الله تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: 3] .
وقال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ} [النساء: 163] .
وقال تعالى: {وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ} [الأنعام: 84] .
وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 14، 15] .
وقال تعالى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الآخِرِينَ سَلاَمٌ عَلَى نُوحٍ فِى الْعَالَمِينَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات: 75 - 84] .
وقال تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّى مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ} [القمر: 9 - 14] .
وقال تعالى: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ} [نوح: 1] إلى آخر السورة. وذكر الله تعالى قصته مبسوطة فى سورة هود، عليه السلام.
وثبت فى الصحيحين فى حديث الشفاعة أن الناس يأتون آدم، ثم نوحًا، وأن آدم يقول: ائتوا نوحًا، فإنه أول رسول إلى أهل الأرض.
قال الإمام الثعلبى فى كتاب العرائس: هو نوح بن لامك بن متوشلح بن أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم، عليه السلام، أرسله الله تعالى إلى ولد قابيل ومن تابعهم من ولد شيث.
قال ابن عباس: وكان بطنان من ولد آدم أحدهما يسكن السهل والآخر يسكن الجبل، وكان رجال الجبل صِباحًا وفى النساء دمامة، وكان نساء الهسل صِباحًا وفى رجالهن دمامة، فكثرت الفاحشة فى أولاد قابيل، وكانوا قد كثروا فى طول الأزمان، وأكثروا الفساد، فأرسل الله تعالى إليهم نوحًا، عليه السلام، وهو ابن خمسين سنة، فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعوهم كما أخبر الله تعالى فى كتابه العزيز ويحذرهم ويخوفهم، فلم ينزجروا، ولهذا قال الله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلاً وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِى إِلاَّ فِرَارًا} [نوح: 5، 6] .
وقال تعالى: {وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى} [النجم: 52] .
وقال تعالى:(2/132)
{وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الذاريات: 46] .
ولما طال دعاؤه لهم وإيذائهم له وتماديهم فى غيهم، سأل الله تعالى، فأوحى الله إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، فلما أخبر أنه لم يبق فى الأصلاب ولا فى الأرحام مؤمن، دعا عليهم، فقال: {رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26] إلى آخرها.
فأمره الله باتخاذ السفينة، فقال: يا رب، وأين الخشب؟ فقال: اغرس الشجر، فغرس الساج، وأتى على ذلك أربعون سنة، وكف عن الدعاء عليهم، وأعقم الله أرحام نسائهم، فلم يولد لهم ولد، فلما أدرك الشجر أمره الله تعالى بقطعه وتجفيفه وصنعه الفلك، وأعلمه كيف يصنعه، وجعل بابه فى جنبه، وكان طول السفينة ثمانين ذراعًا، وعرضها خمسين، وسمكها إلى السماء ثلاثين ذراعًا، والذراع إلى المنكب. وعن ابن عباس أن طولها ستمائة وستون ذراعًا، وعرضها ثلاثمائة وثلاثون ذراعًا، وسمكها ثلاثة وثلاثون ذراعًا.
وأمر الله تعالى أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين من الحيوان، وحشرها الله تعالى إليه من البر والبحر. قال مجاهد وغيره: كان التنور الذى ابتدأ الفوران منه فى الكوفة، ومنها ركب نوح السفينة. وقال مقاتل: هو بالشام بقرية يقال لها: عين الوردة، قريب من بعلبك. وعن ابن عباس أنه بالهند.
قالوا: وأول ما حمل فى السفينة من الدواب الذرة، وآخره الحمار، وجعل السباع والدواب فى الطبقة السفلى، والوحوش فى الطبقة الثانية، والذر والآدميين فى الطبقة العليا.
قيل: كان الآدميون الذين فى السفينة سبعة: نوح وبنوه: سام، وحام، ويافث، وأزواج بنيه، وقيل: ثمانية، وقيل: عشرة، وقيل: اثنان وسبعون، وقيل: ثمانون من الرجال والنساء، حكاه ابن عباس.
وعن ابن عباس أن الماء ارتفع حين سارت السفينة على أطول جبل فى الأرض خمسة عشر ذراعًا. قالوا: وطافت السفينة بأهلها الأرض كلها فى ستة أشهر، ثم استقرت على الجودى، وهو جبل بأرض الموصل، وكان ركوبهم السفينة لعشر خلون من رجب، ونزلوا منها يوم عاشوراء من المحرم، وبنى هو ومن معه فى السفينة حين نزلوا البنار بباقردى من أرض الجزيرة.
ولما حضرته الوفاة وصى إلى ابنه(2/133)
سام، وكان سام قد ولد قبل الطوفان بثمان وتسعين سنة، ويقال: إنه كان بكره، وقيل: كان نوح أطول الأنبياء عُمرًا، ولم ينقص له قوة، والناس بعده من ذريته. قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ} [الصافات: 77] .
640 - نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القريشى الهاشمى الصحابى:
أبو الحارث ابن عم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. كان أسن من أخوته، ومن سائر مَن أسلم من بنى هاشم، ومن حمزة، والعباس، رضى الله تعالى عنهم أجميعن. أُسر يوم بدر، ففداه العباس، فلما فداه أسلم، وقيل: أسلم وهاجر أيام الخندق، وآخى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينه وبين العباس، وكانا شريكين فى الجاهلية متفاوضين متحابين.
وشهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتح مكة، وحنينًا، والطائف، وكان ممن ثبت يوم حنين مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأعان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم حنين بثلاثة ألف رمح، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كأنى أنظر إلى رماحك تقصف أصلاب المشركين". توفى نوفل، رضى الله عنه، بالمدينة سنة خمس عشرة.
641 - نوفل بن معاوية الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المختصر فى أول نكاح المشرك، أسلم على خمس نسوة، فأمره رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بفراق واحدة وإمساك أربع. هو نوفل بن معاوية بن عروة، وقيل: نوفل بن معاوية ابن عمرو الدؤلى، من بنى الدؤل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. أسلم وشهد مكة، وهو أول مشاهده، ونزل المدينة وتوفى بها أيام يزيد بن معاوية. روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. روى عنه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وعبد الرحمن بن مطيع، وعراك بن مالك.
* * *
حرف الهاء
642 - هارون النبى، عليه السلام:
أخو موسى النبى، عليه السلام، مذكور فى المهذب فى كتاب الوقف على الذرية.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ} [الأنبياء: 48] .
وقال تعالى: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِى الآخِرِينَ سَلاَمٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} [الصافات: 114 - 122] .
وقال تعالى: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى وَيَسِّرْ لِى أَمْرِى وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِى يَفْقَهُوا قَوْلِى وَاجْعَل لِّى وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِى هَارُونَ أَخِى اشْدُدْ بِهِ أَزْرِى وَأَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى} [طه: 25 - 32] إلى آخر القصة، والآيات فى فضله مشهورة.
قال الثعلبى فى العرائس: قال كعب الأحبار: كان هارون فصيح اللسان، بَيّن الكلام، إذا تكلم تكلم بتؤدة، وكان أطول من موسى، وتوفى قبل موسى، عليهما السلام. وقد روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن موسى، عليه السلام، دفنه فى شعب أحد. أخرجه إمام الشام ابن عساكر.
وثبت فى الصحيحين من رواية أنس فى حديث الإسراء، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، ففتح لنا، فإذا أنا بهارون، فرحب ودعا لى بخير" (2) .
وروينا فى تاريخ دمشق، عن أبى سعيد الخدرى، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال فى حديث الإسراء: “ثم صعدت إلى السماء الخامسة، فإذا أنا بهاون ونصف لحيته أبيض ونصفها أسود، يكاد لحيته تضرب سرته من طولها، قلت: يا جبريل، مَن هذا؟ قال: هذا المحبب فى قومه، هذا هارون بن عمران” (3) . وجمع هارون: هارونون.
643 - هبار بن الأسود الصحاب (4) :
مذكور فى المختصر فى باب فوات الحج، هو بفتح الهاء وتشديد الباء الموحدة، هو هبار بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصى القريشى. أسلم بعد الفتح، وحسن إسلامه، وصحب النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
644 - الهرمزان (:
مذكور فى المهذب فى كتاب السير، هو بضم الهاء والميم، وهو اسم لبعض أكابر الفرس، وهو دهقانهم الأصغر، أسره أبو موسى الأشعرى
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (8/2371) ، والجرح والتعديل (8/2231) ، وتاريخ الإسلام (3/89) ، وتهذيب التهذيب (10/492، 493) . تقريب التهذيب (7217) ، وقال: "الديلي بكسر المهملة وسكون التحتانية صحابي من مسلمة الفتح وعاش إلى أول خلافة يزيد وعمّر مائة وعشرين سنة خ م س"..
(2) أخرجه أحمد (3/148، رقم 12527) ، ومسلم (1/145، رقم 162) ، وأبو يعلى (6/109، رقم 3375) ، وفى (6/216، رقم 3499) . وأخرجه أيضًا: ابن أبى شيبة (7/333، رقم 36570) ، وأبو عوانة (1/113، رقم 344) .
(3) أخرجه أيضًا: ابن جرير (15/13) ، وابن أبى حاتم (كما فى تفسير ابن كثير 3/14) ، والبيهقى فى دلائل النبوة طبعة العلمية (2/390) ، وفيه أبو هارون العبدى متروك الحديث كما قال الشيخ الغمارى فى المداوى (1/29) ، وقال المناوى (1/49) : إسناده ضعيف، لكن المتن صحيح فإنه قطعة من حديث الإسراء الذى خرجه الشيخان عن أنس، لكن فيه خلف فى الترتيب. وله شاهد عند الطبرانى فى الأوسط (7/41، رقم 6790) عن أنس بن مالك بلفظ: “آدم فى السماء الدنيا، وعيسى ويحيى فى الثانية، ويوسف فى الثالثة، وإدريس فى الرابعة، وهارون فى الخامسة، وموسى فى السادسة، وإبراهيم فى السابعة”.
(4) انظر: الإصابة (3/597) ، والاستيعاب (3/609) ، وأسد الغابة (5/51) . .(2/134)
وبعثه إلى عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، فقال له عمر: تكلم، فلم يتكلم، فقال له: تكلم لا بأس عليك، فتكلم ثم طلب ماء فأحضر له، فقال له عمر أيضًا: اشرب فلا بأس عليك، ثم أراد عمر قتله لكونه أسيرًا، فقال له أنس: قد أمنته بقولك: لا بأس عليك، فتركه عمر، ثم أسلم الهرمزان.
645 - هزال الأسلمى الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب فى باب القذف وفى الأقضية، هو بهاء مفتوحة وزاى مشددة، ثم ألف، ثم لام، وهو هزال بن ذباب بن يزيد بن كليب بن عامر بن خزيمة بن مازن بن الحارث بن سلامان بن أسلم بن أقصى الأسلمى، كذا نسبه ابن عبد البر وغيره. وقال ابن مندة، وأبو نعيم: هزال بن يزيد، فأسقطا أباه، وهو الذى قال له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين رجموا ماعزًا: “ألا سترته ولو بثوبك فكان خيرًا لك”.
646 - هزيل بن شرحبيل (2) :
مذكور فى المهذب فى أوائل باب ميراث أهل الفرض، ثم فى أواخر باب ما يحرم من النكاح فى نكاح المحلل. هو بضح الهاء وفتح الزاى، وشرحبيل بضم الشين المعجمة، وشرحبيل عجمى لا ينصرف، وهزيل هذا أودى، تابعى، كوفى، جليل، ثقة. قيل: أدرك الجاهلية. روى له البخارى فى صحيحه، وهو أخو الأرقم.
روى عن ابن مسعود، وروى عنه عبد الرحمن بن مروان. واعلم أنه قد يقع فى بعض نسخ المهذب وكُتب مُصَحفًا، فكتبوه الهذيل بالذال، وهو غلط صريح وجهل فاحش، وإنما هو بالزاى باتفاق العلماء من كل الطوائف.
647 - هشام بن إبراهيم بن المغيرة:
مذكور فى المهذب فى باب الاستثناء فى الطلاق، فى شعر الفرزدق يمدحه، هكذا وقع فى المهذب: هشام بن إبراهيم بن المغيرة، خال هشام بن عبد الملك، وهو غلط، وإنما الممدوح ابن هذا، وهو إبراهيم بن هشام بن إبراهيم بن المغيرة؛ لأن أم هشام بن عبد الملك هى عائشة بنت هشام بن إبراهيم بن المغيرة أخت إبراهيم بن هشام بن إبراهيم بن المغيرة، وسأوضحه فى النوع الثامن فى الأوهام إن شاء الله تعالى.
_________
(1) الطبقات الكبرى ابن سعد (4/323) ، والاستيعاب (4/1538) ، وأسد الغابة (5/60) ، وتهذيب التهذيب (11/31) ، والإصابة (3/8953) . تقريب التهذيب (7282) ، وقال: “هزال بتشديد الزاي صحابي ذكره ابن سعد في طبقة الخندقيين س”..
(2) الطبقات الكبرى ابن سعد (6/176) ، والتاريخ الكبير للبخارى (8/2877) ، وتاريخ الإسلام (3/309) ، وتهذيب التهذيب (11/31) ، والإصابة (3/9050) . تقريب التهذيب (7283) ، وقال: “هزيل بالتصغير ثقة مخضرم من الثانية خ 4”..(2/135)
648 - هشام بن حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى (1) :
الصحابى ابن الصحابى، رضى الله عنهما، القريشى الأسدى، أمه زينب بنت العوام ابن خويلد بن أسد أخت الزبير، فالزبير خاله، وخديجة أم المؤمنين رضى الله عنها، عمة أبيه، أسلم يوم الفتح، وتوفى قبل أبيه حكيم، قاله ابن عبد البر وغيره. وقيل: استشهد بأجنادين.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ستة أحاديث، روى له مسلم حديثًا واحدًا. روى عنه جماعة من التابعين. قال محمد بن سعد: كان هشام بن حكيم رجلاً جليلاً مهيبًا. قال الزهرى وغيره: كان هشام يأمر بالمعروف فى رجال معه، وكان عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، يقول إذا بلغه أمر ينكره: أما ما بقيت أنا وهشام فلا يكون هذا.
وهذا الذى سبق من أنه قيل: استشهد بأجنادين، قاله أبو نعيم الأصبهانى وغيره، وغلطهم فيه ابن الأثير، وقال: هذا وهم، والذى قتل بأجنادين هشام بن العاص سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وقصة هشام بن حكيم مع عياض بن غنم تدل على أنه عاش بعد أجمادين، فإنه مرَّ على عياض بن غنم، وهو وال على حمص، وقد شمس ناسًا من النبط فى أداء الجزية، فقال له هشام: ما هذا يا عياض، إن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “إن الله يعذب الذين يعذبون الناس فى الدنيا” (2) . رواه مسلم فى صحيحه، وحمص إنما فتحت بعد أجنادين بزمان طويل.
649 - هشام بن العاص بن وائل (3) :
أخو عمرو بن العاص. وسبق بيان تمام نسبه، وهو صحابى فاضل قديم الإسلام، أسلم والنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى مكة، وهاجر إلى الحبشة، ثم قَدِم مكة حين بلغه هجرة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة ليهاجر إليه فحبسه قومه، فلم يتمكن حتى قدم المدينة مهاجرًا بعد الخندق، وكان أصغر سنًا من أخيه عمرو، وكان خيرًا، فاضلاً، استشهد بأجنادين، وقيل: باليرموك، رضى الله عنه.
650 - هشام بن عبد الملك الخليفة (4) :
مذكور فى المهذب فى باب الاستثناء فى الطلاق فى شعر الفرزدق. هو أبو الوليد هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، وسبق بيان تمام نسبه فى ترجمتى أبيه وجده، وبويع له بالخلافة بعد أخيه يزيد
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (8/2664) ، والجرح والتعديل (9/226) ، والاستيعاب (4/1538) ، وأسد الغابة (5/61) ، وسير أعلام النبلاء (3/51) ، وتهذيب التهذيب (11/37) ، والإصابة (3/8963) . تقريب التهذيب (7290) ، وقال: “صحابي ابن صحابي له ذكر في الصحيحين في حديث عمر حيث سمعه يقرأ سورة الفرقان مات قبل أبيه ووهم من زعم أنه استشهد بأجنادين م د س”..
(2) حديث هشام بن حكيم بن حزام: أخرجه أحمد (3/403، رقم 15366) ، قال المناوى (2/304) : قال زين الحفاظ العراقى: إسناده صحيح. ومسلم (4/2018، رقم 2613) ، والنسائى فى الكبرى (5/236، رقم 8771) ، والطبرانى (22/170، رقم 437) . وأخرجه أيضًا: أبو داود (3/169، رقم 3045) .
حديث عياض بن غنم: أخرجه أحمد (3/404، رقم 15370) ، والبيهقى فى شعب الإيمان (4/348، رقم 5355) ، وابن عساكر (47/265) .
(3) انظر: الإصابة (3/604) ، وأسد الغابة (5/64) ، والاستيعاب (3/593) ، وطبقات ابن سعد (4/191) ، والعقد الثمين (7/374) ، وسير أعلام النبلاء (3/77) (16) ..
(4) انظر: سير أعلام النبلاء (5/351) برقم (162) ، والنجوم الزاهرة (1/296) ، ومرآة الجنان (1/261) ، والبداية والنهاية (9/351) . .(2/136)
بن عبد الملك يوم الجمعة لخمس بقين من شوال سنة خمس ومائة، ولد بدمشق سنة قتل مصعب بن الزبير سنة ثنتين وسبعين، وتوفى هشام بالرصافة من أرض قنسرين فى شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين ومائة.
قال ابن قتيبة: وكانت ولايته عشرين سنة إلا شهرًا، وبلغ من السن ستًا وخمسين سنة، وهذا مخالف ما سبق من قول غيره أنه ولد سنة ثنتين وسبعين. قال ابن قتيبة: وكان هشام آخرهم. قال: وعزل عمر بن هبيرة عن العراق واستعمل خالد بن عبد الله القسرى سنة ست ومائة، ثم ولى يوسف بن عمر العراق سنة عشرين ومائة، وكان له عشرة بنين.
651 - هشام بن عروة (1) :
التابعى المشهور، أحد الفقهاء السبعة، تكرر فى المختصر، وذكره فى أول باب الوصية، وفى أواخر الولاء فى الخيار فى النكاح فى تخيير المعتقة، وهو أبو المنذر هشام ابن عروة بن الزبير بن العوام القريشى الأسدى المدنى، سبق تمام نسبه فى ترجمة أبيه وجده، وهو تابعى. رأى عبد الله بن عمر بن الخطاب، ومسح رأسه ودعا له، وجابر بن عبد الله، وسهل بن سعد، وأنس بن مالك، وسمع عمه عبد الله بن الزبير، وأباه عروة، وخلائق من أئمة التابعين.
روى عنه زهير بن معاوية، والضحاك بن عثمان، والحمادان، والسفيانان، وشعبة، ووكيع، وابن علية، وابن المبارك، والنضر بن شميل، وخلائق من الأئمة. واتفقوا على توثيقه، وجلالته، وإمامته. قال محمد بن سعد: كان ثقة، ثبتًا، حجة، كثير الحديث.
توفى ببغداد، ودفن فى مقبرة الخيرزان سنة ست وأربعين ومائة، كذا قاله خليفة بن خياط. وقال أبو نعيم: سنة خمس وأربعين. وقال عمرو بن على: سنة سبع وأربعين. قال عبد الله بن داود: ولد هشام مقتل الحسين سنة إحدى وستين.
652 - هشيم بن بشير (2) :
مذكور فى المختصر فى آخر باب الديات والأضحية، وهو بضم الهاء وفتح الشين، وبشير بفتح الباء، وهو أبو معاوية هشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السلمى الواسطى، وقيل: إنه نجارى الأصل، وهو من تابعى التابعين.
سمع عمرو بن دينار، وأبا الزبير، وسليمان التيمى، وعاصمًا الأحول، وإسماعيل ابن أبى خالد، وحميد الطويل، وأبا إسحاق الشيبانى، وداود بن أبى هند، وعبد العزيز ابن صهيب، وخالد الحذاء، والأعمش، وخلائق لا يحصون من الأئمة وغيرهم. روى عنه
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (8/2673) ، والجرح والتعديل (9/249) ، وسير أعلام النبلاء (6/34) ، وتاريخ الإسلام (6/145) ، وتهذيب التهذيب (11/48، 51) . تقريب التهذيب (7302) ، وقال: “ثقة فقيه ربما دلس من الخامسة مات سنة خمس أو ست وأربعين وله سبع وثمانون سنة ع”..
(2) الطبقات الكبرى ابن سعد (7/313) ، والتاريخ الكبير للبخارى (8/6867) ، والجرح والتعديل (9/486) ، وسير أعلام النبلاء (8/287) ، وميزان الاعتدال (4/9250) ، وتهذيب التهذيب (11/59، 64) . تقريب التهذيب (7312) ، وقال: “هشيم بالتصغير ابن بشير بوزن عظيم، ابن أبي خازم بمعجمتين، ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي من السابعة مات سنة ثلاث وثمانين وقد قارب الثمانين ع”..(2/137)
مالك، والثورى، وشعبة، وابن المبارك، وشعبة، وابن المبارك، ووكيع، وعبد الرحمن ابن مهدى، وخلائق لا يحصون. واتفقوا على توثيقه، وجلالته، وحفظه.
قال يعقوب الدورقى: كان عند هشيم عشرون ألف حديث. وقال محمد بن حاتم المؤدب: قيل لهشيم: كم كنت تحفظ؟ قال: كنت أحفظ فى مجلس مائة، ولو سُئلت عنها بعد شهر لأجبت. وقال على بن معبد: جاء عراقى ذاكر مالك بن أنس بحديث، فقال مالك: وهل بالعراق أحد يحسن ويحدث إلا ذاك الواسطى، يعنى هشيمًا. وقال عمرو ابن عون: مكث هشيم يصلى الفجر بوضوء العشاء قبل أن يموت عشر سنين.
وقال عبد الرحمن بن مهدى: ما رأيت أحفظ من هشيم، كان يقوى فى الحفظ على ما لا يقوى غيره، ورأى جماعة النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحثهم على الأخذ عن هشيم. قال ابن سعد: كان ثقة، ثبتًا، كثير الحديث، يدلس كثيرًا، فما قال فى حديثه: أخبرنا، فهو حجة، وما لا فليس بشىء، ولد سنة أربع ومائة، وقيل: خمس. وتوفى ببغداد فى شعبان سنة ثلاث وثمانين ومائة، رحمه الله.
653 - هصيص بن كعب بن لؤى بن غالب القريشى:
مذكور فى الروضة فى قسم الفىء والغنيمة، وهو أخو مرة بن كعب بن لؤى، وجد بنى جمح وبنى سهم، وهو بضم الهاء وبصادين مهملتين الأولى مفتوحة.
654 - هلال بن أمية الصحابى:
تكرر فى لعان المهذب، هو هلال بن أمية بن عامر بن قيس بن عبد الأعلم بن عامر ابن كعب بن واقف، واسمه مالك بن امرىء القيس بن مالك بن الأوس الأنصارى الواقفى، مدنى، شهد بدرًا، وأُحُدًا، وكان قديم الإسلام، وكان يكسر أصنام بنى واقف، وكانت معه رايتهم يوم الفتح، وهو الذى قذف امرأته بشريك بن سحماء، وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم وذكرهم فى سورة براءة، وهم: هلال، وكعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، رضى الله تعالى عنهم.
655 - هلال بن أبى ميمون (1) :
مذكور فى المختصر فى أول الحضانة. قال ابن أبى حاتم: هو هلال بن على. قال: ويقال: هلال بن أسامة. روى عن عطاء بن
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (8/2720) ، والجرح والتعديل (9/300) ، وسير أعلام النبلاء (5/265) ، وميزان الاعتدال (4/9259) ، وتهذيب التهذيب (11/82) . تقريب التهذيب (7344) ، وقال: “ثقة من الخامسة مات سنة بضع عشرة ع”..(2/138)
يسار، وأبى ميمونة. روى عنه يحيى بن أبى كثير، وزياد بن سعد، ومالك بن أنس، وأسامة بن زيد، ومحمد بن حمران. قال أبو حاتم: يُكتب حديثه، وهو شيخ.
656 - همام بن منبه بن كامل بن سيج (1) :
بسين مهملة مفتوحة، وقيل: مكسورة، ثم مثناة تحت ساكنة، ثم جيم، أبو عقبة اليمانى الصنعانى الإبناوى، بباء موحدة، ثم نون، وهو أخو وهب، ومعقل، وغيلان، وعبد الله، وعمر، وهم بنى منبه، وهمام تابعى، وكذا أخوه وهب، وكان همام أكبر من وهب. سمع ابن عباس، وأبا هريرة، ومعاوية، ويقال: رأى معاوية ولم يسمعه. وروى عنه أخوه وهب، ومعمر بن راشد، وعقيل بن معقل، واتفقوا على توثيقه. توفى سنة ثنتين، وقيل: إحدى وثلاثين ومائة، رحمه الله.
657 - هند بن حارثة الصحابى، رضى الله تعالى عنه (2) :
قال ابن الأثير: هو هند بن حارثة بن هند، وقيل: هو هند بن حارثة بن سعد بن عبد الله بن غياث بن سعد بن عمرو بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصلا، ومالك بن أفصى هو أخو أسلم بن أفصى، حجازى، هكذا نسبه ابن عبد البر. وقال ابن مندة، وأبو نعيم: هو هند بن سماء بن حارثة بن هند الأسلمى.
قال أبو نعيم: وقيل: هند بن حارثة، ونسب ابن الكلبى وابن ماكولا أخاه أسماء بن حارثة كما نسبه ابن عبد البر، وكلهم قالوا: إنه أسلمى، وهو من ولد مالك بن أفصى أخى أسلم بن أفصى، ولاشتهار أسلم ينتب ولد أخيه إليه. قال: وكان هند وإخوته ثمانية إخوة، أسلموا وصحبوا النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وشهدوا معه بيعة الرضوان، وهم أسماء، وهند، وخراش، وذؤيب، وحمران، وفضالة، وسلمة، ومالك، رضى الله عنهم، ولزم أسماء وهند النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكانا يخدمانه، وكانا من أهل الصفة. قال أبو هريرة: ما كنت أرى هندًا وأسماء ابنى حارثة إلا خادمين لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من طول لزومهما بابه وخدمتهما إياه.
658 - هند بن أبى هالة التميمى الصحابى (3) :
وهو ربيب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أمه خديجة بنت خويلد، رضى الله عنهما، كان أبوه حليف بنى عبد الدار،
_________
(1) الطبقات الكبرى ابن سعد (5/544) ، والتاريخ الكبير للبخارى (8/2847) ، والجرح والتعديل (9/453) ، وسير أعلام النبلاء (5/311) ، وتاريخ الإسلام (5/309) ، وتهذيب التهذيب (11/67) . تقريب التهذيب (7317) ، وقال: “ثقة من الرابعة مات سنة اثنتين وثلاثين على الصحيح ع”..
(2) الطبقات الكبرى ابن سعد (5/544) ، والتاريخ الكبير للبخارى (8/2847) ، والجرح والتعديل (9/453) ، وسير أعلام النبلاء (5/311) ، وتاريخ الإسلام (5/309) ، وتهذيب التهذيب (11/67) . تقريب التهذيب (7317) ، وقال: “ثقة من الرابعة مات سنة اثنتين وثلاثين على الصحيح ع”..
(3) التاريخ الكبير للبخارى (8/2855) ، والجرح والتعديل (9/489) ، والاستيعاب (4/1544) ، وأسد الغابة (5/17) ، وتهذيب التهذيب (11/72) ، والإصابة (3/9007) . تقريب التهذيب (7322) ، وقال: “النباش بنون ثم موحدة ثم معجمة التميمي ربيب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمه خديجة بنت خويلد قيل استشهد يوم الجمل مع علي وقيل عاش بعد ذلك تم”..(2/139)
واختلف فى اسم أبى هالة، فقيل: نباش بن زرارة بن وقدان، وقيل: مالك بن زرارة بن النباش، وقيل: مالك بن النباش بن زرارة، قاله الزبير بن بكار. وخالفه أكثر أهل النسب.
وقال ابن الكلبى: هو أبو هالة هند بن النباش بن زرارة، وكان زوج خديجة أولاً، فولدت له هند بن هند، وابن ابنه هند بن هند بن هند، وشهد هند بن أبى هالة بدرًا، وقيل: لم يشهدها، بل شهد أُحُدًا، وقتل هند بن أبى هالة مع على يوم الجمل، وقتل ابنه هند بن هند بن أبى هالة مع مصعب بن الزبير يوم قتل المختار سنة سبع وستين، وقيل: بل مات بالبصرة، وانقرض عقبه. وروى هند بن أبى هالة حديث صفة النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو مشهور من روايته، يرويه عنه ابن أخته الحسن بن فاطمة بنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورضى عنها، وأما ابنه هند بن هند بن أبى هالة، فذكره ابن مندة وأبو نعيم فى الصحابة، رضى الله تعالى عنهم.
659 - هنيدة بن خالد (1) :
الذى شهد عليًا، رضى الله عنه، وأقام على رجل حدًا، ذكره فى المهذب فى باب إقامة الحد، وهو بالهاء فى آخره، تصغير هند، وهو خزاعى، ويقال: نخعى. وقال فى المهذب: إنه كندى، والمعروف ما سبق. قال ابن أبى حاتم وغيره: كانت أم هنيدة هذا تحت عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، ونزل هنيدة الكوفة، وذكره ابن عبد البر، وابن مندة، وأبو نعيم، وغيرهم فى كتب الصحابة، قالوا: واختلف فى صحبته. روى عنه أبو إسحاق السبيعى.
660 - هُنَىّ (2) :
مولى عمر بن الخطاب، رضى الله عنه. مذكور فى المختصر والمهذب فى كتاب إحياء الموات، فى مسألة الحمى، هو بضم الهاء وفتح النون وتشديد الياء، كذا ضبطه ابن ماكولا وغيره من أهل الإتقان فى هذا الشأن، وكذا ضبطناه فى صحيح البخارى وفى المهذب وغيرهما، ورأيت بخط بعض من لا تحقيق له أنه يقال أيضًا بالهمز، وهذا خطأ ظاهر نبهت عليه لئلا يغتر به. روى هنى عن أبى بكر، وعمر، ومعاوية، وعمرو بن العاص، رضى الله عنهم، وكان عامل عمر على الحمى، والله أعلم.
_________
(1) انظر: الجرح والتعديل (9/120) ، والتاريخ الكبير (8/248) ، وتهذيب التهذيب (11/73) ، وتقريب التهذيب (2/322) ..
(2) الطبقات الكبرى ابن سعد (5/11) ، والتاريخ الكبير للبخارى (8/2879) ، والجرح والتعديل (8/467) ، وتهذيب التهذيب (11/73) ، والإصابة (3/9056) . تقريب التهذيب (7325) ، وقال: “ثقة من الثانية له ذكر في البخاري بلا رواية خ”.(2/140)
* * *
تم بحمد الله المجلد الأول ويليه بإذن الله المجلد الثانى وأوله: "حرف الواو"
* * *
تهذيب الأسماء واللغات
للعلامة أبى زكريا محيى الدين بن شرف النووي
المتوفى سنة 676 هـ
تحقيق
مصطفى عبد القادر عطا
حرف الواو
661 - وابصة بن معبد الصحابى، رضى الله عنه (1) :
هو أبو سالم، وقيل: أبو الشعثاء، وقيل: أبو سعيد وابصة بن معبد بن مالك بن عبيد الأسدى، من أسد خزيمة، كذا قاله ابن عبد البر، وقال ابن مندة، وأبو نعيم: وابصة بن معبد بن عتبة بن الحارث بن مالك بن الحارث بن بشير بن كعب بن سعد بن الحارث ابن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدى.
أسلم سنة تسع، سكن الكوفة، ثم تحول فأقام بالرقة إلى أن توفى بها. روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحاديث، روى عنه ابناه عمر، وسالم، والشعبى، وزياد بن أبى الجعد، وغيرهم، وكان وابصة كثير البكاء، لا يملك دمعته، وكان له بالرقة عقب، ومن ولده عبد الرحمن بن صخر قاضى الرقة أيام هارون الرشيد.
662 - واثلة بن الأسقع الصحابى، رضى الله عنه (2) :
تكرر فى المهذب. هو أبو شداد، ويقال: أبو الأسقع، وقيل: أبو محمد، وقيل: أبو الخطاب، وقيل: أبو قرصافة، بكسر القاف، واثلة بن الأسقع بن عبد العزى بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة الكنانى الليثى، وقيل: إنه واثلة بن عبد الله بن الأسقع، قيل: أسلم والنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتجهز إلى تبوك، وشهدها معه، وشهد فتح دمشق وحمص، وقيل: إنه خدم النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث سنين، وكان من أهل الصفة.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ستة وخمسون حديثًا، روى له البخارى حديثًا ومسلم آخر، سكن الشام فسكن دمشق، ثم استوطن بيت جبرين، وهى بلدة بقر بيت المقدس، ودخل البصرة، وكان له بها دار. روى عنه عبد الواحد بن عبد الله البصرى، بالصاد المهملة، وشداد بن عبد الله بن عامر اليحصبى، وأبو إدريس الخولانى، ومكحول، وأبو المليح، ويونس بن ميسرة، وخلق سواهم.
توفى بدمشق سنة ست أو خمس وثمانين، وهو ابن ثمان
_________
(1) الطبقات الكبرى ابن سعد (7/476) ، والتاريخ الكبير للبخارى (8/2647) ، والجرح والتعديل (9/203) ، والاستيعاب (4/1523) ، وأسد الغابة (5/76) ، وتهذيب التهذيب (11/100) ، والإصابة (3/9085) . تقريب التهذيب (7378) ، وقال: "وابصة بكسر الموحدة ثم مهملة صحابي نزل الجزيرة وعمّر إلى قرب سنة تسعين د ت ق"..
(2) انظر: الإصابة (3/626) ، وسير أعلام النبلاء (3/383 - 387) برقم (57) ، وطبقات ابن سعد (7/407، 408) ، والتاريخ الكبير (8/187) ، والجرح والتعديل (9/47) ، والثقات لابن حبان (3/426) ، وحلية الأولياء (2/21 - 23) ، والاستيعاب (3/643) ، وصفة الصفوة (1/674 - 676) ، ووفيات الأعيان (5/281) ، ومرآة الجنان (1/175) ، وغاية النهاية (2/358) ، والبداية والنهاية (9/60) ، وتهذيب التهذيب (11/101، 102) ، وتقريب التهذيب (2/328) ..(2/141)
وتسعين سنة، قاله أبو مسهر. وقال سعيد بن خالد: توفى سنة ثلاث وثمانين، وهو ابن مائة وخمس سنين، والصحيح الأول.
663 - واسع بن حبان - بفتح الحاء المهملة - ابن منقذ (1) :
سبق تمام نسبه فى ترجمة أبيه وجده، وهو تابعى، هذا هو الصحيح المشهور، وذكره البغوى الكبير. وقال فى صحته: يقال: سمع ابن عمر، وعبد الله بن زيد، وجابرًا، وأبا سعيد. روى عنه أخوه يحيى بن حبان، وابن أخيه محمد بن يحيى بن حبان، وهو ثقة. روى له البخارى ومسلم.
664 - وائل بن حجر الصحابى، رضى الله عنهما (2) :
تكرر فى هذه الكتب فى صفة الصلاة وغيرها، وحجر بضم الحاء وسكون الجيم، وهو أبو هنيدة، ويقال: أبو هنيد، بلا هاء، وائل بن حجر بن ربيعة بن يعمر الحضرمى، كذا قاله ابن عبد البر.
وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: وائل بن حجر بن سعد بن مسروق بن وائل بن ضمعج بن وائل بن ربيعة بن وائل بن النعمان بن زيد بن مالك بن زيد. قال: وقيل غير ذلك.
كان من ملوك حمير، ويقال للملك منهم: قَيْل، بفتح القاف وسكون الياء المثناة تحت، وجمعه: أقيال، وكان أبوه من ملوكهم، وفد وائل على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشر أصحابه بقدومه قبل وصوله بأيام، وقال: “يأتيكم وائل بن حجر من أرض بعيدة من حضرموت طائعًا راغبًا فى الله عز وجل وفى رسول الله، وهو بقية الأقيال” (3) ، فلما دخل رحب به وأدناه من نفسه، وبسط له رداءه وأجلسه عليه مع نفسه، وقال: “اللهم بارك فى وائل وولده”، وأصعده على المنبر وأثنى عليه، واستعمله على بلاده، وأقطعه أرضًا، وأرسل معاوية بن أبى سفيان، وقال: “أعطه إياها”.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحد وسبعون حديثًا، روى مسلم منها ستة، ولم يرو البخارى له شيئًا. نزل الكوفة، وعاش إلى أيام معاوية، ووفد عليه، وأجلسه معه على السرير، وشهد معه صفين، وكانت معه راية حضرموت. روى عنه ابناه علقمة وعبد الجبار، وقيل: لم يسمعه عبد الجبار. روى عنه أيضًا كليب بن شهاب، وحجر بن عنبس، وعبد الرحمن اليحصبى، وغيرهم.
665 -
_________
(1) الطبقات الكبرى ابن سعد (6/318) ، والتاريخ الكبير للبخارى (8/2655) ، والجرح والتعديل (9/204) ، وتاريخ الإسلام (4/64) ، وتهذيب التهذيب (11/102) . تقريب التهذيب (7380) ، وقال: “ابن حبان بفتح المهملة ثم موحدة ثقيلة، صحابي ابن صحابي وقيل بل ثقة من الثانية ع”.
(2) انظر: الإصابة (3/628) ، والتاريخ الكبير (8/175) ، وسير أعلام النبلاء (2/572 - 574) برقم (122) ، وتهذيب التهذيب (11/108) ، وأسد الغابة (5/81) ، والجرح والتعديل (9/42) ، والاستيعاب (3/646) ..
(3) أخرجه البزار كما فى مجمع الزوائد (9/373) قال الهيثمى: فيه محمد بن حجر، وهو ضعيف.(2/142)
وحشى بن حرب الصحابى (1) :
كنيته أبو وسمة، وهو من سودان مكة، ويقال له: الحبشى، وهو مولى طعمة بن عدى، وقيل: مولى جبير بن مطعم بن نوفل بن عبد مناف، وهو قاتل حمزة يوم أُحُد، وشارك فى قتل مسيلمة الكذاب يوم اليمامة، وكان يقول: قتلت فى جاهليتى خير الناس، وقتلت بعد إسلامى شر الناس. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعة أحاديث، وقيل: ثمانة، روى البخارى منها حديثًا فى قتله حمزة. روى عنه ابنه حرب بن وحشى، وعبيد الله بن عدى بن الجبار، وجعفر بن عمرو بن أمية، قيل: سكن دمشق، والصحيح المشهور أنه سكن حمص.
666 - وراد كاتب المغيرة (2) :
مذكور فى المختصر فى مسح الخف، وهو أبو سعيد، ويقال: أبو ورد الثقفى الكوفى، كاتب المغيرة بن شعبة ومولاه. سمع المغيرة. روى عنه الشعبى، وعبد الملك بن عمير، ورجاء بن حيوة، وعبدة بن أبى لبابة، وعاصم بن بهدلة، وآخرون، واتفقوا على توثيقه وجلالته. روى له البخارى ومسلم.
667 - ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصى بن كلاب القريشى:
وهو الذى أتته خديجة أم المؤمنين، رضى الله عنها، بالنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى حديث المبعث، وقال للنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هذا الناموس الذى أنزل على موسى، يا ليتنى فيها جذعا، يا ليتنى أكون حيًا إذ يخرجك قومك، فقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “أومخرجى هم؟ ”، قال: نعم، لم يأت أحد قط بمثل ما جئت به إلا عودى، وإن يدركنى يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا. ثم لم يلبث ورقة بن نوفل أن توفى، وهذا الذى ذكرته كله ثابت فى الصحيحين بحروفه من رواية عائشة، رضى الله عنها. قال ابن مندة: واختلفوا فى إسلام ورقة، وهذا الحديث الذى ذكرته ظاهر فى إسلامه واتباعه وتصديقه.
668 - وكيع بن الجراح بن مليح بن عدى بن فرس بن حمحمة، وقيل: ابن فرس ابن سفيان بن الحارث بن عمرو بن عبيد بن رؤاس - بهمزة بعد الراء - ابن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة (3) :
أبو سفيان الرؤاسى الكوفى. الإمام فى الحديث وغيره، وهو من تابعى التابعين، سمع إسماعيل بن أبى خالد، والأعمش، وهشام بن
_________
(1) الطبقات الكبرى ابن سعد (7/418) ، والتاريخ الكبير للبخارى (8/2624) ، والجرح والتعديل (9/194) ، والاستيعاب (4/1564) ، وأسد الغابة (5/83) ، وتهذيب التهذيب (11/112) ، والإصابة (3/9109) . تقريب التهذيب (7400) ، وقال: “أبا دسمة بفتح المهملتين والميم صحابي نزل حمص ومات بها خ د ق”..
(2) التاريخ الكبير للبخارى (8/2644) ، والجرح والتعديل (9/206) ، وتاريخ الإسلام (3/211) ، وتهذيب التهذيب (11/112) . تقريب التهذيب (7401) ، وقال: “وراد بتشديد الراء ثقة من الثالثة ع”..
(3) الطبقات الكبرى ابن سعد (6/394) ، والتاريخ الكبير للبخارى (8/2618) ، والجرح والتعديل (9/168) ، وسير أعلام النبلاء (9/140) ، وميزان الاعتدال (4/9356) ، وتهذيب التهذيب (11/123) . تقريب التهذيب (7414) ، وقال: “الرؤاسي بضم الراء وهمزة ثم مهملة ثقة حافظ عابد من كبار التاسعة مات في آخر سنة ست وأول سنة سبع وتسعين [ومائة] وله سبعون سنة ع”..(2/143)
عروة، وعبد الله بن عون، وعزرة ابن ثابت، وحنظلة بن أبى سفيان، ومالك بن مغول، وكهمس بن الحسن، وابن جريج، وزكريا بن إسحاق، وفضيل بن غزوان، وشريك بن عبد الله، والأوزاعى، والسفيانين، وخلائق من الكبار.
روى عنه ابن المبارك، ويحيى بن آدم، ويزيد بن هارون، وقتيبة، وابن مهدى، وأحمد ابن حنبل، وابن راهوية، والحميدى، ومسدد، وابن المدينى، وابن معين، وابنا أبى شيبة، وابناه مليح وسفيان ابنا وكيع، وأحمد بن أبى الحوارى، ويحيى بن يحيى، وخلائق. وأجمعوا على جلالته، ووفور علمه، وحفظه، وإتقانه، وورعه، وصلاحه، وعبادته، وتوثيقه، واعتماده.
قال أحمد بن حنبل: ما رأيت أوعى للعلم ولا أحفظ من وكيع، ما رأيته يشك فى حديث إلا يومًا واحدًا، ولا رأيت معه كتابًا ولا ورقة قط. وقال أحمد أيضًا: حدثنى من لم تر عيناك مثله، وكيع بن الجراح. وقال أحمد: هو أحب إلىَّ من يحيى بن سعيد، فقيل له: كيف فضلت وكيعًا؟ فقال: كان وكيع صديقًا لحفص بن غياث، فلما ولى القضاء هجره وكيع، وكان يحيى بن سعيد صديقًا لمعاذ بن معاذ، فولى القضاء معاذ، ولم يهجره يحيى. وقال أحمد: ما رأيتن رجلاً قط مثل وكيع فى العلم، والحفظ، والإسناد، والأبواب، ويحفظ الحديث جيدًا، ويذاكر بالفقه مع ورع واجتهاد، ولا يتكلم فى أحد.
وقال ابن معين: ما رأيت أحدًا يحدث لله غير وكيع بن الجراح، وهو أحب إلىَّ من سفيان وابن مهدى، وهو أحب إلىَّ من أبى نعيم، وما رأيت رجلاً قط أحفظ من وكيع، ووكيع فى زمانه كالأوزاعى فى زمانه. وقال أحمد بن عبد الله: وكيع كوفى ثقة، عابد، صالح، من حفاظ الحديث، وكان يفتى.
وقال ابن عمار: ما كان بالكوفة فى زمن وكيع أفقه ولا أعلم بالحديث من وكيع، وكان جهبذًا. وقال محمد بن سعد: توفى وكيع بفيد منصرفًا من الحج سنة سبع وتسعين ومائة، وكذا قال ابن نمير، والترمذى. وقال أحمد بن حنبل: ولد وكيع سنة سبع وعشرين ومائة.
669 - الوليد بن عقبة بن أبى معيط الصحابى (1) :
مذكور فى المهذب فى صلاة العيدين، وفى أول الوكالة، وفى كتاب السير، وفى أول حد الخمر. هو أبو وهب الوليد
_________
(1) الطبقات الكبرى ابن سعد (6/24، 7/476) ، والتاريخ الكبير للبخارى (8/2483) ، والجرح والتعديل (9/31) ، والاستيعاب (4/1552) ، وأسد الغابة (5/90) ، وسير أعلام النبلاء (3/412) ، وتهذيب التهذيب (11/142) ، والإصابة (3/9147) . تقريب التهذيب (7442) ، وقال: “له صحبة وعاش إلى خلافة معاوية د”..(2/144)
بن عقبة بن أبى معيط، واسم أبى معيط أبان بن أبى عمرو، واسم أبى عمرو ذكوان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى القريشى الأموى، وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، وأمها البيضاء أم حكيم بنت عبد المطلب عمة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فالوليد أخو عثمان بن عفان لأمه.
أسلم يوم فتح مكة هو وأخوه خالد بن عقبة. قال ابن عبد البر: أظنه لما أسلم كان قد ناهز الحلم. وقال ابن ماكولا: كان طفلاً. وقال غيرهما: كان كبيرًا، وبعثه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على صدقات بنى المصطلق. قال ابن عبد البر: ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن قوله عز وجل: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: 6] نزلت فى الوليد بن عقبة، وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعثه مصدقًا إلى بنى المصطلق، فعاد وأخبر عنهم أنهم ارتدوا ومنعو الصدقة؛ لأنهم خرجوا إليه يتلقونه وهم متقلدون السيوف فرحًا وسرورًا بقدومه، فخافهم فرجع وأخبر النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بردتهم، فبعث إليهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خالد بن الوليد، فأخبروه الخبر وأنهم مسلمون، فنزلت الآية.
قال: ومما يرد قول من قال: كان صغيرًا، أن الزبير بن بكار وغيره من علماء السير ذكروا أن الوليد وعمارة ابنى عقبة خرجا من مكة ليردا أختهما أم كلثوم بنت عقبة عن الهجرة، وكانت هجرتها فى الهدنة يوم الحديبية قبل الفتح، فمن يكون صغيرًا يوم الفتح لا يقوى لرد أخته قبل ذلك، ثم ولاه عثمان الكوفة، وكان من رجال قريش ظرفًا، وحلمًا، وشجاعة، وكرمًا، وأدبًا، وكان شاعرًا، وهو الذى صلى صلاة الصبح بأهل الكوفة أربع ركعات، فقال: أزيدكم، وكان سكران.
قال ابن عبد البر: وخبر صلاته سكران قوله: أزيدكم، بعد أن صلى بهم الصبح أربعًا، مشهور من رواية الثقات من أهل الحديث، ولما شهدوا عليه بالشرب أمر عثمان فجُلد وعُزل من الكوفة، واستعمل عليها بعده سعيد بن العاص، ولما قُتل عثمان اعتزل الوليد الفتنة، وأقام بالرقة إلى أن توفى بها، وله بها عقب. روى عنه ثابت بن الحجاج، والشعبى، وغيرهما.(2/146)
670 - الوليد بن كثير المخزومى (1) :
مذكور فى المختصر فى أول باب الماء الذى ينجس. هو أبو محمد الوليد القريشى المخزومى مولاهم المدنى، ثم سكن الكوفة. روى عن محمد بن كعب القرظى، ومحمد ابن عباد بن جعفر، وعبد الله بن عبد الله بن عمرو، ووهب بن كيسان، ونافع مولى الحارث بن عمرو، ومحمد بن إبراهيم، ومحمد بن عمرو بن عطاء، ومحمد بن جعفر بن الزبير، ومحمد بن عمرو بن حلحلة، ومعبد بن كعب بن مالك، وسعيد المقبرى، وآخرين. روى عنه إبراهيم بن سعد، وعيسى بن يونس، وأبو أسامة، وابن عيينة، والواقدى.
قال إبراهيم بن سعد: كان ثقة، متبعًا للمغازى، حريصًا على علمه. وقال يحيى بن معين: هو ثقة. وقال ابن المدينى: هو صدوق. وقال ابن سعد: توفى بالكوفة سنة إحدى وخمسين ومائة. روى له البخارى ومسلم.
671 - الوليد بن مسلم الدمشقى (2) :
صاحب الأوزاعى. مذكور فى المهذب فى أول العدد. هو أبو العباس الوليد بن مسلم الدمشقى الأموى مولاهم، وقيل: مولى العباس بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس. سمع الأوزاعى، وصفوان بن عمرو، وثور بن يزيد، وابن جريج، والثورى، والليث، وسعيد بن عبد العزيز، وأبا إسحاق الفزارى، ومحمد بن حمزة، وسليمان بن موسى، ومحمد بن راشد، وبكر بن مضر، وابن لهيعة، وعبد الله بن العلاء بن زيد، وخلائق لا يحصون من الأئمة وغيرهم.
روى عنه الليث بن سعد، وهو كاف فى جلالته، وأحمد بن حنبل، والحميدى، وأبو خيثمة، وهشام بن عمار، وصفوان بن صالح، والحسين بن حريث، وعبد الله بن وهب، ومحمد بن المبارك الصورى، وعبد الرحمن بن إبراهيم، ودهيم، وسليمان بن عبد الرحمن، ومحمد بن شعيب، وبقية، ونعيم بن حماد، وضمرة بن ربيعة، وإسحاق بن أبى إسرائيل، وخلائق لا يحصون. وأجمعوا على جلالته وارتفاع محله فى العلم وتوثيقه.
قال يعقوب بن سفيان: كُنت أسمع أصحابنا يقولون: علم الشام عند إسماعيل بن عياش والوليد بن مسلم، فأما الوليد فمضى على سننه ميمونًا عند أهل العلم، متقنًا، صحيح العلم، فقال أحمد بن حنبل: ليس أحد أروى لحديث الشام من إسماعيل بن عياش
_________
(1) الجرح والتعديل (9/62) ، وسير أعلام النبلاء (7/63) ، وتاريخ الإسلام (6/314) ، وميزان الاعتدال (4/9397) ، وتهذيب التهذيب (11/148) . تقريب التهذيب (7452) ، وقال: “صدوق عارف بالمغازي رمي برأي الخوارج من السادسة مات سنة إحدى وخمسين ع”..
(2) انظر: طبقات ابن سعد (7/470) ، وتاريخ ابن معين (2/634) ، والتاريخ الكبير (8/152، 153) ، والجرح والتعديل (9/16، 17) ، وميزان الاعتدال (4/347، 348) ، وتهذيب التهذيب (11/151 - 155) ، وتقريب التهذيب (2/336) ..(2/147)
والوليد بن مسلم. قال على بن المدينى: الوليد بن مسلم دخل الشام وعنده علم كثير، ولم نستمكن منه. توفى بذى المروة منصرفًا من الحج سنة خمس وتسعين ومائة، وقيل: أربع وتسعين، وله ثلاث وسبعون سنة.
672 - الوليد بن الوليد بن المغيرة القرشى المخزومى الصحابى:
أخو خالد بن الوليد، رضى الله عنه وعن خالد، وهو ابن عم أم سلمة، حضر الوليد بدرًا مشركًا، فأسره عبد الله بن جحش، وقيل: أسره سليط الأنصارى المازنى، فقدم فى فدائه أخواه خالد وهشام، فتمنع عبد الله بن جحش، حتى افتكاه بأربعة آلاف درهم، فلما فدى أسلم، فقيل له: هلا أسلمت قبل أن تفدى؟ فقال: كرهت أن يظن بى أنى جزعت من الإسارة.
فلما أسلم حبسه أهله بمكة عن الهجرة، فكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعو له فيمن يدعو له من المستضعفين المؤمنين بمكة، فيقول فى قنوته فى الصلاة: “اللهم أنج الوليد بن الوليد”، وحديثه هذا فى الصحيحين، ثم أفلت من حبسهم، ولحق برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشهد معه عمرة القضية.
673 - وهب بن عبد الله بن محصن بن حرثان:
أبو سنان الأسدى الصحابى، وهو ابن أخى عكاشة بن محصن، وسبق تمام نسبه فى ترجمة عمه، قيل: إن وهبًا هذا(2/148)
أول من بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة، ثم بايع الناس على بيعته.
674 - وهب بن منبه التابعى الأنصارى اليمانى (1) :
أخو همام بن منبه، وسبق تمام نسبه وأخوته فى ترجمة همام، كنية وهب أبو عبد الله، ويقال: الذمارى، بكسر الذال المعجمة، منسوب إلى ذمار قرية على مرحلتين من صنعاء اليمن، وهو تابعى جليل من المشهورين بمعرفة الكُتب الماضية.
سمع جابر بن عبد الله، وابن عباس، وابن عمرو بن العاص، وأبا سعيد الخدرى، وأبا هريرة، وأنسًا، والنعمان بن بشير. روى عنه عمرو بن دينار، وعوف الأعرابى، والمغيرة بن حكيم، وآخرون، واتفقوا على توثيقه. توفى سنة أربع عشرة ومائة، وقال ابن سعد: سنة عشر ومائة.
675 - وهيب بن الورد بن أبى الورد المخزومى، مولاهم المكى (2) :
ويقال: اسمه عبد الوهاب، ووهيب لقب، وكنيته أو عثمان، ويقال: أبو أمية. روى عن عطاء مرسلاً، وعن عمر بن محمد بن المنكدر. روى عنه عبد الله بن المبارك، وعمارة ابن القعقاع، ومحمد بن يزيد بن خنيس.
قال يحيى بن معين: هو ثقة. وقال أبو حاتم: كان من العباد، وكانت له أحاديث ومواعظ وزهد، وكان سفيان الثورى إذا حدث الناس وفرغ من حديثهم قال: قوموا بنا إلى الطيب، يعنى وهيبًا. توفى سنة ثلاث وخمسين ومائة. روى له مسلم.
* * *
حرف الياء
676 - ياسر بن عامر الصحابى:
والد عمار، تقدم نسبه فى ترجمة عمار، كنيته
_________
(1) انظر: الجرح والتعديل (4/24) ، والتاريخ الكبير (8/164) ، والبداية والنهاية (9/276 - 302) ، وطبقات ابن سعد (6/395) ، وسير أعلام النبلاء (4/544) برقم (219) ، وتاريخ ابن معين (2/636) ، وميزان الاعتدال (4/352) ، ووفيات الأعيان (6/35) ، ومعجم الأدباء (19/259) ، وحلية الأولياء (4/23) ، وتهذيب التهذيب (11/166) ..
(2) الطبقات الكبرى ابن سعد (5/488) ، والتاريخ الكبير للبخارى (8/2612) ، والجرح والتعديل (9/157) ، وسير أعلام النبلاء (7/198) ، وتاريخ الإسلام (6/315) ، وتهذيب التهذيب (11/170) . تقريب التهذيب (7489) ، وقال: "ابن الورد بفتح الواو وسكون الراء القرشي مولاهم المكي أبو عثمان أو أبو أمية يقال اسمه عبد الوهاب ثقة عابد من كبار السابعة م د ت س"..(2/149)
أبو عمار، وهو حليف بنى مخزوم، وكان قدم من اليمن، فحالف أبا حذيفة بن المغيرة المخزومى، وَزَّوَجهُ أبو حذيفة أمة له اسمها سمية، فولدت له عمارًا، فأعتقها أبو حذيفة، وأسلم ياسر وسمية وابناهما عمار وعبد الله ابنا ياسر، وكان ياسر وعمار وسمية يُعَذَّبُون فى الله عز وجل، ويقول لهم النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة".
677 - يحيى بن آدم بن على الكوفى:
أبو زكريا المخزومى، مولاهم. سمع مالك بن مغول، ومسعر، وسعيد بن سالم، وسفيان الثورى، وإسرائيل بن يونس، والحسن بن صالح، وزهير بن معاوية، وسفيان ابن عيينة، وإسماعيل بن عياش، وأبا معاوية، وابن المبارك، وأبا بكر بن عياش، وفضيل ابن عياض، وحماد بن سلمة، وجرير بن عبد الحميد، ووكيعًا، وعبد الله بن إدريس، وخلائق من الأئمة. وروى عنه أحمد بن حنبل، وابن راهوية، وابنا أبى شيبة، وابن معين، وآخرون. قال ابن معين، وأبو حاتم، وآخرون: هو ثقة. توفى سنة ثلاث ومائتين، وهو من العلماء المصنفين.
678 - يحيى بن أكثم (1) :
بالثاء المثلثة، القاضى، هو أبو محمد يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن بن سمعان التميمى المروزى، سكن بغداد، ولاه المأمون قضاءها. سمع عبد العزيز بن أبى حازم، وابن المبارك، وعبد الله بن إدريس، وسفيان بن عيينة، والفضل بن موسى، وجرير بن عبد الحميد، وعبد العزيز الدراوردى، وعيسى بن يونس، ووكيعًا، وآخرين. روى عنه أبو حاتم، والبخارى فى غير صحيحه، وروح بن الفرج، وأبو عيسى الترمذى، وآخرون.
قال أبو الفضل صالح بن محمد: ولى يحيى بن أكثم قضاء البصرة وهو ابن إحدى وعشرين سنة، فاستزرته مشائخ البصرة واستصغروه، فقالوا: كم سن القاضى؟ فقال: سن عتاب بن أسيد حين ولاه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكة. وقال طلحة بن محمد بن جعفر: يحيى بن أكثم أحد أعلام الدنيا، ومن قد اشتهر أمره وعُرف خبره، ولم يخف على صغير وكبير فضله وعلمه ورياسته.
وقال أحمد بن حنبل: ما عرفت فيه بدعة، فَذُكر له ما يرميه به الناس، فقال: سبحان الله، سبحان الله، ومن يقول هذا؟ وأنكره أحمد إنكارًا شديدًا. وقال الحاكم أبو عبد الله: كان من أئمة العلم،
_________
(1) انظر: التاريخ الكبير (8/263) ، والجرح والتعديل (9/129) ، والثقات لابن حبان (9/265، 266) ، وتاريخ بغداد (14/191 - 204) ، والمختصر فى أخبار البشر (2/39، 40) ، وميزان الاعتدال (4/361، 362) ، وسير أعلام النبلاء (12/5 - 16) برقم (1) ، وتهذيب التهذيب (11/179 - 183) ، وتقريب التهذيب (2/342، 343) ..(2/150)
ومن نظر فى كتاب التنبيه له علم تقدمه فى العلوم. وقال أبو حاتم، فيه نظر، وأسأل الله السلامة.
وقيل لأبى زرعة: كتبت عن يحيى بن أكثم؟ فقال: ما أطمعته فى هذا قط، ولقد كان شديد الإيجاب لى، لقد مرضت ببغداد فما أحسن أصف ما كان يولينى من التعاهد. وقيل لصالح بن محمد: أكان يُكتب عنه؟ قال: كان عنده حديث كثير، إلا أنى لم أكتب عنه؛ لأنه كان يحدث عن عبد الله بن إدريس بأحاديث لم أسمعها منه. توفى بالربذة منصرفًا من الحج سنة ثنتين وأربعين ومائتين، رحمه الله.
679 - يحيى بن جعدة (1) :
مذكور فى المهذب فى العدد فى مسألة المفقود، ثم فى أواخر استيفاء القصاص. هو يحيى بن جعدة بن هبيرة بن أبى وهب بن عمرو بن عائذ، بالذال المعجمة، ابن عمران ابن مخزوم القريشى المخزومى الحجازى التابعى. سمع أبا هريرة، وزيد بن أرقم، وأم هانىء. روى عنه مجاهد، وعمرو بن دينار، وأبو الزبير، وحبيب بن أبى ثابت. قال أبو حاتم: هو ثقة. وقال ابن أبى حاتم: هو ابن أخت على بن أبى طالب، رضى الله عنه.
680 - يحيى بن حسان التنيسى (2) :
مذكور فى أول البيوع من المختصر. هو أبو زكريا يحيى بن حسان بن حبان التنيسى، بكسر التاء المثناة فوق والنون، منسوب إلى تنيس بلدة معروفة من بلاد مصر، ويقال له: البصرى، بالباء الموحدة. وقال البخارى: هو شامى، وكله صحيح، فأصله بصرى، ثم سكن تنيس.
وقال أبو حاتم بن حِبان، بكسر الحاء: أصله دمشقى، روى عن الليث، ومعاوية بن سلام، وعبد الواحد بن زياد، وحماد بن سلمة، وسليمان بن بلال، ووهي بن خالد، والهيثم بن حميد، وهشيم، وعيسى بن يونس. روى عنه الإمام محمد بن إدريس الشافعى، وأحمد بن صالح المصرى، والحسن بن عبد العزيز، ومحمد بن مسكين، ومحمد ابن سهل، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمى، وابنه محمد بن يحيى بن حسان، وغيرهم. واتفقوا على جلالته وتوثيقه.
قال أبو سعيد بن يونس: كان ثقة، حسن الحديث، صنَّف كُتبًا وحدَّث بها. وقال أحمد بن حنبل: كان ثقة، صاحب حديث. وقال أيضًا: كان ثقة صالحًا. وقال أحمد بن عبد
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (8/2941) ، والجرح والتعديل (9/562) ، وتاريخ الإسلام (3/312) ، وتهذيب التهذيب (11/192) . تقريب التهذيب (7520) ، وقال: “ثقة وقد أرسل عن ابن مسعود ونحوه من الثالثة د تم س ق”..
(2) انظر: التاريخ الكبير (8/269) ، والجرح والتعديل (9/135) ، والثقات لابن حبان (9/252) ، وتهذيب التهذيب (11/197) ، وتقريب التهذيب (2/345) . .(2/151)
الله: كان ثقة، مأمونًا، عالمًا بالحديث. وقال مروان بن محمد: ما كنا نحسن لطلب الحديث حتى قدم يحيى بن حسان. توفى بمصر فى رجب سنة ثمان ومائتين، وهو ابن أربع وستين سنة. روى له البخارى، ومسلم.
681 - يحيى بن زكريا النبى، عليه السلام:
مذكور فى المهذب فى الشهادات، وفى زكريا لغات سبقت فى ترجمته، ولفظ يحيى لفظ عجمى، وقد سبق فى ترجمة إبراهيم وآدم أن أسماء الأنبياء كلها عجمية إلا أربعة. وقال الواحدى: يحيلا لا ينصرف عربيًا كان أو عجميًا؛ لأنه لو كان عربيًا امتنع لشبه الفعل مع التعريف. قال العلماء: أول من سُمِّىَ بيحيى: يحيى بن زكريا، عليه السلام.
قال الله تعالى: {لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم: 7] ، قال الواحدى: قال المفسرون: أول من آمن بعيسى يحيى، وكان يحيى أسن من عيسى، عليه السلام. قال العلماء بالتاريخ: قُتل يحيى قبل أبيه زكريا. وفضائله فى القرآن مشهورة.
قال الله تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّى فِى الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 39] .
وقال تعالى: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم: 7] .
وقال سبحانه وتعالى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 12 - 15] .
وقال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِى فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء: 89] الآيتين.
وثبت فى الصحيحين فى حديث الإسراء والمعراج، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “ثُم عُرج بى إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل، ففتح لنا، فإذا أنا بابنى الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا، فرحبا، ودعوا لى بخير”.
وأما ما روينا فى مسند أبى يعلى الموصلى عنه، قال: حدثنا زهير بن حرب، عن عفان بن حماد بن سلمة، عن على بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “ما أحد من ولد آدم إلا قد أخطأ أو هَمَّ بخطيئة، ليس يحيى بن زكريا”، فهو حديث ضعيف؛ لأن على بن زيد بن جدعان ضعيف، ويوسف بن مهران مختلف فى جرحه.
قال الثعلبى: كان مولد يحيى قبل مولد عيسى(2/152)
بستة أشهر. وقال الكلبى: كان زكريا يوم بشر بالولد ابن ثنتين وتسعين سنة، وقيل: تسع وتسعين سنة. وعن الضحاك، عن ابن عباس: كان ابن عشرين ومائة سنة، وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة.
قال: وقال كعب الأحبار: كان يحيى حسن الصورة والوجه، لين الجناح، قليل الشعر، قصير الأصابع، طويل الأنف، أقرن الحاجبين، رقيق الصوت، كثير العبادة، قويًا فى طاعة الله، وساد الناس فى عبادة الله تعالى وطاعته.
وقال فى قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12] : قيل: إن يحيى قال له أقرانه من الصبيان: اذهب بنا نلعب، فقال: ما للعب خُلقنا. قال: وقيل: إنه نبىء صغيرًا، فكان يعظ الناس، ويقف لهم فى أعيادهم وجمعهم ويدعوهم إلى الله تعالى، ثم ساح يدعو الناس، ولما بعثه الله تعالى إلى بنى إسرائيل أمره أن يأمرهم بخمس خصال، وهى: عبادة الله ولا يشركون به شيئًا، والصلوات، والصدقة، وذكر الله، والصيام.
واتفقوا على أنه قُتل ظلمًا شهيدًا، وأُخذ رأسه ووضع فى طست، وغضب الله تعالى على قاتليه، وسلط عليهم بخت نصر وجيوشه، فجاسوا خلال الديار، وكان وعدًا مفعولاً.
682 - يحيى بن سعيد الأنصارى (1) :
تكرر فى المختصر، وذكره فى المهذب فى أول الرضاع وأول حدث القذف. هو الإمام أبو سعيد يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو بن سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد ابن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصارى النجارى المدنى التابعى القاضى، قاضى المدينة، وأقدمه المنصور العراق، فولاه قضاء الهاشمية، وقيل: تولى القضاء ببغداد ولم يثبت. قال البخارى: وقال بعضهم: هو يحيى بن سعيد بن قيس بن فهر، ولا يصح.
سمع أنس بن مالك، والسائب بن يزيد، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وأبا أمامة بن سهل بن حنيف، وسعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق، وأبا سلمة ابن عبد الرحمن، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، وخلائق من الأئمة.
روى عنه هشام بن عروة، وحميد الطويل، ويزيد بن عبد الله بن أسامة، وابن جريج، والأوزاعى، ومالك بن أنس، والسفيانان، والحمادان، والليث، وابن المبارك، وشعبة، ويحيى بن سعيد القطان،
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (8/2980) ، والجرح والتعديل (9/620) ، وسير أعلام النبلاء (5/468) ، وتاريخ الإسلام (6/149) ، وتهذيب التهذيب (11/211) . تقريب التهذيب (7559) ، وقال: “ثقة ثبت من الخامسة مات سنة أربع وأربعين أو بعدها ع”..(2/153)
ويحيى بن سعيد الأموى، وخلائق لا يحصون من الأعلام. وأجمعوا على توثيقه، وجلالته، وإمامته.
قال ابن عيينة: كان محدثو الحجاز: ابن شهاب، ويحيى بن سعيد، وابن جريج يجيئون بالحديث على وجهه. وقال جرير بن عبد الحميد: ما رأيت شيخًا أنبل منه. وقال ابن المبارك: كان من حفاظ الناس. وقال أبو حاتم: كان يوازن الزهرى. وقال أحمد بن حنبل: يحيى بن سعيد أثبت الناس. وقال أيوب السختيانى: ما تركت بالمدينة أفقه من يحيى بن سعيد.
وقال سعيد بن عبد الرحمن الجمحى: ما رأيت أقرب شبهًا بابن شهاب من يحيى الأنصارى، ولولاهما لذهب كثير من السنن. وقال محمد بن سعد: كان يحيى الأنصارى ثقة، ثبتًا، كثير الحديث، حجة. وقال أحمد بن عبد الله: كان ثقة، رجلاً صالحًا، وله فقه. قال ابن سعد: توفى سنة ثلاث وأربعين ومائة. وقال آخرون: سنة أربع. وقيل: سنة ست وأربعين ومائة.
683 - يحيى بن سعيد القطان (1) :
هو أبو سعيد يحيى بن سعيد بن فروخ التميمى، مولاهم البصرى القطان الإمام، من تابعى التابعين. سمع يحيى بن سعيد الأنصارى، وحنظلة بن أبى سفيان، وابن عجلان، وسيف بن سليمان، وهشام بن حسان، وابن جريج، وسعيد بن أبى عروبة، وابن أبى ذؤيب، والثورى، وابن عيينة، ومالكًا، ومسعرًا، وشعبة، وخلائق غيرهم.
روى عنه الثورى، وابن عيينة، وابن مهدى، وعفان، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلى بن المدينى، وإسحاق بن راهويه، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو خيثمة، وأبو بكر بن أبى شيبة، ومسدد، وعبيد الله بن عمر القواريرى، وعمرو بن على، وابن مثنى، وابن بشار، وخلائق من الأئمة وغيرهم. واتفقوا على إمامته، وجلالته، ووفور حفظه، وعلمه، وصلاحه.
قال أحمد بن حنبل: ما رأيت مثل يحيى بن القطان فى كل أحواله. وقال يحيى بن معين: أقام يحيى القطان عشرين سنة يختم القرآن فى كل يوم وليلة، ولم يفته الزوال فى المسجد أربعين سنة، وما رؤى يطلب جماعة قط، يعنى ما فاتته فيحتاج إلى طلبها.
وقال أحمد بن حنبل: يحيى القطان إليه المنتهى فى التثبت بالبصرة، وهو أثبت من وكيع، وابن مهدى، وأبى نعيم،
_________
(1) الطبقات الكبرى ابن سعد (7/293) ، والتاريخ الكبير للبخارى (8/2983) ، والجرح والتعديل (9/624) ، وسير أعلام النبلاء (9/175) ، وميزان الاعتدال (4/9522) ، وتهذيب التهذيب (11/216) . تقريب التهذيب (7557) ، وقال: “ابن فروخ بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وسكون الواو ثم معجمة التميمي أبو سعيد القطان البصري ثقة متقن حافظ إمام قدوة من كبار التاسعة مات سنة ثمان وتسعين [ومائة] وله ثمان وسبعون ع”..(2/154)
ويزيد بن هارون، وقد روى عن خمسين شيخًا ممن روى عنهم سفيان. قال: ولم يكن فى زمان يحيى مثله.
وقال أبو زرعة: هو من الثقاة الحفاظ. وقال يحيى بن معين: قال لى عبد الرحمن بن مهدى: لا ترى بعينك مثل يحيى القطان. وقال ابن منجويه: يحيى القطان من سادات أهل زمانه حفظًا، وورعًا، وفقهًا، وفضلاً، ودينًا، وعلمًا، وهو الذى مهد لأهل العراق رسم الحديث، وأمعن فى البحث عن الثقاة، وترك الضعفاء.
وقال بندار: كتب عبد الرحمن بن مهدى عن يحيى القطان ثلاثين ألفًا وحفظهما. وقال زهير: رأيت يحيى القطان بعد وفاته وعليه قميص، مكتوب بين كتفيه: بسم الله الرحمن الرحيم، براءة ليحيى بن سعيد من النار. قال ابن سعد: توفى يحيى القطان فى صفر سنة ثمان وتسعين ومائة، وكان مولده سنة عشرين ومائة، رحمه الله.
684 - يحيى بن عبد الله بن بكير (1) :
أبو زكريا المصرى المخزومى، مولاهم، صاحب مالك، هو مشهور بيحيى بن بكير، نسبة إلى جده، سمع مالكًا، والليث، وعبد العزيز بن أبى حازم، وعبد العزيز الدراوردى، وابن لهيعة، وبكر بن مضر، ومفضل بن فضالة، ومغيرة بن عبد الرحمن، وآخرين. روى عنه يحيى بن معين، وأبو عبيد، ومحمد بن يحيى الذهلى، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرازيان، ويونس بن عبد الأعلى، والبخارى، وآخرون.
روى عنه البخارى فى مواضع من صحيحه، وروى أيضًا عن محمد بن عبد الله عنه. وروى مسلم حديثًا واحدًا عن أبى زرعة عنه. قال أبو سعيد بن يونس: ولد سنة أربع وخمسين ومائة، وتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائتين. وقال عبد الغنى بن سعيد: ولد سنة خمس وخمسين.
685 - يحيى بن عمارة (2) :
مذكور فى المختصر. هو يحيى بن عمارة بن أبى حسن الأنصارى المازنى المدنى. سمع أبا سعيد الخدرى، وعبد الله بن زيد. روى عنه ابنه عمرو، والزهرى، وعمارة بن غزية، ومحمد بن يحيى بن حبان، وهو ثقة باتفاقهم. روى
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (8/3019) ، والجرح والتعديل (9/682) ، وميزان الاعتدال (4/9564) ، وتهذيب التهذيب (11/237) . تقريب التهذيب (7580) ، وقال: “ثقة في الليث وتكلموا في سماعه من مالك من كبار العاشرة مات سنة إحدى وثلاثين وله سبع وسبعون خ م ق”..
(2) التاريخ الكبير للبخارى (8/3058) ، والجرح والتعديل (9/725) ، وتاريخ الإسلام (4/68) ، وتهذيب التهذيب (11/259) . تقريب التهذيب (7612) ، وقال: “ثقة من الثالثة ع”..(2/155)
له البخارى، ومسلم، وجده أبو حسن صحابى شهد العقبة، وبدرًا، واسمه تميم بن عبد عمرو.
686 - يحيى بن معين الإمام:
هو أبو زكريا يحيى بن معين بن عون بن زياد بن بسطام بن عبد الرحمن، وقيل: ابن معين بن غياث بن زياد بن عون بن بسطام المرى من مرة غطفان مولاهم. قال ابن أبى خيثمة: سمعت يحيى يقول: أنا مولى للجنيد بن عبد الرحمن المقرى، ويحيى بن معين بغدادى، وهو إمام الحديث فى زمانه والمعول عليه فيه. قال الخطيب: أصله من الأنبار.
سمع ابن المبارك، وهشيمًا، ووكيعًا، وابن عيينة، وابن مهدى، ويحيى القطان، وحفص بن غياث، وغندرًا، ومعاذ بن معاذ، وعبدة بن سليمان، ومروان بن معاوية، ويحيى بن زكريا بن أبى زائدة، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وهشام بن يوسف، وعيسى بن يونس، ويعقوب بن إبراهيم الزهرى، وزكريا بن يحيى، وعفان بن مسلم، وأبا معاوية، وأبا مسهر، ووهب بن جرير، وقريش بن أنس، وحجاج بن محمد، وأبا حفص عمر بن عبد الرحمن الأبار، وقرادًا، والأصمعى، وحكام بن مسيم، وعبد الرزاق، وعلى بن عياش، وعبد الله بن صالح، وسوار بن عمارة الرملى، ويحيى بن صالح، وعبد الله بن يوسف التنيسى، وسعيد بن أبى مريم، وأبا اليمان، وعمرو بن الربيع، والحسن بن واقع، بالقاف، وإسماعيل بن علية، وجرير بن عبد الحميد، وعبد الله بن نمير، وأبا عبيدة الحداد، ومعن بن عيسى، وإسماعيل بن مجالد، وعلى بن هاشم، وعثمان بن عبيد، وأبا أسامة، وعباد بن عباد، ومحمد بن عبد الله الأنصارى، وخلائق.
روى عنه أحمد بن حنبل، وزهير بن حرب، وأحمد ويعقوب ابنا إبراهيم الذورقيان، ومحمد بن يحيى الذهلى، ومحمد بن إسحاق الصاغانى، ومحمد بن سعد كاتب الواقدى، ومحمد بن هارون، وأبو زرعة الرازى، والدمشقى، وأبو حاتم، والبخارى، ومسلم، وأبو داود، وأحمد بن منصور، وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار، وأحمد بن أبى الحوارى، وعباس بن محمد الدورى، وعبد الله بن الرمادى، وأحمد بن حنبل، ويعقوب بن شيبة، وأبو يعلى الموصلى،(2/156)
والحسين بن محمد، وخلائق لا يحصون. وأجمعوا على إمامته، وتوثيقه، وحفظه، وجلالته، وتقدمه فى هذا الشأن، واضطلاعه منه.
قال الخطيب: كان إمامًا ربانيًا، عالمًا، حافظًا، ثبتًا، متقنًا. قال أحمد بن حنبل: السماع من يحيى بن معين شفاء لما فى الصدور. وقال على بن المدينى: ما رأيت فى الناس مثله. وقال أحمد بن حنبل: يحيى بن معين رجل خلقه الله لهذا الشأن، يُظهر كذب الكذابين، وكل حديث لا يعرفه يحيى ليس بحديث.
وقال عباس الدورى: رأيت أحمد بن حنبل فى مجلس روح بن عبادة يسأل يحيى بن معين عن أشياء يقول له: يا أبا زكريا، كيف حديث كذا وكذا، كيف حديث كذا وكذا، يستثبته فى أحاديث سمعوها، فكل ما قال يحيى كتبه أحمد.
وقال هارون بن بشير الرازى: رأيت يحيى بن معين استقبل القبلة رافعًا يديه يقول: اللهم إن كنت تكلمت فى رجل ليس هو عندى كَذَّابًا فلا تغفر لى. وقال يحيى: لو لم يكتب الحديث من ثلاثين وجهًا ما علقناه.
وروينا عن أحمد بن عقبة، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: كتبت بيدى هذه ستمائة ألف حديث. قال ابن عقبة: وأظن المحدثين كتبوا له ستمائة ألف وستمائة ألف. وقال محمد بن عبد الله: خلف يحيى من الكتب مائة قمطرًا وأربعة عشر قمطرًا وأربعة جباب مملوءة كُتبًا.
وقال على بن المدينى: ما أعلم أحدًا كتب من الحديث ما كتب يحيى بن معين، وخلف والده معين ليحيى ألف ألف درهم وخمسين ألف درهم أنفقها كلها فى الحديث، حتى لم يبق له نعل يلبسها. وذكر ابن أبى حاتم فى أول كتابه الجرح والتعديل بإسناده، عن أبى عبيد القاسم بن سلام، قال: انتهى العلم إلى أربعة: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وهو أكتبهم له، وعلى بن المدينة، وأبى بكر بن أبى شيبة. وقال أبو حاتم: كتب يحيى بن معين عن موسى بن إسماعيل قريبًا من ثلاثين ألف حديث، وأحواله وفضائله، رضى الله عنه، غير منحصرة.
واتفقوا على أنه توفى بمدينة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وغُسل(2/157)
على السرير الذى غُسل عليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحُمل على السرير الذى حُمل عليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ونودى عليه: هذه جنازة يحيى بن معين، ذابّ الكذب عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والناس يبكون، واجتمعوا فى جنازته خلائق لا يحصون، ودفن فى البقيع.
قال إبراهيم بن المنذر: رأى رجل فى المنام النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه مجتمعين، فقال: ما لكم مجتمعين؟ قال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: جئت لهذا الرجل أصلى عليه، فإنه كان يذبّ الكذب عن حديثى. وقال بشر بن مبشر: رأيت يحيى بن معين فى المنام، فقال: زوجنى الله عز وجل أربعمائة حوراء بذبى الكذب عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ورثاه الشعراء وأحسنوا المراثى، ومن أحسنها ما ذكره ابن أبى حاتم، فقال: قال سليمان بن معبد يرثى يحيى بن معين، رحمه الله، وذكر صدر القصيدة، ثم قال:
لقد عظمت فى المسلمين رزية
وقالوا وإنا قد دفناه فى الثرى
فقلت ولم أملك بعينى عبرة
ألا فى سبيل الله عظم رزيتى
ومن ذا الذى يؤتى فيُسأل بعده
لقد كان يحيى فى الحديث بقية
فلما مضى مات الحديث بموته
وصرنا حيارى بعد يحيى كأننا
وليس بمغن عنك دمع سفحته
لعمرك ما للناس فى الموت حيلة
ولو أن مخلوقًا نجى من حمامه
تعزى به عن كل ميت رزيته
ولكنما أبكى على العلم إذ مضى
سقى الله قبرًا بالبقيع مجاورًا
فقد ترك الدنيا وفر بدينه
وخار له ربى خوار نبيه
وإنى لأرجو أن يكون محمد
غداة نعى الناعون يحيى فاسمع
فقال فؤادى حسرة يتصدع
ولا جزعًا إنا إلى الله نرجع
بيحيى إلى من نستريح ونفزع
إذا لم يكن للناس فى العلم مقنع
من السلف الماضين حين تقشعوا
وأدرج فى أكفانه العلم أجمع
رعية راع بثهم فتصدعوا
ولكن إليه يستريح المفجع
ولا لقضاء الله فى الخلق مدفع
إذًا لنجى منه النبى المُشفع
فرزء رسول الله أشجا وأفجع
فما بعد يحيى فيه للناس نفزع
نبى الهدى غيثًا يجود ويمرع(2/158)
إلى الله حتى مات وهو ممتع
وذو العرش يعطى من يشاء ويمنع
له شافعًا يوم القيامة يشفع
قال البخارى: توفى يحيى بن معين بالمدينة سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وله سبع وسبعون سنة إلا نحو عشرة أيام، رحمه الله.
687 - يحيى بن وثاب:
بفتح الواو، وتشديد المثلثة، الكوفى، الأسدى، مولاهم التابعى القارى. سمع ابن عمر، وابن عباس. وروى عن ابن مسعود، وأبى هريرة، وعائشة مرسلاً. روى عنه الأعمش، وقتادة، ومقاتل بن حبان، وغيرهم. كان إمامًا فى القراءة، وروى حديثًا كثيرًا.
قال الأعمش: كان يحيى بن وثاب أحسن الناس قراءة، وربما اشتهيت تقبيل رأسه لحُسن قراءته، وكان إذا قرأ لا يسمع فى المسجد حركة. قال: وكنت إذا رأيته قلت: هذا قد جاء من الحساب. واتفقوا على توثيقه. روى له البخارى ومسلم. توفى سنة ثلاث ومائة، قاله الهيثم بن عدى، وعمرو بن على.
688 - يحيى بن يحيى بن بكر بن عبد الرحمن بن يحيى بن حماد (1) :
أبو زكريا النيسابورى التميمى، مولاهم. سمع عبيد الله بن إياد بن لقيط بن يزيد بن المقدام، وسمع مالك بن أنس، والليث، ومعتمر بن سليمان، وفضيل بن عياض، وأنس ابن عياض، ومسلمًا الزنجى، وابن عيينة، وابن المبارك، والحمادين، وأبا عوانة، وخلائق من الأئمة.
روى عنه إسحاق بن راهويه، ومحمد بن يحيى، ومحمد بن رافع، ومحمد بن أسلم الطوسى، ومحمد بن عبد الوهاب، والبخارى ومسلم فى صحيحيهما، وخلائق. واتفقوا على توثيقه وجلالته.
وقال إسحاق بن راهويه: هو أثبت من عبد الرحمن بن مهدى. قال: ولا رأيت مثله، ولا رأى هو مثله. وقال أحمد بن حنبل: ما أخرجت خراسان بعد ابن المبارك مثل يحيى بن يحيى. وقال الحسن بن سفيان: كنا إذا رأينا رواية ليحيى بن يحيى عن يزيد بن زريع قلنا: ريحانة خراسان عن ريحانة العراق.
وقال إسحاق بن راهويه: مات يحيى بن يحيى وهو إمام أهل الدنيا. قال محمد بن أسلم: رأيت
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (8/3131) ، والجرح والتعديل (9/823) ، وتهذيب التهذيب (11/296) . تقريب التهذيب (7668) ، وقال: “ثقة ثبت إمام من العاشرة مات سنة ست وعشرين على الصحيح خ م ت س”..(2/159)
النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى المنام، فقلت: عمن كتب؟ فقال: عن يحيى بن يحيى. ووصفوه بأنه كان زاهدًا، صالحًا، وبأنه كان خيرًا، فاضلاً، صائنًا لنفسه، حسن الوجه، طويل اللحية. توفى سنة ست وعشرين ومائتين، وهو ابن أربع وثمانين سنة.
689 - يحيى بن يحيى بن قيس بن حارثة (1) :
أبو عثمان الغسانى الدمشقى، سيد أهل دمشق، استعمله عمر بن عبد العزيز على قضاء الموصل. روى عن محمود بن لبيد الصحابى، وسعيد بن المسيب، وأبى إدريس الخولانى، وعروة، ومكحول، وآخرين. روى عنه ابنه هشام بن يحيى، وعبد الرحمن بن يزيد، وابن عون، ومحمد بن إسحاق، وسفيان بن عيينة، وآخرون. واتفقوا على توثيقه وجلالته.
قال يحيى بن معين: كان ثقة، شاميًا، شريفًا، فقيهًا. وقال أبو محمد بن حبان: هو من فقهاء الشام وقرائهم، ولد يوم مرج راهط فى أيام معاوية بن يزيد سنة أربع وستين، وتوفى بدمشق سنة ثلاث وثلاثين ومائة. وقال ابن أبى حاتم: سنة خمس وثلاثين. قال: ويقال: إنه شرب شربة فشرق بها فمات.
690 - يرفأ:
حاجب عمر بن الخطاب، رضى الله عنه. مذكور فى المهذب فى مسألة احتجاب القاضى. هو بفتح الياء وإسكان الراء، ومنهم من همزه، والصحيح المشهور أنه غير مهموز، ولم يذكر صاحب المحكم فى اللغة مع جلالته إلا ترك همزه، فذكره فى باب الراء والفاء والياء، وفى سنن البيهقى فى قسمة الفىء أنه يسمى اليرفا بالألف واللام.
691 - يزيد بن الأسود العامرى الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المهذب فى باب صلاة الجماعة فيمن صلى منفردًا بغير جماعة. هو أبو جابر يزيد بن الأسود الحجازى السواءى، ويقال: الخزاعى، حليف لقريش، ويقال: العامرى، معدود فى الكوفيين، وهو منسوب إلى سواة بن عامر بن صعصعة، وسواة بضم السين وتخفيف الواو، يقال فيه: يزيد بن أبى الأسود أيضًا. شهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصلاة، وروى عنه حديثه المذكور فى المهذب فيمن صلى فى رحله، ثم أدرك جماعة يصلون يعيدها معهم، وهو حديث حسن. روى عن ابنه جابر.
692 - يزيد بن الأسود التابعى:
الرجل الصالح الذى استسقى به معاوية، مذكور فى المهذب
_________
(1) الطبقات الكبرى ابن سعد (7/466) ، والتاريخ الكبير للبخارى (8/3129) ، والجرح والتعديل (9/822) ، وتاريخ الإسلام (5/312) ، وميزان الاعتدال (4/9649) ، وتهذيب التهذيب (11/299) . تقريب التهذيب (7670) ، وقال: “ثقة من السادسة مات سنة ثلاث وثلاثين على الصحيح د”..(2/160)
فى أول صلاة الاستسقاء، هو [......] (1) .
693 - يزيد بن الأصم (2) :
مذكور فى المختصر فى نكاح المحرم. هو أبو عوف يزيد بن الأصم، واسم الأصم عمرو، ويقال: عبد عمرو بن عدس بن معاوية بن عبادة بن البكاء بن عامر بن ربيعة بن صعصعة العامرى الكوفى التابعى، سكن الرقة، وهو ابن أخت ميمونة زوج النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وابن خالة ابن عباس، وأمه اسمها برزة بنت الحارث أخت ميمونة بنت الحارث، وأخت لبابة الكبرى أم ابن عباس، وأخت لبابة الصغرى أم خالد بن الوليد، ولهن أخوات أخر يأتى بيانهن فى النساء إن شاء الله تعالى.
وقيل: إن يزيد رأى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. روى عن سعد بن أبى وقاص. وسمع ابن عباس، وأبا هريرة، ومعاوية، وعوف بن مالك، وميمونة، وعائشة، وأم الدرداء. روى عنه ابنا أخيه عبد الله وعبيد الله، وميمون بن مهران، وجعفر بن برقان، ويزيد بن بريد بن جابر، والليث بن أبى سليم، وأبو إسحاق الشيبانى، وآخرون. واتفقوا على توثيقه. توفى بالرقة سنة ثلاث ومائة، وقيل: سنة ثلاث أو أربع، وقيل: سنة إحدى ومائة. قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث.
_________
(1) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
(2) انظر: الإصابة (3/672) ، والجرح والتعديل (9/252) ، والثقات لابن حبان (5/531) ، وطبقات ابن سعد (7/479) ، وأسد الغابة (5/104) ، وسير أعلام النبلاء (4/517 - 519) برقم (211) ، والعقد الثمين (7/460) ، والتاريخ الكبير (8/318) ، وحلية الأولياء (4/97 - 100) ، وتهذيب التهذيب (11/313، 314) ، وتقريب التهذيب (2/362) ..(2/161)
694 - يزيد بن الجراح:
أخو أبى عبيدة بن الجراح، أحد العشرة، رضى الله عنهم، الفهرى، الصحابى. ذكره ابن منده، وأبو نعيم فى الصحابة، ولا يُعرف له حديث مسند.
695 - يزيد بن ركانة:
مذكور فى المهذب فى أول المسابقة. قال: إنه صارع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا غلط، إنما المنقول عنه المصارعة ركانة بن عبد يزيد، وقد سبق فى ترجمة ركانة واضحًا، وهكذا حديث فى السنن، كما ذكرناه هناك، والحديث فى المصارعة ضعيف، وأما يزيد بن ركانة فصحابى أيضًا، ولكنه لا ذكر له فى المصارعة، وهو ابن ركانة المذكور فى المصارعة، وهو يزيد بن ركانة بن عبد يزيد، وسبق تمام نسبه فى ترجمة أبيه، والله أعلم.
696 - يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصى القريشى الأسدى الصحابى المكى:
أسلم قديمًا، وهاجر إلى الحبشة، واستشهد يوم حنين فى قول الجمهور. وقال الزبير ابن بكار: يوم الطائف.
697 - يزيد بن أبى سفيان الصحابى (1) :
مذكور فى المهذب فى كتب السير فى مسألة قتل شيوخ الكفار، وهو أبو خالد يزيد ابن أبى سفيان صخر بن حرب القريشى الأموى الصحابى ابن الصحابى، سبق تمام نسبه فى ترجمة أبيه وأخيه معاوية. قالوا: وكان أفضل بنى أبى سفيان، وتوفى ولا عقب له، وكان يقال له: يزيد الخير، أسلم يوم الفتح، وشهد حنينًا، وأعطاه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة بعير وأربعين أوقية يومئذ، واستعمله أبو بكر الصديق، رضى الله عنه، على جيوش الشام حين بعثهم لفتوحه، وأوصاهم به، وخرج معه ليشيعه وهو راكب، وأبو بكر ماش بأمر أبى بكر.
فلما استخلف عمر، رضى الله عنه، ولاه فلسطين وناحيتها، فلما توفى أبو عبيدة استخلف معاذًا، فلما توفى معاذ استخلف يزيد، فلما توفى يزيد استخلف أخاه
_________
(1) انظر: الإصابة (3/656) ، والاستيعاب (3/649) ، وأسد الغابة (5/112) ، وسير أعلام النبلاء (1/328) (68) ، والعقد الثمين (7/462) ، وطبقات ابن سعد (7/405) ، ونهاية الأرب (19/358) ..(2/162)
معاوية، وكان موتهم فى طاعون عمواس سنة ثمانى عشرة. وقال الوليد بن مسلم: كانت وفاته سنة تسع عشرة بعد أن فتح قيسارية له رواية عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
698 - يزيد بن قيس بن الخطيم - هو بفتح الخاء المعجمة - ابن عدى بن عمرو بن سويد بن ظفر الأنصارى الظفرى الصحابى:
وأبوه هو قيس بن الخطيم الشاعر المشهور، شهد بدرًا، وأُحُدًا، والمشاهد بعدها مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وجُرح يوم أُحُد اثنتى عشرة جراحة، واستشهد يوم جسر أبى عبيد بالعراق فى زمن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه. ذكره ابن عبد البر فى الصحابة، وذكر ما ذكرناه.
699 - يزيد مولى المنبعث (1) :
بنون ثم باء موحدة. مذكور فى المختصر فى اللقطة، هو تابعى مدنى. روى عن يزيد ابن خالد الجهنى. روى عنه بسر بن سعيد، بضم الباء الموحدة وبالسين المهملة، ويحيى ابن سعيد الأنصارى، وربيعة بن أبى عبد الرحمن. واتفقوا على توثيقه. روى له البخارى ومسلم.
700 - يزيد بن هارون بن زاذنى (2) :
بالزاى والذال المعجمة، ويقال: زادان بن ثابت السلمى، مولاهم الواسطى. وأصله من بخارى، وكنية يزيد أبو خالد، وهو أحد الأئمة المشهورين بالحديث والفقه والصلاح، سمع سليمان التيمى، وداود بن أبى هند، ويحيى الأنصارى، وإسماعيل بن أبى خالد، وحميد الطويل، وأبا مالك الأشجعى، وعبد الله بن عون، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم من التابعين. وسمع من تابعى التابعين جماعات، منهم سفيان الثورى، وابن أبى ذؤيب، ومالك، وشعبة، والحمادان، وخلائق لا يحصون.
روى عنه موسى بن إسماعيل، وقتيبة، وآدم بن أبى إياس، وأحمد بن حنبل، وعلى ابن المدينى، ويحيى بن معين، وابن راهويه، وأبو بكر بن أبى شيبة، ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة، وأحمد بن منيع، وأحمد بن سنان، وأحمد بن الفرات، وأحمد بن الوليد، وأحمد بن عبد الرحمن السقطى، وأحمد بن عبد الله النروسى، وأحمد بن عبيد بن ناصح، وخلائق لا يحصون، وأجمعوا على توثيقه، وجلالته، وحفظه، وإمامته.
قال أحمد بن حنبل: كان حافظًا، متقنًا للحديث. وقال على بن المدينى، وابن معين: كان
_________
(1) انظر: الجرح والتعديل (9/299) ، والتاريخ الكبير (8/362، 363) ، وتهذيب التهذيب (11/375) ، وتقريب التهذيب (2/373) ..
(2) انظر: طبقات ابن سعد (7/314) ، وتاريخ ابن معين (2/677، 678) ، والتاريخ الكبير (8/368) ، والجرح والتعديل (9/295) ، والثقات لابن حبان (7/732) ، وتهذيب التهذيب (11/366 - 369) ، وتقريب التهذيب (2/372) ..(2/163)
ثقة. وقال أبو حاتم: هو ثقة، إمام، صدوق، لا يُسأل عن مثله. وقال أحمد بن عبد الله: كان يزيد ثقة، ثبتًا، حسن الصلاة، متعبدًا، وعُمى فى آخر عمره. وقال أبو بكر: ما رأيت أتقن حفظًا منه. وقال هشيم: ما بالبصريين مثله.
وقال أحمد بن سنان: ما رأيت عالمًا أحسن صلاة من يزيد بن هارون يقوم كأنه اسطوانة يصلى بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، ولم يكن يفتر من صلاة الليل والنهار. قال العلماء: هو وهشيم معروفان بطول صلاة الليل والنهار. وقال على بن المدينى: ما رأيت رجلاً قط أحفظ من يزيد بن هارون.
وروينا عن يزيد قال: أحفظ عشرين ألف حديث بأسانيدها ولا فخر، وأحفظ للشاميين عشرين ألف حديث. وقال يحيى بن أبى طالب: سمعت يزيد بن هارون فى مجلسه ببغداد، وكان يقال: إن فى المجلس سبعين ألفًا. ولد سنة سبع عشرة ومائة، وتوفى سنة ست ومائتين.
701 - يزيد بن هرمز (1) :
مذكور فى المهذب فى مسألة الرضخ للمرأة والعبد. هو أبو عبد الله يزيد بن هرمز الفارسى المدنى الليثى، مولاهم، ويقال: مولى بنى غفار، ويقال: مولى دوس، وهو تابعى. سمع ابن عباس، وأبا هريرة. روى عنه سعيد المقبرى، وعوف الأعرابى، والحارث بن أبى ذباب، ومحمد بن على بن الحسين، والمختار بن صفى، وغيرهم، وهو ثقة. روى له مسلم فى صحيحه، وكان رأس الموالى يوم الحرة.
702 - يعقوب بن إسحاق:
النبى ابن النبى ابن النبى أبو الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. تكرر فى المهذب فى الوقف وغيره، وهو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن، عليه السلام، تكرر الثناء عليه فى القرآن، وذكره الله تعالى فى سورة يوسف بالآيات المشهورة.
وقال الله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} الآيات إلى قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ} [البقرة: 132 - 142] .
وقال الله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ} [الأنعام: 84] .
وقال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [الأنبياء: 72، 73] الآية.
وقال تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِى الأَيْدِى وَالأَبْصَارِ
_________
(1) انظر: تاريخ ابن معين (2/678) ، والجرح والتعديل (9/293، 294) ، وطبقات ابن سعد (5/284) ، والتاريخ الكبير (8/367، 368) ، وميزان الاعتدال (4/440) ، والمغنى فى الضعفاء (2/754) ، وتهذيب التهذيب (11/369، 370) ، وتقريب التهذيب (2/372) ..(2/164)
إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ} [ص: 45 - 47] .
وثبت فى صحيح البخارى، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم”.
واعلم أن يعقوب هو إسرائيل المتكرر فى القرآن، وهو أبو الأنبياء من بنى إسرائيل وجدهم، وقد اشتهر أنه مدفون بالأرض المقدسة عند أبيه وجده فى البلدة المسماة بالخليل بقرب بيت المقدس.
