّ قَالَ، قَالَ عُثْمَانُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ، وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةُ، وَقَدِ اسْتَيْقَظَ مِنَ النَّوْمِ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامِي هَذَا فَقَالَ: [إِنَّكَ شَاهِدٌ فِينَا الْجُمُعَةَ] .
1469- حَدَّثَنِي أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا وهب بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ:
سَمِعْتُ يَعْلَى يُحَدِّثُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُثْمَانَ رَأَى فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي قُتِلَ فِي صَبِيحَتِهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ [أَفْطِرْ عِنْدَنَا يَا عُثْمَانُ فَقُتِلَ] وَهُوَ صَائِمٌ.
1470- قَالَ الْوَاقِدِيُّ: ودخل مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر عَلَى عُثْمَان حَتَّى جلس بَيْنَ يديه وأخذ بلحيته فَقَالَ: يا نعثل- ونعثل دهقان أصبهان كَانَ جميلا جيد اللحية فشبهوا عُثْمَان بِهِ- كَيْفَ ترى صنع اللَّه بك؟ قَالَ: خيرًا اتق اللَّه يا ابْن أَخِي «1» ودع لحيتي فَإِن أباك لو كَانَ حيًا لَمْ يقعد مني هَذَا المقعد وَلَمْ يأخذ بلحيتي، فَقَالَ مُحَمَّد: إِن أَبِي لو كَانَ حيًا ثُمَّ رآك تعمل هَذَا العمل لأنكره عليك، وتناول عُثْمَان المصحف فوضعه فِي حجره وَقَالَ:
عباد «2» اللَّه لكم مَا فِيهِ والعتبي مِمَّا تكرهون، اللَّهُمَّ اشهد. فقال محمد بن أبي بكر (آلآنَ وَقَد عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنْتَ مِنَ المُفسِدِين) (يونس: 91) ثُمَّ رفع جَمَاعَة قداح «3» كانت فِي يده فوجأ بها في خششائه «4» حَتَّى وقعت فِي أوداجه فحزت وَلَمْ تقطع فَقَالَ: عباد اللَّه لا تقتلوني فتندموا وتختلفوا، فرفع كنانة بْن بشر بْن عتاب التجيبي عمودًا من حديد كَانَ مَعَهُ فضرب بِهِ جبهته فوقع، وضربه سودان بْن حمران- ويقال سيدان بْن حمران- المرادي بالسَيْف ضربة فكانت أول قطرة قطرت من دمه فِي المصحف عَلَى (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة: 137) وقعد عَمْرو بْن الحمق الخزاعي عَلِي صدره فوجأه تسع
__________
1468، 1470- ابن سعد (نفسه) : 52، 51 والثاني في الطبري: 3021 وابن الأثير 3: 143 وغريب الحديث 3: 426
__________
(1) م: يا ابن أخي، وتحتها «أبي بكر» .
(2) م: فوضع في حجره وقال يا عباد.
(3) هامش ط: أي سهام.
(4) هامش ط: الخششاء: عظم خلف الأذن.(5/574)
وجآت بمشاقص كانت مَعَهُ فكان عَمْرو يَقُول: طعنته تسع طعنات علمت أَنَّهُ مَاتَ فِي ثَلاث منهن، (966) ولكني وجأته الست الأخر لما كَانَ فِي نفسي عَلَيْهِ من الحنق والغيظ، وانصرف النَّاس عَنْ عُثْمَان وترك قتيلا فِي داره يوما أَوْ يومين حَتَّى حمله أربعة فيهم امْرَأَة، أحد الأربعة جُبَيْر بْن مطعم.
1471- الْمَدَائِنِي: يقال إِن أول من دمى عُثْمَان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ نيار بْن عياض الأسلمي، وجأه بمشقص فِي وجهه فدماه، وَكَانَ بالمدينة نياران فكان يقال لِهَذَا نيار الشر وللآخر نيار الخير «1» .
1472- ومن رواية أَبِي مخنف لوط بْن يَحْيَى: أَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قتل يَوْم الجمعة فترك فِي داره قتيلا، فجاء جُبَيْر بْن مطعم وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْر ومسور بْن مخرمة الزُّهْرِيُّ وأبو الجهم بْن حذيفة العدوي ليصلوا عَلَيْهِ ويجنوه، فجاء رجال من الأنصار فَقَالُوا: لا ندعكم تصلون عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو الجهم: إلا تدعونا نصلي عَلَيْهِ فَقَدْ صلت عَلَيْهِ الملائكة، فَقَالَ الْحَجَّاج بْن غزية: إِن كنت كاذبًا فأدخلك اللَّه مدخله قَالَ:
نعم حشرني اللَّه مَعَهُ، قَالَ ابْن غزية: إِن اللَّه حاشرك مَعَهُ ومع الشَّيْطَان، والله إِن تركي إلحاقك بِهِ لخطأ وعجز، فسكت أَبُو الجهم، ثُمَّ إِن الْقَوْم أغفلوا أمر عُثْمَان وشغلوا عَنْهُ فعاد هَؤُلاءِ النفر فصلوا عَلَيْهِ ودفنوه، وأمهم جُبَيْر بْن مطعم، وحملت أم البنين بنت عُيَيْنَة بْن حصن امْرَأَة عُثْمَان لَهُمُ السراج، وحمل عَلَى بَاب صَغِير من جريد قَدْ خرجت عَنْهُ رجلاه.
1473- وَقَالَ «2» : إنه لقيهم قوم من الأنصار فقاتلوهم حَتَّى طرحوه ثُمَّ توطأ عمير بن
__________
1472- قارن بالطبري: 3047 (رواية الواقدي) .
1473- قارن بالطبري 1: 3048 وأبيات عمير بن ضابئ 321، 4 في طبقات الجحمي: 174، 1، 3 في الكامل 1: 382 وحماسة البحتري: 11، 1، 4 في النقائض: 221 والخزانة 4: 80 والأول في الطبري 1: 3034، 2: 869 وابن الأثير 3: 147، 4: 306 والكامل (نفسه) والمروج 5: 299 والاصابة 3: 276 والاشتقاق: 134 وابن عساكر 4: 54، أما شعر ضابئ في هجاء بني جرول: فإن 1، 2، 4 في الطبري 1: 3033 وابن الأثير والنقائض: 219 والشعر والشعراء: 267 والخزانة 4: 81 والثاني في الكامل 1: 387 والاصابة (نفسه) .
__________
(1) نيار هو بن مكرم الأسلمي أحد من قاموا بدفن عثمان (ابن سعد 5: 3 وأسد الغابة 5: 48) .
