ـ[جمل من أنساب الأشراف]ـ
المؤلف: أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البَلَاذُري (المتوفى: 279هـ)
تحقيق: سهيل زكار ورياض الزركلي
الناشر: دار الفكر - بيروت
الطبعة: الأولى، 1417 هـ - 1996 م
عدد الأجزاء: 13
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
__________
مواصفات طبعة المجلدات الخمس الأول:
1 - أنساب الأشراف، البلاذري، تحقيق محمد حميد الله، مصر، دار المعارف، 1959.
2 - أنساب الأشراف، البلاذري، تحقيق محمد باقر المحمودي، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط الأولى، 1974/1394.
3 - أنساب الأشراف، البلاذري، تحقيق محمد باقر المحمودي، بيروت، دار التعارف للمطبوعات، ط الأولى، 1977/1397.
4 - أنساب الأشراف، البلاذري، تحقيق عبد العزيز الدوري، بيروت، جمعية المستشرقين الألمانية، 1978/1398.
5 - أنساب الأشراف، البلاذري، تحقيق إحسان عباس، بيروت، جمعية المستشرقين الألمانية، 1979/1400.(/)
الجزء الأول
[القول في بيان نسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم]
[1- من نوح إلى عدنان]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وبه ثقتي
(نسب نوح وأولاده:) [1]
1- قَالَ أَحْمَد بْن يَحْيَى بْن جابر: أَخْبَرَنِي جماعة من أهل العلم بالكتب قالوا:
نوح عليه السلام بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ- وهو إدريس عليه السلام- بن يارد بن مهلائيل [2] بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم.
2- وقالوا: لما قتل قائين بن آدم أخاه هابيل، ولد لآدم شيث. فقال آدم: هذا هبة من الله، وخلف صدق من هابيل. فسمي شيث: هبة الله.
3- وروي عن محمد بن إسحاق بن يسار [3] ، إنه قال:
سمي أخنوخ «إدريس» لأنه أول من خط بقلم، ودرس الكتب. قال:
وكأن أنوش أول من غرس النخلة، وزرع الحبة، ونطق بالحكمة.
4- وقال بعض أهل المدينة:
هو نوح بن سلكان بن مثوبة بن إدريس عليه السلام بن الزائد بن مهلهل بن قنان بن الطاهر بن هبة الله بن آدم، وزعم أن ذلك عن الزهري.
والأول أثبت وأشهر.
5- وحدثني عباس بن هشام بن محمد بن السائب الكلبي، عن أبيه، عن جده وغيره، قالوا:
العرب العاربة عاد، وعبيل ابنا عوض بن إرم بن سام بن نوح. وجرهم
__________
[1] زدنا العنوان للوضاحة.
[2] خ: بهلاليل والتصحيح عن ابن سعد وابن حبيب والطبرى وغيرهم.
[3] ليس عند ابن هشام ولكن ذكر السهيلي (1/ 10) عن «ابن إسحاق في الكتاب الكبير» وأشار إليه أيضا تأريخ الطبرى، ص 174.(1/3)
بن عابر [1] بن سبأ، وهو ابن أرفخشذ بن سام بن نوح. وطسم، وعمليق، وجاسم، وأميم بنو يلمع بن عامر [2] بن أشليخا بن لوذ بن سام بن نوح.
وحصر موت وهو حضر موت، وشالاف وهو السلف، والموذاذ وهو الموذ بنو يقظان ابن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح. وثمود، وجديس بن إرم بن نوح. ويقظان هو يقطن في قول بعضهم.
6- وقال عباس: قال أبى [3] :
رجل ولد السلف في حمير، فقالوا: نحن بنو السلف بن حمير ابن سبأ بْن يشجب بْن يعرب بْن قحطان. قال بنو لوذ: نحن بنو لوذ بن سبأ بن يشجب [4] ابن يعرب. ودخلوا في حمير فانضموا إليه على هذا النسب.
7- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، عن [5] عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ:
[أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الْعَرَبُ كُلُّهَا بَنُو إِسْمَاعِيلَ إِلا أَرْبَعَ قَبَائِلَ: السلف، والأوزاع، وحضر موت، وَثَقِيفٌ] .
8- وحدثني عباس، عن أبيه، قال:
اختلف الناس في قحطان. فقال بعضهم: قحطان هو يقطان المذكور في التوراة بعينه، إلا أن العرب أعربته فقالت قحطان. وقال آخرون: هو قحطان ابن هود عليه السلام بن عبد الله بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام ابن نوح، وهو غير يقطان.
وقال هشام: كان أبى، و (ال) شرقى بن القطامي يقولان:
قحطان بن الهميسع بن تيمن بن نبت بن قيذار، وهو قيدر. وكان
__________
[1] خ: عامر، والتصحيح عن الطبرى، ص 219.
[2] كذا، لعله الذى يسميه الطبرى عابر بن شالخ.
[3] خ: انى.
[4] خ: يشخب، ههنا وفي السطر السابق، والتصحيح عن الطبرى وغيره.
[5] خ: بن.!(1/4)
قيدر صاحب إبل إسماعيل. واسمه مشتق من ذلك. وهو ابن إسماعيل عليه السلام بن إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم بن آزر- وهو تارخ- بن ناخور ابن ساروع بن أرعوا بن فالغ بن عابر بن أرفخشذ- والنصارى يقولون:
أرفخشاذ- بن سام بن نوح بن لامك. وبعض المدنيين يقولون: أزر بن ناحر بن السارع بن الراع بن القاسم- الذي قسم الأرض بين ولد نوح- ابن كعبر بن السالح بن الرافد بن السائم بن نوح. ويزعم أن ذلك عن الزهري.
والأول أثبت وأشهر. وقال الكلبي، والشرقي: إسماعيل أبو كل عربي في الأرض.
9- وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد، عَنِ الواقدي:
[أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم من أسلم: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا [1] .] وقال هشام بن الكلبي: سمعت من يذكر أن تارخ لقب لأبي إبراهيم. وقال الشرقي بن القطامي: اسمه تارح، ولقبوه أزر. وهو السند والمعين..
وقال أحمد بن يحيى بن جابر، وحدثت عن أبي روق الهمداني، عن الضحاك بن مزاحم، أنه قال:
أزر يا شيخ [2] . وأثبت ذلك قول الشرقي. وأهل التوراة يقولون للسند والمعين: عازر. والله أعلم.
أول من تكلم بالعربية
10- وحدثني عباس بن هشام الكلبي، عن أبيه، عن جده، عن أبي صالح، قال:
تكلمت العرب العاربة بالعربية حين اختلفت الألسن ببابل. قال هشام:
وأهل/ 3/ اليمن يقولون: أول من تكلم بالعربية يعرب بن قحطان.
__________
[1] خ: «ارهبوا إسماعيل- راهبا» وعند السهيلي (1/ 61) : «ارموا فإن أباكم إسماعيل كان راميا» ، وعند ابن ماجة، كتاب الجهاد (رقم 2815) «رميا بنى إسماعيل فإن أباكم إلخ» .
[2] كذا، «لعله آزر (هو) تارخ» .(1/5)
قال هشام: وأخبرني أبي، والشرقي:
أن أول من تكلم بالعربية من ولد إبراهيم: إسماعيل عليه السلام حين أتى مكة، وله أقل من عشرين سنة، ونزل بجرهم. فأنطقه الله بكلامه. وكان كلامهم العربية. قال هشام: وسمت العرب إسماعيل: عرق الثرى [1] . يريدون أنه راسخ، ممتد. قال: وقال قوم: سمي بذلك لأن أباه لم تضره النار، كما لا تضر الثرى.
11- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جده، عن عدة من أهل الرواية، قالوا:
لما تفرق ولد نوح في الأرض حين قسمها فالغ بن عابر، وأخ له يقال له يوناطر [2] ، نزلت عاد الشحر، وبه أهلكوا. ونزلت عبيل بناحية يثرب، فأخرجتهم العماليق، بعد حين، من منزلهم. فنزلوا موضع الجحفة. فأتى عليهم سيل، اجتحفهم إلى البحر. فسمى الموضع الجحفة. وكان مع العماليق رجل من بني عبيل، فنجا. فقال، فيما يزعمون:
عين بكى وهل يرجع ... ما فات فيضها بالسجام
عمروا يثربا وليس بها ... شر ولا صارخ ولا ذو سنام
وقال الربيع بن خثيم [3] : ملأت عاد ما بين الشام واليمن.
حدثني بذلك أحمد بن إبراهيم الدورقي، عَن أَبِي بكر بْن عياش، عَن عاصم بن بهدلة، عن الربيع قال:
إن عادا كانوا قد ملأوا ما بين الشام إلى اليمن، من دلني على رجل من آل عاد، فله ما شاء. ونزلت العماليق في أول الأمر صنعاء اليمن. ثم انتقلوا إلى يثرب فنزلوها. وإنما سميت يثرب برئيس لهم، يقال له يثرب. ثم انتقلوا
__________
[1] الطبرى (ص 1113) : أعراق الثرى.
[2] خ: نوناطر، راجع المحبر، ص 384.
[3] خ: خشم، والتصحيح عن الطبرى وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/ 467) .(1/6)
إلى ناحية فلسطين من الشام. ومضت عامتهم إلى مصر، وناحية إفريقية. وتفرقوا بالمغرب. فالبرابرة منهم. والبرابرة اليوم يقولون: نحن بنو بر بن قيس. وذلك باطل وإنما غزا رجل من التبابعة، يقال له أفريقيس بن قيس بن صيفي الحميري إفريقية فافتتحها. فسميت به. وسمع كلام هؤلاء العماليق، فقال: ما أكثر بربرتهم. فسموا البرابرة. وأقام مع البرابرة بنو صنهاجة، وكتامة [1] من حمير.
فهم فيهم اليوم. ونزلت ثمود الحجر، بين الحجاز والشام، وبه أهلكوا.
ونزلت طسم بين اليمن واليمامة. ونزلت جديس بموضع اليمامة. وكانت اليمامة تعرف بجو، سمتها جديس بذلك. وكانت بين طسم وجديس حروب، أفنت جديس فيها أكثر طسم. فقال القائل:
يا طسم ما لاقيت من جديس
ثم إن بقية طسم انضمت إلى جديس باليمامة. فتوجه تبع من اليمن، وقدم عبد كلال بن مثوب بن ذي حرث بن الحارث بن مالك بن عيدان، فقتل طسما وجديسا باليمامة. وصلب امرأة من جديس، يقال لها اليمامة بنت مر، على باب جو، فسميت جوّ اليمامة باسمها. وقال حماد الرواية: منعت جديس خرجا كان عليها، فأخذت طسم بذنبهم. فقيل:
يا طسم ما لاقيت من جديس.
والله أعلم. ونزلت جاسم بالموضع الذي يدعى جاسم، بالشام. وكانوا قليلا. ونزل بنو تميم بين اليمن والحجاز. فدرجوا، حتى لم يبق منهم كبير أحد.
ونزلت جرهم بمكة وما حولها. وسموها صلاحا. ثم إنهم استخفوا بحرمة البيت وأضاعوا حقه، فوقع فيهم طاعون أهلك أكثرهم، حتى قويت خزاعة عليهم، وغلبت على البيت وأخرجتهم. فنزلوا بين مكة ويثرب، فهلكوا بداء يعرف بالعدسة إلا من سقط منهم في نواحي البلاد.
__________
[1] خ، كنامة بالنون، والتصحيح عن جمهرة الأنساب لابن الكلبى والطبرى.(1/7)
(إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام)
[1] :
12- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
بَوَّأَ اللَّهُ لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ، وَهُوَ حَذْوَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ الَّذِي يُدْعَى الصُّرَاحَ. فَبَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ، وَمَعَهُ ابْنُهُ إِسْمَاعِيلُ. وَاسْتَعَانَا بِأَوْلادِ جُرْهُمَ بن عابر [2] ابن سَبَأِ بْنِ يَقْطُنَ، فَعَمِلُوا مَعَهُمَا. وَكَانَتْ مَنَازِلُ جُرْهُمٍ بِمَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا. فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَامَ بأمر البيت بعده قيدر بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَأُمُّهُ جُرْهُمِيَّةٌ. ثُمَّ نَبْتُ/ 4/ بْنُ قيدر. ثُمَّ تَيْمَنُ بْنُ نَبْتٍ. ثُمَّ نَابِتُ بْنُ الْهَمَيْسَعِ بْنِ تَيْمَنِ بْنِ نَبْتٍ. فَلَمَّا مَاتَ نَابِتٌ، غَلَبَتْ جُرْهُمُ عَلَى الْبَيْتِ، فَكَانُوا وُلاتَهُ وَقِوَامَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ. وَتَفَرَّقَ وَلَدُ إِسْمَاعِيلَ مِنَ الْعَرَبِ [3] بِتِهَامَةَ، وَفِي الْبَوَادِي وَالنَّوَاحِي إِلا مَنْ أَقَامَ حَوْلَ مَكَّةَ مِنْ وَلَدِ نِزَارٍ، تَبَرُّكًا بِالْبَيْتِ. فَلَمَّا أَرْسَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ على ولد سبأ بمارب ماء، أَرْسَلَ مِنْ سَيْلِ الْعَرِمِ [4]- وَهُوَ سَدٌّ كَانَ لَهُمْ بَيْنَ جَبَلَيْنِ- تَفَرَّقَتِ الأُسْدُ، وَانْخَزَعَتْ مِنْهَا خُزَاعَةُ، وَهُمْ وَلَدٌ لِحَيِّ بْنِ حَارِثَةَ، وَأَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرٍو [5] ، مَزِيقِيَا، فَنَزَلُوا بِظَهْرِ مَكَّةَ.
فَلَمْ يَزَالُوا يَكْثُرُونَ، وَتَقِلُّ جُرْهُمُ لاسْتِخْفَافِهِمْ بِالْبَيْتِ وَفُجُورِهِمْ فِيهِ، حَتَّى غَلَبَتْهُمْ خُزَاعَةُ وَأَلْفَافُهَا عَلَى مَكَّةَ، وَطَرَدُوهُمْ عَنْهَا. فَدَخَلَ بَعْضُهُمْ فِي قَبَائِلِ الْيَمَنِ. وَنَزَلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ مَكَّةَ وَيَثْرِبَ، فَأَصَابَهُمُ الدَّاءُ الَّذِي يُعْرَفُ بِالْعَدَسَةِ، فَهَلَكُوا.
قال هشام: ومما يروى في خروج جرهم من مكة شعر عمرو [6] بن الحارث بن مضاض الجرهمى:
__________
[1] زدنا العنوان للوضاحة.
[2] خ: عامر، راجع ما مضى.
[3] خ: الغرب.
[4] راجع القرآن، سبأ (34/ 16)
[5] خ: عمرو بن مزيقيا، راجع المحبر، ص 436، وبدائع الصنائع للكاسانى (7/ 44) لتوجيه كلمة «مزيقيا» .
[6] كذا عند ابن هشام، وعند الطبرى: «عامر بن الحارث» . راجع للأشعار ابن هشام (ص 73) ، والطبرى (ص 1133) والسهيلي (1/ 81) ، وبلدان ياقوت: (الحجون، مكة) ، وزاد أبياتا. وقال في الثانى: «يتربع واسطا» ، «إلى السر من وادي الأراكة» .(1/8)
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
ولم يتربع في واسط فجنوبه ... إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضر
بلى نحن كنا أهلها فأزالنا ... صروف الليالي والجدود العواثر
وكنا ولاة البيت من بعد نابت ... نطوف بذاك البيت والخير ظاهر
وقال أيضا [1] :
يا أيها الناس سيروا إن نظركم ... أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا
كنا أناسا كما كنتم فأسلمنا ... دهر فأنتم كما كنا تكونونا
حثوا المطي وأرخوا من أزمتها ... قبل الممات وقضوا ما تقضونا
وقال بعضهم [2] :
واد حرام طيره ووحشه ... نحن ولاته فلا نغشه
وابن مضاض قائم يمشه ... يأخذ ما يهدي له يفشه
ونزلت حضر موت مكانها من ناحية اليمن.
وقال هشام بن الكلبي: تزوج مرتع بن معاوية بن ثور- وثور هو كندي، وإليه تنسب كندة- امرأة من حضر موت. واشترط أبوها عليه أن لا يتزوج سواها، وأن لا تلد إلا في دار قومها. فلم يف بشرطه. فتحاكموا إلى الأفعى بن الحصين الجرهمي- ويقال إنه الأفعى بن الحصين بن تميم بن رهم ابن مرة بن أدد بْن يشجب بْن عريب بْن زَيْد بْن كهلان بْن سبأ بْن يشجب ابن يعرب بن قحطان. وكانت العرب تتحاكم إليه، وثبتوا عنده الشرط الذي كان شرط. فقال الأفعى: «الشرط أملك» . وهو أول من قالها. فأخذ الحضرميون الامرأة وابنها من مرتع، واسمه مالك. فقال مرتع: أما مالك، ابني، فصدف عني. فسمى الصدف. فمن كان من ولد مالك الصدف بن
__________
[1] راجع ابن هشام (ص 74) والطبرى (ص 1133) والسهيلي (1/ 83) .
[2] ذكر الطبرى (ص 1133) البيت الأول، وعزاه إلى عمرو بن الحارث الغبشانى.(1/9)
مرتّع، ببلاد حضر موت، فهم ينسبون إلى كندة، ومن كان بالكوفة، فهم ينسبون إلى حضر موت. ومن الحضرميين من أهل الكوفة: وائل بن حجر من الطبقة الأولى، أوس بن ضمعج مات بولاية بشر بن مروان، أبو الزعراء عبد الله بن هاني، وائل بن مهانة، عبيس بن عقبة، كثير بن نمير، عبد الله ابن الجليل، عبد الله بن يحيى، سلمة بن كهيل، مات سنة اثنتين وعشرين ومائة حين قتل زيد بن علي عليه السلام. وقال أبو نعيم: مات يوم عاشوراء من هذه السنة. يحيى بن سلمة بن كهيل، توفى في خلافة موسى أمير المؤمنين.
أخوه محمد بن سلمة بن كهيل. ومن أهل البصرة: يحيى بن إسحاق، عبد الله بن أبي إسحاق كان صاحب قرآن وخطب، ويكنى بالحرّ، يعقوب بن إسحاق الحضرمي المقرئ، أخوه أحمد بن إسحاق. ويقال إنهم موالي العلاء ابن الحضرمي، وهم من أهل البحرين. ومن أهل الشام: جبير بن نفير الحضرمي، يكنى أبا عبد الرحمن، أسلم في خلافة أبي بكر ومات سنة خمس وسبعين، ويقال في سنة ثمانين، كثير بن مرّة الحضرمى، أبو الزاهرية، واسمه جعفر ابن كريب، ويقال إنه حميري، مات/ 5/ سنة تسع وعشرين ومائة، أبو لقمان الحضرمي، مات سنة ثلاثين ومائة، حاتم بن حريث، مات سنة ثمان وثلاثين ومائة.
ومن أهل مصر: عبد الله بن عقبة بن لهيعة، مات في سنة أربع وسبعين ومائة، عون بن سليمان، مات في خلافة المهدي أمير المؤمنين. وبمصر منهم جماعة.
15- وقال محمد بن سعد: بالمدينة قوم من الحضرميين، ولهم دار تعرف بدار الحضرميين، في بنى جديلة. ومولاهم بشر بن سعيد، مات في سنة مائة وهو ابن ثمان وسبعين سنة، وكان ينزل في دارهم بالمدينة.
16- أخبرني محمد بن زياد الأعرابي الرواية، عن هشام بن محمد الكلبي [1] قال: من قبائل حضر موت تنعة [2] ، ولهيعة، وهم اللهائع، وأكثرهم بمصر، وضمعج
__________
[1] خ: الحلبى.
[2] خ: تبعة بالباء، والتصحيح عن المحبر (ص 186) .(1/10)
وهم الضماعج، وعلقمة، وهم العلاقم، والأذمور [1] ، والأربوع، والأملوك، غير الذي في حمير، وذو مران، ويقال إنهم الذين في همدان، وشعب، دخلوا في همدان فقالوا: شعب بن معدي كرب بن [2] حاشد بن جشم، وهم رهط عامر بن شراحيل الشعبي، وشعبان، وهم في حمير، وكان يقال لشعبان عبد كلال، فلما انشعب من قومه قيل «شعبان» ، ومرحب، وجعشم، وهم الجعاشمة، وأحذر (أخمد؟) وهم الأخامدة، وسلع، وذو طحن، ووليعة، غير وليعة كندة، ووائل، وأنسي. قال بعضهم:
وجدي الأنسوي أخو المعالى ... وخالي المرحبى أبو لهيعة
وردمان، وأسوع، وأحمر دخلوا في همدان، والأثروم، والأذمور [3] رهط الصعبة بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن عماد الحضرمي، أم «طلحة بن عبيد الله» المسمى «صاحب رَسُول اللَّهِ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورهط عامر الحضرمى، حليف بنى أمية، بن عبد الله بن عامر الحضرمي صاحب معاوية، وأسروهم بناحية فلسطين، ورهط مسروق بن وائل أبي شمر الذي يقول:
وأكرم ندماني وأحفظ غيبه ... وأملأ زق الشرب غير مشائط
ويقال إنه من الأذمور [4] . ومن الحضرميين ميمون الحضرمي [5] ، صاحب بئر ميمون بمكة وعندها دفن أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور. ومنهم عمرو بن الحضرمي الذي قتله المسلمون في سرية عبد الله بن جحش. وسنذكر خبره إن شاء الله تعالى [6] .
__________
[1] خ: الأدمون، راجع ما يلى.
[2] خ: عن.
[3] كذا ههنا، بالذال المعجمة.
[4] خ: الأدمور بالدال المهملة.
[5] هو ميمون بن المرتفع (جمهرة الأنساب لابن الكلبى، 23/ الف) .
[6] راجع تحت، باب السرايا الفقرة (768) .(1/11)
نسب ولد عدنان بن أدد
17- حدثني عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن وهب المصري، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة بن حذافة، قال:
ما وجدنا في علم عالم ولا شعر شاعر من وراء عدنان بثبت.
وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
[كَانَ [1] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا بَلَغَ فِي النَّسَبِ إِلَى أُدَدَ، قَالَ:
كَذَبَ النَّسَّابُونَ، كَذَبَ النَّسَّابُونَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً [2] .] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَوْ شَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْلَمَهُ لَعَلِمَهُ.
وَحَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، عَنْ أَبِي اليقظان، عن وضاح بْن خيثمة، عن داود بن أبى هند، عن الشعى قال:
إنما حفظت العرب من أنسابها إلى أدد. قال الكلبي: فأدد من ولد نابت بن الهميسع بن تيمن بن نبت بن قيدر بن إسماعيل. وقال بعض المدنيين: أدد من ولد الهميسع بن أشجب بن نبت بن قيدر بن إسماعيل وقول الكلبى أثبت.
[2- من عدنان إلى مضر]
[ولد أدد]
18- وولد أدد:
عدنان
- وأمه، فيما ذكر غير الكلبي، المتمطرة بنت علي، من جرهم أو من جديس-، ونبت [3] ، وعمرو، درج [4] . فولد نبت بن أدد:
شقرة. وهم في مهرة بْن حيدان بْن عَمْرو بْن الحاف بن قضاعة. قال الشاعر، وهو الحارث بن نمر التنوخي [5] :
__________
[1] خ: «كان كان» (مكررا) .
[2] القرآن، الفرقان (25/ 38) .
[3] كذا بدل نبتا، عمرا، أبيا وغير ذلك، لما ذكره المؤلف في تعليقه في الصفحة الأولى من الكتاب.
[4] خ: زوج.
[5] ذكر ابن الكلبى في جمهرته (3/ الف) البيت الثانى والثالث، وعزاهما إلى رجل من مهرة. فروى «عمسا جلد النمر» و «غب الوبال» . (نحت أثلته: عابه. طأطأ في القتل:
بالغ- وكان في المخطوطة: «في قيلهم» - هاض العظم: كسره. النقر: الغضبان) . والبيت الأول في مروج المسعودى (طبع بولاق 2/ 20) .(1/12)
أي يومي من الموت أفر ... يوم لم يقدر أم يوم قدر
إن أخوالي من شقرة قد ... لبسوا لي عيسا جلد نمر
نحتوا أثلتنا ظلما ولم ... يرهبوا لفت الوبال المستمر
فلئن طأطأت في قتلهم ... لتهاضن عظامي من عفر
ولئن غادرتهم في ورطة ... لأكونن نقرة الشيخ النقر
ويشجب [1] بن نبت، وهم في وحاطة [2] من ذي الكلاع، من حمير/ 6/ ويقال، والله أعلم، إن نبت بن أدد هذا هو الأشعر بن أدد بن زيد بن يشجب ابن عريب بْن زَيْد بْن كهلان بْن سبأ بْن يشجب بن يعرب بن قحطان.
وبعض الرواة يقول: هو عدنان بن أدد. والثبت أنه عدنان بن أدد.
19- وولد عدنان:
معد- وبه كان يكنى والديث، وأبي، والعي. وهو الثبت. وبعضهم يقول: العي، وعدين درج. هؤلاء الثلاثة، وأمهم مهدد بنت اللهم بن جلحب، من [3] جديس. وقال بعضهم: هي من طسم. والأول أثبت.
20- فولد الديث بن عدنان:
عك. ويقال: إنه عك [4] بن عدنان نفسه.
وبعضهم يقول: عك بن عدنان بن عبد الله بن الأزد بن الغوث. وبعض الناس يقول: عك بن عدثان بن عبد الله بن الأزد. وذلك تصحيف، ليس في الأزد عدثان (مضموم العين تعجم بثلاث) إلا عدثان بن عبد الله بن زهران ابن كَعْبِ بْن الْحَارِث بْن كَعْبِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن مَالِك بْن نَصْرِ بْن الأَزْدِ، وهو أبو دوس. وقال الكميت بن زيد الأزدى:
__________
[1] جمهرة ابن الكلبى (2/ الف) : «شقحب وهم في وحاطة من ذي الكلاع» ص: وحاضة.
[2] جمهرة ابن الكلبى (2/ الف) : «شقحب وهم في وحاطة من ذي الكلاع» ص: وحاضة.
[3] خ: بن، والتصحيح عن جمهرة ابن الكلبى (2/ الف) .
[4] خ: عد.!(1/13)
كعكّ في مناسبها منار ( ... ؟ ءالى) عدنان واضحة السبيل
وقال عباس [1] بن مرداس السلمي:
وعك بن عدنان الذين تلقبوا ... بغسان حتى طردوا كل مطرد
21- فولد عك بن الديث- واسم عك «الحارث» -: الشاهد، وصحار واسمه غالب، وسبيع درج، وقرن وهم في الأزد يقولون: قرن بن عكّ بن عدنان ابن عبد الله بن الأزد.
22- فولد الشاهد بن عك: غافق، وساعدة.
23- فولد غافق: لعسان، ومالك، وقياتة بالتاء.
24- وولد صحار بن عك: السمناة، وعنس [2] ، وبولان. وهما عدد عك.
فمن بني بولان: مقاتل بن حكيم بن عبد الرحمن الخراساني، من رجال دولة بني العباس.
25- فولد لعسان بن غافق: الحوثة، وأسلم، وأكرم. فولد أكرم: وائل، وريان [3] بالراء، وخضران.
26- وولد مالك بن غافق: رهنة، وصحار.
27- وولد القياتة بن غافق: أحدب، وأوفى [4] ، وأسليم، وخدران، وأسلم.
28- وولد رهنة بن مالك: كعب، وطريف، ومالك.
29- وولد صحار بن مالك بن غافق بن الشاهد: عبد، وربيعة، ومعاوية.
__________
[1] خ: عياش. وراجع للبيت مصعب بن عبد الله (ص 5) وابن هشام (ص 6) حيث «تلعبوا» بدل «تلقبوا» وهو الأرجح.
[2] خ: عبس، بالباء، والتصحيح عن جمهرة ابن الكلبى (3/ الف) حيث كتب كلمة «نون» تحت هذا الاسم، تأكيدا.
[3] كذا بالياء ولعله الأرجح، والمعروف «ربان» بالباء.
[4] رسمه «أوفا» .(1/14)
30- وكان من ولد غافق: سملقة بن مرى بن الفجاع صاحب أمر عك يوم قاتلوا غسان. وهو أول من جز ناصية أسير، وأطلقه. وكان رئيس غسان يومئذ ربيعة [1] بن عمرو.
31- ويقال إن أول من كسا الكعبة عدنان. كساها أنطاع الأدم.
32- وولد معد بن عدنان:
نزار بن معد- وبه كان يكنى، ويقال إنه يكنى أبا حيدة، وبعضهم يقول إنه كان يكنى أبا قضاعة- وقنص بن معد، وقناصة، وسنام [2] ، والعرف، وعوف، وشك، وحيدان، وحيدة، وعبيد- الرماح- في بني كنانة بن خزيمة- وجنيد في عك، وجنادة، والقحم. وأمهم معانة بنت جشم [3] بن جلهة بن عمرو، من [4] جرهم. وبعضهم يقول جلهمة.
والأول أثبت. وقال بعضهم: اسمها عنة بنت جوشن، من [5] جرهم. وقال ابن مزروع: اسمها ناعمة. والأول قول ابن الكلبي. وقال هشام بن محمد: يقال إن معانة كانت عند مالك بن عمرو بن مرة بن مالك بن حمير، ثم خلف عليها بعده معد بن عدنان فجاءت معها بقضاعة ابن مالك بن عمرو. فكان يقال له قضاعة بن معد. فولدت. قال: ويقال إن معانة كانت بديا عند معد، فولدت له قضاعة، ثم خلف عليها مالك بن عمرو، وتبنى قضاعة فنسب إليه. وأن قضاعة كان يسمى عمرا. فلما تقضع عن قومه، أي بعد، سمي قضاعة. والله أعلم.
33- وقال هشام: كان عمرو بن مرة الجهني أول من ألحق قضاعة باليمن.
فقال بعض البلويين:
__________
[1] كذا: وعند ابن الكلبى: زوبعة.
[2] كذا، بدل «سناما، عوفا، شكا» وغير ذلك، لما مضى فوق من توجيه المؤلف.
[3] ابن كلبى (3/ ب) : جوشم.
[4] خ: بن، والتصحيح عن الكلبى (3/ ب) حيث: «عمرو بن هلينية بن دو، من جرهم» .
[5] خ: بن.(1/15)
أيا إخوتي لا ترغبوا عن أبيكم ... ولا تهلكوا في لجة لجها عمرو
34- وقال بعض الرواة: أم قضاعة عكبرة. وقال الكلبي: لا أدري ما هذا.
35- وحدثني أَبُو عدنان الأعور، عَنْ أبي زيد الأنصاري النحوي، عن أبي عمرو بن العلاء، قال:
لم تزل قضاعة/ 7/ معدّية في الجاهلية، وتحولوا فقالوا: قضاعة بن مالك ابن عمرو. وذلك لأن بني مالك بن عمرو إخوتهم لأمهم.
وحدثني أبو الحسن المدائني، عن أبي اليقظان أن عمر بن عبد العزيز- وكانت أم أبيه كلبية- قال لبعض أخوال أبيه:
إن علىّ منكم لغضاضة غضّتكم حرب قوم، فابتغيتم عن أبيكم وانتميتم [1] إلى غيره، وكنتم إخوة قوم لأمهم فصيرتم أنفسكم إخوتهم لأبيهم وأمهم.
وحدثني محمد بن الأعرابى الرواية، عن المفضل الضبي، عن القاسم بن معن وغيره:
أن أول من ألحق قضاعة بحمير، عمر (و) بن مرة الجهني، وكانت له صحبة.
وروي عن هشام بن عروة، عن عائشة، قالت:
[قالت: قلت يا رسول الله، قضاعة ابن من؟ قال: ابن معد] .
وحدثني محمد بن حبيب مولى بني هاشم، قال أنشدني أبو عمرو الشيبانى لشاعر قديم:
قضاعة كان ينسب من معد ... فلج بها السفاهة والضرار
فإن تعدل قضاعة عن معد ... تكن تبعا وللتبع الصغار
وزنيتم عجوزكم وكانت ... حصانا لا يشم لها خمار
وكانت لو تناولها يمان ... للاقى مثل ما لاقى يسار
وأكره أن تكون شعار قومي ... لذي يمن إذا ذعرت نذار
__________
[1] خ: «من أبيكم وانتهيتم» .(1/16)
قال: وكان «يسار» هذا عبدا لإياد، فتعرض لابنة مولاه فزجرته.
فأتى صاحبا له فاستشاره في أمرها. فقال له: ويلك يا يسار كل من لحم الحوار، واشرب من لبن العشار، وإياك وبنات الأحرار. فقال: كلا، إنها تبسمت في وجهى. فعادوها، فقالت له: ائتني الليلة. فلما أتاها، قالت: ادن مني أشمك طيبا. فلما دنا، جدعت أنفه بسكين كانت قد أعدته، وأحدته، وكانت قد دفعت إلى وليدتين لها سكينتين، وقالت لهما: إذا أهويت لأجدع أنفه، فلتصلم كل واحدة منكما أذنه التي تليها. ففعلتا ذلك. فلما أتى صاحبه الذي استشاره، قال له: والله ما أدري أمقبل أنت أم مدبر. فقال يسار- ويقال هو يسار الكواعب-: هبك لا ترى الأنف والأذنين، أما ترى وبيص العينين؟ فذهبت مثلا.
36- وقال جميل بن عبد الله بن معمر العذري [1] :
أنا جميل في السنام من معد ... الدافعين الناس بالركن الأشد
وكان جميل مع الوليد بن عبد الملك في سفر. فقال له: انزل فارتجز.
فلما ارتجز بهذا الشعر، قال له: اركب، لا حملك الله. وذلك أنه ظن أن جميلا يمدحه كما مدحه راجز قبله، فقال [2] :
يا بكر هل تعلم من علاكا؟ ... خليفة الله على ذراكا
ويقال إنّ جميلا لم يمدح أحدا قط. وقال جميل [3] لبثينة بنت حبأ العذرية:
ربت في الروابي من معد وفضلت ... على المحصنات الغر وهي وليد
وقال زيادة بن زيد العذرى [4] :
__________
[1] ديوان جميل، ص 167، حيث: «في الذروة العلياء والركن الأشد» ، راجع أيضا السهيلي (1/ 17) ومصعبا (ص 6) .
[2] مصعب (ص 6) وعزاه إلى ابن العذرى.
[3] ليس في ديوانه المطبوع ولكن راجع السهيلي (1/ 17) .
[4] مصعب (ص 6) .(1/17)
وإذا معد أوقدت نيرانها ... للمجد أغضت عامر وتقنعوا
«عامر» رهط هدبة بن خشرم. وقال أفلح بن يعبوب، من ولد أمر مناة ابن مشجعة بن تيم [1] بْن النمر بْنِ وَبْرَةَ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ [2] بْنِ عِمْرَان ابن الحاف بْن قضاعة، في أيام معاوية بن أبى سفيان [3] :
يا أيها الداعي ادعنا وبشر ... وكن قضاعيا ولا تنزر
قضاعة بن مالك بن حمير ... النسب المعروف غير المنكر
وقال عامر بن عبيلة بن قسميل بن فران بن بلي:
وما أنا إن نسبت بخندفي ... وما أنا من بطون بني معد
ولكنا لحمير حيث كنا ... ذوي الآكال والركن الأشد
37- قالوا: وكان الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة أجرى وعامر ابن عبيلة فرسين لهما/ 8/ فسبق فرس عامر. فمنعه الحارث سبقته، وقضاعة يومئذ بتهامة. فقال: يا آل معد. فلم يجبه أحد. فقال: والله لو كنت من معد لأجابني بعضهم. فهم قومه بالخروج. فكره بنو معد أن يخرجوا عنهم، ويصيروا إلى غيرهم، فأعطى عامر سبقته. ثم إن خزيمة [4] بن نهد بن زيد، وكان يعشق فاطمة بنت يذكر بن عنزة بْن أسد بْن ربيعة بْن نزار، وهو القائل فيها [5] :
إذا الجوزاء أردفت الثريا ... ظننت بآل فاطمة الظنونا
ظننت بها وظن المرء مما ... يجلي للفتى الأمر المبينا
خرج هو ويذكر بن عنزة يطلبان القرظ، فوقعا على هوة فيها نحل.
__________
[1] خ: التيم.
[2] خ: جلوار.
[3] مصعب (ص 5) ، وعنده في البيت الأول «وأبشر» بدل «وبشر» .
[4] خ: جذيمة: والتصحيح عن لسان العرب كما يلى.
[5] الأنواء لابن قتيبة (فقرة 110) ، لسان العرب (قرظ، ردف) .(1/18)
فقالا: هذه خير مما نطلب. فقال خزيمة، وكان بادنا: إن نزلت الهوة، لم تقدر على رفعي، وأنت نحيف وأنا قوي على رفعك من الهوة. فنزل يذكر، فجعل يجني العسل ويناوله خزيمة [1] . فلما فرغ، قال له: يا يذكر، زوجني فاطمة.
فقال: ليس هذا بوقت تزويج. فتركه في البئر، وأتى قومه. فسألوه عنه.
فقال: لا علم لي به. ووقع الشر بين بني معد وبني قضاعة. فكان أول من خرج عن معد من تهامة، جهينة وسعد هذيم ابنا زيد بن سود بن أسلم. فنزلا الصحراء. فسمتها العرب صحار. وخرجت بنو نهد عن معد، فنزل بعضها باليمن وبعضها (ب) الشام. فالذين صاروا باليمن: مالك، وخزيمة، وصباح، وزيد، وأبو سود، ومعاوية، وكعب بنو نهد. قال زهير بن جناب الكلبي يذكر تفرق نهد:
ولم أر حيا من معد تفرقوا ... تفرق معزى الفزر [2] غير بني نهد
وقال أيضا:
لقد علم القبائل أن ذكري ... بعيد في قضاعة من نزار
وما إبلي بمقتدر عليها ... وما حلمي الأصيل بمستعار
والذين جاءوا إلى الشام: عامر، وهم في كلب بن وبرة، وعمرو، ودخلوا في كلب أيضا، والطول، وبرة، وحزيمة، وحنظلة، وهو الذي يقال له «حنظلة بن نهد خير كهل في معد» ، وأبان بن نهد، دخل في بني تغلب ابن وائل. وقال بعض شعرائهم:
قضاعة أجلتنا من الغور كله ... إلى جنبات الشام نزجي [3] المواشيا
فإن يك قد أمسى شطيرا ديارها ... فقد يصل الأرحام من كان ثابيا
__________
[1] خ: جذيمة.
[2] الفزر هو القطيع الصغير.
[3] خ: يزجى.(1/19)
38- وسمي يذكر بن عنزة بن أسد بن ربيعة [1] : «القارظ العنزي» ، وضرب به المثل. قال بشر بن أبى خازم الأسدى:
فترّجى الخير وانتظري إيابي ... إذا ما القارظ العنزي آبا
وقد كان من عنزة قارظ آخر، يقال له عامر بن هميم فقد أيضا. فقال أبو ذؤيب الهذلي [2] :
وحتى يؤوب القارظان كلاهما ... وينشر في الموتى كليب بن وائل
ويروى «كليب لوائل» . هو كليب بن ربيعة بن الحارث بن زهير، من بني تغلب بن وائل. فنسبه إلى وائل. والعرب تقول «كليب وائل» أيضا.
39- وقال هشام بن الكلبي: ويقال إن حيدان بن معد دخلوا في قضاعة، فقالوا: حيدان بْن عَمْرو بْن الحاف بْن قضاعة وحيدان هو أبو مهرة بن حيدان.
40- فولد سنام بن معد:
جشم بن سنام، وجاه [3] . وهما في حكم بن سعد العشيرة بن مالك.
41- وولد حيدة بن معد:
مجيد، وأفلح، وقزح دخلوا في الأشعرين. ويقال إن ولد قزح وحده دخلوا في الأشعرين، وإن الآخرين درجا. والله أعلم.
وقال هشام بن الكلبي: ذكر بعض النساب أن حيدة بن معد ولد أيضا معاوية. فولد معاوية: عفير بن معاوية. فولد عفير: ثور بن عفير. فولد ثور: كندي وهو أبو كندة. وأنشد لامرئ القيس بن حجر الكندي [4] :
/ 9/ تالله لا يذهب شيخي باطلا ... خير معدّ حسبا ونائلا
__________
[1] خ: ربيعة بن.
[2] ديوان أبى ذؤيب، ق 12 ب 23 (وروايته: في القتلى) .
[3] في مخطوطة جمهرة ابن كلبى: حا.
[4] ديوانه ق 39 مصراع 1، 4 (حيث المصراع الثانى والثالث) :
حتى أبير ملكا وكاهلا ... القاتلين الملك الحلاحلا(1/20)
وغيره ينشده:
«يا خير شيخ حسبا منائلا» .
42- وولد القحم بن معد:
أفيان. فولد أفيان: غنث بن أفيان، وهم في بني مالك بن كنانة ابن خزيمة.
43- قال هشام: ودخل بنو عبيد الرماح في كنانة، وهم رهط إبراهيم بن عربي ابن منكث. وكانت أم إبراهيم فاطمة بنت شريك بن سحماء البلوي، من قضاعة. وسحماء أمه، وأبوه عبدة بن مغيث. وبسبب شريك هذا نزل اللعان [1] .
حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:
أَتَى عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ الْبَلَوِيَّ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْعَجْلانِ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ عُوَيْمِرٌ، فَسَأَلَهُ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلا، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ فَسَأَلَهُ، فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ. فَأَتَى عُوَيْمِرٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَمْرِكَ وَأَمْرِ صَاحِبَتِكَ قرآنا، فأت بِهَا.
فَلاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا. وَكَانَ الَّذِي قُذِفَ بِهَا شَرِيكُ بن سمحاء.
وَحَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عن أنس ابن مَالِكٍ قَالَ:
لاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَامْرَأَتِهِ، وكان قد قذفها بشريك بن سمحاء. [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ جَاءَتْ بِهِ أَصْهَبَ أَثْبَجَ أَرْشَحَ حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِهِلالٍ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ سَابِغَ الأَلْيَتَيْنِ فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ.] فَجَاءَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَكْرُوهَةِ، فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُتَلاعِنَيْنِ، وَقَضَى أَنْ لا يُدْعَى وَلَدُ الْمُلاعَنَةِ لأَبٍ، وَلا تُرْمَى وَلا وَلَدُهَا، وَأَنَّ عَلَى من رماها الحد.
__________
[1] راجع القرآن، النور (24/ 6- 9) .(1/21)
وَقَضَى بِأَنْ لا بَيْتَ لَهَا عَلَيْهِ وَلا قوته [1] . وقال هشام بن الكلبي: لما كان يوم دار عثمان، ضرب مروان بن الحكم وسعيد بن العاص، فسقطا. فوثبت فاطمة بنت شريك بن سمحاء فأدخلت مروان بيتا كانت فيه قراطيس فأفلت. فكان بنو مروان يحفظون إبراهيم بن عربي ويكرمونه بذلك السبب. فتزوج إبراهيم ابنة طلبة بن قيس بن عاصم التميمى [2] المنقري. وكان عبد الملك قد ولى إبراهيم ابن عربي اليمامة وأعمالها. فأوفد إبراهيم مقاتل بن طلبة بن قيس، أخا امرأته، إلى عبد الملك ومعه أشراف من تميم وعامر بن صعصعة، وكتب إلى الحجاب أن يحسنوا إذنه ويقدموه. فأذن له أول الغد. فلما دخل على عبد الملك، أدناه وأكرمه. فقال:
وفضلني عند الخليفة أنني ... عشية وافت عامر وتميم
وجدت أبي عند الإمام مقدما ... لكل أناس حادث وقديم
وقال رجل من بنى عبشمس بْن سَعْد بْن زَيْد مناة بْن تميم:
لولا حر قدمته لابن منكث ... مقلم لباب الأسكتين أزوم [3]
لما كنت عند الباب أول داخل ... عشية وافت عامر وتميم
قال: واسم عربي عبد الرحمن. وتزوج إبراهيم ابنة عبد الرحمن بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف. ولإبراهيم عقب. قال: وكان إبراهيم أسود.
فقال فيه البعيث المجاشعي:
ترى منبر العبد اللئيم كأنما ... ثلاثة غربان عليه وقوع
44- قال ابن الكلبي: ويقال إن معد بن عدنان ولد أودا، فانتسبوا في مذحج فقالوا: أود بن صعب بن سعد العشيرة. وكان معد بن عدنان على عهد بخت نصّر.
__________
[1] قوت الولد؟
[2] خ: التيمى.
[3] البيت كذا في الأصل.(1/22)
45- وقال بعض الرواة: لم يبق لقنص بن معد عقب. وكان النعمان بن المنذر، من [1] تميم، ونسب إلى لحم، وأن عمر بن الخطاب أتي بسيف النعمان، فأعطاه جبير بن مطعم وقال له- وكان نسابة- ممن كان النعمان؟ فقال:
من قنص بن معد. واحتج من روى هذا بقول النابغة الذبياني [2] :
/ 10/ فإن يرجع النعمان نفرح ونبتهج ... ويأت معدّا ملكها وربيعها
[ولد نزار]
46- فولد نزار بن معد: مضر بن نزار، وإياد بن نزار، وبه كان يكنى نزار، وأمهما سودة بنت عك، وربيعة، وأنمار، وأمهما الحذالة بنت وعلان بن جوشم بن جلهة بن عمرو، من [3] جرهم. فذكر بعضهم أن أنمار هذا درج [4] بعد موت أبيه نزار ولم يعقب. وقال بعض الرواة: بل غاصب إخوته وانتفى منهم، وأتى اليمن فحالف الأزد وانتسب إلى أراش بن عمرو بن الغوث، أخي الأزد بْن الغوث بْن نبت بْن مَالِك بْن زيد بْن كهلان، وتزوج بجيلة بنت صعب ابن سعد العشيرة، فنسب ولده منها إليها، وتزوج هند بنت مالك بن الغافق من عك أيضا. فأما بجيلة فولدت له عبقر بن أنمار، والغوث بن أنمار وإخوة لهما. وأما هند فولدت له أفتل [5] وهو خثعم. وقال آخرون: تزوج أنمار هاتين الامرأتين وولدتا له، ثم إن ولده ادعوا بعد موته بحين أنهم من ولد أنمار بن أراش. وقال ابن الكلبي: سمعت من يذكر أن نزارا وهب لأنمار جارية يقال لها بجيلة فحضنت ولده. وذلك باطل، وإنما وهب لإياد جارية اسمها ناعمة.
وقال عمرو بن الخثارم البجلي، وهو ينتمى إلى معدّ [6] :
__________
[1] خ: بن.
[2] قسم النابغة في العقد الثمين في دواوين الشعراء الجاهلين، ق 18 ب 1 (وفيه:
إن يرجع) .
[3] خ: بن، والتصحيح عن جمهرة ابن الكلبى.
[4] خ: درج درج (تكرر سهوا) .
[5] عند مصعب الزبيري، ص 7: أقبل.
[6] مصعب الزبيري، ص 7.(1/23)
ابنى نزار انصرا أخاكما ... لن يغلب اليوم أخ والا كما
إن أبي وجدته أباكما
وقال أيضا:
لقد تفرقتم في كل قوم ... كتفريق الإله بني معد
وكنتم حول مروان حلولا ... جميعا أهل مأثرة ومجد
ففرق بينكم يوم عبوس ... من الأيام نحس غير سعد
وقال الكميت بن زيد:
وليسوا من القوم الذين تبدلوا ... أراشا بإسماعيل أعور من جدل
وكان جرير بن عبد الله البجلي نافر الفرافصة بن الأحوص الكلبي إلى الأقرع بن حابس التميمي. فقال عمرو بن الخثارم، وكان حاضرا [1] :
يا أقرع بن حابس يا أقرع ... إن يصرع اليوم أخوك تصرع
وقال بعضهم: أراد «أخاك في الإسلام» . فنفره إلى الفرافصة. وقال ابن الدمينة الخثعمي [2] لمعن بن زائدة الشيباني:
عجل فداك إلى مغيظة حاسدي ... برجاء معتمد لسيبك آمل
وأصب بجدواك ابن عم طالبا ... لنداك إنك ذو ندى وفواضل
47- قالوا: وكان يقال لمضر وربيعة «الصريحان» من ولد إسماعيل. وقال بعضهم: أم مضر وإياد خبيّة [3] بنت عك. وقال ابن الكلبي: سودة. وذلك
__________
[1] مصعب الزبيري، ص 7.
[2] في ديوانه المخطوط:
خفق فداك إلى مغيظة حاسدى ... وسرور معد لسيبك آمل
لحمال معشب بزعم باطن لنداك ... إنك ذو ندى وفواضل
[3] كذا في الأصل، وعلى الهامش عن نسخة أخرى: «بجيبة» (نجيبة؟) .(1/24)
الثبت. وقال بعضهم: اسم أم ربيعة وأنمار الشقيقة بنت عك. والأول قول ابن الكلبي، وهو أثبت.
48- وقال هشام بن محمد الكلبي: كثرت إياد بتهامة، وبنو معد حلول بها لم يتفرقوا عنها، فبغوا على بني نزار. وكانت منازلهم بأجياد من مكة. وذلك قول الأعشى [1] :
وبيداء تحسب آرامها ... رجال إياد بأجيادها
فرماهم الله بداء، ففشا الموت فيهم. فخرج من بقي منهم هرابا. فأتت فرقة اليمن، فانتسبوا في ذي الكلاع من حمير. وأقام قسيّ بن منبّه بن النبيت ابن منصور بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن إياد بن نزار (و) ولده بالطائف.
وقسي هو ثقيف. ثم انتسبوا إلى قيس، فقالوا: ثقيف بن منبه بن بكر ابن هوازن بْن مَنْصُور بْن عكرمة بْن خَصَفَة بْن قيس بن عيلان. فلذلك يقال إن ثقيفا بقية إياد. ويقال أيضا إنّ قيسيّا كان عبدا لأبي رغال، وكان أصله من قوم نجوا من قوم ثمود. فهرب من مولاه، ثم ثقفه، فسماه ثقيفا، وانتسب ولده بعد حين إلى قيس. ولذلك يقال إن ثقيفا بقية ثمود. وكان الحجاج يقول:
يقولون إنا بقية ثمود، وهل بقي مع/ 11/ صالح إلا المؤمنون! 49- فأما أبو رغال، فيقال إن أصله من العرب العاربة، وكان له سلطان بالطائف وما والاه. فكان يأخذ من أهل عمله غنما بسبب خرج كان له عليهم.
وكان ظلوما غشوما. فأتى على امرأة تربي يتيما صغيرا في عام جدب وقحط بلبن عنز، (و) لم يكن بالطائف شاة لبون سواها. فأخذها. وبقي الصبي بغير رضاع، فمات. فرمى الله أبا [2] رغال بقارعة، فهلك. ودفن بين الطائف ومكة فقبره هناك يرمى على وجه الدهر. وقوم يقولون: كان أبو رغال عبدا لشعيب بن ذي مهدم الحميري الذي قتله قومه. وكان فيما يزعمون مبعوثا إليهم. فلما بلغه ما فعل
__________
[1] ديوان الأعشى ميمون، ق 8، ب 25. (وبهامش أصلنا عن نسخة أخرى:
«أعلامها» بدل آرامها) .
[2] خ: أبو.(1/25)
أبو رغال من ترك الصبي بلا رضاع، أمر به، فقتل، وأمر برجم قبره. ويقال إن أبا رغال كان قائد الفيل وبعض أدلاء الحبشة على البيت. فمات فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجم قبره. وإن جد أبي الحجاج كان يخدمه. فقيل للحجاج «عبد أبى رغال» . وكان حمّاد الرواية يقول: ثقيف من ولد أبي رغال، وأبو رغال من بقية ثمود، وكان أخذ عنزا ترضع صبيا يتما فهلك الصبي، ولم يرم مكانه حتى مات فرجم قبره. والله أعلم. وقال جرير [1] :
إذا مات الفرزدق فارجموه ... كما ترمون قبر أبي رغال
50- وقال هشام بن الكلبي: خرج جل إياد يؤمّون العراق. فنزل بعضهم بعين أوباغ [2] . ونزل باقوهم بسنداد، بين البصرة والكوفة. فأمروا هناك، وكثروا.
واتخذوا بسنداد بيتا شبهوه بالكعبة. ثم انتشروا، وغلبوا على ما يلي الحيرة.
وصار لهم الخورنق والسدير. فلهم «أقساس مالك» . وهو مالك بن قيس ابن أبى هند بن أبى نجم [3] بن منعة بن برجان بن دوس بن الديل بن أمية بن حذافة ابن زهر بن إياد. ولهم دير الأعور، ودير السواء، ودير قرة، ودير الجماجم.
وإنما سمي دير الجماجم لأنه كان بين إياد وبهراء القين حرب، فقتل فيها منَ إياد خلق. فلما انقضت الحرب، دفنوا قتلاهم عند الدير. فكان الناس بعد ذلك يحفرون، فتظهر جماجم. فسمي دير الجماجم. ويقال إن بلال الرماح- وبعضهم يقول بلال الرماح، والرماح أثبت- بْن محرز الإيادي قتل قومًا منَ الفرس، ونصب رؤوسهم عند الدير. فسمي دير الجماجم. ويقال إنهم لما أرادوا بناء الدير، فحفر أساسه، وجد فيه جماجم فسمي دير الجماجم. وأمر الرماح وقتله الفرس أثبت عند الكلبي.
51- وكان بالحيرة من إياد في جند ملوك الحيرة.
__________
[1] ديوانه، ج 2، ص 37، بيت 16.
[2] كذا، والمعروف «أباغ» بدون واو.
[3] خ: «عبد هند بن لجم» ، والتصحيح عن جداول وستنفلد (ونسب أبا نجم بن مالك ابن قنص بن منعة) . ولأقساس مالك، راجع معجم البلدان لياقوت.(1/26)
52- وَقَالَ هِشَامٌ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
كَانَ النَّخَعُ، وَثَقِيفُ بْنُ إِيَادِ بْنِ نِزَارٍ- فَثَقِيفٌ قَسِيُّ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ النَّبِيتِ بْنِ أَفْصَى بْنِ دَعْمِيِّ بْنِ إِيَادٍ، وَالنَّخَعُ بْنُ عَمْرِو بن الطّمثا (ن) بن عوذ مناة بن يقدم بْنِ أَفْصَى- فَخَرَجَا وَمَعَهُمَا عَنْزُ لَبُونٍ يَشْرَبَانِ لَبَنَهَا. فَعَرَضَ لَهُمَا مُصَدِّقٌ مَلِكُ الْيَمَنِ، فَأَرَادَ أَخْذَهَا. فَقَالا: إِنَّمَا نَعِيشُ بِدَرِّهَا: فَرَمَى أَحَدُهُمَا الْمُصَدِّقَ، فَقَتَلَهُ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: إِنَّهُ لا يَحْمِلُنِي وَإِيَّاكَ أَرْضٌ. فَأَمَّا النَّخَعُ فَمَضَى إِلَى بِيشَةَ، فَأَقَامَ بِهَا. وَنَزَلَ قَسِيٌّ مَوْضِعًا قَرِيبًا مِنَ الطَّائِفِ، فَرَأَى جَارِيَةً تَرْعَى غَنَمًا لِعَامِرِ بْنِ الظَّرِبِ الْعَدْوَانِيِّ، فَطَمِعَ فِيهَا، وَقَالَ: أَقْتُلُ الْجَارِيَةَ ثُمَّ أَحْوِي الْغَنَمَ. وَأَنْكَرَتِ الْجَارِيَةُ مَنْظَرَهُ، فَقَالَتْ لَهُ: إِنِّي أَرَاكَ تُرِيدُ قَتْلِي وَأَخْذَ الْغَنَمِ، وَهَذَا شَيْءٌ إِنْ فَعَلْتَهُ قُتِلْتَ وَأُخِذَتِ الْغَنَمُ مِنْكَ، وَأَظُنُّكَ غَرِيبًا خَائِفًا. فَدَلَّتْهُ عَلَى مَوْلاهَا. فَأَتَاهُ، فَاسْتَجَارَهُ. فَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ، وَأَقَامَ بِالطَّائِفِ، فَقِيلَ: لِلَّهِ دَرُّهُ، مَا أَثْقَفَهُ، حِينَ ثَقِفَ عَامِرًا فَأَجَارَهُ. وَكَانَ قَدْ مَرَّ بِيَهُودِيَّةٍ بِوَادِي الْقُرَى، حِينَ قَتَلَ الْمُصَدِّقَ، فَأَعْطَتْهُ قُضْبَانَ كَرْمٍ. فَغَرَسَهَا بِالطَّائِفِ فَأَطْعَمَتْ وَنَفَعَتْهُ.
53- قالوا: وكانت إياد تغير على السواد وتفسد. فجعل سابور بن هرمز بن نرسي بن بهرام بينه وبينهم مسالح بالأنبار [1] / 12/ وعين التمر وغير هاتين الناحيتين.
فكانوا إذا أخذوا الرجل منهم، نزعوا كتفه. فسمت العرب سابور «ذا الأكتاف» ثم إن إياد (ا) أغارت على السواد في ملك أنوشروان كسرى بن قباذ بن فيروز.
فوجه إليهم جيوشا كثيفة. فخرجوا هاربين. وأتبعوا، فغرق منهم بشر، وأتى فلهم بني تغلب. فأقاموا معهم على النصرانية. فأساءت بنو تغلب جوارهم.
فصار قوم منهم إلى الحيرة متنكرين، مستخفين، فأقاموا بها. وأتى آخرون نواحي أمنوا بها. ولحق جلهم بغسان بالشام، فلم يزالوا معهم. فلما جاء الإسلام دخل بعضهم بلاد الروم، وأتى بعضهم حمص، وأنطاكية، وقنسرين، ومنبج وما والى هذه المدن. ودخل منهم قوم في خثعم، وفي تنوخ. وبالحيرة
__________
[1] خ: «بالأنمار» . لعل الصواب ما أثبتناه.(1/27)
اليوم قوم منهم يقال لهم بنو عبد الخيار، من بني حذافة، وقوم من بني مالك ابن قيس صاحب «أقساس مالك» . قال الشاعر من إياد:
قلت حقا حين قالت باطلا ... إنما يمنعني سيفي ويد
ورجال حسن أوجههم ... من إياد بن نزار بن معد
وقال أمية بن أبي الصلت الثقفي [1] :
قومي إياد لو أنهم أمم ... ولو أقاموا فيهزل النعم
وقال الأسود بن يعفر [2] :
ماذا أؤمل بعد آل محرق ... تركوا منازلهم وبعد إياد
أهل الخورنق والسدير وبارق ... والقصر ذي الشرفات من سنداد
جرت الرياح على محل ديارهم ... فكأنما كانوا على ميعاد
وقال الشاعر ينفي ثقيفا من إياد:
عاري الأشاجع من ثقيف أصله ... عبد ويزعم أنه من يقدم
وقال ابن الكلبي: كان يقال لامرئ القيس بن عمرو بن إمرئ القيس ابن عمرو بن عدي بن نصر «محرق» وهو أول من عاقب بالنار. وهو من لحم، وكان من ملوك الحيرة. وكان عمرو بن هند مضرط الحجارة حرق بني تميم، فسمى أيضا محرقا.
54- وحدثني محمد بن الأعرابي، عن هشام بن محمد الكلبي، قال:
كان يقال لإياد «الطبق» لإطباقهم بالشرّ (ة) والعرام على الناس. وكانت
__________
[1] ديوانه، ق 1، ب 2 (أيضا ابن هشام، ص 32) . خ: «ولو» ، ديوانه وابن هشام: «أو لو» . خ: «فيهزل» ، ديوانه: «فتجزر» ، ابن هشام: «فتهزل» .
[2] ديوان الأعشى، قسم أعشى نهشل، وهو الأسود، ق 17، ب 9- 11. راجع أيضا ابن هشام، ص 57، السهيلي 1/ 67- 68، وزاد هذا الأخير بيتا بين الأول والثانى:
نزلوا بأنقرة يسيل عليهم ... ماء الفرات يجيء من أطواد(1/28)
طائفة منهم بناحية البحرين. فخرجت عبد القيس، ومعهم بنو شن بْن أفصى بْن دعمى بْن جديلة [1] بْن أسد بن ربيعة، تطلب المتسع حتى بلغوا هجر وأرض البحرين. فرأوا بلدا استحسنوه ورضوه. فضاموا من به من إياد والأزد، وشدّوا خبلهم بالنحل. فقالت إياد. عرف النحل أهله. فذهبت مثلا. واجتمعت عبد القيس والأزد على إياد، فأخرجوا عن الدار فأتت العراق. وكانت بنو شن أشدهم عليهم. فقال الشاعر:
وأفق شن طبقه ... وافقه فاعتنقه
وفاة نزار:
55- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جَدِّهِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُمَيْرَةَ الْكِنْدِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
لَمَّا حَضَرَتْ نِزَارًا الْوَفَاةُ أَوْصَى بَنِيهِ- وَهُمْ مُضَرُ، وَرَبِيعَةُ، وَإِيَادٌ، وَأَنْمَارٌ- بِأَنْ يَتَنَاصَفُوا. فَقَالَ: قُبَّتِي الْحَمْرَاءُ، وَكَانَتْ مِنْ أَدَمٍ، لِمُضَرَ.
فَقِيلَ مُضَرُ الْحَمْرَاءُ. وَهَذَا الْخِبَاءُ الأَسْوَدُ وَفَرَسِي الأَدْهَمُ لِرَبِيعَةَ. فَسُمِّيَ رَبِيعَةُ الْفَرَسَ. وَهَذِهِ الْجَارِيَةُ لإِيَادٍ. وَكَانَتْ شَمْطَاءَ، فَقِيلَ إِيَادٌ الشَّمْطَاءُ وَالْبَرْقَاءُ. وَهَذَا الْحِمَارُ لأَنْمَارٍ. فَقِيلَ أَنْمَارُ الْحِمَارِ. وفيه يقول الشاعر:
نزار كان أعلم إذ تولّى ... لأنّ بَنِيهِ أَوْصَى بِالْحِمَارِ
قال ابن الكلبي: واختلف بنو نزار في قسمة ما ترك أبوهم. فشخصوا إلى الأفعى بن الحصين، وهو بنجران. فبيناهم يسيرون إذ رأى مضر كلأ مرعيا، فقال: لقد رعاه بعير أعور. قال ربيعة: وهو أيضا أزور. وقال إياد: وهو أيضا أبتر. وقال أنمار: وهو أيضا شرود. فلم يسيروا إلا قليلا حتى لقيهم رجل توضع به راحلته يسأل عن بعير. فقال مضر: أهو أعور؟ قال: نعم.
قال ربيعة: أهو أزور؟ قال: نعم. قال إياد. أهو أبتر؟ قال: نعم. قال أنمار: أهو شرود؟ قال: نعم، قال: وأنتم والله تعلمون مكان بعيري،
__________
[1] خ: حدفلة.(1/29)
/ 13/ فقد وصفتموه صفة المعاين الخبر. فحدثوه الحديث، وقال مضر:
رأيته يرعى جانبا ويترك جانبا، فعلمت أنه أعور مال نحو عينه الصحيحة.
وقال ربيعة: رأيت إحدى يديه نابته والأخرى فاسدة الأثر، فعلمت أنه أفسدها بشدة وطئه في إحدى جانبيه. وقال إياد: عرفت أنه أبتر باجتماع بعره، ولو كان ذيالا لمصع. وقال أنمار: إنما عرفت أنه شرود لأنه رعى في المكان الملتف نبته ثم جاز إلى مكان أرق نبتا منه وأخبث. فحاكمهم إلى الأفعى.
فقصوا عليه القصة، وحلفوا. فقال للرجل: ليسوا بأصحاب بعيرك، فاطلبه.
ثم سألهم عن قصتهم. فقصوها عليه. فقال: أتحتاجون إلي وأنتم في جزالتكم وصحة عقولكم وآرائكم على ما أرى؟ ثم قال: ما أشبه القبة الحمراء من مال أبيكم، فهو لمضر. فصار لمضر ذهب كان لنزار، وحمر إبله. وقال: ما أشبه الخباء الأسود والفرس الأدهم لربيعة. فصار له جميع إبله السود، ومعزى [1] غنمه، وعبدان أسودان كانا له. وقال: ما أشبه الجارية الشمطاء فهو لإياد. فصار له بلق خيله وغنمه. وقضى لأنمار بفضته وحميره، وبيض ضأنه. فرضوا بحكمه. وقال بعض الرواة: أعطى إيادا عصا أبيه وحلته. فسموا إياد العصا.
وأنشد بعضهم:
نحن ورثنا من إياد كله ... نحن ورثناه العصا والحلة
مضر:
وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جده قال:
كان مضر من أحسن الناس صوتا. فسقط عن بعيره، فانكسرت يده. فجعل يقول: يا يداه! يا يداه! فأنست الإبل لصوته وهي في المرعى. فلما صلح وركب، حدا. فهو أول من حدا، وأول من قال: «بصبصن أو حدين» .
فذهبت مثلا.
__________
[1] خ: يعزى.(1/30)
واستعمل الناس الحداء بالشعر بعده، وتزيدوا شيئا بعد شيء. وقيل: إنه ضرب يد غلام له بعصا. فجعل الغلام يقول: يا يداه، يا يداه. فاجتمعت الإبل.
57- وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ أَبُو عُثْمَانَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ [بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: لا تَسُبُّوا مُضَرَ، فَإِنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا] .
وَحَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، عَنْ مَحْبُوبٍ الْقُرَشِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ:
[قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: لا تَسُبُّوا مُضَرَ وَرَبِيعَةَ، فَإِنَّهُمَا قَدْ أَسْلَمَا.]
[3- من مضر إلى النضر بن كنانة]
58- فولد مضر:
إلياس، وبه كان يكنى، والناس، وهو «عيلان» ، حضنه غلام لمضر يقال له عيلان، فسمي به. فقيل لابنه قيس بن عيلان، وقيس عيلان. وهو قيس بن إلياس بن مضر. وأم إلياس والناس- وهو عيلان- الرباب بنت حيدة بن معد بن عدنان.
أخبرني علي الأثرم، عن أبي عبيدة أنه قال:
يقال للسل والنحافة ياس. قال ابن هرمة:
وقول الكاشحين إذا رأوني ... أصيب بداء يأس فهو موده
وقال ابن (أبى) [1] عاصية، وهو مع معن باليمن:
فلو كان داء الياس بي وأغاثني ... طبيب بأرواح العقيق شفانيا
وقال الشاعر:
هو اليأس أو داء الهيام أصابني ... فإياك عني لا يكن بك ما بيا
قال: وقد يكون الياس مشتقا من قولهم: فلان اليئيس، وهو الشديد
__________
[1] خ: ابن عاصية. لعله كما أثبتناه عن فهرست الأعلام لتأريخ الطبرى.(1/31)
البأس، المقدام، الثابت القلب في الحرب. وقال العجّاج [1] :
أليس يمشى قد ما إذا ادكر ... ما وعد الصابر من خير صبر
وقال الأثرم، حكى خالد بن كلثوم:
الأسد أليس. وقال: أليس بين اللئيس. وجمع ليس ألياس.
قال: وكانت خندف لما مات إلياس جزعت عليه، فلم تقم بحيث مات ولم يظلها بيت حتى هلكت سائحة. فضرب بها المثل، وقيل «حزن خندف.
وقال الشاعر:
/ 14/ فلو أنه أغنى لكنت كخندف ... على إلياس حتى أعجبت كل معجب
إذا مونس لاحت خراطيم شمسه ... بكت غدوة حتى يرى الشمس تغرب
وكان موته يوم الخميس. فكانت تبكي كل خميس من غدوة إلى الليل.
وقال الشاعر:
لقد عصت خندف من نهاها ... تبكي على إلياس فما أباها
59- فولد إلياس بن مضر:
عمرو بن إلياس- وبه كان يكنى، وهو مدركة- وعامر بن إلياس وهو طابخة، وعمير بن إلياس، وهو قمعة.
وأمهم خندف. واسمها ليلى بنت حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ.
60- وروى عباس، عن أبيه، عن جده وغيره، قالوا:
ندت إبل إلياس، فدعا بنيه فقال لعمرو: إني طالب إبلي في هذه الجهة، فاطلبها يا عمرو في هذه الجهة الأخرى. وقال لعامر: التمس لي صيدا، وأعدد لنا طعاما. فتوجه إلياس وعمرو ابنه في بغاء الإبل. وقالت ليلى لإحدى جاريتيها، وكانت لها جاريتان يقال لإحداهما ضبع وللأخرى نائلة: أخرجي في طلب أهلك
__________
[1] ديوانه ق 11، مصراع 103- 104 (حيث في آخره: في اليوم اصطبر) .
في الأصل عندنا «أليس نمشي» .(1/32)
فاعرفى خبرهم واستخفيها [1] (من) المتطلع إلى علم خبر زوجها. فخرجت فتباعدت من الحواء مهرولة. وجاء عامر محتقبا صيدا. فقال لنائلة: قصي أثر مولاتك [2] . فلما ولت، قال: تقرصفي (أي: أسرعى. والقرصافة، الخذروف. يقول: كوني كالحذروف في السرعة) . ولم يلبثوا أن جاء الشيخ، وعمرو ابنه، وقد رد الإبل على أبيه، وتوافوا جميعا. فلما وضع الطعام بين أيديهم، قال إلياس: السليم لا ينام ولا ينيم. يقول: من نابه أمر، لم يستقر حتى يقضي اهتمامه به. (والسليم:
اللديغ) فقالت ليلى امرأته: والله إن زلت أخندف في طلبكم والهة (والخندفة:
الهرولة) . فقال إلياس: فأنت [3] خندف. فغلب اللقب على اسمها. فقال عامر:
لكني والله لم أزل في صيد وطبخ حتى جئتم. قال: فأنت [4] طابخة. وقال عمرو:
والذي فعلت أفضل، لم أزل بحداء في طلب الإبل حتى أدركتها ورددتها.
قال: فأنت [5] مدركة. وقالت نائلة: أنا قصصت أثر مولاتي حتى أشرفت على الموت. قال: فأنت قاصة. وقالت ضبع: وأنا التي تقرفصت لا أتلي.
قال: فأنت قرصافة. لكنك يا عمير انقمعت في البيت، فأنت قمعة. فغلبت هذه الألقاب على أسمائهم.
61- قال هشام، وقال الشرقي بن القطامي:
خرج إلياس منتجعا، ومعه أهله وماله. فدخلت بين إبله أرنب، فنفرت الإبل. فخرج عمرو بن إلياس في طلبها، فأدركها. فسماه أبوه «مدركة» .
وخرجت ليلى خلف ابنها مهرولة، فقال الشيخ: ما لك إلى أين تخندفين [6] ؟
فسميت «خندف» . وخرج عامر في طلب الأرنب، فصادها وطبخها. فقال له أبوه: أنت طابخة. ورأي عميرا قد انقمع في المظلة، فهو يخرج رأسه منها، فقال له: أنت قمعة.
__________
[1] خ: استحقها.
[2] خ: مولايك.
[3] خ: فابت.
[4] خ: فابت.
[5] خ: فابت.
[6] خ: ابن متخندفين.(1/33)
62- قال هشام: وذكروا أن إلياس بن مضر قال لولده:
يا عمرو قد أدركت ما طلبتا [1] ... وأنت قد أنضجت ما طبختا [2]
وأنت قد أسأت إذ قمعتا [3]
ويقال إن قمعة بن خندف من غير إلياس.
63- وقال الكلبي وشرقي:
لما مات نزار، قال ربيعة- وكان أسن من مضر-: ينبغي لنا أن نصير إلى الملك ليعرف مواضعنا، ويجعل الرئاسة لمن رأى منا. فقال مضر: يحتاج في الوفادة إلى مؤنة، وأنا أتكلفها. ثم نفذ فسبقه ربيعة، فوفد قبله. ثم قدم مضر بعده، وقد أنس ربيعة بالملك. ثم قدم مضر وهو منقبض. فعلم أن ربيعة قد مكر به. فأمر الملك أن يسألا حوائجهما. فقال مضر: أنا أسأل الملك أن لا يأمر لي بشيء إلا أمر لربيعة بضعفه، فإنه أسن مني. فقال: ذاك لك. فقال: أسألك أن تأمر بقلع عيني وقلع عينيه جميعا. فضحك الملك وقال:
لا بل أجيزكما. فأجاز مضر بشيء، وأعطى ربيعة مثله، لم يزده.
وقوم يروون [4] أن ربيعة/ 15/ كان أعور، فسأل مضر قلع عينيهما، فخرج ربيعة أعمى ومضر أعور. وهذا باطل.
64- وذكر أبو اليقظان، [أنه روَى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال:
أول من بحر البحيرة، وسيب السائبة، وحمى الحام (ى) [5] وغير دين إبراهيم عليه السلام عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف.] قال أبو اليقظان. وعمرو هو أبو خزاعة. وقال بعضهم: درج قمعة بن اليأس، فلا عقب له.
__________
[1] ص: طلبنا، طبخنا، قمعنا. والتصحيح عن تأريخ الطبرى، ص 1108 (حيث في الأخير: أسأت وانقمعتا) .
[2] ص: طلبنا، طبخنا، قمعنا. والتصحيح عن تأريخ الطبرى، ص 1108 (حيث في الأخير: أسأت وانقمعتا) .
[3] ص: طلبنا، طبخنا، قمعنا. والتصحيح عن تأريخ الطبرى، ص 1108 (حيث في الأخير: أسأت وانقمعتا) .
[4] خ: ويوم يرون.
[5] راجع القرآن، المائدة (5/ 103) .(1/34)
65- وحدثني مُحَمَّد بْن حبيب مولى بني هاشم، عَن مُحَمَّد بْن الأعرابي، عَنِ المفضل الضبي أَن قمعة بن إلياس تزوج وولد له، ثم غاضب إخوته، فأتى اليمن وحالف الأزد، وانتسب فيهم.
66- فولد مدركة
- واسمه عمرو، ويكنى أبا الهذيل- خزيمة (وهذيلا) [1] .
ويقال إن خزيمة بن مدركة، وهذيل بن مدركة، وأمهما سلمى بنت أسلم ابن الحاف بن قضاعة. وقال بعضهم: هند بنت منصور بن يقدم بن إياد.
والأول أصح وأثبت.
67- فولد خزيمة بن مدركة
- ويكنى أبا الأسد- كنانة (وأمه عوانة بنت سعد بن قيس بن عيلان بن مضر. ويقال: هند بنت عمرو بن قيس بن عيلان) ، وأسد، وأسدة (وهو رجل) ، وعبد الله، والهون بنى [2] خزيمة.
وأمهم برة بنت مر بن أد بن طابخة، أخت تميم بن مر. وقال هشام بن الكلبي وغيره، والله أعلم: إن خزيمة لما تزوج برة (و) وهبت إليه، قالت: «إني رأيت رؤيا رأيت كأني ولدت غلامين من خلاف، وبينهما ... [3] فبينا أنا أتأملهما إذا أحدهما أسد، وإذا الآخر قمريزهر.» فأتى خزيمة كاهنة، يقال لها سرحة، فقص الرؤيا عليها. فقالت: «لئن صدقت رؤياها، لتلدن منك غلاما يكون له ولأولاده نفوس باسلة، وألسن سائلة، ثم لتموتن عنها فيتزوجها ابنك من بعدك، فتلد له ولدا ويكون لولده عدد وعدد، وقروم مجد، وعز إلى آخر الأبد.» فولدت له أسدا. ثم خلف عليها كنانة، فولدت له النضر وإخوته منها. ورأى كنانة، وهو قائم في الحجر، قائلا يقول: اختر أبا النضر، منى الصهيل والهذر، أو عمارة الجدر، وعز الدهر» فقال: «كلا أسأل ربى» . قضى هذا كلهم [4] لقريش.
__________
[1] لا بد من الزيادة
[2] خ: بن.
[3] خ: «ساييا» ولم نصل إلى صوابه
[4] كذا في الأصل لعله: فقضى هذا كله لقريش.(1/35)
68- وقال هشام بن الكلبى: دخل بنو أسد (ة) [1] بن خزيمة في بنى أسد ابن خزيمة، وكانوا قليلا. وقوم يقولون: إن أسدة درج. ونساب مضر يقولون:
إن أسدة هذا أبو جذام، وأن ولده غاضبوا إخوته، فأخرجوهم. فأتوا الشام، وحالفوا لخما، وقالوا: جذام بن عدى أخو لحم بن عدي. وقال بشر بن أبي خازم الأسدي:
صبرنا عن عشيرتنا فبانوا ... كما صبرت خزيمة عن جذام
وكانوا قومنا فبغوا علينا ... فسقناهم إلى البلد الشامي
وقال الكميت بن زيد الأسدى:
وأم جذام كان عيار قوم ... على قوم وعطف ذوي العقول
ألجتهم مباعدة وكانوا ... بني الهواس في الظلم المصول
فباتوا من بنى أسد عليهم ... فجاز من خزيمة ذي القبول
وقال أبو اليقظان البصري: رد مروان بن محمد جذام في أيامه إلى بني أسد. فقال القعقاع الطائي:
ما كنت أحسب أن يمتد بي أجلي ... حتى تكون جذام في بني أسد
فأصبحت فقعس تدعى إمامهم ... يا للرجال لريب الدهر ذي العدد
والبيض لحم وكانوا أهل مملكة ... شم العرانين لا يسقون من ثمد
69- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جده، قال:
قام روح بن زنباع الجذامي مقاما انتمى فيه إلى خزيمة بن مدركة، ودعى جذام إلى الدخول في بني أسد. فبلغ ذلك نائل بن قيس بن زيد بن حيا (ن) [2] الجذامي، فأقبل مسرعا وهو يقول: أين هذا الفاجر الغادر روح بن زنباع؟
فقيل: ههنا. فرد عليه قوله. وكان نائل شيخا، وروح شابا. وجعل يقول
__________
[1] خ: أسد
[2] خ: حيا، والتصحيح عن جمهرة ابن الكلبى(1/36)
أتعرف هذا النسب؟ نحن بنى (بنو؟) قحطان وفرق إلياس.
70- وقال بعض بني أسد: ولد أسد بن [1] خزيمة: عمرا [2] . فولد عمرو: جذاما، ولخما، وعاملة. فقال أبو السماك الأسدي:
/ 16/ أبلغ جذاما ولخما إن لقيتهم ... والقوم ينفعهم علم الذي علموا
إنا نذكركم بالله أن تدعوا ... أباكم حين جد القوم واعتزموا
لا تدعوا معشرا ليسوا بإخوتكم ... حتى الممات وإن عزوا وإن كرموا
وقالت امرأة من بني أسد:
نظرت نحو جارتيها [3] وقالت ... ليتني قد رأيت قومي جذاما
قد أرانا ونحن حىّ تهامو ... ن جميع مطنبون الخياما
ثم شطت دياركم بعد قرب ... فإليكم يا قوم أهدى السلاما
71- وكان خزيمة الذي نصب هبل على الكعبة. فكان ذلك الصنم ينسب إليه، فيقال: «هبل خزيمة» .
72- وولد كنانة بن خزيمة:
النضر،
(واسمه قيس، وإنما سمي النضر لجماله ونضارة وجهه. وكان كنانة يكنى أبا قيس. ويقال أبا النضر) ، ونضير بن كنانة، ومالك، وملكان. وغير الكلبي يقول: ملكان، وعامر، وعمرو، والحارث، وسعد، وعوف، وغنم، ومخرمة، وجرول، وغزوان [4] ، وجذال وهم باليمن، ليسوا في قومهم- وعبد مناة.
فأما أم النضر، ونضير، ومالك، وملكان، وعامر، وعمرو، والحارث، وسعد، وعوف: فبرة بنت مر بن أد. خلف عليها بعد أبيه نكاح مقت.
__________
[1] خ: من
[2] خ: عمروا
[3] كذا في الأصل، لعله «جارتها»
[4] كذا مشكلة، وفي جمهرة ابن الكلبى: عروان (بالعين والراء المهملتين) .(1/37)
وأما أم عبد مناة فهي الذفراء. واسمها فكهة بنت هنى بن بلىّ بن قضاعة.
وسميت الذفراء لطيب ريحها. وأما الباقون، فأمهم، فيما ذكر لي بعض العدويين، من قضاعة. وكان هذا العدوي يقول: هو ملكان بن كنانة.
74- وقال الكلبي: وأخو عبد مناة لأمه، علي بن مسعود بن مازن الغساني.
فتزوج عبد مناة هند بنت بكر بن وائل، فولدت له. ثم مات، فخلف عليها علي بن مسعود، فولدت له نفرا. وحضن علي ولد عبد مناة، فغلب على نسبهم، وساروا في بني علي قال أمية بن أبي الصلت [1] :
لله دَرُّ بني عليّ ... أيّمٌ منهم وناكح
قال ابن الكلبي: فوثب مالك بن كنانة على علي بن مسعود فقتله. فوداه أسد بن خزيمة.
[4- من النضر بن كنانة إلى قصي بن كلاب]
75- وولد النضر بن كنانة:
مالك، ويخلد. وبه كان يكنى النضر. وهم في بني عمرو بن الحارث بن مالك بن كنانة. وقال هشام بن محمد: كان للنضر ابن [2] يقال له الصلت، فدرج فيما يقول أكثر العلماء. وأمه وأم مالك ويخلد:
عكرشة بنت عدوان- وهو الحارث- بن عمرو بن قيس عيلان. قال: وقوم من خزاعة يذكرون أنهم من بني الصلت بن النضر: منهم رهط كثير، صاحب عزة، بن عبد الرحمن. قال كثير [3] :
أليس أبي بالنضر أم ليس إخوتي ... بكل هجان من بني النضر أزهرا
إذا ما قطعنا من قريش قرابة ... فأي قسى يحمل النبل ميسرا
فإن لم تكونوا من بني النضر فاتركوا ... أراكا بأذناب الفوائح أخضرا
__________
[1] ليس في ديوانه المطبوع ولكن ذكره الطبرى، ص 1106، ومصعب الزبيري، ص 10.
[2] خ: النضر ابن
[3] ديوانه ق 1، ب 19- 20. راجع أيضا مصعبا الزبيري، ص 11، ابن هشام، ص 61 (خ في الثالث: لم يكونوا- القرائح)(1/38)
و «ميسرة» أبو علقمة، رجل منهم.
76- قال هشام: ولا أعرف لقول من زعم: «أن الصلت يجمع خزاعة» وجها، ولم أر عالما إلا منكرا لذلك. ورأيت أبى و (ال) شرقى يثبتان أن الصلت بن النضر درج.
77- وقال بعض الشعراء يرد على كثير وهو مولى لخزاعة [1] .
سيأتي بنو عمرو عليك وينتمي ... بهم نسب في جذم غسان معرق
فإنك لا عمرا أباك لحقته ... ولا النضر إذ ضيعت شيخك تلحق
فأصبحت كالمهريق فضلة مائه ... لجاري سراب بالفلا يترقرق
78- وقال بعض الرواة: كان النضر قد قتل أخاه لأمه، فوداه مائة من الإبل من ماله. فهو أول من سنها.
79- وولد مالك بن النضر
- ويكنى أبا الحارث- فهر بن مالك (وفهر جماع قريش) ، والحارث، درج. وأمهما جندلة بنت عامر بن الحارث بن مضاض الجرهمي.
80- فولد فهر بن مالك
/ 17/ غالب بن فهر- وبه كان يكنى- وأسد، وعوف، وجون، وذئب درجوا، والحارث بطن، ومحارب بطن- وهما في قريش الظواهر كانوا ينزلون ظواهر مكة، وقيس بن غالب- وأمهم ليلى بنت الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة. والظواهر بنو معيص بن عامر ابن لؤي، وبنو تيم الأدرم بن غالب، وبنو محارب بن فهر، وبنو الحارث ابن فهر إلا بني هلال بن أهيب، وهم رهط أبي عبيدة بن الجراح، وإلا رهط عياض بن عبد غنم، وبنى البيضاء. وباقو [2] قريش هم قريش البطاح.
وكانت قريش الظواهر تغزوا وتغير. وتسمى قريش البطاح «الضبّ» للزومها
__________
[1] راجع ديوان كثير تحت ق 1، ب 23- 25، وأيضا مصعبا الزبيري، ص 12 حيث عزاها إلى عبد العزيز بن وهب. ويوجد عندهم اختلافات في الرواية. (خ في الثالث: جارى شحار- وبالهامش: سرار- بالملاء يتزقزق)
[2] خ: باقوا(1/39)
الحرم. ودخل بنو حسل بن عامر مكة بعد، فصاروا مع قريش البطاح.
وهم رهط سهيل بن عمرو وإخوته. فأما من دخل في العرب من قريش فليسوا من هؤلاء ولا هؤلاء.
81- قال المدائني: قال مالك لابنه فهر:
رب صورة تخالف الخبر ... قد غرت بجمالها المختبر [1]
قبيح فعالها فاحذر ... الصورة واطلب الخبر
ولا تدبر أعجاز الأمور فتفجر
82- فولد غالب بن فهر
- ويكنى أبا تيم- لؤي بن غالب، وتيم بن غالب وهو الأدرم وكان ناقص الذقن، وهم بطن، وهم من قريش الظواهر أيضًا، وقيس بن غالب، درجوا. وكان آخر من بقي منهم رجل هلك في زمن خالد ابن عبد الله القسري في ولايته مكة من قبل الوليد [2] بن عبد الملك بن مروان.
فبقي ميراثه لا يدري من إخوته. وأم بني غالب: عاتكة بنت يخلد بن النضر.
وهي إحدى العواتك اللاتي ولدن النبي صلى الله عليه وسلم. ويقال بل أمهم سلمى بنت عَمْرو بْن ربيعة بْن حارثة، من خزاعة.
83- ولبني [3] الأدرم بن غالب يقول الشاعر:
إن بني الأدرم ليسوا من أحد ... ليسوا إلى قيس وليسوا من أسد
ولا توفاهم [4] قريش في العدد
84- وحدثت أن قريش الظواهر كانوا يفخرون على قريش البطاح لظهورهم للعدو، ولقائهم المناسر [5] . وقال ضرار بن الخطاب:
__________
[1] خ: اختبر
[2] في جمهرة ابن الكلبى، 5/ الف: في خلافة هشام
[3] خ: وابنى الأدرم
[4] خ: توقاهم
[5] هي طلائع الجيوش(1/40)
نحن بنو الحرب العوان نسبها ... وبالحرب سمينا فنحن محارب
إذا قصرت أسيافنا كان وصلها ... خطانا إلى أعدائنا فنضارب
فذلك أفنانا وألقى قبائلا ... سوانا توفتهم قراع البطاح الكتائب
85- وروى أن لؤي بن غالب قال: من رب معروفه لم يخلق ولم نحمل، وإذا أحمل الشيء لم يذكر، وعلى من أولي معروفا نسره تصغيره وطيه [1] .
86- وولد لؤي بن غالب
- وكنية لؤىّ أبو كعب- كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي، وسامة بن لؤي- وأمهم ماوية بنت كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ جِسْرِ بْنِ شيعِ الله بن أسد بْنِ وَبْرَةَ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عمران بن الحاف بن قضاعة- وعوف بن لؤي (وأمه الباردة بنت عوف بن تميم [2] بن عبد الله بن غطفان) ، وخزيمة بن لؤي بطن وهم عائذة قريش، وسعد بن لؤي بطن وهم بنانة، والحارث وهو جشم بطن. كان جشم عبدا للؤي حضنه فغلب عليه.
87- قالوا: وكان كعب عظيم القدر في العرب. فأرخوا بموته إعظاما له، إلى أن كان عام الفيل فأرخوا به. ثم أرخوا بموت عبد المطلب. وكان كعب يخطب الناس في أيام الحج، فيقول: «أيها الناس افهموا واسمعوا وتعلموا أنه ليل ساج، ونهار صاح، وإن السماء بناء، والأرض مهاد، والنجوم أعلام لم تخلق عبثا، فتضربوا عن أمرها صفحا. الآخرون كالأولين. والدار أمامكم، واليقين غير ظنكم. صلوا أرحامكم، واحفظوا أصهاركم، وأوفوا بعهدكم.
وثمروا أموالكم، فإنها قوام مرواتكم، ولا تصونوها عما يجب عليكم. وأعظموا هذا الحرم وتمسكوا به فسيكون له نبأ، ويبعث منه خاتم الأنبياء. بذلك جاء موسى وعيسى» . ثم ينشد [3] :
على فترة يأتي نبي مهيمن ... يخبر أخبارا عليما خبيرها
__________
[1] كذا في الأصل، وفي العبارة اضطراب.
[2] خ: غنم، وعند ابن الكلبى (5/ الف) : تميم بن عبد الله بن عفان.
[3] خ: ينسدوا.(1/41)
[عوف بن لؤىّ]
88/ 18/ قال هشام بن محمد: وأما عوف بن لؤي، فإن أمه مضت بعد موت أبيه إلى قومها من بني غطفان بن سعد بن قيس عيلان، وعوف معها.
فتزوجها سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان. فتبناه سعد. فقيل [1] عوف بن سعد. وولد لعوف بن لؤي: مرة. فقالوا: مرة بن عوف بن سعد ابن ذبيان بن بغيض. وكان بنو غطفان انتجعوا أرضا مخصبة. فخرجوا وتركوا عوفا في داره التي ارتحلوا عنها. فقال عوف: لو كنت من هؤلاء ما تركت هزيلا. فركب بعيره وهو يريد اللحاق بقريش بمكة، فمر به فزارة بن ذبيان ابن بغيض. فأخبرهم بما يريد أن يفعل. فقال فزارة [2] :
عرج علي ابن لؤي جملك ... خلفك القوم فلا منزل لك
ومضى به معهم. فكان عمر بن الخطاب يقول: لو كنت مدعيا حيا من العرب لادعيتهم.
89- وهرب الحارث بن ظالم المري من ملك الحيرة، حين أجار ملك الحيرة خالد بن جعفر بن كلاب، من بني عبس، فقتله الحارث وهو في جواره. فطلب وأتى عبد الله بن جدعان [3] مستجيرا به. وكانوا إذا خافوا فوردوا على من يستجيرون به، أو جاءوا لصلح، نكسوا رماحهم حتى طعنوا.
فقال الحارث بن ظالم [4] :
رفعت الرمح إذ قالوا قريش ... وشبهت الشمائل والقبابا
فما قَوْمي بثعلبة بْن سعد ... ولا بفزارة الشعر الرقابا
وقومي إن سألت بنو لؤي ... بمكة علموا مضر الضرابا
__________
[1] خ: فقتل
[2] ابن هشام، ص 64، الطبرى، ص 1106، جمهرة اين الكلبى، 5/ ب، وعندهم اختلافات الرواية.
[3] في أثناء المخطوطة كتب أحيانا «جدعان» وأحيانا «جذعان» بالذال المعجمة، وهما روايتان. فجعلناها بالمهملة في كل محل بدون تنبيه
[4] ابن هشام، ص 64، وزاد أبياتا، المحبر، ص 169، جمهرة ابن الكلبى، 5/ ب. (خ في الثانى: الشعرا رقابا)(1/42)
وكانت قباب قريش من آدم، لا يضربها غيرهم بمنى. وقال:
إذا فارقت ثعلبة بن سعد ... وإخوتهم نسبت إلى لؤي
إلى نسب كريم غير مزر ... وحىّ هم أكارم كل حي
فإن يغضب بهم نسبي فمنهم ... قرابين الإله بنو قصي
ويقال إن الحارث بن ظالم قدم على عبد الله بن جدعان بعكاظ، وهم يريدون حرب قيس. فلذلك نكس رمحه. ثم رفعه حين عرفوه، وأمن. ويوم عكاظ من أيام الفجار، وكان لقريش. وفيه يقول ابن الزبعرى [1] :
ألا لله قوم و ... لدت أخت بني سهم
هشام وأبو عبد ... مناف مدره الخصم
وذو الرمحين ناهيك ... من القوة والحزم
هم يوم عكاظ م ... نعوا الناس من الهزم
فهذان يذودان ... وذا من كثب يرمي
يعني هشام بن المغيرة المخزومي، وهاشم بن المغيرة ويكنى أبا عبد مناف.
وذو الرمحين أبو ربيعة بن المغيرة، قاتل في هذا اليوم برمحين. قال: وأقام الحارث بمكة، حتى أتاه أمان ملك الحيرة. ثم إنه قتل أيضا.
90- وقال غير الحارث بن ظالم ينكر أنهم من قريش:
ألا لستم منا ولا نحن منكم ... برئنا إليكم من لؤي بن غالب
أقمنا على دفع الأعادي وأنتم ... مقيمون بالبطحاء بين الأخاشب
يقال لجبال مكة الأخاشب والحباحب.
__________
[1] جمهرة ابن الكلبى، 30/ ب، (وزاد في آخرها ثلاثة أبيات. وقال في الثانى من أبياتنا هذه: «هشاما وأبا» . وفي الثالث: «وذا الرمحين» . راجع أيضا المحبر، ص 257- 258 مصعبا الزبيري، ص 300، العقد لابن عبد ربه، 3/ 111.(1/43)
[خزيمة بن لؤىّ]
91- قال: وأما خزيمة بن لؤي، فكان له من الولد: عبيد، وحرب.
فولد عبيد: مالك بن عبيد. فولد مالك: الحارث. وأمه عائذة بنت الخمس بن قحافة، من خثعم، فغلبت على جميع ولد خزيمة بن لؤي، فسموا عائذة قريش. وقد زعم بعض من لا علم له أن هذا البيت قيل في عائذة قريش:
فإن تصلح فإنك عائذي ... وصلح العائذي إلى فساد
والبيت لحسان بن ثابت الأنصاري، قاله في أبيات هجا بها بعض بنى عابد [1] بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم، ولم يكن لهم هجرة ولا سابقة [2] :
فإن تصلح فإنك عابدي ... وصلح العابدي إِلَى فساد
وإن تفسد فما ألفيت إلا ... لئيما لا تؤول إلى رشاد
/ 19/ وقال الأثرم، عن أبي عبيدة:
قال حسان هذا الشعر في رفيع بن صيفي بن عابد [3] ، (بدال غير معجمة) .
وقتل رفيع يوم بدر كافرا.
92- وكانت عائذة قريش في بني شيبان. وكان منهم، في بني محلم بن ذهل بن شيبان، خاصة بنو حرب بن خزيمة. فلما كانت خلافة عثمان، ألحقهم بقريش، وأنزل معاوية بني حرب هؤلاء قرية بالشام. فلم يزالوا بها، حتى إذا جاءت المسودة مروا بقريتهم. فقيل لهم: هذه قرية بني حرب. فظنوا أنهم بنو حرب بن أمية، فأغاروا عليهم فقتلوا أكثرهم [4] . فبقيتهم قليلة.
[بنو سعد بن لؤىّ]
93- وأما بنو سعد بن لؤي، فإنه يقال لهم بنانة. وبنانة أمهم. وهي أمة.
ويقال هي بنانة بنت القين بن جسر. ويقال هي أمة حضنت عليهم، فنسبوا
__________
[1] خ: عائذ. والتصحيح عن جداول وستنفلد.
[2] ديوان حسان، ق 126، ب 1- 2. (خ: عائذى) .
[3] خ: عايذ، (مع أنه كتب بعد ذلك: بدال غير معجمة) .
[4] خ: أكبرهم.(1/44)
إليها، وليست بأمهم. وكانت بنانة في بني شيبان. فقدموا على عُمَر بْن الخطاب رَضِيَ اللَّه تعالى عنه، فقال: لست أعرفكم. فقال عثمان: «رأيت رهطا منهم لقيهم أبي في الموسم، فقلت: من هؤلاء؟ فقال: قوم من قريش نأوا عنا.»
فقال لهم عمر: ارجعوا إلى قابل. فلما انصرفوا قتل سيدهم، وكان يكنى أبا الدهماء. فلم يرجعوا حتى قام عثمان [1] رضي الله تعالى عنه، فأتوه، فأثبتهم في قريش. فكانوا في البادية مع بني شيبان. وكتابتهم [2] في قريش. ومنهم نفر بالموصل. وفيهم يقول عَبْد الرَّحْمَن بْن حسان بْن ثابت [3] :
ضرب التجيبي المضلل ضربة ... ردت بنانة في بني شيبانا
والعائذي لمثلها متوقع ... ما لم يكن وكأنه قد كانا
يعني بالتجيبي كنانة بن بشر بن عتاب السكوني، أحد بنى تجيب.
[بنو الحارث بن لؤي]
94- وأما بنو الحارث بن لؤي، وهم جشم لأنه حضنهم عبد للؤي يقال له جشم.
فنسبوا إليه، وقيل بنو جشم. فكانوا زمانا في عنزة بْن أسد بْن ربيعة بْن نزار، ثم في بني هزان بن صباح، وهم أشراف عنزة. وقال جرير بن عطية بن الخطفي [4] .
بني جشم لستم لهزان فانتموا ... لفرع الروابي من لؤي بن غالب
ولا تنكحوا في آل ضور نساءكم ... ولا في شكيس بئس حي الغرائب
قال ابن الكلبي: هو شكس بن الأسود، واضطره الشعر فقال «في شكيس» . ويروى «شكيس» تصغير شكس. ويقال أيضا لبني الحارث هؤلاء «عقيدة» ، برجل منهم يقال له عقيدة بن وهب بن الحارث بن لؤي.
وقالت امرأة ناكح في بني جشم هؤلاء:
__________
[1] خ: عمر.
[2] خ: كنايتهم.
[3] المحبر، ص 169، السهيلي، 1/ 72 وعندهما في الثانى: لما يكن.
[4] ليس في ديوانه المطبوع ولكن راجع المحبر، ص 168، ابن هشام، ص 62، جمهرة ابن الكلبى، 5/ ب. (خ في الثانى: ينقص حي) .(1/45)
ألا إنني أنذرت كل غريبة ... بني جشم يا شرّ ما راى الغرائب
فإنكم من منصب تعلمون ... سوى أن يقولوا من لؤي بن غالب
فعودوا إلى هزان مولى أبيكم ... ولا تذهبوا في الترهات السباسب
وقال الشاعر:
بنانة في بني عوف بن حرب ... كما لز الحمار إلى الحمار
وعائذة التي تدعي [1] قريشا ... وما جعل النحيت إلى النضار
[سامة بن لؤي]
95- وأما سامة بن لؤي، فإنه وكعب بن لؤي أخاه جلسا على الشراب. ففقأ سامة إحدى عيني كعب، وخرج هاربا. فأتى عمان، فتزوج ناجية بنت جرم بن ربان- وهو علاف- بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قضاعة.
فيقال إن سامة ركب بعيرا له بعمان، وأرخى رأسه. فجعل يرعى. فوقع فم البعير على حشيشة تحتها [2] أفعى. فنهشته في مشفره، فنفضها. فوقعت على سامة، فنهشته في ساقه فقتلته. فقال الشاعر [3] :
عين بكي لسامة بن لؤي ... حملت حتفه إليه الناقه
عين بكي لسامة بن لؤي ... علقت ما بساقه العلاقة
96-/ 20/ قَالَ هِشَامٌ، فَأَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عِدَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ:
سَامَّةٌ حَقٌّ، أَمَّا الْعَقِبُ فَلَيْسَ لَهُ. قال هشام: وأما من ثبت العقب لسامة، فإنهم يقولون: كان له بمكة ابن يقال له الحارث، وأمه هند بنت تيم الأدرم [4] ، بن غالب. فماتت هند. فحمل الحارث معه إلى عمان.
وتزوج سامة ناجية بعمان، أو بسيف من أساف البحر، فولدت له غالب بن سامة. فهلك وهو ابن اثنتي عشرة سنة. وخلف الحارث على ناجية
__________
[1] خ: يدعا.
[2] خ: يحتها.
[3] ابن هشام، ص 63، وزاد أبياتا.
[4] خ: الأزدم.(1/46)
نكاح مقت، فعقب سامة منه. وقوم يقولون: كان لناجية ولد من غير سامة، وكان سامة متبنيا له. فنسب إليه. فالعقب لذلك الولد. وقال بعضهم: إن سامة شرب مع أخيه كعب. فرأى كعبا قد قبل امرأته. فأنف من ذلك، فهرب إلى عمان. فقال الشاعر في ذلك، وهو المسيب بن علس:
وقد كان سامة في قومه ... له أكل وله مشرب
فساموه خسفا فلم يرضهم [1] ... وفي الأرض (من) خسفهم مهرب
ومن قال إنه تزوج ناجية بنت جرم [2] بتهامة، فقد غلط.
97- فولد كعب بن لؤي
- وتكنى أبا هصيص- مرة بن كعب، وهصيص (وأمهما مخشية بنت شيبان بن محارب بن فهر) ، وعدي بن كعب (وأمه رقاش بنت ركبة بن بلبلة بْن كعب بْن حرب بْن تيم بْن سعد بن فهم بن عمرو ابن قيس بن عيلان) .
98- فولد مرة بن كعب
- وتكنى أبا يقظة [3]- كلاب بن مرة (وأمه هند بنت سرير بْن ثعلبة بْن الْحَارِث بْن مَالِك بْن كنانة) ، و (يقظة بن مرة، و) تيم بن مرة (وأمهما أسماء بنت سعد بن عدي بن حارثة، من [4] بارق من الأزد. وقال غير الكلبي: اسم أم كلاب: نعم بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث ابن مالك. وقول الكلبي أثبت.
99- فولد كلاب بن مرة
- وتكنى أبا زهرة- زيد بن كلاب وهو قصي،، وزهرة بن كلاب. وأمهما فاطمة بنت سعد بن سيل- وهو خير- بن حمالة ابن عوف بن غنم بن عامر الجادر، من الأزد. وبعضهم يقول حمالة، بالكسر-
__________
[1] خ: ترضهم.
[2] خ: «حزم» ، والتصحيح عن جمهرة ابن الكلبى.
[3] خ: يقطع.
[4] خ: بن.(1/47)
وقال هشام: يزعم بنو عبد الرحمن بن عوف أن اسم زهرة «المغيرة» ، وأن كلابا كان يكنى أبا المغيرة. وكان يقال «صريحا قريش ابنا كلاب» . وزعم هشام والشرقي أن عامر بن عمرو بن جعثمة بْن يشكر بْن مبشر بْن صعب بْن دهمان بن نصر [1] بن الأزد بنى جدار الكعبة وهي من سيل أتى في أيام ولاية جرهم البيت، فسمي الجادر. قال هشام: وذكر الشرقي بن القطامي أن الحاج كانوا يتمسحون بالكعبة، ويأخذون من طيبها وحجارتها تبركا بذلك، وأن عامرا هذا كان موكلا بإصلاح ما شعث من جدرها، فسمى الجادر. قالوا:
وكان سعد بن سيل وقومه مع بني كنانة. وفي سعد يقول الشاعر [2] :
ما أرى في الناس طرا رجلا ... حضر البأس كسعد بن سيل
فارس اضطر فيه عسرة ... وإذا ما وافق القرن نزل
وتراه يطرد الخيل كما ... يطرد الحر القطامي الحجل
وكان سعد بن سيل، فيما يقال، أول من حلى السيوف بالفضة والذهب.
وكان أهدى إلى كلاب مع ابنته فاطمة سيفين محليين. فجعلا في خزانة الكعبة.
وقال قصي:
أنا الذي أعان فعلي حسبي ... وخندف أمى واليأس أبى
[السبب في تسمية قصي]
100- قالوا: وإنما سمى زيد بن كلاب «قصيا» ، لأن ربيعة بن حرام بن ضنة بن عبد بن كبير بن عذرة بن سعد هذيم بْنِ زَيْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ سَوْدِ بْنِ أسلم بن الحاف بن قضاعة قدم مكة حاجا، فأقام بها. فلما مات كلاب ابن مرة، خلف على امرأته فاطمة بنت سعد بن سيل. وكانت قد ولدت لكلاب زهرة وزيدا، وكان زيد حين مات [3] أبوه صبيا صغيرا. ثم إن ربيعة خرج
__________
[1] خ: نضر (ولكن راجع ابن هشام، ص 67) .
[2] ابن هشام، ص 68 والمنمق لابن حبيب، ص 11، (مع اختلافات) .
[3] خ: رات.(1/48)
إلى/ 21/ بلاد قومه، وحمل فاطمة وزيدا ابنها معه. وتخلف زهرة بمكة.
فسمي زيد قصيا لبعده من دار قومه، وأنه أقصي عنهم. وولدت فاطمة لربيعة ابن حرام: رزاح بن ربيعة، وحن بن ربيعة. فهما أخوا قصي لأمه. ويقال إن أخا قصي لأمه منهما رزاح بن ربيعة، وإن حن بن ربيعة من امرأة سوى فاطمة. وإن قصيا خرج من بلاد عذرة حتى أتى مكة.
[سدانة الكعبة]
101- حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
لَمَّا بَلَغَ قُصَيٌّ، جَهَّزَتْهُ أُمُّهُ وَزَيَّنَتْهُ. فَخَرَجَ مَعَ حُجَّاجِ عُذْرَةَ، حَتَّى أَتَى مَكَّةَ.
فَعَرَفَتْ لَهُ قُرَيْشٌ قَدْرَهُ وَفَضْلَهُ، وَأَعْظَمَتْهُ حَتَّى أَقَرَّتْ لَهُ بِالرِّئَاسَةِ وَالسُّؤْدُدِ.
وَكَانَ أَبْعَدَهَا رَأْيًا، وَأَصْدَقَهَا لَهْجَةً، وَأَوْسَعَهَا بَذْلا، وَأَبْيَنَهَا عَفَافًا. وَكَانَ أَوَّلُ مَالٍ أَصَابَهُ مَالَ رَجُلٍ قَدِمَ مَكَّةَ بِأَدَمٍ كَثِيرٍ، فَبَاعَهُ. وَحَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، وَلا وَارِثَ لَهُ. فَوَهَبَهُ لَهُ، وَدَفَعَهُ إِلَيْهِ. وَكَانَتْ خُزَاعَةُ مُسْتَوْلِيَةً عَلَى الأَبْطَحِ وَالْبَيْتِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُحِلُّ الشِّعَابَ وَالْجِبَالَ وَأَطْرَافَ مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا. فَخَطَبَ قُصَيٌّ إِلَى حَلِيلِ بْنِ حَبَشِيَّةَ بْنِ سَلُولِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ، وَهُوَ لِحَيِّ، ابْنَتِهِ حُبَيِّ بِنْتِ حَلِيلٍ. فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا. وَكَانَ حَلِيلٌ يَتَوَلَّى أَمْرَ الْبَيْتِ، وَيَتَقَلَّدُ رِئَاسَةَ خزاعة يومئذ. فلما كبر وضعف، دفع مَفَاتِيحَ الْكَعْبَةِ إِلَى ابْنَتِهِ حُبَيّ.
فَكَانَتْ تَأْمُرُ قُصَيًّا بِفَتْحِهَا مَرَّةً، وَتَأْمُرُ أَخَاهَا الْمُخْتَرِشَ- وَهُوَ أَبُو غَبْشَانَ بْنُ حَلِيلٍ- بِذَلِكَ أُخْرَى. ثُمَّ مَاتَ حَلِيلٌ، وَصَارَتِ الرِّئَاسَةُ إِلَى ابْنِهِ الْمُخْتَرِشِ.
فَسَأَلَ قُصَيٌّ أَنْ يَجْعَلَ سَدَانَةَ الْبَيْتِ إِلَيْهِ، ففعل. قال هشام: ويقال إنّ حليل ابن حبشية أوصى لقصي بسدانة البيت إكراما لأبنته بذلك. ويقال إن قصيا [1] سأل المخترش أن يجعل إليه السدانة، وبذل له ناقة كانت له ناجية، وزاده زق خمر. فصيرها إليه. وأن المخترش كان مضعوفا.
102- قالوا: ولما أخذ قصي مفاتيح الكعبة إليه، أنكرت خزاعة ذلك، وكثر كلامها فيه. وأجمعوا على محاربة قصي وقريش، وطردهم من مكة وما والاها.
__________
[1] خ: حليلا.(1/49)
فبادر قصي باستصراخ رزاح بن ربيعة وأخيه حن بن ربيعة. وكان رزاح سيد قضاعة وقائدها. فسار إليه منجدا له في الدهم منها، ومعه أخوه حن.
فقاتل قصي خزاعة وألفافها من كنانة ومن ولد الربيط [1] وهو الغوث بن مر [2] بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر. فلما ظهر قصي على خزاعة، أخرجها من مكة وأدخلها قريشا وقسمها رباعا بينهم، وتولى أمر البيت. وقد كان أبقى على خزاعة بعض الإبقاء للصهر بينه وبينهم. فلما خرجوا عن مكة، وقع فيهم الوباء فمات بشر منهم. وسمى قصي مجمعا لجمعه قريشا وقيامه بأمرهم.
103- ويقال إن قصيا لم يحتج إلى محاربة خزاعة، لأن رزاحا لما ورد مكة، أذعنت لقصي وهابت حربه، وخرجت عن مكة، فدخلها. قال حذافة بن غانم بن عامر القرشي [3] :
أَبُوكم قصيُّ كَانَ يدعى مُجَمِّعًا ... بِهِ جمع اللَّه القبائلَ من فِهر
وأنتم بنو زَيْد وزيد أبوكم ... بِهِ زيدت البطحاءُ فخرًا عَلَى فخر
وقال رزاح حين أنجد قصيا:
وإني في الحياة أخو قصي ... إذا ما نابه ضيم أبيت
فما لبثت خزاعة أن أقرت ... له بالذل لما أن أتيت
104- وَحَدَّثَنِي عَلِي بْن المغيرة الأثرم، عَنْ مَعْمَر بن المثنى أبي عبيدة، قال:
كان الذي أخذ قصي البيت منه أبو غبشان. واسمه سليم بن عمرو بن بوىّ ابن ملكان. والأول أصح وأثبت.
قال أبو عبيدة: قال الناس: أخسر من صفقة أبي غبشان وقال/ 22/ الشاعر:
__________
[1] في جمهرة ابن الكلبى (60/ الف) : «والغوث بن مر، وهو الربيط، وهو صوفة كانت أمه نذرت، وكان لا يعيش لها ولد: لئن عاش، لتربطن برأسه صوفة ولتجعلنه ربيط الكعبة. ففعلت، وجعلته خادما للبيت حتى بلغ. ثم نزعتها. فسمى الربيط.
[2] خ: مرة.
[3] ابن هشام، ص 80، السهيلي، 1/ 87، جمهرة ابن الكلبى، 6/ الف، الطبرى، ص 1095 (وقال: لمطرود أو حذافة بن غانم) . راجع أيضا الفقرة 127 أدناه.(1/50)
أبو غبشان أظلم من قصي ... وأظلم من بني فهر خزاعه
فلا تلحوا [1] قصيا في شراه ... ولوموا شيخكم إذ كان باعه
[تولية خزاعة الحجابة]
105- وحدثني رجل من قريش أن إيادا ملكت تهامة. ثم إن ولد مضر وخزاعة قويت عليها، فأخرجتها. فدفنت إياد الركن. وعرفت موضعه امرأة من خزاعة، فقالت لقومها: خذوا عليهم العهد أن يولوكم حجابة البيت على أن تدلوهم على الركن. ففعلوا. فبهذا السبب وليت خزاعة الحجابة.
106- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن ابن خربوذ وغيره، قالوا: كانت قريش قبل قصي تشرب من بئر حفرها لؤي بن غالب خارج مكة، ومن حياض ومصانع على رؤوس الجبال، ومن بئر حفرها مرة بن كعب مما يلي عرفة. فحفر قصي بئرا سماها العجول. وهي أول بئر حفرتها قريش بمكة. وفيها يقول بعض رجاز الحاج:
تروي على العجول ثم تنطلق ... إن قصيا قَدْ وفى وقد صدق
بالشبع للناس وري مغتبق [2]
وقال آخر:
آب الحجيج طاعمين دسما ... أشبعهم زيد قصي لحما
ولبنا محضا وخبزا هشما
وكان قصى ربما أطعم الثريد.
[الرفادة]
107- وقال ابن الكلبي: لما قسم قصي مكة، أنزل جميع قريش مكة. ثم إن بني كعب بن لؤي لما كثروا، أخرجوا بطونا من قريش إلى ظواهر مكة، فسموا قريش الظواهر. ويقال إن قصيا أنزل قريش البطاح داخل مكة، وأنزل قريش الظواهر مكانهم.
__________
[1] أى لا تشتموا. (وفي الأصل بعده: ولوموا قبيحكم) .
[2] خ: معتبق.(1/51)
108- قالوا: ولما قسم قصي مكة خططا ورباعا بين قريش، فاتسقت له طاعتهم، قال لهم: «يا معشر قريش، إنكم جيران الله وسكان حرمه، والحاج ضياف الله وزوار بيته، فترافدوا، حتى تصنعوا [1] لهم طعاما وشرابا في أيام الحج، ينال منه من يحتاج إليه، فلو اتسع مالي لجميع ذلك، لقمت فيه دونكم» .
ففرض خرجا للرفادة. فكانوا يخرجونه، ويأمر بإنفاقه على طعام الحاج وشرابهم.
[دارالندوة]
109- وبني قصي داره، فسميت دار الندوة لأنهم كانوا ينتدون فيها فيتحدثون ويتشاورون في حروبهم وأمورهم، ويعقدون الألوية، ويزوجون من أراد التزويج. وكان أمر قصي عند قريش دينا يعملون به ولا يخالفونه. ولما مات، دفن بالحجون. فكانوا يزورون قبره ويعظمونه.
110- وروي أن قصيا قال حين أراد إدخال قريش مكة [2] :
فلست بحازم إن لم تأثّل ... بها أولاد قيدر والنبيت
يعني ولد إسماعيل عليه السلام. وقوله «بها» ، يعنى مكة.
[5- من قصي بن كلاب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم]
111- وولد قصي
- ويكنى أبا المغيرة- عبد مناف، واسمه المغيرة، وكان يدعى «القمر» لجماله. وجعلته أمه حبى بنت حليل خادما لمناف، وهو أعظم أصنامهم عندهم، تدينا بذلك وتبركا به. فسماه أبوه «عبد مناف» . وزعموا أنه وجد كتاب في حجر: «أن المغيرة بن قصي أوصى قريشا بتقوى الله ووصلة الرحم» وكان عبد مناف وعمرو بن هلال بن معيط الكناني عقدا حلف الأحابيش.
والأحابيش بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وبنو المصطلق من خزاعة، وبنو الهون بن خزيمة وكانوا مع قريش. فقال الشاعر:
إن عمرا وإن عبد مناف ... جعلا الحلف بيننا أسبابا
وعبد الله بن قصي، وهو عبد الدار، وعبد العزى، وعبد قصى. وأمهم
__________
[1] خ: صنعوا.
[2] ابن هشام، ص 82 وزاد أبياتا، الطبرى، ص 1116. (خ: لم تامل) .(1/52)
جميعا حبى بنت حليل بن حبشية بن سلول الخزاعي. فكان قصي يقول: ولد لي أربعة بنين، فسميت ابنين منهم بإلهى، وواحدا بداري، وواحدا بي. وكان يقال لعبد بن قصي عبد قصي. وهند بنت قصي، تزوجها عبد الله بن عمار الحضرمي.
112- وكان قصي شديد الحب لعبد الدار. وكان/ 23/ عبد الدار مضعوفا.
فجعل له بعده دار الندوة، والحجابة، واللواء، والرفادة، والسقاية. فأما دار الندوة فلم تزل له ولولده، حَتَّى باعها عكرمة بْن عَامِر بْن هاشم بن عَبْد مناف بن عبد الدار، من [1] معاوية بْن أَبِي سُفْيَان، فجعلها دارا للإمارة بمكة. وأما الحجابة، فكانت له، ثم صارت بعده إلى عثمان بن عبد الدار، ثم إلى عبد العزى بن عثمان، ثم إلى ابنه أبي طلحة واسمه عبد اللَّه بن عبد العزى، ثم إلى طلحة بن أبي طلحة. فَلَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةُ، أراد دفع المفتاح إلى عمه العباس. فأنزل الله عليه: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها» الآية [2] . فدفع المفتاح إلى عُثْمَان بن (طلحة بن) [3] أبي طلحة، وكان أسلم في صفر سنة ثمان، وأقام بالمدينة وغزا مع النبي صلى الله عليه وسلم مكة. ثم قام بالحجابة ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة. فالحجابة فيهم.
وأما اللواء، فإنه لم يزل في بني عبد الدار حتى كان لواء المشركين يوم بدر مع طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بن عثمان بن عبد الدار، وكان لواء رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع مصعب الخير بن عمير بن هاشم بن عبد مناف ابن عبد الدار بن قصي. وكان لواء المشركين يوم أحد أيضا مع طلحة بن أبي طلحة، فقتله عَلِي بْن أَبِي طَالِب عَلَيْهِ السَّلام، فَقَالَ الحجّاج بن علاط [4] :
__________
[1] خ: عبد الدار بن معاوية.
[2] القرآن، النساء (4/ 58) .
[3] الزيادة عن ابن هشام.
[4] ابن هشام، ص 626 (خ في الأول: «عزرمة» بدل «عن حرمة» . وفي الثالث «يهون أعول» ) .(1/53)
لله در مذبب عن حرمة ... أعني ابن فاطمة المعم المخولا
جادت يداك لهم يعاجل طعنة ... تركت طليحة للجبين مجدلا
وشددت شدة بازل فكشفتهم ... بالسيف إذ يهوون أخول أخولا
وعللت سيفك بالدماء ولم تكن ... لترده حران حتى ينهلا
ثم أخذ اللواء بعده أخوه أبو سعد بن أبي طلحة، وقمن النساء خلفه وهن يقلن:
ضربا بني عبد الدار ... ضربا حماة الأدبار
فقتله سعد بن أبي وقاص. ثم أخذه عثم [1] بن أبى طلحة، وهو أبو «شيبة ابن عثمان» ، وجعل يَقُول [2] :
إِن عَلَى كُل رئيسٍ حقًا ... أَن يَخْضِبَ الصعدة أو تندقا
فقتله حمزة بْن عَبْد المطلب رَضِي اللَّه تَعَالى عنه، ضربه ضربة بدا منها حقوه. ثم رجع وهو يقول: «أنا ابن ساقي الحجيج» . ثم حمله مسافع بن طلحة بن أبي طلحة، فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري. ثم أخذه أخوه الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة. فرماه عاصم بن ثابت الأوسي أيضًا، فقتله. فلما أحس بالموت، دفع اللواء إلى أخيه كلاب بن طلحة بن أبي طلحة، فرماه قزمان حليف بني ظفر من الأنصار فقتله. فأخذه الحارث.
ابن طلحة بن أبي طلحة، فقتله قزمان أيضا. وكان قزمان منافقا، فقاتل حمية.
ثم أخذ شرحبيل بن هاشم، ويقال هو عَبْد شرحبيل بن هاشم بن عَبْد مناف ابن عبد الدار، فقتله مصعب بن عمير. فأخذ اللواء منه زرارة بن عمير بن هاشم ابن عبد مناف بن عبد الدار، وبعضهم يقول يزيد بن عمير. فقتله قزمان.
ثم أخذه قاسط بن شريح بن عُثْمَان بن عَبْد الدار، ويقال قاسط بن شريح
__________
[1] كذا في الأصل، ولم يرد إلا «عثمان» ، كما يدل سياق الكلام.
[2] ابن هشام، ص 567، ابن سعد، 2 (1) / 28 مع اختلافات الرواية.(1/54)
ابن هاشم بن عثمان بن عبد الدار. فقتله قزمان. ثم أخذه مولى لهم، يقال له صواب، حبشي. فقطعت يمينه، قطعها قزمان. فأخذه بيساره، فقطعت.
فالتزم القناة وهو يقول: «أعذرت يا بني عبد الدار» . يريد أعذرت يا بني عبد الدار، وكان أعجميا. فرماه قزمان، فقتله. ووقع اللواء، وتفرق المشركون. فأخذته عمرة بنت الحارث بن علقمة بن زرارة بن عبد مناف بن عبد الدار. فقال فيه حسان بن ثابت الأنصاري [1] :
/ 24/ عمرة تحمل اللواء وولت ... عن صدور القنا بنو مخزوم
لم تطق حمله الزعانف منهم ... إنما يحمل اللواء الكريم
فلما أسلم بنو عبد الدار، قالوا: يا نبي الله، اللواء إلينا. [فقال صلى الله عليه وسلم: الإسلام أوسع من ذلك.] فبطل اللواء. ولما قتل مصعب بن عمير، ومعه لواء رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخَذَ اللواء ملك [2] ، تشبه بمصعب حتى دخل المدينة. ويقال أخذه أبو الروم [3] أخوه، وكان من مهاجرة الحبشة، فدخل به المدينة. وقال حسان بن ثابت [4] :
فخرتم باللواء وشر فخر ... لواء الكفر رد إلى صواب
جعلتم فخركم جهلا وجبنا ... لألأم واطئ عفر التراب
[لعقة الدم]
113- وأما الرفادة والسقاية، فإنهما لم تزالا في حياة قصي إلى عبد بن قصي.
ثم صارتا إلى عبد الدار بن قصي، حتى عظم شأن بني عبد مناف بن قصي.
فقالوا: نحن أولى بما يتولاه بنو عبد الدار منهم. فجمعوا من مال إليهم وعرف فضلهم. وهم بنو أسد بْن عَبْد العزى بْن قصي، وبنو زهرة بن كلاب،
__________
[1] ديوانه، ق 5، ب 17، 22.
[2] خ: مالك (والراجح ما أثبتناه) .
[3] قال مصعب الزبيري (ص 254) : كانت أمه رومية.
[4] ديوانه، ق 199، ب 1، 2، ابن هشام، ص 570 مع اختلافات. والبيت.
الثانى في الديوان:
جعلتم فخركم فيه لعبد ... من ألئم من يطأ عفر التراب(1/55)
وبنو تيم بن مرة بن كعب، ومن كان داخل مكة من بني الحارث بن فهر وهم قوم أبي عبيدة بن الجراح. وأتوا بإناء فيه طيب، فغمسوا أيديهم فيه ومسحوها بالكعبة، وتحالفوا أن لا يسلم. بعضهم بعضا ما بل بحر صوفة. ويقال إنهم تحالفوا وتعاهدوا في منزل ابن جدعان. فسموا المطيبين. وحالف بني عبد الدار، على منع المطيبين من بغيتهم وإرادتهم: بنو مخزوم، وبنو جمح، وبنو سهم، وبنو عدي بن كعب. واجتمعوا. فقالت بنو عدي: إنما الطيب لربات الحجال. وأتو بجفنة فيها دم، فغمسوا أيديهم فيها. وكانت العرب إذا تحالفت، غمست أيديهم في الملح والرماد. فسمى بنو عدى بها لعقة الدم، (و) ولغة الدم. ويقال إن بعضهم لعق من الدم. فيقال إن الفريقين من المطيبين والأحلاف اقتتلوا، ثم اصطلحوا على أن جعلت الرفادة والسقاية لبني عبد مناف.
ويقال إنهم لم يقتتلوا، ولكن الرجال سفرت بينهم حتى تراضوا بهاتين المكرمتين.
فاحتملت بنو عبد مناف أعظم الأمور مؤنة. وسمي من حالف بني عبد الدار «الأحلاف» . قال عبد الله بن وداعة السهمي:
نحن شددنا الحلف من غالب ... وغالب واقفة تنظر
لم يستطيعوا نقض أمر رسى [1] ... وهم على ذاك بنا أخبر
وزعموا أن عبد الله بن صفوان قال لابن عباس: لإمرة المطيبين كانت أفضل أم إمرة الأحلاف؟ فقال: إمرة المطيبين. يعني خلافة أبي بكر أفضل من خلافة عمر. وقال عمر بن أبي زمعة، ويقال يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ويقال ابن قيس الرقيات [2] :
ولها في المطيبين جدود ... ثم نالت ذوائب الأحلاف
إنها بين عامر بن لؤي ... حين تدعى وبين عبد مناف
يشرئبون في الذؤابة حلوا ... حيث حلت ذوائب الأشراف
__________
[1] خ: ارثا (لعله رسا، أو: لنا) .
[2] المحبر، ص 167: المنمق، ص 16، التنبيه والإشراف للمسعودي، ص 211 (ولم يذكروا البيت الثالث. خ في الثانى: «من بنى عامر ... تدعى وبنى» . وفي الثالث: يشربون في الدواية.(1/56)
114- قالوا: ولما كان يوم أحد، أتى زيد بن الخطاب، أخو عمر، أبا جهم بن حذيفة بن غانم. فَقَالَ لَهُ أَبُو الجهم: أنا والغ الدم. فَقَالَ لَهُ زَيْد، قد أتاك والغ مثلك.
[الرفادة والسقاية]
115- قالوا: واقترع بنو عبد مناف على الرفادة والسقاية، فصارتا لهاشم بن عبد مناف. ثم صارتا بعده للمطلب بن عبد مناف بوصية. ثم لعبد المطلب، ثم للزبير بن عبد المطلب، ثم لأبي طالب. ولم يكن له مال، فادان من أخيه العباس بن عبد المطلب عشرة آلاف درهم. فأنفقها. فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، سَأَلَهُ سَلَفَ خَمْسَةَ عشر (ألف) درهم، ويقال أربعة عشر ألف درهم. فقال له: إنك لم تقضنى ما لي عليك/ 25/ وأنا أُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَ عَلَى أَنَّكَ إِنْ لَمْ تدفع إليّ جميع ما لي في قابل فأمر الرفادة والسقاية إلي دونك. فأجابه إلى ذلك. فلما كان الموسم الثالث، ازداد أبو طالب عجزا وضعفا، ولم تمكنه النفقة، وأعدم حتى أخذ كل رجل من بنى هاشم ولدا من أولاده يحمل عنه مؤنته. فصارت الرفادة والسقاية إلى العباس، وأبرأ أبا طالب مما له عليه. وكان يأتيه الزبيب من كرم له بالطائف، فينبذ في السقاية. ثم جعل الخلفاء الرفادة من بيت المال. فقام بالرفادة والسقاية، بعد العباس، عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس، ثُمَّ عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ، ثُمَّ مُحَمَّد بْن عَلِي، ثُمَّ دَاوُد بْن عَلِي، ثُمَّ سُلَيْمَان بْن عَلِي، ثم عيسى بن علي. ثم لما استخلف المنصور، قال: إنكم لا تلون هذا الأمر بأبدانكم، وإنما تقلدونه مواليكم، فأمير المؤمنين أحق بتوليته مواليه. فولى أمر السقاية، ونفقة البيت، وإطعام الحاج مولى له يقال له زريق.
116- وحدثني الحسن بن علي الحرمازي، عن رجل من قريش، أنه قال:
كان مما لحقنا من كلام قصي قوله: «العي عيان، عي الإفحام، وعي المنطق بغير سدر» . وقوله: «الحسود عدو خفي المكان» . وقوله:
«من سأل قوما فوق قدره استحق الحرمان» . وكان بنات قصي: برة تزوجها عمر بن مخزوم، وتخمر تزوجها عمران بن مخزوم. وأمهما حبي بنت حليل.(1/57)
117- وقال الواقدي: أنزل قصي قريشا منازلها، وكان بالبلد عضاه.
فقطعها، وأذن في قطعها. فاستوحشوا من ذلك فقال: إنكم ليس تريدون الفساد، إنما تريدون التوسعة وتستعينون على منازلكم. قال الواقدي: ويقال إنهم استأذنوه في قطع الشجر، فأباه، فبنوا والشجر في منازلهم. هذا أحسن عندنا من إذن قصي في قطع الشجر، وأشبه بالحق. قال: ثم اضطروا إلى قطعه، فقطعوه بعده. وكان عبد الله بن الزبير قطع شجرا في دوره، أضيقها عليه.
118- وولد عبد مناف بن قصي
- وتكنى أبا عبد شمس- عمرو بن عبد مناف [1] وهو هاشم. وأمه عاتكة بنت مرة بْن هلال بْن فالج بْن ذكوان، من بنى سليم. وأمها ماوية بنت حوزة بن سلول [2] . وإنما سمي هاشما، لأنه هشم لهم الخبز.
حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [3] ، قَالَ:
أَصَابَتْ قُرَيْشًا سَنَةٌ ذَهَبَتْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأُقْحِطُوا فِيهَا. وَبَلَغَ هَاشِمًا ذَلِكَ وَهُوَ بِالشَّامِ. وَكَانَ مَتْجَرُهُ بِغَزَّةَ وَنَاحِيَتِهَا. فَأَمَرَ بِالْكَعْكِ وَالْخُبْزِ، فَاسْتَكْثَرَ مِنْهُمَا.
ثُمَّ حُمِلا فِي الْغَرَائِرِ عَلَى الإِبِلِ، حَتَّى وَافَى مَكَّةَ. فَأَمَرَ بِهَشْمِ ذَلِكَ الْخُبْزِ وَالْكَعْكِ، وَنُحِرَتِ الإِبِلُ الَّتِي حُمِلَتْ. فَأُشْبِعَ أَهْلُ مَكَّةَ وَقَدْ كَانُوا جُهِدُوا.
فقال عبد الله بن الزبعرى (وقال بعضهم الزبعرى، والأول أصح [4] :
عمرو العلى هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف
وهو الذي سن الرحيل لقومه ... رحل الشتاء ورحلة الأصياف
وقال وهب بن عبد قصى [5] :
__________
[1] خ: «عمرو بن عبد مناف عمرو بن عبد مناف» . وهو سهو الكتابة.
[2] سلول، هي أم حوزة. أما أبوه فهو عمرو بن مرة بن صعصعة كما قال ابن الكلبى في الجمهرة. راجع أيضا السهيلي 1/ 77، ومصعبا الزبيري، ص 14.
[3] خ: عياش.
[4] ابن هشام، ص 87، المحبر، ص 164، بلدان ياقوت: مكة مع اختلافات.
[5] ابن سعد، 1 (1) / 43- 44، الطبرى، ص 1090 (وعندهما في البيت الأول: ما ضاق عنه) .(1/58)
تحمل هاشم ما ضاق عنا ... وأعيا أن يقوم به ابن بيض
فأوسع أهل مكة من هشيم ... وشاب الخبز باللحم الغريض
قال ابن الكلبي: ابن بيض رجل من قوم عاد، كان يقال له ثوب بن بيض، نزل به قوم فنحر لهم جزورا سدّت طريقا كانت تسلكه إليه في واد.
فقيل: سد ابن بيض السبيل. فذهبت مثلا. ويقال إن ابن بيض هذا كان موسرا مكثرا، وكان قد صولح على خرج، وجعل على نفسه شيئا لقوم يعطيهم إياه لوقت. فكان يخرج ذلك الشيء، ويجعله في فم شعب كان يدخل إليه منه. فإذا جاء من يقبض ذلك، قالوا: سد ابن بيض السبيل، أي قضى ما عليه. وروي عن يونس النحوي البصري أنه قال: يقال للرجل الشريف الواضح النسب/ 26/ ابن بيض» ، كما يقال «ابن جلاء» .
[إيلاف قريش]
119- وكان هاشم بن عبد مناف صاحب إيلاف قريش الرحلتين، وأول من سنها. وذلك أنه أخذ لهم عصما من ملوك الشام، فتجروا آمنين. ثم إن أخاه عبد شمس أخذ لهم عصما من صاحب الحبشة، وإليه كان متجره [1] . وأخذ لهم المطلب بن عبد مناف عصما من ملوك اليمن. وأخذ لهم نوفل بن عبد مناف عصما من ملوك العراق. فألفوا [2] الرحلتين في الشتاء إلى اليمن والحبشة والعراق، وفي الصيف إلى الشام. فقال الحارث بن حنش السلمي، وهو أخو هاشم لأمه عاتكة بن مرة السلمية [3] : (1/ 67)
إن أخي هاشما ليس أخا واحد ... والله ما هاشم بالناقص الكاسد
والخير في ثوبه وحفرة اللاحد ... الآخذ الألف والوافد للقاعد
وقال العجير السلولي:
نحن ولدنا هاشما والمطلّب ... وعبد شمس نعم صنو المنتجب
__________
[1] خ: شجره.
[2] خ: فألقوا.
[3] المحبر، ص 162 مع اختلافات.(1/59)
وقال مطرود بن كعب الخزاعي [1] :
يا أيها الرجل المحول رحله ... هلا نزلت بآل عبد مناف
هبلتك أمك لو نزلت عليهم ... ضمنوك من جوع ومن أقراف
الآخذون العهد من آفاقها ... والراحلون لرحلة الإيلاف
والمطعمون إذا الرياح تناوحت ... حتى تغيب الشمس في الرجّاف
والمفضلون إذا المحول ترادفت ... والقائلون هلم للأضياف
والخالطون غنيهم بفقيرهم ... حتى يكون فقيرهم كالكافي
[قرى الحجيج]
120- حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جده وابن خربوذ وغيرهما، قالوا:
لما صارت الرفادة والسقاية لهاشم، كان يخرج من ماله كل سنة للرفادة ما لا عظيما، وكان أيسر قريش، ثم يقف في أيام الحج فيقول: «يا معشر قريش إنكم جيران الله وأهل بيته وإنه يأتيكم في موسمكم هذا زوار الله تبارك ذكره يعظمون حرمة بيته، وهم أضيافه وأحق الناس بالكرامة. فأكرموا أضيافه وزوار كعبته، فإنهم يأتون شعثا غبرا من كل بلد على ضوامر كالقداح قد أزحفوا [2] ، وتفلوا، وقملوا، وأرملوا. فأقروهم، وأغنوهم، وأعينوهم» . فكانت قريش تترادف على ذلك، حتى إن كان أهل البيت ليرسلون إليه بالشيء على قدرهم فيضمه إلى ما أخرج من ماله وما جمع مما يأتيه به الناس. فإن عجز ذلك، أكمله.
[العداوة بين هاشم وأمية]
121- حدثني عباس بْن هِشَام، عن أبيه هِشَام بْن مُحَمَّد، قال:
كان أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ذا مال. فتكلف أن يفعل كما
__________
[1] ابن هشام، ص 113- 114، السهيلي، 1/ 94، المحبر، ص 164، «الطبرى، ص 1089، لسان العرب،: رجف. (خ: المصراع الثانى في البيت الرابع:
ورجال مكة مسنتون عجاف» وقد مضى آنفا في قصيدة أخرى، والتصحيح عن لسان العرب وابن هشام) .
[2] أزحفوا: أعيوا. تفلوا: أنتن ريحهم. قملوا: تولد عندهم القمل. أرملوا:
نفد زادهم.(1/60)
فعل هاشم في إطعام قريش، فعجز عن ذلك. فشمت به ناس من قريش وعابوه لتقصيره. فغضب، ونافر هاشما على خمسين ناقة سود الحدق تنحر بمكة، وعلى الجلاء عشر سنين. وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي، وهو جد عمرو بن الحمق، وكان منزله عسفان. وكان مع أمية أبو همهمة بن عبد العزى الفهري، وكانت ابنته عند أمية. فقال الكاهن: «والقمر الباهر، والكوكب الزاهر، والغمام الماطر [1] ، وما بالجو من طائر، وما اهتدى بعلم مسافر، في منجد وغائر، لقد سبق هاشم أمية إلى المآثر، أول منها وآخر، وأبو همهمة بذلك خابر» . فأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعم لحمها من حضر. وخرج أمية إلى الشام فأقام (بها) عشر سنين. فتلك أول عداوة وقعت بين هاشم وأمية. وقال الأرقم بن نضلة يذكر هذه المنافرة ويذكر تنافر عبد المطلب وحرب بن أمية:
لما تنافر ذو الفضائل هاشم ... وأمية الخيرات نفر هاشم
وقال أيضًا [2] :
/ 27/ وقبلك ما أردى أمية هاشم ... فأورده عمرو إلى شر مورد
122- وولد عبد مناف،
سوى هاشم، عبد شمس بن عبد مناف، والمطلب ويدعى الفيض. وفيه يقول مطرود الخزاعي حين مات [3] :
قد سغب الحجيج بعد المطلب ... بعد الجفان والشراب المنثعب
وأم هاشم وعبد شمس والمطلب: عاتكة بنت مرة بْن هلال بْن فالج بْن ذكوان بن ثعلبة بْن بهثة بْن سليم بْن مَنْصُور. ونوفل بن عبد مناف، وأبا عمرو واسمه عبيد درج، وأمهما واقدة بنت أبي عدي، من بني مازن بن صعصعة ابن معاوية. وكان يقال لهاشم والمطلب «البدران» . وكان لعبد مناف من
__________
[1] خ: «والعما الناظر» . والتصحيح عن المنمق، ص 69.
[2] سيتكرر البيت فيما يأتى في الفقرة 133. (خ: ما أدرى أمية) .
[3] ابن هشام، ص 88 مع اختلافات، وزاد مصراعا: «ليت قريشا بعده على نصب» )(1/61)
البنات، من عاتكة: تماضر، تزوجها عبد مناف بن عبد الدار، وحية، تزوجها عمرو بن ظويلم، أَحَدُ بَنِي دُهْمَانَ بْنِ نَصْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بكر، وقلابة، تزوجها عبد العزى بن عامر الفهري، وهالة، وهي أم الأخثم، وفي الأخثم يقول الشاعر:
أبشر بخير حين تلقى عامرا ... نشوان يبرق وجهه كالدرهم
لما رآني عاريا ذا خلة ... ألقى علي رداءه ابن الأخثم
تزوجها عَمْرِو بْنِ خَالِد بْن أمية بْن ظرب الفهري، ويقال تزوجها خالد ابن عامر بن أمية بن ظرب، وبرة، تزوجها سبع بن الحارث الثقفي، وريطة بنت عبد مناف، وأمها النافذة، تزوجها هلال [1] بن معيط بن عامر الكناني.
وقال مطرود بن كعب الخزاعي في ولد عبد مناف [2] :
يا ليلة هيجت ليلاتي ... إحدى ليالي القسيات
إن المغيرات وأبناءهم ... لخير أحياء وأموات
أخلصهم عبد مناف فهم ... من لوم من لام بمنجاة
قبر بردمان وقبر بسل ... يمان وقبر عند غزات
وميت مات قريبا من ال ... حجون عن شرق البنيات
يعني بالمغيرات ولد المغيرة، وهو عبد مناف، كما قال النابغة [3] :
شاق الرفيدات من عودي ومن عمم ... وماش من رهط ربعي وحجاز
يريد ولد رفيدة بن ثور بن كلب، وعودي وعمم ابنا نمارة بن لخم، وربعي وحجاز من ولد الحارث أخي عذرة بن سعد: ربعي بن عامر، وحجاز بن
__________
[1] قال مصعب الزبيري (ص 15) : «وكانت ريطة بنت عبد مناف عند معيط ابن عامر بن عوف بن الحارث بن عبد مناة بن كنانة، فولدت له هلالا، وهي التي جرت حلف الأحابيش» .
[2] ابن هشام، ص 89، السهيلي 1/ 95، 96 (خ في الأول: القشيات.
والتصحيح عن السهيلي الذى فسره) .
[3] ليس في ديوان النابغة الذبيانى ولا الجعدى المطبوعين. (خ: رهط في بغى وحجاز) .(1/62)
مالك. وأما ردمان ففي ناحية اليمن، وسلمان في طريق العراق، وغزة بالشام.
فالذي بردمان، المطلب، والذي بسلمان، نوفل، والذي بغزة، هاشم، والذي مات بمكة ودفن بقرب الحجون، عبد شمس. وقال مطرود أيضًا [1] :
كانت قريش بيضة فتفلقت ... فالمح خالصه لعبد مناف
فَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ جَارِيَةً تُنْشِدُ:
كَانَتْ قُرَيْشٍ بَيْضَةً فَتَفَلَّقَتْ ... فَالْمُحُّ خَالِصُهُ لِعَبْدِ الدَّارِ
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي بَكْرٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَهَكَذَا [2] قَالَ الشَّاعِرُ؟
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لا، إِنَّمَا قال: «لعبد مناف» . قال: كذلك قال.
[قبر هاشم]
123- وَمَاتَ هَاشِمٌ بِغَزَّةَ مِنْ بِلادِ الشَّامِ، فَقَبْرُهُ بِهَا. وَقَدِمَ بِتَرِكَتِهِ وَمَتَاعِهِ أَبُو رُهْمِ بْنُ عَبْد العزى بْن أَبِي قَيْس، من بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَكَانَ لِهَاشِمٍ يَوْمَ مَاتَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً. وَذَلِكَ الثَّبْتُ. وَيُقَالُ عِشْرُونَ سَنَةً. وَقَالَ مَطْرُودٌ يَرْثِيهِ [3] :
مَاتَ النَّدَى بِالشَّامِ لَمَّا أَنْ ثَوَى ... فِيهِ بِغَزَّةَ هَاشِمٌ لا يَبْعُدُ
لا يَبْعُدَنَّ رَبُّ الْفِنَاءِ نَعُودُهُ ... عَوْدَ السَّقِيمِ يَجُودُ بَيْنَ الْعُوَّدِ/ 28/ فَجِفَانُهُ رَذْمٌ لِمَنْ يَنْتَابُهُ
وَالنَّصْرُ مِنْهُ بِاللِّسَانِ وَبِالْيَدِ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أُمُّ هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ وَعَبْدِ شَمْسٍ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ: عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ، وَأُمُّهَا سَلُولِيَّةٌ. وَأُمُّ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: وَاقِدَةُ بِنْتُ أبي عدي، من بني مازن بن صعصعة. وَهِيَ أُمُّ أَبِي عَمْرٍو، وَاسْمُهُ عُبَيْدُ بْنُ عبد مناف، درج.
__________
[1] الطبرى، ص 1092، السهيلي، 1/ 94. (والمح: صفرة البيضة) .
[2] خ: أحدا.
[3] المحبر، ص 163، حيث البيت الأول:
مات الندى بالشأم يوم ثوى كما ... أودى بغزة هاشم لا يبعد(1/63)
[عبد المطلب]
نسب بني هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب::
124- فولد هاشم بن عبد مناف (ويكنى أبا نضلة) شيبة الحمد. وهو عبد المطلب. وكان سيد قريش حتى هلك. وأمه سلمى بنت عمرو بن زيد ابن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، من الأنصار.
125- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ، وعباس بْن هِشَام عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جده وغيره، قالوا:
كان هاشم بن عبد مناف يختلف إلى الشام في التجارة. فإذا مر بيثرب، نزل على عمرو بن زيد بن لبيد، وكان صديقا لأبيه وله. فنزل به في سفرة من سفراته وقد انصرف من متجره، فرأى ابنته سلمى بنت عمرو، فأعجبته. وكانت قبل عند أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبا الأوسي، فمات عنها وقد ولدت ولدين، هلكا، وهما عمرو ومعبد ابنا أحيحة.
فخطبها. فأنكحه إياها، واشترط عليه أن لا تلد إلا في أهلها. فنقلها هاشم معه إلى مكة. فلما حملت، ودنا ولادها، أتى بها منزل أبيها بيثرب، فخلفها، ومضى إلى الشام في تجارته. فمات بغزة من فلسطين.
وولدت سلمى شيبة الحمد. وسمته بذلك لشيبة كانت في رأسه. ويقال لشيبات كن حول ذؤابته. وقيل له عبد المطلب، لأنه لما ترعرع بالمدينة، وأتت له سبع أو ثماني سنين، بلغ عمه المطلب بن عبد مناف خبره في لبسه ونظافته وشبهه بهاشم أبيه، فاشتاق إليه، وركب حتى أتى المدينة، فوافاه وهو يرمى مع الصبيان. فلما أصاب، قال: أنا ابن هاشم، أنا ابن سيد البطحاء. فقال: له من أنت يا غلام؟ قال: أنا شيبة بن عبد مناف: قال:
وأنا عمك، المطلب بن عبد مناف، وقد جئت لحملك إلى بلدك وقومك ومنزل أبيك وجوار بيت الله إن طاوعتني. وجعل يشوقه إلى مكة. فقال: يا عم، أنا معك. وقال له رجل من بني النجار: قد علمنا أنك عمه، فإن أحببت
__________
[1] ابن سعد، 1 (1) / 45.(1/64)
فاحمله الساعة قبل أن تعلم أمه، فتدعونا إلى منعك منه فنمنعك. فانطلق به معه، حتى أدخله مكة وهو ردف له. فكان لا يمر بمجلس من مجالس قريش إلا قالوا له: من هذا الغلام معك يا أبا الحارث؟ فيقول: عبد لي ابتعته. ثم أدخله منزله، فكساه. وأخذته امرأته خديجة بنت سعيد بن سعد بن سهم، فنظفته وطيبته وألبسته كسوة عمه. وأخرج إلى الندي. فجعل أهل مكة يقولون:
هذا عبد المطلب. فغلب ذلك على اسمه. وقال المطلب بن عبد مناف [1] :
وافيت شيبة والنجار قد جعلت ... أبناءها عنده بالنبل تنتضل
وقالت سلمى أمه [2] :
كنا ولاة حمه ورمه ... حتى إذا قام على أتمه
انتزعوه غيلة من أمه ... وغلب الأخوال حق عمه
وقال المطلب:
يا سلم يا أخت بني النجار ... ما ابن أخي بالهين المعار
فاقني حياء ودعي التماري ... إني ورب البيت ذي الأستار
لو قد شددت العيس بالأكوار ... قد راح وسط النفر السفار
حتى يرى أبيات عبد الدار
وكان عبد المطلب يكثر زيارة أخواله ويبرّهم.
[أول من خضب بالوسمة]
126- حدثني عباس، عن أبيه، عن جده قال:
كان عبد المطلب أول من خضب بالوسمة/ 29/ لأن الشيب أسرع إليه.
فدخل على بعض ملوك اليمن، فأشار عليه بالخضاب. فغير شعره بالحناء، ثم علاه بالوسمة. فلما انصرف وصار بقرب مكة، جدّد خضابه. وكان قد
__________
[1] الطبرى، ص 1084، ابن سعد، 1 (1) / 48 وزاد بيتا. ويوجد اختلافات الرواية.
[2] جمهرة ابن الكلبى، 7/ الف (وفي الأول عنده: «كنا ذوى ثمه ورمه» . وفي الثانى: «عنوة» بدل «غيلة» ) .(1/65)
تزود من الوسمة شيئا كثيرا. فدخل منزله وشعره مثل حنك [1] الغراب. فقالت امرأته نتيلة، وهي أم العباس، يا شيب، ما أحسن هذا الصبغ [2] لو دام فعله. فقال عبد المطلب [3] :
لو دام لي هذا السواد حمدته ... فكان بديلا من شباب قد انصرم
تمتعت منه والحياة قصيرة ... ولا بدّ من موت نتيلة أو هرم
وماذا الذي يجدي على المرء خفضه ... ونعمته يوما إذا عرشه انهدم
ثم إن أهل مكة خضبوا بعده.
127- وقال الكلبي: حج قوم من جذام، ففقدوا رجلا منهم اغتيل بمكة، ولقيهم حذافة بن غانم العدوي فربطوه. وقدم عبد المطلب من الطائف، وقد كف بصره، وأبو لهب يقود به. فهتف به حذافة. فأتاهم. فقال: قد عرفتم تجارتي وكثرة مالي، وأنا أحلف لكم لأعطينكم عشرين أوقية ذهبا، أو عشرا من الإبل، وغير ذلك مما يرضيكم، وهذا ردائي رهن بذلك. فقبلوا منه، وأطلقوا حذافة. فأردفه، حتى أدخله مكة، ووفى لهم عبد المطلب بما جعل لهم.
فقال:
أخارج [4] إما أهلكن فلا تزل ... لشيبة منكم شاكرا آخر الدهر
وأولاده بيض الوجوه وجوههم ... تضيء ظلام الليل كالقمر البدر
لهو لهم خير الكهول ونسلهم ... كنسل الملوك لاقصار ولا خدر
لساقي الحجيج ثُمَّ للشيخ هاشم ... وعبدِ منافٍ ذلك السيد الفهري
أَبُوكم قصيُّ كَانَ يدعى مُجَمِّعًا ... بِهِ جمع الله القبائل من فهر
أَبُو عتبة الملقي إليّ حباله ... أغر هجان اللون من نفر غرّ
__________
[1] خ: حلك.
[2] خ: الصنع.
[3] ابن سعد، 1 (1) 52 وزاد بيتا، المنمق، ص 82.
[4] أى خارجة بن حذافة، ابن هذا الشاعر. (راجع أيضا الفقرة 103، أعلاه) .(1/66)
ويروي «أبو الحارث» ، وهو أصح.
قصة الفيل:
128- قالوا [1] : وكان أبرهة الأشرم أبو يكسوم قتل حبشيا كان غلب على اليمن، وصار مكانه. فرأى العرب باليمن يتأهبون في وقت الحج. فسأل عن أمرهم. فقيل إنهم يريدون بلدا يقال له مكة، وبه بيت لله يتقربون إليه بزيارته.
فبنى بيتا بصنعاء كثير الذهب والجوهر، وحمل من قبله من العرب على أن يحجوه ويصنعوا عنده كصنيعهم عند الكعبة. فاحتال بعض العرب لسدنته، حتى أسكرهم، ثم أتى بجيف ومحائض فألقاها فيها، ولطخ قبلته، وكانت على المشرق، بعذرة. فغضب أبرهة أشد غضب، وقال: والمسيح! لأغزونّ بيت العرب الذى يحجون إليه. فبعث إلى النجاشي: إني عبدك، وكل ما حويته من هذا البلد فهو لك، ومن مملكتك. وأهدى إليه هدايا، وسأله أن يبعث إليه بفيل له عظيم كان يلقى به عدوه إذا احتشد. فبعث إليه بذلك الفيل وبجيش. ثم إن الأشرم نهض نحو البيت، والفيل في مقدمته، ودليله النفيل ابن حبيب الخثعمي. فلما انتهى إلى قرب الحرم، برك الفيل بالمغمّس، فلم يحرك. ونخس بالرماح، فلم ينهض. ثم بعث الله على الجيش طيرا، مع كل طير ثلاثة أحجار. فألقتها عليهم، فلم ينج منهم شفر [2] .
129- وقد كان الحبشي لما قرب مكة، بث قوما ممن معه للغارة، منهم رجل يقال له الأسود بن مقصود. فاطردوا إبلا لعبد المطلب. فأتى عبد المطلب الحبشي وهو في قبة له بالمغمس [3] . وكان قائد الفيل صديقا له، فأدخله إليه وأخبره لشرفه. وكان عبد المطلب رجلا جميلا طويلا، له غديرتان،
__________
[1] راجع أيضا الطبرى، ص 935 وما بعدها. وابن هشام، ص 29- 36
[2] أى أحد.
[3] خ: بالغمس.(1/67)
أهدب الأشفار، دقيق العرنين أشمه، رقيق البشرة، سهل الحدّين. فأكرمه الحبشي وأجله، وسأله عن حاجته. فقال: إبلي. فأمر بردها، وقال:
ما ظننتك جئتني إلا في أمر البيت. فقال عبد المطلب: إن للبيت ربا سيمنعه ويحميه. وكان عبد المطلب وعمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ( ... ؟) [1]
الناس بمكة كل يوم، والحبشي مطلّهم، وقد هرب جل أهل مكة خوفا وإشفاقا. قال عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو «عابد» [2] :
/ 30/ أنت حبست الفيل بالمغمس ... من بعد ما كان بغير مجلس
أنت الجليل ربنا لم تدنس
وقال عابد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم، ويقال بل قالها أبو عكرمة عَامِر بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عبد الدار، ويقال عكرمة وذلك غلط [3] :
لاهم أخز الأسود بن مقصود ... الأخذ الهجمة ذات التقليد
بين حراء فثبير فالبيد ... اخفر به رب وأنت محمود
وقال عبد المطلب [4] :
يا ربّ إنّ المرء يمنع ... (م) رحله فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم ... ومحالهم غدوا محالك
فلئن فعلت فربما ... أولى فآمر ما بدا لك
ولئن فعلت فإنه ... أمر تتم به فعالك
وكان قدوم الفيل وحبس الله إياه للنصف من المحرم، وذلك قبل مولد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بشهرين إلا أياما. وقال عبد المطلب في غير هذا المعنى:
__________
[1] سقط كلمة في الأصل ولم ينتبه إليه ناسخ الأصل. لعلها: يزوران.
[2] خ: غايد.
[3] (خ في الأول: «لاهم اخد» . والهجمة: قطيع الإبل. وفي الثانى: «اغفر به» ، راجع ابن هشام، ص 35) .
[4] الطبرى، ص 940- 941، 944 وزاد أبياتا، ابن سعد، 1 (1) / 56 مع اختلافات.(1/68)
لا تحسبي شيم الفتيان واحدة ... بكل رحل لعمري ترحل الناقه
إني إذا المرء شانته خليقته ... ألفيتنى جلدتى بيضاء برّاقه
وحينما يفعل الفتيان أفعله ... وإنما يتبع الإنسان أعراقه
وقال عبد المطلب:
قلت والأشرم تردى خيله ... إن ذا الأشرم غر بالحرم
رامه تبع فيمن جمعت ... حمير والحي من آل قدم
فانثني عنه وفي أوداجه ... جارح أمسك منه بالكظم
فخزاك الله في بلدته ... لم يزل ذاك على عهد ابرهم
[التعدى على أركاح لعبد المطلب]
130- حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابن خربوذ وغيره من علماء أهل الحجاز، قالوا:
لما هلك المطلب بن عبد مناف، وكان العاضد لعبد المطلب والذاب عنه والقائم بأمره، وثب نوفل بن عبد مناف على أركاح كانت لعبد المطلب. وهي الساحات والأفنية. فغلب عليها، واغتصبه إياها. فاضطرب عبد المطلب لذلك، واستنهض قومه معه، فلم ينهض كبير أحد منهم فكتب إلى أخواله من بني النجار، من الخزرج [1] :
يا طول ليلي لأحزاني وأشغالي ... هل من رسول إلى النجار أخوالي
ينبي عديا ودينارا ومازنها ... ومالكا عصمة الجيران عن حالي
قد كنت فيكم وما أخشى ظلامة ذي ... ظلم عزيزا منيعا ناعم البال
حتى ارتحلت إلى قومى وأزعجنى ... لذاك مطلّب عمّي بترحال
فغاب مطلّب في قعر مظلمة ... ثم انتزى نوفل يعدو على مالي
أأن رأى رجلا غابت عمومته ... وغاب أخواله عنه بلا والي
أنحى عليه ولم يحفظ له رحما ... ما أمنع المرء بين العم والخال
فاستنفروا وامنعوا ضيم ابن أختكم ... لا تخذلوه فما أنتم بخذال
أنتم شهاد لمن لانت عريكته ... من سلمكم وسمام الأبلخ الغالي
__________
[1] الطبرى، ص 1086- 1087 مع اختلافات وزيادة أبيات.(1/69)
قالوا: فقدم عليه منهم جمع كثيف، فأناخوا بفناء الكعبة وتنكبوا القسي وعلقوا التراس. فلما رآهم نوفل، قال: لشر ما قدم هؤلاء. فكلموه. فخافهم، ورد أركاح عبد المطلب عليه، وزاده وأحسن إليه، واعتذر من فعله.
حدثني التوزي النحوي، عن الأصمعي، قال:
الأركاح متسع في سفوح الجبال، يقال: إن له ساحة يتركح فيها.
131- قال ابن الكلبي: قال عبد المطلب في نصرة أخواله إياه [1] :
/ 31/ ستأبى مازن وبنو عدى ... ودينار بن تيم اللات ضيمي
بهم رد الإله علي ركحي ... وكانوا في التناصر دون قومي
عدي، ومازن، ودينار بنو النجار، واسمه تيم الله. وقال أيضا [2] :
أبلغ بني النجار إن جئتهم ... أني منهم وابنهم والخميس
رأيتهم قوما إذا جئتهم ... هووا لقائي وأحبّوا حسيس
وقال شمر بن نمر الرانى [3] :
لعمري لأخوال الأغر ابن هاشم ... من أعمامه الأدنين أحنى وأوصل
أجابوا على نأي دعاء ابن أختهم ... وقد ناله بالظلم والغدر نوفل
فما برحوا حتى تدارك حقه ... ورد عليه بعد ما كاد يؤكل
جزى الله خيرا عصبة خزرجية ... توافوا على برّ وذو البرّ أفضل
[حلف خزاعة وعبد المطلب]
132- قال هشام بن الكلبي: فلما نصر بنو الخزرج عبد المطلب، قالت خزاعة، وهم يومئذ كثير [4] قد قووا وعزوا: والله ما رأينا بهذا الوادى (أحدا
__________
[1] الطبرى، ص 1085 مع اختلافات. (خ في الأول: دينار وتيم) .
[2] ابن سعد، 1 (1) / 49، الطبرى، ص 1085 مع اختلافات.
[3] الطبرى، ص 1085- 1086 (ولم يذكر البيت الثالث) وعزاها إلى أبى عمرو سمرة بن عمير الكنانى. ويوجد عنده اختلافات الرواية.
[4] خ: كبير.(1/70)
أحسن وجها، ولا أتمّ خلقا، ولا) [1] أعظم حلما، ولا أبعد من كل موبقة ومذنبة تفسد الرجال من هذا الإنسان- يعنون عبد المطلب- ولقد نصره أخواله من الخزرج، ولقد ولدناه كما ولدوه- وأن جده عبد مناف لابن حبي بنت حليل بن حبشية سيد الخزاعة- ولو بذلنا له نصرنا [2] وحالفناه انتفعنا به وبقومه وانتفع بنا. فأتاه وجوههم، فقالوا: يا أبا الحارث، إنا قد ولدناك كما ولدك قوم [3] من بني النجار، ونحن، بعد، متجاورون في الدار، وقد أماتت الأيام ما كان يكون في قلوب بعضنا [4] على قريش من الأحقاد، فهلم، فلنحالفك. فأعجب ذلك عبد المطلب وقبله وسارع إليه فأجابهم إلى حلف.
فأقبل ورقاء بن عبد العزى أحد بني مازن بن عدى بن عمرو بن لحىّ، وسفيان ابن عمرو القميرى، وأبو بشر [5] ، وهاجر بن عمير القميري، وهاجر بن عبد مناف بن ضاطر، وعبد العزى بن قطم المصطلقي في عدة من وجوههم، فدخلوا دار الندوة وكتبوا بينهم كتابا. وكان عبد المطلب في سبعة نفر من بني المطلب، والأرقم بن نضلة بن هاشم. ولم يحضر أحد من بني نوفل ولا عبد شمس. فلما فرغوا من الكتاب، علقوه في الكعبة. وكان الذي كتبه لهم أبو قيس (بْن) عَبْد مَنَاف بْن زهرة بْن كلاب (المعلم. وتزوج عبد المطلب يومئذ لُبْنَى بِنْت هاجر بْن عَبْدِ مناف بْن ضاطر، فولدت له أبا لهب. وتزوج أيضا ممنعة [6] بنت عمرو بن مالك بن مؤمل، فولدت له الغيداق. وكانت نسخة كتابهم [7] «هذا ما تحالف عليه عبد المطلب بن هاشم ورجالة عمرو بن ربيعة، من خزاعة، ومن معهم من أسلم ومالك ابني أفصى بن حارثة [8] . تحالفوا على
__________
[1] التكملة عن المنمق، ص 59. (خ: موبقة ومدنية)
[2] خ: نصرناه وخالصناه.
[3] خ: قومنا.
[4] خ: بغضنا (بالغين المعجمة) .
[5] الكلمة غير واضحة في الأصل، والتصحيح عن المنمق، ص 105.
[6] خ: ممتعة.
[7] راجع مصادر أخرى لهذا النص في كتاب الوثائق السياسية، رقم (171) .
[8] خ: قصى بن حازن.(1/71)
التناصر والمؤاساة ما بل [1] بحر صوفه، حلفا جامعا غير مفرق. الأشياخ على الأشياخ، والأصاغر على الأصاغر، والشاهد على الغائب. وتعاهدوا وتعاقدوا أوكد عهد، وأوثق عقد، لا ينقض ولا ينكث ما شرقت شمس على ثبير، وحن بفلاة بعير، وما قام الأخشبان، وعمر بمكة إنسان، حلف أبد، لطول أمد [2] . يزيده طلوع الشمس شدّا، وظلام الليل مدّا. وأن عبد المطلب وولده ومن معهم دون سائر بني النضر بن كنانة، ورجال خزاعة متكافئون، متضافرون، متعاونون. فعلى عبد المطلب النصرة لهم ممن تابعه على كل طالب وتر، في بر أو بحر، أو سهل أو وعر. وعلى خزاعة النصرة لعبد المطلب وولده ومن معهم على جميع العرب، في شرق أو غرب، أو حزن أو سهب. وجعلوا الله على ذلك كفيلا، وكفى به حميلا [3] » .
فقال عبد المطلب [4] :
سأوصي زبيرا إن أتتني منيتي ... بإمساك ما بيني وبين بني عمرو
وأن يحفظ العهد الوكيد بجهده ... ولا يلحدن فيه بظلم ولا غدر
/ 32/ هم حفظوا الإل القديم وحالفوا ... أباك وكانوا دون قومك من فهر
وكان عبد المطلب وصى ابنه الزبير. ثم أوصى الزبير إلى أبي طالب، ثم أوصى أبو طالب إلى العباس. وقال ابن الكلبى: وهذا الحلف هو الذي عناه عمرو بن سالم الخزاعي حين قَالَ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [5] :
لاهُمَّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدًا ... حِلْفُ أَبِينَا وَأَبِيهِ الأتلد
[منافرة بين عبد المطلب وحرب بن أمية]
133- وحدثني العَبَّاس بْن هِشَام، عن أبيه، عن جده محمد بن السائب الكلبي وغيره، قالوا: كان عبد المطلب من حلماء قريش وحكامها. وكان نديمه حرب بْن أمية بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف. وكان في جوار عبد المطلب يهودي،
__________
[1] خ: مل بل.
[2] خ: أبد
[3] خ: جميلا (بالجيم. والحميل، بالحاء المهملة، هو: المعتمد عليه) .
[4] ابن سعد، 1 (1) / 51 مع اختلافات.
[5] سيجيء فيما بعد مع أبيات أخرى في الفقرة (736) .(1/72)
يقال له أدينة [1] . وكان اليهودي يتسوق في أسواق تهامة بماله. فغاظ ذلك حربا. فألب عليه فتيانا من قريش، وقال: هذا العلج الذي يقطع إليكم ويخوض بلادكم بمال جم كثير من غير جوار ولا خيل، والله لو قتلتموه وأخذتم ماله، ما خفتم تبعة ولا عرض لكم أحد يطلب بدمه. فشد عليه عامر بن عبد مناف ابن عبد الدار بن قصي، وصخر بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم بن مرة، فقتلاه.
فجعل عبد المطلب لا يعرف له قاتلا [2] . فلم يزل يبحث عن أمره، حتى علم خبره بعد. فأتى حرب بن أمية، فأنبه بصنيعه وطلب بدم جاره. فأجار حرب قاتليه ولم يسلمهما أخفافهما. وطالبه عبد المطلب بهما، فتغالظا في القول.
حتى دعاهما المحك واللجاج إلى المنافرة. فجعلا بينهما النجاشي صاحب الحبشة.
فأبى أن يدخل بينهما. فجعلا بينهما نفيل بْن عَبْدِ الْعُزَّى بْن رِياح بْن عبد الله ابن قرط بْن رزاح بْن عدي بْن كعب بن لؤي، جد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. فقال لحرب: «يا با عمرو، أتنافر رجلا هو أطول منك قامة، وأوسم منك وسامة، وأعظم منك هامة، وأقل منك لامة، وأكثر منك ولدا، وأجزل منك صلة، وأطول منك مذودا [3] ؟ وأني لأقول هذا، وإنك لبعيد الغضب، رفيع الصيت في العرب، جلد النذيرة [4] ، تحبك العشيرة، ولكنك نافرت منفرا» . فنفر عبد المطلب. فغضب حرب، وأغلظ لنفيل، وقال: من انتكاس الدهر أن جعلتك [5] حكما. وكانت العرب تتحاكم إليه. فقال نفيل [6] :
أولاد شيبة أهل المجد قد علمت ... عليا معد إذا ما هزهز الورع
__________
[1] كذا في الأصل، وعند المنمق ص 64: أذنيه.
[2] خ: قايلا.
[3] كذا في الأصل: لعله: مزودا.
[4] خ: النزيرة، عند المنمق: المريدة.
[5] خ: جعلت.
[6] المنمق، ص 64 مع أبيات أخرى (وفي البيت الثانى خ: مستغاثكم) والتصحيح عن المنمق، حيث في آخر هذا البيت: «يحمل الهبع» . وفي الثالث خ: والنزع.(1/73)
وشيخهم خير شيخ لست تبلغه ... أنى وليس به سخف ولا طبع
يا حرب ما بلغت مسعاتكم هبعا ... يسقى الحجيج وماذا يبلغ الهبع
أبوكما واحد والفرع بينكما ... منه العشاش ومنه الناضر الينع
وتروى «مختلف العش الضئيل [1] » . قال: فترك عبد المطلب منادمة حرب، ونادم عَبْد اللَّهِ بْن جدعان بْن عَمْرِو بْنِ كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة.
ولم يفارق حربا حتى أخذ منه مائة ناقة، ودفعها إلى ابن عم اليهودي. وارتجع ماله إلا شيئا كان شعث منه، فغرمه [2] من ماله. وقال الأرقم بن نضلة بن هاشم في منافرة عبد المطلب حربا [3] :
وقبلك ما أدرى أمية هاشم ... فأورده عمرو إلى شر مورد
أيا حرب قد جاريت غير مقصر ... شاك إلى الغايات طلّاع أنجد
[منافرة بين عبد المطلب وثقيف]
134- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن أشياخ من العلماء، قالوا:
كان لعبد المطلب ماء يدعى ذا) الهرم. فغلبه عليه جندب بن الحارث الثقفي، قوم من ثقيف. فنافرهم عبد المطلب إلى الكاهن القضاعي، وهو سلمة بن أبي حية بن الأشحم بن عامر بن ثعلبة، من بني الحارث بن سعد هذيم، أخي عذرة بن سعد. وهو صاحب عزى سلمة. وعزاه شيطانه، فيما يزعمون. وكان منزله بالشام. فخرج عبد المطلب إليه في نفر من قريش، وخرج جندب في جماعة من ثقيف. فلما انتهوا إلى الكاهن، خبئوا له، فيما يزعمون، رأس جرادة في خربة مزادة [4] . فقال، والله أعلم: خبأتم لي شيئا طار، فسطع وتصوب فوقع ذا ذنب جرار، وساق كالمنشار، ورأس كالمسمار/ 33/ فقال:
__________
[1] لا ندري بماذا يتعلق اختلاف الرواية هذا. لعله سقط بيت في الأصل. والمنمق أيضا لا يفيده.
