قال القاضي عياض وآخرون، قال: وأصل القرن أنه كان جبلا صغيرا انقطع من جبل كبير هو بفتح القاف وإسكان الراء لا خلاف في هذا بين رواة الحديث وأهل اللغة والفقهاء وأصحاب الأخبار وغيرهم، وغلطوا الجوهري صاحب الصحاح في قوله: إنه بفتح الراء، وفي قوله إن أويسا القرني رضي الله تعالى عنه منسوب إليه، فإن الصواب المشهور لكل أحد: أن هذا ساكن الراء، وأن أويسًا القرني رضي الله تعالى عنه منسوب إلى قرن بالفتح بطن من مراد القبيلة المعروفة، وقد قدمت شعرًا في نظم المواقيت في الحاء عند ذكر ذي الحليفة، وأما التقييد بكونه قرن المنازل: فذكر الرافعي أن بعض شارحي المختصر، قال: قرن اثنان أحدهما في هبوط يقال له قرن المنازل، والآخر على ارتفاع بالقرب منه، وهي القرية وكلاهما ميقات.
قزح: بضم القاف وفتح الزاي وبالحاء المهملة، جبل معروف بالمزدلفة يقف الحجاج عليه للدعاء بعد الصبح يوم النحر. قال الأزرقي: وعلى قزح أسطوانة من حجارة مدورة تدويرها أربعة وعشرون ذراعا وطولها في السماء اثنا عشر ذراعًا، وفيها خمس وعشرون درجة، وهي على خشبة مرتفعة كان يوقد عليها في خلافة هارون الرشيد بالشمع ليلة المزدلفة، وكان قبل ذلك يوقد بالحطب، وبعد هارون يوقد بمصابيح كبار يصل ضوؤها مكانا بعيدًا ثم مصابيح صغار.
قزوين: مذكورة في باب الأضحية من الروضة هي بفتح القاف وكسر الواو وكذا قيدها السمعاني وغيره، وهي مدينة كبيرة معروفة بخراسان.
قعيقعان: مذكورة في الروضة في كتاب الحج في أول دخول مكة هو بضم القاف الأولى وفتح العين وبعدها مثناة من تحت ساكنة وكسر القاف الثانية، وهو جبل مكة المعروف مقابل لأبي قبيس. قال محمد بن إسحاق: سمي قعيقعان لقعقعة السلاح عندهم حين اقتتلت جرهم وغيرها هناك، وقال ابن إسحاق في موضع آخر: سمي بذلك لأن تبعًا الثالث لما جاء مكة بنية إكرامه الكعبة وأهلها ونحر الإبل بها كان سلاحه في قعيقعان فسمي بذلك.(4/110)
حرف الكاف
كبش: قولهم في الشهادات: "شهد شاهد أنه سرق كبشا أبيض، وآخر أنه سرق كبشا أسود" هكذا هو كبشا بالباء الموحدة والشين المعجمة، وصحفه بعضهم كيسا بالمثناة والمهملة، والحكم لا يختلف، لكن قال في الأم كبشًا أقرن، ذكر هذه الجملة صاحب الشامل.
كتب: قالوا: الكتابة مأخوذة من الكتب، وهو الضم والجمع، وكتبت القربة ضممت رأسها بالوكاء، وكتبت الكتاب لضمك حروفه، وكتابة العبد لضم نجم إلى نجم. قال الرافعي: وقيل لأنها توثق بالكتاب لأنها مؤجلة، وما يدخله الأجل يستوثق بكتابته، وعقد الكتابة خارج عن قياس المعاقدات لأنها جارية بين السيد والعبد؛ لأن العوضيين من السيد؛ لأن المكاتب متردد بين الحر والعبد، لا يستقل كالحر، ولا يتضيق تضيق العبد لكن الحاجة دعت إليها فأبيحت، فإن السيد لا يسمح بالإعتاق مجانا، فاحتمل الشرع فيها ما لا يحتمل في غيرها تشوقا إلى العتق، كما احتمل الجهل بعوض القراض، وعمل الجعالة وهي سنة. وفي قول غريب: واجبة، وقد أوضحت أحكامها في هذه الكتب. قال أهل اللغة: يقال كتب يكتب كتبا وكتابة وكتابا ثلاثة مصادر والكتاب في اصطلح المصنفين اسم للمكتوب مجازًا، وهو من باب تسمية المفعول بالمصدر، وهو كثير والكتاب في اصطلاحهم كالجنس الجامع لأنواع تلك الأنواع وهي الأبواب، وكتاب الطهارة يشمل أبوابًا: باب المياه وباب الآنية وباب الوضوء وغيرها، وجمع الكتاب كتب بضم التاء ويجوز إسكانها.
كثر: قال أهل اللغة: الكثرة بفتح الكاف نقيض القلة، وفيها لغة رديئة بكسر الكاف وقد كثر الشيء بضم الثاء، فهو كثير وقوم كثير وكثيرون وكاثرته فكثرته أي: زدت عليه في الكثرة، واستكثرت من الشيء أي: أكثرت منه، والمكاثرة والتكاثر بمعنى، وعدد كاثر أي: كثير، وفلان يستكثر بمال غيره، والكثر بضم الكاف وكسرها وإسكان الثاء الكثير، يقال الحمد لله تعالى على القل والكثر، والقل والكثر والكثار بضم الكاف الكثير، والكوثر: النهر الذي في(4/111)
الآخرة أكرم الله سبحانه وتعالى نبينا محمدا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - به، ترد عليه أمته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من شرب منه لا يظمأ أبدًا أشد بياضًا من الثلج وأحلى من العسل، نسأل الله الكريم أن يسقينا منه وسائر أحبائنا والمسلمين أجمعين، والكثر بفتح الكاف والثاء كذا قاله الجماهير من أهل الحديث واللغة والغريب، وخالفهم ابن دريد في الجمهرة، فقال: هو بإسكان الثاء، قال: وفتحها قوم وهو جمَّار النخل، كذا قاله الجمهور. وقال الجوهري: ويقال طلعه، ويقال قد أكثر النخل أي: أطلع، وفي الحديث: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “ما من صاحب إبل لا يغفل فيها حقها، إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت” ذكره في أول باب العارية من المهذب، هكذا ضبطناه في صحيح مسلم. وفي المهذب أكثر ما كانت بالثاء المثلثة، وقد تصحف بالباء الموحدة فلهذا ضبطته، قيل: معناه أكثر عدد ملكه في عمره، وجاء في روايات في الصحيح “أوفر ما كانت”. والله تعالى أعلم.
كثف: قوله في ستر العورة: “تكثف جلبابها” هو بضم التاء وفتح الكاف، وبعد الكاف ثاء مثلثة مكسورة مشددة ثم فاء، ومعناه يتخذه كثيفا أي: غليظا ثخينا، وهذه العبارة ذكرها الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه، لكن اختلف في ضبطها، فحكى الشيخ أبو حامد في تعليقه والمحاملي في التجريد فيه ثلاثة أوجه، أحدها: تكثف بالثاء المثلثة وبعدها فاء كما ذكره صاحب المهذب فيه وفي التنبيه. والثاني: تكتف بالتاء المثناة من فوق بعد الكاف، قال: وأراد أنها تعقد إزارها حتى لا ينحل عند الركوع والسجود فتبدو عورتها، والثالث: تكفت بفاء بعد الكاف وبعد الفاء تاء مثناة. قال: ومعناه أنها تجمع إزارها عليها؛ لأن الكفت هو الجمع. وحكى هذه الأوجه الثلاثة في ضبط لفظ الشافعي أيضًا صاحب البيان. قال صاحب المحكم: الكثيف والكثاف الكثير وهو أيضًا الغليظ، والمتراكم الملتف من كل شيء كثف كثافة وتكاثف وكثفه كثره وغلظه.
كدر: الكدرة المذكورة في باب الحيض هي ما كدر، وليس على شيء من ألوان الدماء القوية والضعيفة، وقد تقدم بيانها في فصل الصاد والفاء عند الصفرة.
كدم: قال الجوهري: الكدم العض بأدنى الفم، وقد كدمه يكدمه ويكدمه.
كذب: قال الإمام الواحدي: حقيقة(4/112)
الكذب الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو به، وقد يستعار لفظ الكذب فيما ليس بكذب في الحقيقة. وقال ابن السكيت: يقال: كذب يكذب كذبا فهو كاذب وكذوب وكيذبان. قلت: مذهبنا ومذهب الجمهور أن الكذب الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو به سواء أخبر عمدًا أو سهوًا، واشترطت المعتزلة العمدية. وفي الأحاديث الصحيحة “من كذب علي متعمدًا” وهذا يدل على أن الكذب يكون في الأحاديث عمدًا وغيره.
وأعلم أن الكذب يطلق على الخبر المخالف لما أخبر عنه ماضيًا كان أو مستقبلا، وأنكر بعضهم استعماله في المستقبل وهذا خطأ. ففي صحيح مسلم عن جابر: أن عبدًا لحاطب جاء يشكو حاطبًا فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “كذبت لا يدخلها فإنه شهد بدرا والحديبية” وفي صحيح البخاري في آخر تفسير سورة النور عن عائشة رضي الله تعالى عنها في حديث الإفك، فقام سعد فقال: يا رسول الله إئذن لي في أن أضرب أعناقهم، وقام رجل من الخزرج فقال: كذبت وذكر الحديث، ومنه قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} (الحشر: من الآية11) إلى قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} (المنافقون: من الآية1) .
كرب: في الحديث: “من كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا” ذكره في باب القرض من المهذب: الكربة بضم الكاف وسكون الراء، وجمعها كرب بضم الكاف وفتح الراء. قال الجوهري: الكربة بالضم الغم الذي يأخذ بالنفس، وكذلك الكرب على وزن الضرب تقول منه كربه الغم إذا اشتد عليه.
وقوله في الباب الثاني من المساقاة في الروضة: تقلب الأرض بالمساحي وكرابها، بكسر الكاف وتخفيف الراء. قال أهل اللغة: كربت الأرض إذا قلبتها بالحرث.
كرز: قوله في المهذب في باب السلم: وفي السلم في الأواني المختلفة الأعلى والأسفل كالإبريق والمنارة، والكراز وجهان: الكراز بضم الكاف وبعدها راء مهملة مخففة ثم ألف ثم زاي معجمة، وهي القارورة.
قال صاحب المحكم: الكراز القارورة. وقال ابن دريد: لا أدري أعربي أم أنهم قد تكلموا بها، والجمع كرزان.(4/113)
كرس: الكرسي معروف، هو بضم الكاف وكسرها لغتان الضم أفصح وأشهر. قال الجوهري: هو مضموم وربما كسروه، وجمعه كراسي، وكراسي بتشديد الياء وتخفيفها لغتان ذكرهما ابن السكيت في كل ما كان من هذا القبيل، مفرده مشددا كالسراري والبخاتي والعواري، وقد تقدم ذلك في أبوابها.
قال الجوهري: والكراسة واحدة الكراس والكراريس. وقال أبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب: معنى الكراسة الكتب المضموم بعضها إلى بعض، والورق الملصق بعضه ببعض، من قولهم: رسم مكرس إذا ألصقت الريح التراب به. قال: وقال الخليل: هي مأخوذة من أكراس الغنم، وهي أن تبول شيئًا بعد شيء فيتلبد. وقال الماوردي في تفسيره: أصل الكرسي العلم، ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم كراسة.
كرع: قال الإمام أبو منصور الأزهري رحمه الله تعالى: قال الليث: الكراع من الإنسان ما دون الركبة، ومن الدواب ما دون كعوبها، ويقال: هذه كراع، وهو الوظيف، قال: وكراع كل شيء طرفه، وكراع الأرض ناحيتها. قال الليث: والكراع اسم يجمع الخيل والسلاح، إذا ذكر مع السلاح والكراع الخيل نفسها.
كرم: الكريم من أسماء الله تعالى، ذكره إمام الحرمين في الإرشاد، وفي معناه ثلاثة أقوال: فقال معناه المفضل. وقيل: العفو. وقيل: العلي، وكل نفيس كريم. وفي الحديث: “لا يجلس على تكرمته إلا بإذنه” التكرمة بفتح التاء وكسر الراء بلا خلاف، وهي ما يختص به الإنسان من فراش أو وسادة ونحوهما، هذا هو المشهور. قال القاضي أبو الطيب: وقيل هي المائدة.
كسب: قال أهل اللغة: الكسب الجمع، يقال كسب الشيء واكتسبه، وفلان طيب الكسب وطيب المكسبة مثل المغفرة، وطيب الكسبة بكسر الكاف، وكسب الرجل ما لا يتعدى إلى مفعولين، ويقال في لغة قليلة: أكتسبه مالا وتكسب فلان أي: تكلف الكسب والكواسب الجوارح، والكسب بضم الكاف وإسكان السين، هو عصارة الدهن، وقد ذكروه في باب الربا.
كشش: قوله في أول باب بيع الأصول والثمار من المهذب: لأن المقصود من الفحال هو الكش الذي تلقح به الاناث. الكش: بضم الكاف وتشديد الشين المعجمة كذا ضبطه بعض الأئمة(4/114)
الفضلاء المصنفين في ألفاظ المهذب وابن باطيش وغيرهما، وذكره غيره بفتح الكاف، وليس بعربي.
كعب: قول الله تبارك وتعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (المائدة: من الآية6) قال الإمام أبو منصور الأزهري في تهذيب اللغة: قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن وحمزة {وَأَرْجُلَكُمْ} خفضًا، والأعشى عن أبي بكر بالنصب مثل حفص. وقرأ يعقوب والكسائى ونافع بن عامر {وَأَرْجُلَكُمْ} نصبًا، وهي قراءة ابن عباس يرده إلى قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا} . وكان الشافعي يقرأ: {وَأَرْجُلَكُمْ} يعني بفتح اللام.
قال الأزهري: واختلف الناس في الكعبينن وسأل ابن جابر أحمد بن يحيى عن الكعبين، فأومأ ثعلب إلى رجله إلى المفصل منها بسبابته، فوضع السبابة عليه ثم قال: هذا قول المفضل وابن الأعرابي، وأومأ إلى المنجمين وقال: هذا قول أبي عمرو بن العلاء والأصمعي وكل قد أصاب. وقال الليث: كعب الإنسان ما أشرف فوق رسغه. وقال أبو عبيد عن الأصمعي: الكعبان العظمان الناتئان من جانبي القدمين، وأنكر قول الناس: أنه في ظهر القدم وهو قول الشافعي، هذا ما ذكره الأزهري في التهذيب، وقال في كتابه شرح ألفاظ مختصر المزني: هما العظمان النائتان في منتهى الساق مع القدم، وهما ناتئان عن يمنة القدم ويسرتها، قال: وهذا قول الأصمعي والشافعي.
وقال الإمام الواحدي في كتابه الوسيط في التفسير: بعض ما ذكره الأزهري، واختلاف الرواية عن الأصمعي كما تقدم، ثم قال: ولا يعرج على قول من يقول: إن الكعب في ظهر القدم، فإنه خارج عن اللغة والاخبار وإجماع الناس. قال صاحب مطالع الأنوار: في كل رجل كعبان، وهما عظما طرفي الساق عند ملتقى القدم، هذا قول الأصمعي وأبي زيد.
قلت: مذهبنا ومذهب جمهور العلماء: أن المراد بالكعبين في الآية العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم، وحكى أصحابنا عن محمد بن الحسن: أن الكعب موضع الشراك على ظهر القدم استشهادا بأن ذلك لغة أهل اليمن.
قال صاحب الحاوي: وحكي عن أبي عبد الله الزبيري من أصحابنا: أن الكعبين في لغة العرب ما قاله محمد، وإنما عدل عنه الشافعي بالشرع، وأنكر سائر أصحابنا ذلك، وقالوا: بل الكعب ما وصفه الشافعي لغة وشرعا، أما اللغة: فمن وجهين نقلا واشتقاقا، فأما النقل: فهو محكي عن قريش ونزار كلها مضر وربيعة لا يختلف لسان جميعهم: أن الكعب اسم الناتىء بين الساق والقدم، وهم أولى بأن يكون لسانهم معتبرًا في الأحكام من أهل اليمن؛ لأن القرآن بلسانهم نزل. وأما الاشتقاق: فهو أن الكعب لغة في لغة العرب كلها: اسم لما استدار وعلا، ولذلك قالوا: كعب ثدي الجارية إذا علا واستدار، وسميت الكعبة كعبة لاستدارتها وعلوها، وليس يتصل بالقدم فيستحق هذا الاسم، إلا ما وصفه الشافعي لعلوه واستدارته، فهذا ما تقتضيه اللغة نقلا واشتقاقًا.
وأما الشرع: فمن وجهين نص واستدلال، أما النص: فحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “إزرة المسلم إلى نصف الساق، ولا حرج فيما بينه وبين الكعبين، وما كان أسفل من ذلك فهو في النار” وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لجابر بن سليم: “ارفع إزارك إلى نصف الساق فإن أبيت فإلى الكعبين” فدل نص هذين الحديثين على أن الكعبين من أسفل الساق لا ما قالوه، وأما الاستدلال فبقوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (المائدة: من الآية6) فلما ذكر الأرجل بلفظ الجمع، وذكر الكعبين بلفظ التثنية، ولم يذكره بلفظ الجمع، كما ذكر في أن تكون التثنية راجعة إلى كل رجل، فيكون في كل رجل كعبان، ولا يكون إلا فيما وصفه الشافعي من المستدير بين الساق والقدم، وعلى ما قالوه يكون في كل رجل كعب واحد، هذا ما ذكره صاحب الحاوي فيه. والكعبة المعظمة البيت الحرام.
قال الإمام الأزهري: البيت الحرام هو الكعبة بفتح الكاف، سمي كعبة لارتفاعه وتربعه، وكل بيت مرتفع عند العرب فهو كعبة. قال الأزهري: قال أبو عبيد: الكاعب الجارية التي كعب ثديها، وكعب بالتشديد والتخفيف والجمع الكواعب. قال الأزهري: قال أبو سعيد: أعلى الله تعالى كعبه أي: أعلى جده.
كفر: قال الإمام أبو منصور الأزهري في شرح ألفاظ المختصر: أصل الكفر التغطية والستر، يقال لليل كافر لأنه يستر الأشياء بظلمته، ويقال للذي لبس درعا وفوقها ثوب كافر لأنه سترها، وفلان كفر النعمة إذا سترها ولم يشكرها، قال: وقال بعض العلماء: الكفر أربعة أنواع: كفر إنكار، وكفر جحود، وكفر عناد، وكفر نفاق، وهذه الأربعة من لقي الله تعالى بواحد منها لم يغفر له.
كفف: قد كثر في الوسيط وغيره من كتب الفقه استعمال لفظ كافة بالألف(4/115)
واللام، فيقولون: هذا مذهب الكافة وهو قول الكافة، ويقولون: إنما هذا مذهب كافة العلماء فيضيفون كافة، ومرادهم بذلك الجميع، وأكثر من استعملها الخطيب ابن نباتة رحمه الله تعالى، وهذا غلط عند أهل النحو واللغة، فلا يجوز استعمال كافة مضافة ولا بالألف واللام، ولا تستعمل إلا حالا، فيقال: هذا مذهب العلماء كافة، وقول الناس كافة، فتنصب كافة على الحال، كما قال الله تعالى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} (البقرة: من الآية208) وقال تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} (التوبة: من الآية36) .
قال الإمام الواحدي في تفسير هذه الآية: قال الفراء: كافة معناه جميعًا، وكافة لا تكون مذكرة ولا مجموعة، ولا يقال كافين ولا كافات لأنها وإن كانت على لفظ فاعلة، فإنها في مثل العاقبة والعافية، ولذلك لم تدخل فيها العرب الألف واللام لأنها في معنى قولك قاموا معًا وقاموا جميعًا، هذا كلام الفراء.
وقال الزجاج: كافة منصوب على الحال، وهو مصدر على فاعله كالعاقبة والعافية، ولا يجوز أن يثنى ولا يجمع، كما إذا قلت قاتلوهم عامة لم يثن ولم يجمع، وكذلك خاصة هذا مذهب النحويين، انتهى كلام الواحدي.
وقال الواحدي أيضًا في قوله تعالى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} (البقرة: من الآية208) معناه في جميع شرائعه، قال: ومعنى كافة في اللغة: الحجر والمنع، يقال كففت فلانا عن السوء فكف يكف كفًا سواء لفظ اللازم والمتعدي، ومنه كفة القميص لأنها تمنع الثوب من الانتشار، وقيل: لطرف اليد كف لأنه يكف بها عن سائر البدن، ورجل مكفوف كف بصره من أن ينظر، فكافة معناها مانعة ثم صارت اسما للجملة الجامعة لأنها تمنع من الشذوذ والتفرق، انتهى كلامه.
وفي الحديث: “عالة يتكففون الناس” معناه: يمدون أيديهم إلى الناس يسألونهم، وكفة الميزان معروفة وهي بكسر الكاف، وكف الإنسان معروفة وهي مؤنثة. قال الإمام أبو حاتم السجستاني: في المذكر والمؤنث الكف مؤنثة. وقال بعضهم: يذكر ويؤنث معروف.
كلف: قال الواحدي في تفسير آخر سورة ص: التكلف إدخال الكلفة على نفسك، وهي المشقة من غير داع إليها، قال: وصفة المتكلف صفة نقص تجري مجرى الذم لأنه لا يحس بالعافية أن يتكلف مالم يجب عليه ولم يؤمر به.
كلكن: وقوله في باب الاحداد من المهذب: ويحرم عليها أن تخمر وجهها(4/117)
بالدمام وهو الكلكون، فالكلكون بكاف مفتوحة ثم لام مشددة مفتوحة أيضًا ثم كاف ثانية مضمومة ثم واو ساكنة ثم نون كذا ضبطناه، وكذا ضبطه بعض الأئمة الفضلاء المصنفين في ألفاظ المهذب وفوائده قال: وأصله كلكون بضم الكاف وسكون اللام. قال: والكل الورد والكون اللون أي: لون الورد، وهي لفظة أعجمية معربة.
كلم: قال الإمام أبو منصور الأزهري: الكلام معروف، والكلمة لغة تميمية، والكلمة لغة حجازية، والجمع في لغة تميم الكلم.
قال الأزهري: الكلمة تقع على الحرف الواحد من حروف الهجاء، وتقع على لفظة مؤلفة من جماعة حروف ذوات معنى، وتقع على قصيدة بكمالها وخطبة بأسرها، يقال: قال الشاعر في كلمته أي: في قصيدته. قال: والقرآن كلام الله تعالى، وكلم الله تعالى، وكلمته، وكلماته، وكلام الله تعالى لا يحد ولا يعد، وهو غير مخلوق، تبارك الله وتعالى عما يقول المفترون علوًا كبيرًا، ويقال رجل تكلامة حسن الكلام. قال ابن السكيت: يقال كانا متهاجرين فأصبحا يتكالمان ولا تقل يتكلمان. وقال الليث: كليمك الذي تكلمه ويكلمك، هذا ما ذكره الأزهري رحمه الله تعالى.
وقال صاحب المحكم: الكلام القول، وقيل: الكلام ما كان مكتفيًا بنفسه، وهو الجملة، والقول ما لم يكن مكتفيا بنفسه وهو الجزء من الجملة. قال سيبويه: أعلم أن قلت إنما وقعت في الكلام على أن يحكى بها، وإنما يحكى بها ما كان كلامًا لا قولا. قال: ومن أدل الدليل على الفرق بين الكلام والقول إجماع الناس على أن يقولوا القرآن كلام الله تعالى، ولم يقولوا القرآن قول الله تعالى. قال أبو الحسن: ثم إنهم قد يتوسعون فيضعون كل واحد منهما موضع الاخر، ومما يدل على أن الكلام هو الجمل المتركبة في الحقيقة قول كثير:
خروا لعزة ركعا وسجودا
لو يسمعون كما سمعت كلامها
فمعلوم أن الكلمة الواحدة لا تشجي ولا تحزن ولا تتملك قلب السامع، وإنما ذلك فيما طال من الكلام ومل.
قال سيبويه: هذا باب أقل ما يكون عليه الكلم، فذكر هنالك حرف العطف وفاءه ولام الابتداء وهمزة الاستفهام، وغير ذلك مما هو على حرف واحد، ويسمى كل واحدة من ذلك كلمة، قال: والكلمة اللفظة(4/118)
حجازية، وجمعها كلم تذكر وتؤنث، يقال: هو الكلما، وهي الكلمة تميمية، وجمعها كلم، ولم يقولوا كلما على اطراد فعل في جمع فعلة.
وأما ابن جني فقال: بنو تميم يقولون كلمة، وكلم ككسرة وكسر، وتكلم الرجل تكلما وتكلاما وكلمه كلاما وكالمه ناطقه، ورجل تكلام وتكلامة وتكلامة وكلماني جيد الكلام فصيح. وقال ثعلب: رجل كلماني كثير الكلام فعبر عنه بالكثرة. قال: والأنثى كلمانية، والكلم الجرح، والجمع كلوم وكلام، وكلمه يكلمه كلما، وكلمه كلما جرحه، ورجل مكلوم وكليم والجمع كلمى.
وقال الجوهري: الكلام اسم جنس يقع على القليل والكثير، والكلم لا يكون أقل من ثلاث كلمات؛ لأنه جمع كلمة مثل نبق ونبقة، ولهذا قال سيبويه: هذا باب علم ما الكلم من العربية، ولم يقل ما الكلام لأنه أراد نفس ثلاثة أشياء: الاسم والفعل والحرف، فجاء بما لا يكون إلا جمعا وترك ما يمكن أن يقع على الواحد والجماعة، قال: وتميم تقول هي كلمة بكسر الكاف. وحكى الفراء فيها ثلاث لغات كلمة وكلمة وكلمة مثل كبد وكبد وكبد، وورق وورق وورق، يقال: كلمته تكليما وكلاما مثل كذبته تكذيبا وكذابا، وتكلمت كلمة وتكلمته وكالمته جاوبته، والكلماني المنطيق.
وفي الحديث: “الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس” معناه: الكلام الذي جرت به عادتهم في مخاطبتهم ونحوه، وأما كلامهم بالتسبيح والدعاء والثناء على الله سبحانه وتعالى فمطلوب فيها. وفي الحديث: “واستحللتم فروجهن بكلمة الله تعالى” مذكور في كتاب النكاح من المهذب. قال الهروي رحمه الله تعالى في هذا الحديث: يعني بكلمة الله، والله تعالى أعلم.
قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (البقرة: من الآية229) وقال الإمام أبو سليمان الخطابي: قيل فيه وجوه أحسنها: المراد به قوله تعالى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} وقال غيرهما: هي قوله سبحانه وتعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (النساء: من الآية3) هذا هو الصحيح. وقيل: المراد كلمة التوحيد إذ لا تحل مسلمة لكافر. قولهم: علم الكلام والمتكلمون: المراد بالكلام أصول الدين، وبالمتكلمين أصحاب هذا العلم. قال السمعاني في الأنساب في ترجمة المتكلم: إنما قيل لهذا النوع من العلم الكلام لأن أول خلاف وقع في كلام الله تعالى أمخلوق هو أم لا فتكلم الناس فيه، فسمي هذا العلم علم الكلام، وإن كان جميع العلوم(4/119)
نشرها بالكلام.
كمل: قال الأزهري: قال الليث: كمل الشيء يكمل كمالا وكمل يكمل فهو كامل في اللغتين، وأكملت وأتممته، والكمال: التمام الذي تجزأ منه أجزاؤه، يقال لك نصفه وبعضه وكماله، ويقال كملت له عدد حقه تكميلا وتكملة فهو مكمل، ويقال هذا المكمل عشرين. وقال الجوهري: الكمال التمام، وفيه ثلاث لغات: كَمل وكُمل وكِمل والكسر أردؤها، وتكامل وأكملته أنا، ورجل كامل، وقوم كملة مثل حافد وحفدة، وأعطه هذا المال كملا أي كله. وقال صاحب المحكم: كمل الشيء يكمل وكمل، وكمل كمالا وكمولا، وشيء كميل كامل جاؤوا به على كمل، وتكمل لكمل، وأكمله هو استكمله، وكمله استتمه وجمله.
كمه: الأكمه المذكور في باب السلم من المهذب: المراد به من خلق أعمى، وهذا هو المشهور في معناه، وقد ذكر البخاري في صحيحه في باب قول الله تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} (آل عمران:45) قال: قال مجاهد: الأكمه يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل.
كندج: قوله في باب بيع الغرر من المهذب: وفي بيع النحل في الكندوج وجهان: الكندوج بضم الكاف ثم نون ساكنة، ثم دال مهملة مضمومة، ثم واو ساكنة، ثم جيم وهي لفظة أعجمية، والمراد به وعاء النحل، وهو هذه القوصرة المعروفة له، وتسميها العرب الخلية، وكذا يسميها أهل هذه البلاد فالخلية عربية.
كنس: يقال: كنست البيت أكنسه بضم السين، نص عليه الجوهري كنسا فأنا كانس، وكناس للتكثير، والكناسة القمامة، وهي المكنوسة كالنخالة والقراضة وأشباهها، والمكنسة بكسر الميم ما يكنس به، والكنيسة المتعبد للكفار. قال الجوهري: هي للنصارى.
كنف: قول عمر بن الخطاب في عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما: “كنيف ملىء علما” ذكره في باب العفو عن القصاص من المهذب، هو بضم الكاف وفتح النون وإسكان الياء تصغير كنف بكسر الكاف، وهو الوعاء الذي يجعل فيه الخياط أداته كأنه أشار إلى قصر ابن مسعود، وكان رضي الله تعالى عنه قصيرا جدا يكاد الجالس يواريه، وهو تصغير تحبب وتعظيم، لا تصغير تحقير.
كهر: في حديث معاوية بن الحكم رضي الله تعالى عنه: “ما كهرني ولا شتمني” ذكره في باب ما يفسد الصلاة من المهذب،(4/120)
وحديثه هذا الذي ذكره في المهذب حديث صحيح رواه مسلم. وقوله: “كهرني” بتخفيف الهاء وفتحها وبالراء المهملة. قال الهروي: قال أبو عبيد: الكهر الانتهار. وفي قراءة عبد الله رضي الله تعالى عنه: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} (الضحى:9) والكهر فى غير هذا ارتفاع النهار.
كهف: قوله: “يستسحب أن يقرأ سورة الكهف” الكهف: هو الغار في الجبل. قال الثعلبي: الكهف هو الغار في الجبل. قال الماوردي: هو غار الجبل الذي أوى إليه القوم رضي الله تعالى عنهم.