(2) م: ويقال.(5/575)
ضابئ بْن الْحَارِث بْن أرطاة التميمي ثُمَّ البرجمي بطنه وجعل يَقُول: مَا رَأَيْت كافرًا ألين بطنًا منه، وَكَانَ عمير أشد النَّاس عَلَى عُثْمَان، وَكَانَ أبوه ضابئ اندس ليتوجأ عُثْمَان ويفتك بِهِ ففطن بِهِ فحبسه عُثْمَان فَقَالَ فِي الحبس:
هممتُ وَلَمْ أفعل وكدْتُ وَليتَني ... فعلتُ فكان المعولات حلائله
وَمَا الفتك إلا لامرئ ذي حفيظة ... إِذَا ريع لَمْ ترعد لحين «1» خصائله
وَمَا الفتك مَا أمرت فِيهِ ولا الَّذِي ... تخبر من لاقيت أنك فاعله
فلا ير أمن بعدي امرؤ ضيم ضائم ... حذار لقاء الْمَوْت فالموت نائله
وَكَانَ عمير بْن ضابئ مِمَّن شهد الدار، وَكَانَ أشد النَّاس عَلَى عُثْمَان فكان يَقُول يَوْمَئِذٍ:
أرني ضابئا، أحي لي ضابئا، يَقُول ليرى مَا عُثْمَان عَلَيْهِ من الحال وَمَا فعلت بِهِ، فقرعه الْحَجَّاج بْن يُوسُف بِذَلِكَ يَوْم قتله. وَكَانَ من خبر ضابئ أَن بَنِي جرول بْن نهشل وهبوا لَهُ كلبا سألهم إياه ثُمَّ ركبت إِلَيْهِ جَمَاعَة مِنْهُم فارتجعوه منه، وَكَانَ الكلب يسمى قرحان فَقَالَ فيهم:
تجاوز نحوي ركب قرحان مهمها ... تظل «2» بِهِ الوجناء وهى حسير
فأمكم لا تعقلوها لكلبكم ... فَإِن عقوق الوالدين «3» كبير
فَمَنْ يَكُ منكم ذا غفول «4» فَإِنَّهُ ... عليم بِمَا تَحْتَ النطاق بصير
رددتُ أخاهم فاستمروا كأنما ... حباهم بتاج الهرمزان أمِير
فاستعدوا عَلَيْهِ عُثْمَان لما قَالَ فِي أمهم وفيهم، فيقال إنه أدَّبَه وخَلاه، ويقال بَل حبسه ثُمَّ خلاه، فأراد الفتك ففطن لَهُ وأخذ فحبس حَتَّى مَاتَ فِي السجن فَقَالَ فِي الحبس:
هممتُ وَلَمْ أفعل وكدْتُ وَليتَني ... فعلتُ فكان المعولات حلائله
__________
(1) ط: لجبن.
(2) الطبري وابن الأثير: تضل.
(3) في المصادر: الوالدات، الأمهات.
(4) س: عقول.(5/576)
وَمَا الفتك إلا لامرئ ذي حفيظة ... إِذَا ريع لم ترعد لحين «1» خصائله
1474- قَالُوا: ودفن عُثْمَان فِي حش كوكب وَهُوَ نخل لرجل قديم يقال لَهُ كوكب، ثُمَّ أقبل النَّاس حِينَ دفن إِلَى عَلِي فبايعوه وأرادوا دفن عُثْمَان بالبقيع فمنعهم من ذلك قوم فيهم (967) أسلم ابن بجرة الساعدي «2» ويقال جبلة بْن عَمْرو الساعدي، وَقَالَ ابْن دأب: صلى عَلَيْهِ مسور بْن مخرمة.
1475- وَقَالَ الْمَدَائِنِي عَنِ الوقاصي عَنِ الزُّهْرِيِّ: امتنعوا من دفن عُثْمَان فوقفت أم حبيبة بباب الْمَسْجِد ثُمَّ قَالَتْ: لتخلن «3» بيننا وبين دفن هَذَا الرجل أَوْ لأكشفن ستر رَسُول اللَّهِ، فخلوا بينهم وبين دفنه.
1476- قَالَ الْوَاقِدِيُّ: بويع عُثْمَان بالخلافة أول يَوْم من المحرم سنة أربع وعشرين وقتل يَوْم الجمعة لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس «4» وثلاثين بَعْد العصر، ودفن ليلة السبت بَيْنَ المغرب والعشاء فِي حش كوكب إِلَى جانب البقيع فِي موضع نخل، وكوكب رجل، فَهِيَ مقبرة بَنِي أمية اليوم، وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة غير اثني عشر يوما، وقتل وَهُوَ ابْن اثنتين وثمانين سنة، وَكَانَ الَّذِينَ حملوه جُبَيْر بْن مطعم بْن عدي بْن نوفل بْن عَبْد مناف وَهُوَ مِمَّن أسلم فِي هدنة الحديبية وحكيم بْن حِزَامِ بْن خُوَيْلِدِ بْن أَسَدِ بْن عَبْد العزى وأبو الجهم بْن حذيفة بْن غانم العدوي واسمه عبيد ونيار بْن مكرم الأسلمي. ويقال إِن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْر والمسور بْن مخرمة الزُّهْرِيَّ كانا معهم.
1477- قَالَ الْوَاقِدِيُّ: لما حج مُعَاوِيَة نظر إِلَى منازل أسلم شارعة فِي السوق فَقَالَ:
أظلموا عَلَيْهِم بيوتهم أظلم الله عليهم قبورهم فإنهم قتلة عُثْمَان، فَقَالَ نيار بْن مكرم
__________
1475- السمهودي 2: 99 1476- 1477- طبقات ابن سعد 3/ 1: 54 وقارن بالطبري 1: 3050، 3048
__________
(1) ط: لجبن.
(2) أسلم بن أوس بن بجرة (الطبري 1: 3048) .
(3) م: لتخلين.
(4) ابن سعد والطبري: ست.(5/577)
الأسلمي: تظلم «1» عَلِي بَيْتِي وأنا رابع أربعة حملنا عُثْمَان وقبرناه؟ قَالَ: فعرفه «2» ، فَقَالَ: لا تبنوا فِي وجه داره، ثُمَّ دعا بِهِ خاليا فَقَالَ: حَدَّثَنِي كَيْفَ صنعتم؟ فَقَالَ: حملناه ليلة السبت بَيْنَ المغرب والعشاء الآخرة، فكنت أنا وحكيم وجبير وأبو الجهم بْن حذيفة، وتقدم جُبَيْر فصلى عَلَيْهِ ونزلناه فِي حفرته. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: ويقال إنه قتل فِي عشر ذي الحجة، وَالأَوَّل أثبت.
1478- قَالَ هِشَام بْن مُحَمَّد الكلبي قَالَ عوانة وغيره: كَانَ مقتل عُثْمَان عَلَى رأس إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهرًا وثمانية عشر يومًا من مقتل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وقتل صلاة العصر، وبايع النَّاس عليا يَوْم السبت لتسع عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين.
1479- حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْن مُسْلِم الصفار حَدَّثَنَا معتمر بْن سُلَيْمَان قَالَ سمعت أَبِي يَقُول حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَان النهدي أَن عُثْمَان بْن عَفَّان قتل فِي أوسط أَيَّام التشريق.
1480- قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَ عُثْمَان رجلا لَيْسَ بالقصير ولا الطويل، حسن الوجه رقيق البشرة كبير اللحية عظيمها، أسمر اللون عظيم الكراديس بعيد ما بين المنكبين، كثير شعر الرأس يصفر لحيته، وَكَانَ يشد أسنانه بالذهب.