[2] خ: شعث مكة فغرسه.
[3] المنمق، ص 64.
[4] خ: حرز مزادة (والتصحيح عن المنمق، حيث زاد بعده: «وعلقوه في قلادة كلب يقال له سوار» ) . وخربة المزادة ثقبها. والخربة أيضا وعاء يضع فيه الراعى زاده.(1/74)
إلاده، أي بين. فقال: إلاده فلاده (يقول: إلا يكن قولي بيانا، فلا بيان) . وهو رأس جرادة، في خربة مزادة [1] ، في ثني القلادة. قالوا:
صدقت. وانتسبوا له. فقال: أحلف بالضياء والظلم، والبيت والحرم، إن الماء [2] ذا الهرم، للقرشي ذي الكرم. فغضب الثقفيون، فقالوا: اقض لأرفعنا مكانا، وأعظمنا جفانا، وأشدنا طعانا. فقال عبد المطلب: اقض لصاحب الخيرات الكبر، ولمن أبوه سيد مضر، وساقي الحجيج إذا كثر.
فقال الكاهن [3] :
أما ورب القلص الرواسم ... يحملن أزوالا بقي طاسم
إنّ سناد المجد والمحارم ... في شيبة الحمد سليل هاشم
أبي النبي المرتضى للعالم
ثم قال [4] :
إن بني النضر كرام ساده ... من مضر الحمراء في القلاده
أهل سناء وملوك قاده ... مزارهم بأرضهم عباده
إن مقالي فاعلموا شهاده
ثم قال:
إنّ ثقفيا عبد أبق [5] فثقف، فعتق، فليس له في المنصب الكريم من حق.
يوم ذات نكيف:
135- حدثني عباس، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:
لَمْ يزل بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة مبغضين لقريش مضطغنين عليهم ما كان من قصي حين أخرجهم من مكة مع من أخرج من خزاعة، حين
__________
[1] خ: حرز مزادة.
[2] خ: الماء وذا الهرم.
[3] المنمق، ص 66- 67 (حيث في الثانى: المجد والمكارم) .
[4] المنمق، ص 67 (حيث في الثانى: زيارة البيت لهم عباده) .
[5] عند المنمق، ص 67: «أبق، فأخذ، فعتق، ثم ولد فأنبق، فليس له في النسب من الحق- انبق أى كثر ولده» .(1/75)
قسمها رباعا وخططا بين قريش. فلما كانوا على عهد المطلب [1] ، هموا بإخراج قريش من الحرم وأن يقاتلوهم حتى يغلبوهم عليه. وعدت بنو بكر على نعم لبنى الهون فاطردوها، ثم جمعوا جموعهم. وجمعت قريش واستعدّت.
وعقد المطلب [2] الحلف بين قريش والأحابيش (وهم بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وبنو الهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو المصطلق من خزاعة.
فلقوا بني بكر ومن انضم إليهم، وعلى الناس المطلب [3] . فاقتتلوا بذات نكيف. فانهزم بنو بكر، وقتلوا قتلا ذريعا، فلم يعودوا لحرب قريش.
قال ابن شعلة الفهري:
لله عينا من رأى من عصابة ... غوت غي بكر يوم ذات نكيف
أناخوا إلى أبياتنا ونسائنا ... فكانوا لنا ضيفا بشر مضيف
وقتل يومئذ عبد (بن) [4] السفاح القاري من القارة: قتادة [5] بن قيس أخا بلعاء بن قيس. واسم بلعاء مساحق. وقال عبد في ذلك:
يا طعنة ما قد طعنت مرشة ... قتادة [6] حين الخيل بالقوم تخنف
إذا جاء سرب من نساء يعدنه ... تولين يأسا ظهرهن يقفقف
قال ابن الكلبي: ويومئذ قيل [7] :
قد أنصف القارة من راماها
__________
[1] خ: «عبد المطلب» (وهو سهو. والتصحيح عن المحبر، ص 246 والمنمق، ص 83. وراجع ياقوت لنكيف) . وقصة يوم ذات نكيف بطولها عند المنمق، ص 82- 85 (خ في العنوان: ذي نكيف، وفي أثناء القصة: ذات نكيف) .
[2] خ: «عبد المطلب» (وهو سهو. والتصحيح عن المحبر، ص 246 والمنمق، ص 83. وراجع ياقوت لنكيف) . وقصة يوم ذات نكيف بطولها عند المنمق، ص 82- 85 (خ في العنوان: ذي نكيف، وفي أثناء القصة: ذات نكيف) .
[3] خ: «عبد المطلب» (وهو سهو. والتصحيح عن المحبر، ص 246 والمنمق، ص 83. وراجع ياقوت لنكيف) . وقصة يوم ذات نكيف بطولها عند المنمق، ص 82- 85 (خ في العنوان: ذي نكيف، وفي أثناء القصة: ذات نكيف) .
[4] خ: عبد السفاح. والتصحيح عن تاريخ ابن كثير. ويعاضده اسم الشاعر فيما يلى.
[5] خ: قيادة. والتصحيح عن المنمق. (خ في الأول: تخفيف، وفي الثانى: ظهر تقفقف)
[6] خ: قيادة. والتصحيح عن المنمق. (خ في الأول: تخفيف، وفي الثانى: ظهر تقفقف)
[7] سيأتى بعد الشعر كاملا. وذكر هذا المصراع ابن هشام، ص 163، تأريخ الطبرى 2/ 249، 785، 3/ 217، 568، ابن الكلبى، 51/ الف.(1/76)
والقارة من ولد الهون بن خزيمة. وهم من ولد عضل بن الديش. قال رجل منهم [1] :
دعونا قارة: لا تنفرونا ... فنجفل مثل إجفال الظليم
فسموا القارة. والقارة جبيل صغير. وقال غير الكلبى: قال عبد شمس ابن قيس، وهو رجل من بني الهون:
أعازبة حلوم [2] بني أبينا ... كنانة أم هم قوم نيام
فإن يك فيكم كرم وعز ... فقومكم وإن قلوا كرام
دعونا قارة لا تنفرونا ... فتنبتك القرابة والذمام
كما جلت بنو أسد جذاما ... فبانت عن مساكنها جذام
وكان يقال للقارة «رماة الحدق» . وقال الشاعر [3] :
قد علمت سلمى ومن والاها ... أنا نصد الخيل عن هواها
قد أنصف القارة من راماها ... إنَّا إِذَا مَا فِئَةٌ نَلْقَاهَا
/ 34/ نَرُدُّ أُولاهَا على أخراها ... نردها دامية كلاها
وقال أبو عبيدة: قال قتادة [4] لقومه يوم ذات نكيف: ارموهم بالنبل، فإذا فنيت، فشدّوا عليها بالرماح. فقال قائل منهم:
قد أنصف القارة من راماها
وكان أبو عبيدة يقول: «حكم بن الهون» ، ولكن ولده أتوا اليمن، فقالوا:
«حكم بن سعد العشيرة» .
__________
[1] ابن الكلبى، 51/ الف، السهيلي، 1/ 166: «لا تذعرونا» بدل «لا تنفرونا» ) .
[2] خ: اعازيه حاوم
[3] السهيلي، 1/ 166 (وروى: نرد الخيل) .
[4] خ: قيادة.(1/77)
136
- حفر زمزم ونذر عبد المطلب:
قالوا: أري [1] عبد المطلب في منامة أن يحتفي زمزم ويحتفرها، ودلّ على موضعها وكانت جرهم دفنها عند إخراج خزاعة إياها عن مكة. فقال له قائل: «زمزم، وما زمزم؟ هزمة جبريل برجله، وسقيا إسماعيل وأهله. زمزم البركات، تروي الرفاق الواردات [2] . شفاء سقام، وخير طعام» . فاحتفرها، ووجد فيها سيوفا مدفونة، وحليا، وغزالا من فضة وذهب مشنفا بالدر. فعلقه في الكعبة، حتى سرق بعد. قالت صفية بنت عبد المطلب:
نحن حفرنا للحجيج زمزم ... سقيا الخليل وابنه المكرم
هزمة جبريل التي لم تذمم ... شفاء سقم وطعام مطعم
137- وَحَدَّثَنِي الوليد بْن صالِح وَمُحَمَّد بْنُ سَعْد، قَالا ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عمر، قال:
سألت عبد الله بن جعفر: متى كان حفر عبد المطلب زمزم؟ فقال: وهو ابن أربعين سنة. قلت: فمتى كان أراد ذبح ولده؟ قال: بعد ذلك بثلاثين سنة. قلت: قبل مولد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: أجل، وقبل مولد حمزة. قلت: فإن بعض الرواة يزعم أنه أتى لعبد المطلب مائة وعشر سنين.
قال: لم يبلغ ذلك. قلت: ما كان سبب نذره أن يذبح ولده؟ قال: نازعته قريش حين حفر زمزم، وَلَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْوَلَدِ إِلا الْحَارِثُ وَحْدَهُ. فَقَالَ لَهُ عَدِيُّ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ عبد مناف، أبو «المطعم» : يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، أَتَسْتَطِيلُ عَلَيْنَا وَأَنْتَ فَذٌّ لا ولد لك [3] ؟ قال عبد المطلب: أتقول هَذَا وَإِنَّمَا كَانَ نَوْفَلٌ، أَبُوكَ، فِي حِجْرِ هاشم؟ (لأن هاشما كان خلف على أمه واقدة نكاح مقت.
فقال له عدي: وأنت أيضًا فقد كنت عند أخوالك من بني النجّار حتى ردّك
__________
[1] خ: قالوا لو ارى.
[2] خ: الواردة (وبدلناها للسجع) .
[3] خ: فذلا ولذلك.(1/78)
المطّلب [1] . قال: أبا لقلّة تعيرني؟ فو الله لئن آتاني الله عشرة من الولد ذكورا لأنحرنّ أحدهم عند الكعبة. فآتاه الله عَشرَةُ. فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ. فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى عَبْدِ الله، أَبِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان أحب الناس إليه. فقال:
اللهم، أهو أَمْ مِائَةٌ مِنْ تَلادِ إِبِلِي؟ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِائَةٍ مِنْ إِبِلِهِ، فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةِ عَلَى المائة. فنحرها، فاقتسمها في فقراء مكة ومن ورد من الأعراب.
قال، قلت: فإن بعض الرواة يقول: «تكاءد [2] عَبْد الْمُطَّلِبِ حفر زمزم، فَقَالَ: لئن تمّ حفرها، لأنحرن بعض ولدي» ؟ فقال: «ما أدري ما هذا.
ولقد روي» . وقال فِي السنة الَّتِي نحر فِيهَا عَبْد الْمُطَّلِبِ الإبل، مات الحارث ابن عبد المطلب ولابنه ربيعة سنتان.
[زواج عبد الله بن عبد المطلب]
138- قال الواقدي: وكان نحر الإبل قبل الفيل بخمس سنين، فكان ربيعة أسنّ من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسبع سنين.
139- حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جده قال:
تزوج عبد المطلب هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وهي أم حمزة ابن عبد المطلب، ولدته قبل مولد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بأربع سنين أو نحوها. ثم زوج عبد المطلب ابنه عبد الله: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، وكانت في حجر عمها أهيب بن عبد مناف، فولدت له رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولما خطبها عبد المطلب على عبد الله، فأجيب إلى تزويجه إياها، انطلق به ماضيا إلى بني زهرة. فمر بامرأة من خثعم، يقال لها فاطمة- وكان فتيان قريش يحدثون إليها، وكانت عفيفة، ويقال إنها كانت من بنى أسد بن خزيمة وكانت تعتاف وتنتظر وتقرأ الكتب- فقالت لعبد الله، وجلس إليها منتظرا لأبيه، وقد عرج/ 35/ لبعض شأنه: هل لك في موافقتي على أن أعطيك مائة من الإبل؟ (وكانت موسرة) . فقال عبد الله [3] :
__________
[1] خ: عبد المطلب.
[2] أى شق عليه.
[3] ابن سعد، 1 (1) / 59، الطبرى، ص 1080، السهيلي، 1/ 104 (وزاد في آخرها: «يحمى الكريم عرضه ودينه» ) .(1/79)
أما الحرام فالممات دونه ... والحل لا حل فاستبينه
فكيف بالأمر الذي تنوينه
ثم إنه مضى مع أبيه إلى بني زهرة، فزوجه آمنة. وأقام عندها ثلاثا.
وكانت تلك سنتهم. ثم إن عبد الله أتى الامرأة [1] بعد ذلك، فقال لها: هل لك فيما كنت عرضت على أن يكون بيننا تزويج؟ فقالت:
لا تطلبن الأمر إلا ميلا ... قد كان ذاك مرة فاليوم لا
إني رأيت في وجهك نورا ساطعا، وقد ذهب الآن، فما الذي صنعت؟
فحدثها حديثه، فقالت: إني لأحسبك أبا النبي الذي قد أظل وقت مولده.
وقالت [2] :
لله ما زهرية سلبت ... ثوبيك ما سكنت وما تدري
وقالت أيضًا [3] :
بني هاشم قد غادرت من أخيكم ... أمينة إذ للباه يعتلجان
كما غادر المصباح بعد خبوه ... فتائل قد ميثت له بدهان
وما كل ما يحوي امرؤ من إرادة ... لحزم ولا ما فاته لتوان
فأجمل إذا طالبت أمرا فإنه ... سيكفيكه جدّان يصطرعان
(ولادة النبي عليه السلام) :
140- وحملت آمنة في أيامها الثلاثة. ورأت في منامها آتيا أتاها، فقال:
__________
[1] خ: لامراة.
[2] السهيلي، 1/ 105، الطبرى، ص 1080 وزادا أبياتا مع اختلافات.
[3] ابن سعد، 1 (1) 60، الطبرى، ص 1081، مع أبيات أخرى واختلافات (خ، في الأول: إذ المياه. في الثانى: غادر الصباح- قد مسيت. وفي الثالث: طالبت أمراء) .(1/80)
يا آمنة، إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع في الأرض، فقولي: «أعيذك بالواحد، من شر كل حاسد» ، وسميه أحمد. ويقال إنه قال: سميه محمدا.
141- فلما وضعته، أرسلت إلى عبد المطلب أنه قد ولد لك غلام. فنهض مسرورا، ومعه بنوه، حتى أتاه فنظر إليه. وحدثته بما رأت، وبسهولة حمله وولادته. فأخذه عبد المطلب في خرقة فأدخله الكعبة وقال [1] :
الحمد لله الذي أعطاني ... هذا الغلام الطيب الأردان
أعيذه بالبيت ذي الأركان ... من كل ذي بغي وذي شنآن
وحاسد مضطرب العنان
ثم رده إلى أمه.
142- وقال الواقدي: الامرأة التي قالت لعبد الله ما قالت، قتيلة بنت نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي، أخت ورقة بن نوفل. وكانت تنظر في الكتب.
[محبة عبد المطلب لمحمد ص]
143- المدائني، عن يزيد بن عياض، عن الزهري وحفص بن عمر، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عبد المطلب كان إذا أتى بالطعام، أجلس النبي صلى الله عليه وسلم إلى جانبه، وربما أقعده على فخذه، فيوثره بأطيب طعامه. وكان رقيقا عليه بآدابه. فربما أتي بالطعام وليس رسول الله صلى الله عليه وسلم حاضرا، فلا يمس شيئا منه حتى يؤتى به. وكان يفرش له في ظل الكعبة، ويجلس بنوه حول فراشه إلى خروجه، فإذا خرج، قاموا على رأسه مع عبيده، إجلالا له. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي وهو غلام جفر، فيجلس على الفراش، فيأخذه أعمامه ليؤخروه، فيقول عبد المطلب: مهلا، دعوا ابني ما تريدون منه. ثم يقول: دعوه فإن له لشأنا، أما ترونه؟ ويقبل رأسه وفمه، ويمسح ظهره، ويسرّ بكلامه وما يرى منه.
__________
[1] ابن سعد، 1 (1) / 64، السهيلي، 1/ 106- 107 وزاد أبياتا.(1/81)
144- وحدثني محمد بن إسماعيل الضرير الواسطي، حدثنا علي بن عاصم، عن داود بن أبي هند، عن العباس بن عبد الرحمن الهاشمي، عن الكندير بن سعيد، عن أبيه، قال:
حججت في الجاهلية، فإذا أنا بشيخ مربوع يطوف بالبيت، وهو يقول [1] :
رد علي راكبي محمدا ... واصطنعن برده عندي يدا
فقلت: من هذا الشيخ؟ قالوا: عبد المطلب بن هاشم. قلت: ما شأنه؟
قالوا: (أ) ضلّ إبلاله، فخرج في طلبها بني ابنه: محمد بن عبد الله، وقد أبطأ عليه، فقد أخذه ما ترى. قال: فما برحت حتى رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو غلام، وجاء بالإبل. فسمعت عبد/ 36/ المطلب يقول له:
يا بني، لقد جزعت عليك جزعا، لا تفارقني بعده حتى أموت.
145- وحدثني الحرمازي، عن أبي اليقظان، قال:
كان عَامِر بْن كريز بْن ربيعة بْن حبيب بن عبد شمس- وأمه البيضاء بنت عبد المطلب- مضعوفا. فأتي به عبد المطلب، فمسه، فقال: وعظام هاشم، وما ولد في ولد عبد مناف مولود أحمق منه. وتزوج عامر دجاجة بنت أسماء بن الصلت السلمي، فولدت له عبد الله بن عامر.
[الاستسقاء برسول الله ص]
146- وحدثني عباس بن هشام، عن أبيه، قال حدثني الوليد بن عبد الله القرشي، عن عبد الرحمن ابن موهوب الأشعري حليف بني زهرة، عن أبيه، عن مخرمة بن نوفل الزهري، قال:
سمعت أمي رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم تحدث، وكانت لدة عبد المطلب، قالت: تتابعت على قريش سنون ذهبت بالأموال، فسمعت في النوم قائلا يقول: «هذا أوان نبي مبعوث فيكم، معشر قريش، وبه يأتيكم الحيا [2] والخصب، فليخرج رجل منكم طوال أبيض، مقرون الحاجبين، أهدب الأشفار، جعد الشعر، أشم العرنين، وليخرج معه ولده وولد ولده،
__________
[1] ابن سعد، 1 (1) / 70، 71، استيعاب ابن عبد البر، رقم 2329 (ترجمة سعيد بن حيدة) مع اختلافات.
[2] خ: الحياء. (والحيا: المطر والخصب: كأنه مذكر الحياة) .(1/82)
وليخرج من كل بطن رجل حتى يعلوا أبا قبيس، ثم يتقدم هذا الرجل فيستسقي، ويؤمّنون» . فلما أصبحت، قصصت رؤياي. فنظروا، فإذا الرجل الذي هذه صفته عبد المطلب. فاجتمعوا عليه، وفعلوا ما أمروا به. وكان النبي صلى الله عليه وسلم مع ولد عبد المطلب، وهو غلام. فتقدم عبد المطلب، فقال:
«لا هم، هؤلاء عبادك، بنو إمائك، وقد نزل بهم ما ترى، وتتابعت عليهم السنون فذهبت بالخفّ والقلف، وأشفت الأنفس منهم على التلف والحتف.
فاذهب عنا الجدب، وائتنا بالحياة والخصب» . قال: فما برحوا حتى سالت الأودية. وبرسول الله صلى الله عليه وسلم سقوا. قالت رقيقة [1] :
بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا ... وقد فقدنا الحيا واستبطئ المطر
فجاد بالماء جونىّ له سبل ... دان فعاشت به الأنعام والشجر
منا من الله بالميمون طائره ... وخير من بشرت يوما به مضر
مبارك الوجه يستسقى الغمام به ... ما في الأنام له عدل ولا خطر
[حفر زمزم]
147- المدائني، عن ابن جعدبة أن عبد المطلب رأى في منامه قائلا يقول [2] : احفر زمزم، خبية الشيخ الأعظم. ثم رأى ليلة أخرى: احفر تكتم، بين الفرث والدم، في مبحث الغراب الأسحم، في قرية النمل. فلما أصبح، وجد بقرة مفلتة من جازرها وقد صارت إلى المسجد إلى موضع زمزم، فسلخت في موضعها. وجاء غراب حتى وقع على فرثها، وإذا ثم قرية نمل. فاحتفر عبد المطلب زمزم، وأنكرت قريش ذلك. فحدثها الحديث، فصدقته. وقال خويلد بن أسد:
أقول وما قولي علي بهين ... إليك ابن سلمى أنت حافر زمزم
حفيرة إبراهيم يوم ابن هاجر ... وركضة جبريل على عهد آدم
__________
[1] ابن سعد، 1 (1) / 54- 55.
[2] ابن هشام، ص 91- 94، السهيلي، 1/ 97- 102.(1/83)
[وفاة عبد المطلب]
148- قالوا: وتوفي عبد المطلب وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، ودفن بالحجون بمكة، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني سنين، ولحمزة نحو من اثنتي عشرة سنة، وللعباس إحدى عشرة سنة. ويقال إن عبد المطلب مات وله ثمان وثمانون سنة. وفي رواية الواقدي وغيره أن أم أيمن حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبكي خلف سرير عبد المطلب، وهو ابن ثماني سنين.
قال الواقدي: حدثني عبد الله بن جعفر، أن مخرمة بن نوفل الزهري قال:
مات عبد المطلب وأنا شاهده مع قريش، وقد قاربت عشرين سنة، وأن أمي رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم كانت [1] لدة عبد المطلب، فتقول لي:
شق/ 37/ قميصك على خالك لمن تستبقيه [2] بعده. قال: ونظرت إلى نساء بنى عبد مناف قد جززن الشعور. وإنه ليقال إنه يومئذ ابن ما بين الثمانين إلى التسعين، وإن كان لمعتدل القناة. وكان أول من تحنث بحراء. والتحنث التأله [3] والتبرر. وكان إذا أهل هلال شهر رمضان، دخل بحراء فلم يخرج حتى ينسلخ الشهر [4] ، ويطعم المساكين. وكان يعظم الظلم بمكة، ويكثر الطواف بالبيت.
قال الواقدي: وقد روي أن عبد المطلب توفى ابن مائة وعشر سنين. وليس ذلك بثبت. وقال هشام بن الكلبي: كان موت عبد المطلب في ملك هرمز ابن أنوشروان، على الحيرة قابوس بن المنذر، أخو عمرو بن المنذر الذي يقال له عمرو بن هند مضرط الحجارة. ويقال إنه لم يمت حتى كف بصره.
وروي عن عبد الله بن عباس، أنه قال، كان أبي يخبرنا عن عبد المطلب أنه مات يوم مات وهو أعدل قناة منه، وله ثمان وثمانون سنة. وسمعت من يحدث عن مصعب بن عبد الله، أن عبيد بن الأبرص كان ترب عبد المطلب، وبلغ عبيد مائة وعشرين سنة، وبقي عبد المطلب بعده عشرين سنة أو أكثر.
__________
[1] خ: كان.
[2] خ: حالك لمن تستقيه.
[3] خ: الثالثة (والتصحيح للأستاذ ليوى ديلاويدا) .
[4] خ: الشبهة.(1/84)
149- قالوا: ولما احتضر عبد المطلب، جمع بنيه فأوصاهم برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان الزبير بن عبد المطلب وأبو طالب أخوي عبد الله لأمه وأبيه.
وكان الزبير أسنهما. فاقترع الزبير وأبو طالب أيهما يكفل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأصابت القرعة أبا طالب، فأخذه إليه. ويقال: بل اختاره رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الزبير، وكان ألطف عميه به. ويقال: بل أوصاه عبد المطلب بأن يكفله بعده. وروي بعضهم أن الزبير كفل النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات، ثم كفله أبو طالب بعده، وذلك غلط لأن [1] الزبير شهد حلف الفضول ولرسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ نيف وعشرون سنة.
لا اختلاف بين العلماء في أن شخوص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام مع أبي طالب بعد موت عبد المطلب بأقلّ من خمس سنين.
[رثاء عبد المطلب]
150- ورثى بنات عبد المطلب أباهن بشعر، كتبت بعضه. قالت عاتكة بنت عبد المطلب [2] :
أعيني جودا ولا تبخلا ... بدمعكما بعد نوم النيام
أعينيّ واسحنفرا واسكبا ... وشوبا بكاء كما بالتدام
على شيبة الحمد والمكرمات ... ومردي المخاصم يوم الخصام
وقالت أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب [3] :
ألا يا عين جودي واستهلي ... وبكي ذا الندى والمكرمات
وبكي خير من ركب المطايا ... أباك الخير تيار الفرات
عقيل بني كنانة والمُرَجَّى ... إذا ما الدهر أقبل بالهنات
وقالت برة بنت عبد المطلب:
ألا يا عين ويحك أسعديني ... واذري الدمع سجلا بعد سجل
__________
[1] خ: بأن.
[2] ابن هشام، ص 109 مع اختلافات (خ في الأول: نوم القيام) .
[3] ابن هشام ص 110 مع اختلافات.(1/85)
بدمع من دموعك ذي غروب ... فقد فارقت ذا كرم وبذل
طويل الباع شيبة ذا المعالي ... أباك الخير وارث كل فضل
وقالت أميمة بنت عبد المطلب [1] :
أعيني جودا بدمع درر ... على طيّب الحيم والمعتصر
على ماجد الجد واري الزناد ... جميل المحيا عظيم الخطر
على شيبة الحمد والمكرمات ... وذي المجد والعز والمفتخر
وقالت سبيعة بنت عبد شمس:
/ 38/ أعيني جودا [2] بالدموع السواكب ... على خير ميت نحى من لؤي بن غالب
أعيني لا تستحسرا عن بكاكما ... على ماجد الأعراق عف المحاسب
أبي الحارث الفياض ذي الحلم والنهى ... وذي الباع والأفضال غير تكاذب
وقالت أروى بنت عبد المطلب [3] :
بكت عيني وحق لها بكاها ... على سمح سجيته الحياء
على الفياض شيبة ذي المعالي ... أبيك الخير ليس له كفاء
طويل الباع أروع ذو فضول ... له المجد المقدم والسناء
وقالت ضعيفة بنت هاشم [4] :
ألا هلك الراعي العشيرة ذو الفقد ... وساقي الحجيج والمحامى عن المجد
أبو الحارث الفياض خلى مكانه ... فلا يبعدن وكلّ حىّ له بعد
__________
[1] ابن هشام، ص 109، وعزاها إلى برة، مع اختلافات في الرواية.
[2] خ: جوادا.
[3] ابن هشام، ص 111 مع اختلافات وزيادات. فقال في الأول: لها البكاء. وبدل الثالث:
طويل الباع أملس شيظمى ... أغر كأن غرته ضياء
أقب الكشح أروع ذو فضول ... له المجلد المقدم والسناء
[4] ابن هشام، ص 110 مع اختلافات، وعزاها إلى أميمة. (خ في الأول: على المجد. ابن هشام في الثانى: إلى بعد) .(1/86)
قالوا: ولم يقم لموت عبد المطلب بمكة سوق [1] أياما كثيرة.
151- وولد هاشم أيضًا، سوى عبد) المطلب [2] : نضلة بن هاشم، والشفا بنت هاشم، (تزوجها هاشم بن المطلب بن عبد مناف، فولدت له عبد يزيد ابن هاشم، وهو «المحض لا قذى فيه» . وكذلك كانوا يسمون من كانت أمه بنت عم أبيه. وأمهما أميمة بنت عدي بن عبد الله، من قضاعة، ثم من بني سلامان بن سعد بن يزيد. ويقال: هي أميمة بنت أبي عدي بن عبد الله.
وكان السائب بْن عُبَيْد بْن عَبْدِ يَزِيد بْن هاشم بن المطلب يشبه بالنبي صلى اللَّه عليه وسلم) ، وأسد بن هاشم، (وأمه قيلة، وهي الجزور بنت عامر بن مالك ابن جذيمة المصطلق، من خزاعة) ، وصيفي [3] ، وأبا صيفي واسمه عمرو سماه أبوه باسمه، (وأمهما هند بنت عمرو بن ثعلبة، من الخزرج. ويقال إن أبا صيفي لأم ولد) ، وخالدة بنت هاشم، (تزوجها أسد بن عبد العزى، فولدت له نوفل وحبيب [4] ابني أسد بن عبد العزى، قتلا يوم الفجار الآخر) ، وصفية بنت هاشم، (تزوجها وهب بْن عَبْد مَنَاف بْن زهرة بْن كلاب، وأمها واقدة بنت أبي عدى الهوارتية، خلف عليها هاشم بعد أبيه نكاح مقت) ، وحية بنت هاشم، (تزوجها الأحجم بن دندنة بن عمرو، من خزاعة، وأمها من ثقيف، فولدت له أسيد، وشييم، ومرّة، وزرعة، وورقة، وجارية وسلمى) .
(أولاد عبد المطلب) :
152- فولد عبد المطلب- ويكنى أبا الحارث-: عبد اللَّه، والزبير، وعبد مناف وهو أبو طالب، (وكان الزبير أحد حكام قريش، وهو أسن من عبد اللَّه ومن
__________
[1] خ: سوقا.
[2] خ: سوى المطلب.
[3] كذا، بدل صيفيا، نوفلا، حبيبا (راجع لسببه الصفحة الأولى من الكتاب حيث توجيه المؤلف) .
[4] كذا، بدل صيفيا، نوفلا، حبيبا (راجع لسببه الصفحة الأولى من الكتاب حيث توجيه المؤلف) .(1/87)
أبي طالب) ، عبد الكعبة درج صغيرا، وأم حكيم البيضاء (وهي «الحصان لا تكلم والصناع لا تعلم» ، توأمة عبد اللَّه تزوجها كريز بن ربيعة بن حبيب ابن عبد شمس بن عبد مناف، فولدت له أروى بنت كريز، أم عثمان بن عفان، وأم كريز، وأرنب وهي أم طلحة بنت كريز امرأة عامر بن الحضرمى، من حليف بني عبد شمس) ، وعاتكة بنت عبد المطلب (تزوجها أبو أمية ابن المغيرة المخزومي، فولدت له زهير بن أبي أمية، وعبد اللَّه بن أبي أمية، وقريبة الكبرى بنت أبي أمية، وهم إخوة أم سلمة بنت أبي أمية زوج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لأبيها. وأم أم سلمة كنانية، من ولد جذل الطعان) ، وبرة بنت عبد المطلب (تزوجها عَبْد الأسد بْن هلال بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن مخزوم، فولدت له أبا سلمة بن عبد الأسد، واسمه عبد اللَّه، ثم خلف عليها أبو رهم بن عبد العزى، من ولد عامر بن لؤي، فولدت أبا سبرة بن أبي رهم) ، وأميمة بنت عبد المطلب (تزوجها جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرّة ابن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، فولدت له عبد اللَّه، وعبيد اللَّه، وعبد وهو أبو أحمد، وزينب زوج رسول اللَّه/ 39/ صلى اللَّه عليه وسلم، وحمنة بنت جحش تزوجها طَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّه التَّيْمِيِّ صاحب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، وأروى بنت عبد المطلب (تزوجها عمير بن وهب بن عبد ابن قصي، فولدت له طليب بن عمير هاجر وقتل بالشام شهيدا. ثم خلف عليها أرطاة بن عَبْد شرحبيل [1] بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار بن قصي، فولدت له فاطمة) - وأم هؤلاء جميعا فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بْن مخزوم بْن يقظة بْن مرة بْن كعب بن لؤي- والعباس بن عبد المطلب (وأمه نتيلة بنت جناب بن كليب بن مالك بن عامر بن زيد مناة بن عامر الضحيان بن سعد بن الخزرج بن تيم اللَّه بن النمر بن قاسط. وسمي الضحيان لأنه كان يجلس لقومه إذا أضحى فيحكم بينهم. وأم نتيلة: سعدى بنت
__________
[1] ج: عبد بن شرحبيل.(1/88)
الحارث بن زيد، فربّته [1] أيضا. وأم جناب: أم حجر ولدعية، من همدان.
وأمها ربيعة، من ولد الحارث بن عباد فارس النعامة) ، وضرار بن عبد المطلب (وأمه نتيلة أيضًا. مات حدثا قبل الإسلام) .
153- وحدثني عَبَّاس [2] بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جده، قال:
قال [3] عبد المطلب في ابنه العباس، وكان به معجبا، وولد قبل الفيل بثلاث سنين:
ظني بعباس ينبّى إن كبر ... أن يمنع القوم إذا ضاع الدبر
وينزع السجل إذا اليوم اقمطر ... ويسقي الحاج إذا الحاج كثر
وينحر الكوماء في اليوم الحصر ... ويفصل الخطبة في الأمر المبر
ويكسو الريط اليماني والأزر ... ويكشف الكرب إذا ما اليوم هر
أكمل من عبد كلال وحجر ... لو جمعا لم يبلغا منه العشر
154- قال: وأضلت نتيلة ابنها ضرارا، فكاد عقلها يذهب جزعا. وولهت ولها شديدا. وكانت ذات يسار. فجعلت تنشده في الموسم، وتقول:
أضللت أبيض لوذعيا ... لم يك مجلوبا ولا دعيا
وقالت أيضا:
أضللت أبيض كالخصاف ... للفتية الغر بني مناف
ثم لعمري منتهي الأضياف ... سن لفهر سنة الإيلاف
في القر حين القر والأصياف
وجعلت على نفسها لئن رده اللَّه عليها أن تكسو الكعبة. فمر بها حسان بن ثابت الأنصاري، وقد حج في نفر من قومه. فلما رأى جزعها، قال [4] :
__________
[1] خ: فمر به
[2] خ: ابن عباس.
[3] خ: قال والد عبد المطلب.
[4] ليس في ديوانه المطبوع.(1/89)
وأم ضرار تنشد الناس والها ... فيال بني النجار ماذا أضلت
ولو أن ما تلقي نتيلة غدوة ... بأركان رضوى مثله ما استقلّت
فأتاها به رجل من جذام. فكست البيت ثيابا بيضا، وجعلت تقول:
الحمد للَّه ولي الحمد ... قد رد ذو العرش على ولدي
من بعد أن جولت في معد ... أشكره ثم أفي بعهدي
وحمزة بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أسد اللَّه وأسد رسوله، والمقوم ويكنى أبا بكر، وحجل واسمه المغيرة، وصفية (تزوجها الْحَارِث بْن حرب بْن أمية، فولدت لَهُ الصفياء. ثم خلف عليها الْعَوَّام بْن خويلد بْن أسد بْن عَبْدِ العزى بن قصي، فولدت له الزبير، والسائب، وعبد الكعبة درج. فتزوج الصفياء ربيعة بن ابن أكثم، وذلك الثبت. ويقال: ابن أبي أكثم بن عمرو، أحد بني عامر بن غنم ابن دودان، وكان يكنى أبا يزيد، وهو بدري واستشهد بخيبر) . وأم هؤلاء هالة بنت أهيب بْن عَبْد مَنَاف بْن زهرة بْن كلاب، وأمها العبلة بنت/ 40/ المطلب [1] بن عبد مناف. والحارث بن عبد المطلب (بن هاشم) بن عبد مناف (وبه كان يكنى، وهو أكبر ولده. وأمه صفية بنت جنيدب بن [2] حجير بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة بْن مُعَاوِيَة بْن بكر بْن هوازن بْن منصور) ، وقثم بن عبد المطلب (هلك صغيرا، وأمه صفية بنت جنيدب أيضًا) ، وعبد العزى بن عبد المطلب (وهو أبو لهب، وكان جوادا.
كناه أبوه بذلك لحسنه. ويكنى أبا عتبة. وأمه لُبْنَى بِنْت هاجر بْن عَبْدِ مناف ابن ضاطر بْن حبشيَّة بْن سلول، من خزاعة) ، والغيداق (واسمه نوفل. وأمه ممنعة بنت عمرو بن مالك بن مؤمل بن أسعد، من خزاعة) .
155- ويقال إن قثم بن عبد المطلب كان أخا الغيداق لأمه، ولم يكن أخا الحارث. قال قرة بن حجل بن عبد المطلب يذكر عمومته وأباه [3] :
__________
[1] خ: عبد المطلب.
[2] خ: جنيد ب أيضا بن.
[3] ابن سعد، 1 (1) / 57، وزاد أبياتا. (خ في الأول: «ان عذرت» . وفي الثانى: «والصتم بجزلا» . وفي الثالث: «فاذكرنه ما منا» ، «عبد مناف الحناسا» . والتصحيحات عن ابن سعد) .(1/90)
أذكر ضرارا إن عددت فتى ندى ... والليث حمزة وأذكر العباسا
وأعدد زبيرا والمقوم بعده ... والصتّم حجلا والفتى الرءّاسا
وأبا عتيبة فاذكرنه ثامنا ... والقرم عبد مناف الجسّاسا
(والقرم) غيداقا تعدّ جحاجحا ... سادرا على رغم العدو الناسا
والحارث الفياض ولى ماجدا ... أيام نازعه الهمام الكاسا
عبد اللَّه بن عبد المطلب
156- فأما عبد اللَّه بن عبد المطلب- ويكنى أبا قثم، ويقال إنه كان يكنى أبا محمد، ويقال كان يكنى أبا أحمد- قولد محمدا رسول اللَّه وخاتم أنبيائه صلى اللَّه عليه وسلم، ويكنى أبا القاسم. وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف ابن زهرة بن كلاب بن مرة. وأمها برة بنت عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ ابن قصي بن كلاب. وأم وهب: هند بنت أبي قيلة- وهو وجز- بن غالب، من خزاعة. وكان أبو قيلة يدعى أبا كبشة. وكان قد استخف بالحرم وأهله، في فعلة فعلها [1] . فكانت قريش تقول للنبي صلى اللَّه عليه وسلم: «فعل ابن أبي كبشة كذا» ، يشبهونه إذا خالف دينهم. ويقال إن زوج حليمة، ظئره، كان يكنى أبا كبشة. ويقال إن وهبا، جده لأمه، كان يكنى أبا كبشة. ويقال إن عمرو بن زيد، جد عبد المطلب لأمه، كان يكنى أبا كبشة. واللَّه أعلم.
157- وحدثني أبو الحسن المدائني، عن الوقاصي، قال سمعت الزهري يقول:
كان وجز بن غالب ينكر عبادة الأصنام ويعيبها، ويطعن على أهلها، وكان يكنى أبا كبشة. فشبّهوا النبي صلى اللَّه عليه وسلم به.
__________
[1] «الشعرى ... وكان أبو كبشة، الذى كان المشركون ينسبون رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه، أول من عبدها، وقال: «قطعت السماء عرضا، ولم يقطع السماء نجم غيرها، فعبدها وخالف قريشا» . (كتاب الأنواء لابن قتيبة فقرة 56) .(1/91)
[القول في السيرة النبوية الشريفة]
158- وكان مولد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عام الفيل، يوم الاثنين لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول. ويقال لليلتين خلتا منه. ويقال لاثنتي عشرة ليلة خلت منه. وذلك لأربعين سنة مضت من ملك أنوشروان كسرى بن قباذ بن فيروز بن يزدجرد الخشن بن بهرام بن سابور ذي الأكتاف ملك الفرس.
وكان ملك أنو شروان سبعا وأربعين سنة وثمانية أشهر. وكان على الحيرة يوم ولد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرو بْن المنذر بْن امرئ القيس، وهو عمرو ابن هند، وذلك قبل ولاية النعمان بن المنذر المعروف بأبي قابوس الحيرة بنحو من سبع عشرة سنة. وتوفي عبد اللَّه بن عبد المطلب، أبو رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو حمل. وذلك الثبت. ويقال إنه توفي وهو ابن سبعة أشهر.
ويقال إنه توفي وهو ابن نيف/ 41/ وعشرين شهرا. وكان عبد المطلب بعثه إلى المدينة يمتار له تمرا. فنزل على أخواله من بني النجار، فمات عندهم. ويقال:
بل أتاهم زائرا لهم، فمرض عندهم ومات. ويقال: بل قدم من غزة [1] بتجارة له، فورد المدينة مريضا، فنزل على أخوال أبيه، فمات عندهم. وهو يومئذ ابن خمس وعشرين سنة. ويقال: ثمان وعشرين سنة. وأن أباه بعث إليه الزبير بن عبد المطلب، أخاه، فحضر وفاته. ودفن في دار النابغة.
159- وذكروا أن آمنة بنت وهب رثته، فقالت [2] :
عفا جانب البطحاء من قرم هاشم ... وحل بلحد ثاويا غير رائم
عشية راحوا يحملون سريره ... يفلونه عن عبرة وتزاحم
دعته المنايا دعوة فأجابها ... وما غادرت في الناس مثل ابن هاشم
فإن يك غالته المنايا بيثرب ... فقد كان مفضالا كثير التراحم
[مرضعة الرسول ص]
160- قالوا: ولما ولد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، التمس له الرضاع.
__________
[1] خ: غيره
[2] ابن سعد، 1 (1) / 62، حيث في الأخير: «المنايا وريبها» . خ: في البيت عينه: «كثير المزاحم» .(1/92)
فاسترضع له امرأة من بني سَعْد بْن بكر بْن هوازن بن منصور، يقال لها حليمة.
وهي، فيما قال هشام بن الكلبي، حليمة بنت أبي ذؤيب- واسمه الحارث- بن عبد اللَّه بن شجنة بن جابر بن (رزام بن) [1] ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر. وقال محمد بن إسحاق [2] والواقدي: هي حليمة بنت أبي ذؤيب، واسمه عبد اللَّه بن الحارث بن شجنة. الأول قول الكلبي، وهو أثبت. وقالوا:
واسم زوج حليمة: الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد. واسم ابنها الذي شرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من لبنه: عبد اللَّه بن الحارث. وأختاه أنيسة والشيماء بنتا [3] الحارث.
161- وكانت الشيماء تحمل النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وتقوم [4] عليه مع أمها حليمة، وسبيت يوم حنين، فعنف بها. فقالت: يا قوم، تعلموا أني أخت نبيكم. فلما أتوا بِهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: إني أختك، وكنت عضضتني وأنا أحضنك مع أمي. فعرف ذلك. وبسط لها رداءه فأجلسها عليه، وأعطاها ما أغناها، ووهب لها جارية وغلاما يقال له مكحول. فزوجت الجارية من الغلام. وقال الكلبي: وفدت الشيماء على النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فأرته أثر عضته.
162- قالوا: وكانت حليمة وزوجها خرجا في نسوة من بني سعد يطلبن الرضعاء، ومع حليمة ابنها عبد اللَّه وهي ترضعه. وذلك في سنة شهباء، فلم تبق شيئا.
قالت حليمة: فخرجت على أتان لي قمراء [5] ومعنا شارف لنا ما تبض بقطرة.
فصبينا لا ينام من البكاء، ولا يدعنا ننام معه. فما من امرأة إلا عرض عَلَيْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا قيل إنه يتيم، قالت: وما عسى أن يكون من أمه وجده إلينا؟ إنما يكون الإحسان من الأب. ولم تعرض له. فلما
__________
[1] الزيادة عن ابن هشام، ص 103 (وعنده روايات أخرى أيضا) .
[2] ابن هشام، ص 103.
[3] خ: بنت.
[4] خ: يقوم.
[5] خ: فمرا. والقمراء بيضاء اللون. والشارف الناقة المسنة) .(1/93)
أجمعن الانطلاق، قلت لصاحبي: واللَّه إني لأكره الرجوع خائبة، ولآخذن هذا اليتيم الهاشمي. فقال: افعلي، فلعل اللَّه يجعل لنا فيه البركة. فأخذته، ورجعت إلى أهلي. فلما وضعته في حجري، أقبل ثدياي يشخبان لبنا. فشرب حتى روي. وشرب أخوه حتى روي. ثم ناما، ونمنا. وقام زوجي إلى شارفنا، فيجدها حافلا. فحلبها، وشرب وشربت. فقال: تعلمي يا حليمة أن قد أخذت أعظم نسمة بركة. قالت: ثم ركبت الأتان حين رحلنا، فإذا هي تسبق الركاب. فقال لي صواحبي: إن لأتانك شأنا مذ اليوم. وقد منا، فرأينا البركة محلّلة لنا: كانت مواشي الناس ترجع هذلى خماصا، وتروح مواشينا سمانا بطانا.
163- ثم إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فطم لسنتين. وردته حليمة إلى أمه وجده، وهو ابن خمس سنين. فكان مع أمه إلى أن بلغ ست سنين. وذلك الثبت. ويقال إنه كان معها إلى أن أتت/ 42/ له ثماني سنين. وكانت ثويبة، مولاة أَبِي لهب بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أرضعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم أياما [1] ، قبل أن تأخذه حليمة، من لبن ابن لها يقال له مسروح. وأرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي.
[وفاة آمنة بنت وهب]
164- قالوا: ولما أتى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ست سنين، زارت أمه قبر زوجها بالمدينة، كما كانت تزوره. ومعها عبد المطلب وأم أيمن حاضنة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا صارت بالأبواء منصرفة إلى مكة، ماتت بها ودفنت. ويقال إن عبد المطلب زار أخواله من بني النجار، وحمل معه آمنة ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: فلما رجع منصرفا إلى مكة، ماتت آمنة بالأبواء.
165- وروي أن قريشا لما كانوا بالأبواء، وهم يريدون أحدا، هموا باستخراج آمنة من قبرها. فقال قائلهم: إن النساء عورة، فإن يصب محمد من نسائكم
__________
[1] خ: أتانا.(1/94)
أحدا، قلتم: «هذه رمة أمك وأعظمها» . ثم كفهم اللَّه عن ذلك إكراما لنبيه، فأمسكوا.
166- وزعم بعض البصريين أن آمنة أم النبي صلى اللَّه عليه وسلم ماتت بمكة، ودفنت في شعب أبي دب الخزاعي. وذلك غير ثبت.
167- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جده، عن أبي صالح أو عكرمة، أن حليمة ظئر رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قدمت به من بلادها، أضلته بأعلى مكة. فوجده ورقة بن نوفل ورجل آخر من قريش، فأتيا به عبد المطلب وقالا: هذا ابنك وجدناه متلددا بأعلى مكة، فسألناه من هو؟ فقال:
أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فأتيناك به. فذلك قول اللَّه تبارك وتعالى:
«وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى» [1] . ثم إن عبد المطلب حمله على عاتقه، وطاف به حول الكعبة، وقال:
أعيذه باللَّه بارئ النسم ... من كل من يسعى بساق وقدم
وقصفة الحجاج في الشهر الأصم ... حتى أراه في ذري صعب أشم
ثم يكون ربّ غير مهتضم
[وفاة حليمة السعدية]
168- قالوا: وقدمت حليمة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد تزوجه خديجة بنت خويلد، فأنزلها وأكرمها. فشكت جدب البلاد وهلاك الماشية. فكلم خديجة فيها. فأعطتها أربعين شاة وبعيرا للظعنة، وصرفها إلى أهلها بخير.
وقدمت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم فتح مكة، وهو بالأبطح، أخت حليمة ومعها أخت زوجها، وأهدت إليه جرابا فيه أقط ونجىّ سمن.
فسأل أخت حليمة عن حليمة. فأخبرته بموتها، فذرفت عيناه. وسألها عمن خلفت. وأخبرته بخلّة وحاجة. فأمر لها بكسوة، وحمل ظعينة، وأعطاها مائتي درهم وافية. وانصرفت وهي تقول: نعم المكفول أنت صغيرا وكبيرا.
169- قالوا: وكانت ثويبة تأتي النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهي مملوكة، فيبرّها
__________
[1] القرآن، الضحى (93/ 7) .
م 7- أنساب الأشراف ج 1(1/95)
ويكرمها. وتكرمها خديجة. وطلبت خديجة إلى أبي لهب أن يبيعها إياها لتعتقها.
فأبى ذلك. فلما هَاجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، أعتقها أبو لهب.
فكان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبعث إليها بالصلة والكسوة، حتى بلغه خبر وفاتها. وكانت وفاتها منصرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من خيبر سنة سبع. فسأل عن ابنها مسروح، أخيه من الرضاع، فقيل له: مات قبلها.
فقال: هل له من قرابة؟ فقيل: لم يبق له أحد. وقالت أم حبيبة بنت أبي سفيان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: بلغني يا رسول اللَّه أنك تخطب درة بنت أبي سلمة بن عبد الأسد. فقال: وكيف، وقد أرضعتني وأباها ثويبة، فإنه يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ.
170- وورث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من أبيه أم أيمن، واسمها بركة، فاعتقها، وخمسة أجمال أوارك، وقطعة غنم، وسيفا مأثورا، وورقا. فكانت أم أيمن تحضنه. ويسميها «أمي» / 43/ وقال بعض الرواة: ورث أم أيمن من أمه، فأعتقها. وقال آخرون: ورث ولاءها من أبيه. وقال قوم:
كانت لأمه، فأعتقها.
171- قالوا: وضم أبو طالب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد موت عبد المطلب.
دخل منزله وإن عياله لفي ضيقة وخلة، لا يكادون يشبعون لقلة ما عندهم.
فكان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أكل معهم، كفاهم ما يجدون من الطعام وأشبعهم حتى يتملّوا. وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أكثر أيامه يصبح فيأتي زمزم، فيشرب منها شربه. فربما عرض عليه الغداء فيقول: لا أريده، أنا شبعان.
[نبوءة للراهب بحيرا]
172- فلما بلغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اثنتي عشرة سنة، عرض لأبي طالب شخوص إلى الشام في تجارة. وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يألفه. فسأله إخراجه معه. فأبى ذلك ضنا به وصيانة له. فاغتم وبكى. فأخرجه. فرآه راهب من علماء الرهبان، يقال له بحيرا، قد أظلته غمامة. فقال لأبي طالب:(1/96)
من هذا منك؟ قال: ابن أخي. فقال: أما ترى هذه الغمامة كيف تظله وتنتقل معه؟ واللَّه إنه لنبي كريم، وإنى لأحسبه الذي بشر به عيسى، فإن زمانه قد قرب. وقد ينبغي لك أن تحتفظ [1] به. فرده أبو طالب إلى مكة.
وذكر بعض الرواة أن أبا طالب أشخص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى الشام وهو ابن تسع سنين. والأول أثبت.
173- قالوا: ولما جاوزت سنو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العشرين، قال له أبو طالب: يا ابن أخي، إن خديجة بنت خويلد امرأة موسرة ذات تجارة عريضة، وهي محتاجة إلى مثلك في أمانتك وطهارتك ووفائك. فلو كلمناها فيك فوكلتك ببعض أمرها وتجارتها. فقال صلى اللَّه عليه وسلم: افعل يا عم ما رأيت. فسعى أبو طالب إليها، فكلمها في توكيل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ببعض تجارتها.
فسارعت إلى ذلك ورغبت فيه، ووجهته إلى الشام ومعه غلام لها وقيم يقال له ميسرة. فلما فرغ مما توجه له وقدم مكة، أخبرها ميسرة بأمانته وطهارته ويمن طائره، وما يقول أهل الكتاب فيه، والذي تعرف من البركة بمكانه معه في كثرة الأرباح وسهولة الأمور. وقال: كنت آكل معه حتى نشبع [2] ويبقى أكثر الطعام كما هو.
[خطبة الرسول ص لخديجة]
174- وقال الكلبي: بعثت خديجة رحمها اللَّه إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن اخطبني إلى عمي عمرو بن أسد بن عبد العزى بن قصي. وكان شيخا كبيرا.
فأمرت بشاة فذبحت، واتخذت [3] طعاما، ودعت عمها عمرا، وبعثت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فأتى ومعه حمزة بن عبد المطلب وأبو طالب، فأكلوا. وسقت عمرا. ثم قالت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: قل لأبي طالب فليخطبني. فخطبها أبو طالب إلى عمرو. فزوجها رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اثنتي عشرة أوقية ونشا. والأوقية أربعون درهما.
175- وقال الواقدي في إسناده: كانت خديجة بنت خويلد امرأة موسرة تاجرة
__________
[1] خ: يحتفظ.
[2] خ: يشبع.
[3] خ: أخذت.(1/97)
ذات مال. فكلمها أبو طالب فِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فوجهته إلى الشام، ومعه ميسرة غلامها. فعرفت خديجة البركة والنماء في مالها على يده.
وأخبرها ميسرة بما كان يقال فيه. وكانت امرأة عاقلة حازمة برزة، مرغوبا فيها لشرفها ويسارها. فدست إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من عرض عليه أن يتزوجها. فرغب في ذلك. فبعثت إليه أن ائت في وقت كذا. وأرسلت إلى عمرو بن أسد، عمها. فحضر، وحضر رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ عمه حمزة وأبو طالب وغيرهما من عمومته. فزوجها إياه عمرو. ومات عمرو بعد تزويجها بقليل. وقال الواقدي: كانت التي [1] سفرت بين رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ 44/ وبين خديجة: نفيسة بنت منية، أخت يعلى بن منية التميمي حليف بني نوفل بن عبد مناف. وأسلمت نفيسة عام الفتح، فذكرت رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كان منها. فبرها وأكرمها.
176- وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِيمَا يَحْسَبُ عَبْدُ الرزاق، عن عروة، عن عائشة، قالت:
دخلت امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا وَاسْتَبْشَرَ بِهَا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، أَقْبَلْتَ عَلَى هَذِهِ السَّوْدَاءِ هَذَا الإِقْبَالَ؟ فَقَالَ: إِنَّهَا كَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى خَدِيجَةَ كَثِيرًا، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الإِيمَانِ.
[تزويج النبي ص خديجة]
177- وتزوج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة، وهي ابنة أربعين سنة. وذلك الثبت عند العلماء. ويقال إنه تزوجها وهي ابنة ست وأربعين سنة، وهو ابن خمس وعشرين سنة. ويقال: تزوجها وهو ابن ثلاث وعشرين سنة، وهي ابنة ثمان [2] وعشرين سنة.
وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، ثنا الْوَاقِدِيُّ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: قال حكيم ابن حِزَامٍ:
تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّتِي خَدِيجَةَ وَهِيَ ابْنَةُ أَرْبَعِينَ، وَرَسُولُ
__________
[1] خ: إلى.
[2] خ: ثماني.(1/98)
اللَّه ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَكَانَتْ أَسَنَّ مِنِّي بِسَنَتَيْنِ. وَوُلِدْتُ أَنَا قَبْلَ الْفِيلِ بِثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَشَهِدْتُ الْفِجَارَ وَأَنَا ابْنُ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً. وَمَاتَ حَكِيمٌ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ، أَوْ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ، وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً.
بناء قريش الكعبة:
178- قالوا: وأتى سيل ملأ ما بين الجبلين، ودخل الكعبة حتى تصدعت.
فعزمت قريش على بنائها من أطيب أموالها وأحلها. فهدمتها، وأعادت بناءها، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ابن خمس وثلاثين سنة. وكانت قريش قد أفردت ببناء كل ربع من أرباع البيت قوما. فكان لبني عبد مناف وبني زهرة ما [1] بين ركن الحجر إلى الركن الأسود، وهو وجه البيت وفيه بابه.
ولبني عبد الدار وبني أسد الشق الذي يلي الشام. ولبني تيم بن مرة وبني مخزوم الشق الذي يلي اليمن ولسهم، وجمح، وعدي، وبني عامر بن لؤي ما بين الركن اليماني والركن الأسود. فبنى كل قوم ما صار لهم. وقيل أيضا إن ما بين الركن اليماني والركن الأسود كان لبني تيم وبني مخزوم، وأن ظهر الكعبة كان لبني جمح وسهم، وأن الشق الشامي كان لبني عبد الدار وبني عدي بن كعب، وأن لبني عبد مناف وبني زهرة الشق الذي فيه الباب، وكان ذلك بقرعة بينهم.
فلما انتهوا إلى موضع الركن الأسود، اختلفوا فيمن يضعه وتشاحوا عليه. فرضوا بأول من يدخل من الباب. فكان أول من دَخَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فقالوا: الأمين، واللَّه. ورضوا بأن وضعه. فبسط رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رداءه، ثم وضع الركن فيه، وقال: ليأت من كل ربع من قريش رجل.
فرفعوه. ثم وضعه بيده في موضعه.
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
لَمَّا انْتَهَوْا إِلَى حَيْثُ مَوْضِعُ الرُّكْنِ الأَسْوَدِ مِنَ الْبَيْتِ اختلفوا فيه. فقال أبو أمية
__________
[1] خ: قوما.(1/99)
ابن الْمُغِيرَةِ، وَاسْمُهُ حُذَيْفَةُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اجْعَلُوا بَيْنَنَا أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَأَشَارَ إِلَى الْبَابِ الَّذِي نَعْرِفُهُ الْيَوْمَ بِبَنِي شَيْبَةَ. فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا رَأَوْهُ، قَالُوا: هَذَا الأَمِينُ رَضِينَا بِهِ. فَبَسَطَ رِدَاءَهُ ثُمَّ وَضَعَ الرُّكْنَ فِيهِ وَقَالَ: لِيَأْتِ مِنْ كُلِّ رَبْعٍ مِنْ أَرْبَاعِ قريش رجل. فرفعوه.
ثم وضعه بيده في موضعه.
179- وقال الواقدى، عن خلد بن القاسم، عن أَبِي تَجْرَاةَ، عَنْ أُمِّهِ، قَالَتْ:
نَظَرْتُ أَنَا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يَضَعُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ. قُلْتُ/ 45/ لِمَنِ الثَّوْبُ الَّذِي حُمِلَ فِيهِ؟ قَالَتْ: لِلْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ.
180- قال الواقدي: ويقال إن الذي أشار بأن يضع الحجر أول من يدخل:
أبو حذيفة بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم. واسمه مهشم. وأن الحجر وضع في كساء طاروني أبيض من نقاع الشام كان للنبي صلى الله عليه وسلم.
فلما وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحجر، احتاج إلى حجر يسند به الركن. فذهب رجل من أهل نجد ليأتيه به، فقال: لا، وأمر العباس ابن عبد المطلب. فأتاه بحجر، فأسنده به. فغضب النجدي، وقال: عمدتم إلى أصغركم سنا، وأقلكم مالا، فوليتموه هذه المكرمة. وكان يقال إنه إبليس.
181- وقال أبو طالب في وضع الركن:
إن لنا أوله وآخره ... في الحكم والعدل الذي تنكره
نحن عمرنا خيره وأكثره ... لما وضعته إذ تماروا حجته
يوم نخلة
182- قالوا: وحضر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ نخلة مع عمومته. وهو أعظم أيام الفجار. وكان من حديث هذا اليوم أن البراض بن قيس، أحد بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، كان خليعا، خلعه قومه. فلحق بأبي قابوس النعمان بن المنذر، ملك الحيرة. وكان النعمان يبعث إلى سوق(1/100)
عكاظ في كل عام لطيمة، في جوار، فتباع له بسوق عكاظ، ويشتري له بثمنها العصب، والبرود، والأدم، وغير ذلك من طرائف اليمن. وعكاظ فيما بين نخلة والطائف. وجهز النعمان لطيمته، وقال: من يجيرها ويجيزها؟ فقال البراض: أبيت اللعن، أنا أجيرها على بني كنانة. فقال النعمان: ما أريد إلا رجلا يجيرها على أهل نجد. فقال عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب، وهو عروة الرحال، وإنما سمي الرحال لرحلته إلى الملوك: أنا أجيرها. فقال البراض: على بني كنانة تجيرها يا عروة؟ قال: نعم، وعلى الناس كلهم، أو كلب خليع يجيرها؟ ثم شخص بها، وشخص البراض وعروة يرى مكانه فلا يكترث به ولا يخشاه. فلما كان إلى جانب فدك، بأرض يقال لها أوارة.
نام الرحال. ووجد البراض فرصته، فشد عليه وقتله وهرب قوّام الركاب وعضاريطها. فاستاق البراض العير، ولقي بشر بن أبي خازم الأسدي الشاعر، فجعل له أربع قلائص على أن يأتي حرب بْن أمية، وعبد اللَّه بْن جُدعان، وهشاما، والوليد ابني المغيرة المخزوميين أن البراض قتل عروة. وحذره أن يسبق الخبر إلى قومه، فيكتموه ويقتلوا به رجلا من قريش عظيما، لأنهم لا يرضون أن يقتلوا به خليعا من بني ضمرة. فمر بهم الحليس بن يزيد الدؤلي- وقال الكلبي: هو الحليس بن علقمة بن عمرو بن الأوقح بن جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة- وأخبروه بما ألقى إليه بشر بن أبي خازم، وكتموا الخبر، وارتحلوا على تعبية ومعهم الأحابيش (وهم بنو الدئل، والقارة، وبطون من خزاعة) . وكان حرب بن أمية في القلب، وعبد الله بن جدعان في إحدى المجنبتين، وهشام بن المغيرة في الأخرى. فبلغ الخبر عامر بن مالك في آخر النهار، فركب فيمن حضر عكاظ من هوازن يريد القوم. فأدركهم بنخلة.
فاقتتلوا، حتى دخلت قريش الحرم، وجن عليهم الليل.
183- وفي يوم نخلة يقول خداش بن زهير [1] :
يا شدة ما شددنا غير كاذبة ... على سخينة لولا الليل والحرم
__________
[1] مصعب الزبيري، ص 300، العقد لابن عبد ربه، 3: 92 (ص في الأول:
«لولا اللَّه» والتصحيح عن العقد. وفي الثانى: «تثقفنا هشاما سادة» ، والتصحيح عن مصعب) .(1/101)
إذ يتقينا هشام بالوليد ولو ... أنا ثقفنا هشاما شالت الجذم
فإن سمعت بجيش سالكا شرفا ... أو بطن مر فاخفوا الشخص واكتتموا
/ 46/ وقال البراض:
فقمت على المرء الكلابي فخرة ... وكنت قديما لا أقر فخارا
علوت بحد السيف مفرق رأسه ... فأسمع أهل الواديين خوارا [1]
وقدم البراض مكة باللطيمة، فكان يأكلها.
يوم شمطة
184- قالوا: ثم إن قريشا وبني كنانة لقوا هوازن بشمطة [2] . وعلى بنى هشام:
الزبير بن عبد المطلب، وعلى بني عبد شمس وأحلافها: حرب بن أمية، وعلى بني عبد الدار وحلفائها: عكرمة بن هاشم، وعلى بني أسد بن عبد العزى:
خويلد بن أسد، وعلى بني زهرة: مخرمة بن نوفل، وعلى بني تيم: أبن جدعان، وعلى بني مخزوم: هشام [3] بن المغيرة، وعلى بني سهم: العاص بن وائل، وعلى بني جمح: أمية بن خلف، وعلى بني عدي: زيد بن عمرو بن نفيل، وعلى بني عامر بن لؤي: عمرو بن عبد شمس (أبو سهيل بن عمرو) ، وعلى بني فهر: عبد اللَّه بن الجراح (أبو [4] أبي عبيدة) ، وعلى بني بكر: بلعاء [5] بن قيس، وعلى الأحابيش: الحليس الكناني. فالتقوا. فكانت أول النهار على هوازن، فصبروا. ثم استحر القتل في قريش، وانهزم الناس. فقال خداش:
فأبلغ إن عرضت لهم هشاما ... وعبد اللَّه أبلغ والوليدا
بأنا يوم شمطة قد أقمنا ... عمود المجد إن له عمودا
__________
[1] خ: جوارا.
[2] هي شمطة شمطة (بالظاء المعجمة) كما ذكره ياقوت.
[3] خ: هاشم (والتصحيح عن المحبر، ص 170) .
[4] خ: ابن.
[5] راجع أيضا البلاذري في نسب بلعاء بن قيس (مخطوطة الأنساب 2/ 700) .(1/102)
فيقال أن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حضر هذين اليومين مع عمومته، يحفظ عليهم ويناولهم النبل. وبلغني عن الزهري أنه قال: لم يكن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم معهم، ولو كان معهم لظهروا، ولكنه كان معهم يوم عكاظ وكان لقريش. وقال هشام بن الكلبي: كان يوم نخلة، وللنبي صلى اللَّه عليه وسلم عشرون سنة أو أشف منها. وذلك لثلاث سنين من ولاية أبى قابوس النعمان ابن المنذر الحيرة. ومن قال إنه صلى اللَّه عليه وسلم كان ابن أربع عشرة سنة فقد غلط. وقال: كان ملك النعمان بن المنذر اثنتين وعشرين سنة. وكان ملك الفرس يوم نخلة كسرى بن هرمز إبرويز الذي ملك ثمانيا وثلاثين سنة وأشهرا. وكان مولد النبي صلى اللَّه عليه وسلم لأربعين سنة من ملك أنوشروان.
ثم ملك بعد أنوشروان هرمز بن أنوشروان اثنتي عشرة سنة. ثم ملك إبرويز هذا. فبعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعشرين سنة إلا شهرا من ملكه.
185- وقال الواقدي: قال أصحابنا: بين الفيل والفجار عشرون سنة. وبين الفجار وبناء الكعبة خمس عشرة سنة. وبين بناء الكعبة ونزول الوحي على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خمس سنين. فوضع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الركن وهو ابن خمس وثلاثين سنة. ومن قال غير هذا فقد غلط.
186- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ بُخْتٍ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ:
أَسْلَمْتُ وَأَنَا ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَوُلِدْتُ [2] عَامَ الْفِجَارِ.
مبعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
187- قَالُوا: وبعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وله أربعون سنة. وذلك في ملك
__________
[1] ابن سعد، 3 (1) / 98 حيث: «أسلمت وأنا ابن سبع عشرة سنة» ، ولم يرد الباقى
[2] خ: فمات.(1/103)
إبرويز. وعلى الحيرة إياس بن قبيصة بن أبي عفر الطائي الذي ملك بعد النعمان ابن المنذر. وكان النعمان قتل بالمدائن.
188- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد اللَّه، عن أبي جعفر قال:
نزل جبريل عَلَى النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الاثنين لسبع عشرة ليلة [2] خلت من شهر رمضان، بحراء، ورسول اللَّه/ 47/ صلى اللَّه عليه وسلم ابن أربعين سنة. وكان قبل ذلك يرى ويسمع.
189- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ علي بن محمد بن عبيد اللَّه، عن منصور بن عبيد اللَّه عن أمه عزيزة بنت أبي تجراة:
أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان، حين أراد اللَّه كرامته وابتداءه بالنبوة، إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يرى بيتا ويفضي إلى الشعاب والأودية.
فلا يمر بشجرة إلا قالت: «السلام عليك يا رسول اللَّه» ، فيلتفت عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى أحدا.
190- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [4] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
بَيْنَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَجْيَادَ إِذْ رَأَى مَلَكًا وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، يَصِيحُ: «يَا مُحَمَّدُ، أَنَا جِبْرِيلُ» . فَذُعِرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَجَعَ سَرِيعًا إِلَى خَدِيجَةَ. [فَقَالَ: إِنِّي لأَخْشَى أن أكون كاهنا.] قالت: كلا، يابن عَمَّ، لا تَقُلْ ذَاكَ، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتُؤَدِّي الأَمَانَةَ وَإِنَّ خُلُقَكَ لَكَرِيمٌ.
__________
[1] ابن سعد، 1 (1) / 129. (خ: ابن أبى سيرة) .
[2] خ: لثلاثة.
[3] لم نجد هذه الرواية في الطبقات.
[4] ابن سعد، 1 (1) / 129.(1/104)
191- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ.
فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلا كَانَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ. وَحُبِّبَتْ إِلَيْهِ الْخُلْوَةُ. فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءَ، فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ- وَالتَّحَنُّثُ التَّعَبُّدُ وَالتَّبَرُّرُ- وَيَمْكُثُ اللَّيَالِيَ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ. ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَيَتَزَوَّدُ. حَتَّى فَجَأَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءَ. وَعُرِضَ لَهُ جِبْرِيلُ لَيْلَةَ السَّبْتِ وَلَيْلَةَ الأَحَدِ. ثُمَّ أَتَاهُ بِالرِّسَالَةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ: وَرَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
192- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
كَانَتْ قُرَيْشٌ إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ، خَرَجَ مَنْ يُرِيدُ التَّحَنُّثَ مِنْهَا إِلَى حِرَاءَ، فَيُقِيمُ فِيهِ شَهْرًا، وَيُطْعِمُ مَنْ يَأْتِيهِ مِنَ الْمَسَاكِينِ. حَتَّى إِذَا رَأَوْا هِلالَ شَوَّالٍ، لَمْ يَدْخُلِ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ أُسْبُوعًا [2] . فَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.
193- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ السَّلُولِيُّ [3] ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن إِسْحَاقَ [4] ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مَيْسَرَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلَ مَا بُعِثَ، يُدْعَى: «يَا مُحَمَّدُ» ، وَلا يَرَى شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ يَسْمَعُ الصَّوْتَ، فَيَهْرُبُ مِنْهُ فِي الأَرْضِ، قَالَ: فَذَكَرَ ذَلِكَ لِخَدِيجَةَ ابْنَةِ خُوَيْلِدٍ، وَقَالَ: خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عُرِضَ لِي أَمْرٌ.
قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إِذَا خَلَوْتُ، دعيت فأسمع صوتا ولا أرى شيئا
__________
[1] ابن سعد، 1 (1) / 129.
[2] أى سبع مرات.
[3] خ: السباولى (والتصحيح عن تهذيب التهذيب لابن حجر) .
[4] ليس عند ابن هشام ولا الطبرى، ولكن ذكره السهيلي (1/ 157) عن ابن إسحاق.(1/105)
فَقَدْ خَشِيتُ. قَالَتْ: مَا كَانَ اللَّه [1] لِيَفْعَلَ بِكَ سُوءًا، إِنَّكَ لَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتُؤَدِّي الأَمَانَةَ. ثُمَّ إِنَّ خَدِيجَةَ قَالَتْ لأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: انْطَلِقْ مَعَ مُحَمَّدٍ إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ يَقْرَأُ الْكُتُبَ [2] ، فَلْيَذْكُرْ لَهُ مَا يَسْمَعُ. فَانْطَلَقَا، حَتَّى أَتَيَا وَرَقَةَ. [فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: إِنِّي إِذَا خَلَوْتُ، دُعِيتُ «يَا مُحَمَّدُ» ، فَأَسْمَعُ صَوْتًا وَلا أَرَى شَيْئًا.] قَالَ لَهُ وَرَقَةٌ: لَيْسَ عَلَيْكَ بَأْسٌ، فَإِذَا دُعِيتَ فَاثْبُتْ، حَتَّى تَسْمَعَ مَا يُقَالُ لَكَ، فَتَثَبَّتَ لِلصَّوْتِ. فَقَالَ له: قل: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» . فقال: بسم اللَّه الرحمن الرحيم. فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ قَالَ: قُلِ «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ. حَتَّى خَتَمَهَا [3] ، فَقَالَ لَهُ: قُلْ «آمِينَ» . ثُمَّ رَجِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَرَقَةَ. فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ النَّبِيُّ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، وَأَنَّكَ الَّذِي نَجِدُ فِي الْكِتَابِ، وَإِنَّكَ لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلَتُؤْمَرَنَّ بِالْقِتَالِ، وَلَئِنْ طَالَتْ لي [4] الْحَيَاةُ، لأُقَاتِلَنَّ مَعَكَ.
194- قال الكلبي: هو ورقة بْن نوفل بْن أسد بْن عَبْد العزى/ 48/ بن قصي تنصر حتى استحكمت نصرانيته. ثم خرج إلى الشام. فمات هناك. وقال بعضهم: مات بمكة بعد المبعث، ودفن بها.
195- وقال الواقدى: أقام ورقة على النصرانية، فكان يدعا القس. وعاش حتى بعث النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فلقيه ببعض طرق مكة، فقال له:
يا محمد، إنه لم يبعث نبي إلا له آية وعلامة، فما آيتك؟ فدعى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سمرة، فأقبلت تخد الأرض خدا. فقال ورقة: أشهد لئن أمرت بالقتال، لأقاتلن معك ولأنصرنك نصرا مؤبدا. ثم مات. [فقال
__________
[1] خ: ابيه.
[2] ورقة، كان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب بالعبرانية من الإنجيل ما شاء أن يكتب» . البخارى، كتاب بدء الوحى (وكذلك في الأغانى 3/ 14، أما في تفسير سورة العلق وفي كتاب تعبير الرؤيا، فروى: العربي والعربية.
[3] القرآن، الفاتحة (1/ 1- 7) .
[4] خ: في.(1/106)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت القس وعليه حلة خضراء يرفل في الجنة] .
وقال الواقدي: أثبت خبره أنه خرج إلى الشام. فلما بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قد أمر بالقتال بعد الهجرة، أقبل يريده. حتى إذا كان ببلاد لخم وجذام، قتلوه وأخذوا ما كان معه. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يترحم عليه.
196- قال أحمد بن يحيى: وقد روي أن الحمد مدنية.
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف الفاريابي، ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال:
أنزلت فاتحة الكتاب [1] بالمدينة.
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ منصور، عن مجاهد بمثله.
وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
إِنَّ إِبْلِيسَ أَرِنَ حِينَ نَزَلَتْ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ. قَالَ: وَأُنْزِلَتْ بِالْمَدِينَةِ. قَالَ:
وَقَالَ أَبُو الأحوص: ويقال إنها مكية.
[أول آية نزلت]
197- وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو خَيْثَمَةَ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ:
سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ:
سألت أبا سلمة أى القرآن أنزل قبل؟ فقال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [2] . فقلت لأبى سلمة: أو اقرأ فَقَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، أَيُّ القرآن أنزل قبل؟، فقال: «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ» . فقلت: أو اقرأ؟ قَالَ جَابِرٌ: أُحَدِّثُكُمْ مَا حَدَّثَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
جَاوَرْتُ بِحِرَاءَ شَهْرًا، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ الْوَادِيَ، فَنُودِيتُ، فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شمالى، فلم أر أحدا، ثم نوديت،
__________
[1] القرآن، الفاتحة (1/ 1- 7) .
[2] القرآن، المدثر (74/ 1) .
[3] القرآن، العلق (96/ 1) .(1/107)
فنظرت، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، ثُمَّ نُودِيتُ الثَّالِثَةَ، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، ثُمَّ نُودِيتُ فَإِذَا هُوَ فِي الْهَوَاءِ. يَعْنِي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ- فَأَخَذَتْنِي رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ، فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ، فَقُلْتُ: «دَثِّرُونِي، دَثِّرُونِي» ، فَدَثَّرُونِي، وصبوا علىّ الماء، فأنزل الله «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ] » .
198- حَدَّثَنِي شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ أَبُو الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ [1] ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: فَتَرَ الْوَحْيُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ أَوَّلُ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي- إِلَى قَوْلِهِ «مَا لَمْ يَعْلَمْ [2] » - فَلَمَّا فَتَرَ، حَزِنَ حُزْنًا شَدِيدًا حَتَّى جَعَلَ يَأْتِي رُءُوسَ الْجِبَالِ مِرَارًا، فَكُلَّمَا أَوْفَى عَلَى ذِرْوَةِ جَبَلٍ، بَدَا لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَيَقُولُ: «إِنَّكَ نَبِيٌّ» ، فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ وَتَرْجِعُ إِلَيْهِ نَفْسُهُ.
فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي يَوْمًا إِذْ رَأَيْتُ الْمَلَكَ الَّذِي كَانَ يأتى بحراء، بين السماء والأرض، فجشئت مِنْهُ رُعْبًا:
فَرَجَعْتُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي. قالت خديجة: فدثرناه. فأنزل الله:
«يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ» .
199- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا حَجَّاجُ بْن مُحَمَّد، عَنِ ابْن جريج، عَنْ مجاهد، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ من القرآن: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. قَالَ حَجَّاجٌ:
ثُمَّ اخْتَلَفْنَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ كُلُّهَا بِحِرَاءٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفٌ هُنَاكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَ مِنْهَا إلى قوله «ما لَمْ يَعْلَمْ» ، وَنَزَلَ بَاقِيهَا بَعْدَ مَا شَاءَ اللَّهُ.
200- حدثنا محمد بن حاتم، ثنا حفص (بن) غياث، ثنا الشيباني، قال محمد [3]- يعني سليمان بن أبي سليمان- عن عبد الله بن شداد، قال:
أول سورة نزلت من القرآن/ 49/ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ» ، ثم أبطأ عنه التنزيل
__________
[1] خ: أبو سفيان.
[2] القرآن، العلق (96/ 1- 5) .
[3] أى محمد بن حاتم الراوي. يقول: المراد بالشيبانى هو سليمان بن أبى سليمان.(1/108)
بعض الإبطاء، فقال كفار قريش: ودعه ربه وقلاه. فنزلت «وَالضُّحى [1] » ، إلى آخر السورة.
201- وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.
[عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بحراء، بين السماء والأرض، فجشئت منه رهبا. فأتيت خديجة فقلت: «زمّلونى زملوني» ، فنزلت «يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [2] » والثبت أَنَّهُ قَالَ «دَثِّرُونِي» لِلرَّوْعِ الَّذِي دَخَلَهُ، فَنَزَلَتْ «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [3]] » وإنما نزلت يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ بَعْدُ، حِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَقُومَ مِنَ اللَّيْلِ [4] .
202- وروى الواقدي، عن عيسى بن وردان، عن أبى كريب، عن أبيه، أنه وجد في كتاب ابن عباس: أول السور المكية اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، ثم ن وَالْقَلَمِ، ثم يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، ثم المزمل.
203- حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ:
سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ فَقُلْتُ: أى القرآن أنزل أولا؟ قال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُلْتُ: وَأَيُّ أَوْلِ سُورَةٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ أَوَّلا؟ قَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [5] .
وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عبد الله الأنصارى فقلت: أى القرآن أنزل أولا؟ قال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. فقلت له: (و) أَيُّ أَوَّلِ سُورَةٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ أَوَّلا؟ قَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. وَقَالَ جَابِرٌ: [حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: جَاوَرْتُ فِي حِرَاءَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ جواري، نزلت فاستبطنت الوادى، فنودي، فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فلم أر شيئا.
__________
[1] القرآن، الضحى (93/ 1- 11) .
[2] القرآن، المزمل (73/ 1) .
[3] القرآن، المدثر (74/ 1) .
[4] القرآن، المزمل (73/ 1، 30) .
[5] القرآن، العلق (96/ 1) .(1/109)
فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِهِ- يَعْنِي الْمَلَكَ- بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. فَانْطَلَقْتُ إِلَى خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: «دَثِّرُونِي» ، فدثرونى وصبّوا علىّ ماء، فأنزلت «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ] » .
204- حدثني روح بن عبد المؤمن المقرى، ثنا مسلم بن إبراهيم، عن قرة بن خالد، ثنا أبو رجاء العطاردي قال:
كان أبو موسى الأشعري يطوف علينا في هذا المسجد- يعني مسجد البصرة- يقرئنا القرآن. وعنه أخذت هذه السورة: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. وكانت أول سورة أنزلت عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
205- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الهيثم، ثنا عمرو بن عاصم، عن هشام بن [1] الكلبي، عن أبى صالح قال أول ما نزل من القرآن اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، حتى بلغ إلى «الرجعى [2] » .
ثم نزلت يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [3] ، ثم ثلاث آيات من ن [4] .
206- حدثني يحيى بن معين، ثنا وكيع، ثنا سفيان، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أول ما نزل من القرآن اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، ثم ن وَالْقَلَمِ.
207- حدثنا محمد بن حاتم السمين، ثنا وكيع وعبد الرحمن بن مهدي، قالا ثنا شعبة، عن عمرو بن دينار، عن عبيد بن عمير قال:
أول ما نزل من القرآن اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ.
208- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ:
جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُورَةِ رَجُلٍ، فَقَالَ لَهُ:
اقْرَأْ. قَالَ: وَمَا أَقْرَأُ؟ قَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، إِلَى قَوْلِهِ «مَا لَمْ يَعْلَمْ» .
__________
[1] خ: همام أنبأ الكلبى.
[2] القرآن، العلق (96/ 1- 8) .
[3] القرآن: المدثر (84/ 1) .
[4] القرآن، القلم (68/ 1- 3) . والرسم المأثور هو «ن» .(1/110)
[الوضوء والصلاة]
209- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ [1] عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالْكَلْبِيِّ قَالُوا:
عَلَّمَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء، والصلاة، واقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خلق. فَأَتَى خَدِيجَةَ زَوْجَتَهُ، فَأَخْبَرَهَا بِمَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهِ.
وَعَلَّمَهَا الْوُضُوءَ، فَصَلَّتْ مَعَهُ. فَكَانَتْ أَوَّلَ مَنْ خَلَقَ اللَّهُ صَلَّى مَعَهُ.
210- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ/ 50/ بْنِ قَيْسٍ قَالَ:
فَحَصَ جِبْرِيلُ بِعَقَبَةِ الأَرْضِ، فَنَبَعَ مَاءٌ، فَعَلَّمَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوُضُوءَ، فَمَضْمَضَ ثُمَّ اسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ نَضَحَ تَحْتَ إِزَارِهِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْرُورًا، فَجَاءَ إِلَى خَدِيجَةَ فحدثها وأراها مَا أَرَاهُ جِبْرِيلُ. ثُمَّ صَلَّتْ مَعَهُ رَكْعَتَيْنِ.
211- حدثني محمد بن سعد [2] ، عن الواقدي، عن نَجِيحٍ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ:
أَنَّ خَدِيجَةَ لَمَّا أَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهَا بِمَا بُدِئَ بِهِ، جَمَعَتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا، وَأَتَتْ وَرَقَةَ فَحَدَّثَتْهُ حَدِيثَهُ وَقَالَتْ لَهُ: مَا جِبْرِيلُ؟
فَقَالَ وَرَقَةُ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْقُدُّوسِ، جِبْرِيلُ نَامُوسُ اللَّهِ الأَكْبَرُ وَسَفِيرُهُ إِلَى أَنْبِيَائِهِ، لَئِنْ كَانَ صَاحِبُكِ رَأَى هَذِهِ الرُّؤْيَا، إِنَّهُ لَنَبِيٌّ، لَوَدِدْتُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَأَكُونَ لَهُ وَزِيرًا، وَابْنَ عَمٍّ. ثُمَّ خَرَجَتْ، فحدثت عَلَى عَدَّاسٍ، غُلامِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، فَقَالَتْ: يَا عَدَّاسُ أَخْبِرْنِي عَنْ جِبْرِيلَ، فَقَالَ:
«قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، وَمَا ذِكْرُ جِبْرِيلَ فِي هَذَا الْبَلَدِ الَّذِي أَهْلُهُ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ؟
جِبْرِيلُ نَامُوسُ اللَّهِ الأَكْبَرُ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ إِلا إِلَى نَبِيٍّ» . فَرَجَعَتْ، فَأَخْبَرَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قال الرَّجُلانِ، وَبَشَّرَتْهُ بِذَلِكَ.
212- وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، أنبأ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ:
قُلْتُ يَا با سَعِيدٍ، هَلْ أُرِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رؤيا النبوة؟
__________
[1] خ: أبى سفيان.
[2] ابن سعد، 1 (1) / 130) .(1/111)
فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَكِنَّهُ رَأَى [1] النُّورَ الَّذِي رآه، عليه السلام.
[إسلام علي ع]
213- وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي أنه قال:
أجمع أصحابنا أن أول المسلمين استجاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد، ثم اختلفوا في ثلاثة نفر أيهم أسلم، أولا، وهم علي وأبو بكر وزيد بن حارثة.
214- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أنس، وعن الواقدي، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ:
أَنَّ أول من أسلم من الرجال زَيْد بْن حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم أسلم الناس بعده.
215- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ:
أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ.
216- حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا شُعْبَةُ، أنبأ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ مَوْلَى الأَنْصَارِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ:
أَوَّلُ مَنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
217- وَحَدَّثَنِي هشام بن عمار، ثنا محمد بن عيسى بن سميع، عن ابن أبي ذئب، عن الزُّهْرِيِّ، عَنِ (ابْنِ) الْمُسَيِّبِ قَالَ:
أَوَّلُ النِّسَاءِ إِسْلامًا خَدِيجَةُ، وَمِنَ الرِّجَالِ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ.
218- وقال الواقدي: رأى علي النبي صلى الله عليه وسلم تصلي معه خديجة، فقال: ما هذا يَا مُحَمَّدُ؟ [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: يا علي هذا دين الله الذي اصطفاه واختاره، وأنا أدعوك إلى الله وحده، وأن تذر اللات والعزى فإنهما لا تنفعان ولا تضرّان] [2] . [فقال علي: ما سمعت بهذا الدين إلى اليوم،
__________
[1] خ: ولكسر اى النور.
[2] خ: لا ينفعان ولا يضران.(1/112)
وأنا أستأمر أبي فيه.] فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يفشي ذلك قبل استعلان أمره. فقال: يا علي، إن فعلت ما قلت لك، وإلا فاكتم ما رأيت. فمضى ليلته. ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: أعد علي ما قلت.
فأعاده. فأسلم، ومكث يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي معه على خوف من أبي طالب. وكان هو وزيد بن حارثة يلزمان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فكان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرج إلى الكعبة أول النهار ويصلي صلاة الضحى. وكانت تلك صلاة لا تنكرها قريش. وكان إذا صلى في سائر اليوم، بعد ذلك، قعد علي أو زيد يرصد له. وأن أبا طالب فقد عليا، فقالت له فاطمة بنت/ 51/ أسد، أمه: قد رأيته يلزم محمدا، وأنا أخاف أن يأتيك من قبل محمد في أمر ابنك ما لا تطيقه [1] . فقال: ما كان ابنى ليغتاب علي بأمر. واتبع أبو طالب أثر النبي صلى الله عليه وسلم وأثر علي، فوجدهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر في شعب أبي دب أو غيره، وعلي ينظر له. فقال لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما هذا الدين يا محمد؟ [قال:
دين الله الذي بعثني به.] فدعاه إلى التوحيد وترك عبادة الأوثان. فقال أبو طالب:
«أما دين آبائي، فإن نفسي غير مشايعة على تركه، وما كنت لأترك ما كان عليه عبد المطلب، ولكن انظر الذى بعثت به فأقم عليه، فو الله لا أسلمتكما ما كنت حيا حتى يتم الذي تريد.» وقال لعلي: «أما أنت يا بني، فما بك رغبة في الدخول فيما دخل فيه ابن عمك» . فاشتد ظَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسر بقول أبي طالب. وأتى أبو طالب منزله، فقالت له امرأته: أين ابنك؟ قال: وما تصنعين به؟ قالت: أخبرتني مولاتي أنها رأته مع محمد وهما يصليان في شعب بأجياد، أفترى ابنك صبأ؟ قال أبو طالب: اسكتي، ودعي عنك هذا، فهو والله أحق من آزر ابن عمه. ولولا أن نفسي لا تطاوعني على ترك دين عبد المطلب، لا تبعت محمدا، فإنه الحليم الأمين الطاهر.
فسكنت. وبلغ قريشا، فراعهم وكبر عليهم.
219- وقال الواقدي: صلى علي عليه السلام وله إحدى عشرة سنة، وذلك الثبت
__________
[1] خ: يطيقه ... ليفتات.(1/113)
ويقال إنه صلى ابن عشر. ويقال ابن تسع. ويقال سبع. وقال ابن الكلبي:
صلى وهو ابن إحدى عشرة سنة، وقتل وله ثلاث وستون سنة، وذلك في سنة أربعين.
220- حَدَّثَنِي شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخٍ الأُبُلِّيُّ [1] ، ثنا جَرِيرُ بن حازم، عن الزبير بن الحريث، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
أَقَامَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فأقام بها عشر سنين.
221- وحدثنى عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا الْحُسَيْنُ الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ:
أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ مَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَقُبِضَ وَلَهُ ثَلاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً.
222- وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالا ثنا عَبَدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:
أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً.
223- وَحَدَّثَنِي شَيْبَانُ، ثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، بِمِثْلِهِ.
224- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عن خالد بن عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ أَرْبَعِينَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَقُبِضَ وَلَهُ خَمْسٌ وَسِتُّونَ سنة.
__________
[1] خ: الأيلي (والتصحيح عن تهذيب التهذيب لابن حجر) .(1/114)
225- حَدَّثَنَا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عن خالد بن عَمَّارٍ، عَنِ، ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِهِ.
226- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ أَرْبَعِينَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا، وَتُوُفِّيَ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ.
وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا الْحُسَيْنُ الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بِمِثْلِهِ.
وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الزَّاهِدُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ بِمِثْلِهِ.
227- وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عن جده، محمد بن السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ قَالَ: بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن أربعين سنة/ 52/ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ (سَنَةً) ، وَأَقَامَ بَاقِيَ عُمْرِهِ بِالْمَدِينَةِ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً وَنِصْفِ سَنَةٍ.
دعاء رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
228- حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ [1] وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنِي مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرًّا، وَهَجَرَ الأَوْثَانَ، فَاسْتَجَابَ لَهُ أَحْدَاثٌ مِنَ الرِّجَالِ وَضُعَفَاءُ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى كَثُرَ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَكُفَّارُ قُرَيْشٍ مِنْ وُجُوهِهَا غَيْرُ مُنْكِرِينَ لِمَا يَقُولُ. وَكَانَ إِذَا مَرَّ عَلَيْهِمْ فِي مَجَالِسِهِمْ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ، وَيَقُولُونَ: غُلامُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يُكَلَّمُ مِنَ السَّمَاءِ. فَلَمْ يزالوا كذلك
__________
[1] خ: الوليد بن سعد ومحمد بن صالح.
[2] ابن سعد: 1 (1) / 133.(1/115)
حَتَّى أَظْهَرَ عَيْبَ آلِهَتِهِمْ وَأَخْبَرَ أَنَّ آبَاءَهُمْ مَاتُوا عَلَى كُفْرٍ وَضَلالٍ وَأَنَّهُمْ فِي النَّارِ.
فَشَنِفُوا لَهُ، وَأَبْغَضُوهُ وَعَادَوْهُ وَآذَوْهُ.
229- قَالا: وَحَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، عَنْ جَارِيَةَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الْقَاسِم، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
كَانَ بَيْنَ أَنْ نَزَلَتِ النُّبُوَّةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ أَمَرَ بِإِظْهَارِ الدُّعَاءِ ثَلاثُ سِنِينَ. فَكَانَ دُعَاؤُهُ ثَلاثَ سِنِينَ مُسْتَخْفِيًا.
قَالا: وَحَدَّثَنَا عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عن الزهري، عن عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ:
دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرًّا أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ أَعْلَنَ الدُّعَاءَ.
قَالا: وَحَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ يَقُولُ:
اسْتَخْفَيْنَا بِالإِسْلامِ سَنَةً مَا نُصَلِّي إِلا فِي بَيْتٍ مُغْلَقٍ، أَوْ شِعْبٍ خَالٍ، يَنْظُرُ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ.
230- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ (سعد بن أبى وقاص) قَالَ:
خَرَجْتُ أَنَا، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَخَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ إِلَى شِعْبِ أَبِي دُبٍّ نَتَوَضَّأُ وَنُصَلِّي، وَنَحْنُ مُسْتَخْفُونَ.
فَظَهَرَ عَلَيْنَا نَفَرٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ كَانُوا يَرْصُدُونَنَا فَاتَّبَعُوا آثَارَنَا: أَبُو سفيان ابن حَرْبٍ، وَالأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. فَعَابُوا عَلَيْنَا، وَأَنْكَرُوا فِعْلَنَا حَتَّى بَطَشُوا بِنَا. فَأَخَذْتُ لَحْيَ جَمَلٍ. فَأَضْرِبُ بِهِ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَشُجُّهُ شَجَّةً أَوْضَحَتْ. وَانْكَسَرَ الْمُشْرِكُونَ، وَقَوِيَ أَصْحَابِي. فَطَرَدْنَاهُمْ حَتَّى خَرَجُوا مِنَ الشِّعْبِ. فَكُنْتُ أَوَّلَ مِنْ هَرَاقَ دَمًا (فِي) الإِسْلامِ.
231- وَحَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ [1] ، عَنْ أشياخهم قال:
كان سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل يرى [2] أباه يذم دين قريش،
__________
[1] لم نجد رواية سعيد في كتاب نسب قريش لمصعب.
[2] راجع للأشعار ابن هشام، ص 147- 148، الأغانى: 3/ 15، كتاب مصعب الزبيري، ص 364. «الخال» ، الخيلاء. «المهجر» من سافر في الهاجرة عند شدة حر الشمس- عند ابن هشام: ليس مهجن- «قال» من نام للقيلولة. البيت الثانى، خ: إبراهيم، مصعب: إبراهيم ... البيت الثالث، خ: شاجم- والتصحيح عن مصعب وابن هشام-: وعند ابن هشام: إذ قال أنفى لك اللهم عان، وعند مصعب نفى لرب البيت عان) .(1/116)
وأسلم حِينَ بُعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان أبوه قد أخرجته قريش من مكة، فكان يستقبل البيت ثم يقول: لبيك حقا حقا، تعبدا ورقا، البر أرجو لا الخال، هل مهجر كمن قال؟
عذت بما عاذ به أبرهم ... مستقبل الكعبة وَهُوَ قائم
يَقُول أنفي لك عان راغم ... مهما تجشمني فإني جاشم
ثُمَّ يخر ساجدا
[الصلوات الخمس]
232- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْوَلِيدُ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ بُخْتٍ، عَنْ عُمَيْرَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عَزِيزَةَ بِنْتِ أَبِي تِجْرَاةَ قَالَتْ:
كَانَتْ قُرَيْشٌ لا تُنْكِرُ غَيْرَهَا [1] . وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا جَاءَ وَقْتُ الْعَصْرِ، تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ فَصَلُّوا، فُرَادَى وَمَثْنَى. فَبَيْنَا طيلب بْنُ عُمَيْرٍ وَحَاطِبُ بْنُ عَمْرٍو يُصَلِّيَانِ فِي شِعْبٍ بِأَجْيَادَ الأَصْغَرِ إِذْ هَجَمَ عَلَيْهِمَا ابْنُ الأَصْدَاءِ وَابْنُ الْغَيْطَلَةِ، وَكَانَا فَاحِشَيْنِ، فَبَاطَشُوهُمَا وَرَمَوْهُمَا بِالْحِجَارَةِ سَاعَةً حَتَّى خَرَجَا فَانْصَرَفَا.
233- قال الواقدي: كانوا يصلون الضحى والعصر، ثم نزلت [2] الصلوات الخمس قبل الهجرة. وكانت الصلاة ركعتين ركعتين، ثم نزل إتمامها بالمدينة للمقيم، وبقيت صلاة المسافر ركعتين ركعتين.
[محمد ص ينذر عشيرته]
234- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد، عَنِ الْوَاقِدِيِّ/ 53/ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ قَالَ:
لَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ، وَصَدَعَ بِمَا أمره الله به،
__________
[1] كذا في الأصل. راجع أواسط الفقرة 218، أعلاه.
[2] كأنه إشارة إلى القرآن، طه (20/ 130) حيث ذكر الصلوات الخمس.(1/117)
وَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ عَلَى عَدَاوَتِهِ وَخِلافِهِ، وَحَدَبَ عَلَيْهِ أَبُو طَالِبٍ وَقَامَ دُونَهُ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُظْهِرًا لأَمْرِهِ لا يُعْتِبُهُمْ مِنْ شَيْءٍ أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ مِنْ عَيْبِ آلِهَتِهِمْ، اشْتَدُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
235- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عُمَرَ ابن عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْحَكَمِ قَالَ:
لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [1] ، اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَضَاقَ بِهِ ذَرْعًا. فَمَكَثَ شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ، حَتَّى ظَنَّ عَمَّاتُهُ أَنَّهُ شَاكٍ، فَدَخَلْنَ عَلَيْهِ عَائِدَاتٍ، فَقَالَ: مَا اشْتَكَيْتُ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُنْذِرَ عَشِيرَتِي الأَقْرَبِينَ، فَأَرَدْتُ جَمْعَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لأَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ. قُلْنَ: فَادْعُوهُمْ، وَلا تَجْعَلْ عَبْدَ الْعُزَّى فِيهِمْ- يَعْنِينَ أَبَا لَهَبٍ- فَإِنَّهُ غَيْرُ مُجِيبِكَ إِلَى مَا تَدْعُوهُ إِلَيْهِ. وَخَرَجْنَ مِنْ عِنْدِهِ، وَهُنَّ يَقُلْنَ: إِنَّمَا نَحْنُ نِسَاءٌ.
فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَ إِلَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَحَضَرُوا وَمَعَهُمْ عِدَّةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَجَمِيعُهُمْ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلا. وَسَارَعَ إِلَيْهِ أَبُو لَهَبٍ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ يُرِيدَ أَنْ يَنْزِعَ عَمَّا يَكْرَهُونَ إِلَى مَا يُحَبِّوُنَ. فَلَمَّا اجْتَمَعُوا، قَالَ أَبُو لَهَبٍ: «هَؤُلاءِ عُمُومَتُكَ وَبَنُو عمك، فتكلم لما تُرِيدُ، وَدَعِ الصَّلاةَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَتْ لِقَوْمِكَ بِالْعَرَبِ قَاطِبَةً طَاقَةٌ. وَأَنَّ أَحَقَّ مَنْ أَخَذَكَ فَحَبَسَكَ أُسْرَتُكَ وَبَنُو أَبِيكَ إِنْ أَقَمْتَ عَلَى أمرك، فهو أيسر عليهم من أن يثب بِكَ بُطُونُ قُرَيْشٍ وَتَمُدُّهَا الْعَرَبُ فَمَا رَأَيْتَ، يابن أَخِي، أَحَدًا قَطُّ جَاءَ بَنِي أَبِيهِ بِشَرٍّ مِمَّا جِئْتَهُمْ بِهِ» . وَأَسْكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَمَكَثَ أَيَّامًا. وَكَبُرَ عَلَيْهِ كَلامُ أَبِي لَهَبٍ. فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، فَأَمَرَهُ بِإِمْضَاءِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، وَشَجَّعَهُ عَلَيْهِ. فَجَمَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَانِيَةً، [فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ، وَأَسْتَعِينُهُ وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ» . ثُمَّ قَالَ: «: إِنَّ الرَّائِدَ لا يَكْذِبُ أَهْلَهُ.
وَاللَّهِ لَوْ كَذَبْتُ النَّاسَ جَمِيعًا، مَا كَذَبْتُكُمْ. وَلَوْ غَرَرْتُ النَّاسَ، مَا غررتكم
__________
[1] القرآن، الشعراء (26/ 214) .(1/118)
وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ خَاصَّةً وَإِلَى النَّاسِ كَافَّةً.
وَاللَّهِ، لَتَمُوتُنَّ كَمَا تَنَامُونَ، وَلَتُبْعَثُنَّ كَمَا تَسْتَيْقِظُونَ، وَلَتُحَاسَبُنَّ بِمَا تَعْمَلُونَ، وَلَتُجْزَوُنَّ بِالإِحْسَانِ إِحْسَانًا وَبِالسُّوءِ سواء. وَإِنَّهَا لَلْجَنَّةُ أَبَدًا، وَالنَّارُ أَبَدًا. وَأَنْتُمْ لأَوَّلُ مَنْ أُنْذِرُ] » . فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: «مَا أَحَبَّ إِلَيْنَا مُعَاوَنَتَكَ وَمُرَافَدَتَكَ، وَأَقْبَلَنَا [1] لِنَصِيحَتِكَ، وَأَشَدَّ تَصْدِيقَنَا لِحَدِيثِكَ. وَهَؤُلاءِ بَنُو أَبِيكَ مُجْتَمِعُونَ.
وَإِنَّمَا أَنَا أَحَدُهُمْ، غَيْرَ أَنِّي وَاللَّهِ أَسْرَعُهُمْ إِلَى مَا تحب. فامض لما أمرت به.
فو الله، لا أَزَالُ أَحُوطُكَ وَأَمْنَعُكَ، غَيْرَ أَنِّي لا أَجِدُ نَفْسِي تُطَوِّعُ لِي فِرَاقَ دِينِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى أَمُوتَ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ.» وَتَكَلَّمَ الْقَوْمُ كَلامًا لَيِّنًا، غَيْرَ أَبِي لَهَبٍ فَإِنَّهُ قَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، هَذِهِ وَاللَّهِ السَّوْءَةُ، خُذُوا عَلَى يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يأخذ على يده غيركم. فإن اسلمتوه حِينَئِذٍ، ذُلِلْتُمْ. وَإِنْ مَنَعْتُمُوهُ قُتِلْتُمْ.» فَقَالَ أَبُو طالب: «والله، لنمنعه مَا بَقِينَا» .
236- وروى الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مُوسَى بن ميسرة، عن هند بنت الحارث:
أن صفية بنت عبد المطلب قالت لأبى لهب: «أى أخىّ، أحسن بك خذلان ابن أخيك وإسلامه. فو الله ما زال العلماء يخبرون أنه يخرج من ضئضئي عبد المطلب نبي. فهو هو» . فقال: هذا والله الباطل، والأماني، وكلام/ 54/ النساء في الحجال. إذا قامت بطون قريش كلها، وقامت معها العرب، فما قوتنا بهم. والله، ما نحن عندهم إلا أكلة رأس» .
237- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بن هشام، عن أبيه، عن جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يُنْذِرَ عَشِيرَتَهُ الأَقْرَبِينَ، جَلَسَ عَلَى الصَّفَا فَقَالَ: «يَا آلَ فِهْرٍ» . فَجَاءَهُ مَنْ سَمِعَ كَلامَهُ مِمَّنْ كَانَ بِمَكَّةَ مِنْ بَنِي فِهْرٍ. فَقَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ: هَذِهِ فِهْرٌ عِنْدَكَ. فَقَالَ: «يَا آلَ غَالِبٍ» . فَرَجَعَ بَنُو مُحَارِبٍ وَالْحَارِثُ ابْنَا فِهْرٍ. فَقَالَ: «يَا آلَ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ» . فَرَجَعَ بَنُو تيم بن غالب، وهو الأدرم [2] .
__________
[1] بصيغة أفضل التفضيل.
[2] خ: الأزدم.(1/119)
فَقَالَ: «يَا آلَ كَعْبٍ» ، فَرَجَعَ بَنُو عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ. فَقَالَ: «يَا آلَ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ» ، فَرَجَعَ بَنُو عَدِيٍّ وَسَهْمٌ وَجُمَحٌ. فَقَالَ: «يَا آلَ كِلابٍ» ، فَرَجَعَتْ بَنُو مَخْزُومٍ وَبَنُو تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ. فَقَالَ: «يَا آلَ قُصَيٍّ» ، فَرَجَعَتْ بَنُو زُهْرَةَ.
فَقَالَ: «يَا آلَ عَبْدِ مَنَافٍ» فَرَجَعَ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ وَبَنُو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى.
فَقَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ: هَذِهِ عَبْدُ مَنَافٍ. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَدْعُوكُمْ إِلَى أَنْ تَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريك له، وَأَنِّي عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَضْمَنُ لَكُمُ الْجَنَّةَ» . فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: «أَلِهَذَا دَعَوْتَنَا؟ تَبًّا لَكَ» . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ، [1] » السُّورَةَ.
238- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، [2] عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
لَمَّا نزلت «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» [3] ، صعد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا، فَنَادَى: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ» . فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مُحَمَّدٌ عَلَى الصَّفَا يَهْتِفُ. فَأَقْبَلُوا وَاجْتَمَعُوا، فَقَالُوا: مَا لَكَ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلا أَسْفَحَ هَذَا الْجَبَلِ، أَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي؟» قَالُوا: «نَعَمْ، أَنْتَ عِنْدَنَا غَيْرُ متهم، وما جرينا عَلَيْكَ كَذِبًا قَطُّ» . قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ
[4] . يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، يَا بَنِي زُهْرَةَ، - حَتَّى عَدَّ الأَفْخَاذَ من قريش- إنّ الله أمرنى أن أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ.
وَأَنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَنْفَعَةً، وَلا مِنَ الآخِرَةِ نَصِيبًا إِلا أَنْ تَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ» . قَال أَبُو لَهَبٍ: «تَبًّا لَكَ، سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [5] » .
__________
[1] القرآن، المسد (111/ 1- 5)
[2] ابن سعد، 1 (1) / 133.
[3] القرآن، الشعراء (26/ 214) .
[4] القرآن، سبأ (34/ 46) .
[5] القرآن، المسد (111/ 1) .(1/120)
239- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ الْمَرْوَزِيُّ وَعَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، قَالا ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثنا الأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الصَّفَا، فَقَالَ: يَا صَبَاحَاهُ.
فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ مُصَبِّحُكُمْ أَوْ مُمَسِّيكُمْ، أَمَا كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: وَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ. فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ» إِلَى آخِرِهَا.
240- وقد روي أن أبا طالب لما مات، اجتمع بنات عبد المطلب إلى أبي لهب، فقلن له: محمد ابن أخيك، فلو عضدته ومنعته، كنت أولى [1] الناس بذلك.
فلقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عازم على معاضدته. فسأله عن عبد المطلب وغيره من آبائه، فقال: إنهم كانوا على غير هدى ولا دين. فقال: تبا لك.
فنزلت: «تَبَّتْ يَدا [2] «أَبِي لَهَبٍ» .
241- وروى أن أفلح بن النصر السلمي كان سادن العزى. فدخل عليه أبو لهب يعوده وقد احتضر. فقال له: يا با عتبة [3] ، أظن العزى ستضيع بعدي.
فقال أبو لهب: كلا، أنا أقوم عليها، فإن يظهر محمد ولن يظهر [4] ، فهو ابن أخي، وإن تظهر العزّى، فهى [5] الظاهرة، ليت قد اتخذت عندها يدا. فنزلت: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ» . وقال الكلبي: اسم سادن العزى: دبية بن حرمي السلمي.
242- وروي أن أبا لهب قال: يعدنا محمد عدان [6] بعد الموت، ليس في أيدينا منها شيء فنزلت: «تَبَّتْ/ 55/ يَدا أَبِي لَهَبٍ» .
__________
[1] خ: أوط.
[2] خ: يدي.
[3] خ: يا عتبة.
[4] خ: تظهر.
[5] خ: وهي.
[6] العدان حافة النهر. كأنه أشار إلى جنات عدن تجرى من تحتها الأنهار.(1/121)
243- قالوا: ولما دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قريشا، فرد عليه أبو لهب قوله وأباه، لقى هند بنت عتبة بن ربيعة، فقال لها: «لقد باينت محمدا، يا بنة عتبة، وأبيت ما جاء به، ونصرت اللات والعزى، وغضبت لهما» . فقالت: جزيت خيرا يا با عتبة.
[تفسير آية تبت يدا أبي لهب]
244- وقال بعض المفسرين: «تبت» ، خسرت. والعرب تقول: تبت، ضعفت. والبعير التاب، الضعيف. وقالوا في قوله «وَما كَسَبَ [1] » ، يعني ولده.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ قَالَ:
كَانَتْ أُمُّ جَمِيلٍ بِنْتُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ تَحْمِلُ أَغْصَانَ الْعُضَاةِ وَالشَّوْكِ، فَتَطْرَحُهَا عَلَى طَرِيقِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وروى عن أبى ورق الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ ذَلِكَ. وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: «حَمَّالَةُ» [2] ، النَّمِيمَةِ، تَحْطِبُ بذلك على ظهرها، والممسود، المفتول الموّثق، و «الجيد» [3] ، الْعُنُقُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ، حَبْلٌ مِنْ «مَسَدٍ» [4] ، مِنْ لِيفٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: عَنِّي أَنَّ فِي جِيدِهَا سِلْسِلَةٌ مِنْ نَارٍ، أَيْ مِنْ سَلاسِلِ جَهَنَّمَ، و «الجيد» الْعُنُقُ.
245- قَالُوا: وَلَمَّا نَزَلَتْ «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ» ، وَذَكَرَ اللَّهُ امْرَأَتَهُ أُمَّ جَمِيلٍ، قَالَتْ: قَدْ هَجَانِي مُحَمَّدٌ، وَاللَّهِ لأَهْجُوَنَّهُ. فَقَالَتْ:
مُحَمَّدًا قَلَيْنَا ... وَدِينَهُ أَبَيْنَا
وَأَخَذَتْ فِهْرًا لِتَضْرِبَهُ بِهِ وَهَمَّتْ [5] . فَأَعْشَى اللَّهُ عَيْنَهَا، وَرَدَّهَا بِغَيْظِهَا.
فَعَزَمَتْ عَلَى ابْنَيْهَا أَنْ يُطَلِّقَا [6] ابْنَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ففعلا. وكانت
__________
[1] القرآن، المسد (111/ 2) .
[2] القرآن، المسد (111/ 4) .
[3] أيضا (111/ 5) .
[4] أيضا (111/ 5) .
[5] خ: فهرا لنصرته به زعمت.
[6] خ: يطلقها.(1/122)
رُقَيَّةُ عِنْدَ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، وَأُمُّ كُلْثُومٍ عِنْدَ مُعَتِّبِ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، وَيُقَالُ:
عُتَيْبَةُ.
246- وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عباس قال:
خسرت يدا أبى لهب. وامرأته حمالة الحطب: النَّمِيمَةَ. مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ: وَلَدَهُ. قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَتْ «تَبَّتْ» ، جَاءَتْ أُمُّ جَمِيلٍ بِنْتُ حَرْبٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَفِي يَدِهَا فِهْرٌ. فَلَمَّا وَقَعَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ اللَّهُ عَلَى بَصَرِهَا، وَرَأَتْ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَكَرِهَتْ عُمَرَ، وَأَقْبَلَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ: أَيْنَ صَاحِبُكَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعِينَ بِهِ؟ قَالَتْ: بَلَغَنِي أَنَّهُ هَجَانِي، وَاللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ لَضَرَبْتُ بِهَذَا الْفِهْرِ فَمَهُ. فَقَالَ عُمَرُ: ويحك، إنه ليس بشاعر [1] فقالت: إنى لأرجو أن أكلمك يابن الْخَطَّابِ. ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ: إِي، وَالثَّوَاقِبِ، إِنَّهُ لَشَاعِرٌ، وَإِنِّي لَشَاعِرَةٌ.
247- قال الواقدي: وأما قوله «فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [2] » ، فيقال ودعة كانت في رقبتها. وقال: حدثني بذلك معمر، عن قتادة قال:
ويقال: سلسلة من نار.
[عداوة قريش للرسول]
248- قالوا: ولما أظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته، جعل أبو بكر يدعو ناحية سرا. وَكَانَ سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل على مثل ذلك. وكان عثمان على مثل ذلك. وكان عمر يدعو علانية. وكان حمزة بن عبد المطلب كذلك. وكان أبو عبيدة يدعو، حتى فشا الإسلام بمكة. وأظهر كفار قريش البغي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحسد له. وكان الذين يبدون صفحتهم في عداوته وأذاه، ويشخصون به، ويخاصمون ويجادلون
__________
[1] خ: بشعار.
[2] خ: القرآن، المسد (111/ 5) .(1/123)
ويردون من أراد الإسلام عنه: أبا [1] جهل بن هشام، وأبا لهب، والأسود بْن عَبْد يغوث بْن وهب بْن عَبْد مناف بن زهرة- وهو ابن خال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، - والحارث بن قيس بن عدي السهمي (الذي كَانَ كلما رأى حجرا أحسن من الَّذِي عنده أخذه وألقى مَا عنده، وفيه نزلت: «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [2] » ، وهو ابن الغيطلة) ، والوليد بن المغيرة، وأمية وأبي ابني [3] خلف الجمحيين، وأبا قيس بن الفاكه بن المغيرة، والعاص بن وائل السهمي، والنضر بن الحارث العبدري، ومنبه ونبيه ابني الحجاج السهميين، وزهير بن أبي أمية المخزومي، والسائب بن أبي السائب/ 56/ واسمه صيفي- بن عابد [4] بن عمر بن مخزوم، والأسود بن عبد الأسد المخزومي، والعاص بن سعيد ابن العاص، وعدي بن الحمراء الخزاعي، وأبا البختري الْعَاصَ بْنَ هَاشِمِ (بْنِ الْحَارِثِ) بْنِ أَسَدِ بْن عبد العزى، وعقبة بْن أَبِي معيط بْن أَبِي عَمْرو بْن أمية، والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، وابن الأصدى [5] الهذلي [6] (وهو الذي نطحته الأروي) ، والحكم بن أبي العاص بن أمية. وذلك أن هؤلاء كانوا جيرانه. وكان الذين ينتهى عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم:
أبو جهل [7] ، وأبو لهب، وعقبة. وكان أبو سفيان بن حرب، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ذوي عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكنهم لم يكونوا يفعلون كما فعل هؤلاء، وكانوا كجهلة قريش.
__________
[1] كذا ههنا «كان الذين ... أبا جهل وأبا لهب ... وأبا قيس ... وأبا البختري» .
ولكن راجح أيضا هذا الفصل فيما يلى.
[2] القرآن، الجاثية (45/ 23) .
[3] خ: أبى بن. (وجب أن قال: «أمية وأبيا ابنى خلف ... منبها ونبيها ابنى الحجاج» ، ليوافق مع «أبا جهل وأبا لهب» .
[4] خ: عايذ.
[5] كذا ههنا بالألف المقصورة وهي رواية في ابن الأصداء.
[6] القرآن، الجاثية (45/ 23) .
[7] كذا ههنا «كان الذين ... أبو جهل وأبو لهب» ، خلاف استعماله الذى مضى آنفا.(1/124)
أمر أبي جهل
249- قالوا: أبو جهل عمرو بن هِشَام بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر [1] بْن مخزوم. كناه النبي صلى الله عليه وسلم أبا جهل، لأنه كان يكنى قبل ذلك «أبا الحكم» .
250-[وروى عَن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قال: من قال لأبى جهل «أبا [2] الحكم» ، فقد أخطأ خطيئة يستغفر الله منها. وروي عنه أنه قال:
لكل أمة فرعون، وفرعون هذه الأمة أبو جهل] .
251- وكان أبو جهل في نفر من قريش، فيهم عقبة بن أبي معيط، وكان أسفه قريش، بالحجر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فأطال السجود. فقال أبو جهل: أيكم يأتى جزورا لبني فلان قد نحرت اليوم بأسفل مكة، فيجيء بفرثها فيلقيه على محمد؟ فانطلق عقبة بن أبي معيط، فأتى بفرثها، فألقاه على ما بين كتفيه ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد. فجاءت فاطمة عليها الصلاة والسلام، فأماطت ذلك عنه، ثم استقبلتهم تشتمهم.
فلم يرجعوا إليها شيئا. ودعا رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رفع، فقال:
[اللهم عليك بقريش، عليك بعقبة بن أبي معيط، وبأبي جهل، وبشيبة، وعتبة، وأمية بن خلف ثم.] قال لأبي جهل: [والله لتنتهين أو لينزلن الله عليك قارعة.] وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيه أبو البختري فأنكر وجهه، فسأله عن خبره. فأخبره به. وكان معه سوط، فأتى أبا جهل فعلاه به. فتثاور بنو مخزوم وبنو أسد بن عبد العزى. فقال أبو جهل: ويلكم، إنما يريد محمد أن يلقي بينكم العداوة.
252- وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعقبة: يابن أبان- وكان اسم أبي معيط «أبان» - أما أنت بمقصر عما نرى؟ فقال: لا، حتى تدع ما أنت
__________
[1] خ: عمر بن عمر بن مخزوم.
[2] خ: أبو الحكم.(1/125)
عليه. فقال: [والله، لتنتهين أو لتحلن بك قارعة] .
253- وقال أبو جهل: والله، لئن رأيت محمدا يصلي، لأطأن رقبته. فبلغه أنه يصلي. فأقبل مسرعا، فقال: ألم أنهك، يا محمد، عن الصلاة؟ فانتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: أتنتهرنى وتهدّدنى وأنا أعز أهل البطحاء؟
فسمعه العباس بن عبد المطلب، فغضب وقال، كذبت. فنزلت [1] :
«أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى» - يعني أبا جهل- «أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى» - يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم. وقوله «ناديه» يقول عشيرته ومن يجالسه. ونهى عن طاعته. فكان ابن عباس يقول: والله، لو دعا لأجابه ربنا بالعذاب. [وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نزل اثنا [2] عشر ملكا من الزبانية، رءوسهم في السماء وأرجلهم في الارض. ولو فعل، أخذوه عيانا] .
254- وذكروا: أن أبا جهل قال: يا محمد، ابعث لنا رجلين أو ثلاثة من آبائنا ممن قد مات، فأنت أكرم على الله، فلست بأهون على الله من عيسى فيما تزعم، فقد كان عيسى يفعل ذلك [3] . [فقال: لم يقدرني الله على ذلك.]
قال: تسخر لنا الريح تحملنا إلى الشام في يوم وتردنا في يوم، فإن طول السفر يجهدنا، فلست بأهون على الله من سليمان، فقد كان يأمر الريح فتغدو به مسيرة شهر وتروح به مسيرة شهر [4] . [فقال: لا أستطيع ذلك.] فقال أبو جهل/ 57/ فإن كنت غير فاعل شيئا مما سألتك، فلا تذكر آلهتنا بسوء.
فقال عبد الله بن أمية: فأرنا كرامتك على ربك فليكن لك بيت من زخرف وجنة من نخيل وعنب تجري فيها الأنهار، وفجر لنا ينبوعا مكان زمزم، فقد شق علينا المتح [5] عليها، وإلا فأسقط علينا كسفا. [فقال: ليس هذا بيدي، هو بيد الذي خلقني.] قال: فارق إلى السماء فأت بكتاب نقرؤه، ونحن ننظر
__________
[1] القرآن، العلق (96/ 9- 18) .
[2] خ: اثنى.
[3] راجع القرآن، آل عمران (3/ 49) .
[4] راجع القرآن، سبأ (34/ 12) .
[5] المتح: الاستقاء.(1/126)
إليك. فأنزلت فيه الآيات [1] .
[مجادلة قريش للرسول ص في دعوته]
255- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عمر بن صالح مولى التوأمية [2] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: «إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ [3] » ، يَعْنِي دُرْدِيَّ الزَّيْتِ، قَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَنَا أَدْعُو لَكُمْ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، بِالزَّقُّومِ. فَدَعَا بِزُبْدٍ وَتَمْرٍ، وَقَالَ: «تَزَقَّمُوا مِنْ هَذَا، فَإِنَّا لا نَعْلَمُ زَقُّومًا غَيْرَهُ» . فَبَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمْرَهَا، فَقَالَ: «إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ، طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [4] .»
فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: شَجَرَةٌ تَنْبُتُ فِي النَّارِ؟ فَكَانَتْ فتنة لهم، وجعل المستهزئون يضحكون. قال: و «الشوب [5] » مَا شِيبَ بِهِ الشَّيْءُ وَخُلِطَ. وَقَوْلُهُ «الْهِيمِ [6] » ، الإِبِلُ الْعِطَاشُ. قال الواقدي: وقد قيل في «الهيم» إنها الأرضون ذوات الرمل التي لا تروى. و «رءوس» الشياطين، نبت خارج الحرم، يسمى رءوس الشياطين. وروي أيضا أنه لما نزلت: «ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ [7] » ، قال أبو جهل: «ايتونا بزبد وتمر.» ثم قال:
«تزقموا، فإن هذا الزقوم» . فنزلت: «إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ» - يعنى أبا جهل- «كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [8] » . ونزلت:
«إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ [9] » . قال: و «التوءمة» ، ابنة أمية ابن خلف الجمحي، ولدت وأخت لها في بطن، فسميت تلك باسم، وسميت هذه «التوءمة» .
__________
[1] القرآن، الإسراء (17/ 90- 93) .
[2] ص: التومئية. وراجع أيضا في آخر هذا الفصل.
[3] القرآن، الدخان (44/ 43- 45) . والرسم المأثور هو «إن شجرت الزقوم» .
[4] القرآن، الصافات (37/ 62- 67) .
[5] القرآن، الصافات (37/ 67) .
[6] القرآن، الواقعة (56/ 55) . كأنه خلط على المؤلف فجمع بين «الشوب» و «الهيم» للتفسير وهما وردا في سورتين مختلفتين.
[7] القرآن، الواقعة (56/ 51- 52) .
[8] القرآن، الدخان (44/ 43- 44) . والرسم المأثور هو «إن شجرت الزقوم» .
[9] القرآن، الصافات (37/ 64) .(1/127)
256- وروي عن عطاء بن يسار في قوله «فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى [1] » الآية، أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه. ونزل قوله: «وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى [2] » في أبى جهل. قال: و «الحسنى» الجنة.
ويقال: الخلف.
[أمر أبي جهل]
257- قال الواقدي في إسناده: إن رجلا من هذيل، يقال له عمرو، قدم بغنم له فباعها. ورآه النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بالحق ودعاه إليه.
فقام إليه أبو جهل، وكان خفيفا حديد الوجه والنظر، به حول، فقال له: انظر ما دعاك إليه هذا الرجل، فإياك أن تركن إلى قوله فيه أو تسمع منه شيئا، فإنه قد سفه أحلامنا، وزعم أن من مات منا كافرا، يدخل النار بعد الموت، وما أعجب ما يأتي به. فقال الهذلي: أما تخرجونه من [3] أرضكم؟ قال أبو جهل: لئن خرج من بين أظهرنا فسمع كلامه وحلاوة لسانه [4] قوم أحداث ليتبعنه، ثم لا نأمن [5] أن يكر علينا بهم. قال الهذلي: فأين أسرته عنه؟
قال أبو جهل: إنما امتنع بأسرته. ثم إن الهذلي أسلم يوم الفتح.
258- وقالوا [6] : قدم رجل من أراش، بإبل له، مكة. فباعها من أبي جهل.
فمطله بأثمانها. فوقف الرجل على نادي قريش، فقال: إني رجل غريب، ابن سبيل، وإن أبا الحكم ابتاع مني ظهرا فمطلني بثمنه وحبسني حتى شق علي، فمن رجل يقوم معي فيأخذ لي بحقي منه؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في عرض المسجد، فقالوا، وهم يستهزئون: أترى الرجل الجالس؟
انطلق إليه، يأخذ لك بحقك. فأتى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال:
يا محمد، إني رجل غريب. واقتص عليه قصته. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى ضرب باب أبي جهل. فقال أبو جهل: من هذا؟ قال رسول
__________
[1] القرآن، الليل (92/ 5- 6) .
[2] أيضا (92/ 8- 9) .
[3] خ: يخرجونه عن.
[4] خ: أسنانه.
[5] خ: يا من.
[6] ابن هشام، ص 257- 258.(1/128)
الله صلى الله عليه وسلم: محمد بن عبد الله، فاخرج إلى. ففتح الباب وخرج.
فقال له: أخرج إلى الرجل من حقه. قال: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم/ 58/ لن أبرح أو تعطيه حقه. فدخل البيت، فخرج إليه بحقه وأعطاه إياه. فانطلق نبي الله صلى الله عليه وسلم، وانصرف الرجل إلى مجلس قريش فقال: جزى الله محمدا خيرا، فقد أخذ لي بحقي بأيسر الأمر.
ثم انصرف. وجاء أبو جهل، فقالوا له: ماذا صنعت؟ فو اللَّه ما بعثنا الرجل إلى محمد إلا هازئين. فقال: دعوني، فو اللَّه ما هو إلا أن ضرب بأبي حتى ذهب فؤادي، فخرجت إليه وإن على رأسي لفحلا، ما رأيت مثل هامته وأنيابه قط فاتحا فاه، واللَّه لو أبيت لأكلني، فأعطيت الرجل حقه. فقال القوم: ما هو إلا بعض سحره.
259- وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنِي أَبُو الْحَكَمِ الصَّنْعَانِيُّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
جَاءَ أَبُو جَهْلٍ فِي عِدَّةٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُرِيدُونَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يَقْرَأُ يس [1] ، وَجَعَلَ يَنْثُرُ التُّرَابَ عَلَى رُءُوسِهِمْ لا يَرَوْنَهُ. فلما انصرف، أقبلوا ينفضون التراب عن رءوسهم وَيَتَعَجَّبُونَ وَيَقُولُونَ:
سِحْرٌ مِنْ سِحْرِ مُحَمَّدٍ.
260- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [2] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بن ثعلبة ابن صُعَيْرٍ قَالَ:
قَالَ أَبُو جَهْلٍ: «اللَّهُمَّ أَقْطَعَنَا للرحم، وأتانا [3] بما لا تعرف [4] ، فَأَحِنُهُ الْغَدَاةَ» . يَقُولُ هَذَا يَوْمَ بَدْرٍ. فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: «إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ [5] » . واستفتاحه هو قوله هذا.
__________
[1] القرآن، يس (36/ 1- إلخ) .
[2] ابن هشام، ص 477- 478.
[3] خ: أبانا.
[4] عند ابن هشام، ص 478: لا يعرف.
[5] القرآن، الأنفال (8/ 19) .(1/129)
261- قَالُوا: كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وعمر، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، كَيْفَ تَدْخُلُ عَلَيْكُمْ مَادَّةٌ أَوْ جَلَبٌ وَأَنْتُمْ تَظْلِمُونَ مَنْ دخل إليكم؟ وجعل يقف على الحلق، حَتَّى انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم:
من ظَلَمَكَ؟ قَالَ: أَبُو الْحَكَمِ، طَلَبَ مِنِّي ثَلاثَةَ أَجْمَالٍ، هِيَ خِيَارُ إِبِلِي، فَلَمْ أَبِعْهُ إِيَّاهَا بِالْوَكْسِ، فَلَيْسَ يَبْتَاعُهَا أَحَدٌ مِنِّي اتِّبَاعًا لِمَرْضَاتِهِ، فَقَدْ أَكْسَدَ سِلْعَتِي وَظَلَمِني. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَيْنَ أَجْمَالُكَ؟ قَالَ: هِيَ هَذِهِ بِالْحَزْوَرَةِ. فَابْتَاعَهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ. فَبَاعَ جَمَلَيْنِ مِنْهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي الْتَمَسَهُ، وَبَاعَ الْبَعِيرَ الثَّالِثَ وَأَعْطَى ثَمَنَهُ أَرَامِلَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَأَبُو جَهْلٍ جَالِسٌ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ السُّوقِ، لا يَتَكَلَّمُ. ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا عَمْرُو، إِيَّاكَ أَنْ تَعُودَ لِمِثْلِ مَا صَنَعْتَ بِهَذَا الأَعْرَابِيِّ، فَتَرَى مِنِّي مَا تَكْرَهُ. فَجَعَلَ يَقُولُ: لا أَعُودُ، يَا مُحَمَّدُ. فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَقْبَلَ عَلَيْهِ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَمَنْ حَضَرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالُوا: لَقَدْ ذُلِّلْتَ فِي يَدِ مُحَمَّدٍ، حَتَّى كَأَنَّكَ تُرِيدُ اتِّبَاعَهُ. فَقَالَ: لا أَتَّبِعُهُ، واللَّه، أَبَدًا، إِنَّمَا كَأَنَّ انكسارى عَنْهُ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ سِحْرِهِ: لَقَدْ رَأَيْتُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ رِجَالا مَعَهُمْ رِمَاحٌ يَشْرَعُونَهَا إِلَيَّ، لَوْ خَالَفْتُهُ لَكَانَتْ إِيَّاهَا. فَقَالُوا: هَذَا سِحْرٌ مِنْهُ. قَالَ: هُوَ ذَاكَ.
262- وَقُتِلَ أَبُو جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً. وَكَانَ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَبَعْضُ بَنِي عَفْرَاءَ ضَرَبَاهُ. وَدَفَّفَ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ.
أمر أبي لهب بن عبد المطلب
263- قالوا: كان أبو لهب أحد من يؤذي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم.
ووقع بينه وبين أبي طالب كلام، فصرعه أبو لهب وقعد على صدره وجعل يضرب وجهه. فلما رآه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يتمالك أن أخذ بضبعي أبي لهب، فضرب به الأرض. وقعد أبو طالب على صدره، فجعل يضرب(1/130)
وجهه. فقال أبو لهب للنبي صلى اللَّه عليه وسلم: هو عمك وأنا عمك، فلم فعلت هذا في؟ واللَّه لا يحبك قلبي أبدا.
264- قالوا: وكان أبو لهب يطرح القذر والنتن على باب النبي صلى اللَّه عليه وسلم. فرآه حمزة بن عبد المطلب رحمه اللَّه/ 59/ وقد طرح من ذلك شيئا. فأخذه وطرحه على رأسه. فجعل أبو لهب ينفض رأسه ويقول: صابىّ أحمق. فأقصر عما كان يفعل، ولكنه كان يدس من يفعله.
265- وَرَوَى ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ:
[قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: كنت بَيْنَ شَرِّ جَارَيْنِ: بَيْنَ أَبِي لَهَبٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، إِنَّ كَانَا لَيَأْتِيَانِ بِالْفَرُوثِ فَيَطْرَحُونَهَا فِي بَابِي. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَيُّ جِوَارٍ هَذَا؟ ثُمَّ يُمِيطُهُ عَنْ بَابِهِ] .
266- قالوا: وبعث أبو لهب ابنه عتبة بن أبي لهب بشيء يؤذي بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسمعه يقرأ: «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى [1] » . فقال: أنا أكفر برب النجم. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم: سلط اللَّه عليك كلبا من كلابه [2] . فخرج في تجارة، فجاء الأسد وهو وأصحابه نيام، بحوران. فجعل يهمس ويشم حتى انتهى إليه، فضمغه ضمغة أتت عليه. فجعل يَقُول، وَهُوَ بآخر رمق: ألم أقل لكم إِن محمدًا أصدق النَّاس؟ ثُمَّ مَاتَ.
267- ومات أبو لهب، واسمه عبد العزى، بداء يعرف بالعدسة.
وكان موته بمكة بعد وقعة بدر بسبعة أيام، فبلغه خبرها ولم يشهدها.
أمر الأسود بْن عَبْد يغوث بْن وهب بْن عَبْد مَنَاف بْن زهرة بْن كلاب:
268- وكان الأسود بن عبد يغوث من المستهزئين الذين قال اللَّه عز وجل:
«إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [3] » . وكان إذا رأي المسلمين، قال لأصحابه: «قد
__________
[1] القرآن، النجم (53/ 1) .
[2] خ: كلابك.
[3] القرآن، الحجر (15/ 95) .(1/131)
جاءكم ملوك الأرض الذين يرثون ملك كسرى وقيصر. ويقول للنبي صلى اللَّه عليه وسلم: أما كلمت اليوم من السماء، يا محمد؟ وما أشبه هذا القول.
فخرج من عند أهله، فأصابته السموم، فاسود وجهه حتى صار حبشيا.
فأتى أهله، فلم يعرفوه وأغلقوا دونه الباب. فرجع متلددا حتى مات عطشا.
269- ويقال: إن جبريل عليه السلام أومأ إلى رأسه، فضربته الأكلة، فامتحض رأسه قيحا. ويقال: أومأ إلى بطنه، فسقي بطنه ومات حبنا.
ويقال: إنه عطش، فشرب الماء حتى انشق بطنه بمكة. وقال الواقدي: مات حين هاجر [1] النبي صلى اللَّه عليه وسلم. ودفن بالحجون.
270- وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ [2] ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْمَدِينِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ:
أَخَذَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِعُنُقِ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، فَحَنَا ظَهْرَهُ حَتَّى احْقَوْقَفَ. [فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَالِي، خَالِي. فَقَالَ جِبْرِيلُ:
يَا مُحَمَّدُ دَعْهُ.]
أمر الحارث بن قيس السهمي
271- كان الحارث بْن قَيْس بْن عدي بْن سَعْد بْن سهم بن عمرو أحد المستهزئين المؤذين لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وهو ابن الغيطلة. وهي من ولد شنوق بْن مرة بْن عَبْدِ مناف بن كنانة. والغيطلة أم أولاد قيس بن عدي، نسبوا إليها. وهو الذي نزلت فيه: «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [3] » . وكان يأخذ حجرا، فإذا رأى أحسن منه تركه وأخذ الأحسن. وكان يقول: لقد غر محمد نفسه وأصحابه أن وعدهم أن يحيوا بعد الموت، واللَّه ما يهلكنا إلا الدهر ومرور الأيام والأحداث. أكل حوتا مملوحا، فلم يزل يشرب عليه الماء حتى مات.
ويقال: إنه أصابته الذبحة. وقال بعضهم: امتحض رأسه قيحا.
__________
[1] خ: عاجز.
[2] خ: الأعبر.
[3] القرآن، الجاثية (45/ 23) .(1/132)
أمر الوليد بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن مخزوم بن يقظة، وأبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية.
272-/ 60/ قالوا: كان الوليد يكنى أبا عبد شمس، وهو العدل، وهو الوحيد. وإنما سمي العدل لأنه يقال إنه يعدل قريشا كلها. ويقال: إن قريشا كانت تكسو الكعبة، فيكسوها مثل ما تكسوها كلها.
273- وكان جمع قريشا في دار الندوة، ثم قال لهم: يا قوم، إن العرب يأتونكم أيام الحج فيسألونكم عن محمد، فتختلفون: يقول هذا: «ساحر» ، ويقول هذا: «شاعر» ، ويقول هذا: «مجنون» ، ويقول هذا: «كاهن» ، والناس يعلمون أن هذه الأشياء لا تجتمع. فقالوا: نسميه شاعرا؟ قال الوليد: قد سمعتم الشعر وسمعناه، فما يشبه ما يجيء شيئا من ذلك. قالوا: فكاهن؟ قال:
صاحب الكهانة يصدق ويكذب، وما رأينا محمدا كذب قط. قالوا: فمجنون؟
قال: المجنون يخنق، ومحمد لا يخنق. ثم مضى الوليد إلى بيته. فقالوا: صبأ.
فقال: ما صبأت، ولكني فكرت فقلت: أولى ما سمي به ساحر لأن الساحر يفرق بين المرأة وزوجها، والأخ وأخته. فنادوا بمكة: إن محمدا ساحر.
فنزلت فيه: «ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً» إلى قوله «تِسْعَةَ عَشَرَ [1] » . فقال أبو الأسدين، واسمه كلدة بن أسيد بن خلف الجمحي: أنا أكفيكم خمسة على ظهري، وأربعة بيدي، فاكفوا [2] بقيته. فأنزلت. «وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا [3] » .
274- وقال الوليد: لئن لم ينته محمد عن سب آلهتنا، لنسبن إلهه. فقال أبو جهل: نعم ما قلت. ووافقهما الأسود بن عبد يغوث، وهو ابن خال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فنزلت: «وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [4] » .
__________
[1] القرآن، المدثر (74/ 11- 30) .
[2] خ: فاكفوك. (لعله: فاكفوني) .
[3] القرآن، المدثر (74/ 31) .
[4] القرآن، الأنعام (6/ 108) .(1/133)
275- قالوا: واعترض الوليد بن المغيرة [1] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ومع الوليد عدة من قريش. منهم الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، والعاص ابن وائل السهمي، وأمية بن خلف. فقالوا: «يا محمد، هلم، فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر. فإن كان ما تعبد خيرا، كنا قد أخذنا بحظنا. وإن كان ما نعبد خيرا، كنت قد أخذت بحظك.» فأنزل اللَّه عز وجل سورة قل يا أيها الكافرون [2] . يقول: قل لهم، لا أعبد الآن ما تعبدون، ولا أنتم الآن عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلا أَنَا عَابِدٌ أبدا ما عبدتم، ولا أنتم عابدون أبدا ما أعبد، لكم كفركم، ولى إيماني.
276- وقال الوليد لأبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية، وكان نديمه: لولا أنزل هذا القرآن الذي يأتي به محمد على رجل من أهل مكة أو من أهل الطائف، أو مثل أمية بن خلف. فقال أبو أحيحة: أو مثلك، يا أبا عبد شمس، أو على رجل من ثقيف [3] مثل مسعود بن عمرو أو كنانة بن عبد يا ليل، أو مسعود ابن معتب وابنه عروة بن مسعود. فأنزل اللَّه عز وجل: «وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ، أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ؟ [4] » .
277- وقال الواقدي: مات الوليد بعد الهجرة بثلاثة أشهر أو نحوها، وهو ابن خمس وتسعين سنة. ودفن بالحجون. وكان الوليد أحد المستهزئين. فمر برجل، يقال له حراث بن عامر، من خزاعة وهو الثبت- وبعضهم يقول: حراب- ويكنى أبا قصاف، وهو يريش نبلا له ويصلحها. فوطئ على سهم منها، فخدش أخمص رجله خدشا يسيرا. ويقال: علق بإزاره، فخدش ساقه خدشا خفيفا. فأهوى إليه جبريل عليه السلام فانتقض الخدش. وضربته الأكلة في رجله أو ساقه، فمات. وأوصى بنيه فقال: اطلبوا خزاعة بالسهم الذى
__________
[1] خ: المغيرة ورسول اللَّه.
[2] القرآن، الكافرون (109/ 1- 6) .
[3] خ: ثقيفة.
[4] القرآن، الزخرف (43/ 31- 32) .(1/134)
أصابني. وأعطت خزاعة ولده العقل. وقال: فانظروا عقري عند أبي أزيهر الدوسي من الأزد، ولا يفوتنكم. فعدا [1] هشام/ 61/ بن الوليد على أبي أزيهر بعد بدر، فقتله. وهو أبو أزيهر بن أنيس بن الحيسق، من ولد سعد بن كعب بن الغطريف. وكان أبو أزيهر حليفا لأبي سفيان بن حرب بن أمية.
فزوج ابنته من عتبة بن ربيعة. وتزوج الوليد بن المغيرة ابنة له أخرى. فأمسكها أبو أزيهر ولم يهدها إليه. وزوج عاتكة ابنته أبا سفيان، فولدت له محمد ابن أبي سفيان، وعنبسة بن أبي سفيان. وكان قتل [2] هشام أبا أزيهر بذي المجاز. فخرج يزيد بن أبي سفيان، فجمع جمعا من بني عبد شمس وغيرهم من بني عبد مناف، وتسلح وأراد قتال بني مخزوم. وبلغ أبا سفيان، وكان حليما يحب قومه، فخاف أن يكون بين قريش نائرة حرب بسبب أبي أزيهر.
فأتى يزيد، فأخذ الرمح من يده، وقال: قبحك الله، أتريد أن تضرب بعض قريش ببعض وقد ترى ما هي فيه من محمد؟ فقال: أخفرت صهرك وحليفك وأنت راض بذلك؟ فقال: من لم يصبر على صغير المكروه، فقد تعرض للكبيرة. وأطفأ أبو سفيان ذلك الأمر. فقال حسان يحرض على الطلب بدم أبي أزيهر، ويعير أبا سفيان [3] :
غدا أهل ضوجي ذي المجار كليهما ... وجار ابن حرب بالمغمس ما يغدو
وقد يمنع العير الضروط ذماره ... وما منعت مخزاة والدها هند
كساك هشام بن الوليد خزاية ... فأبل وأخلق مثلها جددا بعد
فقال أبو سفيان: إنما ذهب حسان ليغري بيننا فيشتفي هو وأصحابه بذلك.
وحمل ديته. وقال جعدة بن عبد الله بن عبد العزّى:
__________
[1] خ: فغدا (بالغين المعجمة) .
[2] خ: قبل.
[3] ديوان حسان، ق 195، ب 1، 5، 2، ابن هشام، ص 275، مصعب، ص 323، المنمق، ص 156- 157 (في الديوان في الأول «حضنى» بدل «ضوجى» ، و «بسحرة» بدل «كليهما» .، وفي لأصل كان «كلاهما» والتصحيح عن ابن هشام. وفي الديوان كذلك «بالمحصب» بدل «بالمغمس» . وفي الثانى في الديوان «فما منع» بدل «وقد يمنع» ، وعند ابن هشام «ولم يمنع» . وفي الثالث في الديوان «ثيابه» بدل «خزاية» ، و «أخلف» بدل «وأخلق» . وفي الأصل «بعدوا» بدل «بعد» .(1/135)
لا أرى في الأنام مثل هشام ... أبدا من مسوّد ومسود
يوم (أ) لقى أبا أزيهر غضبا ... لم يكن عند ذاك بالمحدود
ثم ولى بذي المجاز كريما ... غير ما طائش ولا رعديد
وكان سعد بن صفيح بن الحارث الدوسي، وهو خال أبى هريرة عمير ابن عامر بن عبد الله بن ذي الشركي، لا يأخذ أحدا من قريش إلا قتله بأبي أزيهر. فممن قتل بجير بن العوام بن خويلد، ولقيه باليمامة، وبجاد بن السائب بْن عويمر بْن عائذ بْن عمران بن مخزوم. وكان ضرار بن الخطاب ابن مرداس الفهري بالسراة، وهي فوق الطائف وهي بلاد دوس والأزد، فوثبت دوس عليه ليقتلوه بأبي أزيهر، فسعى حتى دخل بيت امرأة من الأزد، يقال لها أم جميل، واتبعه رجل منهم ليضربه. فوقع ذباب السيف على الباب، وقامت في وجوههم فذبتهم ونادت قومها. فمنعوه لها. فلما استخلف عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، ظنت أنه أخوه. فأتت المدينة. فلما كلمته، عرف القصة، فقال: لست بأخيه إلا في الإسلام وهو غاز بالشام، وقد عرفنا منتك عليه. فأعطاها على أنها ابنة سبيل. وقال الواقدي: اسمها أم غيلان، وذلك أثبت. والذي زعم أنها «أم جميل» ، أبو عبيدة معمر بن المثنى. وقال ضرار بن الخطاب [1] :
جزى الله عنا أم غيلان صالحا ... ونسوتها إذ هن شعث عواطل
فهن دفعن الموت بعد اقترابه ... وقد برزت للثائرين المقاتل
دعت دعوة دوسا فسالت شعابها ... بعزف لما بيد منهم تخاذل
وجردت سيفي ثم قمت بنصله ... وعن أي نفس بعد نفسي أقاتل
وقيل إن أم غيلان هذه كانت مولاة للأزد ماشطة.
278- وقال ابن الكلبي/ 62/ ولد أبو أزيهر أبا جنادة. فولد أبو جنادة:
__________
[1] المنمق، ص 159. وعنده الشطر الثانى من البيت الثالث: «برجل وآردتها الشرذم القوابل» ، ثم زاد بيتا:
وعمر جزاه الله خيرا فما ربى (؟) ... وما رست (؟) منه لدى المفاضل
وفي الرابع «فجردت» بدل «وجردت» .(1/136)
شميلة. تزوجها مجاشع بن مسعود السلمي، فقتل عنها يوم الجمل. ويقال: طلقها، فتزوجها عبد الله بن عباس. وإياهما [1] عناه ابن فسوة في قوله:
أتيح لعبد الله يوم لقيته ... شميلة ترمى بالحديث المقتر
وروى عن قتادة أن الوليد وطيء على سهم، فقطع أكحله فمات.
279- وكان نصر بن الحجاج بن علاط السلمي جميلا. وكان عند مجاشع، وامرأته شميلة حاضرة. وكان مجاشع أميا، وشميلة تكتب. فكتب نصر بن الحجاج في الأرض: «أنا والله أحبك حبًا لو كَانَ فوقك لَأظَلَّك، ولو كان تحتك لأقلك» . فكتبت: «وأنا والله» . فأكب مجاشع على الكتابة إناء، ثم أتى بمن قرأ الكتاب. فأخرج نصرا، وطلق شميلة. ويقال: إنّ نصرا محاما كتب وبقي «وأنا والله» . فقال: ما كتابك «وأنا والله» ؟ قالت: لا إله إلا الله» . فقال: هذا لا يلائم «وأنا والله» . ولم يزل بها حتى صدقته.
280- وقال الجون بن أبى الجون الخزاعي:
نحن عقرنا بالصعيد ولدكم ... وما مثلها من رهطه ببعيد
كبا للجبين والأنف صاغرا ... فأهون علينا صاغرا بوليد
وأما أمية وأبي ابنا خلف:
281- فكانا على شر ما يكون عليه أحد من أذى النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبه. وجاء أبي بعظم نخر، ففته في يده ثم قال: زعمت يا محمد أن ربك يحيى هذا العظم، ثم نفخه. فنزلت: «قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟ [2] » .
282- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي السَّوْدَاءِ، عَنِ ابْنِ سَابِطٍ:
أَنَّ أُبَيًّا صَنَعَ طَعَامًا، ثُمَّ أَتَى حَلَقَةً فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَاهُمْ وَدَعَاهُ. [فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أَقُومُ حَتَّى تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. فَفَعَلَ.] فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ. فَلَقِيَهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ،
__________
[1] خ: وأباها.
[2] القرآن، يس (36/ 78) .(1/137)
فَقَالَ: أَقُلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: إِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لِطَعَامِنَا. فَنَزَلَتْ: «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ [1] » . الآيَةَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الَّذِي دَعَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فيمن دعا، عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ. فَأَنْكَرَ أُبَيٌّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ صَدِيقًا لَهُ وَنَدِيمًا. وَقَالَ: اتَّبَعْتَ مُحَمَّدًا؟ فَقَالَ: لا وَاللَّهِ، وَلَكِنِّي تَذَمَّمْتُ أَنْ لا أَدْعُوَهُ، وَإِذْ دَعَوْتُهُ أَلا يَأْكُلَ مِنْ طَعَامِي، فَقُلْتُ لَهُ قَوْلا لَمْ أَعْتَقِدْهُ. فَقَالَ لَهُ:
وَجْهِي مِنْ وَجْهِكَ حَرَامٌ إِنْ لَمْ تكفر به وتنفل فِي وَجْهِهِ. فَفَعَلَ. وَرَجَعَ مَا خَرَجَ مِنْ فِيهِ إِلَى وَجْهِهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ [2] » ، يعنى عقبة. وقوله «فلانا» [3] ، يَعْنِي أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ. وَهِيَ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ:
«لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ أُبَيًّا خَلِيلا» . وَبَعْضُ الرُّوَاةِ يَقُولُ [4] : إِنَّ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ فَعَلَ هَذَا. وَلا يَذْكُرُ أُبَيًّا.
283- وَقُتِلَ أُمَيَّةُ يَوْمَ بَدْرٍ. قَتَلَهُ خُبَيْبُ بْنُ إِسَافٍ. وَيُقَالُ: اشْتَرَكَ خُبَيْبٌ وَبِلالٌ فِي قَتْلِهِ. وَيُقَالُ: قتله رِفَاعَةَ بْنُ رَافِعٍ الأَنْصَارِيُّ.
284- وَقَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبَيًّا يَوْمَ أُحُدٍ. أَخَذَ حَرْبَتَهُ أَوْ حَرْبَةَ غَيْرِهِ، فَقَتَلَهُ بِهَا.
(أبو قيس بن الفاكه)
285- وَكَانَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ مِنَ الْمُؤْذِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْمُغْرِقِينَ فِي أَذَاهُ، يُعِينَ أَبَا جَهْلٍ عَلَى صَنِيعِهِ. قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَوْمَ بَدْرٍ. وَيُقَالُ: قَتَلَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ.
العاص بن وائل السهمي
286- كان العاص بن وائل من المستهزئين. ولما مات عبد الله بْن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: إن محمدا أبتر، لا يعيش له ذكر. فأنزل الله عز وجل
__________
[1] القرآن، الفرقان (25/ 27) .
[2] القرآن، الفرقان (25/ 27) .
[3] أيضا (25/ 28) .
[4] خ: تقول.(1/138)
فيه: «إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [1] . فركب حمارا له- ويقال: بغلة له بيضاء- فلما صار بشعب من تلك الشعاب، وهو يريد الطائف، ربض به الحمار أو البغلة على شبرقة، فأصابت رجله شوكة منها/ 63/ فانتفخت حتى صار كعنق البعير. ومات. ويقال: إنه لما ربض به حماره أو بغلته، لدغ فمات مكانه. وكان ابنه عمرو يقول: لقد مات أبي وهو ابن خمس وثمانين سنة، وإنه ليركب حمارا له من هذه الدباب [2] إلى ماله بالطائف، فيمشي عنه أكثر مما يركبه.
287- وقال الواقدي: مات العاص بعد هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى المدينة بأشهر، وهو ابن خمس وثمانين سنة. وكان يكنى أبا عمرو.
288- وحدثني محمد بن سعد قال: قلت للواقدي: قال الله عز وجل «إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [3] » ، وهذه السورة مكية. فقال: سألت مالكا وابن أبي ذئب عن هذا، فقالا: كفاه إياهم، فبعضهم مات، وبعضهم عمي فشغل عنه، وبعضهم كفاه إياه إذ هيأ الله له من أسباب مفارقته بالهجرة ما هيأ له.
قال: وقال غيرهما: كفاه الله أمرهم، فلم يضروه بشيء.
النضر بن الحارث العبدري
289- كان النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار يكنى أبا فائد. وكان أشد قريش مباداة للنبي صلى الله عليه وسلم بالتكذيب والأذى. وكان صاحب أحاديث، ونظر في كتب الفرس، ومخالطة النصارى واليهود. وكان لما سمع بذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحضور وقت مبعثه، يقول: والله لئن جاءنا نذير لنكونن أهدى من إحدى الأمم. فنزلت فيه:
«وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ [4] » .
__________
[1] القرآن، الكوثر (108/ 3) .
[2] الدباب، كأنه مترادف الدواب.
[3] القرآن، الحجر (15/ 95) .
[4] القرآن، فاطر (35/ 42) .(1/139)
وكان يحدث، ثم يقول: أينا [1] أحسن حديثا، أنا أم محمد؟ ويقول: إنما يأتيكم محمد بأساطير الأولين. فنزلت فيه: «وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [2] . ونزلت فيه:
«اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [3] . ونزلت فيه: «وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ [4] » ونزلت فيه: «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ [5] » . ونزلت فيه: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ [6] » . ونزلت فيه: «أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ* [7] . وكان النضر قدم الحيرة، فتعلم ضرب البربط، وغنى غناء أهل الحيرة، وعلم ذلك قوما من أهل مكة. وكان غناؤهم قبل ذلك النصب. واشترى قينتين، فنزلت فيه: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [8] » .
290- ولقي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أنت الذي تزعم أنك ستوقع بقريش عن قليل وأن الله قد أوحى إليك بذلك؟ فقال: [نعم، وأنت منهم.] فنزلت:
«وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ [9] » . وسأل النبي صلى الله عليه وسلم:
متى تنقضي الدنيا؟ فنزلت فيه: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها» الآية [10] » .
291- وكان يقول: إنما يعينه على ما يأتي به في كتابه هذا جبر [11] ، غلام الأسود بن المطلب [12] ، وعداس، غلام شيبة بن ربيعة، ويقال غلام عتبة بن
__________
[1] خ: أيما.
[2] القرآن، الأنفال (8/ 31) .
[3] أيضا (8/ 32) .
[4] القرآن، ص (38/ 16) .
[5] القرآن، المعارج (70/ 1) .
[6] القرآن، الحج (22/ 3) .
[7] القرآن، الشعراء (26/ 204) والصافات (37/ 176) .
[8] القرآن، لقمان (31/ 6) .
[9] القرآن، الأعراف (7/ 185) .
[10] أيضا (7/ 187) .
[11] خ: خبر (راجع لجبر النصراني: السهيلي، 1/ 124 ونحله إلى أبى رهم الغفاري، وابن هشام، ص 260 حيث عزاه إلى ابن الحضرمى) .
[12] خ: عبد المطلب.(1/140)
ربيعة، وغيرهما. فأنزل الله عز وجل: «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [1] » . وأنزل الله عز وجل فيه: «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُورًا. وَقَالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [2] » .
292- وأسره المقداد يوم بدر. فَأَمَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضرب عنقه صبرا بالأثيل.
أمر أبي أحيحة
293- وكان أبو أحيحة سعيد بن العاص بن أمية يقول: دعوا محمدا ولا تعرضوا له. فإن كان ما يقول حقا، كان فينا دون غيرنا من قريش. وإن كان كاذبا، قامت قريش به دونكم. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر به. فيقول:
إنه ليكلم من السماء، حتى أتاه النضر بن الحارث. فقال له: إنه يبلغني أنك تحسن/ 64/ القول في محمد، وكيف ذلك وهو يسب الآلهة، ويزعم أن آباءنا في النار، ويتوعد من لم يتبعه بالعذاب؟ فأظهر أبو أحيحة عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذمه، وعيب ما جاء به، وجعل يقول: ما سمعنا بمثل ما جاء به، لا في يهودية ولا نصرانية.
293- وكان أبو أحيحة ذا شرف بمكة. وقويت أنفس المشركين حين رجع عن قوله الأول. وأتاه النضر شاكرا له على ذلك، لإعظام قريش إياه. وَكَانَ إِذَا اعتم، لَمْ يعتم أحد بمكة بعمامة على لون عمامته إعظاما له. فكان يدعى «ذا التاج» . وفيه يقول أبو قيس بن الأسلت، واسمه صيفي بن عامر بن جشم [3] ، من الأوس:
وكان أبو أحيحة قد علمتم ... بمكة غير مهتضم ذميم
__________
[1] القرآن، النحل (16/ 103) .
[2] القرآن، الفرقان (25/ 4- 5) .
[3] خ: جثيم. (والتصحيح عن ابن هشام، ص 39) .(1/141)
إذا شد العمامة ذات يوم ... وقام إلى المجالس والخصوم
فقد حرمت على من كان يمشى ... بمكة غير ذي دنف سقيم
وتينكم رفيع في قريش ... منيف في الحديث وفي القديم
وسطت ذوائب الفرعين منهم ... فأنت لباب فرعهم الصميم
كريم من سراة بني لؤي ... كبدر الليل راق على النجوم
295- ومات أبو أحيحة في ماله بالطائف سنة اثنتين من الهجرة. ويقال:
في أول سنة من الهجرة. وكان له تسعون سنة. فلما غزا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطائف، رأى قبر أبي أحيحة مشرفا، فقال أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ: لعن اللَّه صاحب هَذَا القبر، فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّن يحاد اللَّه ورسوله. فَقَالَ ابناه، عَمْرو وأبان: لعن الله أبا قحافة، فإنه لا يقري الضيف، ولا يدفع الضيم. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [سب الأموات يؤذي الأحياء، فَإِذَا سببتم فعموا.]
(النضر بن الحارث)
قالوا: وأتى النضر وعقبة بعض أهل الكتاب، فقالوا: أعطونا شيئا نسأل عنه محمدا. فقالوا: سلوه عن فتية هلكوا قديما، وعن رجل طاف حتى بلغ المشرق والمغرب. فسألوه عن أهل الكهف وذي القرنين. فأنزل الله عز وجل في أمرهم ما أنزل [1] .
297- وقال النضر وأمية بن خلف وأبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كان قرآنك من عند الله، فأحي لنا آباءنا، وأوسع لنا بلدنا بأن تسير هذه الجبال عنا، فقد ضيقت مكة علينا، أو اجعل لنا الصفا ذهبا نستغنى [2] عن الرحلة، فإن فعلت ذلك، آمنا بك. وكان النضر خطيب القوم. فأنزل الله: «وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى» إلى قوله «فَكَيْفَ
__________
[1] القرآن، الكهف (18/ 9 وما بعدها وأيضا 83 وما بعدها) .
[2] خ: استغنى.(1/142)
كانَ عِقابِ [1] » .
وأخذ النضر عظما نخرا، فسحقه ونفخه، وقال: من يحيي هذا يا محمد؟
فنزلت فِيهِ: «وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟» [2] وما بعد ذلك. ويقال: إن أبي بن خلف صاحب العظم.
299- قالوا: فلما كان يوم بدر، أسر المقداد بن عمرو- وهو الذي ينسب إلى ربيبه الأسود بن عبد يغوث الزهري- النضر بن الحارث، وجاء بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم. فأمر عليا عليه السلام بضرب عنقه. فقال المقداد: أسيرى يَا رَسُولَ اللَّه؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم: [إنه كان يقول في كتاب اللَّه وفي رسوله ما يقول. ثم قال: اللهم أغن المقداد من فضلك] .
300- وقال النضر، وقد جيئ به أسيرا، لرجل إلى جنبه: «محمد واللَّه قاتلى.
لقد نظر إليّ بعينين فيهما الموت.» وقال لمصعب بن عمير: «يا مصعب أنت أقرب من ههنا إلي وأمسهم رحما بي. فكلم صاحبك في أن يجعلني كرجل من أصحابي» .
فقال له: إنك كنت تقول كذا وتفعل كذا. فقال: يا مصعب، ليس هذا الحين عتاب، فسله أن يجعلني/ 65/ كرجل من أصحابى، فلو أسرتك قريش لدافعت عنك. فقال مصعب: «أنت صادق، ولست مثلك. إن الإسلام قد قطع العهود بيننا وبينكم» .
301- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ:
أَسَرَ الْمِقْدَادُ يَوْمَ بَدْرٍ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ. فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلَهُ، قَالَ لَهُ الْمِقْدَادُ: يَا رَسُولَ اللَّه، أَسِيرِي؟ [فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم: إنه كان يقول في اللَّه وَرَسُولِهِ مَا يَقُولُ، وَقَرَأَ:
«وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا» الآية [3] . ثم قتله صبرا. وقال:
__________
[1] القرآن، الرعد (13/ 31- 32) .
[2] القرآن، يس (36/ 78) .
[3] القرآن، الأنفال (8/ 31) .(1/143)
«اللَّهُمَّ أَغْنِ الْمِقْدَادَ مِنْ فَضْلِكَ» ثَلاثًا] 302- قالت قتيلة ابنة النضر بن الحارث (وبعض الرواة يقول: قتيلة بنت الحارث، والأول [1] أثبت) [2] :
يا راكبا إن الأثيل مظنة ... عن صبح خامسة [3] وأنت موفق
بلّغ ميتا بأن تحية ... ما إن تزال بها النواعج تخفق
مني إليه وعبرة مسفوحة ... جادت لمائحها وأخرى تخنق
قولا لأحمد أنت ضنء كريمة ... لنجيبة والفحل فحل معرق
ما كان ضارك لو مننت وربما ... من الفتى وهو المغيظ المحنق
(ف) النضر أقرب من قتلت قرابة ... وأحقهم إن كان عتق يعتق
ظلت سيوف بني أبيه تنوشه ... للَّه أرحام هناك تشقق
[فيقال أن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لو سمعت هذا الشعر قبل قتله، ما قتلته.] واللَّه أعلم.
أمر منبه ونبيه ابني الحجاج
303- وكان منبه ونبيه ابنا الحجاج السهميان على مثل ما كان عليه أصحابهما من آذى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والطعن عليه. وكانا يلقيانه فيقولان:
«أما وجد اللَّه من يبعثه غيرك؟ إن هاهنا من هو أسن منك وأيسر. فإن كنت صادقا، فائت بملك يشهد لك، ويكون معك.» وإذا ذكراه، قالا [4] :
«معلم مجنون، يعلمه أهل الكتاب ما يأتي به» . وكان صلى اللَّه عليه وسلم يدعو عليهما. فأما منبه، فقتله علي عليه السلام. ويقال: أبو اليسر الأنصارى.
__________
[1] راجع لبحث نسب قتيلة: السهيلي 2/ 119.
[2] ابن هشام، ص 539، الاستيعاب لابن عبد البر (كنى النساء رقم 239 مكرر قتيلة بنت النضر) ، مصعب الزبيري، ص 255 حيث ذكر الناشر مراجع أخرى لهذه الأبيات.
وفي روايتها اختلافات. (ح في الأول: «تظنه» ، «خابسة» . وفي الرابع: «ضنى» ) .
[3] ذكر في الفقرة 58 من هذا الكتاب «حزن خندف» وكانت تبكى كل خميس من الغداة إلى الليل. لعله التلميح في «صبح خامسة» .
[4] خ: والا. (وذكر قولهما في القرآن أيضا فراجع سورة الدخان 44/ 14، وسورة النحل 16/ 103) .(1/144)
ويقال: أبو أسيد الساعدي. وأما نبيه، فقتله علي بن أبي طالب. وقتل [1] أيضا العاص بن منبه، وكان صاحب ذي الفقار، سيف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَلِكَ الثبت. وبعضهم يقول: إنه كان سيف منبه. ويقال أيضا: إنه كان سيف نبيه.
وأما زهير بن أبي أمية
304- فهو أَخُو أم سلمة، زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم، لأبيها. وكان ممن يظهر تكذيب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وينكر ما جاء به، ويطعن عليه، ويرد الناس عنه. إلا أنه مِمَّنْ أَعَانَ عَلَى نَقْضِ الصَّحِيفَةِ الَّتِي كَتَبَتْهَا قريش على بني عبد المطلب. وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب، عمة النبي صلى اللَّه عليه وسلم. وقد اختلفوا فيه. فقال بعض الرواة: إنه شخص يريد بدرا، فسقط عن بعيرة، فمرض ومات. وقال بعضهم: أسر يوم بدر، فأطلقه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا صار بمكة، مات. وقيل: إنه حضر وقعة أحد، ومات بعدها من سهم أصابه. وقال مصعب بن عبد اللَّه الزبيري: شخص إلى اليمن بعد الفتح، فمات هناك كافرا.
وأما عبد اللَّه بن أبي أمية
305- فإن النبي صلى اللَّه عليه وسلم دعاه في قوم من المشركين. فقال له بعضهم: «لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض ينبوعا، فإن ماء زمزم ملح» . وقال آخر: «إن لم تفعل هذا، فإنا لا نؤمن لك/ 66/ حتى تكون لك بمكة جنة كجنان آل فارس ذات نخيل [2] وأعناب» ، وقال الثالث:
«لن نؤمن لك حتى تسقط السماء علينا كسفا، أو تأتي بربك وملائكته فنراهم» .
وقال عبد اللَّه بن أبي أمية: «لن نؤمن لك حتى نرى بيتا من ذهب يحدثه لك ربك، أو ترقى في السماء. ثم لا نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب ونحن نراك فنقرؤه» .
فأنزل اللَّه عز وجل مكانة قولهم، وقال: قل لهم: «سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ
__________
[1] خ: قيل.
[2] خ: نجيل.(1/145)
إِلَّا بَشَراً رَسُولًا [1] » . وأسلم عبد اللَّه، وقتل يوم الطائف. والثبت أن عبد اللَّه قال هذا القول من بينهم، فنزلت فيه الآيات، وكان خطيب القوم ومتكلمهم.
(السائب، والأسود، وعدى، والعاص:
306- وأما السائب بن أبي السائب، فقتل يوم بدر. قتله الزبير بن العوام.
وأما الأسود بن عبد الأسد بن هلال المخزومي، فقتل يوم بدر أيضا. قتله حمزة رحمه اللَّه. وأما عدي بن الحمراء الخزاعي، فلدغ وهو يريد بدرا، فمات.
وأما العاص بْن سَعِيد بْن العاص بْن أمية، فقتله حمزة أيضًا يوم بدر.
أمر أبي البختري الْعَاصَ بْنَ هَاشِمِ (بْنِ الْحَارِثِ) [2] بْنِ أَسَدِ بْن عبد العزى بن قصي:
307- قالوا: كان أبو البختري أقل أذى لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أنه كان يكذبه ويعيب ما جاء به. وكان ممن أعان على نقض الصحيفة.
وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمر أن يستبقيه من لقيه، وأن لا يقتله.
فلقيه المجذر بن ذياد البلوي. فقال له: استأسر، فإن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أن لا تقتل. فقال: إن معي رفيقي جنادة بن مليحة، فإن استبقيتموه، وإلا فلا حاجة لي في الحياة. فأعير بخذلانه، وجعل يقاتل ويقول [3] :
لن يسلم ابن حرة أكيله ... حتى يموت أو يرى سبيله
فحمل عليه المجذر فقتله، وجعل يقول [4] :
إما جهلت أو نسيت نسبي ... فأثبت النسبة أني من بلى
الطاعنين برماح اليثربى ... وأعبط القرن بعضب مشرفي
__________
[1] القرآن، الإسراء (17/ 90- 93) .
[2] خ: هشام بن أسد. (وقد مر، وسيمر أيضا، نسبه الصحيح) .
[3] الطبرى، ص 1325، مصعب الزبيري، ص 213، الاستيعاب، رقم 1249 المجذر، وفيه زيادة مصراع بين هذين: «ولا يفارق جزعا أكيله» .
[4] مصعب الزبيري، ص 214 وحاشية، معجم الشعراء للمرزبانى، ص 470- 471، مع اختلافات وزيادات. خ في الثانى: بعصب مشرقى.(1/146)
ثم إن المجذر أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فأخبره الخبر، وقال: والذي بعثك بالحق، لقد جهدت أن يستأسر فآتيك به، فقاتلني فقتلته. وقد قيل:
إن الذي قتل أبا البختري: عمير بن عامر المازني، من بني مازن بن النجار.
ويكنى أبا داود.
308- وفي أبي البختري نزلت: «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [1] » .
أمر عقبة بن أبي معيط:
309- وكان عقبة بن أبي معيط أشد الناس عداوة لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأذى له. وهو عقبة بن أبي معيط- واسم أبي معيط: أبان- بن أبي عمرو بن أمية. وكان عقبة يكنى أبا الوليد.
310- حدثني محمد بن سعد كاتب الواقدي، عن محمد بن عمر الواقدي في إسناده:
أن عقبة بن أبي معيط عمد إلى مكتل [2] ، فجعل فيه عذرة ثم ألقاه عَلَى بَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم. فبصر به طليب بن عمير بن وهب ابن عبد بن قصي بن كلاب- وأمه أروى بنت عبد المطلب- فأخذ المكتل منه، وضرب به رأسه، وأخذ بأذنيه. ونشب به عقبة، فذهب به إلى أمه، فقال لها: ألا ترين إلى ابنك قد صار غرضا دون محمد؟ فقالت: «ومن أولى منه بذلك؟ هو ابن خاله. أموالنا وأنفسنا دون محمد» . وجعلت تقول [3] :
إن طُليبًا نَصْر ابنَ خاله ... آساهُ فِي ذي دمه وماله
فلما كان يوم بدر، أتى بعقبة أسيرا. وكان الذي أسره عبد اللَّه بن سلمة ابن مالك العجلاني، من بلي، وعداده في الأنصار. جمح به فرسه، فأخذه.
فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ 67/ عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأوسي من الأنصار بضرب عنقه. فجعل عقبة يقول: «يا ويلتي، علام
__________
[1] القرآن، الزمر (39/ 3) .