703 - يعلى بن أمية الصحابى (1) :
مذكور فى المهذب فى أول صلاة المسافر، وأول باب الإحرام، وأول باب صول الفحل. هو أبو خلف، ويقال: أبو خالد، ويقال: أبو صفوان يعلى بن أمية بن أبى عبيدة ابن همام بن الحارث بن بكر بن زيد بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمى، ويقال له: يعلى بن منبة، بنون ساكنة ثم مثناة من تحت مخففة، وهى أمه. وقال الزبير بن بكار: هى جدته أم أبيه، وغلطه ابن عبد البر وغيره.
أسلم يعلى يوم فتح مكة، وشهد حنينًا، والطائف، وتبوك مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وذكر ابن منده أنه شهد بدرًا، واتفقوا على تغليطه، واستعمله عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، على بعض اليمن، واستعمله عثمان على صنعاء، وكان يسكن مكة، وكان جوادًا معروفًا بالكرم. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثمانية وعشرون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم على ثلاثة منها. روى عنه ابنه صفوان، وعطاء، ومجاهد، وعكرمة، وآخرون، وقُتل بصفين مع على، رضى الله عنه، سنة سبع وثلاثين.
704 - يناق البطريق الكافر:
مذكور فى المهذب فى كتاب السير فى مسألة قتل الأسارى، وهو بياء مثناة من تحت مفتوحة، ثم نون مشددة، وبالقاف، قُتل كافرًا بالشام، وحُمل رأسه إلى المدينة إلى أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، فأنكر نقل رأسه، وقال: أتحملون الجيف إلى مدينة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والبطريق بكسر الباء، وهو كالأمير. قال ابن الجواليقى: البطريق بلغة الروم هو القائد، أى مقدم الجيوش وأميرها، وجمعه بطارقة، وتكلمت به العرب.
705 - يوسف بن عبد الله بن سلام الصحابى، رضى الله عنهما (2) :
أشار إليه
_________
(1) انظر: الإصابة (3/688) ، والبرصان والعرجان (137) ، والاستيعاب (3/661) ، وطبقات ابن سعد (5/456) ، وسير أعلام النبلاء (3/100) ، والتاريخ الكبير (8/414) ، والجرح والتعديل (9/301) ، وأسد الغابة (5/128) ، والعقد الثمين (7/478) ، وتهذيب التهذيب (11/399) ..
(2) انظر: الإصابة (3/671) ، والجرح والتعديل (9/225) ، وأسد الغابة (3/264) ، والتاريخ الكبير (8/371) ، والاستيعاب (3/679 - 682) ، وسير أعلام النبلاء (3/509، 510) برقم (119) ، وتهذيب التهذيب (11/416) ، وتقريب التهذيب (2/381) ..(2/165)
فى المهذب فى مسألة من حلف لا يأكل أدمًا فأكل تمرًا، فروى حديثه، ويوسف هذا هو راويه، وكنيته يوسف أبو يعقوب، وسبق تمام نسبه فى ترجمة أبيه، وهو مدنى أجلسه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى حجره ووضع يده على رأسه وسماه يوسف، ذكره البخارى والجمهور فى الصحابة، وصرحوا بأنه صحابى.
وقال ابن أبى حاتم: ليست له صحبة، وليس كما قال، وروى أيضًا عن عثمان، وعلى، وأبيه، وأبى الدرداء. روى عنه يزيد بن أبى أمية الأعور، وعمر بن عبد العزيز، ويحيى بن أبى الهيثم، ومحمد بن المنكدر، ويحيى الأنصارى، وعون بن عبد الله، ومحمد ابن يحيى بن حبان، وآخرون.
706 - يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين:
مذكور فى المهذب فى آخر باب الوقف، وفى يوسف ست لغات أو ستة أوجه: ضم السين، وفتحها وكسرها مع الهمز وبتركه، والفصيح الذى جاء به القرآن ضمها بلا همز، وهو اسم عجمى، والصواب أنه لا اشتقاق له، ولبعض المفسرين وغيرهم تخبيط فى اشتقاقه، ويوسف هذا نبى الله ابن نبى الله ابن نبى الله ابن نبى الله وخليله، صلوات الله وسلامه عليهم، وذكر الله تعالى قصته فى القرآن مبسوطة مفصلة أكمل البسط، وسورته مختصة بقصته إلى ما انضم إليها.
والأحاديث الصحيحة متظاهرة بفضائله، منها حديث ابن عمران، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم”، رواه البخارى.
وعن أبى هريرة، قال: سُئل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَن أكرم الناس؟ قال: “أتقاهم لله”، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: “فأكرم الناس يوسف ابن نبى الله ابن نبى الله ابن نبى الله وخليل الله” (1) ، رواه البخارى.
وعن أبى هريرة أيضًا، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “ولو لبثت فى السجن ما لبث يوسف ثم أتانى الداعى لأجبته” (2) ، رواه البخارى ومسلم، وهذا لفظ البخارى.
وعن أنس فى حديث الإسراء أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “ثُم عُرج بى إلى السماء الثالثة، ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف، إذا هو قد أعطى شطر الحسن، فرحب ودعا لى بخير” (3) .
وذكر أبو
_________
(1) أخرجه البخارى (3/1224، رقم 3175) ، ومسلم (4/1846، رقم 2378) .
(2) أخرجه أحمد (2/326، رقم 8311) ، والبخارى (4/1650، رقم 4263) ، ومسلم (4/1839، رقم 151) ، والنسائى (6/305، رقم 11050) . وأخرجه أيضا: ابن ماجه (2/1335، رقم 4026) ، وابن حبان (14/88، رقم 6208) ، وأبو عوانة (1/78، رقم 230) .
(3) أخرجه أحمد (3/148، رقم 12527) ، ومسلم (1/145، رقم 162) ، وأبو يعلى (6/109، رقم 3375) ، وفى (6/216، رقم 3499) . وأخرجه أيضًا: ابن أبى شيبة (7/333، رقم 36570) ، وأبو عوانة (1/113، رقم 344) .(2/166)
إسحاق الثعلبى فى كتابه العرائس فى قصة يوسف أنه كان أبيض اللون، حسن الوجه، جعد الشعر، ضخم العين، مستوى الخلق، غليظ الساعدين والعضدين والساقين، خميص البطن، أقنى الأنف، صغير السرة، وكان بخده الأيمن خال أسود، وكان ذلك الخال يزين وجهه، وبين عينيه شامة تزيده حسنًا، وكان جده إسحاق حسنًا، وكانت أم إسحاق سارة حسنة. قالوا: وأعطى الله تعالى يوسف من الحُسن، وصفاء اللون، ونقاء البشرة، ما لم يعط أحدًا. قالوا: ورثت سارة هذا الحسن من جدتها حواء زوج آدم.
قال الثعلبى، عن العلماء بأخبار الماضين: أقام يعقوب وأولاده بعد قدومهم على يوسف بمصر أربعًا وعشرين سنة بأغبط عيش، فلما حضرته الوفاة أوصاهم بأن يُحمل جسده إلى بيت المقدس، ويُدفن عند أبيه وجده، فخرج به يوسف وإخوته وعسكره محمولاً فى تابوت، وكان عُمر يعقوب مائة وسبعًا وأربعين سنة، وعاش يوسف بعد يعقوب ثلاث وعشرين سنة. وتوفى وهو ابن مائة وعشرين سنة، ودفن بمصر فى النيل، ثم حمله موسى فى زمنه إلى الشام حين خرجت بنو إسرائيل من مصر إلى الشام.
707 - يونس بن متى رسول الله، عليه السلام:
مذكور فى المهذب فى باب الوقف، ومتى بفتح الميم، وتشديد التاء المثناة فوق، مقصورًا، وفى يونس ست لغات أو أوجه: ضم النون وكسرها وفتحها مع الهمز وتركه، والفصيح ضمها بلا همز، وبه جاء القرآن، والآيات فى رسالته وفضله معلومة. قال الله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 139] الآيات.
وقال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا} [الأنبياء: 87] الآيتين، وذو النون هو يونس.
وقال تعالى: {إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْىِ فِى الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس: 98] .
وقال تعالى: {فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القلم: 50] .
وثبت فى الصحيحين عن ابن عباس، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “لا ينبغى لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى”، ونسبه إلى أبيه، وسقط فى بعض رواياتهما قوله: ونسبه إلى أبيه، وفى رواية البخارى: “ولا(2/167)
أقول إن أحدًا أفضل من يونس بن متى”.
وفى الصحيحين أيضًا عن ابن عباس، قال: سرنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين مكة والمدينة حتى أتينا على ثنية، فقال: “أى ثنية هذه؟ ”، قالوا: هرشى أولفت، فقال: “كأنى أنظر إلى يونس بن متى على ناقة حمراء عليه جبة، خطام ناقته ليف، مارًا بهذا الوادى ملبيًا”.
708 - يونس بن عبد الأعلى:
صاحب الشافعى. مذكور فى المهذب فى باب ما يُفسد الصلاة، وتكرر فى الروضة. هو أبو موسى يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة بن حفص بن حبان الصدفى، بفتح الصاد والدال، المصرى الإمام. سمع ابن عيينة، وأنس بن عياض، وإسماعيل بن أبى فديك، والوليد بن مسلم، ومحمد بن عبيد الطنافسى، والشافعى، وأشهب، وآخرين. روى عنه مسلم بن الحجاج فى صحيحه وأكثر الرواية عنه، وأبو حاتم الرازى، وابنه عبد الرحمن، وأبو زرعة، والنسائى، وابن ماجة، وآخرون. واتفقوا على توثيقه وجلالته.
قال أبو حاتم: سمعت أبا الطاهر بن السرح يحث عليه ويعظم أمره. وقال ابن أبى حاتم: سمعت أبى يوثقه ويرفع من شأنه. وقال النسائى: هو ثقة، وأحد رواة النصوص الجديدة عن الشافعى، وأحد أصحابه. ولد فى ذى الحجة سنة سبعين ومائة، وتوفى فى شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين ومائتين.
709 - يونس بن عبيد (1) :
صاحب الحسن البصرى. مذكور فى المختصر فى آخر باب الأضحية، وفى آخر المهذب فى أوائل الولاء. هو أبو عبد الله يونس بن عبيد بن دينار العبدى، مولاهم البصرى التابعى الجليل، رأى أنس بن مالك، وسمع الحسن البصرى، وابن سيرين، وثابتًا البنانى، وآخرين. روى عنه سفيان الثورى، وشعبة، والحمادان، ومعتمر بن سليمان، ووهيب بن خالد، وخلائق. واتفقوا على توثيقه، وجلالته.
قال سلمة بن علقمة: جالست يونس بن عبيد، فما استطعت أن أجد عليه كلمة. وقال أحمد بن حنبل، وابن معين، وأبو حاتم: هو ثقة. وقال ابن سعد: كان ثقة، كثير الحديث. وقال غيره: توفى سنة تسع وثلاثين ومائة.
وقال محمد بن عبد الله الأنصارى: رأيت سليمان، وعبد الله بن على بن عبد الله بن عباس،
_________
(1) انظر: التاريخ الكبير (8/402) ، والجرح والتعديل (9/242) ، وتهذيب التهذيب (11/442) ..(2/168)
وجعفرًا ومحمدًا ابنى سليمان بن على يحملون جنازة يونس بن عبيد على أعناقهم، فقال عبد الله بن على: هذا والله الشرف. وقال سعيد بن عامر: ما رأيت رجلاً قط أفضل من يونس، وأهل البصرة متفقون على هذا، والله أعلم.
* * *
النوع الثاني: الكنى
حرف الألف
باب أبي أحمد، وأبي إسحاق، وغيرهما
710 - أبو أحمد الجرجانى:
من أصحابنا الوجوه، مذكور فى الروضة فى أول كتاب اللعان فى مسألة زنأت فى الجبل. هو أبو أحمد [......] (1) .
711 - أبو إسحاق الإسفراينى الفقيه:
من أصحابنا أصحاب الوجوه، تكرر ذكره فى الوسيط والروضة، ولا ذكر له فى المهذب، ويقال له: الأستاذ أبو إسحاق، هو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الأستاذ الأسفراينى الإمام فى الكلام، والأصول، والفقه، وغيرها.
قال الحاكم أبو عبد الله النيسابورى فى تاريخ نيسابور: هو الفقيه الأصولى المتكلم المقدم فى هذه العلوم، الزاهد، انصرف من العراق بعد المقام بها، وقد أقرَّ له العلماء بالعراق وخراسان بالتقدم والفضل، واختار الوطن إلى أن خرج بعد الجهد إلى نيسابور، وبنيت له المدرسة التى لم يبن بنيسابور قبلها مثلها، ودرَّس فيها، وحدَّث، سمع بنيسابور الشيخ أبا بكر الإسماعيلى وأقرانه، وبالعراق أبا بكر الشافعى، ودعلج بن أحمد وأقرانهما.
وقال أبو بكر السمعانى: حدَّث عنه المتقدمون من العلماء. قال الإمام أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسى: كان الأستاذ أبو إسحاق الإسفراينى أحد العلماء الذين بلغوا حد الاجتهاد لتبحره فى العلوم، واستجماعه شروط الإمامة
_________
(1) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.(2/169)
من العربية، والفقه، والكلام، والأصول، ومعرفته بالكتاب والسنة. قال: وكان من المجتهدين فى العبادة، المبالغين فى الورع.
وقال أبو صالح المؤذن: سمعت أبا حاتم العبدوى يقول: كان الأستاذ أبو إسحاق يقول لى بعدما رجع من إسفراين: أشتهى أن يكون موتى بنيسابور، فتوفى بعد هذا الكلام بنحو خمسة أشهر يوم عاشوراء سنة ثمانى عشرة وأربعمائة، وصلى عليه الإمام الموفق. قال: وفوائده وفضائله وأحاديثه وتصانيفه أكثر من أن تستوعب فى مجلدات.
وكان الأستاذ أحد الثلاثة الذين اجتمعوا فى عصر واحد على نصر مذهب الحديث والسنة فى المسائل الكلامية، القائمين بنصرة مذهب الشيخ أبى الحسن الأشعرى، وهم الأستاذ أبو إسحاق الإسفراينى، والقاضى أبو بكر الباقلانى، والإمام أبو بكر بن فورك، وكان الصاحب بن عباد يثنى عليهم الثناء الحسن، مع أنه معتزلى مخالف لهم، لكنه أنصفهم. وأما قول أبى بكر السمعانى: أنه توفى بإسفرائن، فأنكروه عليه، فالصواب أنه توفى بنيسابور، وحمل إلى إسفرائن.
قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح، رحمه الله: وكان الأستاذ أبو إسحاق ناصرًا لطريقة الفقهاء فى أصول الفقه، مضطلعًا بتأبيد مذهب الشافعى فى مسائل من الأصول أشكلت على كثير من المتكلمين الشافعيين، حتى جبنوا عن موافقته فيها، كمسألة نسخ القرآن بالسنة، ومسألة أن المصيب من المجتهدين واحد، حتى كان يقول: بأن كل مجتهد مصيب أوله سفسطة وآخره زندقة، ولا يصح قول من قال: إنه قول للشافعى.
قلت: وله مسائل غريبة مهمة، منها أن الصائم لو ظن غروب الشمس بالاجتهاد، قال الأستاذ أبو إسحاق: لا يجوز له الفطر حتى يتيقنه، وجوزه جمهور الأصحاب، وهو الصحيح.
712 - أبو إسحاق الزجاج الإمام فى العربية (1) :
مذكور فى الروضة فى الشرط فى الطلاق فيمن علق طلاقها بأول ولد، هو أبو إسحاق بن السرى بن سهل البصرى النحوى صاحب كتاب معانى القرآن. قال الخطيب فى تاريخ بغداد: كان أبو إسحاق الزجاج هذا من أهل الفضل والدين، حسن الاعتقاد، وحسن المذهب، له مصنفات حسان فى الأدب.
روى عنه على بن عبد الله بن المغيرة، وغيره. ثم روى الخطيب
_________
(1) طبقات النحويين واللغويين للزبيدى (111) وتاريخ بغداد (6/89 - 93) ومراتب النحويين (136) والمنتظم لابن الجوزى (6/176) والكامل فى التاريخ (8/145) وإنباه الرواة (1/159 - 166) ومعجم الأدباء (1/130 - 151) والمختصر فى أخبار البشر (2/72) وتاريخ ابن الوردى (1/258) ومرآة الجنان (2/262) والوافى بالوفيات للصفدى (5/347 - 350) والبداية والنهاية (11/148، 149) وطبقات النحاة لابن قاضى شبهة (1/165 - 168) وتاريخ الخميس (2/389) والنجوم الزاهرة (3/208) وبغية الوعاة (1/179، 180) والأعلام (1/40) ومعجم المؤلفين (1/33) ..(2/170)
بإسناده عن الزجاج، قال: كنت أخرط الزجاج، فاشتهيت النحو، فلزمت المبرد لتعلمه، وكان أبو على الفارسى أحد تلامذة الزجاج، وكان الزجاج يؤدب الوزير القاسم بن عبيد الله، ونال من جهته ونسبه مالاً عظيمًا فوق أربعين ألف دينار. وتوفى الزجاج يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وثلاثمائة.
713 - أبو إسحاق السبيعى (1) :
بفتح السين المهملة، وبعدها باء موحدة مكسورة، منسوب إلى جد القبيلة، اسمه السبيع بن مصعب بن معاوية، وأبو إسحاق هذا مذكور فى المهذب فى باب الضمان فى مسألة الكفالة بالبدن، هو تابعى كوفى. هو أبو إسحاق عمرو بن عبد الله بن على الهمدانى، ثم السبيعى، والسبيع بطن من همدان، ولد أبو إسحاق لسنتين بقيتا من خلافة عثمان.
ورأى على بن أبى طالب، وأسامة بن زيد، والمغيرة بن شعبة، ولم يصح له سماع منهم، وسمع ابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، ومعاوية، وعمرو بن يزيد الخطمى، والنعمان بن بشير، وعمرو بن الحارث، وعمرو بن حريث، وزيد بن أرقم، والبراء بن عازب، وسليمان بن صرد، وحارثة، بالحاء، ابن وهب، وعدى بن حاتم، وجابر بن سمرة، ورافع بن خديج، وعروة البارقى، وأبا جحيفة، وعمارة بن رومية، وخالد بن عرفطة، وجرير بن عبد الله، والأشعث بن قيس، وحيشا، بضم الحاء المهملة، ابن جنادة، وسلمة بن قيس، والمسور بن مخرمة، وذا الجوشن، وعبد الرحمن بن أبزى، بفتح الهمزة والزاى وإسكان الباء الموحدة بينهما، وكل هؤلاء صحابة، رضى الله عنهم، وسمع آخرين من الصحابة.
وسمع خلائق من التابعين، منهم عمرو بن ميمون، والأسود بن يزيد، وأبو الأحوص عوف بن مالك، ومسروق، وعبد الرحمن بن يزيد، وعبد الرحمن بن الأسود، وسعيد بن جبير، والشعبى، وآخرون.
روى عنه سليمان التيمى، والأعمش، وإسماعيل بن أبى خالد، وقتادة، وشريك بن عبد الله، وعمارة بن زريق، ومنصور بن المعتمر، وسفيان الثورى، وهو أثبت الناس فيه، ومسعر، ومالك بن مغول، وابناه يوسف ويونس، وابن ابنه إسرائيل بن يونس، وسفيان بن عيينة، وزهير بن معاوية،
_________
(1) انظر: التاريخ الكبير (6/347) ، والجرح والتعديل (6/242) ، وميزان الاعتدال (3/270) ، وطبقات ابن سعد (6/313) ، وتهذيب التهذيب (8/63) ، وتقريب التهذيب (2/73) ..(2/171)
وزائدة، والحسن بن صالح، وأبو بكر بن عياش، وخلائق، وأجمعوا على توثيقه وجلالته والثناء عليه.
قال شعبة: كان أبو إسحاق السبيعى أحسن حديثًا من مجاهد، والحسن، وابن سيرين. وقال أحمد بن عبد الله العجلى: هو كوفى ثقة، سمع ثمانية وثلاثين من أصحاب النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والشعبى أكبر منه بسنتين، ولم يسمع أبو إسحاق من علقمة بن قيس شيئًا. وقال أبو حاتم: هو ثقة، ويشبه بالزهرى فى كثرة الرواية.
وقال على بن المدينى: روى السبيعى عن سبعين أو ثمانين لم يرو عنهم غيره. قال: وأحصينا مشائخه ثلاثمائة أو أربعمائة شيخ. توفى سنة ست وعشرين ومائة، وقيل: سبع وعشرين، وقيل: ثمان وعشرين، وقيل: تسع وعشرين.
714 - أبو إسحاق الشيرازى (1) :
صاحب المهذب والتنبيه، وتكرر فى الروضة. هو الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن على ابن يوسف بن عبد الله الشيرازى الفيروزأباذى، منسوب إلى فيروز أباذ، بفتح الفاء، وأصله بالفارسية: الكبير، وهى بليدة من بلاد فارس، وهو الإمام المحقق المتقن المدقق ذو الفنون من العلوم المتكاثرات والتصانيف النافعة المستجادات، الزاهد، العابد، الورع، المعرض عن الدنيا، المقبل بقلبه على الآخرة، الباذل نفسه فى نصر دين الله، المجانب للهوى، أحد العلماء الصالحين، وعباد الله العارفين، الجامعين بين العلم، والعبادة، والورع، والزهادة، المواظبين على وظائف الدين، المتبعين هدى سيد المرسلين - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورضى الله عنهم أجمعين.
ولد سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، وتفقه بفارس على أبى الفرج بن البيضاوى، وبالبصرة على الجوزى، ثم دخل بغداد سنة خمس عشرة وأربعمائة، وتفقه على شيخه القاضى الإمام الجليل أبى الطيب الطبرى طاهر بن عبد الله، وجماعة من مشائخه المعروفين، وسمع الحديث من الإمام الحافظ أبى بكر البرقانى، بفتح الباء وكسرها، وأبى على بن شادان، وغيرهما من الأئمة المشهورين.
ورأى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى المنام،
_________
(1) الأنساب (9/361، 362) وطبقات فقهاء اليمن (270) والمنتظم (16/228 - 231) وصفة الصفوة (4/66، 67) والمنتخب من السياق (124) والكامل فى التاريخ (10/132، 133) واللباب (2/451) ووفيات الأعيان (1/29 - 31) والمختصر فى أخبار البشر (2/194، 195) والعبر (3/283، 284) وسير أعلام النبلاء (18/542 - 464) والإعلام بوفيات الأعلام (196) والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد (42 - 46) وتاريخ ابن الوردى (1/381) ومرآة الجنان (3/110 - 119) والبداية والنهاية (12/124، 125) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (3/88، 111) طبقات الشافعية للإسنوى (2/83 - 85) والوافى بالوفيات (6/62 - 66) وتاريخ الخميس (2/401) وطبقات الشافعية لابن قاضى شهبة (1/244 - 246) والنجوم الزاهرة (5/117، 118) وتاريخ الخلفاء (426) وديوان الإسلام (1/68، 69) والأعلام (1/51) ومعجم المؤلفين (1/69) ..(2/172)
فقال له: يا شيخ، فكان يفرح بذلك ويقول: سمانى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيخًا. وقال: كنت أعيد كل درس مائة مرة، وإذا كان فى المسألة بيت شعر يستشهد به حفظت القصيدة كلها من أجله.
وكان عاملاً بعلمه، صابرًا على خشونة العيش، معظمًا للعلم، مراعيًا للعمل بدقاته وبالاحتياط. كان يومًا يمشى وبعض أصحابه معه، فعرض له فى الطريق كلب، فحسره صاحبه، فنهاه الشيخ، وقال: أما علمت أن الطريق بينى وبينه مشترك. ودخل يومًا مسجدًا ليأكل فيه شيئًا على عادته، فنسى دينارًا فذكره فى الطريق، فرجع وجده فتركه ولم يمسه، وقال: ربما وقع من غيرى ولا يكون دينارى.
قال الحافظ أبو سعد السمعانى: كان الشيخ أبو إسحاق إمام الشافعية، والمدرس ببغداد فى النظامية، شيخ الدهر، وإمام العصر، رحل إليه الناس من الأقطار، وقصدوه من كل النواحى والأمصار، وكان يجرى مجرى أبى العباس بن سريج. قال: وكان زاهدًا، ورعًا، متواضعًا، ظريفًا، كريمًا، سخيًا، جوادًا، طلق الوجه، دائم البشر، حسن المحاورة، مليح المجاورة، وكان يحكى الحكايات الحسنة، والأشعار المليحة، وكان يحفظ منها كثيرًا، وكان يضرب به المثل فى الفصاحة.
وقال السمعانى أيضًا فى موضع آخر: تفرد الإمام أبو إسحاق الشيرازى بالعلم الوافر، كالبحر الزاخر مع السيرة الجميلة، والطريقة المرضية، جاءته الدنيا صاغرة فأباها، وأطرحها، وقلاها. قال: وكان عامة المدرسين بالعراق والجبال تلاميذه وأصحابه، وصنَّف فى الأصول، والفروع، والخلاف، والجدل، كُتبًا أضحت للدين أنجمًا وشُهبًا. قال: وكان يكثر مباسطة أصحابه ويكرمهم ويعظمهم، ويشترى طعامًا كثيرًا، فيدخل بعض المساجد فيأكل كل منه مع أصحابه، وما فضل تركوه لمن يرغب فيه، وكان طارحًا للتكلف.
قال القاضى أبو بكر محمد بن عبد الباقى الأنصارى: حملت إليه فتوى، فرأيته فى الطريق، فمضى إلى دكان خباز أو بقال، وأخذ دواته وقلمه، وكتب جوابه، ومسح القلم فى ثوبه، وكان ذا نصيب وافر من مراقبة الله تعالى، والإخلاص، وإرادة إظهار الحق، ونصح الخلق.
وقال أبو الوفاء بن عقيل: شاهدت شيخنا أبا إسحاق لا يخرج شيئًا إلى فقير إلا(2/173)
أحضر النية، ولا يتكلم فى مسألة إلا قدَّم الاستعاذة بالله تعالى، وأخلص القصد فى نصرة الحق، ولا صنَّف شيئًا إلا بعدما صلى ركعات، فلا جرم شاع اسمه واشتهرت تصانيفه شرقًا وغربًا ببركة إخلاصه. قالوا: وكان مستجاب الدعوة.
قال القاضى محمد بن محمد الماهانى: إمامان لم يتفق لهما الحج: أبو إسحاق الشيرازى، والقاضى أبو عبد الله الدامغانى. أنشد السمعانى وغيره للرئيس أبى الخطاب على بن عبد الرحمن بن هارون بن الجراح شعرًا:
سقيا لمن ألف التنبيه مختصرًا
إن الإمام أبا إسحاق صنفه
رأى علومًا عن الأفهام شاردة
بقيت للشرع إبراهيم منتصرًا
ألفاظه الغر واستقصى معانيه
لله والدين لا للكبر والتيه
فخازها ابن على كلها فيه
تذود عنه أعاديه وتحميه
قوله: مختصرًا، بكسر الصاد وألفاظه منصوبة. ولأبى الخطاب أيضًا:
أضحت بفضل أبى إسحاق ناطقة
بها المعانى كسلك العقد كامنة
رأى علومًا وكانت قبل شاردة
ولا زال علمك ممدودًا سرادقه
صحائف شهدت بالعلم والورع
واللفظ كالدر سهل صد ممتنع
فخازها الألمعى الندب فى اللمع
على الشريعة منصورًا على البدع
ولأبى الحسن القابسى:
إن شئت شرع رسول الله مجتهدًا
فاقصد هديت أبا إسحاق مغتنمًا
تفتى وتعلم حقًا كلما شرعا
وادرس تصانيفه ثم احفظ اللمعا
ونقل عنه، رحمه الله، أنه قال: بدأت فى تصنيف المهذب سنة خمس وخمسين وأربعمائة، وفرغت منه يوم الأحد آخر رجب سنة تسع وستين وأربعمائة. توفى ببغداد يوم الأحد، وقيل: ليلة الأحد الحادى والعشرين من جمادى الآخرة، وقيل: الأولى، سنة ثنتين وسبعين وأربعمائة، ودفن بباب البرز، وصلى عليه من الخلائق ما لا يعلمه إلا الله، ورؤى فى النوم وعليه ثياب بيض، فقيل له: ما هذا؟ فقال: عز العلم، رحمه الله.(2/174)
715 - أبو إسحاق المروزى (1) :
تكرر فى المهذب، والوسيط، والروضة، وحيث أطلق أبو إسحاق فى المذهب، فهو المروزى، وقد يقيدونه بالحرورى، وقد يطلقونه، وهو إمام جماهير أصحابنا، وشيخ المذهب، وإليه ينتهى طريقة أصحابنا العراقيين، والخراسانيين، كما قدمنا فى مقدمة هذا الكتاب فى سلسلة الفقه. تفقه على أبى العباس بن سريج، ونشر مذهب الشافعى فى العراق، وسائر الأمصار، واسمه إبراهيم بن أحمد المروزى، المتفق على عدالته، وتوثيقه فى روايته ودرايته.
قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازى فى الطبقات: انتهت إليه الرياسة فى العلم ببغداد، وشرح المختصر، وصنَّف الأصول، وأخذ عنه الأئمة، وانتشر الفقه من أصحابه فى البلاد، وخرج إلى مصر وتوفى بها سنة أربعين وثلاثمائة.
716 - أبو إسرائيل الصحابى:
مذكور فى المهذب فى باب النذر، هكذا صوابه: أبو إسرائيل، ويقع فى كثير من النسخ أو أكثرها ابن إسرائيل، وهو غلط، وهو صحابى، أنصارى، مدنى. قال الخطيب البغدادى فى كتابه الأسماء المبهمة: هو عامرى. قال: وقيل: اسمه قيس. قال: قال عبد الغنى المصرى: ليس فى أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من كنيته أبو إسرائيل غيره، ولا مَن اسمه قيس غيره، ولا يُعرف إلا فى هذا الحديث، وحديثه المذكور فى المهذب رواه البخارى فى صحيحه، عن ابن عباس، قال: بينما رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومًا يخطب، إذ هو برجل قائم، فسأل عنه، فقيل: أبو إسرائيل، نذر أن يقوم فى الشمس ولا يقعد، ويصوم ولا يفطر نهارًا، ولا يستظل، ولا يتكلم، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “مروه فليستظل وليقعد وليتكلم وليتم صومه”.
717 - أبو الأسود الدؤلى التابعى (2) :
مذكور فى المهذب فى أول باب التعزير، هكذا صوابه: الدؤلى، بضم الدال وبعدها همزة مفتوحة، ومنهم من يكسرها، والصحيح المشهور فتحها، وقيل فيه: الديلى، بكسر الدال وبالياء، وكذا وقع فى المهذب والصحيح، وهو منسوب إلى جد القبيلة الدؤل، وسمى بالدؤل التى هى دويبة معروفة بضم الدال وكسر الهمزة، ولكن فى النسبة يفتح مثل هذه الكسرة كما قالوا
_________
(1) الأنساب لابن السمعانى (9/325) ومعجم البلدان (4/372، 273) والكامل فى التاريخ (11/86) واللباب (2/438) وطبقات فقهاء الشافعية (1/321) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (7/31، 32) طبقات الشافعية للإسنوى (2/390، 391) وطبقات الشافعية لابن قاضى شهبة (1/333، 334) ..
(2) انظر: الإصابة (2/241، 242) ، والبرصان والعرجان (122، 279) ، وإنباه الرواة (1/12 - 23) ، وطبقات الزبيدى (5) ، ونزهة الألباء (1 -8) ، ومراتب النحويين (11) ، وطبقات ابن سعد (7/99) ، ومرآة الجنان (1/144) ، ووفيات الأعيان (2/535 - 538) ، والتاريخ الكبير (6/334) ، والجرح والتعديل (4/503) ، والأغانى (12/297 - 334) ، ومعجم الأدباء (12/34 - 38) ، وأسد الغابة (3/69) ، وسير أعلام النبلاء (4/81 - 86) برقم (28) ، والبداية والنهاية (8/312) ، وغاية النهاية (1/345) ، وتهذيب التهذيب (12/10، 11) ، والكامل للمبرد (2/171) ، والنجوم الزاهرة (1/184) ، وبغية الوعاة (2/22) ..(2/175)
فى النسبة إلى ممر ممرى بفتح الميم، إلى الصدف بكسر الدال، صدفى بفتحها، ونظائره، وقد بسطت بيان هذه الأوجه فى نسبته فى أوائل شرح صحيح.
واسم أبى الأسود هذا: ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بن حلبس، بفتح الحاء المهملة وبالباء الموحدة وإسكان اللام بينهما، ابن نفاثة، بضم النون وتخفيف الفاء وبثاء مثلثة، ابن على بن الدول، ويقال: اسمه ظالم بن عمرو بن ظالم، وقيل: اسمه عمرو بن ظالم، وقيل: عثمان بن عمرو، وقيل: عمرو بن سفيان.
وقال الواقدى: اسمه عويمر بن ظويلم، وهو بصرى، كان قاضى البصرة. سمع عمر ابن الخطاب، وعليًا، والزبير، وأبا ذر، وعمران بن الحصين، وأبا موسى الأشعرى، وابن عباس، وولى البصرة. قال يحيى بن معين، وأحمد بن عبد الله: هو ثقة. روى له البخارى ومسلم، وهو أول من تكلم فى النحو.
718 - أبو أمامة الباهلى الصحابى، رضى الله عنه (1) :
تكرر فى هذه الكتب، هو أبو أمامة صدى، بضم الصاد وفتح الدال المهملتين وتشديد الياء، ويقال: الصدى بالألف واللام، كالعباس، وعباس، ولم يذكره الحاكم أبو أحمد فى كتابه الكنى إلا بالألف واللام. وهو صدى بن عجلان بن والبة، بالموحدة، ابن رياح، بكسر الراء، ابن الحارث بن معن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان، بالعين المهملة، ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، ويقال فى إملاء نسبه غير هذا، وهو منسوب إلى باهلة، وهو من مشهورى الصحابة.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائتا حديث وخمسون حديثًا، روى له البخارى منها خمسة، ومسلم ثلاثة. روى عنه رجاء بن حيوة، وخالد بن معدان، ومحمد بن زياد، وسليمان بن حبيب، وسليم بن عامر، وشرحبيل بن مسلم، وشداد أبو عمار، وأبو سلام ممطور الحبشى، والقاسم أبو عبد الرحمن الدمشقى، وسالم بن أبى الجعد، وأبو إدريس الخولانى، وغيرهم. سكن مصر، ثم حمص، وبها توفى سنة إحدى وثمانين، وقيل: ست وثمانين، وقيل: هو آخر من توفى من الصحابة بالشام، رضى الله عنه، وعامة حديثه عند الشاميين.
_________
(1) انظر: الإصابة (2/182) ، وطبقات ابن سعد (7/411، 412) ، والتاريخ الكبير (4/326) ، والجرح والتعديل (4/454) ، والثقات لابن حبان (3/195) ، والاستيعاب (2/198، 199، 4/4، 5) ، وتهذيب تاريخ دمشق (6/419) ، وأسد الغابة (3/16، 5/138، 139) ، وسير أعلام النبلاء (3/359 - 363) برقم (52) ، وتجريد أسماء الصحابة (1/2786) ، ومرآة الجنان (1/177) ، والبداية والنهاية (9/73) ، وتهذيب التهذيب (4/420) ، وتقريب التهذيب (1/366) ، والوافى بالوفيات (16/305، 306) ..(2/176)
719 - أبو أمامة التيمى التابعى:
مذكور فى المهذب فى أول الإجارة، ويقال: أبو أميمة. روى عن عمر بن الخطاب. روى عنه شعبة، والعلاء بن المسيب، والحسن بن عمرو الفقيمى. قال يحيى بن معين: هو ثقة، لا يُعرف اسمه. وقال أبو زرعة: هو كوفى لا بأس به.
720 - أبو أمية المخزومى:
مذكور فى المهذب فى أول باب الإقرار، ذكره ابن أبى حاتم، وأشار إلى أنه مجهول.
721 - أبو أوفى الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى الزكاة من هذه الكُتب. اسمه علقمة بن خالد، وسبق تمام نسبه فى ترجمة ابنه عبد الله، وحديث المذكور رواه مسلم.
722 - أبو أيوب الصحابى، رضى الله عنه:
تكرر فى هذه الكُتب. هو أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف ابن غنم بن مالك بن النجار الأنصارى الخزرجى النجارى المدنى الصحابى الجليل. شهد العقبة، وبدرًا، وأُحُدًا، والخندق، وبيعة الرضوان، وجميع المشاهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ونزل عليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قدم المدينة مهاجرًا، وأقام عنده شهرًا حتى بنيت مساكنه ومسجده.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة وخمسون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم على سبعة منها، وانفرد البخارى بحديث ومسلم بخمسة. روى عنه البراء بن عازب، وجابر بن سمرة، والمقدام بن معدى كرب، وأبو أمامة الباهلى، وزيد بن خالد الجهنى، وابن عباس، وعبد الله بن يزيد الخطمى، وكلهم صحابة، وسعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله، وعروة بن الزبير، وعطاء بن يزيد الليثى، وعبد الله بن حنين، وخلائق سواهم. توفى بأرض الروم غازيًا سنة خمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة ثنتين وخمسين، وقبره بالقسطنطينية، رضى الله عنه.(2/177)
* * *
حرف الباء الموحدة
723 - أبو بردة الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المختصر فى أول كتاب الأضحية. اسمه هانىء، بنون بعدها همزة، ابن نيار، بنون مكسورة ثم ياء مثناة تحت مخففة بلا همزة، ابن عمرو بن عبيد بن كلاب بن غنم بن هبيرة بن ذهل بن هانى بن بلى بن عمرو بن حلوان بن الحاف بن قضاعة البلوى المدنى، وقيل: اسمه الحارث بن عمرو، وقيل: مالك بن هبيرة، والأول أشهر وأصح.
شهد العقبة الثانية مع السبعين، وشهد بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، وسائر المشاهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وروى عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، روى له البخارى ومسلم حديثًا واحدًا. روى عنه جابر بن عبد الله، ثم جماعة من التابعين. شهد مع على، رضى الله عنه، حروبه، وتوفى سنة خمس وأربعين، وقيل: سنة إحدى أو اثنتين وأربعين، ولا عقب له، وهو خال البراء بن عازب، رضى الله عنهم.
724 - أبو بردة التابعى بن أبى موسى الأشعرى (2) :
مذكور فى المهذب فى صلاة العيدين فى التنفل قبل العيد، وربما صحف فى بعض النسخ بأبى برزة الصحابى الذى سيأتى ذكره بعد هذه الترجمة إن شاء الله تعالى، وشبهة المُصَحِّف أن المُصَنِّف قَدَّمه على أنس بن مالك الصحابى، رضى الله عنه، فى الترتيب، والعادة تقديم الصحابة على التابعين لا عكسه، وهذا العكس، مما يُنكر على صاحب المهذب، والصواب: أبو بردة بالدال، وهكذا ذكره البيهقى فى كتبه وآخرون، وهو أبو بردة بن أبى موسى الأشعرى، واسم أبى موسى عبد الله بن قيس، ويأتى تمام نسبه فى ترجمته، واسن أبى بردة عامر، هذا هو الصحيح المشهور الذى قاله الجمهور.
وقال يحيى بن معين: اسمه الحارث. وفى رواية عنه: عامر، كقول الجمهور، وهو تابعى كوفى، ولى قضاء الكوفة فعزله الحجاج، وجعل أخاه أبا بكر مكانه.
روى عن الزبير بن العوام، وعوف بن مالك، وسمع أباه، وعلى بن أبى طالب،
_________
(1) انظر: الطبقات الكبرى (3/451) ، والجرح والتعديل (9/99) ، والتاريخ الكبير (8/227) ، وأسد الغابة (5/146) ، والاستيعاب (4/17) ، والإصابة (4/18) ، وتهذيب التهذيب (12/19) ، وسير أعلام النبلاء (2/35، 36) برقم (6) ، وأسد الغابة (5/146) ..
(2) انظر: الجرح والتعديل (6/325) ، ووفيات الأعيان (3/10 - 12) ، وطبقات ابن سعد (6/268، 269) ، والبداية والنهاية (9/231) ، والنجوم الزاهرة (1/199) ، وتذكرة الحفاظ (1/95) ، والتاريخ الكبير (447، 448) ، أعلام النبلاء (4، 343 - 346) برقم (118) ، وتاريخ ابن معين (1/694) ، وأخبار القضاة (2/408 - 413) ، وتهذيب التهذيب (12/18، 19) ، وتقريب التهذيب (2/294) ..(2/178)
وابن عمر، والأغر المزنى، وعبد الله بن سلام، وعائشة، رضى الله عنهم، وسمع خلائق من التابعين.
روى عنه جماعات من التابعين وغيرهم، منهم الشعبى، وأبو إسحاق السبيعى، وعبد الملك بن عمير، وعمر بن عبد العزيز، وثابت البنانى، ومحمد بن المنكدر، وقتادة، والقاسم بن مخيمرة، وأبو حصين، بفتح الحاء، عثمان بن عاصم، وسالم أبو النضر، وعاصم بن بهدلة، وأبو إسحاق الشيبانى، ومحمد بن واسع، وطلحة بن مصرف، وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، ومكحول الدمشقى، وأخوه إسحاق بن أبى موسى، وبنوه أبو بكر، وعبد الله، وسعيد، وبلال بنو أبى بردة، وابن ابنه يزيد بن عبد الله بن أبى بردة، وخلائق آخرون. واتفقوا على توثيقه وجلالته.
قال أحمد بن عبد الله العجلى: وأبو بردة وأخوه أبو بكر تابعيان كوفيان ثقتان. وقال محمد بن سعد: كان ثقة، كثير الحديث، وهو جد أبى الحسن الأشعرى الإمام فى علم الكلام. توفى أبو بردة بالكوفة سنة ثلاث ومائة، وقيل: سنة أربع ومائة، رحمه الله.
725 - أبو برزة الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المختصر فى أول كتاب البيوع، وفى المهذب فى مواقيت الصلاة فى وقت العشاء، هو بفتح الباء الموحدة، وإسكان الراء وبعدها زاى، وهى كنية مفردة لا يُعرف فى الصحابة أحد يكنى أبو برزة غيره، هكذا ذكره الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن على بن عمر البغدادى فى كتابه التنبيه على ما فى الغريبين. وذكره الحاكم أبو أحمد فى الكنى المفردة، ومعناه: ليس فى الناس من يُكنى أبا برزة غيره، ومراد الحاكم مِن قَبله، وإلا فقد وقع فى الرواة من كنيته أبو برزة غيره، وهو أبو برزة الفضل بن محمد الحاسب، روينا عن ابن ماس، بالسين المهملة، عن أبى برزة الفضل بن موسى، عن أبى أنس بن مالك بن سليمان الألهانى فى تاريخ دمشق للحافظ أبى القاسم بن عساكر فى أبواب فضل دمشق، والله أعلم.
واسم أبى برزة الصحابى: نضلة، بنون ثم ضاد معجمة، ابن عبيد، هذا هو الصحيح المشهور فى اسمه، ويقال: نضلة بن عمرو، ويقال: نضلة بن عبد الله. قال الحاكم أبو عبد الله فى تاريخ نيسابور، وقيل: اسمه عبد الله
_________
(1) انظر: الإصابة (3/556) ، والتاريخ الكبير (8/118) ، وطبقات ابن سعد (4/298، 7/9) ، والجرح والتعديل (3/355) ، وحلية الأولياء (2/32) ، والاستيعاب (4/24) ، وتاريخ بغداد (1/182) ، وأسد الغابة (2/93، 3/268، 5/19) ، ووفيات الأعيان (6/366) ، وسير أعلام النبلاء (3/40 - 43) برقم (11) ، وتهذيب التهذيب (10/446) ..(2/179)
بن نضلة، وقيل: نضلة بن نيار، قال: وقيل: كان اسمه نضلة بن نيار، فسماه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبد الله، وقال: نيار شيطان.
وأبو برزة هذا أسلمى من ولد أسلم بن أفصى بن حارثة، أسلم أبو برزة قديمًا، وشهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتح مكة. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ستة وأربعون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم على حديثين، وانفرد البخارى بحديثين، ومسلم بأربعة. روى عنه سيار بن سلامة، وأبو عثمان النهدى، والأزرق بن قيس، وغيرهم.
نزل البصرة، وولد بها، ثم غزا خراسان، وقيل: إنه رجع إلى البصرة فتوفى بها، وقيل: توفى بخراسان فى خلافة معاوية أو يزيد، وقيل: توفى سنة ثنتين، وقيل: سنة أربع وستين. قال الحاكم أبو عبد الله فى تاريخ نيسابور: قيل: بخراسان، وقيل: بنيسابور، وقيل: بمفازة بين سجستان وهراة، وقيل: بالبصرة، رضى الله عنه.
726 - أبو بصير الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المهذب فى باب الهدنة، هو بفتح الباء الموحدة، وكسر الصاد المهملة، اسمه عتبة بن أسيد، بفتح الهمزة وكسر السين، ابن جارية، بالجيم، ابن أسد بن عبد الله ابن أبى سلمة بن عبد الله بن غيرة، بكسر الغين المعجمة وفتح المثناة تحت، ابن عوف ابن ثقيف الثقفى، حليف بنى زهرة، وهو مشهور بكنيته.
توفى فى حياة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكانت وفاته بسيف البحر، بكسر السين، وهى ساحله فى الموضع الذى أقام فيه، وجاءه المستضعفون من المؤمنين من مكة، فأقاموا هناك حتى بلغوا ستين أو سبعين، وكان أبو بصير، رضى الله عنه، كبيرهم، وهو أول من أقام هناك، وقصته مشهورة فى صحيح البخارى وغيره.
وتوفى بعد صلح الحديبية، وقيل: فتح مكة، وكان الصلح فى ذى القعدة سنة ست من الهجرة، وفتح مكة فى رمضان سنة ثمان، وصلى عليه أصحابه أبو جندل والباقون، ودفنوه هناك، رضى الله عنه.(2/180)
* * *
باب أبي بكر
727 - أبو بكر الصديق، رضى الله عنه (1) :
متكرر فى هذه الكُتب، واسمه عبد الله بن أبى قحافة عثمان بن عامر بن عمير بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب القريشى التيمى. يلتقى مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى مرة بن كعب. وأم أبى بكر أم الخير بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة. أسلم أبو بكر وأمه وصحبا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال العلماء: لا يُعرف أربعة متناسلون بعضهم من بعض صحبوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا آل أبى بكر الصديق، وهم: عبد الله بن أسماء بنت أبى بكر بن أبى قحافة، فهؤلاء الأربعة صحابة متناسلون، وأيضًا أبو عتيق بن عبد الرحمن بن أبى بكر بن أبى قحافة، رضى الله عنهم، وهذا الذى ذكرناه من أن اسم أبى بكر الصديق عبد الله هو الصحيح والمشهور، وقيل: اسمه عتيق، والصواب الذى عليه العلماء كافة أن عتيقًا لقب له لا اسم، ولقب عتيقًا لعتقه من النار، وقيل لحسن وجهه وجماله، قاله الليث بن سعد وجماعة.
وروى الترمذى بإسناده، عن عائشة، رضى الله عنها، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “أبو بكر عتيق الله من النار” (2) ، فمن يومئذ سُمى عتيقًا. وقال مصعب بن الزبير وغيره: قيل له: عتيق؛ لأنه لم يكن فى نسبه شىء يُعاب به، وأجمعت الأئمة على تسميته صديقًا. قال على بن أبى طالب، رضى الله عنه: إن الله تعالى هو الذى سمى أبا بكر على لسان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صديقًا، وسبب تسميته أنه بادر إلى تصديق رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولازم الصدق، فلم يقع منهم هناة ولا وقفة فى حال من الأحوال.
وكانت له فى الإسلام مواقف رفيعة، منها قصته يوم ليلة الإسراء وثباته، وجوابه للكفار فى ذلك، وهجرته مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وترك عياله وأطفاله، وملازمته فى الغار وسائر الطريق، ثم كلامه يوم بدر، ويوم الحديبية حتى اشتبه الأمر على غيره فى تأخر دخول مكة، ثم بكاؤه حين قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إن عبدًا خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله ... ”.
ثم ثباته فى وفاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخطبته الناس وتسكينهم،
_________
(1) انظر: طبقات ابن سعد (3/170) وما بعدها، وتاريخ الطبرى (3/418) وما بعدها، والإصابة (2/ت 4817) ، وأسد الغابة (3/205) ، والاستيعاب (3/963) ، والتاريخ الكبير (5/ت 1) ، وحلية الأولياء (1/28) ، والوفيات (3/64) ، وتهذيب التهذيب (5/315) ، وتهذيب الكمال (15/282) ، ومصادر ترجمة الصديق، رضى الله عنه، لا تعد ولا تحصى، ومناقبه أجل من أن يستوعبها كتاب..
(2) أخرجه الحاكم (2/450، رقم 3557) وقال: صحيح الإسناد. وابن عساكر (25/83) .(2/181)
ثم قيامه فى قصة البيعة بمصلحة المسلمين، ثم اهتمامه وثباته فى بعض جيش أسامة بن زيد إلى الشام وتصميمه فى ذلك، ثم قيامه فى قتال أهل الردة، ومناظرته للصحابة حتى حجهم بالدلائل، وشرح الله صدورهم لما شرح الله صدره من الحق، وهو قتال أهل الردة، ثم تجهيزه الجيوش إلى الشام لفتوحه وإمدادهم بالأمداد، ثم ختم ذلك بمهم من أحسن مناقبه وأجل فضائله، وهو استخلافه على المسلمين عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وتفرسه فيه، ووصيته له، واستيداعه الله الأمة، فخلفه الله عز وجل فيهم أحسن الخلافة، وظهر لعمر الذى هو حسنة من حسناته، وواحدة من فعلاته تمهيد الإسلام، وإعزاز الدين، وتصديق وعد الله تعالى بأنه يُظهر على الدين كله.
وكم للصديق من مواقف وأثر، ومن يحصى مناقبه ويحيط بفضائله غير الله عز وجل، ولكن لابد من التذكر بنُبذ من ذلك، تبركًا للكتاب بها، ولعله يقف عليها من قد يخفى عليه بعضها.
رُوى للصديق، رضى الله عنه، عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة حديث واثنان وأربعون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على ستة، وانفرد البخارى بأحد عشر، ومسلم بحديث، وسبب قلة رواياته مع تقدم صحبته وملازمته النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه تقدمت وفاته قبل انتشار اللأحاديث، واعتناء التابعين بسماعها وتحصيلها وحفظها.
روى عنه عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلى، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، وحذيفة، وابن عمر، وابن عباس، وابن عمرو بن العاص، وزيد بن ثابت، والبراء بن عازب، وأبو هريرة، وعقبة بن الحارث، وابنته عائشة، وطارق بن شهاب. روى عنه جماعات من التابعين، منهم قيس بن أبى حازم، وأبو عبد الله الصنابحى، وخلق غيرهم.
وهو أول مَن آمن بالنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى أحد الأقوال، وهو مذهب ابن عباس، وعمرو بن عنبسة، وحسان بن ثابت الصحابيين، وإبراهيم النخعى، وغيرهم. وقيل: أولهم على، وقيل: خديجة، وادع الثعلبى الإجماع فيه، وأن الخلاف إنما هو فى أولهم بعدها.
وأسلم على يده خلائق من الصحابة، منهم خمسة من العشرة سبق بيانهم فى ترجمتهم، وهم عثمان، والزبير، وطلحة، وعبد الرحمن، وسعد بن أبى وقاص. وأعتق(2/182)
سبعة كانوا يعذبون فى الله تعالى، منهم بلال، وعمار. وكان من رؤساء قريش فى الجاهلية، وأهل مشاورتهم، ومحببًا فيهم، ومألفاهم، فلما جاء الإسلام آثره على ما سواه، ودخل فيه أكمل دخول، ولم يزل مترقيًا فى معارفه متزايدًا فى محاسنه حتى توفى. وصحب النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حين أسلم إلى أن توفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلم يفارقه فى حضر ولا سفر.
وثبت فى الصحيحين عن عائشة، قالت: لم أعقل أبوى إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طرفى النهار بكرة وعشيا، فلما ابتلى المسلمون خرج أبو بكر مهاجرًا نحو الحبشة.
وذكرت الحديث ورجوعه من الطريق إلى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إلى أن قالت: فبينما نحن يومًا جلوس فى بيت أبى بكر بحر الظهيرة، قال قاتئل لأبى بكر: هذا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متقنعًا فى ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر: فداك أبى وأمى، ما جاء به فى هذه الساعة إلا أمر، فجاء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستأذن فأذن له فدخل، فقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبى بكر: “أخرج مَنْ عندك”، فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبى أنت يا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: “فإنى قد أُذِنَ لى فى الخروج”، فقال أبو بكر: الصحابة، أى أسألك الصُّحْبَة، بأبى أنت يا رسول الله، قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “نعم”، قال أبو بكر: فخذ بأبى أنت يا رسول الله إحدى راحلتى هاتين، قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “بالثمن”.
قالت عائشة، فجهزناهما أحب الجهاز، ووضعنا لهما سفرة فى جراب، فقطعت أسماء بنت أبى بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاق، وفى رواية: ذات النطاقين. قالت: ثم لحق رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر بغار فى جبل ثور، فمكثا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبى بكر وهو غلام شابق ثقف، ثم ذكرت تمام الحديث فى خروجهما إلى المدينة، ولحاق سراقة بن مالك بهما، وارتطام فرسه به فى جلد من الأرض.
وهاجر، رضى الله عنه، مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وترك عياله، وأولاده وماله، رغبة فى طاعة الله تعالى ورسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأقام مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثة أيام، وخبر الغار مشهور. قال الله تعالى: {ثَانِىَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] . وكان النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكرمه ويجله، ويعرف(2/183)
الصحابة مكانه، ويثنى عليه فى وجهه، واستخلفه فى الصلاة، ومناقبه غير منحصرة.
قال ابن إسحاق: كان خروج النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبى بكر، رضى الله عنه، للهجرة بعد العقبة الثانية بشهرين وأيام، بايعوه فى العقبة فى اليوم الأوسط من أيام التشريق، وخرجا لهلال شهر ربيع الأول. وشهد أبو بكر مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، وبيعة الرضوان بالحديبية، وخيبر، وفتح مكة، وحنينًا، والطائف، وتبوك، وحجة الوداع، وسائر المشاهد.
وأجمع أهل السير على أن أبا بكر، رضى الله عنه، لم يتخلف عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى مشهد من مشاهده. قال محمد بن سعد: ودفع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رايته العظمى يوم تبوك إلى أبى بكر، وكانت سوداء، وكان فيمن ثبت معه يوم أُحُد ويوم حنين.
فصل مختصر فى بعض الأحاديث الصحيحة المصرحة بفضل أبى بكر الصديق، رضى الله عنه
روينا عن البراء بن عازب، رضى الله عنهما، قال: اشترى أبو بكر من عازب رحلاً بثلاثة عشر درهمًا، فقال أبو بكر لعازب: مُر البراء ليحمل إلىَّ الرحل، فقال عازب: لا حتى تحدثنا كيف صنعت أنت ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين خرجتما من مكة والمشركون يطلبونكما، فقال: ارتحلنا من مكة، فأحيينا أو سرينا ليلتنا ويومنا حتى أظهرنا، وقام قائم الظهيرة، فرميت ببصرى هل أرى من ظل نأوى إليه، فإذا صخرة أتيناها، فنظرت بقية ظل لها فسويته، ثم فرشت للنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه، ثم قلت له: اضطجع يا نبى الله، فاضطجع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ثم انطلقت أنظر ما حولى هل أرى من الطلب أحدًا، فإذا أنا براعى غنم يسوق غنمه، فسألته فقلت: لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من قريش سماه فعرفته، فقلت: هل فى غنمك من لبن؟ قال: نعم، فقلت: هل أنت حالب لبنًا؟ قال: نعم، فأمرته فاعتقل شاة من غنمه، ثم أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار، ثم أمرته أن ينفض كفيه فنفض، فحلب لى كتبة من(2/184)
لبن، وقد جعلت لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إداوة على فمها خرقة، فصببت على اللبن حتى برد أسفله، فانطلقت به إلى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فوافقته قد استيقظ، فقلت: اشرب يا رسول الله، فشرب حتى رضيت، ثم قلت: قد آن الرحيل يا رسول الله، قال: "بلى"، والقوم يطلبوننا، فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك على فرس له، فقلت: يا رسول الله، هذا الطلب قد لحقنا، فقال: "لا تحزن إن الله معناه". رواه البخارى ومسلم روياه أطول من هذا.
وعن أنس، عن أبى بكر، رضى الله عنه، قال: قلت للنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا فى الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدمه لأبصرنا، فقال: “ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما” (1) ، رواه البخارى ومسلم، وفى رواية: نظرت إلى أقدام المشركين ونحن فى الغار وهم على رءوسنا، فقلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا، وذكر تمامه.
وعن أبى سعيد الخدرى، قال: خطب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الناس، وقال: “إن الله تبارك وتعالى خير عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله”، فبكى أبو بكر، فعجبنا ببكائه أن يخبر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عبد خير، فكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المُخَيَّر، وكان أبو بكر هو أعلمنا، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إن من أمن الناس علىَّ فى صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذًا خليلاً غير ربى لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن إخوة الإسلام ومودته، لا يبقين بباب إلا سد، إلا باب أبى بكر” (2) ، رواه البخارى ومسلم.
وعن ابن عمر، قال: كنا نخير بين الناس فى زمن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فنخير أبا بكر، ثم عمر، ثم عثمان. رواه البخارى.
وعن ابن عباس، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “لو كنت متخذًا من أمتى خليلاً لاتخذت أبا بكر، ولكن أخى وصاحبى” (3) ، رواه البخارى.
وعن ابن جبير بن مطعم، قال: أتت امرأة إلى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأمرها أن ترجع إليه، قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك، كأنها تقول: الموت، فقال: “إن لم تجدينى فأتى أبا بكر”، رواه البخارى ومسلم من طرق.
وعن عمار، قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر. رواه البخارى.
وعن أبى الدرداء، قال: كنت جالسًا عند النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذ أقبل أبو بكر آخذًا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه،
_________
(1) حديث أنس عن أبى بكر: أخرجه أحمد (1/4، رقم 911) ، والبخارى (3/1337، رقم 3453) ، ومسلم (4/1854، رقم 2381) ، والترمذى (5/278، رقم 3096) وقال: حسن صحيح غريب. وأخرجه أيضا: ابن أبى شيبة (6/348، رقم 31929) ، وعبد بن حميد (ص 30، رقم 2) ، وأبو يعلى (1/68، رقم 66) ، وابن جرير فى التفسير (10/136) .
(2) أخرجه أحمد (3/18، رقم 11150) ، والبخارى (1/177، رقم 454) ، ومسلم (4/1854، رقم 2382) .
(3) أخرجه مسلم (4/1854، رقم 2382) ، والترمذى (5/608، رقم 3660) وقال: حسن صحيح. وأخرجه أيضًا: البخارى (3/1417، رقم 3691) ، وابن حبان (15/276، رقم 6861) .(2/185)
فقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “أما صاحبكم فقد غامر فسلم”، وقال: إنى كان بينى وبين ابن الخطاب شىء، فأسرعت إليه، ثم قدمت فسألته أن يغفر لى فأبى علىَّ، فأقبلت إليك، فقال: “يغفر الله لك يا أبا بكر” ثلاثًا، ثم أن عمر ندم فأتى منزل أبى بكر، فسأل أيم أبو بكر، فقالوا: لا، فأتى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجعل وجه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتمعر حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه، فقال: يا رسول الله، أنا والله كنت أظلم مرتين، فقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إن الله تعالى بعثنى إليكم فقلتم كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، وواسانى بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لى صاحبى”، مرتين، فما أدرى بعدها. رواه البخارى. قوله: تمعر بالعين المهملة: تغير.
وعن عمرو بن العاص، أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أى الناس أحب إليك؟ فقال: “عائشة”، فقلت: من الرجال، فقال: “أبوها”، فقلت: ثم من؟ قال: “عمر بن الخطاب”، فعدَّ رجالاً، رواه البخارى ومسلم.
وعن أبى هريرة، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: بينما راع فى غنمه عدا عليه الذئب، فأخذ منها شاة، فطلبه الراعى فالتفت إليه الذئب، فقال: من لها يوم السبع، يوم ليس لها راع غيرى، وبينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها، فالتفتت إليه فكلمته، فقالت: إنى لم أخلق لهذا، ولكنى خلقت للحرث، فقال الناس: سبحان الله، فقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “أؤمن بذلك، وأبو بكر، وعمر”، رواه البخارى ومسلم من طرق، وفى بعضها: وما ثم أبو بكر وعمر، أى لم يكونا فى المجلس، فشهد لهما بالإيمان بذلك لعلمه بكمال إيمانهما.
وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “مَن جَرَّ ثوبه خُيَلاَء لم ينظر الله إليه يوم القيامة” (1) ، فقال أبو بكر: إن أحد شقى ثوبى يسترخى، إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إنك لست تصنع ذلك خيلاء”، رواه البخارى.
وعن أبى هريرة، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: “من أنفق زوجين من شىء من الأشياء فى سبيل الله دُعى من أبواب الجنة: يا عبد الله، هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دُعى من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعى من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعى من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعى من باب الريان”، فقال أبو بكر: ما على من يُدعى من تلك الأبواب من ضرورة، هل يُدعى منها كلها أحد يا رسول الله؟ قال: “نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر”، رواه
_________
(1) أخرجه أحمد (2/33، رقم 4884) ، والبخارى (3/1340، رقم 3465) ، ومسلم (3/1652، رقم 2085) ، وأبو داود (4/56، رقم 4085) ، والترمذى (4/223، رقم1730) وقال: حديث - حسن صحيح -. والنسائى (8 /206، رقم 5328) ، وابن ماجه (2/1181، رقم 3569) .(2/186)
البخارى ومسلم.
وعن أنس، أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صعد أُحُدًا، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم، فقال: “اثبت أُحُد، فإنما عليك نبى وصديق وشهيدان”. رواه البخارى.
وعن أبى موسى الأشعرى فى حديثه الطويل: حين دخل النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بئر أريس، قال: جلست عند الباب، فقلت: لأكونن بواب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اليوم، فجاء أبو بكر، فقلت: يا رسول الله، هذا أبو بكر يستأذن، فقال: “ائذن له وبشره بالجنة ... ” وذكر الحديث، رواه البخارى ومسلم.
وعن عروة بن الزبير، قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص عن أشد ما صنع المشركون برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: رأيت عقبة بن أبى معيط جاء إلى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يصلى، فوضع رداءه فى عنقه، فخنقه به خنقًا شديدًا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه، فقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربى الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم. رواه البخارى.
وعن أبى هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “من أصبح منكم اليوم صائمًا؟ ”، قال أبو بكر: أنا، قال: “فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ ”، قال أبو بكر: أنا، قال: “فمن أطعم اليوم منكم مسكينًا؟ ”، قال أبو بكر: أنا، قال: “فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟ ”، قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “ما اجتمعن فى امرىء إلا دخل الجنة”. رواه مسلم.
وعن عائشة قالت: قال لى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى مرضه: “ادعى لى أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتابًا، فإنى أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله المؤمنون إلا أبا بكر”. رواه مسلم.
وعن ابن أبى مليكة، قال: سمعت عائشة، رضى الله عنها، وسُئلت: مَن كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مستخلفًا لو استخلفه؟ فقالت: أبا بكر، فقيل لها: مَن بعد أبى بكر؟ قالت: عمر، قيل لها: مَن بعد عمر؟ قال: أبو عبيدة بن الجراح، ثم انتهت إلى هذا. رواه مسلم.
وعن محمد بن على بن أبى طالب، قال: قلت لأبى: أى الناس خير بعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: أبو بكر، قلت: ثُم مَن؟ قال: عمر، وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين. رواه البخارى.
وعن أبى موسى الأشعرى، قال: مرض النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاشتد مرضه، فقال: “مروا أبا بكر فليصل بالناس”، قالت عائشة: يا رسول(2/187)
الله، إنه رجل رقيق القلب، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلى بالناس، فقال: مرى أبا بكر فليصل بالناس، فعادت فقال: “مرى أبا بكر فليصل بالناس، فإنكن صواحب يوسف”، فأتاه الرسول فصلى بالناس فى حياة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رواه البخارى ومسلم، وقد روياه من رواية عائشة أيضًا بأطول من هذا.
وعن أنس، أن أبا بكر كان يصلى بهم فى وجع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذى توفى فيه، وذكر الحديث بطوله. رواه البخارى ومسلم.
وعن أبى هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان على حراء هو وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، وطلحة، والزبير، فتحركت الصخرة، فقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “اهدأ فما عليك إلا نبى أو صديق أو شهيد”، رواه مسلم.
وعن حذيفة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “اقتدوا بالذين من بعدى أبى بكر وعمر”. رواه الترمذى، وقال: حديث حسن.
وعن أنس، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبى بكر وعمر: “هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، إلا النبيين والمرسلين”. رواه الترمذى، وقال: حديث حسن غريب.
وعن أبى سعيد الخدرى، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “ما من نبى إلا وله وزيران من أهل السماء ووزيران من أهل الأرض، فأما وزيراى من أهل السماء فجبرائيل وميكائيل، وأما وزيراى من أهل الأرض فأبو بكر وعمر”. رواه الترمذى، وقال: حديث حسن.
وعن سعد بن زيد، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: “أبو بكر فى الجنة، وعمر فى الجنة، وعثمان فى الجنة، وعلى فى الجنة”، وقد ذكر تمام العشرة، وقد سبق بطوله فى ترجمة عمر بن الخطاب. رواه أبو داود، والترمذى، والنسائى، وغيرهم، وقال الترمذى: هو حديث حسن صحيح.
وعن أبى هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “أتانى جبريل فأخذ بيدى، فأرانى باب الجنة الذى يدخل منه أمتى”، فقال أبو بكر: يا رسول الله، وددت أنى كنت معك حتى أنظر إليه، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “أما إنك يا أبا بكر أول مَن يدخل الجنة من أمتى” (1) ، رواه أبو داود.
وعن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، قال: أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رواه الترمذى، وقال: حديث حسن صحيح.
وعن عبد الله بن شقيق، قال: قلت لعائشة: أى أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان أحب
_________
(1) أخرجه أبو داود (4/213، رقم 4652) ، والحاكم (3/77، رقم 4444) وقال: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبى. وأخرجه أيضًا: عبد الله بن أحمد فى زوائد فضائل الصحابة (1/221، رقم 258) .(2/188)
إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قالت: أبو بكر، قلت: ثُم مَن؟ قالت: ثم عمر، قلت: ثُم مَن؟ قالت: أبو عبيدة بن الجراح، قلت: ثُم مَن؟ فسكتت. رواه الترمذى، والنسائى، وابن ماجة، وقال الترمذى: حديث صحيح.
وعن أبى هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه، ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدًا يكافيه الله عز وجل بها يوم القيامة، وما نفعنى مال أحد قط ما نفعنى مال أبى بكر، ولو كنت متخذًا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن صاحبكم خليل الله” (1) . رواه الترمذى، وقال: حديث حسن.
وعن ابن عمر، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأبى بكر: “أنت صاحبى على الحوض، وصاحبى فى الغار” (2) . رواه الترمذى، وقال: حديث حسن.
وعن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، قال: أمرنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندى، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، فجئت بنصف مالى، فقال لى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “ما أبقيت لأهلك؟ ”، فقلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال: “يا أبا بكر، ما أبقيت لأهلك؟ ”، فقال: أبقيت لهم الله ورسوله، فقلت: لا أسبقه إلى شىء أبدًا. رواه أبو داود فى كتاب الزكاة، والترمذى فى المناقب، وقال: هو حديث صحيح.
وعن عائشة، أن أبا بكر دخل على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: “أنت عتيق الله من النار” (3) ، فيومئذ سُمى عتيقًا. رواه الترمذى، وقال: غريب.
وعن على، رضى الله عنه، وسُئل عن أبى بكر، فقال: سماه الله صديقًا على لسان جبريل ولسان محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كان خليفة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى الصلاة، رضيه لديننا فرضيناه لدنيانا.
وروينا بالإسناد الصحيح فى سنن أبى داود، عن سفيان الثورى، قال: الخلفاء خمسة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، وعمر بن عبد العزيز، وأنه قال: مَن قال: إن عليًا كان أحق بالولاية من أبى بكر وعمر، فقد خطأ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار، وما أراه يرتفع له مع هذا عمل إلى السماء.
ومناقب الصديق، رضى الله عنه، لا يمكن استقصاؤها ولا الإحاطة بعشر معشارها، إنما ذكرت هذه الأحرف تبركًا للكتاب بذكره، رضى الله عنه.
_________
(1) أخرجه مسلم (1/377، رقم 532) ، والنسائى فى الكبرى (6/328، رقم 11123) ، وأبو عوانة (1/334، رقم 1192) ، وابن حبان (14/334، رقم 6425) .
(2) حديث ابن الزبير: أخرجه أحمد (4/4، رقم 16152) ، والبخارى (3/1338، رقم 3458) .
حديث ابن عباس: أخرجه البخارى (3/1338، رقم 3456) .
(3) أخرجه الحاكم (2/450، رقم 3557) وقال: صحيح الإسناد. وابن عساكر (25/83) .(2/189)
فصل فى علمه وزهده وتواضعه
استدل أصحابنا على عظم علمه بقوله، رضى الله عنه، فى الحديث الثابت فى الصحيحين أنه قال: والله لأقتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقاتلتهم على منعه. واستدل الشيخ أبو إسحاق بهذا وغيره فى طبقاته على أن أبا بكر الصديق، رضى الله عنه، أعلم الصحابة؛ لأنهم كلهم وقفوا عن فهم الحكمة من المسألة إلا هو، ثم ظهر لهم بمباحثته لهم أن قوله هو الصواب، فرجعوا إليه.
وروينا عن ابن عمر أنه سُئل: من كان يفتى الناس فى زمن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال: أبو بكر، وعمر، وما أعلم غيرهما. وقد سبق قريبًا حديث أبى سعيد فى الصحيحين، قال: وكان أبو بكر أعلمنا.
وروينا عن عائشة، رضى الله عنها، قالت: كان لأبى بكر الصديق غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يومًا بشىء، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدرى ما هذا؟ قال أبو بكر: وما هذا؟ قال: كنت تكهنت لإنسان فى الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أنى خدعته، فلقينى فأعطانى لذلك هذا الذى أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شىء فى بطنه. رواه البخارى. والخراج: شىء يجعله السيد على عبده يؤديه إلى السيد كل يوم، وباقى كسبه يكون للعبد، وكان رضى الله عنه إذا مدح يقول: اللهم أنت أعلم بى من نفسى، وأنا أعلم بنفسى منهم، اللهم اجعلنى خيرًا مما يظنون، واغفر لى ما لا يعلمون، ولا تؤاخذنى بما يقولون.
وقيل له فى مرضه: ألا ندعوا لك طبيبًا؟ قال: قد نظر إلىَّ، قالوا: ما قال لك؟ قال: قال: إنى فعَّال لما أريد.
وروينا فى تاريخ دمشق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: أسلم أبو بكر وله أربعون ألفًا، فأنفقها فى سبيل الله.
وفيه عن خبيب، بضم الخاء المعجمة، عن عبد الرحمن، عن عمته أنيسة، قالت: نزل فينا أبو بكر سنتين قبل أن يُستخلف وسنة بعد استخلافه، فكان(2/190)
جوارى الحى تأتينه بغنمهن فيحلبهن لهن.
وذكر محمد بن سعد وغيره بإسنادهم أنه كان يحلب لأهل الحى المنائحهم، فلما استخلف قالت جارية من الحى: الأن لا يحلب لنا، فقال: بلى، لأحلبنهما لكم، وإنى أرجو أن لا يغيرنى ما دخلتى فيه عن خُلُق كنت عليه، فكان بعد الخلافة يحلب لهم.
فصل استخلافه
أجمعت الأمة على صحة خلافته وقدمته الصحابة، رضى الله عنهم، لكونه أفضلهم وأحقهم بها من غيره، وحديث بيعته مشهور فى الصحيحين معروف، وقد قال على، رضى الله عنه: قدم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا بكر يصلى بالناس وأنا حاضر غير غائب، وصحيح غير مريض، ولو شاء أن يقدمنى لقدمنى، فرضينا لدنيانا من رضيه الله ورسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لديننا.
فصل
ولد أبو بكر، رضى الله عنه، بعد الفيل بثلاث سنين تقريبًا، وهو أول خليفة فى الإسلام، وأول أمير أرسل على الحج، حج بالناس سنة تسع من الهجرة، وحديثه فى الصحيحين، وهو من كبار الصحابة الذين حفظوا القرآن كله. قالوا: ولا يعرف خليفة ورثه أبوه إلا هو، فإن أباه توفى بعده بنحو ستة أشهر، وهو أفضل الكُتاب لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأول الخلفاء الراشدين وأفضلهم، وأول من عهد بالخلافة. والصحيح أنه توفى وله ثلاث وستون سنة كرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعمر بن الخطاب، رضى الله عنه، توفى آخر يوم الاثنين.
728 - أبو بكر الأودنى:
من أصحابنا أصحاب الوجوه، ذكره فى الوسيط فى الخيار فى البيع، وأواخر الباب الأول من كتاب الإقرار، وفى كتاب الكفارات، وتكرر(2/191)
ذكره فى الروضة كثيرًا، وهو بإسكان الواو، وكسر الدال المهملة، وبعدها نون، ثم ياء النسب، وأما الهمزة فى أوله، فقال السمعانى فى الأنساب: هى مضمومة، وذكر ابن ماكولا بفتح الهمزة، وكذا رأيتها فى نسخة معتمدة من المؤتلف والمختلف فى أسماء الأماكن مفتوحة، ولكن لم ينص على فتحها فى الكتاب، إلا أن ترجمته وسياق كلامه يقتضى الفتح، وذكرها الشيخ أبو عمرو بن الصلاح بالفتح، ولم يذكر الضم، وهو منسوب إلى أودنة قرية من قرى بخارا. واسمه محمد بن عبد الله بن محمد بن بصير، بباء موحدة مفتوحة، ابن ورقة.
قال الحاكم فى تاريخ نيسابور: محمد بن عبد الله بن محمد الفقيه أبو بكر البخارى ثم الأودنى، إمام الشافعيين بما وراء النهر فى عصره بلا مدافعة. قال: وكان من أزهد الفقهاء وأورعهم، وأكثرهم اجتهادًا فى العبادة، وأبكاهم على تقصيره، وأشدهم تواضعًا وإخياتا وإنابة. قال: وتوفى ببخارا سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، رحمه الله.
سمع الحديث ببخارا من يعقوب بن يوسف العاصمى وأقرانه، وبنسف من الهيثم ابن كليب وغيره. روى عنه الحاكم أبو عبد الله وغيره. ومن غرائب الأودنى ما حكيته عنه فى الروضة أنه قال: يحرم الربا فى كل شىء، فلا يجوز بيع مال بجنسه متفاضلاً، سواء المطعوم، والمكيل، والموزون، وغيره، وهو شاذ مردود.
729 - أبو بكر الحازمى (1) :
المتأخر الحافظ، اسمه محمد بن موسى بن عثمان بن موسى بن عثمان بن حازم الحازمى، أحد الحفاظ المحققين المطلعين، له مصنفات نافعة، منها الناسخ والمنسوخ فى الحديث، لم يصنف فيه مثله، ومنها العجالة فى الأنساب، سمعتها على صاحب صاحبه، ومنها المؤتلف فى أسماء الأماكن، وكان قد شرع فى تخريج أحاديث المهذب، فبلغ أثناء كتاب الصلاة ولم يتمه، وله غير ذلك من المصنفات النفيسة، سمع أبا موسى الأصبهانى وطبقته من أصحاب أبى على الحداد، وغيرهم.
730 - أبو بكر بن الحداد المصرى (2) :
من أئمة أصحابنا أصحاب الوجوه، تكرر فى المهذب والروضة كثيرًا. هو أبو بكر محمد بن أحمد القاضى المصرى، صاحب الفروع، وهو من نظار أصحابنا وكبارهم ومتقدميهم فى العصر والمرتبة، أخذ الفقه
_________
(1) انظر: وفيات الأعيان (4/294، 295) برقم (597) ، والتكملة لوفيات النقلة (1/89 - 92) برقم (45) ، والمختصر المحتاج إليه (1/144، 145) ، وسير أعلام النبلاء (21/167 - 172) برقم (84) ، ومرآة الجنان (3/429) ، والوافى بالوفيات (5/88) ، والنجوم الزاهرة (6/109) ..
(2) انظر: طبقات فقهاء ابلشافعية للعبادى (1/132) وطبقات الفقهاء للشيرازى (93) والأنساب لابن السمعانى (4/71، 72) والمنتظم (6/379) والولاة والقضاة للكندى (551 - 557) ووفيات الأعيان (3/336) وسير أعلام النبلاء (15/445 - 451) وتذكرة الحفاظ (3/899) ومرآة الجنان (2/336) والبداية والنهاية (11/229، 230) والوافى بالوفيات (2/69) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (3/79 - 98) وطبقات الشافعية لابن قاضى شهبة (1/132، 133) والنجوم الزاهرة (3/313) ومعجم المؤلفين (8/320) والأعلام (2/310) ..(2/192)
عن أبى إسحاق المروزى، وكان إمامًا فى الفقه والعربية، وانتهت إليه إمامة مصر فى عصره.
قال الشيخ أبو إسحاق: كان فقيهًا، مدققًا، وفروعه تدل على فضله. قال: وتوفى سنة خمس وأربعين وثلاثمائة. قلت: واعتنى الأئمة بشرح فروعه، فممن شرحه من أعلام أصحابنا القفال المروزى، والقاضى أبو الطيب، وأبو على السنجى، بكسر السين المهملة وبالجيم.
731 - أبو بكر السالوسى:
من أصحابنا أصحاب الوجوه، مذكور فى الروضة فى الإجارة، وفى الاستيجار للقراءة، هو بالسين المهملة المكررة.
732 - أبو بكر الشاشى:
المتأخر، تكرر فى الروضة، سيأتى فى الأنساب إن شاء الله تعالى.
733 - أبو بكر الصبغى:
من أصحابنا أصحاب الوجوه، تكرر ذكره فى الروضة، فذكره فى آخر صلاة الجماعة، ثم فى صلاة الكسوف وغيره، وهو بكسر الصاد المهملة وإسكان الباء الموحدة وبالغين المعجمة، وهو أحد أئمة أصحابنا أصحاب الوجوه البارعين الجامعين بين الحديث والفقه.
قال أبو سعد السمعانى: هو أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب بن يزيد بن عبد الرحمن الصبغى، أحد العلماء المشهورين بالفضل والعلم الواسع من أهل نيسابور، سمع بنيسابور إسماعيل بن قتيبة السلمى، وبالرى يعقوب بن يوسف القزوينى، وببغداد الحارث بن أبى أسامة، وبالبصرة همام بن على، وبواسط محمد بن عيسى بن السكن، وبمكة على بن عبد العزيز، وجماعة كثيرة.
قال: وشمائله وفضائله أكثر من أن يسعها هذا الموضع، كانت ولادته فى رجب سنة ثمان وخمسين ومائتين، وتوفى فى شعبان سنة ثنتين وأربعين وثلاثمائة، هذا كلام السمعانى فى الأنساب.
734 - أبو بكر الصيرفى:
من أئمة أصحابنا المتقدمين أصحاب الوجوه والمصنفين البارعين، اسمه محمد بن عبد الله. قال الخطيب البغدادى فى تاريخ بغداد: كان الصيرفى فهمًا، عالمًا، له تصانيف فى أصول الفقه، وسمع الحديث من أحمد المنصور(2/193)
الرمادى، ومن بعده لكنه لم يرو كبير شىء. قال: وتوفى يوم الخميس لثمان بقين من شهر ربيع الآخر سنة ثلاثين وثلاثمائة.
قال السمعانى فى الأنساب: هو بغدادى، فهم، عالم، ذكى. وقال غيرهما: كان إمامًا، بارعًا، متفننًا، وله مصنفات فى الأصول وغيره، وله وجوه كثيرة فى المهذب، ومن غرائبه إيجابه الحد على من وطىء فى النكاح بلا ولى إذا كان يعتقد تحريمه، والجمهور قالوا: لا حد.
735 - أبو بكر الطوسى:
من أصحابنا أصحاب الوجوه، مذكور فى الروضة فى الإجارة. هو منسوب إلى طوس، بضم الطاء المهملة، مدينة معروفة بخراسان. قال السمعانى فى الأنساب: هذه نسبة إلى بلدة بخراسان، يقال له: طوس، وهى محتوية على بلدتين يقال لإحداهما: طابران، وللأخرى: نوقان. قال: ولهما أكثر من ألف قرية، وكان فتحها فى خلافة عثمان بن عفان، رضى الله عنه، على يد عبد الله بن عامر بن كريز سنة تسع وعشرين من الهجرة، خرج منها جماعة من العلماء والمحدثين قديمًا وحديثًا، واسم أبى بكر الطوسى هذا [......] (1) .
736 - أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القريشى المخزومى المدنى التابعى (2) :
أحد فقهاء المدينة السبعة، مذكور فى المهذب فى أواخر كتاب الصيام، وفى الخيار فى النكاح فى خيار الأمة إذا أعتقت تحت عبد، وتكرر فى المختصر، قيل: اسمه محمد، وكنيته أبو بكر، وقيل: اسمه أبو بكر، وكنيته أبو عبد الرحمن، والصحيح أن اسمه كنيته، سمع أباه عبد الرحمن الصحابى، وأبا مسعود البدرى، وأبا هريرة، وعائشة، وأم سلمة، وأسماء بنت عميس، وأم معقل الأسدية، ومروان بن الحكم، وغيرهم.
روى عنه مجاهد، وعكرمة بن خالد، وعمر بن عبد العزيز، والشعبى، وعمرو بن دينار، والزهرى، وعبد ربه بن سعيد، والحكم بن عتيبة، بالتاء المثناة فوق وآخره باء موحدة، وسمى مولاه، وجامع بن شداد، وابناه عبد الله وعبد الملك ابنا أبى بكر، وعبد الواحد بن أيمن، وعبد الله بن كعب الحميرى، وآخرون.
قال محمد بن سعد: ولد أبو بكر هذا فى خلافة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وكان يقال له: راهب قريش، لكثرة صلاته، وكان
_________
(1) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
(2) انظر: الجرح والتعديل (9/336) ، وحلية الأولياء (2/187، 188) ، وطبقات ابن سعد (5/207) ، وصفة الصفوة (2/92) ، وتاريخ ابن معين (2/695) ، والتاريخ الكبير (9/9) ، وسير أعلام النبلاء (4/416 - 419) برقم (165) ، والبداية والنهاية (9/115) ، وتهذيب التهذيب (12/30 - 32) ، وتقريب التهذيب (2/398) ، وتذكرة الحفاظ (1/63، 64) ، ومرآة الجنان (1/198) ، ووفيات الأعيان (1/282، 283) ..(2/194)
مكفوفًا، واستصغر يوم الجمل هو وعروة بن الزبير فردًا. قال: وكان ثقة، فقيهًا، عالمًا، عاقلاً، سخيًا، كثير الحديث.
قال ابن خراش: أبو بكر هذا أحد أئمة المسلمين. قال: هو وإخوته، عمر، وعكرمة، وعبد الله بنو عبد الرحمن بن الحارث كلهم ثقات، جلة، يُضرب بهم المثل، روى الزهرى عنهم كلهم إلا عمر، توفى أبو بكر بالمدينة.
قال يحيى بن بكير: سنة أربع أو خمس وتسعين من الهجرة. وقال على بن المدينة: سنة ثلاث وتسعين. وقال الواقدى: سنة أربع. قال: وكان يقال لها: سنة الفقهاء؛ لكثرة من مات فيها منهم.
737 - أبو بكر الفارسى:
من أئمة أصحابنا وكبارهم ومتقدميهم وأعلامهم، تكرر ذكره فى الروضة. هو الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن سهل الفارسى، ذو المصنفات الباهرة، والفضائل المتظاهرة، تفقه على ابن العباس بن سريج، ومن غرائب أبى بكر الفارسى قوله: لا يحل صيد الكلب الأسود، وهو مذهب أحمد والمشهور لأصحابنا وغيرهم حِلَّهُ.
738 - أبو بكر بن لال:
من أصحابنا أصحاب الوجوه، هو بلام ألف، ثم لام على وزن مال، وهو مذكور فى الروضة فى الفرائض، وميراث الأخوة. هو الإمام أبو بكر أحمد بن على بن أحمد بن لال الهمذانى، هكذا نسبه الشيخ أبو إسحاق فى الطبقات. قال: ولد سنة سبع وثلاثمائة، وتوفى سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة.
قال: حكى لى سبطه أبو سعيد أنه أخذ الفقه عن أبى إسحاق المروزى، وأبى على بن أبى هريرة، وكان ورعًا متعبدًا، أخذ عنه فقهاء همذان، ومن غرائب ابن لال أنه حكى قولاً للشافعى أن الإخوة من الأبوين يسقطون فى مسألة المشركة، وبه قال ابن اللبان، وأبو منصور البغدادى، وهما من أئمة أصحابنا، وأئمة الناس فى الفرائض، والمشهور أنهم يشاركون أولاد الأم.
739 - أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم (1) :
تكرر فى المهذب، فذكره فى صلاة العيدين فى باب التكبير فى العيد، وفى أول النكاح، وأول الخيار، وفى الديات. وذكره فيها
_________
(1) انظر: الجرح والتعديل (9/337) ، والتاريخ الكبير (9/10) ، وطبقات ابن سعد (8/480) ، وتقريب التهذيب (2/399) ، وتهذيب التهذيب (12/38) ..(2/195)
كلها على الصواب، إلا باب التكبير فى العيد فغيره فيه، فقال: عن عبد الله بن محمد بن أبى بكر بن عمرو بن حزم، فقدم فى نسبه وأخر، وهذا غلط من كاتب أو سبق قلم بلا شك، وصوابه: عن عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وكذا وقع فى بعض النسخ فى هذا الموضع، ولكن أكثرها أو كثيرها مغير عن الصواب كما ذكرته، والصواب: أبو بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم، وهو أنصارى مدنى من تابعى التابعين، وثقات المسلمين وأئمتهم، يقال: اسمه كنيته لا اسم له غيرها، ويقال: اسمه أبو بكر، وكنيته أبو محمد، فكان للكنية كنية.
قال الخطيب البغدادى: لا نظير له فى هذا إلا أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام كما سبق فى ترجمته أنه يقال: اسمه أبو بكر، وكنيته أبو عبد الرحمن. وسمع أبو بكر بن حزم هذا أباه، وعمر بن عبد العزيز، والقاسم بن محمد، وعباد بن تميم، وعمرو ابن سليم، وعمرة بنت عبد الرحمن، وغيرهم.
روى عنه ابناه محمد، وعبد الله، وعمرو بن دينار، والزهرى، ويحيى الأنصارى، ويزيد بن عبد الله بن أسامة، وأبو بكر بن نافع، وإسحاق بن يحيى بن طلحة، والأوزاعى، والحجاج بن أرطأة، وآخرون. واتفقوا على توثيقه، وإمامته، وجلالته، ولوه القضاء والأمرة والموسم فى زمن سليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز. قال محمد بن سعد: أمه كبشة، وخالته عمرة بنت عبد الرحمن الراوية عن عائشة، وكان ثقى، كثير الحديث، توفى بالمدينة سنة عشرين ومائة، وهو ابن أربع وثمانين سنة.
740 - أبو بكر المحمودى:
من أئمة أصحابنا أصحاب الوجوه، مذكور فى الوسيط فى باب الحيض، وتكرر فى الروضة، ولا ذكر له فى المهذب. هو أبو بكر [......] (1) .
741 - أبو بكر بن المنذر (2) :
الإمام المشهور، أحد أئمة الإسلام، تكرر ذكره كثيرًا فى الروضة، وذكره فى المهذب فى صفة الصلاة فى رفع اليدين فى تكبيرات الانتقالات. هو الإمام أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابورى، المُجمع على إمامته، وجلالته، ووفور علمه، وجمعه بين التمكن فى علمى الحديث والفقه، وله المصنفات المهمة النافعة فى الإجماع والخلاف، وبيان مذاهب العلماء، منها الأوسط، والإشراف،
_________
(1) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
(2) طبقات الفقهاء للشيرازى (108) ووفيات الأعيان (4/207) وسير أعلام النبلاء (14/490 - 492) وميزان الإعتدال (3/450، 451) وتذكرة الحفاظ (3/782، 783) والوافى بالوفيات (1/336) ومرآة الجنان (2/261، 262) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (3/102 - 108) والعقد الثمين (1/407، 408) وطبقات الشافعية لابن قاضى شهبة (1/99) ولسان الميزان (5/27، 28) وتاريخ ابن الوردى (2/50، 51) والأعلام (6/184) ومعجم المؤلفين (8/330) ..(2/196)
وكتاب الإجماع، وغيرها.
واعتماد علماء الطوائف كلها فى نقل المذاهب ومعرفتها على كتبه، وله من التحقيق فى كتبه ما لا يقاربه أحد، وهو فى نهاية من التمكن فى معرفة صحيح الحديث وضعيفه، وله عادات جميلة فى كتابه الإشراف، أنه إن كان فى المسألة حديث صحيح، قال: ثبت عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذا، أو صح عنه كذا، وإن كان فيها حديث ضعيف قال: روينا، أو يروى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذا، وهذا الأدب الذى سلكه هو طريق حذاق المحدثين، وقد أهمله أكثر الفقهاء وغيرهم من أصحاب باقى العلوم.
ثم له من التحقيق ما لا يدانا فيه، وهو اعتماده ما دلت عليه السنة الصحيحة عمومًا أو خصوصًا بلا معارض، فيذكر مذاهب العلماء، ثم يقول فى أحد المذاهب: وبهذا أقول، ولا يقول ذلك إلا فيما كانت صفته كما ذكرته، وقد يذكر دليله فى بعض المواضع، ولا يلتزم التقيد فى الاختيار بمذهب أخد بعينه، ولا يتعصب لأحد، ولا على أحد على عادة أهل الخلاف، بل يدور مع ظهور الدليل ودلالة السنة الصحيحة، ويقول بها مع مَن كانت، ومع هذا فهو عند أصحابنا معدود من أصحاب الشافعى، مذكور فى جميع كتبهم فى الطبقات.
وذكره الشيخ أبو إسحاق الشيرازى صاحب المهذب فى كتابه طبقات الفقهاء فى أصحاب الشافعى، فقال: صنف فى اختلاف العلماء كُتبًا لم يصنف أحد مثلها. قال: واحتاج إلى كتبه الموافق والمخالف. قال: ولا أعلم عمن أخذ الفقه. قال: وتوفى بمكة سنة تسع أو عشر وثلاثمائة، رحمه الله.
742 - أبو بكر النيسابورى (1) :
من أئمة أصحابنا أصحاب الوجوه المتقدمين، مذكور فى المهذب فى آخر باب التفليس. قال الشيخ أبو إسحاق فى الطبقات: هو أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل بن ميمون النيسابورى، ولد سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وتوفى سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. قال: وهو مولى أبان بن عثمان بن عفان، وسكن بغداد، وكان زاهدًا، بقى أربعين سنة لم ينم الليل يصلى الصبح بطهارة العشاء. قال: وجمع بين الفقه والحديث، وله زيادات على كتاب المزنى.
_________
(1) انظر: تاريخ بغداد (10/120 - 122) وطبقات الفقهاء للشيرازى (113) والإكمال لابن ماكولا (2/259) والمنتظم (6/286، 287) والمختصر فى أخبار البشر (2/84) وسير أعلام النبلاء (15/65 - 68) وتذكرة الحفاظ (3/819 - 821) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (3/310 - 314) ومرآة الجنان (2/288، 289) والبداية والنهاية (1/186) وتهذيب التهذيب (5/132) والنجوم الزاهرة (3/259) ..(2/197)
قال الدارقطنى: ما رأيت أحفظ منه. وقال الدارقطنى أيضًا: كنا ببغداد فى مجلس فيه جماعة من الحفاظ يتذاكرون، فجاء رجل من الفقهاء فسألهم: من روى عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "جُعلت لى الأرض مسجدًا وجُعلت تربتها طهورًا"؟ فقالت الجماعة: روى هذا الحديث عنه فلان وفلان، فقال السائل: أريد هذه اللفظة، فلم يكن عند أحد منهم جواب، ثم قالوا: ليس لنا غير أبى بكر النيسابورى، فقاموا كلهم إليه، فسألوه عن هذه اللفظة، فقال: نعم، حدثنا فلان، عن فلان، وساق فى الوقت الحديث من حفظه، واللفظ فيه هذا آخر ما ذكره الشيخ أبو إسحاق، واتفق العلماء على توثيق أبى بكر هذا والثناء عليه، وأكثر الدارقطنى الرواية عنه فى سننه.
* * *
باب أبى بكرة بالهاء فى آخره
743 - أبو بكرة الصحابى، رضى الله عنه (1) :
تكرر فى هذه الكُتب، اسمه نفيع بن الحارث بن كلدة، بكاف ولام مفتوحتين، ابن عمرو بن علاج بن أبى سلمة، وهو عبد العزى بن غيرة، بكسر الغين المعجمة، ابن عوف بن قسى، بفتح القاف وكسر السين المهملة، وهو ثقيف بن منبه الثقفى البصرى، وأمه سمية أمة للحارث بن كلاه، وهى أيضًا أم زياد بن أبيه، وإنما كنى أبا بكرة؛ لأنه تدلى من حصن الطائف إلى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ببكرة، وكان أسلم وعجز عن الخروج من الطائف إلا هكذا.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة حديث واثنان وثلاثون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على ثمانية أحاديث، وانفرد البخارى بخمسة، ومسلم بحديث. روى عنه ابناه عبد الرحمن ومسلم، وربعى بن خراش، والحسن البصرى، والأحنف، وكان أبو بكرة من الفضلاء الصالحين، ولم يزل على كثرة العبادة حتى توفى، وكان أولاده أشرافًا بالبصرة فى كثرة العلم والمال الولايات.
قال الحسن البصرى: لم يكن بالبصرة من الصحابة أفضل من عمران بن الحصين، وأبى بكرة، واعتزل أبو بكرة يوم الجمل، فلم يقاتل مع أحد من الفريقين. توفى بالبصرة سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة ثنتين وخمسين.
_________
(1) انظر: الإصابة (3/571) ، وطبقات ابن سعد (7/15، 16) ، والتاريخ الكبير (8/112) ، والجرح والتعديل (8/489) ، والاستيعاب (4/23) ، وأسد الغابة (5/151) ، وسير أعلام النبلاء (3/5 - 10) برقم (1) ، والبداية والنهاية (8/57) ، وتهذيب التهذيب (10/469) ، والعقد الثمين (7/347) ..(2/198)
* * *
حرف التاء المثناة فوق
744 - أبو تِحْي:
بكسر التاء المثناة فوق، مذكور فى المهذب فى آخر قتال أهل البغى، لا ذكر له فى هذه الكُتب كلها إلا فى هذا الموضع من المهذب خاصة، واسمه حُكيم، بضم الحاء وفتح الكاف، ابن سعد، وهو تابعى كوفى حنفى، من بنى حنيفة، ثقة. روى عن على بن أبى طالب، وأبى موسى الأشعرى، وأبى هريرة، وأم سلمة، رضى الله عنهم. ذكره الحاكم أبو أحمد فى الكنى المفردة، معناه أنه ليس فى الرواة أحد يكنى بهذه الكنية غيره.
* * *
حرف الثاء المثلثة
745 - أبو ثعلبة الخُشَنى الصحابى، رضى الله عنه (1) :
ذكره فى المهذب فى باب الآنية، وكرره هو وغيره فى باب الصيد والذبائح، هو بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين وبعدها نون، منسوب إلى خشين، بضم الخاء، وهو بطن من قضاعة، وهو خشين بن النمر بن وبرة بن تغلب بن حلوان، واختلفوا فى اسم أبى ثعلبة هذا واسم ابنه على أقوال كثيرة، فقال أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهما: اسمه جرهم، وقيل: جرثوم، بضم الجيم فيهما، وبضم الثاء المثلثة فى الثانى، وقيل: عمرو، وقيل: الأشير، بكسر الشين المعجمة، وقيل غير ذلك، واسم أبيه ناشم، بالنون وشين معجمة مكسورة، ثم ميم، وقيل: ناشر بالراء، وقيل: ناشب بالباء الموحدة فى آخره، وقيل: ناشج بالجيم، وقيل: جرهم، وقيل: جرثومة، وقيل: جرثوم.
وكان أبو ثعلبة ممن بايع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيعة الضروان تحت الشجرة عام الحديبية سنة ست من الهجرة. روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحاديث. روى عنه أبو إدريس الخولانى، ومسلم ابن مشكم، بكسر الميم وإسكان الشين المعجمة. توفى فى خلافة معاوية، وقيل: فى خلافة عبد الملك سنة خمس وسبعين.