1481- وَقَالَ أَبُو مخنف فِي روايته: أقبل الْقَاسِم بْن ربيعة بْن أمية بْن أَبِي الصلت الثقفي، وَكَانَ عامل عُثْمَان عَلَى الطائف، لينصره، فلما انتهى إِلَى العقيق بلغه أنه قَدْ قتل فانصرف، وأقبل عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة المخزومي، وَكَانَ عامله عَلَى مخاليف الجند، لينصره، فلما انتهى إِلَى بطن نخلة سقط عَنْ راحلته فانكسرت رجله فانصرف إِلَى أهله، وَهُوَ أَبُو عُمَر (بْن) عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة المخزومي الشاعر، وأقبل مجاشع بْن مَسْعُود السلمي من البصرة فيمن وجه مَعَهُ عَبْد اللَّهِ بْن عامر، فلما كَانَ ببعض الطريق إذا راكب
__________
1480- تكرار للفقرة: 1233
__________
(1) ابن سعد: يظلم.
(2) قال فعرفه: سقطت من م.(5/578)
مقبل، فلقيه زفر بْن الْحَارِث الكلابي وَكَانَ مَعَ مجاشع فَقَالَ لَهُ: مَا وراءك؟ قَالَ: قتل المسلمون نعثلًا، قَالَ: ويحك مَا تقول؟ قال: الحقّ، وهذه طاقات من شعره معي، فَقَالَ لَهُ زفر: لعنك اللَّه ولعن مَا أقبل منك وَمَا أدبر، وشد عَلَيْهِ فقتله، فكان أول قتيل بعثمان. وخرج النعمان بْن بشير الأَنْصَارِيُّ (968) يريد الشام، فدفعت إِلَيْهِ أم حبيبة بنت أَبِي سُفْيَانَ زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قميص عُثْمَان وعليه الدم، فخرج بِهِ يركض حَتَّى لقي يَزِيد بْن أسد البجلي بوادي القرى، وَهُوَ عَلَى مقدمة حبيب بْن مسلمة، فرجع إِلَى حبيب فانصرفا جميعًا. وَفِي حبيب يَقُول شريح الْقَاضِي حِينَ بعثه مُعَاوِيَة فِي الْخَيْل من الشام لنصر عُثْمَان «1» .
كُل امرئ يدعى حبيبًا ولو بدت ... مروته يفدي حبيب بَنِي فهر
أمِير يقود الْخَيْل حَتَّى كأنما ... يطأن برضراض الحصى جاحم الجمر
1482- قَالُوا: وبلغ عَمْرو بْن العاص مقتل عُثْمَان وَهُوَ بفلسطين فَقَالَ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي إِذَا حككت قرحة أدميتها ونكأتها.
1483- قَالُوا: ولما قتل عُثْمَان قَالَ حذيفة بْن اليمان: إِن عُثْمَان استأثر فأساء الأثرة، وجزعنا فأسأنا الجزع، رأوا منه أشياء أنكروها وليرون أنكر منها فلا ينكرونها «2» ، وَقَالَ عَمْرو بْن العاص: أسخط عُثْمَان قومًا وأرضى قومًا وآثرهم فأنكر ذَلِكَ أهل السخط فغلبوا أهل الأثرة فقتل.
1484- وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بن إبراهيم الدورقي حدثنا وهب بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ «3» حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ يُونُس بْن يَزِيد الأَيْلِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ مِمَّا عابوا على عثمان أن عزل سعد
__________
1482- راجع ما تقدّم ف: 1438 1483- ورد قول حذيفة منسوبا لعليّ في البصائر 3: 666 1484- ليست هذه الفقرة والتي تليها إلا تكرارا لأحداث مقتل عثمان برواية الزهري.
__________
(1) ابن عساكر 4: 36 والورقة 941 ب (من النسخة س) .
(2) ط م: ينكروها، س: تنكروها.
(3) م: عن ابن حازم.(5/579)
ابن أَبِي وقاص وولى الْوَلِيد بْن عقبة، وأقطع آل الحكم دورًا بناها لَهُمْ واشترى لَهُمْ أموالًا، وأعطى مَرْوَان بْن الحكم خمس إفريقية، وخص ناسًا من أهله ومن بَنِي أمية فَقَالَ لَهُ النَّاس: قَدْ ولي هَذَا الأمر قبلك خليفتان فمنعا هَذَا المال أنفسهما وأهليهما، فَقَالَ: إِنَّمَا صنعا ذَلِكَ احتسابًا ووصلت بِهِ احتسابًا، فَقَالَ لَهُ النَّاس «1» إِن أبا بَكْر استسلف من بَيْت المال شَيْئًا فقضته عَنْهُ عَائِشَةُ بَعْد وفاته، واستسلف عُمَر شَيْئًا ضمنه عَنْهُ عَبْد اللَّهِ وحفصة فباعوا سهامه ووفوا عنه، واستسلفت من بيت المال خمسمائة ألف درهم وليس عندك لَهَا «2» قضاء، وَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّهِ بْن الأرقم «3» خازن بَيْت المال وصاحبه:
اقبض عنا مفاتيحك، فلم يفعل وجعل يستسلف ولا يرد، فجاء عَبْد اللَّهِ بالمفاتيح هُوَ وصاحبه يَوْم الجمعة فوضعاها عَلَى المنبر وَقَالا: هذه مفاتيح بَيْت مالكم- أَوْ قال:
مفاتيح خزائنكم- ونحن نبرأ إليكم منها، فقبضها عُثْمَان ودفعها إِلَى زَيْد بْن ثابت.
1485- قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ فِي الخزائن سفط فِيهِ حلي فأخذ «4» منه عُثْمَان فحلى بِهِ بَعْض أهله فأظهروا عِنْدَ ذَلِكَ الطعن عَلَيْهِ، وبلغه ذَلِكَ فخطب فَقَالَ: هَذَا مال اللَّه أعطيه من شئت وأمنعه من شئت، فأرغم اللَّه أنف من رغم، فَقَالَ عمار: أنا والله أول من رغم أنفه من ذَلِكَ، فَقَالَ عُثْمَان: لَقَدِ اجترأت عَلِي يا ابْن سمية، وضربه حَتَّى غشي عَلَيْهِ، فَقَالَ عمار: مَا هَذَا بأول مَا أوذيت فِي اللَّه، وأطلعت عَائِشَةُ شَعْرًا مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونعله وثيابا من ثيابه، فيما يحسب وهب، ثُمَّ قَالَتْ: مَا أسرع مَا تركتم سنة نبيكم، وَقَالَ عَمْرو بْن العاص: هَذَا منبر نبيكم وَهَذِهِ ثيابه وَهَذَا شعره لَمْ يبل فيكم وَقَدْ بدلتم وغيرتم، فغضب عُثْمَان حَتَّى لَمْ يدر مَا يَقُول، والتج الْمَسْجِد واغتنمها عَمْرو بْن العاص، وَقَدْ كَانَ عُثْمَان قَالَ لعمرو قبل ذَلِكَ وَقَدْ عزله عَنْ مصر: إِن
__________
1485- انظر ما تقدم ف: 1382 وبعضه في الطبري 1: 2966، 2972، 2933 وف: 1438 وف:
1413
__________
(1) الناس: سقطت من س.