[2] المكتل: الزنبيل.
[3] مصعب الزبيري، ص 257. (خ: في الشطر الثانى: أساءه) .(1/147)
أقتل يا معشر قريش أقتل من بين هؤلاء؟» [فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:
«لعداوتك للَّه [1] ورسوله» . قال: «يا محمد، منّك أفضل، فاجعلني كرجل ممن هاهنا من قومك وقومي. ويا محمد، من للصبية؟» قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النار] » . وكان قتله بعرق الظبية. وقال الواقدي: قتل بالصفراء.
وقيل: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمر به، فصلب. فكان أول مصلوب صلب في الإسلام.
311- حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ:
[أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُقْبَةَ يَوْمَ بَدْرٍ: واللَّه لأَقْتُلَنَّكَ. فَقِيلَ أَتَقْتُلُهُ مِنْ بَيْنِ قُرَيْشٍ؟ قال: نعم، إنه وطيء عَلَى عُنُقِي وَأَنَا سَاجِدٌ، فَمَا رَفَعَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ سَقَطَتَا، وَجَاءَ يَوْمًا، وَأَنَا سَاجِدٌ، بِسَلا شَاةٍ فَأَلْقَاهُ عَلَى رَأْسِي. فأنا قاتله] .
312- وحدثنا عَبْدُ اللَّه بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ مُعَاذِ بن معاذ العنبري، عن سعيد، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قال:
قتل رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَةً صَبْرًا: عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وَطُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيٍّ، وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ.
313- قالوا: ولما هاجر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، قال عقبة:
يا راكب الناقة القصواء هاجرنا ... عما قليل تراني راكب الفرس
أعل رمحي فيكم بعد نهلته ... والسيف يأخذ منكم كل ملتمس
أمر الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى
314- كان الأسود من المستهزئين. وكان يكنى أبا زمعة. وكان هو وأصحابه يتغامزون بالنبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه، ويقولون: «قد جاءكم ملوك الأرض ومن يغلب على كنوز كسرى وقيصر» ، ثم يمكون ويصفرون. وكلم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكلام شق عليه. فدعا عليه رسول اللَّه صلى اللَّه
__________
[1] خ: اللَّه.(1/148)
عليه وسلم أن يعمي الله بصره ويثكله ولده. فخرج يستقبل ابنه. وقد قدم من الشام، فلما كان في بعض طريقه، جلس في ظل شجرة. فجعل جبريل عليه السلام يضرب وجهه وعينيه بورقة من ورقها خضراء، وبشوك من شوكها، حتى عمي. ويقال: إن جبريل عليه السلام أومأ إلى عينيه، فعمي، فشغل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما كان يوم بدر، قتل ابنه زمعة بن الأسود، ويكنى أبا حكيمة، قتله أبو دجانة. ويقال: ثابت بن الجذع.
وقتل ابنه عقيل أيضا، قتله حمزة وعلي رضي الله تعالى عنهما، اشتركا فيه.
ويقال: قتله علي وحده. وقتل [1] الحارث بن زمعة بن الأسود، قتله علىّ.
وقوم يقولون: هو الحارث بن الأسود نفسه. والأول أثبت.
315- وكان الأسود بن المطلب يقول: دعوت على محمد أن يكون طريدا في غير قومه وبلده. واستجيب لي. ودعى علي بعمى عيني، فعميت، وأن أثكل ولدي، فثكلتهم.
316- قال الواقدي: ومات الأسود بمكة، وهم يتجهزون لأحد، وهو يذمرهم- أي يحثهم- ويشجعهم في مرضه، وقد قارب المائة.
317- وكان أهل مكة، لما قتل منهم من قتل منهم ببدر، تركوا البكاء على قتلاهم، كراهة أن يبلغ المسلمين جزعهم فيشمتوا بهم. فسمع الأسود بكاء، فسأل عنه: فقيل: امرأة ضل لها بعير، فهى تبكى عليه. فقال [2] :
(أ) تبكي أن يضل لَهَا بعير ... ويمنعها من النوم السهود
فلا تبكي على بكر ولكن ... على بدر تصاغرت الجدود
فبكي إن بكيت على عقيل ... وبكي حارثا أسد الأسود
/ 68/ وبكيهم ولا تسمي جميعا ... وما لأبي حكيمة من نديد
على بدر سراة بنى هصيص ... ومخزوم ورهط أبى الوليد
__________
[1] خ: قيل.
[2] ابن هشام، ص 462، الطبرى، ص 1342- 1343 (وعندهما في الثانى:
تقاصرت الجدود) . خ في الثالث: «ان يكتب» . وفي الرابع: «من بديد» .(1/149)
ألا قد ساد بعدهم رجال ... ولولا يوم بدر لم يسودوا
318- قال: وكان الأسود يجلس، ومعه قوم من المشركين، فيقولون: «ما ندري ما جاء به محمد؟ ما هو إلا سجع كسجع الكهان» . فنزلت فيهم: «الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ [1] » ، أي عضة عضة. ويقال: إن الآية نزلت في أهل الكتاب الذين آمنوا ببعضه وكفروا ببعض. والثبت أنها نزلت في كفار قريش.
وكانوا يسألون عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فيقول بعضهم: «مجنون» [2] ، ويقول بعضهم: «ساحر» [3] ، ويقول بعضهم: «شاعر» [4] ، ويتحدثون عليه ويصدون الناس عنه. فأنزل اللَّه عز وجل: «وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [5] . يقول: أوزار من يصدونه عن الإسلام.
319- وذكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عاقر الناقة [6] ، فقال: «كان عزيزا منيعا، كان كأبي زمعة الأسود بن المطلب فيكم» . وكان يقال لأبى زمعة بن الأسود «زاد الراكب» .
[المؤذون للنبي ص]
وكان ابن [7] الأصداء الهذلي
320- أحد من يؤذي النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فيقول له: إنما يعلمك أهل الكتاب أساطيرهم [8] ، ويقول للناس [9] : هو مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ [10] . فدعا عليه رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِنَّهُ لعلى جبل إذ اجتمعت عليه الأروي، فنطحته حتى قتلته.
__________
[1] القرآن، الحجر (15/ 91) .
[2] القرآن، الصافات (37/ 36) .
[3] القرآن، الأنبياء (21/ 3) ، والطور (52/ 15) وغير ذلك.
[4] القرآن الصافات (37/ 36) ، والأنبياء (21/ 5) .
[5] القرآن، العنكبوت (29/ 13) .
[6] القرآن، الأعراف (7/ 76- 77) .
[7] خ: أبو.
[8] القرآن، الفرقان (25/ 5) ، وغير ذلك.
[9] خ: الناس.
[10] القرآن، الدخان (44/ 14) .(1/150)
الحكم بن أبي العاص بن أمية
321- كان الحكم مؤذيًا لرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يشتمه ويسمعه. وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يمشي ذات يوم، وهو خلفه يخلج [1] بأنفه وفمه، فبقي على ذلك. وأظهر الإسلام يوم فتح مَكَّة. وَكَانَ مغموصًا عَلَيْهِ فِي دينه.
فاطلع يوما على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وَهُوَ في بَعْض حجر نسائه. فخرج إِلَيْهِ بعنزة وَقَالَ: « [من عذيري من هذه الوزغة؟ لو أدركته، لفقأت عينيه] » ، أَوْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولعنه وما ولد، وغربه عن المدينة. فلم يزل خارجا منها إلى أن استخلف عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ، فرده وولده.
فكان ذلك مما أنكر عليه. ومات في خلافة عثمان. فضرب على قبره فسطاطا.
قال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت لمروان بن الحكم [2] :
إِن اللعين أباك فأرم عظامه ... إِن ترم ترم مخلجا مجنونا
يضحى خميص البطن من عمل التقى ... ويظل من عمل الخبيث بطينا
عُتْبة بْن ربيعة بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف
322- كان عتبة يكنى أبا الوليد. ولقي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال له:
«إن أردت الشرف، شرفناك بأن نملكك. وإن كنت تريد المال، أعطيناك منه ما تحبه» . فقال: « [يا أبا الوليد، اسمع» . فقرأ «حم السجدة [3] » .] فقال:
هذا كلام ما سمعت مثله. ثم التفت إلى جماعة من قريش، فقال: دعوه وخلوا بينه وبين العرب، فليس بتارك أمره.
323- وأتى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن أم مكتوم، وعتبة يكلمه، وقد طمع فيه فشغل عنه. فأنزل اللَّه عز وجل [4] : «عَبَسَ وَتَوَلَّى» . وقوله «أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى» ، يعني عتبة. ويقال: إن الذي تشاغل عن ابن أم مكتوم به:
__________
[1] يخلج: يحرك.
[2] الاستيعاب لابن عبد البر، رقم 487: الحكم بن العاص.
[3] القرآن، فصلت (41/ 1 وما بعدها) .
[4] القرآن، عبس (80/ 1- 5) .(1/151)
الوليد بن المغيرة. ويقال: إن ابن أم مكتوم لما أتاه، قال له: «علمني مما علمك اللَّه» . فأقبل على أمية بن خلف الجمحي، وتركه.
324- وقتل عتبة يوم بدر كافرا. قتله حمزة بْن عَبْد المطلب/ 69/ رَضِي اللَّه تَعَالى عنه، وقتل الوليد بن عتبة يوم بدر، قتله عَلِيّ بْن أَبِي طالب عَلَيْهِ السلام.
وكان لعتبة يوم قتل سبعون سنة. وكان الوليد ابن خمسين سنة. وكان أبو حذيفة ابن عتبة مع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
شيبة بن ربيعة بن عبد شمس
325- ويكنى أبا هاشم. كان شيبة [1] يجتمع مع قريش فيما يكذّبه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الأذى له، غير أنه كان لا يتولى ذلك بيده. وقتل يوم بدر، قتله عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، وذفف عليه حمزة وعلي عليهما السلام. وكان شيبة أسن [2] من عتبة بثلاث سنين. وقد كان عتبة وشيبة متثاقلين عن الخروج حتى أنبهما أبو جهل، فخرجا.
326- قالوا: ومشى نساء قريش إلى هند بنت عتبة، وهي أم معاوية، فقيل لها: ألا تبكين على أبيك وأخيك وأهل بيتك؟ فقالت: «لا أبكيهم» .
فبلغ محمدا ذلك، فشمت وأصحابه ونساء الخزرج، لا واللَّه، حتى أثأر من محمد وأصحابه. وحرمت على نفسها الدهن والكحل، وقالت: لو أعلم أن الحزن يذهبه البكاء، لبكيت. ثم قالت بعده [3] :
للَّه عينا من رأى ... هلكا كهلك رجاليه
يا رب باك لي غدا ... في النائحات وباكيه
__________
[1] خ: سببه.
[2] خ: اثنين.
[3] ابن هشام، ص 537 مع اختلافات.(1/152)
كم غادروا يوم القلي ... ب غداة تلك الواعية
من كل غيث في السني ... ن إذا الكواكب خاوية
قد كنت أحذر ما أرى ... فاليوم حق حذاريه
يا رب قائلة غدا ... يا ويح أم معاوية
وقالت أيضًا:
ويلى على أبوى ... والقبر الذى واراهما
رمحين خطيّين ... في كبد السماء تراهما
سيفين هنديين ... سن القبر حد ظباهما
لا مثل لهما في الكهو ... ل ولا فتى كفتاهما
ابنى ربيعة لا يم ... لّ الناس من ذكراهما
ما خلفا إذ ودعا ... وتوليا شرّ واهما
من حس لي الأخوين ... كالغصنين أم من رآهما
مطعم بْن عدي بْن نوفل بْن عَبْد مناف
327- كان مطعم يكنى أبا وهب. وكان أقل أصحابه أذى للنبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولكنه كان ينكر عليه ما أنكروا. وهو الذي قام بأمر بني هاشم وبني المطلب، حتى خرجوا من الشعب. وأجار النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حتى طاف بالبيت.
328-[وقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم لابنه جبير بن مطعم يوم بدر: لو كان أبوك حيا فاستوهبني هؤلاء الأساري، لوهبتهم له وشفعته فيهم] .
329- ومات مطعم في صفر سنة اثنتين من الهجرة قبل بدر بأشهر. ودفن بالحجون وهو ابن بضع وتسعين سنة. وأقيم النوح عليه سنة.
طعيمة بْن عدي بْن نوفل بْن عَبْد مناف
330- ويكنى أبا الريان. وكان طعيمة ممن يؤذي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم(1/153)
فيبالغ في أذاه ويشتمه ويسمعه ويكذبه. فلما كان يوم بدر، أسر. فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتله صبرا، فقتل.
331- حَدَّثَنِي عُبَيْدُ (اللَّه) بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ/ 70/ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قال:
قتل رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعيمة بن عدي صبرا. وكان الذي قتل طعيمة: حمزة بن عبد المطلب.
الْحَارِث بْن عامر بْن نوفل بْن عَبْدِ مناف:
332- كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوم بدر: [من لقي الحارث فليدعه لأيتام بني نوفل.] وفيه نزلت: «وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا [1] » . ولكنه كان أعان على نقض الصحيفة. فقتل يوم بدر كافرا.
قتله خبيب ابن إساف.
مالك بن الطلاطلة:
333- وقال الكلبي: كان مالك بن الطلاطلة بن عمرو بن غبشان من المستهزئين، وكان سفيها. قالوا: فدعا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه، واستعاذ باللَّه من شره. فعصر جبريل بطنه، حتى خرج خلاؤه من فمه، فمات. وقال غيره: أشار جبريل، فامتحض رأسه قيحا. وقال غير الكلبي: هو عمر ابن الطلاطلة، وذلك باطل.
334- وقال الكلبي: سمعت من يقول هو الحارث بن الطلاطلة، وليس ذلك بشيء. وهم يغلطون بابن الغيطلة وابن الطلاطلة، فيجعلون هذا ذاك وذاك هذا.
335- وقد ذكر غير الواقدي: أن المستهزئين جميعا ماتوا في وقت واحد. وقول الواقدى أثبت.
__________
[1] القرآن، القصص (28/ 57) .(1/154)
336- وقال الواقدي: أليس موت من مات، وعمى من عمي، وما تهيأ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من أسباب مفارقتهم كفاية له صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يزيد
337- قالوا: وكان ركانة بْن عبد يزيد بْن هاشم بْن المطلب الشديد قدم من سفر له. فَأُخْبِرَ خَبَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلقيه في بعض جبال مكة، فقال: يا ابن أخي، قد بلغني عنك أمر، وما كنت عندي بكذاب. فإن صرعتني، علمت أنك صادق. فصرعه النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثا. فأتى قريشا، فقال: يا هؤلاء، صاحبكم ساحر، فساحروا به من شئتم.
338- وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
لَقِيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُكَانَةَ بن عبد يزيد، وَكَانَ أَشَدَّ الْعَرَبِ، لَمْ يَصْرَعْهُ أَحَدٌ قَطُّ. فدعاه إلى إسلام. فَقَالَ: واللَّه لا أُسْلِمُ حَتَّى تَدْعُوَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ. وَكَانَتْ سَمْرَةً أَوْ طَلْحَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَقْبِلِي بِإِذْنِ اللَّه. فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الأَرْضَ خَدًّا. فَقَالَ رُكَانَةُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ سِحْرًا أَعْظَمَ، فَمُرْهَا فَلْتَرْجِعْ. فَقَالَ: ارْجِعِي بِإِذْنِ اللَّه. فَرَجَعَتْ. فَقَالَ لَهُ:
وَيْحَكَ، أَسْلِمْ. فَقَالَ: إِنْ صَرَعْتَنِي أَسْلَمْتُ، وَإِلا فَغَنَمِي لَكَ، وَإِنْ صَرَعْتُكَ، كَفَفْتَ عَنْ هَذَا الأَمْرِ. وَكَانَ رُكَانَةُ أَشَدَّ النَّاسِ، مَا صَرَعَهُ أَحَدٌ قَطُّ. فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَرَعَهُ ثلاثا. فقال: يابن الْعَمِّ، الْعَوْدَ. فَصَرَعَهُ أَيْضًا ثَلاثًا، فَقَالَ: أَسْلِمْ. فَقَالَ: لا. قَالَ: فَإِنِّي آخُذُ غَنَمَكَ. قَالَ:
فَمَا تقول لقريش؟ قال: أقول صارعته، فصرعت فَأَخَذْتُ غَنَمَهُ. قَالَ:
فَضَحْتَنِي وَخَزَيْتَنِي. قَالَ: فَمَا أَقُولُ لَهُمْ؟ قَالَ: قُلْ لَهُمْ قَمَرْتُهُ. قَالَ: إِذًا أَكْذِبُ.
قَالَ: أَوَ لَسْتَ فِي كَذِبٍ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ إِلَى حِينِ تُمْسِي؟ قَالَ: خُذْ غَنَمَكَ.
قَالَ: فَأَنْتَ واللَّه خَيْرٌ مِنِّي وَأَكْرَمُ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْكَ.(1/155)
هبيرة بن أبي وهب
339- وكان هبيرة بن أبي وهب المخزومي ممن يؤذي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقيل إنه قتل يوم الخندق. ويقال إنه بقي إِلَى الفتح، فهرب إِلَى اليمن، فمات هناك كافرا. وذلك أثبت.
ذكر المستضعفين مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
340- روى عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزبير أنه قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا جلس في المسجد، جلس إليه المستضعفون من أصحابه/ 71/ عمار بن ياسر، وخباب بن الأرتّ، وصهيب ابن سنان، وبلال بن رباح، وأبو فكيهة، وعامر بن فهيرة وأشباههم من المسلمين. فتهزأ قريش بهم ويقول بعضهم لبعض: هؤلاء جلساؤه كما ترون، قد من الله عليهم [1] من بيننا. فأنزل الله عز وجل فيهم: «أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ؟ وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ: سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [2] » . قال: وكانوا قوما لا عشائر لهم ولا منعة. فكانت قريش تعذبهم في الرمضاء أنصاف النهار، ليرجعوا إلى دينهم. وفيهم نزلت:
«وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ. مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [3] » .
عمار بن ياسر:
341- فمنهم عمار بن ياسر بن عامر بن مالك، أحد بني عنس أخى مراد [4]
__________
[1] راجع القرآن، الأنعام (6/ 53) .
[2] القرآن، الأنعام (6/ 53- 54) .
[3] أيضا (6/ 52) .
[4] خ: مر. (والتصحيح عن جداول وستنفلد) .(1/156)
ابن مالك بن أدد بن زيد. وكان عنس يسمى زيدا. وكان كنية عمار (أبا) اليقظان، وكنية ياسر أبا عمار. ويقال: أبا عبد الله، وكان حليفا لبني مخزوم.
342- حدثني محمد بن سعد [1] ، عن هشام بن الكلبي وغيره قال:
قدم ياسر بن عامر، وأخواه الحارث ومالك، مكة من اليمن يطلبون أخا لهم.
فرجع الحارث ومالك إلى اليمن، وأقام ياسر بمكة وحالف أبا حذيفة بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم. فزوجه أبو حذيفة أمة له يقال لها سمية بنت خيّاط، فولدت له عمارا. فأعتقه أبو حذيفة، ولم ياسر. وعمار مع أبي حذيفة إلى أن مات، وجاء الإسلام. فأسلم ياسر، وسمية، وعمار، وأخوه عبد الله بن ياسر. وكان لياسر ابن آخر، أكبر من عمار وعبد الله، يقال له حريث.
فقتله بنو الديل في الجاهلية. وخلف على سمية، بعد ياسر، الأزرق، وكان روميا حدادا غلاما للحارث بن كلدة الثقفي. وهو ممن خرج يوم الطائف إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع عبيد أهل الطائف، وفيهم أبو بكرة، فعتقوا.
فولدت سمية للأزرق قبل الإسلام سلمة بن الأزرق. وكان ياسر قد فارقها.
فهو أخو عمار لأمه. ثم أدعى ولد سلمة- عمرو وعقبة- بنو الأزرق أنهم من ولد الحارث بن أبي شمر الغساني، وأنهم حلفاء لبني أمية. وشرفوا بمكة.
وتزوج بعض ولد الأزرق في بني أمية. وعمرو وعقبة من غير سمية.
343- وَرَوَى ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو [2] بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَزْرَقِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ نِسَاءً يَبْكِينَ فِي جَنَازَةٍ، فَزَجَرَهُنَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [يَا عُمَرُ، دَعْهُنَّ فَإِنَّ النَّفْسَ مُصَابَةٌ، وَالْعَيْنَ دَامِعَةٌ، وَالْعَهْدُ حَدِيثٌ.] وَقَاتَلَ عَمْرُو بْنُ الأزرق يوم بدر [3] مع المشركين، فأسر.
__________
[1] ابن سعد، 3 (1) / 176.
[2] كذا في الأصل ومن رواة الطبرى في تأريخه محمد بن عمر بن عطاء بن يسار، لعله هو.
[3] خ: أحد (والتصحيح عن ابن هشام، ص 513) .(1/157)
344- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: لَقِيتُ صُهَيْبَ بْنَ سِنَانٍ عَلَى بَابِ دَارِ الأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الأَرْقَمِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا. فَقُلْتُ لَهُ مَا تُرِيدُ؟ فَقَالَ: مَا تُرِيدُ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أُرِيدُ أَنْ أَدْخُلَ عَلَى مُحَمَّدٍ فَأَسْمَعَ كَلامَهُ. قَالَ: وَأَنَا أُرِيدُ ذَلِكَ.
فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَعَرَضَ عَلَيْنَا الإِسْلامَ. فَأَسْلَمْنَا، ثُمَّ مَكَثْنَا يَوْمَنَا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَمْسَيْنَا. ثُمَّ خَرَجْنَا مُسْتَخْفِينَ. فَكَانَ إِسْلامُ عَمَّارٍ وَصُهَيْبٍ بَعْدَ إِسْلامِ بِضْعَةٍ وَثَلاثِينَ رَجُلا.
345- حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة أبو بكر، ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الضَّبِّيُّ، عَنْ منصور، عن مجاهد قال:
أول من أظهر الإسلام أبو بكر، وبلال، وخباب، وصهيب، وعمار.
فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنعه قومه. وأما الآخرون فألبسوا دروع الحديد، وصهروا في الشمس حتى بلغ الجهد منهم. وجاء أبو جهل إلى سمية، فطعنها في قبلها. فهي أول شهيد في الإسلام. قال عبد الله بن محمد: بلغني أنها أغلظت له في القول، فأغضبته.
346- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سعد [2] عن الواقدي، عن عثمان بن محمد/ 72/ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ:
أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ مُتَجَرِّدًا فِي سَرَاوِيلَ، قَالَ: وَنَظَرْتُ إِلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا فِيهِ حَبَطٌ. فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مِمَّا كَانَتْ قُرَيْشٌ تُعَذِّبُنِي فِي رَمْضَاءِ مَكَّةَ.
347- قال الواقدي، وحدثني عثمان بن محمد في إسناده، قال:
كان عمار يعذب حتى لا يدري ما يقول. وكان أبو فكيهة يعذب حتى لا يدري ما يقول. وبلال، وعامر بن فهيرة، وقوم من المسلمين. وفيهم نزلت هذه الآية: «وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا
__________
[1] ابن سعد، 3 (1) / 177.
[2] ابن سعد، 3 (1) / 177.(1/158)
حَسَنَةً، وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [1] » . قال الواقدي: إنها نزلت في أبي سلمة بن عبد الأسد، وعثمان ابن مظعون. وكان أول من قدم المدينة.
348- حدثنا محمد بن حاتم المروزي، ثنا هشيم، عن حصين، عن أبي مالك، في قوله: «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [2] » ، قال: هو عمار.
349- حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ الأَنْطَاكِيُّ، ثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ [3] عَبْدِ الكريم، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: لَمَّا أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارًا، فَعَذَّبُوهُ لَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ. فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: [وَمَا وَرَاءَكَ؟
قَالَ: شَرٌّ، وَاللَّهِ، مَا تَرَكَنِي الْمُشْرِكُونَ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ. قَالَ: فَكَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟ قَالَ: مُطْمَئِنًّا بِالإِيمَانِ. قَالَ: فَإِنْ عَادُوا، فَعُدْ.] فَنَزَلَتْ فِيهِ: «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ» .
350- حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الزَّاهِدُ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ عَمَّارًا وَهُوَ يَبْكِي. فَجَعَلَ يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ وَيَقُولُ: [أَخَذَكَ الْكُفَّارُ، فَغَطُّوكَ فِي الْمَاءِ، فَقُلْتَ كَذَا وَكَذَا. فَإِنْ عَادُوا، فَقُلْ ذَاكَ لَهُمْ] .
351- وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْد، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْد اللَّهِ بن أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَكِيمِ بْنِ صُهَيْبٍ، قَالَ:
عَذَّبَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارًا، وَقَالُوا: لا نُفَارِقُكَ أَبَدًا حَتَّى تَشْتُمَ مُحَمَّدًا، وَحَتَّى تَقُولَ اللاتُ وَالْعُزَّى خَيْرٌ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ. فَفَعَلَ. فَتَرَكُوهُ. فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَفْلَحَ وَجْهُكَ. فَقَالَ: وَاللَّهِ، مَا أَفْلَحَ. قَالَ: وَلِمَ؟
قَالَ: نِلْتُ مِنْكَ، وَزَعَمْتُ أَنَّ اللاتَ وَالْعُزَّى خَيْرٌ مِنْ دِينِكَ. [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
__________
[1] القرآن، النحل (16/ 41- 42) .
[2] القرآن، النحل (16/ 106) .
[3] خ: معمر بن عبد الكريم (وسيجيء ذكر عبد الكريم الراوي فيما بعد أيضا) .(1/159)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَكَيْفَ وَجَدْتَ قَلْبَكَ؟ قَالَ: وَجَدْتُهُ مُطْمَئِنًّا بِالإِيمَانِ، أَشَدَّ مِنَ الْحَدِيدِ فِي دِينِي. قَالَ: فَلا عَلَيْكَ، وَإِنْ عَادُوا، فَعُدْ. قَالَ:
فَعَمَّارٌ الَّذِي أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان.] والذى «شرح بالكفر صدرا [1] » ، عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح.
352- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا عَبْدُ الله بن جعفر الرقي، عن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ، في قوله «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ» ، قال: ذاك عمار.
وفي قوله «وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً» ، قال: عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح.
353- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أُمِّ هاني:
أنّ عمار بن ياسر، وأباه ياسر، وَأَخَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَاسِرٍ، وَسُمَيَّةَ أُمَّ عَمَّارٍ كَانُوا يُعَذَّبُونَ فِي اللَّهِ. [فَمَرَّ بِهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ، فَإِنْ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ.] فَمَاتَ يَاسِرٌ فِي الْعَذَابِ. وَأَغْلَظَتْ سُمَيَّةُ لأَبِي جَهْلٍ، فَطَعَنَهَا فِي قُبُلِهَا، فَمَاتَتْ. وَرُمِيَ عَبْدُ اللَّهِ، فَسَقَطَ.
354- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا الْفَضْلُ بْنُ عَنْبَسَةَ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ الْمَكِّيِّ بِنَحْوِهِ.
355- حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عن أبي ربيعة، عن الحسن، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
[قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْجَنَّةُ تَشْتَاقُ إِلَى ثَلاثَةٍ مِنْ أَصْحَابِي:
عَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ، وَبِلالٍ] .
356- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ هُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، قَالَ:
[أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ 73/ فَقِيلَ لَهُ: وَقَعَ عَلَى عَمَّارٍ حَائِطٌ، فمات. فقال: ما مات عمار] .
__________
[1] القرآن، النحل (16/ 106) .
[2] ابن سعد، 3 (1) / 178 (وعنده «أبشروا» بدل «صبرا» المذكور في الرواية السالفة) .(1/160)
357- حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخُوَارِزْمِيُّ، قَالا ثنا وَكِيعٌ، ثنا شعبة، عَنْ قَيْس بْن مُسْلِمٍ، عَن طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ:
غَزَتْ بَنُو عُطَارِدٍ مِنَ الْبَصْرَةِ مَاهَ، وَأَمَدُّوا بِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَهُوَ عَلَى الْكُوفَةِ.
فَخَرَجَ عَمَّارٌ قَبْلَ الْوَقْعَةِ وَقَدِمَ بَعْدَهَا، فَقَالَ: نَحْنُ شُرَكَاؤُكُمْ فِي الْغَنِيمَةِ.
فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُطَارِدٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الأَجْدَعُ- وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ فِي حَدِيثِهِ:
«الْمُجْدَعُ» ، وَكَانَتْ أُذُنُهُ أُصِيبَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ- أَتُرِيدُ أَنْ نَقْسِمَ لَكَ غَنِيمَتَنَا؟
فَقَالَ عَمَّارٌ: عَيَّرْتَنِي بِخَيْرِ أُذُنَيَّ، وَأَحَبِّ أُذُنَيَّ إِلَيَّ. فَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ.
فَكَتَبَ: الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ.
358- حَدَّثَنِي محمد بن سعد [1] ، عن الواقدي، عن عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عُمَرَ، قَالَ:
رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَوْمَ الْيِمَامَةِ عَلَى صَخْرَةٍ وَقَدْ أَشْرَفَ، وَهُوَ يَصِيحُ:
«يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَمِنَ الْجَنَّةِ تَفِرُّونَ؟ أَنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. هَلُمُّوا إِلَيَّ» .
وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى أُذُنِهِ قَدْ قُطِعَتْ، فَهِيَ تُذَبْذِبُ وَهُوَ يُقَاتِلُ أَشَدَّ قِتَالٍ.
359- حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ مُسْتَمْلِي يَزِيدَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ:
قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ لِعَمَّارٍ: أَيُّهَا الأَجْدَعُ. فَقَالَ عَمَّارٌ: خَيْرُ أُذُنَيَّ سَبَبْتَ.
360- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو قَطَنٍ، قَالا ثنا القاسم بن الفضل الحراني، قَالَ ثنا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ الْجُهَنِيُّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ:
أَقْبَلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِذٌ بِيَدَيَّ وَنَحْنُ نَتَمَاشَى بِالْبَطْحَاءِ، إِذْ أَتَيْنَا عَلَى أَبِي عَمَّارٍ، وَعَمَّارٍ، وَأُمِّهِ. وَهُمْ يُعَذَّبُونَ. فَقَالَ يَاسِرٌ: أَهَكَذَا يَكُونُ الدَّهْرُ كُلُّهُ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [اصْبِرْ، اللَّهُمَّ اغفر لآل ياسر، وقد فعلت] .
__________
[1] ابن سعد، 3 (1) / 181.
[2] ابن سعد، 3 (1) / 177 (وعنده «عمرو بن مرة الحملى» . كأنه سهو الطباعة) .(1/161)
361- حدثني أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ، عن عمرو (ابن) هَرِمٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ:
[قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ مَسْعُودٍ. أَوْ قَالَ: ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ] .
362- حَدَّثَنِي أبو مُسْلِمٍ، عَنْ وَكِيعٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَ:
[وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ] .
363- حَدَّثَنِي شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ مُؤَمَّلِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْعَلاءِ قَالَ:
قَالَ عَمَّارٌ:
«مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ مَثَلُ الْعَطَّارِ، إِلا تَجِدْ مِنْ عِطْرِهِ، يَصِلْ إِلَيْكَ رِيحُهُ. وَمَثَلُ الْجَلِيسِ السُّوءِ مَثَلُ الْكِيرِ، إِنْ لَمْ يَحْرِقْكَ بِنَارِهِ، أَصَابَكَ مِنْ شَرَرِهِ وَنَتْنِ رِيحِهِ.»
364- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ الْمَسْعُودِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ:
كَانَ أَوَّلُ مَنْ أَفْشَى الْقُرْآنَ بِمَكَّةَ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ. وَأَوَّلُ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ.
365- حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالا ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
أَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَ مَسْجِدًا فِي بَيْتِهِ يُصَلِّي فِيهِ عَمَّارٌ.
366- حدثنى إسحاق القروي أَبُو مُوسَى، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ:
[قُلْنَا لَهُ: أَخْبِرْنَا عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. قال: مؤمن [1] نشأ، إِذَا ذُكِّرَ ذَكَرَ] .
367- حَدَّثَنِي عَفَّانُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عن على بنحوه.
__________
[1] كذا في الأصل، لعل الأحسن «مؤمنا» .(1/162)
396- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كُنَاسَةَ الأَسَدِيُّ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: «أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ [2] » ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ.
369- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّارًا مَوْضِعَ دَارِهِ.
وَشَهِدَ وَقْعَةَ بَدْرٍ، وَأُحُدٍ، وَالْخَنْدَقِ، وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
370- حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مضرب العبدى، قَالَ:
قُرِئَ عَلَيْنَا/ 74/ كِتَابُ [3] عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِالْكُوفَةِ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أَمِيرًا، وَابْنَ مَسْعُودٍ مُعَلِّمًا وَوَزِيرًا، وَهُمَا مِنَ النُّجَبَاءِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ. وَقَدْ آثَرْتُكُمْ بِابْنِ أُمِّ عَبْدٍ عَلَى نَفْسِي. فَاسْمَعُوا لَهُمَا وَأَطِيعُوا، وَاقْتَدُوا بِهِمَا. وَقَدْ جَعَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى بَيْتِ مَالِكُمْ، وَحُذَيْفَةَ وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ عَلَى السَّوَادِ. وَرَزَقْتُهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ شَاةً» . قَالَ: فَجَعَلَ شَطْرَهَا وَبَطْنَهَا لِعَمَّارٍ، وَالشَّطْرَ الْبَاقِي بَيْنَ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ.
371- حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ الْبَصْرِيُّ، عَنْ أبى هلال الراسبى، عن الحسن، قَالَ:
قَالَ عُمَرُ: إِنَّمَا وَلَّيْتُ عَمَّارًا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ [4] » .
372- حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ، ثنا عَوَانَةُ- أَوْ قَالَ: أَبُو عَوَانَةَ- عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ:
أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ شَكَوْا سَعْدًا، فَأَكْثَرُوا. فَعَزَلَهُ وَوَلَّى عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ الْكُوفَةَ.
373- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ:
إِنَّ عُمَرَ عَزَلَ سَعْدًا عَنِ الْعِرَاقِ، وَقَاسَمَهُ مَالَهُ. وَوَلَّى عَمَّارَ بْنَ ياسر بعدّه.
__________
[1] ابن سعد، 3 (1) / 178.
[2] القرآن، الزمر (39/ 9) .
[3] راجع أيضا ابن سعد، 3 (1) / 183.
[4] القرآن، القصص (28/ 5) .(1/163)
374- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ:
أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَخْطُبُ كُلَّ خَمِيسٍ، وَيَدَعُ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ لِلأَمِيرِ، وَهُوَ عَمَّارٌ.
375- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا الْعَقَدِيُّ أَبُو عَامِرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ تَيْمِ اللَّهِ سَمِعَهُ، يَقُولُ:
كَانَ عمارا عَلَيْنَا سَنَةً يَخْطُبُنَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، فِي عِمَامَةٍ سَوْدَاءَ.
376- وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ:
أَنَّ عَمَّارًا كَانَ إِذَا خَطَبَ، سَلَّمَ.
377- حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ:
أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ كَانَ يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ «يس [1] » . فَقَالَ لَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: وَمَا أَرَحْنَا مِنْ يَاسِينِكَ.
378- وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ أَبِي زُبَيْدَةَ عَبْثَرٍ، قَالَ:
خَطَبَ عَمَّارٌ بِخُطْبَةٍ وَجِيزَةٍ. فَقِيلَ لَهُ: لَوْ زِدْتَ فِي خُطْبَتِكَ؟ فَقَالَ:
أُمِرْنَا بِتَقْصِيرِ الْخُطَبِ وَإِطَالَةِ الصَّلاةِ. قَالَ: وَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ: «إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ [2] » ، فَيَنْزِلُ، فَيَسْجُدُ.
379- حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ، عن سفيان بن بشير بْنِ ذُعْلُوقٍ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ:
قَالَ عمار: احدقوا هَذِهِ الصَّلاةَ قَبْلَ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ.
380- حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ:
رَأَيْتُ عَمَّارًا قَرَأَ يَوْمَ جُمُعَةٍ «إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ» ، فَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ فَسَجَدَ.
381- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدٍ:
أَنَّ عَمَّارًا كان لا يرى بأسا بالعراض [3] إذا قتل.
__________
[1] سورة القرآن 36.
[2] سورة القرآن 84.
[3] كأنه عراض الصيد المذكور في الرواية التالية.(1/164)
382- حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو خَيْثَمَةَ، ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ:
إِنَّا لَمَعَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ إِذْ عُرِضَ لَهُ حِمَارٌ وَحْشٌ، فَأَسْرَعْنَا إِلَيْهِ بِالرِّمَاحِ، فَطَعَنَّاهُ بِهَا. فَقَالَ عَمَّارٌ: وَاللَّهِ لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى إِذَا رُئِيَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ بِهَذَا، وَحَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ ليرى على أحدهم العمامة الحسينة فَتُعْجِبُهُ فَيَضْرِبُ عُنُقَهُ مِنْ أَجْلِهَا وَيَأْخُذُهَا مِنْهُ.
383- حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سُمَيْعٍ، عن على ابن أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ:
رَأَى عَمَّارٌ رَجُلا يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ، فَأَخَذَ بِقَفَاهُ، فَحَطَّهُ عَلَى قِرَارِ الأرض، وقال: صلّ ها هنا.
384- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَوْرٍ الْمُقْرِئُ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ، عَنْ عَطَاءٍ الْخَفَّافِ، عَنْ سَعِيدِ/ 75/ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ:
أَنَّ رَجُلا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا، ثُمَّ جَعَلَ يَغْشَاهَا، وَظَنَّ أَنَّهُ لا طَلاقَ إِلا طَلاقُ السُّنَّةِ. فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: وَيْحَكَ إِنِّي قَدْ بِنْتُ مِنْكَ. فَأَتَى الْكُوفَةَ، فَسَأَلَ عَمَّارًا، فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا دُفْعَةً، ثُمَّ غَشِيَهَا؟ فَقَالَ عَمَّارٌ: لَوْ قَدَرْتُ عَلَيْهِ، لَرَجَمْتُهُ. فَانْطَلَقَ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَسَرَّحَهَا، وَقَالَ:
كَانَتْ حَلالا أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ ... لِي لَوْ لَمْ تُطَلَّقْ
حَجَزَ التُّقَى عَنْهَا وَمَنْ ... لا يَتَّقِ الرَّحْمَنَ يَوْبَقْ
385- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ:
أَنَّ عَمَّارًا أُتِيَ بِشَاةٍ مُصْلِيَةً فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ قَبْلَ رَمَضَانَ. فَتَنَحَّى رَجُلٌ. فَقَالَ لَهُ: إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَادْنُ وَاطْعَمْ.
386- حَدَّثَنِي شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ الْفَلاسُ، وَيُوسُفُ، عَنْ مُوسَى، ثنا جَرِيرٌ، عن أبى سنان، عن عبد الله ابن أَبِي الْهُذَيْلِ، قَالَ:
لَمَّا بَنَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ دَارَهُ، قَالَ لِعَمَّارٍ: تَعَالَ فَانْظُرْ إِلَى مَا بَنَيْتُ.
فَنَظَرَ، وَقَالَ: بَنَيْتَ شَدِيدًا، وَأَمَّلْتَ بَعِيدًا، وَسَتَمُوتُ قَرِيبًا.(1/165)
387- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، ثنا أَبُو عَامِرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ شَبِيبٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ: لا يَضْرِبُ رَجُلٌ عَبْدَهُ ظَالِمًا إِلا أُقِيدَ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
388- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ أَنَّهُ رَأَى عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. فَبَدَتْ لَهُ حَيَّةٌ. فَنَزَلَ، فَضَرَبَهَا حَتَّى قَتَلَهَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [اقْتُلُوا الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي صَلاتِكُمْ] .
389- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بن دكين، ثنا سفيان، عن أجلح، عن ابن أبى هذيل قال:
رأيت عمار يَشْتَرِي قَتًّا [2] بِدِرْهَمٍ، فَاسْتَزَادَ حَبْلا. فَأَبَى صَاحِبُهُ أَنْ يَزِيدَهُ:
فَجَاذَبَهُ، حَتَّى قَاسَمَهُ إِيَّاهُ نِصْفَيْنِ. وَحَمَلَهُ عَمَّارٌ عَلَى ظَهْرِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ- أَوْ قَالَ:
الْقَصْرُ- وَهُوَ أَمِيرُ الْكُوفَةِ.
390- حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أنبأ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ:
رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَقْطَعُ عَلَى لِحَافِ ثَعَالِبَ ثَوْبًا.
391- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا وُهَيْبٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ:
سئل عمار عن مسئلة، فَقَالَ: هَلْ كَانَ هَذَا؟ قَالُوا: لا. قَالَ: فدعونا حتى يكون، فإذا كان تحشّمناها [4] لكم.
__________
[1] ابن سعد، 3 (1) / 182.
[2] خ: قثا (قثاء؟) . والتصحيح عن ابن سعد. والقت: حب برى يأكله أهل البادية وكذلك علف للدواب.
[3] ابن سعد، 3 (1) / 183.
[4] خ: تشجمناها. (والتجشم: التكلف لحل معضلة) .(1/166)
392- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ:
وَشَى بِعَمَّارٍ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ، فَرَفَعَ عَمَّارٌ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ كَذَبَ عَلَيَّ، فَابْسُطْ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَاجْعَلْهُ مَوْطُوءَ الْعَقِبِ.
393- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا عَفَّانُ، ثنا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، ثنا أَبُو نَوْفَلِ بْنُ أَبِي عَقْرَبٍ، قال:
كأن عمارا مِنْ أَطْوَلِ النَّاسِ سُكُوتًا وَأَقَلِّهِمْ كَلامًا. وَكَانَ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتْنَةِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتْنَةِ. ثُمَّ عُرِضَتْ لَهُ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ.
394- حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى وَأَبُو نُعْيَمٍ، قَالا ثنا سَعْدٌ العبسى، عن بلال بن يحيى العبسى أَنَّ حُذَيْفَةَ قَالَ:
[سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَبُو الْيَقْظَانِ عَلَى الْفِطْرَةِ، أَبُو الْيَقْظَانِ عَلَى الْفِطْرَةِ. لَنْ يَدَعَهَا حَتَّى يَمُوتُ أَوْ يُنْسِيَهُ الْهَرَمُ] » .
395- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا شَرِيكٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ:
شَاتَمَ عَمَّارًا رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ كَمَا تَقُولُ، فَأَنَا كَتَارِكِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا، فَأَكْثَرَ اللَّهُ مَالَكَ، وَأَوْطَأَ الرِّجَالُ عَقِبَكَ» .
396- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا يَزِيدَ الْمَدَنِيَّ يُحَدِّثُ:
أَنَّ عَمَّارًا/ 76/ قَالَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا يَوْمَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا فَرَغَ النَّاسُ مِنَ الْقِتَالِ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، مَا أَبْعَدَ هَذَا الأَمْرَ مِنَ الأَمْرِ الَّذِي عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكِ فِيهِ أَمَرَكِ أَنْ تَقَرِّي فِي بَيْتِكِ. فَقَالَتْ:
«مَنْ هَذَا؟ أَبُو الْيَقْظَانِ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: وَاللَّهِ إِنَّكَ، مَا علمت، تقول الحقّ. فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَضَى لِي عَلَى لِسَانِكِ.
397- وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّازُ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، أنبأ أَبُو بَلْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ:
أَحْرَقَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ بِالنَّارِ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
[1] ابن سعد، 3 (1) / 183.
[2] ابن سعد، 3 (1) / 183.(1/167)
يَمُرُّ بِهِ، فَيَمُرُّ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَيَقُولُ: « [يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً [1] على عَمَّارٍ كَمَا كُنْتِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ. تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، يَا عَمَّارُ] » .
398- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا وُهَيْبٌ، ثنا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْعَبْدِيِّ الْمُنْذِرِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال:
لما اتخذ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، جَعَلَ يَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً.
وَجَعَلَ عَمَّارٌ يَحْمِلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ. فَحَدَّثَنِي أَصْحَابِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: « [وَيْحَكَ، يَا ابْنَ سُمَيَّةَ، تقتلك الفئة الباغية] » .
399- حدثنى المدائني، عن علي بن مجاهد، قال:
وقع بين عبد الله بن مسعود وبين عمار بن ياسر تشاجر في شيء. فعجل عمار. فجلس ابن مسعود. فبلغ ذلك عمر رضي الله تعالى عنه، فقال:
أتجلس ابن أم عبد؟ فعزل عمارا، وولى الكوفة المغيرة بن شعبة.
400- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، ثنا عَمْرُو بن عون، أنبأ هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ- وَكَانَ يَأْمَنُ عِنْدَ عَلِيٍّ وَعِنْدَ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما- قال:
بينا أنا عند معاوية إذا أَتَاهُ رَجُلانِ يَخْتَصِمَانِ فِي رَأْسِ [3] عَمَّارٍ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: لِتَطِبْ نَفْسُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا لِصَاحِبِهِ بِرَأْسِ عَمَّارٍ، فإني سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ] .
فَالْتَفَتَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ: «أَلا تُثْنِي عَنَّا مَجْنُونَكَ هَذَا؟ فَلِمَ يُقَاتِلُ مَعَنَا إِذًا» فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي بِطَاعَةِ أَبِي، فَأَنَا مَعَكُمْ، ولست أقاتل.
__________
[1] راجع القرآن، الأنبياء (21/ 69) وهو هناك عن إبراهيم عليه السلام.
[2] ابن سعد، 3 (1) / 180.
[3] خ: زائر.(1/168)
401- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيُّ، قَالا ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ شَرِيكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُرَادِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ بِصِفِّينَ، وَعِنْدَهُ شَاعِرٌ يُنْشِدُ هِجَاءً فِي مُعَاوِيَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعَمَّارٌ يَقُولُ: «أَلْصِقْ بِالْعَجُوزَيْنِ» . فَقَالَ رَجُلٌ: أَيُقَالُ عِنْدَكُمُ الشِّعْرُ وَأَنْتُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُ بدر؟ فقال: إنا لما هجا الْمُشْرِكُونَ، شَكَوْنَا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [فَقَالَ: قُولُوا كَمَا يَقُولُونَ لكم. فإنا كُنَّا لَنُعَلِّمَهُ الإِمَاءَ بِالْمَدِينَةِ] .
402- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الدُّهْنِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: [مَا عُرِضَ عَلَى ابْنِ سُمَيَّةَ أَمْرَانِ قَطُّ إِلا اخْتَارَ الأَرْشَدَ مِنْهُمَا] .
403- وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ عَمَّارٍ قَالَ:
ثَلاثٌ مِنْ كَمَالِ الإِيمَانِ: الإِنْفَاقُ فِي الإِقْتَارِ، وَإِنْصَافُ النَّاسِ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلامِ.
404- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ وَعَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالا ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثنا الأَعْمَشُ، عَنْ عبد الرحمن ابن زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ:
إِنِّي لأَسِيرُ مَعَ مُعَاوِيَةَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ صِفِّينَ، بينه وبين عمرو بن العاص، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: يَا أَبَتِ، [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لعمار: «ويحك يابن سُمَيَّةَ، تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» . قَالَ،] فَقَالَ عَمْرٌو لمعاوية: ألا/ 77/ تسمع ما يقول هذا؟ فقال معاوية: «ما تزال تأتينا بهنة تدحض بها فِي قَوْلِكَ. أَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ؟ إِنَّمَا قَتَلَهُ الَّذِينَ جاؤا بِهِ» .
405- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عبد الله ابن الحارث بمثله.
__________
[1] ابن سعد، 3 (1) / 180.(1/169)
406- حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ، ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ:
قَالَ عُمَرُ لعمار رضى الله تعالى عَنْهُمَا: أَسَاءَكَ عَزْلُنَا إِيَّاكَ؟ قَالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ، لَقَدْ سَاءَنِي اسْتِعْمَالُكَ إِيَّايَ، وَسَاءَنِي عَزْلُكَ.
407- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنِ الْفُضَيْلِ، عن أبيه، عن عمارة، عن (ابن) خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:
شَهِدَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ الْجَمَلَ، فَلَمْ يَسُلَّ سَيْفًا. وَشَهِدَ صِفِّينَ، فَقَالَ: لا أُقَاتِلُ أَبَدًا حَتَّى يُقْتَلَ عَمَّارٌ، فَأَنْظُرُ مَنْ يَقْتُلُهُ؟ [فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ] » . فَلَمَّا قُتِلَ عَمَّارٌ، قَالَ خُزَيْمَةُ: قَدْ أَبَانَتْ لِيَ الضَّلالَةَ. ثُمَّ اقْتَرَبَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. وَكَانَ الَّذِي قَتَلَ عَمَّارًا: أَبُو الْغَادِيَةِ الْمُرِّيُّ. طَعَنَهُ بِرُمْحٍ، فَسَقَطَ. وَكَانَ يَوْمَئِذٍ يُقَاتِلُ فِي مَحَفَّةٍ. فَقُتِلَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ سنة. فلما وقع، أكب عليه رجل آخر فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ. فَاخْتَصَمَا فِيهِ.
فَقَالَ عَمْرٌو: وَاللَّهِ مَا يَخْتَصِمَانِ إِلا فِي النَّارِ [2] . فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَتَقُولُ هَذَا لِقَوْمٍ بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ دُونَنَا؟ فَقَالَ عَمْرٌو: هُوَ وَاللَّهِ ذَاكَ، وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُهُ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي مِتُّ قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ بِعِشْرِينَ سَنَةً.
408- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ:
لَمَّا قُتِلَ عَمَّارٌ، دَخَلَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ فُسْطَاطَهُ، فَشَنَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ، وَطَرَحَ عَلَيْهِ سِلاحَهُ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.
409- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ، قَالَ:
قُتِلَ عَمَّارٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَتِسْعِينَ سَنَةً. وَكَانَ أَقْدَمَ فِي الْمِيلادِ مِنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان أَقْبَلَ إِلَيْهِ ثَلاثَةُ نَفَرٍ: عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ، وَعُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ الْخَوْلانِيُّ، وَشَرِيكُ بْنُ سلمة المرادى.
__________
[1] ابن سعد، 3 (1) / 185.
[2] خ: الدار.
[3] ابن سعد، 3 (1) / 185.(1/170)
فَانْتَهَوْا إِلَيْهِ، فَحَمَلُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ. وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ هُوَ الَّذِي كَانَ ضَرَبَهُ حِينَ أَمَرَ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، حَتَّى أَصَابَهُ الفشق. وَيُقَالُ: بَلِ الَّذِي قَتَلَهُ عُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ الْخَوْلانِيُّ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ:
يَقُولُ أَهْلُ الشَّامِ: إِنَّ الَّذِي قَتَلَ عَمَّارًا: حُوَيُّ بْنُ مَاتِعِ بْنِ زرعة بن محض السَّكْسَكِيُّ، مِنْ كِنْدَةَ. قَالَ: وَغَيْرُهُ يَقُولُ: قَتَلَهُ أَبُو الْغَادِيَةِ الْمُرِّيُّ.
410- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدورقي، ثنا أبو داود الطيالسي، أنبأ شعبة، أَنْبَأَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَمَةَ يَقُولُ:
رَأَيْتُ عَمَّارًا يَوْمَ صِفِّينَ شَيْخًا آدَمَ، فِي يَدِهِ الْحَرْبَةُ، وَإِنَّهَا لَتَرْعَدُ. فَنَظَرَ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمَعَهُ الرَّايَةُ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ رَايَةٌ قَدْ قَاتَلْتُهَا مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَهَذِهِ الرَّابِعَةُ. وَاللَّهِ لَوْ ضَرَبُونَا حَتَّى يَبْلُغُوا [1] بِنَا سَعَفَاتِ هَجَرَ، لَعَرَفْتُ أَنَّ مصلحتنا [2] عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّهُمْ عَلَى الضَّلالِ.
411- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا موسى بن قيس الحضرمى، عن سلمة ابن كُهَيْلٍ قَالَ:
قَالَ عَمَّارٌ يَوْمَ صِفِّينَ: «الْجَنَّةُ تَحْتَ الْبَارِقَةِ. الظَّمْآنُ قَدْ يَرِدُ الْمَاءَ. الْمَاءُ مَوْرُودٌ. الْيَوْمَ أَلْقَى الأَحِبَّةَ: مُحَمَّدًا وَحِزْبَهُ. وَاللَّهِ لَوْ ضَرَبُونَا حَتَّى يُبَلِّغُونَا [4] سَعَفَاتِ هَجَرَ، لَعَلِمْتُ أَنَّا عَلَى حَقٍّ وَأَنَّهُمْ عَلَى بَاطِلٍ. وَاللَّهِ لَقَدْ قَاتَلَتْ هَذِهِ الرَّايَةُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما هَذِهِ الْمَرَّةُ بِأَبَرِّهِنَّ وَلا أَنْقَاهُنَّ [5] » .
412- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [6] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عبد الله بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ لُؤْلُؤَةَ مَوْلاةِ أُمِّ الْحَكَمِ بِنْتِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَتْ:
لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ عَمَّارٌ، وَالرَّايَةُ مَعَ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ، وَقَدْ قاتل
__________
[1] خ تبلغوا بنا.
[2] خ: مصلحينا.
[3] ابن سعد، 3 (1) / 183- 184.
[4] كذا بهامش الأصل عن نسخة. أما في عبارة الأصل فهو: «تردوا بنا» .
[5] خ: أبقاهن (بالباء) . ويمكن أن يكون: «أتقاهن» .
[6] ابن سعد، 3 (1) / 184- 185.(1/171)
أَصْحَابُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، وَعَمَّارٌ مِنْ وَرَاءِ هَاشِمٍ، وَقَدْ جَنَحَتِ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ. وَمَعَ عَمَّارٍ ضَيْحٌ مِنْ لَبَنٍ. فَقَالَ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ، وَشَرِبَ الضَّيْحَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [يَقُولُ: آخِرُ زَادِكَ مِنَ الدُّنْيَا ضَيْحٌ مِنْ لَبَنٍ.] / 78/ قَالَتْ: ثُمَّ اقْتَرَبَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً.
413- حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: أَتَى عَمَّارٌ يَوْمَ صِفِّينَ بِلَبَنٍ، فَضَحِكَ وَقَالَ: [قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ آخِرَ شَرَابٍ تَشْرَبُهُ حَتَّى تَمُوتَ شَرْبَةُ لَبَنٍ] » .
414- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ:
قَالَ عَمَّارٌ يوم صفّين: «ايتوني بِشَرْبَةِ لَبَنٍ، [فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ آخِرَ شَرْبَةٍ تَشْرَبُهَا فِي الدُّنْيَا شَرْبَةُ لَبَنٍ] » . فَأَتَى بِلَبَنٍ، فَشَرِبَهُ.
ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
415- حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا عَفَّانُ، ثنا رَبِيعَةُ بْنُ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ:
كُنْتُ بِوَاسِطِ الْقَصَبِ عِنْدَ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ. فَقَالَ الآذنُ: هَذَا أَبُو الْغَادِيَةِ الْجُهَنِيُّ بِالْبَابِ. فَقَالَ عَبْدُ الأَعْلَى: أَدْخِلُوهُ. فَدَخَلَ وَعَلَيْهِ مُقَطَّعَاتٌ لَهُ، فَإِذَا رَجُلٌ طُوَالٌ، ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ. فَلَمَّا دَخَلَ، قَعَدَ. قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ:
بِيَمِينِكَ؟ قَالَ: لِمَ؟ وَذَكَرَ كَلامًا، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّا كُنَّا نَعُدُّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فينا حنانا. فبينا أنا في مسجد قباء، إِذَا هُوَ يَقُولُ: «إِنْ نَعْثَلا هَذَا» يَعْنِي عُثْمَانَ. فَقُلْتُ: لَوْ أَجِدُ عَلَيْهِ أَعْوَانًا، لَوَطِئْتُهُ حَتَّى أَقْتُلَهُ. وَقُلْتُ: اللَّهُمَّ، إِنْ تَشَأْ تُمَكِّنِّي مِنْ عَمَّارٍ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ، أَقْبَلَ فِي أَوَّلِ الْكَتِيبَةِ. حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، أَبْصَرَ رَجُلٌ عَوْرَةً مِنْهُ، فَطَعَنَهُ فِي رُكْبَتِهِ بِالرُّمْحِ، فَعَثَرَ فَانْكَشَفَ الْمِغْفَرُ عَنْهُ. فَضَرَبْتُهُ، فَإِذَا رَأْسُ عَمَّارٍ. قَالَ: فَلَمْ أَرَ رَجُلا أَبْيَنَ ضَلالَةٍ عِنْدِي مِنْهُ: إِنَّهُ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَايَعَهُ، ثُمَّ قتل عمارا.(1/172)
وَاسْتَسْقَى أَبُو غَادِيَةَ مَاءً. فَأُتِيَ بِمَاءٍ فِي زُجَاجٍ. فَأَبَى أَنْ يَشْرَبَ. فَأُتِيَ بِمَاءٍ فِي خَزَفٍ. فَقَالَ رَجُلٌ بِالنِّبْطِيَّةِ [1] : «يَتَوَرَّعُ عَنِ الشُّرْبِ فِي زُجَاجٍ، وَلَمْ يَتَوَرَّعْ عَنْ قَتْلِ عَمَّارٍ» .
416- وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بن سَلَمَةُ، أنبأ كُلْثُومُ بْنُ جَبْرٍ، عَنْ أَبِي غَادِيَةَ، قَالَ:
سَمِعْتُ عَمَّارًا يَقَعُ فِي عُثْمَانَ وَيَشْتُمُهُ بِالْمَدِينَةِ، فَتَوَعَّدْتُهُ بِالْقَتْلِ.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ، جَعَلَ عَمَّارٌ يَحْمِلُ عَلَى النَّاسِ. فَقِيلَ: هَذَا عَمَّارٌ. فَرَأَيْتُ فُرْجَةً بَيْنَ الرَّانَيْنِ [3] وَبَيْنَ السَّاقَيْنِ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَطَعَنْتُهُ فِي رُكْبَتِهِ. فَوَقَعَ، فَقَتَلْتُهُ. فَقِيلَ: قُتِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ.
417- وَأُخْبِرَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَقَالَ: [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَاتِلُهُ وَسَالِبُهُ فِي النَّارِ.] فَقِيلَ لِعَمْرٍو: سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وها أنت قَاتِلُهُ. قَالَ: إِنَّمَا قَالَ «قَاتِلُهُ وَسَالِبُهُ» .
418- وقال الواقدي في إسناد له:
حمل على عمار حوىّ السكسكى وأبو الغادية المرّى، فقتلاه. فقيل لأبي الغادية: كيف قتلته؟ قال: لما دلف [4] إلينا في الكتيبة، دلفنا إليه. فنادى:
هل من مبارز؟ فبرز إليه رجل من السكاسك. ثم بارز رجلا من حمير. فقتله عمار. وأثخن الحميري عمارا. ونادى: هل من مبارز؟ فاختلفنا ضربتين، واضطربت يد عمار، فضربته بسيفي حتى برد. ونادى الناس: قتلت أبا اليقظان، قتلك الله. فقال له محمد بن المنتشر: خصمك، يا با الغادية، مازندر [5] ، يعني ضخما. فضحك. وكان أبو الغادية شيخا كبيرا جسيما آدم.
__________
[1] الرواية أيضا عند ابن سعد، 3 (1) / 185- 186 حيث ذكر أيضا النص النبطي: «أوى يد كفتا» . لعله: «واى بد كفتار» يعنى ويل للمتكلم بالسوء.
[2] ابن سعد، 3 (1) / 186.
[3] كذا في الأصل. والران: الخف الطويل. وعند ابن سعد: «الرئتين» .
[4] دلف: تقدم.
[5] مازندر كلمة فارسية، معناه الضخم. ومنها بلدة مازندران (وهي على صيغة الجمع بالفارسية) .
وزاد عند الطبرى (3/ 2318) : خصمك يوم القيامة إلخ.(1/173)
419-[وقال على عليه السلام: إنّ امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل عمار و (لم) يدخل عليه بقتله مصيبة موجعة، لغير رشيد. رحم الله عمارا يوم أسلم، ورحم الله عمارا يوم قتل، ورحم الله عمارا يوم يبعث حيا. لقد رأيت عمارا ما يذكر مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أربعة إلا كان الرابع، ولا خمسة إلا كان الخامس. وما كان أحد من أصحاب محمد يشك في أن عمارا قد وجبت له الجنة في غير موطن ولا اثنين فهنيئا الجنة. عمار مع الحق أين دار. وقاتل عمار في النار] .
420- حدثني الحسين بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عن عبد العزيز بن سياه، عن حبيب [1] ابن أبي ثابت قال:
قتل عمار يوم قتل وهو مجتمع العقل.
421- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنِّي لأَرْجُو أَنْ لا يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ يَوْمَ مَاتَ وَهُوَ يُحِبُّ رَجُلا، فَيُدْخِلُهُ اللَّهُ النَّارَ. فَقَالَ: قَدْ/ 79/ كَانَ يُحِبُّكَ وَيَسْتَعْمِلُكَ. فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ أَحَبَّنِي أَمْ تَأَلَّفَنِي، لَكِنَّا كُنَّا نَرَاهُ يُحِبُّ رَجُلا. قَالَ: فَمَنْ ذَاكَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. قَالُوا: فَذَاكَ قَتِيلُكُمْ يَوْمَ صِفِّينَ. قَالَ: قَدْ وَاللَّهِ قَتَلْنَاهُ.
422- وَقَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ: كَانَ أَبُو الْغَادِيَةِ عَامِلِيًّا. وَأَثْبَتُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُرِّيٌّ.
423- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ: كَانَ عَمَّارٌ آدَمَ، طُوَالا، مُضْطَرِبًا، أَشْهَلَ الْعَيْنَيْنِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، وَكَانَ لا يُغَيِّرُ شَيْبَهُ. وَقُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ بِصِفِّينَ فِي صَفَرَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاثِينَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَتِسْعِينَ. وَذَلِكَ الثَّبْتُ. وَيُقَالُ:
إِحْدَى وَتِسْعِينَ. وَدُفِنَ بِصِفِّينَ. رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
424- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ صَلَّى عَلَى عمار وهاشم بن عتبة، فجعل عمار مِمَّا يَلِيهِ، وَهَاشِمًا أَمَامَ ذَلِكَ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِمَا تكبيرا واحدا.
__________
[1] خ: خبيب (بالخاء المعجمة) .(1/174)
425- وحدثنا بشر بن الوليد، ثنا أبو يوسف، عن الْحُسَيْنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عاصم ابن ضَمْرَةَ:
أَنَّ عَلِيًّا صَلَّى عَلَى عَمَّارٍ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُ.
426- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ مُثَنَّى الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَشْيَاخٍ شَهِدُوا عَمَّارًا قَالَ:
لا تُغَسِّلُوا عَنِّي دَمًا فَإِنِّي مُخَاصِمٌ.
427- وروي عن الأصبغ بن نباته أنه قال:
رحم الله أبا اليقظان، فإني أرى أنه لو شارك أيوب عليه السلام في بلائه، صبر معه.
خباب بن الأرت
428- قالوا: كان الأرت سواديا. فأغار قوم من ربيعة على الناحية التي كان فيها، فسبوه وأتوا به الحجاز، فباعوه. فوقع إلى سباع بن عبد العزى الخزاعي، حليف بني زهرة. وابنة [2] عبد الله بن سباع هذا، هي أم طريح بن إسماعيل الثقفي الشاعر. فوهبه لأم أنمار بنت سباع، فأعتقته. وسباع هذا، هو الذى بارزه حمزة رضى الله تعالى عنه: «إلى يابن مقطعة البظور» . فقتله حمزة.
وكانت أمه قابلة بمكة. ويقال: إن اسمها أيضا أم أنمار.
429- وقال الهيثم بن عدي: كان أبو خباب من أهل كسكر.
ويقال: إنه كان من سواد الكوفة.
430- وزعم أبو اليقظان البصري: أن خباب بن الأرت كان أخا سباع لأمه. فانضم خباب إلى آل سباع، فادّعى حلف بنى زهرة.
__________
[1] ابن سعد، 3 (1) / 187.
[2] خ: ابنه.(1/175)
431- وخباب- فيما يقول ولده- بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة، من بني سعد بْن زَيْد مناة بْن تميم. وأنه وقع عليه سباء، فصار إلى أم أنمار مولاته، فأعتقته. وأنه كانت به رتة. قال الواقدي: كان ألكن إذا تكلم بالعربية. فسمي الأرت.
432- وقال الواقدي: أسلم خباب، وكان قينا بمكة. ويكنى أبا عبد ربه.
433- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ كُرْدُوسٍ، أَنَّهُ قَالَ:
أَلا إِنَّ خَبَّابَ بْنَ الأَرَتِّ أَسْلَمَ سَادِسَ ستة.
434- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، قال:
أسلم خبّاب مع بنى مظعون وأبى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الأَسَدِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، قبل دخول دار الأرقم.
435- وحدثنا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَيُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، قَالا ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
أَعْطَوْهُمْ [2] مَا أَرَادُوا. قَالَ يُوسُفُ فِي حَدِيثِهِ: حِينَ عُذِّبُوا إِلا خَبَّابَ بْنَ الأَرَتِّ، فَجَعَلُوا يُلْصِقُونَ ظَهْرَهُ بِالأَرْضِ عَلَى الرَّضْفِ حَتَّى ذَهَبَ مَاءُ مَتْنِهِ.
436- وقال الواقدي: جاء خباب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فشكا ما أصابه.
فقال صلى اللَّه عليه وسلم: [لقد كان الرجل ممن قبلكم يمشط بأمشاط الحديد حتى يخلص إلى ما دون عظمه من لحم وعصب، ويشقّ بالمئآشير، فلا يرده ذلك عن دينه. وأنتم تعجلون. والله، ليمضين هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله وحده، والذئب على غنمه] .
437- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالا ثنا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ:
كُنْتُ قَيْنًا، وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دين. فأتيته أقتضيه. فقال لي:
__________
[1] ابن سعد، 3 (1) / 116.
[2] أى المستضعفون من المسلمين في مكة أعطوا للمشركين.(1/176)
لَنْ أَقْضِيَكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. فَقُلْتُ: لَنْ أَكْفُرَ حَتَّى تَمُوتَ وَتُبْعَثَ. قَالَ:
«وَأَنِّي لَمَبْعُوثٌ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ، فَلَسَوْفَ أَقْضِيكَ/ 80/ إِذْ رَجَعْتَ إِلَيَّ مَالِي وَوَلَدِي» . فَنَزَلَتْ فِيهِ: «أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ: لَأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَداً» ، إلى قوله «فَرْداً [1] » .
438- وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ [2] ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس بنحوه وقوله «سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ [3] » ، يَعْنِي مَالَهُ وَوَلَدَهُ.
439- وقال الواقدي: كان خباب ممن شهد بدرا. ولم يفارق النبي صلى الله عليه وسلم. ولما هَاجَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهاجر خباب، نزل والمقداد ابن عمرو على كلثوم بن الهدم، فلم يبرحا منزله حتى توفي قبل بدر بيسير.
فتحولا، فنزلا على سعد بن عبادة. فلم يزالا عنده حتى فتحت قريظة. وآخا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ خباب وجبر بن عتيك بن (الحارث بن) [4] قيس بن هيشة الأوسي. ولم يتخلف عن مشهد من مشاهد رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
440- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخُوَارِزْمِيُّ وَعَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، قَالا ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي لَيْلَى الْكِنْدِيِّ قَالَ:
جَاءَ خَبَّابٌ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنه، فقال: ادْنُهُ، ادْنُهُ، فَمَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا الْمَجْلِسِ مِنْكَ إِلا عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ. فَجَعَلَ خَبَّابٌ يُرِيهِ آثَارًا فِي ظَهْرِهِ لَمَّا عَذَّبَهُ الْمُشْرِكُونَ.
441- حَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَنْزِيُّ أَخُو مِنْدَلٍ، ثنا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
دَخَلَ خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ عَلَى عُمَر بْن الخطاب رَضِيَ اللَّه تعالى عنه،
__________
[1] القرآن، مريم (19/ 77- 80) .
[2] خ: المضرى (بالضاد المعجمة) .
[3] القرآن، مريم (19/ 79) .
[4] الزيادة عن ابن هشام، ص 495.(1/177)
فَأَجْلَسَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ وَقَالَ: مَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا الْمَجْلِسِ مِنْكَ إِلا رَجُلٌ وَاحِدٌ. فَقَالَ خَبَّابٌ: وَمَنْ هُوَ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: بِلالٌ. قَالَ خَبَّابٌ: لَيْسَ هُوَ بِأَحَقَّ مِنِّي، إِنَّ بِلالا كَانَ لَهُ فِي الْمُشْرِكِينَ مَنْ يَمْنَعُهُ اللَّهُ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي [1] أَحَدٌ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمًا وَقَدْ أَوْقَدُوا لِي نَارًا، ثُمَّ سَلَقُونِي فِيهَا، ثُمَّ وَضَعَ رَجُلٌ رِجْلَهُ عَلَى صَدْرِي، فَمَا أَتَيْتُ الأَرْضَ إِلا بِظَهْرِي. ثم كشف خباب عن ظهره له.
فَإِذَا هُوَ قَدْ بَرِصَ.
442- حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى خَبَّابٍ أَعُودُهُ وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعَ كَيَّاتٍ. فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَوْلا [أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ] » ، لَتَمَنَّيْتُهُ. قَالَ: وَأُتِيَ بِكَفَنِهِ قُبَاطِيٍّ. فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: لَكِنَّ حَمْزَةَ كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ، إِذَا مُدَّتْ عَلَى قَدَمَيْهِ قَصُرَتْ عَنْ رَأْسِهِ، وَإِذَا مُدَّتْ عَلَى رَأْسِهِ قَصُرَتْ عَنْ قَدَمَيْهِ حَتَّى جُعِلَ عَلَيْهِمَا إِذْخِرٌ. وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا أَمْلِكُ دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا، وَإِنَّ فِي بَيْتِي فِي تَابُوتٍ لأَرْبَعِينَ أَلْفِ وَافٍ. وَلَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا.
443- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، حَدَّثَنِي يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ:
دَخَلْنَا عَلَى خَبَّابٍ نَعُودُهُ، وَقَدِ اكْتَوَى فِي بَطْنِهِ سَبْعًا [3] . وَقَالَ: لَوْلا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ، لَدَعَوْتُ بِالْمَوْتِ.
444- حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي، عن أبيه، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ:
كَانَ خَبَّابٌ قَيْنًا، وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْلَفُهُ وَيَأْتِيهِ. فَأُخْبِرَتْ بِذَلِكَ مَوْلاتُهُ، فَكَانَتْ تَأْخُذُ الْحَدِيدَةَ وَقَدْ أَحْمَتْهَا، فَتَضَعُهَا
__________
[1] خ: له.
[2] ابن سعد، 3 (1) / 117- 118. (وفيه: عن يعلى بن عبيدة. ولكن تهذيب التهذيب لابن حجر يوافق ما عندنا) .
[3] خ: سنعا.(1/178)
عَلَى رَأْسِهِ. فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [فَقَالَ: اللَّهُمَّ انْصُرْ خَبَّابًا.] فاشتكت مولاته رأسها- وهي أم أنمار- فَكَانَتْ تَعْوِي مَعَ الْكِلابِ.
فَقِيلَ لَهَا: اكْتَوِي. فَكَانَ خَبَّابٌ يَأْخُذُ الْحَدِيدَةَ قَدْ أَحْمَاهَا، فَكَانَ يَكْوِي بِهَا رَأْسَهَا.
445- قال الواقدي: أتى خباب الكوفة حين اختطها المسلمون، فابتنى بها دارا، وتوفي بها سنة سبع وثلاثين، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة. وصلى عليه علي بن أبي طالب منصرفه من صفين.
446- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ النَّخَعِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِكْرِمَةَ بْنِ قَيْسٍ النَّخَعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ خَبَّابٍ قَالَ:
كَانَ النَّاسُ يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ بِالْكُوفَةِ فِي جَبَابِينِهِمْ. فَلَمَّا ثَقُلَ خَبَّابٌ/ 81/ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، إِذَا أَنَا مِتُّ، فَادْفِنِّي بِهَذَا الظَّهْرِ، فَإِنَّكَ لَوْ دفنتى بِهِ قِيلَ: دُفِنَ بِهَذَا الظَّهْرِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، فَدَفَنَ النَّاسُ مَوْتَاهُمْ بِالظَّهْرِ. قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ، دَفَنَهُ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ. فَكَانَ أَوَّلَ مَدْفُونٍ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ.
447- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد، عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إسناده، قال:
كان الذي يعذب خبابا حين أسلم وَلازَمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عتبة بن أبي وقاص، أخا سَعْد بْن [2] أَبِي وقاص. واسم أَبِي وقاص مالك بن أهيب ابن عبد مناف بن زهرة. ويقال: إن الذي كان يعذّبه، وهو الثبت، الأسود ابن عبد يغوث.
448- قال: وكان، فيما ذكر بعض ولده، ربعة، جيد الألواح، عريض ما بين المنكبين، عظيم الهامة، كثّ اللحية.
__________
[1] ابن سعد، 3 (1) / 118. (خ: فلما نقل) .
[2] خ: سعد عن أبى وقاص.(1/179)
449- وزعم بعض الرواة: أن خبابا كان مولى لعتبة بن ربيعة. وذلك باطل.
450- حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، أنبأنا الأعمش، عن إبراهيم:
أن خبابا كان يكنى أبا عبد الله.
صهيب بن سنان
451- قال الكلبي: صهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل ابن عامر بن جندلة بن جذيمة [1] بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس مناة بن النمر بن قاسط. وأمه سلمى بنت قعيد، من بني تميم.
452- وقال الواقدي: كان إسلام صهيب مع عمار في دار الأرقم بن أبي الأرقم. وقال بعض الرواة: كان اسم صهيب: عميرة بن سنان. قالوا: وكناه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قبل أن يولد له، أبا يحيى. وليست له كنية غيرها.
453- وقال الكلبي وغيره:
كان سنان عاملا لكسرى على الأبلة [2] من قبل النعمان بن المنذر. وكانت منازلهم بأرض الموصل. ويقال: كانوا في قرية على شاطئ الفرات مما يلي الجزيرة.
فأغارت الروم على ناحيتهم، فسبت صهيبا وهو غلام صغير. فنشأ بالروم، فصار ألكن. فابتاعه رجل من كلب، فقدم به مكة، فاشتراه أبو زهير عَبْد اللَّهِ بْن جدعان بْن عَمْرِو بْنِ كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة بن كعب.
فاسترقه، ثم أعتقه. فأقام معه إلى أن هلك. وكان مهلك ابن جدعان قبل المبعث ببضع عشرة سنة. ولم يزل صهيب مع آل جدعان إلى أن بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأسلم. وأما أهل صهيب وولده، فيقولون: لم يشتره أحد من الذين سبوه، ولكنه لما ترعرع وعقل، هرب من الروم، فسقط إلى مكة، فحالف ابن جدعان وأقام معه إلى أن هلك. وأن صهيبا كان أحمر شديد الحمرة، فسمي روميا لذلك، ولأنه سقط إلى الروم. وقال المدائني: سبته العرب، فوقع إلى مكة، ولم يدخل الروم قط. وإنما سمي روميا لحمرته.
__________
[1] كذا في الأصل، وعند ابن سعد: خزيمة.
[2] خ: الأيلة.(1/180)
454- حدثنا أبو الربيع الزهراني، ثنا حماد بن زيد، عن معروف الخزري، عن محمد بن سيرين قال:
صهيب من العرب، من النمر بن قاسط.
455- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الزَّاهِدُ وَسُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، قَالُوا ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الأَسَدِيُّ- وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ابْنُ عُلَيَّةَ [1]- أنبأ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
[قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صُهَيْبٌ سَابِقٌ الرُّومَ] .
456- حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ: أنبأ حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ:
مَرَّ صُهَيْبٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى مَجْلِسٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا: انْظُرُوا إِلَى الأرذال، أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا؟ فَنَزَلَتِ الآيَةُ [2] .
457- حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ الْمُؤَدِّبُ الرَّقِّيُّ، ثنا عبد الله بن جعفر الرقي، عن عبيد اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ صُهَيْبٍ:
أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُكَنَّى (أَبَا) يَحْيَى. فَيَقُولُ إِنَّهُ مِنَ الْعَرَبِ، وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ الْكَثِيرَ.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ/ 82/ «يَا صُهَيْبُ، مَا بَالُكَ تَتَكَنَّى، وَلَيْسَ لَكَ وَلَدٌ؟ وَتَقُولُ إِنَّكَ مِنَ الْعَرَبِ وَإِنَّمَا تُعْرَفُ بِالرُّومِيِّ. وَتُطْعِمُ الطَّعَامَ الْكَثِيرَ وَذَلِكَ سَرَفٌ فِي الْمَالِ» . فَقَالَ صُهَيْبٌ: «أَمَّا الْكُنْيَةُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنَّانِي أَبَا يَحْيَى. وَأَمَّا النَّسَبُ فَإِنِّي رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ، مِنْ أَهْلِ الْمَوْصِلِ. وَلَكِنَّ الرُّومَ سَبَوْنِي صَغِيرًا بَعْدَ أَنْ عَقِلْتُ أَهْلِي وَقَوْمِي وَعَلِمْتُ نَسَبِي. وَأَمَّا قَوْلُكَ فِي الطَّعَامِ، [فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ:
خِيَارُكُمْ مَنْ أَطْعَمَ النَّاسَ، وَأَفْشَى السَّلامَ.] فَذَلِكَ الَّذِي يَحْمِلُنِي عَلَى إِطْعَامِهِ» .
458- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الْوَاقِدِيُّ، عَنْ معاوية بن عبد الرحمن، عن يزيد بن رومان، عن عروة، قال:
كان صهيب من المستضعفين، من المؤمنين الذين كانوا يعذّبون في الله.
__________
[1] علية أمه. فأحيانا يقال إسماعيل بن إبراهيم، وأحيانا إسماعيل بن علية، وهما رجل واحد.
[2] القرآن، الأنعام (6/ 53) .(1/181)
459- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ عَلِيُّ بْنُ زيد، عن سعيد ابن الْمُسَيِّبِ، قَالَ:
أَقْبَلَ صُهَيْبٌ مُهَاجِرًا نَحْوَ الْمَدِينَةِ، فَاتَّبَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ. فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، وَنَثَلَ مَا فِي كِنَانَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَرْمَاكُمْ رَجُلا.
وَاللَّهِ لا تَصِلُونَ إِلَيَّ حَتَّى أَرْمِيَ بِكُلِّ سَهْمٍ مَعِي فِي كِنَانَتِي، ثُمَّ أَضْرِبُكُمْ بِسَيْفِي مَا بَقِيَ فِي يَدَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ. فَافْعَلُوا ما شئتم. وإن شِئْتُمْ، دَلَلْتُكُمْ عَلَى مَالِي وَخَلَّيْتُمْ سَبِيلِي؟» قَالُوا: نَعَمْ. فَفَعَلَ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
[رَبِحَ الْبَيْعُ أَبَا يَحْيَى، رَبِحَ الْبَيْعُ.] قَالَ: وَنَزَلَتْ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ [1] » .
460- حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، أنبأ عَوْفٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّ صُهَيْبًا حين أراد الهجرة إلى المدينة، قالت لَهُ قُرَيْشٌ:
«أَتَيْتَنَا صُعْلُوكًا حَقِيرًا، فَكَثُرَ مَالُكَ عِنْدَنَا وَبَلَغْتَ مَا بَلَغْتَ، ثُمَّ تُرِيدُ أَنْ تَنْطَلِقَ بِنَفْسِكَ وَمَالِكَ، وَاللَّهِ لا يَكُونُ ذَلِكَ. قَالَ: أَرَأَيْتُكُمْ إِنْ تَرَكْتُ مَالِي لَكُمْ أَتُخَلُّونَ سَبِيلِي؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَخَلَعَ لَهُمْ مَالَهُ» . [فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، فَقَالَ:
رَبِحَ صُهَيْبٌ، رَبِحَ صُهَيْبٌ.] وَنَزَلَتْ فِيهِ: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ» الآيَةَ [2] .
461- وقال الواقدي: قدم صهيب آخر الناس مع علي بن أبي طالب عليه السلام.
وذلك للنصف من شهر ربيع الأول ورسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء. ولم يرم بعد. فوافى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبَا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وبين أيديهم رطب قد جاءهم به كلثوم بن الهدم: أمهات جراذين [3] . وكان صهيب رمد العين، قد رمد في الطريق، وأصابته مجاعة شديدة. فجعل يأكل
__________
[1] القرآن، البقرة (2/ 207) . والرسم المأثور: «مرضات الله» .
[2] القرآن، البقرة (2/ 207) . والرسم المأثور: «مرضات الله» .
[3] قال أبو حنيفة الدينورى: وأم جرذان نخلة تحبها الجرذان فتصعدها فتأكل منها.
ولذلك سميت أم جرذان. قال: وروى الأصمعى، عن نافع بن أبى نعيم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لأم جرذان مرتين. فزعم أهل المدينة أنها أصبر على اللقط من غيرها. (المخصص لابن سيده، 11/ 133) .(1/182)
الرطب أكل جائع. فقال عمر: يا رسول الله، ألا ترى إلى صهيب يأكل الرطب وهو رمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا صهيب، أتأكل الرطب وأنت رمد؟ فقال صهيب: إنما آكله بعيني الصحيحة. فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم قال صهيب: إن قريشا أخذتني وحبستني، فاشتريت نفسي وأهلي بمالي، وبادرت للهجرة. [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ربح البيع] .
وأنزل الله عز وجل: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ» الآية [1] .
462- قالوا: وشهد صهيب بدرا، وأحدا، والخندق، والمشاهد كلها مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
463- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
كَانَ صُهَيْبٌ يَقُولُ: هَلُمُّوا: أُحَدِّثْكُمْ عَنْ مَغَازِينَا، فَأَمَّا أَنْ أَقُولَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فَلا.
464- حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ فُلَيْحٍ، عَنْ عَامِرِ بن عبد الله ابن الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لأَهْلِ الشُّورَى فِيمَا أَوْصَاهُمْ بِهِ: «وَلْيُصَلِّ بِكُمْ صُهَيْبٌ» .
465- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [4] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ [5] مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ:
لما تُوُفِّيَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، نَظَرَ الْمُسْلِمُونَ فَإِذَا صُهَيْبٌ يُصَلِّي بِهِمُ الْمَكْتُوبَاتِ/ 83/ بِأَمْرِ عمر. فقدّموه. فصلى على عمر.
__________
[1] القرآن، البقرة (2/ 207) .
[2] ابن سعد، 3 (1) / 163- 164.
[3] ابن سعد، 3 (1) / 164.
[4] أيضا.
[5] خ: بن.(1/183)
466- وقال- الواقدي: توفي صهيب بالمدينة في شوال سنة ثمان وثلاثين. وكان وجلا أحمر شديد الحمرة، ليس بالقصير ولا الطويل، وهو إلى القصر أقرب.
وتوفي ابن سبعين سنة. وكان يخضب بالحناء. وكان كثير شعر الرأس. ودفن بالبقيع.
467- وحدثني رجل من ولد صهيب، عن أشياخه:
أن صهيبا مر بقريش، ومعه خباب بن الأرت، وعمار بن ياسر. فقالوا: هؤلاء جلساء محمد. وجعلوا يهزءون. فقال صهيب: نحن جلساء نبي الله، آمنا وكفرتم، وصدقناه وكذبتموه ولا خسيسة مع الإسلام ولا عز مع الشرك.
فعذبوه وضربوه، وجعلوا يقولون: أنتم الذين منّ الله عليكم من بيننا؟ [1]
بلال بن رباح
468- قالوا: كان رباح حبشيا وسبيا. وكان ابنه بلال من مولدي السراة. وكانت أمه حمامة سبية أيضا. وكانت تلقب سكينة. وأسلم بلال قديما في أول ما دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان بلال يكنى أبا عبد الله. فصار بلال لامية بن خلف بن وهب الجمحي.
469- وقد سمعت من يقول: إن بلالا من مولدي بني جمح. فكان أمية يخرجه إلى رمضاء مكة إذا حميت، فيلقيه على ظهره ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ويقول له: لا تزال والله كذا حتى تفارق دين محمد. فيقول بلال: أحد أحد. ويضع أمية في عنقه حبلا، ويأمر الصبيان فيجرونه.
فمر بِهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يوما وهو يعذب. فقال له: يا أمية، أما تتقي الله في هذا المسكين؟ فقال أمية: أنت أفسدته، فأنقذه. وكان بلال تربا لأبي بكر، وأحد من دعاه أبو بكر رضي الله عنه إلى الإسلام. فقال أبو بكر: عندي [2] غلام أسود أجلد منه وأقوى، وهو على دينك، فأعطيك
__________
[1] راجع القرآن، الأنعام (6/ 53) .
[2] خ: عبدى.(1/184)
إياه ثمنا لبلال. قال: قد قبلت. فأعطاه ذلك الغلام، وأخذ بلالا فأعتقه.
وصار مولى لأبى بكر رضى الله تعالى عنهما.
470- وحدثنى بَكْرٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ أو الْكَلْبِيِّ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ:
مَرَرْتُ ببلال وهو يعذّب في الرمضاء لو أَنْ بِضْعَةَ لَحْمٍ وُضِعَتْ لَنَضَجَتْ، وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا كَافِرٌ بِاللاتِ وَالْعُزَّى، وَأُمَيَّةَ مُغْتَاظٌ عَلَيْهِ فيزيده عذابا فيقبل عليه، فيذهب خلقه فيغشى عليه، ثم يفيق.
471- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادٍ لَهُ أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ:
حَجَجْتُ- أَوْ قَالَ: اعْتَمَرْتُ- فَرَأَيْتُ بِلالا فِي حَبْلٍ طَوِيلٍ، تَمُدُّهُ الصِّبْيَانُ، وَمَعَهُ فِيهِ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ [1] ، وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ أَنَا أَكْفُرُ بِاللاتِ وَالْعُزَّى وَهُبَلَ وَسَافَ وَنَائِلَةَ وَبَوَانَةَ. فأضجعه أمية في الرمضاء.
472- وحدثنا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا جَرِيرٌ الضَّبِّيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:
جَعَلُوا فِي عُنُقِ بِلالٍ حَبْلا، وَأَمَرُوا صِبْيَانَهُمْ أَنْ يَشْتَدُّوا بِهِ بَيْنَ أَخْشَبَيْ مَكَّةَ، يَعْنِي جَبَلَيْهَا، فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ.
473- حدثني محمد بن سعد [2] ، عن الواقدي، عن معاوية بن عبد الرحمن، عن يزيد بن رومان، عن عروة قال:
كان بلال من المستضعفين من المؤمنين، وكان يعذب حين أسلم ليرجع عن دينه. فما أعطاهم قط كلمة مما يريدون [3] . وكان الذي يعذبه أمية بن خلف الجمحي.
474- حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْغَنَوِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ:
كَانَ بِلالٌ إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ قَالَ: أَحَدٌ أَحَدٌ. فَيَقُولُونَ لَهُ: قُلْ
__________
[1] خ: فهره.
[2] ابن سعد، 3 (1) / 165.
[3] خ: تريدون.(1/185)
كَمَا نَقُولُ. فَيَقُولُ: إِنَّ لِسَانِي لا يَنْطَلِقُ بِهِ وَلا يُحْسِنُهُ.
حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيَّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ بِلالا لَمَّا أَسْلَمَ، أَخَذَهُ أَهْلُهُ، فَقَمَطُوهُ [1] وَأَلْقَوْا عَلَيْهِ مِنَ الْبَطْحَاءِ، وَجَعَلُوا يَقُولُونَ: رَبُّكَ اللاتُ وَالْعُزَّى/ 84/ فَيَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ. قَالَ: فَأَتَى عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَقَالَ: عَلامَ تُعَذِّبُونَ هَذَا الإِنْسَانَ؟
فَاشْتَرَاهُ بِسَبْعِ أَوَاقٍ وَأَعْتَقَهُ. فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدِ اشْتَرَاهُ.
فَقَالَ: الشِّرْكَةُ يَا أَبَا بَكْرٍ. فَقَالَ: قَدْ أَعْتَقْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
475- وَرُوِيَ أَنَّ بِلالا قَالَ: أَعْطَشُونِي يَوْمًا وَلْيَلَةً، ثُمَّ أَخْرَجُونِي فَعَذَّبُونِي في الرمضاء في يوم حارّ.
476- وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، أنبأ الْحُمَيْدِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بن عينية، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ قَالَ:
اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ بِلالا بِخَمْسِ أَوَاقٍ [3] .
477- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو صَالِحٍ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالا ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
قَالَ عُمَرُ: «أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا، وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا» يَعْنِي بِلالا.
478- وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ، [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِلالٌ سَابِقٌ الْحَبَشَةَ] .
479- وقال الكلبي: كان بلال يعذب ليرجع إلى الكفر، فيقول: أحد أحد. فمر به ورقة بن نوفل، فقال: أي والله أحد أحد. وقال:
لا تعبدون إلها غير ربكم ... فإن دعوكم فقولوا بيننا حدد
مسخر كل ما تحت السماء له ... لا ينبغي أن يسامي ملكه أحد
__________
[1] قمطوه: شدوا يديه ورجليه.
[2] ابن سعد، 3 (1) / 166.
[3] خ: أواقى.(1/186)
480- حدثني شجاع بن مخلد الفلاس [1] ويوسف بن موسى القطان، قالا أنبأ معمر بن عبد الحميد، عن ليث، عن مجاهد في قوله: «وَقالُوا مَا لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ [2] » ، قال: يقول أبو جهل: «أين بلال، أين عمار، أين صهيب، أين خباب، أين فلان؟ كنا نعدهم في الدنيا من الأشرار ونتخذهم سخريا. لا نراهم في النار، أم زاغت عنهم أبصارنا؟ فليس نرى مكانهم في النار» .
481- وقال الواقدي: لما هاجر بلال، نزل على سعد بن خيثمة. وقال:
يقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخا بين بلال وأبي رويحة الخثعمي. وليس ذلك بثبت. ولم يشهد أبو رويحة بدرا. وكان محمد بن إسحاق [3] يثبت مؤاخاة بلال وأبي رويحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي.
482- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [4] ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عبيد الطنافسي، عن المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن قال:
أول من أذن بلال.
483- حَدَّثَنِي محمد بن سعد [5] ، عن الواقدي، عن موسى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
كَانَ بِلالٌ إِذَا فَرَغَ مِنَ الأَذَانِ وَأَرَادَ أَنْ يُعْلِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ أَذَّنَ، وَقَفَ عَلَى الْبَابِ، فَقَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَإِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَآهُ، ابْتَدَأَ فِي الإِقَامَةِ.
484- حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ بِلالا صَعِدَ لِيُؤَذِّنَ وَهُوَ يَقُولُ [6] :
مَا لِبِلالٍ ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ ... وابتل من نضح دم جبينه
__________
[1] خ: الغلاس (بالغين) والتصحيح عن تهذيب التهذيب لابن حجر، حيث بالفاء.
[2] القرآن، ص (38/ 62- 63) .
[3] ابن هشام، ص 345.
[4] ابن سعد، 3 (1) / 167.
[5] ابن سعد، 3 (1) / 167.
[6] ابن سعد، 3 (1) / 176 (حيث أول البيت: «مال بلالا» ) .(1/187)
485- وقال الواقدي: كَانَ بِلالٌ يَحْمِلُ الْعَنَزَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إلى العيد، فيركزها بين يديه. والمصلي يومئذ فضاء.
486- حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ بِلالا كَانَ يُؤَذِّنُ حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ، فَيُؤَخِّرُ الإِقَامَةَ قَلِيلا. أَوْ قَالَ:
وَرُبَّمَا أَخَّرَ الإِقَامَةَ. وَلا يَخْرُجُ فِي الأَذَانِ عَنِ الوقت.
487- حدثنا خلف البزاز، ثنا أَبُو شِهَابٍ الْحَنَّاطُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلالا أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَيُوتِرُ الإِقَامَةَ.
488- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ كَانَ بِلالٌ يَحْمِلُ الْعَنَزَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْعِيدِ وَفِي الاسْتِسْقَاءِ.
489- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنْ إسماعيل، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ آبَائِهِمْ/ 85/ وَأَجْدَادِهِمْ أَنَّ النَّجَاشِيَّ الْحَبَشِيَّ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاثِ عَنْزَاتٍ.
فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدَةً، وَأَعْطَى عمر واحدة، وأعطى عليا واحدة.
490- قال الواقدي: فمشى بالعنزة بَيْنَ يدي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم بين يدي أبي بكر: بلال. ثم كان سعد القرظ يمشي بها بين يدي عمر، وعثمان في العيدين، فيركزها بين أيديهما. ويصليان إليها. وهي العنزة التي يمشى بها اليوم بين يدي الولاة. قال الواقدي: ويقال إن الزبير بن العوام قاتل بين يدي النجاشي عدوا له، فأبلى. فوهب له العنزة.
__________
[1] ابن سعد، 3 (1) / 167- 168.
[2] ابن سعد، 3 (1) / 168.(1/188)
491- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أنبأ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلالٍ: مَا أَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ مَنْفَعَةً؟
فَقَالَ مَا عَمِلْتُ عَمَلا أَتَرَجَّى عِنْدِي مَنْفَعَةً مِنْ أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طُهُورًا تَامًّا قَطُّ فِي لَيْلٍ وَلا نَهَارٍ إِلا صَلَّيْتُ لِرَبِّي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أُصَلِّيَ. قَالَ: [فَإِنِّي رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ خَشْفَ نَعْلَيْكَ- أَوْ قَالَ: خَشْفَ نَفْلَيْكَ- فِي الْجَنَّةِ بَيْنَ يَدَيَّ] .
492- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عن هرير ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [يَا بِلالُ نَوِّرْ بِالْفَجْرِ قَدْرَ مَا يُبْصِرُ الْقَوْمُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِمْ] .
493- حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ بِلالا أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَنَادَى: أَلا إِنَّ الْعَبْدَ نَامَ، أَلا إِنَّ الْعَبْدَ نَامَ، ثَلاثًا.
494- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا عَفَّانُ، ثنا أَبُو هِلالٍ، عَنْ قَتَادَةَ:
أن بلالا تزوج امرأة من سبى، عَرَبِيَّةً، مِنْ بَنِي زُهْرَةَ.
495- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، أنبأ شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
خَطَبَ بِلالٌ وأخوه إلى أهل بيت من البر، فَقَالَ: «أَنَا بِلالٌ وَهَذَا أَخِي عَبْدَانُ مِنَ الْحَبَشَةِ، كُنَّا ضَالَّيْنِ فَهَدَانَا اللَّهِ، وَكُنَّا عَبْدَيْنِ فَأَعْتَقَنَا اللَّهُ. إِنْ تُنْكِحُونَا فَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَإِنْ تَمْنَعُونَا فَاللَّهُ أَكْبَرُ» .
496- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا عَفَّانُ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثنا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنِي أُمَيٌّ أَنَّ أَخًا لِبِلالٍ كَانَ يَنْتَمِي إِلَى الْعَرَبِ، فَخَطَبَ امرأة منهم. فقالوا: إن
__________
[1] ابن سعد، 3 (1) / 169 (حيث: «امرأة عربية» ) ولم يذكر «سبى» .
[2] ابن سعد، 3 (1) 169.(1/189)
حَضَرَ بِلالٌ، زَوَّجْنَاكَ. قَالَ: فَحَضَرَ بِلالٌ، فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا بِلالُ بْنُ رَبَاحٍ وَهَذَا أَخِي، وَهُوَ رَجُلٌ سُوقِيُّ الْخُلُقِ وَالدِّينِ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَزَوِّجُوهُ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَدَعُوهُ. قَالُوا: مَنْ تَكُنْ أَخَاهُ فَإِنَّا نُزَوِّجُهُ. فَزَوَّجُوهُ.
497- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدْيَكٍ الْمَدَنِيُّ، ثنا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ:
أَنَّ بَنِي الْبُكَيْرِ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، فَقَالُوا لَهُ: زَوِّجْ أُخْتَنَا فُلانًا. فَقَالَ لَهُمْ: فَأَيْنَ أَنْتُمْ عَنْ بِلالٍ؟ ثُمَّ جَاءُوا الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْكِحْ أُخْتَنَا فُلانًا. فَقَالَ: [أَيْنَ أَنْتُمْ عَنْ بِلالٍ، أَيْنَ أَنْتُمْ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: فَأَنْكَحُوهُ] .
498- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا عَفَّانُ، ثنا أَبُو هِلالٍ الْحِمْصِيُّ، عَنْ حُرَيْزِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عبد الرحمن بن ميسرة قال:
كان أناس يَأْتُونَ بِلالا فَيَذْكُرُونَ فَضْلَهُ وَمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ. فَكَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا أَنَا حَبَشِيٌّ، كُنْتُ بِالأَمْسِ عَبْدًا.
499- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، أنبأ مُغِيرَةُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:
انْتَهَى بِلالٌ إِلَى قَوْمٍ يَتَنَازَعُونَ فِي أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ وَبِلالٍ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ. فَقَالَ:
إِنَّمَا أَنَا حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِ أَبِي بَكْرٍ.
500- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا وَكِيعٌ، ثنا سُفْيَانُ، ثنا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالأَبْطَحِ، وَهُوَ في قبة حَمْرَاءَ، فَخَرَجَ بِلالٌ بِفَضْلِ وُضُوئِهِ. ثُمَّ أَذَّنَ بِلالٌ. فَكُنْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَكَذَا وَهَكَذَا، يَعْنِي يَمِينًا وَشِمَالا. ثُمَّ رُكِزَتْ عَنَزَةٌ. وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ حَمْرَاءُ.
فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَرِيقِ سَاقَيْهِ. قَالَ: فَصَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ الظُّهْرَ- أَوْ قَالَ: الْعَصْرَ- رَكْعَتَيْنِ. وَجَعَلَ يَمُرُّ الْكَلْبُ/ 86/ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ فَلا يَمْنَعُ. فَلَمْ تَزَلِ الصَّلاةُ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ [3] .
__________
[1] ابن سعد 3 (1) 169.
[2] ابن سعد، 3 (1) 169- 170.
[3] القصة تتعلق بحجة الوداع، فالصلاة ركعتين قصرا أثناء طول السفر.(1/190)
501- حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ بِلالا سَمِعَ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ، يَقُولُ: هَلْ تَدْرُونَ مَنْ تُقَاتِلُونَ؟ أَلا تَذْكُرُونَ اللَّبَنَ؟ [1] فَقَالَ بِلالٌ: أُمَيَّةُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، لا نَجَوْتُ إِنْ نَجَوْتَ. وَأَنَاخَ بَعِيرَهُ، ثُمَّ خَطَمَهُ بِالسَّيْفِ فَجَدَعَهُ، فَمَاتَ.
502- وقال الواقدي وإبراهيم بن سعد وغيرهما:
لما كان يوم بدر، رأى أمية بن خلف، عبد الرحمن بن عوف وكان صديقه. فقال له: يا عبد عمرو. وكان اسمه في الجاهلية. فلم يكلمه. فقال له: يا عبد الإله. قال عبد الرحمن: فالتفتّ، فإذا أنا بأمية وابنه علي، وبه كان يكنى. وقد أخذ بيد ابنه. ومعي أدراع قد استلبتها. وكان مشرفا على الأسر. فسأله أن يطلب له الأمان، وقال: أما لكم حاجة في اللبن [2] ؟ (يعني الفداء) ، نحن خير [3] لكم من أدراعك. فقلت: امضيا، وأقبلت أسوقهما.
فبصر بلال بأمية، فقال: يا معشر الأنصار، أمية بن خلف رأس الكفر، لا نجوت إن نجوت. قال عبد الرحمن: فاقتتلوا كأنهم عوذ [4] حنت إلى أولادها 1/ 217، فأحاطوا [5] بأمية حتى صار في مثل المسكة. فأقبل الحباب بن المنذر، وقد اضطجعت عليه، فأدخل سيفا فقطع أربيته [6] . فقمت عنه. وضربه خبيب ابن يساف حتى قتله. وضربه بلال ضربة صرعته. وضرب أمية خبيبا، فقطع يده من المنكب، فأعادها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فالتحمت وصلحت. وتزوج خبيب بعد ذلك ابنة أمية [7] بن خلف، فرأت أثر الضربة، فقالت: لا أشل الله يدا ضربتك. فقال: وأنا فقد أوردته شعوب [8] . وقتل عليا ابنه: الحباب بن المنذر وعمار بن ياسر.
__________
[1] قال ابن هشام، ص 448: «يريد باللبن أن من أسرنى، افتديت منه بابل كثيرة اللبن» .
[2] قال ابن هشام، ص 448: «يريد باللبن أن من أسرنى، افتديت منه بابل كثيرة اللبن» .
[3] خ: خيرا.
[4] أى ناقة حديثة الولاد.
[5] خ: فاطعوا.
[6] أى أصل الفخذ.
[7] خ: أبى (كأنه سهو القلم) .
[8] أى الموت.(1/191)
503- وقد روي أيضا أن رفاعة بن رافع طاعن أمية وسايفه، ثم بدا له فتق في درعه تحت إبطه. فوجأه بالسيف، فقتله. والأول أثبت خبر روي في قتله.
504- قال الواقدي: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أذن بلال ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبر بعد. فكان إذا قال «أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله» ، انتحب الناس في المسجد. فلما دفن، قال له أبو بكر رضي الله تعالى عنه: أذن. فقال: إن كنت إنما أعتقتني لله، فخلني ومن أعتقتنى له. فقال له: ما أعتقتك إلا لله. فقال: فإني لا أؤذن لأحد بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فذاك إليك. فأقام حتى خرجت بعوث الشام، فسار معهم.
505- وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ:
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمَّا قَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، قَالَ لَهُ بِلالٍ: يا با بَكْرٍ. قَالَ: لَبَّيْكَ. قَالَ: أَعْتَقْتَنِي لِلَّهِ أَمْ لِنَفْسِكَ؟ قَالَ: لِلَّهِ.
قَالَ: فَائْذَنْ لِي حَتَّى أَغْزُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَأَذِنَ لَهُ. فَأَتَى الشَّامَ، فَمَاتَ بِهَا.
506- وروي أن بلالا قال لأبي بكر: يا خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل الله،] فائذن لي. فقال أبو بكر: أنشدك الله وحرمتي وحقي، فقد كبرت سني وضعفت واقترب أجلي. فأقام مع أبي بكر حتى توفي أبو بكر. ثم جاء إلى عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ كما قال لأبي بكر. فرد عليه عمر نحوا مما رد أبو بكر. فأبى بلال عليه المقام. فقال عمر: فإلى من ترى أجعل النداء؟
قال: إلى سعد القرظ، فإنه قد أُذِنَ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فدعا عمر سعدا، فجعل الأذان إليه.
507- حدثنى بعض القرشيين قال:
لما دون عمر الدواوين بالشام، سأل بلال أن يجعل ديوانه مع أبى رويحة
__________
[1] في الأصل خط على الصلاة، كأنه كتب سهوا ولكن لم يرد حذفه أدبا.(1/192)
عَبْد اللَّه بْن عبد الرحمن الخثعمي، وقال: فإني غير مفارقه أبدا، فقد آخا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينه. فضم ديوان الحبشة إلى خثعم. فلم يبق بالشام حبشي/ 87/ إلا صار ديوانه مع خثعم.
508- وقال أبو بكر في بلال رضي الله تعالى عنهما حين قتل أمية [1] :
هنيئا زادك الرحمن عزا ... فقد أدركت ثأرك يا بلال
فلا نكسا وجدت ولا جبانا ... غداة تنوشك الأسل الطوال
قالوا: وقال بلال، ومرض حين هاجر إلى المدينة [2] :
أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِفَخٍّ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل
509- وقال الواقدي: إن بلالا [3] ترب أبي بكر. وتوفي بمدينة دمشق سنة عشرين. ودفن عند باب الصغير، في المقبرة هناك، وهو ابن بضع وستين سنة. وكان رجلا آدم شديد الأدمة، نحيفا طوالا، وكان أحنى، له شعر كثير، خفيف العارضين، به شمط [4] كثير لا يغيره. وقد شهد المشاهد كلها مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وسأل عمر حين قدم الشام بلالا أن يؤذن. وقال: إنما كرهت الأذان بالمدينة، فأذن ها هنا. فأذن. فبكى الناس عامة يومهم لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عامر بن فهيرة
510- كان عامر مولدا من مولدي الأزد، مملوكا للطفيل بن عبد الله بن الحارث ابن سخبرة بن جرثومة، من ولد نصر بن زهران. وكان الطفيل أخا عائشة ابنة
__________
[1] الاستيعاب لابن عبد البر، رقم 167، بلال. (وفيه في الأول «خيرا» بدل «عزا» ) .
[2] ابن هشام، ص 414، بلدان ياقوت (: شامة، فخ، مجنة، مكة) ، صحيح البخارى، مناقب الأنصار (93/ 44 حديث 3) .
[3] خ: بلال.
[4] أى شعرات بيض.(1/193)
أبي بكر لأمها أم رومان. وكان عامر قديم الإسلام قبل دخول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم بْن أبي الأرقم.
511- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
كَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ لِلطُّفَيْلِ أَخِي لأُمِّي. فَأَسْلَمَ، فَاشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ يَرْعَى عَلَيْهِ مَنِيحَةَ غَنَمٍ لَهُ.
512- قالوا: وكان عامر من المستضعفين، وكان يعذب بمكة ليرجع عن دينه حتى اشتراه أبو بكر. وكان حين أوى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار يروح بغنيمة أبي بكر فيها، فيسقيهما من لبنها. وكان معهما حين هاجر إلى المدينة يخدمهما. وقد شهد بدرا وأحدا. ونزل بالمدينة على سعد بن خيثمة. وآخا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين الحارث بن أوس بن معاذ. واستشهد عامر بن فهيرة يوم بئر معونة في صفر سنة أربع من الهجرة. وكان يوم قتل ابن أربعين سنة. وكان يكنى أبا حمد. وروى أن جبار بن سلمى الكلابى طعن عامرا يومئذ. فقال: فزت ورب الكعبة. ورفع من رمحه، فلم توجد جثته.
[فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الملائكة أخذته فوارت جثته.] فأسلم جبار لما رأى، وحسن إسلامه.
513- وحدثنى محمد بن سعد [2] ، عن يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيمَ بْن سَعْد، عَنْ أَبِيهِ، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب قال: أخبرني رجال من أهل العلم أن عامر بن فهيرة قتل يوم بئر معونة، فلم يوجد جسده حين دفنوا القتلى. قال عروة: فكانوا يرون أن الملائكة دفنته.
أبو فكيهة
514- واسمه أفلح. ويقال: يسار. قالوا: كان أبو فكيهة عند صفوان [3]
__________
[1] ابن سعد، 3 (1) / 164.
[2] ابن سعد، 3 (1) / 164- 165.
[3] خ: الصفوان.(1/194)
ابن أمية الجمحي. فأسلم حين أسلم بلال. فمر بِهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وقد أخذه أمية بن خلف فربط في رجله حبلا وأمر به فجر. ثم ألقاه في الرمضاء.
ومر به جعل [1] ، فقال: أليس هذا ربك؟ فقال: الله ربي، خلقني وخلقك وخلق هذا الجعل. فغلظ عليه وجعل يخنقه. ومعه أخوه أبي بن خلف، يقول:
زده عذابا حتى يأتي محمد فيخلصه بسحره. ولم يزل على تلك الحال حتى ظنوا أنه قد مات. ثم أفاق. فمر به أبو بكر، فاشتراه واعتقه.
515- ويقال: إن بني عبد الدار كانوا يعذبونه/ 88/ فإنه إنما كان لهم. فأخرجوه يوما مقيدا نصف النهار إلى الرمضاء، ووضعوا على صدره صخرة حتى دلع لسانه، وقيل: قد مات. ثم أفاق.
516- قال ابن سعد: وذكر الهيثم بن عدي أنه مات قبل يوم بدر.
ولبينة جارية بني المؤمل بن حبيب بن تَميم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن قرط بْن رزاح [2] ابن عدي بن كعب.
517- وكان يقال لها [3] ، فيما ذكر أبو البختري، لبينة. أسلمت قبل إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فكان عمر يعذّبها حتى يفتر، فيدعها، ثم يقول: أما إني أعتذر إليك بأني لم أدعك إلا عدامة [4] . فتقول: كذلك يعذبك الله إن لم تسلم.
518- وقال الواقدي في إسناده: إن حسان بن ثابت قال: قدمت مكة معتمرا، والنبي صلى الله عليه وسلم يدعو الناس، وأصحابه يؤذون ويعذبون. فوقفت على عمر، وهو مؤتزر يخنق جارية بني عمر بن المؤمل حتى تسترخي في يديه. فأقول:
قد ماتت. ثم يخلي عنها، ثم يثب على زنّيرة، فيفعل بها مثل ذلك.
__________
[1] أى خنفسة.
[2] خ: رفلح.
[3] خ: لهما.
[4] كذا وفي مصادر أخرى، أعييت أو تعبت.(1/195)
زنيرة:
519- قالوا وكان أبو جهل يقول: ألا تعجبون لهؤلاء واتباعهم محمد (ا) ؟ فلو كان أمر محمد خيرا وحقا ما سبقونا إليه. أفسبقتنا زنيرة إلى رشد، وهي من ترون؟
وكانت زنيرة قد عذبت حتى عميت. فقال لها أبو جهل: إن اللات والعزى فعلتا بك ما ترين. فقالت، وهي لا تبصره: وما تدري اللات والعزى، من يعبدهما ممن لا يعبدهما، ولكن هذا أمر من السماء، وربي قادر على أن يرد بصري. فأصبحت من تلك الليلة وقد رد الله عليها بصرها. فقالت قريش:
هذا من سحر محمد. فاشترى أبو بكر رضي الله عنه جارية بني المؤمل وزنيرة، وأعتقهما.
520- ويقال: إن زنيرة لغير بني عدي. وقال الكلبي: هي لبني مخزوم.
وكان أبو جهل يعذبها.
وكانت النهدية
521- مولدة لبني نهد بن زيد. فصارت لامرأة من بني عبد الدار. فأسلمت.
فكانت تعذبها وتقول [1] : والله لا أقلعت عنك أو يعتقك [2] بعض من صباتك.
فابتاعها أبو بكر أيضا، فأعتقها. وكان معها طحين- ويقال: نوى- لمولاتها يوم أعتقها أبو بكر رضي الله تعالى عنه. فردت ذلك عليها.
وكانت أم عبيس
522- وبعضهم يقول «أم عنيس» ، أمة لبني زهرة. فكان الأسود بن عبد يغوث يعذبها. فابتاعها أبو بكر رضي الله تعالى عنه وأعتقها.
__________
[1] خ: يقول.
[2] خ: تعتقك.(1/196)
523- وأخبرت عن المسيبي أنه قال: إنها أم عبيس بْن كريز بْن ربيعة بْن حبيب بْن عبد شمس. والله أعلم.
524- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْن أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِي غَطْفَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّهُ قَالَ لَهَا [1] : هَلْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَبْلُغُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْعَذَابِ مَا يُعْذَرُونَ بِهِ فِي تَرْكِ دِينِهِمْ؟ قَالَتْ [2] : نَعَمْ، إِنْ كَانُوا لَيَضْرِبُونَ أَحَدَهُمْ وَيُجِيعُونَهُ وَيُعَطِّشُونَهُ وَيَضْرِبُونَهُ، حَتَّى مَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَقْعُدَ، فَيُعْطِيهِمْ مَا سَأَلُوا مِنَ الْفِتْنَةِ.
وَيَقُولُونَ لَهُ: اللاتُ وَالْعُزَّى آلِهَتُكَ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. وَحَتَّى إِنَّ الْجُعَلَ لَيَمُرُّ، فَيَقُولُونَ لَهُ: أَهَذَا الْجُعَلُ إِلَهُكَ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، افْتِدَاءً مِمَّا يَبْلُغُونَ مِنْ جَهْدِهِ. فَإِذَا أَفَاقَ، رَجَعَ إِلَى التَّوْحِيدِ.
525- وقال الكلبي عذب قوم لا عشائر لهم ولا مانع. فبعضهم ارتد، وبعضهم أقام على الإسلام، وبعضهم أعطى ما أريد منه عن غير اعتقاد منه للكفر.
وكان قوم من الأشراف قد أسلموا، ثم فتنوا. منهم سلمة بن هشام بن المغيرة، والوليد بن الوليد بن المغيرة، وعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص السهمي.
قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا جلس في المسجد، جلس إليه المستضعفون من أصحابه: عمار، وخباب، وصهيب، وبلال، وأبو فكيهة، وعامر بن فهيرة وأشباههم من المسلمين. فيقول/ 89/ بعض قريش لبعض:
هؤلاء جلساؤه كما ترون، قد من الله عليهم من بيننا [3] . فأنزل الله عز وجل:
«أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ؟ [4] » ونزل فيهم: «وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [5] . ونزل فيهم: «وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ
__________
[1] لام عبيس، صاحبة الترجمة؟
[2] خ: قال.
[3] راجع القرآن، الأنعام (6/ 53) .
[4] راجع القرآن، الأنعام (6/ 53) .
[5] أيضا (6/ 52) .(1/197)
لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [1] » . ونزل فيهم: «ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [2] » . قالوا: وكان مجاهد يقول: يعني الذين تكلموا بما تكلموا به وهم كارهون.
526- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الْوَاقِدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ أَبُو جَهْلٍ يَأْتِي الرَّجُلَ الشَّرِيفَ إِذَا أَسْلَمَ، فَيَقُولُ لَهُ: أَتَتْرُكُ دِينَ أَبِيكَ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، وَتُفَيِّلُ رَأْيَهُ، وَتَضَعُ شَرَفَهُ؟ وَإِنْ كَانَ تَاجِرًا، قَالَ: سَتَكْسَدُ تِجَارَتُكَ، وَيَهْلِكُ مَالُكَ. وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، أَغْرَى بِهِ حَتَّى يُعَذَّبَ. فَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ، فَهَاجَرُوا إِلَى الْحَبَشَةِ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ مِنَ الْمَبْعَثِ.
أسماء من هاجر إلى الحبشة من المسلمين،
هربا بأديانهم من مشركي قريش بإذن النبي صلى الله عليه وسلم:
527- فمن بني هاشم بن عبد مناف.
جعفر بْن أَبِي طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
هاجر في المرة الثانية، ومعه امرأته أسماء ابنة عميس. ولم يزل مقيما بالحبشة.
وكان أبو طالب يتعهده، إلى أن مات، باللطف والنفقة. ثم قدم منها هو وجماعة أقاموا معه من المسلمين، وجماعة أسلموا من الحبش، وقد فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر. [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أدري أنا بفتح خيبر أسر أم بقدوم أخي جعفر؟] وعانقه، وقبل ما بين عينيه. وذلك في سنة سبع من الهجرة. واستشهد جعفر بمؤنة في سنة ثمان من الهجرة، وله أكثر من أربعين سنة بأشهر. ويقال: أقل منها بأشهر. وكان يكنى أبا عبد الله.
وولد له بالحبشة عبد الله بن جعفر، (ومحمد) [3] وعون، وأمهم أسماء.
528- ومن بني أمية بن عبد شمس:
عُثْمَان بْن عَفَّان بْن أَبِي العاص بْن أمية.
__________
[1] القرآن، النحل (16/ 41- 42) .
[2] أيضا (16/ 110) .
[3] الزيادة عن مصعب الزبيري، ص 80.(1/198)
هاجر الهجرتين، الأولى والثانية جميعا، ومعه امرأته رقية بِنْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. ثم قدم رضي الله تعالى عنه، فهاجر مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة. [وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين هاجر إلى الحبشة، ومعه رقية: إنهما لأول من هاجر بعد إبراهيم ولوط عليهما السلام.]
وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية.
هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، وأقام بها، فلم يشهد بدرا. وولد له بالحبشة سعيد بن خالد. ثم قدم من الحبشة مع جعفر. واستشهد بالشام في سنة أربع عشرة. وكان يكنى أبا سعيد. وكانت معه بالحبشة امرأته همينة بنت خلف بن أسعد الخزاعي.
عمرو بن سعيد
أخوه. هاجر إلى الحبشة وأقام بها، ثم قدم مع جعفر عليه السلام. واستشهد بالشام. وقال الكلبي:
قدما مع جعفر، وكانت هجرتهما في المرة الثانية بعد أن رجع من رجع من الهجرة الأولى. وكان عمرو يكنى أبا عتبة. وكانت معه امرأته فاطمة بنت صفوان بن محرث الكناني. وقال بعضهم: إنه قدم قبل جعفر بقليل.
أبو حذيفة ابن عُتْبة بْن ربيعة بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف.
واسمه مهشم: ويقال: هشيم.
هاجر إلى الحبشة مرتين، ثم قدم فهاجر إلى المدينة، وشهد بدرا، وقتل يوم اليمامة شهيدا، وهو ابن ثلاث أو أربع وخمسين سنة. وكانت معه بالحبشة امرأته سهلة بنت سهيل/ 90/ بن عمرو، فولدت له محمد بن أبي حذيفة.
529- ومن حلفاء بني عبد شمس بن عبد مناف:
[بنو جحش]
عبد الله، ويكنى أبا محمد، وعبد، ويكنى أبا أحمد، وعبيد الله، ويكنى أبا جحش، بنو جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن كبير بن مرة بن غنم بن دودان بن أسد. وهم إخوة زينب بنت جحش. وأمهم أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم. فأما عبد الله، فهاجر في المرة الثانية، وقدم فشهد بدرا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستشهد يوم أحد، ودفن مع حمزة رضي الله عنهما في قبر واحد. وأما أبو أحمد، وهو عبد، فكف بصره ومات بالمدينة، ولم يهاجر إلى الحبشة قط. ومن قال أنه هاجر، فقد أبطل. وأما عبيد الله، فهاجر إلى الحبشة في المرة الثانية، فتنصر ومات على النصرانية. فيقال أنه غرق في البحر وهو سكران. ويقال غرق من الخمر، وكانت معه امرأته، رملة بنت أبي سفيان بن حرب، فولدت(1/199)
له جارية سمتها حبيبة. فقيل «أم حبيبة» . فأقامت على الإسلام. فخلف عَلَيْهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَلِكَ أنه وجه عمرو بن أمية الضمري إلى أصحمة النجاشي بكتاب منه، يدعوه فيه إلى الإسلام، وأمره أن يخطب عليه أم حبيبة. فوكلت خالد بن سعيد بن العاص بتزويجها. وكان وأخوه أقرب من بالحبشة إليها. فزوجها إياه. وكان عبيد الله يقول: «فقحنا وصأصأتم» ، أي أبصرنا ولم يبصر المسلمون. وهذا مثل. وأصله أن الجرو إذا فتح عينه، قيل: فقح. وإذا فتح ثم غمض من الضعف لصغره، قيل: صأصأ. وأبو أحمد ابن جحش، الذي جعل يوم فتح مكة يمر بَيْنَ يدي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بين الصفا والمروة، وهو يقول [1] :
يا حبذا مكة من واد (ى) ... أرض بها أهلي وعوادي
إني [2] بها ترشح أوتادى ... إنى بها أمشى بلا هاد (ى)
وشجاع بن وهب بن ربيعة،
أحد بني مالك بن كبير بن غنم. ويكنى أبا وهب. هاجر في المرة الثانية، ثم هاجر إلى المدينة مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ نحيفا، طوالا، أحنى. وقتل يوم اليمامة شهيدا، وهو له بضع وأربعون سنة. ويقال إن أخاه عقبة بن وهب كان معه. والثبت أنه كان معه ببدر.
قيس بن عبد الله،
ظئر عبيد الله بن جحش. وهو من بني أسد أيضًا.
هاجر في المرة الثانية، ومعه امرأته بركة بنت يسار الأسدى [3] ، أخت أبى تجراة. وبعضهم يقول: «رقيش الأسدى [4] » ، وذلك غلط. والأسدى الذي وهل [5] إليه يزيد بن رقيش. وليس يزيد بن رقيش من مهاجرة الحبشة، ولكنه بدري.
ومعيقيب بن أبي فاطمة الدوسي،
حليف آل سعيد بن العاص. وقال بعضهم: هو من دوس، ولكنه أصابه سباء. وهو مولى سعيد بن العاص. وهو
__________
[1] ابن سعد، 2 (1) / 102، الاستيعاب لابن عبد البر، رقم 888، الطفيل ابن مالك، مع اختلافات الرواية.
[2] خ: أتى.
[3] في أصل الكتاب «الأزدى» وبالهامش عن نسخة أخرى «الأسدى» .
[4] في أصل الكتاب «الأزدى» وبالهامش عن نسخة أخرى «الأسدى» .
[5] أى نسب عن وهم.(1/200)
قديم الإسلام. وكتب لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وولاه بيت المال. وكان به جذام، فأكل مع عمر. فقال: لولا صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم، ما واكلته. وهاجر إلى الحبشة في المرة الثانية. ومنهم من يدفع هجرته إلى الحبشة، ويقول: كان قدومه مع أبي موسى الأشعري. وأول مشاهده خيبر.
وأنه مات في السنة التي غزيت فيها إفريقية في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه.
وقال الواقدي: سمعت من يقول إنه من مهاجرة الحبشة، وقدم مع جعفر بن أبي طالب. وليس ذلك بثبت.
أبو موسى عبد الله بن قيس
بن سليم بن حضار ابن حرب بن عامر بن عتر بن بكر بن عامر بن عذر بن وائل بن ناجية بن الجماهر بن الأشعر بْن أدد بْن زيد بْن يشجب بْن عريب بن زيد بن كهلان ابن سبأ بْن/ 91/ يشجب بْن يعرب بْن قحطان. قال الهيثم بن عدي: كان حليفا لآل عتبة بن ربيعة، وأسلم بمكة وهاجر إلى الحبشة في المرة الثانية فأقام بها وقدم مع جعفر، فشهد خيبر. ومات سنة اثنتين وأربعين. وقال الواقدي وغيره:
لم يكن أبو موسى من مهاجرة الحبشة قط، ولا حليفا لأحد، وإنما قدم من اليمن بعد ذلك مع نفر فيهم أبو عامر الأشعري. وأول مشاهد أبي موسى خيبر. ومات سنة اثنتين وأربعين. وقال أبو بكر بن أبي شيبة المحدث: مات سنة أربع وأربعين.
530- ومن بني نوفل بن عبد مناف، من حلفائهم:
عتبة بن غزوان بن جابر ابن نُسَيْب
بْن وُهَيب بْن زَيْد بْن مالك بْن عَبْد عوف بْن الحارث بْن مازن بن منصور. هاجر في المرة الثانية، ثم هاجر مع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وهو ابن أربعين سنة. وولاه عمر البصرة. فكان أول من مصرها.
ومات بين المدينة والبصرة وهو يريدها راجعا إليها في سَنَةَ سَبْعَ عَشَرَةَ، وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ سنة. وكان يكنى أبا غزوان. ويقال: كان يكنى أبا عبد الله، وكان لعتبة مولى، يقال له خباب، ويكنى أبا يحيى بكنية خباب بن الأرتّ، شهد بدرا ومات سنة تسع عشرة وصلى عليه عمر بن الخطاب. وكان حين مات ابن تسع وخمسين سنة. ولم يهاجر مع عتبة إلى الحبشة.
531- ومن بني أسد بْن عبد العزى بْن قصي:
أبو عبد الله الزبير بن العوام(1/201)
ابن خويلد رضي الله تعالى عنه. هاجر إلى الحبشة في المرتين جميعا، وقاتل مع النجاشي عدوا له. فأعطاه العنزة التي صارت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم هاجر من مكة إلى المدينة، ومعه أمه صفية بنت عبد المطلب. واستشهد بوادي السباع، بقرب البصرة. ويقال إن النجاشي أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عنزات. وهاجر معه إلى المدينة حاطب بن أبي بلتعة اللخمي حليفه، وسعد بن [1] خولي الكلبى مولى حاطب، ولم يهاجرا معه إلى الحبشة.
فأما حاطب فتوفي بالمدينة سنة ثلاثين وهو ابن خمس وستين سنة. وصلى عليه عثمان. وكان يكنى أبا محمد. وأما سعد بن خولي الكلبي، فاستشهد يوم احد.
وكان يكنى أبا عبد الله. وفرض عمر لابنه عبد الله بن سعد مع الأنصار.
عَمْرو بن أمية بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى.
هاجر في المرة الثانية، فمات بأرض الحبشة مسلما. ولم يذكره محمد بن إسحاق.
خالد بن حزام بن خويلد ابن أسد،
مات قبل أن يصل إلى الحبشة في المرة الثانية: نهشته أفعى فقتلته.
وليس يجتمع على هجرته. ولم يذكره محمد بن إسحاق. وقال الواقدي في بعض روايته: إن هذه الآية «وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [2] » نزلت فيه. وليس ذلك بثبت.
يزيد بن معاوية ابن الأسود بن المطلب بن أسد،
هاجر في المرة الثانية، واستشهد يوم حنين.
ويقال: يوم الطائف. وقيل: إنه كان يكنى أبا حنظلة، وقدم المدينة بعد الهجرة.
الأسود بن نوفل بن خويلد بن أسد
هاجر فِي المرة الثانية، وقدم المدينة بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إياها.
532- ومن بني عبد قصي:
طليب بن عمير بن وهب بن عَبْد،
وأمه أروى بنت عبد المطلب، هاجر إلى الحبشة فِي المرة الثانية، وهاجر إلى المدينة مع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. واستشهد يَوْم أجنادين بالشام وَهُوَ ابْن خمسٍ وثلاثين سنة. وكان يُكنى أبا عدي.
533- ومن بني عبد الدار بن قصي:
مصعب الخير بن عمير بن هاشم
بن
__________
[1] خ: مولى. (ولكن راجع بعد سطرين) .
[2] القرآن، النساء (4/ 100) .(1/202)
عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ، هاجر إلى الحبشة في المرة الأولى والثانية جميعا، / 92/ ثُمَّ قدم مَكَّة فهاجر مِنْهَا إِلَى المدينة. واستشهد يوم أحد ومعه لواء رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ابن أربعين سنة. وكان يكنى أبا محمد.
فراس ابن النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قصي،
هاجر في المرة الثانية. وقتل بالشام يوم اليرموك شهيدا وكان يكنى أبا الحارث.
وكان قدومه من أرض الحبشة بعد الهجرة.
جهم بن قيس بن عبد بن شرحبيل،
ويقال عبد شرحبيل وهو قول الكلبي، وابناه عمرو وخزيمة، هاجروا في المرة الثانية وقدموا مع جعفر بن أبي طالب. وماتت امرأة جهم بالحبشة.
سويبط بن سعد ابن حرملة بن مالك بن عُميلة بن السباق بن عَبْد الدار،
هاجر في المرة الثانية.
وشهد بدرا وأحدا. ومات والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متوجه إلى تبوك. وكان يكنى أبا حرملة.
وأبو الروم بن عمير،
أخو مصعب، وكان اسمه عبد مناف، هاجر في المرة الثانية. قال الواقدى: ليست هجرته بمجتمع عليها. وقال الكلبي:
هاجر إلى الحبشة، ثم قدم قبل خيبر فشهد خيبر. وقال الهيثم بن عدي: لم يهاجر أبو الروم إلى الحبشة. وقال الواقدي، قال أبو الزناد: لم يهاجر أبو الروم إلى الحبشة، وشهد يوم أحد.
النضير بن الحارث بن علقمة بن كلدة،
ويكنى أبا الحارث. وقال الواقدي: كان النضير من مسلمة يوم الفتح. ويقال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم أمنه يوم الفتح، فلم يصح إسلامه إلا بعد حنين.
وكان إسلامه بالجعرانة. حدث عن سببه أنه خرج إلى حنين هو وأبو سفيان وصفوان وسهل بن عمرو، يريدون إن كانت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكروا مع المشركين عليه وعلى أصحابه. وقد حسن إسلام النضير بعد. وكان ممن أقام بمكة ولم يهاجر إلى المدينة. ولم يذكره ابن إسحاق فِي الهجرة إلى الحبشة. وقال الهيثم بن عدي: هاجر النضير إلى الحبشة، ثم قدم إلى مكة وارتد، ثم إنه صحح الإسلام يوم الفتح أو بعده. واستشهد باليرموك.
534- ومن بني زهرة بن كلاب:
عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الْحَارِث بْن زهرة.
وَكَانَ اسمه فِي الجاهلية عبد عمرو. ويقال: عبد الكعبة.
فسماه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الرحمن. هاجر إلى الحبشة في المرة الأولى(1/203)
والثانية، ثم قدم مكة فهاجر مع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ. وتوفي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاثِينَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سنة. ويكنى أبا محمد، رحمه الله.
عامر بْن أَبِي وقاص،
واسم أَبِي وقاص مَالِك، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية وأقام حَتَّى قدم مَعَ جَعْفَر بْن أَبِي طالب عليه السلام. ومات بالشام في خلافة عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه. وكان يكنى، فيما روي عن الوقاصي، أبا عمرو، رضي الله تعالى عنه.
المطلب، وطليب ابنا أزهر بْن عَبْدِ عوف.
قال الْوَاقِدِيُّ: هاجر المطلب فِي المرة الثانية، وولد لَهُ بالحبشة عَبْد اللَّهِ بْن المطلب.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ: هاجرا جميعا فِي المرة الثانية وماتا بالحبشة. وكانت مَعَ المطلب امرأته رملة بنت أبي عوف بن صبيرة السهمي.
عبد الجان بن شهاب بن عبد الله ابن الحارث بن زهرة.
وهو عبد الله، سماه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَبْد الله» .
هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، وأقام مع جعفر، وقدم معه. وتوفي في أيام عثمان. وذكر الوقاصي: أنه كان يكنى أبا مخرمة.
535- ومن حلفاء بنى زهرة:
أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل
بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة/ 93/ بن كاهل بن الحارث ابن تميم بن سعد بن هذيل. وأمه أم عبد بنت ود، من هذيل. هاجر في المرة الثانية. ويقال: في المرتين جميعا، وذلك أثبت. وهاجر من مكة إلى المدينة.
وتوفى في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين، وهو ابن بضع وستين سنة. ودفن بالبقيع. وقال الواقدي: صلى عليه عثمان. وقال غيره، صلى عليه عمار بن ياسر. وكان رجلا نحيفا قصيرا شديد الأدمة، لا يغير شيبته. وهاجر معه
عتبة بن مسعود،
أخوه لأبيه وأمه في المرة الثانية. وأقام عتبة حتى قدم مع جعفر، ومات بالمدينة فِي أيام عُمَر بْن الْخَطَّابِ. وَكَانَ يكنى أبا عون. ومن حلفاء بني زهرة:
المقداد بن عمرو بن ثعلبة
بن مالك بن ربيعة بن ثمامة بن مطرود بن عمرو بن سعد ابن دهير بن لؤي بن ثعلبة بن مالك بن الشريد بن أبي أهون [1] بن قائش [2] بن دريم بن القين بن أهود بن بهراء بن عمرو بن الحاف بن
__________
[1] كذا في الأصل وفي جداول وستنفلد: هون.
[2] ص: قاش (والتصحيح وستنفلد) .(1/204)
قضاعة. وهو الذي يقال له المقداد بن الأسود. وكانت أمه عند الأسود بن عبد يغوث، خلف عليها بعد أبيه عمرو، وتبناه فنسب إليه. هاجر إلى الحبشة في المرة الثانية في رواية ابن إسحاق [1] . ولم يذكره موسى بن عقبة وأبو معشر.
ثم قدم فهاجر مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، وشهد بدرا. ولم يزل مع النبي صلى الله عليه وسلم وشهد مشاهده كلها. وتوفي في خلافة عثمان في سنة ثلاث وثلاثين بالجرف، على ثلاثة أميال مِنَ الْمَدِينَةِ، فحمل عَلَى رقاب الرجال حتى دفن بالمدينة. وصلى عليه عثمان. وكان يوم توفي ابن سبعين سنة أو نحوها.
يكنى أبا معبد. وكان رجلا طوالا آدم ذا بطن، كثير شعر الرأس، يصفر لحيته ولم تكن بالعظيمة ولا الخفيفة، أقنى مقرون الحاجبين. ولما قدم المدينة، نزل على كلثوم بن الهدم. فآخا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين جبار ابن صخر، فأقطعه في بني جديلة. دعاه إلى تلك الناحية أبي بن كعب.
536- ومن بني تيم بن مرة:
عمرو بْن عُثْمَان بْن عَمْرو بْن كعب بْن سعد بن تيم ابن مرة،
هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. وأقام مع جعفر، وقدم قبله.
واستشهد يوم القادسية.
والحارث بْن خَالِد بْن صخر بْن عَمْرِو بْنِ كعب بْن سَعْد ابن تيم.
هو ابن خال أبي بكر الصديق، لأن أمه أم الخير بنت صخر بن عمرو ابن كعب. هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. وَكَانَ أبو بكر رضي اللَّه تعالى عنه أراد الهجرة إلى الحبشة في المرة الثانية معه ثم أقام مع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ: قَالا ثنا الْوَاقِدِيُّ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ:
لَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ، وَسَطَتْ بِهِمْ عَشَائِرُهُمْ، خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ [2] ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ آذَوْهُ. فَلَمَّا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ، لَقِيَهُ بن الدُّغَيْنَةِ. وَهُوَ الْحَارِثُ [3] بْنُ يَزِيدَ سَيِّدُ الْقَارَةِ. فَقَالَ: أَيْنَ تَعْمِدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: أخرجني
__________
[1] ابن هشام، ص 211.
[2] زاد بعده في الأصل سهوا: «وكان المشركون نحو أرض الحبشة» .
[3] قال السهيلي 12/ 231: اسمه مالك.(1/205)
قَوْمِي، فَأَنَا أَسِيحُ فِي الأَرْضِ فَأَعْبُدُ رَبِّي. فَقَالَ ابْنُ الدُّغَيْنَةِ: «مِثْلُكَ، يَا أَبَا بَكْرٍ، لا يَخْرُجُ وَلا يُخْرَجُ، إِنَّكَ تُكْسِبُ الْمَعْدُومَ [1] ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحُقُوقِ. فَأَنَا لَكَ جَارٌ. فَارْجِعْ» . وَأَتَى ابْنُ الدُّغَيْنَةِ قُرَيْشًا، فَقَالَ لَهُمْ: «مَا مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ يَخْرُجُ. أَتُخْرِجُونَ رَجُلا يُكْسِبُ الْمُعْدَمَ [2] ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيُقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى النَّوَائِبِ؟» فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدغينة، وأمنوا أبا بكر على أَنْ يُصَلِّيَ وَيَقْرَأَ فِي مَنْزِلِهِ. فَمَكَثَ أَبُو بَكْرٍ مُسْتَخْفِيًا بِصَلاتِهِ وَقِرَاءَتِهِ، يَعْبُدُ اللَّه فِي دَارِهِ.
ثُمَّ إِنَّهُ ابْتَنَى بِفِنَاءِ دَارِهِ مَسْجِدًا، فَبَرَزَ يُصَلِّي فِيهِ. فَكَانَ يَجْتَمِعُ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ حِينَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ. فَرَاعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ، فَبَعَثُوا إِلَى ابْنِ الدُّغَيْنَةِ فَأَخْبَرُوهُ بِمَا يَصْنَعُ أَبُو بَكْرٍ. فَقَالَ ابْنُ الدُّغَيْنَةِ لأَبِي بَكْرٍ: قَدْ عَلِمْتُ مَا عَاقَدَكَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ، فإما أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَيْهِ وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ جِوَارِي وَذِمَّتِي. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:
فَإِنِّي/ 94/ أُرْجِعُ إِلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّه. وكان الحارث بن خالد مع أبي بكر حين لقيه أولا. فقال له: إن معي رجلا من عشيرتي. فقال له ابن الدغينة: دعه فليمض لوجهه، وارجع أنت إلى عيالك. فقال له أبو بكر:
فأين حق المرافقة؟ فقال الحارث: أنت في حل، فامض، فإني ماض لوجهي مع أصحابي. فمضى حتى صار إلى الحبشة. قالوا: ولم يزل مقيما بها إلى أن قدم مع جعفر. وكانت مع الحارث امرأته ريطة بنت الحارث بن جبيلة، من بني مرة. فولدت له موسى وعائشة وزينب. وهلكت بأرض الحبشة. وذلك الثبت.
وقال بعض الزبيريين: أقبل الحارث وامرأته وولده منها، فشربوا ببعض الطريق من ماء هناك فماتوا سواء. فزوجه النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالمدينة ابنة عبد يزيد ابن هاشم بن المطلب بن عبد مناف. وقال غير الواقدى: هو ابن الدّغنّة [3] .
__________
[1] «وقوله لأبى بكر: إنك لتكسب المعدوم، يقال: كسبت الرجل مالا، فتعديه إلى مفعولين. هذا قول الأصمعى. وحكى غيره: أكسبته مالا، فمعنى تكسب المعدوم، أى تكسب غيرك ما هو معدوم عنده» (السهيلي، 1/ 231) .
[2] كذا ههنا في الأصل. والمعدم: الفقير.
[3] أى بدل ابن الدغينة المذكور في القصة. والدغنة أمه كما ذكر السهيلي (1/ 231) .(1/206)
537- ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة:
أبو سلمة بن عبد الأسد.
واسم أبي سلمة عبد اللَّه بْن عَبْد الأسد بْن هلال بْن عَبْد اللَّه بْن عمرو بْن مخزوم. هاجر إِلَى أرض الحبشة مرتين، ومعه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة. واسمها هند. فولدت له بالحبشة زينب بنت أبي سلمة. وقدم مكة، فكان أول من هاجر إلى المدينة. وشهد بدرا. ورمي بسهم يوم أحد، فانتقض به، فمات في جمادى الآخرة سنة أربع. فخلف رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أم سلمة بعده. وكان أبو سلمة ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأمه برة بنت عبد المطلب.
شماس بْن عُثْمَان بْن الشريد بْن سويد بن هرمي بن عامر بن مخزوم.
واسمه عثمان [1] . هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. واستشهد يوم أحد. وقال بعضهم: استشهد يوم بدر. والأول أثبت. وكان يعرف بابن ساقي العسل.
وذلك أن هرمي بن عامر كان يسقي الناس العسل بمكة. وكان شماس يكنى أبا المقدام. وكانت معه بالحبشة امرأته أم حبيب بنت سعيد بن يربوع بن عنكثة. ونزل حين هاجر إلى المدينة على مبشر بن عبد المنذر. وأدخل المدينة من أحد وبه رمق، وحمل إلى أم سلمة، فمات عندها. فأمر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فرد إلى أحد فدفن بها مع الشهداء. وقال حسان بن ثابت يرثيه ويخاطب أخته [2] :
أقنى حياءك [3] في ستر وفي كرم ... فإنما كان شماس من الناس
قد ذاق حمزة ليث اللَّه فاصطبري ... كأسا رواء فكأس المرء شماس
ويقال: قاله غير حسان.
هبار بْن سُفْيَان بْن عَبْد الأسد بْن هلال،
هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية وأقام مع جعفر، وقدم المدينة قبله. واستشهد يوم أجنادين بالشام. ويقال: يوم مؤتة.
عبيد اللَّه بن سفيان، أخو هبار.
هاجر معه، وقتل يوم اليرموك.
هاشم بن أبي حذيفة بن المغيرة بن عبد اللَّه
بن
__________
[1] فهو عثمان بن عثمان.
[2] ليس في ديوان حسان المطبوع ولكن ذكر في الاستيعاب، رقم 2618 شماس ابن عثمان، مع اختلافات.
[3] خ: «افنى جيادك» (عند الاستيعاب: «أفنى حياتك» ) .(1/207)
عمر بن مخزوم. واسم أبي حذيفة مهشم. هاجر المرة الثانية، وأقام مع جعفر، وقدم المدينة قبله ومات فيها، يقال أيام تبوك. وبعضهم يقول: هو هشام بن أبي حذيفة.
سلمة بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ، أخو أَبِي جهل.
هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ قدم مكة. فحبسه بها أبو جهل، فلم يأت المدينة إلا بعد الخندق. واستشهد يوم مرج الصفر بالشام. ويكنى أبا هاشم. قالت أم «سلمة» ، وهي ضباعة بنت عامر القشيرية [1] :
لا هم رب الكعبة المحرمة ... أظهر على كل عدو سلمة
له يدان في الأمور المبهمة ... إحداهما تردي وأخرى منعمه
عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة،
هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية ومعه امرأته ابنة سلمة بن مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم. فولدت له/ 95/ بأرض الحبشة عبد اللَّه بن عياش. ثم قدم مكة وهاجر إلى المدينة. وكان قد صاحب في هجرته إلى المدينة عمر بن الخطاب. فلما شارفا المدينة، لحقهما أبو جهل والحارث ابنا هشام بن المغيرة، ومعهما الحارث بن يزيد بن أبي نبيشة العامري. فقالوا: يا عياش، إن أمك مريضة، وقد نذرت أن لا تستظل من شمس ولا يمس رأسها دهن ولا تطعم إلا بلغة من الخبز القفار [2] حتى تراك.
فرق لها. فقال له عمر: «ما يريدون إلا خديعتك عن دينك. واللَّه لئن آذى أمك القمل، لتدهنن، ولتمشطن، ولئن آذاها حر مكة، لتستظلن» .
فقال: أبر قسم أمي، ولي هناك مال. فخرج معهما. فلما صار ببعض الطريق، شداه وثاقا، وأدخلاه مكة. وقالا: هكذا فافعلوا بسفهائكم.
ويقال: إنه قدم المدينة ونزل بفناء، فمنها رجع. وكان الحارث بن يزيد بن أبي نبيشة قد أعانهما على ربطه. فحلف عياش: لئن أمكنته منه فرصة، ليقتلنه. فلما تخلص عياش، وذلك بعد أحد، أتى المدينة، فإذا هو بالحارث ابن يزيد قائما بالبقيع، فقتله وهو يظن أنه كافر. فنزلت فيه: «وَما كانَ
__________
[1] الاستيعاب، رقم 2457 مسلمة بن هشام. (وعنده في آخرهما: كف بها يعطى وكف منعمه) .
[2] البلغة: القليل الذى يسد الرمقى. القفار: بلا إدام.(1/208)
لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً» ، الآية [1] .
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ يَزِيدَ كَانَ شَدِيدًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَجَاءَ وَهُوَ يُرِيدُ الإِسْلامَ. فَلَقِيَهُ عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ- وَعَيَّاشٌ لا يَدْرِي- فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ. فَأَنْزَلَ عَزَّ وَجَلَّ: «وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً» الآيَةَ.
وَلَمْ يَزَلْ عَيَّاشٌ بِالْمَدِينَةِ إِلَى أَنْ قبض رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَجَاهَدَ. وَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى مَاتَ. وَلَمْ يَبْرَحِ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّه مِنَ الْمَدِينَةِ.
وَحَدَّثَنِي عَلِي الأثرم، عَنْ أَبِي عُبَيْدَة قَالَ:
نزل هشام بن المغيرة نجران [2] ، وبها أسماء بنت مخربة- ويقال: بنت عمرو بن مخربة- وقد هلك عنها زوج لها. وكانت أم أسماء: عناق بنت الجان، من تغلب بن وائل. وأمها الشموس بنت وائل بن عطية، من أهل فدك.
فتزوجها هشام بن المغيرة وحملها إلى مكة. فولدت له أبا جهل بن هشام، والحارث بن هشام. ثم خلف عَلَيْهَا أَبُو رَبِيعَة بْن الْمُغِيرَةِ، فولدت لَهُ عياش ابن أبي ربيعة. وكان عياش أخا أبي جهل والحارث ابني هشام لأمهما أسماء بنت مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم. وقال ابن سعد. ماتت أسماء قبل رجوع عياش إليها. ويقال [3] إنه لم يمكنه التخلص حتى ماتت. ويقال إنها أدركت خلافة عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه، وذلك أثبت. وقال الواقدي وغيره: لم يزل الوليد بْن الوليد بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن مخزوم على دين قومه حتى أسر يوم بدر. فافتدي بأربعة آلاف درهم. ويقال بسكة [4] أبيه الوليد- لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يقبل غيرها، وكانت درعا
__________
[1] القرآن، النساء (4/ 92) .
[2] كذا في الأصل. لعله بحران. نجران في اليمن، وحران في عراق العرب. وأسماء بنت مخربة من بلاد تميم وتغلب.
[3] خ: عياش إلى فيقال.
[4] أى الدرع الضيقة الحلق.(1/209)
فضفاضة [1]- وسيفا، وبيضة. وكان اللذان خرجا في فدائه أخاه خالد ابن الوليد، وأخاه هشام بن الوليد. فلما افتدي وتخلص، أسلم ورجع إلى مكة، وقال: ما منعني من الإسلام حين أسرت، وقد تبينت الحق، إلا أن يقال «أسلم الوليد فرارا من الفداء» . ثم إن أخويه حبساه بمكة مع عياش ابن أبي ربيعة وسلمة بن هشام. فلم يزل يحتال حتى أفلت من وثاقه، وخرج حتى أتى المدينة. وقد طلب، فلم يلحق، وستر اللَّه عليه فلم يعرف أخواه له أثرا. فسأله رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سلمة وعياش. فقال: تركتهما في ضيق. وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يدعو لهما ولضعفة المسلمين قبل إسلام الوليد. ثم دعا للوليد أيضًا. [فَقَالَ رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: انطلق يا وليد حتى تنزل فلان القين فإنه قد أسلم وأخلص، فتستخفي عنده وتلطف لأخبار عياش وسلمة/ 96/ وتعلمهما أنك رسولي وأنى آمرهما بالتلطف للخروج إلي، فإن اللَّه سيعينهما وييسر ذلك لهما، فقد أذن في خلاصهما.] قال الوليد: ففعلت. وسهل اللَّه أمرهما حتى خرجا. وكانا جميعا موثقين، رجل هذا مع رجل صاحبه في قيد واحد. وخرجت أسوق بهما مخافة الطلب والفتنة، حتى انتهيت إلى ظهر حرة المدينة. فعثرت، فانقطعت أصبعي.
فقلت [2] :
هل أنت إلا إصبع دميت ... وفي سبيل اللَّه ما لقيت
ثم مات بالمدينة بعد قليل. فقالت أم سلمة بنت أمية زوج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [3] :
يا عين فابكي للولي ... د ابن الوليد بن المغيرة
مثل الوليد بن الولي ... د أبى الوليد فتى العشيرة
__________
[1] أى المتسعة.
[2] مصعب الزبيري، ص 324، ابن سعد، 4 (1) / 98، 99، الاستيعاب، كنى الرجال رقم 33 أبو الأسود، وعزاه إلى رسول اللَّه، ابن هشام، ص 321.
[3] مصعب، ص 329، ابن سعد، 4 (1) / 98- 99، الاستيعاب رقم 1665 عبد اللَّه بن الوليد، ورقم 6689، الوليد بن الوليد.(1/210)
[فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لا تقولي هذا يا أم سلمة، ولكن قولي: «وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ] [1] » . ويقال إن أم سلمة استأذنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في البكاء على الوليد، وقالت: غريب توفي في بلاد غربة. فأذن لها. فصنعت طعاما وجمعت النساء. وقال الواقدي: وقوم يزعمون أن الوليد بن الوليد تخلص حين تخلص، فكان مع أبي بصير عتبة بن أسيد الثقفي حليف قريش. وذلك غير ثبت. وكان أبو بصير أسلم وأفلت من قومه، فأتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعد قدومه المدينة من الحديبية. فكتب الأخنس بن شريق وغيره إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم في رده، لما كان قاضاهم عليه من رد من صار إليه. فرده رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إليهم مع رسولين لهم. فشد أبو بصير في طريقه على أحد الرسولين، فقتله. وكان من بنى عامر ابن لؤي. يقال له خنيس بن جابر. وأفلت فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ له: وفيت بذمتك وامتنعت بديني أن أفتن. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:
[ويل أمه من محش حرب لو كان معه رجال.] وكان مع أبي بصير سلب العامري، فلم يخمسه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وقال له هنيئا لك [2] بسلب صاحبك.
ثم قال: يا أبا بصير، اذهب حيث شئت. فخرج أبو بصير إلى قرب الساحل. وألحق به قوم من المسلمين ممن كان يؤذي ويفتن وغيرهم. فتتاموا سبعين، فضيقوا على قريش وجعلوا يقتلون من ظفروا به، ويأخذون ما معه.
فكتبت قريش إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم تسأله أن يدخل أبا بصير إليه.
فكتب إلى أبي بصير في القدوم عليه. فأتاه رسوله بكتابه وأبو بصير يجود بنفسه.
فلم يلبث أن مات. فمن الرواة من يزعم أن الوليد كان معه. وذلك باطل.
538- ومن حلفاء بني مخزوم:
عمار بن ياسر العنسي.
كانت أمه لبني مخزوم.
هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ قدم مكة فهاجر إلى المدينة. وكان محمد ابن إسحاق [3] يشك في هجرة عمار إلى الحبشة.
معتب بن عوف بن الحمراء
__________
[1] القرآن، ق (50/ 19) .
[2] خ: سألك.
[3] ابن هشام، ص 242.(1/211)
الخزاعي، ويكنى أبا عوف، هاجر في المرة الثانية إلى الحبشة. ومات سنة سبع وخمسين وهو ابن ثمان وسبعين سنة. وقد اختلفوا في هجرته. وكان الواقدي يثبتها. وبعضهم يقول: مات وله نيف وثمانون سنة. وقال محمد بن سعد:
وهو معتب بن عوف بن عامر بن الفضل بن عفيف- وهو الذي يدعى عيهامة- ابن كليب بن حبشية بن سلول. وأمه الحمراء. وكان محمد بن إسحاق [1] والواقدي يثبتان هجرته. ولم يذكر موسى بن عقبة وأبو معشر/ 97/ هجرته إلى الحبشة. وهاجر إلى المدينة فنزل على مبشر بن (عبد) المنذر. وآخا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين ثعلبة بن حاطب. وشهد جميع المشاهد.
539- ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص:
عثمان بن مظعون بْن حبيب بْن وهب بْن حذافة بْن جمح.
وهو خال حفصة بنت عمر بن الخطاب زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم. هاجر إِلَى الحبشة مرتين، وقدم فهاجر إِلَى الْمَدِينَة. وتوفي بِهَا فِي ذي الحجة سنة اثنتين. فصلى عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقبله وَهُوَ ميت. ودفنه بالبقيع. وقال حين توفي إِبْرَاهِيم بْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
[ادفنوه بالبقيع عند سلفنا الصالح عُثْمَان بْن مظعون] [2] . فدفن إلى جنبه. وكان يكنى أبا السائب. وولد له عبد الرحمن، والسائب. وأمهما خولة بنت حكيم ابن حارثة بن الأوقص السلمي حليف بني عبد مناف. ولما ماتت زينب بنت رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، أو رقية، [قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
الحقي بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون] .
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زيد، عن يوسف ابن مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، قَالَتِ امْرَأَتُهُ: هَنِيئًا لَكَ الْجَنَّةُ. [فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَظَرَ إِلَيْهَا نَظْرَةَ غَضْبَانَ: وَمَا يُدْرِيكِ؟
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّه، صَاحِبُكَ. فَقَالَ: واللَّه، إنى لرسول اللَّه، وما أدرى
__________
[1] ابن هشام، ص 242.
[2] راجع أيضا نسب قريش لمصعب الزبيري، ص 393.(1/212)
مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِهِ.] فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، [حَتَّى مَاتَتِ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: الْحَقِي بِسَلَفِنَا الصالحين- أو قال: الخير- عثمان ابن مَظْعُونٍ.]
وعبد اللَّه بن مظعون،
هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. ثُمَّ قدم مكة فهاجر منها إلى المدينة، وشهد بدرا وجميع المشاهد. وكانت أمه سخيلة بنت العنبس بن وهبان، وهو ابن أهبان، من بني جمح. مات سنة ثلاثين وهو ابن ستين سنة. ويكنى أبا محمد.
قدامة بن مظعون،
وأمه غزّية بنت الحويرث بن العنبس الجمحي. ويكنى أبا عمرو. وهاجر في المرة الثانية، ثم قدم مكة وهاجر إلى المدينة. ومات سنة ست وثلاثين. وكان يوم مات ابن ثمان وستين سنة. وقال الواقدي: قالت عائشة بنت قدامة: كان عثمان وإخوته متقاربين في السن. وكان عثمان شديد الأدمة. ليس بقصير ولا طويل، كبير اللحية عريضها. وكذلك صفة قدامة، إلا أن قدامة كان طويلا.
السائب ابن عثمان بن مظعون،
هاجر مع أبيه في المرة الثانية، ثم قدم مكة وهاجر إلى المدينة. وكان من الرماة المذكورين. وأصابه سهم يوم اليمامة في خلافة أَبِي بَكْر، فمات وَهُوَ ابْن بضع وثلاثين سنة. وولد ولأبيه ثلاثون سنة. وتوفي أبوه وهو ابن سبع وثلاثين سنة.
معمر بن الحارث بن معمر بن حبيب.
مختلف في هجرته. ومات في خلافة عمر بالمدينة. وأمه قتيلة بنت مظعون. ومن أنكر هجرته، أثبت قولا أسلم معمر قبل دخول النبي صلى اللَّه عليه وسلم دار الأرقم، وشهد بدرا وجميع المشاهد.
حاطب وحطاب ابنا الحارث (بن) معمر ابن حبيب بن وهب،
هاجرا [1] إلى الحبشة في المرة الثانية، وماتا بالحبشة مسلمين وكان معهما الحارث بن حاطب. فقدم الحارث ومحمد بن حاطب، وكان مولده بالحبشة، فِي إحدى السفينتين [2] مَعَ جَعْفَر بْن أَبِي طالب عليه السلام.
ويقال: إن المهاجر حاطب وحده، وإن محمدا ابنه ولد في بلاد الحبشة.
وكان محمد يكنى أبا إبراهيم. ومات بالكوفة فِي ولاية بشر بْن مروان. وكان قد شهد مع علي عليه السلام مشاهده كلها.
سفيان بن معمر بن حبيب،
__________
[1] خ: هاجر.
[2] في أصل العبارة: «السفينتين» بالهامش عن نسخة أخرى: «السفرتين» .(1/213)
أخو جميل بن معمر الذي كانت قريش تدعوه «ذا قلبين [1] » . هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. ومات في زمن عمر أو عثمان/ 98/ رضي اللَّه تعالى عنهما. وَكَانَ مَعَهُ بالحبشة ابناه جناده وجابر. وأمهما حسنة، أم شرحبيل ابن حسنة. وكان قدومه بعد الهجرة وقبل قدوم جعفر عليه السلام.
نبيه [2] ابن عثمان بن ربيعة بن أهبان بن حذافة بن جمح.
هاجر فِي المرة الثانية، وأقام حَتَّى ركب السفينة مع جعفر. فمات في البحر. وقال محمد بن إسحاق [3] :
وكان معهم هبار بن وهب بن حذافة.
540- ومن حلفاء بني جمح بن عمرو:
شرحبيل بن حسنة مولاة بني جمح.
وأبوه، فيما ذكر الواقدي، عبد اللَّه بن المطاع بن عمرو الكندي. وقال الكلبي:
شرحبيل بن عَبْد اللَّه بْن ربيعة بْن المطاع، من ولد صوفة الربيط، وهو الغوث ابن مرّ [4] بن أد بن طابخة، حليف بني جمح. هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. ومات بالشام في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة، وهو ابن تسع أو سبع وستين سنة. وكان يكنى أبا عبيد اللَّه. وقال الواقدي: هو حليف بني زهرة وقال الهيثم بن عدي [5] : شرحبيل من حمير. وقول الكلبي أثبت الأقاويل.
541- ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص:
خنيس بْن حذافة بْن قَيْس بْن عدي بْن سعد بن سهم.
وأمه ضعيفة بنت حذيم، من بني سهم. هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ قدم مكة فهاجر منها إلى المدينة. ومرض ورسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببدر وهو معه. فمات مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بدر سنة اثنتين. وكانت عنده حفصة بنت عمر بن الخطاب، فخلف عليها النبي
__________
[1] في أصل العبارة «أفلس» وبالهامش عن نسخة: «تدعوه ذا قلبين» . وقال مصعب (ص 395) : كان هذا العرف لعقله فشنعه اللَّه ونزلت الآية (سورة الأحزاب (33/ 4) :
«مَا جَعَلَ اللَّه لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جوفه» .
[2] ابن هشام (ص 213) ليس نبيه بل أبوه عثمان هو الذى هاجر.
[3] لم يذكره ابن هشام.
[4] خ: «أره» . (والتصحيح عن ابن هشام ص 76، 213. راجع أيضا السهيلي 1/ 85) .
[5] خ: جدي.(1/214)
صلى اللَّه عليه وسلم. وكان خنيس يكنى أبا حذافة. ولم يذكر موسى بن عقبة هجرة خنيس إلى الحبشة، ولا ذكرها أبو معشر. وثبتها ابن إسحاق [1] والواقدي.
ويقال: إنه كان يكنى أبا الأخنس.
عبد اللَّه بن حذافة،
أخوه، هاجر إلى الحبشة في المرة الثانية. وكانت الروم أسرته. فكتب عمر رضي اللَّه تعالى (عنه) إلى قسطنطين [2] في أمره. فخلى سبيله. وكان من غزاة مصر. ومات في خلافة عثمان. وهو كان رسول النبي صلى اللَّه عليه وسلم بكتابه إلى كسرى، وإياه أمر أن ينادي بمنى: إنها أيام أكل وشرب. ويقال: إنه أمر بالنداء بذلك بديل بن ورقاء. ويقال: أمرهما جميعا.
قيس بن حذافة،
هاجر معهما.
وبعض الرواة يدفع هجرته. والواقدي يثبتها، ويقول: قدم من الحبشة بعد هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى المدينة.
هشام بن العاص بن وائل بن هاشم ابن سعد بن سهم،
أخو عمرو بن العاص. وهو قديم الإِسْلام. هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثم قدم مَكَّةَ للهجرة إِلَى الْمَدِينَة. فحبسه أبوه، فلم يزل محبوسا بمكة حتى مات أبوه في آخر السنة الأولى من الهجرة. ثُمَّ حبسه قومه بعد أَبِيهِ. فلم يزل يحتال، حتى تخلص وقدم على النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعد الخندق. وجاهد فقتل بالشام. وَكَانَ أصغر سنا من عَمْرو بْن الْعَاصِ أخيه.
وَكَانَ يكنى أبا العاص. فكناه رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا مطيع. وأمه أم حرملة بنت هشام بن المغيرة. وكان واعد عمر أن يمضي معه إلى المدينة، وقال له: انتظرني في أضاة بني غفار. فأخذه أبوه فكبله.
أبو قيس بن الحارث ابن قَيْس بْن عدي،
هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. فيقال: إنه قدم مَعَ جَعْفَر. ويقال: قبل ذلك. وليس قدومه مع جعفر بثبت. واستشهد باليمامة.
تميم بن الحارث بن قيس، وأخ له من أمه من بني تميم يقال له
معبد،
هاجر (ا) في المرة الثانية. واستشهد تميم بالشام. والواقدي يقول: نمير بن الحارث.
سعيد ابن الحارث، أخو تميم،
هاجر معه إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. واستشهد يَوْم
__________
[1] ابن هشام ص 213.
[2] ملك قسطنطين عدة أشهر في السنة 641، وملك قسطنط () من 641 إلى 668 للميلاد. وخلافة عمر رضى اللَّه عنه من 634 إلى 644.(1/215)
اليرموك.
عبد اللَّه بن الحارث.
أخوهم، هاجر معهم/ 99/ ومات بالحبشة.
الحجاج بن الحارث بن قيس،
هاجر فِي المرة الثانية. وقدم الْمَدِينَة بعد هجرة النبي عليه السلام [1] . واستشهد بالشام. وقد اختلف في هجرته. والواقدي يثبتها.
وقال الكلبي: لم يسلم ولم يهاجر، وأسر يوم بدر، ثم أسلم.
وكان لهم أخ يقال له الحارث بن الحارث،
ذكر بعضهم أنه هاجر مع إخوته إِلَى الحبشة، وقدم الْمَدِينَة بعد الهجرة. ومات من جراحة أصابته يَوْم الطائف. ويقال: بل استشهد بالشام. وقد اختلف في هجرته. والواقدي يثبتها.
عمير بْن رئاب بْن مهشم بْن سَعِيد بن سهم.
وعمير القائل:
نحن بنو زيد الأغر ومثلنا ... نحامي على الأحساب عند الحقائق
حدثني مصعب بن عبد اللَّه الزبيري [2] ومحمد بن سعد، عن هشام الكلبي، قالا:
كان اسم جمح تيما، واسم سهم زيد. وأمهما الألوف بِنْت عدي بْن كعب بْن لؤي. فجلست يوما وعندها ابناها تيم وزيد، ومعها أترجّة من ذهب أو فضّة. وقالت: أي ابني، استبقا إِلَيْهَا، فمن أخذها فهي لَهُ. فسبق زيد، فأخذها. فَقَالَتْ: كأنك واللَّه يَا زَيْد سهم مرق من رمية، وكأن شَيْئًا جمح بك عَنْهَا يَا تيم. فسمي هذا سهما، وهذا جمح.
542- ومن حلفاء بنى سهم:
حمية بن جزء بن عبد يغوث الزبيدي،
هاجر في المرة الثانية إلى الحبشة. وكان أول مشاهده، فيما روى الواقدي، المريسيع.
وقال الكلبي: شهد بدرا، وولاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المقاسم يومئذ.
وهو حليف لبني جمح. وكانت ابنته عند الفضل بن العباس بن عبد المطلب، فولدت له أم كلثوم بنت الفضل بن العباس.
543- ومن بني عدي بْن كعب بْن لؤي بْن غالب:
معمر بن عبد اللَّه بن نضلة ابن عَبْدِ العزى بْن حرثان بْن عَوْفِ بْن عبيد بن عويج بن عدي.
هاجر إلى
__________
[1] خ: صلى اللَّه عليه وسلم عليه السلام. (مع خط على الصلاة كأنه سها في النقل ولم يرد أن يمحوه أدبا) .
[2] مصعب الزبيري، ص 386.(1/216)
الحبشة في المرة الثانية. وهو الذي كان يرحل رحل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجته. مات في خلافة عمر. وكان قدومه من أرض الحبشة مع جعفر بن أبي طالب.
عروة بْن أَبِي أثاثة بْن عَبْدِ العزى بْن حرثان بْن عَوْفِ بْن عبيد بْن عويج،
هاجر في المرة الثانية، ومات بأرض الحبشة.
عدي بن نضلة،
وبعضهم يقول: نضيلة، هاجر في المرة الثانية، ومات بأرض الحبشة. وهو أول موروث فِي الإِسْلام: ورثه ابنه النعمان بْن عدي الذي ولاه عمر ميسان.
فَقَالَ [1] :
أَلا أبلغ الحسناء أن حليلها ... بميسان يسقى في زجاج وحنتم
إذا شئت غنتني دهاقين قرية ... وصناجة تجذو عَلَى كُلّ منسم
لعل أَمِير الْمُؤْمِنِينَ يسوءه ... تنادمنا بالجوسق المتهدم
إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني ... وَلا تسقني بالأصغر المتثلم
فلما بلغ عمر رضي الله تعالى عنه، قال: وَاللَّه إنه ليسوءني تنادمهم، فمن لقيه فليعلمه أني قد عزلته. وكتب فِي عزله. فلما قدم عليه، قال: والله يا أمير المؤمنين، مَا صنعت شَيْئًا مما ذكرت، ولكني امرؤ شاعر، أصبت فضلا من قول فقلته. فَقَالَ عمر: وَاللَّه لا تعمل لِي عملا أبدا. وقال محمد ابن إسحاق [2] :
كان النعمان بالحبشة مع أبيه.
544- ومن حلفاء بني عدي:
عامر [3] بن ربيعة بن مالك بن عامر بن ربيعة
ابن حجر [4] بن سلامان بن مالك بن ربيعة بن رفيدة بن عنز بن وائل بن قاسط هاجر إلى الحبشة في المرتين جميعا، ومعه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن حذافة ابن غانم بْن عَامِر بْن عَبْد اللَّهِ بْن عبيد بن عويج. ثم هاجر إلى المدينة. ومات
__________
[1] مصعب الزبيري، ص 382 (وذكر محشيه مصادر أخرى) ، ابن هشام، ص 786: الاستيعاب، رقم 1340، النعمان بن عدى. (خ في الثالث «نسوة» بدل «يسوءه» ) . راجع أيضا بلدان ياقوت ميسان.
[2] ابن هشام ص 214.
[3] راجع السهيلي 1/ 167- 168.
[4] كذا في الأصل وعند ابن سعد «حجير» .(1/217)
بعد مقتل عثمان بأيام. وكان لازما لمنزله، فلم يشعر الناس إلا/ 100/ وجنازته قد أخرجت. وكان يكنى أبا عبد الله. وكان الخطاب بن نفيل لما حالفه عامر ابن ربيعة العنزي، تبناه. فكان يقال له «عامر بن الخطاب» ، حتى نزل: «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ [1] » . وأسلم قديما قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم. وروي عنه أنه قال: ما دخل المدينة في الهجرة أحد بعد أبي سلمة بن عبد الأسد قبلي، ولا قدمتها ظعينة قبل ليلى بنت أبي حثمة.
وحدثنى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ:
أَنَّ أَبَاهُ رَأَى فِي مَنَامِهِ، وَقَدْ صَلَّى مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ نَامَ، قَائِلا يَقُولُ: قُمْ فَاسْأَلِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكَ مِنَ الْفِتْنَةِ الَّتِي أَعَاذَ مِنْهَا صَالِحِي عِبَادِهِ. فَقَامَ، فَصَلَّى. ثُمَّ اشْتَكَى. فَمَا خَرَجَ إِلا فِي جَنَازَةٍ.