_________
(1) انظر: الإصابة (4/29، 30) ، وطبقات ابن سعد (7/416) ، والتاريخ الكبير (2/250) ، والجرح والتعديل (2/543) ، والاستيعاب (4/27، 28) ، وأسد الغابة (5/154، 155) ، والبداية والنهاية (9/7، 8) ، وتهذيب التهذيب (12/49، 50) ، وسير أعلام النبلاء (2/567 - 571) برقم (120) ..(2/199)
746 - أبو ثور الفقيه الإمام (1) :
من أصحابنا، تكرر فى المهذب والوسيط والروضة. هو أبو ثور إبراهيم بن خالد بن أبى اليمان الكلبى البغدادى الإمام الجليل، الجامع بين علمى الحديث والفقه، أحد الأئمة المجتهدين، والعلماء البارعين، والفقهاء المبرزين المتفق على إمامته، وجلالته، وتوثيقه، وبراعته.
قال الخطيب البغدادى: هو أحد ثقات المأمونين، ومن الأئمة الأعلام فى الدين. قال: له كُتب مصنفة فى الأحكام، جمع فيها بين الفقه والحديث. وروينا عن الإمام أحمد ابن حنبل، قال: أبو ثور عندى فى صلاح سفيان الثورى. قال: وأنا أعرفه بالسنة منذ خمسين سنة. وسُئل الإمام أحمد بن حنبل عن مسألة، فقال: سل الفقهاء، سل أبا ثور. واعلم أن أحواله الجميلة، ومناقبه الظاهرة، وفضائله ومحاسنة المتظاهرة أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تشهر.
سمع الحديث من ابن عيينة، وابن علية، ووكيع، وأبى معاوية الضرير، والشافعى، وموسى بن داود، ومحمد بن عبيد الطنافسى، ويزيد بن هارون، ومعاذ بن معاذ، وآخرين. روى عنه أبو حاتم الرازى، ومسلم بن الحجاج، وأكثر عنه فى صحيحه، وأبو داود، والترمذى، وابن ماجة، وعبيد بن محمد بن خلف، والقاسم بن زكريا، وإدريس ابن عبد الكريم، وآخرون. واتفقوا على توثيقه وجلالته.
قال النسائى: هو ثقة مأمون، أحد الفقهاء. قالوا: وتوفى فى صفر سنة أربعين ومائتين، رحمه الله.
واعلم أن أبا ثور، رحمه الله، كان بالجلالة التى أشرت إليها، وكان أولاً على مذهب أهل الرأى، فلما قدم الشافعى، رضى الله عنه، بغداد حضره أبو ثور، فرأى من علمه وفضله وحسن طريقته وجمعه بين الفقه والسنة ما صرفه عما كان عليه، ورده إلى طريقة الشافعى، ولازم الشافعى، وصار من أعلام أصحابه، وهو أحد أصحاب الشافعى البغداديين الأئمة الجلة، رواة كتاب الشافعى القديم، وهم أحمد بن حنبل، وأبو ثور، والكرابيسى، والزعفرانى، رحمهم الله أجمعين.
ومع هذا الذى ذكرته من كون أبى ثور من أصحاب الشافعى، وأحد تلامذته والمنتفعين به، والآخذين عنه، والناقلين كتابه وأقواله، فهو صاحب مذهب مستقل، لا يُعد تفرده وجهًا فى المذهب بخلاف أبى القاسم الأنماطى، وابن سريج،
_________
(1) انظر: الجرح والتعديل (2/97، 98) ، والثقات لابن حبان (8/74) ، وتهذيب الكمال (2/80 - 83) ، وسير أعلام النبلاء (12/72 - 76) برقم (19) ، وميزان الاعتدال (1/29، 30) ، وتهذيب التهذيب (1/118، 119) ، وتقريب التهذيب (1/35) ..(2/200)
وغيرهما من أصحابنا أصحاب الوجوه، هذا هو الصحيح المشهور.
وقال الرافعى فى كتاب الغصب: أبو ثور وإن كان معدودًا وداخلاً فى طبقة أصحاب الشافعى، فله مذهب مستقل، لا يُعد تفرده وجهًا، هذا كلام الرافعى، وهو مقتضى قول ابن المنذر، وابن جرير، والساجى، وغيرهم من الأئمة المصنفين فى اختلاف مذهب العلماء، حيث يذكرونه مع الشافعى تارة موافقًا وتارة مخالفًا، ولا يذكرون باقى أصحاب الشافعى.
وأما قول صاحب المهذب فى أول باب الغصب، وقال: أبو ثور من أصحابنا، فظاهره أنه عده صاحب وجه، ويؤيد هذا أنه ذكره فى الكتاب ناقلاً عنه ما يخالف فيه، مع أنه لا يذكر غيره من أصحاب المذاهب المخالفين كأبى حنيفة، ومالك، وأحمد، وغيرهم، إلا فى مثل قوله ليخرج من خلاف أبى حنيفة ونحوه، ومع هذا فيمكن تأويل كلام صاحب المهذب على موافقة الكثيرين فيما قدمناه عنهم، ويكون مراده بذكره حيث هو منسوب إلى الشافعى، معدود من أصحابه، إلا أن هذا ينتقض بأحمد بن حنبل وغيره، فإنه أخذ عن الشافعى، ولا يذكره كذكره أبا ثور.
وأما ما سلكه صاحب المهذب فى أبى ثور، حيث يقول: قال أبو ثور كذا، وهذا خطأ، وحافظ على هذه العبارة، فلا يكاد يخل بها فمسلك فاسد، وعادة مُنكرة مستقبحة، فإن كثيرًا من المسائل التى يحكيها أبو ثور لا تكون ضعيفة إلى حد يقال فيه: وهذا خطأ، بل كثير منها مذهبه فيها قوى أو أقوى من مذهب الشافعى دليلاً، مع أن صاحب المهذب لا يستعمل هذه العبارة الفاسدة فى أكثر أصحابنا الذين لا يساوون أبا ثور، ولا يدانونه فى الفضيلة، وقد تكون وجوههم فى كثير من المسائل أضعف من مذهب أبى ثور، فالصواب إنكار هذه العبارة فى أبى ثور.
* * *
حرف الجيم
747 - أبو جحيفة الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب فى الأذان،
_________
(1) انظر: الإصابة (3/642) ، وتهذيب التهذيب (11/164) ، وطبقات ابن سعد (6/63، 64) ، والتاريخ الكبير (8/162) ، والجرح والتعديل (9/22) ، والاستيعاب (4/36) ، وأسد الغابة (5/157) ، وسير أعلام النبلاء (3/202، 203) برقم (44) ، وتاريخ بغداد (1/199) ، والبداية والنهاية (9/6) ..(2/201)
وفى استقبال القبلة، وهو بجيم مضمومة، ثم حاء مهملة مفتوحة، صحابى كوفى، واسمه وهب بن عبد الله، ويقال: وهب بن وهب السواى، بضم السين المهملة وتخفيف الواو وبالمد، منسوب إلى سواة بن عامر بن صعصعة. روى أبو جحيفة عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمسة وأربعين حديثًا، اتفق البخارى ومسلم على حديثين، وانفرد البخارى بحديثين، ومسلم بثلاثة.
روى عنه ابنه عون، وإسماعيل بن أبى خالد، وأبو إسحاق السبيعى، وعلى بن الأقمر، والحكم بن عتيبة، بالمثناة فوق، وكان على بن أبى طالب، رضى الله عنه، يكرم أبا جحيفة ويسميه وهب الخير، ووهب الله، وكان يحبه ويثق به، وجعله على بيت المال بالكوفة، وشهد معه مشاهده كلها، ونزل الكوفة وابتنى بها دارًا. توفى سنة اثنين وسبعين، وتوفى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو صبى لم يبلغ.
748 - أبو جعفر الإستراباذى:
من أصحاب الوجوه، مذكور فى المهذب فى آخر باب الردة فى مسألة السحر، هو بكسر الهمزة وبسين مهملة ساكنة، ثم تاء مثناة فوق مكسورة، ثم راء، ثم ألف، ثم موحدة، ثم ذال معجمة، منسوب إلى إستراباذ بلدة معروفة بخراسان.
749 - أبو جعفر الترمذى (1) :
من أصحابنا المتقدمين، مذكور فى المهذب فى باب الآنية فى أول الديات، منسوب إلى ترمذ، وفيها ثلاثة أقوال حكاها السمعانى فى الأنساب، أحدها ترمذ بكسر التاء والميم، قال: وهو الذى كنا نعرفه قديمًا، والثانى بضمهما جميعًا، قال: وهو الذى يقوله المتقنون وأهل المعرفة، والثالث بفتح التاء وكسر الميم، قال: وهو المتداول على ألسنة تلك البلدة، وكنت أقمت بها اثنى عشر يومًا.
قال: وهى مدينة قديمة على طرف نهر بلخ الذى يقال له: جيحون، وخرج منها جماعة كثيرة من العلماء والمشائخ والفضلاء، منهم أبو عيسى الترمذى الإمام الحافظ المشهور، ومنهم أبو جعفر هذا صاحب الترجمة، وهو أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الترمذى.
قال: كان فقيهًا، فاضلاً، ورعًا، سديد السيرة، سكن بغداد وحدث بها عن يحيى بن بكير المصرى، ويوسف بن على، وكثير بن يحيى، وإبراهيم بن المنذر، ويعقوب
_________
(1) تاريخ بغداد (1/365، 366) والمنتظم لابن الجوزى (6/80) والكامل فى التاريخ (8/13) ووفيات الأعيان (2/334) والمختصر فى أخبار البشر (2/62) وتاريخ ابن الوردى (1/249) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (1/288) وطبقات الشافعية للإسنوى (1/298، 299) وتذكرة الحفاظ (2/639) ومرآة الجنان (2/224) والوافى بالوفيات للصفدى (2/70) والبداية والنهاية (11/107) ..(2/202)
بن حميد ابن كاسب. روى عنه أحمد بن كامل القاضى، وعبد الباقى بن قانع القاضى، وأحمد بن يوسف بن خلاد، وغيرهم. قال: وكان ثقة من أهل العلم والفضل والزهد فى الدنيا.
قال الدارقطنى: هو ثقة مأمون ناسك. قال السمعانى: وذكر الدارقطنى عن أبى جعفر الترمذى، قال: كتبت الحديث تسعًا وعشرين سنة، وسمعت مسائل مالك وقوله، ولم يكن لى حسن رأى فى الشافعى، فبينا أنا قاعد فى مسجد النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة، إذ غفوت غفوة، فرأيت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى المنام، فسألته عن الأئمة إلى أن قلت: يا رسول الله، أكتب رأى مالك؟ فقال: منا وافق حديثى، قلت: أكتب رأى الشافعى؟ فطأطأ رأسه شبه الغضبان لقولى، وقال: ليس هذا بالرأى، هذا رد على من خالف سنتى، فخرجت فى أثر هذه الرؤيا إلى مصر وكتبت كُتب الشافعى.
قال الدارقطنى: ولم يكن للشافعيين بالعراق أرأس منه ولا أشد ورعًا، وكان من التقلل فى المطعم على حال عظيمة فقرًا، وورعًا، وصبرًا على الفقر.
أخبرنى إبراهيم بن السرى الزجاج، يعنى أبا إسحاق الزجاج الإمام فى العربية، أنه كان يجرى عليه أربعة دراهم فى الشهر، وكان لا يسأل أحدًا شيئًا. قال: وأخبرنى محمد ابن موسى بن حماد أنه أخبره أنه تقوت فى بضعة عشر يومًا بخمس حبات، أو قال: ثلاث حبات، قلت: كيف عملت؟ قال: لم يكن عندى غيرهم، فاشتريت بها لفتًا، فكنت آكل كل يوم واحدة.
قال السمعانى: ولد فى ذى الحجة سنة مائتين، وتوفى لإحدى عشرة ليلة خلت من المحرم سنة خمس وتسعين ومائتين. وكذا ذكره الشيخ أبو إسحاق فى سنتى مولده ووفاته. قال السمعانى: ولم يغير شيبه.
ومن مفردات أبى جعفر الترمذى النفيسة التى خالفه فيها جمهور الأصحاب، جزمه بطهارة شعر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يطرد فيه الخلاف المعروف فى شعر الآدميين المنفصل، ومن غرائبه المسألة المذكورة فى المهذب أنه لو أرسل سهمًا على حربى فأصابه وهو مسلم فمات به، قال: لا شىء على الرامى، والأصح الأشهر وجوب دية مسلم مخففة على العاقلة.
750 - أبو جعفر المنصور الخليفة (1) :
مذكور فى آخر باب زكاة
_________
(1) انظر: فيات الأعيان (2/294 - 297) ..(2/203)
الفطر. هو أبو جعفر عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القريشى الهاشمى، أمير المؤمنين، ابن عم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هو ثانى خلفاء بنى العباس، وأولهم أخوه أبو العباس عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس المعروف بالسفاح.
قال ابن قتيبة: بويع أبو العباس السفاح يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة ثنتين وثلاثين ومائة، وتوفى السفاح بالأنبار فى ذى الحجة سنة ست وثلاثين ومائة، وولى الخلافة بعده أخوه أبو جعفر المنصور، صاحب الترجمة.
قال: وولى الخلافة وهو ابن إحدى وأربعين سنة تقريبًا، ومولده بالشراة فى ذى الحجة سنة خمس وتسعين من الهجرة، وبويع بالأنبار يوم مات أخوه أبو العباس السفاح، ومضى أبو جعفر حتى قدم الكوفة، فصلى بالناس، ثم شخص منها حتى قدم الأنبار، وقدم عليه أبو مسلم فقتله أبو جعفر فى شعبان سنة سبع وثلاثين ومائة برومية المدائن، وخرج أبو جعفر حاجًا سنة أربعين ومائة، وأحرم من الحرة، وأمر قبل خروجه بالمسجد الحرام أن يوسع فى سنة تسع وثلاثين ومائة.
فلما قضى حجه صدر إلى المدينة فأقام بها مدة، ثم توجه إلى الشام حتى صلى فى بيت المقدس، ثم انصرف إلى الرقة، ثم سلك الفرات حتى نزل المدينة الهاشمية بالكوفة، وحضر الموسم سنة أربع وأربعين ومائة، ثم تحول إلى بغداد سنة خمس وأربعين ومائة، فبناها وأتم بناءها، واتخذها منزلاً سنة ست وأربعين.
توفى حاجًا لسبع، وقيل: لست خلون من ذى الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة عند بئر ميمون، ودفن بأعلى مكة، وكانت خلافته اثنين وعشرين سنة إلا أيامًا، ثم ولى بعده ابنه المهدى أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس يوم وفاة أبيه بمكة.
قال ابن قتيبة: وكان للمنصور من الأولاد: المهدى واسمه محمد، وجعفر، وصالح، وسليمان، وعيسى، ويعقوب، والقاسم، وعبد العزيز، والعباس، والعالية.
751 - أبو جمرة (1) :
الراوى عن ابن عباس. مذكور فى المهذب فى أول كتاب الشركة، لا ذكر له فى المهذب إلا هنا، ولا ذكر له فى باقى هذه الكُتب، هو بالجيم
_________
(1) انظر: التاريخ الكبير (8/104) ، وتاريخ ابن معين (2/604) ، والجرح والتعديل (8/465) ، وتهذيب التهذيب (10/431) ، وتقريب التهذيب (2/300) ..(2/204)
والراء، واسمه نصر بن عمران بن عاصم بن واسع، ويقال: عاصم بدل عصام، البصرى الضبعى، بضاد معجمة مضمومة، ثم باء موحدة، وهو من التابعين المشهورين.
سمع ابن عباس، وابن عمر، وجارية، بالجيم، ابن قدامة، وزهدم بن مضرب، وهلال بن حصين، وأبا بكر بن أبى موسى. روى عنه يزيد بن حميد، وقرة بن خالد، ومحمد بن أبى حفصة، وأيوب السختيانى، وأبان بن يزيد، وإبراهيم بن طهمان، والحمادان، وشعبة، وآخرون. واتفقوا على توثيقه.
قال ابن معين، وأحمد بن حنل، وأبو زرعة، وآخرون: هو ثقة، روى له البخارى ومسلم. قال مسلم: كان مقيمًا بنيسابور، ثم انصرف إلى مرو، ثم إلى سرخس. وقال مسلم فى صحيحه من كتاب الجنائز فى حديث القطيعة: توفى أبو جمرة بسرخس. قال عمرو بن على والترمذى: توفى سنة ثمان وعشرين ومائة، وليس فى الرواة من يقال له: أبو جمرة بالجيم غيره.
قال بعض الحافظ: يروى شعبة بن الحجاج عن سبعة عشر رجال كلهم عن ابن عباس يقال لكل واحد منهم أبو حمزة، بالحاء والزاى، إلا هذا نصر بن عمران، فإنه بالجيم والراء، وعلامته أنه يأتى مطلقًا عن ابن عباس، وأما غيره فقد يوصف أو ينسب. قال: وكان عمران والد أبى جمرة رجلاً جليلاً، وكان قاضى البصرة. روى عنه ابنه وغيره، وذكره ابن عبد البر، وابن مندة، وأبو نعيم الأصبهانى فى كتبهم فى الصحابة. قالوا: واختلف فى أنه صحابى أم تابعى.
752 - أبو جندل الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب فى باب الهدنة. هو بفتح الجيم، وإسكان النون، وهو ابن سهيل ابن عمرو، وتقدم نسبه فى ترجمة أبيه. قال الزبير بن بكار وغيره: اسم أبى جندل العاصى، أسلم أبو جندل، رضى الله عنه، فحبسه أبوه وقيده، فهرب يوم الحديبية إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورُدَّ إليهم بسبب العهد الذى جرى، ثم هرب والتحق بأبى بصير ورفقته، رضى الله عنهم، وأقاموا بسيف البحر، بكسر السين، وهو جانبه، وحديثهم مشهور فى الصحيح.
قال موسى بن عقبة:
_________
(1) انظر: الإصابة (4/34) ، وأسد الغابة (5/160) ، والاستيعاب (4/33) ، وطبقات ابن سعد (7/405) ، وسير أعلام النبلاء (1/192) (23) ..(2/205)
لم يزل أبو جندل وأبوه سهيل مجاهدين بالشام حتى توفيا، يعنى فى خلافة عمر بن الخطاب، رضى الله عنهم.
753 - أبو جهل:
عدو الله، فرعون هذه الأمة، مذكور فى المهذب فى مواضع منها الإيمان، والسير، اسمه عمرو بن هشام، وسبق تمام نسبه فى ترجمة ابنه عكرمة، قُتل أبو جهل يوم بدر كافرًا، وكانت بدر فى السنة الثانية من الهجرة، قتله عمرو بن الجموح وابن عفراء الأنصاريان، وكانا حديثين، وحديثهما فى الصحيح مشهور، وفى كتب السنن أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين رآه مقتولاً قال: "قُتل فرعون هذه الأمة".
754 - أبو الجهم:
ويقال: أبو جهم، بحذف الألف واللام، الصحابى، رضى الله عنه، بفتح الجيم وإسكان الهاء. مذكور فى المختصر والمهذب فى الخطبة فى النكاح، أن فاطمة بنت قيس قالت: خطبنى معاوية وأبو الجهم. ومذكور فى المهذب أيضًا فى باب ما يفسد الصلاة فى حديث الخميصة ذات الأعلام والأنبجانية، واسمه عامر، وقيل: عبيد، بضم العين، ابن حذيفة بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عَبِيد، بفتح العين وكسر الباء، ابن عويج، بفتحها أيضًا، ابن عدى بن كعب القريشى العدوى.
أسلم يوم الفتح، وصحب النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان معظمًا فى قريش، ومقدمًا فيهم. قال الزبير بن بكار: كان أبو الجهم عالمًا بالنسب، وكان من المعمرين، شهد بنيان الكعبة فى الجاهلية، وشهد بنيانها فى أيام الزبير. قيل: إنه توفى فى أيام ابن الزبير، وقيل: إنه توفى فى أيام معاوية، وهو أحد دافنى عثمان بن عفان، وهم أربعة: حكيم بن حزام، وجبير ابن مطعم، ونيار بن مكرم، وأبو الجهم بن حذيفة.
واعلم أن أبا الجهم هذا غير أبى الجهيم، بضم الجيم وفتح الهاء وزيادة ياء، راوى حديث التيمم بالجدار، وحديث المرور بين يدى المصلى، وحديثاه فى الصحيحين؛ لأنه أنصارى نجارى، اسمه عبد الله بن الحارث بن الصمة، بكسر الصاد المهملة، وهو صحابى أيضًا.
* * *(2/206)
حرف الحاء المهملة
755 - أبو حاتم المزنى الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المهذب فى الكفاءة فى النكاح، لا ذكر له فى هذه الكُتب إلا هنا، وهو معدود فى أهل المدينة، قالوا: ولا يُعرف اسمه. قال الترمذى: لا يعرف له غير حديث الكفاءة. قال: وهو صحابى. وقال غيره: روى عنه محمد وسعيد ابنا عبيد.
756 - أبو حاتم القزوينى (1) :
من أصحابنا أصحاب الوجوه. تكرر فى المهذب والروضة. هو شيخ صاحب المهذب، وهو القزوينى، بفتح القاف وكسر الواو، منسوب إلى قزوين، مدينة مشهورة بخراسان.
قال الشيخ أبو إسحاق فى الطبقات: هو شيخنا أبو حاتم محمود بن الحسن الطبرى، المعروف بالقزوينى، تفقه بآمل على شيوخ البلد، ثم قدم بغداد، وحضر مجلس الشيج أبى حامد، ودرس الفرائض على ابن اللبان، وأصول الفقه على القاضى أبى بكر الأشعرى المعروف بابن الباقلانى، وكان حافظًا للمذهب والخلاف، صنَّف كُتبًا كثيرة فى المذهب والخلاف والأصول والجدل، ودرس ببغداد وآمل، ولم أنتفع بأحد فى الرحلة كما انتفعت به وبالقاضى أبى الطيب، وتوفى بآمل. هذا كلام الشيخ أبى إسحاق.
وقال غيره فى نسبه: هو محمود بن الحسن بن محمد بن يوسف بن الحسن بن محمد ابن عكرمة بن أنس بن مالك الأنصارى الطبرى، من أهل آمل طبرستان، واشتهر بالقزوينى.
757 - أبو حازم التابعى (2) :
مذكور فى المختصر فى بيع الغرر. هو سلمة بن دينار المدنى الأعرج، الزاهد، الفقيه، المشهور بالمحاسن، وهو مخزومى، مولى الأسود بن سفيان المخزومى، وقيل: مولى لبنى ليث، سمع سهل بن سعد الساعدى، وأكثر الرواية عنه فى الصحيحين وغيرهما، والنعمان بن أبى عياش الزرقى، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وسعيدًا المقبرى، وأبا صالح، وعبد الله بن أبى قتادة، وأبا سلمة بن
_________
(1) انظر: طبقات الفقهاء للشيرازى (109) والتدوين فى أخبار قزوين للرافعى (4/70) وسير أعلام النبلاء (18/128) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (5/312 - 314) طبقات الشافعية للإسنوى (2/300، 301) وطبقات الشافعية لابن قاضى شهبة (1/222، 223) وديوان الإسلام لابن الغزى (2/148، 149) والأعلام (7/167) ومعجم المؤلفين (12/158) ..
(2) انظر: تاريخ ابن معين (2/224) ، والجرح والتعديل (4/159) ..(2/207)
عبد الرحمن، وأبا إدريس الخولانى، وعطاء بن يسار، وعمرو بن شعيب، وأم الدرداء الصغرى، وآخرين.
روى عنه ابناه عبد العزيز وعبد الجبار، والزهرى وهو أكبر من أبى حازم، ومحمد بن إسحاق، ومحمد بن عجلان، والمسعودى، ومالك بن أنس، وابن أبى ذؤيب، وعبيد الله ابن عمر، وموسى بن عبيدة، وسفيان الثورى، وعمرو بن صهبان، وسليمان بن بلال، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهشام بن سعد، وأسامة بن زيد، ومعمر، وسفيان بن عيينة، وأخوه محمد بن عيينة، وخلائق لا يحصون. وأجمعوا على توثيقه وجلالته والثناء عليه.
قال محمد بن إسحاق بن خزيمة: لم يكن فى زمن أبى حازم مثله، توفى سنة خمس وثلاثين ومائة، روى له البخارى ومسلم. قال يحيى بن صالح: قلت لابن أبى حازم: سمع أبوك أبا هريرة؟ قال: مَن حدَّثك أن أبى سمع أحدًا من الصحابة غير سهل بن سعد فقد كذب.
واعلم أن فى هذا المرتبة اثنين يكنيان أبا حازم، أحدهما هذا المشهور بالرواية عن سهل، والثانى أبو حازم سلمان مولى عزة الأشجعية المشهورة بالرواية عن أبى هريرة، والله أعلم.
758 - أبو حامد الإسفراينى:
إمام طريقة أصحابنا العراقيين، وشيخ المذهب، يُعرف بالشيخ أبا حامد الإسفراينى، هكذا تكرر فى كتب المذهب، وهو متكرر فى هذه الكُتب أكثر، واسمه أحمد بن محمد ابن أحمد أبو حامد الإسفراينى، ويُعرف بابن أبى طاهر.
قال الخطيب فى تاريخ بغداد: قدم بغداد وهو حدث، فدرس فقه الشافعى على أبى الحسن بن المرزبان، ثم على أبى القاسم الداركى، وأقام ببغداد مشغولاً بالعلم حتى صار واحد وقته، وانتهت إليه الرياسة، وعظم جاهه عند الملوك والعوام، وحدث بشىء يسير عن عبد الله بن على، وأبى محمد الإسماعيلى، وإبراهيم بن محمد بن عبدك، وغيرهم.
حدثنى عنه الحسن بن محمد الحلال، وعبد العزيز بن على الأزجى، ومحمد بن أحمد ابن شعيب الرويانى، وكان ثقة، وقد رأيته غير مرة، وحضرت تدريسه فى مسجد عبد الله بن المبارك، وهو المسجد الذى فى صدر قطيعة الربيع، وسمعت من يقول: إنه كان يحضر درسه ستمائة متفقه، وكان الناس يقولون: لو رآه الشافعى(2/208)
يفرح به.
قال الخطيب: قال أبو حامد: ولدت سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، وقدمت بغداد سنة أربع وستين وثلاثمائة، ودرس الفقه من سنة سبعين وثلاثمائة إلى أن مات. قال الخطيب: حدثنى الحسن بن أبى طالب، قال: أنشدنى أبو حامد بن أبى طاهر الإسفراينى، قال: كتب إلىَّ قاضى ترمذ:
لا يغلون عليك الحمد فى ثمن
الحمد يبقى على الأيام ما بقيت
فليس حمد وإن أثمنت بالغالى
والدهر يذهب بالأحوال والمال
قال الخطيب: حدثنى محمد بن أحمد بن رزق الأسدى، قال: سمعت أبا الحسين القدورى يقول: ما رأيت فى الشافعيين أفقه من أبى حامد. قال الخطيب: وحدثنى أبو إسحاق إبراهيم بن على الشيرازى، يعنى صاحب التنبيه، قال: سألت القاضى أبا عبد الله الصيمرى: مَن أنظر مَن رأيت مِن الفقهاء؟ فقال: أبو حامد الأسفراينى.
قال الخطيب: أنشدنى أبو إسحاق إبراهيم بن على الشيرازى، قال: أنشدنى أبو الفرج الدارمى لنفسه فى أبى حامد الأسفراينى وقد عاده:
مرضت فارتحت إلى عائد
ذاك الإمام ابن أبى طاهر
فعادنى العالم فى واحد
أحمد ذو الفضل أبو حامد
ثم لقيت أبا الفرج الدارمى بدمشق فأنشدنيهما. قال الخطيب: توفى أبو حامد ليلة السبت لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر شوال سنة ست وأربعمائة، ودفن من الغد، وصليت على جنازته فى الصحراء، وكان يومًا مشهورًا بكثرة الناس، وعظم الحزن، وشديد البكار، ودفن فى داره إلى أن نقل منها، ودفن بباب حرب سنة عشر وأربعمائة، هذا آخر كلام الخطيب.
وقال الشيخ أبو إسحاق فى الطبقات: انتهت إلى الشيخ أبى حامد الإسفراينى رياسة الدين والدنيا ببغداد، وعلق عنه تعليق فى شرح المزنى، وعلق عنه أصول الفقه، وطبق الأرض بأصحابه، وجمع مجلسه ثلاثمائة متفقه، واتفق الموافق والمخالف على تقديمه وتفضيله فى جودة الفقه، وحُسن النظر، ونظافة العلم.
وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح، رحمه الله: وتأول(2/209)
بعض العلماء حديث أبى هريرة، يعنى المشهور، فى كتاب الملاحم من سنن أبى داود وغيره، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إن الله عز وجل يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”، فكان على رأس المائة الأولى عمر بن عبد العزيز، وفى الثانية الشافعى، وفى الثالثة ابن سريج، وفى الرابعة أبو حامد الإسفراينى.
وروى الشيخ أبو عمر بإسناده، أن المحاملى لما علم المقنع كتابه المشهور، أنكر عليه شيخه أبو حامد الإسفراينى لكونه جَرَّد فيه المذهب، وأفرده عن الخلاف، وذهب إلى أن ذلك مما يقصر الهمم عن تحصيل الفنين، ويحمل على الاكتفاء بأحدهما، ومنعه من حضور مجلسه، حتى احتال لسماع درسه من حيث لا يحضر المجلس.
وعن أبى الفتح سليم بن أيوب الرازى، أن الشيخ أبا حامد كان فى ابتداء أمره يحرس فى درب، وأنه كان يطالع الدرس فى رتب الحرس، ويأكل من أجرة الحرس، وأنه أفتى وهو ابن سبع عشرة سنة، وأقام يُفتى إلى ثمانين سنة. قال: ولم دنت وفاته قال: لَمَّا تَفَقَّهْنَا مُتْنَا.
ولما بلغ الشيخ أبا حامد أن المحاملى صَنَّف المجموع، والتجريد، والمقنع، قال أبو حامد: بَتَرَ كُتُبى بَتَرَ الله عُمره، فما عاش بعد ذلك إلا قليلاً. وأرسل أبو حامد إلى مصر فاشترى أمالى الشافعى بمائة دينار حتى كان يُخَرِّج منها.
واعلم أن مدار كُتب أصحابنا العراقيين أو جماهيرهم مع جماعات من الخراسانيين على تعليق الشيخ أبى حامد، وهو فى نحو خمسين مجلدًا، جمع فيه من النفائس ما لم يشارك فى مجموعه من كثرة المسائل والفروع، وذكر مذاهب العلماء، وبسط أدلتها، والجواب عنها، وعنه انتشر فقه طريقة أصحابنا العراقيين.
وممن تفقه على أبى حامد من أئمة أصحابنا: أقضى القضاة أبو الحسن الماوردى صاحب الحاوى، والقاضى أبو الطيب، وسليم بن أيوب الرازى، وأبو الحسن المحاملى، وأبو على السنجى، تفقه السنجى عليه وعلى القفال المروزى، وهما شيخا طريقى العراق وخراسان فى عصرهما، وعن هؤلاء المذكورين انتشر المذهب.
واعلم أن نُسَخ تعليق أبى حامد تختلف فى بعض المسائل، وقد نبهت على كثير من ذلك فى شرح المهذب، والله أعلم.(2/210)
759 - أبو حامد المروروذى (1) :
بميم مفتوحة، ثم راء ساكنة، ثم واو مفتوحة، ثم راء مضمومة مشددة، ثم واو، ثم ذال معجمة، وقد يقال بتخفيف الراء، ويقال: المروذى بتشديد الراء المضمومة، وهكذا ذكره الحافظ عبد الغنى بن سعيد المصرى، وابن ماكولا، وغيرهما، والأول هو المشهور، وهو منسوب إلى مرو الروز، مدينة معروفة بخراسان، ويعرف بالقاضى أبى حامد، بخلاف الذى قبله، فإنه معروف فى كتب المذهب بالشيخ أبى حامد، فغلب فى الأول استعمال الشيخ، وفى الثانى القاضى.
واسم القاضى أبى حامد هذا أحمد بن بشر بن عامر القاضى العامرى المروروذى، ثم البصرى، وهذا الذى ذكرناه من أن اسمه أحمد بن بشر بن عامر هو الصواب، كذا ذكره الحافظان عبد الغنى المصرى، وأبو نصر بن ماكولا، وآخرون. وذكره الشيخ أبو إسحاق فى الطبقات غلطًا، فقال: أحمد بن عامر بن بشر، وغلطوه العلماء فى ذلك، ونسبوه إلى السهو فيه.
قال أبو إسحاق: صحب القاضى أبو حامد أبا إسحاق المروذى، وتوفى سنة ثنتين وستين وثلاثمائة، ونزل البصرة ودرس بها، وصنف الجامع فى المذهب، وشرح المختصر للمزنى، وصنف فى أصول الفقه، وكان إمامًا لا يشق غباره، وعنه أخذ فقهاء البصرة، رحمه الله، وتكرر ذكر القاضى أبى حامد فى المهذب والروضة، ولا ذكر له فى الوسيط وباقى الستة، وكتابه الجامع من أنفس الكُتب.
760 - أبو حثمة الصحابى، رضى الله عنه (2) :
والد سهل بن أبى حثمة، وهو وابنه سهل صحابيان، رضى الله عنهما، وحثمة بحاء مهملة مفتوحة، ثم ثاء مثلثة ساكنة، واسم أبى حثمة عبد الله، وقيل: عامر بن صاعدة الأنصارى الأوسى الحارثى، وسبق تمام نسبه فى ترجمة ابنه سهل، شهد أُحُدًا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان دليله إليها، وشهد معه أيضًا خيبر والمشاهد بعدها، وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر، وعمر، وعثمان يبعثونه خارصًا. وتوفى فى أول خلافة معاوية. ذكره ابن مندة، وابن عبد البر، وأبو نعيم الأصبهانى، وغيرهم.
_________
(1) انظر: طبقات الفقهاء للشيرازى (114) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (2/82) والوافى بالوفيات (6/265) والعبر (2/326) ووفيات الأعيان (1/69) والبداية والنهاية (11/209) ومرآة الجنان (2/375) وسير أعلام النبلاء (16/166، 167) ..
(2) انظر: الاستيعاب (4/41) ، وأسد الغابة (5/169) .(2/211)
761 - أبو حدرد الصحابى، رضى الله عنه:
وهو والد أم الدرداء الكبرى خيرة، وهو أسلمى، قيل: اسمه سلامة بن عمر بن أبى سلامة. وقال أحمد بن حنبل: حدثت عن أبى إسحاق أن اسمه عبد الله. وقال على بن المدينى: اسمه عبيد، وهو حجازى، روى عنه ابنه حدرد بن أبى حدرد.
762 - أبو حذيفة بن عتبة الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المختصر فى آخر قتال البغاة، وهو الذى نهاه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قتل أبيه، واسم أبى حذيفة مشم، وقيل: هشيم، وقيل: هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى القريشى العبشمى، وأمه فاطمة بنت صفوان بن أمية، وكان أبو حذيفة من السابقين إلى الإسلام، وهاجر إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، وهو زوج سهلة بنت سهيل بن عمرو، واستشهد أبو حذيفة يوم اليمامة، ولا عقب له.
قال ابن إسحاق وغيره: وكان من فضلاء الصحابة، جمع الله تعالى له الشرف والفضل، وكان إسلامه قبل دخول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دار الأرقم، وآخى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينه وبين عباد بن بشر. وشهد المشاهد كلها مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واستشهد يوم اليمامة وله ثلاث أو أربع وخمسون سنة، وكان طويلاً، حسن الوجه، وهو مولى سالم مولى أبى حذيفة الصحابى الفاضل الجليل، وقد سبقت ترجمته فى سالم، وقُتل أبوه عتبة بن ربيعة يوم بدر كافرًا وألقى فى قليب بدر.
763 - أبو حرملة:
مذكور فى المختصر فى صوم عاشوراء. روى عن أبى قتادة الصحابى، رضى الله عنه. روى عنه أبو الخليل، هكذا ذكره الشافعى فى المختصر.
764 - أبو الحسن الماسرجسى:
من أئمة أصحابنا أصحاب الوجوه، مذكور فى مواضع من المهذب، منها باب إزالة النجاسة، وصفة الصلاة فى تطويل قراءة الركعة الأولى، وفى باب الإحداد، وتكرر ذكره فى الروضة، وهو بسين مهملة مفتوحة، ثم راء ساكنة، ثم جيم مكسورة، ثم سين مهملة مكسورة.
وهو أبو الحسن محمد بن على بن سهل بن مفلح، بكسر اللام، وهو منسوب إلى جد من أجداده لأمه، واسمه
_________
(1) انظر: الإصابة (264) ، والاستيعاب (4/39) ، وأسد الغابة (6/70) ، وسير أعلام النبلاء (1/164) (13) ، والعقد الثمين (3/295) ..(2/212)
ماسرجس. قال أبو سعد السمعانى: هو ابن بنت أبى على الحسن بن عيسى بن ماسرجس النيسابورى. وأبو على هذا سمع ابن المبارك، وابن عيينة، ووكيعًا، وغيرهم. سمع منه أحمد بن حنبل، والبخارى، ومسلم، وغيرهم، وغلبت هذه النسبة على أولاده وأعقابه.
قال السمعانى: كان أبو الحسن الماسرجسى إمامًا من الفقهاء الشافعية، من أعلم الناس بالمذهب وفروع المسائل، تفقه بخراسان، والعراق، والحجاز، وصحب أبا إسحاق المروزى إلى أن مات، وسمع الحديث من خالد المؤمل بن الحسن بن عيسى، وأصحاب المزنى، وأصحاب يونس بن عبد الأعلى، وغيرهم. وسمع منه الحاكم أبو عبد الله، والقاضى أبو الطيب الطبرى، وغيرهما.
توفى عشية الأربعاء، ودفن عشية الخميس سادس جمادى الآخرة، سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، وهو ابن ست وثمانين سنة، وهذا المذكور فى وفاته هو لفظ الحاكم فى تاريخ نيسابور.
ومن أجلَّ من تفقه عليه الماسرجسى: أبو إسحاق المروزى، ومن أجلَّ من تفقه على الماسرجسى: القاضى أبو الطيب الطبرى، وهو أحد أجدادنا فى سلسلة الفقه المتصلة برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما سبق بيانه فى مقدمة هذا الكتاب.
ومن طرق أخبار الماسرجسى ما حكاه عنه الرافعى وغيره فى كتاب الديات، قال: رأيت صيادًا يرى الصيد على فرسخين. وقد نقلته فى الروضة. وروينا فى تاريخ دمشق فى ترجمة الماسرجسى عن المصنف الحافظ أبى القاسم بن عساكر، رحمه الله، قال: سمع الماسرجسى بدمشق الحسن بن جذلم، وبمكة أبا سعيد بن الأعرابى، وبمصر أبا طالب عمر بن الربيع بن سليمان، وآخرين سماهم الحافظ، وبنيسابور جماعات سماهم، وبالرى محمد بن عيسى، وببغداد جماعات كثيرين سماهم، وبالكوفة وبالبصرة سمع أبا بكر بن داسة، وبواسط وبالرقة وبحلب جماعات، وبهمذان وطوس. روى عنه الحاكم أبو عبد الله، وأبو نعيم، وأبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن، وغيرهم من الأئمة.
قال الحاكم أبو عبد الله: كان الماسرجسى أحد أئمة الشافعيين بخراسان، وكان من أعرف أصحابه بالمذهب، وترتيبه، وفروعه، تفقه بخراسان والعراق والحجاز، وسحب أبا إسحاق المروزى إلى مصر، ولزمه حتى دفته، ثم انصرف إلى بغداد، وكان خليفة(2/213)
القاضى ابن على بن أبى هريرة فى مجالسه، وكان المجلس له بعد قيام القاضى أبى على، وانصرف إلى خراسان سنة أربع وأربعين، وعقد له مجلس الدرس والنظر، رحمه الله تعالى.
ومن غرائب الماسرجسى الصحيحة النفيسة استحبابه تطويل قراءة الركعة الأولى على الثانية، والمشهور فى المذهب التسوية بينهما، ولكن قول الماسرجسى أصح. وقد ثبت فيه حديث أبى قتادة فى الصحيحين، والله أعلم.
765 - أبو الحسن بن المرزبان (1) :
من أصحابنا أصحاب الوجوه، ذكره فى الروضة فى آخر باب إزالة النجاسة، وتكرر فى الروضة، ولا ذكر له فى باقى الكُتب الستة، والمرزبان بفتح الميم، ثم راء ساكنة، ثم زاء مضمومة، ثم باء موحدة، وهو فارسى معرب، وهو زعيم فلاحى العجم، وجمعه مرازبة، ذكره كله الجوهرى فى صحاحه. وهو أبو الحسن على بن أحمد بن المرزبان البغدادى، صاحب أبى الحسين بن القطان أحد المشهورين بالإمامة، وهو شيخ الشيخ أبى حامد الإسفراينى إمام طريقة أصحابنا العراقيين.
قال الخطيب البغدادى: كان ابن المرزبان أحد الشيوخ الأفاضل، تفقه عليه أبو حامد الإسفراينى أول قدومه بغداد. وقال الشيخ أبو إسحاق: كان ابن المرزبان فقيهًا ورعًا. حكى عنه أنه قال: ما أعلم أن لأحد علىَّ مظلمة. قال: وكان فقيهًا يعلم أن الغيبة من المظالم. توفى فى رجب سنة ست وستين وثلاثمائة.
766 - أبو الحسن العبادى (2) :
بفتح العين وتشديد الباء. من أصحابنا الفضلاء، تكرر ذكره فى الروضة، وهو صاحب كتاب الرقم، وهو ولد الشيخ أبى عاصم العبادى الإمام، واسم أبى الحسن [......] (3) . توفى فى جمادى سنة خمس وتسعين وأربعمائة، وهو ابن ثمانين سنة.
767 - أبو الحسين - بضم الحاء - ابن القطان (4) :
من أصحابنا أصحاب الوجوه، تكرر فى المهذب والروضة، ومن مواضعه فى المهذب مسألة كلما طلقت امرأة فعبد حر، وكتاب اللعان، وهو أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن القطان البغدادى.
قال الخطيب البغدادى: هو من كبار الشافعيين، وله مصنفات فى أصول الفقه وفروعه.
_________
(1) انظر: طبقات الفقهاء للشيرازى (91) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (3/346) وتاريخ بغداد (11/325) والبداية والنهاية (11/289) ووفيات الأعيان (3/281) ومرآة الجنان (2/385) وسير أعلام النبلاء (16/246) ..
(2) سير أعلام النبلاء (19/185) وطبقات الشافعية لابن هداية الله (65) ومعجم المؤلفين (1/257، 258) ..
(3) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
(4) انظر: البداية والنهاية (11/269) ومرآة الجنان (2/371) ووفيات الأعيان (1/53) وتاريخ بغداد (4/365) والوافى بالوفيات (7/321) وطبقات الشافعية للإسنوى (2/298) وطبقات الفقهاء للشيرازى (113) ..(2/214)
قال: قال القاضى أبو الطيب: مات ابن القطان فى جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وثلاثمائة. وقال الشيخ أبو إسحاق: آخر من عرفناه من أصحاب ابن سريج ابن القطان. قال: ودرس ببغداد، وأخذ عنه العلماء.
768 - أبو حفص الباب شامى:
من أصحابنا أصحاب الوجوه المتقدمين، تكرر ذكره فى المهذب، فذكره فى مواضع أولها صفة الصلاة فى فصل السلام، وتكرر فى الروضة، وذكره فى الوسيط فى الصداق، هو بالباء الموحدة المكررة المفتوحة بعد الثانية منهما شين معجمة. قال أبو سعد السمعانى: هذه النسبة إلى باب الشام، وهو أحد المحال المشهور بالجانب الغربى من بغداد، وهذا من شواذ النسب، ومقتضاه فى العربية أن يقال: الشامى، ويجوز على رأى أن يقال: البابى.
769 - أبو حفص بن عمرو، رضى الله عنه:
زوج فاطمة بنت قيس، مذكور فى المهذب فى التعريض بالخطبة، ويقال له أيضًا: أبو عمرو بن حفص بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القريشى المخزومى، ويقال: أبو حفص بن المغيرة، قيل: اسمه أحمد، وقيل: عبد الحميد، وهو الأشهر وقول الأكثرين، وقيل: اسمه كنيته.
بعثه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع على بن أبى طالب، رضى الله تعالى عنه، إلى اليمن، فطلق زوجته فاطمة وهو هناك. قيل: توفى هناك، وقيل: عاش بعد ذلك إلى خلافة عمر، رضى الله عنه، حكاه البخارى فى التاريخ، وحكى ابن عبد البر القول الأول.
770 - أبو حميد الساعدى الصحابى، رضى الله عنه (1) :
تكرر فى صفة الصلاة من المهذب والوسيط، واسمه عبد الرحمن، وقيل: المنذر بن عمرو بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة، بالحاء المهملة، ابن عمرو بن الخزرج بن ساعدة، ويقال: ابن عمرو بن سعد بن المنذر بن مالك الأنصارى الساعدى المدنى الجليل.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ستة وعشرون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على ثلاثة، وللبخارى حديث ولمسلم آخر. روى عنه جابر بن عبد الله، وعروة بن الزبير، وعباس بن سهل
_________
(1) انظر: الإصابة (4/46) ، والجرح والتعديل (5/237) ، والاستيعاب (4/42) ، وأسد الغابة (5/174) ، وسير أعلام النبلاء (2/481) ..(2/215)
بن سعد، وعمرو بن سليم، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وعبد الملك بن سعيد بن سويد الأنصارى. توفى فى آخر خلافة معاوية.
771 - أبو حنيفة الإمام (1) :
تكرر ذكره فى هذه الكُتب، هو الإمام البارع أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زُوطَى، بضم الزاى وفتح الطاء. قال الشيخ أبو إسحاق فى الطبقات: هو النعمان بن ثابت بن زوطى بن ماه مولى تيم الله بن ثعلبة، ولد سنة ثمانين من الهجرة، وتوفى ببغداد سنة خمسين ومائة، وهو ابن سبعين سنة. أخذ الفقه عن حماد بن أبى سليمان. قال: وكان فى زمنه أربعة من الصحابة: أنس بن مالك، وعبد الله بن أبى أوفى، وسهل بن سعد، وأبو الطفيل، ولم يأخذ عن أحد منهم.
وقال الخطيب البغدادى فى التاريخ: هو أبو حنيفة التيمى، إمام أصحاب الرأى، وفقيه أهل العراق، رأى أنس بن مالك، وسمع عطاء بن أبى رباح، وأبا إسحاق السبيعى، ومحارب بن دثار، والهيثم بن حبيب الصراف، وقيس بن مسلم، ومحمد بن المنكدر، ونافعًا مولى عبد الله بن عمر، وهشام بن عروة، ويزيد الفقير، وسماك بن حرب، وعلقمة بن مرثد، وعطية العوفى، وعبد العزيز بن رفيع، وعبد الكريم أبا أمية، وغيرهم.
روى عنه أبو يحيى الحمانى، وهشيم بن بشر، وعباد بن العوام، وعبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، ويزيد بن هارون، وعلى بن عاصم، ويحيى بن نصر، وأبو يوسف القاضى، ومحمد بن الحسن، وعمرو بن محمد العبقرى، وهوذة بن خليفة، وأبو عبد الرحمن المقرىء، وعبد الرزاق بن همام، وآخرون.
قال الخطيب: وهو من أهل الكوفة، نقله أبو جعفر المنصور إلى بغداد فأقام بها حتى مات، ودفن بالجانب الشرقى منها فى مقبرة الخيزران، وقبره هناك ظاهر معروف. ثم روى الخطيب بإسناده، عن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلى الإمام الحافظ، قال: أبو حنيفة النعمان بن ثابت، كوفى تيمى من رهط حمزة الزيات، وكان خزازًا يبيع الخز.
وبإسناده عن عمرو بن حماد بن أبى حنيفة، قال: أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى، فأما زوطى فإنه من أهل كابل، ولد ثابت على الإسلام، وكان
_________
(1) انظر: المتروكين (100) ، وتذكرة الحفاظ (1/158) ، وميزان الاعتدال (4/265) ، والتاريخ الكبير (8/81) ، وتقريب التهذيب (2/302) ، وتهذيب التهذيب (10/449) ، والجرح والتعديل (8/449) ، والمجروحين (3/61) ، تاريخ بغداد (13/323) ، والعير (1/274) ، ووفيات الأعيان (5/455) ، وتاريخ ابن معين (2/607) ، ومرآة الجنان (1/309) ، والبداية والنهاية (10/107) ، وسير أعلام النبلاء (6/390) ، والنجوم الزاهرة (2/12) ، وشذرات الذهب (1/227) ..(2/216)
زوطى مملوكًا لبنى تيم الله بن ثعلبة فأعتق، فولاؤه لبنى تيم الله بن ثعلبة، وكان أبو حنيفة خزازًا، ودكانه معروف فى دار عمرو بن حريث.
وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: أصل أبى حنيفة من كابل. وقال أبو عبد الرحمن المقرىء: كان أبو حنيفة من أهل بابل. وقال يحيى بن النضر القريشى: كان والد أبى حنيفة من سباء. وقال الحارث بن إدريس: أصل أبى حنيفة من ترمذ. وقال إسحاق بن الهلول، عن أبيه، قال: ثابت والد أبى حنيفة من الأنبار.
وبإسناده عن إسماعيل بن حماد بن أبى حنيفة، قال: أنا إسماعيل بن حماد بن النعمان ابن ثابت بن النعمان بن المرزبان من أبناء فارس الأحرار، والله ما وقع علينا رق قط، ولد جدى سنة ثمانين، وذهب ثابت إلى على بن أبى طالب وهو صغير، فدعا له بالبركة وفى ذريته، ونحن نرجو من الله أن يكون قد استجاب ذلك من على بن أبى طالب فينا.
وبإسناده عن عبد الله بن عمرو الرقى، قال: كلم ابن هبيرة أبا حنيفة أن يلى له قضاء الكوفة فأبى عليه، فضربه مائة سوط وعشرة أسواط، فى كل يوم عشرة أسواط، وهو على الامتناع، فلما رأى ذلك خلى سبيله، وكان ابن هبيرة عاملاً على العراق فى زمن بنى أمية.
وعن أبى بكر بن عياش، قال: ضُرب أبو حنيفة على القضاء. وعن الربيع بن عاصم، قال: أرسلنى يزيد بن عمر بن هبيرة، فقدمت بأبى حنيفة، فأراده على بيت المال فأبى، فضربه أسواطًا.
وعن يحيى بن عبد الحميد، عن أبيه، قال: كان أبو حنيفة كل يوم أو يومين من الأيام يُضرب ليدخل فى القضاء فيأبى، ولقد بكى فى بعض الأيام، فلما أطلق قال لى: كان غم والدتى أشدّ علىَّ من الضرب.
وعن إسماعيل بن سالم البغدادى، قال: أُكره أبو حنيفة على الدخول فى القضاء فلم يقبل. قال: وكان أحمد بن حنبل إذ ذكر ذلك بكى وترحم على أبى حنيفة.
وبإسناده عن بشر بن الوليد الكندى، قال: أشخص المنصور أبو جعفر أمير المؤمنين أبا حنيفة، يعنى من الكوفة إلى بغداد، فأراده على أن يوليه القضاء فأبى، فحلف عليه لفعلن، فحلف أبو حنيفة أن لا، فحلف المنصور ليفعلن، فحلف أبو حنيفة أن لا يفعل، فقال الربيع الحاجب: ألا ترى أمير المؤمنين يحلف؟! قال أبو(2/217)
حنيفة: أمير المؤمنين على كفارة أيمانه أقدر منى على كفارة أيمانى، فأمر به إلى السجن فى الوقت. والصحيح أنه توفى وهو فى السجن.
وبإسناده عن معتب، قال: قال خارجة بن يزيد: دعا أبو جعفر المنصور أبا حنيفة إلى القضاء فأبى عليه فحبسه، ثم دعا به، فقال: أترغب عما نحن فيه؟ فقال أبو حنيفة: أصلح الله أمير المؤمنين، لا أصلح للقضاء، فقال له: كذبت، ثم عرض عليه الثانية، فقال أبو حنيفة: قد حكم علىَّ أمير المؤمنين أنى لا أصلح للقضاء لأنه نسبنى إلى الكذب، فإن كنت كذَّابًا فلا أصلح للقضاء، وإن كنت صادقًا فقد أخبرت أمير المؤمنين أنى لا أصلح، فردَّه فى الحبس.
وبإسناده عن الربيع بن يونس، قال: رأيت أمير المؤمنين المنصور ينازل أبا حنيفة فى أمر القضاء، وهو يقول: اتق الله ولا تشرك فى أمانتك إلا مَن يَخاف الله، والله ما أنا مأمون الرضا، فكيف أكون مأمون الغضب، ولا أصلح لذلك، فقال له: كذبت، أنت تصلح، فقال: قد حكمت على نفسك، فكيف يحل لك أن تولى قاضيًا على أمانتك وهو كَذَّاب. وقيل: إنه قعد فى القضاء يومين، وبعض الثالث، فلما كان أبو حنيفة بعد يومين اشتكى، فمرض ستة أيام، ثم توفى.
وقال أبو نعيم: كان أبو حنيفة حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، حسن المجلس، كثير الكرم، حسن المواساة لإخوانه. وقال أبو يوسف: كان أبو حنيفة ربعة من الرجال، ليس بالقصير ولا بالطويل، وكان أحسن الناس منطقًا، وأحلاهم نغمة، وأنبههم على ما تريد.
وقال محمد بن جعفر بن إسحاق بن عمرو بن حماد بن أبى حنيفة: كان أبو حنيفة طوالاً، تعلوه سمرة، وكان لباسًا، حسن الهيئة، كثير التعطر، يُعرف بريح الطيب إذا أقبل وإذا خرج من منزله.
وقال أبو حنيفة: قدمت البصرة وظننت أنى لا أُسأل عن شىء إلا أجبت فيه، فسألونى عن أشياء لم يكن عندى فيها جواب، فجعلت على نفسى أن لا أفارق حمادًا حتى يموت، فصحبته ثمانى عشرة سنة.
وقال أبو حنيفة: ما صليت صلاة منذ مات حماد إلا استغفرت له مع والدى، وإنى لأستغفر لمن تعلمت منه علمًا أو علمته علمًا.
وقال أبو حنيفة: دخلت على أبى جعفر أمير المؤمنين، فقال لى: يا أبا حنيفة، عن مَن أخذت العلم؟ فقلت:(2/218)
عن حماد، يعنى ابن أبى سليمان، عن إبراهيم، يعنى عن النخعى، عن عمر بن الخطاب، وعلى بن أبى طالب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، فقال أبو جعفر: بخ بخ، استوفيت يا أبا حنيفة.
ودخل أبو حنيفة يومًا على المنصور، فقال المنصور: هذا عالم أهل الدنيا. وعن هشام ابن مهران، قال: رأى أبو حنيفة فى النوم كأنه ينبش قبر النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فبعث من سأل محمد بن سيرن، فقال محمد بن سيرين: مَن صاحب هذه الرؤيا؟ ولم يجبه عنها، ثم سأله الثانية، فقال مثل ذلك، ثم سأله الثالثة، فقال: صاحب هذه الرؤيا يثور علمًا لم يسبقه إليه أحد قبله.
وفى حديث عن أبى هريرة، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “إن فى أمتى رجلاً يقال له: أبو حنيفة، هو سراج الأمة”. قال الخطيب: هذا حديث موضوع، وكذا ذكره جماعة من الأئمة أنه موضوع.
وعن ابن عيينة، قال: ما مقلت عينى مثل أبى حنيفة. وعن ابن المبارك، قال: كان أبو حنيفة آية، قيل له: فى الخير أم فى الشر؟ فقال: اسكت يا هذا، فإنه يقال: آية فى الخير، وغاية فى الشر، ثم تلى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} [المؤمنون: 50] .
وعن ابن المبارك قال: ما كان أوقر مجلس أبى حنيفة، كنا يومًا فى المسجد الجامع، فوقعت حية فسقطت فى حِجر أبى حنيفة، فهرب الناس غيره، فما زاد على أن نفض الجبة وجلس مكانه.
وعن سهل بن مزاحم، قال: بُذِلَتْ الدنيا لأبى حنيفة فلم يُرِدْهَا، وضُرب عليها بالسياط فلم يقبلها. وعن روح بن عبادة، قال: كنت عند ابن جريج سنة خمسين ومائة، فأتاه موته أبى حنيفة فاسترجع وتوجع، وقال: أى علم ذهب.
وعن مسعر بن كدام، قال: ما أحسد أحدًا بالكوفة إلا رجلين: أبا حنيفة فى فقهه، والحسن بن صالح فى زهده. وعن الفضيل بن عياض، قال: كان أبو حنيفة فقيهًا، معروفًا بالفقه، مشهورًا بالورع، وسيع المال، معروفًا بالأفضال على من يطيق، صبورًا على تعليم العلم بالليل والنهار، كثير الصمت، قليل الكلام حتى ترد مسألة فى حلال أو حرام، وكان يُحسن يدل على الحق، هاربًا من السلطان.
وعن أبى يوسف، قال: إنى لأدعو لأبى حنيفة قبل أبوى، ولقد سمعت أبا حنيفة يقول: إنى لأدعو لحماد مع والدى. وعن أبى بكر بن عياش، قال: مات أخو سفيان(2/219)
الثورى، فاجتمع الناس إليه لعزائه، فجاء أبو حنيفة، فقام إليه سفيان وأكرمه وأقعده مكانه، وقعد بين يديه، ولما تفرق الناس قال أصحاب سفيان: رأيناك فعلت شيئًا عجيبًا، قال: هذا رجل من العلم بمكان، فإن لم أقم لعلمه قمت لِسِنِّهِ، وإن لم أقم لِسِنِّهِ قمت لفقِهِهِ، وإن لم أقم لفقِهِهِ قمت لوَرَعِهِ.
وعن ابن المبارك، قال: ما رأيت فى الفقه مثل أبى حنيفة. وعن ابن المبارك، قال: رأيت مسعرًا فى حلقة أبى حنيفة جالسًا بين يديه يسأله ويستفيد منه، وما رأيت أحدًا قط تكلم فى الفقه أحسن من أبى حنيفة.
وعن أبى نعيم، قال: كان أبو حنيقة صاحب غوص فى المسائل. وعن وكيع، قال: ما لقيت أفقه من أبى حنيفة، ولا أحسن صلاة منه. وعن النضر بن شميل، قال: كان الناس نيامًا عن الفقه حتى أيقظهم أبو حنيفة بما فتقه وبَيَّنَهُ ولَخَّصَهُ.
وعن الشافعى، قال: الناس عيال على أبى حنيفة فى الفقه. وعن جعفر بن الربيع، قال: أقمت على أبى حنيفة خمس سنين، فما رأيت أطول صمتًا منه، فإذا سُئل عن الشىء من الفقه يفتح ويسأل كالوادى. وعن إبراهيم بن عكرمة، قال: ما رأيت أورع ولا أفقه من أبى حنيفة.
وعن سفيان بن عيينة، قال: ما قدم مكة فى وقتنا رجل أكثر صلاة من أبى حنيفة. وعن يحيى بن أيوب الزاهد، قال: كان أبو حنيفة لا ينام الليل. وعن أبى عاصم النبيل، قال: كان أبو حنيفة يُسَمَّى الوتد؛ لكثرة صلاته.
وعن زافر بن سليمان، قال: كان أبو حنيفة يحيى الليل بركعة يقرأ فيها القرآن. وعن أسد بن عمرو، قال: صلى أبو حنيفة صلاة الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة، وكان عامة الليل يقرأ القرآن فى ركعة، وكان يُسمع بكاؤه حتى ترحمه جيرانه، وحُفظ عليه أنه ختم القرآن فى الموضع الذى توفى فيه سبعة آلاف مرة.
وعن الحسن بن عمارة أنه غسل أبا حنيفة حين توفى، وقال: غفر الله لك، لم تفطر منذ ثلاثين سنة، ولم تتوسد يمينك فى الليل منذ أربعين سنة، ولقد أتعبت مَن بعدك. وعن ابن المبارك، أن أبا حنيفة صلى خمسًا وأربعين سنة الصلوات الخمس بوضوء واحد، وكان يجمع القرآن فى ركعتين.
وعن أبى يوسف، قال: بينا أنا أمشى مع أبى حنيفة، سمع رجلاً يقول لرجل: هذا أبو(2/220)
حنيفة لا ينام الليل، فقال أبو حنيفة: والله لا يتحدث عنى بما لا أفعله، فكان يحيى الليل صلاة ودعاء وتضرعًا.
وعن مسعر بن كدام، قال: دخلت ليلة المسجد، فرأيت رجلاً يصلى، فاستحليت قراءته، فقرأ سبعًا، فقلت: يركع، ثم قرأ الثلث، ثم النصف، فلم يزل يقرأ القرآن حتى ختمه كله فى ركعة، فنظرت فإذا هو أبو حنيفة.
وعن زائدة، قال: صليت مع أبى حنيفة فى المسجد العشاء، وخرج الناس، ولم يُعلم أن فى المسجد أحدًا، فأردت أن أسأله مسألة، فقام فافتتح الصلاة، فقرأ حتى بلغ هذه الآية: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور: 27] ، فلم يزل يرددها حتى أذَّن المؤذن الصبح وأنا أنتظره.
وعن القاسم بن معن، أن أبا حنيفة قام ليلة بهذه الآية: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46] ، يرددها ويبكى ويتضرع. وعن مكى بن إبراهيم: جالست الكوفيين، فما رأيت فيهم أورع من أبى حنيفة.
وعن وكيع قال: كان أبو حنيفة قد جعل على نفسه أن لا يحلف بالله تعالى فى عرض كلامه إلا تصدق بدرهم، فحلف فتصدق به، ثم جعل إن حلف أن يتصدق بدينار، فكان إذا حلف صادقًا فى عرض كلامه تصدق بدينار، وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها، وكان إذا كسا ثوبًا جديدًا كسا بقدر ثمنه الشيوخ والعلماء، وكان إذا وضع بين يديه الطعام أخذ منه ضعف ما يأكل فجعله على الخبز، ثم يعطيه الفقير.
وعن وكيع قال: كان أبو حنيفة عظيم الأمانة، وكان يؤثر رضا الله تعالى على كل شىء، ولو أخذته السيوف فى الله تعالى لاحتملها. وعن ابن المبارك، قال: ما رأيت أورع من أبى حنيفة، قد جرب بالسياط والأموال.
وعن قيس بن الربيع، قال: كان أبو حنيفة ورعًا، فقيهًا، كثير البر والصلة لكل من لجأ إليه، كثير الأفضال على إخوانه، وكان يبعث البضائع إلى بغداد فيشترى بها الأمتعة، ويجلب إلى الكوفة، ويجمع الأرباح من سنة إلى سنة، فيشترى بها حوائج الأشياخ المحدثين وأثوابهم وكسوتهم، وما يحتجون إليه، ثم يعطيهم باقى الدنانير من الأرباح، ويقول: أنفقوها فى حوائجكم، ولا تحمدوا إلا الله تعالى، فإنه والله ما يجريه الله لكم على يدى، فما فى رزق الله حول لغيره.
وعن حفص بن حمزة القريشى، قال: كان أبو حنيفة ربما مرَّ به الرجل(2/221)
فيجلس إليه لغير قصد ولا مجالسة، فإذا أقام سأل عنه، فإن كان به حاجة وصله، وإن مرض عاده حتى يجبره إلى مواصلته، وكان أكرم الناس مجالسة.
وعن أبى يوسف، قال: كان أبو حنيفة لا يكاد يسأل حاجة إلا قضاها. وعن إسماعيل بن حماد بن أبى حنيفة، أن أبا حنيفة وهب لمعلم ابنه حماد خمسمائة درهم حين حذق حماد.
وعن جعفر بن عون، قال: أتت امرأة إلى أبى حنيفة تشترى منه ثوب خز، فأخرج لها ثوبًا، فقالت: أنا ضعيفة، وإنها أمانة، فبعنى هذا الثوب بما يقوم عليك، فقال: خذيه بأربعة دراهم، فقالت: لا تسخر بى، أنا عجوز كبيرة، فقال: اشتريت ثوبين فبهت أحدهما برأس المال إلا أربعة دراهم، فبقى هذا بأربعة دراهم.
وعن ابن المبارك، قال: قلت لسفيان الثورى: ما أبعد أبا حنيفة من الغيبة، ما سمعته يغتاب عدوًا له قط، قال: هو والله أعقل من أن يسلط على حسناته ما يذهب بها. وعن على بن عاصم، قال: لو وزن عقل أبى حنيفة بعقل نصف أهل الأرض لرجح بهم.
وعن إسماعيل بن حماد بن أبى حنيفة، قال: كان عندنا طحان رافضى له بغلان، فسمى أحدهما أبا بكر والآخر عمر، فرمحه أحدهما فقتله، فأخبر أبو حنيفة، قال: انظرو الذى رمحه الذى سماه عمر، فنظروا فوجدوه كذلك.
وعن عبد الواحد بن غياث، قال: كان أبو العباس الطوسى يسىء الرأى فى أبى حنيفة، وكان أبو حنيفة يعرف ذلك، فدخل أبو حنيفة على أمير المؤمنين المنصور، وكثر الناس، فقال الطوسى: اليوم أقتل أبا حنيفة، فقال لأبى حنيفة: إن أمير المؤمنين يأمرنا بضرب عنق الرجل، ما ندرى ما هو، فهل لنا قتله؟ فقال: يا أبا العباس، أمير المؤمنين يأمر بالحق أبو بالباطل؟ قال: بالحق، قال: اتبع الحق حيث كان ولا تسأل عنه، ثم قال أبو حنيفة لمن قرب منه: إن هذا أراد أن يوثقنى فربطته.
وعن وكيع، قال: دخلت على أبى حنيفة، فرأيته مطرقًا مفكرًا، فرفع رأسه وأنشأ يقول شعر:
إن يحسدونى فإنى غير لائمهم
فدام لى ولهم ما بى وما بهم
قبلى من الناس أهل الفضل قد حسدوا(2/222)
ومات أكثرنا غيظًا بما يجد
وعاب بعض الناس عند ابن عائشة أبا حنيفة، فقال ابن عائشة: قال الشاعر:
أقلوا عليكم ويحكم لا أبا لكم
من اللوم أو سدوا المكان الذى سدوا
ولد أبو حنيفة سنة ثمانين من الهجرة، وتوفى ببغداد سنة خمسين ومائة، هذا هو المشهور الذى قاله الجمهور، وكذا رواه الخطيب عن الجمهور. ثم روى عن يحيى بن معين رواية غريبة أنه توفى فى سنة إحدى وخمسين. وعن مكى بن إبراهيم أنه توفى سنة ثلاث وخمسين، والله أعلم.
772 - أبو حيان - بالياء المثناة تحت - التوحيدى (1) :
من أصحابنا المصنفين، بفتح التاء المثناة فوق، منسوب إلى التوحيد. من غرائبه أنه قال فى بعض رسائله: لا ربا فى الزعفران. ووافقه عليه القاضى أبو حامد المروذى، والصحيح المشهور تحريم الربا فيه، والله أعلم.
* * * (2/91)
حرف الخاء المعجمة
773 - أبو خلف الطبرى:
من أصحابنا أصحاب الوجوه، تكرر ذكره فى الروضة، ولا ذكر له فى غير الروضة من هذه الكُتب. هو من أصحاب القفال المروزى، واسم أبى خلف هذا [......] (2) . ومن غرائبه أنه قال: تجب الكفارة العظمى على كل من أفطر فى نهار رمضان بما يأثم به من سواء الجماع والأكل وغيرهما، والمشهور أنها لا تجب إلا فى الجماع، وأبو خلف هذا ممن صحح الوجه المختار، وهو أن من غرم فى معصية ثم تاب دفع إليه من الزكاة.
774 - أبو الخليل (3) :
مذكور فى المختصر فى صوم عاشوراء، أظنه أبا الخليل صالح بن أبى مريم الضبعى البصرى. روى عن أبى موسى الأشعرى، وأبى سعيد الخدرى مرسلاً، وسمع عبد الله ابن الحارث، وأبا علقمة الهاشمى، وعكرمة، ومجاهدًا.
_________
(1) انظر: معجم الأدباء (15/5 - 2) وميزان الإعتدال (2/355) ووفيات الأعيان (5/112، 113) وطبقات الشافعية الكبرى (4/2، 3) وطبقات الشافعية لابن هداية الله (114) وبغية الوعاة (2/190) ومعجم المؤلفين (7/205، 206) والوافى بالوفيات (22/39 - 41) وطبقات السبكى (5/286 - 289) وطبقات الإسنوى (1/301 - 303) وسير أعلام النبلاء (17/119 - 123) ولسان الميزان (7/38 - 41) ..
(2) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
(3) انظر: تاريخ ابن معين (2/265) ، والتاريخ الكبير (4/289) ، والجرح والتعديل (4/475) ، وتهذيب التهذيب (4/402) ، وتقريب التهذيب (1/362، 363) ..(2/223)
روى عنه أيوب، وقتادة، ومطرف. قال يحيى بن معين: هو ثقة. روى له البخارى ومسلم.
775 - أبو خيثمة الصحابى، رضى الله عنه:
هو أبو خيثمة الأنصارى الذى تأخر عن غزوة تبوك أيامًا، ثم لحق رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتبوك، فقال: "كن أبا خيثمة"، وحديثه هذا مشهور فى صحيحى البخارى ومسلم، من رواية كعب بن مالك فى حديثه الطويل فى سبب توبة الله عليه، واسم أبى خيثمة عبد الله بن خيثمة. وقال ابن الكلبى: اسمه مالك بن قيس بن ثعلبة بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج الأكبر الأنصارى السالمى المدنى.
شهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُحُدًا وباقى المشاهد، وتأخر عن غزوة تبوك عشرة أيام، ثم لحقه فيها. قال ابن عبد البر: عاش أبو خيثمة هذا إلى زمن يزيد بن معاوية. قال: ولا أعلم فى الصحابة من يكنى أبا خيثمة إلا عبد الرحمن بن سبرة والد خيثمة بن عبد الرحمن صاحب ابن مسعود، فإنه يكنى أبا خيثمة بابنه خيثمة.
776 - أبو خيرة الصباحى العبدى الصحابى، رضى الله عنه:
من ولد صباح بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس، كان فى وفد عبد القيس. قال ابن ماكولا: لم يرو عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من بنى صباح غيره، وصباح بصاد مهملة مضمومة، ثم با موحدة مخففة، ولكيز بضم اللام وفتح الكاف وبالزاى، وأفصى بالفاء والصاد المهملة.
* * *
حرف الدال المهملة
777 - أبو داود السجستانى (1) :
صاحب السنن. تكرر ذكره فى الروضة، وذكره فى المهذب فى موضعين فقط فى آخر زكاة الفطر، وفى قسم الفىء، والسجستانى بكسر السين وفتحها والكسر أشهر والجيم مكسورة فيها، وسأوضحها إن شاء الله تعالى فى اللغات فى آخر حرف السين، واسم أبى داود: سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو بن عامر، كذا نسبه ابن أبى حاتم. وقال محمد بن عبد العزيز الهاشمى: هو سليمان
_________
(1) الجرح والتعديل (4/101، 102) والثقات لابن حبان (8/282) وتاريخ بغداد (9/55) وطبقات الحنابلة (1/159 - 162) وتهذيب تاريخ دمشق (6/246 - 248) والمنتظم (5/97، 98) ووفيات الأعيان (2/404، 405) والكامل فى التاريخ (7/142) وطبقات الشافعية الكبرى (2/48) والمختصر فى أخبار البشر (2/57) وسير أعلام النبلاء (13/203 - 221) وتذكرة الحفاظ (2/591 - 593) والبداية والنهاية (11/54 - 56) ومرآة الجنان (2/189، 190) والوافى بالوفيات (15/353، 354) وتاريخ ابن الوردى (1/240) وتهذيب التهذيب (4/169 - 173) وتقريب التهذيب (1/321) وطبقات المفسرين (1/201، 202) ومعجم المؤلفين (4/255، 256) ..(2/224)
بن بشر بن شداد. وقال أبو عبيد الآجرى، وأبو بكر بن داسة البصريان، والخطيب البغدادى: هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد. وزاد الخطيب، فقال: ابن شداد بن عمرو بن عمران الأزدى. قال الحافظ أبو طاهر السلفى: هذا القول أمثل والقلب إليه أميل.
سمع أبو داود: عبد الله بن مسلمة القعنبى، وأبا الوليد الطيالسى، وأبا عمرو الحوضى، وإبراهيم بن موسى الفراء، وعمرو بن عوف، وسليمان بن حرب، وموسى ابن إسماعيل، وأحمد بن عبد الله بن يونس، وأبا بكر وعثمان بنى أبى شيبة، وأبا سعيد الأشج، وأبا كريب، وهشام بن عمار، وأبا الجماهر محمد بن عثمان، وسليمان بن عبد الرحمن، ومحمد بن وزير، وهشام بن خالد الأزرق، وأبا النضر إسحاق بن إبراهيم الفراديسى، وأبا طاهر أحمد بن عمر بن شريح، وأحمد بن صالح، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وإسحاق بن راهوية، وأبا ثور، وقتيبة بن سعيد، وخلائق غيرهم.
روى عنه الترمذى، والنسائى، وأبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراينى، وعلى بن عبد الصمد علان، وابنه أبو بكر عبد الله بن أبى داود، وأحمد بن محمد بن هارون الخلال الحنبلى، ومحمد بن المنذر، وأبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد الأعرابى، وأبو الحسن على بن محمد بن العبد، وإسماعيل الصفار، وأحمد بن سليمان النجاد، ومحمد ابن أبى بكر بن عبد الرزاق بن داسة التمار، وأبو على محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤى، وهما اللذان يرويان عنه كتاب السنن، وخلائق غيرهم.
ويقال لأبى داود: السجستانى، والسجزى، وسجز هى سجستان، واتفق العلماء على الثناء على أبى داود، ووضفه بالحفظ التام، والعلم الوافر، والإتقان، والورع، والدين، والفهم الثاقب فى الحديث وغيره.
روينا عن الحافظ أحمد بن محمد بن ياسين الهروى، قال: كان أبو داود أحد حفاظ الإسلام لحديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلمه وعلله وسنده فى أعلى درجة النسك والعفاف والورع، ومن فرسان الحديث.
وقال الحاكم أبو عبد الله: كان أبو داود إمام أهل الحديث فى عصره بلا مدافعة، سمعه بمصر، والحجاز، والشام، والعراقين، وخراسان، وكتب بخراسان قبل خروجه إلى العراق فى بلدة(2/225)
هراة، وكتب ببغداد عن قتيبة، وبالرى عن إبراهيم بن موسى، إلا أن أعلا إسناده موسى بن إسماعيل، والقعنبى، ومسلم بن إبراهيم. قال علان بن عبد الصمد: كان أبو داود من فرسان هذا الشأن.
روينا عن موسى بن هارون، قال: خلق أبو داود فى الدنيا للحديث، وفى الآخرة للجنة. وقال أبو حاتم بن حبان: أبو داود أحد أئمة الدنيا فقهًا، وعلمًا، وحفظًا، ونسكًا، وإتقانًا، جمع، وصَنَّف، وذَبَّ عن السُنن.
وروينا عن إبراهيم الحربى، قال: لما صنف أبو داود هذا الكتاب، يعنى كتاب السنن، ألين لأبى داود الحديث كما ألين لدواد الحديد.
وروينا عن أبى عبد الله محمد بن مخلد، قال: كان أبو داود يفى بمذاكرة ألف حديث، فلما صَنَّف كتاب السنن وقرأه على الناس صار كتابه لأصحاب الحديث كالمصحف يتبعونه ولا يخالفونه، وأقر له أهل زمانه بالحفظ والتقدم فيه.
وقال محمد بن صالح الهاشمى: قال لنا أبو داود: أقمت بطرسوس عشرين سنة أكتب المسند، فكتبت أربعة آلاف حديث، ثم نظرت فإذا مدار الأربعة آلاف على أربعة أحاديث لمن وفقه الله تعالى، فأولها حديث: “الحلال بَيِّن والحرام بَيِّن” (1) ، وثانيها حديث: “إنما الأعمال بالنيات” (2) ، وثالثها: “إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا” (3) ، ورابعها: “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”. قلت: وقد قيل: مدار الإسلام على حديث: “الدين النصيحة” (4)
) ، وقيل غير ذلك، وقد جمعت كل ذلك فى كتاب الأربعين.
وقال أبو بكر بن داسة: سمعت أبا داود يقول: كتبت عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته كتاب السنن، جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث، ذكرت الصحيح وما يشبهه، وما يقاربه، ويكفى الإنسان لدينه أربعة أحاديث، فذكر هذه الأربعة، إلا أنه ذكر بدل الثالث: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” (5) .
وروينا عن الإمام أبى سليمان الخطابى، قال: سمعت أبا سعيد بن الأعرابى ونحن نسمع منه كتاب السنن لأبى داود، وأشار إلى النسخة وهى بين يديه يقول: لو أن رجلاً لم يكن عنده من العلم إلا المصحف، ثم هذا الكتاب لم يحتج معهما إلى شىء من العلم البتة.
قال الخطابى: وهذا كما قال لأن الله تعالى أنزل
_________
(1) أخرجه أحمد (4/270، رقم 18398) ، والبخارى (1/28، رقم 52) ، ومسلم (3/1219، رقم 1599) ، وأبو داود (3/243، رقم 3329، رقم 3330) ، والترمذى (3/511، رقم 1205) وقال: حسن صحيح. والنسائى (7/241، رقم 4453) ، وابن ماجه (2/1318، رقم 3984) ، وأخرجه أيضًا: الدارمى (2/319، رقم 2531) ، والبيهقى
(5/264، رقم 10180) .
(2) أخرجه الطيالسى (1/9، رقم 37) ، والحميدى (1/16، رقم 28) ، والبخارى (6/2551، رقم 6553) ، ومسلم (3/1515، رقم 1907) ، وأبو داود (2/262، رقم 2201) ، والترمذى (4/179، رقم 1647) ، والنسائى (7/13، رقم 3794) ، وابن ماجه (2/1413، رقم 4227) ، وابن الجارود (1/27، رقم 64) ، والطحاوى (3/96) ، وابن حبان (2/113، رقم 388) ، والدارقطنى (1/50) .
(3) أخرجه أحمد (2/328، رقم 8330) ، ومسلم (2/703، رقم 1015) ، والترمذى (5/220، رقم 2989) وقال: حسن غريب. وأخرجه أيضًا: الدارمى (2/389، رقم 2717) .
(4) حديث تميم الدارى: أخرجه أحمد (4/102، رقم 16982) ، ومسلم (1/74، رقم 55) ، وأبو داود (4/286، رقم 4944) ، والنسائى (7/156، رقم 4197) ، وأبو عوانة (1/44، رقم 101) ، وابن خزيمة فى السياسة كما فى إتحاف المهرة للحافظ (3/8، رقم 2456) ، وابن حبان (10/435، رقم 4574) ، والبغوى فى الجعديات (1/392، رقم 2681) ، وابن قانع (1/109) ، والبيهقى فى شعب الإيمان (4/323، رقم 5265) ، وأبو نعيم فى المعرفة (1/449، رقم 1291) . وأخرجه أيضًا: الطبرانى (2/54، رقم 1267) ، وابن عساكر (11/54) .
حديث أبى هريرة: أخرجه الترمذى (4/324، رقم 1926) ، وقال: حسن صحيح. والنسائى (7/157، رقم 4199) ، والدارقطنى فى الأفراد كما أطرافه لابن طاهر (5/346، رقم 5699) . وأخرجه أيضًا: أحمد (2/297، رقم 7941) ، والطبرانى فى الأوسط (4/122، رقم 3769) .
حديث ابن عباس: أخرجه أحمد (1/351، رقم 3281) ، والطبرانى (11/108، رقم 11198) . وأخرجه أيضًا: أبو يعلى (4/259، رقم 2372) ، والبزار كما فى كشف الأستار (1/49، رقم 61) . قال الهيثمى (1/87) : قال أحمد عن عمرو بن دينار أخبرنى من سمع ابن عباس، وقال الطبرانى عن عمرو بن دينار عن ابن عباس، فمقتضى رواية أحمد الانقطاع بين= =عمرو وابن عباس ومع ذلك فيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وقد ضعفه أحمد وقال: أحاديثه مناكير. ورواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح.
حديث ثوبان: أخرجه ابن عساكر (9/307) . وأخرجه أيضًا: الطبرانى فى الأوسط (2/42، رقم 1184) . قال الهيثمى (1/87) : فيه أيوب بن سويد، وهو ضعيف لا يحتج به.
(5) أخرجه ابن المبارك (1/236، رقم 677) ، والطيالسى (ص 268، رقم 2004) ، وأحمد (3/272، رقم 13901) ، وعبد بن حميد (ص 354، رقم 1174) ، والبخارى (1/14، رقم 13) ، ومسلم (1/67، رقم 45) ، والترمذى (4/667، رقم 2515) وقال: صحيح. والنسائى (8/115، رقم 5016) ، وابن ماجه (1/26، رقم 66) ، والدارمى (2/397، رقم 2740) .(2/226)
كتابه تبيانًا لكل شىء. وقال تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِى الكِتَابِ مِن شَىْءٍ} [الأنعام: 38] ، إلا أن البيان ضربان، بيان جلى تناوله القرآن نصًا، وبيان خفى تناوله القرآن ضمنًا، وكان تفصيل بيانه موكولاً إلى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو معنى قوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44] ، فمن جمع الكتاب والسنة فقد استوفى نوعى البيان، وقد جمع أبو داود فى كتابه هذا من الحديث فى أصول العلم وأمهات السنن وأحكام الفقه ما لا نعلم متقدمًا سبقه إليه، ولا متأخرًا لحقه فيه.
قال الخطابى: واعلموا رحمكم الله أن كتاب السنن لأبى داود كتاب شريف، لم يُصَنَّف فى حكم الدين كتاب مثله، وقد رزق القبول من الناس كافة، فصار حَكمًا بين فرق العلماء، وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم، وعليه معول أهل العراق ومصر والمغرب وكثير من أقطار الأرض، وكان تصنيف علماء الحديث قبل أبى داود الجوامع والمسانيد ونحوها، فيجمع تلك الكُتب مع السنن والأحكام أخبارًا وقصصًا ومواعظ وآدابًا، فأما السنن المحضة فلم يقصد أحد منهم جمعها واستيفاءها، ولم يقدر على تلخيصها واختصار مواضعها من أثناء تلك الأحاديث الطويلة كما حصل لأبى داود، ولهذا حل كتابه عند أئمة أهل الحديث وعلماء الأثر محل العجب، فضربت فيه أكباد الإبل، ودامت إليه الرحل.
وروينا عن المحسن بن محمد إبراهيم الواذارى، قال: رأيت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى المنام، فقال: من أراد أن يتمسك بالسنن فليقرأ كتاب أبى داود. ومناقب أبى داود وكُتبه كثيرة مشهورة، وفيما أشرت إليه كفاية. ولد أبو داود سنة ثنتين ومائة، وتوفى بالبصرة لأربع عشرة بقيت من شوال سنة خمس وسبعين ومائتين، رحمه الله.
778 - أبو دجانة الصحابى، رضى الله عنه (1) :
بضم الدال، واسمه سماك بن خرشة، وقيل: سماك بن أوس بن خرشة بن كوذان ابن عبدود بن زيد بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأكبر الأنصارى الخزرجى الساعدى. من رهط سعد بن عبادة، يجتمعان فى طريف، شهد بدرًا مسلمًا، وكان من الأبطال الشجعان المعروفين، ودافع عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أُحُد، وشهد اليمامة، وله مشاركة
_________
(1) انظر: الإصابة (4/252، 11/112) ، والاستيعاب (4/253) ، وأسد الغابة (2/451) ، وطبقات ابن سعد (3/556) ، والوافى بالوفيات (15/449) ، وسير أعلام النبلاء (1/243) (39) ..(2/227)
فى قتل مسيلمة الكذاب، وثبت فى صحيح مسلم عن أنس، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ سيفًا يوم أُحُد، فقال: “من يأخذ منى هذا؟ ”، فبسطوا أيديهم، كل إنسان منهم يقول: أنا أنا، قال: “فمن يأخذه بحقه؟ ”، فأحجم القوم، فقال أبو دجانة، رضى الله عنه: أنا آخذه بحقه، فأخذه ففلق به هام المشركين، أى شق به رءوسهم.
779 - أبو الدحداح:
ويقال: أبو الدحداحة الأنصارى الصحابى، بفتح الدالين وبحائين مهملتين. قال ابن عبد البر: لا أقف على اسمه، ولا على نسبه، غير أنه من الأنصار حليف لهم. وقال غيره: اسمه ثابت، وفى صحيح مسلم أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “كم من عذق معلق أو مدلى فى الجنة لابن الدحداح” (1) ، أو قال: “لأبى الدحداح”. العِذق بكسر العين، الغصن من النخل عليه رطب.
780 - أبو الدرداء الصحابى، رضى الله عنه (2) :
تكرر ذكره فى المهذب وغيره، اسمه عويمر، وقيل: عامر بن زيد بن قيس ابن عائشة ابن أمية بن مالك بن عامر بن عدى بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصارى. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة حديث وتسعة وسبعون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على حديثين، وانفرد البخارى بثلاثة، ومسلم بثمانية.
روى عنه ابن عمر، وابن عباس، وأنس، وأبو أمامة، وفضالة بن عبيد، ويوسف بن عبد الله بن سلام، رضى الله عنهم. وروى عن خلائق من التابعين، منهم خالد بن ثعبان، ومعدان بن أبى طلحة، وأسد بن وداعة، وجبير بن نفير، وعلقمة بن قيس، وعمرو، وابنه بلال، وزوجته أم الدرداء الصغرى، وخلائق.
وكان فقيهًا، حكيمًا، زاهدًا، شهد ما بعد أُحُد من المشاهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واختلفوا فى شهوده أُحُدًا، وكان إسلامه تأخر قليلاً عن أول الهجرة، وولى قضاء دمشق فى خلافة عثمان. توفى بدمشق فى خلافة عثمان سنة إحدى، وقيل: ثنتين وثلاثين من الهجرة، وقبره وقبر زوجته أم الدرداء الصغرى بباب الصغير من دمشق مشهوران، وكان له امرأتان كل واحدة يقال لها: أم الدرداء، صحابية، وتابعية، تزوج التابعية بعد وفاة الصحابية، واسم الصحابية خيرة، والتابعية جهيمة، وكانت فقيهة حكيمة،
_________
(1) حديث ابن مسعود: ذكره إبراهيم الحسينى (2/56) : وعزاه إلى ابن سعد.
حديث سعيد بن المسيب: أخرجه البيهقى (6/158، رقم 1165) .
(2) انظر: الإصابة (3/45) ، وأسد الغابة (5/185) ، والاستيعاب (4/59) ، والتاريخ الكبير (7/76) ، وحلية الأولياء (1/208) ، وطبقات ابن سعد (7/391) ، وسير أعلام النبلاء (2/335) (68) ..(2/228)
وسنوضحهما فى قسم النساء إن شاء الله تعالى.
وآخى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين أبى الدرداء وسلمان الفارسى، وحديث زيارة سلمان له فى حياة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مشهور فى صحيح البخارى وغيره. وعن أبى الدرداء، قال: "إنى لأدعو لسبعين رجلاً من إخوانى فى صلاتى أسميهم بأسمائهم وأسماء آبائهم".
* * *
حرف الذال المعجمة
781 - أبو ذر الصحابى، رضى الله عنه (1) :
تكرر فى هذه الكُتب، اسمه جندب، بضم الجيم، وبضم الدال وبفتحها، ابن جنادة، بضم الجيم، وقيل: اسمه برير، بموحدة مضمومة، وراء مكررة، ابن جندب، وقيل: اسمه جندب بن عبد الله، وقيل: جندب بن السكن، والمشهور: جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن الرفيقة بن حرام بن غفار بن مليك بن ضمرة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الغفارى الحجازى، وأمه رملة بنت الرفيقة.
وكان أبو ذر، رضى الله عنه، من السابقين إلى الإسلام، ثبت فى صحيح مسلم أنه قدم إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى أول الإسلام، فقال: يا رسول الله، من اتبعك على هذا؟ قال: "حر وعبد"، وأنه أقام بمكة ثلاثين بين يوم وليلة، وأسلم ثم رجع إلى بلاد قومه بإذن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم هاجر إلى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة، وصحبه حتى توفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائتا حديث وواحد وثمانون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على اثنى عشر حديثًا، وانفرد البخارى بحديثين، ومسلم بسبعة عشر. روى عنه ابن عباس، رضى الله عنه، وأنس بن مالك، وعبد الرحمن بن غنم، وزيد بن وهب، والمعرور بن سويد، بالعين المهملة، والأحنف بن قيس، وقيس بن عباد، بضم العين وتخفيف الباء، وأبو الأسود الدؤلى، وأبو المرواح، بضم الميم وبالحاء المهملة، وابن أخيه عبد الله بن الصامت، ويزيد بن شريط التيمى والد إبراهيم، وجبير بن نفير، وأبو مسلم،
_________
(1) انظر: الإصابة (4/62) ، وأسد الغابة (1/301، 5/186) ، والاستيعاب (1/213) ، وطبقات ابن سعد (4/219) ، والتاريخ الكبير (2/221) ، والبرصان والعرجان (65) ، وحلية الأولياء (1/156) ، وسير أعلام النبلاء (2/46) (10) ، والوافى بالوفيات (11/193) ..(2/229)
وأبو إدريس الخولانيان، وخرشة بن الحر، وخلق سواهم.
توفى أبو ذر بالربذة سنة اثنين وثلاثين. قال المدائنى: وصلى عليه ابن مسعود، ثم قدم ابن مسعود المدينة فأقام عشرة أيام ثم توفى، وكان أبو ذر طويلاً عظيمًا، رضى الله عنه، وكان زاهدًا، متقللاً من الدنيا، وكان مذهبه أنه يحرم على الإنسان ادخار ما زاد على حاجته، وكان قوالاً بالحق.
* * *
حرف الراء
782 - أبو رافع القبطى (1) :
مولى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. تكرر فى المختصر والمهذب. اسمه أسلم، وقيل: إبراهيم، وقيل: ثابت، وقيل: هرمز، شهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُحُدًا، والخندق، والمشاهد بعدها، وزوجه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مولاته سلمى، فولدت له عبيد الله بن أبى رافع، وشهد أبو رافع فتح مصر، وتوفى بالمدينة قبل قتل عثمان، وقيل: بعده، وكان أبو رافع مملوكًا للعباس، فوهبه لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما أسلم العباس أعتقه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
783 - أبو رافع الصائغ التابعى (2) :
مذكور فى المهذب فى مسألة دعاء القنوت، رواه عن عمر، وهو أبو رافع نفيع المدنى الصائغ، أدرك الجاهلية، ولم يرى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وسمع عمر بن الخطاب، وعثمان، وعليًا، وابن مسعود، وأبا موسى، وأبا هريرة، وحفصة، رضى الله عنهم. روى عنه الحسن البصرى، وبكر بن عبد الله المزنى، وثابت البنانى، وجماعات آخرون من التابعين، واتفق الحفاظ على توثيقه، واحتج به البخارى ومسلم فى صحيحيهما. قال ثابت البنانى: لما أُعتق أبو رافع بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: كان لى أجران ذهب أحدهما.
784 - أبو ربيع الإيلاقى:
من أصحابنا أصحاب الوجوه، مذكور فى الروضة فى الباب الثانى من كتاب الرهن فى مسألة تخلل الخمر. وهو بهمزة مكسورة، ثم ياء مثناة من تحت وآخره قاف، هكذا ضبطه السمعانى، ثم قال: وهو منسوب إلى إيلاق، وهى ناحية من بلاد الشاش المتصلة بالترك على عشرة فراسخ من الشاش. قال: وهذه الناحية مِن حِّدنوبخت إلى فرغانة. قال: وذكر من دخلها أنه لم ير بلادًا أحسن ولا أنزه منها، وجبالها فيها الذهب والفضة، وقراها وعماراتها بين المياه المطردة والخضر. قال: وكان منها جماعة من الأئمة أشهرهم أبو الربيع، يعنى صاحب هذه الترجمة.
قال: واسمه طاهر بن عبد الله، كان إمامًا فى الفقه، بارعًا فيه، تفقه بمرو على أبى بكر عبد الله بن أحمد القفال المروزى، وبنيسابور على أبى طاهر محمد بن محمد بن مجمش الزيادى، وببخارا على أبى عبد الله الحسين بن الحسن الحليمى، وأخذ الأصول عن الأستاذ أبى إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفراينى، وتفقه عليه أهل الشاش، وروى الحديث عن أستاذيه وأبى نعيم عبد الملك بن الحسن وغيرهم.
توفى فى سنة خمس وستين وأربعمائة، وهو ابن ست وتسعين سنة. ومن مسائله المستفادة ما حكيته عنه فى الروضة،
_________
(1) انظر: الإصابة (4/67) ، وسير أعلام النبلاء (2/16) (3) ، والاستيعاب (4/68) ، وأسد الغابة (5/191) ، وطبقات ابن سعد (4/73) ..
(2) انظر: الإصابة (4/74) ، والجرح والتعديل (8/489) ، وطبقات ابن سعد (7/122) ، وتاريخ ابن معين (2/610) ، وتذكرة الحفاظ (1/69) ، وسير أعلام النبلاء (4/414، 415) برقم (163) ، وتهذيب التهذيب (10/472) ، وتقريب التهذيب (2/306) ..(2/230)
ووافقه عليه رفيقه القاضى حسين وغيره أنه لو غلت الخمر وارتفعت إلا أعلا الدن، ثم نزلت ثم تخللت طهر الموضع الذى ارتفعت إليه كما يطهر ما يلاصقها.
785 - أبو رزين الأسدى التابعى (1) :
مذكور فى المهذب فى أول كتاب الطلاق فى مسألة الحر يملك ثلاث طلقات. هو أبو رزين، بفتح الراء، مسعود بن مالك الأسدى الكوفى من أسد خزيمة مولى أبى وائل، شقيق بن سلمة. وهو تابعى روى عن على، وابن مسعود، وابن عباس، وأبى هريرة، رضى الله تعالى عنهم.
روى عنه إسماعيل بن سميع، وإسماعيل بن أبى خالد، وابنه عبد الله بن مسعود، وعاصم بن أبى النجود، والأعمش، ومنصور. وكان أكبر من أبى وائل، وكان أبو رزين فقيهًا، عالمًا، فهمًا، واتفقوا على توثيقه، وحديثه المذكور فى المهذب مرسل.
_________
(1) انظر: الجرح والتعديل (8/284) ، والتاريخ الكبير (7/423) ، وتاريخ ابن معين (2/561) ، وتهذيب التهذيب (10/118، 119) ، وتقريب التهذيب (2/243) ..(2/231)
* * *
حرف الزاي
786 - أبو الزبير التابعى (1) :
صاحب جابر بن عبد الله، مذكور فى المختصر فى بيع حاضر لباد، وفى التدبير، وفى المهذب فى وسط كتاب السرقة. هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدريس، بتاء مثناة فوق، ثم دال مهملة ساكنة، ثم راء مضمومة، ثم سين مهملة، الأسدى المكى، مولى حكيم بن حازم.
وهو تابعى، سمع جابرًا وأكثر الرواية عنه، وابن عمر، وابن عباس، وابن عمرو بن العاص، وابن الزبير، وأبا الطفيل، رضى الله عنهم. روى عنه هشام بن عروة، والزهرى، وسلمة بن كهيل، وأيوب، وعبد الله بن عون، ويحيى الأنصارى، وموسى بن عقبة، وداود بن أبى هند، وعمرو بن الحارث، وابن جريج، وسفيان الثورى، ومالك، وابن عيينة، وابن لهيعة. واتفقوا على توثيقه.
قال يعلى بن عطاء: حدثنى أبو الزبير، وكان من أكمل الناس عقلاً وأحفظهم، قال أبو الزبير: كان عطاء قدمنى إلى جابر أحفظ لهم الحديث. وقال يحيى بن معين: أبو الزبير ثقة، وهو أثبت من أبى سفيان. وقال أحمد بن حنبل: أبو الزبير أحبُّ إلىَّ من أبى سفيان؛ لأن أبا الزبير أعلم بالحديث منه. وقال ابن عدى: روى مالك، عن أبى الزبير أحاديث، وكفى به صدقًا أن يُحدِّث عنه مالك، فإن مالكًا لا يُحَدِّث إلا عن ثقة. قال: ولا أعلم أحدًا من الثقات امتنع عن أبى الزبير، بل كتبوا عنه.
روى له مسلم فى صحيحه محتجًا به، وروى له البخارى مقرونًا به غير محتج به على انفراده، ولا يقدح ذلك فى أبى الزبير، فقد اتفقوا على توثيقه والاحتجاج به. توفى سنة ثمان وعشرين ومائة.
787 - أبو الزبير:
مؤذن بيت المقدس، مذكور فى المهذب فى باب الأذان. قال الحاكم أبو أحمد وغيره: لا يُعرف اسم أبى الزبير هذا، وروايته المذكورة فى المهذب عن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، رواها أبو عبيد فى غريب الحديث، والبيهقى فى سننه.
_________
(1) انظر: التاريخ الكبير (1/221) ، وطبقات ابن سعد (5/481) ، والجرح والتعديل (8/74) ، وميزان الاعتدال (4/37) ، وتهذيب التهذيب (9/440) ، وتقريب التهذيب (2/207) ..(2/232)
788 - أبو الزناد (1) :
بزاى مكسورة، ثم النون. تكرر فى المختصر. هو الإمام أبو عبد الرحمن عبد الله بن ذكوان المدنى القرشى مولاهم، قيل: هو مولى رملة بنت شيبة بن ربيعة، وقيل: مولى آل عثمان بن عفان، واتفقوا على أن كنيته أبو عبد الرحمن كما ذكرنا، وأن أبا الزناد لقب له، اشتهر به، وكان يغضب منه، وكان ينبغى أن أذكره فى نوع الألقاب، لكن لا يفطن أكثر الناس له فيضيع عليهم موضعه، فلهذا ذكرته فى الكنى.
