قَوْلِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أبى بكر رضى اللَّه عَنْهُ:
1093- حَدَّثَنَا شُرَيْحٌ، وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، وَأَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ قَالُوا، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ شَيْئًا. فَقَالَ: [ارْجِعِي إِلَيَّ.
قَالَتْ: فَإِنْ رَجَعْتُ، فَلَمْ أَجِدْكَ يَا رَسُولَ اللَّه؟ - تُعَرِّضُ بِالْمَوْتِ. فَقَالَ لَهَا:
إِنْ رَجَعْتِ فَلَمْ تَجِدِينِي، فَالْقَيْ أَبَا بَكْرٍ] .
1094- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ يُونُسَ، ثنا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّه، مَا أَزَالُ أُرَانِي كَأَنِّي أَطَأُ فِي عَذَرَاتِ النَّاسِ.
فَقَالَ: [لَتَكُونَنَّ مِنْهُمْ بِسَبِيلِ خَيْرٍ] .
1095- حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الأَزْدِيِّ، ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، أَنْبَأَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عن مَوْلًى لِرِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ:
[قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: إني لا أَدْرِي كَمْ بَقَائِي فِيكُمْ، فَاقْتَدُوا بِالَّذِينَ مِنْ بَعْدِي- وَأَشَارَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ- وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ فَصَدِّقُوهُ] .
وَحُدِّثْتُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عمير، عن هِلالٍ مَوْلَى رِبْعِيٍّ، عَنْ رِبْعِيٍّ مَوْلَى حُذَيْفَةَ. وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ حَاتِمٍ الْبَزَّازُ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْمَدِينِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، أَنْبَأَ زَائِدَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ، [قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْتَدُوا بِالَّذِينَ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ] .
وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنُ الأَسْوَدِ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:
[قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْتَدُوا بِالَّذِينَ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ] .
__________
[1] ابن سعد، 3 (1) / 185.(1/540)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ سَالِمِ (بْنِ) [2] أَبِي الْعَلاءِ الْمُرَادِيِّ/ 261/ عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّه رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ حُذَيْفَةَ جَمِيعًا، عَنْ حُذَيْفَةَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ وَكِيعٍ.
1096- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالا، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، ثنا عبد الرحمن ابن أَبِي بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ:
لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: [ائْتِنِي بِكَتِفٍ حَتَّى أَكْتُبَ لأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا، لا يُخْتَلَفُ عَلَيْهِ مَعَهُ.
فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَقُومَ، فَقَالَ: اجْلِسْ، أَبَى اللَّه وَالْمُؤْمِنُونَ أَنْ يُخْتَلَفَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ] .
وَحَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هارون، أنبأ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ادْعِي لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ لأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ، أَوْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ، وَيَأْبَى اللَّه وَالْمُؤْمِنُونَ إِلا أَبَا بَكْرٍ] .
1097- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ الْبَصْرِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [3] ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ أَبِي شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ:
بُدِئَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بَيْتِ مَيْمُونَةَ، ثُمَّ خَرَجَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ فَدَخَلَ عَلَيَّ وَأَنَا أَقُولُ: «وَارَأْسَاهُ» . فَقَالَ: [وَدِدْتُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَأَنَا حَيٌّ، فَأُصَلِّي عَلَيْكِ وَأَدْفِنُكِ. فَقُلْتُ: وَإِنَّكَ لَتُحِبُّ ذَلِكَ، كَأَنِّي أَرَاكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ نِسَائِكَ. ثُمَّ قَالَ: أَنَا وَارَأْسَاهُ، ادْعِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ أَعْهَدُ عَهْدًا لأَبِي بَكْرٍ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ، أَوْ يَظُنَّ ظَانٌّ، وَيَأْبَى اللَّه ذَلِكَ والمؤمنون] .
__________
[1] أيضا 2 (2) / 98.
[2] كما مر في إسناد آخر قبل هذا.
[3] الرواية عند ابن هشام (ص 1000) بالمعنى ولكن ليس فيها ذكر العهد لأبى بكر.(1/541)
حَدَّثَنَا عَفَّانُ أَبُو عُثْمَانَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ، عَنْ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ لِعَائِشَةَ: [ادْعِي لِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَكْتُبُ لأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا، فَلا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ بَعْدِي. ثُمَّ قَالَ:
دَعِيهِ [1] ، مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَخْتَلِفَ الْمُؤْمِنُونَ فِي أَبِي بَكْرٍ] .
1098- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا شعيب بن حرب، أنبأ خالد بن يزيد القرشي، ثنا زرعة ابن عمرو قال:
وَكَانَ عَمْرو أحد الأربعة الَّذِينَ حملوا عثمان- قَالَ: لِمَا قدم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة قَالَ للمهاجرين: [انطلقوا بنا إلى الأنصار نسلم عليهم. فقال: يا معشر الأنصار، اجمعوا لي أحجارا من حجارة الحرة. فأخذ حجرا، فوضعه، ثُمَّ قال: يا با بكر، خذ حجرا، فضعه إلى جنب حجري. ثُمَّ قَالَ: يا عمر، خذ حجرا فضعه إلى جنب حجر أبي بكر. ثُمَّ قَالَ لعثمان: خذ حجرا فضعه إلى جنب حجر عمر. قَالَ: فأفرد هؤلاء الثلاثة لهذا الأمر] .
1099- حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَبْهَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:
[قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ تُوَلُّوا أَبَا بَكْرٍ تَجِدُوهُ ضَعِيفًا فِي بَدَنِهِ، قَوِيًّا فِي أَمْرِ اللَّهِ، وَإِنْ تُوَلُّوا عُمَرَ تَجِدُوهُ قَوِيًّا فِي نَفْسِهِ قَوِيًّا في أمر الله، وإن تولوهما عَلِيًّا، وَلَنْ تَفْعَلُوهُ، تَجِدُوهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا يَهْدِيكُمْ إِلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ] .
1100- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
غَزَوْتُ غَزَاةً، ثُمَّ قَدِمْتُ، فسألنى أبى عن البلاد والناس وهل سَمِعْتَ شَاكِيًا لِعَامِلٍ، أَوْ مَرَرْتَ بِشَيْءٍ ضَائِعٍ؟ فَأَخْبَرْتُهُ [2] بِأَنِّي لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَشْكُو أَحَدًا، وَلَمْ أَرَ شَيْئًا ضَائِعًا. ثُمَّ قُلْتُ: أَلا تَسْتَخْلِفُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رَجُلا تَثِقُ [3] بِهِ في
__________
[1] خ: ادعية.
[2] خ: فاخترته.
[3] خ: يثق.(1/542)
حَيَاتِكَ؟ قَالَ: فَاسْكُتْ سَاعَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: جَزَاكَ اللَّه عَنْ نَصِيحَتِكَ خَيْرًا، إِنِ اسْتَخْلَفْتُ، فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، وَإِنْ تَرَكْتُ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ منى، وأفضل الهدي هدي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْ لا أَسْتَخْلِفَ أَحَدًا أَسْلَمُ لِي.
أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين بدئ:
1101/ 262/ حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، أنبأ هشام بن سعد، عن زيد ابن أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
خَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قُبُورِ الشُّهَدَاءِ، ثُمَّ رَجَعَ مَعْصُوبَ الرَّأْسِ، فَلَمْ يَزَلْ شَاكِيًا حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّه يَوْمَ الإِثْنَيْنِ لِلنِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الأَرْبَعَاءِ.
1102- وَرَوَى الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ [1] ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
أَتَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَقِيعَ، فَقُلْتُ: أَيْنَ كُنْتَ يَا رَسُولَ اللَّه؟ فَقَالَ: [إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأَهْلِ الْبَقِيعِ وَأُصَلِّي عَلَيْهِمْ.] قَالَ هِشَامٌ:
فَبَلَغَنِي أَنَّهُ رَجَعَ مَوْعُوكًا.
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخَوَارِزْمِيُّ، حَدَّثَنِي سُوَيْدٌ الأَنْبَارِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَاسْتَغْفَرَ لأَهْلِهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ، فَابْتَدَى بِوَجَعِهِ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ.
1103- وروى بعضهم أَنَّهُ كانت لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جارية يقال لَهَا ربيحة، أخذها من سبي بني قريظة وجعلها في نخل له يدعى نخل الصدقة، وكان ربما قال عندها، فانصرف ذات يوم من عندها موعوكا، فأتى منزل ميمونة، ثم تحول إلى منزل عائشة فقبض فيه [2] .
__________
[1] خ: الزياد.
[2] ابن هشام، ص 999- 1000.(1/543)
1104- حدثني عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ [1] ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ جُبَيْرٍ مَوْلَى الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
أَنْبَهَنِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الليل، فقال: [يا با مُوَيْهِبَةَ، إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأَهْلِ الْبَقِيعِ، فَانْطَلِقْ مَعِي. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا وَقَفَ بين أظهرهم قال: «السلام عليكم يا أهل الْمَقَابِرِ، لِيَهْنَئْ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ فِيهِ. لَوْ عَلِمْتُمْ مَا نَجَّاكُمُ اللَّه مِنْهُ! أَقْبَلَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يتبع أولها آخرها [2] . الآخرة شَرٌّ مِنَ الأُولَى» . ثُمَّ قَالَ: «هَلْ عَلِمْتَ يا با مُوَيْهِبَةَ؟ أَنِّي قَدْ خُيِّرْتُ بَيْنَ [3] مَفَاتِحِ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدِ فِيهَا، ثُمَّ الْجَنَّةَ، وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي وَالْجَنَّةَ. وَاخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي وَالْجَنَّةَ» . ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لأَهْلِ الْبَقِيعِ وَانْصَرَفَ.] فَبُدِئَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَجَعِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ حِينَ أَصْبَحَ.
1105- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [4] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّه بن عتبة، عن عَائِشَةَ قَالَتْ:
رَجَعَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْبَقِيعِ حِينَ اسْتَغْفَرَ لأَهْلِهِ، فَوَجَدَنِي وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا وَأَنَا أَقُولُ: وَارَأْسَاهُ. فَقَالَ: [بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ. ثُمَّ قَالَ:
مَا ضَرَّكِ لَوْ [5] مُتِّ قَبْلِي، فَقُمْتُ عَلَيْكِ وَكَفَّنْتُكِ، ثُمَّ صَلَّيْتُ عَلَيْكِ وَدَفَنْتُكِ] .
فَقُلْتُ: كَأَنِّي بِكَ ولو فَعَلْتَ ذَلِكَ قَدْ رَجَعْتَ إِلَى بَيْتِي فَأَعْرَسْتَ فِيهِ بِبَعْضِ نِسَائِكَ. قَالَتْ: فَتَبَسَّمَ. وَتَتَامَّ بِهِ وَجَعُهُ وَهُوَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ حَتَّى اسْتَعِزَّ به وهو في بيت ميمونة. قالت: فدعى نِسَاءَهُ فَأْسَتَأْذَنَهُنَّ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ. فَخَرَجَ يَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدِهِمَا الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، وَرَجُلٍ آخَرَ وَهُوَ تَخُطُّ قَدَمَاهُ الأَرْضَ، عَاصِبًا رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، حَتَّى دَخَلَ بيتى. قال عبيد اللَّه،
__________
[1] أيضا، ص 1000.
[2] عند ابن هشام: «آخرها أولها» .
[3] خ: بان.
[4] ابن هشام، ص 1000.
[5] لم نجده عند ابن هشام.(1/544)
فَحَدَّثْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: أَتَدْرِي مَنِ الآخَرُ؟ قُلْتُ: لا.
قَالَ: عَلِيٌّ، وَلَكِنَّهَا لا تَقْدِرُ أَنْ تَذْكُرَهُ بِخَيْرٍ وَهِيَ تَسْتَطِيعُ.
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنْ عَائِشَةَ بِمِثْلِهِ إِلا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ: «إِنَّهَا لا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَذْكُرَهُ بِخَيْرٍ وَهِيَ تَسْتَطِيعُ» .
1106- حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُدَارُ بِرَسُولِ اللَّه/ 263/ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بُيُوتِ نِسَائِهِ وَهُوَ مَرِيضٌ. فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ، قَالَ: [أَيْنَ أَنَا غَدًا؟
فَجَعَلَ يُخْبِرْنَهُ. فَقَالَ بَعْضُهُنَّ: إِنَّمَا يَسْأَلُ عَنْ يَوْمِ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ. فَأَذِنَّ لَهُ، وَقُلْنَ لَهُ: أَنْتَ فِي حِلٍّ يَا رَسُولَ اللَّه، إِنَّمَا نَحْنُ أَخَوَاتٌ. فَقَالَ: فِي حِلٍّ؟] قُلْنَ: نَعَمْ. فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى مَنْزِلِ عَائِشَةَ. فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهَا حَتَّى قَبَضَهُ اللَّه.
1107- حُدِّثْتُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دِيرَ بِهِ عَلَى نِسَائِهِ، يُحْمَلُ فِي ثَوْبٍ يَأْخُذُ بِأَطْرَافِهِ الأَرْبَعَةِ أَبُو مُوَيْهِبَةَ، وَشُقْرَانُ، وَثَوْبَانُ، وَأَبُو رَافِعٍ مَوَالِيهِ.
1108- حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَكَى شَكْوَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ وَهُوَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ زَوْجَتِهِ، حَتَّى غُمِرَ مِنْ شِدَّةِ الْوَجَعِ. فَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ زَوْجَتُهُ، وَأُمُّ الْفَضْلِ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ أُمُّ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْعَبَّاسِ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ فَاسْتَشَارُوا فِي لَدِّ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ غُمِرَ. فَلَدُّوهُ. فَلَمَّا أَفَاقَ، قَالَ: [مَنْ فَعَلَ هَذَا بِي؟
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه: إِنَّا خَشِينَا أَنْ يَكُونَ بِكَ ذَاتَ الْجَنْبِ، فَلَدَدْنَاكَ. فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا أَكْرَمُ عِنْدَ اللَّه مِنْ أَنْ يَبْتَلِيَنِي بِذَاتِ الْجَنْبِ، مَا كَانَ(1/545)
اللَّه لِيُعَذِّبَنِي بِهَا. ثُمَّ قَالَ: لا جَرَمَ لا يَبْقَى فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلا الْتَدَّ، غَيْرَ عَمِّي، عُقُوبَةً لَهُمْ.] قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: فَالْتَدَتْ مَيْمُونَةُ وَهِيَ صَائِمَةٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدَّثَنِي محمد بن سعد، عن الواقدي، عن أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اجْتَمَعْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ثَقِيلٌ فِي بيت ميمونة، فقال نساؤكن بِالْحَبَشَةِ- مِنْهُنَّ أُمُّ سَلَمَةَ، وَأَسْمَاءُ ابْنَةُ عُمَيْسٍ-: لَدُّوهُ.
فَقُلْتُ: لا تَفْعَلُوا. فَخَالَفُونِي، فَلَدُّوهُ. ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: [هَذَا عَمَلُ أُمِّ سَلَمَةَ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، هَذَا مِنْ دَوَاءِ أَهْلِ الْحَبَشَةِ، لا يَبْقَيَنَّ فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلا لُدَّ، غَيْرَ عَمِّي.] فَلَدَدْتُ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، وَلَدَّتْنِي فَوَجَدْتُ مِنْ ذَلِكَ حَزًّا.
وَلَدَّ بَعْضُنَا بَعْضًا. وَأَقَامَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ.
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ بُحَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ [1] قَالَ:
حُدِّثْنَا أَنَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما اشْتَدَّ وَجَعُهُ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ زَوْجَتِهِ، لُدَّ بالكسب وَالزَّيْتِ. فَلَمَّا أَفَاقَ: قَالَ: مَنْ لَدَّنِي؟ قَالُوا:
عَمُّكَ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَعَائِشَةُ. قَالَ: مَنْ دَلَّكُمْ عَلَى هَذَا؟
قَالُوا: أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَأُمُّ سَلَمَةَ. قَالَ: [هَذَا طِبٌّ جَاءَتَا بِهِ مِنَ الْحَبَشَةِ حِينَ هَرَبَتَا بِدِينِهِمَا مِنْ قُرَيْشٍ.] وَأَمَرَهُمْ جَمِيعًا، فَالْتَدُّوا إِلا الْعَبَّاسَ.
وروى الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرحمن وغيره:
أن الذي لد بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عود هندي، وشيء من ورس، وشيء من زيت.
1109- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [2] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ بُشَيْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَاصِبًا رَأْسَهُ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَانَ أَوَّلُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أن صلى على أصحاب أحد واستغفر
__________
[1] خ: سعد (والتصحيح عن تهذيب التهذيب لابن حجر، ج 1، رقم 777) .
[2] ابن هشام، ص 1006.(1/546)
لَهُمْ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّه خَيَّرَهُ اللَّه بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ رَبِّهِ. فَفَهِمَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعَرَفَ أَنَّهُ يُرِيدُ نَفْسَهُ، فَبَكَى وَقَالَ:
نَحْنُ نَفْدِيكَ بِأَنْفُسِنَا وَأَمْوَالِنَا وَأَبْنَائِنَا. ثُمَّ قَالَ: انْظُرُوا هَذِهِ الأَبْوَابَ الشَّاخِصَةَ- أَوِ الشَّارِعَةَ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- فَسُدُّوهَا إِلا بَابَ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنِّي لا أَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ أَفْضَلُ عِنْدِي يَدًا فِي الصُّحْبَةِ مِنْهُ.
حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي الْعِشْرِينَ، أَنْبَأَ الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ/ 264/ عِكْرِمَةَ قَالَ:
سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: [قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ:
إِنَّ عَبْدًا خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.] فَفَطِنَ أَبُو بَكْرٍ، فَبَكَى. فَقَالَ له أبو سعيد الخدرى: يا با بَكْرٍ، مَا يُبْكِيكَ مِنْ عَبْدٍ خُيِّرَ بَيْنَ الدنيا والآخرة فاختار الآخرة؟ فنطر النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: [إِنَّ أمَنَّكُمْ عَلَيَّ بِصُحْبَتِهِ، وَذَاتِ يَدِهِ لابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، سُدُّوا كُلَّ خَوْخَةٍ إِلَى الْمَسْجِدِ إِلا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ] .
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، أَنْبَأَ شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَمُوتُ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ: فَلَمَّا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عُرِضَتْ لَهُ بَحَّةٌ [1] ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: « [بَلِ الرَّفِيقَ الأَعْلَى مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ] » ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّه.
1110- حدثني عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [2] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَغْفَرَ لأَصْحَابِ أُحُدٍ، ثُمَّ قَالَ: [يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، اسْتَوْصُوا بِالأَنْصَارِ خَيْرًا فَإِنَّ الناس يزيدون والأنصار على هيئتهم
__________
[1] خشونة الصوت.
[2] ابن هشام، ص 1007.(1/547)
لا يَزِيدُونَ، إِنَّهُمْ عَيْبَتِي الَّتِي آوَيْتُ إِلَيْهَا، فَأَحْسِنُوا إِلَى مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ] .
1111- حَدَّثَنِي محمد بن سعد، عن الواقدي، عن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّه [1] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَن اللَّه عز وجل خير نبيه بين خزائن الدنيا والخلود فيها ثم الجنة، وبين الموت ولقاء ربه والجنة، فاختار لقاء ربه، وجعل يقول: « [الرفيق الأعلى، الرفيق الأعلى] » .
حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ مُوسَى، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
لَمَّا احْتَضَرَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، أتاه جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَخَيَّرَهُ بَيْنَ الْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا وَالْمَصِيرِ إِلَى رَحْمَةِ رَبِّهِ، فَجَعَلَ يَقُولُ: « [بل الرفيق الأعلى] » ، حتى قضى صلى اللَّه عليه وسلم.
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بنُ أَبِي أُمَيَّةَ أَبُو عَمْرٍو، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [2] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُتْبَةَ قَالَ:
سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا يَقُولُ:
إِنَّ اللَّه لَمْ يَقْبِضْ نَبِيًّا قَطُّ حَتَّى يُخَيِّرَهُ، فَلَمَّا احْتَضَرَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كانت آخِرَ كَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْهُ: « [الرَّفِيقَ الأَعْلَى مِنَ الْجَنَّةِ] » ، فَقُلْتُ:
إِذًا واللَّه لا يَخْتَارُنَا، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الَّذِي كَانَ يَقُولُ لَنَا إِنَّ نَبِيًّا لا يُقْبَضُ حَتَّى يُخَيَّرَ.
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
[سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ وَفَاتِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ] .
حَدَّثَنَا شُرَيْحٌ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا:
مَاتَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي فِي يَوْمِي وَلَيْلَتِي، وَبَيْنَ سَحْرِي
__________
[1] خ: سعد. (والتصحيح عن عين الإسناد تكرر مرارا) .
[2] ابن هشام، ص 1008.(1/548)
وَنَحْرِي [1] ، وَدَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ رَطْبٌ فَنَظَرَ إِلَيْهِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ لَهُ فِيهِ حَاجَةً، فَمَضَغْتُهُ وَطَيَّبْتُهُ وَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِ، فَاسْتَنَّ [2] أَحْسَنَ مَا رَأَيْتُهُ اسْتَنَّ قَطُّ، ثُمَّ ذَهَبَ يَرْفَعُهُ فَسَقَطَتْ يَدُهُ، فَأَخَذْتُ أَدْعُو دُعَاءً كَانَ يَدْعُو بِهِ إِذَا مَرِضَ فَلَمْ يَدْعُ بِهِ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ وَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ:
« [الرَّفِيقَ الأَعْلَى] » ، ثُمَّ فَاضَتْ نَفْسُهُ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وريقه في آخر يوم من الدُّنْيَا.
حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا الْقَعْنَبِيُّ، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ [3] ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ 2650/ قالت:
[سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى صَدْرِي، وَقَدْ أَصْغَيْتُ إِلَيْهِ، يَقُولُ: اللهم اغفر لي وارحمني وألحقنى بالرفيق (الأعلى) ] [4] .
1112- حدثني محمد بن سعد [5] ، عن الواقدي، عن مَعْمَرٍ وَمَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
دَخَلَتْ أُمُّ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ:
مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذِهِ الْحُمَّى الَّتِي عَلَيْكَ، فَقَالَ: « [إِنَّ اللَّهَ يُضَاعِفُ الأَجْرَ كَمَا يُضَاعِفُ الْبَلاءَ. هِيَ مِنَ الأَكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُهَا وَابْنُكِ مِنَ الشَّاةِ بِخَيْبَرَ. فَهَذَا أَوَانُ انْقَطَعَ أَبْهَرِي] » .
1113- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [6] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مَعْمَرٍ وَمَالِكٍ [7] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في مرضه على نفسه بالمعوّذات [8] .
__________
[1] أى مستندا إلى صدري.
[2] استن: نظف أسنانه.
[3] موطأ مالك، كتاب 16، باب 16 (حديث 16) .
[4] الزيادة عن الموطإ.
[5] راجع ابن سعد، 2 (2) / 8، 12.
[6] أيضا 2 (2) / 84.
[7] راجع موطأ مالك، كتاب 50، باب 4 (حديث 10) .
[8] هي 112، 113، 114 من سور القرآن.(1/549)
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ [1] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اشْتَكَى قَرَأَ بالمعوّذتين [2] عَلَى نَفْسِهِ وَتَفَلَ، فَلَمَّا اشْتَدَّ بِهِ الْوَجَعَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِهِ، رَجَاءَ بَرَكَتِهِمَا.
حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
كُنْتُ أُعَوِّذُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ كَانَ جِبْرِيلُ يُعَوِّذُهُ بِهِ، وَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يَتَعَوَّذُ بِهِ إِذَا اشْتَكَى، فَقَالَ: [ارْفَعِي رُقَاكِ عَنِّي، فَإِنَّمَا كَانَتْ تَنْفَعُنِي وَأَنَا فِي الْمُدَّةِ] .
1114- حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ، حُدِّثْتُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَحْسَبُ الَّذِي حَدَّثَنِي يُونُسُ الأَيْلِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
لَمَّا أَخَذَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّيَاقُ [3] ، طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ يَكْشِفُهَا إِذَا اغْتَمَّ.
1115- حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْحُوَيْرِثِ قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان إِذَا اشْتَكَى، دَعَا لِنَفْسِهِ بِالْعَافِيَةِ، فَلَمَّا اشْتَكَى آخِرَ شَكَاةٍ، لَمْ يَدْعُ بِشَيْءٍ، وَجَعَلَ يَقُولُ: « [يَا نَفْسُ، مَالَكِ، تَلُوذِينَ كُلَّ مَلاذٍ!] » 1116- حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو خَيْثَمَةَ وَيُوسُفُ بْنُ مُوسَى، قَالا ثنا جَرِيرٌ الضَّبِّيُّ، ثنا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشَدَّ وَجَعًا مِنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
__________
[1] راجع موطأ مالك، كتاب 50، باب 4 (حديث 10) .
[2] هي 113، 114 من سورة القرآن.
[3] السياق: بدء نزع الروح.(1/550)
1117- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ) [1] أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَتْ:
صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ فِي بَيْتِهِ، فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَدْ تَوَشَّحَ بِهِ، الْمَغْرِبَ، فَقَرَأَ «وَالْمُرْسَلاتِ [2] » ، وَمَا صَلَّى بِنَا بَعْدَهَا حَتَّى قُبِضَ.
1118- حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
كُشِفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتْرُ، فَرَأَيْتُهُ مَعْصُوبًا فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، [فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟» ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلا الرُّؤْيَا يَرَاهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ] .
1119- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ، ثنا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ هِلالِ ابن أَبِي حُمَيْدٍ الْوَزَّانِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ [أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ: لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ] .
حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، ثنا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ائْتَمَرُوا أَيْنَ يَدْفِنُونَهُ، فَأَزْمَعُوا [3] أَنْ يَدْفِنُوهُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعًا رَأْسَهُ فِي حِجْرِي، إِذْ قَالَ: [قَاتَلَ اللَّهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ.] فَأَجْمَعُوا أَنْ يَدْفِنُوهُ حَيْثُ قُبِضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ.
1120- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الله/ 266/ ابن الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ قَالَتْ:
كُنْتُ جَالِسَةً عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: [مَا يُبْكِيكِ؟ قُلْتُ: أَخْشَى عَلَيْكَ وَلا أَدْرِي مَا نَلْقَى مِنَ النَّاسِ بَعْدَكَ؟ فَقَالَ: أنتم المستضعفون] .
__________
[1] الزيادة عن عين الإسناد مر قبل هذا.
[2] سورة القرآن، رقم 77.
[3] أزمع: أظهر العزم.(1/551)
1121- حدثنا الأعين، ثنا سويد بن سعيد، عن رشد (ين) بن سعد، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَرْجِسَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
كان عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ اشْتَدَّ وَجَعُهُ، قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ، يُدْخِلُ فِيهِ يَدَهُ ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ [وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى سَكَرَاتِ الْمَوْتِ] .
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ قال، قالت عائشة:
ما أغبط أحدا يهوّد [1] عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَعْدَ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ شِدَّةِ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
1122- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وكانت مِشْيَتُهَا مِشْيَةَ رَسُولِ اللَّهِ. فَقَالَ: مَرْحَبًا بِابْنَتِي. ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ، ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا، فَبَكَتْ. ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا، فَضَحِكَتْ. فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ، فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ؟ فَقَالَتْ: [مَا كُنْتُ أُفْشِي سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَتَّى إِذَا قُبِضَ، سَأَلْتُهَا، فَقَالَتْ: «أَسَرَّ إِلَيَّ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ يُعَارِضُنِي بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَأَنَّهُ عَارَضَنِي بِهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلا أَرَاهُ [2] إِلا قَدْ حَضَرَ أَجَلِي، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لِحَاقًا بي ونعم السلف أنالك.
فَبَكَيْتُ لِذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: أَلا تَرْضِينَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ، أَوْ:
نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَضَحِكْتُ] » وَحَدَّثَنِي عُمَرُ [3] بْنُ شَبَّةَ، ثنا حَمَّادُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ثَقُلَ، ضَمَّتْهُ فَاطِمَةُ إِلَى صَدْرِهَا وَقَالَتْ:
« [وَاكَرْبَاهُ لِكَرْبِكَ يَا أَبَتَاهُ] » ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لا كَرْبَ عَلَى أبيك بعد اليوم] .
__________
[1] أى يبطئ.
[2] خ: رواه.
[3] عمرو.(1/552)
1123- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
[لَمَّا نَزَلَتْ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [1] ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي.] قَالَ، يَقُولُ: إِنَّهُ مَقْبُوضٌ فِي تِلْكَ السَّنَةِ.
1124- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إسناده قَالَ:
بكت فاطمة رضي الله تعالى عنها عِنْدَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال:
[يا بنية، لا تبكي، وإذا مت فقولي: «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، فإن فيها من كل ميت معوضة. قالت: ومنك، يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: نعم ومني.] قَالَ [3] :
وبكت أم أيمن، فقيل لها: لا تبكي، فإنما خير فاختار ما عند ربه. قالت:
إنما أبكي انقطاع خبر السماء عنا.
وَحُدِّثْتُ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لما اشْتَدَّ وَجَعُهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، جَعَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلامُ تَبْكِي، وَتَقُولُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَنْتَ وَاللَّهِ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ [4] :
وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ
فَأَفَاقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [فَقَالَ: هَذَا قَوْلُ عَمِّي [5] أَبِي طَالِبٍ،] وَقَرَأَ:
وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ، قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ؟ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [6] .
1125- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّ/ 267/ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [انْقِلُونِي إِلَى بَيْتِ عائشة] .
__________
[1] سورة القرآن رقم 110.
[2] ابن سعد، 2 (2) / 84.
[3] أيضا، 2 (2) / 83- 84.
[4] ابن هشام، ص 174، 177 في قصيدة طويلة.
[5] خ: عمك.
[6] القرآن، آل عمران (3/ 144) .(1/553)
قالت: فلما سمعت ذلك، قمت، ولم تكن لِي خَادِمٌ، فَكَنَسْتُ بَيْتِي وَفَرَشْتُ لَهُ فِرَاشًا، وَوَسَدْتُهُ وِسَادَةً كَانَ حَشْوُهَا إِذْخِرٌ. فَلَمَّا حَضَرَتِ الصَّلاةُ، قَالَ:
[أَرْسِلِي إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَلْيَؤُمَّ النَّاسَ. قَالَتْ:] فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ. فَأَرْسَلَ إِلَيَّ أَنِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ، ضَعِيفٌ عَنْ أَنْ أَقُومَ فِي مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنْ أَشِيرِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُمَرَ، وَاسْتَعِينِي عَلَيْهِ بِحَفْصَةَ. فَفَعَلْتُ فَقَالَ: [إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ [1] ، أَرْسِلِي إِلَى أَبِي بَكْرٍ] .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أبي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فِي مَرَضِهِ إِذَا وَجَدَ خِفَّةً خَرَجَ فَصَلَّى بالناس، وإذا ثقل وجاءه المؤذّن قال: [مروا أبا بكر يصلى بالناس] .
فَخَرَجَ الأَمْرُ مِنْ عِنْدِهِ يَوْمًا بِأَنْ يُصَلِّيَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ غَائِبًا، فَصَلَّى عُمَرُ بِالنَّاسِ. فَلَمَّا كَبَّرَ، وَكَانَ جَهِيرَ الصَّوْتِ، سَمِعَ تَكْبِيرَهُ، فَقَالَ: [لا، لا، لا، أَيْنَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟] فَانْصَرَفَ عُمَرُ، وَانْتُقِضَتِ الصُّفُوفُ.
فَمَا بَرِحْنَا حَتَّى طَلَعَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، وَكَانَ بِالسُّنُحِ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ.
1126- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مَعْمَرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعُودُهُ، فَقَالَ: [يَا عَبْدَ اللَّهِ مُرِ النَّاسَ بِالصَّلاةِ.] فَخَرَجْتُ فَلَقِيتُ رِجَالا لَمْ أُكَلِّمْهُمْ حَتَّى رَأَيْتُ عُمَرَ، فَقُلْتُ:
صَلِّ بِالنَّاسِ. فَلَمَّا كَبَّرَ، سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْبِيرَهُ، فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنْ حُجْرَتِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: لا، لا، لا، ليصل (ب) الناس [4] ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ. وَقَالَ ذَلِكَ وَهُوَ مُغْضَبٌ. فَانْصَرَفَ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، أَمَرَكَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمرنى؟ قلت لا، ولكنه قال لي [5] :
__________
[1] راجع القرآن، يوسف (12/ 30- 32) .
[2] ابن سعد، 2 (2) / 22 (وفيه «لألا» مرتين) .
[3] ابن سعد، 2 (2) / 21.
[4] خ: صلى.
[5] تكرر في المخطوطة بسهو الناسخ «وَلَكِنَّهُ قَالَ لِي» .(1/554)
« [يَا عَبْدَ اللَّهِ، مُرِ النَّاسَ بِالصَّلاةِ] » ، فَلَمَّا رَأَيْتُكَ لَمْ أَبْلُغْ مِنْ وَرَائِكَ. فَقَالَ:
مَا ظَنَنْتُ إِلا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَكَ أَنْ تَأْمُرَنِي، وَلَوْلا ذَلِكَ مَا صَلَّيْتُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
كَبَّرَ عُمَرُ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْبِيرَهُ، فَأَقْلَعَ رَأْسَهُ مُغْضَبًا يَقُولُ: « [أَيْنَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَيْنَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟] » 1127- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عن الواقدي، عن ابن أبي سبرة، عن سَعِيدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ:
صَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، ثنا يُونُسُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ:
ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ الظُّهْرَ حَتَّى كَانَ الْيَوْمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَإِنَّهُ كَثُرَ النَّاسُ. فَصَلَّى بِهِمْ صَلاةَ الصُّبْحِ. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَصَلَّى بِصَلاةِ أَبِي بَكْرٍ. فَلَمَّا سَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَةَ.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا شبابة بن سوار، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَاعِدًا.
1128- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، ثنا كَثِيرُ بْنُ مرورٍ الْفِلَسْطِينِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ:
[أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بَكْرٍ عَلَى صَلاةِ الْمُؤْمِنِينَ، فَصَلَّى بِهِمْ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةَ أيام، ثم قبض] .
__________
[1] ابن سعد، 2 (2) 22.
[2] أيضا، 2 (2) / 23.
[3] راجع ابن سعد، 2 (2) / 22- 23 خلاصة الحديث بأسانيد أخرى.(1/555)
1129- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ:
صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ/ 268/ فِي بُرْدٍ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ، حِينَ اشْتَكَى.
حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، قَالَ سَمِعْتُ حُمَيْدًا يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صلى خلف أبا بَكْرٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ.
1130- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سعد [1] ، عن الواقدي، عن ابن أبي سبرة قَالَ:
صَلَّى أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ سَبْعَ عَشْرَةَ صَلاةٍ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ يُونُسَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ:
صَلَّى أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ ثَلاثًا.
1131- حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم قَالَ فِي مَرَضِهِ: [مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ بَكَى. فَقَالَ: مُرُوهُ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ.] فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِي إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ. فَفَعَلَتْ.
فَقَالَ: [إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ.] فَقَالَتْ حَفْصَةُ:
مَا كُنْتُ لأُصِيبَ مِنْكَ خَيْرًا.
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا الْحُسَيْنُ الْجُعْفِيُّ، أَنْبَأَ زَائِدَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ:
لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَدَّ وَجَعُهُ قَالَ: [مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ، وَإِنْ قَامَ مَقَامَكَ
__________
[1] ابن سعد، 2 (2) / 23.
[2] أيضا.(1/556)
لَمْ يَكُنْ يُسْمِعُ النَّاسَ. قَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ] .
حَدَّثَنَا إسحاق أبو [1] موسى القروي وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، قَالا ثنا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ ثنا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِلالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاةِ، فَقَالَ: [مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. قَالَتْ: فَقُلْتُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ إِنْ قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ؟
قَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ.] فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ وَإِنَّهُ إِنْ يَقُمْ مَقَامَكَ لا يُسْمِعُ النَّاسَ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ؟ فَقَالَتْ لَهُ حَفْصَةُ ذَلِكَ. فَقَالَ: [أَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ.] فَصَلَّى بِهِمْ.
فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي الصَّلاةِ، وَجَدَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِفَّةً، فَقَامَ يُهَادِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلاهُ تَخُطَّانِ فِي الأَرْضِ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ. فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ، ذَهَبَ يَتَأَخَّرُ. فَأَوْمَأَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ أَنْ كَمَا أَنْتَ، وَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ.
فَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي جَالِسًا، وَأَبُو بَكْرٍ يَقْتَدِي بِصَلاةِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقْتَدِي النَّاسُ بِصَلاتِهِ.
حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عن عبيد اللَّه ابن عَبْدِ اللَّه بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي مَرَضِهِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي، فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ، فَرَدَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا، وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ قَائِمًا، يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ وَالنَّاسُ بِصَلاةِ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
__________
[1] خ: بن (وقد مر اسمه في أسانيد) .
[2] ابن سعد، 2 (2) / 21، 23 (بأسانيد أخرى) .(1/557)
1132- أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ خَازِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ فَجْأَةً: كَانَ بِلالٌ يَأْتِيهِ فِي مَرَضِهِ فَيُؤْذِنُهُ بِالصَّلاةِ. (فَيَقُولُ) فَهَاتُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ وَهُوَ يَرَى [1] مَكَانِي. فَلَمَّا قُبِضَ، نَظَرَ الْمُسْلِمُونَ فَرَأَوْا أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَلاهُ أَمْرَ دِينِهِمْ، فَوَلَّوْهُ [2] أَمْرَ دُنْيَاهُمْ] .
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ/ 269/ الدَّوْرَقِيُّ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ الْعِجْلِيُّ قَالا، ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ، قَالَ عَلِيٌّ:
[لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَظَرْنَا فِي أَمْرِنَا فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ فِي الصَّلاةِ، فَرَضِينَا لِدُنْيَانَا مَنْ رَضِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدِينِنَا، فَقَدَّمْنَا أَبَا بَكْرٍ] .
1133- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ يُونُسَ، أَنْبَأَ أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ:
اشْتَكَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَكَانَ إِذَا وَجَدَ خِفَّةً صَلَّى، وَإِذَا ثَقُلَ صَلَّى أَبُو بَكْرٍ.
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ اللَّه بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ، أَنْبَأَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْدِ اللَّه بْن أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ:
لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي لِلنَّاسِ صَلاةَ الصُّبْحِ. ثم خَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا أَحَسَّهُ أَبُو بَكْرٍ، ذَهَبَ يَسْتَأْخِرُ. فَحَبَسَهُ. فَصَلَّى هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ إِمَامُ النَّاسِ، وَرَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلاةِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَرَاكَ يَا رَسُولَ اللَّه قَدْ أَصْبَحْتَ صَالِحًا، وَالْيَوْمُ لابْنَةِ خَارِجَةَ- يَعْنِي امْرَأَتَهُ مِنَ الأَنْصَارِ. وَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ إِلَيْهَا، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَذِّرُ النَّاسَ الْفِتَنَ. ثم نادى بأعلى صوته: « [إنى واللَّه لا أحلّ لكم
__________
[1] خ: ترى.
[2] خ: فولاه.(1/558)
إِلا مَا أَحَلَّ اللَّه، وَلا أُحَرِّمُ عَلَيْكُمْ إِلا مَا حَرَّمَ اللَّه فِي كِتَابِهِ. يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللَّه، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّه، اعْمَلا لِمَا عِنْدَ اللَّه فَإِنِّي لا أُغْنِي عَنْكُمَا مِنَ اللَّه شَيْئًا] » . فَمَا انْتَصَفَ النَّهَارُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
1134- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، ثنا هُشَيْمٌ، أَنْبَأَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، ثنا الْبَهِيُّ قَالَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ:
أَرَاكَ الْيَوْمَ مُفِيقًا، وَهُوَ يَوْمُ ابْنَةِ خَارِجَةَ. فَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ إِلَيْهَا، ثُمَّ رَجَعَ وَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ فَقَالَ:
بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا.
1135- حدثني عبد اللَّه بن أبي أمية البصري، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [1] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ:
لَمَّا اسْتُعِزَّ [2] بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضُهُ، قَالَ: [مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. فَقُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ ضَعِيفُ الصَّوْتِ، رَقِيقٌ، كَثِيرُ الْبُكَاءِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ. قَالَ: مُرُوهُ فَلْيُصَلِّ. قَالَتْ: فَعُدْتُ بِمِثْلِ قَوْلِي. فَقَالَ: إنكن صواحب يوسف، مروه فليصل.] قالت: فو اللَّه مَا قُلْتُ ذَلِكَ إِلا أَنِّي خِفْتُ أَنَّ النَّاسَ لا يُحِبُّونَ رَجُلا قَامَ مَقَامَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْ يَتَشَاءَمُوا به، فأحببت أن أصرفه ذَلِكَ عَنْهُ.
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ ثنا المعقل بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ قَالَ:
لَمَّا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَاتَهُ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا، فَقَالَ:
[لِيُصَلِّ لِلنَّاسِ أَبُو بَكْرٍ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّه إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَقِيقٌ، وَإِنَّكَ مَتَى تُقِمْهُ مَقَامَكَ لا يَمْلِكُ دَمْعَهُ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَمُرْ عُمَرَ أَنْ يُصَلِّيَ لِلنَّاسِ. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لِيُصَلِّ أَبُو بَكْرٍ. فَرَاجَعَتْهُ عَائِشَةُ، فَقَالَ:
لِيُصَلِّ أَبُو بَكْرٍ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ.] قَالَتْ عَائِشَةُ: ما حملني على
__________
[1] ابن هشام، ص 1008.
[2] خ: استمر.(1/559)
أَنْ كَلَّمْتُهُ بِذَلِكَ إِلا كَرَاهَةَ أَنْ يَتَشَاءَمَ النَّاسُ بِأَوَّلِ رَجُلٍ يَقُومُ مَقَامَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
1136- حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الأَزْدِيُّ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ قَالا، ثنا وَكِيعٌ، ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَرْقَمِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ، فَأَخَذَ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ.
حدثنا عبِد اللَّه بْن صالح العجلي، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ قَاضِي/ 270/ الْمَدَائِنِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَرْقَمِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ حِينَ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلاةِ فِي مَرَضِهِ. ثُمَّ وَجَدَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِفَّةً، فَخَرَجَ. فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ. فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنْ كَمَا أَنْتَ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ. فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الآيَةِ الَّتِي انْتَهَى إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ، فَقَرَأَ.
1137- حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ أَبِي جُرَيٍّ [1] ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ:
أَمَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ مَرِيضٌ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ.
ثُمَّ قَالَ الْحَسَنُ: لِيُعْلِمَهُمْ، واللَّه، مَنْ صَاحِبُهُمْ بَعْدَهُ؟
1138- الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَرْقَمَ بْنِ شُرَحْبِيلَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرِضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، فَقَالَ: [لِيُصَلِّ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ حَصِرٌ. قَالَ:
فَبَعَثُوا إِلَى عُمَرَ،] فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأَتَقَدَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ حَيٌّ.
الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ، قَالَ عَلِيٌّ:
[مَرِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ أَبَا بَكْرٍ بِالصَّلاةِ وَهُوَ يَرَى مَكَانِي. فَلَمَّا قُبِضَ، اخْتَارَ الْمُسْلِمُونَ لِدُنْيَاهُمْ مَنْ رَضِيَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه
__________
[1] خ جزى (بالزاي، والتصحيح عن الطبرى) .(1/560)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدِينِهِمْ. فَوَلَّوْا أَبَا بَكْرٍ. وَكَانَ واللَّه لَهَا أَهْلا. وَمَاذَا كَانَ يُؤَخِّرُهُ عَنْ مَقَامٍ أَقَامَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ؟] 1139- وحدثني هدبة، ثنا المبارك بن فضالة أن عمر بن عبد العزيز بعث ابن الزبير الحنظلي إلى الحسن فقال له: هل كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استخلف أبا بكر؟ فقال الحسن:
«أو في شك صاحبك؟ واللَّه الذي لا إله إلا هو، لاستخلفه حين أمره بالصلاة دون الناس. ولهو كان أتقى للَّه من أن يتوثب عليها» .
المدائني، عَنِ المبارك بن فضالة بمثله.
1140- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
خَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي، فَأَرَادَ أَنْ يَنْكُصَ.
فَقَالَ: [مَكَانَكَ، إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَى الصُّفُوفِ] .
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ السَّوَّاقُ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ زُرَارَةَ السُّكَّرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
آخِرُ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اشْتَكَى وَأَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. فَبَيْنَا نحن في صلاة الظهر، (إذ) كَشَفَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ عَائِشَةَ، فَنَظَرْتُ إِلَى وَجْهِهِ وَكَأَنَّهُ وَرَقَةٌ من مصحف.
قال، وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ: وَسَمِعْتُ غَيْرَ الزُّهْرِيِّ يَذْكُرُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نَكَصَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُمْ صُفُوفًا لِمَا رَأَى مِنْ هَيْئَتِهِمْ وَأَشَارَ أَنِ اثْبُتُوا عَلَى صَلاتِكُمْ. ثُمَّ أَرْخَى السِّتْرَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، وَتُوُفِّيَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يومه ذلك.
__________
[1] ابن سعد، 2 (2) / 18 بإسناد غير هذا.(1/561)
1141 حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَبُو عَاصِمٌ النَّبِيلُ، ثنا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ:
«يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَمَا يَوْمَ الْخَمِيسِ؟ اشْتَدَّ فِيهِ وَجَعُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . وَبَكَى ابْنُ عَبَّاسٍ طَوِيلا. ثُمَّ قَالَ: «فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ، [قَالَ: ائْتُونِي بِالدَّوَاةِ وَالْكَتِفِ أَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لا تَضِلُّونَ مَعَهُ بَعْدِي أَبَدًا. فَقَالُوا: أَتُرَاهُ يَهْجُرُ.
وَتَكَلَّمُوا، وَلَغَطُوا. فَغَمَّ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَضْجَرَهُ. وَقَالَ:
إِلَيْكُمْ عَنِّي. وَلَمْ يَكْتُبْ شَيْئًا] » .
1142- حَدَّثَنِي رَوْحٌ، ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِصَحِيفَةً أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ فِيهَا كِتَابًا لأُمَّتِهِ. فَكَانَ فِي الْبَيْتِ لَغَطٌ. فَرَفَضَهَا.
1143- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ/ 271/ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ:
نِعْمَةٌ مِنَ اللَّه عَلَيَّ وَرَحْمَةٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي وَفِي يومى وليلتي بين سحرى ونحرى، لم يَلُمْهُ غَيْرِي وَغَيْرُ الْمَلَكِ.
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بن سعد، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [1] ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ:
مَاتَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَفِي دَوْلَتِي لَمْ أَظْلِمْ أَحَدًا، فَمِنْ سَفَهِي وَحَدَاثَةِ سِنِّي أَنَّهُ قُبِضَ (وَهُوَ فِي حِجْرِي) [2] ، فَوَضَعْتُ رَأْسَهُ عَلَى وِسَادَةٍ وَقُمْتُ أَلْتَدِمُ مَعَ النِّسَاءِ وَأَضْرِبُ وَجْهِي.
1144- حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، ثنا مَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا أَبُو عمران الجونى، عن يزيد بن نانيوس قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ:
سَمِعَنِي رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أقول «وآرأساه» ، أَنَا الَّذِي أَشْتَكِي رَأْسِي. وَذَاكَ حِينَ أَخْبَرَهُ جبريل أنه مقبوض. فلبثه أياما
__________
[1] ابن هشام، ص 1111- 1112.
[2] الزيادة عن ابن هشام.(1/562)
حتى جيء به من بيت ميمونة، فحمل بَيْنَ أَرْبَعَةٍ. فَقَالَ:
[يَا عَائِشَةُ، أَرْسِلِي إِلَى النِّسْوَةِ، فَلَمَّا جِئْنَ قَالَ: لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَخْتَلِفَ بَيْنَكُنَّ، فَأْذَنَنَّ [1] لِي فَأَكُونَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ. قُلْنَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. وَرَأَيْنَاهُ يوما يجمر وَجْهُهُ وَيَعْرَقُ جَبِينُهُ، وَلَمْ أَكُنْ رَأَيْتُ قَطُّ مَيِّتًا قَبْلَهُ. ثُمَّ قَالَ: أَقْعِدِينِي،] فَأَسْنَدْتُهُ إِلَيَّ وَوَضَعْتُ يَدِي عَلَيْهِ، فَقَلَبَ رَأْسُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَنْهُ. وَوَقَعَتْ مِنْ فِيهِ نُطْفَةٌ بَارِدَةٌ عَلَى صَدْرِي- أَوْ قَالَتْ: عَلَى تَرْقُوَتِي- فَسَقَطَ عَلَى الْفِرَاشِ. فَسَجَّيْنَاهُ بِثَوْبٍ. وَجَاءَ عُمَرُ، فَاسْتَأْذَنَ، وَمَعَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَأَذِنْتُ لَهُمَا وَمَدَدْتُ الْحِجَابَ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقُلْتُ: غُشِيَ عَلَيْهِ مُنْذُ سَاعَةٍ. فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالَ: وَاغَشْيَاهُ مَا أَشَدُّ غَشْيَ رَسُولِ اللَّهِ. ثُمَّ غَطَّاهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمِ الْمُغِيرَةُ.
فَلَمَّا أَنْ بَلَغَ إلى عَتَبَةِ الْبَابِ، قَالَ: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عُمَرُ.
قَالَ عُمَرُ: كَذَبْتَ، مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّه، وَلا يَمُوتُ حَتَّى يُؤْمَرَ بِقِتَالِ الْمُنَافِقِينَ، بَلْ أَنْتَ امْرُؤٌ تَحُوسُكَ الْفِتْنَةُ. وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: مَا لِرَسُولِ اللَّهِ؟ قُلْتُ:
غُشِيَ عَلَيْهِ مُنْذُ سَاعَةٍ. فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ وَوَضَعَ فَمَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صُدْغَيْهِ ثُمَّ قَالَ: وَانَبِيَّاهُ، وَاخَلِيلاهُ، وَاصَفِيَّاهُ، صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ اللَّهُ عز وجل: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [2] ، وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ [3] ، كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ [4] ، وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [5] .
قَالَ عُمَرُ: «أَفِي كِتَابِ اللَّه هَذَا، يَا با بَكْرٍ؟» قَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ:
هَذَا صَاحِبُ رَسُولِ اللَّه فِي الْغَارِ وثانِيَ اثْنَيْنِ، فبايعوه. فحينئذ بايعوه.
__________
[1] خ: فاذنى.
[2] القرآن، الزمر (39/ 30) .
[3] القرآن، الأنبياء (21/ 34) .
[4] القرآن، العنكبوت (29/ 57) .
[5] القرآن، آل عمران (43/ 14) .(1/563)
1145- حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُجِّيَ بِثَوْبٍ، وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ نَبْكِي. وَإِنَّا لَكَذَلِكَ إِذْ سَمِعْنَا صَوْتًا، وَلا يُتَبَيَّنُ شَخْصًا، قَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّه وَبَرَكَاتُهُ. فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ. فَقَالَ: «كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ» ، إلى قوله «مَتاعُ الْغُرُورِ [1] » أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ فِي اللَّه خَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَعَزَاءً عَنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَعِوَضًا من كل فايت، فباللَّه فَثِقُوا، واللَّه فَارْجُوا، وَلْيُحْسِنْ نَظَرَكُمْ فِي أَمْرِكُمْ وَمُصِيبَتِكُمْ، فَإِنَّ الْمَحْرُومَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ، وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّه وَبَرَكَاتُهُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَسَمِعَ هَذَا الْكَلامَ أَهْلَ الْبَيْتِ كُلُّهُمْ، وَأَهْلُ الْمَسْجِدِ، وَأَهْلُ الطَّرِيقِ.
وَبَكَى النَّاسُ يَوْمَئِذٍ حَتَّى النِّسَاءُ فِي الْخُدُورِ، وَكَادَتِ الْبُيُوتُ تَسْقُطُ مِنَ الصُّرَاخِ.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَظَنَنَّا أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ جَاءَ يُعَزِّينَا عَزَاءَ نَبِيِّنَا ويودّ عنا.
الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ، قَالَ الشَّعْبِيُّ:
لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، سَمِعُوا مُنَادِيًا/ 272/ يُنَادِي: فِي اللَّه عِوَضُ كُلِّ فَائِتٍ، وَعَزَاءٌ مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، الْمَجْبُورُ مَنْ جَبَرَهُ الثَّوَابُ، وَالْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَهُ. فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ: [هَذَا الْخَضِرُ يُعَزِّيكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ] .
1146- حدثني محمد بن سعد [2] ، عن الواقدي، عن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي عَوْنٍ، عَنِ أَبِي عَوْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
[إِذَا غَسَّلْتُمُونِي فَضَعُونِي عَلَى سَرِيرِي هَذَا عَلَى شَفِيرِ قَبْرِي، ثُمَّ اخْرُجُوا عَنِّي سَاعَةً، وَأَنَّ أَوَّلَ مَنْ يُصَلِّي عَلَيَّ خَلِيلِي جِبْرِيلُ، ثُمَّ مِيكَائِيلُ، ثُمَّ إِسْرَافِيلُ، ثُمَّ ادْخُلُوا عَلَيَّ فَوْجًا فَوْجًا، فَصَلُّوا وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا، وَلا تُؤْذُونِي بِتَزْكِيَةٍ [3] ، وَلْيَبْدَأْ بِالصَّلاةِ عَلَيَّ رِجَالُ أَهْلِ بيتى، ثم نساؤهم، ثم أنتم، واقرأوا السلام على من غاب من أصحابى] .
__________
[1] القرآن، آل عمران (/ 1853) .
[2] ابن سعد، 2 (2) / 46- 47.
[3] أى بالمبالغة في ثناء الميت. (راجع أيضا البخارى ومسلم، كتاب الجنائز) .(1/564)
1147- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [1] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي شَكَاةِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالُوا: كَيْفَ رَسُولُ اللَّه، أَبَا الْحَسَنِ؟ فَقَالَ: [أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّه بَارِئًا. فَأَخَذَ الْعَبَّاسُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَلِيُّ أَنْتَ واللَّه عَبْدَ الْعَصَا بَعْدَ ثَلاثٍ،] قَدْ واللَّه عَرَفْتُ الْمَوْتَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كُنْتُ أَعْرِفُهُ فِي وُجُوهِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [2] ، فَانْطَلِقْ بِنَا إلى رَسُولِ اللَّه، فَإِنْ كَانَ الأَمْرُ فِينَا أَعْلَمَنَا، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا سَأَلْنَاهُ أَنْ يُوصِيَ النَّاسَ بِنَا. [فَقَالَ عَلِيٌّ: واللَّه لا أَفْعَلُ، واللَّه لئن منعناه لا يوتيناه النَّاسُ بَعْدَهُ.] وَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ ارْتَفَعَ الضُّحَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمَ.
1148- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ قَالَ:
دَخَلَ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد أَنِ اسْتَأْذَنَ لَهُ جِبْرِيلُ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه، إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أُطِيعَكَ، فَإِنْ شِئْتَ قَبَضْتُ رُوحَكَ، وَإِنْ شِئْتَ تَرَكْتُكَ. فَقَالَ: [مَا عِنْدَ اللَّه خَيْرٌ وَأَبْقَى، فَامْضِ لِقَبْضِ رُوحِي.] قَالُوا: وَرُفِعَ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَيَقَّنَ النَّاسُ بِوَفَاتِهِ.
1149- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بنُ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [4] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عُمَرُ فَقَالَ: إِنَّ رِجَالا مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَزْعُمُونَ أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تُوُفِّيَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مَاتَ وَلَكِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى رَبِّهِ كَمَا ذَهَبَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ وَغَابَ عَنْ قومه أربعين ليلة [5] ، واللَّه
__________
[1] ابن هشام، ص 1010- 1011.
[2] خ: وجوه عبد اللَّه المطلب
[3] ابن سعد، 2 (2) / 48- 49.
[4] ابن هشام، ص 1012- 1013 مع زيادة بعض الكلمات.
[5] راجع القرآن، البقرة (2/ 51) ، والأعراف (7/ 142) .(1/565)
لَيَرْجِعَنَّ رَسُولُ اللَّه فَلَيُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ. ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَدَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَجًّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ. فَأَقْبَلَ حَتَّى كَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ قَبَّلَهُ وَرَدَّ الْبُرْدَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ خَرَجَ وَعُمَرُ يُكَلِّمُ. فَقَالَ: عَلَى رِسْلِكَ يَا عُمَرُ. ثُمَّ حَمِدَ اللَّه أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّه فِإِنَّ اللَّه حَيٌّ لا يَمُوتُ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ.
ثم تلى قَوْلُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [1] ، وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ [2] . قال:
فو اللَّه لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا [3] بِنُزُولِ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ حَتَّى قَرَأَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَخَذَهُمَا النَّاسُ فَكَانَتَا فِي أَفْوَاهِهِمْ. وَقَالَ عُمَرُ: لَمَّا سَمِعْتُهُمَا، سَقَطَتْ رِجْلايَ، فَمَا يُقِلانِي، وَعَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عن عروة قَالَ:
لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم دَخَلَ عُمَرَ أَمْرٌ جَلِيلٌ، فَأَقْبَلَ وَالِهًا مُدَلَّهًا يَقُولُ: مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا يَمُوتُ، إِنَّمَا هَذِهِ غَشْيَةٌ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَشَكَكْتَ فِي دِينِكَ يَا عُمَرُ؟ أَمَا سَمِعْتَ اللَّه يَقُولُ لِنَبِيِّهِ: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ. قَالَ: فَسُرِّيَ عَنْ عُمَرَ، وَقَالَ: واللَّه/ 273/ لَكَأَنِّي لَمْ أَسْمَعْهَا قَبْلَ يَوْمِي هَذَا. وَأَكَبَّ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ جبينه ويبكى.
1150- حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ الْغَدَ مِنْ مُتَوَفَّى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَشَهِدَ عُمَرُ، وَأَبُو بَكْرٍ صَامِتٌ، فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قُلْتُ أَمْسِ مَقَالَةً لَمْ تَكُنْ [4] كَمَا قُلْتُ، وَإِنِّي واللَّه مَا وَجَدْتُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ فِي كِتَابٍ أَنْزَلَهُ اللَّه وَلا عَهِدَ عَهْدَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم،
__________
[1] القرآن، الزمر (39/ 30) .
[2] القرآن، آل عمران (43/ 14) .
[3] خ: تعلموا.
[4] خ: يكن.(1/566)
وَلَكِنِّي رَجَوْتُ أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللَّه حَتَّى يُدَبِّرَنَا، وَإِنْ كَانَ اللَّه قَدْ أَبْقَى فِينَا كِتَابَهُ الَّذِي هَدَى بِهِ رَسُولَهُ فَإِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ هَدَاكُمُ اللَّه، وَقَدْ جَمَعَ اللَّه أَمْرَكُمْ عَلَى خَيْرِكُمْ: صَاحِبِ رَسُولِ اللَّه وَثَانِيَ اثْنَيْنِ وَأَحَقِّ النَّاسِ بِأَمْرِكُمْ، فَقُومُوا فَبَايِعُوا. فَبَايَعَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ، بَعْدَ السَّقِيفِ، بَيْعَةَ الْعَامَّةِ.
1151- وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادٍ لَهُ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ، وَلَكِنَّهُ رُفِعَ كما رفع عيسى بن مَرْيَمَ.
وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، ثنا زَيْدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
تُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، فَتُرِكَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمِنَ الْغَدِ، وَدُفِنَ لَيْلا. فَتَكَلَّمَ عُمَرُ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ وَإِنَّمَا عُرِجَ بِرُوحِهِ كَمَا عُرِجَ بِرُوحِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، واللَّه لا يَمُوتُ حَتَّى يَقْطَعَ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَلْسِنَتَهُمْ. وَتَكَلَّمَ حَتَّى أَزْبَدَ شِدْقَاهُ. فَقَامَ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: «يَا قَوْمُ، إِنَّ النَّبِيَّ قَدْ مَاتَ، فَادْفِنُوا صَاحِبَكُمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ يَعِزُّ عَلَى اللَّه، إِنْ كَانَ كَمَا يَقُولُونَ، أَنْ ينحى عنه التراب، فو اللَّه مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّه حَتَّى تَرَكَ السَّبِيلَ نَهْجًا وَاضِحًا: أَحَلَّ الْحَلالَ وَحَرَّمَ الْحَرَامَ، وَنَكَحَ وَطَلَّقَ، وَحَارَبَ وَسَالَمَ. واللَّه مَا كَانَ رَاعِي غنم يخبط عليها العصاة [1] بمخبطه ويمدر حوضها بيده بإرب [2] . ومن رسول اللَّه فيكم ولا أتغب [3] ، يَا قَوْمِ ادْفِنُوا صَاحِبَكُمْ» . وَجَعَلَتْ أُمُّ أَيْمَنَ تَبْكِي، فَقِيلَ لَهَا: أَتَبْكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّه؟
فَقَالَتْ: مَا أَبْكِي أَنْ لا أَكُونَ أَعْلَمَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْهَا، وَلَكِنِّي أَبْكِي لأَنَّهُ انْقَطَعَ عنا خبر السماء.
__________
[1] خ: العصاة (لعله كما اقترحناه) .
[2] خ: بازاب. (والإزب: اللئيم) .
[3] خ: اتعب. (أتغب: أهلك) . ولا نجزم بصحة الاقتراحات لتصحيح هذه الجملة.(1/567)
1152- حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
قَالَ لِي عُمَرُ فِي خِلافَتِهِ: أَتَدْرِي يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا حَمَلَنِي عَلَى مَا قُلْتُ حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ كُنْتُ أَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [1] ، وَكُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَبْقَى فِي أُمَّتِهِ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهَا بِآخِرِ أَعْمَالِهَا.
فَذَلِكَ حَمَلَنِي عَلَى مَا قُلْتُ.
1153- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: بُدِئَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الأَرْبَعَاءِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ صَفَرٍ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَن مُحَمَّد بن راشد، عَن مكحول قَالَ:
قبض النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين، ودفن ليلة الأربعاء.
وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن الأَسْوَدِ، عَن يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنِ الْبَكَّائِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [3] ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي بَكْرِ ابن عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
مَا عَلِمْنَا بِدَفْنِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْنَا أَصْوَاتَ الْمَسَاحِي فِي جَوْفِ اللَّيْلِ لَيْلَةَ الأَرْبَعَاءِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدِئَ يَوْمَ الأَرْبَعَاءِ لإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةٍ بَقِيَتْ مِنْ صَفَرٍ، وَقُبِضَ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، فَكَانَتْ شِكَايَتُهُ ثَلاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ.
وَرَوَى أَبُو مِخْنَفٍ مِثْلَ رِوَايَةِ أَبِي مَعْشَرٍ، وَقَالَ:
دُفِنَ/ 274/ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ حِينَ زاغت الشمس، وتغير لونه.
__________
[1] القرآن، البقرة (2/ 143) .
[2] ابن سعد، 2 (2) / 58.
[3] ابن هشام، ص 1020.(1/568)
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الواقدي، عَن عُبَد الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّد الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ موسى ابن عقبة، عن الزهري قال:
تُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين حين زاغت الشمس شهر لهلال ربيع الأول.
غسَل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتكفينه ودفنه:
1154- حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا يحيى بن آدم، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [2] عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، أَنَّ عَلِيًّا، وَالْعَبَّاسَ، وَالْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ، وَقُثَمَ بْنَ الْعَبَّاسِ، وَأُسَامَةَ ابن زَيْدٍ، وَشُقْرَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هم الذين وُلُّوا غُسْلَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَفْنَهُ، وَأَنَّ أَوْسَ بْنَ خَوْلِيٍّ، أَحَدَ الْخَزْرَجِ قَالَ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ: اجْعَلْ لَنَا حَظًّا فِي رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ بَدْرِيًّا. فَقَالَ [لَهُ: ادْخُلْ. فَدَخَلَ فَجَلَسَ وَحَضَرَ غُسْلَ رَسُولِ اللَّه، وَأَسْنَدَهُ عَلِيٌّ إِلَى صَدْرِهِ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ وَقُثَمُ يُقَلِّبُونَهُ، وَكَانَ أُسَامَةُ وَشُقْرَانُ يَصُبَّانِ عَلَيْهِ الْمَاءَ، وَعَلِيٌّ يغسله مسندا له إلى صَدْرِهِ، وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ يُدَلِّكُهُ بِهِ، وَمِنْ وَرَائِهِ لا يقضى بِيَدِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلِيٌّ يَقُولُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا] .
1155- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، [3] عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي غُسْلِهِ، وَقَالُوا: كَيْفَ نَصْنَعُ: أَنُجَرِّدُ رَسُولَ اللَّه كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا؟ فَأَلْقَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمُ النَّوْمَ، فَمَا أَحَدٌ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَسَمِعُوا مُنَادِيًا يُنَادِي مِنْ عَرَضِ الْبَيْتِ أَنِ اغْسِلُوهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ. فَغُسِّلَ فِي قَمِيصٍ لَهُ، يَصُبُّونَ الْمَاءَ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَيُدَلِّكُونَهُ بِهِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ كُنْتُ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا استدبرت، ما غسله إلا نساؤه.
__________
[1] ابن سعد، 2 (2) / 58.
[2] ابن هشام، ص 1018- 1019، 1021.
[3] ابن هشام، ص 1019.(1/569)
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، عَنْ هُشَيْمِ بْنِ بُشَيْرٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ مَوْلًى لِبَنِي هَاشِمٍ قَالَ:
لَمَّا أَرَادُوا غسَل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَمُّوا بِنَزْعِ قَمِيصِهِ، فَسَمِعُوا صَوْتًا مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ: لا تَنْزِعُوا قَمِيصَهُ.
1156- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، بْنُ [1] أَبِي إِسْرَائِيلَ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ- يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ- ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ:
غُسِّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَ غَسَلاتٍ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، فِي قَمِيصٍ، وَغُسِّلَ مِنْ بِئْرٍ لِسَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ يُقَالُ لَهَا بِئْرُ غَرْسٍ. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُ مِنْهَا. وَوَلِيَ غُسْلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِهِ، وَالْعَبَّاسُ يَصُبُّ الْمَاءَ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ مُحْتَضِنُهُ. وَالْفَضْلُ يَقُولُ أَرِحْنِي أَرِحْنِي، قَطَعْتَ وَتِينِي [2] .
1157- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سعد، عن الواقدي، عن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
خَلَّى أَبُو بَكْرٍ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْعَبَّاسِ، وَعَلِيٍّ، وَالْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، وَسَائِرِ أَهْلِهِ، فَكَانُوا هُمُ الَّذِينَ أَجَنَّوْهُ.
حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:
غَسَّلَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ، وَصَالِحٌ يُعَاوِنَهُمَا- يَعْنِي شُقْرَانَ.
حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:
وَلِيَ غُسْلَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِجْنَانَهُ دُونَ النَّاسِ أَرْبَعَةٌ:
الْعَبَّاسُ، وَعَلِيٌّ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَصَالِحٌ مَوْلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
__________
[1] خ: عن. (وقد مر ذكر هذا الراوي مرارا، وذكره أيضا ابن حجر في تهذيب التهذيب) .
[2] رواه أيضا ابن سعد، 2 (2) / 58 وزاد في آخره: «إنى وجدت شيئا ينزل على مرتين» .(1/570)
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ يَحْيَى بْن آدم، عَنِ ابن المبارك، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:
الْتَمَسَ عَلِيٌّ مِنَ النَّبِيِّ مَا يُلْتَمَسُ مِنَ الْمَيِّتِ، فَلَمْ يَجِدْهُ فَقَالَ: [بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا] .
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، ثنا هُشَيْمٌ، أَنْبَأَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ/ 275/ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:
غَسَّلَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيٌّ، وَالْفَضْلُ، وَكَانَ أُسَامَةُ يُنَاوِلُهُمَا الْمَاءَ.
1158- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم كُفِّنَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ سُحُولِيَّةٍ.
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، ثنا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلاثَةَ أَثْوَابٍ سُحُولِيَّةٍ: رِيَاطٍ يَمَانِيَّةٍ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْن سَعِيد، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
كُفِّنَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ سُحُولِيَّةٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ.
حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ:
كُفِّنَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثوب حِبْرَةٍ، ثُمَّ رَأَوْا أَنْ يُكَفِّنُوهُ فِي بِيَاضٍ أَوْ يَمَانِيَّةٍ. قَالَ: فَأَخَذَهُمَا عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: كُفِّنَ فِيهِمَا رَسُولُ اللَّه، وَمَسَّا جِلْدَهُ، فَلَنْ يُفَارِقَانِي حَتَّى أُكَفَّنَ فِيهِمَا. فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ رَأْيِهِ.
قَالَ: فَامْسَكَهُمَا مَا شَاءَ اللَّه، ثُمَّ قَالَ: لَوْ كَانَ فِيهِمَا خَيْرٌ، مَا آثَرَنِي اللَّه بِهِمَا عَلَى نَبِيِّهِ. فعجب الناس من رأيه الآخر أشد من عَجَبِهِمْ مِنْ رَأْيِهِ الأَوَّلِ.
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا هشيم، أنبأ يُونُسُ أَنَّهُ سَمِعَ الْحَسَنُ يَقُولُ:
كُفِّنَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُلَّةِ حبرة، وقميص.(1/571)
وَحُدِّثْتُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [1] ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَلِيِّ بْنِ الحسين، وعن الزهري عن على ابن الْحُسَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ: ثَوْبَيْنِ صَحَارِيَّيْنِ، وَثَوْبِ حِبْرَةٍ أُدْرِجَ فِيهِمَا إِدْرَاجًا.
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هشام البزاز، ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ مغيرة، عن إبراهيم مِثْلِهِ.
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ:
كُفِّنَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه (عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ: ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ، وَثَوْبِ حِبْرَةٍ.
حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ: «ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ» ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي سَبْعَةِ أَثْوَابٍ.
1159- حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ وبكر بن الهيثم قَالا، ثنا عَبْدُ اللَّه بْنُ صَالِحٍ، كَاتِبُ اللَّيْثِ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ [2] ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ:
رَأَيْتُ كَأَنَّ ثَلاثَةَ أَقْمَارٍ سَقَطْنَ فِي حُجْرَتِي، فَقَصَصْتُ رُؤْيَايَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: لَيُدْفَنَنَّ فِي حُجْرَتِكِ ثَلاثَةٌ هُمْ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُفِنَ فِي بَيْتِهَا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا أَحَدُ أَقْمَارِكِ، وهو خيرها.
حدثنا شريح بن يونس، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا رَأَتْ قَمَرًا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ يَهْوِي حَتَّى وَقَعَ فِي حُجْرَتِهَا، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَهْوِي حَتَّى وَقَعَ فِي حُجْرَتِهَا، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَهْوِي حَتَّى
__________
[1] ابن هشام، ص 1019.
[2] رواه عنه أيضا مالك في الموطإ، كتاب 16، باب 10 (حديث 30) .(1/572)
وَقَعَ فِي حُجْرَتِهَا، فَقَصَّتْ رُؤْيَاهَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكِ، دُفِنَ فِي حُجْرَتِكِ ثَلاثَةٌ هُمْ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ.
قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ، وَأَخْبَرَنِي غَيْرُ أَيُّوبَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قُبِضَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا: هَذَا أَحَدُ أَقْمَارِكِ، وَهُوَ خَيْرُهَا.
1160- حَدَّثَنِي عباس بن حاتم البزار بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، أَنْبَأَ عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عن ابن (أبى) جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
شَكُّوا فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ 276/ أَيْنَ يَدْفِنُونَهُ؟ فقال أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ: [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
إِنَّ النَّبِيَّ لا يُحَوَّلُ مِنْ مَكَانِهِ، يُدْفَنُ حَيْثُ يَمُوتُ. فَنَحَّوْا فِرَاشَهُ، وَحَفَرُوا لَهُ فِي مَوْضِعِ فِرَاشِهِ] .
1161- حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ وَعَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ قَالا، ثنا إِبْرَاهِيمِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [1] ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَحْفُرُوا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان أبو عبيدة ابن الْجَرَّاحِ يَضْرَحُ كَحَفْرِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ يَحْفِرُ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ فكان يلحد. فدعى الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ لأَحَدِهِمَا:
اذْهَبْ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَقَالَ لِلآخَرِ: اذْهَبْ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ، اللَّهُمَّ، خِرْ لَنَبِيِّكَ. فَوَجَدَ صَاحِبَ أَبِي طَلْحَةَ أَبَا طَلْحَةَ، فجاء به، فلحد لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. قَالَ: وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ جِهَازِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ الثُّلاثَاءِ، وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ فِي بَيْتِهِ. وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ:
فَقَالَ قَائِلٌ: نَدْفِنُهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَالَ قَائِلٌ: نَدْفِنُهُ فِي مَكَانِ كَذَا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا قُبِضَ نَبِيٌّ إلا دفن حيث يقبض.] فَرُفِعَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ عَلَيْهِ، وَحُفِرَ لَهُ تَحْتَهُ، ثُمَّ دَخَلَ النَّاسُ أَرْسَالا لِلصَّلاةِ عَلَيْهِ. حَتَّى إذا فرغوا دخل النساء.
__________
[1] ابن هشام، ص 1019.(1/573)
حَتَّى إِذَا فَرَغَ النِّسَاءُ دَخَلَ الصِّبْيَانُ. وَلَمْ يَؤُمَّ النَّاسَ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الأَرْبَعَاءِ.
1162- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ قَالَ:
اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يُدْفَنُ بِالْبَقِيعِ، وَقَالَ قَائِلٌ: يُدْفَنُ عِنْدَ مِنْبَرِهِ، وَقَالَ قَائِلٌ: يُدْفَنُ عِنْدَ الْجِذْعِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي إِلَيْهِ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ: عِنْدِي مِمَّا تَخْتَلِفُونَ فِيهِ عِلْمٌ، [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ نَبِيٍّ يُدْفَنُ إِلا حَيْثُ يُقْبَضُ.] فَخَطَّ حَوْلَ فِرَاشِهِ، ثُمَّ حُوِّلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفِرَاشِ نَاحِيَةً، ثُمَّ حَفَرَ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ، وَلَحَدَ لَهُ.
1163- حَدَّثَنَا عفان بن مسلم، ثنا حماد بن سَلَمَةَ، أنبأ أَبُو عمران الجوني، ثنا أَبُو عسيم وشهد ذَلِكَ، قَالَ: لما قبض النبي صلى اللَّه عليه وسلم قالوا: كيف نصلي عَلَيْهِ؟ قالوا: ادخلوا أرسالا. فكانوا يدخلون من الباب، ويخرجون من الباب الآخر، ولم يتقدمهم عَلَيْهِ إمام.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عِمْرَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ:
كُنْتُ مِمَّنْ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى سَرِيرٍ، فَكُنَّا صُفُوفًا ندعو ونصلى، فرأيت أزواجه قد وضعن الجلالبيب عَنْ رُءُوسِهِنَّ يَلْتَدِمْنَ فِي صُدُورِهِنَّ، وَنِسَاءَ الأَنْصَارِ يَضْرِبْنَ الْوُجُوهَ فَذُبِحَتْ حُلُوقُهُنَّ مِنَ الصِّيَاحِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، ثنا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ:
وَجَدْتُ فِي صَحِيفَةٍ لأَبِي: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ وَالْمُهَاجِرُونَ يُسَلِّمُونَ، يَقُولُونَ: السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّه وَبَرَكَاتُهُ. وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمَا. ثُمَّ جَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ يَقُولُونَ كَمَا قَالا، وَقَالُوا [2] بَعْدَ السَّلامِ: إِنَّا نَشْهَدُ أنك قد بلغت الرسالة، ونصحت الأمة،
__________
[1] ابن سعد، 2 (2) / 71.
[2] خ: وولوا. (لعل الأرجح ما أثبتناه) .(1/574)
وَجَاهَدْتَ فِي سَبِيلِ اللَّه حَتَّى أَعْزَزْتَ دِينَهُ، اللَّهُمَّ فَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَتَّبِعُ [1] الْقَوْلَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ، وَاجْمَعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ.
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَن مُحَمَّد بن عبد اللَّه وغيره، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَن عروة أَنَّهُ لِمَا كُفِّنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ 277/ وضع فِي البيت، فدخل الناس أفواجا: الرجال، والنساء، والصبيان يصلون عَلَيْهِ، ثُمَّ يخرجون، لا يؤمهم إمام.
1164- حَدَّثَنَا خلف بن هِشَامٍ، ثنا هشيم، ثنا يونس، عَنِ الْحَسَن ومغيرة، عَنْ إبْرَاهِيم ومجالد، عَنِ الشعبي، قالوا:
ألحد لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال خلف بن هِشَامٍ، قَالَ هشيم:
بلغني أن اللبن نصب نصبا.
وَحَدَّثَنِي بَعْضُ الدِّمَشْقِيِّينَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى قَالَ:
ألحد لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وَلَمْ يُشَقَّ، وَبَنَوْا عَلَيْهِ اللَّبِنَ كَمَا يُبْنَى عَلَى الْقِبَابِ.
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ العزيز، عن سليمان بْنِ مُوسَى قَالَ:
لَمَّا وُضِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبْرِهِ، الْتَمَسُوا بِنَاءً، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: أَنَا أَنْزِلُ فَأَبْنِي. فَنَزَلَ فَبَنَى.
1165- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ [3] ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ:
جُعِلَتْ فِي قَبْرِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ كَانَ أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ. وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لأَنَّ أَرْضَ المدينة سبخة. قال: ففرشت تحته.
__________
[1] خ: نتبع.
[2] ابن سعد، 2 (2) / 68.
[3] خ: زادان (بالدال المهملة، والتصحيح عن تهذيب التهذيب لابن حجر، ج 10، رقم 535) .(1/575)
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا الوليد، عن سعيد بن- أحسب [1]- عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ فُرِشَتْ تَحْتَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطِيفَةٌ تَقِيهِ سَبْخَ الْمَدِينَةِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادٍ لَهُ:
قَذَفَ شُقْرَانُ قَطِيفَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبْرِهِ، وَقَالَ: لا يَلْبَسُهَا أَحَدٌ بَعْدَهُ.
حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ:
جُعِلَ- أَوْ بُسِطَ، أَوْ فُرِشَ- فِي قَبْرِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ.
1166- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مَالِكٍ وَمَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
لَمَّا دُفِنَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رُشَّ عَلَى قَبْرِهِ الْمَاءُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، مِنْ شِقِّهِ الأَيْمَنِ. رَشَّهُ بِلالٌ. وَجُعِلَ مَسْطُوحًا، وَجُعِلَتْ عَلَيْهِ، بَعْدُ، حَصْبَاءُ.
1167- وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَن الوليد بْن مُسْلِم، عَن أبي جريج قَالَ:
كَانَ حائط البيت الَّذِي دفن فِيهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد استهدم وسقط بعضه بعضا، فبناه عمر بن عبد العزيز حين بنى المسجد أيام الوليد بن عبد الملك.
1168- حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا هُشَيْمٌ، أَنْبَأَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ قَالَ:
دَخَلَ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ. قَالَ: فَتَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ، فَدَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عوف.
__________
[1] خ: أحيب.
[2] راجع ابن سعد، 2 (2) / 79- 80.(1/576)
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عن الثوري، عن إسماعيل ابن أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي مَرْحَبٍ قَالَ:
نَزَلَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ، أَحَدُهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: الثَّبْتُ أَنَّهُ نَزَلَ فِي قبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْفَضْلُ، وَأُسَامَةُ، وَشُقْرَانُ.
وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ:
نَزَلَ فِي قبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْفَضْلُ، وَأُسَامَةُ، وَشُقْرَانُ. وَقَالَتِ الأَنْصَارُ: اجْعَلُوا لَنَا فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصِيبًا. فَدَخَلَ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيٍّ أَحَدَ بَنِي الْحُبُلِيِّ، مِنَ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ بَدْرِيًّا. وَسَقَطَ خَاتَمُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي الْقَبْرِ.
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ: [إِنَّمَا أَسْقَطْتُهُ عَمْدًا لِتَنْزِلَ فَتَأْخُذُهُ وَتَقُولُ [1] : كُنْتُ آخِرَ مَنْ نَزَلَ فِي قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْرَبَهُمْ عَهْدًا بِهِ.] فنزل قثم ابن/ 278/ الْعَبَّاسِ، فَأَخْرَجَ خَاتَمَ الْمُغِيرَةِ. فَكَانَ قُثَمُ آخِرَ النَّاسِ عَهْدًا بِقَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا هُشَيْمٌ، أَنْبَأَ يُونُسُ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ:
دَخَلَ في قبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْفَضْلُ، وَأُسَامَةُ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُ ابْنُ خَوْلِيٍّ: قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي كُنْتُ أَدْخُلُ قُبُورَ الشُّهَدَاءِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ، فَأُدْخِلَ مَعَهُمْ.
1169- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [2] ، عَنْ أَبِيهِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مِقْسَمٍ أَبِي الْقَاسِمِ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ:
[إِنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ آخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان أحدث الناس عهدا برسول الله قثم بن العباس] .
__________
[1] خ: يقول.
[2] ابن هشام، ص 1020- 1021 (مع زيادات) .(1/577)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أبان الطحان، ثنا جرير بن حازم، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ [1] قَالَ:
كَانَ آخر الناس عهدا برسول الله [2] صَلَّى الله عليه وسلم تمام بن العباس ابن عبد المطلب، أو قثم، نزل فأخرج خاتم المغيرة بن شعبة.
الْمَدَائِنِيُّ، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلامُ قَالَ:
[أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْدًا بِقَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، أَمَرَهُ أَبُوهُ فَنَزَلَ فَأَخْرَجَ خَاتَمَ الْمُغِيرَةِ] .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، ثنا هُشَيْمٌ، ثنا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُهُمْ هَاهُنَا، يَعْنِي بِالْكُوفَةِ، قَالَ: أَنَا أَقْرَبُ النَّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَدُفِنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ، فَأَلْقَيْتُ خَاتَمِي، فَقُلْتُ: يَا با الْحَسَنِ، خَاتَمِي. قَالَ: انْزِلْ، فَخُذْهُ.
فَنَزَلْتُ، فَأَخَذْتُ الْخَاتَمَ، وَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى اللَّبِنَ، ثُمَّ خَرَجْتُ.
حدثنا عفان، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عِمْرَانَ الْجَوْنِيَّ، عَنْ أَبِي عُسَيْمٍ قَالَ:
لَمَّا وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَحْدِهِ قَالَ الْمُغِيرَةُ: إِنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ قِبَلِ قَدَمَيْهِ شَيْءٌ لَمْ يُصْلَحْ. قَالُوا: فَأُدْخِلَ فَأَصْلَحَهُ. قَالَ: فَمَسَّ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: هِيلُوا عَلَيَّ التُّرَابَ هَيْلا، حَتَّى بَلَغَ أَنْصَافَ سَاقَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ: أَنَا أَحْدَثُكُمْ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
1170- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال فِي مَرَضِهِ: [مَنْ أُصِيبَ مِنْ أُمَّتِي بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي، فَلْيَتَعَزَّ بِمُصِيبَتِهِ بِي عَنْ مُصِيبَتِهِ، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي لا يُصَابُ بِأَشَدَّ مِنْ مصيبته بي] .
__________
[1] لم أجده عند ابن هشام.
[2] تكرر في الأصل سهوا كلمة «برسول اللَّه» .
[3] راجع ابن سعد، 2 (2) / 12- 13.(1/578)
1171- حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا غُنْدَرٌ، أَنْبَأَ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ يَقُولُ:
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصباح، ثنا هشيم، أنبأ داود بن أبي هند، عَنِ الشعبي قَالَ:
قبض رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وله ثلاث وستون سنة.
حَدَّثَنَا أَبُو نصر التمار، وَمُحَمَّد بن الصباح البزاز، عَن شريك، عَنْ أبي إسحاق.
كمثله.
أمر السقيفة:
1172- حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَ الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ:
لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَتَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ فَقَالَ لَهُ: ابْسُطْ يَدَكَ نُبَايِعْكَ فَإِنَّكَ أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم. فقال: يا عمر، ما رأيت لك تهمة [1] مُنْذُ أَسْلَمْتَ/ 279/ قَبْلَهَا، أَتُبَايِعُنِي وَفِيكُمُ الصِّدِّيقُ وَثَانِيَ اثْنَيْنِ؟
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، أَنْبَأَ ابْنُ عَوْنٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ حَدَّثَهُمْ قَالَ:
لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَتَوْا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ. فَقَالَ:
أَتَأْتُونِي وَفِيكُمْ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ؟ قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: فَقُلْتُ لِمُحَمَّدٍ: وَمَا ثَالِثُ ثَلاثَةٍ؟
قَالَ: أَلَمْ تَقْرَأْ هَذِهِ الآيَةَ: ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا؟ [2] 1173- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَذَكَرَ بَيْعَةَ أبى بكر، فقال: وليس فيكم من
__________
[1] خ: فهنة.
[2] القرآن، التوبة (9/ 40) .(1/579)
تُمَدُّ إِلَيْهِ الأَعْنَاقُ- أَوْ قَالَ: تُقْطَعُ إِلَيْهِ الأَعْنَاقُ- مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ.
1174- حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ ابن مُحَمَّدٍ قَالَ:
لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْن الْجَرَّاحِ. فَقَامَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَكَانَ بَدْرِيًّا، فَقَالَ:
مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَإِنَّا واللَّه مَا نَنْفَسُ هَذَا الأَمْرَ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ، وَلَكِنَّا نَخَافُ أَنْ يَلِيَهُ أَقْوَامٌ قَتَلْنَا آبَاءَهُمْ وَإِخْوَانَهُمْ. قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: إِذَا كَانَ ذَاكَ، قُمْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ. فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: نَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ، وَهَذَا الأَمْرُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ نِصْفَيْنِ كَشِقِّ الأُبْلُمَةِ [1]- قَالَ حَمَّادٌ: يَعْنِي الْخَوْصَةَ.
فَبَايَعَ أَوَّلُ النَّاسِ بُشَيْرُ بْنُ سَعْدٍ، أَبُو «النُّعْمَانِ بْنُ بُشَيْرٍ» . قَالَ: فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، قَسَّمَ بَيْنَهُمْ قَسْمًا، فَبَعَثَ إِلَى عَجُوزٍ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ يقسمها مع زيد بن ثابت. فقال: ما هذا؟ قال: قسم قسمه أبو بَكْرٍ.
فَقَالَتْ: أَتَرْشُونِي عَنْ دِينِي؟ قَالَ: لا. قالت: أَتَخَافُونِي أَنْ أَدَعَ مَا أَنَا عَلَيْهِ؟
قَالَ: لا. قالت: فو اللَّه لا آخُذُ مِنْهُ شَيْئًا. فَرَجَعَ زَيْدٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَتْ. فَقَالَ: وَنَحْنُ واللَّه لا نَأْخُذُ مِمَّا أَعْطَيْنَاهَا شَيْئًا أَبَدًا.
1175- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، أنبأ الْحُسَيْنُ الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عن زر ابن حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:
لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، قَالَتِ الأَنْصَارُ: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ.
قَالَ: فَأَتَاهُمْ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَأَيُّكُمْ يَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نعوذ باللَّه أن نتقدّم [2] أبا بكر.
__________
[1] راجع كتاب النبات لأبى حنيفة الدينورى، الجزء الخامس، رقم 29 (طبع أبسالا) .
[2] خ: يتقدم.(1/580)
1176- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَرَادَ الْخُطْبَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَعَجَّلْتُ الرَّوَاحَ حِينَ صَارَتِ الشَّمْسُ صَكَّةَ [1] عُمَيٍّ. فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ، خَطَبَ فَقَالَ: إِنِّي قَائِلٌ مَقَالَةً لا أَدْرِي لَعَلَّهَا قُدَّامَ أَجَلِي. فَمَنْ وَعَاهَا، فَلْيَتَحَدَّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ.
ومن خشي أن لا يعقلها شيء، فَإِنِّي لا أُحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ. ثُمَّ قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ: «لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ، بَايَعْنَا عَلِيًّا، وَإِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً» ، فَكَذَبَ واللَّه. لَقَدْ أقامه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مَقَامَهُ، وَاخْتَارَهُ لِعِمَادِ الدِّينِ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَالَ: يَأْبَى اللَّه وَالْمُؤْمِنُونَ إِلا أَبَا بَكْرٍ، فَهَلْ مِنْكُمْ مَنْ تُمَدُّ إِلَيْهِ الأَعْنَاقُ مِثْلُهُ؟
1177- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الواقدى، عن أبى معمر، عن المقبري، ويزيد ابن رُومَانَ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ:
بَيْنَا الْمُهَاجِرُونَ فِي حُجْرَةِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ/ 280/ قَبَضَهُ اللَّه إِلَيْهِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالْعَبَّاسُ مُتَشَاغِلانِ بِهِ، إِذْ جَاءَ مَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ، وَعُوَيْمُ ابن سَاعِدَةَ فَقَالا لأَبِي بَكْرٍ: «بَابُ فِتْنَةٍ، إِنْ لَمْ يُغْلِقْهُ اللَّه بِكَ فَلَنْ يُغْلَقَ أَبَدًا.
هَذَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ الأَنْصَارِيُّ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَايِعُوهُ» .
فَمَضَى أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ حَتَّى جَاءُوا السَّقِيفَةَ، وَإِذَا سَعْدٌ عَلَى طِنْفِسَةٍ مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ وَعَلَيْهِ الْحُمَّى. فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ، مَا تَرَى يَا أَبَا ثَابِتٍ؟ فَقَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ. فَقَالَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَإِنْ عَمِلَ الْمُهَاجِرِيُّ شيئا في الأنصار، ردّ عليه الأنصارى، وإن عمل
__________
[1] خ: مكة. (وقال السهيلي 1/ 92: «وسميت الهاجرة صكة عمى لخبر ذكره أبو حنيفة في الأنواء أن عميا رجل من عدوان، وقيل من إياد. وكان فقيه العرب في الجاهلية.
فقدم في قوم معتمرا أو حاجا. فلما كان على مرحلتين من مكة، قال لقومه، وهم في نحر الظهيرة: من أتى مكة غدا في مثل هذا الوقت، كان له أجر عمرتين. فصكوا الإبل صكة شديدة حتى أتوا مكة من الغد في مثل ذلك الوقت. وأنشد:
وصك بها نحر الظهيرة صكة ... عمى وما يبغين إلا ظلالها
في أبيات. «وعمى تصغير عمى على الترخيم. فسميت الظهيرة صكة عمى به» .)(1/581)
الأَنْصَارِيُّ شَيْئًا فِي الْمُهَاجِرِينَ، رَدَّ عَلَيْهِ الْمُهَاجِرِيُّ، أنا جذيلها المحكّك وعذيقها الْمُرَجَّبُ، إِنْ شِئْتُمْ فَرِزْنَا، فَرَدَدْنَاهَا جَذَعَةً، مَنْ يُنَازِعُنِي؟ فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ، ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: «نَحْنُ أَوَّلُ النَّاسِ إِسْلامًا، وَأَوْسَطُهُمْ دَارًا، وَأَكْرَمُهُمْ أَنْسَابًا، وَأَمَسُّهُمْ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِمًا.
وَأَنْتُمْ إِخْوَانُنَا فِي الإِسْلامِ، وَشُرَكَاؤُنَا فِي الدِّينِ. نَصَرْتُمْ، وَآوَيْتُمْ، وَآسَيْتُمْ، فَجَزَاكُمُ اللَّه خَيْرًا. فَنَحْنُ الأُمَرَاءُ، وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ. وَلَنْ تَدِينَ الْعَرَبُ إِلا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ. فَقَدْ يَعْلَمُ مَلأٌ مِنْكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
[الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ.] فَأَنْتُمْ أَحِقَّاءُ أَنْ لا تَنْفَسُوا عَلَى إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَا سَاقَ اللَّه إِلَيْهِمْ» . فَقَالَ الْحُبَابُ: «مَا نَحْسِدُكَ وَلا أَصْحَابَكَ. وَلَكِنَّا نَخْشَى أَنْ يَكُونَ الأَمْرُ فِي أَيْدِي قَوْمٍ قَتَلْنَاهُمْ، فَحَقَدُوا عَلَيْنَا» . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ تُطِيعُوا أَمْرِي، تُبَايِعُوا أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: أَبَا عبيدة- وكان عن يمينه- أو عمر ابن الخطاب، وكان عن يَسَارِهِ. فَقَالَ عُمَرُ: «وَأَنْتَ حَيٌّ؟ مَا كَانَ لأَحَدٍ أَنْ يُؤَخِّرَكَ عَنْ مَقَامِكَ الَّذِي أَقَامَكَ فِيهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَابْسُطْ يَدَكَ» . فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعَهُ عُمَرُ، وَبَايَعَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَبَايَعَ النَّاسُ وَازْدَحَمُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ. فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: قَتَلْتُمْ سَعْدًا. وَقَدْ كَادُوا يَطَئَوْنَهُ.
فَقَالَ عُمَرُ: اقْتُلُوهُ، فَإِنَّهُ صَاحِبُ فِتْنَةٍ. فَبَايَعَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ. قَالَ، وَقَالَ ابْنُ رُومَانَ: وَقَدْ يُقَالُ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَ مِنَ الأَنْصَارِ بُشَيْرُ بْنُ سَعْدٍ، وَأُتِيَ بِأَبِي بَكْرٍ الْمَسْجِدَ فَبَايَعُوهُ. وَسَمِعَ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ التَّكْبِيرَ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَفْرُغُوا مِنْ غُسْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال عَلِيٌّ: [مَا هَذَا؟ فَقَالَ الْعَبَّاسُ:
«مَا رَدَّهُ مِثْلُ هَذَا قَطُّ. لِهَذَا مَا قُلْتُ لَكَ الَّذِي قُلْتُ» . قَالَ: فَخَرَجَ عَلِيٌّ، فَقَالَ: يَا با بَكْرٍ، أَلَمْ تَرَ لَنَا حَقًّا فِي هَذَا الأَمْرِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي خَشِيتُ الْفِتْنَةَ، وَقَدْ قُلِّدْتُ أَمْرًا عَظِيمًا. فَقَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ عَلِمْتُ أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أَمَرَكَ بِالصَّلاةِ، وَأَنَّكَ ثانِيَ اثْنَيْنِ فِي الْغَارِ، وَكَانَ لَنَا حَقٌّ وَلَمْ نُسْتَشَرْ، واللَّه يَغْفِرُ لك. وبايعه.](1/582)
1178- وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، ثنا إِبْرَاهِيمِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [1] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْحَازَ الأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَاعْتَزَلَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَطَلْحَةَ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ، وَانْحَازَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُمْ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فِي بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، وَرَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ لَمْ يُفْرَغْ مِنْ أَمْرِهِ. فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ آتٍ، فَقَالَ:
أَدْرِكِ النَّاسَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَاقَمَ الأَمْرُ.
1179- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى الْحِمْصِيُّ، ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنِ الزُّبَيْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ يَوْمًا، فَقَالَ: إِنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً فَوَقَى اللَّه شَرَّهَا: اجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ لِتُبَايِعَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ.
فَقَالَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: نَحْنُ كَتِيبَةُ الإِسْلامِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرُ الْمُهَاجِرِينَ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ/ 281/ حَتَّى يَكُونَ الأَمْرُ بَيْنَنَا كَشِقِّ الأُبْلُمَةِ. فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ رَشِيدًا، فَقَالَ: نَحْنُ قُرَيْشٌ، وَالأَئِمَّةُ مِنَّا، وَأَنْتُمْ إِخْوَانُنَا وَوُزَرَاؤُنَا قَدْ آوَيْتُمْ وَنَصَرْتُمْ فَجَزَاكُمُ اللَّه خَيْرًا. فَبَايَعُوهُ إِلا سَعْدًا، فَإِنَّهُ رَاغَ ثُمَّ أَتَى الشَّامَ.
1180- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه قَالَ: قَالَ الْعَبَّاسُ لِعَلِيٍّ: «مَا قَدَّمْتُكَ إِلَى شَيْءٍ إِلا تَأَخَّرْتَ [2] عَنْهُ» .
وَكَانَ قَالَ لَهُ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْرُجْ حَتَّى أُبَايِعَكَ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ، فَلا يَخْتَلِفُ عَلْيَكَ اثْنَانِ. فَأَبَى وَقَالَ: [أَوَ مِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ حَقَّنَا وَيَسْتَبِدُّ عَلَيْنَا؟] فَقَالَ الْعَبَّاسُ: سَتَرَى أَنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ. فَلَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ يَا عَلِيُّ؟
1181- عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ خُطْبَةً، قَالَ فِيهَا: إِنَّ فُلانًا وَفُلانًا قَالا: «لَوْ قَدْ مات عمر، بايعنا عليا فتمت بيعته،
__________
[1] ابن هشام، ص 1013.
[2] خ: شيء إلى ما أخرت. (راجع أيضا بعد قليل لمثل هذه الرواية) .(1/583)
فإنما كانت معه إلى أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَقَى اللَّه شَرَّهَا» ، وَكَذَبَا. واللَّه مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً، وَلَقَدْ أَقَامَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامَهُ وَاخْتَارَهُ لِدِينِهِمْ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَالَ: « [يَأْبَى اللَّه وَالْمُؤْمِنُونَ إِلا أَبَا بَكْرٍ] » . فَهَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ تُقْطَعُ إِلَيْهِ الأَعْنَاقُ [1] كَمَا تُقْطَعُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ؟ فَمَنْ بَايَعَ رَجُلا عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ، فَإِنَّهُمَا [2] أَهْلٌ أَنْ يُقْتَلا. وَإِنِّي أُقْسِمُ باللَّه، لَيَكُفَّنَّ الرِّجَالُ أَوْ لَيُقْطَعَنَّ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَلَيُصْلَبَنَّ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ. وَإِنِّي أُخْبِرُكُمْ أَنَّ اللَّه لَمَّا قَبَضَ رَسُولَهُ، اجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ. وَتَكَلَّمَ خَطِيبُ الأَنْصَارِ فَقَالَ: نَحْنُ الأَنْصَارُ، وَكَتِيبَةُ الإِسْلامِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ هُنَا، وَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُخْرِجُونَا مِنْ أَصْلِنَا وَيَغْصِبُونَا أَمْرَنَا. فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، وَكُنْتُ قَدْ زَوَّرْتُ [3] مَقَالَةً أَرَدْتُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ يَا عُمَرُ. وَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَمَا تَرَكَ كَلِمَةً أَعْجَبَتْنِي إِلا قَالَهَا مَعَ أَمْثَالِهَا حتى سكت. فقال: ما كان من خبر فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ. وَنَحْنُ، بَعْدُ، مِمَّنْ نَحْنُ مِنْهُ. وَلَنْ تَعْرِفَ الْعَرَبُ الأَمْرَ إِلا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [هَذَا الشَّأْنُ بَعْدِي فِي قُرَيْشٍ] » .
فَقَالَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ، أَحَدُ بَنِي سَلِمَةَ: قد نعرف لكم فضلكم، ولكنا مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ [4] ، فَذَلِكَ أَحْرَى أَلا يُخَالِفَ أَحَدٌ مِنَّا صَاحِبَهُ، فَإِلا تَفْعَلُوا فَأَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ. ثُمَّ قَالَ بُشَيْرُ بْنُ سَعْدٍ: الأَمْرُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كَشِقِّ الأُبْلُمَةِ. فقلت [5] : وأنت أَيْضًا يَا أَعْوَرُ؟ نَشَدْتُكَ باللَّه، هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: « [الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ] » ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَرَغِمَ أَنْفِي. قُلْتُ فَفِيمَ الْكَلامُ؟ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَدْعُوكُمْ إِلَى أَيِّ الْمُهَاجِرِينَ شِئْتُمْ: عُمَرَ، أَوْ غَيْرِهِ. فَهِيَ الَّتِي كَرِهْتُ مِنْ كَلامِ أَبِي بَكْرٍ، وَلأَنْ أُقَدَّمَ فَيُضْرَبُ [6] عُنُقِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُزِيلَهُ عَنْ مَقَامٍ أَقَامَهُ فِيهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم قَالَ أَبُو بَكْرٍ: نَحْنُ الأُمَرَاءُ، وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ وَإِخْوَانُنَا فِي الدِّينِ، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْنَا. فَأَذْهَبَ اللَّه عنهم نزغ الشيطان.
__________
[1] خ: يقطع إليه الاعتاق.
[2] أى البائع وهذا الخليفة.
[3] خ: زودت.
[4] خ: أمين ومنكم أمين. (ولكن راجع ابن هشام، ص 1016) .
[5] خ: فعلت.
[6] خ. فتضرب.(1/584)
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ مَعْنٌ يَقُولُ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ لا أَمُوتَ حَتَّى أُصَدِّقَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيِّتًا كَمَا صَدَّقْتُهُ حيا. واستشهد يوم اليمامة.
حدثنى ابن عباس، عن أبيه، عن أَبِي مخنف، عن مُحَمَّد بن إسحاق [1] بِنَحْوِهِ.
1182- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ/ 282/ ثنا عَفَّانُ، ثنا شُعْبَةُ، أنبأ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قال:
أبطأ أناس عن بيعة أبى بكر، (ف) قَالَ: مَنْ أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنِّي؟
أَلَسْتُ أَوَّلُ مَنْ صَلَّى؟ أَلَسْتُ، أَلَسْتُ، وَذَكَرَ خِصَالا فَعَلَهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
1183- حَدَّثَنِي هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ الْجُرَيْرِيُّ [2] ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ:
لَمَّا بَايَعَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ، اعْتَزَلَ عَلِيٌّ والزبير. فبعث إليهما عمر ابن الْخَطَّابِ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ. فَأَتَيَا مَنْزِلَ عَلِيٍّ، فَقَرَعَا الْبَابَ، فَنَظَرَ الزُّبَيْرُ مِنْ قُتْرَةٍ [3] ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: هَذَانِ رَجُلانِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُقَاتِلَهُمَا. قَالَ: [افْتَحْ لَهُمَا. ثُمَّ خَرَجَا مَعَهُمَا حَتَّى أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا عَلِيُّ أَنْتَ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّه وَصِهْرُهُ، فَتَقُولُ: إِنِّي أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ، لاهَا اللَّه لأَنَا أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ. قَالَ: لا تَثْرِيبَ، يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّه، ابْسُطْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ.] فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعَهُ. ثُمَّ قَالَ لِلزُّبَيْرِ: تَقُولُ أَنَا ابْنُ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّه وَحَوَارِيِّهِ وَفَارِسُهُ وَأَنَا أَحَقُّ بِالأَمْرِ، لاهَا اللَّه لأَنَا أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ. فَقَالَ: لا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّه، ابسط يدك. فبسط يده فبايعه.
__________
[1] راجع ابن هشام، ص 1013- 16
[2] خ: الحريرى (بالحاء المهملة) .
[3] القترة: الكوة والنافذة.(1/585)
1184- الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التيمى، وعى ابْنِ عَوْنٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَرْسَلَ إِلَى عَلِيٍّ يُرِيدُ الْبَيْعَةَ، فَلَمْ يُبَايِعْ. فَجَاءَ عُمَرُ، ومعه فتيلة [1] .
فتلقته فاطمة على الباب، فقالت فاطمة: [يا ابن الْخَطَّابِ، أَتُرَاكَ مُحَرِّقًا عَلَيَّ بَابِي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ أَقْوَى فِيمَا جَاءَ بِهِ أَبُوكِ. وَجَاءَ عَلِيٌّ، فَبَايَعَ وَقَالَ:
كُنْتُ عَزَمْتُ أَنْ لا أَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِي حَتَّى أَجْمَعَ الْقُرْآنَ] .
1185- وَقَالَ أَبُو مِخْنَفٍ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ، دَخَلَ الْعَبَّاسُ على علىّ، فقال:
مَا قَدَّمْتُكَ قَطُّ إِلا تَأَخَّرْتَ. قُلْتُ لَكَ وَقَدِ احْتَضَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
تَعَالَ، فَاسْأَلْهُ عَنْ هَذَا الأَمْرِ لِمَنْ هُوَ بَعْدَهُ، فَقُلْتَ: [أَكْرَهُ أَنْ لا يَقُولَ لَكُمْ، فَلا نُسْتَخْلَفُ أَبَدًا.] ثُمَّ تُوُفِّيَ، فَقُلْتُ: أُبَايِعُكَ، فَلا يَخْتَلِفُ عَلَيْكَ اثْنَانِ.
فَأَبَيْتَ. ثُمَّ تُوُفِّيَ عُمَرُ، فَقُلْتُ: قَدْ أَطْلَقَ اللَّه يَدَكَ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ فَلا تَدْخُلْ فِي الشُّورَى. فَأَبَيْتَ، فَمَا الْحِيلَةُ؟
1186- الْمَدَائِنِيُّ، عن أبى جرى [2] ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
لَمْ يُبَايِعْ عَلِيٌّ أَبَا بَكْرٍ حَتَّى مَاتَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. فَلَمَّا مَاتَتْ، ضَرَعَ إِلَى صُلْحِ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهُ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:
لا تَأْتِهِ وَحْدَكَ. فَقَالَ: وَمَاذَا يَصْنَعُونَ بِي؟ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ. فَقَالَ عَلِيٌّ: [واللَّه مَا نَفَسْنَا عَلَيْكَ مَا سَاقَ اللَّه إِلَيْكَ مِنْ فَضْلٍ وَخَيْرٍ، وَلَكِنَّا نَرَى أَنَّ لَنَا فِي الأَمْرِ نَصِيبًا اسْتَبَدَّ بِهِ عَلَيْنَا.] فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: واللَّه لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّه أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قَرَابَتِي. فَلَمْ يَزَلْ عَلِيٌّ يَذْكُرُ حَقَّهُ وَقَرَابَتَهُ، حَتَّى بَكَى أَبُو بَكْرٍ. فَقَالَ مِيعَادُكَ الْعَشِيَّةُ.
فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ، خَطَبَ فَذَكَرَ عَلِيًّا وَبَيْعَتَهُ. فَقَالَ عَلِيٌّ: [إِنِّي لَمْ يَحْبِسْنِي عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ أَلا أَكُونَ عَارِفًا بِحَقِّهِ، وَلَكِنَّا كُنَّا نَرَى أَنَّ لَنَا فِي الأَمْرِ نَصِيبًا اسْتَبَدَّ بِهِ عَلَيْنَا. ثُمَّ بَايَعَ أَبَا بَكْرٍ.] فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ.
الْمَدَائِنِيُّ، عن أبى جرى [3] ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ أَنَّ عَلِيًّا قعد عن بيعة أبى بكر (فقال:) ما يمنعك من بيعة وأنا كنت في هذا الأمر قبلك؟
__________
[1] خ: قلثين. (لعله كما أثبتناه) .
[2] خ: جزى (ولكن راجع فهرسة الأسماء والأعلام لتأريخ الطبرى) .
[3] خ: جزى (ولكن راجع فهرسة الأسماء والأعلام لتأريخ الطبرى) .(1/586)
1187- حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الصَّقْرِ، وَرَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالا، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، أنبأ أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ:
قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمَا: أَكَرِهْتَ إمارة؟ قال:
[لا ولكنى حلفت أن لا أرتدى بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برداء حتى أجمع القرآن كما أنزل] .
1188- وحدثنى بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ حِينَ قَعَدَ عَنْ بَيْعَتِهِ وَقَالَ: ائْتِنِي بِهِ بِأَعْنَفِ الْعُنْفِ. فَلَمَّا أَتَاهُ، جَرَى بَيْنَهُمَا كَلامٌ. فقال [1] :
احْلُبْ حَلَبًا لَكَ شَطْرُهُ. واللَّه مَا حِرْصُكَ على إمارته اليوم إلا ليؤثرك [2] غدا/ 283/ (فقال على: [وَمَا نَنْفَسُ [3] عَلَى أَبِي بَكْرٍ هَذَا الأَمْرَ وَلَكِنَّا أَنْكَرْنَا تَرْكَكُمْ مُشَاوَرَتِنَا، وَقُلْنَا: إِنَّ لَنَا حَقًّا لا يَجْهَلُونَهُ.] ثُمَّ أَتَاهُ فَبَايَعَهُ.
1189- وَحُدِّثْتُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ هشام [4] بن البريد، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْجَحَّافِ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ وَبَايَعَهُ النَّاسُ، قَامَ يُنَادِي ثَلاثًا: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ أَقَلْتُكُمْ بَيْعَتَكُمْ. فَقَالَ عَلِيٌّ: [واللَّه لا نُقِيلُكَ وَلا نَسْتَقِيلُكَ، قَدَّمَكَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الصلاة، فماذا يُؤَخِّرُكَ؟] 1190- الْمَدَائِنيّ، عَن عبد اللَّه بن جَعْفَر، عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ:
لِمَا ارتدت العرب، مشى عثمان إلى علىّ. فقال: [يا ابن عم، إنه لا يخرج أحد إلي.] فقال: هَذَا العدو، وأنت لَمْ تبايع. فلم يزل بِهِ حَتَّى مشى إلى أبي بكر. فقام أَبُو بكر إِلَيْهِ، فاعتنقا، وبكى كل واحد إلى صاحبه. فبايعه فسر المسلمون، وجد الناس في القتال، وقطعت البعوث.
__________
[1] خ: فقالب.
[2] خ: ليوبرك.
[3] خ: تنفس.
[4] كذا في الأصل، وفي فهرست أعلام تأريخ الطبرى: «هاشم» .(1/587)
1191- الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ أَبِي زَكَرِيَّا الْعَجْلانِيِّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ:
قَدِمَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ مِنْ نَاحِيَةِ الْيَمَنِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى عَلِيًّا وَعُثْمَانَ فَقَالَ: أَنْتُمَا الشِّعَارُ دُونَ الدِّثَارِ [1] ، أَرَضِيتُمْ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَنْ يَلِيَ أَمْرَكُمْ عَلَيْكُمْ غَيْرَكُمْ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: [أَوَ غَلَبَةٌ تَرَاهَا؟ إِنَّمَا هُوَ أَمْرُ اللَّه يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ.] قَالَ: فَلَمْ يَحْتَمِلْهَا عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ وَاضْطَغَنَهَا عُمَرُ.
الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ عَوَانَةَ وَابْنِ جُعْدُبَةَ قَالا:
لَمْ يُبَايِعْ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبَا بَكْرٍ إِلا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. فَمَرَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ قَاعِدٌ فِي سَقِيفَةٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا خَالِدُ مَا رَأْيَكَ فِي الْبَيْعَةِ؟ قَالَ: أُبَايِعُ يَا أَبَا بَكْرٍ. فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ. فَأَدْخَلَهُ خَالِدٌ الدَّارَ وَبَايَعَهُ. وَقَالَ غَيْرُ الْمَدَائِنِيِّ:
بَايَعَ خَالِدٌ أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ شَهْرَيْنِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: «أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَلِيَ أَمْرَكُمُ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَمَا واللَّه، لَئِنْ شِئْتُمْ لأَمْلأَنَّهَا عَلَيْهِ خَيْلا وَرَجُلا» . فَقَالَ: « [لَسْتُ أَشَاءُ ذَلِكَ، ويحك يا با سفيان إنّ المسلمين نصحة بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ وَإِنْ نَأْتِ دَارَهُمْ وَأَرْحَامَهُمْ وَإِنَّ الْمُنَافِقِينَ غُشَشَةٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَإِنْ قَرُبَتْ دِيَارُهُمْ وَأَرْحَامُهُمْ. وَلَوْلا أَنَّا رَأَيْنَا أَبَا بَكْرٍ لَهَا أَهْلا، مَا خَلَّيْنَاهُ وَإِيَّاهَا] » .
الْمَدَائِنِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ جَاءَ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ يَا عَلِيُّ، بَايَعْتُمْ رَجُلا مِنْ أَذَلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ، أَمَا واللَّه لئن شئت لأضر منها عَلَيْهِ مِنْ أَقْطَارِهَا وَلأَمْلأَنَّهَا عَلَيْهِ خَيْلا وَرِجَالا. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: [إِنَّكَ طَالَ مَا غَشَشْتَ اللَّه وَرَسُولَهُ، وَالإِسْلامَ، فَلَمْ يَنْقُصْهُ ذَلِكَ شَيْئًا، إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ نَأَتْ دِيَارُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ نُصْحَةٌ بعضهم لبعض وإنا قد بَايَعْنَا أَبَا بَكْرٍ وَكَانَ واللَّه لَهَا أَهْلا] .
__________
[1] الشعار من اللباس ما يلى شعر الجسد. والدثار: الثوب الذى يستدفأ به من فوق الشعار ما يتغطى به النائم.(1/588)
1192- الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ أَبِي زَكَرِيَّا الْعَجْلانِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ حِينَ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَائِبًا، بَعَثَ بِهِ مُصَدِّقًا.
فَلَمَّا بَلَغَتْهُ وَفَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ قَامَ بِالأَمْرِ بَعْدَهُ؟ قِيلَ:
أَبُو بَكْرٍ. قال: «أبو الفصيل؟ أنى لا أرى فَتْقًا لا يَرْتِقُهُ إِلا الدَّمُ» . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ حِينَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم حَاضِرًا.
1193- حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمَدَائِنِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَقُتِلَ بِهَا.
الْمَدَائِنِيُّ، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، وَعْن أَبِي مِخْنَفٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ لَمْ يُبَايِعْ أَبَا بَكْرٍ، وَخَرَجَ إِلَى الشَّامِ. فَبَعَثَ عُمَرُ [1] رَجُلا وَقَالَ: ادْعُهُ إِلَى الْبَيْعَةِ وَاخْتَلْ لَهُ، وَإِنْ أَبَى فَاسْتَعِنْ باللَّه عَلَيْهِ. فَقَدِمَ الرَّجُلُ الشَّامَ، فَوَجَدَ سَعْدًا فِي حَائِطٍ بِحُوَارَيْنَ، فَدَعَاهُ إِلَى الْبَيْعَةِ، فَقَالَ: لا أُبَايِعُ قُرَشِيًّا أَبَدًا. قَالَ: فَإِنِّي أُقَاتِلُكَ. قَالَ: وَإِنْ قَاتَلْتَنِي. قَالَ: أَفَخَارِجٌ أَنْتَ مِمَّا دَخَلَتْ فِيهِ الأُمَّةُ؟ قَالَ: أَمَّا مِنَ الْبَيْعَةِ فَإِنِّي/ 284/ خَارِجٌ. فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ. وَرُوِيَ أَنَّ سَعْدًا رُمِيَ فِي حَمَّامٍ. وَقِيلَ:
كَانَ جَالِسًا يَبُولُ، فَرَمَتْهُ الْجِنُّ فَقَتَلَتْهُ. وَقَالَ قَائِلُهُمْ [2] :
قَتَلْنَا سَيِّدَ الْخَزْرَجِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَهْ ... رَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْنِ فَلَمْ تُخْطِ فُؤَادَهْ
1194- حدثني محمد بن سعد، عن عَبْدُ اللَّه الْحُمَيْدِيُّ الْمَكّيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عيينه، عَنِ الوليد بن كَثِير عَن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:
لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ارْتَجَّتْ مَكَّةُ. فَقَالَ أَبُو قُحَافَةَ:
مَا هَذَا؟ قَالُوا: قبض رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ [3] : فمن ولي أمر
__________
[1] راجع صفحة الأصل المخطوط 117، أعلاه.
[2] مضى ذكر هذا البيت فوق.
[3] خ: قالوا.(1/589)
الناس بعده؟ قالوا: ابنك. فقال: أرضي بذلك بنو هاشم، وبنو عَبْدِ شَمْسٍ، وَبَنُو الْمُغِيرَةِ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فإنه لا مانع لِمَا أعطى اللَّه، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ. ثُمَّ ارْتَجَّتْ مَكَّةُ حين مات أَبُو بكر رجة دُونَ الأُولَى، فَقَالَ أَبُو قُحَافَةَ: مَا هَذَا؟ قالوا: مات أَبُو بكر. قَالَ: رزء جليل.
1195- حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا عُبَيْدُ اللَّه بْنُ مُوسَى، ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
لَمَّا وُلِّيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ، خَطَبَ [1] النَّاسُ فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قَالَ: أما بعد أيها الناس فقد وليتكم ولست بخير (كم) [2] ، وَلَكِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ، وَسَنَّ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّنَنَ، فَعُلِّمْنَا. اعْلَمُوا أَنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ التُّقَى، وَأَحْمَقَ الْحُمْقِ الْفُجُورُ. وَإِنَّ أَقْوَاكُمْ عِنْدِي الضَّعِيفُ حَتَّى آخُذَ لَهُ حَقَّهُ. وَإِنَّ أَضْعَفَكُمْ عِنْدِي الْقَوِيُّ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ. أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا مُتَّبِعٌ، وَلَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ. فَإِذَا أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي [3] وَإِنْ زُغْتُ فَقَوِّمُونِي.
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا عُبَيْد اللَّه بن مُوسَى قَالَ: حدثت أن الْحَسَن كَانَ يقول:
قد علم أَنَّهُ خيرهم، ولكن المؤمن يغض نَفْسِهِ.
1196- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عن محمد بن عبد اللَّه وَيَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ حِينَ بُويِعَ وَاسْتُخْلِفَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ للَّه أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى الأَمْرِ كُلِّهِ عَلانِيَتِهِ وَسِرِّهِ، وَنَعُوذُ باللَّه مِنْ شَرِّ مَا يَأْتِي فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّه وَحْدَهُ لا شريك له وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [4] قُدَّامَ السَّاعَةِ. فَمَنْ أَطَاعَهُ رَشَدَ، وَمَنْ عَصَاهُ هَلَكَ. أَلا وَإِنِّي قَدْ وُلِّيتُكُمْ وَلَسْتُ بخيركم. ألا [5] وقد كانت بيعتي
__________
[1] ذكر الخطبة أيضا ابن هشام (ص 1017) عن أنس.
[2] الزيادة عن الرواية التالية وعن ابن هشام.
[3] خ: فعينونى.
[4] راجع القرآن، سبأ (34/ 28) وفي سور أخرى.
[5] خ: وكأ.(1/590)
فلتة وذلك أنى خشيت فتنة. وَايْمِ اللَّه مَا حَرَصْتُ عَلَيْهَا يَوْمًا قَطُّ وَلا لَيْلَةً، وَلا طَلَبْتُهَا، وَلا سَأَلْتُ اللَّه إِيَّاهَا سِرًّا وَلا عَلانِيَّةً، وَمَا لِي فِيهَا رَاحَةٌ. وَلَقَدْ قُلِّدْتُ أَمْرًا عَظِيمًا مَا لِي به طاقة ولا بد أن. وَلَوَدِدْتُ أَنَّ أَقْوَى النَّاسِ عَلَيْهَا مَكَانِي.
فَعَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّه. وَإِنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ التُّقَى، وَإِنَّ أَحْمَقَ الْحُمْقِ الْفُجُورُ.
وَإِنِّي مُتَّبِعٌ وَلَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ. وَإِنَّ أَضْعَفَ النَّاسِ عِنْدِي الشَّدِيدُ حَتَّى آخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ، وَإِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عِنْدِي الضَّعِيفُ حتى آخذ له الحق. وإن أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي، وَإِنْ زُغْتُ فَقَوِّمُونِي. وَاعْلَمُوا أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّهُ لَمْ يَدَعْ قَوْمٌ الْجِهَادَ قَطُّ إِلا ضَرَبَهُمُ اللَّه بِذُلٍّ. وَلَمْ تَشِعِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلا عَمَّهُمُ الْبَلاءُ. أَيُّهَا الناس ابتغوا كِتَابَ اللَّه وَاقْبَلُوا نَصِيحَتَهُ فَإِنَّ اللَّه يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ ما تفعلون. واحذروا يوما ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ. فَلْيَعْمَلِ الْيَوْمَ عَامِلٌ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ عَمَلٍ يُقَرِّبْهُ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَلا يَقْدِرَ عَلَى ذَلِكَ.
أَيُّهَا النَّاسُ أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّه وَرَسُولَهُ. فَإِذَا عَصَيْتُ اللَّه وَرَسُولَهُ فَلا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ. قُومُوا إِلَى صَلاتِكُمْ.
1197- الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضَّبْعِيِّ [1] ، عَنْ أبى عمران الْجَوْنِيِّ قَالَ، قَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ حِينَ بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ: «كرداذ وناكرداذ [2] » ، أَيْ عَمِلْتُمْ وَمَا عَمِلْتُمْ، لَوْ بَايَعُوا عَلِيًّا لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ/ 285/ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ.
1198- مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ عُمَرَ فِي حَجَّتِهِ الَّتِي رَجَعَ مِنْهَا فَطُعِنَ، أَنَّ رِجَالا يَقُولُونَ إِنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً، فَقَالَ: إِنْ كَانَتْ فَلْتَةً فَقَدْ وَقَى اللَّه شَرَّهَا، وَإِنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ فَالأَمْرُ إِلَى السِّتَّةِ الَّذِينَ قبض رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وهو عنهم راض.
__________
[1] خ: الصيفي. والتصحيح عن فهرسة أعلام تأريخ الطبرى.
[2] كلام فارسي، يكتب باللغة العصرية «كرديد ونكرديد» . وتلفظ الألف في «كراذ» بالإمالة. وذكر هذا الكلام الفارسي أيضا الجاحظ في الرسالة العثمانية.(1/591)
[المراثي]
مرثية أبو بكر:
1199- قَالَ: ورثي أَبُو بكر الصديق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقصيدة، منها قوله:
فجعلنا بالنبي وكان فينا ... إمام كرامة ونعم الإمام
وَكَانَ قوامنا والرأس منا ... فنحن اليوم لَيْسَ لنا قوام
نموج ونشتكي ما قد لقينا ... ويشكو فقده البلد الحرام
فلا تبعد فكل كريم قوم ... سيدركه ولو كره الحمام
فقدنا الوحي إِذْ وليت عنا ... وودعنا من اللَّه الكلام
لقد أورثتنا ميراث صدق ... عليك بِهِ التحية والسلام
مرثية عمر رضي اللَّه تعالى عَنْهُ:
1200- قَالَ عمر شعرا كتبنا مِنْه أبياتا وهي:
ما زلت مذ وضع الفراش لجثته ... وثوى، مريضا خائفا أتوقع
شفقا عَلَيْهِ أن يزول مكانه ... عنا فيبقى بعده التفجع
فليبكه أهل المدينة كلهم ... والمسلمون بكل أرض تجزع
نفسي فداؤك من لنا فِي أمرنا ... أم من نشاوره إِذَا نتوجع [1]
مرثية عَليّ بن أبي طالب:
1201- وقال عَليّ بن أبي طالب شعرا كتبنا مِنْه أبياتا وهي:
ألا طرق الناعي بليل فراعني ... وأرقني لِمَا استقل مناديا
فقلت لَهُ لِمَا رأيت الَّذِي أتى ... لغير رسول اللَّه إن كنت ناعيا
فو اللَّه لا أنساك أَحْمَد ما مشت ... بي العيس أو جاوزت فِي الأرض واديا
وكنت متى أهبط من الأرض تلعة ... أرى أثرا مِنْه جديدا وعافيا
__________
[1] خ: يتوجع.(1/592)
جواد تشظي الخيل عَنْهُ كأنما ... يرين بِهِ ليثا عليهن ضاريا [1]
ليبك رَسُول اللَّه خيل كثيرة ... تثير غبارا كالضبابة عاليا
مرثية حسان:
1202- وقال حسان فِي قصيدة لَهُ [2] :
ما بال عينك لا تنام كأنما ... كحلت مؤاقيها [3] بكحل الأرمد
جزعا عَلَى المهدي أصبح ثاويا ... يا خير من وطيء الحصى لا تبعد
يا ويح أنصار النَّبِيّ ورهطه ... بعد المغيب فِي سواء المسجد [4]
جنبي يقيك الترب لهفي ليتني ... غيبت قبلك فِي بقيع الغرقد
أأقيم بعدك فِي المدينة بينهم ... يا ويح نفسي ليتني لَمْ أولد
بأبي وأمي من شهدت وفاته ... فِي يوم الاثنين النَّبِيّ المهتدي
فظللت بعد وفاته متلددا ... يا ليتني جرعت سم الأسود
واللَّه أسمع ما بقيت بهالك ... إلا بكيت عَلَى النَّبِيّ مُحَمَّد
ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحوا ... سودا وجوههم كلون الإثمد
ولقد ولدناه وفينا قبره ... وفضول نعمته بنا لَمْ نجحد
واللَّه أهداه لنا وهدى بِهِ ... أنصاره فِي كل ساعة مشهد
صلى الإله ومن يحف بعرشه ... والطيبون عَلَى المبارك أَحْمَد
فرحت نصارى يثرب ويهودها ... لِمَا توارى فِي الضريح الملحد
1203-/ 286/ وقال حسان أيضا [5] :
يا لهف نفسي عَلَيْهِ حين ضمنه ... بطن الضريح عَليّ وابن عباس
مادت بي الأرض حَتَّى كدت أدخلها ... بعد النبي رسول اللَّه والآسى
__________
[1] خ: ضاربا.
[2] ديوان حسان، ق 113، ب 1- 6، 13- 17 (ولم يذكر البيت الثالث والحادي عشر ولكن هما موجودان عند ابن هاشم) ، ابن هشام، ص 1024- 1025، وأيضا ص 379، مع اختلافات في الرواية.
[3] خ: مطاقيها.
[4] كذا في الأصل وعند ابن هشام: الملحد.
[5] ليس في ديوانه المطبوع.(1/593)
مرثية صفية بنت عبد المطلب:
1204- وقالت صفية بنت عبد المطلب:
يا عين جودي بدمع منك منحدر ... ولا تملي وبكي سيد البشر
بكّى رسول اللَّه فقد هدت مصيبته ... جميع قومى وأهل البدو والحضر
ولا تملى بكاءك الدهر معولة ... عَلَيْهِ ما غرد القمري بالسحر
1205- وقالت أيضا:
ألا يَا رَسُولَ اللَّه كنت رجائيا [1] ... وكنت بنا برا ولم تك جافيا
كأن على قلبي لذكر مُحَمَّد ... وما خفت من بعد النَّبِيّ المكاويا
أفاطم حي اللَّه رب مُحَمَّد ... عَلَى جدث أمسى بيثرب ثاويا
فدى لِرَسُولِ اللَّه نفسي وخالتي ... وأمي وعمي قصرة [2] وعياليا
فلو أن رب الناس أبقاك بيننا ... سعدنا ولكنّ أمره كَانَ ماضيا
عليك من اللَّه السلام تحية ... وأدخلت جنات من العدن راضيا
ويتلوه في الجزء التالي نسب الزبير بن عبد المطلب وذكر حلف الفضول. واللَّه المستعان وعليه التكلان
__________
[1] كذا في أصل العبارة، وبالهامش عن نسخة: رجاءنا.
[2] القصرة: دانى النسب.(1/594)
الجزء الثاني
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المقدّمة [في ترجمة البلاذري]
أما بعد فهذه ترجمة مختصرة لأحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري [1]
__________
[1] قال في تاريخ آداب اللغة العربية ج 2 ص 191: هو خاتمة مؤرخي الفتح، ولد في أواخر القرن الثاني للهجرة، ونشأ في بغداد، وتقرب من المتوكل والمستعين والمعتز، وعهد إليه هذا بتثقيف ابنه عبد الله الشّاعر المشهور، وكان شاعرا وكاتبا ومترجما ينقل من الفارسية إلى العربية، ومن شعره ما مدح به المستعين وهو:
ولو أن برد المصطفى إذ حويته ... يظن لظن البرد أنك صاحبه
وذكر صاحب الفهرست انه وسوس في آخر أيامه، فأخذ إلى البيمارستان، لأنه شرب ثمر البلاذر على غير معرفة- ومنه اسمه- ومات على الأغلب (في) سنة تسع وسبعين ومأتين في أول خلافة المعتضد.
وله مؤلفات أهمها: كتاب فتوح البلدان- وهو أشهر كتبه، ويظهر انه مختصر من كتاب أطول منه كان قد أخذ في تأليفه وسماه كتاب البلدان الكبير، ولم يتمه فاكتفى بهذا المختصر، وهو يدخل في خمسين صحيفة ذكر فيها أخبار الفتوح الاسلامية من أيام النبي إلى آخرها بلدا بلدا، لم يفرط في شيء منها، مع التحقيق اللازم واعتدل الخطة، وضمنه فضلا عن الفتوح أبحاثا عمرانية أو سياسية يندر العثور عليها في كتب التاريخ كأحكام الخراج أو العطاء، وأمر الخاتم والنقود، والخط ونحو ذلك، وقد طبع الكتاب في ليدن سنة سبعين وثمانمأة بعد الألف بعناية المستشرق «ذي غوية» ونشرته في مصر شركة طبع الكتب العربية سنة 1901.
والثاني من أهم كتب البلاذري كتاب أنساب الأشراف، ويسمى أيضا الأخبار والأنساب، وهو مطول في عشرين مجلدا، ولم يتمه..(2/5)
صاحب أنساب الأشراف وغيره من الكتب النفيسة، وبما انه لم يذكر له ترجمة في الجزء الأول من الأنساب المطبوع بمصر، رأينا أن نشير ههنا إلى ترجمته لتطلّع قلوب القراء إلى عرفان شخصيته وعصره وتاريخ ولادته ووفاته فنقول:
قال في معجم الأدباء: 1/ 89 تحت الرقم: (26) : أحمد بن جابر بن داود البلاذري أبو الحسن- وقيل: أبو بكر- من أهل بغداد، ذكره الصولي في ندماء المتوكل على الله، مات في أيام المعتمد على الله في أواخرها وما أبعد أن يكون أدرك أول أيام المعتضد، وكان جده جابر يخدم الخصيب صاحب مصر.
وذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق فقال: سمع بدمشق هشام بن عمّار، وأبا حفص عمر بن سعيد، وبحمص محمد بن مصفّى، وبأنطاكية محمد بن عبد الرحمان بن سهم وأحمد بن مرد الأتطاكي. وبالعراق عفان بن مسلم، وعبد الأعلى بن حماد، وعليّ بن المديني، وعبد الله بن صالح العجلي، ومصعبا الزبيري، وأبا عبيد القاسم بن سلّام، وعثمان بن أبي شيبة، وأبا الحسن عليّ بن محمد المدائني، ومحمد بن سعد كاتب الواقدي ...
وروى عنه يحيى بن النديم، وأحمد بن عبد الله بن عمار، وأبو يوسف يعقوب بن نعيم قرقارة الأرزني. قال محمد بن إسحاق النديم: كان جده جابر(2/6)
يكتب للخصيب صاحب مصر، وكان شاعرا رواية ووسوس (في) آخر أيامه فشدّ بالبيمارستان ومات فيه، وكان سبب وسوسته انه شرب على غير معرفة ثمر البلاذر (وهو بضم الذال المعجمة نبات ثمره كنوى التمر، ولبّه مثل لبّ الجوز، وقشره متخلخل، قيل: إنه يقوى الحفظ، ولكن الإكثار منه يؤدي إلى الجنون) فلحقه ما لحقه.
وقال الجهشياري في كتاب الوزراء: جابر بن داود البلاذري كان يكتب للخصيب بمصر ...
ولا أدري أيهما شرب البلاذر؟ (أ) أحمد بن يحيى، أو جابر بن داود؟ إلا أن ما ذكره الجهشياري يدل على أن الذي شرب البلاذر هو جده لأنه قال: جابر بن داود، ولعل ابن ابنه لم يكن حينئذ موجودا والله أعلم.
وكان أحمد بن يحيى بن جابر عالما فاضلا شاعرا رواية نسّابة متقنا، وكان مع ذلك كثير الهجاء بذيء اللسان ...
وحدث عليّ بن هارون بن المنجّم في أماليه عن عمه قال: حدثني أبو الحسن أحمد بن يحيى البلاذري قال: لما أمر المتوكل إبراهيم بن العباس الصولي أن يكتب فيما كان أمر به من تأخير «الخراج» حتى يقع في الخامس من حزيران (وهو الشهر السادس من السنة الشمسية) ويقع استفتاح الخراج فيه، كتب في ذلك كتابه المعروف، وأحسن فيه غاية الإحسان، فدخل عبيد الله بن يحيى على المتوكل فعرفه حضور إبراهيم بن العباس وإحضاره الكتاب معه، فأمر بالإذن له فدخل وأمره بقراءة الكتاب فقرأه واستحسنه عبيد الله وكل من حضر، قال البلاذري: فقلت: فيه خطأ. فقال المتوكل:
في هذا الذي قرأه علي إبراهيم خطأ؟ قلت: نعم. قال: يا عبيد الله وقفت على ذلك؟ قال: لا. فأقبل إبراهيم بن العباس على الكتاب يتدبره فلم ير(2/7)
فيه شيئا، فقال: يا أمير المؤمنين الخطأ لا يعرى منه الناس وتدبّرت الكتاب خوفا من أن أكون قد أغفلت شيئا وقف عليه أحمد بن يحيى فلم أر ما أنكره، فليعرّفنا موضع الخطأ. فقال المتوكل: قل لنا ما هو هذا الخطأ الذي وقفت عليه؟ فقلت: هو شيء لا يعرفه إلا علي بن يحيى المنجم ومحمد بن موسى وذلك انه أرّخ الشهر الرومي بالليالي، وأيام الروم قبل لياليها، فهي لا تؤرخ بالليالي وإنما يؤرخ بالليالي الأشهر العربية، لأن لياليها قبل أيامها بسبب الأهلة. فقال إبراهيم: هذا ما لا علم لي به، ولا أدعي فيه ما يدعي. فغيّر تاريخه.
قال البلاذري: قال لي محمود الوراق: قل من الشعر ما يبقى ذكره ويزول عنك إثمه. فقلت:
استعدّي يا نفس للموت واسعي ... لنجاة فالحازم المستعدّ
قد تثبّت انه ليس للحيّ خلود ... ولا من الموت بدّ
إنما أنت مستعيرة ما سو ... ف تردّين والعواري تردّ
أنت تسهين والحوادث لا تس ... هوا، وتلهين والمنايا تجدّ
لا ترجّى البقاء في معدن المو ... ت ودار حقوقها لك ورد
أي ملك في الأرض أم أيّ حظّ ... لامرء حظّه من الأرض لحد؟؟
كيف يهوى امرؤ لذاذة أيّا ... م عليه الأنفاس فيها تعدّ
قال المرزباني في معجم الشعراء: بلغني أن البلاذري كان أديبا راوية، له كتب جياد، ومدح المأمون بمدائح، وجالس المتوكل ومات في أيام المعتمد، ووسوس في آخر عمره، ومن شعره:
يا من روى أدبا ولم يعمل به ... فيكفّ عادية الهوى بأديب
ولقلّما تجدي إصابة صائب ... أعماله أعمال غير مصيب
حتى يكون بما تعلّم عاملا ... من صالح فيكون غير معيب(2/8)
وقال محمد بن إسحاق النديم: وله من الكتب: كتاب البلدان الصغير، كتاب البلدان الكبير، لم يتمّ، كتاب جمل نسب الأشراف- وهو كتابه المعروف المشهور- كتاب عهد أردشير، ترجمه بشعر- قال: وكان أحد النقلة من الفارسي إلى العربي- كتاب الفتوح.
أقول: هذا تلخيص ما ذكره في ترجمته من معجم الأدباء، وله أيضا ترجمة في كتاب الوافي بالوفيات: ج 1/ 7، وكذلك في كتاب تاريخ الاسلام ص 163، وكذلك في الفهرست ص 113، وفي الأعلام: 1/ 85 كل ذلك ذكره في هامش المعجم.(2/9)
(نسب الزبير بن عبد المطلب)
(وقصة حلف الفضول [1]
وأما الزبير بن عبد المطلب [2]- ويكنى أبا الطاهر، وأبا ربيعة وهو أخو عبد الله بن عبد المطلب لأبيه وأمه- فكان سيدا شريفا شاعرا، وهو أول من تكلم فِي حلف الفضول ودعا إليه.
__________
[1] قال المحمودي: هذا الكتاب مع تفرده بمزايا لم توجد في غيره من الكتب المؤلفة في التاريخ والأنساب من معاصري البلاذري ومن تأخر عنه، قد جمع مؤلفه فيه بين الحقائق وأضدادها فهو كتاب جمع لمؤلف خبير منصف. وقلما يوجد مثله في الكتب المؤلفة في السير- وليس بكتاب تحقيق، ولا يمكن لنا في التعليق إلا نقد ما هو كثير البعد عن الواقع، بعيد المسافة عن الحق، وأما القضايا التي لا تكون بجميع معناها مخالفة للحق ولم يترتب على الجهل بها كثير فساد فلا نتعرض لها، فَمن لم يكن من أهل العلم ولم يميز بين الغث والسمين فعليه بكتاب أنباء الأسلاف في تهذيب أنساب الأشراف أو كتاب أحسن السلوك في تهذيب تاريخ الأمم والملوك تأليف المحمودي- وفقه الله لإتمامها- فإن فيهما من الحقائق العارية عن الأباطيل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.
[2] وهذا مرتب على الرقم: (1205) وهو آخر ترجمة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من الجزء الأول المطبوع بمصر.(2/11)
وَكَانَ سبب الحلف أن الرجل من العرب أو العجم كَانَ يقدم بالتجارة فربما ظلم بمكة، فقدم رجل من بني أبي زبيد- واسم أبي زبيد: منبه بن ربيعة بن سَلَمَةَ بن مازن بْن ربيعة بْن منبه بْن صعب بن سعد العشيرة- بسلعة فباعها من العاص بن وائل السهمي فظلمه فيها وجحده ثمنها، فناشده الله فلم ينفعه ذلك عنده، فنادى ذات يوم عند طلوع الشمس وقريش فِي أنديتها:
يا (آ) ل فهر لمظلوم بضاعته [1] ... ببطن مكة نائي الحي والنفر
ومحرم أشعث لَمْ يقض عمرته ... يا (آ) ل فهر وبين الركن والحجر
وقال أيضا:
يال قصي كيف هَذَا في الحرم ... وحرمة البيت وأخلاق الكرم
أظلم لا يمنع مني من ظلم
فقال الزبير: ما لهذا مترك، فجمع إخوته واجتمعت بنو هاشم وبنو المطلب بن عبد مناف وبنو أسد بن عبد العزى بن قصي وبنو زهرة بن كلاب وبنو تيم بن مرة بن كعب فِي دار أبي زهير عبد الله بن جدعان القرشي ثم التميمي فتحالفوا عَلَى أن (لا) يجدوا بمكة مظلوما إلا نصروه ورفدوه وأعانوه حَتَّى يؤدى إِلَيْهِ حقه وينصفه ظالمة من مظلمته وعادوا عَلَيْهِ بفضول أموالهم ما بَلْ بحر صوفة، وأكدوا ذَلِكَ وتعاقدوا عَلَيْهِ وتماسحوا قياما.
وشهد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الحلف فكان يقول: [ما سرني بحلف شهدته فِي دار ابن جدعان حمر النعم.] فسمي الحلف حلف الفضول لبذلهم فضول أموالهم.
__________
[1] ورواها أيضا ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (28) من الباب الثاني من نهج البلاغة:
ج 15/ 225 عن الزبير بن بكار وقال: «يا للرجال لمظلوم ... » وزاد في آخرها:
هل منصف من بني سهم فمرتجع ... ما غيبوا أم حلال مال معتمر(2/12)
وقال قوم: سمي حلف الفضول لتكلفهم فضولا لا يجب عليهم.
وقال بعضهم: إنما سمي حلف الفضول لأنه كَانَ فِي جرهم رجال يردون المظالم يقال لَهُم/ 287/ فضيل وفضال ومفضل وفضل فتحالفوا عَلَى ذَلِكَ.
فقيل: هَذَا الحلف مثل حلف هؤلاء النفر الَّذِينَ أسماؤهم هَذِه الأسماء.
والأول أثبت.
وأقام الزبير ومن معه بأمر الزبيدي حتى انصف العاص بن وائل، وَفِي ذَلِكَ يقول الزبير بن عبد المطلب:
حلفت لتعقدن حلفا عليهم ... وإن كنا جميعا أهل دار
نسمية الفضول إذا عقدنا ... يعز بِهِ الغريب لذي الجوار
وقدم رجل من بارق بسلعة فابتاعها مِنْه أبي بن خلف الجمحي فظلمه- وكان سيئ المعاملة والمخالطة- فأتى البارقي أهل حلف الفضول فاخذوا لَهُ مِنْه بحقه فقال:
تهضمني حقي بمكة ظالما ... أبي ولا قومي إلي ولا صحبي
فناديت قومي بارقا ليجيبني ... وكم دون قومي من فياف ومن كثب [1]
سيأبى لكم حلف الفضول ظلامتي ... بني جمح والحق يوجب بالغصب [2]
وقدم رجل تاجر من خثعم مكة ومعه ابنة لَهُ يقال لَهَا القتول فعلقها نبيه بن الحجاج بن عامر بن جذيمة بن سعد بن سهم فلم يبرح حَتَّى نقلها إلى
__________
[1] رسم الخط في قوله: «من كثب» غير جلي، ورواها في شرح النهج: 15/ 224 وقال:
«من سهب» وهي: جمع السهب- بفتح السين-: الأرض الواسعة، وسكنت الهاء للشعر.
[2] رسم الخط لا يأبى من أن يقرء «بالعضب» . وفي شرح النهج: «والحق يؤخذ بالغصب» .(2/13)
منزله بالغلبة والقهر، فدل أبوها عَلَى أهل حلف الفضول فأتاهم فأخذوها من نبيه ودفعوها إلى أبيها، فقال نبيه بن الحجاج:
راح صحبي ولم أحي القتولا ... وأودعهم [1] وداعا جميلا
لا تخالي إِنِّي عشية راح الركب ... هنتم على أ (ن) لا أقولا
وخشيت الفضول فيك وقدما ... قد أراني ولا أخاف الفضولا
وقال نبيه أيضا:
حي المليحة إِذْ نأت ... عنا عَلَى عدوائها
لا بالفراق تنيلنا ... شيئا ولا بلقائها [2]
لولا الفضول وأنه لا ... أمن من غلوائها [3]
لدنوت من أبياتها ... ولطفت حول خبائها
ولجئتها أمشي ... بلا هاد على ظلمائها
فشربت فضلة دونها ... وأبث (في) غشيائها [4]
وقال الواقدي وهشام بن الكلبي: ظلم الوليد بن عتبة بن أبي سفيان- وهو عامل عمه معاوية عَلَى المدينة- الْحُسَيْن بن عَلِيِّ أبي طالب فِي أرض لَهُ فقال:
[لئن انصفتني ونزعت عَن ظلمي وإلا دعوت حلف الفضول] فأنصفه [5] .
__________
[1] ورواها- عدى الوسط- في شرح النهج: 15/ 224 وقال: «لم أودعهم وداعا جميلا» . وقطعة أخرى منها رواها في ص 205.
[2] وزاد بعده في شرح النهج: ج 15/ 206.
حلت بمكة حلة ... في مشيها ووطائها
[3] وفي شرح النهج: «لا أمن من عروائها» .
[4] ولعل الصواب: «وأبت علي عشاءها» .
[5] ورواه ابن أبي الحديد بالتفصيل في شرح المختار: (28) من كتب النهج: 15/ 227 عن الزبير بن بكار.(2/14)
حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن جده قال: لما عقد (كذا) حلف الفضول قالت العرب: لقد فعل هؤلاء القوم فعلا لَهُم بِهِ عَلَى الثابت فضول وطول وإحسان فسمي حلف الفضول.
قَالَ هِشَام: ويقال إنهم تعاقدوا عَلَى منع المظلوم وإنهاض الغريب المبدع بِهِ ومواساة أهل الفاقة ممن ورد مكة بفضول أموالهم فسمي حلف الفضول.
وحدثني عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عن جَدِّهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: [شَهِدْتُ مَعَ عُمُومَتِي حِلْفَ الْفُضُولِ فَمَا سَرَّنِي بِذَلِكَ حُمُرَ النَّعَمِ] .
وَحُدِّثْتُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بن علية (ظ) عن عبد الرحمان بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ:
عَنْ عَبْدِ الرحمان بْنِ عَوْفٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [شَهِدْتُ مَعَ عُمُومَتِي حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ فَمَا سَرَّنِي أَنَّ لِي حُمُرَ النَّعَمِ واني نكثته (ظ) ] .
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ:
عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [شَهِدْتُ حِلْفَ الفضول الْمُطَيَّبِينَ [1] فَمَا سَرَّنِي بِهِ حُمُرَ النَّعَمِ] .
وَكَانَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ حَاضِرًا حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ فَكَيْفَ يَحْضُرُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا أَنَّ بُطُونَ الْمُطَيَّبِينَ هُمُ الَّذِينَ تَعَاقَدُوا أَيْضًا (228) عَلَى حِلْفِ الْفُضُولِ فَأَحْسَبُ هَذَا الْحِلْفَ نُسِبَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا.
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زَبَالَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عروة، عن أبيه:
__________
[1] كذا في النسخة، غير أن كلمة «الفضول» كانت في الهامش بلا اشارة إلى بديليّتها.(2/15)
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [شَهِدْتُ فِي دَارِ عبد الله ابن جُدْعَانَ مِنْ حِلْفِ الْفُضُولِ مَا لَوْ دُعِيتُ إِلَيْهِ الْيَوْمَ لأَجَبْتُ [1] .]
ومن شعر الزبير بن عبد المطلب:
لقد علمت قريش أن بيتي ... بحيث يكون فضل فِي نظام
وإنا نحن أكرمها جدودا ... وأصبرها عَلَى القحم العظام
وإنا نحن أول من تبنى ... بمكتنا البيوت مع الحمام
وإنا نطعم الأضياف قدما ... إِذَا لَمْ يزج رسل فِي سوام
وإنا نحن أسقينا زواء [2] ... حجيج البيت من ثبج الجمام
وإن بمجدنا فخرت لؤي ... جميعا بين زمزم والمقام
وإن القرم من سلفي قصي ... أبونا هاشم وبه نسامي
وقال الزبير أيضا:
يا أيها السائل عَن مجدنا ... أربع تنبأ أيها السائل
فينا مناخ الضيف والمجتدي [3] ... منا وفينا الحكم الفاضل
ونحن مأوى كل ذي خلة ... كل حداه الزمن الماحل
وملجأ الخائف إن القحت ... حرب بأطراف القنا نازل
ونحن اناجات قهز القنا [4] ... يتبعها الجنان والحائل
بكر رددنا جمعها خائبا ... وقدحها من سهمه ناصل
__________
[1] وقريبا منه جدا رواه بسند آخر في ترجمة رسول الله صلّى الله عليه وآله من الطبقات الكبرى: ج 1/ 129، ط بيروت.
[2] كذا في الأصل، ويحتمل رسم الخط بعيدا ان يقرء «رواأ» بالراء المهملة.
[3] كذا في الأصل.
[4] وقرأه الطباطبائي «ونحن انات تهز القنا» .(2/16)
وقال الزبير أيضا:
ولست كمن يميت الغيظ عجزا ... ولكني أجيب إِذَا دعيت
وينهى عني المحتال صدق ... رقيق الحد ضربته صموت
بكفي ماجد لَمْ يقن ضيما [1] ... إِذَا يلقى الكتيبة يستميت
ولولا نحن لَمْ يلبس رجال ... ثياب أعزة حَتَّى يموتوا
وإنا نطعم الأضياف قدما ... إِذَا ما هز من سنة مقيت [2]
وغير بطن مكة كل يوم ... عباهلة كأنهم الصوت
ثيابهم سمال أو عباء ... بِهَا دنس كما دنس الحميت [3]
وكاس لو تبين لَهَا كلاما ... إِذَا قَالَت: أَلا لَهُم استبيت
تبين لك القذى إن كَانَ فيها ... بعيد النوم شاربها هبيت [4]
أهنت لشربها نفسي ومالي ... فآبوا حامدين بما رزيت
إذا ما أوقدت نار لحرب ... تهز الناس جمحتها صليت
نقيم لواءنا فيها كأنا ... أسود فِي العرين لَهَا نبيت
فحدثت عَن الْوَاقِدِيِّ عَن ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَن الفضل بن الفضل بن عياش بن ربيعة بن الحرث قَالَ: سمعت سعيد بن المسيب ينشد بين القبر والمنبر:
__________
[1] كذا.
[2] المقيت: المقتدر. الحافظ للشيء.
[3] السمال- بكسر السين-: جمع السمل: الثوب الخلق البالي. والحميت- كأمير- الزق الصغير يتخذ للسمن.
[4] الهبيت: الجبان الذاهل.(2/17)
وكاس لو تبين لها كلاما ... إذا قَالَت: أَلا لَهُم استبيت
تبين لك القذى إن كَانَ فيها ... بعيد النوم شاربها هبيت [1]
وقال الزبير أيضا:
ترمي/ 289/ بنو عبد مناف إِذَا ... أظلم من حولي بالجندل
لا أسد تسلمني لا ولا ... تيم ولا زهرة للنيطل [2]
وقال الزبير أيضا:
لعمرك إن البغض ينفع أهله [3] ... لأنفع ممن ودّه لا يقرب
__________
[1] والأبيات ذكرها ابن أبي الحديد في شرح المختار: (28) من كتب النهج:
ج 15/ 204 هكذا:
ولولا الحمس لَمْ يلبس رجال ... ثياب أعزة حَتَّى يموتوا
ثيابهم شمال أو عباء ... بِهَا دنس كما دنس الحميت
ولكنا خلقنا إذ خلقنا ... لنا الحبرات والمسك الفتيت
وكأس لو تبين لهم كلاما ... لقالت إنما لهم سبيت
تبين لنا القذى إن كان فيها ... رصين الحلم يشربها هبيت
ويقطع نخوة المختال عنا ... رقيق الحد ضربته صموت
بكف مجرب لا عيب فيه ... إذا لقي الكريهة يستميت
قال في الهامش: الحمس- هنا-: قريش ومن ولدت، سموا حمسا لأنهم تحمسوا في دينهم أي تشددوا.
[2] النيطل: الموت الوحي. والأبيات ذكرها ابن أبي الحديد في شرح المختار: (28) من باب كتب النهج: ج 15/ 222 نقلا عن الزبير، وزاد على ما هنا:
ولا بنو الحارث ان مر بي ... يوم من الأيام لا ينجلي
يا أيها الشاتم قومي ... ولا حق له عندهم أقبل
اني لهم جار لئن أنت لم ... تقصر عن الباطل أو تعدل
[3] لعل هذا هو الصواب، وفي النسخة: «ان البغيض» .(2/18)
إِذَا ما جفوت المرء ذا الود فاعتذر ... إِلَيْهِ وحدثه بأنك معتب
وإني لماض فِي الكريهة مقدمي ... إذا خام [1] ذاك اللئيم المؤنب
وأغفر عوراء الكريم وإن بدت ... مغمسة منه إليّ ونيرب
مغمسة: صعب من الغماس، يقال: أتى بأمر مغمس مكبوس (ملتو «خ» ) لا يعرف جهته.
وقال أيضا:
يا دار زينب بالعلياء من شرب ... حييتها واقفا فيها فلم تجب
إِنِّي امرؤ شيبة المحمود والده ... بذ الرجال بحل [2] غير مؤتشب
إِنِّي إذا راع مالي لا أكلفه ... إلا الغزاة وإلا الركض فِي السرب
ولا أدب إِذَا ما الليل غيبني ... إلى الكنائن أو جاراتي اللزب
ولن أقيم بأرض لا أشدّ بها ... صوني إذا ما اعترتني سورة الغضب
وقال الزبير [3] يرثي حجلا وإخوته:
تذكرت ما شفني إنما ... يهيج ما شفه الذاكر
ويمنعه النوم حَتَّى يقال: ... بِهِ سقم باطن ظاهر
فلو أن حجلا وأعمامه ... شهود وقرة والطاهر
ولكن غولا أهانت بهم ... وفيهم لمضطهد ناصر
__________
[1] كذا في الأصل، ولعل الصواب: «إذا خام من ذاك اللئيم المؤنب» . يقال: «خام عن القتال- من باب باع- خيما وخيوما» : جبن ورجع.
[2] كذا في المتن، وفي الهامش: «بجد «خ» .
[3] وكان في الأصل مكتوب فوق قوله: «وقال» : «وكان» . والظاهر انه اشارة الى انها بدل عن قوله «وقال» أو ان في بعض النسخ أثبت مكان «وقال» قوله: «وكان» .
ولكن الكاتب لم ينصب قرينة على ذلك.(2/19)
فلا يبعد القوم إِذَ أودعوا ... واسقي قبورهم الماطر
بخا (ر) ربيع لَهُ وابل ... لَهُ خضر وله زاهر
فولد الزبير عبد الله، استشهد بالشام يوم أجنادين. والطاهر، وقرة وحجل ماتوا فرثاهم، وأمهم جميعا عاتكة بنت أبي وهب بن عمرو بن عائذ المخزومي.
ومات الزبير ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن بضع وثلاثين سنة. ويقال: إنه مات فِي أيام المبعث.
وكانت للزبير بن عبد المطلب ابنة تسمى ضباعة [1] ، تزوجها أَبُو معبد المقداد بن عَمْرو البهراني حليف بني زهرة بن كلاب، وهو الَّذِي يقال لَهُ المقداد بن الأَسْوَدِ، نسب إلى الأسود بن عبد يغوث بن وهب الزهري وَكَانَ الأسود زوج أمه.
[أبيات في رثاء الزبير بن عبد المطلب]
وقال أَبُو طالب يرثي الزبير:
يا زبر أفردتني للنائبات فقد ... أحللت لحمي وأمسي الراس مشتهيا
من كَانَ سر بما نال الزبير فقد ... نادى المنادي بزبر ان شجبا
تغيرت لمّة سودا وارده ... وفارق المرء محمودا وما جدبا
وقال ضرار بن الخطاب يرثيه:
بكى ضباع عَلَى أبيك ... بكاء محزون أليم
__________
[1] وكانت لها ابن خرج على أمير المؤمنين عليه السلام وسار مع طلحة والزبير الى البصرة، وقتل يوم الجمل فمر عليه أمير المؤمنين وهو طريح في المعركة فَقَالَ: لا جزاك اللَّه من ابْن أخت خيرا؟!!(2/20)
قد كنت أشهده فلا [1] ... رث السلاح ولا ظلوم
كالكوكب الدّرّي ... يعلو ضوؤه ضوء النجوم
طالت بِهِ أعراقه ... ونماه والده الكريم
وقال بعضهم: كانت للزبير ابنة يقال لَهَا: أم الحكم وكانت رضيعة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والله أعلم.
وقالت صفية تبكيه:
بكي/ 290/ زبير الخير إِذْ فات ... إن [2] كنت عَلَى ذي كرم باكيه
قد كَانَ فِي نفسي أن أترك ... الموتى فلا أبغيهم [3] قافية
فلم أطلق صبرا عَلَى رزئه ... لأنه أقرب إخوانيه
لو لَمْ أقل من فِي قولا لَهُ ... لقطت الأحزان [4] أضلاعية
__________
[1] ورواه أيضا ابن أبي الحديد في شرح المختار: (28) من باب الثاني من النهج:
15/ 223 وقال:
قد كنت أنشده فلا ... رث السلاح ولا سليم ...
زخرت به أعرقه ... ونماه والده الكريم
بين الأغر وهاشم ... سرعين قد فرعا القروم
[2] ورواها أيضا في شرح المختار المتقدم الذكر من شرح النهج وقال: «إذ مات» وقال بعده:
لو لفظته الأرض ما لمتها ... أو أصبحت خاشعة عارية
[3] وفي شرح النهج: «ولا أتبعهم قافية» .
[4] وفي شرح النهج: «لقضت العبرة اصلاعية» . وزاد بعده:
فهو الشامي واليماني إذا ... ما خضروا ذو الشفرة الدامية(2/21)
(نسب أبي طالب) (عمّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وأخباره)
1- وأما أَبُو طالب بن عبد المطلب- وأسمه عبد مناف وأمه فاطمة (2/ 288) أم عبد الله بن عبد المطلب أيضا- فكان منيعا عزيزا في قريش، قال لعامر ابن كريز بْن ربيعة بْن حبيب بْن عَبْد شمس وأمه أم حكيم بنت عبد المطلب نافر من شئت وأنا خالك. وكانت قريش تطعم فإذا أطعم (أبو طالب) لَمْ يطعم يومئذ أحد غيره [1] .
2- وقال لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ بعث-: يا ابن أخي قم بأمرك فلن يوصل إليك، وأنا حي، فلم يزل يذب عَن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ويناوئ قريشا
__________
[1] وقال الزبير بن بكار- في كتاب انساب قريش على ما نقله ابن أبي الحديد في شرح المختار: (28) من باب الثاني من نهج البلاغة: ج 15/ 219- فأما ابو طالب ابن عبد المطلب واسمه عبد مناف وهو كافل رسول الله صلّى الله عليه وآله وحاميه من قريش وناصره والرفيق به والشفيق عليه ووصي عبد المطلب فيه، فكان سيد بني هاشم في زمانه ولم يكن أحد من قريش يسود في الجاهلية (الا) بمال الا ابو طالب وعتبة بن ربيعة.
وأبو طالب أول من سن القسامة في الجاهلية في دم عمرو بن علقمة ثم أثبتها السنة في الإسلام، وكانت السقاية في الجاهلية بيد أبي طالب، ثم سلمها الى العباس بن عبد المطلب.(2/23)
إلى أن مات، فلما حضرته الوفاة، عرض النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ قول: لا إله إلا الله فأبى أن يقولها وقال: يا ابن أخي. إِنِّي لأعلم أنك لا تَقُولُ إلا حقا، ولكني أكره مخالفة دين عبد المطلب، وأن يتحدث نساء قريش بأني جزعت عند الموت ففارقت ما كَانَ عَلَيْهِ. فمات عَلَى تِلْكَ الحال. وأتى علي عليه السلام (النبي) فأخبره بموته فقال: واره فقال عَليّ أنا أواريه وهو كافر [1] قَالَ: فمن يواريه إِذَا؟ فلما واراه أَمَرَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاغتسل، وَقَالَ (رَسُولُ اللَّهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رأى جنازته [: وصلتك رحم [2]] .
__________
[1] هذا وما يأتي بعده من قوله: «ويقال ... » مجرد ادعاء واظهار عقيدة لا حجية لهما بنفسهما، فإن كان لهما سند او دليل فلينظر فيهما، والا فليضربا عرض الجدار، وبما ان سند ما ذكر هنا، هو الأخبار الآنية فليلاحظ ما تكلمنا عليها في التعليقات القادمة.
[2] وقال ابن عدي في ترجمة ابراهيم بن هانئ من الكامل: ج 1/ الورق 90: حدثنا محمد بن هارون بن حميد، حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، حدثنا الفضل بن موسى الشيباني، عن ابراهيم بن عبد الرحمان، عن ابن أبي جريج، عن عطاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عارض جنازة أبي طالب فقال: وصلتك رحم وجزت خيرا يا عم.
وقال الخطيب: - في ترجمة معاوية بن عبيد الله الخير الفاضل العابد، من تاريخ بغداد: ج 13/ 196- أخبرنا الحسن بن الحسين النعالي، أخبرنا احمد بن نصر بن عبد الله الذراع، حدثنا سعيد بن معاذ الابلي، حدثنا منصور بن أبي مزاحم، حدثني ابو عبيد الله صاحب المهدي، قال: حدثني المهدي عن ابيه، (قال:) حدثني عطاء، قال:
سمعت ابن عباس يقول: عارض النبي صلّى الله عليه وسلم جنازة أبي طالب فقال: وصلتك رحم جزاك الله خيرا يا عم.
وقال ابن سعد في عنوان: «ذكر أبي طالب وضمه رسول الله ... » من سيرة رسول الله من الطبقات: ج 1/ 124، ط بيروت: أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت، عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث قال:
قال العباس يا رسول الله اترجو لأبي طالب؟ قال: كل الخير أرجو من ربي.
اقول: كذا ذكره في طبعة بيروت من الطبقات، والصواب: «ما ترجو لأبي طالب» كما ذكره غيره، وهو يناسب جوابه صلى الله عليه وآله دون ما في النسخة، ولعله من الأخطاء المطبعية.
ومما يدل أيضا على ايمان أبي طالب ما ذكره في ترجمة عقيل من الطبقات: 4/ 44 قال:
أخبرنا لفضل ابن دكين، حدثنا عيسى بن عبد الرحمان السلمي، عن أبي إسحاق ان رسول الله قال لعقيل: يا أبا يزيد اني احبك حبين: حبا لقرابتك وحبا لما كنت اعلم من حب عمي إياك. ورواه في ترجمة عقيل من الزوائد: 9/ 373 عن الطبراني.(2/24)
3- ويقال: إنه قيل لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ استغفر لَهُ. فنزلت فِيهِ:
«مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ» والآية التي بعدها [1] .
4- وكانت لأبي طالب أشعار فِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ شاعرا [2] 5- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا هشام بن يوسف، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ [3] قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا طالب إلى كلمة
__________
[1] والتي ذكرها هي الآية: (113) من سورة البراءة: 9، وإليك لفظ الآية التي بعدها:
«وما كان استغفار ابراهيم لأبيه الا عن موعدة وعدها اياه، فلما تبين له انه عدو لله تبرء منه، ان ابراهيم لأواه حليم» . اقول: هذا القول أيضا لم يعلم له مستند، ولم يعلم انه لأي شيطان مارد فلا يعبأ به.
[2] وتقدم تحت الرقم: (554) من ترجمة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من ج 1/ 232 ط مصر، قطعة من قصيدته اللامية، وكذلك من الميمية، وتمامها في شرح النهج: 3/ 313 وديوانه ص 32.
[3] هذا الخبر في حد ذاته- ولو لم يكن له معارض- غير صالح للحجية، بل هو ضعيف من جهات:
الجهة الأولى ان سعيد بن المسيب لم يدرك القضية، فلا بد اذن ان يكون رواها عمن أدركها، ولم يذكره في الخبر، فيحتمل انه كان ممن يشاقق الرسول وذويه صلوات الله عليهم!! الجهة الثانية من جهات ضعف الخبر: ان سعيد بن المسيب عد من المنحرفين عن أمير المؤمنين عليه السلام على ما ذكره ابن أبي الحديد وغيره.
الجهة الثالثة ان الزهري المسكين كان من عمال بني أمية ومرتزقة مائدة أعداء أهل البيت في أيام تجبرهم وتنمرهم وانى يتيسر له بيان الحق والاعتراف بالصدق في شأن أهل البيت، ومن كان هذا حاله، كيف يوثق به ويؤخذ عنه؟ ولذا كانت اخته تنهى من الأخذ منه والرواية عنه بأنه باع دينه بالدنيا وعمل لبني أمية!! الجهة الرابعة ان بكر بن الهيثم شيخ البلاذري مجهول ولم يعرف انه أي حي بن بي.(2/25)
الإِخْلاصِ فِي مَرَضِهِ فَقَالَ: إِنِّي لأَكْرَهُ أَنْ تَقُولَ قُرَيْشٌ: إِنِّي قُلْتُهَا جَزَعًا عِنْدَ الْمَوْتِ وَرَدَدْتُهَا فِي صِحَّتِي. وَدَعَا بَنِي هَاشِمٍ فَأَمَرَهُمْ بِاتِّبَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونصرته والمنع عن ضيمه فنزلت فيه: «وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ» (26/ الأنعام) وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ حَتَّى نَزَلَتْ: «مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ» الآيتان.
6- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ: «وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ» [1] .
__________
[1] وهذا أيضا باطل من وجوه: الأول ان الثابت بعدة طرق عن ابن عباس خلاف هذا وان الآية الكريمة نزلت في المشركين الذين كانوا ينهون الناس عن محمد ان يؤمنوا به، وينأون- أي ويتباعدون- عنه، كما في تفسير الطبري: 7/ 109، والدر المنثور: ج 3 ص 2 و 8- 9، وكما في تفسير الالوسي: 7/ 126، وتفسير القرطبي: 6 ص 382، وتفسير ابن كثير: 2 ص 122، وتفسير الشوكاني: ج 3 ص 91- 92، كذا روى عنهم جميعا في الغدير الثاني ان هذا خلاف الظاهر من سياق الآية الكريمة، إذ المستفاد منه انهم كانوا قد جمعوا بين التباعد عن النبي وعدم الإيمان به، وبين نهي الناس عن متابعته والإيمان بما جاء به، وأين هذا من أعمال أبي طالب وأقواله، أليس هو أول من نبذ القرابات وما كان بينه وبين المشركين من الصلة والجوار والصداقة محاماتا للنبي ونصرة له، وتحصن مع من تبعه من عشيرته واهل بيته في الشعب سنين؟! وتحملوا الجوع والعطش ومضض الهجران والانقطاع عن التمتع بالحياة، وكانت ضجة أطفالهم قد بلغت عنان السماء من الجوع وقد مات بعضهم من ذلك!! أهذا نأي وبعد عن النبي؟! فإن كان هذا بعدا فما القرب والدنو؟ أليس من قول أبي طالب ما رووه:
والله لا أخذل النبي ولا ... يخذله من بني ذو حسب
الثالث من جهات بطلان الحديث ان حبيب بن أبي ثابت الواقع في سلسلة سنده، كان مدلسا بتصريح ابن حبان، وابن خزيمة في صحيحه كما في ترجمته من تهذيب التهذيب: ج 2 ص 179.
الرابع ان ابن مباركهم صرح بأن الثوري- أحد رجال الحديث- كان يدلس كما في ترجمة سفيان من تهذيب التهذيب: 4/ 115. وفي ميزان الاعتدال: 1/ 396: انه كان يكتب عن الكذابين.
الخامس ان الواقدي عندهم ضعيف جدا، فراجع ترجمته من تهذيب التهذيب.
السادس ان ابن سعد أيضا غير مرضي عند سلفهم والا فما باله لم يرو ولم يأخذ منه ابن حنبل وهو معه في بغداد، وكان يأخذ منه أجزاء الواقدي فيطالعها، ثم يردها عليه!! فما بال أرباب السنن لم يرووا عنه شيئا؟! نعم روى منه ابو داود في مورد واحد من سننه، ولكنه لا ينفع لأنه عند أبيه غير مقبول وهو أعرف الناس به!! فراجع ترجمته من كامل ابن عدي.
ثم ان الحديث ذكره أيضا ابن سعد في سيرة رسول الله من الطبقات: ج 1/ 123، الى قوله:
«وينأون عنه» ولم يذكر قوله هنا: «عن يحيى بن جعدة» في سلسلة السند فراجع ط بيروت منها.(2/26)
7- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ (سفيان) الثَّوْرِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن الحرث بْنِ نَوْفَلٍ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي(2/27)
أَبِي طَالِبٍ «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ» (56/ القصص) [1] .
__________
[1] هذا الحديث أيضا ضعيف السند والمتن، وقد تبين ضعف سنده مما تقدم، في التعليقات المتقدمة، ونزيد هنا ما قالوا في يزيد بن أبي زياد- أحد رجال السند- قال في ترجمته من تهذيب التهذيب: ج 11/ 330: قال ابو يعلى الموصلي عن ابن معين: ضعيف. وقال ابو ذرعة:
لين يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال الجوزجاني: سمعتهم يضعفون حديثه. وقال ابن قانع:
ضعيف. وقال الدارقطني ضعيف يخطئ كثيرا.
وللحاكم الجشمي حول الآية الكريمة كلام نهديه الى أرباب البحث والتنقيب ونكتفي به، قال الدكتور عدنان زرزور في مقدمته على تفسير الحاكم الجشمي ص 264 ط 1-: قال الحاكم في تفسير الآية الشريفة من سورة القصص من تفسيره الورق 54.
قيل: نزلت في أبي طالب، وذلك ان رسول الله صلى الله عليه أحب اسلامه واسلام أهل بيته وكان يغمه كفرهم ففي ذلك نزلت الآية. وروي عن ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد:
انه كان يحب اسلام أبي طالب فنزلت هذه الآية، وكان يكره اسلام وحشي قاتل حمزة فنزلت هذه: «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله» . وذكروا ان أبا طالب لم يسلم وأسلم وحشي.
وهذه رواية غير صحيحة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب ايمانه، والله تعالى كان يحب ايمانه لأن رسول الله لا يخالف في ارادة الله كما لا يخالف في أوامر الله، وكان لأبي طالب عند النبي صلّى الله عليه وسلم أيادي مشكورة عند الله تعالى.
وقد روي انه أسلم وفي اسلامه اجماع أهل البيت عليهم السلام وهم أعلم بأحواله.
ومن حديث الاستسقاء انه صلّى الله عليه وسلم قال: لله در أبي طالب لو كان حيا لقرت عيناه. ولا يجوز لكافر (ان يقال فيه) لله دره!! وكيف تقر عينا كافر بمعجز رسول الله صلّى الله عليه وآله؟! وقد روي ان النبي دعاه فأسلم.
وما يروون ان عليا قال: ان عمك الضال قد مات. وقال (له) النبي (اذهب) فواره.
فإنه لا يليق بكلام النبي فيه، ولا بكلام علي في ابيه، فهو من روايات النواصب، فالقوم يقولون: انه لم يرد ايمان أبي طالب واراد كفره، والنبي أراد ايمانه!! - وهذا مخالفة بين الرسول والمرسل؟! - فنزلت الاية، فعلى روايتهم واعتقادهم الفاسد كأنه تعالى يقول: انه يحيل ايمانه ... مع محبته لك وعظم نعمته عليك، وتكره ايمان وحشي- لقتله عمك حمزة- ولكن خلقت فيه الايمان!! وهذا نوع مغالطة واستخفاف لا يليق بالرسول، فإذا بطل أن يكون هذا سببا لنزول الآية، فالصحيح أنها نزلت في جميع المكلفين، كان صلّى الله عليه وسلم يحب هدايتهم وكان حريصا على ايمانهم ويغمه كفرهم فنزلت الآية.(2/28)
8- قَالُوا: وَمَاتَ أَبُو طَالِبٍ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ مِنَ الْمَبْعَثِ، وَهُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً وَدُفِنَ بِمَكَّةَ فِي الْحَجُونِ.
9- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا يزيد ابن أبي زياد، حدثني عبد الله بن الحرث بْنِ نَوْفَلٍ قَالَ: قَالُوا: كَانَ أَبُو طَالِبٍ يُعَضِّدُ مُحَمَّدًا وَيَنْصُرُهُ فَمَاذَا نَفَعَهُ؟! فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: [لَقَدْ نَفَعَهُ اللَّهُ كَانَ فِي دَرَكٍ مِنْ جَهَنَّمَ فَأُخْرِجَ مِنْ أَجْلِي فَجُعِلَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، لَهُ نَعْلانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي منهما دماغه [1]] .
__________
[1] هذا الحديث أيضا ضعيف أما ضعفه من جهة يزيد بن أبي زياد، فقد تقدم، وأما ضعفه من أجل علي بن عاصم فإليك بيانه: قال في تهذيب التهذيب: ج 7 ص 347: قال البخاري:
قال وهب بن بقية: سمعت يزيد بن زريع (قال:) حدثنا علي عن خالد بسبعة عشر حديثا، فسألنا خالدا عن حديث فأنكره، ثم (عن) آخر فأنكره، ثم (عن) ثالث فأنكره، فأخبرناه فقال: كذاب فاحذروه!! وروي عن شعبة انه قال لا تكتبوا عنه. وقال ابن محرز عن يحيى بن معين: كذاب ليس بشيء. وقال يعقوب بن شيبة عن يحيى ليس بشيء ولا يحتج به. قلت: ما أنكرت منه، قال: الخطاء والغلط ليس ممن يكتب حديثه. وقال ابن أبي خيثمة: قيل لابن معين: إن أحمد يقول: إن علي بن عاصم ليس بكذاب. فقال: لا والله ما كان عنده قط ثقة، ولا حدث عنه بشيء فكيف صار اليوم عنده ثقة؟! وفي ترجمته من هذا النمط كلمات أخر عن أئمة القوم فراجع.
وأما ضعفه من جهة الدورقي فقد قال الخطيب في ترجمته تحت الرقم: (1585) من تاريخ بغداد: 4/ 7: قيل ليحيى بن معين: إن ابن الدورقي يزعم أنك كتبت عنه؟ قال: ما كتبت عنه حديثا قط. وكان يقول: هو في حد المجانين!! وفي تتمة ترجمته أيضا شواهد على ما أفاده ابن معين فراجع.(2/29)
10- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ (سُفْيَانَ) الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن الحرث بْنِ نَوْفَلٍ قَالَ: قَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا أَغْنَيْتَ عَنْ/ 291/ عَمِّكَ؟ قَالَ: [كَانَ فِي دَرَكٍ مِنَ النَّارِ فَأُخْرِجَ مِنْ أَجْلِي فَجُعِلَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، لَهُ نَعْلانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ [1]] .
11- حَدَّثَنِي سَعْدُوَيْهِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [أَهْوَنُ النَّاسُ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَبُو طالب وانه لَمُنْتَعِلٌ نَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ [2]] .
12- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عبد الله بن الحرث عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَمُّكَ أَبُو طَالِبٍ قَدْ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَمْنَعُكَ وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ. فَقَالَ: [إِنَّهُ لَفِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، ولولا أنا كان في الدرك الأسفل [3]] .
__________
[1] قد تبين مما سلف ضعف هذا الحديث أيضا، ويزيد على ضعفه وقوع عبد الملك بن عمير في سنده، قال في ترجمته من تهذيب التهذيب: ج 6 ص 411: قال علي بن الحسن عن أحمد:
عبد الملك بن عمير مضطرب الحديث جدا مع قلة روايته، ما أرى أن له خمسمائة حديث، وقد غلط في كثير منها. وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: مخلط. وقال أيضا: ضعفه أحمد جدا.
[2] هذا الحديث أيضا ضعيف من أجل وقوع سعدويه: سعد بن سعد الجرجاني في سلسلة سنده قال البخاري: لا يصح حديثه. وقال ابن عدي: له عن الثوري ما لا يتابع عليه؟
دخلته غفلة الصالحين، ولم أر للمتقدمين فيه كلاما، وهو من أهل بلدنا، ونحن أعلم به.
[3] ومما تقدم قد انكشف لك ضعف هذا الحديث أيضا، لوقوع ابن عمير والثوري والدورقي في سنده، ولو عد الوكيع رافضيا- على ما قاله بعضهم- ليزيد ضعفه أضعافا مضاعفة هذا إجمال الكلام حول ضعف هذه الأحاديث وما بسياقها، ومن أراد تفصيل القول فعليه بكتاب الغدير: ج 7 ص 33- 409 ط 2، فإنه فصل الكلام فيه وله حول حديث ضحضاح تحقيقات أثبت فيها مخالفة حديث الضحضاخ للكتاب والسنة فليضرب به عرض الجدار.(2/30)
13- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ: كَلَّمَ وُجُوهُ قُرَيْشٍ- وَهُمْ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَأُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، وَأَبُو جَهْلٍ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ، وَمُطْعِمٌ وَطُعَيْمَةُ ابْنَا عَدِيٍّ، وَمُنَبِّهٌ وَنُبَيْهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ، وَالأَخْنَسُ بْنُ شُرَيْقٍ الثَّقَفِيُّ- أَبَا طَالِبٍ فِي أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدْفَعُوا إِلَيْهِ عُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ المخزومي، فأبا ذلك! وقال أتقتلون ابن أخي وأغدوا لَكُمُ ابْنَكُمْ إِنَّ هَذَا لَعَجَبٌ؟! فَقَالُوا: مَا لنا خير من أن نغتال (كذا) مُحَمَّدًا فَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ فَقَدَ أَبُو طَالِبٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَافَ أَنْ يَكُونُوا قَدِ اغْتَالُوهُ فَجَمَعَ فِتْيَانًا مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَبَنِي زُهْرَةَ وَغَيْرَهُمْ وَأَمَرَ كُلَّ فَتًى مِنْهُمْ أَنْ يَأْخُذَ مَعَهُ حَدِيدَةً وَيَتْبَعُهُ، وَمَضَى، فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فقال له: اين كنت يا بن أَخِي؟ أَكُنْتَ فِي خَيْرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو طَالِبٍ دَارَ عَلَى أَنْدِيَةِ قُرَيْشٍ وَالْفِتْيَانُ مَعَهُ وَقَالَ: بَلَغَنِي كَذَا وَكَذَا، وَاللَّهِ لَوْ خَدَشْتُمُوهُ خَدْشًا مَا أَبْقَيْتُ مِنْكُمْ أَحَدًا إِلا أَنْ أُقْتَلَ قَبْلَ ذَلِكَ!! فَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ وَقَالُوا: أَنْتَ سَيِّدُنَا وَأَفْضَلُنَا فِي أَنْفُسِنَا.
14- وقال أَبُو طالب:
منعنا الرسول رسول المليك ... ببيض تلألأ مثل البروق
أذب وأحمي رسول الإله ... حماية عم عَلَيْهِ شفيق
15- وقال أَبُو طالب حين أكلت الصحيفة الأرضة:
ألا هل أتى بحرينا صنع ربنا [1] ... عَلَى نأيهم والأمر بالناس اورد [2]
__________
[1] أي من ركب البحر منا، إلى الحبشة فرارا بدينه.
[2] وفي بعض المصادر: «والله بالناس أورد» أي هو أرفق بهم من أنفسهم.(2/31)
ألم يأتهم أن الصحيفة أفسدت ... وكل الَّذِي لم يرضه الله مفسد
وكانت أحق رقعة بأثيمة [1] ... يقطع فيها ساعد ومقلد
فمن يك ذا عز بمكة مثله [2] ... فعزتنا فِي بطن مكة أتلد
نشأنا بها والناس فيها أقلة [3] ... فلم ننفكك [4] نزداد خيرا ونمجد
جزى الله رهطا بالحجون تتابعوا ... بنصر امرئ يهدي لخير ويرشد [5]
16- وقال أيضا:
لزهرة كانوا أوليائي وناصري ... وأنتم إذا تدعون فِي سمعكم وقر
تداعى علينا موليانا فأصبحوا (ظ) ... إِذَا استنصروا قالوا: إلى غيرنا النصر
وأعني خصوصا عبد شمس ونوفلا ... فقد نبذ انا مثل ما ينبذ الجمر
__________
[1] كذا في النسخة، وفي بعض المصادر هكذا:
وكانت كفاء وقعة بأثيمة ... ليقطع منها ساعد ومقلد
[2] كذا في النسخة، وفي بعض المصادر: «فمن ينش من حضار مكة عزه» و «ينش» مخفف ينشأ، وحذف الهمزة منها للضرورة. وأتلد: أقدم.
[3] الأقلة: جمع القليل، كالأذلة في جمع الذليل.
[4] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «فلم نتوكك» . وفي بعض المصادر:
نشأنا بها والناس فيها قلائل ... فلم ننفكك نزداد خيرا ونحمد
[5] وهذا أيضا من لوازم الاعتراف بنبوته صلّى الله عليه وآله وسلم وبمعنى التصديق برسالته أي تصديق بالالتزام لا بالمطابقة، وإن قيل: إنه تصديق بالتضمن فهو أيضا صواب، ومما هو صريح في ايمانه ويدل بالمطابقة على اعترافه بنبوة رسول الله صلّى الله عليه وآله قوله رضوان الله عليه في هذه القصيدة بعد أبيات:
ألا إن خير الناس نفسا ووالدا ... إذا عد سادات البرية أحمد
نبي الإله والكريم بأصله ... وأخلاقه وهو الرشيد المؤيد(2/32)
هما مكنا للقوم فِي أخويهما [1] ... فقد أصبحت أيديهما منهما صفر
فو الله لا تنفك منا عداوة ... ومنهم لنا ما دام من نسلنا شفر [2]
17- وقال فِي أمر الصحيفة:
ألا أبلغ أبا وهب رسولا ... فإنك قد ذابت لما تريد [3]
ليئس (ظ) الله ثُمَّ لعون قوم ... بلا ذنب ولا دخل أصيدوا [4]
وآزره/ 292/ أَبُو العاصي بحزم ... وَذَلِكَ سيد بطل مجيد
ومن يمشي أبو العاصي أخاه ... فلا مبزي [5] أخوه ولا وحيد
شبيه أبي أمية غير خاف [6] ... إذا أما العود خدامة الجليد [7]
__________
[1] رسم الخط في قوله: «هما مكنا» غير واضح، وروى ابن أبي الحديد اثنا عشر مصرعا من هذه القصيدة في شرح المختار: 28 من النهج: 15/ 233 مع مغايرة في جل الألفاظ فراجع.
وفي بعض المصادر هكذا:
هما أغمزا للقوم في أخويهما ... فقد أصبحا منهم أكفهما صفر
[2] أي أحد، يقال: ما في الدار شفر- كفلس وقفل- وشفرة: أحد. وتتمة القصيدة:
فقد سفهت أحلامهم وعقولهم ... وكانوا كجفر بئسما صنعت جفر
وما ذاك إلا سؤدد خصنا به ... إله العباد واصطفاتاله الفخر
رجال تمالوا حاسدين وبغضة ... لأهل العلى فبينهم أبدا وتر
وليد أبوه كان عبدا لجدنا ... إلى علجة زرقاء جال بها السحر
[3] كذا.
[4] كذا.
[5] كذا.
[6] كلمة «خاف» رسم خطها غير جلي.
[7] كذا.(2/33)
18- وقال أيضا:
وما إن جنينا فِي قريش عظيمة ... سوى أن منعنا خير من وطيء التربا
فيا أخوينا عبد شمس ونوفلا ... فإياكم أن تسعروا بيننا حربا
في أبيات.