كهن: في الحديث: “أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن حلوان الكاهن” وهو حديث صحيح متفق على صحته أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، معناه الشيء الذي يعطاه الكاهن على كهانته، والكاهن: هو الذي يقضي على الغائب بالنجم بالتخمين، قاله الواحدي في الوسيط. قال الإمام أبو منصور الأزهري رحمه الله تعالى في تهذيب اللغة: قال الليث: كهن الرجل يكهن كهانة، وقلما كان يقول ألا تكهن الرجل، وتقول كان فلان كاهنا ولقد كهن. قال الأزهري: وكانت الكهانة في العرب قبل مبعث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما بعث نبينا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحرست السماء بالشهب ومنعت الجن والشياطين من وإلقائه إلى الكهنة، بطل علم الكهانة، وأرهق الله تعالى أباطيل الكهان بالقرآن الذي به فرق الله عز وجل بين الحق والباطل، وأطلع الله تعالى نبينا محمدًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالوحي على ما يشاء من علم الغيوب، التي عجزت الكهنة عن الإحاطة به، فلا كهانة اليوم بحمد الله تعالى ومنَّه وإغنائه بالتنزيل عنها.
وقال الإمام أبو سليمان الخطابي في معنى هذا الحديث: “حلوان الكاهن” هو ما يأخذه المتكهن على كهانته، وهو محرم وفعله باطل، وحلوان العراف حرام، كذلك قال: والفرق بين الكاهن والعراف: أن الكاهن إنما يتعاطى الخبر عن الكوائن في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الأسرار، والعراف هو الذي يتعاطى معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحوهما من الأمور، هكذا ذكره في كتاب البيوع من معالم السنن. وذكر في آخر الكتاب في قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برىء مما أنزل الله على محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ” قال: الكاهن هو الذي يدعي مطالعة علم الغيب ويخبر الناس عن الكوائن، وكان في العرب كهنة يدعون أنهم يعرفون كثيرا من الأمور، فمنهم من(4/121)
كان يزعم أن له رئيا من الجن وتابعا يلقي إليه الأخبار، ومنهم من كان يدعي أنه يستدرك الأمور بفهم أعطيه، وكان منهم من يسمى عرافا، وهو الذي يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها كشيء سرق فيعرف المطبون به السرقة، ومتهم المرأة بالريبة فيعرف من صاحبها، ونحو ذلك من الأمور، ومنهم من كان يسمي المنجم كاهنا، فالحديث يشمل النهي عن إتيان هؤلاء كلهم والرجوع إلى قولهم وتصديقهم على ما يدعون من هذه الأمور، ومنهم من كان يدعو الطبيب كاهنا، وربما دعوه أيضا عرافا فهذا غير داخل في جملة النهي، وإنما هو مغالطة في الأسماء، وقد أثبت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الطب وأباح العلاج والتداوي، هذا ما ذكره الخطابي رحمه الله تعالى.
وقال أبو محمد البغوي صاحب التهذيب في كتابه شرح السنة في أول كتاب البيوع في باب بيع الكلب: اتفق أهل العلم على تحريم مهر البغي وحلوان الكاهن، قال: وحلوان الكاهن ما يأخذه المتكهن على كهانته، وفعل الكهانة باطل، لا يجوز أخذ الأجرة عليه. وقال الماوردي صاحب الحاوي في آخر كتابه الأحكام السلطانية: ويمنع المحتسب من التكسب بالكهانة واللهو، ويؤدب عليه الآخذ والمعطي.
كيس: قال صاحب المحكم: الكيس الخفة والنوقد كاس كيسا، فهو كيس وكيس والجمع أكياس. قال سيبويه: كسروا كيسا على أفعال تشبيها بفاعل، ويدلك على أنه فيعل أنهم قد سلموه، فلو كان فعلا لم يسلموه، والأنثى كيسة، وكيسة والكوسى والكيسى جماعة الكيسة. عن كراع قال: وعندي أنها تأنيث الأكيس، وقال مرة: لا يوجد على مثالها إلا ضيقي وضوقى في جمع ضيقة وطوبى جمع طيبة، ولم يقولوا طيبى قال: وعندي أن ذلك تأنيث الأفعل، والكوسى الكيس عن السيرافي، ورجل مكيس كيس، وأكاست المرأة، وأكيست ولدت ولدا كيسا، وكذلك الرجل وامرأة مكياس تلد الأكياس، وتكيس الرجل أظهر الكيس، والكيس اسم رجل، والكيس الجماع، والكيس من الأوعية، وعاء معروف يكون للدراهم والدنانير والدر والياقوت، والجمع كيسة، هذا آخر كلام صاحب المحكم.
وقال الأزهري: يقال كاس الرجل يكيس كيسا. قال ابن الأعرابي: الكيس العقل والكيس الجماع، ويقال: كايست فلانا فكسته أكيسه كيسا أي: غلبته بالكيس، هذا قول أهل اللغة، وقول الأصحاب في كتب المذهب: هذا من كيس الربيع هذا(4/122)
من كيس فلان هو بكسر الكاف، ومرادهم أن هذا من عنده وتخرج لنفسه وتصرفه، وليس هو منصوصا للشافعي.
كيف: لفظة كيف استفهام عن الحال، ويقال فيها أيضا كي بحذف الفاء، نقله الشيخ أبو عبد الله بن مالك في العمدة رحمه الله تعالى.
كذا: قال الشافعي ثم الأصحاب رحمهم الله تعالى: إذا قال له علي كذا وكذا درهما لزمه درهمانز وقال جماعة من العلماء: يلزمه أحد وعشرون درهما، قالوا: لأنه أول عدد يدخله الواو، قالوا: ولو قال كذا درهما لزمه أحد عشر درهما لأنه أول ما ينصب فيه الدرهم. وقال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى في كتاب شرح الزيادات في شرح ألفاظ مختصر المزني: هذا الذي قاله هؤلاء قد يجوز أن يحمل الكلام عليه إذا أراده المقر ونواه، وأما إذا أهمل الكلام إهمالا، فلا يجوز أن يحكم بذلك عليه، والذمم على البراءة فلا تشغل إلا بما لا يشك في صحته، فقوله له على كذا وكذا بمنزلة قوله له على شيء وشيء، وهو محتمل لأصناف الأشياء، فلما قال: درهما كان مخبرا بالجنس الذي أراد ونصب الدرهم على التمييز كقول الله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ} (الكهف: من الآية25) وكقول الشاعر:
من الدهر أعواما وذا الدهر عاشر
فمر بهذا الربع هيهات تسعة
قوله في الوسيط والوجيز في كتاب قسم الفيء سهم لذوي القربى، وهم المدلون بقرابة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كبني هاشم وبني المطلب هذه الكاف خطأ، والصواب حذفها، لأنهما لا ثالث لهما، وإدخال الكاف يقتضي مشاركة غيرهم، والله تعالى أعلم.
فصل في أسماء المواضع
كداء: بفتح الكاف والمد هي الثنية التي بأعلى مكة وهو معروف، وأما كدًا بضم الكاف والقصر والتنوين فمن أسفل مكة، هذا هو الصواب المشهور الذي قاله جماهير العلماء من المحدثين وأهل الأخبار واللغة والفقه، وما سوى هذا فليس بشيء، وأما قول الإمام أبي القاسم الرافعي: أن الذي يشعر به كلام الأكثرين أن السفلى أيضا بالمد، ويدل عليه أنهم كتبوها بالألف ومنهم من كتبها بالياء، فليس قوله هذا بشيء،(4/123)
ولا يلزم من كتابتها بالألف مدها، فإن الثلاثي إذا كان من ذوات الواو تعين كتبه بالألف، سواء مد أو قصر كعصا، وإن كان من ذوات الياء وليس منونا كتب بالياء ويجوز بالألف أيضا، وإن كان منونا فمنهم من يقول لا يكتب إلا بالألف، ومنهم من جوزه بالياء، وهذا والله تعالى أعلم من كدوت، وأما قول القاضي حسين في تعليقه في أول باب دخول مكة من الثنية العليا: وهي كدا بضم الكاف، ويخرج من السفلى وهي كداء بفتح الكاف، فغلط وتصحيف ظاهر، وهو كلام معكوس إما من المصنف وإما من غيره.
كراع الغميم: ذكرته في باب الغين واضحا مبسوطا.
الكعبة: البيت الحرام زادها الله تشريفا وتكريما وتعظيما ومهابة، هو اسم للبيت العتيق خاصة سميت بذلك لاستدارتها وعلوها، وقيل: لتربيعها. وقد تقدم إيضاح هذا في فصل الكاف مع العين والباء من اللغات. وقد بنيت الكعبة الكريمة خمس مرات: إحداها: بناء الملائكة قبل آدم، والثانية: بناء إبراهيم عليه السلام، والثالثة: بناء قريش في الجاهلية، وقد حضر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا البناء كما ثبت في الحديث الصحيح، والرابعة: بناء ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما، والخامسة: بناء الحجاج بن يوسف الثقفي، وهذا هو البناء الموجود اليوم، وهكذا كانت الكعبة في زمن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال المارودي في الأحكام السلطانية: وكانت الكعبة بعد إبراهيم عليه السلام مع جرهم، والعمالقة إلى أن انقرضوان وخلفهم فيها قريش بعد استيلائهم على الحرم لكثرتهم بعد القلة وعزتهم بعد الذلة، فكان أول من جدد بناء الكعبة من قريش بعد إبراهيم عليه السلام قصي بن كلاب، وسقفها بخشب الدوم وجريد النخل، ثم بنتها قريش بعده ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابن خمس وعشرين سنة، وشهد بناءها، وكان بابها بالأرض. فقال أبو حذيفة بن المغيرة: يا قوم ارفعوا باب الكعبة حتى لا يدخل إلا بسلم فإنه لا يدخلها حينئذ إلا من أردتم، فإن جاء أحد ممن تكرهون رميتم به فسقط، وصار نكالا لمن يراه، ففعلت قريش ذلك، وكان سبب بنائها: أن الكعبة استهدمت، وكانت فوق القامة فأرادوا تعليتها.
وقد ذكرت جملا مما يتعلق بالكعبة ومبدأ أمرها وأحكامها الآن في كتاب المناسك، وضمنته من النفائس الغريبة مما يستطرف، وذكرت في هذا الكتاب عند ذكر مكة وبكة والبيت والحرام جملا كثيرة تتعلق بها، وهي معروفة في مواضعها.(4/124)
يوم الكلاب: مذكور في باب الأنية وباب ما يكره لبسه في المهذب، هو بضم الكاف وتخفيف اللام، اسم ماء كانت به وقعة. قيل: إنه بين الكوفة والبصرة.
الكوفة: البلدة المعروفة ودار الفضل وأهله مصرها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، واختلف في سبب تسميتها بذلك فقيل: لاستدارتها. تقول العرب: رأيت كوفانا وكوفا للرملة المستديرة. وقيل: سميت كوفة لاجتماع الناس، من قول العرب تكوف الرمل إذا ركب بعضه بعضا. وقيل: لأن طينها خالطه حصى، وكلما كان كذلك فهو كافة. قال الحازمي وغيره: ويقال أيضًا للكوفة كوفان بضم الكاف وإسكان الواو وآخره نون. وذكر ابن قتيبة في غريبه عند ذكر صفة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه يقال لها كوفان بضم الكاف وفتحها، رويناهما في تاريخ دمشق في هذا الموضع، والله تعالى أعلم وله الحمد والفضل والمنة.
حرف اللام
اللام: اللام على ثمانية أضرب لام الملك كقولك: المال لزيد، ولام الاختصاص كقولك: هذا أخ لزيد، ولام الاستعانة كقولك: يا للرجال، ولام التعجب كقولك: يا للعجب أي يا عجب احضر فهذا وقتك، ولام العلة كقولك: صحبتك لتكرمني، ولام العاقبة كقول الله عز وجل: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} (القصص: من الآية8) أي: عاقبة ذلك، ولام الجحود كقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} (لأنفال: من الآية33) ولام التاريخ كقولك: كتبته لثلاث خلون أي: بعد ثلاث.
لألأ: اللؤلؤ معروف، وسيأتي إن شاء الله تعالى في فصل (مرج) الفرق بين اللؤلؤ والمرجان، وفيه أربع لغات: وهي أربع قراءات قرىء بهن في القراءات السبع إحداهن: بهمزتين، والثانية: لولو بغير همز فيهما، والثالثة: بهمز الأول دون الثاني، والرابعة: عكسه. قال الفراء رحمه الله تعالى: سمعت العرب تقول لصاحب اللؤلؤ: لاء مثل لعال، والقياس لأء مثال لعاع.
لبأ: قال الأصحاب: يجب على الأم أن تسقي الولد اللباء لأنه لا يعيش بدونه. قال الرافعي: مرادهم الغالب أولانه لا يقوى ولا تشتد بنيته إلا به وإلا فيشاهد من يعيش بلا لباء، والله تعالى أعلم.
لبث: قال الأزهري: قال الليث:(4/125)
اللبث المكث، والفعل لبث. قال الأزهري: يقال لبث يلبث لبثا ولبثا ولباثا كل ذلك جائز، وتلبث تلبثا فهو متلبث. قال صاحب المحكم: لبث بالمكان لبثا ولبثانا ولباثا ولبثته وتلبث أقام.
لثغ: الألثغ المذكور في باب صفة الأئمة، وهو بالثاء المثلثة، وهو من يبدل حرفا بحرف فيجعل السين تاء والراء غينا ونحو ذلك، كذا نقله صاحب البيان عن أصحابنا.
لحم: قوله: “وإن اشتد الخوف والتحم القتال” قال الأزهري في شرح المختصر: التحام القتال قطع بعضهم لحوم بعض، والملحمة المقتلة وجمعها ملاحم. وفي الحديث: “الولاء لحمة كلحمة النسب” قال جمهور أهل اللغة: لحمة النسب ولحمة الثوب بضم اللام فيهما. وحكى الأزهري وغيره عن ابن الأعرابي أنهما بفتح اللام. قال الأزهري: معنى الحديث قرابته كقرابة النسب، ولحمة الثوب ما في عرضه وسداه ما في طوله.
لطف: قال إمام الحرمين في الإرشاد: اللطف عند أهل الحق خلق قدرة الطاعة وخالفت فيه المعتزلة. قال ابن فارس في المجمل: اللطف من الله عز وجل لعباده الرأفة والرفق. قال أهل اللغة: اللطف واللطف الرفق والبر.
لعق: الملعقة بكسر الميم. قال الأزهري: الملعقة ما يلعق به، ويقال لعقت الشيء ألعقه لعقا. واللعوق: اسم كل طعام يلعق من دواء أو عسل، واللعقة: بالضم الشيء القليل منه ولعقت لعقة واحدة بالفتح، واللعاق بالفتح ما بقي في فيك من طعام لعقته. قال الفراء: يقال للرجل إذا مات لعق أصبعه. قال ابن دريد: اللعوقة سرعة الإنسان فيما أخذ فيه من عمل في خفة ونزق، ورجل لعوق مسلوب العقل، هذا آخر كلام الأزهري. وقال صاحب المحكم: مثل هذا كله، وزاد: وألعقته الشيء ولعقته إياه ولعقت الماشية الأرض لم تدع من نباتها شيئا.
لعن: اللعن في اللغة: هو الطرد والإبعاد، يقال لعنه الله تعالى يلعنه لعنا فهو ملعون ولعين، ويقال رجل لعنة بفتح العين أي: كثير اللعن، ولعنة بإسكانها أي يلعنه الناس، واللعان والملاعنة والتلاعن بمعنى واحد، وهو ملاعنة الرجل امرأته وهو معروف، ويقال منه تلاعنا والتعنا ولاعن القاضي بينهما، وسمي لعانا لما فيه من قول الرجل وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين، وإنما اختير لفظ اللعن على لفظ الغضب، وإن كانا موجودين في اللعان لكون اللعنة متقدمة في الآية الكريمة،(4/126)
وفي الواقع من صورة اللعان. وقيل: يجوز أن يكون سمي لعانا لما فيه من الطرد والإبعاد لكل واحد منهما عن صاحبه، ووقوع الحرمة المؤبدة بخلاف المطلق والمظاهر والمولى، والله تعالى أعلم.
وقوله في المهذب في باب صلاة الاستسقاء: وقال مجاهد في قوله تعالى: {وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} (البقرة: من الآية159) قال: دواب الأرض تلعنهم، هذا الذي قاله أحد الأقوال في الآية، وقال ابن عباس: اللاعنون كل شيء إلا الجن والإنس. قال أهل العربية: وإنما قال الله تعالى {اللاعِنُونَ} بالواو والنون، ولم يقل اللاعنات لأنه وصفها بصفة من يعقل فجمعها جمع من يعقل، كما قال الله تعالى: {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} (يوسف: من الآية4) و {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} (النمل: من الآية18) {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا} (فصلت: من الآية21) {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (يّس: من الآية40) وقال قتادة: هم الملائكة. وقال عطاء: الجن والإنس. وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “من أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين” ذكره في فصل الأمان من كتاب السير من المهذب. وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد والظل وقارعة الطريق” سميت ملاعن لأن الناس يلعنون فاعل ذلك، فهي مواضع لعن والله تعالى أعلم.
واللعان: مصدر لاعن يلاعن، وجعل اللعان المعروف حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق العار به وسمي لعانا لاشتماله على كلمة اللعن. قال إمام الحرمين: وخصت بهذه التسمية لأن اللعن كلمة غريبة في مقام الحجج من الشهادات والإيمان، والشيء يشتهر بما يقع فيه من الغريب، وعلى ذلك جرى معظم تسميات سور القرآن، ولم يسم بما يسبق من لفظ الغضب لأن الغضب يقع في جانب المرأة، وجانب الرجل أقوى لأن لعانه يسبق لعانها، وقد ينفك عن لعانها ولا ينعكس. قال الرافعي: قالت طائفة من أصحابنا: كل ملعون مغضوب عليه ولا ينعكس، وقد ورد باللعان الكتاب والسنة وأجمعت عليه الأمة، وفيمن نزلت آية اللعان بسببه خلاف أوضحته في شرح الوسيط.
وروينا في صحيح مسلم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “لا ينبغي لصديق أن يكون لعانًا” وما يجوز من اللعن وما يحرم ولعن أصحاب الصفات فقد أوضحته في أواخر كتاب الأذكار في الألفاظ التي ينهى عنها فينقل إلى هنا ملخصا. واختلف العلماء في اللعان ما هو فمذهبنا المشهور الذي نص عليه الشافعي رضي الله تعالى عنه وجمهور الأصحاب: أن اللعان يمين. وقال أبو حنيفة: شهادة. وقال القاضي حسين في تعليقه:(4/127)
اختلفوا في اللعان، والأصح أنه يمين. وقيل: يمين أكدت بالشهادة. وقيل: يمين مشوبة بشهادة. وقيل: شهادة أكدت باليمين. وقال إمام الحرمين: ما يحرمه العلماء في حقيقة اللعان أن أصحاب أبي حنيفة يقولون هو شهادة، وأصحابنا يقولون يمين، والمنصف من أصحابنا يقول فيه شوب اليمين والشهادة، فأصدق شاهد على كونه يمينا أنه يصدر عمن هو في مقام الخصومة وهو يحاول تصديق نفسه ولا يجيء هذا في الشهادة، وفيه من أحكام الشهادة شيء واحد وهو أنه لو نكل عن اللعان ثم أراده كان له اللعان كما لو لم يقم المدعي البينة، ثم أراد إقامتها وليس هو كاليمين في هذا، فإن من نكل عن اليمين ثم أرادها، لم يكن له والله أعلم، وفي اللعان لطيفة وهي أنها يمين مكررة أربع مرات، ولا يعرف يمين مكرر إلا اللعان والقسامة.
لفو: قال أهل اللغة: يتغلظ تداركته وألفيته وجدته.
لقح: قول الغزالي رحمه الله تعالى في الوسيط: الملقاح هو ما في بطن الأم، وفي بعض النسخ: الملاقيح ما في بطن الأم. قال الشيخ تقي الدين بن الصلاح رحمه الله تعالى: والأول لا يكاد يصح من حيث اللغة، وإن كان قد قال في البسيط الملاقيح جمع ملقاح، إذ واحد الملاقيح عند صاحب صحاح اللغة ملقوحة. قلت كذلك قال أبو عبيدة معمر ابن المثنى: فيما رأيته في غريب الحديث له، وكذلك.
قال القاسم ابن سلام أبو عبيد والأزهري وغيرهم: الملاقيح الأجنة الواحدة ملقوحة. قال الجوهري: هو من قولهم لقحت كالمحموم من حم والمجنون من جن. قال: والملاقيح ما في بطون النوق من الأجنة، وكذا قال أبو عبيدة معمر: الملاقيح ما في بطون الحوامل من الإبل خاصة. وقال الأزهري في الشرح واحدة: الملاقيح ملقوحة لأن أمها لقحتها أي: حملتها، واللاقح الحامل. قال: والملاقيح الأجنة التي في بطون الأمهات، وكذا قال ابن فارس في المجمل: الملاقيح التي تكون في البطون، ولم يخص الأزهري وابن فارس الإبل، وخصها أبو عبيدة والجوهري، واللقحة بكسر اللام وفتحها والكسر أفصح، ولم يذكر الجوهري وغيره إلا الكسر، وممن ذكر الفتح ابن الأثير، وهي الناقة القريبة العهد بالولادة نحو شهرين أو ثلاثة ثم هي اللبون، وجمع اللقحة لقح كقربة وقرب ويقال لها لقوح، وجمعها لقاح.
لقط: اللقطة: هو الشيء الملتقط وهي بفتح القاف هذه اللغة الفصيحة المشهورة، وفيها لغة أخرى بإسكانها. قال الإمام أبو(4/128)
منصور الأزهري في كتاب شرح ألفاظ مختصر المزني: روى الليث بن المظفر عن الخليل أنه قال اللقطة بفتح القاف، هو الذي يلتقط الشيء، واللقطة بإسكانها هو الشيء الملتقط. قال الأزهري: هذا الذي قاله قياس لأن فعلة جاء في أكثر كلامهم فاعلا وفعلة، جاء أن كلام العرب جاء في اللقطة على خلاف القياس، أجمع أهل اللغة ورواة الاخبار على أن اللقطة يعني بالفتح هو الشيء الملتقط، وكذلك قال الفراء وابن الأعرابي والأصمعي، هذا آخر كلام الأزهري، والله تعالى أعلم.
وأما اللقيط: فهو الصبي المنبوذ الملقوط. قال الرافعي: يقال للصبي المقلى الضائع لقيط وملقوط ومنبوذ. قال شيخنا أبو عبد الله بن مالك في اللقطة أربع لغات: لقطة ولقطة ولقاطة بضم اللام ولقطة بفتح اللام والقاف.
لقع: قال صاحب المحكم: لقعه بعينه يلقعه لقعا أصابه وبالبعرة رماه، ولا يكون اللقع البعر مما يرمى به، واللقع العيب، والفعل كالفعل، والمصدر كالمصدر، ورجل تلقاع وتلقاعة عيبة، وتلقاعة أيضا كثير الكلام لا نظير له إلا تكلامة، وامرأة تلقاعة كذلك، ورجل لقاعة كتلقاعة. وقيل: هو الذي يصيب مواقع الكلام وفيه لقاعات.
واللقاعة أيضًا الداهية المتفصح. وقيل: هو الظريف اللبق، واللقعة الذي يتلقع بالكلام ولا شيء عنده واللقاع، واللقاع: الذباب الأخضر الذي يلسع الناس واحدته لقاعة ولقاعة هذا آخر كلام صاحب المحكم. وقال الأزهري: امرأة ملقعة فحاشة ومر فلان يلقع أسرع والتقع لونه واستقع والتمع وانتطع ونطع واستنطع كله بمعنى واحد أي: تغير.
لكع: قوله في أول كتاب النكاح من الوسيط: روى أن عمر رضي الله تعالى عنه قال لجارية متقنعة: “أتتشبهين بالحرائر يالكعاء” فلكعاء بفتح اللام وإسكان الكاف وبالمد. قال الأزهري: عبد لكع أوكع وأمة لكعاء ووكعاء وهي الحمقاء. قال البكري: هذا شتم للعبد والأمة. قال أبو عبيد: اللكع عند العرب العبد أو الأمة. وقال غيره: اللكع الأحمق وامرأة لكاع ولكيعة.
لكم: قال الأزهري: قال الليث: اللكم اللكز في الصدر يقال لكمه يلكمه لكما. وقال صاحب المحكم: اللكم الضرب باليد مجموعة. وقيل: هو اللكز والدفع لكمه يلكمه لكما.
لمس: قول الله تبارك وتعالى:(4/129)
{أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (النساء: من الآية43) وقرىء لامستم وهما قراءتان في السبع وهو محمول عند الشافعي، وغيره على التقاء البشرتين، وتفصيل ذلك وتقريره معروف في كتب الفقه، ويقال: منه لمس يلمس ويلمس بضم الميم في المضارع وكسرها لغتان مشهورتان، وبيع الملامسة مأخوذ من اللمس، وهو مفسر في هذه الكتب وفي الحديث: أن رجلا قال للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن امرأتي لا ترد يد لامس، قال: “طلقها” قال: إنني أحبها قال: “أمسكها” ذكره في كتاب الطلاق من المهذب هو حديث صحيح مشهور، رواه أبو داود والنسائي وغيرهما من رواية عكرمة عن ابن عباس ولفظه في سنن أبي داود أنه قال: امرأتي لا تمنع يد لامس قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “غربها” قال: أخاف أن تتبعها نفسي قال “فأستمتع بها” وإسناده إسناد صحيح واحتج به إمامنا الشافعي، ثم قال الأصحاب وغيرهم من العلماء: على أن التعريض بالقذف لا يكون قذفا، واحتجوا به على أن المرأة إذا لم تكن عفيفة استحب للزوج طلاقها، واحتج به بعضهم على صحة نكاح الزانية وعلى أن الزوجة إذا زنت لا ينفسخ نكاحها، وهذا كله مصير منهم إلى أن المراد بقوله “لا ترد يد لامس” معناه: لا تمنع من يريدها للزنا، وكذا فسره الإمام أبو سليمان الخطابي إمام هذا الفن فقال في معالم السنن قوله: “لا تمنع يد لامس” معناه الزانية وإنها مطاوعة من أرادها لا ترد يده. قال: وقوله: “غربها” أي: أبعدها بالطلاق وأصل الغرب البعد، قال: وفيه دليل على جواز نكاح الفاجرة. قال: وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “فاستمتع بها” أي لا تمسكها إلا بقدر ما تقضي متعة النفس منها ومن وطرها، والاستمتاع بالشيء الانتفاع به إلى مدة، ومنه نكاح المتعة، ومنه قوله تعالى: {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ} (غافر: من الآية39) هذا آخر كلام الخطابي.
قلت: فكأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشار عليه أولا بفراقها نصحية له، وشفقة عليه في تنزهه من معاشرة من هذا حالها، فأعلم الرجل شدة محبته لها وخوفه فتنة بسبب فراقها، فرأى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المصلحة له في هذا الحال إمساكها خوفا من مفسدة عظيمة تترتب على فراقها، ودفع أعظم الضررين بأخفهما متعين ولعله يرجى لها الصلاح بعد، والله تعالى أعلم.
وهذا الحديث مما قد يعرض فيه إشكال فبسطنا الكلام فيه بعض البسط لهذا المعنى، وإلا فهذا الكتاب مبني على الاختصار(4/130)
فاندفع بحمد الله تعالى الإشكال وزال بلفظه الاعضال، وقد ذكر في معنى الحديث قول آخر: وهو أنه أراد لا ترد من يلتمس منها مالا يقول هي سخية تعطي تضيع ما كان عندها، وفي كتاب النسائي قال: يقول هي سخية تعطي، ورد أصحابنا هذا التأويل وقالوا: لو أراد هذا لقال يد ملتمس، وجواب آخر: وهو لو أراد هذا لقال أحرز مالك عنها، وذكر فيه معنى آخر قاله بعض المتأخرين قال: معناه أمسكها عن الزنا إما بمراقبتها وإما بكثرة جماعها.
لمم: في حديث الظهار: أن أوس بن الصامت كان به لمم وكان إذا اشتد لممه ظاهر من امرأته، قال الشيخ إبراهيم المروزي: المراد باللمم الإلمام بالنساء وشدة التوق إليهن.
لهث: قال أهل اللغة: يقال لهث الكلب بفتح الهاء وكسرها لغتان يلهث بفتحها فيهما لهثا بإسكانها، والاسم اللهث بفتحها، واللهاث بضم اللام، ورجل لهثان وامرأة لهثى كعطشان وعطشى، وهو الكلب الذي أخرج لسانه من شدة العطش والحر.
لو: قال الإمام أبو منصور الأزهري في أول كتاب تهذيب اللغة في مخارج الحروف: قال الخليل بن أحمد رحمه الله تعالى: إذا صيرت الحرف الثاني مثل قد وهل ولو اسما أدخلت عليه التشديد، فقلت: هذه لو مكتوبة وهذه قد حسنة الكتبة وأنشد:
أن ليتا وأن لو عناء
ليت شعري وأين متى ليت
فشدد لو حين جعلها اسما
لون: قول الله عز وجل: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} (الحشر: من الآية5) جاء ذكر هذه الآية الكريمة في كتاب السير من المهذب، قال جماعات من أهل العربية: أصل اللينة لونة بالواو، وهي من اللون فقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها كما في ميزان وميقات وميعاد وبابه، وقال آخرون: بل الياء أصل وهي من اللين، وممن حكى هذا الخلاف الهروي، واختلف أهل اللغة والتفسير في المراد: باللينة فالأظهر أنها النخل مطلقا، وقيل: النخل كله إلا العجوة. وقيل: هي الغسيل. وقيل: هي النخل الكرام الجيدة. وقيل: إنها العجوة خاصة، ذكر هذه الأقوال الماوردي وغيره. وقيل: إنها جميع النخل إلا العجوة والبرني، حكاه الهروي عن أبي عبيدة.(4/131)
فصل في أسماء المواضع
لوب: قوله: "ما بين لابتيها أهل بيت" وفي المهذب: "ما بين لابتي المدينة" بفتح الباء وهما تثنية لابة بلا همز واللابة الحرة، وهي أرض ملسة حجارة سوداء، والمدينة زادها الله تعالى شرفا بين لابتين في جانبي الشرق والغرب. قال الجوهري: ويقال فيها لابة ولوبة، وجمعها لاب ولوب ولابات. قال: وقال أبو عبيدة: يقال لوبة ونوبة. ومنه قيل للأسود لوبي ونوبي.