خولي بن أبي خولي
- واسمه عمرو- بن زهير ابن خيثمة بن أبي حمران الحارث بن معاوية بن الحارث بن مالك بن عوف بن سعد بن عوف بن حريم بن جعفي. قال الهيثم بن عدي: هاجر وأخواه هلال وعبد الله ابنا أبي خولي إلى الحبشة في المرة الثانية. وقال غيره: لم يهاجروا، وذلك الثبت. وقال الواقدي: شهد خولي وابن له بدرا، وليس في ذلك اختلاف. وكان خولي حليفا للخطاب. وقال محمد بن إسحاق: شهد مع خولي بدرا أخوه مالك بن أبي خولى. وقال موسى بن عقبة: شهد خولي بدرا، ومعه أخواه هلال وعبد الله. وهو قول الكلبي. قالوا: وشهد خولي المشاهد كلها.
ومات في خلافة عمر بن الخطاب. قال ابن إسحاق: مات خولي في خلافة عثمان. وقد روي عن الكلبي أيضا أنه قال: خولى بن أبى خولى [3] عمرو ابن زهير.
545- ومن بني عامر بن لؤي بن غالب:
أبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزّى ابن أبي قيس بن عَبْد وُدّ بن نَصْر بن مالك بن حسل بن عَامِر بن لؤي.
__________
[1] القرآن، الأحزاب (33/ 5) .
[2] ابن سعد، 3 (1) / 282.
[3] خ: أبى خولى بن عمرو.(1/218)
وأمه برة بنت عبد المطلب. وهاجر إلى الحبشة في المرتين جميعا. وهاجر من مكة إلى المدينة. وتوفي بمكة في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه. وقال الواقدي:
وولده ينكرون رجوعه إلى مكة وموته بها، ويغضبون من ذلك. وكانت مع أبي [1] سبرة امرأته أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو. ويقال: إن أبا سبرة كان يسمى عبد مناف.
حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود،
أخو سهيل بن عمرو.
هاجر إلى الحبشة مرتين. فكان أول من قدمها في المرة الأولى من المسلمين.
وشهد بدرا. وهو الذي زوج النبي صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة. ويقال إنه أول من دخل أرض الحبشة، وكان من آخر من خرج منها مع جعفر.
وذلك عندهم أخلط.
السكران بن عمرو،
أخوه، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. ومعه امرأته سودة بنت زمعة. ويقال إنه هاجر في المرتين جميعا. ثم إنه قدم مكة، فمات قبل الهجرة، فدفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على سودة بنت زمعة. وذلك الثبت. وقوم يقولون إنه مات بالحبشة مسلما. وقال قوم، منهم أبو عبيدة معمر، إنه قدم مكة ثم رجع إلى الحبشة مرتدا أو متنصرا، فمات بها. والخبر الأول أصح وأثبت.
سليط بن عمرو،
أخو سهيل أيضا، هاجر إِلَى أرض الحبشة فِي المرة الثانية، ومعه امرأته فاطمة بنت علقمة. وقدم المدينة قبل قدوم جعفر. ويقال: قدم مع جعفر عليه السلام. واستشهد سليط باليمامة سنة اثنتي عشرة. وقال الهيثم ابن عدي: كان يكنى أبا الوضاح. وكان إسلام سليط قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم.
مالك بن زمعة بن قيس بن عبد شمس،
أخو سودة.
هاجر/ 101/ إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. ثُمَّ قدم مع جعفر. ومعه امرأته عميرة بنت السعدي بن وقدان بن عبد شمس بْن عَبْد ود، من بَنِي عامر بْن لؤي.
وإنما سمي السعدي لأنه استرضع في بني سعد بن بكر. وكان عبد الله بن السعدي يسكن الأردن. ويكنى أبا محمد. ومات سنة سبع وخمسين. وله صحبة.
عبد الله بن سهيل بن عمرو، ويكنى أبا سهيل.
وهاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ قدم مكة للهجرة إلى المدينة فحبسه أبوه. فأظهر له الرجوع إلى دينه
__________
[1] خ: ابن أبى سبرة.(1/219)
والشدة على المسلمين حتى أخرجه معه إلى بدر في نفقته وحملاته، وهو لا يشك في أنه على دينه. فلما توافقوا، انحاز إلى المسلمين قبل القتال. فغاظ ذلك أباه [1] . ثم كان يقول بعد إسلامه، حين أسلم يوم فتح مكة: لقد جعل الله لي في إسلام ابني عبد الله خيرا كثيرا. وقال الكلبي: قاتل عبد الله يوم بدر مع المسلمين. قالوا: واستشهد يوم جواثا بالبحرين، في أيام الردة. فلقي سهيل أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، فعزاه أبو بكر. فقال سهيل: بَلَغَنِي [أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يشفع الشهيد في سبعين من أهله،] وأنا أرجو أن لا يقدم علي ابني أحدا. وكان يوم بدر ابن سبع وعشرين سنة.
وقيل: وله ثمان وثلاثون سنة. وليست هجرته إلى الحبشة بمجتمع عليها. وأم عبد الله: فاطمة بنت عَامِر بْن نوفل بْن عَبْد مناف. وقال الواقدى: يقال إنّ عبد الله يوم بدر، ومعه عمير بن عوف مولى أبيه سهيل عتاقة. فكان سهيل يقول: شهد عمير بدرا، وإني لأرجو أن ينالني شفاعته. قال: وكان المسلمون يقولون: فتن عياش وأصحابه بمكة فتركوا دين النبي صلى الله عليه وسلم، جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ [2] ، ما نرى لهم توبة. فنزلت: «يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [3] » . فبعث عمر بالآية إلى هشام بن العاص، وكان صديقه، وتهادوها بينهم. فكان ذلك مما قوى أنفسهم، حتى تخلصوا. قال الواقدي: وكان أبو جندل بن سهيل بن عمرو مع أخيه. فحبسه أبوه. فلما كان قدوم النبي صلى الله عليه وسلم الحديبية، وتشاغل الناس، أقبل أبو جندل يرسف في قيده حَتَّى أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد قاضى قريشا على ما قاضاهم عليه، والقضية تكتب. فقام إليه أبوه، فضرب في وجهه. وصاح أبو جندل: يا معشر المسلمين، إن المشركين يريدون أن يفتنوني. وكانت القضية بينهم على أن يرد [4] المسلمون إليهم من أتاهم من أصحابهم.
فقال سهيل بن عمرو: هذا أول ما قاضيتك عليه، يا محمد. فرده رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أن أجاره حويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص،
__________
[1] خ: اياه.
[2] القرآن، العنكبوت (29/ 10) .
[3] القرآن، الزمر (39/ 53)
[4] خ: ترد.(1/220)
وضمنا أن يكف أبوه عنه. [وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا با جندل، اصبر واحتسب، فإن الله مخلصك.] فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه:
يا رسول الله، ولم نعطي قريشا هذا، ونرضى بالدنية في أمرك؟ [فقال صلى الله عليه وسلم: إنا قد عاهدنا هم على أمر، وليس الغدر من ديننا.] فقال عمر:
يا با جندل، إن الرجل ليقتل أباه في الله، فاقتل أباك. فقال: يا عمر، اقتله أنت. فقال: نهاني رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قتله للصلح. قال: وقد نهاني الله عز وجل عن قتل أبي. فيقال: إن أبا جندل لما صار إلى مكة، تخلص، وقدم المدينة. وقال المدائني: ذكر لنا أن أبا البختري كان يقول:
اسم أبي جندل «عمرو» . وكان ابن دأب يقول: عبد الله بن سهيل. وذلك غلط. وقال الواقدي: يقال إن أبا جندل تخلص فصار إلى أبي بصير الثقفي مع من اجتمع إليه من المسلمين. فلما مات، صار [1] وأصحاب/ 102/ أبي بصير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة. ويقال: إنه لما صار بمكة، تخلص فأتى المدينة. ويقال: إنه لم يصر إلى أبي بصير، ولكن خلاصه كان في وقت مصير أصحاب أبي بصير إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهو الثبت.
وقال الكلبى: كان لحاق أصحاب أبي بصير بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر [2] ، وفتح خيبر. وهو «الفتح القريب [3] » الذي وعده الله نبيه صلى الله عليه وسلم. وقال أبو اليقظان البصري: لما كانت خلافة عمر، شرب أبو جندل الخمر مع نفر. فأراد أميرهم أن يحدهم. فقالوا: قد حضر العدو. فإن قتلنا، فقد كفيت موتتنا وأمرنا، وإن بقينا، فأقم علينا الحد. فقتلوا جميعا. وقال الواقدي: مات أبو جندل في طاعون عمواس بالشام. وقد أسلم أبوه سهيل بن عمرو يوم فتح مكة، فحسن إسلامه، وغزا الشام، فمات في طاعون عمواس.
عَبْد اللَّهِ بْن مخرمة بْن عَبْد العزى بن أبي قيس، يكنى أبا محمد،
وأمه بهنانة بنت صفوان بْن أمية بْن محرث بْن (خمل بْن شق بْن رقبة بْن مخدج بْن الحارث
__________
[1] كذا، أى: «صار هو وأصحاب أبى بصير» .
[2] خ: بحمير.
[3] راجع القرآن، الفتح (48/ 18) .(1/221)
ابن ثعلبة بن مالك بن) كنانة. هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ هاجر إلى المدينة من مكة. واستشهد يوم اليمامة في خلافة أبي بكر، وله إحدى وأربعون سنة. وشهد بدرا وله ثلاثون سنة وأشهر. ويكنى أبا محمد.
سعد بن خولة، ويكنى أبا سعيد.
قال الواقدي: أسلم سعد بن خولة، مولى وهب بْن سَعْد بْن أَبِي سرح بْن الحارث بن حبيب بن جذيمة [1] بن مالك بن حسل بن عَامِر بن لؤي. وبعضهم يقول: ابن حبيب، مثقل. وإنما ثقله حسان في شعره [2] :
الحارث بن حبيب بن شحام
وكانت أم سعد أمة لسعد بن أبي سرح، أو مولاة له ويقال إنه من أهل اليمن، حليف لبني عامر بن لؤي. ويقال إنه مولى لأبي رهم. هاجر سعد، في رواية ابن إسحاق [3] والواقدي، في الهجرة الثانية. ولم ينكره موسى بن عقبة وأبو معشر. وقال الواقدي: شهد سعد بدرا وهو ابن خمس عشرة سنة، وشهد 1/ 254 يوم أحد وشهد الخندق والحديبية. ثم خرج بعد ذلك إلى مكة، فمات بها.
ويقال: هاجر الناس، وتأخرت هجرته، فمات بمكة.
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « [اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ. لَكِنَّ الْبَائِسَ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ مَاتَ بِمَكَّةَ] » .
وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ:
مَرِضْتُ مَرَضًا أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ، [فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي مَالا كثيرا، أفأوصى بثلثى مالي؟
__________
[1] خ: جذمة.
[2] راجع للبيت الكامل الفقرة 560، أدناه.
[3] ابن هشام، ص 214.(1/222)
قَالَ: لا. قُلْتُ: فَبِالشَّطْرِ؟ قَالَ: لا. قَالَ: أَفَأُوصِي بِالثُّلُثِ؟ قَالَ:
«الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَتْرُكْ وَلَدَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَتْرُكَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً إِلا أُجِرْتَ [1] عَلَيْهَا، حَتَّى اللُّقْمَةَ.
اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ. لكن البائس سعد ابن خَوْلَةَ مَاتَ بِمَكَّةَ] » . قال سفيان: يقول: لا تردهم إلى الأرض التي هاجروا منها، حتى يقيموا بها إلا بحج أو جهاد. وقالوا: سعد بن خولة هو زوج سبيعة بنت الحارث الأسلمية التي ولدت بعد وفاته بيسير. [فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنكحي من شئت] .
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ وَعَبَّاسُ بْنُ يَزِيدَ الْبَحْرَانِيُّ، قَالا ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
وَضَعَتْ سَبِيعَةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِعِشْرِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَمَرَّ بِهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ، فَقَالَ: قَدْ تَصَنَّعْتِ/ 103/ للأزواج، أَوْ تَأْتِي عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ؟ [2] قَالَتْ سَبِيعَةُ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: [كَذَبَ أَبُو السَّنَابِلِ، قَدْ حَلَلْتِ لِلأَزْوَاجِ، فَانْكِحِي] .
وقال الواقدي: لم يأت ابن خولة مكة إتيان منتقل، ولكنه مضى في حاجة له.
546- ومن بني الحارث بن فهر بن مالك:
أَبُو عُبَيْدة عَامِر بْن عَبْد اللَّهِ بْن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر.
وأمه أميمة بنت غنم بن جابر، من بني الحارث بن فهر. [قَالَ له رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنت أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ] .
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا شُعْبَةُ، أنبأ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ.] وَهَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فِي قَوْلِ الْوَاقِدِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [3] . وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَأَبُو مَعْشَرٍ. وقال الهيثم بن عدي:
__________
[1] خ: أجزت.
[2] راجع القرآن، البقرة (2/ 234) .
[3] ابن هشام، ص 214.(1/223)
هاجر في المرتين جميعا، وهاجر مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة إلى المدينة. وشهد بدرا والمشاهد كلها. ونزل بالمدينة على كلثوم بن الهدم. وآخا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين سالم مولى أبي حذيفة، وبينه وبين محمد ابن مسلمة الأوسي. ومات في طاعون عمواس بالشام، وهو الأمير. وكان نحيفا، معروق الوجه، خفيف اللحية، طوالا، أحنى، أشعر، آدم، يصبغ راسه ولحيته بالحناء والكتم. مات وهو ابن ثمان وخمسين سنة. وقال الواقدي، عن أبي اليقظان: أسلمت أم عبيدة وزوجها.
سهيل بن البيضاء، ويكنى أبا موسى.
والبيضاء أمه، وهي دعد بنت جحدم بن عمرو بن عائش بن ظرب بن الحارث ابن فهر. هاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعا. وشهد بدرا وهو ابن أربع وثلاثين سنة. وشهد المشاهد كلها مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى تبوك، فقال: [يا سهيل. فقال:
لبيك. ووقف الناس لما سمعوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريك له، حرمه الله على النار.] ومات سهيل بعد رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك بالمدينة سنة تسع، وهو ابن أربعين سنة. وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وليس لسهيل عقيب.
قال الواقدي: حدثني بذلك مصعب بن ثابت، عن عيسى بن معمر، عَنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا عَفَّانُ، ثنا وُهَيْبٌ، أنبأ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الواحد بن عباد ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، أَرْسَلَ أزواج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمُرُّوا بِجَنَازَتِهِ فِي الْمَسْجِدِ. فَفَعَلُوا ذَلِكَ. وَوَقَفَ بِهَا عَلَى حُجَرِهِنَّ، فَصَلَّيْنَ عَلَيْهِ، وَخَرَّجْنَهُ مِنْ بَابِ الْجَنَائِزِ. فَبَلَغَهُنَّ أَنَّ النَّاسَ عَابُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا:
مَا كَانَتِ الْجَنَائِزُ تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: مَا أَسْرَعَ النَّاسَ إِلَى عَيْبِ مَا لا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ، مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءِ إِلا فِي جوف المسجد.
__________
[1] ابن سعد، 3 (1) / 104- 105.(1/224)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: لَمَّا عَابَ النَّاسُ إِدْخَالَ جنازة سعد بن أبي وقاص المسجد، قالت عائشة: ما أسرع الناس مَا نَسُوا، لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ في المسجد. وأما/ 104/ أخوه سهل بن بيضاء، فإنه أسلم بمكة قبل الهجرة، فأكرهه المشركون على الخروج معهم [2] يوم بدر.
فأسر مع من أسر من المشركين فشهد له عبد الله بن مسعود أنه كان يصلي بمكة. [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يخرجن أحد من الأسرى من أيديكم بغير فداء إلا سهل بن بيضاء، فإنه مسلم] .
وحدثني المدائني، عن أبى اليقظان بمثله.
وقال محمد بن سعد، أخبرني الواقدي وغيره أن سهلا أسر يوم بدر، فشهد له ابن مسعود أنه رآه يصلي بمكة. فخلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيله. وأما صفوان بن البيضاء، فلم يهاجر إلى الحبشة، ولكنه هاجر إلى المدينة، وشهد بدرا مع أخيه سهيل. فروى بعضهم أنه استشهد يوم بدر، وقتله طعيمة بن عدى أبو [3] الريان. وقال بعضهم: مات سنة ثمان وثلاثين. وكان يكنى أبا عمرو. وهو أيضا قول محمد بن سعد [4] عندنا في كتاب الطبقات. وبعض الرواة يقول: شهد سهل بن بيضاء، وصفوان بن بيضاء يدرأ مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيجعل سهيلا سهلا.
وذكر أبو اليقظان أن سهيلا استشهد يوم بدر. وذلك غلط عندهم. وسألت
__________
[1] ابن سعد، 3 (1) / 105.
[2] خ: معه.
[3] خ: عدى بن الريان.
[4] ابن سعد، 3 (1) / 303.(1/225)
مصعب بن عبد الله الزبيري [1] عن سهل بن بيضاء، فقال: أتى مكة منصرفا من بدر، ثم هاجر إلى المدينة. وقال بعضهم: كان بمكة إلى يوم الفتح.
والأول أثبت عندي.
وقد رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ:
كَانَ أَسَنُّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَسَهْلُ بْنُ الْبَيْضَاءِ.
عمرو بن أبي سرح بن ربيعة بن هلال بن مالك،
وليس هو بعم عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح بن الحارث صاحب مصر. هذا من بني الحارث بن فهر.
وذاك من بني عامر بن لؤي. وقوم يظنون هذا ابن أخيه. وهاجر عمرو إِلَى أرض الحبشة فِي المرة الثانية. ثُمَّ شهد بدرا.
وأما وهب بن أبي سرح
[2] ، أخوه، فإن الهيثم بن عدي ذكر أنه من مهاجرة الحبشة. وليس ذلك بثبت. ولكنه قد شهد بدرا [3]
[معمر بن أبى سرح.]
وكان أبو معشر يقول: الذي هاجر معمر بن أبى سرح. وقال موسى ابن عقبة ومحمد بن إسحق [4] والكلبى: هو عمرو بن أبي سرح. وكانت عنده أخت أبي عبيدة. ومات بالمدينة في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه سنة ثلاثين.
وقال الواقدي: هاجر عمرو بن أبي سرح إلى الحبشة، وشهد هو وأخوه بدرا، ولم يهاجر معمر [5] إلى الحبشة.
عياض بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث.
ويكنى أبا سعد، ويقال أبا سعيد. هاجر إلى الحبشة في المرة الثانية، فأقام بها. ثم قدم المدينة قبل بدر، وشهد بدرا.
ومات في سنة ثلاثين. وقال محمد بن سعد: وهو عم عياض بن عبد غنم بن زهير صاحب الجزيرة وواليها من قبل عمر، ومات عياض بن عبد غنم سنة عشرين.
[عمرو بن الحارث بن زهير وعثمان بن عبد غنم بن زهير]
عمرو بن الحارث بن زهير، هاجر إلى الحبشة في المرة الثانية ومعه عثمان بن عبد غنم بن زهير،
وسعيد بن عبد قيس بن لقيط بن عامر بن أمية
__________
[1] راجع نسب قريش له، ص 446.
[2] خ: أبى سهل.
[3] تكرر في الأصل سهوا كلمة «ولكنه قد شهد بدرا» .
[4] ابن هشام، ص 215.
[5] خ: معمرا إلى.(1/226)
ابن ظرب بن الحارث بن فهر. فأقاما بأرض الحبشة. ثم قدما [1] المدينة قبل جعفر بن أبي طالب عليه السلام. وأما عمرو بن الحارث، فقدم مكة وهاجر منها إلى المدينة.
[الحارث بن عبد قيس ابن لقيط بن عامر]
ومن الرواة من يزعم أن من مهاجرة الحبشة الحارث بن عبد قيس ابن لقيط بن عامر. ولم يذكره الواقدي، وذكره ابن دأب.
فهؤلاء مهاجرة أرض الحبشة.
547- قال الواقدي: ولما قدم/ 105/ المهاجرون من الحبشة في المرة الأولى، حين بلغهم سجود قريش مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم قد أسلموا ولم يتحقق ذلك، دخل كل امرئ منهم بجوار رجل من قريش. فدخل عثمان بن عفان بجوار أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية، فنادى مناديه: يا معشر قريش، إن أبا أحيحة قد أجار عثمان بن عفان، فلا تعرضوا له. فكان عثمان آمنا، يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار. ودخل أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بجوار أمية. ودخل مصعب بن عمير بجوار النضر بن الحارث بن كلدة [2] ، ويقال بجوار أبي عزيز بن عمير، أخيه [3] . ودخل الزبير بن العوام بجوار زمعة ابن الأسود، ودخل عبد الرحمن بن عوف بجوار الأسود بن عبد يغوث. ودخل عثمان بن مظعون الجمحي بجوار الوليد بن المغيرة المخزومي، فمكث في ذمته ما شاء الله ثم قال: وا عجبا، أأكون في ذمة مشرك؟ ذمة الله أعز وأمنع.
فأتاه، فسأله أن يتبرأ منه. فقال: يا بني، هل رأيت إلا خيرا، هل أصابك أحد بسوء؟ وكان لبيد بن ربيعة الكلابي ينشد قوله [4] :
أَلا كُلّ شَيْء مَا خلا اللَّه باطل
فقال: صدقت. فلما قال:
وكل نعيم لا محالة زائل
__________
[1] خ: قدم.
[2] خ: كلدم.
[3] خ: بن أخيه.
[4] ديوان لبيد، ص 148، ابن هشام، ص 243- 244.(1/227)
قال: كذبت، نعيم الجنة لا يزول. فَقَالَ لبيد: يَا معشر قُرَيْش: وَاللَّه مَا كانت مجالستكم سبة، ولا كان السفه من شأنكم. فقالوا له: إن هذا غلام سفيه، مخالف لدين قومه. فقام بعض بني المغيرة، فلطم عين عثمان بن مظعون، فضحك الوليد بن المغيرة للشماتة ونظر إلى عين عثمان قد أخضرت، فقال:
مَا كَانَ أغناك عَن هَذَا يَا بني؟ فَقَالَ عُثْمَان: مَا أنا بغنى عَنْهُ، لأنه ذخر لِي عند اللَّه، وإن عيني الصحيحة محتاجة إِلَى مثل مَا نال صاحبتها. فَقَالَ: لقد كنت فِي ذمة منيعة، فعد إِلَى جواري فإنك لا ترام فيه. فَقَالَ: وَاللَّه لا أعود فِي جوار غير جوار الله أبدا. ووثب سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه إلى الذي لطم عين عثمان، فكسر أنفه. فكان ذلك أول دم أريق في الإسلام.
والثبت أن الَّذِي لطم عين عُثْمَان [1] : عَبْد اللَّهِ بْن أبي أمية بن المغيرة. ومن قال إنّ عَبْد اللَّهِ بْن عُثْمَان، جد عَمْرو بْن حريث بْن عَمْرِو بْنِ عُثْمَان بْن عَبْدِ الله ابن عمر بن مخزوم، فقد غلط غلطا بيننا. ودخل عامر بن ربيعة العنزي، حليف الخطاب بن نفيل، بجوار العاص بن وائل السهمي. ودخل أبو سبرة ابن أبي رهم بجوار أبي، وهو الأخنس بن شريق، ويقال بجوار سهيل بن عمرو.
ودخل حاطب بن عمرو بجوار حويطب بن عبد العزى. ودخل سهيل بن بيضاء بجوار رجل من عشيرته، من بني فهر، ويقال: دخل مستخفيا بغير جوار أحد حتى خرج في المرة الثانية. ومن قال إن أبا عبيدة بن الجراح هاجر في المرة الأولى، قال: دخل بغير جوار أحد.
وقال الْوَاقِدِيِّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قال:
دخل عبد الله بن مسعود بغير جوار، فمكث قليلا ثم رجع.
548- وقال الواقدي: خرجوا للهجرة الأولى في رجب سنة خمس من النبوة.
فأقاموا شعبان وشهر رمضان، وقدموا في شوال سنة خمس من النبوة. ثم هاجروا في المرة الثانية، وقد لقوا من المشركين جهدا وأذى. وكانوا أكثر ممن هاجر أولا. وهم على ما قد سمينا.
__________
[1] خ: عثمان بن عبد الله.(1/228)
549- قالوا: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي كتابا يدعوه إلى الإسلام. وكان رسوله بكتابه عمرو بن أمية الضمري/ 106/ من كنانة، أحد بني ناشرة بن كعب بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة.
فأسلم، ونقد عن النبي صلى الله عليه وسلم مهر أم حبيبة بنت أبي سفيان أربع مائة دينار. وأرسل إلى النواتي، فقال: انظروا ما يحتاج فيه هؤلاء القوم من السفن. فقالوا: يحتاجون إلى سفينتين. فجهزهم. وكلم قوم النجاشي من الحبشة أسلموا، في أن يبعث بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلموا عليه، وقالوا:
نصاحب أصحابه هؤلاء فنجذف بهم في البحر ونغنيهم. فأذن لهم. فشخصوا مع عمرو بن أمية والمسلمين. وأمر عليهم جعفر بن أبي طالب.
أمر الشعب والصحيفة:
550- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ معاذ بن محمد، قال:
سألت عاصم بن عمر بن قتادة: متى كان حَصَرَ [1] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبني هاشم بالشعب؟ فقال: إن قريشا مشت إلى أبي طالب مرة بعد مرة فكان هاته [2] المرة الآخرة، اجتمعوا فقالوا: «يا أبا طالب، إنا قد جئناك مرة بعد أخرى نكلمك في ابن أخيك أن يكف عنا فلا يذكر آباءنا وآلهتنا بسوء، ولا يستغوي أولادنا وأحداثنا وعبيدنا وإماءنا، فتأبى ذلك علينا. وإن كنت فينا ذا منزلة، لشرفك ومكانك، فإنا لسنا بتاركي ابن أخيك حتى نهلكه أو يكف عنا ما أظهر من شتم آبائنا وعيب ديننا. فإن شئت فخلنا وإياه. وإن شئت فدع، فقد أعذرنا [3] إليك، وكرهنا موجدتك قبل المقدمة» . فقال أبو طَالِبٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا ابن أخي، قد جاءني قومك يشكونك إلي، وآذوني فيك، وحملوني على ما لا أطيقه ولا أنت، فاكفف عنهم ما يكرهون من شتم آبائهم وعيب آلهتهم ودينهم. [فاستعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
[1] خ: حضر.
[2] خ: هابه.
[3] خ: احذرنا.(1/229)
وبكى، ثم قال: والله لو وضعت الشمس في يميني والقمر في يساري، ما تركت هذا الأمر أبدا حتى أنفذه أو أهلك في طلبه إلى الطاعة لربي.] فلما رأى أبو طالب ما بلغ قوله من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: يا ابن أخى، امض لأمرك وافعل ما أحببت، فو الله لا أسلمك لشيء أبدا. فلما رأت قريش أنهم قد أعذروا إلى أبي طالب، وأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائم بأمر ربه، أبت أن تقاره. وأظهروا العداوة لبني عبد المطلب ومباينتهم. وأقسموا بالله: لنقتلن النبي صلى الله عليه وسلم سرا أو علانية. فلما رأى أبو طالب أنهم عازمون على ذلك، خاف على ابن أخيه، ثم انطلق بهم فأقامهم بين أستار الكعبة، فدعوا على ظلمة قومهم. واجتمعت قريش على أمرها. فقال أبو طالب:
اللهم إن قومنا قد آبوا إلى البغي، فعجل نصرنا وحل بينهم وبين قتل ابن أخي.
وقالت قريش: لا صلح بيننا وبين بني هاشم وبني المطلب، ولا رحم، ولا إلّ، ولا حرمة إلا على قتل هذا الرجل الكذاب السفيه. وعمد أبو طالب إلى الشعب بابن أخيه وبني هاشم وبني المطلب بن عبد مناف. وكان أمرهم واحدا. وقال:
نموت من عند آخرنا قبل أن يوصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما دخل أبو طالب شعب أبي طالب، خرج أبو لهب إلى قريش فظاهرهم على بني عبد المطلب. ودخل الشعب من كان من هؤلاء مؤمنا أو كافرا.
551- وقال الواقدي في غير هذا الحديث وبغير هذا الإسناد: دخل المسلم لإسلامه ودينه، والكافر حمية أن يضام وقومه. فأقاموا على ذلك/ 107/ ما شاء الله حتى نالتهم الخصاصة في شعبهم، لأنهم حالوا بينهم وبين أن يتبايعوا شيئا أو يبيعوا، حتى فرج الله عز وجل ذلك.
552- قالوا: ولقي أبو لهب هند بنت عتبة، حين خرج من الشعب مظاهرا لقريش، فقال: يا بنت عتبة، هل نصرت اللات والعزى؟ قالت: نعم، فجزاك الله خيرا يا أبا عتبة. ويقال: إنه قال ذلك لها في وقت قبل هذا.
وقد ذكرناه (في الفقرة 243) .(1/230)
553- حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي صَالِحٍ:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
لَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ إِجَابَةَ مَنْ أَجَابَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الإِسْلامِ، وَأَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ غَيْرُ نَازِعٍ عَمَّا يَكْرَهُونَ، مَشَوْا إِلَى أَبِي طَالِبٍ، فَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ سَيِّدُنَا وَأَفْضَلُنَا فِي أَنْفُسِنَا، وَقَدْ تَرَى مَا يَصْنَعُ ابْنُ أَخِيكَ. وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ: هَؤُلاءِ عُمُومَتُكَ وَسَرَوَاتُ قُرَيْشٍ، فَاسْمَعْ مَا يَقُولُونَ. فَتَكَلَّمَ الأَخْنَسُ بْنُ شُرَيْقٍ الثَّقَفِيُّ، فَقَالَ: تَدَعُنَا وَآلِهَتَنَا، وندع وَإِلَهَكَ. قَالَ أَبُو طَالِبٍ: قَدْ أَنْصَفَكَ الْقَوْمُ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ. [فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لا بُدَّ مِنْ نُصْحِهِمْ: وَأَنَا أَدْعُوهُمْ إِلَى كَلِمَةٍ أَضْمَنُ لَهُمْ بِهَا الْجَنَّةَ.] فَقَالَ أبو جهل: إن هذه لكلمة مريحة، فقلها. فَقَالَ: [تَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ.] فَقَامُوا وَهُمْ يَقُولُونَ: «امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرادُ ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ [1] » . وَكَانَ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ الأَخْنَسُ.
وَالْمِلَّةُ الآخِرَةُ: النَّصْرَانِيَّةُ.
554- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ. قَالَ: وَأَتَوْا أَبَا طَالِبٍ [3] مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ مُتَتَابِعٌ فِي مَسَاءَتِنَا، قَدْ سَبَّ آلِهَتَنَا، وَشَتَّتَ أَمْرَنَا، وَضَلَّلَ آبَاءَنَا، فَادْفَعْهُ إِلَيْنَا نَقْتُلُهُ.
قَالَ: بَلِ ادْفَعُوا إِلَيَّ أَوْلادَكُمْ أَقْتُلُهُمْ، حَتَّى أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمْ. قَالُوا: إِنَّ أَوْلادَنَا لَمْ يَفْعَلُوا مَا فَعَلَ. قَالَ: فَهُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَوْلادِكُمْ. فَقَالُوا: فَهَذَا عُمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَحْسَنُ قُرَيْشٍ وَجْهًا، وَأَتَمُّهُمْ خُلُقًا، فَاتَّخِذْهُ ابْنًا. وَكَانَ مَعَهُمْ.
فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: «بئس ما سميتمونى: أدفع إليكم ابن أخى فتقتلونه، وأتبنى
__________
[1] القرآن، ص (38/ 6- 7) .
[2] راجع ابن سعد، 1 (1) / 134- 135.
[3] خ: أبو طالب.(1/231)
ابْنَكُمْ لَكُمْ وَأَغْذُوهُ. هَيْهَاتَ. أَبَى الْحَزْمُ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ ذَلِكَ» . فَانْصَرَفُوا عَنْهُ.
فَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ [1] :
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ يُقْتَلُ أَحْمَدُ ... وَلَمَّا نُنَاضِلُ دُونَهُ وَنُقَاتِلُ
وَقَوْلُهُ أَيْضًا:
أَتَرْجُونَ أَنْ نشجى يقتل مُحَمَّدٍ ... وَلَمْ تَخْتَضِبْ سُمْرُ الْعَوَالِي مِنَ الدَّمِ
555- قَال: وَأَتَوْهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَأَعْلَمُوهُ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَأْخُذْ عَلَى يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَرُدَّهُ [2] ، قَتَلُوهُ غِيلَةً. وَقَالُوا: قَدْ أَعْذَرْنَا إِلَيْكَ. فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ دُخُولِ أَبِي طَالِبٍ الشِّعْبَ.
556- وأما عمارة بن الوليد، فيقال إنه وعمرو بن العاص توجها برسالة قريش إلى النجاشي في أمر من بالحبشة من المسلمين، يفسدانه عليهم، ويهجنانهم عنده، ويسألانه [3] دفعهم إليهما. وحملوهما إليه وإلى بطارقته هدايا من آدم وغيره. وذلك وهم. وقيل: إنه كان مع عمرو بن العاص في هذه المرة عبد الله ابن أبي ربيعة، ولم يكن معه عمارة. فردهما النجاشي مقبوحين خائبين. فاشتدت قريش عند ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الثبت. إن عمرا وعمارة خرجا بعد ذلك في تجارة إلى الحبشة، وكانا طريقين فاتكين. وكانت مع عمرو امرأته. فقال لها عمارة، وهما يشربان في السفينة: قبليني. فقال لها عمرو:
قبلي ابن عمك. ففعلت. وحذره عمرو. فأرادها عمارة على نفسها، فامتنعت.
وفطن عمرو بذلك. ثم إن عمرا جلس على حرف السفينة ليبول. فدفعه عمارة في البحر. وكان يجيد السباحة: وأخذ بالقلس وتخلص، فاضطغنها عليه.
وكتب إلى أبيه/ 108/ العاص بن وائل: أن اخلعني وتبرأ مني ومن جريرتي على بني المغيرة وبني مخزوم، فقد كان من عمارة كيت وذيت. وهو يرصد
__________
[1] مصعب الزبيري، ص 94، ابن هشام، ص 174 (ونقل جميع القصيدة) .
[2] خ: ترده.
[3] خ: يفسداه عليهم ويهجنانهم عندهم ويسألاه.(1/232)
له بما يرصد به. ولم يلبث عمارة حين دخل أرض النجاشي، أن دب لامرأة النجاشي، فاختلف إليها. ويقال: إنها رأته فعشقته، وكان جميلا، فدعته. فجعل يختلف إليها. وكان يحدث عمرا بما يجري بينهما. فكان عمرو يظهر تكذيبه ليمحكه بذلك. فقال له ذات ليلة: إن كنت صادقا، فائتني بدهن من دهن النجاشي الذي لا يدهن به غيره، فإني أعرفه. وكان أصفر. فأعطته قارورة منه، وثوبا أصفر من ثيابه. فجاء بذلك إلى عمرو. وكانا ينزلان في دار واحدة. فقال له عمرو: لقد نلت ما لم ينله قرشي قبلك. وأخذ الدهن والثوب إليه. فلما أصبح، أتى النجاشى بذلك وحدثه الحديث. فقال:
إن النجاشي أخذه، فقطعه آرابا ثم أحرقه، وأخذ امرأته فدفنها وهي حية.
ويزعمون: أن النجاشي دعا بالسواحر، فسحرنه، فكان يهيم، ثم إنه مات على تلك الحال. ويقال: إنه لما فعلن به ذلك هام فكان مع الوحش، وخرج عبد الله بن أبي ربيعة في طلبه، وكان اسمه بحير فسماه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَبْد الله» ، فدل على مواضعه ومظانه، فالتزمه فجعل يقول له: تنح عني يا بحير، ومات في يده. وكان عمارة يكنى أبا فائد. وقال عمرو ابن العاص [1] :
تعلم عمار إن من شرشيمة ... لمثلك أن يدعا ابن عم له ابنما
إذا كنت ذا بردين أحوى مرجلا ... فلست براء لابن عمك محرما
إذا ما المرء لم يترك طعاما يحبه ... ولم ينه قلبا غاويا حيث يمما
قضى وطرا منها يسيرا وأصبحت ... إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما
وليس الفتى وإن أتمت عروقه ... بذي كرم إلا إذا ما تكرما
557- قالوا: ومكث بنو عبد المطلب وبنو المطلب في شعب أبي طالب ثلاث سنين.
__________
[1] الأغانى للأصبهانى، 8/ 53، مصعب ص 322 (البيت الثانى فحسب) ، إنسان العيون للحلبى، 2/ 27 (البيت الثالث والرابع) . وعندهم اختلافات الرواية. (خ في الرابع: «منه» ، «أمثاله» . لعله كما أثبتناه) .(1/233)
وحدثنى أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
حُصِرْنَا فِي الشِّعْبِ ثَلاثَ سِنِينَ، وَقَطَعُوا عَنَّا الْمِيرَةَ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَخْرُجُ بِالنَّفَقَةِ فَمَا يُبَاعُ [1] شَيْئًا، حَتَّى مَاتَ مِنَّا قَوْمٌ.
558- قالوا: ولما رد النجاشي عمرا وعبد الله بن أبي ربيعة المخزومي إلى قريش بغير ما أرادوا، وحقق قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصدقه وأسلم، أزدادوا على من بالشعب غيظا وحنقا. فأجمعوا على أن (ى) كتبوا كتابا على بني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف أن لا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، ولا يخالطوهم في شيء، ولا يكلموهم [2] . وعلقوا الصحيفة التي كتبوا ذلك فيها في الكعبة، وقطعوا عنهم المادة والميرة. فكانوا لا يخرجون من الشعب في الثلاث سنين التي كانوا فيها بالشعب إلا من موسم إلى موسم، حتى بلغهم الجهد، وتضاغى صبيانهم فسمع ضغاؤهم من وراء الشعب. وكان من قريش من يكره ما ركبوا به ونيل منهم. ثم إن الله تبارك وتعالى سلط على صحيفتهم التي كتبوها الأرضة، فلم تدع إلا «باسمك اللهم فاغفر» . فأخبر الله عز وجل بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم. فأخبر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا طالب. فقال أبو طالب: والله ما يدخل علينا أحد، فمن [3] أخبرك بهذا؟ قال: [ربي، وهو الصادق يا عم.] قال: أشهد أنك لا تقول إلا حقا. فخرج أبو طالب في جماعة من رهطه، حتى وقف على قريش، فقال: ادعوا بصحيفتكم التي كتبتموها علينا. فخرجوا سراعا ليأتوا بها، وهم يظنون أن ذلك لأمر يوافقهم.
فوجدوها كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقويت نفس أبي طالب واشتد صوته. وقال المشركون: إنما تأتونا بالسحر والبهتان. ويقال: إنهم نكسوا/ 109/ رءوسهم، فقال أبو طالب: قد تبين لكم أنكم أولى بالظلم والقطيعة والإساءة.
__________
[1] كذا في الأصل. لعله: «يباع منه» ، أو «يبتاع» .
[2] خ: تكلموهم.
[3] خ: بمن.(1/234)
559- ويقال إن الصحيفة لم تكن [1] في الكعبة، ولكنها كانت موضوعة على يد طعيمة بن عدي. ويقال على يد أم أبي جهل، وهي أسماء ابنة مخربة التميمية.
وقوم يقولون إنها وضعت على يد الجلاس بنت مخربة أختها. وكان الذي خط الصحيفة، فيما ذكر الكلبي، بغيض بْن عَامِر بْن هاشم بْن عَبْد مناف بن عبد الدار بن قصي، فشلت يده يوم خطها. وقال غيره: اسمه منصور بن عكرمة بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار.
560- وقال الواقدي: كان هشام بن عمرو بن الحارث بن حبيب، من بني عامر بن لؤي، وهو ابن أخي نضلة بن هاشم لأمه، يأتي بالبعير قد أوقره طعاما ليلا، حتى إذا أقبله الشعب خلع خطامه وضرب على جنبيه فيدخل الشعب.
وقال الكلبي: هو هشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث ابن حبيب بن جذيمة ابن مالك بن حسل [2] . وله يقول حسان بن ثابت بعد ذلك [3] :
من معشر لا يغدرون بذمة ... الحارث بن حبيب بن شحام
فشدد «حبيبا» لضرورة الشعر. وكان يقال لأم جذيمة بن مالك «شحام» .
وخرج العباس بن عبد المطلب من شعب أبي طالب ليشتري طعاما. فأراد أبو جهل أن يسطو به، فمنعه الله منه. وأرسلت خديجة بنت خويلد إلى زمعة بن الأسود: إن أبا جهل يمنع من ابتياع ما تريد [4] ، فأسمع أبا جهل كلاما. فأسمعه، فأمسك. وبعث إليها حكيم بن حزام بن خويلد بناقة، عليها دقيق، فسرحها في الشعب. وكان يخلص إليهم الشيء بعد الشيء. ثم إن هشام بن عمرو ابن ربيعة مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة- وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب- فقال: يا زهير، أرضيت بأن تأكل وتشرب وتلبس الثياب وتنكح النساء آمنا، وأخوالك بحيث علمت على الحال التي تعرف من الجهد
__________
[1] خ: يكن.
[2] خ: حسلة.
[3] ليس في ديوان حسان المطبوع. ابن هشام، ص 251، مصعب ص 16، 432، السهيلي 1/ 234 وبحث في الاسم (شحام، سخام، سحام، شخام) وقد أثبتنا كما في الأصل.
[4] خ: يزيد.(1/235)
والضر؟ فقال له: إنما أنا رجل واحد. قال: فقد وجدت ثانيا. قال: ومن هو؟ قال: أنا. فقال زهير: ابغنا ثالثا. قال: فذهب إلى مطعم بن عدي، فقال له: أرضيت أن يهلك بطنان من بني عبد مناف وأنت شاهد، موافق لقريش على ذلك؟ قال: ويحك، فما أصنع؟ إنما أنا رجل واحد. قال: فقد وجدت لك ثانيا. قال: من هو؟ قال: أنا. قال: فابغنا ثالثا. قال: قد وجدته. قال:
ومن هو؟ قال: زهير بن أبي أمية. قال: فابغنا رابعا. فذهب إلى أبي البختري الْعَاصَ بْنَ هَاشِمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدِ بْن عبد العزى، فكلمه. فقال: هل من أحد على هذا الرأي؟ قال: نعم، أنا ومطعم بن عدي، وزهير بن أبي أمية.
قال: فابغنا خامسا. فأتى زمعة بن الأسود بن المطلب بن عبد العزى، فكلمه وأخبره خبر القوم. وأجمعوا أمرهم، وتعاهدوا على القيام بنقض ما في الصحيفة وإخراج بني هاشم وبني المطلب من الشعب. ولما كان من خروج أبي طالب إلى قريش وإخبارهم بما حدث من أمر الصحيفة من أكل الأرضة إياها ما كان، رجع أبو طالب إلى الشعب وهو يقول: لماذا نحبس وقد أبان الله الأمر ووضح؟ قالوا: وشرب مطعم بن عدي شرابه. فلما انتشى، قال: من مثلي؟ فقال له عدي بن قيس بن عدي السهمي- ويقال: عتبة بن ربيعة- إن كنت كما تقول، فما بال بنى عمك جوعا هلكى مظلومين؟ وكان عدى ابن قيس يكنى أبا حسان. فلما صحا، لبس سلاحه. وليس أبو البختري، وزهير بن أبي أمية، وهشام بن عمرو، وعتبة بن أبي ربيعة، وزمعة بن الأسود سلاحه (م) . وصاروا إلى الشعب، فأخرجوا بني هاشم وبني المطلب. فلما رأت قريش ذلك، سقط في أيديهم، وعلموا أنهم لا يسلمونهم، وأن/ 110/ عشائرهم تمنعهم. وكان خروجهم من الشعب في السنة العاشرة من نبوة النبي صلى الله عليه وسلم. وكان موت أبي طالب بعد خروجهم من الشعب في أول ذي القعدة سنة عشر من المبعث. ويقال: للنصف من شوال، وله بضع وثمانون سنة. ويقال: إن بين موته وموت خديجة بنت خويلد شهرا [1] وخمسة أيام. ويقال: خمسة أيام. ويقال خمسة وعشرين يوما. ويقال: ثلاثة أيام.
__________
[1] خ: شهر.(1/236)
وكان موتها قبل موته. ودفنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجون. ولم تكن الصلاة على الجنائز يومئذ.
(سفر الطائف) :
561- قالوا: وخرج رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ زيد بن حارثة مولاه.
بعد موت أبي طالب إلى الطائف. فآذته ثقيف. فأسمعوه وأغروا سفهاءهم به، وقالوا: كرهك أهل بلدك وقومك ولم يقبلوا منك، فجئتنا، فنحن والله أشد لك إباء، وعليك ردا، ومنك وحشة. فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة، ثم قال: « [اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، يا رب المستضعفين، إلى من تكلني؟] » وخرج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وزيد بن حارثة، راجعين حين يئس من أهل الطائف. ووجه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا من خزاعة إلى سهيل بن عمرو يسأله أن يدخل في جواره، فأبى. ثم بعث إلى مطعم بن عدي، فأجاره. فدخل في جواره. ولبس قومه السلاح حتى أدخلوه المسجد. فكان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشكرها لمطعم بن عدي. وكان خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لثلاث ليال بقين من شوال سنة عشر من النبوة. وقدم مكة يوم الثلاثاء لثلاث وعشرين ليلة خلت من ذي القعدة.
(عرض نفسه على القبائل) :
562- قالوا: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو القبائل في الموسم قبل الهجرة، ويسألهم نصرته ومنعته. فكان يلقى منهم تجهما وغلظا. ولقى من بنى عامر ابن صعصعة ما لم يلق (من) أحد من العرب. وقال له رجل من بني محارب يوما:
والله لا يؤوب بك قوم إلى دارهم إلا آبوا بشر ما آب به أهل موسم. وكان صلى الله عليه وسلم يطوف على القبائل، يدعوهم، وأبو لهب خلفه يثبط [1] الناس
__________
[1] أى يعوق.(1/237)
عنه. ولقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني حنيفة مثل ما لقي من بني عامر.
ولم يكن حي من العرب ألين قولا له ولا أحسن ردا عليه من كندة. ودعا كلبا، فلم يقبلوا منه. وقال شيخ منهم: ما أحسن ما يدعو إليه هذا الفتى إلا أن قومه قد باعدوه، ولو صالح قومه، لا تبعته العرب. وقدم قوم من الأوس مكة يطلبون حلف قريش على الخزرج [1] ، لما كان بينهم من الحرب. فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الإسلام. فقال له أنس بن رافع: عجبا، جئنا نطلب حلف قريش على أعدائنا فنرجع وقريش عدونا. ومال إليه بعضهم.
563- قالوا: وخرج سويد بن الصامت قبل يوم بعاث، حتى قدم مكة. فلقي النبي صلى الله عليه وسلم. فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الإسلام.
فقال له: لعل الذي معك مثل الذي معي. وكانت معه حكمة لقمان. فقال له صلى الله عليه وسلم: [إن هذا لكلام حسن، والذي معي أحسن منه وأفضل] .
ثم قدم، فقتل. وهاج قتله يوم بعاث. وكان الذي قتله المجذر بن ذياد البلوي:
وكانوا يرون أنه مسلم.
564- قال الواقدي: فلما كان يوم أحد، قتل الحارث بن سويد بن الصامت: المجذر بن ذياد غيلة. فأتاه الوحي بقتله فركب/ 111/ إلى بني عمرو بن عوف. فخرجوا إليه. وخرج الحارث. فأمر بقتله. وقال الكلبى: قتل المجذر [2] جلاس بن سويد غيلة. فقتله رسول الله صلى الله عليه به قودا. وكان أول من أقيد في الإسلام.
565- وكان القوم من الأنصار بعد القوم يدخلون مكة في أمور لهم، فيدعوهم.
فيقول بعضهم: لم نقدم لهذا. وأسكت بعضهم، فلا يقول شيئا. ثم قدم قيس ابن الخطيم، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: إني لأسمع كلاما عجبا، فدعني أنظر في أمري في هذه السنة، ثم أعود. فمات قبل الحول.
__________
[1] خ: الخروج.
[2] خ: المجذر بن جلاس.(1/238)
أمر العقبة الأولى:
566- قالوا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار، فعرض نفسه على قبائل العرب، كما كان يصنع في كل عام، فلقي رهطا من الخزرج، فوقف عليهم ودعاهم إلى الإسلام، وتلى عليهم القرآن.
وكانوا يسمعون أمره وذكره وصفاته من اليهود. فأسلموا. وكانوا ستة نفر. ثم لما كان العام القابل من العام الذي لقي فيه الستة نفر،
لقيه اثنا عشر.
وذلك في العقبة الأولى. وهم من
بني النجار:
أسعد، وعوف ومعوذ ابنا عفراء.
ومن بني زريق:
ذكوان بن عبد قيس، ورافع بن مالك.
(ومن القواقل:
عبادة ابن الصامت، وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة حليف لهم) [1] .
ومن بني عمرو بن عوف:
عباس بن عباد (ة) بن نضلة.
ومن بني سلمة:
عقبة بن عامر ابن نابي.
ومن بني سواد:
قطبة بن عامر. ويقال: عمرو بن حديدة.
ومن الأوس
رجلان: أبو الهيثم بن التيهان الأشهلي، وعويم بن ساعدة.
فبايعوه على بيعة النساء [2] : بايعوا على أن لا يشركوا بالله شيئا، ولا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يقتلوا أولادهم، ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، ولا يعصوه في معروف، فإن وفوا فلهم الجنة. ولم يذكر القتال. فلما انصرف أهل العقبة الأولى إلى المدينة، قدموا على قوم قابلين للإسلام. فدعوهم حتى شاع فيهم الإسلام. وكتب وجوههم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يبعث إليهم من يعلمهم القرآن، ويفقههم في الدين. فوجه إليهم مصعب بن عمير.
وكان يصلي بهم، قبل قدومه، أسعد بن زرارة. فيقال: إن مصعبا صلى بهم، ويقال إن أسعد بن زرارة لم يزل يصلي بهم بعد قدوم مصعب على ما كان عليه حتى قدم سالم مولى أبي حذيفة. وكان مصعب يعلمهم القرآن.
وقد قيل: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مصعبا بعد العقبة الثانية. فكان
__________
[1] الزيادة عن ابن هشام (ص 288) لتمام العدد 12.
[2] القرآن، الممتحنة (60/ 12) .(1/239)
بالمدينة حتى وافاها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: إنه رجع إلى مكة، فهاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
567- قالوا: ولما كان قرب وقت الحج في السنة الثانية [1] ، تواعدوا لحضور العقبة، وحجوا. فكان العباس بن عبد المطلب المتولي لأخذ البيعة للنبي صلى الله عليه وسلم، واعتقادها بالعهد والميثاق. وكانت عدة من بايع عند العقبة الثانية سبعين. فبعث عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنى عشر نقيبا منهم.
وهم الكفلاء على ما بعث من عدة نقباء بني إسرائيل.
تسمية السبعين الذين بايعوا عند العقبة:
568-
من الأوس بن حارثة:
أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك،
أحد بني عبد الأشهل بن جشم. يكنى أبا يحيى، وأبا حضير. قال الواقدي: لم يشهد بدرا، وقال الكلبي: شهدها. وتوفي أسيد في سنة عشرين. وحمل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه جنازته، وصلى عليه، ودفن بالبقيع. وكان إسلامه على يد مصعب بن عمير حين قدم المدينة. وهو نقيب.
أبو الهيثم مالك/ 112/ ابن التيهان.
وولده يقولون: التيهان بن مالك بن عتيك، من ولد زعور (اء) [2] ابن جشم. وبعضهم يزعم: أنه حليف لهم من بلي. والأول قول الكلبي، وهو أصح. وشهد بدرا. ومات في خلافة عمر، سنة عشرين. ويقال: إنه قتل مع علي عليه السلام بصفين. وهو نقيب. روى عنه أنه قال: بايعنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ما بايع عليه بنو إسرائيل موسى عليه السلام.
سلمة ابن سلامة بن وقش بن زغبة بن زعوراء [3] بن عبد الأشهل.
ويكنى أبا عوف، ويقال: أبا ثابت. شهد بدرا. ومات بالمدينة سنة خمس وأربعين، وهو ابن سبعين سنة.
سَعْد بْن خَيْثَمَة بْن الحارث بْن مَالِك بن كعب بن النحاط،
أحد بني السلم بْن امرئ القيس بْن مالك بن الأوس. وكان رسول الله صلى الله
__________
[1] أى الثانية عشرة للنبوة؟
[2] خ: زعور (والتصحيح عن المخبر، ص 416، والاستيعاب رقم 3169) .
[3] خ: زعور (والتصحيح عن المخبر، ص 416، والاستيعاب رقم 3169) .(1/240)
عليه وسلم حين هاجر يطيل الحديث عنده؟ حتى ظن قوم أنه نزل عليه.
ويقال: إنه كان يكنى أبا مسعود. استشهد يوم بدر. وهو نقيب.
رفاعة ابن عبد المنذر بن زنبر بن زيد،
أخو أبي لبابة بشير بن عبد المنذر. كان يكنى أبا رافع. شهد بدرا، واستشهد يوم خيبر.
عويم بن ساعدة بن عائش بن قيس، أحد بني عَمْرو بْن عوف بْن مَالِك بْن الأوس.
يكنى أبا عبد الرحمن.
شهد بدرا. ومات في خلافة عمر بالمدينة، وهو ابن خمس أو ست وستين.
ومحمد بن إسحق
[1] يزعم أنه من بلي. وقال الكلبي: هو من أنفسهم، ونسبه هذه النسبة.
أبو بردة بن نيار.
واسم أبي بردة هانئ. وأبوه نيار بن عمرو بن عبيد. وهو بلوي، حليف بني حارثة بن الحارث، من الأوس. وهو خال البراء بن عازب الأوسي. شهد بدرا، ومات في أول خلافة معاوية بْن أَبِي سُفْيَان.
عَبْد اللَّهِ بْن جبير بن النعمان،
صاحب الرماة يوم أحد. يكنى أبا المنذر.
استشهد يومئذ في ثلاثين رجلا. وقد شهد بدرا. وهو أسن من أخيه خوات ابن جبير، صاحب ذات النحيين [2] . ومات خوات بالمدينة سنة أربعين، وهو ابن أربع وسبعين سنة. وكنية خوات أبو صالح، ويقال: أبو عبد الله.
وأبو صالح أثبت. وكان يخضب بالحناء والكتم [3] . وكان ربعة من الرجال.
معن بن عدى البلوى،
حليف بني عمرو بن عوف، من الأوس. وهو أخو عاصم بن عدي. وكنية معن أبو عمير. شهد المشاهد كلها. واستشهد باليمامة في خلافة أَبِي بكر الصديق رضي اللَّه عنه.
قتادة بن النعمان الظفري،
أخو ظفر بن الخزرج [4] ، من الأوس. وكان قتادة يكنى أبا عمرو. والأنصار يكنونه أبا عبد الله. وهو الذي أصيبت عينه يوم أحد، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت أحسن عينيه. شهد بدرا. ومات سنة ثلاث وعشرين،
__________
[1] لم يذكره ابن هشام ولكن روى عنه صاحب الاستيعاب، رقم (2181) .
[2] راجع لقصتها لسان العرب نحى. (والنحى: الزق) .
[3] «قال أبو حنيفة الدينورى: الكتم من شجر الجبال يجفف ورقه ويدق ويخلط بالحناء ويخضب به الشعر فيسود لونه ويقويه» (مفردات ابن البيطار كتم، 4/ 51) .
«والكتم نبات يخلط مع الوسمة للخضاب الأسود» (المحكم لابن سيده كتم) .
[4] خ: وظفر بن الحرث.(1/241)
وهو ابن خمس وستين سنة. وصلى عليه عمر بالمدينة. وهو أخو أبي سعيد الخدري لأمه. وهو نزل في قبره، والحارث بن خزمة، ومحمد بن مسلمة، ومن ولده عاصم بن عمر بن قتادة.
ظهير بن رافع بن عدي
أبو [1] «أسيد بن ظهير» .
قال الهيثم بن عدي: مات قبل بدر. قال الواقدى: وشهد أسيد أحد (ا) والخندق، وكان ممن أجاز النبي صلى الله عليه وسلم من الصغار.
نهير بن الهيثم ابن نابئ بن مجدعة بن حارثة.
والكلبي يجعل مكانه سعد بن زيد بن مالك الأشهلي، ويقول: هو بدري، عقبي. فهؤلاء اثنا عشر رجلا، فيهم ثلاثة نقباء.
ومن الخزرج بن حارثة، من بني النجار بن ثعلبة:
أبو أيوب خالد ابن زيد بن كليب النجاري.
شهد بدرا. ومات بأرض الروم سنة اثنتين وخمسين، عام غزا يزيد بن معاوية. فصلى عليه يزيد، ودفنه في أصل سور القسطنطينية [2] .
وعليه نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد انتقاله من [3] قباء.
عمارة بن حزم/ 113/ بن زيد بن لوذان بن عمرو،
أخو عمرو بن حزم النجاري. شهد بدرا. واستشهد يوم اليمامة. ويقال إنه أدرك خلافة معاوية، ومات فيها، وقد ذهب بصره.
أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام،
أحد بني جديلة.
شهد بدرا. وهو الذي وكله عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بأصحاب الشورى لينظروا في أمرهم ويقطعوه. مات بالمدينة سنة أربع وثلاثين. وصلى عليه عثمان رضي الله تعالى عنه. وأهل البصرة يقولون: ركب البحر فمات به. وكان آدم،
__________
[1] خ: عدى بن أسيد.
[2] «وذلك أنه غزا مع يزيد بن معاوية سنة خمسين. فلما بلغوا القسطنطينية (!) مات أبو أيوب هنا لك وأوصى يزيد أن يدفنه في أقرب موضع من مدينة الروم. فركب المسلمون ومشوا به. حتى إذا لم يجدوا مساغا، دفنوه. فسألتهم الروم عن شأنهم. فأخبروهم أنه كبير من أكابر الصحابة. فقالت الروم ليزيد: ما أحمقك وأحمق من أرسلك! أأمنت أن ننبشه بعدك فنحرق عظامه؟ فأقسم لهم يزيد: لئن فعلوا، لنهدمن كل كنيسة بأرض العرب، ولننبشن قبورهم.
فحينئذ حلفوا لهم بدينهم: ليكرمن قبره وليحرسنه ما استطاعوا. فروى ابن القاسم عن مالك قال: بلغنى أن الروم يستسقون بقبر أبى أيوب رحمه الله، فيسقون» . (السهيلي 2/ 246) .
وقبره يزار إلى هذا اليوم على انتهاء قرن الذهب في إستانبول.
[3] خ: عن.(1/242)
مربوعا، لا يغير شيبه.
معاذ بن الحارث بن رفاعة النجاري. وهو ابن عفراء.
استشهد هو وأخوه معوذ يوم بدر، وبقي عوف بن الحارث أخوهما حتى مات في أيام علي عليه السلام ومعاوية رضي الله تعالى عنه. قال ابن الكلبي: لما قتل معاذ ومعوذ، جاءت عفراء بنت عبيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت لعوف: يا رسول الله، هذا شر بني. فقال: لا. والبقية من ولد عفراء في عوف. وقال الواقدي: استشهد عوف بن عفراء ومعوذ- قتلهما أبو جهل- وبقي معاذ حتى مات في الفتنة. وكانت عفراء بنت عبيد عند الحارث بن رفاعة الخزرجي، فولدت له معاذا ومعوذا. ثم إنه طلقها، فقدمت مكة حاجة، فتزوجها البكير بن عبد ياليل الليثي، فولدت له عاقلا، وإياسا، وعامرا، وخالدا. ثم رجعت إلى المدينة، فراجعها الحارث بن رفاعة، فولدت له عوفا.
أسعد الخير بن زرارة بن عدس النجاري. يكنى أبا أمامة.
مات على تسعة أشهر من الهجرة، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبنى [1] . فدفن بالبقيع.
وكان نقيب النقباء. فقالت بنو النجار: مات نقيبنا يا رَسُولُ اللَّهِ. [فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أنا نقيبكم] » . وضم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته إليه، فزوجها سهل بن حنيف، فولدت له أبا أمامة بن سهل. وكان أسعد لما قدم أهل العقبة الأولى، اجتهد في دعاء الناس إلى الإسلام، حتى فشا بالمدينة وكثر.
فكان يجمع بهم في المدينة في كل جمعة.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ:
أَنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ لَمْ يَجْمَعِ بِالنَّاسِ حَتَّى قَدِمَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ:
الثَّبْتُ أَنَّ مُصْعَبًا كَانَ يُقْرِئُ الْقُرْآنَ، وَكَانَ أَسْعَدُ يُصَلِّي بِهِمْ وَيُجْمِعُ، إِلَى قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
سهل بن عتيك بن النعمان بن عمرو النجاري.
شهد بدرا. وذكر الهيثم بن عدي أنه مات في خلافة عثمان.
أوس بن ثابت بن المنذر ابن حرام النجاري،
أخو حسان بن ثابت الشاعر. يكنى أبا شداد. شهد بدرا.
وهو أبو شداد بن أوس. مات أوس بن ثابت في خلافة عثمان. ومات شدّاد-
__________
[1] خ: يعنى. (والتصحيح عن ابن هشام، ص 307) .(1/243)
ويكنى أبا يعلى- بفلسطين في سنة ثمان وخمسين، وكان نزلها. وتوفي وله خمس وسبعون سنة.
قيس بن أبي صعصعة
- واسمه عمرو- بن زيد بن عوف بن مبذول [1] .
وكان على الساقة [2] يوم بدر. وقال الواقدي: هو ثعلبة بن عمرو بن قيس بن أبي صعصعة. والأول قول ابن الكلبي.
غزية بن عمرو بن عطية بن خنساء النجاري،
أبو «أبى حية [3] بن غزية» . وابن إسحق [4] يقول: عمرو بن غزية. والأول أثبت. فهؤلاء تسعة نفر، فيهم نقيب.
570- ومن بني الحارث بن خزرج:
سعد بن الربيع بن عمرو بن أبى زهير ابن مالك.
شهد بدرا، واستشهد بأحد. وهو نقيب. ذكر الهيثم أنه كان يكنى أبا الربيع.
خارجة بْن زَيْد بْن أَبِي زهير بْن مالك.
نزل أبو بكر رضي الله تعالى عنه عليه بالمدينة، وتزوج ابنته في حياة أم رومان: أم «عائشة» .
واستشهد خارجة بأحد. وتوفي أبو بكر وابنة خارجة حامل، فولدت له أم كلثوم، تزوجها طلحة بن عبيد الله التيمي فولدت له زكريا وعائشة بنت طلحة. وزيد ابن خارجة المتكلم بعد موته في زمن عثمان بالمدينة.
عبد الله بن رواحة بن عمرو ابن امرئ القيس.
وكان شاعرا. شهد بدرا، واستشهد بمؤتة سنة ثمان. وهو نقيب.
بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس،
أبو «النعمان بن بشير» / 114/ وبه كان يكنى. وهو أول أنصاري بايع أبا بكر. قتل بعين التمر مع خالد بن الوليد. وكان النعمان، ابنه، أول مولود من الأنصار بالمدينة بعد الهجرة، فحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقتل بحمص أيام عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر.
عَبْد اللَّهِ بْن زيد بن ثعلبة
الذي أري الأذان. مات سنة اثنتين وثلاثين وهو ابن أربع وستين سنة. وصلى عليه عثمان بالمدينة. وكان يكنى أبا محمد. وكان ربعة من الرجال.
خلّاد بْن سوُيد بْن ثعلبة بْن عَمْرو.
استشهد يَوْم بني قريظة سنة خمس، طرحت عَلَيْهِ رحى، [فَقَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنّ له [5]
__________
[1] خ: معذول.
[2] خ: المشاة. (والتصحيح عن ابن هشام، ص 307) .
[3] خ: حنة.
[4] ابن هشام، ص 307.
[5] خ «ايله» بدل «ان له» .(1/244)
لأجر شهيدين.] وقَالَ بعضهم: إنه لم يقتل. وولي السائب بْن خلّاد لمعاوية اليمن.
عقبة بْن عَمْرو بْن ثعلبة بْن أَسيرة بْن عُسيرة بْن عطية بْن جِدارة.
يكنى أبا مَسْعُود. ولاه عليّ عَلَيْهِ السَّلام الكوفة حين صار إلى صفين، وابتنى بها دارًا.
وتوفي فِي أول أيام معاوية. قَالَ الواقدي: شهد العقبة، ولم يشهد بدرًا. وكان مُحَمَّد بْن إِسْحَاق [1] يَقُولُ: كَانَ أصغر من شهد العقبة. فهؤلاء سبعة نفر، فيهم نقيبان.
571- ومن بني زريق بْن عَبْد بْن [2] حارثة، من الخزرج:
زياد بن لبيد ابن ثعلبة بْن سنان بْن عامر،
أحد بني بياضة بْن عامر بْن زُريق. يكنى أبا عَبْد اللَّه. شهد بدرًا، وولاه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حضر موت، فأقّره عليها أَبُو بَكْر. وتوفي أَبُو بَكْر وهو عليها. وقَالَ الهيثم بْن عدي: مات باليمن في خلافة عُمَر بْن الخطاب.
فروة بْن عَمْرو بن وذفة البياضي.
شهد بدرًا. وكان عَلَى بيع الأخماس يَوْم خيبر.
خَالِد بْن قيس بْن مالك بْن العجلان بْن عامر بْن بياضة.
شهد بدرًا. وقيل: إنه لم يشهد العقبة. والثبت أَنَّهُ شهدها.
رافع بْن مالك بْن العجلان بْن عَمْرو بْن عامر بْن زُريق.
يكنى أبا رفاعة وأبا مالك. وكان نقيبًا.
لم يشهد بدرًا. واستشهد يَوْم أحد. وكان أَوَّل من أسلم من الأنصار. وكان ابنه رفاعة من أشد النَّاس عَلَى عثمان. ومات رفاعة في أيام معاوية. ويكنى أبا مُعَاذِ.
ذكوان بْن عَبْد قيس بْن خلدة بن مخلد الزرقي.
خرج إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة حتَّى هاجر معه. فهو من مهاجري الأنصار. واستشهد بأُحد.
عباد بْن قيس بْن عامر بْن خلدة الزرقي.
قتل أخوه يَوْم بعاث. وشهد عباد بدرًا. وأصابته يَوْم اليمامة جراحة، ثُمَّ انتقضت بِهِ فِي أول خلافة عثمان رَضِي الله تعالى عَنْهُ فمات منها.
أَبُو خَالِد، وهو الحارث بْن قيس بْن خلدة.
وَقَدْ شهد بدرًا. فهؤلاء سبعة نفر، فيهم نقيب.
572- ومن بني سَلَمة بْن سعد بْن عليّ بْن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم.
__________
[1] ابن هشام، ص 308.
[2] كذا في الأصل. وعند ابن هشام (ص 308) : عبد حارثة.(1/245)
وأخيه أُديّ بْن سعد:
البَراء بْن معرور بْن صخر بْن خنساء بْن سنان، أَبُو بشر.
مات بالمدينة فِي صفر قبل قدوم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياها بشهر. وأوصى أن يوجه نحو الكعبة. وكان قَدْ صلى إليها قبل أن تحوّل القبلة نحوها. فوّجّه وَقَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلى عَلَيْهِ. وكانت امرأته أم بشر قَدْ أعدّت لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعامًا، فأكل عندها ثُمَّ صلى بأصحابه فِي مسجد القبلتين. فلما فرغ من الركعتين الأوليين، حُوّل إلى الكعبة، فانحرف نحوها. وذلك يَوْم الثلاثاء للنصف من شعبان سنة اثنتين. وَيُقَالُ:
للنصف من رجب. وكان البراء أول من أوصى بثلث ماله. وهو نقيب.
بشر ابن البراء بْن معرور.
شهد بدرًا. وهو [الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبني سَلَمة، حين سألهم: من سيدهم؟ فقالوا: جد بن قيس على بخل فيه. فقال: «فأيّ داء أدوأ من البخل؟ سيدكم الأبيض الجعد: بشر بْن البراء] » . وكان بشر أول من صلى مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأنصار إلى الكعبة. وكان أكل مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشاة المسمومة التي أهدتها زينب بِنْت الحارث امْرَأَة/ 115/ سلّام بْن مشكم اليهودي بخيبر، فمات.
سنان بْن صيفي بْن (صخر بْن) [1] خنساء بْن سنان.
شهد بدرًا، وقتل يوم الخندق. وقال أحمد بن إسحق: أَبُو سنان [2] صخر بْن صيفي: والأول أثبت.
الطفيل بْن مالك بْن خنساء.
شهد بدرًا. وبعضهم يقول: الفضل، فيصحّف
. الطفيل بن النعمان بْن خنساء.
شهد بدرًا، وقتل بالخندق.
معقل ابن المنذر بْن سرح بْن خُناس بْن سنان.
شهد بدرًا.
جبار بْن صخر بْن أمية ابن خنساء.
كَانَ حارس النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببدر. يكنى أبا عَبْد اللَّه.
شهد بدرًا وهو ابْنُ اثنتين وثلاثين سنة. ومات بالمدينة سنة ثلاثين. وقَالَ الكلبي:
كَانَ الفاكه بْن السكن بْن زَيْد بْن أمية، وجبار بْن صخر حارسي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وكان جبار عقبّيًا، ولم يكن الفاكه عقبيّا.
مسعود بن يزيد ابن سبيع بْن خناس بْن سنان.
شهد بدرًا، وقتل يوم الخندق.
الضحاك
بن
__________
[1] الزيادة عن ابن هشام ص 309.
[2] خ: أبو سنان بن صخر.(1/246)
حارثة بْن زَيْد بْن ثعلبة بْن عُبَيْد بْن عدي. قَالَ الواقدي هُوَ عَقبي. وقَالَ الكلبي: عقبي بدري.
يزيد بْن المنذر
(بْن سرح بن خناس. يزيد) [1] ابن حرام بْن سبيع بْن خنساء.
صيفي بْن سواد بن عباد [2] بن عمرو بن عدى
ابن سواد بْن غنم بْن خَالِد بْن عَمْرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سَلَمة.
أَبُو عبس بْن عامر بْن عدي بْن سواد.
شهد بدرًا. وقَالَ الكلبي: عبس بْن عامر.
سليم بْن عَمْرو بْن حُديدة بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بْن سَلَمة.
شهد بدرًا. وقَالَ الواقدي: هُوَ سليم بْن عامر. والأول قول الكلبي.
قطبة بْن عامر بْن حُديدة.
يكنى أبا زَيْد. مات فِي خلافة عثمان. وقَالَ الكلبي: هُوَ قطبة بْن عَمْرو بْن حُديدة أَبُو «جميلة» مولاة الْحَسَن الْبَصْرِيّ.
يزيد بْن عامر ابن حديدة يكنى أبا المنذر.
شهد بدرًا. وقَالَ الكلبي: هُوَ يزيد بْن عَمْرو.
أَبُو اليسر،
وهو كعب بْن عَمْرو بْن عباد بْن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب ابن سَلَمة. شهد بدرًا وهو ابْنُ اثنتين وثلاثين سنة. ومات بالمدينة سنة خمس وخمسين. وكان قصيرًا دحداحًا، ذا بطن. وشهد مَعَ عليّ عَلَيْهِ السَّلام مشاهده كلها.
ثابت بْن الجِذْع.
وولده يقولون: الجَذَع بْن زَيْد بْن حرام. واسم الجذع ثعلبه. شهد بدرًا، وقتل يَوْم الطائف.
مُعاذ بْن جَبَل بْن عَمْرو بْن أوس بن عائذ ابن عدى بن كعب،
من عَمْرو بْن أُديّ بْن سعد، إخوة بني سَلَمة بْن سعد. وهو ينسب إلى بني سَلَمة. وكان يكنى أبا عَبْد الرَّحْمَن. شهد بدرًا وهو ابْنُ عشرين سنة أَوْ إحدى وعشرين سنة. ومات سنة ثماني عشرة فِي طاعون عَمواس، بناحية الأردن. وكان طوالًا، أبيض، حسن الثغر، عظيم العينين، جعدًا. وهو الثبت.
وقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق [3] : لم يكن منهم ولكنهم ادعوه. وكان من قضاعة.
__________
[1] سقط من الأصل. والتصحيح «عن ابن هشام، ص 309، 310» ، وكذلك عن الاستيعاب رقم 2715 يزيد بن المنذر، ورقم 2723 يزيد بن حرام.
[2] عند ابن هشام (ص 310) : «عباس» بدل عباد. وكذلك قال في نسب صيفي وأبى عبس: «نابئ» بدل «سواد» . وفي الأصل «عياذ» والتصحيح عن الاستيعاب، رقم 1397 صيفي بن سواد.
[3] ابن هشام، ص 311.(1/247)
ثعلبة بْن غَنَمة بْن عدي بْن سواد
[1] . استشهد يَوْم الخندق. ولم يذكره الكلبي، وجعل مكانه عامر بْن نابي بْن زَيْد بْن حرام بْن كعب بْن غنم بْن كعب بْن سَلَمة.
كعب بْن مالك الشَّاعِر بْن أَبِي كعب
- واسمه عَمْرو- بْن القين بْن أسود بْن غنم بْن كعب بْن أَبِي سَلَمة. يكنى أبا عَبْد اللَّه. مات وَقَدْ كفَ بصره. وكان موته فِي سنة خمسين [2] وهو ابْنُ سبع وسبعين سنة.
عَمْرو بْن غنمة ابن عدي بْن سواد.
وهو أخو ثعلبة بْن غنمة. والكلبي يثبته، ويقول إنه عقبي شهد بدرًا.
عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن حرام بْن كعب بْن غَنم.
ويكنى أبا جَابِر.
وهو أبو «جَابِر بْن عَبْد اللَّه» الَّذِي يتحدّث عَنْهُ أَبُو الزُّبَيْرِ. استشهد عَبْد اللَّه يَوْم أُحد. وهو عقبي بدري نقيب. وكان قدومه مَعَ قومه على الشرك، فدعاه إلى الإسلام. وغرّبوه فضله. فأسلم وطرح ثوبيه، ولبس ثوبين أعطاه إياهما البَراء بْن معرور.
جَابِر بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو.
يكنى أبا عَبْد اللَّه. قَالَ الواقدي مات سنة ثمان وسبعين، وَقَدْ كفّ بصره، وهو ابْنُ أربع وتسعين سنة. وصلى عليه أبان بن عثمان، وهو والي المدينة. وقَالَ الهيثم/ 116/ بْن عدي: مات سنة ثلاث وسبعين.
وروى الْوَاقِدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ وَهْبٍ الأَسْلَمِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ:
كُنْتُ أَصْغَرَ أَهْلِ الْعَقَبَةِ. قَالَ الواقدي: يُقال إنه كَانَ آخر أصحاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موتًا. بالمدينة جَابِر بْن عَبْد اللَّه والثبت أن آخرهم موتًا سهل ابْنُ سعد الساعدي مات سنة إحدى وتسعين. وبالبصرة أنس بْن مالك مات سنة اثنتين وتسعين. وبالكوفة عَبْد اللَّه بْن أَبِي أوفى الأسلمي مات سنة ست وثمانين وبالشام عَبْد اللَّه بْن بسر المازني، من مازن بْن مَنْصُور بْن عكرمة بْن خَصَفَة بْن قيس، من الأحداث، مات فِي سنة ثمان وثمانين. وبمكة عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن الخطاب مات فِي سنة أربع وسبعين، سافر [3] فِي عقب الحج، فأصابه زجّ [4] رمح
__________
[1] عند أبى هشام (ص 310) «نابئ» بدل «سواد» .
[2] خ: خمس. (والتصحيح عن الاستيعاب رقم 916 كعب بن مالك) .
[3] خ: سافرا.
[4] خ: جز(1/248)
من أزّجة أصحاب الحجاج عند الجمرة، فأتاه الحجاج يعوده. فَقَالَ لَهُ: أصحابك قتلوني. وَيُقَالُ إنّ سمرة بن جندب الفزارى آخر أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالكوفة موتا، وكان بالبصرة واليا، واليه مات بالكوفة.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَمَّنْ رَأَى الْحَجَّاجَ خَتَمَ أَنَسًا [1] فِي رَقَبَتِهِ، وَمَنْ رَأَى الْحَجَّاجَ خَتَمَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِي كُوعِهِ، فَقَالَ جَابِرٌ: شَهِدْتُ الْعَقَبَةَ، وَرَأَيْتُ الْحَجَّاجَ وَمَا يَصْنَعُ، فَلَيْتَ سَمْعِي ذَهَبَ كَمَا ذَهَبَ بَصَرِي فَلا أَسْمَعُ بِهِ شَيْئًا. فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ قَوْلُهُ، فَكَانَ يَقُولُ: مَا نَدِمْتُ نَدَامَتِي عَنْ شيء ندامتى على أن لا أكون قتلته حين بلغنى قوله. قال له عبد الله ابن عُمَرَ: فَإِذًا وَاللَّهِ كَانَ يَكُبُّكَ اللَّهُ فِي النَّارِ عَلَى مِنْخَرَيْكَ. وَقَالَ لَهُ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ: الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالأَمِيرِ خيرهما، أراد بنفسه.
معاذ بن عمرو ابن الجموح بْن زَيْد بْن حرام.
وهو الَّذِي ضرب رَجُل أَبِي جهل، فقطعها حتَّى سقط. واستشهد مُعَاذِ يَوْم أحد.
عمير بْن الحارث بْن ثعلبة بْن الحارث بْن حرام.
شهد بدرًا. وهو كَانَ يقرن الرجال يَوْم بعاث.
عَبْد اللَّه بْن أنيس بْن أسعد،
من ولد البركى [2] بْن وبرة، أخي كلب بْن وبرة. يكنى أبا يَحيى. شهد العقبة ولم يشهد بدرًا. وشهد يَوْم أحد. وكان ينزل فِي جهينة، فعرف بالجهني وهو حليف لبني سَلَمة. ومنزله بأعراف، عَلَى بريد من المدينة. فَقَالَ لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مرني يا رَسُول اللَّه أي ليلة أنزل فيها إلى المدينة فِي شهر رمضان؟ فَقَالَ:
[ليلة ثلاث وعشرين.] فقيل «ليلة الجهني» . وقَالَ الكلبي: هُوَ مهاجري أنصاري عقبي، وأعطاه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مخصرة كَانَ يتخصر بها، وقَالَ:
القني بها فِي الجنة. وذلك أَنَّهُ بَعث بِهِ فِي وجه، فبلغ الَّذِي أحبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومات عَبْد اللَّه أيام معاوية بالمدينة.
خَديج بْن أويس
[3] ، وَيُقَالُ: ابْنُ مالك، حليف لهم من بلي. وهو أَبُو شباب. ولد شباب ليلة العقبة.
__________
[1] خ: أنس.
[2] كذا في الأصل، والمعروف: البرك.
[3] عند ابن هشام (ص 311) : خديج بن سلامة بن أوس.(1/249)
وأم «شباب» ،
وهي أم منيع بِنْت عَمْرو بْن عدي.
فهؤلاء ثمانية وعشرون رجلًا وامرأة، فيهم نقيبان.
573- ومن بني ساعدة بْن كعب بْن الخزرج:
سعد بْن [1] عبادة
بْن دُليم ابن حارثة بْن أَبِي خُزيمة بْن ثعلبة بْن طريف بْن الخزرج بْن ساعدة. يكنى أبا ثابت. وكان تهيأ للخروج إلى بدر، فنُهش فأقام، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لئن كَانَ سعد لم يشهدها، لقد كَانَ عليها حريصا.] وكان نقيبًا، سيدًا، جوادًا. ومات بحوران فجأة لسنة مضت من خلافة عُمَر. وَيُقَالُ إنه امتنع من البيعة لأبي بَكْر/ 117/ فوّجه إِلَيْه رجلًا ليأخذ عَلَيْهِ البيعة وهو بحوران من أرض الشام. فأباها، فرماه فقتله. وفيه يروي هَذَا الشعر الَّذِي ينتحله الجنّ [2] :
قتلنا سيد الخزرج ... سعد بْن عباده
رميناه بسهمين ... فلم نُخْطِ فؤاده
المنذر بْن عَمْرو بْن خنيس
بْن لوذان بْن عَبْد وُدّ بْن زَيْد بْن ثعلبة بْن الخزرج بْن ساعدة، نقيب. شهد بدرًا، وقتل يَوْم بئر معونة سنة أربع.
أم عمارة،
وهي نسيبة بِنْت كعب، امرآة منهم. بايعها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ما بايع عليه النساء، ولم يصافحها، لأنا نعلم [3] أنه لم يكن يصافح النساء. وَقَدْ قاتلت يَوْم أحد. قَالَ الواقدي: شهدت أمْ عمارة العقبة مَعَ زوجها غزية بْن عَمْرو، وشهدت أحدًا [4] ، وشهدت اليمامة، وورثت ابنها خبيب ابن زَيْد بْن عاصم الَّذِي قطعه مسيلمة. وورثها ابنها عَبْد اللَّه بْن زَيْد، وقتل يَوْم الحرة. فهؤلاء رجلان، وهما نقيبان، وامرأة.
__________
[1] خ: سعد أبو عبادة.
[2] الاستيعاب، رقم 2337 سعد بن عبادة. والقصة والأبيات ستتكرر فيما بعد في الفقرة 1191 مع تعارض. والظاهر أنها لغلاة المخالفين للشيخين.
[3] خ: لا نعلم.
[4] خ: أحد. (وراجع لقصة ابنه: ابن هشام ص 312، 313) .(1/250)
574- ومن بني عوف بْن الخزرج:
عبادة بْن الصامت بْن قيس بْن أصرم ابْنُ فهر بْن ثعلبة بْن قوقل
- واسم قوقل غنم- بْن عوف بْن عَمْرو بْن عوف بْن الخزرج. ويكنى عبادةُ أبا الوليد. بدري، نقيب، توفي بالرملة من فلسطين سنة أربع وثلاثين، وهو ابْنُ اثنتين وسبعين سنة. وكان طوالًا، جميلًا، جسيمًا. وقَالَ الهيثم بْن عدي: توفي فِي أيام معاوية. وكان أخوه أوس بْن الصامت زوج خويلة بِنْت ثعلبة، وهي «المجادِلة» ، وفيها نزلت آية الظهار [1] . وأدرك أوس عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ.
الْعَبَّاس بن عبادة بن نضلة بن مالك
ابن العجلان بْن زَيْد بْن سالم بْن عوف بْن عَمْرو بْن عوف بْن الخزرج. شهد العقبة، وخرج من المدينة مهاجرًا إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد بدرًا.
وقتل يَوْم أُحد.
يزيد بْن ثعلبة أَبُو عَبْد الرَّحْمَن،
حليف لهم من قضاعة. ولم يشهد بدرًا، فيما ذكر الواقدي. والكلبي يجعل مكان يزيد هَذَا، زَيْد بْن وديعة ابْنُ عَمْرو بْن ثعلبة، من بني الحُبلى بْن غَنْم بن عوف، من الخزرج، الَّذِي استشهد يَوْم أحد. واسم الحبلي سالم، سمي الحبلى، لعظم بطنه.
رفاعة بن عمرو ابن زَيْد بْن عَمْرو بْن ثعلبة بْن جشم بْن مالك بْن سالم بْن عوف.
شهد بدرًا، واستشهد يَوْم أحد. وكان يكنى أبا الوليد. وبعضهم يقول: رفاعة بن الهاف ابن عمير بْن زَيْد بْن عَمْرو.
عقبة بْن وهب بْن كلدة [2] بْن زهرة بْن جشم ابن عوف بْن بُهثة بْن عَبْد اللَّه بْن غطفان،
حليف بني الحبلى. وكان شهد بدرًا.
وكان أتى مكَّة، فهاجر مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو مهاجري أنصارى.
قَالَ الكلبي: شخص عُقبة إلى مكَّة، وقَالَ لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لست أتخذ دارا غير دارك. فلما أذن اللَّه تَعَالى لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الهجرة، هاجر إلى المدينة. وأكبّ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد وَقَدْ أصابه سهم فِي جبهته، فغاب إلا شظية. فانتزعه، فسقطت ثنيتاه.
فهؤلاء خمسة رجال، منهم نقيب. فجميع من بايع عند العقبة الثانية سبعون رجلًا وامرأتان، بايعوا عَلَى البيعة الأولى، وزاد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
[1] القرآن، المجادلة (58/ 1- 4) .
[2] خ: كلدة بن وهب. (والتصحيح عما سيأتى فيما بعد وعن الاستيعاب) .(1/251)
فيها «قتال الأحمر والأسود، وعلى أن يمنعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يمنعون مِنْهُ [1] أنفسهم» ، وضمن لهم عَلَى ذَلِكَ الجنة.
575- حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن أشياخه قَالُوا:
ممن شهد العقبة وابنه معه: عَبْد اللَّه بْن (عَمْرو بْن) حرام أَبُو جَابِر بْن عَبْد اللَّه، ومعه ابنه جَابِر بْن عَبْد اللَّه، وسعد بْن خيثمة، ومعه ابنه عَبْد اللَّه بْن سعد، والبراء بْن معرور، ومعه ابنه بِشر بْن البراء.
أسماء النقباء الاثني عشر:
576- من الأوس:
أُسيد بْن حُضير، أَبُو الهيثم مالك بْن التيّهان، سعد بْن خيثمة.
577- ومن الخزرج:
أَبُو أمامة أسعد بْن زرارة، رافع بْن مالك الزرقي، سعد بْن عبادة، المنذر بْن عَمْرو/ 118/ البراء بْن معرور: سعد بْن الربيع، عَبْد اللَّه بْن رَواحة، عبادة بْن الصامت- ومنهم من يجعل مكانه خارجة بْن زَيْد- عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَبُو «جَابِر بْن عَبْد اللَّه» .
578- قَالَ أَحْمَد بْن يَحيى، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْدٍ، وَالْوَلِيدُ بْن صَالِحٍ، عن الواقدي فِي إسناده أن سليط بْن قيس حضر يَوْم العقبة ليبايع، فوجد النَّاس قَدْ تفرقوا. فبايع أسعد بْن زرارة نقيب النقباء. قَالَ: وقُتل سليط يَوْم قُسّ الناطِف بالعراق.
قَالَ: وحضر مالك بْن الدُّخشم، وَقَدْ تفرق النَّاس، وهو من ولد مِرْضخة بْن قَوقل. فبايع أسعدَ أيضًا.
579- وحدَّثني مُحَمَّد بْن سعد، قَالَ حَدَّثَنِي هشام بْن مُحَمَّد الكلبي قَالَ:
حضرت جماعة فاتتهم البيعة، وأهلوهم يدّعون أنهم عقبيون، ويسقط كل مدّع لرجل أَنَّهُ عقبي رجلًا ويجعله مكانه، لئلا يزيدوا عَلَى السبعين، ويحمل ذَلِكَ عنهم،
__________
[1] خ: جنة.(1/252)
فيقع الاختلاف. قَالَ: وَقَدْ أخبرني أَبُو عَبْد اللَّه الواقدي بنحو من هَذَا. ولم أثبت من هذه الأسماء إلا ما اجتمع عليه أصحابنا.
580- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:
بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالْمَكْرَهِ وَالْمَنْشَطِ، وَأَلا نُنَازِعَ [1] الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُولَ [2] بِالْحَقِّ حَيْثُ كَانَ، وَلا نَخَافُ [3] فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ.
581- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ:
كُنَّا بِالْعَقَبَةِ سَبْعِينَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. فَوَافَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ الْعَبَّاسُ آخِذًا بِيَدِهِ.
582- قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ [4] ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عن ابن أبى مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
نَظَرْتُ إِلَى الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ آخِذًا بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَوْمُ يَضْرِبُونَ عَلَيْهَا. فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ الْبَرَاءَ بْنَ مَعْرُورٍ.
583- قَالَ الواقدي: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ:
[قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنُّقَبَاءِ: إِنَّكُمْ كُفَلاءُ عَلَى قَوْمِكُمْ كَكَفَالَةِ الْحَوَارِيِّينَ لِعِيسَى، وَأَنَا كَفِيلٌ عَلَى قومى.] قالوا: نعم.
584- وقال الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ:
قَدِمَ الأَنْصَارُ مَكَّةَ، فَسَأَلُوا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل لَهُمْ: هُوَ عِنْدَ عَمِّهِ الْعَبَّاسُ. فَأَتَاهُ مِنْهُمْ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَسَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ فِي آخَرِينَ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إن لنا خلقة وَعَدَدًا. وَقَدِ اجْتَمَعَتِ الْكَلِمَةُ عَلَيْكَ. وَلَكَ عِنْدَنَا النَّصْرُ، وَبَذْلُ الْمُهَجِ، وَالْمَنْعُ مِمَّنْ نَمْنَعُ مِنْهُ أنفسنا. فمتى نلتقي؟» فقال
__________
[1] خ: تنازع، يقول، يخاف.
[2] خ: تنازع، يقول، يخاف.
[3] خ: تنازع، يقول، يخاف.
[4] كذا في أصل العبارة، وبالهامش عن نسخة أخرى: «خيثمة» وهو الأصبح.(1/253)
الْعَبَّاسُ: إِنَّ مَعَكُمْ مِنْ حُجَّاجِ قَوْمِكُمْ مَنْ يُخَالِفُكُمْ فِي الرَّأْيِ، فَأَخْفُوا إِشْخَاصَكُمْ، وَاسْتُرُوا أَمْرَكُمْ حَتَّى يَتَصَدَّعَ الْحَاجُّ. فَوَاعَدَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُوَافِيَهُمْ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي صَبَّحَتْهَا النَّفَرُ الآخِرُ بِأَسْفَلِ الْعَقَبَةِ. وَيُقَالُ: فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي صَبَّحَتْهَا النَّفَرُ الأَوَّلُ، عَلَى أن لا ينبهوا نائما، ولا ينتظروا غَائِبًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا. وَسَبَقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَبَّاسُ إِلَى الْمَوْضِعِ، وَأَقْبَلُوا يتساءلون. وَكَانُوا ثَلاثَ مِائَةٍ، حَتَّى وَافَى مَنْ وَافَى مِنْهُمْ. فَتَكَلَّمَ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَوْسِ، وَالْخَزْرَجِ، قَدْ دَعَوْتُمْ مُحَمَّدًا إِلَى مَا دَعَوْتُمُوهُ إِلَيْهِ، وَنَحْنُ عَشِيرَتُهُ وَلَسْنَا بِمُسْلِمِيهِ. فَإِنْ كُنْتُمْ قَوْمًا تَنْهَضُونَ بِنُصْرَتِهِ، وَتَقْوُونَ عَلَيْهَا، وَإِلا فَلا تعروه وَأَصْدِقُوهُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْقَوْلِ أَصْدَقُهُ» .
فَقَالَ قَائِلُهُمْ: «نحن بنو الحارث غُذِّينَا بِهَا، وَمُرِّنَّا عَلَيْهَا، وَعِنْدَنَا نُصْرَتُهُ وَالْوَفَاءُ لَهُ، وَبَذْلُ دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا دُونَهُ، وَلَنَا عُدَّةٌ وَعَدَدٌ وَقُوَّةٌ» . وَجَعَلُوا يَتَكَلَّمُونَ، وَالْعَبَّاسُ آخِذٌ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: أَخْفُوا أَمْرَكُمْ، فَإِنَّ عَلَيْنَا عُيُونًا. فَلَمَّا اسْتَوْثَقَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَ عُهُودَهُمْ وَاعْتَقَدَهَا عَلَيْهِمْ، ضَرَبُوا عَلَى يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ أَوَّلُ من بدأ فضرب البراء ابن مَعْرُورٍ. وَيُقَالُ: أَبُو الْهَيْثَمِ. وَيُقَالُ: أَسْعَدُ بْنُ زرارة. ويقال: أسد ابن حُضَيْرٍ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ/ 119/ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ أَخَذَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، وَإِنِّي آخِذٌ مِنْكُمُ اثْنَيْ عَشَرَ، فَلا يَجِدَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا، فَإِنَّمَا يَخْتَارُ لِي جِبْرِيلُ.] فَلَمَّا سَمَّاهُمْ، قَالَ:
أَنْتُمْ كُفَلاءُ عَلَى قَوْمِكُمْ كَكَفَالَةِ الْحَوَارِيِّينَ. وَجَعَلَ أَبَا أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ نَقِيبَ النُّقَبَاءِ. ثُمَّ قَامَ النُّقَبَاءُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَحَمِدُوا اللَّهَ وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ بِفَضْلِ نِعْمَتِهِ وَمَا أَكْرَمَهُمْ بِهِ مِنِ اتِّبَاعِ نَبِيِّهِ، وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ. وَتَحَاضُّوا عَلَى نُصْرَتِهِ وَالْوَفَاءِ بِعَهْدِهِ وَبَيْعَتِهِ. ثُمَّ انْصَرَفُوا.
585- قَالُوا: وَطَلَبَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَظَفَرُوا بِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالُوا: أَنْتَ عَلَى دِينِ مُحَمَّدٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَأَوْثَقُوهُ رِبَاطًا، حَتَّى خَلَّصَهُ مُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ، وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا. وَفَاتَهُمُ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَقَدْ كَانَ أَشْرَفَ أَنْ يُؤْخَذَ. فَقَالَ ضرار بْن الخطاب الفهري [1] :
__________
[1] ابن هشام، ص 302، حاشية ديوان حسان، ص 78، مصعب الزبيري، ص 126، الاستيعاب 2357 سعد بن النعمان، مع اختلافات.(1/254)
تداركت سعدًا عنوة فأسرَته ... وكان شفاءً لو تداركت منذرا
ولو نلته طلّت هناك جراحه ... أحق دماء أن تُطَلّ وتهدرا
فأجابه حسان بْن ثابت [1] :
فخرتَ بسعد الخير حين أسرَته ... ونلتَ شفاء لو تداركت منذرا
وإن امرأ يهدي القصائد نحونا ... كمستبضع تمرًا إلى أهل خيبرا
وكالرجل الوسنان يحلم أَنَّهُ ... ببلدة كسرى أَوْ ببلدة قيصرا
فلا تَكُ كالشاة التي كَانَ حتفُها ... بحفر ذراعيها فلم ترض محفرًا
وتفرح بالكتان لما لبسته ... وَقَدْ تلبس الأنباطُ ريطا معصفرا
وقَالَ حسان أيضًا [2] :
لو كَانَ سعد يَوْم مكَّة خافكم ... لأكثر فيكم قبل أن يُوسَر القتلا
بعضب حُسام أَوْ بصفراء نبعة ... فنحن إذا ما أنبغت نحفز [3] النبلا
باب فِي قصة المعراج:
586- قَالُوا: وأسري بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وهو مسجد بيت المقدس، قبل الهجرة بسنة. وَيُقَالُ: بثمانية عشر شهرًا.
587- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالا ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ:
[قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْتُ نَائِمًا بِالْحِجْرِ، فَأَتَانِي جِبْرِيلُ فَغَمَزَنِي بِرِجْلِهِ، وَأَتَانِي بِالْبُرَاقِ فَرَكِبْتُهُ] .
__________
[1] ديوان حسان، ق 105، ب 3، 4، 5، 7 (وليس عنده البيت الأول) ، ابن هشام، ص 302- 303، السهيلي 1/ 279، مع اختلافات. (خ في الرابع «فلا تكن» ، الترميم عن الديوان وابن هشام والسهيلي) . راجع أيضا بلدان ياقوت خيبر.
[2] ليس في ديوانه المطبوع.
[3] خ: تخفز.(1/255)
588- وحدثنى مُحَمَّدٌ وَالْوَلِيدُ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ:
أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ بَعْدَ هَدْءٍ مِنَ اللَّيْلِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَقَدْ روى أنه أسرى به من الشعب. وذلك غَيْرُ ثَبْتٍ.
589- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الواقدي، عن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
لَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، لَقِيَ بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلامُ وَأُتِيَ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ وَقَدَحٍ مِنْ خَمْرٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ فَشَرِبَهُ. فَقَالَ جِبْرِيلُ: هُدِيتَ لِلْفِطْرَةِ.
590- قَالُوا: وكذّبته قريش بمسراه. فوقف، فأخبرهم عن بيت المقدس وآياته، وأخبرهم عن ناقة شردت لبعضهم ببعض الطريق. فسألوا عن ذَلِكَ، فوجدوه كما قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
591- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ) [1] . قَالَ رَأْيُ عَيْنٍ.
592- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صالح العجلي، عَنِ ابن أبى الزناد، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ:
أُسْرِيَ بِرُوحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِهِ.
593- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالا ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ/ 120/ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
أُسْرِيَ بِرُوحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِهِ.
594- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال:
رؤيا الأنبياء وحى.
__________
[1] القرآن، الإسراء (17/ 60) .(1/256)
595- قَالُوا: وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَرْضِ الصَّلاةِ الْخَمْسِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. وَإِنَّمَا كَانَتِ الصَّلاةُ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْعَشِيِّ، ثُمَّ صَارَتْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ صَارَتِ الصَّلَوَاتُ خَمْسًا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ أُتِمَّتْ صَلاةُ الْمُقِيمِ أَرْبَعًا، وَبَقِيَتْ صَلاةُ الْمُسَافِرِ عَلَى حَالِهَا، وَذَلِكَ بَعْدَ قُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ بِشَهْرٍ.
أمر الهجرة:
596- قَالُوا: ولما شخص السبعون الذين بايعوا عند العقبة، اشتدّ ذَلِكَ عَلَى قريش ورأوا أَنَّهُ قَدْ صارت لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منعة ودار هجرة.
فضيّقوا عَلَى المسلمين وآذوهم ونالوا منهم من الشتم والتناول ما لم يكونوا ينالونه.
فشكوا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وسألوه الهجرة. فَقَالَ: [إنه لم يؤذّن لي فِي ذَلِكَ بعد.] ثُمَّ إنه خرج عليهم بعد ذَلِكَ بأيام مسرورًا، فَقَالَ:
قَدْ أخبرتُ أن دار هجرتكم يثرب، فمن أراد الخروج فليخرج فإن البلاد قريبة وأنتم بها عارفون وهي طريق عِيركم إلى الشام. فجعلوا يتجهزون إلى المدينة فِي خفي وستر، ويتسللون. فيقال إنه كَانَ بين أولهم وآخرهم أكثر من سنة. وجعلوا يترافدون بالمال والظهر، ويترافقون. وبلغ من بالحبشة من المسلمين هجرة إخوانهم، فقدم من قدم منهم مكة [1] للهجرة مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ ممن قدم مكة [2] أَبُو سَلَمة بْن عَبْد الأسد بْن هلال بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم.
واسم أَبُو سَلَمة عَبْد اللَّه بْن عَبْد الأسد. ثُمَّ هاجر، فكان الثالث بعد مصعب ابن عمير، وابن أم مكتوم. وكان مصعب أول من قدمها، وجهه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليعلّم النَّاس القرآن. ثُمَّ تلاه ابن أم مكتوم. وسمعتُ من يذكر أن أبا سَلَمة قبل ابْنُ أم مكتوم. والخبر الأول أثبت.
597- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالا ثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ:
أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم المدينة مصعب
__________
[1] خ: المدينة. (وهو سهو) .
[2] خ: المدينة. (وهو سهو) .(1/257)
ابن عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مُصْعَبًا صَارَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ هَاجَرَ مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَةِ مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه.
598- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الملك بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ مَكَّةَ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، نَزَلُوا الْعُصَبَةَ [1] . فَكَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَؤُمُّهُمْ لأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا وفيهم عمر، وأبو سلمة بن عبد الأسد.
[أول ظعينة ترد المدينة]
599- قالوا: وكانت أم سلمة بنت أبي أمية أول ظعينة وردت المدينة.
وكان زوجها أبو سلمة لما أراد الهجرة، رحل لها بعيرًا وحملها عَلَيْهِ، وفي حجرها ابنها سَلَمة. فلما رآه رجال بني المغيرة قَالُوا: هَذِهِ نفسُك قَدْ غلبتَنا عَلَيْهَا، فَمَا بَالُ صاحبتنا؟ لا ندعك وتسيرها فِي الْبِلادِ. ثُمَّ انْتَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يده، وأخذوها إليهم. فغضب عند ذَلِكَ بنو عَبْد الأسد بْن هلال، وقالوا: والله لا نترك ابنها عندكم إِذَا نزعتموها من يد صاحبنا، يعنون أبا سَلَمة. وتجاذبوا سَلَمة بينهم، حتَّى خلعوا يده، فكانت مخلوعة حتَّى مات. ثُمَّ انطلقوا بِهِ. فكانت، وهي عند أهلها من بني المغيرة، تخرج فتقعد عَلَى الصفا، ثم تقول [2] :
يا رخم [3] الجوّ ألا استقلّى ... وفي بني عَبْد الأسد فحُلّي
ثُمَّ هلالا وبنيه فُلّي
ثُمَّ تدعو عليهم أن تأكل الرخم [4] لحومهم. فروى عنها أنها قَالَتْ: جلستُ بالأبطح أبكي، وكنتُ أفعل ذَلِكَ كثيرًا، فرآني ابْنُ عم لي، فَكَلَّمَ بَنِي الْمُغِيرَةِ/ 121/ فِي وقَالَ: أَلا تَرَوْنَ مَا بِهَذِهِ الْمِسْكِينَةِ مِنَ الْجَهْدِ لِتَفْرِيقِكُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَوَلَدِهَا؟ فَقَالُوا لِي: الْحَقِي بِزَوْجِكِ إِنْ شِئْتِ. وَرَدَّ عَلَيّ بَنُو عَبْد الأَسَدِ ابني. فرحلتُ بعيري، ووضعتُ ابني فِي حجري، ثُمَّ خرجتُ أريد أبا سَلَمة بالمدينة. فَلَمَّا كنتُ بِالتَّنْعِيمِ، لقيتُ عُثْمَانَ بْن طَلْحَةَ بْن أَبِي طلحة، أخا بني عَبْد الدار، فَقَالَ: أَيْنَ تريدين يا بنة أبى أمية؟ قلت: أريد زوجي بيثرب.
__________
[1] راجع لهذا الموضع: ابن هشام، ص 322.
[2] المحبر، ص 84 (وعنده نقصان وسهو طباعة) .
[3] خ: «رحم» ، «الرحم» .
[4] خ: «رحم» ، «الرحم» .(1/258)
فَقَالَ: أَوْ ما معك أحد؟ قلت: لا والله. فقال: ما لك مترك. وأخذ بخطام البعير وانطلق معي يقودني. فو الله مَا رَأَيْت أَكْرَمَ مُصَاحَبَةً مِنْهُ: كُنْتُ أَبْلُغُ الْمَنْزِلَ، فَيُنِيخُ جَمَلِي ثُمَّ يَسْتَأْخِرُ عَنِّي. فَإِذَا نزلتُ، حَطَّ عَنْ بَعِيرِي، وَقَيَّدَهُ، ثُمَّ أَتَى شجرة فاضطجع تحتها. فإذا دنا الرَّوَاحَ، قَدِمَ الْبَعِيرُ فَرَحَّلَهُ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ وقَالَ: اركبي. فإذا استويتُ عَلَى البعير، قادني. فلم يزل يصنع ذَلِكَ بي حتَّى أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ. فَلَمَّا رَأَى قَرْيَةَ بَنِي عَمْرو بْن عَوْفٍ بِقُبَاءٍ، قَالَ: زَوْجُكِ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ فَادْخُلِيهَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّه. ثُمَّ انصرف راجعًا إلى مكَّة.
[هجرة الرسول ص الى المدينة]
600- وقدم المدينة بعد أَبِي سَلَمة، عامر بْن ربيعة العنزي، وبلال، وسعد، وعمر، وعمار. وخرج النَّاس مهاجرين متتابعين. فلم يبق منهم إلا من حبسته قريش. ولم يبق بمكة من بني أسد بْن خزيمة أحد، حتَّى أغلقوا أبوابهم.
وأغلقت أبواب بني البُكير- وغير الكلبي يَقُولُ: بني أَبِي البكير- وأبواب بني مظعون. فمرّ عتبة بْن ربيعة بدور بني جَحْش، فإذا أبوابها تخفق وليس فيها أحد. فتمثل قول الشَّاعِر [1] :
وكل دار وإن طالت سلامتها ... يومًا ستلحقها النكراءُ والحوبُ
وبقي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليّ، وأبو بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُمَا، ليس معهم غيرهم. وأراد أَبُو بَكْر الهجرة. فسأله رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يحبس نفسه عَلَيْهِ. وكان قَدْ علف راحلتين لَهُ ورق السمُر أربعة أشهر.
فلما أُذِنَ لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الهجرة، أتى أبا بَكْر، فأعلمه الهجرة. فأعطاه إحدى تينك الراحلتين، وهي ناقة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القصواء، من نعم بني قشير، فلم تزل عنده، وماتت في أيام أَبِي بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، وكانت مرسلة ترعى بالبقيع لا تهاج. وَيُقَالُ بنقيع [2] الخيل.
601- قَالُوا: تناظرت قريش فِي أَمَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين هاجر أصحابه. فَقَالَ أَبُو البَختري العاص بْن هاشم: نخرجه فنغيب عنا وجهه ليصلح ذات بينها. وقَالَ آخر: بل يُقيد ويحبس حتَّى يهلكه، ثم فرق [3] رأيهم على أن
__________
[1] ابن هشام، ص 316، السهيلي 1/ 285 وعزاه إلى أبى داود الإيادى.
[2] خ: ببقيع.
[3] أى استبان واتضح.(1/259)
يأخذوا من كل قبيلة من قريش غلامًا نهدًا جلدًا وسيطًا، فيعطوه سيفًا صارمًا، ثُمَّ يجتمع أولئك الغلمان فيضربوه ضربة رَجُل واحد، فيتفرق دمه فِي القبائل، فلا يدري بنو عَبْد مناف ما يصنعون، ولا يقوون عَلَى حرب جميع قريش.
وكان الَّذِي أطلع لهم هَذَا الرأي شيخ من أهل نجد. ويزعمون أَنَّهُ الشيطان.
وأتى جبريلُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبره الخبر.. وأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ عَلَيْهِ: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ [1] . وقوله «ليثبتوك» ، أي ليقيدوك. فأتى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منزل أَبِي بَكْر، وأمر عليا فنام على فراشه. فلما دخلوا بيته وهم يرون أَنَّهُ نائم عَلَى فراشه. فقام إليهم عليّ عَلَيْهِ السَّلام. فقالوا: أَيْنَ ابْنُ عمك؟ قَالَ: لا علم لي بِهِ. وَيُقَالُ إنهم رموه وهم يظنون أَنَّهُ نبي اللَّه. فلما قام، تركوه وسألوا عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبرهم أَنَّهُ لا علم لَهُ بِهِ.
602- قَالُوا: وخرج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر من خوخة فِي ظهر بيت أَبِي بَكْر، حتَّى أتيا غار ثور، فصارا فِيهِ. وَكَانَ عَامِرُ بْن فُهَيْرَةَ يَرْعَى غَنَمًا لأَبِي بَكْر، فيعزُب بها ثُمَّ يبيت قريبًا، ولا يبعد. فكانا يصيبان من رِسلها [2] .
فاستأجر أَبُو بَكْر رجلًا دليلًا، يُقال لَهُ عَبْد اللَّه بْن أريقط الديلي، من كنانة ابن خزيمة. وصنع آل أَبِي بَكْر لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْر سُفرة، وذبحت شاة وطبخ لحمها، وجُعل/ 122/ فِي جراب. فقطعت أسماءُ بِنْت أَبِي بَكر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُما قطعة من نطاقها، فأوكت بِهِ الجرابَ. [فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّ لها نطاقين فِي الجنة.] فسُميت «ذات النطاقين» .
ويروى أَنَّهُ كَانَ لها نطاق تنتطق بِهِ فِي منزلها، ونطاق تنتطق بِهِ إِذَا حملت الطعام لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْر، فقيل لها ذات النطاقين.
603- قَالُوا: وبعثت قريش قائفين يقصّان آثار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أحدهما كرز بْن علقمة بْن هلال الخزاعي. فاتّبعاه، حتَّى انتهيا إلى غار ثور.
فرأى كرز عَلَيْهِ نسجَ العنكبوت. فَقَالَ: ها هنا انقطع الأثر. فانصرفوا.
وقَالَ بعضهم: ادخلوا الغار. فَقَالَ أمية بْن خلف: «وما أربكم؟ إذ الغار
__________
[1] القرآن، الأنفال (8/ 30) .
[2] بالهامش: «أى لبنها» .(1/260)
وعليه من نسج العنكبوت ما عَلَيْهِ. والله إنى لأرى هذا النسج (من) قبل أن يولد مُحَمَّد» . وبال، حتَّى جرى بوله بين النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْر.
وجعلت قريش لمن جاء برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْر أَوْ قتلهما ديتهما.
وَيُقَالُ: مائة بعير. ونادوا بذلك فِي أسفل مكَّة وأعلاها.
604- قَالُوا: ومكث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بَكْر فِي الغار ثلاث ليال.
وعبد اللَّه بْن أَبِي بَكْر- وهو الَّذِي أصيب بالطائف- يبيت عندهما. وهو غلام شابٌ لقنٌ. ثُمَّ يصبح مَعَ قريش كبائت. فلا يسمع بأمر يكاد بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا وعاه، حتَّى يلقيه إِلَيْه. ثُمَّ إن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر خرجا فِي السحر ليلة الاثنين لأربع ليال خلون من شهر ربيع الأول، فقالا يَوْم الثلاثاء بقُديد. وجاءت وجوه قريش إلى منزل أَبِي بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، فسألوا أسماء ابنته عنه. فقالت لهم: ما أدري أَيْنَ هُوَ؟ فلطمها أَبُو جهل أَوْ غيره.
605- وكان أَبُو بكر أسلم يَوْم أسلم، وعنده أربعون ألف درهم. فخرج إلى المدينة للهجرة وما لَهُ إلا خمسة آلاف، أَوْ أربعة آلاف درهم. فبعث ابنه عَبْد الله، فحملها إليه إلى الغار، فمضى به معه. وكان أَبُو قحافة وَقَدْ كفّ بصره. فَقَالَ لأم رومان، امْرَأَة أَبِي بَكْر: عهدي بأبي بَكْر وله مال، فما فعل ماله؟ أتراه فجعكم بِهِ كما فجعكم بنفسه؟ فعمدت أسماء رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهَا إلى [1] جلال الحصباء، فجعلته فِي كوَّة كَانَ أَبُو قحافة يعهد أبا بَكْر يجعل ماله فيها كثيرًا، وغطته بثوب، وقادت جدها إلى الكوَّة. فلما وضع يده عَلَى الحصباء قَالَ: إنّ فِي هَذَا لمعاشًا صالحًا، صاحبه اللَّه. وكان لعثمان بْن عفان رَضِيَ الله تعالى عَنْهُ مال. فما خرج إلى الهجرة إلا بسبعة آلاف درهم.
وذلك أَنَّهُ أنفق ماله فِي الرقاب والعون عَلَى الْإِسْلَام.
606- قَالُوا: وكانت عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودائع. وإنما كَانَ يسمى الأمين. فوكل عليا عليه السلام بردّها على أهلها. فلما وفاهم إياها،
__________
[1] خ: إلى وجلال.(1/261)
شخص إلى المدينة، حتَّى نزل على كلثوم بْن الهِدم ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنده.
607- قَالُوا: ولقي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُريدة بْن الحُصَيب الأسلمي فِي رَكْب من قومه، فيما بين مكَّة والمدينة، وهم يريدون موقع سحابة. فسابلوه وسابلهم. فدعاهم إلى الْإِسْلَام، فأسلموا، واعتذروا بقلة اللبن معهم، وقالوا:
مواشينا شُصُص [1] . وجاءه بلبن، فشربه وأبو بَكْر. ودعا لهم بالبركة.
أم معبد:
608- ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم معبد عاتكة بِنْت خَالِد بْن خُليف الخزاعي. وهي امْرَأَة أكثم بْن الجون- والجون عَبْد العزى- بْن منقذ الخزاعي.
فأتت رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشاة مصُور [2] ليذبحها، فمسح ضرعها فإذا هِيَ ذات دَرّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذبحيها. فأتت بشاة أخرى، فذُبحت وطبخ لحمها لهم. فأكل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بَكْر، وعامر بْن فهيرة، و (ابن) أُرَيْقِط. وسفّرتهم منها بما وسعته سفرتهم، وبقي عندها أكثر لحمها. وقالت أم معبد: لقد بقيت الشاة التي مسح رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضرعها إلى عام الرمادة، وهي سنة ثماني عشرة من الهجرة. فكنا نحلبها صبوحًا وغبوقًا، وما فِي الأرض قليل ولا كَثِير. وقَالَ الشَّاعِر فِي نزول رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ 123/ بأم معبد [3] :
جزى اللَّه رب النَّاس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبدِ
هما نزلا بالبرّ وارتحلا بِهِ ... فأفلحَ من أمسى رفيق مُحَمَّد
ليهن بني كعب مكانُ فتاتهم ... ومقعدُها للمسلمين بمرصَد
ووصفت أم معبد رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفة سنذكرها إن شاء الله تعالى.
__________
[1] أى قليلة اللبن.
[2] أى البطيئة خروج اللبن.
[3] ابن هشام، ص 330، السهيلي 2/ 807، ابن سعد، 1 (1) / 155، 156: الطبرى ص 1240- 1241، الرسالة العثمانية للجاحظ، ص 112، الاستيعاب كنى النساء رقم 50 أم معبد، مع اختلافات الرواية.(1/262)
609- قَالُوا: ولما جعلت قريش لمن اتبع رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبَا بكر فقتلهما أَوْ أتى بهما مائة ناقة- وَيُقَالُ: ديتهما- أتبعهما سراقة بن مالك ابن جعشم الكنانى ثم المدلجى. فلما قرب منهما ساخت قوائم فرسه. فطلب الأمان. وأخبر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا جعلت قريش فِيهِ وفي أَبِي بَكْر فكتب لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاب أمنة وموادعة، فِي قطعة أديم.
فلم يزل الكتاب عنده حتَّى أتاه بِهِ وهو بين الطائف والجعرانة، وأسلم.
610- وكان قدوم رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ شَهْر ربيع الأول. وكان النَّاس مستشرفين لقدومه، قد استبطئوه، فرآه يهودي عَلَى بعض تلك الآطام، فنادى: يا معشر العرب، هَذَا صاحبكم.
فكبر بنو عَمْرو بْن عوف بْن مَالِك بْن الأوس تكبيرة رَجُل واحد. فصار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بني عَمْرو بْن عوف، فنزل فيهم على كلثوم ابن الهِدم بْن امرئ القيس، من ولد عَمْرو بْن عوف، بقُباء. وذلك الثبت.
فأقبل النَّاس يأتونه، يسلمون عَلَيْهِ. وقَالَ بعضهم: نزل على سعد بن خيثمة ابن الحارث، أحد بنى السلم ابن امرئ القيس بْن مالك بْن الأوس. وذلك أَنَّهُ كَانَ يكثر إتيانه للحديث عنده. فظن [1] قوم أَنَّهُ نازل عَلَيْهِ.
611- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ مَوْهِبٍ [2] ، عَنْ يزيد بن رومان، عن عروة قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَدَّثُ فِي بَيْتِ سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، هُوَ وَأَصْحَابُهُ. وَيُؤْتَى لِلسَّلامِ عَلَيْهِ وَهُوَ بِهِ. فَلِذَلِكَ قَالَ النَّاسُ: نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ.
وَكَانَ نُزُولُ النَّاسِ جَمِيعًا عَلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، لَمْ يتجاوزهم.
[مسجد قباء]
612- قَالُوا: فَأَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بني عَمْرو بْن عوف الاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس. ثُمَّ خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الجمعة، فجمع في بني سالم، من بني النجار. وَيُقَالُ: بل أقام بقباء ثلاثًا وعشرين ليلة. وَيُقَالُ: بضع عشرة ليلة. وكان مَن تقدم رسولَ الله صلى الله
__________
[1] خ: خطر.
[2] في أصل العبارة «وهب» ، وبالهامش عن نسخة أخرى: «موهب» .(1/263)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة بعد أَبِي سَلَمة بْن عَبْد الأسد، ومن نزلوا عَلَيْهِ بقباء بنوا مسجدا يصلون فِيهِ. والصلاة يومئذ إِلَى بيت المقدس. فجعلوا قبلته إلى ناحية بيت المقدس. فلما قدم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بهم فِيهِ. وكان سالم مَوْلَى أَبِي حذيفة يؤمّ المهاجرين من مكَّة إلى المدينة. ثُمَّ أمهم بالمدينة حتَّى قدم النبي صلى الله عليه وسلم.
613- حدثني الْحُسَيْنِ بْنِ الأَسْوَدِ، ثَنَا عُبَيْد اللَّهِ بْن موسى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ:
كَانَ سَالِمٌ غَيْرَ مَعْرُوفٍ نَسَبُهُ، وَكَانَ يَؤُمُّ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَبِالْمَدِينَةِ لأَنَّهُ أَقْرَؤُهُمْ، وَإِنَّ فِيهِمْ لَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ. وَذَلِكَ قَبْلَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة.
614- حدثنى عمرو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَالْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ قَالا، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَسْرُوقٍ [أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خُذُوا الْقُرْآنَ عَنْ أَرْبَعَةٍ: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ [1] ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وسالم مولى أبى حذيفة] .
615- وحدثنى الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ لَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، نَزَلُوا إِلَى جَنْبِ قُبَاءَ، فَأَمَّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبُو حُذَيْفَةَ، لأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا، وإنّ فيهم عمر بْنَ الْخَطَّابِ [2] ، وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الأَسَدِ.
وَحَدَّثَنِي/ 124/ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بمثله.
قال الواقدى: المجتمع عليه أن سالمًا مَوْلَى أَبِي حذيفة لما شخص عن مكَّة مهاجرًا، كَانَ يصلي بالمهاجرين إلى المدينة ثُمَّ صلى بهم إلى قدوم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنَّه كَانَ أقرأهم الكتاب الله.
__________
[1] خ: أبى بن خلف. (وهو سهو فاحش فإنه من الكفار قتل يوم أحد كما سيأتى ذكره) . وأبى بن كعب من كبار قراء الصحابة. والتصحيح عن صحيح البخارى، كتاب المناقب (62/ 28) .
[2] كتب في الأصل هذا الاسم ثم خط عليه. ولكن راجع الحديث السالف فوق.(1/264)
616- وقدم عليّ عَلَيْهِ السَّلام المدينة، فنزل عَلَى كلثوم بْن الهدم. فكان يرى رجلًا يجيء إلى امْرَأَة فِي جواره بعد هدء من الليل، فتفتح [1] لَهُ بابها، فيدخل الدار ثُمَّ يخرج. فَقَالَ لها فِي ذَلِكَ. فقالت: يا عَبْد اللَّه، إني امْرَأَة مسلمة أرملة، والرجل الَّذِي يأتيني سهل بْن حنيف يدور عَلَى قومه فيكسر أصنامهم ويأتيني بها لأوقدها إن طبختُ. قَالُوا: وكان عَبْد اللَّه بْن جُبير، وسهل بْن حنيف يكسران الأصنام ويأتيان بها المسلمين ليستوقدوا بها.
617- وحدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمة، ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق [2] ، عن يزيد بْن عَبْد اللَّه بْن قسيط أن جُنْدَع بْن ضمَرة الجُنْدعِي كَانَ بمكة. فمرض، فَقَالَ لبنيه:
أخرجوني منها. فقالوا: إلى أَيْنَ؟ فأومأ بيده نحو المدينة، وهو يريد [3] الهجرة. فلما بلغ أضاة [4] بني غفار، مات. فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ:
(وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ. وقَالَ الواقدي: هاجر بعد بدر، وهو جندب الجندعي. وبعضهم يَقُولُ: نزلت الآية فِي أكثم بن صيفي. وذلك غير ثبت.
وحدثنى عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، أنبأ أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ) ، الآيَةَ، قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ، يُقَالُ له ضمرة بن العيص، أو العيص ابن ضَمْرَةَ بْنِ زِنْبَاعٍ. لَمَّا أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهِجْرَةِ، فَأَمَرَ لأَهْلِهِ أَنْ يَفْرِشُوا لَهُ عَلَى سَرِيرٍ وَيَحْمِلُوهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَفَعَلُوا.
فَمَاتَ بالتنعيم. فنزلت فيه الآية.
__________
[1] خ: يفتح.
[2] لم نجد هذه الرواية عند ابن هشام.
[3] خ: تريد.
[4] خ: أضاءة (وقال السهيلي 1/ 288: وأضاة بنى غفار على عشرة أميال من مكة.
والأضاة: الغدير. كأنها مقلوب من وضأة، على وزن فعلة. واشتقاقه من الوضاءة، بالمد، وهي نظافة) .(1/265)
[إسلام عبد الله بن سلام]
618- قَالُوا: وكان عَبْد اللَّه بْن سلام يَقُولُ: كنتُ تعلمت التوراة من أَبِي، وعرفتُ تأويلها. فوقصنى آية [1] ذات يَوْم عَلَى صفة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلاماته وأمره، وقَالَ: إن كَانَ من ولد هارون اتبعته وإلا فلا. ومات قبل قدوم النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة. قَالَ: فلما قدم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كنتُ فِي عذق لي أهيئ رطبًا. فسمعتُ صائحًا من بني النضير يَقُولُ:
قَدْ قدم صاحب العرب اليوم. فأخذني أفكل [2] ، وكبرت تكبيرة عالية.
وعمتي تجنى، وهي عجوز، فقالت: أي خبيث، والله لو كَانَ مُوسَى القادم، ما زدتَ عَلَى ما صنعتَ. فقلتُ: إنه أخو مُوسَى ونبي مثله. ثُمَّ نزلتُ، فأتيتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأيتُ صفته، فعرفتها. وحدّثته حديث أَبِي، وأسلمتُ. فيقال إن قول اللَّه عزَّ وجل (شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ [3] نزل فِي عبد اللَّه بْن سلام. ثُمَّ أسلمت عمته، وأسلم مخيريق اليهودي.
[الرسول ص في المدينة]
619- قالوا: وركب رسول الله ناقته القصواء [4] ، والناس معه عن يمينه وشماله.
فجعل لا يمرّ بقوم من الأنصار إلّا قالوا: هلم هلمّ يا رَسُول اللَّه فِي القوة والمنعة والثروة. [فيقول لهم خيرًا، ويقول: إنها مأمورة، خلوا سبيلها.] وَقَدْ أرخى رسولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمامها. فبركت عند مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان مرَبدا ليتيمين فِي حجر أسعد بْن زرارة، فِيهِ جدار كَانَ أسعد بناه تجاه بيت المقدس فكان يصلي إِلَيْه من أسلم قبل قدوم مصعب بْن عمير.
ثُمَّ صلى بهم إِلَيْه مصعب. وَيُقَالُ إنّ أسعد كَانَ يصلي بهم قبل قدوم مصعب وبعده إلى قدوم المهاجرين، لأن مصعبًا لم يزد عَلَى تعليمهم القرآن. والله أعلم.
قَالُوا: فلما بركت الناقة فضربت بجرانها/ 125/ واطمأنت، نَزَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فجاء أَبُو أيوب، وامرأته أم أيوب، والناس يكلمون رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النزول عليهم، فحطا رحله وأدخلاه منزلهما.
فلما رآهما قَدْ فعلا ذَلِكَ، [قَالَ: المرء مَعَ رحله.] وأخذ أَبُو أمامة أسعد بن زرارة
__________
[1] خ: نة (لعله «آية» كما أثبتناه) .
[2] أى الرعدة.
[3] القرآن، الأحقاف، (46/ 10) .
[4] خ: القصوى.(1/266)
بزمام الناقة، فأدخلها منزله. فكانت عنده. وَيُقَالُ إن أَبِيّ بْن كعب أخذها إلى منزله. وكونها عند أسعد أثبت. وقَالَ أَبُو أيوب: بأبي أنت وأمي، إني أُعظم أن أكون فوقك وأنت تحتى. فتحوّل وأهله إلى أسفل، ونزل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي علوّ داره. وجعل بنو النجار [1] يتناوبون فِي حمل الطعام إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مقامه فِي منزل أَبِي أيوب. وبعثت إِلَيْه أم يزيد ابن ثابت بثردة مُرّواة سمنا ولبنا.
620- وقيل لأم أيوب، وكان مقام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي منزل زوجها سبعة أشهر: أي الطعام كَانَ أحب إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقالت:
ما رَأَيْته أَمَرَ بطعام يصنع لَهُ بعينه، ولا رَأَيْته ذم طعامًا قطّ، ولكنّ أبا أيوب أخبرني أَنَّهُ تعشى معه ليلة من قصعة أرسل بها سعد بن عبادة، فيها طفيشل [2] ، فرآه ينهكها نهكا لم يره ينهك [3] غيرها. فكنا نعملها لَهُ. وكنا نعمل لَهُ الهريس، فنراه يعجنه. وكان يحضر عشاءه الخمسةُ إلى الستة إلى العشرة.
621- وروى أن أسعد بْن زرارة كَانَ يتخذ لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة، وليلة لا. فإذا كانت الليلة التي يتوقعها فيها، [قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل جاءت قصعة أسعد؟] فيقال: نعم. هلموا بها. فنعلم أنها تعجبه.
622- قَالَ كعب بْن مالك الْأَنْصَارِيّ:
اللَّه أكرمنا بنصر نبينا ... وبنا أقام دعائم الْإِسْلَام
وبنا أعز نبيه ووليه ... وأعزّنا بالنصر والإقدام
فِي كل معترك تطرّ سيوفنا ... تلك الجماجمَ عن فراخ الهام
نَحْنُ الخيار من البرية كلها ... ونظامها وزمام كل زمام
الخائضو [4] غمرات كل منية ... والضامنون حوادث الأيام
فسألوا ذوي الآكال عن سرواتنا ... يَوْم العريض فحاجر فرؤام
__________
[1] خ: بنو أنجاله.
[2] خ: لمفشيل. والتصحيح عن تاج العروس حيث قال «هو نوع من المرق معروف» .
[3] خ: ينهكه.
[4] خ: الخائضوا.(1/267)
إنا نُمَنِّع ما أردنا منعه ... ونجود بالمعروف للمعتام
[1]
ينتابنا جبريل في آبائنا ... بفرائض الْإِسْلَام والأحكام
فِي أبيات. وقَالَ أَبُو قيس [2] صرمة بْن أَبِي أنس يذكر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [3] :
ثوى فِي قريش بضع عشرة حجة ... يذكِّر لو يلقى صديقًا مواتيًا
ويعرض فِي أهل المواسم نفسه ... فلم يرَ من يؤوي ولم يَرَ داعيًا
فلما أتانا أظهر اللَّه دينه ... فأصبح مسرورًا بطيبة راضيًا
فِي أبيات. وقَالَ أَبُو أَحْمَد بْن جحش الأعمى الأسدي [4] :
فلو حلفت بين الصفا أم أَحْمَد ... ومروتها يومًا لبّرت يمينها
لنحن الألى كنابها ثُمَّ لم نزل ... بمكة حتَّى عاد غثا سمينها
بها خيمت غنم بن دُودان وابتنت ... ومنها غدت غنمٌ فخفّ قطينها
إلى اللَّه تغدو بين مثنى وواحد ... ودينُ رَسُول اللَّه بالحق دينها
وقَالَ أَبُو أَحْمَد أيضًا [5] :
ولما رأتني أمّ أَحْمَد غاديًا ... بذمة من أخشى بغيب وأرهب
/ 126/ تقول: فإمّا كنت لا بدّ فاعلًا ... فيمم بنا البلدانَ من غير يثرب
فقلت لها: لا إن تلك مظنةٌ ... وما يشأ الرحمنُ فالعبد يركبُ
إلى اللَّه وجهي والرسول ومن يقم ... إلى اللَّه يومًا وجهه لا يُخَيَّبُ
فكم قَدْ تركنا من حميم مناصح ... وناصحة إن تبغ تبك وتندب
وكم من عدو قَدْ تركنا ورائنا ... مجدّ مباد للعداوة مجلب
__________
[1] المعتام: الذى قل اللبن عنده، المسكين المحتاج.
[2] خ: أبو قيس بن صرمة. (والتصحيح عن ابن هشام، ص 350، وآخرين) .
[3] ابن هشام، ص 350: الطبرى، ص 1247- 1248، الاستيعاب ذكر النبي في أول الكتاب (ج 1، ص 14 من الطبعة الثانية) ، وأيضا رقم 1415، صرمة ابن أنس مع أبيات أخرى. (وفي إحدى روايتي الطبرى، في الأول «خمس عشرة حجة» ) .
راجع أيضا مروج المسعودى (طبع بولاق 1/ 309) .
[4] ابن هشام، ص 317، 318 مع اختلافات.
[5] ابن هشام، ص 318 مع اختلافات وزيادات (خ في الثالث فقلت الالا) .(1/268)
نمتُّ بأرحام إليهم قريبة ... ولا قرب للأرحام مَا لم تقرب
وأبو أَحْمَد الَّذِي يَقُولُ [1] :
أبني أميةَ كيف أُظلم فيكم ... وأنا ابنكم وحليفكم فِي العسر
ولقد دعاني غيركم فأبيته ... وأجبتكم لنوائب الدهر
وبلغ أبا أَحْمَد أنّ أبا سُفْيَان بْن حرب باع دورهم ودار عثمان، وقضى من ثمنها دينا عَلَيْهِ، فَقَالَ [2] :
أبلغ أبا سُفْيَان عن ... أمر عواقبه ندامة
دارَ ابْنُ عمك بعتها ... تقضي بها عنك الغرامة
وحليفكم بالله ربّ الن ... أس مجتهد القسامة
اذهبَ بها اذهب بها ... طَوَّقتها طوق الحمامة
وكان الَّذِي ابتاعها مِنْهُ عَمْرو بْن علقمة بْن المطلب، أحد بني عامر ابن لؤي. وقالت امْرَأَة من الأنصار:
لا هُمَّ إنّ الخير خير الآخرة ... فاغفر اللهم للأنصار والمهاجرة
[3]
وعافهم من حرّ نار ساعرة ... فإنها لكافر وكافرة
[انتقال عائلة الرسول ص للمدينة]
623- قَالُوا: ووجه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا رافع وزيد بْن حارثة مولييه إلى مكَّة، لحمل فاطمة وأم كلثوم ابنتي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسودة. وأخذ من أبى بكر خمسمائة درهم فدفعها إليهما لما يحتاجون إليه.
وأعطاهما بعيرين. وكتب أَبُو بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ إِلَى عَبْد اللَّه ابنه، يأمره بحمل أم رومان امرأته، وعائشة وأسماء. وتّوجه مَعَ زيد وأبى رافع: عبد اللَّه ابن أُريقط الديلي. فوافوا طلحةَ بْن عُبَيْد اللَّه يريد الهجرة، فتصاحبوا. فخرج زَيْد وأبو رافع بفاطمة، وأم كلثوم، وسودة بِنْت زمعة. وحبس زينَب زوجها أَبُو العاص بْن الربيع. وكانت رقية مهاجرة: حملها زوجها عثمانُ بْن عفان.
وحمل زَيْد أيضًا امرأته أم أيمن، وأسامة بْن زَيْد. وخرج عَبْد الله بأم رومان
__________
[1] المنمق، ص 185، وزاد أبياتا. (خ في الثانى: «فأجبته» ، والتصحيح عن المنمق) .
[2] ابن هشام، ص 339.
[3] راجع صحيح البخارى كتاب مناقب الأنصار (63/ 9، 43 حديث 9) مع اختلافات.(1/269)
وأختيه عَائِشَةَ وأسماء. فقدموا ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبني المسجد وحُجَره.
وكان طلحة، حين هَاجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بالشام. فقدم يريد مكَّة، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة. فصار إلى مكَّة، ثُمَّ هاجر منها مَعَ عيال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْر.
624- قَالُوا: ووهبت الأنصار لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل فضل فِي خططها. وقالوا لَهُ: إن شئت، فخذ منا منازلنا. فَقَالَ لهم خيرًا، وخطّ لأصحابه فِي كل أرض ليست لأحد، وفيما وهبت لَهُ الأنصار من خططها. وأقام قوم من المسلمين لم يمكنهم البناء بقباء عَلَى من نزلوا عنده. وكانت الأنصار أشحّاء على من نزل عليهم، من نزل عليهم، من المهاجرين.
المؤاخاة:
625- قَالُوا: [1] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين حمزة وبين زيد ابن حارثة على الحق والمؤاساة. وبين أَبِي بَكْر وعمر. وبين عثمان وعبد الرحمن ابن عوف. وبين الزُّبَيْر وبين عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود. وبين عبيدة بْن الحارث وبلال. وبين مصعب بْن عمير وسعد بن أَبِي وقاص. وبين أَبِي عبيدة بْن الجراح وسالم/ 127/ مَوْلَى أَبِي حذيفة. وبين سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل، وطلحة ابن عُبَيْد اللَّه. [وقَالَ لعلي بْن أَبِي طَالِب: أنت أخي] .
626- وآخى [2] رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ المهاجرين عَلَى أن يتوارثوا دون ذوي الأرحام. فلما أن أصيب من أصيب ببدر، طلب إخوانهم الميراث.
فنزلت: «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [3] » . فانقطعت المؤاخاة في الميراث. وكان ممن آخا بينهم حمزة بْن عَبْد المطلب وكلثوم بْن الهدم [4] . أَوْ غيره. عليّ بْن أَبِي طَالِب وسهل بْن حنيف.
زَيْد بْن حارثة وأسيد بْن حضير. أَبُو مرثد الغنوي حليف حمزة، وعبادة بْن الصامت. عبيدة بْن الحارث وحمام بن الجموح، ويقال: عمرو بن الجموح.
__________
[1] راجع لهذه المؤاخاة المكية: المحبر، ص 70- 71.
[2] راجع أيضا لهذه المؤاخاة المدنية: المحبر، ص 71- 75 مع بعض الاختلافات.
[3] القرآن، الأنفال (8/ 75) .
[4] خ: الهدب.(1/270)
عثمان بْن عفان وأوس بْن ثابت. أَبُو حذيفة بْن عتبة وعباد بْن بشر بْن وقش [1] .
الزُّبَيْر بْن العوام وكعب بْن مالك. مصعب بْن عمير وأبو أيوب، وَيُقَالُ:
ذكوان بْن قيس. عَبْد الرَّحْمَن بْن عوف وسعد بْن الربيع. سعد بْن أَبِي وقاص وسعد بْن مُعَاذِ. عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود ومعاذ بن جبل. أبو بكر الصديق وخارجة ابن زَيْد بْن أَبِي زُهَيْر صهره. طلحة بْن عُبَيْد اللَّه وأبيّ بْن كعب. صهيب والحارث ابن الصمة. أَبُو سَلَمة بْن عَبْد الأسد وسعد بْن خيثمة. أرقم بْن أَبِي الأرقم وزيد ابن سهل أَبُو [2] طلحة. عُمَر بْن الخطاب وعويم بن ساعدة. سعيد بن زيد ابن عَمْرو بْن نفيل ورافع بْن مالك. عثمان بْن مظعون وأبو الهيثم بْن التيهان.
خنيس بْن حذافة وأبو عبس بْن جبر. أَبُو عبيدة بْن الجراح ومحمد بْن مسلمة الأوسي.
627- قَالُوا: وكان الَّذِي آخى بينهم تسعين رجلًا: خمسةً وأربعين من المهاجرين، وخمسة وأربعين من الأنصار. وَيُقَالُ إنه لم يبقَ من المهاجرين أحد إلا آخى بينه وبين أنصاري. وقوم يقولون: آخى بين أَبِي الدرداء وسلمان، وإنما أسلم سلمان فيما بين أحد والخندق. وقَالَ الواقدي: والعلماء ينكرون المؤاخاة بعد بدر، ويقولون: قطعت بدر المواريث.
(الصلاة، والقبلة، والصوم، والخمر، وأول المولودين، والصفة) :
628- قَالُوا: وَقَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ والصلوات (ال) خمس [3] ركعتين ركعتين، فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ تمامها بعد شهر من قلوبه. فصارت صلاة المقيم أربعًا، وصلاة المسافر عَلَى حالها ركعتين.
629- وصُرفت القبلةُ إلى الكعبة من جهة بيت المقدس، فِي الظهر من يَوْم الثلاثاء للنصف من شعبان سنة اثنتين من الهجرة. وَيُقَالُ عَلَى رأس ستة عشر شهرًا، فِي منزل البراء بْن معرور. فَقَالَ اليهود: «آمنوا بما جاء محمد أول النهار،
__________
[1] خ: قيس.
[2] خ: أبى.
[3] خ: خمس.(1/271)
واكفروا بِهِ آخره» . فأنزل اللَّه الآيتين [1] . وقوم يقولون: صرُفت فِي صلاة الصبح. والأول أثبت.
630- وفُرض صيام شهر رمضان فِي شعبان سنة اثنتين من الهجرة. وفي سنة أربع من الهجرة حُرمت الخمر.
631- وفي سنة اثنتين من الهجرة وُلد عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر بالمدينة. وفيها وُلد النعمان بْن بشير. وهما أول مولودين بالمدينة فِي الْإِسْلَام مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
632- قَالُوا: وكان مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قوم فقراء، لا منازل لهم. وكانوا فِي صفة، يأوون إليها فِي المسجد. منهم واثلة بن الأسقع الكنانى، أبو قرصافة، وأبو هريرة، وأبو ذرّ ويختلف فِيهِ. وكان منهم نُبَيْط بْن شَرِيط الأشجعي [2] . وكان منهم طلحة بْن عَمْرو الليثي، وَيُقَالُ: طلحة بْن عُبَيْد اللَّه، ونزل البصرة.
633- حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ صَدَقَةَ الْقُرَشِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عن واثلة ابن الأَسْقَعِ قَالَ:
كُنْتُ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ، وَمَا مِنَّا إِنْسَانٌ يَجِدُ ثَوْبًا تَامًّا، قَدْ جَعَلَ الغبار والعرق في جلودنا طرقا.
634- وحدثنا/ 128/ هِشَامٌ، ثنا أَبُو حَفْصٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي قَسِيمَةَ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَ، قَالَ:
كُنْتُ فِي مَحْرَسٍ يُقَالُ لَهُ الصَّفَّةِ وَنَحْنُ عِشْرُونَ رَجُلا. نَابَنَا [3] جُوعٌ.
وَكُنْتُ أَحْدَثَ أَصْحَابِي سِنًّا. فَبَعَثُونِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْكُو جُوعَهُمْ.
فَالْتَفَتَ فِي بَيْتِهِ، فَقَالَ: هَلْ مِنْ شَيْءٍ؟ قالوا: نعم، ها هنا كِسْرَةٌ أَوْ كِسَرٌ، وَشَيْءٌ مِنْ لَبَنٍ. قَالَ: فَأْتُونِي بِهِ. فَفَتَّ الْكِسَرَ فَتًّا دَقِيقًا، ثُمَّ صبّ عليه اللبن، ثم
__________
[1] راجع القرآن آل عمران (3/ 72- 73) .
[2] خ: الأسجعى.
[3] خ: ما بنا.(1/272)
جَبَلَهُ [1] بِيَدِهِ حَتَّى جَعَلَهُ كَالثَّرِيدِ، ثُمَّ قَالَ: يَا وَاثِلَةُ، ادْعُ عَشَرَةً مِنْ أَصْحَابِكَ، وَخَلِّفْ عَشَرَةً. فَفَعَلْتُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْلِسُوا بِسْمِ اللَّهِ.
فَجَلَسُوا. [فَقَالَ: كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ مِنْ حَوَالَيْهَا، وَاعْفُوا رَأْسَهَا فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَأْتِي مِنْ فَوْقِهَا] .
قَالَ: فَرَأَيْتُهُمْ يَأْكُلُونَ حَتَّى تَمَلُّوا [2] شِبَعًا. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: انصرفوا إلى مكانكم، وابعثوا أصحابكم. فأمرهم بمثل الَّذِي أَمَرَ بِهِ الأَوَّلِينَ. فَأَكَلُوا حَتَّى مَلُّوا [3] شِبَعًا، وَإِنَّ فِيهَا لَفَضْلَةً وَقُمْتُ مُتَعَجِّبًا مِمَّا رَأَيْتُ.
635- وكان عباد بْن خَالِد الغفاري من أهل الصفة. ومات أيام معاوية. وكان مهم ربيعة بْن كعب الأسلمي خادم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صحبه قديمًا.
وبقي إلى آخر أيام الحرة. وكان منهم جرَهد بْن رَزاح الأسلمي أَبُو عَبْد الرحمن، بقي إلى زمن معاوية. وَيُقَالُ: إلى زمن يزيد. ويعيش بْن طِخفة الغفاري.
باب الأذان:
636- قَالُوا: وائتمر رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه أن يجعلوا شيئًا للاجتماع للصلاة. فَقَالَ بعضهم: الناقوس. وقَالَ بعضهم: البوق. فروي أن عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه رَأَى فِي نومه أن لا يجعلوا شيئًا من ذلَكَ، وأن يؤذّنوا بالصلاة. فأتى رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجد بلالًا يؤذن. [فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، حين قص رؤياه: سبقك الوحي يا عُمَر] .
637- وَقَدْ رُوِيَ أيضًا أن عَبْد اللَّه بْن زَيْد بْن ثعلبة الخزرجي رَأَى فِي النوم أَنَّهُ مرَ بِهِ رَجُل ومعه ناقوس، فقال لَهُ: أتبيع الناقوس؟ فَقَالَ الرجل: وما تصنع به؟ قال: أضرب ليجتمع المسلمون للصلاة. فَقَالَ: أجيئك بخير من ذَلِكَ؟
تَقُولُ: اللَّه أكبر اللَّه أكبر حتَّى تختم الأذان بلا إله إلا اللَّه. فأتى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليخبره، فوجد الوحيَ قَدْ سبقه بذلك. فأمر بلالًا، فأذّن.
638- قَالُوا: وكانت بالمدينة تسعة مساجد. فكانوا يصلون فيها، ويجّمّعون مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
__________
[1] جبله: لينه.
[2] كذا مرة «تملوا» ومرة «ملوا» .
[3] كذا مرة «تملوا» ومرة «ملوا» .(1/273)
أسماء المنافقين من الخزرج:
639- عَبْد اللَّه بْن أَبِيّ بْن سلول، رأس المنافقين، القائل: لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [1] . وسلول أم أبيّ، وهي خزاعية، وأبوه مالك بْن الحارث. جدّ بْن قيس، وهو القائل لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ ندبَ النَّاس إلى غزو تبوك، وذكر بناتَ الأصفر: ائذن لي ولا تفتني ببنات الأصفر [2] . [وقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبني سَلَمة: من سيدكم يا بني سَلَمة؟ قَالُوا: جدّ بْن قيس عَلَى بخل فِيهِ. فَقَالَ: «وأيّ داء أدوأ من البخل؟ سيدكم الأبيض الجعد بشر بْن البراء بْن معرور] » . عدي بْن ربيعة الَّذِي كَانَ يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورماه مرة بقذر، وكان أعمى. وابنه سويد بْن عدي. قيس بْن عَمْرو بْن سهل، حدثنى به [3] سَعِيد الْأَنْصَارِيّ المحدّث. سعد بْن زُرارة، وكان يدّخن على رسول صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشعر. زَيْد بْن عَمْرو. عقبة بْن قديم، حليف. وذكروا أن أبا قيس بْن الأسلت أتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السنة الأولى من الهجرة، فعرض/ 129/ عَلَيْهِ الْإِسْلَام. فَقَالَ: ما أحسن ما تَقُولُ وتدعو إِلَيْه، وسأنظر فِي أمري وأعود إليك. فلقيه ابْنُ أبيّ، فَقَالَ لَهُ: كرهتَ والله حرب الخزرج. فَقَالَ: لا أسلم سنة. فمات فِي ذي الحجة سنة إحدى.
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بن سلمة، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَأَخَذَ جِبْرِيلُ بِثَوْبِهِ، وَنَزَلَتْ: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) ، الآية [4] .
__________
[1] القرآن، المنافقون (63/ 5) .
[2] راجع القرآن، التوبة (9/ 49) .
[3] خ: بن. (لعله سعيد بن أبى زيد الأنصارى) .
[4] القرآن، التوبة (9/ 84) .(1/274)
المنافقون من الأوس
[1] :
640- ومن الأوس: الجلّاس بْن سويد بْن الصامت، من بنى حبيب بن عمرو ابن عوف. وكان عَبْد اللَّه بْن المجذّر بْن ذياد البلوى قتل أباه سويدًا فِي الجاهلية.
فلما كَانَ يَوْم أحد، قتل الجلاس بْن سويد: المجذر غيلة. فأخبر جبريل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، وأمره بقتل الجلاس بالمجذّر. فركب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بني عَمْرو بْن عوف فِي يَوْم حار، فخرجوا يسلمون عَلَيْهِ، وخرج الجلاس فِي ملاءة صفراء. فدعا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عويم بْن ساعدة، وأمره بقتله. فقدّمه إلى باب المسجد، فضرب عنقه. وكان الجلاس يَقُولُ: إن كَانَ هَذَا الرجل صادقًا، لنحن شرّ من الحمير. فبلغ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلَكَ. فحلف لَهُ أَنَّهُ ما قاله. فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ فِيهِ: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ) ، الآية [2] .
الحارث بْن سويد بْن الصامت، أخوه. يُقال إنه الَّذِي قتل المجذّر، فقتله رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن الجلاس كَانَ ممن تخلف عن غزاة تبوك. والقول الأول قول الكلبي. ودُريّ بْن الحارث [3] . بجاد بْن عثمان بْن عامر. نبتل بْن الحارث الَّذِي [قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من أحبّ أن ينظر إلى شيطان، فلينظر إلى نبتل] » وكان أدلم، ثائر الشعر، جسيمًا، أحمر العينين، أسفع [4] الخدّين. وكان ينقل حديث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المنافقين.
عَبْد اللَّه بْن نبتل، وهو الَّذِي كَانَ ينقل أيضًا حديث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الواقدي: وكان خارجة بْن زَيْد بْن ثابت يسقي النَّاس الماء المبرد بالعسل.
وكان عَبْد اللَّه القرّاظ، وهو فارسي سبي فِي خلافة عُمَر بْن الخطاب، يأتيه.
فإذا رآه، قَالَ: اسقوه. فيسقى. فجاء ذات يَوْم وَقَدْ حضر رَجُل من ولد عَبْد الله ابن نبتل، فجعل يهزأ بِهِ. وكان القراظ عظيم الرأس والأذنين، له خلقة منكرة،
__________
[1] راجع لهذا الباب والباب الماضى: ابن هشام، ص 355 وما بعد.
[2] القرآن، التوبة (9/ 74) .
[3] خ: الجرثن. (ولكن راجع بعد عدة أوراق) .
[4] أسفع: أسود.(1/275)
فَقَالَ لَهُ: من أنت يا فتى؟ قَالَ: رجل من الأنصار. قال: مرحبا بالأنصار، ممن [1] أنت منهم؟ قَالَ: أَنَا فلان بْن الحارث بن عبد الله بن نبتل. فقال:
«أما جدّك فلم ينصر، أعلمتَ ما نزل فِيهِ من القرآن؟ أما تدري ما صنعت بِهِ تراه فضحته. والله وهي الفاضحة» . قيس بْن زَيْد، قتل يَوْم أحد.
أبو حبيبة [2] بْن الأزعر، وكان ممن بنى [3] مسجد الضرار: ثعلبة بن حاطب ابن عَمْرو بْن عُبَيْد. معتب بْن قشير. وثعلبة ومعتب هما اللذان عاهدا اللَّه لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ [4] . ومعتب هُوَ الَّذِي قَالَ يَوْم أحد: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنا هاهُنا [5] . وهو القائل يَوْم الأحزاب: يعدنا مُحَمَّد كنوز قيصر، وأحدنا لا يقدر عَلَى إتيان الغائط، ما هَذَا إلا غرور [6] . وَيُقَالُ إنّ جد بْن قيس القائل ذَلِكَ. ورافع بْن زَيْد.
وفيه وفي معتب ونفر من أصحابهما نزلت: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) ، الآيتين [7] وكان خصماؤهم دعوهم فِي خصومتهم إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأبوا ذَلِكَ وقالوا: نتحاكم إلى كعب بْن الأشرف. فسماه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاغوتًا. وفي رواية أخرى: فسماه اللَّه. وَيُقَالُ إنهم دعوهم إلى الكاهن. وجارية ابن عامر بن مجمّع (بن العطاف، وبنوه يزيد وزيد ومجمع. وهم ممن اتخذ مسجد الضرار. / 130/ وكان مجمع بْن جارية قَدْ قَرَأَ القرآن، فكان يصلي بهم فِيهِ. وَيُقَالُ إنّ مجمع بْن جارية لم يكن منافقًا. وَيُقَالُ إنه نافق ثُمَّ صح إسلامه، وعني بالقرآن حتَّى حفظه. ومربع بْن قيظي القائل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحرجُ عليك أن تمرّ فِي حائطي. وهو القائل يوم الخندق: «إِنَ
__________
[1] خ: من.
[2] خ: حسه. (والتصحيح من ابن هشام والطبرى) .
[3] خ: بنى في.
[4] القرآن، التوبة (9/ 75) .
[5] القرآن، آل عمران (3/ 154) .
[6] راجع القرآن، الأحزاب (33/ 12) .
[7] القرآن، النساء (4/ 60- 61) .(1/276)
بُيُوتَنا عَوْرَةٌ [1] . فأذن لنا فِي المقام» . وَيُقَالُ إنّ الَّذِي قال ذلك بالخندق معتب ابن قشير. ومربع هَذَا عم عرابة بْن أوس بن قيظى الجواد الذى مدحه الشماخ ابن ضرار. وكان عرابة قَدْ أقبل من الطائف، ومعه أبعرة عليها زبيب وأدم.
فعنّ لَهُ الشماخ بْن ضرار، فاستطعمه من الزبيب. فَقَالَ: خذ برأس القطار.
فَقَالَ الشماخ: أتهزأ بي؟ فَقَالَ: خذ عافاك اللَّه برأس القطار، فهو لَكَ.
فأخذ الإبل بما عليها، وقَالَ [2] :
رَأَيْت عَرَابة الأوسيّ ينمى [3] ... إلى الخيرات مُنقطع القرين
وعباد بْن حنيف بْن واهب بْن العكيم، أخو عثمان وسهل ابنى حنيف ابن واهب. وكان عباد ممن بنى مسجد الضرار. وفيه نزلت: إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ [4] » . وخِذام بْن خَالِد. وهو أخرج مسجد الضرار من داره. وَيُقَالُ إن الَّذِي أَخْرَجَهُ من داره وديعة بْن خذام. ورافع وبشير ابنا زياد. وقيس بْن رفاعة الشَّاعِر، وكان يختلف هُوَ والضحاك بْن حنيف إلى كنيسة يهود، فأصاب عينه قنديل، فذهبت. وحاطب بْن أمية بْن رافع بْن سويد الَّذِي قيل لابنه، وحمل مرتثًا: أبشر بالجنة. فَقَالَ حاطب: جنة من حرمل، لا يغرّنك [5] هَؤُلَاءِ يا بني. وبشر بْن أُبيرق الظفري. وهو أَبُو طعمة. واسم الأبيرق الحارث ابن عَمْرو بْن حارثة بْن الهيثم بْن ظفر. واسم ظفر: كعب. وكان بشر شاعرًا منافقًا.
حدثني خلف بْن سالم المخزومي، عَنْ وهب بْن جرير بْن حازم، عَنْ أبيه، عن الْحَسَن قَالَ: سرق ابْنُ أبيرق درعا من حديد، ثم ثُمَّ رمى بها رجلًا بريئًا. فجاء قومه إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعذروه عنده، فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ فِيهِ:
(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ. بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ
__________
[1] راجع القرآن، الأحزاب (33/ 13) .
[2] الاستيعاب رقم 2187 عرابة بن أوس. وزاد أبياتا.
[3] كذا في أصل العبارة، وبالهامش: «يسمو معا» . أى كلاهما الرواية.
[4] القرآن، التوبة (9/ 65) .
[5] نعرفك.(1/277)
خَصِيماً، إلى قوله (وَساءَتْ مَصِيراً [1] . فلما أنزلت فِيهِ هَذِهِ الآيات، لحق بالمشركين، فمكث بمكة زمينًا، ثُمَّ نقب عَلَى قوم بيتهم ليسرق متاعهم. فألقى اللَّه عَلَيْهِ صخرة فشدخته، فكانت قبره.
وروى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [2] ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ الظَّفَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ قتادة بن النعمان بن زيد ابن عَامِرِ بْنِ سَوَادِ بْنِ ظَفَرٍ قَالَ:
كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَّا ذَوُو فَاقَةٍ، يُقَالُ لَهُمْ بَنُو أُبَيْرِقٍ: بِشْرٌ، وَبَشِيرٌ، وَمُبَشِّرٌ. وَكَانَ بِشْرٌ مُنَافِقًا يَهْجُو أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يُنْحِلُهُ بَعْضَ الْعَرَبِ. فَإِذَا سَمِعَهُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالُوا: وَاللَّهِ مَا قَالَهُ إِلا الْخَبِيثُ بِشْرٌ. فقال:
أو كلما قال الغواة قصيدة ... أصموا وقالوا ابن الأبيرق قالها
[3]
متغصّبين [4] كَأَنَّنِي أَخْشَاهُمْ ... جَدَعَ الإِلَهُ أُنُوفَهُمْ فَأَمَالَهَا
قَالَ: فابتاع رفاعة بْن زَيْد بْن عامر، عمي، جملًا من دَرْمَك من ضافطة قدمت من الشام. وإنما كَانَ طعام النَّاس بالمدينة الشعير والتمر. فكان الموسر منهم يبتاع من الدرمك ما يخصّ بِهِ نفسه. فجعل عمي ذَلِكَ الدرمك فِي مشربة لَهُ، وفيها درعان وسيفان وما يصلحهما. فعُدي عَلَيْهِ من تحت الليل، فنقبت المشربة وأخذ الطعام والسلاح. فلما أصبح، أتانى فقال: يا ابن أخي تعلم أَنَّهُ قَدْ عُدي علينا فِي ليلتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا. فتحسسنا [5] فِي الدار وسألنا. فقيل لنا: قَدْ رأينا بني/ 131/ أبيرق استوقروا فِي هَذِهِ الليلة، ولا نرى ذَلِكَ إلا من طعامكم. قَالَ: وجعل بنو أبيرق ونحن نبحث ونسأل فِي الدار، يقولون: والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بْن سهل بْن الحارث بْن عروة بْن
__________
[1] القرآن، النساء (4/ 105- 115) .
[2] لم يذكره ابن هشام إلا بسطر واحد (راجع ص 359) ولكن نقله السهيلي (2/ 28- 29) عن ابن إسحاق. راجع أيضا تفسير الطبرى (ج 5، للآية 4/ 157) وتفسير ابن كثير، ج 1، ص 551) .
[3] تفسير الطبرى ج 5، ص 157 (خ: اضموا. والإصماء الوثوب والإسراع) .
[4] خ: متعصبين (بالعين المهملة) .
[5] خ: متجسسين (بالجيم) .(1/278)
عَبْد رَزاح بْن ظفر. وكان للبيد صلاح وإسلام. فلما سَمِعَ لبيد قولهم، اخترط سيفه وقَالَ: أَنَا أسرق؟ والله ليخالطنكم سيفي أَوْ لتبيننّ [1] هَذِهِ السرقة. قَالُوا:
إليك عنا أيها الرجل، فلستَ بصاحبها. فسألنا وفحصنا، حتَّى لم نشكَ فِي أن بني أبيرق أصحابها. فَقَالَ عمي: لو أتيتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته؟
قَالَ قَتَادَة: فأتيتُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ له: يا رَسُول اللَّه إنّ أهل بيت منا ذوي فاقة وجفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بْن زَيْد، فنقبوا مشربة لَهُ وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا السَّلاح، ولا حاجة لنا فِي الطعام. [ (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سآمر في ذلك) ] [2] فلما سَمِعَ بنو أبيرق بذلك، أتوا رجلًا منهم يُقال لَهُ أسير بْن عروة، فكلموه. فانطلق وجماعة من أهل الدار معه إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكلموه فِي ذلك، وقالوا: إنّ قتادة ابن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح، فرمياهم بالسرقة عن غير ثبت ولا بينة. قَالَ قَتَادَة: وأتيتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكلمته.
فتجهمني، [وقَالَ: بئس ما صنعتَ وما أتيتَ بِهِ ومشيتَ فِيهِ:] عمدت إلى أهل بيت ذكر لي عَنْهُمْ صلاح وإسلام ترميهم بالسرقة عَلَى غير ثبت ولا بينة. قَالَ:
فرجعتُ وأنا أودّ أني خرجتُ من جلّ مالي ولم أكلم [3] رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذَلِكَ. وأتاني عمي، فقال: ما صنعتَ؟ فأخبرته بِقَوْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اللَّه المستعان. ولم أتلبث أن نزل: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً، يعنى بنى أبيرق- (وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ- أي مما قلتَ لقتادة- إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً- يعني بني الأبيرق- يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً. ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
- يعنى بشيرا وأصحابه- فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ
__________
[1] خ: لتستى. (والتصحيح عن الطبرى وابن كثير) .
[2] الزيادة عن تفسير ابن كثير.
[3] خ: لمواطم. (والتصحيح عن تفسير الطبرى وابن كثير) .(1/279)
عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ
- أي عن بني أبيرق أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا؟ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً. (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ، وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) [1] وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً
- قولهم للبيد بن سهل- (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ،
يعني بشيرا وأصحابه. قَالَ: فلما نزل القرآن، اشتد بنو ظفر عَلَى بني أبيرق حتَّى أخرجوا السلاح. فأتى بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فردّه إلى رفاعة. قَالَ قَتَادَة: فأتيت عمي بالسلاح، وكنتُ أرى أن إسلامه مدخول. فَقَالَ: يا ابْن أخي، هُوَ فِي سبيل اللَّه. فعرفتُ أن إسلامه صحيح. قَالَ: ولحق بشر بْن أبيرق- وهو يصغر فيقال: بُشَيّر- بالمشركين. فنزل بمكة عَلَى سلافة بِنْت سعد بْن شهيد، أخت عمير بْن سعد ابن شهيد، وهو من بني عَمْرو بْن عوف، من [2] الأوس، وكانت سلافة تحت طلحة بْن أَبِي طلحة العبدري. فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ.
وَساءَتْ مَصِيراً. إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً) [3] . ولما نزل بشر عَلَى سلافة، كَانَ يقع/ 132/ فِي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول فِي رَسُول اللَّه، فهجاه حسان بْن ثابت، ورمى سلافة بِهِ. فأخذت رحله، فوضعته عَلَى رأسها، ثُمَّ خرجت فرمت بِهِ فِي الأبطح، وقالت: «أهديتَ إليَّ شعر حسان. ما كنتَ لتأتيني بخير» . قَالَ حسان [4] :
وما سارق الدرعين إن كنت ذاكرًا ... بذي كرم عند الرجال أوادعه
لقد أنزلته بنتُ سعد فأصبحت ... ينازعها جلد استه وتنازعه
__________
[1] سقطت الآية في الأصل سهوا من الناسخ.
[2] خ: بن.
[3] القرآن، النساء (4/ 115- 116) .
[4] ديوان حسان (وليس فيه البيت السادس) ، ق 37 ب 1، 2، 3، 4، 5- 6، السهيلي 2/ 29، مع اختلافات.(1/280)
فهلا بُشيّر حيث جاءك راغبًا ... إليه ولم تعمد لَهُ فترافعه
ظننتم بأن يخفي الَّذِي قَدْ فعلتم ... وفيكم نبيّ مفلحّ من يتابعه
ولولا رجال منكم أن يسوءهم ... هجائى لقد جلت عليكم طوالعه
وجدناهم يرجونكم قد علمتم ... كماء الغيث يرجيه السمين ويانعه
وأن تذكروا كعبًا إِذَا ما نسيتم ... فهل من أديم ليس فِيهِ أكارعه
وَقَدْ روى أن الَّذِي رماه بنو أبيرق بالدرعين يهودي يُقال لَهُ النعمان بْن مهض [1] . وليس بثبت. وقَالَ بعض الظفريين:
بنى الأبرق المشئوم هلّا نهيتم ... سفيهكُم عن آل زَيْد بْن عامر
أردتم بأن ترموا ابْنُ سهل بغدرة ... جهارًا. ومن يُغْدر فليس بغادر
الضحاك بْن خليفة الأشهلي. وقزمان، حليف بني ظفر، ولا يعرف نسبه، ويكنى أبا الغيداق. رمى يَوْم أحد زرارة بْن عمير العبدري- وَيُقَالُ يزيد بْن عمير- فقتله، وقتل قاسط بْن شريح العبدري، وقطع يد صؤاب الحبشي مَوْلَى بني عَبْد الدار ثُمَّ رماه فقتله. وكان قزمان قَدِ امتنع من الخروج يَوْم أحد حتَّى عيرته النساء، وقلن: إنَّما أنت امْرَأَة. فأخذ سيفه وقوسه، وقاتل حمية وأنفة لقومه، وجعل يَقُولُ: قاتلوا، معشر الأوس، عن أحسابكم فالموت خير من العار والفرار. [وكان النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قزمان فِي النار] .
وأثبتَ يَوْم أحد، فحمل إلى دار بني ظفر، فقيل لَهُ: أبشر أبا الغيداق بالجنة، فقد أبليتَ اليوم وأصابك ما ترى. فَقَالَ: «أي جنة؟ والله ما قاتلت إلا حمية لقومي» . فلما اشتد بِهِ الوجع، أخرج سهمًا من كنانته فقطع بِهِ رواهش يده، فقتل نفسه. وفيه [يَقُولُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن اللَّه ليؤيد هَذَا الدين بالرجل الفاجر.] وأبو عامر عَبْد عَمْرو بْن صيفي بْن النعمان، من الأوس. وكان يناظر أهل الكتاب، ويميل إلى النصرانية، ويتتبع الرهبان ويألفهم، ويُكثر الشخوص إلى الشام، فسُمّي الراهب. فلما ظهر أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حسده، ومرّ إلى مكَّة وقاتل مع قريش. ثم أتى الشأم،
__________
[1] كذا في الأصل. وفي تفسير الطبرى (5/ 158) : «زيد بن السمير» :
(5/ 162) : «زيد بن السمين» .(1/281)
فمات هناك. فتخاصم فِي ميراثه كنانةُ بْن عبد يا ليل الثقفى، (وكان ممن حسد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشخص إلى الشام) ، وعلقمةُ بْن عُلاثة وكان بالشام أيضًا وكان مسلمًا، وَيُقَالُ: بل كَانَ مشركًا ثُمَّ إنه أسلم حين قدم، فأتى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبايعه.
حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جَدّه إنه حُكم بميراث أَبِي عامر لكنانة بن عبد يا ليل لأنَّه من أهل المدر.
وحرمه علقمة لأنه بدوي. وكان الحاكم بذلك صاحبُ الروم بدمشق.
وقوم يقولون: إنه اختصم فِي ميراثه كنانةُ وعامرُ بْن الطفيل. وذلك غلط، لأن عامرًا أتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه أربد بْن قيس. وهما يريدان برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرًا، حال اللَّه بَيْنَهُما وبينه. فدعا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهما. فأمَّا أربد، فأصابْته صاعقة فأحرقته. وأمَّا عامر فأصابته غدَّة كغدة البعير فِي عنقه، فمات. وذلك فِي سنة خمس. وقَالَ الهيثم بْن عدي:
كَانَ أَبُو عامر/ 133/ يهمّ بادّعاء النبوة. فلما ظهر أمرُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهاجر، حسده فهرب إلى مكَّة فقاتل، ثُمَّ أتى الشام. وقَالَ الواقدي:
هرب أَبُو عامر إلى مكَّة، فكان يقاتل مَعَ المشركين. فلما فُتحت مكَّة، هرب إلى الطائف. فلما أسلموا، هرب إلى الشام. فدفع ميراثه إلى كنانة ابن عبد يا ليل الثقفى، وكان ممن هرب أيضا.
[مسجد الضرار]
حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، أنبأ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، أنبأ أَيُّوبُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ بَنِي عمرو بن عوف ابتنوا مسجدا، فيصلى بِهِمْ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمَ. فَحَسَدَهُمْ بَنُو إِخْوَتِهِمْ بَنُو غَنْمِ بْنِ عوف، فقالوا: بَنَيْنَا أَيْضًا مَسْجِدًا، وَبَعَثْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِنَا فِيهِ كَمَا صَلَّى فِي مَسْجِدِ أَصْحَابِنَا، وَلَعَلَّ أَبَا عَامِرٍ أَنْ يَمُرَّ بِنَا إِذَا أَتَى مِنَ الشَّامِ فَيُصَلِّيَ بِنَا فِيهِ. فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَنْطَلِقَ إِلَيْهِمْ، أَتَاهُ الْوَحْيُ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ فِيهِمْ: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [1] . قال: هو أبو عامر.