19- وقال: (أيضا) يحرض أبا لهب عَلَى نصرة رَسُول اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم [1] :
وان امرأ أمسى عتيبة عمه ... لفي نجوة من أن يسام المظالما
أقول لَهُ وأين مِنْه نصيحتي (كذا) ... أبا معتب أثبت سوادك قائما
ولا تقربن الدهر ما عشت لحظة ... تسب بِهَا أما هبطت المواسما
وحارب فإن الحرب نصف ولن ترى ... أخا الحرب يعطي الخسف حتى يسالما
20- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: لَمَّا مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ قِيلَ لَهُ: لَوْ أَرْسَلْتَ إِلَى ابْنِ أَخِيكَ فَأَتَاكَ بِعُنْقُودٍ مِنْ جَنَّتِهِ لَعَلَّهُ يُشْفِيكَ؟! فَأَتَاهُ الرَّسُولُ بِذَلِكَ وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ-: إِنَّ اللَّهَ، حرمهما (كذا) عَلَى الْكَافِرِينَ. قَالَ: فَأَحْسَبُهُ قَالَ: لَيْسَ هَذَا جواب ابن اخي [2] .
__________
[1] ورواها بعضهم عن سيرة ابن هشام: ج 1/ وعن كتاب ابن كثير: ج 3 ص 93.
[2] هذا الحديث أيضا دال على ايمان أبي طالب- مع ما في سنده من الضعف والانقطاع- سواء قلنا إن معنى قوله: «فأتاه الرسول بذلك» أي أتى رسول الله أبا طالب بعنقود من جنته، أو إن معناه: أتى رسول أبي طالب برسالته إلى نبي الله في استدعائه عنقود الجنة منه صلى الله عليه وآله أما على الأول فواضح، وأما على المعنى الثاني فلدلالته على انه كان معتقدا بالجنة وان الله جعل في عنقودها الشفاء، وان ابن أخيه بما انه صادق فيما يدعيه على الله من الرسالة وتوحيد الله تعالى، وبما انه كريم ووجيه عند الله يجيبه الله في مسألته عنقود الجنة لشفاء عمه، وبما ان الرب واحد فلا مانع ولا راد لما يريده الله من اجابة رسوله. وأما ما قاله بعض الحاضرين فعلى تقدير تجهيل لله ولرسوله، وعلى تقدير آخر تقدم بين يدي الله ورسوله وقد نهى الله عنه بقوله عز وجل: «يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورسوله» (1/ الحجرات) .
وقريب منه في الحديث: (274) من باب فضائل علي عليه السلام من كتاب الفضائل- لابن حنبل- قال: حدثنا محمد بن يونس القرشي قال: حدثنا شريك بن عبد الحميد الحنفي، قال: حدثنا الهيثم البكاء قال: حدثنا ثابت، عن أنس قال:
لما مرض أبو طالب مرضه الذي مات فيه، أرسل إلى النبي صلّى الله عليه ادع ربك عز وجل أن يشفيني فإن ربك يطيعك، وابعث إلي بقطاف من قطاف الجنة. فأرسل إليه النبي صلّى الله عليه: وأنت يا عم إن أطعت الله عز وجل أطاعك.(2/34)
21- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عن ابيه قال:
لما حضرت ابو طَالِبٍ الْوَفَاةَ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ وَأَبُو جَهْلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [يَا عَمِّ قُلْ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ عِنْدَ اللَّهِ.
قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: تَقُولُ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ.] فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَابْنُ أَبِي أُمَيَّةَ:
أَتَرْغَبُ عَنْ دين عبد المطلب؟ فلم يقل شيئا.
[أحاديث حول فاطمة بنت أسد زوج أبي طالب]
22- وَكَانَتْ أُمُّ أَوْلادِ أَبِي طَالِبٍ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، فَيُقَالُ: إِنَّهَا، أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا بِمَكَّةَ، ثُمَّ لَمْ تَلْبَثْ أَنْ مَاتَتْ [1] فَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ إِلَى عَلِيٍّ فَكَفَّنَهَا فِيهِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبْرِهَا.
23- وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ عَنْ أشياخه.
__________
[1] ظاهره أنها صلوات الله عليها ماتت بمكة، وهذا سهو من قائله، والأخبار متضافرة على انها رضوان الله عليها هاجرت وماتت بالمدينة، وبعضها صريح أو ظاهر في تأخر وفاتها عن زواج علي بفاطمة صلوات الله عليهم كما يأتي.(2/35)
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يتعهد منزل عمه بعد موته فيدعوا فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ إِلَى الإِسْلامِ فَتَأْبَاهُ وَتَقُولُ: إِنِّي لأَعْلَمُ مِنْكَ صِدْقًا وَخَيْرًا، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَمُوتَ إِلا عَلَى دِينِ عَمِّكَ، فَيَقُولُ: [يَا أُمَّهْ إِنِّي مُشْفِقٌ عَلَيْكِ مِنَ النَّارِ] .
فَتُلِينُ لَهُ الْقَوْلَ وَلا تُجِيبُهُ إِلَى الإِسْلامِ فَيَنْصَرِفُ وَهُوَ يَقُولُ: وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً، ثُمَّ إِنَّهَا أَسْلَمَتْ فِي مَرَضِهَا وَكَفَّنَهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قَمِيصِهِ [1] .
24- وَحَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى الْفَرْوِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ:
عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: أُهْدِيَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حلة حرير فَبَعَثَ بِهَا إِلَيَّ وَقَالَ: [إِنِّي لَمْ أَبْعَثُهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا إِنِّي أَكْرَهُ لَكَ مَا أَكْرَهُ لنفسي ولكن أقطعها خمرا [2] واكسها فاطمة ابنتي] .
__________
[1] والحديث ضعيف من أجل ان أشياخ الحسن بن صالح غير معلومين، ولعلهم غير موثوقين، وأيضا شيخ البلاذري الحسين بن علي بن الأسود ضعفوه، قال في ترجمته من كتاب تهذيب التهذيب: قال أحمد: لا أعرفه. وقال ابن عدي: (كان) يسرق الحديث، وأحاديثه لا يتابع عليها. وقال الأزدي: ضعيف جدا يتكلمون في حديثه.
[2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «اقطعنا حمرا» . ورواه باختلاف طفيف في ترجمة فاطمة بنت حمزة من أسد الغابة: ج 5 ص 518، وقال: أخرجها ابن مندة وابو نعيم. وقال احمد ابن عمرو بن أبي عاصم النبيل- في باب فضائل امير المؤمنين من كتاب الآحاد والمثاني الورق 14/ ب-: حدثنا المقدمي وابن كاسب، قالا: حدثنا عمران بن عيينه، أنبأنا يزيد بن أبي زياد، عن أبي فاخته:
عن جعدة بن هبيرة عن علي- رضي الله عنه- قال: أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة مسبرة بحرير، إما سداها وإما لحمتها، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم بها إلي فقلت ما اصنع بها ألبسها؟ قال: (لا) ارضى لك ما اكره لنفسي (بل) اجعلها خمرا بين الفواطم. (قال:) فشققت منها اربعة اخمرة: خمارا لفاطمة بنت أسد- وهي أم علي- وخمارا لفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وخمارا لفاطمة بنت حمزة. وذكر فاطمة اخرى فنسيتها.
وقال أيضا: حدثنا ابو بكر ابن أبي شيبة، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي فاختة (قال:) حدثني هبيرة (كذا) .
عن علي رضي الله عنه قال: اهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة سيراء، فقال لي رسول الله صلى الله عليه: (لا تلبسها) ولكن اجعلها خمرا بين الفواطم.
اقول: والحديث الأول رواه عنه في ترجمة فاطمة بنت حمزة تحت الرقم: (832) من الإصابة: ج 8 ص 161، وساقه الى ان قال: ولم يذكر الرابعة، ولعلها امرأة عقيل.
ورواه أيضا في الحديث: (103) من باب فضائل علي عليه السلام في ترجمته من سمط النجوم:
ج 2/ وقال: اخرجه الضحاك.(2/36)
25- وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَوْنٍ، عن ما هان أبي صالح قال.
سمعت عليا (عليه السلام) يَقُولُ: [أُهْدِيَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وسلّم حلة سيراء [1] فأرسل إلى بها فلبستها، وعرفت الغضب في وجهه، وقال: إني لَمْ أُعْطِكَهَا لِتَلْبَسَهَا وَأَمَرَنِي، فَطَرَرْتُهَا بَيْنَ النِّسَاءِ [2]- أو قال: نسائي-] .
36- وحدثني مظفر بن مرجا، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ الْفَرْوِيُّ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ.
عن علي (عليه السّلام) أَنَّهُ قَالَ لأُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ: [اكْفِي فاطمة بنت
__________
[1] السيراء: مخططة او مخلوطة بالحرير، اما سداها او لحمتها.
[2] يقال: «طررت الشيء او الثوب طرا» - من باب مد- قطعته وشققته.
والصواب ما تقدم في رواية ابن أبي عاصم، دون ما في هذا المتن وما يشبهه، لأن مع عدم بيان كراهية لبس المخطوط او الممزوج بالحرير للرجال، لا يظن بالنبي الغضب، ومع بيان كراهيته لا يظن بأمير المؤمنين لبس المنهي عنه وما يكرهه النبي صلى الله عليه وآله!!(2/37)
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ خَارِجًا مِنَ السَّقْيِ وَغَيْرِهِ، وَتَكْفِيكِ مَا كَانَ دَاخِلا مِنَ الْعَجْنِ وَالطَّحْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ [1]] .
27- وَحَدَّثَنِي أَبُو بكر الأعين، قَالَ/ 293/ سألت أَحْمَد بن حنبل، وَيَحْيَى بن معين، عَن حديث هبيرة بن يريم فقالا: قد روي (نرى «خ» ) ما رووا [2] وليست هجرة أم عَليّ وإسلامها عندنا بمشهور والله أعلم.
__________
[1] وهذا رواه أيضا في ترجمة فاطمة بنت أسد، من الإصابة: ج 7 وفي أسد الغابة: ج 5 ص 517، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أبي البختري ... باختلاف في التعبير. ورواها أيضا في ترجمتها من مجمع الزوائد: ج 9 ص 256 بسندين عن الطبراني وقال: ورجال الرواية الثانية رجال الصحيح.
[2] كذا في النسخة، ولعل الصواب: «قد روي (قد نرى «خ» ) ما رواه» . ولعل المراد من حديث هبيرة بن يريم الذي قالا: قد روي.. هو ما تقدم في المتن والهامش من قصة اعطائه صلّى الله عليه وآله الحلة السيراء لعلي وامره ان يقطعها خمرا للفواطم الدال على اسلام فاطمة بنت اسد وهجرتها. وما قالا: من ان هجرة أم علي وإسلامها ليست عندنا بمشهور.
كلام جاهل او متجاهل، كيف وفي كل واحد منهما وردت اخبار معتمدة مستفيضة واختارهما المحققون، قال في ترجمتها من اسد الغابة: 5/ 517: قيل: انها توفيت قبل الهجرة. وليس بشيء والصحيح: انها هاجرت الى المدينة وتوفيت بها، قال الشعبي: أم علي فاطمة بنت اسد، اسلمت وهاجرت الى المدينة وتوفي بها ... وقال في ترجمتها من الإصابة: 8/ 160، تحت الرقم: (827) ، والصحيح انها هاجرت وماتت بالمدينة، وبه جزم الشعبي قال: اسلمت وهاجرت وتوفيت بالمدينة.
ورواه أيضا ابو نعيم في أول ترجمة امير المؤمنين من كتاب معرفة الصحابة: ج 1/ الورق 19/ أ.
ورواه في الحديث: (10- 13) من ترجمة علي عليه السلام من تاريخ دمشق بأسانيد، وقال في الحديث: (1456) من الترجمة: قال ابو اليقظان: وأمه فاطمة بنت اسد بن هاشم ابن عبد مناف اسلمت قديما، وهي أول هاشمي ولدت لهاشمي، وهي ربت النبي صلى الله عليه وسلم، ويوم ماتت صلى النبي عليها، وتمرغ في قبرها وبكى وقال: جزاك الله من أم خيرا فقد كنت خير أم. اقول: وقريبا منه جدا رواه الزبير بن بكار، كما في أول باب مناقب علي من الزوائد: 9/ 100، وقال رواه الطبراني وهو صحيح. وأيضا روى في ترجمتها- رحمها الله- منه ص 256، اخبارا تدل على هجرتها ونهاية جلالتها عند رسول الله. وكذلك في مستدرك الحاكم: 3/ 108، وسمط النجوم: ج 2 ص 429 والحديث: (116) من مناقب ابن المغازلي.(2/38)
28- وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: وَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ أَسِيرًا مِنْ سَبْيِ بَنِي الْعَنْبَرِ، فَوَهَبَتْهُ لِعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
قَالَ الْمَدَائِنِيُّ: فَذَكَرَ صَالِحٌ مَوْلَى آلِ عَقِيلٍ: إِنَّهُ جَدُّهُمْ ذَكْوَانُ.
29- وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ يُنَادِمُ مُسَافِرَ بْنَ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ فَمَاتَ بالحيرة فرثاه أبو طالب بشعر أوله: [1] :
__________
[1] قال الزبير بن بكار في كتاب انساب قريش: وكان ابو طالب شاعرا مجيدا، وكان نديمه في الجاهلية مسافر بن عمرو بن امية بن عبد شمس، وكان قد حبن، فخرج ليتداوى بالحيرة، فمات بهبالة، فقال ابو طالب يرثيه:
لَيْتَ شِعْرِي مُسَافِرَ بْنَ أَبِي عَمْرٍو ... وَلَيْتَ يقولها المحزون
كيف كانت مذاقة الموت إذ ... مت وماذا بعد الممات يكون
رحل الركب قافلين إلينا ... وخليلي فِي مَرْمَسٍ مَدفونُ
بوركَ الميت الغريب كما ... بورك نصر الريحان والزيتون
رزء ميت على هبالة قد خا ... لت فياف من دونه وحزون
مدره يدفع الخصوم بأيد ... وبوجه يزينه العرنين
كم خليل وصاحب وابن عم ... وحميم قفت عليه المنون
فتعزيت بالجلادة والصبر ... واني بصاحبي لضنين
فلما هلك مسافر نادم ابو طالب بعده عمرو بن عبد بن أبي قيس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لوي، ولذلك قال عمرو لعلي عليه السلام يوم الخندق حين بارزه: ان أباك كان لي صديقا. كذا نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار: (28) من كتب النهج: ج 15/ 219.(2/39)
لَيْتَ شِعْرِي مُسَافِرَ بْنَ أَبِي ... عَمْرٍو وَلَيْتَ يَقُولُهَا الْمَحْزُونُ
وَهُوَ شِعْرٌ مَعْرُوفٌ. ثُمَّ نادم عمرو بن عبد بن أبي قيس (كذا) فلما كَانَ يوم الخندق دعاه عَليّ عَلَيْهِ السلام إلى البراز فقال لَهُ: إن أباك كان لي صديقا ونديما.
[أسماء ولد أبي طالب وتعدادهم وترجمة مختصرة لطالب بن أبي طالب]
30- فولد أَبُو طالب طالبا- وَكَانَ مضعوفا لا عقب لَهُ- وعقيلا وجعفرا وعليا، فبين كل واحد منهم والأخر- فِي قول هِشَام بن الكلبي عشر سنين [1] .
وأمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي.
31- وقال الهيثم بن عدي:، قَالَ جَعْفَر بن مُحَمَّد: كَانَ بين جَعْفَر وَعَليّ عليهما السلام تسع سنين، جَعْفَر أكبرهما، وبين جَعْفَر وعقيل أربع
__________
[1] ومثله معنى في أول ترجمة عقيل من طبقات ابن سعد: 4/ 42 وقال في أول ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من مروج الذهب: ج 2 ص 350 ط بيروت: وولد أبي طالب بن عبد المطلب اربعة ذكور وابنتان، طالب، وعقيل، وجعفر، وعلي، وفاختة وجمانة، لأب وأم، أمهم فاطمة بنت اسد بن هاشم. وبين كل واحد من البنين عشر سنين، فطالب الأكبر، وبينه وبين عقيل عشر سنين، وبين عقيل وجعفر سنتان (كذا) ، وبين جعفر وعلي عشر سنين.
واخرج مشركوا قريش طالب بن أبي طالب يوم بدر الى حرب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كرها، ومضى ولم يعرف له خبر، وحفظ من قوله في هذا اليوم:
يا رب اما خرجوا بطالب ... في مقنب من تلكم المقانب
فاجعلهم المغلوب غير الغالب ... والرجل المسلوب غير السالب
وقريبا منه رواه ابن سعد في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله من الطبقات: ج 1/ 121، ط بيروت، كما ان أبا الفرج أيضا رواه في اخبار حسان بن ثابت من الأغاني: 4/ 183، كما ان الذيل رواه أيضا ثقة الاسلام الكليني في الحديث: (563) من روضة الكافي ص 375.(2/40)
سنين، وعقيل أكبرهما، وطليق بن أبي طالب [1] لا عقب لَهُ، درج، وأمه أمة لبني مخزوم غشيها فحملته [2] فادعاه (أبو طالب) وادعاه أيضا رجل من حضر موت فأرادوا بيعه من الحضرمي فقال أَبُو طالب:
أعوذ بخير الناس عَمْرو بن عائذ ... أبي وأبيكم أن يباع طليق
أخو حضر موت كاذب لَيْسَ فحله ... ولكن كريم قد نماه عتيق
هبوني كد باب وهبتم لَهُ ابنه ... وإني بخير منكم لحقيق
وَكَانَ دباب بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِر بْن الحرث بْن حارثة بْن سَعْد بْن تيم بْن كعب وقع عَلَى أمة لبني مخزوم أيضا فأولدها ولدا فوهبوه لَهُ.
وأم هانئ، تزوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي، فولدت لَهُ جعدة بن هبيرة، فهرب هبيرة يوم الفتح إلى اليمن فمات كافرا بِهَا.
وقيل هرب حين أسلمت أم هانئ- واسمها فاخته- إلى نجران ولها يقول [3] :
وإن كنت قد تابعت دين محمد ... وقطعت الأرحام منك حبالها
__________
[1] أي وولد ابو طالب طليق ...
[2] ان صح هذا فمحمول على الوطي والغشيان بالشبهة.
[3] وقال ابن أبي الحديد- في شرح المختار: (64) من الباب الثاني من النهج: ج 18، ص 8 نقلا عن الواقدي في قصة طويلة-: وأسلمت أم هانئ فقال هبيرة حين بلغه إسلامها- يوم الفتح- يؤنبها شعرا من جملته: «وان كنت ... » - الى قوله:
فكوني على أعلى سحوق بهضبة ... ململمة حمراء يبس بلالها
وقال في الهامش: (هي) من قصيدة له في ابن هشام: 4/ 42 وأولها:
أشاقتك هند أم أتاك سؤالها ... كذاك النوى أسبابها وانفتالها(2/41)
فكوني عَلَى أعلى سحوق بهضة ... ممنعة لا يستطاع منالها
وإن كلام المرء فِي غير كنهه ... لكالنبل يهوي لَيْسَ فيها نصالها
وجمانة ولدت لأبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب.
فأما طالب فأقام عَلَى دين أبيه ولم يسلم بعده، وحضر بدرا مع المشركين وقال بعد انصرافه معهم.
فجعتني المنون بالجنة الحمس ... (كذا) ملوك لذي الحجون صباح
3/ 297
إن كعبا وعامرا قد أبيحت ... يوم بدر ويوم ذات الصفاح
ويقال: إن هَذِه الأبيات لغيره [1] .
وقد اختلفوا فِي أمر طالب فقائل يقول: رجع من بدر إلى مكة، فمات بعد قليل. وقائل يقول: أتى اليمن فهلك فِي طريقه وقال بعضهم: أخرج طالب إلى بدر مكرها فقال:
يا رب إما يخرجن طالب ... من مقنب من تلكم المقانب
فليكن المغلوب غير الغالب ... وليكن المسلوب غير السالب
فزعموا أَنَّهُ لَمْ يوجد فِي القتلى، ولا كَانَ فِي الأسرى، ولا مع المسلمين، ولا أتى مكة، ولكنه أتى الشام فمات بِهَا أو في طريقها.
[ترجمة إجمالية لجعفر بن أبي طالب]
وأما جَعْفَر بْن أَبِي طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- وَكَانَ يكنى أبا عبد الله- فإنه أتى النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مع أخيه عَليّ عَلَيْهِ السلام وقد كان يسمع عليا يذم عبادة
__________
[1] قال في سيرة رسول الله تحت الرقم: (675) ج 1، ص 306، وقَالَ طَالِب بْن أَبِي طَالِب فِي يَوْم بدر- وقوم يزعمون أنها لأمية بْن أَبِي الصلت- وكان طَالِب قَدْ شهد بدرًا ثُمَّ انصرف راجعًا فلم يسمع لَهُ بذكر مَعَ قريش: «فجعتني المنون بالجلة الحمس» ... وراجع الأبيات فإن هناك زيادة ومغايرة عما ذكره ههنا.(2/42)
الأوثان فوقع فِي نفسه ذمها/ 294/ فلما دعاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قبل دعا (ء) وشهد أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عبده ورسوله وأن المبعث حق.
وهاجر إلى الحبشة ومعه امرأته أسماء ابنة عميس الخثعمية- وهي أخت أم الفضل لبابة بنت الحرث بن حزن الهلالية، لأمها هند بنت عوف الحميرية- فلم يزل مقيما بالحبشة فِي جماعة تخلفوا معه من المسلمين.
ثُمَّ قدم عَلَى رَسُول اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سنة سبع من الهجرة بعد فتح خيبر فاعتنقه رَسُول اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وقال: [لست أدري أي الأمرين أسر إلي أفتح خيبر أم قدوم جَعْفَر [1]] .
وقدم معه المدينة، ثم وجهه في جيش إلى مؤتة من بلاد الشام فاستشهد وقطعت يداه فِي الحرب فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وسلم: [لقد أبدله الله بهما جناحين يطير بهما فِي الجنة.] فسمي ذا الجناحين وسمي الطيار فِي الجنة.
ودخل رَسُول اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ- حين أتاه نعي جَعْفَر- عَلَى أسماء بنت عميس فعزاها بِهِ، ودخلت فاطمة عليها السلام تبكي وهي تقول: وا عماه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [عَلَى مثل جَعْفَر فلتبك البواكي.] ثُمَّ انصرف إلى أهله وقال: [اتخذوا لآل جَعْفَر طعاما فقد شغلوا عَن أنفسهم.] وضم عبد الله بن جَعْفَر إِلَيْهِ ومسح رأسه وعيناه تدمعان [وقال: اللهم أخلف جعفرا فِي ذريته بأحسن ما خلفت بِهِ أحدا من عبادك الصالحين] .
واستشهد جَعْفَر، وهو ابن نحو من أربعين سنة، وَذَلِكَ فِي سنة ثمان من الهجرة.
__________
[1] ورواه أيضا ابن سعد في ترجمة جعفر من الطبقات: ج 4 ص 35 ط بيروت، ورواه أيضا في ترجمته من مجمع الزوائد: 9/ 272 وقال: رواه الطبراني في الثلاثة، وفي رجال الكبير أنس بن سلم ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات. ثم رواه بسند آخر وقال: رواه الطبراني مرسلا ورجاله رجال الصحيح.(2/43)
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [أشبهني جَعْفَر فِي خلقي وخلقي [1]] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَاسِطِيُّ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
مَا احْتَذَى النِّعَالَ وَلا رَكِبَ الْمَطَايَا رَجُلٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلَ مِنْ جَعْفَرٍ.
وقال أَبُو طالب وجعفر بالحبشة.
لقد ضل عني جَعْفَر متنائيا ... وأعدى الأعادي معشري والأقارب
فهل نال معروف النجاشي جعفرا ... وأصحابه أم غاله عنه شاغب (كذا)
تعلم بأن الله زادك بسطة ... وأسباب خير كلها لك لازب
وأنك عز والملوك أذلة ... كريم فلا يشقى لديك المجانب [2]
وقالوا: اختط رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجعفر إلى جانب المسجد فلما استشهد وزيد بن حارثة بكى وقال: [أخواي ومونساي ومحدثاي] .
وَكَانَ لجعفر من الولد عبد الله الجواد، ويكنى أبا جَعْفَر، ولد بالحبشة، وعون بن جَعْفَر، وَمُحَمَّد بن جَعْفَر، وأمهم أسماء بنت عميس بن معد الخثعمية.
وَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [الأخوات الأربع مؤمنات أحبهن لإيمانهن: أسماء بنت عميس، وسلمى وأم الفضل وميمونة.] وأمهن هند بنت عوف بن حماطة بن حرش. فأما عون وَمُحَمَّد فذكر أبو اليقظان النصري أنهما استشهدا جميعا بتستر فِي خلافة عمر بن الخطاب. وذلك غلط.
__________
[1] ورواه في ترجمة جعفر من مجمع الزوائد: ج 9/ 272، وكذلك في ترجمته من الطبقات الكبرى: 4 ص 36 بطرق، كما ذكر أيضا الحديث التالي وجل ما تقدم.
[2] قال البلاذري في المتن: ويروى (يعني بدلا عن المجانب) : «المضاقب» (كذا) .(2/44)
وذكر غيره أنهما قتلا بصفين. وقيل: إنهما قتلا بالطف مع الْحُسَيْن وحمل ابن زياد رءوسهما مع رأس الْحُسَيْن عليهم السلام إلى يزيد بن معاوية.
والله أعلم. ولم يكن لعون عقب.
وأتى عبد الله بن جَعْفَر رجل يقال لَهُ المسور، فذكر أَنَّهُ ابن عون بن جَعْفَر، فوهب لَهُ عشرة آلاف درهم وزوجه ابنة لَهُ عمياء فماتت ولم يجتمعا، ثُمَّ إن ولد عبد الله بن جَعْفَر نفوه وطردوه، وَكَانَ لَهُ ولد بالمدائن لا ينسبون إلى قريش ولا تنكحهم الأشراف، وَكَانَ ممن حمل عَنْهُ الحديث أَبُو جَعْفَر الْمَدَائِنيّ، وَكَانَ يقال لَهُ عبد الله بن مسور بن عون بن جَعْفَر وقد ذكره مُحَمَّد بن سعد كاتب الواقدي فِي كتابه الَّذِي ألفه فِي الطبقات من المحدثين والفقهاء [1] إلا أَنَّهُ قَالَ: مسور بن مُحَمَّد بن جَعْفَر. ولم يلد مُحَمَّد بن جَعْفَر إلا القاسم بن مُحَمَّد بن جَعْفَر وأم مُحَمَّد، وأمهما أمة الله بنت قيس بْن/ 295/ مخرمة بْن المطلب بْن عَبْد مناف.
[ترجمة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب]
وأما عبد الله بن جَعْفَر فكان جوادا، جعل معاوية بن أبي سفيان عطاءه فِي كل سنة ألف ألف درهم، فلما قام يزيد بن معاوية صيرها ألفي ألف درهم، فلم يكن الحول يحول حَتَّى ينفقها ويستدين، لسعة بذله وعطاياه.
1- وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ خَرَّبُوذَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ كُلِّمَ فِي تَزْوِيجِ يَتِيمٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَوَهَبَ لَهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِمُعَاوِيَةَ فَقَالَ: إِذَا لَمْ يَكُنِ الْهَاشِمِيُّ سَخِيًّا لَمْ يُشْبِهْ مَنْ هُوَ منه.
__________
[1] ذكره في ج 7 ص 319 ط بيروت من الطبقات الكبرى قال: وكان بالمدائن من المحدثين والفقهاء (جماعة منهم) ابو جعفر المدائني واسمه عبد الله بن المسور بْنِ مُحَمَّد بْنِ جَعْفَر بْنِ أَبِي طَالِبٍ وكان معروفا قليل الحديث.(2/45)
2- وقال الكلبي: مدح نصيب أبو مجن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ فَأَجْزَلَ لَهُ الْعَطَاءَ فَقِيلَ لَهُ: أَتُعْطِي مِثْلَ هَذَا الْعَبْدِ الأَسْوَدِ مَا أَعْطَيْتَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ جِلْدُهُ أسود، إن شِعْرَهُ لأَغَرُّ أَبْيَضُ وَلَقَدِ اسْتَحَقَّ بِمَا قَالَ أفضل مما قال، وإنما أخذ رواحل تنضى، وثيابا تبلى ومالا يفنى، وأعطى مدائح تروي وثناءا تبقى.
3- وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضِ بْنِ جُعْدُبَةَ قَالَ:
ابْتَاعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَائِطًا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الانصار بمأتي أَلْفِ دِرْهَمٍ فَرَأَى ابْنًا لَهُ يَبْكِي فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي وَأَبِي نَمُوتُ قَبْلَ خُرُوجِ هَذَا الْحَائِطِ مِنْ أَيْدِينَا، لَقَدْ غَرَسْتُ بَعْضَ نَخْلِهِ بِيَدَيَّ. فَدَعَا أَبَاهُ ورد عليه صكه وسوغه الملك.
4- وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودِ بْنُ الْعَتَّابِ [1] عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ: عَجَبًا لِمَنْ يَشْتَرِي الْعَبِيدَ بِمَالِهِ كَيْفَ لا يَسْتَعْبِدُ الأَحْرَارَ بِمَعْرُوفِهِ.
5- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ، أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ، عَنِ ابْنِ أبي الزياد، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ مِنَ الشَّامِ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ فَأَتَى عَلَى قَوْمٍ مِنَ الْعَرَبِ قَدْ تَحَارَبُوا وَوَقَعَتْ بَيْنَهُمْ قتلى فوادهم بِثَلاثِ مِائَةِ أَلْفٍ وَكَسْرٍ، وَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ وَهَيَّأَ طعاما أنفق عَلَيْهِ مَالا ثُمَّ أَطْعَمَهُمْ فَقَالَ شَاعِرُهُمْ:
مَا الْبَحْرُ أَجْوَدُ مِنْ كَفَّيْكَ حِينَ طَمَا ... وَلا السحاب إذا ما راح محتفلا
أغاثنا الله بالمحمود شميته ... شبه النبي الذي قفى به الرسلا
__________
[1] ويحتمل ضعيفا ان يقرء: «عقاب» . وكلام ابن جعفر هذا مقتبس من كلام عمه أمير المؤمنين علي بن طالب عليه السلام كما في الحديث: (10) من المجلس: (46) من أمالي الصدوق (51) .(2/46)
أَعْطَى فَحَازَ الْمُنَى مِنَّا وَأَطْعَمَنَا ... كُومَ الذُّرَى [1] غَيْرَ مَنَّانٍ بِمَا فَعَلا
6- وَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أعراب بني كنانة فأنشده وهو في سفره:
إنك يا بن جَعْفَرُ نِعْمَ الْفَتَى ... وَنِعْمَ مَأْوَى طَارِقٍ إِذَا أتى
ورب ضيف طرف الْحَيَّ سُرَى ... صَادَفَ زَادًا وَحَدِيثًا مَا اشْتَهَى
إذ الحديث طرف من القوى
وَيُقَالُ: إِنَّ الأَبْيَاتَ فِي غَيْرِهِ، وَقَالَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الأَبْيَاتَ فِيهِ: أَنَّهُ أَعْطَاهُ خَمْسِينَ ناقة [2] .
14- وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه قَالَ: كَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، غُلامٌ فَارِسِيٌّ سَقَطَ إِلَيْهِ يُقَالُ لَهُ نَشِيطٌ، وَكَانَ يُغَنِّي بِالْفَارِسِيَّةِ وَيَضْرِبُ عَلَى غِنَائِهِ بِالْعُودِ، ثُمَّ فصح فغنّى بالعربية، وعنه (عن) سائب خاثر (ظ) أَخْذُ مَعْبَدٌ الْغِنَاءَ، وَلِنَشِيطٍ أَغَانٍ نُسِبَتْ إِلَى مَعْبَدٍ.
15- وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ، عن أبي مسكين (كذا) وَغَيْرِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَتَذْكُرُ حِينَ لَقِينَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ فَجَعَلَ حَسَنًا بَيْنَ يَدَيْهِ وأردفني وتركك تعسل (كذا) .
86- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ لابْنِ جَعْفَرٍ: أتذكر يوم لقينا رسول الله عليه السلام؟ فقال: نعم فحملني وابن عباس وتركك.
__________
[1] يقال: ناقة كوماء: ضخمة السنام. وبعير أقوم، والجمع: كوم من باب أحمر. ويقال:
ذريت الطعام تذرية: خلصته من تبنه. والذرى- (على) وزان الحصى) -: كل ما يستتر به الشخص. والذروة- بالكسر والضم- من كل شيء أعلاه.
[2] وبعده قد ضاع من مخطوطي ورقة فيها سبعة أحاديث.(2/47)
17- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ الله ابن جَعْفَرٍ رَأَى فِي مَنَامِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ وَمَعَهُ عَلِيٌّ فَقَالَ لَهُ: انْطَلِقْ مَعَنَا. فَقَالَ: إِنَّ عَلَيَّ دَيْنًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ دَيْنَكَ سَيُقْضَى بَعْدَكَ. فَلَمَّا مَاتَ دَعَا ابْنَهُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّاسَ إلى شراء ماله فقالوا به (كذا) وَأَمَرَ غُرَمَاءَهُ فَحَضَرُوا فَقَضَى دَيْنَهُ.
18- وَحَدَّثَنِي عَافِيَةُ السعدي عن الربيع بن مسلم قال: مررت بعبد الله بن جعفر وهو في مجلسه مع أصحابه (ومرت بهم) [1] نَاقَةٌ نَجِيبَةٌ لِسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ سَعِيدِ بن العاص (كذا) بْنِ أُمَيَّةَ، فَأَعْجَبَتْهُمْ وَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: أَشْتَهِي وَاللَّهِ أَنْ آكُلَ مِنْ لَحْمِهَا وَسَنَامِهَا فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ رَائِضَهَا وَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ وَيُشَاغِلُهُ ثُمَّ أَمَرَ بِنَحْرِهَا فَجَزِعَ الرَّائِضُ فَقَالَ: لا بَأْسَ عَلَيْكَ وَأَرْسَلَ إِلَى سَعِيدٍ فَعَرَّفَهُ خَبَرَ النَّجِيبَةَ وَقَالَ: إِنَّ بَعْضَ جُلَسَائِنَا اشْتَهَى أَنْ يَأْكُلَ من شحمها ولحمها فأمرت بنحرها. قال سعيد: قد وفقت فلا تخلنا [2] من أطائبها، وأمر عبد الله للرائض بمأتي دِينَارٍ، وَمَا بَقِيَ مِنَ النَّاقَةِ بَعْدَ الَّذِي طبخ لهم وحمل إلى سعيد من أطائبها.
19- وَحَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وهب بْن جرير بْن حازم، عَن أبيه، عن يونس بن يزيد الا يلى، عن الزهري ان علي ابن أَبِي طَالِبٍ أَعْطَى عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا- يَوْمَ الْجَمَلِ حِينَ أَشْخَصَهَا إِلَى الْمَدِينَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا/ 297/ فَاسْتَقَلَّ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا- فَزَادَهَا وقال: إن أجازها علي هذه الزيادة، وإلا فهي من مالي.
__________
[1] بين المعقوفين زيادة تستدعيها السياق.
[2] والكلمة كانت في النسخة بالحاء المهملة.(2/48)
20- حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن هشام الكلبي، عن أَبِيهِ: أَنَّ عَنْبَسَةَ بْنَ مِرْدَاسٍ- أَحَدَ بَنِي كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: ابْنُ فَسْوَةَ- أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: جئتني (كذا) لِتُعِينَنِي عَلَى مُرُوءَتِي. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: وهل لامرء يعصي الرحمن ويطيع الشيطان ويقول البهتان (من) مُرُوءَةٌ!! فَقَالَ:
أُتِيحَ لِعَبْدِ اللَّهِ يَوْمَ لَقِيتُهُ ... شُمَيْلَةَ تَرْمِي بِالْحَدِيثِ الْمُفَتَّرِ
فَلَيْتَ قَلُوصِي عُرِّيَتْ أو رحلتها ... إلى حسن في داره وابن جعفر
إلى ابن رسول الله يأمر بالتقى ... ويقرء آيَاتِ الْكِتَابِ الْمُطَهَّرِ
فَقَالَ لَهُ ابْنُ جَعْفَرٍ: أَنَا أُعْطِيكَ مَا تُرِيدُ، عَلَى أَنْ تُمْسِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلا تَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذِهِ الكلمة. فأعطاه وأرضاه.
21- قال (الكلبي) : وشميلة هذه ابنة أبي جنادة ابن أبي أزيهر (كذا) الدوسي، كانت عند مجاشع بن مسعود (ظ) السُّلَمِيِّ فَقُتِلَ عَنْهَا يَوْمَ الْجَمَلِ فَخَلَفَ عَلَيْهَا ابْنَ عَبَّاسٍ.
22- قَالَ: وَقَالَ هِشَامٌ: أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ دَعَا عَلَى ابْنِ فَسْوَةَ فَخَرِسَ وَأَصَابَهُ خَبَلٌ مَاتَ مِنْهُ.
23- الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، قَالَ: جَرَى بَيْنَ يَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَبَيْنَ عبد الله بن جعفر بن أبي طالب كَلامٌ فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: كَيْفَ تَرَكْتَ الْخَبِيثَةَ- يَعْنِي الْمَدِينَةَ؟!!؟ - قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طِيبَةَ وَتُسَمِّيهَا خَبِيثَةً؟!!! قَدِ اخْتَلَفْتُمَا فِي الدُّنْيَا، وَسَتَخْتَلِفَانِ فِي الآخِرَةِ.
فَقَالَ: وَاللَّهِ لأَنْ أَمُوتَ وَأُدْفَنَ بِالشَّامِ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدْفَنَ بِهَا!!! فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: اخْتَرْتَ مُجَاوَرَةَ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى عَلَى مُجَاوَرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ.
قَالَ يَحْيَى: مَا تَقُولُ فِي عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ؟!! قَالَ: أَقُولُ مَا قَالَ مَنْ هُوَ(2/49)
خَيْرٌ مِنِّي لِمَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُمَا «إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (118/ المائدة) .
24- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ بِمِثْلِهِ.
25- وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ وَغَيْرِهِ قَالُوا: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ يُعْطِي الْمَالَ الْجَلِيلَ، وَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا مَاكَسَ فِيهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ. أَمَّا مَا أَعْطَيْتُ فَهُوَ شَيْءٌ أَجُودُ بِهِ، وَأَمَّا ابْتِيَاعِي الشَّيْءَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ فَهُوَ عَقْلِي أَغْبِنُهُ.
26- وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ يَقُولُ: مِنْ أَعْظَمِ الْخِرَقِ الدَّالَةِ عَلَى السُّلْطَانِ.
27- الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، قَالَ: قَالَ عبد الله ابن جَعْفَر لابْنَتِهِ:
يَا بُنَيَّةِ إِيَّاكِ وَالْغَيْرَةَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ الطَّلاقِ، وَإِيَّاكَ وَكَثْرَةَ الْمُعَاتَبَةِ فَإِنَّهَا تُورِثُ الضَّغِينَةَ، وَعَلَيْكِ بِالزِّينَةِ وَالطِّيبِ، وَاعْلَمِي أَنَّ أَزْيَنُ الزِّينَةِ الْكُحْلَ، وَأَطْيَبُ الطِّيبِ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ.
28- وَحَدَّثَنِي العمري عَنِ الهيثم بْن عدي، عَنِ ابن عباس (كذا) ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ يَقُولُ: ما صار إليّ مَالٌ فَصَدَّقْتُ أَنَّهُ لِي حَتَّى أَنْفَقْتَهُ.
29- وَقَالَ لرجل من ذوى الحرمة به (كذا) : إِنْ لَمْ تَجِدْ بُدًّا مِنْ صُحْبَةِ الرِّجَالِ فعليك بمن إذا صحبته زانك وإن حففت لَهُ صَانَكَ، وَإِنْ وَعَدَكَ صَدَقَكَ وَإِنْ غِبْتَ عَنْهُ لَمْ يَرْفُضْكَ، وَإِنْ رَأَى بِكَ خُلَّةً سدّ خلّتك يتعديك (ظ) إِذَا سَكَتَّ، وَيُعْطِيكَ إِذَا سَأَلْتَ.
30- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن زياد الأعرابي الرواية (قال) : رفع وكيل لعبد الله ابن جعفر حسابا إليه، حسابا ينقص خمسمائة درهم، فقال:(2/50)
مَا هَذِهِ؟ وَفِي أَيِّ شَيْءٍ خَرَجَتْ؟ فَقَالَ: في ثمن جمل اشتريته لعبد الله ابن جعفر. فضحك وقال: ويحك (أ) يُشْتَرَى جَمَلٌ بِخَمْسِ مِائَةِ دِرْهَمٍ،! فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ أَبْرَقَ!! فَقَالَ: أَمَا إِذَا كَانَ أَبْرَقَ فنعم [1] .
32- وحدثت عَن هِشَام بن الكلبي قَالَ: تنازع قوم بالمدينة، فقال بعضهم: أسخى الناس عبد الله بن جَعْفَر. وقال آخرون: عرابة الأوسي.
وقال آخر: قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري. وشيخ يسمع كلامهم فقال:
والله ما منك إلا من يصف [2] رجلا شريفا سخيا فليقم كل رجل منكم إلى من فضله، فليسأله لنعرف جماله (كذا) فقام صاحب عبد الله بن جَعْفَر فأتاه وقد قربت لَهُ راحلة ليركب، وقد وضع رجله في غرزها فقال: يا بن عم رسول الله إني رجل حاج ايدع بي (كذا) وقد بقيت متحيرا [3] فأعني فِي زاد وراحلة. فقبض رجله ثُمَّ قَالَ: دونك الراحلة فاقتعدها وانظر ما عليها من فضل أداة فبعه واجعله فِي نفقتك. فوثب بعض غلمان عبد الله إلى سيف فِي مؤخر الرحل ليأخذه فقال عبد الله: مه ثُمَّ قَالَ: يا هَذَا لا تخدعن عَن هَذَا السيف فإنه يقوم عَلَي بألف دينار. فأخذ الراحلة بما عليها والسيف، وأتى القوم فقالوا: لقد أحسن العطية.
ثُمَّ قام صاحب عرابة، فأتاه وقد خرج من داره يريد المسجد، وغلامان لَهُ أسودان يأخذان بيده وقد كف بصره فقال لَهُ: يا هَذَا إِنِّي رجل من الحاج منقطع بي فأعني فِي زاد وراحلة فقال: أوه أوه والله لقد أتيت عرابة وما يملك صفراء ولا بيضاء وما يملك إلا هَذِه الأرض العريضة وعبديه
__________
[1] وبعده قد ضاعت صحيفة من مخطوطي.
[2] هذا هو الظاهر من السياق، وفي الأصل: «من يضل رجلا» ؟ ويحتمل أيضا بقرينة قوله فيما بعد: «فضله» ان الأصل كان: «من فضل رجلا ... » فصحف.
[3] هذا هو الظاهر من السياق، وفي الأصل: «مستحير (ا) » ؟(2/51)
هذين [1] خذهما فبعهما واجعل ثمنهما فِي زاد وراحلة!!! فقال الرجل: سبحان الله آخذ قائديك وسمعك وبصرك؟! فقال: هما حران إن لَمْ تأخذهما؟؟ فأخذهما الرجل وجاء بهما إلى القوم فقالوا: جهد من مقل، ولقد أحسن وكرم.
ثُمَّ مضى صاحب قيس بن سَعْدٍ، وهو نائم فقالت جاريته من هَذَا؟
قَالَ: رجل يطلب قيسا قالت: هُوَ الآن نائم أفلك حاجة؟ قَالَ نعم أنا رجل من الحاج انقطع بي فجئته ليعينني فِي زاد وراحلة. فقالت لَهُ:
يا سبحان الله ألا تكلمت ابنة قيس فِي هَذَا القدر؟! يا غلام امض مع الرجل إلى دار النجائب، فليأخذ أي نجيب شاء، وامض معه إلى بيت الرجال فليأخذ أي رجل أحب وأت معه فلانا الصيرفي فليعطه ألف درهم.
فأعجبهم من قيس حكم جاريته فِي ماله (ظ) بغير علمه.
وقال صاحب عبد الله بن جَعْفَر يمدحه:
حباني عبد الله نفسي فداؤه ... بأعيس مياد سياط مشافره
وأبيض من صافي الحديد كأنه ... شهاب بدا والليل داج عساكره
فيا خير خلق الله عما ووالدا ... وأكرمهم للجار حين يجاور (هـ)
سأثني بما أوليتني يا بن جعفر ... وما شاكر عرفا كمن هو كافر (هـ)
33- وَحَدَّثَنِي أَبُو مسعود الكوفي، عَن الكلبي، قَالَ: قالت بنو أمية لمعاوية يا أمير المؤمنين أتعطي أحدنا مائة ألف درهم إِذَا أسنيت (ظ) لَهُ، وتعطي ابن جَعْفَر ما تعطيه؟ فقال: لست أعطي ابن جَعْفَر ما أعطيه لَهُ وحده وإنما أعطيه وأعطي الناس لأنه يقسم ما يصير إليه ويجود به،
__________
[1] كذا في الأصل، ولعل الصواب: «وما يملك من هذه الأرض العريضة إلا عبدية هذين» .(2/52)
وأنتم تأخذون المال فتحبسونه وتدخرونه [1] وإنما نعطي كل امرئ عَلَى قدر مروءته وتوسعه.
34- العمري، عن الهيثم (بن عدي) قَالَ: كلم عبد الله بن جَعْفَر عَليّ بن أبي طالب فِي حاجة لبعض الدهاقين،، فقضاها فحمل (الدهقان) إِلَيْهِ أربعين ألف درهم ورقا، فردها وقال: إنّا قوم لا نأخذ عَلَى معروف ثمنا.
35- الْمَدَائِنيّ، عَن غير واحد قَالَ: وَفَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَلَى معاوية فأعطاه صلته/ 299/ لوفادته خمسمائة ألف درهم، وقضى حوائجه.
ثُمَّ إن عبد الله وقف بين يديه فقال: يا أمير الْمُؤْمِنِين اقض ديني. قَالَ:
أو لَمْ تقبض وفادتك وتقض حوائجك (ظ) الخاصّ والعام يا بن جَعْفَر؟
قَالَ: بلى. قَالَ: فليس كل قريش أسعه بمثل ما أعطيك، وقد أجحفت النوائب ببيت المال؟! قَالَ: إن العطية يا معاوية محبة والمنع بغضة ولأن تعطيني وأحبك أحب إلي من أن تحرمني فأبغضك ثُمَّ قَالَ:
عودت قومك عادة فاصبر لها ... (و) اغفر لجاهلها ورد سجالها
فقال معاوية: اعلم يا بن جَعْفَر أن ما من قريش أحد (أحب) أن يكون ولدته هند غيرك ولكني إِذَا ذكرت ما بينك وبين علي، و (ما) بين عليّ وبيني اشمأزّ قلبي!!! فكم دينك؟ قال: ثلاثون ألف دينار.
__________
[1] وإلى هذا أشار الإمام ريحانة رسول الله الحسين بن علي عليهما السلام في كتابه الى معاوية- على ما رواه ابن أبي الحديد في شرح المختار: (178) من قصار النهج ج 18/ 409- قال:
أما بعد فإن عيرا موت بنا من اليمن تحمل مالا وحللا، وعنبرا وطيبا إليك لتودعها خزائن دمشق، وتعل بها بعد النهل بني أبيك واني احتجت إليها فأخذتها.(2/53)
فقال: كيف أبخل بما لا يغيب عَن بيت مالي إلا أشهرا يسيرة حَتَّى يعود إليه، اقضها يا سعد [1] .
37- حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي، عن أبيه، عَن مُحَمَّد بن يزيد الكناني قَالَ: كَانَ سائب مولى لبني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وَكَانَ تاجرا موسرا يبيع الطعام، وَكَانَ يغني مرتجلا ويوقع عَلَى غنائه بقضيب، وَكَانَ انقطاعه إلى عبد الله بن جعفر، وكان عبد الله يحسن سائب هَذَا، قَالَ عبد الله رجل من أهل المدينة من موالي بني ليث بن حذافة فأدخله إلى أمير الْمُؤْمِنِين؟ قَالَ نعم فأدخله إليه فلما قام [2] .
فقال معاوية أشهد لقد حسنه ثُمَّ وصله وقضى حاجته.
قال: وسمع معاوية صوته سائب خاثر من منزل يزيد ابنه.
فلما دخل عليه يزيد قال: مات جليسك [3] يا بني البارحة؟
قَالَ: سائب خاثر. قال: فاختر له فما رأيت بنشيده بأسا [4] .
__________
[1] وبعده أيضا قد ضاعت صحيفة فيها حديث واحد.
[2] كذا كان في الأصل بياض سترا على معاوية!!!
[3] كذا هنا، وقال في ترجمة معاوية: ج 2/ الورق 52/ أ: الْمَدَائِنِيّ قَالَ: سمع مُعَاوِيَة غناء سائب خاثر عند يزيد بْن مُعَاوِيَة، فلما أصبح قَالَ: من كان جليسك فِي ليلتك يا بني؟ إلخ.
[4] وقال في ترجمة معاوية: ج 2/ الورق 53 ب: الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قدم مُعَاوِيَة المدينة وعبد اللَّه بْن جعفر بْن أبي طالب عليل، فركب إليه مُعَاوِيَة فِي الناس، فَقَالَ رجل من قريش لسائب خاثر: مطرفي لك إن غنيت ومشيت بين أيديهم- وقيل: إن ذلك كان في وليمة- فغنى: «لنا الجفنات» إلخ.(2/54)
41- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن عدة من أهل الحجاز، قالوا: قدم معاوية المدينة، فأمر حاجبه أن يأذن للناس، فخرج (الآذن) فلم ير أحدا فأعلمه قَالَ: فأين الناس؟ قيل: عَند عبد الله بن جَعْفَر فِي مأدبة لَهُ، فأتاه معاوية، فلما جلس قَالَ بعض المدنيين للسائب خاثر: لك مطرفي إن غنيت ومشيت بين السماطين، ففعل وغنى/ 300/ بشعر حسان بن ثابت:
لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
فأعجب معاوية ذَلِكَ واستحسنه وأخذ السائب المطرف [1] .
42- وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَن ابن جعدبة، قَالَ: قَالَ: عبد الملك بن مروان لعبد الله بن جعفر: يا (أ) با جَعْفَر بلغني انك تسمع الغناء عَلَى المعازف والعيدان، وأنت شيخ؟! قَالَ: أجل يا أمير الْمُؤْمِنِين، وإنك لتفعل أقبح من ذَلِكَ؟! قَالَ: وما هُو؟ قَالَ: يأتيك أعرابي أهلب العجان، منتن الريح فيقذف عندك المحصنة ويقول البهتان، ويطيع الشيطان، فتعطيه عَلَى ذَلِكَ المائة من الإبل وأكثر، وأنا أشتري الجارية بمالي حلالا، ثُمَّ أتخير لَهَا جيد الشعر فترجعه بأحسن النغم، فما بأس بذلك.
43- ومر عبد الله بالحزين في غداة باردة وعليه خزّ مطادر [2] فقال لَه:
أقول لَهُ حين واجهته ... عليك السلام أبا جعفر
__________
[1] وقبله قد سقطت ورقة فيها ثلاثة أحاديث.
[2] هذه الكلمة رسم خطه غير واضح، ويمكن ان يقرء «مطامر» .(2/55)
فقال: وعليك السلام. قَالَ:
فأنت المهذب من غالب ... وَفِي البيت منها الَّذِي يذكر
قَالَ: (ظ) كذبت يا عدو الله ذاك نبي الله صلى الله عليه. قَالَ:
فهذي ثيابي قد أخلقت ... وقد عضني منكم منكر
فأمر لَهُ بما كَانَ عَلَيْهِ من الثياب.
44- وقال ابن الكلبي كَانَ مالك بن أبي السمح من طيّئ من ساكني المدينة، وَكَانَ أخواله من بني مخزوم، وَكَانَ يتيما فِي حجر عبد الله بن جَعْفَر، فأخذ الغناء عَن معبد، وَكَانَ يغني مرتجلا، وعاش حَتَّى أدرك دولة بني العباس.
45- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ عن مشايخ من المدنيين وغيرهم قالوا: كَانَ عُبَيْد بن ثريح (كذا) مولى بني ليث من كنانة، ويكنى أبا يَحْيَى ويلقب وجه الباب لأنه كَانَ متركا (كذا) وَكَانَ منقطعا إلى عبد الله بن جَعْفَر، وهو الذي تغنى (بقول) :
تعدت بي الشبهاء نحو ابن جَعْفَر ... سواء عليها ليلها ونهارها
قال هشام: وكان موسى شهوات منقطعا إلى (عبد الله) بن جَعْفَر أيضا، وإنما سمي شهوات لأنه قَالَ فِي يزيد بن معاوية شعرا لَهُ:
يا مضيع الصلاة للشهوات
وقال غير هِشَام: كَانَ يتشهى على عبد الله الشهوات فلقب شهوات.
46- وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَخِيهِ أُنَيْفِ [1] ابن هشام، عن
__________
[1] ويحتمل رسم الخط ضعيفا ان يقرء «أليف بن هشام» .(2/56)
أَبِيهِ، عَنْ بَعْضِ الْمَدَنِيِّينَ قَالُوا: مَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ وَمَعَهُ عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِمَنْزِلِ رَجُلٍ قَدْ أَعْرَسَ وَإِذَا مُغَنِّيهِمْ يَقُولُ:
قل لكرام ببابنا يلج ... من قبل ما أن تغلق الدبج
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لأَصْحَابِهِ: لُجُّوا فَقَدْ أَذِنَ لَنَا الْقَوْمُ فَنَزَلَ وَنَزَلُوا فَدَخَلُوا، فَلَمَّا رَآهُ رَبُّ الْمَنْزِلِ تَلَقَّاهُ وَأَجْلَسَهُ عَلَى الْفُرُشِ فَاسْتَمَعَ طَوِيلا ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ:
كَمْ أَنْفَقْتَ؟ فِي وليمتك (هذه) ؟ قال: مأتي دِينَارٍ. قَالَ وَكَمْ مَهْرُ امْرَأَتِكَ؟
قَالَ: كَذَا. فأمر له بمأتي دينار وبمهر امْرَأَتِهِ وَبِمِائَةِ دِينَارٍ بَعْدَ ذَلِكَ مَعُونَةً لَهُ، فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفَ.
47- الْمَدَائِنيّ، عَن ابن جعدبة، قال: (قَالَ) بديح: أتى ابن قيس الرقيات منزل عبد الله بن جَعْفَر عليهما السلام، فقال: يا بديح استأذن لي. قال: فوجدنه نائما فجئت فوضعت وجهي بين قدميه، ثُمَّ نبحت نباح الكلب الهرم!!! فقال: ما لك ويلك؟ قلت: جعلني الله فداك ابن قيس (الرقيات) بالباب وكرهت أن يرجع حَتَّى يدخل إليك.
فقال: أحسنت أدخله فدخل فأنشده:
تغدت بي الشهباء نحو ابن جَعْفَر ... سواء عليها ليلها ونهارها
تزور فتى قد يعلم الله أنه ... تجود له كفّ يزجي أنهارها
فإن مت لم يوصل صديق ولم يقم ... طريق من المعروف أنت منارها
فقال: يا بديح أجر عَلَى الشهباء وصاحبها نزلا واسعا، وأمر لابن قيس بسبع مائة دينار ومطرف/ 301/ خز مملوء ثيابا من خز ووشي.
ثُمَّ قَالَ لَهُ ابن قيس: إن أمير الْمُؤْمِنِين قد حبس عنّي (ظ) عطائي فِي بيت قلته. فركب ابن جَعْفَر، وكلم عبد الملك فِيهِ وَكَانَ منعه إياه عطاءه لقوله:(2/57)
كيف نومي عَلَى الفراش ولما ... يشمل الشام غارة شعواء
فلما كلمه أنشده عبد الملك هَذَا البيت فقال من حضره من الشاميين:
يا أمير الْمُؤْمِنِين ائذن لنا نطهر بدمه (كذا) قَالَ: إِنِّي قد أمنته فأدخله إِلَيْهِ فأنشده شعره الَّذِي يقول فِيهِ:
ينعقد التاج فوق مفرقه [1] ... علي جبين كأنه ذهب
فقال (عبد الملك إنه) يقول فِي مصعب:
إنما مصعب شهاب من اللَّه ... تجلت عَن وجهه الظلماء
ويقول فِي:
عَلَى جبين كأنه ذهب والله لا يقبض مني عطاء أبدا. فضمن لَهُ ابن جَعْفَر عطاءه من ماله، فكان جاريا عَلَيْهِ حَتَّى مات.
47- عباس بن هِشَامٍ، عَن أبيه قال: عشق عبد الرحمان بن أبي عمار، قينة فعذله عطاء وطاووس ومجاهد، فقال:
يلومني فيك أقوام أجالسهم ... فما أبالي أطار اللوم أم وقعا
فابتاعها عبد الله بن جَعْفَر، فلما لقيه قَالَ: ما فعل حب فلانة؟ قَالَ:
مخالط اللحم والدم والمخ والعصب. فوهبها لَهُ، وأمر لَهُ بمائه ألف درهم وقال: إنما أمرت لك بِهَا ليلا تهتم بها وتهتم (هي) بك.
49- الْمَدَائِنيّ عَن أبي الْحَسَن الأنصاري قَالَ: قدم على معاوية عبد الله ابن جعفر، وعدة من قومه (من قريش «خ» ) فوصلهم وفضّل عبد الله بن
__________
[1] كذا في متن الأصل، وفي الهامش هكذا: ويروى: «يعقد له التاج» .(2/58)
جَعْفَر، أعطاه ألف أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ إنما صغرت أمورنا عندك وخفت حقوقنا عليك لأَنَّا لَمْ نُقَاتِلْكَ كَمَا قَاتَلَكَ غَيْرُنَا، وَلَوْ كُنَّا فَعَلْنَا كُنَّا كَابْنِ جَعْفَر!!! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ إِنِّي أعطيكم فتكونون بين رجلين: إما معدّ ما أعطيه لحربي، وإما مطم لَهُ [1] بخيل بِهِ، وإن عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر يعطي أكثر مما يأخذ، ثُمَّ لا يأتيني حَتَّى يدان أكثر مما أخذ. فخرج ابن صفوان فقال: إِنَّ مُعَاوِيَةَ لَيَحْرِمُنَا حَتَّى نَيْأَسَ، وَيُعْطِينَا حَتَّى نطمع [2] .
50- قالوا: وكانت لعبد الله بن جَعْفَر ابنة يقال لَهَا: أم أبيها تزوجها عبد الملك بن مروان، فعض يوما تفاحة فألقاها إليها- وكان فاسدة الفم وغمور الأسنان [3] ولذلك لقب أبا الذبان لاجتماع الذباب عَلَى فِيهِ- فدعت بسكين وقطعت موضع عضته فقال: ما تصنعين؟ قالت أميط الأذى عنها فطلقها. ويقال: إنها قالت لَهُ: يا أمير الْمُؤْمِنِين لو استكت بالصبر؟! فقال: أما منك فسأستاك. فطلقها فتزوجها بعده عَلَي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، فدس عبد الملك عجوزا من حواضن ولده وكانت برزة طريفة [4] فقال لَهَا: ائت أم أبيها مسلمة عليها،
__________
[1] من قوله: «اما معد- الى قوله: - واما مطم له» رسم خطه غير جلي.
[2] هذا هو الظاهر من السياق، وفي الأصل هكذا: «ويطعمنا ويعطينا حتى يطمع» بالياء المثناة التحتانية في الجميع، ولكن كلمة: «يطعمنا» كأنها ضرب عليها، ومن أجله حذفناها من المتن.
[3] كذا في الأصل، قال في اللسان: والغمر- بالتحريك-: السهك وريح اللحم وما يعلق باليد، من دسمه، وقد غمرت يده من اللحم غمرا فهي غمرة أي زهمة، كما تقول:
من السهك: سهكة، ومنه منديل الغمر، ويقال لمنديل الغمر: المشوش. وفي الحديث: من بات وفي يده غمر- هو الدسم- بالتحريك- وهو الزهومة من اللحم كالوضر من السمن.
[4] قال في المصباح: وبرز الشخص برازة فهو برز، والأنثى برزة- مثل ضخم ضخامة فهو ضخم وضخمة- والمعنى عفيف جليل. وقيل: امرأة برزة: عفيفة تبرز للرجال، وتتحدث معهم وهي المرأة التي أسنت وخرجت عن حد المحجوبات.(2/59)
ثُمَّ الطفي بكشف رأس عَليّ بن عبد الله حَتَّى تراه- وَكَانَ عَليّ أصلع يرد شعر مؤخر رأسه عَلَى مقدمه وكانت القلنسوة لا تفارقه- فأتت العجوز عليا فسلمت عَلَيْهِ وأقبلت تضاحكه وتضاحك أم أبيها، ثُمَّ قالت لعلي:
يا سيدي ما هَذَا على قلنسوتك؟ فأمكنها من أخذها، فأخذتها بيديها تنفضها، فنظرت أمّ أبيها إلى رأس عليّ لعجوز أمير المؤمنين إليها ووضعت إصبعها عَلَى رأسها خير من هذا (كذا) ووضعت إصبعها بفمها- تعني انّ الأصلع خير من البخر-. وماتت (أم أبيها) عند علي ابن عبد الله.
وقال بعض البصريين عَليّ بن عبد الله، فقالت هَذَا القول، أم كلثوم بنت عبد الله بن جَعْفَر، وانها كانت تزوجها فطلقها، وقد دخل بِهَا أو لَمْ يدخل بِهَا، فتزوجها عبد الملك ثُمَّ عَليّ بن عبد الله (ثُمَّ) الحجاج فكتب إِلَيْهِ عبد الملك يشتمه لإقدامه على تزوجها، فطلقها (ثُمَّ تزوجها) القاسم بن مُحَمَّد، ثُمَّ (أبان) ابن عثمان بن عفان/ 302/ قَالَ:
ولم تكن عند عبد الملك قط، وأن التي تزوجها عبد الملك ثُمَّ عَليّ بعده أم أبيها أختها [1] .
51- وَحَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنيّ، عَن غسان بن عبد الحميد، قَالَ:
أراد عبد الله بن جَعْفَر أن يزوج الحجاج، فأرسل إلى عمر بن علي ابن أبي طالب أن أحضر حَتَّى تزوجه؟! فأرسل إِلَيْهِ عمر: أن أخر ذَلِكَ إلى الليل فإني أكره أن يراني الناس فِي مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أزوج الحجاج!! فأرسل إِلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يبق أحد يستحيا منه، ولو كان أحد يستحيا مِنْه لَمْ نفعل هَذَا!!! قَالَ: وَكَانَ عمر ذا عقل ونبل:
__________
[1] موضع البياض كان في النسخة بياضا في جميع الموارد، وانظر ما يأتي في تسمية بنات عبد الله بن جعفر، قبل ترجمة معاوية بن عبد الله.(2/60)
وَكَانَ عبد الله بن جَعْفَر، قد أضاق وأخل فِي آخر عمره، فأتاه رجل فسأله فقال: إن حالي متغيرة لفوت السلطان وحوادث الزمان، ولكني أعطيك ما أمكن. فأعطاه رداء كَانَ عَلَيْهِ، ثُمَّ دخل منزله ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ استرني بالموت. فما مكث بعد ذَلِكَ إلا أياما حَتَّى مرض ومات رضي الله تعالى عَنْهُ.
وتوفي عبد الله بن جَعْفَر سنة تسعين وله تسعون سنة. وقال بعضهم:
توفي في سنة ثمانين، وصلى عَلَيْهِ والي المدينة من قبل عبد الملك. والأول أثبت.(2/61)
خبر عبد الله بن معاوية ابن عبد الله بن جَعْفَر
قالوا: ومن ولد عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طالب عَبْد اللَّهِ بْن مُعَاوِيَة بْن عَبْدِ اللَّهِ بن جَعْفَر، وَكَانَ سخيا شجاعا شاعرا، إلا أن أباه معاوية كَانَ مبخلا.
وَكَانَ من شعر عبد الله بن معاوية قَوْله:
الْعَين تبدي الَّذِي فِي قلب صاحبها ... من الشناءة أو ودا إِذَا كانا
إن العدو لَهُ عين يقلبها ... لا يستطيع لِمَا فِي القلب كتمانا
وعين ذي الود ما تنفك مقلتها ... تبدي لَهُ محجرا بشا وإنسانا
فالعين تنطق والأفواه صامتة ... حتى يرى من ضمير القلب تبيانا
ومن شعره:
رأيت حميدا كَانَ شيئا مزملا [1] ... فلَمْ يزل التكشف حَتَّى بدا ليا
فأنت أخي ما لم يكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخا ليا
__________
[1] ويحتمل رسم الخط ضعيفا ان يقرء «شيئا مؤملا» .(2/62)
فلا ازداد (ما) بيني وبينك بعد ما ... بلوتك فِي الحاجات إلا تنائيا
وعين الرضا من كل سوء غيبة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا
وقال للحسين بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّه بْن العباس:
قل لذي الْوُدِّ والصفاء حُسَيْن ... أقدر الود بيننا قدره
ليس للدابغ المقرط بد ... من عتاب الأديم ذي البشرة
وحدثت عَن جويرية بن أسماء، قَالَ: قَالَ لي عبد الله ابن معاوية (بن عبد الله بن جعفر) : هل بلغك خبر زيد ابن عَليّ بالكوفة؟ فقلت:
نعم. قَالَ: والله لقد قَالَ لي ذات ليلة: ألا أحدثك عَن عَليّ بن الْحُسَيْن أتاه رجل من أهل الكوفة فقال: فعل بنو مروان وفعلوا، فما تقول فيهم؟
قَالَ: أَقُولُ مَا قَالَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مني فيمن هُوَ شر منهم «إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (118/ المائدة) فكيف يخرج زيد بعد هَذَا.
قالوا: فلما ولى يزيد بْن الوليد بْن عَبْد الملك وهو يزيد الناقص الخلافة، وولى عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ بن مروان العراق، خرج عبد الله بن معاوية عَلَيْهِ بالكوفة، ودعا لنفسه، فقاتله عبد الله بن عمر فهزمه فأتى المدائن فلحقه قوم انضموا إِلَيْهِ، فسار إلى حلوان، فغلب عليها وَعَلَى نواح من الجبل، وضرب الدراهم وكتب عليها: «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى
» (23/ الشورى) . ثُمَّ غلب عَلَى أصبهان وعامة فارس/ 303/ والأهواز، وَكَانَ عَلَى الأهواز من قبل عبد الله ابن عمر، سُلَيْمَان بن حبيب بن المهلب، وصار أَبُو جَعْفَر المنصور إِلَيْهِ مع من صار إِلَيْهِ من بني هاشم، فولاه ايذرج من الأهواز، فجبا خراجها، وَكَانَ ابن معاوية بفارس وقد وهن أمره وقوي أمر سليمان ابن حبيب، فهرب المنصور يريد البصرة، وأذكى ابن حبيب عَلَيْهِ العيون حَتَّى أخذ وأتي بِهِ فأغرمه المال، ويقال: إنه ضربه أربعين سوطا وشتمه(2/63)
ومن هُوَ مِنْه، ثُمَّ حبسه وأراد قتله فمنعه من ذَلِكَ سُفْيَان بْن مُعَاوِيَة بْن يَزِيد بْن المهلب، ويزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب، وقالا: إِنَّمَا أفْلَتْنَا من بَنِي أميَّة بالأمس أفَتُريدُ أن تجعل لبني هاشم عندنا دما، فخلى سبيله.
وقال بعضهم: إن أبا أيوب سُلَيْمَان المورياني كَانَ كاتبا لسليمان بن حبيب فقال له: إنك إن أحدثت فِي هَذَا الرجل حَدثَا لَمْ ترض بنو عبد مناف بذلك، ويحسبك ما نلته مِنْه بِهِ.
وولى مروان بن محمد الجعدي العراق يزيد ابن عمر بن هبيرة الفزاري، فسار من قرقيسيا حَتَّى أتى الكوفة، وَبِهَا رجل من الخوارج يقال له: المثنى ابن عمران من عائذة قريش فلقيه بالروحاء فوق الكوفة سنة تسع وعشرين ومائة فقتله، وأتى واسطا وَبِهَا عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ فحصره ثُمَّ أخذه وبعث بِهِ إلى مروان فحبسه فِي السجن بحران ثُمَّ قتله غيلة.
ووجه ابن هبيرة بنانة بْن حنظلة أحد بَنِي بَكْر بْن كلاب بن ربيعة بن عَامِر، لمحاربة سُلَيْمَان بن حبيب بالأهواز، فوجه إِلَيْهِ سُلَيْمَان داود بن حاتم ابن قبيصة، فالتقوا بالموريان عَلَى شاطئ دجيل، فأنهزم أصحاب ابن داود، وقتل داود فقال خلف بن خليفة يرثيه:
نفسي لداود الغرى والحمى [1] ... إِذْ أسلم الجيش أبا حاتم
مهلبي مشرق وجهه ... لَيْسَ عَلَى المعروف بالنادم
في أبيات.
وهرب سليمان بن حبيب من بنانة فلحق بفارس وصار مع عبد الله بن معاوية في طاعته، ثم أتى ما سبذان (كذا) وصار منها إلى إلى عمان فدعا إلى نفسه فاجتمعت عَلَيْهِ جماعة ثُمَّ إنهم خافوا أن يلحقهم بسببه مكروه
__________
[1] كلمة: «الغرى» غير واضحة ويمكن أن يقرء «الفدي» .(2/64)
وتنالهم معرّة فطردوه، فأتى البصرة واستخفى بِهَا، وبلغ أمير الْمُؤْمِنِين أبا العباس خبره فكتب فِي طلبه وأذكى العيون عَلَيْهِ ودس لذلك حَتَّى عرف المنزل الَّذِي كَانَ مستخفيا فِيهِ، فلما أحس بإحاطة الجند بِهِ نزل فِي بئر، فاستخرج منها وكتب بذلك إلى (أبي) العباس فقال لخالد بن صفوان: إن سُلَيْمَان بن حبيب وجد فِي بئر فأخذ فقال: يا أمير المؤمنين سمعت بالذي هرب رفضا ودخل فقصا (كذا) وحمل سليمان إلى (أبي) العباس وَكَانَ المنصور يومئذ بناحية الموصل والجزيرة، فكتب يسأله حمله إِلَيْهِ، فلما قدم بِهِ عَلَيْهِ وبَّخه بما كَانَ مِنْه وقال: لَمْ ترض بما صنعت حَتَّى شتمتني ومن أنا مِنْه.
ثُمَّ قتله.
وسمعت بعض آل المهلب ينكر أن يكون (سليمان) وجد في بئر (فأخذ) ويزعم أن أبا العباس آمنه حَتَّى ظهر، فلما صار إليه كتب (إليه) المنصور يسأل أن يحمل إلى ما قبله (كذا) وأخبر انه إن لَمْ يبعث به إِلَيْهِ لَمْ يدخل العراق أبدا، فلما قدم بِهِ عَلَيْهِ قتله، وأن أبا مسلم كتب (إليه) ينكر ذَلِكَ.
وكتب يزيد بن عمر بن هبيرة إلى بنانة بن حنظلة يأمره بالمسير إلى نصر ابن سيار وهو بخراسان مددا لَهُ، فأتى أصبهان ثُمَّ الري وقتل (ظ) بجرجان، ولقي قحطبة فِي أهل خراسان، ووجه يزيد بن عمر بن (هبيرة) عَامِر بن ضبارة المري فِي أهل الشام إلى الموصل، فسار حَتَّى أتى السن فلقي بِهَا الجون بن كلاب الخارجي الشيباني وقتله، وَكَانَ الجون مرتبا (كذا) بالسن من قبل شيبان الأكبر الخارجي الَّذِي استخلفته الخوارج بعد قتل الضحاك، وَكَانَ منصور بن جمهور الكلبي إِذْ ذاك بالجبل قد خلع/ 304/ مروان قبل ذلك ما كان (كذا) مع عبد الله بن عمر، فجعل يجبي خراج الجبل ويمد بِهِ شيبان، ثُمَّ سار إلى السند فغلب عليها وهلك بِهَا، وقوى مروان أمر ابن ضبارة وكتب إِلَيْهِ فِي الصمد لشيبان الأصغر بن عبد(2/65)
العزيز، فمر عَلَى الجبل وسار حَتَّى أتى بيضا (ء) إصطخر، وقد صار شيبان إلى جيرفت كرمان فلقي عبد الله بن معاوية، ابن ضبارة في عمل اصطخر، وقاتله، فهزم ابن معاوية وهرب إلى هراة، وتوجه ابن ضبارة بعد هرب ابن معاوية، إلى شيبان فواقعه وفض عسكره واستباحه فهرب إلى سجستان.
وَحَدَّثَنِي أَبُو مسعود، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أخذ أصحاب أبي مسلم عبد الله بن معاوية بهراة وأتوه بِهِ فحبسه.
وقال الهيثم بن عدي: هرب ابن معاوية إلى هراة فعرفه عامل أبي مسلم عليها فكتب إلى أبي مسلم فِي أمره فكتب إِلَيْهِ يأمره بأخذه وحمله إِلَيْهِ (فأخذه وحمله إِلَيْهِ) فلما وافاه حبسه فكتب إِلَيْهِ: «أما بعد فالبيت مودع وداع، ومولى شائع، وإن الودائع مردوده، والصنائع عارية، فاذكر القصاص واطلب الخلاص، ونبه الفكر قلبك واتق ربك» . فلم يزل فِي حبسه حَتَّى مات.
وحدثني عباس بن هشام الكلبي، عن أبيه قَالَ: أخذ عبد الله بن معاوية بهراة فحمل إلى أبي مسلم فحبسه فكان يقول لأهل الحبس (يا) بن معاوية ما فِي الأرض قوم أحمق من أهل خراسان أطاعوا رجلا لا يدرون (عَلَى) الحق هُوَ (أم) أَنَّهُ مبطل لقد قَالَ الله تبارك وتعالى لملائكته:
«إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» فزادوا [1] «قَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ» .
فبلغ قَوْله أبا مسلم فقال: ما ظنكم برجل يتكلم بهذا وهو أسير، والله لو أطلق لأفسد كور خراسان، فدس إِلَيْهِ من قتله وكتب إلى أبي العباس أمير المؤمنين بموته.
وقال [2] في عبد الله بن معاوية:
__________
[1] بعد كلمة «فزادوا» في النسخة بياض بقدر كلمة.
[2] وبعد قوله: «وقال» في الأصل بياض قدر كلمتين.(2/66)
أحب مدحا أبا معاوية الماجد ... لا تلقه حصورا عييا
بَلْ كريما يرتاح للحمد بساما ... إذا هزّه لسؤال حييا
ذو وفاء عند العداة ... وأوصاه أبوه إذ لا يزال وفيّا
في أبيات.
[ترجمة إجمالية لعلي بن عبد الله بن جعفر وإخوتها]
قالوا: وَكَانَ عَليّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن جَعْفَر بْن أَبِي طالب من الأجواد، فلما كانت السنيات البيض وكن سنيات اشتدت (ظ) على أهل المدينة وجهدوا فيها بالقحط [1] وَذَلِكَ فِي زمن الوليد بن عبد الملك بن مروان، فكان (عَليّ) يحمل لَهُم المؤن العظام، وأطعم ووصل وقام بأمورهم، فقال مساحق ابن عبد الله بن مخرمة:
أبا حسن إِنِّي رأيتك واصلا ... لهلكى قريش حين غير حالها
سعيت لَهُم سعي الكريم ابن جَعْفَر ... أبيك وهل من غاية لا تنالها
فما أصبحت فِي ابني لوي فقيرة ... مدقعة إلا وأنت ثمالها
وَحَدَّثَنِي الحرمازي، قَالَ: أخذ الْحَسَن بن معاوية ابن عبد الله بن جَعْفَر، وحمل إلى المنصور فحبسه حبسا طويلا. فقال الْحَسَن:
ارحم صغار بني يزيد فإنهم ... يتموا لفقدي لا لفقد يزيد
وارحم كبيرا سنه متهدما ... فِي السجن (بين) سلاسل وقيود
قد عدت بالرحم القريبة بيننا ... ما جدنا من جدكم ببعيد
[ولدعبد الله بن جعفر]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زياد الأعرابي قَالَ: ولد عبد الله ابن جَعْفَر محمدا [2] وبه كَانَ يكنى، وأمه محشية (كذا) من بني أسد. وعليا وعون الأكبر، وجعفر الأصغر، وعباسا وأم كلثوم، أمهم زينب بنت علي بن أبي طالب،
__________
[1] بعده بياض في النسخة قدر كلمتين.
[2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «جعفر بن محمدا» .(2/67)
وَأُمُّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومحمدا وعُبَيْد اللَّهِ وأبا بكر، قتل [1] مع الْحُسَيْن عليهم السلام، وأمهم الخوصاء/ 305/ من ربيعة، وصالحا وموسى وهارون، وَيَحْيَى وأم أبيها، أمهم ليلى بنت مسعود النهشلية، خلف عليها بعد عَليّ عَلَيْهِ السلام، ومعاوية، وإسحاق وَإِسْمَاعِيل والقاسم لأمهات شتى.
والحسن، وعون الأصغر، قتل يوم الحرة- ويقال: بَلْ قتل الأكبر وأمهما جمانة بنت المسيب الفزارية.
فأما أم كلثوم فكانت عند الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّد بْنِ جَعْفَر بْنِ أَبِي طالب، ثُمَّ تزوجها الحجاج، ثُمَّ أبان بن عثمان.
وأما أم أبيها فكانت عند عبد الملك بن مروان ثُمَّ عند علي بن عبد الله.
[المعقبون من ولد عبد الله بن جعفر]
قال: والعقب من ولد عبد الله بن جَعْفَر لمعاوية، وإسحاق وَإِسْمَاعِيل.
وكانت ابنة عبد الله بن إِسْمَاعِيل عند يزيد بن منصور الحميري، ثُمَّ تزوجها بعده ابن أيوب بن سَلَمَةَ المخزومي.
وأما معاوية بن عبد الله فكان بخيلا قَالَ الشاعر:
معاوي ما أشبهت شيخك قاعدا ... ولا قائما أشبهته يا معاوية
فولد معاوية عبد الله ومحمدا، أمهما أم عون بنت عون ابن العباس بن ربيعة ابن الحرث بن عبد المطلب.
قَالَ حُسَيْن بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن العباس لأحدهما:
فلا وأبيك لا تأتي بخير ... وأمك أخت يعقوب بن عون
__________
[1] كذا في الأصل، ولعل الصواب: «قتلوا» .(2/68)
ويزيد بن معاوية، والحسن لا عقب لَهُ (كذا) . وصالحا وأمهم فاطمة بنت الْحَسَن بن الْحَسَن بن عَليّ عليهم السلام. وعليا لأم ولد.
وَكَانَ عمر بن عبد العزيز جد إسحاق بن عبد الله، فقال لَهُ أَبُو عك:
لا يبقى قرشي عَلَى وجه الأرض إلا جددته (كذا) وذلك إن عبد العزيز ابن مروان كان جد (كذا) .
فولد إسحاق القاسم، أمه أم حكيم بنت القاسم ابن مُحَمَّد بن أبي بكر الصديق، وأمها أسماء بنت عبد الرحمان بن أبي بكر، وله عقب.
وقال غير ابن الأعرابي: بأن (ظ) لعلي ابن عبد الله بن جعفر عقب أيضا.
[ترجمة عقيل بن أبي طالب]
وأما عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب فكان يكنى أبا يزيد- باسم ابن لَهُ- وَكَانَ من نساب قريش وعلمائها بِهَا، وَكَانَ سريع الجواب لا يبالي من بده بِهِ [1] .
وأسر يوم بدر مع قريش ففداه عمه العباس بأربعة آلاف درهم.
وَكَانَ إسلامه بعد الفتح.
وولد عقيل مسلما وعبد الله الأصغر وعبيد الله (كذا) وأم عبد الله ومحمدا ورملة لأم ولد يقال لها: حلية [2] .
__________
[1] أي كان حاضر الجواب يجيب ارتجالا كل من يسأله ولو كان أعظم أهل الدنيا، بلا حشمة وهيبة له.
[2] كذا في النسخة، وقال ابن سعد في ترجمة عقيل من الطبقات: ج 4 ص 42 ط بيروت: وكان لعقيل بن أبي طالب من الولد يزيد- وبه كان يكنى- وسعيد، وأمهما أم سعيد بنت عمرو بن يزيد بن مدلج من بني عامر بن صعصعة.
وجعفر الأكبر وابو سعيد الأحول- وهو اسمه- وأمهما أم البنين بنت الثغر- وهو عمرو بن الهصار بن كعب بن عامر بن عبد بن أبي بكر، وهو عبيد بن كلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة- وأم الثغر أسماء بنت سفيان أخت الضحاك بن سفيان بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومسلم بن عقيل ... وعبد الله بن عقيل وعبد الرحمان وعبد الله الأصغر، وأمهم خليلة (كذا) أم ولد. وعلي (بن عقيل) لا بقية له وأمه أم ولد.
وجعفر الأصغر وحمزة وعثمان لأمهات أولاد. ومحمد ورملة وأمهما أم ولد.
وأم هانئ وأسماء وفاطمة وأم القاسم وزينب وأم النعمان لأمهات أولاد شتى.(2/69)
وعبد الرحمان وَحَمْزَة وعليا وجعفر الأصغر، وعثمان وزينب، وفاطمة- تزوجها علي (ظ، بن) يزيد بن ركانة من بني عَبْد المطلب بن عبد مناف-.
وفاطمة وأسماء- تزوجها عمر بن عَلِيِّ بْنِ أبي طالب- وأم هانئ لأمهات شتى.
ويزيد وسعيد، أمهما أم عمر بنت عمر الكلابية.
وأبا سعيد وجعفر الأكبر، وعبد الله الأكبر، أمهم أم البنين كلابية.
وبعضهم يقول: أم أنيس.
فقتل من بني عقيل مع الْحُسَيْن عَلَيْهِ السلام جَعْفَر الأكبر، ومسلم، وعبد الله الأكبر، وعبد الرحمان وَمُحَمَّد بن عقيل. ويقال: إن الَّذِينَ قتلوا (مع الحسين) ستة، قَالَ الشاعر:
عين جودي بعبرة وعويل ... واندبي إن ندبت آل الرسول
تسعة منهم لصلب عَليّ ... قد أبيدوا وستة لعقيل
ويروى «وخمسة لعقيل» .
وولد مسلم بن عقيل عبد الله وعليا- أمهما رقية بنت عَليّ بن أبي(2/70)
طالب- ومسلم بن مسلم- أمه من بني عَامِر بن صعصعة- وعبد الله لأم ولد- وَمُحَمَّدا.
وولد مُحَمَّد بن عقيل القاسم، وعبد الله وعبد الرحمان- أمهم زينب الصغرى بنت عَليّ بن أبي طالب-.
فأما عبد الله بن مُحَمَّد، فكان فقيها يروى عَنْهُ، وَكَانَ أحول.
وأما عبد الله بن/ 306/ عقيل فولد محمدا ورقية- (و) كانت عند قدامة بن مُوسَى الجمحي- وأم كلثوم- أمهم ميمونة بنت عَليّ بن أبي طالب عَلَيْهِ السلام.
وأما أَبُو سعيد بن عقيل فولد محمدا لأم ولد.
واما عبد الرحمان بن عقيل، فولد سعيدا- أمه خديجة بنت عَليّ بن أبي طالب.
وأما الباقون فلا عقب لَهُم ولا بقية.
قالوا: ولما كَانَ يوم حنين أصاب عقيل إبرة وخيوطا فسمع منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي فِي الغلول أن يرد. فقال: ما أرى إبرتنا إلا مأخوذة منا. وَكَانَ ربما ضعف.
ولما هَاجَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلي عَلَيْهِ السلام، وَكَانَ جَعْفَر قد صار إلى الحبشة، أقبل عقيل عَلَى منازلهم فباعها، فروي عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يوم فتح مكة: [وهل ترك لنا عقيل من رباع] .
حدثني عمير بن بكير بن هِشَام بن الكلبي، عَن عوانة بن الحكم، قَالَ: دخل عقيل بن أبي طالب عَلَى معاوية والناس عنده وهم سكوت فقال:
تكلمن (أيها) الناس فإنما معاوية رجل منكم فقال معاوية: يا (ا) با يزيد أَخْبَرَنِي عَن الْحَسَن بن عَليّ؟ فقال: أصبح قريش وجها وأكرمها حسبا.(2/71)
قَالَ: فابن الزبير؟ قَالَ: لسان قريش وسنانها إن لَمْ يفسد نفسه. قَالَ.
فابن عمر؟ قال: ترك الدنيا مقبلة وخلاكم وإياها واقبل على الآخرة وهو يعد ابن الفاروق. قَالَ: فمروان [1] قَالَ: أوه ذَلِكَ رجل لو أدرك أوائل قريش فأخذوا برأيه صلحت دنياهم. قَالَ: فابن عباس؟ قَالَ:
أخذ من العلم ما شاء.
وسكت معاوية فقال عقيل: يا معاوية أأخبر عنك فإني بك عالم؟
قال: أقسمت عليك يا (أ) بايزيد لِمَا سكت.
وَحَدَّثَنِي عباس بن هِشَام الكلبي، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دخل عقيل عَلَى معاوية فقال له: يا (أ) با يزيد أي جداتكم فِي الجاهلية شر؟ قَالَ حمامة.
فوجم معاوية.
قَالَ هِشَام: وحمامة جدة أبي سفيان وهي من ذوات الرايات فِي الجاهلية المدائني، عن ابن أبي الزناد (ظ) عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: مَا أَبْيَنَ الشَّبَقَ فِي رِجَالِكُمْ يَا بَنِي هَاشِمٍ؟!! قَالَ: لَكِنَّهُ فِي نِسَائِكُمْ يَا بَنِي أُمَيَّةَ أَبْيَنُ!!! قَالَ: وَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَقِيلٍ وَهُوَ مَعَهُ بِصِفِّينَ [2] : أَنْتَ مَعَنَا يَا (أ) با يَزِيدٍ؟
قَالَ: نَعَمْ وَقَدْ كُنْتُ أيَضًا مَعَكُمْ يَوْمَ بَدْرٍ!!! أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنيّ، عَن عَليّ بن مجاهد،: أن عليا رأى عقيلا يوما ومعه تيس يقوده فقال لَهُ عَليّ عَلَيْهِ السلام: إن أحد الثلاثة لأحمق. قَالَ: أما أنا وتيسي فلا!!!
__________
[1] كلمة: «مروان» رسم خطها غير جلي.
[2] السند ضعيف، مع انه مع قطع النظر عن ضعف سنده معارض بما ذكره ابو عمر في الاستيعاب من ان عقيلا كان مع أمير المؤمنين عليه السلام في حرب الجمل وصفين والنهروان.(2/72)
وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ:
قَالَ رجل لعقيل بن أبي طالب: يا (ا) با يزيد إنك لجابن [1] تترك اخاك (و) تصير مع معاوية؟! فقال: اجبن مِنِّي مَنْ سَفَكَ دَمَهُ بَيْنَ أَخِي وَمُعَاوِيَةَ لِيَكُونَ أَحَدُهُمَا أَمِيرًا.
حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَوَانَةَ، قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَقِيلٍ: مَرْحَبًا بِمَنْ عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ!!! فَقَالَ عقيل: ومرحبا بِمَنْ عَمَّتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، فَإِذَا دَخَلْتَ النَّارَ فاطلبهما تجدهما متصاحبين [2] .
المدائني، عن ابن معربة (كذا) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ قال لعقيل: يا (ا) با يَزِيدَ أَنَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَخِيكَ عَلِيٍّ. فَقَالَ: إِنَّ أَخِي آثَرَ دِينَهُ عَلَى دُنْيَاهُ، وَأَنْتَ آثَرْتَ دُنْيَاكَ عَلَى دِينِكَ، فَأَخِي خَيْرٌ لِنَفْسِهِ مِنْكَ لِنَفْسِكَ، وَأَنْتَ خَيْرٌ لِي مِنْهُ.
وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ حَسَّانِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وأبا الجهم بن حذيفة العدوي ومحرمة بْنَ نَوْفَلٍ الزُّهْرِيَّ اتَّخَذُوا مَجْلِسًا فَكَانَ لا يمرّ بهم احد إلّا عابوه وذكروا مَثَالِبَهُ فَشَكَوْا إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَخْرَجَهُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الطَّائِف. وَيُقَالُ: إِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمْ فِي الْمَجَالِسِ.
حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَوَانَةَ قَالَ: وَقَعَ بَيْنَ عَقِيلٍ وَرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَلامٌ فَقَالَ عقيل/ 307/ والله لقد رايت من لهبني (كذا) بِعَمَّتِكَ لَيْلَةً بِنِصْفِ بُرْدِ حِبْرَةٍ وَرُبُعِ جِلْدِ بقرة. فقدمه إلى عمر فقال:
__________
[1] كذا في النسخة بالجيم ثم الألف ثم الباء، ومقتضى ذلك أن يكون الثاني أيضا «أجبن» أي أشد جبنا، ولكن ذكره أي الثاني بالحاء المهملة ثم الياء المثناة التحتانية ومقتضى الثاني ان يكون الأول أيضا بالحاء المهملة بعدها الألف، وبعدها الهمزة المقلوبة عن الياء المثناة التحتانية؟
[2] كذا في الأصل، وفيه حذف بين، وذكره ابن أبي الحديد من غير حذف.(2/73)
نَعَمْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ عُمَرُ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ-: هَدَمَ الإِسْلامُ مَا قَبْلَهُ.
أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنيّ، عَن مسلمة وغيره ان عقيلا قال للمسيب بْن حزن أَبِي سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ: يا بن الزانية وقد كانت أمه أسلمت فرفعوا إلى عمر- رضي الله تعالى عَنْهُ- فقال: هات بينتك. فأتى بمخرمة بن نوفل وبأبي جهم بن حذيفة العدوي فقالا: نشهد أن أمه زانية. قَالَ: وبأي شيء علمتما ذَلِكَ؟ قَالا: نكناها فِي الجاهلية. فجلدهم عمر ثمانين ثمانين.
وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ وَالْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ أبي الزياد، عَنْ أَبِيهِ قَالَ.
كَانَتْ لِعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ طَنْفِسَةٌ يَجْلِسُ عَلَيْهَا وَيَتَحَدَّثُ النَّاسُ إِلَيْهِ فلا يقوم حتى يغشاه الشَّمْسُ فَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ: وَقْتُ الْجُمُعَةِ حين يبلغ الشَّمْسُ طَنْفِسَةَ أَبِي يَزِيدَ.
وَحَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أبي مخنف عن سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، أَنَّ عَقِيلا كَتَبَ إِلَى أَخِيهِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ:
أَمَّا بَعْدُ كَانَ اللَّهُ جَارَكَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَعَاصِمُكَ مِنَ الْمَكْرُوهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
إِنِّي خَرَجْتُ- يا بن أُمِّ- مُعْتَمِرًا وَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ ابن أَبِي سَرْحٍ فِي نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِينَ شَابًّا مِنْ أَبْنَاءِ الطُّلَقَاءِ، فَقُلْتُ لَهُمْ- وَعَرَفْتُ الْمُنْكَرَ-:
أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا بَنِي الطُّلَقَاءِ؟ أَبِمُعَاوِيَةَ تَلْحَقُونَ عَدَاوَةً لَنَا غَيْرَ مُسْتَنْكَرَةٍ مِنْكُمْ تُحَاوِلُونَ تَغْيِيرَ أَمْرِ اللَّهِ وَإِطْفَاءَ نُورِ الْحَقِّ!!! فَأَسْمَعُونِي وَأَسْمَعْتُهُمْ ثُمَّ إِنِّي قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَهْلُهَا يَتَحَدَّثُونَ بِأَنَّ الضحاك ابن قَيْسٍ أَغَارَ عَلَى الْحِيرَةِ وَمَا يَلِيهَا، فَأُفٍّ لِدَهْرٍ جَرَّا عَلَيْنَا الضَّحَّاكَ، وَمَا الضَّحَّاكُ (إِلا) فقع بقرقر، فاكتب إليّ يا بن أُمَّ بِرَأْيِكَ وَأَمْرِكَ، فَإِنْ كُنْتَ الْمَوْتَ تُرِيدُ تَحَمَّلْتُ إِلَيْكَ بِبَنِي أَخِيكَ وَوَلَدِ أَبِيكَ فَعِشْنَا مَعَكَ مَا عِشْتَ، وَمِتْنَا (مَعَكَ) إِذَا مِتَّ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ:(2/74)
إِنَّ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ وَغَيْرَهُ مِنْ قُرَيْشٍ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى حَرْبِ أَخِيكَ الْيَوْمَ كَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى حَرْبِ ابْنِ عَمِّكَ قَبْلَ الْيَوْمِ، وَإِنَّ الضَّحَّاكَ أَقَلُّ وَأَذَلُّ مِنْ أَنْ يَقْرَبَ الْحِيرَةَ، وَلَكِنَّهُ أَغَارَ عَلَى مَا بَيْنَ الْقُطْقُطَانَةِ وَالثَّعْلَبِيَّةِ [1] .
وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ عن عَوَانَةَ قَالَ دَخَلَ عَقِيلٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ فَلَمْ يَسْمَعْ كَلامًا، فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةَ: أَمَا فِي مَجْلِسِكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَمَا لَهُمْ لا يَتَكَلَّمُونَ؟ فَتَكَلَّمَ الضَّحَّاكُ بن قيس فقال (عقيل) : من هذا؟ فقال له (معاوية: هذا) الضحاك بن قيس.
قال (عقيل: كان) أبوه (من) خَاصِي الْقِرَدَةِ، مَا كَانَ بِمَكَّةَ أَخْصَى لِكَلْبٍ وَقِرْدٍ مِنْ أَبِيهِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ موسى بن طاعة [2] قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا فِي الْمَسْجِدِ، وَقَدْ تَسَانَدَ بَعْضُنَا إِلَى الأُسْطُوَانِ، فَجَاءَ عَقِيلٌ فَأَوْسَعْنَا لَهُ، فتساند إلى الأسطوان، ثم قال: أنتم خير لكبير كم من مهرة وذلك إن مهرة إذا اسس [3] فِيهِمُ الرَّجُلُ عَقَلُوا رِجْلَهُ ثُمَّ قَالُوا لَهُ:
قُمْ فَإِنْ قَامَ تَرَكُوهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ قَتَلُوهُ وَقَالُوا: أَنْتَ إِنْ طَلَبْتَ لَمْ تُدْرِكْ، وَإِنْ طُلِبْتَ أُدْرِكْتَ.
وتزوج عقيل بالبصرة ابنة سنان بن الحوتكة من بني سعد بْن زيد (بْن) مناة بْن تميم فقيل له: بالرفاء والبنين. فقال: لا تقولوا كذا، ولكن قولوا كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [بارك الله لكم] .
__________
[1] وللكتاب زيادات جيدة ومصادر، وقد ذكرناه عن كتاب الغارات، في المختار: (161) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 5 ص 297 ط 1.
[2] كذا في النسخة، والظاهر انه مصحف، وأن الصواب: «موسى بن طلحة» .
[3] كذا في النسخة، والصواب: «إذا أسن» .(2/75)
حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَعْرُوفٍ السَّدُوسِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فَقِيلَ لَهُ: بِالرَّفَاءِ وَالْبَنِينَ. فَقَالَ:
لا تَقُولُوا هَكَذَا وَلَكِنْ قُولُوا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [على الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ] .
قالوا: وتزوج عقيل فاطمة بنت عُتْبة بْن رَبِيعَة بْن عَبْدِ شمس، وَكَانَ عَليّ خطبها فأبته فشكى ذَلِكَ إلى عثمان فعاتبها عثمان/ 308/ فقال: رددت عليا وتزوجت عقيلا؟ فقالت: إن عليا قتل الأحبة يوم بدر، وإن عقيلا كَانَ معهم يومئذ.
وقالت فاطمة لعقيل يوما: يا بني هاشم أين شيبة، أين الوليد بن عتبة؟
فقال: إِذَا دخلت النار فاطلبيهم يسرة. فغضبت ونشزت عَلَيْهِ، فبعث عمر عبد الله بن العباس ومعاوية بن أبي سفيان حكمين من أهله وأهلها فقال عبد الله بن العباس: لأحرصن عَلَى أن أفرق بينهما، فلما دخلا الدار قالت:
والله ما أريد بأبي يزيد بدلا. فانصرفا.
الْمَدَائِنيّ قَالَ: كَانَ عقيل يقول: لا يختر أحدكم ولدا، فأني كنت أعز ولد أبي فصرت أخسهم.
وتوفي عقيل فِي أيام معاوية.(2/76)
مقتل مسلم بن عقيل بن أبي طالب (عليهم السلام)
قالوا: وَكَانَ مسلم بن عقيل أرجل ولد عقيل [1] وأشجعها فقدّمه الحسين ابن عَليّ عليهما السلام إلى الكوفة حين كاتبه أهلها ودعوه إليها وراسلوه فِي القدوم ووعدوه نصرهم ومناصحتهم وذلك بعد وفات الْحَسَن بن علي، وموت معاوية بن أبي سفيان، وأمره أن يكتم أمره ويعرف طاعة الناس له.
فأتى (مسلم) الكوفة فنزل دار المختار بن أبي عُبَيْد الثقفي، واختلفت إِلَيْهِ الشيعة، والنعمان بن بشير الأنصاري يومئذ عامل يزيد بن معاوية عَلَى الكوفة، وَكَانَ رجلا حليما يحب العافية، فلما بلغه خبر قدوم مسلم خطب الناس فدعاهم إلى التمسك بالطاعة والاستقامة، ونهاهم عَن الفرقة والفتنة، وقال: إِنِّي والله لا أقاتل إلا من قاتلني ولا آخذ أحدا بظنة وقرف وإحنة.
فكتب وجوه أهل الكوفة: عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري ومحمد ابن الأشعث الكندي وغيرهما إلى يزيد بن معاوية بخبر مسلم بن عقيل،
__________
[1] اي كان من اكمل رجال آل عقيل راشدهم واقواهم.(2/77)
وتقديم الْحُسَيْن إياه إلى الكوفة أمامه، وبما ظهر لهم من ضعف النعمان بن بشير، وعجزه ووهن أمره.
فكتب يزيد إلى عُبَيْد اللَّهِ بْن زياد بْن أَبِي سُفْيَان بولاية الكوفة إلى ما كَانَ يلي من البصرة، وبعث بكتابه فِي ذَلِكَ مع مسلم بن عَمْرو الباهلي- أبي قُتَيْبَة بن مسلم- وأمر عُبَيْد اللَّهِ بطلب ابن عقيل ونفيه إِذَا ظفر بِهِ أو قتله، وأن يتيقظ فِي أمر الْحُسَيْن بن عَليّ ويكون عَلَى استعداد لَهُ.
وقد كَانَ الْحُسَيْن بن عَليّ عَلَيْهِ السلام كتب إلى وجوه أهل البصرة يدعوهم إلى كتاب الله، ويقول لَهُم: «إن السنة قد أميتت، وإن البدعة قد احييت ونعشت» [1] و (كلهم) كتموا كتابه إلا المنذر بن الجارود العبدي فإنه خاف أن يكون عُبَيْد اللَّهِ بن زياد، دسه إِلَيْهِ، فأخبره بِهِ وأقرأه إياه، فخطب عُبَيْد اللَّهِ بن زياد الناس بالبصرة، فأرعد وأبرق وتهدد وتوعد، وقال: أنا نكل لمن عاداني وسمام لمن حاربني وأعلمهم أَنَّهُ شاخص إلى الكوفة، وأنه قد ولى عثمان بن زياد أخاه خلافته عَلَى البصرة، وأمرهم بطاعته والسمع له، ونهاهم عن الخلاف والمشاقة.
وشخص إلى الكوفة ومعه المنذر بن الجارود العبدي، وشريك بن الأعور الْحَارِثِيّ ومسلم بن عَمْرو الباهلي، وحشمه وغلمانه، فوردها متلثما بعمامة سوداء، وَكَانَ الناس بالكوفة يتوقعون ورود الحسين، فجعلوا يقولون: مرحبا بابن رَسُول اللَّهِ، قدمت خير مقدم وهم يظنون أَنَّهُ الْحُسَيْن، فساء ابن زياد تباشير الناس بالحسين وغمه، وصار إلى القصر فدخله وأمر فنودي الصلاة جامعة وخطب الناس فأعلمهم أن يزيد ولاه مصرهم وأمره بإنصاف مظلومهم وإعطاء محرومهم، والإحسان إلى سامعهم ومطيعهم والشدة عَلَى عاصيهم ومريبهم، ووعد المحسن واوعد المسيء.
__________
[1] وذكره بكماله في كتاب الأخبار الطوال ص 131، وتاريخ الطبري.(2/78)
وبلغ مسلم بن عقيل قدوم عُبَيْد اللَّهِ بن زياد الكوفة، فأقبل حَتَّى أتى دار هانئ بن عروة ابن نمران المرادي فدخل من بابه ثُمَّ أرسل إِلَيْهِ/ 309/ أن أخرج إلي. فخرج إِلَيْهِ فقال له مسلم: يا هاني إِنِّي أتيتك لتجيرني وتضيفني. فقال هانئ: والله لقد سألتني شططا، ولولا دخولك داري وثقتك لي لأحببت أن تنصرف عني ولكنه قد وجب عَليّ ذمامك!!! فأدخله داره. وكانت الشيعة تختلف إِلَيْهِ فيها.
ودس ابن زياد مولى يقال لَهُ معقل، وأمره أن يظهر أَنَّهُ من شيعة عَليّ، وأن يتجسس من مسلم ويتعرف موضعه، واعطاه ما لا يستعين بِهِ عَلَى ذَلِكَ، فلقي معقل مولى ابن زياد مسلم بن عوسجة الأسدي فقال لَهُ: إِنِّي رجل محب لأهل بَيْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد بلغني أن رجلا منهم بعث بِهِ الْحُسَيْن بن عَليّ صلوات الله عَلَيْهِ إلى شيعته من أهل الكوفة، ومعي مال أريد أن أدفعه إِلَيْهِ يستعين بِهِ عَلَى أمره وأمركم، فركن ابن عوسجة إِلَيْهِ، وقال لَهُ الرجل القادم من قبل الحسين (بن علي هو) مسلم بن عقيل وهو ابن عمه وأنا مدخلك إِلَيْهِ.
ومرض هانئ بن عُرْوَةَ المرادي فأتاه عُبَيْد اللَّهِ بن زياد عائدا، فقيل لمسلم بن عقيل: اخرج إليه فاقتله. فكره هانئ أن يكون قتله فِي منزله فأمسك مسلم عَنْهُ.
ونزل شريك بن الأعور الْحَارِثِيّ أيضا عَلَى هانئ بن عُرْوَةَ، فمرض عنده فعاده ابن زياد، وَكَانَ شريك شيعيا شهد الجمل وصفين مع عَليّ فقال لمسلم:
إن هَذَا الرجل يأتيني عائدا فأخرج إليه فاقتله. فلم يفعل (مسلم) لكراهة هانئ ذَلِكَ: فقال شريك: ما رأيت أحدا أمكنته فرصة فتركها إلا أعقبته ندما وحسرة وأنت أعلم؟! وما عَلَى هانئ فِي هَذَا لولا الحصر؟!!! ومات شريك بن الأعور، فِي دار هانئ من مرضه ذَلِكَ. واسم الأعور الحرث.(2/79)
وجعل معقل مولى ابن زياد يختلف إلى ابن عوسجة يقتضيه ما وعده من إدخاله إلى مسلم ابن عقيل، فأدخله إليه، وأخذ (منه) مسلم بيعته وقبض المال الَّذِي كَانَ أعطاه إياه عُبَيْد اللَّهِ بن زياد، مِنْه وَذَلِكَ بعد موت شريك بن الأعور.
فأتى معقل ابن زياد، فحدثه بما كَانَ مِنْه وبقبض مسلم بن عقيل المال فِي منزل هانئ بن عُرْوَةَ بن نمران المرادي فقال: افعلها هانئ؟! ووجه (ابن زياد) مُحَمَّد بن الأشعث الكندي وأسماء بن خارجة بن حصين الفزاري إلى هانئ بن عُرْوَةَ، فرفقا بِهِ حَتَّى أتى ابن زياد، فأنبه عَلَى إيوائه مسلم بن عقيل، وقال لَهُ: إن أمر الناس مجتمع وكلمتهم متفقة أفتعين عَلَى تشتيت أمرهم بتفريق كلمتهم وألفتهم رجلا قدم لذلك؟ فاعتذر إِلَيْهِ من إيوائه وقال: اصلح الله الأمير دخل داري عن غير مواطاة مني له، وسألني ان اجيره فأخذتني لذلك ذمامه. قَالَ: فأتني بِهِ لتتلافى الَّذِي فرط من سوء رأيك [1] فأبي فقال: والله لئن لَمْ تأتني بِهِ لأضربن عنقك.
قَالَ: والله لئن ضربت عنقي لتكثرن البارقة حول دارك. فأمر بِهِ فأدنى مِنْه فضرب وجهه بقضيب أو محجن كَانَ معه فكسر أنفه وشق حاجبه ثُمَّ أمر بِهِ فحبس فِي بعض بيوت الدار.
وأتى مسلما خبر هانئ فأمر أن ينادي فِي أصحابه وقد تابعه ثمانية عشر ألف رجل، وصاروا فِي الدور حوله، فلم يجتمع إِلَيْهِ إلا أربعة آلاف رجل، فعبأهم ثُمَّ زحف نحو القصر، وقد أغلق عُبَيْد اللَّهِ بن زياد أبوابه وليس معه فِيهِ إلا عشرون من الوجوه وثلاثون من الشرط، فوجه مُحَمَّد بن الأشعث بن قيس وكثير بن شهاب الْحَارِثِيّ وعدة من الوجوه ليخذلوا الناس عَن مسلم بن عقيل والحسين بن علي، ويتوعدونهم بيزيد بن معاوية وخيول
__________
[1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «من سوء رأيت» .(2/80)
أهل الشام وبمنع الأعطية وأخذ البريء بالسقيم والشاهد بالغائب (كذا) فتفرق أصحاب/ 310/ ابن عقيل عَنْهُ، حَتَّى أمسى وما معه إلا نحو من ثلاثين رجلا، فلما رأى ذَلِكَ خرج متوجها نحو أبواب الكندة، وتفرق عَنْهُ الباقون حَتَّى بقي وحده يتلدد فِي أزقة الكوفة لَيْسَ معه أحد!!! ودفع إلى باب امرأة يقال لَهَا طوعة، فاستسقى ماء فسقته ثم قَالَ: يا أمة الله أنا مسلم بن عقيل بن أبي طالب كذبني هؤلاء القوم وغروني فآويني. فأدخلته منزلها وآوته وجاء ابنها فجعل ينكر كثرة دخولها إلى مسلم وخروجها من عنده، فسألها عَن قصتها فأعلمته إجارتها مسلما، فأتى عبد الرحمان بن مُحَمَّد بن الأشعث فأخبره بذلك، وَكَانَ ابن زياد، حين تفرق عَنِ ابْنِ عقيل الناس فتح باب القصر، وخرج إلى المجلس (كذا) فجلس فِيهِ، وحضره أهل الكوفه، فجاء عبد الرحمان بن مُحَمَّد بن الأشعث إلى أبيه وهو عند ابن زياد، فأخبره خبر ابن عقيل فأعلم مُحَمَّد بن الأشعث ابن زياد بذلك، فوجه ابن زياد من الوجوه من يأتيه بِهِ، وفيهم مُحَمَّد بن الأشعث، فلما أحس مسلم برسل ابن زياد، خرج بسيفه، واقتحموا عَلَيْهِ الدار، فاختلف هُوَ وبكير بن حمران الأحمري ضربتين، فضرب بكير فم مسلم فقطع شفته العليا، وأسرع في شفته السفلى، فنصلت ثنيّتاه، وضرب (مسلم) بكيرا ضربة عَلَى رأسه وأخرى عَلَى حبل عاتقه.
(وأخذ مسلم) فأتي به ابن زياد، وقد آمنه (محمد) ابن الأشعث فلم ينفذ أمانه، فلما وقف مسلم بين يديه نظر إلى جلسائه فقال لعمر بن سعد بن أبي وقاص: إن بيني وبينك قرابة أنت تعلمها، فقم معي حَتَّى أوصي إليك.
فامتنع!! فقال ابن زياد: قم إلى ابن عمك. فقام (إليه) فقال (له مسلم) :
إنّ عليّ بالكوفة (دينا) سبعمائة درهم (أخذته) مذ قدمتها فاقضها عنّي، وانظر (إذا ما قتلت) جثتي فاطلبها من ابن زياد، فوارها، وابعث إلى الْحُسَيْن من يرده. فأخبر عمر بن سعد ابن زياد بما قَالَ لَهُ؟! فقال: أما(2/81)
ما لك فهو لك [1] تصنع فِيهِ ما شئت، وأما حسين فإنه إن لَمْ يردنا لَمْ نرده، وأما جثته فإنا لا نشفعك (فيها) لأنه قد جهد أن يهلكنا، ثُمّ قَالَ:
وما نصنع بجثته بعد قتلنا إياه [2] .
وقال الهيثم بْن عدي: حدثني ابن عياش (ظ) عَن مجالد، عَنِ الشعبي قَالَ: أدخل مسلم بن عقيل رحمة الله تعالى عَلَى ابن زياد، وقد ضرب على فمه، فقال: يا بن عقيل أتيت لتشتيت الكلمة؟ فقال: ما لذلك أتيت، ولكن أهل المصر كتبوا أن أباك سفك دماءهم وانتهك أعراضهم فجئنا لنأمر بالمعروف وننهى عَن المنكر. فقال: وما أنت وذاك، وجرى بينهما كلام فقتله.
وقال هِشَام بن الكلبي: قَالَ أَبُو مخنف فِي إسناده: قَالَ ابن زياد لابن عقيل: أردت أن تشتت أمر الناس بعد اتفاقه، وتفرق ألفتهم بعد اجتماعهما (كذا) وجرى بينهما كلام حَتَّى قَالَ لَهُ قتلني الله إن لَمْ أقتلك قتلة لَمْ يقتلها أحد فِي الإسلام. فقال لَهُ مسلم: أما إنك أحق من أحدث فِي الإسلام ما لم يكن فيه من سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة (ظ) .
ثُمَّ قَالَ ابن زياد: اصعدوا بِهِ فوق القصر، واضربوا عنقه فأتبعوا رأسه جسده.
__________
[1] من هذا يستفاد انه سلام الله عليه، قال لابن سعد: خذ كذا وكذا من مالي فأد ديني. والأمر كذلك فإنه صلوات الله عليه قال: خذ سيفي ودرعي فبعهما وأد ما علي من الدين، وقد ذكرنا تفصيل القصة في كتاب عبرات المصطفين في مآتم الحسين عليه السلام فراجع.
[2] ولكن ليس لعاهرة ولا لابنها وفاء، فأمر اللعين يجرها في الأسواق ثم صلبها مع جثة الهانئ بن عروة.(2/82)
فقال (مسلم) يا بن الأشعث فو الله لولا أمانك ما استسلمت.
فكان الَّذِي تولى ذَلِكَ مِنْه بكير بن حمران الأحمري أشرف بِهِ عَلَى موضع الحذائين وهو يسبح ويدعو عَلَى من غره وخذله، فضرب عنقه ثُمَّ اتبع رأسه جسده.
وطلب ابن الأشعث إلى ابن زياد فِي هانئ بن عُرْوَةَ فأبى أن يشفعه، فأمر بِهِ فأخرج من محبسه إلى السوق وهو مكشوف الرأس يقول:
وامذ حجاه ولا مذ حج (لي) اليوم!! فضرب عنقه مولى لعُبَيْد اللَّهِ بن زياد، تركيّ يقال له: رشيد. (و) هذا يوم الخارز بالموصل قتله عبد الرحمان بن الحصين المرادي، وفي يوم/ 311/ الخارز قتل (أيضا) عُبَيْد اللَّهِ بن زياد، وقال عبد الرحمان (في ذلك اليوم) :
إِنِّي قتلت راشد التركيا ... وليته أبيض مشرفيا
أرضي بذاك الله والنبيا
وقال عبد الله بن الزبير (الأسدي) ويقال: (بل قاله) الفرزدق ابن غالب:
(ف)
إن كنت لا تدرين بالموت فانظري ... إلى هانئ فِي السوق وابن عقيل
إلى بطل قد هشَّم السيف وجهه ... وآخر يهوي من طمار قتيل
تري جسدا قد غير الموت لونه ... ونضح دم قد سال كل مسيل
أصابهما أمر الإله فأصبحا [1] ... أحاديث يهوي بكل سبيل
__________
[1] فض الله فاه بمقامع خزنة الجحيم، وبوأ مقعده في اسافل النار فان كان هذا امر الإله فما كان امر الطاغوت والشياطين؟! والخبيث من اكمل افراد الغاوين اراد بقوله هذا اخماد الثائرين لثار آل النبي صلى الله عليه وآله، والتماس صلة الشجرة الملعونة في القرآن، وله أيضا من هذا النمط ابيات أخر.
قال البلاذري في عنوان: «مقتل من شرك في دم الحسين» من الجزء الخامس المطبوع ص 241:
وَكَانَ أسماء بْن خارجة مستخفيا، فَقَالَ المختار- ذَات يَوْم وعنده أَصْحَابه-: أما ورب الأَرْض والسماء، والضياء والظلماء، لينزلن من السماء نار دهماء او حمراء او سحماء، فلتحرقن دار أسماء. فأتى الْخَبَر أسماء فَقَالَ: سجع أَبُو إِسْحَاق بنا، لَيْسَ عَلَى هَذَا مقام. فخرج هاربًا حَتَّى أتى البادية، فلم يزل بِهَا ينزل مرة فِي بَنِي عبس، ومرة فِي غيرهم حَتَّى قتل المختار، وهدم المختار لَهُ ثلاثة آدر، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر الأسدي فِي قصيدة لَهُ:
تركتم أبا حسان تهدم داره ... منبذة أبوابها وحديدها
فلو كَانَ من قحطان أسماء شمرت ... كتائب من قحطان صعر خدودها
فأجابه أيوب بن سعنة النخعي وَقَالَ:
رمى اللَّه عين ابْن الزبير بلقوة ... فخلخلها حتى يطول سهودها
بكيت على دار لأسماء هدمت ... مساكنها كانت غلولا وشيدها
ولم تبك بيت الله إذ دلفت له ... أمية حتى هدمته جنودها
وأيضا قال البلاذري- في أواخر ترجمة مصعب من انساب الاشراف: ج 5 ص 286-:
المدائني وغيره قالوا: لما قدم مصعب الكوفة، دخل اليه عبد الله بن الزبير الأسدي فقال له مصعب: أنت القائل:
إلى رجب او ذلك الشهر قبله ... توافيكم بيض المنايا وسودها
ثمانون ألفا دين عثمان دينهم ... مسومة جبريل فيها يقودها
فخافه (أولا) ثم قال: نعم أنا قلته!!(2/83)
وقال الأخطل بن زياد:
ولم يك عَن يوم ابن عروة غائبا ... كما لم يغب عن ليلة بن عقيل
أخو الحرب صرّاها فليس بنا كل ... جبار ولا وجب الفؤاد ثقيل
وقال أَبُو الأسود الدؤلي:(2/84)
أقول وذاك من جزع ووجد ... أزال الله ملك بني زياد
هم جدؤا الأنوف وكن شما ... بقتلهم الكريم أخا مراد
قتيل السوق يا لك من قتيل ... بِهِ نضح من احمر كالجساد
وأهل مكارم بعدوا وكانوا ... ذوي كرم وروسا فِي البلاد [1]
قالوا: وخرج عمارة بن صلحب الأزدي (كذا) وكان ممن أراد نصرة مسلم فأخذه أصحاب ابن زياد، فأتوه به) فأمر به فضربت عنقه فِي الأزد، وبعث برأسه مع رأس مسلم وهانئ (بن عروة) إلى يزيد بن معاوية، وَكَانَ رسوله بهذه الرؤس هانئ بن أبي حية الوادعي من همدان.
ووجه مُحَمَّد بن الأشعث إلى الْحُسَيْن من الحيرة بخبر ابن عقيل، وسأله الانصراف، فلم يلتفت إلى قوله وأبا إلا القدوم إلى العراق، وقد كَانَ مسلم كتب إِلَيْهِ يعلمه كثرة من بايعه من الناس وإظهار أهل الكوفة السرور بمقدمه، ويسأله تعجيل القدوم.
قالوا: ولما كتب ابن زياد، إلى يزيد بقتل مسلم وبعثته إِلَيْهِ برأسه ورأس هانئ بن عُرْوَةَ ورأس ابن صلحب وما فعل بهم:
كتب إِلَيْهِ (يزيد) : إنك لَمْ تعد أن كنت كما أحب، عملت عمل الحازم، وصلت صولة الشجاع، وحققت ظني بك، وقد بلغني أن حسينا توجه إلى العراق، فضع المناظر والمسالخ وأذك العيون [2] واحترس كل الاحتراس، فاحبس عَلَى الظنة، وخذ بالتهمة، غير أن لا تقاتل إلا من قاتلك، واكتب إلي فِي كل يوم بما يحدث من خير إن شاء الله.
__________
[1] لم نظفر بعد على تمام الأبيات، ولكن ذكرناها بزيادة عما ها هنا في كتاب عبرات المصطفين في مآتم الحسين عليه السلام.
[2] لعل هذا هو الصواب، وفي النسخة: «فاذاك العيون» .(2/85)
وقال عبيدة بن عَمْرو البدي (فِي غدر) مُحَمَّد بن الأشعث:
وقتلت وافد آل أحمد غيلة ... وسلبت أسيافا لَهُ ودروعا
وَحَدَّثَنَا خلف ابن سالم المخزومي، وزهير بن حرب أَبُو خيثمة، قالا:
حَدَّثَنَا وهب بْن جرير بْن حازم قَالَ:
لِمَا بلغ عُبَيْد اللَّهِ بن زياد، مسير الْحُسَيْن بن عَليّ من الحجاز يريد الكوفة، وعُبَيْد اللَّهِ بن زياد بالبصرة، خرج عَلَى بغاله هُوَ واثنا عشر رجلا حَتَّى قدم الكوفة، فحسب أهل الكوفة أَنَّهُ الْحُسَيْن بن عَليّ، وهو متلثم فجعلوا ينادونه: مرحبا بابن ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دخل الدار.
وَكَانَ الْحُسَيْن قدم مسلم بن عقيل بين يديه، فنزل عَلَى هانئ بن عُرْوَةَ المرادي وجعل/ 312/ يبايع أهل الكوفة، فبعث ابن زياد إلى هانئ فقال:
ائتني بمسلم. فقال: ما لي بِهِ علم. قَالَ: فاحلف بالطلاق والعتاق.
قَالَ: إنكم يا بني زياد لا ترضون إلا بهذه الأيمان الخبيثة!! فأمر مكانه فضرب رأسه ثُمَّ رمى بِهِ إلى الناس، وبعث إلى مسلم بن عقيل فجيء بِهِ فأمر بِهِ فدفع (ظ) بين شرفتين من شرف القصر فقال لَهُ ناد: أنا مسلم ابن عقيل أمير العاصين. فنادى [1] ثُمَّ ضرب رأسه فسقط.
وأقبل الْحُسَيْن حَتَّى نزل نهر كربلا، وقد بلغه خبر الكوفة.
وقال القائل (كذا) :
(و) إن كنت لا تدرين ما الموت فانظري ... إلى هانئ فِي السوق وابن عقيل
تري رجلا قد جدع السيف أنفه ... ونضح دم قد سال كل مسيل
أصابهما أمر الإله فأصبحا ... أحاديث من يهوي بكل سبيل
__________
[1] هذا كذب بحت وفرية بينة، وجميع ثقات المؤرخين من أهل نحلته على خلافه.(2/86)
قَالَ خلف: وسمعت من يزيد فِي هَذَا الشعر:
أيركب أسماء الهمالج آمنا ... وقد طلبته مذحج بقتيل [1]
حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ عَوَانَةَ قَالَ: جَرَى بَيْنَ ابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ زِيَادٍ كَلامٌ فَقَالَ له (ابن زياد) : ايه يا بن حُلَيَّةَ. فَقَالَ لَهُ (ابْنُ) عَقِيلٍ: حُلَيَّةَ خَيْرٌ من سميّة وأعف.
__________
[1] وفي بعض المصادر: «وقد طلبته مذحج بذحول» .(2/87)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
(قبسات من ترجمة أمير المؤمنين وغرر مناقبه عليه السّلام [1] )
1- وأما أمير الْمُؤْمِنِين عَليّ بن أبي طالب عليه السّلام فكان يكنى أبا الحسنين [2] . ويقال إن أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم ابن عبد مناف لقبته وهو صغير حيدرة.
[مناقب شتى]
[أحب الكنى إليه أبو تراب كناه رسول الله صلى الله عليه وسلم به]
2- وكناه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا تراب، وَكَانَ يقول: [هي أحب كنيتي إلي.] وقد اختلفوا فِي سبب تكنيته بأبي تراب، فقال بعضهم [3] : مرّ
__________
[1] بدأنا بكتابة ترجمته عليه السلام في اليوم 6 من شهر رجب المرجب من سنة 1391.
[2] هذا هو الصواب، وفي النسخة تصحيف.
[3] ويدل على هذا القول أخبار وردت في مصادر كثيرة، فرواه أحمد بن حنبل في مسند عمار من كتاب المسند: ج 4 ص 263، ورواه أيضا النسائي في الحديث: (149) من كتاب الخصائص ص 129، ط 2، ورواه أيضا الحسكاني بسندين في تفسيره سورة الشمس الحديث:
(1090) وتاليه من تفسير شواهد التنزيل الورق 190/ ب ورواه أيضا ابن عساكر، في الحديث:
(1377) وتاليه من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق بسندين، كما رواه بسندين في الحديث:
(324) في الباب (70) من فرائد السمطين ومجمع الزوائد ج 9/ 137 وكنز العمال ج 6/ 399.(2/89)
رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة وَكَانَ هُوَ وعمار بن ياسر نائمان عَلَى الأرض، فجاء ليوقظهما فوجد عليا قد تمرغ فِي البوغاء [1] فقال لَهُ: [اجلس يا أبا تراب] 3- وقيل: إن عليا غاضب فاطمة بِنْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بعد أن دخلت عَلَيْهِ، فخرج وهو مغتاظ فنام عَلَى التراب فرآه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأيقظه وجعل يمسح ظهره من التراب ويقول: [ (قم) يا أبا تراب [2]] .
4- وروي أيضا أَنَّهُ كَانَ إِذَا أسمعته فاطمة رضي الله تعالى عنها (كلاما) وأغلظت لَهُ، أكرمها عَن أن يجيبها بشيء ووضع عَلَى رأسه ترابا، فرآه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم والتراب على رأسه فمسحه عنه وقال: [أنت أَبُو تراب] .
5- قالوا: وَكَانَ أَبُو طالب قد أقل وأقتر [3] فأخذ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليا ليخفف عَنْهُ مؤنته فنشأ عنده.
6- وصلى مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن إحدى عشرة [4] سنة. وذلك
__________
[1] البوغاء: الغبار ودقاق التراب. أو ما ثار منهما.
[2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «أبا ترابة» . والحديث أيضا رواه جماعة فرواه ابن عساكر في الحديث: (30- 33) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق ورواه الروياني في مسند الصحابة 28/ الورق 186/ ب وابو نعيم في معرفة الصحابة: 1/ 19/ ب وعنه في كنز العمال: 15/ 93 ط 2 والحاكم في النوع (45) من معرفة علوم الحديث 261 والبخاري ومسلم.
[3] يقال: «اقتر فلان إقتارا» : قل ماله وصار في ضنك وضيق.
[4] قال عبد الرزاق- في كتاب المغازي في الحديث: (9719) من المصنف: ج 5 ص 325-: قال معمر: وأخبرنا قتادة، عن الحسن وغيره فقال: كان أول من آمن به علي ابن أبي طالب- رضي الله عنه- وهو ابن خمس عشر أو ست عشرة. ورواه أيضا أحمد في الحديث: (120) من الفضائل.
قال: وأخبرني عثمان الجزرى عن مقسم، عن ابن عباس قال: علي أول من أسلم.
وقال في عنوان: «فضائل علي» من العقد الفريد: 3 ص 94: قال أبو الحسن: أسلم علي وهو ابن خمس عشرة سنة، وهو أول من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
وفي الحديث 117، وتواليه من كتاب الفضائل شواهد.
وقال أحمد في أواخر مسند عبد الله بن العباس من كتاب المسند: ج 1، ص 373 ط 1:
حدثنا سليمان بن داود، حدثنا ابو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس قال:
أول من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة علي. وقال مرة: (أول من) أسلم.(2/90)
(هو) الثبت. ويقال: ابن عشرة. ويقال: ابن تسع. ويقال:
ابن سبع.
[مؤاخاته مع رسول الله وكونه صاحب اللواء ببدر]
7- ولما هَاجَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، أمر عليا بالمقام بعده بمكة حَتَّى أدى ودائع كانت عِنْدَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للناس، فأقام ثلاثا ثُمَّ لحق بِهِ فنزل معه عَلَى كلثوم بن الهدم الأنصاري [1] فآخى بينه وبين نفسه، وآخى بينه [2] وبين سهل بن حنيف الأنصاري.
8- وكان صاحب اللواء، يوم بدر، وكان معلما بصوفة بيضاء وثبت مع
__________
[1] وتقدم ذكره أيضا في ترجمة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم تحت الرقم: (606) ص 261 من المطبوعة بمصر، والورق 122/ من المخطوطة.
[2] أي فآخا بين علي وبين نفسه، وآخا بين كلثوم بن عمرو، وبين سهل بن حنيف الأنصاري. ويحتمل اللفظ أيضا: انه صلّى الله عليه وآله وسلم آخا بين نفسه وكلثوم بن عمرو، وآخا بين علي وسهل بن حنيف، ويؤيد الثاني انه مر تحت الرقم: (626) من ترجمة رسول الله صلّى الله عليه وآله، ص 270 ومن المخطوطة الورق 127/ انه قال: (وممن آخا بينهم) علي بن أبي طالب وسهل بن حنيف. ولكن يبعده انه قال قبله: وآخا بين حمزة بن عبد المطلب وكلثوم بن الهدم أو غيره؟ وكيف كان والثابت من طريق شيعة أهل البيت انه صلّى الله عليه وآله وسلم لم يعقد المواخات بين علي وغيره سوى نفسه صلى الله عليه وآله وسلم.(2/91)
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد حين انكشف الناس، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَن غَزَاةٍ غَزَاهَا/ 313/ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا فِي تبوك فإنه خلفه على أهله وقال (له) : [أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من مُوسَى يعني حين خلفه [1]] .
وبعثه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وجوه كثيرة.
[كونه عليه السلام أول من آمن بالله ورسوله]
9- وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ، وَرَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُقْرِئُ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطيالسي، أنبأنا شعبة، عن سلمة بن كهيل عن حبة الْعُرَنِيِّ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ:
[أَنَا أَوَّلُ مَنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2]] .
__________
[1] هذا الحديث مما تواتر عنه صلى الله عليه وآله وسلم، وقد جمعه وخرجه الحافظ ابو حازم العبدوي المتوفى (417) بخمسة آلاف اسناد، كما في تفسير الآية: (59) من سورة النساء من شواهد التنزيل ص 152 المطبوع الحديث: (205) منه، وقد ذكره الحافظ ابن عساكر في الحديث (140) وتواليه من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق من طرق كثيرة، وبالمراجعة إليها والتدبر فيها يعلم ان صدوره منه صلّى الله عليه وآله وسلم لا ينحصر في قصة تبوك، وان معناه أيضا غير موقت بوقت، وإلا لغى قوله: «غير انه لا نبي بعدي» وحاش نبي الله من اللغو!!
[2] لأنه لم يسلم من الرجال غيره في مدة خمس- أو سبع- سنين من بدء بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال ابو يعلى في مسنده الورق 31/ أ: حدثنا ابو هشام، وعثمان بن أبي تشيبة، قالا: حدثنا يحيى بن يمان، حدثنا سليمان بن قرم، عن مسلم، عن حبة، عن علي قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم الاثنين، وأسلمت يوم الثلاثاء.
وقال أيضا: حدثنا ابو هشام الرفاعي حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا الأجلح، عن سلمة بن كهيل، عن حبة بن جوين، عن علي (عليه السلام) قال: ما أعلم أحدا من هذه الأمة بعد نبيها عبد الله قبلي، لقد عبدته قبل ان يعبده احد منهم، خمس سنين أو سبع سنين.
أقول فليراجع إلى الحديث (72) وتواليه من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق فانه يشفي كل غليل.(2/92)
10- وحدثنا عفان، حدثنا شعبه، أَنْبَأَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ مَوْلَى الأَنْصَارِ عَنْ زَيْدِ [1] بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: أول من صلى مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي ابن أبي طالب.
[حديث لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ]
11- حَدَّثَنِي شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ، وَيُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، قَالا:
حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الضَّبِّيُّ [2] عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ [3] عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ: [لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله] .
فَدَعَا عَلِيًّا فَبَعَثَهُ وَقَالَ: [قَاتِلْ حَتَّى يَفْتَحَ الله عليك ولا تلتفت.] قال: فمشى (علي) مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ وَقَفَ فَلَمْ يَلْتَفِتْ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَا أُقَاتِلُ النَّاسَ؟ قَالَ: [قَاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عبده ورسوله، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ] :
12- حَدَّثَنِي رَوْحُ بن عبد المؤمن المقري، حدثنا ابو عوانة، عن أبي بلج ابن عمرو بن جواب [4] عن ابن عباس قال:
__________
[1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «زياد بن أرقم» .
[2] كذا في ظاهر رسم الخط.
[3] ورواه في الحديث: (215) وتواليه من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 37 ص 52 وفي جميعها: «عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ عن أبي هريرة» إلخ.
ورواه أيضا في الحديث: (244) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل تأليف أحمد بن حنبل.
[4] كذا في النسخة، ويجيء أيضا مع الزيادة في الحديث: (41) بسند آخر، عَنْ أَبِي بَلْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عن ابن عباس وبسند آخر في الحديث: (142) كما رواه عنه بأسانيد، في الحديث: (244) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: 37/ 61، وفي جميع الموارد التي ظفرنا عليها: «عَنْ أَبِي بَلْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ» . واسم أبي يلج يحيى بن سليم فالظاهر ان ما هنا مصحف.(2/93)
قال رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رجلا يجب اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ] .
فَأُتِيَ بِعَلِيٍّ فدفعها إليه فجاء بصفية بنت حيّي بْنِ أَخْطَبَ.
13- حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، وَعَفَّانُ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بَلْجٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنهما بمثله.
[كونه عليه السلام صاحب راية رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بدر وحديث المنزلة]
14- حَدَّثَنَا خلف بن هِشَام البزار، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ [1] عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَن قَتَادَةَ أَنَّ عليا كَانَ صاحب (راية) رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بدر.
15- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، قَالا:
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ الفضيل بن مرزوق، عن عطية (قال:) حدثني أبو سَعِيدٍ [2] قَالَ:
غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوكَ وَخَلَّفَ عَلِيًّا فِي أَهْلِهِ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ:
مَا مَنَعَهُ مِنْ أَنْ يُخْرِجَهُ إِلا أَنْ كَرِهَ صُحْبَتَهُ. فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: [يا بن أَبِي طَالِبٍ أَمَا تَرْضَى بِأَنْ تَنْزِلَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلا أَنَّهُ لا نبي بعدي] .
__________
[1] ورواه عنه- إلى آخر السند- ابن سعد في الطبقات: ج 3 ص 23 ط بيروت، وقال: كان صاحب لواء رسول الله صلى الله وسلم يوم بدر وفي كل مشهد.
ورواه أيضا في الحديث: (228) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل لأحمد ابن حنبل.
[2] كذا في الطبقات- لابن سعد- ج 3 ص 23 ط بيروت، وفي النسخة: «عن عطية ابن أبي سعيد» .(2/94)
16- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ [1] ، حَدَّثَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ:
سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بن رقيم قال: قدمنا الْمَدِينَةَ فَلَقِينَا سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ فَحَدَّثَنَا قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى تَبُوكَ وَخَلَفَ عَلِيًّا، فَقَالَ: [يَا رَسُولَ اللَّهِ خَرَجْتَ وَخَلَّفْتَنِي؟ فَقَالَ: أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلا أَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي] .
17- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ.
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قُلْتُ لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلُكَ عَنْ حَدِيثٍ وَأَنَا أَهَابُكَ. قَالَ: لا تَفْعَلْ فَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ عِنْدِي عِلْمًا فَسَلْنِي عَنْهُ. فَقُلْتُ: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ حِينَ خَلَّفَهُ فِي غَزَاةِ تَبُوكٍ. فَقَالَ:
قَالَ [لَهُ عَلِيٌّ: أتخلفني مع الخالفة في النساء (كذا) وَالصِّبْيَانِ؟ فَقَالَ: أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى [3]] .
18- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ محمد الناقد، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا عوف/ 314/ عن ميمون:
عن البراء (بن عازب) وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالا: لَمَّا كَانَتْ غَزَاةُ تَبُوكَ- وَهِيَ جَيْشُ الْعُسْرَةِ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: [لا بُدَّ من أن أقيم أو
__________
[1] ورواه عنه- إلى آخره- ابن سعد في الطبقات: ج 3 ص 24 ط بيروت.
[2] رواه في الطبقات: ج 3 ص 24 ط بيروت، وفيه: «أتخلفني في الخالفة في النساء والصبيان؟» .
[3] ورواه أيضا في الحديث: (163) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل لأحمد. وراه أيضا في الحديث: (167) منه.(2/95)
تقيم] قالا: (ظ) فَخَلَّفَهُ فَلَمَّا مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم غازيا قال: ناس مَا خَلَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليا إلا بشيء كرهه (منه) فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَاتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ سَمِعْتُ نَاسًا يَقُولُونَ: (ما خلفه إلا لشيء كرهه منه. [فقال رسول الله) [1] لِعَلِيٍّ: أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إلا أنه لا نبي بعدي.]
[عرفان المؤمنين بحبه والمنافقين ببغضه]
19- حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل (كذا) حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: إِنَّا كُنَّا لَنَعْرِفُ مُنَافِقِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ بِبُغْضِهِمْ عَلِيَّ بن أبي طالب [2] .
20- حدثنا إسحاق الفروي (كذا) عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَدِيِّ بن ثابت:
__________
[1] بين المعقوفين كان ساقطا من النسخة، وهو موجود في الطبقات الكبرى: ج 3/ 24، قال أخبرنا روح بن عبادة قال: أخبرنا عون، عن ميمون، عن البراء بن عازب وزيد أرقم قالا:
لما كان عند غزوة جيش العسرة وهي تبوك قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي بن أبي طالب: انه لا بد من ان أقيم أو تقيم. فخلفه فلما فصل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَازِيًا قال ناس: ما خلف عليا إلا لشيء كرهه منه!! فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَاتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ فَقَالَ له: ما جاء بك يا علي؟ قال: لا يا رسول الله (كذا) إلا أني سمعت ناسا يزعمون انك إنما خلفتني لشيء كرهته مني. فتضاحك (إِلَيْه) رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: يا علي اما ترضى أن تكون مني كهارون من موسى غير أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ؟
قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ الله. قال: فانه كذلك.
[2] ورواه أيضا بأسانيد، في الحديث: (712- 719) من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 27، ورواه أيضا في الحديث: (71) من باب فضائل امير المؤمنين من كتاب الفضائل- لأحمد- وقريب منه في الحديث 84 منه.(2/96)
عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السّلام، قال: [إنه لعهد النبي الأمي ألا (كذا) أَنْ لا يُحِبَّنِي إِلا مُؤْمِنٌ وَلا يُبْغِضَنِي، إلا منافق [1] .]
[كونه عليه السلام أقضى الأمة]
21- حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَنْبَأَنَا حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ، قَالَ:
سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلِيٌّ أَقْضَانَا، وأبي أقرأنا [2] .
22- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بن (ظ) جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عبد الرحمان بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلْقَمَةَ:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ عَلِيًّا مِنْ أَقْضَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ [3] .
23- حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الأَسْوَدُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، أَنْبَأَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سماك ابن حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ عُمَرُ: عَلِيٌّ أقضانا وأبي أقرأنا، وَإِنَّا لَنَرْغَبُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ لَحْنِ أُبَيٍّ. (أ) وقال بعض:
لحن أبي.
__________
[1] وذكره بأسانيد كثيرة في الحديث: (676- 691) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 38 ص 23 وما بعدها.
[2] ورواه أيضا ابن سعد- في عنوان: «من كان يفتي بالمدينة في أيام رسول الله» من الطبقات: ج 2 ص 339- قال: أخبرنا وهب بن جرير بن حازم، قال: أخبرنا شعبة، عن حبيب بن الشهيد إلخ.
[3] ورواه في العنوان المتقدم من الطبقات: ج 2 ص 338 قال: أخبرنا وهب بن جوير ابن حازم، وعمرو بن الهيثم ابو قطن، قالا: أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق إلخ.(2/97)
24- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عباس بنحوه [1] .
[كونه عليه السلام أكثر أصحاب رسول الله علما]
25- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هَارُونَ الْعَبْدِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
كَانَتْ لِعَلِيٍّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخْلَةٌ لَمْ تَكُنْ لأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ [2] .
26- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قِيلَ لِعَلِيٍّ: مَا بَالُكَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا؟ فَقَالَ: [لأَنِّي كُنْتُ إِذَا سَأَلْتُهُ أَنْبَأَنِي، وَإِذَا سَكَتُّ [3] ابْتَدَأَنِي] .
27- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بكر بن عياش،
__________
[1] رواه في العنوان المتقدم الذكر: ج 2 ص 339، ثم قال: أخبرنا عبد الله بن نمير، أخبرنا اسماعيل، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: عَلِيٌّ أَقْضَانَا وَأُبَيٌّ أَقْرَؤُنَا.
[2] وهذا رواه في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 33/ أو 53 في الحديث 974 وتواليه، وكذا في الحديث الثالث من المجلس (27) من امالي ابن الشيخ ص 33.
[3] هذا الصواب، وفي النسخة: «وإذا سيلت» . وأيضا كان فِيهَا: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عمر، عن علي» . ورواه في الحديث: (980) من ترجمته من تاريخ دمشق على وجه الصواب. ورواه في الحديث: (222) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل- لأحمد ابن حنبل- قال: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا جدي، حدثنا حجاج بن محمد، حدثنا ابن جريج، حدثنا ابو حرب بن أبي الأسود، عن أبي الأسود ورجل آخر عن زاذان قال: سئل علي عن نفسه فقال: إني أحدث بنعمة ربي، كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتديت، فبين الجوانح مني علم جم.(2/98)
عَنْ نُصَيْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الأَحْمَسِيِّ [1] عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قَالَ عَلِيٌّ: [وَاللَّهِ مَا نَزَلَتْ آيَةٌ إِلا وَقَدْ عَلِمْتُ فِيمَا نَزَلَتْ وَأَيْنَ نَزَلَتْ، إِنَّ رَبِّي وَهَبَ لِي قَلْبًا عَقُولا وَلِسَانًا سؤلا.]
[قوله عليه السلام ما نزلت على رسول الله آيَةٌ إِلا وَقَدْ عَلِمْتُ فِيمَا نَزَلَتْ وَأَيْنَ نزلت]
28- حدثني هاشم بن الحرث الْمَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ أَبِي دُبَيٍّ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: [سَلُونِي عَنْ كِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَيْسَتْ آيَةٌ إِلا وَقَدْ عَرَفْتُ أَبِلَيْلٍ نَزَلَتْ أَمْ بِنَهَارٍ فِي سَهْلٍ أو جبل.]
[قول عُمَرَ لا أَبْقَانِي اللَّهُ لِمُعْضِلَةٍ لَيْسَ لَهَا أبو حسن]
29- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أبي شيبة، عن مؤمل ابن إِسْمَاعِيلَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بن سعيد
__________
[1] كذا في النسخة، وقال في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من حلية الأولياء: ج 1، ص 67: حدثنا الحسن بن علي بن الخطاب، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أحمد بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ نُصَيْرِ، عن سليمان الأحمسي، عن أبيه عن علي قال: وَاللَّهِ مَا نَزَلَتْ آيَةٌ إِلا وَقَدْ عَلِمْتُ فيم أنزلت، وأين أنزلت، إِنَّ رَبِّي وَهَبَ لِي قَلْبًا عَقُولا وَلِسَانًا سئولا.
ورواه مثله في الحديث (37) من مقدمة شواهد التنزيل الورق 7/ أ/ ص 33 عن أبي بكر الحارثي، عن الرزاق، عن إسحاق بن جميل، أبي زرعة، عن أحمد بن يونس إلخ.
وقال ابن سعد- في عنوان: «من كان يفتى بالمدينة عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم من الطبقات الكبرى: ج 2 ص 338 ط بيروت-: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس، أخبرنا أبو بكر بن عياش، عن نصير، عن سُلَيْمَانَ الأَحْمَسِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ مَا نَزَلَتْ آيَةٌ إِلا وَقَدْ عَلِمْتُ فيما نزلت وأين نزلت، وعلى من نزلت! إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا طلقا.
ورواه عنه في الحديث: (1037) من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 38.
ورواه أيضا في الحديث (168) من فرائد السمطين بسند آخر ينتهي إلى يونس عن أبي بكر بن عياش إلخ.(2/99)
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ عُمَرَ: لا أَبْقَانِي اللَّهُ لِمُعْضِلَةٍ لَيْسَ لَهَا أَبُو حَسَنٍ.
30- وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ ابْنِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سعيد بنحوه [1] .
[قول ابن عباس إِذَا حَدَّثَنَا ثِقَةٌ عَنْ عَلِيٍّ بِفُتْيَا لَمْ نعدها]
31- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عباس/ 315/ رضي اللَّه تعالى عنهما أَنَّهُ قَالَ: إِذَا حَدَّثَنَا ثِقَةٌ عَنْ عَلِيٍّ بفتيا لم نعدها [2] .
[قوله عليه السلام لما أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وضع يَدَهُ عَلَى صَدْرِي وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ سَيَهْدِي قلبك]
32- حدثنا أبو نصر التمار [3] وخلف البزار، حدثنا شريك، عن سماك ابن حرب
__________
[1] وقال ابن سعد- في العنوان المتقدم الذكر من الطبقات: ج 2 ص 339-:
أخبرنا عبيد الله بن عمر القواريري، أخبرنا مؤمل بن اسماعيل، أخبرنا سفيان بن عيينة، أخبرنا يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ:
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس فيها ابو حسن!!.
ورواه بأسانيد في الحديث: (1072) من ترجمة علي عليه السلام من تاريخ دمشق.
ورواه أيضا في الحديث: (216) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل- لأحمد ابن حنبل.
[2] ورواه أيضا ابن سعد- في العنوان المتقدم من الطبقات: ج 2 ص 338- قال:
أخبرنا سليمان ابو داود الطيالسي، قال: أخبرنا شعبة إلخ.
ورواه بأسانيد في الحديث: (1075) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 25.
[3] هذا هو الصواب الموافق لما يأتي تحت الرقم: (109) ص 53 ولما تقدم تحت الرقم:
(486 و 851 و 1171) من ج 1، ط مصر، وفي النسخة «ابو نصر النمارا» .(2/100)
عَنْ حَنَشٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاضِيًا إِلَى الْيَمَنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعَثْتَنِي إِلَى قَوْمٍ ذَوِي أَسْنَانٍ وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ لا عِلْمَ لِي بِالْقَضَاءِ. قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي وَقَالَ: [إِنَّ اللَّهَ سَيَهْدِي قَلْبَكَ وَيُثَبِّتُكَ، إِذَا جَاءَكَ الْخَصْمَانِ فَلا تَقْضِ عَلَى الأَوَّلِ حَتَّى تَسْمَعَ مِنَ الآخَرِ، فَإِنَّهُ يَتَبَيَّنُ لَكَ القضاء.] قال (عليّ) : [فَمَا أُشْكِلَ عَلَيَّ الْقَضَاءُ بَعْدُ [1]] .
33- وَحُدِّثْتُ عَنْ يَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ:
عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: [بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الْيَمَنِ فَقُلْتُ:
أَتَبْعَثُنِي وَأَنَا شَابٌّ وَلا أَدْرِي ما القضاء (قال) فضرب صدري بيده ثم قال:
__________
[1] قال ابن سعد- في العنوان المتقدم الذكر من كتاب الطبقات: ج 2 ص 337-:
أخبرنا الفضل بن عنبسة الخزاز الواسطي، قال: أخبرنا شريك، عن سماك، عن حنش بن المعتمر، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الى اليمن قاضيا، فقلت: يا رسول الله إنك ترسلني الى قوم يسألونني ولا علم لي بالقضاء! فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ سيهدي قلبك ويثبت لسانك، فإذا قعد الخصمان بين يديك، فلا تقض حتى تسمع من الآخر، كما سمعت من الأول، فإنه أحرى ان يتبين لك القضاء. (قال علي:) فما زلت قاضيا، او ما شككت في قضاء بعد.
ثم قال ابن سعد: أخبرنا عبيد الله بن موسى العبسي، أخبرنا شيبان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن حبشي، عن حارثة عن علي.
وأخبرنا عبيد الله بن موسى، وحدثني إسرائيل (كذا) عن أبي إسحاق:
عن حارثة، عن علي قال: بعثني النبي صلّى الله عليه وسلم الى اليمن فقلت: يا رسول الله انك تبعثني الى قوم شيوخ ذوى اسنان واني اخاف ان لا اصيب! فقال: ان الله سيثبت لسانك ويهدي قلبك.
ورواه أيضا في الحديث: (1017) وما قبله من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38/ 16.(2/101)
اللهم اهد قلبه وثبت لسانه، فو الله ما شككت في قضاء بين اثنين [1] .]
[قوله صلّى الله عليه وسلم إن وَلَّيْتُمُوهَا عَلِيًّا فَهَادٍ مُهْتَدٍ يُقِيمُكُمْ عَلَى طَرِيقٍ مستقيم]
34- وَحُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ، عَنِ النعمان ابن أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ يُثَيْعٍ، قَالَ: لا أَدْرِي أَذَكَرَ حُذَيْفَةَ أَمْ غَيْرَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِنْ وَلَّيْتُمُوهَا أَبَا بَكْرٍ فَزَاهِدٌ فِي الدُّنْيَا، رَاغِبٌ فِي الآخِرَةِ، وَفِي جِسْمِهِ ضَعْفٌ، وَإِنْ وَلَّيْتُمُوهَا عُمَرَ فَقَوِيٌّ أَمِينٌ لا تَأْخُذُهُ لَوْمَةُ لائِمٍ، وَإِنْ وَلَّيْتُمُوهَا عَلِيًّا فَهَادٍ مُهْتَدٍ يُقِيمُكُمْ عَلَى طَرِيقٍ مستقيم [2]] .
__________
[1] وأيضا قال ابن سعد- في العنوان المتقدم الذكر-: أخبرنا يعلى بن عبيد، أخبرنا الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ:
عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ، فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعَثْتَنِي وأنا شاب أقضي بينهم وَلا أَدْرِي مَا الْقَضَاءُ!! فَضَرَبَ صَدْرِي بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ:
اللَّهُمَّ اهْدِ قَلْبَهُ وَثَبِّتْ لِسَانَهُ! فو الذي فلق الحبّة ما شككت في قضاء بين اثنين.
[2] ورواه أيضا في الحديث: (1112) من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 38 ص 32 قال: أخبرتنا أم البهاء فاطمة بنت محمد، قالت: أنبأنا سعيد بن أحمد بن محمد، أنبأنا الحسن بن احمد بن محمد المخلدي، أنبأنا ابو حامد بن الشرقي، أنبأنا حمدان السلمي، أنبأنا عبد الرازق، أنبأنا النعمان بن أبي شيبة إلخ.
ثم ان الخبر ضعيف من جهات:
1- انه لم يعلم انه ذكر حذيفة او غيره، فإن كان غيره فلعله ما بينه الله تعالى في قوله: «ومن اهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم» .
2- ان يزيد بن ينبع مجهول عند القوم لا ترجمة له، فإن كان مصحفا، وان صوابه:
«زيد» فهو أيضا مجهول عندنا، لا نعلم اي حي بن بي هو؟
3- انه لا يعلم ان الذي حدث عن عبد الرزاق للبلاذري من هو فلعله بعض أعداء اهل البيت!! هذا كله مع قطع النظر عما قال بعضهم في عبد الرزاق، والثوري وأبي إسحاق.
وفوق ذلك ان الذهبي حكم في تلخيص المستدرك: ج 3 ص 70 بأنه منكر. ونعم ما قال فإنهما لو كان متصفين بما نطق به الخبر لم يتخلفا عن جيش اسامة، ولم يحرما عن الصلاة على النبي والحضور عند دفنه باشتغالهما لتمهيد الرئاسة، الى غير ذلك مما سجله احاديث القوم.(2/102)
[قول عمر لَئِنْ وَلَّوْهَا الأُجَيْلِحَ لَيَرْكَبَنَّ بِهِمُ الطَّرِيقَ]
35- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ.
عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: لَمَّا وَلَّى عُمَرُ السِّتَّةَ فَقَامُوا أَتْبَعَهُمْ بَصَرَهُ ثُمَّ قَالَ:
لَئِنْ وَلَّوْهَا الأُجَيْلِحَ لَيَرْكَبَنَّ بهم الطريق [1] .
[قول جابر علي خير البشر]
36- حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَازِمٍ أَنْبَأَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عَطِيَّةَ.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سُئِلَ: أَيُّ رَجُلٍ كَانَ عَلِيٌّ. قَالَ: فَرَفَعَ بَصَرَهُ ثُمَّ قَالَ: أَوَ ليس ذاك من خير البشر [2] .
[قول عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَاللَّهِ مَا تَقَدَّمْتُ عَلَيْهَا إِلا خَوْفًا مِنْ أَنْ يَنْزُوَ عَلَى الأَمْرِ تَيْسٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ فَيَلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل]
37- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ:
[وَاللَّهِ مَا تَقَدَّمْتُ عَلَيْهَا إِلا خَوْفًا مِنْ أَنْ يَنْزُوَ عَلَى الأَمْرِ تَيْسٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ فيلعب بكتاب الله عز وجل] .
__________
[1] ورواه بسندين في الحديث: (1127) وتاليه من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38، ورواه بسند آخر في الحديث: (9761) من كتاب المصنف- للعبد الرازق: ج 5 ص 446.
[2] ويجيء أيضا تحت الرقم: (50) . وذكره أيضا بأسانيد وألفاظ أخر في الحديث:
(954) وتواليه من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 52 «عن جماعة» .(2/103)
[مرور النبي صلّى الله عليه وسلم ببيت فاطمة عليها السلام ستة أشهر وقوله الصلاة أهل البيت]
38- حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ محمد، حدثنا حماد ابن سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمُرُّ بِبَيْتِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلامُ أَشْهُرٍ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إِلَى صَلاةِ الصُّبْحِ فَيَقُولُ: [الصلاة أهلا لبيت «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» (33- الأحزاب [1] ) ]
39- حدثنا عبد الرحمان بْنُ صَالِحٍ الأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، أَنْبَأَنَا شَرِيكٌ:
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَتْ فَاطِمَةُ: [يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوَّجْتَنِي ضَخْمَ الْبَطْنِ أعمش العين؟،] قال: [أو ما تَرْضِينَ أَنْ زَوَّجْتُكِ أَوَّلَ أُمَّتِي إِسْلامًا، وَأَكْثَرُهُمْ عِلْمًا وَأَعْظَمُهُمْ حِلْمًا [2]] .
40- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مِنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ، عن مطرف، عن أبي إسحاق:
__________
[1] ورواه بأسانيد ثلاثة عن أبي سعيد الخدري وأبي الحمراء في الحديث: (316- 318) من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 37 ص.
ورواه أيضا في ترجمة الإمام الحسن: ج 12/ 19، في الحديث (106) وتواليه بطرق كثيرة، وكذلك في الحديث: (134) وتواليه من ترجمته عليه السلام من المعجم الكبير:
ج 1/ الورق 125، وهذا هو الحديث (144) منه، ورواه بأكثر من الجميع في تفسير الآية الكريمة من شواهد التنزيل الورق 110- 134، في الحديث: 643- 744، كما رواه أيضا احمد بن حنبل في الحديث: (19- 20) من فضائل فاطمة من كتاب الفضائل الورق 144.
[2] وقريب منه جدا في الحديث: (303) من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق:
ج 37، ورواه أيضا عبد الرزاق في الحديث: (9783) في كتاب المغازي: ج 5 ص 490 عن وكيع بن الجراح إلخ.
ورواه أيضا في الحديث- 5- من ترجمة امير المؤمنين من المعجم الكبير ج 1/ الورق 9 ب عن إسحاق بن ابراهيم الدبري، عن عبد الرزاق إلخ.
ورواه أيضا ابن أبي شيبة في المصنف الورق 160/ ب/ قال: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أبي إسحاق قال: قالت فاطمة إلخ.(2/104)
عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَعْلَمُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِالْفَرَائِضِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ [1] .
41- حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ:
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَلِيًّا إِلَى بَنِي جُذَيْمَةَ الَّذِينَ قَتَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْهُمْ مَنْ قَتَلَ، بِدُرْجٍ [2] فِيهِ ذَهَبٌ فَأَعْطَاهُمْ دِيَاتِ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ وَمَا أُصِيبَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَفَضَلَ فِي الدُّرْجِ شَيْءٌ مِنَ الذَّهَبِ فَقَالَ لَهُمْ عَلِيٌّ: [هَلْ لَكُمْ فِي أَنْ أُعْطِيَكُمْ هَذَا الْفَضْلَ عَلَى ان تبرءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أُصِيبَ لَكُمْ مِمَّا لا تَعْلَمُونَهُ وَلا يَعْلَمُهُ رَسُول اللَّهِ/ 316/ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟] قَالُوا: نَعَمْ فَأَعْطَاهُمْ ذَلِكَ الْفَضْلَ، فَلَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فَعَلَ قَالَ: [لَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ] .
42- حَدَّثَنَا محمد بن سعد، حدثنا روح بن عبادة، حَدَّثَنَا بسطام بن مسلم، عَن مالك بن دينار قال:
__________
[1] وقال أحمد في الحديث: (11) من باب فضائل علي عليه السلام من كتاب الفضائل:
حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا مندل، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ عن عبد الله قال: ما تقولون؟ ان أَعْلَمُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِالْفَرَائِضِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالب.
أقول: ورواه بعض أجلة المعاصرين عن كتاب أخبار القضاة: ج 1/ 89 بطرق ثلاثة، ولم يتيسر لي الرجوع إليه، والخرس مع أخدانه كانوا بودائع العلماء يلعبون، وفي المكتبة يرقصون.
[2] الدرج- على زنة برد وبرج-: سفيطة صغيرة تدخر فيه النفائس.(2/105)
قلت لسعيد بن جبير: من كَانَ يحمل راية رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: إنك لرخو الليث [1] .
قال (مالك) : وقال لي معبد الجهني: أنا أخبرك كَانَ يحملها في المسير ميسرة العبسي- أو قَالَ: ابن ميسرة- فإذا كَانَ القتال أخذها عَليّ بن أبي طالب.
43- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ أَبُو قِلابَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو رَبِيعَةَ فَهْدُ بْنُ عَوْفٍ الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بَلْجٍ:
عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي بَيْتِهِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرٌ عَشَرَةٌ، فَقَالُوا لَهُ: نَخْلُوا مَعَكَ. قَالَ: فَخَلا مَعَهُمْ سَاعَةً ثُمَّ قَامَ وَهُوَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ وَيَقُولُ: أُفٍّ أُفٍّ وَقَعُوا فِي رَجُلٍ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ. وَقَالَ لَهُ: مَنْ كُنْتُ وَلِيُّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ.] وَقَالَ لَهُ: [أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلا أَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي.] وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَقَالَ:
[لأَدْفَعَنَّ الرَّايَةَ إِلَى رَجُلٍ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.] وَسُدَّتِ الأَبْوَابُ إِلا بَابَ عَلِيٍّ. وَنَامَ مَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الغار، فكان يرمى
__________
[1] كذا في النسخة، ورواه ابن سعد- في ترجمة علي عليه السلام من الطبقات: ج 3 ص 25 ط بيروت- وقال: «انك لرخو اللبب» . يقال: فلان في لبب رخي أي حال واسعة.
والكلام اشارة الى شدة تقيتهم من طواغيت عصرهم. وفيه أيضا: «كان يحملها في المسير ابن ميسرة العبسي» . ورواه الحاكم في الحديث (69) من باب مناقب امير المؤمنين من المستدرك:
ج 3 ص 137، بسند آخر. ورواه أيضا في الحديث (285) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل لابن حنبل، وفيه: كأنك رخي البال..
وقال الطبراني في الأوسط والكبير: وصاحب راية المهاجرين في المواطن كلها علي بن أبي طالب كما في مجمع الزوائد: ج 5/ 321.(2/106)
وَيَتَضَوَّرَ [1] . وَبَعَثَ بِسُورَةِ بَرَاءَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ (ثُمَّ) أَرْسَلَ عَلِيًّا فَأَخَذَهَا (مِنْهُ) فَقَالَ [لا يُؤَدِّي عَنِّي إِلا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي [2]] .
44- حَدَّثَنِي إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثني (أ) بو زكريا يحيى ابن مَعِينٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الأَشْقَرُ، عَنْ جَعْفَرٍ الأَحْمَرِ، عن مخول عن منذر (الثوري) .
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَضِبَ لَمْ يَجْتَرِئْ أَحَدٌ أَنْ يُكَلِّمَهُ غَيْرُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ [3] .
__________
[1] التضور: التلوي من ألم الضرب أو الجوع.
[2] ورواه بأبسط مما هنا في الحديث: (248) وتواليه من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق، بطرق، ورواه أيضا في أواخر مسند ابن عباس من مسند أحمد بن حنبل:
ج 1/ 331 ط 1، ورواه عنه في مجمع الزوائد: ج 9 ص 119، وفي مستدرك الحاكم: ج 3 ص 132، وقال هو والذهبي في تلخيصه: صحيح. ورواه أيضا في مسند ابن عباس من المعجم الكبير: ج 3 الورق 168، كما رواه أيضا في الحديث: (291) من باب فضائل أمير المؤمنين من كتاب الفضائل لأحمد بن حنبل، ورواه عنه وعن أربعين الطوال لابن عساكر، في الباب:
(62) من كفاية الطالب ص 241.
ورواه أيضا النسائي في الحديث: (23) من كتاب الخصائص ص 61 قال: أخبرنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا الوضاح- وهو أبو عوانة- قال: حدثنا أبو بلج (يحيى) بن أبي سليم، قال: حدثنا عمرو بن ميمون، قال: إني لجالس الى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط ...
ورواه في تعليقه عن الرياض النضرة: 2/ 203، وذخائر العقبى ص 87، والبداية والنهاية:
ج 7/ 337، والإصابة: ج 2/ 509، والغدير: 1/ 50، وفضائل الخمسة: 1/ 230، وعن غيرها.
[3] ورواه أيضا الحاكم في باب مناقب أمير المؤمنين من المستدرك: ج 3/ 130، عن أحمد بن مكرم، عن جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، عن يحيى بن معين ...(2/107)
(حديث الولاية، وما بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم في غدير خم من إمامة عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ) .
45- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: نَظَرْتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بِغَدِيرِ «خُمٍّ» وَهُوَ قَائِمٌ يَخْطُبُ وَعَلِيٌّ إِلَى جَنْبِهِ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ وَقَالَ:
[مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهَذَا مَوْلاهُ [1]] .
46- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ:
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: لَمَّا أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حجته فَكُنَّا بِغَدِيرِ خُمٍّ نُودِيَ أَنَّ الصَّلاةَ جَامِعَةٌ وَكُسِحَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شجرتين فأخذ بيد علي ابن أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَوَ لَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟ قَالُوا:
بَلَى. قَالَ: أَوَ لَيْسَ أَزْوَاجِي أُمَّهَاتُهُمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: هَذَا وَلِيُّ مَنْ أَنَا مَوْلاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عاداه [2] .
__________
[1] ورواه ابن عساكر- في الحديث: (572) وما قبله من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق ج 38 ص 13- بطرق ثمانية عن أبي هريرة بتفصيل كثير في بعضها وهذا هو حديث الغدير الذي أفرده بالتأليف جماعة كثيرة من الحفاظ منهم ابن جرير صاحب التاريخ، ومنهم ابن عقدة ومنهم الحسكاني ومنهم الذهبي ومنهم مسعود السجستاني فانه الف كتاب الدراية في حديث الولاية في سبعة عشر جزءا، وألف وثلاث مائة أسانيد، وعليك بحديث الغدير من عبقات الأنوار فإن فيه ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.
[2] ورواه في الحديث: (545) وما قبله من تاريخ دمشق: ج 38 ص 9 وما قبلها، عن البراء بن عازب بستة طرق.
ورواه أيضا في الحديث: (547) منه عن سعد بن أبي وقاص، وذكرنا في تعليقه رواية سعد عن جماعة آخرين من الحفاظ، منهم الهيثم بن كليب في مسند سعد من كتاب مسند الصحابة الورق 17، ومنهم الحاكم في المستدرك: 3/ 116، ومنهم البزار، رواه عنه في مجمع الزوائد: ج 9/ 107، وقال: ورجاله ثقات، ومنهم الحافظ ابن عقدة كما في كفاية الطالب الباب الاول منه، ص 62، ومنهم المصنف البلاذري في ترجمة معاوية من هذا الكتاب. ج 2/ الورق 64 ب س 5- قال:
حَدَّثَنِي أَبُو مسعود الْكُوفِيُّ، عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ عَوَانَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ لمعاوية في كلام جرى (بينهما) : قَاتَلْتَ عَلِيًّا وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِالأَمْرِ مِنْكَ؟! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: لأَنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول (فيه) من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. ولفضله في نفسه وسابقته. قال: فما كنت قط أصغر في عيني منك الآن. قال سعد: ولم؟ قال: لتركك نصرته وقعودك عنه وقد علمت هذا من أمره.
ومنهم النسائي قال في الحديث: (77) من كتاب الخصائص ص 95-: أخبرنا زكريا بن يحيى، قال: حدثنا نصر بن علي، قال: حدثنا عبد الله بن داود، عن عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه ان سعدا قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه.
وقال في الحديث: (90) وتواليه ص 110: أخبرني أبو عبد الرحمان زكريا بن يحيى السجستاني، حدثني محمد بن عبد الرحيم، أخبرنا إبراهيم، حدثنا معن، حدثني موسى بن يعقوب، عن مهاجر بن مسمار، عن عائشة بنت سعد، وعامر بن سعد عن سعد، ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم خطب فقال: أما بعد أيها الناس فإني وليكم.
قالوا: صدقت، ثم أخذ بيد علي فرفعها ثم قال: هذا وليي والمؤدي عني، وال اللهم من والاه، وعاد اللهم من عاداه.
وقال أيضا: أخبرنا أحمد بن عثمان البصري أبو الجوزاء، حدثنا ابن عثمة- وهو محمد بن خالد البصري- حدثنا موسى بن يعقوب، عن المهاجر بن مسمار البصري عن عائشة بنت سعد عن سعد، قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيد علي فخطب فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: ألستم تعلمون اني أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: نعم صدقت يا رسول الله.
ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: من كنت وليه فهذا وليه، وان الله تعالى يوالي من والاه ويعادي من عاداه.
وقال أيضا: أخبرنا زكريا بن يحيى، حدثنا يعقوب بن جعفر بن أبي كثير، عن مهاجر بن مسمار، قال: أخبرتني عائشة بنت سعد عن سعد، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق مكة وهو متوجه إليها، فلما بلغ غدير خم وقف الناس ثم رد من سبقه (ظ) ولحقه من تخلف، فلما اجتمع الناس إليه قال: أيها الناس هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد- ثلاث مرات يقولها- ثم قال:
أيها الناس من وليكم؟ قالوا: الله ورسوله- ثلاثا- ثم أخذ بيد علي فأقامه ثم قال: من كان الله ورسوله وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. اقول ورواه في هامشه عن مسند أحمد: ج 4/ 372 وكنز العمال: 6/ 154، ومجمع الزوائد: ج 9/ 104.(2/108)
47- حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ:
عن البراء (بن عازب) قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَلَمَّا كُنَّا بِغَدِيرٍ خُمٍّ أَمَرَ بِشَجَرَتَيْنِ فَكُسِحَ مَا تَحْتَهُمَا، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ مَوْلايَ وَأَنَا مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ. ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فقال: من كنت مولاه فهذا مولاه. ثم (قال:) اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ) .
48- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَبِي الطُّفَيْلِ:
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فلما كنا بغدير خم أمر بِدَوْحَاتٍ فَقُمِمْنَ ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: [كَأَنِّي قَدْ دعيت فأجبت (و)(2/110)
إِنَّ اللَّهَ مَوْلايَ/ 317/ وَأَنَا مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَمْ تَضِلُّوا، كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي فإنهما (ظ) لَنْ يَفْتَرِقَا [1] حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ.] ثُمَّ أخذ بيد علي فقال: من كنت (ظ) وَلِيُّهُ فَهَذَا وَلِيُّهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ [2] .
قال (أبو الطفيل) : قُلْتُ لِزَيْدٍ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا كَانَ فِي الدَّوْحَاتِ أَحَدٌ إِلا وَقَدْ رَأَى بعينه وسمع بأذنه ذلك!!!.
__________
[1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «وانهما لن يفرقا» ورواه أيضا ابن حرير، كما في الحديث الأول من فضائل علي عليه السلام من كنز العمال ج 15/ ط 2 ص 91 وفيه: «فإنهما لن يتفرقا» . ثم قال: (وروى أيضا) عطية العوفي عن أبي سعيد الخدرى مثل ذلك. ورواه أيضا النسائي في الحديث: (73) من الخصائص ص 93 عن محمد بن المثنى عن يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنِ سليمان، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الطفيل عن زيد ...
وقال الدولابي- في آخر كتاب الذرية الطاهرة بحديث-: حدثنا ابراهيم بن مرزوق حدثنا ابو عامر العقدي، حدثني كثير بن زيد، عن محمد بن عمر بن علي (عن ابيه) عن علي ان النبي صلى الله عليه وسلم حضر الشجرة بخم، قال: فخرج آخذا بيد علي (كذا) فقال: يا ايها الناس ألستم تشهدون ان الله ورسوله اولى بكم من انفسكم؟ وان الله ورسوله مولياكم؟ قالوا: بلى. قال: فمن كنت مولاه فان عليا مولاه- او قال: هذا مولاه- اني تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله واهل بيتي.
[2] ورواه عنه ابن عساكر- في الحديث: (527- 538) من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 29، مع زيادات في بعض طرقه، ورواه أيضا الحاكم في الحديث الخامس وتاليه من مناقب علي من المستدرك: ج 3 ص 109، وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم. واقره الذهبي في الأول، وقال في الثاني: لم يخرجا لمحمد (بن سلمة بن كهيل) وقد وهاه السعدي. اقول: لو صدق الذهبي في هذا، ولم يكن حكم السعدي بوهيه ووهنه عن العصبية العمياء لم يضر ذلك، لأن فيما عداه من الطرق الصحيحة كفاية، فانظر الى ما علقناه على الحديث: (528) وتواليه من ترجمة علي عليه السلام من تاريخ دمشق.(2/111)
49- وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْعِجْلِيُّ، عَنْ أَبِي نعيم عن أبي غنيّة عن الحكم بن سعد، عن جُبَيْرٍ [1] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ] .
50- وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَطِيَّةَ:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ.
51- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ يزيد في إسناده قال: قال علي (عليه السّلام) : [كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة من الليل يقوم فيها، فقام (في ليلة) فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيَّ فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا عليّ فإنّي لم أسأل الله (لنفسي) شيئا إلا سألت لك بمثله!! [2]] .
__________
[1] كذا في النسخة، والصواب: «عن ابن أَبِي غَنِيَّةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير» كما في الحديث: (453 و 455) من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق. اقول وابن أبي غنية هو يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية- كعطية- الخزاعي.
ثم ان حديث بريدة رواه أيضا تحت الرقم: (70) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل تأليف احمد بن حنبل.
[2] ورواه ابن عساكر بأسانيد كثيرة في الحديث: (800) وتواليه من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 34. ورواه أيضا ابو نعيم في معرفة الصحابة كما في الحديث: (283) من باب الفضائل من كنز العمال: ج 15/ ط 2 ص 98، ورواه أيضا المحاملي بسند آخر في الجزء- 7- من أماليه الورق 154، ورواه أيضا ابن المغازلي في الحديث:
(137) من مناقبه. ورواه أيضا في الباب (43) في الحديث: (180) وتاليه من فرائد السمطين ورواه أيضا ابن جرير- وصححه- وابن أبي عاصم، والطبراني في الأوسط وابن شاهين في السنة، كما في الحديث (428) من كنز العمال: ج 15/ 150، باب مناقب علي عليه السلام.(2/112)
50- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ قَالَ:
قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَيُّ رَجُلٍ كان فيكم عليّ؟ قال: وكان (كذا) وَاللَّهِ خَيْرَ الْبَرِيَّةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] .
[نبذة من أقوال علي بن أبي طالب وسيرته]
51- حدثني بعض الطالبيين عن آبائه أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ:
[مَنْ أَرَادَ عِزًّا بِلا عَشِيرَةٍ، وَهَيْبَةً بِلا سُلْطَانٍ، وَغِنًى بِلا مَالٍ فَلْيَخْرُجْ مِنْ ذُلِّ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إلى عزّ طاعته] .
__________
[1] وتقدم أيضا تحت الرقم: (34) وأشرنا في تعليقه إلى تعدد طرقه ومصادره، ورواه أيضا في تفسير سورة البينة: (98) من كتاب شواهد التنزيل الورق 195/ ب، وروي ما في معناه عن طرق ثم قال:
حدثنا السيد أبو الحسن الحسني إملاء، حدثنا عبد الله بن محمد النصر آبادي حدثنا عبد الله بن هاشم، حدثنا وكيع بن الجراج، حدثنا الأعمش عن عطية العوفي قال:
دخلنا على جابر بن عبد الله الأنصاري وقد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، فقلنا:
أخبرنا عن علي فرفع حاجبيه بيده ثم قال: ذاك من خير البرية.
وقال أحمد بن حنبل- في الحديث: (72) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل:
حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن عطية بن سعد العوفي قال: دخلنا على جابر بن عبد الله وقد سقط حاجباه على عينيه، فسألناه عن علي فقلت: أخبرني عنه، قال: فرفع حاجبيه بيده فقال: ذاك من خير البشر.
وقال في الحديث: (268) منه: حدثنا عبد الله، حدثنا الهيثم بن خلف، حدثنا عبد الملك ابن عبد ربه أبو إسحاق، حدثنا معاوية بن عمار عن أبي الزبير، قال: قلت: لجابر: كيف كان علي فيكم؟ قال: ذاك من خير البشر ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغضهم إياه.(2/113)
53- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن صَالِحِ بْن مُسْلِمٍ الْعِجْلِيُّ، عَنِ ابْنِ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ:
عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: [لا يَكُونُ الرَّجُلُ قَيِّمَ أَهْلِهِ حَتَّى لا يُبَالِي أَيَّ ثَوْبَيْهِ ابْتَذَلَ، وَلا مَا سَدَّ بِهِ فَوْرَةَ الْجُوعِ] .
53- حَدَّثَنِي عَمْرو بن مُحَمَّدٍ النَّاقِد، حَدَّثَنِي أَبُو أَحْمَد الزبيري، عَنِ الْحَسَن بْن صَالِح، عَنْ أَبِي الجحاف:
عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْر شاعرا، وَكَانَ عمر شاعرا وَكَانَ عَليّ شاعرا.
54- حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الطَّالِبِيُّ، عَنْ أَشْيَاخِهِ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ:
[إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَتَانِ: طُولُ الأَمَلِ وَاتِّبَاعُ الْهَوَى فَإِنَّ (كذا) طُولَ الأَمَلِ يُنْسِي الآخِرَةَ، وَإِنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى يُضِلُّ عَنِ الْحَقِّ] .
[أَلا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ وَلَّتْ مُدْبِرَةً، وَالآخِرَةُ مُقْبِلَةً [1] وَلِكُلِّ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، فإن اليوم عمل والآخرة حِسَابٌ] .
55- وَرُوِيَ عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ آبَائِهِ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: [لا خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ كَمَا أَنَّهُ لا خَيْرَ في القول بالجهل] [2] .
__________
[1] كذا في النسخة، وفي غير واحد من المصادر: «والاخرة قد دنت مقبلة» . والحديث هو المختار (42) من نهج البلاغة بمغابرة طفيفة، ورواه أيضا أحمد بن حنبل في الحديث- 4- من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل. ورواه أيضا ابن المبارك في الحديث (255) من كتاب الزهد. وقريبا منه أيضا رواه في الحديث (36) من الجزء الرابع من أمالى الطوسي وكذلك في الحديث الأول من الجزء- 9- منه.
[2] وهذا هو المختار: (182) و (471) من الباب- 3- من نهج البلاغة.(2/114)
56- قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ: [الْفُرَصُ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ فَانْتَهِزُوا فُرَصَ الْخَيْرِ] [1] .
57- وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ: [قِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ عِلْمُهُ] [2] .
58- الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ يقول: [يا بن آدَمَ مَا كَسَبْتَ فَوْقَ قُوَّتِكَ فَأَنْتَ فِيهِ خَازِنٌ لِغَيْرِكَ [3]] وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ سُئِلَ عَلِيٌّ عَنِ الغوغاء فقال: [ (هم) الَّذِينَ إِذَا اجْتَمَعُوا غَلَبُوا، وَإِذَا تَفَرَّقُوا لَمْ يُعْرَفُوا] [4] .
60- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ إِسْرَائِيلَ يُحَدِّثُ أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ قال: [إن للقلوب شهوة وإقبالا وإدبارا، فأتوا بها مِنْ قِبَلِ شَهْوَتِهَا وَإِقْبَالِهَا، فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا أُكْرِهَ مَلَّ] [5] .
61- وَأَتَى عَلَيْهِ السَّلامُ بِجَانٍ وَمَعَهُ غَوْغَاءُ فَقَالَ: [لا مَرْحَبًا بِوُجُوهٍ لا تُرَى إلا عند سوء] [6] .
62- وقال (عليه السّلام) : [اليأس غنى والطمع فقر حاضر] .
__________
[1] وفي المختار: (20) من قصار النهج: «الفرصة تمر مر السحاب» ...
[2] وله مصادر جمة لا تحصى.
[3] وهذا ذكرناه في المختار: (32) من وصايا نهج السعادة: ج 2/ 235.
[4] رواه في المختار: (199) من قصار النهج بوجهين.
[5] وقريب منه في المختار: (193) و (312) من قصار نهج البلاغة.
[6] ورواه أيضا في ترجمته عليه السلام من تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 185، كما رواه في المختار: (200) من الباب الثالث من نهج البلاغة، وفيه: «عند كل سوأة» .(2/115)
63- حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا جرير بن عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ قَالَ: بَنَى عَلِيٌّ سِجْنًا مِنْ قَصَبٍ وَسَمَّاهُ نَافِعًا ثُمَّ بَنَاهُ بِلَبِنٍ فَقَالَ:
[أَلا تَرَانِي كَيِّسًا مُكَيِّسًا ... بَنَيْتُ بَعْدَ نَافِعٍ مُخَيِّسًا
سِجْنًا/ 318/ حَصِينًا وَأَمِيرًا كَيِّسًا
] 64- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نعيم، عَن زهير، عَنْ أَبِي إسحاق أَنَّهُ صلى الجمعة مع عَليّ حين مالت الشمس فقال: رأيته أبيض اللحية أجلح [1] .
65- حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ:
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: جَاءَ عَلِيٌّ وَأَنَا مَعَ أَبِي فَقَالَ لِي: قُمْ يَا عَمْرُو فَانْظُرْ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَرَأَيْتُهُ ضَخْمَ اللِّحْيَةِ وَلَمْ أَرَهُ يَخْضِبُهَا.
66- وحدثت عَن خلف بن هِشَام البزار، عَن شريك:
عَنْ أَبِي إسحاق قَالَ: رأيت عليا أصلع أبيض الرأس واللحية.
67- وَحُدِّثْتُ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى عبد الله ابن عَبَّاسٍ:
أَمَّا بَعْدُ [فَإِنَّهُ يَسُرُّ الْمَرْءَ دَرْكُ ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فَوْتُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيُدْرِكَهُ،] [فَلْيَكُنْ [2] سُرُورُكَ بِمَا نِلْتَ فِي آخِرَتِكَ، وَأَسَفُكَ عَلَى مَا فاتك منها،] [فأما (ظ) مَا نِلْتَ مِنَ الدُّنْيَا فَلا تُكْثِرْ بِهِ فرحا، وما فاتك منها فلا تأس
__________
[1] يقال: «جلح الرجل من باب علم- جلحا» : انحسر شعره عن جانبي رأسه فهو أجلح، وجمعه جلح وجلحان- كرمح وفرقان- وأجلاح. وهي جلحاء.
[2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «فيكن» .(2/116)
عَلَيْهِ جَزَعًا، وَلْيَكُنْ هَمُّكَ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ] [1] .
68- الْمَدَائِنِيُّ فِي إِسْنَادِهِ قَالَ: كَانَت غَلَّةُ عَلِيٍّ أَرْبَعِينَ أَلْفِ دِينَارٍ [2] فَجَعَلَهَا صَدَقَةً وَبَاعَ سَيْفَهُ وقال: لو كان عندي عشاء ما بعته. وأعطته الخادم في بعض الليالي قطيفة فأنكر دفأها [3] فقال: ما هذه؟ قالت الخادم:
هذه من فضل (ظ) الصَّدَقَةِ. فَأَلْقَاهَا وَقَالَ: [أَصْرَدْتُمُونَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا] .
69- حَدَّثَنَا عبد الله بن صالح الأَزْدِيّ، عَن يَحْيَى بن آدم، عن الحسن ابن صالح، عَنْ أَبِي حيان، قَالَ: كانت قلنسوة عَليّ لطيفة بيضاء مضربة [4] .
70- حَدَّثَنِي هدبة بن خالد، حَدَّثَنَا أَبُو هلال الراسبي، عَن سوادة بن حنظلة القشيري قَالَ: رأيت عليا أصفر اللحية [5] .
__________
[1] وللحديث مصادر كثيرة، ورواه ثعلب في أواسط الجزء الأول من مجالسه ص 186، مرسلا، كما رواه في المختار: (23) من باب الكتب من نهج البلاغة، وفي ترجمته عليه السلام من تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 181، والحكمة الخالدة ص 179، وقوت القلوب: ج 1/ 158، وكتاب صفين. وأدب الدنيا والدين للماوردي.
[2] هذا المعني رواه في الحديث: (968) وتواليه من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق بطرق ثلاثة، ورواه أيضا في آخر ترجمته من حلية الأولياء: ج 1/ 85، وعنه وعن مسند أحمد، والدورقي والضياء في المختارة، رواه تحت الرقم: (448) من كنز العمال:
ج 15/ 159/ ط 2.
[3] الدفئ- كنبأ-: إحساس الحرارة ووجدانها. وقوله- في الذيل-: «أصردتمونا» كأبردتمونا أي جعلتمونا في برودة وحملتموها علي، وأصل الكلمة فارسية والصاد بدل من السين أصلها «سرد» ضد «كرم» .
[4] ورواه ابن سعد بسند آخر في الطبقات: ج 3/ 30 وقال: مصرية.
[5] ورواه أيضا مع التالي في الطبقات: ج 3/ 26 قال: أخبرنا الفضل بن دكين، وعفان ابن مسلم، وسليمان بن حرب، قالوا: أخبرنا أبو هلال ...
وقال أيضا: أخبرنا عبد الله بن نمير، واسباط بن محمد، عن إسماعيل بن سلمان الأزرق، عن أبي عمر البزاز عن محمد بن الحنفية، قال: خضب علي بالحناء مرة ثم تركه.(2/117)
71- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سلمان، عن ابن عمر البزار (كذا) عَن مُحَمَّد بن الحنفية، قَالَ:
خضب عَليّ بالحناء ثُمَّ تركه.
73- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] حَدَّثَنَا عَفَّانُ، أَنْبَأَنَا جرير بن حازم، قَالَ:
سمعت أبا رجاء العطاردي يقول: رأيت عليا أصلع كَثِير الشعر، كأنما اجتاب إهاب شاة.
73- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] حَدَّثَنَا قَبِيصَة بْن عقبة، عَن سُفْيَان عَنْ أَبِي إسحاق قَالَ: رأيت عليا أبيض الرأس واللحية.
74- حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ أَبِي دُبَيٍّ:
عَنْ أَبِي سُخَيْلَةَ قَالَ: مَرَرْتُ أَنَا وَسَلْمَانَ بِالرَّبَذَةِ عَلَى أَبِي ذَرٍّ فَقَالَ: إِنَّهُ سَتَكُونُ فِتْنَةٌ فَإِنْ أَدْرَكْتُمُوهَا فَعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فإني سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [عَلِيٌّ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِي وأول من يصافحني يوم
__________
[1] ورواه أيضا في ترجمة امير المؤمنين من الطبقات: ج 3 ص 26 وفيه هكذا: أخبرنا وهب بن جرير بن حازم، قال: أخبرنا أبي، قال: سمعت أبا رجاء قال: رأيت عليا أصلع كَثِير الشعر كأنما اجتاب إهاب شاة.
اقول: اجتاب: لبس. وإهاب- كإياب-: الجلد. وقيل هو غير المدبوغ منه.
[2] ورواه أيضا في الطبقات: ج 3/ 25 وقال: أخبرنا مؤمل بن إسماعيل، وقبيصة بن عقبة، قالا: أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق ...(2/118)
الْقِيَامَةِ وَهُوَ يَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ] [1] .
75- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ:
عَنْ حُبْشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ قَالَ: لَمَّا زَوَّجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة أُرْعِدَتْ [فَقَالَ: اسْكُتِي فَقَدْ زَوَّجْتُكِ سَيِّدًا فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ] [2] .
76- حَدَّثَنَا أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، حدثنا هشام ابن حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ:
عَنْ مَوْلًى لِعَلِيٍّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: [يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلانِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ، وَمُبْغِضٌ مُفْرِطٌ [3]] .