حرف الميم
ما: قال الإمام السيد الشريف النسب العلامة ذو الشرفين أبو السعادات هبة الله بن عبد الله بن علي بن محمد بن حمزة العلوي الحسني المعروف بابن الشجري رضي الله تعالى عنه: وكان مولده سنة خمس وخمسين وأربعمائة، وتوفي في شهر رمضان سنة اثنين وأربعين وخمسمائة، قال في كتاب الأمالي: ما يتصرف من المعاني كتصرف ما، وهي تنقسم إلى ضربين: إسم وحرف، فالإسمية: تنقسم إلى ستة أضرب وكذا الحرفية، فالضرب الثاني كونها استفهامية كقولك ما معك، فما في موضع رفع بالابتداء، فإن قلت ما أخرت كانت في موضع نصب لأن الفعل مشغول عنها، فإن أدخلت عليها حرف خفض لزمك في الأغلب حذف ألفها من اللفظ، والخط تقول: عم سألت وفيم جئت فرقوا بهذا بينها وبين الخبرية التي بمعنى الذي كما جاء في التنزيل: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} (النبأ:1) {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} (الأنعام: من الآية132) وقال في الاستفهامية: {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} (الحجر: من الآية54) وقال في الخبرية: {بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} (البقرة: من الآية4) ومن العرب من يقول لم فعلت بإسكان الميم، قال ابن مقبل:
فما روعن منك ولا سبينا
أاحظل لم ذكرت نساء قيس
وقال الآخر:
لهموم طارقات وذكر
يا أبا الأسود لم خليتني
قال: ومن العرب من يثبت الألف، فيقول: لما تفعل كذا وفيما جئت وعلى ما تشتمني، قال حسان:
كخنزير تمرغ في دمان(4/132)
على ما قام يشتمني لئيم
الدمان السرجين. وقال آخر:
أهل اللواء ففيما يكثر القتل
إنا قتلنا بقتلانا سراتكم
قال: وإنما يستفهمون بما ذوي العقول من الحيوان وغيره، وقد يستفهمون بها عن صفات ذوي العقل نحو: أن تقول من عندك، فيقول: زيد، فلا تعرفه باسمه، فتقول: وما زيد، فيقول: شاب عطار أو شيخ بزاز كما جاء في التنزيل. {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} (الشعراء:23) وقال بعض النحويين: إنها قد تجيء بمعنى من واستشهد بقوله تعالى: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} (التين:7) قال: والمعنى فمن يكذبك لأن التكذيب لا يكون إلا من الآدميين، واستشهد أيضا بما حكاه أبو زيد عن العرب في ما الخبرية: سبحان ما سخركن لنا، هذا ما ذكره ابن الشجري.
مترس: قوله في فصل الأمان من باب السير من المهذب: إذا قال للحربي مترس فهو أمان هو بميم ثم تاء مثناة من فوق مفتوحتين ثم راء ثم سين مهملتين ساكنتين، ومعناه: لا تخف وهي لفظة فارسية، وقد حققت ما ذكرته فيها. وذكر صاحب مطالع الأنوار: أن فيها خلافا منهم من ضبطها كما ذكرناه، ومنهم من ضبطها بإسكان التاء وفتح الراء، ومنهم من يقول مطرس يبدل التاء طاء.
مثل: ذكر في المهذب في باب المصراة حديث ابن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “من ابتاع محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام فإن ردها رد معها مثل - أو مثلي - لبنها قمحا” هكذا وقع في المهذب مثل أو مثلي بالتثنية في قوله أو مثلي، وهكذا رواه أبو داود في سننه ورواه ابن ماجه من الطريق التي رواها أبو داود ولفظه: “فإن ردها رد معها مثل لبنها” أو قال: “مثل لبنها قمحا” فلفظة مثل مفردة في الموضعين، وهكذا ذكره البيهقي في معرفة السنن والآثار، ولفظه “رد معها مثل” أو قال “مثل لبنها قمحا” وإنما ذكرت هذه الروايات ليتضح أو يتبين أن لفظة أو في قوله أو مثل للشك لا للتقسيم، واختلاف الحال كما قاله بعضهم، وقد تقدم في حرف الحاء عند ذكر المحفلة بيان: أن هذا قوي.
قال أهل اللغة: يقال مثل بالقتيل والحيوان تمثل مثلا بالتخفيف في الجمع كقتل يقتل قتلا إذا قطع أطرافه أو كلاهما أو أذنه أو مذاكيره ونحو ذلك، والاسم المثلة، قالوا: وأما مثل بالتشديد فهو للمبالغة.
مثن: قوله في المهذب في باب الصيام: لأن مما يصل إلى المثانة لا يصل إلى(4/133)
الجوف هي المثانة بفتح الميم وبعدها ثاء مثلثة مخففة ثم ألف ثم نون مخففة ثم هاء. قال صاحب المحكم: المثانة مستقر البول من الرجل والمرأة، ومثن مثنا فهو مثن وأمثن، والأنثى مثناء اشتكى مثانته، ومثن مثنا فهو ممثون ومثين كذلك رجع المثانة، وهو أيضا أن لا يستمسك البول فيها.
مجد: قوله في الدعاء في التشهد: “إنك حميد مجيد”. قال الواحدي: الحميد الذي تحمد فعاله، وهو بمعنى المحمود والله تعالى الحميد المحمود المستحمد إلى عباده، قال: والمجيد الماجد وهو ذو الشرف والكرم، يقال: مجد الرجل يمجد مجدا ومجادة ومجد يمجد لغتان، قال الحسن والكلبي: المجيد الكريم وهو قول أبي إسحاق. وقال ابن الأعرابي: المجيد الرفيع. قال أهل المعاني: المجيد الكامل الشرف، والرفعة، والكرم، والصفات المحمودة، وأصله من قولهم: مجدت الدابة إذا أكثرت علفها، رواه أبو عبيد عن أبي عبيدة.
قوله في الاعتدال من الركوع: “أهل الثناء والمجد أهل منصوب على النداء” قيل: ويجوز رفعه أي: أنت أهل الثناء. قال ابن دريد في الجمهرة: المجد لله عز وجل الثناء الجميل يقال: سبح الله تعالى ومجده أي: ذكر آلاءه، ذكره في الوسيط في أسنان الزكاة المجيدية. قال الشيخ تقي الدين بن الصلاح رحمه الله تعالى: ثبت من وجوه أن المجيدية بضم الميم وفتح الجيم.
مجر: في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: “أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن المجر” وفسره في المهذب أنه اشتراء ما فى الأرحام، وهكذا فسره غيره، وهو بفتح الميم وإسكان الجيم، والمشهور في كتب اللغة أنه اشتراء ما في بطن الناقة خاصة. وقال الرافعي: فسره أبوعبيد بما في الرحم. قال: وقيل: هو الربا. وقيل: هو المحاقلة والمزاينة، وقد سبق ذكرهما.
مجن: قال الجوهري: قولهم مجانا أي: بلا بدل. قال: وهو فعال لأنه مصروف، والمجن بكسر الميم الترس.
مجنق: قال الجوهري: المنجنيق هو الذي ترمى به الحجارة معربة، وأصلها بالفارسية من جه نيك أي: ما أجودني وهي مؤنثة. وقال بعضهم: تقديرها مفعليل لقولهم كنا نجنق مرة ونرشق مرة، والجمع منجنيقات. وقال سيبويه: هو فنعليل الميم أصلية لقولهم في الجمع مجانيق وفي التصغير مجينيق هذا كلام الجوهري، ولم يذكر هو وكثيرون إلا فتح الميم، وذكر الجواليقي فتحها وكسرها.(4/134)
مدد: قوله في باب الأذان من المهذب والتنبيه: “يتشهد مرتين سرا ثم يرجع فيمد صوته” قال جماعة: قوله فيمد ليس بجيد، وصوابه فيرفع صوته، فإن المد لا يلزم أن يكون فيه رفع، والمراد الرفع، وهذا الذي أنكروه ليس بمنكر بل يصح استعمال مد صوته بمعنى رفعه، وقد سمع ذلك عن العرب، وقد روينا في مسند أبي عوانة الاسفرايني عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، قال أصاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غنيمة فأخذت منها سيفا فأتيت به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: نفلنيه، فقال: “رده” فرجعت إليه مرة أخرى فقلت: أعطنيه فمد لي صوته، وقال: “رده من حيث أخذته” فقوله: فمد لي صوته معناه رفعه وزجرني عن ذلك.
مدن: المدينة معروفة والجمع مدائن بالهمز ومدائن بلا همز لغتان الهمز أفصح وأكثر وبه جاء القرآن، قال الجوهري: يقال مدن بالمكان أي: أقام به، ومنه سميت المدينة وهي فعيلة، وتجمع على مدائين بالهمز وعلى مدن ومدن بإسكان الدال وضمها، قال: وفيه قول آخر: أنها مفعلة من دنت أي: ملكت، قال: وسألت أبا علي الفسوي عن همز مدائن، فقال: فيه قولان من جعله فعيلة من قولك مدن بالمكان همزة ومن جعله مفعلة من قولك دين أي: ملك لم يهمزه كما لا يهمز معايش. قال: وإذا نسبت إلى مدينة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قلت: مدني، وإذا نسبت إلى مدينة المنصور قلت: مديني، وإذا نسبت إلى مدائن كسرى، قلت: مدائني للفرق بين النسب لئلا يختلط هذا كلام الجوهري. وقوله في الفرق بين الأنساب هذا هو الأغلب، وقد جاء بخلافه وذلك معروف عند أهل الحديث، وقال قطرب وابن فارس هي من دان أي: الطاعة.
مذر: مذرت البيضة بفتح الميم وكسر الذال فسدت وأمذرتها الدجاجة، قاله الجوهري وصاحب المحكم وصاحب المجمل. وزاد صاحب المحكم: مذرت مذرا فهي مذرة. واتفق أهل اللغة أنها: بالذال المعجمة. وقوله في المهذب في باب بيع المصراة: إن كسر المبيع فوجده لا قيمة للباقي كالبيض المذر هو بفتح الميم كسر الذال وبالراء، والمراد به استحال دمًا أو نحوه بحيث لا ينتفع به، وكذا قوله في البسيط في الباب الثاني في المياه النجسة، وإن استحالت البيضة مذرة فيخرج على الوجهين، المراد استحالت دما وليس المراد مطلق الدم، فإن المذرة تطلق على التي اختلط صفارها(4/135)
بياضها، وليست تلك مرادة في هذين الموضعين، والله تعالى أعلم.
مذي: المذي: الذي يخرج من الإنسان يكون للرجال والنساء. قال إمام الحرمين: هو في النساء أكثر منه في الرجال، قال: وإذا هاجت المرأة خرج منها. قال أصحابنا: وهو ماء رقيق أبيض لزج يخرج عند شهوة كملاعبته زوجته وأمته ونظره ونحو ذلك، ويخرج بغير شهوة ولا دفق معه ولا يعقبه فتور وربما لم يحس بخروجه. ويقال رجل مذاء إذا أعتى وخروج المذي، ويقال المذي بإسكان الذال وتخفيف الياء، والمذي بكسر الذال وتشديد الياء، والمذي بالكسر والتخفيف ثلاث لغات الأوليان مشهورتان. قال الأزهري وغيره: الإسكان أكثر، وأما الثالثة فحكاها أبو عمر الزاهد في شرح الفصيح قال أبو عمر: قال ابن الأعرابي: ويقال في الفعل مذّي ومذي بتخفيف الذال وتشديدها، وبالألف ثلاث لغات: الأولى أفصح، وكذا يقال في لودى ودى وودى وأودى، وكذا في المني منى ومنى وأمنى قال: والأولى أفصح في كل ذلك.
مرى: قال الجوهري: المروءة الإنسانية، قال: ولك أن تشدد. قال أبو زيد: مرؤ الرجل أي: صار ذا مروءة فهو مريء على فعيل وتمرأ تكلف المروءة. قال الرافعي: واختلفت العبارات في المروءة، فقيل: صاحب المروءة من يصون نفسه عن الأدناس ولا يشينها عند الناس. وقيل: الذي يسير بسيرة أمثاله في زمانه ومكانه. وذكر الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه في باب قول الله عز وجل: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ} (صّ: من الآية17) قال: يقال للمرأة نعجة، ويقال لها شاة، وكذا قال الواحدي العرب تكنى عن المرة بالشاة والنعجة.
مرج: المرجان المذكور في زكاة الذهب والفضة وفي كتاب السلم من المهذب هو الخرز الأحمر المعروف، والمشهور في كتب اللغة: أن المرجان هو صغار اللؤلؤ ولا يمكن حمل الذي في المهذب على صغار اللؤلؤ لأنه عطف المرجان على اللؤلؤ والعقيق، فدل على إرادته الخرز الأحمر.
وقد اختلف العلماء في قول الله عز وجل: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَان} (الرحمن: من الآية22) قال الواحدي: قال الفراء: اللؤلؤ العظام والمرجان الصغار وهو قول جميع أهل اللغة في المرجان أنه الصغار من اللؤلؤ. وقال أبو الهيثم: اختلفوا في المرجان، فقال بعضهم: هو صغار اللؤلؤ. وقال آخرون: هو البسذ وهو جوهر أحمر،(4/136)
يقال: إن الجن تطرحه في البحر وهذا قول ابن مسعود وعطاء الخراساني في المرجان في هذه الآية.
وقال ابن عباس والحسن وابن زيد وقتادة: اللؤلؤ الكبير والمرجان الصغير. وقال مقاتل: ضد هذا، فقال: اللؤلؤ الصغار والمرجان العظام وهذا قول مجاهد والسدي ومرة، ورواه عكرمة عن ابن عباس هذا آخر كلام الواحدي.
قلت: والميم في المرجان أصلية والنون زائدة، وهي فعلان هكذا ذكره أهل اللغة في فصل مرج. وقال الأزهري: لا أدري ثلاثي هو أم رباعي، وهذا عجب فكيف يكون رباعيا وليس في الكلام فعلال إلا في المضاعف كالزلزال والقلقال والسلسال والوسواس. وأما ما حكاه الفراء من قولهم ناقة فيها خزعال أي: عرج فهو شاذ، ومنهم من أنكره والاقسطال وهو الغبار.
مرد: الغلام الأمرد الذي لم تنبت لحيته بعد. وأصل هذه المادة من الملاسة فسمي الأمرد لملاسة وجهه، ومثله صرح ممرد مملس، وشيطان مريد أي: متملس من الخير ومردوا على النفاق. قال الجوهري: غلام أمرد بين المرد، ولا تقل جارية مرداء. قال الأصمعي: يقال تمرد فلان زمانا ثم خرج وجهه وذلك أن يبقى أمرد حينا.
مرط: قوله: ينشق مريطاؤك، هو بضم الميم وفتح الراء ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ثم طاء مهملة وهي ممدودة ومقصورة لغتان وهي مؤنثة. قال الجوهري: المريطاء ما بين السرة والعانة. قال الأصمعي: وهي ممدودة، ومنه قول عمر فذكره، قال الهروي: هذه الكلمة جاءت مصغرة، وذكر أبو عمرو في شرح الفصيح فقال: ما دون السرة المثلة والمثلة، والمريط والمريطاء ممدودة والمريطي مقصورة، والمرفق والمرافق والثنة. وقال ابن فارس في المجمل: المريطاء ما بين الصدر إلى العانة.
مرو: قولهم: ثوب مروي هو بفتح الميم وإسكان الراء وتشديد الياء منسوب إلى مرو مدينة معروفة بخراسان، وينسب إليها إيضا مروزي بزيادة زاي وهو من شواذ النسب.
مري: في كتاب الإيمان من المهذب: إذا حلف لا يأكل أدما فأكل المري حنث هو بضم الميم وسكون الراء وتخفيف الياء، وهو أدم معروف وليس هو عربيا، وهو يشبه الذي تسميه الناس الكافح، والكافح ليس هو عربيا لكنه عجمي معرب، وذكر(4/137)
الجواليقي في آخر كتابه في لحن العوام فيما جاء ساكنا فحركوه المري. وقال الجوهري في صحاحه: هو المري بكسر الراء وتشديدها وتشديد الياء، قال: كأنه منسوب إلى المرارة، قال: والعامة تخففه.
مسح: قوله في الوسيط في مسائل بيع الغائب كالمسح من التوزي، هو بكسر الميم وإسكان السين المهملة وبالحاء المهملة، وهو ثوب من الشعر غليظ معروف، ويقال له البلاس بفتح الباء الموحدة. قال ابن الجواليقي: جمعه بلس وجمع المسح مسوح.
مسك: المسك بكسر الميم هو الطيب المعروف. قال الجوهري: هو معرب، قال: وكانت العرب تسميه المشموم وهو مذكر. قال أبو حاتم في كتاب المؤنث والمذكر: فإن أنثه إنسان فعلى مذهب العسل والذهب؛ لأنك تقول مسكة ومسك كما تقول ذهبة حمراء وعسلة. وأنشد الجوهري في تأنيثه:
جديد ومن أردانها المسك تنفح
لقد عاجلتني بالسباب وثوبها
وقال: أراد الرائحة، وأما المسك بفتح الميم فهو الجلد، ومنه قوله في المهذب في كتاب الصداق: القنطار ملء مسك ثور ذهبا، ومنه قول العرب: غلام في مسك شيخ، وجمعه مسوك كفلوس والسين في كل هذا ساكنة. وأما قول ابن باطيش في الجلد: أنه مسك بفتح الميم والسين جميعا فخطأ صريح، وغلط قبيح بأتفاق أهل اللغة. وأما قوله في زكاة الذهب والفضة من المهذب: روي “أن امرأة أتت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي يدها مسكتان من ذهب” فهو بفتح الميم وفتح السين أيضا الواحدة مسكة بفتحهما أيضا، وهو سوار يتخذ من القرون غالبا، وهذا الحديث يدل على أنه يتخذ أيضا من الذهب، ويقال: أمسكت الشيء بيدي ومسكته بتخفيف السين وتشديدها ثلاث لغات: فما أمسكت ومسكت بالتشديد فمشهورتان، وأما مسكت مخففة فذكرها الهروي في الغريبين وغيره. قال الجوهري: ويقال أيضا تمسكت به واستمسكت به ومسكت به وامتسكت به كله بمعنى اعتصمت به وأمسكت عن الكلام سكت، وما تماسك أن فعل كذا أي: ما تمالك وما لبث، ويقال فيه مسكة من خير بضم الميم وإسكان السين أي: بقية. والإمساك: اسم للبخل. قال الجوهري: يقال فيه إمساك ومساك ومساكة يعني بفتح الميم فيهما أي: بخل، قال: فالمسك البخل يعني بضمتين. وفي الحديث: “إن أبا سفيان رجل مسيك” أي: شحيح بخيل، وهو عند أهل اللغة(4/138)
بفتح الميم وتخفيف السين على وزن شحيح وبخيل، وأما المحدثون فيقولونه بكسر الميم وتشديد السين. قال صاحب المطالع: ضبطه أكثر المحدثين بكسر الميم، ورواية المتقنين بفتح الميم وتخفيف السين، وكذا هو لأبي بحر المستملي، قال: وبالوجهين قيدته على أبي الحسين وبالفتح ذكره أهل اللغة؛ لأن أمسك لا يبني منه فعيل إنما يبنى من الثلاثي، وقد يقال مسكة لغة قليلة، هذا كلام صاحب المطالع. قلت: ورواية المحدثين صحيحة على هذه اللغة أعني: مسكة بتخفيف السين، وقد قدمتها.
مشط: المشط فيه لغات ضم الميم مع إسكان الشين ومع فتحها أيضا وكسر الميم مع إسكان الشين، ويقال ممشط بميمين الأولى مكسورة، ويقال له المشقىء بكسر الميم وإسكان الشين المعجمة وبالقاف مهموز وغير مهموز، والمشقاء بالمد، والمكد بكسر الميم وفتح الكاف، والقيلم بفتح القاف وإسكان المثناة من تحت وفتح اللام، والمرجل بكسر الميم، ذكرها كلها أبوعمر الزاهد في أول شرح الفصيح، وفي صحيح البخاري في أول كتاب مبعث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند حديث: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه” هكذا هو في جميع النسخ بمشاط. قال صاحب مطالع الأنوار: هو بكسر الميم. قلت: فيكون أما جمع مشط بكسر الميم كذئب وذئاب وبئر وبئار، وإما جمع مشط بالفتح ككلب وكلاب.
مطط: ذكر في المهذب في آخر صلاة الجمعة قال: قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: يكون كلامه في الخطبة مترسلا مبينا معربا تغن ولا تمطيط. قال الأزهري في الشرح: المط الإفراط في مد الحرف، يقال مط كلامه إذا مده، فإذا أفرط فيه فقد مططه.
مطي: قوله في المهذب في باب مقام المعتدة: لا تخرج بالليل لأن الليل مطية الفساد. ووقع في بعض النسخ مظنة بالظاء المعجمة والنون وفي أكثرها بالطاء المهملة والياء المثناة من تحت، وكذا ضبطه بالمهملة بعض الأئمة الفضلاء الناقلين عن خط المصنف، وقد تقدم أيضا في حرف الظاء المعجمة في فصل ظنن.
قال أهل اللغة: المطية تذكر وتؤنث وجمعها مطايا ومطي، قيل: مأخوذة من المطا مقصور وهو الظهور وجمعه أمطاء كقفاء وأقفاء.(4/139)
وقال الأصمعي: سميت مطية لأنها تمط في سيرها أي: تمد مأخوذة من المطو وهو المد. قال أبو زيد: يقال منه امتطيتها أي: اتخذتها مطية.
مع: قال صاحب المحكم: مع إسم معناه الصحبة، وكذلك مع بسكون العين غير أنه مع حركة العين يكون اسما وحرفا، ومع السكون حرف. وأنشد سيبويه:
وإن كانت زيارتكم لماما
وريشي منكم وهواي معكم
وقال اللحياني: وحكى الكسائى عن ربيعة وغنم: أنهم يسكنون العين من معْ فيقولون معكم ومعنا، قال: فإذا جاءت الألف واللام، وألف الوصل اختلفوا فيها فبعضهم يفتح العين وبعضهم يكسرها فيقولون مع القوم أو مع ابنك، وبعضهم يقولون مع القوم أو مع ابنك، أما من فتح العين مع الألف واللام فبناه على قولك كنا معَا فلما جعلها حرفا وأخرجها من الاسم حذف الألف وترك العين على فتحها، فقال: معَ القوم ومعَ ابنك، قال: وهو كلام عامة العرب يعني بفتح العين مع الألف واللام ومع ألف الوصل، قال: وأما من سكن فقال معْكم ثم كسر عند ألف الوصل فإنه أخرجه مخرج الأدوات مثل هل وبل وقد وكم، فقال معْ القوم كقولك كم القوم وبل القوم وتقول جئت من معهم أي: من عندهم بفتح الميم والعين، هذا آخر كلام صاحب المحكم.
وقال الأزهري: مع كلمة تضم الشيء إلى الشيء وأصلها معا، قال: قال الليث: وإذا أكثر الرجل من قول مع قيل هو يمعمع معمعة، ودرهم معمعي كتب عليه مع مع. وقال ابن الأعرابي: معمع الرجل إذا لم يحصل على مذهب يقول لكل أنا معك، ومنه قيل لمثله امع وامعة، والمعمعان شدة الحر والنوم، والمعمعاني شدة الحر، ويقال للحرب معمعة. وقال الجوهري: مع للمصاحبة، وقد تسكن وتنون تقول جاؤوا معا.
معى: المعا: بكسر الميم مقصور جمعه أمعاء بالمد. قال الواحدي: مثل ضلع وأضلاع، قال: وتثنيته معيان يعني بفتح العين، قال: وهو جميع ما في البطن من الحوايا. وقال غيره: الأمعاء المصارين وهو قريب منه.
مقل: في الحديث: “إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه” هو بضم القاف، وقال: مقله يمقله مقلا أي: غمسه، وهذا الحديث في صحيح البخاري. والمقلة: شحمة العين التي تجمع السواد والبياض، ويقال مقلته أي: نظرت إليه بمقلتي، حكاه الجوهري عن أبي عمرو. وفي كتاب المساقاة من(4/140)
الروضة في المساقاة على شجر: المقل وجهان: هو بضم الميم وإسكان القاف. قال الجوهري: المقل ثمر الدوم.
مكس: قال أهل اللغة: المماكسة هي المكالمة في النقص من الثمن، ومنه مكس الظلمة وهو ما ينقصونه من أموال الناس ويأخذونه منهم.
ملح: قال المزني في أول المختصر: قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: كل ماء من بحر عذب أو مالح فالتطهير به جائز، هكذا قاله مالح، وأنكره المبرد وغيره ممن تتبع ألفاظ الشافعي رضي الله تعالى عنه، وقالوا: هذا لحن، وإنما يقال ملح كما قال الله تعالى. وأجاب أصحابنا باجوبة أصحها: أن في الماء أربع لغات: ماء ملح، ومالح، ومليح، وملاح. قال إمام أبو سليمان الخطابي في كتابه الزيادات في شرح ألفاظ مختصر المزني: الجواب عن اعتراض هذا المعترض: أن اللغة تعطي اللفظين معا. قال الشاعر:
لأصبح طعم البحر من ريقها عذبا
ولو تفلت في البحر والبحر مالح
وقال آخر:
وأنى منها بين غاد ورائح
ومن بارد عذب زلال بمالح
وللرزق أسباب تروح وتغتدي
قنعت بثوب العدم حلة فلهذا
قال الخطابي: فيه ثلاث لغات ماء ملح، ومالح، وملاح، كما قالوا أجاج وزعاق وزلال، قال: والكل جائز، قال: وإنما نزل من اللغة العالية إلى التي هي أدنى للإيضاح والبيان وحسما للإشكال، والالتباس لئلا يتوهم متوهم أنه أراد بالملح المذاب فيظن أن الطهارة به جائزة، هذا كلام الخطابي، وأنشد أصحابنا في مالح بيتا لمحمد بن حازم:
ومازج عذبا من إخائك مالح
تلونت ألوانا علي كثيرة
وأنشدوا على مليح، قول خالد بن يزيد في رملة بنت الزبير:
مليحا شربنا ماءه باردا عذبا
ولو وردت ماء وكان قبيله
فهذا الذي ذكرناه هو الجواب الصحيح، وذكروا جوابا ثانيا: أن الشافعي إمام في اللغة فقوله فيها حجة. وجوابا ثالثًا أن هذه اللفظة ليست من كلام الشافعي، وإنما هي من كلام المزني وغير عبارة الشافعي، وهذا الجواب ليس بشيء، وكيف ينسب الخطأ إلى المزني وعنه مندوحة.
وقولهم لم يذكر الشافعي: هذا ليس بصحيح، وقد أنكره الإمام الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي الشافعي فقال في رسالته إلى الشيخ(4/141)
أبي محمد الجويني: أن أكثر أصحابنا ينسبون الغلط في هذا إلى المزني، ويزعمون أن هذه اللفظة لم توجد للشافعي. قال البيهقي: وقد سمى الشافعي البحر مالحا في كتابين أحدهما: في أمالي الحج في مسألة كون صيد البحر حلالا للمحرم، والثاني: في المناسك الكبير، وذكر البيهقي أيضا هذين النصين في كتابه كتاب رد الانتقاد على ألفاظ الشافعي. قال البيهقي: وذكر الإمام أبو منصور الأزهري محمد بن عبد الله الفقيه الأديب قال: أخبرني أبو عمر غلام ثعلب قال: سمعت ثعلبا يقول: كلام العرب ماء مالح وسمك مالح، وقد جاء عن العرب ماء ملح.
قال أبومنصور: وإذا حكى ثعلب هذا عن العرب كان حجة. قال أبو منصور: وسألت أبا حامد الجارولجي صاحب التكملة عن قول الشافعي ماء مالح، فقال: صحيح جائز تقول ماء ملح ومالح وكلاهما لغة. قال البيهقي: وفيما حكى أبو منصور الخمشادي في كتابه عن أبي محمد بن درستويه صاحب المبرد، قال: ويقال ماء مالح ومليح. قال أبو مصنور: وسألت أبا العلاء الحسن بن كوشاد وهو أوحد أهل عصره أدبا وفصاحة عن هذا، فقال: يقال ماء ملح إذا كان أصله ملحا ومالح إذا مازجته ملوحة.
قال البيهقي: وقد روينا في السنن الكبير عن أبي هريرة، قال: أتى نفر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: إنا نصيد في البحر ومعنا الماء العذب فربما تخوفنا العطش فهل يصلح أن نتزود من البحر المالح، فقال: “نعم”. وروى البيهقي حديثا آخر مرسلا بإسناده: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا شرب الماء قال: “الحمد لله الذي جعله عذبا فراتا برحمته ولم يجعله مالح أجاجا بذنوبنا” والملاح: بفتح الميم وتشديد اللام. وفي الحديث: “ضحى بكبشين أملحين” قال أهل اللغة: الأملح الذي فيه بياض وسواد وبياضه أكثر.
ملك: الملك بضم الميم مصدر الملك بكسر الميم، ومنه قولهم في التلبية: إن الحمد لك والملك، وقولهم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وإما ملك من مال أو غيره فيقال فيه هو ملك فلان، وملك يمينه بكسر الميم وفتحها وضمها ثلاث لغات: الكسر أفصح وأشهر، والملاك: والملاك بكسر الميم وفتحها، والأملاك كله بمعنى التزويج والأملاك أفصح وأشهر. روينا في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “(4/142)
خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم”.
ملل: قال أهل اللغة: يقال مللت الشيء بكسر اللام أمله بفتحها ومللت منه مللا وملالة وملة أي: سئمته واستمللته بمعنى مللته، ورجل ملول ومل وملولة وذو ملة، وامرأة ملولة، وأمله وأمل عليه أي: أماله، يقال أدل فأمل وأمل عليه بمعنى: أملى، والملة الدين، وفلان يتملل على فراشه ويتململ إذا لم يستقر من الوجع كأنه على ملة، وهي الرماد الحار. وقوله في خطبة الوسيط: الذي هو داعية الإملال أي: السآمة.
ملأ: قال الجوهري: أمليت الكتاب أملي وأمللته أمله لغتان جيدتان جاء بهما القرآن، واستمللته الكتاب سألته أن يمليه عليَّ، وأقمت عنده ملوة من الدهر، وملاوة وملاوة وملوة وملاوة أي: حينا وبرهة، حكاهن الفراء. والملى: من الزمان الطويل، ومضى ملى من النهار أي: ساعة طويلة، والملوان: الليل والنهار، وأمليت له في غيه أي: أطلت، وأملى الله تعالى له أي: أمهله.
قلت: والاملاء من كتب الشافعي رحمه الله تعالى يتكرر ذكره في هذه الكتب وغيرها من كتب أصحابنا، وهو من كتب الشافعي الجديدة بلا خلاف، وهذا أظهر من أن أذكره، ولكن استعمله في المهذب في مواضع استعمالا يوهم أنه من الكتب القديمة، فمن تلك المواضع في باب صلاة الجماعة في مسألة من أحرم منفرداً ثم دخل في الجماعة، وفي باب مواقيت الصلاة في فصل وقت العشاء فنبهت عليه، وقد أوضحت في شرح المهذب حاله، وأزلت ذلك الوهم بفضل الله تعالى.
وقد ذكر الإمام الرافعي في مواضع كثيرة بيان كونه في الكتب الجديدة، وذكره في صلاة الجماعة والصلاة على الميت وغيرهما، وكأنه خاف ما خفته من تطرق الوهم، وأما الأمالي القديمة الذي ذكره في المهذب في آخر باب إزالة النجاسة فمن الكتب القديمة وهو غير الإملاء المذكور.