واعلم أن أبا الزناد من التابعين، فإنه شهد مع عبد الله بن جعفر جنازة. سمع عروة ابن الزبير، والقاسم بن محمد، وأبا سلمة بن عبد الرحمن، والشعبى، وعلى بن الحسين، وعبد الرحمن الأعرج، وأكثر روايته عنه. وروى له عن ابن عمر، وأنس، وعمرو بن أبى سلمة، وأبى أمامة بن سهل مرسلاً.
روى عنه ابن أبى مليكة، وهشام بن عروة، وأبو إسحاق الشيبانى، وعبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وموسى بن عقبة، والأعمش، ومحمد بن عجلان، وعبد الله العمرى، ومالك بن أنس، والسفيانان، والليث بن سعد، وزائدة، وشعيب بن أبى حمزة، وبنوه القاسم وأبو القاسم، وعبد الرحمن بنوا أبى الزناد، وخلائق غيرهم. واتفقوا على الثناء عليه، وكثرة علمه، وحفظه، وفضله، وتفننه فى العلوم، وتوثيقه، والاحتجاج به.
قال أحمد بن حنبل: كان سفيان الثورى يسمى أبا الزناد أمير المؤمنين فى الحديث. وقال عبد ربه بن سعيد: رأيت أبا الزناد دخل مسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومعه من الأتباع مثل ما مع السلطان، فبين سائل عن فريضة، وسائل عن الحساب، وسائل عن الشعر، وسائل عن الحديث، وسائل عن معضلة.
وقال على بن المدينى: لم يكن بعد كبار التابعين أعلم من ابن شهاب، ويحيى بن سعيد الأنصارى، وأبى الزناد، وبكير بن عبد الله بن الأشج. وقال الليث بن سعد: رأيت أبا الزناد وخلفه ثلاثمائة تابع من طالب علم، وفقه، وشعر، وصنوف العلم.
قال مصعب: كان أبو الزناد فقيه أهل المدينة. وقال البخارى: أصح الأسانيد كلها مالك، عن نافع، عن ابن عمر، وأصح أسانيد أبى هريرة: أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبى هريرة.
وقال أحمد بن حنبل: أبو الزناد أعلم من ربيعة. وقال محمد بن سعد: كان أبو الزناد ثقة، كثير الحديث، فصيحًا، بصيرًا
_________
(1) انظر: التاريخ الكبير (5/83) ، وتاريخ ابن معين (2/305) ، والجرح والتعديل (5/49) ، وتهذيب التهذيب (5/203) ..(2/233)
بالعربية، عالمًا، عاقلاً، مات فجأة فى مغتسله ليلة الجمعة لسبع عشرة خلت من شهر رمضان سنة ثلاثين ومائة، ومات وهو ابن ست وستين سنة، رحمه الله.
789 - أبو الزياد الكلابى:
بعد الزاى ياء مثناة تحت، مذكور فى أول وكالة المهذب، ولا ذكر له فى هذه الكُتب إلا فى هذا الموضع. قال الخطيب فى تاريخ بغداد: أبو الزياد الكلابى أعرابى، قدم بغداد أيام أمير المؤمنين المهدى حين أصابت الناس المجاعة، فأقام ببغداد أربعين سنة، ومات بها، وله شعر كثير، وعلق عنه الناس أشياء كثيرة من اللغة وعلم العربية.
790 - أبو زيد المروزى (1) :
من أئمة أصحابنا الخراسانيين أصحاب الوجوه، تكرر ذكره فى الوسيط والروضة، ولا ذكر له فى المهذب. هو أبو زيد محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد، الإمام البارع، النحرير، المدقق، الزاهد، العابد، النظار، المحقق، المشهور بالورع، والزهادة، والعلوم المتظاهرة، والعبادة.
قال الحاكم أبو عبد الله فى تاريخ نيسابور: كان أبو زيد أحد أئمة المسلمين، ومن أحفظ الناس لمذهب الشافعى، رحمه الله تعالى، وأحسنهم نظرًا، وأزهدهم فى الدنيا، أقام بمكة سبع سنين، وحدث بها وببغداد بصحيح البخارى،
_________
(1) انظر: تاريخ بغداد (1/314) والكامل فى التاريخ (9/16) والعبر (2/360) وتذكرة الحفاظ (3/950) والبداية والنهاية (11/299) ومرآة الجنان (2/397) وطبقات الفقهاء (115) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (3/71) والعقد الثمين (1/297) والوافى بالوفيات (2/71) ووفيات الأعيان (4/208) والنجوم الزاهرة (4/141) والمنتظم (7/112) وطبقات الشافعية للإسنوى (2/379) وسير أعلام النبلاء (16/313 - 315) ..(2/234)
عن الفربرى، وهى أجل الروايات لجلالة أبى زيد.
قال الحاكم: وسمعت أبا بكر البزار يقول: عادلت أبا زيد من نيسابور إلى مكة، فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة. وقال الشيخ أبو إسحاق فى طبقاته: كان الشيخ أبو زيد زاهدًا، حافظًا للمذهب، حسن النظر، مشهورًا بالزهد، وهو صاحب أبى إسحاق المروزى، وتفقه عليه أبو بكر القفال المروزى، وفقهاء مرو.
قال: وتوفى بمرو سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة. وقال إمام الحرمين فى باب التيمم من النهاية: كان أبو زيد من أذكى الأئمة قريحة. وروى الإمام الحافظ أبو سعد السمعانى بإسناده عن الشيخ أبى زيد المروزى، قال: كنت نائمًا بين الركن والمقام، فرأيت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى المنام، فقال: يا أبا زيد، إلى متى تدرس كتاب الشافعى ولا تدرس كتابى؟ فقلت: يا رسول الله، وما كتابك؟ قال: جامع محمد بن إسماعيل، يعنى صحيح البخارى، رضى الله عنه.
قال الحاكم: فقدم أبو زيد نيسابور غير مرة، منها لغزوة الروم، ومنها قدمت الخامسة متوجهًا إلى الحج فى شعبان سنة خمس وخمسين وثلاثمائة. قال: وسمع أبو زيد بمرو من أصحاب على بن حجر، وعلى بن خشرم، وأقرانهم، وأكثر الرواية عن أبى بكر المنكدرى. وتوفى بمرو فى رجب سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة.
قال الحاكم: سمعت أبا الحسن محمد بن أحمد الفقيه، يقول: سمعت أبا زيد المروزى يقول: لما عزمت على الرجوع من مكة إلى خراسان، تقسى قلبى بذلك، وقلت: متى يكون هذا والمسافة بعيدة، والمشقة لا أحتملها، وقد طعنت فى السن، فرأيت فى المنام كأن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاعدًا فى المسجد الحرام وعن يمينه شاب، فقلت: يا رسول الله، قد عزمت على الرجوع إلى خراسان والمسافة بعيدة، فالتفت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الشاب، وقال: يا روح الله، اصحبه إلى وطنه، فأريت أنه جبريل، عليه السلام، فانصرفت إلى مرو، ولم أحس شيئًا من مشقة السفر، وبالله التوفيق.
791 - أبو زيد الأنصارى النحوى اللغوى (1) :
صاحب الشافعى، وشيخ أبى عبيد القاسم بن سلام، هو الإمام أبو زيد سعيد بن أوس بن ثابت الأنصارى الإمام فى النحو واللغة. قال الخطيب فى تاريخ بغداد: حدَّث عن شعبة، وإسرائيل، وأبى عمرو، وابن العلاء المازنى. روى عنه أبى عبيد القاسم بن سلام، ومحمد بن سعد كاتب الواقدى، وأبو حاتم السجستانى، وأبو زيد عمرو بن شبة، وأبو حاتم الرازى، وأبو العيناء محمد بن القاسم، وغيرهم.
قال الخطيب: وكان ثقة، ثبتًا من أهل البصرة، وقدم بغداد. ثم ذكر الخطيب بإسناده عن أبى عثمان المزانى، قال: كنا عند أبى زيد فجاء الأصمعى، فأكب على رأسه، وجلس وقال: هذا عالمنا ومعلمنا منذ ثلاثين سنة، فبينا نحن كذلك إذ جاء خلف الأحمر فأكب على رأسه وجلس وقال: هذا عالمنا ومعلمنا منذ عشرين سنة.
وسُئل الأصمعى وأبو عبيدة عنه، فقالا معًا: ما شئت من عفاف وتقوى وإسلام. وقال صالح بن محمد الحافظ: أبو زيد ثقة. توفى سنة خمسة
_________
(1) انظر: الجرح والتعديل (4/4، 5) ، وتهذيب الكمال (10/330 - 337) ، وميزان الاعتدال (2/126، 127) ، وتهذيب التهذيب (4/3 - 5) ، وتقريب التهذيب (1/291) ..(2/235)
عشرة ومائتين، وقيل: سنة أربع عشرة. وقال المبرد: حدثنى الرياشى، وهو أبو حاتم، أنه توفى سنة خمسة عشرة ومائتين، وله ثلاث وتسعون سنة. توفى بالبصرة، رحمه الله.
* * *
حرف السين المهملة
792 - أبو ساسان (1) :
بسينين مهملتين. مذكور فى المهذب فى أول حد الخمر، واسمه حضين، بحاء مهملة مضمومة، ثم ضاد معجمة مفتوحة، ابن المنذر بن الحارث الرقاشى البصرى التابعى الثقة. سمع عثمان، وعليًّا، وأبا موسى الأشعرى، وغيرهم من الصحابة، رضى الله عنهم.
روى عنه الحسن البصرى، وعبد الله بن فيروز، وعلى بن سويد، وداود بن أبى هند، وابنه يحيى بن حضين. توفى قبل المائة من الهجرة. قيل: أبو ساسان كنيته، وقيل: هو لقب، وكنيته أبو محمد، وبه قطع الحاكم أبو عبد الله فى تاريخ نيسابور. واتفقوا على توثيق أبى ساسان.
793 - أبو سباع:
بكسر السين. مذكور فى المهذب فى باب المصراة. هو تابعى. ذكره الحاكم أبو عبد الله فى كتابه فى الكنى فيمن لا يُعرف اسمه، وحديثه المذكور فى المهذب رواه البيهقى فى السنن الكبير بإسناده.
794 - أبو سعد بن أحمد:
من فقهاء أصحابنا، وهو شارح أدب القاضى لأبى عاصم العبادى، مذكور فى الروضة فى أول باب خيار النقص فى بيان عيوب المبيع، هو القاضى الإمام أبو سعد
_________
(1) انظر: الجرح والتعديل (3/311، 312) ، وطبقات ابن سعد (7/155) ، والتاريخ الكبير (3/128) ، والكامل فى الأدب (3/13) ، وتهذيب تاريخ دمشق (4/377 - 380) ، وخزانة الأدب (2/90) ، والوافى بالوفيات (13/94) ، وأعيان الشيعة (27/277 - 296) ، وتهذيب التهذيب (2/395) ، وتقريب التهذيب (1/185) ..(2/236)
[......] (1) .
795 - أبو سعيد الخدرى الصحابى، رضى الله عنه (2) :
تكرر فى هذه الكُتب. هو أبو سعيد سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر، بالباء الموحدة وبالجيم، وهو خدرة الذى ينسب إليه أبو سعيد هذا، ابن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصارى الخزرجى الخدرى، بضم الخاء المعجمة وإسكان الدال المهملة.
قال محمد بن سعد: وزعم بعض الناس أن خدرة إنما هى أم الأبجر، والصحيح أن خدرة هو الأبجر كما قدمناه، واسم أم أبى سعيد: أنيسة بنت أبى حارثة. استصغر أبو سعيد يوم أُحُد فَرُدَّ، وغزا بعد ذلك مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثنتى عشرة غزوة، وكان أبوه مالك صحابيًا استشهد يوم أُحُد، رضى الله عنه.
رُوى لأبى سعيد عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ألف حديث ومائة وسبعون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم على ستة وأربعين منها، وانفرد البخارى بستة عشر، ومسلم باثنين وخمسين. وروى أبو سعيد عن جماعة من الصحابى أيضًا، منهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وزيد ابن ثابت، وأبو قتادة، وعبد الله بن سلام، وأبوه مالك بن سنان.
وروى عنه جماعة من الصحابة، منهم عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وجابر ابن عبد الله، وغيرهم، رضى الله عنهم أجميعن. وروى عنه خلائق من التابعين، منهم ابن المسيب، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأبو سلمة وحميد ابنا عبد الرحمن بن عوف، وعامر بن سعد، وعطاء بن يزيد، وعطاء بن يسار، وعبيد بن حنين، بنونين، ونافع، وخلائق. وكان من فقهاء الصحابة وفضلائهم البارعين.
روينا عن سهل بن سعد، قال: بايعت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنا، وأبو ذر، وعبادة بن الصامت، وأبو سعيد الخدرى على أن لا تأخذنا فى الله لومة لائم. وعن حنظلة بن أبى سفيان الجمحى، عن أشياخه، قالوا: لم يكن من أحداث الصحابة أفقه من أبى سعيد الخدرى. وفى رواية: أعلم. ومناقبه كثيرة. توفى بالمدينة يوم الجمعة سنة أربع وستين، وقيل: سنة أربع وسبعين، ودفن بالبقيع.
796 - أبو سعيد الإصطخرى الفقيه (3) :
من أصحابنا أصحاب الوجوه، تكرر ذكره فى الكُتب الكبار، منسوب إلى إصطخر البلدة المعروفة من بلاد فارس، وهو
_________
(1) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
(2) انظر: الإصابة (2/35) ، التاريخ الكبير (4/44) ، والنجوم الزاهرة (1/192) ، والجرح والتعديل (4/93) ، وتهذيب تاريخ دمشق (6/110 - 115) ، والثقات لابن حبان3/150، 151) ، وأسد الغابة (2/289) ، وحلية الأولياء (1/369 - 371) ، وتهذيب الكمال (10/294 - 300) ، والاستيعاب (2/602) ، وسير أعلام النبلاء (3/168 - 172) برقم (28) ، وتاريخ بغداد (1/180، 181) ، وتذكرة الحفاظ (1/41) ، والوافى بالوفيات (15/148) ، وربيع الأبرار (4/321، 409، 465) ، والبداية والنهاية (9/3، 4) ، ومرآة الجنان (1/155) ، وتهذيب التهذيب (3/479 - 481) ..
(3) انظر: تاريخ بغداد (7/268 - 270) والأنساب (1/291، 292) والمنتظم (6/312) ووفيات الأعيان (2/74، 75) ومعجم البلدان (1/211) وسير أعلام النبلاء (15/250 - 252) ومرآة الجنان (2/290) والبداية والنهاية (11/193) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (3/230 - 253) والنجوم الزاهرة (3/267) ..(2/237)
بكسر الهمزة، قاله السمعانى وغيره، وقيل: بفتحها، وهى همزة قطع كسرت أو فتحت، ويجوز تخفيفه كالأحمر ونظائره، فيحصل فيه أربعة أوجه. واسم أبى سعيد الحسن بن أحمد بن يزيد بن عيسى بن الفضل بن بشار بن عبد الحميد بن عبد الله بن هانىء بن قبيصة بن عمرو بن عامر، قاله الخطيب فى تاريخ بغداد، وغيره.
وقال الشيخ أبو إسحاق: كان أبو سعيد قاضى قم، وولى الحسبة ببغداد، وكان ورعًا، متقللاً من الدنيا، ولد سنة أربع وأربعين ومائتين، وتوفى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. قال: وصَّنف كتابًا حسنًا فى أدب القضاء.
وقال الشيخ أبو حامد فى تعليقه: كان الإصطخرى بصيرًا بكتب الشافعى. قال الخطيب: سمع أبو سعيد الإصطخرى: سعدان بن نصر، وحفص بن عمرو، وأحمد بن منصور الرمادى، وعيسى بن جعفر الوراق، وعباس بن محمد الدورى، وأحمد بن سعد الزهرى، وأحمد بن حازم بن أبى عزرة، وحنبل بن إسحاق. روى عنه محمد بن المظفر، وأبو الحسن الدارقطنى، وأبو حفص بن شاهين، ويوسف بن عمر القواس، وأبو قاسم ابن الثلاج.
قال الخطيب: كان الإصطخرى أحد الأئمة المذكورين، ومن شيوخ الفقهاء الشافعيين، وكان ورعًا، زاهدًا، متقللاً. وقال صالح بن أحمد بن محمد الحافظ: كان الإصطخرى أحد الفقهاء مع ما رزق من الديانة والورع، ودل كتابه الذى ألفه فى القضاء على سعة فهمه ومعرفته.
قال الخطيب: حدثنى القاضى أبو الطيب الطبرى، قال: حكى لى عن أبى القاسم الداركى، قال: سمعت أبا إسحاق المروزى يقول: دخلت بغداد فلم يكن بها من يستحق أن أدرس عليه إلا أبو العباس بن سريج، وأبو سعيد الإصطخرى.
قال القاضى أبو الطيب: وهذا يدل على أن أبا على بن خير إن لم يكن يقاس بهما، وكان من الورع والزهد بمكان، قال: ويقال: إنه كان قميصه(2/238)
وسراويله وعمامته وطيلسانه من شقة واحدة.
قال: وله تصانيف كثيرة منها كتاب أدب القضاء، ليس لأحد مثله، وولى الحسبة ببغداد، وأحرق طاق اللعب من أجل ما يعمل فيها من الملاهى، واستفتاه القاهر الخليفة فى الصابئين فأفتاه بقتلهم؛ لأنه تبين له مخالفتهم اليهود والنصارى، وأنهم يعبدون الكواكب، فعزم الخليفة على قتلهم، فجمعوا مالاً كثيرًا فكف عنهم.
قال القاضى: وحكى عن الداركى، قال: ما كان أبو إسحاق المروزى يُفتى بحضرة الإصطخرى إلا بإذنه، رحمهما الله تعالى.
797 - أبو سفيان بن الحارث الصحابى، رضى الله عنه (1) :
هو ابن عم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإنه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. واختلفوا فى اسمه، فقال هشام بن الكلبى، وإبراهيم بن المنذر، والزبير بن بكار، وغيرهم: اسم أبى سفيان هذا: المغيرة، وقال الآخرون: اسمه كنيته، لا اسم له غيرها، وهو أخو النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الرضاعة، أرضعتهما حليمة، وكان يشبه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو، وجعفر بن أبى طالب، والحسن بن على، وقثم بن العباس، رضى الله عنهم أجمعين.
وكان شاعرًا، أسلم وحسن إسلامه، وشهد مع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حنينًا، وأبلى فيها بلاء حسنًا، وهو من فضلاء الصحابة. وقال أبو سفيان عند موته: لا تبكوا علىَّ، فلم أفعل خطيئة منذ أسلمت. توفى بالمدينة سنة عشرين، وصلى عليه عمر بن الخطاب، وقيل: توفى سنة خمس عشرة.
798 - أبو سفيان بن حرب الصحابى (2) :
تكرر ذكره فى هذه الكُتب. هو أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف بن قصى القرشى الأموى المكى، أسلم زمن الفتح، وكان شيخ مكة إذ ذاك، ورئيس قريش، ولقى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالطريق قبل دخوله مكة لفتحها فأسلم هناك، وشهد حنينًا، وأعطاه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غنائمها مائة بعير وأربعين أوقية، وشهد الطائف، وفقئت عينه يومئذ، وشهد اليرموك.
روى له البخارى ومسلم حديث هرقل، من رواية ابن عباس، عن أبى سفيان، وكان أبو سفيان من تجار قريش وأشرافهم، وكان من المؤلفة، ثم حسن
_________
(1) انظر: الإصابة (4/90) ، وأسد الغابة (5/215) ، والاستيعاب (4/83) ، وطبقات ابن سعد (4/49) ، وسير أعلام النبلاء (1/202) ، والعقد الثمين (7/253) ..
(2) انظر: الإصابة (2/178) ، وأسد الغابة (5/216) ، والاستيعاب (4/85) ، والعقد الثمين (5/32) ، والوافى بالوفيات (16/284) ، وسير أعلام النبلاء (2/105) (13) ، ونهاية الأرب (19/449) ، والتاريخ الكبير (4/310) ..(2/239)
إسلامه، ونزل المدينة وتوفى بها سنة إحدى وثلاثين، وقيل: أربع وثلاثين، وهو ابن ثمان وثمانين سنة، وهو والد يزيد، ومعاوية، وأم حبيبة أولاد أبى سفيان وأخوتهم.
799 - أبو سفيان (1) :
مولى ابن أبى أحمد. مذكور فى المختصر فى العرايا. هو تابعى، وهو مولى عبد الله بن أبى أحمد بن جحش الأسدى. وقال محمد بن سعد: هو مولى لبنى عبد الأشهل، وكان له انقطاع إلى أبى أحمد بن جحش، فنُسب إلى ولائه. واختلفوا فى اسم أبى سفيان هذا، فقيل: قزمان، بقاف مضمومة ثم زاى ساكنة. وقال الدارقطنى فى تسمية رجال مسلم: اسمه وهب.
روى عن أبى سعيد الخدرى. روى عنه داود بن الحصين وغيره. وقال داود بن الحصين: كان أبو سفيان يؤم بنى عبد الأشهل وفيهم ناس من أصحاب النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، منهم محمد بن سلمة، وسلمة بن سلامة، ويصلى بهم وهو مكاتب. قال محمد بن سعد: وكان ثقة، قليل الحديث. روى له البخارى ومسلم.
800 - أبو سلمة الصحابى، رضى الله عنه:
زوج أم سلمة، رضى الله عنهما، تكرر ذكره. هو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد ابن هلال بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القريشى المخزومى، كان قديم الإسلام، وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة بأم سلمة، وشهد بدرًا وأُحُدًا، وجُرح بها، واندمل جرحه ثم انتقض جرحه فمات منه، هكذا ذكره ابن عبد البر، وهو والد عمر بن أبى سلمة.
801 - أبو سلمة التابعى (2) :
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وسبق باقى نسبه فى ترجمة أبيه عبد الرحمن ابن عوف القريشى الزهرى، أحد العشرة، رضى الله عنهم أجمعين، تكرر ذكر أبى سلمة فى المختصر، وذكره فى المهذب فى كتاب السير فى فصل الأمان عن عمر.
واسم أبى سلمة عبد الله، وقيل: إسماعيل، والصحيح المشهور هو الأول، وهو مدنى من كبار التابعين، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة على
_________
(1) انظر: الجرح والتعديل (9/381) ، والتاريخ الكبير (9/39) ، وطبقات ابن سعد (5/307، 308) ، وتهذيب التهذيب (12/113) ، وتقريب التهذيب (2/429) ..
(2) انظر: الجرح والتعديل (5/93، 94) ، والتاريخ الكبير (5/130) ، وتاريخ ابن معين (2/708) ، وسير أعلام النبلاء (4/287 - 292) برقم (108) ، وطبقات ابن سعد (5/155 - 157) ، والبداية والنهاية (9/116) ، وتذكرة الحفاظ (1/63) ، وتهذيب التهذيب (12/115 - 118) ، وتقريب التهذيب (2/430) ..(2/240)
أحد الأقوال كما سبق إيضاحه فى ترجمة خارجة بن زيد.
سمع أبو سلمة جماعة من الصحابة، منهم عبد الله بن سلام، وابن عمر، وابن عباس، وابن عمرو بن العاص، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدرى، وأبو أسيد، بضم الهمزة، ومعاوية بن الحكم، وربيعة بن كعب، وعائشة، وأم سلمة، وقيل: سمع حسان بن ثابت، ولم يسمع عمر بن الخطاب، بل روايته عنه مرسلة، وسمع جماعة من التابعين، منهم عطاء بن أبى رباح، وعروة، وبشير بن سعيد، بضم الباء، وعمر بن عبد العزيز.
روى عنه خلائق من التابعين وغيرهم، فمن التابعين عامر الشعبى، وعبد الرحمن الأعرج، وعراك بن مالك، وعمرو بن دينار، وأبو حازم، وأبو سلمة بن دينار، والزهرى، ويحيى الأنصارى، ويحيى بن أبى كثير، وآخرون.
وأم أبى سلمة تماضر بنت الأصبغ، وسيأتى بيانها فى ترجمتها إن شاء الله تعالى. واتفقوا على جلالة أبى سلمة، وإمامته، وعظم قدره، وارتفاع منزلته. روينا عن محمد ابن سعد، قال: كان ثقة، فقيهًا، كثير الحديث. توفى بالمدينة سنة أربع وتسعين، وهو ابن اثنتين وسبعين. قال: وهذا أثبت من قول مَن قال: سنة أربع ومائة. وقال أبو زرعة: هو ثقة إمام، قالوا: وكان صبيح الوجه.
802 - أبو السنابل بن بعكك الصحابى:
الذى خطب سبعية الأسلمية، وهو بفتح السين، وبعكك بموحدة مفتوحة ثم عين مهملة ساكنة ثم كافين، وهو مصروف، وهو أبو السنابل بن بعكك بن الحجاج بن الحارث بن السباق بن عبد الدار، كذا نسبه ابن الكلبى، وابن عبد البر، وقيل فى نسبه غير هذا، واسمه عمرو، وقيل: حبة، بالباء الموحدة، وقيل: بالنون، حكاهما ابن ماكولا. أسلم يوم فتح مكة، وكان من المؤلفة، وكان شاعرًا، سكن الكوفة.
803 - أبو سهل الصعلوكى (1) :
من أصحابنا أصحاب الوجوه، تكرر ذكره فى الروضة، ولا ذكر له فى المختصر والمهذب. هو الإمام البارع أبو سهل الصعلوكى النيسابورى الشافعى مذهبًا، الحنفى نسبًا، من بنى حنيفة.
قال الحاكم أبو عبد الله فى تاريخ نيسابور: واسم أبى سهل هذا: محمد بن سليمان ابن محمد بن سليمان بن هارون
_________
(1) انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكى (3/167) والوافى بالوفيات (3/124) ومفتاح السعادة (2/177) والنجوم الزاهرة (4/136) ووفيات الأعيان (4/204) وطبقات الصوفية للسلمى (344) والعبر (2/352) ومرآة الجنان (2/393) وطبقات المفسرين لداودى (2/147) والأنساب لابن السمعانى (8/63) وطبقات الأولياء لابن الملقن (215، 216) وسير أعلام النبلاء (16/235 - 239) ..(2/241)
بن عيسى بن إبراهيم بن بشير الحنفى العجلى، الإمام الهمام، أبو سهل الفقيه، الأديب، اللغوى، النحوى، الشاعر، المتكلم، المفسر، المفتى، الصوفى، الكاتب، العروضى، خير زمانه، وبقية أقرانه، رضى الله عنه.
ولد سنة ست وتسعين ومائتين، وسمع أول سماعه سنة خمس وثلاثمائة، وطلب الفقه، وتبحر فى العلوم قبل خروجه إلى العراق بسنتين، فإنه ناظر فى مجالس أبى الفضل البلعمى الوزير سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وكان يقوم فى المجالس إذ ذاك.
ثم خرج إلى العراق سنة ثنتين وعشرين وثلاثمائة، وهو إذ ذاك أوحد بين أصحابه، ثم دخل البصرة، ودرس بها، إلى أن استدعى إلى أصبهان، ثم انتقل إلى نيسابور، ودرس، وأفتى، ورأس أصحابه بنيسابور ثنتين وثلاثين سنة. ومن جملة شيوخه فى المذهب أبو إسحاق المروزى.
قال أبو إسحاق المروزى: ذهبت الفائدة من مجلسنا بعد خروج أبى سهل النيسابورى. وقال الصاحب بن عباد: لا نرى مثل أبى سهل، ولا أرى هو مثل نفسه. وقال أبو بكر الصيرفى: خرج أبو سهل إلى خراسان، ولم ير أهل خراسان مثله.
وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازى فى طبقاته: كان أبو سهل صاحب أبى إسحاق المروزى، وتوفى فى آخر سنة تسع وستين وثلاثمائة، وعنه أخذ الفقه أبو الطيب وفقهاء نيسابور.
وقال أبو سعد السمعانى فى الأنساب: الصعلوكى منسوب إلى الصعلوك. قال: وكان أبو سهل هذا إمام عصره بلا مدافعة، المرجوع إليه فى العلوم، تفقه على أبى على الثقفى بنيسابور. قال: وسمع بخراسان أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبا العباس محمد بن إسحاق السراج، وبالرى عبد الرحمن بن أبى حاتم، وببغداد الحسين بن إسماعيل(2/242)
المحاملى، وأبا بكر محمد بن القاسم الأنبارى، وآخرين. سمع منه الحاكم أبو عبد الله وآخرون.
توفى ليلة الثلاثاء الخامس عشر من ذى القعدة سنة تسع وستين وثلاثمائة، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة وأشهر. ومن غرائب أبى سهل ما حكاه عنه أبو سعد المتولى أنه قال: إذا نوى بغسله الجنابة والجمعة لا يجزيه لواحد منهما، والمشهور فى المذهب أنه يجزيه لهما.
ومنها أنه اشترط النية فى إزالة النجاسة، حكاه عنه القاضى حسين، وابن الصباغ، والمتولى، والمشهور أنها لا تشترط، ونقل الماورى والبغوى فى شرح السنة الإجماع أنها لا تشترط.
قال أبو العباس التسترى الصوفى: كان أبو سهل يقدم فى علوم الصوفية، ويتكلم فيها بأحسن الكلام، وصحب من أئمتهم المرتعش، والشبلى، وأبا على الثقفى، وغيرهم. وقال أبو عبد الرحمن السلمى: قال لى أبو سهل: عقوق الوالدين تمحوه التوبة، وعقوق الأستاذ لا يمحوه شىء البتة.
* * *
حرف الشين المعجمة
804 - أبو شريح الخزاعى الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المختصر فى باب ما يجب به القصاص، وفى المهذب فيه، وفى باب استيفاء القصاص، ثم فى باب العفو عن القصاص، وقال فى الباب الأول: هو أبو شريح الخزاعى، وفى الآخرين: أبو شريح الكعبى، وهو واحد، يقال فيه: الكعبى، والخزاعى، والعدوى.
واختلف فى اسمه، فقيل: خويلد بن عمرو بن صخر بن عبد العزى بن معاوية، وقيل: اسمه عبد الرحمن بن عمرو، وقيل: عمرو بن خويلد، وقيل: هانىء بن عمرو، وقيل: كعب.
أسلم قبل فتح مكة، وكان يوم فتح مكة حاملاً أحد ألوية بنى كعب. قال محمد بن سعد: توفى أبو شريح بالمدينة سنة ثمان وستين، رضى الله عنه. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشرون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم على حديثين، وانفرد البخارى بحديث. روى عنه نافع بن جبير، وسعيد المقبرى.
805 -
_________
(1) انظر: الإصابة (4/101، 102) ، والتاريخ الكبير (3/224) ، والجرح والتعديل (3/398) ، وطبقات ابن سعد (4/295) ، والاستيعاب (4/101 - 103) ، وأسد الغابة (5/225، 226) ، وتهذيب التهذيب (12/125، 126) ..(2/243)
أبو الشعثاء التابعى (1) :
مذكور فى المختصر فى العيب فى النكاح، وفى التدبير، هو بشين معجمة مفتوحة، ثم عين مهملة ساكنة، ثم ثاء مثلثة ممدودة، واسمه جابر بن زيد الأزدى البصرى. سمع ابن عباس، وابن عمر، والحكم بن عمرو، وغيرهم. روى عنه عمرو بن دينار، وقتادة، وعمرو بن زهدم. واتفقوا على توثيقه. قال أحمد بن حنبل، وعمرو بن على، والبخارى: توفى سنة ثلاث وتسعين. وقال محمد بن سعد: سنة ثلاث ومائة. وقال الهيثم: سنة أربعة ومائة.
* * *
حرف الصاد المهملة
806 - أبو صالح السمان الزيات التابعى (2) :
تكرر فى المختصر، واسمه ذكوان، يقال له: السمان، والزيات، وكان يجلب السمن والزيت إلى الكوفة، وهو مدنى غطفانى، مولى جويرية بنت الأحمس. سمع سعد بن أبى وقاص، وابن عمر، وابن عباس، وجابرًا، وأبا سعيد، وأبا هريرة، وأبا عياش الزرقى، وعائشة. وسمع جماعة من التابعين.
روى عنه عطاء بن أبى رباح، وعبد الله بن دينار، ومحمد بن سيرين، والزهرى، وحبيب بن أبى ثابت، ورجاء بن حيوة، ويحيى الأنصارى، وأبو إسحاق السبيعى، وخلائق من التابعين وغيرهم. واتفقوا على توثيقه وجلالته.
قال أحمد بن حنبل: هو ثقة ثقة، من أجلِّ الناس وأوثقهم، وشهد الدار زمن عثمان ابن عفان، رضى الله عنه. توفى بالمدينة سنة إحدى ومائة.
* * *
حرف الضاد المعجمة
807 - أبو ضمضم:
بضادين معجمتين مفتوحتين، مذكور فى المهذب فى باب القذف، ولا يُعرف له اسم، وقد ذكره أبو عمرو، وابن عبد البر فى الصحابة.
_________
(1) انظر: الجرح والتعديل (2/494، 495) ، والتاريخ الكبير (2/204) ، وحلية الأولياء (3/85 - 92) ، وطبقات ابن سعد (7/179 - 182) ، وتذكرة الحفاظ (1/72، 73) ، وتاريخ ابن معين (2/73) ، وسير أعلام النبلاء (4/481 - 483) برقم (184) ، والبداية والنهاية (9/93) ، وربيع الأبرار (4/141) ، والنجوم الزاهرة (1/252) ..
(2) انظر: الجرح والتعديل (3/450، 451) ، وطبقات ابن سعد (5/301) ، وسير أعلام النبلاء (5/36، 37) برقم (10) ، وتاريخ ابن معين (2/158) ، وتذكرة الحفاظ (1/89) ، والتاريخ الكبير (3/260، 261) ، وتهذيب التهذيب (3/219، 220) ، وتقريب التهذيب (1/238) ..(2/244)
* * *
حرف الطاء
808 - أبو طاهر الزيادى (1) :
من أصحابنا الخراسانيين أصحاب الوجوه، تكرر ذكره فى الروضة، ولا ذكر له فى غير هذه الكُتب الستة، واسمه محمد بن محمد بن محمش بن على بن داود بن أيوب بن محمد الزيادى.
روى الحديث عن أبى بكر القطان، وأبى طاهر المحمد أباذى، وأبى عبيد الله الصفار، وأبى حامد بن بلال، وغيرهم. روى عنه أبو القاسم بن عليك، والحاكم أبو عبد الله، وأبو بكر البيهقى، وأحمد بن خلف، وغيرهم.
توفى الحاكم قبله، وأثنى عليه الحاكم، فقال: هو أبو طاهر الزيادى الفقيه الأديب الشروطى، ولد سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وابتدأ سماع الحديث سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، وابتدأ الفقه سنة ثمان وعشرين، وتوفى بعد سنة أربعمائة، وكان أبوه من أعيان العباد الذين يتبرك بهم وبدعائهم.
ومن غرائب أبى طاهر أنه قال: يجوز للذمى إحياء الموات فى دار الإسلام بإذن الإمام، وقال الجمهور: لا يجوز، كما لا يجوز بغير إذنه بالاتفاق.
809 - أبو طلحة الأنصارى الصحابى، رضى الله عنه (2) :
تكرر فى المختصر والمهذب، اسمه زيد بن سهل بن الأسود بن حزام، بالزاى، ابن عمرو بن زيد مناة بن عدى بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصارى المدنى. شهد العقبة، وبدرًا، وأُحُدًا، والخندق، والمشاهد كلها مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو أحد النقباء، رضى الله عنهم.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثنان وتسعون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على حديثين، وانفرد البخارى بحديث، ومسلم بآخر، روى عنه جماعة من الصحابة، منهم ابن عباس، وأنس، وآخرون، وجماعات من التابعين.
توفى بالمدينة سنة ثنتين وثلاثين، وقيل: أربع وثلاثين، وهو ابن سبعين سنة. كذا قال الأكثرون أنه توفى بالمدينة.
_________
(1) انظر: الأنساب (6/360) والعبر (3/103) وتذكرة الحفاظ (3/1051) وسير أعلام النبلاء (17/276 - 278) والوافى بالوفيات (1/271، 272) طبقات الشافعية للإسنوى (1/609، 610) وطبقات الشافعية لابن قاضى شهبة (1/199، 200) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (3/82) وتبصير المنتبه (4/1265) والأعلام (7/245) . .
(2) انظر: الإصابة (1/566) ، والاستيعاب (4/113) ، وأسد الغابة (2/289) ، وطبقات ابن سعد (3/504) ، وسير أعلام النبلاء (2/27) (5) ، والوافى بالوفيات (15/31) ..(2/245)
وقال أبو زرعة الدمشقى: توفى بالشام، وقيل: فى البحر غازيًا.
وروينا عن أبى زرعة الدمشقى، قال: عاش أبو طلحة بعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعين سنة يسرد الصوم، وهذا القول مخالف لما قدمناه عن الجمهور فى وفاته أنها كانت سنة ثنتين وثلاثين أو أربع. قالوا: وصلى عليه عثمان بن عفان، فكيف كان يسرد الصوم أربعين سنة بعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وروينا فى صحيح البخارى فى كتاب الجهاد عن أنس، قال: كان أبو طلحة لا يصوم على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أجل الغزو، فلما قُبض رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم أره مفطرًا إلا يوم فِطر أو أضحى.
وروينا فى مسند أبى يعلى الموصلى، عن أنس، قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: “صوت أبى طلحة فى الجيش خير من مائة” (1) .
810 - أبو طيبة:
الذى حجم النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مذكور فى المختصر فى الأطعمة، وفى المهذب فى آخر نفقة الأقارب، وفى الوسيط فى أول كتاب الطهارة، هو بفتح الطاء المهملة، اسمه نافع، وقيل: ميسرة، وقيل: دينار، وكان عبدًا لبنى بياضة.
811 - أبو الطيب بن سلمة:
من متقدمى أصحابنا وأئمتهم أصحاب الوجوه، تكرر فى المهذب، والوسيط، والروضة. هو الإمام أبو الطيب محمد بن الفضل بن سلمة بن عاصم البغدادى، واشتهر بأبى الطيب بن سلمة، نسب إلى جده.
قال الخطيب البغدادى: كان من كبار الفقهاء ومتقدميهم. قال: ويقال: إنه درس على أبى العباس بن سريج. قال: وصنَّف كُتبًا عدة. وتوفى فى المحرم سنة ثمان وثلاثمائة.
قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح، رحمه الله: كان أبو الطيب هذا معروف النسب فى الفضل والأدب، فأبوه، على ما حكاه الخطيب، هو أبو طالب الفضل بن سلمة صاحب كتاب ضياء القلوب، وغيره من الكُتب فى الأدب وغيره، وجده هو سلمة بن عاصم صاحب الفراء، وشيخ ثعلب، وقد أكثر ثعلب عنه.
ومن غرائب أبى الطيب بن سلمة أنه قال: يكفر تارك الصلاة وإن اعتقد وجوبها، حكاه عنه الشيخ أبو إسحاق فى تعليقه فى الخلاف، ونقلته إلى شرح المهذب. ومنها أنه قال: إذا أذن الولى للسفيه أن يتزوج فتزوج لم يصح كالصبى، والمذهب صحته، وبه قال الجمهور.
_________
(1) أخرجه عبد بن حميد (ص 407، رقم 1384) . وأخرجه أيضًا: الضياء (5/44، رقم 1657) .
أخرجه الحاكم (3/397، رقم 5503) وقال: ورواته عن آخرهم ثقات.
أخرجه أحمد (3/112، رقم 12122) قال الهيثمى (9/312) : رواه أحمد وأبو يعلى ورجال الرواية الأولى رجال الصحيح، والحاكم (3/397، رقم 5503) .(2/246)
ومنها: إذا قدم بدوى بطعام للجلب فى موضع يحرم بيع الحاضر للبادى، فاستشار البدرى حضريًا فى بيعه، فهل يرشده إلى ادخاره وبيعه على التدريج، فيه وجهان، قال ابن سلمة، وأبو إسحاق المروزى: يجب إرشاده لأداء النصيحة. وقال أبو حفص بن الوكيل: لا يرشده توسعة على الناس.
ومنها: أنه يجوز بيع شاة فى ضرعها لبن بشاة فى ضرعها لبن، والصحيح الذى عليه سائر الأصحاب بطلانه.
812 - أبو الطيب الطبرى القاضى:
شيخ صاحب المهذب، تكرر ذكره فى الكتب الثلاثة، وهو الإمام البارع فى علوم الفقه، القاضى أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبرى، من طبرستان، ثم البغدادى.
قال الشيخ أبو إسحاق: هو شيخنا وأستاذنا، ولد سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة، وتوفى سنة خمسين وأربعمائة، وهو ابن مائة وسنتين، لم يختل عقله، ولا تغير فهمه، يفتى مع الفقهاء، ويستدرك عليهم، ويقضى ويشهد، ويحضر المواكب بدار الخلافة إلى أن مات.
تفقه بآمل على أبى على صاحب ابن القاض، وقرأ على أبى سعد الإسماعيلى، وعلى القاضى أبو القاسم بن كج، ثم ارتحل إلى نيسابور، وأدرك أبا الحسن الماسرجسى صاحب أبى إسحاق المروزى، فصحبه أربع سنين، وتفقه عليه، ثم ارتحل إلى بغداد، وعلق عن أبى محمد البافى، بالباء الموحدة والفاء، الخوارزمى صاحب الداركى، وحضر مجلس الشيخ أبى حامد الإسفراينى، ولم أر فيمن رأيت أكمل اجتهادًا وأشد تحقيقًا وأجود نظرًا منه.
شرح مختصر المزنى، وَصَّف فى المذهب، والأصول، والخلاف، والجدل، كُتبًا كثيرة ليس لأحد مثلها، ولازمت مجلسه بضع عشرة سنة، ودرست أصحابه فى مسجده سنين بإذنه، ورتبنى فى حلقته، وسألنى أن أجلس فى مسجده للتدريس ففعلت ذلك فى سنة ثلاثين وأربعمائة، أحسن الله عنى جزاءه ورضى عنه وأرضاه. هذا كلام الشيخ أبى إسحاق فى طبقاته.
وقال الخطيب البغدادى: هو طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمرو أبو الطيب الطبرى الفقيه الشافعى، سمع بجرجان أبا أحمد الغطريفى، وبنيسابور أبا الحسن الماسرجسى، وعليه درس الفقه، وسمع أيضًا من شيوخ نيسابور،(2/247)
وقدم بغداد فسمع موسى بن جعفر بن عمرو، وأبا الحسن الدارقطنى، والمعافا بن زكريا، والجريرى، بفتح الجيم، واستوطن بغداد ودرس بها وأفتى، ثم ولى القضاء بربع الكرخ بعد وفاة أبى عبد الله الصيمرى، فلم يزل على القضاء إلى حين وفاته.
قال الخطيب: واختلفت إليه، وعلقت عنه الفقه سنين عدة، وسمعته يقول: ولدت بآمل سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة، وخرجت إلى جرجان للقاء أبى بكر الإسماعيلى والسماع منه، فدخلت البلد يوم الخميس، واشتغلت بدخول الحمام، فلما جئت من الغد لقينى ابنه أبو سعد، فقال: شرب دواء لمرض كان به، فتجىء غدًا تسمع منه، فجئت من الغد يوم السبت، فإذا هو قد توفى بالليل. وابتدأ بالتفقه وله أربع عشرة سنة، ولم يخل به يومًا واحدًا حتى مات.
وقال أبو محمد البافى، بالفاء: أبو الطيب الطبرى أفقه من أبى حامد الإسفراينى. وقال الإسفراينى: أبو الطيب أفقه من البافى. قال الخطيب: وكان أبو الطيب ثقة، صادقًا، دينًا، ورعًا، عارفًا بأصول الفقه وفروعه، محققًا فى علومه، سليم الصدر، حسن الخلق، صحيح المذهب، جيد اللسان، يقول الشعر على طريقة الفقهاء. توفى يوم السبت لعشر بقين من شهر ربيع الأول سنة خمسين وأربعمائة، ودفن من الغد فى مقبرة باب حرب، وحضرت الصلاة عليه فى جامع المنصور.
قلت: ومن غرائب القاضى أبى الطيب قوله: إن خروج المنى ينقض الوضوء، والصحيح الذى قاله جمهور أصحابنا لا ينقضه، بل يوجب الغسل فقط. ومنها ما حكاه عنه صاحب الشيخ أبو إسحاق صاحب المهذب فى تعليقه أنه لو فرقت صيعان صبرة، فباع واحدًا مبهمًا صح البيع لعدم الضرر، والصحيح الذى قطع به جمهور أصحابنا بطلانه. ومنها أنه قال: إذا صلى الكافر فى دار الحرب كانت صلاته إسلامًا، والصحيح المنصوص للشافعى وجمهور الأصحاب أنها ليست بإسلام إلا أن تُسمع منه الشهادتان.
والد أمامة بنت أبى العاص، رضى الله(2/248)
عنهما. مذكور فى المهذب فى أول باب من يصح لعانه، وفى المنّ على الأسير. هو أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى القريشى العبشمى، زوج زينب بنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأمه هالة بنت خويلد أخت خديجة أم المؤمنين، رضى الله عنهما، لأبويها، كذا قاله ابن عبد البر وغيره. وقال ابن مندة، وأبو نعيم: اسم أمه هند بنت خويلد.
واختلفوا فى اسم أبى العاص، فقيل: اسمه لقيط، وقيل: مهشم، وقيل: هشيم، والأول أشهر. قال ابن الأثير: وهو قول الأكثرين. وأُسر أبو العاص يوم بدر فمنَّ عليه بلا فداء كرامة لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسبب زينب، ثم أسلم قبيل فتح مكة وحسن إسلامه، ورد عليه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زينب بنكاح جديد، وقيل: بالنكاح الأول، وتوفيت زينب عنده، وتوفى هو سنة ثنتى عشرة من الهجرة، وردّ زينب إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد بدر بقليل حين طلبها منه.
814 - أبو عاصم العبادى (1) :
* * *
حرف العين
813 - أبو العاص بن الربيع الصحابى، رضى الله عنه:
تكرر فى الروضة، ولا ذكر له فى غيره من هذه الكُتب، هو بفتح العين، وتشديد الباء، منسوب إلى عباد جد جد أبيه، وهو أحد فقهاء أصحابنا أصحاب الوجوه. قال أبو سعد السمعانى فى الأنساب: هو القاضى أبو عاصم محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله ابن عباد العبادى الهروى، كان إمامًا، فقيهًا، مناظرًا، دقيق النظر، تفقه بهراة على القاضى أبى منصور الأزدى، وبنيسابور على القاضى أبى عمر البسطامى، وسمع الحديث الكثير، وحدث وصَنَّف كُتبًا فى الفقه، ككتاب المبسوط، والهادى إلى مذهب العلماء، وكتابًا فى الرد على القاضى السمعانى، وغيرها. ولد سنة خمس وسبعين وثلاثمائة، وتوفى فى شوال سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، رحمه الله، هذا آخر كلام السمعانى.
ومن مصنفات أبى عاصم كتاب الشرح، وكتاب الزيادات، وكتاب زيادات الزيادات، وكتاب الأطعمة، وكتاب أحكام المياه، وكتاب طبقات الفقهاء، وله الفتوى. ومن غرائب أبى عاصم [......] (2) .
815 - أبو عاصم النبيل (3) :
مذكور فى المختصر فى بيع حاضر لباد، هو أبو عاصم
_________
(1) انظر: الأنساب (8/336، 337) ووفيات الأعيان (4/214) والعبر (3/243) وسير أعلام النبلاء (18/180، 181) ومرآة الجنان (3/82، 83) والوافى بالوفيات (2/82، 83) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (4/104 - 112) طبقات الشافعية للإسنوى (2/190، 191) وطبقات الشافعية لابن قاضى شهبة (1/237، 238) ومعجم المؤلفين (9/10) ..
(2) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
(3) انظر: طبقات ابن سعد (7/295) ، والتاريخ الكبير (4/336) ، والجرح والتعديل (4/463) ، والثقات لابن حبان (6/483) ، وتهذيب الكمال (13/281 - 291) ، وميزان الاعتدال (2/325) ، وتهذيب التهذيب (4/450 - 453) ، وتقريب التهذيب (2/373) ..(2/249)
الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم بن رافع بن رفيع بن الأسود بن عمرو بن والان بن ثعلبة بن شيبان الشيبانى البصرى النبيل. وهو من تابعى التابعين. سمع عبد الله بن عون، ويزيد بن أبى عبيد، ومحمد بن عجلان، وأيمن بن نايل، وعبد الرحمن بن وردان، وابن أبى ذؤيب، وعبد العزيز بن أبى رواد، والأوزاعى، وسعيد بن عبد الرحمن، وحيوة بن شريح، وثور ابن يزيد، وعمران القطان، وعبد العزيز بن جريج، ومالك بن أنس، والثورى، وسعيد ابن أبى عروبة، وجرير بن حازم، وسليمان التيمى، وسمع من جعفر الصادق حديثًا واحدًا، وعزرة بن ثابت، والمثنى بن عمرو، وخلائق غيرهم.
روى عنه جرير بن حازم، وهو من شيوخه، وأحمد بن حنبل، وأبو خيثمة، وعلى بن المدينى، وعمرو بن على، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، وأبو غسان المسمعى، وأبو بكر بن أبى شيبة، والحسن بن على الحلوانى، والأصمعى، وعبد بن حميد، وعبد الله بن داود الخريبى، بضم الخاء المعجمة، وهو أكبر منه، والبخارى، وروى عن واحد عنه، وأبو داود، وآخرون. واتفقوا على توثيقه، وجلالته، وحفظه.
قال عمر بن شيبة: حدثنا أبو عاصم النبيل، والله ما رأيت مثله. وقال الخليل بن عبد الله القزوينى: أبو عاصم النبيل متفق عليه زهدًا، وعلمًا، وورعًا، وديانة، وإتقانًا. وقال البخارى: سمعت أبا عاصم يقول: منذ عقلت أن الغيبة حرام ما اغتبت أحدًا قط. وقال ابن سعد: كان ثقة، فقيهًا، توفى بالبصرة فى ذى الحجة سنة اثنتى عشرة ومائتين، وهو ابن تسعين سنة وأشهر، وقيل: توفى سنة ثلاث عشرة.
واختلفوا فى سبب تلقيبه بالنبيل، فقيل: لأنه قدم بالفيل إلى البصرة، فخرج الناس يتفرجون، فجاء أبو عاصم إلى ابن جريج ليستفيد منه العلم، فقال ابن جريج: ما لك لم تخرج مع الناس؟ فقال: لا أجد منك عوضًا، فقال: أنت نبيل.
وقيل: لأن شعبة حلف أن لا يحدّث أصحابه شهرًا، فبلغ ذلك أبا عاصم، فقصده فقال: حدث وغلامى العطار حر لوجه الله تعالى كفارة عن يمينك، فأعجبه ذلك، وقال: أبو عاصم نبيل، فَلُقِّبَ به. وقيل: لأنه كان يلبس الثياب الفاخرة، فإذا أقبل قال ابن جريج: جاء النبيل. وقيل غير ذلك.(2/250)
816 - أبو العالية (1) :
مذكور فى المهذب فى آخر باب الأطعمة، هو أبو العالية، بالعين المهملة وبالياء المثناة من تحت، واسمه رفيع، بضم الراء وفتح الفاء، ابن مهران البصرى الرايحى، بكسر الراء، مولى امرأة من بنى رياح بن يربوع، حى من بنى تميم، واسم مولاته أميته أعتقته سايبة، وهو من كبار التابعين المخضرمين، أدرك الجاهلية، وأسلم بعد وفاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسنتين، ودخل على أبى بكر الصديق، وصلى خلف عمر، رضى الله عنهما.
وروى عن على، وابن مسعود، وأُبىّ بن كعب، وأبى أيوب، وأبى موسى، وابن عباس، وأبى برزة. روى عنه قتادة، وعاصم الأحول، وداود بن أبى هند، والربيع بن أنس، ومحمد بن واسع، وثابت البنانى، وحميد بن هلال، وحفصة بنت سيرين، وآخرون.
قال يحيى بن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وآخرون: هو ثقة. قال أبو القاسم الطبرى: هو ثقة، مُجمع على توثيقه. روى له البخارى ومسلم. وقال أبو بكر بن أبى داود فى كتابه شريعة القارىء: ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبى العالية، وبعده سعيد بن جبير، ثم السدى، ثم سفيان الثورى.
817 - أبو العباس بن سريج:
الإمام المشهور. تكرر فى هذه الكُتب، وهو أحد أعلام أصحابنا، بل أوحدهم بعد الذين صحبوا الشافعى، وهو القاضى الإمام أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادى، إمام أصحابنا، وهو الذى نشر مذهب الشافعى وبسطه. تفقه على أبى القاسم الأنماطى، وتفقه الأنماطى على المزنى، والمزنى على الشافعى.
قال الخطيب البغدادى: هو إمام أصحاب الشافعى فى وقته، شرح المذهب ولخصه، وعمل المسائل فى الفروع، وصنَّف كُتبًا فى الرد على المخالفين من أصحاب الرأى وأهل الظاهر، وحدَّث شيئًا بشيراز عن الحسن بن محمد الزعفرانى، ومحمد بن سعيد العطار، وعلى بن الحسن بن إسكاب، وعباس بن عبد الله الترقفى، وعباس بن محمد الدورى، وعباس بن عبد الملك الدقيقى، وأبو داود السجستانى، ونحوهم. روى عنه سليمان بن أحمد الطرانى، وأبو أحمد الغطريفى محمد بن أحمد بن الغطريف.
قال الخطيب: أنبأنا أبو سعيد المالينى، حدثنا عبد الله بن عدى الحافظ،
_________
(1) انظر: الإصابة (1/528) ، وتاريخ ابن معين (2/166) ، والجرح والتعديل (3/510) ، وطبقات ابن سعد (7/112 - 117) ، وسير أعلام النبلاء (4/207 - 213) برقم (85) ، والوافى بالوفيات (14/138، 139) ، والتاريخ الكبير (3/326) ، وحلية الأولياء (2/217 - 224) ، وتهذيب تاريخ دمشق (5/326) ، وتذكرة الحفاظ (1/61، 62) ، وميزان الاعتدال (2/54) ، وغاية النهاية (1/284، 285) ، ولسان الميزان (7/471) ، والثقات لابن حبان (4/239) ، وتهذيب التهذيب (3/284 - 286) ، وتقريب التهذيب (1/252) ..(2/251)
قال: سمعت أبا على بن خيران يقول: سمعت أبا العباس بن سريج يقول: رأيت فى المنام كأنا مُطرنا كبريتًا أحمر، فملأت أكمامى وجبتى وحجرى منه، فعبر لى أنى أرزق علمًا عزيزًا كعز الكبريت الأحمر. أنشدنى ابن سريج لنفسه شعر:
ولو كلما كلب عوى ملت نحوه
ولكن مبالاتى بمن صاح أو عوى
أجاوبه إن الكلاب كثير
قليل لأنى بالكلاب بصير
وقال أبو الحسن الدارقطنى: سمع ابن سريج: الحسن بن محمد الزعفرانى، وأحمد بن منصور الرمادى، وجالس داود الظاهرى وناظره، وكان يحضر مع ابنه محمد بن داود فى جامع الرصافة للنظر فيناظره، ويشتظهر عليه، وله مصنفات فى الفقه على مذهب الشافعى، وله رد على المخالفين والمتكلمين، وله ردّ على عيسى بن أبان العراقى فى الفقه.
وقال الشيخ أبو إسحاق فى طبقاته: كان ابن سريج من عظماء الشافعيين وأئمة المسلمين، وكان يقال له: الباز الأشهب. قال: وولى القضاء بشيراز. قال: وكان يفضل على جميع أصحاب الشافعى حتى على المزنى. قال: وسمعت شيخنا أبا الحسن الشيرجى الفرضى يقول: إن فهرست كتب أبى العباس بن سريج يشتمل على أربعمائة مُصَنَّف، وقام بنصرة مذهب الشافعى، ورّد المخالفين، وفرع على كتب محمد بن الحسن. قال: وكان الشيخ أبو حامد يقول: نحن نجرى مع أبى العباس فى طواهر الفقه دون الدقائق. قال: وأخذ العلم عن أبى القاسم الأنماطى، وأخذه عن ابن سريج فقهاء الإسلام، وعنه انتشر فقه الشافعى فى أكثر الآفاق.
وقال الشيخ أبو حامد فى تعليقه فى مسألة صفة الجلوس فى التشهد الأول: قال ابن سريج: متى عرف من أصول الشافعى شىء وذكره فى كتبه عمل به، فمتى وجد فى كتبه غير ذلك يؤول، ولم ينزل على ظاهره لئلا يُعد قولاً آخر له.
توفى أبو العباس ببغداد لخمس بقين من جمادى الأولى سنة ست وثلاثمائة. قال الخطيب: بلغنى أنه بلغ سبعًا وخمسين سنة وستة أشهر، ودفن بحجرة بسويقة ابن غالب.
818 - أبو العباس بن القاص:
بصاد مهملة مشددة، من أصحابنا أصحاب(2/252)
الوجوه المتقدمين، تكرر فى المهذب والوسيط والروضة، لكن فى الوسيط لا يسميه بابن القاص ولا بأبى العباس، بل يعرفه بصاحب التلخيص. قال السمعانى: هذا الوصف بالقاص هو لمن يتعاطى المواعظ والقصص.
قال: هو الإمام أبو العباس أحمد بن أبى أحمد القاص الطبرى الفقيه الشافعى إمام عصره، له التصانيف المشهورة، تفقه على أبى العباس بن سريج. قال: وإنما قيل لأبيه: القاص؛ لأنه دخل بلاد الديلم فقصَّ على الناس ورغبهم فى الجهاد، وقادهم إلى الغزاة، ودخل بلاد الروم غازيًا، فبينا هو يقصّ لحقه وجد وغشية فمات، رضى الله عنه.
واعلم أن أبا العباس من كبار أئمة أصحابنا المتقدمين، وله مصنفات كثيرة نفيسة، ومن أنفسها التلخيص، فلم يُصَنَّف قبله ولا بعده مثله فى أسلوبه، وقد اعتنى الأصحاب بشرحه، فشرحه أبو عبد الله الختن، ثم القفال، ثم صاحبه أبو على السنجى، وآخرون. ومن مصنفاته المفتاح، كتاب لطيف، وكتاب أدب القاضى، وكتاب المواقيت، وكتاب القبلة.
قال الشيخ أبو إسحاق: كان ابن القاص من أئمة أصحابنا، له المصنفات الكثيرة. قال: وتمثل فيه أبو عبد الله الختن بقول الشاعر:
عقم النساء فلن يلدن شبيهه
إن النساء بمثله عقم
قال: وعنه أخذ أهل طبرستان، يعنى الفقه. توفى بطرسوس سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، رحمه الله. ومن غرائب ابن القاص(2/253)
[......] (1) .
819 - أبو عبد الله الحناطى:
من أصحابنا أصحاب الوجوه، تكرر فى الروضة، ولا ذكر له فى باقى هذه الكُتب، وهو بحاء مهملة مفتوحة، ثم نون مشددة، واتفق العلماء على أنه بالحاء المهملة والنون كما ذكرته، وقد رأيت بعض من لا أنس لهم بهذا الفن يصحفه ويغلط فيه، وربما أوهموا ضعيفًا صحة غلطهم.
قال الإمام أبو سعد السمعانى فى كتابه الأنساب: لعل بعض أجداده كان يبيع الحنطة. قال: واسم أبى عبد الله هذا الحسين بن محمد بن الحسن الطبرى من طبرستان. قال: ويُعرف بالحناطى، قدم بغداد وحَدَّث بها عن عبد الله بن عدى، وأبى بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلى، ونحوهما.
روى عنه أبو منصور محمد بن أحمد بن شعيب الرويانى، والقاضى أبو الطيب الطبرى، وغيرهما. قلت: وله مصنفات نفيسة كثيرة الفوائد والمسائل الغريبة المهمة، ومن غرائبه
_________
(1) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.(2/254)
[......] (1) .
820 - أبو عبد الله الختن:
من أئمة أصحابنا. تنكرر ذكره فى المهذب والروضة، ولا ذكر له فى الوسيط، وذكره فى المهذب فى صفة الصلاة فى نية الخروج منها، وفى مسألة إذا وقع عليك طلاقى فأنت طالق قبله ثلاثًا. وهو الختن، بفتح الخاء المعجمة والتاء المثناة فوق ثم نون، وهو أبو عبد الله محمد بن الحسن بن إبراهيم الفارسى ثم الأستراباذى الفقيه الختن، ختن الإمام أبى بكر الإسماعيلى، أى زوج ابنته، فيقال له: الختن مطلقًا، ويقال: ختن أبى بكر الإسماعيلى.
وكان أبو عبد الله الختن هذا أحد أئمة أصحابنا فى عصره، مقدمًا فى علم القراءات، ومعانى القرآن، وفى الأدب، وفى المذهب، وكان مبرزًا فى علم النظر والجدل، وسمع الحديث، وصَنَّف شرح التلخيص، وله وجوه مشهورة فى المذهب.
قال السمعانى فى الأنساب: تخرج به جماعة من الفقهاء. قال: وكان له ورع وديانة، وله أربعة أولاد: أبو بشر الفضل، وأبو النضر عبيد الله، وأبو عمرو عبد الرحمن، وأبو الحسن عبد الواسع، قال: وكانت له رحلة إلى خراسان والعراق وأصبهان، سمع ببلده أبا نعيم عبد الملك بن محمد بن عدى الإستراباذى، وبأصبهان أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبرى، وأبا أحمد محمد بن أحمد الغسال القاضى، وببغداد أبا بكر محمد بن عبد الله الشافعى، ودعلج بن أحمد، وبنيسابور أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم وطبقتهم.
روى عنه حمزة بن يوسف السهمى. وكان يملى الحديث من سنة سبع وسبعين وثلاثمائة إلى أن توفى يوم عرفة سنة ست وثمانين وثلاثمائة. قال غير السمعانى: توفى وله خمس وسبعون سنة.
821 -
_________
(1) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.(2/255)
أبو عبد الله بن الزبير (1) :
من أصحابنا أصحاب الوجوه المتقدمين، تكرر ذكره فى المهذب والروضة، وذكره فى الوسيط فى باب الحيض، وذكره أيضًا فى باب المياه فى مسألة القلتين، وهو صاحب الكافى الذى ذكره هناك. هو أبو عبد الله الزبير بن أحمد بن سليمان بن عبد الله بن عاصم بن المنذر بن الزبير بن العوام، أحد العشرة المقطوع لهم بالجنة، رضى الله عنهم، هكذا ذكره الشيخ أبو إسحاق فى طبقاته.
وقال الخطيب فى تاريخ بغداد، والسمعانى فى الأنساب، والجمهور، أن اسمه الزبير، وذكر عمر بن على المطوعى أن اسمه أحمد بن سليمان، كان أبو عبد الله الزبيرى هذا إمام أهل البصرة فى زمانه، حافظًا للمذهب، عارفًا بالأدب، عالمًا بالأنساب، صَنَّف كُتبًا كثيرة منها الكافى فى المذهب، مختصر نحو التنبيه وترتيبه عجيب غريب.
قال الشيخ أبو إسحاق: صَنَّف كتاب النية، وكتاب ستر العورة، وكتاب الهداية، وكتاب الاستشارة، والاستخارة، وكتاب رياضة المتعلم، وكتاب الإمارة. مات قبل عشرين وثلاثمائة.
وقال صاحب الحاوى فى آخر باب زكاة الحلى: قال أبو عبد الله الزبير، وهو شيخ أصحابنا فى عصره: إذا اتخذ الحلى للإجارة وجبت فيه الزكاة قولاً واحدًا، والمشهور فى المذهب أنه على قولين فى الحلى المباح المتخذ للاستعمال، والأصح لا تجب. سمع الحديث من جماعات، وروى عنه جماعات.
قال السمعانى: وكان ثقة، وكان ضريرًا. قلت: ومن غرائب الزبيرى قوله فى الإقرارا: لو قال لى: عليك ألف، فقال: خذه أو زنه، كان إقرارًا، ولو قال: خذ أو زن، بلا هاء، لم يكن إقرارًا، والصحيح الذى عليه الجمهور أنهما ليسا إقرارًا.
822 - أبو عبد الله القطان:
من أصحابنا أصحاب الوجوه، مذكور فى الروضة فى آخر الغصب. هو [......] (2) .
823 - أبو عبد الرحمن القزاز:
من أصحابنا أصحاب الوجوه، مذكور فى الروضة فى أول الباب الثانى من كتاب الطلاق.
_________
(1) تاريخ بغداد (8/471، 472) وطبقات الفقهاء للشيرازى (88) ووفيات الأعيان (2/69) سير أعلام النبلاء (15/ 57، 58) والوافى بالوفيات (14/186) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (2/254) ومرآة الجنان (2/278) وغاية النهاية (1/292، 293) وطبقات الشافعية لابن قاضى شهبة (1/94، 95) والأعلام (3/84) ومعجم المؤلفين (4/179، 180) ..
(2) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.(2/256)
824 - أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادى الإمام (1) :
المذكور فى المهذب، والتنبيه فى تفسير حبَل الحبَلة، وفى الروضة فى آخر كتاب الكفارات، وهو معدود فيمن أخذ الفقه عن الشافعى، وكان إمامًا بارعًا فى علوم كثيرة، منها التفسير، والقراءات، والحديث، والفقه، واللغة، والنحو، والتاريخ.
قال الخطيب البغدادى: كان أبوه سلام عبدًا روميًا لرجل من أهل هراة، وسمع أبو عبيد إسماعيل بن جعفر، وشريكًا، وإسماعيل بن عباس، وإسماعيل بن علية، وهشيمًا، وسفيان بن عيينة، ويزيد بن هارون، ويحيى القطان، وحجاج بن محمد، وأبا معاوية، وعبد الرحمن بن مهدى، ومروان بن معاوية، وأبا بكر بن عياش، وآخرين.
روى عنه محمد بن إسحاق الصاغانى، وابن أبى الدنيا، والحارث بن أبى أسامة، وعلى بن عبد العزيز البغوى، وآخرون. أقام ببغداد، ثم ولى قضاء طرسوس ثمانى عشرة سنة، ثم سكن مكة حتى مات بها.
وقال عبد الله بن جعفر بن درستويه الفارسى: كان أبو عبيد من علماء بغداد المحدثين النحويين على مذهب الكوفيين، ومن أداة اللغة والغريب، وعلماء القرآن، وجمع صنوفًا من العلم، وصَنَّف الكُتب فى كل فن وأكثر، وكان ذا فضل ودين، ومذهب حسن. روى عن أبى زيد الأنصارى، وأبى عبيدة، والأصمعى، وغيرهم من البصريين، وابن الأعرابى، وأبى زياد الكلابى، والأموى، وأبى عمرو الشيبانى، والكسائى، والأحمر، والفراء من الكوفيين.
وروى الناس من كتبه المصنفة بضعة وعشرين كتابًا، وكتبه مستحسنة، وطلابه فى كل بلد، والرواة عنه ثقات مشهورون، وقد سبقه غيره إلى جميع مصنفاته، فمن ذلك الغريب المصنف، وهو من أجلِّ كتبه فى اللغة، سبقه إليه النضر بن شميل، وكتابه فى الأموال من أحسن ما صُنِّف.
قالوا: وكان أبو عبيد ورعًا، دينًا، جوادًا، وكان أبو عبيد مع عبد الله بن طاهر، فبعث أبو دلف إلى ابن طاهر يستهديه أبا عبيد مدة شهرين، فبعثه فأقام شهرين، فلما أراد الانصراف وصله أبو دلف بثلاثين ألف درهم، فلم يقبلها أبو عبيد، وقال: أنا فى ناحية رجل ما يحوجنى إلى صلة غيره، فلا آخذ ما على فيه نقص، فلما عاد إلى ابن طاهر وصله
_________
(1) انظر: طبقات ابن سعد (7/355) ، وتاريخ ابن معين (2/479، 480) ، والتاريخ الكبير (7/172) ، والجرح والتعديل (7/111) ، والثقات لابن حبان (9/16) ، وتاريخ بغداد (12/403 - 416) ، ووفيات الأعيان (1/201) ، وميزان الاعتدال (3/171) ، وتهذيب التهذيب (8/315 - 318) ، وتقريب التهذيب (2/117) ..(2/257)
بثلاثين ألف دينار عوضًا عنها، فقال له أبو عبيد: أيها الأمير، قد قبلتها، ولكن أغنيتنى بمعروفك وبرك، وقد رأيت أن أشترى بها سلاحًا وخيلاً وأبعثها إلى الثغر ليكون الثواب متوافرًا على الأمير، ففعل.
قال أبو عبيد: كنت فى تصنيف هذا الكتاب أربعين سنة، وأول من سمعه منى يحيى ابن معين، وكتبه أحمد بن حنبل. وروينا عن الأنبارى، قال: كان أبو عبيد يصلى ثلث الليل، وينام ثلثه، ويصنف الكُتب ثلثه.
قال إسحاق بن راهوية: أبو عبيد أوسعنا علمًا، وأكثرنا أدبًا، وأجمعنا، ونحتاج إليه ولا يحتاج إلينا. وقال احمد بن كامل القاضى: كان أبو عبيد فاضلاً فى دينه، وعلمه، ربانيًا، متقنًا فى أصناف علوم الإسلام من القرآن، والفقه، والعربية، والأخبار، حسن الرواية، صحيح النقل، لا أعلم أحدًا من الناس طعن عليه فى شىء من أمره ودينه.
وقال إبراهيم الحربى: كان أبو عبيد كأنه جبل نفخ فيه الروح، يُحسن كل شىء إلا الحديث. وسُئل يحيى بن معين عن أبى عبيد، فقال: مثلى يُسأل عن أبى عبيد؟! أبو عبيد يَسأل عن الناس. وقال يحيى بن معين، وأبو داود: هو ثقة.
وقال أحمد بن حنبل: أبو عبيد ممن يزداد كل يوم خيرًا، خرج أبو عبيد إلى مكة سنة تسع عشرة ومائتين. وتوفى بها سنة أربع وعشرين ومائتين، وقيل: سنة ثلاث، وقال الخطيب: بلغنى أنه بلغ سبعًا وستين سنة، رحمه الله.
825 - أبو عبيد بن حربويه (1) :
من أئمة أصحابنا أصحاب الوجوه، تكرر فى المهذب والروضة، وحربويه بحاء مهملة مفتوحة، ثم راء ساكنة، ثم باء موحدة، ثم واو مفتوحتين، ثم ياء ساكنة، ثم هاء، ويقال: بضم الباء مع إسكان الواو وفتح الياء، ويجرى هذان الوجهان فى كل نظائره كسيبويه، وراهوية، ونفطويه، وعمرويه، فالأول مذهب النحويين، وأهل الأدب، والثانى مذهب المحدثين.
ويقال فى أبى عبيد هذا: ابن حرب، وكذا استعمله فى المهذب فى أحكام المياه من كتاب إحياء الموات، والأول أشهر، وأبو عبيد هذا وإبراهيم بن جابر من أصحابنا أول من حدد القلتين بخمسمائة رطل بغدادية، ثم تابعهما سائر الأصحاب، هكذا نقله صاحب الحاوى.
_________
(1) تاريخ بغداد (11/395 - 398) وطبقات الفقهاء للشيرازى (110) والمنتظم (6/238، 239) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (3/446 - 455) طبقات الشافعية للإسنوى (1/397) والبداية والنهاية (11/167) وتهذيب التهذيب (7/303، 304) والنجوم الزاهرة (3/231) والأعلام (5/87) ..(2/258)
ونقل الشافعى تحديده بالأرطال أيضًا، لكن المشهور أن الشافعى إنما حدد بخمس قِرب، وقد أوضحت هذا مبسوطًا فى شرح المهذب.
واسم أبى عبيد هذا على بن الحسين، وله اختيارات غريبة فى المذهب، وتفرد بأشياء ضعيفة عند الأصحاب، منها قوله: إذا خرج الرجل جناحًا إلى شارع عام يشترط أن يرفع الجناح بحيث يمر تحته الفارس ناصبًا رمحه، والصواب ما قاله الجمهور أنه يشترط أن يمكن مرور المحمل والكنيسة.
ومنها ما نقلته عنه فى الروضة فى كفارة الظهار أن من صام شهر رمضان بنية رمضان والكفارة أجزاه عنهما جميعًا، حكاه القاضى أبو الطيب عنه فى المجرد والمذهب أنه لا يجزيه عنهما. ومنها منعه تعجيل الزكاة، حكاه عنه الماوردى، والقاضى أبو الطيب فى المجرد، والمحاملى فى المجموع، وأنا فى الروضة.
826 - أبو عبيدة بن الجراح الصحابى، رضى الله عنه (1) :
تكرر ذكره فى المختصر، والمهذب، وذكره فى الوسيط فى باب [......] (2) . هو أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن وهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك، يلتقى مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى الأب السابع، وهو فهر، وأمه أم غنم أميمة بنت جابر.
شهد بدرًا، وقُتل أباه يومئذ، وشهد ما بعدها من المشاهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، توفى أبو عبيدة سنة ثمانى عشر فى طاعون عمواس، وهى قرية بالشام بين الرملة وبيت المقدس، وهى بفتح العين والميم، ونسب الطاعون إليها؛ لأنه بدأ منها، وقيل: لأنه عم الناس وتواسوا فيه، وقبر أبى عبيدة بغوربيسان عند قرية تسمى عمتا، وعلى قبره من الجلالة ما هو لائق به، وقد زرته فرأيت عنده عجبًا.
وصلى عليه معاذ بن جبل، ونزل فى قبره هو، وعمرو بن العاص، والضحاك بن قيس، وتوفى وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وختم الله له بالشهادة، فإنه توفى بالطاعون، وهو شهادة لكل مسلم. وفى الصحيحين عن أنس، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إن لكل أمة أمينًا، وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح”. وفى رواية لمسلم: “هذا أمين هذه الأمة”.
_________
(1) انظر: الإصابة (2/252) ، والاستيعاب (3/2) ، وطبقات ابن سعد (3/409) ، والتاريخ الكبير (6/444) ، وحلية الأولياء (1/100) ، وأسد الغابة (3/128) ، وسير أعلام النبلاء (1/5) (1) ، والوافى بالوفيات (16/575) ، والعقد الثمين (5/84) ..
(2) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.(2/259)
827 - أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود (1) :
مذكور فى أول كتاب ديات المهذب. روى عن أبيه عبد الله بن مسعود، ولم يدركه.
828 - أبو عبيدة:
مذكور فى باب عقد الذمة من المهذب فى بيان حد جزيرة العرب. هو معمر بن المثنى، وهو من كبار أئمة اللغة، وهو مذكور فيمن كان يعتقد مذهب الخوارج من أهل الأهواء. وقال أبو منصور الأزهرى فى أول تهذيب اللغة: ذكر أبو عبيد القاسم بن سلام أن أبا عبيدة تيمى من تيم قريش، وأنه مولى لهم. قال: وكان أبو عبيدة يوثقه ويكثر الرواية عنه فى كتبه.
قال: ولأبى عبيدة كتب كثيرة فى الصفات والغرائب، وكتب أيام العرب ووقائعها، وكان الغالب عليه الشعر، والغريب، وأخبار العرب، وكان مخلاً بالنحو كثير الخطأ فى مقايس الأعراب، ومتهمًا فى رأيه، مقرًا بنشر مثالب العرب، جامعًا لكل غث وسمين، فهو مذموم من هذه الجهة غير موثوق به، هذا كلام الأزهرى.
وقال الإمام أبو جعفر النحاس فى أول كتابه صناعة الكتاب: توفى أبو عبيدة سنة عشر ومائتين، ويقال: إحدى عشرة، وقد قارب المائة.
829 - أبو عزة الجمحى الكافر:
قتله النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أُحُد صبرًا، مذكور فى كتاب السير من المختصر والمهذب، اسمه عمرو بن عبد الله، وكان شاعرًا يحرض بشعره على قتال المسلمين، وعَزَّة بفتح العين وتشديد الزاى وبعدها هاء، وكان النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منَّ على أبى عزة هذا يوم بدر، فذهب إلى مكة وقال: سخرت بمحمد، فلما كان يوم أُحُد حضر وحرَّض بشعره على قتال المسلمين.
830 - أبو العشراء الدارمى التابعى:
الراوى عن أبيه، مذكور فى الصيد، والذبائح فى المختصر والمهذب والوسيط، غلط فى الوسيط فيه، فجعله هو الراوى الصحابى، واسم أبيه مالك بن قهطم، ويقال: قحطم، بحاء مهملة وهو بكسر القاف، وقد اختلف فى اسم أبى العشراء، واسم أبيه، فقال البخارى: هو أسامة بن مالك بن قحطم، قاله أحمد بن حنبل، وقال بعضهم: عطارد بن بلز. قال: ويقال: يسار بن بلز بن مسعود
_________
(1) انظر: طبقات ابن سعد (6/210) ، والتاريخ الكبير (9/51، 52) ، والجرح والتعديل (9/403) ، والثقات لابن حبان (5/561) ، وحلية الأولياء (4/204 - 210) ، وتاريخ ابن معين (2/288) ، وسير أعلام النبلاء (4/363) برقم (141) ، وتهذيب التهذيب (5/75، 76) ، وتقريب التهذيب (1/388) ..(2/260)
بن حولى بن حرملة بن قتادة من بنى نولة بن عبد الله بن فقيم بن دارم، نزل البصرة، هذا كلام البخارى.
وقال أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين: اسم أبى العشراء أسامة بن مالك. وقال ابن عبد البر: وقيل: اسم أبى العشراء بلز بن قهطم، وقيل: عطارد بن برز، بفتح الراء وسكونها، وهو من دارم بن مالك بن زيد مناة من تميم، نقل هذا كله ابن عبد البر، لا يُعرف لأبى العشراء عن أبيه غير حديث الزكاة: “لو طعنت فى فخذها لأجزأ عنك”.
831 - أبو على البندنيجى:
مذكور فى الروضة فى صفة الصلاة فيمن لا يحسن الفاتحة يقرأ سبع آيات، كتابه الجامع قلَّ فى كتب الأصحاب نظيره، كثير الموافقة للشيخ أبى حامد بديع فى الاختصار، مستوعب الأقسام، محذوف الأدلة.
832 - أبو على بن خيران (1) :
تكرر فى المهذب، والوسيط، والروضة، اسمه الحسين بن صالح بن خيران من تاريخ بغداد.
833 - أبو على بن أبى هريرة:
تكرر فيها.
834 - أبو على السنجى:
من أصحابنا المصنفين أصحاب الوجوه، تكرر ذكره فى الوسيط، هو بكسر السين المهملة وإسكان النون وبالجيم، منسوب إلى سنج، قرية من قرى مرو، واسمه الحسين ابن شعيب، كبير القدر، عظيم الشأن، صاحب تحقيق وإتقان واطلاع كثير، تفقه على الإمامين شيخى الطريقتين أبى حامد الإسفراينى شيخ العراقيين، وأبى بكر القفال شيخ الخراسانيين، وجمع بين طريقيهما بالنظر الدقيق، والتحقيق الأنيق، جمع شرح فروع ابن الحداد، والتلخيص لأبى العباس بن القاص، فأتى فى شرحيهما بما هو لائق بتحقيقه وإتقانه، وعلو منصبه، وعظم شأنه، وله كتاب طويل جزيل الفوائد، عظيم العوائد.
ذكر أبو القاسم الرافعى فى كتابه التذنيب أن إمام الحرمين لقب هذا الكتاب الكبير بالمذهب الكبير. سمع أبو على الحديث، فسمع مسند الشافعى، رحمه الله، من أبى بكر الحيرى.
835 - أبو على الطبرى (2) :
من أصحابنا أصحاب الوجوه، متكرر الذكر. هو الإمام
_________
(1) تاريخ بغداد (8/53، 54) وطبقات الفقهاء للشيرازى (110) والمنتظم (5/244، 245) والكامل فى التاريخ (8/247) ووفيات الأعيان (2/133) والمختصر فى أخبار البشر (2/77) وتاريخ ابن الوردى (1/263) وسير أعلام النبلاء (15/58 - 60) والوافى بالوفيات (12/378، 379) ومرآة الجنان (2/280) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (3/271 - 274) والبداية والنهاية (11/171) والنجوم الزاهرة (3/235) ..
(2) انظر: تاريخ بغداد (8/87) وطبقات الفقهاء للشيرازى (94) والمنتظم (7/5) ووفيات الأعيان (1/358) وسير أعلام النبلاء (16، 62، 63) ومرآة الجنان (2/345) والبداية والنهاية (11/238، 239) والوافى بالوفيات (12/204، 205) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (3/280، 281) وطبقات الشافعية لابن قاضى شهبة (1/129) والنجوم الزاهرة (3/328) ومعجم المؤلفين (3/270، 271) .(2/261)
البارع المتفق على جلالته ذو الفنون، أبو على الحسن بن القاسم، منسوب إلى طبرستان، تفقه على أبى على بن أبى هريرة. قال الشيخ أبو إسحاق: صَنَّف المجرد فى النظر، وهو أول كتاب صُنِّف فى الخلاف المجرد، وصَنَّف الإفصاح فى المذهب، وصنف أصول الفقه، وصنف الجدال. قال: ودرس ببغداد بعد أستاذه أبى على بن أبى هريرة. توفى سنة خمسين وثلاثمائة.
836 - أبو على الفارقى:
هو القاضى أبو على الحسن بن إبراهيم [......] (1) .
837 - أبو عمرو بن حفص بن المغيرة:
وقيل: أبو حفص بن المغيرة، ويقال: أبو حفص بن عمرو بن المغيرة القريشى المخزومى، زوج فاطمة، وقيل: اسمه أحمد، وقيل: عبد الحميد، وقيل: اسمه كنيته، بعثه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى اليمن فطلقها هناك، ومات هناك. وقيل: عاش بعد ذلك.
838 - أبو عمرو بن حماس:
الرجل الصالح المستجاب الدعوات، مذكور فى المختصر فى أول زكاة التجارة، وذكره ابن مندة، وأبو نعيم فى كتابيهما فى معرفة الصحابة فى ترجمة عمرو، وقالا: هو ليثى. وقال أبو نعيم: ولا تصح له صحبة. قال: ويقال فيه: أبو عمرو، وهو المشهور، واتفقوا على أنه بكسر الحاء وتخفيف السين المهملتين.
839 - أبو عمرو بن العلاء:
مذكور فى الروضة فى الإجارة، والصداق [......] (2) .
* * *
حرف الفاء
840 - أبو الفتوح القاضى: تكرر ذكره فى الروضة، لا ذكر له فى غيرها من هذه الكُتب، هو القاضى أبو الفتوح عبد الله بن محمد بن على بن أبى علقمة، من فضلاء أصحابنا المتأخرين، له مصنفات حسنة من أغربها وأنفسها كتاب الخناثى، مجلد لطيف فيه نفائس حسنة، ولم يسبق إلى تصنيف مثله، وقد انتخبت أنا مقاصده مختصرة، وذكرتها فى أواخر باب ما ينقض الوضوء من شرح المهذب [......] (3) .
841 - أبو الفرج الدارمى (4) :
فى الروضة.
_________
(1) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
(2) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
(3) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
(4) انظر: تاريخ بغداد (2/361، 362) وطبقات الفقهاء للشيرازى (107) والأنساب (5/278) وتاريخ دمشق (مخطوطة التيمورية 38/387، 388) والكامل فى التاريخ (9/633) ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور (23/23) وسير أعلام النبلاء (18/52 - 54) والوافى بالوفيات (4/63) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (3/77، 78) طبقات الشافعية للإسنوى (1/510) وطبقات الشافعية لابن قاضى شهبة (1/240، 241) ونفح الطيب (3/111) وديوان الإسلام (2/272، 273) والأعلام (7/133) ومعجم المؤلفين (10/266) ..(2/262)
842 - أبو الفرج السرخسى (1) :
هو أبو الفرج الزاز بزائين من أصحابنا المصنفين، تكرر فى الروضة ذكره. هو الإمام، البارع، الصالح، الزاهد، الورع، أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن زاز بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن زاز بن حميد بن أبى عبد الله السرخسى التبريزى المعروف بالزاز، نزل مرو، وهو من تلامذة القاضى حسين. قال أبو سعد السمعانى: هو أحد أئمة الإسلام [......] (2) .
843 - أبو الفياض البصرى:
اسمه محمد بن [......] (3) .
* * *
حرف القاف
844 - أبو القاسم الأنماطى (4) :
تكرر ذكره فى الثلاثة الكتب الكبار.
845 - أبو القاسم الداركى (5) :
من أصحابنا، ذكره فى المهذب فى غير موضع، أولها باب الصلاة على الميت، وفى باب بيع المصراة، وفى باب ما يدخل فى الرهن، وفى كتاب التفليس، وفى النكاح، وتكرر ذكره فى الروضة كثيرًا، وهو بالدال والراء المهملتين والراء مفتوحة، اسمه عبد العزيز بن عبد الله، قيل: هو منسوب إلى دارك قرية من قرى أصبهان، ذكره ابن معن.
قال الشيخ أبو إسحاق فى الطبقات: كان فقيهًا، محصلاً، تفقه على أبى إسحاق المروزى، وانتهى التدريس إليه ببغداد، وعليه تفقه الشيخ أبو حامد الإسفراينى بعد موت الشيخ أبى الحسن بن المرزبان، وأخذ عنه عامة شيوخ بغداد، وغيرهم من أهل الآفاق، مات سنة خمس وسبعين وثلاثمائة، رحمه الله ورضى عنه.
وقال الخطيب أبو بكر فى التاريخ: هو عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز أبو القاسم الداركى الشافعى، نزل بنيسابور عدة سنين، ودرس بها الفقه، ثم سار إلى بغداد فسكنها إلى حين موته، وكان له حلقة للفتوى والنظر.
قال أبو حامد الإسفراينى: ما رأيت أفقه من الداركى، وعن محمد بن أبى الفوارس. قال: كان الداركى ثقة فى الحديث، وكان يُتهم بالاعتزال.
قال الخطيب: وسمعت عيسى بن
_________
(1) انظر: المنتظم (17/69) ومعجم البلدان (3/209) والإعلام بوفيات الأعلام (203) وسير أعلام النبلاء (19/154، 155) والعبر (3/339) وعيون التواريخ (مخطوط 13/106، 107) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (3/221، 222) طبقات الشافعية للإسنوى (1/237) ومرآة الجنان (3/156، 157) والبداية والنهاية (12/160) وطبقات الشافعية لابن قاضى شهبة (1/273) وديوان الإسلام (3/375) ومعجم المؤلفين (5/121، 122) ..
(2) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
(3) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
(4) انظر: الأنساب (8/377) والمنتظم (16/203) وسير أعلام النبلاء (18/395، 396) والإعلام بوفيات الأعلام (194) والعبر (3/276، 277) ومرآة الجنان (3/101) ..
(5) انظر: تاريخ بغداد (10/463 - 465) والمنتظم (7/129، 130) والعبر (2/370) وتذكرة الحفاظ (3/970) ومرآة الجنان (2/405) والبداية والنهاية (11/304) وطبقات الفقهاء للشيرازى (117، 118) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (2/240) ووفيات الأعيان (3/188) والأنساب لابن السمعانى (5/276، 277) والكامل فى التاريخ (9/47) والنجوم الزاهرة (4/148) وسير أعلام النبلاء (16/404 - 406) وطبقات الشافعية للإسنوى (1/508) ..(2/263)
أحمد بن عثمان الهمذانى يقول: كان عبد العزيز بن عبد الله الداركى إذا جاءته مسألة يستفتى فيها تفكر طويلاً، ثمن أفتى فيها، وربما كان فتواه خلاف مذهب الشافعى وأبى حنيفة، فيقال له فى ذلك، فيقول: ويحكم حدَّث فلان عن فلان عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكذا وكذا، والأخذ بالحديث عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أولى من الأخذ بقول الشافعى وأبى حنيفة إذا خالفاه، أو كما قال.
وتوفى الداركى ليلة الجمعة لثلاث عشرة خلون من شوال سنة خمس وسبعين وثلاثمائة، ودفن يوم الجمعة فى الشونيزية، وهو ابن نيف وسبعين سنة، وقيل: توفى فى ذى القعدة من هذه السنة، والصحيح أنه توفى فى شوال، ومن غرائب الداركى أنه قال: لا يجوز السلم فى الدقيق، حكاه الرافعى، والمشهور الجواز.
846 - أبو القاسم الرافعى:
تكرر فى الروضة. هو الإمام أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل القزوينى الإمام البارع المتبحر فى المذهب، وعلوم كثيرة. قال الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح، أظن أنى لم أر فى بلاد العجم مثله. قال: وكان ذا فنون، حسن السيرة، جميل الأثر، صَنَّف شرحًا كبيرًا للوجيز فى بضعة عشر مجلدًا، لم يُشَرح الوجيز بمثله. قال: بلغنا بدمشق وفاته فى سنة أربع وعشرين وستمائة، وكانت وفاته فى أوائلها أو فى أواخر السنة التى قبلها بقزوين.
قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عمرو بن أبى بكر الصفار الإسفراينى فى أربعين خَرَّجها: شيخنا إمام الدين حقًا، وناصر السنة صدقًا، أبو القاسم بن عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعى القزوينى، رضى الله عنه، كان أوحد عصره فى العلوم الدينية أصولها وفروعها، ومجتهد زمانه فى مذهب الشافعى، رضى الله عنهما، وفريد وقته فى تفسير القرآن والمذهب، وكان له مجلس للتفسير، وتسميع الحديث بجامع قزوين، صَنَّف شرح مسند الشافعى، وأسمعه سنة تسع عشرة وستمائة، وشرح الوجيز، ثم صَنَّف أوجز منه، ووقعا موقعًا عظيمًا عند الخاصة والعامة، وصَنَّف كثيرًا.
وكان زاهدًا، ورعًا، متواضعًا، سمع الحديث الكثير، وتوفى حدود سنة ثلاث وعشرين(2/264)
وستمائة ودفن بقزوين. هذا آخر كلام الإسفراينى. قلت: الرافعى من الصالحين المتمكنين، وكانت له كرامات كثيرة ظاهرة، رحمه الله تعالى.
847 - أبو القاسم الصيمرى:
من كبار أصحابنا أصحاب الوجوه، تكرر ذكره فى المهذب والروضة، هو بصاد مهملة مفتوحة، ثم ياء مثناة تحت ساكنة، ثم ميم مفتوحة، هذا هو الصحيح المشهور، وذكره ابن باطيش، بفتح الميم، كما ذكرته، ثم قال: ومن الناس من يضمها. قال: حكاه لى بعض أصحاب الحازمى عنه.
قال ابن باطيش: هو منسوب إلى صيمرة بلدة قديمة فى طرف ولاية خورستان، كثيرة الناس، لها منبر وجامع. وقال الإمام أبو الفرج بن الجوزى فى تاريخه: الصيمرى منسوب إلى صيمر، نهر من أنهار البصرة عليه عدة قرى.
قلت: وهذا هو الأظهر، فإن الصيمرى بصرى لا شك فيه، واسمه عبد الواحد بن الحسين. قال الشيخ أبو إسحاق فى الطبقات: سطن الصيمرى البصرة، وحضر مجلس القاضى أبى حامد المروروذى، وتفقه بصاحبه أبى الفياض البصرى، وارتحل إليه الناس من البلاد، وكان حافظًا للمذهب، حسن التصانيف.
قلت: وهو ممن تفقه عليها أقضى القضاة الماوردى صاحب الحاوى، وصَنَّف كُتبًا كثيرة منها الإيضاح فى المذهب، وهو كتاب نفيس كثير الفوائد، قليل الوجود، ومن غرائب الصيمرى ما حكاه عنه فى المهذب أنه قال: لا يملك الكلاء النابت فى ملكه. ومنها أنه قال: لا يجوز مس المصحف لمن بعض بدنه نجس بغيره.
848 - أبو القاسم بن كج (1) :
تكرر فى المهذب والروضة فقط.
849 - أبو القاسم الكرخى (2) :
من أصحابنا، تكرر فى الروضة فى الزكاة وغيره.
850 - أبو قبيصة (3) :
فى باب الهدى من المهذب فى عطب الهدى.
851 - أبو قتادة الصحابى (4) :
تكرر فى المختصر والمهذب.
852 - أبو قرعة:
فى المختصر فى صوم عاشوراء، عن أبى الخليل.
853 - أبو القعيس:
مذكور فى رضاع المهذب.
_________
(1) انظر: طبقات الفقهاء للشيرازى (118، 119) والمنتظم (7/275، 276) والأنساب (10/63) ووفيات الأعيان (7/65) والمختصر فى أخبار البشر (2/144) والعبر (3/92) وسير أعلام النبلاء (17/183، 184) وتاريخ ابن الوردى (1/326) والبداية والنهاية (11/355) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (5/359، 361) طبقات الشافعية للإسنوى (2/340، 341) وطبقات الشافعية لابن قاضى شهبة (1/202، 203) ومرآة الجنان (3/12) وديوان الإسلام (4/87) والأعلام (8/214) ومعجم المؤلفين (13/273) ..
(2) انظر: الأنساب (10/393) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (4/206) ..
(3) أخبار القضاة لوكيع (3/111، 112) وتاريخ بغداد (2/314، 315) والمنتظم لابن الجوزى (5/156) . .
(4) انظر: الإصابة (4/158) ، وأسد الغابة (5/74) ، والاستيعاب (4/161) ، وصفة الصفوة (1/647) ..(2/265)
854 - أبو قلابة (1) :
فى أواخر عشرة النساء من المهذب.
* * *
حرف اللام
855 - أبو لهب:
عدو الله، مذكور فى المهذب فى باب [......] (2) . اسمه عبد العزى بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف، مات بعد غزوة بدر بسبعة أيام ميتة شنيعة بداء يقال له: العدسة.
856 - أبو ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل بن أبى حثمة:
مذكور فى المختصر فى أول القسامة، ينقل من الكنى فى آخر ابن أبى حاتم.
* * *
حرف الميم
857 - أبو مجلز التابعى (3) :
مذكور فى المهذب فى الجزية، ثم فى خراج السواد، هو بكسر الميم، وبعدها جيم ساكنة، ثم لام مفتوحة، ثم زاى، هذا هو المشهور فى ضبطه، وحكى فتح الميم.
858 - أبو محذورة المؤذن، رضى الله عنه (4) :
ذكره فى الأذان، مختلف فى اسمه، قيل: سمرة بن معير، بميم مكسورة، ثم عين مهملة سانة، ثم ياء مثناة من تحت مفتوحة، ثم راء، ويقال: اسمه أوس بن معير، كما ضبطناه، ويقال: سمرة بن عمير، ويقال: أوس بن معين، بضم الميم، وفتح العين، وتشديد الياء، وآخره نون. قال البغوى فى كتاب الأذان: ويقال: جابر بن معير.
وذكر ابن قتيبة فى المعارف أن اسمه سليمان بن سمرة، وهو قريشى جمحى، روى أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمرَّ يده على رأسه وصدره إلى سرته، وأمره بالأذان بمكة عند منصرفه من حنين، فلم يزل يؤذن فيها، وكان من أحسن الناس صوتًا.
توفى بمكة سنة تسع وخمسين، وقيل: سنة سبع وسبعين،
_________
(1) انظر: الجرح والتعديل (5/57، 58) ، والنجوم الزاهرة (1/254) ، والوافى بالوفيات (17/185، 186) ، وتذكرة الحفاظ (1/94) ، وطبقات ابن سعد (7/183 - 185) ، وتهذيب تاريخ دمشق (7/426، 427) ، وميزان الاعتدال (2/425 - 429) ، والتاريخ الكبير (5/92) ، وسير أعلام النبلاء (4/468 - 475) برقم (178) ، وتاريخ ابن معين (2/309) ، وتهذيب التهذيب (5/224 - 226) ، وتقريب التهذيب (1/417) . .
(2) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
(3) انظر: الجرح والتعديل (9/124) ، وتاريخ ابن معين (2/499) ، وطبقات ابن سعد (7/216) ، والتاريخ الكبير (8/258، 259) ، وتهذيب التهذيب (11/171، 172) ، وتقريب التهذيب (2/340) ..
(4) انظر: الإصابة (4/176) ، والوافى بالوفيات (9/451) ، طبقات ابن سعد (5/450) ، والاستيعاب (4/177) ، وأسد الغابة (5/292) ، والتاريخ الكبير (4/177) ، والجرح والتعديل (4/155) ، وتهذيب التهذيب (12/222) ..(2/266)
ولم يهاجر، ولم يزل مقيمًا بمكة إلى أن مات، رضى الله عنه. قال ابن قتيبة: أسلم أبو محذورة بعد حنين، وبقى الأذان بمكة فى أبى محذورة وأولاده قرنًا بعد قرن إلى زمن الشافعى.
وفى سنن أبى داود وغيره فى حديث الأذان، أن أبا محذورة كان لا يَجِزّ نَاصِيَتَهُ ولا يفرقها؛ لأن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح عليها. وفى رواية الشافعى فى الأم، وغير الشافعى، عن أبى محذورة، أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علمنى الأذان، ثم أعطانى صرة فيها شىء من فضة، ثم وضع يده على ناصيتى، ثم أمرها على وجهى، ثم ثدييى، ثم على كبدى، ثم بلغت يده سرتى، ثم قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “بارك الله فيك وبارك عليك”.