77- وَحُدِّثْتُ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شِهَابٍ مَوْلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ بِمِثْلِهِ وَزَادَ فِيهِ: [وَإِنَّكُمْ مستعرضون على سبّي والبراءة مني (أما السب) فسبّوني ولا تبرءوا مني] [4] .
__________
[1] ورواه بثلاثة أسانيد، في الحديث: (118) وتواليه من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق. ورواه أيضا في الباب الثاني من كتاب الارشاد، ص 21 ورواه أيضا البزار، كما في تلخيص زوائد مسنده لابن حجر. ورواه أيضا الطبراني، قال في مجمع الزوائد: ج 9 ص 102:
رواه الطبراني، ورواه البزار، عن أبي ذر وحده، وفيه عمرو بن سعيد المصري وهو ضعيف.
اقول: وعلى هذا فهو غير ما رواه في تلخيص زوائد مسند البزار، وقد ذكرناه في تعليق الحديث: (120) من ابن عساكر، وليس فيه من عمرو بن سعيد عين ولا اثر.
[2] وقريب منه جدا في الحديث: (308) وما حوله من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 37 ص.
[3] ورواه بسندين آخرين في الحديث: (769) وتاليه من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 32/ أو 173.
[4] وقريبا منه رواه ابن عساكر في الحديث (1504) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 112، عن أبي عياض مولى أسد بن ربيعة الأسدي عنه عليه السلام، وقريب منه أيضا في المختار: (57) من خطب نهج البلاغة.(2/119)
78- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عاصم، عن هشام عن محمد (كذا) بِمِثْلِهِ.
78- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَبِي السَّوَّارِ الضُّبَعِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ:
[لَيُحِبُّنِي أَقْوَامٌ حَتَّى يُدْخِلَهُمْ حُبِّي النَّارَ، وَلَيُبْغِضُنِي أَقْوَامٌ حَتَّى يُدْخِلَهُمْ بُغْضِي النَّارَ] [1] .
79- حَدَّثَنَا/ 319/ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْفَرْوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا الحكم بن عبد الملك، عن الحرث بن حصيرة عن أبي صادق [2] :
__________
[1] وقال ابن الأعرابي في معجم الشيوخ: ج 2/ الورق 18/ وفي نسخة 151/ ب/: أنبأنا يحيى بن أبي طالب، أنبأنا عمرو بن عبد الغفار، أنبأنا شعبة بن الحجاج، عن أبي التياح، عن أبي السوار العدوي قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ إلخ. ثم قال: أنبأنا عباس الدوري أنبأنا شبابة، أنبأنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَبِي السَّوَّارِ العدوي قال: سمعت عليا قال مثله.
اقول: ورواه عنه بالسند الأول في الحديث (750) من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق.
ورواه أيضا في الحديث (75) من باب فضائله من كتاب الفضائل لأحمد، قال عبد الله بن احمد حدثني أبي، قال: حدثنا وكيع، عن شعبة إلخ. ورواه عنه في الحديث 12، من الباب (181) من غاية المرام ص 525. وقال ابن أبي شيبة في المصنف: ج 6/ او 7/ الورق 160/ ب/:
حدثنا وكيع، عن شعبة، عن أبي التياح، عن أبي السوار العدوي قال: قال علي:
ليحبني قوم حتى يدخلوا النار في حبي وليبغضني قوم حتى يدخلوا النار في بغضبي.
[2] كذا هنا، ورواه ابن عساكر، في الحديث: (737) وما بعده من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 169/ او 29 بطرق كثيرة وزاد بعد أبي صادق:
«عن ربيعة بن ناجد، عن علي بن أبي طالب» مع زيادة في بعض طرقه.
ورواه أيضا الحسكاني في تفسير الآية: (147) من شواهد التنزيل الورق 148/ ب/ بطرق كثيرة عن جماعة.(2/120)
عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: [يَا عَلِيُّ إِنَّ فِيكَ مِنْ عِيسَى مَثَلا، أَحَبَّهُ النَّصَارَى حَتَّى أَفْرَطُوا (في حبّه) ، وأبغضته اليهود حتى بهتوا أمه] .
قال (ابو صادق) : فكان (علي) يَقُولُ: [يَهْلِكُ فيَّ رَجُلانِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ، وَمُبْغِضٌ مُفْرِطٌ] .
81- حَدَّثَنَا أَبُو هاشم الرفاعي، عَن عمه عن عبد الله بن عباس (كذا) قَالَ: قَالَ الشعبي: كان عَليّ أشجع الناس تقر لَهُ العرب بذلك، قتل يوم بدر الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شمس، وأعان عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب عَلى شيبة بن ربيعة، ثُمَّ حمل عَلَى الكتيبة مصمما وحده وهو يقول:
لن يأكلوا العتر [1] ببطن مكة ... من بعدها حتى يكون الدكة
82- حدثني مظفر بن مرجا، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ:
سَمِعْتُ مَكْحُولا يَقُولُ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ
» (12/ الحاقة) فَقَالَ: يَا عَلِيُّ سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَهَا أُذُنَكَ.] قَالَ عَلِيٌّ: [فَمَا نَسِيتُ حَدِيثًا أَوْ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [2] .
__________
[1] العتر والعتيرة: ما كانوا يذبحونه من الشياة في رجب لآلهتهم. وقرأه بعض المعاصرين «الصر» ؟. والدكة: التدافع والتزاحم.
[2] ورواه ابن عساكر بسندين آخرين في الحديث: (923) وتاليه من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 202/ او 49، وقال ابو نعيم في ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من حلية الأولياء: ج 1، ص 67: حدثنا محمد بن عمر بن سلم، حدثني ابو محمد القاسم بن محمد بن جعفر بن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عَلِي بْن أَبِي طَالِب، حدثني أبي، عن ابيه جعفر، عن ابيه محمد بن عبد الله عن ابيه محمد، عن ابيه عمر:
عن ابيه عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: يا علي إن الله أمرني ان أدنيك ولا أقصيك واعلمك لتعي وانزلت هذه الآية: «وتعيها اذن واعية» فأنت اذن واعية لعلمي.
وهذا رواه أيضا في تفسير الآية الكريمة في الحديث: (1009) من كتاب شواهد التنزيل الورق 173/ ب. وأيضا قال ابو نعيم- في ترجمة علي عليه السلام من معرفة الصحابة الورق 22 ب-: حدثنا ابو الحسن علي بن احمد بن محمد المقدسي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الغزي القاضي، حدثنا ابو عمير حدثنا الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَوْشَبٍ، عن مكحول عن علي في قوله (تعالى) : «وتعيها اذن واعية» قال علي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوت الله ان يجعلها اذنك يا علي.
اقول: ورواه الطبري أيضا بطرق، وكذلك ابن المغازلي وكذلك الحموئي وإن راجعت الى تفسير الآية الكريمة من شواهد التنزيل، وما علقناه عليه يغنيك عن الجميع.(2/121)
83- حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الطَّالِبِيُّ، حَدَّثَنِي شَيْخٌ لَنَا، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ:
[مَتَى أُشْفِي غيظي إذا غضبت، أم حين أعجز (كذا) عَنِ الانْتِقَامِ فَيُقَالُ لِي: لَوْ صَبَرْتَ، أَمْ حِينَ أَقْدِرُ عَلَيْهِ فَيُقَالُ لِي: لَوْ غَفَرْتَ] [1] .
84- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن فادم، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [الْجَنَّةُ تَشْتَاقُ إِلَى ثَلاثَةٍ:
عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ وسلمان] [2] .
__________
[1] ورواه أيضا في المختار: (194) من قصار نهج البلاغة، وفيه: «احين أَعْجَزُ عَنِ الانْتِقَامِ فَيُقَالُ لِي: لَوْ صَبَرْتَ، أَمْ حِينَ أَقْدِرُ عَلَيْهِ فَيُقَالُ لِي: لَوْ عفوت» .
[2] ورواه بلفظ «ثلاثة» بأسانيد سبعة في ترجمة سلمان من تاريخ دمشق ج 21/ 182، ورواه بطرق اربعة في ترجمة المقداد بن الأسود- ج 57/ 100- بلفظ تشتاق الجنة إلى اربعة: علي وأبي ذر، وعمار، والمقداد، ورواه أيضا في ترجمة عمار. ورواه الحاكم في المستدرك: ج 3 ص 137، عن أبي بكر بن إسحاق، عن محمد بن عيسى بن السكن الواسطي عن شهاب بن عباد، عن محمد بن بشر، عن الحسن بن حي، عن أبي ربيعة ... وقال هو والذهبي: صحيح.
ورواه أيضا الترمذي في باب مناقب سلمان من كتاب المناقب في الحديث: (3797) ج 5 ص 667 قال: حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا أبي، عن الحسن بن صالح ... إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة: علي وعمار وسلمان.
ثم قال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن صالح.
اقول: وقد عرفه غيره عن غير الحسن بن صالح فليرجع إلى ما أشرنا إليه، ورواه عنه وعن غيره في ترجمة أبي ربيعة الأيادي من باب الكنى من تهذيب الكمال: ج 12/ الورق 125/ ب.
ورواه أيضا في الباب: (55) في الحديث: (247) من فرائد السمطين، كما رواه في الباب (26) من كفاية الطالب ص 131، ورواه في هامشه عن مصادر، منها اسد الغابة: ج 2/ 330، والرياض النضرة: 2/ 209، وكنوز الحقائق ص 60، وحلية الأولياء: ج 1/ 190، 142، وكنز العمال: ج 6 ص 163، والاستيعاب: ج 2/ 423.(2/122)
85- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا شهاب بن عباد، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيم بن حميد، عَن إِسْمَاعِيل، عَن عَامِر الشعبي قَالَ: ما رأيت رجلا قط أعرض لحية من علي قد ملئت ما بين منكبيه بياضا.
85- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن أبي طاووس عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، لوفد ثقيف حين جاؤه-: [وَاللَّهِ لَتُسْلِمَنَّ أَوْ لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلا مِنِّي- أَوْ قَالَ:
مِثْلَ نَفْسِي- فَلَيَضْرِبَنَّ أَعْنَاقَكُمْ، وَلَيَسْبِيَنَّ ذراريكم وليأخذنّ أموالكم [1]] .
__________
[1] ورواه ابن أبي شيبه في المصنف الورق 161/ أ، عن أبي الجواب، عن يونس، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن أبي ذر إلخ. ورواه أيضا بسند آخر، في الورق 156/ أ، بلا ذيل المذكور هنا. ورواه أيضا أحمد، في الحديث (227) من باب فضائل علي من كتاب الفضائل بسند آخر، وكذلك في الحديث: (130) منه.(2/123)
قال عمر: فو الله: مَا اشْتَهَيْتُ الإِمَارَةَ إِلا يَوْمَئِذٍ فَجَعَلْتُ أَنْصِبُ صَدْرِي لَهُ رَجَاءَ أَنْ يَقُولَ: هَذَا، فَالْتَفَتَ إِلَى عَلِيٍّ فَأَخَذَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: هُوَ هَذَا هُوَ هَذَا.
86- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ السامي، حدثنا عبد الرحمان بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ فُلَيْتٍ الذُّهْلِيِّ، عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دِجَاجَةَ قَالَتْ:
قُلْتُ لِعَائِشَةَ: إِنَّ عَلِيًّا يَأْمُرُ بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَالَتْ: هُوَ أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالسُّنَّةِ [1] .
87- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَشْرَسَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ:
[لَوْ أَنَّ حَمَلَةَ الْعِلْمِ حَمَلُوهُ بِحَقِّهِ لأَحَبَّهُمُ اللَّهُ وَمَلائِكَتُهُ، وَلَكِنَّهُمْ حَمَلُوهُ لِطَلَبِ الدُّنْيَا فَمَقَتَهُمُ اللَّهُ وَهَانُوا عَلَيْهِ] .
88- حَدَّثَنَا أَحْمَد بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَن مغيرة:
عَن عَليّ بن ربيعة قَالَ: رأيت عليا مؤتزرا وتحت إزاره تبان.
89- حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سَعْدٍ [2] ، حَدَّثَنَا عفان، حَدَّثَنَا أَبُو عوانة، عَن مغيرة، عَن قدامة بن عتاب، قَالَ:
كَانَ عَليّ ضخم البطن، ضخم مشاشة المنكب، ضخم عضلة الذراع دقيق مستدقها، ضخم عضلتي الساقين دقيق مستدقها.
__________
[1] ورواه أيضا بسند ينتهي الى جسرة، في الحديث: (1078) من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 26/ او 62.
[2] ورواه أيضا في عنوان: «ذكر صفة علي بن أبي طالب» من الطبقات: ج 3 ص 26 ط بيروت.(2/124)
(قال:) ورأيته يخطب فِي يوم من أيام الشتاء وعليه قميص قهز [1] وإزاران قطريان، معتمّا بسبّ كان ينسج (في سوادكم «خ» ) بسوادكم هَذَا [2] .
90- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ شَرِيكٍ عَنْ جَابِرٍ:
عَنْ عَامِرٍ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ يَطْرُدُنَا مِنَ الرَّحْبَةِ وَنَحْنُ صِبْيَانٌ، أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ.
91- حَدَّثَنَا/ 320/ عمرو بن محمد، حدثنا أبو نعيم، حدثنا رزام الضبعي [4] قَالَ: نعت أبي عليا فقَالَ: كَانَ فوق الربعة، ضخم المنكبين
__________
[1] رسم الخط غير واضح ويمكن ان يقرء «قهيز» و «قهز» . وعلم بعد قوله: «عليه» علامة وكتب في الهامش «قميص» . وما صححناه وجدناه موافقا لما ذكره ابن سعد في الطبقات:
ج 3 ص 26 غير ان فيه: «معتما بسب كتان مما ينسج في سوادكم» .
قال في النهاية: وفي حديث علي: ان رجلا أتاه وعليه ثوب من قهز. قال: القهز- بالكسر-: ثياب بيض يخالطها حرير، وليست بعربية محضة. وقال الزمخشري: القهز- بفتح القاف وكسره-: ضرب من الثياب يتخذ من صوف كالمرعزي وربما خالطه الحرير.
اقول: والقهيز- كأمير- القز.
[2] الإزار: الملحفة او ما يستر الأسافل الى السرة. والقطريان تثنية القطري- بالكسر- ضرب من البرود فيه حمرة ولها اعلام فيها بعض الخشونة. وقيل: هي حلل جياد تحمل من قبل البحرين. وقال الأزهري: في اعراض البحرين قرية يقال لها: «قطر» واحسب الثياب القطرية نسبت إليها فكسروا القاف للنسبة وخففوا. والأصل قطري محركة.
والسب- كضد وند- العمامة. شقة كتان رقيقة.
[3] ورواه أيضا في العنوان السالف الذكر من الطبقات: ج 3 ص 25.
[4] كذا في النسخة، ورواه ابن سعد في الطبقات: ج 3/ 26 وقال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا رزام بن سعد الضبي ...(2/125)
طويل اللحية، إن شئت قلت إِذَا نظرت إِلَيْهِ: هُوَ آدم [1] ، وإن تبينته من قرب قلت: هُوَ إلى أن يكون أسمر أدنى مِنْه أن يكون آدم.
92- حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ حَسَّانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ بُشَيْرِ بن ارام (أراك «خ» ) :
عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ: قَالَ: أَتَى حُذَيْفَةَ بِالْمَدَائِنِ وَنَحْنُ عِنْدَهُ أَنَّ الْحَسَنَ وَعَمَّارًا قَدِمَا الْكُوفَةَ يَسْتَنْفِرَانِ النَّاسَ إِلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: إِنَّ الْحَسَنَ وَعَمَّارًا قَدِمَا يَسْتِنْفِرَانِكُمْ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يلبي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا حَقًّا فَلْيَأْتِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ.
93- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنِ الواقدي، عن ابن أبي سبرة:
عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ (أَبِي) فروة، قَالَ: سألت أبا جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ فقلت: ما كانت صفة عَليّ، فقال: [كان آدم شديد الأدمة، ثقيل العينين عظيمهما ذا بطن أصلع إلى القصر أقرب] .
94- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عن محمد ابن جُحَادَةَ:
أَخْبَرَنِي أَبُو سَعِيدٍ بَيَّاعُ الْكَرَابِيسِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْتِي السُّوقَ فِي الأَيَّامِ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا رَأَوْهُ قَالُوا: «بزرك اشكنب آمد» . فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ:
إِنَّكَ ضَخْمَ الْبَطْنِ. فيقول: [أعلاه علم وأسفله طعام [3]] .
__________
[1] الآدم: الأسمر. والمؤنث: الأدماء. والجمع: ادم كأسد.
[2] ورواه أيضا في ترجمة امير المؤمنين من الطبقات: ج 3 ص 27 ط بيروت، وببالي انه رواه أيضا في الحديث: (59) من باب فضائله من فضائل احمد.
[3] ورواه أيضا ابن سعد، في ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من الطبقات: ج 3 ص 27. ورواه أيضا في الحديث: (85) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل، لأحمد بن حنبل.(2/126)
95- 96- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: أَمْلَى علينا عنثر مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ:
[إِنَّ هَذِه الْفُرَصَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ فَانْتَهِزُوهَا] .
قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ: [ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ اسْتَوْجَبَ بِهِنَّ أَرْبَعًا: مَنْ إِذَا حَدَّثَ النَّاسَ لَمْ يَكْذِبْهُمْ، وَإِذَا وَعَدَهُمْ لَمْ يُخْلِفْهُمْ، وَإِذَا خَاطَبَهُمْ لَمْ يَظْلِمْهُمْ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَجَبَتْ أُخُوَّتُهُ، وَكَمُلَتْ مُرُوءَتُهُ وَحَرُمَتْ غِيبَتُهُ وَظَهَرَ عَدْلُهُ] [1] .
97- وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: [قِيمَةُ الرجل علمه] .
98- حدثني المدائني، عن أبي جعدبة (ظ) قال: قال علي عليه السّلام:
[زَعَمَ ابْنُ النَّابِغَةَ- يَعْنِي عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ- أَنِّي تِلْعَابَةٌ أُعَافِسُ وَأُمَارِسُ [2] وَاللَّهِ إِنَّهُ لَيَمْنَعُنِي مِنَ اللَّعِبِ خَوْفَ الْمَوْتِ، وَإِنَّهُ لَيَقُولُ فَيَكْذِبُ، ويحلف فيحنث وإنه لمن الظالمين لأنفسهم [3]] .
99- حَدَّثَنِي عَمْرو النَّاقِدُ، وَمُحَمَّد بْنُ سَعْدٍ [4] ، قَالا: حَدَّثَنَا ابو نعيم
__________
[1] كذا في النسخة، وفي غير واحد من مصادر الكلام: «وظهرت عدالته» وهو أظهر.
[2] تلعابة- بكسر التاء-: كثير اللعب. أعافس: أعالج الناس واضاربهم مزاحا.
وقيل: هي معالجة النساء بالمغازلة. والممارسة كالمعافسة.
[3] وذكره في المختار: (81) من نهج البلاغة بصورة أطول مما هنا، كما يجيء أيضا تحت الرقم: (145) كما رواه أيضا في أواسط الباب: (54) من جواهر المطالب الورق 81، والحديث:
(20) من الجزء- 5- من امالي الطوسي. ورواه أيضا في عيون الاخبار: ج 1/ 184، والامتاع والمؤانسة ج 3/ 183، والعقد الفريد ج 2 ص 287.
[4] ورواه في الطبقات: ج 3/ 27 وفيه: عن مدرك أبي الحجاج ...(2/127)
حَدَّثَنَا سلمة بن رجاء التميمي، عَن مدرك بن الحجاج قَالَ: رأيت فِي عيني عَليّ أثر الكحل.
100- حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أَنْبَأَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا هِشَامٌ: عَنْ أَبِي الوضيء القيني [1] قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا يَخْطُبُنَا وَعَلَيْهِ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ- مُرْتَدِيًا بِهِ غَيْرَ مُلْتَحِفٍ- وَعِمَامَةٌ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى شَعْرِ صَدْرِهِ وَبَطْنِهِ.
101- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، حَدَّثَنَا وكيع، عَن أبي مكين، عَنْ (خالد) أَبِي أمية قَالَ: رأيت عليا وقد لحق إزاره بركبتيه.
102- حَدَّثَنَا عَمْرو، حَدَّثَنَا عبد الله بن نمير، عَنِ الأجلح عَن عبد الله بن أبي الهذيل قَالَ: رأيت عليا وَعَلَيْهِ قميص رازي إِذَا مد كمه بلغ الظفر، وَإِذَا أرخاه بلغ نصف الذراع [3] .
103- حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْن موسى [4] عَن عَليّ بْن صالح:
عَن عطاء أبي مُحَمَّد قَالَ: رأيت عَلى عَليّ قميصا كسكريا من هذه
__________
[1] كذا في النسخة، ورواه في الطبقات: ج 3/ 27 وقال أخبرنا يزيد بن هارون ... أخبرنا ابو الرضي القيسي ...
[2] ورواه أيضا في الحديث الأول من عنوان: «ذكر لباس علي عليه السلام» من الطبقات ج 3 ص 27 ط بيروت.
[3] ورواه أيضا ابن سعد، في عنوان: «ذكر لباس علي عليه السلام» من الطبقات ج 3/ 27 وقال: أخبرنا يعلي بن عبيد، وعبد الله بن نمير ...
[4] ورواه عنه أيضا ابن سعد في العنوان المتقدم الذكر من الطبقات: ج 3/ 29، وفيه:
رأيت عليا خرج من الباب الصغير فصلى ركعتين حين ارتفعت الشمس، وعليه قميص كرابيس كسكري فوق الكعبين ...(2/128)
الكرابيس فوق الكعبين كمه إلى الأصابع- أو أصل الأصابع- غير مغسول.
«104» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، حَدَّثَنَا أنس بن عياض أَبُو ضمرة حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن يَحْيَى عَنْ أَبِي العلاء مولى الأسلميين قَالَ: رأيت عليا يأتزر فوق السرة «105» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، [2] وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَليّ، قالا: حَدَّثَنَا وكيع عَن سفيان:
عَن عَمْرو بن قيس أَنَّهُ رأى عَلى عَليّ إزارا مرقوعا فقيل لَهُ فِيهِ فقال: [يخشع لَهُ القلب ويقتدي بِهِ المؤمن] .
«106» حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الْحُرُّ بْنُ جُرْمُوزٍ: عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا وَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْقَصْرِ وَعَلَيْهِ قِطْرِيَّتَانِ إِلَى نصف الساق، ورداء مشمر، ومعه دِرَّةٌ يَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ وَيَأْمُرُهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنِ الْبَيْعِ وَيَقُولُ: [أَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ. وَلا تنفخوا في اللحم [3]] .
__________
[1] ورواه أيضا في العنوان المشار إليه آنفا من الطبقات: ج 3 ص 28.
[2] ورواه أيضا في العنوان الذي أشير إليه من الطبقات: ج 3 ص 28، ورواه أيضا في الحديث: (16) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل- لأحمد- قال: حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبو عبد الله السلمي، قال: حدثنا إبراهيم بن عيينة، عن سفيان الثوري:
عن عمرو بن قيس قال: قيل لعلي عليه السلام: يا علي لم ترفع قميصك؟ قال: يخشع القلب، ويقتدي به المؤمن.
ورواه أيضا في كتاب الزهد، ص 131.
[3] ورواه ابن سعد في الطبقات: ج 3 ص 28 قال: أخبر الفضل بن دكين، قال: حدثنا الحر بن جرموز ... ورواه عنه في والحديث: (1242) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق، وفيهما: «أوفوا الكيل والميزان. ولا تنفخوا اللحم» .(2/129)
«107» حدثنا عمرو بن محمد، حدثنا أبو نعيم، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ (عَبْدِ اللَّهِ) الأَصَمُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مَوْلًى لِبَنِي الأَشْتَرِ النَّخَعِيَّ [1] قَالَ:
رَأَيْتُ عَلِيًّا وَأَنَا غُلامٌ فَقَالَ: أَتَعْرِفُنِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ/ 321/ أنت أمير المؤمنين (فتركني) ثم أتى آخر وقال (له) : أَتَعْرِفُنِي؟ فَقَالَ: لا.
فَاشْتَرَى مِنْه قَمِيصًا فَلَبِسَهُ فَمَدَّ الْقَمِيصَ فَإِذَا هُوَ مَعَ أَصَابِعِهِ، فَقَالَ لَهُ: كُفَّهُ فَلَمَّا كَفَّهُ لَبِسَهُ وَقَالَ: [الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ] .
«108» حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أبي سليمان الأودي:
عن أبي أمية (ظ) قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَتَى شط هذا الفيض (كذا) عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّهْبَاءِ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ قَدِ ائْتَزَرَ بِهِ، ورداء وعمامة وخفّين (كذا) فَنَزَلَ فَبَالَ وَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَخُفَّيْهِ [2] قَالَ:
فَإِذَا رَأْسُهُ مِثْلُ الرَّاحَةِ وَبَيْنَ أُذُنَيْهِ شعر مثل خط الإصبع.
__________
[1] كلمة: «لبني» غير واضحة في النسخة، والحديث رواه أيضا في ترجمة أمير المؤمنين من الطبقات الكبرى- لابن سعد-: ج 3 ص 28 ط بيروت قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: أخبرنا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَصَمُّ قَالَ: سَمِعْتُ فروخ مولى لبني الأشتر، قال: رأيت عليا في بني ديوار وأنا غلام فقال: أتعرفني؟ فقلت: نَعَمْ أَنْتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. ثُمَّ أَتَى آخَرُ فَقَالَ:
أَتَعْرِفُنِي؟ فَقَالَ: لا. فَاشْتَرَى مِنْه قَمِيصًا زابيا (كذا) فلبسه فمد كم الْقَمِيصَ فَإِذَا هُوَ مَعَ أَصَابِعِهِ فَقَالَ لَهُ: كفه، فلما كفه قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طالب.
ورواه عنه في الحديث: (1242) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق.
[2] إن صح هذا- وهيهات منها- فمحمول على ان خفيه لم يكونا مانعين من المسح على ظهر القدمين، وذلك لما استقر عليه مذهب أهل البيت عليهم السلام من وجوب المسح على ظهر القدم وعدم مشروعية غيره، كما هو المستفاد من الآية الكريمة: «يا أيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين» الآية السادسة من سورة المائدة، حيث انه قرأ قوله: «وارجلكم» بالجر والنصب، أما على الجر فوجوب المسح جلي لا يكاد يخفى على ذي شعور من أهل اللسان والعارف بالعربية، وأما على النصب فعلى انه عطف أيضا على قوله: «برؤسكم» ولوحظ إعرابه محلا حيث انه منصوب المحل بقوله: «امسحوا» فالثقلان الذان خلفهما رسول الله صلّى الله عليه واله وسلم في أمته وقال إن تمسكتم بها لن تضلوا- في قوله المتواتر بين المسلمين- يوجبان المسح، فمن ترك المسح وقال بغيره خالف الله ورسوله وطلب الهدى من حيث يأتي الضلال!!! ولله در ابن العباس حيث قال- على ما رواه في الحديث: (1180) من مسنده في مسند أحمد بن حنبل: ج 1/ 323 ط 1-: فاسألوا هؤلاء الذين يزعمون ان النبي صلى الله عليه مسح (أمسح) قبل نزول المائدة أو بعد المائدة؟ والله ما مسح بعد المائدة، ولأن أمسح على عابر بالفلات أحب إلى من أن أمسح عليهما؟!! وقريبا منه رواه عنه أيضا في الحديث (1667) من مسنده ص 366، ورواه أيضا عنه غيره، كالطبراني في مسند ابن عباس من المعجم الكبير: ج 3/ الورق 111، ولكن صحف الكاتب بعض كلماته فراجع. فمن أراد المزيد فعليه بمبحث الوضوء من فقه الإمامية أو الرجوع إلى تفسير التبيان أو مجمع البيان. أو المسائل الفقهية- لآية الله الشرف الدين العاملي- ص 69.(2/130)
«109» حَدَّثَنِي أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ «عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَامِرٍ:
عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: [أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ بَعْدَ نَبِيِّكُمْ؟ أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ؟] «110» حدثنا شيبان بن أبي شيبة الا بلي (كذا) حدثنا فزعة بن سويد الباهلي:
حدثنا مسلم صاحب الحنا، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ من أهل(2/131)
الْجَمَلِ أَتَى الْكُوفَةَ فَدَخَلَ بَيْتَ مَالِهَا فَأَضْرَطَ به [1] ثم قال: [يا مال غري غَيْرِي.] ثُمَّ قَسَّمَهُ بَيْنَنَا، ثُمَّ جَاءَتِ ابْنَةٌ لِلْحَسَنِ- أَوْ لِلْحُسَيْنِ- فَتَنَاوَلَتْ مِنْهُ شَيْئًا، فَسَعَى وَرَاءَهَا فَفَكَّ يَدَهَا وَنَزَعَهُ مِنْهَا، قَالَ: فَقُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ لَهَا فِيهِ حَقًّا!! قَالَ: إِذَا أَخَذَ أَبُوهَا حَقَّهُ فَلْيُعْطِهَا مَا شَاءَ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِسْمَتِهِ قَسَّمَ بَيْنَنَا حِبَالا جَاءَتْ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَأَبَيْنَا قَبْضَهَا فَأَكْرَهَنَا عَلَيْهَا، فَخَرَجَتْ كِتَّانًا جَيِّدًا فَتَنَافَسْنَا فِيهَا فَبَلَغَتْ دَرَاهِمَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ فَكَسَحَهُ وَنَضَحَهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ صَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَوَسَّدَ رِدَاءَهُ وَقَالَ: [يَنْبَغِي لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ لا يَأْتِي عَلَيْهِ يَوْمٌ- أَوْ جُمُعَةٌ- إِلا كَانَ هَكَذَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ قَدْ أَخَذَ كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ] .
«111» وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: اسْتَعْمَلَ عَلِيٌّ عَلَى بَيْتِ مَالِهِ حمله بْنَ حوية من ولد جدل الطِّعَانِ مِنْ كِنَانَةَ.
«112» وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ غَيْلانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:
شَهِدْتُ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَوَقَعَ بَيْنَهُمَا كَلامٌ شَدِيدٌ، حَتَّى رَفَعَ عُثْمَانُ عَلَى عَلِيٍّ الدِّرَّةَ، فَقُلْتُ لِعُثْمَانَ: عَلِيٌّ وَسَابِقَتُهُ وقرابته، ثم قلت:
__________
[1] هذا كناية عن عدم اعتنائه عليه السلام بما كان فيه وكونه حقيرا لديه صغيرا عنده لا شأن له ولا قدر.
وقال أحمد- في الحديث: - 5- من باب فضائل أمير المؤمنين من كتاب الفضائل-: حدثنا سريج بن يونس، قال: حدثنا هارون بن مسلم، عن أبيه مسلم بن هرمز، قال:
أعطى علي الناس في سنة ثلاث عطيات، ثم قدم عليه مال من إصبهان، فقال: هلموا إلى عطاء رابع فخذوا، ثم كنس بيت المال وصلى فيه ركعتين وقال: يا دنيا غري غيري. قال:
وقدم عليه حبال من أرض فقال: أيش هذا؟ (أي أي شيء هذا؟) قالوا: حبال جيء بها من أرض كذا وكذا. قال: أعطوها الناس، قال: فأخذ بعضهم وترك بعض، فنظروا فإذا هو كتان يعمل، فبلغ الحبل (منه) آخر النهار دراهم.(2/132)
يا أبا الحسن أمير المؤمنين، فلم أزل بِهِ حَتَّى سَكَنَ وَصَلُحَ الَّذِي بَيْنَهُمَا وَجَلَسَا يَتَحَدَّثَانِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ.
«113» وَحُدِّثْتُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه:
أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ لَمَّا قَدِمَ الْبَصْرَةَ بَعَثَ إِلَيَّ وَإِلَى نَفَرٍ، وَدَخَلَ بَيْتَ الْمَالِ فَإِذَا هُوَ بِصَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ، فَقَرَأَ «وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ» (20/ الفتح 48) وَقَالَ: فَهَذِهِ لَنَا، وَهَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ [1] .
(قال أبو الأسود:) ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ دَخَلَ بَيْتَ الْمَالِ فإذا صفراء وبيضاء فأصر مَا بِهَا [2] [وَقَالَ غُرِّي غَيْرِي غُرِّي غَيْرِي] .
«114» حدثني الحسين بن علي بْنُ الأسْوَدِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ الثَّقَفِيِّ:
أَخْبَرَنِي أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا دَخَلَ بَيْتَ الْمَالِ فَرَأَى فِيهِ مَالا فَقَالَ: هذا ههنا وَالنَّاسُ يَحْتَاجُونَ؟ فَأَمَرَ بِهِ فَقُسِّمَ بَيْنَ النَّاسِ، فَأَمَرَ بِالْبَيْتِ فَكُنِسَ فَنُضِحَ وَصَلَّى فِيهِ.
«115» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ وَعُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قالا: حدثنا
__________
[1] لله دره لو صدقته الأماني الكاذبة؟!
[2] كذا في النسخة، والظاهر انه عين اللفظ المتقدم: «فأضرط بها» عبر به الراوي على مقتضى طبيعة سواد الناس حيث انهم يضرطون لما لا يبالون به ولا وقع له عندهم، والكلام كناية عن كون المال موهونا عند امير المؤمنين غير موقر عنده ولا مقدر لديه، ولم يرد به المعنى المطابقي حاش امير المؤمنين من عمل الأجلاف.(2/133)
أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلِيفَةَ البكراوي، عن أبيه، عن عبد الرحمان:
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي عَلِيٌّ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ دَخَلَهُ فَقَالَ:
خُذْ خُذْ. فَقَسَّمَ مَا فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَبَقِيَ مُطْرَفٌ فَقَالَ: [انْظُرُوا لِي رَجُلا:
مُحْتَاجًا أُعْطِيهِ هَذَا الْمُطْرَفَ.] فَقُلْتُ/ 322/ فُلانٌ رَجُلٌ مِنْ مَوَالِي بَنِي عِجْلٍ، 4/ 372 فَأَرْسَلَنِي بِهِ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ يَعْرِفُنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقُلْتُ: ذَكَرْتُكَ لَهُ. فَقَالَ: جَزَى اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ خَيْرًا، فَقَدْ وَافَقَ مِنِّي حَاجَةً. فَبَاعَهُ بِمَالٍ سَمَّاهُ، وَصَلَّى عَلِيٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَأَمَرَ بِهِ فَكُنِسَ وَقَالَ: [الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَنِي مِنْهُ كَمَا دَخَلْتُهُ] .
«116» وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ المجالد، عَنْ أَبِيهِ:
عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا مَرَّ عَلَى قَذَرٍ بِمَزْبَلَةٍ فَقَالَ: [هَذَا مَا بَخِلَ بِهِ الْبَاخِلُونَ [1]] .
«117» وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنِي مُعَاذُ بْنُ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ:
سَمِعْتُ عَلِيًّا وَصَعِدَ المنبر (ظ) يَقُولُ: [مَا أَصَبْتُ مِنْ عَمَلِي شَيْئًا سِوَى هذه المقويريرة [2] أهداها إلى دهقان.] نَزَلَ إِلَى بَيْتِ الطَّعَامِ فَقَالَ: خُذْ خُذْ. ثم قال:
__________
[1] ورواه أيضا في المختار: (195) من قصار النهج فقال: وروي في خبر آخر انه قال:
«هذا ما كنتم تتنافسون فيه بالأمس» !!!
[2] كذا في النسخة، ولعل الصواب «القويريرة» قال في مادة «قرر» من النهاية: وفي حديث علي: «ما اصبت منذ وليت عملي إلا هذه القويريرة، أهداها إلي الدهقان» . هي تصغير قارورة، وهي وعاء يجعل فيه المائعات، وقال الأصمعي: يريد قارورة الغالية.
اقول: والكلام مصادر، فذكره السيد الرضي (ره) بمغايرة طفيفة في الخصائص، ص 54، ورواه أيضا في ترجمة الأصمعي من نور القبس ص 168، ورواه أيضا ابو نعيم في ترجمة امير المؤمنين من حلية الأولياء: ج 1، ص 81، ورواه أيضا في مادة «قرن» من الفائق.
ورواه أيضا في الحديث: (1227) وتواليه من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق، ورواه أيضا في باب فضائله من كنز العمال: ج 15/ 148/ ط 2 تحت الرقم: (425) نقلا عن عبد الرزاق في الجامع، وأبي عبيد في الأموال، ومسدد، والحاكم في الكنى وابن الأنباري في المصاحف وأبي نعيم في الحلية. وكلهم انهوا الكلام إلى قوله: «دهقان» .(2/134)
أفلح من كانث لَهُ قَوْصَرَّةٌ ... يَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً
«118» حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسماعيل، حدثنا سكين ابن عبد العزيز، عن جعفر بْنِ خَالِدٍ، عَنْ جَابِرٍ:
عَنْ أَبِيهِ جَابِرٍ (كذا) قال: أنا شاهد عليا والأموال تأتيه فيضرط بِهَا وَيَقُولُ: [غُرِّي غَيْرِي غُرِّي غَيْرِي. وَقَالَ:
هَذَا جَنَايَ وَخِيَارُهُ فِيهِ ... وَكُلُّ جَانٍ يَدَهُ إِلَى فِيهِ
] «119» حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ:
عَنْ عَمْرِو بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ وَقَسَّمَ شَيْئًا جَاءَهُ مِنَ السَّوَادِ فَقَالَ: [هَذَا جَنَايَ وَخِيَارُهُ فِيهِ: إِذْ كُلُّ جَانٍ يَدُهُ إِلَى فِيهِ] 120- 121- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: مِمَّا عَلِمْنَا مِنْ كَلامِ عَلِيٍّ قَوْلِهِ: [إِنَّ الْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الأَبْدَانُ فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ الْحِكْمَةِ] .
وَقَوْلُهُ: [لَمْ يَذْهَبْ مِنْ مَالِكَ مَا وَعَظَكَ] .
«122» حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنَا مُؤَمِّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،(2/135)
عن سعيد، عن عبيد (ظ) عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ: الْحَكَمُ قَالَ:
شَهِدْتُ عَلِيًّا وَأُتِيَ بِزِقَاقٍ مِنْ عَسَلٍ، فدعا اليتامى وقال: ذبوا وَالْعَقُوا [1] حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي يَتِيمٌ فَقَسَّمَهُ بَيْنَ النَّاسِ وَبَقِيَ مِنْهُ زِقًّا فَأَمَرَ أَنْ يُسْقَاهُ أهل المسجد.
قال: وَشَهِدْتُهُ وَأَتَاهُ رُمَّانٌ فَقَسَّمَهُ بَيْنَ النَّاسِ فَأَصَابَ (أهل) مسجدنا عشر رمانات.
«123» حدثني عمرو بْنُ شَبَّةَ [2] حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ أَبُو عَاصِمٍ:
حَدَّثَنَا سِنَانٌ أَبُو عَائِشَةَ قَالَ: كُنْتُ أَرَى عَلِيًّا يُقَسِّمُ هَذَانِ الدَّنَّانَ الصِّغَارَ مِنْ هَذَا الطِّلاءِ بَيْنَ أَهْلِ الكوفة قال: وَهُوَ خَاثِرٌ كَأَنَّهُ عَسَلٌ [3] .
«124» حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيُّ، عَنْ علي ابن مُسْهِرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ:
عَنْ أبي جحيفه (ظ) قال: قسم على عسلا بين الناس بفجن [4] فَبَعَثَ إِلَيْنَا بَدَنَ طِلاءٍ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا كَانَ؟ قَالَ كُنَّا نَأْتَدِمُ بِهِ وَنَخْتَاضُهُ بِالْمَاءِ [5] .
__________
[1] كذا في الأصل ولعل الصواب: «ذوقوا والعقوا» .
[2] ومثله في كثير مما قبله، وفي بعض الموارد: «عمر بن شبه» . وهو الصواب.
[3] الطلاء- بكسر الطاء-: ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه. وقوله:
«خاثر» اي غليظ ثخين.
[4] كلمة: «بفجر» رسم خطها غير مبين وكتبناها على الظن.
[5] نأتدم به اي نجعله إداما، وهو ما يؤكل مع الخبز كي يشهيه ويطيبه ويجعله مريئا.
و «نختاضه» : نخلطه.(2/136)
«125» حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الطَّائِيِّ.
عَنِ الْحَكَمِ أَنَّ عَلِيًّا قَسَّمَ فِيهِمُ الرُّمَّانَ حَتَّى أَصَابَ مَسْجِدَهُمْ سَبْعُ رُمَّانَاتٍ، وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ يأتينا أشياء نستكثرها إذا رأينا (ها) وَنَسْتَقِلُّهَا إِذَا قَسَّمْنَاهَا وَإِنَّا قَدْ قَسَّمْنَا كُلَّ شَيْءٍ أَتَانَا. قَالَ: وَأَتَتْهُ صَفَائِحُ فِضَّةٍ فَكَسَرَهَا وَقَسَّمَهَا بَيْنَنَا.
«126» حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النبيل، حدثنا خارجة (ظ) بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
كَانَ (عَلِيٌّ) يقسم بيننا كل شيء حتى (كان) يقسم العطور (ظ) بَيْنَ نِسَائِنَا.
«127» حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، أَنْبَأَنَا عُمَارَةُ [1] الْمُقْعَدُ:
عَنْ أُمِّ الْعَلاءِ قَالَتْ: قَسَمَ عَلِيٌّ فِينَا وَرْسًا وَزَعْفَرَانًا.
«128» حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنَا أبو الوليد الطيالسي، حدثنا يعلى ابن الحرث، حدثنا الربيع بن زياد:
عن الحرث قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ وَهُوَ يَخْطُبُ: [قَدْ أمرنا لنساء المهاجرين بورس وإبر] .
قال (الحرث) : فَأَمَّا الإِبَرُ فَأَخَذَهَا مِنْ نَاسٍ مِنَ الْيَهُودِ، مِمَّا عَلَيْهِمْ مِنَ الْجِزْيَةِ.
«129» حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ وَغَيْرُهُ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ
__________
[1] كلمة: «أنبأنا» غير واضحة بحسب رسم الخط.(2/137)
ابن دكين، حدثنا فطر بن خليفة، عن حكيم بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ:
سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: [أُمِرْتُ بِقِتَالِ الناكثين (وو القاسطين وَالْمَارِقِينَ) [1] .] وَحُدِّثْتُ أَنَّ أَبَا نُعَيْمٍ قَالَ لَنَا: النَّاكِثُونَ أَهْلُ الْجَمَلِ، وَالْقَاسِطُونَ أَصْحَابُ صِفِّينَ وَالْمَارِقُونَ أَصْحَابُ النَّهْرِ.
«130» حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حدثنا أبو نعيم، حدثنا إسحاق ابن سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ ابن أَبِي رَبِيعَةَ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا الحرث أَلا تُخْبِرُنِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؟ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ يَا بُنَيَّ إِنِّي بِهِ لخبير. قلت: وما خبرتك [2] ؟
__________
[1] بين المعقوفين قد سقط من الأصل ولا بد منه كما يستفاد جليا مما بعده، وكما رواه بسندين آخرين في ترجمة امير المؤمنين من مستدرك الحاكم: ج 3 ص 139، وكما رواه أيضا بأسانيد في الحديث: (1021) وتوالية من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق، وله مصادر وأسانيد اخر.
وما رواه عن أبي نعيم من تفسير الحديث هو التفسير الذي ورد عن رسول الله وامير المؤمنين وكثير من الصحابة فارجع إلى ما رواه في الموضوع في تاريخ دمشق من ترجمة امير المؤمنين ومستدرك الحاكم وغيرهما تجد الفرق الثلاثة موصوفا على لسان رسول الله كما ذكره ابو نعيم.
[2] وقال في الحديث: (99) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل- لأحمد- عن سعيد بن عمرو القرشي، عن عبد الله بن عياش الزرقي، قال: قلت: له: أخبرنا عن هذا الرجل علي بن أبي طالب. قال: إن لنا اخطارا وأحسابا، ونحن نكره ان نقول فيه ما يقول بنو عمنا. قال: كان على رجلا تلعابة- يعني مزاحا- قال: وإذا فزع فزع إلى ضرس حديد.
قال: قلت ما ضرس حديد؟ قال: قراءة القرآن، وفقه في الدين وشجاعة وسماحة.
اقول: اما ما في ذيل الكلام فلا شبهة ان امير المؤمنين كان موصوفا به على اكمل ما يمكن، وان اكثر الصحابة كانوا فاقدين لها، وبعضهم كان واجدا لبعضها، واما ما ذكره في صدر الكلام فسيرة امير المؤمنين قولا وعملا تكذبه، اما قوله فيكفيك ما ذكره البلاذري تحت: 145، و 153، من هذه الترجمة- وذكره أيضا جماعة آخرين- واما سيرته عليه السلام فتصفح عنها من طرق الثقات فإن وجدت نسبة مزاحه عليه السلام بالنسبة الى مزاح غيره كنسبة الواحد الى الألف، فعمرو بن العاص ومن على رايه يكونوا من الصادقين!! والله يعلم- وكذا جميع من شاهد امير المؤمنين ومن مارس سيرته بتعمق وتدقيق- ان القوم كاذبين في نسبة هذا المعنى اليه عليه السلام، وهم أيضا يعلمون انهم هم الكاذبون؟! ولكن لن يجدوا لدفع دعاوي امير المؤمنين- من مظلوميته وانه هو وصي رسول الله والمترشح من الله ورسوله للخلافة- مدفعا احسن مما خرقوا له وبهتوه به، وسيعلم الكاذبين لمن عقبى الدار!!! وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون؟!!(2/138)
قَالَ كَانَ رَجُلا تِلْعَابَةً [1] وَكَانَ إِذَا شَاءَ أن يقطع فعل (كان) له ضرس قاطع [2] .
قُلْتُ: وَمَا ضِرْسُهُ الْقَاطِعُ؟ قَالَ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَعِلْمٌ بِالْقَضَاءِ وَبَأْسٌ وَجُودٌ.
«131» حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي عَوْفٍ أَبِي الْجَحَّافِ [3] .
عَنْ رَجُلٍ مِنْ خَثْعَمٍ قَالَ: رَأَيْتُ الْحَسَنَ والحسين عليهما السلام يأكلون خُبْزًا وَخَلا وَبَقْلا، فَقُلْتُ: أَتَأْكُلانِ هَذَا وَفِي الرَّحْبَةِ مَا فِيهَا؟ فَقَالا:
مَا أَغْفَلَكَ عَنْ أمير المؤمنين [4] .
__________
[1] وقد سبقه في هذا القول ابن النابغة ومن على شاكلته!!!
[2] هذا هو الظاهر، وفي النسخة هكذا: «وكان إذا شاء ان يقطع له خبر بين قاطع فعل» . وقريبا مما هنا، ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب: ج 7/ 338 والطبرى في ذخائر العقبى ص 79.
[3] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «عن أبي الجعاف» .
[4] وقال احمد بن حنبل- في الحديث: (24) من باب فضائل امير المؤمنين من كتاب الفضائل-: عن أبي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ:
عن أبي صالح قال: دخلت على أم كلثوم بنت علي عليه السلام فإذا هي تمتشط في ستر بيني وبينها، فجاء حسن وحسين، فدخلا عليها وهي جالسة تمتشط، فقالا: الا تطعمون أبا صالح شيئا؟ قال: فأخرجوا إلي قصعة فيها مرق بحبوب!!! قال: فقلت: تطعموني هذا وأنتم الأمراء؟!! فقالت أم كلثوم: يا (أ) با صالح كيف لو رأيت أمير المؤمنين- تعني عليا عليه السلام- أتي بأترج فذهب حسن يأخذ منه اترجة فنزعها من يده، ثم امر به فقسم بين الناس.
وقريبا منه رواه مرسلا القاضي عبد الجبار في القسم الثاني من المجلد العشرين من المغني:
ج 20/ 141.(2/139)
«132» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَنْبَأَنَا أَيُّوبَ بْنِ دِينَارٍ الْمُكْتِبُ:
عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى عَلِيًّا يَمْشِي فِي السُّوقِ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ إِلَى نِصْفِ سَاقِهِ وَبُرْدُهُ عَلَى ظَهْرِهِ.
«133» حَدَّثَنَا أَحْمَد بن إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيّ، عَن أبي نعيم عن عبد الجبار ابن المغيرة الأزدي قال:
حدثني أم كثِير أنها رأت عليا ومعه مخفقة وَعَلَيْهِ رداء سنبلاني وقميص كرابيس وإزار كرابيس هما إلى نصف ساقه.
«134» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ:
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ يَطُوفُ فِي السُّوقِ وَمَعَهُ دِرَّةٌ، فَأُتِيَ لَهُ بِقَمِيصٍ سُنْبُلانِيٍّ فَلَبِسَهُ فَخَرَجَ كُمَّاهُ عَنْ أَصَابِعِهِ فَأَمَرَ بِهِمَا فَقُطِعَا حَتَّى اسْتَوَيَا بِأَصَابِعِهِ، ثُمَّ أَخَذَ دِرَّتَهُ وَجَعَلَ يَطُوفُ.
قَالَ: وَقَالَ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ: وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: أَنَّهُ اشْتَرَى قَمِيصًا بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ سُنْبُلانِيًّا، فَفَضَلَ عَنْ أَصَابِعِهِ فَقَطَعَهُ.(2/140)
«136» حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ جَنَّادٍ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ وَاصِلٍ، عن أبي إسحاق:
عن الحرث قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيٍّ فَأَتَتْهُ امْرَأَتَانِ فَقَالَتَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (إِنَّنَا) فَقِيرَتَانِ مِسْكِينَتَانِ. فَقَالَ: [قَدْ وَجَبَ حَقُّكُمَا عَلَيْنَا وَعَلَى كُلِّ ذِي سَعَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِنْ كُنْتُمَا صَادِقَتَيْنِ؟!! ثُمَّ أمر رجلا فقال: انطلق بهما (ظ) إِلَى سُوقِنَا فَاشْتَرِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كُرًّا من طعام [1] وثلاثة أثواب- فذكر رداء وخمارا وَإِزَارًا- وَأَعْطِ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِنْ عَطَائِي مِائَةَ دِرْهَمٍ!!!] فَلَمَّا وَلَّتَا سَفَرَتْ إِحْدَاهُمَا وَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَضِّلْنِي بِمَا فَضَّلَكَ اللَّهُ بِهِ وَشَرَّفَكَ. قَالَ: وَبِمَاذَا فَضَّلَنِي اللَّهُ وَشَرَّفَنِي؟
قَالَتْ: بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: صدقت وما أنت؟
قالت: (أَنَا) امْرَأَةٌ مِنَ الْعَرَبِ وَهَذِهِ مِنَ الْمَوَالِي!!! قال (الحرث) ، فتناول (أمير المؤمنين عليه السّلام) شَيْئًا مِنَ الأَرْضِ ثُمَّ قَالَ: قَدْ قَرَأْتُ ما بين اللوحين فَمَا رَأَيْتُ لِوَلَدِ إِسْمَاعِيلَ عَلَى وَلَدِ إِسْحَاقَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ فَضْلا وَلا جَنَاحَ بَعُوضَةٍ.
«137» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَرْقَمَ، عَنِ ابْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ:
خَرَجَ عَلِيٌّ وَمَعَهُ الدِّرَّةَ وَالنَّاسُ عُكُوفٌ عَلَى بَابِ الْقَصْرِ فَضَرَبَهُمْ بِالدِّرَّةِ حَتَّى أَفْرَجُوا لَهُ عَنِّي وَأَنَا جَالِسٌ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ!! قُلْتُ/ 324/ وعليك
__________
[1] الكر- بالضم-: مكيال لأهل العراق. وستة اوقار حمار، وهو عند اهل العراق ستون قفيزا، (و) القفيز: ثمان مكاكيك، والمكوك صاع ونصف وهو ثلاث كيلجات.
قال الأزهري: والكر من هذا الحساب اثنا عشر وسقا، كل وسق ستون صاعا أو أربعون اردبا بحساب اهل مصر.(2/141)
السَّلامُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: [مَا فِي هؤلاء (من) خَيْرٌ، كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ الأُمَرَاءَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ فَإِذَا النَّاسُ يَظْلِمُونَ الأُمَرَاءَ] [1] .
«138» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَكْتُومِ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ لَنَا قَالَ:
رَأَيْتُ عَلِيًّا يَمْشِي بِالْكُوفَةِ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ، ضخم البطن أصلع ذات عضلات ذَا مَنَاكِبَ أَشْعَرَ، فِي أُذُنَيْهِ شَعْرٌ وَالنَّاسُ حَوْلَهُ وَأَنَا غُلامٌ أَشْتَدُّ بِجَانِبَيْهِ إِذْ جَاءَ غُلامٌ فَلَطَمَنِي فَأَسِفْتُ [2] فَلَطَمْتُهُ فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السّلام: [حرّا انتصر] .
«139» المدائني عن ابن حزي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ:
عَنْ عَمْرٍو الأَصَمِّ قَالَ: قُلْتُ، لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: إِنَّ أُنَاسًا مِنَ الشِّيعَةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا دَابَّةُ الأَرْضِ، وَأَنَّ اللَّهُ بَاعِثُهُ إِلَى الدُّنْيَا. فَقَالَ: [كذبوا ليس أولئك بشيعة، أُولَئِكَ أَعْدَاؤُهُ، لَوْ عَلِمْنَا ذَلِكَ مَا قَسَّمْنَا مِيرَاثَهُ وَلا أَنْكَحْنَا نِسَاءَهُ] [3] .
«140» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الأَصَمِّ بِمِثْلِهِ.
«141» الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ أَبَانٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِ طَائِرٌ فَقَالَ: [يَا رَبِّ ائْتِنِي بِأَحَبِّ الْخَلْقِ إِلَيَّ يأكل منه.
(قال أنس:) فجاء علي فأكل معه] [4] .
__________
[1] وفي المختار: (95) من النهج: «ولقد اصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها، واصبحت أخاف ظلم رعيتي» .
[2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «فاعلمني» . وقوله: «فأسفت» : فغضبت. كما في قوله تعالى: «فلما اسفونا انتقمنا» . وقريبا منه رواه في الحديث: «52» من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق ولكن قال: في قصر المدائن.
[3] وذكره أيضا في الحديث: (1506) من تاريخ دمشق: ج 38 ص 112، بأسانيد.
[4] ورواه في الحديث: (607- 633) من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 16، عن انس بمتن اصوب مما هنا.
وقال ابو يعلى الموصلي- في مسنده الورق 187/ ب-: حدثنا مسهر بن عبد الملك بن سلع- ثقة- حدثنا عيسى بن عمر، عن اسماعيل السدي، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عنده طائر، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك بأكل معي من هذا الطير فجاء ابو بكر فرده، تم جاء عمر فرده، ثم جاء علي فأذن له.
ورواه بسندين اخرين في المستدرك: ج 3/ 130، وقال: وقد رواه عن انس جماعة من اصحابه زيادة على ثلاثين نفسا، تم صحت الرواية عن علي وأبي سعيد الخدري وسفينة.
أقول: وهذا الحديث له طرق كثيرة جدا قلما يوجد مثله في الأخبار مع الدواعي الكثيرة على اخفائه واعدامه، وقد افرده جماعة بالتأليف وإليك بعض من عثرنا عليهم:
1- منهم الطبري. 2- ومنهم ابن مردويه الحافظ. 3- ومنهم ابو طاهر محمد بن احمد ابن حمدان، قال ابن كثير في البداية والنهاية: ج 7 ص 350 ط 1: وهذا الحديث قد صنف الناس فيه، وله طرق متعددة- وساق الكلام في ذكر بعض طرقه الى ان قال: - وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنفات مفردة، منهم ابو بكر بن مردويه الحافظ، وابو محمد بن احمد بن حمدان فيما رواه الذهبي (في ترجمة الرجل من تذكرة الحفاظ: ج 3/ 1112) وذكره أيضا السيوطي في طبقاته. ورايت مجلدا في جمع طرقه وألفاظه لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري المفسر صاحب التاريخ. وأيضا ذكر ابن تيمية في منهاجه وابن حجر في اللسان وابن حجر المكي في منح المكية بان ابن مردويه افرد حديث الطير بالتأليف.
الرابع ممن افرد الحديث الشريف بالتصنيف الحافظ الكبير ابو العباس احمد بن محمد بن سعيد ذكره عنه الحافظ السروي في كتاب المناقب.
الخامس محمد بن عبد الله الحافظ الحاكم صاحب المستدرك كما ذكره السبكي في ترجمته من الطبقات الشافعية: ج 4/ 165، ط 2، وذكره أيضا الكنجي في كفاية الطالب ص وابن تيمية في منهاجه وابن حجر في اللسان.
السادس احمد بن عبد الله أبو نعيم الاصبهانى كما ذكره ابن تيمية في منهاجه.
السابع شمس الدين محمد بن احمد الذهبي، قال في ترجمة الحاكم من تذكرة الحفاظ: ج 3/ 1043:
واما حديث الطير فله طرق كثيرة جدا، قد أفردتها بمصنف، ومجموعها هو يوجب ان يكون له اصل.
وقال في تاريخ الاسلام: ج 3/ 197: ولحديث الطير طرق كثيرة عن انس متكلم فيها وبعضها على شرط السنن ومن أجودها حديث قطن بن نسير- شيخ مسلم- (قال) : حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا عبد الله بن المثنى، عن عبد الله بن انس بن مالك.
اقول: وهذا الحديث رواه أيضا ابن المغازلي في الحديث (205) من كتاب المناقب.
ورواه أيضا ابن عساكر في الحديث- 6- من طرق حديث الطير عن أبي يعلى، كما رواه أيضا عن أبي يعلى حرفيا، في البداية والنهاية: ج 7/ 350.
ثم ان جل ما ذكرناه هنا مأخوذ من الفائدة الثالثة من حديث الطير من عبقات الأنوار، ص 46 ط 1، غير ان بعض مصادره كان عندي فراجعته واثبت رقم صفحاته.
ثم ان جميع ما ذكرناه هنا من تأليفات الحفاظ مما قد اخفوه او اتلفوه، ولكن كفى الله المؤمنين القتال بما رواه ابن عساكر في ترجمة امير المؤمنين من الحديث: (604- 638) وبما ذكره ابن المغازلي في الحديث (188- 212) من مناقبه وبما رواه في الباب (11) من غاية المرام ص 471، وبما ذكره في البداية والنهاية: ج 7/ 350- 353.(2/142)
«142» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سُحَيْمِ بْنِ حَفْصٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَعَزَّنَا بِدِينِهِ، وَأَكْرَمَنَا بِنَبِيِّهِ، فَأَنَّى تَصْرِفُونَ الأَمْرَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بني مخزوم.. يا بن سُمَيَّةَ وَمَا أَنْتَ وَإِمْرَةُ قُرَيْشٍ؟! فَقَالَ سَعْدٌ: افرغ يا عبد الرحمان بْنَ عَوْفٍ قَبْلَ أَنْ يَنْتَشِرَ أَمْرُ النَّاسِ [1] .
«143» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ أَبِي حرب، عن أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ [2] عَنْ زَيْدِ بْنِ أرقم قال: آخى رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَقَالَ
__________
[1] هذا مما شجر بينهم في يوم الشورى.
[2] كذا في النسخة، والصواب: «عَنْ أَبِي حَرْبٍ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ ابيه» والحديث قد تقدم بطرق آخر، تحت الرقم (16) وما بعدها من هذه الترجمة، ورواه ابن عساكر في الحديث: (428) وما حوله من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق.(2/144)
عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آخَيْتَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ وَتَرَكْتَنِي؟ فَقَالَ: [أَنْتَ أَخِي أَمَا تَرْضَى أَنْ تدعى إذا دعيت، وتكسى إِذَا كُسِيتُ وَتَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِذَا دَخَلْتُ؟. قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ] .
«143» الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ عليا لما بنى بفاطمة عليها السَّلامُ أَتَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: [أَيْنَ أَخِي؟ فَقَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ: أَتُزَوِّجُ أخاك ابنتك؟ فدعا لهما (بخير) [1]] .
«144» المدائني عن يونس بن أرقم، عن ابن أَبِي يَعْفُورٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ: رَفَعَ عَلِيٌّ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ خَفَضَهُ وَقَالَ: [صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.] فَقَالَ يوم [2] مَا هَذَا؟ قَالَ: [إِنِّي رَجُلٌ مُحَارِبٌ وَالْحَرْبُ خدعة ولأن أقع من السماء فيخطفني الطَّيْرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سمعتموني أروي شيئا (ظ) فَخُذُوا بِهِ] .
«145» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَكْتُومٍ قَالَ: قَالَ علي (عليه السّلام) :
[زَعَمَ ابْنُ النَّابِغَةِ أَنِّي تِلْعَابَةٌ أُعَافِسُ وَأُمَارِسُ [3] ، إنه يمنعني من ذلك ذِكْرِ الْمَوْتِ وَالْحِسَابِ، وَإِنَّهُ لَيَعِدُ فَيُخْلِفَ، وَيَحْلِفُ فيحنث، ويؤتمن فيخون، ويقول فيكذب [4]] .
__________
[1] وقريب منه بسند آخر، في الحديث: (307) من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 37، وللحديث طرق ومصادر، ومتن اطول من هذا، وقد ذكره عبد الرزاق في كتاب المغازي من المصنف: ج 5 ص 485 وابن سعد في ترجمة فاطمة صلوات عليها من الطبقات: ج 8 ص 23 ط بيروت.
[2] كذا في النسخة، والصواب: «فقال: قوم» .
[3] أعافس: أعالج النساء. وتلعابة: كثير اللعب. وأمارس: أزاول.
[4] ويجيء أيضا تحت الرقم: «153» .(2/145)
«146» وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ الطَّحَّانُ، عَنْ أَبِي هِلالٍ الرَّاسِبِيِّ، عَنْ أَبِي فَاطِمَةَ:
عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَلِيًّا عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ:
[أَنَا الصِّدِّيقُ الأَكْبَرُ، آمَنْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤْمِنَ أَبُو بَكْرٍ، وَأَسْلَمْتُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ [1]] .
«147» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ:
عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَنْ آذَى عليا فقد آذاني [2]] .
__________
[1] ورواه أيضا في الحديث: «88» من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق:
ج 47 ص 26. ورواه أيضا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل المتوفي سنة 287 في كتاب الآحاد والمثاني الورق 86/ أ. ورواه أيضا العقيلي في ترجمة سليمان بن عبد الله من كتاب الضعفاء الورق 81، وكذلك البخاري ذكره إشارة في ترجمة الرجل، وكذلك ابن عدي في ترجمة الرجل من كتاب الكامل: ج 2/ الورق 4، ورواه أيضا الدولابي في عنوان: «من كنيته أبو فاطمة» من كتاب الكنى والأسماء: ج 2 ص 81، ورواه أيضا في الباب الثاني من كتاب الإرشاد، ص 21 وذكره أيضا ابن قتيبة في عنوان: «اسلام أبي بكر» من كتاب المعارف ص 169، ط مصر. وجلها ذكرناه حرفيا في تعليق الحديث: «88» من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق.
[2] ورواه بطرق وأسانيد آخر، في الحديث: (487) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 4، وكذلك في: الحديث (745) وتواليه من تفسير الآية:
(131) من شواهد التنزيل الورق 136، وذكر عن طريق أم سلمة وجابر، وزيد الشهيد ثلاثة أحاديث بنصها، وقال: و (ورد أيضا) في الباب عن عمر، وسعد، وعمرو بن شاس، وأبي هريرة، وابن عباس وأبي سعيد الخدري والمسور بن مخرمة.(2/146)
«148» حَدَّثَنَا أَحْمَد بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيّ، حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّهِ بن عَمْرو المنقري، حَدَّثَنَا عبد الوارث، عَن مُحَمَّد بن ذَكْوَان، عَن مجالد بن سعيد:
عَن عَامِر الشَّعْبِيّ قَالَ: قدمنا عَلَى الحجاج البصرة، وقدم عَلَيْهِ قراء أهل المدينة فدخلنا عَلَيْهِ فِي يَوْم صائف شديد الحر، فقال للحسن: مرحبا بأبي سعيد، إلي [1]- وذكر كلاما- قَالَ: ثُمَّ ذكر الحجاج عليا فنال مِنْه، وقلنا قولا مقاربا لَهُ/ 325/ فرقا من شره، والحسن ساكت عاضٌّ عَلَى إبهامه، فَقَالَ: يا أبا سعد (كذا) ما لي أراك ساكتًا؟ فَقَالَ: ما عسيت أن أقول.
قَالَ: أَخْبَرَنِي برأيك فِي أبي تراب. قَالَ: أفي علي؟ (كذا) سَمِعْتُ اللَّه يَقُولُ: «وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ، وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ» . (143/
البقرة) فعليٌّ ممن هدى اللَّه ومن أهل الْإِيمَان، وأقول: إنه ابْن عم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وختنه عَلَى ابنته وأحب النَّاس إِلَيْهِ، وصاحب سوابق مباركات سبقت لَهُ من الله (ما) لا يستطيع أنت ولا احد من الناس ان يحصرها عنه [2] ولا يحول بينها وبينه، ونقول: إنه إن كانت لعلي ذنوب فالله حسيبه، والله ما أجد قولا أعدل فِيهِ من هَذَا القول.
(قَالَ الشعبي) فبسر الحجاج وجهه [3] وقام عن السرير مغضبا- قال: - وخرجنا.
__________
[1] أي تقدم إلي او اجلس إلي.
[2] كلمة: «أن يحصرها» غير واضحة في النسخة.
[3] كلمة: «فبسر» رسم خطه غير واضح، ثم إن هذا الحديث- كالحديث التالي- يدل على حسن حال حسن البصري حيث واجه أخبث الأولين والآخرين- باعتراف أوليائه- بالقول الحق، مع أنه لم يسلم من سوطه وسيفه بر ولا فاجر، وكان يضرب به المثل في الفتك بأولياء أمير المؤمنين ومن يحم حول مناقبه وفضائله فمن جاهر بمحضر شخص مثل هذا الشقي بمناقب أمير المؤمنين وفضائله فهو من المتقين، وعليه اعتماد الشريف المرتضى (ره) في أماليه.
ومثل الحديث المذكور في المتن ما رواه في كتاب الأوائل ص 5 قال: أخبرنا أبو أحمد، قال: أخبرنا الجوهري، عن أبي مرثد، عن يوسف بن موسى القطان عن حكام بن سلم:
عن أبي درهم: ان الحجاج بعث إلى الحسن، فلما حضر قال له يزيد بن مسلم: إن الأمير يريد أن يدفع إلى التجار ألف درهم على أن يردوا عليه عند الحول «ده دوازده» قال فما ترى؟
قال ذا كم محض الربا، قال: لا تفسد على الأمير عمله قال: إن الله لم يجعل هذا الدين هوى للملوك واتباعا (لهم) !!! قال فاستوى الحجاج فقال: ما تقول في أبي تراب؟ قال (الحسن: و) من أبو تراب؟ قال: ابن أبي طالب، قال: أقول: إن الله جعله من المهتدين. قال: هات برهانا! قال: قال الله تعالى: «وما جعلنا القبلة التي كنت عليها- (وساق الآية) إلى قولُه-: وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الذين هداه الله» (143/ البقره) فكان على أول من هدى الله مع النبي صلى الله عليه!! قال (الحجاج) رأي عراقي!! قال (الحسن) : هو ما تسمع.
ثم خرج.
قال المحمودي والمستفاد من كلام الحجاج- خذ له الله- ان العراقيين جميعا كانوا يرون أن أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام أول من آمن بالله ورسوله والأمر كذلك.(2/147)
«149» الْمَدَائِنيّ، عَن النضر بن إِسْحَاقَ الهذلي أن الحجاج سأل الحسن عَن عَليّ فذكر فضله، فقال: لا تحدثن في مسجدنا. فخرج (الحسن) فتوارى..
«150» (حَدَّثَنَا) حُرَيْثٌ [1] عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ قَالَ لِعَلِيٍّ: أَنَا أَسْلَطُ مِنْكَ لسانا، واحدّ سنانا وأربط جنانا واملأ حشوا للكتيبة. فقال (له علي عليه السّلام) :
اسْكُتْ يَا فَاسِقُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً، لا يَسْتَوُونَ» (18/ السجدة) يَعْنِي بِالْمُؤْمِنِ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ [2] .
__________
[1] بين المعقوفين قد كان سقط من النسخة.
[2] ورواه أيضا أبو الفرج في أخبار الوليد بن عقبة من كتاب الأغاني: ج 5 ص 140 وفي ط: ج 4 ص 182، ورواه عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار: (62) من باب كتب النهج: ج 17/ 238. وقال ابن عساكر- في ترجمة الوليد من تاريخ دمشق:
ج 60/ 199-: أخبرنا أبو العباس عمر بن عبد الله بن أحمد بن الفقيه، حدثنا أبو الحسين علي بن أحمد بن محمد الواحد (كذا) أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الإصبهاني أخبرنا عبد الله بن محمد الحافظ، أخبرنا إسحاق بن ثنان الأنماطى حدثنا حبيش بن مبشر الفقيه، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن ابن أبي ليلى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعلي بن أبي طالب: أنا أحد منك سنانا وأبسط منك لسانا وأملأ للكتيبة منك (حشوا) . فقال له علي: اسكت فإنما أنت فاسق. فنزلت «افمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا، لا يستوون» . قال: يعني بالمؤمنين عليا، وبالفاسق الوليد بن عقبة. ورواه أيضا في الحديث: (165) من باب فضائل علي من كتاب الفضائل لأحمد.
وقال ابن عدي في ترجمة محمد بن السائب من كامله: ج 2/ الورق 33: أخبرنا ابو يعلى حدثنا إبراهيم بن الحجاج، حدثنا حماد بن سلمة، عن الكلبي، عن أبي صالح:
عن ابن عباس ان الوليد بن عقبة قال لعلي بن أبي طالب: انا ابسط منك لسانا واحد منك سنانا واملأ منك جسدا (كذا) في الكتيبة. فقال له على: اسكت فإنك فاسق. فأنزل الله عز وجل «افمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا، لا يستوون» يعنى (بالمؤمن) عليا، والوليد الفاسق.
ورواه عنه- مع ثلاثة عشر حديثا آخر عن غيره- في تفسير الآية الكريمة من كتاب شواهد التنزيل الورق 106/ أ.
ورواه أيضا ابن عساكر في ترجمة الوليد، قال: أخبرنا ابو منصور ابن خيرون، أخبرنا وابو الحسن بن سعيد، حدثنا ابو بكر الخطيب، أخبرنا محمد بن احمد بن رزق، أخبرنا نوح بن خلف البجلي حدثنا ابو مسلم الكجي حدثنا حجاج، حدثنا حماد.
وأخبرنا ابو القاسم ابن السمرقندي أخبرنا ابو القاسم ابن مسعدة، أخبرنا ابو القاسم السهمي أخبرنا ابو احمد بن عدي أخبرنا ابو يعلى- هو الموصلي- حدثنا إبراهيم بن الحجاج، حدثنا حماد بن سلمة (عن الكلبي) عن أبي صالح:
عن ابن عباس: ان الوليد بن عقبة قال: لعلي بن أبي طالب: ألست ابسط منك لسانا وأحد منك سنانا واملأ منك حشوا؟! - وفي حديث ابى يعلى: جسدا في الكتيبة. فقال له علي: اسكت فإنك فاسق. ثم اتفقا فقالا: - فأنزل الله: «افمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا، لا يستوون» .
زاد ابو يعلى: يعني (بالمؤمن) عليا، والوليد الفاسق.
قال ابن عساكر: وقيل: إنها نزلت في أبيه:
أخبرنا ابو منصور بن زريق، أخبرنا ابو بكر الخطيب، أخبرنا ابو الحسن ابن رزقويه أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي حدثنا ابو إسماعيل الترمذي حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا ابو لهيعة (كذا) عن عمرو بن دينار:
عن عبد الله بن عباس في قوله: «افمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون» قال: اما المؤمن فعلي بن أبي طالب والفاسق عقبة بن أبي معيط وذلك لسباب كان بينهما فأنزل الله ذلك.
ومن اراد المزيد فعليه بتفسير الآية الكريمة من شواهد التنزيل، والباب: (85) من غاية المرام ص 38.(2/148)
«151» وَحُدِّثْتُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ» (55/ المائدة) [1] .
«152» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: كَانَ خيرا كله على حين كانت فيه وشك غضب [2] (ظ) . قُلْتُ: فَعُمَرُ قَالَ: كَانَ كَأَنَّهُ طَائِرٌ حَذِرٌ قَدْ نَصَبْتَ لَهُ أُحْبُولَةً، فَهُوَ يُعْطِي كُلَّ يَوْمٍ بِمَا فِيهِ عَلَى عُنْفِ السِّيَاقِ. قُلْتُ: فَعُثْمَانُ؟ قَالَ: كَانَ وَاللَّهِ صَوَّامًا قَوَّامًا يَخْدَعُهُ نومه عن يقظته
__________
[1] ورواه بسندين آخرين في الحديث: (907) من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 48.
[2] وفي النسخة: «وشدة خضب» .(2/150)
قلت: فصاحبكم. قال: كان مركوزا حِلْمًا وَعِلْمًا، وَغَرَّهُ مِنْ أَمْرِهِ اثْنَتَانِ:
سَابِقَتُهُ وزالته (كذا) قُلْتُ: أَكَانَ مَحْدُودًا؟ قَالَ أَنْتُمْ تَقُولُونَ ذَاكَ.
«153» قَالُوا: وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَقُولُ إِنَّ في علي دعابة وهزّة [1] [فَقَالَ عَلِيٌّ. زَعَمَ ابْنُ النَّابِغَةِ أَنِّي تِلْعَابَةٌ تِمْزَاحَةٌ ذُو دُعَابَةٍ أُعَافِسُ وَأُمَارِسُ، هَيْهَاتَ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَاكَ خَوْفُ الْمَوْتِ وَذِكْرُ الْبَعْثِ، وَالْحِسَابِ،] و [من كَانَ ذَا قَلْبٍ فَفِي هَذَا لَهُ وَاعِظٌ وزاجر،] أما [وشرّ القول الكذب، (و) إِنَّهُ لَيُحَدِّثُ فَيَكْذِبَ، وَيَعِدُ فَيُخْلِفَ، وَيَحْلِفُ فَيَحْنَثَ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْبَأْسِ فَأَيُّ] آمِرٍ وَزَاجِرٍ مَا لَمْ تَأْخُذِ السُّيُوفُ مَآخِذَهَا مِنْ هَامِ الرِّجَالِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَعْظَمُ مَكِيدَتِهِ فِي نَفْسِهِ أَنْ يَمْنَحَ الْقَوْمَ اسْتَهُ [2] .
«154» حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جُعْتُ فَلَمَّا صَلَّيْتُ الْمَغْرِبَ عَرَضْتُ لأَبِي بَكْرٍ فَجَعَلْتُ أَسْتَقْرِيهِ وَمَا أُرِيدُ بِذَلِكَ إِلا أَنْ يُدْخِلَنِي بيته فيعشيني، فلما بلغ الباب أرسل يدي ودخل (ظ) فَعَرَضْتُ لِعُمَرَ فَفَعَلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَفَعَلَ بِي كَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ عَلِيًّا فَاسْتَقْرَأْتُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ الْبَابَ قَالَ: لَوْ دَخَلْتَ يا أبا هريرة فتعشيت. فدخلت فقال (علي) : يا فاطمة عشي أبا هريرة. فجاءت بحروقه [3] فَأَكَلْتُهَا، ثُمَّ جَاءَتْ بِشَرْبَةِ سَوِيقٍ فَشَرِبْتُهَا وَبَلَغَ ذلك عمر فقال:
__________
[1] الدعابة: المداعبة والمزاح. وهزة- بكسر الهاء-: الخفة والنشاط. تحريك الفتن والبلايا.
[2] الاست- بكسر اوله-: الدبر.
[3] قال في مادة «حرق» من التاج مزجا بلفظ القاموس: الحريق والحروقة: طعام اغلظ من الحساء، والجمع: الحرائق، ومنه قولهم: وجدت بني فلان ما لهم عيش إلا الحريق.
او هو: ماء حار يذر عليه دقيق قليل فينتفخ عند الغليان ويتقافز فيلعق وهي النفيتة أيضا، كانوا يستعملونها في شدة الدهر وغلاء السعر وعجف المال وكلب الزمان. وروى الأزهري عن ابن السكيت: الحريق والنفيتة: ان يذر الدقيق على ماء او لبن حليب حتى ينفت ويتحسى من نفتها، فيوسع صاحب العيال على عياله إذا غلبه الدهر.(2/151)
لئن كنت ولّيت منه (ظ) مَا وُلِّيَ عَلِيٌّ (كَانَ) أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حمر النعم.
أو قال: (كان أحب إلي) مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ [1] .
«155» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صباح البزار، حَدَّثَنَا هشيم قَالَ: أَخْبَرَنِي عمر بن أبي زائدة:
عَنِ الشعبي قَالَ: كَانَ أَبُو بكر يقول الشعر، وَكَانَ عمر يقول الشعر، وَكَانَ عَليّ أشعر الثلاثة.
«156» حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ:
أَنَّ عَلِيًّا آجَرَ نَفْسَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ عَلَى أَنْ يَنْزِعَ لَهُ كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، فَجَمَعَ
__________
[1] هذا هو الصواب، وفي النسخة، «كما طلعت عليه الشمس» . وبين المعقوفات زيادة منا.
قال في أواخر الفرع الثاني من كتاب الزكاة من منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد بن حنبل: ج 2 ص 520 نقلا عن عبد بن حميد، عن جعفر بن برقان قال: بلغنا ان عمر بن الخطاب أتاه مسكين وفي يده عنقود من عنب فناوله منه حبة ثم قال: فيها مثاقيل ذر كثير.
وقال في ص 521 منه نقلا عن العسكري عن عبد الله بن محمد بن عائشة قال: وقف سائل على امير المؤمنين علي فقال للحسن او الحسين: اذهب إلى أمك فقل لها: تركت عندك ستة دراهم فهات منها درهما. فذهب ثم رجع فقال: قالت: إنما تركت ستة دراهم للدقيق. فقال علي:
لا يصدق إيمان عبد حتى يكون بما في يد الله اوثق منه بما في يده، قل لها: ابعثي بالستة دراهم فبعثت بها إليه فدفعها إلى السائل، قال: فما حل (علي) حبوته حتى مر به رجل معه جمل يبيعه، فقال علي: بكم الجمل؟ قال: بمائة واربعين درهما. قال علي فاعقله علي، (و) إنا نؤخرك بثمنه شيئا. فعقله الرجل ومضى ثم اقبل رجل فقال: لمن هذا البعير؟ فقال علي: لي فقال: اتبيعه؟ قال: نعم. قال: بكم؟ قال بمأتي درهم. قال: قد ابتعته. فأخذ البعير واعطاه المأتين، فأعطى (علي) الرجل الذي اراد ان يؤخره مائة واربعين درهما وجاء بستين درهما إلى فاطمة فقالت: ما هذا؟ قال: هذا ما وعدنا الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: «من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها» (160/ الانعام) .(2/152)
نحوا من المسك [1] فَجَاءَ بِهِ/ 326/ فَنَثَرَهُ فِي حِجْرِ فَاطِمَةَ وَقَالَ كُلِي وَأَطْعِمِي صِبْيَانَكِ.
«157» الْمَدَائِنيّ عَن غسان بن عبد الحميد قَالَ:
سألت زيد بن عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْن: أعلي أفضل أم جَعْفَر؟ فقال: إن جعفرا لذو الجناحين وأشبه الناس بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلقا وخلقا، ولكنه لَيْسَ من أصحاب الكساء.
«158» حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ: [وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَقَدْ أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لا يُحِبُّنِي مُنَافِقٌ وَلا يُبْغِضُنِي مُؤْمِنٌ [2]] .
«159» وكان الْحَسَنُ يَقُولُ: يَرْحَمُ اللَّهُ عَلِيًّا مَا اسْتَطَاعَ عَدُوُّهُ وَلا وَلِيُّهُ أَنْ يَنْقِمَ عَلَيْهِ فِي (حُكْمٍ) حَكَمَهُ وَلا قَسْمٍ قَسَمَهُ.
«160» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ قَيْسًا يَقُولُ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَصْنَعِ الَّذِي صَنَعَ، ثُمَّ كَانَ فِي غَارٍ بِالْيَمَنِ لأتاه الناس حتى يستخرجوه منه [3] .
__________
[1] كذا.
[2] وتقدم مثله بسند آخر، تحت الرقم: (21) وفي معناه ما تقدم تحت الرقم: (78) ، ورواه بنحو التواتر عن زر بن حبيش في الحديث: (673) وتواليه من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 24.
[3] هذا تمويه وتدليس منه على أجلاف الشام والحافين حوله من الطغام اللئام، ويشهد الله وجميع من احاط خبرا بسيرة امير المؤمنين ان معاوية كاذب في كلا الدعويين.(2/153)
«161» حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ قَيْسٍ الْحَارِمِيِّ قَالَ:
سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: [سَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ وَثَلَّثَ عُمَرُ] .
«162» وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ: ان عليا قال يوما:
وأبردها عَلَى الْفُؤَادِ [1] [ (لَوْ) سَأَلَنِي رَجُلٌ عَنْ شَيْءٍ لا أَعْرِفُهُ فَقُلْتُ:
لا أَدْرِي] .
«163» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مُحَرَّرِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
كُنْتُ مُؤَذِّنَ عَلِيٍّ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَرَاءَةَ إِلَى مَكَّةَ قَالَ: فَنَادَيْتُ حَتَّى صَحِلَ صَوْتِي. قُلْتُ بِمَاذَا نَادَيْتَ؟ قَالَ نَادَيْتُهُمْ إِنَّهُ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ، وَلا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهد فأجله أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة الأشهر ف أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ.
__________
[1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «ما بردها» . ولكن كلمة: «ما» رسم خطها غير جلية، ورواه أيضا الدارمي في سننه تحت الرقم (181) من ج 1، ص 57 أخبرنا عمر بن عون، عن خالد بن عبد الله، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ وزاذان قالا: قال علي:
وأبردها على الكبد إذا سئلت عما لا اعلم ان اقول: الله اعلم.
وقال أيضا: أخبرنا ابو نعيم، حدثنا شريك، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عن علي قال: يا بردها على الكبد ان تقول لما لا تعلم: الله اعلم.
وقال في جواهر المطالب الورق 109 (قال علي عليه السلام) : وأبردها على القلب إذا سئل احدكم عما لا يعلم أن يَقُول: اللَّه اعلم، فإن العالم من عرف ان ما يعلم فيما لا يعلم قليل.
ورواه أيضا في الحديث: (1284) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق.(2/154)
«164» حدثني القاسم بن سالم (كذا) حَدَّثَنَا أَبُو نُوحٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ:
عَنْ يَزِيدَ بْنِ يُثَيْعٍ (كذا) قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ بِبَرَاءَةٍ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ عَلِيًّا، فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَزَلَ فِيَّ شَيْءٌ؟ قَالَ: [لا وَلَكِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أُبَلِّغَهَا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي [1]] .
«165» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ:
عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كَانَتْ فَاطِمَةُ تَدُقُّ الدَّرْمَكَ بَيْنَ حَجَرَيْنِ حَتَّى مَجِلَتْ (يداها) [2] فَقُلْتُ لَهَا: اذْهَبِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم فاسأليه خادما.
فأتت (فَاطِمَةُ) رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ فَلَمْ تُصَادِفْهُ، وَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ ابْنَتِي جَاءَتْ تَلْتَمِسُنِي مَرَّتَيْنِ، فَمَا كَانَتْ حَاجَتُكِ يَا بُنَيَّةُ؟ فَاسْتَحْيَيَتْ أَنْ تُكَلِّمَهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَتْ تَدُقُّ الدَّرْمَكَ بَيْنَ حَجَرَيْنِ حَتَّى مجلت يدها فقلت (لها) : ائتي رسول الله فاسأليه خادما.
__________
[1] وقال في الحديث: (212) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل- لأحمد بن حنبل-:
حدثنا الفضل، قال: حدثنا محمد بن عبد الله (بن عثمان) الخزاعي قال: حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه بعث ببراءة مع أبي بكر الى اهل مكة، فلما بلغ ذا الحليفة بعث اليه فرده، وقال: لا يذهب بها الا رجل من اهل بيتي. فبعث عليا عليه السلام.
ورواه أيضا في الحديث: (321) منه بصورة تفصيلية، وفيه أيضا تصريح برجوع أبي بكر الى المدينة.
[2] بين المعقوفين قد سقط عن النسخة. والدرمك كالدرمق- على زنة جعفر فيهما-:
الدقيق.(2/155)
فَقَالَ: أَمَا يَدُومُ لَكُمَا أَحَبُّ إِلَيْكُمَا أَمْ ما تسألا؟. قُلْتُ: مَا يَدُومُ لَنَا!!! [فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا فَسَبِّحَا الله ثلاثا وثلاثين (مرة) واحمداه ثلاثا وثلاثين (مرة) وَكَبِّرَاهُ أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ، فَذَالِكُمَا مِائَةٌ، فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمَا مِمَّا تَسْأَلانِ!!] وَقَالَ عَلِيٌّ: [مَا تَرَكْتُهَا مُذْ أَوْصَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا. قَالَ: ابْنُ الْكَوَّاءِ:
وَلا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ (قَالَ:) وَلا لَيْلَةَ صِفِّينَ [1] !!] .
«166» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ:
قُلْتُ لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: مَنْ آلُ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: الَّذِينَ لا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ، آلُ عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ وَجَعْفَرٍ وَعَقِيلٍ.
«167» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: [آلُ مُحَمَّدٍ مَعْدَنُ الْعِلْمِ وَأَصْلُ الرَّحْمَةِ] .
«168» الْمَدَائِنيّ/ 327/ عن عمرو بن المقدام (كذا) عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
شهدت [2] عند المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل رجلا أقطع فلقيته (كذا) فقلت: من قطعك؟ فقال: من رحمه الله وغفر لَهُ عَليّ بن أبي طالب!! فقلت: أظلمك؟ قَالَ: لا والله ما ظلمني.
«169» حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي، عن أبيه، عن غِيَاثِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ عُرْفَانَ الأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ:
قَالَ عَلِيٌّ عَلَى الْمِنْبَرِ: [نَشَدْتُ اللَّهَ رَجُلا سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ: اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ. إِلا قَامَ فشهد.]- وتحت
__________
[1] وللحديث طرق كثيرة بين الخاصة العامة.
[2] هذا هو الظاهر، وفي النسخة «شهد عند المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل رجل» إلخ.(2/156)
الْمِنْبَرِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ- فَأَعَادَهَا فَلَمْ يُجِبْهُ أحد (منهم) [فَقَالَ: اللَّهُمَّ مَنْ كَتَمَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَهُوَ يَعْرِفُهَا فَلا تُخْرِجْهُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى تَجْعَلَ به آية يعرف بها] .
قال (أبو وائل) : فبرص أنس، وعمي البراء، ورجع جرير أعرابيا بعد هجرته، فأتى السراة فمات فِي بيت أمّه بالسراة.
(القول فيما كتبه صلّى الله عليه وسلم إلى ولاته وغيرهم)
«170» قالوا: وكتب عَلَيْهِ السلام إلى سهل بن حنيف عامله عَلَى المدينة:
أما بعد فإنه بلغني أن رجالا من أهل المدينة يخرجون إلى معاوية، فلا تأسف عليهم، فكفى لَهُم غيا، ولك منهم شافيا فرارهم من الهدى والحق، وإيضاعهم [1] إلى العمى والجهل، وإنما هم أهل دنيا مقبلون عليها، قد علموا أن الناس مقبلون (كذا) فِي الحق أسوة، فهربوا إلى الأثرة، فسحقا لهم وبعدا [2] [ () أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ، واجتمعت الخصوم وقضى الله بين العباد بالحق، لقد عرف القوم ما (كانوا) يكسبون،] وقد أتاني كتابك تسألني الإذن لك فِي القدوم، فأقدم إِذَا شئت عفا الله عنّا وعنك والسلام.
__________
[1] الايضاع: الاسراع، ومنه قوله تعالى في الآية: (47) من سورة التوبة في صفة المنافقين: «ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة» .
[2] كذا في النسخة، وفي المختار: (70) من الباب الثاني من نهج البلاغة: «وانما هم اهل دنيا، مقبلون عليها ومهظعون إليها، وقد عرفوا العدل ورأوه وسمعوه ووعوه، وعلموا ان الناس عندنا في الحق اسوة فهربوا الى الأثرة» ... وهو الظاهر، ورواه أيضا اليعقوبي في ترجمة امير المؤمنين من تاريخه: ج 2 ص 178، باختصار، وذكرناهما في المختار: (111- 112) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 2 ص 17- 20.(2/157)
«171» وكتب عليه السّلام إلى عبد الله بن العباس: أتاني كتابك تذكر ما رأيت من أهل البصرة بعد خروجي عنهم، وإنما هم مقيمون لرغبة يرجونها أو عقوبة يخافونها، فأرغب راغبهم واحلل عقدة الخوف عن راهبهم بالعدل والإنصاف لَهُ إن شاء الله [1] .
«172» وكتب عَلَيْهِ السلام إلى سعد بن مسعود الثقفي عامله على المدائن وحوخى (ظ) [2] :
أما بعد فقد وفرت عَلَى المسلمين فيئهم وأطعت ربك ونصحت إمامك فعل المتنزه العفيف، فقد حمدت أمرك ورضيت هديك وأبيت رشدك [3] غفر الله لك والسلام.
«173» وكتب عَلَيْهِ السلام إلى عمر بن أبي سلمة حين عزله عَن البحرين واستعمل النعمان بن عجلان الزرقي:
إني قد وليت النعمان بن عجلان البحرين من غير ذم لك ولا تهمة فيما
__________
[1] ورواه بأطول مما هنا، في كتاب صفين لنصر بن مزاحم، ط مصر، ص 105، كما رواه أيضا في المختار: (43) من لمع كلامه عليه السلام من كتاب نزهة الناظر.
[2] قال في معجم البلدان: «جوخا» بالضم والقصر- وقد يفتح-: اسم نهر عليه كورة واسعة في سواد بغداد، بالجانب الشرقي، منه «الراذانان» وهو بين خانقين وخوزستان.
قالوا: ولم يكن ببغداد مثل كورة جوخا، كان خراجها ثمانين الف الف درهم حتى صرفت دجلة عنها فخربت وأصابهم بعد ذلك طاعون شيرويه فأتى عليهم ولم يزل السواد وفارس في ادبار منذ كان طاعون شيرويه.
[3] كذا في النسخة، والظاهر انه مصحف وان الصواب واحببت رشدك.
والكتاب رواه أيضا اليعقوبي في تاريخه: ج 2 ص 176، وفي ط ص 190، وليس فيه بعض الألفاظ المذكور في رواية البلاذري.(2/158)
تحت يدك، ولعمري لقد أحسنت الولاية وأديت الأمانة، فأقبل إلي غير ظنين ولا ملوم فإني أريد المسير إلى ظلمة أهل الشام، وأحببت أن تشهد معي أمرهم فإنك ممن أستظر بِهِ عَلَى إقامة الدين، وجهاد العدو، جعلنا الله وإياك من الَّذِينَ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يعدلون [1] .
«174» وكتب عَلَيْهِ السلام إلى النعمان بن عجلان:
أما بعد فإن من أدى الأمانة، وحفظ حق الله فِي السر والعلانية، ونزه نفسه ودينه عن الخيانة، كان جديرا بأن يرفع الله درجته فِي الصالحين، ويؤتيه أفضل ثواب المحسنين، ومن لَمْ ينزه نفسه ودينه عن ذلك (فقد) أخل بنفسه فِي الدُّنْيَا وأوبقها فِي الآخرة [2] فخف الله في سرّك وجهرك، ولا تكن من الغافلين عَن أمر معادك، فإنك من عشيرة صالحة ذات تقوى وعفة وأمانة، فكن عند صالح ظني بك والسلام.
«175» وكتب إلى الأشعث بن قيس الكندي وهو بأذربيجان وَكَانَ عثمان ولّاه إيّاها، فأقره (عليه السّلام) عليها يسيرا ثُمَّ عزله:
إنما غرك من نفسك إملاء الله لك، فما زلت تأكل رزقه وتستمتع بنعمته وتذهب طيباتك فِي أيام حياتك، فأقبل واحمل ما قبلك من الفيء ولا تجعل عَلَى نفسك سبيلا [3] .
ويقال: ولاه بعد قدومه من أذربيجان حلوان ونواحيها، فكتب إليه هذا الكتاب وهو فيها.
__________
[1] ورواه السيد الرضي (ره) في المختار: (42) من الباب الثاني من نهج البلاغة.
[2] هذا هو الظاهر الموافق لرواية اليعقوبي في تاريخه: ج 2 ص 190، وفي النسخة:
« (فقد) اجل بنفسه» . وأوبقها: أهلكها.
[3] ورواه أيضا اليعقوبي في ترجمة امير المؤمنين من تاريخه: ج 2 ص 189.(2/159)
«176» وكتب عَلَيْهِ السلام إلى قدامة بن عجلان عامله عَلَى كسكر:
أما بعد فاحمل ما قبلك من مال الله فإنه فيء للمسلمين، لست بأوفر/ 328/ حظا فيه من رجل فيهم (كذا) ولا تحسبنّ يا بن أم قدامة أن مال كسكر مباح لك كمال ورثته عَن أبيك وأمك، فعجل حمله وأعجل فِي الإقبال إلينا إن شاء الله.
«177» وكتب عَلَيْهِ السلام إلى يزيد بن قيس الأرحبي:
أوصيك بتقوى الله وأحذرك أن تحبط أجرك وتبطل جهادك، فإن خيانة المسلمين مما يحبط الأجر ويبطل الجهاد، فاتق الله (ظ) ربك «وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ، وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا، وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ، وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ» [1] .
«178» وكتب عَلَيْهِ السلام إلى مصقلة بن هبيرة الشيباني- وكان على «أردشير خرّة» من قبل ابن عباس-:
بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أتيت شيئا إدّا [2] بلغني أنك تقسم فيء المسلمين فيمن اعتناك ويغشاك [3] من أعراب بكر بن وائل، فو (الله) الذي فلق الحبّة وبرء النسمة وأحاط بكل شيء علما، لئن كَانَ ذلك حقا
__________
[1] بين القوسين اقتباس من الآية: (77) من سورة القصص: 28، والكتاب رواه أيضا اليعقوبي في ترجمة امير المؤمنين من تاريخه: ج 2 ص 176، وفي ط ص 189.
[2] الاد- كضد-: الأمر المنكر العظيم، ومنه قوله تعالى في الآية (89) من سورة مريم: «لقد جئتم شيئا ادا» .
[3] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «فيمن اعنتاك وتعناك» . وذكره أيضا اليعقوبي في تاريخه: ج 2 ص 190، بغير اللفظين، وذكره أيضا في المختار: (66) من كتب النهج وفيه:
«فيمن اعتامك» .(2/160)
لتجدنّ بك عليّ هوانا فلا تستميتنّ بحق ربك [1] ولا تصلحن دنياك بفساد دينك ومحقه فتكون من الأخسرين أَعْمَالا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً.
«179» وكتب عَلَيْهِ السلام إلى قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري- وهو بأذربيجان-:
أما بعد فإن العالمين بالله العاملين لَهُ خيار الخلق عند الله، وإن المسلمين لغير الرياء والسمعة [2] لفي أجر عظيم وفضل مبين. وقد سألني عبد الله ابن شبيل الأحمسي الكتاب إليك فِي أمره، فأوصيك بِهِ خيرا فإني رأيته وادعا متواضعا حسن السمت والهدي، فألن حجابك واعمد للحق [3] وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ والسلام.
«180» وكتب عَلَيْهِ السلام إلى عَمْرو بن سَلَمَةَ الأرحبي [4] : أما بعد فإن دهاقين بلادك شكوا منك قسوة وغلظة، واحتقارا (وجفوة) فنظرت فلم أرهم أهلا لأن يدنوا لشركهم، ولم أر أن يقصوا ويجفوا لعهدهم، فالبس لَهُم جلبابا من اللين تشوبه بطرف من الشدة، في غير ما أن يظلموا (كذا) ولا ينقض لهم عهد، ولكن تقرعوا بخراجهم [5] ويقاتل
__________
[1] المستميت: المسترسل للأمر. الذي يتجانُّ وليس بمجنون. الذي يتواضع ويتخاشع لأن يطعم ويشبع فإذا شبع كفر النعمة. الذي لا يبالي في الحرب من الموت.
[2] اي ان الذين أسلموا لله- او سلموا الأمر لأهله- لغير الرياء والسمعة، بل قربة الى الله لفي اجر عظيم، وفضل مبين. ورسم الخط في قوله: «ان» غير واضح.
[3] وفي النسخة: «وألن حجابك» . واعمد الحق: اقصده واطلبه.
[4] كذا في النسخة، وفي تاريخ اليعقوبي. «الى عمر بن أبي سلمة» .
[5] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «ولا ينقض لهم عهدا، ولكن تفرعوا لخراجهم» .
ورواه أيضا اليعقوبي في تاريخه: ج 2 ص 102، وفيه: «وقرعهم بخراجهم وقاتل من وراءهم» . وقريبا مما هنا جدا ذكره في المختار (20) من باب الكتب من نهج البلاغة. وما بين المعقوفين مأخوذ منه.(2/161)
(بهم) من وراءهم، ولا يؤخذ منهم فوق طاقتهم فبذلك أمرتك، والله المستعان والسلام.
«181» وكتب عَلَيْهِ السلام إلى قرظة بن كعب:
أما بعد فإن قوما من أهل عملك أتوني فذكروا أن لَهُم نهرا قد عفا ودرس، وأنهم إن حفروه واستخرجوه عمرت بلادهم وقووا عَلَى كل (ظ) خراجهم وزاد فيء المسلمين قبلهم، وسألوني الكتاب إليك لتأخذهم بعمله وتجمعهم لحفره والإنفاق عَلَيْهِ، ولست أرى أن أجبر أحدا عَلَى عمل يكرهه، فادعهم إليك، فإن كَانَ الأمر فِي النهر عَلَى ما وصفوا، فمن أحب أن يعمل فمره بالعمل، والنهر لمن عمله دون من كرهه، ولأن يعمروا ويقووا أحب إلي من أن يضعفوا والسلام [1] .
«182» ووجه عَلَيْهِ السلام إلى زياد رسولا ليأخذه لحمل ما اجتمع عنده من المال، فحمل زياد ما كَانَ عنده وقال للرسول: إن الأكراد قد كسروا من الخراج وأنا أداريهم فلا تعلم أمير الْمُؤْمِنِين ذَلِكَ فيرى أَنَّهُ اعتلال مني.
فقدم الرسول فأخبر عليا بما قَالَ زياد، فكتب إِلَيْهِ:
قد بلغني رسولي عنك ما أخبرته بِهِ عَن الأكراد، واستكتامك إياه ذَلِكَ، وقد علمت أنك لَمْ تلق ذَلِكَ إِلَيْهِ إلا لتبلغني إياه، وإني أقسم بالله عَزَّ وَجَلَّ قسما صادقا لئن بلغني أنك خنت من فيء المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا لأشدّنّ عليك شدة يدعك قليل الوفر، ثقيل الظهر والسلام [2] .
__________
[1] ورواه أيضا في سيرة امير المؤمنين من تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 192.
[2] ورواه أيضا اليعقوبي في سيرة امير المؤمنين من تاريخه: ج 2 ص 147، وفي ط ص 180، وذيل الكلام رواه السيد الرضي (ره) في المختار: (20) من باب الكتب من نهج البلاغة.(2/162)
«183» وكتب عَلَيْهِ السلام إلى المنذر بن الجارود وبلغه أَنَّهُ يبسط يده فِي المال ويصل من أتاه وكان عَلَى اصطخر:
إن صلاح أبيك غرني منك وظننت أنك تتبع هديه وفعله، فإذا أنت/ 329/ فيما رقي إلي عنك لا تدع الانقياد لهواك، وإن أزرى ذَلِكَ بدينك، ولا تسمع (قول) الناصح وإن أخلص النصح لك، بلغني أنك تدع عملك كثيرا وتخرج لاهيا متنزها متصيدا، وأنك قد بسطت يدك فِي مال الله لمن أتاك من أعراب قومك، كأنه تراثك عَن أبيك وأمك، وإني أقسم بالله لئن كان ذلك حقا الجمل أهلك وشسع نعلك خير منك، [وأن اللعب واللهو لا يرضاهما الله، وخيانة المسلمين وتضيع أعمالهم مما يسخط ربك،] ومن كَانَ كذلك فليس بأهل لأن يسد بِهِ الثغر، ويجبى بِهِ الفيء ويؤتمن عَلَى مال المسلمين، فأقبل حين يصل كتابي هذا إليك.
فقدم (المنذر) فشكاه قوم ورفعني عَلَيْهِ [1] أَنَّهُ أخذ ثلاثين ألفا، فسأله فجحد فاستحلفه فلم يحلف، فحبسه.
ومرض صعصعه بن صوحان العبدي فعاده عَليّ فكلمه صعصعه وقال:
أنا أضمن ما عَلَى المنذر. قَالَ عَليّ: كيف تضمن ذَلِكَ وهو يزعم أَنَّهُ لَمْ يأخذ شيئا، فليحلف. فقال صعصعة: هُوَ يحلف. قَالَ عَليّ: وأنا أظنه سيفعل، [إنه نظار فِي عطفيه، مختال فِي برديه تفال فِي شراكيه.] فأخرجه عَليّ فخلى سبيله [2] وقال عَليّ لصعصعة: [إنك ما علمت لخفيف المؤنة، حسن المعونة]
__________
[1] كذا النسخة، ولعل الصواب: «ورفعوا اليه» . وذكره اليعقوبي أيضا في تاريخه:
ج 2 ص 192، وليس فيه هذان اللفظان.
[2] وفيه اختصار اي فأخرجه فحلفه فحلف فخلى سبيله. كما يدل عليه صدر الكلام، وكذا ما ذكره اليعقوبي.(2/163)
قال (صعصعة) : والله وأنت يا أمير الْمُؤْمِنِين ما علمت بالله لعالم وله خائف. فلم يشكر المنذر لصعصعة ما صنع فِي أمره، فقال الأعور الشني [1] :
هلا سألت بني الجارود أي فتى ... عند الشفاعة والثار ابن صوحانا
هَلْ كَانَ إلا كأم أرضعت ولدا ... عقت فلم تجز بالإحسان إحسانا
لا تأمنن على سوء فتى ذمرا ... تجزي المودة من ذي الود كفرانا
«184» وكتب عَلَيْهِ السلام إلى زياد، وهو خليفة عبد الله بن العباس بالبصرة- يستحثه بحمل مال مع سعد مولاه، فاستحثه (سعد) فأغلظ له زياد وشتمه، فلما قدم سعد على علي شكا إليه وعابه عنده وذكر منه تجبرا وإسرافا، فكتب عَليّ عَلَيْهِ السلام إِلَيْهِ:
إن سعدا ذكر لي أنك شتمته ظالما وجبهته تجبرا وتكبرا، وقد قَالَ رَسُولُ [اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الكبرياء والعظمة منه [2] فمن تكبر سخط الله عَلَيْهِ. وَأَخْبَرَنِي] أنك مستكثر من الألوان فِي الطعام، وأنك تدهن فِي كل يوم. فماذا عليك لو صمت لله أياما، وتصدقت ببعض ما عندك محتسبا، وأكلت طعامك فِي مرة مرارا [3] أو أطعمته فقيرا، أتطمع- وأنت متقلب [4] فِي النعيم تستأثر به
__________
[1] كذا في النسخة، وقال في ترجمته من الاصابة: وانشد له المرزباني:
هلا سألت بني الجارود أي فتى ... عند الشفاعة والبان ابن صوحانا
كنا وكانوا كأم ارضعت ولدا ... عق ولم نجز بالإحسان احسانا
[2] أي من الله مختصان به، غير لائقين لغيره.
[3] كذا في النسخة، وفي رواية ابن أبي الحديد: «وأكلت طعامك مرارا قفارا» أي غير مأدوم.
[4] ورواه أيضا اليعقوبي في تاريخه: ج 2 ص 177، وفيه: «وأنت متهوع في النعيم» .
وقطعة منه ذكرها أيضا في المختار: (22) من كتب النهج وفيه: «وأنت متمرغ» .(2/164)
عَلَى الجار المسكين، والضعيف الفقير والأرملة واليتيم- أن يجب لك أجر الصالحين المتصدقين!!! وَأَخْبَرَنِي انك تتكلم بكلام الأبرار، وتعمل عمل الخاطئين [1] فإن كنت تفعل ذَلِكَ فنفسك ظلمت، وعملك أحبطت، [فتب إلى ربك وأصلح عملك، واقتصد فِي أمرك وقدم الفضل ليوم حاجتك إن كنت من المؤمنين وادهن غيّا ولا تدهن رفها،] فَإِنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ادهنوا غبا ولا تدهنوا رفها [2]] والسلام.
فكتب إِلَيْهِ زياد: إن سعدا قدم عَليّ فعجل فانتهرته وزجرته، وَكَانَ أهلا لأكثر من ذَلِكَ، فأما ما ذكر من الاسراف في الأموال والتنعم واتخاذ (ألوان) الطعام فإن كَانَ صادقا فأثابه الله ثواب الصادقين، وإن كَانَ كاذبا فلا آمنه الله عقوبة الكاذبين، وأما قَوْله: أني أتكلم بكلام الأبرار وأخالف ذَلِكَ فِي بالفعل. فإني إِذَا من الأخسرين عملا، فخذه بمقام واحد قلت فِيهِ عدلا ثُمَّ خالفته إلى غيره، فإن أتاك عَلَيْهِ بشهيد عدل، وإلا تبين لك كذبه وظلمه.
«185» وكتب عَلَيْهِ السلام إلى مالك بن كعب الأرحبي:
إِنِّي/ 330/ وليتك معونة البهقباذات [3] ، فآثر طاعة الله، واعلم أن
__________
[1] هذا هو الصواب الموافق لرواية ابن أبي الحديد، وفي النسخة: «الخطاييين» .
[2] الرفه- كحبر-: التدهين والترجيل كل يوم. والغب- كضد-: التدهين يوما، وتركه يوما.
[3] قال في باب الباء من معجم البلدان: ج 1/ 516: البهقباذ- بالكسر، تم السكون وضم القاف وباء موحدة والف وذال معجمة-: اسم لثلاث كور ببغداد، من أعمال سقي الفرات، منسوبة إلى قباذ بن فيروز، والد أنوشروان بن قباذ العادل، منها: بهقباذ الأعلى، سقيه من الفرات، وهو ستة طساسيج: طسوج خطرنية، وطسوج النهرين، وطسوج عين التمر، والفلوجتان: العليا والسفلى وطسوج بابل.
والبهقباذ الأوسط وهي أربعة طساسيج: طسوج سورا، وطسوج باروسما، والجبة، والبدأة، وطسوج نهر الملك.
والبهقباذ الأسفل خمسة طساسيج: الكوفة، وفرات بادقلي والسيلحين وطسوج الحيرة، وطسوج نستر (تستر «خ» ) وطسوج هرمزجرد.
أقول: وقريبا منه ذكره في البحار: ج 6/ 628 ط 1، عن كتاب الممالك والمسالك لابن خرداد به.(2/165)
الدُّنْيَا فانية، والآخرة آتية [1] [واعمل صالحا تجز خيرا، فإن عمل ابن آدم محفوظ عَلَيْهِ وإنه مجزي] بِهِ، فعل الله بنا وبك خيرا.
«186» وكتب (عَلَيْهِ السلام) إلى سُلَيْمَان بن صرد وهو بالجبل:
ذكرت ما صار فِي يديك من حقوق المسلمين، وأن من قبلك وقبلنا فِي الحق سواء، فأعلمني ما اجتمع عندك من ذلك، فأعط كل ذي حق حقه وابعث إلينا بما سوى ذلك لنقسمه فيمن قبلنا إن شاء الله.
«187» وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الْمَدَائِنِيِّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَرْقَمَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: ارْتَدَّ قَوْمٌ بِالْكُوفَةِ فقتلهم علي عليه السلام (و) أَحْرَقَهُمْ وَقَالَ:
لَمَّا رَأَيْتُ الأَمْرَ أَمْرًا مُنْكَرًا ... جَرَّدْتُ سَيْفِي وَدَعَوْتُ قَنْبَرَا
ثُمَّ احْتَفَرْتُ حُفَرًا وَحُفَرًا ... وَقَنْبَرٌ يَحْطِمُ حَطْمًا مُنْكَرًا
أَحْرَقْتُ بِالنِّيرَانِ مَنْ قَدْ كَفَرَا
«188» قَالَ الْمَدَائِنِيُّ: وَقَالَ أَبُو زيد الطَّائِيُّ يَمْدَحُ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ:
إن عليا ساد بالتكرّم ... والحلم عند غاية التحلم
هداه ربي للصراط الأقوم ... بأخذه الحل وترك المحرم
__________
[1] ورواه أيضا في كتاب الخراج وقال: «وأن الآخرة باقية» . ورويناه عنه وعن اليعقوبي في المختار: (58) و (117) من باب كتبه عليه السلام من نهج السعادة: ج 4 ص 137، وج 5 ص 26 بلفظهما فراجع.(2/166)
«189» الْمَدَائِنيّ (عَن) سفيان، عَن مسلم بن يزيد بن مذكور، قَالَ ازدحم الناس فِي المسجد فقتل رجل فوداه عَليّ من بيت المال.
«190» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: كَانَ شيث [1] بْنُ عَمْرِو بْنِ كُرَيْبٍ الطَّائِيُّ يُصِيبُ الطَّرِيقَ فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ أَحْمَرَ بْنَ شُمَيْطٍ وَأَخَاهُ فَنذر بِهِمْ فَرَكِبَ فَرَسًا لَهُ يُقَالُ لَهُ: العصا وهرب وقال:
ولما أن رأيت ابن شُمَيْطٍ ... بِسِكَّةِ طَيِّئٍ وَالْبَابُ دُونِي
تَجَلَّلْتُ الْعَصَا وَعَلِمْتُ أَنِّي ... رَهِينُ مُخَيَّسٍ إِنْ يَثْقَفُونِي
فَلَوْ أَنْظَرْتُهُمْ شَيْئًا قَلِيلا ... لَسَاقُونِي إِلَى شَيْخٍ بَطِينٍ
شَدِيدِ مَجَالِزِ الْكَتِفَيْنِ صُلْبٍ [2] ... عَلَى الْحَدثَانِ مُجْتَمِعِ الشُّئُونِ
«191» وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْعِجْلِيُّ، عَنْ يَحْيَى، حَدَّثَنِي ابْنُ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ:
عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: [يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ حَمَلْتُ إِلَيْكُمْ دِرَّةَ عُمَرَ لأَضَرِبْكُمْ بِهَا فَتَنْتَهُوا فَأَبَيْتُمْ حَتَّى أَخَذْتُكُمْ بِالْخَيْزُرَانَةِ [3] فَلَمْ تَنْتَهُوا، وَقَدْ عَلِمْتُ الَّذِي تُرِيدُونَ، وَإِنِّي لا أُصْلِحُكُمْ بِفَسَادِي [4] وَسَيَلِيكُمْ قَوْمٌ يَجْزُونَكُمْ وَيَجْزِيهِمُ اللَّهُ] .
«193» الْمَدَائِنيّ قَالَ: قيل لعلي: أي القباثل وحدت أشد حربا بصفين؟ قَالَ: [الشعر الأذرع من همدان، والزرق العيون من شيبان] .
__________
[1] كذا في النسخة، ويحتمل رسم الخط ان يقرأ أيضا «شبث أو شبيب» .
[2] كذا.
[3] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «أخذتم الخيزرانة» .
[4] والذي كانوا يريدون لإصلاحهم هو السيف، واستعمال السيف فيهم مع عدم بلوغ جنايتهم إلى حده إفساد للإمام عليه السلام فلا يريده وإن كان فيه إصلاحهم.(2/167)
«193» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ رَجُلٍ من آل رافع (كذا) قَالَ:
كَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ [إِنَّا أَهْلَ بَيْتٍ فِينَا زَكْنٌ [1] فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ ابْنِي هَذَا سَيَخْرُجُ مِنَ الأَمْرِ، وَأَشْبَهُ أَهْلِي بِي الْحُسَيْنُ] .
«194» أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنيّ عَن جويرية بن أسماء، قَالَ: خطب عَليّ فقال: هَذَا الأعور وابنه- يعني المغيرة بن شعبة وعروة ابنه- فقال المغيرة: مالك ومالنا.
«195» هِشَام الكلبي عَن أبيه قَالَ: كَانَ عَليّ يطعم الطعام فِي الرحبة فاقتتلت كندة فيما بينها فبلغه ذلك فخرج يمشي ومعه الدرة فرأى حمارا عَلَيْهِ إكاف فركبه وأتاهم فتوسطهم عَلَى الحمار، ثُمَّ جعل يضرب الأشعث وعمه عفيفا ويقول: أصلحا أمر قومكما.
قَالَ: ودخل رجل/ 331/ المسجد يوما وَعَليّ يخطب فقال: يا أمير الْمُؤْمِنِين قد قتلت همدان تميم الكناسة. فمضى فِي خطبته، ودخل رجل آخر فقال: يا أمير الْمُؤْمِنِين قد قتلت تميم همدان فأدركها. فقال: الآن. فانحدر مسرعا عَن المنبر فأتاهم فحجز بينهم.
«196» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنِ ابْنِ اشوع (كذا) قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ صَاحِبَ شُرْطَةٍ وَقَالَ: [أَبْعَثُكَ إِلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَدَعَنَّ قَبْرًا إِلا سَوَّيْتَهُ] .
«197- 198» حَدَّثَنِي الأَعْيَنُ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ شُعْبَةَ بْنِ سِمَاكٍ، قَالَ:
قَالَ عَلِيٌّ: [ثَلاثَةٌ يَبْغَضُهُمُ اللَّهُ: الشَّيْخُ الزَّانِ، وَالْغَنِيُّ الظَّلُومُ، والفقير المختال] .
__________
[1] كذا في النسخة، وكأنه بمعني الفهم والعلم. والحديث ضعيف.(2/168)
وقال: [قيمة كل امرئ ما يعلمه (علمه «خ» [1] ) ] .
«199» قالوا: وأهدى رجل من عمال عَليّ إلى الْحُسَن والحسين عليهم السلام هدية وترك ابن الحنفية، فخطا عَليّ عَلَى كتفي ابن الحنفية ثُمَّ تمثل:
وما شر الثلاثة أم عَمْرو ... بصاحبك الَّذِي لا تصحبينا
فرجع (الرجل) إلى منزله فبعث إلى ابن الحنفية بهدية.
(قال الراوي:) و (كان) العامل يزيد بن قيس الأرحبي.
[بين علي وعبد الله بن عباس]
«200» قالوا: واستعمل عَليّ عبد اللَّه بْن عباس- رضي اللَّه تعالى عنهما- عَلَى البصرة، واستعمل أبا الأسود عَلَى بيت مالها، فمر ابن عباس بأبي الأسود فقال لَهُ: يا أبا الأسود لو كنت من البهائم كنت جملا، ولو كنت لَهُ راعيا ما بلغت بِهِ المرعى، ولا أحسنت مهنته (ظ) فِي المشتى. فكتب أَبُو الأسود إلى عَليّ عَلَيْهِ السلام:
أما بعد فإن الله جعلك واليا مؤتمنا وراعيا مسئولا [2] وقد بلوناك فوجدناك عظيم الأمانة، ناصحا للرعية توفر لهم (ظ) وتظلف نفسك عَن دنياهم [3] فلا تأكل أموالهم ولا ترتشي فِي أحكامهم، وإن عاملك وابن عمك قد أكل ما تحت يده بغير علمك ولا يسعني كتمانك ذَلِكَ، فانظر رحمك الله فيما قبلنا من أمرك واكتب إلي برأيك إن شاء الله والسلام.
__________
[1] كان لفظ النسخة هكذا: (قيمة كل امرئ ما يعلمه «خ» علمه) . وعليه فكلمة:
«ما يعلمه» بدل لأن لفظة الخاء التي يراد منها: «في نسخة» وضعت في الأصل فوقها.
[2] ومثله في العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم من كتاب العقد الفريد: ج 3 ص 120، ط 1، وفي تاريخ الطبري: «وراعيا مستوليا» .
[3] ومثله في تاريخ الطبري، وتظلف- كتضرب-: تمنع وتكف. وفي العقد الفريد:
«وتكف نفسك عن دنياهم» .(2/169)
فأجابه علي (عليه السلام) :
أما بعد فقد فهمت كتابك، ومثلك نصح الإمام والأمة، ووالي عَلَى الحق، وفارق الجور، وقد كتبت إلى صاحبك فيما كتبت إلي فِيهِ من أمره ولم أعلمه بكتابك إلي فيه، فلا تدع إعلامي ما يكون بحضرتك مما النظر فِيهِ للأمة صلاح، فإنك بذلك محقوق وهو عليك واجب والسلام.
وكتب إلي ابن عباس رضي الله تعالى عنهما:
أما بعد فقد بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت ربك وأخربت أمانتك [1] وعصيت إمامك وخنت المسلمين.
بلغني أنك جردت الأرض [2] وأكلت ما تحت يديك، فارفع إلي حسابك واعلم أن حساب الله أشد من حساب الناس والسلام.
فكتب إِلَيْهِ عبد الله بن عباس:
أما بعد فإن الذي بلغك (عني) باطل، وأنا لِمَا تحت يدي أضبط وأحفظ [3] فلا تصدق عَليّ الأظناء رحمك الله والسلام.
فكتب إِلَيْهِ عَليّ:
أما بعد فإنه لا يسعني تركك حَتَّى تعلمني ما أخذت من الجزية؟ ومن أين أخذته وفيما وضعت ما أنفقت منه [4] فاتق الله فيما ائتمنتك عليه واسترعيتك
__________
[1] ومثله في العقد الفريد، وفي المختار: (43) من كتب النهج: «وأخزيت أمانتك» .
[2] كذا في النسخة، ومثله في المختار: (43) من الباب الثاني من نهج البلاغة، وفي العقد الفريد: «بلغني أنك خربت الأرض» .
[3] كذا في النسخة، وفي العقد الفريد: «وأنا لما تحت يدي ضابط وعليه حافظ، فلا تصدق علي الضنين والسلام» .
[4] وفي العقد الفريد: «حتى تعلمني ما أخذت من الجزية من أين أخذته وما وضعت منها أين وضعته» ،(2/170)
حفظه، فإن المتاع بما أنت رازي منه قليل [1] وتباعة ذلك شديدة والسلام.
(قالوا) فلما رأى ابن عباس أَنَّهُ غير مقلع عَنْهُ كتب إِلَيْهِ:
أما بعد فقد فهمت تعظيمك علي مرزأة ما (ل) بلغك أني رزأته [2] من أهل هذه البلاد، وو الله لأن ألقى الله بما فِي بطن هَذِه الأرض من عقيانها ولجينها، وبطلاع ما عَلَى ظهرها أحب إلي من أن ألقاه وقد سفكت دماء الأمة لأنال بذلك الملك والإمارة [3] فابعث إلى عملك من أحببت.
وأجمع/ 332/ (ابن عباس) عَلَى الخروج.
قالوا: فلما قرأ عَليّ الكتاب قَالَ: أو ابن عباس لَمْ يشركنا فِي هَذِه الدماء؟!! ولما أراد ابن عباس الخروج دعا أخواله من بني هلال ليمنعوه فجاءه الضحاك بن عبد الله الهلالي- وهو كَانَ على شرطة البصرة- وعبد الله بن
__________
[1] كذا في النسخة، وفي العقد الفريد: «فإن المتاع بما أنت رازمه قليل، وتباعته وبيلة لا تبيد، والسلام» . والظاهر ان قوله: «رازي منه» مصحف.
[2] المرزأة: إصابة مال الغير، وانتقاصه من أربابه ومستحقيه.
[3] الظاهر ان هذا الكتاب وضعه بعض اتباع الأموية كي يكثروا سواد معاوية وأمثاله ممن باع الآخرة بالدنيا، وأذهب طيباته في نيل الأرذل الأدنى، ويلقوا في روع الناس وأذهانهم أن حروب أمير المؤمنين وقيامه بالأمر، لم تكن دينية، وإنما كانت دنيوية محضة كي يتفرد بالملك وينال السلطة والرئاسة!!! وكيف يمكن أن يكتب ابن عباس هذا إلى امير المؤمنين ويعتقده مع ان احتجاجاته الكثيرة على النواصب والخوارج مشحونة بتبرير عمل امير المؤمنين عليه السلام وانه كان في جميع أعماله على الحق وان اعداءه على الباطل. ويجيء تحت الرقم: (375) ص 357، انه كتب بصفين في جواب عمرو بن العاص: «اردت الله واردت مصر» .(2/171)
رزين الهلالي، وقبيصة بن عبد عون الهلالي وغيرهم من الهلاليين، فقال الهلاليون: لا غناء بنا عَن إخواننا من بني هوازن ولا غناء بنا عَن إخواننا من بني سُلَيْم. فاجتمعت قيس كلها [1] ، وصحب ابن عباس أيضا سنان بن سلمة ابن المحبق الهذلي، والحصين ابن أبي الحر العنبري، والربيع بن زياد الْحَارِثِيّ، فلما رأى عبد الله من معه حمل المال وهو ستة ألاف ألف فِي الغرائر [2] ثم سار، واتبعه أخماس البصرة كلهم فلحقوه بالطف عَلَى أربعة فراسخ من البصرة، إرادة أخذ المال مِنْه، فقالت قيس: والله لا يصلون إِلَيْهِ ومنا عين تطرف. فقال صبرة بن شيمان بن عكيف (كذا) وهو رأس الأزد: يا قوم إن قيسا إخواننا وجيراننا فِي الدار، وأعواننا عَلَى العدو، ولو رد عليكم هَذَا المال كَانَ نصيبكم مِنْه الأقل فانصرفوا. وقالت بكر بن وائل: الرأي والله ما قَالَ صبرة بن شيمان، واعتزلوا أيضا، فقالت بنو تميم: والله لنقاتلنهم عَلَيْهِ. فقال لَهُم الأحنف: أنتم والله أحق أ (ن) لا تقاتلونهم وقد ترك قتالهم من هُوَ أبعد منهم رحما. فقالوا: والله لنقاتلنهم عَلَيْهِ. فقال الأحنف: والله لا أساعدكم وانصرف عنهم، فرأسوا عليهم رجلا يقال لَهُ:
ابن الجذعة [3] وهو من بني تميم وبعضهم يقول: ابن المخدعة، فحمل عليهم
__________
[1] كذا في النسخة، وفي العقد الفريد: ج 3/ 121، ط 1: «فقالت بنو هلال: لا غنى بنا عن هوازن، فقالت هوازن: لا غنى بنا عن بني سليم. ثم اتتهم قيس» .
[2] الغرائر: جمع الغرارة- بكسر الغين كرسائل في رسالة-: الجوالق. ويقال: هو شبه العدل. اقول: وهو إلى الآن مستعمل في بلادنا- إلا انهم يبدلون الغين بالخاء- وهو وعاء من الشعر او الصوف ذات عدلين متصلين- كالخرجين- يملأ من الحبوب ونحوها ويحمل على الدابة وهي بنفسها حمل، وهذا بخلاف الجوالق- معرب جوال- فإنه إذا ملئ يكون نصف الحمل وبآخر مثله يتم الحمل.
[3] وفي العقد الفريد: «ابن محدبة» .(2/172)
الضحاك بن عبد الله الهلالي فطعن ابن الحذعة فصرعه، وحمل سلمة بن ذويب عَلَى الضحاك فطعنه فاعتنقه عبد الله بن رزين الهلالي فسقطا إلى الأرض يعتركان، وَكَانَ ابن إدريس (كذا) شجاعا وكثرت الجرحى بينهم ولم يقتل من الفريقين أحد، فقال من اعتزل من الأخماس: والله ما صنعتم شيئا حَيْثُ اعتزلتم وتركتموهم يتناحرون، فجاؤا حَتَّى صرفوا وجوه بعضهم عَن بعض وحجزوا بينهم وقالوا لبني تميم: والله لنحن أسخى أنفسا منكم، تركنا لبني عمكم شيئا أنتم تقاتلونهم عَلَيْهِ، فخلوا عَن القوم وعن ابن أختهم.
ففعلوا ذلك.
وقال ابن الكلبي: الحذعة بِنْت مُعَاوِيَة بْن مالك بْن زَيْد مناة، وهي أم جشم وعبشمس (كذا) ابني كعب بن سعد، ويقال لهم: بنو الحذعة.
ومضى عبد الله بن عباس ومعه من وجوههم نحو من عشرين سوى مواليهم ومواليه، ولم يفارقه الضحاك بن عبد الله، وعبد الله بن رزين حتى وافا مكة، وقال قائل أهل البصرة:
صبح من كاظمة الحض الغضب [1] ... سبع دجاجات وسنور جرب
مع ابن عباس بن عبد المطلب.
وبعضهم ينشده:
__________
[1] كذا في النسخة، وفي العقد الفريد: فجعل راجز لعبد الله بن عباس يسوق له في الطريق ويقول: «صبحت من كاظمة القصر الخرب» إلخ. ثم قال: وجعل ابن عباس يرتجز ويقول:
«آوي إلى اهلك يا رباب ... آوي فقد حان لك الإياب»
وجعل أيضا يرتجز ويقول:
وهن يمشين بنا هميسا ... إن يصدق الطيرننك لميسا
فقالوا له: يا أبا العباس امثلك يرفث؟ قال: إنما الرفث ما يقال عند النساء.(2/173)
«يتبعن عباس بن عبد المطلب» . عَلَى الغلط [1] وَكَانَ ابن عباس يعطي فِي طريقه من سأله ومن لَمْ يسأله من الضعفاء حَتَّى قدم مكة.
ويقال: إنه كَانَ استودع حصين بن الحرّ مالا فأداه إليه.
قالوا: ولما قدم ابن عباس مكة ابتاع من حبيرة مولى بني كعب (ظ) من خزاعة ثلاث مولدات: حورا (ء) وفنور [2] وشادن بثلاثة آلاف دينار، فكتب إِلَيْهِ عَليّ بن أبي طالب:
أما بعد فإني كنت أشركتك فِي أمانتي ولم يكن فِي أهل بيتي رجل أوثق منك في نفسي لمواساتي وموازرتي وأداء الأمانة إلي، فلما رأيت الزمان عَلَى ابن عمك قد كلب، والعدو عَلَيْهِ قد حرب، وأمانة الناس قد خربت [3] وهذه الأمة قد فتنت قلبت لَهُ ظهر/ 333/ المجن، ففارقته مع القوم المفارقين، وخذلته أسوأ خذلان الخاذلين، وخنته مع الخائنين، فلا ابن عمك آسيت، ولا الأمانة أديت، كأنك لَمْ تكن الله تريد بجهادك؟! وكأنك لَمْ تكن عَلَى بينة من ربك، وكأنك إنما كنت تكيد أمة مُحَمَّد عَن دنياهم وتطلب غرتهم عَن فيئهم!! فلما أمكنتك الشرة (الشدة «خ» ) [4]
__________
[1] اي ينشد ذلك البعض الشعر على الغلط.
[2] كلمتا: «حبيرة- وفنور» رسم خطهما غير واضح من النسخة، وكتبناهما على الظن، وفي العقد الفريد هكذا: «قال ابو محمد: فلما نزل (ابن عباس) مكة اشترى من عطاء بن جبير مولى بني كعب من جواريه ثلاث مولدات حجازيات يقال لهن: شادن وحوراء وفنون بثلاثة آلاف دينار» .
[3] ومثله في غير واحد من مصادر الكلام، وفي المختار: (44) من باب الكتب من نهج البلاغة: «وامانة الناس قد خزيت» .
[4] كذا في النسخة، وفي النهج: «فلما امكنتك الشدة في خيانة الأمة، اسرعت الكرة وعاجلت الوثبة» .(2/174)
أسرعت العدوة، و (أ) غلظت الوثبة وانتهزت الفرصة، واختطفت ما قدرت عَلَيْهِ من أموالهم اختطاف الذئب الأزل دامية المعزى الهذيلة، وظالعها الكسير [1] فحملت أموالهم إلى الحجاز رحيب الصدر، تحملها غير متأثم من أخذها كأنك- لا أبا لغيرك- إنما حزت لأهلك تراثك عَن أبيك وأمك، سبحان الله أفما تؤمن بالمعاد؟!! (أ) ولا تخاف سوء الحساب؟! أما تعلم أنك تأكل حراما وتشرب حراما؟! أو ما يعظم عليك وعندك أنك تستثمن الإماء [2] وتنكح النساء بأموال اليتامى والأرامل والمجاهدين الَّذِينَ أفاء الله عليهم البلاد!!! فاتق الله وأد أموال القوم، فإنك والله إ (ن) لا تفعل ذَلِكَ ثُمَّ أمكنني الله منك أعذر إِلَيْهِ فيك حَتَّى آخذ الحق وأرده، وأقم الظالم [3] وأنصف المظلوم والسلام.
فكتب إِلَيْهِ عبد الله:
أما بعد فقد بلغني كتابك تعظم عَليّ إصابة المال الَّذِي أصبته من مال البصرة، ولعمري إن حقي فِي بيت المال لأعظم مما أخذت مِنْه والسلام.
فكتب إِلَيْهِ عَليّ عَلَيْهِ السلام:
أما بعد فإن من أعجب العجب تزيين نفسك لك أن لك فِي بيت المال من الحق أكثر مما لرجل من المسلمين، ولقد أفلحت إن كَانَ ادعاؤك ما لا يكون وتمنيك الباطل ينجيك من الإثم، عمرك الله إنك لأنت السعيد إِذَا!
__________
[1] كذا في النسخة، وفي النهج ورجال الكشي: «اختطاف الذئب الأزل دامية المعزى الكسيرة» .
[2] كذا في النسخة، وفي رجال الكشي: «اما تؤمن بالمعاد؟! او لا تخاف من سوء الحساب، او ما يكبر عليك ان تشتري الإماء وتنكح النساء بأموال الأرامل والمهاجرين (كذا) الذين أفاء الله عليهم هذه البلاد» . وقريب منه في تذكرة الخواص.
[3] كذا في النسخة.(2/175)
وقد بلغني أنك اتخذت مكة وطنا، وصيرتها عطنا، واشتريت مولدات المدينة والطائف، تتخيرهن عَلَى عينك [1] وتعطي فيهن مال غيرك، والله ما أحب أن يكون الَّذِي أخذت من أموالهم لي حلالا أدعه ميراثا [2] فكيف لا أتعجب من اغتباطك بأكله حراما!!! فضحّ رويدا فكأنك قد بلغت المدى، حَيْثُ ينادي المغتر بالحسرة، ويتمنى المفرط التوبة، والظالم الرجعة، وَلاتَ حِينَ مَناصٍ والسلام.
وقد زعم بعض الناس أن عبد الله لَمْ يبرح البصرة حَتَّى صالح الْحَسَن معاوية، وليس ذَلِكَ بثبت، والثبت أَنَّهُ، لِمَا قتل أمير الْمُؤْمِنِين عَليّ عَلَيْهِ السلام كتب إلى الْحَسَن كتابه- الَّذِي نذكره إن شاء الله فِي خبر صلح الْحَسَن ومعاوية- من الحجاز [3] .
«201» قالوا: وَكَانَ من عماله عليه السلام ربعي بن كاس العنبري ولاه سجستان وَكَانَ قد ولا قبله عون بن جعدة (جعد «خ» ظ) فلقيه بهذا [4] اللص فقتله، فطلب عقيل بْن جعدة بدمه فحبس لَهُ وقتل بالمدينة.
[ولاة علي على الأمصار]
وولى عَليّ بن أبي طالب عبيدة السلماني من مراد الفرات، وولى الأشتر نصيبين، وولى عبد الله بن الأهتم كرمان.
__________
[1] وفي العقد الفريد: «قد بلغني انك اتخذت مكة وطنا، وضربت بها عطنا تشترى المولدات من المدينة والطائف، وتختارهن على عينك وتعطي بها مال غيرك» .
[2] وفي العقد: «وإني اقسم بالله ربي وربك رب العزة، ما أحب ان ما أخذت من أموالهم لي حلالا أدعه ميراثا لعقبي، فما بال اغتباطك به تأكله حراما» .
[3] انظر ترجمة ابن العباس في اخر القسم الأول من ص 274/ او 272 من الأنساب: ج 1.
[4] كذا في النسخة.(2/176)
«202» حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، عَنْ أَبِي عوانة، عن خالد الحذاء عن عبد الرحمان بْنِ أَبِي بَكْرَةَ [1] :
أَنَّ عَلِيًّا أَتَاهُمْ عَائِدًا فقال: [ما لقي أحد من هَذِه الأُمَّةَ مَا لَقِيتُ، تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَحَقُّ النَّاسِ بِهَذَا الأَمْرِ، فَبَايَعَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ فَاسْتَخْلَفَ عُمَرَ فَبَايَعْتُ وَرَضِيتُ وَسَلَّمْتُ، ثُمَّ بَايَعَ النَّاسُ عُثْمَانَ فَبَايَعْتُ وَسَلَّمْتُ وَرَضِيتُ، وَهُمُ الآنَ يَمِيلُونَ بَيْنِي وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ] .
«203» حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْنِ الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَن إسرائيل عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إبْرَاهِيم قَالَ: أن لَمْ ينفع حب عَليّ سرا لَمْ ينفع علانيته [2] .
«204» الْمَدَائِنيّ عَن أبي مُحَمَّد الناجي عَن قتادة قَالَ:
مر سعد بن مالك برجل شتم عليا فقال: ويحك ما تَقُولُ؟ قَالَ: أقول ما تسمع. فقال: اللَّهُمَّ إن كَانَ كاذبا فأهلكه فخبطه جمل حَتَّى قتله.
«204» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ/ 334/ بْنُ سَعْدٍ [3] حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ سَيْفِ بْنِ هَارُونَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي عَاصِمٍ الثقفي:
__________
[1] عبد الرحمان بن أبي بكرة كان من عمال عمه الذي افتخر بزنا أبي سفيان بأمه، وانتسب إلى غير مواليه وظاهر معاوية في بغيه وعدوانه وقد بالغ في سب أمير المؤمنين كل المبالغة، وقتل الصلحاء من شيعته بكل فرية وبهتان، وقتلهم تحت كل حجر ومدر، فلا يعتبر حديثه إلا ما دلت القرائن على صدقه وكونه مطابقا للواقع، فما رواه عنه عليه السلام هنا من قوله: «رضيت» كذب بحت، ويكفي في ذلك المراجعة إلى احتجاجاته عليه السلام وما جرى بينه وبينهم في يوم البيعة وبعده!!!
[2] هذا من جملة الشواهد على ان ابراهيم كان على تقية من اهل عصره.
[3] قال في عنوان: «من كان يفتي بالمدينة في عهد رسول الله» من الطبقات الكبرى: ج 2 ص 339 ط بيروت- بعد عنوان علي بن أبي طالب-: أخبرنا محمد بن عمر، قال: أخبرنا سيف بن سليمان، عن قيس مولى ابن علقمة، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي عَاصِمٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ سعيد بن المسيب قال: خرج عمر بن الخطاب على أصحابه يوما فقال: أفتوني في شيء صنعته اليوم!! فقالوا:
ما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: مرت بي جارية لي فأعجبتني فوقعت عليها وأنا صائم! قال:
فعظم عليه القوم وعلي ساكت، فقال: ما تقول يا بن أبي طالب؟ فقال: جئت حلالا، ويوما مكان يوم. (كذا) فقال: أنت خيرهم فتوى.
وفي الرقم: (22) من نوادر الأثر من الغدير: ج 6 وترجمة زرعة بن ابراهيم من تاريخ دمشق:
18، ص 91 شواهد، وانظر أيضا مقتل ابن أبي الدنيا 14/ 1 و 41.(2/177)
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ صَائِمًا فَعَرَضَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَأَعْجَبَتْهُ فَوَاقَعَهَا وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَعْظَمَ مَنْ حَضَرَهُ مَا صَنَعَ، فَقَالَ عَلِيٌّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ [أَتَيْتَ حَلالا، يَوْمًا مكان يوم. فقال (عمر) : أَنْتَ خَيْرُهُمْ فُتْيَا] .
«205» الْمَدَائِنِيُّ فِي إِسْنَادِهِ أَنَّ بَعْضَ عُمَّالِ عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- بَاعَ خَنَازِيرَ وَجَعَلَ ثَمَنَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ:
[إِمَّا أَنْ تَعْزِلَهُ وَإِمَّا أَنْ تَكْتُبَ إِلَيْهِ أَنْ لا يَعُودَ] .
«206» حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ:
عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ أَمْرٌ فَبَعَثَ إِلَيْهَا عُمَرُ يَدْعُوهَا فَارْتَاعَتْ فولدت غلاما فاستهل [1] فبلغ ذلك من عُمَرُ كُلَّ مَبْلَغٍ فَجَمَعَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ؟ قَالُوا: مَا نَرَى عَلَيْكَ شَيْئًا!! فَقَالَ عَلِيٌّ: [أَرَى أَنَّكَ قَدْ ضَمِنْتَ ديته قال:] صدقتني فأقسمت عليك أ (ن) لا تبرح حتى تقسمها على بني أبيك يَعْنِي قُرَيْشًا.
«207» حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخَوَارِزْمِيُّ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَوْلَى بَنِي ثَعْلَبَةَ، عَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ قال:
__________
[1] أي صاح ورفع صوته ثم مات. ورواه العلامة الاميني رفع الله درجاته تحت الرقم:
(22) من نوادر الأثر، من الغدير: ج 6 ص 109، ط 1، بمغايرة يسيرة عن مصادر.(2/178)
سَبَّ أَمِيرٌ مِنَ الأُمَرَاءِ عَلِيًّا فَقَامَ إِلَيْهِ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ سَبِّ الْمَوْتَى أَفَتَسُبُّ عَلِيًّا وَهُوَ مَيِّتٌ؟! [1] .
«208» حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَكِيمٍ:
عَنْ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ: لَوْ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَعْمَلْ عَمَلا وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا إِلا أَنَّهُ أَحْيَا التَّكْبِيرَتَيْنِ عِنْدَ السُّجُودِ لَكَانَ قَدْ أَصَابَ بِذَلِكَ فَضْلا عَظِيمًا.
«209» حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ ابن مُوسَى، أَنْبَأَنَا كَامِلٌ أَبُو الْعَلاءِ:
عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا أَجِدُنِي آسَى عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا إلا قتالي مع الفئة الباغية [2] .
__________
[1] ورواه أيضا أحمد بن حنبل في الحديث: (27) من مسند زيد بن أرقم من كتاب المسند:
ج 4 ص 369 ط 1، قال: حدثنا محمد بن بشر، حدثنا مسعر، عن الحجاج مَوْلَى بَنِي ثَعْلَبَةَ، عَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ عم زياد بن علاقة، قال: نال المغيرة بن شعبة من علي فقال زيد بن أرقم: قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن سب الموتى فلم تسب عليا وقد مات؟!!
[2] وقال الحاكم في الحديث: (28) من باب مناقب أمير المؤمنين من المستدرك: ج 3 ص 115: حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار، حدثنا أحمد بن مهدي بن رستم، حدثنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة القرشي، حدثني أبي، عن الزهري (قال:) أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر، انه بينما هو جالس مع عبد الله بن عمر، إذ جاءه رجل من أهل العراق فقال: يا أبا عبد الرحمان إني والله لقد حرصت أن أتسمت بسمتك واقتدي بك في أمر فرقة الناس وأعتزل الشر ما استطعت، وإني أقرأ آية من كتاب الله محكمة قد أخذت بقلبي فأخبرني عنها، أرأيت قول الله عز وجل: «وإن طائفتان من المؤمنين اقتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغى حتى تفيء إلى أمر الله، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين (8/ الحجرات) أخبرني عن هذه الآية. فقال عبد الله: مالك ولذلك؟ انصرف عني!! فانصرف (الرجل) حتى توارى عنا سواده، فأقبل علينا عبد الله بن عمر وقال: ما وجدت في نفسي من شيء في أمر هذه الآية (كذا) ما وجدت في نفسي أني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله عز وجل.
قال الحاكم: هذا باب كبير، قد رواه عن عبد الله بن عمر جماعة من التابعين، وإنما قدمت حديث شعيب بن أبي حمزة عن الزهري واقتصرت عليه لأنه صحيح على شرط الشيخين.
أقول: وأقره الذهبي. وقال في ترجمة أمير المؤمنين من أسد الغابة: ج 4 ص 33:
أنبأنا أبو غانم محمد بن هبة الله بن محمد بن أبي جرادة الحلبي، قال: حدثني عمي أبو المجد عبد الله بن محمد بن أبي جرادة، أنبأنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن أبي جرادة، حدثنا أبو الفتح عبد الله بن إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن سعيد بحلب، حدثنا الأستاذ أبو النمر الحارث بن عبد السلام بن زغبان الحمصي حدثنا أبو عبد الله الحسين بن خالويه، أنبأنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي سعيد البزار، حدثنا محمد بن الحسن بن موسى الكوفي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا عبد الله بن حبيب، أخبرني أبي قال:
قال ابن عمر حين حضره الموت: ما أجد في نفسي من الدنيا إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية.
وقال أبو عمر: روي من وجوه عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر أنه قال: ما آسي على شيء إلا أني لم أقاتل مع علي بن أبي طالب الفئة الباغية.(2/179)
«210» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَعَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا غَيْلانُ:
عَنْ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: صَلَّيْتُ أَنَا وَعِمْرَانُ بْنُ حصين خلف علي ابن أَبِي طَالِبٍ فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ كَبَّرَ، وَإِذَا نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَخَذَ عِمْرَانُ بِيَدِي فَقَالَ: لَقَدْ صَلَّى صَلاةَ مُحَمَّدٍ، وَلَقَدْ ذَكَّرَنِي صَلاةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
«211» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ:
عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ: حَدِّثْنِي عَنْ عَلِيٍّ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَعْلَمَ مَا كَانَتْ مَنْزِلَتُهُ من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(2/180)
فَانْظُرْ إِلَى بَيْتِهِ مِنْ بُيُوتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الرَّجُلُ: فَإِنِّي أُبْغِضُهُ.
قَالَ: أَبْغَضَكَ اللَّهُ [1] .
«212» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ حُدِّثْتُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ الأَعْوَرِ، عَنْ جَوَّابٍ التَّيْمِيِّ:
عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ أَنَّ عَلِيًّا قتل الزّنادقة (وأ) حرقهم بعد ما قَتَلَهُمْ.
«213» حَدَّثَنَا يوسف بن مُوسَى، حَدَّثَنَا جرير بن عبد الحميد، عَنْ أَبِي إسحاق الشيباني:
عَن إِبْرَاهِيم أَنَّهُ قَالَ: عَليّ أحب إلي من عثمان، ولأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتناول عثمان بسوء.
«214» حَدَّثَنِي الحسين بن الأسود، حدثني يجي بن آدم، حَدَّثَنَا أَبُو معاوية الضرير:
حَدَّثَنَا الأعمش قال: رأيت عبد الرحمان أبي ليلي وقفه الحجاج فقال (له) : العن الكذابين عليا وعَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ، والمختار بْن (أَبِي) :
عُبَيْد. فقال: لعن الله الكذابين. ثُمَّ ابتدأ فقال عَليّ بْن أَبِي طَالِب وعَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر، والمختار بن أبي عُبَيْد. قَالَ: فعلمت أَنَّهُ حين ابتدأهم ورفعهم انه لم يلعنهم. (و) حَدَّثَنِي عَمْرو بن مُحَمَّدٍ النَّاقِد، عَن أبي معاوية، عَن الأعمش بمثله.
«215» حَدَّثَنِي خَلَفٌ الْبَزَّارُ/ 335/ وهبار بن بقية (ظ) قَالا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ رَجُلٍ أخبره
__________
[1] وقريبا منه رواه في الحديث: «12» من مقدمة شواهد التنزيل- للحسكاني- والحديث:
«1098» من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق.(2/181)
قَالَ: ذَكَرْتُ شِيعَةَ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ: مَا تَذْكُرُونَ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ وَهُمُ الْفَائِزُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [1] .
«216» حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ:
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَيُسَبُّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيكُمْ وَأَنْتُمْ أَحْيَاءٌ؟!! قُلْتُ: مَعَاذَ اللَّهِ.
قَالَتْ: أَلَيْسُوا يسبّون عليا ومن أحبه!!! [2] قلت: بلى.
__________
[1] ورواه في الحديث: (851) من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 38 ص 41:
عن ابن السمرقندي، عن ابن النقور، عن ابن اخي ميمي، عن احمد بن محمد بن سعيد الهمداني، عن علي بن الحسين بن عبيد، عن اسماعيل بن ابان، عن سعد بن طالب أبي علام الشيباني، عن جابر بن يزيد، عن محمد بن علي قال:
سألت أم سلمة زوج النبي عن علي فقالت: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إن عليا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة.
[2] ورواه بطرق عنه وعن غيره في الحديث: (659) وما حوله من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمصق: ج 38 ص 22. وقال ابن أبي شيبة في المصنف: ج 6- او 7- الورق 158/ ب/: حدثنا عبد الله بن نمير، عن فطر، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الله الجدلي قال: قالت أم سلمت: يا أبا عبد الله ايسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم ثم لا تغيرون؟
قلت: ومن يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: يسب علي ومن يحبه وقد كان رسول الله يحبه. اقول: ورواه عنه في الحديث (375) من باب فضائل علي من كنز العمال:
ج 15/ 128.
ورواه أيضا احمد في اخر مسند أم سلمة من مسنده 5: ج 6 ص 323، ورواه أيضا في مجمع الزوائد: ج 9 ص 130، عن احمد وأبي يعلى والطبراني في الثلاثة، وقال: رجال احمد والطبراني رجال الصحيح غير الجدلي وهو ثقة. ثم قال: ورواه أيضا الطبراني مثله برجال ثقات. ورواه أيضا الحاكم في الحديث (46، 47) من ترجمة علي من المستدرك: ج 3/ 121.
بسندين، وصححه والذهبي. وذكر نبذا وافيا منه، في شرح المختار: (231) من نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 13/ 220، نقلا عن أبي جعفر الاسكافي في رده على الجاحظ.(2/182)
«217» حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ:
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: مرّ رجل على سلمان فَقَالَ: أَرَى عَلِيًّا يَمُرُّ بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ فَلا تقومون فتأخذون بحجزته، فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يُخْبِرُكُمْ أَحَدٌ بِسِرِّ نَبِيِّكُمْ بعده [1] .
«218» حدثنا سريح بْنُ يُونُسَ، عَنْ مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حماد ابن زَيْدٍ، حَدَّثَنَا غَيْلانُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: شَهِدْتُ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- وَقَدْ وَقَعَ بَيْنَهُمَا كَلامٌ شَدِيدٌ، حَتَّى رَفَعَ عُثْمَانُ الدِّرَّةَ عَلَى عَلِيٍّ، فَقُلْتُ لِعُثْمَانَ:
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ مِنْ حاله وحاله (كذا) ثم قلت: يا (أ) با الحسنين أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى سَكَنَ وصلح الذي كان بينهما، وقعدا يَتَحَدَّثَانِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ.
«219» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، أَنْبَأَنَا حَمَّادُ بن زيد عن مجالد:
__________
[1] وقال ابن عساكر- في الحديث: (815) من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 36-: أخبرنا ابو طاهر محمد بن الحسين الحنائي، أنبأنا ابو علي وابو الحسين ابنا أبي نصر، قالا: أنبأنا ابو بكر ابن يوسف بن قاسم، أنبأنا ابو عبد الله الحسين ابن محمد بن مصعب البجلي الكوفي بالكوفة، أنبأنا احمد بن عثمان، أنبأنا علي بن ثابت، أنبأنا محمد بن إسماعيل ومندل، عن كثير بن (عن «خ ت) أبي السفير النميري:
عن انس بن مالك، عن سلمان الفارسي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: صاحب سري علي بن أبي طالب.(2/183)
عن عمير بن وردي قَالَ: قَامَ عَلِيٌّ يَوْمًا يَخْطُبُ فَقَامَ أُولَئِكَ الْخَوَارِجُ فَقَطَعُوا عَلَيْهِ كَلامَهُ، فَنَزَلَ فَدَخَلَ وَنَحْنُ مَعَهُ، فَقَالَ: أَلا إِنَّمَا أُكِلْتُ يَوْمَ أُكِلَ الأبيض. ثم قال: إن هذا بمثل ثَلاثَةِ أَثْوَارٍ [1] وَأَسَدٍ، اجْتَمَعْنَ فِي أَجْمَةٍ، أَحْمَرُ وَأَسْوَدُ وَأَبْيَضُ، فَكَانَ يُرِيدُ أَخْذَهَا فَتَمْتَنِعُ مِنْهُ، فقال الأسود وَالأَحْمَرِ إِنَّمَا يَفْضَحُنَا فِي هَذِهِ الأَجْمَةِ، وَيَشْهَرُنَا وَيَدُلُّ عَلَيْنَا الأَبْيَضُ فَخَلِّيَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَسَدِ فَأَكَلَهُ، ثُمَّ جَلَسُوا فَلَمْ يَقْدِرْ مِنْهُمَا عَلَى شيء، فقال الأسد لِلأَحْمَرِ: لَوْنِي مِثْلُ لَوْنِكَ وَمَا يُشْهِرُنَا وَيَفْضَحُنَا فِي هَذِه الأَجْمَةِ إِلا الأَسْوَدَ، فَخَلِّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ آكُلْهُ فَفَعَلَ، ثُمَّ قَالَ لِلأَحْمَرِ: إِنِّي آكُلُكَ. قَالَ: فَدَعْنِي [2] أُصَوِّتُ ثَلاثَةَ أَصْوَاتٍ. قَالَ: افْعَلْ. فَجَعَلَ يَصِيحُ: أَلا إِنِّي مَا أُكِلْتُ إِلا يَوْمَ أُكِلَ الأَبْيَضُ، [أَلا وَأَنِّي إِنَّمَا وُهِيتُ يَوْمَ قُتِلَ عُثْمَانَ] .
«220» الْمَدَائِنيّ، عَن شريك، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ، عَن عمر بن عَليّ قَالَ: قَالَ مروان لعلي بن الْحُسَيْن: ما كَانَ أحد أكف عَن صاحبنا من صاحبكم. قَالَ: فلم تشتمونه عَلَى المنابر؟!! قَالَ: لا يستقيم لنا هذا إلا بهذا!! [3] .
__________
[1] كذا.
[2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «قال: فدعني قال: فدعني» .
[3] قال في شرح المختار (231) من النهج وروى الاسكافي، عن محمد بن سعيد الاصفهاني، عَن شريك، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ، عَن عمرو بن علي بن الحسين، عن ابيه علي بن الحسين قال: قال لي مروان: ما كان في القوم ادفع عن صاحبنا من صاحبكم!! قلت: فما بالكم تسبونه على المنابر؟ قال: إنه لا يستقيم الأمر إلا بذلك. وقال ابن عساكر- في الحديث: (1139) من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق ج 38 ص-: أخبرنا ابو طاهر محمد بن محمد، وابو الفضل محمد بن سليمان بن الحسن بن عمرو العبدي، قالا: أنبأنا ابو بكر محمد بن علي ابن حامد الشاشى الفقيه، أنبأنا منصور بن نصر بن عبد الرحيم، أنبأنا الهيثم بن كليب، أنبأنا ابو بكر ابن أبي خيثمة، أنبأنا ابن الإصبهاني- وهو محمد بن سعيد- أنبأنا شريك، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ، عَن عمر بن علي بن الحسين:
عن علي بن الحسين قال: قال مروان بن الحكم: ما كان في القوم احد ادفع عن صاحبنا من صاحبكم- يعني عليا عن عثمان!!! - قال: قلت (له) : فما لكم تسبونه على المنابر؟! قال:
لا يستقيم الأمر إلا بذلك.(2/184)
«221» حَدَّثَنَا عبد الله بن صالح، أَنْبَأَنَا شريك بن عبد الله، عَن جابر:
عَن هرمز مولى جَعْفَر قَالَ: رأيت عليا وَعَلَيْهِ عمامة سوداء قد أرخاها من بين يديه ومن خلفه [1] .
«222» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ [2] .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ علي قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِذَا كَانَ إِزَارُكَ وَاسِعًا فَاتَّشِحْ به، وإذا كان ضيقا فاتزر به (ظ) ] .
«223» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ:
عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ: [أَن عليا تختم في يساره [3]] .
__________
[1] ورواه أيضا محمد بن سعد في ترجمته عليه السلام من الطبقات: ج 3/ 29، قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: أخبرنا شريك، عن جابر، عن مولى لجعفر يقال له هرمز ...
[2] ورواه أيضا بهذا السند في الطبقات: ج 3 ص 30، ولكن قال: ابراهيم بن عبد الله بن حنين ... وفيه أيضا: «فتوشح به، وإذا كان ضيقا فاتزر به» .
[3] رواه أيضا في الطبقات: ج 3 ص 30، وفيه: «ان عليا تختم في اليسار» . نعم رواه أيضا قبله بسند آخر وقال: «تختم في يساره» . والأمر سهل.(2/185)
«224» حدثني محمد ابن سعد، حدثنا محمد بن ربيعة (الكلابي) عن كيسان (بن أبي عمر) عن يزيد بن الحرث (بن بلال) الفزاري قال:
رأيت على علي قلنسوة بيضاء مضرية [1] .
«225» حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، وَرَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، قَالا:
حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ:
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: قَرَأْتُ نَقْشَ خَاتَمِ عَلِيٍّ فِي صُلْحِ أَهْلِ الشَّامِ بعد صفين (كذا) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [2] .
«226» حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، ومظفر بن مرجا/ 336/ قَالا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ، عَنْ زهير، عن جابر (الجعفي) :
عن (الامام) محمد بن علي (الباقر) قال: [ (كان) نَقْشُ خَاتَمِ عَلِيٍّ:
اللَّهُ الْمَلِكُ [3]] .
«227» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيِّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ الأَعْمَشِ:
عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا عَلِيٌّ فِي إزار أصفر، وخميصة سوداء شبه البرنكاني [4] .
__________
[1] كذا في النسخة بالضاد المعجمة، وذكره في الطبقات: ج 3 ص 30، بالصاد المهملة.
[2] ورواه أيضا في الطبقات: ج 3 ص 30 قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي، قال: أخبرنا معتمر، عن ابيه، عن أبي إسحاق الشيباني قال: قرات نقش خاتم علي بن أبي طالب في صلح اهل الشام: محمد رسول الله (كذا) .
[3] ورواه أيضا في الطبقات: ج 3 ص 31، قال: أخبرنا الحسن بن موسى الاشيب وعمرو بن خالد المصري، قالا: أخبرنا زهير ...
وكلمتا: «الجعفي- وكان» مأخوذتان منه. ورواه أيضا بعده عَنْ عُبَيْد اللَّهِ بْن مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَن جابر، عن «الإمام» محمد بن علي مثله.
[4] كذا في النسخة، وفي الطبقات بالسند المذكور: «خَرَجَ عَلَيْنَا عَلِيٌّ فِي إِزَارٍ أَصْفَرَ، وَخَمِيصَةٍ سوداء، الخميصة شبه البرنكان» .
قال في مادة «برك» من التاج مزجا بكلام القاموس: ويقال للكساء الأسود: البركان والبركاني مشددتين وبياء النسبة في الأخير نقلهما الفراء، وزاد الجوهري فقال: والبرنكان- كزعفران- والبرنكاني بياء النسبة- وأنكرهما الفراء- وقال ابن دريد: البرنكاء- بالمد- يقال: كساء برنكاني بزيادة النون عند النسبة، قال: وليس بعربي، وقد تكلمت به العرب، والجمع: برانك.(2/186)
«228» حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ أَيُّوبَ الْمُكْتِبِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى عَلَى عَلِيٍّ بُرْدَيْنِ نَجْرَانِيَّيْنِ.
«229» أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ بَكْرِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ:
كَانَ عَلِيٌّ يُطْعِمُ النَّاسَ بِالْكُوفَةِ بِالرَّحْبَةِ، فَإِذَا فَرَغَ أَتَى مَنْزِلَهُ فَأَكَلَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: قُلْتُ فِي نَفْسِي: أَظُنُّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَأْكُلُ فِي مَنْزِلِهِ طَعَامًا أَطْيَبَ مِنْ طَعَامِ النَّاسِ، فَتَرَكْتُ الطَّعَامَ مَعَ الْعَامَّةِ، وَمَضَيْتُ مَعَهُ، فَقَالَ: أَتَغَدَّيْتَ؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: فَانْطَلِقْ مَعِي. فَمَضَيْتُ مَعَهُ إِلَى مَنْزِلِهِ فنادى:
يا فضّة. فجاءت خادم سوداء (كذا) فَقَالَ: غَدِّينَا. فَجَاءَتْ بِأَرْغِفَةٍ وَبِجَرَّةٍ فِيهَا لَبَنٌ فصبّتها في صحفة وثردت الخبز (قال) فَإِذَا فِيهِ نِخَالَةٌ، فَقُلْتُ:
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَمَرْتَ بِالدَّقِيقِ فَنُخِلَ. [فَبَكَى ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ كَانَ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْخَلٌ قَطُّ] .
«230» حَدَّثَنِي أَبُو هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيُّ، عَنْ أَشْيَاخِهِمْ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ:
[مَا لَبِسَ رَجُلٌ بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ لِبَاسًا أَحْسَنَ مِنْ فَصَاحَةٍ، وَلا تحلّت امرأة بأزين من شحم [1]] .
__________
[1] وله مصادر، وذكره أيضا في الحديث: (107) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل لأحمد بن حنبل.(2/187)
«231» وَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ رَجُلا أَثْنَى عَلَى عَلِيٍّ فِي وَجْهِهِ- وَكَانَ عَلِيٌّ اتَّهَمَهُ- فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ:
[أَنَا دُونَ وَصْفِكَ وَفَوْقَ مَا فِي نَفْسِكَ.] ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ فَأَطْرَاهُ فَقَالَ عَلِيٌّ [اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْلَمُ بِنَفْسِي وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِي مِنِّي، فَاغْفِرْ لِي مَا لا يَعْلَمُهُ النَّاسُ مِنِّي [1]] .
«232» حدثنا يوسف بن موسى، عن حكام (ظ) الرَّازِيِّ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مَعْرُوفٍ، عَنْ لَيْثٍ:
عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالْكُوفَةِ: [كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا أَتَاكُمْ أَهْلُ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ؟ قَالُوا: نَفْعَلُ وَنَفْعَلُ. قَالَ: فَحَرَّكَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: بَلْ تُورِدُونَ ثُمَّ تعرّدون (او تعودون) فلا تصدرون، ثم تطلبون البراة ولا براة لكم [2]] :
«233» (قال:) وَفِي عَليّ عَلَيْهِ السلام يقول الشاعر:
فِي كلّ مجمع غاية أخزاكم ... جذع أشرّ (ظ) عَلَى المذاكي القرح
هَذَا ابن فاطمة الَّذِي أفناكم ... بالسيف (ظ) يعمل حده لَمْ يصفح
ابن الكهول وابن كل دعامة ... فِي المعضلات وابن زين الأبطح
في أبيات [3] .
__________
[1] وقريب منهما في المختار: (83، 100) من باب قصار كلامه عليه السلام من نهج البلاغة. والأول رواه ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (57) من نهج البلاغة: ج 4/ 104، عن الإمام السجاد عليه السلام.
[2] وقريبا منه رواه الطبراني في الحديث (57) من ترجمة الإمام الحسين من المعجم الكبير: ج 1/ الورق 237/ ا/ ورواه عنه في ترجمته عليه السلام من مجمع الزوائد: ج 9/ 191.
[3] ورواه أيضا في الباب- 3- من تيسير المطالب ص 29.
قال ابن عساكر- في الحديث العاشر، من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 37 ص 15-: وله يقول اسيد بن أبي اياس بن زنيم بن محمية بن عبد بن عدي ابن الديل وهو يحرض مشركي قريش على قتله ويعيرهم:
في كل مجمع غاية أخزاكم ... جذع امر على المذاكي الفرح
«كذا»
لله دركم ألما تنكروا؟! ... قد ينكر الحي الكريم ويستحي
هذا ابن فاطمة الذي أفناكم ... ذبحا وقتلة قعصة لم يذبح
افناهم «كذا» قعصا وضربا يفتري ... بالسيف يعمل حده لم يصفح
اعطوه خرجا واتقوا بمضيعة ... فعل الذليل وبيعة لم تربح
ابن الكهول وابن كل دعامة ... فِي المعضلات وابن زين الأبطح
اقول: ورواها أيضا الزبير بن بكار، كما في ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من كتاب اسد الغابة: ج 4/ 20.(2/188)
ولد عَليّ بن أبي طالب عَلَيْهِ السلام
«234» ولد عَليّ بن أبي طالب الْحَسَن والحسين، ومحسن درج صغيرا [1] وزينب الكبرى تزوجها عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طالب فولدت لَهُ.
وأم كلثوم الكبرى تزوجها عمر بن الخطاب [2] وأمهم (جميعا) فاطمة بِنْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وسمى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل واحد من الْحَسَن والحسين يوم سابعه، ووزنت فاطمة عليها السلام شعرهما فتصدقت بوزنه فضّة.
«235» حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي، عن أبيه عَنْ جَدِّهِ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (من علي) أم كلثوم- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ- فَقَالَ: [إِنَّهَا صَغِيرَةٌ.] فقال: يا (أ) با حسنين (ظ) إِنَّمَا حِرْصِي عَلَيْهَا لأَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [مَا سَبَبٌ ولا صهر إلا وهو مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا سَبَبِي وَصِهْرِي. فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا مُرْسِلُهَا إِلَيْكَ لِتَرَاهَا.] فَلَمَّا جَاءَتْهُ قال لها: قولي
__________
[1] اي مات صغيرا.
[2] والحديث- كالتالي- منقطع السند، غير ناهض للحجية.(2/189)
لأَبِيكِ: إِنِّي قَدْ رَضِيتُ الْحُلَّةَ فَأَدَّتِ الرِّسَالَةَ، فَزَوَّجَهُ عَلِيٌّ إِيَّاهَا/ 337/ وَأَصْدَقَهَا عُمَرُ أَرْبَعِينَ أَلْفًا.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ: وَقَدْ ذَكَرَ قَوْمٌ: أَنَّهُ أَصْدَقَهَا مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
«236» حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ:
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ: زُفُّونِي بِابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا سَبَبِي وَنَسَبِي] .
«237» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ فَضْلِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
لَمَّا ابْتَنَى عُمَرُ بِأُمِّ كُلْثُومٍ، دَخَلَ عَلَى مَشْيَخَةِ الْمُهَاجِرِينَ وَكَانَت تُحْفَتُهُ إِيَّاهُمْ أَنْ صَفَّرَ لِحَاهُمْ بِمَلابٍ [1] .
وقال ابن الكلبي: ولدت أم كلثوم بنت عَليّ لعمر، زيد بن عمر، ورقية بنت عمر، فمات زيد وأمه فِي يوم واحد، وَكَانَ موته من شجة أصابته. وخلف عَليّ أم كلثوم بعد عمر، عون بن جَعْفَر بن أبي طالب، ثُمَّ مُحَمَّد بن جَعْفَر، ثم عبد الله بن جعفر.
و (ولد عليه السلام) عبيد اللَّهِ بن عَليّ، قتله المختار فِي الوقعة يوم المذار [2] .
__________
[1] الملاب- كسحاب-: ضرب من الطيب كالخلوق والزعفران.
[2] فيه تسامح بين، والصواب انه كان في جيش مصعب في يوم المذار وقتل، وأما قتله بيد المختار أو أصحابه فغير معلوم ولعل الأقرب ان بعض أعداء آل البيت من نواصب البصرة أو من فرّ من المختار من أهل الكوفة كابن الأشعث وشبث بن ربعي قتلوه غيلة!!! ويؤيد ما قلناه بل يدل عليه ما رواه في إثبات الوصية ص 125، انه أوصى أمير المؤمنين بنيه فقال:
إني أوصي الى الحسن والحسين فاستعموا لهما وأطيعوا أمرهما. فقام اليه عبيد الله فقال: يا امير المؤمنين أدون محمد بن الحنفية؟ فقال له امير المؤمنين: اجراة في حياتي؟ كأني بك قد وجدت مذبوحا في خيمتك!!! ورواه أيضا في معجزات امير المؤمنين من كتاب الخرائج، ص 18، وفيه: كاني بك ...
لا يدرى من قتلك.
وان قيل: ان مصعبا امر باغتياله كان قريبا جدا، وذلك لما روى في ترجمة عبيد الله من الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 5 ص 117، ط بيروت وملخصه: ان عبيد الله قدم على المختار بالكوفة، وسأله فلم يعطه، فخرج الى مصعب بالبصرة، فنزل على خاله نعيم بن مسعود التميمي فأمر له مصعب بمائة الف درهم، ثم امر مصعب الناس بالتهيؤ لعدوهم ثم عسكر ثم انقلع من معسكره متوجها الى الكوفة، فلما سار تخلف عبيد الله في أخواله وسار خاله نعيم بن مسعود مع مصعب، فجاء بنو سعد بن زيد الى عبيد الله فقالوا: نحن أيضا أخوالك فتحول إلينا فإنا نحب كرامتك. فتحول اليهم فانزلوه وسطهم وبايعوا له بالخلافة وهو كاره، فبلغ ذلك مصعبا فكتب الى عامله يلومه على غفلته عن هذا الأمر، ثم دعا نعيم بن مسعود فقال: ما حملك على ما فعلت في ابن أختك؟ فحلف انه ما علم من قصته شيئا، فقبل منه مصعب، فقال نعيم:
فلا يهيجه احد انا اكفيك امره واقدم به عليك، فاتى البصرة فاجتمعت عليه بنو حنظلة وبنو عمرو بن تميم فسار بهم حتى اتي بني سعد فقال: والله ما أردتم الا هلاك تميم، فادفعوا الي ابن اختي فتلاوموا ساعة ثم دفعوه اليه، فخرج به حتى قدم على مصعب فقال له: يا اخي ما حملك على ذلك؟ فحلف له انه لم يكمن به علم حتى فعلوا ما فعلوا وانا كاره، فصدقة مصعب ثم امر صاحب مقدمته ان يسير الى جمع المختار، فسار وتقدم معه عبيد الله فنزلوا المذار، وتقدم جيش المختار فنزلوا بإزائهم فبيتهم اصحاب مصعب فقتلوا ذلك الجيش الا الشريد منهم وقتل عبيد الله في تلك الليلة.
ولقد أجاد ابن أبي الدنيا حيث قال في مقتل امير المؤمنين عليه السلام: كان عبيد الله بن علي قدم على المختار، فقتل عبيد الله مع مصعب بن الزبير، كان مصعب ضمه اليه و (كان) لم ير عند المختار ما يحبه.(2/190)
و (ولد عليه السلام) أبا بكر، وأمهما ليلى بنت مسعود النهشلية من بني تميم لا بقية لهما.
و (ولد عليه السلام أيضا) العباس الأكبر، وهو السقاء، كان حمل قربة ماء للحسين بكر بلاء، ويكنّى أبا قربة [1] .
و (ولد أيضا) عثمان، وجعفر الأكبر، وعبد الله، قتلوا مع الْحُسَيْن رضي الله تعالى عنهم، ولا بقية لَهُم إلا العباس فإن له بقية.
وأمهم (جميعا) أم البنين بنت حزام بن ربيعة أخي لبيد بن ربيعة الشاعر، وأخوها مالك بن حزام الذي قتل مع المختار بالكوفة.
و (ولد عليه السلام) محمد الأصغر بن عَليّ، قتل مع الْحُسَيْن، وأمه ورقاء أم ولد.
و (ولد أيضا) يحيي وعون ابني (ظ) عَليّ، أمهما أسماء بنت عميس الخثعمية، وَكَانَ عَليّ خلف عليها بعد أبي بكر- رضي الله تعالى عنهما-.
و (ولد) عمر الأكبر، وَكَانَ لَهُ عقل ونبل وَكَانَ يشبه أباه فيما يقال.
وولد لَهُ مُحَمَّد وأم مُوسَى من أسماء بنت عقيل، وَكَانَ مُحَمَّد بن عمر نهى زيدا عما فعل، فلما أبى عَلَيْهِ تركه وخرج إلى المدينة.
وَكَانَ عمر بن الخطاب سمى عمر بن عَليّ باسمه ووهب له غلاما سمّي مورقا.
و (ولد عليه السلام) رقية (و) أمها الصهباء- وهي أم حبيب بنت حبيب بن بجير التّغلبي سبيت (ظ) من ناحية عين التمر- تزوَّجها مسلم بن عقيل بن أبي طالب.
__________
[1] ومثله في مقتل امير المؤمنين عليه السلام لابن أبي الدنيا الورق 248/ أ.(2/192)
ومحمد الأوسط، وأمّه أمامه بنت أبي العاص بن الربيع، وأمها زينب بنت رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
«237» حدثت عَن هشيم بن بشير، عَن داود بْن أَبِي هِنْد:
عَنِ الشعبي قَالَ: كتب معاوية إلى مروان أن زوّجني أمامة بنت أبي العاص، فأرسل (ظ) إليها، فولت أمرها المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب فقال لَهَا المغيرة: يا أمامة ألست قد وليتني أمرك ورضيت بمن أزوجك؟ قالت نعم. قَالَ: اشهدوا أني قد تزوجتها. فكتب مروان بذلك إلى معاوية فكتب إليه أن أعرض عنها.
و (ولد أيضا عليه السلام) أم الحسن بنت عَليّ، كانت عند جعدة بن هبيرة المخزومي، ثُمَّ خلف عَلَيْهَا جَعْفَر بْن عقيل، فقتل مع الْحُسَيْن فخلف عليها عبد الله بن الزبير.
ورملة الكبرى، وأمهما أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي.
وعمر الأصغر، وأمه أم سعيد هَذِه.
ويقال: إن أمه أم ولد، وَكَانَ صاحب نبيذ.
وميمونة تزوجها عبد الله بن عقيل.
وأم هانئ. وزينب الصغرى تزوجها مُحَمَّد بن عقيل، ثُمَّ خلف عليها كَثِير بن العباس.
ورملة الصغرى. وأم كلثوم الصغرى تزوجها كَثِير بن العباس قبل أختها أو بعدها.
وفاطمة، تزوجها سعيد بن الأَسْوَدِ بن أبي البختري من ولد الحرث بن أسد ابن عبد العزى [1] .
__________
[1] وقال في آخر مقتل أمير المؤمنين- لابن أبي الدنيا- الورق 249: وكانت فاطمة ابنة علي عند أبي سعيد بن عقيل فولدت له حميدة، ثم خلف عليها سعيد بن الأسود بن أبي البختري فولدت له برة وخالدة، ثم خلف عليها المنذر بن عبيدة بن الزبير بن العوام، فولدت له عثمان وكثيرة درجا.(2/193)
ورملة [1] وأمامة وخديجة، تزوجها/ 338/ عبد الرحمان بن عقيل.
وأم الكرام، وأم سلمة، وأم جعفر، ونفيسة [2] تزوجها تمام بن العباس عبد المطلب، وهن لأمهات أولاد شتى.
وأم يعلى هلكت وهي جارية لَمْ تبرز، وأمها كلبية، وَكَانَ يقال لَهَا: من أخوالك يا أم يعلى؟ فتقول: أو أو. أي كلب.
[سكينة بنت الحسين]
«238» حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي، عن أبيه عن جده عن عبد الله ابن حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ مَنْظُورِ بْنِ رَيَّانَ الْفَزَارِيِّ، عَنْ عَوْفِ بْنِ حَارِثَةَ الْمُرِّيِّ قَالَ:
بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ عُمَرَ إذا قيل إمرئ الْقَيْسِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ أَوْسِ بْنِ جَابِرِ بن كعب ابن عليم بن جناب الكلبي فإذا رجل امعر أَجْلَى [3] فَوَقَفَ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ:
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي أَحْبَبْتُ الإِسْلامَ فَاشْرَحْهُ لِي. قَالَ: ومن أنت؟ قال:
أنا إمرئ الْقَيْسِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ أَوْسٍ الْعُلَيْمِيُّ مِنْ كَلْبٍ. فَقَالَ عُمَرُ: أَتَعْرِفُونَهُ؟
قَالُوا: هَذَا الَّذِي أَغَارَ عَلَى بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَهُوَ أَسَرَ الدعاء بن عمرو. أخا مفروق بْنِ عَمْرٍو. فَشَرَحَ لَهُ عُمَرُ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَعَقَدَ لَهُ عَلَى جُنُودِ قُضَاعَةَ، فَلَمْ يَرَ رَجُلٌ قَبْلَهُ لَمْ يُصَلِّ قَطُّ عَقَدَ لَهُ عَلَى مُسْلِمِينَ- فَخَرَجَ يَهْتَزُّ لِوَاؤُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فأدركه عليّ
__________
[1] كان في النسخة ضرب الخط على «رملة» .
[2] وهنا في الهامش كلمتان أولاهما غير مقروءة- لوقوعها تحت الخياطة- وثانيتها تقرء «تقية» وكتب فوقهما «خ» .
[3] يقال: معر الرجل معرا- من باب فرح-: سقط شعره أو قل، فهو معر- ككتف- وأمعر. وأجلى: خفيف الشعر.(2/194)
فَأَخَذَ بِمَنْكِبَيْهِ وَقَالَ: [يَا عَمِّ أَنَا عَلِيُّ ابن أَبِي طَالِبٍ ابْنُ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَانِ ابْنَايَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ أُمُّهُمَا فاطمة بِنْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَحْبَبْتُ مُصَاهَرَتَكَ لِنَفْسِي وَلَهُمَا فَزَوِّجْنَا.] قَالَ: نَعَمْ وَنِعْمَةُ عَيْنٍ وَكَرَامَةٍ، قَدْ زَوَّجْتُكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ الْمُحَيَّاةَ بِنْتَ امْرِئِ الْقَيْسِ، وَزَوَّجْتُ حَسَنًا زَيْنَبَ، وَزَوَّجْتُ حُسَيْنًا الرَّبَابَ بِنْتَ امْرِئِ الْقَيْسِ.
قَالَ: فَوَلَدَتِ الْمُحَيَّاةُ لِعَلِيٍّ أُمَّ يَعْلَى وَكَانَتْ تَخْرُجُ إِلَى الْمَسْجِدِ فِي إِزَارٍ فَيُقَالُ لَهَا: مَنْ أَخْوَالُكِ؟ فَتَقُولُ أَوْ أَوْ.
وَلَمْ تَلِدْ زَيْنَبُ لِلْحَسَنِ، وَوَلَدَتِ الرَّبَابُ لِلْحُسَيْنِ سُكَيْنَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ تَزَوَّجَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَكَانَ أَبَا عذرها فَمَاتَ عَنْهَا، ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا مُصْعَبَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَوَلَدَتْ لَهُ فَاطِمَةَ مَاتَتْ صَغِيرَةً، فَقُتِلَ عَنْهَا، وَكَانَتْ تَقُولُ:
لَعَنَكُمُ اللَّهُ يا أهل الكوفة أيتمتموني صَغِيرَةً وَأَرْمَلْتُمُونِي كَبِيرَةً. وَخَطَبَهَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ فَأَبَتْهُ، فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْن عَبْد اللَّه بْن حكيم ابن حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ، ثُمَّ الأَصْبَغُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ فَفَارَقَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ نَهَاهُ عَنْهَا. وَيُقَالُ: بَلْ حُمِلَتْ إِلَى مِصْرَ، فَلَمَّا قَدِمَتْهَا وَجَدَتْهُ قَدْ مَاتَ، فَتَزَوَّجَهَا زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عثمان، ثم إبراهيم بن عبد الرحمان بْنِ عَوْفٍ، لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا وَلَمْ تَرْضَ بِهِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا.
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَمُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، اجْتَمَعُوا فَتَمَنَّوْا، فَتَمَنَّى ابْنُ عُمَرَ الْجَنَّةَ، وَتَمَنَّى مُصْعَبٌ أَنْ يَلِيَ الْعِرَاقَ وَيَتَزَوَّجَ سُكَيْنَةَ وَعَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ، وَتَمَنَّى عُرْوَةُ الْفِقْهَ وَالْعِلْمَ- وَكَانَ معهما (ظ) عَبْدُ الْمَلِكِ فَتَمَنَّى الْخِلافَةَ- فَأُعْطِيَ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا تَمَنَّى.
وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام [1] :
__________
[1] وذكره أيضا في الأغاني: ج 14 ص 163. وحكي أيضا عن المعارف.(2/195)
[لَعَمْرُكَ إِنَّنِي لأُحِبَّ أَرْضًا ... تَحُلُّ بِهَا سُكَيْنَةُ وَالرَّبَابُ
أُحِبُّهُمَا وَأَبْذُلُ جُلَّ مَالِي ... وَلَيْسَ لِلائِمٍ فيهم عتاب
] وقال أيضا:
[أحب لحبها (ظ) زيدا جَمِيعًا ... وَنَتْلَةَ كُلَّهَا وَبَنِي الرَّبَابِ
وَأَخْوَالا لَهَا من آل لام (ظ) ... أحبهم وطرّ بني جناب
] والرباب هذه (هي) بِنْتُ أُنَيْفَ بْنِ حَارِثَةَ (بْنِ) لامٍ الطَّائِيِّ، وَهِيَ أُمُّ الأَحْوَصِ وَعُرْوَةَ ابْنَيْ عَمْرِو بْنِ ثعلبة بن ثعلبة بن الحرث بن حصين (ظ) بن ضمضم ابن عَدِيِّ بْنِ جَنَابِ بْنِ هُبَلَ، وَبِهَا يُعْرَفُونَ/ 339/ وزيد (هي) بِنْتُ مَالِكِ بْنِ عميت بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ بَكْرٍ، مِنْ كَلْبٍ وَهِيَ أُمُّ جَابِرٍ وَقَيْسٍ وَعَدِيِّ بَنِي كعب بن عليم وإليها ينسبون. ونتلة (هي) بِنْتُ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثُمَامَةَ مِنْ طَيِّئٍ، وَهُيَ أُمُّ حِصْنٍ وَمصَادٍ، وَمَعْقِلٍ بَنِي كعب بن عليم وبها يعرفون.
«239» وحدثني عباس بن هشام الكلبي، عن أبيه عن حلف (كذا) الزهري قَالَ: كنت فِي سلطان هِشَام بن عبد الملك بالمدينة وعليها خالد بن عبد الملك بن الحرث بن الحكم بن أبي العاص، ويقال: إن خالدا كان خياطا فادعاه عبد الملك بعد ما كبر. قَالَ: فماتت سكينة فِي يوم صائف شديد الحر فقال: لا تخرجوها حَتَّى أرجع. ومضى إلى الغابة (كذا) وتركها إلى نصف النهار حَتَّى تغيرت فاشترى لها طيب بثلاثين دينارا، ثُمَّ رجع ممسيا فأمر شيبة بن نصاح مولى أم سلمة- وَكَانَ يقرأ فِي مَسْجِدِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يصلي عليها، فصلى شيبة عليها ودفنت.
«240» وَحَدَّثَنِي عَليّ بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَانَ النوفلي، حَدَّثَنِي أبي عَن عمه قَالَ:(2/196)
لِمَا ماتت سكينة أمر خالد بن عبد الملك أن لا يحدث فِي دفنها حدث حَتَّى يرجع من ركوبه، فتأخر أمرها إلى الليل فقال أخوها عَلَي بن الْحُسَيْن:
رحم الله من أعان ببخور، فاشترى لَهَا ابن أختها مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو ابن عثمان بن عفان- وأمه فاطمة بنت الْحُسَيْن- بخورا وأتى بالمجامر فجعلت حول نعشها، فلم تزل العود توقد فيها إلى أن دفنت وصلى الناس عليها بعد العشاء الآخرة بغير إمام.
«241» وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ أشياخه:
قالوا: توفيت سكينة بنت الْحُسَيْن بالمدينة سنة سبع عشرة ومائة وَعَلى المدينة من قبل هِشَام، خالد بن عبد الملك بن الحرث بن الحكم بن أبي العاص، وكانت أم عبد الملك ابنة الزبرقان في لون (كذا) فأرسل أ (ن) لا تصلوا عليها حَتَّى أشهدها وركب إلى الغابة قبل الظهر، ووضعت جنازتها بالبقيع قبل الظهر، واجتمع الناس فصليت الظهر ولم يأت ثُمَّ العصر ثُمَّ المغرب، واشترى مُحَمَّد بن عبد الله المطرف (كذا) بْن عَمْرو بْن عُثْمَان بْن عَفَّان- وأمه فاطمة بنت الحسين بن عَليّ أختها- تِلْكَ الساعة بثلاثين دينارا عودا، وأمر بالمجامر فوضعت حول النعش وَذَلِكَ فِي يوم شديد الحر، فسطعت تِلْكَ المجامر خوفا من أن تتغير ويشم من نعشها رائحة مكروهة، فلما صلى الناس العشاء الآخرة أتى خالد فأمر شيبة بن نصاح المقرئ أن يصلي عليها ففعل ثم دفنت.
[فاطمة بنت الحسين]
«242» وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَن أبي عبد الله محمد بن عمر قال:
ولّى يزيد بن عبد الملك، عبد الرحمان بن الضحاك بن قيس الفهري المدينة، فخطب فاطمة بنت الحسين بن عَليّ فأبته وقالت: ما النكاح من حاجتي وأنا مشبلة مقيمة عَلَى ولدي. فألح فِي الخطبة فأبت أن تجيبه فقال: والله لئن لَمْ تفعلي لأخذن أكبر ولدك- يعني عَبْد اللَّه بْن حسن بْن حسن بْن عَليّ- فِي شراب(2/197)
ثم لأضربنّه على رؤس الناس ولأفعلن حَتَّى أفضحك. - وكانت فاطمة بنت الْحُسَيْن عند الْحَسَن بن الْحَسَن، فولدت لَهُ عبد الله بن الْحَسَن بن الْحَسَن، وحسن بن حسن بن حسن، وإبراهيم بن الْحَسَن بن الْحَسَن، ثُمَّ خلف عليها عبد الله ابن عَمْرو بْن عثمان بْن عفان، وعَبْد اللَّهِ هُوَ المطرف، فولدت لَهُ محمدا- فلما رأت أنه غير مقلع عنها بعثت إلى يزيد (بن عبد الملك) رسولًا وكتبت معه كتابا تصف فِيهِ قرابتها وماس رحمها، وتشكو عبد الرحمن بن الضحاك، وتذكر ما تلقى مِنْه وما يتهددها بِهِ وتقول: إنما أنا حرمتك وإحدى نسائك، والله لو كَانَ التزويج من شأني ما كَانَ لي بكفؤ، فإنّ عمر ابن الخطاب قَالَ عَلَى منبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأمنعن من ذوات الأحساب من أن يتزوجهنّ إلا الأكفاء.