من: تكرر في الأحاديث الصحيحة: “من غشنا فليس منا”، “من حمل علينا السلاح فليس منا”، ”من لم يتغن بالقرآن فليس منا” قال جمهور العلماء: المراد بهذا كله ليس على سنتنا أو على هدينا أو أدبنا أو مكارم أخلاقنا. وروينا في كتاب الترمذي رحمه الله تعالى في أبواب البر والصلة: في باب(4/143)
عن سفيان الثوري رحمه الله تعالى: أنه كان ينكر هذا التفسير، ومراده والله تعالى أعلم: أن هذا التفسير يخفف النهي، ويجرء الجاهل على انتهاك الحرمات، والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبر بهذه العبارات ليكون أبلغ في الزجر، فلا ينبغي أن يفسر ويشاع تفسيرها، هذا مراد سفيان الثوري رحمه الله تعالى.
وقول الفقهاء: باع منه كذا، هكذا يستعملونه بمن، وقد عد هذه جماعة من لحن الفقهاء، وقالوا: صوابه باعه كذا يعدى بنفسه، وهذا الانكار غير صحيح، بل قد صح استعمالها عن العرب، ففي صحيح البخاري في حديث وصية الزبير عن عبد الله بن الزبير قال: “باع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستمائة ألف” يعني: نصيبه الذي استوفاه من ابن الزبير. وفي حديث آخر: “فباع منه فرسا” وفي مسند أبي يعلى الموصلي عن عبد الرحمن بن وعلة النسائي وهو عربي، ومن الثقات، وقد روى له مسلم في صحيحه قال: سئل ابن عباس عن بيع الخمر من أهل الذمة، وذكر الحديث.
في صحيح البخاري في كتاب النكاح في باب من قال لا نكاح إلا بولي: عن معقل بن يسار قال: زوجت أختا لي من رجل. قيل: اسم هذه جميل بضم الجيم، وذكرها في تفسيره، وعبد الغني في المؤتلف، وفي صحيح مسلم في باب الأمر بوضع الجوائح عن جابر بن عبد الله قال: قال: “أرايت لو بعت من أخيك تمرا ثم أصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا، ثم تأخذ مال أخيك بغير حق” فعلى هذا يجوز أن تكون اللفظة تعدى بنفسها وبمن، ويجوز أن تكون من زائدة على مذهب الأخفش في جواز زيادة من في الواجب. وفي البخاري في أول البيوع في باب ما قيل في الصواغ: عن علي قال: “واعدت رجلا أن يرتحل معي فيأتي بأذخر أردت أن أبيع من الصواغين وأستعين به” هكذا هو في جميع الأصول من الصواغين، وكذا هو في صحيح مسلم من الصواغين. وفي أول كتاب البيوع من البخاري في باب من اشترى شيئا فوهبه من بايعه: عن ابن عمر: أن عمر كان له جمل فقال له النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “بعنيه” فباعه من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي أول الباب عن ابن عمر قال: “بعت من عثمان مالا بالوادي”. وفي صحيح مسلم في حديث جابر في بيعه الجمل، قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “بعنيه” فبعته منه بخمس أوراق.
منن: المنون: الموت. قال أبو حاتم السجستاني: سمعناها مؤنثة، قال: وقد ذكرها(4/144)
قوم كثيرون، ويروى لأبي ذؤيب:
أمن المنون وريبه تتوجع
ويروى: وريبها وهو أكثر. قال: وقد جعلوا المنون جمعا. قال عدي بن زيد:
من ذا عليه من أن يضام خفير
من دانت المنون عن ابن أم
قال الإمام أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن عمر بن إسحاق الأسدي في كتاب شرح اللمع في باب المفعول له: أعلم: أن الباء تقوم مقام اللام، قال الله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ} (النساء: من الآية160) وكذلك، قال الله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ} (المائدة: من الآية32) .
منى: المنى بفتح الميم مقصور على وزن العصا، هو رطل وتثنيته منوان، وجمعه أمناء، وقد يقال في لغة قليلة في الواحد من بتشديد النون، وكذا وقع في أكثر نسخ الوسيط في مسألة القلتين، وذكره في المهذب في بيع الغرر في مسائل بيع الصبرة والسمن في ظرفه يقال من على اللغة الفصيحة.
مهر: قوله في كتاب زكاة الإبل المهرية: هي بفتح الميم وإسكان الهاء منسوبة إلى مهرة ابن حيدان بفتح الحاء المهملة وإسكان المثناة تحت ابن عمرو بن الحارث بن قضاعة قبيلة كبيرة، كذا قاله السمعاني في الأنساب إلا أنه لم يقل إن الإبل منسوبة إليه، ولكن قاله جماعات غيره. وقال الواحدي في البسيط في تفسير الأحقاف: قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: الأحقاف واد بين عمان والمهرة وإليه ينسب الجمال المهرية.
موت: في الحديث: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “موتان الأرض لله تعالى ولرسوله ثم هي لكم مني” ذكره في إحياء الموات من المهذب. قال أهل اللغة: الموتان بفتح الميم والواو هو الموات. قال الأزهري في شرح ألفاظ المختصر: يقال للأرض التي ليس لها مالك ولا بها ماء ولا عمارة ولا ينتفع بها، ألا أن يجري إليها ماء، وتستنبط فيها عين، أو تحفر فيها بئر موات وميتة، وموتان بفتح الميم والواو وكل شيء من متاع الأرض لا روح فيه فهو موتان ويقال فلان يتبع الموتان، فأما ما كان ذا روح فهو الحيوان، وأرض ميتة إذا يبست ويبس نباتها، فإذا سقاها السماء صارت حية بما يخرج من نباتها، ورجل موتان الفؤاد إذا ذكي ولا فهم يعني بإسكان الواو، ووقع في المال موتان وموات(4/145)
يعني: بضم الميم فيهما وهو الموت الذريع، هذا آخر كلام الأزهري.
قال أهل اللغة: ويقال مات الإنسان يموت ويمات فهو ميت وميت والجمع موتى وأموات وميتون وميتون، ويقال أماته الله تعالى وموته والمتماوت صفة للناسك المرائي قاله الجوهري، والمستميت للأمر المسترسل له والمستميت أيضا المستقتل الذي لا يبالي في الحرب من الموت. قال الجوهري: ويستوي في قولك ميت وميت المذكر والمؤنث قال الله تعالى: “لنحى به بلدة ميتا” ولم يقل ميته، قال: قال الفراء: يقال لمن لم يمت أنه مائت عن قليل وميت، ولا يقولون لمن مات هذا مائت.
قال أهل اللغة والفقهاء: الميتة ما فارقته الروح بغير زكاة وهى محرمة كلها إلا السمك والجراد فإنهما حلالان بإجماع المسلمين، وإلا جلد الميتة إذا دبغ فإن في حله إذا كان الحيوان مأكول اللحم قولين: وإن كان غير مأكول فطريقان أحدهما: لا يحل قولا واحدا. والثاني: أنه على الخلاف في المأكول وإلا الجنين بعد زكاة أمه إذا انفصل ميتا، والصيد إذا قتله الكلب المعلم والسهم وما في معناهما: إذا أرسله من هو من أهل الزكاة ولم تدرك زكاته، وقد يقال في هذا هذه زكاة ولكن عده صاحب الحاوي وغيره في الميتات المستثناة، وكل الميتات نجسات إلا هذه المذكورات، وإلا الأدمي فإنه ظاهر على أصح القولين مسلما كان أو كافرًا، وإلا ما ليس له نفس سائلة فإنه طاهر على وجه ضعيف، والمختار المشهور أنه نجس لكن لا ينجس ما مات فيه على المذهب الصحيح، وإلا دود الخل والجبن والتفاح والباقلاء والتين وما أشبهها، فإن في جواز أكلها ثلاثة أوجه أصحها يجوز أكلها مع ما مات فيه، ولا يجوز أكلها منفردة، والثاني: يجوز مطلقا، والثالث: لا يجوز أكلها مطلقا.
وقد أوضحت كل هذه المسائل بدلائلها وبسطت القول فيها في شرح المهذب ثم في شرح التنبيه، وإنما أشرت إلى أحرف منها هنا لذكر الميتة، والله تعالى أعلم.
وفي الحديث: “من مات وهو مفارق للجماعة فإنه يموت ميتة جاهلية” ذكره في المهذب في أول قتال أهل البغي: وهي بكسر الميم وإسكان الياء. قال أهل اللغة: والميتة بكسر الميم إسم للحالة، وكذلك القتلة والذبحة، ويقال مات فلان ميتة حسنة وطيبة. وأما قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في البحر: “الحل ميتته” فبفتح الميم بلا خلاف بين أهل اللغة والحديث والفقه، ومعناه: الحيوان(4/146)
الميت فيه. قال أهل اللغة: والموتة بضم الميم وإسكان الواو ضرب من الجنون، وأمات فلان إذا مات له ابن أو بنون، وأماتت المرأة إذا مات ولدها. وفي الحديث: “طريق مئتاء” بكسر الميم وبعدها همزة وبالمد وتسهل فيقال: ميتاء بياء ساكنة كما في نظائره. قال صاحب المطالع: معناه كثير السلوك عليه مفعال من الإتيان، قال: وقال أبو عبيد: وقال بعضهم: طريق مأتي أي يأتي عليه الناس، وهو صحيح أيضا.
موث: يقال: ماث التمر ونحوه في الماء يموثه ويميثه لغتان بالواو والياء ومثته بكسر الميم أميثه، ويقال “أماثه في الماء” لغة قليلة حكاها الهروي وصاحب المطالع، والمشهور الأول ماث ثلاثي، وقد ثبت أماث بالألف في صحيح البخاري في كتاب الوليمة في حديث سهل بن سعد، قال: “بلت المرأة تمرا ثم أماثته”.
مول: روينا في حلية الأولياء عن سفيان الثوري رحمه الله تعالى، قال: سمي المال لأنه يميل القلوب. قلت: وهذه مناسبة في المعنى، وإلا فليس مشتقا من ذلك فإن عين المال واو والإمالة من الميل ياء، ومن شروط الاشتقاق: الاتفاق في الحروف الأصلية. قال الجوهري: تصغير المال مويل ومال الرجل يمول ويمال مولا ومؤولا إذا صار ذا مال وتمول مثله وموله غيره. ورجل مال أي: كثير المال.
ميل: وأما القصر ثمانية وأربعون ميلا بالهاشمي. فقال أبو الحسن علي بن سعيد بن عبد الرحمن العبدري من أصحابنا في كتاب الكفاية في مسائل الخلاف بين العلماء كلهم: الميل أربعة آلاف خطوة كل خطوة ثلاثة أقدام بوضع قدم أمام قدم ويلصق به. قال القلعي: الميل أربعة آلاف خطوة أو ستة الآف ذراع أو اثنا عشر ألف قدم، والذراع أربعة وعشرون أصبعا، والأصبع ثلاث شعيرات مضمومة بعضها إلى بعض عرضا، هكذا قال ثلاث شعيرات وهو غلط وصوابه ست شعيرات، والله تعالى أعلم.(4/147)
فصل في أسماء المواضع
مأرب: مذكور في كتاب إحياء الموات: هو بهمزة ساكنة بعد الميم ثم راء مكسورة ثم باء موحدة، ويجوز تخفيف الهمزة وجعلها ألفا كما في رأس وشبهه.
المأزمان: المذكوران في صفة الحج هما بهمزة ساكنة بعد الميم الأولى وبعدها زاي مكسورة وهما مثنيان، واحدهما مأزم، وهو الذي ذكرته من كونه مهموزا، متفق عليه لا خلاف فيه بين أهل اللغة والحديث والضبط، لكن يجوز تخفيفها بقلب الهمزة ألفا، كما في رأس وشبهه، ولا يصح إنكار من أنكر على المتفقهين ترك الهمزة، ونسبهم إلى اللحن بل هو غالط، فإن تخفيف هذه الهمزة جائز باتفاق أهل العربية فمن همز فهو على الأصل، ومن لم يهمز فهو على التخفيف، فهما جائزان فصيحان، والمأزمان جبلان بين عرفات والمزدلفة بينهما طريق، هذا معناهما عند الفقهاء، فقولهم على طريق المأزمين أي: الطريق التي بينهما، وأما أهل اللغة فقالوا: المأزم الطريق الضيق بين الجبلين. وذكر الجوهري قولا آخر فقال: المأزم أيضا موضع الحرب، ومنه سمي الموضع الذي بين مزدلفة وعرفة مأزمين.
محسر: مذكور في صفة الحج هو بميم مضمومة ثم حاء مفتوحة ثم سين مشددة مكسورة ثم راء مهملات في صحيح مسلم في باب استحباب استدامة التلبية حتى يرمي جمرة العقبة عن ابن عباس: "أن وادي محسر من منى".
المحصب: المذكور في صفة الحج وهو الذي نزله النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين انصرف من منى، وهو بميم مضمومة ثم حاء ثم صاد مشددة مهملتين مفتوحتين ثم باء موحدة، وهو اسم لمكان متسع بين مكة ومنى. قال صاحب المطالع: هو أقرب إلى منى، قال: وهو الأبطح والبطحاء وخيف بني كنانة، والمحصب أيضا موضع الجمار من منى، ولكن ليس هو المراد بالمحصب هنا.
قلت: وقد أوضحت حد المحصب في الروضة، وأنه ما بين الجبلين إلى المقابر وليست المقبرة منه، وقال: وسمي لاجتماع الحصى فيه بحمل السيل إليه فإنه موضع منهبط، وهو بقرب مكة.
وقول صاحب المطالع: أنه أقرب إلى منى ليس بصحيح. قال أصحابنا في كتب(4/148)
المذهب: حد المحصب ما بين الجبلين إلى المقابر وليست المقبرة منه، قال: وسمي لاجتماع الحصباء فيه لأنه منهبط وتحمل السيل إليه الحصباء. وقال الأزرقي في حد المحصب من الحجون: مصعدا في الشق الأيسر وأنت ذاهب إلى منى حرمان مرتفعا عن بطن الوادي، فذلك كله المحصب، والحجون هو الجبل المشرف على مسجد الحرس بأعلى مكة على يمينك وأنت مصعد.
المدينة: مدينة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، زادها الله تعالى فضلا وشرفا، ولها أسماء: المدينة وطيبة بفتح الطاء المهملة وإسكان الباء وبعدها باء موحدة، وطابة. وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “إن الله عز وجل سمى المدينة طابة” قيل: سميت بذلك من الطيب، وهي الرائحة الحسنة، والطاب والطيب لغتان بمعنى واحد. وقيل: مأخوذة من الشيء الطيب لخلوصها من الشرك وطهارتها منه. وقيل: لطيبها لساكنيها لأمنهم ودعتهم فيها. وقيل: من طيب العيش بها، ويقال طاب لي الشيء أي: وافقني، ومن أسمائها الدار سميت بذلك لأمنها وللاستقرار بها، ومن أسمائها: يثرب، وروينا في كتاب الترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “آخر قرية من قرى الإسلام خرابا المدينة” قال الترمذي: حديث حسن.
مرج الصفر: الموضع المعروف بقرب دمشق بينهما دون مرحلة. قال أبو الفتح الهمداني: الصفر هنا جمع صافر كشاهد وشهد، والصافر طير جبان، ومنه قولهم أجبن من صافر. والصافر: اللص ولا شيء أجبن منه لخوفه أن يفاجا على تلك الحال، والصافر أيضا كل من الطير، قال: فإن كان الصفر هنا من المعنى الأول فلأنه موضع مخافة تكون به اللصوص التي يصفر بعضها لبعض، وإن كان من الثاني فلأنه مكان خال يجتمع فيه الطير فيصفر.
مر: مذكور في أول صلاة المسافر من المهذب في قوله: قال عطاء: قلت لابن عباس: أقصر إلى مرّ، قال: لا، وهو بفتح الميم وتشديد الراء، ويقال له مر الظهران بفتح الظاء المعجمة وإسكان الهاء فمر قرية ذات نخل وثمار وزرع ومياه، والظهران: إسم للوادي، هكذا نقله الحازمي عن سنان، وهو على أميال من مكة إلى(4/149)
جهة المدينة والشام. قال الحازمي: قال الواقدي: بين مكة ومر خمسة أميال. وقال صاحب المطالع: بينهما يريد يعني أربعة أميال. قال: وقال ابن وضاح: بينهما أحد وعشرون ميلا. وقيل: ستة عشر ميلا. قلت: من قال خمسة أو أربعة أميال أو نحوها فهو غلط وإنكار للحس، بل الصواب أحد القولين الآخرين، والله تعالى أعلم. وقوله: “أقصر إلى مر” يعني إذا سافرت من مكة إلى مر.
المروة: بفتح الميم بينتها في حرف الصاد مع الصفا.
المزدلفة: فيها مسجد. قال الأزرقي والماوردي في الأحكام السلطانية وغيره من أصحابنا: المزدلفة ما بين وادي محسر ومأزمي عرفة، وليس الحران منها، وتسمى جمعا بفتح الجيم وإسكان الميم لاجتماع الناس بها، وسميت المزدلفة لازدلاف الناس إليها أي: اقترابهم. وقيل: لاجتماع الناس بها. وقيل: لاجتماع آدم وحواء. وقيل: لمجيء الناس إليها في زلف من الليل أي: ساعات. قال الأزرقي: في ذرع مسجدها تسع وخمسون ذراعا وشبر في مثله.
المسجد الأقصى: هو بيت المقدس باتفاق العلماء، وكذا نقل الاتفاق عليه الواحدي قالوا كلهم: وسمي الأقصى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام.
المسجد الحرام: زاده الله تعالى فضلا وشرفا. قال الأزرقي: في ذرع المسجد الحرام مكسرا مائة ألف ذراع وعشرون ألف ذراع، وذرعه طولا من باب بني جمح إلى باب بني هاشم الذي عنده العلم الأخضر مقابل دار العباس ابن عبد المطلب أربعمائة ذراع وأربعة أذرع مع جدرانه ثم يمر في بطن الحجر لاصقا بوجه الكعبة، وعرضه من باب دار الندوة إلى الجدار الذي يلي الوادي عند باب الصفا لاصقا بوجه الكعبة ثلاثمائة ذراع وأربعة أذرع.
قال الأزرقي: وأما عدد أساطين المسجد الحرام فمن شقه الشرقي مائة وثلاث أسطوانات، ومن شقه الغربي مائة أسطوانه وخمس أسطواناتن ومن شقه الشامي مائة وخمس وثلاثون أسطوانه، ومن شقه اليماني مائة واحد وأربعون أسطوانه، طول كل أسطوانه عشرة أذرع، وتدويرها ثلاثة أذرع، وبعضها يزيد على بعض في الطول، والغلظ من هذه الأساطين على الأبواب عشرون أسطوانه منها: على الأبواب التي بلي الوادي والصفا عشر، وعلى التي تلي باب بني جمح(4/150)
أربع، وعلى الأبواب التي تلي المسعى ست، وذرع ما بين كل أسطوانتين من أساطينه ستة أذرع وثلاث عشرة أصبعا، وذرع ما بين الركن الأسود إلى مقام إبراهيم عليه السلام تسعة وعشرون ذراعا وتسع أصابع، وذرع ما بين جدار الكعبة من وسطها إلى المقام سبعة وعشرون ذراعا، وذرع ما بين شاذروان الكعبة والمقامات ستة وعشرون ذراعا ونصف، ومن الركن الشامي إلى المقام ثمانية وعشرون ذراعا، وتسع عشرة أصبعا من الركن الذي فيه الحجر الأسود إلى حد حجرة زمزم ستة وثلاثون ذراعا ونصف، ومن الركن الأسود إلى رأس زمزم أربعون ذراعا، ومن وسط جدار الكعبة إلى جدار المسعى مائتا ذراع وثلاثة عشر ذراعا، ومن وسط جدار الكعبة إلى الجدار الذي يلي باب بني جمح مائة وتسعة وتسعون ذراعا، ومن وسط جدار الكعبة إلى الجدار الذي يلي الوادي مائة ذراع وأحد وأربعون ذراعا وثماني عشرة أصبعا، ومن وسط جدار الكعبة الذي يلي الحجر إلى الجدار الذي يلي دار الندوة مائة ذراع وتسعة وثلاثون ذراعا وأربع عشرة أصبعا، ومن الركن الأسود إلى وسط باب الصفا مائة وخمسون ذراعا وست أصابع، ومن الركن الشامي إلى وسط باب بني شيبة مائتا ذراع وخمسة وأربعون ذراعا وخمس أصابعن ومن الركن الأسود إلى سقاية العباس وهو بيت الشراب خمسة وأربعون عشرة ذراعا، ومن الركن الأسود إلى الصفا مائتا ذراع واثنان وتسعون ذراعا وثماني عشرة أصبعا، ومن المقام إلى جدار المسجد الذي يلي المسعى مائة ذراع
وثمانية وثمانون ذراعان ومن المقام إلى الدار الذي يلي باب بني جمح مائتا ذراع وثمانية عشر ذراعا، ومن المقام إلى الجدار الذي يلي دار الندوة مائتا ذراع وخمسة وأربعون ذراع، ومن المقام إلى الجدار الذي يلي الصفا مائة ذراع وأربعة وستون ذراعا ونصف ذراع، ومن المقام إلى جدار حجرة زمزم اثنان وعشرون ذراعا، ومن المقام إلى حرف زمزم أربعة وعشرون ذراعا وعشرون أصبعا.
قال: وللمسجد الحرام ثلاثة وعشرون بابا، فيها ثلاث وأربعون طاقا من ذلك الباب الأول الكبير الذي يقال له باب بني شيبة، وهو باب بني عبد شمس بن عبد مناف، وبهم كان يعرف في الجاهلية والإسلام عند أهل مكة فيه اسطوانتان وعليه ثلاث طاقات، والطاقات طولها عشرة(4/151)
أذرع، ووجوهها منقوشة بالفسيفساء، وعلى الباب روشن ساج منقوش مزخرف بالزخرف، والذهب طول الروشن سبعة وعشرون ذراعا، وعرضه ثلاثة أذرع ونصف، ومن الروشن إلى الأرض سبعة عشر ذراعا، وما بين مصراعي الباب أربع وعشرون ذراعا، وفي عتبة الباب أربع مراقي داخلة ينزل بها في المسجد الحرام.
ثم ذكر باقي الأبواب مفصلة، قال: وذرع جدار المسجد الذي يلي باب المسعى، وهو الشرقي ثمانية عشر ذراعا في السماء، وطول الجدار الذي يلي الوادي وهو الشق اليماني في السماء اثنان وعشرون ذراعا، وطول الجدار الذي يلي باب بني جمح وهو الغربي اثنان وعشرون ذراعا ونصف، وطول الجدار الذي يلي دار الندوة وهو الشامي تسعة عشر ذراعا ونصف، وعدد شرافات المسجد الحرام مائتا شرافة واثنتان وسبعون شرافة ونصف شرافة، وعدد قناديله أربعمائة وخمسة وخمسون قنديلا، وذرع ما بين الصفا والمروة سبعمائة ذراع، وستة وستون ذراعا ونصف ذراع.
وأعلم: أن المسجد الحرام ويراد به الكعبة فقط، وقد يراد به المسجد حولها معها، وقد يراد به مكة كلها مع الحرم حولها بكماله. وقد جاءت نصوص الشرع بهذه الأقسام الأربعة: فمن الأول قول الله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (البقرة: من الآية144) ، ومن الثاني قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام”، ومن الثالث: قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام إلى آخره” ومن الرابع: قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (التوبة: من الآية28) وأما قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (البقرة: من الآية196) فقال العلماء من أصحابنا وغيرهم: حاضروه من كان منه لا تقصر فيها الصلاة.
ثم اختلف أصحابنا في أن هذه المسافة هل تعتبر من نفس مكة أو من طرف الحرم؟ والأصح من طرف الحرم، فتحصل من هذا خلاف في المراد بالمسجد الحرام هل هو كل الحرم وهو الأصح، أم مكة وحدها. وأما قوله تعالى: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً} (الحج: من الآية25) فحمله الشافعي رضي الله تعالى عنه وأصحابه ومن وافقهم على المسجد الحرام الذي حول الكعبة مع الكعبة، فقالوا: هذا يستوي فيه الناس، ولا يجوز بيعه ولا إجارته، وأما ما سواه من دور مكة وسائر بقاع الحرم(4/152)
فيجوز بيعها وأجارتها، وحمله أبو حنيفة وأصحابه ومن وافقهم على جميع الحرم، فلم يجوزوا بيع شيء منه ولا إجارته، والمسألة مشهورة بالخلاف.
وأما قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} (الاسراء: من الآية1) فقال المفسرون: إن المراد به مكة، وكان الإسراء من بيت أم هانىء بنت أبي طالب رضي الله تعالى عنها، وليس ما ادعوه من الحرم بذلك.
قال الأزرقي: ومن باب المسجد الحرام، وهو الباب الكبير باب بني عبد شمس الذي يعرف اليوم ببني شيبة إلى أول الأميال، وموضعه على جبل الصفا. والميل الثاني الذي في حد جبل المغيرة، والميل طوله ثلاثة أذرع وهو من الأميال المروانية. وموضع الميل الثالث بين مأزمي منى. وموضع الميل الرابع دون الجمرة الثالثة التي تلي مسجد الخيف بخمس عشر ذراعا. وموضع الميل الخامس وراء قرن الثعالب بمائة ذراع. وموضع الميل السادس في جدار حائط محسر وبين جدار حائط محسر ووادي محسر خمسمائة ذراع، وخمس وأربعون ذراعا. وموضع الميل السابع دون مسجد مزدلفة بمائتي ذراع وسبعين ذراعا. وموضع الميل الثامن من حد الجبل دون مأزمي عرفة، وهو بحيال سقاية زبيدة والطريق بينه وبين سقاية زبيدة، وهو على يمينك وأنت متوجه إلى عرفات. وموضع الميل التاسع ما بين مأزمي عرفة بفم الشعب الذي يقال له شعب المبال الذي بال فيه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين دفع من عرفة ليلة المزدلفة. وموضع الميل العاشر حيال سقاية ابن برمك وبينهما طريق، وهو في حد الجبل جبل المنظر. وموضع الميل الحادي عشر في جدار الدكان الذي تدور حوله قبلة مسجد عرفة مسجد إبراهيم خليل الرحمن صلواته وسلامه على خليله، بينه وبين جدار المسجد خمسة وعشرون ذراعا. وموضع الميل الثاني عشر خلف الإمام حيث يقف عشية عرفة على قرن يقال له النابت بينه وبين موقف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشرة أذرع، فما بين المسجد الحرام وبين موقف الإمام بعرفة بريد لا يزيد ولا ينقص، هذا كلام الأزرقي.(4/153)
مسجد الخيف: مسجد عرفة الذي يقال له مجسد إبراهيم عليه السلام. قال الأزرقي: في ذرع ما بين مسجد مزدلفة إلى مسجد عرفة ثلاثة أميال وثلاثة آلاف وثلاثمائة وسبعة عشر ذراعا، قال: وذرع سعة مسجد عرفة من مقدمه إلى مؤخره مائة ذراع وثلاثة وستون ذراعا، ومن جانبه الأيمن إلى جانبه الأيسر بين عرفة والطريق مائتا ذراع وثلاثة عشر ذراعا وله مائتا شرافة وثلاثة شرافات ونصف وله عشرة أبواب، ومن حد الحرم إلى مسجد عرفة ألف ذراع وستمائة ذراع وخمسة أذرع، ومن نمرة وهو الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك إذا خرجت من مأزمي عرفة تريد الموقف، ومن تحت جبل عرفة غار أربعة في خمسة أذرع ذكروا أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان ينزله يوم عرفة حتى يروح إلى الموقف وهو منزل الأئمة إلى اليوم، والغار داخل في حد دار الإمام، ومن الغار إلى مسجد عرفة ألفا ذراع وإحدى عشر ذراعا، ومن مسجد عرفة إلى موقف الإمام عشية عرفة ميل، يكون الميل خلف الإمام إذا وقف، وهو على حيال جبل المشاة.
المشعر الحرام: بفتح الميم كذا التلاوة في القرآن والرواية في الحديث، قال صاحب المطالع الأنوار: ويجوز كسر الميم لكنه لم يرو إلا بالفتح. وقد حكى الجوهري وغيره لغة الكسر ومعنى الحرام المحرم الذي يحرم فيه الصيد وغيره فإنه من الحرم، ويجوز أن يكون معناه ذو الحرمة. وأختلف فيه فالمعروف في كتب أصحابنا في المذهب: أن المشعر الحرام قزح وهو جبل معروف بالمزدلفة، والمعروف في كتب التفسير والحديث والأخبار والسير أنه المزدلفة كلها، وسمي مشعرًا لما فيه من الشعائر، وهي معالم الدين وطاعة الله تعالى، وثبت في صحيح البخاري في كتاب الحج في باب من قدم ضعفة أهله بليل: عن سالم بن عبد الله قال: “كان عبد الله بن عمر يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة ويذكرون الله تعالى” وهذا دليل على ما قاله أصحابنا.
مصر: البلد المعروفة فيها لغتان الصرف وتركه، والفصيح الذي جاء به القرآن ترك الصرف، ومما ذكر في مفاخرها إسلام السحرة، وكانوا خلائق في لحظة واحدة {قالوا آمنا برب العلمين} قوله(4/154)
في باب مواقيت الحج من المهذب: “لما فتح المصران أتوا عمر رضي الله تعالى عنه يعني ليحد لهم ميقاتا” المصران: بكسر الميم والنون تثنية مصر، وهو البلد الكبير العظيم، والمراد بهما الكوفة والبصرة.
المقام: مقام إبراهيم خليل الله عليه السلام هو في المسجد الحرام، قبالة باب البيت وهو موضع معروف، هذا مراد الفقهاء بقولهم: يصلي ركعتي الطواف خلف المقام، وشبه ذلك من ألفاظهم.