(2) س: لك عندها.
(3) انظر ما سبق ف: 1409
(4) س: وأخذ.(5/580)
اللقاح بمصر قَدْ دَرَّتْ بَعْدَكَ أَلْبَانُهَا، فَقَالَ: لأَنَّكُمْ أَعْجَفْتُمْ أَوْلادَهَا، فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: قملت «1» جبتك مذ عزلت عَنْ مصر، فَقَالَ: يا عُثْمَان إنك قَدْ ركبت بالناس نهابير وركبوها بك فإما أَن تعدل وإما أَن تعتزل، فَقَالَ: يا ابْن النابعة وأنت (969) أيضًا تتكلم بِهَذَا لأني عزلتك عَنْ مصر؟! وتوعده.
ونشب النَّاس فِي الطعن عَلَى عُثْمَان، وأرسل عُثْمَان إِلَى أمرائه سَعِيد بْن العاص وابن عامر ومعاوية فجمعهم وَقَالَ: إِن النَّاس قَدْ صنعوا مَا ترون فأشيروا «2» عَلِي، فَقَالَ سَعِيد بْن العاص: جمرهم وتابع البعوث عَلَيْهِم حَتَّى تكون «3» دبرة دابة أحدهم أهم إِلَيْهِ من الْكَلام، وَقَالَ ابْن عامر: أعطهم مَا بَيْنَ لوحي المصحف ترض «4» النَّاس كلهم، وَقَالَ مُعَاوِيَة: قَدْ أشارا عليك بِمَا أشارا بِهِ فأمرهما فليعملا بِذَلِكَ فِي أهل عمليهما «5» وأنا أكفيك أهل الشام.
حَتَّى إِذَا كَانَ أول سنة خمس وثلاثين قدم عَلَيْهِ المصريون فنزلوا ذا خشب، فخرج إليهم عَلَى بْن أَبِي طَالِب فردهم فَقَالَ بَعْض النَّاس: - قَالَ جَرِير «6» : يَعْنِي مَرْوَان- استقلهم عَلِي وأمرهم أَن يجتمعوا فيكونوا أَكْثَر مِمَّا هُمْ، فانصرفوا ثُمَّ رجعوا أَكْثَر مِمَّا كَانُوا، وقدم طوائف من أهل الأَمْصَار فاجتمعوا بالمدينة، فخرج عُثْمَان إِلَى الجمعة وَكَانَ رجلًا مربوعًا حسن الشعر والوجه أصلع أروح الرجلين، فلما صعد المنبر قام إِلَيْهِ رجل من أهل مصر من تجيب عَلَيْهِ كساء خز أصفر فشتمه وعابه وَقَالَ: فعلت كَذَا وفعلت كَذَا، فجعل عُثْمَان يلتفت إِلَى النَّاس فلا يتكلم أحد وَلَمْ يرد عَلَيْهِ، فقعد وَلَمْ يكد، فقام جهجاه بْن سَعِيد الغفاري فَقَالَ مثل قَوْل الْمِصْرِيِّ، ثُمَّ انتزع منه عصا كانت
__________
(1) س: أملت، وما في ط م كما في الطبري.
(2) س: وأشيروا.
(3) س: يكون.
(4) ط م س: ترضي.
(5) س: عملهما.
(6) يعني جرير بن حازم.(5/581)
فِي يده فكسرها، فَمَا رد أحد عَلَيْهِ ولا منعه، فقام عُثْمَان عَلَى دهش شديد فتكلم بكلمات يسيرة وصلى، وحف بِهِ النَّاس من بَنِي أمية وغيرهم حَتَّى دَخَلَ داره وحصروه «1» .
واجتمعت الأنصار إِلَى زَيْد بْن ثابت فَقَالُوا: ماذا ترى يا أبا سَعِيد؟ فَقَالَ:
أتطيعوني؟ قَالُوا: نعم إِن شاء اللَّه، فَقَالَ: إنكم نصرتم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكنتم أَنْصَار اللَّه، فانصروا خليفته تكونوا أنصارًا لِلَّهِ مرتين، فَقَالَ الْحَجَّاج بْن غزية: والله إِن تدري هذه البقرة الصيحاء مَا تقول، والله لو لَمْ يبق من أجله «2» إلا مَا بَيْنَ العصر إِلَى الليل لتقربنا إِلَى اللَّه بدمه، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن سلام: الله الله في دم هذا الرجل، فو الله مَا بقي من أجله إلا اليسير، فدعوه يمت عَلَى فراشه فإنكم إِن قتلتموه سل عليكم سَيْف اللَّه المغمود فلم يغمد حَتَّى يقتل منكم خمسة وثلاثون ألفًا «3» .
وَكَانَ الزُّبَيْر وطلحة قَدِ استوليا عَلَى الأمر، ومنع طَلْحَةُ عُثْمَان من أَن يدخل عَلَيْهِ الماء العذب، فأرسل عَلِي إِلَى طَلْحَةَ وَهُوَ فِي أرض لَهُ عَلَى ميل من الْمَدِينَةِ أَن دع هَذَا الرجل فليشرب من مائه ومن بئره- يَعْنِي بئر رومة- ولا تقتلوه «4» من العطش، فأبى، [فقال عليّ:
لولا أنّي قد آليت يَوْم ذي خشب أَنَّهُ إِن لَمْ يطعني لا أرد عَنْهُ أحدا لأدخلت عَلَيْهِ الماء] .
قال: وسمعهم عثمان يقولون لنقتلنه فقال: أيريدون قتلي، فو الله مَا يحل لَهُمْ ذَلِكَ، ولقد كنت فِي أول الْمُسْلِمِينَ إسلامًا، ولقد مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عني راض ثُمَّ أَبُو بَكْر من بعده ثُمَّ عُمَر، ثُمَّ أمر بكتاب فكتب وأمر عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر أَن يقرأه عَلَى النَّاس، فلم يدعوه حِينَ اطلع من الدار يقرأه حَتَّى ترسوه بالترسة، ثُمَّ قرأه بأعلى صوته وَلَمْ ينزع حَتَّى فرغ منه ورموه بالنبل، فكان فيما كتب بِهِ عُثْمَان: إني أنزع عَنْ كُل شَيْء أنكرتموه مني وأتوب من كُل قبيح عملته، ولا آتمر إلّا ما أجمع عليه أزواج
__________
(1) س: وحضروه.
(2) م وخ بهامش ط: أجلي.
(3) انظر ما تقدم ف: 1440
(4) س: يقتلوه.(5/582)
النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذوو الرأي منكم، ولست أخلع قميصًا قمصنيه اللَّه ولا أقيلكم بيعتكم.
وأرسل عُثْمَان عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث بْن نوفل إِلَى عَلِي فَقَالَ قل لَهُ:
إِن كنت مأكولا فكن خير آكل «1»
أترضى بأن يقتل ابْن عمتك وتسلب ملكك؟ فَقَالَ عَلِي: صدق والله لا نترك ابْن الحضرمية يأكلها، يَعْنِي (970) طَلْحَةَ، فلم يرع النَّاس- صلاة الظهر- إلا بعلي وَهُوَ يَقُول لَهُمْ: أيها النَّاس هلموا إلي، فتقدم فصلى بِهِمْ فمال النَّاس إِلَيْهِ وصلى بِهِمْ يَوْم النحر وعثمان محصور فِي الدار.