وكان عبد الرحمان بن هرمز عَلَى الديوان، فأراد الشخوص إلى يزيد، فأرسلت/ 340/ إِلَيْهِ وأخبرته بقصتها وقصة ابن الضحاك، وسألته أن ينهي ذَلِكَ إلى يزيد فلما قدم (عبد الرحمان) عَلَى يزيد، جعل يسائله عَن المدينة وأهلها فبينا هو يخبره بذلك إذا استأذن الحاجب لرسول فاطمة، فذكر ابن هرمز ما كانت حملته من الرسالة، ودخل الرسول فقرأ يزيد الكتاب الَّذِي معه، فغضب واستشاط ونزل عَن سريره إلى الأرض وضرب بقضيب معه الأرض حَتَّى أثار الغبار، وقال: ابن الضحاك يتزوج امرأة من بني عبد مناف، ثُمَّ قَالَ: من يسمعني صراخه من العذاب وأنا عَلَى فراشي؟
فقال ابن هرمز: عبد الواحد بن عبد الله الْبَصْرِيّ وهو بالطائف فولّه المدينة ومره بأمرك. فكتب (يزيد) إلى عبد الواحد بولايته وأمره أن يغرم ابن الضحاك ما يدعى عَلَيْهِ إِذَا أقامه للناس وما صار إليه من المال، فلما مر رسول يزيد بالمدينة، أحس ابن الضحاك بالشر فأعطى الرسول ألف دينار عَلَى أن يتحبس في طريقه، وركب رواحله فأتي سلمة بن عبد الملك فقال له: يا (أ) با سعيد جئتك مستجيرا بك. فركب سلمة إلى يزيد ليلا فكلمه فِيهِ، فقال: لا تريني وجهه حَتَّى يأتي المدينة ويغرم ما يلزمه.(2/198)
فرجع فأخذه عبد الواحد بالمال وقد كَانَ أودعه (كذا) فأحضر وجعل يطيف بالمدينة فِي جبة صوف ويقيمه للناس حَتَّى خرج من أربعين ألف دينار سأل الناس فِي بعضها.
[تنازع زيد بن علي بن الحسين مع عبد الله بن الحسن]
قَالَ فتنازع زيد بن عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْن وعبد الله بن الحسن في صدقات علي بن طالب ووصيته فقال حسن لزيد: يا ابن السندية الساحرة. فقال لَهُ زيد:
إنها لسندية وما كانت- بحمد الله- ساحرة ولكنها بقية عين التقية [1] ولقد صبرت بعد وفاة سيدها فما تعيب بأنها إِذْ لَمْ تصبر مثل غيرها (كذا) ولكن تذكر ابن الضحاك وأمك تبعث إِلَيْهِ معك بالعلك الأحمر والأصفر والأخضر فتقول لَهُ: فمك فتطرح ذَلِكَ فِيهِ.
فأتاها بنوها فأخبروها بقوله، فقالت: كنتم فتيانا فكنت أداريه فيكم وأمنيه أن أتزوجه حَتَّى كتبت إلى يزيد (بن عبد الملك) فعزله.
«243» وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَن الواقدي قَالَ: اجتمع زيد وعبد الله بن حسن عَند هِشَام، فأعان عمر بن عَليّ الأصغر بزيد ابن علي (كذا) فقال لَهُ هِشَام: ما بالك تخاصم عَن غيرك ولا تتكلّم عن نفسك؟ فقال الحسن يمنعه من ذلك خولة والرباب جرّتاه (ظ) اللتان صب أبان ابن عثمان ما فيهما من نبيذ عَلَى رأسه فِي ولايته المدينة لعبد الملك ابن مروان.
«244» وذكر الْمَدَائِنيّ أن أبان حد عمر بن عَليّ بالنبيذ، ضربه ثمانين، وقدم عمر مع أبان عَلَى الوليد بن عبد الملك يسأله أن يوليه صدقة عَليّ.
فقال: أنا لا أدخل عَلَى ولد فاطمة بِنْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيرهم. ووصله فلم يقبل (عمر) صلته.
__________
[1] كذا.(2/199)
«245» وقال الواقدي: لما عزل عبد الرحمان بن الضحاك عَن المدينة بكى ثُمَّ قَالَ: والله ما أبكي جزعا من العزل، ولا أسفا عَلَى الولاية، ولكني أربأ بهذه الوجوه أن يمتهنها [1] من لا يعرف لَهَا مثل الَّذِي أعرف ثُمَّ أنشد.
فما السجن أضناني ولا القيد شفني ... ولكنني من خشية النار أجزع
بلى إن أقواما أخاف عليهم ... إِذَا خفت أن يعصوا الذي كنت أمنع [2]
[محمد بن الحنفية]
وولد لعلي بن أبي طالب مُحَمَّد، وأمه خوله بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن عُبَيْد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة من الدؤل بن حنيفة بالجيم [3] .
«246» قَالَ عَليّ بن مُحَمَّد الْمَدَائِنيّ بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليا إلى اليمن فأصاب خولة فِي بني زبيد، وقد ارتدوا مع عَمْرو بن معدي كرب، وصارت فِي سهمه، وَذَلِكَ فِي عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن ولدت منك غلاما فسمه باسمي وكنه بكنيتي،] فولدت له بعد موت فاطمة عليها السلام غلاما فسماه مُحَمَّدا وكناه/ 341/ أبا القاسم.
«247» وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَاسِطِيُّ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، أَنْبَأَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةَ، عَنْ عَلِيٍّ [عَلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ وُلِدَ لِي غُلامٌ اسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال نعم] .
__________
[1] كذا.
[2] وفي نسخة: «إذا غبت أن يعصوا الذي كنت أمنع» .
[3] كذا في النسخة، ومثله في مقتل أمير المؤمنين- عليه السلام- لابن أبي الدنيا، وفي الحديث العاشر من ترجمة محمد بن الحنفية من تاريخ دمشق: ج 51 ص 66، نقلا عن الزبير بن بكار:
ثعلبة بن الدول بن حنفية ابن خيم (كذا) إلخ. وفي الحديث 13 منه، نقلا عن ابن سعد: الدول بن حنفية بن لحيم إلخ. والصواب: «بلجيم» كما في مقتل أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا.(2/200)
«348» قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمُغِيرَةِ الأَثْرَمِ وَعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ خِرَاشِ بْنِ إِسْمَاعِيل الْعِجْلِيِّ قَالَ: أَغَارَتْ بَنُو أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ عَلَى بَنِي حَنِيفَةَ فَسَبَوْا خَوْلَةَ بِنْتَ جَعْفَرٍ ثُمَّ قَدِمُوا بِهَا الْمَدِينَةَ فِي أَوَّلِ خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ فَبَاعُوهَا مِنْ عَلِيٍّ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ قَوْمَهَا فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ عَلَى عَلِيٍّ فعرفوها وأخبروه بموضعها منهم، فأعتقها (علي) وَمَهَرَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّدًا ابْنَهُ، وَقَدْ كَانَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [أتأذن لي إن ولد لي بِأَنْ أُسَمِّيَهُ بِاسْمِكَ وَأُكَنِّيَهُ بِكُنْيَتِكَ؟ فَقَالَ نَعَمْ. فَسَمَّى ابْنَ الْحَنَفِيَّةَ مُحَمَّدًا وَكَنَّاهُ أَبَا الْقَاسِمِ] .
(قال البلاذري) : وهذا أثبت من خبر المدائني.
«249» وقال الواقدي: مات ابن الحنفية سنة اثنتين وثمانين وله خمس وستون سنة، وصلى عَلَيْهِ أبان بن عثمان وَهُوَ والي الْمَدِينَة وَقَالَ لَهُ أَبُو هاشم بن مُحَمَّد بن الحنفية: أن الإمام أولى بالصلاة، ولولا ذَلِكَ مَا قدمناك.
وقال بعضهم: إن أبا هاشم أبى ان يصلي عليه أبان، فَقَالَ (أبان) :
أنتم أولى بميتكم فصلى عَلَيْهِ أَبُو هاشم.
وكانت الشيعة تسمي محمد بن علي (با) لمهدي [1] وقال فيه كثير (عزة) - وكان يزعم أنّ الأرواح تتناسخ [2] وتحتجّ بقول الله عَزَّ وَجَلَّ:
«فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ» (8/ الانفطار: 82) -:
__________
[1] هذه مقالة شرذمة قليلة من الشيعة الكيسانية، وكان حق العلم أن ينسب هذه المقالة إلى بعض الشيعة- لا الى كلهم المستفاد من إطلاق اللفظ- كما قال بعد ذلك:
«وشيعة محمد» .
[2] هذا أخذه من شيوخه المتجاهرين بنسبة البهت والبهتان إلى الشيعة فلا يقبل إلا إذا أذعن به خصمه ودونه خرط القتاد.(2/201)
أقر الله عيني إذ دعاني ... أمين الله يلطف فِي السؤال
وأثنى فِي هواي عَليّ خيرا ... وساءل عَن بني وكيف حالي
هُوَ المهدي خبرناه كعب ... أخو الأحبار فِي الحقب الخوالي [1]
فقال لَهُ عَليّ بن عبد الله بن جعفر: يا (أ) با صخر ما تثني عليك فِي هواك خيرا إلا من كَانَ عَلَى مثل رأيك. فقال: أجل بأبي أنت.
وشيعة مُحَمَّد بن الحنفية يزعمون أَنَّهُ لَمْ يمت ولذلك قَالَ السيد:
ألا قل للوصي فدتك نفسي ... أطلت بذلك الجبل المناما [2]
(قال البلاذري:) يعني (جبل) رضوى.
وقال كَثِير:
ألا إن الأئمة من قريش ... ولاة الحق أربعة سواء
عَليّ والثلاثة من بنيه ... هم الأسباط لَيْسَ بهم خفاء
فسبط سبط ايمان وبر ... وسبط غيبته كربلاء
__________
[1] والأشعار ذكرها المسعودي- بتقديم وتأخير- في عنوان: «ابن الزبير وال بيت الرسول» من كتاب مروج الذهب: ج 3/ 71 ط بيروت نقلا عن الزبير بن بكار، في كتاب أنساب قريش وأنساب ال أبي طالب، وقال: قال فيه أشعارا هذه أولها.
[2] وهذا أيضا ذكره في مروج الذهب عن المصدر المتقدم وزاد عما هنا:
أضرّ بمعشر والوك منا ... وسموك الخليفة والإماما
وعادوا فيك أهل الارض طرا ... مغيبك عنهم سبعين عاما
وما ذاق ابن خولة طعم موت ... ولا وارت له أرض عظاما
لقد أمسى بمردف (بمورق «خ» ) شعب رضوى ... تراجعه الملائكة الكلاما(2/202)
وسبط لا تراه الْعَين حَتَّى ... يقود الخيل يقدمها اللواء [1]
تغيب لا يرى فيهم زمانا ... برضوى عنده عسل وماء
وقال السيد:
أيا شعب رضوى ما لِمَن بك لا يرى [2] ... ويهيج قلبي الصبابة أولق
حَتَّى متى وإلى متى وكم المدى؟ ... يا بن الوصي وأنت حي ترزق
وزعم بعضهم أن اخت محمد بن عليّ لأمه (هي) عوانة بنت أبي مكمل من بني عفان.
__________
[1] وكانت كلمة لواء في النسخة منكرة وذكرها أيضا في مروج الذهب عن المصدر المتقدم وفيه هكذا: يقود الخيل يتبعها اللواء.
وقال في هامشه: وفي نسخة: «يقود الخيل يقدمها اللواء» .
[2] وفي مروج الذهب نقلا عن المصدر المتقدم هكذا:
يا شعب رضوى ما لِمَن بك لا يرى ... وبنا إليه من الصبابة أولق
حتى متى؟ والى متى؟ وكم المدي إلخ.
ومثله في الحديث: (11) من ترجمة ابن الحنفية من تاريخ دمشق.(2/203)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
بيعة عَلِيّ بْن أَبِي طالب عَلَيْهِ السلام
«250» حَدَّثَنَا خلف بْن سالم المخزومي، حَدَّثَنَا وَهْب بن جرير بن حازم، حدثنا أبو جعدبة (كذا) :
عن صالح بن كيسان قال: قتل عثمان بن عفان باثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة، فدعا عَلِيّ بْن أَبِي طالب النَّاس إِلَى بيعته [1] فبويع يوم السبت لإحدى عشرة ليلة/ 342/ بقيت من ذي الحجة، وَكَانَ أول من بايعه طلحة ابن عبيد اللَّه، وكانت إصبعه أصيبت يوم أحد، فشلت، فبصر بِهَا أعرابي حين بايع، فَقَالَ: ابتدأ هذا الأمر أشل لا يتم (كذا) ثُمَّ بايعه النَّاس بعد طلحة فِي المسجد، ثُمَّ خرج حَتَّى أتى مسجد بني عَمْرو بْن مبذول [2] من الأنصار فبويع فِيهِ أيضًا.
__________
[1] فيه تسامح بين فإنه ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام وغيره بطرق كثيرة أنهم ألجئوه الى البيعة فراجع كلماته في أول الجزء الأول من نهج السعادة، وكذلك ما ذكره تحت الرقم:
8- من العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم من العقد الفريد: ج 3 ص 93 ط 1.
[2] بدأنا في تحرير هذا الباب وما يليه في أوائل صباح يوم الجمعة «26 من شهر رجب المرجب سنة 1391 هـ» .(2/205)
«251» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيُّ:
عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، قَالَ: قُتِلَ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ بِأَرْضٍ لَهُ يُقَالُ لَهَا: الْبُغَيْبِغَةُ فَوْقَ الْمَدِينَةِ بِأَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ، فَأَقْبَلَ عَلِيٌّ فَقَالَ لَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: لَتُنَصِّبَنَّ لَنَا نَفْسَكَ أَوْ لَنَبْدَأَنَّ بِكَ، فَنَصَّبَ لَهُمْ نَفْسَهُ فَبَايَعُوهُ.
«252» وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَام بْن مُحَمَّد الْكَلْبِيّ، عَن لوط بْن يَحْيَى أَبِي مخنف، عَن أَبِي روق الهمداني، وعن المجالد بْن سعيد:
عَن الشَّعْبِيّ أن عُثْمَان بْن عَفَّان- رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ- لما قتل أقبل النَّاس إِلَى علي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ليبايعوه ومالوا إِلَيْهِ فمدوا يده فكفها، وبسطوها فقبضها وَقَالُوا: بايع فإنا لا نرضى إِلا بك وَلا نأمن من اختلاف النَّاس وفرقتهم. فبايعه النَّاس وخرج حَتَّى صعد المنبر.
وأخذ طلحة بْن عُبَيْد اللَّه وَالزُّبَيْر بْن العوام مفتاح بيت المال، وتخلفا عَن البيعة [1] فمضى الأشتر حَتَّى جاء بطلحة يتله تلا عنيفًا [2] وَهُوَ يقول:
دعني حَتَّى أنظر مَا يصنع النَّاس فلم يدعه حَتَّى بايع عليًا فَقَالَ رجل من بني أسد يقال لَهُ: قَبِيصَة بْن ذويب: أول يد بايعت هَذَا الرجل من أصحاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شلاء والله مَا أرى هذا الأمر يتم.
__________
[1] وفيه تسامح أيضا، فإن مفاتيح بيت المال قد أخذها طلحة في أيام حصار عثمان وتأليبه عليه، وأما تخلفهما عن بيعته عليه السلام فإن كان بمعنى انهما لم يكونا من المهاجمين عليه في بداية الأمر بعد قتل عثمان ليبايعوه فهو صحيح، وإن كان بمعنى انهما تخلفا عن بيعته بعد ما بايعه المهاجرون والأنصار، فهو خلاف الأدلة حتى ذيل الحديث نفسه فإنه يدل على أن أول من بايعه من أصحاب رسول الله هو طلحة، ولذا تشأم الأسدي بها.
[2] اي يدفعه دفعا شديدا. وهذا أيضا خلاف ما يظهر من كلمات امير المؤمنين عليه السلام وغيره من انهما بايعاه طوعا، ولو انهما اظهرا الكراهة لم يك يكرههما كما لم يكره العثمانية الذين أبوا ان يبايعوه طوعا، والظاهر ان هذا التسامح في التعبير من الشعبي والمجالد مداراة لبني امية!!!(2/206)
وَكَانَ طلحة أول من بايع مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعث عَلِيّ بْن أَبِي طالب من أخذ مفاتيح بيت المال من طلحة. وخرج حكيم ابن جبلة العبدي إِلَى الزُّبَيْر بْن العوام حَتَّى جاء به فبايع، فكان (الزبير) يقول:
ساقني لص من لصوص عبد القيس حتى بايعت مكرها.
قال (الشعبيّ) : وأتي علي بعبد اللَّه بْن عمر بْن الخطاب ملببًا والسيف مشهور عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: بايع. فَقَالَ: لا أبايع حَتَّى يجتمع النَّاس عليك.
قَالَ: فأعطني حميلا ألا تبرح. فَقَالَ: لا أعطيك حميلا. فَقَالَ الأشتر: إن هَذَا رجل قد أمن سوطك وسيفك فأمكني منه. فقال عليّ: [دعه أنا حميله فو الله ما علمته [1] إلا سيئ الخلق صغيرًا وكبيرًا] .
قَالَ: وجيء بسعد بْن أَبِي وقاص فقيل لَهُ: بايع. فَقَالَ: يَا (أ) با الحسن إذا لم يبق غيري بايعتك. فَقَالَ علي: [خلوا سبيل أَبِي إِسْحَاق] .
وبعث علي إِلَى مُحَمَّد بْن مسلمة الأَنْصَارِيّ ليبايع فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أمرني إذا اختلف النَّاس أن أخرج بسيفي فأضرب بِهِ عرض (أحد) حَتَّى ينقطع فَإِذَا انقطع أتيت بيتي فكنت فِيهِ لا أبرح حَتَّى تأتيني يد خاطفة أو ميتة قاضية. قَالَ: فانطلق إذا. فخلي سبيله.
وبعث إِلَى وهب بْن صيفي الأَنْصَارِيّ ليبايعه فَقَالَ: إن خليلي وَابْن عمك قَالَ لي قاتل المشركين بسيفك فَإِذَا رأيت فتنة فأكسره واتخذ سيفا من خشب واجلس في بيتك!!! فتركه.
__________
[1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «فو الله ما عممته» .(2/207)
قال: ودعا أسامة بن يزيد بْن حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى البيعة، فَقَالَ: أنت أحب النَّاس إلي وآثرهم عندي ولو كنت بين لحيي أسد لأحببت أن أكون معك ولكني عاهدت اللَّه أن لا أقاتل رجلا يقول: لا إله إلا الله.
قال: فبايع أهل المدينة عَلِيًّا فأتاه ابْن عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: يَا علي اتق اللَّه وَلا تنتزين [1] عَلَى أمر الأمة بغير مشورة. ومضى إِلَى مَكَّة.
«253» حَدَّثَنَا أَبُو قلابة عبد الملك بْن محمد الرقاشي حدثني محمد بن عائشة، حَدَّثَنَا معتمر بْن سُلَيْمَان قَالَ: قلت لأبي: إن النَّاس يقولون: إن بيعة علي لم تتم. قَالَ: يَا بني بايعه أهل الحرمين وإنما البيعة لأهل الحرمين.
«254» حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ الْعِجْلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ إِسْرَائِيلَ يُحَدِّثُ عَنْ أَصْحَابِهِ:
أَنَّ الأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ لَقِيَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ، فَقَالا لَهُ: بَايَعْتَ عَلِيًّا وَآزَرْتَهُ فَقَالَ/ 343/ نَعَمْ أَلَمْ تَأْمُرَانِي بِذَلِكَ. فَقَالا لَهُ: إِنَّمَا أَنْتَ ذُبَابُ طَمَعٍ وَتَابِعٌ لِمَنْ غَلَبَ. فَقَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمَا.
«255» وَقَالَ أَبُو مخنف وغيره: قَالَ علي لعبد اللَّه بْن عَبَّاس: سر إِلَى الشَّام فقد بعثتك عليها. فقال (ابن عباس) : مَا هَذَا برأي، مُعَاوِيَة ابْن عم عُثْمَان وعامله والناس بالشام مَعَهُ وفي طاعته، ولست آمن إن يقتلني بعثمان عَلَى الظنة، فَإِن لم يقتلني تحكم علي وحبسني، ولكن اكتب إِلَيْهِ فمنه وعده فَإِذَا استقام لك الأمر بعثتني إن أردت.
«256» وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ أبو عثمان، حدثنا الأسود ابن شيبان، أنبأنا خالد بن سمير قال:
__________
[1] أي لا تثبن ولا تركبن.(2/208)
غَدَا عَلِيٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ صَبِيحَةَ قُتِلَ عثمان فقال: أيّم أبو عبد الرحمان أَيْمَ الرَّجُلُ [1] اخْرُجْ إِلَيْنَا فَقَالَ لَهُ: هَذِهِ كُتُبُنَا قَدْ فَرَغْنَا مِنْهَا فَارْكَبْ بِهَا إِلَى الشام. فقال (ابن عمر) : أُذَكِّرُكَ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَكُنْ فِي أَوَّلِهِ وَلا آخِرِهِ، فَلَئِنْ كَانَ أَهْلُ الشَّامِ يُرِيدُونَكَ لَتَأْتِيَنَّكَ طَاعَتُهُمْ وَإِنْ كَانُوا لا يُرِيدُونَكَ فَمَا أَنَا بِرَادٍّ مِنْهُمْ عَنْكَ شَيْئًا فَقَالَ: لَتَرْكَبَنَّ طَائِعًا أَوْ كَارِهًا. ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمَّا أَمْسَى دَعَا بِنَجَائِبِهِ أَوْ قَالَ: بِرَوَاحِلِهِ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ فَرَمَى بِهَا مَكَّةَ وَتَرَكَ عَلِيًّا يَتَذَمَّرُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ.
«257» وَقَالَ أَبُو مخنف وغيره: قَالَ المغيرة بْن شعبة (لعلي) : أرى أن تقر مُعَاوِيَة عَلَى الشَّام وتثبت ولايته وتولي طلحة والزبير المصرين (كي) يستقيم لك النَّاس. فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن العباس: إن الْكُوفَة والبصرة عين المال وإن وليتهما إياهما لم آمن أن يضيقا عليك، وإن وليت مُعَاوِيَة الشَّام لم تنفعك ولايته. فَقَالَ المغيرة: لا أرى لك أن تنزع ملك معاوية فإنّه الآن يتّهمكم (كذا) بقتل ابْن عمه، وإن عزلته قاتلك فوله وأطعني. فأبى وقبل قول ابْن عَبَّاس.
«258» حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بن كهيل، عن سالم ابن أَبِي الْجَعْدِ:
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: إِنِّي لَقَاعِدٌ مَعَ عَلِيٍّ إِذَا أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ:
ائْتِ هَذَا الرَّجُلَ فَإِنَّهُ مَقْتُولٌ. فَذَهَبَ لِيَقُومَ فَأَخَذْتُ بِثَوْبِهِ وَقُلْتُ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ أَنْ تأته، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: قَدْ قُتِلَ فَقَامَ فَدَخَلَ الْبَيْتَ وَدَخَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَقَالُوا: ابْسُطْ يَدَكَ نُبَايِعْكَ. فَقَالَ: [لا، أَنَا لَكُمْ وزير خير مني
__________
[1] كذا في النسخة، والظاهر أن فيها التصحيف والحذف، وصوابه: مهيم أبو عبد الرحمان مهيم الرجل؟ اخرج إلينا. فخرج (ابن عمر) إليه فَقَالَ لَهُ: هَذِهِ كُتُبُنَا قَدْ فَرَغْنَا مِنْهَا ...
ومهيم- كمقعد-: ما الذي أنت فيه؟ وما أمرك وشأنك؟(2/209)
لَكُمْ أَمِيرٌ.] فَأَبَوْا فَقَالَ: [أَمَا إِذْ أَبَيْتُمْ فَإِنَّ بَيْعَتِي لا تَكُونُ سِرًّا فَاخْرُجُوا إِلَى الْمَسْجِدِ فَخَرَجُوا] .
«259» وَحَدَّثْتُ أَيْضًا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يُوسُفَ الأَزْرَقِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ سَالِمٍ:
عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيٍّ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَقْتُولٌ السَّاعَةَ. قَالَ: فَقَامَ وَأَخَذْتُ بِسَوْطِهِ فَقَالَ: خَلِّ لا أُمَّ لَكَ.
فَانْطَلَقَ إِلَى الدَّارِ وَقَدْ قُتِلَ الرَّجُلُ، فَأَتَاهُ النَّاسُ فَقَالُوا: إِنَّهُ لا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ خَلِيفَةٍ وَلا نَعْلَمُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَا مِنْكَ. فَقَالَ لَهُمْ: [لا تُرِيدُونِي فَإِنِّي لَكُمْ وَزِيرًا خَيْرٌ مِنِّي أميرا!!] قالوا: والله ما نعلم (أحدا) أحقّ بها منك. قال: [فإذ أَبَيْتُمْ فَإِنَّ بَيْعَتِي لا تَكُونُ سِرًّا، وَلَكِنْ أَخْرُجُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَمَنْ شَاءَ بَايَعَنِي] .
فَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَبَايَعَهُ النَّاسُ.
«260» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:
عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: قُتِلَ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ فِي الْمَسْجِدِ، فَمَالَ النَّاسُ قِبَلَ طَلْحَةَ لِيُبَايِعُوهُ، وَانْصَرَفَ عَلِيٌّ يُرِيدُ مَنْزِلَهُ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ عِنْدَ مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى رَجُلٍ قَتَلَ ابْنَ عَمَّتِهِ وَسَلَبَ ملكه، فولّى (علي) رَاجِعًا فَرَقِيَ الْمِنْبَرَ فَقِيلَ: هَذَا عَلِيٌّ (عَلَى) الْمِنْبَرِ. فَتَرَكَ النَّاسُ طَلْحَةَ وَمَالُوا إِلَيْهِ فَبَايَعُوهُ.
«261» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جرير، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ.
عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: لَمَّا بَايَعَ النَّاسُ عَلِيًّا كَتَبَ إلى خالد ابن العاص(2/210)
ابن هشام بن المغيرة يأمّره على مكة، وأمره بأخذ البيعة (له) ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يُبَايِعُوا عَلِيًّا، فَأَخَذَ فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بن الوليد بن زيد ابن ربيعة بْن عَبْد العزى بْن عَبْد شمس الصَّحِيفَةَ [1] فَمَضَغَهَا/ 344/ وَأَلْقَاهَا فَوُطِئَتْ فِي سِقَايَةِ زَمْزَمَ، فَقُتِلَ ذَلِكَ الْفَتَى يَوْمَ الْجَمَلِ مَعَ عَائِشَةَ.
قَالَ: وَسَارَ عَلِيُّ بْنُ عَدِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ- وَكَانَ حِينَ قُتِلَ عُثْمَانُ أَمِيرَ مَكَّةَ- إِلَى الْبَصْرَةِ فَقُتِلَ بِهَا وَلَهُ يُقَالُ:
يَا رَبِّ فَاعْقِرْ لِعَلِيٍّ جَمَلَهُ ... وَلا تُبَارِكْ فِي بَعِيرٍ حَمَلَهُ
إِلا عَلِيَّ بْنَ عَدِيٍّ لَيْسَ لَهُ
«262» وَقَالَ أَبُو مخنف وغيره: وجه علي عَلَيْهِ السلام المسور ابن مخرمة الزُّهْرِيّ إِلَى مُعَاوِيَةَ- رحمه اللَّه [2]- لأخذ البيعة عَلَيْهِ، وكتب إِلَيْهِ مَعَهُ:
إن النَّاس قد قتلوا عُثْمَان عَن غير مشورة مني وبايعوا لي (عن مشورة منهم واجتماع [3] ) فبايع رحمك اللَّه موفقا وفد إلي فِي أشراف أَهْل الشَّامِ. ولم يذكر لَهُ ولاية، فلما ورد الكتاب عليه، أبا البيعة لعلي واستعصى، ووجه رجلا مَعَهُ صحيفة بيضاء، لا كتاب فِيهَا وَلا عَلَيْهَا خاتم- ويقال كانت رجلا مَعَهُ صحيفة بيضاء، لا كتاب فِيهَا ولا عليها خاتم- ويقال كانت مختومة- وعنو (ا) نها: من مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَانَ إِلَى عَلِيّ بْن أَبِي طالب فلما رآها علي قَالَ: ويلك مَا وراؤك؟ قَالَ: أخاف أن تقتلني. قَالَ: [ولم اقتلك وأنت رَسُول.] فَقَالَ: إني أتيتك من قبل قوم يزعمون أنك قتلت
__________
[1] يعني كتاب أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا الكتاب إلى الان لم أجد من يذكر لفظه وقد بحثت عن أشكاله ستة عشر سنة.
[2] انظر إلى المساكين وما يصنعون!!!
[3] بين المعقوفين مأخوذ من شرح المختار الثامن من نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: ج 1، ص 230 ط مصر.(2/211)
عُثْمَان وليسوا براضين دون أن يقتلوك بِهِ. فَقَالَ علي: [يَا أهل المدينة والله لتقاتلن أو ليأتينكم من يقاتلكم] .
فبايع عَلِيًّا أهل الأمصار إِلا مَا كَانَ من مُعَاوِيَة وأهل الشَّامِ وخواص من النَّاس.
«263» «وَحَدَّثَنَا» خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ ابْنِ جُعْدُبَةَ:
عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قال: قُتِلَ عُثْمَانُ وَبُويِعَ عَلِيٌّ وَعَائِشَةُ فِي الْحَجِّ فَأَقَامَتْ بِمَكَّةَ، وَخَرَجَ إِلَيْهَا طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، وَقَدْ نَدِمَا عَلَى الَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا فِي أَمْرِ عُثْمَانَ، وَكَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى مُعَاوِيَةَ:
إِنْ كَانَ عُثْمَانُ ابْنَ عَمِّكَ فَأَنَا ابْنُ عَمِّكَ، وَإِنْ كَانَ وَصَلُكَ فَإِنِّي أَصِلُكَ وَقَدْ أَمَّرْتُكَ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ، فَاعْمَلْ فِيهِ بِالَّذِي يحق عَلَيْكَ [1] .
فَلَمَّا وَرَدَ الْكِتَابُ عَلَى مُعَاوِيَةَ دَعَا بِطُومَارٍ لا كِتَابَ فِيهِ ثُمَّ كَتَبَ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَطْ، ثُمَّ طَوَاهُ وَخَتَمَ عَلَيْهِ وَكَتَبَ عِنْوَانَهُ: مِنْ مُعَاوِيَةَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَبَعَثَ بِهِ مَعَ رَجُلٍ من عبس يقال له: يزيد ابن الْحُرِّ، فَقَدِمَ بِهِ عَلَى عَلِيٍّ فَقَالَ لِعَلِيٍّ: أَجِرْنِي. قَالَ: [قَدْ أَجَرْتُكَ إِلا مِنْ دَمٍ.] فَدَفَعَ الْكِتَابَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا نَظَرَ فِيهِ عَرَفَ ان معاوية مباعداه [2] .
ثُمَّ إِنَّ يَزِيدَ بْنَ الْحُرِّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ الْخَيْلَ الْخَيْلَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ليدخلنها اليوم [3] عَلَيْكُمْ أَرْبَعَةُ آلافِ فَارِسٍ- أَوْ قَالَ: فَرَسٍ-
__________
[1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «لحق عليك» ثم إن ما في هذا الحديث من قوله:
«وقد أمرتك على ما أنت عليه» كذب اختلق على أمير المؤمنين في الأعصار المتاخرة وقد تراكمت الشواهد على خلافه، منها ما دار بينه عليه السلام وبين ابن شعبة، ومنها ما كتبه عليه السلام في غير واحد من كتبه إلى معاوية، ومنها ما كتبه معاوية في صفين إليه فانظر باب الكتب والخطب من نهج السعادة.
[2] كذا في النسخة، ولعل الصواب: مباعده أو مباعد إياه.
[3] كلمة: «اليوم» كأنما ضرب عليها الخط في النسخة.(2/212)
«264» المدائني أَبُو الحسن عَن أشياخ ذكرهم، وعلي من مجاهد [1] .
قَالُوا: لما بويع علي أتى الْكُوفَة الخبر فبايع هِشَام بْن عتبة [2] لعلي وَقَالَ: هَذِهِ يميني وشمالي لعلي وَقَالَ:
أبايع غير مكتتم عَلِيًّا ... وَلا أخشى أميري الأشعريا
وقدم ببيعته عَلَى أهل الْكُوفَة يزيد بْن عاصم المحاربي فبايع أَبُو مُوسَى لعلي فَقَالَ: عَمَّار- حين بلغته بيعته لَهُ-: والله لينكثن عهده ولينقضنّ عقده وليغرن جهده وليسلمن جنده [3] . فلما كَانَ من طَلْحَةَ وَالزُّبَيْر مَا كَانَ قَالَ أَبُو مُوسَى: الإمرة مَا أمر فِيهِ والملك مَا غلب عَلَيْهِ. فلم يزل واليا عَلَى الْكُوفَة حَتَّى كتب إليه عليّ من «ذيقار» يأمره ان تستنفر النَّاس فثبطهم وَقَالَ: هَذِهِ فتنة. فوجه علي حينئذ عمار بن ياسر، مع الحسن ابن علي إِلَى الْكُوفَةِ لاستنفار النَّاس.
«265» حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ:
[لَوْ ظَنَنْتُ أَنَّ الأَمْرَ يَبْلُغُ مَا بَلَغَ مَا دَخَلْتُ فِيهِ] .
«266» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، قَالَ:
__________
[1] كذا في النسخة، ولعل الصواب: «وعلي بن مجاهد» .
[2] كذا في النسخة، والصواب: «هاشم بن عتبة» وهو شهيد صفين، ابن أخي سعد بن أبي وقاص.
[3] كذا في النسخة، ولعل الكلام مصحف في الأخيرتين، والكلام أخذه عمار (ره) من معدن الوحي أو من وصيه صلوات الله عليهم.(2/213)
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرحمان، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُنَاجِي رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ، مِنْ بَنِي حَارِثَةَ فَقَالَ: مَنْ تُحَدِّثُونَ أَنَّهُ/ 445/ يُسْتَخْلَفُ مِنْ بَعْدِي؟ فَعَدَّ الأَنْصَارِيُّ الْمُهَاجِرِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ عَلِيًّا، فَقَالَ عُمَرُ: فَأَيْنَ أنتم عن علي، فو الله إِنِّي لأَرَى أَنَّهُ إِنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِكُمْ سَيَحْمِلُكُمْ عَلَى طَرِيقَةِ الْحَقِّ [1] .
«267» حَدَّثَنِي رُوحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْجَلِيلِ الْقَيْسِيِّ قَالَ:
ذَكَرَ عُمَرُ مَنْ يُسْتَخْلَفُ بَعْدَهُ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ. فَقَالَ:
أَيْمُ اللَّهِ لا يَسْتَخْلِفُونَهُ، وَلَئِنِ اسْتَخْلَفْتُمُوهُ أَقَامَكُمْ عَلَى الْحَقِّ وَإِنْ كَرِهْتُمُوهُ.
«268» وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ:
عَنْ حَارِثَةَ قَالَ: حَجَجْتُ مَعَ عُمَرَ، فَسَمِعْتُ حَادِيَ عُمَرَ يحدو: إن الأمير بعده ابن عفان. (قال) وَسَمِعْتُ الْحَادِي يَحْدُو فِي إِمَارَةِ عُثْمَانَ:
إِنَّ الأَمِيرَ بَعْدَهُ عَلِيٌّ ... وَفِي الزُّبَيْرِ خَلَفٌ رَضِيٌّ.
«269» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عياض، عن محمد ابن أَبِي لَيْلَى مَوْلَى الأَسْلَمِيِّينَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَطِيَّةَ الثَّقَفِيِّ:
أَنَّ عَطِيَّةَ أَخْبَرَهُ قَالَ لَمَّا كَانَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ قَتْلِ عُثْمَانَ، أَقْبَلْتُ مَعَ عليّ
__________
[1] وتقدم ما في معناه في الحديث: (33) ، وكذلك ذكر ما في معناه بأسناد اخر، في الحديث: (1127) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38/ 68، وله شواهد جمة من طريق القوم، فويل للذين يعرفون الحق ويرونه وهم عنه معرضون؟!!(2/214)
فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَوَجَدْتُ جَمَاعَةً مِنَ النَّاسِ قَدِ اجتمعوا على طلحة، فخرج أبو جهم ابن حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيُّ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ إِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى طَلْحَةَ وَأَنْتَ غَافِلٌ. فَقَالَ: أَيُقْتَلُ ابْنُ عَمَّتِي وَأُغْلَبُ عَلَى مُلْكِهِ، ثُمَّ أَتَى بَيْتَ الْمَالِ فَفَتَحَهُ فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ بِذَلِكَ تَرَكُوا طَلْحَةَ وَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ.
«270» حدثني مُحَمَّد بْن حاتم المروزي، وروح بْنِ عَبْدِ المؤمن، قَالا:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل، عَن مُحَمَّد بْن راشد صاحب مكحول، عَن عوف قَالَ:
كنت عند الحسن فَقَالَ لَهُ أَبُو جوشن الغطفاني: مَا أزرى بأبي مُوسَى إِلا إتباعه عَلِيًّا. قَالَ: فغضب الحسن ثُمَّ قَالَ: ومن يتبع؟ قتل عُثْمَان مظلوما فعمدوا إِلَى أفضلهم فبايعوه، فجاء مُعَاوِيَة باغيا ظالمًا، فَإِذَا لم يتبع أَبُو مُوسَى عَلِيًّا فمن يتبع؟.
«271» حَدَّثَنِي إبراهيم بن محمد اليثامي [1] وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالا:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ:
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ قَدْ خَلَّى بَيْنَ طَلْحَةَ وَبَيْنَ عُثْمَانَ، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ بَرَزَ عَلِيٌّ لِلنَّاسِ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْبَيْعَةِ فَبَايَعُوهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ خَشِيَ أن يبايع الناس طلحة، فلما دعا (هم) إِلَى الْبَيْعَةِ لَمْ يَعْدِلُوا بِهِ طَلْحَةَ وَلا غَيْرَهُ.
«272» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عَوْفٍ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ جَعَلَ النَّاسُ يُبَايِعُونَ عَلِيًّا: قَالَ: فَجَاءَ طَلْحَةُ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: [هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ.] فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِهَا مِنِّي.
«273» وحدثت عَن عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيّ بْن السائب، عَن صهبان مولى الأسلميين قَالَ: جاء علي والناس مَعَهُ والصبيان يعدون ومعهم الجريد الرطب، فدخل حائطا فِي بني مبذول، وطرح الأشتر النخعي خميصته عليه ثم قال:
__________
[1] كذا في النسخة بالياء المثناة التحتانية، والثاء المثلثة، ولم أجده في تهذيب التهذيب ولسان الميزان.(2/215)
مَا تنتظرون؟ يَا علي أبسط يدك. فبسط يده فبايعه ثُمَّ قَالَ: قوموا فبايعوا، قم يا طلحة قم يا زبير (فقاما) فبايعا وبايع النَّاس.
«274» حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا هَشِيمُ بْنُ بَشِيرٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: رَأَيْتُ الزُّبَيْرَ بَايَعَ عَلِيًّا فِي حَشٍّ مِنْ أَحْشَاشِ الْمَدِينَةِ.
«275» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ: أَنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ بَايَعَا عَلِيًّا.
«276» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ الْعَلاءِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ:
حدثني أبو راسد [1] قال: انتهت بيعة عليا إلى حذيفة وهو من مدائن، فَبَايَعَ بِيَمِينِهِ شِمَالَهُ ثُمَّ قَالَ: لا أُبَايِعُ بَعْدَهُ لأَحَدٍ مِنْ قُرَيْشٍ، مَا بَعْدَهُ إِلا أَشْعَرُ أَوْ أَبْتَرُ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: وَرُوِيَ عَن حُذَيْفَةَ (أَنَّهُ) قَالَ:
مَنْ أَرَادَ أن يلقي (كذا) أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا فَلْيَأْتِ عَلِيًّا.
«277» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا محمد ابن أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ:
أَنَّ/ 346/ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ قَالَ لِعَلِيٍّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُكَلِّمَكَ وَبَكَى فَقَالَ عَلِيٌّ: تَكَلَّمْ وَلا تَحِنَّ حَنِينَ الْمَرْأَةِ. فَقَالَ: [إِنَّ النَّاسَ حَصَرُوا عُثْمَانَ فَأَمَرْتُكَ أَنْ تَعْتَزِلَهُمْ وَتَلْحَقَ بِمَكَّةَ حتى تؤب إلى العرب عوازب أحلامها
__________
[1] كذا في النسخة بالسين المهملة، ورواه أيضا الحاكم في الحديث: (26) من ترجمة أمير المؤمنين من المستدرك: ج 3 ص 115، قال: حدثنا أبو الفضل الحسن بن يعقوب، حدثنا يحيى بن أبي طالب، حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا العلاء بن صالح، عن عدي ابن أبي ثابت.
عن أبي راشد قال: لما جاءت بيعة علي إلى حذيفة قال: لا أبايع بعده إلا أصعر أو أبتر.(2/216)
فَأَبَيْتَ، ثُمَّ قَتَلَهُ النَّاسُ فَأَمَرْتُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ النَّاسَ فَلَوْ كُنْتَ فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَضَرَبَتْ إِلَيْكَ الْعَرَبُ أَبَاطَ الإِبِلِ حَتَّى يَسْتَخْرِجُوكَ، فَغَلَبْتَنِي، وَأَنَا آمُرُكَ الْيَوْمَ أَنْ لا تَقْدَمَ الْعِرَاقَ، فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ أَنْ تُقْتَلَ بِمَضْيَعَةٍ!!] فَقَالَ عليّ:
[أما قولك تأتي مكة فو الله مَا كُنْتُ لأَكُونَ الرَّجُلَ الَّذِي تَسْتَحِلُّ بِهِ مَكَّةُ، وَأَمَّا قَوْلُكَ حَصَرَ النَّاسُ عُثْمَانَ فَمَا ذَنْبِي إِنْ كَانَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ عُثْمَانَ مَا كَانَ (وَأَمَّا قَوْلُكَ) اعْتَزِلِ (النَّاسَ وَلا تقدم) العراق [1] فو الله لا أَكُونُ مِثْلَ الضَّبُعِ أَنْتَظِرُ اللَّدْمَ] .
«278» حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي، عن أبيه، عن أَبِي مِخْنَفٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو يُوسُف الأَنْصَارِيُّ [2] : أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْمَدِينَةَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ النَّاسَ لَمَّا بَايَعُوا عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ بِالْمَدِينَةِ بَلَغَ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا- أَنَّ النَّاسَ بَايَعُوا لِطَلْحَةَ، فَقَالَتْ: إِيهْ ذَا الإِصْبَعِ لِلَّهِ أنت، لقد وجدوك لها
__________
[1] بين المعقوفات كان ساقطا من النسخة، وأثبتناه على وفق السياق. والكلام مما دار بين أمير المؤمنين والسبط الأكبر عليهما السلام في الربذة أو ذي قار، بعد استيلاء طلحة والزبير على البصرة واخراج ابن حنيف منها، ورواه جماعة منهم ابن أبي شيبة- كما في حديث الثقلين من العبقات ج 6/ 1021- ورواه أيضا الطبري في سيرة أمير المؤمنين من تاريخه: ج 3 ص 474، و 475 بسندين، ورواه أيضا في الحديث (37) من الجزء الثاني من امالي الطوسي واشار إليه في ابيات الحية من كتاب معاني الكبير: ج 1/ 67 وكذلك ابو عبيد القاسم بن سلام في كتاب غريب الحديث كما ذكره ابن أبي الحديد بعيد المختار: (266) من قصار النهج من شرحه: ج 19/ 117، ورواه بطرق في ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38/ 52، وقطعة منه- هي احسن مما ذكره الجميع- ذكرها في المختار السادس من نهج البلاغة.
[2] وفي النسخة: «حدثني أبي يوسف الأنصار» ولكن رسم الخط في «أبي» ليس جليا ويمكن ان يكون الأصل هكذا: «حدثني أبي عن يوسف الأنصاري» .(2/217)
مِحَشًّا [1] وَأَقْبَلَتْ جَذِلَةً مَسْرُورَةً حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ إلى سرف [2] استقبلها عبيد ابن مَسْلَمَةَ اللَّيْثِيُّ الَّذِي يُدْعَى ابْنَ أُمِّ كِلابٍ فَسَأَلَتْهُ عَنِ الْخَبَرِ، قَالَ: قَتَلَ النَّاسُ عُثْمَانَ. قالت: نعم ثم صنعوا ماذا؟. قال (صنعوا) خَيْرًا، حَارَتْ بِهُمُ الأُمُورُ إِلَى خَيْرِ مَحَارٍ (كذا) بايعوا ابن عم نبيهم عليا. فقالت: أو فعلوها؟ وَدِدْتُ أَنَّ هَذِهِ أَطْبَقَتْ عَلَى هَذِهِ إِنْ تَمَّتِ الأُمُورُ لِصَاحِبِكَ الَّذِي ذَكَرْتَ!!! فَقَالَ لَهَا: وَلِمَ؟ وَاللَّهِ مَا أَرَى الْيَوْمَ فِي الأَرْضِ مِثْلَهُ فَلِمَ تَكْرَهِينَ سُلْطَانَهُ؟!! فَلَمْ تُرْجِعْ إِلَيْهِ جَوَابًا وَانْصَرَفَتْ إِلَى مَكَّةَ فَأَتَتِ الْحِجْرَ فَاسْتَتَرَتْ فِيهِ وَجَعَلَتْ تَقُولُ: إِنَّا عَتَبْنَا عَلَى عُثْمَانَ فِي أُمُورٍ سَمَّيْنَاهَا لَهُ وَوَقَفْنَاهُ عَلَيْهَا فَتَابَ مِنْهَا وَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ فَقَبِلَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُ وَلَمْ يَجِدُوا مِنْ ذَلِكَ بُدًّا، فَوَثَبَ عَلَيْهِ مِنْ إِصْبَعٍ مِنْ أَصَابِعِ عُثْمَانَ خَيْرٌ مِنْهُ فَقَتَلَهُ، فَقُتِلَ- وَاللَّهِ- وَقَدْ مَاصُّوهُ كَمَا يُمَاصُّ الثَّوْبُ الرَّحِيضُ [3] وَصَفَّوْهُ كَمَا يُصَفَّى الْقَلْبُ.
«279» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَخَلَفُ بْنُ سَالِمٍ، قَالا:
حَدَّثَنَا وهب بْن جرير بْن حازم، عَن يُونُسَ بْن يَزِيدَ الأَيْلِيِّ:
عَن الزُّهْرِيِّ قَالَ سَأَلَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ عَلِيًّا أَنْ يُوَلِّيَهُمَا الْبَصْرَةَ وَالْكُوفَةَ [فَقَالَ تَكُونَانِ عِنْدِي فَأَتَجَمَّلُ بِكُمَا فَإِنِّي أستوحش لفراقكما] .
__________
[1] المحش والمحشة- كالمجن والمجنة- ما تحرك به النار من حديدة أو عود. ويستعار لغيره فيقال: فلان محش حرب: موقدها ومؤرثها.
[2] والقصة رواها أيضا ابن أبي الحديد في شرح المختار: (79) من نهج البلاغة: ج 6 ص 215 وفيه في موضعين: «شراف» ، والظاهر ان ما هنا هو الصواب، قال في معجم البلدان: هو (ككتف) موضع على ستة أميال من مكة. وقيل: سبعة. (وقيل) تسعة.
و (قيل:) اثنا عشر. قال القاضي: وأما الذي حمى فيه عمر فجاء فيه انه حمى السرف والربذة. كذا عند البخاري- بالسين المهملة-، وفي موطأ ابن وهب: الشرف بالشين المعجمة وفتح الراء، وكذا رواه بعض رواة البخاري وأصلحه وهو الصواب.
[3] الرحيض: المغسول، فعيل بمعنى مفعول، تريد انه تطهر من الذنب وخرج من وسخ الآثام بالتوبة.(2/218)
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لَهُمَا: [إِنْ أَحْبَبْتُمَا أَنْ تُبَايِعَانِي فَافْعَلا، وَإِنْ أَحْبَبْتُمَا بَايَعْتُ أَيُّكُمَا شِئْتُمَا؟] فَقَالا: بَلْ نُبَايِعْكَ. ثُمَّ قَالا بَعْدُ:
إِنَّمَا صَنَعْنَا ذَلِكَ خَشْيَةً على أنفسنا، وقد عرفنا أن لَمْ يَكُنْ لِيُبَايِعَنَا. ثُمَّ طَمَرَا [1] إِلَى مَكَّةَ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
«280» حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ قَالَ:
دَعَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَأَشَارَ عَلَيْهِمَا بِهَا وَقَالَ: لِي بِهَا صَنَائِعُ. وَكَانَ وَالِيهَا مِنْ قِبَلِ عُثْمَانَ بَعْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ فَقَالَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ: يَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ قَدْ أَتَاكُمْ فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ كَرِيمُ الأُمَّهَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالاتِ، يَقُولُ بِالْمَالِ فيكم كذا وكذا [2] .
__________
[1] أي ذهبا إليها، وهو من باب قعد، والمصدر الطمور كالقعود.
[2] كناية عن بذله وجوده على الناس.(2/219)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
خبر (حرب) الْجَمَلِ
«281» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَخَلَفُ بْنُ سالم، قالا: حدثنا وهب ابن جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدٍ الأَيْلِيِّ:
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: صَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ إلى مَكَّةَ وَابْنُ عَامِرٍ بِهَا بِحَرِّ الدُّنْيَا [1] قَدْ قَدِمَ مِنَ الْبَصْرَةِ، وَبِهَا يَعْلَى بْنُ مَنِيَّةَ- وَهِيَ أُمُّهُ وَأَبُوهُ أُمَيَّةُ تَمِيمِيٌّ- وَمَعَهُ مَالٌ كَثِيرٌ قَدِمَ بِهِ مِنَ الْيَمَنِ، وَزِيَادَةٌ عَلَى أربعمائة بَعِيرٍ، فَاجْتَمَعُوا عِنْدَ عَائِشَةَ فَأَدَارُوا الرَّأْيَ فَقَالُوا: نَسِيرُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَنُقَاتِلُ عَلِيًّا.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَتْ لَكُمْ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ طَاقَةٌ. قَالُوا: فَنَسِيرُ إِلَى الشَّامِ فِيهِ الرِّجَالُ وَالأَمْوَالُ وَأَهْلُ الشَّامِ شِيعَةٌ لِعُثْمَانَ، فَنَطْلُبُ بِدَمِهِ وَنَجِدُ عَلَى ذَلِكَ أَعْوَانًا وَأَنْصَارًا وَمُشَايِعِينَ. فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: هُنَاكَ مُعَاوِيَة وَهُوَ/ 347/ وَالِي الشَّامِ وَالْمُطَاعُ بِهِ، وَلَنْ تَنَالُوا مَا تُرِيدُونَ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْكُمْ بِمَا تُحَاوِلُونَ لأَنَّهُ ابْنُ عَمِّ الرَّجُلِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نسير إلى العراق، فلطلحة بالكوفة شيعة،
__________
[1] كذا في النسخة كتبه مشددا.(2/221)
وَلِلزُّبَيْرِ بِالْبَصْرَةِ مَنْ يَهْوَاهُ وَيَمِيلُ إِلَيْهِ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَأَشَارَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَأَعْطَاهُمْ مَالا كَثِيرًا قَوَّاهُمْ بِهِ، وَأَعْطَاهُمْ يَعْلَى بْنَ مَنِيَّةَ التَّمِيمِيُّ مالا كثيرا وإبلا، فخرجوا في تسعمائة (سبعمائة «خ» ) .
رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَلَحِقَهُمُ النَّاسُ حَتَّى كَانُوا ثَلاثَةَ آلافِ رَجُلٍ.
فَبَلَغَ عَلِيًّا مسيرهم، ويقال: إن أم الفضل بنت الحرث بْنِ حَزَنٍ كَتَبَتْ بِهِ إِلَى عَلِيٍّ، فَأَمَرَ عليّ سهل بن حنيف الأنصاري (على المدينة) وشخص حتى نزل ذاقار.
«282» حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن أَبِي مِخْنَفٍ:
أَنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ اسْتَأْذَنَا عَلِيًّا فِي الْعُمْرَةِ، فَقَالَ: لَعَلَّكُمَا تُرِيدَانِ الشَّامَ أَوِ الْعِرَاقَ؟ فَقَالا: اللَّهُمَّ غُفْرًا إِنَّمَا نَوَيْنَا الْعُمْرَةَ. فَأَذِنَ لَهُمَا فَخَرَجَا مُسْرِعِينَ وَجَعَلا يَقُولانِ: لا وَاللَّهِ مَا لِعَلِيٍّ فِي أَعْنَاقِنَا بَيْعَةٌ، وَمَا بَايَعْنَاهُ إِلا مُكْرَهِينَ تَحْتَ السَّيْفِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ عليّا فقال: [أخذهما الله (أبعدهما لله «خ» ) إِلَى أَقْصَى دَارٍ وَأَحَرِّ نَارٍ] .
وَوَلَّى عَلِيٌّ عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ الأَنْصَارِيَّ الْبَصْرَةَ، فَوَجَدَ بِهَا خَلِيفَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَهُوَ ابْنُ عَامِرٍ الْحَضْرَمِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، فَحَبَسَهُ وَضَبَطَ الْبَصْرَةَ.
«283» وَحَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ، حَدَّثَنَا وهب بْن جرير، حدثنا ابْنِ جُعْدُبَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ:
قَدِمَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ عَلَى عَائِشَةَ فَأَجْمَعُوا عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى الْبَصْرَةِ للطلب بدم عثمان، وكان يعلى بن منية قد قدم من اليمن فحملهم على أربعمائة بَعِيرٍ، فِيهَا عَسْكَرَ جَمَلُ عَائِشَةَ الَّذِي رَكِبَتْهُ.
«284» وَحَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، عَنْ وَهْبِ بن جرير، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ.(2/222)
وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن أبي مخنف في اسناده- فسقت حديثهما ورددت من بعضه على بعض-:
قَالُوا: قَدِمَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ عَلَى عَائِشَةَ فَدَعَوَاهَا إلى الْخُرُوجِ، فَقَالَتْ:
أَتَأْمُرَانِي أَنْ أُقَاتِلَ؟ فَقَالا: لا وَلَكِنْ تُعْلِمِينَ النَّاسَ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُومًا، وَتَدْعِيهُمْ إِلَى أَنْ يَجْعَلُوا الأَمْرَ شُورَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُوا عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي تَرَكَهُمْ عَلَيْهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَتُصْلِحِينَ بَيْنَهُمْ.
وَكَانَ بِمَكَّةَ سَعِيد بْن العاص بْن سَعِيد بْن العاص بْنِ أُمَيَّةَ، وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي العاص بْن أُمَيَّة، وعبد الرحمان بن عتّاب بن أسيد ابن أبي العاص ابن أُمَيَّةَ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الثَّقَفِيُّ قَدْ شَخَصُوا مِنَ الْمَدِينَةِ فَأَجْمَعُوا عَلَى فِرَاقِ عَلِيٍّ وَالطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ وَالْمُغِيرَةُ يُحَرِّضُ النَّاسَ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى الطَّلَبِ بِدَمِهِ [1] ثُمَّ صَارَ إِلَى الطَّائِفِ مُعْتَزِلا للفريقين جميعا.
__________
[1] قال في ترجمة سعيد بن العاص من الطبقات الكبرى: ج 5 ص 34- ومثله في ترجمته من تاريخ دمشق: ج 20 ص 32-: قالوا: فلما خرج طلحة والزبير، وعائشة من مكة يريدون البصرة، خرج معهم سعيد بن العاص ومروان بن الحكم وعبد الرحمان بن عتاب ابن أسيد، والمغيرة ابن شعبة، فلما نزلوا مر الظهران- ويقال ذات عرق- قام سعيد بن العاص فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن عثمان عاش في الدنيا حميدا وخرج منها فقيدا وتوفي سعيدا شهيدا، فضاعف الله حسناته وحط سيئاته ورفع درجاته مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وقد زعمتم أيها الناس أنكم إنما تخرجون تطلبون بدم عثمان فإن كنتم ذلك تريدون فإن قتلة عثمان على صدور هذه المطي وأعجازها فميلوا عليهم بأسيافكم!!! وإلا فانصرفوا الى منازلكم ولا تقتلوا في رضا المخلوقين أنفسكم ولا يغني الناس عنكم يوم القيامة شيئا.
فقال مروان بن الحكم: لا بل نضرب بعضهم ببعض فمن قتل كان الظفر فيه، ويبقى الباقي فنطلبه وهو واهن ضعيف!!! وقام المغيرة بن شعبة فحمد الله وأثنى عليه وقال: ان الرأي ما رأى سعيد بن العاص، من كان من هوازن فأحب أن يتبعني فليفعل، فتبعه اناس منهم وخرج حتى نزل الطائف فلم يزل بها حتى مضى الجمل وصفين. ورجع سعيد الى مكة فلم يزل بها حتى مضى الجمل وصفين.(2/223)
فَجَعَلَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: إِنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُومًا وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الطَّلَبِ بِدَمِهِ وَإِعَادَةِ الأَمْرِ شُورَى.
وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ، فَكَانَتْ تَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ آمُرُكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَابَعْتُمْ عَلِيًّا فَارْضَوْا بِهِ فو الله مَا أَعْرِفُ فِي زَمَانِكُمْ خَيْرًا مِنْهُ.
وَسَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَائِشَةُ فِيمَنِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّاسِ فَخَرَجُوا فِي ثَلاثَةِ آلافٍ، مِنْهُمْ مِنْ أهل المدينة ومكة تسعمائة.
وَسَمِعَتْ عَائِشَةُ فِي طَرِيقِهَا نُبَاحَ كِلابٍ فَقَالَتْ: مَا يُقَالُ لِهَذَا الْمَاءِ الَّذِي نَحْنُ بِهِ؟ قَالُوا: الْحَوْأَبُ. فَقَالَتْ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعون ردّوني رُدُّونِي فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: وَعِنْدَهُ نِسَاؤُهُ: [ «أَيَّتُكُنَّ يَنْبَحُهَا كِلابُ الْحَوْأَبِ» [1]] وَعَزَمَتْ عَلَى الرُّجُوعِ فَأَتَاهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: كَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْمَاءَ الْحَوْأَبُ، وَجَاءَ بِخَمْسِينَ مِنْ بَنِي عَامِرٍ فَشَهِدُوا وَحَلَفُوا عَلَى صِدْقِ عَبْدِ الله [2] .
__________
[1] قال في معجم البلدان: الحوأب (ككوكب) : موضع في طريق البصرة- وساق كلاما طويلا الى ان قال: - وقال ابو منصور: الحوأب: موضع بئر نبحت كلابه على عائشة عند مقبلها الى البصرة ... وفي الحديث: ان عائشة لما ارادت المضي الى البصرة في وقعة الجمل مرت بهذا الموضع فسمعت نباح الكلاب فقالت: ما هذا الموضع؟ فقيل لها: هذا موضع يقال له:
الحوأب: فقالت: انا لله ما أراني الا صاحبة القصة!!! فقيل لها: واي قصة؟ قالت: سمعت رسول الله يقول: - وعنده نساؤه-: ليت شعري ايتكن تنبحها كلاب الحوأب سائرة الى الشرق في كتيبة!!! وهمت بالرجوع فغالطوها وحلفوا لها انه ليس بالحوأب!!!
[2] ورواه في باب الفتن الحديث: (20753) من كتاب المصنف- للعبد الرزاق-:
ج 11/ 365 عن معمر، عن ابن طاووس عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- قال لنسائه: ايتكن تنبحها كلاب ماء كذا وكذا- يعني الحوأب- فلما خرجت عائشة إلى البصرة نبحتها الكلاب، فقالت: ما اسم هذا الماء؟ فأخبروها فقالت: ردوني. وابى عليها ابن الزبير.
وقال الحاكم في المستدرك: ج 3 ص 120: حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ، حدثنا محمد بن عبد الوهاب العبدي، حدثنا يعلى بن عبيد، حدثنا إسماعيل بْن أَبِي خالد:
عن قيس بْن أبي حازم قال: لما بلغت عائشة- رضي الله عنها- بعض ديار بني عامر نبحت عليها الكلاب، فقالت: أي ماء هذا؟ قالوا: الحوأب. قالت: ما أظننى إلا راجعة.
فقال الزبير: لا بعد (كذا) تقدمي ويراك الناس ويصلح الله ذات بينهم!! قالت: ما أظنني إلا راجعة، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوأب.
أقول: الحديث من أعلام النبوة وذكره ابن قتيبة في غريب حديث أم سلمة من كتاب غريب الحديث كما في شرح المختار: (79) من نهج البلاغة من ابن أبي الحديد: ج 6 ص 220، ونقله في كتاب كفاية الطالب في الباب: (37) منه ص 170، بسندين. ورواه أيضا في مجمع الزوائد ج 7 ص 234 عن أحمد والبزار- كما في هامش المصنف-. وله مصادر أخر كثيرة، وقلما يوجد كتاب تعرض لحرب الجمل وهو خال عنه، والقول بتواتره في محله.(2/224)
وَكَانَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ مُؤَذِّنُهُمْ فَقَالَ: مَنْ أدعو للصلاة؟ فقال عبد الله ابن الزُّبَيْرِ: ادْعُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ: ادْعُ أَبَا مُحَمَّدٍ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا لَنَا وَلَكَ يَا مَرْوَانُ أَتُرِيدُ أَنْ تُغْرِيَ بَيْنَ الْقَوْمِ وَتَحْمِلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ؟ لِيُصَلِّ/ 348/ أَكْبَرُهُمَا فَصَلَّى الزُّبَيْرُ.
وَلَمَّا قَرُبَتْ عَائِشَةُ وَمَنْ مَعَهَا مِنَ الْبَصْرَةِ بَعَثَ إِلَيْهِمْ عُثْمَانُ بْنُ حَنِيفٍ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ الْخُزَاعِيَّ أَبَا نجيد، وأبا الأسود الدئلي فَلَقِيَاهُمْ بِحَفْرِ أَبِي مُوسَى فَقَالا لَهُمْ: فِيمَا قَدِمْتُمْ؟ فَقَالُوا: نَطْلُبُ بِدَمِ عُثْمَانَ وَأَنْ نَجْعَلَ (ظ) الأَمْرَ شُورَى فَإِنَّا غَضِبْنَا لَكُمْ مِنْ سَوْطِهِ وَعَصَاهُ أَفَلا نَغْضَبُ لَهُ مِنَ السَّيْفِ؟!!.
وَقَالا لِعَائِشَةَ: أَمَرَكِ اللَّهُ أَنْ تَقَرِّي فِي بَيْتِكِ فَإِنَّكِ حَبِيسُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَلِيلَتُهُ وَحُرْمَتُهُ. فَقَالَتْ لأَبِي الأَسْوَدِ: قَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ يَا أَبَا الأَسْوَدِ مَا تَقُولُ في!!(2/225)
فَانْصَرَفَ عِمْرَانُ وَأَبُو الأَسْوَدِ إِلَى ابْنِ حَنِيفٍ وجعل أبو الأسود يقول:
يا بن حَنِيفٍ قَدْ أُتِيتَ فَانْفِرِ ... وَطَاعِنِ الْقَوْمَ وَضَارِبْ وَاصْبِرِ
وَابْرُزْ لَهُمْ مُسْتَلْئِمًا وَشَمِّرِ
فَقَالَ عُثْمَانُ (بن حنيف) : أَيْ وَرَبِّ الْحَرَمَيْنِ لأَفْعَلَنَّ.
وَنَادَى عُثْمَانُ (بْنُ حَنِيفٍ فِي النَّاسِ) فَتَسَلَّحُوا، وَأَقْبَلَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَائِشَةُ حَتَّى دَخَلُوا الْمِرْبَدَ مِمَّا يَلِي بَنِي سُلَيْمٍ، وَجَاءَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ مَعَ عُثْمَانَ رُكْبَانًا وَمُشَاةً، وَخَطَبَ طَلْحَةُ فَقَالَ: إِنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّابِقَةِ وَالْفَضِيلَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، وَأَحْدَثَ أَحْدَاثًا نَقَمْنَاهَا عَلَيْهِ فَبَايَنَّاهُ وَنَافَرْنَاهُ، ثُمَّ أُعْتِبَ حِينَ اسْتَعْتَبْنَاهُ، فَعَدَا عَلَيْهِ امرؤ ابتزّ هذه الأمة أمرها بغير رضا ولا مشورة فقتله، وساعده على ذَلِكَ رِجَالٌ غَيْرُ أَبْرَارٍ وَلا أَتْقِيَاءَ، فَقَتَلُوهُ بَرِيئًا تَائِبًا مُسْلِمًا فَنَحْنُ نَدْعُوكُمْ إِلَى الطَّلَبِ بِدَمِهِ فَإِنَّهُ الْخَلِيفَةُ الْمَظْلُومُ.
وَتَكَلَّمَ الزُّبَيْرُ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا الْكَلامِ، فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فَقَالَ قَائِلُونَ:
نَطَقَا بِالْحَقِّ، وَقَالَ آخَرُونَ: كَذَبَا وَلَهُمَا كَانَا أَشَدَّ النَّاسِ عَلَى عُثْمَانَ!!! وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ.
وَأُتِيَ بِعَائِشَةَ عَلَى جَمَلِهَا فِي هَوْدَجِهَا فَقَالَتْ: صَهٍ صَهٍ فَخَطَبَتْ بِلِسَانٍ ذَلِقٍ وَصَوْتٍ جَهْوَرِيٍّ فَأُسْكِتَ لَهَا النَّاسُ فَقَالَتْ:
إِنَّ عُثْمَانَ خَلِيفَتُكُمْ قُتِلَ مَظْلُومًا بَعْدَ أَنْ تَابَ إِلَى رَبِّهِ وَخَرَجَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَاللَّهِ مَا بَلَغَ مِنْ فِعْلِهِ ما يستحلّ به بدمه، فَيَنْبَغِي فِي الْحَقِّ أَنْ يُؤْخَذَ قَتَلَتُهُ فَيُقْتَلُوا بِهِ وَيُجْعَلَ الأَمْرُ شُورَى.
فَقَالَ قَائِلُونَ: صَدَقَتْ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَذَبَتْ حَتَّى تَضَارَبُوا بِالنِّعَالِ وَتَمَايَزُوا فَصَارُوا فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةً مَعَ عَائِشَةَ وَأَصْحَابِهَا، وَفِرْقَةً مع(2/226)
ابْنِ حَنِيفٍ، وَكَانَ عَلَى خَيْلِ ابْنِ حَنِيفٍ حَكِيمُ بْنُ جَبَلَةَ فَجَعَلَ يَحْمِلُ وَيَقُولُ:
خَيْلِي إليّ أنها قريش ... ليردينها (ظ) نَعِيمُهَا وَالطَّيْشُ
وَتَأَهَّبُوا لِلْقِتَالِ فَانْتَهَوْا إِلَى الزَّابُوقَةِ، وأصبحوا (كذا) عُثْمَانُ بْنُ حَنِيفٍ فَزَحَفَ إِلَيْهِمْ فَقَاتَلَهُمْ أَشَدَّ قتال، فكثرت منهم الْقَتْلَى وَفَشَتْ فِيهِمُ الْجِرَاحُ.
ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ تَدَاعَوْا إِلَى الصُّلْحِ فَكَتَبُوا بَيْنَهُمْ كِتَابًا بِالْمُوَادَعَةِ إِلَى قُدُومِ عَلِيٍّ عَلَى أَنْ لا يَعْرِضَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فِي سُوقٍ وَلا مَشْرَعَةٍ، وَأَنَّ لِعُثْمَانَ بْنِ حَنِيفٍ دَارُ الإِمَارَةِ وَبَيْتُ الْمَالِ وَالْمَسْجِدُ، وَأَنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرُ يَنْزِلانِ وَمَنْ مَعَهُمَا حَيْثُ شَاءُوا، ثُمَّ انْصَرَفَ النَّاسُ وَأَلْقَوُا السِّلاحَ.
وَتَنَاظَرَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَقَالَ طَلْحَةُ: وَاللَّهِ لَئِنْ قدم علي البصرة ليأخذن (ظ) بِأَعْنَاقِنَا. فَعَزَمَا عَلَى تَبْيِيتِ ابْنِ حَنِيفٍ وَهُوَ لا يَشْعُرُ، وَوَاطآ أَصْحَابَهُمَا عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى إذا كانت ليلة ريح وظلمة جاؤا إِلَى ابْنِ حَنِيفٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ الآخِرَةَ فَأَخَذُوهُ وَأَمَرُوا بِهِ فَوُطِئَ وَطْئًا شَدِيدًا، ونتفوا لحيته وشاربيه فقال لهما: إن (أخي) سَهْلا حَيٌّ بِالْمَدِينَةِ وَاللَّهِ لَئِنْ شَاكَنِي شَوْكَةٌ لَيَضَعَنَّ السَّيْفَ [1] فِي بَنِي أَبِيكُمَا. يُخَاطِبُ بِذَلِكَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ فَكَفَّا عَنْهُ وَحَبَسَاهُ.
وَبَعَثَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فِي جَمَاعَةٍ إِلَى بَيْتِ المال وعليه قوم/ 349/ من السبايحة [2] يكونون أربعين، ويقال: أربعمائة، فامتنعوا من تسليمه دون
__________
[1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «إن سهلا حيا بالمدينة ... ليقعن السيف في بني أبيكما» .
[2] قال ابن السكيت: السبايحة: قوم من السند يستأجرون ليقاتلوا فيكونون كالمبذرقة.
وقال الجوهري: هم قوم من السند كانوا بالبصرة جلاوزة وحراس السجن، والهاء للعجمة والنسب.(2/227)
قُدُومِ عَلِيٍّ، فَقَتَلُوهُمْ وَرَئِيسَهُمْ أَبَا سَلَمَةَ الزُّطِّيُّ [1] وَكَانَ عَبْدًا صَالِحًا.
وَأَصْبَحَ النَّاسُ وَعُثْمَانُ بْنُ حَنِيفٍ مَحْبُوسٌ، فَتَدَافَعَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ الصَّلاةَ وَكَانَا بُويِعَا أَمِيرَيْنِ غَيْرَ خَلِيفَتَيْنِ، وَكَانَ الزُّبَيْرُ مُقَدَّمًا، ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يُصَلِّي هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا.
وَرَكِبَ حَكِيمُ بْنُ جَبَلَةَ الْعَبْدِيُّ حتى انتهي إلى الزابوقة، وهو في ثلاثمأة، منهم من قومه سبعون، وقال (كذا) إخوة له وهم الأشرف وَالْحَكِيمُ وَالزِّعْلُ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَقَالا: يَا حَكِيمُ مَا تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ تَحُلُّوا عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ وَتُقِرُّوهُ فِي دَارِ الإِمَارَةِ وَتُسَلِّمُوا إِلَيْهِ بَيْتَ الْمَالِ، وَأَنْ تَرْجِعَا إِلَى قُدُومِ عَلِيٍّ. فَأَبَوْا ذَلِكَ وَاقْتَتَلُوا فَجَعَلَ حَكِيمٌ يَقُولُ:
أَضْرِبُهُمْ بِالْيَابِسِ ... ضَرْبَ غُلامٍ عَابِسِ
مِنَ الْحَيَاةِ آيِسِ
فَضُرِبَتْ رِجْلُهُ فَقُطِعَتْ فَحَبَا وَأَخَذَهَا فَرَمَى بِهَا ضَارِبَهُ فَصَرَعَهُ وَجَعَلَ يَقُولُ:
يَا نَفْسُ لا تُرَاعِي ... إِنْ قَطَعُوا كُرَاعِي
إن معي ذراعي.
وجعل يقول أيضا:
__________
[1] قال في اللسان: الزطّ: جيل أسود من السند اليهم تنسب الثياب الزطية. وقيل:
هو معرب «جت» بالهندية، وهم جيل من أهل الهند. وقيل: هم جنس من السودان والهنود، والواحد: زطيّ، مثل الزنج والزنجي والروم والرومي. وقيل: الزط: السبايحة، وهم قوم من السند (كانوا) بالبصرة.(2/228)
لَيْسَ عَلَيَّ فِي الْمَمَاتِ عَارُ ... وَالْعَارُ فِي الْحَرْبِ هُوَ الْفِرَارُ
وَالْمَجْدُ أَنْ لا يُفْضَحَ الذِّمَارُ
فَقُتِلَ حَكِيمٌ فِي سَبْعِينَ مِنْ قَوْمِهِ وَقُتِلَ إِخْوَتُهُ الثَّلاثَةُ.
«375» وحدثني أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيمَ الدورقي، حَدَّثَنَا وهب بْن جرير بْن حازم، عَنْ أَبِيهِ، عَن الزُّبَيْر بْن الخريت:
عَن أَبِي لبيد قَالَ: قَالَ حكيم لامرأة من الأزد: لأعملن بقومك اليوم عملا يكونون بِهِ حديثًا. فقالت: أظن قومي سيجعلونك حديثا.
فضربه رجل من الحدار (كذا) يقال لَهُ: سحيم ضربة فبقي رأسه متعلقا وصار وجهه مقبلا عَلَى دبره.
«286» وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، عَنْ الأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ:
عَنْ خَالِدِ بْنِ سُمَيْرٍ، قَالَ: قَالَتْ: عَائِشَةُ: لا تُبَايِعُوا الزُّبَيْرَ عَلَى الْخِلافَةِ وَلَكِنْ عَلَى الإِمْرَةِ فِي الْقِتَالِ، فَإِنْ ظَفِرْتُمْ رَأَيْتُمْ رَأْيَكُمْ.
«287» وَقَالَ أَبُو مخنف: خطب طَلْحَةُ بْن عبيد اللَّه النَّاس بالزابوقة فَقَالَ: يَا أهل الْبَصْرَةِ توبة بحوبة، إنما أردنا أن نستعتب عُثْمَان ولم نرد قتله فغلب السفهاء الحكماء حتى قتلوه. فقال ناس للطلحة: يا (أ) با مُحَمَّد قد كانت كتبك تأتينا بغير هَذَا من ذمه والتحريض عَلَى قتله؟!!.
«288» وَحَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ:
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ الْبَصْرَةَ، أَتَاهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَكِيمٍ التَّمِيمِيُّ بِكُتُبٍ كَتَبَهَا طَلْحَةُ إِلَيْهِمْ يُؤَلِّبُهُمْ فِيهَا عَلَى عثمان، فقال له:(2/229)
يا طلحة [1] أَتَعْرِفُ هَذِهِ الْكُتُبَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى التَّأْلِيبِ عَلَيْهِ أَمْسِ وَالطَّلَبِ بِدَمِهِ الْيَوْمَ؟ فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ شيئا (ظ) إِلا التَّوْبَةَ وَالطَّلَبَ بِدَمِهِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَبَلَغَ عَلِيًّا خَبَرُ حَكِيمِ بْنِ جَبَلَةَ، وَعُثْمَانَ بْنِ حنيف، فأقبل في اثنا عَشَرَ أَلْفًا حَتَّى قَدِمَ الْبَصْرَةَ وَجَعَلَ يَقُولُ:
والهفتياه (كذا) عَلَى رَبِيعَةْ ... رَبِيعَةَ السَّامِعَةِ الْمُطِيعَةْ
نُبِّئْتُهَا كَانَتْ بِهَا الْوَقِيعَةُ
«289» وَحَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ، وَخَلَفُ بْنُ سَالِمٍ الْمَخْزُومِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا وهب بْن جرير، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ:
عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، قَالَ: بَلَغَ سَهْلَ بْنَ حَنِيفٍ- وَهُوَ وَالٍ عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ قِبَلِ عَلِيٍّ- مَا كَانَ مِنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ إِلَى أَخِيهِ عُثْمَانَ وَحَبْسُهُمَا إِيَّاهُ فَكَتَبَ إِلَيْهِمَا: «أُعْطِي اللَّهَ عَهْدًا لَئِنْ ضَرَرْتُمُوهُ بِشَيْءٍ وَلَمْ تُخَلُّوا سَبِيلَهُ لأَبْلُغَنَّ مِنْ أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْكُمَا مِثْلَ الَّذِي صَنَعْتُمْ وَتَصْنَعُونَ بِهِ» . فَخَلُّوا/ 350/ سَبِيلَهُ حَتَّى أتى عليا.
قال (صالح) : ووجه علي من ذي قار إِلَى أهل الْكُوفَة- لينهضوا إِلَيْهِ- عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس [2] وعمار بْن ياسر، وَكَانَ عَلَيْهَا من قبل عليّ أبو موسى، وقد كان عليها (قبل ذلك) من قبل عثمان، فتكلّم الأشتر فِيهِ عَلِيًّا فأقره، فلما دعا ابْن عَبَّاس وعمار النَّاس إِلَى علي واستنفراهم لنصرته قام أبو موسي خطيبا فقال:
__________
[1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «فقاله الحكيم أتعرف هذه الكتب؟» . والقصة رواها جماعة ذكرناها في تعليق المختار: (156) من كتب نهج السعادة: ج 5/ 232.
[2] هذا هو الصواب الموافق لما يأتى هنا بعد أسطر، ولما في كثير من المصادر، وفي النسخة: «عبيد الله بن عباس» .(2/230)
أيها النَّاس إنكم قد سلمتم من الفتنة إلى يومكم (هذا) فتخلفوا عَنْهَا وأقيموا إِلَى أن يكون النَّاس جماعة فتدخلوا فِيهَا.
وجعل يثبط النَّاس، فرجع عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس وعمار إِلَى علي فأخبراه بِذَلِكَ، فكتب إِلَيْهِ: «يَا ابْن الحائك» [1] وبعث الحسن بْن علي ليندب النَّاس إِلَيْهِ، وأمر بعزل أَبِي مُوسَى فعزله، وولى الْكُوفَة قرظة بْن كعب الأَنْصَارِيّ فانتدب مَعَهُ عشرة آلاف أَوْ نحوهم فخرج بهم إِلَى أَبِيهِ.
ثُمَّ سار علي عَلَيْهِ السلام حَتَّى نزل الْبَصْرَةَ فقال ما تقول الناس؟ قالوا (ظ) :
يقولون: يا لثارات عُثْمَان. فرفع يده ثُمَّ قَالَ: [اللَّهُمَّ عليك بقتلة عثمان.]
__________
[1] هذه جملة من كتاب له عليه السلام الى الأشعري وقد ذكرنا له صورا عن مصادر في المختار: (19) وتواليه من باب كتب نهج السعادة: ج 4/ 47- 52، ولعل المؤلف اتقى من أهل نحلته، وبما ان هذا السفر الجليل كامل بالنسبة الى غيره من كتب التواريخ، وعدم ذكر هذا الكتاب يعد نقصا له، فنحن نتمم هذا النقص بذكر صورة من الكتاب فنقول:
روى أبو مخنف قال: وبعث علي عليه السلام من الربذة، عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس، ومحمد بْن أَبِي بكر الى أبي موسى وكتب معهما اليه:
من عَبْد اللَّهِ علي أمير الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عبد الله بن قيس، أما بعد يا ابن الحائك يا عاض أير أبيه!!! فو الله اني كنت لأرى أن بعدك من هذا الأمر الذي لم يجعلك الله له أهلا، ولا جعل لك فيه نصيبا سيمنعك من رد امري والانتزاء علي (كذا) وقد بعثت إليك ابن عباس وابن أبي بكر، فخلهما والمصر، واهله واعتزل عملنا مذؤما مدحورا، فإن فعلت والا فإني قد أمرتهما ان ينابذاك على سواء، ان الله لا يهدي كيد الخائنين، فإذا ظهرا عليك قطعاك اربا اربا، والسلام على من شكر النعمة، ووفي بالبيعة، وعمل برجاء العاقبة.
كذا رواه عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار الأول من كتب نهج البلاغة: ج 14/ 10، وقريب منه جدا- ولعله اصح- في الدر النظيم الورق 115، وكذا في كتاب الجمل ص 131.(2/231)
«290» وحدثني عَمْرو بْن مُحَمَّد، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بن إدريس بن حصين، عن عمر بن جاوان [1] :
عَن الأحنف أن طَلْحَةَ وَالزُّبَيْر دعواه إِلَى الطلب بدم عُثْمَان، فَقَالَ:
لا أقاتل ابْن عمّ رسول الله ومن أمر تماني ببيعته، وَلا أقاتل أَيْضًا طائفة فِيهَا أم الْمُؤْمِنِينَ وحواري رَسُول اللَّهِ، ولكن اختاروا مني إحدى ثلاث:
إما أن تفتحوا لي الجسر فالحق بأرض الأعاجم، أَوْ بِمَكَّةَ، أَوْ أعبر فأكون قريبا. فأتمروا فرأوا أن يكون بالقرب وَقَالُوا: نطأ صماخه. فاعتزل بالجلحا (ء) من الْبَصْرَةِ عَلَى فرسخين، واعتزل مَعَهُ ستة آلاف.
ثُمَّ التقى القوم فكان أول من قتل طلحة وكعب بْن سور، ولحق الزُّبَيْر بسفوان [2] فلقيه النعر المجاشعي [3] فَقَالَ لَهُ: إلي فأنت في ذمّتي لا يوصل
__________
[1] كذا في النسخة، قال في باب عمرو، من تهذيب التهذيب: ج 8/ 12: عمرو بن جاوان التميمي السعدي البصري- ويقال: عمر- روى عن الأحنف بن قيس، وعنه حصين بن عبد الرحمان. وروى سيف بن عمر التميمي عن ابن صعصعة، عن عمرو بن جاوان، عن جرير بن شرس في الأخبار.
قال ابن معين: كلهم يقولون: عمر بن جاوان إلا أبو عوانة فانه قال: عمرو. وقال علي ابن عاصم: قلت لحصين: (من هو) عمرو بن جاوان؟ قال: شيخ صحبني في السفينة.
وذكره ابن حبان في الثقات. وذكر البخاري في تاريخه: ان هشيما قال: (و) عن حصين، عمرو ابن جاوان.
[2] قال في معجم البلدان: قال أبو منصور: سفوان ماء على قدر مرحلة من باب المربد بالبصرة، وبه ماء كثير السافي وهو التراب.
[3] كلمة: «النعر» هنا غير واضحة بحسب رسم الخط، ويحتمل أن يقرء «النعم» ولكن يأتي هذه اللفظة تحت الرقم: (317) ص 271 وظاهر رسم خطها هناك «النعر» كما انه ذكر ابن سعد في ترجمة الزبير من الطبقات الكبرى: ج 3 ص 111، ط بيروت، القصة بسند آخر، وقال: فلقيه رجل من بني تميم يقال له: النعر بن زمام المجاشعي ...
ورواه أيضا الطبري قبيل عنوان: «بعثة علي من ذي قار ابنه الحسن وعمارا الى الكوفة» من وقعة الجمل من تاريخه: ج 4 ص 497 ط الحديث بمصر، قال: حدثني يعقوب بن ابراهيم، قال: حدثنا ابن ادريس، قال: سمعت حصينا يذكر عن عمرو بن جاوان عن الأحنف- وساق حديثا طويلا الى ان قال: - ولحق الزبير بسفوان (وهو) من البصرة كمكان القادسية منكم- فلقيه النعر- رجل من مجاشع- فقال: اين تذهب يا حواري رسول الله؟ الي فأنت في ذمتي لا يوصل إليك ...(2/232)
إليك. قال: فأقبل مَعَهُ، فأتى الأحنف فقيل لَهُ: ذاك الزُّبَيْر بسفوان فما تأمر؟ قَالَ: جمع بين غارين من المسلمين حَتَّى ضرب بعضهم وجوه بعض بالسيوف ثُمَّ يلحق ببيته بالمدينة. فسمعه ابْن جرموز، وفضالة ونفيع- أَوْ نفيل- فركبوا فِي طلبه فقتلوه.
«291» وَقَالَ أَبُو مخنف فِي اسناه: لما بلغ عَلِيًّا- وَهُوَ بالمدينة- شخوص طلحة وَالزُّبَيْر وعائشة إِلَى الْبَصْرَةِ، استنفر النَّاس بالمدينة، ودعاهم إِلَى نصره فخفت مَعَهُ الأنصار [1] وجعل حجّاج بْن غزية يقول:
سيروا أبابيل وحثوا السيرا ... كي تلحقوا التَّيْمِيّ والزبيرا
فخرج علي من المدينة في سبعمائة من الأنصار (كذا) وورد الربذة، فقدم عليه المثنى بن محربة (كذا) العبدي [2] ، فأخبره بأمر طلحة والزبير، وبقتل
__________
[1] أي ارتحلوا معه مسرعين وأجابوا دعوته من غير تثاقل بل بنشاط وانبساط.
[2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «المثنى بن مخرمة» .
قال في الإصابة: محربة- بمهملة وراء وموحدة بوزن مسلمة-: ابن الرباب الشني، قال أبو الفرج الإصبهاني في ترجمة عبد يغوث بن حداد: يقال: كان يتكهن. وذكر أبو اليقظان انه تنصر في الجاهلية، وان الناس سمعوا مناديا ينادي في الليل قبل مبعث النبي صلى الله عليه واله وسلم: خير اهل الأرض ثلاث: رباب الشني، وبحيرا الراهب وآخر.
قال: وكان من ولده محربة، سمي بذلك لان السلاح حربه لكثرة لبسه إياه، وقد ادرك النبي صلى الله عليه واله وسلم وأرسله الى ابن الجلندى صاحب عمان. وكان ابنه المثنى بن محربة صاحب المختار، وجه به الى البصرة في عسكر ليأخذها، فهزمه عباد بن الحصين.(2/233)
حكيم بْن جبلة العبدي فيمن قتل من عبد القيس وغيرهم من ربيعة، فَقَالَ علي عَلَيْهِ السلام:
يا لهف أماه عَلَى الربيعة ... ربيعة السامعة المطيعة
قد سبقتني بهم الوقيعة ... دعا حكيم دعوة سميعة
نال بِهَا المنزلة الرفيعة
وَقَالَ أَبُو اليقظان: هُوَ المثنى بْن بشير بن محربة (كذا) واسم محربة مدرك ابن حوط، وإنما حربته السلاح لكثرة لبسه إياه (كذا) وقد وفد إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ (أبو مخنف) : وبعث علي من الربذة هاشم بْن عتبة بْن أَبِي وقاص الزُّهْرِيّ إِلَى أَبِي مُوسَى عَبْد اللَّهِ بْن قَيْس الأَشْعَرِيّ- وَكَانَ عامله عَلَى الْكُوفَة، بكتاب منه يأمره فِيهِ بدعاء الناس واستنفار هم إِلَيْهِ، فجعل أَبُو مُوسَى يخذلهم ويأمرهم بالمقام عَنْهُ، ويحذرهم الفتنة، ولم ينهض مَعَهُ أحدًا وتوعّد هاشما بالجيش [1] فلما قدم (هاشم) عَلَى علي/ 351/ دعا عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس ومحمد بْن أَبِي بكر، فبعثهما إِلَيْهِ وأمرهما بعزله، وكتب إِلَيْهِ معهما كتابا ينسبه وأباه إِلَى الحياكة، فعزلاه وصيرا مكانه قرظة بْن كعب الأَنْصَارِيّ.
وارتحل عَلِيّ بْن أَبِي طالب (من الربذة) حتى نزل بفيد، فأتته جماعة طيّئ، ووجه ابنه الحسن بْن علي وعمار بْن ياسر إلى الكوفة لاستنفار
__________
[1] كذا في النسخة، والصواب: «بالحبس» .(2/234)
أهلها، فلما قدما انصرف ابن عباس ومحمد بْن أَبِي بكر الصديق، ويقال: بل أقاما حَتَّى كَانَ انصرافهم جميعا.
وَقَالَ قوم: كان قيس بن سعد بْن عبادة مَعَ الحسن وعمار.
والثبت أن عَلِيًّا ولي قيسا مصر- وَهُوَ بالمدينة- حين ولّى عبيد الله ابن العباس بْنِ عَبْدِ المطلب اليمن، ثُمَّ إنه عزله عَن مصر، وقدم الْمَدِينَةَ وشخص هُوَ وسهل بن حنيف إلى الكوفة، فشهدوا صفين والنهر وان مَعَهُ، وانه لم يوجه مَعَ الحسن إِلا عَمَّار بْن ياسر.
«292» وَقَالَ أَبُو مخنف: وغيره: لما دعا الحسن وعمار أهل الْكُوفَة إِلَى إنجاد علي [1] والنهوض إِلَيْهِ، سارعوا إِلَى ذَلِكَ، فنفر مَعَ الحسن عشرة آلاف عَلَى راياتهم، ويقال: اثنى عشر ألفًا، - وكانوا يدعون فِي خلافة عُثْمَان وعلي أسباعا، حَتَّى كَانَ زياد بْن أَبِي سُفْيَانَ فصيرهم أرباعا- فكانت همدان وحمير سبعا عليهم سعيد بْن قَيْس الهمداني- ويقال: بل أقام سعيد بالْكُوفَة وَكَانَ عَلَى السبع غيره. وإقامته بالكوفة أثبت-.
وكانت مذحج والأشعريون (ظ) سبعا عليهم زياد بْن النضر الحارثي، إِلا أن عديّ بن حاتم، كان على طيّئ مفردًا، دون صاحب سبع مذحج والأشعرين.
وكانت قَيْس عيلان وعبد القيس سبعا عليهم سعد بْن مسعود، عم المختار بْن أَبِي عبيد الثَّقَفِيّ.
وكانت كندة وحضرموت وقضاعة ومهرة، سبعا عليهم حجر بن عدي الكندي.
__________
[1] أي الى اعانته واجابة دعوته في الزحف معه الى الناكثين.(2/235)
وكانت الأزد وبجيلة وخثعم والأنصار سبعا عليهم مخنف بْن سليم الأزدي.
وكانت بكر بْن وائل وتغلب، وسائر ربيعة- غير عبد القيس- سبعا عليهم وعلة بن محدوح (كذا) الذهلي.
وكانت قريش وكنانة وأسد، وتميم وضبة (ظ) والرباب ومزينة سبعا عليهم معقل بْن قَيْس الرياحي.
فشهد هؤلاء الجمل وصفين والنهر (ان) وهم هكذا.
«293» حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي قَبِيصَةَ:
عمرو بن طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ [1] قَالَ:
قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ لِعَلِيٍّ بِالرَّبَذَةِ وَقَدْ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَعَلَيْهَا رَحْلٌ لَهُ رَثٌّ:
إِنِّي لأَخْشَى أَنْ تُقْتَلَ بمضيعة. فقال: [إليك عنّي فو الله مَا وَجَدْتُ إِلا قِتَالَ الْقَوْمِ أَوِ الْكُفْرَ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ- أَوْ قَالَ: بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] .
وَحَدَّثَنِي أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ محمد العمي، عن يحي بن عبد الحميد، عن شريك، عن أمي الصيرفي [2] عن أبي قبيصة عمر بْنِ قَبِيصَةَ، عَن طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ بِمِثْلِهِ، إِلا أَنَّهُ قَالَ: [أَوِ الْكُفْرَ بِمَا أُنْزِلَ على محمد] .
__________
[1] كذا في النسخة، والظاهر ان فيها حذفا وتصحيفا، والصواب: «عن أبي الصيرفي، عن أبي قبيصة عمر، عن طارق بن شهاب» .
[2] ويحتمل رسم الخط بعيدا ان يقرئ: «أبي الصيرفي» .
وقال الحاكم- في الحديث: (27) من ترجمة أمير المؤمنين من المستدرك: ج 3 ص 115-:
حدثنا أبو القاسم الحسن بن محمد السكوني بالكوفة، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا يحيى بن عبد الحميد، حدثنا شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي الصَّيْرَفِيِّ، عَنْ أَبِي قَبِيصَةَ عمر بْنِ قَبِيصَةَ:
عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: رأيت عليا- رضي الله عنه- على رحل رث بالربذة وهو يقول للحسن والحسين: ما لكما تحنان حنين الجارية؟ والله لقد ضربت هذا الأمر ظهرا لبطن فما وجدت بدا من قتال القوم أو الكفر بما أنزل (الله) على محمد صلى الله عليه واله وسلم!!(2/236)
«294» وَقَالَ أَبُو مخنف وغيره: سار الحسن بالناس من الْكُوفَة إِلَى أَبِيهِ وعلى الْكُوفَة قرظة بن كعب، فوافاه بذيقار، فخرج عليّ بالناس من ذيقار، حَتَّى نزل بالبصرة، فدعاهم إِلَى الجماعة ونهاهم عَن الفرقة وخرج إِلَيْهِ شيعته من أهل الْبَصْرَةِ من ربيعة، وهم ثلاثة آلاف، عَلَى بكر بْن وائل شقيق بْن ثور السدوسي، وعلى عبد القيس عَمْرو بْن مرحوم العبدي.
وانخزل مالك بْن مسمع أحد بني قَيْس بن ثعلبة بن عكاية عن علي.
وبايعت أفناد [1] قيس من سليم، وباهلة وغني أصحاب الجمل، وبايعهم أَيْضًا حنظلة وبنو عمرو ابن تميم، وضبة والرباب وعليهم هلال بْن وكيع بن بشر بن عمر بن عدس (ظ) بْن زيد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم، وقتل يوم الجمل.
وبايعهم الأزد (و) رئيسها صبرة بن سليمان [2] الحداني فَقَالَ لَهُ كعب بْن سور بْن بكر أطعني واعتزل بقومك وراء هَذِهِ النطفة، ودع/ 352/ هذين الغارين من مضر، وربيعة يقتتلان. فأبي وَقَالَ: أتأمرني أن أعتزل أم الْمُؤْمِنِينَ وأدع الطلب بدم عُثْمَان، لا أفعل.
وبعث الأحنف بْن قَيْس إِلَى علي: إن شئت أتيتك فكنت معك، وإن شئت اعتزلت ببني سعد فكففت عنك ستة آلاف سيف. - أَوْ قَالَ أربعة آلاف سيف. - فاختار اعتزاله فاعتزل بناحية وادي السباع.
قَالَ وَكَانَ علي يقول: [منيت بفارس العرب- يعني الزبير- وبأيسر
__________
[1] الأفناد كأفراد لفظا ومعنى. والأظهر- هنا- أن يراد بها: الجماعة أو الجماعات.
[2] كذا في النسخة، والصواب: «صبرة بن شيمان» .(2/237)
العرب- يعني يعلى بْن منية التَّمِيمِيّ- وبفياض العرب- يَعْنِي طَلْحَةَ- وَبِأَطْوَعِ النَّاس فِي النَّاس- يَعْنِي عَائِشَةَ-] .
«295» وحدثني أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنِي الجلد بن أيّوب (كذا) عَنْ جَدِّهِ قَالَ:
أتاني كعب بْن سور فركبت مَعَهُ فجعل يطوف فِي الأزد ويقول: ويحكم أطيعوني واقطعوا هَذِهِ النطفة فكونوا من ورائها وخلوا بين الغارين. فجعلوا يسبونه ويقولون:: نصراني صاحب عصا- وذلك لأنه كَانَ فِي الجاهلية نصرانيا- فلما أعيوه رجع إِلَى منزله وأراد الخروج من الْبَصْرَةِ، فبلغ عَائِشَةَ الخبر وهي نازلة في مسجد الحدّان وعنده (كذا) فجا (ء) ت عَلَى بعيرها فلم تزل بِهِ حَتَّى أخرجته ومعه راية الأزد.
قَالَ وهب: وَكَانَ كعب قاضيا عَلَى الْبَصْرَةِ من قبل عمر بْن الخطاب ولاه القضاء بعد أَبِي مريم الحنفي وأقره عُثْمَان بعد ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: أتاه سهم فقتله وفي عنقه مصحف.
«269» وَقَالَ أَبُو مخنف وغيره: أرسل عمران بْن الحصين إِلَى بني عدي يأمرهم بالقعود عَن الفريقين، وقال: لأن أرعى غنما عفرا (ء) فِي جبل حضن [1] أحب إِلَى من أن أرمي فِي الفريقين بسهم. فَقَالُوا: أتأمرنا أن نقعد عَن ثقل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وحرمته؟ لا نفعل.
وقال الحرث بْن حوط الليثي لعلي: أترى أن طَلْحَةَ وَالزُّبَيْر، وعائشة اجتمعوا عَلَى باطل؟ فَقَالَ علي: [يَا حار أنت ملبوس عليك، إن الحق
__________
[1] العفراء: خالصة البياض. والحضن- كسبب-: جبل بنجد.(2/238)
والباطل لا يعرفان بأقدار الرجال، وبإعمال الظن، اعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله [1]] .
قَالُوا: وزحف عَلِيّ بْن أَبِي طالب بالناس غداة يوم الجمعة لعشر ليال خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، وعلى ميمنته مالك بْن الحارث الأشتر النخعي، وعلى ميسرته عَمَّار بْن ياسر العنسي وعلى الرجال أَبُو قتادة النعمان بْن ربعي الأَنْصَارِيّ وأعطى رايته ابنه محمدًا- وَهُوَ ابْن الحنفية- ثُمَّ واقفهم من صلاة الغداة إِلَى صلاة الظهر، يدعوهم ويناشدهم ويقول لعائشة:
إن اللَّه أمرك أن تقري فِي بيتك فاتقي اللَّه وارجعي، ويقول لطلحة والزبير:
خبأتما نسا (ء) كما وأبرزتما زوجة رسول الله صلّى الله عليه وسلم واستفززتماها؟!! فيقولان:
إنما جئنا للطلب بدم عُثْمَان، وأن ترد الأمر شورى.
وكان (على) ميمنة أصحاب الجمل الأزد، وعليهم صبرة بْن شيمان، وعلى ميسرتهم تميم وضبة والرباب، وعليهم هلال بْن وكيع بْن بشر بْن عَمْرو ابن عدس.
وأتي بالجمل فأبرز وعليه عَائِشَةُ فِي هودجها وقد ألبست درعا، وضربت عَلَى هودجها صفائح الحديد. ويقال: إن الهودج ألبس دروعا. فخطبت عَائِشَةُ النَّاس فقالت: إنا كنا نقمنا عَلَى عُثْمَان رحمه اللَّه ضرب السيوط، وإمرة بني أمية وموقع السحابة المحماة، وأنكم استعتبتموه فأعتبكم من ذَلِكَ كله، فلما مصتموه كما يماص الثوب الرحيض عدوتم عَلَيْهِ فركبتم منه الفقر الثلاث [2] :
__________
[1] ورواه أيضا اليعقوبي في سيرة امير المؤمنين من تاريخه: ج 2 ص 199، كما رواه أيضا في المختار: (262) من الباب الثالث من نهج البلاغة، ورواه أيضا في الحديث:
(33) من الجزء الخامس من امالي الطوسي 83، ويجيء أيضا تحت الرقم: (357) هنا بسند آخر.
[2] قال في اللسان: قال الأزهري: والروايات الصحيحة: الفقر الثلاث- بضم الفاء- على ما فسره ابن الأعرابي وابو الهيثم، وهو الأمر الشنيع العظيم.(2/239)
سفك الدم الحرام فِي البلد الحرام فِي الشهر الحرام، وأيم اللَّه لقد كَانَ من أحصنكم فرجا وأتقاكم لله.
«297» وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ ابراهيم الدورقي، والحسين بن/ 353/ علي ابن الأَسْوَدِ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ:
عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: خَطَبَتْ عَائِشَةُ فَقَالَتْ: اسْمَعُوا نُحَاجِّكُمْ عَمَّا جِئْنَا لَهُ: إِنَّا عَتَبْنَا- أَوْ نَقَمْنَا- عَلَى عُثْمَانَ فِي ثَلاثٍ: إِمْرَةِ الْفَتَى وَمَوْقِعِ الْغَمَامَةِ، وضرب السيوط والعصا، حتى إذا مصتموه كَمَا يُمَاصُّ الثَّوْبُ الصَّابُونَ عَدَوْتُمْ عَلَيْهِ الْفَقْرَ الثَّلاثَ: حُرْمَةَ الْبَلَدِ، وَحُرْمَةَ الْخِلافَةِ، وَحُرْمَةَ الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَإِنْ كَانَ عُثْمَانُ لَمِنْ أَحْصَنِهِمْ فَرْجًا وَأَوْصَلِهِمْ لِلرَّحِمِ.
«298» وَقَالَ أَبُو مِخْنَفٍ وَغَيْرُهُ: وَأَمَرَ عَلِيٌّ أَصْحَابَهُ أَنْ لا يُقَاتِلُوا حَتَّى يُبْدَءُوا، وَأَنْ لا يُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ وَلا يُمَثِّلُوا وَلا يَدْخُلُوا دَارًا بِغَيْرِ إِذْنٍ وَلا يَشْتُمُوا أحدا، ولا يهيّجوا امْرَأَةً وَلا يَأْخُذُوا إِلا مَا فِي عَسْكَرِهِمْ.
ثُمَّ زحف النَّاس ودنا بعضهم من بعض. وأمر علي رجلا من عبد القيس أن يرفع مصحفا، فرفعه وقام بين الصفين فَقَالَ: ادعوكم إِلَى مَا فِيهِ، أدعوكم إِلَى ترك التفرق وذكر نعمة اللَّه عليكم فِي الألفة والجماعة. فرمي بالنبل حَتَّى مات، ويقال: بل قطعت، فأخذه بأسنانه فرمى حَتَّى قتل، فَقَالَ علي:
[هَذَا وقت الضراب] .
وَقَالَ بعضهم: قطعت يده فأخذ المصحف بأسنانه وَهُوَ يقاتل باليد الباقية، فرمي حَتَّى قتل، فَقَالَ علي: [الآن طاب الضراب] .
وأخذ المصحف بعد قتل هَذَا الرجل رحمه اللَّه رجل من بَنِي تَمِيمٍ يقال لَهُ:
مسلم فدعاهم إِلَى مَا فِيهِ فقتل فقالت أمه:(2/240)
يَا رب إن مسلمًا دعاهم ... يتلو كِتَاب اللَّهِ لا يخشاهم
فرملوه رملت لحاهم
قَالُوا: وسمع علي أصوات أصحاب الجمل وقد علت فَقَالَ: مَا يقولون؟
قَالُوا: يدعون عَلَى قتلة عُثْمَان ويلعنونهم. قَالَ: [نعم فلعن اللَّه قتلة عثمان فو الله مَا قتله غيرهم وما يلعنون إِلا أنفسهم وَلا يدعون إِلا عَلَيْهَا] .
ثُمَّ قَالَ علي لابن الحنفية- ومعه الراية-: أقدم. فزحف برايته نحو الجمل، وأمر عَلَى الأشتر أن يحمل فحمل وحمل النَّاس، فقتل هلال بْن وكيع التَّمِيمِيّ واشتد القتال، فضرب مخنف بْن سليم عَلَى رأسه فسقط وأخذ الراية منه الصقعب بْن سليم أخوه فقتل، ثُمَّ أخذها عَبْد اللَّهِ بْن سليم فقتل.
ثُمَّ أمر علي مُحَمَّد بْن الحنفية أن يحمل فحمل وحمل النَّاس فانهزم أهل الْبَصْرَةِ، وقتلوا قتلا ذريعا، وذلك عند المساء، فكانت الحرب من الظهر إِلَى غروب الشمس.
وَكَانَ كعب بْن سور ممسكا بزمام الجمل، فأتاه سهم فقتله، وتعاود النَّاس زمام الجمل فجعل كلما أخذه أحدهم قتل، واقتتل النَّاس حوله قتالًا شديدًا.
وسمعت عبد الأعلى النرسي يقول: بلغني أنه قطعت عَلَيْهِ سبعون يدًا.
وروي عَن أَبِي عبيدة معمر بْن المثنى أنه كَانَ يقول: قتل ممن أخذ بزمام الجمل سبعون.
وَقَالَ أَبُو مخنف وعوانة: أقبل رجل من بني ضبة ومعه سيف وهو يخطر ويقول:
نحن بنو ضبة أصحاب الجمل ... والموت أحلى عندنا من العسل
ننعى ابْن عفان بأطراف الأسل ... ردوا علينا شيخنا ثُمَّ بجل(2/241)
وجعل هانئ بْن خطاب الهمداني يقول:
أبت سيوف مذحج وهمدان ... بأن ترد نعثلا كما كان
خلقا جديدا بعد خلق الرحمان
«299» وحدثني/ 354/ خَلَف بْن سَالِمٍ، وأحمد بْن إِبْرَاهِيمَ، قالا:
حَدَّثَنَا وهب بْن جرير بْن حازم، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عون:
عَن أَبِي رجاء العطاردي قَالَ: رأيت ابْن يثربي يرتجز ويقول:
نحن بنو ضبة أصحاب الجمل ... ننزل بالموت إذا الموت نزل
والقتل أحلى عندنا من العسل ... ننعى ابْن عفان بأطراف الأسل
ردوا علينا شيخنا ثُمَّ بجل
وَقَالَ أَبُو مخنف وغيره: واقتتل مالك الأشتر وعبد اللَّه بْن الزُّبَيْرِ، فاختلفا ضربتين ثُمَّ تعانقا حَتَّى خرا إِلَى الأرض يعتركان، فحجز بينهما أصحابهما وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ يقول حين اعتنقا: اقتلوني ومالكًا. وَكَانَ الأشتر يقول: اقتلوني وعبد اللَّه. فيقال: إن ابْن الزُّبَيْر لو قَالَ: اقتلوني والأشتر. وإن الأشتر لو قَالَ: اقتلوني وَابْن الزُّبَيْر. لقتلا جميعا. وكان الأشتر يقول ما سرّني بإمساكه عَن أن يقول الأشتر حمر النعم وسودها.
وقيل لعائشة: هَذَا الأشتر يعارك عَبْد الله. فقالت: وا ثكل أسماء!! ووهبت لمن بشرها بسلامته مالًا.
وروي عَن عاصم بن كليب أن المعانق للأشتر عبد الرحمان بن عتاب ابن أسيد، فجعل يقول: اقتلوني ومالكا، وجعل الأشتر يقول: اقتلوني وَابْن عتاب. والأول أشهر.
وحدثت عَن أَبِي بكر بْن عياش، عَن مغيرة (كذا) عَن إِبْرَاهِيم بْن(2/242)
علقمة أنه قَالَ: سالت الأشتر فقلت: أنت عاركت ابْن الزُّبَيْر؟ فَقَالَ: والله مَا وثقت بقوتي حَتَّى قمت لَهُ فِي الركابين [1] ثُمَّ ضربته، وكيف اصارعه؟ أما ذلك عبد الرحمان بْن عتاب.
«300» وَحَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، عَنْ أَبِي عبيدة، عن أبي عمرو ابن الْعَلاءِ قَالَ:
أَخَذَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِزِمَامِ الْجَمَلِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: ابْنُ أُخْتِكِ.
قالت: وا ثكل أَسْمَاءَ، أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَمَا تَنَحَّيْتَ فَفَعَلَ فَأَخَذَهُ بَعْضُ بَنِي ضَبَّةَ فَقُتِلَ.
«301» قَالُوا: وجاء مُحَمَّد بْن طلحة بْن عبيد اللَّه، وَكَانَ يدعى السجاد فأخذ بزمام الجمل فحمل عَلَيْهِ رجل فقتله، فيقال: انه من أزد الْكُوفَة يقال له: مكيسر. ويقال: بل حمل (عليه) مُعَاوِيَة بْن شداد العبسي. ويقال:
إن الَّذِي حمل عليه عصام بن المقشعر النمري حمل عليه بالرمح فقال محمد:
أذكرك «حم» [2] فطعنه برمحه فقتله وَقَالَ فِي ذَلِكَ:
وأشعث قوام طويل سهاده [3] ... قليل الأذى فيما ترى العين مسلم
هتكت لَهُ بالرمح جيب قميصه ... فخرّ صريعا لليدين وللفم
__________
[1] كذا.
[2] كذا في النسخة، وقال ابن سعد في ترجمة محمد بن طلحة من الطبقات: ج 5 ص 54 ط بيروت: فأقبل عبد الله بن مكعبر- رجل من بني عبد الله بن غطفان حليف لبني أسد- فحمل عليه بالرمح فقال له محمد: أذكرك «حم» . فطعنه فقتله، ويقال: الذي قتله ابن مكيس الأزدي. وقال: بعضهم: معاوية بن شداد العبسي. وقال بعضهم: عصام بن المقشعر النصري.
[3] ورواه في ترجمة محمد بن طلحة من الطبقات: ج 5/ 55 وقال: «واشعث قوام بايات ربه» .(2/243)
يناشدني حاميم والرمح دونه [1] ... فهلا تلاحم قبل التقدم
عَلَى غير شَيْء غير أن ليس تابعا ... عَلِيًّا ومن لا يتبع الحق يظلم [2]
قَالُوا: وجعل بعض بني ضبة يقول:
نحن بنو ضبة لا نفر ... حَتَّى نرى جماجما تخر
صبرا فما يصبر إِلا الحر
وقتل عمرو ابن يثربي الضبي ثلاثة من أصحاب علي: زيد بن صوحان العبدي و (كان) يكنى أبا عائشة، وعلياء بْن الْهَيْثَم السدوسي من ربيعة، وهند بْن عمرو بن جدراة الجملي من مراد، وَهُوَ الَّذِي يقول:
إني لمن أنكرني ابْن يثربي ... قاتل علباء وهند الجملي
ثُمَّ ابْن صوحان عَلَى دين علي
وَكَانَ هند الجملي يقول وَهُوَ يقاتل حَتَّى قتل:
أضربهم جهدي بحد المنصل ... والموت دون الجمل المجلل
إن تحملوا/ 355/ قدما علي أحمل وقتل يومئذ ثمامة بن المثنى بن حازمة الشيباني فقال الأعور الشني:
يا قاتل اللَّه أقواما هم قتلوا [3] ... يوم الخريبة علباء وحسانا
وَابْن المثنى أصاب السيف مقتله ... وخير قرائهم زيد بن صوحانا
__________
[1] وفي الطبقات: «يذكرني حم والرمح شارع» .
[2] وفي الطبقات: «ومن لا يتبع الحق يندم» وهو أظهر.
[3] هذا هو الظاهر من السياق وفي النسخة: «ما قاتل الله ... » .(2/244)
وكانت وقعة الجمل بالخريبة، وحسان الَّذِي ذكره (هو) حسّان بن محدوح بن بشر بن حوط، كَانَ مَعَهُ لواء بكر بْن وائل، فقتل فأخذه أخوه حذيفة بن محدوح فأصيب، ثم أخذه بعده عدة من الحوطيين فقتلوا حَتَّى تحاموه.
وبعضهم ينشد: «علباء وسيحانا» يعني سيحان بْن صوحان.
«302» حَدَّثَنِي الواقدي، عَن هشام بْنَ بَهْرَامَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مخول بْن راشد، عَن العيزار بْن حريث قَالَ:
قَالَ زيد بْن صوحان يوم الجمل: لا تغسلوا عني دما وَلا تنزعوا عني ثوبا، وانزعوا الخفين وأرمسوني فِي الأرض رمسا فإني محاج أحاج.
وقاتل طَلْحَةُ بْن عبيد الله يومئذ قتالا شديدا، فشدّ عليه حندب بْن عَبْدِ اللَّهِ الأزدي فلما أمكنه أن يطعنه تركه كراهة لأن يقتله.
وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: جعل جندب بْن زهير يرتجز يومئذ ويقول:
يَا أمنا أعق أم تعلم ... والأم تغذو ولدها وترحم
وجعل أَيْضًا يرتجز- أَوْ غيره- ويقول:
قلنا لَهَا:
وهي عَلَى مهواة ... إن لنا سواك أمهات
فِي مسجد الرسول ثاويات
وشد رجل من الأزد عَلَى ابْن الحنفية وَهُوَ يقول: يَا معشر الأزد كروا.
فضربه ابْن الحنفية فقطع يده وَقَالَ: يَا معشر الأزد: فروا.
«303» حَدَّثَنِي عَمْرو بْن محمد الناقد، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا أَبُو نعامة العدوي عَن شيخ منهم قَالَ:(2/245)
أخذ رجل منا بخطام الجمل وَهُوَ يقول:
نحن عدي نبتغي عَلِيًّا ... نحمل ماديا [1] ومشرفيا
وبيضة وحلقا ملويا ... نقتل من يخالف الوصيا [2]
مقتل طلحة بْن عبيد اللَّه
قَالُوا: أحيط بطلحة عند المساء ومعه مروان بْن الحكم يقاتل فيمن يقاتل، فلما رأى مروان النَّاس منهزمين قَالَ: وَاللَّه لا أطلب ثأري بعثمان بعد اليوم أبدًا، فانتحى لطلحة بسهم فأصاب ساقه فأثخنه والتفت إلى أبان ابن عُثْمَان فَقَالَ لَهُ: قد كفيتك أحد قتلة أبيك [3] . وجاء مولى لطلحة ببغلة لَهُ فركبها وجعل يَقُول لمولاه: أما من موضع نزول؟ فيقول: لا قد رهقك القوم. فيقول: مَا رأيت مصرع شيخ أضيع، مَا رأيت مقتل شيخ أضيع، اللَّهُمَّ أعط عُثْمَان منى حَتَّى يرضى. وأدخل دارًا من دور بني سعد بالبصرة فمات فِيهَا.
«304» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [4] ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ:
قَالَ مَرْوَانُ يَوْمَ الْجَمَلِ: لا أَطْلُبُ بِثَأْرِي بَعْدَ الْيَوْمِ. فَرَمَى طَلْحَةُ بِسَهْمٍ (ظ) فأصاب ركبته فكان الدم يسيل (منها) فإذا أمسكوا ركبته انتفخت
__________
[1] المادي: الرمح سمي به لأنه يميد أي يتحرك ويضطرب.
[2] كذا.
[3] هذا مما لا يختلف فيه أحد وهو من ضروريات فن التاريخ، وله شواهد غير محصورة من طريق القوم.
[4] ورواه أيضا عن ابن أبي شيبة، في عنوان: «مقتل طلحة» من العقد الفريد: ج 3 ص 99، ط 1، لكن لا بهذا اللفظ بل بمعناه.(2/246)
فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ سَهْمٍ أَرْسَلَهُ اللَّهُ، اللَّهُمَّ خُذْ لِعُثْمَانَ مِنِّي الْيَوْمَ حَتَّى تَرْضَى.
«305» حَدَّثَنِي عَمْرو بْن مُحَمَّد النَّاقِد، وَأَحْمَدُ بْن إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيّ، قَالا:
حَدَّثَنَا أَبُو أسامة، عَن إِسْمَاعِيل:
عَن قَيْس قَالَ: رمى مروان طَلْحَةَ يوم الجمل فِي ركبته فمات فدفنوه عَلَى شاطئ الكلا [1] فراى بعض أهله (في منامه) أنه قَالَ: ألا تريحوني من هَذَا الماء فإني قد غرقت. فنبشوه فَإِذَا قبره أخضر كأنه السلق [2] فنزفوا عَنْهُ الماء ثُمَّ استخرجوه واشتروا/ 356/ لَهُ دارًا بعشرة آلاف درهم ودفنوه فِيهَا.
«306» وَحَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ، عَنْ سَعِيد بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ:
عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: أُصِيبَتْ ثَغْرَةُ نَحْرِ طَلْحَةَ يَوْمَ الْجَمَلِ بِسَهْمٍ فَجَعَلَ يَقُولُ:
مَا رَأَيْتُ مَصْرَعَ شَيْخٍ أَضْيَعَ، اللَّهُمَّ خُذْ لِعُثْمَانَ مِنِّي الْيَوْمَ حَتَّى تَرْضَى.
«307» وَقَالَ أَبُو مِخْنَفٍ وَعَوَانَةُ وَغَيْرُهُمَا: قُتِلَ مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ السُّلَمِيُّ مَعَ عَائِشَةَ أَصَابَهُ سهم.
__________
[1] كذا في النسخة، وقريبا منه في العقد الفريد: ج 3 ص 100، ط 1، وقال ابن سعد في ترجمة طلحة من الطبقات: ج 3 ص 223 ط بيروت: أخبرنا أبو أسامة، عن إسماعيل ابن أبي خالد، قال: أخبرني قيس بن أبي حازم قال:
رمى مروان بن الحكم طلحة يوم الجمل في ركبته فجعل الدم يغذ ويسيل، فإذا امسكوه استمسك وإذا تركوه سال- قال: والله ما بلغت إلينا سهامهم بعد- ثم قال: أمسكوه فإنما هو سهم ارسله الله. فمات فدفنوه على شط الكلاء، فرأى بعض أهله أنه قَالَ: أَلا تريحونني من هذا الماء فإني قد غرقت- ثلاث مرات يقولها- فنبشوه من قبره أخضر كأنه السلق، فنزفوا عَنْهُ الماء ثم استخرجوه فإذا ما يلى الأرض من لحيته ووجهه قد أكلته الأرض، فاشتروا دارا من دور أبي بكرة فدفنوه فيها.
[2] كذا في الأصل.(2/247)
«307» حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا وهب، حدثني أبو بكر ابن الفضل عن أبيه (قال:) أن راية العتيك كانت يوم الجمل مَعَ عَمْرو بْن الأشرف فقتل يومئذ وعشرة من بيته (كذا) .
«308» وقال هشام بن الكلبي: التقى الحرث بن زهير بن عبد الشارق ابن لعط بن مظة العامدي (كذا) وَهُوَ من أصحاب علي، وعمرو بْن الأشرف العتكي فقتل كل واحد مِنْهُمَا صاحبه.
قَالُوا: فمال الناس (ظ) بعد مقتل طلحة إِلَى عائشة فاقتتلوا حول الجمل، فكان أول من أخذ زمامه زفر بن الحرث الكلابي أخذه وجعل يقول:
يَا أمنا عائش لا تراعي ... كل بنيك بطل شجاع
واشتد القتال فقتل من الأزد ألفان وخمسمائة واثنان وخمسون رجلًا، ومن بكر بْن وائل ثمانمأة، ومن ضبة خمسمائة، ومن بني تميم (ظ) سبعمائة.
ولما رأى علي أن القتال حول الجمل قد اشتد قَالَ: [اعقروا الجمل] .
فشد نحوه عدي بْن حاتم الطائي أَبُو طريف، ومالك الأشتر وعمار بن ياسر والمثنى بن مخرمة (ظ) العبدي- من شيعة عَلِيّ بْن أَبِي طالب من أهل الْبَصْرَةِ- وعمرو بْن دلجة الضبي من أهلها، وأبو حية بْن غزية الأَنْصَارِيّ، وَقَالَ بعض العبديين:
نحن ضربنا ساقه فانخزلا ... وضربة بالعنق كانت فيصلا
لو لم تكوني للنبي ثقلا ... وحرمة لاقيت أمرًا معضلا
وَقَالَ هِشَام بْن الْكَلْبِيّ عَن أَبِيهِ: الَّذِي عرقب جمل عَائِشَةَ المسلم بْن معدان من ولد شزن بْن نكرة بْن لكيز بْن أفصى.(2/248)
قالوا: وجاء أعين بن ضبيعة- أبو البوار [1] امرأة الفرزدق- إِلَى الهودج وكأنه فرخ مقصب مما فِيهِ من النبل فاطلع فِيهِ فَقَالَ: والله مَا أرى إِلا حميراء. فقالت: هتك اللَّه سترك وأبدى عورتك وقطع يدك.
وانتهى علي إِلَى الهودج فضربه برمحه وَقَالَ: [كيف رأيت صنيع اللَّه بك.
يَا أخت إرم [2]] فقالت: ملكت فأسجح. ثُمَّ قَالَ لمحمد بْن أَبِي بكر:
انطلق بأختك فأدخلها الْبَصْرَةَ. فأنزلها محمد في دار صفية بنت الحرث بن طلحة ابن أبي طلحة العبدري وهي أم طلحة الطلحات بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن خلف الخزاعي فمكثت بِهَا أيامًا، ثُمَّ أمرها علي بالرحلة فاستأجلته أيامًا فأجلها، فلما انقضى الأجل أزعجها فخرجت إِلَى الْمَدِينَةِ فِي نساء من أهل الْبَصْرَةِ ورجال من قبله حَتَّى نزلت الْمَدِينَةَ، وكانت تقول إذا ذكرت يوم الجمل: وددت أني مت قبله بِكَذَا وكذا عاما.
«309» وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو خَيْثَمَةَ، وَابْنُ الدَّوْرَقِيِّ، قَالا:
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ أَسْمَاءَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَسَّانٍ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ:
لَقَدْ شَكَّتِ السِّهَامُ الْهَوْدَجَ حَتَّى كَأَنَّهُ جَنَاحُ نِسْرٍ، وَفَقَدَ عَلِيٌّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ، فَقَالَ: مَا أَرَاهُ يُقَاتِلُكُمْ غَيْرُ هَذَا الْهَوْدَجِ. فَكَشَفَ عَمَّارٌ عُرْقُوبَ الْجَمَلِ فَقَالَ عَلِيٌّ لِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: أَدْخِلْ رَأْسَكَ وَانْظُرْ أَحَيَّةٌ هِيَ؟ وَهَلْ أَصَابَهَا شَيْءٌ؟ فَفَعَلَ ثُمَّ أَخْرَجَ رَأْسَهُ فَقَالَ: خُمُوشٌ فِي عَضُدِهَا أَوْ قَالَ فِي جَسَدِهَا.
«310» وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو النصر، حدثنا
__________
[1] كذا في النسخة، والصواب: أبو النوار.
[2] كذا.(2/249)
إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو:
عَنِ ابْنِ حَاطِبٍ قَالَ: [أَقْبَلْتُ مَعَ عَلِيٍّ يَوْمَ الْجَمَلِ إِلَى الْهَوْدَجِ وَكَأَنَّهُ شَوْكُ قُنْفُذٍ مِنَ النَّبْلِ، فَضَرَبَ/ 357/ الْهَوْدَجَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ حُمَيْرَاءَ إِرَمَ هَذِهِ أَرَادَتْ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلَتْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ. فَقَالَ] لَهَا أَخُوهَا مُحَمَّدٌ: هَلْ أَصَابَكِ شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ: مِشْقَصٌ فِي عَضُدِي. فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ ثُمَّ جَرَّهَا إِلَيْهِ فَأَخْرَجَهُ.
«311» وَحَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ وَأَبُو خَيْثَمَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جرير ابن حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأَيْلِيِّ:
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: احْتَمَلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَائِشَةَ، فَضَرَبَ عَلَيْهَا فُسْطَاطًا، فَوَقَفَ عليها (عليّ) فقال: [استفززت الناس وقد أقروا [1] حَتَّى قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِتَأْلِيبِكِ.] فَقَالَتْ: يَا بن أَبِي طَالِبٍ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ.
فَسَرَّحَهَا إِلَى الْمَدِينَةِ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، وَجَهَّزَهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا.
«312» وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ:
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ الْجُمَحِيِّ- وَكَانَ قَدْ شَهِدَ الْجَمَلَ مَعَ عَلِيٍّ- قَالَ:
قَالَ لي علي: يا بن حَاطِبٍ هَلْ فِي قَوْمِكَ جِرَاحٌ؟ قُلْتُ: أَيْ وَاللَّهِ. قَالَ:
[مُرْهُمْ بِالسَّمْنِ فَإِنِّي لَمْ أَرَ علولا [2] مثل السمن للجرح] .
__________
[1] كلمة: «علي» قد كانت ساقطة من النسخة، وكلمة: «أقروا» غير واضحة بحسب رسم الخط، ويحتمل رسم الخط أن يقرء: «وقد افترقوا» أو «وقد أفزوا» .
[2] قال في التاج في مادة علل مستدركا على القاموس: العلول- كصبور-: ما يعلل به المريض من الطعام الخفيف، والجمع علل بضمتين.(2/250)
مقتل للزبير بْنِ الْعَوَّامِ
«313» حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ:
عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: رَأَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَلِيًّا فَقَالَتْ: كَأَنَّهُ قَدْ كُسِرَ ثُمَّ جُبِرَ، وَرَأَتْ طَلْحَةَ فَقَالَتْ: كَأَنَّ وَجْهَهُ دِينَارٌ هِرَقْلِيٌّ، وَرَأَتِ الزُّبَيْرَ فَقَالَتْ: كَأَنَّهُ أَرْقَمُ يَتَلَمَّظُ.
فَلَمَّا تَوَاقَفُوا قَالَ عَلِيٌّ لِطَلْحَةَ: [خَبَّأْتَ عِرْسَكَ فِي خِدْرِهَا وَجِئْتَ بِعِرْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُقَاتِلُ بِهَا، وَيْحَكَ أَمَا بَايَعْتَنِي؟] قَالَ بَايَعْتُكَ والسيف على عنقي.
ثم قال (علي للزبير) : يا زبير قف بنا حجرة [1] فَتَوَاقَفَا حَتَّى اخْتَلَفَتْ أَعْنَاقُ فَرَسَيْهِمَا فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا زُبَيْرُ أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِي:
[أَمَا إِنَّ ابْنَ عَمَّتِكَ هَذَا سَيَبْغِي عَلَيْكَ وَيُرِيدُ قِتَالَكَ ظَالِمًا؟] قَالَ: اللَّهُمَّ بَلَى.
فَخَرَجَ مِنَ الْعَسْكَرِ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَتَلَهُ ابْنُ جُرْمُوزٍ بِوَادِي السباع [2]
__________
[1] الحجرة- كبصرة-: الناحية وموضع الانفراد.
قال الحاكم في ترجمة أبي جرد المازني من كتاب الكنى: ج 5/ 10/ ب: حدثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني أنبأنا عمي (ظ) أنبأنا محمد بن عبد الله الرقاشي قال:
حدثني أبي عن جدي عن أبي جرد المازني قال:
شهدت عليا والزبير تواقفا فقال علي للزبير: نشدتك بالله يا زبير هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ (وَسَلَّمَ) يقول: أنك تقاتلني (ظالما) ؟ قال: اللهم نعم ما ذكرت قبل موقفي هذا. ثم ولى منصرفا.
[2] قال في معجم البلدان: وادي السباع الذي قتل فيه الزبير بن العوام بين البصرة ومكة، وبينه وبين البصرة خمسة أميال. كذا ذكره أبو عبيد.(2/251)
«314» حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، حَدَّثَنَا رِفَاعَةُ بْنُ إِيَاسٍ أَبُو الْعَلاءِ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي عن أبيه (قال:) :
أَنَّ عَلِيًّا دَعَا الزُّبَيْرَ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ آمِنٌ ابْرُزْ إِلَيَّ أُكَلِّمُكَ. فَبَرَزَ لَهُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ حَتَّى اخْتَلَفَتْ أَعْنَاقُ دَابَّتَيْهِمَا، فَقَالَ: يَا زُبَيْرُ أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَخَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ يَمْشِي وَخَرَجْنَا مَعَهُ فَقَالَ [لَكَ: يَا زُبَيْرُ تُقَاتِلُهُ ظَالِمًا [1] وَضَرَبَ كَتِفَكَ؟!!! فَقَالَ:
اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: أَفَجِئْتَ تُقَاتِلُنِي؟] فَرَجَعَ عَن قِتَالِهِ وَسَارَ مِنَ الْبَصْرَةِ لَيْلَةً فَنَزَلَ مَاءٍ لِبَنِي مُجَاشِعٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ جُرْمُوزٍ فَقَتَلَهُ وَجَاءَ بِسَيْفِهِ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ [ (له) : بَشِّرْ قَاتِلَ ابْنِ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ] .
«315» حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ [2] :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَتَى الزُّبَيْرَ فَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَتُقَاتِلُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَرَجَعَ الزُّبَيْرُ فَقَتَلَهُ ابْنُ جُرْمُوزٍ.
__________
[1] الحديث من اعلام النبوة وله مصادر غير محصورة.
[2] وقال في ترجمة الزبير، من تاريخ دمشق: ج 18/ 67- وفي تهذيبه: ج 5 ص 364-: أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم الفقيه، أنبأنا ابو العباس احمد بن منصور، أنبأنا ابو محمد عبد الرحمان بن عثمان بن القاسم، أنبأنا محمد، أنبأنا ابو علي، أنبأنا احمد بن علي القاضي، أنبأنا ابو الربيع الزهري (كذا) أنبأنا ابو شهاب الخياط، عن هلال بن خباب، عَنْ عِكْرِمَةَ:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ للزبير يوم الجمل: يا بن صفية هذه عائشة تملك الملك لطلحة، فأنت على ماذا تقاتل قريبك؟!!(2/252)
«316» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ أَنْبَأَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فُضَالَةَ:
عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَجُلا قَامَ إِلَى الزُّبَيْرِ فَقَالَ: أأقتل عليا؟ قال: كيف تقتله ومعه الجنود والناس؟ قَالَ: أَكُونُ مَعَهُ ثُمَّ أَفْتِكُ بِهِ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: لا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [إِنَّ الإِيمَانَ قَيْدُ الْفَتْكِ، فلا يفتك مؤمن [1]] .
__________
[1] الحديث مشهور مستفيض من طريق القوم عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم، ولكن كون الزبير عاملا به غير معلوم- أو معلوم عدمه- وذلك لما ورد من طريق القوم ان الزبير أراد الفتك بأمير المؤمنين عليه السلام وبالمؤمنين معه من المهاجرين والأنصار، غير مرة، قال أبو جعفر الطبري في أوائل سيرة أمير المؤمنين من تاريخه: ج 3 ص 454 وفي ط: ج 1/ 3072-:
حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني عمي مصعب بن عبد الله، قال: حدثني أبي عبد الله ابن مصعب، عن موسى بن عقبة:
عن أبي حبيبة مولى الزبير، قال: لما قتل الناس عثمان وبايعوا عليا، جاء علي إلى الزبير فاستأذنه فأعلمته به، فسل السيف ووضعه تحت فراشه ثم قال: ائذن له. فأذنت له فدخل فسلم على الزبير وهو واقف بنحوه ثم خرج، فقال الزبير: لقد دخل المرء ما أقصاه، قم في مقامه فانظر هل ترى من السيف شيئا؟! فقمت في مقامه فرأيت ذباب السيف فأخبرته فقال: ذاك أعجل الرجل!!! فلما خرج علي سأله الناس فقال: وجدت أبر ابن أخت وأوصله فظن الناس خيرا، فقال علي: إنه بايعه (كذا) .
وأيضا قال الطبري في تاريخه: ج 1، ص 3127، وفي ط: ج 3 ص 491 وفي ط الحديث: ج 4 ص 475 حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن قال: حدثنا سليمان بن أرقم، عن قتادة:
عن أبي عمرة مولى الزبير، قال: لما بايع أهل البصرة الزبير وطلحة، قال الزبير: ألا ألف فارس اسير بهم إلى علي فإما بيته وإما صبحته لعلي اقتله قبل ان يصل إلينا!!! فلم يجبه احد، فقال: إن هذه لهي الفتنة التي كنا نحدث عنها!! فقال له مولاه: أتسميها فتنة وتقاتل فيها؟
قال: ويحك إنا نبصر ولا نبصر (كذا) ما كان امر قط إلا علمت موضع قدمي فيه غير هذا الأمر فإني لا ادري امقبل انا فيه أم مدبر؟!!.
اقول: ورواه أيضا الشيخ المفيد في كتاب الجمل، كما رواه ابن أبي الحديد في شرح المختار الأول من باب كتب نهج البلاغة: ج 14/ 14.(2/253)
«317» وَقَالَ أَبُو مِخْنَفٍ وَغَيْرُهُ: مَضَى الزُّبَيْرُ حِينَ هُزِمَ النَّاسُ، يُرِيدُ الْمَدِينَةَ حَتَّى مَرَّ بِالأَحْنَفِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، فَقَالَ الأَحْنَفُ- رَافِعًا صَوْتَهُ-:
مَا أَصْنَعُ إِنْ كَانَ الزُّبَيْرُ، لَفَّ بَيْنَ غَارَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [1] فَضَرَبَ أَحَدَهُمَا بِالآخَرِ، ثُمَّ يُرِيدُ اللِّحَاقَ بِقَوْمِهِ. فَأَتْبَعَهُ (عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ، وَفُضَيْلُ بْنُ عَابِسٍ وَنُفَيْلُ بْنُ حَابِسٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَرَكَضُوا أَفْرَاسُهُمْ فِي إِثْرِهِ، وَقَدْ كان النعر (ظ) ابن زمامٍ الْمُجَاشِعِيُّ لَقِيَهُ فَأَجَارَهُ، وَأَجَارَهُ أَيْضًا رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَعْدٍ يُكْنَى أَبَا الْمَضْرَحِيِّ، فَلَمَّا لَحِقَهُ/ 358/ ابْنُ جُرْمُوزٍ وَصَاحِبَاهُ خَرَجَا هَارِبَيْنِ، فَقَالَ لَهُمَا الزُّبَيْرُ: إِلَى أَيْنَ؟ إِلَيَّ إِنَّمَا هُمْ ثَلاثَةٌ وَنَحْنُ ثَلاثَةٌ. فَأَسْلَمَاهُ وَلَحِقَهُ الْقَوْمُ فَعَطَفَ عَلَيْهِمْ فَحَمَلَ عَلَيْهِ ابْنُ جُرْمُوزٍ، فَنَصَبَ لَهُ الزُّبَيْرُ فَانْصَرَفَ عَنْهُ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ الاثْنَانِ مِنْ وَرَائِهِ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمَا وَحَمَلَ عَلَيْهِ ابْنُ جُرْمُوزٍ فَطَعَنَهُ فَوَقَعَ فَاعْتَوَرُوهُ فَقَتَلُوهُ.
واحتز ابْن جرموز رأسه فجاء بِهِ إِلَى الأحنف، ثُمَّ أتاه عَلِيًّا فَقَالَ قولوا لأمير الْمُؤْمِنِينَ: قاتل الزُّبَيْر بالباب. فَقَالَ: [بشروا قاتل ابْن صفية بالنار] .
وأمر علي برأسه فحمل إِلَى وادي السباع فدفن مَعَ بدنه، وجاءه ابْن جرموز بسيفه فَقَالَ علي: [سيف طال مَا جلي بِهِ الكرب عَن وَجْهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكنه الحين ومصارع السوء.] ثُمَّ أقبل علي وولده يبكون فَقَالَ ابْن جرموز:
ظننت أني قتلت عدوًا لَهُ، ولم أظن أنّي انما قتلت لَهُ وليا وحميما.
«318» المدائني فِي إسناد لَهُ: إن مصعب بْن الزُّبَيْرِ دعا النَّاس إِلَى العطاء فَقَالَ مناديه: أين ابْن جرموز؟ فقيل: إنه ساح فِي الأرض فَقَالَ: أظن أني قاتله بأبي عَبْد اللَّهِ، ليظهر آمنا وليأخذ عطاءه سالمًا.
«319» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
__________
[1] وفي النسخة: «فكف بين غارين» إلخ.(2/254)
لَمَّا وَقَفَ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُ الْجَمَلِ، خَرَجَ عَلِيٌّ (عَلَى) فَرَسِهِ فَدَعَا الزُّبَيْرَ فَتَوَاقَفَا فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: جَاءَ بِي أَنِّي لا أَرَاكَ لِهَذَا الأَمْرِ أَهْلا وَلا أَوْلَى بِهِ مِنَّا. فَقَالَ عَلِيٌّ: [لَسْتَ أَهْلا لَهَا بَعْدَ عُثْمَانَ؟ قَدْ كُنَّا نَعُدُّكَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى نَشَأَ ابْنُكَ ابْنَ السُّوءِ فَفَرَّقَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ [1] وَعَظُمَ عَلَيْهِ أَشْيَاءُ] وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم [مَرَّ عَلَيْهِمَا فَقَالَ لِعَلِيٍّ: مَا يَقُولُ ابْنُ عَمَّتِكَ؟ لَيُقَاتِلَنَّكَ وَهُوَ لَكَ ظَالِمٌ. فَانْصَرَفَ] عَنْهُ الزُّبَيْرُ وَقَالَ: فَإِنِّي لا أُقَاتِلُكَ. وَرَجَعَ إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: مَا لي في هذا الحرب (من) بَصِيرَةٌ!! فَقَالَ: لا وَلَكِنَّكَ جَبُنْتَ عَنْ لِقَاءِ عَلِيٍّ حِينَ رَأَيْتَ رَايَاتِهِ فَعَرَفْتَ أَنَّ تَحْتَهَا الْمَوْتُ. قَالَ: فَإِنِّي قَدْ حَلَفْتُ أَنْ لا أُقَاتِلَهُ قَالَ: فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ بِعِتْقِ غُلامِكَ سرجس. فأعتقه وقام في الصف معهم [2] .
__________
[1] وقريب منه معنى في ترجمة الزبير، من تاريخ دمشق: ج 18، ص 66، وكذلك في المختار: (453) من الباب الثالث من نهج البلاغة، قال في الأول:
أخبرنا ابو طالب على بن عبد الرحمان، أنبأنا ابو الحسن على بن الحسن بن الحسن، أنبأنا ابو محمد ابن النحاس أنبأنا ابو سعيد بن الاعرابي أنبأنا ابو رفاعة عبد الله بن محمد بن حبيب أنبأنا ابراهيم ابن سعيد الجوهري أنبأنا ابراهيم بن مهدي أنبأنا عيسى بن يونس:
عن قيس قال: (قال علي) ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ ابنه عبد الله فقلبه.
[2] وقال في ترجمة الزبير، من تاريخ دمشق: ج 18/ 67- وفي تهذيبه: ج 5 ص 364-:
أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم الفرضي، أنبأنا أبو العباس بن قيس، أنبأنا أبو محمد بن أبي نصر، أنبأنا عمي ابو علي، حدثني علي بن بكر، عن احمد بن الخليلي، أنبأنا بن عبيدة بن زيد (كذا) أنبأنا علي، عن أبي بكر المقدمي:
عن قتادة، قال رجع الزبير إلى عائشة فقال لها: ما كنت في موطن منذ عقلت إلا وأنا اعرف فيه امري غير موطني هذا!!! قالت: فما تريد ان تصنع؟ قال: ادعهم واذهب.
فقالت، يا (ا) با عبد الله جمعت بين هذين الغارين حتى إذا أخذ بعضهم ببعض اردت ان تذهب وتتركهم!! اجبنت حين رايت رايات ابن أبي طالب، وعلمت انه يحملها قتية امجاد؟!! فقال:
إني حلفت ان لا اقاتله: (قالت: كفر عن يمينك) . فدعا مكحولا فأعتقه.
اقول: بين المعقوفين زيادة منا يقتضيها السياق، وما ذكر هنا في المتن.(2/255)
«320» وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، قَالا:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ الْحَارِثِ [1] :
عَنْ جَوْنِ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: قُرَّةُ بْنُ الْحَارِثِ: كُنْتُ مَعَ الأَحْنَفِ، وَكَانَ جَوْنُ بْنُ قَتَادَةَ ابْنَ عَمِّي مَعَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فَحَدَّثَنِي جَوْنٌ قَالَ: إِنِّي لَمَعَ الزُّبَيْرِ حَتَّى جَاءَهُ فَارِسٌ وَكَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَى الزُّبَيْرِ بِالإِمْرَةِ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الأَمِيرُ، هَؤُلاءِ الْقَوْمُ قَدْ أَتَوْا إِلَى مَكَانِ كَذَا فَلَمْ أَرَ قَوْمًا أَرَثَّ سِلاحًا وَلا أَقَلَّ عُدَّةً وَلا أَرْعَبَ قُلُوبًا مِنْهُمْ. ثُمَّ انْصَرَفَ وَجَاءَ فَارِسٌ آخَرُ فَقَالَ:
سَلامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا الأَمِيرُ. قَالَ: وَعَلَيْكَ. قَالَ: جَاءَ الْقَوْمُ إِلَى مَكَانِ كَذَا فَسَمِعُوا بِمَا جَمَعَ اللَّهُ لَكُمْ مِنَ الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ، فَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ. فقال ابن الزبير (كذا) : ايها عنك الآن فو الله لَوْ لَمْ يَجِدِ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلا الْعَرْفَجَ لَدَبَّ إِلَيْنَا فِيهِ [2] . قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفَ فَجَاءَ فَارِسٌ فَسَلَّمَ بِالإِمْرَةِ ثُمَّ قَالَ: هَؤُلاءِ الْقَوْمُ قَدْ أَتَوْكَ وَقَدْ لَقِيتُ عَمَّارًا فَقُلْتُ لَهُ وَقَالَ لِي.
فَقَالَ الزُّبَيْرُ: إِنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ. قَالَ: بَلَى وَاللَّهِ إِنَّهُ لَفِيهِمْ. قَالَ: فَلَمَّا رَأَى أَنَّ الرَّجُلَ ثَابِتٌ عَلَى قَوْلٍ لا يُخَالِفُهُ قَالَ لِبَعْضِ أَهْلِهِ: ارْكَبْ مَعَهُ فَانْظُرْ أَحَقٌّ مَا يَقُولُ؟ فَانْطَلَقَا ثُمَّ رَجَعَا، فَقَالَ الزُّبَيْرُ لِصَاحِبِهِ: مَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: صَدَقَكَ
__________
[1] والحديث رواه أيضا ابن سعد في ترجمة الزبير، من الطبقات: ج 3 ص 111، ط بيروت قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا فضيل بن مرزوق، قال: حدثني سفيان بن عقبة (كذا) عَنْ قُرَّةَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ جَوْنِ بْنِ قتادة، قال: كنت مع الزبير يوم الجمل وكانوا يسلمون عليه بالإمرة، فجاء فارس يسير فقال: السلام عليك أيها الأمير، ثم اخبره بشيء، ثم جاء آخر ففعل مثل ذلك، ثم جاء آخر ففعل مثل ذلك، فلما التقى القوم وراى الزبير ما راى قال: واجدع انفياه ...
[2] العرفج- بفتح العين وكسره كعسكر وزبرج-: قيل: هو ضرب من النبات سهلي سريع الانقياد، ومنه سمي الرجل.(2/256)
الرجل فقال الزبير: يا حدع أَنْفَاهُ يَا قَطَعَ ظَهْرَاهُ. ثُمَّ أَخَذَهُ أَفْكَلُ [1] حتى جعل السلاح ينتقض عَلَيْهِ، فَقَالَ جَوْنٌ: ثَكَلَتْنِي أُمِّي أَهَذَا الَّذِي كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَمُوتَ أَوْ أَعِيشَ مَعَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا هَذَا إِلا لأَمْرٌ سَمِعَهُ وَهُوَ فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (كذا) فَلَمَّا تَشَاغَلَ النَّاسُ انْصَرَفَ فَجَلَسَ عَلَى دَابَّتِهِ ثُمَّ ذَهَبَ، قَالَ: ثُمَّ/ 359/ انْصَرَفَ جَوْنٌ فَجَلَسَ عَلَى دَابَّتِهِ فَلَحِقَ بِالأَحْنَفِ، قَالَ: ثُمَّ جَاءَ فَارِسَانِ إِلَى الأَحْنَفِ فَأَكَبَّا عَلَيْهِ يُنَاجِيَانِهِ فَرَفَعَ الأَحْنَفُ رَأْسَهُ فَقَالَ: يَا عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ يَا فُلانٌ. فَأَتَيَاهُ فَأَكَبَّا عَلَيْهِ فَنَاجَاهُمَا سَاعَةً ثُمَّ انْصَرَفَا، ثُمَّ جَاءَ عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ إِلَى الأَحْنَفِ فَقَالَ: أَدْرَكْتُهُ فِي وَادِي السِّبَاعِ فقتلته. فكان قرة بن الحرث يَقُولُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ صَاحِبُ الزُّبَيْرِ إلا الأحنف.
(و) حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى بِمِثْلِهِ.
«321» حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الزُّبَيْرِ: أَنْ أَقْبِلْ إِلَيَّ أُبَايِعْكَ وَمَنْ يحضرني [2] . فكتم (الزبير) ذلك (عن) طلحة وعائشة، ثم بلغها فكبر
__________
[1] اي ارتعاد وارتعاش. ولعله علم انه ما خرج عمار من الكوفة إلا بالجند، وفيه كانت مظنة لانهزامهم، او لما شاع بين المسلمين بلا قدح ومعارض من انه يقتله الفئة الباغية، وانه يدور مع الحق اين ما دار. لا من باب ان الزبير استكشف حقانية امير المؤمنين بكون عمار معه فعلم انه على الباطل ولذلك أخذته الرعدة وقال ما قال، وذلك لأن هذا العلم كان حاصلا للزبير على كل حال، وذلك لأن مناقب عمار بالنسبة إلى مناقب علي ومزاياه وخصائصه كالقطرة إلى البحر باعتراف أولياء الزبير، نعم مناقب علي وخصائصه خدشها المتقدمون بالدعابة وأمثالها كي يتيسر لهم الاستيلاء على حقه، فكان التلبيس على الناس فيها سهلا هينا، ولكن عمارا بما انه لم يكن مدعيا لمقام شامخ ولم يكن في مظنة الارتقاء على القوم والرئاسة عليهم بقيت مناقبه سليمة، وكانت محاولة التدليس والتمويه فيها عسرة، فلذلك اخذه افكل!!!
[2] والظاهر ان هذا الكتاب غير ما ذكره ابن أبي الحديد، في شرح المختار- 8- و (193) من النهج: ج 1، ص 231 وج 10، 235.(2/257)
ذلك عليها، وَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ بِهِ ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ لأَبِيهِ: أَتُرِيدُ أَنْ تَلْحَقَ بِمُعَاوِيَةَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَلَمْ لا أَفْعَلْ وَابْنُ الْحَضْرَمِيَّةِ يُنَازِعُنِي فِي الأَمْرِ!! ثُمَّ بَدَا لَهُ فِي ذَلِكَ، وَأَحْسَبُهُ كَانَ حلف ليفعلنّ فدعا غلاما له فأعتقه وعاد إلى الحرب.
«322» وحدثني بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا أَبُو حَكِيمٍ الصَّنْعَانِيُّ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ:
لَمَّا اقْتَتَلُوا يَوْمَ الْجَمَلِ كَانَتِ الدَّبْرَةُ عَلَى أَصْحَابِ الْجَمَلِ، فَأَفْضَى عَلِيٌّ إِلَى النَّاحِيَةِ الَّتِي فِيهَا الزُّبَيْرُ، فلما واجهه قال له: يا (أ) با عبد الله أتقاتلني بعد بيعتي، و (بعد) ما سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قتالك لي ظالما؟ فاستحيا (الزبير) وَانْسَلَّ عَلَى فَرَسِهِ مُنْصَرِفًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمَّا صَارَ بِسَفَوَانَ، لَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ مُجَاشِعٍ يُقَالُ لَهُ: النعرُ بْنُ زمامٍ [1] فَقَالَ لَهُ: أَجِرْنِي. قَالَ النعرُ: أَنْتَ فِي جِوَارِي يَا حَوَارِيَّ رَسُولِ الله. فقال الأحنف: وا عجبا الزُّبَيْر لَفَّ بَيْنَ غَارَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ قَدْ نَجَا بِنَفْسِهِ وَهُوَ الآنَ يُرِيدُ أَهْلَهُ. فَأَتْبَعَهُ ابْنُ جُرْمُوزٍ وَأَصْحَابُهُ وَهُوَ يَقُولُ: أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ أَنْ يَفُوتَكُمْ. فَشَدُّوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ، وَأَتَى ابْنُ جُرْمُوزٍ عَلِيًّا بِرَأْسِهِ فَأَمَرَ أَنْ يُدْفَنَ مع جسده بوادي السباع.
__________
[1] قال ابن عساكر- في ترجمة الزبير من تاريخ دمشق: ج 18/ 72- أخبرنا أبو محمد السلمي، أنبأنا أبو بكر الخطيب.
وأخبرنا أبو القاسم السمرقندي، أنبأنا أبو بكر بن الطبري قالا أنبأنا أبو الحسين بن الفضل، أنبأنا عبد الله بن جعفر، أنبأنا يعقوب بن سفيان، أنبأنا الحجاج- يعني ابن المنهال- أنبأنا أبو عوانة، عن حصين بن عمرو بن جاوان قال:
لما التقوا قام كعب بن سور معه المصحف ينشره بين الفريقين ينشدهم والإسلام في دمائهم فلم يزل بذلك المنزل حتى قتل. فلما التقي الفريقان كان طلحة من أول قتيل رأيته.
قال: وانطلق الزبير على فرس له يدعى ذات الحمار حتى أتى سفوان، فتلقاه النعر المجاشعي فقال: يا حواري رسول الله (إليّ) أين تذهب؟ تعال فأنت في ذمتي، قال فجاء يسير مع النعر، وجاء رجل إلى الأحنف بن قيس (و) قال: لقد لقي الزبير بسفوان. قال: فما يأمران جاء فحصل (كذا) بين المسلمين حتى إذا ضرب بعضهم حواجب بعض بالسيف أراد أن يلحق بيته، قال: فسمعه عمير بن جرموز (كذا) وفضالة بن حابس ورجل يقال له: نفيع، فانطلقوا حتى لقوه مقبلا مع النعر، وهم في طلبه فأتله عمير من خلفه فطعنه طعنة ضعيفة، فحمل عليه الزبير، فلما (ظ) استلحمه وظن انه قاتله قال: يا فضالة يا نفيع. فحملا عليه حتى قتلوه.(2/258)
«323» المدائني، عَن عامر بْن أَبِي مُحَمَّد، وسعيد بن عبد الرحمان السلمي عَن أَبِيهِ:
أن الزُّبَيْر بْن العوام قال حين طعنه ابْن جرموز: مَا لَهُ قاتله اللَّه يذكر بالله وينساه، ثُمَّ قَالَ الزُّبَيْر:
ولقد علمت لو انّ علمي نافعي ... ان الحيات من الممات قريب
قَالَ: وَقَالَ: طلحة يوم الجمل:
صرف الزبير جوداه ... إما لتدركه وفاته
«324» وَحَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ، وأحمد (بْن إِبْرَاهِيمَ) الدَّوْرَقِيُّ، أَنْبَأَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ:
عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الزُّبَيْرَ حَيْثُ وَلَّى وَلَمْ يَكُنْ بَسَطَ يَدَهُ بِسَيْفٍ اعْتَرَضَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ بِالرُّمْحِ وَقَالَ: إِلَى أَيْنَ تريد يا (أ) با عَبْدِ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا أَنْتَ بِجَبَانٍ وَلَكِنِّي أَحْسَبُكَ شَكَكْتَ. قَالَ: هُوَ ذَلِكَ، وَمَضَى حَتَّى نَزَلَ بِوَادِي السِّبَاعِ فَقَتَلَهُ ابْنُ جُرْمُوزٍ.
«325» حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي، عن أبيه، عَن لوط بْن يَحْيَى فِي إسناده قَالَ:(2/259)
لما قتل الزُّبَيْر، قَالَت عَاتِكَةَ بِنْتِ زَيْدِ بْن عَمْرو بْن نُفَيْلٍ- وكانت تحت عَبْد الله ابن أبي بكر كذا) فخلف عَلَيْهَا عمر بْن الخطاب، ثُمَّ الزُّبَيْر-:
غدر ابْن جرموز بفارس بُهْمَةٍ ... يوم اللقاء وَكَانَ غير معرّد
يَا عَمْرو لو نبهته لوجدته ... لا طائشا رعش اللسان وَلا اليد
هبلتك أمك أن قتلت لمسلمًا ... حلت عليك عقوبة المتعمد
وَقَالَ جرير بْن عطية بْن الخطفي:
إن/ 360/ الرزية من تضمن قبره ... وادي السباع (و) لكل جنب مصرع
لما أتى خبر الزُّبَيْر تضعضعت ... سور المدينة والجبال الخشع
وَقَالَ سحيم بن وثيل اليربوعي:
لحا الله جيران الزُّبَيْر مجاشعا ... عَلَى سفوان مَا أدق وأخورا
وقال جرير:
لو كنت حرّا يا بن قين مجاشع ... شيعت ضيفك فرسخا أَوْ ميلا
قتل الزُّبَيْر وأنتم جيرانه ... غيًا لِمن قتل الزُّبَيْر طويلا
«326» المدائني عَن أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَن الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ خطيبهم يوم الجمل: كان عثمان يلبس خفين ساذجين (كذا) .
«327» المدائني عَن رجل عَن الحسن قَالَ: باع طَلْحَةُ أرضا من عُثْمَان بسبع مائة ألف فحملها إليه فقال: إن رجلا تبيت (ظ) هَذِهِ عنده وَلا يدري مَا يطرقه من أمر الله لغرير بالله. فبات ورسله تفرقونها وتختلفون فِي سكك الْمَدِينَةِ، حَتَّى أصبح وما عنده درهم منها، ثم جاء هاهنا يطلب الصفراء والبيضاء.(2/260)
«328» وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: كَانَ عدي بْن حاتم الطائي يقول: والله لاحبقت فِي قتل عُثْمَان عناق أبدًا [1] فلما كَانَ يوم الجمل قتل ابنه طريف- وبه كَانَ يكنى- وفقئت عينه وجرح فقيل لَهُ: يَا (أ) با طريف هل حبقت فِي عُثْمَان عناق؟ قَالَ: إي والله والَّتِيس الأعظم.
«329» وحدثني حفص بْن عمر، عَن الْهَيْثَم قَالَ:
مر علي عَلَى عبد الرحمان بْن عتاب بْن أسيد بْن أَبِي العيص- وَهُوَ صريع يوم الجمل فِي جماعة من قريش صرعى- فَقَالَ: [يَا حسن هَذَا يعسوب قريش، جدعت أنفي وشفيت نفسي وأدركت ثأري وأفلتتني الأغيار من بني جمح [2]] .
يعني ناسا منهم كَانَ يأتيه عنهم الأذى.
«330» حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الله، حدثنا سفيان بن عيينة، أنبأنا عاصم ابن كُلَيْبٍ الْجَرْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُخَمِّسْ أَهْلَ الْجَمَلِ.
«331» حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ.
__________
[1] حبقت- من باب ضرب-: ضرطت. والعناق- كسحاب-: الأثنى من أولاد المعز، والكلام كناية عن هو ان عثمان وقتله عند الناس في تلك الأيام.
[2] كذا في النسخة، وفي المختار: (214- أو- 216) من نهج البلاغة: أدركت وترى من بني عبد مناف، وأفلتتني اعيار بني جمح» قال ابن أبي الحديد: قال الراوندي:
«اغيار» بالغين المعجمة. اقول: «اعيار» «جمع عير- بفتح فسكون-: الحمار، او الوحشي منه خاصة. و «وأفلتتنى» : فاتتني وخلصت عني فجأة. والكلام خرج مخرج الذم لمن حضر منهم الجمل مع عائشة. وقال ابن أبي الحديد فإن صحت الرواية: «وأفلتتني اعيان بني جمح» بالنون، فالمراد رؤساؤهم وساداتهم.(2/261)
عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا نَزَلَ بِذِي قَارٍ بَعَثَ الْحَسَنَ وَعَمَّارًا فَاسْتَنْفَرَا أَهْلَ الكوفة، فنفر معهما بتسعة آلاف (كذا) وكنّا عشرة آلاف إِلا مِائَةً، وَلَحِقَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ قَرِيبٌ مِنْ أَلْفَيْنِ فَكُنَّا اثْنَيْ عشر ألفا إلا مائة (كذا) ، فراى (أمير المؤمنين عليه السلام) مِنِّي نُكُوصًا، فَلَمَّا دَنَا بَعْضُ النَّاسِ مِنْ بَعْضٍ أَخَذَ الرَّايَةَ مِنِّي فَقَاتَلَ بِهَا، فَلَمَّا هُزِمُوا قَالَ: [لا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ وَلا تَتَّبِعُوا مُدْبِرًا، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ. وَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَا قُوتِلَ بِهِ مِنْ سِلاحٍ وَكُرَاعٍ] .
«332» وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيمَ، عَن أَبِي نعيم، عَن قَيْس بْن عاصم عَن زر وشقيق قَالا:
قسم علي يوم الجمل مَا تقووا عَلَيْهِ بِهِ من سلاح وكراع.
«333» عَبَّاسُ بن هشام، عن أبيه عن جده عن أَبِي صَالِحٍ:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَلِيًّا أَخَذَ يَوْمَ الْجَمَلِ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَمُوسَى بْنَ طَلْحَةَ فَأَرْسَلَهُمَا.
«334» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ [1] .
أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ حَدَّثَهُ- وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ- قَالَ: لَمَّا تَوَاقَفْنَا يَوْمَ الْجَمَلِ لَمْ يَلْبَثْ أَهْلُ الْبَصْرَةِ أَنِ انْهَزَمُوا فَقَامَ صَائِحٌ لِعَلِيٍّ فَقَالَ: لا يُقْتَلُ مُدْبِرٌ، ولا يدفّف عَلَى جَرِيحٍ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ ومن طرح السلاح فهو آمن.
قال (مروان:) فَدَخَلْتُ دارًا ثُمَّ أَرْسَلْتُ إِلَى حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وابن
__________
[1] ورواه أيضا البيهقي في السنن الكبرى: ج 8 ص 181.(2/262)
جَعْفَرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ فَكَلَّمُوهُ فَقَالَ: [هُوَ آمِنٌ فليتوجه حيث ما شَاءَ.] فَقُلْتُ:
لا تَطِيبُ نَفْسِي حَتَّى أُبَايِعَهُ، قَالَ: فَبَايَعْتُهُ ثُمَّ قَالَ: [اذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ] .
«335» حدثنا محمد بن سعد، حدثنا روح بن عبادة قَالَ:
بلغني أن مروان صار يوم الجمل إِلَى قوم من ربيعة.
«336» وَقَالَ أَبُو مخنف فِي إسناده: ارتث/ 361/ مروان يوم الجمل فصار إِلَى قوم من عنزة، وبعث إِلَى مالك بْن مسمع يستجيره فأشار عَلَيْهِ أخوه مقاتل أن يفعل فأجاره وسأل عَلِيًّا لَهُ الأمان فآمنه، وعرض عَلَيْهِ أن يبايعه حين بايعه النَّاس بالبصرة، فأبى وَقَالَ: ألم تؤمني؟ قَالَ: بلى. قَالَ:
فإني لا أبايعك حَتَّى تكرهني. قال علي: [فإني لا أكرهك، فو الله أن لو بايعتني بأستك لغدرت [1]] .
ثُمَّ إنه مضى إِلَى مُعَاوِيَةَ.
وصار ابْن الزُّبَيْر إِلَى دار رجل من الأزد، وبعث بالأزدي إِلَى عائشة
__________
[1] كذا في النسخة، والصواب: «لو بايعتني بكفك لغدرت باستك» كما يدل عليه المختار:
(70) من نهج البلاغة، وإليك نصه فإنه الفصل والمعول عليه:
قالوا: وأخذ مروان بن الحكم أسيرا يوم الجمل، فاستشفع الحسن والحسين عليهما السلام إلى امير المؤمنين عليه السلام فكلماه فيه فخلى سبيله فقالا له: يبايعك يا امير المؤمنين. قال عليه السلام: او لم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته، انها كف يهودية!! لو بايعني بيده لغدر بسبته!!! أما ان له إمرة كلعقه الكلب انفه، وهو ابو الأكبش الأربعة، وستلقى الأمة منه ومن ولده يوما احمو.
قال ابن أبي الحديد: قد روي هذا الخبر من طرق كثيرة، ورويت فيه زيادة لم يذكرها صاحب نهج البلاغة وهي قوله عليه السلام في مروان: «يحمل راية ضلالة بعد ما يشيب صدغاه، وإن له إمرة» الى آخر الكلام.(2/263)
ليعلمها مكانه، فبعثت إِلَيْهِ مُحَمَّد بْن أَبِي بكر، فجاءها بِهِ وقد تغالظا فِي الطريق.
وصار إِلَيْهَا أيضًا عتبة بْن أَبِي سُفْيَانَ بعد أن أجاره عصمة بن الزبير (أبير «خ» ) فبلغ عَلِيًّا مكانهما عند عَائِشَةَ فسكت ولم يعرض لهما.
«337» قَالُوا: وقام علي حين ظهر وظفر (على القوم) خطيبا فَقَالَ:
يَا أهل الْبَصْرَةِ قد عفوت عنكم فإياكم والفتنة، فإنكم أول الرعية (كذا) نكث البيعة وشق عصا الأمة.
ثُمَّ جلس وبايعه النَّاس وكتب إِلَى قرظة بْن كعب بالفتح، وجزى أهل الْكُوفَة عَلَى نصرة آل نبيهم خيرًا [1] .
«338» حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا وَهْب بْن جَرِير، عَنْ أَبِيهِ:
عَن مُحَمَّد بْن أَبِي يعقوب قَالَ: قتل يوم الجمل ألفان وخمس مائة من أهل الْبَصْرَةِ، منهم من الأزد ألف وثلاثمأة وخمسون، ومن بني ضبّة ثمانمأة، ومن أفناء الناس ثلاثمأة وخمسون.
«339» وَقَالَ أَبُو مخنف وغيره: قتل مَعَ عائشة عبد الرحمان ابن عتاب ابن أسيد، وعلي بْن عدي بْن ربيعة بْن عبد شمس، ومسلم بْن قرظة من بني نوفل بْن عبد مناف، وعبد اللَّه بْن حكيم بْن حزام، ومعبد بْن المقداد بْن
__________
[1] وإليك نص كتابه عليه السلام على سبيل الاختصار على ما في المختار الثاني من باب كتبه عليه السلام من نهج البلاغة:
وجزاكم الله من اهل مصر عن اهل بيت نبيكم احسن ما يجزى العاملين بطاعته، والشاكرين لنعمته فقد سمعتم وأطعتم ودعيتم فأجبتم.
اقول: وذكرناه بصورة تفصيلية ووجوه في المختار: (36) وما قبله من باب كتب نهج السعادة ج 4 ص 76.(2/264)
الأسود، وأمه ضباعة بنت الزُّبَيْر بْنِ عَبْدِ المطلب، وَهُوَ الَّذِي مر بِهِ علي فَقَالَ: لا جزاك اللَّه من ابْن أخت خيرًا. في آخرين (كذا) .
«340» وَقَالَ أَبُو مخنف: قتل يوم الجمل، من بني ناجية أربعمائة، ومن الأزد أربعة آلاف، ومن بني عدي الرباب سبعون كلهم قد قرءوا الْقُرْآن، ومن بني عقيل سبعون كلهم لَهُ ضربان (كذا) .
وَكَانَ جميع من قتل من النَّاس من أهل البصرة عشرين ألفا (كذا) .
«341» حدثني إبراهيم الدَّوْرَقِيِّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ سَعِيدٍ:
عَنْ جَمِيعِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: قِيلَ لِعَائِشَةَ: أَخَرَجْتِ عَلَى عَلِيٍّ؟ فَقَالَتْ وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي افْتَدَيْتُ ذَلِكَ الْمَسِيرَ بِمَا عَرَضَ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنَّهُ قُدِّرَ.
«342» وَحَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَأَحْمَدُ بْن إِبْرَاهِيمَ قالا:
حَدَّثَنَا وهب بْن جرير، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ:
عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ:
(يا لَيْتَنِي) كُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا قَبْلَ أَمْرِ عُثْمَانَ، فو الله مَا أَحْبَبْتُ لِعُثْمَانَ شَيْئًا إِلا أُصِيبَ مِنِّي مِثْلَهُ، حَتَّى لَوْ أَحْبَبْتُ أَنْ يُقْتَلَ لَقُتِلْتُ.
«343» حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ العقدي (ظ) عَن الأسود بن شيبان:
عَن خالد بن سَمِينٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لا تُبَايِعُوا الزُّبَيْرَ إِلا عَلَى الإِمَارَةِ.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّمَا تُرِيدُ هَذِهِ أَنْ تَجْعَلَ حَارَّ أمر الناس بك، وبارده(2/265)
لابن عمها. قَالَ: ثُمَّ كَانَتْ تَقُولُ: مَا أَنَا وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَبَيْعَةُ [1] مَنْ بُويِعَ وَحَرْبُ مَنْ حُورِبَ، يَا لَيْتَنِي قَرَرْتُ فِي بَيْتِي، وَلَكِنَّهَا بَلِيَّةٌ جَاءَتْ بِمِقْدَارٍ!!! «344» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَمْرٍو الثَّقَفِيِّ قَالَ:
قَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللَّهِ لأَنْ أَكُونَ جَلَسْتُ عن مسيري (كان) أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي عَشْرَةُ بَنِينَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ وَلَدِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ.
«345» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، وَرَوْحُ بْنُ عبد المؤمن، قالا:
حدثنا عبد الرحمان بْنُ مَهْدِيٍّ/ 362/ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى قَالَ:
حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَائِشَةَ تقرء: «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ» (33/ الأحزاب) فَتَبْكِي حَتَّى تَبُلَّ خِمَارَهَا.
«346» المدائني عَن أَبِي خيران الحماني، عَن عوف الأعرابي:
عَن أَبِي رجاء العطاردي قَالَ: رأيت رجلا مصطلم الأذن فقلت لَهُ:
أخلقة أم حادث؟ قَالَ: بل حادث، بينا أنا يوم الجمل أجول فِي القتلى إذ مررت برجل فيهم صريع وَهُوَ ينشد:
لقد أوردتنا حومة الموت أمنا ... فما صدرت إِلا ونحن رواء
أطعنا قريشا ضلة من حلومنا ... ونصرتنا أهل الحجاز عناء
__________
[1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «ربيعة من بويع» ، وكان كلامها مكتوبة في النسخة بصورة النظم، ومعلوم انه ليس من منظوم الكلام.(2/266)
لقد كَانَ عَن نصر ابْن ضبة أمه ... وشيعتها مندوحة ومباء
أطعنا بني تيم بْن مرة شقوة ... وما الَّتِيم [1] إِلا أعبد وإماء
فقلت: من أنت؟ قَالَ: أدن مني أخبرك. فدنوت منه فأزم أذني فقطعها وَقَالَ: إذا أتيت أمك فأخبرها أن عمير بْن الأهلب فعل هذا بك.
(قال هذا) ومات [2] .
«347» حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ، وَعَمْرُو بْنُ محمد قالا: حدثنا إسماعيل ابن إبراهيم، عن منصور بن عبد الرحمان قَالَ:
قَالَ الشَّعْبِيُّ: لَمْ يَشْهَدِ الْجَمَلَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ غَيْرُ عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ، وَطَلْحَةَ والزبير، فإن جاؤا بخامس فأنا كذاب [3] .
__________
[1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «وما اليتم» . والقصة رواها أيضا في أواخر وقعة الجمل من مروج الذهب: ج 2 ص 370 ط بيروت نقلا عن المدائني، وكذلك في تاريخ الطبري: ج 4 ص 523 بسندين ورواه أيضا في سمط النجوم وغيره.
[2] وقال في ترجمة سعيد بن شمر، من تاريخ دمشق: ج 20 ص 25 وفي تهذيبه: ج 6 ص 130، عَن أَبِي رجاء العطاردي قَالَ رأيت رجلا قد اصطلمت أذنه فقلت: يا عبد الله ما الذي فعل بك ما أرى؟ قال: كنت مع علي أيام الجمل، فلما انهزم اهل البصرة خرجت فإذا برجل يفحص برجله ويقول:
لقد أوردتنا حومة الموت أمنا ... فلم ننصرف إلا ونحن رواء
واورد الأبيات بمغايرة طفيفة إلى أن قال فقلت لَهُ: قل لا إله إلا اللَّه. فَقَالَ: أوص بها أمك فهى أحق بها؟! أتأمرني بالجزع عند الموت؟ فلما وليت ناداني فقال: قد قبلتها فادن مني ولقنيها وأسمعني فإن في اذني وقرا. فدنوت منه فجعلت القنه إياها، فالتقم اذني فقطعها ثم قال لي: اخبر أمك ان الذي فعل هذا بك عمير بن الأهلب الضبي!!!
[3] قال المسعودي في وقعة الجمل من مروج الذهب: ج 2/ 359 ط ببيروت: حدث ابو خليفة الفضل ابن الحباب الجمحي، عن ابن عائشة، عن معن بن عيسى، عن المنذر بن الجارود، قال لما قدم علي البصرة دخل مما يلي الطف فأتى الزاوية فخرجت أنظر اليه، فورد موكب في نحو ألف فارس يتقدمهم فارس على فرس أشهب، عليه قلنسوة وثياب بيض متقلد سيفا ومعه راية وإذا تيجان القوم الأغلب عليها البياض والصفرة مدججين في الحديد والسلاح فقلت من هذا؟
فقيل: هذا أبو أيوب الانصاري صاحب رسول الله وهؤلاء الأنصار وغيرهم، ثم تلاهم فارس آخر عليه عمامة صفراء وثياب بيض متقلد سيفا متنكب قوسا معه راية على فرس أشقر في نحو ألف فارس فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين (وقد كان لحق عليا في الربذة) ثم مر بنا فارس آخر ... في نحو ألف فارس من الناس ومعه راية فقلت: من هذا؟
فقيل لي أبو قتادة بن ربعي ثم مر بنا فارس آخر ... حوله مشيخة وكهول وشباب كأنما قد أوقفوا للحساب اثر السجود قد اثر في جباههم فقلت: من هذا؟ فقيل عمار بن ياسر في عدة من الصحابة من المهاجرين والأنصار ...
وقال في ترجمة زيد بن صوحان من تاريخ دمشق: ج 19/ 130: أخبرنا أبو عبد الله البلخي أنبأنا أبو غالب محمد بن الحسن بن أحمد الباقلاني، أنبأنا علي بن شاذان، أنبأنا أحمد بن إسحاق بن ينخاب (كذا) أنبأنا إبراهيم بن الحسين الكسائي، أنبأنا عقبة بن مكرم الكوفي، أنبأنا يونس، عن عمر بن شمر، عن جابر:
عن محمد بن علي ومحمد بن المطلب وزيد بن الحسن قالوا: شهد مع على بن طالب في حر (و) به من أصحاب (رسول الله يوم) بدر سبعون رجلا، وشهد معه ممن بايع تحت الشجرة سبعمائة رجل فيما لا يحصى من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وشهد معه من التابعين ثلاثة بلغنا ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم شهد لهم بالجنة: أويس القرني وزيد بن صوحان وجندب الخير فاما أويس القرني فقتل في الرجالة يوم صفين، واما زيد بن صوحان فقتل يوم الجمل. ورواه أيضا في تهذيبه: ج 6/ 14.
وقال الذهبي في وقعة الجمل من كتاب تاريخ الإسلام: ج 2 ص 149: قال سعد بن إبراهيم الزهري: حدثنا رجل من اسلم قال: كنا مع على اربعة آلاف من اهل المدينة.
وقال سعيد بن جبير: كان مع علي يوم وقعة الجمل ثمانمأة من الأنصار، وسبعمائة ممن شهد بيعة الرضوان (كذا) رواه جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد.
وقال الطلب بن زياد، عن السدي: شهد مع على يوم الجمل مائة وثلاثون بدريا وسبعمائة من اصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم، وقتل بينهما ثلاثون ألفا، لم تكن مقتلة اعظم منها.
وقال ابن كثير، في اوائل وقعة صفين من البداية والنهاية: ج 8 ص 255 قال ابو إسرائيل عن الحكم بن عيينة: وكان في جيشه ثمانون بدريا، ومائة وخمسون ممن بايع تحت الشجرة. رواه ابن ديزيل، وروى قبله ص 253 عن الامام أحمد: ان امية بن خالد قال لشعبه: ان أبا شيبه روى عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى انه شهد صفين من اهل بدر سبعون رجلا ...
وقال في الحديث الثاني من المجلس (44) من الجزء الثاني من امالي الطوسي ص 90: أخبرنا احمد بن محمد بن موسى بن الصلت قال: حدثنا احمد بن محمد بن سعيد، عن محمد بن جبارة، عن سعاد بن سلمان، عن يزيد بن أبي زياد:
عن عبد الرحمان بن أبي ليلى قال: شهد مع علي عليه السلام يوم الجمل ثمانون من اهل بدر، والف وخمسماة من اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله.(2/267)
«348» وَحَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عدة حدثوه عن الزبير ابن مُسْلِمٍ الْجُعْفِيِّ، عَنِ الْحُضَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ الرَّقَاشِيِّ أَبِي سَاسَانَ قَالَ:
[اخْتَصَمْتُ بَكْرَ بْنَ وَائِلٍ فِي الرَّايَةِ يَوْمَ الْجَمَلِ فَدَعَانِي عَلِيٌّ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ فَتًى شَابٌّ فَقَالَ: يَا حُضَيْنُ دُونَكَ هذه الراية فو الله ما أخفقت قط فيما مضى ولا يخفق فِيمَا بَقِيَ رَايَةٌ هِيَ أَهْدَى مِنْهَا إِلا رَايَةً خَفَقَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: وفي ذلك يقول الشاعر [1]] :
__________
[1] وهو امير المؤمنين عليه السلام كما في وقعة صفين من تاريخ الطبري: ج 4 ص 26 وكتاب صفين- لنصر بن مزاحم- ص 289 ط مصر، بسندين آخرين، وكما في ايام معاوية من كتاب مروج الذهب: ج 3 ص 48، وكما في عنوان: «يوم صفين» من العقد الفريد:
ج 3 ص 110، ط 1، تحت الرقم (12) من كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم، ولكن يجيء تحت الرقم: (374) التصريح من المؤلف بانه عليه السلام تمثل بقول رجل منهم يوم الجمل: «لمن راية سوداء يخفق» ...(2/269)
لمن راية سوداء يخفق ظلها ... إذا قيل: قَدِّمْهَا حُضَيْنُ تَقَدَّمَا
يُقَدِّمُهَا لِلْمَوْتِ حَتَّى يُزِيرَهَا ... حِيَاضَ الْمَنَايَا يَقْطُرُ الْمَوْتَ وَالدَّمَا
جَزَى اللَّهُ قَوْمًا قَاتَلُوا عَنْ إِمَامِهِمْ ... لَدَى الْمَوْتِ قُدْمًا مَا أَعَفَّ وَأَكْرَمَا
وَأَطْيَبُ أَخْبَارًا وَأَكْرَمُ شِيمَةً ... إِذَا كَانَ أَصْوَاتُ الرِّجَالِ تَغَمْغَمَا
رَبِيعَةُ أَعْنِي إِنَّهُمْ أَهْلُ نَجْدَةٍ ... وَبَأْسٍ إِذَا لاقَوْا خَمِيسًا عَرَمْرَمَا
وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي يَوْمِ الْجَمَلِ وَيُقَالُ: هُوَ عُثْمَانُ بْنُ حَنِيفٍ:
شَهِدْتُ الْحُرُوبَ فَشَيَّبْنَنِي ... فَلَمْ أَرَ يَوْمًا كَيَوْمِ الْجَمَلْ
أَشَدَّ عَلَى مُؤْمِنٍ فِتْنَةً ... وَأَقْبَلُ مِنْهُ لِخَرْقِ بَطَلْ
فَلَيْتَ الظَّعِينَةَ فِي بَيْتِهَا ... وَيَا لَيْتَ عَسْكَرَ لَمْ يَرْتَحِلْ [1]
«349» حَدَّثَنِي شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ:
عَنْ أَبِي نضرة قال: قَالَ رَجُلٌ لِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ: إِنَّ لَكُمَا صُحْبَةً وفضلا، فأخبراني عن مسير كما هذا وقتالكما أشيء أمر كما بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
[1] قال في مروج الذهب: ج 2 ص 369 ط بيروت: وخرجت امراة من عبد القيس تطوف في القتلى فوجدت ابنين لها قد قتلا، وقد كان قتل زوجها وإخوان لها فيمن قتل قبل مجيء علي البصرة، فأنشأت تقول:
شَهِدْتُ الْحُرُوبَ فَشَيَّبْنَنِي ... فَلَمْ أَرَ يَوْمًا كَيَوْمِ الجمل
أضر على مؤمن فتنة ... واقتله لشجاع بطل
فليت الظعينة في بيتها ... وليتك (كذا) عسكر لم ترتحل(2/270)
أَمْ رَأْيٌ رَأَيْتُمَا؟ فَأَمَّا طَلْحَةُ فَسَكَتَ وَأَمَّا الزبير فقال: حدثنا ان ها هنا بَيْضَاءَ وَصَفْرَاءَ- يَعْنِي دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ- فَجِئْنَا لِنَأْخُذَ مِنْهَا.
«350» وَحُدِّثْتُ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ فِي هَذَا الإِسْنَادِ بِمِثْلِهِ.
«351» قَالُوا: ولما بايع علي أهل البصرة، أراد الشخوص إِلَى الْكُوفَةِ، فاستخلف عَبْد اللَّهِ بْن العباس عَلَى البصرة، وخطب فأمر أهلها بالسمع والطاعة لَهُ [1] ، وضم إِلَيْهِ زياد بْن أَبِي سُفْيَانَ كاتبًا، وَكَانَ يقال لَهُ يومئذ:
زياد بْن عبيد/ 363/ وسار مَعَ علي وجوه أهل البصرة فشيعوه إِلَى موقوع [2] وَهُوَ موضع قريب من البصرة، منه يرجع المشيعون- ثُمَّ رجعوا، ومضى الأحنف بْن قَيْس وشريك بْن الأعور إِلَى الْكُوفَةِ، ويقال: إنهما لم يبلغاها.
«352» قَالُوا: وتلقى سُلَيْمَان بْن صرد الخزاعي عَلِيًّا وراء نجران الْكُوفَة [3] فصرف علي وجهه عَنْهُ حَتَّى دخل الْكُوفَة، وذلك إنه كَانَ ممن تخلف عَنْهُ، فلما دخل الْكُوفَة عاتبه وَقَالَ لَهُ: كنت من أوثق النَّاس فِي نفسي. فاعتذر وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ استبق مودتي تخلص لك نصيحتي.
«353» حَدَّثَنِي أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن معين، حدثنا عبد الرحمان بن مهدي،
__________
[1] وقد ذكرنا خطبته عليه السلام في المختار: (100) من نهج السعادة باب الخطب منه.
[2] قال في معجم البلدان: هو اسم مفعول من «وقع يقع» إذا سقط، وهو ماء بناحية البصرة قتل به أبو سعيد المثني الخارجي العبدي ...
[3] قال في معجم البلدان: نجران أيضا موضع على يومين من الكوفة فيما بينها وبين واسط على الطريق، يقال: ان نصارى نجران (اليمن) لما أخرجوا (من بلدهم) سكنوا هذا الموضع وسمي باسم بلدهم.(2/271)
حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نضيلة (كذا) :
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، قَالَ: أَتَيْتُ عَلِيًّا حِينَ فَرَغَ مِنَ الْجَمَلِ فَقَالَ: [لِي:
تَرَبَّصْتَ وَتَنَأْنَأْتَ [1] فَكَيْفَ تَرَى صُنْعَ اللَّهِ؟] قَالَ: فَقُلْتُ: الشَّوْطُ بَطِينٌ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الأُمُورِ مَا تعرف به صديقك من عدوك [2] .
«354» حدثنا عفان (ظ) بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ بن محمد بن المنتشر، عن أبيه عن عبيد بن نضلة:
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، قَالَ: أَتَيْتُ عَلِيًّا بعد الجمل فقال: [يا بن صُرَدٍ تَنَأْنَأْتَ وَتَرَبَّصْتَ وَتَأَخَّرْتَ فَكَيْفَ تَرَى صُنْعَ اللَّهِ؟] فَقَدْ أَغْنَى اللَّهُ عَنْكَ.
قُلْتُ: إِنَّ الشَّوْطَ بَطِينٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الأُمُورِ مَا تَعْرِفُ بِهِ صَدِيقَكَ مِنْ عَدُوِّكَ، فَلَمَّا قَامَ قُلْتُ لِلْحَسَنِ: مَا أَرَاكَ عَذَرْتَنِي عِنْدَهُ وَقَدْ كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَشْهَدَ مَعَهُ. فَقَالَ [يَلُومُكَ وَقَدْ قَالَ يَوْمَ الْجَمَلِ: يَا حَسَنُ هَبَلَتْكَ أُمُّكَ، مَا ظَنُّكَ بأمر قَدْ جَمَعَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْغَارَيْنِ مَا أَرَى أن بعد هذا
__________
[1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «وثأنات» . وفي التالي: تأنأت» ، قال في مادة «نانا» من اللسان: ورجل نانا وناناء- بالمد والقصر-: عاجز جبان ضعيف. وتنانا الرجل: ضعف واسترخى، قال أبو عبيد: ومن ذلك قول علي لسليمان بن صرد وكان قد تخلف عنه يوم الجمل ثم أتاه فقال له: تنانات وتراخيت فكيف رايت صنع الله؟! يريد ضعفت واسترخيت.
ويحتمل- بعيدا- ان يكون اللفظ في الأول- هنا- في الأصل: «ثأثأت» فصحف، من قولهم: «ثأثأ عن الشيء» إذا اراده ثم بدا له.
[2] قال في مادة: «شوط» من اللسان: وفي حديث سليمان بن صرد قال لعلي: يا امير المؤمنين إن الشوط بطين البطين: البعيد، اي إن الزمان طويل يمكن ان استدرك فيه ما فرطت.(2/272)
خَيْرًا.] قَالَ: فَقُلْتُ: أَمْسِكْ لا يَسْمَعُكَ أَصْحَابُكَ فَيَقُولُوا: شَكَكْتَ فَيَقْتُلُوكَ [1] .
«354» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حدثنا عبد الرحمان بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ، عن أبي الضحى مسلم ابن صُبَيْحٍ قَالَ:
قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: أَعْذِرْنِي عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّمَا مَنَعَنِي مِنَ الْجَمَلِ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ الْحَسَنُ: [لَقَدْ رَأَيْتُهُ- يَعْنِي أَبَاهُ حِينَ اشْتَدَّ الْقِتَالُ- يَقُولُ: لَوَدِدْتُ أَنِّي مِتُّ قَبْلَ هَذَا بِعِشْرِينَ سَنَةً] .