__________
[1] القرآن، التوبة (9/ 107) .(1/282)
حدثنا عفان بن مسلم، ثنا حماد بن سَلَمَةَ، أنبأ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ:
فِي هَذِهِ الآيَةِ: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ، قَالَ: كَانَ سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ بَنَى مَسْجِدَ الأضرار [1] ، وَكَانَ مَوْضِعُهُ لِلَبَّةٍ، تَرْبِطُ فِيهِ حِمَارَهَا. فَقَالَ أَهْلُ مَسْجِدِ الشِّقَاقِ: أَنَحْنُ نَسْجُدُ فِي مَوْضِعٍ كَانَ يُرْبَطُ فِيهِ حِمَارُ لَبَّةٍ؟ لا، وَلَكِنَّا نَتَّخِذُ مَسْجِدًا نُصَلِّي فِيهِ حَتَّى يَجِيئَنَا أَبُو عَامِرٍ فَيُصَلِّي بِنَا فِيهِ. وَكَانَ أَبُو عَامِرٍ قَدْ فَرَّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، ثُمَّ لَحِقَ بِالشَّامِ، فَتَنَصَّرَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ، يَعْنِي أَبَا عَامِرٍ. قَالُوا:
فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، إِلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، فَهَدَمَهُ. قَالُوا: وَحَضَرَ قَوْمٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ مَسْجِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعلوا يضحكون ويلعبون ويهزءون، فَأَمَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِهِمْ فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ إِلَى قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو، فَجَرَّ بِرِجْلِهِ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ. وَقَامَ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ إِلَى زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ طَوِيلَ اللِّحْيَةِ، فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَادَهُ بِهَا قَوْدًا عَنِيفًا، حَتَّى أَخْرَجَهُ. وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إِلَى دُرِّيِّ ابن الْحَارِثِ، فَأَخْرَجَهُ، فَأُخْرِجُوا جَمِيعًا.
641- حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزهراني، ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ [عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَثَلُ الْمُنَافِقِ مَثَلُ الشَّاةِ الْعَابِرَةِ بَيْنَ الْقَطِيعَيْنِ.]
أسماء عظماء يهود:
من بنى النضير:
حيىّ، ومالك، وأبو ياسر، وجديّ بنو أخطب. وفيهم وفي نظرائهم نزل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ،
__________
[1] خ: الضرار. (لعله كما أثبتناه) . وفي تفسير الطبرى: «لذى النحلة والحاجة» .
وسعد بن خيثمة من كبار الصحابة.(1/283)
إلى قوله: (عَذابٌ عَظِيمٌ [1] . وسلام بْن مَشْكَم الَّذِي نزل عَلَيْهِ أبو سفيان ابن حرب بْن أمية، فَقَالَ فِيهِ أَبُو سُفْيَان.
سقاني فرواني عُقارًا سلافةً ... عَلَى ظمأ مني سلام بْن مشكم
وامرأة سلام هَذَا، واسمها زينب بنت الحارث، هي التي أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاةً مسمومة. وكنانة، وربيع، ورافع، وأبو رافع (واسمه سلام) بنو أَبِي الحقيق. وكعب بْن الأشرف الطائي، من بني نبهان، حليف بني النضير، وأمه عُقيلة بِنْت أَبِي الحقيق. وكان أَبُوهُ أصاب دمًا فِي قومه، فأتى المدينة. وكان كعب طوالًا، جسيمًا، ذا بطن وهامة ضخمة. وهو الَّذِي قَالَ يَوْم بدر: بطن الأرض خير من ظهرها، هَؤُلَاءِ ملوك النَّاس وسرواتهم- يعنى قريشا- قد أصيبوا. فخرج إلى مكَّة، ونزل عَلَى أَبِي وداعة بْن ضبيرة، وجعل يهجو المسلمين، ورثى قتلى بدر فَقَالَ [2] :
/ 134/ طحنت رحى بدر مهلك أهله ... ولمثل بدر تستهلُّ وتدمعُ
قتلت سراة النَّاس حول حياضهم ... لا تبعدوا إن الملوك تُصَرَّع
ويقول أقوام غوى أمرهم ... إنّ ابْنُ أشرف ظلّ كعبًا يجزع
صدقوا فليت الأرض ساعة قُتلوا ... ظلت تسيخ بأهلها وتصدّع
نبئتُ أنّ الحارث بن هشامهم ... في الناس يبنى الصالحات ويجمع
ليزور يثرب بالجموع وإنما ... يسعى عَلَى الحسب القديم الأروع
فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسان بهجاء من نزل كعب عنده، حتَّى رجع إلى المدينة. وكان كعب كما وصفنا. حجاج، ويجرى ابنا عَمْرو.
أَبُو رافع. سعد بْن حنيف، كَانَ متعوذًا بالإسلام. رفاعة بْن قيس. فنحاص الَّذِي سَمِعَ قول اللَّه: وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً* [3] ، فَقَالَ: أرانا أغنى من ربّ مُحَمَّد حين يستقرض منا، فنزلت فيه: لقد كفر الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا) [4] . محمود بن دحية. عمرو بن جحاش.
__________
[1] القرآن، البقرة (2/ 6- 7) .
[2] ابن هشام، ص 548- 549 وزاد أبياتا، والبيتان الأخيران أيضا عند مصعب الزبيري، ص 301.
[3] القرآن، المزمل (73/ 20) .
[4] القرآن، آل عمران (3/ 181) .(1/284)
عزيز بن أبى عزيز. نباش بْن قيس. سعية. بْن عَمْرو. نعمان بْن أوفى.
سكين بْن أَبِي سكين. زَيْد بْن الحارث. رافع بْن خارجة. أسير بْن زارم، وَيُقَالُ: رزام، كَانَ يحرّض عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويبسط لسانه فِيهِ، ثُمَّ أتى خيبر فبعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قتله، وعدَّة من اليهود معه. مخيريق الَّذِي أسلم وقاتل مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد، وأعطاه ماله، فوقفه، وَيُقَالُ إنه من غير بني النضير.
643- ومن بنى قينقاع:
كنانة بن صوبرا [1] ، وَيُقَالُ: صُوريا. زَيْد بْن اللصيت الَّذِي قَالَ: «زعم مُحَمَّد إنه يأتيه خبرُ السماء، فضّلت ناقته فليس يدري أَيْنَ هِيَ؟» . فدله اللَّه عليها، فوجدت وَقَدْ تعلق خطامها بشجرة. سويد، وداعس كانا منافقين يتعوذان بالإسلام. مالك بْن أَبِي قوقل، كَانَ متعوذًا بالإسلام ينقل أخبار النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى يهود، وهو حبر من أحبارهم [2] .
وَيُقَالُ إنّ مخيريق منهم.
644- ومن بني قريظة:
الزبير بن باطا بن وهب. كعب بن أسد. عزال [3] ابن شمويل. سهل بْن زَيْد. وهب بْن زَيْد. عليّ بْن زَيْد. قَرْدَم بْن كعب.
كردم بْن حبيب. رافع بْن رميلة. رافع بْن حريملة، متعوّذ، وهو الَّذِي [قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم مات: «لقد مات اليوم منافق عظيم النفاق] » .
لبيد بْن أعصم الَّذِي كَانَ يتعاطى السحر. سلسلة بْن أبراهام، وبعضهم يَقُولُ بهرام، والأول أصح. وكان سلسلة متعوّذا. رفاعة بْن زَيْد بْن التابوت. الحارث ابن عوف. سعية بْن عَمْرو منهم، وهو القائل:
يخبرني عن غائب المرء هديه ... كفى مخبرًا عن غائب المرء ما يبدي
وَيُقَالُ إن هذا الشعر لسعية بْن عَمْرو النضري.
645- ومن بني حارثة بن الحارث بْن الخزرج بْن عَمْرو بْن مالك بْن الأوس:
أبو [4] سنينة.
__________
[1] كذا في الأصل بالباء. لعله «هويرا» ، بالياء المثناة التحتانية:
[2] خ: خبر من أخبارهم (بالخاء المعجمة) .
[3] خ: عراك (والتصحيح عن تاريخ الطبرى، ص 1496) .
[4] وفي تأريخ الطبرى: ابن.(1/285)
646- ومن بني عَبْد الأشهل:
يوشع. وكان يبشر بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فلما بعث، آمن بِهِ بنو عَبْد الأشهل سواه. وفيه وفي ضرباء لَهُ نزل: فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) ، إلى قوله (وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) [1] .
647- قالوا: وكان رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ عند قدومه المدينة وادع يهودها، وكتب بينه وبينهم كتابًا، واشترط عليهم أن لا يمالئوا عدَّوه وأن ينصروه عَلَى من دهمه وأن لا يقاتل عن أهل الذمة. فلم يحارب أحدًا، ولم يهجه [2] ، ولم يبعث سرية حتَّى أنزل اللَّه عزَّ وجلَّ عَلَيْهِ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ (لَقَدِيرٌ)) ، إلى قوله (وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ [3] ) . فكان أول أيام عقده لواء حمزة بْن عَبْد المطلب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ.
حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ أَبُو [4] الْحَارِثِ، ثنا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
أَوَّلُ آيَةٍ/ 135/ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) .
وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأَيْلِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ أَوَّلَ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْجِهَادِ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) ، إِلَى قَوْلِهِ (لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [5] ) .
__________
[1] القرآن، البقرة (2- 89- 90) .
[2] يهجمه؟
[3] القرآن، الحج (22/ 39- 41) .
[4] خ: ابن. (والتصحيح عن تهذيب التهذيب لابن حجر، ج 3، رقم 857) .
[5] القرآن، الحج (22/ 39- 40) .(1/286)
بسم الله الرحمن الرحيم
غزوات رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
648- غَزَاةَ الأبواء، وهي غزاة وَدّان.
خَرَجَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صفر عَلَى رأس اثني عشر شهرًا من هجرته يريد عيرًا لقريش. فبلغ هذين الموضعين، وبينهما ستة أميال. ولم يلق كيدًا. فانصرف إلى المدينة. وكان خليفته عليها فِي هَذِهِ المرة سعد بْن عبادة الخزرجي. وغاب عَنْهَا خمس عشرة ليلة. وفي هَذِهِ الغزاة وادع بني ضمرة بن كنانة عَلَى أن لا يغزوهم ولا يغزونه وألا يعينوا عَلَيْهِ أحدًا.
649- ثُمَّ غزاة بُواط.
خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شهر ربيع الأول سنة اثنتين من الهجرة في طلب غير لقريش، فيها أمية بْن خلف الجمحي ومائة رجل من قريش. فلم يلق كيدا. وكان الخليفة عَلَى المدينة سعد بْن مُعَاذِ الأوسي، من ولد النبيت، من بني عَبْد الأشهل بْن جشم بن الحارث بن الخزرج ابن النبيت، واسمه عَمْرو بْن مالك بْن الأوس.
650- ثُمَّ غزاة سَفْوان.
خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شهر ربيع الأول أيضًا فِي طلب كرز بْن جَابِر الفهري، وَقَدْ أغار عَلَى سرح المدينة وكان يرعى بالجماء ونواحيها، حتَّى بلغ بدرًا. ثُمَّ رجع ولم يلق كيدًا. ولم يدرك السرح.
وكان خليفته عَلَى المدينة زَيْد بْن حارثة الكلبي مولاه.
651- ثُمَّ غزاة ذي العُشيرة،
وَيُقَالُ ذات العشيرة فِي جمادى الآخرة سنة اثنتين.
خرج صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليها لطلب عير قريش، التي كَانَ القتال يَوْم بدر بسببها، فِي مائة وخمسين ندبهم. وَيُقَالُ فِي مائتين. ولم يكن معهم غير فرس واحد. ومر بنى مدلج [1] فضيفوه وأحسنوا ضيافته ففاتته العير ولم يلق كيدا.
وكان خليفته بالمدينة أبو سلمة بن [2] عبد الأسد المخزومي.
__________
[1] خ: ومن بنى المدلج. (والتصحيح للأستاذ عبد الرحمن البدوى، من مصر) .
[2] خ: في.(1/287)
652- ثُمَّ غزاة بدر القتال.
وبدر ماء كَانَ ليخلد بْن النضر، وَيُقَالُ لرجل من جُهينة. واسم الوادي الَّذِي هُوَ بِهِ يليل [1] . وبين بدر والمدينة ثمانية برد. قَالُوا:
وتحين رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انصراف العير التي خرج لها إلى ذي العشيرة من الشام، فندب أصحابه لها وقَالَ: هَذِهِ عير قريش قَدْ أقبلت وفيها جلّ أموالهم. وكانت العير ألف بعير. وكان فِي العير أَبُو سفيان بن حرب، ومخرمة ابن نوفل الزُّهْرِيّ، وعمرو بْن العاص وغيرهم من الوجوه. ولم يظنّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أنه يحارب. فذلك قول اللَّه تبارك وتعالى: «وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ» . وكان خروجه من المدينة يَوْم الأحد لاثنتي عشرة.
ليلة خلت من شهر رمضان سنة اثنتين. وأبطأ عن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوم من أصحابه إذ لم يحسبوا [2] أنهم يحاربون. وهم أسيد بْن حضير الأوسي، وسعد بْن عبادة، ورافع بْن مالك، وعبد اللَّه بْن أنيس، وكعب بْن مالك، وعباس بْن عبادة بْن نضلة، ويزيد بْن ثعلبة أَبُو عَبْد الرَّحْمَن. ولما رَجَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، هنّاه أسيد بنصر اللَّه وإظهاره إياه عَلَى عدوه، واعتذر من تخلفه، وقَالَ: إنَّما ظننتُ أنها العير ولم أظن أنك تحارب. فصدّقه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ خُبيب بْن إساف ذا بأس (و) نجد، ولم يكن أسلم ولكنه خرج منجدًا لقومة من الخزرج طالبا للغنيمة. [فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يصحبنا إلا من كَانَ عَلَى ديننا.] فأسلم وأبلى.
وعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه حين برز من المدينة، فاستصغر عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن الخطاب، وأسامة بْن زَيْد مولاه، ورافع بْن خديج، والبراء بْن عازب، وأسيد بْن ظهير، وزيد بْن أرقم، وزيد بْن ثابت فلم يجزهم. وردّ عمير بْن أَبِي وقاص، فبكى، فأجازه، / 136/ فكان سعد ابن أَبِي وقاص أخوه يَقُولُ: لقد عقدتُ حمائل سيفه، وإنما لتقصر، وذلك لصغره. ووجه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه، وسعيد بن زيد ابن عمرو يتحسسان خبر قريش والعير. فقد ما المدينة ثم شخصا منها فلقيا
__________
[1] خ: بليل.
[2] خ: إذا لم يحسنوا.(1/288)
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو قافل، فضرب لهما بسهمهما فِي المغنم وبأجرهما.
وضرب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعثمان بْن عفان بسهمه وأجره، وكان خلفه عَلَى امرأته رقية بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكانت مريضة مرضها الَّذِي توفيت فِيهِ. وضرب لبَسْبَس بْن عَمْرو [1] ، وعدي بْن أَبِي الزغباء الجهنيين بسهمهما وأجرهما، وبعث بهما ليعرفا خبر العير ومن فيها من قريش وهم ثلاثون رجلًا، ومن فيها من غيرهم، وإلى أَيْنَ بلغت. فعرفا ذَلِكَ. ثُمَّ أقبلا إلى المدينة ولم يشهد بدرًا. واستخلف عَلَى المدينة فِي هَذِهِ الغزاة أبا لبابة بْن عَبْد المنذر، فضرب لَهُ بسهمه وأجره. وخلف عاصم بْن عدي عَلَى قباء وأهل العالية، فضرب لَهُ بسهمه وأجره. وكسر خوّات بْن جُبَيْر بالروحاء، فضرب لَهُ بسهمه وأجره.
وأمر الحارث بْن حاطب بأمر فِي بني عَمْرو بْن عوف، فضرب لَهُ بسهمه وأجره.
وكسر الحارث بْن الصمة، فضرب لَهُ بسهمه وأجره. ويقال إنه ضرب لجعفر ابن أَبِي طَالِب وهو بالحبشة بسهمه وأجره، والثبت أَنَّهُ ضرب لطلحة، وسعيد، والجهنيين، وعثمان، وأبي لبابة، وعاصم بْن عدي، وخوّات. وكان مَعَ المسلمين سبعون بعيرًا، فكانوا يتعاقبون عليها: البعير بين الرجلين والثلاثة والأربعة وكان بين النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلي بْن أَبِي طَالِب وزيد بْن حارثة بعير.
وكان بين حمزة ومرثد بْن أَبِي مرثد حليفة، وأبي كبشة، وأنسة مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعير. وكان بين عبيدة، والطفيل، والحصين بنى الحارث، ومسطح ابن أثاثة ناضح ابتاعه عبيد (ة) بْن الحارث، من أَبِي دَاوُد الْأَنْصَارِيّ ثُمَّ الْمَازِنِيِّ. وكان بين عثمان، وبني مظعون بعير. وكان مَعَ المسلمين فرسان.
أحدهما للزبير بْن العوام، يسمى السيل. والآخر للمقداد بْن عَمْرو البهراني [2] ربيب الأسود بْن عَبْد يغوث. وَيُقَالُ إنه لم يكن للزبير فرس، وَإِنَّهُ كَانَ لمرثد ابن أَبِي مرثد فرس. ولم يختلفوا فِي فرس المقداد. ولا فِي أَنَّهُ لم يكن مَعَ المسلمين إلا فرسان. وكان يُقال لفرس المقداد سبحة. وقَالَ الواقدي: كَانَ المسلمون الَّذِينَ أسهم لهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غنائم بدر ثلاث مائة وأربعة عشر رجلًا، منهم الثمانية الَّذِينَ لم يحضروا فأسهمَ لهم.
__________
[1] خ: عمر. (والتصحيح عن ابن هشام) .
[2] خ: النهرانى (بالنون) .(1/289)
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ الْبَصْرِيُّ، ثنا حَمَّادُ بن سلمة، أنبأ حبيب بن الشهيد وهشام بْنِ حَسَّانٍ عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ:
كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ ثَلاثَ مِائَةٍ وَثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلا، مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ مِنْ قُرَيْشٍ.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَوْمَ بدر تسع مائة وخمسين رجلا.
وروى إِبْرَاهِيم بْن سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنْ سَعِيد بْن المسيب أَنَّهُ قَالَ:
كَانَ جميع من شهد بدرًا من المسلمين ثلاث مائة وأربعة عشر رجلًا، منهم من المهاجرين ثلاثة وثمانون رجلًا، ومن الأوس أحد وستون، ومن الخزرج مائة وسبعون رجلًا. قَالَ الواقدي: والثبت أنهم كانوا ثلاث مائة وأربعة عشر، منهم من المهاجرين أربعة وسبعون، وسائرهم من الأنصار، وأنه لم يشهد بدر (ا) إلا قرشي أَوْ حليف لقرشي أَوْ مَوْلَى لَهُ، والأنصاري أَوْ حليف للأنصاري أَوْ مَوْلَى لهم.
653- قال: وكان مع المشركين مائة فرس، فِي بني مخزوم منها ثلاثون.
فنجوا منها بسبعين، وصار فِي أيدي المسلمين ثلاثون. وكان معهم من الإبل سبع مائة بعير. وكان أصحاب الخيل دار عين، وهم مائة. ولما بلغ أبا سُفْيَان بْن حرب طلبُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ/ 137/ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العير حين بدأ إلى الشام، ثُمَّ بلغه ما هُوَ عَلَيْهِ من طلبها، جعل يسير مما يلي البحر ويُعمي أخباره، ووجه ضَمضم بْن عَمْرو الكناني، وكان معهم فِي العير، إلى مكَّة لينذر قريشًا ويستصرخهم. وَقَدْ جدع أنف بعيره، وشق قميصه من قُبل ودبر، فدخلها وهو ينادي: الغوث الغوث، ذهبت عيركم وما عليها. واستنفر النَّاس، فنفروا عَلَى الصعب والذلول. وكان أَبُو سُفْيَان قَدِ اكترى ضمضما بعشرين دينارًا حين بعثه. وَيُقَالُ إنه بعثه من تبوك. قَالُوا: وأخرجت قريش معها القيان [1] بالدفوف: سارة [2] مولاة عَمْرو بْن هاشم بْن المطلب بْن عَبْد مناف، وعزَّة مولاه الأسود بْن المطلب، ومولاة لأمية بْن خلف. فجعلن يتغنين فِي كل منهل.
__________
[1] خ: القيام.
[2] خ: سارت.(1/290)
وخرجوا بالجيش يتعاذفون بالحرام بطرا ورياء للناس، كما قَالَ تبارك وتعالى [1] .
ونجا أَبُو سُفْيَان وأصحابه، فبعث إلى قريش من الجحفة يعلمهم سلامته بما معه، وأنَّه لا حاجة بهم إلى التعرض لمحمد وأهل يثرب. فأبوا وقالوا: والله لا نطلب أثرًا بعد عين، ولندعن محمدا وَصَبَأته لا يعودون إلى التعرض لأموالنا وتجاراتنا بعدها. وكان أَبُو جهل يشحذهم، ويحرّضهم، ويزعجهم للخروج. وامتنع أمية بْن خلف الجمحي من الخروج إلى بدر، فأتاه أبو جهل وعقبة بْن أبي معيط ومع أَبِي جهل، مكحل، ومع عقبة، مجمر- فَقَالَ لَهُ أَبُو جهل:
اكتحل فإنما أنت امْرَأَة. وقَالَ لَهُ عقبة: تجمر فإنما أنت جارية فِي أريكة.
وقَالَ عتبة بْن ربيعة، وكره الخروج، لأخيه شيبة بن ربيعة: أن ابن الحنظلية [2]- يعنى أبا جهل بن هشام- رجل مشئوم، وليس يمسه من قرابة مُحَمَّد ما يمسنا.
فَقَالَ لَهُ شَيْبَة: إنّ فارقنا قريش ورجعنا كان ذلك علينا سبة، يا با الوليد وامض مع قومنا [3] . قَالُوا: وقَالَ أبيّ بْن شريق الثقفي، حليف بني زهرة: يا بني زهرة إن اللَّه قَدْ سلّم عيركم، فارجعوا واعصبوا جُبنها بي. فلما كَانَ المساء، نزل عن بعيره، وقَالَ لأصحابه: قولوا إنه قَدْ نهش أبيّ. وخنس بهم راجعًا، فسمى «الأخنس» . ولم يشهد بدرًا من كفار بني زهرة أحد. وفي ذَلِكَ يَقُولُ عدي ابْنُ أَبِي الزغباء [4] :
أقم لها صدورها يا بسبس ... إنّ مطايا القوم لا تحبس
واحملها عَلَى الطريق أكيسُ ... قَدْ صنع اللَّه وفرّ الأخنس
قالوا: وعدى بنو عدي بْن كعب منصرفين إلى مكَّة، فلقيهم أبو سفيان ابن حرب فَقَالَ: كيف رجعتم، فلا أنتم فِي العير ولا فِي النفير؟ فلم يشهد بدرًا منهم أحد. قَالَ الواقدي: وقَالَ عُمَر بْن الخطاب: يا بني عدي فيكم خصال:
لم يشهد بدرًا منكم أحد، ولم تفتح مكَّة ومنكم مشرك. وكان رجوع بني عدي من ثنية لفت.
__________
[1] القرآن، الأنفال (8/ 47) .
[2] لأن أم أبى جهل من بنى حنظلة، من تميم (راجع ابن هشام، ص 441) .
[3] خ: فاتى الوليد وامض مع قومها. (لعله كما أثبتناه. وأبو الوليد كنية عتبة بن ربيعة) .
[4] ابن هشام، ص 457- 458 مع زيادات واختلافات.(1/291)
654- قَالُوا: ورأى جُهيم بْن الصلت بْن مخرمة بْن المطلب بْن عَبْد مناف، وهو بين النائم واليقظان، كأن رجلا أقبلَ عَلَى فرس ومعه بعير لَهُ، فوقف فَقَالَ:
قُتل عتبة بْن ربيعة، وشيبة بْن ربيعة، وأبو الحكم بْن هشام، وأمية بْن خلف، وعدّد رجالًا من أشراف قريش ممن قتل يَوْم بدر، ثُمَّ ضرب فِي لبة بعيره وأرسله، فلم يبق خباء من أخبية العسكر إلا أصابه نضخ من دمه. فبلغت الرؤيا أبا جهل، فَقَالَ: وهذا أيضًا من بني المطلب، سيعلم غدًا من المقتول إِذَا التقينا.
655- وكان الحارث بْن عامر بْن نوفل أراد أن لا يسير إلى بدر. وذلك أَنَّهُ كَانَ صديقًا لضمضم. فأشار عَلَيْهِ أن لا يفعل. فلم يدعه عقبة بْن أَبِي مُعَيط، والنضر بْن الحارث، وأبو جهل، وبكتوه بالجبن، حتَّى خرج. وبكتوا أيضًا حكيم بْن حزام، وأبا البختري، وعلي/ 138/ بْن أمية بْن خلف بالجبن والضعف، حتَّى خرجوا، وكانوا أرادوا ألا يفعلوا.
656- قَالُوا: ورفد المقلَّ المكثرُ وأعانه. وقوّي سهيل بْن عَمْرو جماعة من المشركين بحملانه وماله. وفعل زمعة بْن الأسود مثل ذَلِكَ. وكان حنظلة وعمرو ابنا أَبِي سُفْيَان يحرّضان، ولم يبذلا شيئا، وقالا: إنَّما المال مال أَبِي سُفْيَان. وكان من المحرّضين طعيمة بْن عدي. وأعطى حويطب بْن عَبْد العزى قريشًا ثلاث مائة دينار، وَيُقَالُ مائتي دينار، فاشتُري بها سلاحٌ وظهرٌ. ولم يتخلف أحد من قريش لعلة إلا وجه مكانه رجلًا. فكان أَبُو لهب مريضًا مرضه الَّذِي مات فِيهِ، فوّجه العاص بْن هشام بْن المغيرة عَلَى أن أبرأه من مال كَانَ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ إنه كَانَ لاعبه عَلَى امْرَأَة مطلقة، فقمره، فأسلمه قينا بمكة، ثُمَّ لاعبه فقمره، فوجهه إلى بدر مكانه. ومات أَبُو لهب بعد وقعة بدر بأيام يسيرة.
657- قَالُوا: وبعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ إلى قريش يأمرها بالانصراف، فأبوا. ووجهوا عمير بن وهب الجمحى، فحرّز المسلمين وما معهم، ثُمَّ أتاهم يعلم أمرهم.
658- قَالُوا: ونزل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أدنى بدر عشيَّة ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان. وأمر فنودي: « [أفطروا يا معشر العصاة] » ،(1/292)
وكان أمرهم أن يفطروا، فلم يفطر قوم منهم، وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفطرًا.
قَالُوا: واستشار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الأنصار. فأشار عليه الحباب ابن المنذر بْن جموح أن ينزل عَلَى أدنى ماء من القوم ويغّور ما سواه من القلب.
فوافق جبريلُ عَلَيْهِ السَّلام فيما أُتِيَ بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذَلِكَ.
[فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقد أشرتَ بالرأي.] فكان يدعى «ذا الرأي» . واتخذ لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عريش من جريد، فدخله وأبو بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، فكانا يتشاوران فِيهِ. وكانت وقعة بدر يَوْم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة اثنتين. وكان شعار النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بدر «أمت أمت» . وَيُقَالُ كَانَ شعار المهاجرين «بني عَبْد الرَّحْمَن» ، وشعار الخزرج «بني عَبْد اللَّه» ، وشعار الأوس «بني عُبَيْد اللَّه» . وأمدّ اللَّه رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالملائكة، وأظهره عَلَى المشركين، ونصره بالريح. [فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور.] وأخذ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفا من حصباء، فرمى بِهِ، وقَالَ:
[شاهت الوجوه.] فانهزموا. ورأى أَبُو جهل عتبةَ بْن ربيعة، فجبنه. فَقَالَ عتبة: يا مصفَر استه، ستعلم أينا [1] أجبن. وكشف عن عرقوب فرس أَبِي جهل، وقَالَ: «انزل، فما كل قومك راكب» . ونزل عتبة، فدعا إلى البراز، فقتل. وكان لواء رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ يَوْم بدر مَعَ مصعب بْن عمير، ولواء الأوس مَعَ سعد بْن مُعَاذِ، ولواء الخزرج مَعَ الحُباب بْن المنذر. وكان للمشركين ثلاثة ألوية: لواء مَعَ النضر بْن الحارث، ولواء مَعَ طلحة بْن أَبِي طلحة، ولواء مَعَ أَبِي عزيز بْن عمير.
659- قَالُوا: ولما تهيأ المسلمون للقتال، قَالَ المقداد بْن عَمْرو: يا رَسُول اللَّه، إنا لا نقول كما قَالَتْ بنو إسرائيل: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [2] ، ولكنا نقول: «اذهب فقاتل إنا معك مقاتلون» . ويقال إنه
__________
[1] خ: يا مصفر استسقم إلينا. (وعند ابن هشام، ص 442: سيعلم مصفر استه من انتفخ سحره، أنا أم هو) .
[2] القرآن، المائدة (5/ 24) .(1/293)
قَالَ ذَلِكَ حين ندب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ للخروج إلى بدر.
وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المدينة فِي غزاة بدر بشير بْن عَبْد المنذر بْن زُنَبْر [1] الأوسي، وهو أبو لبابة. وبعضهم يقول: «مبشر [2] » .
وكان الَّذِي أتى أهل مكَّة بخبر وقعة بدر الحَيسُمان [3] بْن إياس الخزاعي. والذي أتي أهل المدينة يخبرها زَيْد بْن حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ/ 139/ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وغنم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذا الفقار سيفه، وكان للعاص بْن منبه بْن الحجاج السهمي، وهو الثبت. وَيُقَالُ: لمنبه، وَيُقَالُ: لنبيه.
660- قَالُوا: ولما مرّت قريش بإيماء [4] بْن رحضة، أهدى لقريش جزرًا، وعرض عليها سلاحًا. فَقَالَوا: نَحْنُ مؤدّون، وَقَدْ بررتَ وجعلتَ. وأيماء [5] كناني، من بني غفار. وكان أَبُو سُفْيَان يكثر أن يَقُولُ: وا قوماه، لقد شامهم ابْنُ الحنظلية.
661- قَالُوا: وقدم زَيْد المدينة حين سُوّي التراب عَلَى رقية ابْنَة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبقيع. فَقَالَ رَجُل من المنافقين لأسامة بْن زَيْد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه مَعَ عثمان بالمدينة عَلَى رقية: قتل صاحبكم ومن معه. وقَالَ آخر منهم لأبي لبابة: قَدْ تفرق أصحابكم تفرقًا لا يجتمعون بعده، وقُتل مُحَمَّد وهذه ناقته [6] نعرفها، وهذا زَيْد لا يدري ما يَقُولُ من الرعب.
قَالَ أسامة بْن زَيْد: فأتيتُ أَبِي، فكذّب قول المنافقين. وقدم شقران بالأسرى.
692- وقال الواقدي، حَدَّثَنِي يزيد بْن فراس الليثي، عن شريك بْن أبي نمر [7] ، عن عطاء بْن يزيد الليثي أن ابنًا [8] لحفص بْن الأخيف، أحد بنى معيص بن عامر بن
__________
[1] خ: زبير.
[2] خ: بشير.
[3] الجبمان. (والتصحيح عن الطبرى، ص 1338) .
[4] خ: بإماء، إماء. (والتصحيح عن ابن هشام وغيره) .
[5] خ: بإماء، إماء. (والتصحيح عن ابن هشام وغيره) .
[6] خ: ناقة.
[7] خ: نمل.
[8] راجع للقصة وتفاصيلها أيضا ابن هشام، ص 431- 432.(1/294)
لؤي، خرج يبغي إبلًا لَهُ، وهو غلام فِي رأسه ذؤابة وعليه حلة وكان غلاما وضيئا، فمر بعامر بْن يزيد بْن عامر بن الملوح بْن يعمر، وكان بضَجنان. فَقَالَ: من أنت يا غلام؟ قَالَ: ابْنُ حَفْص بْن الأخيف. قَالَ:
يا بني بَكْر ألكم فِي قريش دم؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: ما كَانَ رَجُل ليقتل هَذَا برجله إلا استوفى. واتبعه رجل من بني بكر، فقتله بدم كَانَ لَهُ فِي قريش.
فتكلمت فِيهِ قريش. فقال عامر بن (ى) زيد: «قَدْ كانت لنا فيكم دماء، فإن شئتم فأدّوا ما لنا قِبلكم، ونؤدّي إليكم ما كَانَ فينا، وإن شئتم فإنما هو الدم رَجُل برجل، وإن شئتم فتجافوا عنا فيما فعلنا نتجاف عنكم فيما قبلكم» .
فهان ذَلِكَ الغلام عَلَى قريش، وقالوا: صدق، رَجُل برجل. فلم يطلبوا بدمه.
فبينا أخوه مِكرز بْن حَفْص بْن الأخيف بمر الظهران إذ نظر إلى عامر بْن يزيد، وهو سيد بني بَكْر، عَلَى جمل لَهُ، فقال: ما أطلب أثرًا بعد عين. وأناخ بعيره، وهو متوشح بسيفه، فعلاه بِهِ حتَّى قتله. ثُمَّ أتى مكَّة، فعلق سيف عامر بأستار الكعبة. فلما أصبحت قريش، رأوا سيفَ عامر، فعرفوا أن مكرز ابن حَفْص قتله لقول كَانَ سُمع من مكرز فِي ذَلِكَ. وجزعت بنو بَكْر بقتل سيدها، وكانت معدَّة لتقتل [1] من قريش سيدين أَوْ ثلاثة. فإنهم لعلى ذَلِكَ حتَّى جاء النفير إلى بدر وهم عَلَى هَذَا. فخافوهم [2] عَلَى من يخلفون بمكة من ذراريهم، حتَّى جاءهم إبليس فِي صورة سراقة بْن (مالك بْن) جعشم، فَقَالَ:
أَنَا لكم جار من بني بَكْر فإني سيدهم. فَقَالَ أَبُو جهل: هَذَا سراقة سيد كنانة، وَقَدْ أجاركم وأجار من تخلف منكم. فشجع القومَ، فخرجوا إلى بدر.
[شهداء بدر]
663- فاستُشهد ببدر من بني المطلب بْن عَبْد مناف:
عبيدة بْن الحارث، قتله شَيْبَة بْن ربيعة. فَدَفَنَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّفْرَاءِ بذات أجدال.
ومن بني زهرة:
عمير بْن أَبِي وقاص، قتله عَمْرو بْن عَبْد وُدّ. وعمير بْن عَبْد عَمْرو الخزاعي، وهو ذو الشمالين، حليف بني زهرة- وَيُقَالُ هو عمير بن عبد عمرو ابن نضلة- قتله أبو أسامة زهير بْن معاوية الجشمي.
ومن بني عدي بْن كعب:
__________
[1] خ: ليقتل.
[2] خ: فجافوهم.(1/295)
عاقل بْن البكير الكناني. وبعضهم يَقُولُ: ابْنُ أَبِي البكير. والأول أصح. وهو حليف لبني عدي. قتله مالك بْن زُهَيْر الجشمي. ومِهْجَع مولى عمر بن الخطاب، قتله عامر الحضرمي. فيقال إنه أول قتيل يَوْم بدر.
ومن بني الحارث بْن فهر:
صفوان بْن بيضاء، قتله طعيمة بْن عدي. وَيُقَالُ إنه مات سنة ثمان وثلاثين.
ومن الأوس:
مبشر بْن عَبْد المنذر، قتله أَبُو ثور. / 140/ سعد بْن خيثمة، قتله عَمْرو بْن عَبْد ودّ. وَيُقَالُ: طعيمة بْن عدي.
ومن الخزرج:
حارثة ابن سراقة، رماه حِبّان بْن العَرِقة بسهم فأصاب حنجرته. وقوم يقولون: العرفة، وذلك تصحيف. وعوف، ومعوذ ابنا عفراء بِنْت عُبَيْد. وكانت عفراء عند الحارث بْن رفاعة، فولدت له معاذا، ومعوذا. ثم إنه طلقها، فتزوجها البكير ابن عبد يا ليل، فولدت لَهُ عاقلًا، وعامرًا، وخالدًا، وإياسًا. ثُمَّ رجعت إلى المدينة، فراجعها الحارث، فولدت لَهُ عوفًا. قَالَ الواقدي: فقتل عوف ومعوّذ يومئذ، قتلهما أَبُو جهل. وقَالَ الكلبي: قتل مُعَاذِ ومعوّذ يومئذ، وبقي عوف فجاءت أمهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، بقي شر ولدي؟ فَقَالَ: لا. والولد فِي بني عفراء لعوف. وعمير بن الحُمام بْن الجموح، قتله خَالِد بْن الأعلم [1] العقيلي حليف بني مخزوم الَّذِي يَقُولُ [2] :
لَسْنَا عَلَى الأَعْقَابِ تَدْمَى كُلُومُنَا ... وَلَكِنْ عَلَى أقدامنا يقطر الدمُ
ورافع بْن المعلى الزرقي، قتله عكرمة بْن أَبِي جهل. ويزيد بن الحارث فُسْحم- وذلك قول الواقدي. وقَالَ الكلبي: يزيد الشَّاعِر بْن الحارث بْن قيس، أحد بني الحارث بْن الخزرج. وَيُقَالُ ليزيد: ابْنُ «فسحم» ، وهي أمه، وهي من بني القين بْن قضاعة- قتله نوفل بْن معاوية الديلي. وقوم يقولون إنّ أنسة مَوْلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قتل يَوْم بدر. وليس ذَلِكَ بثبت. والمجمع عَلَيْهِ أَنَّهُ شهد [3] يَوْم أحد، (وبقي بعد ذَلِكَ) ومات في خلافة أبى بكر.
[قتلى مشركين]
664- وقُتل من المشركين، من بني عَبْد شمس بن عبد مناف:
حنظلة بن
__________
[1] خ: الأهلم. (والتصحيح عن ابن هشام وغيره) .
[2] ابن هشام، ص 514 (خ: «يفظر الدماء» . والتصحيح عن ابن هشام) .
[3] خ: استشهد. (وسيجيء ذكره أيضا فيما بعد) .(1/296)
أَبِي سُفْيَان، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. الحارث بْن الحضرمي، قتله عمار بْن ياسر. عامر بْن الحضرمي، قتله عاصم بْن ثابت بْن أَبِي الأقلح. عمير بْن أَبِي عمير، وابنه، موليان لهم، قتل سالم مَوْلَى أَبِي حذيفة عميرًا. عبيدة بْن سَعِيد بْن العاص، قتله الزُّبَيْر بْن العوام. العاص بْن سَعِيد، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. عقبة بْن أَبِي معيط، قتله عاصم بْن ثابت بْن أَبِي الأقلح بأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصفراء صَبرا، وكان أخذ أسيرا. وقَالَ ابْنُ الكلبي:
قتل عقبة بعرق الظبية. وقَالَ عقبة: من للصبية يا مُحَمَّد؟ [قَالَ: النار.] وَيُقَالُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلبه، فكان أول مصلوب فِي الْإِسْلَام. فرثاه ضرار بْن الخطاب:
عينُ فابكي لعقبة بْن أبان ... فرع فهرٍ وفارس الفرسان
وقَالَ أيضا:
إذا اتصلت تدعو أباها الحارث ... دعت باسم سيال العطاء زعوف
وهو النجيبات المراقيل بالضحى ... بأكوارها تجتاب كل تنوف
وعتبة بْن ربيعة، قتله حمزة بْن عَبْد المطلب. وشيبة بن ربيعة، قتله عبيدة ابن الحارث، وذفّف عَلَيْهِ حمزة وعليّ عليهما السَّلام. الوليد بْن عتبة، قتله عليّ. عامر بْن عُبَيْد اللَّه [1] حليف لهم، قتله عليّ، وَيُقَالُ سعد بْن مُعَاذِ الْأَنْصَارِيّ.
665- ومن بني نوفل بْن عَبْد مناف،
الحارث بْن عامر بْن نوفل، قتله خبيب ابن إساف. وهو الَّذِي [قَالَ له النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لقيه فليدعه لأيتام بني نوفل بْن عَبْد مناف.] وفيه نزلت: «وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا [2] » . طعيمة بْن عدي بْن نوفل، قتله حمزة. وكان طعيمة يكنى [3] أبا الرّيان، وأسر يَوْم/ 141/ بدر، فأمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتله، فقتله حمزة صبرا.
__________
[1] كذا في الأصل، وعند ابن هشام (ص، 507) : عبد الله.
[2] القرآن، القصص (28/ 57) .
[3] خ: تكنى.(1/297)
666- ومن بني عَبْد العزى بْن قصيّ:
زَمعة بْن الأسود بْن المطلب بْن أسد، قتله أَبوْ دجانة، وَيُقَالُ: ثابت بْن الجذع، وولده يقولون: الجذع. الحارث ابن زمعة بْن الأسود، قتلة عليّ بْن أَبِي طَالِب. عقيل بْن الأسود بْن المطلب، قتله حمزة وعلي شركاء فيه، ويقال عليّ وحده. أَبُو البختري العاص بْن هاشم، قتله المجذّر بْن ذياد البلوي، وَيُقَالُ أَبُو دَاوُد الْمَازِنِيُّ، من الأنصار، وَيُقَالُ أَبُو اليسر. نَوْفَلُ بْن خُوَيْلِدِ بْن أَسَدِ بْن عَبْد العزي، وهو ابْنُ العدوية، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب.
667- ومن بني عَبْد الدار:
النضر بْن الحارث، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب صبرًا بالأثيل بأمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان الَّذِي أسره المقداد بْن عَمْرو.
زَيْد بْن مليص [1] مولى عمير بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار، قتله على ابن أبى طالب، ويقال بلال.
668- ومن بنى تيم بْن مرة:
عمير بْن عُثْمَان بْن عَمْرو بْنِ كعب بْن سعد ابن تيم، قتله عليّ بْن أبي طَالِب، وَيُقَالُ صهيب.
669- ومن بنى محزوم:
أَبُو جهل بْن هشام. سماه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فرعون هَذِهِ الأمة» . ضربه مُعَاذِ بْن عَمْرو بْن الجَموح، فقطع رجله. وضربه أحد بني عفراء ضربة. وَيُقَالُ ضرباه جميعًا. ونفّل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذِ بْن عَمْرو سيفَ أَبِي جهل، فهو عند ولده. وفيه يَقُولُ حسان بْن ثَابِت [2] :
النَّاس كنُوه أبا حكم ... والله كنّاه أبا جهل
وقال الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ ياسر، عن ربيع بنت معود قَالَتْ:
دَخَلْتُ فِي نِسْوَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ مُخَّرِبَةَ، أُمِّ أَبِي جَهْلٍ، فِي خِلافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَانَ ابْنُهَا عَبْدُ الله بن
__________
[1] خ: مكيص (والتصحيح عن ابن هشام، ص 508) .
[2] ديوان حسان، ق 128، ب 1 (وعنده: «سماه معشره» ، «والله سماه» ) .(1/298)
أَبِي رَبِيعَةَ يَبْعَثُ لَهَا بِعِطْرٍ مِنَ الْيَمَنِ، فَكَانَتْ تَبِيعُهُ إِلَى الأَعْطِيَةِ، فَكُنَّا نَشْتَرِي مِنْهَا. فَقَالَتْ لِي: وَإِنَّكِ لابْنَةُ قَاتِلِ سَيِّدِهِ؟ قَالَتْ، قُلْتُ: لا، وَلَكِنِّي ابْنَةُ قَاتِلِ عَبْدِهِ. فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لا أَبِيعُكِ شَيْئًا أَبَدًا. وأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وضعت الحربُ أوزارها أن يلتمس أَبُو جهل. قَالَ ابْنُ مَسْعُود: فوجدته مرتثًا فِي آخر رمق، فوضعت رجلي على عنقه، وقلت: الحمد الله الَّذِي أخزاك. فَقَالَ: إنَّما أخزى اللَّه ابْنُ أم عبد، أروى عينا بالأمس، لقد ارتقيتَ مرتقى صعبًا يا رُويعي الغنم، لمن الدائرة؟ قلتُ: لله ولرسوله.
قَالَ: فأقتلع بيضته عن قفاه، وقلتُ: إني قاتلك يا أبا جهل. قَالَ: لستَ بأول عَبْد قتل سيده، أما إنّ أشد شيء لقيته اليوم فِي نفسي لقتلك إياي وألا يكون ولي قتلي رَجُل من الأحلاف أَوِ المطَّيبين. فضربه عَبْد اللَّه فوق رأسه بين يديه، ثُمَّ سلبه، وأقبل بسلاحه ودرعه وبيضته، فوضع ذَلِكَ بَيْنَ يدي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَالَ: أبشر يا نبي اللَّه بقتل عدو اللَّه أَبِي جهل.
[فقال: والله لذلك أحب إليَّ من حمر النعم،] أَوْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ورأى عَبْد اللَّه بجسده خضرة، فوصفها للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [فَقَالَ: ذَلِكَ ضرب الملائكة.] وقد يقال إنّ بنى عفراء لما ضربا أبا جهل، لم يقتلهما حتَّى جرحاه. فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووقف عَلَى مصرع ابني عفراء:
« [رحمهما اللَّه، فقد شركا فِي قتل فرعون هَذِهِ الأمة] » . وقيل إنّ الملائكة قتلت أبا جهل مَعَ ابني عفراء/ 142/ وذفّف عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُود. والله تَعَالى أعلم. العاص بْن هشام بْن المغيرة، قتله عُمَر بْن الخطاب. يزيد بْن تميم [1] حليف لهم، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. أَبُو مسافع الْأَشْعَرِيُّ حليف لهم، قتله أَبُو دجانة. حرملة بْن عَمْرو، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. أَبُو قيس بْن الوليد ابن المغيرة، قتله عليّ. أَبُو قيس بْن الفاكه بِن المغيرة، قتله حمزة، وَيُقَالُ الحُباب بْن المنذر. مَسْعُود بْن أَبِي أمية بْن المغيرة، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب.
رفاعة بْن أبى رفاعة، - وهو أمية- بْن عائذ، قتله سعد بْن ربيع. أبو [2] المنذر
__________
[1] كذا تميم عندنا، وعند ابن هشام (ص 509) : عبد الله.
[2] عند ابن هشام (ص 509) المنذر بن رفاعة.(1/299)
ابن أَبِي رفاعة، قتله معن بْن عدي أخو عاصم بْن عدي. عَبْد اللَّه بْن [1] أَبِي رفاعة، قتله عليّ. زُهَيْر بْن أَبِي رفاعة، قتله أبو أسيد الساعدي. السائب ابن أَبِي رفاعة، قتله عَبْد الرَّحْمَن بْن عوف. السائب بْن أَبِي السائب- واسمه صيفي- بْن عابد [2] ، قتله الزبير. الأسود بن عبد الأسد [3] ، قتله حمزة.
حليفان لهم من طيّئ، أحدهما عَمْرو بْن سُفْيَان، قتله يزيد بْن رقيش الأسدي، والآخر جبّار [4] بْن سُفْيَان، قتله أبو بردة بن نيار. جابر [5] ابن السائب بْن عويمر بْن عائذ، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. وقَالَ الكلبي: قتل جابرًا هذا، وأخاه عويمر (ا) جميعًا عليّ بْن أَبِي طَالِب [6] . عويمر بْن عَمْرو بْن عائذ، قتله النعمان بْن أَبِي [7] مالك.
670- ومن بني جمح:
أمية بْن خلف، قتله خبيب بْن إساف وبلال، وَيُقَالُ: قتله رفاعة بْن رافع. عليّ بْن أمية بْن خلف، قتله عمار بْن ياسر. أوس بْن المعير بْن لوذان، قتله عثمان بْن مظعون وعلي جميعًا، وَيُقَالُ عثمان وحده.
671- ومن بني سهم:
منبه بْن الحجاج، قتله أَبُو اليسر، وَيُقَالُ عليّ، وَيُقَالُ أَبُو أسيد الساعدي. نبيه بْن الحجاج، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. العاص ابن منبه، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. أَبُو العاص (بن) قيس بن عدى، قتله
__________
[1] عند ابن هشام (ص 510) : «عبد الله بن المنذر بن أبى رفاعة» ، وعند مصعب الزبيري (ص 33) : «رفاعة بن أبى رفاعة» .
[2] في الأصل بالذال المعجمة وعليه كلمة «صح» ، وبالهامش «آخره صح» .
والمعروف «عابد» (بالدال المهملة) كما عند السهيلي (2/ 103) وفي جداول وستنفلد.
وأبو السائب من ولد عبد الله بن عمر بن مخزوم وليس له ولد إلا عابد (بالباء) أما عائذ فهو ولد عمران بن مخزوم. وقد ذكر البلاذري في أوائل الكتاب هجاء حسان لبعض بنى عابد وأوضح كيف خلطه الناس بعائذ (بالذال المعجمة) .
[3] خ: عبد الأسود (والتصحيح عن ابن هشام، ص 510) .
[4] عند ابن هشام (ص 510) حابر.
[5] عند ابن هشام (ص 510) حاجز.
[6] عند ابن هشام (ص 510) قتله النعمان بن مالك.
[7] كذا في الأصل، لعله: بن مالك. وراجع أيضا أوائل الكتاب حيث ذكر قتل رفيع بن صيفي.(1/300)
أَبُو دجانة، وَيُقَالُ عليّ عَلَيْهِ السَّلام. عاصم بْن أَبِي عوف بْن صُبيرة، قتله أَبُو دجانة.
672- ومن بني عامر بْن لؤي.
معاوية بْن عَبْد قيس [1] حليف لهم، قتله عكّاشة ابن محصن. معبد بْن وهب حليف لهم من كلب، قتله أبو دجانة. وقتل عمرو ابن الحضرمي. كعبُ بْن زَيْد النجاري، والثبت أَنَّهُ قتل فِي سرية ابْنُ جحش.
673- وكان ممن أسر يَوْم بدر:
عقيل بْن أَبِي طَالِب، أسره عُبَيْد بْن أوس الظفري، وأسر [2] عمه. الْعَبَّاس، فافتداه. نوفل بْن الحارث بْن عَبْد المطلب، أسره جبار بْن صخر. والسائب بْن عُبَيْد، وعبيد [3] بْن عَمْرو بْن علقمة، أسرهما سَلَمة بْن أسلم بْن حَريش الأشهلي، فأطلقهما النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلا فدية.
عقبة بْن أَبِي معيط، أسره عَبْد اللَّه بن سلمة العجلاني. الحارث بن أبى وجرة.
- ويقال: وجرة- بْن أَبِي عَمْرو بْن أمية، أسره سعد بْن أبي وقاص، فقدم فِي فدائه الوليد بْن عقبة فافتداه بأربعة آلاف درهم. عَمْرو بن أبى سفيان بن حرب، سار فِي سهم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأرسله بغير فدية، وكان الَّذِي أسره عليّ عَلَيْهِ السَّلام. وكان سعد بْن [4] أكال، من بني أمية، من الأوس، أتى مكَّة معتمرًا، فأخذه أَبُو سُفْيَان فحبسه بمكة، وقَالَ: لا أخليه حتَّى يخلي سبيل عَمْرو. وقَالَ فِي ذَلِكَ [5] :
أرهطَ ابْنُ أكّال أجيبوا دعاءَه ... تفاقدتم لا تتركوا السيد الكهلا
فإنّ بني عَمْرو لئام أذلةٌ ... لئن لم يفكّوا عن أسيرهم الكبلا
فخلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبيل عَمْرو بْن أَبِي سُفْيَان، وخلى أَبُو سُفْيَان، ابْنُ أكال. وقَالَ بعضهم: هُوَ سعد بن النعمان بن أكال. وقال
__________
[1] عند ابن هشام (511) : معاوية بن عامر، حليف لهم من عبد القيس.
[2] خ: أوسر.
[3] وعند ابن هشام (ص 513) : النعمان بن عمرو
[4] هو سعد بن النعمان، أحد بنى أكال ثم بنى عمرو بن عوف (راجع الاستيعاب، رقم 2352 سعد بن النعمان) . وأكال جده.
[5] ابن هشام، ص 264، مصعب، ص 127، الاستيعاب رقم 2352 سعد بن النعمان.(1/301)
الكلبي: هُوَ زَيْد بْن أكال بْن لوذان بْن الحارث بْن أمية بْن زَيْد بْن مالك.
وأبو العاص بْن الربيع/ 143/ أسره خراش بْن الصِّمَّة، فقدم فِي فدائه عَمْرو بْن الربيع أخوه. وعمرو بْن الأزرق، افتكه عَمْرو بن الربيع. أبو العاص ابن نوفل بْن عَبْد شمس أسره عمار بْن ياسر. عثمان بْن عَبْد شمس، وهو ابْنُ أخي عتبة بْن غزوان، حليف، أَبُو ثور، افتداهما جُبَيْر بْن مطعم، وكان الَّذِي أسر أبا ثور: مرثد الغنوي. أَبُو عزيز بْن عمير، أخو مصعب، أسره أَبُو اليسر، وَيُقَالُ غيره. فقال معصب للذي أسره: أشدد يدك بِهِ فإنّ أمه موسرة. فَقَالَ لَهُ: هَذِهِ وصاتك بي يا أخي؟ قَالَ: هَذَا أخي دونك. فافتدي بأربعة آلاف. عدي بْن الخيار، أسره خراش بْن الصمة. الأسود بن عامر ابن الحارث بْن السباق، قدم فِي فدائه طلحة بْن أَبِي طلحة. السائب بْن أَبِي حُبيش بْن المطلب بْن أسد، أسره عَبْد الرحمن بن عوف. الحويرث بن عباد [1] ابن أسد، أسره حاطب بْن أَبِي بلتعة. مالك بْن عُبَيْد اللَّه بْن عثمان، من بني تيم، أخو طلحة، أسره قطبة بْن (عامر بْن) حديدة، فمات بالمدينة أسيرًا.
أمية بْن المغيرة بْن حذيفة، أسره بلال. عثمان بْن عَبْد اللَّه بْن (أَبِي) أمية بْن المغيرة، أسر يَوْم نخلة، فأفلت، فأسره واقد بْن عَبْد اللَّه التميمي يَوْم بدر، فَقَالَ: الحمد لله الَّذِي أمكنني منك فقد كنتَ أفلت فِي المرة الأولى، فافتداه عَبْد اللَّه بْن أَبِي ربيعة بأربعة آلاف. الوليد بْن الوليد بْن المغيرة، أسره عبد الله ابن جحش الأسدي، فقدم فِي فدائه خَالِد [2] بْن الوليد، وهشام فافتكاه بسكة دابته ثم أفلت وأسلم، وَيُقَالُ أسره سليط بْن قيس. صيفي بن أبى رفاعة بن عابد ابن عبد الله بن عمر بن محزوم، لم يكن لَهُ مال، فمكث عند الَّذِي أسره، ثم أطلقه. وأسر أبو أيوب الأنصارى المطلب بْن حنطب بْن الْحَارِث بْن عُبَيْد ابن عُمَر [3] بْن مخزوم، ولم يكن لَهُ مال فأرسله بعد حين. خالد بن الأعلم
__________
[1] خ: عثمان الحويرث بن أسد. (وهو سهو فاحش فإنه البطريق المتنصر، مات قبل الإسلام. والتصحيح عن ابن هشام، ص 513) .
[2] وبالهامش عن نسخة: «خلف» (ولا يعرف خلف بن الوليد. لعله أراد حفص ابن الوليد) .
[3] خ: عمرو. (والتصحيح عن ابن هشام، ص 514) .(1/302)
العقيلي حليف بني مخزوم، قدم عكرمة بْن أَبِي جهل فِي فدائه، وكان الَّذِي أسره الْحُبَاب [1] بْن المنذر بْن الجموح. وأسر فروة بن عمرو البياضي: عبد الله ابن أَبِي بْن خلف، فقدم أَبُوهُ فِي فدائه. وأسر أَبُو عزَّة الجمحي، فمن عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأحلفه أن لا يكثر عليه جميعا، وأرسله بغير فدية، فأسر يَوْم أحد، فضرب عنقه. وأسر سهيل بْن عَمْرو، وكان الَّذِي أسره مالكُ بْن الدخشم بْن مالك بْن الدخشم بْن مرضخة بْن غنم- وهو قوقل- ابن عوف بْن الخزرج. فَقَالَ مالك [2] :
أسرتُ سهيلا فلن أبتغي ... بِهِ غيره من جميع الأمم
وخندف تعلم أن الفتى ... سهيلا فتاها إِذَا تُظّلم
ضربتُ بذي الشفر حتَّى انثنى ... وأكرهتُ نفسي عَلَى ذي العلم
فقدم فِي فداء سهيل، مكرز بْن حَفْص بْن الأخيف، فأرضى مالكًا ودفع إِلَيْه أربعة آلاف درهم من مال سهيل، وحبس مكرز مكانه حتَّى بعث بالمال من مكَّة. ولما أسر سهيل وقدم بِهِ المدينة، رآه أسامة بْن زَيْد فَقَالَ:
«يا رَسُول اللَّه هَذَا الَّذِي كَانَ يطعم النَّاس السريد [3] » ، يعني الثريد. ورأته سودة بِنْت زمعة، وهو فِي القيد [4] ويده إلى عنقه، فلم تملك نفسها أن قَالَتْ:
أبأبي يزيد يفعل هَذَا؟ ثُمَّ قَالَتْ: أي أبا يزيد، أعطيتم بأيديكم، هلا متم كراما؟ [فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا سودة، أعلى اللَّه ورسوله؟] فقالت: والذي [5] بعثك بالحق، ما ملكتُ نفسي حين رَأَيْته عَلَى هَذِهِ الحال، فاستغفر لي يا رَسُول اللَّه. [فَقَالَ: يغفر اللَّه لَكَ.] وقَالَ عُمَر: يا رَسُول اللَّه، هذا سهيل خطيب قريش، فأنزع ثنيته فلا يقوم خطيبا بك (؟ عليك) أبدًا؟
فَقَالَ: [دعه، فعسى/ 144/ أن يقوم مقامًا تحمده، وينفع اللَّه بِهِ.] فأسلم يَوْم الفتح وحسن إسلامه، فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان عتاب
__________
[1] خ: جراب.
[2] أبى هشام، ص 462، الاستيعاب رقم 2517 سهيل بن عمرو، مع اختلافات.
[3] كأنه لم يجد تلفظ الثاء. (خ: السويد. ولكن راجع تحت)
[4] خ: القد.
[5] خ: والله.(1/303)
ابن أسيد على مكة، فقام سهيل فقال: يا أيها النَّاس أَنَا أكثر قريش قَتَبًا [1] فِي بر، وجارية فِي بحر، فأقروا أميركم وأعطوه صدقاتكم وأنا ضامن إن لم يتم الأمر أن أردّها إليكم. وبكى، وسكن النَّاس، ورجع عتاب [2] . فلما كانت خلافة عُمَر، أتاه سهيل، والحارث بْن هشام، ليسلما عَلَيْهِ. فقدّم قبلهما صهيبًا وعمارًا. فغضب الحارث بْن هشام من ذَلِكَ. فَقَالَ سهيل: دعينا ودُعوا، فأجابوا وأبطأنا ثُمَّ نغضب [3] أن يقدموا علينا، فأما إذا فاتت الجهاد مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنا نطلبه بعده. فخرجا إلى الشام مجاهدين، فماتا هناك. قَالَ الواقدي: رمى سعد سهيلًا، فأصاب بنساه [4] ، وجاء مالك فأسره.
وَحَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَشْيَاخِهِمْ قَالَ:
رَأَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ سُهَيْلا، فَقَالَ: «هَذَا الَّذِي كَانَ يُطْعِمُ الثَّرِيدَ بِمَكَّةَ» .
[فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هَذَا أَبُو يَزِيدَ الَّذِي كَانَ يُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَلَكِنَّهُ سَعَى فِي إِطْفَاءِ نُورِ اللَّهِ فَأَمْكَنَ اللَّهُ مِنْهُ.] وَكَانَ لَمَّا أُسِرَ، هَرَبَ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ، فَوَجَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بين سهوات [5] . فَأَمَرَ بِهِ، فَرُبِطَتْ يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ وَجُنِّبَ إِلَى رَاحِلَتِهِ. وَفِيهِ يَقُولُ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصلت الثقفى [6] :
يا با يَزِيدَ رَأَيْتُ سَيْبَكَ وَاسِعًا ... وَسَمَاءَ جُودِكَ تُسْتَهَلُّ فَتُمْطِرُ
674- قَالُوا: وقَالَ عمير بْن وهب بْن خلف الجمحي لصفوان بْن أمية، لولا دَين علي وعيال، لأتيتُ محمدًا فقتلته، فقد عظمت المصيبة بمن قتل من السادة يَوْم بدر، فإنه بلغني أَنَّهُ يطوف فِي الأسواق. فضمن لَهُ صفوان قضاءَ دينه وأمر عياله. فمضى حتَّى أتى المدينة مكتتمًا، فأناخ راحلته عَلَى باب المسجد وعقلها، وتقلد سيفه وكان قَدْ شحذه وسمّه، ثُمَّ عمد نحو النبي صلى الله عليه
__________
[1] القتب: الرحل الذى يوضع على البعير. وأراد الكل من الجزء. والجارية:
المركب البحرى.
[2] لأنه كان خافهم، قبل، فتوارى كما ذكر ابن هشام، ص 1021.
[3] خ: يغضب.
[4] النسا: الورك.
[5] السهوة: الصخرة.
[6] ليس في ديوان أمية المطبوع ولكن راجع الاستيعاب، رقم 2517 سهيل بن عمرو، مع اختلافات.(1/304)
وَسَلَّمَ. فنظر إِلَيْه عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، وهو فِي نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فَقَالَ لمن عنده: دونكم الكلب فهذا عدوّ الله حرّش بيننا يوم بدر وحرزنا للقوم. فأخذه عُمَر، فانطلق بِهِ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَالَ: هَذَا عمير بْن وهب دخل المسجد ومعه سلاحه، وهو الغادر الخبيث. فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أقدمك؟ قَالَ: قدمتُ فِي ابنى وهو أسير عندكم لتقاربونا [1] فِيهِ. قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
فما هَذَا السيف؟ قَالَ: «لعنها اللَّه من سيوف، وهل أغنت عنا شيئًا يَوْم بدر؟
إنَّما نسيته فِي رقبتي حين نزلتُ» . فَقَالَ: اصدقنى فيما قدمت: قدمتُ بسبب أسيري وهب بْن عمير بْن وهب. قَالَ: «فما شرطت لصفوان وما اشترطت عَلَيْهِ؟
فقد ضمنتَ لَهُ قتلي عَلَى أن يقضي [2] دينك، ويعول عيالك. والله حائل بينك وبين إرادتك.» فَقَالَ عمير: «أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُول اللَّه. هَذَا والله وحي السماء. والله ما سَمِعَ هَذَا من صفوان أحد سواي، وما سمعه مني أحد» .
فأطلق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسيره. وأتي عمير مكة، فلم يقرب صفوان، وأظهر الإسلام، ودعا إليه، ووقف عَلَيْهِ عمير، وهو فِي الحجر، فلم يكلمه.
وتشهد عمير وقَالَ لَهُ: أهذا دين: عبادة حجر والذبح لَهُ؟ فلم يكلمه صفوان.
وشهد عمير بْن وهب يَوْم أحد مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبقي إلى بعد خلافة عُمَر بْن الخطاب. ويكنى أبا أمية. وَيُقَالُ إنّ وهب بْن عمير هُوَ الضامن لصفوان ما ضمن، وأن أباه عمير بْن وهب كَانَ الأسير. والأول أثبت.
675- وروى الْوَاقِدِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، قَالَ:
كَانَ الأَسْرَى سَبْعِينَ، وَالْقَتْلَى سَبْعِينَ. وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَرُوِيَ عَنِ/ 145/ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ، والقتلى أكثر من سبعين أيضا.
__________
[1] خ: ليقاربونا.
[2] خ: تقضى.(1/305)
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ [1] قَالَ:
أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلا. وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ بَنِي مَبْذُولٍ، مِنَ الْخَزْرَجِ. وقَالَ طَالِب بْن أَبِي طَالِب فِي يَوْم بدر- وقوم يزعمون أنها لأمية ابن أَبِي الصلت- وكان طَالِب قَدْ شهد بدرًا، ثُمَّ انصرف راجعًا فلم يسمع لَهُ بذكر مع قريش [2] :
فجّعتنى المنون بالجلة الحمس ... ملوك لدى الحجون صباح
إن كعبا وعامرا قد أبيحت ... يوم بدر يوم ذات الطماح
شيب الرأس أننى كلما ... شئت سمعت الأنين بالأنواح
وفتاة تدعو غلامًا نجيبًا ... سرحت قبل يومها بسراح
أصبحت مكَّة الحرام حلالًا ... من لؤي وغالب والبطاح
وقَالَ أمية بْن أبي الصلت [3] :
هلا بكيت على الكرا ... م بني الكرام أولي الممادح
كَبُكا الحمام عَلَى فرو ... ع الأيك بالصبح الجوانح
يبكين خزى ذات أشجا ... ن يرحن من الروائح
أمثالهن الباكيا ... ت المعولات من النوائح
ماذا ببدر فالعقن ... قل من مرازبة [4] جحاجح
كسب مَطاعيمٌ مُطاعين ... ملاوذة ماجح
[5]
المطعمين الشحم فو ... ق الخبز شحمًا كالأنافح
لله دَرُّ بني علي ... أيّمٌ منهم وناكح
إنْ لم يغيروا غارةً ... شعواء تحجر كل نابح
__________
[1] كذا في الأصل. لعله ابن عبد الله بن كعب.
[2] ليس في ديوان أمية المطبوع.
[3] ليس في ديوانه المطبوع، ولكن راجع ابن هشام، ص 531- 532 حيث حذف بعض الأبيات وزاد أخرى. والبيتان الأخيران أيضا عند مصعب، ص 10- 11.
[4] خ: مرالابه.
[5] خ: ممناجح.(1/306)
وقَالَ حسان يهجو أبا جهل [1] :
ألا لعن الرحمنُ قومًا يحثهم ... دعيُّ بني شَجع لحرب مُحَمَّد
مَشْومٌ لِعينُ قَدْ تبين جهله ... قليل الحياء أمره غير مرشد
فأنزلَ ربي نصرهَ لرسوله ... وأيده بالعزّ فِي كل مشهد
وقَالَ شداد بْن الأسود الليثي ثُمَّ الشَجعي يبكي قتلاء قريش يوم بدر [2] :
دعيني أصطبح با بكر إني ... رأيت الموت نقب عَن هِشَام
ونقب عن أبيك أبي يزيد ... أخي القينات والشُّرب الكرام
فكم لَكَ بالطويِّ طويِّ بدر ... من الخيرات والدسع العظام
وكم لَكَ بالطويِّ طوي بدر ... من الرغبات والنعم الجسام
وماذا بالقليب قليب بدر ... من الشيزي تكلل بالسنام
ألا من مبلغ الأقوام عني ... بأني تارك شهر الصيام
يخبّرنا الرسول بأن سنحيى ... وكيف حياة أصداءٍ وهام
وقَالَ أمية بْن أبى الصلت [3] :
عين بكىّ بالمسبلات [4] أبا العا ... صى ولا تجمدى على زمعه
وبكيّا توكلا إذا احتدم البأ ... س ليوم الهياج في الدمعه
__________
[1] ديوان حسان، ق 45، ب 1- 4، مع اختلافات أهمها تلفيق بين بيتين في البيت الثانى ههنا:
مشوم كان قدما مبغضا ... يبين فيه اللوم من كان يهتدى
فدلاهم في الغى حتى تهافتوا ... وكان مضلا أمره غير مرشد
[2] ابن هشام، ص 530- 531، والبيت الأول عند مصعب (ص 301، وعزاه ابن دريد في الاشتقاق، ص 63، إلى بحير بن عبد الله القشيرى) ، والبيت الأخير في جمهرة ابن الكلبى، ص 81. وروى البخارى في صحيحه، كتاب مناقب الأنصار (63/ 43، حديث 21) لزوج أم بكر، لم يسم، أربعة أبيات: أولها الخامس ههنا، ورابعها الأخير ههنا وروى في أوله «يحدثنا» بدل «يخبرنا» . أما الثانى والثالث كما يلى:
وماذا بالقليب قليب بدر ... من القينات والشرب الكرام
تحيى بالسلامة أم بكر ... وهل لي بعد قومى من سلام
[3] ليس في ديوانه المطبوع، ولكن راجع مصعبا الزبيري، ص 206، وابن هشام ص 533، حيث اختلافات وزيادات.
[4] خ: بمسلات.(1/307)
قتلى كرام لفقدهم خوت الجو ... زاء لا خانةٌ ولا خدعه
قوم هُمُ الهامة الوسيطة من كع ... ب وفيهم كذروة القمعه/ 146/ أمسى بنو عمه إذا ذكر البأ
س عليهم أكبادهم وجعه
وقَالَ عَبْد اللَّه بْن الزبعرى السهمي [1] :
ماذا ببدر ثُمَّ ماذا حوله ... من فتية بيض الوجوه كرام
تركوا نبيهًا عندها ومنبها ... وابنى ربيعة خير خصم فئام
والعاصَ وابنَ منبه ذا مرة ... رمحًا طويلًا غير ذي أوصام
تنمي بِهِ أعراقه وجّدوده ... ومآثر الأخوال والأعمام
والحارثَ الفياض يبرق وجهه ... كالبدر أشرق ليلةَ الإظلام
فإذا بكى باك فأعولَ شجوَه ... فعلى الرئيس الماجد ابْنُ هشام
وفي بدر شعر كَثِير سوى هَذَا. فمنه ما يصحح ومنه ما لا يصحح ومنه ما لا يصحح.
676- حَدَّثَنِي مُحَمَّد، عن الواقدي قَالَ:
شهد بدرًا عبيدة، وحصين، وطفيل بنو الحارث، ثلاثة إخوة. وعكّاشة ابن محصن، وأخوه أَبُو سنان بْن محصن. وشجاع، وعقبة ابنا وهب.
ومدلاج [2] ، وثقاف ابنا عَمْرو السلميان، وكانا حليفي بني أسد بْن خزيمة، فصارا فِي حلف بني عَبْد شمس مَعَ بني أسد. وعمر، وأخوه زَيْد بْن الخطاب.
677- ثُمَّ غزاة بني قَينُقاع،
من يهود، فِي شوال سنة اثنتين. وكان سببها أن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قدم المدينة. وادعته يهود كلها، وكتب بينه وبينها كتابًا. فلما أصاب صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحاب بدر وقدم المدينة سالمًا غانمًا موفورًا، بغت وقطعت العهد. فجمعهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: [يا معشر يهود، أسلموا فو الله إنكم لتعلمون أنى نبى وإلا أوقع أصبكم أكثر مما أوقع بقريش.] فقالوا: يا مُحَمَّد، لا يغرّنك من لقيتَ، فإنما قهرتَ قومًا أغمارًا، ونحن بنو الحرب، ولئن قاتلتنا لتعلمن أنك لم تقاتل مثلنا. فبيناهم
__________
[1] ابن هشام، ص 521 مع اختلافات.
[2] راجع عنه ابن هشام، ص 487.(1/308)
عَلَى بغيهم ومجاهرتهم بكفرهم إذ جاءت امْرَأَة كانت تحت رَجُل من الأنصار إلى سوق بني قينقاع، فجلست عند صائغ منهم فِي أمر حليّ لها. فجاء رَجُل من بني قينقاع، فجلس من ورائها، وهي لا تشعر، فحلّ درعها إلى ظهرها، بشوكة. فلما قامت تكشفت وبدت عورتها، فضحكوا منها. فقام إِلَيْه رَجُل من المسلمين، فأتبعه فقتله. فتعادوا عَلَى الرجل المسلم، فقتلوه ونبذوا العهدَ إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فنزل فيهم: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) [1] . وروى أيضًا أن الآية نزلت فِي بني قريظة. فسار إليهم، وَقَدْ تحصّنوا فِي حصنهم. فحصرهم خمس عشرة ليلة. ثُمَّ إنهم نزلوا عَلَى حكمة، فأمر بهم فرُبطوا. واستعمل عَلَى ربطهم وكتافهم المنذر بن قدامة السلمي. فأتى ابْنُ أبيّ المنافق رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأدخل يده فِي جيب درعه من خلفه، وقَالَ: يا مُحَمَّد أحسن إلى مواليّ. [فَقَالَ لَهُ: ويلك أرسلني،] وكان قَدْ ضمه إِلَيْه. فَقَالَ لَهُ: «أتريد أن تحصد أربع مائة دارع وثلاث مائة حاسر، منعوني يَوْم الحدائق ويوم بعاث، فِي ساعة؟
أما تخشى يا مُحَمَّد الدوائر؟» [فقال: خلوهم، لعنهم اللَّه ولعنه معهم.] وأعفاهم من القتل، وأجلاهم إلى الشام. فنزلوا أذرعات. فلم يلبثوا إلا قليلا حتَّى هلكوا.
وقبض رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أموالهم. وكانوا صاغة، لا أرضين لهم.
وكان الَّذِي أخذ من سلاحهم ثلاث قسيّ: قوسًا تدعي «الكتوم» ، كسرت يَوْم أحد، وأخرى تدعي «الروحاء» ، وأخرى تدعي «البيضاء» ، ودرعين:
درعا يقال لها «السعدية» ، وأخرى يُقال لها «فضَّة» ، وثلاثة أسياف: سيفا قلعيا، وآخر يُقال لَهُ «بتار» ، وآخر لم يسمّ [2] / 147/ وثلاثة أرماح:
ووُجد فِي حصونهم سلاح كَثِير، وآلة من آلات الصياغة. فأعطى سعدَ ابن مُعَاذِ درعا من دروعهم المذكورة. وأعطى مُحَمَّد بْن مسلمة درعًا أخرى.
وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر أيضا.
__________
[1] القرآن، الأنفال (8/ 58) .
[2] ولكن راجع فيما بعد باب سلاح رسول الله حيث سماه «الحتف» .(1/309)
678- ثُمَّ غزاة السَّويق
فِي ذي الحجة سنة اثنتين. وسببها أن أبا سُفْيَان بْن حرب حرّم عَلَى نفسه الدهن حتَّى يثأر من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، بمن أصيب من المشركين يَوْم بدر. فخرج فِي مائتي راكب، وَيُقَالُ فِي أربعين راكبًا. وسار إلى بني النضير ليلًا، فطرق ومن معه حيي بنَ أخطب اليهودي، ليخبره من أخبار رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أحبّ معرفته. فأبي أن يفتح لهم. وطرقوا سلام بْن مِشْكَم، ففتح لهم، وقراهم، وسقى أبا سُفْيَان خمرًا. فلما كَانَ السحر، خرج أبو سُفْيَان ومن معه، فلقي رجلًا من الأنصار فِي حرث لَهُ، فقتله. وقتل أجيرًا لَهُ كَانَ معه. وحرّق بعض حرثهما. ورأى أن يمينه قَدْ حلّت، فمضى هاربًا، وخاف الطلب. وبلغ رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبره، فندب أصحابه. فخرج وخرجوا يريدونه. وجعل أَبُو سُفْيَان وأصحابه يتخففون ويُلقون جُربَ السويق، وهي عامة أزوادهم. فجعل المسلمون يمّرون بها فيأخذونها. فسميت الغزاة ذات السويق. ولم يلق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها كيدًا. وفي سلام بْن مشكم يَقُولُ أَبُو سُفْيَان بْن حرب [1] :
سقاني فروّاني كميتا مُدامة ... عَلَى ظمأ مني سلام بْن مشكم
فداك أَبُو عَمْرو يجود ودارُه ... بيثربَ مأوى كل أبيض خضرم
وقَالَ بعضهم: كانت كنية سلام «أبا الحكم» ، ويروى هَذَا البيت:
أبو الحكم خير الرجال ودارُه ... بيثرب مأوى كل أبيض خضرم
وكان الزُّهْرِيّ يَقُولُ: كنيته «أَبُو عَمْرو» . وكان خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المدينة أيضًا أبا لبابة.
679- ثُمَّ غزاة قَرقرة الكُدْر.
وبعضهم يَقُولُ: «قَرارة» . والأول أثبت.
وكان فِي المحرم سنة ثلاث. وكان سببها أَنَّهُ بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بها جمعًا من غطفان وبني سُلَيم. فسار إليهم، فتفرّقوا. ولم يلق كيدًا، ووجد لهم نعما مَعَ رُعاتها. وَيُقَالُ إنه وجد نعمًا وشاءً. وكانت النعم خمس مائة بعير.
وقسّم ذَلِكَ بين المسلمين. وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المدينة ابن أم مكتوم.
__________
[1] ابن هشام، ص 544، مع اختلافات.(1/310)
680- ثُمَّ غزاة بني غطفان،
بذي أمر، بنجد. وكانت فِي شهر ربيع الأول سنة ثلاث. وكان سببها أن جمعًا من بني ثعلبة بْن سعد بْن ذبيان بن بغيض ابن رَيث بْن غطفان، وبني محارب بْن خَصَفة بْن قيس تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ الذى جمعهم دعثور ابن الحارث المحاربي. وبلغ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبرهم، فخرج فِي أربع مائة وخمسين. وصار إلى ذي القِّصَّة، فلقي بها رجلًا من بني ثعلبة. فَقَالَ لَهُ المسلمون: أَيْنَ تريد؟ فَقَالَ: أريد يثرب لأرتاد لنفسي وأنظر. فَدَعَاهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الْإِسْلَام. فأسلم، وأخبر أن المشركين تجمعوا. فلما بلغوا خبره، هربوا إلى رءوس الجبال. وكان اسم الرجل جبّارًا. ولم يلق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الغزاة كيدًا. قَالُوا: ونظر دُعْثُور إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مضطجعًا تحت شجرة. فأقبل ومعه سيفه، فَقَالَ:
من يمنعك مني اليوم؟ قَالَ: [اللَّه.] ودفع جبريل فِي صدره، فوقع السيف من يده. فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم/ 148/ وقال: من يمنعك مني اليوم، يا دُعثور؟ فَقَالَ: لا أحد، وأنا أَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّد (ا) رَسُول اللَّه، والله لا أكثر عليك جمعًا أبدًا. فأعطاه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيفه. فمضى إلى أصحابه، فدعاهم إلى الْإِسْلَام، وأخبرهم بما رَأَى. وفيه نزلت الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ) ، الآية [1] . وكانت غيبة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المدينة إحدى عشرة ليلة. واستخلف عليها عثمان بْن عفان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
681- ثُمَّ غزاة بني سُليم بْن مَنْصُور ببَحران،
وهي ناحية الفُرُع، فِي جمادى الأولى سنة ثلاث. وكان سببها أن جمعًا من بني سليم تجمعوا ببحران، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فخرج فِي ثلاث مائة من المسلمين، ولم يذكر أَيْنَ يريد؟ فلما صار ببحران، وجدهم قَدْ تفرقوا ورجعوا إلى مياههم.
فانصرف ولم يلق كيدًا. وكانت غيبته عشر ليال. واستخلف عَلَى المدينة ابْنُ أم مكتوم، وهو عَمْرو بْن قيس، أحد بْني عامر بْن لؤي. وأمه عاتكة مخزومية.
682- ثُمَّ غزاة أحد.
وكانت الوقعة يَوْم السبت لسبع ليال خلون من شوال سنة
__________
[1] القرآن، المائدة (5/ 11) .(1/311)
ثلاث وكان سببها أن أبا سُفْيَان قدم بعير قريش، فوقفها فِي دار الندوة.
فلما رجع المشركون من بدر إلى مكَّة، مشت أشراف قريش إلى أبى سفيان ابن حرب: الأسود بْن المطلب بْن أسد، وجبير بْن مطعم، وصفوان بْن أمية، وعكرمة بْن أَبِي جهل بْن هشام، والحارث بْن هشام، وعبد اللَّه بْن أَبِي ربيعة، وحويطب بْن عَبْد العزى، وحجير بْن أَبِي إهاب، فقالوا: يا با سُفْيَان، احتبس هَذِهِ العيرَ فإنها أموال أهل مكة، وهم طيّبو الأنفس بأن يجهزوا بما فيها جيشًا كثيفًا إلى مُحَمَّد، فقد ترى من قتل من أبنائنا وعشائرنا. وَيُقَالُ:
بل مشى أَبُو سُفْيَان إلى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سمينا، وغيرهم. فدعاهم إلى توجيه جيش إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأثمان ما في العير. فباعوا ما كَانَ فيها بذهب العين، وتجهزوا به. وقال بعضهم: إنهم تجهزوا بأرباح ما فيها. وكانوا يربحون للدينار دينارًا. وبعثوا إلى أربعة نفر من قريش- وهم عَمْرو بْن العاص، وهبيرة ابن أَبِي وهب المخزومي، وابن الزبعرى، وأبو عزَّة الجمحي واسمه عَمْرو بْن عَبْد اللَّه- فساروا فِي العرب يستنجدونهم ويستنصرونهم عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان أبو عزَّة كنانيًا، امتنع من النفوذ لما وجهوه لَهُ، وقَالَ: إنّ بلاء مُحَمَّد عندي حسن: أطلقني يَوْم بدر بلا فداء. فلم يزالوا بِهِ حتَّى خرج، وهو يَقُولُ [1] :
أيا بني عَبْد مناة الرزّام ... أنتم حماة وأبوكم حام
لا تسلمونى لا يحلّ إسلام ... لا تعدونى نصركم بعد العام
وخرج النفر، فجمَّعوا جمعًا من ثقيف وكنانة وغيرهم، وتوجّه المشركون إلى المدينة وخرجوا معهم بالظُّعُن. فأخرج أَبُو سُفْيَان بْن حرب هندَ بِنْت عتبة أم معاوية، وأميمة بِنْت سَعِيد بْن وهب بْن أشيم الكنانية امرأته. وأخرج صفوانُ بْن أمية بْن خلف الجمحي برزةَ بِنْت مَسْعُود الثقفي، وهي أم عبد الله ابن صفوان الأكبر، والبَغُوم بِنْت المعذّل الكنانية، وهي أم عَبْد اللَّه بْن صفوان الأصغر. وخرج طلحة بْن أَبِي طلحة العبدري بامرأته سُلَافة بنت سعد بن شهيد
__________
[1] ابن هشام، ص 556، مصعب، ص 398، وزاد في أوله: «أنتم بنو الحارث والناس الهام» .(1/312)
الأوسية، وهي أم بني طلحة: مسافع/ 149/ والحارث، وكلاب، وجُلاس الَّذِينَ قتلوا يَوْم أحد. وخرج عكرمة بْن أَبِي جهل بامرأته أم حكيم بنت الحارث ابن هشام وخرج الحارث بْن هشام بامرأته فاطمة بِنْت الوليد بْن المغيرة. وخرج عَمْرو بْن العاص بْن وائل السهمي بامرأته هند بِنْت منبّه بْن الحجاج السهمي، وهي أم عَبْد الله بن عمرو ابن العاص. وخرجت خناس بنت مالك بْن المضرب [1] مع ابنها أبى عزيز ابن عمير، أخي مصعب بْن عمير العبدري. وخرج الحارث بْن سُفْيَان بْن عَبْد الأسد بامرأته رملة بِنْت طارق بْن علقمة، من كنانة. وخرج كنانة بن عدى [2] ابن ربيعة بْن عَبْد العزى بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف بامرأته أم حكيم بِنْت طارق. وخرج سُفْيَان بْن عويف بامرأته قُتيلة بِنْت عَمْرو بْن هلال. وخرج النعمان، وجابر ابنا عَمْرو [3] مسك الذئب الكناني بأمهما الدُّغينة. وخرجت عمرة، التي رفعت اللواء حين قُتل من قُتل من بني عَبْد الدار يَوْم أحد، مع زوجها.
683- وكان أبو عامر عبد عَمْرو بْن صيفي الراهبُ خرج فِي خمسين رجلًا من الأوس حتَّى قدم بهم مكَّة. وذلك حين هَاجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة. فأقام مَعَ قريش، ولم يسر معها إلى بدر، ولكنه سار معها إلى أحد، فقاتل المسلمين. قَالُوا: وخرج نساء مكَّة، ومعهن الدفوف يبكين قتلى بدر وينحن عليهم. ولما ورد المشركون يثربَ، أقبلوا يرعون إبلهم زروعَ الأنصار وَقَدْ قرب إدراكها. وكان قدومهم يثربَ يَوْم الخميس لخمس خلون من شوال. والحرب بعد ذَلِكَ بيومين. وكان جميع المشركين ثلاثة آلاف بمن ضوى إلى قريش. وقادوا مائتي فرس. وكان فيهم سبع مائة دارع. ومعهم ثلاثة آلاف بعير. فكتب الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُخبره بذلك ويقول لَهُ: «اصنع ما كنتَ صانعا إذا وردوا عليك، وتقدّم
__________
[1] وعند مصعب، ص 254: المطرف.
[2] خ: على. (هو سهو، صححه فيما بعد) .
[3] خ: عمروو. (لعله أراد أن يقول: «ابنا عمرو، و (هما من ولد) مسك الذئب» ، لأن مسك الذئب هو صاحب حلف الأحابيش عقده في عهد قصى، أو ابنه عبد مناف.
راجع أيضا 2/ 722 من مخطوطة أنساب الأشراف) .(1/313)
فِي استعداد التأهب» . وبعث بكتابه إِلَيْه مَعَ رَجُل اكتراه من بني غفار. فوافي الغفاري رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بقباء. فلما دفع كتابَ الْعَبَّاس إِلَيْه، قَرَأَه على أَبِيّ بْن كعب، واستكتمه ما فِيهِ. وأتى سعدَ بن الربيع فأخبره بذلك واستكتمه إياه. فلما خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عند سعد، أتته امرأته فقالت: ما قَالَ لَكَ رَسُول اللَّه؟ فَقَالَ: وما أنت وذاك، لا أم لَكَ.
قالت: قَدْ كنتُ أتسمع عليك، وأخبرت سعدًا بما سَمِعْتُ. فاسترجع وقَالَ: أراك كنت تسمعين علينا. وانطلق بها إلى رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فأدركه فأخبره خبرها، وقَالَ: يا رَسُول الله إنى خفت أن تفشو الخبر فترى أنى المنشئ لَهُ وَقَدِ استكتمتني إياه. [فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خلّ عنها] .
684- قَالُوا: وتسلح وجوه الأوس والخزرج ليلة السبت. وحرس سعدُ بْن مُعَاذِ، وأسيد بْن حضير، وسعد بْن عبادة رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وباتوا ببابه فِي جماعة. وحرست المدينة. وخطب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناسَ يَوْم السبت، فَقَالَ: إني رأيتُ فِي منامي كأني فِي درع حصينة، وكأنّ سيفي ذا الفقار انقصم من عند ظُبته، ورأيتُ بقرا تذبح، ورأيتُ كأني أردفتُ كبشًا. فسئل عن تأويلها، فَقَالَ: أما الدرع فالمدينة، فامكثوا فيها، وأمَّا انقصام سيفي، فمصيبة فِي نفسي، وأمَّا البقر المذبح، فقتل فِي أصحابي، وأمَّا الكبش المردف، فكبش الكتيبة نقتله إن شاء اللَّه. وروى أيضًا أَنَّهُ قَالَ:
وأمَّا انقصام سيفي، فقتل رَجُل من أهل بيتي. وروي أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ورأيت فِي سيفي فَلًّا، فهو الَّذِي ناله فِي وجهه. وكان رأي ذوي الأسنان من الأنصار ومن رَأَى رأيهم من المهاجرين أن تجعل [1] النساء والذراري فِي الآطام ويمكث [2] المقاتلة فِي المدينة، وقالوا: نقاتلهم فِي الأزقة/ 150/ فنحن أعلم بها منهم. وأشار عَبْد اللَّه بْن أبيّ بمثل ذَلِكَ. فكرهه قوم لم يكونوا شهدوا بدرًا، وتسرعوا إلى الخروج وبهشوا [3] إِلَيْه، وقَالَ قائلهم: هِيَ إحدى الحسنيين:
الظفر أَوِ الشهادة، والله لا تطمع العربُ فِي أن يدخل علينا منازلنا، ولا يظن
__________
[1] خ: يجعل.
[2] خ: تمكث.
[3] بهش إليه: ارتاح وخف (القاموس) .(1/314)
ظانّ أنا هبنا عدونا فيجترئ علينا. وخرج النَّاس بجدّ ونشاط. وقال إياس ابن أوس بْن عتيك: نَحْنُ بنو عَبْد الأشهل، وإنا لنرجو أن نكون البقر المذبح.
وقَالَ النعمان بْن مالك بْن ثعلبة، أخو بني سالم: البقر المذبح قتلى [1] من أصحابك وأنا منهم. [وقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن التثبط عجز، ومع الصبر النصر، فاصبروا فإن النصر معكم ما صبرتم] .
685- قَالُوا: ونزل أبن أبىّ ناحية من العسكر، وقَالَ لَهُ قوم من أصحابه المنافقين:
أشرتَ بالرأي، فلم يقبل منك وأطاع هَؤُلَاءِ الغلمانَ الَّذِينَ معه. فانصرف فِي ثلاث مائة، وهو يقدمهم كأنه هيق [2] ، وقَالَ: ما ندري عَلَى ما نقتل أنفسنا.
فلحقهم عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن حرام، أخو بني سَلَمة في أناس من المسلمين (و) قالوا لهم: «ويلكم، ألا تستحيون؟ قاتلوا عن بيضتكم، وادفعوا عن حوزتكم» . وقَالَ عَبْد اللَّه بْن عمرو: ويحك لم ترض بأن انخزلت راضيا بالمدينة حتى ثبط من ثبط معك. فقالوا: لو نعلم قتالا لاتبعناكم، وما أسلمناكم. وأبوا أن يرجعوا. فأنزل اللَّه فيهم: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ، الآية [3] . وشمت ابْنُ أبيّ بمصاب من أصيب مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أشرتُ عَلَيْهِ بالرأي فلم يقبله وقبل رأيَ الصبيان.
686- وولى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّد بْن مسلمة بْن سَلَمة الأنصاري الحرسَ، فكان يطوف حول العسكر وفي أعراضه فِي خمسين رجلًا. وأدلج رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للقاء المشركين، فمرّ بحائط لمربع بْن [4] قيظي، وكان أعمى منافقا، فقال: يا محمد إن كنتَ رَسُول اللَّه كما تَقُولُ، فلا تدخل حائطي.
وجعل يحثو التراب فِي وجوه المسلمين. فضربه سعد بْن زَيْد بْن مالك الأشهلي بقوس كانت معه، فشجّه. فغضب لَهُ ناس من بني حارثة بْن الحارث، وهم قومه وكانوا عَلَى مثل رأيه. فهمّ بهم أسيد بْن حضير حتَّى أومى إِلَيْه رَسُول اللَّه
__________
[1] خ: قتلا.
[2] الهيق: النعامة، والرجل الطويل.
[3] القرآن، آل عمران (3/ 167) .
[4] خ: لمريع من.(1/315)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكفّ. وكان مَعَ المسلمين يَوْم أحد فرسان: فرس لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفرس لأبي بُردة بْن نِيار البلوي حليف الأوس.
وكانت عدَّة المسلمين ألف رجل. ويقال: كانوا منعتهم يَوْم بدر. وكان فيهم مائة دارع. وعرض رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أتى الشيخين غلمانا، منهم عَبْد اللَّه بْن عُمَر، وزيد بْن ثابت، وأسامة بْن زَيْد، وزيد بْن أرقم، والبراء بْن عازب، وأسيد بْن ظهير، وعرابة بْن أوس بْن قيظي، وأبو سَعِيد الخدري، وسمرة بْن جُندب، ورافع بْن خديج. فَقَالَ رافع: جعلت أتطاول، وَقَدْ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إني رام، فأجازني. وقَالَ سمرة لربيبه مُرَيّ بْن ثابت بْن سنان الخزرجي، وهو زوج أمه يا أبته، أجاز رَسُولُ اللَّه رافعَ بْن خَديج وردني. فَقَالَ مُرَيّ: يا رَسُول اللَّه، أجزتَ رافعًا ورددت ابني وابني يصرعه. فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تصارعًا. فصرع سمرةُ رافعًا. فأجازه. وكانت أم سمرة امْرَأَة من بني أسد. وقَالَ الكلبي: هِيَ الكلفاء بِنْت الحارث، من بني فزارة. وقَالَ الواقدي، ذكر بعض الرواة أَنَّهُ أصاب رافعًا يَوْم أحد سهم فِي ترقوته. فكان إِذَا ضحك فاستغرب، ندى. [فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن شئت دعوتُ اللَّه/ 151/ لَكَ فبرأتَ، وإن شئت تركتَه، فإذا متّ كنتَ شهيدًا. فتركه] .
حَدَّثَنِي محمد بن حَاتِمِ بْنِ ميمون، ثنى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ الأَوْدِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
عرضت على رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ فَاسْتَصْغَرَنِي، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي.
687- وصفّ المشركون يَوْم أحد صفوفَهم، وجعلوا عَلَى ميمنتهم خَالِد بْن الوليد، وعلى ميسرتهم عكرمة بْن أَبِي جهل، وعلى الخيل صفوان بْن أمية وَيُقَالُ عَمْرو بْن العاص، وعلى الرماة عَبْد اللَّه بْن أَبِي ربيعة وكانوا مائة رام.
688- وسوّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفوفَ المسلمين وأقامها إقامة القدح، فلم يزل منكب عن منكب. واتخذ ميمنة وميسرة. وخطب النَّاس ورغبهم فِي الجهاد، وحثهم عَلَى الصبر واليقين والجدّ والنشاط. ودفع لِوَاءَ المهاجرين إلى(1/316)
عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ. ثُمَّ سَأَلَ عن لواء المشركين، فقيل: دفع إلى طلحة بْن أَبِي طلحة. فَقَالَ: نَحْنُ أحق بالوفاء، فدفعه إلى مصعب بْن عمير العبدري.
وكان لواء الأوس مَعَ أسيد بْن حضير. ولواء الخزرج مَعَ سعد بْن عبادة، وَيُقَالُ مَعَ الحُباب بْن المنذر. وكان شعار النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ «أمت أمت» . ورتّب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الرماة، وجعل عليهم عبد الله ابن جُبَيْر بْن النعمان بْن أمية البُركي الأوسي، أخا خوّات بْن جُبَيْر صاحب ذات النِّحيين [1] . واستقبل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وجعل أحدًا وراءه. [وقَالَ للرماة، وهم خمسون: «الزموا مكانكم فلا تريموا، واحموا ظهورنا بنبلكم. وإن رأيتمونا قَدْ هزمناهم، فأقيموا ولا تبرحوا] » . فجعلوا يرشقون المشركين:
فما يقع سهم من سهامهم إلا فِي رَجُل أَوْ فرس.
689- قَالُوا: وكانت امْرَأَة من بني شيبان قَالَتْ يَوْم قضَّة [2] ، وهو من أيام بَكْر وتغلب ابنى وائل ويدعى يوم التخالق: «إن تَقبلوا نُعانق، ونفرش النمارق، أَوْ تُدبروا نفارق، فراقَ غير وامق» . فجعل نساء قريش يضربن يَوْم أحد بالدفوف، ويقلن [3] :
نَحْنُ بنات طارق ... نمشي عَلَى النمارق
إن تُقبلوا نعانق ... أَوْ تُدبروا نفارق
فراق غير وامق
يُردن: نَحْنُ بنات الكوكب، لرفعته، وأنَّه لا يُنال. وَيُقَالُ إن رملة بِنْت طارقَ، وأم حكيم بِنْت طارق قالتا ذَلِكَ، وقَالَ النساء معهما. وكان النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَمِعَ قولهن هَذَا. [قَالَ: اللهم إني بك أحول وأصول، وفيك أقاتل، حسبي اللَّه ونعم الوكيل.] قَالُوا: ورأت عَائِشَةُ بناتَ طارق بْن المرقع، من كنانة، فَقَالَت: كذب الَّذِي قَالَ «إنّ الخيل أحسن من النساء» .
690- واستحرّ القتل فِي أصحاب لواء المشركين. ورأى النساء برجالهن أمرا
__________
[1] راجع لذكرها ما مضى.
[2] راجع لذكره باب أيام العرب عند ابن عبد ربه (في العقد الفريد) .
[3] الطبرى، ص 1397، 1400، السهيلي 2/ 130.(1/317)
عظيمًا، حتَّى ولولن، وتركن ما كن [1] فِيهِ. فانهزم المشركون حتَّى انهزمت هندُ بِنْت عتبة وصواحبها متحيرات ما دونهن دافع ولا مانع وحتى لو يشاء المسلمون لأخذوهن. ودخل المسلمون عسكر المشركين، فأقبلوا يغنمون وينتهبون مكّبين عَلَى ذَلِكَ، ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعوهم إلى اتباع القوم ويقول:
[إن الغنائم لكم.] وأخلَّ الرُّماة، وهم خمسون ويقال أربعون، بمكانهم وأقبلوا ينتهبون. فَقَالَ/ 152/ لهم ابْنُ جُبَيْر صاحبهم: ما هَذَا؟ فَقَالَ قائلهم:
إنَّما أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالوقوف ما دامت الحرب. وتركوا الجبل.
فلما رَأَى المشركون فعلهم، كرّوا عَلَى المسلمين، فانحدر خَالِد بْن الوليد من الجبل فِي كتيبة، وألحّ المشركون عَلَى المسلمين بالحرب وأكثروا فيهم القتل.
فلم يثبت مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا خمسة عشر رجلًا، فكانوا لا يفارقونه وحموه حين كرّ المشركون. وهم أَبُو بَكْر، وعمر، وعلى، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَطَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّه، وَالزُّبَيْرِ بْن الْعَوَّامِ، وأبو عبيدة ابن الجراح. ومن الأنصار: الْحُبَاب بْن المنذر، وأبو دجانة، وعاصم بن ثابت ابن أَبِي الأقلح، والحارث بْن الصمة، وسهل بْن حنيف، وأسيد بن حضير، وسعد بْن مُعَاذِ. وكان رافع بْن خديج يحدّث أن الرماة لما انصرفوا، نظر خَالِد إلى خلا الجبل، وإخلال الرماة بمكانهم، فكرّ عَلَى الخيل. واتبعه عكرمة ابن أَبِي جهل. وبايع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد عَلَى [2] الموت ثمانيةُ: عليّ بْن أَبِي طَالِب، والزبير، وطلحة، وأبو دجانة، والحارث ابن الصمة، وحباب بْن المنذر، وعاصم بْن ثابت، وسهل بْن حنيف، فلم يقتل أحد منهم. وجعل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو النَّاس حين انهزموا، وهو فِي أخراهم، إلى الرجوع. ورمى مالك بْن زُهَيْر الجشمي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاتقاه طَلْحَة بيده فأصاب السهم خنصره فشلت، وقَالَ حين أصابته الرمية: «حس» . [فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو قَالَ بسم اللَّه ولم يقل حس، لدخل الجنة والناس ينظرون إِلَيْه.] وَيُقَالُ إن الَّذِي رمى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأصاب خنصر طلحة: حبّان بن العرقة، وقال حين
__________
[1] خ: كنا.
[2] خ: عن.(1/318)
رماه: خذها وأنا ابن العرقة. [فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: عرّق اللَّه وجهك فِي النار.] وهو قول الكلبي. وقَالَ ابْنُ الكلبي: هُوَ حبان بْن أبى قيس ابن علقمة بن عَبْد، من بني عامر بْن لؤي. وأم عبد [1] : قلابة بنت سعيد ابن سهم، وهي العرقة، فنسبوا إليها. وَيُقَالُ إن يد طلحة شلت إلا السبابة والإبهام. والأول أثبت. وضرب طلحة يَوْم أحد عَلَى رأسه المصلبة. فذكر ضرار بْن الخطاب الفهري أَنَّهُ ضربه عَلَى رأسه ضربة، ثُمَّ كرّ فضربه أخرى.
وكان فِي الرماة الحارث بْن أنس بْن رافع، فجعل يَقُولُ لأصحابه: احفظوا وصية نبيكم، احفظوا عهد نبيكم. ولم يبرح فِي نفر ثبتوا معه. فقتل عَبْد اللَّه بْن جُبَيْر والنفر، وقوم ثابوا إِلَيْه بعد كرور خَالِد بْن الوليد وعكرمة بْن أَبِي جهل.
691- وانتقضت صفوف المسلمين. وشطبت رباعيةُ رَسُول اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشقت شفته، وكُلم فِي وجنتيه وفي أعلى جبهته. وكان عَبْد اللَّه بْن شهاب الزُّهْرِيّ- جد مُحَمَّد بْن مُسْلِم بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن شهاب- وعتبة بْن أَبِي وقاص (أخو سَعْد بْن أَبِي وقاص) ، وابن قَميئة الأدرمي (من بني تيم بْن غالب، فكان تيم أدرم، ناقص الذقن) ، وأبيّ بْن خلف الجمحي، وعبد اللَّه بْن حميد بْن زُهَيْر بْن الْحَارِثِ بْن أَسَدِ بْن عَبْد الْعُزَّى بْن قصي تعاقدوا عَلَى قتل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأمَّا ابْنُ شهاب فأصاب جبهته. وأمَّا عتبة بْن أَبِي وقاص فرماه بأربعة أحجار فكسر رباعيته اليمنى وشقّ شفته السفلى. وأما ابْنُ قميئة الأدرمي فكلم وجنتيه وغيب حلق المغفر فيها، وعلاه بالسيف فلم يقطع.
وسقط رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجُحشت ركبته. وأما أُبَيّ بْن خلف فشدّ عَلَيْهِ بحربة، فأعانه اللَّه عَلَيْهِ فقتله. وكان لما شدّ عَلَيْهِ بالحربة يَقُولُ:
لأقتلنك بها يَا مُحَمَّدُ. فَقَالَ/ 153/ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: بل أَنَا قاتلك إن شاء اللَّه. فيقال إنه انتزعها من يده، فقتله بها. وَيُقَالُ إنه أخذ حربة من الزُّبَيْر، وَيُقَالُ: من الحارث بْن الصمة، فطعنه بها. فكان أبيّ يَقُولُ: قتلني مُحَمَّد. فقيل: إنه إنَّما خدشك. فَقَالَ: أَنَا أعلم بالأمر. فسقط ومات فِي الطريق. وأمَّا عَبْد اللَّه بْن حميد فأقبل يريد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
__________
[1] زاد «وأم عبد» بالهامش عن نسخة أخرى.(1/319)
فشدّ عَلَيْهِ أَبُو دجانة فضربه، وقَالَ: خذها وأنا ابْنُ خرَشة. [فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم ارضَ عن ابْنُ خرشة، فإني عَنْهُ راض] .
692- وكانت أم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسقي المسلمين الماء، فِي نسوة من نساء الأنصار، فرماها حبان بْن العرقة بسهم فأصاب ذيلها (فانكشف عَنْهَا) [1] ، فاستغرب ضحكًا. فَدَفَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى سعد ابن أَبِي وقاص سهما، وقَالَ: ارمه. فأصابه، فسقط مستلقيا [2] ميتا. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتَّى بدت نواجذه، وقَالَ: [استقاد لها سعد، أجاب اللَّه دعوتك وسدّد رميتك] .
693- ونادى أَبُو عامر الراهب: أَنَا أَبُو عامر. فقالت لَهُ الأنصار: لا مرحبًا بك ولا أهلًا يا فاسق. فَقَالَ: لقد أصاب قومي بعدي شرّ. واستشهد ابنه حنظلةُ بْن أَبِي عامر، وكان قَدْ تزوج امرأة وبات عندها بإذن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا اجتمع المسلمون للقتال، خرج جُنُبًا، فقاتل حتَّى استشهد. فرآه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والملائكة تغسله بماء المزن. فبعث إلى امرأته فسألها عن شأنه، فأخبرته أَنَّهُ خرج إلى الحرب جُنبًا لا يتمالك من الزماع [3] وحُبّ لقاء المشركين. فهو غسيل الملائكة. وولده يعرفون ببني الغسيل. وكان عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد درعان، ومغفر، وبيضة.
694- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سلمة، أنبأ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ يَسْلُتُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَنْفُضُهُ: [كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ] فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) [4] .
__________
[1] الزيادة عن إمتاع الأسماع للمقريزى، 1/ 133.
[2] وزاد المقريزى أينا: «وبدت عورته» .
[3] الزماع: العزم.
[4] القرآن، آل عمران (3/ 128) .(1/320)
وحدثنى عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ الصَّفَّارُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ مسلمة، أنبأ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال يَوْمَ أُحُدٍ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ هَمَزُوا الْبَيْضَةَ عَلَى رَأْسِ نَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ.] قَالُوا: وَدَخَلَ حِلَقٌ مِنْ حِلَقِ الْمِغْفَرِ فِي وَجْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيُقَالُ: حَلَقَتَانِ- فَانْتَزَعَهُمَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ بِأَسْنَانِهِ حَتَّى سَقَطَتْ ثَنِيَّتَاهُ. فَلَمْ يُرَ قَطُّ أَثْرَمَ كَانَ أَحْسَنَ فَمًا مِنْهُ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: يُقَالُ إِنَّ الَّذِي انْتَزَعَ حِلَقَ الْمِغْفَرِ عُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ كَلَدَةَ الْغَطَفَانِيُّ حَلِيفُ الأَنْصَارِ. وَيُقَالُ أَبُو الْيُسْرِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ يُرْوَى:
أَنَّهُمْ عَالَجُوهَا جَمِيعًا، فَانْكَسَرَتْ ثَنِيَّتَا أَبِي عُبَيْدَةَ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَاتَّفَقَ خُرُوجُ الْحِلَقِ لِعُقْبَةَ بْنِ وَهْبٍ.
قَالَ الواقدي: كَانَ أَبُو سَعِيد الخدري يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لما أصيب يَوْم أحد ما أصيب، دخلت حلقتان من المغفر فِي وجنتيه. فلما نُزعتا، جعل الدم يسرب كما يسرب الشنّ. قَالَ:
فجعل أَبِي- مالك بْن سنان- يأخذ الدم بفيه ويمجّه ويزدرد مِنْهُ. فقيل لَهُ:
أتشرب الدم؟ فَقَالَ: نعم، دم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم. قال رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [/ 154/ من مسّ دمه دمي، لم تمسه النار] .
695- ودعى عبدُ الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر الصديق، وهو مَعَ المشركين، إلى البراز، فأراد أَبُو بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ أن يبارزه. [فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: يا أبا بَكْر، شم سيفك وأمتعنا بنفسك.] وأعان ابْنُ شعوب أبا سُفْيَان عَلَى حنظلة الغسيل. وكان حنظلة قَدْ علا أبا سُفْيَان. فَقَالَ أَبُو سُفْيَان [1] :
ولو شئتُ نجتني كميتٌ طِمِرَّةٌ ... ولم أحمل النعماءَ لابن شَعوب
وسَلَّي شجون النفس بالأمس أننى ... قتلت به مل الأوس كل نجيب
__________
[1] الطبرى، ص 1412- 1413، ابن هشام، ص 568، الاستيعاب، رقم 401 حنظلة الغسيل، مع اختلافات وزيادات.(1/321)
وما زال مهري [1] مَزْجَرَ الكلب منهم ... لدن غدوة حتَّى دنت لغروب
696- واستشهد حمزةُ بْن عَبْد المطلب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، وكان قَدْ بارز أبا نيار سِباع بْن عَبْد العزى الْخُزَاعِيُّ. وَكَانَتْ أُمُّهُ قَابِلَةً بِمَكَّةَ. فَقَالَ لَهُ حمزة:
إليَّ يا ابْن مقطعة البظور. فقتله حمزة، وأكبّ عَلَيْهِ ليأخذ درعه، فزرقه وحشي الحبشي فقتله، وأخذ كبده فأتى بها هندَ بِنْت عتبة فمضغتها ثُمَّ لفظتها، وجاءت فمثلت بِهِ، واتخذت مما قطعت مِنْهُ مسكين ومعضدتين وخدمتين، وأعطت وحشيًا حليًا كَانَ عليها من ورِق وجزع ظفَار- وظفار جبل باليمن يؤتى مِنْهُ بهذه الحجارة- وأعطته خواتيم ورِق كانت فِي أصابيع رجلها. وكان حمزة قتل أباها يَوْم بدر. ودفن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَةَ، وعبد الله ابن جحش بْن رئاب الأسدي- وأمه أُميمة بِنْت عَبْد المطلب- فِي قبر واحد.
وكان حمزة صائمًا، فاستشهد ولم يفطر.
697- قَالُوا: ضرب بعض المسلمين بعضا حين اختلطوا ولم يدركوا شعارًا.
فضرب أَبُو بردة بْن نيار: أسيدَ بْن حضير وهو يظنه كافرًا. وضرب أَبو زعنة أبا بردة ضربتين وهو لا يعرفه. [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قُتل منكم فهو شهيد.] والتفّتْ سيوف المسلمين عَلَى أَبِي «حذيفة بْن اليمان» ، وهو حسيل [2] ابن جَابِر، فقتل، وحذيفة يَقُولُ: «أَبِي أَبِي» . ثُمَّ قَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [3] . وَيُقَالُ إن الَّذِي أصابه عتبة بْن مَسْعُود. فوهب حذيفة دمه للمسلمين. وَيُقَالُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بديته أن تخرج.
وأظهر المسلمون الشعار بعدُ، فكفّ بعضهم عن بعض.
698- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنِي ابْن أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْد الْمَجِيدِ بْن سُهَيْلٍ قَالَ:
لم يمدّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أحد بملك واحد.
قَالَ، وحدَّثني مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:
حضرت الملائكة ولم تقاتل لما كان من المسلمين.
__________
[1] خ: مهرتى.
[2] خ: حسين.
[3] القرآن، يوسف (12/ 92) .(1/322)
699- قَالُوا: وادّعى ابْنُ قميئة قتلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ علاه بالسيف فلم يقطع، ونادى: قتلتُ محمدًا. فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَان:
إذن نسوّرك كما تفعل الأعاجم. فَقَالَ خَالِد بْن الوليد: كذب ابن قميئة، رأيت محمد (ا) فِي نفر من أصحابه مصعدين فِي الجبل. فَقَالَ أَبُو سُفْيَان:
كذب ابْنُ قميئة. وقاتل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أحد قتالا شديدًا.،
فرمى بالنبل حتَّى فنيت نبله، وتكسرت سية قوسه، وانقطع وتره.
[الرماة يوم أحد]
700- قَالُوا: وكان الرماة المذكورون من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
سعد بْن أَبِي وقاص، فرمى مالك بْن زُهَيْر فأصاب عينه وخرج السهم من قفاه، فقتله اللَّه، والسائب بْن عثمان بْن مظعون، والمقداد بْن عَمْرو البهرانى [1] وزيد ابن حارثة مَوْلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحاطب/ 155/ بْن أبي بلتعة، وعتبة بْن غزوان، وخراش بْن الصمة، وأبا طلحة، وقطبة بْن عامر، وَيُقَالُ: عَمْرو بْن حديدة، وبشر بْن البراء بْن معرور، وأبا نائلة سِلكان بْن سلامة، وعاصم بْن ثابت بْن أَبِي الأقلح، وقَتَادَة بْن النعمان الظفري. وكان أَبُو رُهم الغفاري رُمي بسهم فوقع فِي نحره، فتفل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسلم، فكان أبو رهم يسمى «المنحور» .
[المتعاقدون على اغتيال الرسول ص]
701- وكان سعد يَقُولُ: لقد حرصتُ عَلَى قتل أخى [2] . ولقد كان، ما علمته بما [3] قالوا لديه، سيئ الخلق، واعتمدته. فراغ عني روغان الثعلب.
702- وقَالَ الواقدي: دَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الَّذِينَ تعاقدوا عَلَى قتله، [فَقَالَ: اللهم لا تحُلْ عَلَى أحد منهم الحول.] فمات عتبة [4] من وجع الجنب أصابه، فتعذّب بِهِ. وأصيب ابْنُ قميئة فِي المعركة. وَيُقَالُ إنه لما رمى مصعبَ بْن عمير فقتله، قَالَ: أَنَا ابْنُ قميئة، قَالَ: [رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أقمأك اللَّه.] فعمد إلى شاة ليحلبها بعد الوقعة، فنطحته وهو معتقلها، فقتلته، ووُجد ميتًا بين الجبال. ولم يذكر الواقدى ابن شهاب ومهلكه،
__________
[1] خ: الهمدانى.
[2] هو عتبة بن أبى وقاص، كما ذكر ابن هشام، ص 576.
[3] خ: عا.
[4] هو أخو سعد، المذكور آنفا.(1/323)
وأحسب ذَلِكَ بالوهم مِنْهُ. وكان من أمر أبيّ وابن حُميد ما قَدْ ذكرناه. وبعضهم يزعم أن عَبْد اللَّه بْن حميد قتل يَوْم بدر، والثبت أَنَّهُ قتل يَوْم أحد. وحدَّثني بعض قريش أن أفعى نهشت عَبْد اللَّه بْن شهاب فِي طريقه إلى مكَّة. فمات.
وسألت بعض بني زهرة عن خبره، فأنكر أن يكون رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا عَلَيْهِ، أَوْ يكون شجّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالُوا: الَّذِي شجه فِي جبهته عَبْد اللَّه بْن حميد الأسدى.
[معالجة جراح الرسول ص عقب أحد]
703- قالوا [1] : ورأت فاطمة عليها السَّلام ما بوجه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاعتنقته وبكت وجعلت تمسح الدم عن وجهه. وأتيّ عليّ عَلَيْهِ السَّلام بماء، فجعلت تغسل وجهه. [وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لن ينالوا منا مثلها أبدًا.] فلم يرقأ الدم حتَّى أحرقت فاطمةُ قطعةَ حصير، وأخذت رمادها فألصقته بالجرح. وروي أَنَّهُ دووي [2] بصوفة محرّقة. وَيُقَالُ أن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تداوى بعظمِ بالٍ.
704- قَالَتْ صفية بِنْت عَبْد المطلب: كُنَّا بفارع، ومعنا حسان بْن ثابت.
فجاء يهود فجعلوا يرمون الأطم، فقلت: إليك يا ابْن الفريعة. فَقَالَ: والله ما أستطيع ذَلِكَ. وصعد يهودي إلى الأطم. فقلت: شُدّ السيف عَلَى يدي. ففعل.
فضربتُ عنقه، ورميتُ إلى أصحابه برأسه. قَالَتْ: وأشرفتُ من الأطم فِي أول النهار، فرأيتُ المزراق زُرق بِهِ. فقلت: أَوْ من سلاحهم المزاريق؟ ولم أعلم أَنَّهُ إنَّما وقع بأخي حمزة. وكانت تحدّث أنها كانت تعرف انكشاف المسلمين برجوع حسان إلى أقصى الأطم. وكان إِذَا رَأَى الدولة للمسلمين، أقبل حتَّى يقف عَلَى جدار الأطم.
705- قَالُوا: وسأل [3] رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حمزة. فخرج الحارث بْن الصمة فِي طلبه، فأبطأ. فخرج عليّ فِي أثره، وهو يَقُولُ [4] :
يا رَبّ إنّ الحارث بْن الصِّمَّة ... كَانَ رفيقًا وبنا ذا ذمّه
__________
[1] راجع أيضا ابن هشام، ص 576.
[2] خ: دوى.
[3] خ: ساله.
[4] ابن هشام، ص 636 مع زيادات واختلافات.(1/324)
قَدْ ضلّ فِي مهامه مهمَه ... يلتمس الجنَّة فيما يمه
706- وكان عَمْرو بْن ثابت بْن وقش شاكًّا فِي الْإِسْلَام. فلما كَانَ يَوْم أحد، أسلم وقاتل حتَّى استشهد. فَقَالَ رَسُول اللَّه [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه لمن أهل الجنة، فهو الَّذِي دخل الجنة ولم يصلّ صلاة قط.] وكان مخيريق حبرًا عالمًا، فَقَالَ/ 156/ يَوْم أحد لليهود: والله إنكم لتعلمون أن محمدًا نبي وأن نصره حق عليكم. فقالوا: إن اليوم يَوْم سبت. فَقَالَ: لا سبت، وأخذ سلاحه وقاتل مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقتل. وكان حين خرج للقتال، قَالَ:
إن أصبتُ فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه اللَّه. فجعلها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقة. وكان مخيريق من بني قينقاع. وَيُقَالُ من بني النضير. ويقال من بنى الفطيون [1] .
[نسيبة المازنية]
707- قَالُوا: وكانت نُسيبة بِنْت كعب بْن عَمْرو بْن مبذول أمّ عمارة امْرَأَة غزّية بْن عمرو شهدت يَوْم أحد، وزوجها، وابناها، وخرجت معها بشنّ لها تسقي الجرحى. فقاتلت يومئذ وأبلت، وجرحت أثني عشر رجلًا بسيف ورمح.
وكانت فِي أول النهار تسقي المسلمين والدولة لهم. ثُمَّ قاتلت حين كرّ المشركون.
فضربها ابْنُ قميئة ضربة بالسيف على عاتقها. وقاتلت نسيبة يَوْم اليمامة، فقطعت يدها وهي تريد مسيلمة لتقتله. قَالَتْ: فما كانت لي ناهية حتَّى رأيتُ الخبيثُ مقتولًا، وإذا ابني عَبْد اللَّه بْن زَيْد المازني يمسح سيفه بثيابه. فقلت: أقتلته؟
قَالَ: نعم. فسجدتُ شكرًا لله. وولدت نسيبة من غزية بْن عَمْرو المازني تميم ابن غزية، ومن زَيْد بْن عاصم بْن كعب: حبيبَ بْن زَيْد الَّذِي قطع مسيلمةُ يده ورجله، وعبد اللَّه بْن زَيْد قتل بالحرَّة.
حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن يَعْقُوبَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِمُرُوطٍ، فَكَانَ فِيهَا مِرْطٌ جَيِّدٌ. وَاسِعٌ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
لَوْ أَرْسَلْتَ بِهِ إِلَى زَوْجَةِ عَبْدِ اللَّهِ [2] بْنِ عُمَرَ، صَفِيَّةَ بِنْتِ أبى عبيد، - وذلك
__________
[1] في أصل العبارة: «الفطنون» ، وبالهامش عن نسخة: «الفيطون» . والتصحيح عن تأريخ الطبرى.
[2] خ: أبى عبيد الله. (وفي جداول وستنفلد أن صفية زوج عبد الله بن عمر) .(1/325)
حَدَثَانِ [1] مَا دَخَلَتْ عَلَى ابْنِ عُمَرَ-؟ فَقَالَ: ابْعَثُوا بِهِ إِلَى مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْهَا، إِلَى أُمِّ عُمَارَةَ نُسَيْبَةَ بِنْتِ كَعْبٍ، [فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
مَا الْتَفَتُّ يَمِينًا وَشِمَالا يَوْمَ أُحُدٍ إِلا رَأَيْتُهَا تُقَاتِلُ دُونِي.] وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ عَادَهَا حِينَ [2] قَدِمَتْ مِنَ الْيَمَامَةِ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ.
708- قَالُوا: وأقبل وهب بْن قابوس المزني، وابن أخيه الحارث بْن عقبة بْن قابوس، من جبل مزينة، ومعهما غنم لهما. فدخلا المدينة فإذا النَّاس خلوف.
فقالا: أَيْنَ النَّاس؟ فقيل: بأحد، وأخبر (ا) الخبر. فخرجا فقاتلا حتَّى قتلا. فكان عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِي اللَّه عَنْهُ يَقُولُ: أحبّ ميتة أموت عليها إليّ ما مات عليها المزنيان.
709- قَالُوا: وكان ممن ولى يَوْم أحد: الحارث بْن حاطب، وثعلبة بْن حاطب، وسواد بْن غزيَّة، وسعد بْن عثمان، وعقبة بْن عثمان، وخارجة ابن عامر، وأوس بْن قيظي فِي نفر من بني حارثة فلقيتهم أم أيمن فجعلت تحثو التراب فِي وجوههم وتقول [3] لبعضهم: هاك المغزل فاغزل به. وكان عثمان ابن عفان رضى الله تعالى عَنْهُ ممن ولى يَوْم أحد، فعفا اللَّه فِي عدَّة من النَّاس.
710- قَالُوا: وجعل أمية بْن أَبِي حذيفة بْن المغيرة المخزومي يَقُولُ: يَوْم بيوم بدر. فشدّ عَلَيْهِ علي عَلَيْهِ السَّلام، فقتله. [فَقَالَ [4] رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا ابْنُ العواتك] .
711- ومرّ مالك بْن الدُّخْشُم عَلَى خارجة بْن زَيْد بْن أَبِي زُهَيْر وبه ثلاث عشرة جراحة، كلها قَدْ خلص إلى مقتل. فَقَالَ: أما علمت أن محمدًا قَدْ قتل؟
فَقَالَ خارجة: إن قتل [5] فإنّ اللَّه حيّ لا يموت، فقاتل عن دينك فقد بلغ مُحَمَّد رسالةَ ربه وشرع شرائع دينه. ومرّ عَلَى سعد بْن الربيع، وبه اثنتا عشرة
__________
[1] حدثان الأمر بالكسر: أوله وابتداؤه.
[2] خ: حتى.
[3] خ: يقول.
[4] الظاهر أن ههنا سقطة. ولم يبينه المقريزى (إمتاع 1/ 150) أيضا لما قَالَ:
«وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ: أنا ابن العواتك» . وذكر السهيلي (1/ 77) :
«أنا ابن العواتك من سليم» .
[5] خ: قيل.(1/326)
جراحة، فَقَالَ لَهُ كما قَالَ لخارجة. فرّد عَلَيْهِ سعد شبيهًا بما رد عَلَيْهِ خارجة.
[أبو سفيان يتوعد المسلمين]
712- ولما تحاجزوا يَوْم أحد، أقبل أَبُو سُفْيَان بن حرب على فرس له خوّاء [1] ، فأشرف فِي عرض الجبل ثُمَّ نادى: «أَيْنَ ابْنُ أَبِي كبشة؟ أَيْنَ ابْنُ أَبِي قحافة؟
أَيْنَ ابْنُ الخطاب؟ يَوْم بيوم بدر. ألا إنّ الأيام دول» . فقام عُمَر رَضِي اللَّه تعالى عنه: هَذَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا أَبُو بَكْر، وهذا أَنَا.
ثُمَّ نادى أَبُو سُفْيَان: موعدكم بدر الصفراء عَلَى رأس الحول. فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم للعمر: قل نعم. ثُمَّ انصرف أَبُو سُفْيَان إلى أصحابه، فركبوا الإبل ورجعوا إلى مكَّة/ 157/ ولهم زجل.
وحدثنى هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، قَالا: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ:
أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: اعْلُ هُبَلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: [قُلِ اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ.] فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا [2] الْعُزَّى وَلا عُزَّى لَكُمْ. [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: «اللَّهُ مَوْلانَا وَلا مَوْلَى لَكُمْ] » [3] فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: «الْحَرْبُ سِجَالٌ. فَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيَوْمٌ لَنَا. وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرُّ فُلانٌ بِفُلانٍ، وَفُلانٌ بِفُلانٍ» . [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ:
قُلْ لَهُ: لا سَوَاءَ، قَتْلانَا فِي الْجَنَّةِ أَحْيَاءٌ يُرْزَقُونَ [4] ، وَقَتْلاكُمْ فِي النَّارِ يُعَذَّبُونَ] .
713- قَالَ الواقدي: سَأَلَ مسوَر بْن مخرمة الزُّهْرِيّ عَبْد الرَّحْمَن بْن عوف عن خبر أحد، فقال: اقرأ ما بعد العشرين ومائة من آل عمران [5] ، وكأنك قد حضرتنا.
وحدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ:
رَفَعْتُ رَأْسِي يَوْمَ أُحُدٍ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ، فَمَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلا وَهُوَ يَمِيدُ من النعاس تحت حجفته.
__________
[1] خ: حواء.
[2] خ: أنا.
[3] القرآن، محمد (47/ 11) .
[4] راجع القرآن، آل عمران (3/ 169) .
[5] السورة الثالثة من القرآن.(1/327)
وحدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بِمِثْلِهِ. وَتَلا هَذِهِ الآيَةَ: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا، الآية [1] .
[شهداء أحد]
714- وقتل يَوْم أحد من المشركين نيف وعشرون. قَالُوا: واستشهد من المسلمين سبعون. وَيُقَالُ أكثر من سبعين بثلاثة أَوْ أربعة رجال. فممن استشهد بأحد:
حمزة بْن عَبْد المطلب، قتله وحشيّ الحبشي. وعبد اللَّه بْن جحش الأسدي، حليف بني أمية، قَتَلَهُ أَبُو الْحَكَمِ بْن الأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ. وسعد، مولى حاطب ابن أَبِي بلتعة، حليف الزُّبَيْر. وشماس بْن عثمان بْن الشريك، قتله أَبِيّ بْن خلف الجمحي، وَيُقَالُ إنه استشهد يَوْم بدر، وذلك غلط. وأصاب أبا سَلَمة بْن عَبْد الأسد جراح، فمات منها بعد يَوْم أحد. ومصعب بْن عمير، قتله ابْنُ قميئة. وقتل عَبْد اللَّه وعبد الرَّحْمَن ابنا الهبيب [2] ، وهما من بني سعد بن ليث ابن بَكْر بْن عَبْد مناة بْن كنانة. ووهب بْن قابوس، وابن أخيه الحارث بْن عقبة بْن قابوس.
715- ومن الأنصار، من الأوس:
عَمْرو بْن مُعَاذِ بْن النعمان الأشهلي، أخو سعد بْن مُعَاذِ بْن النعمان، قتله ضرار بْن الخطاب. الحارث بن أنس بن رافع ابن امرئ القيس الأشهلي. زياد بْن سكن بْن رافع الأشهلي. وقَالَ بعضهم هُوَ عمارة بْن زياد بْن السكن. والأول قول الكلبي، وقَالَ الكلبي: قتل عمارة يَوْم بدر. سَلَمة بْن ثابت بْن وقش، قتله أَبُو سفيان بْن حرب. عمرو بن ثابت ابن وقش، أخوه. قتله ضرار بْن الخطاب بْن مرداس، أحد بني محارب بْن فهر. رفاعة بْن وقش بْن زغبة بْن زعوراء، قتله خَالِد بْن الوليد بْن المغيرة.
أَبُو «حذيفة بن اليمان» ، وهو حُسيل بْن جَابِر بْن ربيعة بْن عَمْرو بن جروة،
__________
[1] القرآن، آل عمران (3/ 154) .
[2] خ: الهبيث (والتصحيح عن ابن هشام ص 768، والاستيعاب) . بضم الهاء أو بفتحها.(1/328)
وجروة عيسى، وهو اليمان. فنسب حذيفة إِلَيْه. وهم حلفاء لبني عَبْد الأشهل.
سمّاه قومه «اليمان» ، لأنَّه حالف اليمانية [1] . قتله المسلمون خطأ. وَيُقَالُ:
قتله عتبةُ بْن مَسْعُود خطأ، وهو يظنه كافرًا. عباد بن سهل، قتله صفوان ابن أمية. صَيفي بْن قيظي الأشهلي، قتله ضرار بْن الخطاب. وقَالَ الكلبي:
قتل الحارث بْن أوس بْن مُعَاذِ بْن النعمان الأشهلي يَوْم أحد، فيجعله مكان صَيفي بْن قيظي. وقَالَ الواقدي: قتل الحُباب بْن قيظي، أخو صَيفي. وإياس ابن أوس بن عتيك بْن عَمْرو بْن عَبْد الأعلم بْن عامر بْن زَعْوراء بْن جشم، أخو عَبْد الأشهل بْن جشم بْن زعوراء، قتله ضرار بْن الخطاب. وقَالَ الكلبي:
قتل يَوْم أحد الحارث بْن أوس بْن عتيك، فيجعله مكان الحُباب بْن قيظي.
وعتيك بْن التيهان، أخو أَبِي الهيثم مالك بْن التيهان، قتله عكرمة بْن أَبِي جهل المخزومي. ورجل من بني عَبْد الأشهل أو حلفائهم، يُقال لَهُ حَبيب بْن (يزيد بْن) [2] تيم، وَيُقَالُ حُبَيْب. وأبو سُفْيَان بْن الحارث بْن قيس بْن زَيْد بْن ضُبيعة [3] ، أحد بني عَمْرو بْن عوف، وهو أخو نبتل المنافق. وأبو سُفْيَان هُوَ أَبُو البنات. قَالَ: أقاتل ثُمَّ أرجع إلى بناتي، فلما رَأَى الدولة للمشركين، قَالَ: اللهم إني لا أريد أن أرجع إلى بناتي، ولكني أريد أن أقتل. [فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد صدق اللَّه بقول أخلص لَهُ، وصدق فِي قولُه] .
حنظلة بْن أَبِي عامر الراهب، قتله الأسود بْن شعوب. فوقف عَلَيْهِ أَبُوهُ، وهو مَعَ المشركين، فرآه ورأى حمزة وعبد اللَّه بْن جحش وَقَدْ مثل بهما، فَقَالَ:
«إن كنت لأنهاك عن هذا الرجل، وأحذرتك [4] هَذَا المصرع، والله لقد كنت شريف الخلق، برًا بوالديك، ولقد متَّ مَعَ سراة أصحابك وكرام قومك.
وإن جزي حمزَة وغيره من أصحاب مُحَمَّد خيرًا، فجزاك اللَّه خيرًا. يا معاشر
__________
[1] راجع أيضا السهيلي 2/ 138.
[2] الزيادة عن ابن هشام، ص 607.
[3] خ: بالصاد المهملة، والتصحيح عن ابن هشام، ص 607.
[4] خ: أخذتك.(1/329)
قريش، لا تمثلوا بحنظلة، وإن كَانَ قَدْ خالفكم وخالفني» . فلم يمثل به.
وأنس. وهو أنيس بْن قَتَادَة، وقَالَ الكلبي: هُوَ خداش بن قتادة بن ربيعة ابن مطروف بْن الحارث، قَتَلَهُ أَبُو الْحَكَمِ بْن الأَخْنَسِ بْن شَرِيقٍ الثقفي حليف بني زهرة. عَبْد اللَّه بْن جُبَيْر بْن النعمان الَّذِي أَمَرَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرماة، قتله عكرمة بْن أَبِي جهل. خيثمة بْن الحارث بْن مالك، من بني السلم الأوسي، أَبو «سعد بْن خيثمة» ، قتله هبيرة بْن أَبِي وهب المخزومي.
وقتل سعدٌ، ابنه، ببدر. سبيع بْن حاطب بْن قيس بْن هيشة [1]- وقَالَ بعضهم: هُوَ سُبيق- قتله ضرار بْن الخطاب. وثعلبة بْن حاطب بْن عمرو ابن عُبَيْد بْن أمية.
716- ومن الخزرج:
خارجة بْن زيد بْن أَبِي زُهَيْر، وكانت ابنته عند أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه. وهو أحد بني الحارث بْن الخزرج. قتله صفوان ابن أمية. سعد بْن الربيع بْن عَمْرو بْن أَبِي زُهَيْر بْن مالك بْن امرئ القيس بْن مالك الأغرّ بْن ثعلبة، اشترك فِي قتله جماعة، ودفنه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخارجة فِي قبر واحد. أوس بْن أرقم، أخو زَيْد بْن أرقم بْن زيد بن قيس ابن النعمان بن مالك الأغرّ النعمان بْن ثعلبة بْن كعب. مالك بْن سنان بن عبيد ابن ثعلبة بْن عُبَيْد بْن الأبجر، وهو خدرة [2] . ومالك هُوَ أَبُو سعد الخدري المكني أبا سَعِيد. قتله رَجُل من كنانة. سعد [3] بْن سويد بن عبيد بن ثعلبة ابن عبيد بْن الأبجر، وهو خدرة [4] . عتبة بْن ربيع بن رافع بن معاوية بن عبيد ابن ثعلبة. وثعلبة بْن سعد بْن مالك بْن خَالِد بْن ثعلبة بْن حارثة بْن عَمْرو بْن الخزرج بْن ساعدة بْن كعب بْن الخزرج الأكبر، قتله غراب بن سفيان ابن عُويف الكناني. وعبد اللَّه بْن فروة بْن البدى [5] بن عمرو بن عوف بن
__________
[1] هبيشة (والتصحيح عن ابن هشام، ص 608، وقال: هو «سويبق» ، بدل سبيق) .
[2] راجع هذا الاسم السهيلي 2/ 100 (خ: خذرة) .
[3] وعند ابن هشام، ص 630: «سعيد»
[4] خ: حذرة.
[5] خ: اليدى.(1/330)
حارثة بْن عَمْرو بْن الخزرج بْن ساعدة. وكان يُقال لعبد اللَّه «ثقب» .
عَبْد اللَّه بْن ثعلبة، وقيس بْن ثعلبة، من ولد طريف بْن الخزرج بْن ساعدة.
وحليفان لبني طريف، جهنيان، يُقال لهما طُريف وضَمرة. وعبد اللَّه بْن نضلة بْن مالك بْن العجلان بْن زَيْد بْن سالم بْن عوف. عَبَّاس بْن عبادة بْن نضَلة بْن مالك، قتله أَبُو «أَبِي الأعور» ، وهو سُفْيَان بْن عَبْد شمس السلمي.
نوفل بْن عَبْد اللَّه السالمي، من بني غنم بْن سالم، قتله سُفْيَان بْن عويف.
النعمان الأعرج بْن مالك بْن ثعلبة بْن أصرم، من بني قوقل [1] ، قتله صفوان ابن أمية. فدُفن وعبدة [2] بْن الحسحاس فِي قبر. والمجذّر بْن ذياد، قتل غيلة.
قَالُوا: وكان حضير الكتائب استزار عدَّة من بني عَمْرو بْن عوف- فيهم سويد بْن الصامت، وخوّات بْن جُبَيْر، وأبو لبابة بْن عَبْد المنذر- في الجاهلية، فزاروه وأقاموا عنده ثلاثة أيام ثُمَّ انصرفوا. وكان سويد بْن الصامت ثملًا/ 159/ من الخمر، فجلس ليبول، فدُلّ المجذرُ عليه. وكان الشرّ بين الأوس والخزرج مستمرّا [3] . فَقَالَ لَهُ المجذر: لقد أمكن اللَّه منك. قَالَ: وما تريد بي؟ قَالَ:
أريد قتلك. قَالَ: فارفع سيفك إلى ما دون الدماغ، وإذا رجعت إلى أمك فقل: إني قتلتُ سويد بن الصامت. وكان قتل السويد الَّذِي هاج وقعة بُعاث.
فلما قدم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، أسلم الحارث بْن سويد بْن الصامت، ومجذّر بْن ذياد، فشهدا بدرًا. فجعل الحارث يطلب مجذّرًا ليقتله بأبيه، فلم يقدر عَلَيْهِ. فلما كَانَ يَوْم أحد، وجال المسلمون تلك الجولة،
__________
[1] «النعمان بن مالك بن ثعلبة بن دعد بن فهر بن ثعلبة بن غنيم بن عوف بن الخزرج- وثعلبة بن دعد هو الذى يسمى قوقلا، وكان له عز، فكان يقال (؟ يقول) للخائف إذا جاء:
قوقل حيث شئت فأنت آمن: فقيل لبنى غنم وبنى سالم لذلك «قواقلة» . ولذلك يدعون في الديوان بنو (؟ بنى) قوقل- شهد النعمان بدرا وأحدا وقتل يوم أحد شهيدا، قتله صفوان بن أمية في قول محمد بن عمر. وأما عبد الله بن محمد بن عمارة فإنه قال: الذى شهد بدرا وقتل يوم أحد:
النعمان الأعرج بْن مالك بْن ثعلبة بْن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنيم، والذى يدعى قوقلا هو النعمان بن مالك بن ثعلبة بن دعد بن فهر بن ثعلبة بن غنيم لم يشهد بدرا.» (الاستيعاب، رقم 1322 النعمان بن مالك) . فإذا ليس هو من بنى قوقل. راجع للقواقل أيضا ابن هشام، ص 288. (خ: «نوفل» ، بالهامش عن نسخة «قوقل» ) .
[2] كذا في الأصل، وعند ابن هشام (ص 609) : عبادة.
[3] خ: مستعرا.(1/331)
أتاه الحارث من خلفه، فضرب عنقه. وقَالَ غير الواقدي: كَانَ الَّذِي فعل ذَلِكَ الجُلاس بْن سويد. فَلَمَّا رَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، ثُمَّ خرج إلى حمراء الأسد، ورجع من حمراء الأسد، أتاه جبريل فأخبره بما كَانَ من قتل سويد مجذّرًا غيلة. فركب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قُباء من اليوم الَّذِي أخبره فِيهِ جبريل بذلك. وكان يومًا حارًّا. فجلس رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتصفح النَّاس وَقَدِ اجتمعوا للسلام عَلَيْهِ. فكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يأتي قباء إلا فِي يَوْم السبت والإثنين، فجعلوا ينكرون مجيئه فِي غير هذين اليومين. فلم يبق منهم أحد إلا حضر. وطلع ابْنُ سويد فِي ملحفة مورّسة. فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَعا عويمَ بْن ساعدة فَقَالَ:
قدّمه إلى باب المسجد فاضرب عنقه بمجذّر بن ذياد، فإنه قتله يَوْم أحد غيلة. فقدمه عويم إلى باب المسجد، فَقَالَ لَهُ ابْنُ سويد: دعني أكلم رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأبي ذَلِكَ عويم. فجاذبه حتَّى دنا من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يريد ركوب حماره، فجعل يَقُولُ: قَدْ قتلته يا رَسُول اللَّه، ولم يكن ذَلِكَ لرجوع عن الْإِسْلَام ولا ارتياب فِيهِ، ولكنه أمر وكلت فِيهِ إليَّ نفسي، فأطعتُ الشيطان، وأنا أتوب إلى اللَّه ورسوله، وأخرج ديته وأصوم شهرين متتابعين وأعتق رقبة وأطعم ستين مسكينًا. وجعل يتضرّع ويُمسك بركاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإحدى رجلي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الركاب والأخرى فِي الأرض، وبنو المجذّر حضور لا يَقُولُ لهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا. [فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عويم قدّمه فاضرب عنقه كما أمرتك.] فضرب عنقه عَلَى باب المسجد. وَيُقَالُ إن خبيب بْن إساف أخبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَبَرِ المجذّر، فركب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لينظر فِي الأمر ويبحث عَنْهُ، فأتاه جبريل عَلَيْهِ السَّلام بخبره وهو فِي طريقه. وقال حسان بن ثابت [1] :
__________
[1] ديوان حسان، ق 83، ب 1:
يا حار في سنة من النوم أولكم ... أم كنت ويحك مغترا بجبريل
وكذلك عند جمهرة ابن الكلبى (وقال «ويلك» بدل «ويحك» ) .(1/332)
أكنت في سنة يَوْم ذلكم ... يا حارِ [1] أم كنتَ مغترًا بجبريل
فهذه حجة لمن قَالَ إنّ المقتول الحارث بن سويد. وكان سويد بْن الصامت حين ضربه المجذّر بقي قليلًا ثُمَّ مات، فَقَالَ:
أبلغ جلاسًا وعبد اللَّه مألُكةً ... وإن دعيت فلا تخذلهما حار
أقبل جدارة أما كنتَ لاقيها ... والحي عوفًا عَلَى عرف وإنكار
وخدرة وجدارة، بالجيم، أخوان، وهما ابنا عوف بْن الحارث بْن الخزرج.
وزيد بْن وديعة بْن عَمْرو، من بني الحبلي. ورفاعة بْن عَمْرو بْن زَيْد بْن عَمْرو، من بني الحُبلى. وعنترة مَوْلَى لبني سَلَمة، قتله نوفل [2] بْن معاوية الديلي. عَبْد اللَّه بن عمرو بن حرام، أبو «جابر بن عبد الله» ، من بنى سلمة، قتله سفيان ابن عَبْد شمس السلمي. عَمْرو بْن الجموح بْن زيد بن حرام، كان آخر الأنصار إسلامًا. خلّاد بْن الجموح- وغير الكلبي يَقُولُ: خلّاد بْن عَمْرو بْن الجموح- قتله/ 160/ الأسود بْن جَعُونة. حمام بْن الجموح. المعلى بن لوذان بن حارثة ابن زَيْد بْن ثعلبة، قتله عكرمة بْن أَبِي جهل. وابن الكلبى يجعل مكانه عبيد ابن المعلى، ولا يثبت أن المعلى قتل يَوْم أحد. ذكوان بْن عَبْد قيس بْن خلدة ابن مخلد الزرقي، قَتَلَهُ أَبُو الْحَكَمِ بْن الأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ. عبد الله بن قيس ابن خلدة بن الحارث النجارى- وَيُقَالُ هُوَ عَمْرو بْن قيس- قتله نوفل بْن معاوية الديلي. النعمان بْن عَبْد عَمْرو بن مسعود بن كعب النجارى. ثابت ابن خنساء بْن عَمْرو النجاري. سُليم بْن الحارث بْن ثعلبة بْن كعب النجاري.
عامر بْن أمية بْن زَيْد بْن الحسحاس النجاري. وَيُقَالُ هُوَ عبدة بْن الحَسْحَاس.
أنس بْن النضر بْن ضمضم بْن زَيْد بْن حرام النجاري، قتله سُفْيَان بْن عويف.
وهو عم أنس بْن مالك بْن النضر، خادم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. سَليط بْن (قيس بْن) [3] عَمْرو النجاري، ولم يذكره الكلبي فيمن قتل بأحد، وأنكره.
__________
[1] أى الحارث بن سويد.
[2] خ: أبو نوفل (وهو سهو) .
[3] الزيادة عن الاستيعاب وغيره.(1/333)
وعامر بْن مخلد النجاري.، ولم يعرفه أيضًا. أَبُو أسيرة بْن الحارث بْن علقمة، من بني مبذول بْن عَمْرو بْن غنم بْن مازن، قتله خَالِد بْن الوليد. عَمْرو بْن مطرّف بن علقمة المبذولى. أوس بن حرام النجاري، من بني مغالة بنت فهيرة بن عامر بن بياضة، وإليها ينسب ولدى عدي بن عمرو بن مالك بْن النجار. كيسان، مَوْلَى بني النجار. وَيُقَالُ هُوَ عَبْد لهم لم يعتق. وابنا السميراء، وهما سليم بْن الحارث الديناري، والنعمان بْن عَمْرو. وكان بعض أيتام الأنصار طلب من أبي لبابة عذقًا بحق ادّعاه، فلم يجد لَهُ بِهِ. وسأله رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسلّمه له، فأبى. فاشتراه ثابت بن الدَّحداحة من أَبِي لبابة بحديقة نخل، ودفعه إلى اليتيم. [فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
ربّ عذق مذلل لابن دحداحة فِي الجنة.] فكانت ترجى لَهُ الشهادة. فقتل بأحد. وَيُقَالُ جرح [1] ثُمَّ برأ، ومات عَلَى فراشه من جرح كَانَ أصابه ثُمَّ انتقض بِهِ، وَقَدْ رجع النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من الحديبية.
[قتلى المشركين في أحد]
717- وقتل من المشركين يَوْم أحد: عَبْد اللَّه بن حميد بن زهير بن الحارث ابن أسد بْن عَبْد العزى، قتله أَبو دُجانة، وقَالَ الكلبي: قتل يَوْم بدر. وطلحة بْن أَبِي طلحة العبدري، قتله علي بن أبي طالب. وأخوه عثمان بن أبي طلحة، قتله حمزة ابن عَبْد المطلب. وأخوه أَبُو سعد بْن أَبِي طلحة، قتله سعد بْن أَبِي وقاص.
ومسافع بْن طلحة بْن أَبِي طلحة، قتله عاصم (بْن ثابت) بْن أَبِي الأقلح.
والحارث بْن طلحة بْن أَبِي طلحة، قتله عاصم أيضًا. وكلاب بْن طلحة بْن أَبِي طلحة، قتله الزُّبَيْر بْن العوام. وجلاس بْن طلحة بْن أَبِي طلحة، قتله طلحة بْن عُبَيْد اللَّه. وَيُقَالُ إنه الَّذِي ضرب طلحةَ عَلَى رأسه المصلبة. وَيُقَالُ إنّ الَّذِي ضربه المصلبة ضرار بْن الخطاب. وقاسط بْن شريح بْن عُثْمَان بْن عَبْد الدار، قتله عليّ، وَيُقَالُ قتله غيره. أرطاة بْن عَبْد شُرَحبيل بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار، قتله عليّ عَلَيْهِ السَّلام. وأبو عزيز، واسمه زُرارة بْن عمير، أخو مصعب الخير بْن عمير، قتله قزمان حليف بْني ظفر، وكان منافقًا.
__________
[1] خ: خرج.(1/334)
أَبُو الحكم بْن الأخنس بْن شريق، حليف بني زهرة، قتله عليّ. سباع بْن عَبْد العزى الخزاعي، قتله حمزة. هشام بْن أَبِي أمية بْن المغيرة، قتله قزمان.
الوليد بْن العاص بْن هشام بْن المغيرة، قتله قزمان. أمية بْن أَبِي حذيفة بْن المغيرة، قتله عليّ بْن أبي طَالِب. خَالِد بْن الأعلم العقلي، قتله قزمان. ومات قزمان من جراحة جرحه إياها خَالِد بْن الوليد، وأخرى جرحه إياها عَمْرو بْن العاص. وَيُقَالُ إنه انصرف جريحًا، فاشتد بِهِ الألم، فقطع رواهشه بسهم فنزف حتَّى مات. وعثمان بْن عَبْد اللَّه بْن أبى أمية بن المغيرة، قتله الحارث ابن الصمة. وكان/ 161/ عثمان بن عبد الله أسر ببطن نخلة [1] ، أسره عَبْد اللَّه بْن جحش، فافتدي فرجع إلى قريش. فلما قتله الحارث يَوْم أحد، شدّ عُبَيْد بْن حاجز العامري عَلَى الحارث، فجرحه عَلَى عاتقه. وأقبل أَبُو دجانة، فقتل [2] ابْنَ حاجز: صرعه وذبحه ذبحًا. وعبيد بن حاجز من بنى عامر ابن لؤي، قتله أَبُو دجانة. شَيْبَة بْن مالك بْن المضرب بْن وهب بْن حجير، من بني عامر بْن لؤي، قتله طلحة بْن عُبَيْد الله. أبيّ بْن خلف الجمحي، قتله النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده، أَبُو عزَّة عَمْرو بْن عَبْدِ اللَّه بْن عمير بْن أهيب ابن حذافة بْن جمح، كَانَ أسر يَوْم بدر فشكا إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلته وكثرة عياله، فأطلقه بعد أن حلف له أَنَّهُ لا يخرج عَلَيْهِ. فلما كَانَ يَوْم أحد، أخذ أسيرًا، وكان قَدْ أراد أن لا يخرج مع قريش من مكَّة، وقَالَ:
إنّ محمدًا أحسن إليَّ ومنّ عليّ وليس هَذَا جزاؤه. فلم يزل بِهِ صفوان بْن أمية، وأبي بْن خلف حتَّى أخرجاه وضمنا لَهُ أمر عياله. فقال لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا محمد، منّ علىّ. [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن لا يُلدَغ من جُحر مرتين: أتريد أن ترجع مكَّة فتمسح عارضيك وتقول: خدعتُ محمدًا مرتين؟] ثُمَّ أمر عاصمَ بْن ثابت بن أبى الأفلح أن يضرب عنقه. فضرب عنقه.
وقَالَ الواقدي: حدثنا بكير بن مسمار قَالَ:
لما انصرف المشركون عن أحد، نزلوا بحمراء الأسد فِي أول النهار ساعة، ثُمَّ
__________
[1] خ: نخل.
[2] خ: فقيل.(1/335)
رحلوا وتركوا أبا عَزَّة نائمًا مكانه. فنام حتَّى ارتفع النهار، ولحقه المسلمون وَقَدِ انتبه فهو يتلدّد. فأخذه عاصم بْن ثابت، وأتى بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمر بضرب عنقه. وخالد بْن سُفْيَان بْن عويف الكناني. وأبو الشعثاء بن سفيان ابن عويف. وأبو الحمراء بْن سُفْيَان بْن عويف. وأخ لهم آخر يقال له غراب.
[دفن الشهداء في أحد]
718- قَالُوا: وصلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الشهداء، فكان حمزةُ أول من كبر عَلَيْهِ أربعًا. ثُمَّ جمع إِلَيْه الشهداء. فكان كلما أتي بشهيد، وضع إلى جنب حمزة فصلى عَلَيْهِ وعلى الشهيد، حتَّى صلى عَلَيْهِ سبعين مرة.
وَيُقَالُ: كَانَ يؤتى بتسعة وحمزة عاشرهم، فيصلي عليهم. ثُمَّ يرفع التسعة وحمزة مكانه، ويؤتي بتسعة أخر. وَيُقَالُ: كبر عليهم تسعًا وسبعًا وخمسًا. وأعمق لهم فِي الحفر، ودفن الاثنين والثلاثة فِي القبر، وبدأ بأكثرهم قرآنا.
حَدَّثَنِي شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، ثنا حُمَيْدٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ:
جَاءَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَنَا قَرْحٌ وَجَهْدٌ، فَكَيْفَ تَأْمُرُنَا؟ [فَقَالَ: احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا، وَاجْعَلُوا الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلاثَةَ فِي الْقَبْرِ. قَالُوا:
فَمَنْ نُقَدِّمُ؟ قَالَ: قَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا] .
719- قَالُوا: وآثر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمصعب بْن عمير وهو مقتول فِي بردة لَهُ، فَقَالَ: « [رحمك اللَّه، لقد رأيتك بمكة، وَمَا بِهَا أَرَقُّ حُلَّةً وَلا أَحْسَنُ لِمَّةً منك. ثُمَّ أنت أشعث بردة] » . وأمر بِهِ، فقبر. ونزل فِي قبره أخوه أَبُو الروم، وعامر بْن ربيعة العنزي، وسويبط بْن عَمْرو [1] بْن حرملة. ونزل فِي قبر حمزة رحمة اللَّه عليّ بْن أَبِي طَالِب، وأبو بَكْر، وعمر، والزبير. وجلس رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حفرته. وحمل كَثِير من النَّاس قتلاهم إلى المدينة، فدُفنوا بنقيع [2] الخيل وغيره. وكان شماس بْن عثمان المخزومي حُمل وبه رمق، فمات عند أم سَلَمة زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرّد إلى أحد، فدُفن فِي ثيابه التي مات فيها.
720- قَالَ الواقدي: ودُفن من دفن بأحد من الشهداء فِي الوادي. وكان
__________
[1] هو غير معروف. لعله سويبط بن سعد بن حرملة المذكور في كتب السير وتراجم الصحابة.
[2] خ ببقيع.(1/336)
طلحة بْن عُبَيْد اللَّه إِذَا سئل عن تلك القبور المجتمعة بأحد، يَقُولُ: قبور قوم من الأعراب كانوا عَلَى عهد عُمَر بْن الخطاب فِي عام الرمادة هناك، فماتوا، فتلك قبورهم. قَالَ: وكان ابْنُ أَبِي/ 162/ ذئب، وعبد العزيز بْن مُحَمَّد يقولان:
لا نعرف تلك القبور المجتمعة، إنَّما هِيَ قبور ناس من أهل البادية.
[مقتل الذى مثل بجثة حمزة]
721- وكان معاوية بْن المغيرة بْن أَبِي العاص، الَّذِي جدع أنفَ حمزة وَمثَلَ بِهِ فيمن مثل، قَدِ انهزم يَوْم أحد فمضى عَلَى وجهه، فبات قريبًا من المدينة.
فلما أصبح، دخل المدينة، فأتى منزل عثمان بْن عفان بْن أَبِي العاص فضرب بابه، فقالت لَهُ امرأته أم كلثوم بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى الله عليه وسلم: ليس هو هاهنا.
فَقَالَ: ابعثي إِلَيْه، فإن لَهُ عندي ثمن بعير ابتعته عام أول وَقَدْ جئته بِهِ.
فأرسلت إِلَيْه وهو عِنْدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما جاء، قَالَ لمعاوية:
أهلكَتني ونفسَك، ما جاء بك؟ قَالَ: يا ابْن عم، لم يكن أحد أقرب إليَّ ولا أمسّ رحما بي منك، فجئتك لتجيرني. فأدخله عثمان داره، وصيره فِي ناحية منها، ثُمَّ خرج إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليأخذ لَهُ مِنْهُ أمانًا. فسمع رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إن معاوية بالمدينة وَقَدْ أصبح بها، فاطلبوه» . فَقَالَ بعضهم: ما كَانَ ليعدو منزل عثمان، فاطلبوه فِيهِ. فدخل منزل عثمان، فأشارت أم كلثوم إلى الموضع الَّذِي صيره عثمان فِيهِ. فاستخرجوه من تحت حمارة [1] لهم، فانطلقوا بِهِ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ عثمان حين رآه، والذي بعثك بالحق، ما جئتُ إلا لأطلب لَهُ الأمان منك، فهبه لي.
فوهبه لَهُ، وأجّله ثلاثًا وأقسم: لئن وُجد بعدها بشيء من أرض المدينة وما حولها، ليقتلنّ. وخرج عثمان، فجهزه واشترى لَهُ بعيرًا، ثُمَّ قَالَ لَهُ: ارتحل. وصار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى حمراء الأسد، وأقام معاوية إلى اليوم الثالث ليتعّرف أخبار النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويأتي بها قريشًا. فلما كَانَ فِي اليوم الرابع، [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن معاوية أصبح قريبا لم ينقذ، فاطلبوه، واقتلوه.] فأصابوه قَدْ أخطأ الطريق، فأدركوه. وكان اللذان أسرعا فِي طلبه زَيْد بْن حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعمار بْن ياسر، فأخذاه بالجماء. فضربه زَيْد بْن حارثة. وقَالَ عمار: إن لي فيه حقا. ورماه
__________
[1] كذا في الأصل.(1/337)
بسهم، فقتلاه، ثُمَّ انصرفا إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخبره. وَيُقَالُ إنه أدرك عَلَى ثمانية أميال من المدينة، فلم يزل وعمار يرميانه بالنبل حتَّى مات. ومعاوية هَذَا هُوَ أَبُو عَائِشَةَ بِنْت مُعَاوِيَة، أم عَبْد الْمَلِك بْن مروان. وقَالَ الكلبي:
جدع معاوية بْن المغيرة أنفَ حمزة وهو قتيل، فأخذ بقرب أحد بَعْد انصراف قريش بثلاث. ولا عقب لَهُ إلا عائشة أم عَبْد الملك بْن مروان. وَيُقَالُ إنّ الَّذِي قتل معاوية بن المغيرة: علىّ عليه السلام.
[نزول الفرائض بالمواريث]
722- قَالُوا: ولما استشهد سعد بْن الربيع، أخذ أخوه ميراثه. وكان لسعد ابنتان، وكانت امرأته حاملًا. وكانت المواريث عَلَى مواريث الجاهلية، ولم تكن الفرائض أنزلت. فنزلت عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينئذ. فدعا أخا سعد، فَقَالَ لَهُ:
أعط ابنتي أخيك ثلثي الميراث، وادفع إلى زوجته الثمن، والباقي لَكَ. ولم يُوَرّث الحمل يومئذ، ثُمَّ ورّث بعد ذلك. ووارث [1] لَهُ أم سعد بِنْت سعد، وهي امْرَأَة زَيْد بْن ثابت، فلما كانت خلافة عُمَر، قَالَ لها: تكلمي فِي ميراثك من أبيك إن كنت تحبين ذَلِكَ، فإن أمير المؤمنين قد ورّث الحمل اليوم.
فقالت: ما كانت لأطلب من أختي شيئًا.
723- وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن أم مكتوم.
724- ثُمَّ غزاة حمراء الأسد.
وكانت لثمان أَوْ تسع من شوال سنة ثلاث، وغاب فيها عن المدينة خمسًا. وحمراء الأسد عَلَى ثمانية أميال من المدينة أَوْ تسعة أميال.
وكان المشركون قَدْ صاروا إليها من أحد. فنادى منادي رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالناس أن اخرجوا/ 163/ لطلب عدوكم، ولا يخرج إلّا من كَانَ بأحد.
فخرج النَّاس حتَّى الجرحى، وكانوا كثيرًا. وقَالَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه: «يا رَسُول اللَّه، لقد حَرّمت عليَّ الخروج بالأمس، فمنعني أَبِي وذلك أَنَّهُ خلفني (عَلَى أخوات لي سبع وقَالَ: يا بنيّ إنه لا ينبغي لي ولا لَك أن نترك هَؤُلَاءِ النسوة لا رَجُل فيهن، ولستُ بالذي أوثرك بالجهاد مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نفسي) [2] ، فأذن لي فِي الخروج» . فأذن لَهُ. وَيُقَالُ إنّ رسول الله صلى
__________
[1] كذا في الأصل، لعله: «ثوارثت» .
[2] الزيادة عن ابن هشام (ص 588) .(1/338)
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخرج معه من كَانَ بأحد ومن لم يكن. وكان المشركون قَدْ ملوا الحربَ وكرهوها، وأحبوا أن ينصرفوا عن ظفر منهم، ولم يأمنوا أن تكون الدولة للمسلمين عليهم. فأمعنوا فِي السير، وأقلوا اللبثَ حتَّى أتوا مكَّة. فلم يصادف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم أحدًا، ولم يلق كيدًا. وكان خليفته عَلَى المدينة ابْنُ أم مكتوم.
725- ثُمَّ غزاة بني النضير
من يهود فِي شهر ربيع الأول، وَيُقَالُ فِي جمادى الأولى سنة أربع. وكان سببها أن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاها ومعه أَبُو بَكْر، وعمر، وأسيد بْن حضير فاستعانهم فِي دية رجلين من بني كلاب بْن ربيعة مواد عين لَهُ، وكان عَمْرو بْن أمية الضمري قتلهما خطأ. فهموا بأن يلقوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحى. فانصرف عَنْهُمْ، وبعث إليهم يأمرهم بالجلاء عن بلده إذ كَانَ منهم ما كَانَ منَ النكث والغدر. فأبوا ذَلِكَ وأذنوا بالمحاربة.
فزحف إليهم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وحصرهم خمس عشرة ليلة. ثُمَّ صالحوه عَلَى أن يخرجوا من بلده ولهم ما حملت الإبلُ إلّا السلاح والآلة، ولرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نخلهم وأرضهم. فكانت أموال بني النضير لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالصة.
وَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، [1] ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني النضير، وهم سبط بن يَهُودَ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى الْجَلاءِ وَعَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا أَقَلَّتِ الإِبِلُ مِنَ الأَمْتِعَةِ إِلا الْحَلْقَةَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فيهم: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) ، إلى قوله (وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ [2] وَكَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ مُقِيمًا عَلَى خِلافَةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
726- ثم غزاة بدر الموعد
فِي ذي القعدة سنة أربع. وذلك أن أبا سُفْيَان بْن حرب نادى يَوْم أحد: موعدكم بدر الصفراء عَلَى رأس الحول نلتقي فنقتتل. فوفى
__________
[1] كتاب الأموال لأبى عبيد، 18.
[2] القرآن، الحشر (59/ 1- 5) .(1/339)
رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون، فأتى بدرًا للموعد، ولم يأت أَبُو سُفْيَان ودسّ نُعَيْم بْن مَسْعُود الأشجعي إلى المسلمين ليخوّفهم كثرة المشركين وعدّتهم وتثبطهم [1] . فلما أخبرهم بذلك، قَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [2] . وكانت بدر الصفراء موسمًا للعرب، يتبايع بها. فتجر المسلمون فربحوا. فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ:
الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) ، إلى قوله (مُؤْمِنِينَ [3] . يعنى بالفضل ما قالوا من الربح. وقوله (يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) [4] ، أي يخوّف النَّاس أولياءه. وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المدينة عَبْد اللَّه بْن رواحة الخزرجي. فأقام المسلمون ببدر الصفراء ثمانية أيام. وبعض الرواة يَقُولُ «بدر الصغرى» . وقال حسان بن ثابت [5] :
وعدنا أبا سُفْيَان بدرًا فلم نجد ... لموعده صدقًا وما كَانَ وافيًا
727- ثُمَّ غزاة ذات الرِّقاع،
وكانت لعشر خلون من المحرم سنة خمس. وإنما سميت ذات الرقاع لأنها كانت عند جبل فِيهِ بقع حمر وبيض وسود كأنها رقاع.
وسببها أن بني أنمار بْن بغيض، وبني سعد بْن ثعلبة بْن ذبيان بْن بغيض جمعوا جمعًا لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عظيما. فلما دنا منهم، وعاينوا عسكره، ولواعن المسلمين وكرهوا لقاءهم فتسنموا الجبل وتعلقوا فِي قُلّته. فانصرف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يلق كيدًا/ 164/ واستاق لهم نعمًا وشاءً. وفي هَذِهِ الغزاة صلى صلاة الخوف مخشاة أن يكرّوا عَلَيْهِ. وَكَانَ خليفته عَلَى الْمَدِينَة عُثْمَان بْن عَفَّان.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَرَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالا، ثنا عارم [6] ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي صَلاةِ الْخَوْفِ، قَالَ: يُصَلِّي بِطَائِفَةٍ وَيَقُومُ طَائِفَةٌ حِيَالَ الْعَدُوِّ، فيصلى بهؤلاء
__________
[1] خ: يثبطهم.
[2] القرآن، آل عمران (3/ 173) .
[3] أيضا (3/ 173- 175) .
[4] أيضا 3/ 175.
[5] ليس في ديوانه المطبوع ولكن راجع ابن هشام، ص 166، وزاد أبياتا وعزاها إلى كعب بن مالك.
[6] كذا في الأصل، بالعين.(1/340)
رَكْعَةً ثُمَّ يَذْهَبُ هَؤُلاءِ فَيَقُومُونَ مَقَامَ أُولَئِكَ، وَيَجِيءُ هَؤُلاءِ فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ يُسَلِّمُ، فيقضى هؤلاء ركعة وهؤلاء رَكْعَةً. [1] وَإِنْ كَانَ الْخَوْفُ شَدِيدًا، صَلَّوْا رِجَالا وَرُكْبَانًا [2] .
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ حَبِيبٍ، ثنا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنِي نَافِعٌ، حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ، قَالَ صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الْخَوْفِ، طَائِفَةً مِنَّا خَلْفَهُ، وَطَائِفَةٌ مُوَاجِهَةٌ لِلْعَدُوِّ. فَصَلَّى بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةٌ وَسَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَجَاءَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةٌ وَسَجْدَتَيْنِ. ثُمَّ قَامَ كُلُّ وَاحِدٍ من الطائفتين [3] إِلَى طَائِفَتِهِ فَصَلَّى لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ.
728- ثُمَّ غزاة دُومة الجندل
فِي شهر ربيع الأول سنة خمس. وسببها أن جمعًا من قضاعة ومن غسان تجمعوا، وهموا بغزو الحجاز. فسار نحوهم فِي ألف انتخبهم.
فلما انتهى إلى موضعهم ألقاهم قَدْ تفرّقوا وهربوا. فلم يلق كيدا. وأمر باستياق نعم وشاء وجدت لهم. ثُمَّ انصرف. وكان خليفته عَلَى المدينة سباع بْن عُرْفُطة الكنانى.
729- ثم غزاة بنى المصطلق،
من خزاعة. وفي غزاة المريسيع. والمُرَيسيع ماء لهم. وكانت فِي شعبان سنة خمس. وسببها أن الحارث بْن أَبِي ضرار، سيد خزاعة، جمع جموعًا واستعدّ للمسير إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وبلغه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، فسار في المسلمين. فلما نزل عَلَى المريسيع، أمر عمرَ بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ أن يعرض عَلَى المشركين التوحيد. فأبوه، فحمل عليهم المسلمون، فقتلوا منهم جمعًا وأسروا أسرى كثيرةً. وغنم اللَّه المسلمين أموالهم وسبيهم. وكانت جويرية ابْنَة الحارث بْن أَبِي ضرار فِي السبي، فأعتقها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتزوّجها. وكان اسمها برَّة، فسمّاها جويرية.
وَيُقَالُ إنه اعتقها وتزوّجها عَلَى عتق مائة من أهل بيت قومها. فلما عتقوا،
__________
[1] راجع القرآن، النساء (4/ 102) .
[2] راجع القرآن، البقرة (2/ 239) .
[3] زاد ناسخ الأصل «من الطائفتين» بالهامش عن نسخة أخرى.(1/341)
انصرفوا إلى منازلهم، وقسم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغنائم، وأخذ صفية قبل القسمة، ثم جزّى الغنائم خمسة أجزاء، ثُمَّ أقرع عليها ولم يتخير. فأخذ الخمس وأخذ سهمه مَعَ المسلمين لنفسه وفرسه. وكان لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صفى من المغنم أو غاب قبل الخمس: عبد أو أمة أو سيف أَوْ درع.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّازُ قَالا، ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:
كَانَ لِلنَّبِيِّ [1] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيٌّ يَصْطَفِيهِ مِنْ كُلِّ مَغْنَمٍ:
عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ فَرَسٍ.
وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ بِمِثْلِهِ. وفي هَذِهِ الغزاة رمى أهلُ الإفك عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا بِصَفْوَانَ بْنِ مُعَطِّلٍ السُّلمي. وذلك أَنَّهُ كان على ساقة العسكر، فوجدها قَدِ انقطعت مرسلُتها [2] ، وكانت من جزع ظفار، فتشاغلت بلقط خرزها. وظنّ الذى كان يقود بعيرها أنها عَلَيْهِ، فسيره مَعَ الإبل. فحملها صفوان عَلَى جمله وجعل يقود بها حتَّى أدخلها العسكر. فظنّ بها بعضُ الظنّ حتَّى انزل اللَّه [3] براءتها وأكذب من تكلم عَنْهَا.
وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الغزاة زَيْد بْن حارثة الكلبى مولاه.
وَحَدَّثَنِي عُبَيْد اللَّهِ بْن معاذ، عَنْ أَبِيهِ، عن أَبِي عَوْنٍ قَالَ:
كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ هَلْ كَانَتِ الدَّعْوَةُ قَبْلَ الْقِتَالِ؟ فَكَتَبَ إِلَيَّ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ أَوَّلَ الإِسْلامِ، وَقَدْ أَغَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، / 165/ وَهُمْ غَارُونَ وَنَعَمَهُمْ عَلَى الْمَاءِ تسقى، فقتل مقاتلتهم وَسُبِيَ سَبْيُهُمْ. حَدَّثَنِي بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَكَانَ فِي الْجَيْشِ.
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عن الشعبى قال:
__________
[1] خ: النيى.