وَقَدْ كَانَ عُثْمَان بعث عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس عَلَى الموسم، فلما صدر ابْن عَبَّاس بلغه قتل عُثْمَان بالطريق فَقَالَ: وددت أني لا أبرح حَتَّى يأتيني الَّذِي قتل عُثْمَان فيقتلني، جزعًا من قتله.
وَقَدْ كانت عَائِشَةُ وأم سلمة حجتا ذَلِكَ العام، وكانت عَائِشَةُ تؤلب عَلَى عُثْمَان فلما بلغها أمره وَهِيَ بمكة أمرت بقبتها فضربت فِي الْمَسْجِد الحرام وَقَالَتْ: إني أرى عثمان سيشأم «2» قومه كَمَا شأم أَبُو سُفْيَان قومه يَوْم بدر.
وقتل عُثْمَان فزعم بَعْض النَّاس أَنَّهُ قتل فِي أَيَّام التشريق، وَقَالَ بَعْضهم قتل يَوْم الجمعة لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، وولى قتله مُحَمَّد بْن أَبِي بكر ومعه سودان ابن حمران، وبايع النَّاس عليا، ومكث عُثْمَان فِي الدار يوما أَوْ يومين حَتَّى أَخْرَجَهُ أهله عَلَى بَاب من جريد النخل صَغِير خرجت عَنْهُ رجلاه، وتلقاهم قوم فقاتلوهم حَتَّى طرحوه وتوطأه بَعْضهم، ثُمَّ حملوه وَقَدْ حفر لَهُ قبر إِلَى جانب البقيع ودفنوه.
وخرجت عَائِشَةُ من مَكَّة حَتَّى نزلت بسرف، فمر راكب فقالت: ما وراءك؟ قال:
__________
(1) انظر ما تقدم ف: 1451، 1453
(2) ط م س: سيشوم.(5/583)
قتل عُثْمَان، فَقَالَتْ: كأني أنظر إِلَى النَّاس يبايعون طَلْحَةَ وإصبعه تحس «1» أيديهم، ثُمَّ جاء راكب آخر فَقَالَ: قتل عُثْمَان وبايع النَّاس عليّا فقالت: وا عثماناه، ورجعت إِلَى مَكَّة فضربت لَهَا قبتها فِي الْمَسْجِد الحرام وَقَالَتْ: يا معشر قريش إِن عُثْمَان قَدْ قتل، قتله عَلِي بْن أَبِي طَالِب، والله لأنملة- أَوْ قَالَتْ لليلة- من عُثْمَان خير من عَلِي الدهر كُلَّهُ، وخرجت أم سلمة إِلَى الْمَدِينَةِ وأقامت عَائِشَةُ بمكة.
1486- حَدَّثَنِي أَبُو عبيد حَدَّثَنَا ابْن علية عَنِ ابْن عون «2» عَنِ الْحَسَن عَنْ وثاب «3» ، وَكَانَ مَعَ عُثْمَان يَوْم الدار وأصابته طعنتان كأنهما كيتان «4» ، قَالَ: بعثني عُثْمَان فدعوت الأشتر لَهُ فَقَالَ: يا أشتر مَا يريد النَّاس مني؟ قَالَ: يخيرونك أَن تخلع لَهُمْ أمرهم أَوْ تقص من نفسك وإلا فَهُمْ قاتلوك، قَالَ: أما الخلع فَمَا كنت لأخلع سربالا سربلنيه الله، وأمّا القصاص فو الله لَقَدْ علمت أَن صاحبي كانا يعاقبان، وَمَا يقوم بدني للقصاص «5» ، وأمّا قتلي فو الله لئن قتلتموني لا تتحابون بعدي أبدًا ولا تقاتلون عدوًا جميعًا أبدًا.
1487- حَدَّثَنِي «6» خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي بَرِيءٌ إِلَيْكَ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ، عَهِدُوا اليه واستعتبوه ثم قتلوه.
1487 ب- حَدَّثَنِي «7» هُدْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ عَنْ عَوْفٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ قَتْلُ عُثْمَانَ خَيْرًا فَلَيْسَ لِي مِنْهُ «8» نَصِيبٌ، وَإِنْ كَانَ شرّا فأنا منه بريء «9» ، ولئن كان خيرا لَيَحْتَلِبُنَّهَا «10» لَبَنًا، وَإِنْ كَانَ قَتْلُهُ شَرًّا لَيَمْتَصِرُنَّهَا دما.
__________
1486- الطبري 1: 2989 وطبقات ابن سعد 3/ 1: 50 وقارن بالعقد 4: 293
__________
(1) م: تحش، ط: نجش، وحشت اليد: يبست (وهو لازم) .
(2) ط س: أبي عون.
(3) ط س: بن رئاب، م: بن ريان (وانظر ابن سعد والطبري والتهذيب 11: 574) .
(4) الطبري: كتبتان.
(5) الطبري: بالقصاص.
(6) م: حدثنا.
(7) م: حدثنا.
(8) م: فيه.
(9) م: براء.
(10) ط م س: ليحتلبنه.(5/584)
1488- وَحَدَّثَنِي هدبة بْن خَالِد حَدَّثَنَا «1» أَبُو هلال قَالَ سمعت الْحَسَن يَقُول: عمل عُثْمَان اثنتي عشرة سنة ثُمَّ جاء فسقة فَقَالُوا: يا عُثْمَان أعطنا كتاب اللَّه، وتراموا بحصباء الْمَسْجِد حَتَّى مَا يرى أديم السماء من الغبار، فحصروه ثُمَّ أغلقوا بَاب القصر، قَالَ الْحَسَن فحدثني وثاب مولى عُثْمَان قَالَ: أصابتني جراحة فأنا أنزف مرة وأقوم مرة، فَقَالَ لي عُثْمَان: هل عندك وضوء؟ قُلْت: نعم، فتوضأ ثُمَّ أخذ المصحف فتحرم بِهِ من الفسقة فبينا هُوَ كَذَلِكَ إذ جاء هر «2» كَأَنَّهُ ذئب فاطلع ثُمَّ رجع فقلنا لَقَدْ ردهم أمر ونهاهم، فدخل مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر حَتَّى جثا عَلَى ركبتيه، وَكَانَ عُثْمَان حسن اللحية، فجعل يهزها حَتَّى سمع نقيض أضراسه ثُمَّ قَالَ: مَا أغنى عَنْك مُعَاوِيَة مَا أغنى عَنْك ابْن أَبِي سرح، مَا أغنى عَنْك ابْن عامر؟ فَقَالَ (971) يا ابْن أَخِي مهلا فو الله مَا كَانَ أبوك ليجلس مني هَذَا المجلس، قال: فأشعره وتعاووا «3» عليه فقتلوه، فو الله مَا أفلت مِنْهُم مخبر.
1489- وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إبراهيم الدورقي حدثني محمد بن الأعرابي الرواية حَدَّثَنِي سَعِيد بْن سلم عَنِ ابْن عون قَالَ: سمعت القاسم بْن مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر يَقُول وَهُوَ ساجد:
اللَّهُمَّ اغفر لأبي ذنبه فِي عُثْمَان.