«355» حَدَّثَنِي أَبُو قِلابَةُ الرَّقَاشِيُّ، عَن مُسَدَّدِ بْنِ مُسَرْهَدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عن شعبة «عن أبي عون، عن أبي الضُّحَى عَنْ سُلَيْمَانَ بِمِثْلِهِ [2] .
«356» المدائني عَن عوانة، قَالَ: قَالَ علي: [سرت فِي أهل البصرة سيرة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أهل مَكَّة] .
«357» وَقَالَ أَبُو مخنف: قدم علي من البصرة إِلَى الْكُوفَةِ فِي رجب سنة ست وثلاثين.
وَقَالَ غيره: فِي رمضان سنة ست وثلاثين [3] .
ولما قدمها خطب فَقَالَ: إن قوما تخلفوا عني فأنبوهم وأسمعوهم المكروه.
وسلم عليه قيس بن سعيد الهمداني [4] فَقَالَ [وعليك وإن كنت من المتربصين] .
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لست من أولئك.
__________
[1] الحديث ضعيف جدا، فلا يعول عليه ومثله التالي.
[2] ويجي، أيضا في أواخر وقعة صفين تحت الرقم: (393) ص 377، وانظر نقده هناك.
[3] كما يأتي ذلك تحت الرقم: (367) ص برواية العسكري عن المدائني عن الزهري.
[4] كذا في النسخة، والصواب: «سعيد بن قيس الهمداني» كما يشهد به ما يذكره عن بعضهم. وكما ذكره أيضا نصر بن مزاحم في كتاب صفين ص 7 ط مصر.(2/273)
وقال بعضهم: قد كان سعيد بالبصرة. وليس ذَلِكَ بثبت.
«358» وحدثني الحرمازي، عَن العتبي قال:
قام الحرث بْن حوط الليثي إِلَى علي فَقَالَ لَهُ: أتراني أظن طلحة [1] وَالزُّبَيْر وعائشة اجتمعوا عَلَى باطل؟!! فقال له علي (عليه السلام) :
[يَا حار إنك ملبوس عليك، إن الحق والباطل لا يعرفان بأقدار الرجال، اعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف من أتاه] .
__________
[1] وفي هامش الكتاب هكذا: «أترى أن طلحة «خ» إلخ. وقد تقدم مصادر الكلام تحت الرقم: (296) ص 239 فراجع، ورواه أيضا السيد أبو طالب في أماليه كما في الباب الثالث من تيسير المطالب ص 46 قال: روى أصحاب الأخبار (عن) الحارث بن حوط (انه) قال: اتيت عليا عليه السلام حين ورد البصرة، فقلت إني أعتزلك كما اعتزل سعد بن مالك وعبد الله بن عمر.
فقال: إن سعدا وعبد الله لم ينصرا الحق ولم يخذلا الباطل. ثم أنشد متمثلا:
وا ثكلها فقد ثكلت أروعا ... أبيض يحمي الشرب أن يفزعا
قال السيد أبو طالب: أراد به عليه السلام أن اختيارهما ما اختارا مصيبة أصابتهما كمصيبة الثكلاء التي فقدت من صفته ما ذكر في البيت.(2/274)
أمر (حرب) صفين
«359» قَالُوا: كَانَ جرير بْن عَبْدِ اللَّهِ البجلي بهمدان، فلما قدم علي عَلَيْهِ السلام الْكُوفَة عزله عَنْهَا ووجهه إِلَى مُعَاوِيَةَ يدعوه إِلَى طاعته، وأن يسلم لَهُ الأمر، ويدخل مَعَهُ فيما دخل فِيهِ أهل الحرمين والمصرين/ 364/ وغيرهم، فأتى جرير مُعَاوِيَة، ودعاه إِلَى مَا أمره علي بدعائه إِلَيْهِ، فانتظر مُعَاوِيَة قدوم شرحبيل بْن السمط الكندي عَلَيْهِ [1] فَقَالَ لَهُ جرير: إني قد رأيتك توقفت بين الحق والباطل وقوف رجل ينتظر رأي غيره.
__________
[1] وينبغي لنا أن نذكر ها هنا كيفية تخديع معاوية الشرحبيل- أحمق أهل الدنيا باعترافه نفسه- لأن البلاذري قد أخل بهذه الجهة إخلالا فاحشا، والقصة ذكرها ابن عساكر في ترجمة الشرحبيل من تاريخ دمشق، وذكرها أيضا نصر بن مزاحم في أواخر الجزء الأول من كتاب صفين، ورواها أيضا ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (26) و (43) من شرح النهج: ج 2/ 71، ج 3/ 79، وبما ان الخرس قد أتى سوق العلم وأوتمن على ذخائر العلماء فشتت جمع سلالة البشر والروحانيين بمقتضى المباينة الطبيعية، فلا سبيل لنا الآن من نقل القصة عن تاريخ ابن عساكر، فلنذكر تلخيص ما ذكره ابن مزاحم في كتاب صفين وهو منشور في الآفاق والمراجعة إليه أو الى شرح ابن أبي الحديد ميسور لكل أحد، فنقول:
قال في كتاب صفين ص 44: لما تم المواعدة بين ابن العاص ومعاوية وكتب له بها كتابا، قال ابن العاص: إن رأس أهل الشام شرحبيل ابن السمط الكندي وهو عدو لجرير، فأرسل إليه ووطيء له ثقاتك فليفشوا في الناس أن عليا قتل عثمان، فإنها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب، وإن تعلقت بقلب شرحبيل لم تخرج منه بشيء أبدا. فكتب معاوية اليه: ان جرير ابن عبد الله قدم علينا من عند علي بأمر فظيع فاقدم، ثم ان معاوية دعا يزيد بن أسد، وبسر ابن أرطاة وعمرو بن سفيان ومخارق بن الحارث وحمزة بن مالك وحابس الطائي- وكانوا ثقات معاوية وخاصته وبني عم الشر حبيل- فأمرهم أن يلقوه ويخبروه أن عليا قتل عثمان. فلما قدم كتاب معاوية إلى شرحبيل استشار أهل اليمن فاختلفوا عليه، فسار إلى معاوية فتلقاه الناس وأعظموه، ولما دخل على معاوية تكلم معاوية وقال يا شرحبيل ان جريرا يدعونا الى بيعة علي، وعلي خير الناس لولا انه قتل عثمان، وقد حبست نفسي عليك، وإنما أنا من أهل الشام أرضى ما رضوا واكراه ما تكرهوا. فقال شرحبيل: أخرج فأرى فخرج فلقيه هؤلاء النفر الموطئون له فأخبروه ان عليا قتل عثمان!! فدخل مغضبا على معاوية فقال: أبى الناس إلا ان عليا قتل عثمان!!! وو الله لئن بايعت له لنخرجنك من الشام ولنقتلنك فقال معاوية: ما كنت إلا رجلا من أهل الشام. قال: قال: فرد جريرا الى صاحبه إذا فقال له معاوية ان هذا الأمر الذي عرفته لا يتم إلا برضا العامة فسر في مدائن الشام وناد فيهم بأن عليا قتل عثمان وانه يجب على المسلمين أن يطلبوا بدمه. فسار شرحبيل في مدائن الشام يستنهضهم لا يأتى على قوم إلا قبلوا ما أتاهم به، إلا نساك أهل حمص فإنهم قاموا اليه فقالوا: بيوتنا قبورنا ومساجدنا وأنت أعلم بما ترى.
اقول: هذا تلخيص القضية، فراجع تفصيلها في كتاب صفين أو شرح النهج فإن فيه فوائد جمة، وذكرها أيضا ابن الأثير في الكامل: ج 3/ 142، ولكن لم يذكر كتاب معاوية إلى شرحبيل وكيفية التمويه عليه.
فائدة اقتطفناها من ترجمة الشرحبيل من تاريخ دمشق- قبل أن ينيخ عليه الخروش- بالفارسية- بكلكله- وذكرها أيضا في تهذيبه: ج 6 ص 299 قال: كان شرحبيل يساير معاوية يوما، فقال له معاوية: ان الهامة إذا عظمت دل ذلك على وفور الدماغ وصحة العقل. قال: نعم يا أمير المؤمنين إلا هامتي فإنها عظيمة وعقلي ضعيف ناقص؟!! فتبسم معاوية وقال: كيف ذاك لله أنت؟ قال: لإطعامي هذه البارحة مكوكي شعير!!!.(2/275)
وقدم شرحبيل فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: هَذَا جرير يدعونا إِلَى بيعة علي. فقام شرحبيل فَقَالَ: أنت عامل أمير الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَان، وَابْن عمه وأولى النَّاس بالطلب بدمه وقتل من قتله. ولم ير جرير عند مُعَاوِيَة انقيادًا لَهُ وَلا مقاربة لذلك، فانصرف يائسًا منه.
فلما قدم جرير عَلَى علي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهما أسمعه مالك بن الحرث بن الأشتر (كذا) وقال (له) : أنا أعرف غروراتك (كذا) وغشك، وأن عُثْمَان اشترى منك دينك بولاية همدان! فخرج!! جرير فلحق بقر قيسيا، ولحق بِهِ قوم من قومه من قسر، ولم يشهد صفين من قسر غير تسعة عشر رجلا، وشهدها من أحمس سبعمائة. وأتى علي دار جرير فشعث مِنْهَا وحرق مجلسه حَتَّى قَالَ لَهُ أَبُو زرعة بْن عَمْرو بْن جرير [1] أصلحك اللَّه إن فِي الدار أنصباء لغير جرير. فكف (عليّ عليه السلام) .
وقام أبو مسلم الخولاني- واسمه عبد الرحمان. ويقال: عَبْد اللَّهِ بْن مشكم- إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ: عَلَى مَا تقاتل عَلِيًّا وليس لك مثل سابقته وقرابته وهجرته؟! فَقَالَ مُعَاوِيَة: مَا أقاتله وأنا أدعي فِي الإسلام مثل الَّذِي ذكرت أنه لَهُ، ولكن ليدفع إلينا قتلة عُثْمَان فنقتلهم بِهِ، فَإِن فعل فلا قتال بيننا وبينه، فقد يعلمون (كذا) أن عُثْمَان (قتل) مسلما محرمًا. قَالَ:
فاكتب إليه كتابا تسأله فيه أن يسلم (إليك) قتلة عثمان. فكتب إليه (معاوية) فيما ذكر الْكَلْبِيّ عَن أَبِي مخنف، عَن أَبِي روق الهمداني:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَانَ، إِلَى عَلِيّ بن أبي طالب.
__________
[1] وهنا في النسخة وضع علامة على قوله: «زرعة» وكتب في الهامش كلمة وقعت تحت الخياطة، وكأنها: «هرم» .(2/277)
أما بعد فَإِن اللَّه اصطفى محمدًا بعلمه، وجعله الأمين عَلَى وحيه، والرسول إِلَى خلقه، ثُمَّ اجتبى لَهُ من المسلمين أعوانا أيده بهم فكانوا فِي المنازل عنده عَلَى قدر فضائلهم فِي الإسلام، وَكَانَ أنصحهم لله ورسوله خليفته ثُمَّ خليفة خليفته ثُمَّ الخليفة الثالث المقتول ظلما عُثْمَان، فكلهم حسدت وعلى كلهم بغيت، عرفنا ذَلِكَ فِي نظرك الشزر، وقولك الهجر، وتنفسك الصعداء، وإبطائك عَن الخلفاء، فِي كل ذَلِكَ تقاد كما يقاد الجمل المخشوش [1] ، ولم تكن لأحد منهم أشد حسدًا منك لابن عمتك، وَكَانَ أحقهم أن لا تفعل بِهِ ذَلِكَ لقرابته وفضله، فقطعت رحمه وقبحت حسنه وأظهرت لَهُ العداوة وبطنت لَهُ بالغش وألبت النَّاس عَلَيْهِ حَتَّى ضربت آباط الإبل إليه من كلّ وجه، وقيدت (اليه الخيل من كل أفق، وشهر عَلَيْهِ السلاح فِي حرم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقتل معك فِي المحلة وأنت تسمع الهائعة [2] ، لا تدرأ عَنْهُ بقول وَلا فعل، ولعمري يا بن أَبِي طالب لو قمت فِي حقه مقاما (واحدا) تنهى النَّاس فِيهِ عَنْهُ، وتقبح لهم مَا ابتهلوا منه [3] مَا عدل بك من قبلنا من النَّاس أحدًا، ولمحى ذَلِكَ عندهم مَا كانوا يعرفونك به من المجانية له والبغي عليه (ظ) . وأخرى أنت بِهَا عند أولياء ابْن عفان ظنينا [4] إيواؤك قتلته فهم عضدك ويدك وأنصارك، وقد بلغني أنك تتنصل من دم عُثْمَان وتتبرأ منه، فَإِن كنت صادقا فادفع إلينا قتلته (كي) نقتلهم بِهِ، ثُمَّ نحن أسرع النَّاس إِلَيْك، وإلا فليس بيننا وبينك إلا السيف، وو الذي لا إله غيره لنطلبن قتلة عُثْمَان فِي الجبال والرمال والبر والبحر حَتَّى نقتلهم أَوْ تلحق أرواحنا بالله والسلام.
__________
[1] المخشوش: الذي جعل في انفه الخشاش- بكسر الخاء- وهو عويد يجعل في عظم انف الجمل يشد به الزمام ليكون سريع الانقياد.
[2] الهائعة: الصيحة والضجة.
[3] كذا في النسخة، ولعل الصواب «ما استحلوا منه» .
[4] من الظنة وهي الإتهام وسوء الظن.(2/278)
فدفع الكتاب إِلَى أَبِي مسلم الخولاني وأمره أن يسير بِهِ إِلَى علي، فصار بِهِ إِلَى الْكُوفَةِ فأوصله إِلَى علي واجتمع النَّاس فِي المسجد، وقرئ عليهم/ 365/ فَقَالُوا: كلنا قتلة عُثْمَان وكلنا كَانَ منكرًا لعمله، ولم يجبه علي إِلَى مَا أراد، فجعل أَبُو مسلم يقول: الآن طاب الضراب. وكتب (علي عليه السلام) إِلَيْهِ فِي جواب كتابه [1] :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ عَبْد اللَّهِ علي أمير الْمُؤْمِنِينَ، إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ.
أَمَّا بَعْدُ فَإِن أخا خولان قدم علي بكتاب منك تذكر فِيهِ محمدا وما أكرمه اللَّه بِهِ من الهدى والوحي، فالحمد لله الَّذِي صدق لَهُ الوعد، ومكن لَهُ فِي البلاد، وأظهره عَلَى الدين كله، وقمع بِهِ أهل العداوة والشنآن من قومه الذين كذبوه وشنعوا لَهُ [2] وظاهروا عَلَيْهِ وعلى إخراج أصحابه، وقلبوا لَهُ الأمور حَتَّى ظهر أمر اللَّه وهم لَهُ كارهون، فكان أشد النَّاس عَلَيْهِ الأدنى فالأدنى من قومه إِلا قليلا ممن عصم الله (كذا) .
وذكرت أن اللَّه جل ثناؤه وتباركت اسماؤه اختار لَهُ من الْمُؤْمِنِينَ أعوانا أيده بهم فكانوا في منازلهم عنده على قدم (قدر «خ» ) فضائلهم فِي الإسلام، فكان أفضلهم خليفته وخليفة خليفته من بعده، ولعمري إن مكانهما من الإسلام لعظيم، وان المصاب بهم (كذا) لرزء جليل [3] وذكرت
__________
[1] وهذا هو المختار (70) من كتب نهج السعادة: ج ص 174، ونبذا منه ذكره في المختار (10) من كتب نهج البلاغة.
[2] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين: «فشنفوا له» ، يقال: «شنف فلانا- من باب تعب- ولفلان» : ابغضه.
[3] هذا مما خرج مخرج التقية فإن جل اهل الكوفة كانوا يعتقدون حسن حالهما، ومراجعة ترجمة الخوارج شاهد صدق لما قلناه، واما معاوية واتباعه فكلهم كانوا يرون انهما كانا على الحق، وما كتب معاوية الكتاب المتقدم اليه عليه السلام إلا رجاء ان يظفر في جوابه بما يؤاخذه به عند العامة.(2/279)
أن ابْن عفان كَانَ فِي الفضل ثالثًا (لهما) فَإِن يكن عُثْمَان محسنا فسيلقى ربا شكورا يضاعف الحسنات ويجزي بِهَا، وان يكن مسيئا فسيلقى ربا غفورًا رحيما لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، وإني لأرجو إذا أعطى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ عَلَى قدر أعمالهم أن يكون قسمنا أوفر قسم أهل بيت من المسلمين.
إن اللَّه بعث محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدعا إِلَى الإيمان بالله والتوحيد لَهُ، فكنا أهل البيت أول من آمن وأناب [1] ، فمكثنا وما يعبد اللَّه فِي ربع سكن من أرباعي العرب أحد غيرنا [2] فبغانا قومنا الغوائل وهمّوا بنا الهموم، وألحقوا بنا الوشائط [3] واضطرونا إلى شعب ضيق، (و) وضعوا علينا فِيهِ المراصد، ومنعونا من الطعام والماء العذب، وكتبوا بينهم كتابا أن لا يواكلونا وَلا يشاربونا وَلا يبايعونا وَلا يناكحونا ولا يكلمونا (أ) وندفع إِلَيْهِمْ نبينا فيقتلوه أَوْ يمثلوا بِهِ، وعزم اللَّه لنا عَلَى منعه والذب عَنْهُ، وسائر من أسلم من قريش أخلياء مما نحن فِيهِ منهم من حليف ممنوع وذي عشيرة لا تبغيه [4] كما بغانا قومنا، فهم من التلف بمكان نجوة وأمن، فمكثنا بذلك
__________
[1] وقد ورد في سبق ايمانه عليه السلام من طريق القوم اخبار كثيرة قلما يوجد مثلها في أبواب فضائله عليه السلام، فانظر الحديث (69) : وتواليه من ترجمته من تاريخ دمشق.
[2] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين: «وما يعبد الله في ربع ساكن من العرب غيرنا» .
[3] كذا في النسخة بالطاء المهملة، ولم أجد هذه اللفظة في غيره مما بيدي من المصادر، ولا من كتب اللغة ولعلها بالمعجمة.
[4] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين: فأما من اسلم من قريش بعد فإنهم مما نحن فيه أخلياء، فمنهم حليف ممنوع، او ذو عشيرة تدافع عنه فلا يبغيه احد بمثل ما بغانا به قومنا من التلف، فهم من القتل بمكان نجوة وامن» . وفي المختار: (10) من باب نهج البلاغة: «ومن اسلم من قريش خلوا مما نحن فيه، بحلف يمنعه او عشيرة تقوم دونه، فهو من القتل بمكان امن» .(2/280)
مَا شاء اللَّه، ثُمَّ أذن اللَّه لرسوله فِي الهجرة وأمره بقتال المشركين، فكان إذا حضر البأس ودعيث نزال [1] قدم أهل بيته فوقى بهم أصحابه، فقتل عبيدة يوم بدر، وحمزة يوم أحد وجعفر يوم مؤتة، وتعرض من لو شئت أن اسميه سميته لمثل مَا تعرضوا لَهُ من الشهادة، لكن آجالهم حضرت ومنيته أخرت.
وذكرت إبطائي عن الخلفاء وحسدي لهم، فأما الحسد فمعاذ اللَّه أن أكون أسررته أو أعلنته، وأما الإبطا (ء عنهم) فما أعتذر إِلَى النَّاس منه، ولقد أتاني أبوك حِينَ قُبِضَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبايع النَّاس أبا بكر، فَقَالَ:
أنت أحق النَّاس بهذا الأمر فأبسط يدك أبايعك. قد علمت ذَلِكَ من قول أبيك، فكنت الَّذِي أبيت ذَلِكَ مخافة الفرقة، لقرب عهد النَّاس بالكفر والجاهلية، فَإِن تعرف من حقي مَا كَانَ أبوك يعرفه تصب رشدك، وإلا تفعل فسيغني اللَّه عنك.
وذكرت عُثْمَان وتأليبي النَّاس عَلَيْهِ، فَإِن عُثْمَان صنع مَا رأيت فركب النَّاس منه مَا قد علمت وأنا من ذَلِكَ بمعزل إِلا أن تتجنى فتجنّ ما بدا لك [2] .
وذكرت قتلته- بزعمك- وسألتني دفعهم إِلَيْك وما أعرف/ 366/ لَهُ قاتلا بعينه، وقد ضربت الأمر أنفه وعينيه (ظ) فلم أره يسعني دفع من
__________
[1] وفي النهج: «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا احمر البأس واحجم الناس قدم اهل بيته فوقى بهم اصحابه حر الأسنة والسيوف» . اقول: الباس: الحرب. ووصفه بالاحمرار لما يسيل فيه من الدماء، وحر الأسنة والسيوف: شدة وقعهما ودعيت نزال- في رواية البلاذري وكتاب صفين- اي دعت الدعاة او كل واحد من المتحاربين الآخر الى النزول عن الدواب والحرب راجلا.
[2] تتجنى- من باب التفعل-: ادعاء الجناية على البريء. او تحمل الإثم والجناية بالفرية، وبهتان البريء ورميه إلى الجناية التي لم يفعلها، وهذا استثناء منقطع، ومحل «ما» منصوب على المفعولية،(2/281)
قبلي ممن اتهمته وأظننته (ظ) إِلَيْك، ولئن لم تنزع عَن غيك وشقائك [1] ، لتعرفنّ الذين تزعم أنهم قتلوه طالبين (لك) لا يكلفونك طلبهم فِي سهل وَلا جبل والسلام [2] :
وأنفذ علي الكتاب إِلَى مُعَاوِيَةَ مَعَ أَبِي مسلم الخولاني.
وقد قَالَ بعض الرواة: إن أبا هريرة الدوسي كَانَ مَعَ أَبِي مسلم.
(في علة انحراف عمرو بن العاص عن عثمان واتصاله بمعاوية) .
«360» وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ:
عن عبد الوارث (الواحد «خ» ) بْنِ مُحَرَّرٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ لَمَّا عَزَلَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَنْ مصر، قال له: (يا) أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَعَلِمْتَ أَنَّ اللِّقَاحَ بِمِصْرَ دَرَّتْ بَعْدَكَ أَلْبَانُهَا؟ فَقَالَ: لأَنَّكُمْ أَعْجَفْتُمْ أَوْلادَهَا. فَكَانَ كَلامًا غَلِيظًا. فَلَمَّا تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي أَمْرِهِ أَتَاهُ فَقَالَ: لَقَدْ رَكِبْتَ بِالنَّاسِ النَّهَابِيرَ، فَأَخْلِصِ التَّوْبَةَ وَرَاجِعِ الْحَقَّ. فَقَالَ لَهُ: وَأَنْتَ أيضا يا بن النويبغة تؤلب عليّ! لأن عزلتك عن مصر، لا ترى (لي) طاعتك؟ فَخَرَجَ إِلَى فِلَسْطِينَ فَنَزَلَ ضَيْعَةً لَهُ بِهَا يُقَالُ لَهَا: عَجْلانُ، وَبِهَا لَهُ قَصْرٌ، فَكَانَ يُحَرِّضُ النَّاسَ عَلَى عُثْمَانَ حَتَّى الرُّعَاةِ، فَلَمَّا بلغه أنه محصور قال: العير يضرط
__________
[1] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين ونهج البلاغة: «وشقاقك» وهو اظهر.
[2] وللكتاب مصادر وثيقة، فقد رواه نصر بن مزاحم في كتاب صفين ص 85، ورواه عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار العاشر من كتب نهج البلاغة،: ج 15/ 73 ط مصر، ورواه باختصار السيد الرضي في المختار العاشر من كتب نهج البلاغة، ورواه قبله ابن عبد ربه في العقد الفريد في كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم: ج 3 ص 108، ط 1، كذلك الخوارزمي في مناقب امير المؤمنين ص 175، واشار اليه ابن عساكر في ترجمة معاوية من تاريخ، دمشق وقد ذكرناه في ختام المختار: (70) من كتب نهج السعادة: ج 4/ 185، فراجع.(2/282)
وَالْمِكْوَاةُ فِي النَّارِ. ثُمَّ بَلَغَهُ قَتْلُهُ فَقَالَ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، إِنِّي إِذَا حَكَكْتُ قُرْحَةً أَدْمَيْتُهَا- أَوْ قَالَ: نَكَأْتُهَا- ثُمَّ دَعَا ابنيه عبد الله ومحمدا فقال (لهما) :
مَا تَرَيَانِ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: قَدْ سَلِمَ دِينُكَ وَعِرْضُكَ إِلَيَّ الْيَوْمَ، فَاقْعُدْ بِمَكَانِكَ. وَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو: أَخْمَلْتَ نَفْسَكَ وَأَمَتَّ ذِكْرَكَ فَانْهَضْ مَعَ النَّاسِ فِي أَمْرِهِمْ هَذَا وَلا تَرْضَ بِالدَّنِيَّةِ فِي الْعَرَبِ. فَدَعَا (عمرو) وَرْدَانَ مَوْلاهُ فَأَمَرَهُ بِإِعْدَادِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وشخص إلى معاوية فكان معه (وهو) لا يُشْرِكُهُ فِي أَمْرِهِ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي قَصَدْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَعْرِفُ مَوْضِعَ الْحَقِّ لِتَجْعَلَ لِي فِي أَمْرِكَ هَذَا حَظًّا إِذَا بَلَغْتَ إِرَادَتَكَ، وَلأَنْ تُشْرِكَنِي فِي الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ. فَقَالَ له (معاوية) : نَعَمْ وَنِعْمَةُ عَيْنٍ، قَدْ جَعَلْتُ لَكَ وِلايَةَ مِصْرَ.
فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِ مُعَاوِيَةَ قَالَ لابْنَيْهِ: قَدْ جَعَلَ لِي وِلايَةَ مِصْرَ. فَقَالَ لَهُ:
مُحَمَّدٌ ابْنُهُ: وَمَا مِصْرُ فِي سُلْطَانِ الْعَرَبِ. فَقَالَ: لا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَ مَنْ لَمْ تُشْبِعْهُ مِصْرُ.
«361» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ عُقْبَةَ أَبُو عَقِيلٍ:
عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ مَا كَانَ، دَعَا مُعَاوِيَةُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إِلَى قِتَالِ عَلِيٍّ فَقَالَ: لا وَاللَّهِ لا أُظَاهِرُكَ عَلَى قِتَالِهِ حَتَّى تُطْعِمَنِي مِصْرَ، فَأَبَي عَلَيْهِ فَخَرَجَ مُغْضَبًا. ثُمَّ إِنَّ مُعَاوِيَةَ نَدِمَ وَقَالَ: رجل طلب إليّ في شيء (كذا) على هذا الْحَالِ فَرَدَدْتُهُ؟ فَأَجَابَهُ إِلَى مَا سَأَلَ.
«362» وَحَدَّثَنَا خلف بْن سالم، وأحمد بْن إِبْرَاهِيمَ، قالا حدثنا وهب ابن جَرِيرٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ:
عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الزُّبَيْرِيِّ عَنْ أَشْيَاخِهِ قَالُوا: لَمَّا وَقَعَتِ الفتنة لم يكن أحد من قريش أعفا فِيهَا مِنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ [1] أَتَى مَكَّةَ فأقام بها، فلم يزل كافا
__________
[1] ورواه أيضا ابن عساكر- في ترجمة عمرو من تاريخ دمشق: ج 42 ص 97 قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد، أنبأنا احمد بن الحسن بن خيرون، أنبأنا الحسن بن احمد بن ابراهيم، أنبأنا احمد بن إسحاق بن منجاب، أنبأنا ابراهيم بن الحسين بن علي، أنبأنا يحي ابن سليمان الجعفي.
قال: وحدثني زيد بن حباب العكلي، اخبرني جويرية بن أسماء الضبعي حدثني عبد الوهاب ابن يحي بن عبد الله بن الزبير (قال:) أنبأنا أشياخنا: أن الفتنة وقعت وما رجل من قريش إلخ.(2/283)
حَتَّى كَانَتْ وَقْعَةُ الْجَمَلِ، فَقَالَ لابْنَيْهِ: إِنِّي قد ألقيت نَفْسِي بَيْنَ جَزَارِي مَكَّةَ [1] وَمَا مِثْلِي رَضِيَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ فَإِلَى مَنْ تَرَيَانِ أَنْ أَصِيرَ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ:
صِرْ إِلَى عَلِيٍّ. فقال: إن عليا يقول (لي إذا أتيته) : أَنْتَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَكَ مَا لَهُمْ وَعَلَيْكَ مَا عَلَيْهِمْ وَمُعَاوِيَةُ يَخْلِطُنِي بِنَفْسِهِ وَيُشْرِكَنِي في أمره!!! قالوا: فأت معاوية. فأتاه فما خير له (كذا) .
«363» المدائني، عَن سلمة بْن محارب: كتب مُعَاوِيَة إِلَى عَمْرو بْن العاص وَهُوَ بفلسطين، بخبر طَلْحَة وَالزُّبَيْر، وأن جرير بْن عَبْدِ اللَّهِ قد أتاه يطلب بيعته لعلي. فقدم/ 367/ عَلَيْهِ.
«364» المدائني، عَن عيسى بْن يزيد الكناني أن عَلِيًّا لما بعث جرير بْن عَبْدِ اللَّهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ ليأخذ لَهُ البيعة عَلَيْهِ، قدم (جرير) عَلَيْهِ وَهُوَ جالس والناس عنده فأعطاه كتاب علي فقرأه ثُمَّ قام جرير فَقَالَ: يَا أَهْل الشَّامِ إن من لم ينفعه القليل لم ينفعه الكثير، قد كانت بالبصرة ملحمة إن يسفح البلاء [2] بمثلها فلا بقاء للإسلام بعدها فاتقوا الله ورووا في علي ومعاوية [3] وانظروا
__________
[1] هذا إما سهو من كاتب النسخة او من الراوي، فإن عمرا لم يأت مكة، بل أتى فلسطين كما تقدم، وكما يأتي أيضا.
[2] كذا في النسخة، والصواب: «ان يشفع» .
[3] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «ورؤيوا» .(2/284)
أين مُعَاوِيَة من علي، وأين أَهْل الشَّامِ من المهاجرين والأنصار، ثُمَّ انظروا لأنفسكم فلا يكون أحد أنظر لَهَا مِنْهَا. ثُمَّ سكت وسكت مُعَاوِيَة فلم ينطق وَقَالَ: أبلعني ريقي يا جرير. فأمسك (جرير) فكتب (معاوية) من ليلته إِلَى عَمْرو بْن العاص- وَهُوَ عَلَى ليال منه- فِي المصير إِلَيْهِ- وصرف جريرا بغير إرادته (كذا) - وَكَانَ كتابه إِلَى عَمْرو:
أما بعد فقد كَانَ من أمر علي وطلحة وَالزُّبَيْر، مَا قد بلغك، وقد سقط إلينا مروان فِي جماعة من أهل الْبَصْرَة ممن رفض عَلِيًّا وأمره، وقدم علي جرير بْن عَبْدِ اللَّهِ في بيعة علي، وحبست (ظ) نفسي عليك حَتَّى تأتيني، فاقدم علي عَلَى بركة اللَّه وتوفيقه.
فلما أتاه الكتاب دعا ابنيه عَبْد اللَّهِ ومحمدًا فاستشارهما، فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّهِ: أيها الشيخ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبض وَهُوَ عنك راض ومات أَبُو بكر وعمر، وهما عنك راضيان، فإياك أن تفسد دينك بدنيا يسيرة تصيبها من مُعَاوِيَة، فتكب كبا فِي النار.
ثم قال (عمرو) لمحمد: مَا ترى؟ فَقَالَ: بادر هَذَا الأمر تكن فِيهِ رأسا قبل أن تكون ذنبا. فروّى (عمرو) فِي ذَلِكَ:
رأيت ابْن هند سائلي أن أزوره ... وتلك التي فيها انتياب البواثق
أتاه جرير من علي بخطة ... أمرت عليه العيش مع كل ذائق
فو الله مَا أدري إِلَى أي جانب ... أميل ومهما قادني فهو سائقي
أأخدعه والخدع فِيهِ دناءة ... (ظ) أم اعطيه من نفسي نصيحة وامق
وقد قَالَ عَبْد اللَّهِ قولا تعلقت ... بِهِ النفس إن لم تعتلقني غلائقي
وخالفه فِيهِ أخوه مُحَمَّد ... وإني لصلب العود عند الحقائق
فلما سمع عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو هَذَا الشعر، قَالَ: بال الشيخ عَلَى عقيبه وباع(2/285)
دينه، فلما أصبح عَمْرو دعا مولاه وردان فَقَالَ: ارحل بنا يَا وردان فرحل، ثُمَّ قَالَ: حط. فحط ففعل ذَلِكَ مرارًا، فَقَالَ لَهُ وردان: أنا أخبرك بما فِي نفسك، اعترضت الدنيا والآخرة فِي قلبك فلست تدرى أيتهما تختار!!! قَالَ: لله درك مَا أخطأت، فما الرأي؟ قَالَ: تقيم فِي منزلك فَإِن ظهر أهل الدين عشت فِي دينهم وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغن [1] عنك!!! فَقَالَ عَمْرو: ارحل يَا وردان عَلَى عزم وأنشأ يقول:
__________
[1] كذا في النسخة، وفي تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 75: «فإن ظهر اهل الدين عشت في عفو دينهم، وان ظهر اهل الدنيا لم يستغنوا عنك» وهو الظاهر:
ورواه أيضا- باختلاف طفيف في بعض الألفاظ- في ترجمة عمرو بن العاص من تاريخ دمشق:
ج 42 ص 97 قال: أخبرنا ابو عبد الله الحسين بن محمد، أنبأنا احمد بن الحسن بن خيرون، أنبأنا الحسن بن احمد بن ابراهيم، أنبا احمد بن إسحاق بن منجاب، أنبأنا ابراهيم بن الحسين ابن علي، أنبأنا عبد الله بن عمر، أنبأنا عمرو بن محمد، قال:
سمعت الوليد البلخي قال: فلما انتهى كتاب معاوية الى عمرو بن العاص استشار ابنيه عبد الله ومحمدا ابني عمرو فقال (لهما) : انه قد كانت مني في عثمان هنات لم أسخطها (ظ) بعد، وقد كان مني ومن نفسي (كذا) حيث ظننت انه مقتول ما قد احتمله، وقد قدم جرير على معاوية فطلب البيعة لعلي وقد كتب إلي معاوية يسألني ان اقدم عليه فما تريان؟ فقال عبد الله من عمرو: يا ابه ان رسول الله قبض وهو عنك راض، والخليفتان من بعده (كذا) وقتل عثمان وأنت عنه غائب، فاقم في منزلك فلست مجعولا خليفة، ولا تريد ان تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة فانية. فقال محمد: يا ابة أنت شيخ قريش وصاحب امرها، وان تصرم هذا الأمر وأنت فيه خامل خملت، فالحق بجماعة اهل الشام واطلب بدم عثمان. فقال عمرو: اما أنت يا عبد الله فامرتني بما هو خير لي في ديني، واما أنت يا محمد فامرتني بما هو خير لي في دنياي، فلما جن عليه الليل رق في فراشه ذلك (كذا) وجعل يتفكر اي الأمرين يأتي ثم أنشأ يقول:
تطاول ليلي للهموم الطوارق ... وخوف التي تجلو وجوه العوائق
معاوي بن هند يسألني ازره ... وتلك التي فيها عظام البوائق
أتاه جرير من علي بخطة ... امرت عليه العيش مع كل ذائق
(فإن نال مني ما يؤمل رده ... وان لم ينله ذل ذل المطابق)
فو الله ما ادري وما كنت هكذا ... أكون ومهما ان ارى فهو سائقي
اخادعه والخدع فيه دنية ... أم أعطيه من نفسي نصيحة وامق
أم اقعد في بيتي وفي ذاك راحة ... لشيخ يخاف الموت في كل شارق
وقد قال عبد الله قولا تعلقت ... به النفس ان لم تعتقلني عوائقي
وخالفه فيه اخوه محمد ... واني لصلت الرأي عبد الحقائق
فلما اصبح دعا غلامه وردان فقال (له) : ارحل يا وردان، حط يا وردان- مرتين او ثلاثا- فقال له وردان: خلطت يا أبا عبد الله، اما انك ان شئت أنبأتك بما في نفسك؟ قال، هات.
قال: اعترضت الدنيا والآخرة على قلبك فقلت: علي معه الآخرة، وفي الآخرة عوض من الدنيا، ومعاوية معه الدنيا بلا آخرة، وليس في الدنيا عوض من الآخرة، فأنت متحير بينهما. فقال له عمرو: قاتلك (الله) يا وردان والله ما أخطأت فما ترى؟ قال: ارى ان تقيم في منزلك، فإن ظهر اهل الدين عشت في عفو دينهم (ظ) وان ظهر اهل الدنيا لم يستغنوا عنك! فقال له عمرو: الآن- حين شهرني الناس بمسيري (ظ) - اقيم؟! فارتحل الى معاوية.(2/286)
يا قاتل اللَّه وردانا وفطنته ... أبدى لعمرك مَا فِي النفس وردان [1]
ثُمَّ قدم عَلَى مُعَاوِيَةَ فذاكره أمره، فَقَالَ: أما علي فلا تسوي العرب بينك وبينه فِي شَيْء من الأشياء، وإن لَهُ فِي الحرب لحظا مَا هُوَ لأحد من قريش. قَالَ صدقت، وإنما نقاتله عَلَى مَا فِي أيدينا ونلزمه دم عُثْمَان. فَقَالَ عَمْرو: وإن أحق النَّاس أن لا يذكر عُثْمَان لأنا وأنت، أما أنا فتركته عيانا وهربت إِلَى فِلَسْطِين، وأما أنت فخذلته ومعك أَهْل الشَّامِ حَتَّى استغاث بيزيد بْن أسد البجلي فسار إِلَيْهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَة: دع ذا وهات
__________
[1] كذا في جل المصادر، وقال في مادة «قدح» من النهاية نقلا عن الهروي: استشار (عمر بن العاص) وردان غلامه- وكان حصيفا- في امر علي ومعاوية إلى أيهما يذهب؟
فأجابه بما في نفسه وقال له: الآخرة مع علي، والدنيا مع معاوية، وما أراك تختار على الدنيا!!! فقال عمرو:
يا قاتل الله وردانا وقدحته ... ابدى لعمرك ما في القلب وردان(2/287)
فبايعني. قَالَ: لا لعمرو اللَّه لا أعطيك ديني حَتَّى آخذ من دنياك؟!!! فَقَالَ مُعَاوِيَة: سل/ 368/ قَالَ: مصر تطعمني إياها. فغضب مروان بن الحكم وقال: ما لي لا أستشار؟ فَقَالَ مُعَاوِيَة: أسكت فما يستشار إِلا لك.
فقام عَمْرو مغضبا فَقَالَ لَهُ معاوية يا (أ) با عَبْد اللَّهِ أقسمت عليك أن تبيت الليلة عندنا. وكره أن يخرج فيفسد عَلَيْهِ النَّاس، فبات (عمرو) عنده وَقَالَ:
معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل ... بِهِ منك دنيا فانظرن كيف تصنع
فَإِن تعطني مصرا فأربح صفقة [1] ... أخذت بِهَا شيخا يضر وينفع
وما الدين والدنيا سواء وإنني ... لآخذ مَا تعطي ورأسي مقنع
ولكنني أعطيك هَذَا وإنني ... لأخدع نفسي والمخادع يخدع
فلما أصبح مُعَاوِيَة دخل عَلَيْهِ عتبة بْن أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ لَهُ: يَا مُعَاوِيَة مَا تصنع؟ أما ترضى أن تشتري من عَمْرو دينه بمصر. فأعطاه إياها وكتب لَهُ كتابا: (أن) لا ينقض شرط طاعة. فمحا عَمْرو ذَلِكَ وقال: اكتب:
لا ينقض طاعة شرطا. فَقَالَ لَهُ عتبة بْن أَبِي سُفْيَانَ:
أيها المانع سيفا لم يهز ... إنما ملت إِلَى خز وقز
إنما أنت خروف واقف ... بين ضرعين [2] وصوف لم يجز
أعط عمروا إن عمروا باذل ... دينه اليوم لدنيا لم تحز
أعطه مصرًا وزده مثلها ... إنما مصر لمن عز فبز
إن مصرًا لعلي أَوْ لنا ... يغلب اليوم عليها من عجز
__________
[1] كذا في النسخة، وفي تاريخ اليعقوبي وكتاب صفين: «فاربح بصفقة» إلخ.
[2] وهنا في النسخة تصحيف، وصححناه على وفق كتاب صفين غير ان فيه: «انما أنت خروف ماثل» إلخ.(2/288)
وَقَالَ مُعَاوِيَة فيما جاء بِهِ جرير بْن عَبْدِ اللَّهِ:
تطاول ليلي واعترتني وساوسي ... لآت أتى بالترهات البسابس
أتانا جرير من علي بحمقه [1] ... وتلك التي فيها اجتداع المعاطس
يكاتنبي والسيف بيني وبينه ... ولست لأثواب الذليل بلابس
وقد منحتني الشَّام أفضل طاعة ... تواصى بِهَا أشياخها فِي المجالس
وإني لأرجو خير ما نال طالب ... وما أنا من ملك الْعِرَاق بيائس
وَكَانَ هِشَام بْن عَمَّار يقول: هَذَا حديث مصنوع، الشعر أتانا من ناحية الْعِرَاق.
وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي لما كتب مُعَاوِيَة إلى عليّ يطلب (منه) قتلة عُثْمَان، كتب الوليد بْن عقبة بْن أبي معيط إلي معاوية- والوليد بالرّقة-:
معاوية إن الشَّام شامك فاعتصم ... بشامك لا تدخل عليك الأفاعيا
وحام عليه بالقبائل والفنا (كذا) ... ولا تك ذا عجز وَلا تلف وانيا
فَإِن كتابا يا بن حرب كتبته ... عَلَى طمع يجني عليك الدواهيا
__________
[1] كذا في النسخة، وفي كتاب الفتوح لأحمد بن اعثم نسخة «د» :
أتاني جرير والحوادث جمة ... بتلك التي فيها اجتداع المعاطس
اكابده والسيف بيني وبينه ... ولست لأثواب الدناءة بلابس
وبالشام عندي عصبة يمنية ... تواصفها اشياخها في المجالس
فإن يجمعوا اصدم عليا بمهجة ... أمر عليه من كل رطب ويابس (كذا)
واني لأرجو خير ما نال نائل ... وما انا من ملك العراق بيائس
وانظر كامل للمبرد، ص 184.(2/289)
سألت عَلِيًّا فِيهِ مَا لا تناله ... ولو نلته لم يبق إلا لياليا
وإن عليا ناظر مَا تريغه ... فأوقد لَهُ حربا تشيب النواصيا
وكتب الوليد بن عقبة (أيضا) إِلَى مُعَاوِيَةَ يحرضه عَلَى قتال علي وأهل الْعِرَاق:
ألا أبلغ مُعَاوِيَة بْن حرب ... فإنك من أخي ثقة مليم [1]
يمنيك الخلافة كل ركب ... لأنقاض الْعِرَاق بهم رسيم [2]
فإنك والكتاب إِلَى علي ... كحالية وقد حلم الأديم [3]
طويت الدهر كالسدم المعنى ... تهدر فِي دمشق وما تريم
لك الخيرات فابعثنا عليهم ... فخير الطالبي الترة الغشوم [4]
وقومك بالمدينة قد أصيبوا ... فهم صرعى كأنهم الهشيم [5]
هم/ 369/ جدعو الأنوف فأوعبوها ... ولم يتقوا فقد بلغ الصميم [6]
__________
[1] مليم من قولهم: الأم الرجل: أتى ما يلام عليه. والأبيات ذكرها ابن ديزيل في كتاب صفين كما في شرح المختار: (43) من نهج البلاغة لابن أبي الحديد-: ج 3 ص 94 ورواها أيضا الطبري في تاريخه: ج 5 ص 236 وابن منظور في اللسان: ج 15/ 36.
[2] وفي اللسان والطبري: «يهنيك الإمارة كل ركب من الآفاق سيرهم الرسيم» .
[3] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين لابن ديزيل: «كدابغة وقد حلم الأديم» .
[4] هذا هو الظاهر الموافق لما في كتاب صفين لابن ديزيل، غير أن المصرع الأول فيه هكذا: «لك الويلات أقحمها عليهم» . وفي نسخة الأنساب هكذا: «فخير الطالبي التؤدة الغشوم» .
[5] وفي اللسان والطبري: «فقومك بالمدينة قد تردوا» .
[6] كذا في الأصل، ولعل الصواب: «ولم يبقوا» . وهذان المصرعان غير موجودين في رواية ابن ديزيل والطبري واللسان.(2/290)
فلو كنت القتيل وكان حيا [1] ... لشمّر لا ألفّ ولا سؤم
وكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة ببيت أوس بْن حجر التميمي:
ومستعجم لا ترعوي من إيابنا [2] ... ولوز بنته الحرب لم يترمرم
وَقَالَ النجاشي الحارثي [3]
معاوي قد كنت رخو الخناق ... فسعرت حربا تضيق الخناقا
فَإِن يكن الشَّام قد أصفقت ... عليك ابْن حرب فَإِن العراقا
أجابت عَلِيًّا إِلَى دعوة ... تعز الهدى وتذل النفاقا
«364» قَالُوا: وكانت أم حبية بنت أَبِي سُفْيَانَ زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثت بقميص عُثْمَان إِلَى مُعَاوِيَةَ، فأخذه أَبُو مسلم الخولاني من مُعَاوِيَة، فكان يطوف بِهِ فِي الشَّام فِي الأجناد، ويحرض النَّاس عَلَى قتلة عُثْمَان.
وَكَانَ كعب بْن عجرة الأَنْصَارِيّ أَيْضًا ممن بالغ فِي الحث على الطلب بدم عثمان.
__________
[1] هذا هو الظاهر من السياق، وفي الأصل: «فلو كنت الحقيل- أو- العقيل» . وفي اللسان والطبري: فلو كنت المصاب وكان حيا» ... وزاد الطبري بعده:
ولا نكل عن الأوتار حتى ... يبيء بها ولا برم جثوم
قال في هامش شرح النهج: وذكر الضبي في الفاخر، ص 30 بعض هذه الأبيات ونسبها إلى مروان بن الحكم.
[2] كذا في النسخة، وفي شرح النهج واللسان: 15/ 147. ومقاييس اللغة: ج 2/ 380 وديوان أوس بن حجر ص 27- علي ما في هامش شرح النهج-:
ومستعجب مما يرى من أناتنا ... ولوز بنته الحرب لم يترمرم
[3] ونسبها في كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم: ج 2 ص 441، إلى قيس بن سعد بن عبادة رحمه الله مع زيادات فيها.(2/291)
«365» وحدثني العمري، عَنِ الهيثم بْن عدي، عَنِ ابْن عياش وعوانة قَالا: قَالَ علي:
[لأصبحن العاصي بْن العاصي ... تسعين ألفا عاقدي النواصي
مستحقبين حلق الدلاص ... آساد غيل حين لا مناص
مجنّبين الخيل بالقلاص [1]
] فبلغ عمرو (بن العاص) ذلك، فقال مجيبا له:
خوّفتني بلابس الدلاص ... والقائدي الخيل مَعَ القلاص
أهون بقوم في الوغى نكاص ... لو قد رأوها ينقض النواصي
لقال كل أرني خلاص
وَقَالَ مُعَاوِيَة- حين بلغه جد علي فِي النهوض نحوه وَهُوَ فِي طريق صفين-:
لا تحسبني يَا علي غافلا ... لأوردن الْكُوفَة القنابلا
والمشرفي والقنا الذوابلا ... من عامنا هَذَا وعاما قابلا
فقال علي (عليه السّلام) :
[أصبحت عني يا بن هند غافلا ... إني لرام منكم الكواهلا
بالحق والحق يزيل الباطلا ... هَذَا لك العام وعاما قابلا
]
__________
[1] كذا في تاريخ الطبري: ج 3 ص 562، وفي كتاب صفين: «قد جنبوا الخيل مع القلاص» . وفي نسخة أنساب الأشراف «مجنبين الخيل بلا فلاص» .(2/292)
«366» قَالُوا: ولما أجمع أمير الْمُؤْمِنِينَ عَلَى المسير إِلَى مُعَاوِيَةَ، كتب إِلَى عماله عَلَى النواحي فِي القدوم عَلَيْهِ، فاجتمعوا عنده، واستخلف عَبْد الله بن عباس أبا الأسود الدئلي عَلَى صلاة الْبَصْرَة، وزيادًا عَلَى الخراج، ثُمَّ قدم الْكُوفَة وجعل علي يخطب النَّاس ويحضهم على محاربة معاوية وأهل الشَّامِ، فقام رجل من فزارة يقال لَهُ: أربد بْن ربيعة، فَقَالَ: يَا علي أتريد أن تغزو بنا أَهْل الشَّامِ فنقتلهم كما قتلنا إخواننا من أهل الْبَصْرَة؟ هَذَا والله مَا لا يكون!! فوثب إِلَيْهِ الأشتر، وعنق من النَّاس فخرج هاربا فلحقوه بمكان كانت الدواب تباع فِيهِ، فوطئوه وضربوه حَتَّى مات، فَقَالَ أَبُو علاقة التَّيْمِيّ تيم ربيعة:
معاذ إلهي أن تكون منيتي ... كما مات فِي سوق البراذين أربد
تعاوره قراؤنا بنعالهم ... إذا رفعت عَنْهُ يد وقعت يد
«367» وفي رواية مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن يسار: أن عَلِيًّا كتب إِلَى مُعَاوِيَةَ يدعوه إِلَى بيعته وحقن دماء المسلمين. وبعث بكتابه مَعَ ضمرة بْن يزيد، وعمرو بن زرارة النخعي (كذا) فقال (معاوية) : إن دفع إلي قتلة ابْن عمي وأقرني عَلَى عملي بايعته، وإلا فإني لا أترك قتلة ابن عمي وأكون/ 370/ سوقة؟ هذا ما لا يكون ولا أقار عليه [1] .
__________
[1] قال أبو هلال العسكري- في ذيل المثل المعروف: «كدابغة وقد حلم الأديم» من كتاب جمهرة الأمثال: ج 2 ص 158-: أخبرنا أبو القاسم، عن العقدي، عن أبي جعفر، عن المدائني، عن عوانة، ويزيد بن عياض: عن الزهري قال: ورد علي عليه السلام الكوفة بعد الجمل في شهر رمضان، سنة ست وثلاثين، فعاتب قوما لم يشهدوا معه الجمل، فاعتذر بعضهم بالغيبة، وبعضهم بالمرض. ثم استعمل عماله فكتب إلى معاوية مع ضمرة بن يزيد الضمري وعمرو بن زرارة النخعي يريده على البيعة، فقال لهما معاوية: إن عليا آوى قتلة ابن عمي وشرك في دمه.(2/293)
«368» وَقَالَ أَبُو مخنف وغيره: قام علي خطيبا فأمر النَّاس بالمسير إِلَى الشَّام، فَقَالَ لَهُ: يزيد بْن قَيْس الأرحبي: إن النَّاس عَلَى جهاز وهيئة وأهبة وعدة، وأكثرهم أهل القوة، وليست لهم علة، فمر مناديك فليناد فِي النَّاس أن يخرجوا إِلَى معسكرهم بالنخيلة.
وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن بديل بْن ورقاء الخزاعي: إنّ أخا الحرب غير السؤم ولا النؤم وَلا الَّذِي إذا أمكنته الفرص أملى واستشار فِيهَا، وَلا من أخر عمل اليوم إِلَى غد.
ويقال: إن الَّذِي. قَالَ هَذَا القول يزيد بْن قَيْس الأرحبي.
وتكلم زياد بْن النضر الحارثي فصدق هَذَا القول. وتكلم النَّاس بعد.
فدعا علي الحارث الأعور- وهو الحرث بْن عَبْدِ اللَّهِ الهمداني- فأمره أن ينادي فِي النَّاس أن يغدوا إِلَى معسكرهم بالنخيلة- وَهُوَ عَلَى ميلين من الْكُوفَة- ففعل، وعسكر علي والناس مَعَهُ.
وَكَانَ عبيد اللَّه بْن عمر بْن الخطاب لما قتل أبوه، اتهم الهرمزان، ورجلا من أهل الحيرة- نصرانيا كَانَ سعد بن أبي وقاص أقدمه المدنية معه فكان يعلم ولده (و) الناس الكتاب والحساب يقال له: جفينة- بالموالات لأبي لؤلؤة، فقتلهما وقتل ابنه أَبِي لؤلؤة، فوقع بينه وبين عُثْمَان فِي ذَلِكَ كلام حتى تغاضبا [1] ثُمَّ بويع علي فَقَالَ: لأقيدن منه من قتل ظلما. فهرب إِلَى الْكُوفَةِ [2] فلما قدمها علي نزل الموضع الَّذِي يعرف بكويفة ابْن عمر، وإليه
__________
[1] هذا هو الظاهر من السياق،، في النسخة هكذا: «حتى تناضيا» .
[2] بل الحق أن عثمان أرسله إليها- وأقطعه له منها أرضا سميت بعد ذلك بكويفة ابن عمر- لما رأى إصرار أمير المؤمنين علي عليه السلام بإجراء الحد عليه والقصاص منه.
قال اليعقوبي في تاريخه: ج 2 ص 142: أكثر الناس في دم هرمزان وامساك عثمان عن عبيد الله بن عمر، فصعد عثمان المنبر فخطب الناس ثم قال: ألا إني ولي دم الهرمزان وقد وهبته لله ولعمر، وتركته لدم عمر!!! فقام المقداد بن عمرو فقال: إن الهرمزان مولى لله ولرسوله وليس لك أن تهب ما كان لله ولرسوله. قال: فننظر وتنظرون.
ثم أخرج عثمان عبيد الله بن عمر من المدينة إلى الكوفة، وأنزله دارا فنسب الموضع إليه (وسمي ب) كويفة ابن عمر. وقال في معجم البلدان- بعد ذكر مادة «الكوفة» بقليل-:
الكويفة تصغير الكوفة، يقال لها كويفة ابن عمر (وهي) منسوبة إلى عبيد الله بن عمر بن الخطاب، نزلها حين قتل بنت أبي لؤلؤة والهرمزان وجفينة العبادي، وهي بقرب بزيقيا.(2/294)
ينسب- ودس من طلب لَهُ من علي الأمان، فلم يؤمنه وَقَالَ: لئن ظفرت بِهِ فلا بد لي من أن أقيد منه وأقتله بمن قتل. فأتاه الأشتر- وَكَانَ أحد من طلب لَهُ الأمان- فأعلمه بما قَالَ علي، فهرب إِلَى مُعَاوِيَةَ.
وَكَانَ مَعَ عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس- حين قدم من الْبَصْرَة- خالد بن المعمر الذهلي ثُمَّ السدوسي عَلَى بني بكر بْن وائل [1] ، وعمرو بن مرحوم العبدي ثم الحصري (أو العصري) عَلَى عبد القيس، وصبرة بْن شيمان الأزدي عَلَى الأزد. وقيل: إنه لم يحضر من أزد البصرة إلا عبد الرحمان بْن عبيد، وأقل من عشرة نفر. وشريك بْن الأعور الحارثي عَلَى أهل العالية والأحنف ابن قَيْس عَلَى بَنِي تَمِيمٍ وضبة والرباب.
وقد كَانَ الأحنف وشريك قدما الْكُوفَة مَعَ علي، فردهما إلى البصرة ليستنفرا هما ولا الذين ساروا معهما إلى الكوفة [2] .
__________
[1] وله في تاريخ دمشق: ج 15، ص 112، ترجمة قال في بدئها: شهد صفين مع علي ثم غدر بالحسن بن علي ولحق بمعاوية، وقال فيه الشني:
معاوي اكرم خالد بن معمر ... فإنك لولا خالد لم تؤمر
وله أيضا مخاز أخر ذكره في ترجمة بشير بن منقذ الشني من تاريخ دمشق: ج 8 ص 18.
[2] كذا في النسخة، ولعل الصواب: «هَؤُلاءِ الَّذِينَ ساروا معهما إِلَى الْكُوفَةِ» .(2/295)
ويقال: إنهما شيعاه فردهما قبل أن يبلغا الْكُوفَة ليستنفرا النَّاس إِلَيْهِ ففعلا، ثُمَّ أشخصهما ابْن عَبَّاس مَعَهُ.
وقدم علي أمامه زياد بْن النضر، وشريح بْن هانئ الحارثيين، ثُمَّ اتبعهما.
وخلف عَلَى الْكُوفَة أبا مسعود عقبة الأنصارى. وولّى المدائن أخا عدي ابن حاتم الطائي لأمه، واسمه لأم بْن زياد بن عطيف بن سعيد (كذا) بن الحشرح الطائي.
ووجه معقل (بْن قَيْس) الرياحي فِي ثلاث آلاف لتسكين النَّاس وأمانهم، وأمره أن يأخذ عَلَى الموصل ونصيبين ورأس العين حَتَّى يصير إِلَى الرقة، ففعل ذَلِكَ.
وسار علي حَتَّى عبر الصراة [1] ، ثُمَّ أتى المدائن ثُمَّ الأنبار، وعلى طلائعه سعد بْن مسعود الثَّقَفِيّ عم المختار بْن أَبِي عبيد، وقصد قصد الرقة، وأخذ عَلَى شاطئ الفرات من الجانب الجزري.
وَكَانَ الأشعث بْن قَيْس بأذربيجان، فلما قدم عَلَى الْكُوفَة، عزله وأمر بمحاسبته فغضب وكاتب مُعَاوِيَة، فبعث إِلَيْهِ من طريقه قبل أن ينفذ من الْكُوفَة [2] حجر بْن عدي الكندي، وأمره أن يوافيه بِهِ بصفين، فوافاه بِهَا وقد صار علي إِلَيْهَا أَوْ قبل ذَلِكَ.
وقوم يقولون: إن عُثْمَان ولى الأشعث آذربيجان فأقرّه عليّ عليها
__________
[1] قال في معجم البلدان: صراة (بفتح الصاد) جاماسب تستمد من الفرات (كذا) بنى عليها الحجاج بن يوسف مدينة النيل التي بأرض بابل.
وقيل: هي نهر يأخذ من نهر عيسى من بلدة يقال لها المحول بينها وبين بغداد فرسخ.
[2] كذا.(2/296)
يسيرا (ثم عزله عنها) وولاه حلوان [1] ونواحيها، فكتب إِلَيْهِ فِي القدوم، فقدم الكوفة [2] من حلوان، فحاسبه على مالها ومال آذربيجان، فغضب (الأشعث) وكاتب مُعَاوِيَة، والله أعلم.
«369» قَالُوا: وكتب علي من طريقه إِلَى مُعَاوِيَةَ ومن قبله كتابا يدعوهم/ 371/ فِيهِ إِلَى كِتَاب اللَّهِ وسنة نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحقن دماء الأمة [3] فكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة:
ليس بيني وبين قَيْس عتاب ... غير طعن الكلي وضرب الرقاب
فَقَالَ علي: قاتلت الناكثين، وهؤلاء القاسطون وسأقاتل المارقين [4] .
ووافا علي الرقة وبها جماعة ممن هرب إِلَيْهَا من الكوفة من العثمانية الذين أهواؤهم مَعَ مُعَاوِيَة، مثل الوليد بْن عقبة بْن أَبِي معيط، وسماك بْن مخرمة بْن حمين (ظ) الأسدي الَّذِي مدحه الأخطل فَقَالَ:
إن سماكا بني مجدا لأسرته ... حَتَّى الممات وفعل الخير يبتدر
و (مثل) المحتمل بْن سماعة بْن حصين بْن دينار الْجُعْفِيّ، وشمر بن الحرث
__________
[1] بين المعقوفين زيادة مستفادة من السياق، وقد سقط من الأصل.
قال في معجم البلدان: حلوان العراق: هي في آخر حدود السواد مما يلي الجبال من بغداد ...
قال أبو زيد: إنها مدينة عامرة ليس بأرض العراق بعد الكوفة والبصرة وواسط وبغداد، وسر من رأى، أكبر منها، وأكثر ثمارها التين، وهي بقرب الجبل، وليس للعراق مدينة بقرب الجبل غيرها، وربما يسقط بها الثلج، وأما أعلى جبلها فإن الثلج يسقط به دائما ...
[2] بين المعقوفين زيادة مستفادة من السياق، وقد سقط من الأصل.
قال في معجم البلدان: حلوان العراق: هي في آخر حدود السواد مما يلي الجبال من بغداد ...
قال أبو زيد: إنها مدينة عامرة ليس بأرض العراق بعد الكوفة والبصرة وواسط وبغداد، وسر من رأى، أكبر منها، وأكثر ثمارها التين، وهي بقرب الجبل، وليس للعراق مدينة بقرب الجبل غيرها، وربما يسقط بها الثلج، وأما أعلى جبلها فإن الثلج يسقط به دائما ...
[3] وذكرنا الكتاب بنصه في المختار: (78) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 4 ص 216.
[4] وهذا المعنى متواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وانه أمر عليا بقتال الطوائف الثلاث، ورواه ابن عساكر- في الحديث: (1195) وتواليه من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 38 ص 55/ أو 76 بأحد عشر طريقا، وذكرناه أيضا في تعليقها عن مصادر جمة.(2/297)
ابن البراء الْجُعْفِيّ [1] والقشعم بْن عَمْرو بْن نذير (أو تدير) بْن البراء الْجُعْفِيّ وسلمان بْن ثمامة بْن شراحيل الجعفي وغيرهم، فأمر (عليّ) أهل الرقة أن يتخذوا لَهُ جسرًا يعبر عَلَيْهِ، فأبوا، فسار يريد جسر منبج للعبور عليه، وأقام مالك بن الحرث الأشتر النخعي بعده فَقَالَ: أقسم بالله يَا أهل الرقة لئن لم تتخذوا لأمير الْمُؤْمِنِينَ جسرًا عند مدينتكم حَتَّى يعبر عَلَيْهِ، لأجردن فيكم السيف. فعقدوا الجسر، وبعث الأشتر إِلَى علي فرده من دون المنزل، فعبرت الأثقال والرجال، وأمر علي الأشتر أن يقف فِي ثلاثة آلاف حَتَّى لا يبقى من النَّاس أحد إِلا عبر، ثُمَّ عبر أمير الْمُؤْمِنِينَ علي والأشتر آخر النَّاس.
ودعا علي بزياد بْن النضر، وشريح بْن هانئ فأمضاهما أمامه عَلَى هيئتهما، وكانا قد أخذا عَلَى طريق هيت، ثم عبرا منها ولحقاه بقرقيسيا وسارا معه إلا أنهما يقدمان عسكره، وجعل الأشتر أميرا عَلَيْهِمَا [2] ، فلقيهم أَبُو الأعور السلمي وَهُوَ عَلَى مقدمة مُعَاوِيَة- واسم أَبِي الأعور: عَمْرو بْن سُفْيَان بْن سَعِيد بْن قانف بْن الأوقص بْن مرة بْن هلال بن فالح- فحاربوه ساعة عند المساء ثُمَّ انصرفوا.
ونزل مُعَاوِيَة ومن مَعَهُ عَلَى الفرات عَلَى شريعة سبقوا إِلَيْهَا لم يكن هناك شريعة غيرها، وَقَالَ: لا تسقوا [3] أصحاب علي الماء كما منعوه أمير المؤمنين عثمان.
__________
[1] وبعد كلمة غير مبينة بنحو القطع وكأنها: «القشعم» وعليه فهو مكرر وما بعدها يغني عنها.
[2] كذا هنا، والذي في كتاب صفين ص 153، وتاريخ الطبري إنهما بعد ملاقاتهما أبا الأعور ودعائهما إياه إلى طاعة أمير المؤمنين وإبائه، بعثا إلى أمير المؤمنين بالخبر فأرسل الأشتر أميرا عليهما.
[3] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «لا يسقوا أصحاب علي» .(2/298)
وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: لما نزل مُعَاوِيَة صفين قَالَ بعض الشعراء:
أيمنعنا القوم ماء الفرات ... وفينا السيوف وفينا الجحف
وفينا علي لَهُ سورة ... إذا خوفوه الردى لم يخف
ونحن الَّذِينَ غداة الزُّبَيْر ... وطلحة خضنا غمار التلف
فما بالنا أمس أسد العرين ... وما بالنا اليوم فينا الضعف
وَكَانَ الوليد بْن عقبة قد صار إِلَى مُعَاوِيَةَ، فكان أشد النَّاس فِي ذَلِكَ.
وقوم يقولون: إن الوليد كَانَ معتزلا بالرقة. والثبت أنه صار إِلَى صفين.
قَالُوا فقاتل أصحاب علي وَمُعَاوِيَة عَلَى الماء أشد قتال حَتَّى غلبوا عَلَى الشريعة، وجعل عَبْد اللَّهِ بْن أحمر يقول.
خلوا لنا عَن الفرات الجاري ... وأيقنوا بجحفل جرار [1] .
بكل قرم مستميت شار ... مطاعن برمحه كرار [2]
وأقبل أمير الْمُؤْمِنِينَ علي فكان نزوله صفين لليالٍ بقين من ذي الحجة سنة ست وثلاثين، فغلب وأصحابه عَلَى الماء، فأمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أصحابه أن لا يمنعوا أصحاب مُعَاوِيَة الماء، فجعل السقاة يزدحمون عَلَيْهِ.
ويقال: إن مُعَاوِيَة- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ!!! - لما رأى شدة قتالهم على
__________
[1] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين: «أو اثبتوا للجحفل الجرار» . وهو أظهر.
والجحفل- كجعفر-: الجيش الكثير.
[2] وزاد بعده في كتاب صفين ص 172: «ضراب هامات العدى مغوار» .
أقول: القرم- كفلس-: السيد المعظم. والمستميت: المقاتل على الموت طالبا له.
و «شار» : الذي يبيع نفسه لله. كما في قوله تعالى: «ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة» . والمغوار: المقاتل الذي يكثر الغارات على أعدائه.(2/299)
تلك الشريعة أرسل إِلَى أصحابه/ 372/ أن خلوا عَن الماء ليشربوا وتشربوا [1] .
«370» وَحَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنِي ابْن جُعْدُبَةَ:
حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ مُعَاوِيَةَ وَأَهْلَ الشَّامِ قَتْلُ الزُّبَيْرِ، وَطَلْحَةَ، وَظُهُورُ عَلِيٍّ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ، دَعَا مُعَاوِيَةُ أَهْلَ الشَّامِ إِلَى الْقِتَالِ عَلَى الشُّورَى وَالطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ، فَبَايَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ أَمِيرًا غَيْرَ خَلِيفَةٍ، فَخَرَجَ عَلَى رَأْسِ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرِ مِنْ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، وَخَرَجَ عَلِيٌّ حَتَّى الْتَقَوْا بِصِفِّينَ.
«371» وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ، عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الحكم (كذا) عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى عُمَّالِهِ في القدوم عليه واستخلاف مَنْ يَثِقُونَ بِهِ، وَكَتَبَ إِلَى سَهْلِ بْنِ حنيف في القدوم (عليه) وولّي مكانه قثم بن العباس ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى مَا كَانَ يَلِي مِنْ مكة [2] .
وكان قيس بن سعد بْنِ عُبَادَةَ الأَنْصَارِيُّ بِالْمَدِينَةِ، قَدْ قَدِمَ مِنْ مِصْرَ، وَفِي قَلْبِهِ عَلَى عَلِيٍّ شَيْءٌ لِعَزْلِهِ إِيَّاهُ عَنْهَا، فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ مُتَخَلِّفًا عَنْهُ [3] .
وَكَانَ مَرْوَانُ وَالأَسْوَدُ بْنُ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ بْنِ هَاشِمِ بن الحرث بن أسد بن عبد العزى بن قصي- صَاحِبَيْ مُعَاوِيَةَ- بِالْمَدِينَةِ، وَالْمُكَاتِبِينَ لَهُ، وَالْمُثَبِّطِينَ عَنْ عليّ، فلقيا قيسا بماكره، وَتَوَعَّدَاهُ بِالْقَتْلِ، فَلَمَّا أَرَادَ سَهْلُ بْنُ حَنِيفٍ
__________
[1] وهذا مما تبرع به بعض أذناب آل أمية، ولا شاهد له، بل الشواهد على خلافه.
[2] وقد ذكرنا صور كتبه عليه السلام إلى عماله، في المختار: (82) وتواليه من كتب نهج السعادة: ج 4 ص 222- 242.
[3] الثابت عن قيس (ره) انه رجع عن مصر، وأتى أهله بالمدينة، وأما التخلف عن أمير المؤمنين عليه السلام فهو أتقى من أن ينسب إليه ذلك.(2/300)
الشُّخُوصَ إِلَى عَلِيٍّ خَافَ قَيْسٌ أَنْ يَبْقَى بَعْدَهُ فَيَقْتُلاهُ أَوْ يَنَالاهُ بِمَكْرُوهٍ فِي نَفْسِهِ، فَشَخَصَ مَعَ سَهْلٍ إِلَى عَلِيٍّ فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ وَالأَسْوَدِ، يَلُومُهُمَا وَيَقُولُ: لَوْ أَمْدَدْتُمَا عَلِيًّا بِعَشْرَةِ آلافِ فَارِسٍ مَا كَانَ ذَلِكَ بأغيظ لي من إمداد كما إياه بقيس بن سعد، وَهُوَ فِي رَأْيِهِ وَقُوَّةِ مَكِيدَتِهِ عَلَى مَا تَعْلَمَانِ. وَكَانَ قَيْسُ جَوَّادًا حَازِمًا ذَا مَكِيدَةٍ.
«372» حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حَدَّثَنَا وهب بْن جرير بْن حازم عَن ابْنِ جُعْدُبَةَ:
عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: عَزَلَ عَلِيٌّ قيس بن سعد، عَنْ مِصْرَ، فَلَحِقَ بِالْمَدِينَةِ، وَبِهَا مَرْوَانُ وَالأَسْوَدُ بْنُ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، فَبَلَغَهُ عَنْهُمَا أَمْرٌ خَافَهُ وخشي أن يأخذاه فَيَقْتُلاهُ أَوْ يَحْبِسَاهُ، فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَأَتَى عَلِيًّا، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ وَالأَسْوَدِ، يُعَنِّفُهُمَا وَيَقُولُ: أَمْدَدْتُمَا عَلِيًّا بِقَيْسٍ وَرَأْيِهِ وَمَكِيدَتِهِ، وَاللَّهِ لَوْ أَمْدَدْتُمَاهُ بِمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ مَا كَانَ ذَلِكَ بِأَغْيَظَ لِي مِنْ إِخْرَاجِكُمَا قَيْسًا إِلَيْهِ، وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ قَيْسٌ يُدَارِي لِعَلِيٍّ أُمُورًا يَقْصُرُ رَأْيُ عَلِيٍّ عَنْهَا [1] .
قَالَ: فَشَهِدَ قَيْسٌ مَعَهُ صِفِّينَ ثُمَّ وَلاهُ أَذْرَبِيجَانَ.
«373» وَقَالَ أَبُو مِخْنَفٍ وَعَوَانَةُ وَغَيْرُهُمَا: مَكَثَ عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ فِي عَسْكَرَيْهِمَا يَوْمَيْنِ، لا يُرْسِلُ أَحَدَهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ إن عليا دعا سعيد بن
__________
[1] صدور هذا الكلام من معاوية وأشباهه ليس بعجيب بل هذا من أخف موبقاته ومختلقاته، ولكن العجيب ممن يصدق معاوية في أمثال هذه الافتراءات والأكاذيب، ولذا قال أمير المؤمنين عليه السلام تبرما منهم كما في المختار (40) من النهج: ولقد أصبحنا في زمان قد اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة، ما لهم؟ قاتلهم الله! قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونه مانع من أمر الله ونهيه فيدعها رأى عين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجه له في الدين!!!(2/301)
قَيْسٍ الْهَمْدَانِيَّ، وَبَشِيرَ بْنَ عَمْرِو بْنِ مِحْصَنٍ أَبَا عَمْرَةَ الأَنْصَارِيَّ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ وَشَبَثُ بن ربعي الرياحي من بني غنم [1] وَعَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ الطَّائِيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ قَيْسٍ وزياد بن خصفة فقال (لهم) : ائْتُوا هَذَا الرَّجُلَ وَادْعُوهُ إِلَى اللَّهِ وَكِتَابِهِ وإلى الجماعة والطاعة، ففعلوا فقال (معاوية) : وَأَنَا أَدْعُو صَاحِبَكُمْ إِلَى أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ قِبَلِهِ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ إِلَيَّ لأَقْتُلَهُمْ بِهِ، ثُمَّ يَعْتَزِلَ الأَمْرَ حَتَّى يَكُونَ شُورَى.
«374» قَالُوا: فَتَقَاتَلَ الْقَوْمُ بَاقِي ذِي الْحِجَّةِ، فَكَانَ هَذَا يُخْرِجُ وُجُوهَ أَصْحَابِهِ وَيُخْرِجُ ذَاكَ وُجُوهَ أَصْحَابِهِ نَوَائِبَ فَيَقْتَتِلُونَ. ثُمَّ إِنَّ عَلِيًّا وَمُعَاوِيَةَ تَرَاسَلا فِي الْمُحَرَّمِ- وَهُمَا مُتَوَادِعَانِ- فَقَالَ حَابِسُ بْنُ سَعْدٍ الطَّائِيُّ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ:
كَأَنَّكَ بِالتَّذَابُحِ بَعْدَ سَبْعٍ [2] ... بَقِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ أَوْ ثَمَانٍ
تكون دماؤنا حلقا حَلالا ... لأَهْلِ الْكُوفَةِ الْحُمْرِ السِّمَانِ
وَكَانَ قَوْلُ مُعَاوِيَةَ قَوْلا وَاحِدًا لا يَنْثَنِي عَنْهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ: لا أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ إِنْ أَبْقَيْتَ/ 373/ وَلا أَرْعَى عَلَيْكِ إِنْ رَعَيْتَ.
فلما أهلّ هلال صفر (من) سنة سبع وثلاثين، أمر علي فنودي فِي أَهْل الشَّامِ بالإعذار إِلَيْهِمْ، وحرض النَّاس وأوصاهم أن يغضوا الأبصار ويخفضوا الأصوات، ويقلوا الكلام، ويوطنوا أنفسهم عَلَى المجالدة والمنازلة ويستشعروا الصبر [3] .
__________
[1] كذا في النسخة، والظاهر انه مصحف، والصواب: «من بني تميم» . كما في كتاب صفين ص 187،
[2] كذا في ظاهر رسم الخط. وذكرها في كتاب صفين ص 202 بألفاظ آخر. والمصراع الأول من الأبيات في مروج الذهب هكذا: «فما دون المنايا غير سبع» .
[3] وقد ذكرناها بألفاظها في المختار: (149) من خطب نهج السعادة عن كتاب صفين ص 204 وغيره.
وقال في العقد الفريد- تحت الرقم: (12) من كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم ج 3 ص 109، ط 1 قال ابو الحسن: كان منادي علي يخرج كل يوم وينادي: ايها الناس لا تجهزن على جريح ولا تتبعن موليا ولا تسلبن قتيلا، ومن القى سلاحه فهو آمن.(2/302)
وجعل عَلَى ميمنته عَبْد اللَّهِ بْن العباس بْنِ عَبْدِ المطلب، وعلى ميسرته مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي طالب، وعلي خيل الْكُوفَة مالك بن الحرث الأشتر، وعلى رجالتهم عَمَّار بْن ياسر، وعلى خيل أهل الْبَصْرَةِ سهل بْن حنيف، وعلى رجالة أهل الْبَصْرَةِ قَيْس بْن سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وهاشم بْن عتبة بْن أَبِي وقاص- وَهُوَ المرقال- وَكَانَ أعور أصيبت عينه يوم اليرموك بالشام.
وَكَانَ شمر بْن ذي الجوشن فِي كتيبة فيما يقول بعضهم.
وَكَانَ مسعر بْن فدكي عَلَى القراء.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ: كانت راية علي يوم صفين مَعَ عَمْرو بْن الحرث بْن عبد يغوث بْن قشر الهمداني.
وبعث عليّ إلى معاوية: أن اخرج إليّ أبا رزك. فلم يفعل [1] وَكَانَ القتال فِي أول يوم- وَهُوَ يوم الأربعاء فِي صفر- بين حبيب بْن مسلمة الفهري والأشتر، فانصرفا عَلَى انتصاف.
ثُمَّ كَانَ القتال فِي اليوم الثاني بين هاشم بْن عتبة المرقال وأبي الأعور السلمي.
وفي (اليوم) الثالث بين عَمْرو بْن العاص وعمار بْن ياسر.
__________
[1] وقال أيضا في ترجمة معاوية تحت الرقم: (299) من ج 2 ص 73/ ب/ او 743-:
الْعُمَرِيُّ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ عَوَانَةَ وَغَيْرِهِ، قَالُوا: قَالَ عَلِيٌّ بِصِفِّينَ: يَا مُعَاوِيَةُ مَا قَتْلُكَ النَّاسُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ؟ ابْرُزْ لِي فَإِنْ قَتَلْتَنِي كَانَ الأَمْرُ إِلَيْكَ، وَإِنْ قَتَلْتُكَ كَانَ الأَمْرُ إِلَيَّ فَالْتَفَتَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَمْرٍو كالمستشير له (وقال له: ما تقول؟) فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: مَا أَرَى الرَّجُلَ إِلا مُنْصِفًا، وَلَنْ تُبَلَّ لَكَ بَالَّةٌ عِنْدَ أَهْلِ الشَّامِ إِنْ لَمْ تُبَارِزْهُ. فَحَقَدَهَا عَلَيْهِ وَأَمْسَكَ وَعَلِمَ أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ فَقَالَ:
يَا عَمْرُو إِنَّكَ قَدْ قَشَرْتَ لِي الْعَصَا ... بِرِضَاكَ لِي وَسْطَ الْعَجَاجِ بِرَازِي
مَا لِلْمُلُوكِ وَلِلْبِرَازِ وَإِنَّمَا ... حَظُّ الْمُبَارِزِ خَطْفَةٌ مِنْ بَازِ
وَلَقَدْ أَعَدْتَ فَقُلْتُ مُزْحَةَ مَازِحٍ وَالْمَرْءُ يُفْحِمُهُ مَقَالُ الْهَازِي فَقَالَ عَمْرٌو:
مُعَاوِيَ إِنْ ثَقُلْتَ عَنِ الْبِرَازِ ... لَكَ الْخَيِّرَاتُ فَانْظُرْ مَنْ تُنَازِي
وَمَا ذَنْبِي إذا نادى علي ... وكبش القوم القوم يدعو للبراز
أجبنا في العجاجة يا بن هند ... وعند السلم كالتيس الحجازي
وقال في العقد الفريد: ج 3 ص 110، ط 1- تحت الرقم: (12) من كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم- قال ابو الحسن: كان علي بن أبي طالب يخرج كل غداة بصفين في سرعان الخيل فيقف بين الصفين ثم ينادي: يا معاوية علام يقتتل الناس، ابرز الي وابرز إليك فيكون الأمر لمن غلب!!! فقال له عمرو بن العاص: انصفك الرجل؟! فقال له معاوية أردتها يا عمرو والله لأرضيت عنك حتى تبارز عليا. فبرز اليه متنكرا فلما غشيه علي بالسيف رمى بنفسه على الأرض وابدى له سوأته فضرب علي وجه فرسه وانصرف عنه!!! فجلس معاوية يوما (بعد ما استقر له الأمر، وحضره عمرو) فنظر اليه فضحك فقال عمرو: اضحك الله سنك ما الذي اضحكك؟ قال: من حضور ذهنك يوم بارزت عليا إذ اتقيته بعورتك!!! اما والله لقد صادفت منانا كريما، ولولا ذلك لخرم وفغيك بالرمح!! فقال عمرو:
اما والله اني (كنت) عن يمينك إذ دعاك الى البراز فأحولت عيناك وربا سحرك وبدا منك ما اكره ذكره لك.
وقريبا منه رواه في مروج الذهب: ج 2 ص 386 ط بيروت، وكذلك في أواخر الجزء العاشر من بشارة المصطفى ص 332.(2/303)
وفي (اليوم) الرابع بين مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي طالب، وعبيد اللَّه بْن عمر بْن الخطاب، فنادى أهل الشام: معنا الطيب ابن الطيب ابن عمر بْن الخطاب. فرد أصحاب علي عليهم: معكم الخبيث بْن الطيب.
وَكَانَ القتال فِي اليوم الخامس بين عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس (بن عبد المطلب) ، والوليد بْن عقبة بْن أَبِي معيط، فجعل الوليد يسب بني عبد المطلب ويقول: قطعتم الأرحام وطلبتم مَا لم تدركوه.
ومن قَالَ: إن الوليد اعتزل القتال قَالَ: كَانَ القتال فِي اليوم الخامس بين عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس، وملحان بْن حارثة بْن سعد بْن الحشرج الطائي، وهو من الشَّام وفيه يقول الشاعر:
لبيك عَلَى ملحان ضيف مدقع ... وأرملة تزجي مَعَ الليل أرملا
وفي اليوم السادس (كان القتال) بين سعيد بن قيس (ظ) أَوْ قَيْس بْن سَعْدٍ، وبين ابْن ذي الكلاع.
وفي اليوم السابع بين الأشتر أَيْضًا وحبيب بن مسلمة.
فلما كَانَ اليوم الثامن عبأ علي النَّاس عَلَى مَا كَانَ رتبهم عَلَيْهِ، وعبأ مُعَاوِيَة أَهْل الشَّامِ واقتتلوا قتالا شديدًا، وجعل علي يقول لكل قبيلة من أهل الكوفة: [كفوني قبيلتكم من أَهْل الشَّامِ] .
ثُمَّ غدوا يوم الخميس فاقتتلوا أبرح قتال [1] وانتهت الهزيمة إِلَى علي فقاتل مَعَ الحسن والحسين، وقتل زياد بْن النضر الحارثي، وعبد اللَّه بْن بديل بْن ورقاء الخزاعي، وانهزمت ميمنة علي ثُمَّ ثابوا فأهمّت أهل الشام أنفسهم [2]
__________
[1] أي أشدّ قتال وأجهده.
[2] أي أوقعتهم أنفسهم في الهموم. أو ما نابهم الا هم أنفسهم وخلاصها من الهلاك، كما في الآية، (149) من سورة آل عمران: «وطائفة قد أهمتهم أنفسهم» .(2/305)
وكثر القتل والجراح فيهم وركب مُعَاوِيَة فرسه وجعل ينشد شعر ابْن أطنابة الأَنْصَارِيّ- وَهُوَ عَمْرو بْن عامر الخزرجي، وأمه الأطنابة بنت شهاب من بلقين-:
وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي
فكان مُعَاوِيَة يقول بعد ذَلِكَ: ركبت فرسي ومن شأني الهرب حَتَّى ذكرت شعر ابْن الأطنابة:
أبت لي عفّتي وأبا حيائي ... وإقدامي عَلَى البطل المشيح [1]
وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي
(قال:) فأمسكني عَن الهرب.
وقتل حابس بْن سعد الطائي من أَهْل الشَّامِ، قتله الحمارس من أهل الْكُوفَة/ 374/ فشد عَلَيْهِ زيد بْن عدي بْن حاتم فقتله ولحق بمعاوية، ثُمَّ رجع بعد إِلَى الْكُوفَةِ، فخرج فِي جماعة يصيب الطريق فقتلته خيل للمغيرة بْن شعبة، وَهُوَ عامل مُعَاوِيَة عَلَى الْكُوفَة.
وَقَالَ بعضهم: قتل مَعَ الخوارج بالنهروان.
وَقَالَ شقيق بْن ثور السدوسي: يَا معشر ربيعة لا عذر لكم إن قتل علي ومنكم رجل حي. فتمثل علي قول رجل منهم [2] يوم الجمل:
__________
[1] المشيح: المجد. والأبيات ذكرها في كتاب صفين ص 449 والكامل: ج 4/ 68، وفي الطبري: ج 5/ 24 هكذا:
أبت لي عفتي وحياء نفسي ... واقدامي على البطل المشيخ
وإعطائي على المكروه مالي ... وأخذي الحمد بالثمن الربيح.
[2] صريح هذه العبارة أن الأبيات لغير أمير المؤمنين وانما هو عليه السلام تمثل بها، وتقدم أيضا تحت الرقم: (348) ص 361 من الأصل، ومن المطبوع ص 270 قوله: وفي ذلك يقول الشاعر ...(2/306)
[لمن راية سوداء يخفق ظلها ... إذا قيل: قدّمها حضين فقدما [1]
] / 375/ الْمَدَائِنِيُّ، عَن عِيسَى بْن يَزِيدَ، قَالَ:
لَمَّا قامت الحرب بين علي وَمُعَاوِيَة بصفين فتحاربوا أياما قَالَ مُعَاوِيَة لعَمْرو بْن الْعَاصِ فِي بعض أيامهم: إن رأس النَّاس مَعَ علي عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس، فلو القيت إِلَيْهِ كتابا تعطفه بِهِ، فإنه إن قَالَ قولا لم يخرج منه علي وقد أكلتنا هَذِهِ الحرب. فَقَالَ عَمْرو: إن ابْن عَبَّاس أريب لا يخدع ولو طمعت فِيهِ لطمعت فِي علي. قَالَ: صدقت إنه لأريب ولكن اكتب إليه على ذلك. فكتب إليه (عمرو) :
من عَمْرو بْن العاص إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن العباس، أما بعد فَإِن الَّذِي نحن وأنتم فِيهِ، ليس بأول أمر قاده البلاء، وساقه سفه العاقبة، وأنت رأس هَذَا الأمر بعد علي، فانظر فيما بقي بغير مَا مضي، فو الله ما أبقت هذه الحرب لنا ولا لكم حيلة، واعلم أن الشَّام لا يملك إِلا بهلاك الْعِرَاق، وأن الْعِرَاق لا يملك إِلا بهلاك الشَّام، فما خيرنا بعد إسراعنا فيكم وما خيركم بعد إسراعكم فينا، ولست أقول: ليت الحرب عادت ولكن أقول: ليتها لم تكن، وإن فينا من يكره اللقاء كما أن فيكم من يكرهه، وإنما هُوَ أمير مطاع [2] أَوْ مأمور مطيع أَوْ مشاور مأمون وَهُوَ أنت، فأما السفيه فليس بأهل أن يعد من ثقات أهل الشورى وَلا خواص أهل النجوى وكتب فِي آخر كتابه:
طال البلاء فما يرجى لَهُ آس ... بعد الإله سوى رفق ابن عباس
__________
[1] كذا هنا، وفي كتاب صفين وتاريخ الطبري: ج 4/ 26- ومثلهما تحت الرقم المتقدم الذكر هنا-: «تقدما» .
[2] كلمة «الأمير» مسحوقة في الأصل، وإنما استفدناها من السياق.(2/307)
قولا لَهُ قول مسرور بحظوته ... لا تنس حظك إن التارك الناسي
كل لصاحبه قرن يعادله ... أسد تلاقي أسودًا بين أخياس
انظر فدى لك نفسي قبل قاصمة ... للظهر ليس لها راق ولا آس [1]
أهل الْعِرَاق وأهل الشَّامِ لن يجدوا ... طعم الحيات لحرب ذات أنفاس
والسلم فِيهِ بقاء ليس يجهله ... إِلا الجهول وما النوكى كأكياس
فاصدع بأمرك أمر القوم إنهم ... خشاش طير رأت صقرا بحسحاس
فلما قرأ ابْن عَبَّاس الكتاب والشعر أقرأهما عَلِيًّا، [فَقَالَ علي: قاتل اللَّه ابْن العاص مَا أغره بك، يَا ابْن عَبَّاس أجبه، ولتردّ عَلَيْهِ شعره فضل بْن عَبَّاس بْن أَبِي لهب.] فكتب إِلَيْهِ عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس:
أما بعد فإني لا أعلم رجلا من العرب أقل حياءا منك، إنه مال بك إِلَى مُعَاوِيَةَ الهوى وبعته دينك بالثمن اليسير، ثُمَّ خبطت للناس فِي عشواء طخياء طمعا فِي هَذَا الملك، فلما لم تر شَيْئًا أعظمت الدماء إعظام أهل الدين، وأظهرت فِيهَا زهادة أهل الورع، وَلا تريد بِذَلِكَ إِلا تهييب الحرب وكسر أهل الْعِرَاق، فَإِن كنت أردت اللَّه بِذَلِكَ، فدع مصر وارجع إِلَى بيتك، فَإِن هَذِهِ حرب ليس مُعَاوِيَة فِيهَا كعلي، بدأها علي بالحق وانتهي فِيهَا إِلَى العذر، وابتدأها مُعَاوِيَة بالبغي فانتهى مِنْهَا إِلَى السرف، وليس أَهْل الشَّامِ فِيهَا كأهل الْعِرَاق، بايع عَلِيًّا أهل الْعِرَاق وهو خير منهم، وبايع أَهْل الشَّامِ
__________
[1] وفي كتاب صفين ص 412: «ولا آسي» ، وقبله أيضا فيه مصرعان غير مذكورين هنا، وكذا بعد الأولين أيضا مصرعان غير موجودين هنا، كما أن آخر الأبيات فيه أيضا لم يوجد هنا، وعدده في كتاب صفين (22) مصراعا، كما ان بين المشترك فيه أيضا اختلاف في التعبير.(2/308)
مُعَاوِيَة وهم خير منه، ولست وأنا فِيهَا سواء [1] أردت اللَّه، وأردت مصر، فَإِن ترد شرًا لا يفتنا وإن ترد خيرًا لا تسبقنا (إليه) [2] .
ثُمَّ دعا الفضل بْن العباس بْن عتبة/ 375/ (كذا) فَقَالَ: يَا ابْن عم أجب عَمْرو بْن العاص. فقال (الفضل) :
يا عمرو حسبك من خدع ووسواس ... فاذهب فمالك في ترك الهدى أس [3]
الابواد (ر) يطعن فِي نحوركم [4] ... ووشك ضرب يفزي جلدة الراس
هَذَا لكم عندنا فِي كل معركة ... حَتَّى تطيعوا عَلِيًّا وَابْن عَبَّاس
أما علي فَإِن اللَّه فضله ... فضلا لَهُ شرف عال علي النَّاس [5]
لا بارك اللَّه فِي مصر فقد جلبت ... شرًا وحظك مِنْهَا حسوة الحاسي [6]
فلما قرأ مُعَاوِيَة الكتاب قَالَ مَا كَانَ أغنانا عن هذا.
__________
[1] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين «ولست أنا وأنت فيها بسواء، أردت الله وأردت أنت مصر، وقد عرفت الشيء الذي باعدك مني ولا أعرف (ظ) الشيء الذي قربك من معاوية، فإن ترد شرا لا نسبقك به، وإن ترد خيرا لا تسبقنا إليه» .
[2] كذا في كتاب صفين، وهو الصواب، وفي النسخة: وإن ترد خيرا لا سبقنا» .
[3] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين: «فاذهب فليس لماء الجهل من آسى» .
[4] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين.
إلا تواتر طعن في نحوركم ... يشجي النفوس ويشفي نخوة الراس
هذا الدواء الذي يشفي جماعتكم ... حتى تطيعوا عليا وابن عباس
[5] وفي كتاب صفين: «بفضل ذي شرف عال على الناس» . وبعده:
إن تعقلوا الحرب نعقلها مخيسة ... او تبعثوها فإنا غير انكاس
قد كان منا ومنكم في عجاجتها ... مالا يرد وكل عرضة البأس
قتلى العراق بقتلى الشام ذاهبة ... هذا بهذا وما بالحق من بأس
[6] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين:
لا بارك الله في مصر لقد جلبت ... شرا وحظك منها حسوة الكاس
يا عمرو انك عار من مغارمها ... الراقصات ومن يوم الجزا كاسي(2/309)
وَكَانَ هِشَام بْن عَمْرو الدمشقي يقول: هَذَا الحديث مما صنعه ابْن دابكم هَذَا.
«376» وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي الطائي: قاتل عَبْد اللَّهِ بْن بديل بْن ورقاء يوم صفين فقتل وَهُوَ يقول:
لم يبق إِلا الصبر والتوكل ... وطعنة وضربة المنصل
فقتل فَقَالَ مُعَاوِيَة هَذَا والله كما قَالَ الشاعر:
أخو الحرب إن عضت بِهِ الحرب عضّها ... وإن شمرت يوما بِهِ الحرب شمرا
«377» وَقَالَ هِشَام بْن الكلبي عن أبيه: وقد زمل بن عمرو بن العنز العذري عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعقد له لواء فشهد بِهِ صفين مَعَ مُعَاوِيَة، وَهُوَ أحد شهوده عَلَى القضية.
مقتل عَمَّار بْن ياسر العنسي أَبِي اليقظان بصفين رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
«378» قَالُوا: جعل عَمَّار بْن ياسر يقاتل يوم صفين وَهُوَ يقول:
نحن ضربناكم عَلَى تنزيله ... ثُمَّ ضربناكم عَلَى تأويله [1]
ضربا يزيل الهام عَن مقيله ... ويذهل الخليل عَن خليله
أو يرجع الحق إلى سبيله
__________
[1] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين ص 341، ومروج الذهب: ج 2 ص 381:
«فاليوم نضربكم على تأويله» وهو أظهر.(2/310)
فقتله أَبُو الغادية [1] . قَالَ أَبُو مخنف: هُوَ عاملي. وَقَالَ: هِشَام بْن الْكَلْبِيّ: هُوَ مري (ظ) . حَدَّثَنِي أَبِي مُحَمَّد بْن السائب قَالَ: رأيت أبا الغادية المري أيام الحجاج بواسط وعليه قباء (ظ) مكتوب من خلفه: شهدت فتح الفتوح يعني صفين [2] .
«379» المدائني عَن أَبِي عمرو، عن أمية (أو منبه) بْن عَمْرو المخزومي قَالَ: شهدت موت أَبِي الغادية بواسط فَقَالَ الحجاج: لا يتخلف عَن جنازة أَبِي الغادية المري إِلا منافق. فحضرت جنازته. وأهل الشَّامِ يقولون:
قتل عمارًا حوي بن ماتع بن زرعة بن بيحص السكسكي [3] .
__________
[1] هذا هو الصواب، وفي النسخة في بعض الموارد ذكره بالمهملة، قال ابن الأثير في أول حرف الغين من أسد الغابة: ج 5 ص 267: ابو الغادية الجهني بايع النبي صلى الله عليه وسلم وجهينة بن زيد قبيلة من قضاعة، اختلف في اسمه فقيل: بشار بن ازيهر. وقيل اسمه مسلم.
سكن الشام وانتقل (بعد) الى واسط ... وكان من شيعة عثمان، وكان إذا استأذن على معاوية وغيره يقول: قاتل عمار بالباب ...
[2] قال في اسد الغابة: ج 5/ 267: روى ابن أبي الدنيا، عن محمد بن أبي معشر، عن ابيه قال:
بينا الحجاج جالسا إذ اقبل رجل مقارب الخطو، فلما رآه الحجاج قال: مرحبا بأبي غادية واجلسه على سريره وقال: أنت قتلت ابن سمية؟ قال: نعم. قال: كيف صنعت؟ قال: صنعت كذا حتى قتلته. فقال الحجاج لأهل الشام: من سره أن ينظر الى رجل عظيم الباع يوم القيامة فلينظر الى هذا!!! تم ساره ابو غادية يسأل شيئا، فأبى عليه، فقال ابو غادية: نوطئ لهم الدنيا، ثم نسألهم فلا يعطوننا ويزعم اني عظيم الباع يوم القيامة؟! اجل والله ان من ضربته مثل احد، وفخذه مثل ورقان، ومجلسه مثل ما بين المدينة والربذة لعظيم الباع يوم القيامة!!! والله لو ان عمارا قتله اهل الأرض لدخلوا النار!!!
[3] هذا هو الصواب الموافق لما يأتي تحت الرقم (388) وغيره، وفي النسخة هنا: «المسكسي» ،(2/311)
«380» وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، حَدَّثَنَا عمرو بْنُ عَوْنٍ [1] أَنْبَأَنَا هَشِيمُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ العوام بن حوشب، عن الأسود بن مسعود، عن حنظلة ابن خويلد [2]- وكان يأمن (كذا) عِنْدَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ- قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ إِذْ أَتَاهُ رَجُلانِ يَخْتَصِمَانِ فِي رَأْسِ عَمَّارٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ
__________
[1] الظاهر ان هذا هو الصواب، وفي النسخة: عمرة بن عون» .
[2] هذا الصواب الموافق لما رواه ابن سعد في الطبقات: ج 3/ 253 ولما في ترجمته من تهذيب التهذيب: ج 3/ 59 وزادا: «العنزي» وفي النسخة «عن خويلد» . وقال ابن أبي شيبة في المصنف:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حوشب، حدثني اسود بن مسعود، عن حنظلة بن خويلد العنزي قال اني لجالس عند معاوية إذ أتاه رجلان يختصمان في رأس عمار، كل واحد منهما يقول: انا قتلته.
قال عبد الله بن عمرو: ليطب به أحدكما نفسا لصاحبه فاني سمعت رسول الله صلّى الله عليه يقول: تقتله الفئة الباغية، فقال معاوية: الا تغني عن مجنونك (كذا) يا عمرو؟ فما بالك معنا؟ قال: اني معكم ولست أقاتل. ان أبي شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه فقال: أطع اباك ما دام حيا ولا تعصه. فأنا معكم ولست اقاتل.
ورواه بأسانيد في مسند عبد الله بن عمرو، وعمرو، من مسند احمد بن حنبل ج: 2/ 164، وفي مسند أم سلمة: ج 6/ 289 كما نقله عنهما، وعن غيرهما في آخر الجزء الثاني من حديث الثقلين من عبقات الأنوار ص 370- 398 ط 2 وقال أيضا:
قال ابن حجر في فتح الباري: فائدة: روى حديث: «تقتل عمارا الفئة الباغية» جماعة من الصحابة منهم قتادة بن النعمان- كما تقدم- وأم سلمة عند مسلم (واحمد في مسندها) وابو هريرة عند الترمذي وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي وعثمان بن عفان، وحذيفة وابو أيوب، وابو رافع وخزيمة ابن ثابت، ومعاوية وعمرو بن العاص وابو اليسر (كعب بن عمرو) وعمار نفسه.
وكلها عند الطبراني وغيره، وغالب طرقها صحيحة او حسنة. وفيه عن جماعة آخرين يطول ذكرهم وفي هذا الحديث علم من اعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي ولعمار، ورد على النواصب الزاعمين ان عليا لم يكن مصيبا في حروبه!!! اقول، الحديث متواتر عن النبي صلّى الله عليه وآله من طريق القوم وذكره البخاري أيضا في باب: «مسح الغبار عن الناس في السبيل» من كتاب الجهاد: ج 4/ 25، وقلما يكون كتب الحديث والتاريخ فارغا عنه، فذكره النسائي في الحديث 152- 160، من الخصائص ص 134، وابو داود في مسنده: ج 3/ 90 على ما نقله عنه بعضهم وفي ترجمة طاووس وزيد بن وهب من حلية الأولياء: ج 4 ص 20 و 172، وترجمة عبد ألرحمان بن أبي ليلى ص 361، ورواه في باب فضائل عمار من مجمع الزوائد: ج 9 ص 295 عن مصادر كثيرة وبصور عديدة تربو على عشرين وحكم بصحة جل طرقها، ورواه أيضا في ترجمة الحسن بن محمد بن سليمان من تاريخ بغداد: ج 7/ 414، وج 13/ 187، في ترجمة معلي بن عبد الرحمان، وذكره أيضا في تاريخ الطبري: ج 5/ 39، 41 وذكره الحاكم في كتاب قتال أهل البغي من المستدرك: ج 2 ص 148، و 149، وقال: هذا حديث له طرق بأسانيد صحيحة ... وكذا في ترجمة عمار: ج 3/ 386 وتواليها، وفي كنز العمال: ج 7 ص 72 وفي ترجمته من الطبقات الكبرى: ج 3 ص 260 وقد اخرج الحافظ ابن عساكر طرقه في ترجمة عمار من تاريخ دمشق على وجه بديع، وما اشار إليه ابن حجر جميعه ذكره وزاد رواية زيد بن أبي أوفي الاسلمي وجابر بن سمرة وجابر بن عبد الله وأبي قتادة وعمرو بن حزم وزياد بن العرد وكعب بن مالك وأنس بن مالك وأبي امامة الباهلي وعائشة.(2/312)
لِتَطِبْ نَفْسُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا لِصَاحِبِهِ بِرَأْسِ عَمَّارٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [تَقْتُلُ عَمَّارٌ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ.] فَالْتَفَتَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ أَلا تَغْبِي عَنَّا مَجْنُونَكَ هَذَا [1] ؟ فَلَمْ يُقَاتِلْ مَعَنَا إِذًا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي بِطَاعَةِ أَبِي، فَأَنَا مَعَكُمْ وَلَسْتُ أُقَاتِلُ.
«381» وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عبد الله بن الحرث بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ:
عَنْ عِمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: شَهِدَ خُزَيْمَةُ الْجَمَلَ فلم يسلّ سيفا،
__________
[1] كذا في النسخة، وذكره- مع اكثر ما يأتي- في الحديث: (400) وما حوله من ترجمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المجلد الأول المطبوع بمصر، ص 168، وفيه:
«الا تثني عنا مجنونك هذا؟» وهو اظهر. وفي الطبقات: «الا تغني» .(2/313)
وَشَهِدَ صِفِّينَ فَقَالَ: لا أُقَاتِلُ أَبَدًا حَتَّى يُقْتَلَ عَمَّارٌ فَأَنْظُرُ مَنْ يَقْتُلُهُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ 376/ يقول: [تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ.] قَالَ: فَلَمَّا قُتِلَ عَمَّارٌ قَالَ خُزَيْمَةُ: قَدْ أَبَانَتِ الضَّلالَةُ. ثُمَّ اقْتَرَبَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. قَالَ:
وَكَانَ الَّذِي قَتَلَ عَمَّارًا أَبُو غَادِيَةَ الْمُرِّيُّ طَعَنَهُ بِرُمْحِهِ فَسَقَطَ. قَالَ: وَقُتِلَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةٍ، فَلَمَّا وَقَعَ أَكَبَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ فَاخْتَصَمَا فِيهِ، فَقَالَ عَمْرٌو: مَا يَخْتَصِمَانِ إِلا فِي النَّارِ!!! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:
أَتَقُولُ هَذَا؟ لِقَوْمٍ بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ دُونَنَا؟!!! فَقَالَ عَمْرٌو: هُوَ والله ذاك وإنك لتعلمه، ولوددت أني مت قَبْلَ هَذَا بِعِشْرِينَ سَنَةً [1] .
وَقَالَ الواقدي: ويقال: إن عمارًا قتل وَهُوَ ابْن إحدى وتسعين سنة.
والثبت أنه قتل ابن ثلاث وتسعين سنة.
وَقَالَ الواقدي فِي إسناده: قاتل عَمَّار يوم صفين فأقبل إِلَيْهِ ثلاثة نفر:
عقبة بن عامر الجهني، وعمرو بن الحرث الخولاني وشريك بن سلمة المرادي فحملوا عَلَيْهِ فقتلوه. وقد قيل: إن عقبة بْن عامر قتله وَهُوَ الَّذِي كَانَ ضربه حين أمر بِهِ عُثْمَان.
«382» حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأنا كلثوم ابن جَبْرٍ:
عَنْ أَبِي غَادِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارًا يَقَعُ فِي عُثْمَانَ وَيَشْتُمُهُ بِالْمَدِينَةِ، فَتَوَعَّدْتُهُ بِالْقَتْلِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ جَعَلَ عَمَّارٌ يَحْمِلُ عَلَى النَّاسِ فَقِيلَ: هَذَا عَمَّارٌ.
فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ فَطَعَنْتُهُ فِي رُكْبَتِهِ، فَوَقَعَ فَقَتَلْتُهُ فَأُخْبِرَ عَمْرُو بن العاص فقال:
__________
[1] وهذا مع تالي التالي رواه أيضا في ترجمة عمار من الطبقات الكبرى: ج 3 ص 259 ط بيروت، وكذلك في ترجمته من مستدرك الحاكم: ج 3/ 386 مع اخبار آخر في الموضوع.(2/314)
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [قَاتِلُهُ وَسَالِبُهُ فِي النَّارِ.] فَقِيلَ لِعَمْرٍو: هَا أَنْتَ تُقَاتِلُهُ: قَالَ: إِنَّمَا قَالَ قَاتِلُهُ وَسَالِبُهُ.
«383» وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنِي عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا رَبِيعَةُ بْنُ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ:
أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: كُنْتُ بِوَاسِطِ الْقَصَبِ عِنْدَ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَرِيزٍ، فَقَالَ الآذِنُ: أَبُو الْغَادِيَةِ بِالْبَابِ. فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ رَجُلٌ ضرب من الرجال كأنه ليس من هذه الأُمَّةِ، فَلَمَّا قَعَدَ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: بِيَمِينِكَ هَذِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَذَكَرَ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم (و) قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فِينَا حنانا [1] فبينا أنا في مسجد قباء إذا هو يقول: إن نعثل هَذَا [2] فَعَلَ وَفَعَلَ. فَقُلْتُ: لَوْ أَجِدُ عَلَيْهِ أَعْوَانًا لَوَطِئْتُهُ حَتَّى أَقْتُلَهُ وَقُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ تَشَأْ تُمَكِّنَنِي مِنْ عَمَّارٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ أَقْبَلَ فِي أَوَّلِ الْكَتِيبَةِ حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ طَعَنَهُ رَجُلٌ فِي رُكْبَتِهِ بِالرُّمْحِ فَعَثَرَ فَانْكَشَفَ الْمِغْفَرُ عَنْهُ فَضَرَبْتُهُ فَإِذَا رَأْسُ عَمَّارٍ بِالأَرْضِ أَوْ كَمَا قَالَ. فَلَمْ أَرَ رَجُلا أَبْيَنَ ضَلالَةٍ مِنْ أَبِي غَادِيَةَ إِنَّهُ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَمَّارٍ مَا سَمِعَ ثُمَّ قَتَلَهُ قَالَ: وَدَعَا بِمَاءٍ فَأُتِيَ بِهِ فِي كُوزِ زُجَاجٍ فَلَمْ يَشْرَبْهُ فَأُتِيَ بِمَاءٍ فِي خَزَفٍ فشربه
__________
[1] كذا في النسخة، ومثله في ترجمة عمار، من الطبقات الكبرى: ج 3 ص 260 ط بيروت: ورواه في الحديث الأخير من باب فضائله (ره) من مجمع الزوائد: ج 9/ 298 عن الطبراني بسندين وعن عبد الله باختصار، وفيه: «كنا نعد عمارا من خيارنا» إلخ. ثم قال صاحب الزوائد ورجال أحد أسنادي الطبراني رجال الصحيح، وقد تقدم في كتاب الفتن (الجزء السابع) أحاديث، أقول ومثل ما في مجمع الزوائد رواه في ترجمة عمار من مستدرك الحاكم:
ج 3 ص 386.
[2] هذا هو الصواب وأريد منه عثمان كانوا يشبهونه برجل يهودي كان مثله طويل اللحية.
وفي النسخة: إن نعت هذا» وهو مصحف.(2/315)
فَقَالَ رَجُلٌ بِالنَّبَطِيَّةِ: تَوَرَّعَ عَنِ الشُّرْبِ فِي الزُّجَاجِ وَلَمْ يَتَوَرَّعْ عَنْ قَتْلِ عَمَّارٍ [1] .
«384» وَحَدَّثَنِي وهب بن بقية وشريح [2] بْنُ يُونُسَ وَأَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا شَرِيكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُرَادِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ بِصِفِّينَ وَعِنْدَهُ شاعر ينشده هجاءا في معاوية وعمرو، وعمار يَقُولُ لَهُ: أَلْصِقْ بِالْعَجُوزَيْنِ [3] فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَيُقَالُ الشِّعْرُ عِنْدَكمْ وَيُسَبُّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ويسبّ أصحاب بدر [4] فقال (له عمار) : إِنْ شِئْتَ فَاسْمَعْ وَإِنْ شِئْتَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرًا قَعَدَا بِسَبِيلِ اللَّهِ يَصُدَّانِ عَنْهُ [5] فالله سابّهما وكل مسلم، إنه لَمَّا هَجَانَا الْمُشْرِكُونَ شَكَوْنَا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: [قُولُوا لَهُمْ كَمَا يَقُولُونَ لَكُمْ فَإِنْ كُنَّا لَنُعَلِّمُهُ الإماء بالمدينة [6]] .
__________
[1] وللذيل مصادر كثيرة.
[2] رسم الخط غير واضح ويحتمل أيضا: سريح» - بالسين المهملة- أو «مزرع» . ورواها أيضا في الحديث: (401) من ترجمة رسول الله من المجلد الأول ص 169، المطبوع وقال: حدثنا احمد بن إبراهيم الدرقي ووهب بن بقية الواسطي قالا: حدثنا يزيد بن هارون إلخ.
[3] كذا في النسخة.
[4] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «واسم اصحاب رسول الله ويسم أصحاب بدر» .
وفي الحديث (401) من ج 1/ 169: أَيُقَالُ عِنْدَكُمُ الشِّعْرُ وَأَنْتُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأهل بدر؟» ...
[5] كذا.
[6] وفي النسخة: «فإن كنا لنعمله الإماء بالمدينة» ، وفي الحديث: (545) من شواهد التنزيل الورق 94 ب/ وج 1 ص 392 شاهد لما هنا.(2/316)
«385» حدثنا عمرو بن محمد، وإسحاق الهروي (كذا) / 377/ قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عن عبد الرحمان بن زياد، عن عبد الله ابن الحرث قَالَ: إِنِّي لأَسِيرُ مَعَ مُعَاوِيَةَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ صِفِّينَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: يَا أَبَةِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لِعَمَّارٍ:
[وَيْحَكَ يَا ابْنَ سُمَيَّةَ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ] فَقَالَ عَمْرٌو لِمُعَاوِيَةَ: أَلا تَسْمَعُ مَا يقول هذا؟ فقال معاوية: ما تزال تأتينا بِهَنَّةٍ تَدْحَضُ بِهَا فِي بَوْلِكَ [1] أَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ إنما قتله الذين جاؤا بِهِ!!! يَعْنِي عَلِيًّا وَأَهْلَ الْعِرَاقِ.
«386» حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ النَّضْرِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، أَنْبَأَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَمَةَ يَقُولُ:
رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَوْمَ صِفِّينَ شَيْخًا آدَمَ فِي يَدِهِ الْحَرْبَةُ وَإِنَّهَا لَتُرْعَدُ فَقَالَ- وَرَأَى مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَايَةً- لَقَدْ قَاتَلَتْ هَذِهِ الرَّايَةُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَاللَّهِ لَوْ ضربونا حتى تبلغوا بِنَا سَعَفَاتِ هَجَرَ لَعَلِمْتُ أَنَا عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّهُمْ عَلَى الضَّلالِ.
«387» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ أَنْبَأَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ:
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي أُصِيبَ فيه عمار، إذا رَجُلٌ جَسِيمٌ عَلَى فَرَسٍ ضَخْمٍ يُنَادِي يَا عِبَادَ اللَّهِ رَوِّحُوا إِلَى الْجَنَّةِ- بِصَوْتٍ مُوجِعٍ- الجنة تحت ضلال السيوف والأسل. وإذا هو عمار (قال:) فلم يلبث أن قتل.
__________
[1] هذا هو الصواب الموافق لما ذكره ابن سعد في ترجمة عمار، من الطبقات: ج 3 ص 260 وفي النسخة: «ما يزال يأتينا بهنة تدحض بها في قولك» . وقال في مادة «دحض» من النهاية في حديث معاوية (انة) قال لابن عمرو «لا تَزَالُ تَأْتِيَنَا بِهَنَّةٍ تَدْحَضُ بِهَا فِي بَوْلِكَ» اي تزلق ويروى بالصاد، أي تبحث فيها برجلك. ومثله في لسان العرب.(2/317)
«388» وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ: كَانَ الْقِتَالُ الشَّدِيدُ بِصِفِّينَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ آخِرُهُنَّ لَيْلَةُ الْهَرِيرِ، شُبِّهَتْ بِلَيْلَةِ الْقَادِسِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ عَمَّارٌ لِهَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ الْمِرْقَالُ- وَمَعَهُ اللِّوَاءُ- احْمِلْ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي.
فَقَالَ هَاشِمٌ: يا (أ) با الْيَقْظَانِ إِنَّكَ رَجُلٌ تَسْتَخِفُّكَ الْحَرْبُ، وَإِنِّي إِنْ خَفَفْتُ لَمْ آمَنِ الْهَلَكَةَ. فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى حَمَلَ فَنَهَضَ عَمَّارٌ فِي كَتِيبَةٍ وَنَهَضَ إِلَيْهِ ابْنُ ذِي الْكِلاعِ فَاقْتَتَلُوا وَحَمَلَ عَلَى عَمَّارٍ حُوَيُّ بْنُ مَاتِعِ بْنِ زُرْعَةَ بْنِ بَيْحَصٍ السَّكْسَكِيُّ وَأَبُو الْغَادِيَةِ الْمُرِّيُّ فَقَتَلاهُ وَقُتِلَ هَاشِمٌ.
«389» فَحَدَّثَنِي أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ:
أَنَّ عَلِيًّا صَلَّى عَلَى عَمَّارِ بْنِ ياسر، وهاشم بن عتبة، فجعل عمار (أ) مِمَّا يَلِيهِ، وَهَاشِمًا أَمَامَهُ وَكَبَّرَ عَلَيْهِمَا تَكْبِيرًا واحدا [1] (و) قالوا: ذوا الكلاع الأكبر (هو) يَزِيدُ بْنُ النُّعْمَانِ الْحِمْيَرِيُّ مِنْ وُحَاظَةَ بْنِ سَعْدٍ، تَكَلَّعَتْ عَلَيْهِ قَبَائِلُ مِنْ حِمْيَرَ- أَيْ تجمعت- والذي كان مع معاوية سميقع بن باكور وقد تكلع على سميقع وناكور جميعا (كذا) وناكور ابن عمرو بن يعفو (كذا) من يَزِيدَ بْنِ النُّعْمَانِ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ جَرِيرَ بْنِ عَبْدِ الله إلى سميقع هَذَا. وَيُقَالُ: إِلَى نَاكُورٍ فَأَعْتَقَ أَرْبَعَةَ آلافٍ كانوا قنّا له، وقتل شرحبيل بن سميقع ذي الْكِلاعِ يَوْمَ الْخَازرِ فِي أَيَّامِ الْمُخْتَارِ.
«390» وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هَاشِمِ بْنَ بَهْرَامَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ:
عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ يَوْمَ صفين: ائتوني بشربة من لبن
__________
[1] كذا.(2/318)
فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي: [إِنَّ آخِرَ شَرْبَةٍ تَشْرَبُهَا شَرْبَةُ لَبَنٍ.] فَشَرِبَهَا وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.
«391» وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ الْفَرَوِيُّ عَنْ أَبِي الْفَضْلِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ بعض أصحابنا يقول: حضر أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ صِفِّينَ، فَلَمَّا رَأَى عَمَّارًا قَدْ قُتِلَ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ فَصَلَّى عَلَيْهِ عَلِيٌّ وَدَفَنَهُ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: مَاتَ الْهَيْثَمُ بن مالك وهو التيهان (كذا) سَنَةَ عِشْرِينَ وَهُوَ مِنْ بَلِيٍّ حَلِيفٌ [1] . وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ مِنَ الأَوْسِ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيٍّ.
قَالُوا: وَكَانَ هاشم بْن عتبة بْن أَبِي وقاص يقاتل يوم صفين وهو يقول:
أعور/ 378/ يبغي آهلا محلا ... قد أكثر القول وما أقلا
لا بد أن يفل أَوْ يفلا [2] ... قد عالج الحياة حَتَّى ملا
أشلهم بذي الكعوب شلا [3]
__________
[1] كذا في النسخة وقال ابن سعد في ترجمته من الطبقات الكبرى: ج 3 ص 447 ط بيروت: أبو الهيثم بن التيهان اسمه: مالك بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة حليف لبني عبد الأشهل أجمع على ذلك موسى بن عقبة وَمُحَمَّد بن إسحاق وابو معشر ومحمد بن عمر، وخالفهم عبد الله بن محمد بن عمارة الأنصاري وذكر ان أبا الهيثم من الأوس من انفسهم ...
[2] الفل: العزيمة:
[3] أشلهم: اطردهم، وذي الكعوب: الرمح وفي رواية الطبري: ج 6/ 24:
يتلهم بذى الكعوب تلا يقال: تله يتله تلا- من باب «مد يمد» -: صرعه، فهو متلول وتليل. ثم إن الأبيات ذكرها أيضا في مروج الذهب: ج 2 ص 382 وفي موضعين من كتاب صفين فذكرها باختصار في ص 355، وبصورة مطولة في ص 327 هكذا:
قد اكثرا (أكثروا «خ» ) لؤمي وما اقلا ... اني شريت النفس لن اعتلا
اعور يبغي نفسه محلا ... لا بد أن يفل أَوْ يفلا
قد عالج الحياة حتى ملا ... اشدهم (كذا) بذي الكعوب شلا
قال نصر: (وعن) عمرو بن شمر:
أشلهم بذي الكعوب شلا ... مع ابن عم احمد المعلى
فيه الرسول بالهدى استهلا ... أول من صدقه وصلى
فجاهد الكفار حتى ابلى(2/319)
فحمل عليه الحرث بْن المنذر التنوخي فقتله فَقَالَ الحجاج بْن غزية الأَنْصَارِيّ:
فَإِن تفخروا بابني بديل وهاشم [1] ... فنحن قتلنا ذا الكلاع وحوشبا
يعني حوشب بْن القباعي الألهاني من ولد الهان أخي همدان. وابنا بديل عَبْد اللَّهِ أَبُو علقمة. وعبد الرحمان أَبُو عمرة [2] .
وطعن بسر بْن أَبِي أرطاة [3] القرشي قَيْس بْن سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الأَنْصَارِيّ فما شواه (كذا) .
وبعض الرواة يزعم أن أويسا القرني العابد قتل مَعَ علي بصفين [4] .
ويقال: بل مات بسبحستان.
__________
[1] وفي النسخة:
«ان تفخروا يا بني بديل» .
[2] هذا- يعنى قوله: «وابنا بديل» إلى آخره- كان مؤخرا عن الجملة التالية والصواب تقديمه.
[3] كذا في النسخة، ولعل الصواب: «بسر بن أبي ارطأة» . ثم ان هذا كان مقدما، والظاهر انه سهو من الكاتب.
[4] وهذا هو الشائع المعروف بين العلماء، لم يتردد فيه إلا بعض النواصب، وقد ذكر الكثيرون من منصفي أهل السنة استشهاد أويس بصفين، وذكره ابن عساكر بطرق في ترجمة أويس من تاريخ دمشق: ج 6 ص 69، وفي ترجمة زيد بن صوحان: ج 19، ص 131، وفي تهذيبه:
ج 6 ص 14، قال في مجمع الزوائد: ج 10/ 22 وعن ابن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل (الشام) يوم صفين أفيكم أويس القرني؟ قالوا: نعم. قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: من خير التابعين أويس.
رواه أحمد (بن حنبل) واسناده جيد.
وقال ابن مسكويه في الحكمة الخالدة ص 134: وذكر ابن أبي ليلى الفقيه أن أويسا وجد في قتلى رجالة علي بن أبي طالب يوم صفين.
وقال الحاكم في ترجمة أويس من المستدرك: ج 3 ص 402: سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب قال: سمعت العباس بن محمد الدوري يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: قتل أويس القرني بين يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يوم صفين.
وبالسند المتقدم عن أبي العباس محمد بن يعقوب، عن عباس بن الدوري، حدثنا أبو نعيم، حدثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمان بن أبي ليلى قال:
ولما كان يوم صفين نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي: أفيكم أويس القرني؟ قالوا:
نعم فضرب دابته حتى دخل معهم ثم قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يقول:
خير التابعين أويس القرني.
واخبرني احمد بن كامل القاضي ببغداد، حدثنا عبد الله بن روح المدائني، حدثنا عبيد الله ابن محمد العبسي، حدثني إسماعيل بن عمرو البجلي، عن حبان بن علي العنزي عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة قال:
شهدت عليا رضى الله عنه يوم صفين وهو يقول: من يبايعني على الموت؟ - أو قال: على القتال؟ - فبايعه تسع وتسعون قال: فقال: اين التمام؟ اين الذي وعدت به؟ قال: فجاء رجل عليه اطمار صوف محلوق الراس فبايعه على الموت والقتل (كذا) قال: فقيل: هذا اويس القرني.
فما زال يحارب بين يديه حتى قتل رضي الله عنه. وقال في تاريخ الخميس: ج 2 ص 277: وقتل مع علي خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين واويس القرني زاهد التابعين. وقال في المختصر الجامع: قتل من اهل العراق خمسة وعشرون ألفا، منهم عمار بن ياسر، واويس القرني وخمسة وعشرون بدريا.
وقال ابن عساكر- قبل ختام ترجمة اويس بحديث-: أنبأنا ابو الغنائم محمد بن علية (كذا) بن الحسن الحسيني، حدثنا القاضي محمد بن عبد الله الجعفي، حدثنا الحسين بن محمد ابن الفرزدق، أنبأنا الحسن بن علي بن بزيع، حدثنا محمد بن عمر، حدثنا إبراهيم بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن أذينة البصري، عن ابان بن أبي عباش:
عن سليمان (كذا) بن قيس العامري: قال رأيت اويسا القرني بصفين صريعا بين عمار، وخزيمة ابن ثابت.
وتقدم في تعليق الحديث: (347) ص 286 عن ترجمة زيد بن صوحان من تاريخ دمشق:
ج 19/ 130/ وفي تهذيبه: ج 6 ص 14، بسند آخران اويس القرني قتل في الرجالة يوم صفين.(2/320)
قَالُوا: وَكَانَ علي عَلَيْهِ السلام بصفين فِي خمسين ألفا. ويقال: (بل) فِي مائة ألف. وَكَانَ مُعَاوِيَة رحمه اللَّه!!! فِي سبعين ألفا. ويقال: فِي مائة ألف فقتل من أَهْل الشَّامِ خمسة وأربعون ألفا، ومن أهل الْعِرَاق خمسة وعشرون ألفا، والله أعلم.
قَالُوا: وطعن سعيد بْن قَيْس الهمداني ابن الحضرمي [1] فقتله فقال علي:
[(و) لو كنت بوّابا على باع جنة ... لقلت همدان ادخلوا بسلام
] ويقال: إن عون بْن جعفر بْن أَبِي طالب وأخاه محمدًا قتلا مَعَ عَلِيّ بْن أَبِي طالب بصفين.
ويقال: إنهما قتلا مَعَ الْحُسَيْن عليهم السلام. وبعض البصريين يزعم أنهما قتلا بتستر من الأهواز حين فتحت.
__________
[1] كذا في النسخة، وإن صح هذا فلا بد ان يكون غير الذى احرقه جارية بن قدمة بالبصرة.(2/322)
وَكَانَ عَمْرو بْن العاص يقاتل بصفين وَهُوَ يقول:
الموت يغشاه من القوم الأنف ... يوم لهمدان ويوم للصدف
وفي سدوس نحوه ما ينخرف (كذا) ... نضربها بالسيف حتى ينصرف
ولتميم مثلها أو يعترف
قَالُوا: ولما كَانَ صبيحة ليلة الهرير- وهي ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من صفر سنة سبع وثلاثين- اقتتلوا إِلَى ارتفاع الضحى ثُمَّ إن عَمْرو بْن العاص أشار برفع المصاحف حين خاف أن ينقلع أَهْل الشَّامِ ورأى صبر أهل الْعِرَاق وظهورهم، فرفعوها بالرماح ونادوا: هذا كتاب اللَّه بيننا وبينكم!!! من لثغور الشَّام بعد أَهْل الشَّامِ؟ ومن لثغور الْعِرَاق بعد أهل الْعِرَاق؟
فَقَالَ علي: [والله مَا هم بأصحاب قرآن ولكنهم جعلوها مكيدة وخدعة، بلغهم مَا فعلت من رفع المصحف لأهل الجمل ففعلوا مثله، ولم يريدوا مَا أردت فلا تنظروا إلى فعلهم [1] وامضوا على تقيتكم (كذا) ونياتكم] .
فمال كثير من أصحاب علي إِلَى مَا دعوا إِلَيْهِ وحرموا القتال واختلفوا وبعث علي [2] الأشعث بْن قَيْس الكندي إِلَى مُعَاوِيَةَ يسأله عن سبب رفعهم
__________
[1] هاتان الجملتان: «بلغهم ما فعلت من رفع المصاحف- إلى قوله: - ولم يريدوا ما أردت» لم أجدهما في غيره ممن كتب وقعة صفين.
[2] بل الصواب: انهم لما أبوا من قبول قول أمير المؤمنين من إدامة القتال وأبى القراء والأشعث منه، استأذنه الأشعث في الذهاب إلى معاوية، فقال: إذهب إن شئت. كما في مروج الذهب: ج 2 ص 391 وكتاب صفين ص 499، وتاريخ الطبري: ج 4 ص 34، وفي ط ج 5 ص 51، فارجع إلى الكتب المذكورة فإن البلاذري هنا قد أخل في ذكر القضية اخلالا فاحشا.(2/323)
المصاحف فَقَالَ: رفعناها لتبعثوا رجلا ونبعث رجلا فيكونا حكمين، فما اتفقا عَلَيْهِ عملنا بِهِ.
«392» حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن صالح العجلي، قَالَ: حدثت عَن الأعمش عَن شقيق بْن سلمة أَبِي وائل أنه سئل: أشهدت صفين؟ قَالَ: نعم وبئست الصفوف (كانت) أشرعنا الرماح فِي صدورهم وأشرعوها فِي صدورنا حَتَّى لو مشت الرجال عَلَيْهَا مَا اندقت أَوْ كما قَالَ.
«393» المدائني عَن شعبة، عَن أبي الأعور [1] ، عن أبي الضحى (مسلم ابن صبيح) عَن سُلَيْمَان، عَن الحسن بْن علي قَالَ: لقد رأيت أَبِي حين اشتد القتال يقول: [يَا حسن وددت أني مت قبل هَذَا بعشرين سنة] .
__________
[1] كذا في النسخة، والظاهر انه مصحف أو ان فيها حذفا، والصواب: «عن أبي عون الأعور» كما تقدم تحت الرقم: (354) وتاليه ص 273. والحديث باطل ولعله من مفتريات أبي عون الأعور الشامي وكيف يتمني أمير المؤمنين الموت وقد امتثل ما أمره الله ورسوله من قتال الناكثين والقاسطين كإخوانهما المارقين؟! وهل يعقل أن يكون هذا الكلام من أمير المؤمنين؟ وهو القائل في مقام الافتحار والمباهات: أنا فقأت عين الفتنة ولو لم أك فيكم ما قوتل الناكثون والقاسطون ولمارقون؟! سبحان الله هل يمكن أن أمير المؤمنين يظهر الضجر والندم والأسف من قتال الفئة الباغية والذين ركنوا إلي الدنيا، وأضلوا كثيرا من عباد الله، وأضلوا عن سواء السبيل؟! يا للعجب أمير المؤمنين يتمني أن يموت كراهة أن يبتلي بمقاتلة باعة الخمر وشاربيها والمتهالكين في شهوات الدنيا واللاحقين العهر بالنسب وقاتلى الأبرار بالظنة وقول الزور؟!(2/324)
مقتل عبيد اللَّه بْن عمر بْن الخطاب بصفين
«394» قَالَ أَبُو مخنف وغيره: قاتل عبيد اللَّه بْن عمر بصفين حَتَّى حمي القتال، وذلك في آخر أيامهم فقتله هانئ بْن الخطاب، ويقال: مجرز بْن الصحصح من بني/ 379/ تيم اللَّه بْن ثعلبة. ويقال حريث بْن جابر الحنفي، وأخذ سيفه ذو الوشاح- وَكَانَ سيف عمر بْن الخطاب- فلما ولي مُعَاوِيَة أخذ السيف من قاتله ورده عَلَى آل عمر.
«395» حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ:
عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ فِي صِفِّينَ بِأَهْلِ الْيَمَنِ وَقَدْ كَانَ عَلِيٌّ عَبَّأَ رَبِيعَةَ لِلْيَمَنِ [1] وَكَانَتْ رَبِيعَةُ قَوْمًا أَدْرَكَهُمُ الإِسْلامُ وَهُمْ أَهْلُ حُرُوبٍ، فَكَانُوا يُصَفُّونَ صَفَّيْنِ فَيُقَاتِلُ صَفٌّ وَيَقِفُ صَفٌّ، فَإِذَا مَلُّوا الْقِتَالَ وَقَفَ هَؤُلاءِ وَقَاتَلَ هَؤُلاءِ، وَكَانَتِ الْيَمَنُ تَحْمِلُ بِأَجْمَعِهَا فَأُفْنِيَتِ الْيَمَنُ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لأَصْحَابِهِ: مَنْ لِرَبِيعَةَ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ الله بن عمر بن الخطاب: أنالهم إن
__________
[1] أي لليمانيين من أصحاب معاوية.(2/325)
أَعْطَيْتَنِي مَا أَسْأَلُكَ. قَالَ: سَلْ. قَالَ: الْغَمَامَةُ تَصْرِفُهَا مَعِي- وَهِيَ كَتِيبَةُ مُعَاوِيَةَ كَانَ يُقَالُ لَهَا: الْغَمَامَةُ وَالْخَضْرَاءُ وَالشَّهْبَاءُ- فَقَالَ (مُعَاوِيَةُ لِلْغَمَامَةِ) :
انْصَرِفُوا مَعَهُ. فَمَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى فُسْطَاطِهِ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ بَحْرِيَّةُ بِنْتُ هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ الشَّيْبَانِيِّ فَدَعَا بِدِرْعٍ فَظَاهَرَهَا عَلَى دِرْعِهِ، قَالَتْ: ما هذا يا ابن عُمَرَ؟
قَالَ: عَبَّأَنِي مُعَاوِيَةُ لِقَوْمِكَ فِي الْغَمَامَةِ فَمَا ظَنُّكِ؟ قَالَتْ: ظَنِّي أَنَّهُمْ سَيَدْعُونِي أَيِّمًا مِنْكَ. فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ قُتِلَ.
فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ وَتَرَاجَعَ النَّاسُ أَقْبَلَتْ بَحَرِيَّةُ عَلَى بَغْلٍ لَهَا وَعَلَيْهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ وَمَعَهَا غِلْمَةٌ لَهَا حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى رَبِيعَةَ فَسَلَّمَتْ ثُمَّ قَالَتْ: يَا مَعْشَرَ رَبِيعَةَ لا يُخْزِي اللَّهُ هَذِهِ الوجوه، فو الله مَا كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ تَخْزَى. قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَتْ: أَنَا بَحْرِيَّةُ. قَالُوا: بِنْتُ هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالُوا:
مَرْحَبًا وَأَهْلا بِسَيِّدَةِ نِسَائِنَا وَابْنَةِ سَيِّدِنَا مَا حَاجَتُكِ؟ قَالَتْ: جِيفَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. قَالُوا: قَدْ أَذِنَّا لَكِ فِيهَا وَأَشَارُوا إِلَى النَّاحِيَةِ الَّتِي صُرِعَ فِيهَا، وَكَانَتِ الرِّيحُ هَاجَتْ عَلَيْهِمْ عِنْدَ زوال الشمس فقلعت أوتاد أبنيتهم فَإِذَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ قَدْ أَوْثَقَ طُنُبًا مِنْ أَطْنَابِ خِبَائِهِ بِرِجْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَإِذَا هُوَ مَسْلُوبٌ فَلَمَّا رَأَتْهُ رَمَتْ بِخَمِيصَتِهَا عَلَيْهِ، وَأَمَرَتْ غِلْمَانَهَا فَحَفَرُوا لَهُ ثُمَّ أَجْنَتْهُ وَانْصَرَفَتْ وَأَنْشَدَتْ قَوْلَ كَعْبِ بْنِ جُعَيْلٍ فِيهِ:
أَلا إِنَّمَا تَبْكِي الْعُيُونُ لِفَارِسٍ ... بِصِفِّينَ أَجْلَتْ خَيْلُهُ وَهُوَ وَاقِفُ
تَرَكْنَ عُبَيْدَ اللَّهِ بِالْقَاعِ مُسْنَدًا ... تَمُجُّ دَمًا مِنْهُ الْعُرُوقُ النَّوَازِفُ
قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ: لَمَّا قُتِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِصِفِّينَ كَلَّمَ نِسَاؤُهُ مُعَاوِيَةَ فِي جُثَّتِهِ فأمر فبذلت لربيعة فيها عَشْرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، فَاسْتَأْمَرُوا عَلِيًّا [1] فَقَالَ:
[لا وَلَكِنْ هَبُوهَا لابْنَةِ هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ.] فَفَعَلُوا.
__________
[1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «عليها» .(2/326)
«396» وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا وهب بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
لَمَّا بَلَغَ مُعَاوِيَةَ أَمْرُ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَمَنْ مَعَهُمَا، دعا أهل التسليم إِلَى الْقِتَالِ عَلَى الشُّورَى وَالطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ، فبايعوه أميرا غير خليفة، وخرج علي (كذا) . فَاقْتَتَلُوا بِصِفِّينَ قِتَالا لَمْ يَكُنْ فِي الإِسْلامِ مِثْلُهُ قَطُّ، فَقُتِلَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عُبَيْدُ الله ابن عُمَرَ، وَذُو الْكِلاعِ وَحَوْشَبٌ وَحَابِسُ بْنُ سَعْدٍ الطَّائِيُّ.
وَقُتِلَ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَمَّارٌ، وَهَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ، وَابْنَا بديل الخزاعي وخزيمة ابن ثَابِتٍ وَابْنُ التَّيِّهَانِ. فَلَمَّا خَافَ أَهْلُ الشَّامِ ظُهُورَ الْقَوْمِ عَلَيْهِمْ قَالَ عَمْرٌو لِمُعَاوِيَةَ: - وَهُوَ عَلَى الْقِتَالِ-: هَلْ أَنْتَ مُطِيعٌ فِي أَمْرٍ أُشِيرُ بِهِ؟ مُرْ رَجُلًا فَلْيَنْشُرِ الْمُصْحَفَ ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، نَدْعُوكُمْ إِلَى مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ وَخَاتِمَتِهِ، فَإِنَّكَ/ 380/ إِنْ تَفْعَلْ ذَلِكَ يَخْتَلِفُوا، وَلا يَزْدَدْ أهل الشام إلا اجتماعا وطاعة. فأمر (معاوية) رَجُلا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ لُهَيَةَ فَنَادَى بِذَلِكَ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِرَاقِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ كَرِهَتِ الْقِتَالَ: أَجَبْنَا إِلَى كِتَابِ اللَّهِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَلَسْنَا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وبيعتنا وطلب الحق (كذا) فإن كانت ها هنا شُبْهَةٌ أَوْ شَكٌّ فَلِمَ قَاتَلْنَا؟!!! فَوَقَعَتِ الْخُصُومَةُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ مَا فِيهِ أَصْحَابُهُ وَمَا عَرَضَ لَهُمْ مِنَ الْخِلافِ وَالتَّنَازُعِ، وَرَأَى وَهَنَهُمْ وَكَرَاهَةَ مَنْ كَرِهَ مِنْهُمُ الْقِتَالَ، قَارَبَ مُعَاوِيَةَ فِيمَا دَعَا إِلَيْهِ [1] فَقَالَ:
[قبلنا كتاب الله، فمن بيننا وبينكم كتاب الله (كذا) ] فَقَالَ مُعَاوِيَةُ تَخْتَارُونَ مِنْكُمْ رَجُلا وَنَخْتَارُ مِنَّا رَجُلا. فَاخْتَارَ أَهْلُ الشَّامِ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، واختار
__________
[1] لكن بعد خطب ومحاورة كثيرة أظهر فيها عدم الرضا إلى وقوف الحرب، وان صنيعهم هذا هو الخديعة والمكر فلا تجيبوهم. كما تقدمت الإشارة إليه وذكره تفصيلا في مروج الذهب وتاريخ الطبري وغيرهما.(2/327)
أَهْلُ الْعِرَاقِ أَبَا مُوسَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ الأَشْعَرِيَّ [1] ، وَكَتَبُوا بَيْنَهُمْ كِتَابًا أَنْ يَحْكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَالسُّنَّةِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ.
«397» وَحَدَّثَنِي أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا وهب بن جَرِيرٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ:
عن عتبة (ظ) قَالَ: تَنَازَلْنَا بِصِفِّينَ فَاقْتَتَلْنَا بِهَا أَيَّامًا فَكَثُرَتِ الْقَتْلَى بَيْنَنَا وَعُقِرَتِ الْخَيْلُ، فَبَعَثَ عَلِيٌّ إِلَى عمرو (كذا) إِنَّ الْقَتْلَى قَدْ كَثُرُوا، فَأَمْسِكْ حَتَّى يَدْفِنَ الجميع قتلاهم. فأجابهم فَاخْتَلَطَ بَعْضُ الْقَوْمِ بِبَعْضٍ حَتَّى كَانُوا هَكَذَا: - وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ- وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ يَشُدُّ فَيُقْتَلُ فِي عَسْكَرِهِ [2] فَيُسْتَخْرَجُ مِنْهُ، وَكَانَ عَمْرٌو يَجْلِسُ بِبَابِ خَنْدَقِهِ فَلا يَخْفَى عَلَيْهِ قَتِيلٌ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ فَمَرَّ عَلَيْهِ بِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ قَدْ قُتِلَ فِي عَسْكَرِ مُعَاوِيَةَ فَبَكَى عَمْرٌو [3] وَقَالَ: لَقَدْ كَانَ مُجْتَهِدًا، فَكَمْ مِنْ رَجُلٍ أَخْشَنَ فِي أَمْرِ اللَّهِ قَدْ قُتِلَ يَرَى عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ أَنَّهُمَا بَرِيئَانِ من دمه.
__________
[1] هذا أيضا لم يكن برضا أمير المؤمنين عليه السلام وجرى بينه وبين الأشعث ومن على رأيه من قومة ومن القراء الذين صاروا خوارج بعد كلام كثير أظهر فيه التبرم والضجر إلى أن قال لهم: أبيتم إلا أبا موسى؟ قالوا: نعم. قال: فاصنعوا ما شئتم!!! فراجع كلماته عليه السلام في ذلك أو تاريخ الطبري أو مروج الذهب أو ما يأتي هنا تحت الرقم: (404) ص 393 من الأصل.
[2] أي في عسكر الشام او معاوية.
[3] عجبا لهؤلاء المساكين كيف حسن ظنهم بابن الأبتر عدو محمد وآله في الجاهلية والاسلام الذي اشرب في قلبه حب الشهوات فكان دائرا معها أينما دارت وكان لسلب الحياء والمروءة عنه يصرح بما في خلده غير مبال بما يترتب عليه!!! سبحان الله ابن العاص يبكي من قتل المجتهدين والذين كانوا في امر الله اخشن؟ وا عجبا ابن النابغة يتبرم من ان عليا ومعاوية يريان انهما بريئان من دماء قتلى صفين، اليس له القدح المعلى في إراقة تلك الدماء؟ وإن تعمقت النظر فيما مر تحت الرقم: (363) ص 385 وتواليهما- وهو من ضروريات فن التاريخ قد اكتنفته الشواهد الغير محصورة- لحكمت حكما باتا بأنه لولا ابن العاص وحيله لم يتم لمعاوية امر ولما قامت لملك آل امية دعامة، وانه ومعاوية كفرسي رهان في الاشراك في دماء قتلى صفين وما يترتب على اراقة تلك الدماء إلى يوم القيامة، لما ثبت عن النبي صلّى الله عليه واله وسلم من انه: من سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير ان ينقص من اوزارهم شيئا.
وإن اردت ان تطلع على قليل من مخازي ابن العاص التي سجلته أقلام شيعته ومن يهوى هواه فانظر إلى ما رواه عنهم العلامة الأميني (ره) في الغدير: ج 2 ص 114- 176، ويكفيك قوله في القصيدة الجلجلية:
ولما عصيت امام الهدي ... وفي جيشه كل مستفحل
أبا لبقر البكم اهل الشآم ... لأهل التقى والحجى ابتلي
فقلت: نعم قم فإني ارى ... قتال المفضل بالأفضل
فبي حاربوا سيد الأوصياء ... بقولي دم طل من نعثل
وكدت لهم ان أقاموا الرماح ... عليها المصاحف في القسطل
وعلمتهم كشف سوآتهم ... لرد الغضنفر المقبل
فقام البغاة على حيدر ... وكفوا عن المشعل المصطلي
نسيت محاورة الأشعري ... ونحن على دومة الجندل
الين فيطمع في جانبي ... وسمهي قد خاص في المقتل
خلعت الخلافة من حيدر ... كخلع النعال من الأرجل
وألبستها فيك بعد الأياس ... كلبس الخواتيم بالأنمل
ورقيتك المنبر المشمخر ... بلا حد سيف ولا منصل ...
فلولا موازرتي لم تطع ... ولولا وجودي لم تقبل
ولولاي كنت كمثل النساء ... تعاف الخروج من المنزل
نصرناك من جهلنا يا ابن هند ... على النبإ الأعظم الأفضل
وحيث رفعناك فوق الرؤس ... نزلنا الى اسفل الأسفل
وكم قد سمعنا من المصطفى ... وصايا مخصصة في علي
وفي يوم خم رقى منبرا ... يبلغ والركب لم يرحل
وإنا وما كان من فعلنا ... لفي النار في الدرك الأسفل
وما دم عثمان منج لنا ... من الله في الموقف المخجل ...(2/328)
«398» وَحَدَّثَنِي عُمَر بْن بُكَيْر، عَنِ الهيثم بْن عَدِيٍّ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَيَّاشٍ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ قَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرٍو: أَتَذْكُرُ إِذْ غَشِيَكَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ فَاتَّقَيْتَهُ بِسَوْءَتِكَ!!! فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ الْمَوْتَ مُقْبِلا إِلَيَّ مَعَهُ فَاتَّقَيْتُهُ كَمَا رَأَيْتُ، وَكَانَ وَرِعًا فَصَرَفَهُ عَنِّي حَيَاؤُهُ وَلَكِنِّي أَذْكُرُكَ حِينَ دَعَاكَ لِلْمُبَارَزَةِ فَقَلَّصْتَ شَفَتَكَ وَرَعَدَتْ فَرَائِصُكَ وَامْتَقَعَ لَوْنُكَ.
«399» حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ:
أَنَّ أَهْلَ الشَّامِ لَمَّا رَفَعُوا الْمَصَاحِفَ يَوْمَ صِفِّينَ فَرَكِنَ إِلَى ذَلِكَ مَنْ رَكِنَ، كَانَ الأَشْتَرُ يُقَاتِلُ أَشَدَّ قِتَالٍ، حَتَّى بَعَثَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ يَعْزِمُ عَلَيْهِ لَيَنْصَرِفَنَّ. فَقَالَ: أَحِينَ طَمِعْتُ بِالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ أَنْصَرِفُ؟ فَقَالَ الَّذِينَ أَحَبُّوا الْمُوَادَعَةَ لِعَلِيٍّ: أَنْتَ تَأْمُرُهُ بِالْحَرْبِ!!! فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِعَزِيمَةٍ مُؤَكَّدَةٍ فَكَفَّ وَقَالَ:
خُدِعْتُمْ وَاللَّهِ [1] .
«400» حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْن حَرْبٍ أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي يَعْقُوبَ يُحَدِّثُ أَنَّ الأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ قَالَ لِعَلِيٍّ- حِينَ أَرَادَ أَنْ يُحَكِّمَ أَبَا مُوسَى-: إِنَّكَ تبعث رجلا من أهل القرى رقيق الشفرة، قَرِيبَ الْقَعْرِ، فَابْعَثْنِي مَكَانَهُ آخُذُ لَكَ بِالْوَثِيقَةِ وَأَضَعُكَ مِنْ هَذَا الأَمْرِ بِحَيْثُ أَنْتَ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: دَعْنَا يَا أَحْنَفُ فَإِنَّا أعلم بأمرنا منك [2] .
__________
[1] هذا اجمال القصة، وتفصيلها في تاريخ الطبري وكتاب صفين وشرح نهج البلاغة.
[2] كذا في النسخة، ولم أجد جواب ابن عباس هذا في غير الكتاب، ومما يبعدان يجيب ابن عباس احنفا بهذا الجواب انه كان حاضرا وراى الحاح الأشعث والقراء على خلاف امير المؤمنين والاخيار من اصحابه، فهذا ليس جوابا لسؤاله، وجوابه ان امير المؤمنين مقهور في هذا الأمر، لا يقبلون منه غيره.(2/330)
«401» حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالا: حَدَّثَنَا وهب بن جرير، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: سَارَ عَلِيٌّ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَسَارَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَلِيٍّ حَتَّى نَزَلا بِصِفِّينَ، وَخَلَّفَ عَلِيٌّ عَلَى الْكُوفَةِ أَبَا مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيَّ، فَمَكَثُوا بِصِفِّينَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ وعبد الرحمان ابْنَيْ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ دَخَلا عَلَى عَلِيٍّ فَقَالا: حَتَّى مَتَى لا تُقَاتِلُ الْقَوْمَ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: لا تَعْجَلا. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ: مَا تَنْتَظِرُ بِهِمْ وَمَعَكَ أَهْلُ الْبَصَائِرِ وَالْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: اهْدَأْ أَبَا عَلْقَمَةَ. قَالَ: إِنِّي أَرَى أَنْ تُقَاتِلَ الْقَوْمَ وَتَتْرُكَنَا نُبَيِّتُهُمْ. فَقَالَ: [يا (أ) با علقمة لا تبيّت القوم ولا تدفّف عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلا تَطْلُبْ هَارِبَهُمْ [1]] .
ثُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اقْتَتَلُوا بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمَيْنِ فَحَرَّضَ مُعَاوِيَةُ أَصْحَابَهُ وَهُوَ يَقُولُ:
فِدًى لَكُمْ أَبِي وَأُمِّي شُدُّوا فَإِنَّ عَلِيًّا يَزْعُمُ أَنَّهُ لا حَقَّ لكم في/ 381/ هذا الْفَيْءِ وَمُعَاوِيَةُ يَتَمَثَّلُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ ابْنِ الأَطْنَابَةِ:
وَقُولِي كُلَّمَا جَشَأَتْ وَجَاشَتْ ... مَكَانَكِ تُحْمَدِي أَوْ تَسْتَرِيحِي
وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَمَامَهُ يُقَاتِلُ أَشَدَّ قِتَالٍ وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْزَمْ ظَهْرِي، وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ مَعَ مُعَاوِيَةَ، وَقَالَ عَمْرٌو لابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَتَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ ثُمَّ لَتَلْتَزِمَنَّهَا أَبَدًا، فَكَثُرَتِ الْقَتْلَى وَطَفِقَ مُعَاوِيَةُ يَقُولُ لِعَمْرٍو: الأَرْضَ الأَرْضَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ. ثُمَّ رَجَعَ بَعْضُ الْقَوْمِ.
قَالَ وَقَالَ: عياض بْن خليفة: خرجت أطوف في القتلى فإذا رجل معه
__________
[1] هذه المحاورة بينه عليه السلام وبين عبد الله بن بديل لم ارها في غير الكتاب مما عثرت عليه من كتب التاريخ.(2/331)
إداوة مملوءة ماء، وإذا رجل آخر مرمل بالدماء يقول: أنا عبد الرحمان بْن حنبل حليف بني جمح- وَكَانَ من أهل اليمن- اقرؤا علي أمير الْمُؤْمِنِينَ السلام وقولوا لَهُ: الغلبة لمن جعل القتلى منه بظهر أي غيبهم [1] (ثم قال:) ما سعي (أ) با عياض. قَالَ قلت: أبتغي أصحابي أخي وَابْن بديل قَالَ:
هيهات قتل أولئك أمس أول النهار. فعرضت عَلَيْهِ الماء الَّذِي مَعَ الرجل فِي الإداوة، فَقَالَ: سلني عما شئت قبل أن تسقيني فإني إذا شربت مت. قَالَ:
فسألته عما بدا لي ثُمَّ سقيته فما عدا أن شرب حتى مات، (قال:) وأتيت عَلِيًّا فأخبرته بما قَالَ فَقَالَ: صدق، وأذن في الناس بالخروج وأمرهم أن يجعل القتل منهم بظهر وغيب قتلاه حَتَّى لا يرى رجل منهم.
ثُمَّ اقتتلوا قتالا شديدًا حَتَّى قيل: انكشف مُعَاوِيَة وأقبل ابْن لهية مَعَهُ مصحف بين أذني فرس (كذا) وأقبل ناس معهم المصاحف بين أيديهم عَلَى خيلهم فِي رماحهم قد نشروها يقولون: بيننا وبينكم مَا فِيهَا. فقام فَقَالَ [2] :
قد قبلت ودعا بعضهم بعضا إِلَى أن يحكم بينهم حكمان. فزعموا أنهم دعوا إِلَى رجلين من الأنصار: عبادة بن الصامت، وشداد ابن أوس بْن ثابت، فقيل لمعاوية: أجعلت أنصاريين، والله ليحكمان عليك فَقَالَ مُعَاوِيَة عَمْرو. وَقَالَ علي أبو موسى الأشعري [3] وتراضيا بذلك، وكتب كتابا وأشهد فيه (كذا) من كل جند عشرة، وتمثل علي عَلَيْهِ السلام:
[وا عجبا من أي يومي أفر ... أيوم لم يقدر أم يوم قدر
]
__________
[1] كذا.
[2] كذا في النسخة، وفيه سقط ظاهر.
[3] قد تقدم ويأتي أيضا تحت الرقم: (404) انه عليه السلام لم يرض بأبي موسى أولا بل قال: ابن عباس، فأبى عليه الأشعث والقراء، قال: فالأشتر. فأبوا عليه حتى تضارب بعضهم بالنعال والسياط وكاد ان تقع الحرب بينهم فاضطر عليه السلام الى قبول قول الأشعث ومن يحذو حذوه من القراء دفعا للفساد النازل عليهم من اختلافهم!!! فراجع الطبري او كتاب صفين او مروج الذهب او تاريخ الكامل او ما رواه الثقات مما ورد عنه عليه السلام في الموضوع ترى الأمر جليا.
وانظر أيضا ما يأتي في ذيل الرقم: (405) وتواليه، وكذا احتجاجاته عليه السلام مع الخوارج.(2/332)
وَقَالَ مُعَاوِيَة رحمه اللَّه!!!:
ثكلتك أمك إن تمطمط بحرهم ... زيد غواربه وبحرك ساجي
«402» وَحَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، حدثنا يزيد بن هارون، عن عمران ابن جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: عَابُوا عَلَى عَلِيٍّ تَحْكِيمَ الْحَكَمَيْنِ فَقَالَ عَلِيٌّ:
[جَعَلَ اللَّهُ فِي طَائِرٍ حَكَمَيْنِ وَلا أُحَكِّمُ أَنَا فِي دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ حَكَمَيْنِ؟] .
«403» وَحَدَّثَنِي أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، أَنْبَأَنَا الأَعْمَشُ، أَنْبَأَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: قَالَ علي. [يا (أ) با موسى أحكم (بالقرآن) وَلَوْ فِي حَزِّ عُنُقِي] .
وَقَالَ أَبُو مُوسَى الفروي (ظ) سَمِعْتُ ابْنَ نُمَيْرٍ يَقُولُ: لَوْ حَكَمُوا بِحُكْمِ الْقُرْآنِ نَظَرُوا أَيَّ الْفِئَتَيْنِ أَبْغَى.
«404» وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ الأَسْوَدِ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ الْجَزَرِيِّ، قَالَ: لَمَّا صَارَ النَّاسُ إِلَى الْحُكُومَةِ وَأَنْ يَخْتَارُوا رَجُلَيْنِ قَالَ مُعَاوِيَةُ: قَدْ رَضِيتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ. وَقَالَ عَلِيٌّ قَدْ رَضِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ. فقال الأشعث: ابن عباس وأنت سواء لا ترضي الْقَوْمُ!!! قَالَ فَاخْتَارَ الأَشْتَرَ. قَالَ: إِذًا وَاللَّهِ يُعِيدُهَا جَذَعَةً وَهَلْ نَحْنُ إِلا فِي بَلِيَّةِ الأشتر!!! قال: فشداد بن الأوس. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لا يَحْكُمُ فِيهَا يَثْرِبِيٌّ. فَقَالَ الأَشْعَثُ وَجَمِيعُ الْقُرَّاءِ: فَأَبُو مُوسَى فَإِنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ حَرْبَنَا!!! فَقَالَ عَلِيٌّ: [إِنَّهُ قَدْ خَذَلَ النَّاسَ عَنِّي وَفَعَلَ مَا فَعَلَ؟!!] فَأَبَوْا أَنْ يَرْضَوْا إِلا بِهِ. فَكَتَبَ إِلَى(2/333)
أَبِي مُوسَى فِي الْقُدُومِ وَكَانَ بِبَعْضِ الْبَوَادِي حَذِرًا مِنَ الْفِتْنَةِ [1] فَقَالَ (لَهُ) الرَّسُولُ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اصْطَلَحُوا وَقَدْ حَكَّمُوكَ. فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ/ 382/ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. ثُمَّ قَدِمَ عَلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ الأَشْعَثُ: لَوْ لَمْ يَأْتِكَ مَا طعن معك برمح ولا ضرب بسيف.
[ما تقاضى عليه علي ومعاوية في صفين]
قَالُوا: وَكَانَتِ الْقَضِيَّةُ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا تَقَاضَى عَلَيْهِ علي بن أبي طالب ومعاوية ابن أبي سفيان، وقاضى عَلِيٌّ عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ وَمَنْ كَانَ مِنْ شيعته مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَقَاضَى مُعَاوِيَةُ عَلَى أَهْلِ الشام ومن كان من شيعتهم (كذا) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ أَنَّا نَنْزِلُ عِنْدَ حُكْمِ اللَّهِ وَبَيْنَنَا كِتَابُ اللَّهِ فِيمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ، نُحْيِي مَا يَحْيَى وَنُمِيتُ مَا أَمَاتَ فَمَا وَجَدَ الْحَكَمَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُمَا يَتَّبِعَانِهِ، وَمَا لَمْ يَجِدَاهُ مما اختلفنا فيه فِي كِتَابِ اللَّهِ نَصًّا فَمَا لَمْ يَجِدَاهُ في كتاب الله (كذا) أَمْضَيَا فِيهِ السُّنَّةَ الْعَادِلَةَ الْحَسَنَةَ الْجَامِعَةَ غَيْرَ المفرقة.
والحكمان (هما) عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص، وَأَخَذْنَا عَلَيْهِمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَيَحْكُمَانِ بِمَا وَجَدَا فِي كِتَابِ اللَّهِ نَصًّا، فَمَا لَمْ يَجِدَاهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مُسَمًّى عَمِلا فِيهِ بالسنه الجامعة غير المفرقة. (و) أخذا مِنْ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ وَمِنَ الْجُنْدِ كِلَيْهِمَا وَمِمَّنْ تأمّر عَلَيْهِ مِنَ النَّاسِ عَهْدَ اللَّهِ لَيَقْبَلُنَّ مَا قَضَيَا بِهِ عَلَيْهِمَا وَأَخَذَا لأَنْفُسِهِمَا الَّذِي يَرْضَيَانِ بِهِ مِنَ الْعَهْدِ وَالثِّقَةِ مِنَ النَّاسِ، أَنَّهُمَا آمِنَانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَأَهْلِيهِمَا وَأَمْوَالِهِمَا وَأَنَّ الأُمَّةَ لَهُمَا أَنْصَارٌ عَلَى مَا يَقْضِيَانِ بِهِ عَلَى عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ كِلَيْهِمَا، وَأَنَّ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ أَنْ يصلحا بين الأمة،
__________
[1] بزعمه الفاسد، وبعقيدته المنحرفة عن اهل بيت النبوة وودائع الرسالة واعدال القرآن الكريم، الا وفي الفتنة سقط، وعن امام الحق عدل، وعن قتال الفئة الباغية نكل، وان جهنم لمحيطة بالكافرين والمنافقين!!!(2/334)
وَلا يَرُدَّاهَا إِلَى فُرْقَةٍ وَلا حَرْبٍ، وَأَنَّ أَجَلَ الْقَضِيَّةِ إِلَى شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنْ أَحَبَّا أَنْ يَعْجَلاهَا دُونَ ذَلِكَ عَجَّلا، وَإِنْ أَحَبَّا أَنْ يُؤَخِّرَاهَا مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ مِنْهُمَا أَخَّرَاهَا، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْحَكَمَيْنِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَإِنَّ أمير شيعته وشيعته يختارون مكانه رجلا، لا يَأْلُونَ عَنْ أَهْلِ الْمَعْدِلَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَالإِقْسَاطِ وَأَنْ يَكُونَ مَكَانُ قَضِيَّتِهِمَا الَّتِي يَقْضِيَانِهَا فِيهِ مَكَانَ عَدْلٍ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالشَّامِ وَالْحِجَازِ، وَلا يَحْضُرُهُمَا فِيهِ إِلا مَنْ أَرَادَا، فَإِنْ رَضِيَا مَكَانًا غَيْرَهُ فَحَيْثُ أَحَبَّا أَنْ يَقْضِيَا، وَأَنْ يَأْخُذَ الْحَكَمَانِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مَنْ شَاءَا مِنَ الشُّهُودِ ثُمَّ يَكْتُبُوا شَهَادَتَهُمْ فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ أَنَّهُمْ أَنْصَارٌ عَلَى مَنْ تَرَكَ مَا فِيهَا اللَّهُمَّ نَسْتَنْصِرُكَ عَلَى مَنْ تَرَكَ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ وَأَرَادَ فِيهَا إِلْحَادًا أَوْ ظُلْمًا.
وشهد من كل جند عَلَى الفريقين عشرة، من أَهْل الْعِرَاق عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس. الأشعث بن قيس. (و) سعيد بْن قَيْس الْهَمْدَانِيّ. وقاء بْن سمي. -
وبعضهم يقول: ورقاء ابن سميّ. ووقا أصح ذَلِكَ. - وعبد اللَّه بْن طفيل وحجر بْن يزيد الكندي وعبد اللَّه بْن حجل البكري [1] . وعقبة بْن زياد.
ويزيد بْن حجية التيمي ومالك ابن كعب الأرحبي [2] .
ومن أَهْل الشَّامِ أَبُو الأعور عمرو بن سفيان السلمي. (و) حبيب مسلمة الفهري (و) المخارق بن الحرث الزبيدي. (و) زمل بْن عَمْرو العذري.
حمزة بْن مالك الهمداني. (و) عبد الرحمان بن خالد بن الوليد المخزومي.
__________
[1] وفي تاريخ الطبري: «وعبد الله بن محل العجلي» .
[2] وقريب منه جدا- بل عينه معنا- رواه نصر بن مزاحم في كتاب صفين ص 510 عن عمر بن سعد (الأسدي) عن أبي إسحاق الشيباني، ولكن رواه قبله ص 504 بسند آخر، وفيه زيادات كثيرة غير موجودة هنا.
ورواه أيضا الطبري في تاريخه ج 4/ 36 وفي ط: ج 6/ 130، وفي ط: ج 5 ص 54 بسنده عن أبي مخنف باختلاف يسير في بعض الألفاظ.(2/335)
(و) سبيع بن يزيد الحضرمي (و) علقمة بن يزيد أخو سبيع هذا. (و) عتبة بن أبي سفيان. (و) يزيد بن الجز العبسي [1] .
قَالُوا: فلما كتبت القضية خرج بِهَا الأشعث ليقرأها عَلَى النَّاس فمر بِهَا عَلَى طائفة من بَنِي تَمِيمٍ فيهم عروة بْن أدية- (و) هي أمّه (و) أبو (هـ) جدير أحد بني ربيعة بْن حنظلة، وَهُوَ أخو مرداس بْن أدية، وأدية محاربية- فَقَالَ عروة: أتحكمون فِي أمر اللَّه الرجال؟ أشرط أوثق من كِتَاب اللَّهِ وشرطه، أكنتم فِي شك حين قاتلتم؟ لا حكم إلا لله. وهو أول من حكم ثم اعترض الأشعث وَهُوَ عَلَى بغلة لَهُ ففاته فضرب بسيفه عجز البغلة. -
ويقال: إن أول من حكم يزيد بْن عاصم المحاربي. - وَقَالَ البرك الصريمي- من بَنِي تَمِيمٍ ثُمَّ من بني مقاعس بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بن زيد منات-:
أتريدون حكما أقرب عهدا بحكم فِي أطراف الأسنة [2] ؟ ثُمَّ شد عروة بسيفه فضرب عجز دابة الأشعث بْن قَيْس، فغضب الأشعث (و) قومه فمشى إِلَيْهِ الأحنف/ 383/ بْن قَيْس، وجارية بْن قدامة ومعقل بْن قَيْس ومسعر بْن فدكي العنبري، وشبث بْن ربعي فِي جماعة من بَنِي تَمِيمٍ واعتذروا إِلَيْهِ فرضي وصفح. وَكَانَ سيف عروة أول سيف شهر فِي التحكيم.
وقيل لعلي: إن الأشتر لم يرض بالصحيفة، ولم ير إِلا قتال القوم. فَقَالَ:
[ولا أنا والله رضيت و (لكن) لن يصلح الرجوع بعد الكتاب [3]] .
__________
[1] كذا في النسخة، وفي الطبري ج 5 ص 54: «وسبيع بن يزيد الأنصاري وعلقمة بن يزيد الانصاري ... ويزيد بن الحر العبسى» .
[2] يعني لا حكم الا الحرب والطعان بالأسنة.
[3] لأنه تم العهد وأمضاه اكابر الفريقين ودخل تحت قوله تعالى: «وأوفوا بالعهد، ان العهد كان مسئولا» . وكذا شمله قوله تعالى: «أوفوا بالعقود» .
وهنا قد اجمل القصة، وتفصيلها في كتاب صفين، ص 514.(2/336)
«405» المدائني، عن عيسى بن عبد الرحمان، عَن أَبِي إِسْحَاق، عَن علقمة بْن قَيْس قَالَ: قلت لعلي: أتقاضي مُعَاوِيَة عَلَى أن يحكم حكمان؟
فَقَالَ: [مَا أصنع أنا مضطهد!!!]
[المحكمة]
«406» المدائني عَن سُلَيْمَان بْن دَاوُد بْن الحصين، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قيل لابن عَبَّاس: مَا دعا عَلِيًّا إِلَى الحكمين؟ فَقَالَ: إن أَهْل الْعِرَاق ملوا السيف وجزعوا منه جزعًا لم يجزعه أَهْل الشَّامِ، واختلفوا بينهم فخاف علي لمّا رأى من وهنهم أن ينكشفوا (منه) ويتفرقوا عَنْهُ، فمال إِلَى القضية، مَعَ أنه أخذ بكتاب الله حين أمر (با) لحكمين فِي الصيد والشقاق [1] ولو كَانَ مَعَهُ من يصبر عَلَى السيف لكان الفتح قريبًا.
وَقَالَ أَبُو مخنف: كَانَ الكتاب يوم الجمعة فِي صفر، والأجل لشهر رمضان عَلَى رأس ثمانية أشهر إِلَى أن يلتقي الحكمان.
ثُمَّ إن النَّاس دفنوا قتلاهم، وأطلق علي وَمُعَاوِيَة من كَانَ فِي أيديهما من الأسرى وارتحلوا بعد يومين من القضية، فسلك علي طريقه الَّتِي بدا فِيهَا، حَتَّى أتى هيت وصندودا، وصار إِلَى الْكُوفَةِ فِي شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين.
«407» حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن المغيرة الأثرم، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدة، عَن أَبِي عَمْرو بْن العلاء، قَالَ: كتبت القضية بين علي وَمُعَاوِيَة يوم الجمعة لإحدى
__________
[1] كما في قوله تعالى- في الآية: (95) من سورة المائدة-: «يا ايها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ، وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ منكم» .
وكما في قوله جل شأنه- في الاية: (40) من سورة النساء-: «وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اهله وحكما من أهلها، ان يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما» .(2/337)
عشرة ليلة بقيت من صفر سنة سبع وثلاثين، فأتى رجل من بني يشكر عليا فَقَالَ: يَا علي ارتددت بعد إيمان، وشككت بعد يقين، اللهم إني ابرء إِلَيْك من صحيفتهم وما فِيهَا. فطعن رجلا من أصحاب علي فقتله، وشد عَلَيْهِ رجل من همدان فقتله فَقَالَ بعض شعرائهم:
مَا كَانَ أغنى اليشكري عَن الَّتِي ... يصلي بِهَا حرًا من النار حاميا
عشية يدعو والرماح تنوشه [1] ... خلعت عليا باديا ومعاوية
«408» حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عن الحسن بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ لِلْحَكَمَيْنِ: [أَوَ تَحْكُمَا بِمَا في كتاب الله لي؟
ولا تَحْكُمَا بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلا حُكْمَ لَكُمَا [2]] .
«409» حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ، حدثنا ابن كناسة (كذا) الأَسَدِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا اجْتَمَعَ عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ عَلَى أَنْ يُحَكِّمَا رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَ النَّاسُ عَلَى عَلِيٍّ فَكَانَ عِظَمُهُمْ وَجُمْهُورُهُمْ مُقِرِّينَ بِالتَّحْكِيمِ رَاضِينَ به، وكانت فرقة منهم- وهم زهاء أربعة آلاف من ذوي بصائرهم وَالْعُبَّادِ مِنْهُمْ- مُنْكِرَةً لِلْحُكُومَةِ، وَكَانَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمْ وَهُمْ قَلِيلٌ مُتَوَقِّفِينَ، فَأَتَتِ الْفِرْقَةُ الْمُنْكِرَةُ عَلِيًّا فَقَالُوا: عُدْ إِلَى الْحَرْبِ- وَكَانَ عَلِيٌّ يُحِبُّ ذَلِكَ- فَقَالَ الَّذِينَ رَضُوا بِالتَّحْكِيمِ: وَاللَّهِ مَا دَعَانَا الْقَوْمُ إِلا إِلَى حَقٍّ وَإِنْصَافٍ وَعَدْلٍ. وكان الأشعث ابن قَيْسٍ وَأَهْلُ الْيَمَنِ أَشَدَّهُمْ مُخَالَفَةً لِمَنْ دَعَا إِلَى الْحَرْبِ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِلَّذِينَ دَعَوْا إِلَى الْحَرْبِ: [يَا قَوْمُ قَدْ تَرَوْنَ خِلافَ أَصْحَابِكُمْ وَأَنْتُمْ قَلِيلٌ فِي كَثِيرٍ، وَلَئِنْ عُدْتُمْ إِلَى الحرب ليكوننّ
__________
[1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «الرياح» .
[2] كذا في النسخة، ولعل الأصل: «وإن لا تَحْكُمَا بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلا حُكْمَ لكما» .(2/338)
(هؤلاء) أَشَدَّ عَلَيْكُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ [1] فَإِذَا اجْتَمَعُوا وَأَهْلُ الشَّامِ عَلَيْكُمْ أَفْنَوْكُمْ، وَاللَّهِ مَا رَضِيتُ مَا كَانَ وَلا هَوِيتُهُ، وَلَكِنِّي مِلْتُ إِلَى الْجُمْهُورِ مِنْكُمْ خَوْفًا عَلَيْكُمْ.
ثُمَّ أَنْشَدَ:
وَمَا أَنَا إِلا مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ ... غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدُ
] فَفَارَقُوهُ وَمَضَى بَعْضُهُمْ إِلَى الْكُوفَةِ قَبْلَ كِتَابِ الْقَضِيَّةِ، وَأَقَامَ الْبَاقُونَ مَعَهُ عَلَى إِنْكَارِهِمُ التَّحْكِيمَ نَاقِمِينَ عَلَيْهِ يَقُولُونَ: لَعَلَّهُ يَتُوبُ وَيُرَاجِعُ، فَلَمَّا كُتِبَتِ الْقَضِيَّةُ خَرَجَ بها الأشعث/ 384/ فقال عروة بن جدير: يَا أَشْعَثُ مَا هَذِهِ الدَّنِيَّةُ؟ أَشَرْطٌ أَوْثَقُ مِنْ شَرْطِ اللَّهِ؟ وَاعْتَرَضَهُ بِسَيْفٍ فَضَرَبَ عَجُزَ بغلته وحكم: فغضب الأشعث (و) أَهْلُ الْيَمَنِ حَتَّى مَشَى الأَحْنَفُ وَجَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ وَمَعْقِلُ بْنُ قَيْسٍ وَشَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ وَوُجُوهُ تَمِيمٍ إِلَيْهِمْ فَرَضُوا وَصَفَحُوا.
«410» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بن إبراهيم الدورقي، حدثنا وهب بن جرير حَدَّثَنَا الأسود بْن شيبان قَالَ سمعت الحسن يقول- وذكر الفتنة-: إن القوم نعسوا نعسة فِي دينهم.
«411» وَحَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ زِيَادُ ابن الأَشْهَبِ بْنِ وَرْدٍ الْجَعْدِيُّ أَتَى عَلِيًّا بَعْدَ مقتل عثمان وبيعة الناس عليا
__________
[1] وهذا ظاهر جليّ، والشاهد ما فعله أهل النهروان وسائر الخوارج، مع العراقيين عامة، ومع شيعة أمير المؤمنين خاصة، ولولاهم لكان أمير المؤمنين في الخروج الثاني إلى معاوية يقطع دابر القاسطين ويسعر بهم سريعا نار الجحيم، ولكن المارقين سعوا في العراق بالفساد، وقطعوا الطريق وقتلوا الأبرياء وأوقدوا نار الفتنة، حتى اضطر أمير المؤمنين إلى الانصراف عن حرب معاوية والرجوع إليهم، وبعد الرجوع وفيصل أمرهم تفرق أهل الكوفة أشد تفرق فلم يجتمعوا للخروج إلى معاوية حتى استشهد أمير المؤمنين بيد أشقى الأولين والآخرين ابن ملجم المرادي.(2/339)
لِيَدْخُلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّهُ أَجَابَهُ إِلَى الصُّلْحِ عَلَى أَنْ يُوَلِّيَهُ [1] فَلَمَّا نَقَضَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ نَقَضَ مَعَهُمَا فَقَالَ الْجَعْدِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ:
مَقَامَ زِيَادٍ عِنْدَ بَابِ ابْنِ هَاشِمٍ ... يريد صلاحا بينكم وتقربا
«412» وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ عن جده عن العريان بن الهيثم (وكان) عثمانيا [2] وكان شبث بن ربعي علويا [3] (قال:) فلما مرض شبث ابن ربعي مرضه الذي مات فيه، بعثني (أبي) إِلَيْهِ فقلت لَهُ: أَبِي يقرئك السلام ويقول لك: كيف تجدك؟ - قَالَ: وَكَانَ أَبِي يعيب عَلَيْهِ مشهده يوم صفين كثيرًا- فَقَالَ: أنا في آخر يوم من الدنيا، فأقرأ أباك السلام وقل لَهُ:
أني لم أندم عَلَى قتال مُعَاوِيَة يوم صفين، ولقد قاتلت بالسلاح كله إِلا الهراوة والحجر. قَالَ: فأتيت أبي فأخبرته ومات شبث فقال أبي:
__________
[1] هذا القول مردود بما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام على ما رواه جماعة من انه عليه السلام قال للمغيرة- حيث طلب منه أن يولي معاوية الشام إلى أن يستقر له الأمر-: «ما كنت لاتخذ المضلين عضدا» .
[2] قال ابن أبي الحديد- في شرح المختار: (57) من نهج البلاغة: ج 4/ 92: قال معاوية للهيثم بن الأسود أبي العريان- وكان عثمانيا، وكانت امرأته علوية الرأي تكتب بأخبار معاوية في أعنة الخيل وتدفعها إلى عسكر على عليه السلام بصفين فيدفعونها إليه- فقال معاوية بعد التحكيم: يا هيثم أهل العراق كانوا أنصح لعلي في صفين أم اهل الشام لي، فقال: اهل العراق قبل ان يضربوا بالبلاء كانوا انصح لصاحبهم. قال: كيف، قال: لأن القوم ناصحوه على الدين، وناصحك اهل الشام على الدنيا، واهل الدين اصبر، وهم اهل بصيرة وانما اهل الدنيا اهل طمع، ثم والله ما لبث اهل العراق ان نبذوا الدين وراء ظهورهم ونظروا الى الدنيا، فالتحقوا بك.
فقال معاوية: فما الذي يمنع الاشعث ان يقدم علينا فيطلب ما قبلنا؟! قال: ان الاشعث يكرم نفسه ان يكون راسا في الحرب وذنبا في الطمع.
[3] ان صح ذلك فمعناه انه كان يرى عليا على الحق والمنحرفين عنه على الباطل، لا انه كان من محبيه والمنقادين له، كما كان الشيطان يعلم ان كل ما يأمر الله تعالى به يكون حقا وصوابا وله مصلحة ولكن مع ذلك لم يطع الله وتمرد عن امره، وكيف يمكن ان يقال ان شبث علوي بمعنى انه من محبي امير المؤمنين- ومعنى المحبة والمودة ولوازمها امر جلي عند كل ذي شعور- وقد حضر كربلا واشترك في دماء ريحانة رسول الله واهل بيته وشيعته، وبعد ما رجع الى الكوفة بني مسجدا شكرا لقتل الحسين!!!(2/340)
إني اليوم وإن أملي لي ... لقليل العمر من بعد شبث
عاش تسعين خريفا همه ... جمع مَا يكسب من غير خبث
غير جار فِي تميم سنة ... تنكس الرأس [1] وَلا عهدًا نكث
ولقد زل هواه زلة ... يوم صفين فأخطأ وحنث
فلعل اللَّه أن يرحمه ... بقيام الليل والصوم اللهث
وتقى كَانَ عَلَيْهَا دائما ... وبكاء ودعاء في الملث
__________
[1] كذا في النسخة، ويحتمل رسم الخط بعيدا: «تنكس الأمر» . وأبعد منه: «تنكس الراي» .
وأيضا قال البلاذري- في عنوان: «عمال ابن الزبير» من الجزء الخامس المطبوع ص 275-:
قال الهيثم بن عدي (او المدائني) : وَكَانَ شبث علويا والهيثم بْن الأسود- أَبُو العريان- عثمانيا، وكانا متصافيين فَقَالَ الهيثم لشبث: اني اخاف عليك من يوم صفين. قال العريان بن الهيثم ابن الأسود: فمرض شبث فأتيته فقلت له: يقول لك أبي: كيف تجدك؟ قال: انا في آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة، فاخبر أباك اني لم اندم على قتال معاوية يوم صفين وتمثل قول لبيد:
تمنى ابنتاي ان يعيش أبوهما ... وهل انا إلا من ربيعة او مضر
(قال العريان:) ولم يلبث شبث ان مات، فلم ابلغ الى أبي حتى سمعت الصياح، فقال أبي يرثي شبثا:
انني اليوم وان أملتني ... لقليل المكث من بعد شبث
عاش تسعين خريفا همه ... جمع ما يملك من غير خبث
لم يخلف في تميم سبة ... تنكس الراس ولا عهدا نكث(2/341)
«413» وَقَالَ أَبُو مخنف فِي إسناده: خرج النَّاس إِلَى صفين وهم أحباء متوادون، ورجعوا وهم أعداء متباغضون يضطربون بالسياط، يقول الخوارج:
أدهنتم فِي أمر اللَّه وحكمتم فِي كتابه وفارقتم الجماعة. ويقول الآخرون:
فارقتم إمامنا وجماعتنا. فغم عَلِيًّا تباغضهم واختلافهم فجعل ينشد:
[لقد عثرت عثرة لا أعتذر ... سوف أكيس بعدها واستمر
وأجمع الأمر الشتيت المنتشر
] فلما دخل علي الْكُوفَة فِي شهر ربيع الأول لم يدخلوا مَعَهُ وأتوا حَرُورَاء فنزلوها، وقد كانوا تتاموا اثنا عشر ألفا، ونادى مناديهم: إن أمير القتال شَبَث بْن رَبْعِيّ، وأمير الصلاة عَبْد الله بن الكواء اليشكري والأمر بعد الشورى، والبيعة لله عَلَى الأمر بالمعروف والنهي عَن المنكر. فسموا الحرورية لمصيرهم إِلَى حَرُورَاء، وعسكر علي بالنخيلة فيمن أطاعه، وَكَانَ شبث قد مال إِلَى الحرورية، ثُمَّ آب فرجع إِلَى علي عَلَيْهِ السلام.
«414» وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وهب بْن جرير، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ: أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا كَتَبَ كِتَابَ الْقَضِيَّةِ نَفَرُوا مِنْ ذَلِكَ، فَحَكَمَ مَنْ حَكَمَ مِنْهُمْ، ثُمَّ افْتَرَقُوا ثَلاثَ فِرَقٍ: فَرَجَعَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمْ إِلَى أَمْصَارِهِمْ وَمَنَازِلِهِمُ الأُولَى فَأَقَامُوا بِهَا، فَكَانَ/ 385/ مِمَّنْ رَجَعَ الأَحْنَفُ وَشَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ، وَأَبُو بِلالٍ مِرْدَاسُ بْنُ أُدَيَّةَ، وَابْنُ الْكَوَّاءِ، بَعْدَ أَنْ نَاشَدَهُمْ عَلِيٌّ وَقَالَ:
[اصْبِرُوا عَلَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فَإِنْ رَأَيْتُمُونِي قَابِلا الدنية فعند ذلك ففارقوني (كذا) ] فرجعوا (فرجع من رجع «خ» ) إِلَى الْعِرَاقِ إِلَى مَنَازِلِهِمْ وَأَقَامَتِ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ وَقَالُوا: لا نَعْجَلُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى مَا يَصِيرُ شَأْنُهُ، وَمَضَتِ الْفِرْقَةُ الَّتِي شَهِدَتْ عَلَى عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ بِالشِّرْكِ، وَهُمْ أَهْلُ النَّهْرَوَانِ الَّذِينَ قاتلوه.(2/342)
(القول في) أَمْرُ الْحَكَمَيْنِ وَمَا كَانَ مِنْهُمَا
«415» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، عَنْ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قال: لما تَقَاضَوْا وَانْصَرَفُوا إِلَى بِلادِهِمْ مَكَثُوا بَقِيَّةَ السَّنَةِ الَّتِي اقْتَتَلُوا فِيهَا بِصِفِّينَ، حَتَّى إِذَا كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ- أَوْ سَبْعٍ- وَثَلاثِينَ، خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَمَعَهُمَا مِنْ جُنْدِهِمَا مَنْ أَحَبَّا، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَاضِي عَلِيٍّ- أَوْ قَالَ: خَلِيفَةُ عَلِيٍّ- حَتَّى نَزَلا بَتَدْمُرَ شَهْرًا يَتَرَاجَعَانِ وَيَكْتُبَانِ إِلَى صَاحِبَيْهِمَا، وَيَكْتُبُ صَاحِبَاهُمَا إِلَيْهِمَا حَتَّى دَخَلا فِي السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ، ثُمَّ تَحَوَّلا مِنْ تَدْمُرَ إِلَى دُومَةِ الْجَنْدَلِ فَأَقَامُوا بِهَا شَهْرًا، ثُمَّ تَحَوَّلا مِنْ دُومَةِ الْجَنْدَلِ إِلَى أَذْرُحَ، وَكَتَبَا إِلَى صَاحِبَيْهِمَا وَمَنْ أَرَادَا مِنَ النَّاسِ، وَأَنْفَذَا إِلَى عَلِيٍّ كِتَابًا مَعَ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ (بْنِ) الأَخْنَسِ السُّلَمِيِّ، وَجَاءَ مُعَاوِيَةُ لِلْمِيعَادِ، في رجال (من) أهل الشام فيهم عبد الرحمان بن الأسود بن عبد يغوث، وعبد الرحمان بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَحَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ.
وَكَتَبُوا إِلَى نَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْهُمْ: سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل، فَأَبَى أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْهِمْ، فَكَتَبُوا إِلَى سَعْدِ ابن أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ الرحمان بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وعبد الرحمان بن الأرقم الزهري، وعبد الرحمان بن الحرث بن هشام. ويقال إن عبد الرحمان بن الحرث بْنِ هِشَامٍ أَتَاهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكْتَبَ إليه.(2/343)
وَأَتَاهُمْ أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ وَهُمْ بِأَذْرُحَ، وَرَجَعَ الرَّسُولُ الْمُوَجَّهُ إِلَى عَلِيٍّ وَلَمْ يَقْدُمْ عَلِيٌّ مَعَهُ. وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَا أَحَقُّ النَّاسِ بِهَذَا الأَمْرِ لَمْ أُشْرِكْ في دم عثمان، ولم أحضر شيئا من هذه الأمور الفتنة (كذا) .
وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لابْنِ عُمَرَ: اشْدُدْ لِي ضَبُعَكَ فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيكَ.
وَلَمْ يَشُكَّ النَّاسُ فِي ابْنِ عُمَرَ، وَكَانَ أَبُو موسى الأشعري مع ابن عباس (كذا) .
فَتَحَاوَرَ الْحَكَمَانِ فِي أَمْرِهِمَا فَدَعَا أَبُو مُوسَى إلى عبد الرحمان بن الأسود ابن عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيِّ فَاخْتَلَفَا، فَقَالَ عَمْرٌو: هَلْ لك في أمر لا يختلف معه؟ قال: وما هو؟ قال: تجعل أَيُّنَا وَلاهُ صَاحِبُهُ الأَمْرَ إِلَى مَنْ رَأَى، وَعَلَيْهِ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ لَيَجْهَدَنَّ لِلْمُسْلِمِينَ. قَالَ أبو موسى: نعم. قال عمرو:
ذلك إِلَيْكَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ. قَالَ أَبُو مُوسَى لا. قَالَ عَمْرٌو: فَهُوَ إِلَيَّ بِذَلِكَ. قَالَ مُوسَى: قَدْ أَعْطَيْتُكَ إِيَّاهُ. قَالَ عَمْرٌو: نَعَمْ قَدْ قَبِلْتُ. ثُمَّ نَدِمَ أَبُو مُوسَى فَقَالَ: أَلا تَدْرِي مَا مَثَلُكَ يَا عَمْرُو؟ مَثَلُكَ مَثَلُ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا. يَقُولُ: إِنَّكَ لا تنظر لدين ولا ترعا الَّذِي حَمَلْتَ مِنَ الأَمَانَةِ وَالْعَهْدِ.