[2] المرسلة: القلادة الطويلة تقع على الصدر.
[3] راجع القرآن، النور (24/ 11- 20) .(1/342)
مِنْ أَهْلِ الإِفْكِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، وَهُوَ الَّذِي «تَوَلَّى كِبْرَهُ» [1] ، وَصَرَّحَ بِالْقَوْلِ فِيهِ، وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَمِسْطَحُ بن أثاثة ابن عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ [2] بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. فَحَدَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَ [3] فِي شَأْنِ عَائِشَةَ مَا نَزَلَ.
730- ثُمَّ غزاة الخندق، وهي غزاة الأحزاب.
وكانت فِي ذي القعدة سنة خمس.
وكان سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أجلى بني النضير، أتوا [4] خيبر. فلما قدموها، خرج حُييّ بْن أخطب وكنانة بْن أَبِي الحُقيق اليهودي وغيرهما، حتَّى أتوا مكَّة. فدعوا أبا سُفْيَان بْن حرب وقريشًا إلى قتال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأعلموهم أنهم يد لهم عَلَيْهِ. فسرّ أبو سُفْيَان بذلك، وعاقدهم عَلَى ما دعوه إِلَيْه. ثُمَّ أَتَتِ اليهود غطفان، فجعلوا لهم تمر خيبر سنةً عَلَى أن يعينوهم عَلَى حرب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأنعموا لهم بذلك، وأجابوهم إِلَيْه. وكان عُيينة بْن حصن الفزاري أسرعَ القوم إلى إجابتهم. ثُمَّ أتوا بنى سليم ابن مَنْصُور، فسألوهم مثل ذَلِكَ، فأنجدوهم. وساروا فِي جميع العرب ممن حولهم، فنهضوا معهم. فخرجت قريش فيمن ضوى إليها ولافّها [5] من كنانة وثقيف وغيرهم، ولحقتهم أفناءُ العرب، عليها قادتها وكبراؤها. وبلغ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخبر، فندب المسلمين إلى قتال الأحزاب. وخرج فارتاد لعسكر المسلمين موضعًا، وأشار عَلَيْهِ سلمان الفارسي بالخندق، ولم تكن [6] العرب تخندق عليها. فجعل سلعا [7] وراء ظهره، وأمر فحفر الخندق أمامه. وجعل المسلمون يتحارسون فِي عسكرهم. وعرض رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاس يَوْم الخندق، فأجاز عَبْدَ اللَّه بْن عُمَر بْن الخطاب وهو ابْنُ خمس
__________
[1] القرآن، النور (24/ 11) .
[2] خ: عبد المطلب.
[3] راجع القرآن، النور (24/ 11- 20) .
[4] خ: اتو.
[5] خ: لأنها.
[6] خ: يكن.
[7] اسم الجبل الذى في شمال المدينة المنورة، خارج السور بين البلدة وجبل أحد.(1/343)
عشرة سنة وأشفّ منها، وأجاز زَيْد بْن ثابت الْأَنْصَارِيّ ثُمَّ الخزرجي، وأجاز البراء بْن عازب الأوسي، وأبا سَعِيد الخدري ولم يردّهم. وَيُقَالُ إنه أجازهم قبل ذَلِكَ. وكانت قريظة قَدِ امتنعت من المظاهرة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يزل بهم حُييّ وأصحابه حتَّى خرجوا معهم. واشتد خوف المسلمين ممن جاش عليهم من الأحزاب لكثرتهم. وكانوا كمال قال الله: (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ) [1] ، يعنى يهود، (وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ [2] ، يعني قريشَا والعرب.
حدثني القاسم بْن سلام [3] ، عَن الْحَجَّاجُ بْن مُحَمَّد، عَن ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مجاهد في قوله إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ، قَالَ: عيينة بْن حصن فِي أهل نجد، وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، أَبُو سُفْيَان فِي قريش، وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ [4] ، قال:
الأحزاب، وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ [5] الآية، يعنى بنى قريظة. (مِنْ صَياصِيهِمْ [6] ، قَالَ: حصونهم وقصورهم. (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً) [7] . قال: و) [8] هذا كُلِّه فِي يَوْم الخندق.
731- قَالُوا: وكثر كلام المرتابين وظنوا الظنون. وكتب أَبُو سُفْيَان إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «باسمك اللهم. أحلف باللات والعزّى وساف ونائلة وهُبل! لقد سرت إليك أريد استيصالكم. فأراك قَدِ اعتصمتَ بالخندق، وكرهت لقاءنا. ولك مني يَوْم كيوم أحد [9] » . وبعث بالكتاب مَعَ أَبِي أسامة الجشمي.
فقرأه عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبيّ بْن كعب، وكتب إِلَيْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أتانا كتابك، وقديمًا غرّك يا أحمق بني غالب. وسفيههم بالله الغرور. وسيحول اللَّه بينك وبين ما تريد، ويجعل لنا العاقبة. وليأتين عليك يَوْم أكسر فِيهِ اللات والعزّى وساف ونائلة وهبل يا سفية بني غالب [10] » .
__________
[1] القرآن، الأحزاب (33/ 10) .
[2] القرآن، الأحزاب (33/ 10) .
[3] كتاب الأموال، له 461.
[4] القرآن، الأحزاب (33/ 25) .
[5] أيضا (33/ 26) .
[6] أيضا (33/ 26) .
[7] أيضا (33/ 26) .
[8] سقط من الأصل، والتكملة عن كتاب الأموال لأبى عبيد القاسم بن سلام.
[9] راجع للنص الكامل ولمصادر أخرى: الوثائق السياسية، رقم 6.
[10] راجع للنص الكامل ولمصادر أخرى: الوثائق السياسية، رقم 7.(1/344)
732- وكانت طلائع المشركين تُطيف بالمسلمين رجاء أن يصيبوا منهم غرَّة.
فربما تراموا بالنبل والحجارة. واجتمع المشركون يومًا، فالتمسوا أن يهجموا خيلهم عَلَى المسلمين. فأكرهت جماعةٌ منهم خيلهم، فعبرت الخندق. وكان فيهم عَمْرو بْن عَبْد وُدّ بْن أَبِي/ 166/ قَيْس، من بَنِي عَامِر بْن لؤي، فبارزه عليّ عَلَيْهِ السَّلام فقتله. وَيُقَالُ إنه جرح عليًا عَلَى رأسه. وَيُقَالُ إن عليًا لم يُجْرَح قطّ. ونجا أصحاب عَمْرو إلا رجلا سقط في الخندق لتكسر، ورماه المسلمون حتَّى مات. ثُمَّ غدا المشركون فِي اليوم الثَّاني جميعا لم يتخلف منهم أحد، فقاتلهم المسلمون من وراء الخندق. ثُمَّ إن اللَّه تبارك وتعالى نصر المسلمين عليهم بالريح، وكانت ريحا صفراء فملأت عيونهم، فقد أخلهم الفشل والوهن. وانهزم المشركون وانصرفوا إلى معسكرهم. ودامت الريح عليهم، وغشيتهم الملائكة تطمس أيضًا أبصارهم. وكان نعيم بْن مَسْعُود الأشجعي خرج من المشركين، فأسلم وجعل يخذّل المشركين ويسعى بينهم بما فِيهِ تفريق كلمتهم وألفتهم وصدع شعبهم.
فبلغ من ذَلِكَ ما التمس بعون اللَّه وتوفيقه، وألقى اللَّه بينهم الاختلاف. وقالت غطفان وسليم: والله لمحمد أحبّ إلينا وأولى بنا من يهود، فما بالنا [1] نؤذيه وأنفسنا؟ وكانت تلك السنة سنة مجدبة. فجهدوا، وأضرّ مقامهم بكراعهم.
فانصرفوا وانصرف النَّاس. وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ [2] . وكان حصار المسلمين فِي الخندق خمسة عشر يومًا.
وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزاة الخندق ابْنُ أم مكتوم.
وحدثنا أَبُو عُبَيْدٍ [3] ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
كَانَتْ وَقْعَةُ الأَحْزَابِ بَعْدَ أُحُدٍ بِسَنَتَيْنِ، وَذَلِكَ يَوْمَ حَفْرِ الْخَنْدَقِ.
وَرَئِيسُ الْكُفَّارِ يَوْمَئِذٍ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ. فَحَاصَرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى خَلُصَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ الْكَرْبُ. [فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عهدك ووعدك،
__________
[1] خ: نالنا.
[2] القرآن، الأحزاب (33/ 25) .
[3] كتاب الأموال 444.(1/345)
اللَّهُمَّ إِنْ تَشَاءُ أَلا [1] تُعْبَدَ] » . وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُيَيْنَةَ ابن حِصْنٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ رَئِيسُ الْكُفَّارِ مِنْ غَطْفَانَ وَهُوَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ ثُلُثَ ثَمَرِ [2] نَخْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يُخَذِّلَ الأَحْزَابَ وَيَنْصَرِفَ بِمَنْ [3] مَعَهُ مِنْ غَطْفَانَ. فَقَالَ عُيَيْنَةُ: بَلْ أَعْطِنِي شَطْرَ ثَمَرِهَا حَتَّى أَفْعَلَ ذَلِكَ. فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَهُوَ سَيِّدُ الأَوْسِ، وَإِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، فَقَالَ: إِنَّ عُيَيْنَةَ قَدْ سَأَلَنِي نِصْفَ ثَمَرِ نَخْلِكُمْ عَلَى أَنْ يَنْصَرِفَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ غطفان ويخذّل بين الأحزاب، وإنى أعطيه الثُّلُثَ، فَأَبَى إِلا النِّصْفَ، (فَمَا تَرَيَانِ؟) [4] فَقَالا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ أَمَرْتَ بِشَيْءٍ فَافْعَلْهُ. [فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أمرت لم أستأمر كما، وَلَكِنْ هَذَا رَأْيٌ أَعْرِضُهُ عَلَيْكُمَا.] قَالا: فَإِنَّا لا نَرَى أَنْ نُعْطِيَهُمْ إِلا السَّيْفَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَنَعَمْ.
وحدثنى الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ يَوْمَ الأَحْزَابِ فَعَرَضَ عَلَيْهِ ثُلُثَ ثَمَرِ نَخْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يُخَذِّلَ الأَحْزَابَ وَيَرْجِعَ بِالنَّاسِ، فَأَبَى إِلا النِّصْفَ، فَاسْتَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَقَالا: إِنْ كُنْتَ أَمَرْتَ بِشَيْءٍ فَامْضِ لَهُ وَإِلا فَإِنَّا لا نَرْضَى أَنْ نُعْطِيَهُمْ إِلا السَّيْفَ قَالَ: فَنَعَمْ إِذًا. قَالَ وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ ابن أَبِي نَجِيحٍ قَالَ:
قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَابْنُ عُبَادَةَ: إِنْ كَانَ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ليمرّ يجرّ سربه [5] مَا يَطْمَعُ مِنْهُ فِي بُسْرَةِ، فَكَيْفَ الْيَوْمَ وَقَدْ أَعَزَّنَا اللَّهُ بِالإِسْلامِ؟ قَالَ: فَنَعَمْ إِذًا.
__________
[1] عند أبى عبيد: لا تعبد.
[2] خ: ثمن.
[3] خ: من (والتصحيح عن أبى عبيد) .
[4] التكملة عن أبى عبيد.
[5] خ: «ليمر بحر سرمه» . (لعله كما أثبتناه) .(1/346)
حَدَّثَنِي الْحُسَيْن، عن يَحيى، عن ابْنُ إدريس، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [1] / 167/ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عمر [2] ابن قَتَادَة:
أنهما قالا: ما أصابت العرب حطمة قطّ فقدروا مِنْهُ عَلَى بسرة إلا شِرى أو قرى، فكيف الآن؟
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْخَلَ النِّسَاءُ يَوْمَ الأَحْزَابِ أُطُمًا مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ حَسَّانُ رَجُلا جَبَانًا فَأَدْخَلَهُ مَعَهُنَّ وَأَغْلَقَ الْبَابَ فَجَاءَ يَهُودِيٌّ فَقَعَدَ عَلَى بَابِ الأُطُمِ. فَقَالَتْ لَهُ إِحْدَاهُنَّ: انْزِلْ إِلَى هَذَا الْعِلْجِ فَاقْتُلْهُ. فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأَجْعَلَ نَفْسِي خَطَرًا لِعِلْجٍ مِثْلِهِ. فَاتَّزَرْتُ بِكِسَاءٍ، وَأَخَذْتُ فِهْرًا وَنَزَلْتُ إِلَيْهِ فَفَلَقْتُ رَأْسَهُ. ورمى حِبان بْن العَرقة سعد بْن مُعَاذِ يَوْم الخندق بسهم، فانتقض بِهِ جرحه مِنْهُ بعد انقضاء أمر بني قريظة، فمات. وكان حِبان بْن العَرِقة لما رماه قَالَ: خذها وأنا ابْنُ العرقة. [فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عرق اللَّه وجهك فِي النار.]
733- ثُمَّ غزاة بني قُريظة من يهود.
انصرف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الخندق وزحف إليهم، فحصرهم حتَّى نزلوا عَلَى حكمه. فحكم فيهم سعد ابن مُعَاذِ. فحكم بقتل من جرت عليه الموسى وبسبي الذرية والنساء، وقسمة أموالهم بَيْنَ المسلمين. فأجاز رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [وقَالَ لسعد: لقد حكمتَ فيهم بحكم اللَّه.] وكانت غزاة بني قريظة فِي ليال من ذي القعدة وليال من ذي الحجة سنة خمس. وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة ابْنُ أم مكتوم.
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الأَحْزَابِ، دَخَلَ مُغْتَسَلا لِيَغْتَسِلَ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، وَضَعْتُمْ أَسْلِحَتَكُمْ وَمَا وَضَعْنَا أَسْلِحَتَنَا بَعْدُ، انْهَدْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ من
__________
[1] ابن هشام، ص 676 ولكن الرواية هناك بغير هذا اللفظ.
[2] خ: عمرو (والتصحيح عن الطبرى) .(1/347)
خَلَلِ الْبَابِ وَقَدْ عَصَبَ التُّرَابُ رَأْسَهُ.
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ [1] ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ:
أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ انْصَرَفَ مِنَ الأَحْزَابِ حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ فَوَضَعَ السِّلاحَ. فَدَخَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ فَقَالَ: أَوَضَعْتَ السِّلاحَ وَمَا زِلْنَا فِي طَلَبِ القوم؟ فاخرج فإن الله قد أَذِنَ لَكَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ. قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالى فِيهِمْ وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) [2] .
وَقَدْ قِيلَ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي بَنِي قَيْنُقَاعٍ.
حدثنا غير واحد، عن حجاج بْن مُحَمَّد، عَنِ ابْنُ جريج، عَنْ مجاهد فِي قول اللَّه عزَّ وجلّ: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ، الآية [3] ، قَالَ: يعني بني قريظة. وألقى بنو قريظة عَلَى خَلّاد بْن سُويد الخزرجي رحى، وَقَدْ دنا ليكلمهم.
734- ثُمَّ غزاة بني لحيان بْن هُذيل بْن مدركة،
بناحية عُسفان. غزا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني لحيان، واستخلف عَلَى المدينة ابْنُ أم مكتوم.
وكان بنو لحيان ومن لافّهم من غيرهم قَدِ استجمعوا. فلما بلغهم إقبال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم، هربوا. فلم يلق كيدًا. ووّجه أبا بَكْر فِي طلبهم.
وكانت هَذِهِ الغزاة فِي شهر ربيع الأول سنة ست.
735- ثُمَّ غزاة ذي قَرَد،
وبعضهم يَقُولُ «قُرَد» ، والصواب الفتح. وكان سبب هَذِهِ الغزاة أن عُيينة بْن حصن بْن حذيفة بْن بدر أغار عَلَى لقاح رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ ترعى بالغابة. وهي عَلَى بريد من المدينة.
فَوَجَّهَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المقداد بْن عَمْرو، وَيُقَالُ سعد [4] بْن زيد الأشهلي في عدّه من المسلمين. فتخلصوا عشرًا منها، وكانت عشرين. وقتلوا
__________
[1] كتاب الأموال 462.
[2] القرآن، الأنفال (8/ 58) .
[3] القرآن، الأحزاب (33/ 26) .
[4] خ: مسعدة. (والتصحيح عن ابن هشام، ص 720، والظاهر أن السهو بسبب اسم مسعدة في السطر التالي) .(1/348)
مسعدة بْن حكمة بْن مالك بْن حذيفة بْن بدر الفزاري، وحبيب بْن عيينة.
ثُمَّ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج، فلحقهم بذي قرد وَقَدْ مضى القوم.
فنهي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اتباعهم. وكان خليفته، فِي غزاة ذي قرد، ابْنُ أم مكتوم. وأقام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذي قرَد يومًا وليلة، / 168/ وصلى صلاة الخوف هناك. وكانت هَذِهِ الغزاة فِي شهر ربيع الأول، وَيُقَالُ فِي شهر ربيع الآخر سنة ست. وهي أيضًا تسمى غزاة الغابة. وفيها نودي: [يا خيلَ الله اركبى.] ولم يقل ذلك قبلها.
وحدثني عباس بن هشام الكلبي، عن أبيه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَجْلَحِ الْكِنْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:
دَخَلَ أَبُو قَتَادَةَ بْنُ رِبْعِيٍّ عَلَى مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ عَدَنِيٌّ، وَعِنْدَ مُعَاوِيَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْن مسعدة بْن حكمة بْن مالك بْنِ حُذَيْفَةَ. فَسَقَطَ رِدَاءُ أَبِي قَتَادَةَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَنَفَضَهُ عَنْهُ بِغَضَبٍ. فَقَالَ: مَنْ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟
قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بن مسعدة. قال: أَنَا وَاللَّهِ دَفَعْتُ حِضْنَ أَبِي [1] هَذَا بِالرُّمْحِ يَوْمَ أَغَارَ عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ. فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ.
736- خروج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعمرة.
ثُمَّ خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعمرة فِي هلال ذي القعدة سنة ست. فمنعته قريش من دخول مكَّة عنوة. فأقام فِي الحديبيَّة. وكان ابْنُ الكلبي يَقُولُ «الحديبيَة» ، فيخففها.
وأرسل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قريش: [إنا لم نأت لقتال، وإنما جئنا لسوق البدن إلى محلها، فننحرها ثُمَّ ننصرف.] فأبوا إلا منعه، ووجهوا إليه سهيل ابن عَمْرو، من بني عامر بْن لؤي، ومكرز بْن حَفْص، وحويطب بْن عَبْد العزى. فسألوه أن ينصرف فِي عامه، ويعود فِي قابل فيقيم فِي مكَّة ثلاثة أيام لا يزيد عليها ثُمَّ ينصرف. فأجابهم إلى ذَلِكَ، وكتب بينه وبينهم كتابًا بخطّ عليّ عَلَيْهِ السَّلام، فكتب: «بسم اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم» . فَقَالَ سهيل: لا أعرف هَذَا، اكتب كما نكتب [2] «باسمك
__________
[1] خ: إلى.
[2] خ: تكتب.(1/349)
اللهم» . وكتب: «هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول اللَّه» . فَقَالَ سهيل:
«لو أعلم أنك رَسُول اللَّه ما خالفتك، أفترغب عن أبيك؟» فكتب القضية:
«باسمك اللهم. هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه وسهيل بْن عَمْرو.
اصطلحا عَلَى وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها النَّاس ويكفّ بعضهم عن بعض. عَلَى أَنَّهُ لا إسلال ولا إغلال، وأن بيننا عيبة مكفوفة. وأنَّه من أحب أن يدخل فِي عهد مُحَمَّد وعقده، فعل. وأنه من أحب أن يدخل فِي عهد قريش وعقدها، فعل. وأنَّه من أتى محمدًا منهم بغير إذن وليه، ردّه مُحَمَّد إِلَيْه. وأنَّه من أتى قريشًا من أصحاب مُحَمَّد، لم يردّوه. وأن محمدًا يرجع عنا عامه هَذَا بأصحابه، ويدخل علينا فِي قابل فِي أصحابه، فيقيم ثلاثًا. لا يدخل بسلاح إلا سلاح المسافر فِي القرب. شهد أبو بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وعثمان بن عفان، وأبو عبيدة ابن الجرّاح، ومحمد بن مسلمة، وحويطب بن عبد العزى، ومكرز بن حفص.
وكتب علي بن أبي طالب» [1] . ونسخ الكتاب نسختين، فوضعت إحداهما عِنْدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخذ الأخرى سهيل بْن عمرو. ولما فرغ من كتاب القضية، وثب من هناك من الخزاعة، فقالوا: نَحْنُ ندخل فِي عهد مُحَمَّد وعقده. وقَالَ بنو بَكْر: نَحْنُ ندخل فِي عهد قريش ومدّتها. ثُمَّ نحر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الهدي بالحديبية، وحلق، وحلق النَّاس. ثُمَّ انصرف. ونزلت عَلَيْهِ منصرفه من الحديبية: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) [2] .
وَيُقَالُ إنها نزلت قبل انصرافه من الحديبية. وفي غزاة الحديبية كانت بيعة الرضوان تحت السمرة الخضراء، بايعوا عَلَى الموت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان خليفته بالمدينة ابْنُ أم مكتوم. وَيُقَالُ أَبُو رُهم كلثوم بْن الحصين الغفاري، من كنانة. وقوم يقولون استخلفهما جميعًا، وكان ابن أم مكتوم على الصلاة.
__________
[1] راجع لاختلافات الرواية للنص ولمصادر أخرى: الوثائق السياسية، رقم 11
[2] القرآن، الفتح (48/ 1) .(1/350)
قَالَ الواقدي، قَالَ ابْنُ أَبِي الزناد [1] ، عن أَبِيهِ قولُه «لا إسلال» ، يريد دس [2] السلاح وسله سرًا، وقولُه «لا إغلال» ، يَقُولُ لا ينطوون عَلَى غلّ. والعرب تَقُولُ: أغللت فِي الشيء. وقوله «وعيبة مكفوفة» ، أى مشرّحة. وهذا مثل. وكان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث عثمان إلى مكَّة لتسكينهم وإعلامهم أَنَّهُ لم يأت لمكروه يريده بهم. فبايع عنده، ووضع يده اليسرى عَلَى اليمنى.
حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يزيد بن أبى عبيد قَالَ:
قُلْتُ لِسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ/ 169/ فَقَالَ: عَلَى الْمَوْتِ.
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، (ثنا) أَبُو عُبَيْدٍ [3] ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ فَهَادَنَتْ قُرَيْشٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَصَالَحَتْهُ عَلَى سِنِينَ أَرْبَعٍ وَعَلَى أَنْ يَأْمَنَنَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، عَلَى أَنْ لا إِغْلالَ وَلا إِرْسَالَ، فَمَنْ قَدِمَ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ مُجْتَازًا إِلَى الْيَمَنِ أَوِ الطَّائِفِ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَامِدًا لِلشَّامِ أَوِ الْمَشْرِقِ فَهُوَ آمِنٌ. قَالَ:
وَأَدْخَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في عَهْدِهِ بَنِي كَعْبٍ. وَأَدْخَلَتْ قُرَيْشٌ فِي عَهْدِهَا حُلَفَاءَهَا بَنِي كِنَانَةَ. وَعَلَى أَنَّهُ مَنْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ، وَمَنْ أَتَاهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَرُدُّوهُ إليه. قال أبو عبيدة [4] : قَوْلُهُ «لا إِرْسَالَ» ، يَقُولُ فِي غَائِلَةٍ. وَقَالَ: يُقَالُ أَغْلَلْتُ فِي الإِهَابِ إِذَا تَرَكْتُ فِيهِ لحما.
وحدثنى أَبُو عُبَيْدٍ، وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هارون، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [5] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنِ، الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالا:
كَانَ فِي شَرْطِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَنْ يَرْجِعَ عَامَهُ هَذَا، فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْقَابِلُ دَخَلَ مكة ومعه سلاح الراكب،
__________
[1] خ: الزيادة.
[2] خ: حسح.
[3] كتاب الأموال 440- 441.
[4] كذا «أبو عبيدة» فإنه من غير كتاب الأموال المراجع إليه آنفا.
[5] راجع ابن هشام، ص 748.(1/351)
وَلا يَدْخُلُهَا إِلا بِالسُّيُوفِ فِي الْقُرْبِ- قَالَ وَهْبٌ: «فِي قُرْبِهَا» - فَيُقِيمُ ثَلاثًا
737-
ثُمَّ غزاة خيبر
فِي صفر سنة سبع. وَيُقَالُ فِي جمادي الأولى. وَيُقَالُ فِي شهر ربيع الأول. سار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى اليهود بخيبر. فماكثوه وطاولوه، وقاتلوا المسلمين. ثُمَّ إنّ بعضهم نزل ومعه ابْنُ أَبِي الحُقيق. فصالحا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حقن الدماء وأن يخلوا بين المسلمين وبين الصفراء والبيضاء وبين أرضهم والبزَّة إلا ما كَانَ عَلَى الأجساد. فأقرهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الأرض عمارًا لها، وعاملهم عَلَى الشطر من التمر والحبّ.
وقَالَ: أُقرّكم ما أقرّكم اللَّه. وخاطر عباسُ بْن مرداس حويطبَ بْن عَبْد العزى عَلَى أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مغلوب. فأخذ حويطب منه مائة ناقة. وبعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أهل فدَكَ منصرفه من خيبر يدعوهم إلى الْإِسْلَام.
فأتوه فصالحوه عَلَى نصف الأرض بتربتها. فقبل ذَلِكَ منهم. وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزاة خيبر سِباع بْن عرفطة الكنانى. ويقال نميلة ابن عَبْد اللَّه الكناني.
حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الوليد الزبيدى، عن الزهري، حدثنى عنبسة ابن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي سَرِيَّةٍ قَبْلَ نَجْدٍ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَتَوْنَا وَقَدْ فَتَحْنَا خَيْبَرَ قَبْلَ أَنْ نُقْسِمَ الْغَنَائِمَ، وَإِنَّ حُزُمَ خُيُولِهِمْ يَوْمَئِذٍ اللِّيفُ. فَقَالَ سَعِيدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقْسِمْ لَنَا. فَلَمْ يقسم لهم من الغنيمة شيئا.
738- تم غزاة وادي القرى.
انصرف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خيبر، ثُمَّ صار إلى وادي القرى فِي جمادي الآخرة سنة سبع، ففتحها عنوة، وغنمه اللَّه أموال أهلها. وكان خليفته سِباع، أَوْ نميلة. وخلافة سباع أثبت.
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عبد الله بن شقيق، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَلْقَيْنَ قَالَ:
أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِوَادِي الْقُرَى، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِمَا أُمِرْتَ؟ قَالَ: [أُمِرْتُ بِأَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تُقِيمُوا(1/352)
الصَّلاةَ وَتُؤْتُوا الزَّكَاةَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ، يَعْنِي الْيَهُودَ. قُلْتُ: فَمَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: الضَّالُّونَ، يَعْنِي النَّصَارَى. قُلْتُ:
فَلِمَنِ الْمَغْنَمُ؟ قَالَ: لِلَّهِ سَهْمٌ [1] ، وَلِهَؤُلاءِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ. قُلْتُ: فَهَلْ أَحَدٌ أَحَقُّ بِالْمَغْنَمِ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: لا، حَتَّى السَّهْمُ [2] يَأْخُذُهُ أَحَدُكُمْ مِنْ جَنْبِهِ فَلَيْسَ بِأَحَقَّ بِهِ مِنْ أَحَدٍ.]
739- ثُمَّ عمرة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ عمرة القضاء،
وَيُقَالُ عمرة القضية أيضًا. سار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وساق معه ستين بدنة. وذلك فِي ذي القعدة سنة سبع. وكان عَلَى بُدنة ناجية بْن جُنْدب الأسلمي. فأقام بمكة ثلاثة أيام، ثم خرج راجعا إلى المدينة. وجعل المشركون/ 170/ يقولون:
لقد أصاب أصحابَ مُحَمَّد بعدنا ضُرّ. فأمرهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يظهروا الجلد والقوة. فلذلك كَانَ الرمل. وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المدينة أبا ذَرّ جُنْدب بْن جنادة الغفاري. وَيُقَالُ عُوَيف بْن ربيعة ابن الأضبط الكناني.
740- ثُمَّ غزاة فتح مكَّة
لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة ثمان.
وكان سببها أن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاضي قريشًا عام الحديبية عَلَى ما قاضاهم عَلَيْهِ. فسمع رَجُل من خزاعة، وكانوا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عهده وعقده، رجلًا من كنانة، وكانوا فِي عهد قريش وذمتها، يهجو رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فوثب عَلَيْهِ وشجه، فاقتتلت خزاعة وكنانة. وأعانت قريش بني كنانة، وخرج وجوههم يقاتلون متنكرين. فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عَمْرو بْن سالم بْن حَصيرة الخزاعي فِي عدَّة من قومه يستنفر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويذكره الحلف بين عَبْد المطلب وبينهم، فقال [3] :
لا هم إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدًا ... حِلْفُ أَبِينَا وَأَبِيهِ الأَتْلَدَا
__________
[1] أى النصيب.
[2] أى القداح.
[3] ابن هشام، ص 806، الطبرى، ص 1621- 1622، الاستيعاب رقم 1955 عمرو بن سالم، مع زيادات واختلافات. (خ في الثانى: «الوعدا» بدل «المواعد» ، والتصحيح عن المصادر) .(1/353)
إن قريشًا أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكدا
وزعموا أن لستَ تدعو أحدًا ... وهم أذلّ وأقل عددا
فَانْصُرْ هَدَاكَ اللَّه نَصْرًا أَيِّدَا ... وَادْعُ عِبَادَ اللَّه يأتوا مددا
فحدثني عَبْد الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سلمة أَنَّ خُزَاعَةَ نَادَوُا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يغتسل، فَقَالَ: لبيكم. واستعدّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لغزو أهل مكَّة إذ نقضوا العهد ونكثوه. فكتب حاطب ابن أَبِي بلتعة اللخمي، حليف الزُّبَيْر، إلى صفوان بْن أمية، وعكرمة بْن أَبِي جهل، وسهيل بْن عَمْرو يُعلمهم غزو رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياهم، وبعث بكتابه مَعَ امرأة من مُزينة يُقال لها كَنُود. وَيُقَالُ مَعَ سارة، مولاة عَمْرو بْن هاشم بْن المطلب بْن عَبْد مناف. فجعلته فِي رأسها، ثم فتلت عليه قرونَها. فَوَجَّهَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليها عليّ بْن أَبِي طَالِب، والزبير بْن العوام، وأبا مرثد الغنوي، وكلُّهم فارس. فلحقوها بروضة خاخ. فأناخوا بعيرها، ثُمَّ فتشوها. فلما رأت الجدّ، أخرجت الكتاب من عقصتها. وقَالَ بعضهم: لم تجعل الكتاب فِي رأسها، ولكنها جعلته فِي حُجزتها. وقيل إنها جعلته فِي رأسها حتَّى أمنت، ثُمَّ جعلته فِي حجزتها. فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاطِبٍ: [مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟
فَقَالَ: يا رَسُول اللَّه، إني صانعتُ القوم عَلَى مالي وأهلي قِبلهم، ولستُ لهم بقرابة ولا فيهم من يذبّ عني. فقبل رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عذره. فَقَالَ له عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: ائذن لي يا رَسُول اللَّه اضرب عنقه فقد خان اللَّه ورسوله. فَقَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أو ليس هُوَ من أهل بدر؟ ما ندري لَعَلَّ اللَّه قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فقال: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ أوجبتُ لَكَم الْجَنَّةَ.] فأنزل الله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) [1] . ومضت سارة إلى مكة. وكانت، فيها يزعمون، مغنيَّة. فأقبلت تتغنى بهجاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمين.
ولما وافى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةُ، تسلح قوم معهم وقالوا: لا يدخلها مُحَمَّد عَنْوَةً. فَقَاتَلَهُمْ خالدُ بْن الْوَلِيدِ، وَكَانَ أَوَّلَ من أمره رسول الله صلى الله
__________
[1] القرآن، الممتحنة (60/ 1) .(1/354)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقتال. وبعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْر فِي كتيبة، سوى كتيبة خالد. وجعل أبا عبيدة بن الجرّاح عَلَى الحُسّر، فأوقعوا بالمشركين.
وكان الْعَبَّاس بْن عَبْد المطلب لقي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الحُليفة، وَهُوَ يريد مكَّة وَقَدْ أظهر إسلامه. فأمره أن يمضي نقْلَه/ 171/ إلى المدينة وقَالَ: [هِجْرَتُكَ، يَا عَمُّ، آخِرُ هِجْرَةٍ كَمَا أن نبوتي آخر نبوة.] وكانت قريش لما جنتْ ما جنتْ، خافت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فبعثت أبا سُفْيَان يجدّد الحلف ويُصلح بين النَّاس. [فقال لَهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ: أنت سيد قريش، فاضرب يدا عَلَى يد، وأجدّ الحلف وأصلح بين النَّاس.] فانصرفَ وهو يرى أَنَّهُ قَدْ صنع شيئًا. ثُمَّ رجع وأقام بمرّ الظهران حتى وجدته خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتته به. فمنعه العباس واستأمن لَهُ.
فدخل مكَّة مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما رأى كثرةَ المسلمين وإيقاعهم بمن أوقعوا بِهِ من المشركين، قَالَ: أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ، لا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ. فَقَالَ الْعَبَّاس: يا رَسُول اللَّه، إن أبا سُفْيَان يحبّ الفخر عَلَى قريش، فاجعل لَهُ شيئًا يُعْرَف بِهِ. [فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أغلق بابه فهو آمن، ومن وضع سلاحه فهو آمن، ومن دخل دار أَبِي سُفْيَان فهو آمن.] وأمر أن لا يجهز عَلَى جريح، ولا يتّبع مدبِر. وأراد أَبُو سُفْيَان دخول داره، فقالت لَهُ هند: وراءك، قبحك اللَّه فإنك شرُّ وافد. وقتل من قريش أربعة وعشرون، ومن هذيل أربعة نفر. وَيُقَالُ إنه قتل من قريش ثلاثة وعشرون، وهرب أكثرهم واعتصموا برءوس الجبال وتوقلوا [1] فيها. وَيُقَالُ أَنَّهُ استشهد من المسلمين كُرز بْن جَابِر الْفِهْرِيُّ، وَخَالِدٌ الأَشْعَرُ الْكَعْبِيُّ. وقَالَ الكلبي: هُوَ حُبيش الأشعر بْن خَالِد الكعبي، من خزاعة.
741- ودخل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكَّة، وعليه عمامة سوداء، ولواؤه أسود. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأصنام فهدمت، وبالصُّوَر التي كانت فِي الكعبة فمحيت. وأمر بلالًا، حين جاءت الظهر، فأذّن عَلَى ظهر الكعبة، وقريش فوق الجبال: منهم من يطلب الأمان، ومنهم من قَدْ أومن.
__________
[1] أى صعدوا..(1/355)
فلما قَالَ: «أشهد أن محمدًا رَسُول اللَّه» ، قَالَتْ جويرية [1] بِنْت أَبِي جهل:
لقد أكرم اللَّه أبا الحكم حين لم يسمع نهيق ابْنُ أم بلال فوق الكعبة. وَيُقَالُ إنها قَالَتْ: لقد رفع اللَّه ذكر مُحَمَّد، وأمَّا نحن فنصلى، ولكنا لا نحبّ والله من قتل الأحبة أبدًا. وقَالَ خَالِد بْن أسيد بْن أَبِي العيص: الحمد لله الَّذِي أكرم أَبِي فلم ير هَذَا اليوم ولم يسمع هَذَا الصوت. وقال الحارث بن هشام:
واثكلاه، ليتى متُّ ولم أسمع نهيق ابْنُ أم بلال عَلَى الكعبة. وهذا أثبت مما روى عن جويرية. وَيُقَالُ إنّ عكرمة بْن أَبِي جهل قَالَ: لقد أكرم اللَّه أبا الحكم حين لم يسمع نهيق ابْنُ أم بلال عَلَى الكعبة.
742- وقيل لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألا تنزل منزلك من الشعب؟ [فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وهل ترك لنا عقيل من رباع؟] وكان عقيل باع منزل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنازل إخوته من الرجال والنساء. ونظر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر يسايره، إلى بنات أبي أحيحة سَعِيد بْن العاص ابن أمية يلطّمن وجوه الخيل بالخُمر وَقَدْ نشرن شعورهن، فتبسم وقال: يا با بَكْر كيف قَالَ حسان بْن ثابت؟ فأنشده [2] :
تظلّ جيادُنا متمّطرَات ... تلِّطمهن بالخُمرُ النساءُ
وكان حماس (بن قيس) [3] بن خالد الدّئلى قَالَ لامرأته حين أظلهم رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لآتينك بخادم منهم. فلما جاء منهزمًا، قَالَتْ هازئة بِهِ: أَيْنَ الخادم الَّذِي وعدتَني فإني لم أزل منتظرة لَهُ؟ فقال [4] :
وأنت لو شهدتنا بالخندمة ... إذ فر صفوانٌ وفر عِكرمة
أَبُو يزيد كالعجوز المؤتمة ... لم تنطقي فِي اللوم أدنى كلمة
__________
[1] راجع أيضا السهيلي 2/ 276- 277.
[2] ديوان حسان، ق 1، ب 13، ابن هشام، ص 829- 830، الرسالة العثمانية للجاحظ، مع سهو في الطباعة، السهيلي 2/ 181 مع بحث في كلمة «يلطمهن» أو «يطلمهن» حسب الروايات.
[3] التكملة عن ابن هشام والطبرى.
[4] ابن هشام، ص 818، الطبرى، ص 1639، الاستيعاب رقم 1382 صفوان بن أمية، مع زيادات واختلافات.(1/356)
إذ ضربتنا بالسيوف المسلمة ... لهم زئير خلفنا وغمغمة
/ 172/ وكان هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهم يقولون: لا ندع محمدا يدخل مكة أبدا.
[المهدورة دماؤهم]
743- وأمر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ ستة نفر، وأربع نسوة. فأمَّا النفر فعكرمة بْن أَبِي جهل، وهبّار بْن الأسود، وعبد اللَّه بْن سَعْد بْن أَبِي سرح، ومقيس بن صبابة، والحويرث بن نقيذ، وابن خطل. وأمَّا الأربع النسوة فهند بِنْت عتبة، وسارة مولاة عمرو بن هاشم بْن المطلب، وقينتا هلال بْن عَبْد اللَّه ابن خطل الأدرمي (وَيُقَالُ هُوَ عَبْد اللَّه بْن هلال، والأول قول الكلبي، وقينتاه فرتنا وأرنب، وَيُقَالُ قريبة «أبو يزيد [1] » : سهيل بْن عَمْرو.
744- فأمَّا عكرمة، فأنه هرب. وأسلمت امرأته أمّ حكيم فقالت: يا رَسُول اللَّه زوجي هرب خوفًا منك فَقَالَ: هُوَ آمن. فخرجت فِي طلبه، ومعها غلام لها رومي فراودها عن نفسها، فلم تزل تمنيه حتَّى انتهت إلى حيّ من العرب فاستغاثتهم عَلَيْهِ. فأوثقوه رباطًا. وأدركت عكرمةَ فِي ساحل من السواحل، قَدْ ركب البحر. فجعل النوتي يَقُولُ لَهُ: قل لا إله إلا اللَّه. فَقَالَ: ويحك، ما هربتُ إلا من هذه الكلمة. وقالت له امرأته: جئتك، يابن عم، من عند أوصل النَّاس وأحلمهم وأكرمهم، قَدْ أمنك وعفا عنك. فرجع. وأخبرته خبر الرومي.
فقتله وهو لم يُسلم بعد. ثُمَّ لما قَدِمَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقف بين يديه. فأظهر السرور بِهِ. وأسلمَ وسأل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يستغفر لَهُ.
فاستغفر لَهُ. وقَالَ: والله لاجتهدن فِي جهاد أعداء اللَّه. وجعل عَلَى نفسه أن يحصي كل نفقة أنفقها فِي الشرك فينفق مثلها فِي نصر الْإِسْلَام. وأقرّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأته على نكاحه.
745- وأما هَبّار بْن الأسود، فكان ممن عرض لزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حملت من مكَّة إلى المدينة. فكان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر سراياه إن لقوه أن يحرّقوه. ثُمَّ قَالَ: [لا يعذّب بالنار إلا خالق النار] .
فأمر بقطع يديه ورجليه وقتله [2] . فلما كَانَ يَوْم الفتح، هرب ثم قدم على
__________
[1] أى المذكور في أبيات حماس الآنفة ذكرها.
[2] خ: «وقتله وقتله» (تكرر سهوا) .(1/357)
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ. وَيُقَالُ أتاه وهو بالجعرانة حين فرغ من أمر المشركين بحُنين. فمثُل بين يديه وَهُوَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُول اللَّه. فقبل إسلامه، وأمر أن لا يعرض لَهُ. وخرجت سُلمى مولاةُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: لا أنعم الله بك عينا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مهلا، فقد محا الْإِسْلَام ما قبله.] قَالَ الزُّبَيْر بْن العوام: لَقَدْ رأيتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد غلظته عَلَى هبّار يطأطئ رأسه استحياء مِنْهُ، وهو يعتذر إِلَيْه.
746- وأمَّا عَبْد اللَّه بْن سَعْد بْن أَبِي سرح، فإنه أسلم وكان يكتب بَيْنَ يدي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيملي عَلَيْهِ «الكافرين» ، فيجعلها «الظالمين» ، ويملي عَلَيْهِ «عزيز حكيم» فيجعلها «عليم حكيم» ، وأشباه هَذَا، فَقَالَ:
أَنَا أقول كما يَقُولُ مُحَمَّد وآتي بمثل ما يأتي بِهِ مُحَمَّد. فأنزل اللَّه فِيهِ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ [1] . وهرب إلى مكَّة مرَّتدًا. فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتله. وكان أخا عثمان بْن عفان من الرضاع. فطلب فِيهِ أشد طلب حتَّى كف عَنْهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَالَ: أما كَانَ فيكم من يقوم إلى هَذَا الكلب قبل أن أؤمّنه فيقتله؟ فَقَالَ عُمَر- وَيُقَالُ أَبُو اليسر- لو أومأت إلينا، قتلناه. فَقَالَ: إني ما أقتل بإشارة، لأن الأنبياء لا يكون لهم [2] خائنة الأعين.
وكان يأتي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فيسلم عليه. وولاه عثمانُ مصر، فابتنى بها دارًا، ثُمَّ تحوّل إلى فلسطين فمات بها. وبعض الرواة يَقُولُ: مات بإفريقية والأول أثبت.
747- وأمَّا مِقْيَس بن صبابة الكنانى، فإن أخاه هاشم بْن صُبابة بْن حزن أسلم وشهد غزاة المُرَيسيع مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ/ 173/ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقتله رَجُل منَ الأنصار خطأ وهو يحسبه مشركا. فقدم مقيس عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقضى لَهُ بالدية عَلَى عاقلة الْأَنْصَارِيّ. فأخذها وأسلم ثم عدا
__________
[1] القرآن، الأنعام (6/ 93) .
[2] خ: لها.(1/358)
عَلَى قاتل أخيه فقتله وهرب مرتدا وقَالَ [1] :
شفى النفسَ أن قَدْ بات بالقاع مسندا ... يضرج ثوبيه دماء الأخادع
ثأرت به قهرا وحملتُ عقله ... سراة بني النجار أربابَ فارع
حللتُ بِهِ وتري وأدركتُ ثؤرتي ... وكنتُ عن الْإِسْلَام أول راجع
فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتله [2] من لقيه. فلما كَانَ يَوْم الفتح، خرج مدججا، وهو يَقُولُ:
دون دخول محمد أتا ... ها ضرب كأفواه المزاد (كذا)
وكان قَدِ اصطبح ذَلِكَ اليوم فِي أصحاب له. وكانت أمه سهيمة. وكان معهم. فعاد حين انهزم النَّاس، فشرب. وعرف نُميلة بْن عَبْد اللَّه الكناني موضعه، فدعاه. فخرج إِلَيْه ثملًا، وهو يَقُولُ متمثلًا [3] :
دعيني أصطبح يَا بكر إني ... رأيت الموت نقب عن هشام
ونقب عن أبيك أبي يزيد ... أخي القينات والشُّرب الكرام
فلم يزل نميلة يضربه بالسيف حتَّى قتله. فَقَالَ شاعرهم [4] :
لعمري لقد أخزى نميلة رهطه ... وفجّع أضياف الشتاء بمقيس
فلله عينَا من رَأَى مثل مقيس ... إِذَا النفساء أصبحت لم تُخَرَّسِ
748- وأمَّا الحويرث بن نقيذ، فكان يعظّم القول فِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وينشد الهجاء فِيهِ، ويكثر أذاه وهو بمكة. فلما كَانَ يَوْم الفتح، هرب من بيته. فلقيه عليّ بْن أَبِي طَالِب فقتله.
749- وأمَّا هلال بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد مناف الأدرمي، وهو ابْنُ خَطل- وبعضهم يَقُولُ عَبْد اللَّه، والثبت أن اسمه هلال- فإنه أسلم وهاجر إلى المدينة.
فبعثه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساعيا عَلَى الصدقة، وبعث معه رجلا من خزاعة.
__________
[1] ابن هشام، ص 728، الطبرى، ص 1516، مع زيادات واختلافات.
(خ في الأول: «يضرح» ، في الثانى: «فهرا» ) .
[2] خ: يقتله.
[3] مضى ذكرهما مع أبيات أخرى أعلاه. وهما لابن شعوب وهو شداد بن الأسود.
[4] ابن هشام، ص 820، الطبرى، ص 1641، وذكر أنهما لأخت مقيس لم تسم.(1/359)
فوثب عَلَى الخزاعي فقتله. وذلك أَنَّهُ كَانَ يخدمه، ويتخذ له طعامه. فجاء ذات يَوْم ولم يتخذ لَهُ شيئًا، فاغتاظ وضربه حتى قتله. وقال: إن محمد (ا) سيقتلني به، فارتد وهرب وساق ما كان معه من الصدقة، وأتى مكَّة. فَقَالَ لأهلها: لم أجد دِينا خيرا من دينكم. وكانت له قينتان، فكانتا تغنيان بهجاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ويدخل عليهما المشركون فيشربون عنده الخمر.
[فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: أقتلوه ولو كَانَ متعلقا بأستار الكعبة.] فقتله أَبُو بَرزة الأسلمي. واسمه نَضلة بْن عَبْد اللَّه، وذلك الثبت.
وبعضهم يقول: اسمه خَالِد بْن نضلة، وهو قول الهيثم بْن عدي. وبعضهم يَقُولُ: عَبْد اللَّه بْن نضلة أيضًا. وَيُقَالُ قتله شريك بْن عبدة، من بنى العجلان.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُمِّيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: «لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ» . فأخرجت عبد الله ابن خَطَلٍ، وَهُوَ فِي أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَضَرَبْتُ عُنُقَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ. وَيُقَالُ:
قَتَلَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. وَيُقَالُ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ [1] الْمَخْزُومِيُّ أَخُو عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ [2] .
750- أما هند، فأسلمت وكسرت كل صنم فِي بيتها، وأتت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسلمةً، وبايعها مَعَ النساء. وكان فِي بيعة النساء «أن لا يزنين» ، فقالت: «وهل تزني الْحُرَّةُ؟ [3] » . وأهدت إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جديَين، واعتذرت من قلة ولادة غنمها. فدعا لها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكثرت غنمهم. فكانت تَقُولُ: هَذَا ببركة/ 174/ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالحمد لله الَّذِي هدانا للإسلام وأكرَمنا برسوله. وقالت حين هدمت الأصنام التي كانت فِي بيتها: لقد كُنَّا منكم فِي غرور.
751- وأمَّا سارة، صاحبة كتاب حاطب بْن أَبِي بلتعة، فكانت مغنّية نوّاحة.
وكانت قدمت من مكَّة، فوصلها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ شكت
__________
[1] خ: حرث. (والتصحيح عن الاستيعاب، ومصعب وغيرهما) .
[2] خ: الحويرث. (والتصحيح كما مر) .
[3] راجع تفاصيل أخرى في السهيلي 2/ 257.(1/360)
إِلَيْه الحاجة. وقالت: إني قَدْ تركتُ النوحَ والغناء. ثُمَّ رجعت إلى مكَّة مرتدَّة، وجعلت تتغنى بهجاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقتلها عليّ بْن أَبِي طَالِب.
وَيُقَالُ غيره.
752- وأما قينتا ابْن خطل، فإن إحداهما وهي أرنب- وَيُقَالُ قُريبة- فقتلت [1] . وبقيت الأخرى، فجاءت مسلمة، وَقَدْ تنكرت. واسمها فُرتنا. ولم تزل باقية إلى خلافة عثمان. فانكسرت لها ضلع، وماتت. وقَالَ الواقدي: كُسرت ضلع من أضلاع فرتنا، قينة ابن خطل، فقضى عثمان فيه بثمانية آلاف: ستة آلاف ديتها وألفان لتغليظ الجناية.
753- وكان عَبْد اللَّه بْن أَبِي أمية من أشد النَّاس عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان أَبُو سُفْيَان بْن الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ شديدًا عَلَيْهِ، وكان يكذّبه ويهجوه. وفيه يَقُولُ حسان [2] : (شعر)
أتهجوه ولست له بندّ ... فشرّ كما لخير كما الفداءُ
فأتيا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنيق العُقاب، فلم يأذن لهما. فأمَّا عَبْد اللَّه بْن أَبِي أمية، فتكلمت فِيهِ أخته أم سَلَمة، حتَّى أذن لَهُ فسلم عَلَيْهِ وبايعه ولم يغمص عَلَيْهِ فِي إسلامه حتَّى استشهد يَوْم الطائف. وأمَّا أَبُو سُفْيَان، فتكلم فِيهِ الْعَبَّاس حتَّى أذن لَهُ وبايعه. ولم يزل مستغفرًا مما كَانَ فِيهِ، مجتهدًا فِي مناصحة الإسلام حتَّى مات فِي خلافة عُمَر. وصلى عَلَيْهِ عُمَر. وَيُقَالُ إنّ أبا سُفْيَان أتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بالأبواء، فأسلم. وَيُقَالُ إنّ أبا سُفْيَان كَانَ أخًا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الرضاع: أرضعته حليمة أيامًا.
754- قَالُوا: وجعل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطعن الأصنام بمحجن معه وَيَقُولُ: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [3] . ودفع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفتاحَ الكعبة إلى عثمان بْن طلحة، وكان قَدْ أسلم قبل الفتح، هُوَ وخالد بْن الوليد وعمرو بْن العاص فِي وقت واحد. وخرج عن
__________
[1] خ فقبلت.
[2] ديوان حسان، ق 1، ب 25، ابن هشام، ص 830، السهيلي 2/ 281، مع بعض الاختلاف.
[3] القرآن، الإسراء (17/ 81) .(1/361)
المدينة إلى مكَّة. وفيه نزلت: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها [1] » .
755- وبعث سهيل بْن عَمْرو ابنه، عبدَ اللَّه بْن سهيل، إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فآمنه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ سهيل: «بأبي وأمي، هُوَ فلم يزل بَرًّا حليمًا صغيرًا وكبيرًا» . وخرج مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على شركه، فأسلم بالجعرانة.
[العفو عن الفارين بعد فتح مكة]
756- وهرب هبيرةُ بْن (أَبِي) وهب المخزومي، وهو يومئذ زوج أم هانئ بِنْت أَبِي طَالِب، وابنُ الزبعرى- وقَالَ أَبُو عبيدة: الزبعرى بالفتح- معه إلى نجران. فأمَّا ابْنُ الزبعرى، فرجع مسلمًا. فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَدْ جاءكم عَبْد اللَّه وإنما أرى فِي وجهه نور الْإِسْلَام. فَقَالَ: السَّلام عليك يا رَسُول اللَّه. وأشهد أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه. واعتذر إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقبل عذرَه وقَالَ: الحمد لله الَّذِي هداك إلى الْإِسْلَام، [فقد محا الْإِسْلَام ما كَانَ قبله.] ومات هُبيرة بنَجران مشركًا.
757- وهرب حويطب بْن عَبْد العزى. فرآه أَبُو ذَرّ فِي حائط، فأخبر رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكانه، فَقَالَ: [أَوْ ليس قَدْ أمنا النَّاس إلا من أمرنا بقتله؟] فأتاه فأخبره، أو أخبره غيره بذلك، فأمن. وكان حويطب بْن عَبْد العزى دخل عَلَى مروان بْن الحكم بعدُ، وهو والي المدينة، فَقَالَ لَهُ مروان:
تأخّر إسلامك يا شيخ. فَقَالَ: قَدْ والله هممتُ بِهِ غير مرة، فكان أبوك/ 175/ يصدني عَنْهُ.
758- وهرب صَفوان بْن أمية، وكان يكنى أبا وهب. فتكلم فِيهِ عمير بْن وهب الجمحي، وقَالَ: سيد قومي هارب خوفا. فآمنه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فلحقه فأعلمه أمانه. فلم يثق بِهِ حتَّى بعث إِلَيْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببردة كَانَ معتجرًا بِهَا، فاطمأن ورجع مَعَ عمير وأقام كافرا وأعار رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائة درع بأداتها، وشهد حنين والطائف مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأى غنما كثيرة من الغنيمة، فنظر إِلَيْهَا. فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أعجبتك؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فهي لَكَ. فَقَالَ: وَاللَّه مَا طابت بِهَا إِلا نفس نبي. وأسلم. وأقام بِمَكَّةَ، فقيل لَهُ: لا إسلام لمن لم يهاجر.
__________
[1] القرآن، النساء (4/ 58) .(1/362)
وأتى الْمَدِينَة. فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: عزمت عليك يا با وهب لما رجعت إلى أبا طح مَكَّة. فرجع ومات أيام خروج النَّاس إِلَى البصرة ليوم الجمل.
759- واستسلف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عَبْد اللَّه بْن أَبِي ربيعة أربعين ألف درهم، ومن صَفوان خمسين ألف درهم، ومن حويطب بْن عَبْد العزى أربعين ألف درهم. فردّها حين فتح اللَّه عَلَيْهِ هوازنَ، وغنَمه أموالهم. وإنما استقرضها ليقوّي بها أصحابه.
760- وكان عَلَيْهِ السَّلام أمر بقتل وحشي، قاتل حمزة، فهرب إلى الطائف، ثُمَّ قدم فِي وفدها فَدَخَلَ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه. فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
[أوحشي؟ قَالَ: نعم قَالَ: أخبرنى كيف قتلت حمزة؟ فأخبره. فقال:
غيّب عني وجهك.] قَالَ الواقدي: فأول من ضُرب فِي الخمر وحشي، وأول من لبس المعصفَر المصقول بالشام وحشي، لا اختلاف بينهم فِي ذَلِكَ.
761- قَالُوا: وأسلم الحارث بْن هشام وأقام بمكة، وكان مغموصًا [1] عَلَيْهِ فِي إسلامه. فلما جاءت وفاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وبيعة أبى بكر، كان بمكة.
ثُمَّ لما استنفر أَبُو بَكْر النَّاس لغزو الروم بالشام، شخص هُوَ وسهيل بْن عَمْرو، وعكرمة بْن أَبِي جهل، فاستأذنوه فِي الغزو. فأذن لهم. فخرجوا إلى الشام.
فاستشهد عكرمة يوم أجنادين. ومات سهيل، والحارث فِي طاعون عمواس.
762- قَالُوا: وبلغ رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أن أنس بن زُنيم، وهو أَبُو إياس- وكان ابنه مسمى باسمه- هجاه. فقدم عَلَيْهِ يعتذر فِي شعر يَقُولُ فِيهِ [2] :
فما حملتْ من ناقة فوق رحلها ... أعفَّ وأوفى ذمةً من مُحَمَّد
أحثّ عَلَى خير وأسرع نائلًا ... إِذَا راح يهتزّ اهتزاز المهنّد
ونبئ رَسُولُ اللَّه أني هجوته ... فلا رفعت سوطي إليّ إذًا يدي
سوى أنني قَدْ قلتُ يا ويح فتية ... أصيبوا بنحسٍ يَوْم طلق وأسعد
__________
[1] خ: مغموما.
[2] ابن هشام، ص 830 مع اختلافات وزيادات، الاستيعاب، الكنى رقم 8 أبو نواس الكنانى.(1/363)
فبلغ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتذاره وشعره، وكُلّم فِيهِ، فعفا عَنْهُ.
وكان قد (أ) نذره.
[إبطال بعض مآثر الجاهلية]
[وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الفتح [1] : «ألا إنّ كل دين ومال ودم وَمَأْثَرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَةِ فَهِيَ تَحْتَ قَدَمِي، إِلا سِدَانَةَ الْبَيْتِ وَسِقَايَةِ الْحَاجِّ.
وأول الدماء دم آدم بْن ربيعة] » . وكان حذيفة بْن أنس الهذلي الشَّاعِر خرج بقومه يريد بنى عدى بن الدئل، فوجدهم قَدْ ظعنوا عَنِ المنزل الَّذِي عهدهم فِيهِ، ونزله بنو سعد بْن ليث. فأغار عليّ بني سعد، وآدم بْن ربيعة مسترضَع لَهُ فيهم وصغيرًا، فقتل [2] . فوضع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دمه يوم الفتح. فقال حذيفة بن أنس:
أصبنا الأولى لما نُرِدْ أن نُصيبهم ... فساءت كثيرًا من هذيل وسرّت
أسائل عن سعد بْن ليث لعلهم ... سواهم قَدْ أصابت بهم فاستحرّت
فلا تواعدونا بالجياد فإنها ... لنا أكلة قَدْ عضلّت فأمرّت
/ 176/ وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المدينة ابْنُ أم مكتوم.
وَيُقَالُ كَانَ خليفته أبا رهم الغفاري. وفشا الْإِسْلَام بمكة، وكسر النَّاس أصنامهم. ووجه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كسر الأصنام التي حول مكَّة. وأقام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، حتَّى خرج منها إلى حنين.
واستخلف عليها عَتّاب بْن أُسَيْدِ بْن أَبِي الْعِيصِ بْن أمية. وأسلم عَبْد اللَّه بْن أبي أمية فِي الفتح.
764- ثُمَّ غزاة حُنين.
قَالُوا: قدم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكَّة لثماني عشرة خلت من شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة، فأقام بها اثنتي عشرة ليلة. ثُمَّ أصبح غداة الفطر غازيًا إلى حنين. وهو واد من أودية تهامة. وكانت أشراف هوازن ابن مَنْصُور وغيرهم من قيس قَدْ تجمعوا مشفقين من أن يغزوهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقالوا: قَدْ فرغ لنا، فلا ناهية له دوننا والرأى أن نغزوه.
__________
[1] راجع للنص الكامل مع مصادره: الوثائق السياسية رقم 287 ب (وقاله في خطبة حجة الوداع. وكأن المراد بالدين ههنا الربا على الدين، ليس أصل الدين، كما ورد في القرآن وكما هو أيضا في نص الخطبة عند مصادر أخرى) .
[2] راجع لتفاصيل أخرى السهيلي 2/ 352، مصعبا الزبيري، ص 87.(1/364)
فساروا، وعليهم مَالِكُ بْن عَوْفِ بْن سَعْدٍ، أَحَدُ بَنِي دهمان بن نصر بن معاوية ابن بَكْر، حتَّى نزلوا بأوطاس. وانتهى خبرهم إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستعمل عَلَى مكَّة عتّاب بْن أسيد، وجعل مُعَاذِ بْن جبل عَلَى تعليم النَّاس السنن، وأقرّ ابْنُ أم مكتوم وأبا رُهم عَلَى المدينة، وخرج في اثنى عشر ألفا من المسلمين. فَقَالَ أَبُو بَكْر، وَيُقَالُ غيره: لن نؤتى اليوم من قلة. فذلك قولُه تبارك وتعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً) [1] .
ونزل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حنين، وبينه وبين مكَّة ثلاث. وذلك فِي شوال. فالتقى المسلمون والمشركون على حنين، فاقتتلوا أشد قتال. فانكشف المسلمون إلا مائة ثبتوا وصبروا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. منهم العباس ابن عبد المطلب، وأبو سفيان بن الحارث بن عَبْد المطلب، وعلي بْن أَبِي طَالِب، وعمر، وأيمن بْن عُبَيْد. ثُمَّ ثابَتِ الأنصارُ. وثاب النَّاس، فهزم اللَّه المشركين، واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون. وَيُقَالُ إن من ثبت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ الْعَبَّاس، وعلي، وأبو سُفْيَان بْن الْحَارِث، وعقيل بْن أَبِي طَالِب، والزبير، وعبد اللَّه بْن الزُّبَيْر، وأسامة. وجعل أَبُو سُفْيَان يقاتل ويقول:
بنو أَبِيهِ اليوم منْ أمامِهِ ... وَمِنْ حواليه ومِن أهضامه
فقاتلَ المسلمُ عن إسلامه ... وقاتل الْحَرَمِيُّ عن إحرامه
[2] وأتى فلُّ هوازن أوطاسَ، وَقَدْ سُبي منهم سبي كَثِير بعث بِهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الجعرانة. وولى أمر السبى بُديل بْن وَرقاء الخزاعي.
وبعث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا عامر الْأَشْعَرِيَّ إلى أوطاس متبعًا للكفرة، فقُتل. قتله سلمةُ بْن سمادير [3] الجشمي، فِي قول ابْنُ الكلبي. فقام بأمر النَّاس أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ. وأقبل المسلمون إلى أوطاس، فهربوا منهم إلى الطائف.
__________
[1] القرآن، التوبة (9/ 25) .
[2] خ: «المجرم عن إجرامه» ، ثم بالهامش «الحرمي» . (ولم يرد إلا المحرم والإحرام بالحاء المهملة) .
[3] خ: سماد بن (والتصحيح عن ابن هشام، ص 853. سمادير أمه، وأبوه دريد راجع أيضا الطبرى، ص 1667) .(1/365)
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُعَيْمٍ الأَزْدِيِّ، عَنِ الضَّحَّاكِ بن عبد الرحمن الأشقري قَالَ:
لَمَّا هَزَمَ اللَّهُ هَوَازِنَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، عَقَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي عَامِرٍ عَلَى خَيْلِ الطَّلَبِ، فَطَلَبَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ فَإِذَا ابْنُ دُرَيْدِ بْنُ الصِّمَّةِ. فَعَدَلَ أَبُو عَامِرٍ إِلَيْهِ، فَقَتَلَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ وَأَخَذَ اللِّوَاءَ مِنْهُ. وَشَدَدْتُ عَلَى ابْنِ دُرَيْدٍ، فَقَتَلْتُهُ وَأَخَذْتُ اللِّوَاءَ مِنْهُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ بِالنَّاسِ. فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
أَقُتِلَ [1] أَبُو عَامِرٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ يَدْعُو لأَبِي عَامِرٍ. وكان شَيْبَة بْن عثمان العبدري شديدًا عَلَى المسلمين، وكان ممن أَوْمن، فسار إلى هوازن طمعًا فِي أن يصيب من النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غرَّة. قَالَ:
فدنوتُ مِنْهُ، فإذا أهله محيطونَ بِهِ، ورآني فَقَالَ: يا شيبُ، إليّ. فدنوتُ مِنْهُ. فمسح صدري، ودعا لي. فأذهب اللَّه كل غلّ كَانَ فِيهِ، وملأهُ إيمانًا، وصار أحبّ النَّاس إليَّ.
765- ثُمَّ غزاة الطائف.
أتاها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنصب/ 177/ عليها منجنيقًا اتّخذها سلمانُ الفارسيُّ. وكان مَعَ المسلمين دَبّابة. يُقال إنّ خَالِد بْن سَعِيد بْن العاص قدم بها من جُرَش. فحاصر أهلَ الطائف خمسة عشر يومًا. وألقوا عَلَى الدبّابة سككًا من حديد محماةً، فأحرقتها وأصابت من تحتها من المسلمين. ثُمَّ انصرف عن الطائف إلى الجعرانة، فقسّم الغنائم والسبي. [وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُدّوا الخيطَ والمخيط، وإياكم وَالْغُلُولَ فإنه عار ونار وشنار يَوْم القيامة. ثُمَّ أخذ بيده وبرة، فَقَالَ: ما يحلّ لي مما أفاء اللَّه عليكم مثل هَذِهِ الوبرة إلا الخمس، والخمس مردود فيكم.] وبعث أهلُ الطائف وفدهم إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شهر رمضان سنة تسع، وفيهم عثمان ابن أبي العاص الثقفي، يسألونه أن يكتب لهم كتابًا عَلَى ما فِي أيديهم مما يسلمون عَلَيْهِ من مال وركاز وغير ذَلِكَ. ففعل، وأسلموا. وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة ابْنُ أم مكتوم، أَوْ أبا رهم. ونزل مالك بْن عوف من حصن الطائف، فأتى رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومدحه بشعر وأسلم. فوهب 1/ 467
__________
[1] خ: أقبل.(1/366)
له رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل بيته، واستعمله عَلَى من أسلم من قومه ومَن حول الطائف.
وحدَّثني مصعب بْن عَبْد اللَّه الزبيري قَالَ سَمِعْتُ مالكًا يحدث أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسَك من خشب يُطيف بعسكره حين حاصر أهل الطائف [1] . ومنّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أقارب ظئره حليمة يَوْم حنين. وَنَزَلَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حين حاصر أهل الطائف، رقيق من رقيقهم. منهم أَبُو بكرة بْن مَسْرُوحٍ مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واسمه نُفيع وهو أخو زياد بْن أَبِي سُفْيَان لأمه، والأزرق، وكان روميا غلاما للحارث بن كلدة الثقفي، وولده بالمدينة قد شرفوا. وقد كان الأزرق هَذَا تزوّج سمية أم عمار بْن ياسر، ثُمَّ تزوجها ياسر فولدت لَهُ عمارًا. وَيُقَالُ بل خلف الأزرق عَلَى سُمَيَّةَ وَقَدْ فارقها ياسر، فولدت لَهُ سَلَمة (بْن) الأزرق، وهو أخو عمار لأمه. وبعض الرواة يظن أنه أَبُو الأزارقة، والأزرق الذى نسبت إِلَيْه الأزارقة أبو نافع بن الأزرق وهو حَنفي، وهو غير هَذَا. قَالُوا: وكانت ثقيف تَقُولُ، حين حاصرها النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:
نحن قسيّ وقيسا أبونا ... والله لا نُسلم ما حيينا
وَقَدْ بنينا حائطا حصينا
وحدثنى مُحَمَّدٌ [2] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ مَكْحُولٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى حِصْنِ الطَّائِفِ، وَلَمْ يَخْلُ الْحِصْنُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الذُّرِّيَّةُ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عن مسلم بن يسار أن سلمان أَشَارَ بِنَصْبِ الْمَنْجَنِيقِ عَلَى الطَّائِفِ. فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ يُعْلِمُوا، ثُمَّ نَصَبَهُ. قَالُوا: وكان أَبُو أحيحة سَعِيد بْن العاص بن
__________
[1] راجع أيضا ابن سعد، 2 (1) / 114.
[2] أيضا.(1/367)
أمية مات فِي ماله بالطائف سنة اثنتين من الهجرة كافرًا. وَيُقَالُ فِي أول سنة من الهجرة. فلما غزا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم الطائف، رأى قبر أبي أحيحة مشرفا فقال أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ: لعن اللَّه صاحب هَذَا القبر فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّن يحاد اللَّه ورسوله. فَقَالَ ابناه، عَمْرو وأبان، وهما مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَل لعن اللَّه أبا قحافة فإنه لا يَقري الضيف ولا يمنع الضيم. [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سب الأموات يؤذي الأحياء، فإذا سببتم فعمّوا] [1] . قَالُوا: وحجّ بالناس فِي سنة ثمان عتّاب بْن أسيد. وَيُقَالُ بل حجوا بلا أمير أوزاعًا.
766- ثُمَّ غزاة تبوك.
وكانت فِي رجب سنة تسع. وسببها أن هرقل ومن اجتمع إِلَيْه من لخم، وجذام، وعاملة وغيرهم أظهروا أنهم يريدون غزو رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا سار إليهم، هابوا محاربته. فلم يلق كيدًا. وأتته رسلُ هرقل، فكساهم وردّهم. وكان جَيْشُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الغزاة يدعى جيش العُسرة، لان النَّاس كانوا مضيّقين. فجهز عثمان/ 178/ ابن عفان رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ ثلثهم. ويقال أكثر من ذلك. وأنفق عليهم رضي الله تعالى عنه سبعين ألف درهم. وَيُقَالُ أكثر من ذَلِكَ. وأعطاهم أَبُو بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ جميع ما بقي من ماله، وهو أربعة آلاف درهم. وكان المسلمون ثلاثين ألفًا. وكانت الإبل اثني عشر ألف بعير، والخيل عشرة آلاف. وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة ابْنُ أم مكتوم.
ويقال محمد بن سلمة الْأَنْصَارِيّ. وَيُقَالُ كَانَ خليفته أبا رُهم. وَيُقَالُ سباع ابن عُرْفُطة. وأثبت ذَلِكَ مُحَمَّد بْن مسلمة الأوسي.
767- حجة الوداع.
ثُمَّ كانت حَجَّةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سنة عشر. وهي التي تسمى حجة الوداع. وإنما سميت بذلك بعد وفاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس أنكر قولهم «حجة الوداع» ، فقالوا:
حجة الْإِسْلَام. فَقَالَ: نعم، لم يحجّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة غيرها. وقَالَ إِبْرَاهِيم بْن سعد: هِيَ تسمى أيضًا حجة البلاغ. وكان خليفته فِي هَذِهِ الحجة ابْنُ أم مكتوم.
__________
[1] وبهامش الأصل: «أسلم أبو قحافة رضى الله عنه يوم الفتح. وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليرضى بلعنه رحمه الله. بل لعن الله أهل الأهواء الفاسدة.» .(1/368)
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من بَيْتِهِ مُتَدَهِّنِا مُتَرَجِّلا، حَتَّى أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
أَحْرَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبَيْنِ من نسج صحار: إزار وَرِدَاءً..
وَخَرَجَ بِنِسَائِهِ جَمِيعًا، فَدَخَلَ مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَشْعَرَ بُدْنَهُ فِي الجانب الأيمن. ثم ركب ناقته الْقَصْوَاءَ، فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْدَاءِ، أَهَلَّ بِالْحَجِّ. وُولد مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُمَا بذي الحليفة.
حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ [1] قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أفرد [2] الحجّ.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ:
أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَسَاقَ الْهَدْيَ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ أَهَلَّ بِالْحَجِّ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ [سمع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا] [3] .
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَحَدَّثَنِي سَالِمٌ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَتَّعَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ قَالَ:
تَمَتَّعَ [4] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَقَدِ اعتمر
__________
[1] موطأ مالك، كتاب 20، حديث 37.
[2] الإفراد حج لا عمرة فيه. والعمرة زيارة الكعبة في غير أيام الحج.
[3] هو القرآن، ينوى فيه بالحج والعمرة بإحرام واحد، أى يعتمر ولا يستحل ثم يحج.
[4] في التمتع يعتمر الرجل ثم يستحل. وبعد ذلك ينوى بالحج بإحرام جديد زمن الحج.(1/369)
رسول الله صلى الله عليه وسلم من الْجُعْرَانَةِ عُمْرَةً مَشْهُورَةً. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَتْ زَامِلَةُ [1] رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْرٍ فِي حَجَّتِهِ وَاحِدَةً. وَاحْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رأسه بلحى جَمَلٍ، وَهُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ. وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةُ نَهَارًا عَلَى رَاحِلَتِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْبَيْتِ. فَلَمَّا رَأَى الْبَيْتَ، رَفَعَ يَدَيْهِ فَوْقَ زِمَامِ نَاقَتِهِ، فَأَخَذَهُ بِشِمَالِهِ. فَبَدَأَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ قَبْلَ الصَّلاةِ، وَلَمْ يَسْتَلِمْ مِنَ الأَرْكَانِ إِلا الْيَمَانِيَّ وَالأَسْوَدَ. وَرَمَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الحجر إلى الحجر في الأشواط الثلاثة.
وحدثنى مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو الْفَضْلِ التَّمِيمِيُّ، ثنا شُعْبَةُ، ثنا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ:
حَجَّ مُعَاوِيَةُ، فَوَافَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَاسْتَلَمَ ابْنُ عَبَّاسٍ الأَرْكَانَ كُلَّهَا.
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّمَا اسْتَلَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ من أركانه مَهْجُورٍ. وخطب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل يَوْم التروية بيوم بعد الظهر، ويوم عَرَفَةَ حين زالت الشمس وهو عَلَى راحلته قبل الصلاة، وو الغد من يَوْم النحر بعد الظهر بمنى. وساق فِي حجته مائة بدنة، نحر منها سِتين بيده بالحربة. ثُمَّ أعطى عليًا رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ سائرها، فنحرها. ولم يصم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم عرفة. وصلى الظهر والعصر بعرفة بأذان وإقامتين. ثُمَّ وقف بعرفة. ودفع [2] حين غابت الشمس.
فقصر فِي سيره. ثُمَّ صلى المغرب والعشاء بأذان وإقامتين. قَالَ: وقَالَ الزُّهْرِيّ:
صلّاهما بإقامة/ 179/ وبات بالمزدلفة. وأذن لنسائه فِي التقدم من جَمْعٍ، بليل. ووقف عَلَى ناقته القصواء حتَّى أسفر. ثُمَّ دفع، ورمى جمرة العَقَبة يَوْم النحر عَلَى راحلته. ونحر بالمنحر. وقَالَ: كل منى منحر. وحمل حصاةً من جَمْعٍ. ثُمَّ كَانَ يرمى الجمار ماشيًا. ورمى يَوْم الصدر راكبًا. وَيُقَالُ ماشيًا.
وكان يرفع يديه عند الجمار، ويقف. ولا يفعل ذَلِكَ عند جمرة العقبة. وزار البيتَ يَوْم النحر. ونفر يَوْم الصدر، فنزل بالأبطح فِي قبة ضُربت لَهُ. فلما
__________
[1] دابة تحمل الزاد والحوائج.
[2] أى خرج.(1/370)
كَانَ فِي آخر الليل، خرج فودّع البيتَ. ثُمَّ مضى من وجهه إلى المدينة.
حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، ثنا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ رَاشِدِ بْن سَعْد، عن عبد الله ابن فُلانِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَقْرَطِ [أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَفْضَلُ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقُرِّ وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّانِي.] قَالَ: وَقُرِّبَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسُ بَدَنَاتٍ أَوْ سِتٌّ، فَطَفِقْنَ يَزْدَلِفْنَ بِأَيَّتِهِنَّ يَبْدَأُ.
سرايا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
768- سرية حمزة بْن عَبْد المطلب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ.
بَعَثَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعترض عيرًا لقريش فِي ثلاثين راكبًا، وعقد لَهُ لواء. وهو أول لواء عقده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فانتهى إلى الساحل، ولم يلق كيدا. وذلك فِي شهر رمضان عَلَى رأس سبعة أشهر من الهجرة.
769- سرية أميرها عبيدة بْن الحارث بْن المطلب بْن عَبْد مناف إلى بطن رابغ.
وكان فِي ستّين راكبًا. فلقي أبا سُفْيَان بْن حرب، وهو فِي مائتي راكب. فتراموا وتناوشوا قليلًا ثُمَّ افترقوا. وذلك عَلَى رأس ثمانية أشهر من الهجرة. وَيُقَالُ لهذه السرية أيضًا ثنية المرَّة، مشدّد. «ورابغ» واد عَلَى عشرة أميال من الجُحْفة.
وَيُقَالُ إنّ سرية عبيدة هَذِهِ قبل سرية حمزة.
770- سرية أميرها سعد بْن أَبِي وقاص الزُّهْرِيّ إلى الخرّار.
بَعَثَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاعتراض عير قريش، ففاتته. ولم يلق كيدا. وذلك فِي ذي القعدة عَلَى رأس تسعة أشهر من الهجرة. وبعد هَذِهِ السرية كانت غزاة الأبواء، ثُمَّ غزاة بواط، ثُمَّ غزاة سُفوان، ثُمَّ غزاة ذي العُشيرة.
771- وسرية أميرها عَبْد اللَّه بِنْ جحش الأسدي إلى نخلة فِي رجب سنة اثنتين.
قَالَ عَبْد اللَّه: دَعَانِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليّ سلاحي، ودعا أَبِيّ بْن كعب، فأمره. فكتب كتابا. ثُمَّ أعطاني إياه. وكان فِي أديم [1] خولاني.
وقَالَ: قَدِ استعملتك عَلَى هَؤُلَاءِ القوم. فأقرأ كتابي بعد ليلتين. واسلك
__________
[1] خ: أديم ثم.(1/371)
النجديةَ. فكان فِيهِ: «سر عَلَى اسم اللَّه وبركته حتَّى تأتي بطن نخلة، فارصد بها عير قريش [1] » . قَالُوا: فسار حتَّى صار إلى نخلة فوجد بها عيرًا لقريش، فيها عَمْرو بْن الحضرمي، وحكم بْن كيسان مَوْلَى بني مخزوم، وعثمان بن عبد الله ابن أَبِي أمية بْن المغيرة المخزومي، ونوفل بْن عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة.
فحلق ابْنُ كيسان رأسه حين رَأَى المسلمين. فلما أراد واقد بْن عَبْد اللَّه التميمي، وعكاشة بْن محصن أن يغيرا عَلَى العير، رأيا الحكم محلوق الرأس.
فانصرفا وقالا: هَؤُلَاءِ قوم عمار. ثُمَّ تبينوا أمرهم، فقاتلوهم. فرمى واقد عمرو ابن الحضرمي، فقتله. واستأسر عثمان بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي أمية بْن المغيرة، وحكم بْن كيسان. وأعجزهم نوفل بْن عَبْد اللَّه. واستاقوا العير. ويقال إن المقداد ابن عَمْرو أخذ حكم بْن كيسان أسيرًا. فلما قدم بابن كيسان عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دعاه إلى الْإِسْلَام. فأسلم وجاهد حتَّى قتل ببئر معونة شهيدًا، ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راض عَنْهُ. وكان في الجاهلية المرباع.
فخمس رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك الغنائم، ولم يرّبعها. وكانت أول غنيمة خمست فِي الْإِسْلَام. ثُمَّ أنزل اللَّه عزَّ وجلَّ آية الغنيمة فِي الأنفال [2] .
وَيُقَالُ إن هَذِهِ الغنيمة أخرّت حتَّى قسمت مَعَ غنائم أهل بدر. وجعلت قريش تَقُولُ: استحلّ محمدٌ القتال فِي الشهر الحرام، يعنون رجبا. وقَالَ بعض/ 180/ المسلمين: يا رَسُول اللَّه، أنقاتل، فِي الشهر الحرام؟ فانزل اللَّه عزّ وجل:
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ. وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ. وَالْفِتْنَةُ أكبر [3] من القتل) [4] . يَقُولُ: القتال فِي الشهر الحرام كبير، وأكبر من القتال فِي الشهر الحرام، الصدّ عن سبيل اللَّه والكفر بِهِ وإخراج أهل المسجد الحرام منه، وفتنة المشركين المسلمين فِي الشهر الحرام أشدّ [5] من القتل. وبعد هذه السرية
__________
[1] راجع أيضا للنص ومصادره: الوثائق السياسية، رقم 3.
[2] القرآن، الأنفال (8/ 41) .
[3] خ: أشد (وقدسها المؤلف وخلط بين آيتين 191، 217 من سورة البقرة) .
[4] القرآن، البقرة (2/ 217) .
[5] يواظب المؤلف في سهوه، فلم يذكر كلمة «أشد» في هذه الآية.(1/372)
كانت غزاة بدر القتال. وفدي عثمان بْن عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فأتى مكَّة، ثُمَّ قتل يَوْم أحد كافرًا.
772- وسرية عمير بْن عدي بْن خرَشة، أحد بني خطمة، من الأوس، إلى عصماء بِنْت مروان اليهودي.
وكانت تؤذي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتعيب الْإِسْلَام، وقالت شعرًا، هو [1] :
فباسْتِ بني مالك والنبيت ... وعوفٍ وباسْتِ بني الخزرج
أطعتم أتاويّ من غيركم ... فلا مِن مراد ولا من مذحج
ترجونه بعد قتل الرءوس ... كما يرتجى مرق المنضج
وكانت تحت رَجُل من بني خَطْمة. وقَالَ عمير بْن عدي حين بلغه قولها:
لله عليّ أن أقتلها إِذَا قدمتُ المدينة. وكان والمسلمين فِي مغزاهم ببدر. فلما قدم المدينة، سَأَلَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يأذن لَهُ فِي قتلها. ففعل.
فأتاها ليلًا، فقتلها لخمس ليال بقين من شهر رمضان. وجاء إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: أقتلت عصماء؟ قال: نعم. [فقال رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا ينتطح فيها عنزان.] وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول من قالها.
وقَالَ ابْنُ الكلبي: هُوَ عمير بْن خَرَشة بْن أمية بْن عامر بْن خَطْمة- واسم خطمة عَبْد اللَّه- بْن جُشم بْن مالك بْن الأوس. وعدي أخو عمير.
773- وسرية سالم بْن عمير الْأَنْصَارِيّ فِي شوال سنة اثنتين إلى أَبِي عَفَك [2] ، وهو الثبت.
وبعضهم يَقُولُ: عفك [3] . وكان شيخا كبيرا يحرّض النَّاس عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ من بني عَمْرو بْن عوف. ولم يدخل فِي الْإِسْلَام. فأقبل إِلَيْه سالم منصرفه من بدر، وهو نائم بفناء منزله فِي بنى عمرو ابن عوف، فقتله. وصاح حين وجد حزّ [4] السيف صيحة منكرة، فاجتمع إِلَيْه قوم ممن كَانَ عَلَى مذهبه، فقبروه [5] . وتغيب سالم، فلم يعلموا من قتل
__________
[1] ابن هشام، ص 995، وزاد بيتا وجواب حسان لها.
[2] خ: عفل. (والتصحيح عن ابن هشام، ص 994) .
[3] خ: عفل. (والتصحيح عن ابن هشام، ص 994) .
[4] خ: حر (بالراء المهملة) .
[5] خ: فقيروه.(1/373)
عفك [1] . وقَالَ قوم: أتاه عليّ بْن أَبِي طَالِب، وهو نائم عَلَى فراشه، فقتله.
وكانت غزاة بني قَيْنُقاع بعد هَذِهِ السرية، ثُمَّ غزاة السويق، ثُمَّ غزاة قَرقَرة الكُدّر.
774- وسرية إلى كعب بْن الأشرف اليهودي، وكان طائيًا.
بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّد بْن مسلمة، ومعه خمسة من الأنصار أَوْ أربعة وهو خامسهم، فأتوه وهو فِي أُطمة. فنادوه، فنزل إليهم، فقتلوه. وكان فيهم عباد ابن بشر بْن وقش الأوسي، وكان أخاه من الرضاع، فَقَالَ:
صرختُ بِهِ فلم ينزل لصوتي ... وأوفى طالعًا من فوق قصر
فعدتُ فقالَ من هَذَا المنادي ... فقلتُ أخوك عبّاد بْن بِشر
وكانت هَذِهِ السرية فِي شهر ربيع الأول سنة ثلاث. وكان ابْنُ الأشرف أتى مكَّة، ورثى أهل بدر وأقام بمكة. وكان حسان بْن ثابت يهجو كل من آواه وأنزله، بأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فإذا بلغهم هجاؤه، أخرجوه.
فلما لم يجد لَهُ مؤويًا، أتى المدينة. [فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهم اكفني كعبًا بما شئت] » ، لإعلانه الشر وقولُه الشعر. فانتدب لَهُ مُحَمَّد بْن مسلمة.
وبعد هَذِهِ السرية غزاة ذي أمّر، ثُمَّ غزاة بني سُليم ببَحران.
775- وسرية القردة، وهي فيما بين الرَّبَذة والغُمر،
ناحية/ 181/ ذات عرق.
وكانت قريش عدلت بعيرها عن الطريق إلى ماء هناك خوفًا من المسلمين.
فَوَجَّهَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد بن حارثة مولاه فِي عدَّة من المسلمين، وزيد أميرهم. فظفر بالعير، وأفلت أعيانُ القوم: صفوان بْن أمية وغيره.
فبلغ الخُمس عشرين ألف درهم. وكان فرات بْن حيان العجلي دليل قريش، فأسره زَيْد وأتى به النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأسلم. وكانت هَذِهِ السرية فِي جمادي الآخرة سنة ثلاث. وبعدها كانت غزاة أحد.
776- وسرية أَبِي سَلَمة بْن عَبْد الأسد، إلى بني أسد، فِي المحرم سنة أربع.
وكانوا جمعوا جمعًا عظيمًا، وعليهم طليحة بْن خويلد، وأخوه سَلَمة بْن خويلد، يريدون غزو المدينة. فبلغ قَطنًا، وهو جبل، فلم يلق كيدًا. وذلك أن الأعراب
__________
[1] خ: عفل.(1/374)
تفرّقوا. وأصاب نعمًا استاقها. وَيُقَالُ إنه لقيهم، فقاتلهم، فظفر وغنم.
777- وسرية أميرها المنذر بْن عَمْرو بْن خُنيس بْن لوذان الساعدي.
بعث بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي بَراء عامر بْن مالك الكلابي ملاعب الأسنَّة، فِي صفر سنة أربع. وذلك إنه وفد عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله أن يوجّه معه قومًا يعرّفون مَن وراءه فضلَ الْإِسْلَام، ويدعونهم إِلَيْه، ويصفون لهم شرائعه. وعرض رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ الْإِسْلَام. فَقَالَ: أرجع إلى قومي، فأناظرهم. فلما سار إلى بئر معونة، استنهض عامرُ بْن الطفيل بْن مالك، من بني كلاب، لقتال أصحاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكانوا أربعين رجلًا، وَيُقَالُ سبعين. فلم ينهضوا معه كراهة أن يخفروا ذمة أَبِي براء. فأتى بني سليم، فاستنفرهم. فنفروا معه وقاتلوا أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببئر معونة. فاستشهدوا جميعًا. فغّم ذَلِكَ أبا براء، وقَالَ: أخفرني ابْنُ أخي ذمته من بين قومي. وكان ممن استشهد ببئر معونة: عامر بْن فُهيرة مَوْلَى أَبِي بَكْر الصديق. طعنه جبَّار بْن سلمى بْن مالك بْن جَعْفَر بْن كلاب. فأخذ من رمحه، فُرفع. فزعموا أن جبارًا أسلم. وقال الكلبى: لم ينج منهم إلا عمرو بْن أمية الضِّمري.
778- وسرية أميرها مَرثد بْن (أَبِي) مرثد الغَنوي،
وَيُقَالُ عاصم بْن ثابت بْن أَبِي الأقلح الْأَنْصَارِيّ- واسم أَبِي الأقلح قيس- بْن عصمة، من الأوس، إلى الرجيع. وهو ماء لهذيل. وكان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثهم إِلَيْه فِي صفر سنة أربع يقبض صدقاتهم ويفقههم فِي الدين، لادعائهم الْإِسْلَام عَلَى سبيل المكيدة. فلما صاروا إليهم، غدروا، وكثروهم. فقتل مرثد، وعاصم بْن ثابت بن أبى الأقلح وأرادوا إحراقه فحصت الدَّبَر- وهي النحل- لحمه ومنعته. فلم يقدروا عَلَى أن يمسوه. فلما جنّ عَلَيْهِ الليل، أتى سيل فذهب بِهِ. وباعوا خُبيب [1] بْن عدي بْن مالك بْن عامر بْن مجدعة الأوسي من قريش.
فقتلوه وصلبوه بالتنعيم. وكان أول من صلى ركعتين قبل القتل. وقتل يومئذ خَالِد بْن البكير، أخو عاقل بْن البكير الكنانى. وبعضهم يقول: ابن أبى
__________
[1] خ: حبيب. (والتصحيح عن ابن هشام وغيره) .(1/375)
البكير. والأول قول الكلبي. وأم بني البكير عفراء بِنْت عُبيد بْن ثعلبة. وبعد هَذِهِ السرية غزاة بني النضير، ثُمَّ غزاه بدر الموعد.
779- وسرية عَبْد اللَّه بْن أَبِي عتيك الخزرجي، إلى رافع [1] بْن أَبِي الحقيق اليهودي.
بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْه فِي ذي الحجة سنة أربع. فقتله فِي منزله. وقَالَ قوم: بعثه إِلَيْه فِي سنة خمس. وقَالَ الكلبي: هُوَ عَبْد اللَّه ابن عتيك. وبعد هَذِهِ السرية غزاة ذات الرقاع، ثُمَّ غزاة دُومة الجندل، ثُمَّ غزاه بني المصطلِق، ثُمَّ الخندق، ثُمَّ بني قريظة.
780- وسرية عَبْد اللَّه بْن أنيس، من ولد البرك بْن وَبَرة
- وعداده فِي جُهينة فِي المحرم سنة ست إلى سُفْيَان بْن خَالِد بْن نبيح- ويقال إلى خالد بْن نبيح- الهذلي بعُرَنة، فقتله وهو نائم وَيُقَالُ إن ابْنُ أنيس لم يكن فِي جماعة، وأنه مضى وحده منكّرا، فقتله. فَلَمَّا قَدِمَ/ 182/ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دفع إِلَيْه مِخصرته [2] ، وقَالَ: القني بها يَوْم القيامة.
781- وسرية مُحَمَّد بْن مسلمة بْن خَالِد بْن مجدعة الأوسي، من الأنصار،
فِي المحرم سنة ست أيضًا إلى القُرَطاء، من بني كلاب، بناحية ضرّية [3] . وبينها وبين المدينة سبع ليال. أتاهم، فغنم نعمًا وشاءً، وأخذ ثمامةَ بْن أثال الحنفي.
ثُمَّ رجع إلى المدينة. والقُرَطاء بنو قرط وقريط، (وقريط) [4] بنو عبد الله ابن أبي بَكْر بْن كلاب. وبعده غزاة بني لحيان، من هُذيل. ثُمَّ غزاة ذي قَرَد، وهي غزاة الغابة.
782- وسرية أميرها أَبُو بَكْر الصديق رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ.
وجهه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاتباع بني لحيان، فِي شهر ربيع الأول سنة ستّ.
783- وسرية عكاشة بْن محصّن،
إلى غَمْر مرزوق، على ليلتين من فيد [5] ،
__________
[1] كذا في الأصل. وهو أبو رافع سلام بن أبى الحقيق عند ابن هشام، والطبرى، والمقريزى مع اختلاف في التاريخ. وفي صحيح البخارى، كتاب المغازى (64/ 16) :
«أبو رافع عبد الله بن أبى الحقيق ويقال سلام بن أبى الحقيق» .
[2] خ: بمحضرته.
[3] خ: ضربة (والتصحيح عن إمتاع المقريزى، 1/ 256) .
[4] الزيادة عن جداول وستنفلد، لتصحيح الكلام.
[5] خ: قيد.(1/376)
فِي شهر ربيع الآخر سنة ست. نذر بِهِ الأعراب فهربوا. فبعث طلائعه، فأصاب لهم نعمًا.
784- وسرية مُحَمَّد بْن مسلمة إلى ذي القَصَّة فِي شهر ربيع الآخر سنة ست.
لقيه بنو ثعلبة بْن سعد بها. فاستشهد من معه، وارتثّ. فلما انصرف الأعراب، حمله رَجُل من المسلمين، وهو مثخن، حتَّى أتى المدينة.
785- ثُمَّ سرية أَبِي عبيدة بْن الجراح إلى مصارع أصحاب مُحَمَّد بْن مسلمة.
أتى ذا القصَّة، فلم يلق كيدا، وأصاب نعما وشاء.
786- وسرية أَبِي عبيدة أيضًا إلى ذي القصَّة،
وَقَدِ اجتمعت هناك محارب بْن خَصفة، وثعلبة بْن سعد، وأنمار بْن بغيض فِي موقع سحابة. فأغار عليهم، فأعجزوه هربا. واستاق لهم نعما. وذلك فِي شهر ربيع الآخر سنة ست.
787- وسرية زَيْد بْن حارثة إلى سليم، بالجموم [1] ،
فِي شهر ربيع الآخر سنة ست أيضًا أراهم. فاستاق لهم نعمًا، وأصاب أسري.
788- وسرية زَيْد بْن حارثة أيضًا إلى العِيص،
فِي جمادي الأولى سنة ست لاعتراض عير قريش، وَقَدْ قدمت من الشام، فاستاقها. وكان فِي العير أبو العاص ابن الربيع زوج بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخذه أسيرًا [2] . فاستجار بزينب، فأجارته. ورُدّ عَلَيْهِ ما أخذ مِنْهُ. ثُمَّ أسلم.
789- وسرية زَيْد أيضًا إلى الطَّرَف،
فِي جمادي الآخرة سنة ستّ.
توّجه إلى بني ثعلبة هناك، فهربوا. وأصاب عشرين بعيرًا.
790- وسرية زَيْد بْن حارثة إلى لخم، وجذام، بحِسمَى،
فِي جمادي الآخرة سنة ستّ. وكانوا عرضوا لدِحية بن خليفة الكلبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر. فأصاب منهم نعمًا وشاءً، وقتل وسبى، ثُمَّ انصرف. وَيُقَالُ إنّ هَذِهِ السرية كانت فِي سنة سبع.
791- وسرية زَيْد بْن حارثة إلى وادي القرى،
وَقَدْ تجمع بها قوم من مذحج
__________
[1] خ: «بالحموم بالجموم» .
[2] سيذكر المؤلف هذه القصة مرة أخرى مع اختلاف.(1/377)
وقضاعة. ويُقال بل تجمع بها قوم من أفناء مُضَر. فلم يلق كيدا. وكانت فِي رجب سنة ستٌ.
792- وسرية عَبْد الرَّحْمَن بْن عوف إلى دُومة الجندل،
وكان بها قوم من كلب. فأسلموا. وعمم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الرَّحْمَن بْن عوف بيده، حين بعثه عَلَى السرية، وقَالَ لَهُ: إن أطاعوك، فتزوّج ابْنَةَ ملكهم. فلما أسلم القوم، تزوّج تُماضِرَ [1] بِنْت الأصبغ الكلبي، وهي أم أَبِي سَلَمة بْن عَبْد الرَّحْمَن. وكانت هَذِهِ السرية فِي شعبان سنة ست.
793- وسرية عليّ بْن أَبِي طَالِب عَلَيْهِ السَّلام إلى بني سعد، بفدك،
وكانوا قَدِ اجتمعوا ليمدوا يهود خيبر. وكانت السرية فِي شعبان. فلم يلق كيدًا.
794- وسرية زَيْد بْن حارثة إلى قِرفة الفَزارية،
فِي شهر رمضان سنة ست، وكانت تؤلب عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقتلها وبنيها، وانصرف. وكان لها بنون قَدْ رأسوا. وقال هشام بْن الكلبي: اسمها فاطمة بِنْت ربيعة بْن بدر.
ولُد لها [2] اثنا عشر ذكرًا، كلهم قَدْ علق سيفَ رئاسته. وَيُقَالُ إن أم قرفة/ 183/ ربطت بين بعيرين حتى انقطعت.
795- وسرية عَبْد اللَّه بْن رَواحة، إلى أُسير بْن رِزام- وَيُقَالُ: رازم- اليهودي، وكان بخيبر،
فِي شوال سنة ستّ. فخرج معه يريد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما كَانَ ببعض الطريق، توّهم بالفتك بابن رواحة، فقتله عبد الله ابن أنيس. فيقال قتله [3] فِي ثلاثين يهوديًا.
796- وسرية كرز بْن جَابِر الفهري، فِي شوال، إلى نفر من عُرينة.
وَيُقَالُ:
من عكل. أتوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرضى، فأذن لهم فِي إتيان لقاحه فشربوا من ألبانها. فلما صحّوا، غدوا عَلَى اللقاح فاستاقوها، وقتلوا يسارًا مَوْلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وغرّزوا الشوكَ فِي عينيه. فلما ظفر بهم. قطع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم. وفيهم نزلت: (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ
__________
[1] خ: تمانير. (والتصحيح عن الطبرى، ص 1556) .
[2] خ: بدلها.
[3] خ: أقتله.(1/378)
أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) . وبعد هَذِهِ السرية أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحُديبية. وبعد ذَلِكَ غزا خيبر.
797- وسرية أميرها عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ إلى تُرَبة [1] ،
في شعبان سنة سبع. أتاها، فهرب الأعراب من عُجز هوازن، فانصرف. من عجز [2] هوازن: بنو جشم بْن معاوية بْن بَكْر، وبنو نصر بْن معاوية بن بكر، وسعد ابن بَكْر، وثقيف بْن منبه بْن بكر بْن هوازن. فانصرف ولم يلق كيدًا.
798- وسرية أَبِي بَكْر الصديق رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ نحو نجد.
توّجه فِي شعبان، سنة سبع، فشنّ الغارة عَلَى العدو، فقتل وغنم.
799- وسرية بشير بْن سعد- أَبِي «النعمان بْن بشير» - إلى بني مُرَّة
فِي شعبان، بفدك. أصيب فيها أصحابه، وارتثّ. فنزل عَلَى بعض اليهود، حتَّى استُنقل.
800- وسرية غالب بْن عَبْد اللَّه الليثي، من كنانة، إلى بني مرة بفَدَك.
فقتل وسبى، وظفر.
801- وسرية غالب بْن عَبْد اللَّه إلى الميفعة،
فِي شهر رمضان سنة سبع.
فأغار على بنى سعد بن ذبيان، فاستاق النعم والشاء.
802- وسرية بشير بْن سعد إلى يُمْن، وجُبار، نحو الجناب،
فِي شوال سنة سبع. وكان بها ناس من غَطفَان مَعَ عيينة بْن حصن. فلقيهم، ففضّ جمعهم، وانصرف إلى المدينة. وبعدها عُمرة القضية.
803- وسرية ابْن أَبِي العَوجاء السُّلَمِيِّ-
وَيُقَالُ: هُوَ أَبُو العوجاء- إلى بني سليم فِي ذي الحجة سنة سبع. لقيهم، فأصيب أصحابه، ونجا بنفسه. وكان فِي خمسين رجلًا.
804- وسرية غالب بْن عَبْد اللَّه إلى بني المَلَوَّح، من كنانة، بالكَديد
فِي صفر سنة ثمان. شن الغارة، فقتل وسبى، وأصاب نعمًا.
805- وسرية عَمْرو بْن أمية الضمري إلى مكَّة،
فِي صفر سنة ثمان، أَوْ فِي شهر ربيع الأول. وجهه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقتل أبى سفيان، فوجده قد
__________
[1] وبالهامش: أتربة.
[2] خ: عجر (والتصحيح عن لسان العرب عجز) .(1/379)
نذر بِهِ. فانصرف. وذلك أن أبا سُفْيَان وجه رجلًا لاغتيال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبره اللَّه بذلك، ومنعه مِنْهُ، فأسلم الرجل.
806- وسرية شجاع بْن وهب الأسدي إلى بني عامر بالسِيّ
فِي شهر ربيع الأول سنة ثمان. فأصاب ظفرًا وغنمًا حسنًا. وكان فِي أربعة وعشرين رجلًا.
807- وسرية كعب بْن عمير الغِفاري إلى ذات أطلاح-
وَيُقَالُ: ذات أباطح- فِي شهر ربيع الأول سنة ثمان. لقيه بها جمع كَثِير. فأصيب من معه، وتحامل حتَّى أتى المدينة.
808- وسرية زَيْد بْن حارثة، وجعفر بْن أَبِي طَالِب، وعبد اللَّه بْن روَاحة إلى مؤتة،
فِي جمادى الأولى سنة ثمان. فقتلوا بها. وكان أول من استشهد منهم زَيْد بْن حارثة. ثُمَّ قام بأمر/ 184/ النَّاس جَعْفَر، فاستشهد. فوجد بِهِ اثنان وسبعون جراحة، ما بين ضربة بسيف وطعنة برمح. وقطعت يداه. [فَقَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لقد أبدله الله بهما جناحين، يطير بهما فِي الجنة] .
ثُمَّ قام بأمر النَّاس عَبْد اللَّه بْن روَاحة، فاستشهد. فأخذ خَالِد بْن الوليد بْن المغيرة الراية، وانصرف بالناس. وأخذ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولد جَعْفَر عَلَيْهِ السَّلام، فضمهم إِلَيْه، وشمهم، ثُمَّ بكى. فصاحت أسماءُ بِنْت عميس. [فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تقولي هُجرا، ولا تضربي صدرا.] ودخلت فاطمة عليها السَّلام، وهي تَقُولُ: واعماه. [فَقَالَ: عَلَى مثله فلتبك الباكية.] واتخذ لأهله طعاما، وقال: قد شغلوا بأنفسهم.
809- سرية قُطبة بْن عامر- وَيُقَالُ: عَمْرو- بْن الحُديدة الْأَنْصَارِيّ إلى خثعم، بتبالة.
سار، فبّيت حاضرهم، وشنّ الغارة عليهم. فأتى دهم معهم، وجاء سيل حال بينه وبينهم. فانصرف، واستاق لهم نعمًا. وَيُقَالُ إن هَذِهِ السرية كانت فِي صفر سنة تسع، وذلك الثبت.
810- وسرية عَمْرو بْن العاص فِي جمادى الآخرة سنة ثمان إِلَى ذات السلاسل.
وبينها وبين المدينة عشرة أيام. ثُمَّ بَعَثَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليها ووّجه معه أبا بَكْر، وعُمَر، وأبا عبيدة بْن الجّراح، وسروات المهاجرين والأنصار.
وكان عَمْرو بْن العاص قدم من عند النجاشي مسلمًا. فلقي في طريقه عثمان ابن طلحة، وخالد بْن الوليد يريدان النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأسلموا فِي(1/380)
صفر سنة ثمان. وكانت راية عَمْرو سوداء. فلقي العدو من قضاعة، وعاملة، ولخم، وجذام. وكانوا مجتمعين. ففضهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة، وغنم.
811- وسرية أَبِي عبيدة بْن الجّراح إلى جُهينة، بالقَبَلية،
فِي رجب سنة ثمان. فأصابت الناسَ مجاعة، حتَّى أكلوا الخبط، فقرحت أشداقُهم حتَّى ألقى لهم البحرُ حوتًا فأكلوا مِنْهُ وتزودّوا. فسُميّت هَذِهِ السرية سرية الخبط.
812- وسرية أَبِي قَتَادَة إلى بني غطفان.
توّجه إليهم، فهجم عَلَى حاضر منهم عظيم. فشن الغارة، واستاق النعم. وهي سرية خُضرة، من أرض نجد. وكانت فِي شعبان سنة ثمان.
813- وسرية أَبِي قَتَادَة النعمان بْن رِبعي بْن بلَدمة الخزرجي إلى إضم،
حين توجه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مكَّة، ليظنّ ظان أنه يريد غير ذَلِكَ الوجه.
وإضم نحو طريق الشام. وَيُقَالُ إنّ هَذِهِ السرية كانت لعبد اللَّه بْن أَبِي حدرد الأسلمي. وفيها قتل محلّمُ بْن جُثّامة: عامرُ بْن الأضبط الأشجعي. وبعضهم يَقُولُ: إنّ عامرًا أسلم. فَقَالَ محلم: أسلم. فقال نعم [1] . فلما تعوذ بالإسلام (عمد إليه) [2] فقتله. وبعدها غزاة الفتح.
814- وسرية خَالِد بْن الوليد بعد فتح مكَّة لهدم العزى
ببطن نخلة.
815- وسرية عَمْرو بْن العاص لهدم سُواع، برهاط، من بلاد هذيل،
فِي شهر رمضان سنة ثمان.
816- وسرية سعد بْن زَيْد الأشهلي فِي هدم مناة، بالمُشلّل
فِي شهر رمضان.
817- وسرية خَالِد بْن الوليد إلى بني جَذيمة، بناحية يلملم،
فِي شوال سنة ثمان. أتاهم، فأظهروا الْإِسْلَام، فوضع فيهم السيف، وأمرهم أن يستأسروا. وإنما بعث إليهم داعيًا، ولم يبعثه مقاتلًا. فودى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قتلاهم، وأخلف ما ذهب لهم، وبعث عليّ بْن أَبِي طَالِب بمال استقرضه، فصرفه فِي ذَلِكَ. ومكث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معرضًا عن خَالِد حينا، وخالد يتعرض لَهُ فيحلف لَهُ أَنَّهُ ما قتلهم عن إحنة ولا شره، وأنه لم يسمع منهم تشهّدا.
__________
[1] خ: نعم. (لعله كما اقترحناه) .
[2] الزيادة من اقتراحنا. (راجع للقصة: ابن هشام، ص 987- 988. وسيذكرها المؤلف بعد قليل مرة أخرى) .(1/381)
فرضي عَنْهُ، وسماه بعد ذَلِكَ «سيف اللَّه» . وبعد هَذِهِ السرية كانت غزاة حنين، ثُمَّ الطائف.
818- وسرية/ 185/ الطفيل بْن عَمْرو الدَّوسي، لهدم صنم عَمْرو بْن حممة الدوسي وهو «ذو الكفين» ،
فِي آخر سنة ثمان.
819- وسرية الضحاك بْن سُفْيَان الكلابي فِي شهر ربيع الأول سنة تسع، إلى قوم من بني كلاب.
كتب إليهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرقّعوا [1] بكتابه دلوَهم، فأوقع بهم.
820- وسرية عيينة بْن حصن إلى بني تميم،
فِي المحرم سنة تسع، وكانوا قَدْ منعوا الصدقة. فبعثه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم، فأسر منهم أحد عشر رجلًا، وسبى، ثُمَّ رجع.
821- وسرية علقمة بْن مجزِّز فِي شهر ربيع الأول-
وَيُقَالُ: الآخر- سنة تسع إلى مراكب الحبشة، ورأوها بالقرب من مكَّة. ورجع فلم يلق كيدًا.
822- وسرية عليّ عَلَيْهِ السلام لهدم الفلس، صنم طيّئ،
وكان مقلدًا بسيفين أهداهما إِلَيْه الحارث بْن أَبِي شمر. وهما مخذم ورَسوب [2] . وفيهما يَقُولُ علقمة ابن عبدة [3] :
مُظاهرُ سربالي حديدٍ عليهما ... عقيلًا سيوف مخذَم ورَسوبُ
فأتى بهما رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ كانت غزوة تبوك.
823- وسرية خَالِد بْن الوليد إِلَى أكيدر بْن عَبْد الملك الكندي، ثُمَّ السَّكوني، بدُومة الجندل.
بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تبوك، فِي رجب سنة تسع. فغنم، وقدم بأخي أكيدر. وَيُقَالُ إنه قتل أخاه مصادا، وأخذ قباء ديباج كَانَ عَلَيْهِ منسوجًا بذهب، وقدم بأكيدر عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكتب لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولأهل دومة الجندل كتابا. [وقال
__________
[1] خ: فرفقوا. (لعل المراد من بنى كلاب رعية السحيمى، فراجع الوثائق السياسية، 235، 236، وأيضا 92) .
[2] راجع أيضا كتاب المحبر، ص 318، السهيلي 2/ 342 للاختلافات في أمر هذين السيفين. وسنبحث فيهما، فيما بعد، في باب سلاح رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[3] ديوان علقمة، ق 2، ب 27 (في العقد الثمين في دواوين الشعراء الجاهليين) .
(خ: فظاهر سربال جديل) .(1/382)
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رَأَى تعجَب أصحابه من قباء أخي أكيدر:
والله لمناديل سعد بْن مُعَاذِ فِي الجنة أحسن مِنْهُ] .
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، ثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، أنبأ الْحَسَنُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِجُبَّةٍ مِنْ سُنْدُسٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُقَلِّبُونَهَا وَيَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنِهَا، [فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْهَا] .
824- ثُمَّ حج أَبُو بَكْر الصديق رضي الله تعالى عنه بالناس فِي موسم سنة تسع، وأتبعه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بْن أَبِي طَالِب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، فقرأ على النَّاس «بَراءَةٌ [1] » ، ونبذ إلى كل ذي عهد عهده.
حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، أنبأ مُغِيرَةُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مُحْرِزِ [2] بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
كُنْتُ مُؤَذِّنَ عَلِيٍّ، حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِبَرَاءَةٍ، قَالَ: فَنَادَيْتُ إِنَّهُ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ، وَلا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهد فأجله أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة الأشهر ف أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [3] .
وحدثنا سعيد بن سليمان، ثنا عباد بن العوام، أنبأ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِسُورَةِ بَرَاءَةٍ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا فَأَخَذَهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَزَلَ فِيَّ شَيْءٌ؟ قَالَ:
[لا وَلَكِنَّهُ لا يُؤَدِّي عَنِّي غَيْرِي أَوْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي.] فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمَوْسِمِ، وَكَانَ عَلِيٌّ يُنَادِي بِهَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ: «لا يَحُجَّنَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» ، أو قال:
«من كل مشرك» .
__________
[1] القرآن، سورة البراءة، وتسمى أيضا التوبة. (وهي السورة التاسعة) .
[2] خ: محر.
[3] راجع القرآن، التوبة (9/ 1- 2) .(1/383)
825- سرية خَالِد بْن الوليد إلى بني الحارث بْن كعب، بنجران.
وجهه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم يدعوهم إلى الْإِسْلَام. فأسلموا، وأدّوا الصدقة، فردّها فِي فقرائهم. وقاتله قوم من مذحج، فظفر بهم وسبى منهم واستاق مواشيهم، فخمسها. وقدم معه قيس بْن الحصين بن ذي الغصّة، ويزيد ابن عَبْد المدان، وعدَّة منهم. وذلك فِي سنة عشر.
826- وبعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ 186/ عَلِيّ بْن أَبِي طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالى عَنْهُ إلى اليمن
فِي شهر رمضان سنة عشر لقبض الصدقة. فلم يقاتله أحد، وأدّوا إِلَيْه الصدقة. ثُمَّ كتب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمره بموافاته بالموسم.
فوافاه.
827- وبعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جرير بْن عَبْد اللَّه البجلي لهدم ذي الخَلصة،
وكان مروة بيضاء، بتبالة. وهو صنم بَجيلة، وخثعم، وأزد [1] السراة. فلما أَتَى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبر هدمه، سجد شكرًا لله.
وكان جرير قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فِي شهر رمضان سنة عشر مسلمًا. ثُمَّ حَجَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجته التي تدعى حجة الودَاع، وتوفي سنة إحدى عشرة.
828- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ رَأَى توجيه أسامة بْن زَيْد فِي سرية إلى الَّذِينَ حاربهم أَبُوهُ يَوْم مؤتة،
وأمره أن يوطئهم الخيل، وعقد لَهُ لواء، وضم إِلَيْه أبا بَكْر، وعمر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُمَا فيمن ضمّ. فمرض صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يُنفذ الجيش، فأوصى بإنفاذه، فَقَالَ: [أنفذوا جيش أسامة.] فلما استخلف أَبُو بَكْر، أنفذه، وكلمه فِي عُمَر لحاجته إِلَيْه.
فخلفه، ومضى أسامة، فأوقع بالعدو، ثُمَّ قدم المدينة.
829-[سرية أبي حدرد إلى أضم]
وحدثت عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق، [2] عن يزيد (بن عبد الله) بن قسيط، عن أبى القعقاع بن عبد الله بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إلى إضم. فخرجت في سرية فيها
__________
[1] خ: اردو السراة.
[2] ابن هشام، ص 987.(1/384)
أَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ، وَمُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ بْنِ قَيْسٍ. حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَطْنِ إِضَمٍ، مَرَّ بِنَا عَامِرُ بْنُ الأَضْبَطِ الأَشْجَعِيُّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ، وَمَعَهُ مُتَيِّعٌ لَهُ، وَوَطْبٌ مِنْ لَبَنٍ. فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، فَأَمْسَكْنَا عَنْهُ. وَحُمِلَ عَلَيْهِ مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ، فَقَتَلَهُ لِشَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَأَخَذَ بَعِيرَهُ وَمُتَيِّعَهُ. فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أخبرناه الخبر. فنزل فيه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا، وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً، تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا
) [1] .
830- وقال مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ [2] ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ ضُمَيْرَةَ (بن سعد) السلمى، يحدث عن عروة بن الزبير، عن أبيه، وجده جَمِيعًا، قَالا:
كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُنَيْنٍ، فَصَلَّى بِنَا الظُّهْرَ، ثُمَّ جلس في ظل شجرة وهو بِحُنَيْنٍ. فَقَامَ إِلَيْهِ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةُ ابن حِصْنٍ، فَطَلَبَ عُيَيْنَةُ بِدَمِ عَامِرِ بْنِ الأَضْبَطِ، وَجَعَلَ الأَقْرَعُ يَدْفَعُ عَنْ مُحَلِّمِ بْنِ جَثَّامَةَ لِمَكَانَةٍ مِنْ خِنْدَفَ. فَقَالَ عُيَيْنَةُ: وَاللَّهِ لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحزّ مَا أَذَاقَ نِسَاءَنَا [3] . وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
تَأْخُذُونَ الدِّيَةَ خَمْسِينَ فِي سَفَرِنَا هَذَا، وَخَمْسِينَ إِذَا رَجَعْنَا. وَعُيَيْنَةُ يَأْبَى عَلَيْهِ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي اللَّيْثِ، يُقَالُ له مكيتل وهو قصير مجمّع، فَقَالَ:
«يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ لِهَذَا الْقَتِيلِ شَبَهًا فِي غُرَّةِ الإِسْلامِ إِلا غَنَمًا وردت فرميت أولادها فَنَفَرَتْ أُخْرَاهَا. اسْنُنِ الْيَوْمَ وَغَيِّرْ غَدًا» . [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذُوا الدِّيَةَ خَمْسِينَ فِي سَفَرِنَا، وَخَمْسِينَ إِذَا رَجَعْنَا.] فَقَبِلُوا ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ أَيْنَ صَاحِبُكُمْ؟ فَقَامَ رَجُلٌ ضَربٌ، طُوَالٌ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ قَدْ كَانَ تَهَيَّأَ فِيهَا لِلْقَتْلِ حِينَ جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ لا تَغْفِرْ لمحلم بن جثامة.
__________
[1] القرآن، النساء (4/ 94) .
[2] ابن هشام، ص 987- 88، وراجع السهيلي 2/ 361- 362 للاختلافات في القصة.
[3] في تفسير الطبرى (8/ 130) «لا والله حتى تذوق نساؤه من الشكل ما ذاق نسائي» .(1/385)
فَقَامَ وَهُوَ يَتَلَقَّى دَمْعَهُ بِفَضْلِ رِدَائِهِ. قَالَ زِيَادٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ: إِنَّا لَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اسْتَغْفَرَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا ظَهَرَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو هذا.
وقال مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ [1] ، حَدَّثَنِي مَنْ لا أَتَّهِمُهُ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُحَلِّمٍ: أَقَتَلْتَ رَجُلا قَالَ «آمَنْتُ/ 178/ بِاللَّهِ؟» وَيُقَالُ: «تِلْكَ الْمَقَالَةُ؟» فَمَا مَكَثَ مُحَلِّمٌ إِلا سَبْعًا، حَتَّى مَاتَ. فَدُفِنَ، فَلَفَظَتْهُ الأَرْضُ ثَلاثًا. فَلَمَّا غُلِبَ قَوْمُهُ، رَضَمُوا [2] عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ. [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الأَرْضَ لَتُطَابِقُ [3] عَلَى مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يَعِظَكُمْ بِمَا أَرَاكُمْ مِنْهُ.] وَمَنْ قَالَ هَذَا، قَالَ: إِنَّ الَّذِي مَاتَ بِحِمْصَ: الصَّعْبُ، أَخُوهُ [4] .
صفة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[5] 831- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا قيس، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ:
رَأَيْتُ شعر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصِيبُ مَنْكِبَيْهِ.
832- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ أبو عثمان، وإسحاق القروي قَالا، ثنا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ، ثنا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِمَكَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي هَالَةَ التَّمِيمِيِّ يُكْنَى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلامُ قَالَ:
سَأَلْتُ خَالِي ابْنَ أَبِي هَالَةَ، وَكَانَ وَصَّافًا عَنْ حِلْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: كَانَ فَخْمًا، مُفَخَّمًا، يَتَلأْلأُ وَجْهُهُ تَلأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ.
أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ، وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ، عَظِيمَ الْهَامَةِ، رَجِلَ الشَّعْرِ، وَإِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُهُ فَرْقًا، وَإِلا فَلا يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ إِذَا هُوَ وفره [6] . أزهر
__________
[1] ابن هشام، ص 988- 989.
[2] خ: رهموا.
[3] خ: أتطابق.
[4] وللاختلافات الشديدة في بابه راجع الاستيعاب رقم 1269 محلم بن جثامة.
[5] راجع لهذا الباب أيضا ابن هشام، ص 266، الطبرى، ص 1789، ابن سعد، 1 (1) / 83 وما بعدها، كتاب الشمائل للترمذي.
[6] خ: وقره.(1/386)
اللَّوْنِ، صَلْتَ الْجَبِينِ، أَهْدَبَ الأَشْفَارِ، أَزَجَّ الْحَوَاجِبِ سَابِغَهُنَّ، فِي غَيْرِ قَرَنٍ، بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الغضب. أقنى العرنين، له نور يعلوه بحسنه مَنْ يَتَأَمَّلُهُ.
أَشَمَّ، كَثَّ اللِّحْيَةِ، سَهْلَ الْخَدَّيْنِ، ضَلِيعَ الْفَمِ، أَشْنَبَ [1] الثَّغْرِ، مُفْلَجَ الأَسْنَانِ، أَحَمَّ الشَّفَتَيْنِ رَقِيقَهُمَا، دَقِيقَ الْمَسْرَبَةِ، كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دمية في صفاء القضّة، مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ، بَادِنًا، مُتَمَاسِكًا، سَوَاءَ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، عَرِيضَ الصَّدْرِ، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ، أَنْوَرَ الْمُتَجَرِّدِ، مَوْصُولَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعْرٍ يَجْرِي كَالْخَطِّ، عَارِيَ الْبَطْنِ وَالثَّدْيَيْنِ، أَشْعَرَ الذِّرَاعَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ وَأَعَالِي الصَّدْرِ، طَوِيلَ الزَّنْدَيْنِ، رَحْبَ الرَّاحَةِ، سَبْطَ الْقَصَبِ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، سَائِلَ الأَطْرَافِ، خَمْصَانَ الأَخْمَصَيْنِ، مَسِيحَ الْقَدَمَيْنِ يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ. إِذَا زَالَ زَالَ قَلْعًا، يَخْطُو تكفؤا وَيَمْشِي هَوْنًا، ذَرِيعَ الْمِشْيَةِ كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صبب، إذا التفت الْتَفَتَ بِجُمَعِهِ، خَافِضَ الطَّرْفِ، نَظَرُهُ إِلَى الأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلاحَظَةُ. يَبْدَأُ مَنْ لَقِيَ بِالسَّلامِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ. قُلْتُ: فَصِفْ لِي مَنْطِقُهُ. فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَائِمَ الْفِكْرِ، مُتَوَاصِلَ الأَحْزَانِ، لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ.
لا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ، طَوِيلُ السَّكْتِ. يَفْتَتِحُ الْكَلامَ وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ، وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، قَوْلا فَصْلا، لا فَضْلا وَلا تَقْصِيرًا [2] ، دَمِثًا، لَيْسَ بِالْجَافِي وَلا الْمُهِينِ. يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ، لا يَذُمُّ مِنْهَا شَيْئًا. لا يذم دواياه، وَلا يُقَبِّحُهُ. وَلا يُغْضِبُهُ الدُّنْيَا وَمَا كَانَ لَهَا. فَإِذَا كَانَ الْحَقَّ، لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ، وَلَمْ يُقِمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ. لا ينتصر لنفسه، ولا يَغْضَبُ لَهَا. يُشِيرُ بِكَفِّهِ كُلِّهَا. وَإِذَا تَعَجَّبَ قَلَبَهَا، وَإِذَا حَدَّثَ اتَّصَلَ بِهَا فَضَرَبَ بِرَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَاطِنَ إِبْهَامِهِ الْيُسْرَى. وَإِذَا غَضِبَ، أَعْرَضَ وَأَشَاحَ. وَإِذَا رَضِيَ غَضَّ بَصَرَهُ وَصَمَتَ.
جُلُّ ضَحْكِهِ التَّبَسُّمُ، يَفْتُرُ عَنْ مِثْلِ حُبِّ الْغَمَامِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْحَسَنُ: فَكَتَمْتُهَا عَنْ أَخِي الْحُسَيْنِ زَمَانًا، ثُمَّ حَدَّثْتُهُ بِهَا، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ، فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، وَوَجَدْتُهُ قَدْ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ مَدْخَلِ رسول الله صلى
__________
[1] أشنب: أبيض الأسنان.
[2] خ: بقصيرا.(1/387)
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَخْرَجِهِ، وَمَجْلِسِهِ، وَشَكْلِهِ، وَسِيرَتِهِ، وَكَلامِهِ، وَسُكُوتِهِ.
[قَالَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلامُ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ مَدْخَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ: كَانَ مَدْخَلُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ. فَإِذَا آوَى إِلَى أَهْلِهِ، جزّأ مدخله ثلاثة أجزاء: جزء الله، وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ، وَجُزْءًا لأَهْلِهِ. ثُمَّ جَزَّأَ جُزْأَهُ لِنَفْسِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَرَدَّ عَلَى الْعَامَّةِ من الخاصة.] [وكان من سِيرَتُهُ إِيثَارَ أَهْلِ الْفَضْلِ بِإِذْنِهِ وَقَسْمُهُ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ. فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ، وَذُو الْحَاجَتَيْنِ، وَذُو الْحَوَائِجِ، فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ، وَيَشْغَلُهُمْ فيما أصلحهم وأصلح الأمة من مسئلته/ 188/ عنهم] وإخبارهم بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ، [وَيَقُولُ: لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، وَأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لا يَسْتَطِيعُ إِبْلاغِي حَاجَتَهُ. فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لا يَسْتَطِيعُ إِبْلاغَهُ إِيَّاهَا، ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.] لا يَذْكُرُ عِنْدَهُ إِلا ذَلِكَ، وَلا يَقْبَلُ غَيْرَهُ مِنْ أَحَدٍ. قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟ فَقَالَ: [كَانَ يُخْزِنُ لِسَانَهُ عَمَّا لا يَعْنِيهِ. وَكَانَ يُؤَلِّفُ، وَلا يُنَفِّرُ،] وَيُكْرِمُ [كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ، وَيُحَذِّرُ النَّاسَ الْفِتَنَ،] [وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِي عَنْ أَحَدٍ بِشْرَهُ وَلا خُلُقَهُ. يَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ، وَيَسْأَلُ] [عَمَّا فِي النَّاسِ فَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوَهِّنُهُ، مُؤْتَلِفُ الأَمْرِ، غَيْرُ مُخْتَلِفِهِ.] كُلُّ [حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ. لا يُقَصِّرُ عَنِ الْحَقِّ، وَلا يَجُوزُ الدِّينَ] .
[أَفْضَلُ النَّاسِ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً. وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً، أَحْسَنُهُمْ مُؤَاسَاةً وَمُؤَازَرَةً.] [قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
كَانَ لا يَجْلِسُ وَلا يَقُومُ إِلا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ. وَلا يُوَطِّنُ الأَمَاكِنَ، وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا. وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ، جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسَ،] وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ.
[وَيُعْطِي كُلا مِنْ جُلَسَائِهِ بِنَصِيبِهِ، فَلا يَحْسَبُ جَلِيسَهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ] .
[مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَارَنَهُ فِي حَاجَةٍ، سَايَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفُ.] [وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً، لَمْ يَرُدُّهُ إِلا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ. قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْهُ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ،] [فَصَارَ لَهُمْ أَبًا، وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءٌ. مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ، وَحَيَاءٍ، وَصِدْقٍ.] وَأَمَانَةٍ. لا تُرْفَعُ [فِيهِ الأصوات، ولا توتن فيه الحرم، ولا تنثى [1]
__________
[1] أى لا تشاع.(1/388)
فَلَتَاتُهُ.] [تَرَى جُلَسَاءَهُ يَتَفَاضَلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى، مُتَوَاضِعِينَ، يوقّرون الكبير، ويرحمون الصغير،] و [يؤثرون ذَا الْحَاجَةِ، وَيَحُوطُونَ الْغَرِيبَ.] قَالَ، قُلْتُ: فَكَيْفَ كَانَتْ سِيرَتُهُ فِي جُلَسَائِهِ؟ قَالَ: [كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَائِمَ الْبِشْرِ، سَهْلَ الْخُلُقِ، لَيِّنَ الْجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلا غَلِيظٍ، وَلا صَخَّابٍ، وَلا عَيَّابٍ،] [وَلا فَحَّاشٍ، وَلا مَدَّاحٍ. يَتَغَافَلُ عَمَّا لا يَشْتَهِيهِ [1] ، وَلا يُؤَيِّسُ مِنْهُ وَلا يُجِيبُ فِيهِ.] قَدْ [تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلاثٍ: الْمِرَاءِ، وَالإِكْثَارِ، وَمَا لا يَعْنِيهِ. وَتَرَكَ النَّاسَ] [مِنْ ثَلاثٍ: كَانَ لا يَذُمُّ أَحَدًا وَلا يُعَيِّرُهُ، وَلا يَطْلُبُ عَثْرَتَهُ، وَلا يَتَكَلَّمُ إِلا فِيمَا رَجَى ثَوَابَهُ.] فَإِذَا قَالَ، أَطْرَقَ جلساؤه فكأنما على رؤوسهم الطَّيْرُ. وَإِذَا سَكَتَ، تَكَلَّمُوا، لا يُنَازِعُونَ عِنْدَهُ أَحَدًا: مَنْ تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ كَلامِهِ.
حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوَّلِيَّتِهِمْ. [يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَعْجَبُ مِمَّا يَعْجَبُونَ] [مِنْهُ. وَيَصْبِرُ للغريب الجافي في منطقه ومسئلته.] حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم [وَيَقُولُ: إِنْ رَأَيْتُمْ طَالِبَ حَقٍّ، فَارْفِدُوهُ. وَلا يُقْبَلُ [2] الثَّنَاءُ إِلا مِنَ الْمُكَافِئِ،] [وَلا يُقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثُهُ حَتَّى يَجُوزَ، فَيَقْطَعُهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ. قُلْتُ: فَكَيْفَ] [كَانَ سُكُوتُهُ؟ قَالَ: عَلَى أَرْبَعٍ: الْحِلْمِ، وَالْحَذَرِ، وَالتَّقْدِيرِ، وَالتَّفْكِيرِ] .
[فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ، فَفِي تَسْوِيَةِ النَّظَرِ بَيْنَ النَّاسِ، وَاسْتِمَاعِهِ] مِنْهُمْ. وَأَمَّا [تَفْكِيرُهُ، فَفِيمَا يَفْنَى وَيَبْقَى. وَجَمَعَ الْحِلْمَ وَالصَّبْرَ، فَكَانَ لا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ وَلا يَسْتَفِزُّهُ. وَجَمَعَ] [ثَلاثًا: أَخْذَهُ بِالْحَسَنِ لِيُقْتَدَى بِهِ، وَتَرْكَهُ الْقَبِيحَ لِيَتَنَاهَى عَنْهُ، وَاجْتِهَادَهُ الرَّأْيَ فِيمَا أصلح أُمَّتَهُ. وَجَمَعَ لَهُمْ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] .
وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَرَّ النَّاسِ، وَأَطْلَقَهُمْ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُمْ خُلُقًا، يَبْدَأُ مَنْ لَقِيَهُ بِسَلامِهِ، وَإِذَا صَافَحَ رَجُلا لَمْ يُرْسِلْ يَدَهُ حَتَّى يَتْرُكَهَا المصافح له.
__________
[1] خ: تشتهيه.
[2] خ: تقبل.(1/389)
(تفسير غريب اللغات) :
قَوْلُ الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنِ أَبِي هَالَةَ» ، لأَنَّ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ كَانَتْ عِنْدَ أَبِي هَالَةَ الأُسَيِّدِيِّ، مِنْ بَنِي تميم، فولدت له هند ابن أَبِي هَالَةَ، أَخَا [1] فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلامُ لأُمِّهَا، وهو خال الحسن عليه السلام.
و «المشذّب» : الطويل المفرط الطول. و «الأزّج الْحَاجِبِ» : الْحَسَنُ التَّمَامُ فِي غَيْرِ غِلَظٍ وَلا رقة. و «القنا» : أن يرتفع الأنف من وسطه. و «الضليع» هاهنا الذى لا يكون ضيقا/ 189/ و «حمة الشفتين» : سوادهما. و «المسربة» الشَّعْرُ الَّذِي عَلَى الصَّدْرِ يَسِيلُ مُسْتَدَقًّا إِلَى السرّة. و «الشثن» : الذى فيه خشونة، وليس بلين مسترخ، و «الأخمص مِنَ الرِّجْلِ» : مَا جَفَا عَنِ الأَرْضِ بَاطِنُهَا. و «الأخمصان» : لليمنى واليسرى. و «الخمصان» : الذى فيه ضمور. و «الزندان» : عظما الساعدين. و «الدمث» : اللين السهل و «المسيح [2] » : الْجَادُّ الْمُتَهِيِّئُ لِلشَّيْءِ. وَأَصْلُ «الْعَقِيقَةُ» : شَعَرُ الْبَطْنِ الَّذِي يَكُونُ عَلَى الْمَوْلُودِ، ثُمَّ كُلُّ شَعَرٍ عَقِيقَةٌ.
833- وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الأَشْيَبِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:
كَانَ فِي رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّيْبِ شَعْرَاتٌ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ. فَإِذَا ادَّهَنَ، وَارَاهُنَّ الدُّهْنُ.
834- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الليث، عن يزيد بن أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله تعالى عَنْهَا، قَالَتْ:
إِنَّكُمْ تَنْثُرُونَ الْكَلامَ نَثْرًا، وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُخْرِجُهُ نَزْرًا.
835- وَحَدَّثَنِي الزِّيَادِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو أَحْمَدَ السُّكَّرِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ وَهْبٍ، عَنِ الْحُرِّ الْخَثْعَمِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة،
__________
[1] خ: أخو.
[2] خ: المشيح(1/390)
فَنَزَلَ بِامْرَأَةٍ مِنْ خُزَاعَةَ يُقَالُ لَهَا عَاتِكَةُ بِنْتُ خَالِدِ بْنِ خُلَيْفٍ، وَيُقَالُ لِزَوْجِهَا أَكْثَمُ بْنُ الْجَوْنِ بْنِ مُنْقِذٍ الْخُزَاعِيُّ، وَهِيَ أُمُّ مَعْبَدٍ. فَوَصَفَتْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: كَانَ ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ، مُتَبَلِّجُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الْخُلُقِ، لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةٍ، وَلَمْ تَزِرِ بِهِ صَعَلَةٌ، وَسِيمًا قَسِيمًا، فِي عَيْنِهِ دَعَجٌ، وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ، وَفِي صَوْتِهِ صَحَلٌ، وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ، أَزَجُّ، أَقْرَنُ، إِنْ صَمَتَ فعليه الوقار، وإن تكلم سمى وَعَلاهُ الْبَهَاءُ، أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبْهَاهُمْ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْسَنُهُمْ وَأَحْلاهُمْ مِنْ قَرِيبٍ، مَنْطِقُهُ فَصْلٌ، لا نَزَرَ وَلا هَذَرَ كَأَنَّهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَتَحَدَّرْنَ، حُلْوُ الْمَنْطِقِ، لا يُشْنِي مِنْ طُولٍ، وَلا تَقْتَحِمُهُ الْعَيْنُ مِنْ قِصَرٍ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلاثَةِ مَنْظَرًا وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إِذَا قَالَ أَنْصَتُوا، وَإِذَا أَمَرَ بَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ، مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ، لا عَابِسَ وَلا مُفَنَّدَ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(تفسير غريب اللغات) :
«الثجل» : عظم البطن. و «الصعل» : صغر الرأس. و «الوسيم» :
الجميل. وكذلك «القسيم. و «الدعج» : شدة سواد الحدقة. و «الصحل» :
شبيه بالبجّة، تقول إنه ليس بحادّ الصوت. و «السطع» : طُولُ الْعُنُقِ، لا تَقْتَحِمُهُ الْعَيْنُ وَلا تَزْدَرِيهِ بل تهابه فتقصر نظرها دونه. و «الوطف» : طُولُ هُدْبِ الْعَيْنِ. وَيَرْوِي: «غُصْنًا بَيْنَ غُصْنَيْنِ» [1] ، وَيَرْوِي: «مَحْفُودًا مَحْشُودًا، لا عَابِسًا وَلا مُفَنَّدًا» ، وَيَرْوِي: «كَانَ مَنْطِقُهُ فَصْلا، لا نَزْرًا وَلا هذرا» .
836- وَحَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ الرَّقِّيُّ الْمُؤَدِّبُ، ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ مَوْلَى غَفْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ:
[لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ، وَلا بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ، وَكَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، وَلَمْ يكن بالجعد القطط ولا البسط، كان جَعْدًا رَجِلا، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهِّمِ وَلا الْمُكَلْثَمِ، كَانَ فِي وَجْهِهِ تَدْوِيرٌ، أَبْيَضُ مُشْرَبًا حُمْرَةً، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبُ الأَشْفَارِ، جَلِيلُ الْمُشَاشِ وَالْكَتَدِ، أَجْرَدُ ذَا مَسْرَبَةٍ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ،] [إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ، وَإِذَا التفت التفت
__________
[1] خ: عضبا بين عضبين.(1/391)
مَعًا، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتِمُ النُّبُوَّةِ،] [أَجْرَأُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَجْوَدُ النَّاسِ كَفًّا، وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَوْفَى النَّاسِ بِذِمَّةٍ، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ] [بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ. يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ] .
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. «الْمُشَاشُ» : الْعِظَامُ. «الْكَتَدُ» : مُوَصِّلُ الْعُنُقِ بِالظَّهْرِ فَوْقَ الْكَاهِلِ. و «اللهجة» : اللسان. و «الممغط» : الذى ذهب طولا.
و «المطهّم» : المعرق، يقال: خيل مطهمة، معرفة الْوُجُوهِ، وَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ مِنْهَا.
837- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الخزار، عَنِ ابْنِ عَائِشَةَ الْقُرَشِيِّ/ 190/ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ، وَكَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤَ مَا شَمَمْتُ مِسْكَةً وَلا عَنْبَرَةً أَطْيَبُ رَائِحَةً مِنْهُ، وَلا مَسَسْتُ دِيبَاجَةً وَلا حَرِيرَةً أَلْيَنُ مِنْ كَفِّهِ.
838- حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُقْرِئُ ثنا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَقُولُ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، عَظِيمَ الْجُمَّةِ، جُمَّتُهُ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ، مَا رَأَيْتُ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَرَأَيْتُ عَلَيْهِ حُلَّةً حَمْرَاءَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ:
مَا رَأَيْتُ أَجْمَلَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَرَجِّلا فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ.
839- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمَعْمَرٍ كِلَيْهِمَا، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
[قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْمَاحِي يَمْحُو اللَّهُ بي الكفر، والعاقب (الذى ليس بعدي نبى) [1] ، والحاشر الذى يحشر الناس على قدمي] [2] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ، عن عطاء.
مثله.
__________
[1] سقط من الأصل.
[2] خ: يديه. (والتصحيح عن الطبرى، ص 1788) .(1/392)
840- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ كَانَ يَقُولُ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فتح مَكَّةَ. فَمَا أَنْسَى شِدَّةَ بَيَاضِ وَجْهِهِ، وَشِدَّةَ سَوَادِ شَعْرِهِ. وَإِنَّ مِنَ الرِّجَالِ رِجَالا حَوْلَهُ يَمْشُونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ أَقْصَرُ مِنْهُ، وَمِنْهُمْ من هو أَطْوَلُ مِنْهُ. فَقُلْتُ لأَبِي: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
841- وَحُدِّثْتُ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: كَانَتْ أُمُّ هَانِئٍ تُحَدِّثُ فَتَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَحْسَنَ ثَغْرًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وما رأيت بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ذَكَرْتُ الْقَرَاطِيسَ الْمَثْنِيَّةَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، تَعْنِي عُكَنَهُ. وَرَأَيْتُهُ يَوْمَ الْفَتْحِ قَدْ ضَفَرَ رَأْسَهُ بِضَفَائِرَ أَرْبَعٍ.
842- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْكَلَ الْعَيْنِ، ضَلِيعَ الْفَمِ، منهوش [1] الْعَقِبِ، وَكَانَ فِي سَاقِهِ حُمُوشَةٌ.
843- حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا شُعْبَةُ، أَنْبَأَ قَتَادَةُ، عَنْ مَوْلًى لآلِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ جَارِيَةٍ عَذْرَاءَ فِي خِدْرِهَا.
وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا، عَرَفْتُ كَرَاهَتَهُ إِيَّاهُ فِي وَجْهِهِ.
844- حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ قَالَ:
[سَأَلْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ- يَعْنِي عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ- عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. فقال: لم يكن فاحشا، ولا متفشحا، ولا ضحابا، ولا عيابا.
ولكنه كان يعفو ويصفح] .
__________
[1] خ: منهوس. (والمنهوش: المهزول، قليل اللحم) .(1/393)
845- وحدثنى بكر بن الهشيم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قال:
[قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ لا أَشِيبُ وَأَنَا أَقْرَأُ سُورَةَ هُودٍ [1] ، وإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ] [2] ؟
846- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الزَّاهِدُ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجِلَ الشَّعْرِ، لَيْسَ شَعْرُهُ السَّبْطَ وَلا الْقَطِطَ، كَانَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ، لَيْسَ بِالآدَمِ وَلا الأَبْيَضِ الأَمْهَقِ. كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، لَيْسَ بِالْقَصِيرِ وَلا بِالطَّوِيلِ. بُعِثَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ.
847- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سليمان بن سعد، وبه ثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَضْحَكُ إِلا تَبَسُّمًا. وَكُنْتُ إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ، قُلْتُ: «أَكْحَلُ العينين» ، وليس بأكحل.
848- حدثنى أَبُو عِمْرَانَ الْمُقْرِئُ، ثنا أَبُو يُوسُفَ يَعْلَى الطَّنَافِسِيُّ، عَنْ مَجْمَعِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ، عَنْ بَعْضِ الأَنْصَارِ أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ:
[كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْيَضَ اللَّوْنِ مُشْرَبًا حُمْرَةً، أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ، سَبْطَ الشَّعْرِ، ذَا وَفْرَةٍ، كَثَّ اللِّحْيَةِ، كَأَنَّ عُنُقَهُ/ 191/ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ، دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ، مِنْ لَبَّتِهِ إِلَى سُرَّتِهِ شَعْرٌ يَجْرِي كَالْقَضِيبِ، لَيْسَ فِي بَطْنِهِ شَعْرَةٌ غَيْرُهُ، شَثْنُ الْكَفِّ وَالْقَدَمِ، إِذَا مَشَى فَكَأَنَّمَا يَنْقَطِعُ مِنْ صَخْرَةٍ وَكَأَنَّمَا يَنْحَدِرُ مِنْ صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا، لَيْسَ بِطَوِيلٍ وَلا قَصِيرٍ، وَلا عَاجِزٍ وَلا لَئِيمٍ، كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤَ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ الأَذْفَرِ [3] ، سَهْلُ الْخَدِّ. لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] .
849- حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أنصاف أذنيه.
__________
[1] سورة القرآن رقم 11.
[2] سورة القرآن، رقم 81.
[3] خ: الأدفر.(1/394)
850- وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ [1] ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَرِّحُ لِحْيَتَهُ بِالْمَاءِ فِي كُلِّ يَوْمٍ.
851- وَحَدَّثَنِي أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، ثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ:
كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرِيبًا مِنْ مَنْكِبَيْهِ.
852- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَيَّانَ الْحَرَّانِيُّ، ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ:
قِيلَ لِلْبَرَاءِ: كَانَ وَجْهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتَلِقُ مِثْلَ السَّيْفِ؟
فَقَالَ: لا، بَلْ كَانَ مِثْلَ الْقَمَرِ، لَيْسَ فِي رَأْسِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ.
853- حَدَّثَنَا وُهَْيْبُ بْنُ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيُّ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عن سليمان التيمي، عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
مَا كَانَ اللَّهُ لِيُشِينَ نَبِيَّهُ بِالشَّيْبِ. قِيلَ: وَشِينَ هُوَ يَا با [2] حَمْزَةَ؟ قَالَ:
كُلُّنَا يَكْرَهُهُ.
854- وَرُوِيَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ خِضَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الشَّيْبِ مَا يَخْضِبُهُ.
855- وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ سَلامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ شَعْرًا مِنْ شعر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم مَخْضُوبًا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ.
حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ ابْنَيْ عُمَرَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَفِّرُ لحيته.
__________
[1] خ: صبح (والتصحيح عن تهذيب التهذيب لابن حجر، ج 3، رقم 474) .
[2] خ: بانا.(1/395)
856- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ مِنْهُ بَيْضَاءُ، يَعْنِي عَنْفَقَتَهُ [1] ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَرِيشُ النَّبْلَ وَأَرْمِي بِهَا.
857- حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ أَبُو صَالِحٍ فِي حَدِيثِهِ:
رَأَيْتُ وَفْرَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم وبها رَدْعٌ مِنْ حِنَّاءٍ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ فِي حَدِيثِهِ: رَأَيْتُ وَفْرَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهَا تَلْوِينٌ مِنَ الْحِنَّاءِ.
858- حَدَّثَنِي الأَعْيَنُ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الأَشْيَبِ، ثنا شَيْبَانُ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ كِنَانَةَ قَالَ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ بَيْنَ بُرْدَيْنِ أَحْمَرَيْنِ، مَرْبُوعًا كَثِيرَ اللَّحْمِ، حَسَنَ الْوَجْهِ، شَدِيدَ سَوَادِ الشَّعْرِ سَابِغَهُ، شَدِيدَ الْبَيَاضِ.
859- حَدَّثَنِي عَمْرٌو، ثنا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ:
كُنْتُ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَفْرُقَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَدَعْتُ الْفَرْقَ بَيْنَ يَافُوخِهِ، وَأَرْسَلْتُ نَاصِيَتَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ.
أزواج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وولده
[2] :
[خديجة بنت خويلد]
860- تَزَوَّجَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خديجة بنت خويلد بْن أسد بْن عَبْدِ العزى بْن قصي- وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن هرم/ 192/ من بني عَامِر بن لؤي، ويقال: زيادة بن الأصم- قبل الإسلام.
861- فولدت مِنْه
الْقَاسِم بْن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وبه كَانَ يكنى. ومات وقد مشى، وهو ابن سنتين.
__________
[1] هي شعيرات بين الشفة السفلى والذقن.
[2] راجع أيضا لهذا الباب طبقات ابن سعد، ج 8، وكتاب المحبر لابن حبيب، ص 77 وما بعدها.(1/396)
862- وولدت أيضا
زينب بنت رسول الله.
وهي أكبر بنات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تزوجها أَبُو العاص بن الربيع وهو ابن خالتها هالة بنت خويلد ابن أسد. وَكَانَ أَبُو العاص يُلقب جرو البطحاء، أي ابن البطحاء. وبعضهم يقول: اسمه القاسم، والثبت أن اسمه لقيط. وَكَانَ تزوجه إياها قبل الإسلام.
فلما أكرم الله نبيه بالرسالة، آمنت بِهِ خديجة وبناته وصدقنه [1] . وثبت أَبُو العاص عَلَى دين قريش. وَكَانَ من معدودي رجال مكة مالا، وأمانة، وتجارة. فمشت إليه وجوه قريش، فقالوا: اردد عَلَى مُحَمَّد ابنته، ونحن نزوجك أية امرأة أحببت من قريش. فقال: لا، ها الله، إِذَا لا أفارق صاحبتي، فإنها خير صاحبة. ولما سارت قريش إلى بدر، كَانَ معهم. فأسر فِي المعركة.
فلما بعث أهل مكة فِي فداء أسرائهم، بعثت زينب فِي فداء أبي العاص بمال.
وبعثت معه بقلادة لَهَا كَانَت خديجة رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهَا وهبتها لَهَا حين أدخلتها عَلَى أبي العاص. فلما رآها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عرفها، فرق لَهَا رقة شديدة وقال للمسلمين: إن رأيتم أن تردوا قلادة زينب ومالها عليها وتطلقوا أسيرها، فافعلوا. فقالوا: نعم، ونعمة عين يا رسول الله. فأطلقه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أن اشترط عَلَيْهِ أن يبعث بزينب إِلَيْهِ. وتوثق مِنْه، ووجه زيد بن حارثة الكلبي مولاه فِي عدة من الأنصار إلى بطن يأجج، وأمرهم بالمقام هناك إلى أن توافيهم زينب فيصاحبونها حَتَّى يقدموا بِهَا المدينة. وذلك بعد بدر بشهر. وأمر أبو العاص زينب بالتهيؤ. فلما تجهزت، بعث بها مع كنانة ابن عدي بْن ربيعة بْن عَبْد العزى بْن عَبْد شمس بن عبد مناف، وهو ابن عمه.
ويقال: بَلْ بعث بِهَا مع عدي بن ربيعة. فاعترضها رجال من قريش بذي طوي. فبدر إليها هبار بْن الأَسْوَدِ بْن المطلب بْن أسد بن عبد العزى، ونافع ابن عبد قيس بن لقيط بن عامر الفهري، وهو أَبُو «عقبة بن نَافِع» ، صاحب المغرب. فأهوى إليها هبار بالرمح، فأفزعها، وكانت حاملا فألقت ما فِي بطنها بعد أيام. وفوق كنانة، أو عدي، سهما وَكَانَ راميا. فقال له أبو سفيان ابن حرب، وكان في القوم: اكفف بذلك عنا، فإنا والله ما نمنعها من المسير
__________
[1] خ: صدقته.(1/397)
إلى أبيها وإنما أنكرنا خروجكم بِهَا نهارا، ورأينا علينا فِي ذلك غضاضة، فردها إلى مكة، فإذا غشينا الليل، وهدأت الزجل [1] فأسر بِهَا. ففعل، وأخرجها ليلا حَتَّى أتى بِهَا زيدا ومن معه فسلمها إليهم. ويقال إن هبارا أنفر بِهَا البعير حَتَّى سقطت، وانكسرت ضلع من أضلاعها. وَفِي أمر زينب يقول عدي أو كنانة بن عدي [2] :
عجبت لهبار وأوباش قومه ... يريدون إخفاري ببنت مُحَمَّد
فإن أنا لَمْ أمنع من القوم كنتي ... فلا عشت إلا كالخليع المطرد
ووجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سرية، وقال: إن لقيتم هبارا، فأحرقوه [3] . ثُمَّ قَالَ: سبحان الله، [لا يعذب بالنار إلا خالقها، اقطعوا يده ورجله.] فلم تلقه السرية. وقدم عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، حين فتح مكة، مسلما. فقبل إسلامه، وأمر أن لا يعرض [4] لَهُ. [وقال لَهُ: لا تسب إلا من يسبك.] وَكَانَ سبابا للناس. وَكَانَ يكنى أبا سعد. وخرجت سلمى مولاة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: لا أنعم الله بك عينا. [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهلا، فقد محا الإسلام ما كَانَ قبله] .
وَحَدَّثَنِي عباس بن هِشَام الكلبي، عَن أبيه، عَن معروف بن خربوذ المكي أَنَّهُ أنشده لأبي العاص فِي زينب رضي الله تعالى/ 193/ عنها [5] :
ذكرت زينب لِمَا جاوزت إرما ... فقلت سقيا لشخص يسكن الحرما
بنت الأمين جزاها الله صالحة ... وكل بعل سيثني بالذي علما
وقال أَبُو العاص هَذَا الشعر، وقد خرج فِي سفر لَهُ. وخرج أبو العاص ابن الربيع فِي سنة ست إلى الشام فِي تجارة لَهُ. فلما انصرف، بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد بن حارثة مولاه فِي كثف من المسلمين لاعتراض العير
__________
[1] خ: الرجل (بالمهملة) .
[2] ابن هشام، ص 468 (وعزاهما إلى كنانة بن الربيع) .
[3] خ: فاخرجوه.
[4] خ: تعرض. (وراجع لقصته أيضا مصعبا الزبيري، ص 219) .
[5] السهيلي، 2/ 80 (وروى في الأول: لما يمت إضما) .(1/398)
التي أقبل فيها أبو العاص، فاستاقها وأسره، فأتى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فبعث إلى زينب يستجير بِهَا. ويقال: بَلْ حاص حيصة حَتَّى أتى زينب، فاستجار بِهَا. فأجارته. فلما صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الصبح، قالت، وهي فِي صفة النساء: أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص ابن الربيع. فقال رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: أيها الناس، أسمعتم ما سمعت؟
قالوا: نعم. قال: فو الذى نفسي بيده، ما علمت بما كَانَ حَتَّى سمعت ما سمعتم، [إنه يجير عَلَى المسلمين أدناهم.] ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند انصرافهم من المسجد، [فقال: يا بنية: أكرمي مثواه، ولا يخلصن إليك. وبعث إلى المسلمين ممن كَانَ فِي السرية: إنكم قد عرفتم مكان هَذَا الرجل منا، فإن تردوا عَلَيْهِ ماله فإنا نحب ذلك، وإلا تردوه فأنتم أملك بفيئكم الَّذِي جعله الله لكم] .
فقالوا: بَلْ نرده يا رسول الله. فردوا عَلَيْهِ ماله وجميع ما كَانَ معه. وأسلم أَبُو العاص، فرد رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ زينب بنكاح جديد. ويقال:
بَلْ ردها بالنكاح الأول.
حَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّازُ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، عَنْ عُمَروَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ زَيْنَبَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَمَهْرٍ جَدِيدٍ.
حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صالح، عن ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ مُوسَى، عَنْ عِرَاكٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ زَيْنَبَ اسْتَأْذَنَتْ أَبَا الْعَاصِ فِي إِتْيَانِ أَبِيهَا عَلَيْهِ السَّلامُ، حِينَ هَاجَرَ. فَأَذِنَ لَهَا فِي ذَلِكَ. فَقَدِمَتِ الْمَدِينَةَ. ثُمَّ إِنَّ أَبَا الْعَاصِ لَحِقَهَا، فَاسْتَجَارَ بِهَا، وَقَالَ: خُذِي لِي أَمَانًا. فَخَرَجَتْ، فَأَطْلَعَتْ رَأْسَهَا مِنْ بَابِ حُجْرَتِهَا حِينَ قَضَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الصُّبْحِ، فَقَالَتْ: أَنَا زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ، وَقَدْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ. [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَسَمِعْتُمْ ما سمعت؟ قالوا: نعم. قال: فو الله مَا عَلِمْتُ، وَالْمُسْلِمُونَ يُجِيرُ عَلَيْهِمْ(1/399)
أَدْنَاهُمْ.] فَأَمْضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِوَارَ زَيْنَبَ. وَأَسْلَمَ أَبُو الْعَاصِ، فَأَقَرَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّكَاحِ الأَوَّلِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: رَدَّهَا فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ.
حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْهِنْدِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِالنِّكَاحِ الأَوَّلِ. وقال الواقدي: لِمَا أسلم أَبُو العاص، أتى مكة ثُمَّ رجع إلى المدينة. فكان بِهَا. فلما فتحت مكة، أقام بِهَا. ولم يقاتل مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وتوفى فِي سنة اثنتى عشرة. وأوصى إلى الزبير بن العوام، وهو ابن خاله. وَكَانَ لأبي العاص من زينب: عَلَي، وأمامة. فأما عَليّ، فمات وهو غلام، ولم يعقب. وأما أمامة، فتزوجها عَليّ بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة عليها السَّلَام، فولدت لَهُ محمدا الأوسط. وقتل عَليّ، وهي عنده.
فحملها عمها عبد الرحمن بن محرز بن حارثة بن ربيعة إلى المدينة. ثُمَّ إن معاوية بن أبي سفيان كتب إلى مروان بن الحكم يأمره أن يخطبها عَلَيْهِ، ففعل.
فجعلت أمرها إلى الْمُغِيرَةِ بْن نَوْفَل بْن الْحَارِث بْن عَبْدِ المطلب، وهو الَّذِي كَانَ الْحَسَن بن عَليّ عليهما السَّلَام استخلفه عَلَى الكوفة حين سار إلى المدائن. فأشهد المغيرة عليها برضاها بكل ما يصنع. فلما استوثق منها، قَالَ: قد تزوجتها، وأصدقتها أربع مائة دينار. فكتب مروان بذلك إلى معاوية. فكتب إِلَيْهِ: هي أملك بنفسها، فدعها وما اختارت/ 194/ ثُمَّ انه بعد ذلك سير المغيرة إلى الصفراء، فمات. وماتت بالصفراء. وولدت من المغيرة: يَحْيَى بن المغيرة، وبه يكنى. وتوفيت زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم في سنة ثمان من الهجرة بالمدينة. فغسلتها أم أيمن، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة. وصلى عَلَيْهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونزل فِي قبرها، ومعه أَبُو العاص. وجعل لَهَا نعش. فكانت أول من اتخذ لَهَا ذلك. وَالَّذِي أشارت باتخاذه أسماء بنت عميس، رأته بالحبشة، وهي مع زوجها جَعْفَر بن أبي طالب. ويقال إن عليا خاف أن يتزوج معاوية أمامة، فأوصاها أن تتزوج المغيرة. وكانت أمامة عنده بضعا وعشرين سنة.(1/400)
863- وولدت خديجة لرسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ
رقية بِنْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
تزوجها عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فلما نزلت «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [1] » ، قالت أمه أم جميل بنت حرب بن أمية حمالة الحطب: قد هجانا مُحَمَّد. وعزمت عَلَى ابنها عتبة أن يطلق رقية. وعزم عَلَيْهِ أبوه أيضا أن يطلقها. ففعل. فزوجها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى، عَنْهُ، فهاجرت معه إلى الحبشة. وولدت لَهُ عبد الله. فكني أبا عبد الله.
وتوفيت فِي أيام بدر، وهي عند عثمان. ودفنت بالبقيع. وصلى عليها عثمان.
وغسلتها أم أيمن. ولم يحضرها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. ويقال إنّ زيد ابن حارثة قدم المدينة بخبر بدر حين سوى عَلَى رقية التراب. وأما عبد الله بن عثمان، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضعه فِي حجره، ودمعت عَلَيْهِ عينه.
[وقال: إنما يرحم الله من عباده الرحماء.] وصلى عليه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ونزل عثمان فِي حفرته.
864- ولدت خديجة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أم كلثوم
أيضا. تزوجها معتب بن أبي لهب. ويقال: عتيبة. فعزمت عَلَيْهِ أم جميل، وأبوه، أن يطلقها.
ففعل. فلما توفيت رقية، زوجها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عثمان أيضا.
فلم تزل عنده حَتَّى توفيت فِي سنة تسع. وتبكّى [2] عثمان. [فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما يبكيك؟ فقال: انقطاع صهري منك يا رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كلا، إنه لا يقطع الصهر الموت، إنما يقطعه الطلاق، ولو كانت عندنا ثالثة، لزوجناك.] ويقال إن قريشا لِمَا سعوا إلى أبي العاص فِي طلاق زينب، سعوا إلى عتبة وأخيه فِي طلاق رقية وأم كلثوم، فطلقاهما، فزوجوا عتبة: ابنة سعيد بن العاص بن أمية.
وَحُدِّثْتُ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أنّ عثمان كان يجزع عَلَى رُقَيَّةَ جَزَعًا شَدِيدًا، فَكَانَ لا يَزَالُ يأتى قبرها.
__________
[1] القرآن، المسد (111/ 1 وما بعدها) .
[2] خ: تكنى.(1/401)
[فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَنِي أَنْ أُزَوِّجَكَ أُخْتَهَا عَلَى مِثْلِ مَهْرِ أُخْتِهَا.]
865- وولدت خديجة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فاطمة،
تزوجها على ابن أبي طالب عليهما السَّلَام بالمدينة فِي سنة اثنتين. فولدت له الحسن، وو الحسين، ومحسنا درج صغيرا، وزينب تزوجها عبد الله بن جَعْفَر فبانت مِنْه ويقال ماتت عنده، وأم كلثوم تزوجها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عَنْهُ فولدت لَهُ زيد بن عمر. وقتل عنها. فخلف عليها مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي طالب، فتوفي عنها، فخلف عليها عبد الله بن جعفر، بعد زينب. وتوفيت أم كلثوم وابنها زيد فِي يوم واحد، فصلى عليهما عبد الله بن عمر. وتوفيت فاطمة رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهَا بعد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بستة أشهر. وذلك الثبت. ويقال:
بثلاثة أشهر، ويقال بخمس وسبعين ليلة، ويقال بأربعين ليلة. وصلى عليها العباس بن عبد المطلب. ونزل هُوَ وَعَليّ فِي قبرها. ودفنت ليلا. وكبر العباس عليها أربعا. وَكَانَ لَهَا، يوم توفيت، تسع وعشرون سنة. ويقال إحدى وثلاثون سنة وأشهر. ولما حضرت فاطمة الوفاة، أمرت عليا، فوضع لها غسلا. فاغتسلت وتطهرت/ 195/ ثم دعت بثياب أكفانها. فأتيت بثياب غلاظ خشنة، فلبستها. ومست من الحنوط. ثُمَّ أمرت عليا أن لا يكشف عنها إِذَا قبضت، وأن تدفن كما هي فِي ثيابها. ففعل. ولم يصنع مثل هَذَا إلا كثير بن العباس، وكتب عَلَى أطراف أكفانه: «كَثِير بْن الْعَبَّاس يشهد أَن لا إله إلا الله» .
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ، وَعَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَلْبِيِّ، قَالا:
كَانَ أَبُو بَكْرٍ خَطَبَ فَاطِمَةَ، [فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:
أَنَا أَنْتَظِرُ بِهَا الْقَضَاءَ.] ثُمَّ خَطَبَهَا عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَقِيلَ لِعَلِيٍّ:
لَوْ خَطَبْتَ فَاطِمَةَ؟ فَقَالَ: مَنَعَهَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلا آمَنُ أَنْ يَمْنَعَنِيهَا. فَحُمِلَ عَلَى خِطْبَتِهَا، فَخَطَبَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا. فَبَاعَ بَعِيرًا لَهُ، وَمَتَاعًا، فَبَلَغَ ثَمَنَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مِائَةٍ وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا. ويقال أربع مائة
__________
[1] ابن سعد، 8/ 11- 12.(1/402)
دِرْهَمٍ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ ثُلُثَهَا فِي الطِّيبِ، وَثُلُثَهَا فِي الْمَتَاعِ. فَفَعَلَ. وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ: مَا كَانَ لَنَا إِلا إِهَابَ كَبْشٍ، نَنَامُ عَلَى نَاحِيَةٍ مِنْهُ، وَتَعْجِنُ فَاطِمَةُ عَلَى نَاحِيَةٍ.
وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ:
اسْتَحَلَّ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ بِبَدَنٍ [1] مِنْ حَدِيدٍ.
وَحَدَّثَنِي عَلِيٌّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ ابْن أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ [سَمِعَ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ يَقُولُ:
أَرَدْتُ أَنْ أَخْطُبَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابْنَتَهُ، فَقُلْتُ:
وَاللَّهِ مَا لِي شَيْءٌ، ثُمَّ ذَكَرْتُ صِلَتَهُ وَعَائِدَتَهُ، فَخَطَبْتُهَا إِلَيْهِ. فَقَالَ: وَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: فَأَيْنَ دِرْعُكَ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ يَوْمَ كَذَا؟
فَقُلْتُ: هِيَ عِنْدِي. قَالَ: فَأَعْطِهَا إِيَّاهَا] .
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، [عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:
جَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ بِخَمِيلٍ، وَقِرْبَةٍ، وَوِسَادَةٍ مَحْشُوَّةٍ بِإِذْخِرَ.] وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَغَيْرُهُ: دَخَلَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ، وَأَحَدُهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: أَيُّنَا أَكْبَرُ؟ فَقَالَ الْعَبَّاسُ: وُلِدْتَ يَا عَلِيُّ، قَبْلَ بِنَاءِ قُرَيْشٍ الْكَعْبَةَ بِسَنَوَاتٍ، وَوُلِدَتِ ابْنَتِي [2] وَقُرَيْشٌ تَبْنِي الْكَعْبَةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ خَمْسٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً. وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا وُلِدَتْ قَبْلَ ذَلِكَ.
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: أَلا إِنَّ بَنِي هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي فِي أَنْ يَنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيًّا، أَلا وَإِنِّي لا آذَنُ [3] ، ثُمَّ لا آذَنُ [4] ، ثُمَّ لا [آذَنُ [5] ، إِنَّمَا فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي، يُرِيبُنِي مَا رَابَهَا.] [وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
__________
[1] البدن: الدرع القصير.
[2] أى فاطمة بنت رسول الله.
[3] خ: لآذن.
[4] خ: لآذن.
[5] خ: لآذن.(1/403)
وَسَلَّمَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَلِيًّا خَطَبَ الْعَوْرَاءَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ، وَإِنِّي لا آذَنُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَابْنَةِ عَدُوِّ اللَّهِ.] فَوَلَدَتْ فَاطِمَةُ لِعَلِيٍّ: الْحَسَنَ وَتَكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ، وَالْحُسَيْنَ وَتَكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، وَمُحَسِّنًا مَاتَ صَغِيرًا. وَكَانَ مَوْلِدُ الْحَسَنِ فِي سَنَةِ ثَلاثٍ لِلنِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَعَقَّ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشٍ.
ثُمَّ عُلِّقَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ مَوْلِدِ الْحَسَنِ بِخَمْسِينَ لَيْلَةً بِالْحُسَيْنِ، عَلَى جَمِيعِهم السَّلامُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ بَيْنَ حَمْلِ الْحُسَيْنِ وَمَوْلِدِ الْحَسَنِ طُهْرٌ. فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَصَدَّقَ بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً. وَكَانَ مَوْلِدُهُ لَيَالِي خَلَتْ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ.
حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو الزِّيَادِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ [أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ: سَمَّيْتُهُ حَرْبًا. فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَرِنِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ قُلْنَا: حَرْبًا. فَقَالَ: هُوَ الْحَسَنُ. فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ، سَمَّيْنَاهُ حَرْبًا. فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ قُلْنَا:
حَرْبًا. فَقَالَ: هُوَ الْحُسَيْنُ. ثُمَّ لَمَّا وُلِدَ الثَّالِثُ، جَاءَ فَقَالَ: أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ قُلْنَا: حَرْبًا. قَالَ: هُوَ مُحْسِنٌ، إِنَّمَا سَمَّيْتُهُمْ بِأَسْمَاءِ وَلَدِ هَارُونَ شَبَّرَ، وَشَبِّيرَ، وَمُشَبِّرَ] .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ.
بِنَحْوِهِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ قَالَ:
تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ على/ 196/ بعد ما مَضَتْ مِنْ إِمْرَةِ مُعَاوِيَةَ عَشْرُ سِنِينَ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ سَمَّهُمَا. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: صَلَّى عَلَى الْحَسَنِ: سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ (بْنِ) سَعِيدِ بْنِ [1] الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ. [فَقَالَ الْحُسَيْنُ:
لَوْلا السِّنُّ، مَا قَدَّمْتُكَ.] وَكَانَ أَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا أَنْ يَخَافُوا أَنْ يُهْرَاقَ فِي ذَلِكَ مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ. فَمَنَعَهُمْ مَرْوَانُ، حَتَّى كَادَتِ الْفِتْنَةُ تَقَعُ. وَأَبَى الْحُسَيْنُ إِلا دَفْنَهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَلَّمَهُ عَبْدُ اللَّهِ
__________
[1] خ: بن بن.(1/404)
ابن جَعْفَرٍ، وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ الزُّهْرِيُّ فِي دَفْنِهِ بِالْبَقِيعِ. وَكَانَ مَرَضُهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَتُوُفِّيَ رَضِيَ الله تعالى عَنْهُ وَلَهُ سَبْعٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً. وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَاتَ فِي سَنَةِ خَمْسِينَ وَلَهُ ثَمَانٍ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً.
وَقُتِلَ الْحُسَيْنُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنْ مُحَرَّمٍ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ.
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، ثنا عَمْرُو (بْنُ دِينَارٍ) ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلامُ دُفِنَتْ لَيْلا.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعْدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ.
أَنَّ عَلِيًّا دَفَنَ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلامُ لَيْلا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: كَانَتْ وَفَاتُهَا، فِيمَا ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ، لَيْلَةَ الثُّلاثَاءِ لِثَلاثِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ. [وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِفَاطِمَةَ: أَنْتِ أَسْرَعُ أَهْلِي لِحَاقًا بِي. فَوَجَمَتْ.] [فَقَالَ لَهَا: أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ فَتَبَسَّمَتْ.] قَالُوا: وَأَوْصَتْ فَاطِمَةُ أَنْ تُحْمَلَ عَلَى سَرِيرٍ طَاهِرٍ، فَقَالَتْ لَهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ: أَصْنَعُ لَكِ نَعْشًا كَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْحَبَشَةِ يَصْنَعُونَ. فَأَرْسَلَتْ إِلَى جَرِيدِ رُطَبٍ فَقَطَّعَتْهُ، ثُمَّ جَعَلَتْ لَهَا نَعْشًا. فَتَبَسَّمَتْ وَلَمْ تُرَ مُتَبَسِّمَةً بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا سَاعَتَهَا تِيكَ. وَغَسَّلَهَا عَلِيٌّ، وَأَسْمَاءُ. وَبِذَلِكَ أَوْصَتْ. وَلَمْ يَعْلَمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ بِمَوْتِهَا.