1490- وَحَدَّثَنِي «4» أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ سُلَيْمَانِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أَسِيدٍ قَالَ: دَخَلَ الْمِصْرِيُّونَ عَلَى عُثْمَانَ فَضَرَبَهُ أَحَدُهُمْ عَلَى يَدِهِ فَقَطَرَ مِنْ دَمِهِ في المصحف على (فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله) فقال عثمان عند ذلك: أما والله إنّها لأوّل يد خطّت المفصّل.
__________
1488- طبقات ابن سعد (نفسه) : 58 وانظر ما تقدم ف: 1464 1490- قارن بالطبري، 3006، 3007 والرياض النضرة 2: 121، 122 وانظر الامامة 1: 73 والعقد 4: 298 وف: 1470
__________
(1) حدثنا: سقطت من س، وأبو هلال هو محمد بن سليم الراسبي وهو يروي عن الحسن (التهذيب 11: رقم 53) .
(2) الطبري وابن سعد: رويجل، وغير واضحة في س.
(3) الطبري وابن سعد: وتغاووا.
(4) ط م: حدثني.(5/585)
1491- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ الْقَوْمُ بِابْنِ عَفَّانَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلا أَعْلَمُهُ ظَلَّ يَوْمًا وَلا بَاتَ لَيْلَةً إِلا وَهُوَ عَنِّي رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَكَانَ كَذَلِكَ، ثُمَّ صَحِبْتُ عُمَرَ فَرَأَيْتُ لَهُ حَقَّيْنِ حَقَّ الأُبُوَّةِ وَحَقَّ الإِمَامَةِ فَكَانَ كَذَلِكَ، ثُمَّ صَحِبْتُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ فَرَأَيْتُ لَكَ مِثْلَ الَّذِي رَأَيْتُ لِمَنْ مَضَى، أَوْ كَمَا قَالَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: جَزَاكُمُ «1» اللَّهُ خَيْرًا يَا آلَ عُمَرَ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْقَوْمِ فَقَالَ: اعْرِضْ عَلَيْهِمْ كِتَابَ اللَّهِ فَإِنَّ أَبَوْهُ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ وَشَرٌّ لَهُمْ، وَإِنْ قَبِلُوهُ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُمْ (وَخَيْرٌ لَكَ) . فَأَرْسَلَ عَلِيَّ «2» بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ اللَّهِ فَقَبِلُوهُ، وَاشْتَرَطُوا جَمِيعًا: أَنَّ الْمَنْفِيَّ يُقْلَبُ وَالْمَحْرُومَ يُعْطَى وَيُوَفَّرُ الْفَيْءَ وَيُعْدَلُ فِي الْقَسْمِ وَيُسْتَعْمَلُ ذَوُو الْقُوَّةِ وَالأَمَانَةِ، وَقَالَ «3» : لَقَدْ قُتِلَ عُثْمَانُ وَإِنَّ فِي الدَّارِ لسبعمائة مِنْهُم الْحَسَنُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ فَلَوْ أَذِنَ لَهُمْ لأخرجوهم من أقطار المدينة.
1492- حدثني عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَ عُثْمَانُ إِلَى عَلِيٍّ يَدْعُوهُ وَهُوَ مَحْصُورٌ فَأَرَادَ أَنْ يَأْتِيَهُ فَتَعَلَّقُوا بِهِ وَمَنَعُوهُ فَقَالَ:
[اللَّهُمَّ إِنِّي لا أَرْضَى قَتْلَهُ وَلا آمُرُ بِهِ، مَرَّاتٍ] 1493- وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد حَدَّثَنَا كثير بْن هِشَام حَدَّثَنَا جَعْفَر بْن برقان حَدَّثَنِي راشد أَبُو فزارة العبسي أَن عُثْمَان بعث إِلَى عَلِي وَهُوَ محصور، فأراد أَن يأتيه فقام إِلَيْهِ بَعْض أهله فحبسه وَقَالَ: [ألا ترى «4» مَا بَيْنَ يديك من الكتائب ولن تخلص اليه، فنقض «5» عمامة سوداء كانت عَلَى رأسه ثُمَّ رمى بِهَا إِلَى رَسُول عُثْمَان وَقَالَ: أخبره بالذي رأيت، ثم انّه
__________
1492- طبقات ابن سعد 3/ 1: 47 1493- طبقات ابن سعد 3/ 1: 20 وقارن بالرياض 2: 135
__________
(1) س: جزاك.
(2) انظر ما تقدم ص 553 س 15- 17.
(3) انظر ما تقدم ف: 1435
(4) ابن سعد: ألا ترى إلى.
(5) س: فنفض.(5/586)
خرج إِلَى سوق الْمَدِينَةِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إني ابرأ إليك من دمه أَن أكون قتلته أَوْ مالأت عَلَى قتله] .
1494- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُمِّيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أبزى عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لما رجع أهل مصر وأحاطوا بالدار بعث عُثْمَان إِلَى عَلِي بْن أَبِي طَالِب أَن ائتني، فبعث إِلَيْهِ حسينًا ابنه، فلما جاءه قَالَ لَهُ عُثْمَان: يا ابْن أَخِي مَا جاء بك؟ قَالَ: [جئت لأفي ببيعتي، قَالَ: يا ابْن أَخِي أتقدر عَلَى أَن تمنعني من النَّاس؟ قَالَ: لا،] قَالَ: فأنت فِي حل من بيعتي، فقل لأبيك يأتيني، فجاء الْحُسَيْن إِلَى عَلِي فأخبره بقول عُثْمَان، فقام عَلِي ليأتيه فقام إِلَيْهِ ابْن الحنفية فأخذ بضبعيه يمنعه من ذَلِكَ، قَالَ ابْن أبزى: فأنا رَأَيْت عليا يطرف لَهُ وَيَقُول:
[لا أم لَك، حَتَّى جاء الصريخ أَن قَدْ قتل عُثْمَان فمد عَلِي يده إِلَى القبلة ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إني أبرأ إليك من دم عثمان] .
1495- حدثني عمرو بن محمد (972) حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَنِ الأَعْمَش عَنْ منذر أَبِي يعلى «1» عَنِ ابْن الحنفية قَالَ: لما كَانَ اليوم الَّذِي أرادوا فِيهِ قتل عُثْمَان أرسل مَرْوَان إِلَى عَلِي ألا تأتي هَذَا الرجل فتمنعه فإنهم لَنْ يبرموا أمرًا دونك ولو كنت بمنقطع التراب، قَالَ: فقام عَلِي ليأتيهم فأخذ ابْن الحنفية بكتفيه «2» - أَوْ قَالَ بحقوية- وَقَالَ: والله مَا يريدونك إلا رهينة، فجلس وأرسل إليهم بعمامته ينهاهم عَنْهُ.
1496- حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِي الْعِجْلِيُّ عَنْ عُبَيْد اللَّهِ بْن مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ عَبْد الأعلى عَنْ مُحَمَّد بْن عَلِي قَالَ: والله لَقَدْ قتل عُثْمَان وعلي فِي داره مَا علم بِهِ وبمن قتله.