فَقَالَ عَمْرٌو: مَثَلُكَ مَثَلُ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ، إِنْ جَعَلْتُ الأَمْرَ إِلَيَّ أَبَيْتَ، وَإِنْ جَعَلْتُهُ إِلَيْكَ أَبَيْتَ [1] .
ثُمَّ خَلا عَمْرٌو بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: اجْتَمَعَ أَمْرُ النَّاسِ عَلَيْكَ وَأَنْتَ أَحَقُّهُمْ بِهَذَا الأَمْرِ، فَإِنَّ عَلِيًّا قَدْ تَخَلَّفَ عَنَّا، وَتَرَكَ مَا افْتَرَقْنَا عَلَيْهِ، وَلا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ إِمَامٍ يَلِي أُمُورَهُمْ وَيَحُوطُهُمْ وَيُقَاتِلُ مِنْ وَرَائِهِمْ.
فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا أَنَا بِالَّذِي أُقَاتِلُ النَّاسَ فَتُؤَمِّرُونِي عَلَيْهِمْ وَلا حَاجَةَ لِي فِي الإمرة. فزعموا أن عمروا قَالَ لَهُ: أَتَجْعَلُنِي عَلَى مِصْرَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ وُلِّيتُ مِنَ الأَمْرِ شَيْئًا مَا اسْتَعْمَلْتُكَ على شيء.
__________
[1] هذا هذ الظاهر، وفي النسخة: «وإن جعلته إليك اتيت» . ثم ان في الرواية اخلالا من جهات يعرف مما يأتي.(2/344)
قَالَ: وَأَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ حِينَ خَلا عَمْرٌو/ 386/ بِابْنِ عُمَرَ لِيُبَايِعَهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ بِالْبَابِ: لا تَعْجَلْ فَإِنَّهُمَا قَدِ اخْتَلَفَا، وَابْنُ عُمَرَ يَأْبَاهَا. فرجع معاوية فلما أبا ابْنُ عُمَرَ أَنْ يَقْبَلَهَا تَفَرَّقَ النَّاسُ وَرَجَعُوا إِلَى أَرْضِيهِمْ وَرَجَعَ أَبُو مُوسَى إِلَى مَكَّةَ وَلَمْ يَلْحَقْ بِعَلِيٍّ، وَانْصَرَفَ مُعَاوِيَةُ وَلَمْ يُبَايِعْ لَهُ، وَكَانَ تَفَرَّقَ النَّاسُ وَالْحَكَمَيْنِ عَنِ أَذْرُحَ فِي شَعْبَانَ، فَقَالَ كَعْبُ بْنُ جُعَيْلٍ التَّغْلِبِيُّ:
كأن أبا موسى عشية أذرح ... يضيف بلقمان الحكيم يواربه (كذا)
وَلَمَّا الْتَقَيْنَا فِي تُرَاثِ مُحَمَّدٍ ... عَلَتْ بِابْنِ هِنْدٌ فِي قُرَيْشٍ مَضَارِبُهْ
«416» وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ:
سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ يُحَدِّثُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَمَّا اجْتَمَعُوا بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ قَالَ عَمْرٌو لابْنِ عُمَرَ: إِنَّا قَدْ رَأَيْنَا أَنْ نُبَايِعَكَ فَهَلْ لَكَ أَنْ نُعْطِيَكَ مَالا وَتَدَعَهَا لِمَنْ هُوَ أَحْرَصُ عَلَيْهَا مِنْكَ؟ فَوَثَبَ ابْنُ عُمَرَ مُغْضَبًا فَأَخَذَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِثَوْبِهِ فَجَلَسَ وَقَالَ: وَيْحَكَ يَا عمرو بعت (ظ) آخِرَتَكَ بِدُنْيَاكَ، إِنِّي وَاللَّهِ لا أُعْطِي عَلَيْهَا مَالا وَلا أَقْبَلُ عَلَيْهَا مَالا وَلا أَقْبَلُهَا إلا هي رضا جَمِيعِ النَّاسِ.
«417» حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ.
عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ شَهِدَ مُجْتَمَعَهُمْ بِأَذْرُحَ لِلْحُكُومَةِ وَأَنَّ عَمْرًا قَالَ لَهُ مَا تَجْعَلُ لِي إِنْ صَرَفْتُهَا إِلَيْكَ؟ قَالَ: لا أَجْعَلُ لَكَ وَاللَّهِ شَيْئًا وَلا أَقْبَلُهَا حَتَّى لا يَخْتَلِفَ عَلَيَّ فِيهَا اثْنَانِ.
«418» حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ، عن محمد بن صالح، عن محمد ابن السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ قَالَ:(2/345)
قَدِمَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ مِنْ صِفِّينَ لِعَشْرِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، فَأَقَامَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَجْبِي الْمَالَ وَيَبْعَثُ الْعُمَّالَ وَيَنْظُرُ فِي أُمُورِ النَّاسِ فَبَيْنَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ وَالْخَوَارِجُ مُقِيمُونَ عَلَى إِنْكَارِ الْحُكُومَةِ، إِذْ قَدِمَ عَلَيْهِ مَعْنُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الأَخْنَسِ السُّلَمِيُّ مِنْ قِبَلِ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَدْ وفاه فينبغي لك أن تفي كما وفاه. فبعث علي عبد الله بن عباس وأربعمائة وَأَبَا مُوسَى مَعَهُمْ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي بِهِمْ وَيَلِي أُمُورَهُمْ وَكَانَ أَبُو مُوسَى الْحَكَمَ، فَنَزَلُوا دُومَةَ الْجَنْدَلِ، وَحَضَرَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَر، وعبد اللَّه بْن الزبير، وعبد الرحمان بن الأسود الزهري، وعبد الرحمان بن الحرث بن هشام المخزومي، وأبو الجهم ابن حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيُّ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الثَّقَفِيُّ وَكَانَ مُعْتَزِلا لأَوَّلِ الأَمْرِ.
وَالثَّبْتُ أَنَّ سَعْدًا لَمْ يَحْضُرَ، وَقَدْ حَرَصَ ابْنُهُ عُمَرُ أَنْ يَشْخَصَ فَلَمْ يَفْعَلْ.
«419» المدائني عَن أَبِي الفضل التنوخي، عمن سمع ميمون بْن مهران يحدث عمر بن عبد العزيز، قال:
لما أهل هلال شهر رمضان سنة سبع وثلاثين، خرج مُعَاوِيَة من دمشق في أربعمائة حَتَّى نزل دومة الجندل وسرح يزيد بْن الحر العبسي إِلَى علي يعلمه نزوله دومة الجندل ويسأله الوفاء، فأتى عَلِيًّا فحثه عَلَى الشخوص [1] وقال: إن فِي حضورك هَذَا الأمر صلاحا ووضعا للحرب وإطفاء للنائرة. فقال علي: [يا بن الحر، إني آخذ بأنفاس هَؤُلاءِ فَإِن تركتهم وغبت عنهم كانت الفتنة فِي هَذَا المصر أعظم من الحرب بينهم وبين أَهْل الشَّامِ ولكني أسرح أبا مُوسَى فقد رضيه النَّاس وأسرح ابْن عَبَّاس فهو يقوم مقامي ولن أغيب عما حضره،] ففعل ذَلِكَ فبعث إِلَى ابن عباس فأقدمه من البصرة،
__________
[1] اي اتى يزيد بن الحر عليا فحثه على الشخوص الى دومة الجندل او المحل الذي نزل فيه الحكمان.(2/346)
وأقدم أبا مُوسَى وَكَانَ توجه إِلَى بعض النواحي فقدما عَلَيْهِ فوجههما فِي خيل وأقام.
«420» حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ وَالشَّرْقِيِّ بْنِ الْقُطَامِيِّ قَالا: سَمِعْنَا النَّاسَ يَتَحَدَّثُونَ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ خَلا بِعَلِيٍّ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ أَبَا مُوسَى فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَخْدَعَ مُعَاوِيَةُ وَعَمْرٌو أَبَا مُوسَى فَابْعَثْنِي حَكَمًا وَلا تَبْعَثْهُ وَلا تَلْتَفِتْ إِلَى قَوْلِ الأَشْعَثِ وَغَيْرِهِ/ 387/ مِمَّنِ اختاره [1] فأبا، فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ أَبِي مُوسَى وَخَدِيعَةِ عَمْرٍو لَهُ مَا كَانَ قَالَ عَلِيٌّ: [لِلَّهِ دَرُّ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنْ كَانَ لَيَنْظُرُ إِلَى الغيب من ستر رقيق [2]] .
__________
[1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «ولا تلتفت إلي قول الأشتر» إلخ. ولا ريب انه مصحف فإن كل من له أدني المام بقصة صفين يعلم بأن الأشتر (ره) لم يكن له ناقة ولا جمل في أختيار أبي موسى في هذه القضية، نعم كان للأشعث وقومه ومردة القراء وضعفاء الناس- وهم جل جنده علية السلام- القدح المعلى في اختيار أبي موسى، ومنه يعلم وجه إبائه عليه السلام فإنه لو أخر أبا موسي عن الأمر- وقد اختاره جل جنده- وقدم ابن عباس للحكومة، لكانت البلية مطبقة عليه وعلى خواص أصحابه من جميع الجهات.
ثم الظاهر ان ابن السائب وابن القطامي سمعوا الكلام من معطلة السوقية الذين يقولون بالحدس ورجما للغيب، وكيف يلتمس ابن عباس عن أمير المؤمنين أن يرسله حكما دون أبي موسى وقد كان حاضرا بصفين قبل كتابة العهد وتعيين الحكمين وقد راى اصرار امير المؤمنين على تعيينه او الأشتر للحكومة فأبى عليه الأشعث وجهلة القراء والذين لم تكن لهم فيه في جهاد البغاة.
[2] هذا الكلام مما قرظ به ابن عباس في موارد وفي جلها غير صحيح، منها هذا المورد فإن سوق الحديث دال على أن أمير المؤمنين عليه السلام- بناء على صدق الحديث- كان جاهلا بالواقع ومزايا الأشعري وعلمه ابن عباس بالفراسة!!! وهذا باطل من وجوه منها ان علم أمير المؤمنين مأخوذ من معلم مثل النبي صلّى الله عليه وسلم وكان حريصا على تعليمه بحيث أنه إذا كان حاضرا وكان يعجز عن السؤال وإدامة الاستفادة، كان هو صلّى الله عليه وآله يبتده بالافادة، وإذا كان غائبا فمجرد حضوره واستئذانه يأذن له ويقول له: جاءني جبرئيل بعدك بكذا وكذا، وأما ابن عباس والذي علمه عن غير أمير المؤمنين عليه السلام فجلة اخذه عن نعسان مثله، فإنه كان يحضر باب المهاجرين والانصار للتعلم- مع ما في كثير منهم من القصور علما- فربما قيل له: ان صاحب البيت نائم، فكان (ره) لحرصه على التعلم وتعظيمه للمطلوب منه، يتنعس على باب البيت حتى يقوم صاحبه من منامه ويفيد له حديثا وهو نعسان!!!(2/347)
«421» وحدثني عبد الله بن صالح المقري، عَن يَحْيَى بْن آدم، عَن شريك، عَن الأعمش، عَن أَبِي وائل قَالَ:
قَالَ سهل بْن حنيف الأَنْصَارِيّ بصفين حين حكم الحكمان: مَا وضعنا سيوفنا عَلَى عواتقنا لأمر إِلا أسهل بنا إِلَى مَا نعرفه إِلا أمرنا هَذَا [1] .
«422» وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ لُوطِ بْنِ يَحْيَى، وَعَنْ عَوَانَةَ فِي إِسْنَادِهِمَا قَالُوا: لَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ وَقَدْ فَارَقَتْهُ الْمُحَكِّمَةُ- وَهُمُ الْخَوَارِجُ- وَثَبَ إِلَيْهِ شِيعَتُهُ فَقَالُوا: بَيْعَتُكَ فِي أَعْنَاقِنَا فَنَحْنُ أَوْلِيَاءُ مَنْ وَالَيْتَ وَأَعْدَاءُ مَنْ عَادَيْتَ فَقَالَ الْخَوَارِجُ: تَسَابَقَ هَؤُلاءِ وَأَهْلُ الشَّامِ إِلَى الْكُفْرِ كَفَرَسَيْ رِهَانٍ بَايَعَ أَهْلُ الشَّامِ مُعَاوِيَةَ عَلَى مَا أَحَبُّوا وَكَرِهُوا وَبَايَعَ هَؤُلاءِ عَلِيًّا عَلَى أنهم أولياء من والا، وأعداء من عادى.
[أمر الحرورية]
وَبَعَثَ عَلِيٌّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ إِلَى الخوارج وهم معتزلون بحروراء وبها سمعوا الْحَرُورِيَّةَ. فَقَالَ: أَخْبِرُونِي مَاذَا نَقِمْتُمْ مِنَ الْحَكَمَيْنِ؟ وَقَالَ اللَّهُ فِي الشِّقَاقِ: «فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ» الآية: (40/ النساء) وَقَالَ فِي كَفَّارَةِ الصَّيْدِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ: «يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ» (95/ المائدة) قَالُوا:
مَا جَعَلَ اللَّهُ حُكْمَهُ إِلَى النَّاسِ وَأَمْرِهِمْ بِالنَّظَرِ فِيهِ فَهُوَ إِلَيْهِمْ، وَأَمَّا مَا حَكَمَ بِهِ وَأَمْضَاهُ فِي الشَّرَائِعِ وَالسُّنَنِ وَالْعَزَائِمِ فَلَيْسَ لِلْعِبَادِ ان ينظروا فيه، ألا ترى
__________
[1] كذا هنا، وقال ابن الأثير- في مادة «خصم» من كتاب النهاية-: خصم كل شيء- (كقفل) -: طرقه وجانبه، ومنه حديث سهل بن حنيف يوم صفين- لما حكم الحكمان- «هذا أمر لا يسد منه خصم إلا انفتح علينا خصم آخر» . (قال ابن الأثير) : أراد الإخبار عن انتشار الأمر وشدته وأنه لا يتهيأ إصلاحه وتلافيه، لأنه بخلاف ما كانوا عليه من الاتفاق.(2/348)
أن الحكم (ان حكمه «خ» ) فِي الزَّانِي وَالسَّارِقِ وَالْمُرْتَدِّ وَأَهْلِ الْبَغْيِ مِمَّا لا يَنْظُرُ الْعِبَادُ فِيهِ وَلا يَتَعَقَّبُونَهُ. وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: «يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ» (95/ المائدة) فَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَدْلٌ؟ وَحُكْمُ اللَّهِ فِي مُعَاوِيَةَ وَأَتْبَاعِهِ أَنْ يُقَاتَلُوا بِبَغْيِهِمْ حَتَّى يَفِيئُوا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ. فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَيُقَالُ أَجَابَهُ أَلْفَا رَجُلٍ. وَيُقَالُ: أَرْبَعَةُ آلافِ رَجُلٍ.
ثُمَّ إن عَلِيًّا سأل عَنْ يَزِيدَ بْن قَيْس الأرحبي فقيل: إنهم يطيفون بِهِ ويعظمونه، فخرج علي حَتَّى أتى فسطاطه فصلى فِيهِ ركعتين ثُمَّ خاطبهم فَقَالَ:
نشدتكم اللَّه هل تعلمون أني كنت أكرهكم للحكومة فيما بيننا وبين القوم، ولوضع الحرب، وأعلمتكم أنهم إنما رفعوا المصاحف خدعة ومكيدة، فرد علي رأيي وأمري فشرطت فِي الكتاب عَلَى الحكمين أن يحييا مَا أحيا الكتاب، ويميتا مَا أمات، فَإِن حكما بحكم الْقُرْآن فليس لنا أن نخالف مَا حكما بِهِ، وإن أبيا وزاغا فنحن من حكمهما براء، وإنما حكمنا الْقُرْآن ولم نحكم الرجال، لأن الرجال إنما ينطقون بما بين اللوحين.
قَالُوا: فلم كتبت اسمك ولم تنسب نفسك إِلَى إمرة الْمُؤْمِنِينَ؟ أكنت مرتابا فِي حقك؟ فَقَالَ: [إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لما كتب القضية بينه وبين قريش قَالَ (لي) : اكتب: هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول اللَّهِ وسهيل بْن عَمْرو. فَقَالَ أَهْلُ مَكَّة: لو كنا نعلم أنك رَسُول اللَّهِ مَا قاتلناك. فكتب مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ.] قَالُوا: إنما قلت لنا ما قلت وقد تاب إِلَى اللَّه من كَانَ منا مائلا إِلَى الحكومة، وعادلهم إِلَى المنابذة ونصب الحرب (ظ) فَإِن تبت وإلا اعتزلناك. قَالَ: [فإني أتوب إِلَى اللَّه وأستغفره من كل ذنب. وَقَالَ لهم: ادخلوا مصركم رحمكم اللَّه. فدخلوا] من عند آخرهم وبايعوه عَلَى إعادة حرب القوم وَقَالُوا: نجبي الخراج ونسمن الكراع ثُمَّ نسير إِلَيْهِمْ.(2/349)
وقدم معن بْن يزيد بْن الأخنس بْن حبيب السلمي عَلَى علي من قبل مُعَاوِيَة، يستبطيه فِي الحكومة، وَقَالَ: إن مُعَاوِيَة قد وفى ففه (أنت) وَلا يلفتنك عَن رأيك أعراب تميم وبكر. فبعث (علي) أربعمائة من أصحابه عليهم شريح بْن هانئ، وبعث ابْن عَبَّاس عَلَى صلاتهم والقضاء بينهم وولاية أمورهم وبعث معهم أبا مُوسَى الأَشْعَرِيّ. وبعث معاوية عمرا في أربعمائة من أَهْل الشَّامِ فتوافوا بدومة/ 388/ الجندل والتقى الحكمان فقال عمرو: يا (أ) با مُوسَى ألست تعلم أن عُثْمَان قتل مظلومًا؟ قَالَ: أشهد قَالَ: أفلست تعلم أن مُعَاوِيَة ولي عُثْمَان؟ قَالَ: بلى. قَالَ: فَإِن اللَّه يقول: «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً» (33/ الإسراء) فما يمنعك من مُعَاوِيَة مَعَ موضعه وشرفه، وإنه فِي صواب تدبيره ورفق سياسته عَلَى مَا ليس عَلَيْهِ غيره، وإن ولي كنت المقدم عنده وبسط يدك فيما أحببت من ولايته!!! فَقَالَ أَبُو مُوسَى:
إن هَذَا الأمر لا يكون بالشرف، وغيره مما ذكرت، وإنما يكون لأهل الدين والفضل والشدة فِي أمر اللَّه، مَعَ أني لو أعطيته أعظم قريش شرفا أعطيته عَلِيًّا!!! وأما الولاية فلو إن مُعَاوِيَة خرج إلي من سلطانه كله إذا ولي مَا وليت، مَا كنت لأرضى بالدنية فِي دين اللَّه وحقه، ولكن ان شئت احيينا ذكر عمر فَقَالَ عَمْرو: فَإِن كنت تريد بيعة ابْن عُمَرَ، فما يمنعك من ابني عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو؟!!! وأنت تعرف فضله وصلاته. قَالَ: إن ابنك لرجل صدق لكنك قد غمسته فِي الفتنة، ولكن إن شئت ولينا الطيب ابن الطيب عَبْد اللَّهِ بْن عمر. فَقَالَ عَمْرو: إن هَذَا الأمر لا يصلح إِلا لرجل لَهُ ضرس يأكل بِهِ ويطعم. فَقَالَ لَهُ: يَا عَمْرو ويحك إن العرب قد أسندت إِلَيْك أمرها بعد أن تقارعت بالسيوف وتناكزت بالرماح فلا تردنهم إِلَى مثل ذَلِكَ.
وأخذ عَمْرو بْن العاص يقدم أبا مُوسَى فِي الصلاة والكلام ويعظمه ويوقره ويقول (له) : أنت صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبلي ولك سنك وفضلك فَإِذَا تكلم (أبو موسى تكلم عمرو) بعده حتى عوّده ذلك، (و) قال أبو(2/350)
مُوسَى لعمرو: مَا رأيك؟ قَالَ رأيي أن يخلع هذين الرجلين ونجعل الأمر شورى فيختار المسلمون لأنفسهم وينقطع الحرب. قَالَ أَبُو مُوسَى: نعم مَا رأيت. قَالَ عَمْرو: فتقدم رحمك اللَّه فإنك صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال أَبُو مُوسَى: أيها النَّاس إن رأينا قد اتفق عَلَى أمر أرجو أن يصلح اللَّه بِهِ شأن هَذِهِ الأمة. فَقَالَ عَمْرو: صدق وبرّ، تكلّم يا (أ) با مُوسَى بما تريد فدعاه ابْن عَبَّاس فَقَالَ لَهُ: ويحك أظنه قد خدعك، إن كنتما اتفقتما عَلَى أمر فقدمه قبلك فليتكلم ثُمَّ تكلم أنت فإنه رجل غدار. وَكَانَ أَبُو مُوسَى مغفلا، فَقَالَ: إنا قد اتفقنا وَلا خلاف بيننا. وتكلم أَبُو مُوسَى فَقَالَ- بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ- إنا نظرنا فِي هَذَا الأمر فلم نر شَيْئًا أصلح من خلع هذين الرجلين ثُمَّ تستقبل الأمة أمورها فيكون أمورهم شورى يولون من اختاروا، إني قد اختلعت عَلِيًّا وَمُعَاوِيَة فاستقبلوا أموركم وولوا من رأيتم أنتم. وتنحى، وأقبل عَمْرو فَقَالَ: إن هَذَا قد قَالَ: مَا سمعتم وخلع صاحبه، وأنا أخلعه كما خلعه وأثبت صاحبي مُعَاوِيَة فإنه ولي عُثْمَان والطالب بدمه وَهُوَ أصلح سياسة وأحزم رأيا من غيره. ويقال: إنه قَالَ:
إن أبا مُوسَى قد خلع صاحبه وقد خلعته كما خلعت نعلي هذه، و (أ) ثبت صاحبي معاوية!!! فقال له أبو موسى: ما لك لا وفقك اللَّه غدرت وفجرت إنما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عَلَيْهِ يلهث، أَوْ تتركه يلهث. فَقَالَ عَمْرو:
مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا. وحمل شريح بْن هانئ عَلَى عَمْرو فقنعه بالسوط، وحمل مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن العاص- أَوْ غيره من ولده- عَلَى شريح فضربه بسوطه وقام النَّاس فحجزوا بينهما. وطلب أَهْل الْكُوفَةِ أبا مُوسَى فركب راحلته ولحق بِمَكَّةَ. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: قبحا لرأي أَبِي مُوسَى لقد حذرته وأمرته بالرأي فما عقل وَلا قبل. وَكَانَ أَبُو مُوسَى يقول: لقد حذرني ابْن عَبَّاس غدر الفاسق ولكن اطمأننت إِلَيْهِ.
وانصرف أَهْل الشَّامِ إِلَى مُعَاوِيَةَ فسلموا عَلَيْهِ بالخلافة وبايعوه، ورجع ابْن عَبَّاس وشريح بْن هانئ إِلَى علي بالخبر، فكان علي إذا صلى الغداة(2/351)
قنت فَقَالَ: [اللَّهُمَّ/ 389/ العن مُعَاوِيَة وعمرًا وأبا الأعور، وحبيب بن مسلمة وعبد الرحمان بْن خالد بْن الوليد، والضحاك بْن قَيْس والوليد بْن عقبة] .
فبلغ ذَلِكَ مُعَاوِيَة فكان يلعن عَلِيًّا والأشتر، وقيس بْن سَعْدٍ والحسن والحسين وابن عباس وعبد اللَّه بْن جعفر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهم.
«423» حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَرَّةَ الحنفي عَلِيًّا خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ فَخَطَبَ فَإِنَّهُ لَفِي خُطْبَتِهِ إِذْ حَكَمَتِ الْمُحَكِّمَةُ فِي جَوَانِبِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: [كَلِمَةُ حَقٍّ يُعَزَّى بِهَا- أَوْ قال:
يراد بها- باطل (نعم) إِنَّهُ لا حُكْمَ إِلا لِلَّهِ،] وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ لا إِمْرَةً وَلا بُدَّ مِنْ أَمِيرٍ يعمل في امرته المؤمن ويستمتع الْفَاجِرُ [1] فَإِنْ سَكَتُوا تَرَكْنَاهُمْ- أَوْ قَالَ: عَذَرْنَاهُمْ- وَإِنْ تَكَلَّمُوا حَجَجْنَاهُمْ وَإِنْ خَرَجُوا عَلَيْنَا قَاتَلْنَاهُمْ. فَقَامَ يَزِيدُ بْنُ عَاصِمٍ الْمُحَارِبِيُّ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ إِعْطَاءِ الدَّنِيَّةِ فِي دِينِنَا، فَإِنَّ ذَلِكَ إِدْهَانٌ وَذَا يَرْجِعُ إِلَى سَخَطِ اللَّهِ فَخَرَجَ هُوَ وَأَخُوهُ فَقُتِلُوا بِالنَّهْرَوَانِ.
«424» حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حَدَّثَنَا وهب بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ راسد (كذا) [2] :
__________
[1] كذا في الهامش عن نسخة، ومثله في المختار: (40) من نهج البلاغة غير أن فيه «الكافر» . وفي متن أنساب الأشراف: «ويستمع الفاجر» .
[2] كذا في النسخة، وقال ابن عساكر- في ترجمة ابن الكواء، من تأريخ دمشق: ج 37/ 217-:
أخبرنا أبو محمد هبة الله بن أحمد الاكفاني شفاها وعبد الله بن أحمد السمرقندي في كتابه، قالا:
أنبأنا عبد العزيز بن أحمد، أنبأنا أبو محمد ابن أبي نصر، أنبأنا أبو بكر أحمد بن محمد بن سعيد بن عبيد الله بن قطمر الوراق، أنبأنا أبو عبد الملك أحمد بن ابراهيم القرشي، أنبأنا محمد بن عائد.
قال: وأخبرني الوليد بن محمد، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، قال خاصمت الحرورية عليا ستة أشهر إلخ. ومثله في تهذيب تاريخ دمشق ج 7 ص 350 ترجمه عبد الله ابن الكواء غير انه لم يذكر فيه السند.(2/352)
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى الْكُوفَةِ مِنْ صِفِّينَ خَاصَمَتْهُ الْحَرُورِيَّةُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَقَالُوا: شَكَّكْتَ فِي أَمْرِكَ وحكمت عدوك ودهنت فِي الْجِهَادِ، وَتَأَوَّلُوا عَلَيْهِ الْقُرْآنَ [1] فَقَالُوا: قَالَ الله: «وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ» الآية: (20/ غافر) وَطَالَتْ خُصُومَتُهُمْ لِعَلِيٍّ، ثُمَّ زَالُوا بِرَايَاتِهِمْ وَهُمْ خَمْسَةُ آلافٍ عَلَيْهِمُ ابْنُ الْكَوَّاءِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَصَعْصَعَةَ بْنَ صُوحَانَ فَدَعَوَاهُمْ إِلَى الْجَمَاعَةِ وَنَاشَدَاهُمْ فَأَبَوْا عَلَيْهِمَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ إِنَّا نُوَادِعُكُمْ إِلَى مُدَّةٍ نَتَدَارَسُ فِيهَا كِتَابَ اللَّهِ لَعَلَّنَا نَصْطَلِحُ، وَقَالَ لَهُمْ: [أَبْرِزُوا مِنْكُمُ اثْنَا عَشَرَ نَقِيبًا، وَابْعَثْ مِنَّا مِثْلَهُمْ وَنَجْتَمِعُ بِمَكَانِ كَذَا فَيَقُومُ خُطَبَاؤُنَا بِحُجَجِنَا وَخُطَبَاؤُكُمْ بِحُجَجِكُمْ.] فَفَعَلُوا وَرَجَعُوا فَقَامَ عَلِيٌّ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:
أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي لَمْ أَكُنْ أَحْرَصَكُمْ عَلَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَعَلَى التَّحْكِيمِ، وَلَكِنَّكُمْ وَهَنْتُمْ فِي الْقِتَالِ، وَتَفَرَّقْتُمْ عَلَيَّ وَخَاصَمَنِي الْقَوْمُ بِالْقُرْآنِ وَدَعَوْنَا إِلَيْهِ، فَخَشِيتُ إِنْ أَبَيْتُ الَّذِي دَعَوْا إِلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْحُكْمِ، أَنْ يَتَأَوَّلُوا عَلَيَّ قَوْلَ اللَّهِ:
«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ» الآية: (23/ آل عمران) . ويتأولوا (علي قوله) : «لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [2] (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ) ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ» . الآية: (95/ المائدة) . ويتأولوا (علي) قوله:
__________
[1] كذا في النسخة، وفي ترجمة عبد الله بن الكواء من تاريخ دمشق: ج 37 ص 317:
«وتأولوا على علي وأصحابه: «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ» (57/ الانعام) .
وتأولوا قول الله: «وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ» (20/ غافر) إلخ.
[2] وبعده في النسخة هكذا: «إلى قوله: «ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ» . وقد ذكرنا ما أسقطه من الآية ووضعناه بين المعقوفين.(2/353)
«وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا (حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما) الآية (35/ النساء) فَلَمْ آبَ عَلَيْهِمُ التَّحَاكُمَ، وَخَشِيتُ أَنْ تَقُولُوا: فَرَضَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْحُكُومَةَ فِي أَصْغَرِ الأَمْرِ فَكَيْفَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ سَفْكُ الدماء، وقطع الأرحام وانهتاك الْحَرِيمِ، وَخِفْتُ وَهَنَكُمْ وَتَفَرُّقَكَمْ.
ثُمَّ قَامَتْ خُطَبَاءُ الْحَرُورِيَّةِ، فَقَالُوا: دَعَوْتَنَا إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَالْعَمَلِ به فأجبناك وبايعناك، (و) قد قُتِلَتْ فِي طَاعَتِكَ قَتْلانَا يَوْمَ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ، ثُمَّ شَكَكْتَ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَحَكَّمْتَ عَدُوَّكَ، وَنَحْنُ عَلَى أَمْرِكَ الَّذِي تَرَكْتَ، وَأَنْتَ الْيَوْمَ عَلَى غَيْرِهِ، فَلَسْنَا مِنْكَ إِلا أَنْ تَتُوبَ مِنْهُ وَتَشْهَدَ عَلَى نَفْسِكَ بِالضَّلالَةِ!!! فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ قَوْلِهِمْ: قَالَ عَلِيٌّ:
أَمَّا أَنْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِي بِالضَّلالَةِ فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَكُونَ ارْتَبْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، أَوْ ضَلَلْتُ مُنْذُ اهْتَدَيْتُ، بَلْ بِنَا هَدَاكُمُ اللَّهُ مِنَ الضَّلالَةِ، وَاسْتَنْقَذَكُمْ مِنَ الْكُفْرِ، وَعَصَمَكُمْ مِنَ الْجَهَالَةِ، وَإِنَّمَا حَكَّمْتُ الْحَكَمَيْنِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَالسُّنَّةِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ، فَإِنْ حَكَمَا بِكِتَابِ اللَّهِ كُنْتُ أَوْلَى بِالأَمْرِ مِنْ حُكْمِهِمَا، وَإِنْ حَكَمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يكن لهما علي وعليكم حُكْمٌ.
ثُمَّ تَفَرَّقُوا فَأَعَادَ إِلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بن عباس وصعصعة (بن صوحان) فَقَالَ لَهُمْ صَعْصَعَةُ: أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ أَنْ تَجْعَلُوا فِتْنَةَ الْعَامِ مَخَافَةَ فِتْنَةِ عَامٍ قَابِلٍ. فَقَالَ ابن الكواء: أكنتم تَعْلَمُونَ إِنِّي دَعَوْتُكُمْ إِلَى هَذَا الأَمْرِ؟ فَقَالُوا: بلى.
قال: فَإِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَطَاعَ هَذَا الرَّجُلَ فَإِنَّهُ وَاعِظٌ شَفِيقٌ. فَخَرَجَ مَعَهُ مِنْهُمْ نَحْوٌ مِنْ خمسمائة فدخلوا في جملة علي (كذا) وَجَمَاعَتِهِ، وَبَقِيَ مِنْهُمْ نَحْوٌ/ 390/ مِنْ خَمْسَةِ آلافِ رَجُلٍ فَقَالَ عَلِيٌّ: [اتْرُكُوهُمْ حَتَّى يَأْخُذُوا، وَيَسْفِكُوا دما حراما (كذا] ) فَفَعَلَ ذَلِكَ.
«425» حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَن الصلت بْن بَهْرَام قَالَ: لما قدم علي الْكُوفَة من صفين جعل يخطب الناس وجعلت(2/354)
الخوارج تقول- وَهُوَ عَلَى المنبر-: قبلت الدنية بالقضية، وجزعت عن البلية (ظ) لا حكم إلا لله. فيقول: [حكم اللَّه انتظر فيكم.] فيقولون: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ. فيقول علي: [ «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ] » .
«426» حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَكَمِ الْعَبْدِيُّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَنْكَرَتِ الْحُكُومَةَ عَلَى عَلِيٍّ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَدِمَتْ إِلَى بِلْدَانِهَا مِنْ صِفِّينَ، وَانْحَازَ مِنْهُمُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا- وَيُقَالُ سِتَّةُ آلافٍ إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ: حَرُورَاءُ بِنَاحِيَةِ الْكُوفَةِ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَصَعْصَعَةَ، فَوَعَظَهُمْ صَعْصَعَةُ وَحَاجَّهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَلْفَانِ وَبَقِيَ الآخَرُونَ عَلَى حَالِهِمْ حِينًا، ثُمَّ دَخَلُوا الْكُوفَةَ، فَلَمَّا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ فِي الْقَضِيَّةِ وَأَرَادَ عَلِيٌّ تَوْجِيهَ أبي موسى أتاه حرقوص بْنُ زُهَيْرٍ التَّمِيمِيُّ وَزَيْدُ بْنُ حُصَيْنٍ الطَّائِيُّ وَزُرْعَةُ بْنُ الْبُرْجِ الطَّائِيُّ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْحَرُورِيَّةِ، فَقَالُوا: اتَّقِ اللَّهَ وَسِرْ إِلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّنَا، وَتُبْ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْخَطِيئَةِ، وَارْجِعْ عَن الْقَضِيَّةِ. فَقَالَ عَلِيٌّ: [أَمَّا عَدُوُّكُمْ فَإِنِّي أَرَدْتُكُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ وَأَنْتُمْ فِي دَارِهِمْ فَتَوَاكَلْتُمْ وَوَهَنْتُمْ وَأَصَابَكُمْ أَلَمُ الْجِرَاحِ فَجَزَعْتُمْ وَعَصَيْتُمُونِي، وَأَمَّا الْقَضِيَّةُ فَلَيْسَتْ بِذَنْبٍ وَلَكِنَّهَا تَقْصِيرٌ وَعَجْزٌ أَتَيْتُمُوهُ وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ، وَأَنَا أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ.] فَقَالَ لَهُ زُرْعَةُ:
وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَدَعِ التَّحْكِيمَ فِي أَمْرِ اللَّهِ لأُجَاهِدَنَّكَ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: [بُؤْسًا لَكَ مَا أَشْقَاكَ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكَ غَدًا صَرِيعًا تَسْفِي عَلَيْكَ الرِّيَاحُ.] قَالَ: وَدِدْتُ ذَلِكَ قَدْ كَانَ. فَانْصَرَفُوا وَهُمْ يُظْهِرُونَ التَّحْكِيمَ وَيَدْخُلُونَ الْكُوفَةَ، فَإِذَا صَلَّى عَلِيٌّ وَخَطَبَ حَكَمُوا فَيَقُولُ عَلِيٌّ: [كَلِمَةُ حَقٍّ يُعْتَزَى بِهَا بَاطِلٌ] .
وَبَلَغَ يَزِيدَ بْنَ عَاصِمٍ الْمُحَارِبِيَّ قَوْلَ عَلِيٍّ لِزُرْعَةَ بْنِ الْبُرْجِ، فَأَتَاهُ فَقَالَ:
يَا عَلِيُّ أَتُخَوِّفُنَا بِالْقَتْلِ، إِنَّا لَنَرْجُو أَنْ نَضْرِبَكُمْ بِهَا عَنْ قَلِيلٍ غَيْرِ مُصْفِحَاتٍ، ثُمَّ تَعْلَمُ أَيَّنَا أَوْلى بِها صِلِيًّا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ إِعْطَاءِ الدَّنِيَّةِ فِي دِينِكَ فَإِنَّهَا إِدْهَانٌ وَذُلٌّ.(2/355)
وقام رجل إِلَى علي عَلَيْهِ السلام فَقَالَ: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ. [فَقَالَ علي: «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ] » .
«427» حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْمُنْذِرِ، عن عوانة (و) عن أبي مخنف قالا أقال عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ:
[يَا شَاهِدَ اللَّهِ عَلَيَّ فاشهد ... آمنت بالله ولي أحمد
من شك فِي اللَّهِ فَإِنِّي مُهْتَدِ
] «428» حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ علي بْن الأسود، عَنْ يحي بن آدم، عن الحسن ابن صَالِحٍ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا حَاجَّ عَلِيٌّ أَهْلَ حَرُورَاءَ دَخَلُوا جَمِيعًا الْكُوفَةَ: فَنَظَرَ عَلِيٌّ إِلَى حُصَيْنِ بْنِ يَزِيدَ الطَّائِيِّ فخطأ عَلِيٌّ عَلَى كَتِفِهِ وَقَالَ: [ذَبِّي حَجَلٌ [1]] فَقَالَ زَيْدٌ:
حَقًّا لَقَدْ ذَبَّتْ بِأَطْرَافِ الأَسَلِ ... فِي يَوْمِ صِفِّينَ وَفِي يَوْمِ الْجَمَلِ
فَقَالَ عَلِيٌّ: إنها لجيدة. قال زيد: وهل يَنْفَعُ عِنْدَكَ الْجُنْدُ [2] .
وَلَمَّا دَخَلُوا الْكُوفَةَ جَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: تَابَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَزَعَمَ أَنَّ الْحُكُومَةَ كُفْرٌ وَضَلالٌ. وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ أَنْ يَسْمَنَ الْكُرَاعُ ثُمَّ نَشْخَصُ إِلَى الشَّامِ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ: كَذَبَ مَنْ قَالَ: إِنِّي رَجِعْتُ عَنِ الْقَضِيَّةِ وَقُلْتُ: إِنَّ الْحُكُومَةَ ضَلالٌ. وَكَانَتِ الحرورية قد سكنت فعادت بعد إلى التَّحْكِيمِ.
«429» المدائني فِي إسناده قَالَ: لما دخل المحكمة الْكُوفَة، ونزلوا حَرُورَاء وذهب عنهم كلال السفر، مشت عصبة منهم إِلَى علي فَقَالُوا: علام
__________
[1] كذا.
[2] كذا في الأصل، ولعله كان: «إنها لجنيدة» .(2/356)
كنا نقاتل يوم الجمل؟ قَالَ: عَلَى الحق. قالوا (ظ) : فأهل البصرة؟ قَالَ:
/ 391/ عَلَى النكث والبغي. قَالُوا: فأَهْل الشَّامِ؟ قَالَ هم وأهل البصرة سواء. قالوا: فلم أجبت معاوية على وضع الحرب؟ قَالَ: [خالفتموني وخفت الفتنة.] قَالُوا: فعد إِلَى أمرك. قَالَ: [قد أعطيتهم ميثاقا إِلَى مدة فلا يحل قتالهم حَتَّى تنقضي المدة، وقد أخذنا عَلَى الحكمين أن يحكما بكِتَاب اللَّهِ، فَإِن حكما بِهِ فأنا أولى الخلق بالأمر.] فَقَالُوا: إن مُعَاوِيَة يدعي مثل الذي تدعي. ففارقوه.
«430» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرحمان بْنُ غَزْوَانَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ مصرف، عن زبيد اليامي انه قال:
(قال قيل «خ» ) المرّة بن شراحيل الطبيب: أَلا تَلْحَقُ بِعَلِيٍّ بِصِفِّينَ؟
فَقَالَ: إِنَّ عَلِيًّا [1] سَبَقَنِي بِخَيْرِ عَمَلِهِ فِي بَدْرٍ وَذَوَاتِهَا وَأَنَا أكره أن أشركه فيما صار فيه!!!
__________
[1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «إن علي» .(2/357)
أَمْرُ وَقْعَةِ النَّهْرَوَانِ
«431» حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحِ بْن مُسْلِمٍ الْعَجَلِيِّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ، أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ وَغَيْرِهِ، قَالُوا: خَرَجَ عَلِيٌّ إِلَى أَهْلِ حَرُورَاءَ فَكَلَّمَهُمْ وَحَاجَّهُمْ وَذَلِكَ بَعْدَ بَعْثَتِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ إِلَيْهِمْ فَدَخَلُوا جَمِيعًا إِلَى الْكُوفَةِ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَذْكُرُ الْقَضِيَّةَ فَيَخْرُجُ فَيَحْكُمُ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ: [إِنَّا لا نَمْنَعُهُمُ الْفَيْءَ وَلا نَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ دُخُولِ مَسَاجِدِ اللَّهِ، وَلا نَهْيِجهِمْ مَا لَمْ يَسْفِكُوا دَمًا وَمَا لَمْ يَنَالُوا مَحْرَمًا] .
«432» وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ عَلِيٌّ إِمْضَاءَ أَمْرِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ [1] أَتَاهُ حُرْقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ التَّمِيمِيُّ، وَشُرَيْحُ بْنُ أَوْفَى الْعَبْسِيُّ، وَفروَةُ بْنُ نَوْفَلٍ الأَشْجَعِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بن شجزة السلمي، وحمزة بن سنان الأسدي وعبد الله ابن وَهْبٍ الرَّاسِبِيُّ- وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: ذُو الثَّفِنَاتِ لأَثَرِ سُجُودِهِ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَشَبَّهَ ذَلِكَ بِثَفِنَاتِ الْبَعِيرِ- فَسَأَلُوهُ أَنْ لا يُوَجِّهَ أَبَا مُوسَى، وأن يسير إلى الشام، فأبا (علي) ذَلِكَ وَقَالَ: [فَارَقَنَا الْقَوْمُ عَلَى شَيْءٍ فَلا يَجُوزُ نَقْضُهُ] .
فَانْصَرَفُوا إِلَى مَنْزِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ مِنْ فَوْرِهِمْ- أَوْ مَنْزِلِ زَيْدِ بن حصين
__________
[1] يعني بعثه للحكومة والاجتماع مع ابن النابغة.(2/359)
يذكروا مَنْ أُصِيبَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ بِصِفِّينَ مِثْلَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَهَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ [1] وَأَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ وَأَشْبَاهَهُمْ وَذَكَرُوا أَمْرَ الْحَكَمَيْنِ، وَكَفَّرُوا من رضي بالحكومة، وبرءوا مِنْ عَلِيٍّ. ثُمَّ مَشَى بَعْضُ الْحَرُورِيَّةِ إِلَى بَعْضٍ، وَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَجَرَةَ: يَا قَوْمُ اخْرُجُوا إِلَى الْمَدَائِنِ فَأَقِيمُوا بِهَا حتى يجتمع لكم ما تحاولون أن يجتمع، وَفَارِقُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ الظَّالِمُ أَهْلُهَا. فَقَالَ زَيْدُ بْنُ حُصَيْنٍ: إِنَّ سَعْدَ بْنَ مَسْعُودٍ عَلَى المدائن وهو يمنعنّها منكم وَيَحُولُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا.
وَعَرَضُوا رِئَاسَتَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ فَلَمْ يَقْبَلُوهَا وَدَفَعُوهَا حَتَّى قَبِلَهَا ذُو الثَّفِنَاتِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ الرَّاسِبِيُّ وَقَالَ: وَاللَّهِ لا آخُذُهَا رَغْبَةً فِي الدُّنْيَا وَلا أَتْرُكُهَا جَزَعًا مِنَ الْمَوْتِ.
ثُمَّ إِنَّهُمْ مَضَوْا إِلَى النَّهْرَوَانِ.
«433» وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنْ رَجُلٍ عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاس إِلَى الْحَرُورِيَّةِ، فَقَالَ:
يَا قَوْمُ مَاذَا نَقِمْتُمْ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالُوا: ثَلاثًا: حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَقَاتَلَ فَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ، وَمَحَا مِنِ اسْمِهِ حِينَ كَتَبُوا الْقَضِيَّةَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاقْتَصَرَ عَلَى اسْمِهِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا قَوْلُكُمْ: حَكَّمَ الرِّجَالَ. فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ صَيَّرَ حُكْمَهُ إِلَى الرِّجَالِ فِي أَرْنَبٍ ثَمَنُهُ رُبُعُ دِرْهَمٍ وَمَا أَشْبَهُ ذَلِكَ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ. وَفِي الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا فَنَشَدْتُكُمُ اللَّهَ أَحُكْمُ الرِّجَالِ فِي بِضْعِ الْمَرْأَةِ وَأَرْنَبٍ بِرُبُعِ دِرْهَمٍ أَفْضَلُ؟ أَمْ حُكْمُهُ فِي صَلاحِ الْمُسْلِمِينَ وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ؟ قَالُوا: بَلْ هذا. قال: وأما قولكم (قاتل) وَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ. أَفَتَسْبُونَ أُمَّكُمْ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ؟ قَالُوا: لا. قَالَ: وأما قولكم: محا من
__________
[1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «وحربي بن ثابت» .(2/360)
اسْمِهِ إِمْرَةَ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ نُقَاتِلْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [امْحُ/ 392/ يَا عَلِيُّ وَاكْتُبْ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ.] وَرَسُولُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ. فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَلْفَانِ، وَأَقَامَ الآخَرُونَ عَلَى حَالِهِمْ، فَلَمَّا أَرَادَ عَلِيٌّ تَوْجِيهَ الأَشْعَرِيِّ إِلَى الشَّامِ لإِمْضَاءِ الْقَضِيَّةِ، أَتَاهُ حُرْقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ السَّعْدِيُّ وَزَيْدُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَزُرْعَةُ بْنُ الْبُرْجِ الطَّائِيَّانِ فِي جَمَاعَةٍ فَسَأَلُوهُ أَنْ لا يُوَجِّهَ أَبَا مُوسَى وَأَنْ يَسِيرَ بِهِمْ إِلَى الشَّامِ فَيُقَاتِلُوا معاوية وعمرو بن العاص، فأبا ذَلِكَ.
وَسَارَ أَبُو مُوسَى فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَاجْتَمَعَ الْمُحَكِّمَةُ فِي مَنْزِلِ زَيْدِ بْنِ حُصَيْنٍ الطائي فبايعوا عبد الله بن وهب (الراسبي) وكان يدعى ذات الثَّفِنَاتِ- شُبِّهَ أَثَرُ سُجُودٍ بِجَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ وَيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ بِثَفِنَاتِ الْبَعِيرِ- وَكَانَتْ بَيْعَتُهُمْ لَهُ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّالٍ.
ثُمَّ خَرَجُوا فَتَوَافَوْا بِالنَّهْرَوَانِ وَأَقْبَلُوا يَحْكُمُونَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّ هَؤُلاءِ يَقُولُونَ: لا إمرة. [ولا بد من أمير يعمل فِي إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ وَيَسْتَمْتِعُ الْفَاجِرُ، وَيَبْلُغُ الْكِتَابُ الأجل،] [وإنها لكلمة حتى يَعْتَزُونَ بِهَا الْبَاطِلَ، فَإِنْ تَكَلَّمُوا حَجَجْنَاهُمْ وَإِنْ سكتوا عممناهم] .
فلما تفرق الحكمان كتب علي إليهم وهم مُجْتَمِعُونَ بِالنَّهْرَوَانِ: إِنَّ الْحَكَمَيْنِ تَفَرَّقَا عَلَى غَيْرِ رِضًا، فَارْجِعُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ، وَسِيرُوا بِنَا إِلَى الشَّامِ لِلْقِتَالِ. فَأَبَوْا ذَلِكَ وَقَالُوا: لا حَتَّى تَتُوبَ وَتَشْهَدَ عَلَى نَفْسِكَ بِالْكُفْرِ. فأبا.
وَكَانَ مسعر بْن فدكي توجه إِلَى النَّهْرَوَان في ثلاثمأة من المحكمة، فمر ب «بهر سير» وعليها عدي بن الحرث بْن يزيد بْن رويم الشيباني فخرج إِلَيْهِمْ ليمنعهم فقتله أشرس بْن عوف الشيباني، فطعنه فقال: خذها (إليك) من ابْن عم لك مفارق، لولا نصرة الحق كان بك ظنينا. ويقال إنه سلم من طعنته وبقي بعد علي. وولاه الحسن بهر سير، وَكَانَ فيمن أتى(2/361)
أشرس بْن عوف- حين خرج بعد النَّهْرَوَان- فضربه وَقَالَ: خذها من ابْن عم لك شان.
ولقوا عَبْد اللَّهِ بْن خباب بْن الأرت ومعه أم ولد لَهُ يسوق بِهَا. فأخذوه وذبحوه وأم ولده، فأرسل إِلَيْهِمْ علي: أن ابعثوا إليّ بقاتل ابن الحرث وَابْن خباب حَتَّى أترككم وأمضي إِلَى الشَّام. فأبوا وقالوا: كلنا قتله.
فسار إليهم (علي) فِي محرم سنة ثمان وثلاثين فدعاهم فاعتزل بعضهم فلم يقاتلوه، وبقي الآخرون فقاتلهم بالنهروان فقتلوا لتسع خلون من صفر، سنة ثمان وثلاثين وقتل عَبْد اللَّهِ بْن وهب الراسبي قتله زياد بن خصفة وهانئ ابن الخطاب الْهَمْدَانِيّ جميعا. ويقال: إن شَبَث بْن رَبْعِيّ شاركهما فِي قتله، وَكَانَ شبث عَلَى ميسرة علي، وَكَانَ فيمن رجع عَن التحكيم بعد محاجة ابْن عَبَّاس المحكمة. وقتل شريح بْن (أَبِي) أوفى. واعتزل ابْن الكواء فلم يقاتل عَلِيًّا، وقتل حُرْقُوص بْن زهير. وقتل ذو الثدية وكانت فِي عضده شامة كهيئة الثدي.
«434» وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أبيه عن أبي مخنف لوط بن يحي عَن عَبْد الملك بْن أَبِي حرة الحنفي: أن وجوه الخوارج اجتمعوا عند عَبْد اللَّهِ بْن وهب الراسبي فخطبهم ودعاهم إِلَى الأمر بالمعروف والنهي عَن المنكر، والقول بالحق وإن أمر وضر، وَقَالَ: أخرجوا بنا معشر إخواننا من هَذِهِ القرية الظالم أهلها إِلَى بعض السواد وبعض كور الجبل منكرين لهذه البدع المكروهة.
ثُمَّ قام حُرْقُوص بْن زُهَيْرٍ السَّعْدِيّ فتكلم وتكلموا جميعا بذم الدنيا والدعاء إِلَى رفضها والجد فِي طلب الحق وإنكار البدع والظلم وعرضوا رئاستهم عَلَى غير واحد منهم فأبوها وقبلها عَبْد اللَّهِ بْن وهب الراسبي فبايعوه(2/362)
وذلك ليلة الجمعة لعشر ليال بقين من شوال سنة سبع وثلاثين، فِي منزل زيد بن حصين [1] .
وَقَالَ أَبُو مخنف: حَدَّثَنِي النضر بْن صَالِح أن الْحَرُورِيَّة اجتمعوا فِي منزل شريح بْن أوفي العبسي بعد أن ولوا أمرهم عَبْد اللَّهِ بْن وهب، وبعد شخوص/ 393/ أَبِي مُوسَى للحكومة، فَقَالَ ابْن وهب: إن هَؤُلاءِ القوم قد خرجوا لإمضاء حكمهم حكم الضلال، فأخرجوا بنا رحمكم اللَّه إِلَى بلدة نبعد بِهَا عن مكاننا هذا، فإنكم أصبحتم بنعمة ربكم أَهْل الحق. فَقَالَ شريح:
فما تنتظرون؟ أخرجوا بنا إلى المدائن لننزلها ونبعث إِلَى إخواننا من أَهْل الْبَصْرَةِ فيوافونا. فأشار عليهم زيد بن حصين أ (ن) لا يعتمدوا (كذا) دخول المدائن، وأن يخرجوا وحدانا مستخفين لئلا يرى لهم جماعة فيتبع، وأن ينزلوا بحصن المدائن [2] فعملوا عَلَى ذَلِكَ وكتبوا إِلَى من بالبصرة من إخوانهم يستنهضونهم وبعثوا بالكتاب مَعَ رجل من بني عبس.
وخرج زيد بْن حصين وشريح بن أوفى من منزلهما على دابتيهما وخرج الناس وترافدوا بالمال والعتاق وخرج عتريس بْن عرقوب الشيباني صاحب عَبْد اللَّهِ بْن مسعود، مَعَ الخوارج فاتبعه صيفي بن فشيل الشيباني (كذا) فِي رجال من قومه فطلبوه ليردوه فلم يقدروا عَلَيْهِ.
«435» وَحَدَّثَنِي حفص بْن عمر، عَن الْهَيْثَم، عَن المجالد وغيره، قَالُوا:
كَانَ أول من خرج شريح بْن أوفى صلاة الغداة (كذا) وَهُوَ يتلو «رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها» (75/ النساء: 4) فخرج قومه من المسجد ليمنعوه، فَقَالَ والله لا يعرض لي احد منكم إِلا أنفذت رمحي فِيهِ. فَقَالُوا:
أبعدك اللَّه إنما أشفقنا عليك. وخرج زيد بْن حصين وهو يقرأ «فَاخْرُجْ إِنِّي
__________
[1] في جميع الموارد مما هنا وتقدم في النسخة: «زيد بن حصن» والصواب: حصين.
[2] هذا هو الظاهر من السياق، وفي الأصل: «بحسن» ولعله كان «بجسر» فصحف.(2/363)
لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ، قالَ: رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» (21/ القصص) فلما عبر الفرات قرأ «وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ: عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ» (22/ القصص) ثُمَّ تتابعوا يخرجون، وخرج القعقاع بْن نفر الطائي فاستعان عَلَيْهِ أخوه حكم بن نفر بن قيس بن ححدر بن ثعلبة برجال فحبسوه- وحكم هذا جد (ظ) الطرماح الشاعر ابْن حكيم بْن حكم- وَكَانَ يقال للقعقاع الطرماح الأكبر فقال:
(و) إني لمقتاد جوادي فقاذف ... بِهِ وبنفسي اليوم إحدى المتالف
فيا رب إن كانت وفاتي فلا تكن ... عَلَى شرجع تعلوه خضر المطارف
ولكن اجن يومي شهيدا بعصبة ... يصابون فِي فج (من ا) لأرض خائف
ليصبح لحدي بطن نسر مقيلة ... بجو السماء في نسور عواكف
يوافون من شتى ويجمع بينهم ... تقى اللَّه نزالون عند التزاحف
فِي أبيات. وقوم يقولون: إن هَذَا الشعر للطرماح الأصغر.
وذلك باطل.
وخرج عتريس بْن عرقوب الشيباني، وخرج في طلبه صيفي بْن فشيل الشيباني ابْن عمه فِي جماعة من قومه ليردوه، ففاتهم.
وخرج زيد بْن عدي بْن حاتم فاتبعه أبوه عدي بْن حاتم ففاته فلم يقدر عَلَيْهِ، فانصرف عدي إِلَى علي بخبرهم.
وقوم يقولون: إن الذي خرج فاتبعه عدي ابنه (ظ) طريف. وذلك باطل، قتل طريف مَعَ علي يوم الجمل وفقئت (فيه) عين أَبِيهِ وقتل طرفة مَعَ علي يوم النهروان والذي خرج مع الحرورية (هو) زيد بْن عدي.
وخرج كعب بْن عميرة فاشترى فرسا وسلاحا وَقَالَ:(2/364)
هَذَا عتادي للحروب وإنني ... لآمل أن ألقى المنية صابرا
وبالله حولي واحتيالي وقوتي ... إذا لقحت حرب يشيب الحزاورا
وما زلت مذ كنت ابْن عشرين حجة ... أهم بأن ألقى الكماة مغاورا
وأصنع للهيجاء محبوكة القزا (كذا) ... معقربة الا نساء تحسب طائرا
إذا عضها سوطي تمطت ملحة ... بأروع مختال يروق النواظرا
فِي أبيات. فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّهِ بْن وهب: جزيت خيرا، فربّ سريعة موت تنجيك من النار/ 394/ وتوردك موردًا لا تظمأ بعده. فأخذه أَهْل بيته فحبسوه حَتَّى قتل أهل النهروان، فقال (في) محبسه (كذا) :
أعوذ بربي أن أعود لمثل مَا ... هممت بِهِ يَا عَمْرو مَا حنت الأبل
فيا عمرو ثق بي اتق اللَّه وحده ... فقد خفت أن أردى بما عضني الكبل
فِي أبيات. وخرج عبيدة بْن خالد المحاربي وَهُوَ يتمثل بشعر شعبة بْن عريض:
إن امرأ أمن الحوادث سالما ... ورجا الحياة كضارب بقداح
فأراد عمّه ردّه فأبا.
«436» وحدثني عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عن أَبِي مِخْنَفٍ، عَن أَبِي رَوْقٍ الْهَمْدَانِيِّ عَن عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ. وَعَنِ الْمُعَلَّى بْنِ كُلَيْبٍ، عَن أَبِي الْوَدَّاكِ جَبْرِ بْنِ نَوْفٍ وَغَيْرِهِمَا: قَالُوا: لَمَّا هَرَبَ أَبُو مُوسَى إِلَى مَكَّةَ، وَرَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالِيًا عَلَى الْبَصْرَةِ، وَأَتَتِ الْخَوَارِجُ النَّهْرَوَانَ، خَطَبَ عَلِيٌّ النَّاسَ بالْكُوفَةِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَإِنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ وَالْحَدَثِ الْجَلِيلِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.(2/365)
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْمُجَرِّبِ تُورِثُ الْحَسْرَةَ، وَتَعْقُبُ النَّدَمَ، وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ وَهَذِهِ الْحُكُومَةِ بِأَمْرِي، وَنَخَلْتُ لكم رأيي لَوْ يُطَاعُ لَقَصِيرُ رَأْيٍ، وَلَكِنَّكُمْ أَبَيْتُمْ إِلا مَا أَرَدْتُمْ فَكُنْتُ وَأَنْتُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ [1] .
أَمَرْتُهُمُ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَا ... فَلَمْ يَسْتَبِينُوا الرُّشْدَ إِلا ضُحَى الْغَدِ
إِلا أَنَّ الرَّجُلَيْنِ الذين اخْتَرْتُمُوهُمَا حَكَمَيْنِ قَدْ نَبَذَا حُكْمَ الْكِتَابِ وَرَاءَ ظهورهما، وارتأيا الرأي (من) قَبْلَ أَنْفُسِهِمَا، فَأَمَاتَا مَا أَحْيَا الْقُرْآنُ، وَأَحْيَيَا مَا أَمَاتَ الْقُرْآنُ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي حُكْمِهِمَا، فكلاهما لا يرشد ولا يسدد، فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين، فاستعدوا للجهاد، وتأهّبوا اللمسير، وَأَصْبِحُوا فِي مُعَسْكَرِكُمْ يَوْمَ الاثْنَيْنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ [2] .
«437» حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: أَنَّ عَلِيًّا نَهَى أَصْحَابَهُ أَنْ يَسْطُوا عَلَى الْخَوَارِجِ حَتَّى يُحْدِثُوا حَدَثًا، فَمَرُّوا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ فَأَخَذُوهُ، فَمَرَّ بَعْضُهُمْ بِتَمْرَةٍ ساقطة من نخلة فأخذها واحد (منهم) فَأَدْخَلَهَا فَمَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِمَا اسْتَحْلَلْتَ هَذِهِ التَّمْرَةَ. فَأَلْقَاهَا مِنْ فِيهِ، ثُمَّ مَرُّوا بِخِنْزِيرٍ فقتله بعضهم فقالوا له: بما
__________
[1] وهو دريد الصمة، قال في أخباره من كتاب الأغاني: ج 10، ص 10: حدثني أحمد بن عيسى بن أبي موسى العجلي، قال: حدثنا حسين بن نصر بن مزاحم، قال: حدثنا عمر بن سعيد (كذا) عن أبي مخنف عن رجاله أن عليا عليه السلام لما اختلفت كلمة أصحابه في أمر الحكمين وتفرقت الخوارج وقالوا له: ارجع عن أمر الحكمين وتب واعترف بأنك كفرت إذ حكمت. ولم يقبل ذلك منهم وخالفوه وفارقوه، تمثل بقول دريد:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى ... فلم يستبينوا الرشد الا ضحى الغد
[2] ورواها أيضا بزيادة طفيفة في آخرها، في كتاب الإمامة والسياسة: ج 1، ص 143.(2/366)
استحللت قتل هذا الخنزير وهو (لشخص) مُعَاهَدٌ. فَقَالَ لَهُمُ ابْنُ خَبَّابٍ:
أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ هُوَ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنَ الْخِنْزِيرِ؟ قَالُوا: مَنْ هُوَ؟ قَالَ:
أَنَا. فَقَتَلُوهُ، فَبَعَثَ علي إليهم: [ (أن) ابْعَثُوا إِلَى بِقَاتِلِ ابْنِ خَبَّابٍ] .
فَقَالُوا: كُلُّنَا قتله. فأمر بقتالهم.
(قال أبو مجلز:) وبعث علي إلى الخوارج أَنْ سِيرُوا إِلَى حَيْثُ شِئْتُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ فَإِنِّي غَيْرُ هَائِجِكُمْ مَا لَمْ تُحْدِثُوا حَدَثًا. فَسَارُوا حَتَّى أَتَوُا النَّهْرَوَانَ، وَأَجْمَع عليّ على إتيان صفين، وبلغ (ذلك) مُعَاوِيَةُ فَسَارَ حَتَّى أَتَى صِفِّينَ.
وكتب عَلَى إِلَى الخوارج بالنهروان: «أما بعد فقد جاءكم ما كنتم تريدون، قد تفرق الحكمان عَلَى غير حكومة وَلا اتفاق فارجعوا إِلَى مَا كنتم عَلَيْهِ فإني أريد المسير إِلَى الشَّام» . فأجابوه أنه لا يجوز لنا أن نتخذك إماما وقد كفرت حَتَّى تشهد عَلَى نفسك بالكفر وتتوب كما تبنا، فإنك لم تغضب لله، إنما غضبت لنفسك. فلما قرأ جواب كتابه إِلَيْهِمْ يئس منهم، فرأى أن يمضي من معسكره بالنخيلة وقد كَانَ عسكر بِهَا حين جاء خبر الحكمين (ليسير) إِلَى الشَّام، وكتب إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ فِي النهوض مَعَهُ، فأتاه الأحنف بْن قَيْس فِي ألف وخمسمائة، وأتاه جارية بْن قدامة فِي ثلاثة ألاف. ويقال: إن ابْن قدامه جاء فِي خمسة آلاف. ويقال: فِي أكثر من ذَلِكَ. فوافاه بالنخيلة، فسار بهم علي إِلَى الأنبار، وأخذ عَلَى قرية «شاهي» ثُمَّ عَلَى «دباها» من الفلوجة، ثُمَّ إِلَى «دمما» .
وَكَانَ الخوارج الَّذِينَ/ 395/ قدموا من الْبَصْرَةِ مَعَ مسعر بْن فدكي استعرضوا النَّاس فِي طريقهم، فَإِذَا هم برجل يسوق بامرأته على حمار له، فدعوه (ظ) وانتهروه ورعبوه وَقَالُوا لَهُ: من أنت؟ فَقَالَ: رجل مؤمن.
قَالُوا: فما اسمك؟ قَالَ: أنا عَبْد اللَّهِ بْن خباب بْن الأرت صاحب رسول(2/367)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فكفوا عَنْهُ ثُمَّ قَالُوا لَهُ: مَا تقول فِي علي؟ قَالَ: أقول: إنه أمير الْمُؤْمِنِينَ، وإمام المسلمين، وقد حَدَّثَنِي أَبِي عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: [ستكون فتنة يموت فِيهَا قلب الرجل فيصبح مؤمنا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرًا.] فَقَالُوا: والله لنقتلنك قتلة مَا قتلها أحد، وأخذوه فكتفوه ثُمَّ أقبلوا بِهِ وبامرأته وهي حبلى متم حَتَّى نزلوا تحت نخل مواقير فسقطت رطبة منها فقذفها بعضهم في فِيهِ، فَقَالَ لَهُ رجل منهم:
أبغير حلها ولا ثمن لَهَا؟ فألقاها من فِيهِ واخترط سيفه وجعل يهزه فمر بِهِ خنزير لذمي فقتله بسيفه، فقال له بعض أصحابه: إن هذا لمن الفساد فِي الأرض. فطلب صاحب الخنزير حَتَّى أرضاه، فَقَالَ ابْن خباب: لئن كنتم صادقين فيما أرى وأسمع إني لآمن من شرّكم. قال: فجاؤا بِهِ فأضجعوه عَلَى شفير نهر وألقوه عَلَى الخنزير المقتول فذبحوه عَلَيْهِ، فصار دمه مثل الشراك قد امذ قرّ فِي الماء وأخذوا امرأته فبقروا بطنها وهي تقول: أما تتقون اللَّه؟!! وقتلوا ثلاث نسوة كن مَعَهَا.
فبلغ عَلِيًّا خبر ابْن خباب وامرأته والنسوة، وخبر سوادي لقوه بنفر فقتلوه، فبعث عليّ إليهم الحرث بن مرّة العبدي ليتعرف حقيقة مَا بلغه عنهم، فلما أتى النَّهْرَوَان وقرب منهم خرجوا إِلَيْهِ فقتلوه، وبلغ ذَلِكَ عَلِيًّا ومن مَعَهُ، فَقَالُوا لَهُ: مَا تركنا هؤلاء وراءنا يخلفونا فِي أموالنا وعيالاتنا بما نكره، سر بنا إِلَيْهِمْ فَإِذَا فرغنا منهم سرنا إِلَى عدونا من أَهْل المغرب، فَإِن هَؤُلاءِ أحضر عداوة وأنكى حدّا. - والثبت: انه بعث ابن الحرث رجلا من أصحابه، لأن الحرث بْن مرة قتل بالقيقان من أرض السند في سنة اثنتين (ظ) وأربعين- وقام الأشعث بْن قَيْس فكلمه بمثل ذَلِكَ، فنادى علي بالرحيل، فأتاه مسافر بْن عفيف الأزدي فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لا تسر فِي هَذِهِ الساعة. فَقَالَ لَهُ: ولم أتدري مَا فِي بطن هَذِهِ الفرس؟ قَالَ: إن نظرت علمت. فَقَالَ علي: [إن من صدقك فِي هَذَا القول يكذب بكِتَاب اللَّهِ لأن(2/368)
اللَّه يقول فِي كتابه: «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحامِ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ» (34/ لقمان: 31) وتكلم فِي ذَلِكَ بكلام كثير، وَقَالَ: لئن بلغني أنك تنظر فِي النجوم لأخلدنك الحبس مادام لي سلطان، فو الله ما كان محمد منجم وَلا كاهن أَوْ كما قَالَ] .
«438» حَدَّثَنَا شريح بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أيوب عن حميد بن هلال، عَنْ رَجُلٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ كَانَ مَعَ الْخَوَارِجِ ثُمَّ فَارَقَهُمْ أَنَّهُمْ دَخَلُوا قَرْيَةً فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ مَذْعُورًا فَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ ابْنُ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ فَهَلْ سَمِعْتَ مِنْ أَبِيكَ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ حَدِيثًا؟ قَالَ: نَعَمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [يكون فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي فَإِذَا أَدْرَكْتَ ذَلِكَ فَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ وَلا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ.] قَالُوا: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ أَبِيكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَدَّمُوهُ فَقَتَلُوهُ فَسَالَ دَمُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ شِرَاكُ نَعْلٍ قَدِ امْذَقَرَّ فِي الْمَاءِ وَبَقَرُوا بَطْنَ أُمِّ وَلَدِهِ.
وَأَتَى عَلِيٌّ الْمَدَائِنَ وَقَدْ قَدِمَهَا قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَكَانَ عَلِيٌّ قَدَّمَهُ إِلَيْهَا. ثُمَّ أَتَى عَلِيٌّ النَّهْرَوَانَ فَبَعَثَ إِلَى الْخَوَارِجِ أَنْ أَسْلِمُوا لَنَا قَتَلَةَ ابْنِ خَبَّابٍ وَرَسُولِي وَالنِّسْوَةَ لأَقْتُلَهُمْ ثُمَّ أَنَا تَارِكُكُمْ إِلَى فَرَاغِي مِنْ أَمْرِ أَهْلَ الْمَغْرِبِ فَلَعَلَّ اللَّهَ يَقْبَلُ بقلوبكم (كذا) وَيَرُدُّكُمْ إِلَى/ 396/ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَمْلَكُ بِكُمْ.
فَبَعَثُوا إِلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ إِلا السَّيْفَ إِلا أَنْ تُقِرَّ بِالْكُفْرِ وَتَتُوبَ كَمَا تُبْنَا!!! فَقَالَ عَلِيٌّ: [أَبَعْدَ جِهَادِي مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِيمَانِي أشهد على نفسي بالكفر؟ لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ!!! ثُمَّ قَالَ:
يَا شَاهِدًا لِلَّهِ عَلَيَّ فَاشْهَدِ ... آمنت بالله ولي أحمد
من شك في اللَّهِ فَإِنِّي مُهْتَدِ
](2/369)
وكتب إِلَيْهِمْ: «أما بعد فإني أذكركم أن تكونوا من الَّذِينَ فارقوا دينهم وكانوا شيعا بعد أن أخذ اللَّه ميثاقكم عَلَى الجماعة، وألف بين قلوبكم عَلَى الطاعة، وأن تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات» .
ودعاهم إِلَى تقوى اللَّه والبر ومراجعة الحق. فكتب إِلَيْهِ ابْن وهب الراسبي «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ، إن اللَّه بعث محمدا بالحق وتكفل لَهُ بالنصر كما بلغ رسالاته، ثُمَّ توفاه إِلَى رحمته، وقام بالأمر بعده أَبُو بكر بما قد شهدته وعاينته متمسكًا بدين اللَّه مؤثرًا لرضاه حَتَّى أتاه أمر ربه، فاستخلف عمر، فكان من سيرته مَا أنت عالم بِهِ، لم تأخذه في الله لومة لائم، (و) ختم اللَّه لَهُ بالشهادة، وَكَانَ من أمر عُثْمَان مَا كَانَ حَتَّى سار إِلَيْهِ قوم قتلوه لما آثر الهوى وغير حكم اللَّه، ثُمَّ استخلفك اللَّه عَلَى عباده فبايعك المؤمنون وكنت لذلك عندهم أهلا، لقرابتك بالرسول وقدمك فِي الإسلام ووردت صفين غير مداهن وَلا وان، مبتذلا نفسك فِي مرضاة ربك فلما حميت الحرب وذهب الصالحون عَمَّار بْن ياسر وأبو الْهَيْثَم بْن التَّيِّهَان وأشباههم أشتمل عليك من لا فقه له في الدين ولا (له) رغبة فِي الجهاد، مثل الأشعث بْن قَيْس وأصحابه واستنزلوك حَتَّى ركنت إِلَى الدنيا حين رفعت لك المصاحف مكيدة فتسارع إِلَيْهِمُ الَّذِينَ استنزلوك وكانت منا فِي ذَلِكَ هفوة ثُمَّ تداركنا اللَّه منه برحمته، فحكمت فِي كِتَاب الله وفي نفسك، فكنت في شك من دينك وضلال عدوك وبغيه عليك، كلا والله يا ابن أبي طالب، ولكنكم ظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً، وقلت: لي قرابة من الرسول وسابقة فِي الدين فلا يعدل النَّاس بي مُعَاوِيَة، فالآن فتب إِلَى اللَّه وأقر بذنبك، فَإِن تفعل نكن يدك عَلَى عدوك، وإن أبيت ذَلِكَ فالله يحكم بيننا وبينك.
«439» قَالُوا: وخرج إِلَيْهِمْ قَيْس بن سعد بن عبادة فناداهم فقال:
يا عباد اللَّهِ اخرجوا إلينا طلبتنا وانهضوا إِلَى عدوكم وعدونا معا. فَقَالَ لَهُ:
عَبْد اللَّهِ بْن شجرة السلمي: إن الحق قد أضاء لنا فلسنا متابعيكم أبدًا أَوْ(2/370)
تأتونا بمثل عمر. فقال (له قيس) : والله مَا نعلم عَلَى الأرض مثل عمر إِلا أن يكون صاحبنا. وَقَالَ لهم علي: [ «يَا قوم إنه قد غلب عليكم اللجاج والمراء وأتبعتم أهواءكم فطمح بكم تزيين الشيطان لكم وأنا أنذركم أن تصبحوا صرعى بأهضام هذا الغائط وأثناء هذا النهر [1] » ] .
(قالوا:) فلم يزل يعظهم ويدعهم فلما لم ير عندهم انقيادًا- وَكَانَ فِي أربعة عشر ألفا- عبأ النَّاس فجعل عَلَى ميمنته حجر بْن عدي الكندي وعلى ميسرته شَبَث بْن رَبْعِيّ وعلي الخيل أبا أيوب خالد بْن زيد الأَنْصَارِيّ، وعلى الرجال أبا قتادة الأَنْصَارِيّ- واسمه النعمان بْن ربعي بْن بلدمة الخزرجي- وعلى أهل المدينة وهم سبعمائة- أو ثمان مائة- قيس بن سعد ابن عُبَادَةَ الأَنْصَارِيّ.
ثُمَّ بسط لهم علي الأمان ودعاهم إِلَى الطاعة، فَقَالَ فروة بْن نوفل الأشجعي: والله مَا ندري عَلَى مَا نقاتل عليا؟ فانصرف في خمسمائة فارس حتى نزل البند نيجين والدسكرة. وخرجت طائفة منهم أخرى متفرقين/ 397/ إِلَى الْكُوفَةِ، وأتى مسعر بْن فدكي التَّمِيمِيّ راية أَبِي أيوب الأَنْصَارِيّ- فِي ألف، واعتزل عَبْد اللَّهِ بْن الحوساء- ويقال: ابْن أَبِي الحوساء الطائي- في ثلاثمأة (و) خرج إلى عليّ منهم ثلاثمأة فأقاموا مَعَهُ، وكانوا أربعة آلاف فارس ومعهم خلق من الرجالة. واعتزل حوثرة بْن وداع في ثلاثمأة، واعتزل أبو مريم السعدي في مأتين، واعتزل غيرهم، حَتَّى صار مَعَ ابْن وهب الراسبي ألف وثمان مائة فارس، ورجالة يقال: إنهم ألف وخمسمائة.
وقال علي لأصحابه: [كفوا عنهم حتى يبدؤكم.] ونادى جمرة بْن سنان:
روحوا إِلَى الجنة. فَقَالَ ابْن وهب: والله مَا ندري أنروح إلى الجنة أم إلى
__________
[1] هذا هو الصواب الموافق لما في كل المصادر وفي النسخة: «وايثار هذا النهر» .(2/371)
النار!!! وتنادى الْحَرُورِيَّة: الرواح إِلَى الجنة معاشر المخبتين [1] وأصحاب البرانس المصلين. فشدوا عَلَى أصحاب علي شدة واحدة، فانفرقت خيل علي منفرقين: فرقة نحو الميمنة وفرقة نحو الميسرة. وأقبلوا نحو الرجالة فاستقبلت الرماة وجوههم بالنبل حَتَّى كأنهم معزى يتقي المطر بقرونها، ثُمَّ عطفت الخيل عليهم من الميمنة والميسرة، ونهض علي إليهم من القلب بالرماح والسيوف فما لبثوا أن أهمدوا فِي ساعة.
وقتل أَبُو أيوب الأَنْصَارِيّ زيد بْن حصين الطائي. ويقال: بل قتله قَيْس بْن سعد، واختصم هانئ بْن خطاب وزيد بْن خصفة التَّمِيمِيّ فِي قتل عَبْد اللَّهِ بْن وهب الراسبي فادّعى كل واحد منهما قتله، وقتل حنش بْن ربيعة حُرْقُوص بْن زُهَيْرٍ السَّعْدِيّ، وقتل عَبْد اللَّهِ بْن دجن الخولاني عَبْد اللَّهِ بْن شجرة السلمي. وَكَانَ عَلَى ميمنة الخوارج زيد بْن حصين، وعلى ميسرتهم عَبْد اللَّهِ بْن شجرة.
ووقف جمرة بْن سنان الأسدي فِي ثلاث مائة، فوقف عليّ بإزائه الأسود ابن يزيد المرادي فِي ألفين. ويقال: أقل من ذلك.
وصار شريح بن أوفى العبسي إِلَى جانب جدار فقاتله عَلَى ثلمته قوم من همدان مليا من النهار، وَهُوَ يرتجز ويقول:
قد علمت جارية عبسية ... ناعمة فِي أهلها مكفيّة
أني سأحمي ثلمتي العشية
__________
[1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «وينادى الحرورية الرواح إلى الجنة معاشر المخبنين» .(2/372)
فشد عَلَيْهِ قَيْس بْن مُعَاوِيَة المرهبي فضربه فقطع رجله، فأقبل يضاربهم ويقول:
الفحل يحمي شوله معقولا ... تمنعني نفسي أن أزولا
ثُمَّ شد عَلَيْهِ أيضًا قَيْس بن معاوية فقتله، فقال الشاعر (ظ) :
اقتتلت همدان يوما ورجل ... اقتتلوا من غدوة حَتَّى الأصل
ففتح اللَّه لهمدان الزجل
وَكَانَ من رجز ابْن أوفي يومئذ:
أضربهم ولو أرى أبا حسن ... ضربته بالسيف حَتَّى يطمئن
ومن رجزه أَيْضًا:
أضربهم ولو أرى عَلِيًّا ... جلأت (هـ) أبيض مشرفيا
«440» حَدَّثَنِي روح بْنِ عَبْدِ المؤمن حدثني عارم بن الفضل، حدثنا حماد ابن زيد، عَن عاصم قَالَ: قَالَ رجل يوم النَّهْرَوَان وَهُوَ يرتجز:
أضربهم وَلا أرى عَلِيًّا ... ولم أكن عَن قتلهم ونيا
أكسوهم أبيض مشرفيا
قَالَ: وَقَالَ آخر:
أضربهم وَلا أرى أبا حسن ... ها إن هَذَا حزن من الحزن
قَالَ: ولم يقتل من أصحاب علي إِلا عشرة نفر أَوْ أقل [1] ، وَكَانَ ممن
__________
[1] هذا هو الصواب دون الاول، وذلك لاستفاضة النقل من طريق الثقات انه قال عليه السلام: لا يقتل منكم عشرة، ولا يفلت منهم عشرة. ورواه أيضا الدارقطني في كتاب الحدود، من سننه ص 343.(2/373)
قتل مَعَهُ عروة بْن إناف بْن شريح/ 398/ الطائي. والصلت بْن قتادة بْن سلمة بْن خلادة الكندي من ولد حوت بن الحرث.
وروى بعضهم أن الَّذِي قاتل عَلَى الثلمة (هو) عبد الرحمان بْن قَيْس الحداني. والثبت: أن شريح بْن أوفى (هو) الذي (كان) قاتل عليها.
وقاتل عدان بن المعذّذ (ظ) وَهُوَ يقول:
ليس من الموت نجاة للفتى ... صبرًا أبا المنهال صبرًا للقضا
إن مصير الخلق طرًا للبلى ... وليس ينجيك حذار من ردى
فاركب لك الخيرات أطراف القنى ... واصبر فَإِن الصبر أولى بالفتى
فقتل.
وقتل مع علي أيضا زائدة بن سمير بن عبد الله بن نهار المرادي [1] .
«441» قَالُوا: ووجد علي عَلَيْهِ السلام ممن به رمق أربعمائة فدفعهم إلى
__________
[1] وقال في الإصابة ج 6 ص 348: وأخرج الخطيب في تاريخه من طريق إسحاق بن إبراهيم ابن حاتم بن اسماعيل المدني قال: كان أول قتيل قتل من أصحاب علي (عليه السلام) يوم النهروان رجل من الأنصار يقال له يزيد بن نويرة شهد له رسول الله بالجنة مرتين الحديث.
وستة منهم ذكره أحمد بن أعتم الكوفي، في كتاب الفتوح: ج 4 ص 127، ط الهند، وذكر ابن أبي الحديد في شرح من النهج: ج 2 ص 29 خمسة منهم، وذكر في هامشه نقلا عن ابن شهر اشوب في مناقبه: قال: قال اعثم: المقتولون من أصحاب أمير المؤمنين:
1- روبية وبر البجلي. 2- سعد بن خالد السبيعي. 3- عبد الله بن حماد الارحبي (ظ) 4- الفياض بن الخليل الازدي- 5- كيسوم بن سلمة الجهني- 6- عبيد بن عبيد الخولاني 7- جميع بن جشم الكندي- 8- حبيب بن عاصم الاسدي. كذا ذكره بعضهم.(2/374)
عشائرهم ولم يجهز عليهم، ورد الرقيق عَلَى أهله حين قدم الْكُوفَة وقسم الكراع والسلاح وما قوتل بِهِ بين أصحابه.
ووجد عدي بْن حاتم ابنه الَّذِي خرج مَعَ الْحَرُورِيَّة قتيلا فدفنه بالنهروان.
وقتل جواد بْن بشر- وَهُوَ أخو الزبرقان بْن بدر- مَعَ الخوارج، وقتل يزيد بْن عاصم المحاربي وأربعة إخوة لَهُ مَعَهُ، وقتل جمرة بْن سنان الأسدي.
وشهد ابن الكواء النهروان وَكَانَ ممن اعتزل. ويقال: إنه اعتزل قبل أن يصيروا إِلَى النَّهْرَوَان.
وَكَانَ مقتل أَهْل النَّهْرَوَان لتسع خلون من صفر سنة ثمان وثلاثين.
«442» وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: استعمل علي عَلَى الكوفة حين شخص عَنْهَا وحارب أَهْل النَّهْرَوَان، هانئ بْن هوذة بْن عبد يغوث بْن عَمْرو بْن عدي النخعي.
«443» قَالُوا: وطلب علي ذا الثدية فوجد في حفيرة ذالية (كذا) مَعَ القتلى وكانت فِي عضده شامة تمتد كهيئة الثدي عَلَيْهَا شعر كشعر شارب السنور وَكَانَ مخدجا وَكَانَ يسمى نافعا.
«444» وروي عَن نعيم بن حكيم، عن أبي مريم، عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه) قال: [إن قوما يقرؤن الْقُرْآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، علامتهم (ان) فيهم رجل مخدج اليد] .
وَقَالَ أَبُو مريم: والله إن كَانَ المخدج لمعنا يومئذ فِي المسجد، وَكَانَ يجالس عَلِيًّا فِي الليل والنهار، ولقد كَانَ فقيرًا يشهد طعام علي.(2/375)
«445» وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن الأَسْوَدِ، عَن يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ طَارِقِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: قَامَ عَلِيٌّ بِالنَّهْرَوَانِ فَقَالَ: [إِنَّ نَبِيَّ الله قال: (لي) : سَيَخْرُجُ قَوْمٌ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلامِ الْحَقِّ لا يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ، يَخْرُجُونَ مِنَ الْحَقِّ خُرُوجَ السَّهْمِ- أَوْ مُرُوقَ السَّهْمِ- سِيمَاهُمْ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلًا مُخْدَجُ الْيَدِ، فِي يَدِهِ شَعَرَاتٍ سُودٍ. فَإِنْ كَانَ فيهم فقد قتلتم شر الناس] .
(قال طارق:) فَطَلَبَ فَوَجَدَ فَخْرَ عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ سُجُودًا [1] .
«449» وروى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عن غلام لأبي جحيفة السوائي قَالَ: لما قتل علي أَهْل النَّهْرَوَان جعل لا يستقر جالسا ويقول: ويحكم أطلبوا رجلا ناقص اليدين فِي يديه (في يده «خ» ) عظم طرفها حلمة كحلمة الثدي من المرأة، عَلَيْهَا خمس شعرات- أَوْ سبع شعرات- رءوسها معقفة. قَالُوا: قد طلبناه فلم نجده. فَقَالَ: أليس هذا النهروان؟
__________
[1] ورواه أيضا أحمد بن حنبل تحت الرقم (848) في مسند علي من كتاب المسند: ج 2 ص ط 2 قال: حدثنا أبو نعيم، حدثنا الوليد بن القاسم الهمداني، حدثنا إِسْرَائِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ طارق بن زياد إلخ وساق الحديث باختلاف في بعض الألفاظ، ثم قال:
ورواه عبد الله بن شداد، عن علي كما تقدم قريبا إيراده بطوله. وكذا رواه عنه في البداية والنهاية:
ج 7 ص 291، وأيضا رواه أحمد تحت الرقم: (1254) من المسند، قال: حدثنا ابو نعيم، حدثنا إسرائيل، عن إبراهيم ...
اقول: وقريبا منه جدا رواه النسائي في الحديث: (174) من كتاب خصائص أمير المؤمنين عليه السلام ص 141، عن احمد بن بكار الحراني، عن مخلد، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى، عن طارق بن زياد. ورواه أيضا نقلا عن أحمد في ترجمة طارق بن زياد الكوفي من تاريخ بغداد: ج 9 ص 366 قال: أخبرنا الحسن بن على التميمي، أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا الوليد بن القاسم بن الوليد الهمداني..(2/376)
قالوا: بلى. قال: [فو الله ما كذبت ولا كذبت فاطلبوه!!!] (قال:) فطلبناه فوجدناه قتيلا فِي ساقية، ففرح علي فرحا شديدًا.
«447» وَقَالَ الأخنس بْن العيزار الطائي ثُمَّ السنبسي يرثي أَهْل النَّهْرَوَان من الخوارج ويذكر زيد بْن حصين:
إِلَى اللَّه أشكو ان كل قبيلة ... من الناس فدافنى الجلاد خيارها
سقى اللَّه زيدا كلما ذر شارق ... وأسكن من جنات عدن قرارها
وَقَالَ حبيب بن حذرة فِي قصيدة لَهُ طويلة:
يَا رب إنهم عصوك وحكموا ... فِي الدين كل ملعن جبار
يدعو إِلَى سبل الضلالة والردى ... والحق أبلج مثل ضوء نهار
فهم/ 399/ يرون سبيل طاغيهم هدى ... وأرى سبيلهم سبيل النار
يَا رب باعد فِي الولاية بيننا ... إني عَلَى مَا يفعلون لزار
وسبيل يوم النهر حين تتابعوا ... متوازرين عَلَى رضا الجبار
وَقَالَ فِي قصيدة لَهُ (أيضا) :
ألا ليتني يا أم صفوان لم أوب ... وغودرت في القتلى بصفين ثاريا
فو الله رب النَّاس مَا هاب معشر ... عَلَى النهر فِي اللَّه المنايا القواضيا
تذكرت زيدًا منهم وابن حاتم ... فتى كان يوم الروح أروج ماضيا
«448» وروي أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَ دنانير فسأله المخدج فلم يعطه فَقَالَ:
والله مَا عدلت فِي القسم. فَقَالَ: [ويلك فمن يعدل؟] «449» حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَاصِمًا يَقُولُ: إِنَّ حَرُورِيَّةً عَلَى عَهْدِ عَلِيٍّ قَالُوا: لا حُكْمَ إِلا لِلَّهِ. فَقَالَ عَلِيٌّ: [إِنَّهُ كَذَلِكَ وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: لا إِمْرَةَ. وَلا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ وَيَسْتَمْتِعُ الْكَافِرُ وَيَبْلُغُ الْكِتَابُ أَجَلَهُ.](2/377)
أمر عَلِيّ بْن أَبِي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بعد النَّهْرَوَان
«450» قَالُوا: وأمر علي عَلَيْهِ السلام النَّاس بالرحيل من النَّهْرَوَان فَقَالَ لهم:
[إن اللَّه قد أعزكم وأذهب مَا كنتم تخافون عنكم فامضوا من وجهكم هَذَا إِلَى الشَّام] .
فَقَالَ الأشعث بْن قَيْس: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نفدت سهامنا وكلت سيوفنا ونصلت رماحنا، فلو أتينا مصرنا حَتَّى نريح ونستعد ثُمَّ نسير إِلَى عدونا.
فركن النَّاس إِلَى ذَلِكَ، وَكَانَ الأشعث طنينا [1] وسماه علي عرف النار.
«451» قَالُوا: وسار علي حَتَّى أتى المدائن ثُمَّ مضى حَتَّى نزل النخيلة، وجعل أصحابه يدخلون الكوفة حتى بقي في أقل من ثلاثمأة، فلما رأي ذَلِكَ دخل الْكُوفَة وقد بطل عَلَيْهِ مَا دبر من أتيان الشَّام قاصدًا إِلَيْهَا من النَّهْرَوَان، فخطب النَّاس فَقَالَ: «أيها النَّاس استعدوا للمسير إِلَى عدوكم ففي جهاده القربة إِلَى اللَّه ودرك الوسيلة عنده، وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ وتوكلوا على الله وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا* وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً» فلم
__________
[1] أي رفيع الصوت فسمع الناس قوله هذا فركنوا إليه.(2/379)
يصنعوا شَيْئًا، فتركهم أياما حَتَّى إذا يئس منهم خطبهم فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «يَا عباد اللَّه مَا بالكم إذا أمرتكم أن انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ، أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ بدلا [1] وبالذل والهوان من العزّ والكرامة خلفا، أكلما دعوتكم إِلَى الجهاد دارت أعينكم فِي رؤسكم كأنكم من الموت فِي سكرة، وكأن قلوبكم قاسية [2] فأنتم أسود الشرى عند الدعة، وحين تنادون للبأس ثعالب رواغة، تنتقص أطرافكم فلا تتحاشون وَلا ينام عدوكم عنكم وأنتم فِي غفلة ساهون.
إن لكم علي حقا، وإن لي عليكم حقا، فأما حقكم فالنصيحة لكم مَا نصحتم، وتوفير فيئكم عليكم، وأن أعلمكم كيلا تجهلوا، وأؤدبكم كيما تعلموا [3] وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصح فِي المغيب والمشهد، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم [4] .
«452» وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن أبي مخنف، عن الحرث بْنِ حَصِيرَةَ، عَنْ أَبِي صَادِقٍ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَزْدِيِّ أَنَّ عَلِيًّا خَطَبَهُمْ حِينَ اسْتَنْفَرَهُمْ إِلَى الشَّامِ بَعْدَ النَّهْرَوَانِ، فَلَمْ يَنْفِرُوا فَقَالَ:
أَيُّهَا النَّاسُ الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمُ الْمُخْتَلِفَةُ قلوبهم وأهواؤهم ما عزّت دعوة من
__________
[1] وفي نهج البلاغة: «من الآخرة عوضا» .
[2] وفي النهج: «إذا دعوتكم إلى جهاد عدوكم دارت أعينكم كأنكم من الموت في غمرة، ومن الذهول في سكرة، يرتج عليكم حواري فتعمهون، فكان قلوبكم مألوسة فأنتم لا تعقلون» .
[3] هذا هو الصواب الموافق لما في النهج، وفي النسخة: «كيلا تعلموا» .
[4] وقريب منه في المختار: (34) من خطب النهج والإمامة والسياسة ج 1/ 150، وكتاب الغارات- كما في البحار: ج 8 ص 679 وكتاب سليم بن قيس، ص 110، وروى عنه في البحار: ج 8 ص 154.(2/380)
دَعَاكُمْ، وَلا اسْتَرَاحَ قَلْب مَنْ قَاسَاكُمْ [1] كَلامُكُمْ يوهن الصّم الصلاب [2] وفعلكم يطمع فِيكُمْ عَدُوَّكُمْ، إِذَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى الْجِهَادِ قُلْتُمْ: كَيْتَ وَكَيْتَ وَذَيْتَ وَذَيْتَ [3] أَعَالِيلَ بِأَبَاطِيلَ [4] وَسَأَلْتُمُونِي التَّأْخِيرَ فِعْلَ ذِي الدَّيْنِ الْمَطُولِ/ 400/ [5] حِيدِي حِيَادَ [[6] لا يَدْفَعُ الضَّيْمَ الذَّلِيلُ، وَلا يُدْرَكُ الْحَقُّ إِلا بِالْجِدِّ وَالْعَزْمِ وَاسْتِشْعَارِ الصَّبْرِ،] أَيُّ دَارٍ بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ، وَمَعَ أَيِّ إِمَامٍ بَعْدِي تُقَاتِلُونَ، الْمَغْرُورُ وَاللَّهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ، وَمَنْ فَازَ بِكُمْ فَازَ بِالسَّهْمِ الأَخْيَبِ، أَصْبَحْتُ لا أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ وَلا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ، فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأَبْدَلَنِي بِكُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ لِي مِنْكُمْ.
أَمَا إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي ذُلا شَامِلا وَسَيْفًا قَاطِعًا، وَإِثْرَةً يَتَّخِذُهَا الظَّالِمُونَ فِيكُمْ سُنَّةً، فَيُفَرِّقُ جَمَاعَتَكُمْ وَيُبْكِي عُيُونَكُمْ وَيَدْخُلُ الْفَقْرُ بُيُوتَكُمْ وَتَتَمَنَّوْنَ عَنْ قَلِيلٍ أَنَّكُمْ رَأَيْتُمُونِي فَنَصَرْتُمُونِي فستعلمون حق ما أقول (لكم) وَلا يُبْعِدُ اللَّهُ إِلا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ.
__________
[1] هذا هو الصواب الموافق لجميع ما عثرت عليه من مصادر الكلام، وفي النسخة «من قاسكم» .
[2] وفي المختار: (69) من النهج: «يوهي الصم الصلاب» . وهو أظهر، والصم: جمع أصم وهو من الحجارة الصلب المصمت. والصلاب: جمع صليب: الشديد. ويوهيها يضعفها ويفتتها، يقال: «وهي الثوب- من باب ضرب وحسب- وهيا» : تخرق وانشق. وأوهاه إيهاء: شقه وخرقه.
[3] هذه الكلم بكسر آخرها ولا تستعمل إلا مكررة وتكنى بها عن الفعل والقول.
[4] أي إنكم تتعللون بالأباطيل التي لأجدوى لها، وفي النهج: «أعاليل بأضاليل» .
[5] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «فعل ذي الزمن المطول» ، والمطول- كصبور-:
الكثير المطل: الذي يؤخر أداء دينه بلا عذر. وفي النهج: «دفاع ذي الدين المطول» .
[6] وفي النهج: «تقولون في المجالس كيت وكيت، فإذا جاء القتال قلتم: حيدي حياد» .
و «حياد» مبني على الكسر، و «حيدي حياد» كلمة كان الهارب من الحرب يقولها، كأنه يسأل الحرب أن تنحرف وتتنحى عنه.(2/381)
«453» قَالُوا وخطبهم بعد ذَلِكَ خطبا كثيرة، وناجاهم وناداهم فلم يربعوا إِلَى دعوته [1] وَلا التفتوا إلى شيء من قوله (ظ) وَكَانَ يقول لهم كثيرًا: [ «إنه مَا غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا] .
وقال أَبُو أيوب الأَنْصَارِيّ وذلك قبل تولية علي إياه المدينة بيسير فَقَالَ:
إن أمير الْمُؤْمِنِينَ قد أسمع من كانت لَهُ أذنان وقلب حفيظ، إن اللَّه قد أكرمكم بِهِ كرامة بينة فاقبلوها حق قبولها، إنه أنزل ابْن عم نبيكم بين ظهرانيكم يفقهكم ويرشدكم ويدعوكم إِلَى مَا فِيهِ الحظ لكم.
وأما حجر بْن عدي الكندي وعمرو بْن الحمق الخزاعي [2] وحبة بْن جوين البجلي ثُمَّ العرني وعبد اللَّه بْن وهب الْهَمْدَانِيّ- وَهُوَ ابْن سبأ-[3] (فإنهم أتوا) عَلِيًّا عَلَيْهِ السلام فسألوه عَن أَبِي بكر وعمر رَضِيَ اللَّهُ عنهما فَقَالَ: [أوقد تفرغتم لهذا؟ وَهَذِهِ مصر قد افتتحت وشيعتي بها قد قتلت!!] وكتب
__________
[1] أي لم يعطفوا إليها ولم يجيبوا قوله.
[2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «عمرة بن الحمق الخزاعي» .
[3] كذا في النسخة، والقصة ذكرها جماعة ولم يذكروا فيها ابن سبأ، وذكرها ابن قتيبة في عنوان: «ما كتب علي لأهل العراق» من الإمامة والسياسة ص 154، وقال: عبد الله بن وهب الراسبي ...
أقول: وهذا يلائم إذا كان الأمر قبل قصة النهروان وقبل النفر الأخير للخوارج، وأما إذا كان بعده فلا، لان ابن وهب الراسبي كان رئيس الخوارج وهلك في يوم النهروان واصلاه الله النار، وكيف كان فابن السبأ لم يرد ذكره في هذه القضية الا في رواية البلاذري هذه، وأصحابنا في هذا الرجل فرقتان: فرقة تذكره كما تذكر النمرود وفرعون والشيطان مقرونا له باللعن والويل والخزي، وفرقة لا تعرفه انه أي حي بن بي!!! وقد كتب بعض السادة المعاصرين أعزه الله ودام توفيقه رسالة أنكر فيها أصل وجوده، فراجع إليها فإنها مبذولة ومفيدة.(2/382)
كتابا يقرأ عَلَى شيعته فِي كل أيام [1] فلم ينتفع (علي) بِذَلِكَ الكتاب وَكَانَ عند ابْن سبأ منه نسخة حرفها.
«454» وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنِي صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَشْيَاخِهِمْ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا بُويِعَ وَبَلَغَهُ قِتَالُ عَلِيٍّ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ، كَاتَبَ وُجُوهَ مَنْ مَعَهُ مِثْلَ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ وَغَيْرِهِ، وَوَعَدَهُمْ وَمَنَّاهُمْ وَبَذَلَ لَهُمْ حَتَّى مَالُوا إِلَيْهِ وَتَثَاقَلُوا عَنِ الْمَسِيرِ مَعَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ فَكَانَ يَقُولُ فَلا يُلْتَفَتُ إِلَى قَوْلِهِ وَيَدْعُو فَلا يُسْمَعُ لِدَعْوَتِهِ، فَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَقُولُ: لَقَدْ حَارَبْتُ عَلِيًّا بَعْدَ صِفِّينَ بِغَيْرِ جَيْشٍ وَلا عَنَاءٍ أَوْ قَالَ: وَلا عَتَادٍ.
«455» حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يَقُولُ: شَهِدْتُ عَلِيًّا وَوَضَعَ الْمُصْحَفَ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى سَمِعْتُ تَقَعْقُعَ الْوَرَقِ فَقَالَ: [ «اللَّهُمَّ إِنِّي سَأَلْتُهُمْ مَا فِيهِ فَمَنَعُونِي ذَلِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلَلْتُهُمْ وَمَلُّونِي وَأَبْغَضْتُهُمْ وَأَبْغَضُونِي وَحَمَلُونِي عَلَى غَيْرِ خُلُقِي وَعَلَى أخلاق لم
__________
[1] والكتاب رواه حرفيا جماعة وذكرناه برواية ثقة الاسلام الكليني في المختار: (157) من باب كتب أمير المؤمنين من نهج السعادة: ج 5 ص 194، فراجع.
ورواه أيضا ابراهيم بن محمد الثقفي (ره) في كتاب الغارات كما في بحار الأنوار: ج 8 ص 615 في عنوان: «الفتن الحادثة بمصر، وشهادة محمد بن أبي بكر» . ورواه بسند آخر محمد بن جرير بن رستم الطبرى- المتوفي أواسط القرن الرابع- في آخر الباب الرابع من المسترشد، ص 77، ورواه أيضا ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (67) من النهج: ج 6 ص 94. ورواه أيضا في الإمامة والسياسة ص 154. ورواه السيد ابن طاوس (ره) في الفصل: (155) من كتاب كشف المحجة، ص 173، نقلا عن رسائل الكليني (ره) .(2/383)
تَكُنْ تُعْرَفُ لِي فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْرًا لِي مِنْهُمْ، وَأَبْدِلْهُمْ بِي شَرًّا مِنِّي، وَمَثَّ قُلُوبَهُمْ مَيْثَ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ] .
«456» حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ لُوطِ بْنِ يَحْيَى أَبِي مِخْنَفٍ أَنَّ عِمَارَةَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ مِنَ الْكُوفَةِ يُعْلِمُهُ أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى عَلِيٍّ أَصْحَابُهُ وَنُسَّاكِهِمْ فَسَارَ إِلَيْهِمْ فَقَتَلَهُمْ فَقَدْ فَسَدَ عَلَيْهِ جُنْدُهُ وَأَهْلُ مِصْرِهِ وَوَقَعَتْ بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةُ وَتَفَرَّقُوا أَشَدَّ الفرقة. فقال معاوية للوليد ابن عُقْبَةَ أَتَرْضَى أَخُوكَ بِأَنْ يَكُونَ لَنَا عَيْنًا- وَهُوَ يَضْحَكُ- فَضَحِكَ الْوَلِيدُ وَقَالَ: إِنَّ لَكَ فِي ذَلِكَ حَظًّا وَنَفْعًا، وَقَالَ الْوَلِيدُ لأَخِيهِ عمارة:
إن يَكُ ظَنِّي بِابْنِ أُمِّي صَادِقًا ... عِمَارَةُ لا يطلب بذحل ولا وتر
مقيم واقبال ابْنِ عَفَّانَ حَوْلَهُ ... يُمَشَّى بِهَا بَيْنَ الْخَوَرْنَقِ وَالْجِسْرِ
وَتَمْشِي رَخِيَّ الْبَالِ مُنْتَشِرَ الْقُوَى ... كَأَنَّكَ لَمْ تَشْعُرْ بِقَتْلِ أَبِي عَمْرٍو
أَلا إِنَّ/ 401/ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ ثَلاثَةٍ ... قَتِيلٌ التُّجِيبِيُّ الَّذِي جَاءَ مِنْ مِصْرِ
«457» وَحَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ عَوَانَةَ وغيره قَالُوا:
لَمَّا بَلَغَ مُعَاوِيَةَ أَنَّ عَلِيًّا يَدْعُو النَّاسَ إِلَى غَزْوِهِ وَإِعَادَةِ الْحَرْبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ هَالَهُ ذَلِكَ، فَخَرَجَ مِنْ دِمَشْقَ مُعَسْكِرًا وَبَعَثَ إِلَى نَوَاحِي الشَّامِ الصُّرَخَاءَ يُنَادُونَ إِنَّ عَلِيًّا قد أقبل إليكم (ظالما ناكثا باغيا، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه فتجهزوا رحمكم الله للحرب بأحسن الجهاز) [1] وَكَتَبَ إِلَيْهِمْ كُتُبًا قَالَ فِيهَا: إِنَّا كُنَّا كَتَبْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَلِيٍّ كِتَابًا وَاشْتَرَطْنَا فِيهِ شُرُوطًا، وَحَكَّمْنَا الرَّجُلَيْنِ [2] لِيَحْكُمَا بِحُكْمِ الْكِتَابِ عَلَيْنَا، وإن حكمي أثبتني (ظ)
__________
[1] بين المعقوفين كان في النسخة قد ضرب عليه الخط:
[2] كذا،(2/384)
وَخَلَعَهُ حَكَمُهُ، وَقَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ ظَالِمًا نَاكِثًا بَاغِيًا، فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ، فَتَجَهَّزُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ لِلْحَرْبِ بِأَحْسَنِ الْجِهَازِ، وَاسْتَعِدُّوا لها بأكمل العدّة وانفروا خفافا وثقالا.
فَاجْتَمَعُوا لَهُ مِنْ كَلِّ أَوْبٍ، وَأَرَادُوا الْمَصِيرَ إِلَى صِفِّينَ ثَانِيَةً حَتَّى بَلَغَهُمُ اخْتِلافُ أَصْحَابِ عَلِيٍّ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ عِمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ، فَعَسْكَرَ يَنْتَظِرُ مَا يَكُونُ، إِلَى أَنْ جَاءَهُ خبر مقتله رحمه الله [1] .
__________
[1] فعليه فليس هنا محل هذا الخبر.(2/385)
أمر مصر فِي خلافة علي
ومقتل مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر 2/ 159 وَمُحَمَّد بْن أَبِي حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهم «458» قَالَ أَبُو مخنف وغيره: استشهد أَبُو حُذَيْفَة بْن عتبة بْن ربيعة ابن عبد شمس يوم اليمامة (ظ) وترك ابنه محمد بن أبي حذيفة، فكفّله عُثْمَان بْن عفان ومانه وأحسن تربيته، وَكَانَ مُحَمَّد بْن أَبِي حُذَيْفَةَ قد تنسك وأقبل عَلَى العبادة وذلك بعد أن حده عُثْمَان فِي الشراب فيما يقال فَقَالَ لعثمان: إني قد رغبت فِي غزو البحر، فاذن لي فِي إتيان مصر. فإذن لَهُ، فلما قدمها رأي النَّاس عبادته فلزموه وأعظموه ومالوا إِلَيْهِ، وكان خروجه إليها مع عبد الله ابن سعد بْن أَبِي سرح القرشي- أَوْ بعده فِي السنة الَّتِي شخص عَبْد اللَّهِ فِيهَا- وغزا مُحَمَّد بْن أَبِي حُذَيْفَةَ فِي البحر مَعَ عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح في سنة أربع وثلاثين، فصلى (عَبْد اللَّهِ) بْن سَعْد بْن أَبِي سرح يوما، فكبّر محمد بن أبي حُذَيْفَة من خلفه تكبيرة أفزعته فنهاه وَقَالَ: إنك حدث أحمق ولولا ذَلِكَ لقاربت بين خطاك (ما قاربت بين خطاك «خ» ) وَكَانَ ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ يعيبه ويعيب عُثْمَان بتوليته إياه، ويقول: استعمل عُثْمَان رجلا أباحَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دمه يَوْم الفتح ونزل فِيهِ «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً، أَوْ قالَ: أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ، وَمَنْ قالَ: سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ» (93/ الأنعام: 6) ، وَكَانَ مُحَمَّد بْن أَبِي بكر شخص إِلَى(2/387)
مصر، مَعَ عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح، فكان يعين ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ عَلَى ذَلِكَ ويساعده عَلَيْهِ، فكتب عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي سرح إِلَى عُثْمَان بْن عفان يشكوهما ويذكر أنهما قد أنغلا عَلَيْهِ المغرب وأفسداه. فقال (عُثْمَان) :
اللهم إني ربيته رحمة لَهُ وصلة لقرابته حَتَّى لقد كنت أنكث المخ فأخصه بِهِ دون نفسي وولدي. «وكتب إِلَى ابْن سعد فِي جواب مَا كتب إليه (ظ) :
«أما مُحَمَّد بْن أَبِي بكر فإنه يوهب لأبي بكر ولعائشة أم الْمُؤْمِنِينَ، وأما ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ فإنه ابني وَابْن أخي وتربيتي وَهُوَ فرخ قريش» . فكتب إِلَيْهِ ابْن أَبِي سرح:: «إن هَذَا الفرخ قد استوى ريشه ولم يبق إِلا أن يطير» .
فبعث عُثْمَان إِلَى ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ بثلاثين ألف درهم، و (أمر أن) يحمل إِلَيْهِ كسوة، فأمر بِذَلِكَ أجمع فوضع فِي المسجد ثُمَّ قَالَ: يَا معشر الْمُسْلِمِينَ، ألا ترونَ إِلَى عُثْمَان يُخادعني عَن ديني ويرشوني عليه (كذا) . فازداد أَهْل مصر طعنا عَلَى عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وإعظاما لابن أَبِي حُذَيْفَةَ، واجتمعوا إِلَيْهِ فبايعوه عَلَى رئاستهم فكتب إِلَيْهِ عُثْمَان يذكره بره بِهِ وتربيته إياه وقيامه بشأنه ويقول لَهُ: إنك كفرت إحساني أحوج ما كنت إليّ بشكرك ومكافاتك (كذا) فلم يزل ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ يحرض أَهْل مصر، ويؤلبهم/ 402/ عَلَى عُثْمَان حَتَّى سَرَّبَهُم [1] إلى المدينة، فاجتمعوا عليه مع أَهْل المصرين، وكانوا أشدهم فِي أمره، وشخص مُحَمَّد بْن أَبِي بكر معهم، فلما حوصر عُثْمَان وثب مُحَمَّد بْن أَبِي حُذَيْفَةَ عَلَى عَبْد اللَّهِ بْن سَعْدٍ، فطرده عَن مصر، وصلى بالناس وتولى أمر مصر.
__________
[1] قال في التاج مزجا بلفظ القاموس: ومن المجاز قولهم: «سرب علي الأبل» أي أرسلها قطعة قطعة، قاله الأصمعي، ويقال: سرب عليه الخيل: بعثها عليه سربة بعد سربه، وفي حديث علي: إني لأسربه عليه. أي أرسله قطعة قطعة، ويقال: سربت إليه الشيء إذا أرسلته واحدا واحدا. وقيل: سربا سربا. وهو الأشبه.(2/388)
فصار عَبْد اللَّهِ بْن سعد إِلَى فِلَسْطِين ثُمَّ لحق بمعاوية، ثُمَّ إنه صار بعد ذَلِكَ إِلَى إفريقية فقتل بِهَا. ويقال: مات بفلسطين وَكَانَ قد أقام بِهَا وَكَانَ موته فِي آخر خلافة علي.
وبويع عَلِيّ بْن أَبِي طالب بعد مقتل عُثْمَان- رَضِيَ اللَّهُ عنهما- فولى قَيْس بْن سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الأنصاري مصر، وكان رجلا جوادا أديبا، فقال ابن أبي سرح: أبعد الله بن أبي حذيفة، بغا عَلَى ابْن عمه وسر أَهْل بيته [1] وسعى عَلَيْهِ حَتَّى ولي بعده من لم يمتّعه بسلطان بلده حولا وَلا شهرًا ولم يره لذلك أهلا.
«459» وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عن أبيه عن أبي مخنف لوط بن يحيى في اسناده قال:
لَمَّا بُويِعَ عَلِيٌّ دَعَا قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ الأَنْصَارِيَّ فَوَلَّاهُ الْمَغْرِبَ، فَشَخَصَ إِلَى مِصْرَ وَمَعَهُ أَهْلُ بَيْتِهِ حَتَّى دَخَلَهَا فَقَرَأَ عَلَى أَهْلِهَا كِتَابًا مِنْ عَلِيٍّ إِلَيْهِمْ: ذَكَرَ فِيهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ نُبُوَّتِهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِهِ وَأَكْرَمَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَتْبَاعِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَوَصَفَ فَضْلَهُمَا وَعَدَّلَهُمَا وَحَسَّنَ سيرتهما وعلمهما وترحم عليهما (ثم) قَالَ: ثُمَّ وُلِّيَ بَعْدَهُمَا وَالٍ أَحْدَثَ أَحْدَاثًا وَجَدَ النَّاسُ بِهَا عَلَيْهِ مَقَالا، فَلَمَّا نَقَمُوا غيّروا، ثم جاؤني فَبَايَعُونِي فَأَسْتَهْدِي اللَّهَ بِالْهُدَى [2] وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى التَّقْوَى. وَأَعْلَمَهُمْ تَوْلِيَتِهِ قَيْسَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ لِمَا ظَنَّ عِنْدَهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَرَجَا مِنْ قَصْدِهِ وَإِيثَارِهِ الْحَقَّ فِي أُمُورِهِ، وَتَقَدُّمِهِ إِلَيْهِ فِي الْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ، وَالشِّدَّةِ عَلَى الْمُرِيبِ، وَالرِّفْقِ بالخاصة والعامة،
__________
[1] يقال: رجل بر وسر: يبر ويسر.
[2] كذا في النسخة ومثله في تاريخ الطبري، وفي الغارات: «وأنا استهدي الله الهدى» .(2/389)
وأمرهم بموازرته ومكانفته ومعاونته على الحق والعمل به [1] .
(قال:) فَقَامَ النَّاسُ فَبَايَعُوا عَلِيًّا وَاسْتَقَامُوا لِقَيْسٍ إِلا رجلا يقال له:
يزيد بن الحرث، وَكَانَ مُعْتَزِلا فِي قَرْيَةٍ هُنَاكَ، فَبَعَثَ إِلَى قَيْسٍ: إِنَّا لا نُبَايِعُكَ وَلا نَنْتَزِي عَلَيْكَ فِي سُلْطَانِكَ، فَابْعَثْ عَامِلَكَ فَإِنَّ الأَرْضَ أَرْضُكَ، وَلَكِنَّا نَتَوَقَّفُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى مَا يَصِيرُ أَمْرُ النَّاسِ.
ووثب مسلمة بْن مخلد الساعدي من الأنصار، فنعا عُثْمَان ودعا إِلَى الطلب بدمه، فأرسل إِلَيْهِ قيس ويحك أعليّ تثب؟ فو الله مَا أحب أن أقتلك ولي ملك مصر والشام. فكفّ فتاركه، وجبا قَيْس الخراج وليس أحد ينازعه.
وسار علي إِلَى الجمل وقيس بمصر، وصار من البصرة إِلَى الْكُوفَةِ وَهُوَ بمكانه، فكان أثقل خلق اللَّه عَلَى مُعَاوِيَةَ، فكتب إِلَيْهِ قبل خروجه إِلَى صفين «إنكم نقمتم عَلَى عُثْمَان إثرة رأيتموها وأشياء سوى ذَلِكَ أنكرتموها وأنتم تعلمون أن دمه لم يكن لكم حلالا، فركبتم عظيما وجئتم أمرًا إدًا، فأما صاحبك فقد استيقنا أنه الَّذِي ألب النَّاس عَلَيْهِ وأغراهم بِهِ وحملهم عَلَى قتله، فهو ينتفي من ذَلِكَ مرة ويقربه أخرى» . ودعاه إِلَى الطلب بدم عُثْمَان، فكتب إِلَيْهِ قَيْس: «قد فهمت كتابك، وأما قتل عُثْمَان فإني لم أقاربه ولم انظف بِهِ [2] وأما صاحبي فلم أطلع منه عَلَى مَا ذكرت، وأما مَا دعوتني إِلَيْهِ فَإِن لي فيه نظرا وفكرة، وأنا كاف (عنك) وإن يأتيك عني شيء تكرهه [3] .
__________
[1] والكتاب رواه الثقفي (ره) في الغارات، والطبري في تاريخه: ج 4/ 548، وذكرناه في المختار (10) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 4 ص 27، فارجع إليه او إلى الطبري فإن البلاذري قد تسامح في بعض الألفاظ كقوله: «علمهما» فانه غير موجود في الكتاب كعدم وجوده في متن الواقع ونفس الأمر.
[2] كذا في النسخة، وفي الطبري: ج 4/ 551: «ولم أطف به» .
[3] كذا في الأصل، وفي الطبري: «ولن يأتيك من قبلي شيء تكرهه» .(2/390)
ثُمَّ كتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة كتابًا آخر، فأجابه قَيْس عَنْهُ ولم يقاربه فيما أراد من الالتواء عَلَى علي، والطلب بدم عُثْمَان، فكتب إليه معاوية: «يا يهودي ابن اليهودي» [1] . فأجابه قيس: يا وثن ابْن الوثن، دخلتم فِي الإسلام كارهين، وخرجتم منه طائعين» .
فلما يئس (معاوية) منه، كتم مَا كتب بِهِ إِلَيْهِ وأظهر أن قيسا قد أجابه إِلَى المبايعة، ومتابعته عَلَى مَا أراد، والدخول مَعَهُ فِي أمره، فكتب عَلَى لسانه:
للأمير مُعَاوِيَة، من قَيْس بْن سَعْدٍ، أما بعد فَإِن قتل عُثْمَان كَانَ حدثا فِي الإسلام عظيما/ 403/ وقد نظرت لنفسي وديني فلم أره يسعني مظاهرة قوم قتلوا إمامهم مسلما محرما برّا تقيا، فنستغفر اللَّه لذنوبنا ونسأله العصمة لديننا، وقد ألقيت إِلَيْك بالسلم، وأجبتك إِلَى قتال قتلة إمام الهدى المظلوم.
فشاع فِي النَّاس أن قيسا قد صَالِح مُعَاوِيَة وسالمه، وسار بِهِ الركبان إِلَى الْعِرَاق، وبلغ ذَلِكَ عَلِيًّا، فاستشار عَبْد اللَّهِ بْن جعفر بْن أَبِي طالب فِي أمره فأشار عَلَيْهِ بعزله، فإنه ليروى فِي ذَلِكَ ويصدق بما بلغه مرة، ويكذب أخرى حَتَّى ورد عَلَيْهِ كتاب من قَيْس بخبر الكناني وأهل القرية الَّتِي هُوَ فِيهَا، وبخبر ابْن مخلد، وما رأى من متاركتهم والكف عنهم. فَقَالَ لَهُ ابْن جعفر: مره يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بقتالهم لتعرف حاله فِي مواطأة القوم على
__________
[1] ورواه أيضا تحت الرقم: (75) من ترجمة معاوية: ج 2 ص 703/ او الورق 53 قريبا منه مرسلا عن المدائني، ولكن قال: كتب إليه وكان مع الحسن بْن علي عليهما السلام. وكذلك رواه عن المدائني بنحو الإرسال تحت الرقم (46) من ترجمة الامام الحسن عليه السلام الورق 223/ أ/ وهو اطول مما هنا، ومما يأتي في ترجمة معاوية.(2/391)
ما تركوا من بيعتك، ويضح لك حق مَا بلغك أَوْ غير ذَلِكَ. ففعل وكتب إِلَيْهِ بِذَلِكَ، فأجابه قَيْس: إني قد عجبت من سرعتك إِلَى محاربة من أمرتني بمحاربته من عدوك، ومتى فعلت ذَلِكَ لم آمن أن يتساعد أعداؤك ويترافدوا ويجتمعوا من كل مكان فيغلظ الأمر، وتشتد الشوكة.
فَقَالَ لَهُ ابْن جعفر: ألم يضح لك الآن الأمر؟ فول مُحَمَّد بْن أَبِي بكر، مصر يكفك أمرها، واعزل قيسا فإنه بلغني أنه يقول: إن سلطانا لا يقوم إِلا بقتل مسلمة بْن مخلد لسلطان سوء. - وَكَانَ ابْن جعفر أخا مُحَمَّد بْن أَبِي بكر لأمه أسماء بنت عميس تزوجها جعفر ثم خلف عليها أبو بكر- فعزل (عليّ) قيسا وولى محمدًا، فلما ورد مُحَمَّد مصر، غضب قَيْس وَقَالَ:
والله لا أقيم معك طرفة عين، وانصرف إِلَى المدينة، وقد كَانَ مر فِي طريقه برجل من بني القين فقراه وأحسن ضيافته وأمر لَهُ بأربعة آلاف درهم فأبا أن يقبلها وقال: لا (آ) خذ لقراي ثمنا. وَكَانَ قَيْس أحد الأسخياء الأجواد.
فلما ورد (قيس) المدينة أتاه حسان بْن ثابت شامتا- وَكَانَ عثمانيا- فَقَالَ لَهُ: نزعك علي وقد قتلت عُثْمَان فبقي عليك الإثم ولم يحسن لك الشكر. فَقَالَ لَهُ: يَا أعمى القلب والعين لولا أن أوقع بين قومي وقومك شرًا لضربت عنقك، اخرج عني. وَكَانَ حسان من بني النجار من الخزرج.
ثُمَّ أن قَيْس بْن سَعْدٍ، خرج وسهل بْن حنيف جميعا حَتَّى قدما عَلَى علي بالْكُوفَة، فخبره الخبر وصدقه (علي) وشهد معه صفين وشهدها سهل أيضًا.
ولما قدم مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْرٍ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهما- (مصر) قرأ عهده على أهلها، ونسخته (هذا) :(2/392)
هَذَا مَا عهد عَبْد اللَّهِ علي أمير الْمُؤْمِنِينَ، إِلَى مُحَمَّد بْن أَبِي بكر حين ولاه مصر، أمره بتقوى اللَّه وطاعته فِي خاص أمره وعامه سره وعلانيته، وخوف اللَّه ومراقبته في المغيب والمشهد، وباللين للمسلم والغلظة عَلَى الفاجر، وإنصاف المظلوم والتشديد عَلَى الظالم، والعفو عَن النَّاس والإحسان (إِلَيْهِمْ) مَا استطاع فَإِن اللَّه يجزي المحسنين، ويثيب المصلحين.
وأمره أن يجبي خراج الأرض عَلَى مَا كَانَ يجبى عَلَيْهِ من قبل، وَلا ينقص منه وَلا يبتدع فِيهِ.
وأمره أن يلين حجابه ويفتح بابه، ويواسي بين النَّاس فِي مجلسه ووجهه ونظره، وأن يحكم بالعدل ويقيم القسط وَلا يتبع الهوى وَلا يأخذه فِي اللَّه لومة لائم.
وكتب عبيد اللَّه بْن أَبِي رافع [1] .
«460» قَالُوا: وكتب مُحَمَّد بْن أَبِي بكر إِلَى مُعَاوِيَةَ: «من مُحَمَّد بْن أَبِي بكر إِلَى الغاوي مُعَاوِيَة بْن صخر- وبعضهم يقول: العاوي. والغاوي أثبت. - سلام عَلَى أَهْل طاعة اللَّه ممن هُوَ سلم لأهل ولاية اللَّه.
أما بعد فإن اللَّه بجلاله وقدرته وعظمته خلق خلقا بلا ضعف كَانَ منه وَلا حاجة بِهِ إِلَى خلقه، ولكنه خلقهم عبيدًا وجعل منهم شقيا وسعيدًا وغويا ورشيدا، ثُمَّ اختارهم بعلمه واصطفاهم بقدرته فانتحل (أو: فأنخل) منهم وانتجب محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبعثه رسولا وهاديا ودليلا/ 404/ ونذيرًا وبشيرًا وسراجًا منيرًا، فدعا إِلَى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، فكان أول
__________
[1] ورويناه في المختار: (49) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 4/ 99 عن الطبري والثقفي في الغارات وابن شعبة في تحف العقول ص 118.(2/393)
من أجاب وأناب وأوفق [1] وأسلم وسلم أخوه وَابْن عمه عَلِيّ بْن أَبِي طالب، فصدقه بالغيب المكتوم وآثره عَلَى كل حميم، ووقاه كل هول (و) واساه بنفسه فِي كل حال وحارب حربه وسالم سلمه [2] حَتَّى برز سابقا لا نظير لَهُ ممن اتبعه، وَلا مشارك لَهُ فِي فضله، وقد أراك تساميه وأنت أنت، وَهُوَ السابق المبرز فِي كل خير، أطيب النَّاس ذرية وأفضل النَّاس زوجة، وخير النَّاس ابْن عم، أخوه الشاري نفسه يوم مؤته، وعمه سيد الشهداء يوم أحد،
__________
[1] رسم الخط من هذه الكلمة لم يكن جليا، ولعل ما ذكر هو الظاهر منه، وأظهر منه ما في كتاب صفين «ووافق» .
[2] وبعده في كتاب صفين هكذا: «فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الأزل، ومقامات الروع حتى برز سابقا لا نظير له في جهاده ولا مقارب له في فعله، وقد رأيتك ... » .
وفي مروج الذهب: «فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الليل والنهار: والخوف والجوع والخضوع حتى برز سابقا لا نظير له فيمن اتبعه ولا مقارب له في فعله، وقد رأيتك تساميه وأنت أنت، وهو هو ... » .
ورواه أيضا ابن ظهير- تلميذ ابن حجر العسقلاني، في كتاب الفضائل الباهرة، في محاسن مصر، والقاهرة، لكنه اختصره- قال: وكتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية:
بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن أبي بكر، إلى معاوية (بن) صخر، أما بعد نازعت أمير المؤمنين عليا ووثبت على حقه، وأنت طليق بن طليق، وقد علمت انه أكبر المهاجرين والأنصار، وله من رسول الله صلى الله عليه وسلم سوابق مباركات، قتل فيها أخاك وقسر على الاسلام أباك، فوثبت عليه واغتصبت حقه وقمت بهذا الأمر دونه وقلت: ولاني عثمان وأنا طالب بدمه!!! فكتب إليه معاوية:
بسم الله الرحمن الرحيم، من معاوية بن أبي سفيان، إلى محمد بن أبي بكر العاق بأبيه أما بعد فقد قرأت كتابك ولم أزل من توقيرك (عليا) على حسب ما يجب لك، وعلي ذو سوابق مباركات كما ذكر (ت) وما زال راسا مروسا حتى كان أول خليفة وثب عليه واقتسره حقه أبوك، فإن يك ما نحن فيه صوابا فأبوك أوله، وإن لم يكن خطأ فأبوك سببه، فدونك افعل في حق أبيك ما شئت أودع والسلام. كذا في حديث الغدير، من عبقات الأنوار، ص 266.(2/394)
وأبوه الذاب عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، وأنت اللعين ابن اللعين لم تزل أنت وأبوك تبغيان لدين اللَّه ورسوله الغوائل، وتحالفان عَلَيْهِ القبائل، وتبذلان فِيهِ المال، وتحالفان فِيهِ الرجال، عَلَى ذَلِكَ مات أبوك، وعليه خلفته وأنت (كذا) .
والشاهد عليه [1] من تؤوي وتلحي من رؤس أَهْل النفاق وبقية، الأحزاب وذوي الشناءة لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأهل بيته، والشاهد لعلي سبقه القديم وفضله المبين، وأنصار الدين الذين ذكروا في القرآن فهم حوله عصائب، ونجبتيه كنائب [2] يرجون الفضل فِي اتباعه ويخافون الشقاء فِي خلافه، فكيف تعدل نفسك بعلي [3] وَهُوَ كَانَ أول النَّاس لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إتباعًا وأخرهم بِهِ عهدًا يشركه فِي أمره ويطلعه عَلَى سره، وأنت عدوه وَابْن عدوه فتمتع بباطلك وليمدد لك عَمْرو فِي غوايتك، فكأن قد انقضى أجلك، ووهاكيدك فتستبين لمن يكون العاقبة.
واعلم أنك يا معاوية إنما تكائد ربك الَّذِي قد أمنت كيده ومكره ويئست من روحه، وَهُوَ لك بالمرصاد، وأنت منه فِي غرور؟ وبالله ورسوله وأهل بيته عنك الغنى، والسلام على من تاب وأناب.
__________
[1] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين: «والشاهد عليك بذلك من يأوي ويلجأ إليك من بقية الأحزاب، ورؤس النفاق والشقاق لرسول الله صلّى الله عليه ... » .
وفي مروج الذهب: «والشهيد عليك من تدفى ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ورؤساء النفاق ... » .
[2] كذا في النسخة، ولعل الصواب: «ويجنبه- أو يجنبيه- كتائب» وهذه الكلمة لم توجد في كتاب صفين ومروج الذهب.
[3] وفي كتاب صفين، ومروج الذهب: «فكيف- يا لك الويل- تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووصيه وأبو ولده وأول الناس له اتباعا، وآخرهم به عهدا، يخبره بسرّه ويشركه في أمره ... » .(2/395)
فأجابه مُعَاوِيَة:
من مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَانَ إِلَى مُحَمَّد بْن أَبِي بكر الزاري عَلَى أَبِيهِ، سلام عَلَى من اتبع الهدى وتزود التقوى.
أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فِيهِ مَا اللَّه أهله وما اصطفى لَهُ رسوله مع كلام لفقته وصنعته لرايك فِيهِ تضعيف ولك فِيهِ تعنيف، ذكرت حق ابْن أَبِي طالب وسوابقه وقرابته من رسول الله ونصرته إياه، واحججت علي بفضل غيرك لا بفضلك، فاحمد إلها صرف عنك ذَلِكَ الفضل وجعله لغيرك، فقد كنا وأبوك معنا فِي حياة من نبينا نرى حق ابْن أَبِي طالب لنا لازما وفضله علينا مبرزًا، فلما اختار اللَّه لنبيه ما عنده وأتمّ له وعده وافلج حجته وأظهر دعوته، قبضه اللَّه إِلَيْهِ، فكان أبوك- وَهُوَ صديقه- وعمر- وَهُوَ فاروقه- أول من أنزله منزلته عندهما [1] فدعواه إِلَى أنفسهما فبايع لهما لا يشركانه فِي أمرهما وَلا يطلعانه عَلَى سرهما حَتَّى مضيا وانقضى أمرهما، ثُمَّ قام عُثْمَان ثالثًا يسير بسيرتهما ويهتدي بهديهما فعبته أنت وصاحبك حَتَّى طمع فِيهِ الأقاصي من أَهْل المعاصي وظهرتما لَهُ بالسوء وبطنتما [2] حتى
__________
[1] كلمة: «عندهما» رسم خطها غير جلي، وكتبناها على الظن، وكذلك كلمة: «لهما» في قوله: «فبايع لهما» .
وفي مروج الذهب: «فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه حقه وخالفه على أمره، على ذلك اتفقا واتسقا: تم انهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما، فهما به الهموم، وأرادا به العظيم، ثم إنه بايع لهما وسلم لهما، وأقاما لا يشركانه في أمرهما ... » .
وفي كتاب صفين: «فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه وخالفه، على ذلك اتفقا واتسقا، ثم دعواه إلى أنفسهما فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما فهما به الهموم ... » .
[2] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين: «وبطنتما له وأظهرتما عداوتكما وغلكما، حتى بلغتما منه منا كما» . وفي مروج الذهب: «فطلبتما له الغوائل، وأظهرتما عداوتكما فيه حتى بلغتما فيه مناكما» .(2/396)
بلغتما فيه مناكما، فخذ- يَا ابْن أَبِي بكر- حذرك وقس شبرك بفترك [1] تقصر عَن أن تسامي أَوْ توازي من يزن الجبال حلمه، ويفصل بين أَهْل الشك علمه، وَلا تلين عَلَى قسر قناته (فإن) أبوك مهّد مهاده وثنا لملكه وساده [2] فَإِن كَانَ مَا نحن فِيهِ صوابا فأبوك أوله، وإن كَانَ خطأ فأبوك أسّسه ونحن شركاؤه، برأيه اقتدينا وفعله (كذا) احتذينا [3] ، ولولا مَا سبقنا إِلَيْهِ أبوك وأنه لم يره موضعا للأمر، مَا خالفنا عَلِيّ بْن أَبِي طالب ولسلمنا إِلَيْهِ، ولكنا رأينا أباك فعل أمرًا اتبعناه واقتفونا أثره [4] فعب أباك ما بدا لك أودع، والسلام عَلَى من أجاب، ورد غوايته وأناب [5] .
__________
[1] الشبر- كحبر-: ما بين أعلى الإبهام وأعلى الخنصر. والفتر- على زنة الشبر-:
ما بين طرف السبابة والإبهام إذا فتحتهما.
[2] وفي كتاب صفين: «وبنى ملكه وشاده» . وفي مروج الذهب: «وبنى لملكه وساده» .
[3] وفي كتاب صفين: «فإن يك مَا نحن فِيهِ صوابا فأبوك أوله، وإن يك جورا فأبوك أسسه ونحن شركاؤه، وبهديه أخذنا، وبفعله اقتدينا، ولولا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا ابن أبي طالب وأسلمنا له، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك فاحتذينا بمثاله واقتدينا بفعاله» .
وفي مروج الذهب: «فإن يك ما نحن فيه صوابا فأبوك استبد به ونحن شركاؤه، ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب، ولسلمنا إليه، ولكنا رأينا اباك فعل ذلك به من قبلنا فأخذنا بمثله» .
[4] كلمة: «اقتفونا» غير واضحة بحسب رسم الخط.
[5] ورواه أيضا في أواخر الجزء الثاني من كتاب صفين ص 118، ط مصر، بتحقيق عبد السلام محمد هارون.
ورواه عنه ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (46) من النهج: ج 3 ص 188، ط مصر.
ورواه أيضا في ايام معاوية من كتاب مروج الذهب: ج 3 ص 10، ط بيروت.
ورواه أيضا في تاريخ سمط النجوم العوالي: ج 2 ص 465 وقال: كذا ذكره المسعودي وهو من كبار الجماعة، كذا اورد هذه المكاتبة ومد بها باعه فقبح الله من كان اختراعه. كذا.
اقول وأنت بعد وعي ما هنا قل: قبح الله من لم يبذل في العلم وسعه وباعه، ولم يدر ما رواه سلفه واشاعه، واهمل ما ذكره ثقاته واضاعه.(2/397)
«461» قَالُوا: ولم يمكث مُحَمَّد بْن أَبِي بكر إِلا يسيرًا حَتَّى بعث إِلَى أولئك القوم/ 405/ المعتزلين الَّذِينَ كَانَ قَيْس وادعهم فَقَالَ لهم: إما أن تبايعوا وتدخلوا فِي طاعتنا، وإما أن ترحلوا عنا. فامتنعوا وأخذوا حذرهم وكانوا له هائبين، حتى أتى خبر الحكمين فاجترءوا عليه ونابذوه، فبعث ابن جمهاز البلوي [1] إلى يزيد بن الحرث الكناني، ومن قبله من أَهْل القرية الَّتِي كَانَ بِهَا، فقاتلوه فقتلوه، فبعث إِلَيْهِمُ ابْن أَبِي بكر، رجلا من كلب فقتلوه أيضًا.
وخرج مُعَاوِيَة بْن حديج الكندي ثُمَّ السكوني فدعا إِلَى الطلب بدم عُثْمَان، وذلك أن مُعَاوِيَة دس إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ وكاتبه فيما يقال وأرغبه، فأجاب ابْن حديج بشر كثير، وفسدت مصر عَلَى مُحَمَّد بْن أَبِي بكر، وبلغ عليا فساد أمره وانتشاره.
[مقتل الأشتر]
وَكَانَ علي قد ولى قَيْس بْن سعد- بعد أمر النَّهْرَوَان- أذربيجان وولي الأشتر الجزيرة فكان مقامه بنصيبين، فَقَالَ: مَا لمصر إِلا أحد هذين الرجلين، فكتب إِلَى مالك الأشتر: «إنك ممن أستظهر بِهِ عَلَى إقامة الدين، وأقمع ببأسه ونجدته نخوة الأثيم، وأسد بِهِ وبحزم رأيه الثغر المخوف» . وأخبره بأمر ابْن أَبِي بكر، وشرحه لَهُ [2] ، وأمره أن يستخلف على عمله بعض ثقاته وتقدم عَلَيْهِ، ففعل فولاه مصر.
وأتت مُعَاوِيَة عيونه بشخوص الأشتر واليا عَلَى مصر، فبعث إِلَى رأس أَهْل الخراج بالقلزم فَقَالَ لَهُ: إن الأشتر قادم عليك، فَإِن أنت لطفت لكفايتي إياه لم آخذ منك خراجًا مَا بقيت، فاحتل له بما قدرت عليه.
__________
[1] كذا هنا «جمهاز» بالزاء المعجمة.
[2] هذا هو الصواب، وفي النسخة ذكره بالسين المهملة، ثم إن لكتابه عليه السلام هذا مصادر، ذكرناها في ختام المختار: (124) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 5 ص 47 ط 1.(2/398)
فخرج الأشتر حَتَّى إذا أتى القلزم- وَكَانَ شخوصه من الْعِرَاق فِي البحر- استقبله الرجل فأنزله وأكرمه وأتاه بطعام، فلما أكل قَالَ لَهُ: أي الشراب أحب إِلَيْك إيها الأمير؟ قَالَ: العسل. فأتاه بشربة منه قد جعل فِيهَا سما، فلما شربها قتلته من يومه أَوْ من غده.
وبلغت مُعَاوِيَة وفاته فَقَالَ: كانت لعلي يدان- يعني قَيْس بْن سعد (بن عبادة) والأشتر- فقد قطعت إحداهما [1] وجعل يقول: إن لله لجندًا من عسل.
«462» وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا وهب بن جرير، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: وَجَّهَ عَلِيٌّ الأَشْتَرَ إلى مصر واليا عليها حين وهن أَمْرِ ابْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا صَارَ بِعَيْنِ شَمْسٍ [2] شَرِبَ شَرْبَةً مِنْ عَسَلٍ- يُقَالُ: إِنَّهُ سُمَّ فِيهَا-، فَمَاتَ فَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يقول: إن لله لجندا من عسل.
__________
[1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «قطعتا إحداهما» ولعلها «قطعنا» . وفي تاريخ الطبري:
واقبل الذي سقاه (السم) إلى معاوية فأخبره بمهلك الأشتر، فقام معاوية في الناس خطيبا فحمدا الله واثنى عليه، وقال: اما بعد فانه كانت لعلي بن أبي طالب يدان يمينان قطعت إحداهما يوم صفين- يعني عمار بن ياسر- وقطعت الأخرى اليوم يعنى الأشتر.
[2] قال في حرف العين من معجم البلدان: عين شمس- بلفظ الشمس التي في السماء-:
اسم مدينة فرعون موسى بمصر، بينها وبين الفسطاط ثلاثة فراسخ (و) بينه وبين بلبيس من ناحية الشام قرب المطرية، وليست على شاطئ النيل، وكانت مدينة كبيرة وهي قصبة كورة اتريب، وهي الآن خراب وبها آثار قديمة واعمدة تسميها العامة مسال فرعون سود طوال جدا، تبين من بعد كأنها نخيل بلا رؤس.(2/399)
«463» قَالُوا: وَلَمَّا وَرَدَ عَلَى عَلِيٍّ خَبَرُ الأَشْتَرِ، كَتَبَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ [1] وَقَدْ كَانَ وَجَدَ مِنْ تَوْلِيَةِ الأَشْتَرِ مَكَانَهُ.
أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي لَمْ أُوَلِّ الأَشْتَرَ عَمَلَكَ اسْتِبْطَاءً لَكَ فِي الْجَهْدِ، وَلا اسْتِقْصَارًا لأَمْرِكَ فِي الجند [2] وَلَوْ نَزَعْتُ مَا تَحْتَ يَدِكَ مِنْ سُلْطَانِكَ لولّيتك ما هو أيسر عليك مؤنة وَأَحَبُّ إِلَيْكَ وِلايَةً مِنْهُ، وَإِنَّ الرَّجُل الَّذِي وَلَّيْتُهُ أَمْرَ مِصْرَ، كَانَ لَنَا نَصِيحًا، وَعَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّنَا شَدِيدًا، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ أَيَّامَهُ وَلاقَى حِمَامَهُ وَنَحْنُ رَاضُونَ عَنْهُ، فَأَصْحِرْ لِلْعَدُوِّ، وَشَمِّرْ للحرب، وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاسْتَكْفِهِ يُعِنْكَ وَيَكْفِكَ إِنْ شَاءَ الله.
[ولاية عمرو بن العاص مصر]
«464» قَالُوا: ولما انصرف الحكمان وتفرقا وبويع مُعَاوِيَة بالخلافة، قوي أمره واستعلى شأنه، واختلف أَهْل الْعِرَاق عَلَى علي، فلم يكن لمعاوية همة إِلا مصر، وقد كَانَ لأهلها هائبا، لقربهم منه وشدتهم عَلَى من كَانَ يرى رأيه فدعا عَمْرو بْن العاص فولاه إياها عَلَى ما كانا افترقا عليه (كذا) ويقال: إنه دعا عَمْرو بْن العاص وحبيب بْن مسلمة، والضحاك بْن قَيْس الفهري وبسر ابن أبي أرطاة وعبد الرحمان بْن خالد بْن الوليد، وأبا الأعور السلمي ومرّة ابن مالك الهمداني وشرحبيل بن للسمط الكندي فعرض ولايتها وحرب ابْن أَبِي بكر عليهم فكرهوا ذَلِكَ إِلا عَمْرو بْن العاص. ويقال: إن عمرًا استبطأ مُعَاوِيَة فِي أمر مصر، وما كَانَ وعده من توليته/ 406/ إياها فدسّ إليه من أنشده هذين البيتين:
__________
[1] ولهذا الكتاب أيضا مصادر ذكرناها في ذيل المختار: (128) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 5 ص 128، ط 1.
[2] وفي رواية الطبري: «ولا ازديادا مني لك في الجد» .(2/400)
يَا لك الخير انتهزها فرصة ... واشبب النار لمقرود يكز
أعطه مصر وزده مثلها ... إنما مصر لمن عز فبز
فلما أراد الشخوص إِلَى مصر تقدم إِلَيْهِ مُعَاوِيَة فِي محاربة مُحَمَّد بْن أَبِي بكر وكتب ابْن أَبِي بكر إِلَى علي، يعلمه ولاية عَمْرو بْن العاص مصر، من قبل مُعَاوِيَة ويقول لَهُ: إنه توجه فِي جيش لجب، وبمن قبلي من الفشل والوهن ما لا انتفاع بهم معه، فإن كانت لك (في) مصر حاجة فأمدّني بالأموال والرجال.
فكتب (علي عليه السلام) إليه [1] يأمره بالتحرز والاحتراس، واذكا (ء) العيون وجمع شيعته إِلَيْهِ، وأن يندب كنانة بْن بشر بْن عتاب بْن عوف السكوني- وَهُوَ الَّذِي ضرب عُثْمَان بْن عفان بعمود عَلَى رأسه- إِلَى عدوه، ويعلمه أنه باعث إِلَيْهِ بالرجال عَلَى كل صعب وذلول، فَإِن اللَّه قد يعز أقل الفئتين بالحق ويذل أكثرهما بالباطل.
وخطب علي أَهْل الْكُوفَةِ [2] ودعاهم إِلَى إغاثة مُحَمَّد بْن أَبِي بكر ومن مَعَهُ من أهل مصر، فتقاعدوا (عنه) ثم انتدب منهم جنيد (كذا) أنفذهم إِلَى مصر، مَعَ كعب بْن مالك الْهَمْدَانِيّ، فلم يبلغوا حَتَّى أتى عَلِيًّا مقتل محمد ابن أَبِي بكر، فردهم من بعض الطريق وخطب فقال:
__________
[1] وكتابه عليه السلام هذا ذكرناه في المختار: (128) من باب كتبه عليه السلام من نهج السعادة: ج 5 ص 130، نقلا عن كتاب الغارات.
[2] وخطبته عليه السلام هذه ذكرها في كتاب الغارات كما في شرح المختار: (67) من النهج لابن أبي الحديد: ج 6 ص 89، وكما في بحار الأنوار: ج 8 ص 650، ورواها أيضا الطبري في تاريخه: ج 4/ 81 ط مصر.(2/401)
الحمد لله الَّذِي ابتلاني بمن لا يطيعني إذا أمرت، وَلا يجيبني إذا دعوت.
فِي كلام لَهُ [1] .
وكتب معاوية إلى محمد ابن أَبِي بكر كتابا يأمره فِيهِ بالتنحي والاعتزال.
وشخص عَمْرو بْن العاص من قبل مُعَاوِيَة فِي ستة آلاف ضمهم إِلَيْهِ فلما دنا من مصر، كتب إِلَى ابْن أَبِي بكر: «أن تنح عني بدمك فإني أكره أن يصيبك مني ظفر، وقد صح عندي ووضح لي أن أهل البلد قد شنئوك ورفضوا رأيك وندموا عَلَى اتباعك» . فكتب مُحَمَّد بْن أَبِي بكر إِلَى مُعَاوِيَةَ وعمرو جواب كتابيهما بالتكذيب لهما فيما ادعيا لو ترك إجابتهما إِلَى مَا أرادا وعزم عَلَى لقاء عَمْرو، فقدم كنانة بْن بشر- وَهُوَ التُّجِيبِيّ نسب إِلَى تجيب بنت ثوبان بْن سليم من مذحج وهي أم ولد أشرس بْن شبيب بن السكون- وضمّ إليه زهاء ألفي رجل، واتبعه فِي مثل أولئك، وورد عَمْرو فسرح الكتائب إِلَيْهِ كتيبة بعد كتيبة، وجعل كنانة يستقدم فلا يلقى كتيبة إِلا صبر عَلَى قتالها فيمن مَعَهُ، حَتَّى جاء مُعَاوِيَة بْن حديج بْن جفنة بْن قتير السكوني فِي الدهم فأحيط بكنانة ومن معه من خلفهم وأمامهم فأصيبوا (ظ) ونزل كنانة فجالد بسيفه حَتَّى قتل، وأقبل الجيش نحو محمد ابن أَبِي بكر فتفرق عَنْهُ أصحابه حَتَّى بقي وما مَعَهُ أحد فلما رأي ذَلِكَ خرج متعجلا فمضى عَلَى الطريق حَتَّى انتهى إِلَى خربة فآوى إِلَيْهَا، وجاء عَمْرو فدخل القصر، وخرج ابْن حديج فِي طلب ابْن أَبِي بكر، فانتهى إِلَى أعلاج من القبط عَلَى قارعة الطريق فسألهم هل مر بهم أحد ينكرونه ويستريبون بِهِ؟
فَقَالَ أحدهم: لا والله ولكني دخلت تلك الخربة فوجدت فِيهَا رجلا جالسا فَقَالَ ابْن حديج: هُوَ هُوَ ورب الكعبة، فانطلقوا يركضون دوابهم حتى
__________
[1] وهذه الخطبة ذكرها أيضا في كتاب الغارات وتاريخ الطبري مرتبة على الخطبة الأولى التي مرت الاشارة إلى مظان ذكرها.(2/402)
دخلوا عَلَيْهِ فاستخرجوه وقد كاد يموت عطشا، فأقبلوا بِهِ نحو الفسطاط، ووثب أخوه عَبْد الرحمان ابن أَبِي بكر إِلَى عَمْرو وَكَانَ مَعَهُ فَقَالَ: أيقتل أخي صبرا؟ ابعث إِلَى ابْن حديج فانهه عَن قتله. فبعث إِلَيْهِ عَمْرو أن يأتيه بمحمد ابن أَبِي بكر، فَقَالَ: قتلتم كنانة بْن بشر وَهُوَ ابْن عمي وأخلي عَن مُحَمَّد، هيهات هيهات.
[مقتل محمد بن أبي بكر]
واستسقي محمد (ابن أبي بكر) ماء فَقَالَ لَهُ ابْن حديج: منعتم عُثْمَان أن يشرب حَتَّى قتلتموه صائما فتلقاه اللَّه بالرحيق المختوم، والله لأقتلنك ظمآن حَتَّى يلقاك اللَّه بالحميم والغساق. فَقَالَ لَهُ: ليس هَذَا إِلَيْك لا أم لك، أما والله لو أن سيفي فِي يدي مَا بلغتم بي هَذَا- وَكَانَ ألقى سيفه ليختلط بالناس فلا يعرف/ 407/ فَقَالَ مُعَاوِيَة بْن حديج: إني قاتلك بعثمان الخليفة المظلوم. فَقَالَ مُحَمَّد: إن عُثْمَان عمل بالجور وترك حكم الكتاب فنقمنا ذَلِكَ عَلَيْهِ. فقدمه فقتله وجعله فِي جوف حمار وحرقه بالنار.
فلما بلغ ذَلِكَ عائشة- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا- جزعت عَلَيْهِ وقبضت عياله وولده إليها، ولم تأكل مذ ذاك شواء حَتَّى توفيت، ولم تعثر قط إِلا قَالَت: تعس مُعَاوِيَة بْن حديج.
وفي بعض رواية الواقدي: أن كنانة بْن بشر قتل يوم الدار.
وذلك باطل.
«465» قَالُوا: وكتب عَمْرو بْن العاص إلى معاوية ابن أبي سفيان: «إنا لقينا محمد ابن أَبِي بكر، وكنانة بْن بشر وهما فِي جموع أَهْل مصر، فدعوناهم إِلَى الهدى والتنبه فغمطوا الحق وتهوكوا فِي الضلال فجاهدناهم واستنصرنا اللَّه عليهم فضرب اللَّه وجوههم وأدبارهم ومنحنا أكتافهم (ظ) فقتل الله محمد ابن أَبِي بكر، وكنانة بْن بشر، وأماثل من كَانَ معهما والحمد لله رب العالمين والسلام» .(2/403)
وبلغ عليا مقتل (محمد) ابْن أَبِي بكر، فخطب النَّاس فَقَالَ: «ألا إن محمد ابن أبي بكر رحمه الله (قد) قتل، وتغلب ابْن النابغة- يعني عَمْرو بْن العاص- عَلَى مصر، فعند اللَّه نحتسب محمدًا، فقد كَانَ ممن ينتظر القضاء ويعمل للجزاء» . فتكلم بكلام كثير وبخ فيه أصحابه واستبطاءهم وَقَالَ لهم:
دعوتكم إِلَى غياث أصحابكم بمصر مذ بضع وخمسون ليلة فجرجرتم جرجرة البعير الأسر، وتثاقلتم إِلَى الأرض تثاقل من ليست لَهُ نية فِي الجهاد وَلا اكتساب الأجر فِي المعاد، ثُمَّ خرج إِلَيْهِ منكم جنيد ضعيف «كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ» (6/ الأنفال) [1] .
وقيل لعلي: لشدّ مأجزعت عَلَى ابْن أَبِي بكر؟! فَقَالَ: [رحم اللَّه محمدًا أنه كَانَ غلاما حدثا، ولقد أردت تولية مصر، هاشم [2] بْن عتبة ولو وليته إياها مَا خلا لهم العرصة بلا ذم لمحمد، فقد كان لي ربيبا وكان (من) ابني أخي جعفر أخا، وكنت أعده ولدا] .
__________
[1] والخطبة رواها أيضا الزبير بن بكار في الحديث: (202) من النسخة المنقوص الأول من كتاب الموفقيات ص 348 من المطبوعة، ورواها أيضا نقلا عنه في ترجمة عبد الرحمان بن شبيب الفزاري من تاريخ دمشق: ج 32/ 157، ورواها أيضا في كتاب الغارات كما في شرح المختار: (67) من النهج من ابن أبي الحديد: ج 6/ 92، وكما في البحار: ج 8/ 651، ورواها أيضا في المختار:
(39) من نهج البلاغة. ورواها أيضا في تاريخ الطبري: ج 4/ 82، وفي ط: ج 5 ص 108، وفي تاريخ الكامل: ج 3 ص 180.
[2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «هشام بن عتبة» . والكلام رواه أيضا في المختار (67) من نهج البلاغة، ورواه ابن أبي الحديد في شرحه: ج 6/ 93 عن المدائني، ورواه أيضا الطبري في تاريخه: ج 4 ص 83، وقريبا منه رواه في مروج الذهب: ج 2 ص 409 ط بيروت.(2/404)
وكانت أم عَبْد اللَّهِ بْن جعفر أسماء بنت عميس فخلف عَلَيْهَا أَبُو بكر، ثُمَّ علي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهما، وَكَانَ مُحَمَّد ربيب علي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهما.
«466» وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ قال سمعت محمد بن سيرين (انه) قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ وعمرو بن العاص كتابا أغلظا فيه وشتما (هـ) .
فَكَتَبَ إِلَيْهِمَا بِكِتَابٍ لَطِيفٍ قَارَبَهُمَا فِيهِ، فَكَتَبَا إِلَيْهِ يَذْكُرَانِ شَرَفَهُ وَفَضْلَهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمَا بِمِثْلِ جَوَابِهِ كِتَابَهُمَا الأَوَّلَ، فَقَالا: إِنَّا لا نُطِيقُ مَكْرَ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، وَلَكِنَّا نَمْكُرُ بِهِ عِنْدَ عَلِيٍّ، فَبَعَثَا بِكِتَابِهِ الأَوَّلِ إِلَى عَلِيٍّ فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ أَهْلُ الْكُوفَةِ غَدَرَ وَاللَّهِ قَيْسٌ فَاعْزِلْهُ. فَقَالَ عَلِيٌّ: [وَيْحَكُمْ أَنَا أَعْلَمُ بقيس إنه والله (ظ) مَا غَدَرَ وَلَكِنَّهَا إِحْدَى فِعْلاتِهِ.] قَالُوا: فَإِنَّا لا نَرْضَى حَتَّى تَعْزِلَهُ. فَعَزَلَهُ وَبَعَثَ مَكَانَهُ محمد ابن أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ: إِنَّ معاوية وعمرو سَيَمْكُرَانِ بِكَ، فَإِذَا كَتَبَا إِلَيْك بِكَذَا فَاكْتُبْ بِكَذَا، فَإِذَا فَعَلا كَذَا فَافْعَلْ كَذَا وَلا تُخَالِفْ مَا آمُرُكَ بِهِ فَإِنْ خَالَفْتَهُ قُتِلْتَ.
«467» قَالُوا: وَكَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس بمقتل محمد ابن أَبِي بَكْرٍ [1] وَعَبْدِ اللَّهِ بِالْبَصْرَةِ، قَبْلَ أَنْ يكتب أبو الأسود الدئلي إلى علي فيه، وقبل أن يقع بَيْنَهُمَا الْمُنَافَرَةُ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ قَدْ نَافَرَ عليا بالنهروان [2] ولحق بمكة.
__________
[1] والكتاب ذكرناه في المختار: (129) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 5/ 131- 132، عن مصادر.
[2] كذا.(2/405)
(في بيان أسر محمد- بن أبي حذيفة وقتله)
وأما محمد ابن أبي حذيفة، فإن محمد ابن أَبِي بكر خلفه حين زحف إِلَى 3/ 174 عَمْرو بْن العاص (عَلَى مَا) تحت يده، فلما قتل ابْن أَبِي بكر، جمع من النَّاس مثل مَا كَانَ مَعَ ابْن أَبِي بكر (فزحف إلى) عَمْرو وأصحابه [1] فآمنه عَمْرو، ثُمَّ غدر بِهِ وحمله إِلَى مُعَاوِيَةَ/ 408/ وَمُعَاوِيَة بفلسطين، فحبسه فِي سجن لَهُ، فمكث غير طويل ثُمَّ إنه هرب وَكَانَ مُعَاوِيَة يحب نجاته، فَقَالَ رجل من خثعم يُقال لَهُ عبيد اللَّه بْن عَمْرو بْن ظلام- وَكَانَ عثمانيًا-: أنا أتبعه، فخرج فِي خيل فلحقه بحوران وقد دخلَ غارًا فدل عَلَيْهِ فأخرجه وخاف أن يستبقيه مُعَاوِيَة- إن أتاه بِهِ- فضرب عنقه.
ويقال: أَيْضًا: إن ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ توارى فطلبه عَمْرو بْن العاص حَتَّى قدر عَلَيْهِ وحمله إِلَى مُعَاوِيَةَ فحبسه ثُمَّ هرب من حبسه فلحق فقتل.
وقوم يقولون: إن ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ حين أخذ لم يزل فِي حبس معاوية إلى
__________
[1] بين المعقوفات كان غير مقروء بنحو اليقين ولأجله وضعنا بينها، نعم إن سيدنا الأجل الطباطبائي قرأه بنحو القطع.(2/407)
بعد مقتل حجر بْن عدي، ثُمَّ إنه هرب فطلبه مالك بْن هبيرة بْن خالد الكندي ثُمَّ السكوني، ووضع الأرصاد عَلَيْهِ، فلما ظفر بِهِ قتله غضبا لحجر وقد كَانَ مالك بْن هبيرة هَذَا التمس خلاص حجر حين قدم بِهِ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فألفاه قد قتل، فأمر لَهُ مُعَاوِيَة بمائة ألف درهم حتى رضي.
«468» وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْن الْهَيْثَم، حَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن صالح، عن الليث ابن سعد، قال: بلغنا أن محمد ابن أَبِي حُذَيْفَةَ لما ولي قَيْس بْن سعد شخص عَن مصر [1] يريد المدينة- أَوْ يريد عَلِيًّا- وبلغ مُعَاوِيَة خبر شخوصه فوضع عَلَيْهِ الأرصاد حتى أخذ (و) هـ وحمل إِلَيْهِ فحبسه فتخلص من الحبس واتبعه رجل من اليمانية فقتله.
«469» وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إبراهيم الدورقي، حدثنا وهب بن جرير ابن حازم، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: خرج ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ من مصر، يريد مُعَاوِيَة، فحبسه فأفلت ودخل مغارة بفلسطين، فأقبل رجل عَلَى دابة لَهُ وَهُوَ لا يشعر بمكانه، فدخلت نعرة فِي منخر دابته [2] فنفرت حَتَّى دخلت المغارة، فأراد بعض من مَعَ ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ قتله وقد عرفوه فنهاهم ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ عَنْهُ، فمضى حَتَّى دل عليهم، فقتل ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ يومئذ.
«470» وَحَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ، وَخَلَفُ بْنُ سَالِمٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قال: لما اجْتَمَعَ أَمْرُ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بَعْدَ الْجَمَلِ وَقَبْلَ صِفِّينَ، سَارَ عَمْرٌو فِي جَيْشٍ إلى مصر، فلما قرب
__________
[1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «بلغنا ان محمد ابن أبي حذيفة قال لما ولي قيس بن سعد، وشخص عن مصر، يريد المدينة» .
[2] النعرة- كصردة-: ذبابة ضخمة زرقاء تسقط على الدواب فتؤذيها، وتدخل في انوف الخيل والحمير، والجمع نعر ونعرات على زنة صرد وصردات.(2/408)
منها لقيه محمد ابن أَبِي حُذَيْفَةَ فِي النَّاسِ، فَلَمَّا (رَأَى) عَمْرٌو كَثْرَةَ مَنْ مَعَهُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فَالْتَقَيَا وَاجْتَمَعَا، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: إِنَّهُ قَدْ كَانَ مَا تَرَى وَقَدْ بَايَعْتُ هَذَا الرَّجُلَ وَتَابَعْتُهُ، وَمَا أَنَا رَاضٍ بِكَثِيرٍ مِنْ أَمْرِهِ وَلَكِنَّ لَهُ سَنًّا، وَإِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَكَ عَلِيًّا أَفْضَلُ مِنْ مُعَاوِيَةَ نَفْسًا وَقَدَمًا، وَأَوْلَى بِهَذَا الأَمْرِ، وَلَكِنْ وَاعِدْنِي مَوْعِدًا أَلْتَقِي أَنَا وَأَنْتَ [1] فِيهِ عَلَى مَهَلٍ فِي غَيْرِ جَيْشٍ تَأْتِي فِي مِائَةِ رَاكِبٍ لَيْسَ مَعَهُمْ إِلا السُّيُوفَ فِي الْقِرَبِ وَآتِي فِي مِثْلِهِمْ.
فَتَعَاقَدَا وَتَعَاهَدَا عَلَى ذلك، واتعدا العريش (ظ) لِوَقْتٍ جَعَلاهُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ تَفَرَّقَا وَرَجَعَ عَمْرٌو إلى معاوية، فأخبره الخبر، فلما حل الأَجَلُ، سَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ فِي مِائَةِ رَاكِبٍ، وَجَعَلَ عَمْرٌو لَهُ جَيْشًا خَلْفَهُ، وَكَانَ ابْنُ (أَبِي) حُذَيْفَةَ يَتَقَدَّمُهُ فَيَنْطَوِي خبره (كذا) فَلَمَّا الْتَقَيَا بِالْعَرِيشِ قَدِمَ جَيْشُ عَمْرٍو عَلَى إِثْرِهِ، فَعَلِمَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ قَدْ غَدَرَ بِهِ، فَانْحَازَ إِلَى قَصْرٍ بِالْعَرِيشِ فَتَحَصَّنَ فِيهِ، فَرَمَاهُ عمرو بالمنجنيق حتى أخذ (هـ) أَخْذًا فَبَعَثَ بِهِ عَمْرٌو إِلَى مُعَاوِيَةَ فَسَجَنَهُ عِنْدَهُ، وَكَانَتِ ابْنَةُ قَرَظَةَ امْرَأَةِ مُعَاوِيَةَ ابْنَةُ عمة محمد ابن أَبِي حُذَيْفَةَ- أُمُّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ- تَصْنَعُ لَهُ طَعَامًا وَتُرْسِلُ بِهِ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي السِّجْنِ، فَلَمَّا سَارَ مُعَاوِيَة إِلَى صِفِّينَ، أَرْسَلَتِ ابْنَةُ قَرَظَةَ بِشَيْءٍ فِيهِ مَسَاحِلُ مِنْ حَدِيدٍ [2] إِلَى ابْنِ أَبِي حُذَيْفَةَ، فَقَطَعَ بِهَا الْحَدِيدَ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَ فَاخْتَبَأَ فِي مغارة بجبل الذيب بفلسطين فدك [3] ينظر عليه
__________
[1] هذا هو الظاهر، وفي الأصل: «التقي فيه انا وأنت» ويحتمل أيضا ان يقرء: «التقي فيم انا وأنت» .
[2] هذا هو الصواب، وهو بالحاء المهملة: جمع المسحل: آلة النحت. وذكره في النسخة بالجيم.
[3] ويحتمل أيضا ان يقرء: «فدل» . ولعل الصواب: «فظل ينظر» او فدل على مكانه بحيث ينظر إليه» .(2/409)
رِشْدِينَ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ أَبِيهِ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ خَلَّفَهُ عَلَى فِلَسْطِينَ فَأَخَذَهُ فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد: أَنْشُدُكَ اللَّهَ لَمَا خَلَّيْتَ سَبِيلِي فَقَالَ لَهُ: أُخَلِّي سَبِيلَكَ فَتَذْهَبُ إِلَى ابْنِ أَبِي طَالِبٍ وَتُقَاتِلُ مَعَهُ ابْنَ عَمَّتِكَ/ 409/ وَابْنَ عَمِّكَ مُعَاوِيَةَ (كذا) ، وَقَدْ كُنْتُ فِيمَنْ شَايَعَ عَلِيًّا عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ. فَقَدَّمَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ.
«471» وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: وَقَدْ قيل: إن محمد ابن أبي حذيفة كان في جيش (محمد) ابْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَأَخَذَ وَبَعَثَ بِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.(2/410)
أمر الخريت بْن راشد السامي فِي خلافة علي عَلَيْهِ السلام [1]
«472» قَالَ أَبُو مخنف وغيره: كَانَ الخريت بْن راشد السامي- من ولد سامة بن لويّ- مع عليّ بن أبي طالب في ثلاثمأة من بني ناجية، فشهد مَعَهُ الجمل بالبصرة، وشخص مَعَهُ إِلَى صفين فشهد مَعَهُ الحرب، فلما حكم الحكمان مثل بين يدي علي بالْكُوفَة فَقَالَ لَهُ: والله لا أطعت أمرك وَلا صليت خلفك. فَقَالَ [لَهُ علي ثكلتك أمك إذا تعصي ربك وتنكث عهدك وَلا تضر إِلا نفسك، ولم تفعل ذَلِكَ؟ قَالَ:] لأنك حكمت فِي الكتاب، وضعفت عَن الحق حين جد الجد، وركنت إِلَى القوم الَّذِينَ ظلموا أنفسهم، فأنا عليك زار وعليهم ناقم!! فدعاه علي إِلَى أن يناظره ويفاتحه فَقَالَ: أعود إليك غدا.
__________
[1] والقصة رواها مسندة في كتاب الغارات، ورواها عنه ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (44) من النهج: ج 3 ص 128، كما رواها عنه في البحار: ج 8 ص 615، ورواها أيضا الطبري بسند آخر، - في حوادث سنة (38) من تاريخه: ج 4 ص 86، وفي ط: ج 5/ 113- نقلا عن أبي مخنف.(2/411)
ثُمَّ أتى قومه فأعلمهم مَا جرى بينه وبين علي، ولم يأت عَلِيًّا وسار من تحت ليلته من الْكُوفَة ومعه قومه، وتوجه نحو كسكر، فلقيه رجل من المسلمين فِي طريقه فسأله وأصحابه عَن قوله فِي علي؟ فَقَالَ فِيهِ خيرًا، فوثبوا عَلَيْهِ بأسيافهم فقطعوه، فكتب قرظة بْن كعب وَكَانَ عَلَى طساسيج السواد، إِلَى علي: أن يهوديا سقط إلينا فأخبرنا أن خيلا أقبلت من ناحية الْكُوفَة، فأتت قرية يقال لَهَا: «نفر» [1] فلقيت بِهَا رجلا من أَهْل تلك القرية يقال لَهُ: زذان فروخ [2] فسألته عَن دينه قَالَ: أنا مسلم. ثم سألوه عن أمير المؤمنين. فقال: (هو) إمام هدى. فقطعوه بأسيافهم وانهم سألوا اليهودي عَن دينه فَقَالَ: أنا يهودي. فخلوا سبيله فأتانا فأخبرنا بهذه القصة.
فكتب علي إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيّ [3] : إني كنت أمرتك بالمقام في دير
__________
[1] هي على زنة «قنب» : قرية على نهر النرس من نواحي بابل من اعمال الكوفة.
[2] كذا في النسخة، وفي الطبري: «زاذان فروخ» . والظاهر انه من الأسماء العجمية.
وان اصله: «فرخ» .
[3] وهذا سهو من قائله، لأن أمير المؤمنين عليه السلام عزل أبا موسى عند ما توجه إلى البصرة لما تحقق لديه انه يخذل الناس عنه ويأمرهم بالقعود والتخلف عنه، فلم يزل مطرودا عن امير المؤمنين إلى ان انخدعت نوكى القراء ومن كان في قلوبهم مرض من اصحاب امير المؤمنين بخدعة معاوية وابن العاص بصفين، لما رفعوا المصاحف على الرماح ودعوا إلى التحكيم فحينئذ نوه الأشعث والقراء بذكر أبي موسى وأكرهوا عليا عليه السلام على تعيينه للحكومة كما اجبروه على اصل قبول التحكيم، فلم يزل الرجل معزولا عن كل شيء إلى ان بعث الى دومة الجندل والأذرح للاجتماع مع ابن العاص للنظر في حكم القرآن وما يدعو اليه، فانسلخ من آيات الله واتبع الشيطان وكان من الغاوين، وإذا فالصحيح ما يذكره بعده من انه كتب الى زياد بن خصفة- دون أبي موسى- وهكذا ذكره الثقفي في كتاب الغارات والطبري في تاريخه.(2/412)
أبي موسى فيمن ضمت إليك إلى أن يضح خبر القوم الظالمي أنفسهم الباغين عَلَى أَهْل دينهم، وقد بلغني أن جماعة مروا بقرية يقال لَهَا: «نفر» فقتلوا رجلا من أَهْل السواد مصليا، فانهض إِلَيْهِمْ عَلَى اسم اللَّه، فَإِن لحقتهم فادعهم إِلَى الحق فَإِن أبوه فناجزهم واستعن بالله عليهم. ففاتوه ولم يلقهم وذلك قبل خروج أَبِي مُوسَى للحكم (ظ) .
ويقال: إن عَلِيًّا لم يكتب إِلَى أَبِي موسى في هذا بشيء، وَكَانَ علي قد وجه زياد بْن خصفة وعبد الله بن وال التيمي في طلبهم نحو الْبَصْرَة فِي كثف [1] فلحقهم زياد بالمزار، وقد أقاموا هناك ليستريحوا ويرتحلوا، فكره زياد حربهم عَلَى تلك الحال- وَكَانَ رفيقا حازما مجربا- ثُمَّ دعا زياد الخريت إِلَى أن ينتبذا ناحية فيتناظرا، فتنحيا حجرة [2] مَعَ كُلّ واحد مِنْهُمَا خمسة من أصحابه، فسأل زياد الخريت عَن الَّذِي أخرجه إِلَى مَا فعل؟ (كذا) فَقَالَ:
لم أرض صاحبكم وَلا سيرته فرأيت أن أعتزل وأكون مَعَ من دعا إِلَى الشورى فسأله أن يدفع إِلَيْهِ قتله الرَّجُل المصلي، فأبي ذَلِكَ وَقَالَ: مَا إِلَيْهِ سبيل، فهلا أسلم صاحبك قتلة عُثْمَان؟ فدعا كُلّ واحد أصحابه فاقتتلوا أشد قتال حَتَّى تقصفت الرماح وانفتت السيوف وعقرت عامة خيلهم وحال بينهم الليل فتحاجزوا.
ثُمَّ إنهم مضوا من ليلتهم إِلَى الْبَصْرَةِ، واتبعهم زياد بْن خصفة حين أصبح، فلما صار إِلَى الْبَصْرَةِ بلغه مضيهم إِلَى الأهواز، فلما صاروا إِلَيْهَا تلاحق بهم قوم كانوا بالْكُوفَة من أصحابهم اتبعوهم بعد شخوصهم وانضم إِلَيْهِمْ أعلاج وأكراد، فكتب زياد إِلَى علي بخبرهم، وبما كَانَ بينه وبينهم بالمزار، فكتب إليه علي بالقدوم.
__________
[1] الكثف- كضرب-: الجماعة.
[2] الحجرة- كحربة وغرفة-: الناحية والجانب.(2/413)
وقام معقل بْن قَيْس الرياحي فَقَالَ: أصلح اللَّه أمير الْمُؤْمِنِينَ إن لقاءنا هَؤُلاءِ بأعدادهم/ 410/ إبقاء عليهم، إن القوم عرب، والعدة تصبر للعدة فتنتصف مِنْهَا، والرأي أن توجه إِلَى كل رجل (منهم) عشرة من المسلمين ليجتاحوهم [1] فأمره بالشخوص وندب معه أهل الكوفة الأكبر [2] وفيهم يزيد بْن المغفل الأزدي، وكتب إِلَى ابْن عَبَّاس أن يشخص جيشا إِلَى الأهواز ليوافوا معقلا بِهَا وينضموا إِلَيْهِ [3] فوجه إِلَيْهِ خالد بْن معدان الطائي فِي ألفي رجل من أهل البصرة فلحقوا به فلما و (افوا) [4] معقلا نهض لمناجزة الخريت (الباغي) وقد بلغه أنه يريد قلعة برامهرمز، فأجد السير نحوه حَتَّى لحقه بقرب الجبل، فحاربه وعلى ميمنته يزيد بْن المغفل، وعلى ميسرته منجاب بْن راشد الضبي من أَهْل الْبَصْرَةِ، فما لبث السامي وأصحابه إِلا قليلا حَتَّى قتل من بني ناجية سبعون رجلا، ومن أتباعه من العلوج والأكراد ثلاثمأة، وولوا منهزمين حَتَّى لحقوا بأسياف البحر، وبها جماعة من قومهم من بني سامة ابن لوي، ومن عَبْد القيس، فأفسدهم الخريت عَلَى علي ودعاهم إِلَى خلافه، فصار مَعَهُ بشر كثير منهم وممن والاهم من سائر العرب وَقَالَ: إن حكم علي الَّذِي رضي بِهِ قد خلعه، والأمر بين المسلمين شورى، وَقَالَ لمن يرى رأي عُثْمَان: إنه قتل مظلوما وأنا أطلب بدمه.
__________
[1] هذا هو الصواب، وهو من الاجتياح: الإهلاك والاستيصال. وفي النسخة «ليحتاجوهم» .
[2] كلمة: «الأكبر» غير مقطوعة وكتبناها على الاحتمال، وهنا قد طغى قلم كاتب النسخة فسال منه الحبر على ثلاثة أسطر منها فجعل جل الكلمات منها غير مقروءة الا بمؤنة الكبرة وملاحظة السياق.
[3] كلمة: «ليوافوا» غير مقطوعة، بل كتبناها على الظن.
[4] بين المعقوفات غير مقروء، وأثبتناه بمناسبة السياق.(2/414)
وكتب علي إِلَى أَهْلِ الأسياف يدعوهم إِلَى الطاعة، وأمر معقل ابن قَيْس أن ينصب لهم راية أمان، فنصبها فانقضّ عَن الخريت عامة من اتبعه من النَّاس، وَكَانَ مَعَهُ قوم من النصارى أسلموا فاغتنموا فتنته فارتدوا وأقاموا مَعَهُ، وارتد قوم ممن وراءهم.
وَقَالَ الخريت لقومه: امنعوا يَا قوم حريمكم. فَقَالَ لَهُ رجل منهم: هَذَا مَا جنيته علينا. فقال: سبق السيف العذل وقد صابت بقر [1] .
وَكَانَ الخريت يوهم للخوارج أنه عَلَى رأيهم، ويوهم للعثمانية أنه يطلب بدم عُثْمَان.
ثُمَّ إن معقلا عبأ أصحابه وانشب الحرب بينه وبين الخريت ومن مَعَهُ، فصبروا ساعة، وحمل النعمان بْن صهبان عَلَى الخريت فطعنه طعنة فصرعه ونزل إِلَيْهِ فوجده قد استقل، فحمل الخريت عَلَيْهِ فاختلفا ضربتين فقتله النعمان بضربته، وقتل أكثر ذَلِكَ الجمع وهرب فلهم يمينا وشمالا.
وبعث معقل الخيل فِي مظان بني ناجية فأتى منهم برجال ونساء وصبيان، فأما من كَانَ منهم مسلما فإنه من عَلَيْهِ وخلى سبيله، وأما من كَانَ نصرانيا أَوْ مرتدًا فإنه عرض عليهم الإسلام فمن قبله تركه ومن لم يقبله وَكَانَ نصرانيا سباه.
وكتب معقل إِلَى علي: أما بعد فإني أخبر أمير الْمُؤْمِنِينَ أنا دفعنا إِلَى عدونا بالأسياف فوجدناهم قبائل ذات عدد وحدّ وجدّ، قد جمعوا لنا وتحازبوا علينا، فدعوناهم إِلَى الجماعة وبصرناهم الرشد، ورفعنا لهم راية أمان ففاءت منهم إلينا طائفة وبقيت طائفة أخرى منابذة فقاتلناهم فضرب الله
__________
[1] كذا في النسخة، وفي تاريخ الطبري: «سبق السيف العذل، إيها والله لقد أصابت قومي داهية» .(2/415)
وجوههم ونصرنا عليهم، فأما من كان منهم مسلما فمننا عَلَيْهِ وأخذنا بيعته وقبضنا صدقة ماله، وأما من ارتد فإنا عرضنا عَلَيْهِ الإسلام فأسلموا إِلا رجلا واحدًا فقتلناه، وأما النصارى فإنا سبيناهم وأقبلنا بهم ليكونوا نكالا لمن بعدهم من أَهْل الذمة، كيلا يمنعوا الجزية ويجترءوا عَلَى قتال أَهْل القبلة.
وَكَانَ مصقلة بْن هبيرة الشيباني عاملا على أرد شير خرة من فارس، فمر بهم عَلَيْهِ وهم خمسمائة إنسان فصاحوا إليه يا (أ) با الفضل يَا فكاك العناة وحمال الأثقال وغياث المعصبين أمنن علينا وافتدنا فأعتقنا- وكانت كنية مصقلة أَبُو الفضيل ولكنهم كرهوا تصغيرها- فوجه مصقلة إِلَى معقل بْن قَيْس من يسأل بيعهم منه، فسامه معقل بهم [1] ألف ألف درهم، فلم يزل يراوضه وتستنقصه حتى سلمهم إليه/ 411/ بخمسمأة ألف درهم، ويقال:
بأربعمائة ألف درهم ودفعهم إِلَيْهِ، فلما صاروا إِلَى مصقلة قال له معقل: علي بالمال. فَقَالَ: أنا باعث منه فِي وقتي هَذَا بصدر ثُمَّ متبعه صدرًا حَتَّى لا يبقى علي شَيْء منه.
وقدم معقل عَلَى علي فأخبره الخبر، فصوبه فيما صنع، وامتنع مصقلة من البعثة بِشَيْءٍ من المال وكسره وخلى سبيل الأسرى فكتب علي فِي حمله وأنفذ الكتاب مَعَ أَبِي حرة الحنفي وأمره بأخذه بحمل ذَلِكَ المال فَإِن لم يفعل أشخصه إِلَى ابْن عَبَّاس ليأخذه بِهِ، لأنه كَانَ عامله عَلَى الْبَصْرَة والأهواز وفارس، والمتولى لحمل مَا فِي هَذِهِ النواحي من الأموال إِلَيْهِ، فلم يدفع إِلَيْهِ من المال شَيْئًا، فأشخصه إِلَى الْبَصْرَةِ، فلما وردها قيل لَهُ: إنك لو حملت هَذَا الشيء قومك لاحتملوه، فأبي أن يكلفهم إياه، ودافع ابْن عَبَّاس بِهِ، وَقَالَ: أما والله لو أني سألت ابْن عفان أكثر منه لوهب لي، وقد كان أطعم الأشعث خراج آذربيجان.
__________
[1] يقال: «سام السلعة- من باب قال- سوما وسواما» : عرضها وذكر ثمنها.
و «سام المشترى السلعة» : طلب بيعها أو ثمنها.(2/416)
ثُمَّ إنه احتال حَتَّى هرب فلحق بمعاوية، فقال عليّ: [ما له ترحه اللَّه فَعَلَ فِعْلَ السيد وفر فرار العبد [1]] .
وقد يقال: إن أمر الخريت كَانَ قبل شخوص ابْن عَبَّاس إِلَى الشَّام فِي أمر الحكومة.
ويقال: أيضًا: أنه كَانَ بعد انصرافه من الحكومة.
«473» وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي الطُّفَيْلِ: أَنَّ عَلِيًّا سَبَى بَنِي نَاجِيَةَ وَكَانُوا نَصَارَى قَدْ أَسْلَمُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا: فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وسبا الذُّرِّيَّةَ فَبَاعَهُمْ مِنْ مَصْقَلَةِ بِمِائَةِ أَلْفٍ فَأَدَّى خَمْسِينَ وَبَقِيَتْ خَمْسُونَ فَأَعْتَقَهُمْ وَلَحِقَ بِمُعَاوِيَةَ، فَأَجَازَ عَلِيٌّ عِتْقَهُمْ.
قَالَ عَمَّارٌ: وَأَتَى عَلِيٌّ دَارَهُ فَشَعَّثَهَا.
«474» وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ قَالَ: قَدِمْتُ مَكَّةَ فَلَقِيتُ أَبَا الطُّفَيْلِ عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ فَقُلْتُ: إِنَّ قَوْمًا يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا سَبَى بَنِي نَاجِيَةَ وَهُمْ مُسْلِمُونَ. فَقَالَ: إِنَّ مَعْقِلَ ابن قَيْسٍ الرِّيَاحِيَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ حَرْبِ الْخِرِّيتِ بْنِ رَاشِدٍ الْحَرُورِيِّ سَارَ عَلَى أَسْيَافِ فَارِسَ، فَأَتَى عَلَى قَوْمٍ مِنْ بَنِي نَاجِيَةَ فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: قَوْمٌ مُسْلِمُونَ. فَتَخَطَّاهُمْ ثُمَّ أَتَى قَوْمًا آخَرِينَ مِنْ بَنِي نَاجِيَةَ فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَصَارَى وَقَدْ كُنَّا أَسْلَمْنَا ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ لِعِلْمِنَا بِفَضْلِهَا عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الأَدْيَانِ. فَوَضَعَ فِيهِمُ السَّيْفَ فَقَتَلَ وسبا، وهم الَّذِينَ بَاعَهُمْ عَلِيٌّ مِنْ مَصْقَلَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ الشيباني [2] .
__________
[1] ورواه أيضا في ترجمة مصقلة من تاريخ دمشق: ج 55 ص 822، وكذلك في تاريخ الطبري ومروج الذهب، ورواه بلفظ احسن من الجميع في المختار: (44) من نهج البلاغة.
[2] وقال في عنوان: «الارتداد عن الاسلام» من منتخب كنز العمال المطبوع بهامش مسند أحمد: ج 1، ص 60- نقلا عن البيهقي: عن أبي الطفيل قال: كنت في الجيش الذين بعثهم علي بن أبي طالب إلى بني ناجية، فانتهينا إليهم فوجدناهم على ثلاث فرق، فقال الأمير لفرقة منهم: ما أنتم؟ قالوا: نحن قوم كنا نصارى فأسلمنا فثبتنا على إسلامنا، وقال للثانية:
ما أنتم؟ قالوا: نحن قوم كنا نصارى فثبتنا على نصرانيتنا. وقال للثالثة ما أنتم؟ قالوا: نحن قوم كنا نصارى فأسلمنا فرجعنا على نصرا نيتنا، فلم نر دينا أفضل من ديننا. فقال لهم: أسلموا.
فأبوا، فقال (أميرنا) لأصحابه: إذا مسحت رأسي ثلاث مرات فشدوا عليهم. ففعلوا فقتلوا المقاتلة وسبوا الذرية، فجيء بالذراري إلى علي (كذا) وجاء مصقلة بن هبيرة فاشتراهم بمأتي الف، فجاء بمائة الف إلى علي فأبي أن يقبل، فانطلق مصقلة بدراهمه، وعمد مصقلة إليهم فأعتقهم ولحق بمعاوية، فقيل لعلي: ألا تأخذ الذرية؟ فقال: لا. فلم يعرض لهم.
ورواه أيضا الطبري في ختام قصة الخريت من تاريخه: ج 5 ص 125، عن علي بن الحسن الأزدي، عن عبد الرحمان بن سليمان، عن عبد الملك بن سعيد بن حاب، عن الحر، عن عمار الدهني، عن أبي الطفيل ...(2/417)
«475» قَالُوا: وكتب وجوه بكر بْن وائل إِلَى مصقلة يذمون رأيه فِي لحوقه بمعاوية وتركه عَلِيًّا، فأقرأ مُعَاوِيَة الكتاب فَقَالَ لَهُ: إنك عندي لغير ظنين فلا عليك أن لا تقرئني مثل هَذَا.
وَكَانَ نعيم بْن هبيرة أخو مصقلة من شيعة علي فكتب إِلَيْهِ (أخوه مصقلة:) أن صر إلي فقد كلمت مُعَاوِيَة فِي تأميرك واختصاصك ووطأت لك عنده ما تحب.