866- وَوَلَدَتْ خَدِيجَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا
عَبْدَ اللَّهِ،
وَهُوَ الطَّاهِرُ، وَهُوَ الطَّيِّبُ. وَسُمِّيَ بِهَذَيْنِ الاسْمَيْنِ جَمِيعًا، لأَنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ فِي الإِسْلامِ. وَتُوُفِّيَ بِمَكَّةَ. فَقَالَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ: مُحَمَّدٌ أَبْتَرُ، لا يَعِيشُ لَهُ وَلَدٌ ذَكَرٌ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [1] .
867- وَتُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ فِي سَنَةِ عَشْرٍ مِنَ الْمَبْعَثِ، قَبْلَ مَوْتِ أَبِي طَالِبٍ. وَكَانَ بَيْنَ وَفَاتِهَا وَمَوْتِ أَبِي طَالِبٍ شَهْرٌ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ. وَيُقَالُ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ لَيْلَةً. وَيُقَالُ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ. وَمَاتَ أَبُو طَالِبٍ فِي آخِرِ شَوَّالٍ، وَأَوَّلِ ذِي الْقَعْدَةِ. وَيُقَالُ تُوُفِّيَ لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: مَاتَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِخَمْسِ سِنِينَ
__________
[1] القرآن، الكوثر (108/ 3) .(1/405)
وَنَحْوِهَا. وَذَلِكَ غَلَطٌ. وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبْرِهَا. وَلَمْ يَكُنْ سُنَّتِ [1] الصَّلاةُ عَلَى الْجَنَائِزِ يَوْمَئِذٍ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُ: غَسَّلَتْهَا أُمُّ أَيْمَنَ وَأُمُّ الْفَضْلِ.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ ابْنَةُ خُوَيْلِدٍ بِمَكَّةَ قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ بِسَنَتَيْنِ، أَوْ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلاثِ سَنَوَاتٍ أَوْ نَحْوِهَا. وَرُوِيَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَنَّهُ قَالَ: أخْرَجْنَاهَا حَتَّى دَفَنَّاهَا بِالْحَجُونِ، وَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبْرِهَا، وَكَانَتْ وَفَاتُهَا لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ عَشْرٍ، وَهِيَ ابْنَةُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً.
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَلِيٍّ، [عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: خَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ.] وسالف [2] رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من قبل خديجة، الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس: كانت تحته هالة بنت خويلد. ثُمَّ أخوه ربيعة بن عبد العزى: كانت عنده هالة أيضا. ووهب بن عبد (بن) [3] جابر الثقفي، كانت عنده هالة أيضا. ثُمَّ قطن بن وهب بن عمرو الخزاعي، من قبل هالة أيضا. وعلاج بْن أبي سلمة بْن عبد العزي بْن غيرة الثقفي، كانت تحته/ 197/ خالده بنت خويلد. وعبد الله بن بجاد بن الحارث بن حارثة ابن سَعْد بْن تيم بْن مرة بْن كعب، كانت تحته رقيقة بنت خويلد. وكانت خديجة قَبْلَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند أبي هالة هند بن النباش بن زرارة الأسيدي [4] ، من تميم، فولدت لَهُ هند بن أبي هالة، سمي باسم أبيه. ثُمَّ خلف عليها بعده عتيق بن عابد [5] بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر [6] بْن مخزوم، فطلقها،
__________
[1] خ: سنة.
[2] راجع أيضا المحبر، ص 99- 100.
[3] الزيادة عن المحبر، ص 100.
[4] خ: الأسدى (والتصحيح عن المحبر، ص 452) .
[5] خ: عائد.
[6] خ: عمرو.(1/406)
فتزوجها النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكانت مسماة لورقة بن نوفل، فآثر الله عَزَّ وَجَلَّ بِهَا نبيه. وكانت خديجة ولدت لعتيق جارية، يقال لَهَا هند. فتزوجها صيفي بْن أمية بن عابد بن عبد الله، فولدت له محمدا. فيقال لبني مُحَمَّد بْن صيفي بالمدينة «بنو [1] الطاهرة» .
868- وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد خديجة،
سودة بنت زمعة ابن قيس،
من بني عَامِر بن لؤي، قبل الهجرة بأشهر. وكانت قبله عند السكران بن عَمْرو، أخي سهيل بن عَمْرو. فلما مات خلف عَلَيْهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فكانت أول امرأة وطئها بالمدينة. وكانت أم سودة. الشموس بنت قيس [2] بن زيد بن عَمْرو [3] بن لبيد بن خداش [4] ، من بني النجار، من الأنصار. وكانت رأت فِي النوم كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وطيء عَلَى عنقها، فأخبرت السكران بذلك. فقال: لئن صدقت رؤياك، لأموتن وليتزوجنك مُحَمَّد. فقالت: حجرا وسترا [5] . ثُمَّ رأت ليلة أخرى كأن قمرا انقض عليها من السماء. فتزوجها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وولي تزويجها إياه [6] حاطب (بن عَمْرو) بن عبد شمس، ويقال أبوها. فوضع أخوها، عبد، التراب عَلَى رأسه. فكان يقول حين أسلم: إِنِّي لست أحثو التراب عَلَى رأسي لتزوج النَّبِيّ سودة. وكانت سودة مسنة، فطلقها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سنة ثمان من الهجرة تطليقة. فجمعت ثيابها، وجلست لَهُ عَلَى الطريق التي كَانَ يسلكها إِذَا خرج إلى الصلاة. فلما دنا منها، بكت وقالت:
يا رَسُول اللَّهِ، هَل اعتددت عَليّ فِي الإسلام بشيء؟ فقال: اللَّهُمَّ لا. فقالت:
أسألك بالله لما راجعتني. فراجعها. وجعلت يومها لعائشة، وقالت، والله ما غايتي إلا أن أرى وجهك وأحشر مع أزواجك. وَكَانَ فِي أذنها ثقل. وتوفيت فِي سنة ثلاث وعشرين. وصلى عليها عمر بن الخطاب. ويقال إنها توفيت في خلافة
__________
[1] خ: بنوا.
[2] خ: قليس (والتصحيح عن المحبر، ص 79، مصعب، ص 422) .
[3] خ: عمر (التصحيح عما مضى) .
[4] خ حدايش (والتصحيح عما مضى) .
[5] خ: سبترا.
[6] خ: لنياه.(1/407)
عثمان، وَلَهَا نحو من ثمانين سنة. وكانت سودة قد لزمت بيتها، فلم تحج إلى أن توفيت. وذلك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا حج بنسائه، قَالَ: هَذِه الحجة، ثُمَّ طهور الحصر.
وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُمَرِيُّ، ثنا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْلَمَ، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، [1] عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةَ زَمْعَةَ مِنْهُ، وَقَالَ: اقْبِضْهُ إِلَيْكَ. فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ، أَخَذَهُ سَعْدٌ وَقَالَ:
(ابْنُ أَخِي،) [2] قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ. فَقَامَ إِلَيْهِ عبد بن زمعة، فقال:
«أخى، ابن وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ» . فَتَسَاوَقَا إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال سعد: يا رسول الله، إن [3] (قد كان) [4] أَخِي عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ. وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ لَكَ، يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ. [وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ. ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: «احْتَجِبِي منه» ، لَمَّا رَأَى مِنْ شَبَهَهُ بِعُتْبَةَ.] فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.
وَحَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائشة بنحوه وحدثت عن محمد بن بشر العبدى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قالا:
لِمَا هلكت خديجة، جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون، فعرضت عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التزويج. فقال: بمن؟ قالت:
بسودة وعائشة. وكانت سودة مسلمة. فزوّجها إياه أبوها وهو شيخ كبير.
__________
[1] موطأ مالك، كتاب 36، حديث 20. (راجع أيضا مصعبا الزبيري، ص 421) .
[2] الزيادة عن الموطإ.
[3] عند الموطإ: ابن.
[4] الزيادة عن الموطإ.(1/408)
وسالف [1] رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من قبل سودة، حويطب بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ أَبِي قَيْسٍ، مِنْ بَنِي عَامِر بْن لؤي، وَكَانَ معمرا، مات سنة أربع وخمسين وله مائة/ 198/ وعشرون سنة. وَكَانَ عنده أم كلثوم بنت زمعة، أختها لأبيها وأمها. وعبد الرحمن بن عوف الزهري، وكانت عنده أم حبيب بنت زمعة.
869- وتزوج
عائشة بنت أبي بكر
الصديق رضي الله تعالى عنه. وأمها أم رومان بنت عمير، من بني كنانة. وأمها كنانية أيضا. وقال بعضهم: أم رومان بنت الحارث بن الحويرث. وذلك خطأ. وكانت عائشة مسماة لجبير بن مطعم ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف، فسلها أَبُو بكر سلا [2] وزوجها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والثبت أنها لَمْ تسم لأحد قَبْلَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولم يتزوج رَسُول اللَّهِ ببكر غيرها، وَكَانَ أبا عذرها. وتزوجها بمكة وهي ابنة ست، ويقال: سبع. وابتني بِهَا وهي ابنة تسع فِي شوال سنة إحدى من الهجرة. وكانت أحب نسائه إِلَيْهِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعٍ، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ ابْنَةُ ثماني عشرة سَنَةٍ.
وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنْبَأَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابْنَةُ ست سنين، وبنى بي
__________
[1] راجع أيضا، المحبر، ص 101.
[2] أرسل رسول الله خولة بنت حكيم إلى أبى بكر تخطب عليه عائشة. «فأتت أبا بكر، فذكرت ذلك له. فقال: انتظريني حتى أرجع. فقالت أم رومان: إن المطعم بن عدى كان ذكرها على ابنه، ولا والله ما وعد (أبو بكر) مشيا قط فأخلف. فدخل أبو بكر على مطعم، وعنده امرأته أم ابنه الذى كان ذكرها عليه. فقالت العجوز: يا ابن أبى قحافة، لعلنا إن زوجنا ابننا ابنتك أن تصبئه وتدخله في دينك الذى أنت عليه. فأقبل على زوجها المطعم فقال: ما تقول هذه؟ فقال:
إنها تقول ذاك. قال: فخرج أبو بكر، وقد أذهب الله العدة التي كانت في نفسه من عدته التي وعدها إياها. وقال لخولة: ادعى لي رسول الله. فدعته. فجاء، فأنكحه» . (الطبرى، ص 1768- 1769) .(1/409)
وَأَنَا ابْنَةُ تِسْعِ سِنِينَ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ وَالْكَلْبِيُّ: تَزَوَّجَهَا فِي شَوَّالٍ، وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ فِي شَوَّالٍ. فَكَانَتْ تَسْتَحِبُّ أَنْ تَتَزَوَّجَ نِسَاؤُهَا فِي شَوَّالٍ، وَتَقُولُ [1] :
أَيَّةُ امْرَأَةٍ كَانَتْ أَحْظَى عِنْدَ زَوْجٍ مِنِّي؟
حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَجْلَحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ اللَّيْثِيِّ قَالَ:
لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْتَنِي بِعَائِشَةَ، خَرَجَتْ إِلَيْهَا أُمُّهَا، أُمُّ رُومَانَ، وَهِيَ تَلْعَبُ مَعَ الْجَوَارِي فِي النَّخْلِ، فَأَخَذَتْ بِيَدِهَا فَأَدْخَلَتْهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَوَّالَ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ بِعَامٍ، وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعٍ. وَتُوُفِّيَ عَنْهَا وَهِيَ ابْنَةُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةٍ. وَكَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها حِينَ خَطَبَ سَوْدَةَ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي الرِّجَالِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلاثِ سِنِينَ فِي شَوَّالَ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، وَأَعْرَسَ بِي فِي شَوَّالَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ مِنَ الْمُهَاجَرِ. وَكُنْتُ يَوْمَ تَزَوَّجَنِي ابْنَةَ سِتٍّ وَيَوْمَ دَخَلَ عَلَيَّ ابْنَةَ تِسْعٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ، عَنِ ابْنِ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
تَزَوَّجَنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم في شَوَّالَ، وَأَعْرَسَ بِي فِي شَوَّالَ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي؟ وَكَانَتْ تستحب نسائها أَنْ يَدْخُلْنَ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فِي شَوَّالَ.
وَحَدَّثَنِي الْعَقَوِيُّ الدَّلالُ الْبَصْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي أَلْعَبُ مع الجوارى بالبنات. فما شعرت
__________
[1] خ: يقول.
[2] ابن سعد، 8/ 39- 40 (وفيه: عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بن زرارة) .(1/410)
بِذَلِكَ حَتَّى حَبَسَتْنِي أُمِّي عَنِ الْخُرُوجِ. فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنِّي قَدْ زُوِّجْتُ. وَمَا سَأَلْتُهَا حَتَّى أَخْبَرَتْنِي ابْتَدَاءً. وَلَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ بَيْتِي فَتَنْقَمِعَ الْجَوَارِي مِنْهُ وَيَخْرُجْنَ. فَيَخْرُجُ وَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ.
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ، قَالَتْ عَائِشَةُ:
مَا تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَاهُ جِبْرِيلُ بِصُورَتِي، وَقَالَ:
هَذِهِ زَوْجَتُكَ. فَتَزَوَّجَنِي وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ عَلَى حَوْفٍ [1] . فَلَمَّا تَزَوَّجَنِي، وَقَعَ عَلَيَّ الْحَيَاءُ وَإِنِّي لَصَغِيرَةٌ. وَقَالَ سُفْيَانُ: «الْحَوْفُ» ، الَّذِي يَكُونُ فِي وَسَطِ الصَّبِيِّ.
حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ، قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي، مَرَّتَيْنِ.
وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عِدَّةٌ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَائِشَةَ عَلَى أُرْجُوحَةٍ فَأَعْجَبَتْهُ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ وَلَمْ يَكُنْ حَاضِرًا. فَقَالَتْ لَهُ أُمُّ رُومَانَ: مَا حَاجَتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: جِئْتُ أَخْطُبُ عَائِشَةَ. قَالَتْ: إِنَّ/ 199/ عِنْدَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هِيَ أَكْبَرُ مِنْهَا. قَالَ: إِنَّمَا أُرِيدُ عَائِشَةَ. ثُمَّ خَرَجَ. وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رضى الله تعالى عنه، فأخبرته، فَأَخْبَرَتْهُ أُمُّهَا بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَخَرَجَ، فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ. وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ الأَرَاجِيحِ.
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ وَهِيَ ابْنَةُ سِتٍّ، وَدَخَلَ بِهَا وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعٍ، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ ابْنَةُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، وَمَاتَتْ وَهِيَ ابْنَةُ سِتٍّ وَسِتِّينَ سَنَةً فِي سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ. وَتَزَوَّجَهَا بِكْرًا، وَسَمَّاهَا «أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ» . وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ:
وَقَدْ يُقَالُ إِنَّهَا مَاتَتْ فِي سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ. وَالثَّبْتُ أنها مات في سنة ثمان [2] وخمسين.
__________
[1] الحوف: جلد يشق على هيئة الإزار تلبسه الصبيان.
[2] خ: ثماني.(1/411)
حدثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان، عن هِشَام، عَن أبية قَالَ:
ماتت عائشة فِي سنة سبع وخمسين، ومات أبو هريرة فِي سنة تسع وخمسين.
وقد روى قوم أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج عائشة في شهر رمضان. والأول أثبت.
870- قالوا: وكانت عائشة تَقُولُ: ما غرت عَلَى امرأة من نساء النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيرتي عَلَى خديجة وإن كَنت بعدها، لِمَا أسمع من ذكر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياها.
حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عن أبيه، عن جده، عن أبي صالح قَالَ، قَالَتْ عَائِشَةُ:
إِنِّي لأَغَارُ عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنْ كُنْتُ بَعْدَهَا، لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُ مِنْ ذكر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: « [كَانَتْ خَدِيجَةُ خَيْرَ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ» ، وَقَالَ: «إِنَّ لِخَدِيجَةَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لا صَخَبَ فِيهِ وَلا نَصَبَ» ، وَإِنِّي لأَعْرِفُ فَضْلَهَا] .
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقُلْتُ: خَيْلَ سُلَيْمَانَ. فَضَحِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بن همام، عن معمر، عن الزهري، فِيمَا يَحْسَبُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا. فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقْبَلْتَ عَلَى هَذِهِ السَّوْدَاءِ هَذَا الإِقْبَالَ؟ [فَقَالَ: إِنَّهَا كَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى خَدِيجَةَ كَثِيرًا، فَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الإِيمَانِ] .
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إسحاق، عن كريب قال:
خَطَبَ عَلَيَّ يَوْمًا، فَقَامَ رَجُلٌ، فَشَتَمَ عَائِشَةَ. فَنَهَضَ إِلَيْهِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَقَالَ: اسْكُتْ مَقْبُوحًا، أَتَقَعُ فِي حَبِيبَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَزَوْجَتِهِ؟(1/412)
حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّامِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال يوما: [يا عائشة، إن جبريل يقرؤ عَلَيْكِ السَّلامَ. فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ] .
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّرِيرُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِمِثْلِهِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَاسِطِيُّ الضَّرِيرُ، ثنا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ بْنِ شَرَاحِيلُ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ:
[قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا آسية امرأة فرعون، ومريم ابنة عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَنِ النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى الطَّعَامِ] .
حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ: إِنِّي لأَعْرِفُ غَضَبَكِ إِذَا غَضِبْتِ، وَرِضَاكِ إِذَا رَضِيتِ. فَقَالَتْ: وَكَيْفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ [قَالَ: إِذَا غَضِبْتِ قُلْتِ «يَا مُحَمَّدُ» ، وَإِذَا رَضِيتِ قُلْتِ «يَا رَسُولَ اللَّهِ] » . وَرُوِيَ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ [قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا غَضِبْتِ قُلْتِ «لا، وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ» ، وَإِذَا رَضِيتِ قُلْتِ «لا، وَرَبِّ مُحَمَّدٍ] » . فَقَالَتْ: إِنَّمَا أَهْجُرُ اسْمَكَ.
حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَوْ غَيْرِهِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ:
دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ لَهُ: أَيْنَ كُنْتَ؟
قَالَ عَنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ. فَقَالَتْ: «وَمَا تَصْنَعُ بِأُمِّ سَلَمَةَ؟ وَإِنَّكَ نَزَلْتَ بِعَدْوَتَيْنِ، / 200/ إِحْدَاهُمَا عَافِيَةٌ [1] لَمْ تُرْعَ، وَالأُخْرَى قَدْ رُعِيَتْ، فِي أَيِّهِمَا كُنْتَ تَرْعَى؟» [قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي الَّتِي لَمْ تُرْعَ. وَتَبَسَّمَ صلى الله عليه وسلم] .
__________
[1] العافية الأرض غطاها النبات (القاموس)(1/413)
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: يَعْنِي أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ لَكَ [1] فَإِنَّمَا خَلَفْتَ عَلَيْهَا بَعْدَ زَوْجٍ، غَيْرِي.
871- حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ هاشم، عن حميد بن عبد الله الملأى، عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ:
رَأَيْتُ عَلَى عَائِشَةَ خِمَارَيْنِ، حَبْشَانِيًّا وَغُرَابِيًّا أَسْوَدَ.
وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ:
دَخَلَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ عَائِشَةُ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ. فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ الْحُمَيْرَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هَذِهِ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ: أَفَلا أَنْزِلُ لَكَ عَنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا. فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: مَنْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
هَذَا الأَحْمَقُ الْمُطَاعُ فِي قَوْمِهِ.
872- وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يُحَدِّثُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ، قَالَتْ عَائِشَةُ:
وَجْهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ، حِينَ هَاجَرَ إِلَيْهَا، زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَأَبَا رَافِعٍ مَوْلَيَيْهِ. فَحَمَلا سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ، وَفَاطِمَةَ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ. وَحَمَلَ زَيْدٌ أُمَّ أَيْمَنَ امْرَأَتَهُ، وَأُسَامَةَ ابْنَهُ. وَبَعَثَ أَبِي:
عَبْدَ اللَّهِ، أَخِي، فَحَمَلَ أُمَّ رُومَانَ، وَحَمَلَنِي وَأُخْتِي. وَخَرَجَ طَلْحَةُ، فَاصْطَحَبَنَا. فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، وَالْمَسْجِدَ يُبْنَى وَأَبْيَاتٌ حَوْلَهُ. فَمَكَثْنَا أَيَّامًا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا بَكْرٍ أَنَا بَاعِثٌ بِالصَّدَاقِ. وَهُوَ اثْنَتَا عَشْرَةَ أُوقِيَّةٍ وَنَشٍّ [2] . فَبَعَثَ بِذَلِكَ، وَبَنَى بِي فِي بَيْتِي هَذَا الَّذِي أَنَا فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ: بُدِئَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ. وَيُقَالُ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ. فَجَعَلَ يَقُولُ: أَيْنَ أَنَا غَدًا، وَأَيْنَ أَنَا بَعْدَ غَدٍ؟ فَعَرَفَ أَزْوَاجَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ عَائِشَةَ، فَقُلْنَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ وَهَبْنَا أَيَّامَنَا لأُخْتِنَا عَائِشَةَ. فَخَرَجَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَمِّهِ الْعَبَّاسِ، وَالْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ حَتَّى دَخَلَ مَنْزِلَ عَائِشَةَ، فَتُوُفِّيَ فِي مَنْزِلِ عَائِشَةَ. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادِ لَهُ أن فاطمة كانت
__________
[1] خ: امراد لك.
[2] النش نصف أوقية عشرون درهما (القاموس)(1/414)
تَطُوفُ، حِينَ مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى أَزْوَاجِهِ فَتَقُولُ: إِنَّهُ يَشُقُّ عَلَى النَّبِيِّ أَنْ يَطُوفَ عَلَيْكُنَّ. فَقُلْنَ: هُوَ فِي حلّ. فكان يكون في بيت عائشة.
873- حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ:
أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ [1] فَاطِمَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْذَنَتْ.
فَأَذِنَ لَهَا. فَدَخَلَتْ وَهُوَ عِنْدَ عَائِشَةَ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أزواجك أرسلنى إِلَيْكَ، يَسْأَلْنَكَ السَّوِيَّةَ فِي ابْنَةِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ.
فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّةِ، أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ:
فَأَحِبِّي هَذِهِ، يَعْنِي عَائِشَةَ. قَالَتْ فَاطِمَةُ: فَجِئْتُ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَدَّثْتُهُنَّ. فَقُلْنَ: مَا أَغْنَيْتِ عَنَّا شَيْئًا. فَأَرْسَلْنَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ أَزْوَاجُكَ، وَهُنَّ يَسْأَلْنَكَ السَّوِيَّةَ فِي ابْنَةِ (ابْنِ) أَبِي قُحَافَةَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَوَقَعْتُ بِزَيْنَبَ، فَسَبَّتْنِي.
وَطَفِقْتُ أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَتَى يَأْذَنُ لِي فِيهَا. فَلَمْ أَزَلْ أَنْظُرُ إِلَيْهِ حَتَّى عَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ مِنْهَا.
قَالَتْ: فَأَوْقَعْتُ بِزَيْنَبَ، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ أَفْحَمْتُهَا. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بكر.
874- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن سعد [2] ، عَن الواقدي، عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عن عبد الله ابن كَعْبٍ مَوْلَى آلِ عُثْمَانَ، عَنْ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ قَالَ:
كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم يحفظن من حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا، وَلا بِمِثْلِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ. وَكَانَتْ عَائِشَةُ تُفْتِي فِي عَهْدِ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَإِلَى أَنْ مَاتَتْ. وَكَانَ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ يُرْسِلانِ إِلَيْهَا فَيَسْأَلانِهَا عَنِ الشَّيْءِ.
875- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى الْحِمْصِيُّ، ثنا مُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ الْحِمْصِيُّ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ/ 201/ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
إِنْ كُنْتُ لأَسْتَاكُ فَيَأْخُذُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السواك، فيستاك
__________
[1] زاد بعده في الأصل سهوا: «فاطمة صلى الله عليه وسلم» ، فحذفناه.
[2] ابن سعد، 8/ 56.(1/415)
بِفَضْلِ رِيقِي.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى، ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لَهَا: نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ. قَالَتْ: إِنِّي حَائِضٌ. قَالَ: ما [1] حيضك بيدك.
876- حدثنى أبو مسعود الكوفى، عن ابْنِ أَبِي الأَجْلَحِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ، قَالَتْ عَائِشَةُ:
رَوَيْتُ لِلَبِيدٍ نَحْوًا مِنْ أَلْفِ بَيْتٍ. وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَذْكُرُهَا، فَيَتَعَجَّبُ مِنْ فِقْهِهَا وَعِلْمِهَا، ثُمَّ يَقُولُ: مَا ظَنُّكُمْ بِأَدَبِ النُّبُوَّةِ؟
وَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ، قَالَ ابْنُ (أَبِي) الأَجْلَحِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ:
قِيلَ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، هَذَا الْقُرْآنُ تَلَقَّيْتِهِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الحلال والحرام، وهذا الشعر والنسب وأحاديث الناس سمعتها أبيك وغيره، فَمَا بَالُ الطِّبِّ؟ قَالَتْ: كَانَتِ الْوُفُودُ تَأْتِي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يزال الرجل يشكو علة به فيسأله عَنْ دَوَائِهَا، فَيُخْبِرُهُ بِذَلِكَ.
فَحَفِظْتُ مَا كَانَ يَصِفُهُ لَهُمْ، وَفَهِمْتُهُ، وَحَفِظْتُهُ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن صالح المقرى [2] ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَنْشَدَتْ بَيْتَ لَبِيدٍ [3] :
ذَهَبَ الَّذِينَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ ... وَبَقِيتُ فِي خَلَفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ
فَقَالَتْ: رَحِمَ اللَّهُ لَبِيدًا، فَكَيْفَ لَوْ رَأَى هَذَا الزَّمَانَ؟ فَقَالَ عُرْوَةُ: وَأَنَا أَقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، فَكَيْفَ لَوْ رَأَتْ هَذَا الزَّمَانَ؟ وَقَالَ هِشَامٌ: رَحِمَ اللَّهُ عُرْوَةَ، فَكَيْفَ لَوْ رَأَى هَذَا الزَّمَانَ؟ وَقَالَ حَمَّادٌ: رَحِمَهُمُ اللَّهُ، فَكَيْفَ
__________
[1] خ: لم.
[2] لعله: «المصرى» .
[3] ديوان لبيد، ص 28، الاستيعاب رقم 548 حجر بن عدى الكندى، ورقم 978 لبيد بن عامر.(1/416)
لَوْ رَأَوْا زَمَانَنَا هَذَا؟ [1] .
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَن ابْنِ يمان، عن سفيان الثوري، عَن الأعمش، قَالَ:
كَانَ يقال إن عائشة رجلة الرأى.
877- حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:
[قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي بَكْرٍ: أَلا تُعَدِّينِي عَلَى عَائِشَةَ؟ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ، فَضَرَبَ صَدْرَهَا ضَرْبَةً شَدِيدَةً. فَجَعَلَ يَقُولُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ أَبَا بَكْرٍ، إِنَّا لَمْ نُرِدْ هَذَا كُلَّهُ] .
وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ لِسَفَرٍ فَخَرَجَ غَيْرُ سَهْمِي، تَغَيَّرَ وَجْهُهُ، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، بَدَأَ بِي فَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ الْقَسْمَ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ عِنْدِي.
وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ سَلِمَةَ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ النَّحْوِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ هَمَّ أَنْ يُطَلِّقَ مِنْ نِسَائِهِ. فَلَمَّا رَأَيْنَ ذَلِكَ، جَعَلْنَهُ فِي حِلٍّ مِنْ إِتْيَانِ مَنْ شَاءَ. فَكَانَ يُؤْثِرُ عَائِشَةَ وَزَيْنَبَ، لِفَضْلِهِمَا عِنْدَهُ.
حَدَّثَنِي عبد الحميد بن واسع الحاسب، حَدَّثَنِي يَحْيَى بن آدم، عَن سفيان، عَن رجل، عَن مجاهد قَالَ:
ذكروا مسير عائشة إلى البصرة، فقال: لَيْسَ ذلك بمذهب فضلها البارع، ولا مبطل ما تقدم لَهَا وتأخر من الإحسان، ومع هَذَا فإنها أحب نساء النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إليه، وكانت أشدّ هن حبّا له، وكل مع من أحبّ.
__________
[1] ومن أمثال حسن الظن بالقدم ما رواه ابن هشام (ص 815) عن يوم فتح مكة في العصر النبوي، حيث اقتطع جندى طوقا من عنق أخت أبى بكر كانت بمكة مع أبيها:
«ثم قام أبو بكر، فأخذ بيد أخته، وقال: أنشد الله والإسلام طوق أختى! فلم يجبه أحد.
قالت (الرواية) : فقال: أى أخية، احتسبى طوقك فو الله إن الأمانة في الناس اليوم لقليل» .(1/417)
878- وَحَدَّثَنِي عبد الأعلى النرسي قَالَ:
رَأَيْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النوم، فقال: شر من ينتحل قبلتي الخوارج والروافض، وشرهم قاتل على والسيد الحميرى.
879- حدثنى أبو موسى إسحاق القروي، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: هَلْ كَانَتْ عَائِشَةُ تُحْسِنُ الْفَرَائِضَ؟ فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَكَابِرَ يَسْأَلُونَهَا عَنِ الْفَرَائِضِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلا كَانَ فِي دَارٍ لَهَا، وَكَانَ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ، فَقَالَتْ لَهُ:
إِنْ أَخْرَجْتَ النَّرْدَ مِنْ مَنْزِلِكَ، وَإِلا أَخْرَجْتُكَ مِنْ دَارِي.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن سعد، عن الواقدي، عن موسى بن مُحَمَّد التيمي، عَن أَبِيهِ، عَن أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرحمن قَالَ:
ما رأيت أحدا أعلم بسنن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا أفقه فِي رأي إِذَا احتيج/ 202/ إلى رأيه، ولا أعلم بآية فيمن أنزلت، ولا بفريضة من عائشة.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْنُ سَعْدٍ، عَن الْوَاقِدِيِّ، ثنا عبد الله بن معمر بن حَفْص، عَن عبد الرحمن بن القاسم، عَن أبيه قَالَ:
كانت عَائشة قد اشتغلت بالفتوى فِي خلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان وهلم جرا إلى أن ماتت، وكنت ملازما لَهَا.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْنُ سَعْدٍ، عَن الْوَاقِدِيِّ، عَن مُحَمَّد بن مسلم بن حماد، عَن عثمان بْن حَفْص، عَن الزهري، عَن قبيصة بْن ذؤيب قَالَ:
كانت عائشة أعلم الناس، يسألها الأَكَابِرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
880- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بَعَثَ إِلَى عَائِشَةَ بِقِلادَةٍ قُوِّمَتْ مِائَةَ أَلْفٍ، فَقَبِلَتْهَا وَقَسَمَتْهَا في أمهات(1/418)
الْمُؤْمِنِينَ، وَكَانَتْ مِنْ أَسْخَى النَّاسِ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادَانِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: بَاعَتْ عَائِشَةُ دَارًا لها بمئة أَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَسَمَتِ الْمَالَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: قَسَمْتِ مِائَةَ أَلْفٍ، وَاللَّهِ لَتَنْتَهِيَنَّ عَنْ بَيْعِ رِبَاعِهَا أَوْ لأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا. فَقَالَتْ: «أَهُوَ يَحْجُرُ عَلَيَّ؟ عَلَيَّ نَذْرٌ إِنْ كَلَّمْتُهُ أَبَدًا» .
فَضَاقَتْ بِهِ الدُّنْيَا، حَتَّى كَلَّمَتْهُ، وأعتقت مائة رقبة.
881- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مسروق قال:
دخل حسان على عائشة بعد ما كُفَّ بَصَرُهُ. فَقِيلَ لَهَا: أَتُدْخِلِينَ عَلَيْكِ هَذَا الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ؟) [1] فقالت:
أو ليس هُوَ فِي عَذَابٍ، وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ؟ فَأَنْشَدَهَا بَيْتًا قَالَهُ لابْنَتِهِ [2] :
حَصَانٌ رَزَانٌ لا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ
فَقَالَتْ: لكنك لست كذاك.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:
لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ [3] عُذْرَ عَائِشَةَ، قَامَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ فَقَبَّلَ رَأْسَهَا. فَقَالَتْ: بِحَمْدِ اللَّهِ، لا بِحَمْدِكَ ولا حمد صاحبك يا أبتاه إلا عَذَرْتَنِي؟ فَقَالَ: «وَكَيْفَ أَعْذِرُكِ بِمَا لا أَعْلَمُ؟ أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي يَوْمَ أَعْذِرُكِ بِمَا لا عِلْمَ لِي بِهِ؟» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَكْرَهُ أَنْ يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانٌ، وتقول: إنه الذى قال [4] :
__________
[1] القرآن، النور (24/ 11) .
[2] ديوان حسان، ق 112، ب 2: (حصانا رزان الرجل يشبع جارها وتصبح إلخ) : السهيلي 2/ 224، صحيح البخارى، كتاب المغازى (64/ 36) وعنده كما عندنا، ابن هشام، ص 729، كذلك. (تزن: تظن. خ: يصبح غرثى) .
[3] القرآن، النور (24/ 11 وما بعدها) .
[4] ديوان حسان، ق 1، ب 27، ابن هشام، ص 830، صحيح البخارى، كتاب المغازى (64/ 36، حديث 1) .(1/419)
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ عكرمة في قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ [1] ، قال: يعنى عائشة.
882- قالوا: وَكَانَ أَخُو عَائِشَةَ لأُمِّهَا أُمِّ رُومَانَ، طُفَيْلَ بن عبد الله بن الحارث ابن سَخْبَرَةَ بْنِ جُرْثُومَةَ [2] الأَزْدِيَّ، وَأَخُوهَا لأَبِيهَا وَأُمِّهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ.
وَيَذْكُرُ بَعْضُهُمْ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ: [مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَرَى امْرَأَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى أُمِّ رُومَانَ.] وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ خَلَفَ عَلَى أُمِّ رُومَانَ بَعْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، وَكَانَ قَدِمَ بِهَا مَكَّةَ وَحَالَفَ أَبَا بَكْرٍ قَبْلَ الإِسْلامِ، فَخَلَفَ عَلَيْهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ. وَمَاتَتْ أُمُّ رُومَانَ فِي ذِي الْحَجَّةِ سَنَةَ سِتٍّ. فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبْرِهَا، وَصَلَّى عَلَيْهَا.
883- وتوفيت عائشة رضي الله تعالى عنها، ولم تلد لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا اشتملت عَلَى حمل. وكانت وفاتها ليلة الثلاثاء لسبع عشرة، ويقال تسع عشرة، ويقال لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة ثمان وخمسين، وهي ابنة ست وستين سنة. وأوصت أن تدفن من ليلتها. فدفنت بالبقيع بعد الوتر. وبين يدي جنازتها الجريد، ملفوفا عليها الحرق وفيها النار [3] ، وقد زيّت [4] الخرق زيتا [5] . قالوا: واجتمع الناس ليلتئذ/ 203/ وجاء أهل العوالي، فكأنها كانت ليلة عيد. وكثر البكاء عليها. وَكَانَ عَلَى المدينة مروان بن الحكم، إلا أَنَّهُ خرج معتمرا واستخلف أبا هريرة. فصلى عليها أَبُو هريرة. وحضر عبد الله بن عمر صلاته عليها بالبقيع، فلم ينكر ذلك. وجعلت أم سلمة تَقُولُ، وقد حضرت وفاتها: رحمك الله وغفر لك، وعرّفنيك في الجنة. ونزل في حفرتها
__________
[1] القرآن، النور (24/ 23) .
[2] خ: «يزجر» (في سطر) ، «ثومة» (في سطر تال) .
[3] خ: البار.
[4] خ: زويت. (لعله كما أثبتناه) .
[5] خ: زينا.(1/420)
عبد الله بن الزبير، وهو ابن أختها أسماء ابنة أبي بكر، وعروة بن الزبير، والقاسم بن مُحَمَّد بن أبي بكر، وعَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي بكر وهو ابن أبي عتيق. وإنما قيل «ابن أبي عتيق» ، لأنه كَانَ يرمى ذات يوم، فانتمى إلى أبي قحافة، فقال: أنا ابن أبي عتيق، فغلب ذلك عَلَى اسم أبيه.
ويقال إنه نزل فِي قبرها أيضا عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكر. وقال قوم:
كَانَ الوالي عَلَى المدينة عتبة بن سفيان، وَكَانَ معتمرا، وَأَبُو هريرة خليفته، فصلى عليها. والثبت أنها ماتت فِي شهر رمضان، والوليد ولي المدينة فِي ذي القعدة من هَذِه السنة.
884- قال مُحَمَّد بن سعد، حَدَّثَنِي الْوَاقِدِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
دَخَلَ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ ثَقِيلَةٌ، فَقَالَ: يَا أُمَّهْ كَيْفَ تَجِدِينَكِ، جُعِلْتُ فِدَاكِ؟ قَالَتْ: هُوَ الْمَوْتُ. قَالَ: فَلا جُعِلْتُ فِدَاكِ إِذًا. فَقَالَتْ:
أَمَا تَدَعُ هَذَا عَلَى حَالٍ؟
وَحَدَّثَنِي الحرمازي، عَن أَبِي زَيْد الْأَنْصَارِيّ، عَن أَبِي عَمْرو بن العلاء قَالَ: عرضت لعائشة حاجة، فبعثت إلى ابن (أبي) عتيق أن أرسل إلي ببغلتك لأركبها فِي حاجة. قال، وكان مزاحا بطالا، فقال لرسولها: قل لأم الْمُؤْمِنِين: والله ما دحضنا عار يوم الجمل، أفتريدين أن تأتينا بيوم البغلة؟
885- وسالف [1] رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبل عائشة رضي الله تعالى عنها: طلحة بن عُبَيْد الله بْن عُثْمَان بْن عَمْرو بْن كعب بْن تيم بن مرة، كَانَت عنده أم كلثوم بنت أبي بكر، من حبيبة بنت خارجة (بن زيد) بن أبي زهير [2] الْأَنْصَارِيّ، وكانت حين توفي أَبُو بكر حاملا. فولدت لطلحة:
عائشة بنت طلحة، وزكريا بن طلحة. وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ربيعة ابن المغيرة المخزومي، عمّ عمر بن الحارث بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة، خلف عَلَى أم كلثوم بنت أبي بكر [3] ، فولدت له إبراهيم، وعثمان، وموسى، وبنات. والزبير
__________
[1] راجع أيضا المحبر، ص 100- 101.
[2] خ: خارجه بن أبى رهم.
[3] خ: كلثوم بن طلحة.(1/421)
ابن الْعَوَّام بْن خويلد بْن أسد بْن عَبْدِ العزى بن قصي، كانت عنده أسماء بنت أبي بكر الصديق، أخت عائشة لأبيها. وأم أسماء: قتيلة بنت عبد العزى ابن أَبِي قَيْس، من بَنِي عَامِر بْن لؤي. فولدت أسماء، للزبير، عبد الله، وعروة، والمنذر، وعاصما، وأم حسن، وعائشة بني الزبير.
886- وتزوج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
غزية بنت دودان بن عوف بن عَمْرو،
من ولد معيص بن عَامِر بن لؤي، وهي أم شريك التي «وهبت نفسها للنبي [1] » صَلَّى الله عليه وسلم. وبعضهم يقول: هي غزية بنت دودان بن عوف بن جابر ابن ضباب بن حجير بن عبد بن معيص. وهو أثبت النسبين. وكانت غزية قَبْلَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند أبي العكر، وأسمه مسلم بن سمي بن الحارث الأزدى، من ميدعان. وهو حليف بني عَامِر بن لؤي، فولدت لَهُ شريك بن أبي العكر، فكنيت بِهِ. وقال ابن الكلبي: رأى رَسُول اللَّهِ صلى الله اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغزية كبرة، فطلقها. فأوثقها أهلها وقومها وحملوها من مكة إلى البدو. وكانت تدخل عَلَى النساء بمكة، فتدعوهن إلى الإسلام. وكانت عَلَى ذلك بعد طلاقها، تدعو إلى الإسلام. وقال غيره: وهبت نفسها للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يتزوجها، ولم يردها.
887- وتزوج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حفصة بنت عُمَر بْن الْخَطَّابِ بْن نفيل بْن عَبْدِ العزى،
رضي الله تعالى عنها فِي شعبان/ 204/ سنة ثلاث قبل أحد بشهرين. وأم حفصة: زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة، أخت عثمان بن مظعون. وأمها خزاعية. وكانت حفصة عند خنيس بن حذافة ابن قَيْس بْن عدي بْن سَعْد بْن سهم بْن عَمْرو بْن هصيص بْن كعب بْن لؤي، فمرض والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببدر وَهُوَ مَعَهُ. ومات مَقْدَمِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بدر. فخلف عَلَيْهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بعد ذلك.
__________
[1] القرآن، الأحزاب (33/ 50) .(1/422)
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ:
لَمَّا تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ، لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُهَا عَلَيْهِ. فَقَالَ: أَنْظُرُ فِي ذَلِكَ. فَمَكَثَ أَيَّامًا ثُمَّ لَقِيَنِي: فَقَالَ: قَدْ بَدَا لِي أَنْ لا أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا. قَالَ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ زَوَّجْتُكَ حَفْصَةَ.
فَصَمَتَ، وَلَمْ يُرْجِعْ إِلَيَّ جَوَابًا. قَالَ عُمَرُ: فَكُنْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ. ثُمَّ لَبِثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ. فَخَطَبَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَكَحَهَا. فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ فِي نَفْسِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيهَا شَيْئًا، إِلا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أَكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّهُ.
وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو صَالِحٍ، ثنا عُبَيْدُ بْنُ بحيث، ثنا رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشٍ قَالَ:
[قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: أَلا أَدُلُّكَ عَلَى خَتَنٍ خَيْرٌ لَكَ مِنْ عُثْمَانَ، وَأَدُلُّ عُثْمَانَ عَلَى خَتَنٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْكَ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ، وَأُزَوِّجُ ابْنَتِي عُثْمَانَ] .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنِي مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَرَضَ حَفْصَةَ عَلَى عُثْمَانَ، [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ زَوَّجَ اللَّهُ (عُثْمَانَ) خَيْرًا مِنِ ابْنَتِكَ، وَزَوَّجَ ابْنَتَكَ خَيْرًا مِنْ عُثْمَانَ.] فتزوج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حفصة، وزوج عثمان أم كلثوم بنت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي الْوَاقِدِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بن جبير ابن مُطْعِمٍ، قَالَ:
خَرَجَتْ حَفْصَةُ مِنْ بَيْتِهَا، فَبَعَثَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى جَارِيَتِهِ فَجَاءَتْ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ حَفْصَةُ وَهِيَ مَعَهُ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفِي بَيْتِي وَعَلَى فِرَاشِي؟ [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْكُتِي، فَلَكِ اللَّهُ أَنَّ(1/423)
لا أَقْرَبَهَا أَبَدًا، وَلا تَذْكُرِي هَذَا لأَحَدٍ أَبَدًا.] فَأَخْبَرْتُ بِهِ عَائِشَةَ، وَكَانَتْ لا تَكْتُمُهَا شيئا، إنما كان أمرهما واحدا. فأنزل الله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [1] ، الآيَاتِ، فَكَفَّرَ يَمِينَهُ. وَقَوْلُهُ «إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ [2] » ، يعنى حفصة. وقوله «وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ [3] » ، يعنى عائشة وحفصة. وقوله «وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ [4] » ، يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ. قَالَ: فَطَلَّقَ حَفْصَةَ تَطْلِيقَهُ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً [5] ، قَالَ: أَسَرَّ إِلَى حَفْصَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَالِي الأَمْرَ بَعْدَهُ، وَأَنَّ عُمَرَ وَالِيهِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَخْبَرَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةَ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
سَأَلْتُ نَافِعًا عَنِ الْحَرَامِ، فَقَالَ: يُكَفِّرْ يَمِينَهُ، أَوَ لَيْسَ قَدْ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَارِيَةً، فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُكَفِّرَ يَمِينَهُ؟
وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، ثنا وهب بن جرير وابن مهدي، قالا ثنا شعبة، عَن قيس بن مسلم قَالَ:
سمعت عبد الله بن شدّاد قال: نزلت يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) ، فِي شراب.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يُخْبِرُ عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلا. قَالَتْ: فَتَوَاطَأْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَيَّتُنَا مَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَقُولَ [6] لَهُ: إِنِّي لأَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَأَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟
__________
[1] القرآن، التحريم (66/ 1) .
[2] أيضا (66/ 3) .
[3] أيضا (66/ 4) .
[4] أيضا.
[5] أيضا (66/ 3) .
[6] خ: يقول.(1/424)
/ 205/ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَانَا، فَقَالَتْ لَهُ. فَقَالَ: بَلَى شَرِبْتُ عَسَلا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَلَنْ أعود له. وحرّمه. فنزلت: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَمْرُ الْجَارِيَةِ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِالْمَدِينَةِ.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتي أُمَّ سَلَمَةَ فِي غَيْرِ يَوْمِهَا، فَتُخْرِجُ إِلَيْهِ عُكَّةَ عَسَلٍ، فَيَلْعَقُ مِنْهُ. وَكَانَ يُحِبُّ الْعَسَلَ، وَيُعْجِبُهُ.
فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: أَمَا تَرَيْنَ مُكْثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ؟
فَإِذَا دَنَا مِنْكِ، فَقُولِي: أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ شَيْءٍ. فَإِنَّهُ سَيَقُولُ: ذَلِكَ مِنْ عَسَلٍ أَصَبْتُهُ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ. فَقُولِي لَهُ: أَرَى نَحْلَةَ جَرْسٍ وَعُرْفُطًا. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَدَنَا مِنْهَا، قَالَتْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ شَيْئًا، فما أصبته؟ قَالَ: عَسَلا. فَقَالَتْ:
أَرَى نَحْلَةَ جَرْسِ الْعُرْفُطَ. ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا، فَأَتَى حَفْصَةَ، فَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا قَالَتَاهُ جَمِيعًا، اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ. فَأَخْرَجَتْ إِلَيْهِ الْعَسَلَ، فَقَالَ: لا حَاجَةَ لِي فِيهِ. وَحَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ لِحَفْصَةَ: مَا أَرَانَا إِلا قَدْ أَتَيْنَا عَظِيمًا: مَنَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا كَانَ يَشْتَهِيهِ.
وَقَدْ رَوَى سَعْدَوَيْهِ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي حَفْصَةَ، فَتَأْتِيهِ بِالْعَسَلِ، وَأَنَّهَا وَاطَأَتْ سَوْدَةَ عَلَى أَنْ تَقُولُ لَهُ إِذَا خَرَجَ مِنْ عِنْدِ حَفْصَةَ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحِ عُرْفُطَةَ.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، ثنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ الْعِجْلِيُّ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ أَبِي زُمَيْلٍ قَالَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ:
اعْتَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، فَسَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ. قَالَ: وَذَلِكَ قَبْلَ الْحِجَابِ. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لأَعْلَمَنَّ ذَلِكَ. فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: يَا بنة أَبِي بَكْرٍ، أَبَلَغَ مِنْ شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى(1/425)
الله عليه وسلم؟ فقالت: ما لي ولك يا ابن الْخَطَّابِ، عَلَيْكَ بِغَيْرِي.
فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَقُلْتُ يَا حَفْصَةَ أَبَلَغَ مِنْ شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ لا يُحِبُّكِ، فَلَوْلا أَنَا، لَطَلَّقَكِ. قَالَ:
فَبَكَتْ أَشَدَّ الْبُكَاءِ. فَقُلْتُ: أَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَتْ: فِي مَشْرُبَةٍ. قَالَ: وَإِذَا أنا برباح، غلامه، قاعدا على سكفة [1] الْمَشْرُبَةِ وَقَدْ دَلَّى رِجْلَيْهِ عَلَى نَقِيرٍ مِنْ خَشَبٍ. وَهُوَ جِذْعٌ يَرْقَى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْحَدِرُ. فَقُلْتُ:
يَا رَبَاحُ، اسْتَأْذِنْ لِي. فَنَظَرَ إِلَى الْغُرْفَةِ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا. فَرَفَعْتُ صَوْتِي وَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ، اسْتَأْذِنْ لِي، فَإِنِّي أَظُنُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَى أَنِّي جِئْتُ مِنْ أَجْلِ حَفْصَةَ، وَاللَّهِ لَئِنْ أَمَرَنِي بِضَرْبِ عُنُقِهَا، لأَضْرِبَنَّ عُنُقَهَا. فَأَوْمَأَ إِلَيَّ بِيَدِهِ أَنِ ارْقَ. فَرَقِيتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَطَلَّقْتَهُنَّ؟
فَقَالَ: لا. وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ كَلامًا.
حدثني محمد بن إسماعيل الضرير الواسطي، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ حَفْصَةَ تَطْلِيقَةً. فَدَخَلَ عَلَيْهَا خَالاهَا، عُثْمَانُ وَقُدَامَةُ ابْنَا مَظْعُونٍ، فَبَكَتْ وَقَالَتْ: واللَّه مَا طَلَّقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَنَعٍ. ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَجَلْبَبَتْ. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
[إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَقَالَ لِي: رَاجِعْ حَفْصَةَ، فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَهِيَ زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ.] وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ بِطَلاقِ حَفْصَةَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الرِّجَالِ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ أُهْدِيَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةٌ فِي بَيْتِهَا، فَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ مِنْهَا شَيْئًا، وَأَرْسَلَ إِلَى زَيْنَبَ بِنَصِيبِهَا. فَلَمْ تَرْضَ بِهِ. فَزَادَهَا [2] ، فَلَمْ تَرْضَ بِهِ، وَزَادَهَا [3] . فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَقَدْ أَقْمَأَتْ/ 206/ وَجْهَكَ حِينَ تَرُدُّ عَلَيْكَ الْهَدِيَّةَ. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأنتنّ أهون على الله من أن
__________
[1] لعله في معنى الأسكفة أى خشبة الباب التي يوطأ عليها.
[2] كذا بالزاي في الأصل، لعله: «فرادها» ، «ورادها» .
[3] كذا بالزاي في الأصل، لعله: «فرادها» ، «ورادها» .(1/426)
تقمئنى، وَاللَّهِ لا أَدْخُلُ عَلَيْكُنَّ شَهْرًا. فَلَمَّا تَمَّتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، دَخَلَ عَلَيْهِنَّ، وَقَالَ: إِنَّ الشهر كذا وكذا وكذا، ثُمَّ قَبَضَ إِبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ [1] قَالَ: اعْتَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ لِلْحَدِيثِ الَّذِي أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ إِلَى عَائِشَةَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً. قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّخْيِيرِ [2] ، فَبَدَأَنِي بِهِ، فَقُلْتُ: إِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَقَالَ لَهُ جَمِيعُ أَزْوَاجِهِ مِثْلَ ذَلِكَ.
وَحُدِّثْتُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاخْتَرْنَاهُ، أَفَكَانَ طَلاقًا؟
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن حاتم، ثنا ابن يمان، عَن أشعث، عَن جَعْفَر، عَن سعيد بن جبير قَالَ:
كَانَ لأم سلمة نسيب بالطائف أهدى لَهَا عسلا، فقلن [3] أزواج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذلك. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لابْنَتِهِ حَفْصَةَ:
لا تُرَاجِعِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكَ جَمَالُ زَيْنَبَ وَلا حُظْوَةُ عَائِشَةَ.
888- وتوفيت حفصة رضي الله تعالى عنها فِي سنة خمس وأربعين، وصلى عليها مروان بن الحكم فِي إمرته الأولى عَلَى المدينة. ونزل فِي قبرها عبد الله بن عمر، وَعَاصِم بن عمر [4] وَحَمْزَة بن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ، وعُبَيْد اللَّهِ بْن عبد الله ابن عمر. ودفنت بالبقيع، وحملت فِي نعش عَلَى سرير. وتبعها مروان إلى البقيع، وجلس حَتَّى فرغ من دفنها، ثُمَّ أرسل إلى ابن عمر بعزيمة فِي الصحف التي كانت عندها، فيها القرآن عَلَى ما نسخ فِي أيام أبى بكر. فأخذها ومحاها.
__________
[1] تجده في مسند ابن حنبل، رقم 222 (ج 1، ص 33- 34 من الطبعة الأولى) .
[2] القرآن، الأحزاب (33/ 28- 29) .
[3] قلن (كذا في الأصل) .
[4] خ: عمير.(1/427)
وقال مُحَمَّد بن سلام الجمحي: توفيت حفصة فِي خلافة عثمان، وذكر أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوجها فِي سنة اثنتين. والأول أثبت.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن سعد [1] ، عَن الواقدي، عَن رجل، عَن المقبري قَالَ:
كَانَ مروان بين أبي هريرة وبين أبي سعيد الخدري فِي جنازة حفصة.
فحمل مروان السرير من عند دار آل حزم إلى دار المغيرة إلى قبرها.
وقد روي رشدين، عَن [2] الْحَسَن بن ثوبان، عَن يزيد بن أبي حبيب أن حفصة توفيت سنة إفريقية. والأول أثبت.
889- وسالف [3] رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبل حفصة:
عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب. كَانَت تحته فاطمة بنت عمر، وأمها أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ عَليّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وجدتها فاطمة بِنْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وأخوها لأبيها وأمها زيد بن عمر [4] بن الخطاب، فولدت لعبد الرحمن: عبد الله وابنه. وإبراهيم بن نعيم النحام بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أسيد بْن عبد بن عوف بن عبيد ابن عويج بن عدي بن كعب، كانت عنده رقية بنت عمر، أخت حفصة لأبيها، وأمها: أم كلثوم بنت عَليّ. وعبد الله بن عمر بن سراقة بن المعتمر ابن أنس [5] بن أذاه بْن رِياح [6] بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن قرط بن رزاح، كَانَت عنده زينب بنت عمر، أخت حفصة لأبيها، وهي أخت عَاصِم بن عمر لأمه، وأمها جميلة بنت عَاصِم بن ثابت بن أبي الأقلح الْأَنْصَارِيّ الَّذِي حمت لحمه الدبر. ومعتمر بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن أبي بن مالك بن الحارث الخزرجي، من بني الحبلى، وكانت أم أبي: سلول الخزاعية، وَكَانَ اسم عبد الله بن عبد الله «الحباب» ، فسماه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باسم أبيه، خلف على زينب
__________
[1] ابن سعد، 8/ 60.
[2] خ: وعن.
[3] راجع أيضا المحبر، ص 101- 102.
[4] خ: عمير.
[5] خ: اشر. (والتصحيح عن المحبر، ص 102) .
[6] خ: «زياح» وبالهامش: «زاى معجمة» . كأن الناسخ سها، ووضع العلامة على كلمة «رياح» ، بدل «رزاح» التي تليها.(1/428)
بنت عمر بعد عبد الله بن عمر بن سراقة، فولدت لَهُ عثمان بن عبد الله.
890- وتزوج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
زينب بنت خزيمة بن الحارث
ابن عبد الله بن عَمْرو بن عبد مناف بن هلال بن/ 207/ عامر بن صعصعة ابن معاوية بن بكر بن هوازن. وقال غير الكلبى: خزيمة بن الحارث بن عمرو ابن قيس بن عبد مناف. وهي أخت ميمونة بنت الحارث بن حزن لأمها.
وَكَانَ يقال لزينب بنت خزيمة «أم المساكين» ، وكنيت بذلك فِي الجاهلية.
وكانت قَبْلَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند الطفيل بن الحارث بن المطلب ابن عبد مناف بن قصي، أخي عُبَيْدة بن الحارث. فطلقها طفيل، ثُمَّ خلف عليها أخوه عبيدة، فأصيب يوم بدر ومات بالصفراء وهو ابن أربع وستين سنة. ثُمَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطبها إلى نفسها، فجعلت أمرها إِلَيْهِ. فتزوجها فِي شهر رمضان سنة ثلاث، فأقامت عنده ثمانية أشهر وماتت فِي آخر شهر ربيع الآخر سنة أربع. ودفنها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبقيع، وصلى عليها. ومات الطفيل فِي خلافة عثمان سنة ثلاثين، ويقال سنة اثنتين وثلاثين.
891- وَكَانَ العباس سلف النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبل أم المساكين، لأن أختها لأمها، هند بنت عوف بن زهير: لبابة بنت الحارث بن حزن، أم بني العباس.
892- وتزوج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أم سَلَمَة.
واسمها هند بِنْت أَبِي أمية- واسمه حذيفة- بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم. وَكَانَت قبله عند أبي سلمة عبد الله بْن عَبْد الأسد بْن هلال بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم، وقد هاجرت معه إلى أرض الحبشة. وأم «أم سلمة» : عاتكة بنت عامر بن ربيعة، أحد بني غنم بن مالك بن كنانة. وَكَانَ أَبُو سلمة بْن عَبْدِ الأسد- وأمه برة بِنْت عَبْد المطلب- رمي يوم أحد بسهم رماه به أبو أسامة الجشمى، فانتقض عَلَيْهِ فمات مِنْه فِي جمادى الآخرة سنة أربع. فلما انقضت عدتها، تزوجها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أربعة أشهر، وأعرس بِهَا فِي شوال سنة أربع. فيقال إنه خطبها إلى نفسها، فجعلت أمرها إِلَيْهِ. ويقال إنه قَالَ:(1/429)
مرى ابنك سلمة يزوجك. فزوجها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو غلام.
ويقال إن الَّذِي زوجه إياها عمر بن أبي سلمة. والثبت أن سلمة زوجه إياها.
[وَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين زوجه ابنة حمزة بن عبد المطلب، وهي أمامة: هَلْ جزيت، سلمة؟] فيقال إنه أصابه خبل من فالج قبل أن يضمها إِلَيْهِ. وتزوجها أخوه، ولم تلد لَهُ. وولدت أم سلمة لأبي سلمة: عمر، وسلمة، وزينب، ودرة، وزينب. (وزينب) هَذِه هي الَّتِي كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدخل عَلَى أم سلمة فيقول: ما فعلت زناب؟ فشهد عمر الجمل مع علىّ عليه السلام، بعثت بِهِ معه أمه، وقالت: «قد دفعته إليك وهو أعز عَليّ من نفسي، فليشهد مشاهدك حَتَّى يقضي الله ما هُوَ قاض، فلولا مخالفة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لخرجت معك كما خرجت عائشة مع طلحة والزبير» . واستعمله عَلَي عَلَى البحرين، ثُمَّ عزله وولاه فارس. ويقال ولاه حلوان، وماه، وما سبذان [1] . وَكَانَت وفاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو [2] ابن تسع سنين، ويكنى أبا حَفْص، وقد حفظ عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَاتَ فِي أَيَّامِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بالمدينة.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن مسلمة، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ أَبِي وَجْرَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ:
[قَالَ لي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْنُ مِنِّي، فَسَمِّ الله، وكل مما يليك] .
وحدثنى محمد بن وَكِيعٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ:
رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، مُتَوَشِّحًا بِهِ، وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ. وَكَانَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ وُلِدَتْ بِالْحَبَشَةِ، وَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْن زمعة بْن/ 208/ الأسود بْن المطلب بن أسد بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى.
893- قَالُوا: وَكَانَ السَّفِيرَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أُمِّ سلمة،
__________
[1] خ: ما سيدان.
[2] خ: وعمره.(1/430)
عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. وَيُقَالُ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ.
فَقَالَتْ: إِنِّي مُسِنَّةٌ. فَقَالَ: وَأَنَا أَسَنُّ مِنْكِ. قَالَتْ: فَإِنِّي مُصْبِيةٌ.
فَقَالَ: هُمْ فِي عِيَالِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. قَالَتْ: فَإِنِّي غَيُورٌ. قَالَ: أَنَا أَدْعُو اللَّهَ عز وجل أن يذهب عنك الغيرة. فدعاها لَهَا، ثُمَّ إِنَّهُ تَزَوَّجَهَا.
وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي: [إِذَا أَصَابَتْكِ مُصِيبَةٌ، فَقُولِي: «اللَّهُمَّ أَعْطِنِي أَجْرَ مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ عَلَيَّ خَيْرًا مِنْهَا] » ، فَقُلْتُ ذَلِكَ يَوْمَ تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ، ثُمَّ قُلْتُ: «مَنْ لِي مِثْلَ أَبِي سَلَمَةَ؟» ، فَأَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيَّ خَيْرًا مِنْ أَبِي سَلَمَةَ. قَالُوا: وَابْتَنَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم سَلَمَةَ فِي بَيْتِ أُمِّ الْمَسَاكِينِ، فَوَجَدَ فِيهِ جَرَّةً فِيهَا شَيْءٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَإِذَا رَحًى وَبُرْمَةً [1] ، وَفِيهَا كَعْبٌ [2] مِنْ إِهَالَةٍ.
فَكَانَ ذَلِكَ طَعَامُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلَهُ لَيْلَةَ عُرْسِهِ. قَالُوا:
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأُمِّ سَلَمَةَ حِينَ دَخَلَ بِهَا فِي صَبِيحَتِهَا: «إِنَّهُ لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ، فَإِنْ شِئْتِ ثُلِّثَ لَكِ أَوْ خُمِّسَ أَوْ سُبِّعَ؟ فَإِنِّي لَمْ أُسَبِّعْ لامْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِي قَطُّ» . فَقَالَتْ: اصْنَعْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شِئْتَ، فَإِنَّمَا أَنَا امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِكَ. وَيُقَالُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأُمِّ سَلَمَةَ: لَكِ عِنْدَنَا قَطِيفَةٌ تَلْبَسِينَهَا فِي الشِّتَاءِ، وَتَفْرِشِينَهَا فِي الصَّيْفِ، وَوِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، وَرَحَيَانِ تَطْحَنِينَ بِهِمَا، وَجَرَّتَانِ فِي إِحْدَاهُمَا مَاءٌ وَفِي الأُخْرَى دَقِيقٌ، وَجَفْنَةٌ تَعْجِنِينَ وَتَثْرِدِينَ فِيهَا. فَقَالَتْ: رَضِيتُ. فَكَانَ ذَلِكَ مَهْرَهَا.
894- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سعد [3] ، عن الواقدي، عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ، حَزِنْتُ حُزْنًا شَدِيدًا لِمَا ذَكَرَ لَنَا مِنْ جَمَالِهَا. فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى رَأَيْتُهَا فَكَانَ فِي عَيْنِي عَلَى أَضْعَافِ مَا وُصِفَتْ لَنَا. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِحَفْصَةَ، وَكُنَّا يَدًا وَاحِدَةً. فَقَالَتْ: لا وَاللَّهِ إِنَّ هذا
__________
[1] هي قدر من حجر.
[2] هو كتلة من سمن.
[3] ابن سعد، 8/ 66.(1/431)
إِلا غَيْرَةً، وَمَا هِيَ كَمَا تَقُولِينَ. قَالَتْ: ثُمَّ رَأَيْتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَكَانَتْ كَمَا قَالَتْ حَفْصَةُ.
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ هِنْدَ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِعَائِشَةَ مِنِّي شُعْبَةٌ مَا نَزَلَهَا أَحَدٌ فَلَمَّا تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ، سُئِلَ عَنِ الشُّعْبَةِ، فَسَكَتَ. فَعُرِفَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَدْ نَزَلَتْ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةٍ لَطِيفَةٍ.
895- وتوفيت أم سلمة فِي شوال سنة تسع وخمسين، ودفنت بالبقيع.
ونزل فِي قبرها سلمة، وعمر ابناها، وعبد اللَّهِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أمية وهو ابن أختها. ويقال إن أم سلمة توفيت فِي شهر رمضان سنة تسع وخمسين، وَكَانَ الوالي بالمدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان. فخرج فصلى العصر ثُمَّ صلى عليها، وَفِي الناس ابن عمر وَأَبُو سعيد الخدري. ويقال إن أم سلمة أوصت أن لا يصلي عليها الوليد بن عتبة، فركب فِي حاجة لَهُ استحياء من الناس، وصلى عليها أَبُو هريرة. وقد قيل إنها توفيت سنة إحدى وستين يوم عاشوراء. ويقال إن الوليد كَانَ غائبا، وقد استخلف أبا هريرة، فصلى عليها أَبُو هريرة وكبر أربعا.
896- وسالف [1] رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم من قبل أم سلمة: زمعة ابن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى: كَانَت تحته قريبة الكبرى بنت أبي أمية أخت أم سلمة لأبيها. وكانت أم قريبة هذه: عاتكة بنت عبد المطلب. فولدت لَهُ عبد اللَّه، ووهبا، ويزيد، والحارث قتل يوم بدر كافرا. وعمر بن الخطاب رضي اللَّه عَنْهُ: كانت عنده قريبة الصغرى، ففرق بينهما الإسلام ورجعت إلى الكفار، ثُمَّ أسلمت، / 209/ فتزوجها معاوية، فقال له أبو سفيان: أتتزوج طعينة أمير المؤمنين؟ فطلقها، فتزوجها عبد الرحمن بن أبي بكر، فولدت لَهُ عبد اللَّه.
فكانت عائشة عمته، وأم سلمة خالته. فكان معاوية سلف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذلك عبد الرحمن بن أبي بكر ومنبّه بن الحجاج
__________
[1] راجع أيضا المحبر، ص 102- 103.(1/432)
ابن عَامِر بْن حُذَيْفَة بْن سَعْد بْن سهم، كانت عنده ابنة لأبي أمية أخت أم سلمة لأبيها، فولدت رجلين. وعبد اللَّه بن سعد بن جابر بن عمير بن بشير ابن بشر، من ولد بندقة [1] بن مظة بن سلهم بن الحكم بن سعد العشيرة، كانت تحته ابنة لأبي أمية بن المغيرة. وكانت عند عبد اللَّه بن سعد هَذَا ابنة عفان، أخت عثمان، فولدت لَهُ مُحَمَّدا، وولده بالمدينة، ومنهم ناس بالبصرة.
وسالف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضًا صهيب بن سنان، مولى عبد اللَّه ابن جدعان التيمي، كانت عنده ريطة بنت أبي أمية. ويقال بَلْ هي ابنة أبي ربيعة بن المغيرة ابنة عم أبي سلمة، وهي عمة عُمَر بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي ربيعة الشاعر.
897- وتزوج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
زينب بنت جحش بن رئاب
بن يعمر بن سبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، حليف بني أمية بن عبد شمس- وأمها أميمة بنت عبد المطلب- فِي سنة خمس لهلال ذي القعدة. ويقال إنه تزوجها رجوعه من غزاة المريسيع، وكانت المريسيع فِي شعبان سنة خمس. ويقال إنه تزوجها في سنة ثلاث، وليس ذلك بثبت.
898-[2] (وَكَانَ سبب [3] حلف جحش بن رئاب بني عبد شمس،
__________
[1] خ: «حدقة» ولا يصح. فقد ذكر لنا: «الحدأ، بالكسر، الطائر. ومنه قولهم: «حدأة، وراءك بندقة» ، يعنون الطائر. وقد زعم ابن الكلبى أن حدأة وبندقة قبيلتان.
والأول هو الأعرف ... وقال أبو يوسف (ابن السكيت) ، قال الشرقى: هو حدأ (؟ حدأة) ابن مرة بن سعد العشيرة، وهم الكوفة، وبندقة بن مظة- وهو سفيان- بن سلهم بن الحكم، ابن سعد العشيرة، وهم اليمن. فأغارت حدأة على بندقة، فنالت منهم. وأغارت بندقة على حدأة فأثارتهم» . (التنبيهات على أغلاط الرواة، لأبى القاسم على بن حمزة البصرى، باب التنبيهات على ما في كتاب النبات لأبى داود الدينورى، مخطوطة دار الكتب المصرية) . ووافقته جداول وستنفلد في بندقة، ولم تذكر حدأة.
[2] جميع العبارة ما بين القوسين، نقلناها ههنا من صفحة الأصل 212، فقد كان كتب الناسخ هناك بالهامش: «من هذا إلى قوله: وسالف رسول اللَّه من قبل أم حبيبة، ينبغى أن يكون في أول تزويج النبي زينب بنت جحش» .
[3] راجع أيضا لتفاصيل القصة: المنمق، ص 184- 185.(1/433)
فيما أخبر بِهِ مُحَمَّد بن الأعرابي، عَن هِشَام الكلبي، عَن أبيه والشرقي أن رجلا من بني أسد بن خزيمة، يقال لَهُ فضالة بن عبدة بن مرارة، قتل رجلا من خزاعة، يقال له هلال بن أمية. فقتلت خزاعة فضالة بصاحبها. فاستغاثت بنو أسد بكنانة، فأبوا أن يعينوهم. فحالفوا بني غطفان. فالحليفان أسد وغطفان. وقال جحش بن رئاب: واللَّه لا حالفت إلا قريشا، و [1] لأدخلن مكة فلأحالفن أعز أهلها، ولأتزوجن بنت أكرمهم. وكان موسرا سيدا. فحالف حرب بن أمية، وتزوج أميمة بنت عبد المطلب. وأدخل جماعة من بنى دودان مكة، فدخلوا معه فِي الحلف. وقال ابن الأعرابى، قال بعض القرشيين من [2] أنّ رئاب ابن يعمر حالف حربا، وقال: لأزوجن جحشا أكرم أهل مكة. فزوجه أميمة. وَكَانَ أراد أن يحالف بني أسد بن عبد العزى، فقيل له: إنهم مشائيم [3] ، فتركهم.)
899- وكانت زينب قَبْلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند زيد بن حارثة الكلبي مولى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فشكا إِلَيْهِ، وقال: إنها سيئة الخلق، واستأمره فِي طلاقها. [فقال لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أمسك عليك زوجك يا زيد] .
وهو قول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: «وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ» - يقول: بالإسلام «وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ» - يقول: بالعتق- «أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ» [4] . وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رآها، فأعجبته، [فقال: «سبحان اللَّه مقلب القلوب] » . ثُمَّ إن زيدا ضاق ذرعا بما رأى من سوء خلقها، فطلقها. فزوجها اللَّه نبيه حين انقضت عدتها بغير مهر ولا تولى أمرها أحد كسائر أزواجه. ولم تلد زينب لزيد، وَكَانَ يقال لَهُ «الحب» ، ولابنه أسامة «الردف» أردفه النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وبعضهم يقول: هُوَ الحب بن الحب.
900- وأولم رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى زينب بشاة، ودعى الناس.
__________
[1] خ: أو.
[2] كذا في الأصل: من أن.
[3] خ: مشاميم.
[4] القرآن، الأحزاب (33/ 37) .(1/434)
فطعموا، ثُمَّ جلسوا يتحدثون، ولم يقوموا فآذوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأنزل اللَّه عز وجل آية الحجاب [1] ، وأنزل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ [2] ، أي بلوغه، الآية.
وَحُدِّثْتُ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ زَيْنَبَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لست كسائر نسائك، إنى أدلّ بثلاث سائر نِسَائِكَ مَنْ يُدَلُّ بِهِنَّ: جَدُّكَ وَجَدِّي وَاحِدٌ، وأنكحينك اللَّه مِنَ السَّمَاءِ، وَكَانَ جِبْرِيلُ السَّفِيرَ فِي أَمْرِي.
وَرُوِيَ عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ:
يَرْحَمُ اللَّه زَيْنَبَ، لَقَدْ نَالَتِ الشَّرَفَ الَّذِي لا يَبْلُغُهُ شَرَفٌ فِي الدُّنْيَا: إِنَّ اللَّه زَوَّجَهَا نَبِيَّهُ، وَنَطَقَ بِذَلِكَ كِتَابُهُ، وَإِنَّ رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال، وَنَحْنُ حَوْلَهُ: « [أَسْرَعُكُنَّ لِحَاقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا] » ، (أ) وقال: «باعا» ، فبشرها بسرعة لِحَاقَهَا بِهِ وَأَنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ. قَالُوا: وَكَانَتْ زَيْنَبُ تَقُولُ لأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زَوَّجَكُنَّ أَوْلِيَاؤُكُنَّ بِمُهُورٍ، وَزَوَّجَنِي اللَّه.
وَحُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قَالَ:
صَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَكَانَتْ أَوَّلَ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَتْ بَعْدَهُ. قَالُوا: وَقَالَتْ زَيْنَبُ حِينَ حَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ: إِنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَفَنِي، وَلَعَلَّ عُمَرَ سَيَبْعَثُ إِلَيَّ بِكَفَنٍ، فَإِنْ فَعَلَ فَتَصَدَّقُوا بِأَحَدِ الْكَفَنَيْنِ. فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ، أَرْسَلَ عُمَرُ بِخَمْسَةِ/ 210/ أَثْوَابٍ يُخَيِّرُهَا ثَوْبًا ثَوْبًا، فَكُفِّنَتْ فِيهَا. فَتَصَدَّقَتْ أُخْتُهَا حُمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ بِالْكَفَنِ الَّذِي كَانَتْ أَعَدَّتْ.
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَقَدْ ذَهَبَتْ حَمِيدَةً، فقيدة، مفزعا [3] للأرامل واليتامى.
__________
[1] القرآن، الأحزاب (33/ 59) .
[2] أيضا (33/ 53) .
[3] كذا في الأصل، لعله: «مفزعة» .(1/435)
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ [أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قَالَ لِنِسَائِهِ: أَطْوَلُكُنَّ يَدًا أَسْرَعُكُنَّ بِي لِحَاقًا] .
فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدَا. فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ زَيْنَبُ، قُلْنَ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَتْ أَطْوَلُنَا يَدًا فِي الْخَيْرِ. وَقَالَ عَمْرٌو النَّاقِدُ: قَدْ أُخْبِرْتُ أَنَّ زَيْنَبَ لَمَّا بُشِّرَتْ بِتَزْوِيجِ اللَّه نَبِيَّهُ إِيَّاهَا، وَنُزُولِ الآيَةِ فِي ذَلِكَ، جَعَلَتْ عَلَى نَفْسِهَا صَوْمَ شَهْرَيْنِ شُكْرًا للَّه، وَأَعْطَتْ مَنْ بَشَّرَهَا حُلِيًّا كَانَ عَلَيْهَا.
901- قالوا: وأوصت زينب أن تحمل عَلَى السرير الَّذِي كَانَ (حمل) عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحملت عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ حمل أبو بكر رضى اللَّه تعالى عَنْهُ. وَكَانَ الناس يحملون عَلَيْهِ. فلما كَانَ مروان، منع أن يحمل عَلَيْهِ إلا الرجل الشريف، وفرق فِي المدينة سررا، يحمل عَلَيْها الموتى. وَكَانَ وسطه بليف منسوج. وَكَانَ موت زينب سنة عشرين، فصلى عليها عمر، ودفنت بالبقيع، ونزل فِي قبرها مُحَمَّد بن عبد اللَّه بن جحش، ومحمد بن طلحة ابن عُبَيْد اللَّه وهو ابن أختها حمنة بنت جحش قتل مع أبيه يوم الجمل، وعبد اللَّه بن أبي أَحْمَد بن جحش، وأسامة بن زيد وَكَانَ لَهَا محرما لأنها كانت عَند أبيه. وَكَانَ أَبُو أَحْمَد بن جحش ضريرا، فرآه عمر يروم حمل السرير، فقال له: يا با أَحْمَد تنح عَن السرير لا يعنتك الناس. فقال: يا عمر، هذه التي نلنا بِهَا الشرف، وهذا مما يبرد حرّ ما أجد. وكان يبكى على قبره وهو جالس وعمر رضي اللَّه تعالى عَنْهُ قائم فِي أشراف الناس وهم يبكون عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويصلون عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ دفنها فِي يوم صائف، فضرب عمر عَلَى قبرها فسطاطًا.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُنْكَدِرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْهُدَيْرِ قَالَ:
رَأَيْتُ عُمَرَ وَدُرَّتُهُ عَلَى مَنْكِبِهِ يُقَدِّمُ النَّاسَ فِي جِنَازَةِ زَيْنَبَ وَصَلَّى عَلَيْهَا وَكَبَّرَ أَرْبَعًا، وَقَامَ عَلَى قَبْرِهَا حَتَّى رَشَّ الْمَاءَ. وَأَمَرَ فَسُتِرَتْ بِإِزَارٍ حَتَّى دُلِّيَتْ فِي الْقَبْرِ. قَالُوا: وَغَسَّلَهَا أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(1/436)
حَدَّثَنِي أَبُو بكر الأعين، ثنا عفان، أنبأ هشيم، أنبأ مغيرة، عَن عثمان بن يسار قَالَ:
بينا هم يدفنون زينب بنت جحش إِذْ أقبل [1] فتى من قريش فِي ثوبين ممصرين [2] ، مرجلا شعره. فجعل عمر يعلوه بالدرة، ويقول: كأنك جئتنا ونحن عَلَى لعب، أشياخ يدفنون أمهم.
902- وسالف [3] رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبل زينب: طلحة بن عُبَيْد اللَّه بْن عُثْمَان بْن عَمْرو بْن كعب بْن سعد بن تيم، وهو الفياض: اشترى فِي غَزَاةِ ذِي قَرَدٍ بِئْرًا فَتَصَدَّقَ بِهَا، ونحر جزورا فأطعمها، [فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا طلحة أنت الفياض.] ويقال إنه قدمت عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفود، فجعل طلحة يكسوهم ويعطيهم. فسماه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الفياض» . وقال الواقدي: كل ذلك قد فعل. وكانت عند طلحة حمنة بنت جحش، أخت زينب لأبيها وأمها، وأمهما أميمة بنت عبد المطلب، خلف عليها بعد قتل مصعب الخير بن عمير بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار يوم أحد، فولدت لطلحة محمدا، وعمران، ومحمد ابن طلحة هَذَا السجاد، قتل مع أبيه يوم الجمل، فقال قاتله [4] :
وأشعث قوام إِذَا جن ليله ... قليل الأذى فيما ترى الْعَين مسلم
يناشدني حاميم والرمح دونه ... فهلا تلا حاميم قبل التقدم
وكانت حمنة ولدت من مصعب: زينب بنت مصعب، فتزوجها عبد اللَّه ابن عبد اللَّه بن أبي أمية بن المغيرة، فولدت لَهُ مصعبا، ومحمدا، وقريبة، فتزوج قريبة/ 211/ عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام بن المغيرة، فولدت لَهُ حفصا. وعبد الرحمن بن عوف الزهري، كانت عنده حمنة، ولم تلد لَهُ، خلف عليها بعده مصعب الخير. فالأسلاف من قبل زينب: عبد الرحمن،
__________
[1] خ: إذا قيل.
[2] أى مصبوغ بالمصر، وهو تراب أحمر.
[3] راجع أيضا المحبر ص 103- 104.
[4] مصعب الزبيري، ص 281، ابن سعد، 5/ 39، مروج المسعودى (2/ 10 طبع بولاق) ، الاستيعاب، رقم 1008 محمد بن طلحة، مع اختلافات وزيادات.(1/437)
ثُمَّ مصعب، ثُمَّ طلحة. قَالَ الواقدي: لِمَا قتل مصعب يوم أحد، قيل لحمنة:
قتل خالك حمزة. فاسترجعت. فقيل: قتل أخوك عبيد اللَّه بن جحش.
فاسترجعت. فقيل: قتل زوجك مصعب بن عمير. فشقت جيبها، وولولت.
[فقال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الزوج ليقع من المرأة متوقعا لا يقعه شيء.] وكانت حمنة ممن شهد على عائشة، فحدّت.
903- وتزوج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
أم حبيبة بنت أبي سفيان.
وَكَانَت أم حبيبة تحت عبيد اللَّه بن جحش، فولدت لَهُ جارية سميت حبيبة، فكنيت بِهَا. فتزوج حبيبة: داود بن عُرْوَةَ بن مسعود بن معتب الثقفي. وَكَانَ اسم أم حبيبة: رملة. ويقال: هند. ورملة أثبت. وَكَانَ عُبَيْد اللَّه بن جحش قد أسلم، وهاجر إلى أرض الحبشة، ومعه امرأته أم حبيبة، ثُمَّ إنه تنصر وأقامت أم حبيبة [1] عَلَى الإسلام، وَكَانَ يقول [2] : «فقحنا وصأصأتم» ، أي أبصرنا ولم تبصروا. وهذا مثل، لأن الجرو إِذَا فتح عينيه، قيل: فقح، وإذا فتح ثم غمض من الضعف والصغر، قيل: صأصأ.
904- وروي عَن أم حبيبة أنها رأت فِي المنام كأن عُبَيْد اللَّه، زوجها، بأسوأ حال وأرثها. فلما أصبحت، أعلمها أَنَّهُ قد تنصر وارتد، فثبتت عَلَى الإسلام.
وأكب عَلَى الخمر، فلم يزل يشربها حَتَّى مات. فيقال إنّ موته كان غرقا من الخمر. ويقال بل غرق في البحر. وأرت فِي نومها أباها يقول لَهَا «يا أم الْمُؤْمِنِين» قالوا: فكتب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سنة سبع، وهو الثبت- ويقال فِي سنة ست- كتابين إلى أصحمه النجاشي، يدعوه [3] فِي أحدهما إلى الإسلام، ويأمره فِي الثاني أن يخطب عَلَيْهِ أم حبيبة، وأن يبعث من قبله من المسلمين، جعفرا وأصحابه، إلى المدينة مع عَمْرو بن أمية الضمري. وهو كَانَ رسوله بالكتابين.
فأسلم النجاشي لِمَا عرف من أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصفته وأوان مبعثه، ووجه إلى أم حبيبة، وقد وصف لَهُ عَمْرو موضعها وأمرها، جارية
__________
[1] قال الطبرى (ص 1772) : «فتنصر زوجها وحاولها أن تتابعه، فأبت وصبرت على دينها ومات زوجها على النصرانية» .
[2] خ: كانت تقول. (وهو سهو الناسخ، كما مر فيما مضى وكما ذكر سائر كتب السير) .
[3] خ: تدعوه.(1/438)
لَهُ يقال لَهَا «أبرهة، لتعلمها ذلك وتبشرها بِهِ. فوهبت لَهَا أم حبيبة حليا كَانَ عليها، وكستها. ثُمَّ وكلت أم حبيبة خَالِد بْن سَعِيد بْن العاص بْن أمية، وهو ابن عم أبيها، بتزويجها. فخطبها عَمْرو إِلَيْهِ، فزوجها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومهرها عَنْهُ النجاشي أربع مائة دينار. فلما بعث إليها بالدنانير، وهبت منها لأبرهة خمسين مثقالا، فلم تقبلها، وردت ما كَانَ أعطتها أولا. وذلك لأن النجاشي أمرها برده. وهيأ النجاشى طعاما، أطعمه من حضره من المسلمين، جعفرا وغيره. وأهدى إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كسوة جامعة. فلما تقدم عَمْرو بن أمية بأم حبيبة المدينة، ابتنى بِهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ويقال إن عَمْرو بن أمية، وجميع من كَانَ بالحبشة قدموا جميعا فِي سفينتين أعدهما [1] لَهُم النجاشي، فوافوا فِي أيام خيبر. وذلك الثبت. وقال بعض الرواة: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجه أبا عَامِر الأشعري، حين بلغه خطبة عَمْرو أم حبيبة وتزويج خالد إياها، فحملها إِلَيْهِ قبل قدوم أهل السفينتين، وأن أبا سفيان قَالَ: أنا أبوها أم أَبُو عامر؟ قالوا: ولما بلغ أبا سفيان تَزَوَّجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم حبيبة، ابنته، قال: ذلك الفحل لا يقدع [2] أنفه.
وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودِ بْنِ الْقَتَّاتِ [3] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً [4] ، قال: نَزَلَتْ حِينَ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه/ 212/ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم حبيبة بنت أبي سفيان بْنِ حَرْبٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: قَدِمَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ بِأُمِّ حَبِيبَةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَنِسَائِهِمْ، فَخَطَبَهَا إِلَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بْنِ أَبِي العاص بْن أمية، فزوّجه إياها. والأول أثبت.
__________
[1] خ: أعدها.
[2] في أصل العبارة: «يردع» ، وبالهامش عن نسخة: «يقذع» . راجع للمثل السهيلي 1/ 12. (قدع: كبح) .
[3] خ: العتاب. (ولكن راجع فيما بعد) .
[4] القرآن، الممتحنة (60/ 7) . راجع أيضا المحبر، ص 88- 89.(1/439)
905- وروي عَن عائشة أنها قالت: دعتني أم حبيبة عند وفاتها، فقالت: إنه قد كَانَ يكون بيننا ما يكون بين الضرائر، فغفر اللَّه لي ولك. فقلت: غفر اللَّه ذلك كله، وتجاوز عنه، وحلّلك منه. فقالت: سررتينى، سرّك اللَّه. وأرسلت إلى أم سلمة، فقالت لَهَا مثل ذلك. وكانت وفاة أم حبيبة فِي سنة أربع وأربعين.
وهي السنة التي حج فيها معاوية. ويقال توفيت فِي سنة اثنتين وأربعين. والأول أثبت. وصلى عَلَى أم حبيبة مروان. ونزل فِي قبرها بعض بني أختها: هند بنت أبي سفيان، وأبو بكر بن سعيد بن الأخنس- وكان يروى الحديث عنها، وهي خالته، أمه [1] : صخرة بنت أبي سفيان- وبعض ولد عتبة بن أبى سفيان ... [2]
906- وسالف [3] رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبل أم حبيبة: الحارث ابن (نوفل بْن) الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْن هاشم، كانت عنده هند بنت أبي سفيان، أخت أم حبيبة لأبيها، فولدت لَهُ عبد اللَّه بن الحارث ببّة [4] ، ومحمد ابن الحارث الأكبر، وربيعة، وعبد الرحمن، ورملة، وأم الزبير، وطريبة [5] ، وامرأة أخرى. وَمُحَمَّد بْن أَبِي حذيفة بْن عتبة بْن ربيعة بن عَبْد شمس بن عَبْد مناف، كانت عنده رملة بنت أبي سفيان، فقتل عنها. وسعيد بن عثمان بن عفان، خلف عَلَى رملة بعد مُحَمَّد بن أبي حذيفة، فقتل عنها: قتله غلمان قدم بهم المدينة من أبناء ملوك السّغد فِي أيام معاوية، ولم تلد لَهُ، وَكَانَ معاوية ولي سعيدا خراسان. والسائب بن أبي حبيش- واسمه أهيب- بن المطلب ابن أسد بن عبد العزى: كانت عنده جويرية بنت أبي سفيان، فلم تلد لَهُ.
وعبد الرحمن بن الْحَارِث بْن أمية الأصغر بْن عَبْد شمس، خلف عَلَى جويرية، فلم تلد لَهُ. وصفوان بن أمية بن خلف الجمحي، كانت عنده أميمة بنت أبي سفيان، أخت أم حبيبة لأبيها وأمها. وكانت أم «أم حبيبة» : صفية
__________
[1] خ: خالة أمه.
[2] كانت هناك عبارة نقلناها في صفحة الأصل 209، كما مر.
[3] راجع المحبر، ص 104- 106.
[4] راجع عنه مصعبا الزبيري، ص 31 وحاشيتها لاشتقاق هذا الاسم.
[5] كذا في الأصل بالطاء المهملة وكذلك عند المحبر (ص 104 وحاشيتها) ، أما في جداول وستنفلد فهى بالظاء المعجمة.(1/440)
بنت أبي العاص بن أمية. وأمها أميمة بنت عبد العزى بن حرثان، من بني عدي بن كعب. فولدت أميمة: عبد الرحمن بن صفوان. وحويطب بْن عَبْد العزى بْن أَبِي قَيْس بْن عبد ود: كانت تحته أميمة قبل صفوان، فولدت لَهُ أبا سفيان بن حويطب. وعياض بن عبد غنم- ويقال: ابن غنم- الفهري:
كانت عنده أم الحكم بنت أبي سفيان، أخت أم حبيبة لأبيها، وكانت أمها هند بنت عتبة، أم معاوية، ففرق الإسلام بينهما. وعبد اللَّه بن عُثْمَان بن عَبْد اللَّه بن ربيعة بن الحارث الثقفي، خلف عَلَى أم الحكم، بعد عياض، فولدت لَهُ عبد الرحمن بْن أم الحكم، كَانَ ينسب إلى أمه، وقتل عبد اللَّه يوم الطائف، فمر بِهِ عَليّ عَلَيْهِ السَّلام/ 213/ فقال: [لعنك اللَّه فإنك كنت تبغض قريشا.] وسعيد بن الأخنس بن شريق، كانت عنده صخرة بنت أبي سفيان، فولدت لَهُ أولادا، منهم أَبُو بكر بن سعيد وَكَانَ يروي عَن خالته أم حبيبة. وعروة بن مسعود بن معتب الثقفي، كانت تحته ميمونة بنت أبي سفيان، فولدت لَهُ داود بن عُرْوَةَ. ومسعود بن معتب هَذَا «عظيم القريتين [1] » .
وعروة هُوَ الَّذِي بعث بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الطائف ليدعو ثقيفا إلى الإسلام، وقد استأذنه فِي ذلك، فرماه رجل وهو جالس فوق سطح، فقتله. والمغيرة بن شعبة، خلف عَلَى ميمونة بنت أبي سفيان، بعد عروة.
وعبد اللَّه بن معاوية خلف عَلَى أميمة بنت أبي سفيان بعد صفوان [2] بن أمية.
907- وتزوج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
جويرية.
واسمها برة بنت الحارث ابن أبي ضرار الخزاعي. وكانت قبله عند مسافع بن صفوان بن ذي الشفر الخزاعي، فقتل يوم المريسيع كافرا. وَكَانَ ثابت بْن قيس بْن شماس بْن أَبِي زهير الْأَنْصَارِيّ أحد الخزرج، وأخوه- ويقال: ابن عم لَهُ- أصاباها يوم المريسيع، فكاتباها عَلَى سبع أواق. فأتت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسأله المعونة عَلَى مكاتبتها. فقال: أو ما هُوَ خير من ذَلِكَ: أشتريك، وأعتقك، وأتزوجك؟ فقالت: نعم. ففعل ذَلِكَ، وسماها جويرية، لأنه كره أن يقال:
__________
[1] القرآن، الزخرف (43/ 31) .
[2] كذا ههنا، أما في المحبر (ص 106) فقد خلف بعد حويطب بن عبد العزى.(1/441)
«خرج من عند برة، أو خرجت برة من عنده» . ويقال: بَلْ كانت صفية [1] يوم المريسيع، فجاء أبوها فافتداها، ثُمَّ زوجه إياها. ويقال:
بَلْ أعتقها، وجعل صداقها عتقها وعتق مائة من أهل بيت من قومها. وقال بعضهم: جعل صداقها عتقها وعتق أربعين من أهل بيتها. فلما عتقوا، انصرفوا. ولم يبق مصطلقية عند رجل من المسلمين إلا أعتقها صاحبها. فكانت أعظم امرأة بركة عَلَى قومها. وقال بعض الرواة: أعتقها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجعل عتقها فقط صداقها.
وَحَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن صَالِح الْعِجْلِيُّ قَالَ، حدثت عن سفيان، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:
قَالَتْ جُوَيْرِيَّةُ يَا رَسُولَ اللَّه: إِنَّ نِسَاءَكَ يَفْخَرَنْ [2] عَلَيَّ وَيَقُلْنَ: لَمْ يَتَزَوَّجْكِ رَسُولُ اللَّه. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: « [أَلَمْ أُعَظِّمْ صَدَاقَكِ؟ أَلَمْ أَعْتِقْ أَرْبَعِينَ من قومك؟] » وكانت جويرية من ضُرِبَ عَلَيْهَا الْحِجَابُ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لَهَا كَمَا يَقْسِمُ لِنِسَائِهِ. وَفَرَضَ لَهَا عُمَرُ سِتَّةَ آلافٍ، وَقَالَ: لا أَجْعَلُ سَبِيَّةً كَابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَقَالَ قَوْمٌ: فَرَضَ لَهَا فِي اثْنَيْ عَشَرَ ألفا. وَتُوُفِّيَتْ جُوَيْرِيَّةُ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ، وَصَلَّى عَلَيْهَا مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ.
حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
كَانَتْ جُوَيْرِيَّةُ وَصَفَيَّةُ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يَقْسِمُ لَهُمَا [3] كَمَا يَقْسِمُ لِنِسَائِهِ.
908- وتزوج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
صَفِيَّةُ بنت حيي بن أخطب بن سعية بن ثعلبة بن عُبَيْد،
من ولد النضير بن النحام بن ينحوم، من ولد هارون ابن عمران عَلَيْهِ السَّلام. وكانت قبله عند كنانة بن أبي العقيق اليهودي فقتل يوم خيبر. فكانت صفية بنت حيي صفي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
__________
[1] خ: صفية.
[2] خ: تفخرن.
[3] خ: لها.(1/442)
خيبر. وَكَانَ لَهُ من كل مغنم صفي يصطفيه: عبد، أو أمة، أو سيف، أو غير ذَلِكَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْنُ سَعْدٍ، عَن الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ:
كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صفي من المغنم، حضر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ غاب، قبل الخمس، عبد أو أمة أو سيف أو درع، فأخذ يوم بدر ذا الفقار، ويوم بني قينقاع درعا، وفي غزاة ذات الرقاع جارية، وَفِي المريسيع عبدا أسود يقال لَهُ رباح، ويوم بني قريظة ريحانة/ 214/ بنت (شمعون بن) زيد، ويوم خيبر صفية بنت حيي بن أخطب. ويقال إن صفية وقعت فِي سهمه يومئذ، فتزوجها. ووقعت فِي سهمه أخت لَهَا، فوهبها لدحية بن خليفة الكلبي. وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حين صارت صفية وأختها إليه، أرسل معهما بلالا. فمر بهما على القتلى، فصاحت أختها وولولت. [فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنك لقليل الرحمة: مررت بجارية حدثة عَلَى القتلى.] وكانت وضيئة، إلا أن صفية كانت أوضأ منها. فوهبها لدحية. وقرّب لصفية بعير لتركبه، فوضع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجله، لتضع قدمها عَلَى فخذه.
فأبت، ووضعت ركبتها عَلَى فخذه. وسترها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وجعل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مهر صفية عتقها، وأعرس بِهَا فِي طريقه بعد أن حاضت حيضة، فسترت بكسائين. ومشطتها أم سُلَيْم- وهي أم أنس ابن مالك- وعطرتها. وكانت وليمتها حيس [1] عَلَى أنطاع. ولما دَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا، بات أَبُو أيوب الْأَنْصَارِيّ خالد بن زيد عَلَى باب الستارة، أو بقربها، شاهرا سيفه. فلما أصبح النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم، رآه. (ف) قال له: [يا با أيوب، ما لك شهرت سيفك؟] فقال: يا رَسُول اللَّه، جارية حديثة عهد بالعرس، وكنت قتلت أباها وزوجها، فلم آمنها. فضحك، وقال خيرا.
__________
[1] هو طعام مركب من تمر وسمن وسويق.(1/443)
909- ولما قدم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، أنزل صفية بيتا من بيوت الأنصار. فجاء نساء الأنصار ينظرن إليها. وانتقبت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها، وجاءت فنظرت. فعرفها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا خرجت، اتبعها فقال: [كيف رأيتها يا عائشة؟ قالت: رأيتها يهودية بنت يهوديين. فقال:
لا تقولي هذا يا عائشة، فإنه قد حسن إسلامها.] وقالت زينب لجويرية:
ما أرى هَذِه الجارية إلا ستغلبنا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت جويرية: كلا، إنها من نساء قلما يحظين عَند الأزواج. وجرى بينها وبين عائشة ذات يوم كلام، فعيرتها باليهودية، وفخرت عليها. فشكت ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم. فقال: [ألا قلت: «أبي هارون، وعمي موسى، وزوجي مُحَمَّد، فهل فيكن مثلي؟] » 910- وتوفيت صفية بنت حيي فِي سنة خمسين، وصلى عليها سعيد بن العاص.
ويقال معاوية حين حج. وقال هِشَام بن الكلبي: أم صفية برة بنت سموءل.
وفرض عمر لصفية وجويرية ستة آلاف. وسمعت بعض أهل المدينة قَالَ:
فرض لَهَا مثل ما فرض لنساء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ فَرَضَ لأُمَّهَاتِ المؤمنين في عشرة آلاف آلافِ عَشَرَةِ آلافٍ، وَفَضَّلَ عَائِشَةَ بِأَلْفَيْنِ لِحُبِّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياها، وفرض لجويرية وصفية ستة آلاف سِتَّةِ آلافٍ.
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ مِثْلَ قِسْمَةِ نِسَائِهِ.
911- وتزوج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير ابن الهزم بن رويبة بْن عَبْدِ اللَّه بْن هلال بْن عَامِر بن صعصعة.
وأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة، من حمير. وذكر بعض الرواة أن أم ميمونة: خولة بنت عمرو بن كعب، من خثعم، وأم خولة: هند بنت عوف. والثبت أن أمها هند. وكانت ميمونة، قَبْلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عند أبي سبرة بن أبي رهم، فخلف عليها.(1/444)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا الْوَاقِدِيُّ، عن مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ [2] ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلاهُ، وَرَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى مَكَّةَ/ 215/ فَخَطَبَا مَيْمُونَةَ عَلَيْهِ. وَذَلِكَ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ. فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، ابْتَنَى بِهَا.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ الزهري، عن يزيد بن الأَصَمِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلالٌ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ:
بَلَغَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عِكْرِمَةَ قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ: كَذَبَ عِكْرِمَةُ، قَدِمَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَلَمَّا حَلَّ تَزَوَّجَهَا.
وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جَدِّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ:
زَوَّجَ الْعَبَّاسُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ. وَكَانَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما أَرَادَ الْخُرُوجَ لِعُمْرَةِ الْقَضَاءِ، بَعَثَ أَوْسَ بْنَ خَوْلِيٍّ الأَنْصَارِيَّ وَأَبَا رَافِعٍ إِلَى الْعَبَّاسِ فِي أَنْ يُزَوِّجَهُ مَيْمُونَةَ. فَأَضَلا بَعِيرَيْهِمَا، فَأَقَامَا أَيَّامًا بِبَطْنِ رَابِغٍ حَتَّى وَافَاهُمَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَصَارَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمَا مَكَّةَ.
فَأَرْسَلَ إِلَى الْعَبَّاسِ، فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا. وَيُقَالُ إِنَّ مَهْرَ مَيْمُونَةَ كَانَ عَشْرَ أَوَاقٍ [4] وَنَشًّا. وَيُقَالُ: تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا تَرَكَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ.
وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ، عَنِ الْمُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:
أَقَامَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ حِينَ خَرَجَ لِعُمْرَةِ الْقَضَاءِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى: إِنَّ أَجَلَكَ قَدْ مَضَى، وَانْقَضَى الشَّرْطُ،
__________
[1] ابن سعد، 8/ 59.
[2] موطأ مالك، كتاب 20، حديث 69.
[3] ابن سعد، 8/ 96.
[4] خ: أواقى.(1/445)
فَاخْرُجْ مِنْ بَلَدِنَا. فَقَالَ لَهُ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: كَذَبْتَ، الْبَلَدُ بَلَدُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآبَائِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْلا يَا سَعِيدُ. فَقَالَ حُوَيْطِبُ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَمَّا خَرَجْتَ. فَخَرَجَ، وَخَلَّفَ أَبَا رَافِعٍ، وَقَالَ: الْحَقْنِي بِمَيْمُونَةَ. فَحَمَلَهَا عَلَى قَلُوصٍ. فَجَعَلَ أَهْلَ مَكَّةَ يَنْفِرُونَ بِهَا، وَيَقُولُونَ: لا بَارَكَ اللَّه لَكِ. فَوَافَى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَمَيْمُونَةَ بِسَرِفَ. فَكَانَ دُخُولُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا بِسَرِفَ، وَهُوَ عَلَى أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ مَيْمُونَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ، تُوُفِّيَتْ. قَالَ: فَذَهَبْتُ مَعَهُ إِلَى سَرِفَ، فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ لا تُزَعْزِعُوا بِهَا، وَلا تُزَلْزِلُوا، وَارْفُقُوا، فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَ نَبِيِّ اللَّه تِسْعُ نِسْوَةٍ فَكَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ وَلا يَقْسِمُ لِتَاسِعَةٍ- يُرِيدُ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، قَالَ: - وَكَانَتْ آخِرَهُنَّ مَوْتًا.
وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّه، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: قال ابن عباس:
لا تزلزلوا، ولا تنعنوا [1] ، وارفقوا فإنها أم المؤمنين، يعنى ميمونة حين [2] مَاتَتْ. وروي أن جَعْفَر بن أبي طالب لِمَا قدم من الحبشة أيام خيبر، خطب ميمونة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم. فأجابت جعفر (ا) إلى أن تتزوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فزوجه إياها العباس. والخبر الأول أثبت. وروي عَن عكرمة أن ميمونة وهبت نفسها لرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وليس ذلك بثبت. وتوفيت ميمونة بسرف. وهي آخر نساء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موتا. وَكَانَ وفاتها سنة إحدى وستين. فقال عبد اللَّه بن عباس، وهي خالته، لِلَّذِينَ حملوها: ارفقوا بها، ولا تزعزعوا فإنها أمكم، وموضعها من رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موضعها. ويقال إنها ماتت
__________
[1] خ: تنغنغوا (بالغين المعجمة، وتنعنعوا: تضطربوا) .
[2] خ: حتى.(1/446)
بمكة، فحملها إلى سرف، فدفنت بسرف. وصلى عليها عبد اللَّه بن عباس، وبقى بعدها ست سنين وتوفي فِي سنة ثمان [1] وستين.
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْمَدِينِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّه ابْنِ أَخِي يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ:
لَمَّا مَاتَتْ مَيْمُونَةُ، وَكَانَتْ خَالَتَهُ، أَخَذْتُ رِدَائِي فَبَسَطْتُهُ فِي اللَّحْدِ، فَرَمَى بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَدْ رُوِيَ أنها توفيت في سَنَةَ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ، وَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا عَبْدُ اللَّه ابن عَبَّاسٍ، وَيَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خالد بن الوليد، وعبد اللَّه ابن شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، وَعَبْدُ اللَّه بْنُ الْخَوْلانِيِّ يَتِيمٌ كَانَ/ 216/ فِي حِجْرِهَا.
912- وسالف [2] رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبل ميمونة: حمزة بن عبد المطلب (بن هاشم) بن عبد مناف، كانت تحته سلمى بنت عميس، أخت ميمونة لأمها هند بنت عوف الحميرية، فولدت لَهُ أمة اللَّه. وشداد بن الهاد، خلف عَلَى سلمى بنت عميس بن معد الخثعمية، فولدت لَهُ عبد اللَّه وعبد الرحمن. والعباس بن عبد المطلب: كانت عنده أختها لأبيها وأمها، وهي لبابة بنت الحارث بن حزن، وتكنى أم الفضل، فولدت للعباس: الفضل، وعبد اللَّه، وعبيد اللَّه، وقثم، وعبد الرَّحْمَن، ومعبدا، وأم حبيب. وجعفر ابن أبي طالب: كانت عنده أسماء بنت عميس، فولدت عبد اللَّه [3] ، وعونا، ومحمدا. وَأَبُو بكر بن أبي قحافة، خلف عَلَى أسماء بنت عميس بعد جعفر ابن أبى طالب، فولدت له مُحَمَّد بن أبي بكر المقتول بمصر. وَعَليّ بن أبي طالب خلف عَلَى أسماء بعد أبي بكر رضي اللَّه تعالى عنهما، فولدت لَهُ يَحْيَى وعونا.
والطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف: كانت عنده زينب بنت خزيمة أخت ميمونة لأمها هند. وعبيدة بن الحارث، أخو الطفيل، خلف عَلَى زينب، وهي أم المساكين، فقتل عنها. والوليد بن المغيرة المخزومي ويكنى أبا عبد شمس، كانت تحته لبابة الصغرى، وَهِيَ العصماء بِنْت الْحَارِث بْن حزن ابن بجير أخت ميمونة، فولدت لَهُ خالد بن الوليد سيف اللَّه، وتكنى أبا سليمان
__________
[1] خ: ثماني.
[2] راجع المحبر، ص 106- 109.
[3] خ: عبيد اللَّه.(1/447)
فهو ابن خالة عبد اللَّه بن عباس. ويقال إن لبابة الصغرى غير العصماء، وأن العصماء كانت عند أبي بن خلف، فولدت لها أبا أبي وإخوة لَهُ. والأول قول الكلبي. وعبد اللَّه بن كعب [1] بن عبد اللَّه بن كعيب الخثعمي، كانت عنده سلامة بنت عميس أخت ميمونة لأمها، فولدت لَهُ آمنة تزوجها عبد اللَّه ابن جَعْفَر بن أبي طالب فولدت لَهُ صالحا الأصغر، وأسماء، ولبابة بنى عبد اللَّه ابن جَعْفَر. وسلامة أخت أسماء بنت عميس لأبيها وأمها. وزياد بن عبد اللَّه ابن مالك بن بجير الهلالي، كانت عنده عزة بنت الحارث بن حزن، أخت ميمونة. وكانت عند الأصم البكائي أخت لميمونة بنت الحارث بن حزن، فولدت لَهُ يزيد بن الأصم.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن سعد، أنبأ الواقدي، عَن سُلَيْمَان بن عبد اللَّه بن الأصم قَالَ: مات يزيد بن الأصم سنة ثلاث ومائة وَهُوَ ابْن ثلاث وسبعين سنة، وَكَانَ ينزل الرقة. ويقال إنه خلف عَلَى عزة بنت الحارث.
913- وقد روي أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدئ فِي منزل ميمونة، وقبض فِي منزل عائشة ودفن فِيه. وآوي رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه- والإيواء أن يقسم لهن ويسوي بينهن- عائشة، وحفصة، وزينب، وأم سلمة.
وأرجي- والإرجاء أن يأتي من يشاء منهن متى شاء وينزلها إِذَا شاء- سودة، وصفية، وجويرية، وأم حبيبة، وميمونة. وقبض صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن تسع مهائر.
وروي عَن سفيان، عَن زكريا، عَن الشعبي فِي قول: (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ [2] ، قَالَ: هن نساء وهبن أنفسهن للنبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يدخل بهن، ولم يتزوجهن أحد بعد.
914- وكانت لرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم ولد، وهي
مارية القبطية.
بعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية بكتاب منه، يدعوه فيه إلى الإسلام، وَذَلِكَ فِي سنة سبع. فأعظم كتاب
__________
[1] خ: أخت. (والتصحيح عن المحبر، ص 109) .
[2] القرآن، الأحزاب (33/ 51) .(1/448)
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: لولا الملك، يعني ملك الروم، لأسلمت.
وأهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مارية، وأختها شيرين، وألف مثقال ذهبا، وعشرين ثوبا، وبغلة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي تعرف بدلدل، وحماره يعفورا. ويقال إن يعفورا من هدية فروة بن/ 217/ عَمْرو الجذامي، عامل قيصر عَلَى عمان ونواحيها. وبعضهم يقول: اسم الحمار عفير. وأهدى مع ذَلِكَ خصيا [1] . فلما خرج حاطب بمارية، عرض عليها الإسلام، فأسلمت وأسلمت أختها. وأقام الخصي عَلَى دينه، حَتَّى أسلم بالمدينة عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومات فدفن بالبقيع سنة ستين، وَكَانَ شيخا كبيرا. وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معجبا بمارية، وكانت بيضاء، جميلة، جعدة الشعر. وكانت أمها رومية. فأنزلها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعالية فِي المال الَّذِي يعرف بمشربة أم إِبْرَاهِيم، وَكَانَ يختلف إليها هناك، وضرب عليها الحجاب، وَكَانَ يطؤها. فحملت، وولدت، فقبلتها [2] سلمى مولاة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وجاء زوجها أَبُو رافع مولى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبشر بولادتها غلاما سويا، فوهب لَهُ عبدا. وسماه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم سابعة
إِبْرَاهِيم.
وأمر، فحلق رأسه أَبُو هند البياضي، من الأنصار. وتصدق بزنة شعره ورقا، وعق عَنْهُ بكبش، ودفن شعره فِي الأرض. وتنافست الأنصار فِي إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلام، أيهم يحضنه وترضعه امرأته، حَتَّى جاءت أم بردة، وهي كبشة [3] بنت المنذر بن زيد بن لبيد بن خداش، من بني النجار، فدفعه إليها لترضعه. وزوج أم بردة البراء بن أوس بن خالد، من بني النجار، فدفعه إليها لترضعه. وزوج أم بردة البراء بن أوس بن خالد، من بني مبذول ابن عَمْرو بْن غنم بْن مازن بْن النجار. فكان إبراهيم في بني مازن، إلا أن أمه تؤتى به، ثم يعاد إلى منزل ظئره أم بردة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي أم بردة، فيقيل عندها، وتخرج إِلَيْهِ إِبْرَاهِيم، فيحمله ويقبله. وَكَانَ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقائح، وقطعة غنم، فكانت مارية تشرب من
__________
[1] اسمه «مابور» ، كما روى الطبرى (ص 1781) في آخرين.
[2] أى أدت وظيفة القابلة عند المخاض ووضع الحمل.
[3] وفي المحبر (ص 429) : اسم أم بردة خولة بنت المنذر.(1/449)
ألبانها وتسقي ولدها. قالوا: وأتى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومًا بإبراهيم، وهو عند عائشة، فقال: [انظري إلى شبهه. فقالت: ما أرى شبها. فقال:
ألا ترين إلى بياضه ولحمه؟] فقالت: من قصرت عَلَيْهِ اللقاح، وسقي ألبان الضأن، سمن وأبيض. وكانت عائشة تَقُولُ: ما غرت عَلَى امرأة غيرتي عَلَى مارية، وَذَلِكَ لأنها كانت جميلة، جعدة الشعر، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم معجبا بِهَا، ورزق منها الولد وحرمناه. وأعطى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أم بردة قطعة من نخل [1] . وروي عَن عبد اللَّه بن عباس أَنَّهُ قَالَ:
لِمَا ولد إِبْرَاهِيم بْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أعتق أم إبراهيم ولدها.] و [قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: استوصوا بالقبط خيرا، فإن لَهُم ذمة ورحما:] وكانت هاجر، أم إِسْمَاعِيل، منهم.
[وروي أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم قال: لو عاش إِبْرَاهِيم، لوضعت الجزية عَن كل قبطي.] وَكَانَ مولد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلام فِي ذي الحجة سنة ثمان.
وروى الواقدي فِي إسناده قَالَ: كَانَ الخصي الَّذِي بعث بِهِ المقوقس مع مارية يدخل إليها ويحدثها، فتكلم بعض المنافقين فِي ذَلِكَ، وقال: إنه غير مجبوب وأنه يقع عليها. فبعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بن أبي طالب، وأمره أن يأتيه فيقرره وينظر فيما قيل فِيهِ، فإن كَانَ حقا، قتله. فطلبه عَليّ، فوجده فوق نخلة. فلما رأى عليا يؤمه، أحس بالشر، فألقى إزاره. فإذا هُوَ مجبوب ممسوح. وقال بعض الرواة: إنه ألفاه [2] يصلح خباء لَهُ، فلما دنا مِنْه ألقى إزاره وقام متجرّدا. فجاء به علىّ إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأراه إياه، فحمد اللَّه عَلَى تكذيبه المنافقين بما أظهر من براءة الخصي وأطمأن قلبه. ولما ولد إِبْرَاهِيم، أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبريل عَلَيْهِ السَّلام، فقال لَهُ:
يا أبا إِبْرَاهِيم. وتوفي إِبْرَاهِيم بْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيت أم بردة، / 218/ وهو ابن ثمانية عشر شهرا، ويقال: ابن ستة عشر شهرا، وصلى عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وبعضهم يقول: مات وله إحدى وسبعون ليلة، والأول أثبت.
__________
[1] خ: نحل (بالحاء المهملة) .
[2] خ: ألقاه.(1/450)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا ابن الغسيل، عَن عَاصِم بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَن مَحْمُود بن لبيد قَالَ:
توفي إبراهيم بن النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلام وله ثمانية عشر شهرا.
915- قالوا: وغسل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلام الفضل بن العباس بن عبد المطلب.
ويقال غسلته أم بردة، وحمل عَلَى سرير صغير. وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ادفنوه عند سلفنا الصالح عُثْمَان بْن مظعون.] فدفن بالبقيع إلى جانب عثمان بن مظعون الجمحي. وجلس رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والعباس عَلَى شفير قبر إِبْرَاهِيم، ونزل فِيهِ الفضل بن العباس، وأسامة بن زيد. وَذَلِكَ يوم ثلاثاء فِي آخر شهر ربيع الأول سنة عشر. وَرَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرجة في اللبن، فأمر بسدّها، وقال: [أما إن هَذَا شيء لا يضر ولا ينفع، ولكنه إِذَا عمل الرجل عملا أحب اللَّه أن يتقنه.] وأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحجر، فوضع عند رأس إِبْرَاهِيم، وَرْش عَلَى قبره الماء.
916- قالوا: ولما مات إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلام، دمعت عين رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقيل: يا نبي اللَّه، أنت أحق من عرف اللَّه حقه، فيما أعطاه وأخذ مِنْه. فقال صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [تدمع الْعَين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، ولولا أَنَّهُ قول صادق، وموعود جامع، وسبيل مأتية، وأن الآخر لا حق بالأول لوجدنا عليك أشد مما [1] وجدنا، وإنا عليك يا إِبْرَاهِيم، لمحزونون] » .
حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، ثنا عَبْدُ اللَّه بْنُ الأَجْلَحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ [2] إِبْرَاهِيمُ بْنُ رسول اللَّه، أَخَذَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَامَ وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى أَتَى النَّخْلَ، فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ. فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ، وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ:
أَلَمْ تَنْهَ عَنِ الْبُكَاءِ يَا رَسُولَ اللَّه؟ فَقَالَ: « [نَهَيْتُ عَنِ النَّوْحِ وَالْغِنَاءِ، صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ: صَوْتِ لَهْوٍ عِنْدَ نِعْمَةٍ [3] ، وَمَزَامِيرِ شَيْطَانٍ، وَصَوْتٍ عِنْدَ
__________
[1] خ: من.
[2] خ: نقل.
[3] خ: نغمة(1/451)
مُصِيبَةٍ رَنَّةِ شَيْطَانٍ، وَخَمْشِ وَجْهٍ، وَشَقِّ جَيْبٍ. وَلَكِنَّهَا رَحْمَةٌ. وَمَنْ لا يَرْحَمْ، لا يُرْحَمْ. وَلَوْلا أَنَّهُ أَمْرٌ حَقٌّ، وَوَعْدٌ صَادِقٌ، وَسَبِيلٌ مَأْتِيَّةٌ، وَأَنَّ آخِرَنَا سَيَتْبَعُ أَوَّلَنَا، لَجَزِعْنَا أَشَدَّ مِمَّا جَزِعْنَا] » . ثُمَّ قَالَ: « [تَدْمَعُ الْعَيْنُ، وَيَيْجَعُ [1] الْقَلْبُ، وَلا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ، وَإِنَّا بِكَ، يَا إِبْرَاهِيمُ، لَمَحْزُونُونَ] » . قَالَ هِشَامٌ:
وَبَلَغَنَا أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حِينَ حَضَرَ قَبْضُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَهُوَ مستقبل الجبل: « [يَا جَبَلُ، لَوْ بِكَ مَا بِي لَهَدَّكَ. وَلَكِنَّا نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللَّه [2] : إِنَّا للَّه وإنا إليه راجعون، وَالْحَمْدُ للَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ] » .
917- قالوا: وكسفت الشمس يوم مات إِبْرَاهِيم، فقال الناس: إنما كسفت لموت إِبْرَاهِيم. [فقال صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنها لا تكسف لموت أحد ولا لحياته] .
قالوا: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ أَبُو بكر ينفق عَلَى مارية خلافته، ثُمَّ كَانَ عمر ينفق عليها إلى أن توفيت. وكانت وفاتها فِي سنة ست عشرة. وصلى عليها عمر. ودفنت بالبقيع. وأمر عمر، فجمع الناس لحضور جنازتها.
918- قالوا: وَكَانَ صفوان بن المعطل السلمي حنقا عَلَى حسان بن ثابت لِمَا كَانَ تكلم بِهِ فِي أمره وأمر عائشة من الإفك، فشد عَلَيْهِ بسيف فضربه بِهِ ضربة شديدة حَتَّى اجتمع قومه، وغضبت لَهُ الأنصار. فكلمهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رجعوا وسكتوا. ووهب لحسان يومئذ شيرين أخت مارية، فولدت لَهُ عبد الرحمن بن حسان الشاعر. فصار حسان سلفا لرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبل مارية. فحدث عبد الرحمن بن حسان، عَن أمة قالت: كنت أنا وأختي مارية نصيح عَلَى إِبْرَاهِيم، وهو محتضر، فلا ينهانا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ/ 219/ فلما مات، نهانا عَن الصياح.
وَحَدَّثَنِي عَبَّاس [3] بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جده قال:
لما قبض النبي صلى اللَّه عليه وسلم، اعتدّت مارية، وكانت تكون في
__________
[1] خ: تيجع.
[2] القرآن، البقرة (2/ 157) .
[3] خ: عياش.(1/452)
مشربتها ينفق عليها أَبُو بكر حَتَّى توفي، ثُمَّ عمر. وتوفيت لسنتين من خلافته فِي شهر رمضان، فجمع عمر الناس لحضورها، وصلى عليها، ودفنها فِي بقيع الغرقد.
919- وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَمَّارِ بْنِ نُصَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ أَنَسِ ابن مالك [أن سلامة، حاضنة إِبْرَاهِيم بْن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّه، إِنَّكَ تُبَشِّرُ الرِّجَالَ بِخَيْرٍ، وَلا تبشر النساء؟ فقال: أما ترضين إِحْدَاكُنَّ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ حَامِلا مِنْ زَوْجِهَا، وَهُوَ عَنْهَا رَاضٍ، كَانَ لَهَا أَجْرُ الصَّائِمِ الْقَائِمِ فِي سَبِيلِ اللَّه، فَإِذَا أَصَابَهَا الطَّلْقُ لَمْ يَعْلَمْ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ مَا أُخْفِيَ لَهَا مِنْ قُرَّةَ أَعْيُنٍ، فَإِذَا وَضَعَتْ لَمْ يَجْرَعْ وَلَدُهَا مِنْ لَبَنِهَا جَرْعَةً وَلَمْ يَمُصَّ مَصَّةً إِلا كُتِبَ لَهَا بِذَلِكَ حَسَنَةً.]
920- قالوا: وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اصطفي
ريحانة بنت شمعون، ابن زيد بن خنافة بن عَمْرو [1] ،
من بني قريظة، لِمَا فتح بني قريظة. فعرض عليها الإسلام، فأبت إلا اليهودية. فعزلها. ثُمَّ أسلمت بعد، فعرض عليها التزويج وضرب الحجاب، فقالت: بَلْ تتركني فِي ملكك. فكان يطؤها وهي فِي ملكه. وكانت تحت رجل يقال لَهُ عبد الحكم، أو الحكم، وهو ابن عمها وَكَانَ لَهَا مكرما. فكرهت أن تتزوج بعده. وقال بعضهم: اسم القرظية ربيحة.
وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعلها فِي نخل لَهُ، يدعى نخل الصدقة. وَكَانَ ربما قَالَ عندها، وعندها وعك، فأتى منزل ميمونة، ثُمَّ تحول إلى بيت عائشة. ويقال: كانت ريحانة من بني النضير، عَند رجل من قريظة يكنى أبا الحكم. واللَّه تعالى أعلم.
وحدثنى محمد بن سعد، عن الأَعْرَابِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَزْهَرَ السَّمَّانَ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلا لَقِيَ رَيْحَانَةَ بِالْمَوْسِمِ، فَقَالَ لَهَا: إِنَّ اللَّه لم يرضك للمؤمنين أمّا.
فقالت [2] : وأنت فلم يرضك اللَّه لي ابنا.
__________
[1] ابن سعد، 8/ 92 (ونسبها: ريحانة بنت زيد بن عمر بن خنافة بن سمعون بن زيد) .
[2] خ: قالت.(1/453)
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
كَانَتْ رَيْحَانَةُ بِنْتُ شَمْعُونَ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ خنافَةَ قُرَظِيَّةً وَكَانَتْ مِنْ مِلْكِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَهَا، ثُمَّ إِنَّهُ طَلَّقَهَا. فَكَانَتْ فِي أَهْلِهَا، تَقُولُ: لا يَرَانِي أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وروي الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ:
كَانَتْ رَيْحَانَةُ مِنْ قُرَيْظَةَ، صَفِيِّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ، فأعتقها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وَتَزَوَّجَهَا. فَغَارَتْ عَلَيْهِ غَيْرَةً شَدِيدَةً، فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً، ثُمَّ رَاجَعَهَا، فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يُتَوَفَّى. وَكَانَتْ رَيْحَانَةُ تَقُولُ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَهَرَنِي مِثْلَ نِسَائِهِ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِي، وَضَرَبَ عَلَيَّ الْحِجَابَ، وَكَانَ تَزَوُّجُهُ إِيَّايَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ.
921- وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، قَالا ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُرِّيَّتَانِ: الْقِبْطِيَّةُ، وريحانة بنت شمعون.
فاطمة الكلابية
922- وحدثني الوليد بن صالح، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
[تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي كِلابٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا قَالَتْ: أَعُوذُ باللَّه مِنْكَ. فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عُذْتِ بِعَظِيمٍ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ] .
وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:
دَخَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكِلابِيَّةِ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا خَيَّرَ نِسَاءَهُ، اخْتَارَتْ قَوْمَهَا، فَفَارَقَهَا. فَكَانَتْ بَعْدَ ذَلِكَ تَلْقِطُ الْبَعَرَ، وَتَدْخُلُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ(1/454)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَتَصَدَّقْنَ عَلَيْهَا، وَتَقُولُ: أَنَا الشَّقِيَّةُ. وقال الواقدي:
ماتت الكلابية سنة ستين عند أهلها، وَكَانَ/ 220/ تَزَوَّجَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياها فِي سنة ثمان، منصرفه من الجعرانة. وقال بعض الرواة:
إن هَذِه الكلابية ابنة الضحاك بن سفيان الكلابي، واسمها فاطمة. وقال بعضهم [عرض الضحاك الكلابي ابنته عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: من صفتها كذا، وكفاك من صحة بدنها أنها لَمْ تمرض قط، ولم تصدع. فقال صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا حاجة لنا فيها هَذِه تأتينا نخطبها [1] .] وقال الكلبي: التي قَالَ أبوها إنها لَمْ تصدع قط، وعرضها عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ «لا حاجة لنا بِهَا» ، سلمية، وأما الكلابية، فاختارت قومها فدلهت وذهب عقلها، فكانت تَقُولُ: أنا الشقية، خدعت. وقد روي مثل ذلك عَن عبد الواحد بن أبي عون.
العالية بنت ظبيان:
923- وقال الواقدي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ:
تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ فَكَانَ إِذَا خرج اطلعت على أهل المسجد. [فأخبرته أَزْوَاجُهُ بِذَلِكَ. فَقَالَ: إِنَّكُنَّ تَبْغِيَنَّ عَلَيْهَا. فَقُلْنَ: نُرِيكَهَا وَهِيَ تَطَّلِعُ. فَلَمَّا رَآهَا، فَارَقَهَا.] وقال الكلبي:
كانت عِنْدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العالية بنت ظبيان بن عَمْرو بن عوف ابن عبد بن أبي بكر بن كلاب. فمكثت عنده ما شاء اللَّه، ثُمَّ طلقها بسبب التطلع.
وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْمَدِينِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ الْعَالِيَةَ، فَتَزَوَّجَهَا ابْنُ عَمٍّ لَهَا وَدَخَلَ بِهَا وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحَرَّمَ نِكَاحَهُنَّ عَلَى النَّاسِ، وولدت له.
__________
[1] في أصل العبارة: «تأتينا بخطيها» ، وبالهامش «تاسا بخطائها» ، لعل الأرجح ما أثبتناه.(1/455)
عمرة بنت يزيد:
924- وقال الكلبي: تَزَوَّجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرة بنت يزيد بن عبيد ابن رؤاس بن كلاب، فبلغه أن بِهَا بياضا- أو رأى بكشحها بياضا- فطلقها وقال أَبُو عبيدة معمر بن المثنى: تَزَوَّجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هند بنت يزيد، من القرطاء، من ولد أبي بكر بن كلاب. وبعث إليها أبا أسيد الْأَنْصَارِيّ. فلما استهداها، رأى بِهَا بياضا، فطلقها.
أسماء بنت النعمان:
925- وقال الكلبي: تَزَوَّجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسماء بنت النعمان بن الأسود بن الحارث بن شراحيل بن كندي بن معاوية بن الجون بن آكل المرار.
وكانت من أجمل النساء. ومهرها اثنتى عشر أوقية ونشا. فقال لَهَا بعض نسائه:
أنت بنت ملك [1] ، وإن استعذت باللَّه مِنْه حظيت عنده. فلما دخلت عَلَيْهِ ودنا منها، قالت: أعوذ باللَّه منك. فقال: [قد عذت بمعاذ، عذت بمعاذ، أمن عائذ اللَّه؟ وصرف وجهه عنها،] وقال: ارجعي إلى أهلك. فقيل: يا رَسُول اللَّه، إنها خدعت وهي حدثة. فلم يراجعها. فتزوجها المهاجر بن أبي أمية المخزومي، ثُمَّ قيس بن هبيرة المرادي. فأراد عمر معاقبتهما. فقيل: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يدخل بِهَا، ولم يضرب عليها حجابا، ولم تسم فِي أمهات الْمُؤْمِنِين.
فأمسك. وقال الشرقي بن القطامي: دعاها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: بَلِ ائتني أنت. فطلقها. وقال الكلبي: لِمَا فعل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذه الكندية ما فعل، كَانَ الأشعث حاضرا، [فقال يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إلا أزوجك قتيلة بنت قيس، أختي؟ فقال: نعم.] فتوفي [2] رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن تخرج من اليمن. فتزوجها عكرمة بن أبى جهل. قال الواقدي: قدم النعمان الكندي، وَكَانَ منزله بنجد نحو الشربة،
__________
[1] خ: مالك.
[2] خ: فتوفا. (وهو غلط فاحش) .(1/456)
فأسلم وقال: يا رَسُول اللَّه، / 221/ ألا أزوجك أجمل أيم فِي العرب؟
فتزوجها عَلَى اثنتي عشرة أوقية ونش، وذلك خمس مائة درهم، ووجه أبا أسيد الساعدي، فقدم بِهَا. وكانت جميلة فائقة الجمال. فاندست إليها امرأة من نساء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: إن كنت تريدين الحظوة عند رَسُول اللَّه، فاستعيذي مِنْه، فإن ذَلِكَ يعجبه.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ، فحدثني موسى بن عبيدة، عن عمر (و) [1] بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ:
بَعَثَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الجونية، فأتيته بها، فأنزلته فِي أُطَمِ بَنِي سَاعِدَةَ. [فَلَمَّا جَاءَهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْعَى ثُمَّ أَهْوَى إِلَيْهَا لِيُقَبِّلَهَا، وَكَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ، فَقَالَتْ: أَعُوذُ باللَّه مِنْكَ. فَانْحَرَفَ عَنْهَا، وَقَالَ:
عُذْتِ بِمُعَاذٍ، عُذْتِ بِمُعَاذٍ.] وَوَثَبَ فَخَرَجَ، وَأَمَرَنِي بِرَدِّهَا. فَرَدَدْتُهَا إِلَى قَوْمِهَا.
فَلَمَّا طَلَعْتُ بِهَا، قَالُوا: إِنَّكِ لَغَيْرُ مُبَارَكَةٍ، جَعَلْتِنَا فِي الْعَرَبِ شُهْرَةً. فَأَقَامَتْ فِي بَيْتِهَا لا يَطْمَعُ فِيهَا طَامِعٌ وَلا يَرَاهَا ذُو مَحْرَمٍ، حَتَّى تُوُفِّيَتْ فِي أَيَّامِ عُثْمَانَ عِنْدَ أَهْلِهَا بِنَجْدٍ.
وَحَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عن عمرو ابن الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي أَسِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي الْجَوْنِ، وَبَعَثَنِي إِلَيْهَا، فَأَتَيْتُهُ بِهَا. [فَأَهْوَى لِيُقَبِّلَهَا، وَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُقَبِّلَ أَقْعَى، فَقَالَتْ:
أَعُوذُ باللَّه مِنْكَ. قَالَ: عُذْتِ بِمُعَاذٍ.] وَرَدَّهَا إِلَى أَهْلِهَا. وقال الواقدي: كَانَ تزوجه هَذِه الجونية فِي شهر ربيع الأول سنة تسع.
وَحَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي أَبُو الْمُنْذِرِ، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ قَالَ:
حَدَّثَنِي أَصْحَابُنَا أَنَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تزوج امْرَأَةً مِنْ كِنْدَةَ، يُقَالُ لَهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ النُّعْمَانِ. وَكَانَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ تَوَلَّتَا مَشْطَهَا وَإِصْلاحَ أَمْرِهَا. وَكَانَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ قَدِمَ بِهَا. فقالتا لها إنه يعجب رسول اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَرْأَةِ إِذَا دَنَا منها أن تقول: أعوذ باللَّه
__________
[1] خ «عمر»(1/457)
مِنْكَ. فَلَمَّا مَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا، اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ. فَوَضَعَ كُمَّهُ عَلَى وَجْهِهِ وَقَالَ: [عُذْتِ بِمُعَاذٍ، ثلاثا. وأمر أبا أسيد أَنْ يُلْحِقَهَا بِأَهْلِهَا،] وَمَتَّعَهَا بِرَازِقِيَّيْنِ [1] . فَمَاتَتْ كَمَدًا حدثني محمد بن سعد [2] ، عن الواقدي، عن مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
لَمْ يَتَزَوَّجْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِنْدِيَّةً إِلا أُخْتَ الْجَوْنِ، ثُمَّ فَارَقَهَا. قَالَ، وقال الواقدي، حَدَّثَنِي ابن أبي الزناد، عَن هِشَام بن عُرْوَةَ، عَن عروة أن الوليد بن عبد الملك كتب إِلَيْهِ يسأله: هَلْ تَزَوَّجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخت الأشعث بن قيس؟ فكتب إليه أنه ما تزوجها قط، ولا تزوج كندية إلا أخت بنى الجون.
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: لَمَّا دَخَلَتِ الْكِنْدِيَّةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: أَعُوذُ باللَّه مِنْكَ.
[فقال: لقد عذت بعظيم، الحقى بأهلك.]
(مليكة الكنانية) :
926- وروى أَبُو معشر أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج فِي شهر رمضان سنة ثمان مليكة بنت كعب الليثي، من كنانة، فقالت لَهَا عائشة: أما تستحيين أن تنكحي قاتل أبيك؟ فقالت: فكيف أصنع؟ فقالت: استعيذي باللَّه مِنْه.
فاستعاذت، فطلقها. وَكَانَ أبوها قتل يوم فتح مكة. وقال أَبُو عبيدة: اسم هذه الكنانية عمرة.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عبد الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءٍ الْجُنْدَعِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مُلَيْكَةَ الكنانية ودخل بها، فماتت
__________
[1] خ: «عبيدة بن عمر بن الحكم» (ولكن راجع فيما بعد) .
[2] هي ثياب كتان بيض.
[3] ابن سعد، 8/ 103- 104.(1/458)
عِنْدَهُ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَ الزُّهْرِيُّ وَجَمِيعُ/ 222/ أَصْحَابِنَا يُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَزَوَّجَ كِنَانِيَّةً قَطُّ. وقال الكلبي: لا نعلم أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم تزوج كنانية.
(أم هانئ بنت أبى طالب) :
927- وكانت أم هانئ بنت أبي طالب عند هبيرة بن أبي وهب. فلما كَانَ يوم الفتح، هرب ومات كافرا. فخطبها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ:
واللَّه لقد كنت أحبك فِي الجاهلية، فكيف فِي الإسلام، ولكني امرأة ذات أولاد صغار وأنا أخاف أن يؤذوك. فأمسك عنها، [وقال: خير نساء ركبن المطايا نساء قريش أحناهن [1] عَلَى ولد فِي صغر، وأرعاهن عَلَى زوج فِي ذات يد.]
(متفرقات) :
[صفية بنت بشامة العنبري]
928- وعرض رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صفية بنت بشامة العنبري، أخت الأعور بن بشامة، وكانت، أخذت سبية، أن يتزوجها أو ترد إلى أهلها.
فاختارت أن ترد، فردّت.
[ليلى بنت الخطيم بن عدي بن عَمْرو بن سواد]
929- وأتت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلى بنت الخطيم بن عدي بن عَمْرو بن سواد ابن ظفر بن الحارث بْن الخزرج بْن عَمْرو بْن مالك بْن الأوس بن حارثة، وهو غافل، فحطأت [2] عَلَى منكبه. فقال: « [من هَذَا؟ أكله الأسود.» فقالت:
«ابنة الخطيم، وبنت مطعم الطير، ومباري الريح، وقد جئتك أعرض نفسي عليك» . فقال: قد قبلتك.] فأتت نساءها، فقلن: «بئس ما صنعت. أنت امرأة غيور، ورسول اللَّه كَثِير الضرائر. ونخاف أن تغاري، فيدعو عليك فتهلكي. استقيليه» . فأتته، فاستقالته. فأقالها. فدخلت بعض حيطان المدينة، فأكلتها أسود.
__________
[1] خ: خلفن. والتصحيح عن المحبر 2 ص 98، في مصادر أخرى.
[2] حطأ: ضرب بيده مبسوطة.(1/459)
[خولة بنت الهذيل بن هبيرة الثعلبى]
930- وخطب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خولة بنت الهذيل بن هبيرة الثعلبى.
فلما حملت إِلَيْهِ، هلكت فِي الطريق قبل وصولها إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
[شراف، أخت دحية بن خليفة الكلبى]
931- وشراف، أخت دحية بن خليفة الكلبي. هلكت أيضا قبل دخولها عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم.
[ضباغة بنت عامر بن قرط بن سلمة]
932- وكانت ضباغة بِنْت عَامِر بْن قرط بْن سَلَمَةَ بْن قشير بن كعب بن ربيعة بن عمير بن صعصعة عند عَليّ الحنفي [1] . أبي «هوذة» ، وهلك. فورثته مالا.
فتزوجها عبد اللَّه بن جدعان التيمى، فلم تلد منه. فسألته الطلاق، فطلقها.
فتزوجها هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ، فولدت لَهُ سلمة بن هِشَامٍ، وَكَانَ من خيار المسلمين.
وكانت موصوفة بالجمال. فخطبها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى سلمة.
فقال: استأمرها. فقالت: أفي رَسُول اللَّه تستأمرني؟ ثُمَّ بلغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عنها كبرة وتغير، فأمسك عنها. وهي التي طافت [2] حول الكعبة عريانة ولم تجد ثوب حرمي تستعيره ولا تكتريه فقالت [3] :
اليوم يبدو بعضه أو كله ... وما بدا مِنْه فلا أحله
__________
[1] خ: الخثعمى.
[2] خ: كانت.
[3] بلدان ياقوت مكة، وزاد بيتا. إن طواف النساء عريانة لم يكن أمرا معتادا، وما حدث لضباعة أمر استثنائى، فقد ذكر «الهيثم وابن الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عن المطلب بن أبى وداعة أن المطلب حدث ابن عباس، قال: كانت ضباعة بِنْت عَامِر بْن قرط بْن سَلَمَةَ بن قشير بن كعب تحت هوذة بن على بن ثمامة الحنفي. فهلك، فأصابت منه مالا كثيرا. ثم رجعت إلى بلاد قومها. فخطبها عبد اللَّه بن جدعان التيمى إلى أبيها. فزوجه إياها.
فأتاه ابن عم لها، يقال له حزن بن عبد اللَّه بن سلمة بن قشير، فقال: زوجني ضباغة. قال:
قد زوجتها ابن جدعان. قال: فحلف ابن عمها أن لا يصل إليها أبدا، وليقتلنها دونه. قال:
فكتب أبوها إلى ابن جدعان يذكر ذلك. فكتب إليه ابن جدعان: واللَّه لئن فعلت هذا لأرفعن لك راية غدر بسوق عكاظ. فقال أبوها لابن عمها (ا) : قد جاء من الأمر ما قد ترى، فلا بد من الوفاء لهذا الرجل. فجهز وحملها إليه. وركب حزن في إثرها، وأخذ الرمح، فتبعها حتى انتهى إليها. فوضع السنان بين كتفيها، ثم قال: يا ضباعة، أقوم يقتنون المال تجرأ أحب إليك أم قول حلول؟ قالت: لا، بل قوم حلول. قال: أما واللَّه، أن لو قلت غير هذا، لأنفذته من بين ثدييك. ثم انصرف عنها، وهديت إلى ابن جدعان. فكانت عنده ما شاء اللَّه أن تكون. قال: فبينا هي تطوف بالكعبة، وكان لها جمال وشباب، إذ رآها هشام بن المغيرة المخزومي. فأعجبته. فكلمها عند البيت. فقال: لقد رضيت أن يكون هذا الشباب والجمال عند شيخ كبير، فلو سألته الفرقة، لتزوجتك. وكان هشام رجلا جميلا مكثرا. قال: فرجعت إلى ابن جدعان، فقالت: إنى امرأة شابة، وأنت شيخ كبير. فقال لها: ما بدا لك في هذا؟
أما إنى قد أخبرت أن هشاما كلمك وأنت تطوفين بالبيت. وانى أعطى الله عهدا ألا أفارقك حتى تحلفي ألا تتزوجي هشاما، فيوم تفعلين ذلك، فعليك أن تطوفى بالبيت عريانة، وأن تنحرى كذا وكذا بدنة، وأن تغزلى وبرا بين الأخشبين من مكة. وأنت من الحبس، ولا يحل لك أن تغزلى الوبر. قال الهيثم: والحمس قريش وكنانة وخزاعة ومن ولدت قريش من أفناء العرب.
فأرسلت إلى هشام تخبره بالذي أخذ عليها، فأرسل إليها: أما ما ذكرت من طوافك بالبيت عريانة، فإنى أسأل قريشا أن يخلوا لك المسجد، فتطوفى قبل الفجر بسدفة من الليل فلا أحد (يراك) . وأما الإبل التي تنحرينها، فلك الله أن أنحرها عنك. وأما ما ذكرت من غزل الوبر، فإنها دين وضعه نفر من قريش ليس دينا جاءت بالنبوة. وفي رواية، أنه قال لها:
لي جوار كثيرة، يغزلن لك ما بين الأخشبين- فقالت لعبد الله بن جدعان: نعم، لك أن أصنع ما قلت، وأخذت على إن تزوجت هشاما. فطلقها. فتزوجت هشاما. فكلم هشام قريشا.
وسألهم أن يخلوا لها المسجد. قال الكلبى: فقال المطلب بن أبى وداعة: فكنت غلاما من غلمان قريش، فأقبلت من باب المسجد وأنا أنظر إليها. فوضعت ثيابها، وطافت بالبيت أسبوعا وهي تقول:
اليوم يبدو نصفه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله
حتى فرغت. ونحر عنها ما ذكرت من الإبل، وغزلت ذلك الوبر، فولدت لهشام سلمة بن هشام فكان من خيار المسلمين. قال: فبينا هي ذات ليلة قائمة إذ سمع هشام صوت صائحه، فقال:
ما هذا؟ فقيل: عبد الله بن جدعان التيمى مات. فقالت ضباعة: لنعم زوج العربية كان.
فقال هشام: أى والله، وابنة العم القريبة. ثم مات هشام بعد ذلك عنها. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها إلى ابنها سلمة بن هشام، فقال: يا سلمة، زوجني ضباعة. فقال:
حتى استأمرها يا رسول الله. فاستأمرها، فقال: يا ضباعة إن رسول الله خطبك إلى. قالت:
ويلك، فما قلت له؟ قال: قلت حتى أستأمرها. قالت: أستأمرنى في رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قبح الله رأيك، ارجع لا يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بدا له. قال:
فجاء وقد ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم (عنها) كبرة. فقال: يا رسول الله قد استأمرت فأمرتنى أن أفعل. قال: فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم.» « (كتاب المنمق لابن حبيب، مخطوطة لكهنو بالهند، ص 173- 176) .(1/460)
933- وقال الواقدي: خطب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ (وَسَلَّمَ) امرأة من كلب، فبعث عائشة لتنظر [1] إليها. فذهبت ثُمَّ رجعت [فقال لَهَا: ما رأيت؟
قالت: لم أر طائلا. قال: لقد رأيت خالا بخدها اقشعرت لَهُ كل شعرة منك] .
فقالت: يا رَسُول اللَّهِ، ما دونك ستر.
__________
[1] خ: لينظر.(1/461)
934- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، ثنا الثَّوْرِيُّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ فَرَدَّ، لَمْ يَعُدْ. فَخَطَبَ امْرَأَةً، فَقَالَتْ: أَسْتَأْمِرُ أَبِي. فَاسْتَأْمَرَتْهُ، فَأَذِنَ لَهَا، [ثُمَّ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهَا: قَدِ الْتَحَفْنَا لِحَافًا غَيْرَكِ] .
935- وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَغَيْرُهُ قَالُوا، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ:
قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلَغَنَا أَنَّكَ/ 223/ تَخْطُبُ دُرَّةَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ؟ [فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَكُنْ أُمُّهَا عِنْدِي لَمَا حَلَّتْ لِي، قَدْ أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا ثُوَيْبَةُ مَوْلاةُ بَنِي هَاشِمٍ، فَلا تَعْرِضَنَّ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلا أَخَوَاتِكُنَّ] .
[جمرة بنت الحارث ابن عوف]
936- وقال أَبُو عبيدة: خطب رَسُول اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم جمرة [1] بنت الحارث ابن عوف. فقال أبوها: إن بِهَا برصا. وهو كاذب. فبرصت. وهي أم شبيب بن البرصاء الشاعر. وقال أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنيّ: أم شبيب بن البرصاء: القرصافة بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة. وأختها عمرة بنت الحارث أم عقيل ابن علفة. وَأَبُو شبيب: يزيد بن حمزة بن عوف بن أبى حارثة (الم) رى. وقال الكلبي: كانت أم شبيب أدمي، فسميت برصاء، عَلَى القلب، ولم يكن بِهَا برص.
937- وعرضت ابنة حمزة بن عبد المطلب عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، [فقال: أما علمتم أن حمزة أخي من الرضاع، وأنه يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ؟] 938- وقال أَبُو عبيدة: [عرضت عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم حبيب بنت العباس، عمه، فقال: العباس أخي من الرضاع.] وقد روي عَن أم الفضل لبابة بنت الحارث أنها قَالَتْ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن كبرت أم حبيب وأنا حىّ، تزوجتها] [2] .
__________
[1] حمزة (والتصحيح عن الطبرى، ص 1777) .
[2] خ: تزجتها.(1/462)
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [1] عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ [أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، وَرَأَى أُمَّ حبيب بِنْتَ الْعَبَّاسِ وَهِيَ فَوْقَ الْفَطِيمِ، قَالَ: لَئِنْ بلغت ابنة العباس هذه وأنا حىّ لأتزوجها.] وقال محمد ابن إِسْحَاقَ: فِي هَذَا تَأْكِيدٌ لِقَوْلِ عَائِشَةَ إِنَّهُ أُحِلَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَاءَ مِنَ النِّسَاءِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُحْبَسْ عَلَى تسع.
[سنا بنت الصلت]
939- وقال أَبُو عبيدة: عرضت عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنا بنت الصلت، ويقال: بنت أسماء بن الصلت السلمية، وحملت إليه، فماتت قبل أن تصل إليه.
940-[قالوا: وقيل لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ألا تتزوج من نساء الأنصار؟
فقال: إن فيهن غيرة شديدة، وأنا صاحب ضرائر، وأكره أن أسوأ قومهن فيهن] .
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي زَوَّجَ بِهِ بَنَاتَهُ، وَتَزَوَّجَ بِهِ:
عَشْرَ أَوَاقٍ [2] وَنَشًّا. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَذَلِكَ خَمْسُ مِائَةِ دِرْهَمٍ.
حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لا تُغَالُوا بِصَدَاقِ النِّسَاءِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ تَقْوًى أَوْ كَرَمًا فِي الدُّنْيَا، كَانَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلاكُمْ بِهِ: مَا أَصْدَقَ وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلا أُصْدِقَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ أَوَاقٍ [3] .
941- حَدَّثَنِي الْوَاقِدُ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ الْمَرْأَةَ، قَالَ لِلَّذِي يَخْطُبُهَا عَلَيْهِ: « [اذْكُرْ لَهَا جَفْنَةَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ» - الَّذِي كَانَ يَبْعَثُ بِهَا.] قَالَ:
__________
[1] لم أجده عند ابن هشام.
[2] خ: أواقى.
[3] خ: أواقى.(1/463)
يعنى أنها كانت مرة بلحم، وَمَرَّةً بِسَمْنٍ، وَمَرَّةً بِلَبَنٍ. وقال الواقدي: بلغنا أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طاف عَلَى نسائه فِي غسل واحد. قَالَ: وروي عَنْهُ أيضا أَنَّهُ طاف عليهن يغتسل من كل امرأة غسلا. [وأنه قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أعطيت فِي الجماع قوة أربعين رجلا.]
[نزول آية الحجاب]
942- حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
أَكَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ/ 224/ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَصَابَتْ يَدُهُ يَدِ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَمَرَ بِالْحِجَابِ.
حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ (عَبْدِ) الْمُؤْمِنِ، ثنا كَثِيرُ بن عبد اللَّه (......؟) (عَنْ أَنَسٍ) [1] قَالَ:
«مَا مَسَسْتُ كَفًّا قَطُّ أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَا قَالَ لِي قَطُّ لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَهُ؟، وَلا لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ: هَلا فَعَلْتَهُ؟ وَقَالَ لِي:
[يَا أَنَسُ، إِذَا خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ، فَسَلِّمْ عَلَى مَنْ لَقِيتَ تَزْدَدْ حَسَنَةً- أَوْ قَالَ:
مَحَبَّةً- وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لا تَكُونَ [2] إِلا عَلَى وُضُوءٍ فَافْعَلْ، فإنك لا تدرى متى يأتيك الْمَوْتُ. وَكُنْتُ أَجِيءُ فَأَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَجِئْتُ لأَدْخُلَ، فَقَالَ: «يَا أَنَسُ، خَلْفَكَ، فَقَدْ نَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ] [3] » .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، ثنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاثٍ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه، لَوِ اتَّخَذْتَ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى؟، فَنَزَلَتْ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) [4] ، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، إِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ؟، فأنزل اللَّه عز وجل آية الحجاب، وبلغنى مُعَاتَبَةُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نساءه فدخلت على واحدة واحدة، فجعلت
__________
[1] بياض في الأصل مقدار خمس كلمات تقريبا، ولا بد من ذكر أنس في الإسناد.
[2] خ: يكون.
[3] القرآن، النور (30- 31، 58- 59) ، أو الأحزاب (33/ 59) .
[4] القرآن، البقرة (2/ 125) .(1/464)
أَقُولُ: واللَّه لَئِنِ انْتَهَيْتُنَّ وَإِلا لَيُبَدِّلَنَّ اللَّه نَبِيَّهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ الآيَةَ [1] . قَالَ الواقدي:
ونزل الحجاب فِي ذي القعدة سنة خمس. وقوم يقولون: نزل ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة حين حج حجته.
943- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، ثنا ابْنُ أَبِي ذئب، عن صالح مولى التؤمة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
[قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنِسَائِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: هَذِهِ ثَمَّ طَهُورِ الْحُصْرِ.] قَالَ: فَحَجَجْنَ بعده إلا سودة وزينب. قال: لا تُحَرِّكُنَا دَابَّةٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2] . وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ كَانَتْ تَحُجُّ كُلَّ سَنَةٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِثَبْتٍ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَحَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ:
خَرَجَ عُمَرُ آخِرَ حَجَّةٍ حَجَّهَا إِلَى مَكَّةَ بِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ:
كَانَ عُمَرُ مَنَعَهُنَّ مِنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ حَتَّى كَانَ آخِرَ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ، فَخَرَجَ بِهِنَّ فِي الْهَوَادِجِ، فَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ يَقُولُ: كُنَّا نَخْرُجُ بِهِنَّ وَهُنَّ فِي الْهَوَادِجِ وَعَلَى هَوَادِجِهِنَّ الطَّيَالِسَةُ. فَأَكُونُ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَرَاءَهُنَّ فَلا نَدَعُ أَحَدًا يَدْنُو مِنْهُنَّ، فإذا نزلنا المنزل، أنزلناهن فِي الشِّعَابِ، وَجَلَسْتُ أَنَا وَهُوَ عَلَى أَفْوَاهِ الشِّعَابِ فَلا يَرَيْنَهُ [3] مِنَّا أَحَدٌ. وقالت أم معبد الخزاعية: رأيت عثمان، وعبد الرحمن بن عوف فِي آخر خلافة عمر، ونساء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد حججن، وابن عفان يسير أمامهن عَلَى راحلته، فإذا دنا منهن إنسان، قَالَ إليك إليك، وابن عوف وراءهن يفعل مثل ذَلِكَ. ولما نزلن، ستر عليهن بالشجر من كل ناحية. فلما رأيتهن، بكيت، وقلت لهن: ذكرت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نزل بهذا الموضع، فبكين معى، وعرفننى فأكرمنى. ورحّبن [4] بي،
__________
[1] القرآن، التحريم (66/ 5) .
[2] كأنه قول أم المؤمنين سودة رضى اللَّه عنها، حكاه الراوي.
[3] كذا في الأصل، لعله: «يراهن» .
[4] خ: رحبو.(1/465)
ووصلتني كل امرأة منهن بصلة، وقلن: إِذَا أخرج أمير الْمُؤْمِنِين. العطاء فاقدمي علينا. فقدمت عليهن فأعطتني كل امرأة منهن خمسين دينارا. وكن سبعا.
وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُمَرَ حَجَّ سَنَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ، وَاسْتَخْلَفَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَحَجَّ مَعَهُ بِأَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ سَوْدَةَ، فَإِنَّهَا لَزِمَتْ بَيْتَهَا، وَغَيْرَ زَيْنَبَ فَإِنَّهَا كَانَتْ قَدْ مَاتَتْ. فَكَانَ أَمَامَهُنَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَوَرَاءَهُنَّ عُثْمَانُ، فَلا يَتْرُكَانِ أَحَدًا يَدْنُو مِنْهُنَّ إِلا أَنْ يَكُونَ ذَا مَحْرَمٍ، فَيُكَلِّمْنَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ، وَكُنَّ يَنْزِلْنَ فِي شِعْبٍ، فَيَقِفُ عُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ على فم الشعب. قال الواقدي: وقد/ 225/ روي أن أمهات الْمُؤْمِنِين أستأذن عثمان فِي الحج. فقال: قد أذن لكن عمر. فحج بهن جميعا إلا سودة، وزينب فإنها كانت قد توفيت.
944- حَدَّثَنِي عَليّ بن عبد اللَّه، ثنا سفيان، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
لَمْ يُقْبَضْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَحَلَّ اللَّه لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ شَاءَ إِلا ذَاتَ زَوْجٍ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى [1] .
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّه الْوَاقِدِيُّ، ثنا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حنيف في قَوْلِهِ: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ [2] ، قَالَ:
حُبِسَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ، فَلَمْ يَتَزَوَّجْ بَعْدَهُنَّ.
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا عبيد اللَّه بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ، عَنْ شَيْبَانَ النَّحْوِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ:
هَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطَلِّقَ مِنْ نِسَائِهِ، فَلَمَّا رَأَيْنَ ذَلِكَ، جَعَلْنَهُ فِي حِلٍّ مِنْ أَنْفُسِهِنَّ يُؤْثِرُ مَنْ يَشَاءُ، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى: إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ، حتى بلغ تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي
__________
[1] الأحزاب (33/ 51) .
[2] الأحزاب (33/ 52) .(1/466)
إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ [1] ، يَقُولُ: اعْتَزِلْ مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ. فَكَانَ مِمَّنْ عَزَلَ: سَوْدَةُ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ، وَصَفِيَّةُ، وَجُوَيْرِيَّةُ، وَمَيْمُونَةُ، وَجَعَلَ يَأْتِي عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ، وَزَيْنَبَ، وَأُمَّ سَلَمَةَ، وقوله (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ، تَعْزِلُ مَنْ تَشَاءُ فِي غَيْرِ طَلاقٍ، ثُمَّ قَالَ: (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ، يَقُولُ مِنَ الْمُسْلِمَاتِ.
ذكر موالي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخدمه:
زيد الحب:
945- زيد الحب بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن امرئ القيس بن عَامِر ابن النعمان بن عَامِر بن عبد ود بْن عوف بْن عذرة بْن زَيْد اللات بْن رُفَيْدَةَ بْن ثَوْرِ بْن كَلْبِ بْن وبرة. ويقال لولد عَامِر بن النعمان بن عامر «بنو المدنية» ، وذلك أن أمة سوداء يقال لها «المدنية» كانت حضنتهم، وأسم أمهم ليلى بنت عريج، وهي كلبية. وأم زيد بن حارثة: سعدى بنت ثعلبة بن عبد بن عَامِر، من بنى معن، من طيّئ. فزارت سعدى قومها وزيد معها، فأغارت خيل لبني القين بن جسر بن شييع اللَّه بن أسد بْنِ وَبْرَةَ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عمران بن الحاف بن قضاعة فِي الجاهلية، ومروا عَلَى أبيات بني معن فاحتملوا زيدا، وهو يومئذ غلام ينعة قد أوصف، فوافوا بسوق عكاظ، فاشتراه منهم حكيم بن حزام ابن خويلد بْن أسد بْن عَبْدِ العزى بْن قصي لعمته خديجة بنت خويلد بأربع مائة درهم، ويقال: بست مائة درهم. فلما تزوجها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهبته لَهُ. فقبضه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتبناه. ويقال أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ ابتاع زيدا بالشام لخديجة حين توجه مع ميسرة، قيمها، فوهبته له. وكان حارثة بن شراحيل، أو «زيد» قَالَ فيه حين فقده [2] :
بكيت عَلَى زيد ولم أدر ما فعل ... أحي فيرجى أم تخرّمه الأجل
__________
[1] الأحزاب (33/ 50- 51) .
[2] ابن سعد، 3 (1) / 27- 28، ابن هشام، ص 160- 161، السهيلي 1/ 164، الاستيعاب، رقم 804 حارثة بن زيد، مع اختلافات.(1/467)
فو اللَّه ما أدري وإن كنت سائلا ... أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل
فياليت شعري هَلْ لك الدهر رجعة ... فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل [1]
/ 226/ تذكّرينه الشمس عند طلوعها ... وتعرض ذكراه إِذَا قارب الطفل
وإن هبت الأرواح هيجن ذكره ... فيا طول ما حزني عَلَيْهِ ويا وجل
سأعمل نص العيس فِي الأرض جاهدا ... ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل
حياتي أو تأتي عَلَي منيتي ... وكل امرئ فان وإن غره الأمل
وأوصى بِهَا كعبا [2] وعمرا كليهما [3] ... وأوصي يزيدا ثُمَّ (من) بعدهم جبل
يعني بعمرو: عَمْرو بن الحارث بن عبد العزى بن امرئ القيس، أبو «بشر» ، جد «محمد بن السائب بن بشر الكلبي النساب» . ويعني بكعب: كعب بن شراحيل، أخا زيد لأمه. ويعنى بجبل: جبلة بن حارثة، أخا زيد، وَكَانَ أكبر من زيد. وبعضهم يجعل مكان كعب قيسا، ويقول: هُوَ أخو حارثة.
ثُمَّ إن قوما من كلاب حجوا، فرأوا زيدا فعرفوه وعرفهم. فلما قدموا بلادهم، أعلموا حارثة بمكانه، وأخبروه خبره. فخرج حارثة وكعب ابنا شراحيل، وجبلة ابن حارثة بفدائه، وقدما مكة، فسألا عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقيل:
هُوَ فِي المسجد. فدخلا عَلَيْهِ، فقالا: يابن عبد اللَّه وابن عبد المطلب وابن هاشم، ثُمَّ سيد قومه، أنتم أهل حرم اللَّه بجيرانه، تفكون العاني، وتطعمون الضيف، جئناك فِي ابننا عندك، فامنن بِهِ علينا وأحسن فِي فدائه إلينا. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: « [فهلا غير ذلك؟ أدعوه، فأخيره. فإن اختاركم فهو لكم بغير فداء. وإن اختارني، فو اللَّه ما أنا بالذي أختار عَلَى من اختارني شيئا] » . قالوا: قد زدتنا على النّصف، وأحسنت. فدعا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيدا، فقال له: أتعرف هؤلاء؟ (فقال) : أبي وعمي وأخي. فقال:
أنا من قد علمت، فاخترني أو اخترهم. فقال: ما أنا بمختار عليك أحدا.
فقال لَهُ أبوه [4] : ويحك يا زيد، أتختار العبودية عَلَى الحرية؟ قَالَ: نعم،
__________
[1] البجل محركة: المسن.
[2] خ: لعبا. (وعند ابن سعد: قيسا) .
[3] خ: كلاهما (والتصحيح عن ابن سعد) .
[4] خ: دعوه.(1/468)
قد رأيت من هَذَا الرجل شيئا ما أنا بالمختار عَلَيْهِ معه أحدا. [فلما رأى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ من زيد، أخرجه إلى الحجر، فقال لمن حضر:
اشهدوا أن زيدا ابني أرثة ويرثني. فطابت أنفسهم.] فكان زيد يدعى زيد بن مُحَمَّد حَتَّى جاء اللَّه بالإسلام. فزوجه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينب بنت جحش، وهي أبنة عَمَّةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فطلقها زيد، وخلف عَلَيْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فتكلم المنافقون، وطعنوا فِي ذلك، وقالوا:
مُحَمَّد يحرم نساء الولد وقد تزوج امرأة ابنه. فأنزل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا [1] أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً [2] ، ونزلت: «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ» - يعني هُوَ أعدل عند اللَّه- فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ [3] . فدعي يومئذ «زيد بن حارثة» ، ونسب كل من تبناه رجل من قريش إلى أبيه، مثل سالم مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة قد تبناه، ومثل عَامِر بن ربيعة الوائلي وَكَانَ الخطاب بن نفيل بن عبد العزى أَبُو «عمر» قد تبناه فكان يقال عَامِر بن الخطاب.
حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ أَبُو عُثْمَانَ، ثنا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، أَنْبَأَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّه، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ قَالَ:
مَا كُنَّا نَدْعُو زَيْدًا إِلا زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ. وقال الكلبي: كَانَ زيد يسمى زيد الحب، لأنه حب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ ابنه أسامة يدعى «الردف» ، لأَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يردفه كثيرا.
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ/ 227/ الأَهْوَازِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّه بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ حِمَارًا بِأَكَافٍ عَلَى قَطِيفَةٍ، وَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ، وَأَتَى سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ يَعُودُهُ.
__________
[1] خ: إذا.
[2] القرآن، الأحزاب (33/ 40) .
[3] أيضا (33/ 55) .(1/469)
وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّه، ثنا أَبِي، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ:
وَقَفَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ وَهُوَ مُرْدِفٌ أُسَامَةَ بن زيد. وقال بعضهم: كان أسامة يدعا حبا أيضا.
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنْ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ [أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ: أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلانَا] .
وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنِ الْبَكَّائِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بن إسحاق، عن يزيد بن عبد اللَّه، عن محمد ابن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ [أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ: أَنْتَ مَوْلائِي، وَمِنِّي، وَأَحَبُّ الْقَوْمِ إِلَيَّ] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ خَالِدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بن عبد اللَّه بن قسيط، عن محمد بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
[قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدٍ: أَنْتَ مَوْلائِي، وَمِنِّي، وَأَحَبُّ الْقَوْمِ إِلَيَّ] .
946- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بن سعد [2] ، ثنا أَبُو عبد اللَّه يعني الواقدي، أنبأ ابن أبي ذئب، عَن الزهري قَالَ:
أول من أسلم زيد بن حارثة.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بن سعد، عَن الواقدي، أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن الْحَسَن [3] بن أسامة بن زيد، عَن أبيه قَالَ:
كَانَ بين رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين زيد عشر سنين، رَسُول اللَّه أكبر، وَكَانَ زيد رجلا قصيرا، آدم شديد الأدمة، فِي أنفه فطس، وَكَانَ يكنى أبا أسامة.
__________
[1] ابن سعد، 3 (1) / 29- 30.
[2] أيضا، 3 (1) / 30.
[3] خ: الحسين (ولكن راجع الحديث التالي) .(1/470)
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُحَمَّد بن الْحَسَن بن أسامة بن زيد، عَن حسين المازني، عَن يزيد بن عبد اللَّه بن قسيط، عن محمد بن أسامة قال:
أول من أسلم زيد بن حارثة.
وحدثني هشام بن عمار، ثنا محمد بن عيسى بن سميع، عن ابن أبي ذئب، عَن الزهري، قَالَ:
أول من أسلم من النساء خديجة، ومن الرجال زيد بن حارثة.
947- وحدثني عباس بن هشام الكلبي، عن أبيه، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:
أَقْبَلَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ- وَأُمُّهَا أَرْوَى بِنْتُ كُرَيْزِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَأُمُّهَا أُمُّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءُ بنت عبد المطلب- مهاجرة إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَطَبَهَا الزُّبَيْرُ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ.
فَاسْتَشَارَتْ أَخَاهَا لأُمِّهَا، عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَأَشَارَ عَلَيْهَا أَنْ تَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَتْهُ، فَأَشَارَ عَلَيْهَا بِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. فَتَزَوَّجَتْهُ، فَوَلَدَتْ لَهُ زَيْدًا، وَرُقَيَّةً. فَهَلَكَ زَيْدٌ وَهُوَ صَغِيرٌ، وَمَاتَتْ رُقَيَّةُ فِي حِجْرِ عُثْمَانَ. وَطَلَّقَ زَيْدٌ أُمَّ كُلْثُومٍ، فَخَلَفَ عَلَيْهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، ثُمَّ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ.
948- وتزوج زيد درة [2] بنت أبي لهب، ثُمَّ طلقها. وتزوج هند بنت العوام.
وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوجه أم أيمن، حاضنة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومولاته، فولدت لَهُ أسامة بن زيد. وَكَانَ اسم أم أيمن «بركة» .
فتزوجت فِي الجاهلية بمكة عُبَيْد بن عَمْرو بن بلال بن أبي الحرباء بن قيس بن مالك بن ثعلبة بن جشم بن مالك بن سالم- وهو الحبلي- بن غنم بن عوف بن الخزرج، فولدت لَهُ أيمن بن عُبَيْد، فكنيت بِهِ. واستشهد أيمن يوم حنين.
ومات عُبَيْد عَن أم أيمن، فكانت فارغة لم تتزوج بها [3] ، فزوجها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيدا.
__________
[1] ابن سعد، 3 (1) / 30.
[2] خ: رقية.
[3] خ: به.(1/471)
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا عُبَيْدُ اللَّه بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَ فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: كَانَتْ أُمُّ أيمن تلطف (ب) رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، / 228/ وتقوم [1] عَلَيْهِ. [فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلْيَتَزَوَّجْ أُمَّ أَيْمَنَ.] فَتَزَوَّجَهَا زَيْدٌ، فَوَلَدَتْ لَهُ أُسَامَةَ.
949- قالوا: ولما هاجر صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نزل زيد عَلَى كلثوم بْن الهدم.
وَيُقَال: عَلَى سَعْد بْن خيثمة. وآخى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين حمزة. وَإِلَيْهِ أوصى حمزة يوم أحد حين أراد القتال. وآخى بينه وبين أسيد بن حضير الأوسي.
950- حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ الْهَيْثَمِ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:
قَدِمَ عُبَيْدُ بْنُ عَمْرٍو الْخَزْرَجِيُّ مَكَّةَ، فَأَقَامَ بِهَا وَتَزَوَّجَ أُمَّ أَيْمَنَ بَرْكَةَ مَوْلاةَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَقَلَهَا إِلَى يَثْرِبَ، فَوَلَدَتْ لَهُ أَيْمَنَ بْنَ عُبَيْدٍ، وَمَاتَ عَنْهَا، فَرَجَعَتْ إِلَى مَكَّةَ. فَلَمَّا مَلَكَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا وَبَلَغَ، زَوَّجَهُ إِيَّاهَا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد، عَن الواقدي قَالَ:
كَانَ لآل أسامة مولى يقال لَهُ ابن أبي الفرات، فخاصم بعض مواليه. فقال له: يا عبد اللَّه. فقال: يا ابن بركة. فاستعدى عَلَيْهِ أبا بكر بن عَمْرو بن حزم. فقال: إنما نسبته إلى أم أسامة، وما قلت بأسا. فقال أَبُو بكر: تَقُولُ لامرأة حضنت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وولدها ينسبون إلى ولائه ويقال هم بنو الحبّ، هؤلاء تصغر [2] بِهَا فِيهِ. فضربه سبعين سوطا، وأطاف بِهِ.
951- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا وَائِلُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَهِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
مَا بعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِي جَيْشٍ قَطُّ إِلا أمّره عليه، وإن بقي بعده، استخلفه على المدينة.
__________
[1] خ: يقوم.
[2] خ: يصغر.(1/472)
وَحَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ، وَمَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ تِسْعَ غَزَوَاتٍ يُؤَمِّرُهُ فِيهَا عَلَيْنَا.
952- حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ البزاز، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ قَالَ:
لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلُ زَيْدٍ، قَالَ: [اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزَيْدٍ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزَيْدٍ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِجَعْفَرٍ وَلِعَبْدِ اللَّه بْنِ رَوَاحَةَ] .