وأما المفسرون: فقد اختلفوا فيه اختلافا كثيرًا منشرا، وقد قدمنا عن ابن عباس وابن عمرو بن العاصي في باب الحاء في المواضع: أنهما قالا “الحجر الأسود والمقام من الجنة”. قال أبو الوليد الأزرقي في ذرع المقام ذراع: قال: وهو مربع سعة أعلاه أربعة عشر أصبعا في أربعة عشر أصبعا، ومن أسفله مثل ذلك، وفي طرفيه من أعلاه وأسفله طوقان من ذهب، وما بين الطوقين من الحجر من المقام بارز، بلا ذهب عليه طوله من نواحيه، كلها تسع أصابع، وعرضه عشر أصابع عرضا في عشر أصابع طولا، وعرض حجر المقام من نواحيه إحدى وعشرون أصبعا ووسطه مربع، والقدمان داخلتان في الحجر تسع أصابع، ودخولهما منحرفتان، وبين القدمين من الحجر أصبعان، ووسطه قد استدق من التمسح به، والمقام في حوض من ساج مربع حوله رصاص، وعلى الحوض صفائح رصاص ملبس به، وعلى المقام صندوق ساج مسقف، ومن وراء المقام ملبس بساج في الأرض، في طرفيه سلسلتان يدخلان في أسفل الصندوق ويقفل عليهما فيهما قفلان، وهذا الموضع الذي فيه المقام اليوم هو الموضع الذي كان فيه في الجاهلية، ثم في زمن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبعده، ولم يغير من موضعه إلا أنه جاء سيل في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقال له سيل أم نهشل؛ لأنه ذهب بأم نهشل بنت عبيدة بن أبي أحيحة فماتت فيه، فاحتمل ذلك السيل المقام من موضعه هذا، فذهب به إلى أسفل مكة فأتي به فربطوه في أستار الكعبة في وجهها، وكتبوا بذلك إلى عمر، فأقبل عمر رضي الله تعالى عنه من المدينة فزعا فدخل بعمرة في شهر رمضان وقد(4/155)
غبي موضعه وعفاه السيل، فجمع عمر الناس وسألهم عن موضعه وتشاوروا عليه حتى اتفقوا على موضعه الذي كان فيه فجعل فيه، وعمل عمر الردم لمنع السيل، فلم يعله سيل بعد ذلك إلى الآن، وروى الأزرقي أن موضع المقام الذي هو فيه الآن هو موضعه في الجاهلية وفي زمن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، وكان ذهب به السيل في خلافة عمر فقدم عمر فرده إلى
موضعه بمحضر من الناس. وروي نحو هذا عن عروة ابن الزبير وآخرين: وبعث أمير المؤمنين المهدي ألف دينار لينصبوا بها المقام وكان قد انثلم، ثم أمر المتوكل أن يجعل عليه ذهب فوق ذلك الذهب أحسن من ذلك العمل، فعمل في مصدر الحاج سنة ست وثلاثين ومائتين فهو الذهب الذي عليه اليوم، وهو فوق الذي عمله المهدي، والله تعالى أعلم.
مكة: زادها الله تعالى شرفا وفضلا، هي أفضل الأرض عند الشافعي وجماعات من العلماء وبعدها المدينة وعند مالك المدينة أفضل ثم مكة وسنبين أدلة ذلك موضحة إن شاء الله تعالى في المجموع في شرح المهذب. قيل: سميت مكة لقلة مائها من قولهم امتك الفصيل ضرع أمه إذا امتصه. وقيل: لأنها تمك الذنوب أي: تذهب بها. ولمكة أسماء: بكة بالباء وقد تقدمت في الباء وتقدم الخلاف في الفرق بينهما، والبلد الأمين، والبلدة، وأم القرى، وأم رحم: بضم الراء وإسكان الحاء، نقله الماوردي في الأحكام السلطانية عن مجاهد، وقال: سميت به لأن الناس يتراحمون فيها ويتوادعون. وصلاح: بفتح الصاد وكسر الحاء مبني على الكسر كقطام وحذام ونظائرهما، حكاه مصعب الزبيري. قال الماوردي: لأمنها. والباسة: بالباء والسين المهملة. قال المارودي: لأنها تبس مَنْ ألحد فيها أي: تحطمه وتهلكه، ومنه قوله تعالى: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً} (الواقعة:5) ، قال الماوردي وصاحب المطالع وغيرهما: ويروى الناسة بالنون. قال في المطالع: ويقال الناسة.
قال الماوردي: لأنها تنس من ألحد فيها أي: تطرده وتنفيه كذا قاله الماوردي. وقال الجوهري في صحاحه: قال الأصمعي: النس النبس يقال نس ينس وينس أي: يبس، وجاءنا بخبزة ناسة، ومنه قيل: لمكة الناسة لقلة مائها. وقال صاحب المطالع: ومن أسمائها: الحاطمة: لحطمها الملحدين، والرأس: مثل رأس الإنسان، وكوبى: باسم بقعة فيها, والعرش والقادس والمقدسة من(4/156)
التقديس فهذه ستة عشر اسما.
وأعلم: أن كثرة الأسماء تدل على عظم المسمى كما في أسماء الله تعالى وأسماء رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا نعلم بلدا أكثر أسماء من مكة والمدينة لكونهما أفضل الأرض، وذلك المقتضية للتسمية. قال الماوردي: ولم تكن مكة ذات منازل، وكانت قريش بعد جرهم، والعمالقة ينتجعون جبالها وأوديتها ولا يخرجون من حرمها انتسابا إلى الكعبة لاستيلائهم عليها، وتخصصها بالحرم لحلولهم فيه، ويرون أنهم سيكون لهم بذلك شأن كلما كثر فيهم العدد.
الملتزم: ذكروه في هذه الكتب، وقالوا: هو ما بين ركن الكعبة والباب يعنون: بين الركن الذي فيه الحجر الأسود وباب الكعبة وهذا متفق عليه. وقال الأزرقي: وذرعه أربعة أذرع وهو بضم الميم وإسكان اللام وفتح التاء والزاي سمي بذلك؛ لأن الناس يلتزمونه في الدعاء، ويقال له المدعى والمتعود بفتح الواو، وهو من المواضع التي يستجاب فيها الدعاء هناك، وهي مواضع ذكرتها في المناسك.
منى: بكسر الميم تصرف ولا تصرف، واقتصر ابن قتيبة في أدب الكاتب على أنها لا تصرف، واقتصر الجوهري في الصحاح على أن منى مذكر مصروف سميت بذلك لما تمنى فيها من الدماء أي: تراق وتصب، هذا هو المشهور الذي قاله الجماهير من أهل اللغة وغيرهم، ونقل الأزرقي وغيره أنها سميت بذلك؛ لأن آدم لما أراد مفارقة جبريل عليه السلام قال له: تمن، قال: أتمنى الجنة. وقيل: أنها من قولهم منى الله تعالى الشيء أي: قدره فسميت بذلك لما جعل الله تعالى من الشعائر فيها. قال الجوهري: قال يونس: امتنى القوم إذا أتوا منى.
وقال ابن الأعرابي: أمنى القوم وهي من حرم مكة زادها الله تعالى شرفا، وهي شعب ممدود بين جبلين أحدهما ثبير والآخر الضائع، وحدها من جهة الغرب ومن جهة مكة جمرة العقبة، ومن الشرق وجهة مزدلفة وعرفات بطن المسيل إذا هبطت من وادي محسر. وقال بعض المصنفين في هذا ذرع منى من جمرة العقبة إلى وادي محسر سبعة آلاف ذراع ومائتا ذراع ومائتا ذراع، ومن مكة إلى منى ثلاثة أميال. قال الأزرقي وأصحابنا: هي ما بين جمرة العقبة ووادي محسر. قال الأزرقي: ذرع ما بين جمرة العقبة ووادي محسر سبعة الآف ذراع ومائتا ذراع، قال: وعرض منى من مؤخر المسجد(4/157)
الذي يلي الجبل إلى الجبل الذي بحذائه ألف ذراع وثلاثمائة ذراع، قال: ومن جمرة العقبة إلى الجمرة الوسطى أربعمائة ذراع وسبعة وثمانون ذراعا واثنتا عشرة أصبعا، ومن الجمرة الوسطى إلى الجمرة التي تلي مسجد الخيف ثلاثمائة ذراع وخمسة أذرع، ومن الجمرة التي تلي مسجد الخيف ثلاثماءة ذراع وخمسة أذرع، ومن الجمرة التي تلي مسجد الخيف إلى أوسط أبواب المسجد ألف ذراع وثلاثمائة ذراع وإحدى وعشرون ذراعا، هذا كلام الأزرقي.
حرف النون
نبر: المنبر مكسور الميم وهو من النبر وهو الارتفاع. قال الجوهري: نبرت الشيء انبره نبرًا رفعته، ومنه سمي المنبر قلت: واتخاذ المنبر سنة تواترت الأخبار بمنبر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان له ثلاث درجات، كذا رويناه في صحيح مسلم وغيره من رواية سهل بن سعد الساعدي: "ويستحب أن يكون المنبر على يمين المحراب قريبًا منه" وروى الأزرقي في كتاب مكة: أن أول من خطب بمكة على منبر معاوية بن أبي سفيان قدم معه من الشام سنة حج في خلافته منبر صغير على ثلاث درجات، وكانت الخلفاء والولاة قبل ذلك يخطبون على أرجهلم قيامًا في وجه الكعبة وفي الحجر، وكان ذلك المنبر الذي قدم به معاوية ربما خرب فيعمر ولا يزاد فيه، حتى حج هارون الرشيد في خلافته فأهدى له عامله على مصر موسى بن عيسى منبرًا عظيما فيه تسع درجات منقوشات مكان منبر مكة، ثم أخذ منبر مكة القديم فجعل لعرفة.
نبط: قال العلماء: الاستنباط استخراج ما خفي، المراد به من اللفظ، وسمي النبط والاستنباط لاستخراجهم ينابيع الأرض بحيث لا يهتدي إليها غيرهم كاهتدائهم.
نبع: يقال: نبع الماء ينبع وينبع وينبع بضم الباء في المضارع، وفتحها وكسرها ثلاث لغات حكاهن الواحدي في تفسير سورة الزمر عن الكسائى والفراء، وحكاهن أيضًا في سورة سبحان عن الليث والفراء، قال في سبحان نبع الماء ينبع وينبع وينبع نبعًا ونبوعا ونبعانا.
نبغ: قوله في خطبة الوجيز: المبتدعة(4/158)
النابغة أي: الظاهرة، يقال نبغ الشيء ينبغ وينبغ بضم الباء وفتحها نبوغا أي: ظهر فهو نابغ.
نتر: قال صاحب المحكم: النتر الجذب بجفاء نتره ينتره نترا فانتتر، واستنتر الرجل من بوله اجتذبه، واستخرج بقيته من الذكر عند الاستنجاء. قال الأزهري: قال الليث: النتر جذب فيه جفوة، وذكر الجوهري والهروي مثله.
نثر: في المهذب عن عمرو بن عبسة رضي الله تعالى عنه: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “ما منكم من أحد يقرب وضوءه ثم يتمضمض ثم يستنشق وينتثر إلا جرت خطايا فيه وخياشيمه مع الماء” هذا حديث صحيح أخرجه البخاري في صحيحه قبيل كتاب صلاة الخوف بنحو ورقة.
قال الأزهري في تهذيب اللغة: قال ابن الأعرابي: النثرة طرف الأنف. ومنه قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الطهارة: “استنثر” قال: ومعناه استنشق وحرك النثرة في الطهارة. وروى سلمة عن الفراء أنه قال: نثر الرجل وانتثر واستنثر إذا حرك النثرة في الطهارة. قال الأزهري: وروي لنا هذا الحرف عن أبي عبيد أنه قال في حديث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إذا توضأت فأنثر” بألف مقطوعة، ولم يفسره أبو عبيد. قال الأزهري: وأهل اللغة لا يجيزون انتثر من الانتثار، وإنما يقال: نثر ينثر وانتثر ينتثر واستنثر يستنثر. وروى أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: “إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر” هكذا رواه أهل الضبط لألفاظ الحديث، وهو الصحيح عندي قوله: لينثر وليستنثر على غير ما فسره الفراء وابن الأعرابي. قال بعض أهل العلم: معنى الاستنثار والنثر: أن يستنشق الماء ثم يستخرج ما فيه من أذى أو مخاط. ومما يدل على هذا الحديث الآخر: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يستنشق ثلاثا في كل مرة يستنثر فجعل الاستنثار غير الاستنشاق، وأما قول ابن الأعرابي: النثرة طرف الأنف فصحيح، هذا ما ذكره الأزهري.
قال صاحب المحكم: النثرة الخيشوم وما والاه، واستنثر الإنسان استنشق الماء ثم استخرج ذلك بنفس الأنف. وقال الهروي في الغريبين في نثروا ستنثر في الطهارة، يقال نثر ينثر بكسر الثاء، ونثر الذكر ينثره بضم الثاء لا غير. وقال الخطابي في معالم السنن: استنثر معناه: استنشق الماء ثم أخرجه من أنفه،(4/159)
وأصله مأخوذ من النثرة وهي الأنف.
وقال صاحب مطالع الأنوار: الاستنثار طرح الماء من الأنف بعد استنشاقه. قال: وقال ابن قتيبة: الاستنشار والاستنثار سواء، مأخوذ من النثرة وهي الأنف. قال: ولم يقل شيئًا، وقد فرق بينهما في الحديث بقوله: “فليجعل في انفه ماء ثم لينتثر” فدل على أنه طرحه بريح الأنف مبتدئا. قوله في باب الوليمة: والنثر بفتح النون وإسكان الثاء. قال الأزهري: قال الليث: النثر نثرك الشيء بيدك ترمي به متفرقا نثر ينثره مثل نثر اللوز والجوز والسكر وهو النثار، يقال: شهدت نثار فلان. قال صاحب المحكم: النثر رميك الشيء متفرقا نثره ينثره وينثره نثرًا ونثارًا ونثرة فانتثر وتنثر وتناثر. قوله في باب الربا والجعالة من المهذب: روى المزني في المنثور عنه يعني: بقوله عنه الشافعي رضي الله تعالى عنه والمنثور كتاب من كتب المزني التي نقلها عن الشافعي، وقد تكرر ذكر المنثور في المهذب والروضة.
نج: في الحديث: “أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضحك حتى بدت نواجذه” ذكره في كتاب الصيام من المهذب هو بالذال المعجمة بلا خلاف بين أهل العلم مطلقا. قال أبو العباس ثعلب وجماهير أهل اللغة وغيرهم: المراد بالنواجذ هنا الأنياب، وكان معظم ضحك النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تبسما. وقيل: المراد بالنواجذ هنا الضواحك. وقيل: المراد بهما الأضراس، وهذا هو الأشهر في إطلاق النواجذ في اللغة. قال ابن الأثير في النهاية: وعلى هذا القول يكون المراد مبالغة مثله في ضحكه، أن يراد ظهور نواجذه في الضحك. قال: وهذا أقيس الأقوال لاشتهار النواجذ بأواخر الأسنان. وضعف القاضي عياض والمحققون هذا القول، وقالوا: الصواب أنها الأنياب.
نجش: روى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما “أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن النجش”. النجش: بفتح النون وإسكان الجيم. قال الهروي رحمه الله تعالى: قال أبو بكر: معنى النهي عن النجش أي: لا يمدح أحدكم السلعة ويزيد في ثمنها وهو لا يريد شراءها ليسمعه غيره فيزيد، قال: وأصل النجش مدح الشيء وإطراؤه. قال الهروي: وقال غيره: النجش تنفير الناس عن الشيء إلى غيره والأصل فيه تنفير الوحش من مكان إلى مكان. قال صاحب الحاوي: أصل النجش الإثارة للشيء، ولهذا قيل للصياد النجاش، والناجش لإثارته الصيد، ولهذا(4/160)
قيل لطالب السلعة نجاش، والطلب نجش، قال: وحقيقة النجش المنهي عنه في البيع أن يحضر الرجل السوق فيرى السلعة تباع بثمن فيزيد في ثمنها وهو لا يرغب في ابتياعها، ليقتدي به الراغب فيزيد لزيادته ظنا منه بأن تلك الزيادة لرخص السلعة اغترارا به، وهذه خدعة محرمة.
نجل: الإنجيل: اسم لكتاب الله تعالى المنزل على عيسى عليه السلام وهو إفعيل، واللغة المشهورة فيه كسر الهمزة، وهي قراءة القراء السبعة وغيرهم، وقراءة الحسن بفتح الهمزة، واختلف النحويون في اشتقاقه، فذكر أبو جعفر النحاس في كتابه صناعة الكتاب فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه من نجلت الشيء أي: أخرجته، وولد الرجل نجله فيكون معناه: خرج به دارس من الحق. والثاني: أنه من تناجل القوم إذا تنازعوا. قال: وحكى ذلك أبو عمرو الشيباني فسمي إنجيلا لما وقع فيه من التنازع؛ لأنه وقع فيه من التنازع ما لم يقع في شيء من كتب الله عز وجل. والقول الثالث: أنه سمي إنجيلا لأنه أصل من العلم الذي أطلع الله عز وجل خلقه عليه، مشتق من قولهم نجله إذا ولده، وكان أصلا له. قال: وجمع الإنجيل أناجيل. وقال غير النحاس: هو أفعيل من النجل، وهو الأصل الذي يتفرع عن غيره، واستنجل الوادي إذا نز ماؤه. وقيل: هو من السعة من قولهم نجلت الاهاب إذا شققته، ومن عين نجلاء أي: واسعة الشق، وتضمن الإنجيل سعة لم تكن لليهود.
نجم: قول الله تبارك وتعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} (النجم:1) جاء ذكره في باب سجود التلاوة في المهذب. قال الماوردي: فيه أربعة أقوال: أحدها: نجوم القرآن إذا نزلت الآية وكانت تنزل نجوما قاله مجاهد. والثاني: أنه الثريا. والثالث: الزهرة قاله السدي. والرابع: جماعة النجوم قاله الحسن، وليس يمتنع أن يعبر عنها بلفظ الواحد. قلت: والزهرة بفتح الهاء وإسكانها.
قال الواحدي في الوسيط: النجم القرآن سمي نجما لتفرقه في النزول، والعرب تسمي التفرق نجوما والمفرق منجما، وهو قول ابن عباس وفي رواية عنه: أنه الثريا. وفي رواية أخرى عنه يعني: الرجوم من النجوم، وهو ما ترمى به الشياطين عند استراق السمع. قوله عز وجل: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} (النحل:16) ذكره في استقبال القبلة من(4/161)
المهذب. قال الإمام الثعلبي: قال مجاهد وإبراهيم: أراد جمع النجوم فمنها ما تكون علامات ومنها ما يهتدون به. وقال السدي: يعني الثريا وبنات نعش والفرقدين والجدي يهتدون بها إلى الطريق والقبلة. قولهم في الكتابة: إنما تصح على نجمين وحل النجم وأدى نجما من نجوم كتابته، وغير ذلك من ألفاظهم كله بفتح النون. قال الرافعي: النجم في الأصل الوقت، ويقال: كانت العرب لا تعرف الحساب ويبنون أمورهم على طلوع النجم والمنازل، فيقول أحدهم: إذا طلع نجم الثريا أديت حقك فسميت الأوقات نجوما، ثم سمي المؤدي في الوقت نجما.
نحل: النحل: مفتوح النون ساكن الحاء معروف. قال الأزهري: قال الليث: النحل دبر العسل الواحدة نحلة. قال: وقال أبو إسحاق في قول الله عز وجل: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} (النحل: من الآية68) جائز أن يكون سمي نحلا لأن الله عز وجل نحل الناس العسل الذي يخرج من بطونها. قال: وقال غيره من أهل الغريب: النحل يذكر ويؤنث، وأنثها الله تعالى فقال: {أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً} (النحل: من الآية68) والواحدة نحلة، ومن ذكر النحل فلأن لفظه لفظ مذكر، ومن أنثه فلأنه جمع نحلة. وذكر الإمام الواحدي هذا الذي ذكره الأزهري، ثم قال: وهي مؤنثة في لغة الحجاز، وكذا أنثها الله سبحانه وتعالى، وكذلك كل جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء. قال الجوهري: النحل والنحلة الدبر يقع على الذكر والأنثى حتى تقول يعسوب.
نحو: النحو: في اللغة القصد، ومنه سمي علم النحو لأنه قصد لكلام العرب. يقال: نحاه وانتحاه وتنحاه إذا قصده، ونحيته وانتحيته ونحوته قصدته.
نخع: قوله في باب الصيد والذبائح من المهذب: “يكره أن يبالغ في الذبح إلى النخاع” وفسره، ثم قال الماوردي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أنه نهى عن النخع فقوله النخاع فيه ثلاث لغات مشهورة فتح النون وضمها وكسرها، والنخع بفتح النون وإسكان الخاء. قال الأزهري: نخع الذبيحة أن يعجل الذابح فيبلغ القطع إلى النخاع، والنخاع فيما أخبر أبو العباس عن ابن الأعرابي: “خيط أبيض يكون داخل عظم الرقبة ويكون ممتدا إلى الصلب” وقال ابن الأعرابي أيضا: النُخاع والنِخاع يعني بالكسر والضم “خيط الفقار المتصل بالدماغ” هذا ماذكره الأزهري في تهذيب اللغة.(4/162)
وقال في شرح ألفاظ المختصر: النخع قطع النخاع وهو الخيط الأبيض الذي مادته من الدماغ في جوف الفقار كلها إلى عجب الذنب، وإنما تنخع الذبيحة إذا أبين رأسها. وقال صاحب المحكم: النخاع والنخاع: عرق أبيض في داخل العنق ينقاد في فقار الصلب حتى يبلغ عجب الذنب، وهو يسقى العظام، ونخع الشاة نخعا قطع نخاعها، والمنخع موضع قطع النخاع، والنخع القطع الشديد مشتق من قطع النخاع، والنخاعة ما تفله الإنسان كالنخامة، وتنخع الرجل رمى بنخاعته، وانتخع فلان عن أرضه بعد، والنخع أبو قبيلة من ذلك.
نخل: النخل والنخيل بمعنى والواحدة نخلة، قاله الجوهري.
ندد: في الحدديث: “ند بعير” أي: نفر وذهب على وجهه شاردا، يقال: ند يند بكسر النون ندا وندادا وندودا والند بفتح النون الطيب المعروف. وقال ابن فارس في المجمل والجوهري وغيرهما: ليس هو بعربي. قيل: هو مخلوط من مسك وكافور، والند بكسر النون هو المثل وجمعه أنداد، ويقال في الواحد أيضا النديد والنديدة بزيادة الهاء.
ندل: المنديل بكسر الميم وهو معروف. قال ابن فارس: لعل المنديل مأخوذ من الندل وهو النقل. وقال غيره: هو مأخوذ من الندل وهو الوسخ لأنه يندل به. قال أهل اللغة: يقال تندلت بالمنديل. قال الجوهري: ويقال أيضا تمندلت بالمنديل، قال: وأنكر الكسائى تمندلت. وقال الجوهري في فصل ندل: يقال تمندلت بالمنديل لغة في تندلت. وقال أبو عمرو في شرح الفصيح: قال ابن الأعرابي: تقول العرب أندل لي هذا أي: أنقله من مكان إلى مكان، يقال منه ندلت أندل ندلا وندولا ومندولا، قال: ومنه أخذ المنديل لأنه ينقل من واحد إلى واحد.
نذر: ثبت في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في مواضع من الكتاب، قال: “نهى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النذر” وهكذا رواه في باب أيفاء النذر من العبد القدر، ثم في باب الوفاء بالنذور رواه مسلم أيضا من طرق.
نزع: قال أهل اللغة: يقال نزعت الشيء أنزعه بكسر الزاي نزعا إذا قلعته، وفلان في النزع بفتح النون وإسكان الزاي أي: في قلع الحياة وإخراج الروح، ونزع عن الأمر ينزع نزوعا إذا انتهى عنه، وأقلع ونزع الولد إلى أبيه أو خاله(4/163)
أو غيره أي: أشبهه وذهب إليه في الشبه، ونزع في القوس نزعا أي: مدها ونازع الرجل صاحبه منازعة أي: جاذبه في الخصومة، وبينهم نزاعة بفتح النون أي خصومة، والتنازع التخاصم، وانتزعت الشيء فانتزع أي: قلعته فاقتلع، والمنزعة ما يرجع إليه الرجل من أمر وتدبيره ورأيه، والنزعتان بفتح النون والزاي واحدتهما نزعة بفتحهما، وهو المعروف المشهور في كتب اللغة.
وذكر البيهقي في كتابه رد الانتقاد على ألفاظ الشافعي عن أبي العلاء بن كوشاد الأديب الأصبهاني: أنه يقال نزعة بفتح الزاي وبإسكانها لغتان، قال: يروون ذلك عن ابي عمرو الشيباني وغيره. قلت: والنزعتان هما الموضعان اللذان يحيطان بالناصية ينحسر الشعر عنها في بعض الناس، وذلك محمود عند العرب يمدحون به، ويقال منه رجل أنزع بين النزع.
قال أهل اللغة: ولا يقال امرأة نزعاء، لكن يقال غراء، والنزعتان من الرأس عندنا وعند جماهير العلماء، واستحب الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى غسلهما مع الوجه للخروج من خلاف من قال هما من الوجه. وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “ما لي أنازع القرآن” بفتح الزاي معناه أجاذبه وأزاحم في قراءته، قوله في باب الربا من المهذب:
غبس كواسب لا يمن طعامها
لمعفر قهد تنازع شلوه
هذا البيت قبله بيت آخر يظهر معنى هذا، وهو:
عرض الشقائق طوفها وبغامها
خنساء ضيعت الفرير فلم يرم
الخنساء: بقرة وحشية، والفرير فتح الفاء وكسر الراء، وهو ولد البقرة، وقولهم: فلم يرم بفتح الياء وكسر الراء معناه: لم يبرح، وعرض بضم العين هو الناحية، والشقائق بفتح الشين المعجمة جمع شقيقة، وهي رملة فيها نبات. وقيل: أرض غليظة بين رملين. وقيل: رمل رقيق بين رملين ضخمين، وقوله: طوفها بفتح الطاء ورفع الفاء أي: ذهابها ومجيئها وهو فاعل يرم، وبغامها بضم الباء الموحدة وبالغين المعجمة ورفع الميم معطوف على طوفها والبغام الصوت، وأما بيت الكتاب فاللام في قوله لمعفر مكسورة، وهي لام التعليل أي: من أجل معفر، وهو الذي عفر بالتراب أي: سحب في التراب، والقهد بضم القاف وإسكان الهاء الذي يعلو بياضه حمرة. وقيل: هو الذي له بياض يخالطه حمرة أو صفرة. وقوله ينازع شلوه أي: يجاذب عضوه. وقوله غبس أي: ذباب جمع(4/164)
أغبس، وهو الذي لونه كلون الرماد. وقوله كواسب أي: تكسب لنفسها. وقوله لا يمن طعامها فيه قولان: أحدهما: أنه لا منة عليها فيه بل يأخذه بالقهر والغلبة لا بالسؤال والمسكنة، بخلاف السنور وشبهه. والثاني: أنه لا ينقص ولا يقطع كقول الله تعالى: {أجر غير ممنون} ومعنى البيتين: أن هذه البقرة الخنساء ضيعت ولدها في رعيها فهي لا تبرح تطوف عليه، ولا تبرح تطوف في ناحية الرمل لأجل المعفر ظانة أنه فيها، ولا تعلم أن الذباب تنازعت وتجاذبت أعضاءه، واالله تعالى أعلم.
نسك: قال صاحب المحكم: النسك والنسك العبادة يعني بضم النون وكسرها والسين ساكنة فيهما، وقيل لثعلب: هل يسمى الصوم نسكا. فقال: كل حق لله عز وجل يسمى نسكا يعني بضم النون وإسكان السين نسك ينسك نسكا، ونسك يعني بفتح السين وضمها في الماضي وبضمها في المضارع وبإسكانها مع فتح النون، قال: وتنسك ورجل ناسك، والجمع نساك والنسك والنسيكة الذبيحة. وقيل: النسك الدم والنسيكة الذبح يعني بكسر الذال وهو البقرة. قال: والمنسك والمنسك شرعة النسك، وفي التنزيل: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} (البقرة: من الآية128) أي: متعبداتنا. وقيل: المنسك النسك نفسه، والمنسك الموضع الذي يذبح فيه النسائك، ونسك الثوب غسله، هذا ما ذكره صاحب المحكم.
قال الأزهري: وقال الليث: النسك العبادة، رجل ناسك عابد، وقد نسك ينسك نسكا. قال: والنسك الذبيحة، والمنسك الموضع الذي تذبح فيه النسائك، والمنسك النسك نفسه، قال النضر: نسك الرجل إلى طريقة جميلة إذا داوم عليها، وينسكون البيت يأتونه. وقال الفراء: المنسك في كلام العرب الموضع المعتاد الذي تعتاده، ويقال إن لفلان منسكا يعتاده في خير كان أو غيره، وبه سميت المناسك. وقال ابن الأعرابي: النسك سبائك الفضة كل سبيكة منها نسيكة. وقيل للمتعبد ناسك لأنه خلص نفسه وصفاها لله من دنس الآثام كالسبيكة المخلصة من الخبث، هذا ما ذكره الأزهري.
وقال الهروي: كل متعبد متنسك ثم سميت أمور الحج مناسك، ويقال: نسك إذا ذبح ينسك نسكا، والذبيحة نسيكة وجمعها نسك، ومنه قوله تعالى: {أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (البقرة: من الآية196) والنسك الطاعة. قال: وقال بعضهم: النسك ما أمرت الشريعة به، والورع ما نهى عنه. قال: قال الأزهري في قوله تعالى: {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} (الأنعام: من الآية162) النسك كل ما(4/165)
يتقرب به إلى الله تعالى، وقول الناس فلان ناسك من النساك أي: عابد من العباد يؤدي المناسك وما فرض عليه وما يتقرب به إليه. وقال ابن عرفة في قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً} (الحج: من الآية34) أي: مذهبا من طاعة الله تعالى، يقال نسك فلان نسك قومه إذا سلك مذهبهم، هذا ما ذكره الهروي.
وقال الجوهري: النسك العبادة، وقد نسك وتنسك أي: تعبد، ونسك بالضم نساكة أي: صار ناسكا، والناسك العابد، والنسيكة الذبيحة، والجمع نسك ونسائك، تقول منه نسك لله ينسك والمنسك والمنسك: الموضع الذي تذبح في النسائك. قال الشيخ أبو حامد الاسفرايني من أصحابنا في كتابه التعليق: قال أصحابنا: يقال للحج نسك بتخفيف السين، والنسك العبادة يقال رجل ناسك إذا كان كثير العبادة، والنسيك الذبيحة، والمنسك موضع الذبح، والجمع مناسك. قال: وإنا سمي الحج مناسك لمواضع النسك فيه.
قال الإمام الواحدي: ثم ذكر قول الله تعالى: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} (البقرة: من الآية128) النسك في اللغة على معنيين أحدهما: ذبح، والآخر: عبد، فلا ندري أيهما الأصل. وقال في قوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (البقرة: من الآية196) قوله تعالى: {أَوْ نُسُكٍ} جمع نسيكة وهي الذبيحة ينسكها لله عز وجل أي: يذبحا، قال: وأصل النسك العبادة، والناسك العابد هذا أصل معنى النسك، ثم قيل: للذبيحة نسك لأنها من أشرف العبادات التي يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى، هذا آخر كلام الواحدي.
وقال أبو محمد بن قتيبة في آخر سورة الأنعام من كتابه غريب القرآن: أصل النسك ما يتقرب به إلى الله تعالى. قوله في كتاب الصيام من المهذب في الحديث: “أمرنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ننسك لرؤية الهلال” المراد: بالنسك هنا الصوم وهو عبادة داخل في اسم النسك على ما تقدم، ويجوز أن يكون المراد العبادة مطلقا من صوم وصلاة العيدين والتضحية والتكبير في العيدين وغير ذلك من العبادة المتعلقة برؤية الهلال، والله تعالى أعلم.