859 - أبو محمد الأصطخرى:
من أصحابنا، مذكور فى الروضة فى باب السرقة.
860 - أبو محمد الجوينى:
تكرر فى الروضة والوسيط.
861 - أبو محمد البافى:
تكرر فى الروضة، فذكره فى شروط الصوم. من غرائبه قوله فى تفسير يوم الشك: ينقل من الروضة.
862 - أبو مخلد البصرى:
من أصحابنا، تكرر فى الروضة، وذكره فى أول الخلع، هو بالخاء المعجمة.
863 - أبو مرثد الغنوى الصحابى (1) :
فى المهذب فى التعزية.
864 - أبو مرزوق التجيبى (2) :
مذكور فى المهذب فى فصل نكاح المحلل. هو التجيبى، بضم التاء المثناة فوق وكسر الجيم، ومن أهل اللغة والمحدثين من قال: هو بفتح التاء، والمشهور الضم، منسوب إلى تجيب، قبيلة معروفة، وهو مصرى تابعى ثقة.
قال أحمد بن عبد الله العجلى:
روى عن حبيش الصنعانى. روى عنه يزيد بن أبى حبيب، ولا يعارض هذا قول ابن أبى حاتم، سمعت أبى يقول: هو مجهول؛ لأنه لم يجرح فيه، بل قال: لا أعرفه، وقد عَرفه غيره.
865 - أبو مسعود الصحابى الأنصارى البدرى (3) :
تكرر فى المختصر، وذكره فى المهذب فى آخر باب ما يجوز بيعه، وفى صفة الأئمة، وفى صلاة العيدين، وفى اختلاف الزوجين فى الصداق، وفى الشهادات.
_________
(1) انظر: الإصابة (4/177) ، والاستيعاب (4/171) ، وأسد الغابة (5/294) ، ونهاية الأرب (19/127) ..
(2) انظر: الجرح والتعديل (9/442) ، والتاريخ الكبير (9/72) ، وتهذيب التهذيب (12/228، 229) ، وتقريب التهذيب (2/470) ..
(3) انظر: الإصابة (2/490) ، وسير أعلام النبلاء (2/493) (103) ، وأسد الغابة (5/296) ، والاستيعاب (3/105) ، والتاريخ الكبير (6/429) ، وطبقات ابن سعد (6/16) ..(2/267)
866 - أبو معبد الخزاعى، وأم معبد الخزاعية:
التى قال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر، رضى الله عنه، عند خيمتها: أسلما جميعًا وهاجرا. ذكره فى تاريخ دمشق فى باب صفة النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
867 - أبو معتمر بن عمرو بن رافع:
روى عن عمرو بن جلدة. روى عنه ابن أبى ذؤيب، ذكره فى المختصر فى أول التفليس، حديثه فى سنن أبى داود، وتحقق منه.
868 - أبو معشر الدارمى الصحابى:
مذكور فى المهذب فى الشهادة للولد والوالد.
869 - أبو منصور البغدادى الأستاذ:
كان شيخ إمام الحرمين فى الفرائض وإمامهم، تكرر ذكره فى الروضة فى الوصايا وغيرها، وذكره فى الوسيط أيضًا فى الوصايا فى أواخر الباب الثانى.
870 - أبو المنهال:
فى المختصر، عن ابن عباس، رضى الله عنه. روى عنه عبد الله بن أبى كثير. ذكره فى باب السلف والرهن.
871 - أبو موسى الأشعرى، رضى الله عنه (1) :
تكرر فيها. هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب بن عامر بن بكر بن عامر بن عذر بن وايل بن ناجية بن جماهر بن الأشعر، هو نبت بن أدد بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان، أبو موسى الأشعرى الصحابى الكوفى، رضى الله عنه. وأم أبى موسى طيبة بنت وهب، امرأة من عك، أسلمت وتوفيت بالمدينة.
قدم على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكة قبل هجرته إلى المدينة فأسلم، ثم هاجر إلى الحبشة، ثم هاجر إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع أصحاب السفينتين بعد فتح خيبر، فأسهم لهم منها، ولم يسهم منها لأحد غاب عن فتحها غيرهم.
قال الحافظ أبو بكر بن أبى داود السجستانى فى كتابه شريعة القارىء: لأبى موسى مع حسن صوته فضيلة ليست لأحد من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هاجر ثلاث هجرات، هجرة من اليمن إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة، وهجرة من مكة إلى الحبشة، وهجرة من الحبشة إلى المدينة. قال غيره: واستعمله رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على زبيد، وعدن، وساحل اليمن، واستعمله عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، على الكوفة والبصرة، وشهد وفاة أبى عبيدة بالأردن،
_________
(1) انظر: الإصابة (2/359) ، وتهذيب التهذيب (5/362، 363) ، والتاريخ الكبير (5/22) ، والجرح والتعديل (5/138) ، والطبقات الكبرى (2/344) ، وحلية الأولياء (1/256) ، وسير أعلام النبلاء (2/380 - 402) برقم (82) ، والوافى بالوفيات (17/407) ..(2/268)
وخطبة عمر بالجابية، وقدم دمشق على معاوية.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثمائة وستون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على خمسين، وانفرد البخارى بخمسة عشر، ومسلم بخمسة عشر. توفى بمكة، وقيل: بالكوفة سنة خمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين. وقال الهيثم، والواقدى: سنة اثنتين وأربعين. وقال البخارى: قال أبو نعيم: سنة أربعة وأربعين. وكذلك قال أبو بكر بن أبى شيبة، وزاد: وهو ابن ثلاث وستين سنة.
وقال قتادة: بلغ أبا موسى أن قومًا يتأخرون من الجمعة لعدم وجود ثياب حسنة، فخرج إلى الناس فى عباءة، وكان أبو موسى قدم البصرة واليًا من جهة عمر بن الخطاب سنة سبع عشرة بعد عزل المغيرة، ثم كتب إليه عمر أن يسير إلى الأهواز، فأتاها ففتحها عنوة، وقيل: سلحًا، وافتتح أصبهان سنة ثلاث وعشرين.
872 - أبو المهلب:
عم أبى قلابة. مذكور فى المهذب فى باب أروش الجنايات، اسمه عبد الرحمن بن عمرو، وقيل: معاوية بن عمرو، وقيل: عمرو بن معاوية. ذكر هذه الأقوال الثلاثة فيه البخارى فى تاريخه، وذكرها غيره، وقيل: اسمه النضر بن عمرو الحرمى الأزدى البصرى التابعى الكبير.
روى عن عمر بن الخطاب،(2/269)
وعثمان بن عفان، وأُبىّ بن كعب، وعمران بن الحصين، رضى الله عنهم. روى عنه الحسن البصرى، وابن سيرين، وابن أبيه أبو قلابة عبد الملك ابن يزيد، وعوف الأعرابى، وكان أبو المهلب ثقة. روى له مسلم فى صحيحه.
873 - أبو ميسرة عمرو بن شرحبيل التابعى (1) :
874 - أبو ميمون:
عن أبى هريرة فى المختصر فى أول الحضانة.
* * *
حرف النون
875 - أبو النجيح:
مذكور فى المهذب فى أول باب الديات، هو بفتح النون وكسر الجيم وآخره حاء مهملة، واسمه يسار المكى مولى الأحنس بن شريق الثقفى. تابعى، روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلاً، وروى عن عمر بن الخطاب، وعثمان، وسعد بن أبى وقاص، وقيس بن سعد، رضى الله عنهم أجمعين، أيضًا مرسلاً.
وسمع عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وأبا هريرة. روى عنه ابنه عبد الله، وعمرو بن دينار، وآخرون. قال وكيع: هو ثقة. وقد روى له مسلم فى صحيحه، وهو والد ابن أبى نجيح الذى تكثر روايته عن مجاهد.
876 - أبوالنضر:
عن ابن عمر فى أوائل السلم من المهذب.
* * *
حرف الهاء
877 - أبو هريرة، رضى الله عنه (2) :
اختلف فى اسمه اختلافًا كثيرًا جدًا. قال الإمام الحافظ أبو عمر ابن عبد البر: لم يختلف فى اسم أحد فى الجاهلية ولا فى الإسلام كالاختلاف فيه. وذكر ابن عبد البر أيضًا أنه اختلف فيه على عشرين قولاً، وذكر غيره نحو ثلاثين قولاً، واختلف العلماء فى الأصح منها، والأصح عند المحققين الأكثرين ما صححه البخارى وغيره من المتقنين أنه عبد الرحمن بن صخر.
روى البيهقى وغيره عن الشافعى، رحمه الله، قال: أبو هريرة أحفظ مَن روى الحديث فى دهره، وأسلمت أمه، رضى الله عنه وعنها، وقصة إسلامها مذكورة فى صحيح مسلم.
وروينا فى صحيح مسلم، عن أبى هريرة فى قصة إسلام أمه، قال: قلت: يا رسول الله، ادع الله أن يحببنى الله أنا وأمى إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا، فقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهما المؤمنين"، فما خلق الله مؤمنًا يسمع بى ولا يرانى إلا أحبنى.
قال الحميدى فى الجمع بين الصحيحين: وقد ذكره الإمام أبو بكر البرقانى، وأبو مسعود الدمشقى فى كتابيهما، وأوله عندهما عن أبى كثير، قال: حدثنا أبو هريرة، قال: والله ما خلق الله مؤمنًا يسمع بى ولا يرانى إلا أحبنى، قلت: وما علمك بذلك يا أبا هريرة؟ فذكر الحديث.
_________
(1) انظر: الإصابة (3/114) ، وحلية الأولياء (4/141 - 147) ، وطبقات ابن سعد (6/106 - 109) ، والجرح والتعديل (6/237، 238) ، وسير أعلام النبلاء (4/135، 136) ، وتهذيب التهذيب (8/47) ، والتاريخ الكبير (6/341، 342) ..
(2) الإصابة (4/202) ، وطبقات ابن سعد (2/362، 4/325) ، وتهذيب التهذيب (12/262) ، وحلية الأولياء (1/376 - 385) ، والبداية والنهاية (8/103) ، وأسد الغابة (5/315) ، والتاريخ الكبير (6/132، 133) ، وسير أعلام النبلاء (2/578 - 632) ..(2/270)
* * *
حرف الواو
000 - أبو وائل:
عن عبد الله، هو ابن مسعود، فى المهذب فى أول الاستسقاء، هو شقيق بن سلمة، وقد سبقت ترجمته فى الشين.
878 - أبو واقد الليثى الصحابى (1) :
تكرر فى المهذب، وذكره فى أوائل الحدود من المختصر، وفى المهذب فى القراءة فى صلاة العيد، وفى الصيد.
879 - أبو وبرة الكلبى:
مذكور فى أول كتاب الطلاق من المهذب، وفى أوائل باب حد الخمر، الذى نحفظه أنه بإسكان الباء وإسكانها، ذكره جماعة منهم ابن البردى، ورأيت فى كتاب ابن باطيش أنه يقال بفتحها، وهو مشهور بكنيته، ولا يُعرف اسمه.
880 - أبو الوضىء:
مذكور فى المختصر فى أول كتاب البيوع، وفى المهذب فى أول باب عدد الشهود، وهو بفتح الواو، وكسر الضاد المعجمة، وبالهمزة الممدودة، واسمه عباد بن نسيب، بضم النون وفتح السين المهملة وبعدها مثناة من تحت ساكنة، ثم موحدة.
وهو تابعى قيسى، سمع على بن أبى طالب، وأبا برزة الأسلمى، رضى الله عنهما. روى عنه جميل بن مرة، وبديل بن ميسرة. قال يحيى بن معين: هو ثقة. وقال البخارى: يُعد فى البصريين، وكان من فرسان على، وكان على شرطة على، رضى الله عنه.
881 - أبو الوليد الطيالسى:
فى المهذب فى خراج السواد.
882 - أبو الوليد النيسابورى (2) :
من أئمة أصحابنا، مذكور فى الروضة فى القنوت فى الوتر، وفى الصلاة على الميت، وغيرهما. قال أبو سعد السمعانى فى الأنساب: هو أبو الوليد حسان بن محمد ابن أحمد بن هارون بن حسان بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عنبسة بن عبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد بن العاص الأكبر بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناة القريشى الشافعى.
إمام عصره، وفقيه خراسان، تفقه على أبى العباس بن سريج، وعاد إلى خراسان فنشر العلم، واشتغل بالدرس والعبادة، وسمع الحديث
_________
(1) انظر: الإصابة (4/215، 216) ، والتاريخ الكبير (2/258) ، والجرح والتعديل (3/82) ، والاستيعاب (4/215، 266) ، وأسد الغابة (5/319، 320) ، وتهذيب التهذيب (12/270، 271) ..
(2) انظر: طبقات فقهاء الشافعية للعبادى (74) والمنتظم (6/396) وسير أعلام النبلاء (15/492 - 496) وتذكرة الحفاظ (3/895 - 897) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (2/191، 192) ومرآة الجنان (2/343) والبداية والنهاية (11/236) والنجوم الزاهرة (3/324) والأعلام (2/190) ..(2/271)
الكثير من أبى بكر الإسماعيلى، والحسن بن سفيان النسوى، وغيرهما. روى عنه الحاكم أبو عبد الله وغيره. توفى فى خامس شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وثلاثمائة.
ومن غرائبه أنه قال: إذا كرر المصلى الفاتحة مرتين بطلت صلاته، حكاه عنه إمام الحرمين فى فصل القراءة من صفة الصلاة، وهو خلاف نص الشافعى والأصحاب. ونقل صاحب العدة أن ابن خيران، وأبا يحيى البلخى، قال: تبطل. قال: وحكاه الشيخ أبو حامد عن القديم.
ومن غرائبه أنه قال: الحجامة تفطر الصائم وتفطر الحاجم والمحجوم، وادعى أنه مذهب الشافعى لصحة الحديث، وكان يحلف أنه مذهب الشافعى، وغلطه الأصحاب؛ لأن الشافعى وقف على الحديث، وقال: هو منسوخ، ومن أصحابنا من تأوله.
ومن غرائبه أيضًا أنه جَوَّز الصلاة على قبر نبينا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرادى. حكاه عنه فى المهذب، وقد ذكرته فى الروضة، وأنه قال: يستحب القنوت فى الوتر فى جميع رمضان، ووافقه على القنوت ثلاثة من أئمة أصحابنا، منهم أبو عبد الله الزبيرى، وأبو الفضل بن عبدان، وأبو منصور بن مهران.
* * *
حرف الياء
883 - أبو يحيى البلخى:
تكرر ذكره فى المهذب، والوسيط، والروضة، وهو من كبار أصحابنا أصحاب الوجوه. قال ابن باطش: ذكره أبو حفص عمر بن على المطوعى فى كتاب المهذب فى ذكر أئمة المهذب، فقال: أبو يحيى البلخى، أصله من بلخ، أحد من فارق وطنه لأجل الدين، وقطع نفسه لضالة العلم، ومسح عرض الأرض، وسافر إلى أقاصى الدنيا فى طلب الفقه، حتى بلغ فى ذلك الغاية، وكان حسن البيان فى النظر، مرهف عرب اللسان فى الجدل، ومصداق ذلك فى دلائله التى نصبها لاختياراته وبراهينه التى كشف فيها عن وجوه تخريجاته.
قلت: ومن غرائبه أنه جَوَّز للقاضى إذا أراد نكاح من لا ولى لها أن يتولى طرفى(2/272)
العقد. قال الرافعى: ويقال: إنه قال: لما كان قاضيًا بدمشق تزوج امرأة ولى أمرها بنفسه.
ومن غرائبه أنه قال: لو شرط فى القراض أن يعمل رب المال مع العامل جاز. حكاه عنه العبادى فى الرقم، وقد ذكرته فى الروضة، والصحيح المعروف المنع.
884 - أبو يعقوب الأبيوردى:
فى تيمم المهذب.
885 - أبو يعقوب:
فى المهذب فى جزيرة العرب.
886 - أبو يوسف القاضى:
صاحب أبى حنيفة، رحمه الله، مذكور فى المختصر فى أول جامع السير، تكرر ذكره فيه، وفى القافة، وغيرها.
* * *
النوع الثالث: فى الأنساب، والألقاب، والقبائل، ونحوها
حرف الألف
887 - الأبهرى المالكى:
فى الروضة فى كتاب البيوع فى آخر باب المناهى فى مسألة مبايعة من أكثر ماله حرام.
888 - الأصمعى:
مذكور فى باب عقد الذمة فى حد جزيرة العرب، اسمه عبد الملك بن قريب، بضم القاف وفتح الراء وبعدها ياء مثناة من تحت ساكنة، ثم باء موحدة، ابن عبد الملك بن أصمع البصرى الإمام، صاحب اللغة، والغريب، والأخبار، والمُلح، يكنى أبا سعيد، من أئمة الحديث الكبار، والمعتمد عليه فيها. روى الحديث عن جماعات من الكبار، وروى عنه جماعات من الكبار.
قال يحيى بن معين: سمعت الأصمعى يقول: سمع منى مالك بن أنس، واتفقوا على أنه ثقة. قال أبو منصور الأزهرى فى أول تهذيب اللغة: عن سلمة بن عاصم النحوى، قال: الأصمعى أزكى من أبى عبيدة، وأحفظ للغريب منه، وكان أبو عبيدة أكثر رواية منه، وكان هارون الرشيد قد(2/273)
استخلصه لمجلسه، وكان يرفعه على أبى يوسف القاضى، ويجيزه بجوائز كثيرة، وكان علمه على لسانه، وروى الأزهرى بإسناده عن الرياشى، قال: كان الأصمعى شديد التوقى لتفسير القرآن، صدوقًا صاحب سُنَّة، عُمَّر نيفًا وتسعين سنة، وله عقب.
وقال أبو جعفر النحاس فى أول كتابه صناعة الكتاب: كان الأصمعى شديد التوقى لتفسير القرآن وحديث النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيقال: أنه تكلم فيهما بعد ذلك لما لقيه أحمد بن حنبل، وأبو عبيد، وكان صدوقًا، ويقال: إنه ولد سنة ثلاث وعشرين ومائة، ومات وعمر نيفًا وتسعين سنة. قال: وسمعت على بن سليمان يقول: أهل النحو فيما نعلم معمرون، ولا يكسر هذا علينا إلا سيبويه. ومات الأصمعى سنة ست عشرة ومائتين.
وروينا فى تاريخ الخطيب البغدادى، رحمه الله، عن عمر بن شبة، قال: سمعت الأصمعى يقول: أحفظ ستة عشر ألف أرجوزة. وذكر الخطيب عن الشافعى، قال: ما عبر أحد من العرب بأحسن عبارة من الأصمعى. وقال إبراهيم الحربى: كان أهل العربية من أهل البصرة أصحاب الأهواز إلا أربعة: أبو عمرو بن العلاء، والخليل، ويونس بن حبيب، والأصمعى.
889 - الأزرقى:
صاحب تاريخ مكة. فى الروضة فى ذكر عرفات.
890 - الأعشى الشاعر:
مذكور فى باب الشفعة فى المختصر، هو ميمون بن قيس بن جندل الأسدى المشهور.
891 - الأعمش:
فى المهذب فى ميراث أهل الفرض.
892 - إمام الحرمين:
فى الوسيط والروضة.
000 - الأوزاعى:
عبد الرحمن بن عمرو، إمام أهل الشام، تقدم فى ترجمة عبد الرحمن.
* * *
حرف الباء الموحدة
000 - البخارى:
الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، تقدم ذكره فى ترجمة محمد.(2/274)
893 - البغوى:
بفتح الباء فى الروضة.
894 - البويطى:
هو أبو يعقوب يوسف بن يحيى، وتقدم فى الأسماء. قال الترمذى: البويطى قريشى، ذكره فى آخر الكتاب عند ذكر من روى عنه فقه الشافعى، رضى الله عنه.
* * *
حرف الثاء المثلثة
895 - ثعلب:
مذكور فى باب الوقف من المهذب، والوسيط. هو الإمام المُجمع على إمامته، وكثرة علومه، وجلالته، أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار الشيبانى، مولاهم إمام الكوفيين فى عصره لغة ونحوًا، وثعلب لقب له. قال الإمام أبو منصور الأزهرى، فى خطبة كتابه تهذيب اللغة: أجمع أهل هذه الصناعة من العراقيين أنه لم يكن فى زمن أبى العباس أحمد بن يحيى ثعلب وأبى العباس محمد بن يزيد المبرد مثلهما، وكان أحمد بن يحيى أعلم الرجلين، وأورعهما، وأرواهما للغات والغريب، وأوجزهما كلامًا، وأقلهما فضولاً، وكان محمد بن يزيد أعرب الرجلين بيانًا، وأحفظهما للشعر المحدث والأخبار الفصيحة، وأعلمهما بمواهب البصريين فى النحو ومقائسه، وكان أحمد بن يحيى حافظًا لمذاهب العراقيين، أعنى الكسائى، والفراء، والأحمر، وكان متقدمًا فى صناعته، عفيفًا عن الأطماع الدنية، ورعًا عن المكاسب الخبيثة.
قال غير الأزهرى: سمع ثعلب: ابن الأعرابى، والأثرم، والزبير بن بكار، وأخذ عنه ابن الأنبارى، وأبو عمر الزاهد، وغيرهما، وكان ثقة، دينًا، صالحًا، ورعًا، حكى عن صاحبه أبى عمر الزاهد، قال: كنت فى مجلس أبى العباس ثعلب، فسأله سائل عن شىء، فقال: لا أدرى، فقال: أتقول لا أدرى وإليك تُضرب أكباد الإبل، وإليك الرحلة من كل بلد؟! فقال له ثعلب: لو كان لأمك بعدد ما لا أدرى بعر لاستغنت.
ولد ثعلب، رحمه الله، سنة مائتين، وتوفى ببغداد يوم السبت لثلاث عشرة بقيت من جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين ومائتين. قال الخطيب البغدادى: ودفن بمقبرة باب الشام، رحمه الله تعالى.(2/275)
* * *
حرف الجيم
896 - الجوزجانى:
صاحب أبى حنيفة، فى الفرائض من الروضة فى توريث ذوى الأرحام.
* * *
حرف الحاء
897 - الحطيئة الشاعر:
مذكور فى كتاب الأقضية من المهذب، هو بضم الحاء وفتح الطاء المهملتين، ويقال: بالهمز، وبتركه وتشديد الياء، واسمه جرول، بفتح الجيم، وإسكان الراء وفتح الواو، وإنما لُقِّب الحطيئة لقصره، وهو جرول بن أوس بن مالك العبسى، يكنى أبا مليكة.
* * *
حرف الخاء
898 - الخضرى:
تكرر ذكره فى الوسيط، وهو من كبار أصحابنا أصحاب الوجوه، ومتقدمى أئمة المذهب. هو أبو عبد الله محمد بن أحمد المروزى الخضرى. قال أبو سعد السمعانى: هو نسبة إلى الجد، قال: وهو الخضرى، بكسر الخاء وإسكان الضاد المعجمتين. قال: والصحيح يعنى الأصل فى هذه النسبة: الخضرى، بفتح الخاء وكسر الضاد، ولكنهم خففوه لما ثقل عليهم. قال: والخضرى هو إمام مرو، ومتقدم الفقهاء الشافعية بها، تفقه عليه جماعة من الأئمة، وروى، يعنى الحديث، عن جماعة منهم القاضى أبو عبد الله المحاملى.(2/276)
* * *
حرف الدال
899 - الدارقطنى:
فى الوسيط فى كتاب الحجر.
900 - الدراوردى:
شيخ الشافعى، تكرر فى المختصر عن محمد بن عمر، وعن أبى سلمة.
* * *
حرف الذال
901 - ذو اليدين:
فى سجود السهو، وباب ما يفسد الصلاة.
* * *
حرف الراء
902 - الرويانى:
صاحب البحر، هو أبو المحاسن. قال أبو عمرو بن الصلاح: هو فى البحر، كثير النقل، قليل التصرف والتزييف والترجيح، وفعل فى الحلية ضد ذلك، فإنه أمعن فى الاختيارى حتى اختار كثيرًا من مذهب العلماء غير الشافعى.
* * *
حرف الزاى
903 - الزعفرانى (1) :
صاحب الشافعى، رضى الله عنهما، ذكره فى الوسيط فى زكاة الدين، وهو أحد رواة القديم الأربعة عنه.
قال صاحب الحاوى فى مسألة وقت المغرب: الزعفرانى أثبت أصحاب القديم، وهذا الزعفرانى هو أبو على الحسن بن محمد بن الصباح. قال أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجى: سمعت الزعفرانى، يقول: قدم الشافعى فاجتمعنا، فقال: التمسوا مَن يقرأ لكم، فلم يُحسن أحد غيرى، وما كان فى وجهى شعرة، وإنى لأتعجب من انطلاق لسانى وجسارتى بين يديه، فقرأت الكُتب كلها إلا كتابين قرأهما هو المناسك والصلاة.
قال الساجى: وسمعته يقول: إنى لأقرأ كتب الشافعى وتقرأ علىَّ منذ خمسين سنة. وروى البيهقى عن أبى حامد المروروذى القاضى. قال: كان القاضى الزعفرانى من أهل اللغة.
_________
(1) انظر: الجرح والتعديل (3/36) ، والثقات لابن حبان (8/177) ، وتاريخ بغداد (7/407 - 410) ، ووفيات الأعيان (2/73، 74) ، وتهذيب الكمال (6/310 - 313) ، والمختصر فى أخبار البشر (2/49) ، وسير أعلام النبلاء (12/262 - 265) برقم (100) ، ومرآة الجنان (2/171، 172) ، والوافى بالوفيات (12/235) ، وتهذيب التهذيب (2/318، 319) ، وتقريب التهذيب (1/170) ..(2/277)
000 - الزهرى: محمد بن مسلم، سبق فى باب محمد.
* * *
حرف السين
904 - الساجى:
فى المهذب فى خراج السواد.
* * *
حرف الشين
905 - الشعبى:
تكرر فى المختصر، وهو فى المهذب فى التفليس فى أول باب الإيمان ففى الرجوع عن الشهادات عن على أظنه مرسلاً.
* * *
حرف الصاد
906 - صاحب البيان:
هو أبو الخير يحيى بن أبى الخير سالم بن أسعد بن يحيى العمرانى بن عمران من قرية من اليمن، يقال لها: مصنعة سير، كان يحفظ المهذب، ويقوم به ليله، وشرحه بالبيان، نشر العلم ببلاد اليمن، ورحل إليه، وصَنَّف البيان، وغرائب الوسيط للغزالى وغير ذلك. توفى سنة ثمان وخمسين وخمسمائة.
907 - صاحب البحر: فيه يعنى فى الروضة.
908 - صاحب التقريب:
متكرر فى الوسيط والروضة تكرارًا كثيرًا، هو الإمام أبو الحسن القاسم ابن الإمام أبى بكر محمد بن على القفال الشاشى، وهو القفال الكبير كما تقدم، وكان أبو الحسن هذا عظيم الشأن، جليل القدر، صاحب إتقان، وتحقيق، وضبط، وتدقيق، وكتابه التقريب كتاب عزيز، عظيم الفوائد من شروح مختصر المزنى، وقد يتوهم من لا اطلاع له على أن المراد بالتقريب تقريب الإمام أبى الفتح سليم بن أيوب الرازى صاحب الشيخ أبى حامد الإسفراينى، وذلك غلط، بل الصواب ما ذكرنا أنه تصنيف أبى الحسن ابن القفال.(2/278)
قال الإمام أبو القاسم الرافعى فى كتابه التذنيب: ويقال: إن صاحب التقريب أبوه القفال، قال: والأول أظهر، وهو الذى ذكره الشيخ أبو عاصم العبادى، والله أعلم.
قلت: وقد وقع فى نسخ الوسيط فى كتاب الرهن، قال صاحب التقريب أبو القاسم، وهذا غلط، بل صوابه القاسم، وسيأتى بيانه فى نوع الأوهام.
وقد قال الإمام الحافظ الفقيه المتقن أبو بكر البيهقى فى رسالته إلى الشيخ أبى محمد الجوينى، رحمه الله: نظرت فى كتاب التقريب، وكتاب جمع الجوامع، وعيون المسائل وغيرهما، فلم أر أحدًا منهم، فيما حكاه، أوثق من صاحب التقريب، رحمنا الله وإياه. وهو فى النصف الأول من كتابه أكثر حكاية لألفاظ الشافعى، رضى الله عنه، منه فى النصف الآخر، وقد غفل فى النصفين جميعًا من اجتماع الكتب له، أو أكثرها وذهاب بعضها فى عصرنا، عن حكاية ألفاظ لابد من معرفتها، لئلا يجترىء على تخطئة المزنى، رحمه الله، فى بعض ما يخطئه فيه، وهو منه برىء، وليتخلص به عن كثير من تخريجات أصحابنا. ثم ذكر البيهقى شواهد لما ذكره، فرضى الله عنه، ما أجزل كلامه، وأشد تحقيقه، وأكثر اطلاعه، وأثنى إمام الحرمين فى مواضع من النهاية على صاحب التقريب ثناء حسنًا.
000 - صاحب التلخيص: تكرر فى الوسيط، والروضة. هو أبو العباس أحمد بن القاص، وسبق بيانه.
909 - صاحب الحاوى: فيه، يعنى فى الروضة.
000 - صاحب الكافى: فى الوسيط فى مسألة القلتين، هو أبو عبد الله الزبيرى، سبق بيانه.
910 - ذكر صاحبى كعب بن مالك:
فى الروضة فى كتاب عشرة النساء فى باب الشقاق، هما هلال بن أمية، ومرارة بن ربيع.
911 - صاحب المحكم: فى اللغة، مذكور فى الروضة فى أول الوليمة.(2/279)
* * *
حرف العين
912 - العراقيان:
اللذان يقول فى المهذب فى مواضع كثيرة: قال فى اختلاف العراقيين. هما أبو حنيفة، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى، وقوله: العراقيين، بفتح الياء الأولى وكسر النون؛ لأنه مثنى، وإنما ضبطه لأنه قد يصحف، وهذا كتاب صنفه الشافعى، فذكر فيه المسائل التى اختلفا فيه، ويختار تارة ذاك وتارة يضعفهما، ويختار ثالثًا، وهذا الكتاب هو أحد كُتب الأم، وهو نحو نصف مجلد.
000 - العنسى: مذكور فى أول كتاب قتال البغاة من المختصر، وهو الكذَّاب الأسود.
* * *
حرف الفاء
913 - الفارقى:
مذكور فى الروضة فى أول الثانى من الشفعة، هو تلميذ صاحب المهذب، وشيخنا فى السلسلة، وكتابه الفوائد قليل الجدوى.
914 - الفراء اللغوى النحوى الإمام:
هو أبو زكريا يحيى بن زياد الكوفى.
915 - الفرزدق:
مذكور فى المهذب فى الاستثناء فى الطلاق، هو همام بن غالب المجاشعى التميمى البصرى الشاعر المشهور التابعى المعروف، يكنى أبا فراس، سمع ابن عمرو، وأبا هريرة. قال البخارى فى التاريخ: روى عنه مروان الأصغر، وابن أبى نجيح، وابنه ليطة.
916 - الفورانى:
تكرر ذكره فى الوسيط، هو صاحب الإبانة، وهو الإمام أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن فوران، بضم الفاء، وإسكان الواو، وبعد الألف نون، منسوب إلى جده، هكذا قال الإمام الحافظ أبو سعد السمعانى فى كتابه الأنساب. قال: وله تصانيف فى الفقه، وروى الحديث. توفى فى شهر رمضان سنة إحدى وستين وأربعمائة بمرو.
وقال: وهو من أعيان تلامذة أبى بكر القفال، يعنى المروزى، وهذا الفورانى هو صاحب الإبانة، وهو شيخ الإمام أبى سعد المتولى صاحب التتمة، وسمى المتولى كتابه التتمة؛ لكونه تتميمًا للإبانة، وشرحًا لها، وتفريعًا عليها، وأثنى عليه فى خطبة التتمة. قال: وقد سمع البغوى منه، وروى عنه فى كتابه شرح السنة الذى يرويه، وحيث قال إمام الحرمين: قال بعض المصنفين، أو فى بعض التصانيف كذا، فمراده صاحب الإبانة. ويغلطه ويسىء القول فيه.
وقال فى باب الأذان: والرجل غير موثوق بنقل ما ينفرد به، وأنكر العلماء على إمام الحرمين إفراطه فى الشناعة على الفورانى، وغلطوه فى إفراطه، وحيث قال صاحب البحر: قال بعض أصحابنا بخراسان فمراده الفورانى.
* * *
حرف القاف
917 - القاهر الخليفة: فى المهذب فى نكاح السامرة.
918 - القتبى: مذكور فى المهذب والوسيط فى كتاب الوقف، ثم فى أول كتاب العدد من المهذب، بضم القاف وفتح التاء بعدها موحدة، وقد يزيدون فيه ياء مثناة من تحت بين التاء والياء، والأول هو الفصيح المشهور الجارى على القواعد، وهو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينورى الكاتب اللغوى الفاضل فى علوم كثيرة.
سكن بغداد، وله مصنفات كثيرة جدًا، رأيت فهرستها ونسيت عددها، أظنها تزيد على ستين مصنفًا فى أنواع العلوم، فمن كتبه التى رأيتها: غريب القرآن، ومشكل القرآن، وغريب الحديث، ومختلف الحديث، وأدب الكاتب، والمعارف، وعيون الأخبار.
قال السمعانى فى الأنساب: روى ابن قتيبة عن ابن راهوية، ومحمد بن زياد الزيادى، وغيرهما، ومات فجأة فى أول رجب سنة ست وسبعين ومائتين. قال: وقيل: مات فى ذى القعدة سنة سبعين ومائتين. وقال الإمام أبو منصور الأزهرى فى مقدمة كتابه تهذيب اللغة: سمع ابن قتيبة: حرملة بن يحيى.
919 -(2/280)
القفال الشاشى:
مذكور فى موضع واحد من المهذب فى كتاب النكاح فى مسألة تزويج الجد بنت ابنه بابن ابنه، ليس له ذكر فى المهذب فى غير هذا الموضع، ولا ذكر له فى الوسيط، وإنما الذى فى الوسيط القفال المروزى كما سأذكره إن شاء الله تعالى. وذكر الشاشى فى الروضة فى مواضع كثيرة، منها فى آخر صلاة المسافر، فى جواز الجمع بالمرض، وفى باب العقيقة، وآخر الباب الثانى من كتاب الإقرار.
ويُعرف هذا بالقفال الشاشى الكبير، والذى فى الوسيط، والنهاية، والتعليق للقاضى حسين، والإبانة، والتتمة، والتهذيب، والعدة، والبحر، ونحوها من كتب الخراسانيين، هو القفال المروزى الصغير، ثم أن الشاشى تكرر فى كتب التفسير، والحديث، والأصول، والكلام، والجدل، ويوجد فى كتب الفقه للمتأخرين من الخراسانيين، واشترك القفالان فى أن كل واحد منهما أبو بكر القفال الشافعى، لكن يتميزان بما ذكرنا من مظانهما، ويتميزان أيضًا بالاسم والنسب، فالكبير شاشى والصغير مروزى.
والشاشى اسمه محمد بن على بن إسماعيل، تفقه على ابن سريج، وكان إمام عصره بما وراء النهر، واعلمهم بالأصول، ورحل فى طلب الحديث، سمع بخراسان أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، وأقرانه، وبالعراق محمد بن جرير الطبرى، والباغندى، وأقرانهما، وبالجزيرة أبا عروة، وبالشام أبا الجهم، وأقرانه، وبالكوفة وغيرها.
وله مصنفات من أجلِّ المصنفات، وهو أول مَن صَنَّف الجدل، وشرح رسالة الشافعى، ورأيت له كتابًا نفيسًا فى دلائل النبوة، وكتابًا جليلاً فى محاسن الشريعة. قال الشيخ أبو إسحاق فى طبقاتنه: له مصنفات كثيرة ليس لأحد مثلها، وله كتاب فى أصول الفقه، وله شرح رسالة الشافعى، رضى الله عنه، وعنه انتشر فقه الشافعى فيما وراء النهر.
قال: وتوفى سنة ست وثلاثين وثلاثمائة. قال غيره: توفى بشاش. وقال الإمام أبو عبد الله الحليمى: كان شيخنا القفال الشاشى أعلم من لقيته من علماء عصره. وقال أبو سعد السمعانى فى الأنساب:(2/281)
القفال الشاشى الفقيه الشافعى، من أهل الشاش، إمام عصره بلا مدافعة، كان فقيهًا، أصوليًا، محدثًا، لغويًا، شاعرًا، سار ذكره فى الشرق والغرب، له تصانيف مشهورة، ورحل إلى خراسان، والعراق، والحجاز، والشام، والثغور.
ذوأبا العباس السراج، وأبا القاسم البغوى، وغيرهم. روى عنه الحاكم أبو عبد الله، وأبو عبد الله بن مندة، وأبو عبد الرحمن السلمى، وغيرهم. ولد سنة إحدى وتسعين ومائتين، ومات بالشاش فى ذى الحجة سنة خمس وستين وثلاثمائة.
ومن غرائب القفال الشاشى ما نقلته عنه فى الروضة أنه قال: يجوز الجمع بين الصلاتين بعذر المرض.
ومن غرائبه أن الأصحاب قالوا: إن أخرت العقيقة حتى بلغ سقط حكمها فى حق غير المولود، وهو مخير فى العقيقة عن نفسه، واستحسن القفال الشاشى أن يفعلها. ويروى أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عن نفسه بعد النبوة. ونقلوا عن نص الشافعى فى البويطى أنه لا يفعل ذلك واستغربوه. قال المُصَنِّف: ورأيت نصه فى البويطى: ولا يعق عن كبير. قال: وليس مخالفًا لما سبق، فإن معناه لا يعق عنه غيره، وليس فيه نفى عقه عن نفسه، والله تعالى أعلم.
ومن غرائبه أنه قول قال: وهبت لك كذا، وخرجت منه إليك، قال: يكون إقرارًا بالإقباض؛ لأنه نسب إلى نفسه ما يشعر بالإقباض بعد العقد المفروغ منه، وخالفه الأصحاب فى ذلك، فقالوا: لا يكون مقرًا بالإقباض لجواز أن يريد الخروج عنه بالهبة، وفيما نروية بالإجازة فى شعب الإيمان للبيهقى، قال: أنشدنا أبو نصر بن قتادة، أنشدنا الشيخ أبو بكر القفال الشاشى، رحمه الله تعالى:
أوسع رحلى على من نزل ... وزادى مباح على من أكل
نقدم حاضر ما عندنا ... وإن لم يكن غير خبز وخل
فأما الكريم فيرضى به ... وأما اللئيم فمن لم أبل
* * *(2/282)
حرف الكاف
920 - الكرابيسى:
تكرر فى الثلاثة. هو الحسين بن على بن يزيد الكرابيسى البغدادى صاحب الإمام الشافعى، رضى الله عنه، وأشهرهم بإثبات مجلسه، وأحفظهم لمذهبه، وهو أحد رواة مذهبه القديم، والثانى الزعفرانى، والثالث أبو ثور، والرابع أحمد بن حنبل. ورواة الأقوال الجديدة ستة: المزنى، والربيعان الربيع بن سليمان الجيزى، والربيع بن سليمان المرادى، والبويطى، وحرملة، ويونس بن عبد الأعلى.
وكنيته أبو على، وله تصانيف كثيرة فى أصول الفقه وفروعه. وكان متكلمًا، عارفًا بالحديث، وصَنَّف أيضًا فى الجرح والتعديل وغيره، وأخذ عنه الفقه خلق كثير، ونُسب إلى الكرابيس، وهى الثياب الغلاظ، وأحدها كرباس، بكسر الكاف، وهو لفظ فارسى معرب؛ لأنه كان يبيعها فنُسب إليها. وتوفى، رحمه الله، فى سنة خمس وأربعين، وقيل: سنة ثمان وأربعين ومائتين، وهو أشبه بالصواب.
921 - الكسائى:
مذكور فى الروضة فى الصداق، إذا أصدقها تعليم آيات.
922 - الكسعى:
مذكور فى المسابقة من المهذب، وهو بضم الكاف، وفتح السين، وكسر العين المهملتين، اسمه غامد، بالغين المعجمة وبالدال، ابن الحارث، من كسع، ثم من بنى محارب، وقيل: اسمه محارب بن قيس، وهو الذى يُضرب به المثل فى الندم.
923 - الكوفيون:
الذين ذكرهم الشافعى، رحمه الله، فى باب الشفعة وغيرها، هم أبو حنيفة، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى، وأصحابهما.
* * *
حرف الميم
000 - الماسرجسى: هو أبو الحسن محمد بن على بن سهل، تكرر ذكره فى المهذب والروضة، وسبق ذكره فى الكنى فى ترجمة أبى الحسن الماسرجسى.
924 -(2/283)
المتنبى:
الشاعر المعروف. ذكره فى كتاب السير من المهذب. هو أبو الطيب أحمد بن الحسين ابن الحسن بن عبد الله الجعفى الكوفى الشاعر الأديب المجيد، صاحب الديوان المعروف، وله من بدائع الشعر وحكمه أشياء عجيبة مشتملة على الآداب وغيرها، ولد بالكوفة سنة ثلاث وثلاثمائة، ونشأ بالبادية والشام، وقال الشعر فى صغره واعتنى الأئمة الفضلاء بشرح ديوانه، مات سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.
قال السمعانى فى الأنساب: إنما قيل له: المتنبى؛ لأنه ادَّعى النبوة فى بادية السماوة، وتبعه كثير من كلب وغيرهم، فخرج إليه لؤلؤ أمير حمص بالأخشيدية فأسره، وفرَّق أصحابه، وسجنه طويلاً، ثم أشهد عليه بأنه تاب وكذب نفسه فيما ادعاه، وأطلقه، فطلب الشعر، وقاله فأجاد، وفاق أهل عصره. وقيل: إنما قيل له: المتنبى؛ لأنه قال شعر:
أنا فى أمة تداركها ... غريب كصالح فى ثمود
واتصل بسيف الدولة ابن حمدان فأكثر مدحه، ثم صار إلى عضد الدولة بفارس فمدحه، وعاد إلى بغداد فقتل بالطريق بالقرب من النعمانية فى شهر رمضان(2/284)
سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.
925 - المزنى:
هو أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى، تقدم فى الأسماء، صَنَّف المزنى كتابًا مفردًا على مذهبه لا على مذهب الشافعى، ذكره أبو على البندنيجى فى كتابه الجامع فى آخر باب الصلاة بالنجاسة. قال إمام الحرمين فى باب ما ينقض الوضوء من النهاية: وذهب المزنى إلى أن النوم فى عينه حدث ناقض للوضوء، كيف فرض وطر مذهبه فى القاعد المتمكن، وألحقه بجهات الغلبة على العقل، وخَرَّج ذلك قولاً للشافعى. قال: وإذا تفرد المزنى برأى فهو صاحب مذهب، وإذا خَرَّج للشافعى قولاً فتخريجه أولى من تريج غيره، وهو ملتحق بالمذهب لا محالة.
وقال الرافعى فى باب الخلع فى مسألة خلع الوكيل وفيما علق عن إمام الحرمين أنه قال: أرى كل اختيار المزنى تخريجًا، فإنه لا يخالف أقوال الشافعى لا كأبى يوسف ومحمد، فإنهما يخالفان أصول صاحبهما.(2/285)
926 - المسعودى:
من أصحابنا، تكرر ذكره فى الروضة، وذكره فى الوسيط فى كتاب الإيمان. هو محمد بن عبد الملك بن مسعود بن أحمد بن محمد بن مسعود المسعودى الإمام، أبو عبد الله المروزى، من أهل مرو، وأحد أصحاب القفال المروزى.
قال أبو سعد السمعانى: كان المسعودى هذا إمامًا، فاضلاً، مبرزًا، عالمًا، زاهدًا، ورعًا، حسن السيرة، شرح مختصر المزنى فأحسن فيه، وسمع الحديث القليل من أستاذه القفال. توفى فى سنة نيف وعشرين وأربعمائة بمرو، هذا كلام السمعانى.
وحكى الإمام أبو القاسم الفورانى صاحب الإبانة فى كتابه العمدة عن المسعود هذا أن المصلى صلاة العيد يقول بين كل تكبيرتين من التكبيرات الزوائد: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، وجل ثناؤك، ولا إله غيرك، وهذا الذى قاله غريب، والمشهور عن الأصحاب: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. وقيل غير ذلك، وقد أوضحته فى الروضة، وشرح المهذب.
وفى هذا النقل فوائد منها بيان هذه المسألة. ومنها جلالة المسعودى، فإن الفورانى رفيقه فى صحبة القفال، فحكايته عنه فى تصنيفه دليل على عظم جلالته. ومنها أن صاحب البيان يقول فيه: قال المسعودى، ويكثر من هذا، ويريد به صاحب الإبانة، وهذا غلط فاحش، فاعرفه واجتنبه، وسببه أن الإبانة وقعت فى اليمن، واختلفوا لبعد الديار فى نسبتها، فنسبها بعضهم إلى المسعودى، وبعضهم إلى الفورانى، وهكذا ذكره شارح الإبانة، وهو أبو عبد الله الطبرى صاحب العدة فى خطبة العدة، ومن طرف المسعودى ما حكاه فى الوسيط عنه فى مسألة من حلف على البيض.
927 - المهدى الخليفة: فى المختصر فى باب الفىء.
* * *
حرف النون
928 - النابغة الشاعر:
مذكور فى زكاة الثمار فى المهذب. هو النابغة الجعدى الصحابى، رضى الله عنه، وفى الشعراء جماعة يقال لكل واحد منهم: النابغة، وهذا الذى(2/286)
المهذب الجعدى الصحابى، وهو قيس بن عدى بن عدس، بالضم، ابن ربيعة بن جعدة، يكنى أبا ليلى، وفى نسبه خلاف، وكان من المعمرين، عاش فى الجاهلية، ثم فى الإسلام دهرًا طويلاً. قال ابن قتيبة: عاش مائتين وعشرين سنة، ومات بأصبهان.
قال ابن عبد البر: إنما قيل له: النابغة؛ لأنه قال الشعر فى الجاهلية، ثم تركه نحو ثلاثين سنة، ثم نبغ فيه بعد فقاله، فقيل له: النابغة. وفى شعره فى الجاهلية ضروب من التوحيد، وإثبات البعث، والجزاء، والجنة، والنار.
929 - النجاشى: فى الجنائز منها كلها.
* * *
فصل فى القبائل ونحوها
حرف الألف
930 - بنو أسد بن عبد العزى: أشجع بنى أمية فى النشوز من المهذب.
931 - الأنصار، رضى الله عنهم:
ذكرهم الله تعالى فى مواضع من القرآن، قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} [التوبة: 100] الآية.
وقال تعالى: {لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِىِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} [التوبة: 117] الآية.
وفى صحيح البخارى فى كتاب المغازى، فى باب من قُتل يوم أُحُد، عن قتادة، قال: ما نعلم حيًا من أحياء العرب أكثر شهداء أعز يوم القيامة من الأنصار. قال قتادة: حدثنا أنس بن مالك، رضى الله عنه، أنه قتل منهم يوم أُحُد سبعون، ويوم بئر معونة سبعون، ويوم اليمامة سبعون، هذا لفظه فى صحيح البخارى. وقوله: أعز، وروى: أغر، شرحته فى حاشية البخارى.
وفى صحيح البخارى، عن غيلان بن جرير، قال: قلت لأنس بن مالك، رضى الله عنه: أرأيت اسم الأنصارى، أكنتم تسمون به أم سماكم الله تعالى؟ قال: بل سمانا الله تعالى.(2/287)
* * *
حرف الباء
932 - بنو بكر: فى آخر الهدنة من المهذب.
* * *
حرف التاء
933 - بنو تميم وبنو طىء: كلاهما فى أول ميراث العصبة من المهذب.
* * *
حرف الثاء
934 - بنو ثقيف.
* * *
حرف الجيم
935 - بنو جمح:
الجن، ينقل من قسم اللغات: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [الأحقاف: 29] ، {قُلْ أُوحِىَ} [الجن: 1] إلى آخر السورة.
936 - جهينة:
* * *
حرف الحاء
937 - فى حديث الأذان فى ...
938 - الحبشة:
ذكره فى المهذب فى باب الأذان، هم جيل معروف، ويرجع نسبهم إلى حام بن نوح، عليه السلام، وهم أكثر الناس، وبلادهم أكثر البلاد.
939 - قوله فى باب الضمان من المهذب: استطرق رجلاً من بنى.
000 - حنيفة:
هى قبيلة معروفة تنسب إلى حنيفة بن لجيم بن صعب بن على بن بكر بن وايل بن قاسط بن هنب، بهاء مكسورة، ثم نون ساكنة، ثم باء موحدة، ابن أفصى، بفتح الهمزة،(2/288)
وإسكان الفاء، وفتح الصاد المهملة، ابن دعمى، بدال مضمومة ثم عين ساكنة مهملتين ثم ميم مكسورة ثم ياء مشددة، ابن جديلة بن أسد بن ربيعة، وكان غالب هذه القبيلة باليمامة فى أوائل الإسلام، ثم تفرقوا.
* * *
حرف الخاء
940 - خثعم:
بفتح الخاء، وإسكان المثناة، وفتح العين، ذكره فى المختصر فى الحج، وفى المهذب فيه وفى أول النكاح، وهى قبيلة معروفة. قال أبو الفتح الهمذانى فى كتاب الاشتقاق: خثعم جبل قيل: إن هذه القبيلة سميت بذلك لنزولها إياه وتعاقدها عليه، قال: وقيل: سموا بذلك من الخثعمة، وهى أن يدخل كل واحد من الرجلين أصبعه من منخر ناقته ينجوبه، ثم يتعاقدا. قال: وقيل: الخثعمة التلطخ بالدم.
941 - خزاعة:
اسم للقبيلة المعروفة، جاء ذكرها فى كتاب السير من المهذب، وهى بضم الخاء وتخفيف الزاى. قال الأزهرى: قال الليث: يقال: خزع فلان عن أصحابه، إذا كان معهم فى مسير ثم خنس عنهم. وقال: سميت خزاعة بهذا الاسم لأنهم لما ساروا مع قومهم من مأرب، فانتهوا إلى مكة تخزعوا عنهم، فأقاموا، وسار الآخرون إلى الشام.
وقال ابن السكيت: قال ابن الكلبى: إنما سموا بذلك خزاعة؛ لأنهم انخزعوا عن قومهم حين أقبلوا من مأرب، فنزلوا ظهر مكة. قال: وهم بنو عمرو بن ربيعة، وهى من حى حارثة، وهو أول من بحر البحاير، وغَيَّر دين إبراهيم، عليه السلام، وهذا ما ذكره الأزهرى.
942 - بنى خفاش، بنى شبابة:
قوله فى أول زكاة الثمار من المهذب: كتب أبو بكر، رضى الله عنه، إلى بنى خفاش: أن أدوا زكاة الذرة والورس. ثم ذكر بعدهم بنى شبابة، بطن من فهم، أما خفاش فبخاء معجمة مضمومة، ثم فاء مشددة، ثم ألف، ثم شين معجمة، وضبطه بعض من صنف فى ألفاظ المهذب بكسر الخاء وضمها مع تخفيف الفاء فيهما. أما شبابة، فبشين معجمة مفتوحة، ثم باء موحدة مخففة، ثم ألف، ثم باء موحدة، ثم هاء.
هذا هو الصواب(2/289)
الموجود فى النسخ المحققة، وكذا ذكره ابن ماكولا فى الإكمال، وهو أكمل المصنفات فى هذا الفن، وضبطه بعض المصنفين فى ألفاظ المهذب على وجهين، أحدهما هذا، والثانى: سيابة، بسين مهملة مفتوحة، ثم ياء مثناة من تحت مفتوحة، ثم ألف ساكنة، وزعم أن هذا هو الأظهر، وليس كما قال. وأما فهم فبفتح الفاء، وإسكان الهاء، قبيلة معروفة.
943 - الخوارج:
تكرر ذكرهم فى قتال البغاة من جميع هذه الكُتب، هم طائفة خرجت على علىَّ، رضى الله عنه. تُنقل أحوالهم من المعارف، والسمعانى.
* * *
حرف الزاى
944 - بنو زريق:
فى المهذب فى أول باب المسابقة، هم من الأنصار بتقديم الزاى.
* * *
حرف السين
945 - السامرة:
بنو سعد، وبنو زهرة فى الرضاع من المهذب.
946 - بنو سلمة:
بكسر اللام، قبيلة معروفة من الأنصار، ذكرها فى فصل السلب من كتاب السير من المهذب، وفى باب صفة الأئمة، والنسبة إليهم: سلمى، بفتح اللام، هذا هو الصحيح المعروف الذى قاله أهل اللغة، والمحققون من المحدثين، وقد كسرها كثيرون أو الأكثرون من المحدثين.
947 - بنو سليم: فى صفة الصلاة من المهذب، وكذلك بنو تميم، وبنو سهم.
* * *
حرف الشين
948 - بنو شبابة: فى زكاة الثمار، بطن من فهم.(2/290)
* * *
حرف الصاد
949 - الصابئون.
* * *
حرف الطاء
950 - طيىء:
بالهمزة على المشهور، وقال صاحب التحرير فى شرح مسلم فى أول كتاب المناقب: يُهمز ولا يُهمز، وهو طيى بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن حمير.
* * *
حرف العين
951 - بنو عبد العزى وبنو عبد الدار ابنى قصى.
952 - بنو عدى بن كعب.
953 - بنو عذرة: قبيلة مذكورة فى أول باب إحياء الموات من المختصر، هى بضم العين المهملة.
954 - بنو عقيل: قوله فى كتاب السير من المهذب أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فادى رجلين من عقيل، هو بضم العين، وفتح القاف، قبيلة معروفة.
955 - بنو عمرو بن عوف: ذكرهم فى المهذب فى صلاة الجمعة، قبيلة معروفة من الأنصار، رضى الله عنهم، ينسبون إلى عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، وكان يسكنون قباء.
* * *
حرف الغين
956 - غطفان: فى آخر ردة المهذب.(2/291)
* * *
حرف الفاء
957 - الفقهاء السبعة: تكرر ذكرهم فى المختصر والمهذب.
* * *
حرف القاف
958 - قريش: {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ} [قريش: 1] الآية:
فى مسلم، عن جابر رفعه صريحًا: "الناس تبع لقريش فى الخير والشر". وفى مسلم حديث واثلة: "إن الله اصطفى كنانة من قريش ... " الحديث. قال أهل الأنساب: قريش نوعان: قريش البطاح، وهم بنو كعب بن لوىء، وقريش الظواهر، وهم بنو عامر بن لؤى.
959 - قريظة والنضير: قبيلتان من يهود المدينة منسوبتان إلى القريظة والنضير أخوين.
960 - قضاعة:
قبيلة معروفة، اختلف فى سبب تسميتها، فقال الأزهرى: قال ابن الأعرابى: هى مأخوذة من القضع، وهو القهر، يقال: قضعه قضعًا، والقضاعة أيضًا كلبة الماء، وكانوا أشداء كليبين فى الحروب. قال الأزهرى: وقال ابن الأعرابى فى موضع آخر: القضاعة القهر، وبه سميت قضاعة، هذا كلام الأزهرى. وقال صاحب المحكم: سمى قصاعة لانقضاعه مع أمه، والانقضاع والتقضع التفرق، قال: وقيل: هو من القهر.
961 - بنو قينقاع: قبيلة من اليهود فى المختصر فى أول السير.
* * *
حرف الكاف
962 - كنانة: تكرر فى المهذب.
963 - كندة: قبيلة معروفة فى المهذب فى آخر عقد الذمة فى دخول المشرك مسجدًا.(2/292)
* * *
حرف اللام
964 - بنو لحيان: فى السير.
* * *
حرف الميم
965 - المجوس بنو مخزوم.
966 - مزينة: فى المهذب فى أوائل السرقة، قبيلة معروفة نسبوا إلى أمهم، ينقل من السمعانى فى ترجمنة عبد الله بن مغفل المزنى.
967 - بنو مدلج: قال الرافعى: هم بطن من خزاعة، قال: وقيل: من بنى أسد.
968 - بنو المصطلق: فى المختصر والمهذب.
969 - الملائكة: تكرر ذكرهم فى الحديث: "خلق الملائكة من نور يسبحون الليل والنهار لا يفترون". {كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ} [البقرة: 285] ، {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ} [البقرة: 98] ، {جَاعِلِ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُولِى أَجْنِحَةٍ} [فاطر: 1] الآية من البخارى من باب شهود الملائكة بدرًا.
970 - المهاجرون:
تكرر ذكرهم فى المهذب، هم من هاجر من مكة وغيرها، وقد تظاهرت الآيات والأخبار والإجماع على فضلهم: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ} [التوبة: 100] الآية، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا} [الأنفال: 72] ، {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا} [النساء: 100] . وحديث: "الهجرة تهدم ما قبلها".
* * *
حرف النون
971 - نصارى العرب: تنوخ، وبهراء، وتغلب، تكرر ذكرهم فى المهذب، وذكرهم فى المختصر فى الجزية. بهراء بفتح الباء الموحدة وإسكان الهاء بالمد، هى قبيلة معروفة من قضاعة، والنسبة إليها بهرانى، كصنعانى على غير القياس.
972 - بنو نفاثة: فى كتاب السير من المختصر.(2/293)
973 -- بنو نوفل: وبنو عبد شمس ابنى عبد مناف.
* * *
حرف الهاء
974 - بنو هاشم وبنو المطلب: تكرروا فيها.
975 - هزيل: فى أول العفو عن القصاص.
976 - هوازن: تكررت فى السير.
* * *
حرف الياء
977 - اليهود: تكرر ذكرهم.
* * *
النوع الرابع: ما قيل فيه: ابن فلان، وأخو فلان
978 - ابن أبى أنيسة: مذكور فى المختصر فى أول باب الرهن غير مضمون.
000 - ابن أبى بكر الصديق: الذى نهى عن قتله يوم أُحُد، هو عبد الرحمن، مذكور فى المختصر فى آخر قتال البغاة.
979 - ابن أبى الحقيق اليهودى: فى الوسيط فى آخر الأول من أبواب الجمعة.
000 - ابن أبى ذؤيب: تكرر فى المختصر، اسمه محمد بن عبد الرحمن.
980 - ابن أبى ربيعة الصحابى، رضى الله عنه: مذكور فى المختصر فى الهدنة.
981 - ابن أبى فديك: شيخ الشافعى، تكرر فى المختصر.
000 - ابن أبى ليلى: تكرر فى المختصر والمهذب، هو محمد.
982 - ابن أبى مليكة: فى المهذب فى بيع العين الغائبة.
983 - ابن أبى نجيح: مذكور فى المختصر فى باب السلف والرهن، هو عبد الله بن يسار.(2/294)
000 - ابن أبى يحيى: شيخ الشافعى، مذكور فى المختصر فى مسح الخف، ضعيف واه عندهم، اسمه إبراهيم.
984 - ابن أثال: فى المهذب فى السير فى مسألة لا تقبل رسولهم.
985 - ابن الأدرع الصحابى: المذكور فى المهذب فى باب المسابقة، هو بفتح الهمزة، وإسكان الدال، وفتح الراء، وبالعين المهملات، اسم الأدرع: سلمة بن ذكوان. ذكره ابن مندة، وأبو نعيم، واسم أبى الأدرع محجن، يُنقل تمامه من الإكمال.
986 - ابن الأعرابى:
الإمام اللغوى. مذكور فى الوقف من المهذب، والوسيط، واسمه محمد بن زياد، كنيته أبو عبد الله. قال الإمام أبو منصور الأزهرى فى أول تهذيب اللغة: كان أبو عبد الله بن الأعرابى كوفى الأصل، رجلاً صالحًا، ورعًا، زاهدًا، صدوقًا، وحفظ من الغرائب ما لم يحفظه غيره، وكانت له معرفة بأنساب العرب وأيامهم. روى عنه ابن السكيت، وشمر، وأبو سعيد الضرير، وأبو العباس ثعلب. قال غيره: مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين.
987 - ابن أم مكتوم:
هو عمرو بن قيس بن زائدة، ويقال: زياد بن الأصم، والأصم: جندب بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيط بن عامر بن لؤى بن غالب القريشى العامرى، ويقال: عبد الله بن زائدة القريشى، المعروف بابن أم مكتوم. مؤذن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والصحيح فى اسمه عمرو كما ذكرنا أولاً.
وقد ثبت فى صحيح مسلم أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سماه عمرًا، فقال لفاطمة بنت قيس فى حديثها فى قصة طلاق زوجها: "اعتدى فى بيت ابن عمك عمرو ابن أم مكتوم". وأم مكتوم اسمها عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة، بعين مهملة مفتوحة، ثم نون ساكنة، ثم كاف مفتوحة، ثم ثاء مثلثة، ثم هاء، ابن عامر بن مخزوم، هو ابن خال خديجة بنت خويلد أم المؤمنين، رضى الله عنها وعنه؛ لأن أم خديجة فاطمة بنت زائدة بن الأصم.
هاجر ابن أم مكتوم إلى المدينة قبل مقدم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبعد مصعب بن عمير، واستخلفه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث عشرة مرة فى غزواته على المدينة،(2/295)
وشهد فتح القادسية، وقُتل بها شهيدًا، وكان معه اللواء يومئذ، هذا هو المشهور، وذكر ابن قتيبة فى المعارف أنه شهد القادسية، ثم رجع إلى المدينة فمات بها.
وهو الأعمى الذى ذكره الله سبحانه وتعالى فى كتابه فى قوله: {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءهُ الأَعْمَى} [عبس: 1، 2] ، وفضيلته مشهورة، رضى الله عنه. قال ابن الأثير: الأكثرون على أن اسمه عمرو، وقاله مصعب والزبير. قال: واستشهد بالقادسية.
وقال الواقدى: رجع منها إلى المدينة فمات بها، واتفقوا على أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استخلفه على المدينة ثلاث عشرة مرة فى غزواته. قال ابن عبد البر: وأما قول قتادة عن أنس: استخلفه مرتين. فلم يبلغه ما بلغ غيره. تكرر فى باب الأذان من المختصر، والمهذب، والوسيط.
988 - قوله فى باب السير من المهذب: قالت أم هانىء، رضى الله عنها: يزعم ابن أمى أنه قاتل من أجرت ابن أمها. هو أخو على بن أبى طالب، رضى الله عنهما، وكان أخاها لأبويها.
989 - ابن بنت الشافعى:
هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب ابن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف المطلبى الشافعى نسبًا ومذهبًا، وهو ابن بنت الشافعى الإمم، رضى الله عنه. هكذا يُعرف فى كُتب أصحابنا وغيرهم.
وأمه زينب بنت الإمام الشافعى، وكنيته أبو محمد، هكذا ذكره الإمام الثقة أبو الحسين الرازى وغيره، وهكذا ذكره الشيخ أبو إسحاق فى المهذب فى الفصل الخامس من كتاب العدد أن كنيته أبو محمد. وفى بعض النسخ: أبو عبد الرحمن فيحقق، ويقع فى كتب أصحابنا اختلاف كثير جدًا فى اسمه وكنيته، وأكثر ما يقع فى كتب المهذب أن كنيته: أبو عبد الرحمن.
وقال أبو حفص المطوعى فى كتابه فى شيوخ المذهب أن كنيته: أبو عبد الرحمن، واسمه أحمد بن محمد، فخالف فى كنيته، والصحيح المعروف الأول، فاحفظ ما حققته لك فى نسبه وكنيته.
روى عن أبيه، وأبى الوليد بن أبى النجار. وروى عنه الإمام أبو يحيى الساجى، وذكر أبو الحسين الرازى أنه واسع العلم، وكان جليلاً فاضلاً، قيل: لم(2/296)
يكن فى آل شافع بعد الإمام الشافعى أجلّ منه، وقد ذكرت حاله فى كتاب طبقات الفقهاء مستوفًا، ولله الحمد.
قلت: وانفرد ابن بنت الشافعى هذا بمسائل غريبة، منها قوله: إن المبيت بالمزدلفة ركن فى الحج، وقد وافقه عليه ابن خزيمة من أصحابنا. ومنها قوله: إن الذهاب من الصفا إلى المروة والرجوع يحسب مرة واحدة، والمعروف فى المذهب أنهما مرتان، وقد وافقه أبو حفص بن الوكيل، وأبو بكر الصيرفى.
ومنها فى ذات التلفيق: إذا جاوزوهما ستة عشر يومًا، وقد وافقه فى هذا الخضرى وغيره، وقد أوضحتها كلها فى الروضة. ومنها قوله: إن المعتدة بالشهور إذا انكسر منها شهر انكسرت كلها، وقد ذكره فى المهذب. ومنها أنه لم يعتبر النصاب فى قطع السارق. ومنها أنه قال: المرتضع من لبن رجل لا يصير ابنه، وهو غلط، والصواب الذى عليه العلماء أنه يصير للأحاديث الصحيحة. وقد ذكرت مذهبه فى الروضة.
990 - ابن البيلمانى: فى المختصر فى أول الخراج.
991 - ابن جريج:
تكرر فى المختصر، وهو مذكور فى المهذب والوسيط فى حديث القلتين، وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، بجيم مكررة الأولى مضمومة، القريشى الأموى، مولاهم المكى، أبو الوليد، ويقال: أبو خالد. وهو من تابعى التابعين.
سمع طاووسًا، وعطاء بن أبى رباح، ومجاهدًا، وابن مليكة، ونافعًا مولى ابن عمر، ويحيى بن سعيد الأنصارى، والزهرى، وخلائق من التابعين. روى عنه الأنصارى، وهو وشيخه تابعى، والأوزاعى، والثورى، وابن عيينة، والليث، وابن علية، ويحيى القطان الأموى، ووكيع، وخلائق لا يحصون.
قال أحمد بن حنبل: أول مَن صَنَّف الكُتب ابن جريج، وابن أبى عروبة. وقال عطاء ابن أبى رباح: سيد أهل الحجاز ابن جريج. وقال عبد الرزاق: كنت إذا رأيت ابن جريج يصلى علمت أنه يخشى الله عز وجل. وأقوال العلماء من السلف والخلف فى الثناء عليه وذكر مناقبه أكثر من أن تُحصر، وتوفى سنة خمسين ومائة، هذا قول الأكثرين، وقيل: سنة إحدى وخمسين، وقيل: تسع وأربعين، وقيل: سنة ستين، وقد جاوز المائة.
واعلم أن ابن جريج(2/297)
أحد شيوخنا وأئمتنا فى سلسلة الفقه كما سبق فى أول الكتاب، فإن الشافعى أخذ الفقه عن مسلم بن خالد الزنجى، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس.
992 - ابن جميل الصحابى: فى المهذب فى أول الوقف.
000 - ابن الحداد أبو بكر: سبق فى الكنى.
993 - ابن الحضرمى الصحابى: فى المختصر فى أول جامع السير.
994 - ابن خطل الكافر:
أمر النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم فتح مكة بقتله، مذكور فى باب السير من المهذب. اسمه عبد العزى، وقيل: اسمه غالب بن عبد الله بن عبد مناف بن أسعد بن جابر بن كثير بن تيم ابن غالب، كذا سماه ابن الكلبى، وسماه محمد بن إسحاق عبد الله بن خطل، بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة، قيل: قتله سعيد بن حريث، والسبب فى قتله أن كان أسلم ثم ارتد، وكانت له قينتان يغنيان بهجاء المسلمين.
995 - ابن خلف: مذكور فى المختصر فى أول التفليس.
000 - ابن الديلمى: مذكور فى المختصر فى نكاح المشرك. هو فيروز، وقد بيناه فى ترجمته.
996 - ابن سعيد بن العاص: الذى زوج أم حبيبة للنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مذكور فى نكاح المختصر.
997 - ابنا سعية: مذكوران فى كتاب السير من المختصر والمهذب، بفتح السين، وإسكان العين المهملتين، وبعدهما ياء مثناة من تحت، هذا هو الصواب، وقد حكى جماعة ممن صَنَّف فى ألفاظ المهذب أنه يقال بالشين المعجمة، وأنه يقال بالنون بدل الياء، وكله تصحيف، والمعروف فى كتب أهل هذا الفن ما ذكرناه أولاً، وما ذكره هذا القائل إنما أخذه، والله أعلم، من بعض كُتب الفقه المضبوطة ضبطًا فاسدًا.
وأما هذان الابنان، فاسم أحدهما ثعلبة، والآخر أسيد، بفتح الهمزة وكسر السين، وقيل: بضم الهمزة وفتح السين، وقيل: أسد، بفتح الهمزة والسين بغير ياء، هذه ثلاثة أقوال ذكرها(2/298)
أهل هذا الفن، وقد حققت هذا فى كتاب معرفة الصحابى، رضى الله عنهم. وتوفى هذان الابنان، رضى الله عنهما، فى حياة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
998 - ابن شعوب:
الذى قتل حنظلة ابن الراهب، رضى الله عنه، مذكور فى كتاب السير فى المختصر والمهذب، هو بفتح الشين، وضم العين المهملة، وبالباء الموحدة. قال الواقدى: هو الأسود بن شعوب الليثى. وقال ابن سعد: هو شداد بن أوس بن شعوب الليثى. وقال غيرهما: شداد بن شعوب الليثى المعروف بابن شعوب، وقيل: شداد بن الأسود.
000 - ابن شهاب: مذكور فى المهذب فى إحياء الموات، هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهرى، سبق فى ترجمة محمد، وفى الأنساب.
999 - ابن الصباغ:
صاحب الشامل، تكرر ذكره فى الروضة، هو الإمام أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن جعفر، هكذا روينا نسبه فى مشيخة أبى اليمن الكندى سماعًا من صاحبه شيخنا أبى البقاء خالد بن يوسف النابلسى حافظ عصره وإمامهم فى معرفة أسماء الرجال.
1000 - ابن صياد:
الذى يقال له: الدجال، اسمه عبد الله، ولقبه صاف، وقد ذكره الحافظ عبد الغنى المقدسى فى ترجمة ابنه عمارة بن عبد الله بن صياد، وعمارة هذا ثقة. واتفقوا على توثيقه. روى عنه مالك فى الموطأ فى كتاب الأضحية حديث أبى أيوب الأنصارى: “الشاة تكفى عن أهل البيت فى الأضحية”، يُتَمَّم من الإكمال للمقدسى.
قال ابن الأثير فى نهاية الغريب فى حرف صيد: وقيل: إنه دخيل فيهم، يعنى اليهود، واسمه صاف، وكان عنده كهانة. قال: ومات بالمدينة فى الأكثر، وقيل: فُقد يوم الحرة فلم يُوجد، وكانت الحرة فى زمن يزيد سنة ثلاث وستين.
000 - ابن عبد الله بن أُبىّ بن سلول: هو عبد الله بن عبد الله، وهو صحابى صالح ابن رأس المنافقين.
1001 - ابن عبد الحكم:
المذكور فى باب الأذان من المهذب. هو أبو محمد(2/299)
عبد الله بن عبد الحكم بن أعين المصرى الراوى عن الشافعى أن لمس فرج البهيمة ينقض الوضوء، هكذا ذكره الشيخ أبو حامد فى تعليقه أن راوى هذه المسألة عن الشافعى هو عبد الله بن عبد الحكم، وإنما ذكرت هذا لئلا يتوهم أنه ابنه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم صاحب الشافعى، وكلاهما روى عن الشافعى، لكن هذه المسألة عن عبد الله، وكان عبد الله مالكيًا، رئيسًا، جليلاً، له إحسان كثير إلى الشافعى.
1002 - ابن عتبة بن ربيعة الصحابى: فى المختصر فى أول الباب الثانى من السير.
1003 - ابن عقيل: الحنبلى المتأخر. مذكور فى الروضة فى أوائل باب تعليق الطلاق.
0000 - ابنا عمر بن الخطاب: المذكوران فى أول القراض من المختصر، هما عبد الله، وعبيد الله.
1004 - ابن قسيط:
مذكور فى آخر باب المهذب، هو بضم القاف، وفتح السين المهملة، وبعدها ياء مثناة من تحت ساكنة، ثم طاء مهملة، واسمه يزيد بن عبد الله بن قسيط بن أسامة بن عمير الليثى المدنى، يكنى أبا عبد الله.
سمع عبد الله بن عمر، وأبا هريرة، وأبا رافع، وسعيد بن المسيب، وأبا سلمة بن عبد الرحمن، وعروة بن الزبير، وعطاء بن يسار، وغيرهم. روى عنه مالك بن أنس، وابن أبى ذؤيب، ومحمد بن عجلان، والليث بن سعد، وغيرهم.
قال محمد بن سعد: توفى سنة اثنتين وعشرين ومائة بالمدينة، وكان ثقة كثير الحديث، وحكاية صاحب المهذب عنه أن بلالاً كان يسلم على أبى بكر وعمر، رضى الله عنهما، يعنى عند استدعائه لهما إلى الصلاة، كما كان يسلم على النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعيد، فإن بلالاً لم يؤذن بعد النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لا لأبى بكر، ولا لعمر، ولا لغيرهما، وقيل: إنه أذن لأبى بكر فى خلافته، والله أعلم.
1005 - ابن كثير: أحد القراء السبعة فى الروضة فى الاستئجار للقراءة.
1006 - ابن كيسان:
الذى ذكره فى أول كتاب الإجارة من الوسيط عنه أنه(2/300)
أبطل الإجارة، اسمه عبد الرحمن الأصم، ذكره الرافعى، وكنيته أبو بكر، وقوله فى الوسيط: لا مبالاة بالقاشانى وابن كيسان، معناه: لا يُعتد بهما فى الإجماع، ولا يجرحه خلافهما، وهذا موافق لقول ابن الباقلانى، وإمام الحرمين، فإنهما قالا: لا يُعتد بالأصم فى الإجماع والخلاف.
1007 - ابن اللتبية:
مذكور فى المهذب فى تحريم الرشوة على القاضى، اسمه عبد الله، واللتبية بضم اللام، وإسكان التاء المثناة من فوق، وبعدها باء موحدة، منسوب إلى بنى لتب بطن من الأسد، بفتح الهمزة، وإسكان السين، ويقال فيه: ابن اللتبية، بفتح التاء، ويقال فيه: ابن الاتبية، بالهمزة وإسكان التاء، وليسا بصحيحين، والصواب ما قدمته.
ثم أن صاحب المهذب قال: إن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استعمل رجلاً من بنى أسد يقال له: ابن اللتبية، كذا وقع فى المهذب، من بنى أسد، وهو غلط، والصواب رجلاً من الأسد، بفتح الهمزة، وإسكان السين، ويقال فيه: الأزد، بالزاى بدل السين، وسيأتى أيضًا بيان تصحيفه فى نوع الأوهام إن شاء الله تعالى.
1008 - ابن لهيعة:
ذكره فى المهذب فى أول كتاب الحج، اسمه عبد الله بن لهيعة بن عقبة الغافقى المصرى، أبو عبد الرحمن، قاضى مصر، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ذكره فى المهذب أنه انفرد بحديث جابر، رضى الله تعالى عنه: أن العمرة ليست بواجبة. والمشهور الصحيح أن الذى انفرد به إنما هو الحجاج بن أرطأة، وسيأتى إن شاء الله تعالى مبينًا فى النوع الأخير من الأوهام، ولهيعة بفتح اللام وكسر الهاء. ولد ابن لهيعة سنة سبع وتسعين للهجرة، ومات سنة أربع وسبعين ومائة.
1009 - ابن ماجة صاحب السنن، فى الروضة فى آخر الاستسقاء.
1010 - ابن مربع الصحابى:
هو عبد الله بن مربع بن قبطى بن عمرو بن زيد بن جثم بن خارجة بن الحارث الأنصارى الحارثى، شهد أُحُدًا والخندق وما بعدهما من المشاهد معه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واستشهد هو وأخوه عبد الرحمن يوم جسد أبى عبيد، وكان أبوهما مربع منافقًا أعمى، ولهما أخوان لأبويهما: زيد، ومرارة،(2/301)
صحابيان.
1011 - ابن المرزبان:
من أصحابنا، تكرر فى الروضة والمهذب، وذكره فى آخر إزالة النجاسة فى ميراث العصبة فى إرث الحمل.
1012 - ابن مقلاص:
من أصحابنا تلامذة الشافعى، رحمه الله، تكرر فى شرح الوجيز، وله روايات غريبة عن الشافعى، منها فى باب الربا، وفى مسألة معرفة أرش العيب أن المعتبر قيمته يوم القبض، والمشهور من نصه، وفى المهذب أن المعتبر أقل القيمتين من يومى القبض والبيع. ومنها أنه نقل قولاً غريبًا عن الشافعى أنه إذا رأى المبيع ثم غاب عنه وهو مما لا يتغير كالدار والأرض لا يصح بيعه كما قاله الأنماطى، وذكرته فى المجموع.
وذكر البيهقى فى السنن الكبير فى مسح الأذنين بماء جديد أن اسم ابن مقلاص: عبد العزيز بن عمران بن أيوب بن مقلاص، وكذا ذكر الشيخ أبو إسحاق فى الطبقات، وذكر أن له روايات عن الشافعى فى مسائل فقه سمعها من الشافعى. قلت: وهو مصرى خزاعى مولاهم.
1013 - ابن ملجم: قاتل على، رضى الله تعالى عنه، مذكور فى قتال أهل البغى من المختصر، والمهذب، والوسيط، والوجيز، اسمه عبد الرحمن، وملجم بضم الميم، وإسكان اللام، وفتح الجيم، وهو من الخوارج، وهو من بنى مراد.
1014 - ابن الهاد: مذكور فى المختصر فى أول الاعتكاف، وهو شيخ مالك، واسمه يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثى، منسوب إلى أبيه.
1015 - ابن هشام: مذكور فى المختصر فى باب النهى عن بيع وسلف، وهو عبد الملك بن هشام المصرى، صاحب النحو والمغازى، وكان علامة مصر فى العربية والشعر والمغازى، وقد ذكرناه فى ترجمة الشافعى فى المثنين على الشافعى.
1016 - قوله فى باب الهدنة من المهذب: فجاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط مسلمة، فجاء أخواها يطلبانها. هذان الأخوان أحدهما عمارة، والآخر الوليد ابنا عقبة، كذلك ذكرهما ابن هشام فى سيرة النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وذكرهما غيره أيضًا.(2/302)
1017 - أخوا عائشة، رضى الله تعالى عنهم:
ذكر فى المهذب فى باب الهبة أن أبا بكر الصديق قال لعائشة، رضى الله تعالى عنهما: المال اليوم للوارث، وإنما هما أخواك وأختاك، قالت: هذان أخواى، فمن أختاى؟ قال: ذو بطن بنت خارجة، فإنى أظنها جارية.
معنى هذا الكلام إنما يرثنى أنت وأخواك وأختاك، فأما أخواها فهما: عبد الرحمن ومحمد ابنا أبى بكر، وأما أختاها فأسماء، وأم كلثوم ابنتا أبى بكر، وأم كلثوم هى التى كانت حملاً فى وقت كلام أبى بكر، فقالت عائشة: من أختاى؟ تعنى إنما لى أخت واحدة وهى أسماء، فمن الأخرى؟ فقال: هى ذو بطن بنت خارجة، يعنى الحمل الذى فى بطن بنت خارجة، فإنى أظن الحمل بنتًا لا ابنًا، وبنت خارجة هى زوجة أبى بكر، وكانت حاملاً حال كلام أبى بكر.
وقوله: بطن، مجرور غير منون، وهو مضاف إلى بنت، وبنت مجرور بالإضافة، وبنت خارجة اسمها حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبى هريرة الأنصارى، وهذه القصة من كرامات أبى بكر، رضى الله تعالى عنه.
0000 - قوله فى أول صلاة الاستسقاء من المهذب عن عباد بن تميم، عن عمه: عبد الله بن زيد بن عاصم الصحابى المزنى، سبق فى ترجمته.
1018 - عم بنتى سعد بن الربيع الصحابى: فى المهذب فى ميراث البنين.
1019 - عم رافع بن جريج: فى المهذب فى المزارعة، هو ظهير بن رافع.
0000 - عم عباد بن تميم: فى أول الاستسقاء من المهذب، هو عبد الله بن زيد بن عاصم، تقدم بيانه فى ترجمته من نوع الأسماء.
1020 - مولى المغيرة بن شعبة: مذكور فى المهذب فى أول قسم الصدقات، هو هند الثقفى، كذا رواه البيهقى، سمى فى حديث المهذب.
* * *
النوع الخامس: فلان، عن أبيه، عن جده
منهم:
1021 - بهز بن حكيم بن معاوية: فى الزكاة منه، يعنى من المهذب.
1022 - طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جده:
فى صفة الوضوء، وجد طلحة: كعب بن عمرو، وقيل: عمرو بن كعب، هكذا قاله الجمهور. وقال ابن عبد البر: وقيل: صخر بن عمرو.
1023 -(2/303)
عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: تكرر كثيرًا فى المهذب.
1024 - كثير بن عبد الله، عن أبيه، عن جده: فى المهذب فى صلاة العيد.
1025 - أبو الأسود المالكى، عن أبيه، عن جده: فى المهذب فى الأقضية فى فصل يكره للقاضى أن يبيع ويشترى بنفسه.
1026 - أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده: تكرر فى العيدين، وفى الجنايات والديات.
* * *
النوع السادس: ما قيل فيه: زوج فلانة
0000 - زوج بريرة: اسمه مغيث، بضم الميم، وكسر الغين المعجمة، سبق بيانه فى الأسماء.
1027 - زوج بروع بنت واشق: اسمه هلال بن مرة الأشجعى، وقيل: هلال بن مروان، ذكره ابن مندة، وأبو نعيم.
1028 - زوج سبيعة الأسلمية: اسمه سعد بن خولة، الذى رثى له النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن مات بمكة، وكان بدريًا، رضى الله عنه، توفى عنها فى حجة الوداع، فوضعت بعد وفاته بليال، اختلف فى عددها، وقد سبق بيانها، وسعد هذا قريشى عامرى.
1029 - زوج الفريعة بنت مالك: مذكور فى مقام المعتدة.
* * *
النوع السابع: المبهمات والمشتبهات ونحوها
1030 - قولهما فى باب الغسل فى المختصر المزنى، والمهذب: أن امرأة أتت إلى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسأله عن الغسل من دم الحيض، فقال: "خذى فرصة من مسك"، هذه المرأة أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية، خطيبة النساء، كذا جاء اسمها مبينًا، وكذا قاله الخطيب أبو بكر البغدادى فى كتابه الأسماء المبهمة.
وجاء فى رواية فى صحيح مسلم تسميتها أسماء بنت شكل، بفتح الشين المعجمة والكاف، وقيل:(2/304)
يجوز إسكان الكاف، حكاه صاحب المطالع.
1031 - قوله فى باب ما يجوز بيعه، وفى باب التدبير من المهذب: أن رجلاً دبر غلامًا له، فباعه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اسم الغلام: يعقوب القبطى، وأما السيد الذى دبره فيقال له: أبو بكر.
1032 - الشاعر الذى أنشد له فى باب المسابقة فى المهذب:
إن المذرع لا تغنى خؤولته
اسمه عرهم بن قيس العدوى.
1033 - الشاعر الذى أنشد له فى المهذب فى باب ميراث أهل الفرض يمدح بنى أمية:
ورثتم قناة المجد لا عن كلالة ...
هو الفرزدق، وقد تقدم بيان نسبه فى الألقاب.
1034 - قوله فى باب ما يلحق من النسب فى المهذب: جاء رجل من بنى فزارة إلى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: امرأتى جاءت بولد أسود. قيل: اسم هذا الرجل ضمضم بن قتادة، بضادين معجمتين مفتوحتين بينهما ميم ساكنة.
1035 - قوله فى أول الرضاع من المهذب، روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أريد على بنت حمزة بن عبد المطلب، رضى الله عنه وعنهما، الذى أراده على ذلك، وخطبه وطلب منه التزويج بها هو: على بن أبى طالب، رضى الله عنه.
1036 - قوله فى المهذب فى أول كتاب الديات: أن عمر، رضى الله عنه، استشار أصحاب النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورضى الله عنهم، فى جنين المرأة، فقال بعضهم: أنت والٍ ومؤدب، ليس عليك شىء. هذا القائل هو عبد الرحمن بن عوف.
1037 - الرجل الذى ذكره فى أول باب الهبة من المهذب أنه عقر حمارًا، فقال: يا رسول الله، أنا أصبته ... الحديث، هذا الرجل اسمه زيد بن كعب، وقيل: عمرو بن الحكم.
1038 - الرجل الذى قال: يا رسول الله، لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فتكلم جلدتموه ... الحديث، ذكره فى اللعان من المهذب، قيل: هو سعد بن عبادة، وقيل: عاصم بن عدى.
واختلفوا فى الذى وجد مع امرأته رجلاً وتلاعنا على ثلاثة أقوال، أحدها: أنه هلال بن أمية، والثانى: عاصم بن عدى، والثالث: عويمر العجلانى. قال(2/305)
الإمام أبو الحسن الواحدى: أظهر هذه الأقوال أنه عويمر؛ لكثرة الأحاديث. قال: واتفقوا على أن الموجود زانيًا شريك بن السحماء.
1039 - قوله فى آخر باب ما يلحق من النسب من المهذب؛ لأن سعدًا نازع عبد ابن زمعة فى ابن وليدة زمعة، اسم هذا الابن عبد الرحمن بن زمعة، ففى الأحكام لعبد الحق، قال: اسمه عبد الرحمن، وأمه امرأة يمانية. قال: وله عقب بالمدينة.
1040 - قوله فى آخر باب العدد من المهذب: أن رجلاً استهوته الجن، هذا الرجل هو تميم الدارى الصحابى، رضى الله عنه، وهو تميم بن أوس بن خارجة، يكنى أبا رقية، بضم الراء، وفتح القاف، وتشديد الياء، أسلم سنة سبع من الهجرة، وكان بالمدينة، ثم انتقل إلى الشام فأقام ببيت المقدس بعد قتل عثمان، رضى الله عنه.
روى عنه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قصة الجساسة المخرجة فى صحيح مسلم، وهذه منقبة شريقة له. روى عنه جماعات من الصحابى، منهم ابن عباس، وأنس، وأبو هريرة، رضى الله عنهم، والله أعلم.
1041 - قوله فى آخر باب الردة من المهذب: سحر النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كان هذا الساحر الذى سحر النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لبيد بن أعصم اليهودى.
1042 - السائل الذى سأل عطاء عن الدعاء للسلطان، فقال: إنه محدث، وإنما كانت الخطبة تذكيرًا ذكره فى صلاة الجمعة من المهذب. هو عبد الملك بن جريج، وعطاء هو ابن أبى رباح. قال الشافعى، رضى الله عنه، فى الأم: أخبرنا عبد المجيد، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: الذى أرى الناس يدعون به فى الخطبة يومئذ أبلغك عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو عن مَن بعد النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: لا، إنما أحدث إنما كانت الخطبة تذكيرًا هذا نصه. وعبد المجيد هذا شيخ الشافعى، هو ابن عبد العزيز بن أبى رواد المكى، أصله مروزى، واسم أبى رواد ميمون.
قال يحيى بن معين: هو ثقة، كان يروى عن قوم ضعفاء، وكان أعلم الناس بحديث ابن جريج، وكان يغلو فى الإرجاء. وقال الرازى: لا يُحتج به. وقال أحمد بن حنبل: هو ثقة، وكان فيه غلو فى الإرجاء. قال أبو حاتم الرازى: ليس هو بالقوى. وقال ابن عدى: عامة ما أنكر عليه الإرجاء. روى له مسلم بن(2/306)
الحجاج مقرونًا بغيره، غير محتج به. روى له أبو داود، والترمذى، والنسائى.
1043 - الشاعر الذى أنشد:
بغاث الطير أكثرها فراخًا
مذكور فى باب الحجر من المهذب، اسمه العباس بن مرداس.
1044 - قوله فى باب السير من المهذب: قال رجل: غلبت هوازن، وقتل محمد، قيل: هذا القائل هو الشيطان، تصور فى صورة آدمى، وقيل: إنه آدمى.
1045 - الرجل الذى قال له عمر بن الخطاب، رضى الله عنه: من مؤذنوكم؟ قال: موالينا أو عبيدنا، فقال: إن ذلك لنقص كبير، ذكره فى باب الأذان من المهذب، اسم هذا الرجل قيس بن أبى حازم، كذلك رويناه مصرحًا به فى كتاب السنن الكبرى للإمام أبى بكر البيهقى، رضى الله عنه، وقيس هذا هو ابن أبى حازم، واسم أبى حازم عبد عوف بن الحارث، وقيل: عوف بن عبد الحارث الأحمسى البجلى، بالباء الموحدة وبالجيم المفتوحتين.
وقيس كوفى يكنى أبا عبد الله، وهو من أفضل التابعين، رضى الله عنهم، أبوه صحابى، وقيس من المخضرمين بالخاء والضاد المعجمتين وفتح الراء، وهم الذين أدركوا الجاهلية، وحياة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأسلموا ولا صحبة لهم، هكذا قاله جماعة.
وقال ابن قتيبة فى كتابه المعارف: إنما يكون مخضرمًا إذا أدرك الإسلام كثيرًا، فلم يسلم إلا بعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال غيره: كأنه تخضرم، أى قطع عن نظرائه الذين أدركوا الصحابة، وقيس هذا أدرك الجاهلية، وجاء ليبايع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقبض النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو فى الطريق.
قال الحافظ عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: ليس أحد فى التابعين روى عن العشرة أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا قيس بن أبى حازم. وقال أبو داود السجستانى: روى عن التسعة، ولم يرو عن عبد الرحمن بن عوف، مات قيس سنة أربع وثمانين، وقيل: سنة سبع وثمانين، وقيل غير ذلك، رضى الله عنه، والله أعلم.
1046 - قوله فى المختصر والوسيط فى باب الربا، ومعتمد الباب ما روى الشافعى بإسناده عن مسلم بن يسار، ورجل آخر عن عبادة بن الصامت، رضى الله تعالى عنهما، فهذا فيه إبهام من وجهين: أحدهما اسم رواة إسناد الشافعى، والآخر(2/307)
اسم الرجل الراوى مع مسلم بن يسار عن عبادة.
أما إسناد الشافعى فقد رواه الإمام البيهقى فى كتابه معرفة السنن والآثار: عن الربيع، قال: حدثنا الشافعى، حدثنا عبد الوهاب الثقفى، عن أيوب بن أبى تميمة، عن محمد بن سيرين، عن مسلم بن يسار، ورجل آخر، عن عبادة بن الصامت، رضى الله عنه. وهذا الإسناد ذكره الشافعى فى مختصر المزنى.
قال البيهقى، رحمه الله: الرجل الآخر هو عبد الله بن عبيد الله. قال سلمة بن علقمة، عن محمد بن سيرين، رضى الله عنهما. قال البيهقى: وزعموا أن مسلم بن يسار لم يسمعه من عبادة نفسه، إنما سمعه من أبى الأشعث الصنعانى، عن عبادة، كذلك ذكره قتادة، عن أبى الجليل، عن مسلم المكى، عن أبى الأشعث، عن عبادة. قال: والحديث من هذا الوجه مخرج فى كتاب مسلم.
قلت: أيوب بن أبى تميمة، بتاء مثناة من تحت، وهو أيوب السختيانى، بفتح السين، إمام مشهور، تابعى جليل، بصرى، وأبوه أبو تميمة اسمه كيسان، وكنية أيوب أبو بكر. مات سنة إحدى وثلاثين ومائة، هذا قول الأكثرين.
وقال أبو عمر بن عبد البر فى كتابه التمهيد: توفى أيوب، رحمه الله، سنة اثنتين وثلاثين ومائة بطريق مكة راجعًا إلى البصرة فى طاعون الجارف، لا أعلم فى ذلك خلافًا.
1047 - قوله فى أول كتاب الطلاق من المهذب، لما روى الشافعى، رحمه الله، أن مكاتبًا لأم سلمة طلق امرأته، اسن هذا المكاتب نبهان، بفتح النون وإسكان الباء الموحدة، كنيته أبو يحيى.
1048 - قوله فى زكاة الفطر من المهذب، وأما حديث أبى سعيد، فقد قال أبو داود: روى سفيان الدقيق، ووهم فيه، ثم رجع عنه. المراد بأبى داود صاحب السنن، هو أبو داود سليمان بن الأشعث السجستانى، وقد تقدم فى ترجمته فى الكنى، وأما سفيان فهو ابن عيينة، وقد غلط بعض الفضلاء المصنفين فى ألفاظ المهذب غلطًا فاحشًا، فقال: أراد سفيان الثورى، وهذا خطأ لا شك فيه.
1049 - قولهما فى باب الجعالة فى حديث أبى سعيد الخدرى، رضى الله عنه، أن ناسًا من أصحاب النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتوا حيًا من أحياء العرب، فلدغ سيد الحى، فرقاه رجل من أصحابه، وهذا الرجل هو أبو سعيد، راوى الحديث، وحديثه مخرج فى الصحيح،(2/308)
واسم أبى سعيد سعد بن مالك كما تقدم.
1050 - قوله فى أول كتاب الصلاة من المهذب، جاء رجل من أهل نجد ثائر الرأس يسأل عن الإسلام. ذكر ابن باطيش أن اسمه ضمام بن ثعلبة، وفيما قاله نظر، ووفادة ضمام وحديثه معروف فى الصحيحين بغير هذا اللفظ، وإن كان يقاربه. وفى الحديث الآخر أن رجلاً انصرف من الصلاة خلف معاذ لما أطال القراءة.
قال الخطيب: هذا الرجل حرام يعنى بالراء ابن ملحان، خال أنس بن مالك. قال: واسم ملحان مالك بن خالد بن دينار بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدى بن النجاد، هذا الذى قاله الخطيب، قاله جماعات غيره، وفى سنن أبى داود تسمية هذا المنصرف حرم بن أُبىّ بن كعب، وكذا سماه البخارى فى تاريخه الكبير، وزاد قولاً آخر، فروى أن اسمه سليم، بضم السين، وكذا حكى هذا القول غير البخارى، وقيل: اسمه حازم.
1051 - حديث أنس: صففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا. هذا اليتيم اسمه ضمرة والعجوز أم سليم أم أنس بن مالك، رضى الله عنهما. كذا فى صحيح البخارى وغيره تسميتها، وهذا هو الصواب، وجاء فى الصحيحين فى رواية عن أبى إسحاق بن عبد الله، عن أنس، عن جدته مليكة أنها صنعت طعامًا لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقام وقمت أنا واليتيم والعجوز.
فاختلف فى الضمير فى جدته إلى مَن يعود، فقيل: إلى أنس فتكون جدة أنس، وقيل إلى إسحاق وابن أخى أنس لأمه، فتكون جدة لإسحاق أمًا لأنس، والاعتماد على ما قدمناه من رواية البخارى، وأنها أم سليم أم أنس، ذكره فى باب صلاة النساء خلف الرجل قبل كتاب الجمعة ببابين.
1052 - قوله فى فصل السلب من كتاب السير من المهذب؛ لأن ابن مسعود قتل أبا جهل، وكان قد أثخته غلامان من الأنصار، هذان الغلامان هما ابنا عفراء، وهما عوذ ومعوذ، الأول بفتح المهملة وإسكان الواو وبعدها ذال معجمة. قال ابن عبد البر وغيره فى عوذ: عوف، بالفاء بدل الذال.(2/309)
1053 - الشاعر الذى أنشد له فى باب الحجر من المهذب:
بغاث الطير أكثرها فراخا
هو العباس بن مرداس السلمى الصحابى، كذا ذكره الجوهرى وغيره. وقيل: اسمه معاوية بن مالك، حكى هذا عن ابن الكلبى، وابن حبيب، وقيل: اسمه عتيبة وكنيته أبو مرداس.
1054 - قوله فى باب القذف من المهذب: قال الشاعر:
وارق إلى الخيرات زنئأ فى الجبل
هذا الشاعر امرأة من العرب كانت ترقص ابنًا لها، وهى تقول هذا الكلام، وهو نصف بيت من بيتين سأذكرهما فى فصل زنأ من قسم اللغات، هكذا قال ابن السكيت فى إصلاح المنطق، والأزهرى، والجوهرى، وغيرهم أن هذا الشعر لامرأة من العرب. وقال الإمام أبو زكريا التبريزى: بل هو لقيس بن عاصم المنقرى، وسيأتى بيانه فى فصل زنأ.
1055 - وفى أول الجنائز من المهذب أن امرأة سألت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يدعو لها بالشفاء، فقال: "إن شئت دعوت لك ... " الحديث، هذه المرأة هى أم زفر، كذا قاله ابن باطيش.
1056 - الرجل الذى قال لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أمه توفيت، أفينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: نعم، ذكره فى آخر كتاب الوصايا من المهذب. قال ابن باطيش وغيره: هذا الرجل سعد بن عبادة، وأمه عمرة بنت مسعود.
1057 - الرجل الذى قتل مرحبًا اليهودى، مذكور فى المختصر فى باب الأنفال، هو على بن أبى طالب، وقيل: محمد بن مسلمة، وقد أوضحته فى ترجمة مرحب.
1058 - الرجل الذى قال: يا رسول الله، جاءت امرأتى بولد أسود، فقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “هل لك ابن أبل؟ ”، قال: نعم. اسم هذا الرجل ضمضم بن قتادة، رواه أبو موسى الأصبهانى بإسناده وضعفه. وقال: إسناد عجيب، وزاد فيه: فجاء عجائز من بنى عجل فأخبرت أنه كان للمرأة جدة سوداء. ذكره ابن الأثير فى حرف الضاد.