1497- وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ عن عبد الله بن جعفر الرقي عن عبيد الله بن عمرو
__________
(1) ط م س: منذر بن أبي يعلى (وانظر ابن سعد 5: 68 والتهذيب 10 رقم: 531) .
(2) س وأصل ط: بكفيه.(5/587)
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ عَلِيًّا فِي دَارِهِ يَوْمَ قُتِلَ عُثْمَانَ فَقَالَ: [مَا وَرَاءَكَ؟ قُلْتُ شَرٌّ، قُتِلَ أمِيرُ الْمُؤْمِنيِنَ، فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ «1» : أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا،] قَالَ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ [مِرَارًا: اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ قَتْلِ عُثْمَانَ] .
1498- حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا موسى بْن دَاوُد حَدَّثَنَا نَافِع بْن عُمَر الجمحي عَنْ عَمْرو بْن دِينَار قَالَ: كلم أهل الْمَدِينَةِ ابْن عَبَّاس فِي أَن يحج بِهِمْ وعثمان محصور، فاستأذنه فِي ذَلِكَ فَقَالَ: حج بِهِمْ، ثُمَّ رجع وَقَدْ قتل عُثْمَان فَقَالَ لعلي: إنك إِن قمت بِهَذَا الأمر ألزمك النَّاس دم عُثْمَان إِلَى «2» يَوْم الْقِيَامَة.
1499- وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا بهز حَدَّثَنَا حصين بْن نمير عَنْ جهيم الفهري قَالَ: أنا حاضر أمر عُثْمَان، فذكر كلاما فِي أمر عمار، فانصرف الْقَوْم راضين، ثُمَّ وجدوا كتابًا إِلَى عامله عَلَى مصر أَن يضرب أعناق رؤساء المصريين فرجعوا ودفعوا الكتاب إِلَى عَلِي فأتاه بِهِ فحلف لَهُ أَنَّهُ لَمْ يكتبه وَلَمْ يعلم بِهِ، فَقَالَ لَهُ عَلِي: [فمن تتهم فِيهِ؟] فَقَالَ:
أتهم كاتبي وأتهمك يا عَلِي لأنك مطاع عِنْدَ الْقَوْم وَلَمْ تردهم عني، قَالَ: فحصروه.
1500- وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ عَنْ سعدان بْن بشر «3» الجهني عَنْ أَبِي مُحَمَّد الأَنْصَارِيِّ قَالَ: شهدت عُثْمَان فِي الدار، والحسن بْن عَلِي يضارب عَنْهُ فجرح الْحَسَن، فكنت فيمن حمله جريحا، قَالَ:
وجاء رجل فضرب عُثْمَان فرأيت الدم ينثعب عَلَى المصحف.
1501- وَحَدَّثَنِي عَمْرو بْن مُحَمَّد الناقد حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بن حرب أنبأنا حمّاد بن زيد
__________
1498- قارن بالطبري: 3039 1499- انظر ما تقدم ف: 1388، ف: 1417 1501- قارن بالطبري 1: 3006 وابن الأثير 3: 139
__________
(1) أحبب حبيبك ... إلخ حديث عند الترمذي (بر: 59) ومحاضرات الراغب 3: 30 (بيروت)
(2) إلى: سقطت من س.
(3) م: بشير.(5/588)
حَدَّثَنَا أَبُو سلمة عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْعَبْدِيِّ الْمُنْذِرِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي سَعِيد مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ: كلم المصريون ومن معهم عُثْمَان وذكروا مَا نقموا عَلَيْهِ فِيهِ، فأعطاهم الرضى وحلف عَلَى الكتاب الَّذِي وجدوه، فَقَالَ الأشتر: أي قوم ارجعوا فو الله إني لأسمع حلف رجل قَدْ مكر بِهِ ومكر بكم عَنْهُ «1» ، فَقَالَ رجل: انتفخ سحرك يا أشتر- يا مَالِك- ثُمَّ أقاموا «2» حَتَّى قتلوه.
1502- حَدَّثَنِي «3» أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير بْن حازم حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ، سمعت حميد بْن هلال قَالَ، حدث رجل مِمَّن دَخَلَ عَلَى عُثْمَان يَوْم الدار قَالَ:
قتلوه ثُمَّ فتحوا تابوتا لَهُ فاستخرجوا منه جوزًا فجعلوا يأكلونه ويضحكون فَقُلْتُ فِي نفسي: لا يصيب هَؤُلاءِ خير أبدًا، قتلوا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ ثُمَّ هُمْ يأكلون ويضحكون.
1503- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَبِسَ ابْنُ عُمَرَ الدِّرْعَ يَوْمَ الدَّارِ (973) مَرَّتَيْنِ.
1504- حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير حَدَّثَنَا جويرية بْن أسماء حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَارِث بْن زهدم وهو ابن فاختة عمّة مَالِك بْن أَنَس أَن مَالِك بْن أَبِي عامر حدثه قَالَ: احتملنا عُثْمَان فانتهينا بِهِ إِلَى أقصى البقيع إِلَى حائط قَدْ كَانَ عُثْمَان اشتراه ليصله بالمقبرة، فكان النَّاس يتحامونه للدعوة الَّتِي ذكرت فِي أهل البقيع «4» فقيل: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ لو أكرهت النَّاس عَلَيْهِ، فَقَالَ: دعوه لعله يدفن فِيهِ رجل صَالِح فيستن النَّاس فِي الدفن «5» بِهِ، فكان عُثْمَان أول من دفن فِيهِ.
1505- الْمَدَائِنِي عَنْ أَبِي جزي عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ طاوس قال: لما قتل عثمان
__________
1504- قارن بابن سعد 3/ 1: 53 والسمهودي 2: 99 والرياض النضرة 2: 131
__________
(1) عنه: سقطت من س.
(2) س: قاموا.
(3) م ط: حدثنا.
(4) في شأن هذه الدعوة انظر السمهودي 2: 80
(5) م: بالدفن.(5/589)
قَالَ أَبُو موسى: هذه حيصة من حيصات «1» الفتن، وبقيت المثقلة الرداح الَّتِي من هاج فِيهَا هاجت بِهِ ومن أشرف لَهَا أشرفت لَهُ.
1506- الْمَدَائِنِي عَنِ الوقاصي عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب يسمي العام الَّذِي قتل فِيهِ عُثْمَان عام الحزن.
1507- الْمَدَائِنِي عَنْ أَبِي جزي عَنْ عَمْرو عَنْ طاوس أَنَّهُ سمع رجلا يَقُول: مَا رَأَيْت رجلا أجرأ عَلَى اللَّه من فُلان، فَقَالَ: إنك لَمْ تر قاتل عُثْمَان.
1508- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ الحكم بْن القاسم «2» عَنِ (ابْن عون مولى) المسور بْن مخرمة قَالَ: كَانَ المصريون كافين حَتَّى بلغهم أَن الأمداد قَدْ أقبلت إِلَى عُثْمَان من قبل عماله فعند ذَلِكَ عاجلوه.