نسم: قوله في آخر الباب الأول من كتاب اللقطة من الوسيط: البعير الذي وجد مذبوحا، وقد غمس منسمه في دمه هو بفتح الميم وإسكان النون وكسر السين، وهو خف البعير كذا قاله الجوهري. وقال ابن فارس: هو باطن خف البعير. وقال الزبيري في مختصر العين: هو كظفر الإنسان. وقال(4/166)
الجوهري: قال الكسائى: هو مشتق من الفعل يقال نسم به ينسم نسما. قال الأصمعي: قالوا للنعامة أيضا منسم كما قالوا للبعير منسم.
نسو: النسوة بكسر النون وضمها لغتان مشهورتان، ذكرهما ابن السكيت وغيره: هو جمع لا واحد له من لفظه وواحده امرأة وأما النساء. فقد قال أبو البقاء في إعراب قول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} (البقرة: من الآية187) هو جمع نسوة. وقيل: لا واحد له، والهمزة في النساء مبدلة من واو كقولك في معناه نسوة، والله أعلم.
نشب: قال أهل اللغة: نشب الشيء في الشيء بكسر الشين ينشب بفتحها نشوبا أي: علق فيه، وأنشبته أنا فيه أي: أعلقته فانتشب، وانشب أعلق، ونشبت الحرب بينهم، والنشاب السهام الواحدة نشابة، والناشب صاحب النشاب.
نشد: قوله في الوسيط والوجيز في أول كتاب الإيمان: “ولا تجب كفارة اليمين بالمناشدة” وهي: أن يقسم غيره عليه. قال الرافعي: يقال ناشده إذا ذكره الله تعالى ونشدتك الله أي: سألتك بالله أنشد نشدا كأنك ذكرته إياه فنشد أي: تذكر. وقيل: معنى نشدتك بالله أي: سألتك بالله، برفع نشيدي أي: صوتي، وسمي طالب الضالة ناشدًا لرفعه صوته بالطلب.
نشر: قوله في المهذب في باب بيع الغرر عن عائشة رضي الله تعالى عنها في صفة أبي بكر رضي الله تعالى عنه: فرد نشر الإسلام على غرة النشر، بفتح النون والشين المعجمة ومعناه المنتشر، ومثله قول الغزالي حد المكره في كتاب الطلاق من الوسيط والوجيز هذه الطريقة أضم للنشر هي بفتح النون والشين أي: الانتشار. وفي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه “أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان ينشر أصابعه في الصلاة نشرًا” ذكره في صفة الصلاة من المهذب، هذا الحديث رواه الترمذي وضعفه. قال البغوي في شرح السنة: هذا الحديث لا يصح. قال الجوهري: نشر المتاع وغيره ينشره نشرًا بسطه.
نشو: النشوة مبادىء السكر وهو بفتح النون وإسكان الشين، هذه اللغة المشهورة. قال الجوهري: وزعم يونس أنه سمع فيه كسر النون، والرجل نشوان وقد انتشى. والنشا المتخذ من الحنطة مذكور في آخر باب الربا من الروضة، وهو مقصور مفتوح النون. قال الجوهري: هو النشاستج فارسي معرب حذف شطره تخفيفًا كما قالوا للمنازل منا.(4/167)
نصع: قوله في الوسيط في كتاب الحيض البحراني الناصع اللون. قال العلماء: الناصع هو خالص اللون. قال الأصمعي: هو كل ثوب خالص البياض أو الصفرة أو الحمرة فهو ناصع. قال الجوهري: الناصع الخالص من كل شيء، وقد نصع الشيء ينصع بفتح الصاد فيهما نصوعًا إذا وضح وبان.
نصف: قال القاضي في المشارق: وصاحب المطالع يقال هو نصف الشيء ونصفه ونصفه بكسر النون وضمها وفتحها، ولغة رابعة نصيفه بفتح النون وزيادة ياء، ونقلا كل ذلك عن الخطابي.
نصل: قال الجوهري: النصل نصل السهم والسيف والسكين والرمح وجمعه نصول ونصال، ونصل الحافر خرج من موضعه، ونصل شعره ينصل يعني بضم الصاد نصولا زال عنه الخضاب، ولحيته ناصل وتنصل من كذا أي: تبرأ، وتنصلت الشيء واستنصلته إذا استخرجته.
نضب: ذكر في الوسيط والروضة: نضوب الماء في غسل الأرض النجسة. قال أهل اللغة: نضب الماء ينضب بضم الضاد نضوبا أي: غار في الأرض وسفل، ونضوب القوم بعدهم. قال الأصمعي: الناضب البعيد، ومنه قيل: للماء إذا ذهب نضب أي بعد.
نطر: قال الجوهري: الناطر والناطور: حارس الكرم. قال غيره: يقال بالطاء المهملة والمعجمة. ورجح الرافعي في باب المساقاة المهملة، وكذلك رجحه غيره.
نطع: النطع معروف، وفيه أربع لغات مشهورة كسر النون وفتحها مع إسكان الطاء وفتحها وأفصحها كسر النون وفتح الطاء، وجمعه نطوع وأنطاع، وتنطع في الأمر وفي الكلام أي: تعمق وبالغ فيه.
نظر: قال الجوهري: النظر تأمل الشيء بالعين وكذلك النظران بفتح الظاء، وقد نظرت إلى الشيء والنظر الانتظار، وداري تنظر إلى دار فلان ودورنا تناظر أي تقابل، والناظر في المقلة السواد الأصفر الذي فيه إنسان العين، ويقال للعين الناظرة والناظر الحافظ، والنظرة بكسر الظاء التأخير وأنظرته أخرته. واستنظره استمهله، وتنظره انتظره في مهلة، وقولهم نظار مثل قطام أي: انتظره وناظره من المناظرة، والمنظرة المرقبة، وامرأة حسنة المنظر والمنظرة أيضا. والنظارة يعني: بتشديد الظاء هم القوم ينظرون إلى الشيء ونظير(4/168)
الشيء مثله. وحكى أبو عبيدة: النظر والنظير بمعنى كالند والنديد. قال الفراء: فلان نظيرة قومه وأملاكه قومه أي: ينظر إليه منهم، ويجمعان على نظائر. قوله في الوسيط والوجيز والروضة في باب الاعتكاف: لا يجوز الخروج لأجل النظارة هي بفتح النون وتخفيف الظاء المعجمة، يستعملها العجم يعنون بها النظر إلى ما يقصد النظر إليه، وليست بمعروفة في هذه اللغة بهذا المعنى. قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى: لا يجوز أن يقرأه لأجل النظارة بتشديد الظاء، وهم القوم الذين ينظرون إلى الشيء كذا قاله الجوهري.
نعج: قال أهل اللغة: النعجة الشاة الأنثى من الضأن. قال الجوهري: النعجة من الضأن والجمع نعاج ونعجات، وكذا قال صاحب المجمل والزبيدي في مختصر العين: وخلائق لا يحصون النعجة الأنثى من الضأن. قال الواحدي: النعجة الأنثى من الضأن.
نعنع: النعنع مذكور في باب بيع الأصول والثمار من المهذب: هو البقل المعروف. يقال بضم النونين وفتحهما والفتح أشهر. ولم يذكر ابن فارس في المجمل والجوهري وجماعة سوى الفتح. وممن حكى اللغتين صاحب المحكم. قال الجوهري: النعناع بقل معروف، وكذلك النعنع مقصور منه، والنعنع بالضم الرجل الطويل. قال صاحب المحكم: النعنع والنعنع بقلة طيبة الريح. قال أبو حنيفة: النعنع، هكذا ذكره بعض الرواة بالضم بقلة طيبة الريح، والطعم فيها حرارة على اللسان. قال أبو حنيفة: والعامة تقول نعنع بالفتح، هذا آخر كلام صاحب المحكم.
نعق: قال صاحب المحكم: نعق بالغنم ينعق نعقا ونعاقا ونعيقا ونعقانا صاح يكون ذلك في الضأن والمعز، ونعق الغراب نعيقا ونعاقا، والغين في الغراب أحسن. واستعار بعضهم النعيق في الأرانب هذا آخر كلام صاحب المحكم. وقال الأزهري: قال أهل اللغة: النعيق دعاء الراعي الشاء. وقال الليث: نعق الغراب ونغق يعني: بالغين المعجمة وبالمهملة. قال الأزهري: الثقاة من الأئمة يقولون كلام العرب نغق الغراب بالمعجمة، ونعق الراعي بالمهملة، ويجوز نعب. قال الأزهري: وهذا هو الصحيح.
نعل: النعل: التي تلبس معروفة، وهي(4/169)
مؤنثة، ونعل السيف الحديدة التي تعمل في أسفله وهي أيضا مؤنثة. وقال أبو حاتم السجستاني في كتابه المذكر والمؤنث: النعل مؤنثة، قال: وكذلك نعل السيف والدابة والنعل من الأرض، ويقال: انعلت الدابة هذه اللغة الفصيحة، ويقال على لغة نعلت بلا ألف. وقوله في باب النذر من التنبيه: وغمس نعله في دمه يعني النعل الذي كان الهدي مقلدًا به فالضمير في نعله يعود إلى الهدي، وهذا النعل هو الذي تقدم في قوله حذب العرب ونحوها. وقوله في باب الحجر من المهذب في فصل الحجر على السفيه: أن عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما: ابتاع أرضا بستين ألفا، فقال عثمان رضي الله تعالى عنه: ما يسرني أن تكون لي بنعلي، المراد به هذه النعل المعروفة التي تلبس، ومعناه المبالغة في غبنه في صفقته.
نفس: النفس تطلق على أشياء منها نفس الحيوان وذات الشيء والدم والآدمي، ومنه قوله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (المائدة: من الآية45) وأما قولهم: “وما ليس له نفس سائله” فالمراد: بالنفس الدم، ومنه قول الشاعر:
وليست على غير السيوف تسيل
تسيل على حد السيوف نفوسنا
ويجوز في إعراب سائلة ثلاثة أوجه: الرفع والنصب مع تنوينهما، والفتح بلا تنوين، وهذا الحيوان الذي ليست له نفس سائلة كالذبابة والزنبور والنحلة والنملة والقمل والبراغيث والخنفساء والعقرب والصراصر وبنات وردان وحمار قبان ونحوها، وكذا سام أبرص على الأصح. وقيل له نفس سائلة وأما الحية فالأصح أن لها نفسا سائلة. والثاني: لا، والضفدع لها نفس سائلة على المشهور وهو المذهب. وقيل: فيهما وجهان: ثانيهما ليس لها نفس سائلة ثم هذا الحيوان لا ينجس ما مات فيه على المذهب، وفي قول ينجسه وسواء الماء الناقص عن القلتين وسائر المائعات وإن كثرت. وهذا الخلاف في نجاسة الماء والمائع، وأما الحيوان فنجس نفسه قولا واحدا. وقيل في نجاسته قولان: كتنجيسه، وهذا في الحيوان الأجنبي وفي المتولد من نفس الشيء كدود الخل والجبن والفاكهة والباقلاء، فلا ينجسه قولا واحدا، فإذا خرج منه ثم أعيد فيه أو وضع في غيره صار كالأجنبي، وأما النفاس فهو الدم الخارج بسبب الولادة، وفي حقيقته خمسة أوجه: قال أهل اللغة: يقال نفست المرأة إذا ولدت بكسر الفاء، وفي النون لغتان: أشهرهما ضمها الثاني فتحها، ويقال في الحيض(4/170)
نفست المرأة بفتح النون على المشهور، وقال الأكثرون لا يجوز ضمها.
وحكى القاضي عياض في شرح مسلم في كتاب الحج في حديث أسماء حين نفست: أنه يقال بالضم والفتح في الحيض والولادة، قال: لكن الضم في الولادة أكثر، والفتح في الحيض أكثر. وقال إبراهيم الحربي: وغير واحد لا يقال في الحيض ألا بالفتح، وحكى صاحب الأفعال الوجهين فيهما جميعا.
نفع: النفع: ضد الضر يقال نفعه بكذا ينفعه وانتفع به، والاسم المنفعة.
نقس: الناقوس المذكور في حديث الأذان بضم القاف، قال الجوهري: هو الذي تضرب به النصارى لأوقات الصلاة، والنقس: ضرب الناقوس. وزاد صاحب المحكم فيه: والنقس يعني بفتح النون وسكون القاف ضرب النواقيس، وهو الخشبة الطويلة، والوبيلة: الخشبة القصيرة، وجمع الناقوس نواقيس.
نقض: قال الإمام أبو منصور الأزهري: قال: إفساد ما أبرمته من عقد أو بناء، والنقض يعني بضم النون اسم للبناء المنقوض إذا هدم، والنقض والنقضة يعني بكسر النون هما الجمل والناقة اللذان قد هزلتهما الأسفار وأدبرتهما، والجمع الأنقاض، والنقض يعني بالكسر منتقض الكمأة من الأرض، إذا أرادت أن تخرج نقضت وجه الأرض نقضا فانتقضت الأرض، ويقال: انتقضت الجرح بعد البرء وانتقض الأمر بعد التئامه، وانتقض أمر الثغر بعد سده، هذا آخر كلام الأزهري.
وقال صاحب المحكم: النقض ضد الإبرام نقضه ينقضه نقضا وانتقض وتناقض والنقض يعني بضم النون البناء المنقوض، وناقضه في الشيء مناقضة ونقاضا، والنقض ما نقضت والجمع أنقاض. وقال ابن فارس في المجمل والجوهري في صحاحه النقض، والنقض لغتان بكسر النون هو المنقوض. قال الجوهري: كالنكث.
قلت: فقد حصل في نقض البناء وهو منقوض لغتان ضم النون وكسرها، فالأزهري وصاحب المحكم اقتصرا على الضم، وابن فارس والجوهري على الكسر والضم أولى لجلالة المقتصرين عليه والكسر هو القياس كالذبح والمدعى، والنكث بمعنى المذبوح، والمدعى والمنكوث وليس بحسن ما فعله ابن باطيش وجماعة من شارحي ألفاظ المهذب من اقتصارهم على الكسر، وإيهامهم أنه متعين اغتراراً بما في صحاح الجوهري.(4/171)
نقع: قال الأزهري: قال أبو عبيد: سمعت أبا زيد يقول الطعام الذي يصنع عند الأملاك النقيعة يقال منه نقعت أنقع نقوعا قال. وقال الفراء: النقيعة ما صنعه الرجل عند قدومه من السفر يقال أنقعت أنقاعا. وقال ابن شميل: النقيعة طعام الأملاك وربما نقعوا على عدة من الإبل إذا بلغتها جزورا منها أي: نحروه فتلك النقيعة. وقال الأصمعي: النقيعة ما نحر من النهب. وقال ابن السكيت: النقيعة المحض من اللبن يبرد. وقال الأزهري: قد ذكرت اختلافهم في النقيعة، ومأخذه عندي من النقع وهو النحر أو القتل، يقال سم ناقع أي: قاتل. وأما اللبن الذي يبرد فهو النقيع والنقيعة، وأصله من أنقعت اللبن فهو نقيع، ولا يقال منقع ولا يقولون نقعته، وهذا سماعي من العرب. ويقال سم ناقع ونقيع ومنقوع أي: ثابت. وقيل: سم منقع وموت ناقع أي: دائم، ونقعت بالماء ومنه أنقع نقوعا شربت حتى رويت، وأنقعني الماء، والنقيع الغبار، والنقع رفع الصوت، ونقع الصارخ بصوته، وأنقع تابعه وأدامه، وفلان منقع أي: يستغني برأيه وأصله من نقعت، ونقع البئر فضل مائه وهو المنهي عن بيعه، والنقيع البئر الكثيرة الماء والجمع أنقعة، ونقع الماء عليه أي: أروى عطشه، ونقع الماء ينقع نقوعا ثبت، والنقوع ما أنقعت من الشيء، يقال سقونا نقوعا لدواء نقع من الليل، والنقيع شراب يتخذ من الزبيب ينقع في الماء طبخ، واستنقع الماء اجتمع في نهر وغيره، ونقع ينقع نقوعا ونقعت بذلك نفسي اطمأنت إليه وانتقع لونه تغير، هذا كلام الأزهري.
وقال صاحب المحكم: النقع الماء الناقع، والنقيع البئر الكثيرة الماء مذكر، والجمع أنقعة، وكل مجتمع ماء نقع والجمع نقعان والنقع القاع. وقيل: الأرض الحرة الطيبة الطين ليس فيها انهباط ولا ارتفاع. وقيل: هو ما ارتفع من الأرض والجمع نقاع وانقع، واستنقع في الماء ثبت فيه يبترد، ونقع الشيء في الماء وغيره ينقعه نقعا فهو نقيع وأنقعه نبذه، والنقيع والنقوع شيء ينقع فيه الزبيب وغيره ثم يصفى ماؤه ويشرب، والنقاعة ما أنقعت من ذلك، ونقع الماء العطش ينقعه نقعا ونقوعا أذهبه، والمنقع والمنقعة إناء ينقع فيه الشيء، ونقاعة كل شيء الماء الذي ينقع فيه، والنقيعة طعام يصنع للقادم عند السفر، والنقيعة طعام الرجل ليلة إملاكه، ونقع الموت كثر، ونقع الصارخ بصوته ينقع نقوعا وأنقعه بلغه،(4/172)
وما نقع بخبره أي: ما عاج به ولا صدقه، والنقاع المتكثر بما ليس عنده من مدح نفسه بالشجاعة والسخاء وما أشبهه، ونقع له الشر أدامه، والنقوع ضرب من الطيب، هذا آخر كلام صاحب المحكم.
نقل: في الحديث: “نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النساء عن الخروج إلا عجوز في منقلها المنقلان الخفان” كذا قاله أهل اللغة وغيرهم تقييد. وذكر إمام الحرمين بكسر الميم وفتحها لغتان والقاف مفتوحة فيهما. قال الأزهري في تهذيب اللغة: قال أبو عبيد: قال الأموي: المنقل الخف. قال أبو عبيد: لولا أن الرواية على فتح الميم ما كان وجه الكلام في المنقل إلا الكسر.
قال الأزهري: وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: يقال للخف المندل والمنقل بكسر الميم فيهما، هذا كلام الأزهري. وذكر شيخنا جمال الدين في المثلث: أن المنقل بالكسر والفتح الخف وبالضم الخف المصلح. وقوله في باب بيع الغرر من المهذب: “أن عثمان بن عفان اشترى من طلحة بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أرضا بالمدينة ناقله بأرض له بالكوفة” قوله ناقله هو بفتح القاف على وزن بايعه وبادله ومعناه بادله، ومثله ناقلت فلانا الحديث إذا حدثته وحدثك، والله تعالى أعلم. والنقلة بضم النون وإسكان القاف انتقال القوم من موضع إلى موضع، والنقل تحويل الشيء قاله الأزهري عن الليث، وهو معروف.
قال الأزهري: قال أبو العباس: النقل الذي يتنقل به على الشراب لا يقال إلا بفتح النون. وذكر جماعة كثيرون من أهل اللغة: أن ما يتنقل به على الشراب نقل بالضم كذا ذكره ابن فارس في المجمل، ثم قال: وقال ابن دريد: هو بالفتح. قولهم في المسألة قولان: بالنقل والتخريج ذكرنا معناه في الخاء.
نمر: النمرة شملة من صوف مخططة. وقيل: فيها أمثال الأهلة وهي بفتح النون وكسر الميم، ويجوز تخفيفها بإسكان الميم، ويجوز كسر النون مع إسكان الميم كما في نظائره، والنمر الحيوان المعروف ميمه مكسورة، ويجوز إسكانها مع فتح النون وكسرها كما في الشملة، ونمرة الموضع المعروف عند عرفات، وهي بفتح النون وكسر الميم، ويجوز فيها ما في نمرة الصوف.
نمل: النمل المعروف الواحدة منه نملة(4/173)
بفتح النون وإسكان الميم هذا هو المشهور. وحكى أبو البقاء في إعرابه يقال: بإسكان الميم وضمها لغتان. قال الواحدي: ويقال في الجماعة منها نمل ونمال، وأما الأنملة التي في رأس الأصبع ففيها لغات أفصحها وأشهرها فتح الهمزة مع ضم الميم، والثانية بضمهما، والثالثة بفتحهما، والرابعة بكسر الهمزة وفتح الميم، ذكرهن على هذا الترتيب أبو عمر الزاهد في شرح الفصيح عن ابن الأعرابي، وقال: أخبرني ثعلب عن ابن الأعرابي قال: هي الأنملة وبعدها أنملة والثالثة أنملة والرابعة أنملة والأنامل أطراف الأصابع، وهكذا قال أكثر أهل اللغة: أنها أطراف الأصابع. قال أبو علي المرزوقي في شرح الفصيح: وربما سميت الأصابع الأنامل، وذكر البيهقي في كتابه رد الانتقاد عن الإمام أبي العلاء بن كوشاد الأصبهاني: أنه نقل عن أبي عمرو الشيباني وأبي حاتم السجستاني والحربي أنهم قالوا: لكل أصبع ثلاث أنملات، وكذلك ذكره الشافعي رحمه الله تعالى.
نمى: قولهم في باب الصيد والذبائح قال ابن عباس: كل ما أصميت ودع ما أنميت. قال الرافعي: قال الشافعي رحمه الله تعالى: معنى ما أصميت أي: ما قتلته بسهمك أو كلبك وأنت تراه، وما أنميت ما غاب عنك فقتلته.
نهى: قال أهل اللغة: النهي خلاف الأمر، ونهيته عن كذا فانتهى عنه وتناهى أي: كف، وتناهوا عن المنكر أي: نهى بعضهم بعضا، ويقال هو نهو عن المنكر بفتح النون وضم الهاء على فعول كشكور، وأنهيت إليه الخبر فانتهى وتناهى أي: بلغ والإنهاء الإبلاغ والنهاية الغاية ومنه بلغ نهايته.
قال الجوهري: والنهية بالضم مثله، ويقال: هذا رجل ناهيك من رجل ونهيك من رجل ونهاك من رجل معناه أنه: يعني به ينهاك عن تطلب غيره، وهذه امرأة ناهيتك من امرأة تذكر وتؤنث وتثنى وتجمع لأنه اسم فاعل، وإذا قلت: نهيك من رجل كما تقول حسبك من رجل لم تثن ولم تجمع لأنه مصدر، ويقال في المعرفة هذا عبد الله ناهيك من رجل بنصب ناهيك على الحال، قال هذه الجملة الجوهري.
وفي الحديث: “أولو الأحلام والنهى” هو بضم النون وفتح الهاء. قال الواحدي: قال اللحياني: النهية يعني بضم النون العقل وجمعها النهى، ورجل نهى ونه من قوم نهين، وسمي العقل نهية لأنه ينتهي إلى ما أمر به ولا يتجاوزه. قال الزجاج:(4/174)
فلان ذو نهية أي: عقل ينتهي به عن القبائح ويدخل به في المحاسن. قال الزجاج: وقال بعض أهل اللغة: هو الذي ينتهي إلى رأيه وعقله. قال الزجاج: وهذا أحسن وهذا معنى قول اللحياني. وقال أبو على الفارسى: يجوز أن يكون النهى مصدرا كالهدى، وأن يكون جمعا كالظلم، قال: والنهى معناه في اللغة البيان والحبس ومنه النهي، والنهى للمكان الذي ينتهى إليه الماء فيستنقع. قال الواحدي: يرجع القولان في اشتقاق النهية إلى قول واحد وهو الحبس، فالنهية: هي التي تنهى وتحبس عن القبائح، هذا آخر كلام الواحدي.
نور: المنارة التي يؤذن عليها بفتح الميم ذكره الجوهري وغيره، والمنارة: التي يوضع عليها السراج بفتح الميم أيضا ذكرها الجوهري وصاحب المحكم. قال الجوهري: هي مفعلة من الاستنارة بفتح الميم، والجمع المناور بالواو لأنه من النور، ومن قال منائر وهمز فقد شبه الأصل بالزائد، كما قالوا مصائب وأصله مصاوب. قال صاحب المحكم: جمع المنارة مناور على القياس ومنائر مهموز قياس. قال ثعلب: إنما ذلك لأن العرب تشبه الحرف بالحرف فشبهوا منارة، وهي مفعلة من النور بفعالة فكسروها تكسيرها. وأما سيبويه فيحمل ما همز من هذا على الغلط، وقد وقع في التنبيه في باب السلم المنائر بالهمز ولم أره في شيء من النسخ بالواو، فإذا كان جائزا على أحد اللغتين فلا بأس وإن كان الأجود بالواو. قال أبو حاتم السجستاني: في المذكر والمؤنث النار مؤنثة وجمعها أنور ونيران ونور النورة المذكورة في المياه. قال ابن الصلاح: هي حجارة بيض رخوة فيها خطوط.
نيك: قال الأزهري في تهذيب اللغة: قال الليث: النيك معروف، والفاعل نايك، والمفعول به منيوك ومنيك، والأنثى منيوكة.
نجد: مذكورة في باب مواقيت الحج وفي زكاة الثمار وفي الصلاة من المهذب ومواضع أخرى: هي بفتح النون، وهي ما بين حرثين إلى سواد الكوفة وحده من العرب الحجاز، وعن يسار الكعبة اليمن، ونجد كلها من عمل اليمامة، ذكره(4/175)
صاحب المطالع واالله تعالى أعلم.
فصل في أسماء المواضع
نجران: مذكورة في باب عقد الذمة من المهذب في قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أخرجوا اليهود من الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب" هي بفتح النون وإسكان الجيم، وهي بلدة معروفة كانت منزلا للأنصار، وهي بين مكة واليمن على نحو سبع مراحل من مكة. قال في المهذب: وأما نجران فليست من الحجاز، ولكن صالحهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أن لا يأكلوا الربا فأكلوه ونقضوا العهد فأمر بإخراجهم، فأجلاهم عمر رضي الله تعالى عنه، وهذا الذي قاله في المهذب هو الصواب. وأنها ليست من الحجاز الذي هو مكة والمدينة واليمامة ومحالفيها. وأما قول الإمام الحافظ أبي بكر الحازمي في كتابه المؤتلف والمختلف في الأماكن: نجران من محاليف مكة من صوب اليمن ففيه تساهل. وقال الجوهري في(4/176)
صحاحه: نجران بلدة من اليمن.
بطن نخل: المذكور في صلاة الخوف من الوسيط تقدم بيانه في حرف الباء.
دار الندوة: مذكورة في الحج من المهذب في جزاء الصيد: هو بفتح النون وإسكان الدال وبالواو ثم الهاء، وهي معروفة بمكة قصي بن كلاب ثم صارت قريش تحضرها إذا حزبها أمر. قال الحازمي: وهي اليوم في المسجد الحرام، قال أقضى القضاة الماوردي في الأحكام السلطانية دار الندوة: هي أول دار بنيت بمكة صارت بعد قصي لعبد الدار بن قصي، فابتاعها معاوية في الإسلام من عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي وجعلها دار الأمانة، وقد تقدم بيان هذا عند ذكر مكة في حرف الميم. وحكى الأزرقي في تاريخ مكة: إنما سميت دار الندوة لاجتماع الندى فيها يتشاورون ويبرمون أمورهم، والندى الجماعة ينتدون أي: يتحدثون. وروى الأزرقي: أن معاوية بن أبي سفيان حج وهو خليفة فاشترى دار الندوة من ابن الزبير العبدري بمائة ألف درهم. وفي كتاب الأزرقي أن دار الندوة صارت كلها في المسجد الحرام وهي في جانبه الشمالي.
نصيبين: مذكورة في أول البيع من الروضة: وهي بفتح النون وكسر الصاد والباء الموحدة، وهي مدينة مشهورة بالجزيرة منها كثير من العلماء. قال الجوهري في صحاحه: نصيبين اسم بلد وفيه للعرب مذهبان منهم من يجعله اسما واحدا، ويلزمه الإعراب كما يلزم الأسماء المفردة التي لا تتصرف، فيقول: هذه النصيبين ومررت نصيبين ورأيت نصيبين والنسبة نصيبين، ومنه من يجريه مجرى الجمع فيقول: هذه نصيبون ومررت بنصيبين ورأيت نصيبين، وكذا القول في يبرين وفلسطين وسيلحين وياسمين وقنسرين، والنسبة على هذا القول نصيبي ويبري وكذا أخواتهما.
النقيع: الذي حماه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مذكور في كتاب إحياء الموات من مختصر المزني والمهذب والوسيط وفي كتاب الحج في الوسيط: هو بفتح النون وكسر القاف وهو في صدر وادي العقيق على نحو عشرين ميلا من المدينة. قال الشافعي رحمه الله تعالى في مختصر المزني: وهو بلد ليس بالواسع الذي يضيق على من حوله المرعى إذا حمي يعني بالبلد الأرض. وقال صاحب مطالع الأنوار: مساحته ميل في بريد وفيه شجر ويستجم حتى يغيب فيه الراكب، قال: واختلف الرواة في ضبطه فقيده النسفي وأبو ذر والقابسي والصدفي وابن ماهان وغيرهم بالنون، وكذا ذكره الهروي والخطابي.
قال الخطابي: وقد صحفه بعض أصحاب الحديث فقاله بالباء وهذا خطأ، إنما الذي بالباء بقيع الغرقد مدفن أهل المدينة. قال: وقال أبو عبيد البكري: هو بالباء مثل بقيع الغرقد، وأما نقيع الخضمات بقرب المدينة فبالنون. كذا قيده الحازمي وغيره، ونقل الحازمي: أن الخطابي قال: من قاله بالباء فقد أخطأ، وهو قرية بقرب المدينة على ميل من منازل بني سلمة، قاله أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى. نقله الشيخ أبو حامد في تعليقه في كتاب الجمعة في صلاة الجمعة في القرى، ونقلته في شرح المهذب.
نمرة: مذكورة في صفة الحج: وهي بفتح النون وكسر الميم، وهي عند الجبل الذي عليه أنصاب الحرم عن يمينك إذا خرجت من مأزمي عرفة تريد الموقف، قاله الأزرقي وغيره، وقد تقدم بيانه في ذكر مسجد عرفة. وروى الأزرقي عن عطاء بن أبي رباح رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنمرة يوم عرفة كان فى منزل الخلفاء اليوم إلى الصخرة الساقطة بأسفل الجبل عن يمينك وأنت ذاهب إلى عرفات، والله(4/177)
تعالى أعلم.
نهاوند: قال السمعاني: هي بضم النون وهي مدينة من بلد الجبل. قيل: أن نوحا عليه السلام بناها، وكان اسمها نوحا وند فأبدلوا الحاء هاء.