1059 - الرجل الذى قتل محمد بن طلحة السجاد، رضى الله عنهما، اسمه عصام البصرى، وقيل: كعب بن مدلج من بنى منقذ بن طريف، وقيل: شريح بن أبى أوفى العنسى، حكاها ابن باطيش.
1060 - الرجل الذى جاء إلى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا رسول الله، إنى وجدت امرأة بالبستان فأصبت منها كل شىء، غير أنى لم أنكحها. مذكور فى أواخر حد الزنا من المهذب. قال الخطيب: هذا الرجل الذى أصاب المرأة هو أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصارى، وقال غيره: عمرو بن غزية الأنصارى.
1061 - الحجام الذى حجم النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى أول أجارة المهذب، هو أبو طيبة.
1062 - قول أم هانىء، رضى الله عنها: أجرت رجلاً. مذكور فى كتاب السير من المهذب، جاء فى الصحيح: فلان ابن هبيرة، وجاء فى الأنساب للزبير بن بكار: الحارث ابن هشام. وقال الحافظ عبد الغنى المقدسى فى ترجمة عبد الله بن أبى ربيعة: قال بعض أهل العلم عبد الله بن أبى ربيعة، هو الذى استجار بأم هانىء، فأراد على قتله ومعه الحارث بن هشام.
قلت: كلاهما صحيح، قد روى الأزرقى فى تاريخ مكة بإسناده عن أم هانىء، قالت: يا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أجرت حمرين لى من المشركين، فتغلب علىّ عليهما ليقتلهما. قال: وكان الذى أجارت أم هانىء: عبد الله بن أبى ربيعة بن المغيرة، والحارث بن هشام بن المغيرة، كلاهما من بنى مخزوم.
1063 - الرجل الذى سمعه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: لبيك عن شبرمة. مذكور فى كتاب الحج. قال الخطيب: لا أحفظ اسم الملبى. وذكر ابن باطيش(2/310)
أنه قيل أن اسمه: نبيشة.
1064 - الرجل الذى قال: يا رسول الله، إنى نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلى فى بيت المقدس ذكره فى باب النذر من المهذب. قال الخطيب: هذا الرجل هو الرشيد بن سويد الثقفى.
1065 - اليهودى الذى رهن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - درعه عنده، مذكور فى أول الرهن من المهذب، هو أبو الشحم.
1066 - قوله فى حديث ابن مسعود، رضى الله عنه: كان لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حاديان. ذكره فى المهذب فى كتاب الشهادات، الحاديان أحدهما: أنجشة حادى النساء،(2/311)
والآخر البراء بن مالك أخو أنس بن مالك، وهو حادى الرجال.
1067 - حديث القراض أن عبد الله وعبيد الله ابنى عمر بن الخطاب، رضى الله عنهما، مرا بعامل لعمر فأعطاهما مالاً، فقال رجل من جلساء عمر: لو جعلته قراضًا. العامل: أبو موسى الأشعرى، والقائل: لو جعلته قراضًا، عبد الرحمن بن عوف.
1068 - حديث رافع بن خديج عن بعض عمومته فى النهى عن المخابرة، هو ظهير بن رافع، بضم الظاء المعجمة.
1069 - الأنصارى الذى نازع الزبير فى شراج الحرة. قال ابن باطيش: هو حاطب ابن أبى بلتعة، وقيل: ثعلبة بن حاطب، وقيل: حمد، وقوله فى حاطب لا يصح، فإنه ليس أنصاريًا، وقد ثبت فى صحيح البخارى أن هذا الأنصارى القائل كان بدريًا.
1070 - الرجل الذى سأل النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الوضوء بماء البحر مذكور فى [......] (1) ، اسمه العركى، بفتح العين والراء وبعدهما كاف ثم ياء، قاله السمعانى فى الأنساب.
1071 - قوله فى المختصر فى باب بيع الطعام قبل أن يستوفى، روى عن عمر أو ابن عمر أنهم كانوا يبتاعون الطعام جزافًا، فبعث النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَن يأمرهم بانتقاله. الرواى هو ابن عمر لا عمر، وحديثه صحيح مشهور.
1072 - قول المزنى فى آخر باب زكاة المعدن من مختصره فى اشتراط الحولية فى المعدن: أخبرنى من أثق به بذلك عنه، يعنى عن الشافعى. قال الإمام أبو القاسم الرافعى فى شرح الوجيز: ذكر بعض الشارحين أن أخته روت لهم ذلك عن الشافعى، رضى الله عنه، فلم يحب تسميتها.
1073 - قوله فى الرضاع من المختصر: شهدت سوداء أنها أرضعت رجلاً وامرأة تناكحا. هذا الرجل عقبة بن الحارث، والمرأة أم يحيى بنت أبى أهاب.
1074 - الشاعر الذى أنشد له فى المهذب والوسيط فى باب الوصايا:
كل الأرامل قد قضيت حاجته
هذا الشاعر هو جرير، والمخاطب بقوله: قضيت، هو عمر بن عبد العزيز
_________
(1) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.(2/312)
فى حال خلافته. كذا رويناه فى حلية الأولياء لأبى نعيم فى ترجمة عمر بن عبد العزيز، رضى الله عنه، وهى قصة طويلة وحكاية مليحة.
1075 - الشاعر المذكور فى المهذب فى الكفاءة فى النكاح هو معاوية.
1076 - قوله فى الوسيط فى بيع العرايا فى خمسة أوسق، شك الراوى، هذا الراوى هو داود بن الحصين الأموى المدنى، وقد سبق بيانه فى ترجمة داود.
1077 - قوله فى باب صلاة الجماعة من المهذب: وقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “من يتصدق على هذا فيصلى معه”، فقام رجل فصى معه. هذا الذى قام هو أبو بكر الصديق، رضى الله عنه، ذكره البيهقى، وقد أوضحته فى شرح المهذب.
1078 - الرجل الذى حلق شعر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اختلف فى اسمه، فذكر ابن الأثير فى مختصر الأنساب فى ترجمة الكلبى أن اسمه خراش بن أمية بن ربيعة بن الفضل بن منقذ بن عوف بن عفيف، والكلبى منسوب إلى كليب بن حبيشة، وقيل: الحالق هو معتمر بن عبد الله العدوى، وقد سبق بيانه فى ترجمته، وهذا أصح وأشهر، وفى صحيح البخارى قال: زعموا أنه معمر بن عبد الله.
1079 - قوله فى المهذب فى صفة الصلاة فى القراءة: روى رجل من جهينة القراءة بـ {إِذَا زُلْزِلَتِ} [الزلزلة: 1] ، هذا الرجل اسمه عبد الله.
1080 - القائل باشتراط اللفظ فى نية الصلاة، وبتحريم نظر كل واحد من الزوجين إلى فرج صاحبه، هو أبو عبد الله الزبيرى، حكاهما عنه الماوردى فى ذكر مسألة النظر فى باب ستر العورة.
1081 - الرجل الذى نادى يوم خيبر بتحريم الحُمر الأهلية، هو أبو طلحة، رواه أبو يعلى الموصلى فى مسنده من رواية أنس بن مالك.
1082 - الأعرابى الذى أحرم وعليه جبة وخلوق، ذكره فى المختصر، هو [......] (1) .
1083 - قوله فى أول كتاب الخراج من الوسيط: وقد تعتبر فضيلة العدد والذكورة، وتأبد
_________
(1) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.(2/313)
العصمة عند بعض العلماء، أما فضيلة العدد فالقائل بأنها تعتبر: عبد الله بن الزبير، ومعاذ بن جبل، والزهرى، وابن سيرين، فقالوا: لا يقتل الجماعة بالواحد، ولكن ولى الدم يقتل واحدًا منهم ويأخذ من الباقين حصصهم من الدية. وقال ربيعة وداود: لا قصاص على واحد منهم، بل يجب الدية موزعة على الجميع.
وحكى القاضى حسين، وإمام الحرمين، وغيرهما عن مالك أنه يقتل واحد منهم يختاره الولى، ولا شىء على الباقين. قالوا: وهو قول الشافعى فى القديم. وقال الغزالى فى البسيط: يقرع بينهم عند مالك، فيُقتل من خرجت عليه القرعة. قال: وهو قول الشافعى فى القديم.
وأما فضيلة الذكورة، فالقائل بأنها تعتبر: الحسن البصرى، فقال: إذا قتلت المرأة رجلاً قُتلت به، وأخذ من مالها نصف دية الرجل، وإذا قتلها الرجل قُتل بها، وأخذ من مالها نصف دية لورثة الرجل، وهذا الذى ذهب إليه الحسن البصرى رواية عن عطاء بن أبى رباح، وهى أيضًا رواية شاذة عن على بن أبى طالب، رضى الله عنه. وقد رواه الغزالى فى الوسيط، وشيخه، والقاضى حسين عنه مقتصرين عليهما.
وقال أصحابنا العراقيون: ليست هذه الرواية عنه بصحيحة، بل الصحيح عنه كمذهبنا أن كل واحد منهما يُقتل بالآخر بلا مال، وأما القائل باعتبار فضيلة تأبد العصمة فهو أبو حنيفة، فقال: لا يُقتل الذمى بالمعاهد، وهو احتمال لإمام الحرمين.
1084 - قوله فى باب صفة القضاء من المهذب: أن رجلاً من حضرموت ورجلاً من كندة اختصما فى أرض، أما الكندى فاسمه امرؤ القيس بن عابس، بالباء الموحدة والسين المهملة، وأما الحضرمى فربيعة بن عبدان، بعين مهملة مكسورة، ثم باء موحدة ساكنة، ثم ألف، ثم نون، وقيل: ربيعة بن عيدان، بفتح العين وبالياء المثناة من تحت، وجاء اسمه مبين فى صحيح مسلم وغيره كما ذكرته.
قال الخطيب البغدادى: ليس بالصحابة من اسمه امرؤ القيس غير هذا. وذكر أن أبا نعيم قال فى الحضرمى: ربيعة بن عبدان، بالكسر والموحدة، وأن أبا سعيد بن يونس المصرى قاله بالفتح والمثناة.
1085 - قوله فى أول كتاب الشهادات من المختصر والمهذب: أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -(2/314)
ابتاع فرسًا من أعرابى فجحده. قال الخطيب البغدادى: اسم هذا الأعرابى سواء بن الحارث، وقيل: سواء بن قيس المحاربى.
1086 - قوله فى المهذب فى أول باب الإقرار: أتى رجل من أسلم، فقال: يا رسول الله، إن الآخر زنا. هذا الرجل هو ماعز، رضى الله عنه.
1087 - قوله فى أول كتاب قسم الفىء والغنائم من الوسيط: وقال بعض العلماء: يقسم الخمس ستة أسهم. هذا القائل هو أبو العالية، بالعين المهملة والياء المثناة من تحت، الرياحى، بكسر الراء وبالياء المثناة من تحت، واسمه رفيع، بضم الراء، ابن مهران، بكسر الميم، البصرى التابعى، هذا حكاه أصحابنا عن أبى العالية، وحكاه الإمام أبو إسحاق الثعلبى المفسر عن الربيع بن أنس أيضًا.
1088 - قوله فى المهذب فى قتل الصيد أن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وضع ثوبه فى دار الندوة فوقع عليه طائر فأخذته حية، فحكم عليه من معه بالجزاء الذى حكم عليه عثمان بن عفان، رضى الله عنه، ونافع بن الحارث، كذا بينه الشافعى والبيهقى فى روايتهما، وقد أوضحته فى شرح المهذب.
1089 - قولهما فى صلاة الخوف عن صالح بن خوات، عمن صلى مع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. المصلى معه أبوه خوات، ويحقق من صحيح مسلم وغيره.
1090 - السائل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الوضوء بماء البحر. قال السمعانى: هو العركى، بفتح العين والراء، فأوهم أنه اسمه، وليس هو باسم له، بل العركى ملاح السفينة، وصف له، واسم هذا السائل عبيد، وقيل: عبد. قال أبو موسى الأصبهانى فى كتابه معرفة الصحابة: قال ابن منيع: إن اسمه عبد. وأورده الطبرانى فيمن اسمه عبيد، وذكره أبو نعيم الأصبهانى فى كتابه معرفة الصحابة فيمن اسمه عبيد.
1091 - عبد الله المذكور فى المهذب فى وقت الصلاة، هو ابن مسعود، وهو المذكور فى أول الاستسقاء، وفى فصل كراهة النعى من باب صلاة الميت، وفى ذكر التكبيرة الرابعة منه، وفى الصيام فى مسألة السجود، وفى صفة الحج والتكبير بصلاة الصبح بمزدلفة يوم(2/315)
النحر، وفى أول النكاح، ونكاح التحليل، وآخر الرجعة.
1092 - سعد المذكور فى الوسيط فى الحج فى سلب من اصطاد فى حرم المدينة، هو سعد بن أبى وقاص، سبق ذكره فى ترجمته.
1093 - سفيان المذكور فى المهذب فى آخر زكاة الفطر، هو ابن عيينة.
* * *
النوع الثامن: فى الأوهام وشبهها
1094 - قوله فى المهذب فى باب التكبير فى العيدين: وعن عبد الله بن محمد بن أبى بكر بن عمرو بن حزم. هكذا وقع فى كثير من النسخ المعتمدة أو فى أكثرها، وهو غلط من الكاتب، أو سبق قلم لا شك فيه. والصواب ما وقع فى عدة من النسخ: عن عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. وقد ذكره المصنف فى الفصل الأول من صلاة العيدين، وفى أول كتاب الجنايات على الصواب، وقد تقدم فى ترجمة أبى بكر.
1095 - قوله فى أول كتاب الحج من المهذب فى حديث جابر، رضى الله عنه، أن العمرة ليست بواجبة. قال: رفعه ابن لهيعة، وهو ضعيف. والمشهور أن الذى تفرد برفعه إنما هو الحجاج بن أرطأة، والله أعلم. واسم ابن لهيعة عبد الله، ولهيعة بفتح اللام، وقد تقدم بيان اسمه.
1096 - وفى كتاب الصلح من المهذب فى الشهادة على الهلال، قال: روى الحسين ابن حريث الجدلى. كذا وقع فى المهذب: ابن حريث، بضم الحاء وبعد الراء ياء، هو غلط لا شك فيه، والصواب ابن الحارث، بفتح الخاء وبالألف من غير ياء، وقد تقدم بيانه فى باب الحسين.
1097 - قوله فى باب استيفاء القصاص: كان عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، يقول: لا ترث المرأة من دية زوجها. حتى قال له الضحاك بن قيس: كتب إلىَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أن ورث امرأة أشيم الضبابى من دية زوجها"، كذا وقع فى المهذب فى هذا الموضع: الضحاك بن قيس، وهو غلط. والصواب: الضحاك بن سفيان، وقد ذكره المصنف على الصواب(2/316)
فى كتاب الأقضية فى فصل كتاب القاضى إلى القاضى، وقد تقدم ذكره فى ترجمته.
1098 - وفى كتاب السير من المهذب أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قتل يوم بدر ثلاثة من قريش: مطعم بن عدى، والنضر بن الحارث، وعقبة بن أبى معيط، كذا وقع فى المهذب: مطعم ابن عدى، وهو غلط. وصوابه: طعيمة، بطاء مضمومة، ثم عين مفتوحة، ثم ياء مثناة من تحت ساكنة، ثم ميم، ثم هاء، وهو ابن عدى، وأما مطعم بن عدى فمات قبل يوم بدر.
1099 - وفى باب التعذير من المهذب لما روى عمر بن سعد عن على قال: ما من رجل أقمت عليه حدًا فمات فأجد فى نفسى إلا شارب الخمر، فإنه لو مات وديته؛ لأن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يسنه، هكذا وقع فى نسخ المهذب: عمر بن سعد، وهو غلط وتصحيف فى الاسمين جميعًا، وصوابه: عمير بن سعيد، بزيادة الياء فيهما، وهو مشهور معروف عند أهل هذا الفن.
وهو عمير بن سعيد أبو يحيى النخعى الكوفى، تابعى ثقة، توفى سنة خمس عشرة ومائة، وحديثه هذا صحيح رواه البخارى ومسلم فى صحيحيهما بلفظه، وهو الذى ذكرته من ضبط صوابه لا خلاف فيه بين أهل العلم بهذا الفن، وهو مشهور فى كتبهم وفى كتب الحديث وغيرهما، وربما وقع فى بعض نسخ الجمع بين الصحيحين للحميدى: عمير بن سعد، بحذف الياء من سعيد، وذلك خطأ لا شك فيه، إما من الحميدى، وإما من بعض النساخ.
1100 - قوله فى باب عدد الطلاق من المهذب: وقال الفرزدق يمدح هشام بن إبراهيم بن المغيرة خال هشام بن عبد الملك:
وما مثله فى الناس إلا مملكًا
أبو أمه حى أبوه يقاربه
هكذا وقع فى المهذب: يمدح هشام، وهو غلط، والصواب: يمدح إبراهيم بن هشام ابن إبراهيم بن المغيرة خال هشام بن عبد الملك؛ لأن أم هشام بن عبد الملك هى عائشة بنت هشام بن إبراهيم أخت إبراهيم بن هشام بن إبراهيم هذا الممدوح، فالهاء فى قوله: أبو أمه، راجعة إلى المملك، وهو هشام بن عبد الملك، والهاء فى قوله:(2/317)
أبوه، عائدة على الممدوح، والمراد بالأب هشام بن إبراهيم بن المغيرة، فهو أبو أم الملك وأبو الممدوح جميعًا، ومعنى البيت: وما مثله فى الناس حى يقاربه إلا مملك أبو أم ذلك المملك، وهو أبو هذا الذى أمدحه، ونصب مملكًا لأنه استثناء مقدم له.
1101 - قوله فى باب السير من المهذب: روى فضل بن يزيد الرقاشى، قال: جهز عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، جيشًا كنت فيه. كذا وجدناه فى نسخ المهذب: فضيل ابن يزيد، بإثبات الياء فى يزيد، وحذفها فى فضل، ونقل بعض الأئمة عن خطأ المصنف أنه رواه بحذفها، وكل هذا غلط صريح وتصحيف. والصواب: فضيل بن زيد، بإثبات الياء فى فضيل وحذفها من يزيد، هكذا ذكره أئمة هذا الفن ابن أبى خيثمة، وابن أبى حاتم، وغيرهما.
قال ابن أبى حاتم فى كتاب الجرح والتعديل: فضيل بن زيد الرقاشى، يكنى أبا حسان، كناه حماد بن سلمة. روى عن عمر، وعبد الله بن مغفل. روى عنه عامر الأحول. قال يحيى بن معين: هو رجل صدوق بصرى ثقة، والرقاشى بفتح الراء وتخفيف القاف، منسوب إلى رقاش قبيلة معروفة من ربيعة.
1102 - قوله فى أول باب النذر من المهذب: أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرَّ على رجل قائمًا فى الشمس لا يستظل، فسأل عنه، فقيل: هذا ابن إسرائيل، نذر أن يقف ولا يقعد، إلى آخره. هكذا يوجد فى أكثر النسخ أو كثير منها: ابن إسرائيل، وكذا ذكره بعض فضلاء المصنفين فى ألفاظ المهذب أنه وجد بخط المصنف، وهو غلط بلا شك. والصواب: أبو إسرائيل، كذا هو فى روايات الحديث فى صحيح البخارى، وسنن أبى داود، وغيرهما من رواية ابن عباس، وكذا وقع فى بعض نسخ المهذب: أبو، بالواو على الصواب، والله أعلم.
قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادى فى كتابه الأسماء المبهمة: قال عبد الغنى بن سعيد المصرى: ليس فى الصحابة من كنيته أبو إسرائيل غير هذا، ولا يُعرف إلا فى هذا الحديث، واسمه قيس، وليس فى الصحابة من اسمه قيس غيره.
1103 - قوله فى باب المسابقة من المهذب: النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صارع يزيد بن ركانة. كذا قاله، وهو خطأ. والصواب: ركانة بن عبد يزيد بن هشام بن المطلب بن عبد مناف(2/318)
القريشى المطلبى، أسلم يوم الفتح، وكان أشد الناس، توفى فى المدينة سنة أربعين، وقد سبق بيانه فى ترجمة ركانة.
1104 - قوله فى أول باب أحكام المياه من المهذب: لما روى إياس بن عمرو، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع فضل الماء، هكذا هو فى النسخ: إياس بن عمرو، بفتح العين وبواو فى الخط فى آخره، كذا نقله بعض الأئمة عن خط المصنف، وهو غلط بلا شك. وصوابه: إياس بن عبد، بالباء والدال غير مضاف، وهو إياس بن عبد المزنى الحجازى، وقد تقدم بيانه فى النوع الأول.
1105 - قوله فى أول الهبة من المهذب: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج من المدينة حتى أتى الروحاء، فإذا حمار عقير، فجاء رجل من فهر، فقال: يا رسول الله، إنى أصبت هذا الحمار. هكذا وقع فى النسخ رجل من فهر، بفاء مكسورة وراء، وكذا نقله بعض الأئمة الفضلاء عن خط المصنف، وهو غلط وتصحيف. والصواب: رجل من بهز، بفتح الباء الموحدة وبالزاى، وحديثه مشهور رواه النسائى وغيره، واتفقوا على أنه بالباء والزاى. قال الخطيب: واسم هذا البهزى زيد بن كعب، ذكره فى آخر حرف الزاى.
1106 - قوله فى باب الأقضية من المهذب فى فضل الرشوة: أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استعمل رجلاً من بنى أسد يقال له: ابن اللتبية. كذا وقع فى المهذب، من بنى أسد، وهو غلط. والصواب:(2/319)
رجل من الأَسْد، بفتح الهمزة وإسكان السين، ويقال فيهم أيضًا: الأَزْد، بالزاى بدل السين، وقد تقدم بيانه فى نوع الأبناء.
1107 - قوله فى المهذب فى آخر باب أدب القاضى: لما روى أن أبا بكر الصديق، رضى الله عنه، كتب إلى المهاجر بن أمية: أن ابعث إلىَّ بقيس بن مكشوح. كذا وقع فى نسخ المهذب: المهاجر بن أمية، وهو غلط، وصوابه: المهاجر بن أبى أمية، وهو أخو أم سلمة أم المؤمنين لأبويها.
1108 - قوله فى الوسيط فى الباب الثانى من الهبة: لأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للنعمان بن بشير، وقد وهب بعض أولاده شيئًا: “أيسرك أن يكونوا لك فى البر سواء؟ ”، فقال: نعم، فقال: فارجع. هكذا وقع فى الوسيط، وهو غلط لا شك فيه. والصواب منه: قال له بشير بن النعمان وقد وهب لابنه النعمان، وحديثه مشهور فى الصحيحين وغيرهما. فإن قيل: يحتمل أنهما قصتان جرتا للنعمان ولابنه، فهو غلط؛ لأن النعمان توفى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو صبى لم يبلغ، فكيف يحتمل أن يكون له ولد، والله أعلم.
1109 - قوله فى المهذب فى باب العاقلة: أن عوف بن مالك الأشجعى ضرب مشركًا بالسيف، فرجع السيف عليه فقتله، فامتنع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الصلاة عليه، وقالوا: قد بطل جهاده، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “بل مات مجاهدًا”. هذا النقل خطأ صريح بلا شك، فإن عوف بن مالك الأشجعى مات بعد النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأزمان متطاولة، فإنه مات سنة ثلاث وسبعين من الهجرة، وإنما جرت هذه القصة لعامر بن الأكوع، رضى الله عنه، بخيبر، وحديثه مخرج فى الصحيح.
وعوف بن مالك غطفانى يكنى أبا عبد الرحمن، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو حماد، ويقال: أبو عمرو، شهد فتح مكة مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويقال: كانت معه راية أشجع يومئذ، فنزل الشام، وسكن دمشق، وكانت داره بها عند سوق الغزل العتيق. وقال الواقدى: شهد عوف بن مالك خيبر مسلمًا، وتحول إلى الشام فى خلافة أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، فنزل حمص، رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبعة وسبعون حديثًا.
1110 - قوله فى المهذب فى آخر باب النجش فى تحريم الاحتكار: وروى معمر العذرى، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “لا يحتكر إلا خاطىء”، هكذا وجد فى أصل المصنف، وكذا هو فى النسخ: معمر العذرى، بعين مضمومة وذال معجمة ساكنة ثم راء، وهو غلط وتصحيف. وصوابه: العدوى، بفتح العين والدال المهملتين وبالواو، منسوب إلى عدى بن كعب بن لؤى، وقد تقدم بيانه فى ترجمته.
1111 - قوله فى الوسيط فى باب الأذان: أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأبى سعيد الخدرى، رضى الله عنه: “إنك رجل تحب الغنم والبادية، فإذا دخل وقت الصلاة فأذّن وارفع صوتك، فإنه لا يسمع صوتك شجر ولا مدر ولا حجر إلا شهد لك يوم القيامة”، هكذا هو فى نسخ الوسيط، وكذا قاله أيضًا شيخنا إمام الحرمين، وهو غلط وتغيير للصواب.
وإنما صوابه ما ثبت فى صحيح البخارى وغيره: عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى صعصعة، قال: قال لى أبو سعيد(2/320)
الخدرى: إنى أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت فى باديتك أو غنمك فأذَّنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شىء إلا شهد له يوم القيامة. قال أبو سعيد، رضى الله عنه: سمعته من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
1112 - قوله فى آخر باب صلاة التطوع من المهذب: لما روى عبد الله بن عمر، رضى الله عنهما، أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود، عليه السلام”. الحديث هكذا هو فى أكثر النسخ: عبد الله بن عمر، بضم العين وبغير واو فى الخط، وهو خطأ. وصوابه: عبد الله بن عمرو، بفتح العين وبواو، وهو ابن عمرو بن العاص، وحديثه فى الصحيح مشهور معروف.
1113 - قوله فى المهذب فى فصل سهم الفقراء من قسم الصدقات: لما روى عبيد الله بن عبد الله بن الخيار، أن رجلين سألا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصدقة، فقال: “أعطيكما بعد أن أعلمكما أنه لا حَظَّ فيها لغنى ولا لقوى”، يكتب هكذا، وقع فى أكثر نسخ المهذب: عبيد الله بن عبد الله بن الخيار، وهو خطأ بلا شك.
وصوابه: عبيد الله بن عدى بن الخيار، هكذا هو فى روايات هذا الحديث فى سنن أبى داود، والنسائى، والبيهقى، وغيرها، وهكذا هو فى كتب أسماء الرجال وغيرها، ولا خلاف فيه، وقد تقدم بيانه فى ترجمته فى النوع الأول.
1114 - قوله فى الوسيط فى أول الباب الثانى من كتاب السير: نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حذيفة وأبا بكر عن قتل أبويهما. هكذا هو فى نسخ الوسيط، وهو غلط صريح وتصحيف قبيح فى الاسمين جميعًا، وإنما صوابه: نهى أبا حذيفة، واسمه مهشم، بكسر الميم وإسكان الهاء وفتح الشين المعجمة، وقيل: اسمه هشيم، بضم الهاء، وهو أبو حذيفة ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، وشهد بدرًا، وروى أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهاه عن قتل أبيه يوم بدر.
وأما أبو بكر، فهو الصديق، رضى الله عنه، فالصواب أنه نهاه عن قتل ابنه، بالنون، وهو ابنه عبد الرحمن، وذلك يوم بدر، فصحف أبو حذيفة وابنه بالنون بأبيه بالياء، والله أعلم. وهذا الذى ذكرناه من صواب الاسمين هو(2/321)
المشهور المعروف الموجود فى كتب المغازى وكتب الحديث التى ذكر فيها هذان الحديثان، ولا خلاف بينهما فيما ذكرناه، والله أعلم.
1115 - قوله فى الوسيط فى باب صلاة العيد: أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرخص لحمزة، رضى الله عنه، فى لبس الحرير، هذا مما أنكر عليه، وغلط فى قوله: حمزة، فإنه لا يُعرف، وإنما صوابه: أرخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير، وحديثهما فى الصحيحين من رواية أنس.
1116 - قوله فى باب العقيقة من مختصر المزنى: حديث أم كرز، عن سباع بن وهب، صوابه: سباع بن ثابت، وقد سبق بيانه واضحًا فى ترجمة سباع.
1117 - قوله فى المهذب فى أول كتاب الأيمان، فى اليمين الغموس: والدليل عليه ما روى الشعبى، عن عبد الله بن عمر، قال: جاء أعرابى إلى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا رسول الله، ما الكبائر ... إلى آخر الحديث، هكذا هو فى نسخ المهذب: عبد الله بن عمر، بضم العين وبغير واو فى الخط، وهو تصحيف. وصوابه: عبد الله بن عمرو، بفتح العين وبواو فى الخط، هكذا هو فى صحيح البخارى فى مواضع منه وفى غيره.
1118 - قوله فى الوسيط فى الركن الرابع من الباب الأول من كتاب الإقرار: وقال صاحب التلخيص: قوله: زنه إقرار، هذا مما أنكروه عليه، وقالوا صواب: قال الزبيرى صاحب الكافى: كذا قاله الرافعى وغيره؛ لأن صاحب التلخيص لم يذكر المسألة فى التلخيص، وذكرها فى كتابه المفتاح، وأجاب فيها بالمهذب أنه ليس بإقرار، ثم قال: وفيه قول آخر أنه إقرار، قاله الزبيرى تخريجًا.
1119 - قوله فى المهذب فى فصل أصحاب المسائل من كتاب الأقضية: روى سليمان بن حريث، قال: شهد رجل عند عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، فقال له عمر: لست أعرفك، ولا يضرك أنى لا أعرفك، فأتنى بمن يعرفك، إلى آخر القصة، هكذا وقع فى نسخ المهذب: سليمان بن حريث، بالحاء المهملة المضمومة، وبعدها راء، ثم مثناة من تحت، ثم ثاء مثلثة، وهو تصحيف.
وإنما رواه الإمام الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادى فى كتابه الكفاية بإسناده عن داود بن شريد، بضم الراء، عن الفضل بن زياد، عن شيبان،(2/322)
عن سليمان الأعمش، عن سليمان بن مسهر، عن خرشة بن الحر، قال: شهد رجل عند عمر، فذكره بلفظه إلى آخره.
وخرشة هو بخاء معجمة، ثم راء، ثم شين معجمة مفتوحات وبعدهن هاء، وهو خرشة بن الحر، بضم الحاء المهملة وتشديد الراء، الفزارى الكوفى، مات سنة أربع وسبعين. ذكر البخارى فى تاريخه الكبير وغيره من العلماء أنه كان يتيمًا فى حجر عمر ابن الخطاب، رضى الله عنه. ومن الرواة عنه المعروفين بذلك، وليس فى هذه الدرجة، أعنى درجة من يروى عن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، من الصحابة والتابعين، من يسمى ابن حريث، فتعين أن الذى فى المهذب غلط وتحصيف.
1120 - قوله فى الوسيط فى أول باب العاقلة: مما روى أن مولى لصفية بنت عبد المطلب، رضى الله عنها، جنى، فقضى عمر، رضى الله عنه، بأرش الجناية على ابن عمها. كذا وقع فى الوسيط: ابن عمها، وهو غلط، فإنه ليس لها ابن عم، فإن عبد المطلب لم يكن له أخ. وصوابه: ابن أخيها، وهو على بن أبى طالب، رضى الله عنه، وكان لها عشرة أخوة أحدهم أبو رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإنها عمته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد وقع فى النهاية لإمام الحرمين أقبح مما وقع فى الوسيط.
1121 - قوله فى المهذب فى باب الهدنة: وروى سليم بن عامر، قال: كان بين معاوية والروم عهد، فسار معاوية فى أرضهم، فقال عمر بن عبسة. وقد وقع فى أكثر النسخ: ابن عنبسة، بزيادة نون، وهذا تصحيف بلا شك، وقد أوضحته فى باب عمرو، وربما غلط فى سليم، فقيل: سليمان، أبو سلمان، وقد تقدم فى ترجمة سليم إيضاحه.
1122 - قوله فى باب صول الفحل من المهذب: قاتل يعلى بن أمية رجلاً، فعض أحدهما صاحبه، هكذا هو فى المهذب، وهو غلط. وصوابه: قاتل أجير ليعلى بن أمية رجلاً، وحديثه فى الصحيح معروف.
1123 - قوله فى المهذب فى كتاب السير، فيمن أسلم من الكفار قبل الأسر عصم دمه وماله: لما روى عن عمر، رضى الله عنه، أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “أُمرت أن أقاتل الناس(2/323)
حتى يقولوا: لا إله إلا الله”، هكذا هو فيما رأيته من نسخ المهذب: عمر، وصوابه: ابن عمر، وحديثه مذكور فى الصحيحين مشهور.
1124 - قوله فى المهذب والوسيط فى باب الساعات التى تكره الصلاة فيها: لما روى قيس بن قهد، هكذا رواه بعض الرواة، والصحيح الذى عليه الجمهور من أهل الحديث أنه: قيس بن عمرو، وقد سبق بيانه فى ترجمة قيس.
1125 - قوله فى المهذب فى صلاة العيد: وإذا حضر جاز أن يتنفل إلى أن يخرج الإمام، لما روى عن ابى برزة، وأنس، والحسن، وجابر بن زيد، أنهم كانوا يصلون. هكذا هو فى نسخ المهذب عن أبى برزة، بفتح الباء وبزاى بعد الراء، وهو خطأ وتصحيف بلا شك، وصوابه: أبو بردة، بضم الباء وبالدال المهملة، وهو أبو بردة بن أبى موسى الأشعرى، كذا بينه البيهقى فى كتابه السنن الكبير، ومعرفة السنن والآثار، وذكره غيره أيضًا، وأبو بردة تابعى، وتقديم المصنف له فى الترتيب على أنس، رضى الله عنه، يدل على أنه ظنه أبو برزة الصحابى.
1126 - قوله فى الوسيط فى أواخر الباب الأول من كتاب الجمعة: إن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سأل ابن أبى الحقيق عن كيفية القتل بعد قفوله من الجهاد، هكذا فى نسخ الوسيط، وهو غلط لا شك فيه، وصوابه ما قاله الإمام الشافعى وغيره من أئمة العلماء، وسأل الذين قتلوا ابن أبى الحقيق؛ لأن ابن أبى الحقيق هو المقتول بلا خلاف بين أهل العلم كان يؤذى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمين، فبعث إليه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جماعة من أصحابه فقتلوه بخيبر فرجعوا، والنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المنبر، فقال: “أقتلتموه؟ ”، قالوا: نعم.
والحديث طويل معروف، وكان ينبغى أن يقول ما قاله الإمام الشافعى كما ذكرناه، أو يقول: سأل قتلة ابن أبى الحقيق، والله أعلم. والحقيق بضم الحاء المهملة، وبقافين بينهما ياء مثناة من تحت ساكنة، وابن أبى الحقيق هذا هو أبو رافع اليهودى.
1127 - قوله فى السواك من المهذب: وروت عائشة، رضى الله عنها، أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان(2/324)
إذا قام من النوم يشوص فاه بالسواك، كذا هو فى المهذب عن عائشة، وإنما هو من رواية حذيفة، كذا هو فى الصحيحين وغيرهما من كُتب الحديث.
1128 - قوله فى المهذب فى كتاب الصوم فى قبلة الصائم: لما روى جابر، قال: قبلت وأنا صائم، فأتيت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: قبلت وأنا صائم، فقال: “أرأيت لو تمضمضت وأنت صائم”. هكذا هو فى المهذب، وهو خطأ، والصواب: عن جابر، عن عمر بن الخطاب، قال: قبلت وأنا صائم، وذكر باقى الحديث، هكذا رواه أحمد بن حنبل فى مسنده، وأبو داود، والنسائى فى سننهما، والبيهقى، ومن لا يُحصى من أئمة الحديث وغيرهم. قال النسائى: هو حديث مُنكر.
1129 - قوله فى المهذب فى باب موقف الإمام والمأمون: لما روى أن حذيفة صلى على دكان والناس أسفل منه، فجذبه سليمان حتى أنزله، هكذا هو فى المهذب: فجذبه سلمان، وكذا رواه البيهقى فى السنن الكبير بإسناد ضعيف جدًا، والصحيح المشهور: فجذبه أبو مسعود، وهو أبو مسعود الأنصارى البدرى، هكذا رواه الشافعى، وأبو داود، والبيهقى، ومَن لا يُحصى من أئمة الحديث ومصنفيهم، ولا خلاف فيه.
1130 - قوله فى مكاح المشرك من الوسيط: أسلم ابن عيلان على عشرة نسوة. كذا وقع فى الوسيط، وكذا قاله إمام الحرمين ابن عيلان، وهو غلط وتصحيف. وصوابه: غيلان بن سلمة، وقد ذكره فى المختصر والمهذب على الصواب.
1131 - قوله فى الباب الثانى من كتاب الرهن من الوسيط: قال صاحب التقريب أبو القاسم بن القفال الشاشى: ينبغى أن يكون هكذا، يوجد فى نسخ الوسيط كلها: أبو القاسم، وهو غلط وتصحيف، وصوابه: القاسم بن محمد بن على، وكنيته أبو الحسن، وتقدم ذكره فى نوع الأنساب، ورأيت بخط الشيخ تقى الدين ابن الصلاح، رحمه الله، على حاشية نسخته بالوسيط، قال: ليس اسمه ونسبه فى أصل المصنف الذى هو بخطه، وقد شاهدته، وضرب الشيخ تقى الدين على أبى القاسم بن القفال الشاشى، وبقى: قال صاحب التقريب: ينبغى.
1132 -(2/325)
قوله فى الوسيط فى باب صفة الوضوء: ولو حلق الشعر الذى مسح عليه لم تلزمه الإعادة، خلافًا لابن خيران. ثم قوله فى الوسيط أيضًا فى أول الزكاة: وقال ابن خيران: يتخير بين مذهب الشافعى وأبى حنيفة، هكذا وقع فى الوسيط فى الموضعين: ابن خيران، بالخاء ثم الياء ثم الراء ثم ألف ثم نون، وهو حطأ صريح، وتصحيف قبيح.
وصوابه فى الموضعين: ابن جرير، بالجيم والراء المكررة، وهو أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى الإمام المشهور، مجتهد صاحب مذهب مستقل. وقوله: ابن خيران، يقتضى أن يكون وجهًا فى مذهبنا، فإن أبا على بن خيران من كبار أصحابنا أصحاب الوجوه كما تقدم فيه فى ترجمته، وهذا الذى نقله عنه خطأ بلا شك، وقد بينت ذلك موضحًا فى المجموع من شرح المهذب، والله أعلم.
1133 - قوله فى كتاب السير من المهذب: أتى برأس يناق البطريق، هكذا ضبطناه، وكذا هو فى نسخ محققة: يناق، بياء مثناة من تحت مفتوحة، ثم نون مشددة، ثم ألف، ثم قاف، وهذا هو الصواب، وذكر بعض الأئمة الفضلاء المصنفين فى ألفاظ المهذب أنه وجده بخط المصنف بتقديم النون، وهو تصحيف. والبطريق المقدم جمعه بطارقة، وهو عجمى.
1134 - قوله فى المهذب فى باب عقد الهدنة: أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “حتى أشاور السعود”، يعنى سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وأسعد بن زرارة، هكذا هو فى نسخ المهذب: أسعد بن زرارة، وهو غلط وتصحيف بلا شك فيه؛ لأن هذه القضية كانت فى غزوة الخندق سنة خمس من الهجرة، وأسعد بن زرارة مات فى شوال من السنة الأولى من الهجرة، وإنما صوابه: سعد بن زرارة.
1135 - قوله فى باب الهدنة من المهذب: إن ناقة صالح، عليه السلام، عقرها العيزار بن سالف، هكذا هو فى النسخ، وكذا هو بخط المصنف: العيزار، بعين مهملة، ثم ياء مثناة من تحت ساكنة، ثم زاى، ثم ألف، ثم راء، وهو غلط وتصحيف. وصوابه: قدار، بقاف مضمومة، ثم دال(2/326)
مهملة مخففة، ثم ألف، ثم راء، عقرها كذا قاله أهل التواريخ والمفسرون، والجوهرى فى صحاحه، وغيره من أهل اللغة.
1136 - قوله فى الوسيط فى آخر الباب الثانى من كتاب الوصية فى الصدقة عن الميت. قال سعد بن أبى وقاص: يا رسول الله، إن أمى أصمتت، ولو نطقت لتصدقت، أفينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: “نعم”. هكذا هو فى النسخ: سعد بن أبى وقاص، وهو غلط بلا شك. وصوابه: سعد بن عبادة، هكذا رواه البخارى فى صحيحه، ومالك فى الموطأ، وأبو داود، والنسائى، وخلائق من الأئمة رووه بمعناه.
1137 - قوله فى الوسيط فى آخر الباب الثانى من كتاب الوصية: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعلى، رضى الله عنه، لما قضى دين ميت: “الآن بردت جلدته”. صوابه: قال لأبى قتادة لا لعلى، حديثه صحيح مشهور.
1138 - فى الوسيط فى آخر باب التعزية، فإن قيل: أليس قال: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه. هكذا رواه عمر. قلنا: قال ابن عمر: ما قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا، إنما قال: “يزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه، حسبكم قوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] ”. وقالت عائشة، رضى الله عنها: ما كذب عمر، ولكنه أخطأ ونسى، إنما مرَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على يهودية ماتت ابنتها ... إلى آخره.
هكذا وقه هذا كله فى الوسيط فى جميع النسخ، وفيه غلطان فاحشان لا شك فيهما: أحدهما: قوله فى الأول: قلنا: قال ابن عمر، صوابه: قالت عائشة، فهى التى أنكرت على عمر، ولم ينكر عليه ابن عمر، بل روى مثله فى الصحيحين من طريق. والثانى: قوله فى الثانى: وقالت عائشة: ما كذب عمر، وصوابه: ما كذب ابن عمر، هكذا ثبت الحديثان فى الصحيحين وغيرهما، كما ذكرت صوابه، ولا شك فى غلط الغزالى فيهما، ولا عذر له فيهما ولا تأويل.
1139 - قوله فى الوسيط فى أول اللعان: أنه ورد أولاً فى عوف بن مالك العجلانى، هكذا هو فى النسخ: عوف، وهو غلط صريح، وصوابه عويمر العجلانى، هكذا هو(2/327)
فى الصحيحين وغيرهما من كُتب الحديث، بل فى كل كُتب الحديث، والفقه، والتواريخ، والأنساب، وغيرها، ففى جميعها أنه عويمر، والله أعلم، وبه التوفيق.
* * *
القسم الثاني من كتاب الأسماء: فى النساء
وفيه ثمانية أنواع:
النوع الأول: فى الأسماء الصريحة
حرف الألف
1140 - أسماء بنت أبى بكر الصديق، رضى الله عنهما (1) :
امرأة الزبير بن العوام، رضى الله عنه، مذكور فى المختصر والمهذب. واسم أمها قتلة، بفتح القاف، وإسكان التاء فوقها نقطتان، قاله ابن ماكولا وغيره، قالوا: ويقال أيضًا: قتيلة، بقاف مضمومة، ثم تاء مثناة من فوق مفتوحة، ثم ياء مثناة من تحت ساكنة، ثم لام، ثم هاء، بنت عبد العزى بن عبد أسعد بن نضر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى بن غالب، ضبطه فى تاريخ دمشق: قتيلة بنت العرى، وعلم علامة الراء بخط الحافظ أبى محمد، وفى مواضع عبد العزى، بالزاى كما هنا.
أسلمت أسماء قديمًا بعد سبعة عشر إنسانًا، وكانت أسماء أسن من عائشة، رضى الله عنهما، وهى أختها لأبيها، وكان عبد الرحمن بن أبى بكر أخو أسماء شقيقها، سماها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات النطاقين؛ لأنها صنعت للنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولأبيها سفرة لما هاجرا، فلم تجد ما تشدها به، فشقت نطاقها، وشدت به السفرة، فسماها النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات النطاقين.
هاجرت إلى المدينة وهى حامل بعبد الله بن الزبير، فولدته بعد الهجرة،
_________
(1) انظر: الإصابة (4/229) ، والاستيعاب (4/232 - 234) ، وطبقات ابن سعد (8/249 - 255) ، والبداية والنهاية (8/346) ، وتهذيب التهذيب (12/397) ، والعقد الثمين (8/177) ، وأسد الغابة (5/292) ، ومرآة الجنان (1/151) ، وحلية الأولياء (2/55 - 57) ، والوافى بالوفيات (9/57، 58) ..(2/328)
فكان أول مولود ولد فى الإسلام بعد الهجرة، وقد تقدم ترجمته. قال عروة بن الزبير: بلغت أسماء مائة سنة، لم يسقط لها سن، ولم يُنكر من عقلها شىء. رُوى لأسماء عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ستة وخمسون حديثًا.
روى عنها عبد الله بن عباس، وابناها عبد الله وعروة، وعبد الله بن أبى مليكة، وغيرهم. وتوفيت بمكة فى جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين بعد قتل ابنها عبد الله بيسير، لم يبق بعد إنزاله من الخشبة إلا ليالى يسيرة، قيل: ثلاث ليال، وقيل: عشر، وقيل: شعرون، وقيل: بضع وعشرون.
ولأسماء منقبة رويناها فى ترجمة ابنها عبد الله أنها وابنها وأباها وجدها أربعة صحابيون لا يُعرف لغيرهم إلا لمحمد بن عبد الرحمن بن أبى بكر بن أبى قحافة. وذكر ابن الأثير اختلاف العلماء والروايات فى إسلام قتلة أم أسماء، وأكثر الروايات أنها لم تسلم. وفى تاريخ دمشق: قال ابن أبى الزناد: كانت أسماء أكبر من عائشة بعشر سنين.
وعن الحافظ أبى نعيم، قال: ولدت أسماء قبل هجرة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسبع وعشرين سنة، وكان لأبيها أبى بكر حين ولدت له إحدى وعشرون سنة.
وعن أسماء أنها كانت تصدع وتضع يدها على رأسها، وتقول: بذنبى، وما يغفره الله أكثر. وبإسناد الحافظ، عن أسماء كانت تقول لبناتها ولأهلها: أنفقوا وأنفقن وتصدقن لا تجدن فقدة.
وفى تاريخ دمشق أن أسماء بنت أبى بكر شهدت غزوة اليرموك مع زوجها الزبير. وفيه عن خليفة بن خياط، قال: ولدت أسماء للزبير: عبد الله، وعروة، والمنذر، والمهاجر بنى الزبير. وفيه عن الزبير بن بكار، أنها ولدت للزبير: عبد الله، وعروة، وعاصمًا، والمنذر، والمهاجر، وخديجة، وأم حسن، وعائشة.
وفى تاريخ دمشق عن فاطمة بنت المنذر، أن أسماء قالت لأهلها: أجمروا ثيابى إذا مت ثم حنطونى، ولا تذروا على كفنى حنوظًا، ولا تتبعونى بنار، ولا تدفنونى ليلاً.
وفى طبقات ابن سعد بإسناد الصحيحين، عن فاطمة بنت المنذر، أن أسماء بنت أبى بكر كانت تمرض المرضة، فتعتق كل مملوك لها.
وفى طبقات ابن سعد، عن الواقدى، قال: كان سعيد بن المسيب من أعبر الناس للرؤيا، وكان أخذ ذلك عن(2/329)
أسماء بنت أبى بكر، وأخذته أسماء عن أبيها أبى بكر.
وفى طبقات ابن سعد، أن أسماء قالت لابنها عبد الله بن الزبير حين قاتل الحجاج: يا بنى، عش كريمًا، ومت كريمًا، ولا يأخذك اليوم أسيرًا.
وفى تاريخ دمشق بإسناد مصنفه، عن أبى الزبير، قال: ما رأيت امرأتين قط أجود من عائشة وأسماء، وجودهما مختلف، أما عائشة فكانت تجمع الشىء إلى الشىء حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه، وأما أسماء فإنها كانت لا تدخر شيئًا لغد.
وفيه بإسناده عن عروة، قال: ضرب الزبير أسماء، فصاحت بابنها عبد الله بن الزبير، فأقبل، فلما رآه قال: أمك طالق إن دخلت، فقال له ابنه عبد الله: أتجعل أمى عرضة ليمينك؟! فاقتحم عليه فخلصها منه فبانت منه.
وبإسناده عن مصعب بن الزبير، قال: فرض عمر الأعطية، ففرض لأسماء ألف درهم. وفى رواية: فرض عمر للمهاجرات ألفًا ألفًا، منهن أم عبد وأسماء.
وعن منصور بن عبد الرحيم، عن أمه صعبة، قالت: لما صُلب ابن الزبير دخل ابن عمر المسجد، وذلك حين قتل ابن الزبير وهو مصلوب، فقيل له: إن أسماء من ناحية المسجد، فمال إليها، فقال: إن هذه الجثث ليست بشىء، وأما الأرواح فعند الله، فاتقى الله، وعليك بالصبر، فقالت: وما يمنعنى وقد أهدى رأس يحيى بن زكريا إلى بغى من بغايا بنى إسرائيل.
1141 - أسماء بنت عميس (1) :
امرأة أبى بكر الصديق. مذكورة فى المختصر، وفى المهذب فى باب غسل الميت والإحرام، وعميس بعين مهملة مضمومة، ثم ميم مفتوحة مخففة، ثم ياء مثناة من تحت ساكنة، ثم سين مهملة. وأم أسماء هند بنت عوف بن زهير الكنانية، وأسماء خثعمية من بنى خثعم بن أنمار بن معد بن عدنان، كانت تحت جعفر بن أبى طالب، رضى الله عنه، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة، ثم قتل عنها يوم مؤتة، فتزوجها أبو بكر الصديق، رضى الله عنه، فمات عنها ثم تزوجها على، رضى الله عنه، وولدن لجعفر: عبد الله، ومحمدًا، وعونًا، وولدت لأبى بكر: محمدًا، وولدت لعلى: يحيى.
وروى عنها من الصحابة عمر بن الخطاب، وأبو موسى الأشعرى، وعبد الله بن عباس، وابنها عبد الله بن جعفر. ومن غير الصحابة: عروة بن الزبير، وعبد الله بن
_________
(1) انظر: الإصابة (4/231) ، وسير أعلام النبلاء (24/282 - 287) برقم (56) ، والطبقات الكبرى (8/280) ، وأسد الغابة (5/395، 396) ، والوافى بالوفيات (9/53) ، والأغانى (11/67) ، والاستيعاب (4/234) ، وتهذيب التهذيب (12/398) ..(2/330)
شداد.
وأسماء هى أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأخت أم الفضل امرأة العباس، وأخت أخواتها لأمهن، وكن عشر أخوات لأم، وقيل: تسع، وكانت أسماء أكرم الناس أصهارًا، فمن أصهارها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحمزة، والعباس، وغيرهم. أسلمت قديمًا. قال ابن سعد: أسلمت قبل دخول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دار الأرقم بن أبى الأرقم بمكة، وبايعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
1142 - أمامة بنت أبى العاص بن الربيع (1) :
واسم أبى العاص مهشم، وقيل: لقيط، وقيل: ياسر، وقيل: القاسم. مذكور فى المهذب فى باب طهارة البدن، وفى باب ما يفسد الصلاة، وفى أول باب من يصح لعانه، وفى لعان المختصر. وهى أمامة بنت أبى العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد مناف القريشية العبشمية، أمها زينب بنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كان النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحبها ويحملها فى الصلاة، وثبت ذلك فى الصحيح.
تزوجها على بن أبى طالب، رضى الله عنهما، بعد وفاة فاطمة، رضى الله عنها، وكانت فاطمة أوصت عليًا أن يتزوجها، ثم تزوجها بعد علىّ المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، فولدت له يحيى، وبه كان يكنى، وماتت عند المغيرة، وقيل: إنها لم تلد لعلى ولا للمغيرة، وليس لزينب بنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا لرقية، ولا لأم كلثوم، رضى الله عنهن، عقب، وإنما العقب لفاطمة، رضى الله عنهن.
* * *
حرف الباء
1143 - بحينة أم عبد الله بن بحينة:
مذكورة فى باب صفة الصلاة، ثم فى باب سجود السهو، وهى بباء موحدة مضمومة، ثم حاء مهملة مفتوحة، ثم ياء مثناة من تحت ساكنة، ثم نون، ثم هاء، وهى بحينة بنت الأرت، وهو الحارث بن المطلب بن عبد مناف. قال محمد بن سعد: بحينة، واسمها عبدة بنت الحارث، وأمها أم صيفى بنت
_________
(1) انظر: الإصابة (4/236) ، والاستيعاب (4/244) ، وأسد الغابة (5/400) ، والوافى بالوفيات (9/377) ، والطبقات الكبرى (8/232) ..(2/331)
الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى. قال: وأسلمت بحينة، وبايعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
1144 - بروع بنت واشق:
مذكورة فى كتاب الصداق منها، وفى الشهادات من المختصر، وهى بروع، بباء موحدة مكسورة، ثم راء مهملة ساكنة، ثم واو مفتوحة، ثم عين مهملة، وأبواها واشق، بالشين المعجمة المكسورة، وبالقاف، وهى كلابية رواسية، وقيل: أشجعية، وكانت امرأة هلال بن مرة.
قال الجوهرى فى صحاح اللغة: أصحاب الحديث يقولونه بكسر الباء، والصواب الفتح؛ لأنه ليس فى الكلام فعول إلا: خروع، وعتود، اسم واد. وذكر صاحب المحكم فى اللغة فى بروع نحو قول الجوهرى. وقد قال القلعى سماعنا فيه بالباء المعجمة بموحدة مكسورة، والراء المهملة. قال: والمعروف عند أهل اللغة فى الأسماء: تزوع، بالتاء المعجمة بثنتين من فوق وبالزاى المعجمة، وهذا الذى قاله تصحيف ليس بمعروف.
1145 - بريرة بنت صفوان:
مولاة عائشة بنت أبى بكر الصديق، رضى الله عنه. قيل: كانت لعتبة بن أبى لهب، وذكرها بقى بن مخلد فيمن روى حديثًا واحدًا عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، تكررت بريرة فيها.
1146 - بسرة بنت صفوان:
روت حديث نقض الوضوء من مس الذكر، وحديثها هذا حديث حسن صحيح، قاله الترمذى. ورواه أبو داود، والترمذى، والنسائى، وابن ماجة، مذكورة فى المختصر والمهذب، وهى بضم الباء الموحدة، وسكون السين المهملة، وهى بسرة بنت صفوان بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصى القريشية الأسدية، وهى خالة مروان بن الحكم، وجدة عبد الملك بن مروان، وهى بنت أخى ورقة بن نوفل، وهى أخت عقبة بن أبى معيط لأمه.
قيل: هى بسرة بنت صفوان بن أمية، وأمها سالمة بنت أمية بن حارثة بن الأوقص الأسلمية، كانت تحت المغيرة بن أبى العاص، فولدت له معاوية وعائشة. روى عنها عبد الله(2/332)
بن عمرو بن العاص، وعروة بن الزبير، ومروان بن الحكم. رُوى لها عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحد عشر حديثًا.
1147 - بلقيس:
ملكة سبأ التى أسلمت مع سليمان لله رب العالمين. قال ابن مكى: الأجود والأكثر كسر الباء من بلقيس، وقيل بفتحها. قال فى تاريخ دمشق: هى بلقيس بنت شرحبيل. قال: وقيل: بلقس، بغير ياء. وقال: ويقال: اسمها تلمص، مشددة الميم، ومن ولد صيفى بن زرعة بن عفير، ثم ذكر نسبها متصلاً إلى أيمن بن الهميسع بن الحمير بن سبأ ابن يشجب بن يعرب بن قحطان، ملكة سبأ. قال: بلغنى أنها ملكت اليمن تسع سنين، ثم كانت خليفة عليها من قِبل سليمان بن داود، عليه السلام، أربع سنين. ثم روى بإسناده أن سليمان تزوجها.
وعن قتادة، قال: ذكر لنا أن ملكة سبأ كانت ملكة باليمن كانت فى بيت مملكة يقال لها: بلقيس بنت شرحبيل، هلك ملكها فملكها قومها. وبإسناده عن أبى هريرة، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: كان أحد أبوى بلقيس جنيًا. وعن الحسن أنه أنكر هذا، وقال: لا يتوالدون، يعنى أن المرأة من الإنس لا تلد من الجن.
وعن مجاهد، قال: كان تحت يدها اثنا عشر ألف قيل، تحت كل قيل ألف. القيل: بفتح القاف، المَلك. وعن مجاهد بإسناد ضعيف، قال: ملك ذو القرنين الأرض كلها إلا بلقيس صاحبة سبأ، وتحيلت عليه حتى كتب لها أمانًا بملكها، فلم ينج منه أحد غيرها.
وعن قتادة، قال: كتب سليمان إلى بلقيس: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلاَّ تَعْلُوا عَلَىَّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ} [النمل: 30، 31] ، وكذلك كانت الأنبياء تكتب لا تطنب، إنما تكتب جملاً.
* * *
حرف التاء
1148 - تماضر بنت الأصبغ الكلبية:
التى طلقها عبد الرحمن بن عوف فى مرضه، فورثها عثمان بن عفان، رضى الله عنهما، مذكورة فى المهذب فى الفرائض فى إرث المبتوتة فى المرض، هى بضم التاء وكسر الضاد المعجمة، وآخرها راء مهملة، وأبوها الأصبغ بفتح الهمزة، وسكون الصاد المهملة، وبعدها باء موحدة مفتوحة، ثم غين(2/333)
معجمة، سماها فى المهذب، وأشار فى الوسيط إليها، قال: تورث زوجة المريض، يعنى على القديم، ويدل عليه قصة عبد الرحمن بن عوف.
وقصة عبد الرحمن بن عوف ما ذكرنا أنه طلق امرأته فى مرض موته، فورثها عثمان ابن عفان، رضى الله عنه. أخرج قصتها الإمام مالك بن أنس فى موطأه، ورواها الشافعى، عن مالك، وعن غيره، وهذا لا يصح الاستدلال به، فإن الزبير، رضى الله عنه، خالف عثمان فى ذلك، وإذا اختلف الصحابة لم يكن قول بعضهم حجة، وهذا هو جواب القول الصحيح الجديد عن فعل عثمان.
قال محمد بن سعد: تماضر بنت الأصبغ بن عمرو بن ثعلبة بن حصن بن كلب، وأمها جويرية بنت وبرة بن رومان من بنى كنانة. ثم روى بإسناده عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن، أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث عبد الرحمن بن عوف إلى كلب. وقال: إن استجابوا لك فتزوج ابنة ملكهم، أو ابنة سيدهم، فلما قدم عبد الرحمن دعاهم إلى الإسلام فاستجابوا، وأقام من أقام على أعطاء الجزية، فتزوج عبد الرحمن بن عوف تماضر بنت الأصبغ بن عمرو ملكها، ثم قدم المدينة، وهى أم أبى سلمة بن عبد الرحمن ابن عوف.
قال محمد بن عمر، يعنى الواقدى: وهى أول كلبية نكحها قريشى، ولم تلد لعبد الرحمن بن عوف غير أبى سلمة، وكان عبد الرحمن طلقها ثلاثًا طلقة واحدة فى مرضه، وهى آخر طلاقها، يعنى تمام الثلاث. وفى رواية أنه طلقها ثلاثًا، فورثها عثمان بعد انقضاء العدة، وكان عبد الرحمن متعها جارية سوداء لما طلقها.
قال الواقدى: ثم تزوج الزبير بن العوام تماضر بنت الأصبغ بعد عبد الرحمن بن عوف، فلم تلبث عنده إلا يسيرًا حتى طلقها، هذا ما ذكره ابن سعد، وهكذا جاء فى رواية مالك أن عثمان ورثها بعد انقضاء العدة، وجاء فى رواية الشافعى، رضى الله عنه، عن غير مالك، أن عبد الرحمن مات وهى فى العدة، فورثها عثمان، وذكر الروايتين ابن الأ ثير فى شرح مسند الشافعى.(2/334)
* * *
حرف الجيم
1149 - جدابة بنت وهب:
راوية حديث العزل، روى حديثها هذا أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وغيرهم. قال الترمذي: هو حديث حسن صحيح، ويقال: بنت جندل، وهي بضم الجيم، وبالدال المهملة المخففة، قاله الدارقطنى وغيره. قال الدارقطنى: ومن ذكرها بالذال المعجمة فقد أخطأ. وحكى صاحب المطالع فيه الاختلاف فى الدال المعجمة والمهملة، وأن بعضهم شدد الدال المهملة، والصواب ما قاله الدارقطنى، رحمه الله تعالى.
أسلمت جدامة بمكة، وبايعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهاجرت مع قومها إلى المدينة، وكانت تحت أنس بن قتادة بن ربيعة من بنى عمرو بن عوف. روت عنها عائشة، رضى الله عنها، رُوى لها عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديثان فيما ذكر أبو عبد الرحمن بقى بن مخلد وغيره.
وروينا في صحيح مسلم ضبط جدامة بالمهملة والمعجمة. قال مسلم: والصحيح المهملة، وهى رواية يحيى بن يحيى، عن مالك، وفى رواية خلف بن هشام عن مالك بالمعجمة، والذى فى صحيح مسلم وغيره: جدامة بنت وهب. وفى رواية له: جدامة بنت وهب، وهى أخت عكاشة، ولعلها أختها لأمه، وإلا فهو عكاشة بن محصن، وقيل: إنها أخت رجل آخر اسمه عكاشة، ليس هو عكاشة الأسدى المشهور، والظاهر الأول؛ لأنها أسدية وهو أسدى. وقال محمد بن جرير الطبرى: إنها جذامة بنت جندل، هاجرت. قال: والمحدثون يقولون: بنت وهب.
1150 - جميلة:
التى كان اسمها عاصية، فسماها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جميلة، ذكرها فى المهذب فى باب العقيقة، وهى جميلة بنت ثابت الأنصارية، أخت عاصم بن ثابت، وهى امرأة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وأم عاصم بن عمر، تكنى أم عاصم بابنها عاصم بن عمر بن الخطاب، كان اسمها عاصية، فلما أسلمت سماها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جميلة، تزوجها عمر ابن الخطاب، رضى الله عنه، سنة سبع من الهجرة، ذكر هذا كله ابن الأثير، ثم قال: جميلة بنت عمر بن الخطاب، روى حماد بن سلمة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، أن ابنتا لعمر كان يقال لها: عاصية، فسماها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جميلة.
قال ابن الأثير: هكذا أخرجه الغسانى مستدركًا على ابن عمر. قال: وليس بشىء، فإن جميلة امرأة عمر، وهى بنت ثابت، كان اسمها عاصية فسماها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جميلة، وقد تقدم ذلك. قلت: وقد ذكر مسلم بن الحجاج، رحمه الله تعالى، حديث حماد بن سلمة(2/335)
المذكور فى صحيحه كما تقدم، ولا يمكن رفعه، فيحتمل أنها كانتا اثنتين.
1151 - جميلة بنت سعد: فى المهذب فى أول كتاب العدد، عن عائشة، رضى الله عنها.
1152 - جميلة:
التى ذكرها فى أوله كتاب الخلع من المهذب الصحيح أنها حبيبة بنت سهل، وسيأتى إن شاء الله بيانها فى نوع الأوهام.
1153 - جويرية أم المؤمنين، رضى الله عنها:
وهى بضم الجيم، وفتح الواو. وهى جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار بن حبيب الخزاعية المصطقية، سباها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم المريسيع، وهى غزوة بنى المصطلق فى السنة الخامسة من الهجرة، قاله الواقدى. وقال خليفة بن خياط: فى السادسة. قال ابن قتيبة فى المعارف: كان يوم بنى المصطلق وبنى لحيان فى شعبان سنة خمس. قال ابن سعد وغيره: كانت جويرية، رضى الله عنها، تحت مسافع بن صفوان ذى الشفرين، فقتل يوم المريسيع.
روينا فى صحيح مسلم، عن ابن عباس، رضى الله عنهما، قال: كان اسم جويرية برة، فحول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسمها فسماها جويرية، وكان يكره أن يقال: خرج من عند برة.
وذكر محمد بن سعد بإسناده أنها توفيت فى شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين فى خلافة معاوية، رضى الله عنه، وصلى عليها مروان بن الحكم، وهو يومئذ والى المدينة.
وروى أيضًا عن محمد بن يزيد، عن جدته، وكانت مولاة جويرية، عن جويرية، قالت: تزوجنى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا بنت عشرين سنة، قالت: وتوفيت جويرية سنة خمسين وهى بنت خمس وستين سنة.
روى عنها ابن عباس، ومولاه كريب، وعبد الله بن شداد بن الهادى، وأبو أيوب يحيى بن مالك الأزدى. رُوى لها عن رسول(2/336)
الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبعة أحاديث.
روينا عن عائشة، قالت: وقعت جويرية بنت الحارث فى سهم ثابت بن خنيس فأسلمت فكاتبها، وكانت امرأة حلوة ملاحة، فجاءت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تستعين فى كتابتها، فقال: "أو خير لك من ذلك أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك"، قالت: نعم، ففعل فبلغ الناس أنه تزوجها، فقالوا: أصهار رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأرسلوا ما كان فى أيديهم من سبي المصطلق، فلقد أعتق بها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها. وفي تاريخ دمشق أن أباها الحارث أسلم.
* * *
حرف الحاء
1154 - حبيبة بنت سهل المختلعة:
يتمم من الأوهام فى النوع الثامن وغيره. ذكر محمد بن سعد فى الطبقات ترجمة لحبيبة بنت سهل، فقال: حبيبة بنت سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن غنم ابن مالك بن النجار، وأمها عمرة بنت مسعود بن قيس بن عمرو بن زيد مناة من بنى مالك بن النجار، تزوج حبيبة ثابت بن قيس بن شماس، وأسلمت حبيبة وبايعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فخالعها ثم تزوجها أُبىّ بن كعب، وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - همَّ أن يتزوجها، فكره ذلك لغيرة الأنصار.
وقال الخطيب البغدادى فى كتابه الأسماء المبهمة، وقد ذكرته فيما اختصرته من كتابه فى ترجمة ابن عباس، قال الخطيب: هذه المختلعة حبيبة بنت سهل، وقيل: جميلة بنت عبد الله بن أُبىّ بن سلول. قلت: هكذا رأيته فى نسخ كتاب الخطيب، والمشهور جميلة بنت أُبىّ، أخت عبد الله لا ابنته. قال ابن الأثير: وقيل: كانت بنت عبد الله، وهو وهم.
وقوله فى أول خلع المهذب: روى أن جميلة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس، كذا وقع فى المهذب: جميلة، والصحيح أنها حبيبة بنت سهل بن ثعلبة الأنصارية. كذا ثبت اسمها فى رواية الحفاظ، وكذا ذكرها مالك فى الموطأ، والشافعى فى المختصر وغيره، وأبو داود، والنسائى، والبيهقى، وغيرهم.
وقد روى: جميلة(2/337)
بنت أُبىّ. قال أبو عمر بن عبد البر: يجوز أن تكون جميلة وحبيبة اختلعتا من ثابت بن قيس. قال: وأهل البصرة يقولون: المختلفعة من ثابت جميلة بنت أُبىّ، وأهل المدينة يقولون: حبيبة بنت سهل، وكيف كان فقول المصنف: جميلة بنت سهل غلط.
قال محمد بن سعد فى الطبقات: جميلة بنت عبد الله بن أُبىّ بن مالك بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم بن غنم بن عوف، أمها خولة بنت المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدى بن عمرو بن مالك بن النجار، تزوج جميلة حنلظة بن أبى عامر الراهب، فقُتل عنها يوم أُحُد شهيدًا، وولدت عبد الله بن حنظلة بعده، ثم خلف عليها ثابت بن قيس بن شماس بن مالك بن الدخشم، ثم خلف عليها حبيب بن سباق، فأسلمت جميلة، وبايعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأخو جميلة عبد الله بن أُبىّ لأبيها وأمها، شهد بدرًا وقُتل ابناها عبد الله بن حنظلة ومحمد بن ثابت بن قيس يوم الحرة، وحنظلة ابن الراهب هو غسيل الملائكة، ثم ذكر ابن سعد ترجمة حبيبة كما تقدم.
1155 - حفصة بنت عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، رضى الله عنه وعنها:
تكررت فيها أمها وأم أخيها عبد الله بن عمر: زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة، تزوجها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سنة ثلاث من الهجرة، قاله ابن المسيب، والواقدى، وخليفة، وابن المدينى، وقيل: سنة اثنتين، وهو قول أبى عبيدة، وروى ابن سعد أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تزوجها فى شعبان على رأس ثلاثين شهرًا قبل أُحُد، وكذا قال خليفة بن خياط أنه تزوجها فى شعبان سنة ثلاث.
وكانت حفصة من المهاجرات، وكانت قبل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحت خنيس بن حذافة، وخنيس بحاء معجمة مضمومة، ثم نون مفتوحة، ثم ياء مثناة من تحت ساكنة، ثم سين مهملة، وكان ممن شهد بدرًا، وتوفى بالمدينة.
قال ابن سعد: توفى عنها مقدم النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من بدر، فطلقها النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طلقة ثم راجعها بأمر جبريل، عليه السلام، قال: إنها صوامة قوامة وزوجتك فى الجنة. وفى رواية: إنها صؤوم قؤوم، وإنها من نسائك فى الجنة.
وروى ابن سعد بإسناده(2/338)
عن عمرو، رضى الله عنه، أنه قال: وُلدت حفصة وقريش تبنى البيت قبل مبعث النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخمس سنين، وأوصى عمر إلى حفصة، وأوصت حفصة إلى أخيها عبد الله بن عمر. وروى ابن سعد، عن نافع، قال: ما ماتت حفصة حتى ما تفطر. قال ابن سعد: قالو الواقدى: توفيت حفصة فى شعبان سنة خمس وأربعين، وهى بنت ستين سنة. وقال أبو معشر: توفيت سنة إحدى وأربعين.
وقال ابن أبى خيثمة: توفيت أول ما بويع معاوية، وبويع معاوية فى جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين. وقال أحمد بن محمد بن أيوب: توفيت سنة سبع وعشرين. ونحوه قال ابن قتيبة فى المعارف، قال: توفيت فى خلافة عثمان، وقيل: سنة سبع وأربعين، وقيل: سنة خمسين.
وروينا فى تاريخ دمشق، عن مصنفه، قال: لا أدرى قول من قال: توفيت سنة ثمان وعشرين محفوظًا. وروى ابن سعد أن مروان بن الحكم صلى عليها وحمل بين عمودى سريرها من عند دار آل حزم إلى دار المغيرة بن شعبة، وحمله أبو هريرة من دار المغيرة إلى قبرها، ونزل فى قبرها أخواها عبد الله وعاصم، وبنو أخيها سالم وعبد الله وحمزة بنو عبد الله بن عمر، ورُوى لها عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ستون حديثًا، والله أعلم.
1156 - حليمة السعدية:
التى أرضعت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هى حليمة بنت عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن قصية بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة ابن قيس عيلان بن مضر، وزوجها الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة ابن فصية بن سعد بن بكر، يكنى أبا ذؤيب، وأولادها منه عبد الله، وكانت حينئذ ترضعه، وأنيسة، وخذامة، وهى الشيماء أولاد الحارث، نقلت هذه الجملة من تاريخ دمشق، وكنية حليمة أم كبشة.
1157 - حمنة بنت جحش:
مذكورة فى كتاب الحيض، هى بفتح الحاء، وإسكان الميم، وبعدها نون، وجحش بجيم مفتوحة، ثم حاء ساكنة، ثم سين معجمة، وهى أخت زينب بنت جحش أمن المؤمنين، رض الله عنها، وسيأتى فى ترجمة زينب(2/339)
تمام نسبها إن شاء الله تعالى، كانت حمنة تحت مصعب بن عمير، رضى الله عنه، فاستشهد عنها يوم أُحُد، فتزوجها طلحة ابن عبيد الله، وكانت مستحاضة، واختلف العلماء هل كانت مستحاضة مبتدأة أم معتادة، والخلاف مشهور فى كتب أصحابنا فى المذهب وفى كتب غيرهم، واختار الخطابى وجماعات من أصحابنا أنها كانت مبتدأة، واختار الإمام الشافعى، رحمه الله تعالى، فى الأم أنها كانت معتادة، وقد أوضحت هذا كله فى شرح المهذب.
1158 - حواء أم البشر، عليها السلام:
مذكورة فى آخر باب ميراث العصية من المهذب، هى بالمد. قال أقضى القضاة الماوردى فى تفسيره: اختلف العلماء فى الوقت الذى خلقت فيه حواء على قولين، أحدهما قاله ابن عباس، وابن مسعود، رضى الله عنهما، دخل آدم، عليه السلام، الجنة وحده، فلما استوحش خلقت له حواء فى الجنة من ضلعه. والثانى قاله ابن إسحاق أنها خلقت من ضلعه قبل دخوله الجنة، ثم أدخلا جميعًا إلى الجنة.
وفى تاريخ دمشق لابن عساكر الحافظ أبى القاسم أن حواء سكنت ببيت لهيا، قرية معروفة من غوطة دمشق. وفيه بإسناده عن ابن عباس، قال: سميت حواء لأنها أم كل شىء حى. وفيه أن حواء أهبطت من الجنة بجدة. وفيه عن عثمان بن الساج، قال: بلغنى أن حواء ولدت لآدم أربعين ولدًا فى عشرين بطنًا، وكانت تلد غلامًا وجارية.
وعن ابن إسحاق، عن الزهرى وغيره، أنهم قالوا: ولد دم فى الجنة هابيل وقابيل وأختاهما. قال ابن إسحاق: بلغنى عن غير هؤلاء أنه لم يولد لآدم فى الجنة، والله أعلم أى ذلك كان.
وعن محيريز بن عبد الله، عن ابن المسيب، قال: سمعت عمر بن الخطاب، يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: “أخبرنى جبريل، عليه السلام، أن الله تعالى بعثه إلى أمنا حواء حين دميت فنادت ربها: جاء منى دم لا أعرفه، فناداها: لأُدميَنّك وذريتك، ولأجعلنه لكن كفارة وطهورًا”. قال الدارقطنى: حديث غريب.(2/340)
* * *
حرف الخاء
1159 - خديجة أم المؤمنين، رضى الله عنها:
هى خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى بن كلاب، وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن بنى عامر بن لؤى، تزوج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة، وهى أم أولاده كلهم، رضى الله عنهم، إلا إبراهيم، رضى الله عنه، فإنه من مارية القبطية، ولم يتزوج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل خديجة غيرها، ولا تزوج فى حياتها غيرها، وبقيت معه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعًا وعشرين سنة وأشهرًا، ثم توفيت قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل: بخمس، وقيل: بأربع، والصحيح الأول، وكانت وفاتها بعد وفاة أبى طالب بثلاثة أيام.
روى البخارى فى صحيحه فى باب مناقب خديجة، رضى الله عنه، عن عروة، عن عائشة، قالت: تزوجنى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد خديحة بثلاث سنين. وروى البخارى أيضًا فى باب مناقب عائشة، عن عروة، قال: توفيت خديجة قبل مخرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة بثلاث سنين، فلبث سنتين أو قريبًا من ذلك، فنكح عائشة وهى بنت ست، وبنى بها وهى بنت تسع سنين. وذكر الزهرى وخلائق من العلماء أنها أول مَنْ أسلم وآمن بالنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ونقل الثعلبى الإجماع عليه، وقيل: أبو بكر، وقيل غير ذلك.
ولخديجة مناقب كثيرة فى الصحيح معروفة، منها عن على، رضى الله عنه، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة”. رواه البخارى ومسلم فى صحيحيهما.
وعن أبى هريرة، رضى الله عنه، قال: “أتى جبريل النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هى أتتك فأقرأ عليها السلام من ربى ومنى، وبشرها ببيت فى الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب”. رواه البخارى.
وفى صحيح البخارى، عن عائشة، رضى الله عنها، قالت: كان النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكثر ذكر خديجة.
وفى مسند أبى يعلى الموصلى بإسناد حسن، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “(2/341)
أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم ابنة عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون”.
وفى تاريخ دمشق عن ابن عباس وعائشة، أن كنية خديجة أم هند، كنيت بولدها من أبى هالة. وروينا فى تاريخ دمشق أن خديجة كانت تسمى فى الجاهلية: الطاهرة، قالوا: وكانت قبل النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زوجة لعتيق بن عائذ المخزومى، فمات عنها وله منها ولد، ثم تزوجها أبو هالة مالك، وقيل: هند بن زرارة، وقيل: تزوجها أبو هالة قبل عتيق، ثم تزوجها رسو لالله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولها يومئذ خمس وأربعون سنة، وقيل: ثمان وعشرون، وقيل: أربعون.
وفى تاريخ دمشق أنها توفيت فى رمضان سنة عشر من النبوة وهى بنت خمس وستين سنة، ودفنت بالحجون، ونزل النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى حفرتها، وذلك بعد خروج بنى هاشم من الشعب بيسير.
1160 - خنساء بنت خذام الأنصارية الصحابية:
مذكورة فى المختصر، ثم فى المهذب فى كتاب النكاح، وهى التى أنكحها أبوها وهى كارهة، فردَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نكاحها، روى حديثها هذا أبو داود، والنسائى، وغيرهما، وهى خنساء، بفتح الخاء المعجمة، وبعدها نون ساكنة والألف ممدودة، بنت خذام، بخاء معجمة مكسورة، ثم ذال معجمة مخففة، ابن خالد، وقيل: ابن وديعة من بنى عمرو بن عوف، وكنية خذام أبو وديعة، والصحيح أن أباها كان زوجها وهى ثيب، وقيل: وهى بكر. رُوى لها عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثمانية أحاديث.
1161 - خولة بنت مالك بن ثعلبة:
راوية كفارة الظهار، وهى المجادلة، ذكرها فى المهذب، وهكذا وقع فى بعض نسخ المهذب: خولة بنت مالك بن ثعلبة، وفى بعضها: خويلة، بزيادة ياء، وهما مرويان، ورواية أبى داود بالياء، وفى بعض الروايات: خولة بنت ثعلبة بن أصرم، وفى بعضها: خولة بنت ثعلبة بن مالك، وفى بعضها: خويلة بنت خويلد، بالتصغير فيهما، وهى أنصارية، امرأة أوس بن الصامت، رضى الله عنه، ويقال فيها أيضًا: جميلة، بفتح الجيم، كذا جاء فى رواية لأبى داود، والبيهقى، وغيرهما.
1162 - خولة بنت يسار:
بالياء المثناة من تحت، ثم بالسين المهملة. مذكورة(2/342)
فى باب إزالة النجاسة من المهذب، روى حديثها البيهقى فى رواية أبى هريرة بإسناد ضعيف وضعفه، ثم روى بإسناد عن إبراهيم الحربى الإمام. قال: لم نسمع بخولة بنت يسار إلا فى هذا الحديث.
* * *
حرف الراء
1163 - الربيع بنت معوذ بن عفراء الصحابية الأنصارية:
مذكورة فى أول صفة الوضوء، وفى أوائل السير من المهذب، وهى بضم الراء، وفتح الباء الموحدة، وكسر الياء المشددة، ومعوذ بضم الميم، وفتح العين المهملة، وكسر الواو، وبعدها ذال معجمة، هذا هو الأشهر، وحكى فيه صاحب المطالع كسر الواو وفتحها، وحكى عن بعضهم أنه لا يجيز الكسر. وعفراء بعين مهملة مفتوحة، ثم فاء ساكنة، ثم راء، ثم ألف ممدودة، وهى الربيع بنت معوذ بن الحارث بن رفاعة بن الحارث الأنصارية، وهى ممن بايع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحت الشجرة بيعة الرضوان. روى عنها أهل المدينة، وأبوها معوذ هو أحد الذين قتلوا أبا جهل بن هشام عدو الله يوم بدر، وقد تقدم ذكره فى نوع الأبناء من قسم الرجال يكتب مناقب الربيع من الباب الذى بعد شهود الملائكة بدرًا من البخارى، جلس على فراشى حين بنى بى، ومن الحميدى فى مسندها.
وفى صحيح البخارى، عن خالد بن ذكوان، عن الربيع بنت معوذ، رضى الله عنهما، قالت: دخل النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غداة بنى بى، فجلس على فراشى كمجلسك هذا منى، وجويريات يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر، حتى قال إحداهن: وفينا نبى يعلم ما فى غد، فقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تقولى هذا، وقولى ما كنتى تقولين) . وفى رواية: "دعى هذه وقولى الذى كنت تقولين". وفى البخارى عن خالد أيضًا، عنها قالت: كن نغزوا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نسقى القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة.
وفى الصحيحين عن خالد بن ذكوان أيضًا، عنها قالت: أرسل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التى حول المدينة: "(2/343)
من كان أصبح صائمًا فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطرًا فليتم بقية يومه"، فكنا بعد ذلك نصومه ونصومه صبياننا الصغار منهم، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكا أحدهم على الطعام أعطيناها إياه حتى يكون عند الإفطار.
1164 - الربيع بنت النضر بن أنس:
مذكورة فى القصاص، وهى بضم الراء، وفتح الباء، وكسر الياء مثل التى قبلها، صحابية أنصارية نجارية، من بنى عدى بن النجار، وقد تقدم تمام نسبها فى ترجمة أخيها أنس، وهى عمة أنس بن مالك، وهى أم حارثة بن سراقة الذى استشهد بين يدى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ببدر، فأتت أمه الربيع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالت: يا رسول الله، أخبرنى عن حارثة، فإن كان فى الجنة صبرت واحتسبت، وإن كان غير ذلك اجتهدت فى البكاء، فقال: "إنها جنات، وإنه أصاب الفردوس الأعلى".
* * *
حرف الزاي
1165 - زينب بنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورضى عنها:
مذكورة [......] (1) ، وهى زوجة أبى العاص بن الربيع، وهو ابن خالتها هالة بنت خويلد، وهو القائل حين سافر إلى الشام:
ذكرت زينب لما دركت أرما ... فقلت سقيا لشخص بسكن الحرما
بنت الأمين جزاها الله صالحة ... وكل بعل سيبنى بالذى علما
توفيت زينب سنة ثمان من الهجرة، كذا قاله خليفة بن خياط، وابن أبى خيثمة، وآخرون، ولدت لأبى العاص: عليًا، وأمامة.
1166 - زينب أم المؤمنين، رضى الله عنها:
وهى زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية، تكنى أم الحكم، وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكانت زينب قديمة الإسلام، ومن المهاجرات مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، تزوجها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى سنة خمس من الهجرة، قاله قتادة، والواقدي، وبعض أهل المدينة.
وقال ابن المسيب، وأبو عبيدة، وخليفة بن خياط: تزوجها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
_________
(1) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.(2/344)
سنة ثلاث. وروى ابن سعد أنه تزوجه لهلال ذى القعدة سنة خمس من الهجرة، وهى بنت خمس وثلاثين سنة، وكانت قبل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحت زيد بن حارثة مولى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم طلقها فاعتدت، ثم زوجها إليه سبحانه وتعالى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأنزل فيها: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] ، وكانت تفتخر على نساء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتقول: زوجنى الله عز وجل من السماء. وكانت امرأة صناعًا تعمل بيدها وتتصدق به فى سبيل الله عز وجل.
وعن ابن عباس، رضى الله عنهما، قال: لما أخبرت زينب بتزويج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لها سجدت. وعن أم سلمة، قالت: وكانت زينب لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معجبة، وكان يستكثر منها، وكانت امرأة صالحة صوامة قوامة.
وعن عائشة قالت: يرحم الله زينب بنت جحش، لقد نالت فى هذه الدنيا الشرف الذى لا يبلغه شرف، أن الله عز وجل زوجها نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى الدنيا، ونطق به القرآن، إن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لنا ونحن حوله: "أسرعكن بى لحوقًا أطولكن باعًا"، فبشرها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسرعة لحوقها به - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهى زوجته فى الجنة. قالت عائشة: فكنا إذا اجتمعنا فى بيت إحدانا بعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نمد أيدينا فى الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش، وكانت امرأة قصيرة، رحمها الله تعالى، ولم تكن أطولنا، فعرفنا حينئذ أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما أراد بطول اليد الصدقة، وكانت زينب امرأة صناع اليد، فكانت تدبغ وتخرز وتتصدق به فى سبيل الله. ومناقبها كثيرة.
توفيت سنة عشرين وهى بنت ثلاث وخمسين سنة، ذكره ابن سعد، وأجمع أهل السير أنها أول نساء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - موتًا بعده، ودفنت بالبقيع فيما بين دار عقيل ودار ابن الحنفية، قاله ابن سعد، وصلى عليها عمر بن الخطاب، رضى الله عنهما، ونزل فى قبرها أسامة بن زيد، ومحمد بن عبد الله بن جحش، وعبد الله بن أبى أحمد بن جحش، ومحمد بن طلحة بن عبد الله، وهو ابن(2/345)
أختها حمنة، فكلهم محارم لها، رضى الله عنها,.
وهى أول امرأة جعل عليها النعش، أشارت به أسماء بنت عميس، كانت رأته فى الحبشة، وكان عمر، رضى الله عنه، يطلع إلى شىء يسترها، فأشارت به أسماء. رُوى لها عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحد عشر حديثًا، والمشهور الذى عليه الجمهور أنها توفيت سنة عشرين. وقال خليفة بن خياط: سنة إحدى وعشرين.
1167 - زينب امرأة عبد الله بن مسعود:
مذكورة فى الكتابين فى باب صدقة التطوع، وقد اختلف العلماء فى اسم امرأة ابن مسعود، فقال جماعة: اسمها زينب كما وقع فى المهذب والوسيط، ولعله هو قول الأكثرين، وهى زينب بنت عبد الله بن معاوية الثقفية، وقيل: اسمها رابطة، وقيل: ربطة بنت عبد الله، هكذا ذكر هذه الأقوال الثلاثة فيها جماعة من العلماء، منهم الخطيب الحافظ أبو بكر البغدادى فى كتاب الأسماء المبهمة، وجعل محمد بن سعد كاتب الواقدى زينب ورابطة امرأتين لعبد الله بن مسعود، فقال: رابطة بنت عبد الله امرأة عبد الله بن مسعود، وأم ولده، وكانت امرأة صناعًا، وذكر سؤالها النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النفقة على زوجها وأولادهما، ثم قال: زينب بنت أبى معاوية الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود، أسلمت وبايعت، ثم روى لها حديثًا.
قلت: وبعض أهل اللغة ينكر وجود رابطة فى كلام العرب. وذكر أبو عمر الزاهد فى آخر شرح الفصيح، عن ابن الأعرابى، قال: يقال: ربطة لا غير، ولم يحك العرب رابطة، وأفصح اللغات عائشة، وقد حكيت عيشة بلغة صحيحة فصيحة.
1168 - زينب بنت كعب بن عجرة:
مذكورة فى باب مقام المعتدة من المهذب، وهى تابعية، تروى عن فريعة بنت مالك. يروى عنها ابن أخيها سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة. قال على بن المدينى: لم يرو عنها غير سعد بن إسحاق.(2/346)
* * *
حرف السين
1169 - سبيعة الأسلمية الصحابية، رضى الله عنها:
مذكورة فى كتاب العدد من المختصر والمهذب، وهى بسين مهملة مضمومة، ثم باء موحدة مفتوحة، ثم ياء مثناة من تحت ساكنة، ثم عين مهملة، ثم هاء، وهى سبيعة بنت الحارث الأسلمية، كانت امرأة سعد بن خولة، رضى الله عنه، فتوفى عنها بمكة فى حجة الوداع وهى حامل، فوضعت بعد وفاة زوجها بليال، قيل: شهر، وقيل: خمس وعشرون، وقيل أقل من ذلك، والله أعلم.
رُوى لها عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثنا عشر حديثًا. وفى الصحيحين عن سبيعة أنها قالت: إنها كانت تحت سعد بن خولة، وكان ممن شهد بدرًا، فتوفى عناه فى حجة الوداع وهى حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها.
1170 - سعاد امرأة كعب بن زهير:
المرادة بقوله:
بانت سعاد فقلبى اليوم متبول
مذكورة فى المهذب فى الشهادات فى سماع الشعر.
1171 - سلمى أم رافع:
ذكرها فى المهذب فى كتاب الجنائز، وهى بفتح السين بلا خلاف، وقد غلط بعض المصنفين فى ألفاظ المهذب، حيث قال: هى بالضم، وهى مولاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقيل: مولاة صفية بنت عبد المطلب، وهى امرأة أبى رافع مولى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأم ولده، وكانت قابلة بنى فاطمة بنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقابلة إبراهيم ابن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وشهدت خيبر مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وذكر الإمام أحمد بن حنبل فى مسنده ترجمة لأبى سلمى، وذكر فيها الحديث المذكور فى المهذب عن سلمى هذه. وقال الإمام أبو نعيم الأصبهانى: هى فيما أرى امرأة أبى رافع.
1172 - سهلة بنت سهيل الصحابية، رضى الله عنها:
مذكورة فى الوسيط فى أول كتاب الرضاع، هى بفتح السين، وإسكان الهاء، وأبوها بضم السين على التصغير، وهى امرأة أبى حذيفة المذكورة فى المختصر فى الرضاع.
1173 - سهيمة امرأة ركانة:
مذكورة فى المهذب فى أول كتاب الطلاق(2/347)
وأواخر اليمين فى الدعاوى، هى بضم السين المهملة وفتح الهاء وإسكان الياء.
1174 - سودة أم المؤمنين، رضى الله عنها:
مذكورة فيها، وهى سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى بن غالب القريشية العامرية أم المؤمنين، قيل: كنيتها أم الأسود كانت قبل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحت ابن عمها السكران بن عمرو أخى سهل بن عمرو، وكان السكران بن عمرو، رضى الله عنه، مسلمًا، وهو من مهاجرة الحبشة، ثم قدما مكة فمات بها السكران مسلمًا، قاله ابن إسحاق وغيره.
قال ابن قتيبة: ومات ولم يعقب. قال ابن سعد: أسلمت سودة بمكة قديمًا وبايعت، وأسلم زوجها السكران بن عمرو وخرجا جميعًا مهاجرين إلى أرض الحبشة فى الهجرة الثانية. قال: واسم أم سودة الشموس بنت قيس بن عمرو بن عبد شمس، قال: وتزوج النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سودة، رضى الله عنها، فى رمضان سنة عشر من النبوة بعد وفاة خديجة، وقيل: تزوج عائشة ودخل بها بمكة، وهاجر بها إلى المدينة، وهكذا قال غيره أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تزوجها قبل عائشة، وهو قول ابن إسحاق، وقتادة، وأبى عبيدة، وابن قتيبة، وغيرهم، فهى أول امرأة تزوجها بعد خديجة. قال ابن الأثير: وقال عقيل: عن الزهرى. وقال عبد الله بن محمد بن عقيل: تزوجها بعد عائشة، ورواه يونس عن الزهرى.
رُوى لها عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمسة أحاديث، روى عنها عبد الله بن عباس، ماتت فى آخر خلافة عمر، رضى الله عنه وعنها، وهذا قول الأكثرين. وذكر محمد بن سعد، عن الواقدى: أنها توفيت فى شوال سنة أربع وخمسين فى خلافة معاوية بن أبى سفيان بالمدينة. قال الواقدى: وهذا أثبت عندنا، والله أعلم.
قال ابن إسحاق: أول مَن تزوجها النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خديجة، ثم سودة، ثم عائشة، ثم حفصة، ثم زينب بنت خزيمة أم المساكين، ثم أم حبيبة، ثم أم سلمة، ثم زينب بنت جحش، ثم جويرية، ثم صفية، ثم ميمونة، رضى الله عنهن.
* * *
حرف الصاد
1175 - صفية بنت حييى بن أخطب أم المؤمنين، رضى الله عنها:
تكررت(2/348)
فيها، وهى صفية المذكورة فى أوائل الوصية من المهذب فى الوصية للذمى، وحيى بحاء مهملة، ثم يائين مثناتين من تحت الأولى مفتوحة والثانية مشددة، ويقال: بضم الحاء وبكسرها، وأخطب بفتح الهمزة، وبالخاء المعجمة، وهى نضيريه من بنى نضير، وهى من ولد هارون بن عمران أخى موسى بن عمران، عليهما السلام، وأمها برة بنت سموأل، سباها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عام خيبر فى شهر رمضان سنة سبع من الهجرة، عتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها، وقد اختلف فى معناه، وهو مذكور فى الوسيط أو غيره، وكانت عاقلة من عقلاء النساء.
رُوى لها عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشر أحاديث. قال الواقدى، وأبو عبيدة، وابن البرقى: ماتت سنة خمسين. وذكر ابن سعد عن غيره أنها توفيت سنة اثنتين وخمسين. وذكر ابن قتيبة فى المعارف وغيره أنها توفيت سنة ست وثلاثين، وهذا غريب ضعيف، واتفقوا على أنها دفنت بالبقيع، وتزوجها النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم تبلغ سبع عشرة سنة.
1176 - صفية بنت شيبة، رضى الله عنها:
مذكورة فى المهذب فى فصل السعى، وقبله فى آخر باب ما يجب بمحظورات الإحرام، وهى صفية بنت شيبة حاجب الكعبة الكريمة، زادها الله شرفًا، وهو شيبة بن عثمان بن أبى طلحة، واسم أبى طلحة هذا عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصى القريشية الصحابية. قالت: رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستلم الركن بمحجن. رواه أبو داود. ولها فى الصحيحين خمسة أحاديث، والمشهور أن لها صحبة، وقيل: تابعية، حكاه ابن الأثير.
1177 - صفية بنت عبد المطلب، رضى الله عنها:
عمة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مذكورة فى باب العاقلة من المختصر، والوسيط، وهى أم الزبير ابن العوام، أحد العشرة المقطوع لهم بالجنة، رضى الله عنهم، وهى أخت حمزة بن عبد المطلب لأمه أيضًا، أسلمت صفية وهاجرت إلى المدينة، وبها توفيت فى خلافة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وقد أجمعوا على إسلامها، واختلفوا فى أختيها: عاتكة، وأروى.(2/349)
* * *
حرف الضاد
1178 - ضباعة بنت الزبير:
مذكورة فى المهذب والوسيط فى باب الفوات والإحصار، وهى ضباعة بنت الزبير ابن عبد المطلب بن هاشم القريشية الهاشمية، بنت عم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كانت تحت المقداد بن الأسود، فولدت له عبد الله، وكريمة، وقُتل عبد الله يوم الجمل مع عائشة. روى عن ضباعة: عبد الله بن عباس، وجابر، وأنس، وعائشة، وعروة، وعبد الرحمن الأعرج، وسعيد بن المسيب، وابنتها كريمة، وكنية ضباعة: أم حكيم. كذلك ذكر كنيتها الإمام الشافعى، رحمه الله تعالى، فيما رواه البيهقى عنه فى مناقبه. وأما قوله فى الوسيط: ضباعة الأسلمية، فغلط فاحش، وصوابه: الهاشمية، وسيأتى إيضاحه فى النوع الثامن فى الأوهام، إن شاء الله تعالى.
* * *
حرف الطاء
1179 - طليحة الأسدية:
مذكور فى المهذب فى أول باب اجتماع العدتين، هى بضم الطاء، وفتح اللام، وإسكان الياء، وبالحاء المهملة، وبعدها هاء التأنيث.
* * *
حرف العين
1180 - عائشة أم المؤمنين بنت أبى بكر الصديق، رضى الله عنهما:
وأمها أم رومان، بضم الراء وسكون الواو على المشهور. وقال ابن عبد البر فى الاستيعاب، يقال: بفتح الراء وضمها، بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس، والخلاف فى نسبها كثير، وأم رومان هى أم عائشة، وعبد الرحمن بن أبى بكر. توفيت أم رومان فى سنة ست فى ذى الحجة، قاله الواقدى والزبير، وقيل: توفيت سنة أربع أو خمس. قال ابن الأثير: ومن زعم أنها توفيت سنة أربع أو خمس فقد وهم،(2/350)
فإنه صح أنها كانت فى الإفك حية، وكان الإفك فى شعبان سنة ست، ونزل النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى قبرها واستغفر لها، أسلمت قبل الهجرة، رضى الله عنها.
كنية عائشة أم عبد الله، كناها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أم عبد الله بابن أختها عبد الله بن الزبير، رضى الله عنهم أجمعين، وذكر أبو بكر بن أبى خيثمة فى تاريخه عن ابن إسحاق، أن عائشة أسلمت صغيرة بعد ثمانية عشر إنسانًا ممن أسلم، تزوجها النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة قبل الهجرة لسنتين فى قول أبى عبيدة، وقال غيره: بثلاث سنين، وقيل: سنة ونصف أو نحوها، وهى بنت ست سنين، وقيل: سبع، والأول أصح، وبنى بها بعد الهجرة بالمدينة بعد منصرفه من بدر فى شوال سنة اثنتين بنت تسع سنين، وقيل: بنى بها بعد الهجرة بسبعة أشهر، وهو ضعيف، وقد أوضحت ضعفه فى أول شرح صحيح البخارى.
وهى من أكثر الصحابة رواية، رُوى لها عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ألفا حديث ومائتا حديث وعشرة أحاديث، اتفق البخارى ومسلم منها على مائة وأربعة وسبعين حديثًا، وانفرد البخارى بأربعة وخمسين، ومسلم بثمانية وستين، روى عنها خلق كثير من الصحابة والتابعين، وفضائلها ومناقبها مشهورة معروفة.
روينا عن الإمام أبى محمد الحسينى بن مسعود البغوى صاحب التهذيب من أصحابنا، قال: روى أن عائشة كانت تفتخر بأشياء أعطيتها لم تعطها امرأة غيرها، منها أن جبريل أتى بصورتها فى سرقة من حرير، وقال: هذه زوجتك، وروى أنه أتى بصورتها فى راحته، وأن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يتزوج بكرًا غيرها، وقبض رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورأسه فى حجرها، ودفن فى بيتها، وكان ينزل عليه الوحى وهو معها فى لحافها، ونزلت براءتها من السماء، وأنها بنت خليفة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصديقه، وخلقت طيبة ووعدت مغفرة ورزقًا.