وبعث بالكتاب مع نصراني من نصارى بني تغلب يقال له: جلوان، فظهر علي عَلَيْهِ وعلى الكتاب، ورفع إِلَيْهِ أيضًا أنه يتجسس فأمر بِهِ فقطعت يده فمات، فَقَالَ نعيم بْن هبيرة:(2/418)
لا تأمنن هداك اللَّه عَن ثقة ... ريب الزمان وَلا تبعث كجلوانا [1]
ماذا أردت إِلَى إرساله سفها ... ترجو سقاط امرئ [2] مَا كَانَ خوانا
عرضته لعلي إنه أسد ... يمشي العرضنة [3] من آساد خفانا
قد كنت فِي منظر عَن ذا ومستمع ... تأوي الْعِرَاق [4] وتدعى خير شيبانا
لو كنت أديت مال القوم مصطبرا ... للحق أحييت بالإفضال موتانا
لكن لحقت بأَهْل الشَّامِ ملتمسا ... فضل ابْن هند وذاك الرأي أشجانا
فالآن/ 412/ تكثر فرع السن من ندم [5] ... وما تقول وقد كَانَ الَّذِي كانا
وظلت [6] تبغضك الأحياء قاطبة ... لم يرفع الله بالبغضاء إنسانا
__________
[1] وفي تاريخ الطبري ذكره بالحاء المهملة وقال:
لا ترمين هداك الله معترضا ... بالظن منك فما بالي وحلوانا
ذاك الحريص على ما نال من طمع ... وهو البعيد فلا يحزنك إذ خانا
[2] وفي النسخة: «ترجو اسقاط أمرى ما كان خوانا» .
وفي تاريخ الطبري: «ترجو سقاط امرئ لم يلف وسنانا» .
[3] ومثله في تاريخ الطبري، وقيل معناه: يعدو ليسبق غيره.
[4] وفي الطبري: «تحمى العراق» ... وبعده:
حتى تقحمت أمرا كنت تكرهه ... للراكبين له سرا وإعلانا
[5] وفي النسخة:
«فالآن يكثر قرع السن موتدم ... وما يقول وقد كان الذي كانا»
وفي الطبري:
فاليوم تقرع سن الغرم من ندم ... ماذا تقول وقد كان الذي كانا
[6] ظلت: ظللت: صرت. وفي الطبري: «أصبحت تبغضك الأحياء ... » .(2/419)
ثُمَّ إن مُعَاوِيَة بعد ذَلِكَ ولي مصقلة طبرستان وبعثه فِي جيش عظيم، فأخذ العدو عَلَيْهِ المضائق فهلك وجيشه، فقيل فِي المثل: حَتَّى يرجع مصقلة من طبرستان.
وقالت بنو تغلب لمصقلة حين بلغها فعل عَلي بجلوان: عرضت صاحبنا للقتل؟ فوداه.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ: هدم علي دار مصقلة حين هرب إِلَى مُعَاوِيَةَ، وتمثل قول الشاعر:
أرى حربا مفرقة وسلما ... وعقدًا ليس بالعقد الوكيع
وَقَالَ مصقلة حين بلغه قتل علي:
قضى وطرا مِنْهَا علي فأصبحت ... إمارته فينا أحاديث راكب
وَقَالَ مصقلة:
أحمرى لئن عاب أهل العراق ... عليّ لتنعاشي بني ناجية [1]
لأعظم من عتقهم رقهم ... وكفى بعتقهم عالية
وزايدت فيهم لإطلاقهم ... وغاليت إن العلى غالية
«476» وقالوا لعلي حين هرب مصقلة: اردد سبايا بني ناجية إِلَى الرق فإنك لم تستوف أثمانهم. فقال: ليس ذاك في القضاء، قد عتقوا (أ) وَقَالَ:
[أعتقهم مبتاعهم وصارت أثمانهم دينا عَلَى معتقهم (ظ) ] .
__________
[1] كذا في النسخة، غير ان لفظة: «أحمرى» غير واضحة الكتابة.(2/420)
وَقَالَ الشاعر فِي بني ناجية:
سما لكم بالخيل قودا عوابسا ... أخو ثقة مَا يبرح الدهر غازيا
فصبّحكم (ظ) فِي رجله وخيوله ... بضرب يري منه المدجج هاويا
فأصبحتم من بعد كبر ونخوة ... عبيد العصا لا تمنعون الذراريا(2/421)
أمر عَبْد اللَّهِ بْن عامر الْحَضْرَمِيّ فِي خلافة 2/ 185 أمير المؤمنين عليّ بْن أَبِي طَالِب عَلَيْهِ السَّلام
«477» قَالُوا: لما قتل مُحَمَّد بْن أَبِي بكر مُعَاوِيَة بْن حديج من قبل عَمْرو ابن العاص وظهر مُعَاوِيَة عَلَى مصر، وذلك بعد الجمل وصفين والحكمين، بعث مُعَاوِيَة عَبْد اللَّهِ بْن الْحَضْرَمِيّ إِلَى الْبَصْرَةِ وَقَالَ لَهُ: إن جل أهلها يرون رأينا فِي عُثْمَان وقد قتلوا فِي الطلب بدمه، فهم يودون أن يأتيهم من يجمعهم وينظم أمرهم وينهض بهم فِي الطلب بثارهم ودم إمامهم، فتودد الأزد، فإنّ الأزد كلها سلمك، ودع ربيعة (ظ) فلن ينحرف عنك أحد سواهم لأنهم ترابية كلهم. وكتب إِلَى عَمْرو بْن العاص:
إني نظرت في أمر (أهل) الْبَصْرَةِ، فوجدت جل أهلها لنا أولياء، ولعلي وشيعته أعداء، وقد أوقع بهم الوقعة الَّتِي قد علمت، فأحقاد تلك ثابتة فِي صدورهم، والغل بِهَا غير مزايل لقلوبهم، وقد أطفأ اللَّه بقتل ابْن أَبِي بكر وفتح مصر، نيرانا كانت بها الآفاق مشتعلة مشبوبة (ظ) مستقرّة، ورفع بذلك رؤس أنصارنا وأشياعنا حيث كانوا من البلاد، وقد رأيت أن أبعث إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَبْد اللَّهِ بْن عامر الْحَضْرَمِيّ فينزل الْبَصْرَةَ(2/423)
ويتودد إِلَى الأزد، وينعي دم عُثْمَان، ويذكرهم وقعة علي فإنها أتت عَلَى صالحيهم من إخوتهم وآبائهم وأبنائهم.
فكتب إليه عمرو:
إنه لم يكن منك مذ نهضنا فِي هَذِهِ الحرب، وانتضينا لها ونابذنا أهلها رأي هُوَ أضر لعدوك وأسر لوليك من رأيك هَذَا الَّذِي ألهمته ووفقت لَهُ، فأمضه يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مسددا، فإنك توجه الصليب الأريب النصيح غير الظنين.
فلما جاء (هـ) كتاب عَمْرو، سرح ابْن الْحَضْرَمِيّ إِلَى الْبَصْرَةِ، وأوصاه أن ينزل فِي مضر، ويحذر ربيعة، ويتودد إِلَى الأزد. فسار حَتَّى قدم الْبَصْرَةَ ونزل فِي بَنِي تَمِيمٍ، فأتاه العثمانية مسلمين عَلَيْهِ معظمين لَهُ مسرورين بِهِ، فخطبهم فَقَالَ/ 413/ إن إمامكم إمام الهدى قتله عَلِيّ بْن أَبِي طالب ظلما فطلبتم بدمه وقاتلتم من قتله، فجزاكم اللَّه من أَهْل مصر خيرا.
فقام إِلَيْهِ الضحاك بْن قَيْس بْن عَبْدِ اللَّهِ الهلالي- وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس ولاه شرطته أيام ولايته- وَقَالَ: قبح اللَّه مَا جئتنا بِهِ وما تدعونا إِلَيْهِ أتيتنا والله بمثل ما أتانا به طلحة والزبير، وإنهما جاءانا وقد بايعنا عَلِيًّا وبايعاه، واستقامت أمورنا فحملانا على الفرقة حتى ضرب بعضنا يعضا، ونحن الآن مجتمعون عَلَى بيعة، هَذَا الرَّجُل أيضا وقد أقال العثرة وعفى عَن المسيء، فتأمرنا الآن أن ننتضي أسيافنا ثُمَّ نضرب بِهَا بعضنا بعضا ليكون مُعَاوِيَة أميرًا، والله ليوم من أيام علي مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير من مُعَاوِيَة وآل مُعَاوِيَة.
ثُمَّ قام عَبْد اللَّهِ بْن خازم السلمي فَقَالَ للضحاك: أسكت فلست بأهل(2/424)
أن تتكلم فِي أمور العامة، ثُمَّ أقبل عَلَى أبن الْحَضْرَمِيّ فَقَالَ: نحن أنصارك ويدك، القول قولك.
ثُمَّ أمر ابْن الْحَضْرَمِيّ بقراءة كتاب كَانَ مَعَهُ من مُعَاوِيَة يذكرهم فِيهِ آثار عُثْمَان فيهم وحبه العافية لهم وسده لثغورهم واعطا (ؤ) هـ إياهم حقوقهم ويصف حاله وقتل من قتله مسلما محرما صائما بغير دم انتهكه، ويدعوهم إِلَى الطلب بدمه ويضمن لهم أن يعمل فيهم با (لكتاب و) السنة، ويعطيهم عطاءين فِي كُلّ سنة، وَلا يحمل عنهم فضلا من فيئهم أبدًا [1] .
فلما فرغ من قراءة الكتاب قام الأحنف بْن قَيْس وَقَالَ: لا ناقتي فِي هَذَا وَلا جمل واعتزل القوم.
وقام عَمْرو بْن مرحوم العبدي فَقَالَ: أيها النَّاس الزموا طاعتكم وجماعتكم وَلا تنكثوا بيعتكم فتقع بكم الواقعة، وتصيبكم القارعة.
وقد كانت جماعة من العثمانية كتبوا إِلَى مُعَاوِيَةَ يهنونه بفتح مصر، وقتل مُحَمَّد بْن أَبِي بكر، ويسألونه أن يوجه إِلَى الْبَصْرَةِ رجلا يطلب بدم عُثْمَان ليسمعوا لَهُ ويطيعوا. فيقال: إن ذَلِكَ حدا [2] مُعَاوِيَة عَلَى توجيه ابْن الْحَضْرَمِيّ.
وَكَانَ عَبَّاس بْن صحار العبدي مخالفا لقومه فِي حب علي، فلما دعا ابن الحضرمي الناس إلى ربيعة مُعَاوِيَة والطلب بدم عُثْمَان قام إِلَيْهِ فَقَالَ: إني وَالَّذِي لَهُ أسعى وإياه أخشى لننصرنك بأيدينا وألسنتنا [3] .
__________
[1] ويساعد رسم الخط على ان يقرء: «فضلة من فيهم» .
[2] هذا هو الظاهر من السياق، وفي النسخة: «ويطيعوا فيهال ان» . وحدا: دعا.
[3] كذا.(2/425)
فقال له المثنى بن محرمة العبدي. والله لئن لم ترجع إِلَى المكان الَّذِي جئت منه لنجاهدنك بأسيافنا ونبالنا وأسنة رماحنا، فلا يغرنك قول هَذَا- يعني عَبَّاس بْن صحار- أترانا ندع طاعة ابْن عم نبينا وندخل فِي طاعة حزب من الأحزاب.
ثُمَّ أقبل ابْن الْحَضْرَمِيّ عَلَى صبرة بْن شيمان العبدي فَقَالَ: يَا صبرة أنت ناب من أنياب العرب وأحد الطلبة بدم عُثْمَان فانصرني. فَقَالَ: لو نزلت فِي داري لنصرتك.
«478» قَالُوا: وكثرت غاشية ابْن الْحَضْرَمِيّ وأتباعه فهال [1] ذلك زياد ابن أَبِي سُفْيَانَ ورعبه وراعه- وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس حين شخص إِلَى مَكَّة مغاضبا لعلي خلفه عَلَى الْبَصْرَةِ، فلم ينزعه علي، وَكَانَ يكاتبه عَن ابْن عَبَّاس عَلَى أنه خليفته، ثُمَّ كاتبه علي دون ابْن عَبَّاس- فكاتب زياد عَلِيًّا، فلما رأى زياد مَا صار إِلَيْهِ أمر ابْن الْحَضْرَمِيّ، بعث إِلَى مالك بن مسمع وغيره من وجوه أَهْل الْبَصْرَةِ فدعاهم إِلَى نصرته فلم يبعدوا ولم يحققوا (ظ) وقال ابن مسمع (كذا) فبعث زياد إلى صبرة بن شيمان فاستجاربه فقال له: إن تحملت حتى تنزل (عليّ) فِي داري أجرتك وحميتك. ففعل وانتقل إِلَى دار صبرة فِي الحدان ليلا وحمل مَعَهُ مَا كَانَ فِي بيت المال من المال ويقال: إن أبا الأسود الدؤلي أشار إلى زياد، بالبعث (ظ) إلى صبرة والاستجارة به. - ولم يقلّد (ظ) ابْن عَبَّاس أبا الأسود شَيْئًا من الْبَصْرَةِ حين شخص، لأنه كَانَ كتب فِيهِ إِلَى علي. - وكتب زياد بالخبر إِلَى علي عَن نفسه. وَقَالَ/ 414/ بعضهم: كتب بِهِ إِلَى علي عن ابن عباس. وقيل بل
__________
[1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «فهلك ذلك زيادة» .(2/426)
كان ابن عباس إلى علي [1] وكتب بِهِ زياد إِلَى ابْن عَبَّاس فأنهاه إِلَى علي ومن قَالَ هَذَا قَالَ: إن ابْن عَبَّاس قد كَانَ قدم عَلَى علي بعد مقتل ابْن أَبِي بكر، ثُمَّ عاد إِلَى الْبَصْرَةِ. وليس ذَلِكَ بثبت.
«479» قَالُوا: وأشار العثمانية عَلَى ابْن الْحَضْرَمِيّ بنزول دار الإمارة حين خلاها زياد، فلما تهيأ لذلك ودعا أصحابه بنزولها ركبت الأزد، وَقَالُوا:
والله لا ينزلها. وركب الأحنف بْن قَيْس فَقَالَ لأصحاب ابْن الْحَضْرَمِيّ: لستم والله أحق بالقصر من القوم. فأمسكوا.
وَكَانَ نزول ابْن الْحَضْرَمِيّ فِي بَنِي تَمِيمٍ فِي دار سنبيل، وبعض البصريين يقول: صنبيل.
قَالُوا: واتخذ صبرة بْن شيمان لزياد فِي مسجدهم- وَهُوَ مسجد الحدان- منبرًا وسريرًا فصلى بهم ابن زياد (كذا) الجمعة، وغلب ابْن الْحَضْرَمِيّ عَلَى مَا يليه، وخطب زياد فأثنى عَلَى الأزد وحضهم عَلَى نصرته وَقَالَ: قد أصبح دمي فيكم مضمونا وصرت (ظ) عندكم أمانة مؤداة، وقد رأينا فعلكم يوم الجمل، فاصبروا مَعَ الحق كصبركم عَلَى الباطل، فإنكم حيّ لا تخمدون على نجدة [2] ولا تعذرون بعذر وختر [3] .
وقام أبو صفرة- ولم يكن شهد الجمل فَقَالَ: يَا قوم إنكم كنتم أمس عَلَى علي فكونوا اليوم لَهُ، واعلموا أن ردكم جوار جاركم عَلَيْهِ ذل، وخذلانكم إياه عار، وأنتم قوم عادتكم الصبر، وغايتكم الوفاء.
__________
[1] كذا.
[2] كذا في النسخة، ولعل الصواب: «لا تغمزون» أي لا تعابون ولا تذمون على نجدتكم.
[3] الختر- كضرب-: أقبح الغدر وأشنعه، ثم إن رسم خط هذه الكلمة لم يكن في الأصل جليا، وكان يمكن أن يقرء «حنز» . ولكن لم أجد لها معنى يناسب المقام.(2/427)
وقوم يزعمون أن المتكلم بهذا الكلام غير أَبِي صفرة، وأن أبا صفرة كَانَ توجه مَعَ ابْن عَبَّاس إِلَى صفين فمات فِي الطريق.
«480» قَالُوا: وقام صبرة فَقَالَ: يَا قوم هبوا لنا أنفسكم وامنعوا جاركم.
وبعث تميم إِلَى الأزد: أن أخرجوا صاحبكم ونخرج صاحبنا فنبلغ كُلّ واحد مِنْهُمَا مأمنه، ثُمَّ يكون لنا أمير ولكم أمير حَتَّى تتفق النَّاس عَلَى إمام.
فأبت الأزد ذَلِكَ وَقَالُوا: قد أجرنا زيادًا ولن نخذله وَلا نسلمه وَلا نصير إِلَى شَيْء دون إرادته.
فكتب زياد إِلَى علي بخبر بَنِي تَمِيمٍ، فلما وصل إِلَيْهِ كتابه دعا أعين بْن ضبيعة المجاشعي فَقَالَ لَهُ يَا أعين أما بلغك ميل قومك مَعَ ابْن الْحَضْرَمِيّ عَلَى عاملي ونصرتهم له التماسا بشقاقي ومشايعة للقاسطين إليّ؟!!! قَالَ: فابعثني إِلَيْهِ أكفك إياه. فبعث بِهِ وكتب مَعَهُ إِلَى زياد يعلمه أنه وجهه ليفرق قومه عَن ابْن الْحَضْرَمِيّ فَإِن تفرقوا عنه وخذلوه (فهو) وإلا انهض إلى ابن الحضرمي بمن أطاعك وتبعك منهم ومن غيرهم [1] فحاكمه إِلَى اللَّه وحده لا شريك لَهُ وحاربه.
فلما قدم أعين بْن ضبيعة الْبَصْرَةَ، اجتمع إِلَيْهِ وجوه قومه فوعظهم ثُمَّ خرج بجماعة منهم فلقيت جماعة من أصحاب ابْن الْحَضْرَمِيّ فناوشوهم ثُمَّ تحاجزوا، ورجع أعين إِلَى منزله وتبعه عشرة يظن الناس أنهم خوارج- وكانوا من قيس (ظ) - فلما آوى إِلَى فراشه بكعوه بأسيافهم عَلَى الفراش [2] فخرج عريانا يعدو فلحقوه فقتلوه بالطريق.
__________
[1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «وإلا نهض إِلَى ابْن الْحَضْرَمِيّ بمن أطاعه وتبعه» إلخ.
[2] يقال: «بكعه- من باب منع- بكعا» : ضربه ضربا عنيفا على مواضع متفرقة من الجسد. بكته. استقبله بما يكره.(2/428)
وأراد زياد محاربة ابن الحضرمي حيث أصيب أعين بْن ضبيعة فأرسلت تميم إِلَى الأزد: إنا والله مَا أردنا بجاركم مكروها فعلام تريدون المكروه بجارنا؟ فكفوا وأمسكوا.
وكتب زياد إِلَى علي: أن أعين بْن ضبيعة قدم علينا بجد ومناصحة وصدق يقين فجمع إِلَيْهِ من أطاعه ونهض بهم- وفسر لَهُ خبر وقعته، ثُمَّ قَالَ: - وإن قوما من هَذِهِ الْحَرُورِيَّة المارقة البريئة من اللَّه ورسوله اتبعوه فلما آوى إِلَى فراشه أصابوه.
«481» حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الأثرم، عَن معمر بْن المثنى قَالَ: دس ابْن الْحَضْرَمِيّ إِلَى أعين بْن ضبيعة النفر الَّذِينَ قتلوه.
ويقال: إنه كَانَ معهم متنكرا فطرقوه ليلا، فجعل يقول- حين ضربوه- يا تميم ولا تميم، (و) يَا حنظلة وَلا حنظلة، يَا مجاشع وَلا مجاشع وحمل إِلَى الأزد، فدفن هناك فقبره فِي الأزد.
«482» قَالُوا ولما أتى/ 415/ عَلِيًّا كتاب زياد، بمقتل أعين بْن ضبيعة، دعا جارية بْن قدامه التَّمِيمِيّ- وَكَانَ قبله أشخصه ابْن عَبَّاس إِلَيْهِ لمحاربة أَهْل النَّهْرَوَان، فلم ينصرف إِلَى الْبَصْرَةِ- فَقَالَ لَهُ: إن قومك بدلوا ونكثوا ونقضوا بيعتي، ومن العجب أن تمنع الأزد عاملي وتشاقني مضر، وتنابذني؟
فَقَالَ: يَا أمير المؤمنين ابعثني فبعثه.
فلما قدم (جارية) الْبَصْرَةَ بدأ بزياد، فسلم عَلَيْهِ، فحذره زياد مَا لقي صاحبه، فخرج جارية فقام فِي الأزد فجزاهم الخير، وَقَالَ: عرفتم الحق إذ جهله غيركم وحفظتموه إذ ضيعوه، وقرأ كتابا كتبه علي إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ مَعَهُ يوبخهم فِيهِ أشد التوبيخ ويعنفهم أشد التعنيف، ويتوعدهم بالمسير إليهم(2/429)
إن ألجأوه إِلَى ذَلِكَ حَتَّى يوقع بهم وقعة تكون وقعة يوم الجمل عندها لقعه ببعرة [1] .
وَكَانَ صبرة حاضرًا لقراءة الكتاب فَقَالَ: سمعا وطاعة، نحن لمن حارب أمير الْمُؤْمِنِينَ حرب، ولمن سالم سلم.
وقام أَبُو صفرة فَقَالَ لزياد: والله لو أدركت الجمل مَا قاتل قومي عليا، وهم (كذا) يوم بيوم، وأمر بأمر، والله إِلَى الجزاء بالحسنى أسرع منه إلى المكافات بالسوء، والتوبة مَعَ الحوبة [2] والعفو مَعَ الندم.
وَقَالَ صبرة- أَوْ غيره-: إنا والله نخاف من حرب علي فِي الآخرة، أعظم مما نخاف من حرب مُعَاوِيَة فِي الدنيا.
فلما أصبحوا سارت الأزد بزياد بْن أَبِي سُفْيَانَ- وَكَانَ يومئذ ينتسب إِلَى عبيد- وسار جارية بمن قدم مَعَهُ ومن سارع إِلَيْهِ من بَنِي تميم، ودلفوا [3]
__________
[1] كذا في النسخة، ولعل الأصل كان: «كلقعة لقاع ببعرة» . واللقع- كالضرب-:
اللدغ واللسع. واللقاع- كغراب وشداد-: الذباب الأخضر الذي يلسع الناس.
ثم ان كتابه- عليه السلام- هذا ذكره في المختار: (29) من الباب الثاني من نهج البلاغة، وذكرناه أيضا عن كتاب الغارات في المختار: (143) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 5 ص 165 وإليك لفظة: «وأيم الله لئن ألجأتموني إلى المسير إليكم لأوقعن بكم وقعة لا يكون يوم الجمل إليها إلا كلعقة لاعق ... » .
[2] هذا هو الصواب، والحوبة- بالحاء المهملة-: الذنب. وفي النسخة ذكره بالخاء المعجمة.
[3] يقال: دلف فلان- من باب ضرب-: مشى وتقدم. ودلف زيد: مشى كالمقيد وقارب الخطوفي مشيه.(2/430)
إلى ابن الحضرمي، وعلى خيل ابن الحضرمي عبد الله بن حازم السلمي فاقتتلوا ساعة، وأقبل شريك بْن الأعور الحارثي فصار مع جارية، فما لبثوا (كذا) ابْن الْحَضْرَمِيّ وأصحابه أن هزموهم واضطروهم إِلَى دار سنبيل السعدي فحصروهم فِيهَا يومهم، وَكَانَ فِي الدار مَعَ ابْن الْحَضْرَمِيّ عَبْد اللَّهِ بن حازم، فجاءت أمه- وكانت اسمها عجلا (ء) وكانت حبشية- فنادته فأشرف عَلَيْهَا، فأخرجت ثدييها وقالت: أسالك بدريهما لما نزلت. فأبى، فقالت: والله لتنزلن أَوْ لأتعرن فأهوت بيدها إِلَى ثيابها، فلما رآها نزل فمضت بِهِ إِلَى منزلها. ويقال: إنها حسرت قناعها فَإِذَا شعرها أبيض، ثم قالت: لئن (لا) تنزل لأتعرن.
قَالُوا: وأحاط جارية بْن قدامة بالدار الحطب والنار [1] فقالت الأزد (لجارية) : لسنا من النار في شيء، وهم قومك وأنت أعلم. فحرقها (عليهم) فهلك فِيهَا ابْن الْحَضْرَمِيّ فِي سبعين رجلا أحدهم عبد الرحمان بْن عمير، وسمي جارية محرقا.
فلما هلك ابن الحضرمي قالت الأزد لزياد: أبقي لك علينا حق؟ قال لا. قالوا: فبرينا من جوارك؟ قَالَ: نعم. فانصرفوا إِلَى رحالهم، واستقام لزياد أمره ونزل القصر وحول إِلَيْهِ بيت المال، وكتب بالفتح إِلَى علي مَعَ ظبيان بْن عمارة: «أما بعد فَإِن العبد الصالح جارية بْن قدامة قدم من عندك فيمن أنهدت مَعَهُ، فناهض جمع ابْن الْحَضْرَمِيّ فقضه ثُمَّ اضطر ابْن الْحَضْرَمِيّ إِلَى دار من دور الْبَصْرَةِ فِي عدة من أصحابه، فمنهم من حرق بالنار، ومنهم من ألقي عَلَيْهِ جدار، ومنهم من هدم عَلَيْهِ البيت من أعلاه سوى من قتل بالسيف، فبعدًا لمن عصا وغوى والسلام.
__________
[1] كذا في النسخة، والصواب: وأحاط جارية بن قدامة بالدار بالحطب والنار. أن، وأمر بإحضار الحطب والنار.(2/431)
«483» وَحَدَّثَنِي أَبُو الحسن المدائني قَالَ: كانت دار سنبيل- ويقال: - صنبيل- قصرا قديما للفرس فِي الجاهلية، وحوله خندق.
«484» وحدثني الغنوي الدلال [1] عَن أَبِي اليقظان، عَن أشياخه قَالُوا:
اقتتل أصحاب/ 416/ ابْن الْحَضْرَمِيّ وأصحاب علي عند الجسر قتالا شديدًا، فانهزم أصحاب ابْن الْحَضْرَمِيّ حَتَّى دخلوا قصر سنبيل، فطلب ابْن الْحَضْرَمِيّ الأمان من جارية بْن قدامة فلم يؤمنه، وطلب الأمان من زياد فلم يجبه إِلَيْهِ، وكان معه عبد الله بن حازم فنادته أمه لينزل فأبي فكشفت رأسها كأنها ثغامة [2] ، وثديين كأنهما دلوان، وأرادت التعري فنزل حين رأى ذَلِكَ، وأحرق جارية الدار فاحترق ابن الحضرمي، وذراع بن بدر الغّداني (ظ) أخو حارية بن بدر (كذا) ورجع زياد إِلَى إمرته.
«485» وَحَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْمُغِيرَةِ الأثرم، عَن أَبِي عُبَيْدَة، قَالَ: قدم جارية بْن قدامة من عند علي فِي ألف- أو ألف وخمسمائة- فلما بلغ ذَلِكَ ابْن الْحَضْرَمِيّ أعد طعاما وشرابا للحصار، ورم حصنا كَانَ لفارس فِي الجاهلية عَلَى نشز [3] وَكَانَ مُعَاوِيَة قد وعده أن يبعث إِلَيْهِ بالأمداد، فلما اقتتل وجارية بْن قدامة عند الجسر، انهزم حَتَّى دخل الحصن، وهو يومنذ لرجل يقال لَهُ: صنبيل، فحصره فِيهِ وَكَانَ معه عبد الله بن حازم بن أسماء (ظ) ابن الصلت السلمي- وأمه حبشية يقال لها: عجلاء- فكشفت رأسها وثدييها وأرادت أن تتعرى، فلما رأى ذَلِكَ من شأنها نزل، فوهن أمر ابن
__________
[1] ويحتمل رسم الخط أيضا: «العتوي الدلال» .
[2] رسم خط هذه الكلة غير جلي ههنا، ويمكن أن يقرء «نعامة» ولكن يجيء في الحديث «486» ما لفظه: «فإذا شعرها مثل الثغامة» . أقول: الثغامة واحدة الثغام، وهو شجر أبيض الزهر. ويقال: «أثغم الراس» : صار ثاغما، يعني أبيض.
[3] هذا ظاهر رسم الخط بعد غور وتعمق. والنشز: المرتفع من الأرض.(2/432)
الْحَضْرَمِيّ فِي نفسه، وطلب الأمان فلم يعطه وأمر جارية بجمع الحطب حول الدار، فنقل (من الحطب) ما بلغ أعلا الحيطان ثُمَّ أشعل فِيهِ النار وأعان ذَلِكَ بالهدم [1] فاحترق ابْن الْحَضْرَمِيّ، ومن كَانَ مَعَهُ، وعاد زياد إِلَى دار الإمارة، فَقَالَ بعض الأزد- وقال المدائني: قالها العرندس (كذا) -:
أجرنا زيادًا وقد أصفقت ... عَلَيْهِ تميم وخاف العطب
فلما رأوا أننا دونه ... وقد خام عَنْهُ جميع العرب
عوى الْحَضْرَمِيّ عواء الكلاب ... وبصبص من خوفنا بالذنب
ومن كانت الأزد أنصاره ... أصاب بنصرتهم مَا طلب
رددنا زيادًا إلى داره ... ودار تميم (كذا) رماد (ا) ذهب
وقال أبو الأسود الدؤلي:
أبى اللَّه إِلا أن للأزد فضلها ... وأنهم أوتاد كُلّ بلاد
أجاروا زيادًا حين أسلم نفسه ... إِلَيْهِمْ وَكَانَ الرأي رأي زياد
فأصبح فِي الحدان والأزد دونه ... بسمر كأشطان الجرور حلاد [2]
لَهُ منبر يرقاه فِي كُلّ جمعة ... وآلة ملك شرطة وحشاد (ظ) [3]
«486» وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ، حَدَّثَنَا قرة بْن خالد السدوسي، عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمان بن أبي
__________
[1] كذا.
[2] كذا.
[3] وكتب في هامش الأصل- من غير تعيين المحل-: «والمؤذن» . ولكن لعل الصواب: «وآلة ملك شرطة ومناد» .(2/433)
بكرة قَالَ: لما كَانَ يوم الدار- يعني دار ابْن الْحَضْرَمِيّ- أشرفوا عَلَى ابْن أَبِي بكرة فجعلوا يسبونه، فَقَالَ لهم جارية بْن قدامه: لا تؤذوا أبا بكرة وَلا تقولوا لَهُ إِلا خيرا، قَالَ: فأخبرتني أمي أن أبا بكرة قَالَ: لو دخلوا إِلَى مَا بهشت إِلَيْهِمْ بقضيب [1] .
«487» وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وهب بْن جرير، حدثنا أبي قال: سمعت مُحَمَّد بْن الزُّبَيْرِ الحنظلي، يحدث قَالَ: لما قدم ابْن الْحَضْرَمِيّ وقدم جارية بْن قدامة الْبَصْرَةَ نزل ابْن الْحَضْرَمِيّ دار الحداني (ظ) فِي جانب دار أَبِي بكرة، فأتاه أصحاب علي فأحاطوا بالدار، وَكَانَ فِي الدار، رجل قد سماه فأتته أمه- وَكَانَ يقال لَهَا: عجلاء وكانت حبشية/ 417/ راعية (كذا) - فقالت لابنها: إن أنت نزلت وإلا ألقيت قناعي. قَالَ: فالقت قناعها فَإِذَا شعرها مثل الثغامة (كذا) فلم ينزل فقالت: إن نزلت وإلا ألقيت ردائي فألقت ردا (ء) ها فلم ينزل، فقالت: إن نزلت وإلا ألقيت قميصي فلم ينزل، فألقت قميصها وكانت في إزار- فقالت: إن نزلت وإلا ألقيت إزاري. فنزل، وجاء أصحاب علي فأحاطوا بالدار وحرقوها بمن فِيهَا.
«488» وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْحَنْظَلِيِّ، قَالَ: بَعَثَ مُعَاوِيَةُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ الْحَضْرَمِيَّ- وَكَانَ ابْنَ خَالَةِ عُثْمَانَ أُمُّهُ أُمُّ طَلْحَةَ بِنْتُ كُرَيْزٍ- إِلَى الْبَصْرَةِ، وَكَانَ جَارِيَةُ (بن) قدامة قدم على معاوية (كذا) فَقَالَ لَهُ: ابْعَثْ مَعِي رَجُلا، فَإِنَّ لَكَ بِالْبَصْرَةِ شِيعَةً، فَبَعَثَ مَعَهُ ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ، فَلَمَّا قَدِمَ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ الْبَصْرَةَ أَتَتْهُ الأَزْدُ فَقَالُوا (له) : انْتَقِلْ إِلَى دُورِنَا لِنَمْنَعَكَ فَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يغدر بك بنو سعد.
__________
[1] يقال: «بهش بيده إليه» : مدها ليتناوله. والفعل من باب «منع» .(2/434)
فقال: أخرجوا زيادا فإني غير مجامعه فِي قَوْمٍ. وَكَانَ زِيَادٌ عَامِلا لابْنِ عَبَّاسٍ بِفَارِسَ فَأَصَابَ مَالا فَلَجَأَ إِلَى الأَزْدِ فَأَلْجَأَهُ [1] صبرة بن شيمان (الأزدي) الحدانيّ وأنزل معه (منزله) فَأَبَوْا أَنْ يُخْرِجُوهُ، وَأَبَى ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَيْهِمْ إِلا بِإِخْرَاجِ زِيَادٍ، وَأَنْزَلَهُ جَارِيَةُ فِي دَارٍ فِي مَرْبَعَةِ الأَحْنَفِ وَأَتَاهُ نَاسٌ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ، ثُمَّ تَرَكَهُ جَارِيَةُ فَسَارَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ عَلِيٍّ وَأَحَاطُوا بِدَارِهِ وَقَالُوا: مَنْ خَرَجَ عَنْهُ فَهُوَ آمِنٌ. فَخَرَجَ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ وَلَمْ يَخْرُجِ ابْنُ خَازِمٍ فَأَتَتْهُ أُمُّهُ- وَكَانَتْ حَبَشِيَّةً رَاعِيَةً اسْمُهَا عَجْلَى- فنادته فأشرف عليها فقالت: انزل. فأبى فَأَلْقَتْ دِرْعَهَا وَقَامَتْ فِي إِزَارٍ، وَقَالَتْ: لَتَنْزِلَنَّ أَوْ لأُلْقِيَنَّ إِزَارِي فَأَفْضَحَكَ!!! فَنَزَلَ وَاشْتَعَلَتِ النِّيرَانُ فِي دَارِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، فاحترق هو ومن معه فيها، فقال ابن أبي العرندس (كذا) :
رددنا زيادا إِلَى داره ... وجار تميم دخانا ذهب
لحي اللَّه قوما شووا جارهم ... ولم يدفعوا عنه حرّ اللهب
(قال البلاذري) : والثبت: إن جارية لم يأت مُعَاوِيَة، والخبر (الصواب) هو الأول.
__________
[1] كذا في النسخة، ولعل الصواب: «فأجاره» .(2/435)
أمر الغارات بين علي ومعاوية
(منها) غارة الضحاك بْن قَيْس الفهري [1]
«489» قَالُوا: وجه مُعَاوِيَة الضحاك بْن قَيْس الفهري- ويكنى أبا أنيس حين بلغه أن عَلِيًّا يدعو النَّاس إِلَى الخروج إِلَيْهِ وأن أصحابه مختلفون عَلَيْهِ- في جيل كثيفة جريدة، وأمره أن يمر بأسفل واقصة فيغير عَلَى الأعراب ممن كَانَ عَلَى طاعة علي وعلى غيرهم ممن كَانَ فِي طاعته ممن لقيه مجتازا، وأن يصبح فِي بلد ويمسي فِي آخر، وَلا يقيم لخيل إن سرحت إِلَيْهِ، وإن عرضت لَهُ قاتلها، وكانت تلك أول غارات مُعَاوِيَة.
فأقبل الضحاك إِلَى القطقطانة فيما بين ثلاثة آلاف إِلَى أربعة آلاف، وجعل يأخذ أموال النَّاس من الأعراب وغيرهم ويقتل من ظن أنه عَلَى طاعة عليّ أو
__________
[1] وذكرها مع غارة ابن عوف الغامدي وبسر بن أبي أرطاة في أخبار أم حكيم زوجة عبيد الله بن العباس من كتاب الأغاني: ج: 16، ص 266، ورواه أيضا في كتاب الغارات كما في شرح المختار: (29) من النهج لابن أبي الحديد: ج 2 ص 117، وكما في البحار: ج 8/ 674.
ورواه أيضا اليعقوبي في تاريخه: ج 2/ 171، ورواه أيضا في المختار: (39) من كلامه عليه السلام في الإرشاد، ص 145.(2/437)
كَانَ يهوى هواه حَتَّى بلغ الثعلبية، وأغار عَلَى الحاج فأخذ أمتعتهم، ثُمَّ صار إِلَى القطقطانة منصرفا، ولقيه بالقطقطانة عَلَى طريق الحاج عمرو بن عميس ابن مسعود، (ابن) أخي عبد الله ابن مسعود فقتله- فلما ولاه مُعَاوِيَة الْكُوفَة كَانَ يقول: يَا أَهْل الْكُوفَةِ أنا أَبُو أنيس قاتل ابْن عميس. يعلمهم بِذَلِكَ أنه لا يهاب القتل وسفك الدماء- وأخذ طريق السماوة منصرفا، فلما بلغ عَلِيًّا خبره قام فِي أَهْل الْكُوفَةِ خطيبا فدعاهم إِلَى الخروج لقتال عدوهم ومنع حريمهم، فردوا عَلَيْهِ ردًا ضعيفا ورأى منهم فشلا وعجزًا، فَقَالَ، «وددت والله أن لي بكل عشرة منكم رجلا من أَهْل الشَّامِ وأني صرفتكم كما يصرف الذهب، ولوددت أني لقيتهم عَلَى بصيرتي فأراحني اللَّه من مقاساتكم ومداراتكم كما يداري البكار/ 418/ العمدة والثياب المنهرمة [1] كلما خيطت من جانب تهتكت من جانب.
ثُمَّ خرج يمشي إِلَى نحو الغريين، حَتَّى لحقه عَبْد اللَّهِ بْن جعفر، بدابة فركبها ولحقه النَّاس بعد، فسرح لطلبه حجر بْن عدي الكندي فِي أربعة آلاف أعطاهم خمسين درهما خمسين درهما.
فسار حجر حَتَّى لحق الضحاك نحو تدمر فقاتله فأصاب من أصحابه تسعة عشر رجلا- ويقال: سبعة عشر رجلا- وقتل من أصحاب علي رجلان يقال: إنهما عبد الله وعبد الرحمان ابنا حوزة- وهما من الأزد- وحجز الليل بينهم فهرب الضحاك فِي الليل، وأقام حجر يوما أَوْ يومين فلم يلق أحدا فانصرف.
«490» وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الله بن صالح المقري، حدثني أبو بكر ابن عَيَّاشٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو حُصَيْنٍ قَالَ: خَطَبَ الضَّحَّاكُ بن قيس بالكوفة- وكان معاوية ولاه
__________
[1] وفي المختار: (67) من نهج البلاغة: «كم أداريكم كما تدارى البكار العمدة، والثياب المتداعية، كلما حيصت من جانب تهتكت من آخر» ...(2/438)
إِيَّاهَا حِينَ مَاتَ زِيَادٌ- فَقَالَ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ فِيكُمْ رِجَالا يَشْتُمُونَ أَئِمَّةَ الْهُدَى وَيَنْتَقِصُونَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ، وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهُوا لأَضَعَنَّ فِيكُمْ سَيْفَ زِيَادٍ وَقُلُوسَهُ [1] ثُمَّ لا تَجِدُونِي ضَعِيفَ السَّوْرَةِ، وَلا كَلِيلَ الشَّفْرَةِ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَوَّلُ مَنْ غَزَا بِلادَكُمْ وَأَغَارَ عَلَيْهَا فِي الإِسْلامِ، أَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ أَبُو أُنَيْسٍ، قَاتِلَ ابْنِ عُمَيْسٍ فَاتَّقُونِي.
«491» قَالُوا: وَخَطَبَ عَلِيٌّ وَبَلَغَهُ أَنَّ قَوْمًا يَنْتَقِصُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: كَانَ وَاللَّهِ خَيْرَ مَنْ بَقِيَ شَبَّهَهُ رَسُولُ اللَّهِ بِمِيكَائِيلَ رَحْمَةً وَبِإِبْرَاهِيمَ حِلْمًا وَوَقَارًا، فَسَارَ سِيرَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَضَى [2] رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، ثُمَّ وَلِيَ عُمَرُ الأَمْرَ بَعْدَهُ واستشار المسلمين
__________
[1] كذا في النسخة، والظاهر انه أراد به السوط.
[2] هذا الحديث في حد ذاته ومع قطع النظر عن وجود معارض له، غير حجة فضلا عما لو كان له معارض أقوى منه أو كان له القوة دونه، أما عدم حجيته في نفسه فمن أجل أن لا سند له، ولم يعلم القائلون من هم؟ ولا الذين رووه عنهم، ولعلهم بعض شياطين بني أمية أو العفاريت من أذنابهم!!؟ والسند الذي يذكره بعد الختام أيضا غير مفيد، أما أولا فمن أجل أن أبا حصين لم يدرك أمير المؤمنين حتى يسمع منه بنفسه، فإذا لا بد انه أخذه من غيره، ولم يبين ان ذلك أي شيطان أوحى إليه!!! وثانيا ان أبا حصين نفسه عده العجلي- على ما في ترجمته من تهذيب التهذيب: ج 7/ 127- عثمانيا، وكل عثماني منحرف عن أمير المؤمنين وكل منحرف عن امير المؤمنين ضال قوله غير مقبول بدليل قوله صلّى الله عليه وآله وسلم: اللهم أدر الحق حيث ما دار عليّ، وقوله: اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ. وقوله: إني خلفت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي. إلى غير ذلك مما تواتر عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في حق علي وأحبائه وأعاديه. وثالثا ان أبا مسعود الكوفي وأبيه مجهولان لم يعرنا من هما؟ فقد تحقق مما ذكر ان الحديث لا سند له يثبت صدوره عن امير المؤمنين، وان السند المذكور وجوده كعدمه!!! فإذا نحن في غنى عن التكلم في معارضاته وركاكة بعض فصوله وألفاظه.(2/439)
فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ رَضِيَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ [1] فَكُنْتُ فِيمَنْ رَضِيَ فَلَمْ يُفَارِقِ الدُّنْيَا حَتَّى رَضِيَ بِهِ مَنْ كَانَ كَرِهَ فَأَقَامَ الأمر على منهك (كذا) صَاحِبَيْهِ، يَتَّبِعُ آثَارَهُمَا كَاتِّبَاعِ الْفَصِيلِ أُمَّهُ، وَكَانَ وَاللَّهِ رَحِيمًا لِلضُّعَفَاءِ نَاصِرًا لِلْمَظْلُومِينَ شَدِيدًا عَلَى الظَّالِمِينَ، قَوِيًّا فِي أَمْرِ اللَّهِ لا يَأْخُذُهُ فيه لَوْمَةُ لائِمٍ ضَرَبَ اللَّهُ بِالْحَقِّ عَلَى لِسَانِهِ حتى كنا نظنّ ان ملكا يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ [2] ، شَبَّهَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم بجبرئيل في غلظته في (كذا) الأَعْدَاءِ وَلِلْغَيْظِ عَلَى الْكُفَّارِ فَمَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبُّهُمَا ولكنه (كذا) وإن مَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي وَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ إِلَى الْقَائِلِ مَا قَالَ لِعَاقِبَتِهِ فَإِنَّهُ لا يَنْبَغِي الْعُقُوبَةُ قَبْلَ التَّقْدِمَةِ، فَمَنْ أَتَيْتُ بِهِ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ جَلَدْتُهُ حَدَّ الْمُفْتَرِي.
حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ، عَنْ أبيه، عن أبي بكر ابن عياش، عن أبي حصين بمثله:
__________
[1] هذا أيضا من شواهد اختلاقه، فان أبا بكر لم يستشر أحدا في اخلاف عمر، بل هو خلفه لما تواطيا عليه قبل، ولذا قال امير المؤمنين عليه السلام لعمر- لما ساقوه ليبايع أبا بكر-:
اشدد امره اليوم ليرد عليك غدا!!! وقال له أيضا: احلب حلبا لك شطره.
[2] وبأدنى مراجعة إلى اقوال الرجل وافعاله يتبين ان هذا كذب صريح، والمسألة الحمارية بانفرادها تغنيك عن مراجعة غيرها، فانظر مادة «شرك» من القاموس او عنوان: «نوادر الأثر» من كتاب الغدير: ج 6 كي يتبين لك ان امير المؤمنين منزه عن التفوه بهذه الفرية البينة، وان هذا كلام من لا حياء له، وقول من لا يبالي ما يقول وما يقال فيه!!!(2/440)
(الثاني من الغارات) غارة سفيان بن عوف بن المغفل الأزدي ثُمَّ الغامدي
«492» قَالُوا: ودعا مُعَاوِيَة سُفْيَان بن عوف (بن المغفل) الأزدي ثُمَّ الغامدي، فسرحه فِي ستة آلاف من أهل الشام ذوي بأس وإناءة (كذا) وأمره أن يلزم جانب الفرات الغربي حَتَّى يأتي هيت فيغير عَلَى مسالح علي وأصحابه بِهَا، وبنواحيها، ثُمَّ يأتي الأنبار فيفعل بِهَا مثل ذَلِكَ حَتَّى ينتهي إِلَى المدائن، وحذره أن يقرب الْكُوفَة، وَقَالَ لَهُ: إن الغارة تنخب قلوبهم [1] وتكسر حدهم وتقوي أنفس أوليائنا ومنتهم. فشخص [2] سفيان في
__________
[1] يقال: «نخب الشيء- من باب نصر- نخبا» : نزعه. ونخب زيد- من باب فرح- نخبا: كان منزوع الفؤاد جبانا.
[2] هذا هو الظاهر، وفي النسخة «فشحن- او- فشحز» . والمنة- بالضم-:
القوة، والجمع: منن، كسنة وسنن.(2/441)
الستة آلاف المضمومين إِلَيْهِ، فلما بلغ أَهْل هيت قربه منهم قطعوا الفرات إِلَى العبر الشرقي (كذا) فلم يجد (سفيان) بِهَا أحدًا، وأتي الأنبار فأغار عَلَيْهَا فقاتله من بِهَا من قبل علي فأتى عَلَى كثير منهم وأخذ أموال النَّاس وقتل أشرس بْن حسان البكري عامل علي ثُمَّ انصرف. وأتى عَلِيًّا علج، فأخبره الخبر، وَكَانَ عليلا لا يمكنه الخطبة، فكتب كتابا قرئ عَلَى النَّاس وقد أدني علي من السدة الَّتِي كَانَ يخرج مِنْهَا ليسمع القراءة، وكانت نسخة الكتاب (هكذا) :
أما بعد فَإِن الجهاد باب من أبواب الجنة، فمن تركه ألبس ثوب الذلة، وشمله البلاء، وديث بالصغار، وسيم الخشف [1] ومنع النصف، وقد دعوتكم إِلَى جهاد هَؤُلاءِ القوم ليلا ونهارًا، وعلانية وسرًا [2] وأمرتكم أن تغزوهم قبل أن يغزوكم فإنه مَا غزي قوم فِي عقر دارهم إِلا ذلوا، فتواكلتم وتخاذلتم/ 419/ وثقل عليكم قولي وعصيتم أمري واتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا، حَتَّى شنت عليكم الغارات من كُلّ ناحية، هَذَا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار، فقتل ابْن حسان البكري، وأزال مسالحكم عَن مواضعها، وقتل منكم رجالا صالحين. (و) لقد بلغني أن الرَّجُل من أَهْل الشَّامِ كَانَ يدخل بيت المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فيأخذ حجلها وقلبها ورعاثها وقلادتها، فيا عجبا عجبا يميت القلب، ويجلب الهم، ويسعر الأحزان من جد هَؤُلاءِ القوم فِي باطلهم، وفشلكم عن حقكم فقبحا وترحا (حيث) صرتم غرضا يرمى، يغار عليكم وَلا تغيرون، ويعصى اللَّه فترضون، إذا قلت لكم: اغزوا عدوكم فِي الحر، قلتم هَذِهِ حمارة القيظ من يغزوا فيها؟!! أمهلنا ينسلخ
__________
[1] كذا في النسخة، والخشف- كفلس-: الذلة. وفي المختار: (27) من النهج وغير واحد من المصادر: «وسيم الخسف» اي اولي الذل.
[2] كذا في النسخة، وفي النهج: «وسرا وإعلانا» .(2/442)
(عنا) الحر، وإذا قلت: أغزوهم فِي أنف الشتاء، قلتم الصر والقر [1] أفكل هَذَا منكم فرار من الحر والقر؟! فأنتم والله من السيف أفر؟! يَا أشباه الرجال- وَلا رجال- يَا أحلام الأطفال وعقول ربات الحجال لوددت أني لم أركم وأن اللَّه أخرجني من بين أظهركم فلقد وريتم صدري غيظا، وجرعتموني نغب التهمام أنفاسًا، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان حتى قالت قريش (إن) ابْن أَبِي طالب شجاع ولكنه لا علم لَهُ بالحرب. لله أبوهم وهل منهم أحد أشد لَهَا مراسا ومقاساة مني، لقد نهضت فيها وقد بلغت العشرين [2] فها أنا ذا قد ذرفت عَلَى الستين [3] [ولكنه لا رأي لمن لا يطاع والسلام] [4] .
ثُمَّ إن عَلِيًّا أتبعه سعيد بْن قَيْس الْهَمْدَانِيّ. ويقال: قَيْس بْن سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الأَنْصَارِيّ ويقال هانئ بْن خطاب، فبلغ صفين ثُمَّ انصرف. ويقال:
إن سعيدًا- أَوْ قيسا- وجه هانئ بْن خطاب فأتبعه حَتَّى بلغ أداني أرض قنسرين.
__________
[1] كذا في النسخة، وفي النهج: «فإذا امرتكم بالسير إليهم في ايام الصيف قلتم هذه حمارة القيظ أمهلنا يسبخ عنا الحر، وإذا امرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم: هذه صبارة القر، أمهلنا ينسلخ عنا البرد» .
[2] كذا في النسخة، وفي نهج البلاغة: «لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين» .
[3] وفي النسخة: «فهانذا» . وقوله: «ذرفت على الستين» : زدت عليها.
[4] ولكلامه- عليه السلام- هذا مصادر كثيرة فذكره في المختار: (27) من نهج البلاغة، وكذا في كامل المبرد: ج 1/ 19، ورواه أيضا القاضي نعمان في دعائم الاسلام: ج 1/ 390 ط مصر، كما رواه ابو الفرج في اخبار أم حكيم من الأغاني: ج 5 ص 43 وفي ط:
ج 15/ 266، ورواه أيضا في العقد الفريد: ج 2 ص 353، وفي ط: ج 4 ص 136، ورواه أيضا في الحديث: (11) من الباب الأول من كتاب الجهاد من التهذيب: ج 6 ص 123 كما رواه قبله الكليني وكذلك في الباب: (12) من كتاب معاني الأخبار- للصدوق- ص 309، كما رواه أيضا في كتاب الأخبار الطوال ص 211 قبيل مقتلة عليه السلام.(2/443)
(الثالث من الغارات) غارة النعمان بْن بشير الأَنْصَارِيّ
«493» قَالُوا: وبعث مُعَاوِيَة النعمان بْن بشير الأَنْصَارِيّ، وأبا هريرة الدوسي بعد أَبِي مسلم الخولاني إِلَى علي يدعوانه إلى أن يسلّم (لمعاوية) قتلة عُثْمَان بْن عفان ليقتلوا بِهِ فيصلح أمر النَّاس ويكف الحرب، وَكَانَ مُعَاوِيَة عالما بأن عَلِيًّا لا يفعل ذَلِكَ، ولكنه أحب أن يشهد عَلَيْهِ عند أَهْل الشَّامِ بامتناعه من إسلام أولئك، والتبري منهم فيشرع لَهُ أن يقول: إنه قتله فيزداد أَهْل الشَّامِ غيظا عَلَيْهِ وحنقا وبصيرة فِي محاربته وعداوته، فلما صارا إِلَيْهِ فأبلغاه مَا سأله مُعَاوِيَة [1] امتنع من إجابتهما إِلَى شَيْء مما قدما لَهُ [2] فانصرف أَبُو هريرة إِلَى الشَّام فأمره مُعَاوِيَة بأن يعلم النَّاس مَا كَانَ (بينه و) بين علي [3] وأقام النعمان بعد أَبِي هريرة أشهرًا وهو يظهر لعليّ انه معه، ثم
__________
[1] هذا هو الظاهر وفي النسخة: «فأبلغاه وسأله معاوية» .
[2] وفي النسخة: «امتنع من اجابتهما الى موسى مما قد ماله» .
[3] بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق.(2/445)
خرج فمر بعين التمر وعليها مالك بْن كعب الْهَمْدَانِيّ فحبسه ليكتب إِلَى علي بخبره، فركب إِلَيْهِ قرظه بْن كعب الأَنْصَارِيّ- وَكَانَ على جباية الخراج بالنهرين والفلاليح [1] ونواحيها وما والا ذَلِكَ من الطساسيج فكلمه فِيهِ فخلى سبيله فأتى مُعَاوِيَة، فأخبره ومن قبله بمثل مَا أخبرهم بِهِ أَبُو هريرة. وَهَذَا فِي أول الأمر.
قَالُوا: ثُمَّ إن مُعَاوِيَة ندب أصحابه لغارة نحو الْعِرَاق فانتدب لَهَا النعمان بْن بشير، فسرحه فِي ألفين وأمره بتجنب المدن والجماعات، وأن لا يغير عَلَى مسلحة [2] وأن يكون إغارته على من بشاطئ الفرات ثم تعجل الرجعة.
فسار النعمان حَتَّى دنا من عين التمر، وبها مالك بْن كعب فِي مائة وقد كَانَ فِي أكثر مِنْهَا [3] إِلا إنه أذن لأصحابه فِي الانصراف إِلَى الْكُوفَةِ فِي حوائج لهم فانصرفوا، فكتب (مالك) إِلَى قرظة يستنجده فَقَالَ قرظة: إنما أنا صاحب خراج وليس معي إِلا من يقوم بأمري فقط [4] . ووجّه إليه مخنف ابن سليم الأزدي عبد الرحمان بن مخنف في خمسين رجلا واليا عَلَى الحرب فيما يليه/ 420/ قرظة [5] فقاتل مالك بْن كعب النعمان حَتَّى دفعه عَن القرية، فظن أَهْل الشَّامِ حين رأوا عَبْد الرحمان بْن مخنف بْن سليم ومن مَعَهُ أنه قد أتى مالكا مدد كثيف، فانهزموا حَتَّى لحقوا بمعاوية، وقتل منهم ثلاثة نفر، ومن أصحاب علي رجل.
__________
[1] كذا.
[2] كذا.
[3] وهذا هو الظاهر وفي النسخة: «وقد كان في اكثره منها» .
[4] يا ويحه اما كانت له قدرة على ما كان يقدر عليه كل ضعيفة!!!
[5] كذا.(2/446)
وَقَالَ النعمان: سرت ليلة فضللت، ثُمَّ إني دفعت إِلَى ماء لبنى القين وإذا امرأة تطحن فِي خباء لَهَا وهي تقول:
شربت عَلَى الجوزاء كأسًا روية ... وأخرى عَلَى الشعراء إذا ما استقلّت [1]
مشعشعة كانت قريش نفافها [2] ... فلما استحلّت قتل عثمان حلّت
(قال النعمان:) فعلمت أني في حد الشام (ظ) وأنه قد بلغت مأمني واهتديت.
ويقال: إن هذه الغارة (كانت) قبل غارة سُفْيَان بْن عوف.
وقد كَانَ عَلَى حين أتاه خبر النعمان بالْكُوفَة، خطب الناس فحمد اللَّه واثني عليه ثم قَالَ:
عجبا لكم يا أهل الكوفة (أ) كلما أطلت عليكم سرية وأتاكم منسر من (مناسر) أَهْل الشَّامِ أغلق كُلّ امرئ منكم بابه قد انجحر فِي بيته انجحار الضب فِي جحره [3] والضبع في وجارها، الذليل والله من نصرتموه، ومن رضي بكم رمى بأفوق ناصل [4] فقبحا لكم وترحا، قد ناديتكم وناجيتكم
__________
[1] قال البلاذري- في المتن-: ويروي: «واخرى على الشعرى العبور استقلت» .
[2] كذا.
[3] هذا هو الظاهر الموافق لما في المختار: (67) من نهج البلاغة، وما في تاريخ اليعقوبي ج 1/ 171، وفي ط ص 184، وبين المعقوفات أيضا مأخوذ منهما، وفي نسخة انساب الأشراف: «انجحار الصلب وحجره» . وقبله أيضا كانت فيها تصحيفات صححناها على الكتابين.
[4] كذا في النسخة، والأظهر ما في المختار (68) من النهج: «ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل» .(2/447)
فلا أحرار عند النداء، وَلا إخوان عند النجا (ء) [1] قد منيت منكم بصم لا يسمعون، وبكم لا يعقلون، وكمه لا يبصرون.
فيقال: إن عَلِيًّا أتبع النعمان عدي بْن حاتم الطائي فمضى حَتَّى شارف قنسرين ثُمَّ انصرف.
ويقال: إن عبد الرحمان (بْن) حوزة الأزدي قتل مَعَ مالك بْن كعب يومئذ، وإن أخاه عَبْد اللَّهِ قتل حين لقي حجر بْن عدي الضحاك بْن قيس الفهري.
ويقال: إن عبد الرحمان بن حوزة قاتل الحسين مع من قاتله. والثبت أن الَّذِي قاتل الْحُسَيْن رجل من بَنِي تَمِيمٍ يقال لَهُ: عَبْد الله بن حوزة، وهو غير هذا.
__________
[1] النجاء: الخلاص. وبكسر النون: المناجات وإفضاء السر.(2/448)
(الرابع من غارات معاوية على أطراف بلاد المسلمين) غارة ابن مسعدة الفزاري
«494» قَالُوا: ودعا مُعَاوِيَة عَبْد اللَّهِ بْن مسعدة بْن حكمة بْن مالك بْن حُذَيْفَة الفزاري فبعثه إِلَى تيماء، وضم إِلَيْهِ ألفا (الفين «خ» ) وسبع مائة (و) أمره أن يصدق من مر بِهِ من العرب، ويأخذ، البيعة لَهُ عَلَى من أطاعه، ويضع السيف عَلَى من عصاه، ثُمَّ يصير إِلَى الْمَدِينَة ومكة وأرض الحجاز، وأن يكتب إِلَيْهِ فِي كُلّ يوم بما يعمل بِهِ ويكون منه، فانتهى ابْن مسعدة إِلَى أمره وبلغ خبره عليا فندب المسيّب بن نجبة الفزاري في كنف من الناس في طلبه [1] فقال لَهُ: إنك يَا مسيب من أثق بصلاحه وبأسه فسار (المسيّب) حَتَّى أتى الجناب، ثُمَّ أتى تيماء وانضم إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن مسعدة قوم من رهطه من بني فزارة، وانضم إِلَى ابْن نجبة قوم من رهطه أيضًا، فالتقى هُوَ وَابْن مسعدة فاقتتلوا قتالا شديدًا، وأصابت ابْن مسعدة جراحات
__________
[1] هذه العبارة قد وقعت تحت الخياطة فليست جلية كما هو حقها فيحتمل هكذا: «فندب المسيب بن نجبة الفزاري في كثف من الناس كي يطلبه» إلخ. والكثف- على زنة الفلس-:
الجماعة. وذكره في النسخة: «الكنف» بالنون.(2/449)
ومضى قوم من أصحابه إِلَى الشَّام منهزمين لا يلوون عَلَيْهِ، وبقي مَعَهُ قوم منهم فلجأ (ابن مسعدة) ولجأوا (معه) إِلَى حائط حول حصن تيماء محيط بِهِ قديم، فجمع المسيب حوله الحطب وأشعل فِيهِ النار، فناشدوه أن لا يحرقهم وكلم فِيهِمْ، فأمر بإطفاء تلك النار.
وَكَانَ عَلَى الثلمة الَّتِي يخرج مِنْهَا إِلَى طريق الشَّام عَبْد الرحمان بْن أسماء الفزاري وَهُوَ الَّذِي كَانَ يقاتل يومئذ ويقول:
أنا ابْن أسماء وَهَذَا مصدقي ... أضربهم بصارم ذي رونق
فلما جن عَلَيْهِ الليل (كذا) خلى سبيلهم فمضوا حَتَّى لحقوا بمعاوية، وأصبح المسيب فلم يجد فِي الحصن أحدا، فسأله بعض أصحابه أن يأذن لَهُ فِي اتباع القوم فأبى ذَلِكَ.
وقدم المسيب/ 421/ عَلَى علي وقد بلغه الخبر، فحجبه أياما ثُمَّ دعا به فوبخه وقال (له: يا مسيب) حابيت [1] قومك وداهنت وضيعت؟! فاعتذر إِلَيْهِ، وكلمه وجوه أَهْل الْكُوفَةِ فِي الرضاء عَنْهُ، فلم يجبهم وربطه إِلَى سارية من سواري المسجد، ويقال: إنه حبسه ثُمَّ دعا بِهِ فَقَالَ لَهُ: إنه قد كلمني فيك من أنت أرجى عندي منه، فكرهت أن يكون لأحد منهم عندك يد [2] دوني وأظهر الرضا عَنْهُ، وولاه قبض الصدقة بالكوفة، فأشرك
__________
[1] هذه الكلمة رسم خطها غير واضح والمحاباة والمداهنة بمعنى، وهي المساهلة في الشيء وعده هينا، ويقال أيضا: «حابى الرجل» : نصره. و «حابى القاضي فلانا» : مال إليه منحرفا عن العدل.
[2] اليد- هنا-: النعمة والإحسان.(2/450)
في ذلك بينه وبين عبد الرحمان بْن مُحَمَّد الكندي، ثُمَّ إنه حاسبهما فلم يجد عليهما شيئا، فوجّهها بعد ذَلِكَ فِي عمل ولاهما إياه، فلم يجد عَلَيْهِمَا سبيلا، فَقَالَ: [لو كَانَ النَّاس كلهم مثل هذين الرجلين الصالحين، مَا ضر صاحب غنم لو خلاها بلا راع، وما ضر المسلمات لا تغلق عليهن الأبواب، وما ضر تاجر لو ألقي تجارته بالعراء.](2/451)
(الخامس من غارات معاوية الشعواء علي المؤمنين الابرياء) غارة بسر بْن أَبِي أرطأة القرشي
«495» قَالُوا: كَانَ عُبَيْد اللَّه بْن الْعَبَّاس بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ- عامل علي عَلَى اليمن- أشتد عَلَى أَهْل صنعاء فيما يجب عليهم، وطرد قوما من شيعة عُثْمَان عَنْهَا، وَكَانَ سعيد بْن نمران الْهَمْدَانِيّ عَلَى الجند، فصنع مثل ذَلِكَ، فتجمعت العثمانية وادعت أن الأمر قد أفضى إِلَى مُعَاوِيَةَ واجتمع النَّاس عَلَيْهِ، فكتبا بِذَلِكَ إِلَى علي فوجه إليهما جبر بْن نوف أبا الوداك بكتاب ينسبهما فِيهِ إِلَى العجز والوهن، فأرجف عبيد اللَّه وسعيد بْن نمران بأن يزيد بْن قَيْس الأرحبي قد فصل من عند علي فِي جيش عظيم يريدهم وسألا أبا الوداك أن يحدث بِذَلِكَ ويشيعه ففعل فكتبوا إلى معاوية.
معاوية إِلا تسرع السير نحونا ... نبايع عَلِيًّا أَوْ يزيد اليمانيا
وإن كَانَ فيما عندنا لك حاجة ... فأرسل أميرا لا يكن متوانيا
فبعث مُعَاوِيَة بسر بْن أَبِي أرطأة بْن عويمر- أحد بني عامر بْن لوي- فِي ألفين وستمائة انتخبهم بسر، وَقَالَ لَهُ: يَا بسر إن مصر قد فتحت فعز ولينا وذل عدونا، فسر عَلَى اسم اللَّه فمر بالمدينة فأخف أهلها وأذعرهم(2/453)
وهوّل عليهم [1] حتى تروا أنك قاتلهم، ثُمَّ كف عنهم وصر إِلَى مَكَّة فلا تعرض فِيهَا لأحد [2] ثُمَّ امض إِلَى صنعاء فَإِن لنا بِهَا شيعة فانصرهم واستعن بهم عَلَى عمال علي وأصحابه فقد أتاني كتابهم، واقتل كُلّ من كَانَ فِي طاعة علي إذا امتنع من بيعتنا، وخذ ما وجدت لهم من مال.
فلما دخل بسر الْمَدِينَة أخاف أهلها وَقَالَ: إن بلدكم كَانَ مهاجر نبيكم ومحل أزواجه والخلفاء الراشدين بعده، فكفرتم نعمة اللَّه عليكم ولم تحفظوا حق أئمتكم حَتَّى قتل عُثْمَان بينكم فكنتم بين خاذل لَهُ ومعين عَلَيْهِ، ولم يزل يرهبهم حَتَّى ظنوا أنه موقع بهم، ثُمَّ دعا النَّاس إِلَى بيعة مُعَاوِيَة فبايعه قوم وهرب منه قوم فهدم منازلهم [3] .
وَكَانَ عامل علي عَلَى الْمَدِينَة يومئذ أبا أيوب خالد بْن زيد الأَنْصَارِيّ فتوارى فأمر بسر أبا هريرة أن يصلي بالناس.
ولما قرب بسر من مَكَّة توارى قثم بن العباس، وكان (عامل علي)
__________
[1] جملتا: «وأذعرهم وهو عليهم» غير بينة بحسب الكتابة.
[2] لان جلهم كانوا منحرفين عن علي، ومن باب إن كل شيء يحن إلى جنسه كان هواهم مع معاوية.
[3] قال في ترجمة بسر، من تاريخ دمشق: ج 10/ 10- وفي تهذيبه: ج 3 ص 222 بحذف السند-: أخبرتنا أم البهاء فاطمة بنت محمد، قالت: أنبأنا أبو طاهر ابن محمد، أنبأنا ابو بكر ابن المقري، أنبأنا ابو الطيب محمد بن جعفر، أنبأنا عبيد الله بن سعد الزهري قال:
بعت معاوية بسر بن أبي ارطاة من بني سعد بن معيص، تلك السنة يعني سنة تسع وثلاثين فقدم المدينة ليبايع الناس، فأحرق دار زرارة بن جرول اخي بني عمرو بن عوف بالسوق، ودار رفاعة بن رافع، ودار عبد الله بن سعد من بني عبد الأشهل.
ثم انشمر الى مكة واليمن فقتل عبد الرحمان بن عبيد الله بن عباس وقثم بن عبيد الله، وعمرو ابن أم اراكة الثقفي. اقول: وقريبا منه ذكره قبله بسند آخر.(2/454)
عَلَيْهَا فكان شيبة بْن عُثْمَان العبدري يصلي بالناس حَتَّى قدم بسر، فلما قدم لم يهج أَهْل مَكَّة ولم يعرض لهم.
وقدم عَلَى عَلِيّ بْن أَبِي طالب عين لَهُ بالشام فأخبره بخبر بسر- يقال (له) قيس بن زرارة ابن عَمْرو (بْن) حطيان الْهَمْدَانِيّ، وَكَانَ قَيْس هَذَا عينا لَهُ بالشام يكتب إِلَيْهِ بالأخبار- ويقال: إن كتابه ورد عَلَيْهِ بخبر بسر، فخطب علي النَّاس ووبخهم وندبهم للشخوص إِلَيْهِ، فانتدب جارية بْن قدامة التَّمِيمِيّ فأمره أن ياتي الْبَصْرَة فيكون شخوصه لطلب بسر مِنْهَا.
ووجه إِلَيْهِ وهب بْن مسعود الخثعمي من الْكُوفَة.
ثم لما قرب بسر من الطائف تلقاه المغيرة بْن شعبة- وَكَانَ مقيما بالطائف معتزلا لأمورهم لم يشخص إِلَى الْبَصْرَة/ 422/ وَلا حضر صفين، إِلا إنه شخص مَعَ من شهد أمر الحكمين ثُمَّ انصرف إِلَى الطائف- فَقَالَ لَهُ:
أحسن اللَّه جزاك فقد بلغتني شدتك عَلَى العدو، وإحسانك إِلَى الولي، فدم عَلَى صَالِح مَا أنت عَلَيْهِ فإنما يريد اللَّه بالخير أهله. فقال (له بسر:) يَا مغيرة إني أريد أن أوقع بأهل الطائف حَتَّى يبايعوا لأمير الْمُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَة. فَقَالَ:
يَا بسر ولم؟ أتثب عَلَى أولياءك بما تثب على أعدائك؟ لا تفعل (ذلك) فيصير النَّاس جميعا أعداؤك. فَقَالَ: صدقتني ونصحت لي.
وقتل بسر كعب بْن عبدة وَهُوَ ذو الحبكة- بتثليث-.
ومضى بسر حَتَّى إذا شارف اليمن، هرب عبيد اللَّه وسعيد- وذلك الثبت- ويقال: أقاما حَتَّى قدم فتحصنا، ثُمَّ خرجا ليلا فلحقا بعلي، وخلف عبيد اللَّه بْن العباس عَلَى اليمن عَبْد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ المدان الحارثي، فلما قدمها بسر قتله وقتل ابنه مالك بْن عَبْدِ اللَّهِ.
ثُمَّ دعا النَّاس إِلَى بيعة مُعَاوِيَة فبايعوه لَهُ، وقتل جماعة من شيعة علي.(2/455)
«496» وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: حَدَّثَنِي يعقوب بْن دَاوُد: أن عبيد اللَّه كَانَ عاملا لعلي علي اليمن فخرج إِلَى علي وخلف عَلَى صنعاء عَمْرو بْن أراكة الثَّقَفِيّ فقدم عَلَيْهِ بسر من قبل مُعَاوِيَة فقتله، فخرج عَلَيْهِ أخوه عبد الله فقال أبوه أراكة:
لعمري لقد أردى ابْن أرطاة فارسا ... بصنعاء كالليث الهزبر إِلَى أجر
فقلت لعبد اللَّه إذ حن باكيا ... تعز وماء العين منحدر يجري
فإنك إن تبعث عينك لما مضى [1] ... من الدهر أَوْ ساق الحمام إِلَى القبر
لتنفدن ماء الشئون (منها) بأسره [2] ... وإن كنت تمريهن من ثبج البحر
تبين فإن كان البكاء رد هالكا ... عَلَى أحد فاجهد بكاك عَلَى عَمْرو
وَلا تبك ميتا بعد ميت أجلة [3] ... علي وعباس وآل أَبِي بكر
وَكَانَ عبيد اللَّه بْن العباس قد جعل ابنيه عَبْد الرحمان وقثم فِي قوم أمهما- وهي أم حكيم واسمها جويرية بنت قارض الكناني- فلما انتهى بسر إِلَى بلاد قومها قَالَ: ائتوني بابني عبيد اللَّه فلما أتى بهما قدمهما له
__________
[1] لعل هذا هو الصواب، وفي النسخة: «عينيك» .
[2] قوله: «لتنفدن» كان في النسخة بالذال المعجمة، والصواب هو المهملة، وهو إما من باب فرح مؤكدا بالنون الخفيفة فمعناه: لتفرغن ولتفنين. أو من الإفعال فمعناه: لتذهبن.
والشئون- مهموزا وغير مهموز- مخفف الشئون: جمع الشأن- كعيون في جمع عين- وهو العرق الذي تجرى منه الدموع.
[3] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «أجكة» وقوله: «علي وعباس ... » بيان لقوله:
«أجلة» . والميت: مخفف الميت- كسيد وسيد- والمراد من قوله: «ميت الأجلة علي وعباس ... » هو رسول الله صلّى الله عليه واله وسلم.(2/456)
فقتلهما (ظ) فخرج نسوة من بني كنانة فقلن: هب الرجال يقتلون فما بال الولدان؟!! والله مَا كانوا يقتلون فِي الجاهلية؟!!! وإن سلطانا لا يسدد إِلا بقتل الأطفال لسلطان سوء!!! فأراد أن يوقع بهن ثم أمسك.
و (كان بسر قد) غيّب الغلامين أياما طمعا فِي أن يأتيه أبوهما، ثُمَّ قتلهما: ذبحهما ذبحا، فرثتهما أمهما بأبيات [1] وهي:
ها من أحس بنيي اللذين هما [2] ... كالدرتين تشظّا عنهم الصدف
ها من أحس بنيي اللذين هما ... قلبي وسمعي فقلبي اليوم مختطف
ها من أحس بنيي اللذين هما ... مخ العظام فمخي اليوم مزدهف
نبئت بسرا وما صدقت مَا زعموا ... من قولهم ومن الإفك الَّذِي اقترفوا
أنحى عَلَى ودجي طفلي مرهفة ... مشحوذة وكذاك الإثم يقترف
من دل والهة حراء ثاكلة [3] ... على صبيين ضلا إذا غدا السلف
وقالت أَيْضًا:
ألا من أبصر الأخوين أمهما هي الثكلى ... تسائل من رأى ابنيها وتستبغي فما تبغى [4]
__________
[1] ورواها أيضا في الحديث (15) من الجزء الثالث من أمالى الطوسي بسند آخر، ورواها بسند آخر في الحديث (19) من ترجمة عبيد الله من تاريخ دمشق: ج 36 ص 23، كما رواها أيضا في ترجمة بسر منه: ج 10، ص 10، وفي تهذيبه: ج 3 ص 222، بسند آخر.
[2] ومثلها في ترجمة بسر من تاريخ دمشق، غير ان فيه: «تجلى عنهم الصدف» . وفي بعض المصادر: «بابني الذين هما» في جميع الفقرات.
[3] وفي ترجمة بسر: «من ذالوالهة حرا (ء) مفجعة» .
[4] جملتا: «وتستبغي فما تبغى» رسم خطهما غير واضح.(2/457)
وسار جارية بْن قدامة السعدي حَتَّى أتى اليمن فحرق بِهَا وقتل قوما من شيعة عثمان، وطلب بسرا فهرب (منه) فاتبعه إِلَى مَكَّة، وظفر بقوم من أصحابه فقتلهم. وَقَالَ جارية لأهل مَكَّة. يَا عباد اللَّه بايعوا أمير الْمُؤْمِنِينَ عَلِيًّا. فَقَالُوا: إنه قد هلك. قَالَ: فبايعوا لمن/ 423/ بايعه أصحاب علي ففعلوا ذَلِكَ. ثُمَّ أتى الْمَدِينَة وقد اصطلح أهلها (على) أن يصلي بهم أَبُو هريرة، فَقَالَ لهم جارية: يَا عباد اللَّه بايعوا للحسن بْن علي. فبايعوه ثُمَّ أقبل نحو الْكُوفَة وتركهم فردوا أبا هريرة فصلى بهم حَتَّى اصطلح النَّاس.
وأما وهب بْن مسعود الخثعمي فسار فلم يلحق بسرًا، ولم يظفر بأحد من أصحابه ويقال: إن عَلِيًّا رده من الطريق.
«497» وَحَدَّثَنَا أَبُو مسعود الْكُوفِيّ، عَن عوانة، أن وائل بْن حجر الْحَضْرَمِيّ، كَانَ عثمانيا فاستأذن عَلِيًّا فِي إتيان اليمن ليصلح لَهُ مَا هناك، ثُمَّ تعجل الرجوع فأذن لَهُ فِي ذلك (فذهب) فمالأ بسرًا وأعانه عَلَى شيعة علي.
«498» وَحَدَّثَنِي عباس بن هشام الكلبي عن أبيه، عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ فِي إِسْنَادِهِ: أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُ بُسْرِ بْنِ أَبِي أَرْطَاةَ، وَتَوْجِيهِ مُعَاوِيَةَ إِيَّاهُ صَعَدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ «أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي دَعَوْتُكُمْ عودا وبدءا (ظ) وَسِرًّا وَجَهْرًا، فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالْغُدُوِّ وَالآصَالِ، فَمَا زَادَكُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا، وَإِدْبَارًا، أَمَا يَنْفَعُكُمُ الْعِظَةُ وَالدُّعَاءُ إِلَى الْهُدَى؟!! وَإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ وَيُقِيمُ أَوَدَكُمْ، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لا أَرَى إِصْلاحَكُمْ بِفَسَادِ نَفْسِي، إِنَّ مِنْ ذُلِّ الْمُسْلِمِينَ وَهَلاكِ هَذَا الدِّينِ أَنَّ ابْنَ أَبِي سفيان يدعوا الأَشْرَارَ فَيُجَابُ [1] وَأَدْعُوكُمْ وَأَنْتُمُ الأَفْضَلُونَ الأَخْيَارُ فَتُرَاوِغُونَ وتدافعون» .
__________
[1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «إن بني أبا سفيان يدعو الأشرار فيجاب» . ولكن كلمة «يجاب» رسم خطها غير واضح.
ثم إن خطبته عليه السلام هذه ذكرها في كتاب الارشاد، والغارات وتاريخ اليعقوبي وذكرناها بلفظ كتاب الغارات في باب الخطب من نهج السعادة.(2/458)
«499» وولي عَلِيّ بْن أَبِي طالب يزيد بْن حجية بن عامر بن بني تميم الله (كذا) بن ثعلبة، الري ودستبي (وتستر «خ» ) [1] فكسر الخراج فبعث إِلَيْهِ فحبسه ثُمَّ خرج فلحق بمعاوية.
«500» وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَن أَبِيهِ: أن عبيد اللَّه بْن العباس لما صار إِلَى مُعَاوِيَةَ، وفارق الحسن بْن علي، رأى بسرًا، فَقَالَ لَهُ: أنت أمرت هَذَا اللعين بقتل ولدي؟ فَقَالَ: والله مَا فعلت ولقد كرهت ذَلِكَ.
فغضب بسر لقولهما وألقى سيفه إِلَى مُعَاوِيَةَ وَقَالَ لَهُ: خذه عني (ظ) ولكن أمرتني أن أخبط بِهِ النَّاس فانتهيت إِلَى أمرك، ثُمَّ أنت تقول لهذا مَا تقول وَهُوَ بالأمس عدوك، وأنا نصيحك دونه وظهيرك عَلَيْهِ!!! فَقَالَ: خذ سيفك فإنك ضعيف الرأي حين تلقي سيفا بين يدي رجل من بني هاشم وقد قتلت ابنيه!!! فأخذ سيفه وَقَالَ عبيد اللَّه مَا كنت لأقتل بسرا، بأحد ابني هُوَ ألأم وأوضع وأحقر من ذَلِكَ، والله مَا أرى أني أدرك ثارهما إلا بيزيد وعبد الله بني مُعَاوِيَة [2] . فضحك مُعَاوِيَة وَقَالَ: مَا ذنب يزيد وعبد الله
__________
[1] كلمة: (وتستر «خ» ) كانت في الهامش ولم تعلم بعلامة والظاهر ان محلها هو الذي أثبتناها فيه.
[2] ولكن الكلام شقشقة جبان اخلد إلى الشهوات وحب الحيات، وعدل عن روية أسرته من إيثار العز على الذل، والقتل على العار، ثم العار على النار- لو دار الأمر بينهما- ففر أولا من بسر، وتركه واليمن يفعل فيها ما يشاء وما يريد معاوية، ثم ترك الجند بلا استئذان من إمامه ولحق بمعاوية ليلا- عند ما امره الامام الحسن عليه السلام على مقدمته وارسله لأن يحبس معاوية عن المسير إلى ارض العراق حتى يلحقه بالجنود- فلو كان للرجل عرق ديني او هاشمي لما كان يلحق بمعاوية لا سيما مع كون بسر في مقدمة معاوية مستعدا لمباشرة القتال، وهلا لم يكتف بالفعال عن المقال في هذا المجلس فيقوم إلى السيف كي يقتل بسرا فيأخذ بثأره او يحجز بينه وبين ذلك الجالسون فيكون قد ابدى عذره وميزة عشيرته، ولكن الناس أبناء الدنيا وحبها راس كل خطيئة!!!(2/459)
فو الله مَا أمرت وَلا علمت وَلا هويت. - وَكَانَ مُعَاوِيَة مائلا إِلَى ولد العباس لأن جدته أم أَبِيهِ كانت صفية بنت حزن وكانت أم بني العباس لبابة بنت الحرث بْن حزن- فقال ابْن لعبيد اللَّه من سرية تدعى جمانة: والله لا نرضى إِلا بيزيد وعبد اللَّه. فَقَالَ مُعَاوِيَة: لا أم لك فلولا كرامة أبيك لأطلت حبسك.
ثُمَّ إن بسرًا بعد ذَلِكَ وسوس، وَكَانَ يهذي بالسيف، فجعل لَهُ سيف من خشب أَوْ من عيدان، وكانت الوسادة تدنى إِلَيْهِ فيضربها حَتَّى يغشى عَلَيْهِ وربما أدني إِلَيْهِ زق فيضربه، فلم يزل كذلك حَتَّى مات فِي خلافة عبد الملك ابن مروان، ولم يزل مُعَاوِيَة يصل عبيد اللَّه بالمال العظيم بعد المال حَتَّى سل مَا فِي قلبه.
«501» وَقَالَ هِشَام بْن الْكَلْبِيّ: أغار البياغ الْكَلْبِيّ عَلَى بكر بْن وائل، فأخذ سبيهم، فبعث إِلَيْهِ علي الأسود بْن عميرة بن جزء النهدي فردّ عليه البياع السبي فَقَالَ:
رهنت يميني عَن قضاعة كلها ... فأبت حميدا فيهم غير مغلق [1]
__________
[1] هذه الكلمة غير واضحة من النسخة.(2/460)
قدوم يزيد بن شجرة الرهاوي مكة (بأمر معاوية)
«502» قَالُوا/ 424/ بعث مُعَاوِيَة يزيد بْن شجرة الرهاوي، من مذحج إِلَى مَكَّة لإقامة الحج، وَكَانَ عَلَى الموسم من قبل علي قثم بْن العباس بْنِ عَبْدِ المطلب [1] وَكَانَ يزيد بْن شجرة متألها متوقيا، فلما أمره مُعَاوِيَة بالمسير،
__________
[1] قال المصنف في أول ترجمة قثم بن العباس من هذا الكتاب القسم الأول من ج 1/ الورق 277/ او ص 557-: وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: ولي عَلِي بْن أَبِي طَالِب قثم بْن الْعَبَّاس مَكَّة، وَهُوَ كَانَ عامله عَلَيْهَا وعلى الموسم فِي سنة تسع وثلاثين حِينَ وجه مُعَاوِيَة يَزِيد بْن شجرة الرُّهاوي لاقامة الحج وأخذ البيعة له، فقام قثم خطيبا حين بلغه اقبال ابن شجرة، فحمد الله واثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم قال: «اما بعد فإنه قد اقبل إليكم جيش من الشام عظيم وقد اظلكم، فإن كنتم على طاعتكم وبيعتكم فانهضوا معي اليهم حتى اناجزهم، وان كنتم غير فاعلين فأبينوا لي امركم ولا تغروني فإن الغرور حيف يضل معه الراي ويصرع به الأريب» .
فلم يجبه احد، فأراد التنحي، ثم (بدا له و) اقام، واصطلح الناس على ان اقام الحج شيبة بن عثمان بن طلحة العبدري.
وقال هشام بن الكلبي: من زعم ان أحدا من ولد العباس كان على الموسم في تلك السنة، عبيد الله او معبدا او تماما فقد غلط.(2/461)
قَالَ لَهُ: إن كَانَ لا يرضيك إِلا الغشم، وإخافة البريء فابعث غيري فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: سر راشدًا، فقد رضيت رأيك. وَكَانَ عثمانيا ممن شهد صفين مَعَ مُعَاوِيَة.
فمضى (ابن شجرة) وكتم أمره فأتى وادي القرى ثُمَّ الجحفة، ثُمَّ قدم مَكَّة، فِي غرة من ذي حجة [1] فأراد قثم بْن العباس التنحي عَن مكة، إذ لم يكن في منعة (ظ) وَكَانَ أَبُو سعيد الخدري حاجًا وَكَانَ لَهُ ودا، فأشار عَلَيْهِ أن لا يفعل، وبلغه أن معقل بْن قَيْس الرياحي موافيه فِي جمع بعث بهم علي حين بلغه فصول ابن شجرة من الشام.
قالوا: [2] وأمر ابْن شجرة مناديه فنادى فِي النَّاس بالأمان، وَقَالَ: إني لم آت لقتال وإنما أصلي بالناس، فَإِن شئتم فعلت ذَلِكَ، وإلا فاختاروا من يقيم لكم الحج، والله مَا مَعَ قثم منعة، ولو أشاء أن آخذه لأخذته، ولكني لا أفعل، وَلا أصلي مَعَهُ، وأتى أبا سعيد فقال له: إن (ظ) رأيت والي مَكَّة كره مَا جئنا لَهُ ونحن للصلاة مَعَهُ كارهون، فَإِن شاء اعتزل الصلاة وأعتزلها وتركنا أَهْل مَكَّة يختارون من أحبوا. فاصطلحوا علي شيبة بْن عُثْمَان بْن أبي طلحة العبدري، فقال: أبو سعيد: مَا رأيت فِي أَهْل الشَّامِ مثل هَذَا؟ ذهب إلينا قبل أن نطلب إِلَيْهِ [3] .
وقدم معقل يريد يزيد بْن شجرة، فلقي أخريات أصحابه بوادي القرى فأسر منهم ولم يقتل، ثُمَّ صار إِلَى دومة الجندل وانصرف إِلَى الْكُوفَةِ.
__________
[1] كذا في ظاهر رسم الخط غير ان نقطة الغين كانت ساقطة.
[2] هذا مقتضى السياق، وفي النسخة: «فأدم وامر ابن شجرة مناديه» . إلخ.
[3] كلمة: «ذهب» رسم خطها غير جلي، ويمكن ان يقرء: «وهب» .(2/462)
«503» حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي، (عن أبيه) عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ فِي إِسْنَادِهِ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ عَلِيًّا تَوْجِيهُ مُعَاوِيَةِ يَزِيدَ بْنِ شَجَرَةَ، دعا معقل بن قيس الرياحي فقال (له) : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُرْسِلَكَ إِلَى مَكَّةَ لِتَرُدَّ عَنْهَا قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ قَدْ وُجِّهَ إليها. فقال (معقل) : أنا (لهم فوجهني إليها) فاستنفر عَلِيٌّ النَّاسَ مَعَهُ [1] ، فَخَطَبَ فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لا يَعِزُّ مَنْ غَالَبَهُ، وَلا يُفْلِحُ مَنْ كَايَدَهُ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ خَيْلا وُجِّهَتْ نَحْوَ مَكَّةَ، فِيهَا رَجُلٌ، قَدْ سُمِّيَ لِي، فَانْتَدِبُوا إِلَيْهَا رَحِمَكُمُ اللَّهُ مَعَ مَعْقِلِ بْنِ قَيْسٍ، وَاحْتَسِبُوا فِي جِهَادِكُمْ وَالانْتِدَابُ مَعَهُ أَعْظَمُ الأجر، وصالح الذخر.
فسكتوا (ولم يجيبوه بشيء) فَقَامَ مَعْقِلٌ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ انْتَدِبُوا فَإِنَّمَا هِيَ أَيَّامٌ قَلائِلُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ لَوْ قَدْ سَمِعُوا بنفيركم إليهم تفرقوا تفرق معزى الغز [2] فو الله إِنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الْمُقَامِ تَحْتَ سُقُوفِ الْبُيُوتِ، وَالتَّضْجِيعِ خَلْفَ أَعْجَازِ النِّسَاءِ!!! فَقَامَ الرَّبَابُ بْنُ صَبْرَةَ بْنِ هَوْذَةَ الْحَنَفِيُّ فَقَالَ: أَنَا أَوَّلُ مُنْتَدِبٍ.
ثُمَّ وَثَبَ طعين بن الحرث الكندي، فقال: وإنك (كذا) منتدب وانتدب الناس.
فشخص (معقل) لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة في ألف وتسعمائة. - وَيُقَالُ: سَبْعِ مِائَةٍ- وَأَعْطَاهُمْ عَلِيٌّ مِائَةِ مِائَةٍ.
__________
[1] بين المعقوفين كان غير مقروء من النسخة واثبتناه بحسب المعنى ومناسبة السياق.
[2] ويحتمل رسم الخط ان يقرء «الغزر» . ولعله بمعنى القطيع.(2/463)
وَشَخَصَ يَزِيدُ بْنُ شَجَرَةَ مِنْ مَكَّةَ لَلْيَلَتْيِن بَقِيَتَا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَغَذَّ السَّيْرَ حَتَّى خَرَجَ مِنْ أَرْضِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَهُوَ يَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى تَمَامِ حَجِّهِ وَأَنَّهُ لَمْ يُقَاتِلْ فِي الْحَرَمِ.
ولحق معقل أخريات أصحاب يزيد، دون وادي القرى فأصاب منهم عشرة نفر، وكره ابْن شجرة أن يرجع للقتال فمضى إلى معاوية.(2/464)
أمر ابن العشبة وأصحابه مع زهير وأصحابه الذين بعثهم معاوية لأخذ الصدقات) بالسماوة
«504» قَالُوا: وبعث مُعَاوِيَة رجلا من كلب يقال لَهُ: زهير بْن مكحول، من بني عامر الأجدار، إِلَى السماوة، فجعل يصدق النَّاس، فبلغ ذَلِكَ عَلِيًّا فبعث ثلاثة نفر: جعفر بْن عَبْدِ اللَّهِ الأشجعي، وعروة بْن العشبة من كلب، من بني عبد ودّ، والجلاس بْن عمير، من بني عدي بْن خباب (ظ) الْكَلْبِيّ، وجعل الجلاس كاتبا لَهُ ليصدقوا من كان في طاعته/ 425/ من كلب، وبكر ابن وائل، فأخذوا عَلَى شاطئ الفرات حَتَّى وافوا أرض كلب، ووافوا زهير الأجداري فاقتتلوا، فهزم زهير أصحاب علي، وقتل جعفر بْن عَبْدِ اللَّهِ وأفلت الجلاس، وأتى ابْن العشبة عَلِيًّا فعنّفه وقال (له) : جبنت وتعصبت (ظ) فانهزمت، وعلاه بالدرة، فغضب ولحق بمعاوية، فهدم علي داره، وَكَانَ زهير حمل ابْن العشبة عَلَى فرس فلذلك اتهمه علي. وَقَالَ ابْن العشبة:
أبلغ أبا حسن إذا مَا جئته ... يدنيك منه الصبح والإمساء
لو كنت أبينا عشية جعفر (كذا) ... جاشت إليك النفس والأحشاء(2/465)
إذا نحسب الشجرات خلف ظهورنا ... خيلا وأن أمامنا صحراء
إنا لقينا معشرا قبض الخصا ... فكأنهم يوم الوغى شجراء
ومر الجلاس براع فأعطاه جبة خز، وأعطاه الراعي عباءة، وأخذ العلبة فِي يده وأدركته الخيل فَقَالَ: أين أخذ هؤلاء الترابيون؟ فأشار إليه أخذوا ها هنا، ثُمَّ أقبل إِلَى الْكُوفَةِ فَقَالَ الجواس بْن المعطل:
ونجّى جلاسا علبة وعباءة ... وقولك إني جيد الصر [1] حالب
ولو ثقفته بالسنب خيولهم [2] ... لأودي كما أودي سمير وحاطب
وصار لقى بين الفريقين مسلما ... جبارًا ولم يثأر بِهِ الدهر طالب
قَالَ هِشَام بْن الْكَلْبِيّ: هُوَ عروة بْن العشبة، وسمي عوف بْن عَمْرو بْن عبدود العشبة، لأنه كَانَ كالعشب لقومه، وعروة من ولده، وبعضهم يقول عَمْرو بن العشبة وذلك باطل [3] .
__________
[1] الصر- كشر-: شد ضرع الناقة لئلا ترضع ولدها.
[2] كذا في الأصل، ولعله مرخم- للضرورة- عن سنبك وهو طرف الحافر. ويحتمل أيضا انه مصحف عن «صبب» وهو ما انحدر من الأرض. ما انصب من الرمل.
[3] وأصل القصة مذكور في كامل ابن الأثير: ج 3 ص 191.(2/466)
أمر مسلم بْن عقبة المري بدومة الجندل
«505» قالوا: وبعث معاوية (مسلم) بن عقبة المري إِلَى أَهْلِ دومة الجندل- وكانوا قد توقفوا عَن البيعة لعلي وَمُعَاوِيَة جميعا- فدعاهم إِلَى طاعة مُعَاوِيَة وبيعته، وبلغ ذَلِكَ عَلِيًّا فبعث إِلَى مالك بْن كعب الْهَمْدَانِيّ أن (ا) خلف على عملك من تثق بِهِ وأقبل إلي. ففعل واستخلف عَبْد الرحمان بْن عَبْدِ اللَّهِ الكندي فبعثه علي إِلَى دومة الجندل فِي ألف فارس، فلم يشعر مسلم إِلا وقد وافاه فاقتتلوا يوما ثُمَّ انصرف مسلم منهزما، وأقام مالك أياما يدعو أَهْل دومة الجندل إِلَى البيعة لعلي فلم يفعلوا وَقَالُوا: لا نبايع حَتَّى يجتمع النَّاس على إمام. فانصرف (مالك إلى الكوفة) [1] .
__________
[1] وذكرها مع ما تقدم وما يأتي في الكامل: ج 3 ص 191، وقبلها وبعدها.(2/467)
غارة الحرث بن نمر التنوخي (على أهل الجزيرة)
«506» قَالُوا: لما قدم يزيد بْن شجرة عَلَى معاوية، وجّه الحرث بْن نمر التنوخي عَلَى خيل مقدحة [1] فأمره أن يأتي الجزيرة فيسأل عمن كَانَ فِي طاعة علي فيأتيه (به فأخذ من أهل داراة [2] سبعة نفر من بني تغلب ثُمَّ أقبل بهم [3] (إلى معاوية) وشبيب بن عامر (ظ) الأزدي عامل علي عَلَى نصيبين- وَهُوَ جد الكرماني صاحب خراسان- وقد كانت جماعة من بني تغلب انحازت عَن علي إِلَى مُعَاوِيَةَ، فكلموه فِي السبعة النفر [4] فلم يجبهم إِلَى إطلاقه، فاعتزلوه أيضًا. فكتب مُعَاوِيَة إِلَى علي إن في أيديكم (رجال) ممن أخذهم (معقل بن قيس) بناحية وادي القرى [5] ممن كَانَ مَعَ يزيد بن شجرة، وفي
__________
[1] المقدحة: المضمرة، يقال: قدحت الفرس- من باب التفعيل-: ضمرته.
[2] كذا هنا وما يأتي، وفي الكامل لابن الأثير: «دارا» .
[3] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «تم اقبل به» ...
[4] هاتان الكلمتان رسم خطهما غير واضح.
[5] ومن قوله: «رجال- إلى قوله: - أخذهم» سطر غير مقروء، كتبنا بعضه ظنا، وزدنا ما بين المعقوفين بقرينة سياق القصة.(2/469)
أيدينا رجال من شيعتك أصبناهم، فان أحببت خلينا من فِي أيدينا وخليتم من فِي أيديكم. فأخرج علي النفر الَّذِينَ قدم بهم معقل بْن قَيْس من أصحاب ابْن شجرة الرهاوي وكانوا محتسبين [1] فبعث بهم إِلَى مُعَاوِيَةَ مَعَ سعد مولاه، وأطلق معاوية السبعة/ 426/ الذين أخذوا بداراة.
«507» قَالُوا: وبعث علي رجلا من خثعم يقال له: عبد الرحمان إِلَى ناحية الموصل والجزيرة لتسكين النَّاس، فلقيه أولئك التغلبيون الَّذِينَ اعتزلوا عَلِيًّا وَمُعَاوِيَة فتشاتموا ثُمَّ تقاتلوا فقتلوه، فأراد علي أن يوجه إِلَيْهِمْ جيشا، فكلمته ربيعة فِيهِمْ، وَقَالُوا: هم معتزلون لعدوك داخلون فِي أَهْل طاعتك، وإنما قتلوا الخثعمي خطأ. فأمسك عنهم. وَكَانَ عَلَى هذه الجماعة من بني تغلب قرثع بن الحرث التغلبي [2] .
__________
[1] كذا في ظاهر رسم الخط، ولعل الصواب: محتبسين- أو- محبوسين.
[2] كذا في النسخة، وفي تاريخ الكامل: ج 3/ 191 «قريع بن الحرث» .(2/470)
غارة مالك الأشتر وَهُوَ عامل علي عَلَى الجزيرة- قبل شخوصه إِلَى مصر- واستخلافه شبيب بْن عامر عَلَى الجزيرة
«507» قَالُوا: بعث مُعَاوِيَة الضحاك بْن قَيْس الفهري [1] عَلَى مَا كَانَ من سلطانه (من) الجزيرة والرقة، وحزان، والرها، وقرقيسيا، فبلغ ذَلِكَ الأشتر، فسار من نصيبين يريد الضحاك واستمد الضحاك أَهْل الرقة- وَكَانَ جل من بِهَا عثمانية هربوا من علي- فأمدّوه (و) عليهم سماك بْن مخرمة الأسدي، فعسكروا جميعا بين الرقة وحزان، وأقبل إِلَيْهِمُ الأشتر فاقتتلوا قتالا شديدا وفشت فِيهِمُ الجراح، وأسرع الأشتر فِيهِمْ، فلما حجز الليل بينهم سار الضحاك من ليلته فنزل حزان، وأصبح الأشتر فأتبعهم حتى حاصرهم بحزان، وأتى الصريخ معاوية، فدعا عبد الرحمان بْن خالد بْن الوليد المخزومي، فأمره بالمسير لإنجاد الضحاك، فلما بلغ الأشتر ذَلِكَ كتب كتائبه ليعاجل الضحاك، ثم نادى (أ) لا إن الحي عزيز، ألا إن الذمار
__________
[1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «بعث معاوية على الضحاك بن قيس ... » .(2/471)
منيع [1] ألا تنزلون أيتها الثعالب الرواغة، ثُمَّ مضى فمر بالرقة فتحصنوا منه وأتى قرقيسيا فتحصنوا منه، وبلغ عبد الرحمان بْن خالد انصرافه فأقام [2] وَقَالَ أيمن بْن خريم بن فاتك الأسدي:
ألا (ترين) عشيرتي وطعانهم [3] ... وجلادهم بالسيف أيّ جلاد
ألا (تر) ى أشتر مذحج لا ينثني ... بالسيف ذا حنق وذا إرعاد
__________
[1] هذا هو المناسب للسياق، وفي الأصل: «ألا إن الذمار صنع..» .
[2] وقريبا منه ذكره أحمد بن أعثم الكوفي- المتوفى حدود (314) - في كتاب الفتوح:
ج 3 ص 350 ط 1.
[3] بين المعقوفات من الأبيات كان غير مقروء، وأثبتناه بمناسبة السياق.(2/472)
(السابع من غارات معاوية) غارة عبد الرحمان بن قباث بن أشيم [1] الكناني على الجزيرة
«508» قَالُوا: وَكَانَ كميل بْن زياد النخعي عَلَى هيت في جند من شيعة علي (عليه السلام) فلما أغار سُفْيَان بْن عوف عَلَى الأنبار، كَانَ كميل قد أتى ناحية قرقيسيا لمواقعة قوم بلغه أنهم قد أجمعوا عَلَى أن يغيروا على هيت ونواحيها، فقال: أبدؤهم قبل أن يبدؤني فإنه يقال: ابدأهم بالصراخ يفر [2] فاستخلف علي هيت وشخص بجميع أصحابه، فلما قربهم [3] جيش سُفْيَان عبر أَهْل هيت ومن بقي بِهَا من أصحاب كميل وكانوا خمسين رجلا، فأغضب ذلك عليا وأحفظه (كذا) فكتب إِلَيْهِ: «إن تضييع المرء مَا ولي وتكلفه ما كفي عجز (حاضر) وإن تركك عملك وتخطيك إياه إِلَى قرقيسيا خطأ
__________
[1] كذا في تاريخ الكامل، وعبارة أنساب الأشراف هنا كان بعضها غير مقروء.
[2] كذا.
[3] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «فلما مر بهم» .(2/473)
وجهل ورأي شعاع» [1] . ووجد عَلَيْهِ وَقَالَ: إنه لا عذر لك عندي. فكان كميل مقيما على نجوم وغمّ (كذا) لغضب علي، فبينا هُوَ عَلَى ذَلِكَ إذ أتاه كتاب شبيب بْن عامر الأزدي من نصيبين فِي رقعة كأنها لسان كلب يعلمه فِيهِ أن عينا لَهُ كتب إِلَيْهِ يعلمه أن معاوية قد وجّه عبد الرحمان بْن قباث نحو الجزيرة وأنه لا يدري أيريد ناحيته أم ناحية الفرات وهيت. فَقَالَ كميل إن كَانَ ابْن قباث يريدنا لنتلقينه، وإن كَانَ يريد إخواننا بنصيبين، لنعترضنه فَإِن ظفرت أذهبت/ 427/ موجدة أمير المؤمنين فأعتبت عنه [2] وإن استشهدت فذلك الفوز العظيم، وإني لممن رجوت الأجر الجزيل [3] فأشير عليه، باستيمار علي [4] فأبي ذَلِكَ ونهض يريد ابْن قباث فِي أربع مائة فارس، وخلف رجالته وهم ستمائة فِي هيت، وجعل يحبس من لحقه ليطوي الأخبار عن عدوه، وأتاه الخبر بانحيازه من الرقة نحو رأس العين، ومصيره إِلَى كفرتوثا وَكَانَ ينشد فِي طريقه كثيرًا:
يَا خير من جر لَهُ خير القدر ... فالله ذو الآلاء أعلى وأبر
يخذل من شاء ومن شاء نصر [5]
ثُمَّ أغذ السير نحو كفرتوثا، فتلقاه ابْن قباث ومعن بْن يزيد السلمي [6] بها
__________
[1] والكتاب رواه بأتم مما هنا في المختار: (61) من باب الكتب من نهج البلاغة، والمختار: (163) من كتب نهج السعادة: ج 5 ص 320.
[2] كذا في ظاهر رسم الخط، ويحتمل أيضا أن يقرء «فأغنيت عنه» ولعله الصواب،
[3] لفظة «لممن» غير مقروءة على اليقين، وكتبناها على الظن.
[4] الاستئمار: الاستشارة.
[5] كذا في كتاب الفتوح، والمصرعان الأولان كانا غير مقروئين من نسخة أنساب الأشراف، والأخير كان هكذا: «فخذل من تشاء ومن تشاء انصر» .
[6] كلمة: «معن» رسم خطها غير واضح ويمكن أن يقرء: «ومعه ابن يزيد السهمي» .
وفي النسخة هكذا: «ابن يزيد الس» .(2/474)
في أربعمائة وألفين فواقعهما كميل ففض عسكرهما وغلب عَلَيْهِ وقتل من أصحابهما بشرًا، فأمر أن لا يتبع مدبر وَلا يجهز عَلَى جريح، وقتل من أصحاب كميل رجلان، وكتب بالفتح إلى عليّ، فجزاه الخير وأجابه جوابا حسنا [1] .
«509» قَالُوا: وأقبل شبيب بْن عامر، من نصيبين فِي ست مائة فارس ورجالة، ويقال: فِي أكثر من هَذَا العدد، فوجد كميلا قد أوقع بالقوم واجتاحهم فهناه بالظفر وَقَالَ: والله لأتبعن القوم فَإِن لقيتهم لم يزدهم لقائي ألا هلاكا وفلا، وإن لم ألقهم لم أثن أعنة الخيل حَتَّى أطأ أرض الشام وطوى
__________
[1] وإليك نص كتابه عليه السلام- على ما رواه في كتاب الفتوح: ج 4 ص 52-:
أما بعد فالحمد لله الذي يصنع (للمرء «خ» ) كيف يشاء، وينزل النصر على من يشاء إذا شاء، فنعم المولى ربنا ونعم النصير، وقد أحسنت النظر للمسلمين ونصحت إمامك، وقدما كان حسن ظني بك ذلك، فجزيت والعصابة التي نهضت بهم إلي حرب عدوك خير ما جزي الصابرون والمجاهدون. فانظر لا تغزون غزوة ولا تخطون (ظ) إلى حرب عدوك خطوة بعد هذا حتى تستأذنني في ذلك، كفانا الله وإياك تظاهر الظالمين، إنه عزيز حكيم، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
قال: ثم كتب (عليه السلام) إلى شبيب بن عامر بمثل هذه النسخة وليس فيها زيادة غير هذه الكلمات:
واعلم يا شبيب أن الله ناصر من نصره وجاهد في سبيله، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
أقول: وصريح عبارة البلاذري أن في كتابه عليه السلام إلى شبيب كان نهيه عن أخذ اموال الناس ومواشيهم عدى الخيل والسلاح، وهذا غير موجود في رواية كتاب الفتوح كما ترى فعليك بالتنقيب لعلك تظفر بالكتاب بأسره ومن غير نقص.(2/475)
خبره عَن أصحابه فلم يعلمهم أين يريد، فسار حَتَّى صار إِلَى جسر منبج فقطع الفرات، ووجه خيله فأغارت ببعلبك وأرضها، وبلغ مُعَاوِيَة خبر شبيب، فوجه حبيب بْن مسلمة للقائه، فرجع شبيب فأغار عَلَى نواحي الرقة فلم يدع للعثمانية بِهَا ماشية إِلا استاقها وَلا خيلا وَلا سلاحا إِلا أخذه، وكتب بذلك إلى على حين انصرف (إلى) نواحي نصيبين فكتب إليه (عليّ) ينهاه عَن أخذ مواشي النَّاس وأموالهم إِلا الخيل والسلاح الَّذِي يقاتلون بِهِ، وَقَالَ:
[رحم اللَّه شبيبا لقد أبعد الغارة وعجل الانتصار.](2/476)
غارة زياد بن خصفة بن ثقيف التميمي على نواحي [1] الشام واستشارة علي أَهْل الْكُوفَةِ لقتال مُعَاوِيَة
«510» قَالُوا: لما استنفر عليّ أهل الكوفة فتثاقلوا وتباطئوا، عاتبهم ووبخهم، فلما تبين منهم العجز وخشي منهم التمام عَلَى الخذلان [2] جمع أشراف أَهْل الْكُوفَةِ ودعا شيعته الَّذِينَ يثق بمناصحتهم وطاعتهم (فخطبهم) فقال:
الحمد لله، وأشهد أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عبده ورسوله أما بعد أيها النَّاس فإنكم دعوتموني إِلَى هَذِهِ البيعة فلم أردكم عَنْهَا، ثُمَّ بايعتموني عَلَى الإمارة ولم أسألكم إيّاها فتوثب عليّ متوثبون، كفى الله مؤنتهم وصرعهم لخدودهم وأتعس جدودهم وجعل دائرة السوء عليهم، وبقيت طائفة تحدث فِي الإسلام أحداثا، تعمل بالهوى، وتحكم بغير الحق، ليست بأهل لما ادعت، وهم إذا قيل لهم: تقدموا قدمًا تقدموا، وإذا قيل لهم أقبلوا (أقبلوا) لا يعرفون الحق كمعرفتهم الباطل، وَلا يبطلون الباطل كإبطالهم الحق أما إني قد سئمت من عتابكم وخطابكم فبينوا الي ما أنتم فاعلون، فإن
__________
[1] كلمة «النواحي» غير مقروءة بنحو البقين من الأصل.
[2] أي الاستمرار والمداومة عليه.(2/477)
كنتم شاخصين معي إِلَى عدوي فهو مَا أطلب وأحب، وإن كنتم غير فاعلين فاكشفوا لي عن أمركم أرى رأيي فو الله لئن لم تخرجوا معي بأجمعكم إِلَى عدوكم فتقاتلوهم حتى يحكم الله بيننا وبينهم- وهو خير الحاكمين- لأدعون اللَّه عليكم، ثُمَّ لأسيرن إِلَى عدوكم ولو لم يكن/ 428/ معي إِلا عشرة، أأجلاف أَهْل الشَّامِ وأعرابها أصبر عَلَى نصرة الضلال، وأشد أجتماعا عَلَى الباطل منكم عَلَى هداكم وحقكم؟ ما بالكم؟ مَا دواؤكم؟ إن القوم أمثالكم لا ينشرون إن قتلوا إِلَى يوم القيامة.
فقام إِلَيْهِ سعيد بْن قَيْس الْهَمْدَانِيّ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المؤمنين أمرنا بأمرك، والله مَا يكبر جزعنا عَلَى عشائرنا إن هلكت، وَلا عَلَى أموالنا إن نفدت فِي طاعتك ومؤازرتك.
وقام إِلَيْهِ زياد بْن خصفة فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أنت والله أحق من استقامت لَهُ طاعتنا، وحسنت مناصحتنا، وهل ندخر طاعتنا بعدك لأحد مثلك، مرني بما أحببت مما تمتحن بِهِ طاعتي.
وقام إليه سويد بن الحرث التَّيْمِيّ من تيم الرباب فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مر الرؤساء من شيعتك فليجمع كُلّ امرئ منهم أصحابه فيحثهم عَلَى الخروج معك وليقرأ عليهم الْقُرْآن، ويخوفهم عواقب الغدر والعصيان، ويضم إِلَيْهِ من أطاعه وليأخذهم بالشخوص.
فلقي النَّاس بعضهم بعضا، وتعاذلوا وتلاوموا، وذكروا مَا يخافون من استجابة دعائه عليهم إن دعا، فأجمع رأي النَّاس عَلَى الخروج وبايع حجر ابن عدي أربعة آلاف من الشيعة علي الموت، وبايع زياد بن خصفة البكري نحو من ألفي رجل، وبايع معقل بْن قَيْس نحو من ألفي رجل، وبايع عَبْد اللَّهِ بْن وهب السمني (كذا) نحو من ألف رجل.
وأتي زياد بْن خصفة عَلِيًّا فَقَالَ لَهُ: أرى النَّاس مجتمعين على المسير(2/478)
معك، فأحمد اللَّه يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فحمد اللَّه ثُمَّ قَالَ: [ألا تدلوني عَلَى رجل حسيب صليب يحشر النَّاس علينا من السواد ونواحيه،] فَقَالَ سعيد بْن قَيْس:
أنا والله أدلك عليه (هو) معقل بْن قَيْس الحنظلي فهو الحسيب الصليب الَّذِي قد جربته وبلوته، وعرفناه وعرفته! فدعاه علي وأمره بتعجيل الخروج لحشر النَّاس، فَإِن النَّاس قد انقادوا للخروج.
ثُمَّ قَالَ زياد بْن خصفة: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قد اجتمع لي من قد اجتمع فأذن لي أن أخرج بأهل القوة منهم، ثُمَّ ألزم بشاطئ الفرات حتى أغير على جانب من الشَّام وأرضها، ثُمَّ أعجل الانصراف قبل وقت الشخوص واجتماع من بعث أمير الْمُؤْمِنِينَ فِي حشره، فَإِن ذَلِكَ مما يرهبهم ويهدهم. قَالَ:
[فامض عَلَى بركة اللَّه، فلا تظلمن أحدًا، وَلا تقاتلن إِلا من قاتلك، وَلا تعرضن للأعراب.] فأخذ (زياد) عَلَى شاطئ الفرات فأغار عَلَى نواحي الشَّام، ثم انصرف، ووجه معاوية عبد الرحمان بْن خالد بْن الوليد فِي طلبه ففاته، وقدم زياد هيت فأقام بِهَا ينتظر قدوم علي.
وخرج معقل لما وجه لَهُ، فلما صار بالدسكرة بلغه أن الأكراد قد أغارت على شهر زور، فخرج فِي آثارهم فلحقهم حَتَّى دخل الجبل فانصرف عنهم، ثم لما فرغ من حشر النَّاس وأقبل راجعا فصار إِلَى المدائن بلغه نعي علي فسار حَتَّى دخل الْكُوفَة، ورجع زياد من هيت.
«511» وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: خَطَبَ عَلِيٌّ النَّاسَ وَدَعَاهُمْ إلى الخفوق [1] إلى غزو أهل الشام، وأمر الحرث الأَعْوَرَ بِالنِّدَاءِ فِيهِمْ فَلَمْ يُوَافِهِ إِلا نَحْوٍ من ثلاثمأة، فخطبهم ووبخهم
__________
[1] الخفوق- بضم الخاء-: السير والذهاب. يقال: «خفق في البلاد- من باب ضرب ونصر- خفقا وخفوقا» : ذهب.(2/479)
فَاسْتَحْيَوْا [1] فَاجْتَمَعَ مِنْهُمْ أُلُوفٌ فَتَعَاقَدُوا عَلَى الشُّخُوصِ مَعَهُ وَأَجْمَعَ رَأْيَهُمْ عَلَى الإِقَامَةِ شَتْوَتَهُمْ ثُمَّ الخروج في الفصل [2] فإنهم على ذلك إذا أُصِيبَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ.
«512» وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الكوفي، عن عوانة: أن عليا (عليه السلام) كتب إلى قيس ابن سعد (بن عبادة) وَهُوَ عَامِلُهُ عَلَى أَذْرَبِيجَانَ: «أَمَّا بَعْدُ فَاسْتَعْمِلْ على عملك عبيد اللَّهِ بْنَ شُبَيْلٍ الأَحْمَسِيَّ [3] وَأَقْبِلْ فَإِنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ مَلأُ الْمُسْلِمِينَ وَحَسُنَتْ طَاعَتُهُمْ، وَانْقَادَتْ لِي جَمَاعَتُهُمْ وَلا يَكُنْ/ 429/ لَكَ عَرْجَةٌ وَلا لُبْثٌ، فإنا جادّون معدّون، وَنَحْنُ شَاخِصُونَ إِلَى الْمُحِلِّينَ، وَلَمْ أُؤَخِّرِ الْمَسِيرَ إِلا انْتِظَارًا لِقُدُومِكَ عَلَيْنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَالسَّلامُ.
«513» وَقَالَ أَبُو مسعود: قَالَ عوانة: قَالَ عَمْرو بْن العاص- حين بلغه مَا عَلَيْهِ علي من الشخوص إِلَى الشَّام وأن أَهْل الْكُوفَةِ قد انقادوا لَهُ-:
لا تحسبني يَا علي غافلا ... لأوردن الْكُوفَة القبائلا
ستين ألفا فارسا وراجلا
فَقَالَ: علي:
لأبلغن العاصي بْن العاصي ... ستين ألفا عاقدي النواصي
مستحقبين حلق الدلاص
__________
[1] وبعده كلمة كأنها: «ووبخهم» وكأنها قد شطب عليها.
[2] الشتوة- كسطوة وضربة-: الشتاء. والمراد من الفصل- هنا- هو أيام الربيع أو بعد الشتاء.
[3] وفي تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 178: «عبد الله بن شبيل الأحمسي» . والكتاب ذكرناه في المختار: (133) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 5 ص 148.(2/480)
أمر أشرس بْن عوف الشيباني فِي خلافة علي عَلَيْهِ السلام
«514» قَالُوا: أول من خرج على عليّ بعد مقتل أَهْل النَّهْرَوَان أشرس بْن عوف الشيباني خرج بالدسكرة في مأتين ثُمَّ صار إِلَى الأنبار، فوجه إِلَيْهِ علي الأبرش بن حسان في ثلاثمأة فواقعه فقتل أشرس فِي شهر ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين.
وكان الأشرس لما توجه يريد النهر لقيه عَلِيّ بْن الحرث بْن يزيد بْن رويم ليمنعه فطعنه وَقَالَ، خذها من ابْن عم لك مفارق لولا نصرته الحق كَانَ بك ضنينا. فيقال: إنه قتله: والثبت أنه بقي وَكَانَ فيمن لقيه فضربه وَقَالَ:
خذها من ابْن عم لك شان.(2/481)
امر هلال بن علقمة
«515» قالوا: ثم خرج هلال بن علقمة من تيم الرباب ومعه أخوه مجالد، وَقَالَ بعضهم: إن الرئاسة كانت لمجالد، ومعه هلال، فأتى ماسبذان يدعو إِلَى ماربه رأيه [1] ويقاتل من قاتله، فوجه إِلَيْهِ علي معقل بْن قَيْس الرياحي فقتله وقتل أصحابه وهم أكثر من، مأتين، وكان مقتلهم في جمادي الأولى سنة ثمان وثلاثين.
__________
[1] كذا في الأصل،(2/482)
أمر الاشهب بن بشير القرني (ظ) وبعضهم يقول: الاشعث (وكان) من بجيلة وَهُوَ كوفي
«516» قَالُوا: ثُمَّ خرج الأشهب فِي جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين في مائة وثلاثين (وثمانين «خ» ) فأتى المعركة التي أصيب ابن علقمة وأصحابه فِيهَا فصلى عَلَيْهِ، وأجن من قدر عَلَيْهِ منهم فوجه إِلَيْهِ علي جارية بْن قدامة التَّمِيمِيّ، ويقال: حجر بْن عدي الكندي فأقبل إِلَيْهِمُ الأشهب فالتقوا بجرجرايا من أرض جوخا، فقتل الأشهب وأصحابه فِي جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين.(2/483)
امر سعيد بن قفل (ظ) التيمي من تيم الله بن ثعلبة بن عكاية-
«517» قَالُوا: ثُمَّ خرج سعيد بْن قفل التَّيْمِيّ في رجب بالبند نيجين، وَكَانَ مَعَهُ مائتا رجل، فأقبل حَتَّى أتى قنطرة الدرزيجان وهي عَلَى فرسخين من المدائن، فكتب علي إِلَى سعد بْن مسعود الثَّقَفِيّ [1] عم المختار بن أبي عبيد ابن مسعود- وَكَانَ عامله عَلَى المدائن- فِي أمره، فخرج إِلَى ابْن قفل وأصحابه فواقعهم فقتلهم فِي رجب سنة ثمان وثلاثين. وبعضهم يقول: هو سعد ابن قفل.
__________
[1] إلى الآن وهو يوم الجمعة: (26) من ربيع الأول من سنة (1394) لم أعثر على هذا كتاب، وقد باشرنا لطبع هذا الجزء من أنساب الأشراف ونشر منه مائة صحيفة.(2/484)
امر أبي مريم السعدي (من) سعد مناة بْن تميم
«518» قَالُوا: رجع علي إلى الكوفة من النهر (وان) وبها ثلاثة آلاف من الخوارج، وألف فِي عسكره ممن فارق ابْن وهب وجاء إِلَى راية أَبِي أيوب الأَنْصَارِيّ، ومن كَانَ بالنخيلة ممن خرج يريد أَهْل الشَّامِ قبل النهر (وان) ، فلما قاتل عليّ أهل النهر (وان) ، أقاموا ولم يقاتلوا أهل النهر معه، وقوم بالْكُوفَة لا يرون قتاله، وَلا القتال مَعَهُ.
فأتى/ 430/ أبو مريم (بعد وقعة النهر (وان) شهر زور في مأتين، جلهم موال، فأقام بشهر زور أشهرا يحض أصحابه ويذكرهم أمر النهر (وان) ، واستجاب لَهُ أَيْضًا قوم من غير أصحابه، فقدم المدائن في أربعمائة، ثُمَّ أتى الْكُوفَة، فأقام عَلَى خمسة فراسخ مِنْهَا، فأرسل إِلَيْهِ علي يدعوه إِلَى بيعته وأن يدخل المصر، فيكون فِيهِ مَعَ من لا يقاتله وَلا يقاتل مَعَهُ، فَقَالَ: مَا بيني وبينك إِلا الحرب. فبعث إِلَيْهِ علي شريح بن هانئ في سبعمائة فدعاه إِلَى بيعة علي أَوْ دخول المصر، لا يقاتله ولا يقاتل معه. فقال (أبو مريم) :
يَا أعداء اللَّه أنحن نبايع عَلِيًّا ونقيم بين أظهركم يجور علينا إمامكم [1] وقد قتلتم عَبْد اللَّهِ بْن وهب وزيد بن حصين، وحرقوص بن زهير، وإخواننا
__________
[1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «ويقيم بين أظهركم يجوز علينا إمامكم» .(2/485)
الصالحين، ثُمَّ تنادوا بالتحكيم وحملوا عَلَى شريح وأصحابه فانكشفوا، وبقي شريح في مأتين، فانحاز إِلَى بعض القرى وتراجع إِلَيْهِ بعض أصحابه فصار في خمسمائة، ودخل الباقون الْكُوفَة، فأرجفوا بقتل شريح، فخرج علي بنفسه وقدم أمامه جارية بْن قدامة في خمسمائة ثم أتبعه في ألفين.
فمضى جارية (بن قدامة) حَتَّى صار بإزاء الخوارج فَقَالَ لأبي مريم:
ويحك أرضيت لنفسك أن تقتل مَعَ هَؤُلاءِ العبيد؟ والله لئن وجدوا ألم الحديد ليسلمنك. فقال: «إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا (أَحَداً) . ولحقهم علي فدعاهم إلى بيعته فأبوها وحملوا عَلَى علي فجرحوا عدة من أصحابه ثُمَّ قتلوا إِلا خمسين رجلا استأمنوا فآمنهم علي.
وَكَانَ فِي الخوارج أربعون جريحا، فأمر عليّ بإدخالهم الكوفة ومداواتهم ثم قال (لهم) : الحقوا بأي البلاد شئتم.
وَكَانَ مقتل أَبِي مريم فِي شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين.
وَقَالَ أَبُو الحسن المدائني: كَانَ أَبُو مريم في أربعمائة من الموالي والعجم ليس فِيهِمْ من العرب إِلا خمسة من بني سعد، وأبو مريم سادسهم.(2/486)
أمر ابْن ملجم وأمر أصحابه ومقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
«519» المدائني عَن مسلمة بْن محارب، عَن دَاوُد بْن أَبِي هِنْد:
عَن الشَّعْبِيّ قَالَ: حج ناس من الخوارج سنة تسع وثلاثين وقد اختلف عامل علي وأصحاب مُعَاوِيَة، فاصطلح النَّاس عَلَى شيبة بْن عُثْمَان، فلما انقضى الموسم أقام الخوارج مجاورين فَقَالُوا: كَانَ هَذَا البيت معظما فِي الجاهلية، جليل الشأن فِي الإسلام، وقد انتهك هَؤُلاءِ حرمته، فلو أن قوما شروا أنفسهم فقتلوا هذين الرجلين اللذين قد أفسدوا في الأرض، واستحلا حرمة هذا البيت استرحنا واستراحت الأمة، واختار النَّاس لأنفسهم إماما، فقال عبد الرحمان بْن ملجم: أنا أكفيكم عَلِيًّا، وَقَالَ الحجاج بن عبيد الله الصريميّ- وهو البركة (كذا) -. أنا أقتل معاوية. وقال داذويه مولى بني حارثة بْن كعب بْن العنبر- واسمه عَمْرو بْن بكر-: والله مَا عَمْرو بْن العاص بدونهما، فأنا لَهُ فتعاقدوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ إنهم اعتمروا عمرة رجب.
فقدم ابْن ملجم الْكُوفَة وجعل يكتم أمره، فتزوج قطام [1] بنت علقمة
__________
[1] هذا هو الصواب الموافق لما في المصادر بأسرها، وفي النسخة: هنا «حطام» . ويجيء أيضا في موضعين من الحديث: (534) على نحو الصواب: «قطام» .(2/487)
من تيم الرباب- وَكَانَ علي قتل أخاها- فأخبرها بأمره، وَكَانَ أقام عندها ثلاث ليال، فقالت له في الليلة الثالثة: لشد مَا أحببت لزوم أهلك وبيتك وأضربت عَن الأمر الَّذِي قدمت لَهُ!! فَقَالَ: إن لي وقتا واعدت عَلَيْهِ أصحابي ولن أجاوزه. ثُمَّ إنه قعد لعلي فقتله، ضربه عَلَى رأسه، وضرب ابْن عم لَهُ عضادة الباب، فَقَالَ علي- حين وقع بِهِ السيف-[فزت ورب الكعبة [1]] .
«520» وقال الكلبي: هو عبد الرحمان بن عمرو بن ملجم بن المكشوح ابن نفر بن (كذا) كلدة من حمير، وَكَانَ كلدة أصاب دما فِي قومه من حمير، فأتى مراد فَقَالَ/ 431/ أتيتكم تجوب بي ناقتي الأرض فسمي تجوب.
«521» وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، وعمرو بن محمد الناقد، قال:
(كذا) حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، أَنْبَأَنَا سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:
سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ حَتَّى أَدْمَوْا رِجْلَهُ فَقَالَ: [اللهم إني قد كرهتهم وكرهوني فأرحني منهم وأرحهم مني] (قال عبيد الله بن أبي رافع:) فَمَا بَاتَ إِلا تِلْكَ اللَّيْلَةَ.
«522» وَحَدَّثَنَا زهير بْن حرب أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا ابْنِ جُعْدُبَةَ:
عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: مكث معاوية بالشام وعلي بالعراق وعمرو ابن الْعَاصِ بمصر، بعد أن قتل ابْن حديج مُحَمَّد بْن أَبِي بكر الصديق بمصر.
ثُمَّ إن نفرًا اجتمعوا عَلَى أن يعدوا عليهم فِي ساعة واحدة فيقتلوهم ليريحوا الأمة منهم زعموا (ذلك) .
فأما صاحب علي فقتله حين خرج لصلاة الصبح، وأما صاحب مُعَاوِيَة فطعنه وَهُوَ دارع- فلم يضره، وأما عمرو بن العاصي فخرج أمامه خارجة
__________
[1] ويجيء مثله في الحديث: (541) بسند آخر،(2/488)
ابن أَبِي خارجة من بني عدي بْن كعب، فظن الرَّجُل أنه عَمْرو بْن العاص، فشد عَلَيْهِ فقتله، ورجع عَمْرو وراءه.
فلما قتل علي تداعى أَهْل الشَّامِ إِلَى بيعة مُعَاوِيَة، فقال عبد الرحمان بْن خالد بْن الوليد: نحن المؤمنون وَمُعَاوِيَة أميرنا وَهُوَ أمير الْمُؤْمِنِينَ [1] فبايع لَهُ أَهْل الشَّامِ وَهُوَ بإيليا لخمس ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة أربعين، فكان مَا بين قتل عُثْمَان وبيعة النَّاس لمعاوية أربع سنين وشهرين وسبع عشرة ليلة.
«523» وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوَانَةَ قَالَ:
قَالَ الشَّعْبِيُّ: لَمْ يَزَلِ النَّاسُ خَائِفِينَ لهذه الخوارج على علي مذ حكم الحكمين وَقُتِلَ أَهْلُ النَّهْرَوَانِ حَتَّى قَتَلَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ- لَعَنَ اللَّهُ ابْنَ مُلْجَمٍ-.
«524» وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْدٍ، عَن الواقدي [2] .
وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الكلبي عن أبيه، عن لوط بن يحيى، وعوانة ابن الحكم وغيرهما قَالُوا: اجتمع ثلاثة نفر من الخوارج بمكة، وهم عبد الرحمان بْن ملجم الحميري- وعداده فِي مراد، وَهُوَ حليف بني جبلة من كندة، ويقال: إن مراد أخواله- والبرك بْن عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيّ (ظ) ثم
__________
[1] وبمقتضي ما اشتهر عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم من انه قال: من أعان ظالما سلط الله عليه. لما استولى معاوية على الأمر وأراد أن يحمل الناس على بيعة يزيد، وراي من عبد الرحمان الكراهة، أناح له ابن آثال الطبيب النصراني فسمه بشربة والحقة بسلفه وقدمه إلي محكمة الحكم العدل. ثم أن الحديث (رواه أيضا تحت الرقم: (1340) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق ج 38 ص 97.
[2] وذكره أيضا في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من الطبقات الكبرى: ج 3 ص 35 ط بيروت ولكن لم يذكو الواقدي في الإسناد، بل قال: قالوا: انتدب ثلاثة نفر من الخوارج:
عبد الرحمان ابن ملجم المرادي ...(2/489)
الصريمي، صريم مقاعس (كذا) بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بْن زَيْد مناة ابن تميم- ويقال: إن اسم البرك الحجاج- وعمرو بْن بكير- ويقال: بكر أحد بني سعد بْن زَيْد مناة بْن تميم- فتذاكروا أمر إخوانهم الَّذِينَ قتلوا بالنهروان، وَقَالُوا: والله مَا لنا خير فِي البقاء بعدهم فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلال والفتنة فأرحنا العباد منهم ثائرين بإخواننا لرجونا الفوز عند اللَّه غدا، فتعاهدوا وتعاقدوا ليقتلن عَلِيّ بْن أَبِي طالب، وَمُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَانَ وَعَمْرو بْن الْعَاصِ، ثُمَّ توجه كُلّ رجل منهم إِلَى البلد الذي فيه صاحبه، فقدم عبد الرحمان بْن ملجم الْكُوفَة، وشخص البرك إِلَى الشَّام وشخص عَمْرو بْن بكير- ويقال: بكر- إِلَى مصر وجعلوا ميعادهم ليلة واحدة وهي ليلة سبع عشرة من شهر رمضان [1] .
فأما البرك فإنه انطلق فِي ليلة ميعادهم فقعد لمعاوية، فلما خرج ليصلي الغداة شد عَلَيْهِ بسيفه، فأدبر مُعَاوِيَة فضرب طرف إليته ففلقها ووقع السيف في لحم كثير، وأخذ (البرك) فَقَالَ: إن لك عندي خبرًا سارًا:
قد قتل فِي هَذِهِ الليلة عَلِيّ بْن أَبِي طالب، وحدثه بحديثهم. وعولج مُعَاوِيَة حَتَّى برأ وأمر بالبرك فقتل.
وقيل: ضرب البرك مُعَاوِيَة وَهُوَ ساجد، فمذ ذاك جعل الحرس يقومون علي رؤس الخلفاء في الصلاة، واتخذ معاوية (بعد ذلك) المقصورة. وروى بعضهم أن مُعَاوِيَة لم يولد (له) بعد الضربة، وأن مُعَاوِيَة كَانَ أمر بقطع يد البرك ورجله ثُمَّ تركه فصار إِلَى الْبَصْرَة فولد لَهُ فِي زمن زياد فقتله وصلبه وَقَالَ لَهُ: ولد لك وتركت أمير الْمُؤْمِنِينَ لا يولد لَهُ.
وأما عَمْرو بْن بكير- ويقال: بكر- فرصد عَمْرو بْن العاص في ليلة
__________
[1] كذا في كثير من أخبارهم، ولكن الشائع في أخبار شيعة أهل البيت عليهم السلام انه ضربه في ليلة التسع عشرة من شهر رمضان وهي ليلة ميعادهم لعنهم الله.(2/490)
سبع عشرة من شهر رمضان «فلم يخرج فِي تلك الليلة لعلة وجدها فِي بطنه/ 432/ وصلى بالناس خارجة بْن حذافة العدوي فشد عَلَيْهِ وَهُوَ يظنه عمرًا فقتله، وأخذ فأتي بِهِ عَمْرو فقتله وَقَالَ. أردت عمرا وأراد اللَّه خارجة.
فذهبت مثلا.
وأما ابْن ملجم قاتل علي فإنه أتى الْكُوفَة، فكان يكتم أمره، وَلا يظهر الَّذِي قصد لَهُ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يزور أصحابه من الخوارج فلا يطلعهم على إرادته، ثم إنه أتى يوما (قوما) من تيم الرباب فرأى امرأة منهم جميلة يقال لها: قطام بنت شيحنة- (و) كَانَ علي قتل أباها شجنة بْن عدي، وأخاها الأخضر بن شجنة يوم النهروان- فهواها حَتَّى أذهلته عَن أمره فخطبها، فقالت لا أتزوجك إِلا عَلَى عبد وثلاثة آلاف درهم وقينة وقتل عَلِيّ بْن أَبِي طالب. فَقَالَ: أما الثلاثة الآلاف والعبد والقينة فمهر، وأما قتل عَلِيّ بْن أَبِي طالب. فما ذكرته وأنت تريدينه [1] فقالت بلى تلتمس غرته فَإِن أصبته وسلمت شفيت نفسي ونفعك العيش معي وإلا فما عند اللَّه خير لك مني. فَقَالَ: والله ما جاءني إِلا قتل علي.
ولقي ابْن ملجم رجلًا من أشجع يقال لَهُ شبيب بْن بجرة فدعاه إِلَى مظاهرته عَلَى قتل علي. فَقَالَ: أقتل عليا مع سابقته وقرابته مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!!! فَقَالَ: إنه قتل إخواننا فنحن نقتله ببعضهم.
فأجابه.
وجاء ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة أربعين- وَهَذَا (هو) الثبت. وبعضهم يقول: جاء لإحدى عشرة ليلة خلت من شهر رمضان ويقال: لإحدى عشرة ليلة خلت من غيره. وذلك باطل. - وكانت
__________
[1] هذا هو الظاهر من السياق، وفي النسخة: «وأنت تريد شي هـ» .(2/491)
تلك الليلة الميعاد الذي ضربه (ابن ملجم) وصاحباه فِي قتل علي وَمُعَاوِيَة وعمرو، فجلس ابْن ملجم مقابل السدة الَّتِي كَانَ علي يخرج مِنْهَا- ولم يكن ينزل القصر إنما نزل في أخصاص فِي الرحبة الَّتِي يقال لَهَا رحبة علي- فلما خرج لصلاة الصبح وثب ابْن ملجم فَقَالَ: الحكم لله يَا علي لا لك فضربه على قرنه [1] فجعل علي يقول: لا يفوتنكم الرَّجُل. وشد النَّاس عَلَيْهِ فأخذوه.
ويقال: إن المغيرة بْن نوفل بن الحرث بْنِ عَبْدِ المطلب استقبله بقطيفة فضرب بِهَا وجهه ثم اعترضه فصرعه واوثقه.
__________
[1] وقد وردت روايات على انه عليه السلام ضرب وهو في الصلاة، كما رواه في الحديث:
(18) من الجزء الثالث من امالي الطوسي مسندا عن الإمام على بن الحسين قال: لما ضرب ابن ملجم امير المؤمنين عليه السلام، كان معه آخر فوقعت ضربته على الحائط، واما ابن ملجم فضربه فوقعت الضربة وهو ساجد، على الضربة التي كانت ...
وقال في الحديث: (497) في باب فضائل علي عليه السلام من كنز العمال: ج 15/ 170، ط 2 عن عبد الرازق في اماليه (عن معمر) عن الزهري ان ابن ملجم طعن (كذا) عليا حين رفع راسه من الركعة، فانصرف وقال: أتموا صلاتكم. ولم يقدم أحدا.
وقال ابن عساكر- في الحديث (1397) من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق-:
أخبرنا ابو القاسم إسماعيل بن احمد، أنبأنا احمد بن محمد بن احمد، أنبأنا عيسى بن علي، أنبأنا عبد الله بن محمد البغوي، أنبأنا احمد بن منصور، أنبأنا يحي بن بكير المصري، اخبرني الليث بن سعد:
ان عبد الرحمان بن ملجم ضوب عليا في صلاة الصبح على دهش بسيف كان سمه ...
وقال في الحديث: (63) من فضائل امير المؤمنين- من كتاب الفضائل لأحمد بن حنبل-:
حدثنا عبد الله بن احمد، حدثنا احمد بن منصور، حدثنا يحي بن بكير المصري حدثني الليث بن سعد: ان عبد الرحمان بن ملجم ضرب عليا في صلاة الصبح على دهش بسيف كان سمه بالسم، ومات من يومه ودفن بالكوفة.
وقال ابن أبي الدنيا- في مقتل امير المؤمنين- حدثني أبي، عن هشام بن محمد، قال: حدثني رجل من النخع، عن صالح بن ميثم، عن عمران بن ميثم، عن ابيه (قال:) إن عليا خرج فكبر في الصلاة، ثم قرأ من سورة الأنبياء احدى عشرة آية، ثم ضربه ابن ملجم من الصف على قرنه ...
وقال أيضا: حدثني أبي، عن هشام بن محمد، قال: حدثني عمر بن عبد الرحمان بن نفيع بن جعدة بن هبيرة (عن ابيه عن جده) .
انه لما ضرب ابن ملجم عليا عليه السلام وهو في الصلاة، تأخر فدفع في ظهر جعدة فصلى بالناس ...(2/492)
وضرب شبيب بْن بجرة ضربة أخطأت عَلِيًّا ووقعت بالباب، ودخل بين النَّاس فنجا- ثُمَّ إنه بعد ذَلِكَ خرج يعترض النَّاس بقرب الْكُوفَة، فبعث إِلَيْهِ المغيرة بْن شعبة وَهُوَ واليها، خيلا فقتله.
وَكَانَ مَعَ ابْن ملجم وشبيب رجلًا يقال لَهُ: وردان بْن المجالد التَّيْمِيّ- وَهُوَ ابْن عم قطام بنت شجنة- فهرب وتلقاه عَبْد اللَّهِ بْن نجبة بْن عبيد، أحد بني تيم الرباب أَيْضًا، فَقَالَ لَهُ: مالي أرى السيف معك- وَكَانَ معصبا بالحرير لكي يفلت إذا تعلق بِهِ- فلما سأله عَن السيف لجلج وَقَالَ: قتل ابْن ملجم وشبيب بْن بجرة أمير الْمُؤْمِنِينَ. فأخذ السيف منه فضرب به عنقه فأصبح قتيلا في الرباب.
وكان علي شديد الأدمة ثقيل العينين ضخم البطن أصلع ذا عضلات ومناكب، فِي أذنيه شعر قد خرج من أذنه، وَكَانَ إِلَى القصر أقرب.
«525» قَالُوا: لم يزل ابْن ملجم تلك الليلة عند الأشعث بْن قَيْس يناجيه حَتَّى قَالَ لَهُ الأشعث: قم فقد فضحك الصبح. وسمع ذلك من قوله حجر ابن عدي الكندي فلما قتل علي قَالَ لَهُ حجر: يا أعور أنت قتلته [1] .
__________
[1] ورواه ابن أبي الدنيا، بسندين في مقتل امير المؤمنين مع الحديث: (532) الآتي.(2/493)
«526» وقال المدائني قال مسلمة بن المحارب: سمع الكلام عفيف عم الأشعث فلما قتل علي قَالَ عفيف: هَذَا من عملك وكيدك يا أعور.
ويقال: إن رجلا من حضرموت لحق ابن بجرة فصرعه وأخذ سيفه فَقَالَ النَّاس: خذوا صاحب السيف. فخاف أن ينقاوؤا عَلَيْهِ [1] وَلا يسمعوا منه، فألقى السيف ومضى وهرب ابْن بجرة.
«527» وَحَدَّثَنِي أَبُو مسعود الْكُوفِيّ، وغيره أن عوانة بْن الحكم حدث/ 433/ أن ابْن ملجم كَانَ فِي بكر بْن وائل، فمرت بِهِ جنازة أبجر بْن جابر العجلي- وَكَانَ نصرانيا ونصارى الحيرة يحملونه- ومع ابنه حجار بْن أبجر شقيق بْن ثور، وخالد بْن المعمر، وحريث بْن جابر وجماعة من المسلمين يمشون في ناحية إكراما لحجار، قلما رآهم ابْن ملجم أعظم ذَلِكَ وأراد غيرًا منهم، ثُمَّ قَالَ. لولا أني أعد سيفي لضربة هي أعظم عند اللَّه أجرًا وثوابا من ضرب هَؤُلاءِ، لاعترضتهم فإنهم قد أتوا أمرًا عظيما،! فأخذ وأتي بِهِ (إِلَى) علي فَقَالَ: [هل أحدث حدثا؟] قَالُوا: لا. فخلى سبيله [2] .
«528» قالوا: وكان بن ملجم يعرض سيفه فَإِذَا أخبر أن فِيهِ عيبا أصلحه، فلما قتل علي قَالَ: لقد أحددت سيفي [3] بكذا وسمعته بِكَذَا، وضربت بِهِ عَلِيًّا ضربة لو كانت بأهل المصر، لأتت عليهم.
«529» وروي عَن الحسن بْن علي قَالَ. أتيت أَبِي سحيرًا فجلست إليه
__________
[1] رسم الخط في هذه الكلمة غير جلي، يمكن ان تقرء «ان يتغاووا» . ولعل الصواب:
«ان يتفيئوا عليه» اي يتوجهون ويميلون عليه محاربا له بظن انه ممن ضرب امير المؤمنين عليه السلام.
[2] ورواه إلى قوله: «لاستعرضتهم بالسيف» في مقتل ابن أبي الدنيا.
[3] هذا هو الصواب، وفي الأصل: «لقد أخذ ذنب» .(2/494)
فَقَالَ: [إني بت الليلة أرقا، ثُمَّ ملكتني عيني وأنا جالس فسنح لِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت له: يا رَسُول اللَّهِ ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد؟ فَقَالَ: ادع عليهم فقلت: اللَّهُمَّ أبدلني بهم خيرًا لي منهم وأبدلهم بي شرًا لهم مني.] ودخل ابْن النباح عَلَيْهِ فَقَالَ: الصلاة. فأخذت بيده فقام ومشى ابْن النباح بين يديه ومشيت خلفه، فلما خرج من الباب نادى أيها النَّاس الصلاة الصلاة، وكذلك كَانَ يصنع فِي كُلّ يوم، ويخرج (كذا) ومعه درته يوقظ النَّاس، فاعترضه الرجلان، فرأيت بريق السيف وسمعت قائلا يقول: الحكم يَا علي لله لا لك. ثُمَّ رأيت سيفا ثانيا، فأما سيف ابْن ملجم فأصاب جبهته إِلَى قرنه ووصل إِلَى دماغه، وأما سيف ابْن بجرة فوقع فِي الطاق وَقَالَ علي: [لا يفوتنكم الرَّجُل.] فشد النَّاس عَلَيْهِمَا من كُلّ جانب، فأما شبيب بْن بجرة فأفلت، وأما ابْن ملجم فأخذ وأدخل عَلَى علي، فَقَالَ [أطيبوا طعامه وألينوا فراشه، فَإِن أعش فأنا ولي دمي فإما عفوت وإما اقتصصت، وإن امت فألحقوه بي وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. *]
«530» قَالُوا: وبكت أم كلثوم بنت علي وقالت لابن ملجم- وَهُوَ أسير-: يَا عدو اللَّه قتلت أمير الْمُؤْمِنِينَ؟! قَالَ: لم أقتل أمير الْمُؤْمِنِينَ ولكني قتلت أباك!!! فقالت: والله إني لأرجو أن لا يكون عَلَيْهِ بأس. قَالَ فلم تبكين إذًا أعلي تبكين؟ والله لقد أرهقت السيف ونفيت الخوف وخنثت الأجل [1] وقطعت الأمل وضربته ضربة لو كانت بأهل عكاظ- ويقال:
بربيعة ومضر- لأتت عليهم، والله لقد سمعته شهرًا فَإِن أخلفني فأبعده اللَّه سيفا وأسحقه.
«531» ويقال: إن أمامة بنت أَبِي العاص بْن الريبع وليلى بنت مسعود
__________
[1] كذا في النسخة، وقريبا منه رواه ابن أبي الدنيا بسندين في مقتل أمير المؤمنين عليه السلام.(2/495)
النهشلية، وأم كلثوم بكين عَلَيْهِ، وقلن: يَا عدوا اللَّه لا بأس عَلَى أمير الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ فعلى من تبكين إذا أعلي تبكين؟!! «532» قَالُوا: وبعث الأشعث بْن قَيْس ابنه قَيْس بْن الأشعث صبيحة ضرب علي فَقَالَ أي بني أنظر كيف أصبح الرَّجُل وكيف تراه، فنظر إِلَيْهِ ثُمَّ رجع فَقَالَ: رأيت عينيه داخلتين فِي رأسه. فَقَالَ الأشعث: عينا دميغ ورب الكعبة.
«533» قَالُوا: ومكث علي يوم الجمعة ويوم السبت، وتوفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة أربعين، وغسله الحسن والحسين وعبد اللَّه بْن جعفر وَابْن الحنفية، وكفن فِي ثلاثة أثواب ليس فِيهَا قميص، ونزل فِي قبره هَؤُلاءِ جميعا، ودفنه معهم عبيد اللَّه بْن العباس، وحضره جماعة من أَهْل بيته والناس بعد، وصلى عَلَيْهِ الحسن ابنه وكبر عَلَيْهِ أربعا [1] «534» وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، وَغَيْرُهُ قَالُوا: حَدَّثَنَا وكيع، عن يحي بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أبيه. وحدثني
__________
[1] جميع ما ذكره هنا في انه صلى الإمام الحسن على أبيه صلوات الله عليهما وكبر عليه أربع تكبيرات ضعيف ومعارض بما هو أقوى منه، مما رواه علماء الشيعة وجماعة من أهل السنة، من أن صلاة الميت ذات خمس تكبيرات وأن أول من جمع الناس على أربع هو عمر بن الخطاب كما رواه العسكري في كتاب الأوائل ص 83 من المصورة ورواه عنه في الطرائف ص 175، وقد ذكرنا شطرا صالحا من أخبار القوم في تعليق الحديث: (1407) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق، وإليك الإشارة إلى مظانها، فقد رواه أحمد بن حنبل في مسند زيد بن أرقم من مسنده ج 4 ص 367، و 370، و 372، ورواه أيضا في عنوان: «الصبر على الحمى» من منتخب كنز العمال بهامش مسند: ج 1/ 221، ورواه أيضا المحاملي في الجزء الثالث من أماليه الورق 28، ورواه أيضا في ترجمة عيسي البزار، من تاريخ بغداد: ج 11/ 143.(2/496)
عَمْرٌو النَّاقِد، عَنْ شَبَابَةَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ بَيَانٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ الْحَسَنَ/ 434/ بْنِ عَلِيٍّ صَلَّى عَلَى عَلِيٍّ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا.
«535» حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنُ مَعْمَرٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عَلِيٌّ صَلَّى عَلَيْهِ الْحَسَنُ وَإِلَيْهِ أَوْصَى وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا.
«536» وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، وأبو بكر ابن الأَعْيَنِ قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ إِلْيَاسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابن عمرو بن سعيد بْنِ الْعَاصِ بِمِثْلِهِ.
«537» قَالُوا: ودفن علي بالْكُوفَة عند مسجد الجماعة فِي الرحبة مما يلي أبواب كندة، قبل انصراف النَّاس من صلاة الفجر. ويقال: دفن فِي الغري [1] ويقال فِي الكناسة. ويقال: بالسدة. وغمي قبرة مخافة أن ينبشه الخوارج [2] فلم يعرف. وروي عَن شريك بْن عَبْدِ اللَّهِ انه قال: حمل الحسين بن علي (كذا) بعد صلح الحسن مُعَاوِيَة أباه فِي تابوت فدفن بالمدينة عند فاطمة عَلَيْهِمَا السلام.
«538» قَالُوا: وَكَانَ الْحُسَيْن بالمدائن قد قدمه أبوه إِلَيْهَا وَهُوَ يريد المسير إِلَى الشَّام، فكتب إِلَيْهِ الحسن بما حدث من أمر أَبِيهِ مَعَ زجر (كذا) بن
__________
[1] وهذا مما أجمعت عليه أئمة أهل البيت ورواه عنهم شيعتهم خلفا عن سلف، وهو عندهم من الضروريات الثابتة بالتواتر مثل كون بيت الله الحرام بمكة، وقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيته بمسجد المدينة.
[2] بل الخوف من النواصب معاوية وأشياعه كان أكثر، بل منه ليس غيره لأنه عليه السلام علم بأخبار من النبي أنه سيستولي على الأمر، بخلاف الخوارج فإنهم كانوا مطرودين منكوبين وإخباره عليه السلام بهذا المعنى كثير جدا.(2/497)
قيس الجعفي فلما أتاه زحر (كذا) بالكتاب (ظ) انصرف بالناس إِلَى الْكُوفَةِ. وَقَالَ بعضهم: إن الْحُسَيْن كَانَ حاضرًا قتل أَبِيهِ. وكانت خلافة علي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أربع سنين وتسعة أشهر. ويقال: عشرة أشهر.
وَكَانَ لَهُ يوم توفي ثلاث وستون سنة- وذلك (هو) الثبت-. ويقال:
إنه توفي وله تسع وخمسون سنة.
«539» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] عَن الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَن عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عقيل، قَالَ: سمعت ابْن الحنفية يقول حين دخلت سنة إحدى، وثمانون- وهي سنة الجحاف- ونوه (كذا) : لي خمس وستون، قد جاوزت عمر أَبِي. قلت فكم كانت سنة يوم قتل؟ قَالَ: قتل وله ثلاث وستون سنة.
«540» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالا:
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: تُوُفِّيَ عَلِيٌّ وَلَهُ ثَلاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً.
«541» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ربيعة الكلابي، عَن طلق الأعمى، عَن جدته قَالَت كنت أنوح أنا وأم كلثوم بنت علي على علي.
__________
[1] ورواه أيضا- مع الحديث التالي- في الطبقات: ج 3/ 38- قال: أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا علي بن عمر، وأبو بكر بن أبي سبرة، عن عبد الله ... قال: سمعت محمد بن الحنيفة يقول سنة الجحاف- حين دخلت إحدى وثمانون-: هذه لي خمس وستون سنة، وقد جاوزت سن أبي ... قال محمد بن عمر: وهو الثبت عندنا. ورواه أيضا في الحديث (49) من مقتل ابن أبي الدنيا بنحو الاختصار، ولم يذكر ابن أبي سبرة في السند. ورواه عنه في ترجمته عليه السلام من تاريخ بغداد: ج 1/ 136، ورواه أيضا في الحديث (1445) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق نقلا عن الخطيب.(2/498)
«542» حدثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، وَإِسْحَاقُ الْفَرَوِيُّ أَبُو مُوسَى قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَخْطُبُ فَذَكَرَ أَبَاهُ وَفَضْلَهُ وَسَابِقَتَهُ ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا تَرَكَ صَفْرَاءَ وَلا بَيْضَاءَ إلا سبع مائة درهم فضلت من عطائه أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِي بِهَا خَادِمًا.
«543» الْمَدَائِنِيُّ عَن يَعْقُوبَ بْن دَاوُد الثَّقَفِيّ، عَن الحسن بْن بزيع: ان عليا خرج (في) الليلة الَّتِي ضرب فِي صبيحتها فِي السحر وهو يقول:
[أشدد حيازيمك للموت ... فَإِن الموت لاقيك
ولا تجزع من الموت ... إذا حل بواديك
] فلما ضربه ابْن ملجم قَالَ: [فزت ورب الكعبة.] وَكَانَ أخر مَا تكلم بِهِ:
[ «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ] » .
«544» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بن موسى، عن موسى ابن عبيدة، عن أبي بكر ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ- أَوْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ أَوْ كِلَيْهِمَا- شَكَّ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
[أَشْقَى الأَوَّلِينَ عَاقِرُ النَّاقَةِ، وَأَشْقَى الآخِرِينَ مَنْ هَذِهِ الأُمَّةُ [1] الَّذِي يَطْعَنُكَ يَا عَلِيُّ وأشار إلى حيث طعن] .
__________
[1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «من هذه اللحية» . ورواه أيضا في ترجمة امير المؤمنين من الطبقات الكبرى: ج 3 ص 35، ط بيروت وفيه: «واشقي الآخرين الَّذِي يَطْعَنُكَ يَا عَلِيُّ. وَأَشَارَ إِلَى حَيْثُ يطعن» .
وللحديث مصادر كثيرة، وأسانيد جمة، ذكر بعضها في تفسير سورة الشمس من شواهد التنزيل، والحديث: (1368) وتواليه من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق.(2/499)
«545» وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، [1] عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ فِطْرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو الطُّفَيْلِ قَالَ: دَعَا علي الناس للبيعة فجاءه عبد الرحمان بْنُ مُلْجَمٍ الْمُرَادِيُّ فَرَدَّهُ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ أَتَاهُ وَقَالَ: [مَا يَجْلِسُ أَشْقَاهَا لَيَخْضِبَنَّ/ 435/ أَوْ قَالَ:
لَيَصْبِغَنَّ هَذِهِ اللِّحْيَةَ مِنْ جَبْهَتِهِ ثُمَّ تَمَثَّلَ:
أشدد حيازيمك للموت ... فإن الموت لاقيك
ولا تَجْزَعْ مِنَ الْمَوْتِ ... إِذَا حَلَّ بِوَادِيكَ
] وَقَالَ محمد: (و) فِي حَدِيثٍ آخَرَ: [وَاللَّهِ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ إِلَيَّ [2]] .
«546» حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إسماعيل بن إبراهيم الاسري [3] عن عمارة ابن أَبِي حَفْصَةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ مُرَادٍ إِلَى عَلِيٍّ وَهُوَ فِي المسجد فقال: احترس فإن ها هنا قَوْمًا مِنْ مُرَادٍ يُرِيدُونَ قَتْلَكَ.
فَقَالَ: [إِنَّ مع كل إنسان ملكين موكلين يَحْفَظَانِهِ، فَإِذَا جَاءَ الْقَدَرُ خَلَّيَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وإن الأجل جنّة حصينة] .
__________
[1] ورواه أيضا في الطبقات ج 3/ 33 ط بيروت مع خلاف في بعض الألفاظ. ورواه أيضا- عدا ما في الذيل- ابن أبي الدنيا في مقتل امير المؤمنين، عن خلف بن سالم عن أبي نعيم ... وفيهما معا: «فإن الموت اتيك» . ورواه أيضا بسند ينتهي إلى أبي الطفيل واصبغ بن نباتة، في اخبار عمرو بن معدي كرب من الأغاني: ج 14/ 33 ط ساسي.
[2] وفي الطبقات هكذا: قال محمد بن سعد: وزادني غير أبي نعيم في هذا الحديث بهذا الاسناد: عن علي بن أبي طالب: «والله إنه لعهد النبي الأمي- صلّى الله عليه وسلم- إلي» .
[3] كذا في النسخة، وقال ابن سعد- في ترجمة امير المؤمنين من الطبقات: ج 3 ص 34 ط بيروت-: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن علية، عن عمارة ابن أبي حفصة ... اقول:
وهكذا رواه عنه في الحديث: (1389) من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق، كما رواه عنه سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص، ص 183، وله مصادر اخر.(2/500)
«547» حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْقَاسِمِ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمِّي، عَنْ أُمِّ جَعْفَرٍ سَرِيَّةَ عَلِيٍّ، قَالَتْ: إِنِّي لأَصُبُّ عَلَى يَدَيْهِ الْمَاءَ إِذْ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَرَفَعَهَا إِلَى أَنْفِهِ ثُمَّ قَالَ: [وَاهًا لَكِ لَتُخَضَّبَنَّ بِدَمٍ.] قَالَتْ فَأُصِيبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ [1] .
«548» حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: رفع علي لحيته إِلَى أنفه ثُمَّ قَالَ: [لتخضبن هَذِهِ بدم هذه يعني (لحيته من دم) جبهته] .
«549» حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنِ ابْنِ هَارُونَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: [مَا يَحْبِسُ أَشْقَاكُمْ أَنْ يَجِيءَ فَيَقْتُلَنِي اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ سئمتهم وسأموني فَأَرِحْنِي مِنْهُمْ وَأَرِحْهُمْ مِنِّي.]
«550» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الصلت قال (كذا) : حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا ابْنُ مُلْجَمٍ الْحَمَّامَ، وَأَنَا وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ جُلُوسٌ فِي الْحَمَّامِ فَكَأَنَّهُمَا اشْمَأَزَّا مِنْهُ فَقَالا: مَا أَجْرَأَكَ مَا أَدْخَلَكَ عَلَيْنَا؟ فَقُلْتُ لَهُمَا: دَعَاهُ عَنْكُمَا فَلَعَمْرِي إنّ
__________
[1] ورواه أيضا ابن أبي الدنيا- في عنوان: موت علي بن أبي طالب من مقتله الورق 8- في الحديث (42) منه قال: أنبأنا خلف بن سالم، أنبأنا ابو نعيم، أنبأنا سليمان بن قاسم ...
ورواه أيضا ابن سعد في ترجمة علي عليه السلام، من الطبقات ج 3 ص 35 ط بيروت، عن الفضل بن دكين ... وروى قريبا منه قبله بسند آخر.
[2] ورواه أيضا في الطبقات: ج 3 ص 35، ورواه عنه في الحديث: (1399) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق. وكذا في الحديث: (501) في باب فضائله عليه السلام من كنز العمال: ج 15/ 175، ط 2، ورواه أيضا في الحديث: (81) من مقتل ابن أبي الدنيا الورق 243 ب/ بسند آخر على وجه آخر.(2/501)
مَا يُرِيدُ بِكُمَا لأَجْسَمُ مِنْ هَذَا. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُتِيَ بِهِ أَسِيرًا قَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ:
مَا أَنَا الْيَوْمَ بِأَعْرَفَ بِهِ مِنِّي يَوْمَ دَخَلَ عَلَيْنَا الْحَمَّامَ!!! فَقَالَ عَلِيٌّ: [إِنَّهُ أَسِيرٌ فَأَحْسِنُوا نُزُلَهُ وَأَكْرِمُوا مَثْوَاهُ، فَإِن بَقِيَتْ قَتَلْتُ أَوْ عَفَوْتُ، وَإِنْ مُتُّ فَاقْتُلُوهُ قَتْلَتِي وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ] .
«551» حدثنا محمد بن سعد، حدثنا عفان [1] ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّسْتُرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ لِلْمُرَادِيِّ:
[أريد حباءه ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك مِنْ مُرَادِ
] «552» حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الأَصَمِّ قَالَ: قِيلَ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: إِنَّ نَاسًا مِنْ شِيعَةِ أَبِي الْحَسَنِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ دَابَّةُ الأَرْضِ وَأَنَّهُ سَيُبْعَثُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَقَالَ:
[كَذَبُوا لَيْسَ أُولَئِكَ شِيعَتُهُ وَلَكِنَّهُمْ أَعْدَاؤُهُ، وَلَوْ عَلِمْنَا ذَلِكَ مَا قَسَمْنَا مِيرَاثَهُ وَلا أَنْكَحْنَا نِسَاءَهُ] .
«553» حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، وَشُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ الْفَلاسُ، قَالا:
حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ قُثَمَ مَوْلَى عَلِيٍّ قَالَ:
كَتَبَ عَلِيٌّ فِي وَصِيَّتِهِ: إِنَّ وَصِيَّتِي إِلَى أَكْبَرِ وَلَدِي غَيْرَ طَاعِنٍ عَلَيْهِ فِي بَطْنٍ وَلا فَرْجٍ.
«554» حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ زَحْرِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عَلِيٌّ أتيت المدائن فلقيني رجل
__________
[1] كذا في النسخة، ورواه في الطبقات ج 3/ 34 وقال: أخبرنا ابو اسامة حماد بن اسامة، عن يزيد بن ابراهيم ... ورواه أيضا ابن أبي الدنيا، في مقتل امير المؤمنين عن خلف بن سالم، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين قال: كان علي إذا راى ابن ملجم قال ...
ورواه أيضا في اخبار عمرو بن معدي كرب من كتاب الأغاني: ج 14/ 32 ط ساسي.(2/502)
فَسَأَلَنِي عَنِ الْخَبَرِ فَأَعْلَمْتُهُ بِمَقْتَلِ عَلِيٍّ فَقَالَ: لَوْ جِئْتَنَا بِدِمَاغِهِ فِي صُرَّةٍ لَعَلِمْنَا أَنَّهُ لا يموت حتى يذودكم بعصا (هـ) [1] .
[وصية عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ]
«555» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الطَّحَّانُ، عَنْ أَبِيهِ، عن ابن أبي ليلى عن عبد الرحمان بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: لَمَّا ضُرِبَ عَلِيٌّ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أُبَايِعُ حَسَنًا؟ قَالَ: [لا آمُرُكَ وَلا أَنْهَاكَ] .
ثُمَّ دَعَا وَلَدَهُ فَأَمَرَهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنْ/ 436/ لا يَأْسَوْا عَلَى مَا صُرِفَ عَنْهُمْ مِنْهَا [2] .
«556» المدائني، عَن عَلِيّ بْن هاشم، عَن الضحاك بْن عميرة (أو عمير) قَالَ: رأيت قميص علي الَّذِي أصيب فِيهِ كرابيس سنبلاني، ورأيت أثر دمه فِيهِ كالذي قال علي (كذا) .
وَحَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سمعت زيد بْن علي يقول: البراءة من أَبِي بكر وعمر وعلي سواء [3] .
«557» حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، عَنْ يَحْيَى بْن آدم، عَنْ شريك
__________
[1] وقريبا منه ذكره ابن أبي الدنيا في مقتل امير المؤمنين عليه السلام.
[2] والوصية ذكرها بنصها في المختار (47) من الباب الثاني من نهج البلاغة، ولكنه ذيلها بالوصية الطويلة، ونقلناها بحيالها في المختار- 7- من باب وصايا نهج السعادة مع كثير من مصادرها، ولقد قصر البلاذري عن ذكر وصايا امير المؤمنين بعد ما ضربه اللعين مع كثرتها واستفاضة جلها في كتاب المسلمين بطرق عديدة، ومن اراد الإطلاع على شيء من ذلك فعليه بالمختار- 5 وتواليه والمختار (36) وتواليه من باب الوصايا من كتاب نهج السعادة.
[3] الحديث مع انقطاعه ضعيف، والأدلة الخاصة والعامة امثال قوله تعالى: «هل يستوي الأعمى والبصير» حاكمة عليه على فرض اعتباره، وكيف يستوي البراءة من نفس النبي وغيرها؟! وكيف يستوي البراءة ممن حبه إيمان وبغضه نفاق ومن هو من اناس عاديين؟!!!(2/503)
وَغَيْرِهِ، قَالَ: أَوْصَى عَلِيٌّ: هَذَا مَا وَقَفَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَوْصَى بِهِ أَنَّهُ (أ) وقف أرضه القا (ئمة) بَيْنَ الْجَبَلِ وَالْبَحْرِ أَنْ يُنْكَحَ مِنْهَا الأَيِّمُ، وَيُفَكَّ الْغَارِمُ، فَلا تُبَاعُ وَلا تُشْتَرَى وَلا تُوهَبُ حَتَّى يَرِثَهَا اللَّهُ الَّذِي يَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَأُوصِي إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ غَيْرَ طَاعِنٍ عَلَيْهِ فِي بَطْنٍ وَلا فَرْجٍ.
«558» قَالُوا: وَأَوْصَى أَنْ يَقُومَ فِي أَرْضِهِ ثَلاثَةٌ مِنْ مَوَالِيهِ وَلَهُمْ قُوتُهُمْ، وَإِنْ هَلَكَ الْحَسَنُ قَامَ بِأَمْرِ وَصِيَّتِي الأَكْبَرُ فَالأَكْبَرُ مِنْ وَلَدِي مِمَّنْ لا يُطْعَنُ عَلَيْهِ [1] .
«559» قَالُوا: وَكَانَ ابْن ملجم رجلا أسمر حسن الوجه أبلج، شعره من شحمة أذنيه، مسجدا- يعنون أن فِي وجهه أثر السجود- فلما فرغ من أمر علي ودفنه، أخرج إِلَى الحسن ليقتله، فاجتمع الناس وجاؤا بالنفط والبواري والنار فَقَالُوا: نحرقه. فَقَالَ ولده وعبد اللَّه بْن جعفر دعونا نشف أنفسنا منه. فقالت أم كلثوم بنت علي: يَا عدو اللَّه قتلت أمير الْمُؤْمِنِينَ؟
قَالَ: لو كَانَ أمير الْمُؤْمِنِينَ مَا قتلته. ثُمَّ بدر عبد الله بن جعفر فقطع يديه ورجليه وَهُوَ ساكت لا يتكلم ثُمَّ عمد إِلَى مسمار محمي فكحل بِهِ عينيه فلم يجزع وجعل يقول: كحلت عمك بملول له مضّ [2] (بملمول ممضّ «خ» ) ، ثُمَّ قرأ: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ» حتى فرغ مِنْهَا وعيناه تسيلان، ثُمَّ عولج عَن لسانه ليقطع فجزع ومانعهم فقيل لَهُ: أجزعت؟ قَالَ: لا ولكني أكره أن أبقى فواقا- أو قال: رفغا [3]- لا أذكر الله فيه بلساني.
__________
[1] لصدر هذا الحديث- كوسط الحديث السالف- مصادر وأسانيد من كتب المسلمين، وقد ذكرنا كثيرا من مصادره في تعليق المختار: (63) من وصايا نهج السعادة، ص 435، وكذلك في ذيله، وكذا في المختار (35) منها، ص 33.
[2] كذا في النسخة، وفي الطبقات الكبرى: «بملول مض» وفي الحديث: (73) من مقتل ابن أبي الدنيا: «ممض» .
[3] هذه الكلمة رسم خطها غير واضح: ويمكن أن يقرأ «رفتا» . والفواق- بضم الفاء وفتحه-: ما بين الحلبتين من الوقت. وقيل: ما بين فتح يد الحالب وقبضها على الضرع.(2/504)
فقطعوا (لسانه) ثُمَّ إنهم جعلوه فِي قوصرة كبيرة ويقال: فِي بواري وأحرق بالنار، والعباس بن علي يومئذ صغير لا يستأن بلوغه. ويقال: إن الحسن ضرب عنقه وَقَالَ: لا أمثل بِهِ [1] .
ومضى إِلَى الحجاز بمقتل علي سُفْيَان بْن أمية بْن أَبِي سُفْيَانَ بْن أميّة بن عبد شمس ولا عتب له [2] فلما بلغت عائشة خبره أنشدت قول البارقي (معقر ابن حمار) :
فألقت عصاها واستقرت بِهَا النوى ... كما قر عينا بالإياب المسافر
__________
[1] وهذا القول هو الصواب الموافق لما فطر الله عليه أهل بيت النبوة من علو النفس وتجنبهم عن سفاسف الأخلاق العامية، وانقيادهم لقوانين الشريعة غاية الانقياد. نعم بناءا على اعتبار ما ورد في غير واحد من الأخبار من أن أمير المؤمنين قال: «اصنعوا به ما صنع رسول الله لمن أراد قتله، أمر بقتله ثم بإحرافه» - كما رواه الحاكم في ترجمة امير المؤمنين من المستدرك: ج 3/ 144، ورواه أيضا في الحديث: (1401) من ترجمة علي عليه السلام من تاريخ دمشق، نقلا عن أحمد في مسند علي عليه السلام من كتاب المسند: ج 1/ 93 ط 1، ورواه عنه في مجمع الزوائد: ج 9 ص 145، قال: وفيه عمران بن ظبيان وثقة ابن حبان وبقية رجاله ثقات. ورواه أيضا في الحديث:
(1390) عن غير أحمد، كما رواه أيضا في الحديث: (23) من مقتل ابن أبي الدنيا. - نلتزم بإحراقه لأنه عقوبة خاصة لمن أراد قتل النبي أو قتل الوصي، لله الخلق والأمر وله الخيرة دون الخلق، وأما غيره من العقوبات فأهل البيت أتقى وأعدل من أن يحوموا حولها، لا سيما مع نهي امير المؤمنين عليه السلام عن المثلة بالرجل.
[2] وذكره أيضا في ترجمته عليه السلام من الطبقات الكبرى: ج 3 ص 40 وليس فيه قوله- هنا-: «ولا عتب له» . وهذا اللفظ رسم خطه غير جلي من أنساب الأشراف، فإن صح اللفظ فمعناه: انه لا عتب على سفيان بن أمية لمجيئه بالبشارة لقتل علي، لأنه أموي. كما لا عتب على أم المؤمنين بقراءتها قول البارقي لأن «كل إناء بالذي فيه ينضح» .
وقال الطبري في تاريخه: ج 5/ 150: ولما انتهى إلى عائشة قتل على- رضي الله عنه- قالت:
فألقت عصاها واستقرت بها النوى ... كما قر عينا بالإياب المسافر
(ثم قالت:) من قتله؟ فقيل رجل من مراد. فقالت:
فإن يك نائيا فلقد نعاه غلام ليس في فيه التراب!!! فقالت زينب ابنة أبي سلمة: ألعلي تقولين هذا؟! فقالت: إني انسي فإذا نسيت فذكروني!!! اقول: ورواه أيضا في ترجمة امير المؤمنين من مقاتل الطالبيين ص 38 مسندا، وذكر قبله بسند آخر ما هو اعجب من هذا،(2/505)
وروى بعضهم أن سيف ابْن ملجم وقع فِي الحائط، وأن سيف ابْن بجرة وقع بعليّ. وذلك باطل.
[أبيات في قتل علي بن أبي طالب]
«560» وَقَالَ المدائني فِي بعض روايته: ذكر بنو ملجم عبد الرحمان وقيس ويزيد أمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْر وعمر وعثمان، وما بعدهم وأمر الحكمين فأجمعوا عَلَى قتل علي وَمُعَاوِيَة وعمرو بن العاصي (كذا) فنهاهم أبوهم عَن ذَلِكَ وأمرتهم أمهم بِهِ (ظ) فَقَالَ أبوهم: ودعوا أهلكم فإنكم غير راجعين. فمضوا فخرج عبد الرحمان إِلَى الْكُوفَةِ، وقيس إِلَى الشَّام ويزيد إِلَى مصر، فتولوا أمرهم، ووثب رجل من كلب عَلَى قَيْس فقتله.
وَهَذَا خبر شاذ لا يرويه إلا قوم من الخوارج، وزعم من روى هَذَا الخبر أن ملجم قَالَ:
لقد حملتكم أمكم بجهالة ... عَلَى لمة (ظ) شنعاء من كُلّ جانب
فما تركت فيكم لَهَا من مؤمّل ... يؤمّله إلا باس رجع غائب [1]
__________
[1] كذا في النسخة غير ان رسم الخط من حرف السين غير واضح.(2/506)
وَقَالَ الشاعر فِي قتل ابْن ملجم عَلِيًّا عليه السلام:
تضمّن للحسناء لا درّ دره ... فلاقى عقابا عزها غير مضرم [1]
وَلا مهر أغلا من علي وإن غلا ... وَلا فتك إِلا دون فتك ابْن ملجم
ثلاثة آلاف وعبد وقينة ... وضرب علي بالحسام المصمم
وقالت/ 437/ أم العريان بنت الهيثم (ظ) فِي علي:
وكنا قبل مقتله بخير ... نرى مولى رسول الله فينا
يقيم الحد لا يرتاب فِيهِ ... بعدل فِي البعيد والاقربينا [2]
وَقَالَ الكميت يذكر قتل علي:
والوصي الذي أمال التجوبي ... به عرش أمّة الانهدام
قتلوا يوم ذاك إذ قتلوه ... حكما لا كسائر الحكام
يعني بالتجوبي ابْن ملجم لأن جده تجوب، وَالَّذِي قتل عُثْمَان التُّجِيبِيّ وقد ذكرنا خبره.
«562» حدثني عبد الرحمان بْن صَالِح الأزدي، عَن من حدثه، عَن الشعبي، عن من سمع النادبة تندب عَلِيًّا بشعر كعب بْن زهير وهو:
إنّ عليّا لميمونة نقيبته ... بالصالحات من الأعمال محصور
صهر النَّبِيّ وخير النَّاس كلهم ... فكل من رامه بالفخر مفخور
__________
[1] جملة: «عزها غير مضرم» ليست مقطوعة من رسم الخط، وكتبناها على الاحتمال.
[2] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «يعدل في البعيد وحد الأقربينا» . ورواه عنها في مقتل ابن أبي الدنيا، مع زيادات في أولها، وقال: «ويقضي بالفرائض مستبينا» .(2/507)
صلى الإله عَلَى الأمي أولهم ... قبل العباد ورب النَّاس مكفور
بالعدل قام صليبا حين فارقه ... أَهْل الهوى من ذوي البهتان والزور
يا خير من حملت نعلا لَهُ قدم ... الأنبياء لديه البغي مهجور [1]
وَقَالَ أَبُو الأسود الدؤلي [2] :
ألا أبلغ مُعَاوِيَة بْن حرب ... فلا قرت عيون الشامتينا
قتلتم خير من ركب المطايا ... وأكرمهم ومن ركب السفينا
ومن لبس النعال ومن حذاها ... ومن قرأ المثاني والمئينا
وقد علمت قريش حيث كانت ... بأنك خيرهم حسبا ودينا
وَقَالَ هِشَام بْن الْكَلْبِيّ: قَالَ ابن ميناس المرادي [3] :
(و) نحن ضربنا يا ابنة الخير حيدرا ... (أ) بأحسن مأمومة فتفطرا
ونحن خلعنا ملكه عَن نصابه ... بضربة فصل إذ علا وتجبرا
وعادتنا قتل الملوك وعزنا ... صدور القنا لما لبسنا السنورا
ونحن كرام فِي الصباح أعزة ... إذا الموت بالموت ارتدا وتأزّرا
وقال النجاشي الشاعر:
__________
[1] كذا.
[2] ورواه أيضا في تاريخ الطبري مع زيادة في الوسط، ونقله في هامشه عن ديوان أبي الأسود، ص 32.
[3] كذا في النسخة، وذكره في تاريخ الطبري ج 5/ 150، وقال: قال ابن أبي مياس المرادي في قتل علي: «ونحن ضربنا يا لك الخير حيدرا» ...(2/508)
وكنا إذا ماحيّة أعيت الرتا ... وآبت بصر يقطر السم نابها
دسسنا لَهَا تحت العجاج ابن ملجم ... جرباء [1] إذا ما جا (ء) نفسا كتابها
«563» وحدثني (عَبَّاس بْن) هشام، عن أَبِيهِ، عن عَوَانَةَ، عَن عَبْد الملك بْن عمير أن الحجاج بْن يُوسُف عمل فِي القصر بالْكُوفَة عملا فوجد شيخا أبيض (ظ) الرأس واللحية مدفونا فَقَالَ: أَبُو تراب والله وأراد أن يصلبه فكلمه عنبسة بْن سعيد فِي ذَلِكَ وسأله أن لا يفعل فأمسك.
وَقَالَ مصقلة بْن هبيرة:
قضى وطرأ منها علي فأصبحت ... إمارته فينا أحاديث راكب [2]
__________
[1] كذا في الأصل، ولعل الصواب: جريئا إذ ما جاء ... » .
[2] قال محمد باقر المحمودي: هذا تمام ترجمة امير المؤمنين من كتاب انساب الأشراف- ويليه قوله: «أمر الحسن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طالب عليهما السلام» وقد فرغت منها في مساء اليوم 8- وهو يوم السبت قبيل الغروب من شهر ذي القعدة الحرام من عام: (1391) الهجري حينما كان اهل العلم في بلبلة وزلزلة وكانوا يجمعون اثقالهم للمهاجرة والارتحال عن دار العلم، وكان تمام همي وغاية املي إتمام هذا السفر الجليل- وأخيه من ترجمة سيدي شباب اهل الجنة من المعجم الكبير- وقد من الله علي بإتمامه- وإتمام ترجمة الإمامين من المعجم الكبير- ثم من على بالتوفيق لتحقيقه والفراغ منه في اليوم (17) من شهر رمضان المبارك من سنة (1393) في مسكني وهي دار اية الله الحاج ميرزا احمد ادام الله ايام بركاته، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله، وله الشكر أولا وآخرا، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين. ثم إن الله تعالي من علينا بتسهيل نشره فبدانا به في اوائل شهر ربيع الأول من عام: (1394) واتممناه في اليوم: (20) من جمادى الأولى منه فالحمد لله أولا وآخرا. ثم إنا قد ذكرنا في أول الكتاب ص 11، ان هذا كتاب جمع وليس بكتاب تحقيق، ونحن إنما قاسينا تعب نشره تحفظا على حقائقه لا معتقدا لجميع ما فيه، فإنا معاشر الإمامية ابنا، الدليل لا اتباع ما روي وقيل، ومن اراد حقائقه خاليا عن الأباطيل فعليه بكتاب أنباء الأسلاف للمحمودي، وانما قدمنا نشر هذا ليكون الأصل بمتناول العموم كي لا يمكن للخصم الجحود عند الاستدلال بحقائقه، وكان بناؤنا ان تزيف اباطيله في التعليقات ولكن نظام المكتبة صار بيد الخرمن واخدانه فانقطع عنا مواد العلم، وليعلم ان في بعض الموارد زدنا في المتن حرفا او كلمة او جملة او ما شابهها، ووضعناها بين المعقوفين قرينة على زيادتها وتمييزا بينها وبين ما كان ثابتا في الأصل، وقد ابدل الطابع بعض المعقوفات بالقوس، فجميع ما اثبت بين المعقوفات أر الاقواس زيادة منا وليس من اصل المتن والمصدر، وانما فعلنا ذلك اما لأجل وجود تلك الزيادة في اصل آخر غير كتاب الأنساب الاشراف او من اجل توقف صحة الكلام او وضوحه او تزيينه عليها، نعم إذا عقبنا بين المعقوفين بقوسين مزدوجين بينهما حرف «خ» فهو من الأصل.
ثم انا أدرجنا ارقام الصحائف من الأصل المخطوط- على وفق ما اشار اليه في ج 1، ط مصر، - في متن الكتاب لأمور، منها تسهيل التصحيح على المراجعين في الموارد غير المقروءة من نسختنا، ومنها إيقاف الباحثين على ادائنا لحق العلم والامانة، وقد نشرنا من ترجمة الزبير بن عبد المطلب الى ختام ترجمة امير المؤمنين جميع ما في أصلنا من نسخة استنبول حرفيا عدا عدة احاديث من ترجمة عبد الله بن جعفر فإنها قد ضاعت من مخطوطي في ايام البلوى وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.(2/509)
الجزء الثالث
أمر الحسن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طالب عَلَيْهِمَا السلام
. 1- وَكَانَ الحسن بْن علي يكنى أبا مُحَمَّد [1] ، وَكَانَ يشبه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أعلى رأسه إِلَى سرته، وَكَانَ الْحُسَيْن يشبه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سرته إِلَى قدميه. ويقال: إنه كانت فِيهِ مشابه من النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وجهه/ 438/ إِلا أن الحسن كَانَ أشبه النَّاس فِيهِ وجها [2] .
وكانت فاطمة عَلَيْهَا السلام إذا زفنته- أي رقصته- قَالَت [3] :
__________
[1] والمحكي عن تهذيب الأسماء: ج 1، ص 158، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كناه بذلك.
[2] قال في الحديث: (10) من باب مناقب الحسن عليه السلام من مجمع الزوائد، ج 9 ص 176، نقلا عن الطبراني عن علي عليه السلام قال: أشبه النَّاس برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما بين رأسه إلى نحره الحسن. قال: وإسناده جيد.
وقال الترمذي- في الحديث: (3779) من سننه: ج 5 ص 659: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمان، أخبرنا عُبَيْد اللَّهِ بْن مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إسحاق، عن هانئ بن هانئ عن علي قال: الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم أسفل من ذلك.
ورواه أيضا أحمد بن حنبل في الحديث (19) من باب مناقب الحسن والحسين من كتاب الفضائل الورق 147/ ب/ عن حجاج، عن إسرائيل ...
[3] يقال: «زفنت الأم ولدها تزفينا، ونقزته تنقيزا» : رقصته. والحديث رواه أيضا أحمد بن حنبل في الحديث الأخير، من مسند فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليهما وآلهما من كتاب المسند: ج 6 ص 283 ط 1 قال: حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا زمعة، عن ابن أبي مليكة قال:
كانت فاطمة تنقز الحسن بن علي وتقول:
بأبي شبه النبي ليس شبيها بعلي ورواه عنه في الحديث: (29) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 12، ص 7، ورواه أيضا عنه في باب مناقب الإمام الحسن عليه السلام من مجمع الزوائد: ج 9 ص 176، قال: وفيه زمعة بن صالح وهو لين.
وأيضا قال أحمد بن حنبل في الحديث: (40) من مسند أبي بكر من كتاب المسند:
ج 1، ص 171.
حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير، حدثنا عمر بن سعيد بن أبي مليكة حدثني عقبة بن الحارث قال:
خرجت مع أبي بكر من صلاة العصر بعد وفات النبي صلى الله عليه وسلم بليال وعلي يمشي إلى جنبه فمر بحسن بن علي بلعب مع غلمان فاحتمله على رقبته وهو يقول:
وا بأبي شبه النبي ... ليس شبيها بعلي
أقول: وببالي انه رواه أيضا في الحديث: (9) من باب فضائل الحسن والحسين صلوات الله عليهما من كتاب الفضائل الورق/ 146/ ب/ ولكن لا يحضر في الآن نسخته.(3/5)
[وابأبي شبه النَّبِيّ ... غير شبيه بعلي
] 2- وَحَدَّثَنِي الأَعْيَنُ، عَنْ روح بن عبادة بن عبادة (ظ) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ الْحَسَنَ فَقَالَ لَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: لِي عَشْرَةٌ مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ قَطُّ!!! [فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ!!! [1]] .
3- وَكَانَ الحسن سيدًا سخيا حليما، [فروى عَن علي أنه قَالَ: أنا أخبركم عَن أهلي أما الحسن ففتي من الفتيان صاحب جفنة وخوان [2] وأما عَبْد اللَّهِ بْن جعفر فصاحب لهو، وأما الْحُسَيْن ومحمد فهما مني وأنا منهما] .
__________
[1] وما في معناه رواه الحاكم في الحديث (10) من باب مناقبه من المستدرك: ج 3 ص 170، ورواه أيضا في مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 25 نقلا عن فضائل عبد الملك.
[2] هذا الحديث لم يثبت من طريق شيعة أهل البيت والمتمسكين بهم عليهم السلام.(3/6)
4- وَقَالَ المدائني عَن أَبِي معشر، عَن الضمري [1] عَن زيد بْن أرقم أن الحسن خرج وعليه بردة لَهُ، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب فعثر الحسن فسقط [فنزل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المنبر، وابتدر الناس فحملوه إليه وتلقاه صلى الله عليه وسلم فحمله ووضعه فِي حجره وَقَالَ: إن الولد فتنة] .
5- حَدَّثَنَا خلف بْن هِشَام البزار، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ الْخَيَّاطُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ:
عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: [عَقَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلامُ [2] .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سيدا شباب أهل الجنة [3]] .
__________
[1] كذا في الأصل ورواه أيضا في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة:
ج 16، ص 27 عن المدائني. ورواه أيضا ابن سعد، في الحديث: (10) من ترجمة الإمام الحسن من الطبقات. ج 1/ الورق ... وقال:
أنبأنا علي بن محمد، عن أبي معشر، عن محمد الصيرفي عن زيد بن أرقم قال: خرج الحسن ابن علي وعليه بردة ...
ورواه عنه في الحديث: (145) من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق: ج 12، ص 26 وقال في آخره: ولقد نزلت إليه وما أدر أين هو!!! ورواه بمعناه في الحديث: (98) من ترجمته عليه السلام من المعجم الكبير: ج 1.