النهروان: مذكور في قتال أهل البغي في المهذب: وهو مكان بقرب بغداد وهو بفتح النون والراء وإسكان الهاء بينهما هذا هو المشهور في ضبطه، وكذا ضبطه أبو العباس ثعلب وابن قتيبة في أدب الكاتب والجوهري في صحاحه وآخرون. وقال ابن الانبارى: هو بضم النون والراء. وذكره ابن الجواليقي في كتابه المعرب بالوجهين فقال: النهروان بفتح النون والراء فارسي معرب، قال: وقال أبو عمرو: سمعت من يقول نهروان بضمها. ذكره السمعاني في الأنساب بالضم فقط، قال: وهي بلدة قديمة لها عدة نواحي خرب أكثرها وهي بقرب بغداد.
نيسابور: بفتح النون من أعظم مدن خراسان وأشهرها وأكثرها أئمة من أصحاب أنواع العلوم. وللحاكم أبي عبد الله بن البيع النيسابوري كتاب كبير في تاريخها مشتمل على نفائس كثيرة، وروينا عن الحافظ عبد القادر الرهاوي في كتابه الأربعين قال: العالمين مدائن خراسان أربع نيسابور ومرو وبلخ وهراة. قال السمعاني في الأنساب: نيسابور أحسن مدن خراسان وأجمعها للخيرات، وإنما قيل لها نيسابور لأن سابور لما رآها قال: يصلح أن يكون هنا مدينة، وكان قصبا وأمر بقطعه وأن تبنى مدينة، فقيل نيسابور إلى القصب، وقد جمع الحاكم لها تاريخا في مجلدات. قلت: ويقال لنيسابور أيضا أبر شهر، كذا ذكره الحاكم في مواضع كثيرة في أول تاريخها.
نيل مصر: مذكور في باب أحكام المياه من كتاب إحياء الموات من المهذب: هو بكسر النونن وهو النهر المعروف، وهو من أنهار الجنة كما جاء في الحديث الصحيح.
حرف الهاء
هتك: قوله في المهذب في أواخر كتاب المسابقة: كما لو عرض دون العرض شيء فهتكه هو بفتح الهاء والتاء المخففة ومعناه: خرقه ونفذ منه. قال أهل(4/178)
اللغة: يقال هتكت الشيء هتكا فانهتك، والهتك خرق الستر عما وراءه.
هجر: قال الواحدي: المهاجر الذي فارق عشيرته ووطنه. وأصله من الهجر الذي هو ضد الوصل، ومنه قيل للقبيح الهجر لأنه ينبغي أن يهجر، والهاجرة وقت يهجر فيه العمل.
هجع: قول الله تبارك وتعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} (الذريات:17) جاء ذكره في صلاة التطوع من المهذب. قال المفسرون وأهل االلغة: الهجوع النوم بالليل. وقال الإمام الواحدي في كتابه الوسيط في التفسير: الهجوع النوم بالليل دون النهار، قال: وما صلة، والمعنى كانوا يهجعون قليلا من الليل يصلون أكثر الليل. قال عطاء: وذلك حين أمروا بقيام الليل ثم نزلت الرخصة، قال: ويجوز أن يكون المعنى كان الليل الذي ينامون فيه كله قليلا ويكون إسما للجنس، وهذا معنى قول سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: كانوا أقل ليلة تمر بهم إلا صلوا فيها. قال مطرف بن الشخير: قل ليلة أتت عليهم هجوعا كلها. وقال مجاهد: كانوا لا ينامون كل الليل، قال: واختار قوم الوقف على قوله تعالى: {قَلِيلاً} وهو قول الضحاك ومقاتل، ثم ابتدأ فقال: {مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} وهذا على معنى نفي النوم عنهم البتة. قال عطاء: والمراد بهؤلاء القليل ثمانون من نصارى نجران آمنوا بمحمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصدقوه، هذا آخر كلام الواحدي.
قال الأزهري: يقال أتيت فلانا بعد هجعة أي: بعد نومة خفيفة من أول الليل، وقد هجع يهجع هجوعا إذا نام، وقوم هجوع ونسوة هجع وهواجع وهجع القوم تهجيعا إذا ناموا، ومعنى هجيع من الليل وهزيع بمعنى واحد. قال صاحب المحكم: الهجوع النوم بالليل خاصة، ونسوة هجع وهجوع وهواجع وهواجعات جمع الجمع.
هدب: في حديث المطلقة ثلاثا “ليس معه إلا مثل هذه” الهدبة هي بضم الهاء وإسكان الدال هذه اللغة الفصيحة. قال الجوهري: ويقال بضم الدال أيضا في لغة ويقال هدب بضم الهاء وإسكان الدال هاء في آخره وهي طرف الثوب، شبهت ذكره في الاسترخاء وعدم الانتشار عند الإفضاء إليها بالخرقة وكنت عنه بما ذكرت. وأما أهداب العين فهي الشعور النابتة على أشفار العين، واحدها هدب ضم الهاء وإسكان الدال، وقيل فيه لغة بفتحهما، ورجل أهدب كثير شعر أشفار(4/179)
العين، والهندباء مذكور في بيع الأصول والثمار من المهذب وهو بقل معروف، وهو بكسر الدال يمد ويقصر لغتان، ويقال فيه أيضا هندباء بفتح الدال وهندباء وهندب.
هدد: الهدهد بضم الهاءين وإسكان الدال بينهما طائر معروف ذو خطوط متوجة، ويقال أيضا فيه هدهد بضم الهاء الأولى وكسر الثانية، وجمعه هداهد بفتح الأولى وهو محرم، ويقال هد البناء يهد بضم الهاء هدا.
هدي: الهدي: والهدي لغتان فصيحتان مشهورتان إسكان الدال مع تخفيف الياء وكسر الدال مع تشديد الياء. قال صاحب البحر: وهو اسم لما يهدى إلى مكة وحرمها، زادها الله تعالى شرفا تقربا إلى الله تعالى من النعم وغيرها من الأموال، إلا أنه عند الإطلاق اسم للنعم، فلهذا قال أصحابنا: إذا نذر هديا، وسماه لزمه ما سمى، وإن أطلق فقولان القديم أنه يجزيه ما يقع عليه الاسم. قال صاحب البحر: حتى تجزيه تمرة أو زبيبة لأنه يقع عليه اسم الهدي لغة وشرعا، ودليله في حديث الجمعة من راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، والجديد الأصح لا يجزيه إلا ما يجزي في الأضحية من النعم وأما الهدية، والفرق بينها وبين الهبة والصدقة، والاختلاف في اشتراط الإيجاب والقبول فيها، فسنذكره إن شاء الله تعالى في فصل وهب. والهداية والهدي يطلق بمعنيين أحدهما خلق الإيمان واللطف، والآخر بمعنى البيان فمن الأول {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} (الأعراف: من الآية43) ونظائره، ومن الثاني قول الله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} (الانسان: من الآية3) {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} (البلد:10) أي: بينا له طريقي الخير والشر، {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} (فصلت: من الآية17) أي: بينا لهم الطريق.
هذب: قال أهل اللغة: التهذيب التنقية والتصفية، والمهذب المنقى من العيوب، ورجل مهذب أي: مطهر الأخلاق.
هذذ: قوله في المهذب في وجوب قراءة الفاتحة على المأموم: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “لعلكم تقرأون خلف إمامكم قلنا: نعم هذا يا رسول الله، قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب” هذا الحديث صحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد صحيحة، وهذا هو في سنن أبي داود والدارقطني والبيهقي وغيرهم: هذا بتشديد الذال ومنصوب مكتوب بالألف. قال الخطابي في تفسير هذا(4/180)
الحديث: الهذ سرد القراءة ومداركتها في سرعة واستعجال قال: وقيل: أراد بالهذ هنا الجهر بالقراءة، فهذا صواب هذه اللفظة ولا خلاف فيها بين المحدثين والشارحين وغيرهم، ووقع في المهذب: “أجل يا رسول الله نفعل هذا” بزيادة لفظة نفعل وهكذا هو في رواية البيهقي والذال المشددة أيضا أي: نفعل القراءة بالهذ ونهذها هذا، وفي رواية الدارقطني: “نهذه هذا وندرسه درسا”. ورواية أبي داود وأكثر روايات الدارقطني: “أجل يا رسول الله هذا” وإنما بسطت الكلام في هذه اللفظة لأني أخاف تصحيفها ممن لم يأخذ ألفاظ الحديث من مظانها محققة.
هذى: قال الجوهري: هذى في مرضه يهذي ويهذو هذيا وهذيانا. وأما قوله في مختصر المزني في باب الضمان: ولا يصح ضمان المبرسم الذي يهذي. فقد ذكر صاحب الحاوي في معناه وجهين لأصحابنا، وقد سبق بيانه في حرف الباء في برسم.
هرر: الهر السنور والأنثى هرة، وقوله في صلاة الخوف من المهذب والوسيط: “صلى علي رضي الله تعالى عنه ليلة الهرير” هو بفتح الهاء وكسر الراء وبعدها ياء ثم راء أخرى، وهي حرب جرت بينه وبين الخوارج وكان بعضهم بهر على بعض فسميت بذلك. وقيل: هي ليلة صفين بين علي ومعاوية رضي الله تعالى عنهما.
هرو: قولهم: “ثوب هروي ودينار هروي” هو بفتح الهاء والراء وكسر الواو وتشديد الياء منسوب إلى هراة، وهي إحدى مدن خراسان المشهورة. وقوله في الوسيط والوجيز في باب الربا: “لا يصح بيع الهروي بالهروي” الهروي نقد فيه ذهب وفضة.
هزع: قال الأزهري: قال أبو عبيد: قال الأحمر: مضى هزيع من الليل وجرس وجوش، هذا كله بمعنى واحد. قال صاحب المحكم: الهزيع صدر من الليل. وقيل: ثلثه أونحوه والجمع هزع.
هزل: قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “ثلاث جدهن جد وهزلهن جد” تقدم في الجيم، والهزل: ضد الجد، وقد هزل بفتح الهاء والزاي يهزل بكسر الزاي. قوله: سمن ثم هزل هو بضم الهاء وكسر الزاي. قال الجوهري: الهزال ضد السمن، يقال: هزلت الدابة هزالا على مالم يسم فاعله، وهزلتها أنا(4/181)
هزلا فهو مهزول.
هشش: ذكر في المهذب في أول كتاب المسابقة: “أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - راهن على فرس فجاءت سابقة فهش لذلك وأعجبه هو بفتح الهاء وتشديد الشين أي: سر بذلك وفرح به وظهر السرور على وجهه الكريم. قال الجوهري: الهشاشة الارتياح والخفة للمعروف، قال: ويقال هششت لفلان بكسر الشين أهش، بفتح الهاء هشاشة ورجل هش بش.
هلث: قوله في باب زكاة الثمار من المهذب: وإن كان رطبا لا يجيء منه التمر كالهلياث، والسكر الهلياث بكسر الهاء وإسكان اللام وبعدها ياء مثناة من تحت ثم ألف ثم ثاء مثلثة. نقل بعض الفضلاء المصنفين في ألفاظ المهذب عن أبي حاتم السجستاني أنه قال في كتاب النخل: الهلياث نخلة صحيحة الجذع جيدة الرأس حمراء الليف، مادة الجريد قائمة الفرع طويلة الخوص مسترسلة السعف دقيقة الشوك، وهي أصح النخل وأطولها عرجونا طويلة الشمراخ تدلى أعذاقها، وبسرتها صفراء دقيقة الأسفل غليظة الرأس وبسرتها بشعة الطعم، ورطبها أطيب الرطب يجيء مع آخر السكر، قال: والسكر بضم السين المهملة وتشديد الكاف نخلة ثمرتها صفراء، وهي أرق الرطب، وجذعها أجود أجذاع النخل الجيدة الرأس حمراء الرطب فيه سواد قليل، قائمة الفرع مادة الجريد طويلة الخوص في سعفها صفرة، وفي خوصها استرخاء صافية اللون مستديرة الجريد غليظة الشوك، وفي شوكها سواد قليل طويلة العرجون، والشمراخ تؤكل خضراء وصفراء ومدركة، وهي من النخل التي لا تموت حتى تسقط أو تضرب، هذا آخر ما نقل عن السجستاني رحمه الله تعالى. وذكر صاحب البيان في باب زكاة الثمار: أن الهلياث والسكر كثير الماء قليل اللحم والشحم والبرني والمعقلي قليل الماء كثير اللحم والشحم.
هلج: ذكر في أول باب الربا من الروضة: الإهليلج هو بكسر الهمزة واللام الأولى وفتح اللام الثانية هكذا ضبطه أهل اللغة. قال الجوهري: هو معرب. قال الجوهري: قال ابن السكيت: هو الإهليلج والاهليلجة بالكسر يعني بكسر اللام ولا تقل هليلجة. قال: وقال(4/182)
ابن الأعرابي: هو بفتح اللام وليس في الكلام صدفه بالكسر، ولكن أفعلل مثل أهليلج وإبريسم.
هلع: قال أهل اللغة: الهلوع الضجور، وقد هلع يهلع هلعا. وقال الزجاج: هو الذي يفزع ويجزع. وقال صاحب المحكم: الهلع الحرص. وقيل: الجزع وقلة الصبر. وقيل: هو أسوأ الجزع، يقال: هلع هلعا وهلوعا وهلاعا، ورجل هلع وهالع وهلوع وهلواع وهلواعة جزوع حريص، وشيخ هالع أي: محزن وهلع هلعا جاع.
همس: قوله في الوسيط في مسألة الخرص: بالتأبير الصحة همسة حصلت من همس القوم. قال أهل اللغة: والتفسير الهمس هو الصوت الخفي، يقال: همس بحديثه إذا أخفاه. قال أبو عبيدة: الهمس واللكز والذب بمعنى واحد، وهو الصوت الخفي، والحروف المهموسة التي يذكرها أهل العربية عشرة يجمعها حثه شخص فسكت.
هملج: في كتاب الإجارة من المهذب والوسيط: ذكر المهملج من الدواب وهو بضم الميم وفتح الهاء وإسكان الميم وكسر اللام، وهو الذي يكون حسن السير في سرعة كذا قاله أهل اللغة. وذكر صاحب المحيط الوزير أبو القاسم ابن عباس: أن الهملاج حسن سير الدابة في سرعة وبخترة. قال أهل اللغة: وجمع الهملاج هماليج كسرادح وسراديح وهي الناقة الكريمة، ويقال للذكر والأنثى هملاج، والفعل منه هملج يهملج هملجة فهو مهملج كدحرج يدحرج دحرجة فهو مدحرج. قال الجوهري: هو فارسي معرب.
هود: قال الإمام أبو الحسن الواحدي في البسيط: قال الليث: الهود التوبة. وقوله عز وجل: {إنا هدنا إليك} أي: تبنا إليك. وقال غيره: هاد في اللغة معناه مال، يقال: هاد يهود هيادة وهودا. وقال المبرد في قوله تعالى: {هدنا إليك} أي: ملنا إليك، ويقال: لمن تاب هاد لأن من تاب من شيء مال عنه. قال الليث: سميت اليهود يهودا اشتقاقا من هادوا أي: تابوا من عبادة العجل، فعلى هذا القول لزمهم هذا الاسم في ذلك الوقت. وقال غيره: سموا بذلك لأنهم مالوا عن دين الإسلام وعن دين موسى، فعلى هذا إنما سموا يهودا بعد أنبيائهم. وقال ابن الأعرابي: يقال هاد إذا رجع من خير إلى شر ومن شر إلى خير،(4/183)
وسموا اليهود بذلك لتخليطهم وكثرة انتقالهم من مذاهبهمز وحكي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: سميت اليهود لأنهم يتهودون أي: يتحركون عند قراءة التوراة وعلى هذا التهود تفعل من الهيد بمعنى الحركة، يقال هدته أهيده هيدا كأنك تحركه ثم تصلحه. وقيل: اليهود معرب من يهوذا بن يعقوب عليهما الصلاة والسلام بالذال المعجمة عرب ثم نسب الواحد إليه. فقيل: يهودى ثم حذفت الياء في الجمع. فقيل: يهود وكل جمع منسوب إلى جنس فهو بإسقاط ياء النسبة كقولهم زنجي وزنج ورومي وروم، هذا الكلام في أصل هذا الحرف. ويقال: هاد إذا دخل في اليهودية وتهود إذا تشبه بهم ودخل في دينهم، وهود إذا دعي إلى اليهودية، ومنه الحديث: “فأبواه يهودانه” هذا آخر كلام الواحدى.
وفي حديث القسامة: “تحلف لكم اليهود” لفظة يهود مرفوعة غير منونة فلا تنصرف لأن العرب أجرته إسما للقبيلة فامتنع صرفه لتأنيثه وتعريفه، وكذلك مجوس. قال أبو حاتم السجستاني: يهود مجوس لا يتصرفان لأنهما إسمان لأمتين كالاسمين للقبيلتين. قال: وأما المجوس واليهود فالمراد مذهب المجوسي واليهودي.
هوس: قوله في الوسيط: وقيل: يجب في الشم الحكومة لأن التأذي به مع كثرة الإتيان أكثر من التلذذ، وهذا هوس الهوس بفتح الهاء والواو طرف من الجنون، كذا قاله الجوهري في صحاحه.
هون: الهون بفتح الهاء هو السكينة والوقار والهون بالضم الهوان. قوله في باب الاستطابة من المهذب: حكاية عن لقمان عليه الصلاة والسلام “فاقعد هوينا وأخرج” قوله: هوينا هو بضم الهاء وفتح الواو وإسكان منون تصغير هونا، والمشهور فيه الهوينا بالألف واللام كالدنيا. وقد قيل: هونا، كما قيل دنيا والهوينا تأنيث الأهون والهاوون الذي يدق فيه معروف. قال ابن فارس في المجمل: الهاوون الذي يدق فيه عربي صحيح، قال: كأنه فاعول من الهون، قال: ولا يقال هاون لأنه ليس في الكلام فاعل يعني: لا يقال هاون بواو واحدة مضمومة، وكذا قاله غيره، وفيه لغة أخرى هاون بفتح الواو ذكرها الجوهري، قال: وأصله بالواوين لأن جمعه هوانين مثل قانون وقوانين(4/184)
فحذفوا منه الواو الثانية استثقالا، وفتحوا الأولى لأنه ليس في كلامهم فاعل بالضم.
هيأ: قوله في مختصر المزني في صفة الحج: “وتطوف المرأة على هيئتها” قال صاحب العين: روي هيئتها وروي هينتها أي: سكينتها.
هيم: قوله في الوسيط: “الهائم وراكب التعاسيف لا يترخص” الهائم هو الذاهب مقصود صحيح. قال أبو عبد الله البخاري في أول كتاب البيوع من صحيحه: “الهائم المخالف القصد في كل شيء”. وأما جمع الغزالي بين الهائم وراكب التعاسيف، فقد قال الشيخ أبو الفتوح العجلي: هما عبارتان عن شيء واحد وليس كما قال، بل الهائم الخارج على وجهه لا يدري أين يتوجه وإن سلك طريقا مسلوكا، وراكب التعاسيف لا يسلك طريقا فهما مشتركان في أنهما لا يقصدان موضعا معلوما، وإن اختلفا فيما ذكرناه. قال أهل اللغة: يقال: هام على وجهه يهيم هيما وهيمانا ذهب من عشق أو غيره، وقلب مستهام أي: هائم، والهيام داء يأخذ الإبل فتهيم في الأرض لا ترعى يقال منه ناقة هيماء، وهذا مذكور في الروضة في أول باب الأضحية.
هيه: قال الإمام الواحدي رحمه الله تعالى: هيهات إسم يسمى به إسم الفعل، وهو بعد في الخبر لا في الأمر، ومعنى هيهات بعد، وليس له اشتقاق لأنه بمنزلة الأصوات وفيه زيادة معنى ليست في بعد، وهو أن المتكلم بهيهات يخبر عن اعتقاده واستبعاد ذلك الذي يخبر عن بعده، فكأنه بمنزلة قوله بعد جدا وما أبعده، لا على أن يعلم المخاطب مكان ذلك الشيء في البعد، ففي هيهات زيادة على بعد وإن كان تفسيره بعد. قال الفراء في قوله تعالى حكاية عنهم: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} (المؤمنون:36) لو لم تكن اللام في ما كان صوابا، قال: ودخول اللام عربي، ومثله في الكلام هيهات لك وهيهات أنت منا وهيهات لأرضك، وأنشد:
وهيهات خل بالعقيق نواصله
فهيهات هيهات العقيق وأهله
فمن لم يدخل اللام رفع الاسم، ومعنى هيهات بعد فكأنه قال بعد العقيق. ومن أدخل اللام قال: هيهات أداة ليست مأخوذة من فعل، فإذا دخلت اللام كما يقال هلم لك إذا لم تكن مأخوذة من فعل. وقال الزجاج: هيهات موضعها الرفع وتأويلها(4/185)
البعد لما توعدون، قال: ويقال هيهات ما قلت وهيهات لما قلت، فمن قال هيهات لما قلت معناه البعد لقولك.
قال أبو على الفارسى: قول الزجاج: إن هيهات في موضع رفع، وإجراؤه إياها مجرى البعد في أن موضعه رفع في قولك البعد لزيد خطأ، وذلك أن هيهات اسم سمي به الفعل، فهو إسم لبعد كما أن شتان كذلك وهيهات أشبه الأصوات نحو مه وصه وما لا حظ له في الاعراب، فكما لا يجوز أن يحكم لشتان بموضع من الإعراب من حيث كان اسما للفعل ولا موضع له من الإعراب، كما لا موضع للهمزة من قوله أقام زيد، كذلك لا يجوز أن يحكم لهيهات بأن موضعه رفع، ولو جاز أن يكون موضعه رفعا لدلالته على معنى البعد لكان شتان أيضًا مرتفعًا لدلالته على ذلك، وليس للاسم الذي يسمى به الفعل موضع من الإعراب كما لم يكن للفعل الذي جعل هذا اسما له موضع، فإذا ثبت أنه اسم سمي به الفعل لا يخلو من ذلك ولولا أن شتان وهيهات لبعد في قولك شتان زيد وهيهات العقيق، وأن الاسم مرتفع به إذ لا يخلو أن يكون بمنزلة الفعل أو يمنزلة المبتدأ، ولا يجوز أن يكون بمنزلة المبتدأ لأن المبتدأ هو الخبر في المعنى أو يكون له فيه ذكر، وليس هيهات بالعقيق ولا شتان بزيد، ولو كان إسما للمصدر لما وجب بناؤه لأن المعنى الواحد قد يسمى بعده إسما، ويكون ذلك كله معربا، وأيضا فإنك تقول هيهات المنازل وهيهات الديار، فلو كان هيهات مبتدأ لوجب أن يجمع إذ لا يكون المبتدأ واحدا والخبر جمعا.
وأظن الذي حمل أبا إسحاق على أن هيهات معناه البعد رفعا أنه لم ير في قوله هيهات فاعلا ظاهرا مرتفعا، فحمله على أن موضعه رفع كالبعد، والقول في هذا أن في هيهات ضميرًا مرتفعًا، وذلك أن الضمير عائد إلى قوله: “إنكم مخرجون” الذي هو بمعنى الإخراج فصار في هيهات هذا الضمير العائد إلى الأخراج فصار في هيهات ضميرا له، والمعنى: هيهات إخراجكم للوعد أي: بعد إخراجكم الوعد، ففاعل هيهات في قول الشاعر: فهيهات العقيق الاسم الظاهر، وإنما كرر هيهات في الآية والبيت للتأكيد.
وأما قوله: ويقال هيهات ما قلت وهيهات لما قلت، فمن قال هيهات فمعناه: البعد لما قلت، ومن قال هيهات(4/186)
لما قلت فمعناه: البعد لقولك، فقد ذكرنا: أن هيهات لا يجوز أن يكون للبعد، وأنه اسم سمي به الفعل فأجازته هيهات. ما قلت على أنه للبعد ليس بجائز، وإنما قلت يرتفع بهيهات كما يرتفع ببعد، وأما إجازته هيهات ما قلت فإنما قاسه على قوله تعالى: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} (المؤمنون:36) وليس قولك مبتدأ هيهات لما قلت مثل الآية؛ لأن التي في الآية فيها ضمير كما أعلمتك ولا ضمير فيها مبتدأ، فبان أن قوله هيهات لما قلت ليس كما قاسه؛ لأنه خال من ضمير الفاعل، فإن قال هيهات لقولك وكان في هيهات ضمير كما في الآية جاز وإلا امتنع.
وقوله: وأما من نون هيهات فجعلها نكرة، ويكون المعنى بعد لما قلت، ففيه اختلاف قيل: إنه إذا نون كان نكرة لأن هذه التنوينة في الأصوات إنما تثبت علما للتنكير وتحذف علما للتعريف، كقولهم عاقٍ وعاقِ وايهٍ وايهِ فجائز أن يكون المراد بهيهات إذا نون التنكير. وقيل: إنه إذا نون أيضا كان معرفة كما كان قبل التنوين لأن التنوين في مسلمات ونحوه نظير النون في مسلمين، فهي إذا ثبتت لم تدل على التنكير كما تدل عليه في عاق؛ لأنه بمنزلة ما لا يدل على تعريف ولا تنكير فهو على تعريفه الذي كان عليه قبل دخول التنوين، إذ ليس التنوين فيه ليث في عاق. قال أبو العباس: وهذا الوجه قوي، هذا آخر كلام أبي على الفارسى.
قال الواحدي: فحصل في معنى هيهات ثلاثة أقوال: أحدهم أنه بمنزلة الصفة كقولك بعيد، وهو قول الفراء. والثاني: أنه منزلة البعد وهو قول الزجاج وابن الانبارى. والثالث: أنه بمنزلة بعد وهو قول أبي علي وغيره من حذاق النحويين، فهو على هذه الأقوال بمنزلة الصفة والمصدر والفعل وفيه لغات فتح التاء بلا تنوين. قال الفراء: هما أداتان جمعتا كخمسة عشر، قال: ويجوز أن يكون نصبها كنصب ربت وثمت، واللغة الثانية: هيهاتا بالتنوين مع الفتح، قال ابن الانبارى: هو شبيه بقوله تعالى: {فقليلا ما يؤمنون} . والثالثة: هيهات بكسر التاء، قال الفراء: هو بمنزلة وراك. والرابعة: الكسر مع التنوين، قال ابن الانبارى: شبهوه بالأصوات كعاق. والخامسة: هيهات بالرفع بغير تنوين. والسادسة: هيهات بالرفع والتنوين، قال: ومن العرب من يقول إيهات في هذه اللغات كلها، ومنهم من يقول إيها بلا تنوين وبحذف التاء كما حذفت الياء من حاش لله، والمستعمل من هذه اللغات كلها استعمالا(4/187)
غالبا الفتح بلا تنوين.
قال الأزهري: واتفق أهل اللغة على أن تاء هيهات ليست بأصلية. قال أبو عمرو ابن العلاء: إذا وصلت هيهات فدع التاء على حالها، وإذا وقفت فقل هيهاه، ويدل على هذا ما قال سيبويه: إنها بمنزلة عرقات يعني: في التأنيث، وإذا كان كذلك كان الوقف بالهاء. قال الفراء: كان الكسائى يختار الوقف على الهاء، وأنا أختار التاء في الوقف على هيهات، وعنده أن هذه التاء ليست بتاء تأنيث، هذا آخر ما ذكره الواحدي. قال الجوهري في فصل إيه: ومن العرب من يقول إيها في معنى هيهات، وربما قالوا أيهات وربما قالوا أيهان بالنون كالتثنية، والله تعالى أعلم.
فصل في أسماء المواضع
هجر: المذكور في حديث: "القلتين" هي بفتح الهاء والجيم، قرية بقرب مدينة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت هذه القلال تعمل بها أولا، ثم عملت بالمدينة وغيرها، ولسيت هذه هجر البحرين المدينة المعروفة التي هي قصبة البحرين، بل هذه غيرها. وأما قوله في المهذب في أول باب الجزية: "أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ الجزية من مجوس هجر" فالمراد بها هجر البحري. قال الحازمي: بين هجر البحرين وبين يبرين سبعة أيام. قال الجوهري في صحاحه: هجر إسم بلد مذكر مصروف، قال: والنسبة إليها هاجري. وقال أبو القاسم الزجاجي في الجمل: هجر يذكر ويؤنث. وفي صحيح البخاري في باب هجرة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أبي موسى الأشعري عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو الهجر فإذا هي المدينة" كذا في جميع النسخ الهجر بالألف واللام، لكنه حديث معلق بصيغة جزم.
همذان: المدينة العظيمة الجبال، وعراق العجم مذكورة في باب صلاة المسافرين من الوسيط، وهي بفتح الميم وبالذال المعجمة.(4/188)
حرف الواو
وأد: في المهذب في عشرة النساء حديث الغزل: "هو الوأد الخفي" رواه مسلم. قال أهل اللغة: الوأد بالهمز دفن البنت وهي حية، وكانت العرب تفعله خشية الإملاق وربما فعلوه خوف العار، والموؤدة بالهمز البنت المدفونة حية. يقال منه وأدت المرأة ولدها وأدًا. قيل: سميت موؤدة لأنها تثقل بالتراب، ومنه قوله تعالى: {وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} (البقرة: من الآية255) .
وبش: في الحديث: "هذه أوباش قريش" ذكره في باب السير من المهذب. قال أهل اللغة: الأوباش الأخلاط.
قال الجوهري: والأوباش من الناس الأخلاط مثل الأوشاب، قال: ويقال هو جمع مقلوب من البوش كذا قاله الجوهري في فصل وبش، وقال في فصل بوش: البوش الجماعة من الناس المختلطين يقال بوش بائش، قال: والأوباش جمع مقلوب منه.
وجر: قال القاضي عياض: أوجره ووجره لغتان الأولى أفصح وأشهر، إذا ألقيت الوجور في حلقه، وهو الوجور بفتح الواو، وهو ما صب في وسط الفم في الحلق، واللدود ما صب في أحد جانبيه.
وجز: قال أهل اللغة: أوجزت الكلام قصرته، وهو كلام موجز بفتح الجيم وموجز بكسرها ووجز ووجز. وأما قول الغزالي في خطبة الوجيز: وأوجزت لك المذهب البسيط الطويل، فالظاهر أنه أراد بالمذهب البسيط كتابه البسيط، وذكره أبو القاسم الرافعي في كتابه التذنيب: أنه يجوز أن يريد به مطلق المذهب، وأن يريد به كتابه المعروف بالبسيط.
وجع: في الحديث: "لا تحل المسألة إلا لثلاثة لذي فقر مدقع أو لذي عدم مفظع أو لذي دم موجع" ذكره في المهذب في باب النجش، فموجع بضم الميم وإسكان الواو وكسر الجيم. قال الإمام الخطابي رحمه الله تعالى: الدم الموجع هو أن تتحمل حمالة في حقن الدماء، وإصلاح ذات البين فتحل له المسألة فيها، والله تعالى أعلم.