وكان مسروق إذا روى عن عائشة، قال: حدثتنى الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المبرأة فى السماء، رضى الله عنها، توفيت ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من شهر رمضان سنة سبع وخمسين، وقيل: سنة ست وخمسين، وقيل: سنة ثمان وخمسين، وصلى عليها أبو هريرة، رضى الله(2/351)
عنه، وأمرت أن تدفن بالبقيع ليلاً، فدفنت من ليلتها بعد الوتر، واجتمع على جنازتها أهل المدينة وأهل العوالى، وقالوا: لم نر ليلة أكثر ناسًا منها.
والمشهور فى عائشة الذى لم يذكر الأكثرون غيره أنها عائشة، بالألف. وقال أبو عمرو الزاهد فى آخر شرح الفصيح: عن ثعلب، عن ابن الأعرابى: أفصح اللغات عائشة. قال: وقد حكيت عايشة بلغة فصيحة. قال: وعائشة مأخوذة من العيش. قلت: وحكى هذه اللغة أيضًا على بن حمزة,.
وفى الصحيحين عن أنس، رضى الله عنه، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام". وفى مسلم فى أبواب قيام الليل: عن القاسم ابن محمد، عن عائشة، قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل". قال: وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمته. واعلم أن عائشة لم تدخل الشام قط، وإنما ذكرت هذا لأنى رأيت من اشتبه عليه ذلك فتوهم دخولها دمشق، وهذا خطأ صريح، وجهل قبيح، ولا خلاف بين أهل التواريخ والحديث أنها لم تدخل الشام، وممن نص على عدم دخولها الشام الحافظ أبو القاسم بن عساكر فى باب ذكر مساجد دمشق.
1181 - عائشة بنت طلحة: مذكورة فى المختصر فى صوم التطوع.
* * *
حرف الفاء
1182 - فاطمة الزهراء بنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورضى عنها:
تكررت فيها، كنيتها أم الهاد، روينا ذلك فى تاريخ دمشق، وذكره خلائق من العلماء أمها خديجة بنت خويلد أم المؤمنين، رضى الله عنها، والصحيح أنها أصغر بنات رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سنًا. قال ابن عبد البر: وقيل: إن رقية أصغرهن، وقيل: أصغرهن أم كلثوم، والصحيح الأول.
أنكحها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على بن أبى طالب، رضى الله عنه، بعد وقعة أُحُد، وقيل: أنه تزوجها بعد أن بنى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعائشة بأربع أشهر ونصف، وبنى بها بعد تزويجه إياها بسبعة أشهر ونصف، وكان سنها يوم تزوجها خمس(2/352)
عشرة سنة وخمسة أشهر، وتوفيت بعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بستة أشهر، وقيل: بثلاثة أشهر، وقيل: بثمانية أشهر، وقيل: بسبعين يومًا، وقيل: بشهرين، والصحيح الأول.
قيل: توفيت لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة، وكان عمرها سبعًا وعشرين سنة، وقيل: ثلاثين، وقيل: إحدى وثلاثين. وقال الكلبى: كان عمرها خمسًا وثلاثين سنة، وغسلها على وأسماء بنت عميس، وصلى عليها على، وقيل: العباس.
وأوصت أن تدفن ليلاً ففعل ذلك بها، ونزل فى قبرها على، والعباس، والفضل بن العباس، رضى الله عنهم أجمعين، وولدت لعلى الحسن، والحسين، وزينب، وأم كلثوم، تزوج زينب عبد الله بن جعفر، فولدت له عليًا، وعونًا، وأما أم كلثوم فتزوجها عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، فولدت له زيدًا، ثم تزوجها بعد وفاة عمر عون بن جعفر، ومات عنها، ثم تزوجها محمد بن جعفر، ثم عبد الله بن جعفر,
1183 - فاطمة بنت قيس:
التى طلقها زوجها، وخطبها معاوية، وأبو الجهم، فتزوجت أسامة، تكرر ذكرها فى المختصر والمهذب، وحديثها صحيح معروف، وهى فاطمة بنت قيس بن خالد الأكبر ابن وهب بن ثعلبة الفهرية القريشية، وهى أخت الضحاك بن قيس، وكانت أكبر منه بعشر سنين، وكانت من المهاجرات الأول ذات عقل وافر وكمال، وفى بيتها اجتمع أصحاب الثورى، رُوى لها عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعة وثلاثون حديثًا، وروى عنها جماعة من كبار التابعين، رضى الله عنها وعنهم أجمعين.
1184 - فاطمة بنت أبى حبيش:
مذكورة فى باب الغسل من المهذب، وفى الحيض، وكانت مستحاضة، رضى الله عنها، وحبيش بحاء مهملة مضمومة، ثم باء موحدة مفتوحة، ثم ياء مثناة من تحت ساكنة، ثم شين معجمة، واسم أبى حبيش قيس بن المطلب بن أسعد بن عبد العزى بن قصى، وهى قريشية أسدية.
1185 - الفريعة بنت مالك:
مذكورة فى المهذب فى باب مقام المعتدة، ثم فى باب نفقة المعتدة، تكررت فى العدد من المختصر، هى بضم الفاء، وفتح الراء وبالعين المهملة، ويقال لها أيضًا: الفارعة، أنصارية خدرية، وهى أخت أبى سعيد الخدرى. قال(2/353)
محمد بن سعد: هى أخته لأبيه وأمه، وأمهما أنيسة بنت أبى خارجة عمرو بن قيس بن مالك. وقال غيره: اسم أمها حبيبة بنت عبد الله بن أُبىّ بن سلول، شهدت الفريعة، رضى الله عنها، بيعة الرضوان مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحديثها المذكور صحيح، رواه أبو داود، والترمذى، والنسائى، وابن ماجة بأسانيد صحيحة. قال الترمذى: حديث حسن صحيح.
حرف اللام
1186 - لبابة بنت الحارث الصحابية:
مذكورة فى الوسيط فى أواخر باب المياه النجسة، وهى أم الفضل المذكورة فى المهذب فى أول باب صوم التطوع، وهى بضم اللام، وبباء موحدة مكررة، وهى لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية، أخت ميمونة أم المؤمنين، ولبابة هذه زوجة العباس بن عبد المطلب، وأم أولاده، وكانت من المنجيات، ولدت للعباس ستة رجال لم تلد امرأة مثلهم: الفضل، وعبد الله، ومعبد، وعبيد الله، وقثم، وعبد الرحمن.
وأسلمت لبابة هذه قديمًا. قال الكلبى، ومحمد بن سعد، وغيره: هى أول امرأة أسلمت بعد خديجة، وكان النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يزورها، وهى لبابة الكبرى، وأختها لبابة الصغرى أم خالد بن الوليد، اختلف فى صحبتها وإسلامها، فأثبتها الواقدى، رُوى لأم الفضل عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثون حديثًا اتفقا على حديثين، ولمسلم حديث.
* * *
حرف الميم
1187 - مارية، رضى الله عنها:
مذكورة فى المهذب فى أول باب عتق أم الولد، وهى سرية رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأم ابنه إبراهيم، أهداها له المقوقس ملك مصر. روينا عن ابن أبى خيثمة، وخليفة بن خياط، قال: قدم حاطب بن أبى بلتعة سنة(2/354)
سبع من عند المقوقس بمارية أم إبراهيم ابن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبغلته دلدل وحماره يعفور، وكانت مارية بيضاء جعدة جميلة، فأسلمت فتسراها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكانت حسنة الدين، توفيت سنة ست عشرة فى خلافة عمر، هكذا قاله الواقدى، وخليفة، وأبو عبيد، وقيل: سنة خمس عشرة، ودفنت بالبقيع.
1188 - مريم بنت عمران الصديقة، أم عيسى، عليه السلام:
ذكر الإمام الحافظ أبو القاسم فى تاريخ دمشق أنها كانت بالربوة. قال: ويقال: إن قبرها بالنيرب، ولم يصح، وذكر نسبها، وإنها من أولاد سليمان بن داود بينها وبينه أربعة وعشرون أبًا، ثم روى أقوال المفسرين فى قول الله تعالى: {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون: 50] ، قالوا: أرض دمشق، واسم أم مريم حَنَّة، بفتح الحاء المهملة وتشديد النون.
وعن مجاهد قال: لما قيل: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِى لِرَبِّكِ} [آل عمران: 43] ، كانت تقوم حتى تورم قدماها، وفى رواية: تصلى حتى ترم قدماها. قال الحافظ: وبلغنى أن مريم بقيت بعد رفع عيسى خمس سنين، وكان عمرها ثلاثًا وخمسين سنة.
وعن أبى أمامة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أعلمت أن الله زوجنى فى الجنة مريم ابنة عمران، وكليم أخت موسى، وآسية امرأة فرعون"، فقلت: هنيئًا لك يا رسول الله.
وفى الصحيح: "ما من مولود يولد إلا ويمسه الشيطان، إلا عيسى وأمه". وفى الحديث الصحيح: "كمل من النساء أربع: مريم ابنة عمران ... " الحديث. وفى الصحيح: "خير نسائها مريم".
1189 - ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين، رضى الله عنها:
مذكورة فى مواضع من المختصر والمهذب، وفى نكاح الوسيط، وهى بنت الحارث ابن حزن الهلالية، تزوجها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سنة ست من الهجرة، وقيل: سنة سبع، قيل: كان اسمها برة، فسماها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ميمونة، قاله كريب، عن ابن عباس. رُوى لها عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ستة وأربعون حديثًا، ماتت بسرف، وهو بسين مهملة مفتوحة، ثم راء مكسورة، ثم فاء، وهو ماء بينه وبين مكة عشرة أميال، قاله ابن قتيبة وغيره. وقال صاحب المطالع: هو على ستة أميال من مكة، وقيل: سبعة، وقيل: تسعة، وقيل: اثنا(2/355)
عشر. قلت: وهو إلى جهة المدينة ودفنت هناك، وبنى بها النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هناك أيضًا.
توفيت سنة إحدى وخمسين، قاله خليفة بن خياط وغيره، وهو الأظهر، وقيل: سنة اثنتين وخمسين، وقيل: سنة ثلاث وخمسين، وقيل: سنة ست وستين، وهذه الأقوال الثلاثة شاذة باطلة، وقد صرح الحافظ ابن عساكر بضعفها.
وفى الحديث الصحيح ما يبطلها، فإن فى الصحيح أنها توفيت قبل عائشة، وصلى عليها عبد الله بن عباس، ودخل قبرها هو ويزيد بن الأصم، وعبد الله بن شداد بن الهاد، وهم أبناء أخواتها، وعبيد الله الخولانى، وكان يتيمًا فى حجرها. قيل: كانت ميمونة، رضى الله عنها، قبل أن يتزوجها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند أبى رهم، براء مهملة مضمومة، ثم هاء ساكنة، ثم ميم، ابن عبد العزى، وقيل: عند سخبرة بن أبى رهم، وقيل: عند حويطب بن عبد العزى، وقيل: عند فروة بن عبد العزى، حكاه ابن الأثير. قال ابن قتيبة فى المعارف: كانت أم ميمونة امرأة من جرش يقال لها: هند بنت عمرو، وهى مشتقة من اليمن، وهى البركة، والميمون المبارك.
* * *
حرف النون
1190 - نايلة بنت الفرافصة الكلبية:
امرأة عثمان بن عفان، رضى الله عنه، مذكورة فى باب ما يحرم من النكاح من المهذب، وهى نايلة، بالياء المثناة من تحت بعد الألف، والفرافصة بفتح الفاء الأولى وكسر الثانية، وبالصاد المهملة، كذا ذكره الأمير أبو نصر بن ماكولا وغيره، ورأينا كثيرًا من الناس يغلطون فيه، ويضمون ألفاء الأولى. وحكى عن ابن الكلبى أنه قال: كل اسم فى العرب فرافصة فبضم الفاء الأولى، إلا نايلة بنت الفرافصة فبفتحها.
وفى تاريخ دمشق: نايلة بنت الفرافصة بن الأحوص بن عمير زوج عثمان بن عفان، سمعت عثمان، روى عنها النعمان بن بشير وغيره، قدمت على معاوية بعد قتل عثمان فخطبها، فابت أن تنكحه، ولدت لعثمان أم خالد،(2/356)
وأروى، وأم أبان، وكانت أحظى نساء عثمان عنده فى وقتها، وتزوجها وهى نصرانية، وأسلمت عنده على يده.
* * *
حرف الهاء
1191 - هند امرأة أبى سفيان بن حرب:
تكرر فيها فى نفقة الأقارب وغيره، وهى هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القريشية العبشمية، فهى أم معاوية بن أبى سفيان، أسلمت فى الفتح بعد إسلام زوجها أبى سفيان بليلة وحسن إسلامها، وشهدت اليرموك مع زوجها أبى سفيان، توفيت فى أول خلافة عمر، رضى الله عنه، فى اليوم الذى مات فيه أبو قحافة والد أبى بكر الصديق، رضى الله عنهما.
وروى الأزرقى وغيره أن هندًا هذه لما أسلمت جعلت تضرب صنمًا فى بيتها بالقدوم فلذة فلذة وتقول: كنا معك فى غرور. وفى تاريخ دمشق أن هندًا هذه قدمت على ابنها معاوية فى خلافة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه. روى عنها ابنها معاوية، وعائشة.
* * *
النوع الثاني: فى الكنى
حرف الألف
1192 - أم أيمن الصحابية، رضى الله عنها:
مذكورة فى كتب الطهارة من الوسيط. هى حاضنة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واسمها بركة، بفتح الباء الموحدة والراء، وكنيت بابنها أيمن، رضى الله عنه، وهو بفتح الهمزة والميم، وهى مولاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحاضنته، أعتقها وزوجها مولاه زيد بن حارثة، فولدت له أسامة بن زيد.
روينا فى صحيح مسلم، عن الزهرى، رحمه الله، قال: كان من شأن أم أيمن أم أسامة ابن زيد أنها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب، وكانت من الحبشة، فلما ولدت آمنة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدما توفى أبوه كانت أم أيمن تحضنه حتى كبر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأعتقها، ثم أنكحها زيد بن حارثة، ثم توفيت بعدما توفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -(2/357)
بخمسة أشهر، هذا كلام الزهرى.
وذكر الإمام ابن الأثير أم أيمن، فقال: أسلمت قديمًا فى أول الإسلام، وهاجرت إلى الحبشة وإلى المدينة، وبايعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهى التى شربت بول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقيل: أن التى شربته بركة جارية أم حبيبة، وإنما كنيت أم أيمن بابنها أيمن بن عبيد، تزوجها زيد بن حارثة بعد عبيد الحبشى، وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أم أيمن أمى بعد أمى"، وكان يزورها فى بيتها. توفيت بعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخمسة أشهر، وقيل: بستة أشهر، هذا كلام ابن الأثير.
وقال محمد بن سعد كاتب الواقدى فى طبقاته: أم أيمن اسمها بركة. قال محمد بن عمر، يعنى الواقدى: شهدت أُحُدًا، وخيبر، وتوفيت فى خلافة عثمان بن عفان. قلت: هذا الذى قاله الواقدى من وفاتها شاذ منكر مردود، وإنما نذكر مثله ليعلم أنا قد اطلعنا عليه ونعتقد بطلانه مخافة من اغترار واقف عليه.
استشهد أيمن، رضى الله عنه، يوم حنين، وقد روينا عن الشافعى إكفاره على من روى عن مجاهد، عن أيمن، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يقطع السارق إلا فى ثمن المجن"، وكان ثمن المجن يومئذ دينارًا. قال الشافعى: قتل أيمن يوم حنين قبل مولد مجاهد.
قال القاضى عياض فى شرح مسلم: أم أيمن اسمها بركة، وهى أم أسامة، كان أسامة أسود وأبوه زيد أبيض، ولم أر لأحد أن أم أيمن كانت سوداء إلا أحمد بن سعيد الصدفى، فذكر فى تاريخه عن عبد الرزاق، عن ابن سيرين أنها كانت سوداء، فعلى هذا خرج لون أسامة كلونها. قال: وقد نسبها الناس، فقالوا: هى أم أيمن بركة بنت محصن ابن ثعلبة بن عمرو بن حفص بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان.
قال القاضى عياض: وقد ذكر مسلم فى كتاب الجهاد، عن ابن شهاب، أن أم أيمن كانت من الحبشة، وكذا ذكر الواقدى. قال: وذكر بعض المؤرخين أن أم أيمن هذه كانت من سبى جيش أبرهة صاحب الفيل لما انهزم أبرهة عن مكة، أخذها عبد المطلب من فل عسكره، وهذا يؤكد ما ذكره ابن سيرين، هذا آخر كلام القاضى عياض.
* * *
حرف الحاء
1193 - أم حبيبة أم المؤمنين، رضى الله عنها:
تكررت فى المهذب، وفى(2/358)
الوسيط فى الحيض، اسمها رملة، وقيل: هند، والصحيح المشهور رملة، وبه قال الأكثرون، كنيت بابنتها حبيبة بنت عبيد الله بن جحش، وكانت من السابقين إلى الإسلام، وهى بنت أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف، هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى الحبشة، فتوفى عنها، فتزوجها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهى هناك سنة ست من الهجرة. قال أبو عبيد، وخليفة: ويقال: سنة سبع.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام، والواقدى: توفيت سنة أربع وأربعين. وقال ابن أبى خيثمة: توفيت قبل وفاة معاوية بسنة، وتوفى معاوية فى رجب سنة ستين، وهذا غريب ضعيف، والله أعلم.
قال الحافظ أبو القاسم فى تاريخ دمشق: قدمت دمشق زائرة أخاها معاوية. قال: وقيل: إن قبرها بها. قال: والصحيح أنها ماتت بالمدينة. قال ابن مندة: توفيت سنة اثنتين وأربعين، وقيل: سنة أربع وأربعين. قال: وكان النجاشى أمهرها من عنده عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان وليها عثمان بن عفان. وقال الكلاباذى أبو نصر: أمهرها النجاشى أربعة آلاف درهم، وبعثها إلى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع شرحبيل بن حسنة. وقال أبو نعيم الأصبهانى: أمهرها النجاشى أربعمائة دينار، وتولاها عثمان بن عفان، وقيل: خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس.
وقال غيره: كان التزويج سنة ست من الهجرة، وقيل: سنة سبع، وقدم بها إلى المدينة ولها بضع وثلاثون سنة، وكان الخاطب عمرو بن أمية الضمرى، وكان زوجها قبل النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبيد الله بن جحش، تنصر بالحبشة ومات نصرانيًا، وهو أخو عبد الله بن جحش الصحابى الجليل، واستشهد يوم أُحُد.
* * *
حرف الدال
1194 - أم الدرداء:
مذكورة فى باب صوم التطوع من المهذب، وهى بالمد، وهى زوجة أبى الدرداء، وهى صحابية، واعلم أن لأبى الدرداء زوجتين كل واحدة منهما كنيتها أم الدرداء، وهما كبرى وصغرى، فالكبرى صحابية، والصغرى تابعية،(2/359)
واسم الكبرى خيرة، بفتح الخاء المعجمة، وهى هذه المذكورة فى المهذب، واسم الصغرى هجيمة، بضم الهاء، وفتح الجيم، وبعدها ياء مثناة تحت ساكنة، ثم ميم، ويقال: جهيمة بنت حيى، وقل: حيى الأصابية، ويقال: الوصابية، والوصاب بطن من حمير.
قال البخارى فى صحيحه فى أبواب صفة الصلاة: وكانت أم الدرداء، يعنى هذه، فقيهة. واتفقوا على وصفها بالفقه، والعقل، والفهم، والجلالة. توفى عنها أبو الدرداء بدمشق، فخطبها معاوية فلم تفعل، وهى أم بلال بن أبى الدرداء، وسمعت أبا الدرداء، وأبا هريرة، وعائشة، روى عنها خلائق من كبار التابعين. روى لها مسلم فى صحيحه.
قال الحميدى فى آخر الجمع بين الصحيحين: قال أبو بكر البرقانى: أم الدرداء الصغرى هى التى روت فى الصحيح، وأما أم الدرداء الكبرى الصحابية فليس لها فى الصحيحين حديث.
وفى تاريخ دمشق فى ترجمة أم الدرداء الكبرى الصحابية، قال: اسمها خيرة بنت أبى حدرد، واسم أبى حدرد سلامة بن عمير، وهى أخت عبد الله بن أبى حدرد، وهى أسلمية، ويقال: كنيتها أم محمد، توفيت أم الدرداء فى حياة أبى الدرداء، وفى التاريخ فى ترجمة أم الدرداء الصغرى هجيمة أنها روت عن أبى الدرداء، وأبى هريرة، وعائشة، وكانت زاهدة فقيهة.
وفى تاريخ دمشق أن أم الدرداء الصغرى، قالت لأبى الدرداء عند الموت: إنك خطبتنى إلى أبوى فى الدنيا فأنكحوك، وأنا أخطبك إلى نفسك فى الآخرة. قال: فلا تنكحى بعدى، فخطبها معاوية بن أبى سفيان، فأخبرته بالذى كان، فقال: عليك بالصوم.
وفى رواية: أن معاوية خطبها بعد وفاة أبى الدرداء، فقالت: قال أبو الدرداء: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المرأة لزوجها الأخير"، فلست بمتزوجة بعد أبى الدرداء زوجًا حتى أتزوجه فى الجنة. وفى رواية: خطبها معاوية، فقالت: لا والله لا أتزوج زوجًا فى الدنيا حتى أتزوج أبا الدرداء إن شاء الله تعالى فى الجنة. وفى رواية: لست أريد بأبى الدرداء بدلاً.
وعن عوف بن عبد الله، قال: جلسنا إلى أم الدرداء، فقلنا لها: أمللناك، فقالت: لقد طلبت العبادة فى كل شىء، فما أصبت لنفسى شيئًا أشفى من مجالسة العلماء ومذاكرتهم، ثم اختبئت وأمرت رجلاً يقرأ فقرأ، ولقد وصلنا لهم القول. وعنها قالت: أفضل العلم المعرفة.
وعن عبد ربه بن سليمان بن عمر، قال: كتبت لى أم الدرداء فى لوحى فيما تعلمنى: تعلموا الحكمة صغارًا تعلمونها كبارًا،(2/360)
وإن كان زراع حاصد ما زرع من خير أو شر. وعن ميمون، قال: ما دخلت على أن الدرداء فى ساعة الصلاة إلا وجدتها تصلى.
وعنها عفا الله عنها، قالت: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] ، وإن صليت فهو من ذكر الله عز وجل، وإن صمت فهو من ذكر الله عز وجل، وكل خير تعمله فهو من ذكر الله عز وجل، وكل شر تجتنبه فهو من ذكر الله عز وجل، وأفضل ذلك تسبيح الله عز وجل.
وأتاها رجل، فقال: قد نال منك رجل عند عبد الملك، فقالت: أن نؤمن بما فينا فطال ما زكينا بما ليس فينا. وقالت لرجل يصحبهم فى السفر: ما يمنعك أن تقرأ وتذكر الله عز وجل كما يصنع أصحابك؟ قال: ما معى من القرآن إلا سورة، وقد رددتها حتى أدبرتها، فقالت: وإن القرآن ليدبر؟ ما أنا بالتى أصحبك إن شئت أن تقوم، وإن شئت تتأخر، فضرب دابته وانطلق. رويته بإسنادى فى كتاب الزهد. وروينا فى المستصفى عن سعيد بن عبد العزيز، قال: كانت أم الدرداء هجيمة تقيم ببيت المقدس وبدمشق ستة أشهر.
* * *
حرف الراء
1195 - أم رومان: امرأة ارتدت، فى أول ردة المهذب.
* * *
حرف السين
1196 - أم سلمة أم المؤمنين، رضى الله عنها:
تكررت فيها اسمها هند، هذا هو الصحيح المشهور. قال ابن الأثير: وقيل: اسمها رملة. قال: وليس بشىء، كنيت بابنها سلمة بن أبى سلمة، وهى هند بنت أبى أمية، واسمه حذيفة، ويقال: سهيل، ويقال: هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومية، وأمها عاتكة بنت عامر بن ربيعة، كانت قبل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند أبى سلمة عبد الله بن عبد الأسد.
قال ابن سعد: هاجر بها أبو سلمة إلى أرض الحبشة فى الهجرتين جميعًا، فولدت له هناك زينب بنت أبى سلمة، وولدت له بعد ذلك سلمة، وعمر، ودرة بنى أبى سلمة. وروى ابن سعد، عن عمر بن أبى سلمة، قال: خرج أبى إلى أُحُد، فرماه أبو أسامة الجشمى(2/361)
فى عضده بسهم، فمكث شهرًا يداوى جرحه، ثم برأ الجرح، وبعثه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أبى قطن فى المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرًا، فغاب تسعًا وعشرين ليلة، ثم رجع فدخل المدينة لثمان خلون من صفر سنة أربع، والجرح منتقض، فمات منه لثمان خلون من شهر جمادى الآخرة سنة أربع من الهجرة، فاعتدت أمى وحلت لعشر ليال بقين من شوال سنة أربع، وتزوجها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى ليال بقين من شوال سنة أربع، وتوفيت فى ذى القعدة سنة تسع وخمسين.
وروى عن غير عمر أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تزوجها فى شوال، وجمعها إليه فى شوال، وكذا قاله خليفة بن خياط وغيره: تزوجها فى شوال سنة أربع.
وروينا فى تاريخ دمشق، عن ابن المسيب، أن أم سلمة كانت من أجمل الناس، وعن المطلب بن عبد الله بن حنطب، قال: دخلت أيم العرب على سيد المرسلين أول العشاء عروسًا، وقامت من آخر الليل تطحن، يعنى أم سلمة، رضى الله عنها، وذكر أن أبا هريرة صلى عليها بالبقيع، وأن ابنها عمر، قال: نزلت فى قبر أم سلمة أنا وأخى سلمة، وعبد الله بن عبد الله بن أبى أمية، وعبد الله بن وهب بن زمعة الأسدى، وكان لها يومئذ أربع وثمانون سنة، وهى آخر أمهات المؤمنين وفاة.
وهذا الذى ذكره ابن سعد من أنها ماتت سنة تسع وخمسين وصلى عليها أبو هريرة هو الصحيح، وقيل: صلى عليها سعيد بن زيد أحد العشرة، حكاه صاحب الكمال، وابن الأثير، وهذا مشكل، فإن سعيد بن زيد، رضى الله عنه، مات سنة إحدى وخمسين، وأم سلمة ماتت سنة تسع وخمسين كما تقدم، بل ذكر أحمد بن أبى خيثمة أنها توفيت فى ولاية يزيد بن معاوية، وولى يزيد فى رجب سنة ستين، ومات فى شهر ربيع الأول سنة أربع وستين، واتفقوا على أن أم سلمة دفنت بالبقيع.
وفى تاريخ دمشق أنها توفيت فى شوال سنة تسع وخمسين، وفى رواية سنة إحدى وستين حين جاء نعى الحسين. قال ابن عساكر: هذا هو الصحيح. وقال ابن الأثير: قيل: توفيت أم سلمة فى شهر رمضان أو شوال سنة تسع وخمسين، قال: وكانت هى وزوجها أول مَن هاجر إلى الحبشة.
1197 - أم سليمان الصحابية، رضى الله عنها:
مذكورة فى المهذب فى جمرة العقبة، قالت: رأيت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرمى الجمرة من بطن الوادى وهو راكب، هكذا(2/362)
صوابها: أم سليمان، ووقع فى نسخ المهذب: أم سليم، وهو غلط بلا شك، وسنوضحه فى نوع الأوهام إن شاء الله تعالى، وكنيتها الأصلية أم جندب، إنما وصفت بابنها سليمان بن عمرو بن الأحوص.
1198 - أم سليم:
مذكورة فى باب الغسل من المهذب والوسيط، اختلف فى اسمها، فقيل: سهلة، وقيل: رملة، وقيل: أنيسة، وقيل: رميثة، وقيل: الرميصاء، وهى بنت ملحان، بكسر الميم، وقيل: بفتحها، وهى أم أنس بن مالك خادم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا خلاف فى هذا بين أهل العلم، وذلك من المشهور المعروف فى الصحيحين، وكتب الأسماء والتواريخ وغيرها. وقال الغزالى فى الوسيط: هى جدة أنس، وكذلك قاله شيخه، والصيدلانى، ومحمد بن يحيى، وصاحب البحر، وهو غلط بالاتفاق، وسيأتى فى نوع الأوهام إن شاء الله تعالى.
وكانت أم سليم هذه هى وأختها خالتين لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من جهة الرضاع، وكانت من فاضلات الصحابيات، وكانت تحت أبى طلحة.
أخبرنا الشيخ شمس الدين، قال: أنا السلمى، والزبيدى، قال: أنا أبو الوقت، قال: أنا الدراوردى، قال: أنا المحمودى، قال: أنا الفربرى، قال: أنا البخارى، قال: أنا حجاج ابن منهال، قال: أنا عبد العزيز بن الماجشون، قال: أنا محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، رضى الله عنهما، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رأيتنى دخلت الجنة، فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبى طلحة، وسمعت خشفة فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال، ورأيت قصرًا بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخله، فذكرت غيرتك"، فبكى عمر، وقال: بأبى وأمى يا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعليك أغار.
هذا حديث صحيح، رواه البخارى ومسلم فى صحيحيهما نفيس يشتمل على فوائد منها عدة مناقب لعمر، ومنقبة لبلال، ومنقبة لأم سليم الرميصاء، ومنها أن الجنة مخلوقة، وهذا لفظه فى صحيح البخارى، ورويناه فى قصة أم سليم فى صحيح مسلم أيضًا من رواية أنس بن مالك، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى كتاب الفضائل.
1199 - أم سليم:
المذكورة فى فصل رمى جمرة العقبة من المهذب، كذا وقع فى النسخ: أم سليم، وصوابه: أم سليمان، بزيادة ألف ونون كما تقدم، عرفت بابنها(2/363)
سليمان بن عمرو بن الأحوص، وكنيتها الحقيقة أم جندب، وهى أزدية صحابية مشهورة، رضى الله عنها، وسنزيد بيانها فى فصل الأوهام، إن شاء الله تعالى.
* * *
حرف العين
1200 - أم عطية الصحابية، رضى الله عنها:
مذكورة فى المهذب فى باب الحيض، وباب الغسل، ومواضع من كتاب الجنائز، وباب الإحداد، وهى من فاضلات الصحابيات والغازيات منهن مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكانت تغسل الميتات، وهى التى غسلت بنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واسمها نسية، بنون ثم سين مهملة، ثم منهم من ضم النون وفتح السين، ومنهم من فتح النون وكسر السين، فممن ذكر هذا الخلاف فى النون والسين منها الإمام الحافظ أبو بكر الخطيب فى كتابه الأسماء المبهمة، فنقل فى حرف النون منه عن على بن المدينى، أن عبد العزيز بن المختار قالها بضم النون، وأن يزيد بن زريع قالها بفتح النون، ونقل الخلاف فيها جماعة من المتأخرين كالحافظ أبى القاسم بن عساكر، والحافظ عبد الغنى المقدسى، وغيرهما.
وخالفهما ابن ماكولا وجماعة، فقالوا: نسيبة بالضم، هى أم عطية، وأما بالفتح فهى أم عمارة، ثم قيل فى أم عطية أنها بنت كعب، وقيل: بنت الحارث، فأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وابن مندة، وأبو نعيم وجماعة يقولون: بنت كعب، وقال ابن عبد البر وجماعة: هى بنت الحارث. رُوى لها عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم على ستة، وانفرد كل واحد منهما بحديث واحد.
* * *
حرف الغين
1201 - أم غُراب: بضم الغين، سمى باسم الغراب الطائر المعروف، مذكورة فى آخر باب عقد الذمة من المهذب، هى تابعية.(2/364)
* * *
حرف الفاء
1202 - أم الفضل بنت الحارث الصحابية:
مذكورة فى المهذب فى أول صوم التطوع فى أوائل الرضاع، هى زوجة العباس، واسمها لبابة بنت الحارث، سبق بيانها فى الأسماء فى ترجمة لبابة.
* * *
حرف الكاف
1203 - أم كرز الصحابية، رضى الله عنها:
مذكورة فى باب العقيقة من المختصر والمهذب، وفى أوائل الأضحية من المهذب، وهى بكاف مضمومة، ثم راء ساكنة، ثم زاى، هى خزاعية مكية، وحديثها فى العقيقة حديث صحيح، رواه أبو داود، والترمذى، والنسائى، وابن ماجة، وغيرهم. قال الترمذى: حديث حسن صحيح.
1204 - أم كلثوم بنت على بن أبى طالب، رضى الله عنه وعنها:
مذكورة فى صلاة الميت من المهذب، هى بضم الكاف، وهى بنت فاطمة، رضى الله عنها، بنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولدت فى حياة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، تزوجها عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، فولدت له زيدًا، ورقية، وتوفيت أم كلثوم هى وابنها زيد بن عمر فى يوم واحد، وقد تقدم بيان ذلك فى ترجمة زيد.
1205 - أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط:
مذكورة فى باب عقد الهدنة من المختصر والمهذب، هى بضم الكاف، واسم أبى معيط أبان بن أبى عمرو ذكوان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، اسلمت أم كلثوم، رضى الله عنها، وهاجرت وبايعت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكانت هجرتها سنة سبع من الهجرة، وأم كلثوم هذه مذكورة أيضًا فى المهذب فى قسم الصدقات فى مسألة سقوط نصيب العامل إذا فرق المال بنفسه، وهى أخت عثمان بن عفان، رضى الله عنه.
ولما هاجرت تزوجها زيد بن حارثة، فاستشهد يوم مؤتة، ثم تزوجها الزبير بن العوام، ثم طلقها، ثم تزوجها(2/365)
عبد الرحمن بن عوف فمات عنها، ثم تزوجها عمرو بن العاص، رضى الله عنه، فماتت عنده، قيل: أقامت عنده شهرًا ثم ماتت. قال الحاكم أبو أحمد فى كتابه الأسماء والكنى: هى أول مهاجرة من مكة إلى المدينة، وهى أم حميد بن عبد الرحمن بن عوف التابعى المشهور.
1206 - أم كلثوم بنت عبد الرحمن: مذكورة فى المختصر فى الهبة فى باب عطية الرجل ولده.
1207 - أم كلثوم: مولاة أسماء. مذكورة فى المهذب فى صوم التطوع فى مسألة صوم الدهر.
* * *
حرف الميم
1208 - أم معبد: التى نزل النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى هجرته عند خيمتها، اسمها عاتكة بنت خالد، أسلمت، رضى الله عنها، روينا هذا كله فى تاريخ دمشق.
* * *
حرف الهاء
1209 - أم هانىء بنت أبى طالب، رضى الله عنها:
أخت على، رضى الله عنه، لأبويها. مذكورة فى باب صلاة التطوع من المهذب، وفى فصل الأمان من باب السير منه، وهانىء بهمزة فى آخره لا خلاف فيه بين أهل اللغة والأسماء، وكلهم مصرحون به، واسم أم هانىء فاختة، هذا هو المشهور، وقيل: اسمها هند، قاله الإمامان الشافعى، وأحمد بن حنبل، وغيرهما، وقيل: فاطمة، حكاه ابن الأثير. أسلمت عام الفتح، وكانت تحت هبيرة بن عمرو، فولدت له عمرًا، وهانئًا، ويوسف، وجعدة. روى لها عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ستة وأربعون حديثًا.
* * *
حرف الياء
1210 - أم يحيى بنت أبى إهاب:
مذكورة فى المهذب فى آخر باب عدد الشهود، وإهاب بكسر الهمزة، وهو أبو إهاب ابن عزيز، بفتح العين المهملة، وبزاى مكررة، وحديثها فى صحيح البخارى وغيره.(2/366)
* * *
النوع الثالث: فى الأنساب والألقاب
حرف الغين
1211 - الغامدية: التى أقرت على نفسها بالزنا، رضى الله عنها، تكررت فى المهذب، قيل: اسمها سبيعة، وقيل: أبية، حكاهما الخطيب.
* * *
النوع الرابع: ما قيل فيه: بمن فلان، أو أمه، أو أخته، أو عمته، أو خالته
1212 - بنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: التى توفيت، فأمرهن بغسلها ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا، ويبدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها، مذكورة فى الجنائز من المهذب، وحديثها هذا فى الصحيحين، اسمها زينب، رضى الله عنها، هذا هو الصحيح المشهور، والله أعلم.
1213 - ابنة حمزة بن عبد المطلب، رضى الله عنها:
التى اختصموا فى حضانتها، مذكورة فى الحضانة من المهذب، اسمها فاطمة، وقيل: اسمها عمارة، وقيل: أمامة.
1214 - بنت كعب بن عجرة، رضى الله عنه وعنها: مذكورة فى المهذب، اسمها زينب.
1215 - بنت عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق: فى المختصر فى النكاح. هى [......] (1) .
1216 - قوله فى أول الوصية من المهذب فى حديث سعد بن أبى وقاص، رضى الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، لى مال كثير، وليس يرثنى إلا ابنتى. اسم هذه البنت عائشة، ولم يكن لسعد ذلك الوقت إلا هذه البنت، ثم عوفى من ذلك المرض،
_________
(1) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.(2/367)
وجاءه بعد ذلك أولاد كثيرون معروفون، تقدم بيانهم فى ترجمته، ويأتى فى حرف الواو من اللغات فى فصل ورث.
1217 - قوله فى قسم الخمس من المهذب أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسهم لأم الزبير، اسمها صفية بنت عبد المطلب، وهى عمة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
1218 - ذكر فى الصداق من المهذب قوله تعالى حكاية عن شعيب، عليه السلام: {إِنِّى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَىَّ} [القصص: 27] ، اختلف فى اسمهما، فقيل: إحداهما صفوراء، والأخرى لياء، قاله الشعبى وغيره. وقال ابن إسحاق: إحداهما صفوراء، والأخرى شرهاء، وقيل: شرقاء، وقيل: الكبرى صفوراء، والصغرى صفيراء، وقيل: التى تزوجها موسى، عليه السلام، اسمها صفوراء، وهى التى جاءته تمشى على استحياء، وقالت لأبيها: استأجره. وروينا فى حلية الأولياء: إن التى تزوجها موسى، عليه السلام، اسمها صفراء، كذا هو فى الأصول المحققة صفراء.
1219 - قوله فى النكاح من المهذب أن ابن عمر، رضى الله عنهما، تزوج بنت خالة عثمان بن مظعون، رضى الله عنه، فذهبت أختها إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقالت: بنتى تكره ذلك، هذه الأم اسمها خولة بنت حكيم بن أمية، وهى التى وهبت نفسها للنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأما البنت المزوجة فاسمها زينب.
1220 - أم النعمان بن بشير، رضى الله عنهم:
مذكورة فى أوائل باب الهبة من المهذب، اسمها عمرة بنت رواحة، وهى أخت عبد الله بن رواحة.
1221 - أم سعد بن عبادة: مذكورة فى المهذب فى الصلاة على الميت بعد دفنه، قيل: إنها عمرة بنت مسعود بن قيس.
1222 - أم عائشة أم المؤمنين، رضى الله عنها:
مذكورة فى أول نكاح الوسيط فى الخصائص، وفى المهذب فى أول كتاب الطلاق، وفى تخيير الزوجة، سبق بيانها فى ترجمة بنتها عائشة.
1223 -(2/368)
أخت عمر بن الخطاب، رضى الله عنه وعنها:
التى سمعها تقرأ طه، مذكورة فى آخر باب عقد الذمة من المهذب، اسمها فاطمة.
1224 - أختا عائشة:
اللتان أرادهما أبو بكر الصديق، رضى الله عنه، بقوله لعائشة: إنما هما أخواك وأختاك، قالت: هذان أخواى، فمن أختاى؟ فقال: ذو بطن بنت خارجة، فإنى أظنها جارية. ذكر هذه القصة فى باب الهبة من المهذب، وقد تقدم بيانهما فى أسماء الرجال فى النوع الرابع فى الأخوة، وهاتان الأختان هما أسماء بنت أبى بكر، وأم كلثوم، وهى التى كانت حملاً، وقد تقدم هناك إيضاح القصة، وأم كلثوم هذه تزوجها عمر بن الخطاب، رضى الله عنه.
1225 - أخت عقبة بن عامر: مذكورة فى آخر نذر المهذب، اسمها [......] (1) .
1226 - خالة جابر: المعتدة، مذكورة فى آخر باب مقام المعتدة من المهذب.
* * *
النوع السادس: ما قيل فيه: زوجة فلان
1227 - زوجة حبان بن منقذ: التى قضى عثمان وعلى وزيد، رضى الله عنهم، أنها لا تنقضى عدتها إلا بالحيض، مذكورة فى أول كتاب العدد من الوسيط، هى أنصارية لم أر اسمها، وقد يظن أنها زينب الصغرى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمية، فإنها كانت زوجته كما تقدم فى ترجمة حبان، وهذا الظن خطأ، بل هى أنصارية كما ذكرنا، وقد روى حديثها مالك بن أنس فى الموطأ، والبيهقى وغيرها، وقالوا فيه: كانت تحت حبان امرأتان هاشمية وأنصارية، فطلق الأنصارية وهى ترضع، فمرت بها سنة، ثم هلك عنها ولم تحض، فقضى لها عثمان بالميراث، هذا لفظ الموطأ، فظاهر عبارة الغزالى أنها كانت ممن انقطع حيضها بغير عارض، وذلك خطأ كما ذكرناه.
1228 - امرأة حكيم بن حزام، وأبى سفيان بن حرب، وصفوان بن
_________
(1) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.(2/369)
أبى أمية، وعكرمة بن أبى جهل:
مذكورات فى المختصر فى نكاح المشرك، اسم امرأة أبى سفيان هند، سبق فى ترجمتها.
1229 - امرأة رفاعة القرظى:
التى تزوجها عبد الرحمن بن الزبير، بفتح الزاى، اختلف فى اسمها، فقيل سهيمة، وقيل: عائشة، وقيل: تميمة، حكى الأقوال الثلاثة ابن الأثير فى مواضع من كتابه، وذكرها فى حرف التاء: تميمة بنت وهب بن عبيد القرظية مطلقة رفاعة القرظى، وقال فيها: القلعى: تميمة، بضم التاء، بنت وهب الفزارى. وذكرها أبى بكر الخطيب البغدادى فى الأسماء المبهمة، فقال: هى تميمة، وقيل: سهمية بنت وهب بن عبيد، وذكر غيرهم أنه يقال فيها: تميمة، بفتح التاء، وتميمة بضم التاء.
1230 - امرأة ابن مسعود:
مذكورة فى المختصر فى صدقة التطوع، هى زينب الثقفية، تقدم بيانها فى ترجمتها.
1231 - زوجة عقيل بن أبى طالب، رضى الله عنه:
التى وقع بينه وبينها الشقاق، فبعث عثمان، رضى الله عنه، الحكمين لسببهما ذكرها فى المهذب فى باب النشوز اسمها فاطمة بنت عقبة كذلك، رواه الشافعى، رحمه الله.
1232 - امرأة أبى حذيفة الصحابى والصحابية، رضى الله عنهما:
مذكورة فى الرضاع من المختصر، اسمها سهلة بنت سهيل، سبق إيضاحها فى ترجمتها فى حرف السين.
* * *
النوع السابع: المبهمات كامرأة
1233 - المرأة اليهودية التى أهدت لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشاة المسمومة: اسمها زينب بنت الحارث أخت مرحب اليهودى، روينا ذلك فى مغازى ابن عقبة، وفى دلائل النبوة تصنيف البيهقى، رحمه الله.
1234 - المرأتان اللتان ضربت إحداهما الأخرى فقتلتها وقتلت جنينها:(2/370)
وهما مذكورتان فى باب دية الجنين من المهذب والوسيط إحداهما مليكة، والأخرى أم غطيف، بضم الغين المعجمة، وفتح الطاء المهملة، كذلك روينا تسميتها فى كتاب النسائى عن ابن عباس، رضى الله عنهما، وذكر بعض العلماء أن المقتولة اسمها مليكة بنت عويمر، والقاتلة أم غفيف بن مسروح، وكذا قال: غفيف بالفاء، وقيل غير ذلك، وقد أوضحته فى أول كتاب الإشارات فى الأسماء المبهمات.
1235 - قوله فى نكاح المهذب: تزوج ابن عمر، رضى الله عنهما، بنت خالة عثمان بن مظعون، فقالت أمها: أن ابنتى تكره ذلك، اسم البنت زوينب، والأم خولة بنت حكيم بن أمية.
1236 - قوله فى أول الصداق من المهذب: أن امرأة قالت: قد وهبت لك نفسى يا رسول الله، اسمها خولة بنت حكيم بن أمية، وقيل: أم شريك، وهو الأشهر، وقول الأكثرين. وقال ابن سعد: اسمها غزية بنت جابر بن حكيم.
1237 - امرأة لوط، عليه السلام: مذكورة فى باب عدد الطلاق من المهذب، وفى باب الإقرار، قيل: اسمها واهلة.
1238 - امرأة أيوب، عليه السلام، ورضى الله عنها: اسمها رحمة.
1239 - قوله فى باب استيفاء القصاص من المهذب: أن امرأة من جهينة أتت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقالت أنها زنت وهى حبلى، اسمها سبيعة.
1240 - قوله فى كتاب السير من المهذب: أن ظعينة كان معها كتاب من حاطب ابن أبى بلتعة، رضى الله عنه، اسمها سارة، وقيل: أم سارة.
1241 - ذكر فى كتاب عقد الهدنة من المهذب قول الله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4] ، هذه المرأة يقال لها: أم جميل بنت حرب بن أمية، أخت أبى سفيان صخر بن حرب، وقرىء فى السبع: حمالة بالرفع والنصب، وقد تقدم بيانها فى حرف الحاء من اللغات.(2/371)
1242 - المرأة التى زنى بها ماعز، رضى الله عنه، قيل: اسمها فاطمة، وقيل: منيرة، وهى أمة الهزال، رضى الله عنه.
1243 - الشاعر الذى أنشد له فى باب القذف من المهذب:
وارق إلى الخيرات
هى امرأة من العرب كانت ترقص ابنها وتنشد هذا، وقيل غير ذلك، وقد قدمت بيانه فى المبهمات من أسماء الرجال.
1244 - المرأة التى تزوجها النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فرأى بكشحها بياضًا، فقال: “الحقى بأهلك”، اسمها العالية بنت ظبيان، قاله ابن باطيش.
1245 - المرأة السوداء التى شهدت عند النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنها أرضعت مذكورة فى الرضاع من المهذب.
1246 - المرأة المستعيذة التى فارقها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال لها: “الحقى بأهلك”، مذكورة فى أول نكاح الوسيط، اختلف فى اسمها، والأصح أن اسمها أميمة، وروينا فى آخر كتاب دلائل النبوة للإمام البيهقى عنه، قال: روينا فى حديث أبى أسيد الساعدى فى قصة الجونية التى استعاذت فألحقها بأهلها: أن اسمها أميمة بنت النعمان ابن شراحيل. قال: وذكر ابن مندة فى كتابه المعرفة أنها أميمة بنت النعمان، وأنه يقال: إنها فاطمة بنت الضحاك، ويقال: إنها مليكة الليثية، قال: والصحيح أنها أميمة، والله أعلم.
قلت: وقيل: اسمها عمرة. قال الخطيب فى الأسماء المبهمة: اسمها أسماء. قال هشام بن محمد الكلبى: اسمها أسماء بنت النعمان بن الحارث بن شراحيل بن عبيد بن الجون. قوله فى الوسيط: فعلمها نساؤه كلمة، هذا باطل ليس بصحيح، وقد رواه محمد ابن سعد فى طبقاته بهذه الزيادة وإسناده ضعيف.
1247 - المرأة السائلة عن غسل الحيض، فقال: “خذى فرصة”، مذكورة فى المهذب، هى أسماء بنت يزيد، وقيل غير ذلك، ينقل من المبهمات وعلوم الحديث.
1248 - قوله فى الباب الثانى من كتاب الحيض من الوسيط، لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -(2/372)
لبعض المستحاضات: “تحيضى فى علم الله”، هذه المستحاضة هى حمنة بنت جحش، رضى الله عنها، وقد تقدم بيانها فى ترجمتها.
1249 - المرأة التى طلقها ابن عمر، رضى الله عنهما، وهى حائض، اسمها أمية بنت غفار، قاله ابن باطيش.
1250 - المرأة الغامدية التى زنت، اسمها سبيعة، وقيل: أبية، ذكرهما الخطيب.
1251 - المرأة التى رآها عمر بن أبى ربيعة مقتولة، وأنشد الشعر بسببها، مذكورة فى كتاب السير من المهذب، اسمها عمرة بنت النعمان بن بشير، وهى امرأة المختار حكاه ابن باطيش.
1252 - الجارية السوداء التى زنت فرفعت إلى عمر، رضى الله عنه، فقال: عروس بدرهمين، مذكورة فى أول حد الزنا من المهذب، هى أمة عجمية نوبية، أعتقها حاطب، كانت قد أسلمت وصلت وصامت وهى بنت، كذا ذكرها الخطيب البغدادى بإسناده فى آخر كتاب الفقيه والمتفقه فى فصل مشاورة المفتى أصحابه، وذكر فى روايته أن عمر، رضى الله عنه، جلدها مائة وغربها عامًا وظاهر حكاية صاحب المهذب أنه لم يجلدها.
1253 - الجارية التى غربها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مذكورة فى المختصر فى باب ما يقع من الطلاق، وهى مارية.
1254 - المسكينة التى توفيت ليلاً، فصلى عليها النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يقال لها: أم محجن، مذكورة فى المهذب فى الصلاة على الميت فى قبره.
1255 - المرأة التى ارتضع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحمزة، رضى الله عنه، منها أشار إليها فى أول الرضاع من المهذب، اسمها ثويبة، بثاء مثلثة مضمومة، وقبل الهاء باء موحدة، وكانت مولاة لأبى لهب عم النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ارتضع منها قبل حليمة السعدية، وقبل قدوم حليمة، وقد تقدم بيانه فى ترجمته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
1256 - الظعينة التى ذهب إليها على، والزبير، والمقداد، رضى الله عنهم، إلى روضة خاخ،(2/373)
مذكورة فى كتاب السير من المهذب. قال الخطيب البغدادى: يقال لها: أم سارة، مولاة لعمران بن حنفى القريشى.
1257 - العجوز، فى حديث أنس، قمنا وراءه والعجوز من ورائنا، هى أم سليم.
1258 - امرأة أيوب النبى، عليه السلام: مذكورة فى باب جامع الإيمان من المهذب، قال فى تاريخ دمشق: هى رحمة بنت إفرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم الخليل، عليه السلام، ويقال: اسمها ليا بنت ميشا بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق، ويقال لها: بنت يعقوب بن إسحاق، ويقال: رحمة بنت ميشة بن يوسف بن يعقوب، وكانت زوج أيوب، عليه السلام، بأرض الشام.
1259 - الحائض التى قال لها النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اصنعى ما يصنع الحاج، غير أن لا تطوفى"، مذكورة فى المختصر، هى عائشة، رضى الله عنها، حديثها هذا فى الصحيحين.
1260 - مرضعة إبراهيم ابن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هى أم سيف، ويقال لها أيضًا: أم بردة، واسمها خولة بنت المنذر الأنصارية، ذكرها القاضى عياض.
* * *
النوع الثامن: فى الأوهام وشبهها
1261 - قوله فى أول المهذب: لما رأى أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأسماء بنت أبى بكر فى دم الحيض تصيب الثوب: "حتيه ... " الحديث، هكذا رواه فى المهذب، وكذا روى فى رواية ضعيفة، رواه الشافعى فى الأم، والصحيح المشهور الذى رواه البخارى ومسلم فى صحيحيهما وغيرهما من المحققين من المحدثين وغيرهما لما روت أسماء أن امرأة سألت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك، وقد بينت ذلك فى المجموع من شرح المهذب.
1262 - قوله فى الغسل من الوسيط: روى أن أم سليم جدة أنس بن مالك، قالت: يا رسول الله، هل على إحدانا من غسل إذا احتلمت؟ هكذا وقع فى الوسيط أم سليم جدة أنس، وكذا ذكره الصيدلانى، ثم إمام الحرمين، ثم القاضى الرويانى صاحب البحر، ثم محمد بن يحيى تلميذ الغزالى، وهو غلط بلا شك، فإن أم سليم هى أم أنس لا جدته، لا خلاف فى ذلك بين أهل العلم بهذا الفن، وقد تقدم بيانه فى الكنى، والله أعلم.(2/374)
1263 - قوله فى أول الجنائز من المهذب لما روت أم سلمى أم ولد رافع، كذا وقع وهو غلط، والصواب أم رافع أو أم ولد أبى رافع، وقد تقدم بيانه فى ترجمة أبى سلمى.
1264 - قوله فى أول الخلع من المهذب: روى أن جميلة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس، كذا وقع فى المهذب: جميلة، والصحيح أنها حبيبة بنت سهل بن ثعلبة الأنصارية، كذا ثبت اسمها فى رواية الحفاظ، وكذا ذكرها مالك فى الموطأ، والشافعى فى المختصر وغيره، وأبو داود، والنسائى، والبيهقى، وغيرهم، وقد روى جميلة بنت أُبىّ.
قال أبو عمر بن عبد البر: يجوز أن تكون جميلة وحبيبة اختلعتا من ثابت بن قيس، قال: وأهل البصرة يقولون: المختلعة من ثابت جميلة بنت أُبىّ، وأهل المدينة يقولون: حبيبة بنت سهل، وكيف كان فقول المصنف: جميلة بنت سهل، غلط.
قال محمد بن سهل فى الطبقات: جميلة بنت عبد الله بن أُبىّ بن مالك بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم بن غنم بن عوف، أمها خولة بنت المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدى بن عمرو بن مالك بن النجار، تزوج جميلة حنظلة بن أبى عامر الراهب، فقُتل عنها يوم أُحُد شهيدًا، وولدت عبد الله بن حنظلة بعده، ثم خلف عليها ثابت بن قيس بن شماس، ثم تزوجها مالك بن الدخشم، ثم خلف عليها حبيب بن سباق، فأسلمت جميلة وبايعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأخو جميلة عبد الله بن أُبىّ لأبيها وأمها، شهد بدرًا، وقتل ابناها عبد الله بن حنظلة، ومحمد بن ثابت بن قيس يوم الحرة، وحنظلة بن الراهب هو غسيل الملائكة.
ثم ذكر ابن سعد ترجمة لحبيبة بنت سهل، فقال: حبيبة بنت سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، وأمها عمرة بنت مسعود بن قيس ابن عمرو بن زيد مناة من بنى مالك بن النجار، تزوج حبيبة ثابت بن قيس بن شماس، وأسلمت حبيبة معه، وبايعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فخالعها ثم تزوجها أُبىّ بن كعب، وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هم أن يتزوجها، فكره ذلك لغيرة الأنصار.
وقال الخطيب البغدادى فى كتابه الأسماء المبهمة، وقد ذكرته فيما اختصرته من كتابه فى ترجمة ابن عباس، قال(2/375)
الخطيب: هذه المختلعة حبيبة بنت سهل، وقيل: جميلة بنت عبد الله بن أُبىّ بن سلول. قلت: هكذا رأيته فى نسخ كتاب الخطيب، والمشهور: جميلة بنت أُبىّ أخت عبد الله لا ابنته. قال ابن الأثير: وقيل: كانت بنت عبد الله، وهو وهم.
1265 - قوله فى آخر الباب الثانى من كتاب الحيض من الوسيط: لقول بنت جحش: كنا لا نعتد بالصفرة وراء العادة شيئًا، هكذا هو فى أكثر النسخ: لقول بنت جحش، وفى بعضها لقول زينب بنت جحش. وقال إمام الحرمين فى النهاية: لقول حمنة بنت جحش، وهذا كله مُنكر لا يُعرف فى كُتب الحديث ولا غيرها، وصوابه: لقول أم عطية: كنا لا نعتد بالصفرة والكدرة شيئًا، كذا رواه أبو عبد الله البخارى فى صحيحه، والنسائى.
1266 - قوله فى المهذب فى فصل رمى جمرة العقبة: لما روت أم سليم، قالت: رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرمى الجمرة من بطن الوادى، هكذا وقع فى النسخ: أم سليم، آخره ميم، وهو خطأ بلا شك فيه، وصوابه: أم سليمان بعد الميم ألف، ثم نون، وهذا متفق عليه عند أهل الحديث والأسماء والتواريخ والأنساب، وحديثها هذا فى سنن أبى داود، وسنن ابن ماجة، والبيهقى، وغيرهم، وجمع كتب الحديث يقولون: عن سليمان ابن عمرو بن الأحوص، عن أمه، قالت: رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرمى الجمرة ... إلى آخره، وهى أم جندب الأزدية، صحابية معروفة.
1267 - قوله فى باب العاقلة من الوسيط: أن جاريتين اختصمتا، كذا فى النسخ: جاريتين، تثنية جارية، وهو تصحيف، وصوابه: جارتين، تثنية جارة، والمراد زوجتان، والحديث فى الصحيح مشهور، وفيه بيان كونهما جارتين لا جاريتين.
1268 - قوله فى أواخر الحج من الوسيط فى استباحة التحلل: لما روى أن ضباعة الأسلمة، كذا هو فى النسخ: الأسلمية، وهو خطأ بلا شك، وصوابه: الهاشمية، فإنها ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب بن هاشم بنت عم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد تقدم بيانها فى الأسماء.(2/376)
1269 - قوله فى المهذب فى باب غسل الميت: لما روت أم سليم أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: "فإذا كان فى آخر غسلة من الثلاث أو غيرها فاجعلى فيه شيئًا من كافور"، هكذا هو فى نسخ المهذب: أم سليم، وهو غلط، وصوابه: أم عطية، وحديثها هذا مشهور فى الصحيحين وغيرهما.
1270 - قوله فى المهذب فى باب صوم التطوع: أن سلمان زار أبا الدرداء، فرأى أم سلمة مبتذلة، هكذا هو فى نسخ المهذب، وهو غلط صريح، وصوابه: فرأى أم الدرداء، هكذا هو صحيح البخارى، وجميع كُتب الحديث وغيرها، وهو المعروف؛ لأن أم الدرداء هى زوجة أبى الدرداء، وأما أم سلمة فلا تعلق لها بأبى الدرداء، رضى الله عنهم أجمعين، والحمد لله وحده.
تم بحمد الله القسم الأول(2/377)
رب يسر ولا تعسر يا كريم
القسم الثاني [في اللغات]
حرف الألف
إبط: الإبط معروف بكسر الهمزة وإسكان الباء وفيه لغتان التأنيث والتذكير، حكاهما أهل اللغة أرجحهما التذكير. قال ابن السكيت: الإبط مذكر وقد يؤنث.
أبو: يطلق الأب على زوج الأم مجازًا، ومن ذلك ما رويناه في مسند أبي عوانة في حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: "لما صنعت أم سليم الطعام وبعثه أبو طلحة زوج أمه أم سليم ليدعو رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال أنس: فلما رآني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: دعانا أبوك؟ قلت: نعم". وفي رواية: "أرسلك أبوك؟ قال: نعم". وفي روايات: "قال أنس: يا رسول الله إن أبي يدعوك"، وفي رواية: "قال أنس: فلما رجعت قلت: يا أبتاه قد قلت لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". وفي رواية: "يا أبت".
أثل: قوله في كتاب السير من "المهذب" في فصل السلب: في حديث أبي قتادة رضي الله تعالى عنه: "وأنه لأول مال تأثلته في الإسلام" هو: بهمزة مفتوحة بعد التاء وبعدها ثاء مثلثة مشددة معناه(3/3)
اتخذته أصلاً، وهو مأخوذ من الأثلة بفتح الهمزة وإسكان الثاء، هي أصل الشيء والتأثيل التأصيل، يقال: مجد مؤثل، وأثيل.
أثم: في سنن أبي داود في باب ما قيل في الخلفاء: عن سعيد بن زيد أحد العشرة رضي الله تعالى عنهم أجمعين قال: أشهد على التسعة أنهم في الجنة ولو شهدت على العاشر لم إيثم. قال الخطابي: إيثم لغة لبعض العرب، تقول: إيثم مكان آثم وله نظائر في كلامهم.
أجر: قال الواحدي: قال الأخفش: من العرب من يقول أجرت غلامي أجرًا فهو مأجور، وآجرته إيجارًا فهو مؤجر، وآجرته على فاعلته فهو مؤاجر. قال: وقال المبرد: يقال أجرت داري ممدود وآجرته ممدود، والأول أكثر إيجارًا وإيجارة، هذا كلام الواحدي.
قال الأزهري في “شرح المختصر”: الأجر أصله الثواب، يقال: أجرت فلانًا من عمله كذا أي أثبته منه، والله تعالى يأجر العبد أي يثيبه، والثواب العوض من ثاب يثوب أي رجع، كأن المثيب يعوضه مثل ما أسدي إليه. قلت: والمشهور فيه الإجارة بكسر الهمزة. قال أبو القاسم الرافعي، وحكى الجياني في “الشامل” فيها أيضًا ضم الهمزة.
أجص: الإجاص بكسر الهمز وتشديد الجيم نون بينهما: ثمر معروف، وهو الذي تسميه أهل دمشق الخوخ، الواحدة إجاصة. قال الجوهري: هو دخيل، يعني ليس عربيًا لأن الجيم والصاد لا يجتمعان في كلمة واحدة في كلام العرب.
أجل: قد تكرر في “المهذب والتنبيه” قوله: إذا اختلف التعاقدان في تعجيل العوض أو تأجيله قد ينكر عليه جمعه بينهما. ويقال: ما اختلفا في أحدهما فقد اختلفا في الآخر، فلا فائدة في جمعه بينهما، فيجاب بأنهما صورتان، وليس فيه تكرار فاختلافهما في تعجيله أن يقول أحدهما هو حال، ويقول الآخر هو مؤجل، واختلافهما في تأجيله أن يقول أحدهما هو مؤجل إلى شهر، فيقول الآخر إلى شهرين.
أجن: الإجانة بكسر الهمزة وتشديد الجيم وجمعها إجاجين، هو الإناء الذي تغسل فيه الثياب. قال الجوهري: ولا يقال إيجانة، وقوله في باب المساقاة: يجب على العامل(3/4)
إصلاح الأجاجين، هي ما حول المغارس محوط عليه تشبه الأجانة التي يغسل فيها.
أخر: ولا يشترط في الآخر إلا يبقى بعده شيء، فيقول في الثلاثة: أما الأول فقام، وأما الآخر فصلى، وأما الأخر فذهب. ومنه حديث الثلاثة: “أما أحدهم فأوى إلى الله تعالى، وأما الآخر … ”الخ. روياه في صحيحيهما، واستعمله في “الوسيط” في الثاني من الحيض، والآخر من أسماء الله تعالى. قال الله تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ} (الحديد: من الآية3) .
قال الإمام أبو بكر الباقلاني في كتاب “هداية المسترشدين” في علم الكلام: المراد بالآخر أنه سبحانه وتعال عالم قادر وعلى صفاته التي كان عليها في الأزل، وأنه يكون كذلك بعد موت الخلق، وبطلان علومهم وحواسهم وقدرهم وانتقاض أجسامهم وصورهم، وتعلقت المعتزلة بهذا الاسم واحتجوا به في فناء الأجسام وذهابها بالكلية، ومذهب أهل الحق خلاف ذلك، وحملت المعتزلة الآخر على أنه الآخر بعد فناء خلقه.
وأجاب الباقلاني بما سبق: أن المراد بالآخر بصفاته بعد موتهم إلى آخر ما سبق – قال: ولهذا يقال آخر مَن بقي مِن بني فلان فلان، يُراد حياته ولا يُراد فناء جواهر موتاهم وعدمها واستمرار وجود أجزائها، فإن هذا مما لا يخطر على بال، فبطل تعلقهم بالآخر.
أخو: قال الإمام أبو الحسن أحمد بن فارس اللغوي النحوي في كتابه “المجمل” تأخيت الشي مثل تحريته. قال: قال بعض أهل العلم: سمي الأخوان لتآخي كل واحد منهما بالآخر ما تأخاه الآخر. قال: ولعل الأخوة مشتقة من هذا، والإخاء ما يكون بين الإخوان. قال: وذكر أن الإخوة للولادة والإخوان للأصدقاء، والنسبة إلى الأخت أخوي، يعني: بضم الهمزة، وإلى الأخ أخوي يعني بفتحها، هذا آخر ما ذكر ابن فارس.
وقال الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي رحمه الله تعالى في كتابه “البسيط في تفسير القرآن العزيز”: {فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران: من الآية103) . قال: قال الزجاج أصل الأخ في اللغة من التوخي، وهو الطلب، فالأخ مقصده مقصد أخيه، فكذلك هو في الصداقة أن يكون إرادة كل واحد من الإخوان موافقة لما يريد صاحبه.
قال الواحدي: قال أبو حاتم: قال أهل البصرة الإخوة في النسب والإخوان في الصداقة. قال أبو حاتم: وهذا غلط يقال للأصدقاء والأنسباء: أخوة(3/5)
وإخوان قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات: من الآية10) لم يعين النسب، وقال عز وجل: {أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ} (النور: من الآية61) وهذا في النسب والله تعالى أعلم.
قلت: ومما جاء في الإخوان في النسب قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} إلى قوله: {أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ} (النور: من الآية31) .
وذكر ابن السكيت وغيره أنه يقال في جمع الأخ إخوة وأخوة بكسر الهمزة وضمها لغتان.
أذن: الأذان الإعلام، وأذان الصلاة معروف، ويقال فيه الأذان والأذين والإيذان قاله الهروي. قال: وقال شيخي: الأذين هو المؤذن المُعْلِم بأوقات الصلاة فعيل بمعنى مفعل. وقال الأزهري في “شرح ألفاظ المختصر”: الأذان إسم من قولك آذنت فلانًا بكذا أوذنه إيذانًا أي أعلمته إعلامًا إعلام الصلاة، ويقال: أذن المؤذن تأذينًا وأذانًا، أي أعلم الناس بوقت الصلاة، فوضع الاسم موضع المصدر. قال: وأصل هذا من الأذن، كأنه يلقي في آذان الناس بصوته ما إذا سمعوه علموا أنهم قد ندبوا إلى الصلاة.
وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “ما أذن الله تعالى لشيء كأذنه لنبي”، فقوله: “أذن” بكسر الذال، وقوله: “كأذنه” بفتح الذال. قال الهروي معناه ما استمع والله تعالى لا يشغله سمع عن سمع، والأُذُن بضم الهمزة وبضم الذال وسكونها أذن الحيوان مؤنثة وتصغيرها أذينة.
وفي الحديث: سئل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الرطب بالتمر فقال: أينقص الرطب إذا يبس؟ فقيل: نعم، فقال: فلا إذن. فقوله: إذن حرف مكافأة وجواب يكتب بالنون، فإذا وقفت على إذن، قلت: إذا كما تقول رأيت زيدا، قاله الجوهري.
أرب: قوله في “التنبيه”: ولا يجوز بيع الأَرْبُون فيه لغات كثيرة حاصلها: ست أربون وأربون وأربان، وعربون وعربون وعربان، ذكره ابن قتيبة في موضعين من “أدب الكاتب” أحدهما في باب “ما ينقص منه ويزاد فيه” والآخر في باب ما جاء فيه أربع لغات: أربان، وأربون، وعربان، وعربون، الأولى بضم الهمزة وسكون الراء، وضم الباء، والثانية بفتح الهمزة وسكون الباء وهذه المذكورة في التنبيه، والثالثة والرابعة على(3/6)
مثال الأولى والثانية إلا أنهما بالعين بدل الهمزة، هذا ما ذكره ابن قتيبة وذكر صاحب “المحكم” عربان وعربون بالضم كما تقدم، وزاد ثالثة عربون بفتح العين والراء، قال: والأربان يعني بالضم لغة في العربان.
قال ابن الجواليقي في كتابه “المعرب” الأربان والأربون عجمي يعني معربًا، وأما معناه فقال صاحب “الحاوي” فيه: روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع العربان، وروي عن بيع الأربون قال مالك: وهو أن يشتري الرجل العبد أويتكارى الدابة ثم يقول: أعطيك دينارًا على أني إن رجعت عن البيع فما أعطيتك لك، وهذا بيع باطل للنهي عنه، وللشرط فيه، ولأن معنى القمار قد تضمنه، والله تعالى أعلم. هذا ما ذكره في “الحاوي”.
وهذا الحديث رويناه في “موطأ مالك” رضي الله عنه، عن مالك، عن الثقة عنده، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أنه قال: نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن العربان. قال مالك: وذكر فيما نرى - والله أعلم - أن يشتري الرجل العبد أو الوليدة أو تكارى الدابة، ثم يقول للذي اشترى منه أو تكارى منه أنا أعطيك دينارًا أو درهما أو أكثر من ذلك أو أقل على أني إن أخذت السلعة أو ركبت ما تكاريت منك، فالذي أعطيك هو من ثمن السلعة أو من كراء الدابة، وإن تركت السلعة فما أعطيتك فهو لك باطل بغير شيء، هذا ما رويناه في الموطأ، وهذا الشرط إنما يبطل البيع على مذهبنا إذا كان في نفس عقد البيع لا سابقًا ولا متأخرًا، فإن سبق أو تأخر فلا تأثير، وهو لغو لا يلزم به شيء والله أعلم.
قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله في كتابه “معالم السنن” وهو شرح سنن أبي داود، قال بعد أن ذكر الحديث: وتفسير مالك هذا تفسير بيع العربان، قال: وقد اختلف الناس في جواز هذا البيع فأبطله مالك والشافعي للخبر، ولما فيه من الشرط الفاسد والغرر، ويدخل ذلك في أكل المال بالباطل، وأبطله أصحاب الرأي.
وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه أجاز هذا البيع، ويروى ذلك أيضًا عن عمر، ومال أحمد بن حنبل إلى القول بإجازته، وقال: أي شيء أقدر أن أقول، وهذا عمر رضي الله عنه، يعني أجازه وضعف الحديث فيه لأنه منقطع، وكانت رواية مالك فيه عن بلاغ، هذا ما ذكره(3/7)
الخطابي.
أرف: ذكر في الشفعة “من المهذب” قول عثمان بن عفان رضي الله عنه، والأرف يقطع كل شفعة، الأرف بضم الهمزة وفتح الراء جمع أرفة بضم الهمزة وإسكان الراء كغرفة وغرف، وهي معالم الحدود بين الأرضين، ويقال: أرف على الأرض بضم الهمزة وكسر الراء المشددة إذا جعلت لها حدود.
أرك: الأراك مذكور في السواك من التنبيه، وإحياء الموات من “المهذب” والحج من “الوسيط” وهو بفتح الهمزة، وهو شجر معروف من الحمض، الواحدة أراكة.
أزر: قوله في “الوجيز” الاضطباع أن يجعل وسط إزاره في أبطه هذا مما ينكر عليه، فإن لفظ الشافعي والأصحاب رضي الله تعالى عنهم أن يجعل وسط ردائه لأوسط إزاره، والرداء هنا أليق، وقد أشار الإمام الرافعي إلى إنكاره عليه قول المزني في باب صفة الحج الشاذروان عندي تأزير البيت، هو بزاي ثم راء بينهما ياء. قال الرافعي: سمي بذلك لأنه كالإزار له، قال: وقد يقال التأزيز بزاءين وهو التأسيس، وسيأتي بيان حقيقة الشاذروان في حرف الشين إن شاء الله تعالى.
أسا: في حديث الوضوء: “فمن زاد على الثلاثة أو نقص فقد أساء وظلم”. قيل: أساء في النقص وظلم في الزيادة، فإن الظلم وضع الشيء موضعه ومجاوزة الحد، وقيل عكسه، فإن الظلم قد استعمل في النقص. قال الله تعالى: {آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً} (الكهف: من الآية33) وقيل: أساء فيهما وظلم فيهما، وهذه الإساءة والظلم للكراهة، ولا تقتضي إثما وقد أوضحت كل هذا في “شرح المهذب”
إسك: قولهم وفي إسكتي المرأة الدية، هما بكسر الهمزة وفتح الكاف هكذا ذكره الجوهري في صحاحه، وأهل اللغة مطلقا، قال الأزهري: هما حرفا فرجها. قال: ويفترق الاسكتان والشفران بان الاسكتين ناحيتا الفرج، والشفرين طرفا الناحيتين. وكذا قال الجوهري: الاسكتان بكسر الهمزة جانبا الفرج وهما قذتاه والمأسوكة هي التي أخطأت خافضتها موضع الخفض. وأما قول أبي المجد إسماعيل بن أبي البركات ابن أبي الرضا بن هبة الله ابن محمد المعروف بابن باطيش الموصلي في كتابه “شرح(3/8)
ألفاظ المهذب”: أن الأسكتين بفتح الهمزة، وأن الجوهري نص عليهما بالفتح فغلط صريح، وجهل قبيح، جمع فيه باطلين، أحدهما زعمه الفتح، والثاني نسبته ذلك إلى الجوهري، وهو بريء منه، فقد صرح في صحاحه بكسر الهمزة، وراجعته نسخة مرات، والله يغفر لنا أجمعين.
إصطبل: بكسر الهمزة وهي همزة أصلية فكل حروف الكلمة أصول، وهو عجمي معرب، وهو بيت الخيل ونحوها.
أفف: قولهم أف فيها عشر لغات، حكاهن القاضي عياض وآخرون: ضم الهمزة مع ضم الفاء وكسرها وفتحها بلا تنوين وبالتنوين فهذه ست، وأف بضم الهمزة وإسكان الفاء وإف بكسر الهمزة وفتح الفاء، وأفى وأفه بضم همزتيهما، قالوا: وأصل الأف والتف وسخ الأظفار، وتستعمل هذه الكلمة في كل ما يستقذر، وهي إسم فعل يستعمل في الواحد والاثنين والجمع والمؤنث بلفظ واحد، قال الله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} (الاسراء: من الآية23) .
قال الهروي: يقال لكل ما يضجر منه ويستثقل: أف له، وقيل: معناه الاحتقار مأخوذ من الأفف وهو القليل.
أفق: قال أهل اللغة: الآفاق النواحي، الواحد: أُفُق بضم الهمزة والفاء، وأُفْق بإسكان الفاء، قالوا: إن النسبة إليه أُفُقي بضم الهمزة والفاء وبفتحهما لغتان مشهورتان، وأما قول الغزالي وغيره في كتاب “الحج”: الحاج الأفاقي فمنكر، فإن الجمع إذا لم يسم به لا ينسب إليه، وإنما ينسب إلى واحده.
أفن: الأفيون، بفتح الهمزة وإسكان الياء المثناة من تحت، ذكره في “الروضة” في أول كتاب البيع في بيع ما ينتفع به وهو من العقاقير التي تقتل، ويصح بيعه لأنه ينتفع به.
إلى: قول الله تبارك وتعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (المائدة: من الآية6) قال الأزهري في “تهذيب اللغة”: جعل أبو العباس وجماعة من النحويين “إلى” بمعنى مع ههنا، وأوجبوا غسل المرافق والكعبين. قال: وقال المبرد: وهو قول الزجاج: اليد من أطراف الأصابع إلى الكتف، والرجل من الأصابع إلى أصل الفخذين، فلما كانت المرافق والكعبان داخلة في تحديد اليد والرجل كانت داخلة فيما يغسل وخارجة مما لا يغسل، ولو كان المعنى مع المرافق لم يكن في المرافق فائدة، وكانت اليد كلها يجب أن تغسل، ولكنه(3/9)
لما قيل إلى المرافق اقتطعت في الغسل من حد المرفق. قال الأزهري: وقد أشبعت هذا بأكثر من هذا الشرح في تفسير الحروف التي فسرتها من كتب الشافعي، فانظر فيها إن أردت ازديادًا في البيان قول الغزالي وغيره حد الوجه من مبتدأ سطح الجبهة إلى منتهى الذقن طولاً ومن الأذن إلى الأذن عرضًا. قال الإمام أبو القاسم الرافعي: أعلم أن كلمتي “من” و“إلى” إذا دخلتا في مثل هذا الكلام قد يُراد بهما دخول ماوردتا عليه في الحد، وقد يراد خروجه، مثال الأول: حضر القوم من فلان إلى فلان، ومثال الثاني: من هذه الشجرة إلى هذه الشجرة عشرة أذرع، وهما في قوله من مبتدأ سطح الجبهة إلى منتهى الذقن بالمعنى الأول، إذ لا يريد بمبتدأ السطح إلا أوله، وبمنتهى الذقن إلا آخره، ومعلوم أنهما داخلان في الوجه، وفي قوله: من الأذن إلى الأذن مستعملاً في المعنى الثاني؛ لأن الأذنين ليستا من الوجه، وقول الله عز وجل: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} (النساء: من الآية2) “إلى” بمعنى “مع” قال الأزهري: العرب تقول: إليك عني، أي: أمسك وكف، وتقول: إليك كذا وكذا، أي خذه، وإذا قالوا: اذهب إليك، فمعناه اشتغل بنفسك وأقبل عليها.
والإيلاء في اللغة: الحلف، تقول آلى يولي إيلاء وتألى تأليا، والألية: اليمين، والجمع ألايا، كعطية وعطايا، والإيلاء في الشرع الحلف على ترك وطء الزوجة في القبل مطلقًا أومدة تزيد على أربعة أشهر، وكان الإيلاء طلاقًا في الجاهلية، فغير الشرع حكمه. قال أصحابنا: وكان الإيلاء والظهار طلاقًا في الجاهلية. وذكر صاحب “الحاوي والبيان” خلافا لأصحابنا أنه هل عُمل بهما في أول الإسلام أولاً. قال صاحب “الحاوي”: قال جمهور أصحابنا: لم يعمل به. وقال بعضهم: عمل به. قال صاحب “البيان”: الأصح أنه لم يعمل به. قال صاحب “الحاوي”: وكان طلاقًا لا رجعة فيه.
والألية: بفتح الهمزة وجمعها: أليات بفتح الهمزة واللام، والتثنية أليان بياء واحدة هذه اللغة المشهورة، وفيه لغة أخرى أليتان بياء مثناة تحت ثم تاء مثناة فوق. وثبت في “صحيح البخاري” وغيره في حديث سهل بن سعد: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في حديث عويمر العجلاني في اللعان: “فإن جاءت به عظيم الأليتين”. وفي حديث ابن عباس، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “سابغ الأليتين” بتاء بعد الياء، هكذا هو في جميع النسخ.(3/10)
أمس: قال الجوهري: أمس إسم حرك آخره لالتقاء الساكنين، واختلف العرب فيه فأكثرهم يبنيه على الكسر معرفة، ومنهم من يعربه معرفة، وكلهم يعربه إذا دخل عليه الألف واللام أو صيره نكرة أو إضافة، يقول: مضى الأمس المبارك، ومضى أمسنا، وكل غد صائر أمسًا. وقال سيبويه قد جاء في ضرورة الشعر: مذ أمس بالفتح، قال: ولا يصغر أمس كما لا يصغر غد، والبارحة، وكيف، وأين، ومتى، وأى، وما، وعند، وأسماء الشهور والأسبوع غير الجمعة، هذا ما ذكره الجوهري.
قال الأزهري: قال الفراء: ومن العرب من يخفض الأمس وإن أدخل عليه الألف واللام. وقال أبو سعيد: تقول جاءني أمس فإذا نسبت شيئًا إليه كسرت الهمزة، فقلت: إمس على غير القياس. وقال ابن السكيت: تقول ما رأيته إمس، فإن لم تره يومًا قبل ذلك قلت: ما رأيته مذ أول من أمس، فإن لم تره من يومين قبل ذلك قلت: ما رأيته مذ أو من أول من أمس.
وقال الإمام أبو الحسن بن خروف في كتابه “شرح الجمل”: للعرب في أمس لغات، أهل الحجاز يبنونه على الكسر في كل حال، ولا علة لبنائه إلا إرادة التخفيف، تشبيها بالأصوات كنعاق لصوت الغراب، وبنو تميم يبنونه على الكسر في الجر والنصب ويعربونه في الرفع من غير صرف، ومنهم من يعربه في كل حال ولا يصرفه، وعليه قوله: مذ أمسا. قال: ووهم أبو القاسم صاحب “الجمل” في قوله، ومن العرب من يبنيه على الفتح، والذي أوقعه في ذلك قول سيبويه، وقد فتح قوم “أمس” في “مذ” لما رفعوا.
أمم: لفظة “الأمة” تُطلق على معان منها من صدق النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وآمن بما جاء به، وتبعه فيه، وهذا هو الذي جاء مدحه في الكتاب والسنة كقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} (البقرة: من الآية143) . {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (آل عمران:110) .
وكقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “شفاعتي لأمتي” وقوله: “تأتي أمتي غرا محجلين” وغير ذلك. ومنها مَن بعث إليهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من مسلم وكافر، ومنه قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودى ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار” رواه مسلم في صحيحه في كتاب “الإيمان”.
أمن: قال الجوهري، وجمهور(3/11)
أهل اللغة: آمين في الدعاء يُمد ويَقصر، قالوا: وتشديد الميم خطأ، وهو مبني على الفتح مثل: أين، وكيف، لاجتماع الساكنين وتقول: أمن تأمينا.
قال الإمام الواحدي في تفسيره “البسيط”: وأما معناه فقال الإمام الثعلبي: قال ابن عباس: سألت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن معنى آمين فقال: “افعل”. وقال قتادة: كذلك يكون، وقال هلال بن يساف، ومجاهد: “آمين” اسم من أسماء الله تعالى. وقال سهل: معناه: لا يقدر على هذا أحد سواك، وقال الترمذي: معناه لا تخيب رجاءنا. وقال عطية العوفي: آمين كلمة عبرانية أو سريانية، وليست عربية. وقال عبد الرحمن بن زيد: “آمين” كنز من كنوز العرش لا يعلم أحد تأويله إلا الله تعالى. وقال أبو بكر الوراق: آمين قوة للدعاء، واستنزال للرحمة. قال الضحاك: “آمين” أربعة أحرف مقطعة من أسماء الله عز وجل، وهي خاتم رب العالمين يختم به براءة أهل الجنة، وبراءة أهل النار، دليله ما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “آمين خاتم رب العالمين على عباده المؤمنين”. وقال عطاء: “آمين” دعاء. وأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “ما حسدكم اليهود على شيء ما حسدوكم على آمين، وتسليم بعضكم على بعض”. وقال وهب بن منبه: “آمين أربعة أحرف يخلق الله عز وجل من كل حرف ملكًا يقول: اللهم اغفر لمن قال آمين. هذا ما ذكره الثعلبي رحمه الله تعالى.
قال الإمام المتبحر الواحدي رحمه الله تعالى في كتابه “البسيط”: في آمين لغات، المد: وهو المستحب، لما روي عن علي رضي الله عنه أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا قال ولا الضالين قال: “آمين” يمد بها صوته، والقصر: كما قال: “آمين” فزاد الله ما بيننا بعدًا، والإمالة مع المد، روي ذلك عن حمزة والكسائى، والتشديد مع المد، روي ذلك عن الحسن والحسين بن الفضل، ويحقق ذلك: ما ورى عن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال في تأويله: قاصدين نحوك، وأنت أكرم من أن تُخَيِّب قاصدًا. قال: وقال أبو إسحاق: معناها اللهم استجب، وهي موضوعة في موضع إسم الاستجابة، كما أن: “صه” موضوع موضع سكوتًا، وحقها من الإعراب الوقف لأنها بمنزلة الأصوات إذ كان غير مشتق من فعل، إلا أن النون حسنة فيها لالتقاء الساكنين، ولم تكسر لثقل الكسرة بعد الياء، كما فتحوا أين وكيف، هذا ما ذكره الواحدي.
وفيه فوائد: من أحسنها إثبات لغة التشديد في آمين التي لم يذكرها الجمهور،(3/12)
بل أنكروها، وجعلوها من قول العامة.
وقال الإمام أبو منصور الأزهري في كتابه شرح ألفاظ “المختصر” للمزني قولين آمين استجابة للدعاء وفيه لغتان: قصر الألف ومدها والميم مخففة في اللغتين يوضعان موضع الاستجابة للدعاء، كما أن “صه” و“مه” يوضع للإسكات وحقهما من الإعراب الوقف لأنهما بمنزلة الأصوات، فإن حركتهما تحرك بفتح النون، كقوله: آمين فزاد الله ما بيننا بعدا.
وقال القاضي الإمام أبو الفضل عياض المغربي السبتي في كتابه “الإكمال في شرح صحيح مسلم”: معنى آمين استجب لنا، وقيل: معناه كذلك نسأل لنا، والمعروف فيها المد وتخفيف الميم وحكى ثعلب فيها القصر، وأنكره غيره، وقال: إنما جاء مقصورًا في ضرورة الشعر، وقيل: هي كلمة عبرانية مبنية على الفتح، وقيل: بل هو إسم من أسماء الله تعالى، وقيل: معناه “يا آمين” استجب لنا والمدة همزة النداء، وعوض عن الياء.
قال: وحكى الداوودي تشديد الميم مع المد، وقال: هي لغة شاذة ولم يعرفها غيره، وخطأ ثعلب قائلها، هذا ما ذكره القاضي عياض.
وقال ابن قرقول - بضم القافين - وهو أبو إسحاق صاحب “مطالع الأنوار”: آمين مطولة ومقصورة ومخففة، وأنكر أكثر العلماء تشديد الميم، وأنكر ثعلب قصر الهمزة إلا في الشعر، وصححه يعقوب في الشعر وغيره، والنون مفتوحة أبدًا مثل: أين، وكيف، واختلف في معناه، قيل: كذلك يكون، وقيل: هو اسم من أسماء الله تعالى أصله القصر، فأدخلت عليه همزة النداء، قال: وهذا لا يصح؛ لأنه ليس في أسماء الله تعالى اسم مبني ولاغير معرب، مع أن أسماء الله تعالى لا تثبت إلا بقرآن أو سنة متواترة، وقد عدم الطريقان في آمين، وقيل: آمين درجة في الجنة تجب لقائلها، وقيل: هو طابع الله على عباده يدفع به عنهم الآفات، وقيل: معناه اللهم أمنا بخير، هذا ما ذكره صاحب “المطالع”.
وقال الإمام أبو عبد الله صاحب “التحرير في شرح صحيح مسلم”: في آمين لغتان فتح الألف من غير مد، والثانية بالمد وهي مبنية. قال بعضهم: بنيت لأنها ليست عربية، أو أنها إسم فعل كصه ومه، ألا ترى أن معناها: اللهم استجب وأعطنا ما سألناك. وقالوا: إن مجيء آمين دليل على أنها ليست عربية، إذ ليس في كلام العرب فاعيل، فأما آرى فليس بفاعيل، بل هو عند جماعة فاعول، وعند بعضهم فاعلى، وعند بعضهم(3/13)
فاعى بالنقصان. وقد قال جماعة إن آمين - يعني المقصورة - لم يجىء عن العرب، والبيت الذي ينشد: آمين فزاد الله ما بيننا بعدا. لا يصح على هذا الوجه، وإنما هو: فآمين زاد الله ما بيننا بعدا. قال: وكثير من العامة يشددون الميم منها وهو خطأ لا وجه له. هذا آخر كلام صاحب “التحرير”
أنم: قال الإمام الزبيدي: الأنام: الخلق، قال: ويجوز الأنيم، وقال الإمام الواحدي: قال الليث: الأنام ما على ظهر الأرض من جميع الخلق. قال: واختلف المفسرون في قوله تعالى: {وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ} (الرحمن:10) فقال ابن عباس: هم الناس. وعن مجاهد، وقتادة، والضحاك: الخلق والخلائق. وعن عطاء: لجميع الخلق. وقال الكلبى: للخلق كلهم الذين بثهم فيها. قال الواحدي: وهذه الأقوال تدل على أن المراد بالأنام كل ذي روح، وهو قول الشعبي. وقال الحسن: للجن والإنس، وهو اختيار الزجاج
أنى: قولهم باب الآنية. قال الجوهري في “الصحاح” الإناء معروف، وجمعه: آنية، وجمع الآنية الأواني مثل: سقاء، وأسقية، وأساقي. وقوله في “المهذب” في باب بيع المصراة: فإن كان المبيع إناء من فضة وزنه ألف وقيمته ألفان فكسره ثم علم به عينًا، هذا تفريع على قولنا يجوز اتخاذ الآنية فتكون الصنعة محترمة لها قيمة. والصحيح أنه لا يجوز اتخاذها. وقوله في “الوسيط” في باب زكاة النقدين: ولو كانت له آنية من الذهب والفضة مختلطًا وزنه ألف هذه العبارة رديئة، فإنه استعمل لفظ الآنية في الواحد، وذلك لا يجوز عند أهل اللغة، فإن الآنية جمع إناء كما تقدم، والله أعلم
أهل: قوله في باب الوديعة من “الوسيط”: لو نقل الوديعة من قرية آهلة إلى قرية غير آهلة يجوز أن تقرأ قرية آهلة بتنوين قرية، ومد الألف أي قرية عامرة، ويجوز قرية أهله بإضافة قرية إلى أهله أي أهل المودع، وهذا أشبه بمراد الغزالي هنا، والأول موافق للفظ الشافعي رضي الله عنه.
أول: قال الواحدي في تفسير قول الله عز وجل: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ} (آل عمران: من الآية96) قال الزجاج: معنى الأول في اللغة ابتداء الشيء. قال الزجاج: ثم يجوز أن يكون له ثان، ويجوز ألا يكون، كما تقول هذا أول ما كسبته جائز أن يكون بعده كسب، وجائز ألا يكون، ومرادك هذا ابتداء كسى. قلت: ومما(3/14)
يستدل به على أن لفظة أول لا يشترط أن يكون له ثان قول الله تعالى: {إِنْ هِيَ إِلا مَوْتَتُنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ} (الدخان:35) وهم كانوا يعتقدون أنه ليس لهم موتة بعدها. قال الواحدي في تفسير قول الله عز وجل: {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} (البقرة: من الآية41) وقد قال الشيخ أبو علي السنجي: الذي محله من الإتقان ما سبق ذكره في ترجمته إذا قال لزوجته: إن كان أول ولد تلدينه من هذا الحمل ذكرًا فأنت طالق، فولدت ذكرًا، ولم يكن غيره. قال أبو علي: اتفق أصحابنا على أنه يقع الطلاق، وليس من شرط كونه أولا أن تلد بعده آخرًا إنما الشرط ألا يتقدم عليه غيره، وحكى المتولي وجهًا أنه لا يقع الطلاق في هذه المسألة. قال: لأن الأول يقتضي آخرًا، كما أن الآخر يقتضي أولاً، وهو شاذ ضعيف مردود، وقد ذكرت المسألة في “الروضة” مطلب في معنى التأويل والتفسير، أما التأويل: فقال العلماء: هو صرف الكلام عن ظاهره إلى وجه يحتمله أوجبه برهان قطعي في القطعيات، وظني في الظنيات، وقيل هو التصرف في اللفظ بما يكشف عن مقصوده، وأما التفسير فهو بيان معنى اللفظة القريبة أو الخفية، والأيل في أواخر باب الربا من “الروضة” وهو بفتح الياء المثناة من تحت المشددة وقبلها همزة تضم وتكسر لغتان حكاهما الجوهري وأرجحهما الضم، وهو ذكر الوعول، ورأيته في المجمل مضبوطًا بكسر الهمزة فقط.
أون: قال أبو البقاء في قول الله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} (البقرة: من الآية187) حقيقة الآن الوقت الذي أنت فيه، وقد يقع على الماضي القريب منك، وعلى المستقبل القريب وقوعه تنزيلاً للقريب منزلة الحاضر، وهو المراد هنا؛ لأن قوله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} أي: فالوقت الذي كان يحرم عليكم الجماع فيه من الليل قد أبحناه لكم فيه، فعلى هذا الآن ظرف لباشروهن؛ وقيل الكلام محمول على المعنى تقديره: فالآن أبحنا لكم أن تباشروهن، ودل على المحذوف لفظ الأمر الذي يراد به الإباحة، فعلى هذا الآن على حقيقته، وقال أبو البقاء قبل هذا في قوله تعالى: {قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقّ} ِ (البقرة: من الآية71) في الآن أربعة أوجه: أحدها تحقيق الهمزة وهو الأصل، والثاني إلقاء حركة الهمزة على اللام وحذفها وحذف ألف اللام في هذين الوجهين لسكونها وسكون اللام في الأصل لأن حركة اللام هنا عارضة، والثالث(3/15)
كذلك، إلا أنهم حذفوا ألف اللام لما تحركت اللام، فظهرت الواو في قالوا، والرابع: إثبات الواو في اللفظ وقطع ألف اللام وهو بعيد.
قال الإمام الواحدي: الآن هو الوقت الذي أنت فيه، وهو حد الزمانين حد الماضي من آخره وحد المستقبل من أوله. قال: وذكر الفراء في أصله قولين: أحدهما: أن أصله أوان حذفت منه الألف وغيرت واوه إلى الألف، ثم أدخلت عليه الألف واللام والألف واللام له ملازمة غير مفارقة، والثاني: أصله آن ماضي يأين بني إسمًا لحاضر الوقت ثم ألحق به الألف واللام، وترك على بنائه.
وقال أبو على الفارسى: “الآن” مبني لما فيه من مضارعة الحرف، وهو تضمنه معناه، وهو تضمنه معنى التعريف. قال: والألف واللام زائدتان، ولا توحش من قولنا، فقد قال بزيادته سيبويه والخليل في قولهم: مررت بهم الجم الغفير نصبه على نية إلغاء الألف واللام، نحو طرا وقاطبة. وقال به أبو الحسن الأخفش في قولهم: مررت بالرجل خير منك، ومررت بالرجل مثلك، أن اللام زائدة. قال أبو علي: والقولان اللذن قالهما الفراء لا يجوز واحد منهما.
أوى: يقال أوى زيد - بالقصر - إذا كان فعلاً لازمًا، وآوى غيره بالمد إذا كان متعديًا، وقد جاء القرآن العزيز بهما قال الله تعالى في اللازم: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ} (الكهف: من الآية63) وقوله تعالى: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} (الكهف: من الآية10) وقال في المتعدي: {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} (المؤمنون: من الآية50) . وقال تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى} (الضحى:6) هذا هو الفصيح المشهور في المسألتين، وقيل: يقال في كل وحد بالمد والقصر، لكن القصر في اللازم أفصح، والمد في المتعدي أفصح وأكثر، وممن حكى هذا القول القاضي عياض في “شرح مسلم” في آخر كتاب الحج في حرم المدينة، وفي كتاب الأدب: في حديث “الثلاثة الذين جاؤوا إلى الحلقة ووجد أحدهم فرجة”، وأما قول الله تعالى: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} (هود:80) قال صاحب “المطالع”: أو إذا كانت للتقرير، أو التوبيخ، أو الرد، أو الإنكار، أو الاستفهام كانت مفتوحة الواو، وإذا جاءت للشك، أو التقسيم، أو الإبهام، أو التسوية، أو التخيير، أو بمعنى الواو على رأي بعضهم، أو بمعنى حتى، أو بمعنى بل، أو بمعنى إلى، وكيف كانت عاطفة، فهي ساكنة الواو. قال: فمن ذلك أو فعلموها على التوبيخ.
قولهم: لزمه أكثر الأمرين(3/16)
من الدية أو القيمة مثلا، قال الرافعي: الأغلب في ألسنة الفقهاء في مثل هذا كلمة "أو" و"لو" قيل: من الدية والقيمة بالواو لكان صحيحًا أو أوضح.
أيض: قال الجوهري: فعلت ذلك أيضًا. قال ابن السكيت: هو من آض يئيض أيضًا، أي عاد ورجع، وآض فلان إلى أهله: أي رجع.
فصل في أسماء المواضع
الأبطح: مذكور في باب الأذان من "المهذب" هو بين مكة ومنى يضاف إلى كل واحدة منهما، وهو البطحاء. وقد ذكره المصنف في باب استقبال القبلة فقال: البطحاء.
أجنادين: بفتح الهمزة وبعدها جيم ساكنة ثم نون ثم ألف ثم دال مهملة ثم ياء مثناة من تحت، ثم نون. قال الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان بن موسى بن عثمان بن حازم الحازمي في كتابه "المختلف والمؤتلف في أسماء الأماكن": يقولها أكثر أصحاب الحديث بفتح الدال. قال: ومن المحققين من يكسر الدال، وهو موضع مشهور بالشام ناحية دمشق كانت بها وقعة مشهورة بين المسلمين والروم.
أحد: بضم الهمزة والحاء: جبل بجنب مدينة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زادها الله فضلاً وشرفًا على نحو ميلين، وكانت غزوة أحد يوم السبت لإحدى عشرة خلت من شوال على راس اثنين وثلاثين شهرًا من الهجرة. وفي الصحيح: "أُحد جبل يحبنا ونحبه" وهذا الحديث على ظاهره إذ لا استحالة فيه، ولا يلتفت إلى تأويل من تأوله.
أذربيجان: مذكورة في باب صلاة المسافر من "الوسيط" وهي بهمزة مفتوحة غير ممدودة ثم ذال معجمة ساكنة ثم راء مفتوحة ثم باء موحدة مكسورة ثم ياء مثناة من تحت ثم جيم ثم ألف ثم نون هذا هو الأشهر والأكثر في ضبطها. قال صاحب "المطالع": هذا هو المشهور. قال: ومد الأصيلي والمهلب الهمزة، يعني مع فتح الذال.(3/17)
قال: وفتح عبد الله بن سليمان وغيره الباء. قال الشيخ تقي الدين بن الصلاح: الأشهر فيها مد الهمزة مع فتح الذال وإسكان الراء. قال: والأفصح القصر وإسكان الذال، وهي ناحية تشتمل على بلاد معروفة.