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، أَنْبَأَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ:
لَمَّا أُصِيبَ زَيْدٌ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَهُ، فَجَهَشَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ زَيْدٍ فِي وَجْهِهِ. فَبَكَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَحَبَ. فَقَالَ لَهُ سعد ابن عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللَّه مَا هَذَا؟ قَالَ: [هَذَا شَوْقُ الْحَبِيبِ إِلَى حَبِيبِهِ.] وقال الواقدي: استشهد زيد وله خمسون سنة، وَذَلِكَ فِي سنة ثمان.
953- مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ:
مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرْيَانًا قَطُّ إِلا مَرَّةً واحدة: جاء زيد ابن حَارِثَةَ مِنْ غَزَاةٍ لَهُ يَسْتَفْتِحُ. فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ، فَقَامَ عُرْيَانًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ، فَقَبَّلَهُ وَاعْتَنَقَهُ.
أسامة بن زيد:
954- وَكَانَ أسامة بن زيد يكنى أبا مُحَمَّد. وعزم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى توجيهه إلى شرحبيل بن عَمْرو الغساني بمؤتة، فلم يتهيأ شخوصه حَتَّى قبض رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمر أن ينفذ جيش أسامة. وأنفذه أَبُو بكر رضي اللَّه تعالى عَنْهُ بعد وفاته، فأوقع بالعدو وغنم المسلمون. وَكَانَ بين خروجه وقدومه أربعون ليلة. ويقال شهران. وأستقبله الناس حين قدم مستبشرين بقدومه.(1/473)
955- حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
خَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاصِبًا رَأْسَهُ، / 229/ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَكَانَ النَّاسُ قَدْ تَكَلَّمُوا فِي أَمْرِهِ حِينَ أَرَادَ تَوْجِيهَهُمْ إِلَى مُؤْتَةَ، فَكَانَ أَشَدُّهُمْ قَوْلا فِي ذَلِكَ عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ. فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَنْفِذُوا بَعْثَ أُسَامَةَ، فَلَعَمْرِي لَئِنْ قُلْتُمْ فِي إِمْرَتِهِ، لَقَدْ قُلْتُمْ فِي إِمْرَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَلَقَدْ كَانَ أَبُوهُ لِلإِمَارَةِ خَلِيقًا، وَإِنَّهُ لَخَلِيقٌ بِهَا. وَكَانَ فِي جَيْشِ أُسَامَةَ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَوُجُوهٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ. وَخَرَجَ، فَعَسْكَرَ بِالْجَرْفِ. فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، أَتَى أُسَامَةَ فَقَالَ لَهُ: قَدْ تَرَى مَوْضِعِي مِنْ خِلافَةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا إِلَى حُضُورِ عُمَرَ وَرَأْيِهِ مُحْتَاجٌ، فَأَنَا أَسْأَلُكَ تَخْلِيفَهُ. فَفَعَلَ، وَمَضَى أُسَامَةُ حَتَّى قَدِمَ سَالِمًا غَانِمًا، فَسُرَّ النَّاسُ بِذَلِكَ.
956- وَحُدِّثْتُ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ:
فَرَضَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ لِعَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ فِي أَلْفَيْنِ وخمسمائة، وفرض لأسامة في ثلاث (ة) آلافٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّه: مَا شَهِدَ أُسَامَةَ مَشْهَدًا لَمْ أَشْهَدْهُ.
فَقَالَ عُمَرُ: كَانَ واللَّه أحب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ مِنْكَ، وَكَانَ أَبُوهُ أَحَبُّ إِلَى رَسُولِ اللَّه مِنْ أَبِيكَ.
957- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ: تَوَجَّهَ أُسَامَةُ فِي سَنَةَ سَبْعٍ فِي سَرِيَّةٍ، فَلَحِقَ نَهِيكَ بْنَ مِرْدَاسٍ الْجُهَنِيَّ. فَلَمَّا لَحَمَهُ السَّيْفَ، قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّه، فَقَتَلَهُ واستاق ما كان معه من النَّعَمَ. فَلَمَّا رَجَعَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
[يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَ رجلا يقول «لا إله إلا اللَّه» ؟ (فجعل يقول) [1] : فإنما قَالَهَا، يَا رَسُولَ اللَّه، مُتَعَوِّذًا. قَالَ: فَهَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟] فَجَعَلَ أُسَامَةُ عَلَى نَفْسِهِ أن لا [2] يُوَاجِهَ رَجُلا يَقُولُ «لا إِلَهَ إِلا اللَّه» بسيف أبدا. فلما نهض علىّ
__________
[1] الزيادة عن إمتاع المقريزى، 1/ 335.
[2] خ: إلى أن.(1/474)
عَلَيْهِ السَّلامُ إِلَى الْبَصْرَةِ لِحَرْبِ أَصْحَابِ الْجَمَلِ، دَعَاهُ إِلَى الْخُرُوجِ مَعَهُ. فَقَالَ:
واللَّه إِنِّي لأَصْدُقَكَ الْمَحَبَّةَ، وَلَوْ كُنْتَ بَيْنَ لَحْيَيْ أَسَدٍ لأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ، وَلَكِنِّي جَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي وَعَاهَدْتُ رَبِّي أَنْ لا أُقَاتِلَ أَحَدًا يقول لا إله إلا اللَّه.
958- قالوا: وَكَانَ أُسَامَةُ مِنَ الرُّمَاةِ الْمَذْكُورِينَ، وَخَلَّفَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عُثْمَانَ عَلَى رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَتُوُفِّيَ بِوَادِي الْقُرَى، وَكَانَ قَدْ نَزَلَهَا. وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ. وَيُقَالُ إِنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ وَادِي الْقُرَى، فَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ.
وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ مُسْلِمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالَ:
قَالَ مُعَاوِيَةُ لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: رَحِمَ [1] اللَّه أُمَّ أَيْمَنَ، كَأَنِّي أَرَى سَاقَيْهَا وَكَأَنَّهُمَا سَاقَا نَعَامَةٍ. فَقَالَ أُسَامَةُ: كَانَتْ واللَّه خَيْرًا مِنْ هند، وأكرم. فقال:
وأكرم أيضا؟ فقال نَعَمْ، قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ» [2] .
959- وقال الواقدي: كَانَ أسامة حِينَ قُبِضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن إحدى وعشرين سنة أو أقل بأشهر. وَكَانَ يوم الفتح يأتي بملء الدلو من ماء زمزم، وقد أَمَرَّهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمحو الصور التي كانت فِي الكعبة فيبل الثوب، ثُمَّ يضرب بِهِ الصورة. ولم يحل لواءه الَّذِي عقده لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أمره عَلَى الجيش، بعد قتل أبيه، وَكَانَ منصوبا فِي بيت لَهُ.
قَالَ الكلبي: وقيل لأبي بكر رضي اللَّه تعالى عَنْهُ: إن عامة الناس مع أسامة، وقد ارتدت العرب، فكيف تفرق الناس؟ قَالَ: واللَّه، لو ظننت أن السباع تأكلني وإني اختطف فِي هَذِه القرية لأنفذت بعثه كما أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ دعا أسامة، فقال: انفذ يا أبا مُحَمَّد رحمك اللَّه، واعمل بما كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرك بِهِ. ولم يوصه بشيء.
960- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ ذُرَيْحٍ، عَنِ الْبَهِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا/ 230/ قَالَتْ:
عَثَرَ أُسَامَةُ بِعَتَبَةِ الْبَابِ فَانْشَجَّ فِي وَجْهِهِ. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
__________
[1] خ: رحمه.
[2] القرآن، الحجرات (49/ 13) .(1/475)
وَسَلَّمَ: [أَمِيطِي عَنْهُ الأَذَى.] فَقَذَرْتُهُ. فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُصُّ شَجَّتَهُ وَيَمُجُّ دَمَهَا، وَيَقُولُ: [لَوْ كَانَ أُسَامَةُ جَارِيَةً لحليته وكسوته حتى أنفقه] .
قَالَ ابْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ شَرِيكٌ: الدَّمُ حَرَامٌ، وَقَدْ مَصَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لَفَظَهُ وَمَجَّهُ، وَالطَّعَامُ حَرَامٌ عَلَى الصَّائِمِ ولا بأس بأن يتذوق الرجل القذر بِطَرَفِ لِسَانِهِ وَهُوَ صَائِمٌ مَا لَمْ يَدْخُلْ حَلْقَهُ.
961- قالوا: وكانت بركة، وهي أم أيمن، لرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
ورثها من أبيه، فأعتقها. ويقال بَلْ كانت مولاة أبيه، فورث ولاءها. ويقال بَلْ كانت لأمه، فورثها منها، وأعتقها. وكانت تحضن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتقوم عَلَيْهِ.
962- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى الْحِمْصِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
اشْتَرَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَلِيدَةً بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلَى شَهْرٍ، فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « [أَلا تَعْجَبُونَ مِنْ أُسَامَةَ الْمُشْتَرِي إِلَى شَهْرٍ؟ إِنَّ أُسَامَةَ لطويل الأمل والذى نفسي بيده، ما طرقت عَيْنَايَ فَظَنَنْتُ أَنَّ شَفْرَيْهِمَا يَلْتَقِيَانِ حَتَّى أُقْبَضَ، وَلا رَفَعْتُ طَرَفِي فَظَنَنْتُ أَنِّي وَاضِعُهُ حَتَّى أُقْبَضَ، وَلا لَقَمْتُ لُقْمَةً فَظَنَنْتُ أَنِّي أُسِيغُهَا حَتَّى يَغُصَّنِي بِهَا الْمَوْتُ] » . ثُمَّ قَالَ:
[يَا بَنِي آدَمَ، إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ، فَعُدُّوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْمَوْتَى: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ] [1] .
963- وقال الواقدي: كَانَ حارثة بن شراحيل من كلب، فتزوّج امرأة من طيّئ بجبلي طيّئ. فولدت لَهُ زيد بن حارثة، فكان هناك. وتوفي حارثة، وكانت لَهُ أبعرة. فمر نفر من العرب، وهو يومئذ وصيف، فأكراهم إياها إلى مكة، فوافوا بِهِ سوق عكاظ فباعوه، فاشتراه حكيم بن حزام لخديجة، فكان يتجر لَهَا، وَكَانَ لخديجة. وكانت بركة لعبد اللَّه بن عبد المطلب. فلما بلغ زيد، زوجه إياها، وهو لخديجة. فطلبه منها، فوهبت لَهُ، فأعتقه وأعتق أم أيمن. والأول خبر الكلبي، وهو أثبت.
__________
[1] القرآن، الأنعام (6/ 134) .(1/476)
أَبُو رافع:
964- أَبُو رافع مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واسمه أسلم. وَكَانَ للعباس بن عبد المطلب، فوهبه لرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما بشره بإظهار العباس إسلامه، أعتقه. ووجه رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا رافع مع زيد بن حارثة من المدينة لحمل عياله من مكة. وهو الذي عمل لرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منبره من أثل الغابة. وكانت سلمى، مولاة رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أبي رافع، فولدت لَهُ عُبَيْد اللَّه بن أبي رافع كاتب عَليّ عَلَيْهِ السلام. وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورث سلمى هَذِه من أمه. وَكَانَ أَبُو رافع الَّذِي بشر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بولادة إِبْرَاهِيم بن رَسُول اللَّه، فوهب لَهُ غلاما.
وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجه أبا رافع مع رجل من الأنصار ليخطبا على ميمونة بنت الحارث زوجته.
وَحُدِّثْتُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسحاق [1] ، عن حُسَيْن بْن عَبْدِ اللَّه بْن عُبَيْد اللَّه بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كُنْتُ غُلامًا لِلْعَبَّاسِ، وَكَانَ الإِسْلامُ قَدْ دَخَلَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَأَسْلَمَ الْعَبَّاسُ وَأَسْلَمَتْ أُمُّ الْفَضْلِ، وَأَسْلَمْتُ. وَكَانَ الْعَبَّاسُ يَهَابُ قَوْمَهُ وَيَكْرَهُ خِلافَهُمْ، فَكَانَ يَكْتُمُ إِسْلامَهُ. وَكَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ مُتَفَرِّقٍ فِي قَوْمِهِ. فَلَمَّا جَاءَ مُصَابُ أَهْلِ بَدْرٍ، وَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا عِزًّا وَقُوَّةً. وَكُنْتُ ضَعِيفًا أَعْمَلُ الْقِدَاحَ وَأَنْحَتُهَا فِي حُجْرَةِ زَمْزَمَ.
فَبَيْنَا أَنَا أَنْحَتُ أَقْدَاحِي، وَعِنْدِي أُمُّ الْفَضْلِ جَالِسَةً، وَقَدْ سُرِرْنَا بِمَا جَاءَ مِنْ خَبَرِ أَهْلِ بَدْرٍ، / 231/ إِذْ أَقْبَلَ الْفَاسِقُ أَبُو لَهَبٍ، فَجَلَسَ. وَوَافَى أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ [2] بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ أبو لهب: إليّ يا ابن أَخِي، مَا خَبَرُ النَّاسِ فَقَالَ: مَا هُوَ إلا أن لقينا رجال حَتَّى مَنَحْنَاهُمْ [3] أَكْتَافَنَا، وَلَقِيَنَا رِجَالٌ عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ. فَقُلْتُ: تِلْكَ الْمَلائِكَةُ. فَلَطَمَنِي أَبُو لَهَبٍ لطمة شديدة. وثاورته،
__________
[1] ابن هشام، ص 460- 461.
[2] خ: الحرب.
[3] خ: لقيناهم رجال. (وعند ابن هشام: لقينا القوم فمنحناهم) .(1/477)
فَضَرَبَ بِي [1] الأَرْضَ. فَقَالَتْ لَهُ أُمُّ الْفَضْلِ: أَرَاكَ تَسْتَضْعِفُهُ إِذْ غَابَ سَيِّدُهُ.
وَأَخَذَتْ شَيْئًا، فضربت به، فشجته. فقام ذليلا. فو اللَّه مَا عَاشَ إِلا سَبْعَ لَيَالٍ، حَتَّى رَمَاهُ اللَّه بِالْعَدَسَةِ، فَقَتَلَتْهُ. وَلَقَدْ تُرِكَ حَتَّى أَنْتَنَ. وَعَذَلَ ابْنَاهُ فِي ذَلِكَ، فَصَبَّا عَلَيْهِ الْمَاءَ وَمَا مَسَّاهُ، وَدُفِنَ بِأَعْلَى مَكَّةَ إِلَى جِدَارٍ، وَقَذَفُوا عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ حَتَّى وَارَوْهُ بِهَا. وَمَاتَ أَبُو رَافِعٍ بَعْدَ خِلافَةِ عُثْمَانَ.
أنسة:
965- أنسة مَوْلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من مولدي السراة، ويكنى أبا مسروح. كَانَ يأذن عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ قوم: قتل يوم بدر، ولم يعرف قاتله. قَالَ الواقدي: رأيت أهل العلم يثبتون أَنَّهُ لَمْ يقتل ببدر، وأَنَّهُ قد شهد أحد (ا) وبقي بعد ذَلِكَ، وتوفي فِي خلافة أبي بكر.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن سعد [2] ، عَن الواقدي، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن مُحَمَّد بن يوسف قَالَ:
مات أنسة بعد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خلافة أبي بكر.
أَبُو كبشة
566- أَبُو كبشة مَوْلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واسمه سُلَيْم، وَكَانَ من مولدي أرض دوس. وقال بعضهم: كَانَ من مولدي مكة. شهد مع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر، ويوم أحد، والمشاهد كلها. وَكَانَ نزوله حين هاجر عَلَى كلثوم بْن الهدم. وَيُقَال عَلَى سَعْد بْن خيثمة. وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ملكه فأعتقه. وتوفي أَبُو كبشة فِي أول يوم من خلافة عمر بن الخطاب.
صالح شقران
967- صالح شقران، وكان غلاما لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعتقه. وشهد بدرا وهو مملوك، فاستعمله رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الأسراء. ولم يسهم له،
__________
[1] خ: في.
[2] راجع ابن سعد، 3 (/ 1) 32.(1/478)
فأحذاه كل رجل كَانَ لَهُ أسير، فأصابه أكثر مما أصابه رجل من القوم من المقسم [1] . وشهد بدرا غلام لعبد الرحمن بن عوف، وغلام لحاطب بن أبي بلتعة، وغلام لسعد بن معاذ، فأحذاهم رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يقسم لَهُم.
وكذلك كَانَ يفعل بالمماليك إِذَا شهدوا معه الحرب.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ أبى جَهْمٍ الْعَدَوِيِّ قَالَ:
اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُقْرَانُ مَوْلاهُ عَلَى جَمِيعِ مَا وَجَدَ فِي رِحَالِ أَهْلِ الْمُرَيْسِيعِ مِنْ رثث الْمَتَاعِ وَالسِّلاحِ وَالنَّعَمِ وَالشَّاءِ، وَجَمَعَ الذُّرِّيَّةَ نَاحِيةً.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ [3] : فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ: الْمُرَيْسِيعِ كَيْفَ وَجَدْتُمْ شُقْرَانَ؟ فَقَالُوا: أَشْبَعَ بُطُونَنَا، وَشَدَّ وَثَاقَنَا.
968- ولابن شقران يقول عمر حين وجهه إلى أبي موسى الأشعري: قد وجهت إليك عبد الرحمن بن صالح: الرجل الصالح شقران، فأعرف لَهُ مكان أبيه من رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ شقران ممن نزل فِي قبر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدَّثَنِي حَفْص بْن عمر، عَن الهيثم، عَن مجالد، عَن الشَّعْبِيّ قَالَ:
مات شقران فِي خلافة عمر.
قَالَ حَفْص، وقال هِشَام، عَن أبيه:
مات في خلافة عمر.
يسار
969- يسار، وَكَانَ نوبيا، أصابه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بعض غزواته، فأعتقه وجعله فِي لقاحه يرعاها، / 232/ فأغار عليها قوم من عرينة-
__________
[1] راجع أيضا ابن سعد، 3 (1) / 34.
[2] راجع ابن سعد، 2 (1) / 46.
[3] ليس في رواية ابن سعد.(1/479)
ويقال: من عكل- فأخذوا يسارا فغرزوا الشوك فِي عينيه وقتلوه. وقال الكلبي والواقدي: أصاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسارا فِي غزاة بني ثعلبة بن سعد فأعتقه.
فضالة
970- فضالة مَوْلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نزل الشام. فولده بِهَا.
حَدَّثَنِي بذلك محمد بن سعد، عن الواقدى. وقال الهيثم:
لَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مولى يقال لَهُ فضالة.
سفينة
971- سفينة، واسمه مفلح، ويقال مهران. وَكَانَ من مولّدى الأعراب. ويقال إنه كَانَ مولى أم سلمة زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. ويقال بل كَانَ عبدا لَهَا، فوهبته لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعتقه. وقد حدث عَن عبد الرحمن بن سفينة.
حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي أَبِي حَسَّانَ الزِّيَادِيُّ أَبُو عَمْرٍو، ثنا الْحِمَّانِيُّ، ثنا حَشْرَجُ بْنُ نُبَاتَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ابْسُطْ كِسَاءَكَ. فَقَالَ لِلْقَوْمِ: اطْرَحُوا أَمْتِعَتَكُمْ فِيهِ. ثُمَّ قَالَ: احْمِلْ، فَإِنَّمَا أَنْتَ سَفِينَةٌ. قَالَ: فَلَوْ كَانَ وِقْرُ بَعِيرٍ أَوْ بَعِيرَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ أَوْ خَمْسَةٌ، حَمَلْتُهُ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو مسعود بن القتات، قَالَ:
توفي رجل من ولد سفينة عَلَى عهد أمير الْمُؤْمِنِين أبي جَعْفَر المنصور، فلم يكن لَهُ وارث إلا المنصور وولد أبيه.
ثوبان
972- ثوبان مَوْلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكنى أبا عبد الله وهو من أهل اليمن لنسب فيهم. فأصابه سباء، فابتاعه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة،(1/480)
وأعتقه. وَكَانَ قد نزل حمص وله بِهَا دار صدقة. وَبِهَا مات فِي سنة أربع وخمسين.
حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمْشَقِيُّ، ثنا صَدَقَةُ، ثنا ابْنُ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي شَيْخٌ يُكْنَى أَبَا عَبْدِ السَّلامِ، عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى الأُمَمُ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّه، أَمِنْ قِلَّةٍ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّه الْمَهَابَةَ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ الْوَهْنَ فِي قُلُوبِكُمْ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّه، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهَةُ الْمَوْتِ] .
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ ثوبان مَوْلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
[قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم مَنْ يَضْمَنُ لِي خَصْلَةً، أَضْمَنُ لَهُ الْجَنَّةَ.
فَقَالَ ثَوْبَانُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّه. قَالَ: لا تَسْأَلِ النَّاسَ شَيْئًا. قَالَ: فَكَانَ ثَوْبَانُ يَقَعُ سَوْطُهُ [1] مِنْ يَدِهِ، فَلا يَقُولُ لأَحَدٍ: «ناولنيه» [2] ، حَتَّى يَنْزِلَ فَيَأْخُذُهُ. فَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: تَعَاهَدُوا ثَوْبَانَ، فَإِنَّهُ لا يَسْأَلُ النَّاسَ شَيْئًا] .
حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ بَقِيَّةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي ثَوْبَانُ قَالَ:
قَالَ لِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [يَا ثَوْبَانُ، لا تَنْزِلِ الْكُفُورَ [3] ، فَإِنَّ سَاكِنَ الْكُفُورِ كَسَاكِنِ الْقُبُورِ] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى الْحِمْصِيُّ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:
[طُوبَى لِمَنْ مَلَكَ لِسَانَهُ، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته] .
__________
[1] خ: صوته.
[2] كذا بالهامش عن نسخة، وفي أصل العبارة «ناولني إياه» .
[3] الكفر: الأرض البعيدة.(1/481)
وحدثنى هشام، عن [1] ابن عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ رَاشِدٍ الصَّنْعَانِيِّ، عن أبى أسماء الرحمى، عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي مَسِيرٍ لَهُ: إِنَّا مُدْلِجُونَ اللَّيْلَةَ، فَلا يَدْخُلَنَّ مَعَنَا مُصْعِبٌ ولا مضعف، فدخل [2] رَجُلٌ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ صَعْبَةٍ فَسَقَطَ فَانْدَقَّتْ فَخِذُهُ، ثُمَّ/ 233/ مَاتَ. فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلاةِ عَلَيْهِ. ثُمَّ أَمَرَ بِلالا، فَنَادَى: [إِنَّ الْجَنَّةَ لا تَحِلُّ لِعَاصٍ.]
أنجشة
973- أنجشة كَانَ حبشيا، يكنى أبا مارية. وهو الَّذِي قَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يسوق الإبل بالنساء: [يا أنجشة، ارفق بالقوارير.]
رافع:
974- رافع، وهو رويفع. كَانَ لسعيد بن العاص أبي أحيحة، فورثه ولده، فأعتق بعضهم حصته مِنْه، وسعى لباقيهم فيما بقي من رقبته. فأتى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستعينه فِي أمره. فاستوهب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بقي مِنْه فوهب له- ويقال: ابتاعه- وأعتقه. فكان يقول: أنا مولى رَسُول اللَّه. ويقال إن سعيد بن العاص كَانَ أعتقه إلا سهما، فاستوهب صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ السهم من ورثته، فوهب لَهُ أو ابتاعه، فأعتقه. فكان يقول: «أنا مولى رَسُول اللَّه» ، فيغيظ ذَلِكَ آل سعيد بن العاص. فلما ولي عمرو بن سعيد بن العاص، وهو الأشدق، المدينة، بعث إِلَيْهِ، فدعاه. فلما أتاه، قَالَ: مولى من أنت؟
قَالَ: مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فضربه مائة سوط، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مولى من أنت؟ قَالَ: مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فضربه مائة سوط أخرى، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مولى من أنت؟ قَالَ: مولى رسول اللَّه. فضربه مائة سوط ثالثة. فلما رأى أن (هـ) لا يرفع عَنْهُ الضرب، قَالَ لَهُ مولى من أنت؟ قال: مولاك.
__________
[1] كذا في الأصل «هشام عن ابن عمار» ، لعله «هشام بن عمار» .
[2] خ: فان كل رجل.(1/482)
975- وقال ابن الكلبي: والناس يغلطون فيما بين رافع وأبي رافع، ويقول بعضهم:
إن كاتب عَليّ عَلَيْهِ السلام كَانَ عُبَيْد اللَّه بن رافع وإنما هُوَ عُبَيْد اللَّه بن أبي رافع. وقد كَانَ رافع مع الْحَسَن بن عَليّ ومع عَليّ قبله. فزاد آل سعيد بن العاص ذَلِكَ غيظا عَلَيْهِ.
حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ مُغِيثِ بْنِ سُمَيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ:
قُلْنَا: يَا نَبِيَّ اللَّه، مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟ قَالَ: [ذُو الْقَلْبِ الْمَحْمُومِ وَاللِّسَانِ الصَّادِقِ.
قُلْنَا: قَدْ عَرَفْنَا اللِّسَانَ الصَّادِقَ، فَمَا الْقَلْبُ الْمَحْمُومُ؟. قَالَ: هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ الَّذِي لا إِثْمَ فِيهِ، وَلا بَغْيَ، وَلا حَسَدَ. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّه، فَمَنْ عَلَى إِثْرِهِ؟ قَالَ:
الَّذِي يَشْنَأُ الدُّنْيَا، وَيُحِبُّ الآخِرَةَ. قُلْنَا: مَا نَعْرِفُ هَذَا فِينَا إِلا أَنْ يَكُونَ رَافِعًا مَوْلَى رَسُولِ اللَّه، فَمَنْ عَلَى إِثْرِهِ؟ قَالَ: مؤمن له خلق حسن.] وقال هِشَامٌ: لا أَحْسَبُ الْحَدِيثَ مَحْفُوظًا، وَمَا هُوَ فِيمَا أَظُنُّ «إِلا أَنْ يَكُونَ أَبَا رَافِعٍ» .
أَبُو لبابة
976- أَبُو لبابة، واسمه زيد بن المنذر، من بني قريظة، ابتاعه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مكاتب، فأعتقه. [وهو الَّذِي روى عَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قَالَ «أستغفر اللَّه الَّذِي لا إله إلا هُوَ الحي القيوم وأتوب إِلَيْهِ» ، غفر اللَّه لَهُ ولو كان فر من الزحف.] وابنه يسار بن زيد.
أَبُو مويهبة
977- أَبُو مويهبة، وهو أَبُو موهبة، من مولدي مزينة. أعتقة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فشهد المريسيع. وَكَانَ يقود [1] بعائشة بعيرها. روي عَنْهُ، عَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: [أمرت أن أَسْتَغْفِرَ لأَهْلِ الْبَقِيعِ، فَانْطَلِقْ مَعِي. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ. فلما وقف بين أظهرهم، قال: السلام عليكم يا أهل
__________
[1] خ: يقول.(1/483)
المقابر! ليهنئكم ما أصبحتم فِيهِ مع ما أصبح الناس فِيهِ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم. ثُمَّ استغفر لَهُم طويلا.]
مدعم
978- مدعم مولى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مولد حسمى، ويكنى أبا سلام.
ويقال إن أبا سلام غيره. وَكَانَ مدعم من هدية فروة بن/ 234/ عمرو الجذامي، ويقال من هدية رفاعة بن زيد الجذامي. أصابه سهم غرب بوادي القرى، وهو يحط رحل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَبُو ضمرة
979- أَبُو ضمرة، وهو أَبُو ضميرة، وهو من العرب ممن أفاء اللَّه عَلَى رسوله، فأعتقهم. ثُمَّ خير أبا ضمرة أن يقيم معه أو يلحق بقومه. فاختار المقام. فكتب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ ولأهل بيته كتابا بأن يحفظهم كل من لقيهم من المسلمين. فذكروا أن لصوصا لقوا قوما منهم، فأخرجوا كتاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلِمَ يعرضوا. وفد حسين بن عُبَيْد اللَّه بن ضميرة بن أبي ضميرة عَلَى المهدي أمير الْمُؤْمِنِين، وجاء معه بكتاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي كتب لَهُم. فأخذ المهدي الكتاب، فقبله ووضعه عَلَى عينيه، وأعطى حسينا ثلاث مائة دينار. ويقال خمس مائة دينار. وقال مصعب بن عبد اللَّه الزبيري:
كانت لأبي ضمرة دار بالبقيع. وقال ابن الكلبي: كَانَ لعلي بن أبي طالب غلام يكنى أبا ضميرة، وليس هُوَ هَذَا.
كركرة
980- كركرة غلام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أهدي لَهُ فأعتقه. ويقال مات عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مملوك.
رباح
981- رباح أَبُو أيمن مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهو أسود، كَانَ يأذن عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ صيره مكان يسار حين قتل، فكان يقوم بأمر لقاحه.(1/484)
هِشَام
982- هِشَام مولى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم. روَى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [أن رجلا أتاه فقال: يَا رَسُولَ اللَّه إن لي امرأة لا تدفع كف لامس، فقال: طلقها.]
أبو هند
983- أَبُو هند مولى أبي فروة بن عَمْرو البياضي كَانَ حجام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم. فقال (فِيهِ) [1] رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [إِنَّمَا أَبُو هند رجل من الأنصار، فأنكحوه وانكحوا إِلَيْهِ] » . ففعلوا. ولم يشهد بدرا، وشهد المشاهد كلها مع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولقي أَبُو هند رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعرق الظبية بحميت [2] مملوء حيسا. وقال قوم: وهب بنو بياضة لرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولاء أبي هند. وقال الواقدي: كَانَ خدم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ لا يريمون بابه: أنس بن مالك، وأبا [3] هند، وأسماء ابني حارثة، من بني مالك بن أفصى. فكان أَبُو هريرة يقول: ما كنت أظنهما إلا مملوكين لرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم.
(إماء النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
984- وَكَانَ لرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلمى، وخضرة، ورضوى، كن إماء لَهُ فأعتقهن. وَكَانَ لَهُ روضة، وربيحة أعتقهما [4] . وَكَانَ ممن يخدم ميمونة بنت سعد.
[ملازميه]
أمر سلمان الفارسي
985- قالوا: كَانَ أصل سلمان الفارسي من إصطخر، إلا أن أباهم نزل رامهرمز من كور الأهواز. وَكَانَ مجوسيا. وقوم يقولون: كان سلمان من أهل إصبهان.
__________
[1] الزيادة عن الاستيعاب، الكنى رقم 377 أبو هند.
[2] كأنه قعب أو قدر.
[3] خ: أبو.
[4] خ: اعتقهن.(1/485)
وَذَلِكَ غير ثبت. فحدث سلمان أن أباه كَانَ دهقان قريته، وَكَانَ يحول بينه وبين الخروج والتصرف، صيانة لَهُ. وأنه بعثه مرة فِي حاجة لَهُ. قَالَ: فدفعت إلى كنيسة نصارى، فأعجبتني قراءتهم وصلاتهم. فسألت بعضهم عَن دينهم، فحدثوني بأمر المسيح عَلَيْهِ السلام وما كَانَ من شأنه وشأن الأنبياء قبله. فقلت:
هَذَا أفضل من ديني وأشبه بالحق. ويقال إنه قَالَ: كنت يتيما فقيرا، وكنت صحبت ابن دهقان رامهرمز، فكان يصعد الجبل فيقف عند راهب فِي صومعة فيسائله ويحدثه. فسألت الراهب عن دينه، فأخبرنى بِهِ، فأعجبني. وقلت:
هَذَا خير من ديني. فاتبعت دين النصرانية، وسألت عَن معدن ذَلِكَ الدين.
/ 235/ فقيل بالشام: وتهيأ لي ركب يريدون الشام، فصحبتهم حَتَّى قدمت الشام فعمدت إلى كنيسة فدخلتها. فكنت مع أسقفهم أتفقه فِي النصرانية، وأخدمه حَتَّى مات. وقام مكانة آخر، وكان عفيفا موحدا، فخدمته. فلما احتضر، قلت لَهُ: أوصني. قَالَ: ائت نينوي، من أرض الموصل فإن هناك رجلا يقول بقولي. فأتيته، فكنت معه حَتَّى إِذَا حضرته الوفاة، قلت لَهُ: أوصني إلى من أصير بعدك. فقال [1] : إن بنصيبين رجلا يقول بقولي. فأتيته، فقمت معه حَتَّى احتضر، فقلت لَهُ أوصني إلى من أصير بعدك. فقال: إن بعمورية رجلا عَلَى ديني. فأتيته. فكان يذكر مبعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا احتضر، قلت لَهُ أوصني بما أصنع. فقال: إنه قد أظل زمن نبي يبعث بأرض العرب من ولد إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيمَ، يكون مولده وقراره بين النخل، خاتم النبوة بين كتفيه، يسوءه أهله ويردونه حَتَّى يخرج عنهم إلى غيرهم، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة. قَالَ: فلما مات، (وجدت) قوما من كلب، نصارى، يريدون وادي القرى، فأعطيتهم ما كَانَ معي حَتَّى أخرجوني إلى وادي القرى فغدروا بي، وباعوني من رجل يهودي يقال لَهُ يوشع. ثُمَّ باعني اليهودي من رجل من بني قريظة قدم وادي القرى تاجرا. فأتى بي القرظي المدينة. فسألت عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبرت خبره ومفارقته قومه. فجمعت لَهُ رطبا وغير ذَلِكَ، وأتيته بِهِ وهو بقباء، فقلت: هذا صدقة منى. فدعى قوما من أصحابه، فأكلوا
__________
[1] خ: وقال.(1/486)
ذلك، ولم يأكل منه، وقال: إنى لا آكل الصدقة. ثُمَّ أتيته بشيء، فقلت:
هَذَا هدية. فقبل ذَلِكَ مني. ثُمَّ تحولت فنظرت إلى الخاتم الَّذِي كَانَ صاحبي وصفه لي بين كتفيه. فأكببت أقبله. وسألني، فقصصت عَلَيْهِ قصتي.
وكاتبت صاحبي القرظي عَلَى مائة وستين فسيلة وأربعين أوقية من ذهب. وأتيت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأعانني سعد بن عبادة بستين وديّة [1] ، وأعانني الأنصار بالمائة الباقية. وأتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذهب من معدن بني سُلَيْم، فأعطاني مِنْه شيئا استقللته، وقلت: لا يبلغ [2] أربعين أوقية. فوضعه فِي فمه، وقال: ادفعه إلى صاحبك. فوزن، فإذا هُوَ تمام ما أريد. فكان سلمان يقول:
أنا سلمان بن الإسلام.
986- وَحَدَّثَنِي عُمَر بْن بُكَيْر، عَنِ الْهَيْثَمِ بْن عَدِيٍّ، عَن المجالد بن سعيد قَالَ:
سُئِلَ الشعبي هل كان سلمان من موالي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال:
نعم، أفضلهم، كان مكاتبا فاشتراه وأعتقه. قالوا: وشهد سلمان الخندق، ولم يتخلف عَن غزاة من غزوات رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومات بالمدائن فِي خلافة عثمان. وَكَانَ يكنى بأبي عبد الله. قالوا: ورأى عيينة بن حصن سلمان عِنْدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومًا وعليه شملة، فقال لَهُ: إِذَا دخلنا عليك، فنح عنا هَذَا وأمثاله فنزلت فِيهِ: «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [3] » ، أي عجلا، لا يفرط مِنْه بغير فكر. يقال: فرس فرط، أي سريع يتقدم الخيل.
987- حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عُوَيْمِرٍ اللَّخْمِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ:
زَارَنَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ فَخَرَجَ النَّاسُ يَتَلَقَّوْنَهُ كَمَا يتلقى الخليفة فلقيناه وهو
__________
[1] خ: حلة. (والتصحيح عن ابن هشام، ص 131- 142، والمكاتبة عنده على ثلاث مائة نخلة، والودى صغار الغسيل) .
[2] خ: تبلغ.
[3] القرآن، الكهف (18/ 28) .(1/487)
يَمْشِي، فَوَقَفْنَا نُسَلِّمُ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَبْقَ شَرِيفٌ إِلا سَأَلَهُ أَنْ يَنْزِلَ عِنْدَهُ.
فَسَأَلَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ. فَقِيلَ: هُوَ مُرَابِطٌ. قَالَ وَأَيْنَ مَرَابِطُكُمْ؟
قَالُوا: بَيْرُوتُ. فَتَوَجَّهَ قِبَلَهُ. فَلَمَّا صَارَ إِلَى بَيْرُوتَ، قَالَ سَلْمَانُ «يَا أَهْلَ بَيْرُوتَ، أَلا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا يُذْهِبُ اللَّهُ بِهِ عَنْكُمْ غَرَضَ/ 236/ الرِّبَاطِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [رِبَاطُ يَوْمٍ كَصِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُجِيرَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَأُجْرِيَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ] » .
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ [أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأَبِي الدَّرْدَاءِ: يَا عُوَيْمِرُ، سَلْمَانُ أَعْلَمُ مِنْكَ] .
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ:
[قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: سَلْمَانُ يُبْعَثُ أُمَّةً لَقَدْ أُشْبِعَ مِنَ الْعِلْمِ] .
988- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، عَنْ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عن أبى البختري قال:
صنع سلمان طَعَامًا لإِخْوَانِهِ، فَجَاءَ سَائِلٌ. فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُنَاوِلَهُ رَغِيفًا، فَقَالَ سَلْمَانُ: ضَعْ، إِنَّمَا دُعِيتَ لِتَأْكُلَ. ثُمَّ قَالَ:
وَمَا عَلَيَّ أَنْ يَكُونَ لِي الأَجْرُ، وَعَلَيْكَ الْوِزْرُ. قَالَ شُعْبَةُ: وَكَانَ سَلْمَانُ يَخْتِمُ عَلَى الْقِدْرِ مَخَافَةَ سُوءِ الظَّنِّ. وَكَانَ يَقُولُ فِي الْعَمَلِ الْقَلِيلِ رَدَاوَةٌ [2] وَأَنْتَ الْجَوَّادُ الْفَرَطُ [3] ، أَيِ السَّابِقُ [4] .
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، عَنْ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قرة، عن عائذ ابن عَمْرٍو [5] الْمُزَنِيِّ قَالَ:
كَانَ بِلالٌ، وَصُهَيْبٌ، وَسَلْمَانُ جلوسا، فمرّ بهم أبو سفيان بن
__________
[1] ابن سعد، 6/ 9.
[2] كذا في الأصل.
[3] خ: المبلوط.
[4] لعل هناك سقطة في الأصل فلا يتضح السباق والسياق. وقد مضى آنفا تفسير «فرس فرط» .
[5] خ: عمرو بن مائذ (والتصحيح من الاستيعاب، رقم 2136 عائذ بن عمرو، حيث صرح أن معاوية بن قرة يروى عنه.(1/488)
حَرْبٍ. فَقَالُوا: مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا بَعْدُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهَا؟ ثُمَّ انْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ، أَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ ربك. قال: فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ:
يَا إِخْوَتِي لَعَلَّكُمْ غَضِبْتُمْ؟ فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ.
أمر أبي بكرة مَوْلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
989- حَدَّثَنِي عباس بن هِشَامٍ، أنبأ عوانة بن الحكم الكلبي وغيره قالوا:
كانت سمية امرأة من أهل زندورد، من كسكر، تسمى في أهلها بأمنج [1] .
فسرقها الكواء اليشكري أَبُو «عبد الله بن الكواء» ، وسماها سمية. فكانت عنده ما شاء الله. ثُمَّ أَنَّهُ سقي بطن الكواء، فخرج إلى الطائف فأتى الحارث بن كلدة الثقفي، وَكَانَ طبيب العرب. فداواه، فبرأ، فوهب لَهُ سمية. ويقال إنها كانت أمة لدهقان الأبلة. فقدم الحارث الأبلة، فعالج ذلك الدهقان، فوهبها لَهُ، فقدم بِهَا الطائف. قالوا: فوقع الحارث بن كلدة عَلَى سمية، فولدت لَهُ عَلَى فراشه غلاما، سماه نافعا. ثُمَّ وقع عليها، فجاءته بنفيع وهو أَبُو بكرة، وَكَانَ أسود. فقال الحارث: والله ما هَذَا بابني، ولا كَانَ فِي آبائي أسود.
فقيل لَهُ: إن جاريتك ذات ريبة، لا تدفع كف لامس. فنسب أَبُو بكرة إلى مسروح، غلام الحارث بن كلدة، ونفى نافعا بسبب أبي بكرة. ثُمَّ إن الحارث تزوج صفية بنت عُبَيْد بْن أسيد بْن علاج الثقفي، ومهرها سمية.
فزوّجها صفية عبدا لَهَا روميا، يقال لَهُ عُبَيْد، فولدت مِنْه زيادا. فأعتقته صفية. وولدت صفية من الحارث ابنتين: أزدة، وصفية سمتها أمها [2] باسمها ويقال بل سمتها صفية. قالوا: فلما ظَهَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وغزى الطائف، قَالَ: [من خرج إلي فهو حر.] فوثب أبو بكرة الجدار، فخرج
__________
[1] خ: يا ميح. لعل الصواب ما اقترحناه. وذكر ياقوت (بلدان زندورد) القصة ولكن لم يذكر اسم الجارية. وامنح (معرب/ منك) كلمة فارسية معناها الأمنية والمطلوب ويجوز أن تكون اسما لامرأة.
[2] أى أم صفية بنت صفية.(1/489)
إِلَيْهِ، فأعتقه فصار مَوْلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وصارت السنة أن من نزل من حصن أو خرج من العبيد من دار الحرب مسلما، عتق. وخشي الحارث ابن كلدة أن يفعل نَافِع مثل ما فعل أَبُو بكرة، فقال لَهُ: أي بني أنت ابني وشبيهي، فلا تفعل كما فعل العبد الخبيث. فأثبت نسب نَافِع يومئذ. وتزوج عتبة بن غزوان المازني، حليف بني نوفل بن عبد مناف، أزدة بنت الحارث.
فلما استعمل ابن الخطاب عتبة عَلَى البصرة، قدم معه رافع وَأَبُو بكرة وزياد البصرة بذلك السبب. / 237/ وقد روى أن رقيقا من رقيق ثقيف دعاهم أَبُو بكرة إلى الإسلام، فأسلموا، وَبَعَثُوا إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستأمرونه [1] فِي قتال ثقيف فِي الحصن، ويعلمونه أنهم قد أسلموا. فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرسولهم: [كم هم؟ فقال: ثمانون. فقال: إِنِّي أخاف عليهم أن يقتلوا ولكن ليخرجوا إلينا.] فتدلى منهم أربعون رجلا أو أكثر، ونذرت [2] ثقيف بالباقين فحبسوهم. فأعتق رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ نزلوا إِلَيْهِ، فصارت سنة فِي الرقيق يكون للعدو، فيخرج العبد منهم مسلما أَنَّهُ يعتق. وقال الواقدي. كانوا تسعة عشر، وَكَانَ فيهم الأزرق وَكَانَ عبدا روميا حدادا. وَحَدَّثَنِي بعض آل أبي بكرة تدلي من الحصن عَلَى بكرة [3] . فقال لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [كيف جئت؟ فقال: تدليت ببكرة. فقال: فأنت أَبُو بكرة.] ويقال إنه كَانَ يعرف بالطائف بأبي بكرة، لأنه كانت لَهُ بكرة يعلقها ويركبها. وقال ابن الكلبي:
كَانَ يكنى أبا بكرة وهُوَ بالطائف.
990- قالوا: وولي عمر رضي الله عَنْهُ المغيرة بن شعبة البصرة. فهوى امرأة من بني هلال بن عَامِر بن صعصعة، يُقَالُ لَهَا أُمُّ جَمِيلٍ بِنْتُ مِحْجَنِ بْنِ الأفقم، وكانت عند الحجاج بن عتيك الثقفى. فكان أبو بكرة لا يزال يلقى المغيرة خارجا وحده، فيقول لَهُ أَبُو بكرة: أين يريد الأمير؟ فيقول: أزور بعض من أحب. فيقول: إن الأمير يزار ولا يزور. وَكَانَ أَبُو بكرة رجلا صالحا، من
__________
[1] خ ليستا مرونة. (لعله كما أثبتناه، أو: ليستأمروه) .
[2] خ ندرت (بالدال المهملة) .
[3] خ: أبى.(1/490)
الذين «يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً [1] » . فتبع المغيرة ذات يوم، وَكَانَ متقنعا بثوبه، فدخل دار أم جميل. ودخل أَبُو بكرة دارا إلى جانبها، وصعد سطحها فيها مشرفا عَلَى الدار، فرآها وقد التزمته ولثمته. فقال: سيجيء بعد هَذَا ما هُوَ أعظم منه. فأقبل راجعا، فدعى شبل بن معبد البجلي حليف ثقيف، وَنَافِع بن الحارث أخاه، وزياد بن عُبَيْد. فأقبلوا أربعتهم حَتَّى أشرفوا عَلَى المغيرة وهو فوق أم جميل ينكحها. فجعل أَبُو بكرة يقول لأصحابه: أثبتم، أثبتم؟ قالوا:
نعم. حَتَّى كَانَ فيما رأوا أثرا من الجدري بفخذها. ثُمَّ إن المغيرة اغتسل وخرج من عندها. فأتاه أبو بكرة، فقال: يا مغيرة اجتنب مصلانا، فإنك نجس.
فقال: لا، ولا نعمة عين. قَالَ: فرحل أَبُو بكرة حَتَّى أتى المدينة. فلما رآه عمر، قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أسألك خير ما جاء بِهِ، وأعوذ بك من شر ما جاء به، ما وراءك؟ قَالَ: أخبرك أن المغيرة بن شعبة زان. فقال عمر: ويحك ما تَقُولُ؟
قَالَ: نعم يا أمير الْمُؤْمِنِين، هُوَ زان. فقال: أنت رأيته يزني؟ قَالَ: نعم، ورأى معي نَافِع بن الحارث، وشبل بن معبد، وزياد بن عُبَيْد مولى ثقيف.
فبعث عمر إلى أبي موسى الأشعري، فولاه البصرة، ووجه معه أنس بن مالك وأخاه الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ، وَعِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ أَبَا نجيد الخزاعي. وكتب إلى المغيرة فِي القدوم عَلَيْهِ. وأمر أبا موسى إِذَا قدم البصرة أن لا يحل عقده حَتَّى يشخصه إِلَيْهِ ومن شهد عَلَيْهِ. فسار أَبُو موسى حَتَّى قدم البصرة، فلم يحل رحاله ثلاثا لوصية عمر، حَتَّى أشخص المغيرة والشهود. فلما قدموا عَلَى عمر، اجتمع الناس. وتقدم أَبُو بكرة، وأقيم المغيرة. فقال عمر لأبى بكرة: بماذا تشهد يا با بكرة؟ فقال: أشهد أني رأيته وذكره يدخل فِي فرجها كالمرود فِي المكحلة.
فقال عمر: ذهب ربع المغيرة. ثُمَّ تقدم نَافِع بن الحارث بن كلدة، فشهد بمثل ما شهد بِهِ أَبُو بكرة. فقال عمر: ذهب نصف المغيرة. ثُمَّ تقدم شبل بن معبد فشهد كمثل ما شهدا بِهِ. فقال عمر: ذهب ثلاثة أرباع المغيرة. ثُمَّ تقدم زياد، وَكَانَ شابا طريرا جميلا. فلما نظر إِلَيْهِ عمر، قَالَ: والله إِنِّي لأرى وجها خليقا أن لا يخزي عَلَيْهِ اليوم رجل من أصحاب مُحَمَّد، إيه، بما تشهد؟ قال: أشهد أنى
__________
[1] القرآن، الفرقان (25/ 63) .(1/491)
سمعت نفسا عاليا، ورأيت أمرا قبيحا، فأما ما ذكر هؤلاء فلا. فانتضى المغيرة السيف يريد أبا بكرة وصاحبيه. فقال: عمر: يا أعور أمسك، عليك لعنة الله/ 238/ وكانت عينه ذهبت يوم القادسية. ويقال يوم اليرموك. ثُمَّ أمر عمر بالثلاثة الَّذِينَ شهدوا، فضربوا. ودرئ عَن زياد حد القاذف، وعن المغيرة حد الزاني. وذلك في سنة سبع عشرة. وقال لَهُم عمر: توبوا. فتاب نَافِع وشبل، وقال أَبُو بكرة: والله لا أتوب من الحق، أشهد أَنَّهُ زان. فأراد عمر أن يحده ثانية. فقال لَهُ عَليّ: [لا تفعل، فإنك إن جعلتها شهادة، رجمنا المغيرة لأنه قد تمت عَلَيْهِ أربع شهادات.] فلم يجلده عمر. وحلف أَبُو بكرة أن لا يكلم زيادا أبدا.
وكان أبو بكرة رجلا صالحا.
991- قالوا: ولما قدم بسر بن أبي أرطاة القرشي، ثُمَّ العامري، البصرة وَكَانَ معاوية بعثه لقتل من خالفه واستحياء من بايعه أخذ بني زياد، وهم غلمان- عُبَيْد الله، وسلما، وعبد الرحمن، والمغيرة وبه كَانَ يكنى زياد، وجربا- وزياد يومئذ متحصن فِي قلعة بفارس، تعرف بقلعة زياد، (وزياد) مخالف لمعاوية، وَذَلِكَ قبل أن يدعيه معاوية. فقال: والله لأقتلنكم أو ليأتيني زياد أَبُوكم. ثُمَّ صعد المنبر، فذكر عليا بالقبيح وشتمه وتنقصه، ثُمَّ قَالَ: أيها الناس أنشدكم بالله، أما صدقت؟ فقال أَبُو بكرة: إنك تنشد عظيما، والله ما صدقت ولا بررت. فأمر بأبى بكرة، فضرب حَتَّى غشي عَلَيْهِ. فأفاق وابنه عبد الرحمن بن أبى بكرة قاعد عند رأسه، فقال لَهُ: يا أبة، ألم تعلم أن القوم أعداء الرجل؟
فقال: «يا بني، لعلك تظن أن أباك قَالَ هذه المقالة رغبة مِنْه فِي عَليّ؟ والله لأن أكون ذبابا أنتقل عَلَى الجيف أحب إليّ (من) أن أدخل فيما دخل فيه عَليّ ولكنه قَالَ فِيهِ غير الحق، وسألنا بالله: «أما صدقت؟» فأخبرناه أَنَّهُ لَمْ يصدق.
وأن عليا غير مطعون عَلَيْهِ فِي بطن ولا فرج ولا نسب ولا سابقة. وو الله ما ميتة أحب إلي من ميتة عند كلمة حق تخرج من فِي» . ثُمَّ إن بسر بن (أبى) أرطاة حبس بني زياد، وكتب إلى أبيهم يعلمه أنه (إن) لَمْ يقدم صلبهم. فخرج أَبُو بكرة إلى معاوية، فكلمه فِي أن يؤمنهم ففعل، وكتب إلى بسر بذلك. فلما أورد أَبُو بكرة كتابه، أطلقهم بسر. وكان قدوم أبي بكرة على معاوية بالكوفة.(1/492)
فيقال إنه قال له: إن الناس لَمْ يعطوك بيعتهم عَلَى قتل الأطفال. فقال: وما ذاك؟ قَالَ: ولد زياد. فأمر عند ذَلِكَ بالكتاب فِي أمرهم. قالوا: وَكَانَ عبد الرحمن بن أبي بكرة يلي ما كَانَ لزياد بالبصرة. فبلغ معاوية أن لزياد أموالا عنده. وَكَانَ زياد قد كتب إِلَيْهِ فِي إحرازها تخوفا من أن يعرض لَهَا معاوية فكتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة فِي أخذ عبد الرحمن بتلك الأموال. وَكَانَ يحفظ لزياد تركه الشهادة عَلَيْهِ بالزنا. فغيب عَن عبد الرحمن، وقال لَهُ: لئن كَانَ أبوك أساءني، لقد أحسن عمك، ولأحفظن لك ذَلِكَ. وعذر فِي عذابه، فألقى عَلَى وجهه حريرة مبلولة بالماء، فلصقت بوجهه حَتَّى غشي عَلَيْهِ. ففعل بِهِ ذَلِكَ مرات، ثُمَّ خلى سبيله وكتب إلى معاوية: إِنِّي لَمْ أصب عنده شيئا وقد بالغت فِي عذابه واستقصيت عَلَيْهِ.
992-[ويروي عبد الرحمن بن أبي بكرة أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
لا تطلب الإمارة، فإنك إن أوتيتها عَن غير طلب أعنت عليها، وإن أعطيتها عَن طلب وكلت إليها] .
وَحَدَّثَنِي ابن مسعود الْكُوفِيّ، عَن عوانة قَالَ:
قيل لعبد الرحمن بن أبي بَكْرَةَ: ما بلغ من تنعمك؟ قَالَ: «لي ثلاثة خبازين، فليس منهم خباز إلا وهو يأتيني بثردة لا تشبه صاحبتها. ولم أدخل الحمام خاليا (بطنى) [1] قط ولا ممتليا قط، ولم تأت عَليّ ليلة إلا وَفِي بطني عسل، وَفِي رأسي بنفسج، وَفِي رجلي زنبق.
993- قالوا: وأراد زياد الحج، فأتاه أَبُو بَكْرَةَ وهو لا يكلمه، فدخل عَلَيْهِ وأخذ ابنه وأجلسه فِي حجره ليخاطبه ويسمع زيادًا، فَقَالَ: أن أباك هَذَا أحمق، قد فجر فِي الإسلام ثلاث فجرات، أما أولهن فكتمانه الشهادة عَن المغيرة/ 239/ وقد يعلم الله أَنَّهُ رأى ما رأينا، وأما الثانية فانتفاؤه من عُبَيْد وادعاؤه إلى أبي سفيان وأقسم قسما صدقا أن أبا سُفْيَان لَمْ ير سمية قط فِي ليل ولا نهار، وأما الثالثة فإنه يريد الحج وأم حبيبة زوج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هناك
__________
[1] الزيادة من اقتراحنا. ولا يكون هذا الحال إلا بعد نصف الليل حيث يكون الحمام عادة مغلقا. ولا تنعم إذا كان الحمام بين الخالي والممتلئ.(1/493)
وقد ادعى أنها أخته فإن أذنت لَهُ كما تأذن الأخت لأخيها فأعظم بِهَا مصيبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن هي حجبته وتسترت منه فأعظم بِهَا حجة عَلَيْهِ. ثُمَّ ولى أَبُو بَكْرَةَ خارجا. فقال زياد: ما تترك النصيحة لأخيك على حال.
وتركت الحج فِي تِلْكَ السنة.
994- حَدَّثَنِي شَيْبَانُ بْنُ فروخ الأيلى، ثنا أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ، ثنا الْحَسَنُ قَالَ:
انْطَلَقْتُ أَنَا وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى أَبِي بَكْرَةَ نَعُودُهُ، وَكَانَ بِهِ عِرْقُ النِّسَاءِ، فَقَالَ لَهُ أَنَسٌ: «يَا أَبَا بَكْرَةَ، فِيمَ تَجِدُ عَلَى أَخِيكَ زِيَادٍ؟ فَإِنْ كُنْتَ تَجِدُ عَلَيْهِ فِي شَأْنِ الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ يَقُولُ: قَدِ اسْتَعْمَلْتَ ابْنَهُ عَلَى الدِّيوَانِ، وَاسْتَعْمَلْتَ ابْنَهُ الآخَرَ عَلَى كَذَا، وَاسْتَعْمَلْتَ ابْنَهُ الآخَرَ عَلَى مَدِينَةِ الرِّزْقِ، ومما أُبَالِي أَوَلَّيْتَ رَجُلا مَدِينَةَ الرِّزْقِ أَمْ فَتَحْتَ لَهُ بَيْتَ مَالِي وَقُلْتَ: خُذْ مَا شِئْتَ. وَإِنْ كُنْتَ تَجِدُ عَلَيْهِ فِي أَمْرِ الآخِرَةِ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مُجْتَهِدٌ» . فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمُجْتَهِدٌ؟ قَالَ أَنَسٌ:
وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمُجْتَهِدٌ. قَالَ أَبُو بَكْرَةَ: الْحَرُورِيَّةُ أَيْضًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ قَدِ اجْتَهَدُوا. قَالَ أَبُو هِلالٍ: وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى بُيُوتِ الأَمْوَالِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ عَلَى سجستان.
حدثنى عبد الأعلى بن حماد الترسى، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ أَنَّهُ قِيلَ لأَبِي بَكْرَةَ: إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَجِدُ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَزِيَادٍ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا. فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: «وَأَيَّةُ دُنْيَا [1] أَعْظَمُ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ عَلَى سِجِسْتَانَ وَأُمُورِ النِّيرَانِ، وَاسْتِعْمَالِهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَلَى كَذَا. لا وَاللَّهِ، وَلَكِنَّ الْقَوْمَ كَفَرُوا صُرَاحِيَةً» .
وقال أَبُو يَحْيَى عبد الأعلى [2] بن حماد، قَالَ أَبُو سلمة حماد بن سلمة:
ولي زياد عُبَيْد الله بن أبي بكرة إطفاء النيران وهدم بيوتها وأخذ ما جمع فيها من الهدايا التي كَانَ المجوس يتقربون بِهَا، والأموال المعدة لنفقاتها.
فصار إِلَيْهِ، فيما يقولون، أربعون ألف ألف درهم. فما أتى عَلَيْهِ الحول حَتَّى أنفقها، وأدان.
__________
[1] خ: خال.
[2] خ: ذنبا.(1/494)
995- حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنيّ، قَالَ:
كَانَ أَبُو بكرة يقول: من أحب البقاء فليوطن نفسه عَلَى المصائب. وَكَانَ يؤم الناس فِي شهر رمضان. قَالَ: وَكَانَ عبد الرحمن قد أسن وشارف التسعين. وَكَانَ يقول: إن الجلوس فِي البيت مهرمة ويخرج فِي كل يوم إلى المربد. فخرج يوما يريد المربد، فلما صار ببعض الطريق إِذَا هُوَ بفتى عَلَى فرس يمرح. فقال لعبد الرحمن، وهو هازئ بِهِ:
يا شيخ إنك لطويل العمر، أفلا تعقب؟ فقال له عبد الرحمن: يا ابن أخي لا تقل هَذَا لعمك، فلرب شاب كَانَ أشد مرحا منك قد طبقت باللبن عَلَى استه. فما مضى الفتى بعيدا حَتَّى نفر به فرسه فسقط عنه واندقت عنقه، ولم يصل عبد الرحمن إلى منزله حتى بلغه خبر الفتى، فحضر جنازته. وَكَانَ يقول:
موت الولد يصدع القلب، وموت الأخ قاصمة الظهر.
996- وَكَانَ زياد حين شخص من فارس، قدم عبد الرحمن بن أبي بكرة فأتى الكوفة، ثُمَّ صار منها إلى الشام، فعرف معاوية خبر زياد. وَكَانَ جزلا [1] .
997- وقال أبو اليقظان: كان عبد الرحمن أول مولود ولد في الإسلام بالبصرة.
وَكَانَ لَهُ قدر، وفضل، وكرم، وتنعم. وَكَانَ عَليّ عَلَيْهِ السلام ولاه بيت المال. وولاه زياد أيضا بيت المال. وَفِيهِ يقول أَبُو الأسود الدؤلى، وكان عبد الرحمن يكنى أبا بحر [2] :
أَبُو بحر أعم الناس فضلا ... علينا بعد حي أبي المغيرة
لعمرك ما نهضت بنفس شو ... بِهَا وهن ولا همم قصيره
وقال أَبُو اليقظان: بني أَبُو الأسود دارا، فكتب إلى عبد الرحمن يطلب مِنْه جذعا لدار [3] :
ألا أبلغ أبا بحر خليلي ... فنعم أخو المودة والخليل
__________
[1] الكريم المعطاء.
[2] ديوان أبى الأسود، ص 214. (وليس فيه البيت الثانى. وروايته في الأول:
أمن الناس طرا) .
[3] ليس في ديوانه المطبوع.(1/495)
/ 240/ بأن قد تم بعدكم بنائي ... وضن عَليّ بالمعروف فيل
فهب لي من جذوعكم جذوعا ... وأكثر لَيْسَ خيركم الغليل
فبعث إليه بما طلب. ومات عبد الرحمن بالبصرة.
998- قالوا: وقدم عُبَيْد الله بن أبي بكرة عَلَى زياد قبل مرضه الَّذِي مات فِيهِ بيوم أو يومين. فأمر زياد سليما مولاه بمحاسبته والاستقصاء عَلَيْهِ، وقال: إنه مشرف متلف. وَكَانَ جوادا. وقال لَهُ: يا سُلَيْم! لا تقولن: «ابن أخي الأمير» ، فإنك إن أصبحت ولم تعرفني خبره فيما جرى عَلَى يده، لقيت منى ما تكره.
فدعى سُلَيْم بالسرج والكتاب، وأحضر عُبَيْد الله وعماله. فبينا سُلَيْم فِي ذَلِكَ، إِذْ جاءه رسول زياد، وَإِذَا هُوَ شديد العلة. فشغلوا عَنْهُ. ومات زياد بالكوفة، هو أميرها وأمير البصرة. وعامله عَلَى البصرة سمرة بن جندب. أصابته حمة شديدة، ثُمَّ أصبح وإصبعه تضرب عَلَيْهِ من عرفة [1] عرضت لَهُ فيها. وَذَلِكَ فِي سنة ثلاث وخمسين. وصلى عَلَى زياد: عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد بْن أبي العيص ابن أمية، وولي الكوفة بعده لأنه أوصى بذلك، فكان عليها حَتَّى ولى عُبَيْد [2] الله بن زياد.
999- حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّد التوزي، عَن الأصمعي، عَن أَبِي عَمْرو بْن العلاء قَالَ:
وقفت امرأة من الأعراب عَلَى عُبَيْد الله بن أبي بكرة، وهو أحد أجواد العرب المذكورين، فقالت: «إِنِّي أقبلت من أرض شاسعة، ترفعني رافعة وتخفضنى خافضة، لفحات [3] من البلاء، برين جسمي، وهضمن عظمي، وتركنني ولهى أمشى [4] بالحضيض، وقد ضاق بي البلد العريض، مع كثرة من الولد، لا سبد لَهُم ولا لبد. فسألت فِي أحياء العرب: من المرء المرجو خيره، المحمود نيله الكريمة شمائله؟ فدللت عليك. وأنا امرأة من هوازن. فافعل بي واحدة من ثلاث: إما أن تردني إلى بلدي، أو تقيم أودي، أو تحسن صفدي» . قَالَ:
بَلْ أجمعهن لك. ففعل.
__________
[1] العرفة: القرحة.
[2] خ: عبد.
[3] خ: للحات (لعله كما اقترحناه) .
[4] خ: مشى (بدون الألف) .(1/496)
1000- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بن عثمان مولى الكريزيين، حَدَّثَنِي أبي أن عُبَيْد (الله بن عُمَر) [1] بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر التيمي، من قريش، دخل عَلَى عُبَيْد الله بن أبي بكرة وهو فِي دار قد ابتناها فِي سكة سمرة بالبصرة، وأنفق عليها عشرة آلاف دينار. فاستحسنها عُبَيْد (الله بن عمر) [2] . فقال لَهُ ابن أبي بكرة: هي لك بجميع ما فيها من الفرش والآلة والرقيق. فقال: بَلْ يمتعك الله بِهَا ويعمرها بك. فحلف عَلَيْهِ ليقبلنها، وخرج عنها. فهي اليوم تعرف بدار المعمريين.
1001- وحدثت أن عَمْرو بن أبي سيارة المزني كَانَ يصلي فِي بيته فِي ولاية ابن أبي بكرة. فسمع خشفة فِي البيت، فقام عَند الباب. فخرج عَلَيْهِ رجل كالجمل المحجوم، فضرب بالباب فِي وجهه، وضربه عَمْرو بالسيف وأخذه مواليه وعبيده فرفعوه إلى ابن أبي بكرة. فسأله عَن الخبر. فقال: أنا رجل قصاب، لقيني عَمْرو وضربني، وذكر أني لص. فدعى ابن أبي بكرة عمرا، فسأله عَن قصة الرجل. فأخبره فقطع يده.
1002- وَحَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنيّ، عَن مسلمة قَالَ:
لِمَا ولي سعيد بن عثمان بن عفان خراسان من قبل معاوية، أتى المدينة ليصلح من شأنه. فلقي عُبَيْد الله بن أبي بكرة بِهَا وهو يريد الحج. فأتاه فعرض عَلَيْهِ ما عنده. فقال [3] : إن أحب مالي إلي ما أعنت به مثلك وردفته بِهِ. فكتب لَهُ كتابا إلى سُلَيْم الناصح مولاه، يأمره فيه أن يدفع إِلَيْهِ عشرين ألفا، وعشرين بغلا، وعشرين برذونا، وعشرين بعيرا، وكسوة وآلة عددها. فلما قدم سعيد البصرة، قَالَ: لا أرى ابن أبي بكرة إلا قد غرنا. فقيل لَهُ: لا عليك، أوصل كتابه. فلما أوصل الكتاب إلى سُلَيْم، وقرأه، أحضر جميع ما كتب بِهِ إِلَيْهِ عُبَيْد الله، فدفعه إِلَيْهِ. ثم قال:
__________
[1] في أصل العبارة «عبيدة بن عبيد الله» ، وبالهامش عن نسخة «الله» . وعبيد الله هو ابن عمر بن عبيد الله. ولعل المراد ههنا عمر بن عبيد الله، لا ابنه عبيد الله بن عمر.
[2] خ: عبيدة.
[3] خ: وقال.(1/497)
هَلْ لك من حاجة أخرى؟ فقال سعيد: أو لو كانت لي حاجة أخرى غير ما كتب به صاحبك، أفكنت [1] قاضيها لي؟ قَالَ: أما مثل ما أعطاك، فإنى كنت أعطيك/ 241/ إياه من مالي. وقال سعيد:
لا تخفرن صحيفة مختومة ... وانظر بما فيها فكاك الخاتم
إن الغيوب عليكم محجوبة ... إلا تظني جاهل أو عالم
قَالَ: وسليم هَذَا صاحب «أصفر سليم» ، وكان دواء يتخذه للأجر.
1003- حدثنى الْمَدَائِنيّ، عَن شيخ من ثقيف، عَن بَشِيرِ بْنِ عُبَيْد اللَّهِ بْنِ أَبِي بكرة قَالَ:
استخلف عُبَيْد الله بن أبي بكرة عَلَى سجستان، حين وفد عَلَى زياد مع رتبيل [2] ، عُمَر بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر التيمي. فلما رجع إلى سجستان، أمر لَهُ بما فِي بيت مالها.
وَحَدَّثَنِي عبد الله بن صالح المقرى، وَأَبُو الحسن الْمَدَائِنيّ، عَن مسلمة بْن محارب قَالَ:
خرج عمر بن عُبَيْد الله بن معمر زائرا لابن أبي بكرة إلى سجستان، فأقام أشهرا لا يصله. فقال لَهُ عمر: إِنِّي قد اشتقت إلى بلدي وأهلي. فقال عُبَيْد الله: سوءة من أبي حَفْص، أغفلناه، كم في بيت المال؟ قالوا: ألف ألف وسبع مائة ألف. قَالَ: احملوها إِلَيْهِ. فحملت إِلَيْهِ.
حَدَّثَنِي الْمَدَائِنيّ، عَن مسلمة وخلاد بن عبيدة، قالا:
أقبل عُبَيْد الله بن أبي بكرة من بعض النواحي، فعطش. فلما كان بالخريبة من البصرة، استسقى من منزل امرأة. فأخرجت كوزا أو قدحا، وقامت خلف الباب وقالت: ليأخذه بعض غلمانكم، فإني امرأة من العرب ماتت خادم (ت) ى منذ أيام. فأخذ الغلمان الكوز، فشرب وقال لغلامه: أحمل إليها عشرة آلاف درهم. قالت: يا سبحان الله، أتسخر منا؟ فقال: احمل إليها عشرين ألف درهم. فقالت: أسأل الله العافية. فقال: يا أمة الله، كأنك «ترينا أهلا أن تقبلي منا صلتنا، احمل إليها ثلاثين ألف درهم. فأغلقت الباب، وقالت: أف لكم. فحمل إليها غلامه ثلاثين ألف درهم، فلم تمس حتى كثر خطابها.
__________
[1] خ: قان كنت.
[2] خ: رتبيل بن عمر.(1/498)
1004- الْمَدَائِنيّ، عَن خلاد بن عبيدة، عَن هِشَام بن حسان قَالَ:
مرض رجل من بني قطيعة، وأصابته ريح فتشنج عصبه. فقال لَهُ الأطباء: اجلس فِي لبن الجواميس. فقال: وأني (لي) من لبن الجواميس بما أجلس فِيهِ؟
فقيل لَهُ: التمس ذَلِكَ من عُبَيْد الله بن أبي بكرة. فحمل عَلَى السرير حَتَّى وضع عَلَى بابه ومعه رجال من قومه. وجاء عُبَيْد الله، فقال: ما حاجتكم؟ فأخبروه. فقال لوكيله: كم لنا بالطف من الجواميس؟ قَالَ: ثماني مائة. قَالَ: اصرفها إلى هَذَا الرجل. فقال: يا با حاتم، لست أحتاج إليها، إنما أريدها عارية. فقال:
نحن لا نعير الجواميس. فصرفت إِلَيْهِ بما فيها من الإناث والذكور.
الْمَدَائِنيّ، عَن مسلمة، عَن بشر بن عبد الله قَالَ:
أعطى عُبَيْد الله بن أبي بكرة، عمر بن عُبَيْد الله بن معمر سبع مائة جريب. فمرض سويد بن منجوف، فعاده عُبَيْد الله فقال:
كيف تجدك؟ قَالَ: صالحا إن شئت. قَالَ: قد شئت، فماذا تريد؟
قَالَ: أعطني كما أعطيت ابن معمر، وليس بي بأس. قَالَ: ذلك لك.
قَالَ مسلمة: فأقطعه خمس مائة جريب، فهي تسمى سويدان. وقال خلاد بن عبيده: سبع مائة جريب: ثلاث مائة بالغوثية، وأربع مائة بالمسرقان ناحية نهر معقل.
حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَن مسلمة، عَن أبية قَالَ:
كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج: لا تستعمل عُبَيْد الله بن أبي بكرة عَلَى الخراج والجباية، فإنه أريحي [1] . وقال سحيم بن حَفْص: ضمن ابن أبي بكرة عَن عمر بن عُبَيْد الله بن معمر ستة آلاف ألف درهم. فحلف عمر ألا يراه راكبا إلا نزل، ولا جالسا إلا قام لَهُ.
حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَشْيَاخِهِ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ أَعْطَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَعِمْرَانَ بن الفضيل
__________
[1] هو المسرف في البذل والعطاء.(1/499)
الْبُرْجُمِيَّ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادِ بْنِ ظَبْيَانَ ثَلاثَ مِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ: لِكُلِّ امْرِئٍ مِائَةُ ألف درهم. فقال أنس: سوّانى بهذين الأعرابيين، وَغَضِبَ. وَغَضِبَ عِمْرَانُ وَقَالَ: سَوَّانِي بِهَذَيْنِ.
1005- حَدَّثَنِي عبد الأعلى بن حماد الترسى قال:
بلغنى أن المنذر بن جارود العبدي سأل عُبَيْد الله بن أبي بكرة أن يتغدى عنده. ففعل. فلما أنصرف، بعث إِلَيْهِ بثمانين ألف درهم. ثُمَّ دعاه، فتغدى عنده مرة أخرى، / 242/ فبعث إليه بثمانين [1] ألفا. ثم دعاه، فتغدى عنده، (فبعث إليه بأربعين ألفا) [2] . فقال: يا حاتم، نقصت؟ فقال له: لو كَانَ عندي ما كَانَ يكون، لَمْ أقصر عما يجب لمثلك، وسيأتيك ما يمكن. فبعث إِلَيْهِ بأربعين ألف درهم.
1006- حَدَّثَنِي التوزي، عَن الأصمعي، عَن أبي عَمْرو قَالَ:
ولي خالد بْن عَبْد اللَّهِ بْن خالد، عُبَيْد الله بن أبي بكرة قضاء البصرة، وولى زياد بن عَمْرو العتكي الشرطة. فقال ابن أبي بكرة: لو تقدم إلي شاهد عَلَى حق، وله بنون قد بلغوا لَمْ يعلمهم السباحة، لأسقطت شهادته وعلمت أَنَّهُ مضيع قليل الحزم والتيقظ. قَالَ: ولما ولى عبد الملك خالدا البصرة، قدم إليها عبيد الله بن أبي بكرة خليفة. فقال له حمران بن أبان: قد جئت، لا جئت. وكان حمران حين قتل مصعب قد وثب فضبط البصرة. فكان ابن أبي بكرة عَلَى البصرة حَتَّى قدم خالد، فولاه القضاء.
وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَن سُحَيْمِ بْنِ حَفْص قَالَ:
ضرب عُبَيْد الله بن أبي بكرة ملاحا وجده لا يحسن السباحة. وَذَلِكَ حين توجه يريد سجستان. ونظر إلى أكار لَهُ لا يحسن السباحة، فأخرجه من [3] أرضه.
__________
[1] خ: بأربعين. (والتصحيح من اقتراحنا) .
[2] الزيادة من اقتراحنا. والله الموفق إلى الصواب.
[3] خ: عن.(1/500)
1007- حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَن خلاد بن عبيدة قَالَ: عشق ابن مفرغ الحميري امرأة بالأهواز. فكان يدان وينفق عليها، فأخذه غرماؤه غير مرة. فقال لَهُ عُبَيْد الله بن زياد: لئن أعادوك إلي بعتك لَهُم. فعاد غرماؤه إلى تقديمه، فقال ابن زياد: بيعوه. فقال لَهُم أبوه: والله ما لَهُ ثمن، ولكنا نسأل الناس. فأقعدوه عَلَى الطريق. فجعل الرجل يمر بِهِ فيضمن عَنْهُ الألف والألفين، حَتَّى مر به عبيد الله بن أبى بكرة (وقال:) كم عليك؟
قَالَ: ثمانون ألفا. قَالَ: هي علىّ، وأدّن بعدها فِي مالي ما شئت. فقال ابن مفرغ:
لو شئت لَمْ تشق ولم تبغ ... عشت بأسباب أبي حاتم
عشت بأسباب الجواد الَّذِي ... لا يختم الأموال بالخاتم
ما دون معروفك قفل ولا ... أنت لمن يرجوك بالحارم
الواهب الجرد بأرسانها ... والحامل الثقل [1] عَن الغارم
والمطعم الناس إِذَا حادرت ... ريح الصبا فِي الزمن العارم
والطاعن الطعنة يوم الوغى ... يوقظ منها سنة النائم
وَحَدَّثَنِي أَبُو عَليّ الحرمازي، عَن أبي مُحَمَّد القرشي، عَن لبطة بن الفرزدق قَالَ:
أتى أبي عُبَيْد الله بن أبي بكرة، وَعَلَيْهِ دين، فقضاه عَنْهُ، ووهب لَهُ عشرة آلاف درهم ومائة من الإبل. فقال فِيهِ [2] :
أبا حاتم ما حاتم فِي زمانه ... ولا النيل يرمي بالسفين غواربه
بأجود عند المحل منك ولا الَّذِي ... علا بعباب سور عانة ثائبه
يداك يد تعطي الجزيل تبرّعا ... ومهلكة يشقى بِهَا من تحاربه
فلو عد ما أعطيت من ألف قينة ... وأجرد خنديذ طويل ذوائبه
ليعلم ما أحصاه فيمن أشعته ... جميعا إلى يوم القيامة حاسبه
تداركني من خالد بعد ما التقت ... على جثتي أنيابه ومخالبه
__________
[1] خ: النقل.
[2] ديوان الفرزدق، ص 140 (حيث زاد بيتين بين الخامس والسادس) ، مع اختلافات. (خ في السادس: تداركتني) .(1/501)
1008- وَحَدَّثَنِي التوزي، عَن القحذمي قَالَ:
كَانَ عُبَيْد الله بن زياد أول مولود ولد بالبصرة. فنحر أَبُو بكرة جزورا أطعمها المسلمين. قالوا: وحمل عُبَيْد الله بن أبي بكرة بسجستان في يوم واحد على ألف قارح.
1009- قالوا: واتخذ مسلم بن أبي بكرة حماما، ولم يكن بالبصرة غيره. فكان يستغله فِي كل جمعة ألف درهم وكري حنطة. فقال له أبوه: يا بنىّ نفقتك شبيه (ة) بنفقة أخويك، ولست فِي شيء من أمر السلطان، فما هَذَا؟ فأخبره خبر حمامة. ثُمَّ إن سياه الأسواري، والمنجاب صاحب حمام منجاب، وريطة امرأة زياد سألوا أن يبتنوا حمامات، / 243/ فأجيبوا إلى ذلك.
1010- حَدَّثَنِي الْمَدَائِنيّ، عَن مسلمة وخلاد بن عبيدة، قالا:
تذاكر قوم من وجوه أهل الجدا [1] ، الباردة والحارة أيهما أطيب؟
وعبيد الله بن أبي بكرة، حاضر، فسئل عَن ذَلِكَ، فلم يدر ونظر فإذا هُوَ قد اشتري له في سنة واحدة من الحدا [2] بثمانين ألف درهم. فقال سويد بن منجوف: الكريم غر.
1011- وقال الواقدي: نفيع أَبُو بكرة مولى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ رجلا صالحا ورعا. وولده يقولون: نفيع بن الحارث الثقفي. وَكَانَ أَبُو بكرة ينكر ذَلِكَ وقال لابنيه [3] ، حين حضرته الوفاة، إنه ليس [4] ابن مسروح الحبشي.
ومات فِي ولاية زياد البصرة، وكان أخاه لأمه سمية.
1012- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ خَلادِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عن عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ:
كَتَبَ أَبُو بَكْرَةَ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنِهِ وهو على سجستان: لا تحكم بين
__________
[1] كذا بالأصل. لعله أراد لحم الجدى المشوى.
[2] كذا ههنا بالحاء المهملة.
[3] خ: لابنته.
[4] خ: بيني.(1/502)
اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ، [فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: لا يَحْكُمَنَّ حَاكِمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ] .
1013- حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَن خلاد بن عبيدة قَالَ:
لِمَا قدم سلم بن زياد خراسان، وافق عمر بن عُبَيْد الله بن معمر أميرا عَلَى البصرة من قبل عَبْد اللَّهِ بْن الزبير. فأتاه فأقعده معه. ثُمَّ استأذن عَلَيْهِ عُبَيْد الله ابن أبي بكرة، فقام إِلَيْهِ فحمله عَلَى دابته حَتَّى أدخله فأجلسه معه. فغضب من ذَلِكَ سلم، فقال لَهُ عمر بن عُبَيْد الله قدمت عليك خراسان فاستعملتني عَلَى كويرة ثُمَّ عزلتني عزلا قبيحا، وأتيت هَذَا بسجستان فاستخلفني عليها ثُمَّ أمر لي بما فِي بيت مالها.
1014- وأم عُبَيْد الله وعبد الرحمن ابني أبي بكرة هولة، من ولد الحر العجلي.
1015- وقال زياد لخاصته من أهله: من أحب منكم الإذن مع العامة، أحسنت إذنه ولم يقربني فِي خاصتي، ومن أحب أذنت لَهُ فِي خاصتي ولم يقربني فِي العامة إلا لأمر يحدث. فاختار ابن أبي بكرة إذن العامة.
1016- وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: بعث الحجاج عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة إلى عبد الملك يسأله أن يوليه خراسان وسجستان. فقال عبد الملك لعبيد الله: إن شئت جمعتهما لك. فقال: لا حاجة لي فيهما، لأني لا أخون رجلا بعثني فِي حاجته.
فقال: ما كنت لأعزل أمية للحجاج ثُمَّ إنه ولى الحجاج خراسان وسجستان، فولى المهلب سجستان وولى ابن أبي بكرة خراسان. فغم ذَلِكَ المهلب. فلقي عبد الرحمن بن عُبَيْد بن طارق السعدي، وَكَانَ عَلَى شرط الحجاج، فقال:
إن عُبَيْد الله بن أبي بكرة أعلم بسجستان قد وليها، وأنا أعلم بخراسان كنت بِهَا مع الحكم بن عَمْرو الغفاري وغيره. فقال لَهُ: عليك بزذان [1] فروخ بن بيرى فكلمه ليعيننى. فتكلم عبد الرحمن بن عُبَيْد، وأعانه زذان [2] فروخ. فنقل
__________
[1] كذا زذان، والرسم المعروف عند الطبرى وغيره زاذان بالألف بين الزاى والذال أيضا. وكان من دهاقين أسفل الفرات.
[2] كذا زذان، والرسم المعروف عند الطبرى وغيره زاذان بالألف بين الزاى والذال أيضا. وكان من دهاقين أسفل الفرات.(1/503)
المهلب إلى خراسان، وعبيد الله بن أبي بكرة إلى سجستان. قَالَ أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنيّ: وسئل شيخ من أهل سجستان عَن عمالهم، فقيل لَهُ: من كَانَ أعظمهم فِي أعينكم، وأجلهم فِي صدوركم؟ فقال: عبد الرحمن بن سمرة، ثُمَّ عُبَيْد الله بن أبي بكرة كَانَ أحسنهم سياسة. وَكَانَ عباد بن زياد أضبطهم.
وَكَانَ طلحة أسخاهم. ثُمَّ جاء ابن أبى بكرة فوهن وخار وأهلك جنده. وَكَانَ سلك مضيقا، فأخذ عَلَيْهِ فهلك جنده.
1017- قالوا: ومات عبيد الله ببشت كمدا لِمَا أصابه ونال العدو مِنْه.
ويقال: اشتكى أذنه وَكَانَ موته منها فِي سنة ثمانين. قَالَ مجاهد المنقري يرثي عُبَيْد الله بن أبي بكرة:
إن الجواد إذا الرياح تناوحت ... بريح أصبح ما يثمر مالا
لو صاحب السمحاء كعبا ذا الندى ... أو حاتما كانا عَلَيْهِ عيالا
أو طلحة الطلحات فِي عداته ... أيام يطعم ما تهب شمالا
/ 244/ يا أكرم الأمراء فِي سلطانه ... وأقلهم كبرا خلقت ثمالا
قد طال ما سست الجنود فلم تكن ... ترقا تسيء بِهِم ولا تنبالا
قد فقت بالمصرين كل سميدع ... وغلبت من نزل الحجاز فعالا
والشام لو قاسوا بِهِ سمحاءهم ... لسبقت حلبتهم معا أميالا
وقال الحجاج الجشمي:
أبا حاتم فِي أي شيء جفوتني ... وأنت غني عام ذاك أمير
وأنت جواد تنهب الناس مالكم ... لكل غني عندكم وفقير
فكيف حرمنا ذاك منكم وأنتم ... عَلَى من سوانا روضة وغدير
أبا حاتم إنا سراة أناسنا قديما ... نسدي أمرهم وننير
يقول رجال لا يضرك فقدهم ... بلى إن فقد الصالحين يضير
وقال واثلة السدوسي يهجوه:
هَلْ يذهبن عنك مسروحا وحلبته [1] ... ربط البراذين أو تشييدك الدورا
__________
[1] خ: جلبته.(1/504)
إن الأساود لن تلقى [1] عطاءهم ... فِي الصالحات ولا فِي الخير مذكورا
أولاد أسود نوبي لَهُ ذفر ... لَمْ يجعل الله فِي ألوانهم نورا
وقال ابن مفرغ:
كان الجواد عُبَيْد الله أكرمهم ... فِي كل حق ينوب الناس مذكور
حلو الشمائل لا تحصى مواهبه ... فرم لقوم نماه المجد والخير
يعطي الجزيل بلا من ولا نكد ... ولا ينحله خلف وتعذير
أعني أبا حاتم الفياض كَانَ لنا ... عضدا فأضحى جناحي وهو مكسور
252/ 3 قَالَ: وَكَانَ سُلَيْم مولى عُبَيْد الله يقول: ختمت خاتمي هَذَا عَلَى أربعين ألف ألف درهم، فما حال الحول وعندنا مِنْه شيء. وَكَانَ عبد الملك، إِذَا ذكر ابن أبي بكرة، يقول: الأسود سيد أهل المشرق. وكان عبد الله آدم شديد الأدمة، مفلج الثنايا، طوالا، أبرج [2] العينين، ضخم الرأس، غليظ الوسط.
1018- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ:
خَرَجَ أَبُو بَكْرَةَ إِلَى الْكُوفَةِ لِيُكَلِّمَ مُعَاوِيَةَ فِي أَمْرِ بَنِي زِيَادٍ حِينَ أَخَذَهُمْ بُسْرُ بْنُ أَبِي أَرْطَاةَ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ: أَزَائِرٌ، أَمْ نَزَعَتْ بِكَ حاجة يا با بَكْرَةَ؟ فَقَالَ: لا أَقُولُ بَاطِلا، مَا جِئْتُ إلا في حاجة. قال: تشفع يا با بَكْرَةَ، وَتُرَى لِذَلِكَ أَهْلا، فَمَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: تُؤَمِّنْ زِيَادًا وَوَلَدَهُ. قَالَ: أَمَّا زِيَادٌ فَلِلْمُسْلِمِينَ عنده مال، إذا أداه فهو آمن، وأما ولده فتخلى سَبِيلَهُمْ. وَكَتَبَ إِلَى بُسْرٍ فِي ذَلِكَ. فَلَمَّا ودعه، قال: يا با بَكْرَةَ، اعْهَدْ إِلَيْنَا عَهْدًا. فَقَالَ: نَعَمْ: أَعْهَدُ إِلَيْكَ أَنْ تَنْظُرَ لِنَفْسِكَ وَتَعْمَلَ صَالِحًا، فَإِنَّكَ قَدْ تَقَلَّدْتَ أَمْرًا عَظِيمًا: خِلافَةَ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، فَاتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّ لَكَ غَايَةً لَنْ تَعْدُوهَا، وَمِنْ وَرَائِكَ طَالِبٌ حَثِيثٌ لَنْ تَفُوتَهُ، فَيُوشِكُ أَنْ تَبْلُغَ بِكَ الْمَدَى وَيَلْحَقُكَ الطَّالِبُ فَتَصِيرَ إِلَى مَنْ يَسْأَلُكَ عَمَّا كُنْتَ فِيهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِكَ مِنْ نَفْسِكَ، وَإِنَّمَا هِيَ مُحَاسَبَةٌ وَتَوْقِيفٌ، فَلا تُؤْثِرَنَّ عَلَى رِضَاءِ اللَّهِ شيئا.
__________
[1] خ: يلقى.
[2] هو من بياض عينه محدقا بالسواد كله.(1/505)
1019- وقال الهيثم بن عدي: دخل عبد الرحمن بن أبي بكرة عَلَى الحجاج، فقال لَهُ: ما أذهب أسنانك؟ قل أكل الحار وشرب القار. قَالَ فما طعامك؟ قال: ألتقى بلحوم صغار المعز. قَالَ: فما شرابك؟ قَالَ: ما حل قليله وحرم كثيره.
قَالَ: فما الَّذِي بقي طرتك؟ قَالَ: لَمْ تأت عَلَى ليلة إلا تمرخت فيها بالبنفسج من قرني إلى قدمي. قَالَ: فما زال الحجاج يتمرخ حَتَّى مات.
أَبُو طيبة:
1020- قالوا: / 245/ وَكَانَ أَبُو طيبة لبعض الأنصار، وَكَانَ يحجم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة.
فَحَدَّثَنِي النَّرْسِيُّ [1] ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَيْبَةَ حَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ. وَكَلَّمَ أَهْلَهُ. فَوَضَعُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ.
عُبَيْد:
1021- ويقال إنه كَانَ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مولى يقال لَهُ عُبَيْد. روى عَنْهُ حديثين فِي امرأتين صامتا فِي عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجلست إحداهما إلى الأخرى، فجعلتا تأكلان لحوم الناس [2] .
أنس بن مالك:
1022- وَحَدَّثَنِي مظفر بن مرحى، حَدَّثَنِي أَبُو يَزِيدَ الْغَسَّانِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ سُلَيْمٍ أَخَذَتْ بِيَدِهِ مَقْدِمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا ابْنِي وَهُوَ غُلامٌ كَاتِبٌ، وَلَمْ يَكُنْ بَلَغَ الْحُلُمَ. قَالَ:
فَخَدَمْتُهُ تِسْعَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي قَطُّ أَسَأْتَ، أَوْ بِئْسَ مَا صنعت.
__________
[1] خ: الترسى.
[2] أكل لحوم الناس هو غيبتهم كما ورد أيضا في القرآن، الحجرات (49/ 12) .(1/506)
[القول في بعض خصائص النبي صلى الله عليه وسلم]
لباس رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1023- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، عَنْ عمر بن محمد، عن أبى حفص محمد ابن عَلِيٍّ قَالَ:
تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ: ثَوْبَ حِبْرَةٍ، وَإِزَارًا عُمَانِيًّا، وَثَوْبَيْنِ صُحَارِيَّيْنِ [1] ، وَقَمِيصًا صُحَارِيًّا وَقَمِيصًا سُحُولِيًّا، وَجُبَّةَ يُمْنَةٍ، وَمِلْحَفَةً مُوَرَّسَةً وَكَانَ يَلْبَسُهَا فِي بيوت نسائه، وخميصة، وكساء أبيض، وقلانص صِغَارًا لاطِيَةً [2] ثَلاثًا.
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِلْحَفَةٌ مَصْبُوغَةٌ بِوَرْسٍ أَوْ بِزَعْفَرَانٍ.
وَإِذَا كَانَ يَوْمُ إِحْدَاهُنَّ، يَعْنِي نِسَاءَهُ، ذَهَبَ بِهَا إِلَيْهَا، وَرَشَّ عَلَيْهَا الْمَاءَ لِتُؤْخَذَ رَائِحَتُهَا.
وَقَالَ عَبَّادٌ، قَالَ هِشَامٌ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ:
بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ الْقُطْنَ وَالْكِتَّانَ وَالْيُمْنَةَ، وَأَنَّهُ صَلَّى فِي نَعْلَيْنِ مُقَابِلَتَيْنِ [3] .
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.
حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.
وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قلنسوة أسماط، يعنى جلوط، وكانت فيها ثقبة.
__________
[1] خ: سحاريين.
[2] اللطاة: الجبهة. كأن اللاطية من القلانس ما تغطى الجبهة.
[3] المقابلة من النعل ما لها قبال.(1/507)
حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَلَى بَغْلَتِهِ الشَّهْبَاءِ وَعَلَيْهِ مِمْطَرُ سِيجَانٍ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ، وَعَلَى الْعِمَامَةِ قُلُنْسُوَةٍ مِنَ الْمِمْطَرِ السِّيجَانِ. قَالَ هِشَامٌ: وَالسَّاجُ الطَّيْلَسَانُ الأَسْوَدُ.
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ إِزَارَيْنِ، إِزَارًا غَلِيظًا مِنْ هَذِهِ الْيَمَانِيَّةِ، وَكِسَاءٌ مِنْ هَذِهِ الَّتِي يَدْعُونَهَا الْمُلَبَّدَةَ، فَأَقْسَمَتْ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبِضَ فِيهَا.
وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِمِثْلِهِ.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا أَبُو صَالِحٍ شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنَعُ رَأْسَهُ [1] حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى حَاشِيَةِ ثَوْبِهِ كَأَنَّهَا ثَوْبُ زَيَّاتٍ.
وَحَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عَمْرَ الْعُمَرِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أثواب صحارية، وسحزلية، ويمنة/ 246/ وَكِتَّانٌ.
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:
قُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ:
كَعَمَلِ أَحَدِكُمْ: يَخِيطُ ثَوْبًا أَوْ يَصْنَعُ شَيْئًا.
__________
[1] كأنه أراد بعد التغطية بعد الادهان.(1/508)
خيل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا كَانَ لَهُ من الحافر غير الخيل، ومن الخف والظلف:
1024- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا أبو عَبْدُ اللَّهِ الْوَاقِدِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
أَوَّلُ فَرَسٍ مَلَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسٌ ابْتَاعَهُ بِالْمَدِينَةِ مِنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ بِعَشْرِ أَوَاقٍ [2] . وَكَانَ اسْمُهُ عِنْدَ الأَعْرَابِيِّ «الضَّرْسَ» ، فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السكباء. وكان أول ما غزا عليه أحد.
1025- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسٌ يُدْعَى الْمُرْتَجِزُ.
وحدثني الوليد بن صالح، عن الواقدي، عن مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ قَالَ:
ابْتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسَهُ الْمُرْتَجِزَ مِنْ أَعْرَابِيٍّ، مِنْ بَنِي مُرَّةَ.
فَرَأَى الأَعْرَابِيَّ فِيهِ رَغْبَةً، فَجَحَدَ أَنْ يَكُونَ بَاعَهُ إِيَّاهُ، فَشَهِدَ لَهُ عَلَى ابْتِيَاعِهِ هَذَا الْفَرَسَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ، وَلَمْ يَكُنْ شَاهِدًا شِرَاءَهُ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [كَيْفَ شَهِدْتَ وَلَمْ تَحْضُرْ؟ قَالَ: لِتَصْدِيقِي إِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّه، وَأَنَّ قَوْلَكَ كَالْمُعَايَنَةِ. قَالَ: أَنْتَ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ. فَسُمِّيَ ذَا الشَّهَادَتَيْنِ] .
1026- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد [4] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:
كَانَتْ [5] لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عِنْدِي، ثَلاثَةُ أَفْرَاسٍ:
__________
[1] ابن سعد، 1 (3) / 174.
[2] خ: أواقى.
[3] ابن سعد، 1 (2) / 174.
[4] أيضا 1 (2) / 174- 175.
[5] في هذا الباب راجع أيضا الطبرى، ص 1783، عبد الحى الكتانى، التراتيب الإدارية 1/ 331- 333.(1/509)
لزاز، والظرب، واللّخيف. فَأَمَّا لِزَازٌ فَأَهْدَاهُ لَهُ الْمُقَوْقِسُ صَاحِبُ الإِسْكَنْدَرِيَّةَ. وَأَمَّا الظَّرِبُ فَأَهْدَاهُ لَهُ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو الجذامى، من عمان الشأم. وأما اللخيف فَأَهْدَاهُ لَهُ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي الْبَرَاءِ الْكِلابِيُّ، فَأَثَابَهُ فَرَائِضَ مِنْ نَعَمِ بَنِي كِلابٍ. قَالَ: وَأَهْدَى تَمِيمٌ الدَّارِيُّ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا يُقَالُ لَهُ الْوَرْدُ، فَأَعْطَاهُ عُمَرَ. فَحَمَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ فِي سَبِيلِ اللَّه، فوجده يباع فأخذه. وقال الواقدى: سمى اللخيف لأنه كان كالملخف بعرفه. ويقال:
شبّه بلخف جَبَلٍ وَصُغِّرَ. وَسُمِّيَ الظَّرِبَ لِتَشَوُّفِهِ وَحُسْنِ صَهِيلِهِ. وَسُمِّيَ لِزَازًا لأَنَّهُ كَانَ مِلْزَازًا مُوَثَّقًا.
1027- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ أَبِي الْعَلاءِ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ:
طَلَعَتِ الْخَيْلُ وَفِيهَا فَرَسٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَرَكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَأَطْلَعَ رَأْسَهُ مِنَ الصَّفِّ، وَقَالَ كَأَنَّهُ بَحْرٌ. وروى الواقدي أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سابق بين الخيل، فجلس عَلَى سلع، وطلعت الخيل. فطلعت لَهُ ثلاثة أفراس يتلو بعضها بعضا، يتقدمها فرسه لزاز. فلما رآه سر بِهِ.
ثُمَّ فرسه الظرب، ثُمَّ السكب.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَقَ بين الخيل، فجعل غاية المضمرة من الحفيا إلى ثنية الوداع، (قال حماد: وَأَهْلُ الْمَدِينَةُ يَقُولُونَ: بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَمْيَالٍ) ، وَجَعَلَ غَايَةَ مَا لَمْ تُضَمَّرْ مِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:
سَبَقْتُ عَلَى فَرَسِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظَّرِبِ، فَكَسَانِي بُرْدًا يَمَانِيًّا. قَالَ عَبَّاسٌ: فَبَقِيتُهُ/ 247/ عِنْدَنَا إِلَى الْيَوْمِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ:
سَبَقَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ، وَهُوَ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَلَى فَرَسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَّازٍ، فَأَعْطَاهُ حُلَّةً يَمَانِيَّةً.(1/510)
1028- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
كانت بغلة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دُلْدُلَ، مِنْ هَدِيَّةِ فُرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْجُذَامِيِّ.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
كَانَتْ دُلْدُلُ بَغْلَةُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ بَغْلَةٍ رُكِبَتْ فِي الإِسْلامِ، أَهْدَاهَا الْمُقَوْقِسُ وَأَهْدَى مَعَهَا حِمَارًا يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ.
وقال الكلبي والهيثم بن عدي:
كانت بغلة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي تسمى دلدل من هدية المقوقس، فبقيت إلى زمن معاوية، وأهدى المقوقس أيضا إِلَيْهِ حمارا يقال لَهُ يعفور. وقال الكلبي: عفير من هدية فروة الجذامي صاحب البلقاء. وقال الواقدي: كَانَ يعفور من هدية فروة بن عَمْرو الجذامي، وعفير من هدية المقوقس.
1029- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي ابْنُ أبى سبرة، عن زاهر بْنِ عَمْرٍو قَالَ:
أَهْدَى فُرْوَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً يُقَالُ لَهَا فِضَّةُ، وَهَبَهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي بَكْرٍ، وَحِمَارَهُ يَعْفُورَ فَنَفَقَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
1030- وَحَدَّثَنِي الأَعْيَنُ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَطَاءٍ مَوْلَى أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّه قَالَ:
كَانَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارٌ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، وَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَتُهُ الْقَصْوَاءُ مِنْ نَعَمِ بَنِي قُشَيْرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَيُقَالُ مِنْ نَعَمِ بَنِي الْحُرَيْشِ بْنِ كَعْبٍ ابْتَاعَهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ بِأَرْبَعِ مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ. وَالثَّبْتُ أنه وهبها له، فقبلها
__________
[1] ابن سعد، 1 (2) / 175.
[2] أيضا.
[3] أيضا.(1/511)
وَهَاجَرَ عَلَيْهَا. وَلَمْ تَزَلْ عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَتْ. وَيُقَالُ: مَاتَتْ فِي خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ.
وَكَانَتْ تكون بالبقيع. ويقال: بنقيع الْخَيْلِ. وَهِيَ تُسَمَّى أَيْضًا الْجَدْعَاءَ وَالْعَضْبَاءَ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ.
وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَن يَحْيَى بْنِ يَعْلَي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:
كَانَ اسْمُهَا الْعَضْبَاءَ، وَكَانَ فِي طَرَفِ أُذُنِهَا جَدَعٌ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ، فَحَدَّثَنِي مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ:
قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: مَا الْعَضْبُ فِي الأُذُنِ؟ فَقَالَ: قَطْعُ النِّصْفِ فَصَاعِدًا. قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ: الْقَصْوَاءُ الَّتِي فِي أُذُنِهَا قَطْعٌ يَسِيرٌ وَالْعَضْبَاءُ مِثْلُهَا.
وَالْجَدْعَاءُ الَّتِي قُطِعَ نِصْفُهَا.
1031- وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يوسف الفاريابي، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عن أبيه قَالَ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ بِعَرَفَةَ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ.
1032- وروى الواقدي فِي إسناد لَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يرمي الجمار عَلَى ناقة صهباء.
1033- حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بن سلمة، أنبأ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
كَانَتِ الْعَضْبَاءُ لا تُسْبَقُ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قُعُودٍ لَهُ، فَسَابَقَهَا فَسَبَقَهَا.
فَكَأَنَّ ذَلِكَ اشْتَدَّ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّه أَنْ لا يَرْفَعَ النَّاسُ شَيْئًا إِلا وَضَعَهُ] .
1034- قَالُوا: وَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم عشر لقائح: أَهْدَى إِلَيْهِ ثَلاثًا مِنْهُنَّ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مِنْ نَعَمِ بَنِي عُقَيْلٍ، فَكُنَّ يَرْعَيْنَ بِالْجُمَاءِ، وَكَانَ السَّبْعُ يَرْعَيْنَ بِذِي الْجَدْرِ [1] . وَيُقَالُ إِنَّ سَعْدًا أَهْدَى إِحْدَى الثَّلاثِ وَأَنَّهُ ابْتَاعَ الاثْنَتَيْنِ بِالْمَدِينَةِ. وَكَانَتِ الَّتِي أَهْدَاهَا سَعْدٌ تُدْعَى مُهْرَةً، وكانت من نعم
__________
[1] ذو الجدر بناحية قباء، قريب من عين، على ستة أميال من المدينة. (تنبيه المسعودى، ص 254) .(1/512)
بنى عقيل. وكانت الاثنتان تدعيان الرّياء [1] والشقراء. فكان الثلاث يحلين، وَيُسْرَحُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْبَانِهِنَّ كُلَّ لَيْلَةٍ. وَكُنَّ غِزَارًا/ 248/ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ مَوْلَى حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الغزى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ:
كَانَ عَيْشُنَا أَوْ أَكْثَرُ عَيْشِنَا مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّبَنُ.
كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَائِحُ بِالْغَابَةِ، فَكَانَ قَدْ فَرَّقَهَا عَلَى نِسَائِهِ فَكَانَتْ لِي لِقْحَةٌ غَزِيرَةٌ يُقَالُ لَهَا الْعِرِّيسُ. فَكُنَّا مِنْهَا فِيمَا شِئْنَا من لبن. وكانت لعائشة لقحة تدعى السّمراء.
حدثني محمد بن سعد [3] ، عن الواقدي، عن معاوية بْن عَبْدِ اللَّه بْن عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي رَافِعٍ، عَن أبيه قَالَ:
كَانَ يراح عَلَى أهل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل ليلة بقربتين عظيمتين من اللبن كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ. وكانت في لقاحه عدة لهن غزر:
الحناء، والسمراء، والعريس، والسعدية، والبغوم، واليسيرة. وقال بعض المدنيين: وهب البغوم لسودة.
1035- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ موسى بن عُبَيْدَةَ، عَنْ ثَابِتٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ:
أَهْدَى الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلابِيُّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقْحَةً تُدْعَى بُرْدَةُ، لَمْ أَرَ مِنَ الإِبِلِ سِنًّا كَانَ أَحْسَنَ مِنْهَا وَلا أَغْزَرَ: كَانَتْ تَحْلِبُ مَا تَحْلِبُ لِقْحَتَانِ. فَرُبَّمَا حَلَبَتْ لأَضْيَافِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَبُوقًا وَصَبُوحًا.
1036- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ الأَسْلَمِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
كانت لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَائِحُ سَبْعَةُ أعنز، ترعاهن أم أيمن.
__________
[1] خ: الزباء (عند ابن سعد، 1 (2) / 177: الدباء، ورجحنا ما ذكر الطبرى، ص 1785) .
[2] ابن سعد، 1 (2) / 177.
[3] أيضا.(1/513)
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ:
كَانَتْ مَنَائِحُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترعى بأحد، وتروح في كل ليلة إلى الْبَيْتِ الَّذِي تَبِيتُ فِيهِ. قَالُوا: وَكَانَتْ مَنَائِحُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
عَجْوَةَ، وزمزم، وسقيا، وبركة، وورسة، وإطراف، وإطلال.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ وُجَيْهَةَ مَوْلاةِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ:
كَانَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْنُزٍ سَبْعٍ، فَكَانَ الرَّاعِي يَبْلُغُ بِهِنَّ مَرَّةً الْجَمَّاءَ، وَمَرَّةً أُحُدًا، وَتَرُوحُ عَلَيْنَا. وَكَانَتْ لِقَاحُهُ بِذِي الْجَدْرِ، فَتَأْتِينَا أَلْبَانُهَا بِاللَّيْلِ. وَتَكُونُ [1] بِالْغَابَةِ فَتَأْتِينَا أَلْبَانُهَا بِاللَّيْلِ. وَكَانَ أَكْثَرُ عَيْشِنَا اللَّبَنُ مِنَ الإِبِلِ وَالْغَنَمِ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَحَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ إلياس، عن صالح بن نبهان مولى التؤمة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ، [عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ عِنْدَهُمْ شَاةٌ إِلا وَفِي بَيْتِهِمْ بَرَكَةٌ.]
ذكر ما كان لِرَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الغنيمة
1037- حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا عُبَيْدُ اللَّه بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ قَالَ:
كَانَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْغَنِيمَةِ خُمُسُ الْخُمُسِ.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ [2] ، ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُطَرِّفِ [3] بْنِ طَرِيفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:
كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيٌّ يَصْطَفِيهِ مِنَ الْمَغْنَمِ: عَبْدٌ أَوْ أَمَةٍ أَوْ فَرَسٍ.
وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، ثنا سفيان بن مطرف، عن الشعبى بمثله.
__________
[1] خ: يكون.
[2] خ: البزاذ.
[3] خ: مطرق.(1/514)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ، قَالَ سُفْيَانُ:
كَانَ الصَّفِيُّ فِي جَمِيعِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ أَنْ تُقْسَمَ.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَيَّانَ الْحَرَّانِيُّ، ثنا زُهَيْرٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ:
سَمِعْتُ عَامِرًا، وَسَأَلَهُ جَرِيرُ بْنُ زَيْدٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ سَهْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم والصفي، قَالَ: فَتَكَرَّهَ أَنْ يُخْبِرَهُمَا. / 249/ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا الصَّفِيُّ فَغُرَّةٌ كَانَ يَخْتَارُهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَغْنَمِ، إِنْ شَاءَ فَرَسًا، وَإِنْ شَاءَ جَارِيَةً، وَإِنْ شَاءَ مَا شَاءَ. وَأَمَّا السَّهْمُ فَسَهْمُهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ. فَقُلْتُ لِمُطَرِّفٍ: كَرَجُلٍ مِنْهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: سِوَى الْخُمُسِ؟ فقال: نَعَمْ.
1038- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ عيسى بن عبد الرحمن الأنصاري، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ:
كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صفي من المغنم، حضر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ غاب، قبل الخمس: عبد أو أمة أو سيف أو درع. فأخذ يَوْمَ بَدْرٍ ذَا الْفَقَارِ، وَيَوْمَ قَيْنُقَاعَ دِرْعًا، وَفِي غَزَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ جَارِيَةً، وَفِي غَزَاةِ ذَاتِ الْمُرَيْسِيعِ عَبْدًا أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ رَبَاحٌ، وَفِي يَوْمِ بَنِي قُرَيْظَةَ رَيْحَانَةَ بِنْتِ (شَمْعُونَ بْنِ) زَيْدٍ، وَفِي يَوْمِ خَيْبَرَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، وَفِي يَوْمِ حُنَيْنٍ فَرَسًا أَشْقَرَ.
1039- حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، [1] ثنا عَبْدُ اللَّه بْنُ صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ:
كَانَتِ الْغَنِيمَةُ تُقَسَّمُ عَلَى خَمْسَةِ أَخْمَاسٍ، فَأَرْبَعَةٌ مِنْهَا لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا، وَخُمُسٌ وَاحِدٌ يُقَسَمُ عَلَى أَرْبَعَةٍ: فَرُبُعٌ للَّه وَالرَّسُولِ وَذِي الْقُرْبَى، يَعْنِي قرابة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فَمَا كَانَ للَّه وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ لِذِي الْقُرْبَى، وَلَمْ يَأْخُذِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْخُمُسِ شَيْئًا. وَالرُّبُعُ الثَّانِي لِلْيَتَامَى. وَالرُّبُعُ الثَّالِثُ لِلْمَسَاكِينِ. وَالرُّبُعُ الرابع لأبناء السبيل.
__________
[1] كتاب الأموال 834.(1/515)
وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ اللَّه بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَهْمُ اللَّه وَالرَّسُولِ خُمُسُ الْخُمُسِ، وَسَهْمُ ذِي الْقُرْبَى خُمُسُ الْخُمُسِ، وَمَا بَقِيَ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ عَلَى ثَلاثَةٍ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ الأَنْطَاكِيُّ، ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ [1] ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى بِالْغَنِيمَةِ، فَيَضْرِبُ بِيَدِهِ فَمَا وَقَعَ مِنْ شَيْءٍ جَعَلَهُ لِلْكَعْبَةِ، وَهُوَ سَهْمُ اللَّه. ثُمَّ يَقْسِمُ مَا بَقِيَ عَلَى خَمْسَةٍ، فَيَكُونُ لِنَبِيِّ اللَّه سَهْمٌ، وَلِذِي الْقُرْبَى سَهْمٌ، وَلِلْيَتَامَى سَهْمٌ، وَلِلْمَسَاكِينِ سَهْمٌ، وَلابْنِ السَّبِيلِ سَهْمٌ.
وَحَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ [2] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ [3] ، عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ:
خُمُسُ اللَّه وَرَسُولِهِ وَاحِدٌ، كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُ مِنْهُ وَيُعْطِي وَيَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ وَيَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ.
وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثَنَا يحيى بن آدم، عن سُفْيَان الثوري [4] ، عن قيس بْن مُسْلِم، عن الحسن بن محمد في قوله: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ، قال: هذا مفتاح كلام- للَّه [5] الدنيا والآخرة- ولرسوله، وَلِذِي الْقُرْبى [6] . واختلف أصحاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعده في هذين السهمين، فقال قائل منهم: سهم ذي القربى لقرابة الخليفة، وقال قائل منهم: سهم الرسول للخليفة من بعده. فأجمعوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل اللَّه. فكان خلافة أبي بكر وعمر في الخيل والعدّة في سبيل اللَّه.
__________
[1] عنه أيضا في كتاب الأموال 835.
[2] كتاب الأموال 837.
[3] خ: كبير.
[4] عنه أيضا كتاب الأموال 836.
[5] خ: اللَّه.
[6] القرآن، الأنفال (8/ 41) .(1/516)
قال التوزي، فحدثني محمد بن إسحاق أنه يسأل أبا جعفر عنهما: أين وضعهما علي؟ فقال: سلك بهما طريق أبي بكر وعمر، وكان يكره أن يدعى عليه خلافهما.
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ، ثنا أَبُو يُوسُفَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يَقْسِمُ الْخُمُسَ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ: للَّه وَلِلرَّسُولِ سَهْمٌ، وَلِذِي الْقُرْبَى سَهْمٌ، (وَلِلْيَتَامَى سَهْمٌ، وَلِلْمَسَاكِينِ سَهْمٌ) [1] وَلأَبْنَاءِ السَّبِيلِ سَهْمٌ.
1040- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ، ثنا أَبُو يُوسُفَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ هُرْمُزَ قَالَ:
كُنْتُ كَاتِبَ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَبَّاسٍ إِلَى نَجْدَةَ وَكَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنِ النِّسَاءِ هَلْ كُنَّ يَحْضُرْنَ الْحَرْبَ مَع رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَلْ كَانَ يَضْرِبْ لَهُنَّ بِسَهْمٍ، وَهَلْ كَانَ لِلْعَبْدِ فِي الْمَغْنَمِ سَهْمٌ، وَمَتَى كَانَ يَضْرِبُ لِلصَّبِيِّ، وَيَسْأَلُهُ/ 250/ عَنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى. فَكَتَبَ إِلَيْهِ إِنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَحْضُرْنَ الْحَرْبَ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَرْضَخُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ، وَأَنَّهُ لا سَهْمَ لِلْعَبْدِ فِي الْمَغْنَمِ، وَأَنَّهُ كَانَ لا يَضْرِبُ لِلصَّبِيِّ [2] بِسَهْمٍ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَرَضَ عَلَيْهِ [3] أَنْ يُزَوِّجَ مِنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى أَيِّمَنَا، وَيَقْضِي [4] عَنْ غَارِمِنَا، فَأَبَيْنَا إِلا أَنْ يُسَلِّمَهُ إِلَيْنَا، وَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا.
1041- وَحَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُثْمَانَ وَجُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ كَلَّمَا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى، وَقِسْمَتِهِ قَالا: بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ونحن (و) بَنُو الْمُطَّلِبِ إِلَيْكُمْ فِي النَّسَبِ سَوَاءٌ [5] . [فَقَالَ صلى اللَّه عليه وسلم:
__________
[1] ولا بد من هذه الزيادة.
[2] خ: الصبى.
[3] أى على ابن عباس.
[4] خ: نقضي. (إما يزوج ويقضى، أو نزوج ونقضي) .
[5] هو كذلك لأن عثمان من أولاد «عبد شمس» ، وجبير من أولاد «نوفل» ، ورسول اللَّه من أولاد «هاشم» ، فهؤلاء و «المطلب» كلهم ولد عبد مناف.(1/517)
إِنَّا وَهُمْ لَمْ نَزَلْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ شَيْئًا وَاحِدًا، وَكَانُوا مَعَنَا فِي الشِّعْبِ كَذَا- وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ] .
وَحَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ بِنَحْوِهِ.
1042- وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا يَحْيَى بْن آدم [1] ، عَنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسحاق في قوله: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ، قَالَ: مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ [2] قَالَ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهَا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِصَةً دُونَ النَّاسِ، فَقَسَمَهَا فِي الْمُهَاجِرِينَ إِلا أَنَّ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ وَأَبَا دجانة ذكرا فَقْرًا، فَأَعْطَاهُمَا. وقال الواقدي (في) إسناده: كانت أموال بني النضير خالصة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يزرع تحت النخل في أرضهم فيدخل من ذلك قوت أهله وأزواجه سنة، وما فضل جعله في الكراع والسلاح، وأقطع من أموال بني النضير. وكان مخيريق أحد بني النضير، ويقال أحد بني قينقاع، ويقال أحد بني الفطيون [3] حبرا عالما فأسلم وقاتل مع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأوصى بماله لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو سبعة حوائط، فجعلها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم صدقة. وهي المبيت، والصافية، والدلال، وحسنى [4] وبرقة، والأهواف، ومشربة أم إبراهيم. وأخبرني بعض بني الحارث بن عبد المطلب قال: ومن صدقات رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الحديقة» ، ولم يدر أمن مال مخيريق هي أم لا.
1043- وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ:
كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّه على رسوله، ولم يوجف المسلمون
__________
[1] كتاب الخراج ليحيى بن آدم، ص 19.
[2] القرآن، الحشر (59/ 6) .
[3] خ: الفطنون.
[4] خ: حسبي. (لعله كما صححناه عن السهيلي 2/ 143) .(1/518)
عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلا رِكَابٍ، وَكَانَتْ لَهُ خَالِصَةً، وَكَانَ يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ وَمَا بَقِيَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّه.
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا أُسَامَةُ بْنُ يزيد، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ ابن الحدثان أنه أخبره عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه، قال:
كان لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثُ صَفَايَا: مَالُ بَنِي النَّضِيرِ، وَخَيْبَرَ، وَفَدَكٍ. فَأَمَّا أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ فَكَانَتْ حُبُسًا لِنَوَائِبِهِ، وَأَمَّا فَدَكُ فَكَانَتْ لأَبْنَاءِ السَّبِيلِ. وَجَزَّأَ خيبر ثلاثة أجزاء: فقسّم جزءين مِنْهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَحَبَسَ جُزْءًا لِنَفْسِهِ وَنَفَقَةِ أَهْلِهِ، فَمَا فَضَلَ مِنْ نَفَقَتِهِمْ، رَدَّهُ إِلَى فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ.
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ [1] ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عُمَرَ قَالَ:
كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثُ صَفَايَا: فَكَانَتْ أَرْضُ بَنِي النَّضِيرِ حبسا لنوائبه، وجزّأ خيبر ثَلاثَةِ أَجْزَاءٍ/ 251/ وَكَانَتْ فَدَكُ لأَبْنَاءِ السَّبِيلِ.
1044- حَدَّثَنَا أَبُو عبد الرحمن القرشي بن عَائِشَةَ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أُمِّ هاني أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لأَبِي بَكْرٍ:
[مَنْ يَرِثُكَ إِذَا مُتَّ؟ فَقَالَ: وَلَدِي وَأَهْلِي. قَالَتْ: فَمَا بَالُكَ وَرِثْتَ رَسُولَ اللَّه دُونَنَا؟ - تَعْنِي نَفْسَهَا والعباس بن عبد المطلب. فقال:
يابنة رَسُولِ اللَّه، مَا وَرِثْتُ أَبَاكِ ذَهَبًا وَلا فِضَّةً، وَلا كَذَا، وَلا كَذَا. فَقَالَتْ:
سَهْمَهُ بِخَيْبَرَ، وَصَدَقَتَهُ بِفَدَكَ؟ فَقَالَ:] سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَنِيهَا اللَّه حَيَاتِي، فَإِذَا مِتُّ فَهِيَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، وَمُظَفَّرُ بْنُ مُرَجَّى، قَالا ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ، ثنا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عمرو بْنِ الْحَارِثِ، أَخِي جُوَيْرِيَّةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ:
واللَّه مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وَلا عَبْدًا وَلا أَمَةً وَلا شَيْئًا إِلا بَغْلَتَهُ الشَّهْبَاءَ وَسِلاحَهُ، وَأَرْضًا تركها صدقة.
__________
[1] كتاب الخراج له، ص 21.(1/519)
1045- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ [1] الْعِجْلِيُّ، ثنا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلْنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ مَوَارِيثَهُنَّ مِنْ سَهْمِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ وَفَدَكٍ. فَقَالَتْ لَهُنَّ عَائِشَةُ: «أَمَا تَتَّقِينَ اللَّه؟ أَمَا سَمِعْتُنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا هَذَا الْمَالُ لآلِ مُحَمَّدٍ لِنَائِبَتِهِمْ وَضَيْفِهِمْ [2] ، فَإِذَا مِتُّ فَهُوَ إِلَى وَالِي الأَمْرِ بَعْدِي] » . قَالَ: فَأَمْسَكْنَ.
1046- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَ خَيْبَرَ عَلى ستة وثلاثين سَهْمًا وَجَعَلَ لِكُلِّ سَهْمٍ مِائَةَ سَهْمٍ. فَعَزَلَ نِصْفَهُ لِنَوَائِبِهِ، وَمَنْ يَنْزِلُ بِهِ. وَقَسَمَ النِّصْفَ الْبَاقِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. فَكَانَ سَهْمُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَسَمَ الشِّقَّ وَالنَّطَاةَ، وَمَا حِيزَ مَعَهُمَا.
1047- حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ [3] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ:
لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلْعَبَّاسِ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّه، فَجِئْتَ أَنْتَ تَطْلُبُ مِيرَاثَكَ من ابن أخيك، وخاف هَذَا، - يَعْنِي عَلِيًّا، - يَطْلُبُ مِيرَاثَ امْرَأَتِهِ. وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [لا نورث، ما تركناه صدقة] .
__________
[1] في أصل العبارة «سلم» ، وبالهامش عن نسخة «مسلم» .
[2] خ: ضيقهم (بالقاف، ولكن راجع الحديث التالي حيث قال: «لنوائبه ومن ينزل به» ) .
[3] في الموطإ، (كتاب 56، باب 12) ، بإسناد غير هذا قول رسول اللَّه في آخر هذا الحديث.(1/520)
سلاح رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
1048- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ:
قدم رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ في الهجرة بسيف كان لأبيه مأثور.
قَالَ، وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءٍ قَالَ:
كَانَتْ دِرْعُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ذَاتُ الْفُضُولِ» لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَارَ إِلَى بَدْرٍ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مَعَهَا بِسَيْفٍ يُقَالُ لَهُ الْعَضْبُ، فَشَهِدَ بِهِمَا وَقْعَةَ بَدْرٍ، وَغَنَّمَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ذَا الْفَقَارِ. قَالَ الواقدي: كَانَ ذو الفقار لمنبه بن الحجاج. وقال غيره: كَانَ لنبيه بن الحجاج. وقال الكلبي: كَانَ للعاص بن منبه بن الحجاج.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ [2] ، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنِمَ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ.
حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْرٍ، ثنا أَبُو الْحَكَمِ الصَّيْقَلُ، ثنا مَرْزُوقٍ الصَّيْقَلُ أَنَّهُ صَقَلَ سَيْفَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَا الْفَقَارِ، فَكَانَتْ قَبِيعَتُهُ، وَحِلَقٌ فِي قَيْدِهِ، وَبَكَرٌ فِي وَسَطِهِ/ 252/ مِنْ فِضَّةٍ.
مُحَمَّدٌ [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنِمَ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ.
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ [4] ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَفَّلَ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يوم بدر.
__________
[1] ابن سعد، 1 (2) / 171.
[2] ابن سعد، 1 (2) / 171.
[3] ابن سعد، 1 (2) / 171.
[4] أيضا عند ابن سعد، 1 (2) / 171- 172.(1/521)
1049- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى الأَنْصَارِيِّ قَالَ:
أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سلاح بني قينقاع ثلاث أسياف: سيفا قلعيا [2] ، وسيفا يدعى بتّار، وَسَيْفًا يُدْعَى الْحَتْفُ.
قَالَ: وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بعث عليا إلى الفلس [3] ، صنم طيّئ، فوجده مقلدا سيفين يقال لهما مخذم ورسوب. وهما سيفان كانا للحارث بن أبى شمر الغساني، يتقلدهما عَن يمينه وشماله، فنذر: لئن ظفر ببعض أعدائه ليهدينهما إلى الفلس [4] ، فظفر بِهِ، فأهداهما إِلَيْهِ. وهما اللذان يقول فيهما علقمة بن عبدة التميمى [5] :
مُظاهرُ سربالي حديدٍ عليهما ... عقيلًا سيوف مخذَم ورسوب
وأصاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سلاح بني قينقاع ثلاثة أرماح، وثلاث قسي: قوس اسمها الروحاء، وقوس من شوحط [6] وتسمى البيضاء، وقوس من
__________
[1] راجع ابن سعد، 1 (2) / 172.
[2] ذكر البيرونى (كتاب الجماهر، ص 248 وما بعدها) في بحث طويل: «ومن الشابرقان (وهو الحديد الصلب) سيوف الروم والروس والصقالبة. وربما قيل له قلع- بنصب اللام وسكونها- فيقال: تسمع للقلع طنينا، ولغيره بححا. ونسب إليه نوع من السيوف، فسميت قلعية. وظنها قوم منسوبة إلى موضع، كالهندية، واليمانية، والمشرفية. فقالوا: إنها تحمل من كله، كما يحمل منها الرصاص، وينسب إليها القلعي، وهي سيوف عراض. ولا تبعد أن تشبه لبياضها في أشعار العرب على اضطرابها فيه» إلخ.
[3] خ: القليس. (والفلس صنم طيّئ، معروف. والقليس كنيسة بناها أبرهة في اليمن، راجع ابن هشام، ص 29، والسهيلي 1/ 40 في آخرين. وهو الأشبه بالصواب فإن الحارث بن أبى شمر الغساني كان نصرانيا، وسوف لا يهدى شيئا إلى صنم أهل الأوثان. وقد ذكرنا فيما مضى، في أواخر باب السرايا الاختلاف الشديد في أمر هذين السيفين. فالمحتمل أن هدية الحارث الغساني غير التي أهداها غيره إلى الفلس، اللهم إلا أن يكون الفلس لطيئ أيضا تصحيفا من القليس (.) أى كنيسة، لا صنما فان كثيرين من طيّئ كانوا نصارى كعدى بن حاتم الطائي وغيره) .
[4] خ: القليس. (والفلس صنم طيّئ، معروف. والقليس كنيسة بناها أبرهة في اليمن، راجع ابن هشام، ص 29، والسهيلي 1/ 40 في آخرين. وهو الأشبه بالصواب فإن الحارث بن أبى شمر الغساني كان نصرانيا، وسوف لا يهدى شيئا إلى صنم أهل الأوثان. وقد ذكرنا فيما مضى، في أواخر باب السرايا الاختلاف الشديد في أمر هذين السيفين. فالمحتمل أن هدية الحارث الغساني غير التي أهداها غيره إلى الفلس، اللهم إلا أن يكون الفلس لطيئ أيضا تصحيفا من القليس (.) أى كنيسة، لا صنما فان كثيرين من طيّئ كانوا نصارى كعدى بن حاتم الطائي وغيره) .
[5] مضى ذكر هذا البيت في ذكر السرايا. (خ: محذم) .
[6] «قال أبو حنيفة أخبرنى عالم بالشوحط أن نباته نبات الأرزن، قضبان تسمو كثيرة من أصل واحد. قال: وورقه فيما ذكر دقاق، طوال مثل ورق الطرخون وله ثمرة مثل العنبة الطويلة إلا أن طرفها أدق منه. وهي لينة تؤكل. وهو من عتق العيدان التي تتخذ منها القسي.
وقال مرة: الشوحط والنبع أصفرا العود، رزيناه، ثقيلان في اليد. وإذا تقادما احمرا» .
(المحكم لابن سيده حشط، المخصص لابن سيدة 11/ 142، لسان العرب وتاج العروس شحط) .(1/522)
نبع [1] تسمى الصفراء. وصارت إِلَيْهِ يومئذ درعان من سلاحهم: درع يقال لَهُ السعدية، ودرع تدعى فضة. وقال بعضهم: كانت ذات الفضول والسعدية لعكين القينقاعي، وكانت فضة من هدية سعد بن عبادة. وأصاب من سلاحهم مغفرا موشحا.
1050- قَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى الأَنْصَارِيِّ قَالَ:
كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْسٌ تُدْعَى الْكَتُومُ، مِنْ نَبْعٍ، كُسِرَتْ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَخَذَهَا قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ. وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِغْفَرٌ، يُقَالُ لَهُ ذُو السُّبُوبِ، وَرُمْحٌ يُقَالُ لَهُ الْمَثْنَوْنِيُّ، و [2] وَقُصَّةُ، وَجُعْبَةٌ يُقَالُ لَهَا الْكَافُورُ، وَتُرْسٌ يُقَالُ لَهُ الزَّلُوقُ.
1051- وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ مِغْفَرٌ.
1052- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ قَالَ:
سألنا عَن العنزة التي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي إليها فِي أسفاره وتحمل بين يديه يوم العيد.
فحدثني أَبُو بَكْر بْن عَبْدِ اللَّهِ [3] بْن مُحَمَّد بن أبي سبرة العامري، عَن عيسى بن معمر، عَنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَن أسماء بنت أبي بكر قالت:
لِمَا هاجر الزبير إلى أرض الحبشة، خرج مع النجاشى فقاتل عدوا له،
__________
[1] قال «أبو حنيفة: والنبع شجر- زاد الأزهرى: من أشجار الجبال- تتخذ منه القسي ... وقال مرة: النبع شجر أصفر العود، رزينه، ثقيله في اليد. وإذا تقادم احمر. قال: وكل القسي إذا ضمت إلى قوس النبع، كرمتها قوس النبع، لأنها أجمع القسي للأرز واللين. يعنى بالأرز الشدة» (لسان العرب وتاج العروس فرع) .
[2] كذا في الأصل. لا ندري إذا كان الرمح الواحد له اسمان، أو رمحين، أو رمحا وسلاحا آخر سقط اسمه ههنا.
[3] كذا عبد الله بن محمد، وفي أسانيد غير هذا هو أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سبرة.(1/523)
فأعطاه النجاشي يومئذ عنزة فقاتل [1] بِهَا وطعن عدة حَتَّى ظهر النجاشي عَلَى عدوه. وقدم الزبير بِهَا فشهد بدرا وهي معه. وشهد بِهَا يوم أحد ويوم خيبر. ثُمَّ أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه منصرفه من خيبر، فكانت تحمل بين يديه يوم العيد: يحملها بلال بن رباح، يخرج بِهَا فِي أسفاره فتركز بين يديه يصلى إليها. وتوفي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأمر عَلَى ذلك، وَكَانَ أَبُو بَكْر، وعمر وعثمان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ. فهي اليوم تحمل بين أيدى الأئمة، ويكون مع المؤذنين.
1053- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّجَاشِيَّ بَعَثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاثِ عَنْزَاتٍ، فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدَةً، وَأَعْطَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَاحِدَةً/ 253/ وَأَعْطَى عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَاحِدَةً. ويقال أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابتاع عنزات فأعطى الزبير منها عنزة، وفرقها فِي أصحابه، وكانت هذه العنزة منها تحمل بين يديه. والأول أثبت. وقد أمر المتوكل عَلَى الله أمير الْمُؤْمِنِين بحمل هَذِه العنزة إِلَيْهِ، فهي اليوم بسرّمن رأى.
1054- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ التَّوَّزِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ:
كَانَتِ الْحَرْبَةُ تُحْمَلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَسْفَارِهِ لأنه كان يصلى إليها وهي العنزة.
قال الواقدي، وَحَدَّثَنَا عبد الله بن نَافِع، (عَنِ أبيه) عَن ابن عمر قَالَ:
كَانَ يخرج بِهَا يوم العيد فتغرز بالمصلى لأنه لَيْسَ ثُمَّ بناء ولا غيره.
1055- قَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ الْقَرَظِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ بِلالا كَانَ يَحْمِلُ الْعَنْزَةَ يَوْمَ الْعِيدِ، ثُمَّ حَمَلَهَا سعد بْنُ عَمَّارٍ، ثُمَّ حَمَلَهَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ بَيْنَ أَيْدِي الْوُلاةِ. قَالَ ثُمَّ أَنَا هَذَا أحملها بين أيديهم.
__________
[1] خ: يقاتل.(1/524)
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنَا التَّوَّزِيُّ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أبى جحيفة، عن أبيه قال:
رأيت بدلا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ خَرَجَ بِالْعَنْزَةِ فَرَكَزَهَا، وَصَلَّى إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ يَمُرَّانِ مِنْ وَرَائِهَا.
1056- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
خَاصَمَ الْعَبَّاسُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: الْعَمُّ أَوْلَى أَوِ ابْنُ الْعَمِّ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: الْعَمُّ. فَقَالَ: مَا بَالُ دُرُوعِ النَّبِيِّ وَبَغْلَتِهِ دُلْدُلَ وَسَيْفِهِ عِنْدَ عَلِيٍّ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذِهِ سَيْفٌ وَجَدْتُهُ فِي يَدِهِ، فَأَنَا أَكْرَهُ نَزْعَهُ مِنْهُ. فَتَرَكَهُ الْعَبَّاسُ.
باب فِي السرير
1057- قَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ مَوْلَى بَنِي عَامِرِ بْنِ لؤي، عن عطاء ابن يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
كَانَتْ قُرَيْشُ بِمَكَّةَ وَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيْهَا مِنَ السَّرِيرِ تَنَامُ عَلَيْهِ [1] . فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ (و) نزل مَنْزِلَ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: يا با أيوب أما لكم سَرِيرٌ؟ قَالَ: لا واللَّه. فَبَلَغَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ ذَلِكَ، فَبَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَرِيرٍ لَهُ عَمُودٌ، وَقَوَائِمُهُ سَاجٍ، مَرْمُولٌ بِخَزْمٍ، يَعْنِي الْمَسَدَ. فَكَانَ يَنَامُ عَلَيْهِ حَتَّى تَحَوَّلَ إِلَى مَنْزِلِي، كَانَ فِيهِ ... [2] لِي فَكَانَ يَنَامُ عَلَيْهِ حَتَّى تُوُفِّيَ، فَوَضَعَ عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ فَوْقَهُ. فَطَلَبَهُ النَّاسُ مِنَّا يَحْمِلُونَ مَوْتَاهُمْ عَلَيْهِ. فَحُمِلَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَالنَّاسُ طَلَبًا لِبَرَكَتِهِ. وقال الواقدي:
اجتمع أصحابنا بالمدينة، لا اختلاف بينهم، أن سرير النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشترى ألواحه عبد اللَّه بن إسحاق الإسحاقي، من موالي معاوية، بأربعة آلاف درهم.
__________
[1] خ: عليها (إما «السرير تنام عليه» أو «السرر تنام عليها» ) .
[2] كلمة مطموسة في الأصل كأنها «فوهبته» . (لعلها «سرير لأمى فوهبته» ) .(1/525)
أسماء مؤذني رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[بِلالَ بن رباح]
1058- قَالَ: أول من أُذِنَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلالَ بْنَ رباح مولى أبي بكر بالمدينة وَفِي أسفاره، وجعل عَلَى نفسه أن لا يؤذن لأحد بَعْدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتى أبا بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ قَالَ: ائذن لي فِي إتيان الشام. قَالَ: بَلْ أقم. فقال: إن كنت أعتقتني عَلَي أن أقيم، أقمت. فقال:
هَلْ تقرأ كتاب اللَّه؟ قَالَ: أقرأ ولا أكمل السور. فأذن لَهُ. فأتى الشام، فلم يزل مقيما. فلما قدم عمر رضي اللَّه تعالى عَنْهُ الشام لقيه، فأمره أن يؤذن، وقال:
لست بالموضع الَّذِي كنت تؤذن [1] فِيهِ للنبي. فأذن. فبكى عمر، والمسلمون، وذكروا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سمعوا أذانه. وَكَانَ ديوانه مع خثعم.
فليس من حبشي في الشأم/ 254/ إلا (و) ديوانه مع خثعم. ومات بلال بدمشق، ودفن بالمقبرة التي عند الباب الصغير. وكانت وفاته فِي سنة عشرين.
ويكنى أبا عبد اللَّه.
[عمرو بن قيس بن شريح]
1059- وَكَانَ عَمْرو بن قيس بن شريح، من بني عَامِر بن لؤي- وأمه أم مكتوم، وَهِيَ عاتكة بِنْت عَبْد اللَّه بن عنكثة، من بني مخزوم- وربما أُذِنَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة. وبعض الرواة يقول: اسم ابن أم مكتوم:
عبد اللَّه. والأول أثبت. وهو قول الكلبى.
[أبو محذورة]
1060- وأذن لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة أبو محذورة، واسمه أوس ابن معير بن لوذان بن ربيعة بن معير بن عريج بن سعد بن جمح. وله يقول أَبُو دهبل وهب بن زمعة الجمحي [2] :
أما ورب الكعبة المستورة ... وَمَا تلا مُحَمَّد من سوره
والنعرات من أَبِي محذورة ... لأفعلن فعلة مذكوره
وبعضهم يقول: اسم أبي محذورة سمرة بن معير. والأول أثبت. وَكَانَ أَبُو محذورة اسْتَأْذَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فِي أن يؤذّن مع بلال،
__________
[1] خ: يوذن.
[2] السهيلي 2/ 277، الاستيعاب، كنى الرجال رقم 186 أبو مخدورة، مع اختلافات يسيره.(1/526)
فأذن لَهُ فِي ذَلِكَ. وَكَانَ يؤذن فِي المسجد الحرام. وأقام بمكة يؤذن، ومات بِهَا، ولم يأت المدينة. وَقال ابن الكلبي: كَانَ أَبُو مَحْذُورَةَ لا يُؤَذِّنُ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة إلا فِي الفجر، ولم يهاجر وأقام بمكة يؤذن في المسجد الحرام. [وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: آخر أصحابي موتا فِي النار.] فبقي سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الْفَزَارِيَّ حَلِيفَ الأَنْصَارِ بِالْبَصْرَةِ، وأبو محذورة بمكة. وكان سمرة يسأل من تقدّم من الحجاز عَن أبي محذورة، وَكَانَ أَبُو محذورة يسأل من تقدم من البصرة عَن سمرة حَتَّى مات أَبُو محذورة قبله.
وَحَدَّثَنِي عمر بن شبة، عَن عبد الوهاب الثقفي، عَن أيوب قَالَ:
كَانَ أَبُو محذورة يؤذن عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ:
فقدم عمر حاجا، فقال: ويح أبي محذورة، أما يخاف أن ينشق مريطاؤه؟
فلما دخل عَلَيْهِ، قَالَ: ويحك يا با محذورة، أما تخاف أن ينشق مريطاؤك؟ قَالَ: يا أمير الْمُؤْمِنِين، إن مكة أرض حارة، فأحب أن تخرجني [1] معك.
فقال عمر: مكة أرض حارة، فأبرد، ثُمَّ أبرد، ثُمَّ أذن، ثم صل ركعتين، ثُمَّ ثوب، ثُمَّ أذن، ثُمَّ صَلَّ ركعتين، ثُمَّ ثوب- «المريطاء» ، ممدود، جلدة رقيقة فِي صفاق البطن مما يلي العانة [2] .
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى، عَنْ إسرائيل، عَن جابر، عَن عَامِر الشعبي قَالَ:
أُذِنَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلال، وَأَبُو محذورة، وابن أم مكتوم.
حَدَّثَنِي هُدبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا هَمَّامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَ أَبَا مَحْذُورَةَ الأَذَانَ بِالْجُعْرَانَةِ، ثُمَّ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، ثُمَّ جَعَلَهُ مُؤَذِّنًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
1601- وقد روي أن عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ كَانَ يؤذن بَيْنَ يدي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم عند المنبر.
__________
[1] خ: يخرجني.
[2] الأمر قليل شعر الرأس. والمريطاء تصغير المرطى، كأنه أراد جمجمة مرطى لأبى محذورة وهو يؤذن عارى الرأس لصلاة الظهر في شمس الصيف.(1/527)
1062- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ:
كَانَ أَبُو مَحْذُورَةَ لا يُؤَذِّنُ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم إلا الفجر.
1063- وقال الواقدي في إسناده: كان بلال يقف عَلَى بَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فيقول: السلام عليك يَا رَسُولَ اللَّه. وربما قَالَ: السلام عليك بأبي أنت وأمي يَا رَسُولَ اللَّه، حي عَلَى الصلاة، حي عَلَى الفلاح، السلام عليك يَا رَسُولَ اللَّه. وقال غيره: كَانَ يقول: السلام عليك يَا رَسُولَ اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته، حي على الصلاة، حي عَلَى الفلاح، الصلاة يَا رَسُولَ اللَّه.
قالوا: فلما ولي أَبُو بكر رضي اللَّه تعالى عَنْهُ الخلافة، كَانَ سعد القرظ يقف عَلَى بابه فيقول: السلام عليك يا خليفة رسول اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته، حي على الصلاة حي عَلَى الفلاح يا خليفة رَسُول اللَّه. فلما استخلف عمر، كَانَ سعد القرظ يقف عَلَى بابه، فيقول: السلام عليك يا خليفة خليفة رَسُول اللَّه ورحمة اللَّه، / 255/ حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة يا خليفة خليفة رَسُول اللَّه. فلما قام عمر، قَالَ للناس: أنتم المؤمنون وأنا أميركم. فدعي أمير الْمُؤْمِنِين، استطالة لقول القائل «يا خليفة خليفة رَسُول اللَّه» ، ولمن بعده «خليفة خليفة خليفة رَسُول اللَّه» . كَانَ المؤذن يقول: السَّلامُ عَلَيْكَ (يَا) أَمِيرَ الْمُؤْمِنِين وَرَحْمَةُ اللَّه وبركاته، حي عَلَى الصلاة، حي عَلَى الفلاح، الصلاة يا أمير الْمُؤْمِنِين.
ثُمَّ أن عمر أمر المؤذن، فزاد فيها «رحمك اللَّه» . ويقال: زادها عثمان.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ محمد بن حرب الزبيدي، عَن مُحَمَّد بن الوليد، عَنِ الزهري قَالَ:
أول من سلم عَلَى عمر بن الخطاب فقال «السلام عليك يا أمير الْمُؤْمِنِين» المغيرة بن شعبة.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَن يَحْيَى بن عبد العزيز، عَنْ أبيه قَالَ:
الَّذِي سلم عَلَى عمر: عدي بن حاتم الطائي، وكانوا قبل ذلك يقولون:
«يا خليفة خليفة رَسُول اللَّه» .(1/528)
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ:
قِيلَ لأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ: «يَا خَلِيفَةَ اللَّه» ، فَقَالَ: أَنَا خَلِيفَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا بِذَلِكَ رَاضٍ.
أسماء عمال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1064- قَالُوا: ولى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرو بن حزم الْأَنْصَارِيّ نجران، وزياد بن لبيد، من بنى بياضة، من الأنصار، حضر موت، وخالد ابن سعيد بن العاص بن أمية صنعاء، والمهاجر بن أبي أمية المخزومي كندة [1] والصدف، وأبا مُوسَى الأشعري عبد اللَّه بن قيس زبيد، ورمع، وعدن، والساحل، ومعاذ بن جبل الْأَنْصَارِيّ الجند، والقضاء، وتعليم الناس الإسلام، وشرائعه، وقراءة القرآن، وقبض الصدقة من عمال اليمن. فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولى أَبُو بكر زياد بن لبيد كندة، والصدف الى حضر موت.
وولى المهاجر بن أبى أمية صنعاء، مكان خالد بن سعيد، وولى عتاب بن أسيد ابن أبي العيص بن أمية مكة والطائف. ثُمَّ ولى عثمان بن أبي العاص الثقفي الطائف، وأقر عتاب بن أسيد عَلَى مكة. وهذا الثبت.
1065- وروى الواقدي، عَن إِبْرَاهِيم بن جَعْفَر، عَنْ أبيه، عَن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ:
تُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأربعة من بني أمية عماله: عتاب ابن أسيد عَلَى مكة، وأبان بن سعيد بن العاص عَلَى البحرين، وخالد بن سعيد عَلَى صنعاء، وَأَبُو سفيان بن حرب عَلَى نجران [2] . وقال الواقدي: أصحابنا مجمعون عَلَى (أَنَّ) رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبض وأَبُو سفيان حاضر.
وقال الكلبي: كَانَ أَبُو سفيان غائبا، فلما قدم قَالَ: كيف رضيتم يا بني عبد مناف بأن يلي أمركم غيركم؟
1066- قالوا: وولى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حذيفة دبا، وعمرو بن العاص
__________
[1] خ: كيده. (والتصحيح عن المحبر، ص 126) .
[2] خ: حران. (والتصحيح كذلك) .(1/529)
عمان، ومعه أَبُو زيد الْأَنْصَارِيّ. وقوم يقولون: إن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولى أبا سفيان صدقات خولان، وبجيلة، واستعمل يزيد بن أبي سفيان عَلَى نجران، واللَّه أعلم.
وروى ابن أبي لهيعة، عَن الحارث بن يزيد أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ معاذ بن جبل إلى حمير، وعمرو بن سُلَيْم الزرقي من الأنصار إلى كندة وحضر موت، وعوف بن مالك إلى نجران.
والأول أثبت.
1067- قالوا: وولى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلالا مولى أبي بكر صدقات الثمار. وولى عباد بن بشر الأنْصَارِيّ صدقات بني المصطلق من خزاعة، والأقرع ابن حابس التميمي صدقات بني دارم بن مالك بن حنظلة، والزبرقان وهو حصين بن بدر صدقات عوف بن كعب، ومقاعس بن عَمْرو بن كعب بن سَعْدٍ والأبناء [1]- وهم بنو سعد بن زيد مناة، غير بني كعب بن سَعْدٍ، وعمرو بن سَعْدٍ- ومالك بن نويرة [2] عَلَى صدقات بني يربوع بن حنظلة، وعدي بن حاتم/ 156/ الطائي عَلَى صدقات طيئ وأسد، وعيينة بن حصن عَلَى صدقات بني فزارة، والحارث بن عوف عَلَى صدقات بني مرة، ونعيم ابن مسعود الأشجعي عَلَى أشجع بن ريث، وأنمار بن بغيض، وبنى عبس ابن بغيض، ومالك بن عوف النصري عَلَى عجز هوازن- وهم جشم، ونصر، وسعد [3] بن بكر، وثقيف بن منبه- وعباس بن مرداس السلمي عَلَى صدقات بني سُلَيْم ومازن ابني منصور، وو عامر بن مالك بن جَعْفَر عَلَى بني عَامِر، والأعجم بن سفيان البلوي عَلَى عذرة وسلامان وبلي وكلب. ويقال إنه ولى صدقات كلب عبد الرحمن بن عوف الزهري، لأنه لَمْ يكن مع النبي صلى اللَّه
__________
[1] الأبناء طائفتان: أبناء سعد المذكورة ههنا، وأبناء الفرس الذين جاءوا مع وهرز إلى اليمن، أسلم منهم باذان على العهد النبوي.
[2] خ: موبرة. (والتصحيح عن ابن هشام، ص 965) .
[3] خ: سعيد. (والتصحيح عن لسان العرب عجز) .(1/530)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحد منهم. وولى بريدة بن الحصيب الأسلمي صدقات أسلم وغفار وجهينة. ويقال إنه ولى صدقات أسلم وغفار وجهينة: كعب بن مالك. وولى صدقات جهينة فقط رافع بن مكيث. ويقال الأعجم بن سفيان معه [1] . وولى أبا عبيدة بن الجراح صدقات مزينة وهذيل وكنانة. وولى الضحاك بن سفيان الكلابي صدقات بني كلاب. ويقال إنه بعث قرة [2] بن هبيرة القشيري [3] عَلَى صدقات بني قشير، وجعدة من بني عَامِر فقط. وولى سالف بن عثمان ابن معتب الثقفي صدقات الطائف والأحلاف. ووجه عَليّ بْن أَبِي طالب رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عنه إلى اليمن، ثُمَّ كتب إِلَيْهِ بموافاته بالموسم، فوافاه.
(أسماء الرسل إلى الملوك)
1068- وبعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس، وشجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر، ودحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر، وسليط بن عَمْرو العامري إلى هوذة بن عَليّ الحنفي، وعبد اللَّه بن حذافة السهمي إلى كسرى، وعمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي. وَذَلِكَ فِي سنة سبع، وهو أثبت من قول من قال فِي سنة ست.
أسماء كتاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1069- قَالُوا: أَوَّلُ مَنْ كَتَبَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبي بن كعب الْأَنْصَارِيّ. وَكَانَ يكتب لَهُ زيد بن ثابت إِذَا لَمْ يحضر أبي. وكانا يكتبان الوحي، ويكتبان كتبه إلى من كاتبه من الناس وغير ذَلِكَ. وكتب لَهُ عبد اللَّه ابن سعد بن أبي سرح، ثُمَّ افتتن وارتد وخرج إلى قريش كافرا، وَكَانَ إِذَا أملى عَلَيْهِ «الكافرين» ، جعلها «الظالمين» ، وَإِذَا أملى عَلَيْهِ «عزيزا حكيما» كتبه «غفورا رحيما» ، وأشباه ذَلِكَ، فقال: أنا آتي بمثل ما أتى بِهِ محمد.
__________
[1] خ: معا.
[2] كذا في أصل العبارة (ووافقه الاستيعاب، رقم 2283 قره بن هبيرة القشيرى) ، وبالهامش عن نسخة: «فروة» .
[3] خ: والقشيرى.(1/531)
ونزلت: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ، وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ [1] ثُمَّ إنه أسلم بعد فتح مكة.
1070- وكتب لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرحبيل بن حسنة، وجهيم بن الصلت بْن مخرمة بْن المطلب بْن عَبْد مناف. وَكَانَ عثمان بن عفان يكتب له، وخالد ابن سعيد بن العاص بن أمية، وأبان بن سعيد بن العاص، والعلاء بن الحضرمي.
وأسلم معاوية عام فتح مكة، فكتب لَهُ أيضا، فبعث إِلَيْهِ ابن عباس ذات يوم هُوَ يأكل، ثم بعث إليه ولم يفرغ من أكله، فقال: [لا أشبع اللَّه بطنه] .
فكان معاوية يقول: لحقني دَعْوَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ يأكل في كل يوم مرات أكلا كثيرا.
ذكر الفواطم والعواتك من جدات رَسُول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
1071- روَى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: « [أنا ابن الفواطم والعواتك] » .
[الفواطم]
أم عبد اللَّه بن عبد المطلب فاطمة بنت/ 257/ عمرو بن عائذ بن عمران ابن مخزوم. وأم عمرو بن عائذ أيضا فاطمة بنت عبد اللَّه بن رزام بن ربيعة ابن جحوش بن معاوية بن بكر بن هوازن. وأمها فاطمة بنت الحارث بن بهثة ابن سليم بن منصور، ماتت أمها في نفاسها، فسميت باسمها. وأم قصي فاطمة بنت سعد بن سيل، من الجدرة، من أزد شنوءة جدّة [2] عبد مناف لأبيه، وأمه حبى بنت حليل بن حبشية. (وأمها) فاطمة بنت نصر بن عوف بْن (عَمْرو بْن) ربيعة [3] بْن حارثة، من خزاعة. فهن قرشية، وقيسيتان، ويمانيتان.
1072-
العواتك:
أم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمنة بنت وهب، وأمها برة بنت عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بن قصى. وأمها أم حبيبة بنت أسد ابن عبد العزى بن قصي. وأمها برة بنت عوف بْن عبيد بْن عويج بْن عدي
__________
[1] القرآن، الأنعام (6/ 93) .
[2] خ: وجده.
[3] التكملة عن المحبر، ص 52.(1/532)
ابن كعب. وأم أسد بن عبد العزى ريطة بنت كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة ابن كعب، وهي الحظيا التي «نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً» . وأم ريطة: قيلة بنت حذافة بن [1] جمح. وأم قيلة: أميمة بنت عَامِر، من خزاعة.
وأم أميمة: عاتكة بنت هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر. وأم أهيب بن ضبة: عاتكة بنت غالب بن فهر. وأمها عاتكة بنت يخلد بن النضر ابن كنانة. فهؤلاء ثلاث من ولد النضر بن كنانة.
1073- وأم هاشم بن عبد مناف: عاتكة بنت مرة بْن هلال بْن فالج بْن ذكوان ابن ثعلبة بْن بهثة بْن سليم بْن منصور. وأم مرة بن هلال بن فالج: عاتكة بنت مرة بن عدي بن أسلم، من خزاعة. ويقال بَلْ هي عاتكة بنت جابر ابن قنفذ [2] بن مالك، من بني سُلَيْم. وهو أثبت القولين. وأم هلال بن فالج عاتكة بنت عصية بْن خفاف بْن امرئ القيس بْن بهثة بن سُلَيْم. فهؤلاء ثلاث من بني سُلَيْم.
1074- قالوا: وأم عبد اللَّه بن رزام بن ربيعة بن جحوش- وعبد اللَّه:
جد عَمْرو بن عائذ، أَبُو أمه فاطمة، وهي الثانية من الفواطم- عاتكة بنت سعد [3] بن هذيل. فهذه واحدة من هذيل.
1075- وأم عبد اللَّه، أَبِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاطمة بنت عمرو ابن عائذ. وأمها صخرة بنت عبد بن عمران بن مخزوم. وأمها تخمر بنت عبد قصي، سميت باسم عمتها تخمر بنت قصي. وأمها سلمى بنت عَامِر بن عميرة بن وديعة ابن الحارث بن فهر. وأمها هند بنت عبد اللَّه بن الحارث بن وائلة بن ظرب، من عدوان بن عَمْرو بن قيس بن عيلان. وأمها زينب بنت نصر بن عَامِر، من بني فهم [4] بن عَمْرو بن قيس. ويقال: زينب بنت مالك بن ناصرة ابن كعب بن حرب، من بني فهم بن عمرو. وأمها عاتكة بنت عمرو بن
__________
[1] خ: بنت.
[2] خ: فيفد (والتصحيح عن المحبر، ص 48) .
[3] خ: بنت ابن سعد، وبالهامش عن نسخة: فهر.
[4] كذا في أصل العبارة، وبالهامش عن نسخة: فهر.(1/533)
الظرب بْن عَمْرو بْن عياذ بْن يشكر بن الحارث، وهو عدوان [1] . وأم مالك ابن النضر بن كنانة: عاتكة، وهي عكرشة الحصان، بنت عدوان بن عمرو ابن قيس. هاتان عدوانيتان [2] .
1076- وأم النضر بن كنانة: برة بنت مر بن أد. وأمها ماوية، من بني ضُبيعة بْن ربيعة بْن نزار. وأمها عاتكة بنت الأزد بن الغوث. فهذه أزدية واحدة.
1077- وأم كعب بن لؤي: ماوية بنت القين بن جسر بن شييع [3] اللَّه بن أسد ابن وَبْرَةَ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بن الحاف. وأمها [4] وحشية بنت حرام ابن ضنة العدوي. وأمها عاتكة بنت رشدان بن قيس بن جهينة بن زيد بن ليث ابن سود بن أسلم بن الحاف. فهذه قضاعية واحدة.
1078- وأم كلاب بن مرة: هند بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك ابن كنانة. وأمها [5] عاتكة بنت دودان بن أسد بن خزيمة. وأمها جديلة بنت صَعب بْن عَلِيِّ بْنِ بَكْر بْن وائل بن قاسط. فهَذِه أسدية واحدة.
1079- وقال أَبُو عبيدة: من العواتك عاتكة بنت الأوقص بن هلال بن فالج ابن ذَكْوَان بن وهب، أم [6] عبد مناف بن زهرة [7] . وقال أَبُو مسعود الْكُوفِيّ: / 258/ هَذَا غلط.، وإنما أمه هند بنت أبي قيلة جزء بن غالب الخزاعي.
1080- وقال أَبُو عبيدة: أم غالب بن فهر: ليلى بنت الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل، وأمها سلمى، من ولد طابخة بن اليأس، وأمها عاتكة بنت الأزد ابن الغوث. وقال بعضهم: أم غالب بن فهر عاتكة بنت سعد بن هذيل.
وهو غلط، إنما أمه ليلى بنت الحارث الهذلية، ولكن أم ولد غالب عاتكة
__________
[1] زاد بعده في الأصل «هاتان عدوانيتان» ، وهو في غير محله. راجع الحاشية التالية.
[2] نقلنا الكلمتين ههنا من السطر السابق، فراجع الحاشية السالفة.
[3] خ: شبيع.
[4] خ: الحاف بن وحشية. (والتصحيح عن المحبر، ص 50) .
[5] خ: أمه. (والتصحيح عن كتاب أمهات النبي لمحمد بن حبيب) .
[6] خ: وهب بن عبد مناف. (والتصحيح من اقتراحنا. وعند مصعب، ص 257:
أم عبد مناف: جمل بنت مالك الخزاعية) .
[7] خ: الزهرة.(1/534)
بنت يخلد بن النضر، وهي إحدى العواتك. وقد يقال إنها سلمى بنت عمرو ابن ربيعة بن حارثة، من خزاعة.
ذكر البئار التي كَانَ يستعذب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منها الماء
1081- قَالَ الواقدي، حَدَّثَنِي معاوية بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي رَافِعٍ، عَنِ أبيه، عن جدته سلمى قالت:
كَانَ أَبُو أيوب، حين نزل عنده رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يستعذب لَهُ الماء من بئر مالك بن النضر، أبي «أنس» . فلما صار إلى منزله، كان أنس، وهند [1] ، وحارثة بن أسماء الأسلميان يحملون قدور الماء إلى بيوت نسائه من «بيوت السقيا» . ثُمَّ كَانَ رباح، وهو عبد أسود لَهُ، يستقي من بئر غرس مرة، ومن بيوت السقيا مرة.
1082- قال الْوَاقِدِيُّ، وَحَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَاصِمٍ قَالَ، قَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ نَصْرٍ الأَسْلَمِيُّ:
خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَزِمْتُ بَابَهُ فِي قَوْمٍ مَحَاوِيجَ، فَكُنْتُ آتِيهِ بِالْمَاءِ مِنْ بِئْرِ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ، «جَاسِمٌ» ، وَكَانَ مَاؤُهَا طَيِّبًا. وَلَقَدْ دَخَلَ يَوْمًا صَائِفًا، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، عَلَى أَبِي الْهَيْثَمِ فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِنْ مَاءٍ بَارِدٍ؟ فَأَتَاهُ بِشَجَبٍ [2] فِيهِ مَاءٌ كَأَنَّهُ الثَّلْجُ، فَصَبَّ مِنْه عَلَى لَبَنِ عَنْزٍ لَهُ، وَسَقَاهُ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: إِنَّ لَنَا عَرِيشًا بَارِدًا، فَقِلْ فِيهِ يَا رَسُولَ اللَّه عِنْدَنَا. وَنَضَحَهُ بِالْمَاءِ. فَدَخَلَهُ وَأَبُو بَكْرٍ. وَأَتَى أَبُو الْهَيْثَمِ بِأَلْوَانٍ مِنَ الرُّطَبِ: عَجْوَةٍ، وَابْنِ طَابٍ، وَأُمَّهَاتِ جَرَاذِينَ. ثُمَّ جَاءَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِجَفْنَةٍ مَمْلُوءَةٍ ثَرِيدًا، عَلَيْهَا الْعُرَاقُ. فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأبو بكر وَأَكَلْنَا. ثُمَّ قَالَ: عَجَبًا لِلنَّاسِ يَقُولُونَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ. قَالَ: فَلَمَّا حَضَرَتِ الصَّلاةُ، صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيت أَبِي الْهَيْثَمِ، وَزَوْجَةُ أَبِي الْهَيْثَمِ خَلْفَنَا.
ثُمَّ سَلَّمَ وَعَادَ إِلَى الْعَرِيشِ، فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ. وَرَأَيْتُهُ يَنْصِبُ الْيُمْنَى مِنْ رِجْلَيْهِ، ويفترش اليسرى.
__________
[1] هند أسلمى وهو ابن حارثة بن هند الأسلمى. (الاستيعاب، رقم 2647 هند بن حارثة) .
[2] هو سقاء كالدلو.(1/535)
1083- قالوا: وببئر مالك بن النضر يعرف بئر أنس.
1084- قال الواقدي: وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشرب من بئر لبني أمية، من الأنصار، تسمى العبيرة، فسماها اليسيرة. وَفِي بعض الرواية أنها كانت تسمى العسيرة، فسماهما اليسيرة. والأولى أثبت.
1085- وَكَانَ يشرب من بئر رؤمة بالعقيق، وبصق فيها فعذبت. وقال:
وهي اليوم لعمر بن بزيع. قال: وهي بئر قديمة كانت انطمت، فأتى قوم من مزينة، فحالفوا الأنصار، وقاموا عليها بأبدانهم وأصلحوها. وكانت رؤمة امرأة منهم أو أمة، تستقي [1] منها للناس، فنسبت إليها. وقال بعض الرواة: إن الشعبة التي هي على طرفها تدعى رؤمة. والشعبة واد صغير يجرى فِيهِ الماء. ومر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذه البئر، فرأى عليها رجلا من مزينة يسقي عليها بأجر، فقال صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [نعم هَذِه صدقة للمؤمن هَذِه] [2] . فاشتراها عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ بأربع مائة دينار، فتصدّق بها. فلما تعلق العلق- والعلق البكرة وآلة السقي- مر بِهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسأل عنها. فأخبر بخبرها. [فقال: اللَّهُمَّ أوجب لعثمان الجنة. وشرب منها، فقال: هَذَا هُوَ النقاخ] [3] .
1086- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [4] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ حسين ابن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن العباس بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
[قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِئْرُ غَرْسٍ مِنْ عُيُونِ الْجَنَّةِ] .
حدثني محمد بن سعد [5] ، عن الواقدي، عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ:
كَانَ يَسْتَعْذِبُ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ 259/ الْمَاءَ مِنْ بِئْرِ غَرْسٍ ومنه غسل.
__________
[1] خ: يستقى.
[2] كذا في الأصل.
[3] النقاخ: الماء البارد الصافي.
[4] ابن سعد، 1 (2) / 184.
[5] أيضا 1 (2) / 185.(1/536)
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ وَعَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، قَالا ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ:
غسَل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَ غَسَلاتٍ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ. وَغُسِّلَ فِي قَمِيصِهِ. وَغُسِّلَ مِنْ بِئْرٍ لِسَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، يُقَالُ لها بئر الغرس. وكان يشرب منها.
حدثنى شيخ لنا، عَن الواقدي قَالَ:
احتفر «بئر غرس» مالك بن النحاط، وهو جد سَعْد بْن خَيْثَمَة بْن الحارث بْن مَالِك بن النحاط. وَكَانَ لَهُ عبد أسود يتولاها ويقوم عَلَيها ويكثر السقي منها. وَكَانَ يدعى سلاما، ويلقب غرسا فيغضب. فنسبت إليه، فقيل غرس، وبئر الغرس. وحدثت عَن غير الواقدي أن مالكا احتفرها وجعل منها مجرى إلى غرس كَانَ غرسه، فكانت تدعى بئر الغرس. ثُمَّ حذفت الألف واللام، فقيل «غرس» . وبعض المدنيين يقول: بئر غرس، وَذَلِكَ خطأ.
1087- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ، وَأَبِي حُمَيْدٍ، وَأَبِي سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ سَمِعَهُمْ يَقُولُونَ:
أَتَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِئْرَ بُضَاعَةَ، فتوضّأ في الدَّلْوِ وَرَدَّهَا فِي الْبِئْرِ، وَمَجَّ فِي الدَّلْوِ مَرَّةً أُخْرَى، وَبَصَقَ فِيهَا وَشَرِبَ مِنْ مَائِهَا.
وَكَانَ إِذَا مَرَضَ الْمَرِيضَ، قَالَ: [اغْسِلُوهُ مِنْ مَاءِ بُضَاعَةَ. فَيُغَسَّلَ، فَكَأَنَّمَا يَنْشَطُ مِنْ عِقَالٍ] .
وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بن غياث، قَالَ سمعت الواقدي يقول:
يكون بئر بضاعة سبعا فِي سبع، وعيونها كثيرة، فلا تنزح.
وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، ثنا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى الأَسْلَمِيِّ، عَنْ أُمِّهِ قالت:
وحدثت عن الواقدى أنه قال:
دَخَلْنَا عَلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي بَيْتِهِ، فَقَالَ: لَوْ سَقَيْتُكُمْ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ لَكَرِهْتُمْ ذَلِكَ، قَدْ واللَّه سَقَيْتُ مِنْهَا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي هَذِهِ.(1/537)
وحدثت عَن الواقدي أنه قَالَ بضاعة امرأة قديمة من اليهود، أو قبل اليهود كانت احتفرتها. ثُمَّ إنها انطمت فكسحها بنو ساعدة وأصلحوها.
المحمدون فِي الجاهلية
[1] 1088-
مُحَمَّد بن سفيان بن مجاشع
بْن دارم بْن مَالِك بْن حنظلة بْن مَالِك بْن زَيْد مناة بْن تميم.
مُحَمَّد بن الحرماز بْن مالك بْن عَمْرو بْن تميم،
واسم الحرماز:
الحارث.
مُحَمَّد بن بر بن طريف
بن عتوارة بْن عَامِر بْن ليث بْن بَكْر بْن عَبْدِ مناة بن كنانة.
مُحَمَّد الشويعر بن حمران بن أبي حمران الجعفي،
الَّذِي يقول لَهُ امرؤ القيس بن حجر [2] :
أبلغا عنى الشويعر أنى ... عمد عين حللتهن حريما
يعني حريم بن جعفي بن سعد العشيرة.
وَمُحَمَّد بن عقبة بن أحيحة
بن الجلاح الأوسي.
وَمُحَمَّد بن مسلمة الْأَنْصَارِيّ،
من الأوس.
المحمدون عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1089-
مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي طالب،
ولد بالحبشة.
مُحَمَّد بن طلحة بن عبيد اللَّه،
سماه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محمدا، وكناه أبا سُلَيْمَان، وقال: لا أجمع لَهُ اسمي وكنيتي.
مُحَمَّد بن حاطب بن الْحَارِث
بْن معمر بْن حبيب بْن وهب ابن حذافة بن جمح.
مُحَمَّد بن أبي بكر
الصديق، ولد بذي الحليفة فِي سنة عشر من حجة الوداع، سماه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محمدا، وكناه أبا القاسم، وقال بعضهم: كناه أبا عبد الملك، وروي أن عائشة هي (التي سمته) مُحَمَّدا وكنته أبا القاسم.
مُحَمَّد بْن أَبِي حذيفة بْن عتبة
بْن ربيعة بن عبد شمس.
مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم
بن زيد بن لوذان الخزرجي، ولد بنجران
__________
[1] راجع أيضا المحبر، ص 130 للزيادات.
[2] ديوان إمرئ القيس (في العقد الثمين، ذيل ديوان إمرئ القيس، ق 34، ب 1) وفيه «قلدتهن» بدل «حللتهن» . وكذلك في لسان العرب شعر.(1/538)
وأبوه [1] واليها/ 260/ فكتب إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه قد ولد لي مولود، فسميته مُحَمَّدا، وكنيته أبا سُلَيْمَان. فكتب إِلَيْهِ. قد كنيته أبا عبد الملك.
1090- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّرِيرُ الْوَاسِطِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
[قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمُّوا بِاسْمِي وَلا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي] .
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، عَن جُلاسٍ [2] ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ.
1091- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ [3] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ قَالَ:
[قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ وُلِدَ لِي، يَا رَسُولَ اللَّه، غُلامٌ، أُسَمِّيهِ بِاسْمِكَ وَأُكَنِّيهِ بِكُنْيَتِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ.] قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: فَسَمَّى ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ مُحَمَّدًا، وَكَنَّاهُ بِأَبِي الْقَاسِمِ.
أسماء المشبهين برسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
1092-
جَعْفَر بن أبي طالب بن عبد المطلب،
روى أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [لَهُ: شبهت خلقي وخلقي.]
الْحَسَن بن عَليّ عليهما السلام،
وكانت فاطمة عليها السلام تَقُولُ:
بأبي شبه النَّبِيّ ... غير شبيه بعلي
ويقال إن أبا بكر قَالَ لَهُ يوما، وقد لقيه فِي طريق المدينة:
بأبي شبه النَّبِيّ ... غير شبيه بعلىّ
وقشم بن العباس بن عبد المطلب.
وَأَبُو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب،
واسمه المغيرة.
وهاشم بن المطلب بن عبد مناف.
ومسلم بن معتّب بن أبى لهب.
__________
[1] خ: فأبوه.
[2] خ: حلاس (بالحاء المهملة) .
[3] خ: الشورى (والتصحيح عن تهذيب التهذيب لابن حجر، ج 10، رقم 531) .(1/539)