[2] وهذا رواه في الحديث (41) وتواليه من ترجمة الإمام الحسن من المعجم الكبير ج 1/ الورق 124، بطرق.
[3] وللحديث مصادر وأسانيد، وذكره بهذا اللفظ في الحديث (414) من فرائد السمطين بسند طويل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقال: ورواه بزيادة ابن ماجة في مسنده. ثم نقله في الحديث (415) من فرائد السمطين عن ابن ماجة القزويني محمد بن يزيد بإسناد طويل، عن ابن عمر، وزاد في آخره: «وأبوهما خير منهما» .
ورواه أيضا في الحديث (379) منه بسند آخر عن أبي سعيد الخدري بزيادة: «إلا ابني الخالة يحيى وعيسى، وأمهما سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران» .
ورواه الطبراني في الحديث (71) وتواليه من ترجمة الإمام الحسن من المعجم الكبير:
ج 1/ الورق 121، بطرق.
ورواه أيضا في الحديث: «19- 31» من باب فضائل الحسن والحسين من مجمع الزوائد:
ج 9 ص 18، بطرق ومصادر.
ورواه أيضا ابن الأعرابي في معجم الشيوخ: ج 5/ الورق 183/ أو 234 ب/ قال:
أنبأنا الفضل أنبأنا الحسن بن علي الخلال الحلواني، أنبأنا المعلى بن عبد الرحمان، عن ابن أبي ذئب، عن نافع:
عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما.
ورواه أيضا محمد بن يزيد القزويني المعروف بابن ماجة في الحديث: (118) من كتاب السنن: ج 1، ص 42، قال: حدثنا محمد بن موسى الواسطي، حدثنا المعلى بن عبد الرحمان ...
ورواه في هامشه عن المستدرك وعن الترمذي والنسائي عن حذيفة بحذف: «وأبوهما خير منهما.»
ورواه أيضا أبو نعيم في ترجمة الإمام الحسن من كتاب معرفة الصحابة الورق 144/ أ/ قال:
حدثنا أبو بكر بن مالك، حدثنا أبو نعيم، حدثنا عبد الرحمان بن أبي نعم (ظ) حدثني أبي:
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
(ثم قال: و) رواه أبو نعيم عن الحكم بن عبد الرحمان بن أبي نعم عن أبيه عن أبي سعيد.
ورواه أبو نعيم عن يزيد بن مردانبه، عن عبد الرحمان بن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري.
ورواه صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري.
ورواه الأعمش عن عطية، عن أبي سعيد الخدري.
أقول: ورواه أحمد بن حنبل في الحديث (13، 21 و 37) من باب مناقب الحسن والحسن من كتاب الفضائل الورق 146/ ب و 149/ أ/ ومثل الأخيرين رواه أيضا في الحديث: (15، و 542 و 824) من مسند أبي سعيد من كتاب المسند: ج 3 ص 3 و 62 و 82 ط 1.
ورواه أيضا البغوي في معجم الصحابة ج 22/ الورق 42 ب/ قال: أخبرنا عبد الله، قال أنبأنا محمد بن إشكاب، أنبأنا عمران بن اماث (كذا) أنبأنا مالك بن الحسن بن مالك بن الحويرث قال:
حدثني أبي عن جدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.(3/7)
وَقَالَ رجل من بني أسد فِي الحسن (عليه السلام) :
كأن جفانه أحياض نهي ... إذا وضعت عَلَى ظهر الخوان
ويبذل مَا يفيد وكل شَيْء ... من الأشياء إِلا الأجوفان
6- المدائني عَن خلاد بْن عبيدة عَن عَلِيّ بْن زيد قَالَ:
حج الحسن رحمه اللَّه خمس عشرة حجة ماشيا، والنجائب لتقاد مَعَهُ، وخرج من ماله لله مرتين وقاسم الله ما له ثلاث مرات حَتَّى أن كَانَ ليعطي نعلا، ويمسك نعلا، ويمسك خفا ويعطي خفا [1] .
[7- وروي أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سابق بين الحسن والحسين فسبق الحسن فأجلسه عَلَى فخذه اليمني، ثُمَّ جاء الْحُسَيْن فأجلسه عَلَى اليسرى فقيل لَهُ: يَا رَسُول اللَّهِ أيهما أحب إِلَيْك؟ فَقَالَ: أقول كما قَالَ إِبْرَاهِيم وقيل لَهُ: أي ابنيك أحب إِلَيْك؟ فَقَالَ: أكبرهما وَهُوَ الَّذِي يلد محمدًا.
يعني إسماعيل عليهما السلام [2]] .
__________
[1] وروى مثله محمد بن حبيب في أماليه كما في شرح المختار: (31) من نهج البلاغة: ج 16، ص 10، وكما في الحديث: (228) وما قبله من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق: ج 12، ص 40، ولكن روى قبله وبعده في الحديث: (226) و (229) انه عليه السلام حج خمسا وعشرين حجة ماشيا. ومثلهما في الحديث: (5) من باب مناقبه عليه السلام من مستدرك الحاكم:
ج 3 ص 169، ورواه أيضا ابن سعد كما رواه عنه في الباب (27) من فرائد السمطين.
[2] ورواه أيضا ابن أبي الحديد في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من النهج:
ج 16، ص 26 نقلا عن المدائني.
وروى السيد أبو طالب في أماليه- كما في الباب: (6) من تيسير المطالب ص 92 ط 1- قال:
أخبرنا أبي رحمه الله قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى العقيقي قال: حدثنا جدي قال: حدثنا زيد بن الحسن، عن عبيد الله بن موسى العبسي عن إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق، عن الحرث:
عن علي عليه السلام قال: اصطرع الحسن والحسين عليهما السلام بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ايه حسن فخذ حسينا. فقالت فاطمة: (يا رسول الله) أتستنهض الكبير على الصغير؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
هذا جبرئيل يقول: ايه حسين خذ الحسن. (قال) : فاصطرعا (ظ) فلم يصرع واحد منهما صاحبه.(3/9)
8- المدائني عَن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد، عَن زيد بْن أسلم قَالَ: دخل رجل عَلَى الحسن بالمدينة وفي [يده صحيفة فَقَالَ لَهُ: ما هذه بأبي أنت وأمي؟ قَالَ هَذِهِ من مُعَاوِيَة يعد فِيهَا ويتوعد!! فَقَالَ: قد كنت تقدر عَلَى النصف منه. قَالَ: أجل ولكني خفت أن يأتي يوم القيامة سبعون أَوْ ثمانون ألفا أَوْ أكثر من ذَلِكَ أَوْ أقل كلهم تنضح أو داجه دما يقول: يا رب فيم (أ) هريق دمي؟! [1]] .
9- المدائني، عَن قَيْس بْن الربيع، عَن بدر بْن الخليل، عَن مولى للحسن بن علي أنه قال (له) : أتعرف مُعَاوِيَة بْن حديج إذا رأيته؟ قَالَ:
نعم. قال: فأرنيه إذا لقيته. فرآه خارجا من دار عَمْرو بْن حريث بالْكُوفَة فَقَالَ (له) : هُوَ هَذَا. فَقَالَ لَهُ: ادعه فدعاه فَقَالَ [لَهُ الحسن: أنت الشاتم عَلِيًّا عند ابْن آكلة الأكباد؟ أما والله لئن وردت الحوض- ولن ترده!!! - لترينه مشمرًا عَن ساقيه يذود عنه المنافقين [2]] .
__________
[1] ورواه أيضا ابن سعد، عن المدائني كما في الحديث: (320) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 12 ص 58 وكما في شرح المختار: (30) من الباب الثاني من نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد: ج 16، ص 17، ولكن الحديث ضعيف سندا ومتنا.
[2] ورواه في شرح المختار: (30) من نهج البلاغة: ج 16، ص 18، أولا عن المدائني عن أبي الطفيل، ثم قال قال أبو الحسن: وروى هذا الخبر أيضا قَيْس بْن الربيع عَن بدر بْن الخليل عن مولى الحسن عليه السلام.
ورواه أيضا الطبراني في الحديث (198) من ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من المعجم الكبير: ج 1/ الورق 131، وقال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل وعبد الرحمان بن سلم الرازي قالا: حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي حدثنا علي بن عابس، عن بدر بن الخليل أبي الخليل، عن أبي كبير قال: كنت جالسا عند الحسن بن علي رضي الله عنه فجاء رجل فقال: لقد سب عند معاوية عليا- رضي الله عنه- سبا قبيحا رجل يقال له معاوية- يعني ابن حديج- (قال: أ) تعرفه؟ قال: نعم. قال: إذا رأيته فأتني به. قال: فرآه عند دار عمرو بن حريث فأراه إياه (ف) قال له: أنت معاوية بن حديج؟ فسكت فلم يجبه ثلاثا، ثم قال (له) : أنت الساب عليا عند ابن آكلة الأكباد؟ أما لئن وردت عليه الحوض- وما أراك ترده- لتجدنه مشمرا حاسرا ذراعيه يذود الكفار والمنافقين عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تذاد غريبة الإبل عن حياضها (ظ) قول الصادق المصدوق أبي القاسم صلى الله عليه.
ورواه أيضا في الحديث: (229) من الترجمة الورق 133/ قال: حدثنا علي بن إسحاق الوزير الإصبهاني حدثنا إسماعيل بن موسى السدي حدثنا سعيد بن حنتم الهلالي (كذا) عن الوليد ابن يسار الهمداني، عن علي بن أبي طلحة مولى بني أمية قال:
حج معاوية بن أبي سفيان وحج معه معاوية بن حديج- وكان من أسب الناس لعلي- فمر في المدينة في مسجد الرسول صلى الله عليه والحسن بن علي جالس في نفر من أصحابه فقيل له: هذا معاوية بن حديج الساب لعلي رضي الله عنه. فقال: علي بالرجل. فأتاه الرسول فقال: أجب.
قال: من؟ قال: الحسن بن علي يدعوك، فأتاه فسلم عليه فقال الحسن بن علي رضي الله عنه:
أنت معاوية بن حديج؟ قال: نعم. فردد عليه ثلاثا فقال له الحسن: (أنت) الساب لعلي؟
فكأنه استحيا فقال له الحسن- رضي الله عنه-: أم والله لئن وردت عليه الحوض- وما أراك أن ترده- لتجدنه مشمرا الإزار على ساق يذود المنافقين ذود غريبة الإبل قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وقد خاب من افترى.
ورواه عنه في مجمع الزوائد: ج 9 ص 130، قال: وعن أبي كثير (كذا) قال: كنت جالسا عند الحسن بن علي ... وساق الخبرين إلى أن قال: رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما علي بن أبي طلحة مولى بني أمية ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات والآخر ضعيف.
أقول: ورواه أيضا بطرق أربعة في ترجمة معاوية بن حديج من تاريخ دمشق: ج 56 ص 924.
ورواه أيضا الحاكم في الحديث: (100) من ترجمة أمير المؤمنين من المستدرك: ج 3 ص 138.(3/10)
10- المدائني عَن سُلَيْمَان بْن أيوب، عَن الأسود بْن قَيْس العبدي قَالَ:(3/11)
[لقي الحسن يوما حبيب بْن مسلمة الفهري فقال له: يا حبيب رب مسير لك فِي غير طاعة اللَّه. قَالَ: أما مسيري إِلَى أبيك فلا!!! قَالَ:
بلى/ 439/ ولكنك أطعت مُعَاوِيَة عَلَى دنيا قليلة زائلة، فلئن قام بك في دنياك، لقد قعد بك فِي آخرتك، ولو كنت إذا فعلت شرا قلت [1] خيرا كَانَ ذَلِكَ كما قَالَ اللَّه عز وجل: «خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً» (102/ التوبة: 9) ولكنك كما قَالَ: «بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ» (14/ المطففين: 83) .]
11-[وقال عليّ لابنه الحسن- ورآه يتوضأ [2]-: أسبغ الوضوء.
فَقَالَ: قد قتلتم أمس رجلا (كذا) كَانَ يسبغ الوضوء. فَقَالَ علي: لقد أطال الله حزنك على عثمان!!!] .
__________
[1] ومثله رواه ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (30) من الباب الثاني من نهج البلاغة:
ج 16، ص 18.
[2] ورواه أيضا في ترجمة عثمان ج 5 ص 81 في السطر 3 عكسا قال: (روى) الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي جَزِيٍّ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: رَأَى عَلِيُّ الْحَسَنَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ له: أسبغ الوضوء. فقال الحسن: لقد قتلت رَجُلا كَانَ يُسْبِغُ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلاةٍ. فَقَالَ علي: لقد طال حزنك على عثمان!!! أقول: المشهور ان هذه المحاورة قد جرت بين أمير المؤمنين عليه السلام والحسن البصري حينما مر عليه بالبصرة وهو يتوضأ، فقال له: أسبغ الوضوء ... ولكن كلاهما باطل لا سيما ما ذكره البلاذري ها هنا، وفي ترجمة عثمان، أما أولا فلأن ما ذكره في الموردين غير واجد لشرائط الحجية والقبول، لأن ما ذكره هنا مرسل لا يعلم أن رواته أية رهط، ولعلهم من عفاريت النواصب!!! وكذا ما ذكرناه عن ترجمة عثمان أيضا مختل القواعد، لأن قتادة المولود في سنة (61) لم يدرك المحاورة بشخصه، فلو صدق انه ذكر هذا، فلا بد أن يكون ناقلا عمن كان حضر المحاورة أو ممن سمع ممن حضرها، ولم يذكره في السند، فلعله بعض نماردة بني أمية الذين أسسوا سب أمير المؤمنين وأهل بيته ثمانين سنة في أرجاء العالم الإسلامي ويؤيد ذلك انه عاش في أيام اهتضام أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم وأيام ارتقاء آل أمية ومن يهوى هو أهم- على أريكة التفر عن والجبروت فكانوا بالجبروت واستخدام دعات السوء يشوهون الحقائق ويموهون الأباطيل بلا مزاحم ولا معارض، ودام ذلك إلى أوائل دولة بني العباس فاشتبه الأمر على كثير من أهل البصر والبصيرة فكيف بقتاده المسكين الذي ولد أكمه؟! ويؤيد ذلك ما نقله في ترجمة قتادة من تهذيب التهذيب ج 8 ص 353، عن الشعبي انه قال:
قتادة حاطب ليل. وكذا ما نقله عن عمرو بن العلاء قال: كان قتادة وعمرو بن شعيب لا يغث عليهما شيء يأخذان عن كل أحد!!! وإن تأملت ما ذكره أيضا في الترجمة عن ابن حبان من انه قال: كان مدلسا على قدر فيه؟! تستيقن انه لا قيمة لما يرويه أمثاله إلا في صورة تشهد القرائن الخارجية بصدقه!!! ثم إن أبي جزي الراوي عن قتادة أيضا لم يعرف من هو؟ كما ان المدائني أيضا غير مقبول عند بعضهم.
وأما ثانيا فلأن الحسن عليه السلام كان شاهدا أن أباه كان ينهى عن قتل عثمان وكان بمعزل عن قاتليه، ورووه عنه انه أرسل الحسن والحسين لنصر عثمان، فكيف يصح مع هذا أن يقال:
إن الحسن قال لأبيه: قد قتلتم أمس رجلا كان يسبغ الوضوء!!! لا سيما قوله- بزعم المختلق- المذكور في ترجمة عثمان: «لقد قتلت رجلا كان يسبغ الوضوء» ؟ وهذه قرينة قطعية على ان الرواية من مفتريات آل أمية وشيعتهم!!!! وأما ثالثا فلأن إسباغ الوضوء بنفسه غير مانع من القتل إذا كان المتوضئ ممن قلب الشريعة ظهرا لبطن وأعطى قيادة الأمة بيد بني أبيه أغصان الشجرة الملعونة الذين كانوا يلعبون بالدين ونواميس المسلمين وكانوا يأكلون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع وجعلوا مال الله دولا وعباده خولا، حتى أجمع على خلعه وقتله عظماء المهاجرين والأنصار، وكانت أم المؤمنين عائشة تصيح: اقتلوا نعثلا. يعني عثمان؟! إلى غير ذلك مما هو مبثوث في طيات كثير من كتب القوم فعلى هذا فالذي قتل عثمان هو أعماله وأعمال بني أبيه لا أمير المؤمنين عليه السلام الذي كان في معزل عن قتله وكان قد بذل غاية وسعه لنصح عثمان ودفع الثائرين عنه؟ والشاهد كتب القوم وما تواتر عن أمير المؤمنين عليه السلام، ويكفيك في هذا مراجعة إجمالية إلى الكلمات الواردة عن أمير المؤمنين، أو إلمام بما كتبه البلاذري في ترجمته عليه السلام، أو مرور عجلان بما سطره الطبري في تاريخه مع كثرة أباطيله!!!(3/12)
12- وَقَالَ سعيد بْنِ عَبْدِ العزيز التنوخي، عَن الزُّهْرِيّ: تفاخرت قريش عند مُعَاوِيَة، وعنده الحسن وهو ساكت، فقال معاوية: ما يمنعك (يا) أبا محمد من الكلام؟ فو الله مَا أنت بكليل اللسان وَلا مأشوب الحسب [1] فَقَالَ:
[والله مَا ذكروا مكرمة وَلا فضيلة إلا ولى محضها ولبابها، ثم قال:
فيم الكلام وقد سبقت مبرزًا ... سبق الجياد من المدى المتنفس [2]
] 13- المدائني عَن عَبْد اللَّهِ بْنِ عبد الرحمان، عَن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو، قَالَ:
[خطب الحسن بْن علي امرأة من بني شيبان، فقيل لَهُ: إنها ترى رأي الخوارج فَقَالَ: أكره أن أضمّ إلى صدري جمرة من جمر جهنم!!!] 14- المدائني عَن عَبْد اللَّهِ بْن سَلْم الفهري قَالَ: خطب علي إِلَى سعيد بْن قَيْس ابنته أم عمران، لابنه الحسن، فشاور (سعيد) الأشعث، فَقَالَ:
زوجها ابني محمدًا فهو ابْن عمها. فزوجه إياها [3] ثُمَّ دعا الأشعث الحسن فغداه فاستسقى ماء فَقَالَ لابنته: اخرجي فاسقيه فسقته فَقَالَ الأشعث:
لقد سقتك جارية مَا خدمت الرجال وهي ابنتي. فأخبر الحسن أباه فَقَالَ تزوجها.
قَالَ المدائني: ويقال: إن عَلِيًّا قَالَ للأشعث: اخطب على الحسن ابنة
__________
[1] كذا.
[2] ورواه أيضا ابن سعد في الطبقات كما في الحديث: (234) من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق: ج 12، ص 41.
[3] وهذا رواه أيضا ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة: ج 16، ص 21.(3/14)
سعيد بن قيس. فأتى (الأشعث) سعيدًا فخطبها عَلَى ابنه فزوجه!!! فَقَالَ علي: خنت. فَقَالَ: أزوجه من ليس بدونها، فزوجه جعدة بنت الأشعث فسمت الحسن فخلف عَلَيْهَا يعقوب بن طلحة، ثم العباس (ظ) ثُمَّ عَبْد اللَّهِ بْن العباس.
15- وَقَالَ المدائني قَالَ ابْن فسوة التَّمِيمِيّ للحسن بْن علي عَلَيْهِمَا السلام:
فليت قلوصي عريت أَوْ رحلتها ... إلى حسن في داره وابن جعفر
إلى ابن رسول الله يأمر بالتقى ... ويقرأ آيات الكتاب المطهر
16- الْمَدَائِنِيُّ عَن عَبْد اللَّهِ بْن سَلامٍ، عَن عَمْرو بْن ميمون بْن مهران قَالَ:
تنازع عَمْرو بْن سعيد والحسن بْن علي فقال عمرو: أما والله لطالما سلكتم مسلكا صعب المنحدر، طلبا للفتنة والفرقة!! فلم يركم اللَّه فِيهَا مَا تحبون!! [فَقَالَ لَهُ الحسن: إنك لو كنت تسمو بفعلك مَا سلكت فجّ قصد، ولا حللت براية مجد، ولتوشك آن تقع بين لحبي ضرغامة من قريش قروش الأعادي [1] فلا ينجيك الروغان إذا التقيا علفك حلقتا البطان [2]] .
17- المدائني عن عبد الرحمان العجلاني (ظ) عن سعيد بن عبد الرحمان قَالَ: تفاخر رجال من قريش فذكر كُلّ امرئ مَا فِيهِمْ فَقَالَ مُعَاوِيَة للحسن: يَا (أ) با مُحَمَّد مَا يمنعك من القول فما أنت بكليل اللسان؟!
__________
[1] كذا.
[2] ويحتمل رسم الخط أن يقرأ: «علنك حلقتا البطان» .(3/15)
[قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا ذكر مكرمة ولا فضيلة إلا ولى محضها ولبابها، ثم قَالَ:
فيم الكلام وقد سبقت مبرزًا ... سبق الجياد إِلَى المدى المتنفس
] 18- المدائني عَن الهذلي عَن ابْن سيرين قَالَ: خطب الحسن بْن علي إِلَى رجل فزوجه فَقَالَ: إني لأزوجك وأنا أعلم أنك غلق [1] طلقة ولكنك خير الناس نسبا وأرفعهم جدًا وبيتا.
19- المدائني عَن أَبِي اليقظان قال: نعا الحسن بالبصرة- عبد الله ابن سلمة بْن/ 440/ المحبق- أخو سنان بْن سلمة- نعاه إِلَى زياد، فخرج الحكم بْن أَبِي العاص فنعاه إِلَى النَّاس فبكوا وأبو بكرة مريض فسمع البكاء فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فقالت امرأته ابنة سحابة [2] : مات الحسن بْن علي، فالحمد لله الَّذِي أراح النَّاس منه!! فَقَالَ أَبُو بكرة: ويحك اسكتي فقد والله أراحه اللَّه من شر طويل وفقد النَّاس منه خيرًا كثيرًا.
وَقَالَ الجارود ابن أَبِي سبرة:
إذا كَانَ شر سار يوما وليلة ... وإن كَانَ خير قصد السير أربعا
__________
[1] كذا في الأصل، ورواه أيضا ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة: ج 16، ص 21 عن المدائني وفيه: وأعلم أنك ملق طلق غلق، ولكنك خير الناس نسبا، وأرفعهم جدا وأبا.
[2] رسم خط هذه اللفظة خفية، ويحتمل أن يقرأ «سحامة» . والحديث رواه أيضا ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة: ج 16، ص 11- نقلا عن أبي الحسن المدائني وقال: فقالت امرأته ميسة بنت سخام الثقفية ...(3/16)
إذا مَا يريد الشر أقبل نحونا ... لإحدى الدواهي الربد جاء فأسرعا [1]
20- حَدَّثَنَا بَسَّامٌ الْجَمَّالُ (ظ) حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ:
عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ كَانَ يَأْتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وهو
__________
[1] ورواه أيضا عن المدائني في شرح المختار: (31) من الباب (2) من نهج البلاغة ج 16، ص 14.
ورواه أيضا في الحديث: (366) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 12، ص 68 قال:
أخبرنا أبو الحسين ابن الفراء، وأبو غالب وأبو عبد الله ابنا البناء، قالوا: أنبأنا أبو جعفر، أنبأنا أبو طاهر، أنبأنا أحمد بن سليمان، أنبأنا الزبير. قال: وحدثني أبو الحسن المدائني أنبأنا أبو اليقظان قال:
قدم البصرة بوفات الحسن بن علي عبد الله بن سلمة بن سنان أبو المحبق (ظ) الهذلي- وكان سنان ولد أيام خيبر، فبشر به أبوه فقال: لسنان أطعن به في سبيل الله أحب إلي منه!!! فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سنانا- فقال الجارود بن (أبي) سبرة الهذلي:
إذا ما بريد (الشر) أقبل نحونا ... بإحدى الدواهي الربد سار فأسرعا
فإن يك شرا سار يوما وليلة ... وإن كان خيرا قسط السير أربعا
فنعاه زياد لجلسائه فخرج الحكم بن أبي العاص الثقفي فنعاه للناس فبكوا، فسمع أبو بكرة (البكاء) فقال لميسة بنت شحام (كذا) امرأته- وهو مريض-: ما هذا؟ قالت: نعي الحسن بن علي فاستراح الناس من شر كثير!! قال: ويحك بل أراحه الله من شر كثير وفقد الناس خيرا كثيرا.
ورواه أيضا ابن عساكر- في ترجمة بشير بن عبد الله البصري من تاريخ دمشق: ج 10، ص 157 وفي تهذيبه: ج 3 ص 265- قال:
أخبرنا ابو بكر الأنصاري أنبأنا أبو محمد الجوهري، أنبأنا أبو عمرو بن حيويه، أنبأنا أحمد بن معروف، حدثنا الحسين بن فهم، أنبأنا محمد بن سعد، أنبأنا علي بن محمد المدائني، عن سحيم بن حفص وعبد الله بن فائد:
عن بشير بن عبد الله قال: أول من نعى الحسن بن علي بالبصرة، عبد الله بن سلمة بن المحبق- أخو سنان- نعاه لزياد، فخرج الحكم بن أبي العاص الثقفي فنعاه فبكى الناس وأبو بكرة مريض فسمع الضجة فقال: ما هذا؟ فقالت امرأته عبسة بنت سحام (كذا) من بني ربيع:
مات الحسن بن علي فالحمد لله الذي أراح الناس منه!!! فقال أبو بكرة: اسكتي ويحك فقد أراحه الله من شر كثير وفقد الناس خيرا كثيرا.
أنساب الأشراف (م 2)(3/17)
سَاجِدٌ فَيَجْلِسُ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ أَخَذَهُ فَأَقْعَدَهُ فِي حِجْرِهِ [1] .
21- قَالَ المدائني: ولقي أَبُو هريرة الحسن بْن علي فقال له: ائذن لي (أن) أقبل منك حيث رأيت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم يقبّل منك.
فرفع قميصه عن سرّته فقبّلها [2] .
__________
[1] وقال الهيثم الشاشي في مسند ابن مسعود من كتاب مسند الصحابة الورق 114/:
حدثنا عباس الدوري، حدثنا عبيد الله، أنبأنا علي بن صالح، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يصلي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أراد (وا) أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما، فلما أن صلى وضعهما في حجره ثم قال:
من يحبني فليحب هذين.
ورواه ابن عساكر في الحديث: (100) وتواليه من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق: ج 12 ص 18، بطرق.
[2] ورواه أيضا أحمد بن حنبل في الحديث: (28) من باب فضائل الحسن والحسين من كتاب الفضائل الورق 147/ أ/ قال:
حدثنا (محمد) بن أبي عدي، عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق قال:
كنت مع الحسن بن علي فلقينا أبو هريرة فقال (له) : أرني أقبل منك حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل. قال: فقال بقميصه قال: فقبل سرته.
ورواه أيضا الطبراني في الحديث: (53) من ترجمة الإمام الحسن من المعجم الكبير:
ج 1/ الورق 120/ قال:
حدثنا أبو مسلم الكشي، حدثنا أبو عاصم، عن ابن عون، عن عمير ابن إسحاق (قال) :
إن أبا هريرة لقي الحسن بن علي- رضي الله عنهما- فقال: ارفع ثوبك حتى أقبل حيث رأيت النبي صلى الله عليه يقبل. فرفع (الحسن) عن بطنه ووضع يده على سرته.
ورواه بعينه في الحديث ما قبل الأخير من ترجمته عليه السلام، من المعجم الكبير ثم قال:
حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا ابن الإصبهاني حدثنا شريك، عن ابن عون ...
ورواه أيضا في باب مناقب الإمام الحسن من مجمع الزوائد: ج 9 ص 177، وقال: رواه أحمد والطبراني ورجالهما رجال الصحيح غير عمير بن إسحاق وهو ثقة.
ورواه أيضا في الحديث: (39) من كتاب فضائل الصحابة الورق 149/ أ/ قال:
حدثنا إبراهيم بن عبد الله أبو مسلم البصري، حدثنا أبو عاصم- وهو الضحاك بن مخلد- عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق ...
ورواه أيضا في مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 25 نقلا عن مسند العشرة وإبانة العكبري وشرف النبي وفضائل السمعاني.
ورواه أيضا الحاكم بسند آخر، في الحديث الثاني من باب مناقب الحسن عليه السلام من المستدرك:
ج 3 ص 168، وقال: صحيح. وأقره الذهبي ولم يتكلم عليه.
ورواه أيضا ابن عساكر في الحديث: (162) من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق بطرق.(3/18)
22- وروي عن البهي (ظ) مَوْلَى الزُّبَيْر، عَن عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ ان الحسن (بن علي) كان يجيء والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راكع فيفرج لَهُ بين رجليه حَتَّى يخرج من الجانب الأخر [1] .
23- وروى بعض المدنيين أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ [: الحسن ريحانتي من الدنيا وهو سيّد وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين، اللَّهُمَّ إني أحبه وأحب من يحبه] .
24- حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدمشقي حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: سمع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُكَاءَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلامُ فَقَامَ فَزِعًا [فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ لَقَدْ قُمْتُ وَمَا أَعْقِلُ] .
25- حَدَّثَنِي أَبُو الصَّلْتِ الْهَرَوِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنِ بْنِ حسين (كذا) قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: [حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
__________
[1] ورواه أيضا ابن عساكر في الحديث: (29) وتاليه من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق: ج 12، ص 7 مسندا.(3/19)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْلِيمَهُ إِيَّايَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ،] وَقَوْلَهُ لِي: قُلْ إِذَا صَلَّيْتَ: [ «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شرّ ما قضيت، إنه لا يذلّ من واليت، تباركت وَتَعَالَيْتَ» [1]] .
26- المدائني قَالَ: بلغنا أن الحسن كَانَ إذا أراد أن يطلق امرأة جلس إِلَيْهَا فقال: [أيسرّك أن أهب لك كَذَا. فتقول: مَا شئت [2] أَوْ تقول: نعم. فيقول: هُوَ لك. فَإِذَا قام أرسل إِلَيْهَا بمالها الَّذِي سماه وبالطلاق] .
قَالَ: وتزوج الحسن هند بنت سهيل بْن عَمْرو، وكانت عند عبد الله ابن عامر، فطلقها فكتب مُعَاوِيَة إِلَى أَبِي هريرة أن يخطبها عَلَى يزيد، فلقيه الحسن فَقَالَ: أين تريد؟ قَالَ: أخطب هند بنت سهيل عَلَى يزيد بْن مُعَاوِيَة.
قَالَ: اذكرني لَهَا. فأتاها أَبُو هريرة فأخبرها الخبر، فقالت: خر لي.
فقال: اختار لك الحسن. فتزوجها (الحسن) فقدم ابن عامر المدينة، فقال
__________
[1] والحديث رواه جماعة، منهم الطبراني في مسند الإمام الحسن عليه السلام برواية أبي الحوراء عنه عليه السلام، فإنه رواه في ترجمته عليه السلام من المعجم الكبير: ج 1/ الورق 130/ بطرق كثيرة جدا.
ورواه أيضا في الحديث (17) وتاليه من باب مناقب الإمام الحسن عليه السلام من المستدرك:
ج 3 ص 172.
ورواه أيضا بسند آخر مع زيادات في آخره السيد أبو طالب في أماليه كما في الباب: (19) من ترتيبه تيسير المطالب ص 236، ط 1.
ورواه أيضا في الحديث الأول وما يليه من ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من تاريخ دمشق.
[2] ومثله رواه ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة ج 16، ص 12، نقلا عن محمد بن حبيب. وروى أيضا الحديث التالي نقلا عن المدائني.(3/20)
للحسن: إن لي عندها وديعة. فدخل إِلَيْهَا والحسن مَعَهُ، فجلست بين يديه فرق ابْن عامر حين نظر إِلَيْهَا، فَقَالَ الحسن: ألا أنزل لك عَنْهَا، فلا أراك تجد محللا لكما خيرًا مني؟ قَالَ: وديعتي. فأخرجت سفطين فيهما جوهر ففتحهما وأخذ من كُلّ واحد قبضة وترك الباقي عَلَيْهِمَا (كذا) .
وكانت (هند) عند عبد الرحمان بن عتاب بن أسيد قبل أن يكون عند ابن عامر، وهو أبو عذرها، فكانت تقول: سيدهم جميعا الحسن، وأسخاهم ابْن عامر، وأحبهم إليّ عبد الرحمان بن عتاب.
27- المدائني، عن محمد بن فرا (ء) العبدي [1] عَن أَبِي سعيد:
أن مُعَاوِيَة قَالَ لرجل من أَهْل الْمَدِينَةِ من قريش: أخبرني عَن الحسن. فَقَالَ:
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إذا صلى الغداة جلس/ 441/ فِي مصلاه حَتَّى تطلع الشمس، ثُمَّ يساند ظهره فلا يبقى فِي مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أحد لَهُ شرف إِلا أتاه، فيتحدثون عنده حَتَّى إذا ارتفع النهار، صلى ركعتين ثُمَّ ينهض فيأتي أمهات الْمُؤْمِنِينَ فيسلم عليهن فربما أتحفنه [2] ثُمَّ ينصرف إِلَى منزله ثُمَّ يروح إِلَى المسجد فيصلي ويتحدث النَّاس إِلَيْهِ. فَقَالَ (معاوية) :
ما نحن معه في شيء [3] .
__________
[1] كلمة: «فراء» رسم خطها غير واضح، ويساعد أن يقرء «عمر العبدي» ورواه أيضا في الحديث: (222) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 12، ص 39 نقلا عن ابن سعد، عن محمد بن علي، عن محمد بن عمر العبدي (ظ) ...
[2] هذا هو الظاهر، وذكره في الأصل بالمثناة الفوقانية.
[3] كلمة: «شيء» هنا غير واضحة وكأنها ضرب عليها الخط. وهي واضحة في الحديث 222 من ترجمته من تاريخ دمشق ج 12، ص 39. نقلا عن ابن سعد، عن المدائني.(3/21)
28- حدثني بعض أصحابنا عَن الزُّبَيْر بْن بكار، عَن عمه مصعب بلغه أن حسنا لم ينل لأحد سوء قط فِي وجهه وَلا (فِي) غيبته، فَقَالَ يوما- وكانت بين الْحُسَيْن وعمرو بن عثمان خصومة-: ما له عندنا إلّا ما يسوؤه ويرغم أنفه [1] .
29- المدائني عَن سعيد بْن عُثْمَان- ولم يكن بالحصيف- أنه قَالَ للحسن: مَا بال أصداغنا تشيب قبل عنافقنا؟ وعنافقكم تشيب قبل أصداغكم؟
فَقَالَ [إن أفواهنا عذبة فنساؤنا لا يكرهن لثامنا، ونساؤكم يكرهن لثامكم فتصرف وجوهها فتتنفس فِي أصداغكم فتشيب] .
30- المدائني، عَن سحيم، عَن حفص، عَن عيسى بْن أَبِي هارون (ظ) قَالَ:
تزوج الحسن حفصة بنت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكر، وَكَانَ المنذر بْن الزُّبَيْرِ هواها، فأبلغ الحسن عَنْهَا شَيْئًا فطلقها الحسن- وَكَانَ مطلقا- فخطبها عاصم بْن عمر بْن الخطاب فتزوجها، فرقا إِلَيْهِ المنذر شَيْئًا فطلقها، ثُمَّ خطبها المنذر، فأبت أن تتزوجه وقالت: شهرني. فخطبها [2] المنذر (مرارا) فقيل لَهَا: تزوجيه فيعلم النَّاس أنه كَانَ يعضهك بباطل [3] : فتزوّجته فعلم
__________
[1] هذا الحديث رسم خطة غير مبين كما هو حقه.
[2] من قوله: «المنذر- إلى قوله: - فخطبها» كان في هامش الأصل، وكان بعده حرف «ز» وكأنه إشارة إلى زيادته، ويؤيدها انسجام الكلام واتساقه بدونها.
ورواه أيضا ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة:
ج 16، ص 13، نقلا عن المدائني باختصار ولم يذكر ذيل الكلام المذكور هنا.
[3] يقال: عضه يعضه- من باب منع- عضها: كذب. نم. سحر.(3/22)
النَّاس مَا أراد وأنه كَانَ كذب عَلَيْهَا، فقال الحسن لعاصم بن عمر (بن الخطاب) انطلق بنا حَتَّى نستأذن المنذر، فندخل عَلَى حفصة. فاستأذناه فشاور أخاه عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: دعهما يدخلان عَلَيْهَا، فدخلا فكانت إِلَى عاصم أكثر نظرا مِنْهَا إِلَى الحسن، وكانت إِلَيْهِ أشد انبساطا فِي الحديث، فَقَالَ الحسن للمنذر: خذ بيدها، وقام الحسن وعاصم فخرجا، وَكَانَ الحسن يهواها وإنما طلقها لما رقا إِلَيْهِ المنذر.
وَقَالَ الحسن يوما لابن أَبِي عتيق- وحفصة عمته- وَهُوَ عَبْد اللَّهِ بْن محمد بن عبد الرحمان بْن أَبِي بكر: هل لك فِي العقيق؟ فقال: نعم. فخرجا فمرّ بمنزل حفصة فدخل إِلَيْهَا الحسن فتحدثا طويلا ثُمَّ خرج، فَقَالَ لابن أَبِي عتيق يوما آخر: هل لك فِي العقيق،؟ قَالَ: نعم. فمرّ بمنزل حفصة فدخل، ثُمَّ قَالَ لَهُ مرة أخرى: هل لك فِي العقيق؟ فَقَالَ لَهُ: يا ابن أم (كذا) ألا تقول: هل لك فِي حفصة!!! 31- المدائني عَن أَبِي أيوب القرشي عَنْ أَبِيهِ: أن الحسن بْن علي أعطى شاعرًا مالا [فَقَالَ لَهُ رجل: سبحان اللَّه أتعطي شاعرًا يعصى الرحمن ويقول البتهان؟ فَقَالَ: إن خير مَا بذلت من مالك مَا وقيت بِهِ عرضك، وإن من ابتغاء الخير اتقاء الشرّ [1]] .
32- قالوا: وتدار (أ) الحسن وَمُعَاوِيَة [2] فِي أمر فَقَالَ الحسن:
بيني وبينك سعد بْن أَبِي وقاص. فَقَالَ مُعَاوِيَة: لا أحكم رجلا من أهل
__________
[1] ورواه أيضا محمد بن حبيب البغدادي في أماليه كما في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة لأبن أبي الحديد: ج 16، ص 10.
[2] أي تعارضا وتنازعا.(3/23)
بدر!!! قَالَ الحسن: فترضى عبيد اللَّه بْن أَبِي بكرة بالعراق؟ قَالَ مُعَاوِيَة:
لا أرضى بِهِ.
33- حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمُغِيرَةَ الأَثْرَمُ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ حَبِيبٍ قَالَ:
مَدَحَ شَاعِرٌ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ فَأَعْطَاهُ عَشْرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ!!! فَقِيلَ: أَتُعْطِيهِ عَشْرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ؟ قال: [إن خير المال ما وقي (به) الْعِرْضَ، وَاكْتُسِبَ بِهِ حُسْنُ الأُحْدُوثَةِ، وَاللَّهِ مَا أَخَافُ أَنْ يَقُولَ: لَسْتَ بِابْنِ رَسُولِ اللَّهِ وَلا ابْنِ عَلِيٍّ وَلا ابْنِ فَاطِمَةَ، وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ يَقُولَ: إِنَّكَ لا تُشْبِهُ رَسُولَ اللَّهِ، وَلا عَلِيًّا وَلا فَاطِمَةَ، وَاللَّهِ إِنَّهُمْ لخير مني، وأخرى إن الرجل أملني ورجاني] .
34- المدائني، عن أبي جُعْدُبَةَ، عَن ابْن أَبِي مليكة قَالَ: تزوج الحسن بْن علي خولة بنت منظور بْن زبان بن سيّار بن عمرو الفزاريّ (ظ) فبات ليلة عَلَى سطح لَهُ أجم لا ستر لَهُ، فشدت خمارها برجله والطرف الأخر بخلخالها، فقام من الليل فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قالت: خفت أن تقوم بوسنك فِي الليل [1] فتسقط فأكون أشأم سخلة على/ 442/ العرب!!! فأحبها وأقام عندها سبعة أيام، فَقَالَ ابْن عُمَرَ: لم نر أبا مُحَمَّد منذ أيام فانطلقوا بنا إِلَيْهِ، فأتوه فقالت خولة: احتبسهم حَتَّى نهيء لهم غداء. قال: نعم. قَالَ ابْن عُمَرَ: فابتدأ الحسن حديثا ألهانا بالاستماع إعجابا بِهِ حَتَّى جاءنا بالطعام.
فكانت خولة عند مُحَمَّد بْن طَلْحَة، فخلف عَلَيْهَا (الحسن) وكانت
__________
[1] الوسن- كسبب-: الحاجة، والجمع: أوسان.
وهذا المعنى رواه أيضا في الحديث: (245) من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق ج 12، ص 43 من طريق الخطيب نقلا عن المدائني.(3/24)
أختها عند عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ، فعبد اللَّه زوجه إياها، واسم أختها «تماضر» بنت منظور، فغضب أبوها، ثُمَّ رضي.
وَقَالَ قوم: التي (ظ) شدّت خمارها برجله هند بنت سهيل.
والأول أثبت.
35- قَالُوا: وتزوج الحسن امرأة من أَهْل اليمن فبعث إِلَيْهَا بعشرة آلاف درهم وطلاقها فقالت: متاع قليل من حبيب مفارق. فَقَالَ الحسن: [لو راجعت امرأة راجعت هَذِهِ] .
36- حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: أَحْصَنَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تِسْعِينَ امْرَأَةٍ فَقَالَ عَلِيٌّ: [لَقَدْ تَزَوَّجَ الْحَسَنُ وَطَلَّقَ حَتَّى خِفْتُ أَنْ يجيء بِذَلِكَ عَلَيْنَا عَدَاوَةَ أَقْوَامٍ] .
37- حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا المعتمر، عن قرّة ابن خَالِدٍ:
عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَقُولُ: [الطَّعَامُ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يُقْسَمَ عَلَيْهِ إِذَا دُعِيَ الرَّجُلُ إِلَى أَكْلِهِ فَلَمْ يَأْكُلْ] .
38- المدائني عَن أَبِي زَكَرِيَّا العجلاني قَالَ: قَالَ مخرمة بْن نوفل بنو هاشم أكمل سخاء من بني أمية. وَقَالَ جبير بن مطعم بنو أمية أسخا.
فَقَالَ لَهُ مخرمة: امتحن ذَلِكَ ونمتحنه. فأتي جبير سعيد بن العاصي (كذا) وَابْن عامر ومروان فسألهم فأعطاه كُلّ امرئ منهم عشرة آلاف، وأتى مخرمة الحسن والحسين وعبد اللَّه بْن جعفر فأعطاه كُلّ واحد منهم مائة ألف درهم فردها وَقَالَ: إنما أردت امتحانكم!!!(3/25)
39- وحدثني عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ:
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْطَأَ كَلامُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَيْتِ [1] وَهُوَ مَعَهُ فَلَمَّا كَبَّرَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ الْحَسَنُ، فَسَرَّ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَبَيَّنَّا السُّرُورَ فِي وَجْهِهِ، وَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرَ الْحَسَنُ إِلَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ فَوَقَفَ الْحَسَنُ عِنْدَ السَّابِعَةِ، وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكَعَ ثُمَّ قَامَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَبَّرَ الْحَسَنُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى خَمْسِ تَكْبِيرَاتٍ فَوَقَفَ الْحَسَنُ عِنْدَهَا، وَتِلْكَ سَنَةُ الْعِيدِ [2] .
40- المدائني عَن الهذلي عَن الحسن، أن فاطمة أتت النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وسلم بالحسن والحسين عليهم السلام فقالت: [انحلهما. فَقَالَ: قد نحلت الحسن الحلم والحياء، وقد نحلت الْحُسَيْن الجود والمهابة. وأجلس حسنا عَلَى فخذه اليمني وحسينا عَلَى اليسرى] .
41- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ حماد بن سلمة، عن هشام ابن عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ [3] قَالَ: [خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ يوما فجاء الحسن فقال
__________
[1] كذا في النسخة، ولعل الصواب: «العيد» . أو ان المرار من البيت هو مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. أو ان إلى بمعنى «من» .
[2] ورواه أيضا ابن المغازلي في الحديث: (89) من مناقبه بسند آخر عن جابر.
ورواه أيضا أبو المفضل الشيباني في أماليه وابن الوليد في كتابه كما في مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 13.
[3] هذا هو الصواب، وفي الأصل ذكر الأول بالعين المهملة ثم الزاء المعجمة، والثاني بالغين المعجمة ثم الراء المهملة.
والحديث صحيح السند عندهم ورجاله رجال الصحاح!!! وقد اتفق هذا المعنى للحسين عليه السلام مع عمر بن الخطاب ورواه ابن عساكر، في الحديث (178) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 13، ص 51/ أو 110، بأسانيد قال:
أخبرنا أبو البركات الأنماطي وأبو عبد الله البلخي قالا: أنبأنا أبو الحسين ابن الطيوري وثابت بن بندار، قالا: أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن جعفر، وأبو نصر محمد بن الحسن قالا، أنبأنا الوليد بن بكر، أنبأنا علي بن أحمد بن زكريا، أنبأنا صالح بن أحمد، حدثني أبي أحمد:
أنبأنا سُلَيْمَان بْن حرب، أَنْبَأَنَا حماد بْن زَيْد، عن يحيى بن سعد:
عن عبيد بن حنين، عن حسين بن علي قال: صعدت إلى عمر وهو على المنبر فقلت: انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك!!! فقال: من علمك هذا؟ قلت: ما علمنيه أحد.
قال: منبر أبيك والله، منبر أبيك والله، وهل أنبت على رءوسنا الشعر إلا أنتم!!! (لو) جعلت تأتينا وجعلت تغشانا.
ورواه أيضا بعده بسندين آخرين.(3/26)
انْزِلْ عَنْ مِنْبَرِ أَبِي!!! فَقَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ هذا من ملاء مِنَّا؟!] 42- وَحَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا جرير، عن قابوس ابن أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَقَعَ مُغَيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَقِيلٍ الثَّقَفِيُّ في الحسن بن علي وشتمه فقال رجل معنا [1] يَا أَبَا ظَبْيَانَ وَقَعَ الْمُغِيرَةُ فِي الْحَسَنِ وسبّه. فقال: ولم- قلّ خيره- فو الله لَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفَرِّجُ رِجْلَيْهِ وَيُقَبِّلُ زَبِيبَهُ.
43- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ/ 443/ بْنُ هِشَام الكلبي عن أبيه عن أبي مخنف وَعَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ فِي إِسْنَادِهِمَا وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بْن صالح العجلي عن الثقة (كذا) عن ابن جعدبة:
__________
[1] كلمة «معنا» غير جلية من النسخة، وكتبناها على الأحتمال.
وذيل الحديث رواه ابن عساكر في الحديث: (169) من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق بسند آخر.(3/27)
عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، قَالُوا: لَمَّا قُتِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِالْكُوفَةِ، قَامَ قَيْسُ بن سعد بن عبادة الأنصاري فخطب فحمد اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ وَصَفَ فَضْلَ عَلِيٍّ وَسَابِقَتَهُ وَقَرَابَتَهُ وَالَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فِي هَدْيِهِ وَعَدْلِهِ وَزُهْدِهِ، وَقَرَّظَ الْحَسَنَ وَوَصَفَ حَالَهُ وَمَكَانَهُ من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي هُوَ أَهْلُهُ فِي هَدْيِهِ وَحِلْمِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ الأمر بعد أبيه، ورغّبهم (ظ) فِي بَيْعَتِهِ وَدَعَاهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ وَكَانَ قَيْسٌ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَهُ، ثُمَّ ابْتَدَرَ النَّاسُ بَيْعَتَهُ وَقَدْ كَانَ قَيْسٌ عَامِلَ عَلِيٍّ عَلَى آذْرَبِيجَانَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ فِي الْقُدُومِ لِلْغَزْوِ مَعَهُ، فَقَدِمَ فَشَهِدَ مَقْتَلَهُ.
وخرج عُبَيْد اللَّه بْن الْعَبَّاس بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى النَّاس بعد وفاة علي ودفنه فَقَالَ: إن أمير الْمُؤْمِنِينَ رحمه اللَّه تَعَالَى قد توفي برًا تقيا عدلا مرضيا، أحيا سنة نبيه وَابْن عمه وقضى بالحق فِي أمته، وقد ترك خلفا رضيا مباركا حليما، فَإِن أحببتم خرج إليكم فبايعتموه، وإن كرهتم ذَلِكَ فليس أحد عَلَى أحد (كذا) فبكى النَّاس وَقَالُوا: يخرج مطاعا عزيزًا.
فخرج الحسن فخطبهم فَقَالَ: [اتقوا اللَّه أيها النَّاس حق تقاته فإنا أمراؤكم وأضيافكم ونحن أَهْل البيت الذين قال الله: « (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ) ] لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ (أَهْلَ الْبَيْتِ) وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» (33/ الأحزاب) [والله لو طلبتم مَا بين جابلق وجابرس مثلي فِي قرابتي وموضعي مَا وجدتموه!!!] ثُمَّ ذكر مَا كَانَ عَلَيْهِ أبوه من الفضل والزهد والأخذ بأحسن الهدي وخروجه من الدنيا خميصا لم يدع إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه فأراد أن يبتاع بها خادما [1] .
__________
[1] وهذا الذيل رواه ابن عساكر في الحديث: (1473) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 3 ص 330 ط 1.(3/28)
فبكى النَّاس ثُمَّ بايعوه، وكانت بيعته الَّتِي أخذ عَلَى النَّاس أن يحاربوا من حارب، ويسالموا من سالم. فَقَالَ بعض من حضر: والله ما ذكر السلم إِلا ومن رأيه أن يصالح معاوية أو كما قال!!! ثم مكث أياما ذات عدد- يقال: خمسين ليلة ويقال: أكثر مِنْهَا- وَهُوَ لا يذكر حربا وَلا مسيرًا إِلَى الشَّام. وكتب إِلَيْهِ عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس كتابا يعلمه فِيهِ أن عَلِيًّا لم يجب إلى الحكومة إلا وهو ير (ى) في انه إذا حكم بالكتاب تردّ الأمر إِلَيْهِ، فلما مال القوم إِلَى الهوى فحكموا بِهِ ونبذوا حكم الكتاب، رجع إِلَى أمره الأول فشمر للحرب ودعا إِلَيْهَا أَهْل طاعته فكان رأيه الَّذِي فارق الدنيا عَلَيْهِ جهاد هَؤُلاءِ القوم. ويشير عَلَيْهِ أن ينهد إِلَيْهِمْ وينصب لهم وَلا يعجز وَلا يهن [1] .
__________
[1] ليت البلاذري ذكر الكتاب حرفيا مع سنده إليه ولم يضن بذكره هنا مع انه محله، نعم ذكره في ترجمة عبد الله بن العباس من أنساب الاشراف: ج 1، الورق 274/ أ/ أو ص 550، وإليك نص الكتاب بخصوصياته:
(قال البلاذري:) حدثني عباس بن هشام، عن أبيه عن عَوَانَةَ، قَالَ: كَتَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ وَلَّوْكَ أُمُورَهُمْ بعد علي فشمر لحربك (كذا) وَجَاهِدْ عَدُوَّكَ، وَدَارِ أَصْحَابَكَ وَاشْتَرِ مِنَ الظَّنِينِ دينه ولا تسلم دينك (ظ) وَوَالِ أَهْلَ الْبُيُوتَاتِ وَالشَّرَفِ تَسْتَصْلِحْ عَشَائِرَهُمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّكَ تُحَارِبُ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلا تَخْرُجَنَّ مِنْ حَقٍّ أَنْتَ أَوْلَى بِهِ، وَإِنْ حال الموت دون ما تحب.
وقال ابن أعثم في كتاب الفتوح: ج 4 ص 148: أقام الحسن بالكوفة بعد وفاة أبيه شهرين كاملين لا ينفذ إلى معاوية أحدا ولا ذكر المسير إلى الشام، وإذا بكتاب عبد الله بن عباس قد ورد عليه من البصرة وإذا فيه:
لعبد الله الحسن أمير المؤمنين من عبد الله بن عباس، أما بعد يا ابن رسول الله فإن المسلمين ولوك أمرهم بعد أبيك رضي الله عنه، وقد أنكروا أمر قعودك عن معاوية وطلبك لحقك، فشمر للحرب وجاهد عدوك ودار أصحابك، ووال أهل البيوتات والشرف ما تريد من الأعمال فإنك تشتري بذلك قلوبهم، واقتد بما جاء عن أئمة العدل من تأليف القلوب، والإصلاح بين الناس واعلم بأن الحرب خدعة، ولك في ذلك سعة ما كنت محاربا، ما لم ينتقص مسلما حقا هو له، وقد علمت أن أباك عليا إنما رغب الناس (عنه) وصاروا إلى معاوية لأنه واسى بينهم في الفيء، وسوى بينهم في العطاء، فثقل ذلك عليهم. واعلم بأنك إنما تحارب من قد حارب الله ورسوله حتى أظهره الله (على) أمره، فلما أسلموا ووحد الرب ومحق الله الشرك وأعز الدين، أظهروا الإيمان وقرءوا القرآن وهم بآياته مستهزؤن وقاموا إلى الصلاة وهم كسالى وأدوا الفرائض وهم لها كارهون فلما رأوا أنه لا يعز في هذا الدين إلا الأبرار والعلماء الأخيار، وسموا أنفسهم بسيما الصالحين ليظن بهم المسلمون خيرا، وهم عن آيات الله معرضون، وقد منيت أبا محمد بأولئك القوم وأبنائهم وأشباههم والله ما زادهم طول العمر إلا غيا، ولا زادهم في ذلك لأهل الدين إلا غشا، فجاهدهم رحمك الله ولا ترض منهم بالدنية، فإن أباك عليا رضي الله عنه لم يجب إلى الحكومة في حقه حتى غلب على أمره فأجاب وهو يعلم أنه أولى بالأمر ان حكم القوم بالعدل، فلما حكم بالهوى رجع إلى ما كان عليه، وعزم على حرب القوم حتى وافاه أجله فمضى إلى ربه رحمه الله، فانظر رحمك الله أبا محمد، لا تخرجن من حق أنت أولى به من غيرك، وإن أتاك (الموت) دون ذلك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
ورواه أيضا أبو الحسن المدائني عن أبي بكر بن الأسود كما في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة: ج 4 ص 12، ط بيروت، وفي ط مصر: ج 16، ص 23.
وقطعة منه ذكرها في فصل صلحه عليه السلام من مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 31.(3/29)
44- قَالُوا: وأتى أَهْل الشَّامِ قتل علي فقام مُعَاوِيَة خطيبا فذكر عَلِيًّا وَقَالَ: إن اللَّه أتاح لَهُ من قتله بقطيعته وظلمه، وقد ولي الْكُوفَة بعده ابنه وَهُوَ حدث غر لا علم لَهُ بالحرب، وقد كتب إلى وجوه من قبله يلتمسون الأمان!!! فانتدب مَعَهُ أَهْل الأجناد فاقبل عَمْرو بْن العاص فِي أهل فلسطين، وعبد الرحمان بْن خالد بْن الوليد فِي أَهْل الأردن.
فكتب الحسن إِلَى مُعَاوِيَةَ يعلمه أن النَّاس قد بايعوه بعد أَبِيهِ ويدعوه إِلَى طاعته [1] .
__________
[1] ولما بخل البلاذري بذكر نص الكتاب- أو خاف من أذناب الرجس والارتياب- فلا بد لنا من ذكره والدلالة على مظان ذكره، فنقول رواه حرفيا في ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من مقاتل الطالبين ص 55، ورواه عنه في شرح المختار: (31) من كتب نهج البلاغة ج 4 ص 12، وفي ط الحديث بمصر: ج 16، ص 33.
ورواه باختصار أحمد بن أعثم في كتاب الفتوح: ج 4 ص 151، ط 1، وإليك نصه:
من عبد الله الحسن أمير المؤمنين إلى معاوية بن صخر، أما بعد فإن الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، فأظهر به الحق، وقمع به أهل الشرك وأعزبه العرب عامة وشرف من شاء منهم خاصة، فقال تبارك وتعالى: «وإنه لذكر لك ولقومك» (44/ الزخرف: 43) فلما قبضه الله عز وجل تنازعت العرب الأمر من بعده فقالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير.
فقالت قريش: نحن أولياؤه وعشيرته فلا تنازعونا سلطانه. فعرفت العرب ذلك لقريش ثم جاحدتنا قريش ما عرفه العرب لهم!!! وهيهات ما أنصفتنا قريش!! وقد كانوا ذوي فضيلة في الدين وسابقة في الإسلام!! فرحمة الله عليهم، والآن فلا غرو إلا منازعتك إيانا بغير حق في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمود، والموعد الله بيننا وبينك، ونحن نسأله أن لا يؤتينا في هذه الدنيا شيئا ينقصنا به في الآخرة.
وبعد فإن أمير المؤمنين أبي طالب لما نزل به الموت ولاني هذا الأمر من بعده (وولاني المسلمون الأمر بعده) فاتق الله يا معاوية وانظر لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ما تحقن به دماء هم وتصلح به أمورهم والسلام.
ورواه أيضا مثله باختصار أبو الحسن المدائني كما في شرح المختار (31) من الباب الثاني نهج البلاغة: ج 4 ص 13، ط بيروت، وفي ط الحديث بمصر، ج 16، ص 24:.
ورواه بصورة أطول منهما في مقاتل الطالبين ص 55، ورواه عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار المتقدم الذكر: ج 4 ص 17، ط بيروت، وفي ط الجديد بمصر: ج 16، ص 33، وما وضعناه بين المعقوفين مأخوذ من مقاتل الطالبين ورواية المدائني في شرح النهج: ج 16، ص 24. وقطعة منه رواها ابن شهر آشوب رحمه الله في فصل صلحه عليه السلام مع معاوية من مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 31 ط 2.(3/30)
فكتب إليه (معاوية) فِي جواب ذَلِكَ يعلمه أنه لو كَانَ يعلم أنه أقوم بالأمر، وأقسط للناس وأكيد للعدو، وأحوط عَلَى المسلمين وأعلم بالسياسة وأقوى عَلَى جمع المال منه لأجابه إِلَى مَا سأل- لأنه يراه لكل خير أهلا- وَقَالَ لَهُ فِي كتابه: إن أمري وأمرك شبيه بأمر أَبِي بكر وأمركم بعد وفاة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم!!!(3/31)
ووعده أن يسوغه مَا فِي بيت مال الْعِرَاق/ 444/ وخراج أي الكور شاء يستعين بِهِ عَلَى مؤنة ونفقاته!!! وَكَانَ رَسُول الحسن بكتابه إِلَى مُعَاوِيَةَ جندب بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن صنب [1] وَهُوَ جندب الخير الأزدي.
فلما قدم جندب عَلَى الحسن بجواب كتابه، أخبره باجتماع أَهْل الشَّامِ وكثرتهم وعدتهم وأشار عَلَيْهِ بتعجيل السير إليهم قبل أن يسيروا إِلَيْهِ، فلم يفعل حَتَّى قيل لَهُ: أن معاوية قد شخص إليك وبلغ جسر منبج. فتحرك عند ذَلِكَ ووجه حجر بْن عدي الكندي إلى العمال يأمرهم بالجد والاستعداد إِلَى أن يمر بهم وأتاه سعيد بْن قَيْس الْهَمْدَانِيّ فَقَالَ لَهُ: أخرج فعسكر نسر معك فخطب الحسن النَّاس فحضهم عَلَى الجهاد، وعرفهم فضله وما فِي الصبر عَلَيْهِ من الأجر وأمرهم أن يخرجوا إِلَى معسكرهم فما أجابه أحد!!! فَقَالَ لهم عدي بْن حاتم الطائي: سبحان اللَّه ألا تجيبون إمامكم؟ أين خطباء مضر؟ ثُمَّ قَالَ عدي للحسن: أصاب اللَّه بك سبيل رشده يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فقد سمعنا وأطعنا وَهَذَا وجهي إلى المعسكر. ومضى (إليه) .
ثُمَّ قام قَيْس بْن سَعْدٍ، وزياد بْن خصفة، ومعقل بن قيس الهمداني [2] فأحسنوا القول وأخبروا بمسارعتهم إلى أمرهم (كذا) وخفوفهم للجهاد مَعَهُ وأنهم لا يخذلونه فصدق مقالتهم وردّ عليهم خيرا.
__________
[1] كذا في الأصل، وفي شرح النهج: ج 16، ص 25 نقلا عن المدائني: وبعث بالكتاب مع الحارث بن سويد التيمي (من) تيم الرباب وجندب الأزدي.
[2] كلمة «الهمداني» كأنها ضرب عليها الخط. والموضوع رواه في مقاتل الطالبين ص 61 بألفاظ أجود مما ها هنا، وفيه: «معقل بن قيس الرياحي» .(3/32)
ثم إنه دعا بعبد اللَّه بْن عَبَّاس وَهُوَ بمعسكره فَقَالَ لَهُ: يا ابن عم إني باعث معك اثنا عشر ألفا من فرسان العرب، ووجوه أَهْل المصر، فسربهم [وألن (لهم) كنفك وابسط لهم وجهك وأدنهم في مجلسك، وسر عَلَى شاطئ الفرات] حَتَّى تقطع الفرات إِلَى أرض الأنبار ومسكن، ثُمَّ تمضى فتستقبل مُعَاوِيَة وتحبسه حَتَّى آتيك، وليكن خبرك عندي كُلّ يوم، واستشر قَيْس بْن سَعْدٍ وسعيد بْن قَيْس الْهَمْدَانِيّ واسمع مِنْهُمَا وَلا تقطع أمرا دونهما، وإن قاتلك مُعَاوِيَة قبل قدومي فقاتله، فَإِن أصبت فالأمير قَيْس بْن سَعْدٍ، فَإِن أصيب فسعيد بْن قَيْس.
فأخذ عبيد اللَّه عَلَى قرية شاهي ثُمَّ لزم الفرات [1] حَتَّى قطع الفلوجة وجاز الفرات إِلَى دمما، ثم أتى الأخيوثية [2] .
__________
[1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «الفراني» . وفي مقاتل الطالبين ص 63: «وسار عبيد الله حتى انتهي إلى شينور حتى خرج إلى شاهي ثم لزم الفرات والفالوجة حتى أتى مسكن» .
[2] كذا بالثاء المثلثة- ها هنا، ومثله في الحديث (45) الآتي في ص 37- ولم أجد اللفظة في مظانها من معجم البلدان، والظاهر انها مصحفة، والصواب: «الأخنونية» كما ذكرها في تاريخ بغداد ج 1، ص 208.
وقال في معجم البلدان: الأخنونية- بالضم ثم السكون وضم النون وواو ساكنة، ونون أخرى مكسورة وياء مشددة-: موضع من أعمال بغداد، قيل: هي حربى.
وقال أيضا: حربى- مقصورة، والعامة تتلفظ به مما لا-: بليدة في أقصى دجيل بين بغداد وتكريت مقابل الحظيرة، تنسج فيها الثياب القطنية الغليظة وتحمل إلى سائر البلاد.
وقال في تاريخ بغداد: ج 1 ص 207: ولما قتل علي بن أبي طالب عليه السلام سار معاوية من الشام إلى العراق فنزل بمسكن ناحية حربى إلى أن وجه إليه الحسن بن علي فصالحه، وقدم معاوية الكوفة ...
وأيضا قال في تاريخ بغداد: ج 1، ص 208: أخبرنا الحسن بن محمد الخلال قال:
نبأنا أحمد بن إبراهيم قال: نبأنا أبو أحمد الجريري قال: نبأنا أحمد بن الحارث الحزاز قال:
نبأنا أبو الحسن المدائني- في قصة الحسن بن علي لما بايع له الناس بعد قتل علي- قال:
وأقبل معاوية إلى العراق في ستين ألفا، واستخلف علي الشام الضحاك بن قيس الفهري والحسن مقيم بالكوفة لم يشخص حتى بلغه أن معاوية قد عبر جسر منبج فعقد لقيس بن سعد بن عبادة على اثني عشر ألفا وودعهم وأوصاهم لي فأخذوا على الفرات وقرى الفلوجة، وسار قيس إلى مسكن ثم أتى الأخنونية- وهي حربى- فنزلها.
وأقبل معاوية من جسر منبج إلى الأخنونية، فسار عشرة أيام معه القصاص يقصون في كل يوم يحضون أهل الشام عند وقت كل صلاة فقال بعض شعرائهم:
من جسر منبج أضحى غب عاشرة ... في نخل مسكن تتلى حوله السور
قال: ونزل معاوية بإزاء عسكر قيس بن سعد، وقدم بسر بن أرطاة إليهم فكانت بينهم مناوشة ولم تكن قتلى ولا جراح ثم تحاجزوا. وساق بقية الحديث.(3/33)
وروى بعضهم أن قَيْس بْن سعد كَانَ عَلَى الجيش، وأن عبيد اللَّه كَانَ مَعَهُ. والأول أثبت.
فلما شخص عبيد اللَّه بْن العباس صار الحسن بعده واستخلف عَلَى الْكُوفَة المغيرة بْن نوفل بن الحرث بْنِ عَبْدِ المطلب، وذلك بعد شهرين- ويقال:
ثلاثة أشهر- من بيعته [1] ثم صار الحسن فأتى دير كعب [2] فبات بِهِ، ثُمَّ سار حَتَّى أتى ساباط المدائن، فنزل دون جسرها مما يلي ناحية الْكُوفَة فخطب النَّاس فقال: [ «إني أرجو أن أكون أنصح خلقه لخلقه، وما أنا محتمل عَلَى أحد ضغينة وَلا حقدًا، وَلا مريد بِهِ غائلة وَلا سوءًا] .
[ألا وإن مَا تكرهون فِي الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة] .
__________
[1] هذا هو الظاهر لي وفي الأصل: من تبعته ...
[2] وفي مقاتل الطالبين ص 63: وأخذ الحسن على حمام عمر حتى أتى دير كعب (ثم بكر) فنزل ساباط دون القنطرة، فلما أصبح نادي في الناس: الصلاة جامعة فاجتمعوا فصعد المنبر فخطبهم فحمد الله فقال ...(3/34)
ألا وإني ناظر لكم خيرًا من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمري، وَلا تردوا علي غفر اللَّه لي ولكم» .
فنظر بعض النَّاس إِلَى بعض وَقَالُوا: عزم والله عَلَى صلح معاوية وضعف وحار. فشدّوا عَلَى فسطاطه فدخلوه وانتزعوا مصلاة من تحته وانتهبوا ثيابه!!! ثم شدّ عليه عبد الرحمان بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي جعال الأزدي فنزع مطرفه عَن عاتقه [1] فبقي متقلدا سيفه، فدهش ثم رجع (إليه) ذهنه فركب فرسه وأطاف بِهِ النَّاس، فبعضهم يعجزه ويضعفه!!! وبعضهم ينهى أولئك عنه ويمنعه منه، وانطلق رجل من بني أسد بْن خزيمة- من بني نضر بن تعين بن الحرث بن ثعلبة بن دودان بن أسد [2] يقال له/ 445/ الجراح ابن سنان، وَكَانَ يرى رأي الخوارج- إِلَى مظلم ساباط فقعد له فِيهِ ينتظره، فلما مر الحسن بِهِ دنا من دابته فأخذ بلجامها، ثم أخرج معولا كَانَ مَعَهُ وَقَالَ:
أشركت يَا حسن- كما أشرك أبوك من قبل- وطعنه بالمعول فِي أصل فخذه فشق فِي فخذه شقا كاد يصل إِلَى العظم، وضرب الحسن وجهه ثم اعتنقا وخرّا إلى الأرض، ووثب عبدل (بن) لاهز بن الحصل [3]- وبعضهم يقول: عَبْد اللَّهِ بْن الحصل- فنزع المعول من يد الجراح، وأخذ ظبيان ابن عمارة التَّمِيمِيّ بأنفه فقطعه وضرب بيده إِلَى قطعة آجرة فشدخ بِهَا وجهه ورأسه حَتَّى مات.
وحمل الحسن إِلَى المدائن وعليها سعد بن مسعود- عمّ المختار بن أبي
__________
[1] وفي مقاتل الطالبين ص 63: عبد الرحمان بن عبد الله بن جمال الأزدي ...
[2] وفي مقاتل الطالبين ص 64: فقام إليه رجل من بني أسد من بني نصر بن قعين ...
[3] والأظهر بحسب رسم الخط: «عبد لام بن الحصيل» . وفي نسخة من مقاتل الطالبين:
فوثب عبد الله بن الخصل ... وفي مطبوعة منه: فوثب عبد الله بن الخطل ... وفي شرح المختار:
(30) من الباب الثاني من نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 4 ص 15: «فوثب عبد الله بن الأخطل» .(3/35)
عبيد الثقفي، وكان عليّ ولّاه إياها- فأدخلوه منزله، فأشار عَلَيْهِ المختار أن يوثقه ويسير بِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ [1] عَلَى أن يطعمه خراج جوخى سنة!!! فأبى ذلك (سعد) وقال للمختار: قرّ اللَّه رأيك، أنا عامل أَبِيهِ وقد ائتمنني وشرّفني، وهبني نسيت يد أبيه علي [2] أأنسى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا أحفظ في ابن بنته وحبيبه؟!! ثُمَّ إن سعد بْن مسعود أتى الحسن بطبيب وقام عليه حتى برأ وحوله إِلَى أبيض المدائن.
وتوجه مُعَاوِيَة إِلَى الْعِرَاق واستخلف الضحاك بْن قَيْس الفهري وجد في
__________
[1] وأيضا قال البلاذري في الجزء (5) المطبوع ص 214 في عنوان: «أمر المختار» : وَكَانَ المختار مَعَ عمه بالمدائن حِينَ جرح الحسن بن علي في مظلم ساباط، فلما أشار عَلَى عمه بدفعه إِلَى مُعَاوِيَة والتقرب إِلَيْهِ بِهِ، طلبه قوم من الشيعة. مِنْهُم الْحَارِث الأعور، وظبيان بْن عُمَارَةَ التميمي ليقتلوه فكلم عمه الْحَسَن فسألهم الإمساك عَنْهُ فأمسكوا ...
أقول: قصة المختار هذه لم تثبت من طريقنا، فإن ثبتت من طريق معتمد فلا تعارض ما فعله أخيرا من تفاديه في سبيل أهل البيت وشفاء صدورهم وصدور المؤمنين بقتل المنافقين والغادرين قتلة ريحانة رسول الله وذويه، وذلك يدل على أنه إن صدر منه كلام في قصة الإمام الحسن فقد تاب منه، كما تاب كثير من الفاسقين بل وكذا كثير من الكافرين من سالف ذنوبهم ثم تداركوا واستقاموا ولم يغيروا ولم يبدلوا وعملوا بالحق ثم جاهدوا في سبيل الله حتى استشهدوا في سبيله فألحقهم الله بالشهداء والصديقين، والعبرة بخاتمة الأمر، وهو رضوان الله عليه قتل في سبيل أهل البيت عليهم السلام، مع أن ما قاله في قصة الإمام الحسن- إن صج- لعله قاله امتحانا لعمه وسائر من أحدق بالإمام الحسن كي يستكشف نواياهم!!! وعلى فرض انه قال جدا وحقيقة فهو نية سيئة تدل على سوء سريرته في تلك الحال، والنية المجردة ما لم يتبعها عمل غير مأخوذ بها، وما فعله أخيرا وفي سن الكمال عمل يجزى به ويدل على شدة نكيره على أعداء الله وغاية اهتمامه ومفاداته في سبيل الله ونصرة أوليائه فشتان بين الأمرين.
[2] ويجوز قريبا أن يقرء: «بلاء أبيه علي» .(3/36)
المسير، وَقَالَ: قد أتتني كتب أَهْل الْعِرَاق يدعونني إلى القدوم إليهم فأومن بريئهم ويدفعون إلي بغيتي وأتتني رسلهم فِي ذَلِكَ!!! فسيروا إِلَيْهَا أيها النَّاس فَإِن كدر الجماعة خير من صفو الفرقة. وكانوا يدعونه أمير الْمُؤْمِنِينَ.
ولما رأى عَمْرو جد معاوية في المسير واخدامه إياه [1] قَالَ: قد علم مُعَاوِيَة- والله- أن الليث عليا قد هلك وغالته سغوب!!! 45- قَالُوا: ومر مُعَاوِيَة بالرقة، ثُمَّ بنصيبين وَهُوَ يسكن النَّاس ويؤمن من مر بِهِ، ثُمَّ أتى الموصل ثم صار إلى الأخيوثية [2] فنزل بإزاء عبيد اللَّه بْن العباس، وأرسل عبد الرحمان بْن سمرة بْن حبيب بْن عَبْد شمس إِلَى عبيد اللَّه وأصحابه أن كتب الحسن قد أتتني مع رسله تسألني فِيهَا الصلح، وإنما جئت لذلك [3] وقد أمرت أصحابي بالكف عنكم فلا تعرضوا لهم حَتَّى أفرغ مما بيني وبين الحسن!!! فكذبوه وشتموه!!! ثم بعث معاوية بعد ذلك عبد الرحمان بْن سمرة إِلَى عبيد اللَّه فخلا بِهِ وحلف لَهُ أن الحسن قد سأل مُعَاوِيَة الصلح وجعل لعبيد اللَّه ألف ألف درهم إن صار إِلَيْهِ، فلما علم عبيد اللَّه رأي الحسن [4] وأنه إنما يقصد قصد الصلح
__________
[1] الكلمة غير جلية بحسب رسم الخط، وظاهر النسخة: «أخذ أمه إياه» .
[2] كذا في الأصل، وتقدم في تعليق الحديث: (44) ص 33 من هذا الجزء أن الصواب «الأخنونية» .
[3] هذا أقل وأصغر حيلة من حيل معاوية في اجلاب خيله ورجله ومن على شاكلته إليه، وبهم وأمثالهم قد لعب ابن الحرب بالدين والمسلمين، فلو كان للرجل شيء من الإنسانية والغيرة لما صار إلى معاوية بلا استفسار من إمامه.
[4] لم يكن مسير الرجل إلى معاوية لعلمه برأي الإمام الحسن، وانه يقصد قصد الصلح، إنما صار إليه جبنا وحرصا على الدنيا!!! كما صنع في أيام أمير المؤمنين عليه السلام حين فر من اليمن لما توجه إليه بسر بن أبي أرطاة.(3/37)
وحقن الدماء، صار إِلَى مُعَاوِيَةَ!!! فأكرمه وبره وحفظ لَهُ مسارعته إِلَيْهِ.
وقام بأمر النَّاس- بعد عبيد اللَّه- قَيْس بْن سَعْدٍ، وَقَالَ فِي عبيد اللَّه قولا قبيحا، وذكر أخاه وما كَانَ بينه وبين علي [1] ونسب عبيد اللَّه إِلَى الخيانة والغدر والضعف والجبن. فبايع قيسا أربعة آلاف عَلَى الموت.
وظن مُعَاوِيَة أن مصير عبيد اللَّه قد كسر الحسن، فأمر بسر بْن أَبِي أرطاة- وَكَانَ عَلَى مقدمته- وناسا مَعَهُ فصاحوا بالناس من جوانب العسكر، فوافوهم وهم عَلَى تعبئة فخرجوا إِلَيْهِمْ فضاربوهم!! واجتمع إِلَى بسر خلق فهزمهم قَيْس وأصحابه، وجاءهم بسر من الغد فِي الدهم [2] فاقتتلوا فكشف بسر وأصحابه!!! وقتل بين الفريقين قتلى (ظ) .
وعرض مُعَاوِيَة عَلَى قَيْس مثل الَّذِي عرضه على عبيد الله فأبى (قيس) ثُمَّ بعث إِلَيْهِ ثانية فَقَالَ لَهُ: عَلَى ماذا تقتل نفسك وأصحاب الحسن قد اختلفوا عليه وقد جرح (ظ) في مظلم ساباط فهو لما به؟!! فتوقف (قيس) عن القتال ينتظر ما يكون من أمر الحسن.
__________
[1] يعني ذكر للناس ما ارتكبه عبيد الله وأخوه عبد الله من الأمور القبيحة: من فرار عبيد الله من بسر بن أرطاة وتخلية اليمن له يفعل ما يشاء بالمؤمنين!!! ثم انحيازه في هذه القصة إلى معاوية من غير استفسار واستئذان عن إمامه وعمن أمره بالمشورة عنهم والاستعانة برأيهم ونجدتهم!!! وذكر أيضا قبح ما أرتكبه عبد الله بن عباس عند تفرق الناس عن أمير المؤمنين وتخاذلهم له من التصرف في بيت مال البصرة وصرف بعض نقوده زائدا عن حقه في جهاته الشخصية، ثم إصراره على معصيته وعدم ارتداعه عنها لما كاتبه أمير المؤمنين عليه السلام ثم ذهابه إلى مكة المكرمة وترك عمله من غير استئذان عن إمامه!!! وقد ذكر في مقاتل الطالبين ص 65 كلام قيس حرفيا، وأضاف على ذكر عبيد الله وأخيه عبد الله، ذكر ابيه العباس وقال: أيها الناس لا يهولنكم ولا يعظمن عليكم ما صنع هذا الرجل الوله الورع «أي الجبان» إن هذا وأباه وأخاه لم يأتوا بيوم خير قط!!! إن أباه عم رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم) خرج يقاتله ببدر ...
[2] أي في جماعة يكثر عددهم وسوادهم.(3/38)
وجعل وجوه أَهْل الْعِرَاق يأتون مُعَاوِيَة فيبايعونه!!! فكان أول من أتاه خالد ابن معمر، فَقَالَ: أبايعك عَن ربيعة كلها ففعل!!! وبايعه عفاق/ 446/ بن شرحبيل بن أبي رهم التَّيْمِيّ [1] فلذلك يقول الشاعر:
معاوي أكرم خالد بن معمّر ... فإنك لولا خالد لم تؤمر
وبلغ ذَلِكَ الحسن فَقَالَ: يَا أَهْل الْعِرَاق أنتم الَّذِينَ أكرهتم أَبِي عَلَى القتال والحكومة ثُمَّ اختلفتم عَلَيْهِ!!! وقد أتاني أن أَهْل الشرف منكم قد أتوا مُعَاوِيَة فبايعوه، فحسبي منكم لا تغروني فِي ديني ونفسي!!! [2] .
46- قَالَ المدائني وكتب مُعَاوِيَة إِلَى قَيْس يدعوه إِلَى نفسه- وَهُوَ بمسكن فِي عشرة آلاف- فأبى أن يجيبه، ثم كتب إليه: إنما أنت يهودي ابن يهودي، إن ظفر أحب الفريقين إِلَيْك عزلك واستبدل بك، وإن ظفر
__________
[1] وهو من مبغضي أمير المؤمنين وأوليائه، وله كشف سريرة في قصته يزيد بن حجية كما ذكره في كتاب الغارات ج 2 ص 528 وذكره أيضا في شرح المختار (36) من نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد: ج 1 ص 365 ط مصر.
[2] ويساعد رسم الخط على أن يقرء: «فلا تغروني في ديني أو نفسي» .
وقال في كتاب الفتوح: ج 4 ص 157: وجعل أهل العراق (الذين كانوا مع قيس بن سعد) يتوجهون إلى معاوية قبيلة بعد قبيلة، حتى خف عسكره!!! فلما رأى ذلك قيس كتب إلى الحسن بخبره بما هو فيه، فلما قرأ الحسن الكتاب أرسل إلى وجوه أصحابه فدعاهم ثم قال:
يا أهل العراق ما أصنع بجماعتكم معي وهذا كتاب قيس بن سعد يخبرني بأن أهل الشرف منكم قد صاروا إلى معاوية!!! أما والله ما هذا بمنكر منكم لأنكم أنتم الذين أكرهتم أبي يوم صفين على (تحكيم) الحكمين، فلما أمضى الحكومة وقبل منكم اختلفتم (عليه!!!) ثم دعاكم إلى قتال معاوية ثانية فتوانيتم (عنه) حتى (ظ) صار إلى ما صار إليه من كرامة الله إياه، ثم إنكم بايعتموني طائعين غير مكرهين، فأخذت بيعتكم وخرجت في وجهي هذا، والله يعلم ما نويت فيه، فكان منكم إلى ما كان!!! يا أهل العراق فحسبي منكم لا تغروني في ديني ...(3/39)
أبغضهما إِلَيْك قتلك ونكل بك، وقد كَانَ أبوك أوتر غير قوسه ورمى غير غرضه فأكفر الحز [1] وأخطأ المفصل، فخذله قومه وأدركه يومه، فهلك بحوران طريدًا، والسلام.
فكتب إِلَيْهِ قَيْس بْن سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: أما بعد يَا معاوية فإنما أنت وثن ابن وثن من أوثان مَكَّة!!! دخلت فِي الإسلام كرها وخرجت منه طوعا، لم يقدم إيمانك ولم يحدث نفاقك!!! وقد كان أبي أوتر قوسه ورمى غرضه فاعترض عَلَيْهِ من لم يبلغ كعبه ولم تشق غباره، وَكَانَ أمرًا مرغوبا عَنْهُ مزهودًا فِيهِ!!! ونحن أنصار الدين الَّذِي خرجت منه، وأعداء الدين الذي صرت إليه (ظ) .
فَقَالَ لَهُ عَمْرو: أجبه. فَقَالَ: أخاف أن يجيبني بما هو أشر من هذا.
[المراسلات بين الحسن ومعاوية في أمر الصلح]
47- قَالُوا: ووجه مُعَاوِيَة إِلَى الحسن، عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر بْن كريز بْن ربيعة بن حبيب بْن عبد شمس.
فَقَالَ ابْن عامر: اتق اللَّه فِي دماء أمة مُحَمَّد، أن تسفكها لدنيا تصيبها وسلطانا تناله بعد أن يكون متاعك بِهِ قليلا، إن مُعَاوِيَة قد لج!!! فنشدتك اللَّه أن تلج فيهلك النَّاس بينكما، وَهُوَ يوليك الأمر من بعده ويعطيك كذا.
وكلمه عبد الرحمان بْن سمرة بمثل كلام عَبْد اللَّهِ أَوْ نحوه، فقبل ذَلِكَ مِنْهُمَا، وبعث معهما عَمْرو بْن سلمة الْهَمْدَانِيّ ثُمَّ الأرحبي، ومحمد بْن الأشعث الكندي ليكتبا عَلَى مُعَاوِيَةَ الشرط ويعطياه الرضا.
__________
[1] كلمة: «فأكفر» غير جلية في النسخة. ولعلها فأكثر.
والكتاب تقدم في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام تحت الرقم (459) ص 400- أو الورق 201 من ج 1، من النسخة المخطوطة، - وفي ط 1: ج 2 ص 391 نقلا عن عباس بن هشام ...
ويجيء أيضا مرسلا نقلا عن المدائني تحت الرقم (75) من ترجمة معاوية ص 703 باختصار، ومغايرة عما هاهنا.
ورواه أيضا في ترجمة الإمام الحسن من كتاب مقاتل الطالبيين ص 66.(3/40)
فكتب مُعَاوِيَة كتابا نسخته:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا كتاب للحسن بْن علي من معاوية ابن أبي سفيان.
إني صالحتك عَلَى أن لك الأمر من بعدي ولك عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأشد مَا أخذه الله على أحد من خلفه من عهد وعقد (أن) لا أبغيك غائلة وَلا مكروها، وعلى أن أعطيك فِي كُلّ سنة ألف ألف درهم من بيت المال، وعلى أن لك خراج «فسا» و «درابجرد» [1] تبعث إليهما عمالك وتصنع بهما ما بدا لك» .
شهد عبد الله بن عامر، وعمرو بن سلمة الهمداني [2] وعبد الرحمان ابن سمرة، ومحمد بْن الأشعث الكندي وكتب فِي شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين.
فلما قرأ الحسن الكتاب قال: يطمعني في أمر لو أردته لم أسلمه إِلَيْهِ.
ثُمَّ بعث الحسن عَبْد الله بن الحرث بن نوفل بن الحرث بْنِ عَبْدِ المطلب- وأمه هند بنت أَبِي سُفْيَانَ- فَقَالَ لَهُ: ائت خالك فقل لَهُ: إن آمنت بالناس بايعتك (كذا) . فدفع معاوية إليه صحيفة بيضاء وقد ختم في أسفلها وقال له: اكتب فِيهَا مَا شئت. فكتب الحسن:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا صَالِح عَلَيْهِ الحسن بن علي معاوية ابن
__________
[1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «نسا- ودرانجزد» .
أقول: البلدتان في زماننا هذا معمورتان ومعروفتان ب: «فسا» - وداراب» .
[2] هذا هو الصواب الموافق لما تقدم ولما يأتي أيضا، وفي الأصل هاهنا: «عبد بن مسلمة» .(3/41)
أَبِي سُفْيَانَ، صالحه عَلَى أن يسلم إِلَيْهِ/ 447/ ولاية أمر المسلمين عَلَى أن يعمل فِيهَا بكِتَاب اللَّهِ وسنة نبيه وسيرة الخلفاء الصالحين؟! وعلى أنه ليس لمعاوية أن يعهد لأحد من بعده، وأن يكون الأمر شورى [1] والناس آمنون حيث كانوا عَلَى أنفسهم وأموالهم وذراريهم، وعلى أن لا يبغي للحسن ابن علي غائلة سرا ولا علانية، و (على أن) لا يخيف أحدًا من أصحابه.
شهد عَبْد اللَّهِ بن الحرث، وعمرو بن سلمة.
وردهما إلى معاوية ليشهد (بما في الكتاب) ويشهدا عَلَيْهِ.
48- وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: [رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنَ فَقَالَ: سَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ] .
49- قَالُوا: وَشَخَصَ مُعَاوِيَة من مسكن إلى الكوفة، فنزل بين النخيلة ودار الرزق، مَعَهُ قصاص أَهْل الشَّامِ وقراؤهم فَقَالَ كعب بْن جعيل التغلبي:
من جسر منبج أضحى غب عاشرة ... في نخل مسكن تتلى حوله السور.
50- قالوا: ولما أراد الحسن المسير من المدائن إِلَى الْكُوفَةِ- حين جاءه ابْن عامر، وَابْن سمرة بكتاب الصلح وقد أعطاه منه مُعَاوِيَة مَا أراد- خطب فَقَالَ فِي خطبته: «فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً» .
__________
[1] كذا في الأصل.(3/42)
وسار إِلَى الْكُوفَةِ. فلقي مُعَاوِيَة بالْكُوفَة، فبايعه وبايعه عَمْرو بْن سلمة الْهَمْدَانِيّ، فَقَالَ لَهُ معاوية: يا حسن- أو يا (أ) با مُحَمَّد- قم فاعتذر!!! فأبي فأقسم عَلَيْهِ، فقام فحمد اللَّه وأثنى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: [ «إن أكيس الكيس التقى، وأحمق الحمق الفجور.]
أيها النَّاس انكم لو طلبتم بين جابلق وجابرس رجلا جده رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا وجدتموه غيري وغير أخي الْحُسَيْن، وإن اللَّه قد هداكم بأولنا مُحَمَّد، وإن معاوية نازعني حقا هو لي فتركته لصلاح الأمة وحقن دمائها، وقد بايعتموني عَلَى أن تسالموا من سالمت، وقد رأيت أن أسالمه وقد بايعته، ورأيت أن مَا حقن الدماء خير مما سفكها، وأردت صلاحكم وأن يكون مَا صنعت حجة عَلَى من كَانَ يتمنى هَذَا الأمر، «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ» . ثُمَّ سكت وتفرق النَّاس.
51- ويقال: أن مُعَاوِيَة قال للحسن: يا (أ) با مُحَمَّد انك قد جدت بِشَيْءٍ لا تطيب أنفس الرجال بمثله، فاخرج إِلَى النَّاس فأظهر ذاك لهم. فقام (الحسن) فَقَالَ: [إن أكيس الكيس التقى، وأحمق الحمق الفجور، إن] هَذَا الأمر الَّذِي سلمته لمعاوية إما أن يكون حق رجل كَانَ أحق بِهِ مني فأخذ حقه، وإما أن يكون حقي فتركته لصلاح أمة مُحَمَّد وحقن دمائها، فالحمد لله الذي أكرم بنا أولكم (كذا) وحقن (بنا) دماء آخركم.
[تفويض الحسن أمر الخلافة إلى معاوية]
52- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْبَاهِلِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ السَّهْمِيِّ عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ [1] عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: خطب الحسن حين
__________
[1] هو أبو يونس القشيري واسم أبيه مسلم، وأبو صغيرة كنية أبي أمه، وقد ترجمه تحت الرقم: (1149) من تهذيب التهذيب ونقل توثيقه عن أحمد بن حنيل وابن معين وغيرهما.(3/43)
صَالِحَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي كُنْتُ أَكْرَهُ النَّاسِ لأَوَّلِ هَذَا الأَمْرِ، وَإِنِّي أَصْلَحْتُ آخِرَهُ إِمَّا لِذِي حَقٍّ أَدَّيْتُ إِلَيْهِ حَقَّهُ، وإما لجودي بحق لي (ظ) الْتَمَسْتُ بِهِ صَلاحَ أَمْرِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، وَإِنَّكَ قد وليت هذا الأمر يا معاوية (إما) لِخَيْرِ عَلِمَهُ اللَّهُ مِنْكَ، أَوْ شَرٍّ أَرَادَهُ بِكَ، «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ» .
53- قالوا: وجاء هانئ بن الخطاب الْهَمْدَانِيُّ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ:
أُبَايِعُكَ عَلَى كِتَابِ الله وسنة نبيه. فقال (معاوية) : لا شَرْطَ لَكَ!! قَالَ: وَأَنْتَ أَيْضًا فَلا بيعة لك؟!! ثم قال معاوية: أدن فَبَايِعْ فَمَا خَيْرَ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ كِتَابُ الله وسنة نبيه؟! فبايعه وقيده [1] .
وقيل: إن الذي قال هذا القول (هو) سَعِيدُ بْنُ الأَسْوَدِ بْنِ جَبَلَةِ الْكِنْدِيُّ.
54- قَالُوا: ثُمَّ قام مُعَاوِيَة فخطب النَّاس فَقَالَ فِي خطبته:
ألا إني كنت شرطت فِي الفتنة شروطًا أردت بِهَا الألفة ووضع الحرب ألا وإنها تحت قدمي!!! [2] .
فَقَالَ المسيب بْن نجبة الفزاري للحسن/ 448/ بايعت مُعَاوِيَة ومعك أربعون ألفا فلم تأخذ لنفسك منه ثقة؟! قد سمعت كلامه، والله ما أراد بما
__________
[1] أي وقيد قوله: بأني أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه. وفي النسخة هكذا: وكيده تقول إن الذي قال هذا القول (هو) سعيد بن الأسود بن جبلة الكندي.
[2] وهذا شأن جميع الغادرين والمبطلين الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر!!! يعاهدون مع الناس ويؤكدون عهودهم بأشد أنحاء التأكيد حتى إذا استقلوا بالأمر ووجدوا مجالا للغدر ونكث العهد ينكثونه ويظلمون من عاهدوا معه!!!(3/44)
قال غيرك!! [1] .
وقام سفيان بن يغل الهمداني [2] إِلَى الحسن فَقَالَ لَهُ: يَا مذل الْمُؤْمِنِينَ!!! وعاتبه حجر بْن عدي الكندي وَقَالَ: سودت وجوه الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ لَهُ الحسن: مَا كُلّ أحد تحب ما تحب، ولا رأيه رأيك، وإنما فعلت ما فعلت إبقاء عليكم!!!
__________
[1] ورواه أيضا ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة ج 16 ص 15، قال: قال المدائني: قال المسيب بن نجبة للحسن عليه السلام: ما ينقضي عجبي منك بايعت مُعَاوِيَة ومعك أربعون ألفًا، ولم تأخذ لنفسك وثيقة وعقدا ظاهرا!!! أعطاك أمرا فيما بينك وبينه ثم قال ما قد سمعت، والله ما أراد بها غيرك. قال: فما: ترى؟ قال أرى ترجع إلى ما كنت عليه فقد نقض ما كان بينه وبينك. فقال: يا مسيب إني لو أردت بما فعلت الدنيا لم يكن معاوية يأصبر عند اللقاء، ولا أثبت عند الحرب مني ولكني أردت صلاحكم وكف بعضكم عن بعض فارضوا بقدر الله وقضائه حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر.
وقريبا منه رواه في مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 35.
[2] كذا في الأصل، وهذا قد رواه أيضا الحاكم في الحديث (13) من ترجمة الإمام الحسن من المستدرك: ج 3 ص 170، وفيه: سفيان بن الليل ... ورواه أيضا في ترجمة الرجل من كتاب ميزان الاعتدال: ج 1، ص 397 ولسان الميزان: ج 3 ص 53 وقالا: سفيان بن الليل، ورواه أيضا ابن عساكر في الحديث: (316) من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق: ج 12، ص 57 قال: فلما قدم الحسن بن على الكوفة قال له رجل منا يقال له أبو عامر سفيان بن ليلى- وقال ابن الفضل: سفيان بن الليل-: السلام عليك يا مذل المؤمنين ...
ورواه أيضا ابن أبي الحديد في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة: ج 16، ص 16، ولكن قال: سفيان بن أبي ليلى النهدي ... ومثله بحذف «النهدي» في الحديث: (404) من فرائد السمطين. ورواه أيضا في ترجمته من مقاتل الطالبين ص 67 ومناقب ابن شهرآشوب:
ج 4 ص 35 عن تفسير الثعلبي ومسند الموصلي وجامع الترمذي.
أقول: ورواه أيضا نعيم بن حماد، في أول الجزء الثاني من كتاب الفتن المورق 26/ أ/ والورق 29 ب و 40 ب.(3/45)
ويقال: إنه قال له: سمعت أبي (ظ) يقول: يلي هَذَا الأمر رجل واسع البلعوم، كثير الطعم (كذا) وَهُوَ مُعَاوِيَة.
ثُمَّ إن الحسن شخص إِلَى الْمَدِينَة، وشيعه مُعَاوِيَة إِلَى قنطرة الحيرة، وخرج عَلَى مُعَاوِيَةَ خارجي فبعث إِلَى الحسن من لحقه بكتاب يأمره فِيهِ أن يرجع فيقاتل الخارجي وَهُوَ ابْن الحوساء الطائي فَقَالَ الحسن: تركت قتالك وَهُوَ لي حلال لصلاح الأمة، وألفتهم افتراني أقاتل معك؟!! وَكَانَ لحاقه إياه بالقادسية [1] .
55- قَالُوا: وخطب مُعَاوِيَة أَيْضًا بالنخيلة فَقَالَ: إني نظرت (ظ) فعلمت أنه لا يصلح النَّاس إِلا ثلاث خصال: إتيان العدو فِي بلاده فإنكم إن لم تأتوه أتاكم، وَهَذَا [2] العطاء والرزق أن تقسم فِي أيامه، وأن يقيم البعث القريب ستة أشهر، والبعيد سنة [3] وأن تستحم بلاد ان جهدت خربت (كذا) وقد كنت شرطت شروطا ووعدت عدات ومنيت أماني لما أردت من إطفاء نار الفتنة وقطع الحرب ومدارات الناس وتسكينهم [4] .
__________
[1] ورواه أيضا ابن أبي الحديد في شرح المختار: (31) من النهج: ج 16، ص 14، بمغايرة طفيفة نقلا عن المدائني ثم قال:
فخطب معاوية أهل الكوفة فقال: يا أهل الكوفة أتروني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون ولكنني قاتلتكم لأتأمر عليكم وعلى رقابكم وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون.
الا أن كل مال أو دم أصيب في هذه الفتنة فمطلول!!! وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين!!! ولا يصلح الناس إلا ثلاث إخراج العطاء عند محله وإقفال الجنود لوقتها وغزو العدو في داره فإنهم إن لم تغروهم يغزوكم. ثم نزل.
[2] كلمة: «هذا» غير جلية في النسخة وتحتمل بعيدا أن تقرأ: «وكذا» .
[3] يحتمل اللفظ أن يقرأ: «والبعيد ستة» .
[4] ألا وإن ابن حرب أوقد نار الفتنة وإن الناس بتهاونهم وخذلانهم ايحانة رسول الله في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين والغادرين وأتباعهما وسيعلم الذين ظلموا أبي منقلب ينقلبون؟!!(3/46)
ثم نادى بأعلا صوته: ألا إن ذمة اللَّه بريئة ممن لم يخرج فيبايع ألا وإني طلبت بدم عُثْمَان قتل اللَّه قاتليه ورد الأمر إِلَى أهله عَلَى رغم معاطس أقوام [1] ألا وإنا قد أجلنا ثلاثا فمن لم يبايع فلا ذمة لَهُ وَلا أمان لَهُ عندنا.
فأقبل النَّاس يبايعون من كُلّ أوب.
وَكَانَ زياد يومئذ عاملا لعلي، فلما بلغه (أن) ابْن عامر قد ولي الْبَصْرَة هرب فاعتصم بقلعة بفارس [2] .
56- قَالُوا: وولي مُعَاوِيَة عَبْد اللَّهِ بْن عامر الْبَصْرَة، والمغيرة بْن شعبة الْكُوفَة ومضى إِلَى الشَّام، فوجه الحسن عماله إلى «فسا» و «درابجرد» [3] وَكَانَ مُعَاوِيَة قد أمر ابْن عامر أن يغري أَهْل الْبَصْرَة بالحسن [4] فضجوا وجعلوا يقولون: قد انفضت [5] أعطياتنا بما جعل مُعَاوِيَة للحسن!!! وَهَذَا المال ما لنا فكيف نصرف إلى غيرنا (ظ) .
ويقال: إنهم طردوا عمّاله على الكورتين فاقتصر معاوية بالحسن على ألفى ألفى درهم. ويقال: على ألف ألف درهم من خراج أصبهان وغيرها.
فكان حصين بْن المنذر الرَّقَاشِيّ أَبُو ساسان يقول: مَا وفا معاوية للحسن بشيء مما جعل (له!!!) قتل حجرًا وأصحابه، وبايع لابنه ولم يجعلها
__________
[1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «معاطنين أقوام» ولا ريب أن اللفظ مصحف. والمعاطس:
جمع المعطس- كمرحب ومجلس-: الأنف.
[2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «بقطعه بفارس» . وهذه القطعة- أي من قوله:
«وكان- إلى قوله: - بفارس» حقها أن تكون مؤخرة عن الحديث التالي.
[3] هذا هو الصواب، وفي النسخة «درانجرد» .
[4] ولابن هند غدرات وحيل ومكر كثيرة لا يعلم عددها إلا الله!!! ولم يستكشف للناس الانزر يسير منها!!! لشدة حرص أوليائه والمتبعين لخطواته على إخفائها!!!.
[5] ومثله رواه عن المدائني في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة:
ج 16، ص 17.(3/47)
شورى وسمّ الحسن [1] .
[موقف الشيعة من صلح الحسن ومعاوية]
57- حدثني عباس بن هشام، عن أبيه عن أبي مخنف، عن أبي الكنود:
عبد الرحمان بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ:
لَمَّا بَايَعَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ أَقْبَلَتِ الشِّيعَةُ تَتَلاقَى بِإِظْهَارِ الأَسَفِ وَالْحَسْرَةِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ، فَخَرَجُوا إِلَيْهِ بَعْدَ سنين مِنْ يَوْمِ بَايَعَ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ ابن صُرَدٍ الْخُزَاعِيُّ: مَا يَنْقَضِي تَعَجُّبُنَا مِنْ بَيْعَتِكَ مُعَاوِيَةَ وَمَعَكَ أَرْبَعُونَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ كُلُّهُمْ يَأْخُذُ الْعَطَاءَ، وَهُمْ عَلَى أَبْوَابِ مَنَازِلِهِمْ وَمَعَهُمْ مِثْلُهُمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ سِوَى شِيعَتِكَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَأَهْلِ الْحِجَازِ، ثُمَّ لَمْ تَأْخُذْ لِنَفْسِكَ ثِقَةً فِي الْعَقْدِ، وَلا حظا من العطية (ظ) فلو كنت إذا فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ أَشْهَدْتَ عَلَى مُعَاوِيَةَ وُجُوهَ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَكَتَبْتَ/ 449/ عَلَيْهِ كِتَابًا بِأَنَّ الأمر لك بَعْدِهِ، كَانَ الأَمْرُ عَلَيْنَا أَيْسَرُ! وَلَكِنَّهُ أَعْطَاكَ شيئا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ ثُمَّ لَمْ يَفِ بِهِ، ثُمَّ لم يلبث أن قال على رؤس الناس: إني كنت شرطت شروطا ووعدت عدة إِرَادَةً لإِطْفَاءِ نَارِ الْحَرْبِ، وَمُدَارَاةً لِقَطْعِ هَذِهِ الْفِتْنَةِ، فَأَمَّا إِذَا جَمَعَ اللَّهُ لَنَا الْكَلِمَةَ والألفة، وآمنّا من الفرقة فإن ذلك تحت قدمي!!! فو الله ما أغيرني [2] بِذَلِكَ إِلا مَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَقَدْ نقض، فإذا شئت فأعد الحرب جذعة، وائذن لِي [3] فِي تَقَدُّمِكَ إِلَى الْكُوفَةِ فَأَخْرِجْ عَنْهَا عامله وأظهر خلعه وننبذ إِلَيْهِ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ.
وَتَكَلَّمَ الْبَاقُونَ بِمِثْلِ كَلامِ سُلَيْمَانَ. فَقَالَ الْحَسَنُ: [أنتم شيعتنا وأهل
__________
[1] كذا في ظاهر رسم الخط.
[2] كذا.
[3] هذا هو الصواب، وفي النسخة: فأعد الحرب خدعة وانذر لي ...(3/48)
مودتنا، فلو كنت بالجزم في أمر الدنيا أعمل، ولسلطانها أربض وألحب [1] مَا كَانَ مُعَاوِيَةُ بِأَبْأَسِ مِنِّي بَأْسًا، وَلا أَشَدِّ شَكِيمَةً وَلا أَمْضَى عَزِيمَةً، وَلَكِنِّي أَرَى غَيْرَ مَا رَأَيْتُمْ وَمَا أَرَدْتُ فِيمَا فَعَلْتُ إلا حقن الدماء،] [فَارْضَوْا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَسَلِّمُوا لأَمْرِهِ وَالْزَمُوا بُيُوتَكُمْ وَأَمْسِكُوا- أَوْ قَالَ: كُفُّوا- أَيْدِيَكُمْ حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ أَوْ يُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ] .
58- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بن أبراهيم الدور في، ومحمد بن حاتم المروزي قالا: حدثنا أَبُو دَاوُدَ- صَاحِبُ الطَّيَالِسَةِ- عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يزيد بن حمير، عن عبد الرحمان بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: إِنَّكَ تُرِيدُ الْخِلَافَةَ. فَقَالَ: [كَانَتْ جَمَاجِمُ الْعَرَبِ بِيَدِي يُسَالِمُونَ مَنْ سَالَمْتُ، وَيُحَارِبُونَ مَنْ حَارَبْتُ، فَتَرَكْتُهَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، ثُمَّ أُرِيدُهَا بِأَهْلِ الْحِجَازِ؟ وَقَالَ أحدهما: يا أتياس الحجاز؟ [2]] 59- حدثنا أحمد بن إبراهيم الدور في حدثنا وهب بن جرير، عن أبي جعدبة (كذا) عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، قَالَ:
لما قتل عَلِيّ بْن أَبِي طالب وبايع أَهْل الشَّامِ مُعَاوِيَة بالخلافة، سار مُعَاوِيَة بالناس إِلَى الْعِرَاق، وسار الحسن بْن علي بمن مَعَهُ من أَهْل الْكُوفَةِ، ووجه عبيد اللَّه بْن العباس وقَيْس بْن سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي جيش عظيم حَتَّى نزلوا مسكن من أرض الْعِرَاق، وقد رق أمر الحسن وتواكل فِيهِ أَهْل العراق، فوثبوا
__________
[1] يقال: «ربض الأسد على فريسته- من باب ضرب-: وثب وبرك. وألحب- من باب- منع-: أسرع وأسعى.
[2] ورواه أيضا في الحديث: (318 و 319) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 12، ص 58. ورواه أيضا في ترجمته عليه السلام من البحار: ج 44 ص 15، ط 2 نقلا عن الصدوق عن محمد بن بحر الشيباني وقال: «يا تياس أهل الحجاز» : قال: والتياس: بياع عسيب الفحل.
أنساب الأشراف (م 4)(3/49)
عَلَيْهِ فانتزع رداؤه عَن ظهره، وأخذ بساطه من تحته ومزق (ظ) سرادقه!!! فأرسل عبيد اللَّه بْن عَبَّاس إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عامر يأمره أن يأتيه إذا أمسى بأفراس حَتَّى يصير مَعَهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ فيصالحه!!! ففعل (ابن عامر) فلحق عبيد اللَّه بمعاوية وترك جنده لا أمير لهم!! وفيهم قَيْس بْن سعد، فقام بأمر أولئك الجند، وجعل مُعَاوِيَة يرسل إِلَيْهِ أربعين ليلة يسأله أن يبايعه فيأبي حَتَّى أراد مُعَاوِيَة قتاله، فَقَالَ لَهُ عَمْرو بْن العاص: إنك لن تخلص إِلَى قتل هَؤُلاءِ حَتَّى تقتل أعدادهم من أَهْل الشَّامِ. فصار إِلَى أن أعطاه مَا أراد من الشروط لنفسه ولشيعته، ثُمَّ دخل قَيْس فِي الجماعة ومن مَعَهُ وبايعه، ولم يزل مُعَاوِيَة بالحسن حَتَّى بايعه وأعطاه كُلّ مَا ابتغي حَتَّى قيل: إنه أعطاه عيرا أولها بالمدينة وآخرها بالشام؟! فصعد معاوية منبر الكوفة فقال للوليد بن عتبة، يذكر قوله حين استبطأه فِي حرب علي:
ألا أبلغ مُعَاوِيَة بْن حرب ... فإنك من أخي ثقة مليم
يَا أبا وهب كيف رأيت أهل لمت؟! 60- حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير بْن حازم، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سمعت مُحَمَّد بْن سيرين يقول:
لما بايع الحسن معاوية، ركب الحسن إليه إلى عسكره، وأردف قَيْس بْن سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ خلفه، فلما دخلا العسكر قَالَ النَّاس: جاء قيس جاء قَيْس، فلما دخلا عَلَى مُعَاوِيَةَ بايعه الحسن ثُمَّ قَالَ لقيس: بايع. فَقَالَ قَيْس بيده هذا وجعلها فِي حجرة ولم يرفعها إِلَى مُعَاوِيَةَ!!! وَمُعَاوِيَة عَلَى السرير، فبرك مُعَاوِيَة عَلَى ركبتيه ومد يده حَتَّى مسح عَلَى يد قَيْس وهي في حجره.(3/50)
قال (وهب بن جرير: قال) : أبي: وحكى/ 450/ أو 225/ أ/ لنا مُحَمَّد صنيعه [1] وجعل يضحك، وَكَانَ قَيْس رجلا جسيما.
61- حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ (بْنُ جرير) قال: قال أبي- وأحسبه رواه عن الحسن البصري- قال:
لما بلغ أهل الكوفة (بيعة) الْحَسَنَ أَطَاعُوهُ وَأَحَبُّوهُ أَشَدَّ مِنْ حُبِّهِمْ لأَبِيهِ، وَاجْتَمَعَ لَهُ خَمْسُونَ أَلْفًا، فَخَرَجَ بِهِمْ حَتَّى أتى المدائن، وسرح بين يديه قيس ابن سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الأَنْصَارِيَّ فِي عِشْرِينَ أَلْفًا، فَنَزَلَ بِمَسْكَنٍ، وَأَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ مِنَ الشَّامِ فِي جيش.
ثم إن الحسن خلا بأخيه الحسين فقال [ (له: يَا) هَذَا إِنِّي نَظَرْتُ فِي أَمْرِي [2] فَوَجَدْتُنِي لا أصل إلى الأمر، حتى تقتل مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ مَنْ لا أُحِبُّ أَنْ أَحْتَمِلَ دَمَهُ،] وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أُسْلِمَ الأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَأُشَارِكَهُ فِي إِحْسَانِهِ [3] وَيَكُونُ عليه إساءته (ظ) . فَقَالَ الْحُسَيْنُ: [أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَنْ تَكُونَ أَوَّلَ مَنْ عَابَ أَبَاكَ وَطَعَنَ عَلَيْهِ وَرَغِبَ عَنْ أمره.] فقال: إني لا (أ) رى ما تقول [4] ووالله لئن لم تتابعني لأسندتك فِي الْحَدِيدِ فَلا تَزَالُ فِيهِ حَتَّى أَفْرَغَ مِنْ أَمْرِي. قَالَ:
فَشَأْنُكَ. فَقَامَ الْحَسَنُ خَطِيبًا فَذَكَرَ رَأْيَهُ فِي الصُّلْحِ وَالسِّلْمِ لِمَا كَرِهَ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ وَإِقَامَةِ الْحَرْبِ. فَوَثَبَ عَلَيْهِ أهل الكوفة وانتهبوا ماله وحرقوا سُرَادِقَهُ وَشَتَمُوهُ وَعَجَزُوهُ ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ وَلَحِقُوا بالكوفة!!!
__________
[1] وقريبا منه رواه أيضا بسندين في مقاتل الطالبين ص 72 وليس فيه هذا الذيل.
[2] ما بين المعقوفين زيادة منا لتصحيح الكلام.
[3] الرواية ضعيفة، وهذا المضمون من اختلافات أشياع الشجرة الملعونة في القرآن وتزويراتهم!!! ومعاوية بمعزل عن الحسنات بل هو معدن السيئات ومركز الموبقات.
[4] لعل ما زدناه بين المعقوفين هو الصواب الموافق للواقع، وفي الأصل: «لأرى» ؟(3/51)
فَبَلَغَ الْخَبَرُ قَيْسًا فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: يَا قَوْمُ إِنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ كَذَّبُوا مُحَمَّدًا وَكَفَرُوا بِهِ مَا وَجَدُوا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلا!!! فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ دَخَلُوا فِي الإِسْلامِ كُرْهًا، وَفِي أَنْفُسِهِمْ مَا فِيهَا مِنَ النِّفَاقِ!!! فَلَمَّا وَجَدُوا السَّبِيلَ إِلَى خِلافِهِ، أَظْهَرُوا مَا فِي أَنْفُسِهِمْ!!! وَإِنَّ الْحَسَنَ عَجَزَ وَضَعُفَ وَرَكَنَ إِلَى صُلْحِ مُعَاوِيَةَ، فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ تُقَاتِلُوا بِغَيْرِ إِمَامٍ فَعَلْتُمْ؟! وَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا فِي الْفِتْنَةِ دَخَلْتُمْ؟ قَالُوا: فَإِنَّا نَدْخُلُ في الفتنة!!! فأعطى مُعَاوِيَةُ حَسَنًا مَا أَرَادَ، فِي صَحِيفَةٍ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ مَخْتُومَةً، اشْتَرَطَ الْحَسَنُ فِيهَا شُرُوطًا، فَلَمَّا بَايَعَ مُعَاوِيَةَ لَمْ يُعْطِهِ مِمَّا كَتَبَ شيئا (ظ) !!! فَانْصَرَفَ الْحَسَنُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمُعَاوِيَةُ إِلَى الشَّامِ.
62- قَالُوا: وَلَمَّا صَالَحَ الْحَسَنُ مُعَاوِيَةَ، وَثَبَ حُمْرَانُ بن أبان (و) أخذ الْبَصْرَةَ، وَأَرَادَ مُعَاوِيَةُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهَا رَجُلا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ مِنْ بَلْقَيْنِ، فَكَلَّمَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ فَأَمْسَكَ. وولي عتبة بْن أَبِي سُفْيَانَ الْبَصْرَةَ، فَقَالَ لَهُ ابْن عامر: إن لي بِهَا أموالا وودائع، فإن لم تولّينها ذهبت بولاة الْبَصْرَةِ [1] .
63- وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عون عن أبيه قال:
لمّا ادّعى مُعَاوِيَةُ زِيَادًا وَوَلَّاهُ، طَلَبَ زِيَادٌ رَجُلا كَانَ دَخَلَ فِي صُلْحِ الْحَسَنِ وَأَمَانِهِ، فَكَتَبَ الْحَسَنُ فيه إلى زياد، ولم ينسبه إلى أب [2] فكتب إليه زياد:
__________
[1] والقصة قد ذكرها في آخر كتاب الغارات ص 645، بأبسط مما هاهنا، كما أن قصة تغلب حمران ابن أبان على البصرة مذكورة في كتاب الفتوح- لابن أعثم-: ج 4 ص 168، ط الهند.
[2] ورواه أيضا ابن أبي الحديد، عن المدائني في شرح المختار: (31) من كتب نهج البلاغة: ج 16 ص 18:(3/52)
أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَتَانِي كِتَابُكَ فِي فَاسِقٍ تؤوي مثله الفسّاق من شيعتك وشيعة أبيك!!! فأيم اللَّهِ لأَطْلُبَنَّهُ وَلَوْ بَيْنَ جِلْدِكَ وَلَحْمِكَ، فَإِنَّ أحبّ لحم إليّ (أن) آكُلُهُ لَلَحْمٌ أَنْتَ مِنْهُ!!! فَلَمَّا قَرَأَ الْحَسَنُ الْكِتَابَ قَالَ: [كَفَرَ زِيَادٌ،] وَبَعَثَ بِالْكِتَابِ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا قَرَأَهُ غَضِبَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ:
أَمَّا بَعْدُ يَا زِيَادُ، فَإِنَّ لَكَ رَأْيَيْنِ: رَأْيُ (من) أبي سفيان، ورأي (من) سُمَيَّةَ، فَأَمَّا رَأْيُكَ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ فَحَزْمٌ وَحِلْمٌ، وَأَمَّا رَأْيُكَ مِنْ سُمَيَّةَ فَمَا يُشْبِهُهَا [1] فَلا تَعْرِضْ لِصَاحِبِ الْحَسَنِ، فَإِنِّي لَمْ أَجْعَلْ لَكَ عَلَيْهِ سَبِيلا، وَلَيْسَ الْحَسَنُ مِمَّا يَرْمِي (به) الرجوان [2] وقد عجبت من تركك نسبته إلى أبيه أو إلى أمّه فاطمة بِنْت رَسُول اللَّهِ [3] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فالآن (حين) اخترت له والسلام.
__________
[1] كذا.
[2] أي ليس ممن يستهان به. والرجوان تثنية الرجاء: ناحية البئر.
[3] وفي النسخة بين كلمة: «أمه» و «فاطمة» كلمتان غير مقروءتان. ولعلهما هكذا:
«وقد عجبت من تركك نسبته إلى أبيه أو إلى أمه وكلمته وهي فاطمة بنت رسول الله» ؟.
ثم أن هذه القصة رواها ابن عساكر في ترجمة زياد من تاريخ دمشق: ج 18، ص 187- وفي تهذيبه: ج 5 ص 42- وإليك نصها قال: أخبرنا أبو العز أحمد بن عبيد الله إذنا ومناولة وقرأ علي إسناده، أنبأنا أبو علي محمد بن الحسين، أنبأنا المعافى بن زكريا، أنبأنا أحمد ابن الحسن الكلبي، أنبأنا محمد بن زكريا، أنبأنا عبد الله بن الضحاك:
أنبأنا هشام بن محمد، عن أبيه قال: كان سعيد بن سرح مولى حبيب بن عبد شمس شيعة لعلي بن أبي طالب، فلما قدم زياد الكوفة واليا عليها، أخافه وطلبه زياد، فأتى (سعيد الإمام) الحسن بن علي، فوثب زياد على أخيه وولده وامرأته فحبسهم وأخذ ماله وهدم داره!!! فكتب (الإمام) الحسن إلى زياد:
من الحسن بن علي إلى زياد، أما بعد فإنك عمدت إلى رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم فهدمت داره وأخذت ماله وعياله فحبستهم، فإذا أتاك كتابي هذا فابن له داره واردد عليه عياله وماله فإني قد أجرته فشفعني فيه.
فكتب إليه زياد: من زياد بن أبي سفيان، إلى الحسن بن فاطمة، أما بعد فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي وأنت طالب حاجة؟!! وأنا سلطان وأنت سوقة!!! كتبت إلي في فاسق لا يؤويه إلا مثله!!! وشر من ذلك توليه أباك وإياك!!! وقد علمت أنك أدنيته إقامة منك على سوء الرأي ورضى منك بذلك!!! وأيم الله لا تسبقني به ولو كان بين جلدك ولحمك، وإن فلت بعضك فغير رفيق بك ولا مرع عليك، فإن أحب لحم إلي (أن) آكله للحم الذي أنت منه!!! فأسلمه بجريرته إلى من هو أولى به منك؟! فإن عفوت عنه لم أكن شفعتك فيه، وإن قتلته لم أقتله إلا بحبه إياك!!! فلما قرأ الحسن عليه السلام الكتاب تبسم وكتب إلى معاوية يذكر له حال ابن سرح، وكتابه إلى زياد فيه وإجابة زياد إياه، ولف كتابه وبعث به إلى معاوية، وكتب ثانيا إلى زياد:
من الحسن بن فاطمة، إلى زياد بن سمية (أما بعد) الولد للفراش وللعاهر الحجر؟!! فلما وصل كتاب الحسن إلى معاوية، وقرأ معاوية الكتاب ضاقت به الشام وكتب إلى زياد:
أما بعد فإن الحسن بن علي بعث بكتابك إلي جواب كتابه إليك في ابن سرح، فأكثرت التعجب منك، وعلمت أن لك رأيين: أحدهما من أبي سفيان، والآخر من سمية، فأما الذي من أبي سفيان فحلم وحزم، وأما رأيك من سمية فما يكون (من) رأي مثلها؟! ومن ذلك كتابك إلى الحسن تشتم أباه وتعرض له بالفسق، ولعمري لأنت أولى بالفسق من الحسن، ولأبوك إذ كنت تنسب إلى عبيد أولى بالفسق من أبيه، وإن الحسن بدء بنفسه ارتفاعا عليك، وان ذلك لم يضعك، وأما تركك تشفيعه فيما شفع فيه إليك، فحظ دفعته عن نفسك إلى من هو أول به منك، فإذا أتاك كتابي فخل ما في يدك لسعيد بن سرح، وابن له داره ولا تعرض له، واردد عليه ما له فقد كتبت إلى الحسن أن يخير صاحبه إن شاء أقام عنده وإن شاء رجع إلى بلده. وليس لك عليه سلطان بيد ولا لسان. وأما كتابك إلى الحسن باسم أمه (ظ) ولا تنسبه إلى أبيه، فإن الحسن- ويلك- من لا يرمى به الرجوان، أفإلى أمه وكلته (كذا) لا أم لك؟ (و) هي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلك أفخر له إن كنت تعقل. وكتب في أسفل الكتاب:
تدارك ما ضيعت من خيرة ... وأنت أريب بالأمور خبير
أما حسن فابن الذي كان قبله (كذا) ... إذا سار سار الموت حيث يسير
وهل يلد الرئبال إلا نظيره ... فذا حسن شبه له ونظير
ولكنه لو يوزن الحلم والحجى ... برأي لقالوا فاعلمن ثبير
قال العلاء قرأت هذا الخبر على ابن عائشة فقال: كتب إليه معاوية وصل كتاب الحسن (و) في أول الكتاب (ذكر) الشعر، و (ذكر) الكلام.(3/53)
[فترة خلافة الحسن بن علي]
64- وَقَالَ أَبُو مِخْنَفٍ: بُويِعَ الْحَسَنُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَصَالَحَ مُعَاوِيَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الآخِرِ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ، فَكَانَ أَمْرُهُ (كذا) سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَأَيَّامًا.(3/54)
وقال الواقدي وغيره: وكان صالح الحسن (معاوية) فِي سنة إحدى وأربعين واجتمع النَّاس عَلَى معاوية في هذه السنة/ 451/ أو 225 ب/.
65- قَالُوا: وطال مرض الحسن بعد قدومه الْمَدِينَةَ من الْعِرَاق حَتَّى قيل: إنه السل ثُمَّ إنه شرب شربة عسل فمات مِنْهَا.
66- ويقال: إنّه سمّ أربع دفعات فمات في آخرهن، وأتاه الْحُسَيْن وَهُوَ مريض فَقَالَ لَهُ: [أخبرني من سقاك السم؟ قَالَ: لتقتله؟ قَالَ: نعم.
قَالَ: مَا أنا بمخبرك، إن كَانَ صاحبي الذي أظن فالله أشدّ له نقمة (ظ) وإلّا فو الله لا يقتل بي بريء] [1] .
67- وقد قيل: أن مُعَاوِيَة دس إِلَى جعدة بنت الأشعث بْن قَيْس امرأة الحسن وأرغبها حتى سمّته وكانت شانئة له [2] .
__________
[1] وقريبا منه جدا رواه ابن أبي الحديدة في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة: ج 16، ص 10، نقلا عن المدائني.
[2] ولهذا القول شواهد قطعية من طريق رواة آل أبي سفيان وأعداء أهل البيت، وكفى بها حجة ودليلا، وتقدم في ذيل الحديث (56) قول حصين بن المنذر الرقاشي أن معاوية لم يف للحسن بشيء وأنه سمه.
وقال في الحديث: (165) من ترجمة الإمام الحسن من المعجم الكبير: ج 1/ الورق 130 حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا يحي ابن أبي بكير، حدثنا شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ (قَالَ) :
إن سعدا والحسن بن علي- رضي الله عنهما- ماتا في زمن معاوية، فيرون انه سمه؟.
وقال الحاكم في الحديث (35) من باب مناقب الإمام الحسن من المستدرك: ج 3 ص 176:
أخبرني محمد بن يعقوب الحافظ، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا أحمد بن المقدام، حدثنا زهير ابن العلاء، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة بن دعامة السدوسي قال: سمت (جعدة) ابنة الأشعث ابن قيس، الحسن بن علي وكانت تحته، ورشيت على ذلك مالا.
وقال ابن أبي الحديد- في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من النهج: ج 16، ص 11:
قال أبو الحسن المدائني: وكانت وفاته في سنة تسع وأربعين، وكان مرضه أربعين يوما، وكانت سنه سبعا وأربعين سنة، دس إليه معاوية سما على يد جعدة بنت الأشعث بن قيس زوجة الحسن وقال لها: إن قتلتيه بالسم فلك مائة ألف وأزوجك يزيد ابني!!! فلما (سمت الحسن) ومات (به) وفى لها بالمال ولم يزوجها من يزيد (و) قال (لها) : أخشى أن تصنع بابني كما صنعت بابن رسول الله صلى الله عليه وسلم!!! وقريبا منه رواه سبط ابن الجوزي في كتاب تذكرة الخواص، ص 211 ط الغري.
وقال أبو الفرج في مقاتل الطالبيين ص 50: ومات (الحسن عليه السلام) شهيدا مسموما دس معاوية إليه وإلى سعد بن أبي وقاص- حين أراد أن يعهد إلى يزيد ابنه بالأمر بعده- سما فماتا منه في أيام متقاربة!!! وكان الذي تولى ذلك من الحسن عليه السلام زوجته جعدة بنت الأشعث ابن قيس بمال بذله لها معاوية!!! ويقال: ان اسمها سكينة. ويقال: عائشة. ويقال: شعثا (شيثا «خ» ) . والصحيح أن اسمها جعدة.
ورواه أيضا في آخر ترجمته عليه السلام من الكتاب ص 73 بأسانيد.
ورواه عنه أبن أبي الحديد في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة: ج 16 ص 29.
وقال محمد بن سعد: أنبأنا موسى بن إسماعيل أنبأنا أبو هلال عن قتادة قال:
قال الحسن للحسين: إني قد سقيت السم غير مرة وإني لم أسق مثل هذه إني لأضع كبدي!!! قال:
فقال: من فعل ذلك بك؟ قال: لم لتقتله؟ ما كنت لأخبرك (به) !!! أنبأنا محمد بن عمر، حدثني عبد الله بن جعفر، عن أم بكر بنت المسور، قالت: كان الحسن ابن علي سقي مرارا كل ذلك يفلت حتى كان المرة الآخرة التي مات فيها فإنه كان يختلف كبده؟! فلما مات أقام نساء بني هاشم عليه النوح شهرا.
أنبأنا محمد بن عمر، أنبأنا عبد الله بن جعفر، عن عبد الله بن حسن قال: كان الحسن بن علي رجلا كثير النكاح للنساء، وكن قل ما يحظين عنده وكان قل أمرأة يتزوجها إلا احبته وضنت به!!! فيقال: انه كان سقي فأفلت ثم كانت الآخرة (التي) توفي فيها، فلما حضرته الوفاة قال الطبيب- وهو يختلف إليه-: هذا رجل قد قطع السم أمعاءه!!! فقال الحسين: يا أبا محمد خبرني من سقاك السم؟ قال: ولم يا أخي؟ قال: أقتله والله قبل أن أدفنك أو لا أقدر عليه أو يكون بأرض أتكلف الشخوص إليه. فقال: يا أخي انما هذه الدنيا ليالي فانية، دعه حتى ألتقي أنا وهو عند الله. فأبى أن يسميه!!! وقد سمعت بعض من يقول: كان معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سما.
أقول هكذا رواه عنه في الحديث: (325) من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق:
ج 12، ص 59 وفيما قبلها وما بعدها أيضا شواهد.
وقال في الحديث: (347) من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق: ج 12، ص 64:
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري، أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي الشيرازي أنبأنا أبو عمر محمد بن العباس، أنبأنا أحمد بن معروف بن بشر، أنبأنا الحسين بن محمد بن فهم أنبأنا محمد بن سعد، أنبأنا محمد بن عمر، أنبأنا عبيد الله بن مرداس، عن أبيه:
عن الحسن بن محمد بن الحنفية قال: لما مرض الحسن بن علي مرض أربعين ليلة، فلما استعز به (كذا) وقد حضرت بنو هاشم فكانوا لا يفارقونه يبيتون عنده بالليل، وعلى المدينة سعيد بن العاص، وكان سعيد يعوده فمرة يأذن له، ومرة يحجبه، فلما استعز به بعث مروان بن الحكم رسولا إلى معاوية يخبره بثقل الحسن بن علي، وكان حسن رجل قد سقي وكان مبطونا، إنما كان تختلف أمعاؤه.
فلما حضر (و) كان عنده إخوته، عهد أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ان استطيع ذلك، فإن حيل بينه وبينه، وخيف أن يهراق فيه محجمة من دم، دفن عند أمه بالبقيع، وجعل حسن يوعز إلى الحسين: يا أخي إياك أن تسفك الدماء في فإن الناس سراع إلى الفتنة.
فلما توفي الحسن ارتجت المدينة صياحا، فلا يلفى أحد إلا باكيا.
وأبرد مروان إلى معاوية يخبره بموت حسن، وانهم يريدون دفنه مع النبي صلى الله عليه وسلم وإنهم لا يصلون إلى ذلك أبدا وأنا حي!!! فانتهى حسين بن علي إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: احفروها هنا فنكب عنه سعيد ابن العاص فاعتزل ولم يحل ببينه وبينه. وصاح مروان في بني أمية ولفها (كذا) وتلبسوا السلاح وقال مروان: لا كان هذا أبدا؟!! فقال له الحسين: يا ابن الزرقاء مالك ولهذا أوال أنت؟ قال: لا كان هذا ولا يخلص إليه وأنا حي!!! فصاح حسين بحلف الفضول فاجتمعت (بنو) هاشم وتيم وزهرة وأسد، وبنو جعونة (ظ) بن شعوف (كذا) من بني ليث (و) قد تلبسوا السلاح، وعقد مروان لواء وعقد حسين لواء، فقال الهاشميون: يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى كانت بينهم المرامات بالنبل، وابن جعونة بن شعوب (كذا) يومئذ شاهر سيفه، فقام في ذلك رجال من قريش عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والمسور بن مخرمة ابن نوفل، وجعل عبد الله بن جعفر يلح على حسين وهو يقول: يا ابن عم ألم تسمع إلى عهد أخيك؟: إن خفت أن يهراق في محجمة من دم فادفني بالبقيع مع أمي. أذكرك الله أن تسفك الدماء. وحسين يأبى دفنه إلا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول ويعرض إلى مروان (ظ) ما له ولهذا؟!! قال: فقال المسور بن مخرمة: يا أبا عبد الله اسمع مني قد دعوتنا بحلف الفضول فأجبناك، تعلم أني سمعت أخاك يقول قبل أن يموت بيوم: يا ابن مخرمة إني قد عهدت إلى أخي أن يدفني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن وجد إلى ذلك سبيلا، فإن خاف أن يهراق في ذلك محجم من دم فليدفني مع أمي بالبقيع. وتعلم أني أذكرك الله في هذه الدماء ألا ترى ما هاهنا من السلاح والرجال والناس سراع إلى الفتنة؟!! وجعل الحسين يأبى وجعلت بنو هاشم والحلفاء يلغطون ويقولون: لا يدفن إلا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الحسن بن محمد: سمعت أبي يقول: لقد رأيتني يومئذ وإني لأريد أن أضرب عنق مروان ما حال بيني وبين ذلك أن لا أراه مستوجبا لذلك، إلا أني سمعت أخي يقول: إن خفتم أن يهراق في محجم من دم فادفنوني بالبقيع. فقلت لأخي: يا أبا عبد الله- وكنت أرفقهم به- إنا لا ندع قتال هؤلاء جبنا منهم، ولكنا إنما نتبع وصية أبي محمد، إنه لو قال والله: ادفنوني مع النبي صلى الله عليه وسلم لمتنا من آخرنا أو ندفنه مع النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه خاف ما قد ترى فقال:
إن خفتم أن يهراق في محجم من دم فادفنوني مع أمي. فإنما نتبع عهده وننفذ أمره؟! قال: فأطاع حسين بعد أن ظننت أنه لا يطيع، فاحتملناه حتى وضعناه بالبقيع ...
قال: وأنبأنا محمد بن سعد، أنبأنا محمد بن عمر، أنبأنا هاشم بن عاصم، عن المنذر بن جهضم قال: لما اختلفوا في دفن حسن بن علي نزل سعد بن أبي وقاص وأبو هريرة من أرضهما فجعل سعد يكلم حسينا (و) يقول: الله الله. فلم يزل بحسين حتى ترك ما كان يريد.(3/55)
68- وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي دس مُعَاوِيَة إِلَى ابنة سهيل بْن عَمْرو امرأة الحسن مائة ألف دينار عَلَى أن تسقيه شربة بعث بِهَا إِلَيْهَا ففعلت [1] .
69- وَحَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ المؤمن، حدثني عمي عن أزهر، عن ابن عَوْنٍ قَالَ:
خَرَجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى مَنْ كَانَ يُجَالِسُهُ فَقَالَ: [لَقَدْ لَفَظْتُ السَّاعَةَ طائفة من كبدي أقلبها بهذا الْعُودُ، وَلَقَدْ سُقِيتُ السُّمَّ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَمَا سُقِيتُهُ أَشَدَّ مِنْ مَرَّتِي هَذِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْغَدِ وَهُوَ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ] [2] .
[وفاة الحسن بْن علي عَلَيْهِ السلام]
70- المدائني عَن سلام بن مسكين، عن عمران الجذّاء (الخذاء «خ» ) [3] قال:
__________
[1] ولا تنافي بين هذا الحديث وما يدل على أن معاوية دس إلى ابنة الأشعث وانها سمته. فإنهما مثبتان دالان على أن معاوية دس إليهما معا!!!
[2] كذا في النسخة، والظاهر أنه مصحف، ورواه أيضا في الحديث (322) وتالييه من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق: ج 12، ص 58 بطرق ثلاثة وقال في الأول منها:
«ثم عدت إليه من غد وقد أخذ في السوق» . وقال في الثاني منها: «فلما كان الغد أتيته وهو يسوق» .
وقال في الثالث منها: «ثم دخلت عليه من الغد وهو يجود بنفسه» .
وقال الحاكم في آخر باب مناقب الإمام حسن من المستدرك: ج 3 ص 176. حدثنا علي ابن عيسى، حدثنا الحسين بن محمد بن زياد، حدثنا الفضل بن غسان الأنصاري حدثنا معاذ بن معاذ، وأشهل بن حاتم، عن ابن عون:
عن عمير بن إسحاق أن الحسن بن علي قال: لقد بلت طائفة من كبدي ولقد سقيت السم مرارا فما سقيت مثل هذا.
[3] رسم خط هذه الكلمة غير واضح ويحتمل أن يقرأ (الخزاعي «خ» ) .
وقال الحاكم في الحديث الأخير من باب فضائل الحسن عليه السلام من المستدرك: ج 3 ص 176:
حدثنا أبو علي الحافظ، حدثنا عبد الله بن قحطبة، حدثنا الحسين بن أبي كبشة، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثنا سلام بن مسكين، عن عمران بن عبد الله قال:
رأى الحسن بن علي فيما يرى النائم بين عينيه مكتوبا «قل هو الله أحد» فقصها على سعيد بن المسيب فقال: ان صدقت رؤياك فقد حضر أجلك. قال: فسم في تلك السنة ومات رحمة الله عليه.(3/59)
رأى الحسن فِي منامه كأنه كتب عَلَى جبهته: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ» السورة، فَقَالَ أهله: هَذِهِ الخلافة. فسئل سعيد بْن المسيب فَقَالَ:
يموت، لأن الْقُرْآن حق فهذا مصير (كذا) إِلَى الحق. فمات بعد ثلاث.
71- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الدُّورِيُّ الْمُقْرِئُ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قَالَ الْحَسَنُ- حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ-: [ادْفِنُونِي عِنْدَ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا أَنْ تَخَافُوا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ شَرٌّ، فَإِنْ خِفْتُمُ الشَّرَّ فَادْفِنُونِي عِنْدَ أمي] .
وتوفي (الحسن) فَلَمَّا أَرَادُوا دَفْنَهُ أَبَى ذَلِكَ مَرْوَانُ، وَقَالَ: لا يدفن (مع النبي!!! أيدفن) عثمان في حش كوكب ويدفن الحسن هاهنا؟!! فاجتمع بنو هاشم وَبَنُو أُمَيَّةَ، فَأَعَانَ هَؤُلاءِ قَوْمٌ وَهَؤُلاءِ قَوْمٌ، فجاؤا بالسلاح فقال أبو هريرة المروان:
يَا مَرْوَانُ أَتَمْنَعُ الْحَسَنَ أَنْ يُدْفَنَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؟ وَقَدْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [يَقُولُ لَهُ وَلأَخِيهِ حُسَيْنٍ: هُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.] فَقَالَ مَرْوَانُ: دَعْنَا عَنْكَ، لَقَدْ ضَاعَ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ لا يَحْفَظُهُ غَيْرُكَ وَغَيْرُ أَبِي سَعِيدٍ الخدري وانما أَسْلَمْتَ أَيَّامَ خَيْبَرَ!!! قَالَ: صَدَقْتَ أَسْلَمْتُ أَيَّامَ خيبر، ولكني لَزِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِمَ أكن أفارقه وكنت أسأله وعنيت (ظ) بِذَلِكَ حَتَّى عَلِمْتُ وَعَرَفْتُ مَنْ أَحَبَّ وَمَنْ أَبْغَضَ، وَمَنْ قَرَّبَ وَمَنْ أَبْعَدَ، وَمَنْ أَقَرَّ وَمَنْ نَفَى، وَمَنْ دَعَا لَهُ وَمَنْ لَعَنَهُ!!!(3/60)
فَلَمَّا رَأَتْ عَائِشَةُ السِّلاحَ وَالرِّجَالَ، وَخَافَتْ أَنْ يَعْظُمَ الشَّرُّ بَيْنَهُمْ وَتُسْفَكَ الدِّمَاءُ قَالَتْ: الْبَيْتُ بَيْتِي وَلا آذَنُ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ أَحَدٌ!!! [1] .
__________
[1] وقال ابن أبي الحديد في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة: ج 16 ص 13:
وروى المدائني عن يحيى بن زكريا، عن هشام بن عروة، قال: قال الحسن عند وفاته: ادفنوني عند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أن تخافوا أن يكون في ذلك شر. فلما أرادوا دفنه قال مروان بن الحكم: لا يدفن عثمان في حش كوكب ويدفن الحسن هاهنا!!! فاجتمع بنو هاشم وبنو أمية، وأعان هؤلاء قوم وهؤلاء هوم وجاءوا بالسلاح!!! فقال أبو هريرة: أتمنع الحسن أن يدفن في هذا الموضع؟ وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. قال مروان: دعنا منك لقد ضاع حديث رسول الله صلى الله عليه وآله إذ كان لا يحفظه غيرك وغير أبي سعيد الخدري وإنما أسلمت أيام خيبر!!! قال أبو هريرة: صدقت أسلمت أيام خيبر، ولكنني لزمت رسول الله صلى الله عليه وآله ولم أكن أفارقه وكنت أسأله وعنيت بذلك حتى علمت من أحب ومن أبغض، ومن قرب ومن أبعد، ومن أقر ومن نفى، ومن لعن ومن دعا له!!! فلما رأت عائشة السلاح والرجال وخافت أن يعظم الشر بينهم وتسفك الدماء قالت: البيت بيتي ولا آذن لأحد أن يدفن فيه!!! وأبي الحسين عليه السلام أن يدفنه إلا مع جده، فقال له محمد بن الحنفية: يا أخي إنه لو أوصى أن ندفنه (عند جده بلا استثناء) لدفناه أو نموت قبل ذلك!!! ولكنه قد استثنى وقال: «إلا أن تخافوا الشر» . فأي شر يرى أشد مما نحن فيه؟!! فدفنوه في البقيع.
ثم ان في آخر ترجمته عليه السلام من مقاتل الطالبيين ص 74 شواهد أخر.
وبالسند المتقدم عن الحسين بن فهم قال: وأنبأنا ابن سعد، أنبأنا محمد بن عمر، أنبأنا علي ابن محمد العمري، عن عيسى بن معمر:
عن عباد بن عبد الله بن الزبير، قال: سمعت عائشة تقول يومئذ: هذا الأمر لا يكون أبدا؟! يدفن ببقيع الغرقد ولا يكون لهم رابعا، والله انه لبيتي أعطانيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته!!! وما دفن فيه عمر وهو خليفة إلا بأمري وما آثر علي عندنا بحسن (كذا) .
أقول: ما في هذا الحديث هو الملائم لما انطوت عليه جوانح عائشة بالنسبة إلى آل النبي!!! وتشهد له أيضا سيرتها، وأما ما في المتن فإنه من اختلاقات عروة وأمثاله، وأما البيت فإن عائشة أجنبية عنه على كل حال، بشهادة عائشة وأبيه، فإنهما أجابا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما جاءت بعد وفاة رسول الله إلى أبي بكر تطلب ميراثها من رسول الله بأنه لا نحلة لرسول الله!!! وقال أبو بكر: سمعت النبي يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة.
وأقرته عائشة!! فإن صدقا فالبيت للفقراء، وان كذبا فالبيت للزهراء وورثته، وعلى فرض الإرث دون النحلة لا نصيب للعائشة إلا ثمنا من تسع ولا يكون إلا بقدر ذراع!!! وبما أنه كان مشتركا بين الورثة ولم يأذنوا للعائشة التصرف فيه فجميع تصرفاتها عدوان وباطل!!! فأين كان لها البيت حتى لا يستأذن لأحد أن يدفن فيه؟!!(3/61)
فقال مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ لأَخِيهِ: يَا أَخِي إِنَّهُ لَوْ أَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ لَدَفَنَّاهُ أَوْ نَمُوتُ قَبْلَ ذَلِكَ!!! وَلَكِنَّهُ قَدِ اسْتَثْنَى فَقَالَ: [إِلا أَنْ تَخَافُوا الشَّرَّ فَأَيُّ شَرٍّ أَشَدُّ مِمَّا تَرَى؟!!] فَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ إِلَى جَنْبِ أُمِّهِ.
72- ويقال: إن الحسن أوصى أن يدفن مَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الحسين فأظهر الْحُسَيْن ذَلِكَ قبل موت الحسن، فأنكره مروان بن الحكم وكتب بقول إِلَى مُعَاوِيَةَ، فكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة: إذا مات الحسن فامنع من ذَلِكَ أشد المنع كما [1] منعنا من دفن عُثْمَان مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!!! فأتى الْحُسَيْن الحسن فأخبره بذلك فقال: [يا أخي اجتنبت القتال فِي حياتي أفتريد أن يكون ذَلِكَ عند سريري؟] فضمن له أ (ن) لا يفعل.
73- ويقال: إنه لم يجر بينه وبين الْحُسَيْن فِي ذَلِكَ شَيْء، فلما توفي أراد الْحُسَيْن دفنه مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمنعه مروان من ذَلِكَ، وكاد (أن) يكون بين الْحُسَيْن وبينه فِي ذَلِكَ شر!!! فأمسك (الحسين عن دفنه مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم) .
74- حدثني عباس بن هشام، عن أبيه عن جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ:
قَدِمَ مُعَاوِيَةُ مكة/ 452/ أو 226/ أ/ فلقيه ابن عباس فقال له معاوية:
__________
[1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: فما منعنا ...(3/62)
عجبا للحسن شرب عسلة طائفية بماروحة فمات منها [1] . فقال ابن عباس:
لَئِنْ هَلَكَ الْحَسَنُ فَلَنْ يُنْسَأَ فِي أَجَلِكَ. قَالَ: وَأَنْتَ الْيَوْمَ سَيِّدُ قَوْمِكَ. قَالَ: أَمَّا مَا بَقِيَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فَلا!! [2] .
75- الْمَدَائِنِيّ عَن ابْن جُعْدُبَةَ، عَن صَالِحِ بْن كيسان، قال [3] :
__________
[1] كذا في النسخة، ولعله حذف منه الهمزة، والأصل: «بماء روحة» أي عشية ومساء. وكذا في التالي. واحتمال التصحيف قوي جدا.
[2] وقال في ترجمة ابن عباس من المعجم الكبير للطبراني: ج 3/ الورق 90 متصلا بقوله: «باب ما أسند عنه» : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، أنبأنا محمد بن عبادة الواسطي، أنبأنا يعقوب بن محمد الزهري، أنبأنا عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن ميمون، عن أبيه قال:
كان ابن عباس لما كف بصره يقول لقائده: إذا أدخلتني إلى معاوية فسددني لفراشه ثم أرسل يدي لا يشمت بي معاوية. ففعل به ذلك يوما فقال معاوية لبعض جلسائه: ليغتمن (كذا) فلما جلس معه على فراشه قال: يا أبا عباس آجرك الله في الحسن بن علي. فقال: أمات؟ قال: نعم. قال: رحمة الله ورضوانه عليه وألحقه بصالح سلفه، أما والله يا معاوية (إنه) لا يسد حفرتك ولا تأكل رزقه ولا تخلد بعده، ولقد رزئنا بأعظم فقدا منه، (وهو) رسول الله صلى الله عليه وسلم فما خذلنا الله بعده.
ورواه عنه في آخر باب مناقب الإمام الحسن من مجمع الزوائد: ج 9 ص 179، وقال:
رواه الطبراني وفيه يعقوب بن محمد الزهري وقد وثق- وضعفه جماعة- وبقية رجاله رجال الصحيح وقال في الحديث: (360) من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق: ج 12 ص 66:
أخبرنا أبو بكر الفرضي أنبأنا أبو محمد الجوهري أنبأنا أبو عمر بن حيويه، أنبأنا أحمد بن معروف، أنبأنا الحسين بن فهم (ظ) أنبأنا محمد بن سعد، أنبأنا عفان بن مسلم، أنبأنا سلام أبو المنذر قال:
قال معاوية لابن عباس: مات الحسن بن علي- ليبكته بذلك- قال: فقال ابن (عباس) لئن كان مات فإنه لا يسد بجسده حفرتك، ولا يزيد موته في عمرك؟! ولقد أصبنا بمن هو أشد علينا فقدا منه فجبر الله مصيبتنا!!!
[3] ورواه أيضا في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة- لابن أبي الحديد-: ج 16، ص 11، نقلا عن المدائني. ثم إن هذا الكلام الذي أجاب به ابن عباس معاوية في هذا الحديث يشبه كلام المادي عبيد الله، ولا يشبه كلام حبر الأمة عبد الله، ولا يلائم نزعته!!(3/63)
لقي مُعَاوِيَة ابْن عَبَّاس بِمَكَّةَ فعزاه عَن الحسن، فقال: لا يسوءك الله سوءا يَا أبا العباس. فَقَالَ: لن يسوءني اللَّه مَا أبقاك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ!!! فأمر لَهُ بمائة ألف درهم- قالوا- وبأكثر من ذَلِكَ وبكسوة.
وسمعت من يحدث أن وفاة الحسن أتت مُعَاوِيَة وعنده ابْن عَبَّاس، فقال له: عجبت للحسن شرب عسلا بما رومة (كذا) فمات. وعزى ابْن عَبَّاس عَنْهُ فَقَالَ: لا يسوءك الله. فقال ابن عباس: لا يسوؤني اللَّه يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أبقاك. فأمر لَهُ بألف ألف درهم.
76- قَالُوا: وكانت وفاة الحسن في سنة تسع وأربعين.
77- ويقال: في سنة خمسين لخمس خلون من شهر ربيع الأول.
78- وزعم بعضهم أنه توفي سنة إحدى وخمسين.
79- قَالُوا: ودفن الحسن بالبقيع وصلى عَلَيْهِ سعيد بن العاص بن سعيد ابن العاص بْن أمية، وَكَانَ واليا عَلَى الْمَدِينَةِ [1] .
80- وَقَالَ أَبُو مخنف: منع مروان من دفن الحسن مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2] حَتَّى كاد يكون بين الْحُسَيْن وبينه قتال، واجتمع بنو
__________
[1] الرواية غير واجدة لشرائط الحجية، وقرائن الأحوال أيضا تشهد بكذبها، وحضور ابن العاص منفي بما نذكره بعد من رواية ابن حماد، وقرائن الأحوال أيضا تصدقها، إذ ابن العاص بما انه كان غير راض عن معاوية، أو لم يكن له خبث مروان، لم يمنع بني هاشم عن دفن الحسن، ولكنه خلى العرصة للمروان وانزوى في مخبأه وأخفى شخصه كالكلب الممطور.
[2] وهذا المعنى قد تقدم أيضا تحت الرقم: (69) برواية هشام بن عروة عن أبيه، وقد وردت به من طريقهم أخبار كثيرة مع شدة احتياطهم واجتنابهم عن أمثالها!!! ورواه في الحديث: (337) وتواليه من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق بما ينيف على عشرة طرق، كما رواه أيضا في ترجمة أبي هريرة من تاريخ دمشق: ج 64 ص 99 قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا أبو عمر ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحسين بن الفهم، أخبرنا محمد بن سعد، أخبرنا محمد بن عمر، حدثني كثير بن زيد:
عن الوليد بن رباح قال: سمعت أبا هريرة يقول لمروان: والله ما أنت وال وان الوالي لغيرك فدعه- يعني حين أرادوا أن يدفنوا (ظ) الحسن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- ولكنك تدخل فيما لا يعنيك، إنما تريد بهذا إرضاء من هو غائب عنك؟! يعني معاوية.
ورواه أيضا في ترجمة سعيد بن العاص: ج 21 ص 38 قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، أنبأنا الحسن بن علي، أنبأنا أبو عمر ابن حيويه، أنبأنا أحمد بن معروف، أنبأنا الحسين ابن الفهم، أنبأنا محمد بن سعد، أنبأنا محمد بن عمر، أنبأنا موسى بن محمد بن ابراهيم ابن الحارث التيمي عن أبيه قال:
لما مات الحسن بن علي بعث مروان بن الحكم إلى معاوية يخبره أنه مات. قال: وبعث سعيد ابن العاص رسولا آخر يخبره بذلك. وكتب مروان يخبره بما أوصى به حسن من دفنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأن ذلك لا يكون وأنا حي!!! - ولم يذكر ذلك سعيد- فلما دفن حسن ابن علي بالبقيع، أرسل مروان بريدا آخر يخبره بما كان من ذلك ومن قيامه ببني أمية ومواليهم (وقال:) فإني يا أمير المؤمنين عقدت لوائي وتلبسنا السلاح وأحضرت معي ممن اتبعني ألفي رجل!!!، فلم يزل الله بمنه وفضله يدرأ ذلك أن يكون مع أبي بكر وعمر ثالثا أبدا، حيث (ظ) لم يكن أمير المؤمنين عثمان المظلوم رحمه الله، وكانوا هم الذين فعلوا بعثمان ما فعلوا!!! فكتب معاوية إلى مروان يشكره له ما صنع!! واستعمله على المدينة، ونزع سعيد بن العاص وكتب إلى مروان: إذا جاءك كتابي هذا فلا تدع لسعيد بن العاص قليلا ولا كثيرا إلا قبضته ...
ورواه أيضا في الحديث: (346) من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق: ج 12، ص 63 قال:
أخبرنا أبو الحسين ابن أبي يعلى (ظ) وأبو غالب وأبو عبد الله ابنا البناء، قالوا: أنبأنا أبو جعفر ابن المسلمة، أنبأنا محمد بن عبد الرحمان، أنبأنا أحمد بن سليمان (كذا) ... قال: أنبأنا الزبير، قال: وحدثني محمد بن الضحاك الحرامي قال:
لما بلغ مروان بن الحكم انهم قد أجمعوا أن يدفنوا الحسن بن علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعيد بن العاص وهو عامل المدينة، فذكر ذلك له فقال: ما أنت صانع في أمرهم؟
فقال: لست منهم في شيء ولست حائلا بينهم وبين ذلك. قال: فخلني وإياهم. فقال: أنت وذاك!!! فجمع لهم مروان من كان هناك من بني أمية وحشمهم ومواليهم!! وبلغ ذلك حسينا فجاء هو ومن معه في السلاح ليدفن حسنا في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأقبل مروان في أصحابه وهو يقول: «يا رب هيجا هو خير من دعة» أيدفن عثمان بالبقيع ويدفن حسن في بيت النبي صلى الله عليه وسلم؟ والله لا يكون ذلك أبدا وأنا أحمل السيف!!! فلما صلوا على الحسن، خشي عبد الله بن جعفر أن يقع في ذلك ملحمة عظيمة فأخذ بمقدم السرير ثم مضى نحو البقيع فقال له الحسين ما تريد؟ قال: عزمت عليك بحقي أن لا تكلمني كلمة واحدة!! فصار به إلى البقيع فدفنه هناك رحمه الله، وانصرف مروان ومن معه.
وبلغ معاوية ما كانوا أرادوا في دفن حسن في بيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما:
أنصفتنا بنو هاشم حين يزعمون أنهم يدفنون حسنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد منعوا عثمان أن يدفن إلا في أقصى البقيع؟! ان يك ظني بمروان صادقا لا يخلصون إلى ذلك، وجعل يقول:
ويها مروان أنت لها!!!(3/64)
هاشم وبنو المطلب ومواليهم إِلَى الْحُسَيْن، وَقَالَ أبو سعيد الخدري وأبو هريرة لمروان: أتمنع الحسن من أن يدفن مع جده (رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟) وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.] فَقَالَ مروان: لقد ضاع حَدِيثِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن كَانَ لا يرويه إِلا مثلك ومثل أَبِي هريرة!!(3/65)
فدفن بالبقيع، وَكَانَ للحسن يوم توفي سبع وأربعون سنة وأشهر.
75- وَقَالَ الواقدي: توفي الحسن في شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وَهُوَ ابْن سبع وأربعين سنة، ودفن بالبقيع وصلى عَلَيْهِ سعيد بْن العاص.
76- وحدثت عَن جويرية بْن أسماء قَالَ: لما مات الحسن بن علي(3/66)
أخرجوا جنازته فحمل مروان سريره [1] فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن: أتحمل سريره؟
أما والله لقد كنت تجرعه الغيظ؟! فقال مروان: اني قد (كنت) أفعل بمن يوازن حلمه الجبال.
77- وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا وهب بْن جَرِير بْن حازم، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ سمعت النعمان بن راشد يُحَدِّثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
بُويِعَ الْحَسَنُ بَعْدَ أَبِيهِ فَقَالَ لأَصْحَابِهِ فِي بَيْعَتِهِ: [تُسَالِمُونَ مَنْ سالمت وتحاربون
__________
[1] ومثله في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد: ج 16، ص 13 نقلا عن المدائني عن جويرية بن أسماء.
والحديث مرسل، والقرائن قائمة على أنه اختلاق فإن مروان حينئذ كان يتجول بين شياطينه يحمسهم ويثورهم على معارضة بني هاشم ومنعهم عن دفن الإمام الحسن عند جده رسول الله!!! وكان رافعا عقيرته ويقول: يا رب هيجا هي خير من دعة. وكان قد جمع ألفي مقاتل من خيل آل أمية ورجلهم لمحاربة بني هاشم وقد احتوشوا حوله مستلئمين!!! فأين كان؟ وما كان شأنه حتى يحمل جنازة الإمام الحسن؟!! ومما يدل على اختلاق الرواية ما ذكره نعيم بن حماد في أواخر الجزء الثاني تحت الرقم:
(411) من كتاب الفتن الورق 40/ ب/ قال:
حدثنا هشيم، أنبأنا حصين، حدثنا أبو حازم قال:
لما احتضر الحسن بن علي رضي الله عنهما أوصى أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يكون في ذلك تنازع أو قتال فيدفن في مقابر المسلمين!!! فلما مات جاء مروان بن الحكم في بني أمية ولبسوا السلاح وقال: لا يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم!! منعتم عثمان فنحن نمنعكم!!! فخافوا أن يكون بينهم قتال. قال أبو حازم قال أبو هريرة: أرأيت لو أن ابنا لموسى أوصى أن يدفن مع أبيه فمنع ألم يكن ظلموا؟ قلت: بلى. قال: فهذا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم يمنع أن يدفن مع أبيه!!! ثم انطلق أبو هريرة إلى الحسين رضي الله عنهما فكلمه وناشده الله وقال: قد أوصى أخوك إن خفت أن يكون قتال فردوني إلى مقابر المسلمين. فلم يزل به حتى فعل وحمله إلى البقيع!!! فلم يشهده أحد من بني أمية إلا خالد بن الوليد بن عتبة، فإنه ناشدهم الله وقرابته فخلوا عنه فشهد دفنه مع الحسين رضي الله عنه.(3/67)
مَنْ حَارَبْتُ.] فَلَمَّا سَمِعُوا شَرْطَهُ ارْتَابُوا، فَطَعَنَهُ رَجُلٌ طَعْنَةً أَشْوَتْهُ فَازْدَادَ لَهُمْ بُغْضًا، وَمِنْهُمْ ذُعْرًا، وَأَرْسَلَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِكِتَابِ شَرْطٍ اشْتَرَطَهُ، وَفِيهِ:
إِنْ أَعْطَيْتَنِي مَا فِيهِ بَايَعْتُكَ. وَكَانَ مُعَاوِيَةُ بَعَثَ إِلَى الْحَسَنِ بِصَحِيفَةٍ بَيْضَاءَ مَخْتُومَةٍ فِي أَسْفَلِهَا فَقَالَ: اكْتُبْ فِيهَا مَا شِئْتَ. فَكَتَبَ الْحَسَنُ فِيهَا مَا أَرَادَ.
ثُمَّ إِنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَمَرَ مُعَاوِيَةَ أَنْ يَأْمُرَ الحسن بالخطبة!! فأمره بها، فَقَالَ الْحَسَنُ- بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ-: أما بعد [فإن الله هداكم بأولنا وحقق دِمَاءَكُمْ بِآخِرِنَا،] [وَإِنَّ لِهَذَا الأَمْرِ مُدَّةً، وَالدُّنْيَا دار زوال،] و (قد) قال اللَّهُ: «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ.
ثُمَّ إِنَّ الْحَسَنَ لَحِقَ بِالْمَدِينَةِ. وَقَالَ/ 453/ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ:
اكْفِنِي الْكُوفَةَ. قَالَ: فَكَيْفَ تَرَى فِي مِصْرَ؟ قَالَ ابْعَثْ عَلَيْهَا ابْنَكَ.
وَقَدِمَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الثَّقَفِيُّ عَلَيْهِ- وَكَانَ مُقِيمًا بِالطَّائِفِ مُعْتَزِلًا أَمْرَ النَّاسِ- فَقَالَ لِمُعَاوِيَةَ: أَتُؤَمِّرُ عَمْرًا عَلَى الْكُوفَةِ وَابْنَهُ عَلَى مِصْرَ؟ فَتَكُونُ كَالْقَاعِدِ بَيْنَ لَحْيَيِ الأَسَدِ!!! قَالَ: فَمَا تَرَى؟ قَالَ: أَنَا أَكْفِيكَ الْكُوفَةَ.
قَالَ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ. وَبَلَغَ عَمْرًا ذَلِكَ فَقَالَ لِمُعَاوِيَةَ: ألا أدلك على أمير الكوفة قَالَ: بَلَى. قَالَ: الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَلَهُ واستعن برأيه وقوة مَكِيدَتِهِ، وَاعْزِلْهُ عَنِ الْخَرَاجِ وَالْمَالِ!! فَقَدْ كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ فَعَلا بِهِ ذَلِكَ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:
نِعْمَ مَا رَأَيْتَ. وَدَخَلَ الْمُغِيرَةُ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي قَدْ كُنْتُ جَمَعْتُ لَكَ الْجُنْدَ وَالْمَالَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ أَنَّ الْخَلِيفَتَيْنِ قَبْلِي كَانَا يُولِيَانِكَ الْجُنْدَ، وَيَعْزِلانِ عَنْكَ الْخَرَاجَ، فَخَرَجَ الْمُغِيرَةُ فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: قَدْ عُزِلْتُ عَنِ الْخَرَاجِ! وهذا رأي لم يغب عَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي عَمْرَو بْنَ العاص، ويقول: انه من مشورته!!!(3/68)
(بعض ما قاله الشعراء في رثاء الإمام الحسن عليه السلام) .
[مرثية الإمام حسن]
78- قال بعض الرواة: رثى سُلَيْمَان بْن قتة [1] الحسن فَقَالَ:
يَا كذّب الله من نعا حسنا [2] ... ليس لتكذيب قوله ثمن
أجول فِي الدار لا أراك وفي الدا ... ر أناس جوارهم غبن
كنت خليلي وكنت خالصتي ... لكل حي من أهله سكن [3]
بدلتهم منك ليت أنهم ... أمسوا وبيني وبينهم عدن [4]
وَقَالَ هِشَام بْن الْكَلْبِيّ: هَذَا لعلي بْن ثابت بْن يزيد بْن وديعة الأَنْصَارِيّ فِي ابنه.
80- وَقَالَ النجاشي الحارثي الشاعر [5] :
__________
[1] هذا هو الصواب، وفي الأصل: «قبة» - بالباء الموحدة-. قال في آخر ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من مقاتل الطالبيين ص 77: قال محمد بن علي بن حمزة: وفي الحسن ابن علي يقول سليمان بن قتة ... ومثله في شرح النهج: ج 16، ص 52. وقال في تاج العروس: ج 1، ص 571: وقتة- كضبة-. اسم أم سليمان بن حبيب المحاربي التابعي المشهور ...
[2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «من بفاحسنا» ورواها أيضا عنه في ترجمته عليه السلام من مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 45 ط قم وقال: «ليس لتكذيب نعيه حسن» . ومثله رواه ابن أبي الحديد في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من شرح نهج البلاغة: ج 16، ص 52.
[3] وهذان الشطران قد مهما في مقاتل الطالبين ص 77 على الشطرين السالفين هاهنا، والسياق أيضا يستدعي تقديمهما على سابقيه أو تأخيرهما عن ما بعدهما.
[4] وفي المحكي من شرح شافية أبي فراس ص 132، وشرح ابن أبي الحديد: ج 4 ص 18:
«أضحوا وبيني وبينهم عدن» .
[5] ورواه أيضا في الحديث: (367) من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق ج 2 وفي نسخة: ج 12، ص 67 قال: قال الزبير: وأخبرني عمي مصعب بن عبد الله أن النجاشي قال (وهو) يرثي الحسن ... ثم ذكر قريبا مما هاهنا.(3/69)
يَا جعد بكيه وَلا تسأمي ... بكاء حق ليس بالباطل
عَلَى ابْن بنت الطاهر المصطفى ... وابن ابن عم المصطفى الفاضل
كَانَ إذا شبت لَهُ ناره ... يوقدها بالشرف القابل
كيما يراها بائس مرمل ... أوذوا اغتراب ليس بالآهل
لن تغلقي بابا علي مثله ... فِي النَّاس من حاف وَلا ناعل
نعم فتى الهيجاء يوم الوغى ... والسيد القائل والفاعل
81- وَقَالَ رجل من غطفان:
بنو حسن كانوا مناخ ركابنا ... قديما وَمَا كنا ابْن عمران نتبع [1]
82- وَقَالَ أَبُو اليقظان: قَالَ شاعر من همدان [2] :
أتاني فوق العال [3] من أرض مسكن ... بأن إمام الحق أمسى مسالما
__________
[1] هذا هو الظاهر، وفي الأصل: يتبع.
[2] كذا هاهنا، ورواها أيضا ابن أعثم في سيرة الإمام الحسن من كتاب الفتوح: ج 4 ص 160، ط 1، ولكن نسب الأبيات إلى قيس بن سعد بن عبادة رحمه الله، قال:
فانصرف قيس بن سعد بن عبادة فيمن بقي من أصحابه نحو العراق وهو يقول:
أتاني بأرض العال من أرض مسكن ... بأن إمام الحق أضحى مسالما
فما زلت مذ نبئته متلدما ... أراعي نجوما خاشع الطرف واجما
ورواها أيضا رشيد الدين ابن شهر أيوب في ترجمة الإمام الحسن من مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 34.
[3] يقال لناحية «الأنبار» و «قطربل» العال لكونها في أعالي العراق. راجع معجم البلدان: ج 6 ص 99.(3/70)
فما زلت مذ نبّئته بكآبة [1] ... أراعي النجوم خاشع الطرف واجما 3/ 304
فراجعت نفسي ثُمَّ قلت لَهَا اصبري ... فَإِن الإمام كَانَ بالله عالما
83- وقالت أم الْهَيْثَم بْن الأسود:
أقر عيني أن جاءت مقلدة ... خيل الشبامين في أعناقها الخرق
تحملن كُلّ فتى حلو شمائله ... بمثله تدرك الأوتار والحنق
__________
[1] هذا هو الصواب، وفي النسخة هاهنا تصحيف.(3/71)
(ولد الإمام الحسن عليهم السلام وسلسلة نسبهم من قبل أمهاتهم ونبذة من سيرتهم وما جرى عليهم من أمراء عصرهم وممن جاورهم)
[ولد الحسن بن علي عليهما السلام]
84- قَالَ أَبُو اليقظان وغيره: ولد الحسن بْن علي عليهما السلام حسنا 3/ 304 (و) أمه خولة بنت منظور بن ذبان بْن سيار الفزاري- وأمها مليكة بنت خارجة بْن سنان المرية- وَهُوَ الَّذِي قَالَ: إن أطعنا اللَّه فأحبونا، وإن عصيناه فابغضونا، فلو كَانَ اللَّه نافعا أحدًا بقرابته من النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنفع بِذَلِكَ أباه وأمه [1] قولوا فينا الحق ودعوا الغلو.
وزيد بْن الحسن الَّذِي يقول فِيهِ الشاعر/ 454/
وزيد ربيع النَّاس فِي كُلّ شتوة ... إذا أخلفت أنواؤها ورعودها
حمول لا سياق الديات كأنه ... سراج الدجا إذ قارنته سعودها
وفيه يقول قدامه أحد بني جمح [2]
__________
[1] الحديث ضعيف، وإن ثبت من طريق آخر صدوره منه فمحمول على التقية وإلزام مخالفيه بما يزعمونه ويعتقدونه، وقد أجمعت سادات أهل البيت عليهم السلام على أن والدي النبي من أهل الجنة. وللعلامة السيوطي تأليف في ذلك موجود في دار الكتب المصرية.
[2] قال ابن عساكر- في ترجمة زيد بن الحسن من تاريخ دمشق: ج 6/ الورق 302 ب/ أخبرنا أبو الحسين ابن أبي يعلى وأبو غالب وأبو عبد الله ابنا أبي علي قالوا أنبأنا أبو جعفر ابن المسلمة، أنبأنا أبو طاهر المخلص أنبأنا أحمد بن سليمان الطبراني (ظ) أنبأنا الزبير بن بكار، قال: وقال قدامة بن موسى يرثي زيد بن حسن:
(و) إن يك زيد عالت الأرض شخصه ... فقد بان معروف هناك وجود
وإن يك أمسى رهن رمس فقد ثوى ... به وهو محمود الفعال فقيد
سموع إلى المعتر يعلم أنه ... سيطلبه المعروف ثم يعود
وليس بقوال وقد حط رحله ... المتمس المعروف اين يريد
إذا قصر الوغل الذي (قد) نما به ... إلى المجد آباء له وجدود
مباذيل للمولى محاشيد للقرى ... وفي الروع عند النائبات أسود
إذا انتحل العز الطريف فإنهم ... هم ارث مجد لا يرام تليد
إذا مات منهم سيد قام منهم ... كريم يبني بعده ويسود
ثم قال: وقال محمد بن بشير الخارجي يرثيه:
أعيني جودي بالدموع واسعدي ... بني رحم ما كان زيد يهينها
أقول: ثم ذكر خمسة عشر بيتا، ولا يوجد فيه ما ذكره المصنف هاهنا من البيتين المتقدمين.(3/72)
(و) إن يك زيد غالت الأرض شخصه ... فقد بان معروف بذاك وجوده
وأم الحسن- كانت عند عَبْد اللَّهِ بْن الزبير- وأمّهما أم بشير بنت أَبِي مسعود البدري.
وحسينا الأثرم، وعبد اللَّه، أمهما ظمياء أم ولد.
وأبا بكر وعبد الرحمان والقاسم، أمّهم أم ولد، ولا بقية (ظ) لهم.
وطلحة بْن الحسن أمه أم إِسْحَاق بنت طَلْحَة بْن عبيد اللَّه، وأمها ابنة قسامة طائية.
وعمرو بْن الحسن، أمه ثقفية، ويقال: أم ولد.
وأم عَبْد اللَّهِ لأم ولد، تزوجها عَلِيّ بْن الْحُسَيْن.
85- وَكَانَ الحسن بن الحسن بْن علي وصي أَبِيهِ، وولي صدقة علي فسأله الحجاج بْن يُوسُف- وَهُوَ عَلَى الْمَدِينَة- أن يدخل عمر بْن علي فِي(3/73)
الوصية فأبى، ثُمَّ قدم الحسن عَلَى عَبْد الملك بْن مروان فرحب بِهِ، وَكَانَ الحسن قد أسرع إِلَيْهِ الشيب فَقَالَ لَهُ عَبْد الملك (بن مروان) : لقد أسرع إليك الشيب. فقال: يحي بن الحكم: (قد) شيبته أماني أَهْل الْعِرَاق الَّذِينَ يقدمون عَلَيْهِ كل عام يمنّونه الخلافة!!! فقال له (الحسن) : ليس كما قلت، ولكنا أَهْل بيت يسرع إلينا الشيب. فسأله (عبد الملك) عما قدم لَهُ فأخبره بما سأله الحجاج فكتب إِلَيْهِ أن يمسك عَنْهُ ووصله، فلقي يحي بْن الحكم فَقَالَ لَهُ: مَا حملك عَلَى مَا قلت؟ [1] فَقَالَ: النظر لك، والله لولا فرقه منك ما قضى حاجتك!!!
(ولد الحسن بن الإمام الحسن عليهما السلام)
فولد الحسن بْن الحسن بْن على، عَبْد اللَّهِ بْن حسن بْن حسن، وحسن بْن حسن بن حسن [2] وإبراهيم بن (حسن بْن) حسن، مات ببغداد [3] .
وأمهم فاطمة بنت الحسين بن علي.
__________
[1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: ما حملت علي ما قلت؟ ...
[2] قال في ترجمته من مقاتل الطالبيين ص 185: وكان متألها فاضلا ورعا يذهب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى مذهب الزيدية ... ثم قال:
وتوفي الحسن بن الحسن بن الحسن في محبسه بالهاشمية في ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائة وهو ابن ثمان وستين سنة.
وقد عقد له ترجمة في الطبقات الكبرى: ج 5 ص 235 وفي تاريخ بغداد: ج 7 ص 294.
[3] قال في ترجمته من مقاتل الطالبيين ص 188: وتوفي ابراهيم بن الحسن بن الحسن في الحبس بالهاشمية في ربيع الأول سنة (145) وهو أول من توفي منهم في الحبس وهو ابن (67) سنة.
أقول: وله أيضا ترجمة في تاريخ بغداد ج 6 ص 54 وكذلك في لسان الميزان: ج 1، ص 47 وقال روى عنه الفضيل بن مرزوق حديث رد الشمس لعلي، ذكره المؤلف في المغنى وروي عنه أيضا أبو عقيل يحي بن المتوكل المترجم في تهذيب التهذيب ج 11، ص 370. وطبقات ابن سعد ج 5 ص 235.(3/74)
86- وقدم عَلَى الحسن بْن الحسن بعض أخواله فقال له: من عندك من النساء؟ قَالَ: ابنة عمي الْحُسَيْن. قال: وما لك ولبنات العم إنّهن يضوين (ظ) وإن الغرائب أنجب!! اعرض علي بنيك. فدعا بعبد اللَّه فَقَالَ: هَذَا سيد. ثُمَّ دعا بالحسن بْن الحسن فَقَالَ: وَلا بأس. ثُمَّ دعا بإبراهيم بْن الحسن فلما رآه قَالَ: حسبك مِنْهَا [1] .
وجعفر بْن الحسن بْن الحسن، وداود، أمّهما أمّ ولد.
ومحمد بْن الحسن بْن الحسن، أمه رملة بنت سَعِيد بْن زيد بْن عَمْرو ابن نفيل.
(ولد عبد الله بن الحسن بن الحسن المعروف بعبد الله المحض) .
87- فولد عَبْد اللَّهِ بْن حسن بْن حسن بْن علي، محمدا وإبراهيم، وإدريس- مات بإفريقية- وموسى. أمهم هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله ابن زمعة بْن المطلب بْن أسد بْنِ عَبْدِ العزى.
و (ولد أيضا) عيسى أمّه عاتكة بنت عبد الملك بن الحرث بن خالد المخزومي.
و (ولد أيضا) يحي أمه ركيح بنت أَبِي عبيدة بْن عَبْدِ الله بن زمعة.
__________
[1] ورواه أيضا في الأغاني: ج 18، ص 205 ومقاتل الطالبيين ص 182، قال:
حدثني أحمد بن سعيد، قال: أخبرنا يحي عن القاسم بن عبد الرزاق قال:
جاء منصور بن زيان الفزاري إلى الحسن بن الحسن وهو جده- أبو أمه- فقال له: لعلك أحدثت بعدي أهلا؟ قال: نعم تزوجت بنت عمي الحسين بن علي. فقال: بئس ما صنعت أما علمت أن الأرحام إذا التقت أضوت؟ كان ينبغي لك أن تتزوج في الغرب. قال: فإن الله قد رزقني منها ولدا. قال: فأرنيه. فأخرج إليه عبد الله بن الحسن ...(3/75)
88- وحدثت أن حسن بْن إِبْرَاهِيمَ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بْن حسن، كَانَ متغيبا من المهدي أمير المؤمنين، فحجّ المهدي فبينا هُوَ يطوف إذ عرضت لَهُ فاطمة بِنْت مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن فِي ستارة فقالت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أسألك بقرابتك من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أمنت زوجي. قَالَ:
ومن أنت؟ قَالَت: فاطمة بنت مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ وزوجي الحسن بْن إِبْرَاهِيمَ.
قَالَ: وأين هُوَ؟ قالت: معي. فآمنه فأخذ بيده حين فرغ من طوافه ثُمَّ خلا به.
[موقف عبد الله بن حسن من خلافة بني العباس]
89- فأما عَبْد اللَّهِ بْن حسن فكان ذا عارضة ونفس أبيّة، وكان يسأل الوالي (ظ) الحاجة، فَإِذَا رده عَنْهَا لم يزل يعمل فِي أمره حَتَّى يعزله، ولم يمت/ 455/ حَتَّى بلغت غلته مائة ألف، وَكَانَ يقال لولد الحسن ابن حسن: طلى البلاد [1] .
90- وَحَدَّثَنِي أَبُو مسعود الْكُوفِيّ قَالَ: كَانَ عبد الله بن الحسن يقول لابنه: إيّاك ومعادات الرجال فإنك لن تعدم فِيهَا مكر حليم أو مبارات (ظ) جاهل.
[خلافة المنصور]
91- وَكَانَ عَبْد اللَّهِ يرشح ابنيه محمدًا وإبراهيم للخلافة، من قبل أن يستخلف أمير المؤمنين أَبُو العباس، ويسمي محمدًا ابنه المهدي والنفس الزكية [2] .
__________
[1] رسم خط هذه اللفظة غير واضح ويمكن أن يقرأ «خلي البلاد» والطلى: الشربة من اللبن. والخلى- بفتح الخاء كعلى-: العشب.
[2] قال السيد أبو طالب: حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني إملاء، قال:
أخبرنا أبو زيد عيسى بن محمد العلوي قال: حدثنا محمد بن منصور قال: حدثنا شعيب، عن طاهر ابن عبيد:
عن إبراهيم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْحَسَن بْن الْحَسَن عليهم السلام أنه سئل عن أخيه محمد عليه السلام أهو المهدي الذي يذكر؟ فقال (إبراهيم) : المهدي عدة من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم وعده أن يجعل من أهله مهديا، لم يسمه بعينه ولم يوقت زمانه، وقد قام أخي لله بفريضة عليه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أراد الله تعالى أن يجعله المهدي الذي يذكر فهو فضل من الله يمن به على من يشاء من عباده، وإلا فلم يترك أخي فريضة الله عليه لانتظار ميعاد لم يؤمر بانتظاره!!! هكذا رواه عنه في الباب: (8) من تيسير المطالب ص 132، ط 1.(3/76)
ويروي ذلك المغيرة مولى بجيلة [1] الذي ينسب إِلَيْهِ المغيرية، وبيان التبان [2] وكانا يكفران أصحاب مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن!!! فَقَالَ أَبُو هريرة العجلي- وَكَانَ أَبُو هريرة من شيعة مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن-:
أبا جعفر أنت الإمام نحبّه ... ونرضى الذي ترضى به ونتابع
أتتنا رجال يحملون عليكم ... أحاديث قد ضاقت بهن الأضالع
أحاديث أفشاها المغيرة عنكم ... وشر الأمور المحدثات البدائع
وَكَانَ بيان خرج عَلَى خالد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري- داعيا لمحمد بن عبد الله ابن الحسن، وخالد عَلَى الْعِرَاق- فأدهشه خروجه فَقَالَ: أطعموني ماء!!! ووجّه إليه بخيل فأخذ بيان وأتي به خالد فقتله وصلبه، ثُمَّ خرج المغيرة عَلَيْهِ بعد بيان فأخذه (هـ) فقتله وصلبه بحيال (ظ) بيان فَقَالَ الشاعر لخالد:
وقلت لما أصابك أطعموني ... شرابا ثمّ بلت على السرير
__________
[1] هذا هو الصواب، وصحفه في النسخة بالخاء المعجمة- وهو المغيرة بن سعيد البجلي أبو سعيد الكوفي المترجم في لسان الميزان: ج 6 ص 75.
[2] كذا في ظاهر رسم الخط، وترجمه في لسان الميزان: ج 2 ص 68 وقال: بيان بن زريق، قال ابن نمير قتله خالد بن عبد الله القسري وأحرقه بالنار، (قال ابن حجر) : قلت:
هذا بيان بن سمعان النهدي من بني تميم ظهر بالعراق بعد المائة ...(3/77)
إذا ذكر الكرام بيوم خير ... فابن فِي حرامك من أمير [1]
وقد قيل أَيْضًا: أن المغيرة استخفى بعد قتل بيان فدل خالد عَلَيْهِ، فأخذه وصلبه فَقَالَ الشاعر:
طار التجاور من بيان واقفا ... ومن المغيرة عند جسر العاشر
92- قَالُوا: ولما قتل الْوَلِيد بْن يَزِيد بْنِ عَبْدِ الْمَلِك وكانت الفتنة، كتب الفضل بن عبد الرحمان بن عياش بن ربيعة بن الحرث بْنِ عَبْدِ المطلب إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الحسن:
دونك أمر قد بدت أشراطه ... وريثت من نبله ضراطه
إن السبيل (ظ) واضحا صراطه ... لم يبق إِلا السيف واختراطه
فدعا عَبْد اللَّهِ بْن الحسن قوما من أَهْل بيته إِلَى بيعة ابنه مُحَمَّد، وأتى جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ فأراده على أن يبايع محمدا فأبى وَقَالَ: [اتق اللَّه يَا أبا مُحَمَّد وأبق عَلَى نفسك وأهلك، فَإِن هَذَا الأمر ليس فينا [2] وإنما هُوَ فِي ولد عمنا العباس، فَإِن أبيت فادع إِلَى نفسك فأنت أفضل من ابنك!!!] فأمسك ولم يجبه.
واستتر مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ، وقد بايعه قوم من أهل بيته ومن قريش [3]
__________
[1] كذا في النسخة.
[2] أي إن التأمر على الناس والحكومة عليهم بعد بني أمية لا يتحقق فينا أهل البيت، بل ينتقل الملك من بني أمية إلى ولد العباس!!! فمن تصدى له يتعرضون لاستيصاله أشد مما تعرض له بنو أمية!!! فأبق لنفسك ولا تطلب ما يوجب الهلاك.
[3] منهم السفاح والمنصور وبقية آل العباس!!! ويدل عليه أخبار كثيرة، مع أن طبع الحال كان يقتضي زوال هذا المعنى وفناؤه من عرصة الوجود في أول يوم تسنم السفاح منبر الرئاسة والقيادة، لشدة ركونهم على الدنيا وإكبابهم عليها واهتمامهم باستيصال من يتوهم منه منازعتهم فيها أو اشتراكه لهم فيها حتى قطعوا الأرحام ولم يراقبوا في مؤمن استشموا منه ذلك إلا ولا ذمة!! وها أنا أشير إلى نموذج قليل منه، إيقاظا للقراء، وتحريكا لهمم المحققين والباحثين إلى التوسع والتعمق في الموضوع فنقول:
قال في ترجمة محمد من مقاتل الطالبيين ص 233: وكان (محمد) من أفضل أهل بيته وأكبر أهل زمانه في علمه بكتاب الله وحفظه له، وفقهه في الدين وشجاعته وجوده وبأسه، وكل أمر يجمل بمثله، حتى لم يشك أحد أنه المهدي وشاع ذلك له في العامة.
وبايعه رجال من بني هاشم جميعا من آل أبي طالب وآل العباس وسائر بني هاشم، ثم ظهر من جعفر بن محمد قول في أنه لا يملك!!! وان الملك في بني العباس فانتبهوا من ذلك لأمر لم يكونوا يطمعون فيه!!! وخرجت دعاة بني هاشم إلى النواحي عند مقتل الوليد بن يزيد، واختلاف كلمة بني مروان فكان أول ما يظهرونه فضل علي بن أبي طالب وولده وما لحقهم من القتل والخوف والتشريد، فإذا استتب لهم الأمر ادعى كل فريق منهم الوصية لمن يدعو إليه!!! فلما ظهرت الدعوة لبني العباس وملكوا حرص السفاح والمنصور على الظفر بمحمد وإبراهيم لما في أعناقهم من البيعة لمحمد!!! وتواريا فلم يزالا ينتقلان في الاستتار، والطلب يزعجهما من ناحية إلى أخرى حتى ظهرا فقتلا صلوات عليهما ورضوانه.
وأيضا قال أبو الفرج في أواسط ترجمة محمد من مقاتل الطالبيين ص 253:
أخبرنا علي بن العباس، قال: حدثنا يحي بن الحسن بن محمد بن عبد الواحد، قال: حدثنا يحي بن الحسن بن الفرات، عن غالب الأسدي قال: سمعت عيسى بن زيد يقول:
لو أنزل الله على محمد- صلى الله عليه وآله- أنه باعث بعده نبيا لكان ذلك النبي محمد بن عبد الله بن الحسن!!! فقال يحي بن الحسن- فيما حدثني ابن سعيد عنه- قال يعقوب بن عربي:
سمعت أبا جعفر المنصور يقول في أيام بني أمية- وهو في نفر من بني أبيه (عند محمد بن عبد الله ابن حسن) قال: ما في آل محمد- صلى الله عليه وآله- أعلم بدين الله ولا أحق بولاية الأمر من محمد بن عبد الله. وبايع له!!! وكان يعرفني بصحبته والخروج معه. قال يعقوب بن عربي: فلما قتل محمد حبسني بضع عشرة سنة.
وأيضا قال أبو الفرج في ص 256 من الكتاب بعد ما ذكر شواهد لما مر:
أخبرني عيسى بن الحسين قال: حدثنا الخزار، قال: حدثني المدائني:
عن سحيم بن حفص أن نفرا من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء من طريق مكة فيهم ابراهيم الإمام والسفاح والمنصور وصالح بن علي وعبد الله بن الحسن وابناه محمد وابراهيم ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فقال لهم صالح بن علي: إنكم القوم الذين تمتد أعين الناس إليهم فقد جمعكم الله في هذا الموضع فاجتمعوا على بيعة أحدكم فتفرقوا في الآفاق وادعوا الله لعل الله أن يفتح عليكم وينصركم. فقال أبو جعفر (المنصور) لأي شيء تخدعون أنفسكم؟ والله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أميل أعناقا ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى- يعني محمد بن عبد الله- قالوا: قد والله صدقت إنا لنعلم هذا. فبايعوا جميعا محمدا وبايعه ابراهيم الإمام والسفاح والمنصور وسائر من حضر. فذلك الذي أغرى القوم لمحمد بالبيعة التي كانت في أعناقهم!!! أقول: ومثله رواه بأسانيد، في عنوان: «ذكر السبب في أخذ عبد الله بن الحسن وأهله وحبسهم ... » في ص 206 فراجع. ورواه أيضا عنه وعن الإرشاد، وإعلام الورى في بحار الأنوار: ج 46 و 47 ص 187 و 276 ط 2.(3/78)