1509- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ (عَبْد اللَّهِ) بْن أَبِي سَبْرَةَ «3» عَنْ عَبْد المجيد بْن سهيل «4» قَالَ، قَالَ سَعْد بْن أَبِي وقاص حِينَ رأى الأشتر وحكيم بْن جبلة وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عديس: إِن أمرًا هَؤُلاءِ أمراؤه لأمر سوء.
1510- حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن ابْن أَبِي الزناد عَنْ أَبِي جَعْفَر القارئ مولى بَنِي مخزوم قَالَ: كَانَ المصريون الَّذِينَ حصروا عثمان ستّمائة عليهم عبد الرحمن ابن عديس البلوي وكنانة بْن بشر بْن عتاب الكندي وعمرو بْن الحمق الخزاعي، وَالَّذِينَ قدموا من الكوفة مائتين عَلَيْهِم مَالِك بْن الأشتر النخعي، وَالَّذِينَ قدموا من البصرة مائة رجل رئيسهم حَكِيم بْن جبلة العبدي وضوت إِلَيْهِ حثالة من الناس قد مرجت «5» أماناتهم
__________
1508- طبقات ابن سعد 3/ 1: 50 والطبري 1: 3023 1509-، 1510- طبقات ابن سعد (نفسه) 50، 49
__________
(1) س ط: حيصبة من حيصبات، وحديث أبي موسى في اللسان ونهاية ابن الأثير (حيص) .
(2) ط س: عن القاسم.
(3) م: ابن أبي شيرين.
(4) ط م س: عن عبد الله بن عبد الحميد بن سهيل (انظر الطبري 1: 3040)
(5) ط س وابن سعد: مزجت.(5/590)
وسفهت أحلامهم، وَكَانَ أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ خذلوه لا يرون أَن الأمر يبلغ بِهِ القتل فلما قتل ندموا، ولعمري لو قام بعضهم فحثا التراب فِي وجوه أولئك لانصرفوا.
1511- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي روايته: تسور عَلَى عُثْمَان من دار عَمْرو بْن حزم مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر وكنانة بْن بشر وسودان بْن حمران المرادي وعمرو بْن الحمق الخزاعي، فوجدوا عُثْمَان عند امرأته نائلة وهو يقرأ سورة البقرة في المصحف، فتقدّمهم محمد وأخذ بلحيته وَقَالَ: قَدْ أخزاك اللَّه يا نعثل، فَقَالَ عُثْمَان: لست بنعثل ولكني عَبْد اللَّهِ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، فَقَالَ مُحَمَّد: مَا أغنى عَنْك مُعَاوِيَة وفلان وفلان؟ فَقَالَ: يا ابْن أَخِي دع لحيتي فَمَا كَانَ أبوك ليجلس هَذَا المجلس ولا يقبض عَلَى مَا قبضت عَلَيْهِ منها، فَقَالَ: الَّذِي أريد بك أشد من هَذَا، فَقَالَ عُثْمَان: أستعين بالله وأستنصره عليك، فاجتمعوا عَلَى قتله.
1512- الْمَدَائِنِي عَنْ أَبِي هلال عَنِ ابْن سيرين قَالَ: جاء ابْن بديل إِلَى عُثْمَان، وَكَانَ بينهما شحناء، ومعه السَيْف وَهُوَ يَقُول: لأقتلنه، فَقَالَتْ لَهُ جارية عُثْمَان: لأنت أهون عَلَى اللَّه (974) من ذاك، فدخل عَلَى عُثْمَان فضربه ضربة لا أدري مَا أخذت منه.
1513- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي روايته: لما ضرب مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر عُثْمَان بمشاقصه قَالَ عُثْمَان: بسم اللَّه توكلت عَلَى اللَّه، وإذا الدم يسيل عَلَى لحيته وعلى المصحف حَتَّى وقع على، فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) وأطبق عُثْمَان المصحف.
1514- وَقَالَ الكلبي: ضرب كنانة بْن بشر التجيبي عُثْمَان بعمود ضربة عَلَى مقدم رأسه وجبينه، فَقَالَ الْوَلِيد بْن عقبة بْن أَبِي معيط «1» :
أَلا إِنَّ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ ثَلاثَةٍ ... قَتِيلٌ التجيبي الَّذِي جاء من مصر
__________
1511- طبقات ابن سعد: 51 والطبري 1: 3021 وابن الأثير 3: 143 وقارن بالفقرة: 1488 1513- طبقات ابن سعد (نفسه) : 51 1514- المصدر السابق والطبري 1: 3021
__________
(1) انظر ما تقدم ف: 1281(5/591)
قَالَ، وَقَالَ الْوَلِيد أَوْ غيره:
علاه بالعمود أَخُو تجيب ... فأوهى الرأس منه والجبينا
1515- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا عَفَّان حَدَّثَنَا حوثرة بْن بشير حَدَّثَنِي أَبُو خلدة «1» : أَنَّهُ سمع عليا رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ يَقُول وَهُوَ يخطب، فذكر عُثْمَان فَقَالَ: [والله الَّذِي لا إله إلا هُوَ مَا قتلته ولا مالأت عَلَى قتله ولا ساءني] .
1516- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سعد عن الواقدي عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قتل عُثْمَان عِنْدَ صلاة العصر، وشد عَبْد أسود عَلَى كنانة بْن بشر فقتله، وشد سودان بْن حمران عَلَى العبد فقتله، وركب الغوغاء دار عُثْمَان، فصاح إِنْسَان مِنْهُم:
أيحل دم «2» عُثْمَان ولا يحل ماله؟ فانتهبوا متاعه، فَقَالَتْ نائلة امرأته: لصوص ورب الْكَعْبَة، والله مَا أردتم اللَّه بقتله، ولقد قتلتموه صوامًا قوامًا يقرأ الْقُرْآن فِي ركعة. وخرج النَّاس من الدار وأغلق الباب عَلَى ثلاثة قتلى: عُثْمَان وعبد لعثمان وكنانة بْن بشر. قَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد قَالَ الْوَاقِدِيُّ: والثبت أَن كنانة بْن بشر قتل بمصر حِينَ قتل ابْن أَبِي بَكْر بِهَا، وذكر كنانة هاهنا وَهُمْ.
1517- وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود الكوفي عَنْ غياث بْن إِبْرَاهِيم قَالَ: توفي عُثْمَان وَلَهُ خمس وثمانون سنة. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ وابن الكلبي: توفي وَلَهُ اثنتان وثمانون سنة.
1518- وَقَالَ الْمَدَائِنِي عَنْ أَبِي مخنف ومسلمة بْن محارب: كتبت نائلة بنت الفرافصة امْرَأَة عُثْمَان إِلَى مُعَاوِيَة كتابًا تخبره فِيهِ بأمر عُثْمَان ومقتله، وتعلمه أَن أهل مصر أسندوا أمرهم إِلَى عَلِي بْن أَبِي طالب وابن أَبِي بَكْر وعمار بْن ياسر فأمروهم بقتله، وأنّ
__________
1515- قارن بالرياض 2: 135 1516- طبقات ابن سعد: 52 1517- قارن بالطبري 1: 3052 1518- الأغاني 16: 251 والعقد 4: 300
__________
(1) س: أبو حادة.
(2) س: دار.(5/592)