قوله في التنبيه في باب صلاة المريض: “وإن كان به وجع فقيل له إن صليت مستلقيا” هكذا ضبطناه وجع بالتنوين إضافة إلى العين، وكذا وجد في نسخة المصنف رحمه الله تعالى، وقد يقع في كثير من النسخ أو في أكثرها وجع العين بالإضافة إلى(4/189)
العين والأول أجود، والله تعالى أعلم.
وحد: الدراهم الأحدية ذكرها في المهذب في باب ما ينقض الوضوء وزكاة المعدن: وهي بفتح الهمزة والحاء المخففة، وهي المكتوب فيها: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (الاخلاص:1) إلى آخرها وكان هذه الدراهم في أوائل الإسلام.
ودع: ثبت في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “إن شر الناس عند الله تعالى منزلة يوم القيامة من ودعه أو تركه الناس اتقاء فحشه” هكذا رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما ورواه أبو داود والترمذي على الشك. وروينا في مسند أبي عوانة الاسفرايني عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال: “إن أدعكم فلا استحلف عليكم فقد ودعكم خير مني” قال القاضي عياض في شرح مسلم في حديث سبب نزول قول الله تعالى: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} (الضحى:1، 2) النحويون ينكرون الماضي من ودع ووذر والمصدر أيضًا، قالوا: إنما جاء منهما المستقبل والأمر لا غير. قال القاضي: وقد جاء الماضي والمستقبل منهما جميعًا. وفي صحيح مسلم لينتهين قوم عن ودعهم الجماعات. وقال الشاعر:
أكثر نفعًا من الذي ودعوا
وكان ما قدموا لأنفسهم
وقال:
غاله في الحب حتى ودعه
ليت شعري في خليلي ما الذي
غاله بالغين المعجمة أي: أخذه.
ورس: الورس نبت أصفر يكون باليمن يصبغ به الثياب والخز وغيرهما، يقال: ورست الثوب توريسا إذا صبغته بالورس. قال الجوهري وغيره: ويقال ملحفة وريسة أي: مصبوغة بالورس، كذا قاله أهل اللغة: وريسة براء مكسورة ثم ياء ساكنة ثم سين مفتوحة. ووقع في المهذب في آخر باب صفة الوضوء: “فأتيناه بملحفة ورسة” كذا هو في جميع نسخ المهذب ورسية بإسكان الراء وبعدها سين مكسورة ثم ياء مشددة، وكذا رواه البيهقي في السنن الكبير وغيره من أهل الحديث.
ورا: التورية: أن يوهم غير مراده فيقصد شيئا ويتكلم بما يفهم منه غيره، قال: وأصله من وراء كأنه جعل البيان وراء ظهره وأعرض عنه. حديث الشفاعة: يقول إبراهيم عليه السلام: “إني كنت خليلا من وراء وراء” هكذا سمع مبنيا على(4/190)
الفتح، وهكذا ضبطناه عن مشايخنا في مسلم وفي المستخرج عليه لأبي نعيم، ومعناه من خلف حجاب.
ومثله حديث معقل: أنه حدث ابن زياد بحديث فقال: “إنني سمعته من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو من وراء وراء” أي: ممن جاء خلفه وبعده، هكذا شرح معناه الأئمة المحققون. وقال ابن الأثير: وروي مبنيا على الفتح ثم شرحه، فقال: من وراء حجاب وهاتان الكلمتان أوردهما ابن دحية مفتوحتين فرد عليه سنان، وقال: لا يجوز فيهما إلا البناء على الضم كقبل وبعد إذا قطعتا عن الإضافة بنيتا على الضم، ومنع ابن دحية الضم. وقال أبو البقاء: الصواب “وراء وراء” لأن تقديره من وراء ذلك أو من وراء شيء آخر، فإن صح الفتح قبل.
قلت: صح الفتح والحمد لله لأن سماع الأئمة وتنبيههم على الفتح أقوى دليل على أنه ما روي بالضم، فحق أبي البقاء أن يقول: إن صح الضم، ولا يقول إن صح الفتح وتوجيهه أعني الفتح: أن تكون الكلمة مؤكدة كشذر مذر وشغر مغر وسقطوا بين بين، وورد في حديث معاذة الأسدي: “اللهم اجعل قوت فلان يوم يوم” ركبهما وبناهما على الفتح نحو لقيته صباح مساء، وإن ورد منصوبا منونا جاز جوازا جيدا، وأما بناء قبل وبعد على الفتح فضعيف عند البصريين، وإن حكاه الكوفيون فلا يجوز في القرآن العزيز لعدم فصاحته، ولا في حديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وزع: قال الجوهري: وزعته كففته أزعه وزعا فاتزع أي: كف، والأوزاع الجماعات، والتوزيع القسمة والتفريق، وتوزعوه تقسموه، واستوزعت الله تعالى شكره، فأوزعني أي: استلهمته فألهمني. وقوله في كتاب الرهن: “فيما إذا رهن الجارية الحسناء إن كان مما تزعه الحشمة” هو بفتح التاء والزاي المخففتين أي: يكفه الحياء ويمنعه.
وسق: قوله: “خمسة أوسق” هي جمع وسق بفتح الواو وكسرها. قال الهروي: كل شيء حملته فقد وسقته، قال: وقال غيره: الوسق ضمك الشيء إلى الشيء بعضه إلى بعض. قال صاحب المحكم: جمع الوسق والوسق أوسق ووسوق، ويقال بكسر الواو وجمعه أوساق، قال: والأول أكثر وأشهر.
وسم: قوله: “والمستحب أن يسم(4/191)
إبل الصدقة والبقر والغنم” قال الخطابي: إنما توسم لتتميز عن أملاكه وينزه صاحبها عن حبها من شرائها لئلا يكون عائدًا فيما أخرجه إلى الله تعالى، قال: وفيه تأكيد إشعار البدن لتتميز من أملاكه، وفيه أن النهي عن المثل وتعذيب الحيوان مخصوص به. قال الجوهري: وسمه وسما وسمة إذا أثرت فيه بسمة وكي، والهاء عوض عن الواو، قال: الميسم المكواة، وأصل الياء واو فإن شئت قلت في جمعه مياسم على اللفظ، وإن شئت قلت مواسم على الأصل.
قال الأزهري: قال الليث: الوسم أثر كية تقول بعير موسوم أي: قد وسم بسمة تعرف بها إما كية وإما قطع في أذن، قال: والميسم المكواة، وهو الشيء الذي توسم به الدواب والجمع المواسم. قال غيره: يقال وسمه يسمه وسما وسمة، وأصله من السمة وهي العلامة، ومنه قوله تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} (الفتح: من الآية29) أي: علامات إيمانهم وخشوعهم. ومنه موسم الحج لأنه معلم لجميع الناس، وفلان موسوم بالخير وعليه سمة الخير أي: علامته، وتوسمت فيه كذا أي: رأيت فيه علامة. وقوله في الديات من المهذب: “كان ينشد في الموسم”. وقوله في الوسيط في القسم الثالث من كتاب البيوع: “إذ من عادة العرب في الموسم شراء صبرة مكايلة المواسم” بفتح الميم جمع موسم. قال الأزهري: قال الليث: موسم الحج سمى موسما لأنه معلم يجتمع إليه، قال: وكذلك كانت مواسم أسواق العرب في الجاهلية.
وصي: قال أهل اللغة: يقال أوصيته بكذا وأوصيت ووصيت له وصيت إليه جعلته وصيا. قال الرافعي: قال الأزهري: اللفظة مشتقة من قولهم وصي الشيء بالشيء يصيه إذا أوصله به، وأرض واصية كثيرة النبات، وسمى هذا التصرف وصية لما فيه من وصل القربة الواقعة بعد الموت بالقربات المنجزة في الحياة، ودلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة متعاضدة على أصل الوصية.
وضم: قوله في باب الوليمة من الروضة: والوصيمة هي الطعام المتخذ عند المصيبة، هي بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة، وهي لفظة عربية حكاها الجوهري عن الفراء.
وعظ: قال ابن فاراس في المجمل: الوعظ التخويف، والعظة الاسم منه. قال الخليل: وهو التذكير بالخير فيما يرق(4/192)
له قلبه. وقال الجوهري في الصحاح: الوعظ النصح والتذكير بالعواقب، يقال وعظته وعظا وعظة فاتعظ أي: قبل الموعظة. وقال الزبيدي في مختصر العين: الوعظ والموعظة والعظة سواء.
وغر: قوله في الوسيط في أول كتاب النكاح في خصائص النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “فإن ذلك يوغر صدورهن” هو بضم الياء المثناة تحت وإسكان الواو وكسر الغين المعجمة أي: تحميها من الغيظ. قال الجوهري: الوغر شدة توقد الحر، ومنه قيل في صدره عليَّ وغر بإسكان الغين أي: ضغن وعداوة، وتوقد من الغيظ، والصدر بالفتح تقول وغر صدره علي يوغر وغورا فهو واغر الصدر علي، وقد أوغرت صدره على فلان أي: أحميته من الغيظ، وأوغرت الماء أي: أغليته.
وفق: التوفيق خلاف الخذلان. قال إمام الحرمين وغيره من أصحابنا المتكلمين: التوفيق خلق قدرة الطاعة، والخذلان خلق قدرة المعصية، والموفق في شيء لا يتضرر منه خلافه.
وقح: قوله في كتاب السير من الوسيط: “إذا أخذ الشحم لتوقيح الدواب” قال الجوهري: توقيح الحافر تصليبه بالشحم المذاب.
وقص: الوقص في الزكاة: هو ما بين النصابين، وفيه لغتان فتح القاف وإسكانها والمشهور في كتب اللغة فتحها. وقد عد الإمام ابن بري من لحن الفقهاء الإسكان المشهور في كتب اللغة وألسنة الفقهاء إسكانها. وقد عد القاضي أبو الطيب في تعليقه وصاحب الشامل وغيرهما فصلا في أن الصواب الإسكان، وتغليط من زعم من أهل اللغة أنه بالفتح، ونقلوا أن أكثر أهل اللغة قالوه بالإسكان، ثم قيل هو مشتق من قولهم رجل أوقص إذا كان قصير العنق لم يبلغ عنقه حد أعناق الناس، فسمي وقص الزكاة لنقصانه عن النصاب. قال أهل اللغة والقاضي أبو الطيب وصاحب الشامل وغيره من أصحابنا: الشنق بالشين المعجمة والنون المفتوحتين وبالقاف هو ما بين الفريضتين أيضًا مثل الوقص. قال القاضي: أكثر أهل اللغة يقولون الشنق مثل الوقص لا فرق بينهما. وقال الأصمعي: الشنق يختص بأوقاص الإبل، والوقص يختص بالبقر والغنم.
قلت: وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في(4/193)
البويطي: وليس في الشنق من الإبل والبقر والغنم شيء، قالوا: والشنق ما بين شيئين من العدد، قال: وليس في الأوقاص شيء، قال: والأوقاص ما لم يبلغ ما تجب الزكاة فيه، هذا نصه في البويطي بحروفه ومنه نقلته.
قلت: والمشهور في كتب اللغة والفقه: “أن الوقص ما بين الفريضتين”، وقد استعملوه أيضا فيما لا زكاة فيه، وإن كان دون أول النصاب كالأربعة من الإبل، وهذا النص الذي نقلته من البويطي موافق لهذا، وقال الشافعي في مختصر المزني: “الوقس ما لم يبلغ الفريضة” هكذا رأيته في نسخ مختصر المزني بالسين المهملة، وكذا رواه الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه معرفة السنن والآثار عن الربيع عن الشافعي، قال البيهقي: كذا في رواية الربيع الوقس بالسين، قال: وهو في كتاب البويطي بالصاد. وروى البيهقي بإسناده في السنن عن المسعودي راوي هذا الحديث أنه قال: “في أوقاص البقر الأوقاص ما دون الثلاثين وما بين الأربعين والستين” قال المسعودى: وهي الأوقاس بالسين فلا تجعلها بالصاد.
قلت: فحصل من جميع هذا أنه يقال وقص بفتح القاف وإسكانها، ووقس بالسين وشنق، وأنه يستعمل فيما لم تجب فيه الزكاة مطلقا، لكن أكثر استعماله فيما بين الفريضتين، وأن منهم من فرق بين الشنق والوقص كما تقدم، والله تعالى أعلم.
وقع: سورة الواقعة هي القيامة كذا قاله ابن عباس وأبو عبيدة والأخفش وغيرهم، فالواقعة والقيامة والآزفة والقارعة بمعنى واحد. قال الواحدي: هذا الذي قاله هؤلاء من أن الواقعة هي القيامة هو الصحيح، قال: وأما قول مقاتل أنها الصيحة، وهي النفخة الأخيرة فبعيد؛ لأن الله تعالى وصفها بقوله تعالى: {خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} (الواقعة:3) وهذا من صفة القيامة لا من صفة النفخة.
وقف: الوقف والتحبيس والتسبيل بمعنى واحد، وهي هذه الصدقة المعروفة، وهذه ألفاظ صريحة فيها، والوقف في اصطلاح العلماء عطية مؤبدة بشروط معروفة وهي مما اختص به المسلمون. قال إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه: لم يحبس أهل الجاهلية فيما علمته دارا ولا أرضا تبررا بحبسها، قال: وإنما حبس أهل الإسلام. قال صاحب التهذيب: الوقف أن يحبس عينا من أعيان ماله فيقطع(4/194)
تصرفه عنها، ويجعل منافعها لوجه من وجوه الخير تقربا إلى الله تعالى. قال صاحب التتمة: حقيقة الوقف تحبيس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه يقطع تصرف الواقف وغيره عن رقبته وتصرف منافعه، وفوائده إلى وجوه البر يقصد به التقرب إلى الله تعالى، قال: وسمي وقفا لأن عين المال موقوفة، ويسمى حبسا لأن عين المال تصير محبوسة على تلك الجهة بعينها. قال أصحابنا: العطايا أقسام الوقف والهدية والهبة والعمري والرقبى والمنحة والعارية وصدقة التطوع والوصية والاقطاع، وقد ذكرنا حد الوقف، وسيأتي حد الهبة والهدية والصدقة في فصل وهب إن شاء الله تعالى.
وقى: الآوقية: بضم الهمزة على المشهور وفيها لغة قليلة الاستعمال، وقية بحذف الألف، وقد ثبتت هذه اللغة القليلة في صحيح البخاري من كلام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من روايات ذكرها في باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى، جاز من حديث جابر في بيعة الجمل، وذكرها مسلم فيه، وجاءت بها أحاديث صحيحة أخرى.
وكد: قال أهل اللغة: يقال وكدت الأمر والعقد والعهد واليمين والسرج وغير ذلك، أوكده توكيدا وأكدته تأكيدا. قال الجوهري: والواو أفصح، قال: وكذلك أوكده وأكده إيكادا فيهما أي: شده وأتقنه، وتأكد الأمر وتوكد أي: استوثق.
وكل: الوكيل معروف، ويقال منه وكله توكيلا والاسم الوكالة، والوكالة بفتح الواو وكسرها لغتان فصيحتان، ذكرهما ابن السكيت وغيره. والتوكل الاعتماد، يقال توكلت على الله تعالى أو على فلان توكلا أي: اعتمدت عليه، والاسم التكلان بضم التاء وإسكان الكاف، وهذا الأمر موكول إلى فلان ووكلت الأمر إليه وكلا ووكولا إذا فوضته إليه وجعلته نائبا. قال الجوهري: ويقال واكلت فلانا مواكلة إذا اتكلت عليه واتكل عليك. وقوله في الخطبة: حسبي الله ونعم الوكيل، قيل: الوكيل في صفته سبحانه وتعالى بمعنى: الموكول إليه. وقيل: الموكول إليه بتدبير خلقه بمصالح خلقه. وقيل: الحافظ.
ولد: قال الجوهري: الولد يكون واحدا وجمعا، وكذلك الولد يعني بضم الواو وإسكان اللام، والولد بكسر الواو لغة في الولد، والوليد الصبي والعبد، والجمع(4/195)
ولدان وولدة والوليدة الصبية والأمة والجمع الولائد، ويقال ولدت المرأة ولادًا وولادة، ويقال أولدت أي: حان ولادها، والوالد الأب والوالدة الأم وهما الوالدان، وتولد الشيء من الشيء يعني: حصل منه، وميلاد الرجل إسم الوقت الذي ولد فيه، والمولد إسم للموضع الذي ولد فيه، وولد الرجل إبله توليدا كما يقال نتجها نتجا، ورجل مولد إذا كان محض، هذا آخر كلام الجوهري.
وله: في الحديث: “لا توله والدة بولدها” مذكور في كتاب البيع هو بضم التاء وفتح الواو واللام المشددة، ويجوز في الهاء الوجهان في نظائره وهما رفعها وإسكانها، فالإسكان على النهي والرفع على أنه نهي بلفظ الخبر وهو أبلغ في الزجر، وقد تقدمت نظائره. قال أهل اللغة: والغريب الوله ذهاب العقل والتحير من شدة الحزن، ويقال رجل واله وامرأة والهة بإثبات الهاء وحذفها، وممن ذكر الوجهين فيهما ابن فارس، ويقال في الفعل منه وله بفتح اللام يله بكسرها ووله بكسرها يوله بفتحها لغتان فصيحتان ذكرهما الهروي وغيره، قالوا: ومعنى التوليه المنهي عنه في الحديث: أن يفرق بين المرأة وولدها فتجعل والهة.
ولي: قولهم في المحجور عليه مولى عليه، هو بفتح الميم وإسكان الواو كسر اللام وتشديد الياء، ويقال أيضًا بضم الميم وفتح الواو وتشديد اللام المفتوحة مثل المصلى عليه. قال الإمام أبو السعادات المبارك بن محمد بن عبد الكريم الجزري في كتابه نهاية الغريب: اسم المولى يقع على معان كثيرة، فذكر ستة عشر معنى، فقال: هو الرب والمالك والسيد والمنعم والمعتق والناصر والمحب والتابع والجار وابن العم والحليف والعقيد والصهر والعبد والمنعم عليه والمعتق، قال: وأكثرها قد جاءت في الحديث فيضاف كل واحد منها إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه، وكل من ولي أمرًا أو قام به فهو مولاه ووليه، وقد تختلف مصادر هذه الأسماء.
وهب: قال أهل اللغة: يقال وهبت له شيئا وهبا ووهبانا بإسكان الهاء وفتحها وهبة، والاسم الموهب، والموهبة بكسر الهاء فيهما. قال الجوهري: والاتهاب قبول الهبة، والاستيهاب سؤال الهبة، وتواهب القوم أي: وهب بعضهم بعضا، ورجل وهاب وإبريق أي: كثير الهبة لأمواله، والهاء للمبالغة. وأما قول الغزالي وغيره(4/196)
في كتب الفقه: وهبت من فلان كذا فهو مما ينكر على الفقهاء لإدخالهم لفظة من وإنما الجيد وهبت زيدًا مالا ووهب له مالا. وجوابه: أن إدخال من هنا صحيح، وهي زائدة وزيادتها في الواجب جائزة عند الكوفيين من النحويين، وعند الأخفش من البصريين.
وقد روينا أحاديث فيها: “وهبت منه كذا”، ويقال: هب زيدا منطلقا بمعنى أحسب فيعدى إلى مفعولين ولا يستعمل منه ماض ولا مستقبل. قال أصحابنا: والهبة في اصطلاح العلماء: تمليك العين بغير عوض، وقد زاد صاحب التتمة زيادة حسنة، فقال: تمليك الغير عينا للتودد واكتساب المحبة، وهذا الذي قاله تخرج به صدقة التطوع من الحد وهي مندوب إليها بالإجماع لدخولها في عموم قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (المائدة: من الآية2) وقوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (آل عمران: من الآية92) وقوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} (البقرة: من الآية177) إلى قوله تعالى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ} (البقرة: من الآية177) وقوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} (النساء:4) وللحديث عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “تهادوا تحابوا” والهبة والهدية متقاربتان فالأمر بأحدهما أمر بالاخر. قال صاحب التتمة: والهدية في معنى الهبة إلا أن غالب ما يستعمل لفظ الهدية فيما يحمل إلى إنسان أعلى منه.
قلت: هذا ليس كما قال، بل تستعمل في حمل الإنسان إلى نظيره ومن فوقه ودونه. قال صاحب التتمة: وأما الصدقة فهي صرف المال إلى المحتاجين بقصد التقرب إلى الله تعالى. وقال صاحب الشامل: الهبة والهدية وصدقة التطوع بمعنى واحد كل واحد من ألفاظها يقوم مقام الآخر، إلا أنه إذا دفع شيئًا ينوي به التقرب إلى الله تعالى إلى المحتاجين فهو صدقة، وإن دفع ذلك إلى غير محتاج للتقرب إليه والمحابة فهي هبة وهدية. وكذا قال الشيخ نصر المقدسي في تهذيبه: الهبة والهدية ما يقصد بهما في الغالب التواصل والتحابب، والصدقة ما يقصد به التقرب إلى الله تعالى. وقال الرافعي كلاما لخصته في الروضة.
وهد: الوهدة بفتح الواو وإسكان الهاء هي المكان المطمئن، وجمعها وهاد ووهد، قاله الجوهري.
وهن: قال الآزهري في تهذيب(4/197)
اللغة: قال الليث: الوهن الضعف في العمل والأمر وكذلك في العظم ونحوه، وقد وهن العظم يهن وهنا وأوهنه يوهنه، ورجل واهن في الأمر والعمل موهون في العظم والبدن، والوهن لغة فيه. وقال أبو عبيد: الموهن فيه والوهن نحو نصف من الليل، هذا آخر ما نقلته عن الأزهري. وقال صاحب المحكم: الوهن الضعف في العلم والأمر ونحوه، والوهن لغة فيه، ويقال: وهن ووهن يهن وهنا فيهما ووهنه هو وأوهنه، ورجل واهن ضعيف لا بطش عنده، والأنثى واهنة وهن وهن هذا آخر كلامه.
وقال الجوهري في صحاحه: الوهن الضعف، وقد وهن الإنسان ووهنه غيره يتعدى ولا يتعدى، ووهن أيضا بالكسر، وهنا أي ضعف، وأوهنته أيضًا ووهنته توهينا. وقال ابن فارس في المجمل: وهن الشيء يهن، وأوهنته أنا ووهنته ضعفته.
حرف الواو المفردة
قوله في دعاء الاستفتاح: "سبحانك اللهم وبحمدك" قال الخطابي: أخبرني ابن خلاد قال: سألت الزجاج عن الواو في قوله "وبحمدك" فقال: معناه سبحانك اللهم وبحمدك سبحتك.
فصل في أسماء المواضع
وج الطائف: المنهي عن صيده، مذكور في كتاب الحج من المهذب والوسيط: هو بفتح الواو وتشديد الجيم، قال في المهذب: وهو واد في الطائف، وكذا قال غيره من أصحابنا الفقهاء، وأما أهل اللغة فيقولون: هو بلد الطائف، وربما اشتبه هذا بوح بالحاء المهملة ناحية بعمان ذكره الحازمي في الأماكن. وقال الحازمي: وج إسم لحصون الطائف. وقيل: لواحد منها. وحديث: "تحريم صيد وج" رواه أبو داود في سننه من رواية الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه وإسناده ضعيف. قال البخاري: لا يصح ثنية الوداع بفتح الواو، وتقدم بيانها في الثاء.(4/198)
حرف الياء
يدي: قال أصحابنا وغيرهم من الفقهاء وأهل اللغة: اليد إسم لهذه الجارحة المعروفة من المنكب إلى رؤوس الأصابع. قال أبو سليمان الخطابي في كتاب التيمم من معالم السنن: "ما بين المنكب إلى أطراف الأصابع" كله إسم لليد، قال: وقد يقسم بدن الإنسان على سبعة أراب اليدان والرجلان ورأسه وظهره وبطنه، وقد يفصل كل عضو منها فيقع تحته أسماء خاصة كالعضد في اليد والذراع والكف، فاسم اليد يشتمل على هذه الأشياء كلها، وإنما يترك العموم في الأشياء ويصار إلى الخصوص بدليل يفهم أن المراد من الاسم بعضه لا كله، وهو مما عدم دليل الخصوص، كان الجواب إجراء الاسم على عمومه، واستيفاء مقتضاه برمته، هذا آخر كلام الخطابي ومحله من العلم مطلقا، ومن اللغة خصوصا بالغاية العليا.
يرع: قوله في أول الشهادة من الوسيط والوجيز والروضة: في اليراع وجهان: هو بفتح الياء وتخفيف الراء وبالعين المهملة وهو جمع يراعة، أو إسم جنس واحدته يراعة، وهي الزمارة التي تسميها الناس الشبابة. قال أهل اللغة: اليراع القصب الواحدة يراعة. قال صاحب المحكم في باب العين مع الهاء والراء: الهيرعة القصبة التي يزمر بها الراعي. واعلم: أن المذهب الصحيح المختار تحريم استماع اليراع، صححه البغوي وغيره. وقد صنف الإمام أبو القاسم عبد الملك بن زيد بن ياسين الثعلبي الدولعي خطيب دمشق ومفتيها المحقق في علومه كتابا، مشتملا على نفائس وأطنب في دلائل تحريمه رحمه الله تعالى.
يس: قول الله تبارك وتعالى: {يس} جاء ذكره في كتاب الجنائز. قال الماوردي: هذه السورة مكية في قول الجميع، إلا ابن عباس وقتادة فإنهما قالا: إلا آية منها وهي قوله تعالى: {وإذا قيل لهم} الآية، قال الماوردي في قوله عز وجل: {يس} خمس تأويلات: أحدها: أنه إسم من أسماء الله تعالى أقسم به، قاله ابن عباس. والثاني: أنه فواتح من كلام الله تعالى افتتح به كلامه، قاله مجاهد. والرابع: أنه يا محمد، قاله محمد بن الحنفية.
وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن الله تعالى سماني(4/199)
في القرآن سبعة أسماء محمد وأحمد وطه ويس والمزمل والمدثر وعبد الله" والخامس: انه يا إنسان، قاله الحسن وعكرمة والضحاك وسعيد بن جبير، ثم اختلفوا، فقال سعيد بن جبير وعكرمة: هو بلغة الحبشة. وقال آخرون: بلغة كلب. وقال الشعبي: بلغة طيء أنها بالسريانية، والله تعالى أعلم. هذا ما ذكره الماوردي، ولم أر في هذه النسخة التي حصلت لي القول الثالث، وأظنه يا رجل كما حكاه غيره. ومن قال إنها بالسريانية فمعناه ذلك أصلها، ثم عربته العرب، وتكلمت به. وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سماني عبد الله" يعني في قول الله تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} (الجن: من الآية19) وذلك مذكور في الأسماء من هذا الكتاب من أسمائه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال الإمام أبو الحسن الواحدي: من قال معناه يا إنسان، فوجهه من العربية أنه اكتفى بالسين من إنسان كما يكتفي بالحرف من الكلمة. وقال الإمام أبو البقاء العكبري النحوي في كتابه إعراب القرآن: الجمهور على إسكان النون من "يس" ومنهم من يظهر النون لأنه حقق بذلك إسكانها، ومنهم من يكسر النون على أصل التقاء الساكنين، ومنهم من يفتحها كما في ابن. وقيل الفتحة إعراب، قال: و"يس" إسم للصورة كهابيل، والتقدير: اتل يس، والقرآن قسم على كل وجه، هذا آخر كلام أبي البقاء.
وقد اختلفت القراء السبعة في إمالة فتحة الياء من يس، فأمالها أبو بكر وحمزة والكسائى، وأما الباقون فأخلصوا فتحها، واختلفوا أيضًا في إظهار النون وإدغامها في الواو وكل ذلك فصيح.
يقن: قال الإمام أبو القاسم الرافعي في باب الاجتهاد في المياه: اعلم أن الفقهاء كثيرًا ما يعبرون بلفظ المعرفة واليقين عن الاعتقاد القوي علما كان أو ظنا مؤكدا، ويجري ذلك في لسان أهل العرف.
يمن: ذكر القاضي عياض في شرح مسلم في أحاديث الحوض في أول كتاب المناقب قولين: أحدهما: "أن جميع المؤمنين من الأمم يأخذون كتبهم بأيمانهم ثم يعذب الله تعالى من يشاء من عصاتهم". والثاني: "إنما يأخذه بيمينه الناجون من النار خاصة"، والله تعالى أعلم.(4/200)
فصل في أسماء المواضع
يبرين: مذكورة في المهذب في باب عقد الذمة في حد جزيرة العرب: هي بفتح الياء وإسكان الباء الموحدة وكسر الراء بعدها ياء مثناة من تحت ساكنة ثم نون، وهو موضع معروف وراء اليمامة وفيه نخل، ذكره الجوهري في صحاحه في فصل الباء الموحدة من باب النون فجعل الياء زائدة والنون أصلا وهي عنده يفعيل. وغلطوه في هذا، وقالوا: بل الصواب ذكره في فصل الياء المثناة من تحت من باب الراء لأن الياء أصل والنون زائدة، وهو فعلين لقولهم فيه يبرون، وقد تقدم في حرف النون عند ذكر نصيبين شيء يتعلق يبرين.
يلملم: ميقات أهل اليمن هو بفتح الياء واللامين وإسكان الميم بينهما، ويقال فيه يألملم بهمزة بعد الياء، وهو على مرحلتين من مكة. وفي شرح مسلم لعياض يلملم جبل تهامة على مرحلتين من مكة شرفها الله تعالى.
اليمامة: بفتح الياء مدينة من اليمن على مرحلتين من الطائف وأربع من مكة، سميت باسم جارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام، يقال أبصر من زرقاء اليمامة فسميت اليمامة لكثرة ما أضيفت إليها، والنسبة إليها يمامي.
اليمن: الإقليم المعروف، ويقال في النسب إليه رجل يمني ويمان بالتخفيف من غير ياء لأن الألف بدل منها فلا يجتمعان. وحكى سيبويه يماني بالياء المشددة وقوم يمنيون ويمانية ويمانيون ويمانون على حكاية سيبويه ذكر هذا كله الجوهري وغيره، وممن حكاه عن سيبويه أيضًا صاحب مطالع الأنوار. وذكر أبو محمد ابن السيد في كتابه الاقتضاب في شرح أدب الكتاب: أن المبرد وغيره أيضا حكوا أن التشديد في اليماني لغة، وأنشد الجوهري لأمية بن خلف:
يمانيا يظل يشد كيرًا ... وينفخ دائما لهب الشواظ(4/201)
قلت: واليمن تشتمل على تهامة وعلى نجد اليمن. والمراد بقولهم ميقات حجاج اليمن يلملم أي: ميقات أهل تهامة لأن أهل نجد اليمن ميقاتهم قرن.
وقد ذكرت هذا في الروضة، ولكن نبهت عليه هنا إكمالا لهذا الكتاب، والله تعالى أعلم بالصواب، إليه المرجع والمآب إنه الكريم الوهاب والحمد لله رب العالمين - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
* * *
بحمد الله وتوفيقه تم الجزء الثاني من القسم الثاني من "تهذيب الأسماء واللغات" وبه ينتهي الكتاب
* * *(4/202)