الأردن: الكورة المعروفة من أرض الشام بقرب بيت المقدس، وهي بضم الهمزة وإسكان الدال وتشديد النون. قال أبو الفتح محمد بن جعفر الهمداني النحوي في كتابه “اشتقاق أسماء البلدان” قال: أهل العلم إنما سمي بذلك من قولهم للنعاس الثقيل: أردن، قال: فسمي بذلك لثقل هوائه فسمي بالنعاس المخثر جسم صاحبه.
أصبهان: بفتح الهمزة وكسرها، والفتح أشهر وبالباء والفاء. قال صاحب “المطالع”: قيدنا بالفتح عن جميع شيوخنا، قال: وقيدها أبو عبيد البكري بالكسر، قال: وأهل المشرق يقولونه أصفهان بالفاء، وأهل المغرب بالباء، وهي مدينة عظيمة.
قال الإمام الحافظ أبو محمد ابن عبد القادر الرهاوي في كتابه “الأربعين” الذي أخبرنا به عنه صاحباه جمال الدين وزين الدين هي من أكبر مدن الإسلام وأكثرها حديثًا ما خلا بغداد.
قال الإمام أبو الفتح الهمداني النحوي: ومن المدن العظام أصبهان بفتح الهمزة. قال: فإن كان الإسم عربيًا فهو مؤلف من لفظتين ضم أحدهما إلى الآخر، الأول منهما: فعل وهو أص من أصت الناقة فهي أصوص إذا كانت كريمة موثقة الخلق، واللفظ الثاني: إسم وهو بهان، ومثاله فعال، من قولهم للمرأة بهانة، وهي الضحوك، وقيل: الطيبة النفس والريح، فلما ضم أحد هذين اللفظين إلى الآخر، وسمي بهما هذا البلد، خفف الأول منهما بحذف الصاد الثانية لئلا يجتمع في الكلمة ثقل التضعيف والتأليف، وكأنها سميت لطيب تربتها وهوائها وصحتها.
إصطخر: البلدة المعروفة التي ينسب إليها أبو سعيد الاصطخري وهي - بكسر الهمزة وفتح الطاء وهمزتها همزة قطع - هكذا قيده جماعة من الأئمة المحققين، ومن(3/18)
المتأخرين الشيخ تقي الدين بن الصلاح، وقاله أبو الفتح الهمداني بفتح الهمزة، وقال: هي همزة قطع. قلت: ويجوز حذفها في الوصل تحفيفًا على قراءة من قرأ من الأرض، ومنه قولهم: مررت بلجمة يعنون بالأجمة.
الإل: بكسر الهمزة وتخفيف اللام وآخره لام، هو: جبل صغير بعرفات، ويقف عليه الإمام.
الأنبار: مذكورة في الفرائض من “المهذب” بفتح الهمزة، وإسكان النون، وهي بلدة معروفة على شط الفرات على نحو مرحلتين من بغداد.
قال أبو الفتح الهمداني: ولا يعرف باني الأنبار ولا الحيرة. وقال: وهما قديمتان، يقال: إنهما قبل الطوفان.
الأندلس: الإقليم المعروف بالمغرب يقال بفتح الهمزة والدال هذا هو المشهور، ويقال بضمهما ولم يذكر أبو الفتح الهمداني إلا الضم فيهما. قال: حكي عن بعضهم أن وزنه فُنْعُلُلْ. قال أبو الفتح: وهذا مثال لم يجىء عليه شيء من الكلام علمناه، قال: وقال غيره هو انفعل واشتقاقه من الدلس وهو الظلمة، ومن ذلك المدالسة والتدليس والمدالسة المواربة.
أوطاس: مذكورة في باب الاستبراء ومواضع، وهو بفتح الهمزة وإسكان الواو وبالطاء والسين المهملتين، وهو واد في بلاد هوازن، وبه كانت غزوة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هوازن يوم حنين. قال أبو الفتح الهمداني: أوطاس من قولهم وطست الشيء أوطسه وطسُا إذا وطئته وطئًا شديدًا، فأوطاس جمع: وطس بالتحريك، كجبل وأجبال. قال: فسمي المكان بذلك لأنه مُوطَّا مُليَّن. قال: ويمكن أن يكون من الوطيس، وهو حفرة يختبز فيها، فسمي بذلك لأنه مكان ذاهب في الأرض كالهوة ونحوه.
أيلة: مذكورة في أوائل باب الجزية من “المهذب” هي بفتح الهمزة وإسكان الياء المثناة من تحت وفتح اللام، وهي بلدة معروفة في طرف الشام على ساحل البحر متوسطة بين مدينة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودمشق ومصر بينها وبين المدينة نحو خمس عشرة مرحلة، وبينها وبين دمشق نحو اثنتي عشرة مرحلة، وبينها وبين مصر نحو ثماني مراحل. قال صاحب “مطالع الأنوار”: قال أبو عبيدة: هي مدينة من الشام. وقال الحازمي في “المؤتلف في أسماء الأماكن”: هي بلدة بحرية، وقيل: هي آخر الحجاز وأول الشام.(3/19)
إيليا: مذكورة في باب النذر من "الوسيط": وهو بيت المقدس زاده الله شرفًا، وهو بهمزة مكسورة ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ثم لام مكسورة ثم ياء أخرى ثم ألف ممدود، هذا هو الأشهر وقال صاحب "مطالع الأنوار": وحكى البكري فيها القصر قال: ولغة ثالثة: أَلْيَاء بحذف الياء الأولى وسكون اللام والمد قال: قيل معناه بيت الله. قلت: وفي مسند أبي يعلى الموصلي في مسند ابن عباس رضي الله عنهما: عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه الإيلا بألف ولام، وهو غريب.
حرف الباء
بأر: البئر مؤنثة مهموزة يجوز تخفيفها وجمعها في القلة أبار، وآبار بالمد على القلب، وفي الكثرة بئار، وبأرت بئرا أي حفرتها، وأبأرت الرجل جعلت له بئرًا.
بتت: قال الزجاج في "كتاب فعلت وأفعلت": يقال بت القاضي الحكم عليه، وأبته إذا قطعه أي ألزمه، وبت الحبل وأبته.
بثر: قوله ذلك ابن عمر رضي الله عنهما بثره، ذكره في شرائط الصلاة من "الوسيط": البثرة بفتح الباء وسكون الثاء وبفتحها أيضًا: خراج صغير. قال الجوهري: البثر والبثور خراج صغير، واحدتها بثرة. وقد بثر وجهه يبثر، وكذلك بثر وجهه بالكسر، وبثر بالضم ثلاث لغات. قال صاحب "المحكم": البثر والبثير خراج صغير، وخص بعضهم به الوجه، واحدته بثرة وبثرة. قال الأزهري: قال أبو عبيد، عن الكسائى: بثر وجهه يبثر بثرًا، وهو وجه بثر من البثير، وبثر يبثر بثرًا. قال الأزهري: البثور مثل الْجَدَري، يقيح على الوجه وغيره من بدن الإنسان، واحدها بثر.
بحر: قول الغزالي وغيره في الحديث دم الحيض بحراني، هو بفتح الباء. قال أهل اللغة: يقال دمه بحراني وباحر إذا كان خالص الحمرة. وقال إمام الحرمين: الصحيح أنه الناصع اللون، يقال دمه باحر وبحراني إذا كان لا يشوب لونه لون دم الاستحاضة، أحمر رقيق ضارب إلى الشُقْرَة في غالب الأمر، فإذن دم الحيض أقوى لونًا ومتانة من الاستحاضة، هذا كلام الإمام.
بخت: البخاتي من الإبل مذكورة في الزكاة: نوع من الإبل معروف.(3/20)
قال أهل اللغة: الواحد منهما بختيٌ، وجمعه البُخْت بضم الباء وإسكان الخاء، ويجمع أيضًا على البخاتيّ بتشديد الياء وبتخفيفها لغتان مشهورتان. قال أبو حاتم السجستاني في كتابه “المذكر والمؤنث”: البخت مؤنثة، جمع البختي والبختية. قال: ويقال: بخاتي بتشديد الياء ومخففة. قال: وبخاتي أيضًا بفتح الياء، قال الجوهري: البخت من الإبل معرب، وبعضهم يقول: هو عربي، وجمعها مصروف؛ لأنه جمع الجمع بخلاف مدائني.
بخع: قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} (الكهف: من الآية6) قال الأزهري: قال الفراء: أي محرج، وقاتل. قال الأخفش: بخعت لك نفسي ونصحي أبخع بخوعًا أي جهدتها، وفي الحديث: “أهل اليمن أبخع طاعة”. قال الأصمعي: أنصح. وقال غيره: أبلغ. وقال صاحب “المحكم”: بخع نفسه ويحمدونه ظرفاء حججها قتلها غيظُا أو غمًا.
بدا: قال الزجاج في كتاب “فعلت وأفعلت”: يقال: بدأ الله الخلق بداء وأبدأهم إبْدَاءً. قال الله تعالى: {اللَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ} (يونس: من الآية34) . وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (العنكبوت:19) .
بدد: قولهم لا بد من كذا قال أهل اللغة: معناه لا انفكاك ولا فراق منه، ولا مندوحة عنه، أي هو لازم جزمًا. قال الجوهري: ويقال البُدُّ العوض.
بدن: قال أهل اللغة: البدن الجسد. وقال صاحب العين: “البدن من الجسسد ما سوى الشوى، والرأس. قال أهل اللغة: الشوى: اليدان والرجلان والرآس من الآدميين، وكل ما ليس متصلاً. قال الجوهري: البدن السمن والاكتناز، تقول منه بدن الرجل بالفتح يبدن بدنًا إذا ضخم، وكذلك بدن بالضم يبدن بدانة فهو بادن، وامرأة بادن أيضًا وبدين وبدن بالتشديد أسن، أما البدنة فحيث أطلقت في كتب الحديث والفقه فالمراد بها البعير ذكرًا كان أو أنثى، وشرطها أن تكون في سن الأضحية وهي التي استكملت خمس سنين ودخلت في السادسة، هذا معناها في الكتب المذكورة، ولا تطلق في هذه الكتب ما ذكرنا بلا خلاف. وأما أهل اللغة فقال كثيرون منهم أو أكثرهم: تطلق على الناقة والبقرة. وقال الأزهري في “شرح ألفاظ المختصر”: البدنة لا تكون إلا من الإبل والبقر والغنم، هذا كلام الأزهري. وقال الماوردي في كتابه “التفسير” في قول الله عز وجل: {والبُدْن} قال الجمهور: هي الإبل،(3/21)
وقيل الإبل والبقر، وهو قول عطاء وجابر، وقيل: الإبل والبقر والغنم. قال: وهو شاذ، وأما إطلاقها على الذكر والأنثى من حيث اللغة فصحيح، وممن نص عليه وصرح به صاحب كتاب “العين” فقال: البدنة ناقة أو بقرة كذلك الذكر والأنثى منها يُهدَى إلى مكة هذا لفظه. وجمع البدنة: بدن بضم الدال وإسكانها وممن نص على الضم صاحب “الصحاح”
بدع: البِدعة بكسر الباء في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهي منقسمة إلى: حسنة وقبيحة.
قال الشيخ الإمام المجمع على إمامته وجلالته وتمكنه في أنواع العلوم وبراعته أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله ورضي عنه في آخر كتاب “القواعد”: البدعة منقسمة إلى: واجبة، ومحرمة، ومندوبة، ومكروهة، ومباحة. قال: والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة، فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، أو في قواعد التحريم فمحرمة، أو الندب فمندوبة، أو المكروه فمكروهة، أو المباح فمباحة، وللبدع الواجبة أمثلة منها: الاشتغال بعلم النحو الذي يفهم به كلام الله تعالى وكلام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وذلك واجب؛ لأن حفظ الشريعة واجب، ولا يتأتى حفظها إلا بذلك وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب، الثاني حفظ غريب الكتاب والسنة في اللغة، الثالث تدوين أصول الدين وأصول الفقه، الرابع الكلام في الجرح والتعديل، وتمييز الصحيح من السقيم، وقد دلت قواعد الشريعة على أن حفظ الشريعة فرض كفاية فيما زاد على المتعين ولا يتأتى ذلك إلا بما ذكرناه، وللبدع المحرمة أمثلة منها: مذاهب القدرية والجبرية والمرجئة والمجسمة والرد على هؤلاء من البدع الواجبة، وللبدع المندوبة أمثلة منها إحداث الرُبِط والمدارس، وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول، ومنها التراويح، والكلام في دقائق التصوف، وفي الجدل، ومنها جمع المحافل للاستدلال إن قصد بذلك وجه الله تعالى. وللبدع المكروهة أمثلة: كزخرفة المساجد، وتزويق المصاحف، وللبدع المباحة أمثلة: منها المصافحة عقب الصبح والعصر، ومنها: التوسع في اللذيذ من المآكل، والمشارب، والملابس، والمساكن، ولبس الطيالسة، وتوسيع الأكمام. وقد يختلف في بعض ذلك فيجعله بعض العلماء من البدع المكروهة، ويجعله آخرون(3/22)
من السنن المفعولة في عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فما بعده، وذلك كالاستعاذة في الصلاة والبسملة هذا آخر كلامه.
وروى البيهقي بإسناده في “مناقب الشافعي” عن الشافعي رضي الله عنه قال: المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما: ما أحدث مما يخالف كتابًا أو سنة أو أثرًا أو إجماعًا، فهذه البدعة الضلالة، والثانية: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من العلماء، وهذه محدثة غير مذمومة، وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان: نعمت البدعة هذه، يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت ليس فيها رد لما مضى، هذا آخر كلام الشافعي رضي الله تعالى عنه.
بدا: بلا همزة، قال أهل اللغة: بدا الشيء يبدو بدوا بتشديد الواو، كقعد قعودًا، أي ظهر، وابتديته أظهرته، وبدا القوم بَدْوًا خرجوا إلى البادية، كقتلوا قتلاً، وبداله في الأمر بلا همزة بَدَاءً وبدًا بالمد والقصر حكاه عياض أي حدث له فيه رأي لم يكن، وهو ذو بَدَوَاتٍ أي يتغير رأيه، ومنه قوله في مسح الخف امسح سبعًا، وما بدالك والبَدَاءُ محال على الله تعالى بخلاف النسخ، والْبَدوُ والبادية بمعنى. ومنه الحديث في باب صلاة الجماعة “ما من ثلاثة في قرية أو بَدْوٍ”. والنسب إليه بدوي، وفي الحديث “من بدا جفا” أي من نزل البادية صار فيه جفاء الأعراب، والبداوة الإقامة في البادية. قال الجوهري: بكسر الباء وفتحها، وهي خلاف الحضارة. قال: قال ثعلب: لا أعرف فتحها إلا عن أبي زيد وحده، والنسبة إليه بداوي وباداه بالعداوة أي جاهره، وتبادوا بالعداوة تجاهروا، وتبدى أقام بالبادية، وتبادى تشبَّه بأهل البادية، وأهل المدينة يقولون: بدينا بمعنى بدأنا، هذا كله كلام الجوهري.
بذرق: قوله في أول الحج من “الوسيط” و“الوجيز” وجد بَذْرَقة بأجرة يعني خفيرًا، وهي لفظة عجمية عربت، وهو بفتح الباء وإسكان الذال وفتح الراء وبعدها قاف ثم هاء والذال معجمة.
وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: يقال بالدال المهملة وبالمعجمة وقوله في محرم المرأة يبذرقها أي يخفرها.
برا: قال الإمام أبو القاسم الرافعي: الاستبراء عبارة عن التربص الواجب بسبب ملك اليمين حدوثًا أو زوالاً، خص بهذا الاسم لأن هذا التربص مُقَدَّرٌ بأقل ما يَدُل على البراءة من غير تكرر، وخص(3/23)
التربص الواجب بسبب النكاح باسم العدة اشتقاقًا من العدد لما فيه من التعدد. قاله المتولي في “التتمة” ويقال: بَرَأت من المرض، وبرئت منه، وبروت، وأبرأته من الدين فبرأ منه.
برح: البارحة اسم الليلة الماضية، وقال ثعلب والجمهور: لا يقال البارحة إلا بعد الزوال، ويقال فيما قبله الليلة. وقد ثبت في صحيح مسلم في آخر كتاب الرؤيا متصلاً بكتاب المناقب: عن سمرة بن جندب قال: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صلى الصبح أقبل علينا بوجهه الكريم، فقال: “هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا” هكذا هو في جميع النسخ: البارحة، فيحمل قول ثعلب على أن ذاك حقيقة وهذا مجاز، وإلا فقوله مردود بهذا الحديث.
برر: قوله في خطبتي “الروضة” و“المنهاج”: الحمد لله البر. قال إمام الحرمين: البر خالق البر، وحكى الواحدي وغيره أنه الصادق فيما وعد أولياءه، وقولهم في الدعاء عند رؤية الكعبة الكريمة: اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا ومهابة، وزد من شرفه وعظمه ممن حجه واعتمره تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبرًا. هكذا هو يذكر المهابة أولاً وحدها، والبر وحده ثانيًا لا يجمع بينهما، وقد ذكروه في “الوسيط” و“المهذب” و“التنبيه” و“الروضة” على الصواب، ووقع في “المختصر” ذكر المهابة في الموضعين، وحذف البر فيهما، ووقع في “الوجيز” ذكر المهابة والبر جميعًا في الأول، وذكر البر وحده ثانيًا.
قال الإمام أبو القاسم الرافعي رحمه الله تعالى: أعلم أن الجمع بين المهابة والبر لم نره إلا لصاحب الوجيز ولا ذكر له في الحديث الوارد بهذا الدعاء، ولا في كتب الأصحاب والبيت لا يتصور منه بر، ولا يصح إطلاق هذا اللفظ عليه إلا أن يعني البر إليه. قال: وأما الثاني فالثابت في الخبر البر فقط، ولم تثبت الأئمة ما نقله المزني، هذا آخر كلام الرافعي.
قلت: ولإطلاق البر على البيت وجه صحيح، وهو أن يكون معناه أكثر زائريه، فبره بكثرة زيارته، كما أن من جملة بر الوالدين والأقارب والأصدقاء زيارتهم واحترامهم، ولكن المعروف ما تقدم عن الكتب الأربعة.
وقد روى أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة بن الأزرق بن عمرو بن الحارث أبي شمر الغساني الأزرقي صاحب “تاريخ مكة” فيه حديثًا عن مكحول، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -(3/24)
أنه كان إذا رأى البيت رفع يديه، وقال: “اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة وبرًا وزد من شرفه” إلى آخره، هكذا ذكره جَمَعَ أولاً بين المهابة والبر كما وقع في “الوجيز” لكن هذه الرواية مرسلة وفي إسنادها رجل مجهول، وآخر ضعيف.
قوله في آخر “الوجيز”: لا قطع على النباش في برية ضائعة. قال الرافعي: يجوز برية بالباء الموحدة، ولا يجوز تربة بالمثناة فوق.
قلت: والأول أصوب وإن كانا جائزين.
برز: في الحديث: “اتقوا الملاعن الثلاث: البَرَازَ في الموارد، والظل، وقارعة الطريق” قال الإمام أبو سليمان الخطابي: البَرَازُ هنا مفتوحة الباء وهو اسم للفضاء الواسع من الأرض كَنَّوْا به عن حاجة الإنسان كما كنوا عنها بالخلاء، يقال: تبرز الرجل إذا تَغوَّط، وهو أن يخرج إلى البراز كما قيل يخلا إذا صار إلى الخلاء. قال الخطابي: وأكثر الرواة يقولون: البراز بكسر الباء، وهو غلط، وإنما البراز: مصدر بارزت الرجل في الحرب مبارزة، وبرازا، هذا آخر كلام الخطابي.
وذكر بعض من صنف في ألفاظ “المهذب” من الفضلاء أنه البراز بكسر الباء، قال: ولا تقل بفتحها، قال: لأن البراز بالكسر كناية عن ثقل الغذاء، وهو المراد، وهذا الذي قاله هذا القائل هو الظاهر أو الصواب.
قال الجوهري وغيره من أهل اللغة: البراز بكسر الباء ثقل الغذاء وهو الغائط وأكثر الرواة عليه وهذا يعين المصير إليه لأن المعنى عليه ظاهر ولا يظهر معنى الفضاء الواسع إلا بتأويل وكلفة، فإذ لم تكن الرواية عليه لم يُصَرْ إليه والله أعلم، ويقال برز الرجل يبرز بروزًا أي خرج وظهر، وأبرزه غيره إبرازًا وَبَرَّزَهُ تبريزًا، والمبارزة في الحرب معروفة، وبَرَّزَ الرجل في العلم وغيره إذا فاق نظراءه فيه، وكذلك الفرس إذا سبق وامراة بَرْزَة بفتح الباء وإسكان الراء تَبْرُزُ وتخرج في حوائجها وليست مخدرة. والذهب الإبريز هو الخالص، تكرر ذكره في كلام الغزالي، وهو بكسر الهمزة والراء وإسكان الباء الموحدة بينهما.
برسم: الأبرسيم معروف، قال ابن السكيت، والجوهري، وغيرهما: هو بكسر الهمزة والراء وفتح السين وهو منصرف معرفة ونكرة، لأن العرب عربته وأدخلت عليه الألف واللام، وأجرتهُ مجرى ما أصْلُ بنائه لهم، وكذلك الديباج، والأجر، والزنجبيل،(3/25)
ونظائرها.
وقال آخرون: إبرسيم بفتح الراء وكسر الهمزة وفتحها فحصل ثلاث لغات. وأما المبرسم فقال الجوهري: البرسام علة معروفة، وقد برسم الرجل فهو مبرسم. وأما قوله في باب الضمان من “مختصر المزني”: لا يصح ضمان المبرسم الذي يهذي، فقال صاحب “الحاوي”: لا اعتبار بالهذيان فمتى كان المبرسم زائل العقل بطل ضمانه وسائر عقوده، سواء كان يهذي أم لا، ولأصحابنا عن قوله يهذي جوابان: أحدهما أنه زيادة ذكرها المزني لغوًا، والثاني لها فائدة وذلك أن المبرسم يهذي في أول برسامه لقوة جسمه، فإذا طال به أضعف جسمه فلم يهذ فأبطل ضمانه في الحالة التي هو فيها صاحب قوة، فالحال التي دونها أولى.
برق: قال الزجاج في كتاب “فعلت وأفعلت”: قال أبو عبيدة وأبو زيد: يقال برق وأبرق إذا أوعد وتهدد، وبرقت السماء وأبرقت، قال: والاختيار برق وبرقت، والله أعلم.
برك: قال الإمام الواحدي في قول الله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (المؤمنون: من الآية14) أي استحق التعظيم والثناء بأنه لم يزل ولا يزال، وقيل: معناه ثبت الخير عنده، قاله ابن فارس. وقيل: معناه تعالى إلى، والبركة العلو والنماء. حكاه الأزهري عن ثعلب، وقيل: تعظم وتمجد. قاله الخليل بن أحمد، وقيل غيره. وأصله من البروك، وهو الثبوت، ومنه بركة الماء وبركة البعير، وأما برَكُ الماءِ فواحدتها بِركة بكسر الباء وإسكان الراء، هذا هو المشهور.
قال صاحب “مطالع الأنوار”: يقال هكذا ويقال بفتح الباء وكسر الراء.
برن: التمر البَرْني بفتح الباء وسكون الراء، قال صاحب “المحكم”: هو ضرب من التمر أصفر مدور، وهوأجود التمر، واحدته برنية. قال أبو حنيفة: وأصله فارسي. قال: إنما هو بَارِنيِ، فالبار الحمل ونيِ تعظيم ومبالغة.
برنس: البرنس بضم الباء والنون وإسكان الراء وهو الثوب العروف مذكور في حد لباس المُحرم، وحديثه صحيح مخرج في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما. قال الإمام أبو منصور الأزهري، وصاحب “المحكم” وغيرهما من الأئمة: البُرْنُس كل ثوب رأسه منه مُلْتزِق به دَرَّاعَةً كانت أو جُبَّة أو ممطرا.
بري: بريت القلم بريًا وأبريت الناقة، جعلت لها بُرَّةً.
بزز: ذكر في أول زكاة التجارة من “المهذب” قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -(3/26)
في البَز صدقة هو بفتح الباء وبالزاي، وهذا وإن كان ظاهرًا لا يحتاج إلى تقييد، فإنما قيدته لأنني بلغني أن بعض الكُتَّاب صحفه بالبُر بضم الباء وبالراء. قال أهل اللغة: البز الثياب التي هي أمتعة البزاز.
بزل: قال الجوهري: بزل البعير يبزل بزولاً فُطِرَ نابُه أي انشق، فهو بازل ذكرا كان أو أنثى، وذلك في السنة الثامنة، والجمع: بُزْل وبُزَّل وبَوَازِل. والبازل أيضًا اسم للسن التي طلعت هذا كلام الجوهري. وقوله في الجمع: بزل وبزل الأول بضم الباء وإسكان الزاي، والثاني بضم الباء وفتح الزاي المشددة. وقوله في صدقة المواشي من “المهذب”: كالثنايا والبزل، يجوز هذان الوجهان فيه، وإنما نبهت عليه لأني رأيت اثنين صَنَّفَا فيه، ضبطه أحدهما بأحد الوجهين، والآخر بالآخر، وغلَّطَ أحَدُهُمَا صاحبه.
بسر: قال الجوهري: الْبُسْر أوله طَلْع، ثم خلال، ثم بلح، ثم بُسْر، ثم رُطب، ثم تمر، الواحدة بُسْرة، وبُسُرة، والجمع بُسُرات وبُسَر، وأبسر النخل: صارما عليه بُسْرًا.
بشر: البشر الآدميون، قال ابن فارس في “المجمل” سموا بشرًا لظهورهم. قال أبو حاتم السجستاني في كتابه “المذكر والمؤنث”: البشر يكون للرجل والمرأة، وللجمع من الذكور والإناث، تقول: هو بشر، وهي بشر، وهم بشر، وهن بشر، وأما في الاثنين فهما بشران، وفي القرآن العزيز: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} (المؤمنون: من الآية47) قال أهل اللغة: البشرة ظاهر جلد الإنسان والأَدَمَةَ - بفتح الهمزة والدال - باطن الجلد، قالوا: وباشر الرجل المرأة من ذلك؛ لأنه يفضي ببشرته إلى بشرتها، ويقال: بشرت فُلانًا بكذا أبشره تبشيرا، وبشرته - بتخفيف الشين – أبشره بشرا كقتلته أقتله قتلاً لغتان. قال ابن فارس وغيره: والبشارة تكون بالخير والشر، فإذا أطلقت كانت في الخير، والمقيدة مثل قوله عز وجل: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (آل عمران: من الآية21) .
قال الواحدي: التبشير إيراد الخبر السار الذي يظهر رجاء في بشرة المخبر، ثم كثر استعماله حتى صار بمنزلة الإخبار. قال: وقال قوم أصله فيما يسر ويغم لأنه يظهر في بشرة الوجه أثر الغم، كما يظهر أثر السرور. قال أهل اللغة: ويقال بشارة وبشارة بكسر الباء وضمها. قال الزجاج في كتاب “فعلت وأفعلت” يقال: بشرت الأديم وأبشرته، وأديم مَبْشور ومُبْشر إذا بَشرتَه.(3/27)
بصر: يقال: أبصرت الشيء إذا رأيته، وبَصُرت به أَبْصُرُ إذا علمته.
بطأ: قال الزجاج: بطؤ الرجل في الأمر بطئا وأبطأ إبطاء.
بطح: قوله في التيمم من “الوسيط”: يدخل في التراب البطحاء، وهو التراب اللين في مسيل الماء، فالبطحاء بفتح الباء وبالمد، ويقال فيه الأبطح، ذكره الأزهري، وهذا التفسير الذي فسره به هو الصحيح، وبه فسره الأزهري، وذكر اصحابنا العراقيون فيه تفسيرين: أحدهما وبه قطع القاضي أبو الطيب: أنه مجرى السيل إذا جف واستحجر، والثاني: أنها الأرض الصلبة، ذكره الشيخ أبو حامد، وصاحب “الحاوي” وغيرهما.
بطن: قال: أقضى القضاة الماوردي في “الأحكام السلطانية” في الباب الثامن عشر في وضع الديوان وأحكامه، قال: رتبت أنساب العرب ست مراتب، جمعت طبقات أنسابهم وهي شعب، ثم قبيلة، ثم عمارة، ثم بطن، ثم فخذ، ثم فصيلة، فالشعب النسب الأبعد مثل: عدنان، وقحطان سمي شعبا لأن القبائل منه تتشعب، ثم القبيلة وهي ما انقسمت فيه أنساب الشعب مثل: ربيعة، ومضر، سميت قبيلة لتقابل الأنساب فيها، ثم العمارة وهي ما انقمست فيه أنساب القبائل: كقريش وكنانة، ثم البطن وهو ما انقسمت فيه أنساب العمارة مثل بني عبد مناف، وبني مخزوم، ثم الفخذ وهو ما انقسمت فيه أنساب البطن مثل بني هاشم، وبني أمية، ثم الفصيلة وهي ما انقسمت فيه أنساب الفخذ مثل: بني العباس وبني أبي طالب، فالفخذ يجمع الفصائل، والبطن يجمع الإفخاذ، والعمارة تجمع البطون، والقبيلة تجمع العمائر، والشعب يجمع القبائل، فإذا تباعدت الأنساب صارت القبائل شعوبًا، والعمائر قبائل، هذا آخر كلام الماوردي.
بعث: يقال: بعثه وابتعثه بمعنى أرسله، وبَعَث الكتاب، وبَعَث به.
بعد: قولهم في أول الكتب “أما بعد” متكرر في كتب العلماء، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما في أحاديث كثيرة: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول في خطبته وشبهها أما بعد، واختلف في المبتدىء به، وفي ضبطه، فقال جماعة من العلماء: إن فصل الخطاب الذي أعطي داود عليه الصلاة والسلام هو قوله أما بعد، وأنه أول من قال أما بعد.
روينا هذا عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه في “كتاب(3/28)
الأربعين” للحافظ عبد القادر الرهاوي.
قال أبو جعفر النحاس في كتابه “صناعة الكتاب”: أن أول من قال أما بعد قس ابن ساعدة. قال النحاس: وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: أول من قالها كعب بن لؤي.
قلت: وروينا هذا أيضًا في “الأربعين” قال: وهو أول من سمى يوم الجمعة الجمعة، وكان يقال لها العروبة.
قال النحاس: وسئل أبو إسحاق عن معنى أما بعد، فقال: قال سيبويه رحمه الله تعالى: معناها مهما يكن من شيء. قال أبو إسحاق: إذا كان رجل في حديث، فأراد أن يأتي بغيره قال: أما بعد. قال: والذي قاله هو الذي عليه النحويون، ولهذا لم يجيزوا في أول الكلام أما بعد؛ لأنها إنما ضمت لأجل ما حذف منها مما يرجع إلى ما تقدم.
قال النحاس: واختلف النحويون في علة ضم قبل وبعد على بضعة عشر قولاً وإن كانوا قد أجمعوا على أن قبل وبعد إذا كانا غايتين فسبيلهما ألا يعربا. قال النحاس: وأجاز الفراء أما بعدًا بالنصب والتنوين. قال: وأجاز أيضًا أما بعد بالرفع والتنوين، وأجاز هشام أما بعد بفتح الدال. قال النحاس: وهذا الذي معروف. قال: وتقول أما بعد أطال الله بقاك فإني نظرت في الأمر الذي كتبت فيه، هذا اختيار النحويين، ويجوز أما بعد فأطال الله بقاك إني قد نظرت في ذلك فتدخل الفاء في أطال، وإن كان معترضًا لقربه من أما، ويجوز أما بعد فأطال الله بقاك فإني، فتدخل الفاء فيهما جميعًا، ونظيره أن زيدًا لفي الدار لجالس، ويجوز أما بعد فأطال الله بقاك فإني نظرت، ويجوز ثم إني نظرت، ويجوز: أما بعد وأطال الله بقاك فإني نظرت، ويجوز أما بعد ثم أطال الله بقاك فإني نظرت، وأجود من هذا: أما بعد أطال الله بقاك، هذا آخر كلام أبي جعفر النحاس.
قلت: وروينا في “كتاب الأربعين” للحافظ عبد القادر الرهاوي رحمه الله تعالى قال: روى قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في خطبه وكتبه أما بعد: سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعقبة بن عامر، وأبو هريرة، وسمرة بن جندب، وعدى بن حاتم، وأبي حميد الساعدي، والطفيل بن سخبرة، وجرير بن عبد الله، وأبو سفيان بن حرب، وزيد بن أرقم، وأبو بكرة، وأنس بن مالك، وزيد بن خالد، وقرة بن دعموص البهزي، والمسور بن مخرمة، وجابر بن(3/29)
سمرة، وعمرو بن ثعلب، وزر بن أنس السلمي، والأسود ابن شريع، وأبو شريح الخزاعي، وعمرو بن حزم، وعبد الله بن عكيم، وعقبة بن مالك، وعائشة، وأسماء ابنتا أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين، ثم ذكر رواياتهم بالإسناد.
بعض: بعض الشيء جزؤه، ونقل صاحب “المهذب” في مسألة أنت طالق ثلاثًا بعضهن للسنة: أن البعض يطلق على القليل والكثير حقيقة، أما قولهم أبعاض الصلاة تجبر بسجود السهو، فمرادهم بها التشهد الأول وجلوسه، والقنوت في الصبح، أو وتر رمضان وقيامه، والصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهد الأول، وعلى آله إذا جعلناهما سنة. قال الرافعي: للصلاة مفروضات ومندوبات، فالمفروضات الأركان والشروط، والمندوب قسمان: مندوبات يشرع سجود السهو لتركها، ومندوبات لا يشرع السجود لها، فالقسم الأول يسمى أبعاضًا، ومنهم من يسمي الأول مسنونات، والثاني هيئات قال إمام الحرمين: وليس في تسميتها أبعاضا توقيف، ولعل معناها أن الفقهاء قالوا يتعلق السجود ببعض السنة دون بعض، والتى يتعلق بها السجود أقل مما لا يتعلق به، ولفظ البعض في أقل مسمى الشيء أغلب استعمالاً وإطلاقًا، فلهذا سميت هذه أبعاضًا. وقال بعضهم: السنن المجبورة بالسجود قد تأكد أمرها، وجاوز سائر السنن، وبذلك القدر من التأكيد شاركت الأركان فسميت أبعاضا به تشبيها بالأركان التي هي أبعاض وأجزاء حقيقة، هذا آخر كلام الرافعي.
بغى: قال الإمام أبو سليمان الخطابي في كتاب “الزيادات في شرح ألفاظ مختصر المزني” رحمهما الله تعالى ورضي عنهما انبغى لفظة يكررها الشافعي رضي الله عنه، وأنكرها عليه بعض الناس، وقالوا: إنما تكلم به على لفظ المستقبل، وأميت منه الماضي كما: أماتوا ودع ووذر، قال الخطابي: والذي قاله الشافعي صحيح، قال ثعلب: عن سلمة، عن الفراء، عن الكسائى: والعرب تقول ينبغي وانبغى فصيحتان، قال ثعلب عن الأحمر: قرأ اللحياني على الكسائى انبغى في النوادر، وقد تكلم بودع أيضًا.
وأنشد الليث:
أكبر نفعا من الذي ودعوا
وكان ما قدموا لأنفسهم
آخر كلام الخطابي.
وقال الواحدي: في قول الله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} (يّس: من الآية69) قال الزجاج: معناه(3/30)
ما يسهل له، واصل ينبغي من قولهم بغيت الشيء أبغيه، أي طلبته، فانبغى لي أي حصل وتسهل، كما تقول كسرته فانكسر. ومن المواضع التي استعمل الشافعي “انبغى” فيها باب عدة المطلقة يملك زوجها رجعتها، وباب القافة. وأما قولهم في كتاب البغي والباغي: فالباغي في اصطلاح الفقهاء هو المخالف للإمام الخارج عن طاعته بالامتناع من أداء ماعليه أو غيره، وله شروط معروفة في كتب المذهب سمي باغيًا لأنه السهو والبغي الظلم. وقيل: لمجاوزته الحد المشروع، وقيل لطلبه الاستعلاء على الإمام، من قولهم: بغيت كذا أي طلبته، ومنه قوله تعالى: {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً} (الكهف:64) . واتفق أصحابنا على البغاة إذا وجدت شروط تسميتهم أنهم بغاة ليسوا فساقًا لكنهم مخطئون في شبهتهم وتأويلهم، واختلف أصحابنا في أنهم عصاة أم لا مع اتفاقهم على أنهم ليسوا فسقة، ومن قال يَعْصُون قال ليست كل معصية فسقًا، والبغي في اللغة التعدي والاستطالة.
بقق: البق معروف، الواحدة بقة، قال الزجاج: البقاق كثير الكلام.
بقل: البقل معروف، قال الزجاج: بقل وجه الغلام، وأبقل: أي خرجت لحيته.
بكر: قال في “مشارق الأنوار”: البكرة التي يستقى بها بإسكان الكاف وفتحها لغتان، قال الزجاج في كتاب “فعلت وأفعلت”: بكر الرجل في حاجته يبكر بكورًا وأبكر إبكارًا. وقال غيره: بكر أيضًا مشددة.
بلط: البلوط الذي يؤكل مذكور في “الروضة” في الربا، وهو معروف وهو بفتح الباء، والبلاط بفتح الباء الحجارة المفروشة في الدار وغيرها، ولا خلاف في فتح الباء، وممن نص عليه الجوهري.
بلع: قال أهل اللغة: بلعت الشيء بكسر اللام أبلعه بفتحها بلعًا بإسكانها، وأبلعته غيري، قال الجوهري: والبالوعة ثقب في وسط الدار، وكذلك البلوعة.
بلل: قال الزجاج في كتاب “فعلت وأفعلت”: يقال بل المريض من مرضه يبل بلولاً وأبل إبلالاً واستبل استبلالاً.
بلى: قال الجوهري: البلوة والبلية بكسر الباء فيهما، والبلية بفتحها وتشديد الياء، والبلوى والبلاء واحدة، والجمع البلايا وبلاه الله تعالى بلاء وأبلاه إبلاء حسنًا، وابتلاه اختبره، والتبالي الاختبار، ويكون البلاء الذي هو الاختبار في الخير والشر،(3/31)
وقوله لا أباليه لا أكترث له، وإذا قالوا لم أبل حذفوا الألف تخفيفا لكثرة الاستعمال كما حذفوا الياء من قولهم لا أدر، وكذلك يفعلون فى المصدر، فيقولون: ما أباليه بالة والأصل بالية مثل عافاه الله تعالى عافية. وناس من العرب يقولون: لم أبله، وبلى الثوب يبلي بلى بكسر الباء، فإن فتحتها مددت، قال العجاج:
كر الليال واختلاف الأحوال
والمرء يبليه بلاء السربال
وأبليت الثوب فبلي وبلى حرف لجواب التحقيق يوجب ما قال لك لأنها ترك للنفي، هذا آخر كلام الجوهري.
وقولهم: لا أبالي به قد استعملوه في هذه الكتب وغيرها وهو صحيح، وقد أنكره بعض المتحذلقين من أهل زماننا، وزعم أن الفقهاء يلحنون في هذا، وأن الصواب لا أباليه، وأنه لم يسمع من العرب إلا هذا، وغلط هذا الزاعم بل أخبرنا بجهالته، وقلة بضاعته، بل يقال: لا أبالي به صحيح مسموع من العرب.
وقد روى الخطيب الحافظ أبو بكر البغدادي الإمام في أول كتابه “آداب الفقيه والمتفقه” بإسناده: عن معاوية رضي الله تعالى عنه: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، ومن لم يبال به لم يفقهه”، ورويناه هكذا في “حلية الأولياء”.
وثبت في الصحيحين: عن أبي برزة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يبالي بتأخير العشاء هكذا هو في الصحيحين بتأخير بالباء.
وثبت في “صحيح البخاري”: عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن حلال أم من حرام” ذكره في باب قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران:130) في اول كتاب البيوع.
وثبت في صحيح مسلم، وسنن أبي داود في كتاب الجنائز منهما: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتته امرأة تبكي على صبي لها، فقال لها: اتقي الله واصبري، فقالت: وما تبالي بمصيبتي.
وثبت في صحيح البخاري في كتاب “الإيمان”: في باب كيف كانت يمين النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأصحابه: “أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة، قالوا: بلى” هكذا هو في الأصول(3/32)
وفيه التصريح باستعمال بلى جواب النفي.
وثبت في صحيح مسلم في كتاب “الهبة”: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لوالد النعمان بن بشير في حديث هبته له دون باقي أولاده: “أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء”. قال: بلى. قال: “فلا آذن”.
بني: وأما قوله في “الوسيط” و“الوجيز” في مواضع كثيرة: (ابتنت يده على يد الغاصب) ففيه وجهان يبتنيان على القولين ونحو ذلك، فيقع في غالب النسخ يبتنيان بياء مثناة تحت في أوله ثم باء موحدة ثم تاء مثناة فوق، وهكذا يقع ابتنت أوله موحدة ثم مثناة فوق ثم نون، وهذا لحن لأن الابتناء متعد كالبنا فلا يستعمل لازمًا، وصوابه: ينبنيان بمثناة تحت ثم نون ثم موحدة وكذا انبنت بنون ثم موحدة ويجوز ابتنيت بموحدة ساكنة ثم مثناة فوق مضمومة ثم نون مكسورة ثم مثناة تحت مفتوحة ثم مثناة فوق.
وقد ذكر الإمام أبو القاسم الرافعي في أوائل “كتاب الغصب” معنى ما ذكرته في الإنكار وبيان الصواب.
بها: قوله من “المهذب” في باب من يصح لعانه وكيف اللعان، وفي باب اليمين في الدعاوي: أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه رأى قومًا يحلفون بين البيت والمقام، فقال: لقد خشيت أن يبهأ الناس بهذا البيت، قوله: يبهأ هو بياء مثناة من تحت مفتوحة ثم باء موحدة ساكنة ثم هاء ثم همزة، ومعناه: يأنسون به فتقل حرمته عندهم، وتذهب مهابته من قلوبهم. قال أهل اللغة: يقال بهأت بالرجل وبهيت به بالفتح والكسر أبهأ بهاء وبهواء أي أنست به. قال الأصمعي: يقال: ناقة بهاء بفتح الباء وبالمد إذا كانت قد أنست بالحالب، وهو من بهأت به أي أنست. قال أبو عمرو الزاهد في “شرح الفصيح” عن الفراء يقال بهيت به وبهأت به وبسئت وبسأت كله بمعنى أنست به. قلت: ضبطه بحروفه وحركاته إلا أن بدل الهاء سين مهملة، وأما البها من الحسن فهو من بهي الرجل على وزن مهموز، فليس من هذه المادة والترجمة.
بهم: الإبهام العظمى من الأصابع وهي مؤنثة، وتذكر أيضًا، والتأنيث أكثر وأشهر، ولم يذكر الجوهري غيره. وقال ابن خروف في “شرح الجمل”: تذكيرها قليل، وجمعها أباهم على وزن أكابر.
وقال: قال الجوهري: أباهيم بزيادة ياء. والبهمة: اسم للذكر(3/33)
والأنثى من أولاد الضأن والمعز من حين يولد، هكذا قاله الجمهور. قال الزبيدي في “مختصر العين”: البهمة اسم لولد الضأن والمعز والبقر، وجمعها بهم وبهام هذا كلامه. وقال الجوهري: البهام جمع بهم والبهم جمع بهمة وهي أولاد الضأن، ويقع على الذكر والأنثى والسخال أولاد المعز، فإذا اجتمعت البهام والسخال قلت لهما جميعا بهام وبهم. قال الزبيدي في “مختصر العين” البهيمة كل ذات أربع من دواب البر والبحر.
بوز: البازي مخفف الياء ولا يجوز تشديدها، وقد أولع كثير من الناس بتشديدها، وهو هذا الطائر المعروف، ويقال فيه: باز ياء وهو مذكر.
قال أبو حاتم السجستاني في كتابه “المذكر والمؤنث”: الباز مذكر لا اختلاف فيه، يقال البازي والباز، فمن قال البازي قال في التثنية بازيان وبزاة في الجمع كقاضيان وقضاة، ومن قال باز قال: بازان، وأبواز، وبيزان، قال أبو زيد: يقال للبزاة والشواهين وغيرهما مما يصيد صقور واحدها صقر مذكر والأنثى صقرة، هذا آخر كلام أبي حاتم.
قال الجوهري: الباز لغة في البازي وذكر ابن مكي: فيه ثلاث لغات بازي بالتخفيف، قال وهي أعلاهن، وباز، وبازي بالتشديد.
ورطن: قوله في “الوسيط” في باب بيع الأصول والثمار اللفظ الثاني الباغ هو بالباء الموحدة والغين المعجمة وهو البستان، وهي لفظة فارسية.
وذكر أبو عمرو في “شرح الفصيح”: عن الأصمعي أنه كان يأبى أن يقول بغداد بالذال المعجمة ويقول داذ شيطان، وبغ بستان. قال الكسائى وغيره: هي بغداذ، وبغداد، وبغدان، ومغدان، وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
بوق: البوق المذكور في حديث الأذان بضم الباء وهو معروف وفي "المهذب": فقالوا: البوق فكرهه من أجل اليهود فجعله من شعار اليهود، وقد قال الجوهري في "الصحاح": أنشد الأصمعي: زمر النصارى زمرت في البوق. وهذا يدل على أن البوق عندهم للنصارى والذي جاء في صحيح مسلم: "فقال بعضهم: ناقوسًا مثل ناقوس النصارى". وقال بعضهم: قرنا مثل قرن اليهود، وفي صحيح البخاري: "وقال بعضهم بوقًا مثل قرن اليهود".
بين: قال أهل اللغة: يقال بان الأمر واستبان بمعنى، وأما قولهم بينا زيد جالس جرى كذا، ويقال بينما بزيادة ميم، فأصله(3/34)
بين. قال الجوهري: بينا فعلى أشبعت الفتحة فصارت ألفًا وأصله بين، قال: وبينما بمعناه زيدت فيه ما، تقول: بينا نحن نرقبه إذا أتانا أي أتانا بين أوقات رقبتنا إياه والجمبل مما يضاف إليها أسماء الزمان، كقولك أتيتك زمن الحجاج أمير ثم حذف المضاف الذي هو أوقات وولى الظرف الذي هو بين الجملة التي أقيمت إليه، وكان الأصمعي يخفض ما بعد بينا إذا صلح في موضعه بين وغيره يرفع ما بعد بينا وبينما على الابتداء والخبر.
باب الباء وحدها
قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من توضأ فبها ونعمت" هو حديث صحيح رواه أبو داود، والترمذي وغيرهما، قال الترمذي وغيره: هو حديث حسن. قال الهروي: قال الأصمعي: قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "فبها" أي فبالسنة أخذ، قال: وسمعت الفقيه أبا حامد الشاوكي يقول: أراد فبالرخصة أخذ، وذلك أن السنة الغسل يوم الجمعة، فأضمر ولم يذكر الأزهري في "شرح ألفاظ المختصر"، والخطابي في "معالم السنن" سوى قول الأصمعي حكاه عنه. وقال صاحب "الشامل": معناه فبالفريضة أخذ، ونعمت الخلة: الفريضة. قال الخطابي: ونعمت الخصلة، أو نعمت الفعلة أو نحو ذلك. قال: وإنما ظهرت الهاء التي هي علامة التأنيث لإظهار السنة أو الخصلة أو الفعلة، وكذا قال الأزهري: هذه التاء في نعمت هي تاء التأنيث، قال: ونعم ونعمت ضد بئس وبئست، وهما في الأصل نعم ونعمت فخففا.
قلت: وهذا هو المشهور في ضبطه، نعمت بكسر النون وإسكان العين وفتح الميم. قال القلعي وغيره: وروي ونعمت بفتح النون وكسر العين وإسكان العين وفتح التاء. وروي: ونعمت بفتح النون والميم وكسر العين على الأصل، والله تعالى أعلم.
ومعنى قول الأصمعي: فبالسنة أخذ، أي: بما جوزته السنة وجاءت به، والله تعالى أعلم.(3/35)
فصل في أسماء المواضع
باب بني شيبة: مذكور في "الوسيط" و"الوجيز" و"الروضة" هو: أحد أبواب المسجد الحرام زاده الله تعالى فضلاً، ويستحب الدخول منه لكل قادم سواء كان على طريقه أو لم يكن بلا خلاف بين أصحابنا بخلاف دخول مكة من ثنية كداء، فإن فيه خلافًا وكل هذا واضح في هذه الكتب بحمد الله تعالى. والحكمة في الدخول من باب بني شيبة: أنه في جهة باب وجه الكعبة والركن الأسود.
قوله في باب الحضانة من "المهذب" أن امرأة قالت: يا رسول الله، هذا ابني سقاني من بئر أبي عنبة، هو عنبة بكسر العين المهملة وفتح النون واحدة العنب، وهذه البئر على ميل من المدينة.
بئر بضاعة: بضم الباء وكسرها لغتان مشهورتان ذكرهما ابن فارس في "المجمل" والجوهري وغيرهما، والضم أشهر وأوضح وهي بالمدينة بديار بني ساعدة، قيل: هو اسم للبئر، وقيل: كان إسمًا لصاحبها فسميت باسمه.
بئر رومة: ذكر في "المهذب" في باب الوقف: أن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه اشتراها ووقفها، وهي بضم الراء وبعدها واو ساكنة ثم ميم ثم هاء، وهي بئر معروفة بمدينة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال الإمام الحافظ أبو بكر الحازمي في كتابه "المؤتلف والمختلف" في أسماء الأماكن: هذه البئر تنسب إلى رومة الغفاري. قال أبو عبد الله بن منده: رومة صاحب بئر رومة، يقال: إنه أسلم، قال: واشتراها عثمان رضي الله عنه بخمسة وثلاثين ألف درهم.
بئر معونة: بالنون، وهي قبل نجد بين أرض بني عامر وحرة بني سليم، وكانت غزوتها في أول سنة أربع من الهجرة بعد أحد بأشهر، وقتل بها خلق من فضلاء الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وكان الجيش الذي حضرها أربعين من خيار المسلمين منهم المنذر بن عمرو بن خنيس المعتنق للموت، ويقال المعتنق ليموت، والحارث بن الصمة، وحرام بن ملحان، وعروة بن شماس بن أبي الصلت السلمي، ورافع بن زيد ابن ورقاء، وعامر بن فهيرة فقتلوا كلهم إلا كعب بن زيد، وعمرو بن أمية الضمري، ذكره ابن الأثير في ترجمة المنذر بن عمرو.(3/36)
بدر: موضع الغزوة العظمي لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ماء معروف وقرية عامرة على نحو أربع مراحل من المدينة قال ابن قتيبة في كتابه "المعارف" بدر كانت لرجل يدعى بدرا فسميت باسمه. قال أبو اليقظان: كان بدر رجلاً من بني غفار نسب الماء إليه، وكانت وقعة بدر لسبع عشرة خلت من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة.
ثبت في الصحيحين: من رواية البراء بن عازب: أن عدة أهل بدر ثلاثمائة وبضعة عشر.
وفي صحيح مسلم: كانوا ثلاثمائة وتسعة عشر من رواية عمر.
وثبت في البخاري: عن ابن مسعود أن يوم بدر كان يومًا حارًا وكانت يوم الجمعة، هذا هو المشهور.
وروى الحافظ أبو القاسم بن عساكر في "تاريخ دمشق" في باب مولد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإسناد فيه ضعف: أنها كانت يوم الاثنين، قال: والمحفوظ أنها كانت يوم الجمعة.
البحرين: مذكور في باب صدقة المواشي من "المهذب" هو: بفتح الباء وإسكان الحاء على صيغة تثنية البحر، وهو اسم لإقليم معروف، والنسبة إلى البحرين بحراني بنون قبل ياء النسب. قال ابن فارس في "المجمل": البحرين بين البصرة وعمان.
بخارى: مذكورة في "الروضة" في كتاب الأضحية، هي: بضم الباء، وهي البلدة المشهورة بما وراء النهر، وقد خرج منها من العلماء في كل فن خلائق لا يحصون، ولها تاريخ مشهور، ومن أعلام أهلها الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح.
بزاخة: مذكورة في باب الردة من “المهذب”، وهي: بضم الباء وتخفيف الزاي والخاء المعجمة، وهو موضع. قال صاحب “مطالع الأنوار”: هو موضع بالبحرين. قال: وقال الأصمعي: هو ماء لطي. وقال الشيباني ماء لبني أسد.
بصرى: بضم الباء مدينة حوران حسنة صلحًا في شهر ربيع الأول لخمس بقين منه سنة ثلاث عشرة، وهي أول مدينة فتحت بالشام، ذكره كله ابن عساكر، وردها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرتين.
البصرة: بفتح الباء البلدة المشهورة مصرها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفيها ثلاث لغات: فتح الباء، وضمها، وكسرها. حكاهن الأزهري أفصحهن الفتح وهو المشهور، ويقال لها: البصيرة بالتصغير، وتدمر(3/37)
والمؤتفكه؛ لأنها اؤتفكت بأهلها في أول الدهر، أي انقلبت. قاله صاحب “المطالع”.
قال أبو سعيد السمعاني: يقال للبصرة قبة الإسلام، وخزانة العرب، بناها عتبة بن غزوان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة سبع عشرة، وسكنها الناس سنة ثماني عشرة، ولم يعبد الصنم قط على أرضها، كذا قاله لي أبو الفضل عبد الوهاب بن أحمد بن معاوية الواعظ بالبصرة، هكذا كلام السمعاني.
والنسبة إلى البصرة: بصرى بكسر الباء وفتحها وجهان مشهوران، ولم يقولوه بالضم وإن ضمت البصرة على لغة لأن النسب مسموع، والبصرة داخلة في سواد العراق وليس لها حكمه، كذا قاله الشيخ أبو إسحاق في “المهذب” وغيره من أصحابنا.
البطحاء: مذكورة في باب استقبال القبلة من “المهذب” هي بطحاء مكة وهو - بفتح الباء وبالخاء المهملة وبالمد - وهي الأبطح، وقد تقدم بيانه في حرف الهمزة.
بطن نخل: الذي صلى به رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الخوف مذكور في باب صلاة الخوف من “الوسيط” ونخل - بفتح النون وإسكان الخاء المعجمة - وهو مكان من نجد من أرض غطفان، هكذا قاله صاحب “المطالع” والجمهور. وقال الحازمي: بطن نخل قرية بالحجاز، ولا مخالفة بينهما.
بغداذ: قال أبو سعيد السمعاني في كتابه “الأنساب” البغداذي - بفتح الباء المنقوطة بواحدة وسكون الغين المعجمة وفتح الدال المهملة وفي آخرها الذال المعجمة - وهذه نسبة إلى بغداذ، وإنما سميت بهذا الاسم لأن كسرى أهدى إليه خصي من المشرق، فأقطعه بغداذ، وكان لهم صنم يعبدونه بالمشرق يقال له: البغ، فقال بغداذ يقول: أعطاني الصنم. قال: والفقهاء يكرهون هذا الاسم من أجل هذا، وسماها أبو جعفر المنصور: مدينة السلام لأن دجلة كان يقال لها وادي السلام. وروي أن رجلاً ذكر عند عبد العزيز بن أبي رواد بغداذ فسأله عن معنى هذا الإسم، فقال: بغ بالفارسية صنم، وداذ عطيته، وكان ابن المبارك يقول: لا يقال بغداذ، يعني بالذال المعجمعة، فإن بغ شيطان وداذ عطيته، وأنهما شرك، ولكن يقول بغداد يعني بالدالين المهملتين وبغدان كما تقول العرب، وكان الأصمعي لا يقول بغداذ، وينهي عن ذلك ويقول مدينة السلام؛ لأنه سمع في الحديث أن بغ صنم وداذ عطيته بالفارسية، كأنها عطية الصنم، وكان أبو عبيدة،(3/38)
وأبو زيد يقولان: بغداذ وبغداد، ومغدان وبندان جميعها راجع إلى أنه عطية الصنم، وقيل: عطية الملك، وقال بعضهم: إن بغ بالعجمية بستان، وداذ اسم رجل يعني بستان داذ، والله أعلم. هذا آخر كلام السمعاني.
وذكر الخطيب البغدادي هذا كله بمعناه في أول “تاريخ بغداذ” وزاد عن ابن الأنبارى قال: من العرب من يقول بغدان بالباء والنون، ومنهم من يقول بغداد بالباء والدالين. قال ابن الأنبارى: وهاتان اللغتان هما السائرتان في العرب المشهورتان. قال ابن الأنبارى: قال اللحياني: وبعضهم يقول بغذاذ - يعنى بالذالين المعجمتين - وهي أشذ اللغات وأقلها. قال ابن الأنبارى: وبغداد في جميع اللغات تذكر وتؤنث، فيقال: هذه بغداد وهذا بغدان. وقال الفتح الهمداني في كتابه “الاشتقاق” في حرف الزاي: ومن أسماء بغداد الزوراء.
البقيع: المذكور في الجنائز، هو بقيع الغرقد، مدفن أهل المدينة، وهو بالباء وهو البقيع المذكور في قوله: كنا نبيع الإبل في البقيع بالدراهم فنأخذ الدنانير. وأما قول الشيخ عماد الدين بن باطيش: لم أجد أحدًا ضبط البقيع في هذا الحديث، وأن الظاهر أنه كان يبيع بالنقيع - بالنون - فإنه أشبه بالبيع من البقيع الذي هو مدفن، فليس كما قال، بل هو البقيع بالباء وهو المدفن، ولم يكن في ذلك الوقت كثرت فيه القبور، وأما قول الشيخ أبي عبد الله محمد بن معن في كتابه "ألفاظ المهذب" أنه بالياء. قال: وقيل هو بالنون، فالظاهر أن حكايته النون عن ابن باطيش، وأما المذكور في إحياء الموات في الحمى فهو النقيع بالنون، هذا هو المشهور الذي قاله الجمهور من اللغويين والمحدثين وغيرهم. وقال بعض أهل اللغة: هو بالباء، حكاه صاحب "مطالع الأنوار" وسيأتي بيانه في النون إن شاء الله تعالى.
بكة: زادها الله شرفًا، جاء ذكرها في القرآن العزيز: بكة، ومكة بالباء والميم، فقال جماعات من العلماء: هما لغتان بمعنى واحد. وقال آخرون: هما بمعنيين، واختلفوا على هذا، فقيل: مكة الحرم كله، وبكة بالباء المسجد خاصة، حكاه الماوردي في "الأحكام السلطانية" عن الزهري، وزيد بن سالم، وقيل: مكة اسم للبلد، وبكة اسم للبيت، حكاه الماوردي عن النخعي وغيره، وقيل: مكة البلد، وبكة البيت، وموضع الطواف، سميت بكة لازدحام الناس بها يبك بعضهم بعضًا،(3/39)
أي يدفعه في زحمة الطواف.
البويرة: مذكورة في باب السير من "المهذب" في قطع أشجار الكفار، هي بضم الباء وفتح الواو وبالراء المهملة، وهي نخل بقرب المدينة.
البيت: اسم علم للكعبة زادها الله تعالى تشريفًا وتكريمًا وتعظيمَا ومهابة. ويقال: البيت الحرام، كما قال الله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاس} (المائدة: من الآية97) .
حرف التاء
تبع: قال الزجاج وغيره يقال: تبع الشيء وأتبعه بمعنى قال الله تعالى: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ} (يونس: من الآية90) .
تبل: ذكر في "الروضة" في أوله باب الربا التوابل توابل قدر الطبخ، هو بفتح أول وكسر الباء الموحدة بعد الألف، وهو جمع، وواحدة تابل وتابل بكسر الباء وفتحها لغتان، ذكره الجوهري قال قال أبو عبيد: يقال منه توبلت القدر.
تبن: التبن معروف، والتبان مذكور في باب الكفن وباب الإحرام بالحج من "المهذب" هو بضم التاء وتشديد الباء، وهو سراويل قصير جدًا. وقال الجوهري: هو مقدار شبر يستر العورة المغلظة فقط يكون للملاحين.
تجر: التجارة تقليب المال وتصريفه لطلب النماء، ويقال منها أتجر يتجر، ويقال تجر يتجر تجرًا وتجارة، والجمع تجار كصاحب وصحاب، ويقال أيضًا: تجار كفاجر وفجار، وقوله في آخر باب زكاة الزرع من "المهذب" يجب العشر والخراج، ولا يمنع أحدهما الاخر كأجرة المتجر، وزكاة التجارة، فالمتجر بفتح الميم وإسكان التاء وفتح الجيم، والمراد به المخزن، وكذا صرح به صاحب "المهذب" في كتابه في الخلاف، فقال كأجرة المخزن، وكذا ذكر غيره من أصحابنا.
ترب: التراب معروف، والصحيح المشهور الذي قاله الإمام الفراء والمحققون أنه جنس لا يثنى ولا يجمع، ونقل أبو عمرو الزاهد في "شرح الفصيح" عن المبرد أنه قال: هو جمع واحدته ترابة، والنسبة إلى التراب ترابي.
وذكر أبو جعفر النحاس في كتابه "صناعة الكتاب": في التراب(3/40)
خمس عشرة لغة، فقال: يقال تراب ردينة يعني على مثال جعفر واذكرها فحصب بفتح أولهما والإثلب والأثلب الأول بكسر الهمزة واللام، والثاني بفتحهما والثاء مثلثة فيهما، ومنه قولهم بفيه الأثلب، وهو الكثكث بفتح الكافين وبالثاء المثلثة المكررة والكثكث بكسر الكافين والدقعم بكسر الدال والعين والدقعاء بفتح الدال والمد، والرغام بفتح الراء والغين المعجمة، ومنه أرغم الله تعالى أنفه أي الصقه بالرغام، وهو البرا مقصور مفتوح الباء الموحدة، كالعصا والكلخم بكسر الكاف والخاء المعجمة وإسكان اللام بينهما والكملخ بكسر الكاف واللام وإسكان الميم بينهما والخاء أيضا معجمة. والعثير بكسر العين المهملة وإسكان الثاء المثلثة وبعدها مثناة من تحت مفتوحة. قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عليك بذات الدين تربت يداك" مذكور في نكاح "المهذب" وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فأين الشبه تربت يمينك" مذكور في الغسل من "الوسيط" معناه في الأصل أفتقرت يداك أي افتقرت وأضيفت إلى اليد؛ لأن غالب الاكتساب والتصرفات تكون بها، ثم إن العرب استعملت هذ اللفظة في كلامها غير مريدة معناها في الأصل، ولا تقصد بها الدعاء بوقوع الفقر، بل مرادهم إيقاظ المخاطب بذلك المذكور لعيتني به، ولهذا نظائر كثيرة في كلامهم، والله تعالى أعلم. هذا هو الصحيح الذي قاله المحققون.
وقال بعض العلماء: معناه خبت وافتقرت إن لم تفعل ما أرشدتك إليه. قال الزجاج: يقال: تربت الكتاب بالتخفيف، وأتربته لغتان، أي جعلت عليه التراب.
ترجم: الترجمة بفتح التاء والجيم، عن لغة بلغة أخرى، يقال منه ترجم يترجم ترجمة، فهو مترجم، وهو الترجمان بضم التاء وفتحها لغتان والجيم مضمومة فيهما والتاء في هذ اللفظة أصلية ليست بزائدة، والكلمة رباعية، وغلطوا الجوهري رحمه الله في جعله التاء زائدة وذكره الكلمة في فصل رجم.
تعس: قال الزجاج: يقال تعسه الله تعالى، وأتعسه لغتان.
تعتع: التعتة الحركة العنيفة، وقد(3/41)
تعتعه، والتعتعة أن يعي بكلامه من حصر وعي، وقد تعتع في كلامه وتعتعه العي وتعتعة الدابة ارتطامها في الرمل ونحوه.
تقن: قال أهل اللغة: إتقان الأمر إحكامه وقد أتقن الرجل الشيء يتقنه إتقانًا، ورجل تقن بكسر التاء وإسكان القاف أي حاذق، وقوله في إحياء الموات من "المهذب": وحريم النهر ملقى الطين وما يخرج منه من التقن هو بكسر التاء وإسكان القاف. قال ابن فارس في "المجمل": التقن الطين والحمأ.
تمر: وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه، وهو مذكور في باب السلم من "المهذب": "ولكن أبيعك تمرًا معلومًا" فقوله: تمرًا هو بالتاء المثناة لا بالثاء المثلثة، وهذا الحديث أخرجه ابن ماجه في سننه بمعناه. قال الشيخ أبو محمد الجويني في كتاب الزكاة من كتابه "الفروق" كنت بالمدينة فدخل علي بعض أصدقائي فقال: كنا عند الأمير فتذاكروا أنواع تمر المدينة، فبلغت أنواع الأسود ستين نوعًا، ثم قالوا: وأنواع الأحمر، فبلغت هذا المبلغ.
تمم: قولهم: "اللهم رب هذه الدعوة التامة" هي دعوة الأذان. قال صاحب "المطالع": معنى الدعوة التامة، الكلمة الكاملة، وكمالها أن الأذان دعاء إلى طاعة الله تعالى، وفلاح في الآخرة، ونعيم دائم، وثواب كامل هذا كلامه، وهذا لما اشتمل عليه الأذان من التوحيد، والإقرار بالنبوة، والأذكار وغيرها من الخيرات، يقال: تم الشيء وتممته وأتممته لغتان، يقال: تم الله عليك نعمته وأتمها، أي أسبغها. قاله الزجاج.
تنا: قوله في "التنبيه" في النكاح: بنت تاجر وأتأن، هكذا هو في النسخ بنون منونة وهو لحن بلا خلاف، وصوابه تأنى بالتاء والهمز. وهذا لا خلاف فيه بين أهل اللغة. قال أهل اللغة: يقال: تنأت بالبلد إذا قطنته. قال ابن فارس، والجوهري: ومنه التأني. قال الجوهري: وجمعه تناء بالضم وتشديد النون والمد، كفاجر وفجار، والأسم التَّنَاءة.
تور: قولهم فعل الشيء تارة أخرى، أي مرة أخرى. قال الواحدي: قال الليث: الألف في تارة واو، وجمعها تير وتارات. قال: والفعل أترت الشيء أي أعدته تارة وتارتين وتيرا. قال الجوهري: وربما قالوا تار بحذف الهاء، قال الراجز: "بالويل تارا والثبور تارا" قال: ويقال: أتار إذا أعاد مرة بعد أخرى.
توز: قوله في أوائل البيع من "(3/42)
الوسيط" في مسائل بيع الغائب: الفأرة من المسك كالمسح من التوزي، وهو بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الواو المفتوحة وبالزاي وهي نسبة إلى توز بلدة من بلاد فارس مما يلي الهند، كذا قيدها السمعاني والحازمي ومن لا يحصى من العلماء، ولا خلاف فيه، قال السمعاني والحازمي وغيرهما: ويقال فيها أيضًا توج بالجيم.
تير: قوله في "الوسيط" في أول كتاب الجراح: لو ألقاه في تيار البحر، هو بفتح التاء وتشديد الياء، قال أهل اللغة: هو موج البحر، ولو قال صاحب الكتاب: ألقاه في البحر لكان أعم وأحسن.
فصل في أسماء المواضع
تبوك: مذكورة في باب المسح على الخفين من "المهذب" هي بفتح التاء وضم الباء، وهي في طرف الشام صانه الله تعالى من جهة القبلة، وبينها وبين مدينة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحو أربع عشرة مرحلة وبينها وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة، وكانت غزوة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تبوك سنة تسع من الهجرة، ومنها راسل عظماء الروم، وجاء إليه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من جاء، وهي آخر غزواته بنفسه. قال الأزهري: أقام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتبوك بضعة عشر يومًا، والمشهور ترك صرف تبوك للتأنيث والعلمية، ورويته في صحيح البخاري: في حديث كعب في أواخر كتاب المغازي عن كعب ولم يذكر عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى بلغ تبوكًا، هكذا هو في جميع النسخ تبوكا بالألف تغليبا للموضع.
تستر: مذكور في باب قتل المرتد في "المهذب" وهي بتاءين مثناتين من فوق الأولى مضمومة والثانية مفتوحة بينهما سين مهملة ساكنة، وهي مدينة مشهورة بخورستان.
تكريت: بفتح التاء، مدينة معروفة بالعراق، قال أبو الفتح الهمداني: هي تفعيل من قولهم حول كريت؛ أي تام كامل، فسميت بذلك لتكامل الأشياء المطلوبة بها.
التنعيم: بفتح التاء، هو عند طرف حرم مكة من جهة المدينة والشام، على ثلاثة أميال وقيل أربعة من مكة، سمي بذلك لأن عن يمينه جبلاً يقال له: نعيم، وعن شماله جبلاً يقال له: ناعم، والوادي نعمان. وقوله في "التنبيه": الأفضل أن يُحرم بالعمرة من(3/43)
التنعيم مما أنكروه عليه، والصواب أن يقول يحرم من الجعرانة، فإن لم يكن فمن التنعيم، وهكذا قاله هو في "المهذب" والأصحاب قالوا: وبعد التنعيم الحديبية، وإنما ذكرت التنعيم هنا وإن كانت التاء زائدة مراعاة للفظ، كما قدمت الاعتذار عنه في الخطبة، ونقل الأزرقي عن عطاء بن أبي رباح أنه قال الموضع الذي اعتمرت منه عائشة رضي الله تعالى عنها هو وضع المسجد وراء الأكمة.
تهامة: مذكورة في الكتب في بابي الحيض، والزكاة، وفي مواقيت الحج، وكتاب الجزية من "المهذب" هي بكسر التاء، وهي اسم لكل مانزل عن نجد من بلاد الحجاز، ومكة من تهامة. قال ابن فارس في "المجمل": سميت تهامة من التهم يعني - بفتح التاء والهاء - وهو شدة الحر وركود الريح، وقال صاحب "المطالع": سميت بذلك لتغير هوائها، يقال: تهم الدهر إذا تغير. وذكر الحافظ الحازمي في "المؤتلف" أنه يقال في جمع أرض تهامة تهائم.
تيماء: بفتح التاء وبالمد بلدة معروفة بين الشام والمدينة على نحو سبع أو ثمان مراحل من المدينة. قال أبو الفتح الهمداني: هي فعلى من التيم، قال: والتيم في العربية العبد، ومنه قولهم تيم الله أي عبد الله، وقد تيمه الحب أي استعبده، فكأن هذه الأرض قيل لها تيماء لأنها مذللة معبدة.
حرف الثاء
ثدي: الثدي بفتح الثاء يذكر ويؤنث لغتان مشهورتان، والتذكير أشهر، ولم يذكر الفراء وثعلب غيره، فممن ذكر اللغتين ابن فارس والجوهري، واستعمله في "التنبيه" مؤنثا في قوله: وأن جنى على الثدي شلت، فأثبت الثاء في فشلت وجمعه أثد كأيد وثدي وثدي بضم الثاء وكسرها والدال مكسورة الوقوف والياء فيهما مشددة، وقال الجوهري: الثدي للمرأة والرجل. قال ابن فارس: الثدي للمرأة، ويقال لذلك من الرجل ثندوة بفتح الثاء بلا همز وثندؤة بالضم والهمز فأشار إلى تخصيصه. وقد ثبت في الحديث الصحيح: أن رجلا وضع ذباب سيفه بين ثدييه.
ثرى: قال الزجاج: ثرى القوم وأثروا كثرت أموالهم، وثرى المكان وأثرى إذا ندى بعد يَبَس، وكثر فيه الندى.
ثغر: قولهم أهم المصالح سد(3/44)
الثغور، وهو جمع ثغر بفتح الثاء وإسكان الغين، وهو الطرف الملاصق من بلاد المسلمين بلاد الكفار، ومنه قولهم في باب الوقف: وقف على ثغر طرسوس، والمراد بسد الثغور الأنفاق على الأجناد ونحوهم من المقيمين لحفظها. قولهم: قلع سن صبي لم يثغر، هو بضم الياء وإسكان الثاء المثلثة وفتح الغين، يقال: ثغر الصبي بضم الثاء وكسر الغين يثغر فهو مثغور، كضرب يضرب فهو مضروب إذا سقطت رواضعه. فإذا نبتت قيل أتغر بتاء مثناة فوق مشددة على مثال اتغرر قلبت الثاء تاء ثم أدغمت، وقولهم: لا تقلع سن البالغ الذي لم يثغر. قال الرافعي: المراد منه المثغور وغير المثغور، وجرى ذكر الصبي والبالغ على العادة الغالبة في الحالين.
ثلث: قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “لا تصروا الغنم فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها ثلاثًا” الحديث، فقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثًا معناه ثلاثة أيام، وقد جاء في صحيح مسلم التصريح بذلك، فقال: “من ابتاع مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام” رواه كذلك من طريقين. وفى رواية أبى يعلى الموصلى: “من ابتاع محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام”، وإنما بينت هذا مع أنه ظاهر؛ لأن بعض الناس توهم أن المراد ثلاث حلبات، وهذا خطأ. وحديث المصراة هذا ثابت متفق على صحته، أخرجه البخاري ومسلم، وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام على الباقي من ألفاظه.
ولا يقال لو كان المراد الأيام لقال ثلاثة ولم يقل ثلاثا كما توهم بعض الجهلة، فإن لغة العرب أنهم إذا لم يذكروا الأيام حذفوا الهاء، وإن كان المراد الأيام يقولون صمنا عشرًا، وسرنا خمسًا، وسيأتي بيان هذا إن شاء الله في حرف السين من قوله: “من صام رمضان فأتبعه بست من شوال”.
ثمر: في حديث سهل بن أبي خيثمة رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - “نهى عن بيع الثمر بالتمر” الأول بالثاء المثلثة، والثاني بالمثناة.
ثمن: قال الأزهري: قال الليث: ثمن كل شيء قيمته، قال قال الفراء: إذا اشتريت ثوبًا بكساء أيهما شئت تجعله ثمنًا لصاحبه؛ لأنه ليس من الأثمان، وما كان ليس من الأًثمان مثل الرقيق العروض فهو على هذا تدخل الباء في أيهما شئت، فإذا جئت إلى الدراهم والدنانير وضعت الباء في الثمن لأن الدراهم ثمن أبدلوا والباء، إنما تدخل في الأثمان،(3/45)
فإذا اشتريت أحد هذين - يعني الدنانير أو الدراهم - وأتيت بصاحبه أدخلت الباء في أيهما شئت لأن كل واحد منهما في هذا الموضع مبيع، وثمن هذا ما ذكره الأزهري عن الفراء. قال الهروي أيضًا: الثمن قيمة الشيء. وقال صاحب "المحكم": الثمن ما استحق به الشيء. قال: والجمع أثمان وأثمن لا يتجاوز به أدنى العدد، وقد أثمنه بسلعته، وأثمن له. قال صاحب "المحكم" الثمن والثمن والثمين من الأجزاء معروف، وهي الأثمان والثمانية من العدد معروف أيضًا، يقال: ثمان على لفظ يمان، وليس بنسب وقد جاء في مصروف حكاه سيبويه وقال أبو على الفارسى ثمان للنسب، وحكى ثعلب ثمان في حال الرفع. قال الأزهري: قال أبو حاتم عن الأصمعي: يقال ثمانية رجال وثماني نسوة، ولا يقال ثمان، وقال: هن ثماني عشرة امرأة مفتوحة الياء، وهما اسمان جعلا إسمًا واحدًا، ففتحت أواخرهما، وكذلك رأيت ثماني عشرة امرأة، ومررت بثماني عشرة امرأة.
ثوب: قال الزجاج: يقال ثاب إلى الرجل جسمه إثابة أي رجع بعد النحول.
ثوى: قال الزجاج: قال أبو عبيدة وأبو الخطاب: يقال ثوى الرجل بالمكان وأثوى أي أقام به، والله تعالى أعلم.
فصل في أسماء المواضع
ثبير: المذكور في صفة الحج، هو بثاء مثلثة مفتوحة ثم باء موحدة مكسورة ثم ياء مثناة من تحت ثم راء، وهو جبل عظيم بالمزدلفة على يسار الذاهب منها إلى منى، وعلى يمين الذاهب من منى إلى عرفات، فهذا هو المراد في مناسك الحج، وللعرب جبال أخرى يسمى كل واحد منها ثبير، قال أبو الفرج الهمداني: كان محمد بن الحسن يقول إن في العرب أربعة أجبال إسم كل واحد منها ثبير، وكلها حجازية.
ثنية كدي: تأتي في الكاف إن شاء الله تعالى
حرف الجيم
جبب: وقوله في أول كتاب الحج من "المهذب" لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الإسلام يجب ما قبله" صحيح، وهو حديث رواه مسلم في صحيحه من رواية(3/46)
عمرو بن العاصي في حديث طويل، ولفظه في مسلم: "الإسلام يهدم ما قبله"، والذي وقع في "المهذب" يجب بالجيم والباء الموحدة. وروينا في "كتاب الأنساب" للزبير بن بكار يحت بالحاء والتاء المثناة، وهو صحيح أيضًا بمعنى الأول والله تعالى أعلم.
وفي الحديث الآخر: "التوبة تجب ما قبلها" ذكره في آخر باب قطع الطريق، والجب في اللغة: القطع والمجبوب المقطوع ذكره، وهو أقسام: مقطوع كله وبعضه، وله تفاصيل وأحكام معروفة في كتب المذهب، والجبة من الثياب معروفة جمعها جباب، وفي حديث علي رضي الله تعالى عنه في قصة حمزة والشرب خرج إلى الناقتين "فاجتب أسنمتهما"، وفي رواية فجب، وفي رواية العالمين فأجب، وهي غريبة، ويقال جب ذكره وأجبه.
جبر: وقد قال الشافعي رضي الله تعالى عنه في باب الرضاع إذا بلغ الموقوف جبر على الانتساب، أي قهر وأكره، وأنكر هذا عليه جماعة قالوا إنما يقال أجبر، وهذا الإنكار غلط، نقل البيهقي في كتابه رد الانتقاد على ألفاظ الشافعي عن الفراء والمبرد أنه يقال أجبرته وجبرته بمعنى أكرهته. وقال الخليل في كتابه "العين": الجبر الإكراه وذكر الزجاج في كتاب "فعلت وأفعلت" أنه يقال جبرت الرجل على الأمر وأجبرته، أي: أكرهته.
جدد: قوله في "المهذب" في أول باب التكبير في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: "أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج في العيدين مع الفضل بن العباس" إلى قوله: "ويأخذ طريق الحدادين" وهذا الحديث أخرجه البيهقي في سننه بإسناد ضعيف، ورويناه في سنن البيهقي الجدادين بالجيم والحدادين بالحاء المهملة معًا، وضبطناه في "المهذب" عن شيخنا كمال الدين سلار رحمه الله تعالى بالحاء. وذكره ابن البرزي في كتابه في ألفاظ "المهذب" وغيره ممن صنف في ألفاظ "المهذب" بالجيم وبالحاء جميعًا والله تعالى أعلم.
قوله في الجنائز من "المهذب" في حديث فاطمة رضي الله تعالى عنها: "فلبست ثيابًا جددًا" هو بضم الدال لجمع جديد، كسرير وسرر وشبهه، هذه هي اللغة المشهورة. قال جماعات من أهل اللغة: لا يجوز أن يقال جدد بفتح الدال، وأنكر هذا المحققون من أهل النحو والتصريف واللغة، وقالوا: يجوز الفتح على التخفيف، وكذلك بفتح الراء من سرير، وما أشبهه مما يكون الحرف الثاني والثالث منه واحدا، وقد ذكرت ذلك(3/47)
أيضا في حرف السين، ونقلت أقوال أهل اللغة فيه.
وفي حديث أبي هريرة: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح، والطلاق، والعتاق" هكذا وقع هذا الحديث في "الوسيط" وكذا وقع في بعض نسخ "المهذب" وفي بعضها والرجعة بدل العتاق، وهذا هو الصواب، وهكذا رواه أئمة الحديث: النكاح، والطلاق، والرجعة، رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والبيهقي، وغيرهم. قال الترمذي: هو حديث حسن.
وقوله في دعاء الاستفتاح: "وتعالى جدك" مفتوح الجيم أي ارتفعت عظمتك، وقيل المراد بالجد الغنى وكلاهما حسن، ولم يذكر الخطابي إلا العظمة، ومنه قوله تعالى إخبارًا عن الجن: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} (الجن: من الآية3) أي عظمته، وقوله: "ولا ينفع ذا الجد منك الجد" هو بفتح الجيم فيهما على الصحيح المشهور، وحكى ابن عبد البر وجماعة كسر الجيم أيضًا. قال الزجاج: يقال جد في الأمر وأجد إذا ترك الهوينى. قال: ومنه جاد مجد.
جدل: الجدل والجدال والمجادلة مقابلة الحجة بالحجة، وتكون بحق وباطل فإن كان للوقوف على الحق كان محمودًا. قال الله تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: من الآية125) وإن كان في مرافعة أو كان جدالاً بغير علم كان مذمومًا. قال الله تعالى: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} (غافر: من الآية4) وأصله الخصومة الشديدة وسمي جدلاً لأن كل واحد منهما يحكم خصومته وحجته إحكامًا بليغًا على قدر طاقته تشبها بجدل الحبل، وهو إحكام قتله، يقال جادله يجادله مجادلة وجدالا، وعلى هذا التفصيل الذي ذكرته ينزل ما جاء في الجدل من الذم والإباحة والمدح، وقد ذكر الخطيب في كتابه كتاب "الفقيه والمتفقة" جميع ما جاء في الجدل ونزله على هذا التفصيل وبين ذلك أحسن بيان، وكذلك ذكره غيره، وقد صار الجدل علما مستقلا، وصنفت فيه كتب لا تحصى، وممن صنف فيه الشيخان صاحبا هذه الكتب أبو إسحاق، والغزالي، وكتاباهما معروفان. وأول من صنف فيه أبو علي الطبري ذكر في "المهذب" في باب العقيقة أن في الحديث أنها تطبخ جدولا وهو بضم الجيم والدال، وهو الأعضاء، وأحدها جدل بفتح الجيم وإسكان الدال، فمعنى الحديث أنها تفصل أعضاؤها ولا تكسر وذكر في باب المياه في "الوسيط" الجدول وهو بفتح الجيم وإسكان الدال وفتح الواو وهو النهر الصغير.(3/48)
جدي: الجدي بفتح الجيم قال الأزهري في باب العين والياء من "تهذيب اللغة": قال أبو عمرو: العبعب بالفتح الجدي. وقال ابن الأعرابي: وهو العبعب - يعني بضم العينين - والعطعط، والعريض، والأمر، والهلع، والطلى، واليعمور، والبيعر، والرعام، والقرام، والدغال، واللساد. قال صاحب "المحكم" في باب العين والخاء واللام: الخالع إسم للجدي.
جذم: قوله في باب الأذان من "المهذب": هو بكسر وإسكان الذال المعجمة، وهو أصل الحائط، قال أهل اللغة: جذم الشيء أصله.
جرب: الجريب المذكور في باب هو بفتح الجيم وكسر الراء. قال الأزهري في "تهذيب اللغة": الجريب من الأرض مقدار معلوم المساحة وهو عشرة أقفزة كل قفيز منها عشرة أعشر، فالقفيز جزء من مائة جزء من الجريب. قال قال الليث: وجمع جريب الأرض جربان، والعدد أجربة.
جرثم: قوله في "الوسيط" في كتاب الخراج في مسائل الإكراه على القتل لو أكره إنسانًا على أن يرمي على طلل غرفة فرمى المكره إنسانًا يظنه الرامي جرثومة الجرثومة هنا بضم الجيم والثاء المثلثة هي شيء مجتمع من تراب أو أحجار أو نحوها، قال الجوهري يقال: تجرثم الشيء وأجرنثم إذا اجتمع.
جرد: قال أهل اللغة: رجل أجرد بين الجرد بفتح الجيم والراء لا شعر عليه، والجمع جرد، وفرس أجرد إذا رق شعره، وأرض جردة، وفضاء أجرد لا نبات فيه والجمع أجارد.
قال الجوهري: والجريد الذي تجرد عنه الخوص ولا يسمى جريدا ما دام عليه الخوص، وإنما يسمى سعفا الواحدة جريدة، وكل شيء جردته عن شيء فقد جردته عنه والمقشور المجرود وما قشر عنه جرادة، ورجل جارود أي: مشؤوم، وسنة جارود أي: شديدة المحل، ويقال: جريدة من خيل للجماعة جردت عن باقي الجيش لوجه، وعام جريد أي تام، قال الكسائى: ما رأيته مذ أجردان أو مذ جريدان أي: يومان أو شهران، ويقال: فلان حسن الجردة، والمجرد والمتجرد كقولك حسن العرية والمعرى، وهما بمعنى، والجردة بالفتح البردة المتجردة الخلق، والتجريد التعرية من الثياب، وتجريد السيف انتضاؤه، والتجرد التعري، وتجرد للأمر أي: جد فيه، وأنجرد بنا السير أي:(3/49)
أمتد وطال، وانجرد فيه الثوب انسحق، ولأن الجراد معروف الواحدة جرادة.
قال الجوهري: تقع الجرادة على الذكر والأنثى، والجراد: اسم جنس كالبقر والبقرة، وجردت الأرض فهي مجرودة أي: أكل الجراد نبتها. قولهم: تصريف الجريد مذكور في حرف الصاد.
وأما قوله في “الوجيز” في المساقاة، ويلزمه تصريف الجرين ورد الثمار إليه فهكذا هو في النسخ الجرين بالنون، وقد أنكره عليه بعض الأئمة، وقال: إنما قال الشافعي رحمه الله تعالى: وتصريف الجريد بالدال، قال: والصواب أن يقال: وتصريف الجريد وتسوية الجرين ورد الثمار إليه، وأجاب الرافعي عنه فقال: قد علم أن التجفيف قد يحوج إلى تسوية الجرين، وحمل التصريف على التسوية ليس ببعيد، ولا ضرورة إلى تغليط صاحب الكتاب، وغايته أن يكون تصريف الجريد مسكوتا عنه.
جرس: الجاورس المذكور في زكاة النبات، هو بفتح الواو وإسكان الراء، وهو حب صغار شبيه بالذرة، إلا أنه أصغر منها، وأصله كالقصب أقصر ساقا من الذرة، وهو معرب.
جرن: الجرين بفتح الجيم وكسر الراء، هو الموضع الذي يجفف فيه الثمار، قال الجوهري: هو الجرين، والجرن بضم الجيم وإسكان الراء، وجرن الثوب جرونا إنسحق ولان، فهو جارن، وكذلك الزرع، والجرن الأرض الغليظة، وقوله في المساقاة من ”الوجيز” ويلزم العالم تصريف الجرين، هكذا هو بالنون، وقد سبق بيانه في فصل جرد.
جرو: قال أهل اللغة: الجرو والجرو، والجرو بكسر الجيم وضمها، وفتحها ثلاث لغات هو ولد الكلب والسباع، والجمع أجر وجرأ، وجمع الجرأ أجرية، قال الجوهري: والجرو والجروة يعني بكسرهما هو الصغير من القثاء، وكذلك جر الحنظل، والرمان، وكلبة مجرو ومجرية أي معها جراؤها.
جزر: الجزر الذي يؤكل بفتح الجيم والزاي، الواحدة جزرة بفتحهما، ويقال: جزر في الجمع، وجزرة في الواحدة بكسر الجيم وفتح الزاي قاله في المحكم وغيره، وقال في المحكم، قال ابن دريد: لا أحسبها عربية، وقال أبو حنيفة: أصله فارسي.
جزيرة العرب: قد ذكر في المهذب حدها، والاختلاف فيه، قال صاحب المحكم: إنما سميت بذلك لأن بحر فارس(3/50)
وبحر الحبش ودجلة والفرات قد أحاطوا بها، والجزيرة أرض بنجزر عنها الماء والجزور بفتح الجيم من الإبل.
قال الجوهري: يقع على الذكر والأنثى، وهي تؤنث والجمع الجزر، قال صاحب المحكم: الجزور الناقة الجزورة، والجمع جزائر وجزر وجزرات جمع الجمع كطرق وطرقات. قال الجوهري: جزرت الجزور أجزرها بالضم، واجتزرتها إذا نحرتها وجلدتها، قال: والمجزر بكسر الزاي موضع جزرها.
جزف: الجزاف بيع الشيء واشتراؤه بلا كيل ولا وزن، وهو يرجع إلى المساهلة، قاله في المحكم، قال: وهو دخيل، وقال الجوهري: هو فارسي معرب، وذكره الجوهري بكسر الجيم، وجدته كذا مضبوطا في نسخة معتمدة، وكذلك نص عليه غير واحد من الأئمة منهم صاحب مطالع الأنوار، وذكره صاحب المحكم بكسر الجيم وفتحها، قال: وهو وتبطلها أيضًا، قال الجوهري: أخذته مجازفة وجزافًا، ورأيته مضبوطا في نسخة معتمدة من تهذيب اللغة للأزهري عليها خط الأزهري، قال يقال: جزاف، وجزاف ضبط الأول بالكسر، والثاني بالضم، فحصل ثلاث لغات كسر الجيم وفتحها وضمها، والله تعالى أعلم.
جزى: والجزية بكسر الجيم، جمعها جزى بالكسر أيضًا كقربة، وقرب ونحوه، وهي مشتقة من الجزاء كأنها جزاء إسكاننا إياه في دارنا، وعصمتنا دمه، وماله، وعياله، وقيل: هي مشتقة من جزي يجزى إذا قضى، قال الله تعالى: {واتقوا يوما لا تجزى} أي: لا تقضي.
جسق: قوله في المهذب في باب حد السرقة: وإن سرق من البيوت التي فى غير العمران كالجواسق التي في البساتين، هي جمع جوسق بفتح الجيم وإسكان الواو وفتح السين المهملة وهو القصر، كذا قاله الجوهري، وغيره، قال ابن الجواليقي وغيره: هو فارسي معرب.
قال أهل اللغة: لم تجتمع الجيم والقاف في كلمة من كلام العرب، وإنما يجتمعان في المعرب. قال الجوهري: أو في حكاية.
جسم: قال الجوهري: قال أبو زيد: الجسم الجسد، وكذلك الجسمان والجثمان، وقال الأصمعي: الجسم والجسمان الجسد، والجثمان الشخص، وقد جسم الشيء بالضم أي: عظم، فهو جسيم وجسام.
قال أبو عبيدة: تجسمت فلانًا من بين القوم أي: اخترناه، كأنك قصدت جسمه، وتجسم من الجسم، والأجسم الأعظم، وأما الجسم الذي يطلقه(3/51)
المتكلمون فهو ماتركب من جزءين فصاعدًا، والجوهر الفرد ما تحيز، والعرض ما قام به الجسم، أو بالجسم، أو بالجوهر، لا غنى به عنه متحركًا كان أو ساكنًا، وقد اختلفوا في إثبات الجوهر الفرد، قالوا: وهذه الأقسام الثلاثة هي جملة المخلوقات لا يخرج عنها شيء منها، والله سبحانه وتعالى منزه وعن كل واحدة منها، ويستحيل ذلك عليه سبحانه وتعالى.
جيس: قوله في باب بيع الأصول والثمار من المهذب: إن كانت الثمرة مما يقطع بسرا كالجيسوان هو بجيم مكسورة، ثم ياء مثناة من تحت ساكنة، ثم سين مهملة مفتوحة، ثم واو، ثم ألف، ثم نون، وهو جنس من البسر أسود اللون، نخلته غليظة الجذع طويلة العنق، أطول النخل عنقا طويلة الجريد، والخوص كثيرة السعف قائمته دقيقة الشوك مزدوجة الشوك، طويلة العرجون والشمراخ، وبسرتها تؤكل حمراء أو خضراء، فإذا رطبت فسدت، وقيل: إنها نخلة مريم عليها السلام.
جعر: قوله في باب السلم من الوسيط: ولو أسلم في الرديء لم يجز إلا في رداءة النوع كالجعرور، هو بضم الجيم والراء المهملة، وبينهما عين ساكنة مهملة، وهو رديء التمر. قال الأزهري: قال الأصمعي: الجعرور ضرب من الدقل يحمل شيئًا صغارا لا خير فيه. قال ابن فارس: قال أبو عبيدة: الجعرور الدقل.
جعل: وأما قولهم باب الجعالة: فهي بكسر الجيم، وأصلها في اللغة وفي اصطلاح العلماء ما يجعل للإنسان على شيء يفعله، ومثلها الجعل والجعيلة، وصورتها أن يقول من رد عبدي الآبق أو دابتي الضالة، أونحوهما فله كذا، وهو عقد صحيح للحاجة، وتعذر الإجارة في أكثره.
جفر: قولهم: في جزاء الصيد: “في اليربوع جفرة، وفي الأرنب عناق”، الجفرة بفتح الجيم وإسكان الفاء، قال أهل اللغة: هي الأنثى من ولد المعز تفطم وتفصل عن أمها فتأخذ في الرعي، وذلك بعد أربعة أشهر، والذكر جفر، وأما العناق: فهي الأنثى من ولد المعز من حين يولد إلى أن يرعى.
قال الرافعي: هذا معناهما في اللغة، قال: لكن يجب أن يكون المراد بالجفرة هنا ما دون العناق، فإن الأرنب خير من اليربوع، وقال عياض في حديث أم زرع: قال ابن الانبارى وابن دريد: الجفرة من أولاد الضأن، وقال أبو عبيدة وغيره: من أولاد المعز. قوله في مختصر المزني يقول في السلم في البعير غير مودن نقي من العيوب سبط الخلق مجفر الجنين،(3/52)
قال الرافعي: المودن ناقص الخلقة، والسبط المديد القامة الوافر الأعضاء، ومجفر الجنين عظيمهما وواسعهما، قال: واتفق الأصحاب على أن ذكر هذه الأمور تأكيدا وليس بشرط.
جفل: يقال جفل القوم، وأجفلوا إذا انهزموا بجماعتهم.
جفن: الجفنة بفتح الجيم وإسكان الفاء، قال الأزهري: في باب قعر، قال ابن الأعرابي: القعر والجفنة والمعجن والشيزى والدسيعة بمعنى.
جفا: قال الإمام أبو منصور الأزهري: قال الليث: يقال: جفا الشيء يجفو جفاء ممدودا كالسرج يجفو عن الظهر إذا لم يلزم، وكالجنب عن الفراش، وتجافى مثله، والحجة في أن جفا لازما بمعنى تجافى. قول العجاج يصف الثور:
وشجر الهداب عنه فجفا
يقول: رفع هداب الأرطي بقرنه حتى تجافى عنه، ويقال: جافيت جنبي عن الفراش فتجافى، وأجفيت القتب عن ظهر البعير فجفا. قال الليث: والجفا يقصر ويمد نقيض الصلة. قال الأزهري: قلت: الجفاء ممدود عند النحويين، وما أعلم أحدا أجاز فيه القصر، قال: والجفوة ألزم في ترك الصلة من الجفا؛ لأن الجفا قد يكون في فعلاته إذا لم يكن له ملق ولا لبق، قال الأزهري: تقول جفوته أجفوه جفوة أي: مرة واحدة، وجفاء كثيرا مصدر عام، والجفاء يكون في الخلقة، والخلق يقال رجل جافى الخلقة، وجافي الخلق إذا كان غليظ العشرة، ويكون الجفا في سوء العشرة، والخرق في المعاملة والتحامل عند الغضب وسورته على الجليس، هذا آخر ما نقلته عن الأزهري.
وقال صاحب المحكم: جفا الشيء جفاء وتجافي لم يلزم مكانه، واجتفيته أنزلته عن مكانه، وجفا جنبه عن الفراش، وتجافى نبا عنه ولم يطمئن عليه، وجفا الشيء عليه ثقل، والجفاء نقيض الصلة وهو من ذلك، وقد جفاه جفوا وجفاءا وجفاه ماله لم يلازمه، ورجل فيه جفوة وجفوة، فإذا كان هو المجفو قيل: به جفوة.
جلب: الجلباب بكسر الجيم هو الملحفة، وجمعه جلابيب والجلبان معروف، وهو أكبر من الماش. قال أهل اللغة: وهو الخلن بضم الخاء، وتشديد اللام المفتوحة، وله في كتاب الصيام من المختصر والوسيط، وأكره العلك؛ لأنه يجلب الغم.
ذكر الروياني في البحر: أنه ضبط بالجيم وبالحاء المهملة، فمن قال: بالجيم، فمعناه يجلب الريق ويجمعه فربما ابتلعه، وذلك مفطر في أحد الوجهين،(3/53)
ومكروه في الآخر، قال: وقيل: معنى يجلب الغم أي يطيب النكهة ويزيل الخلوف، ومن قاله بالحاء فمعناه يمتص الريق ويجهد الصائم فيورث العطش.
جلو: قال الزجاج وغيره: يقال جلا القوم، وأجلوا عن ديارهم إذا رحلوا عنها.
جمر: جمار الرمي في الحج معروفة: وهي الحصى، وصفتها معروفة في هذه الكتب، وكذا كيفية الرمي، وأحكامه. وروى أبو الوليد الأزرقي عن ابن عباس وابن عمر وأبي سعيد الخدري وسعيد بن جبير رضي الله تعالى عنهم، قالوا: ما تقبل من الجمار رفع، وما لم يتقبل ترك، قال ابن عباس: وكل بها ملك.
جمع: يوم الجمعة معروف، ويقال: بضم الميم وإسكانها وفتحها، فأما الضم والإسكان فمشهورتان، وأما الفتح فغريبة حكاها الواحدي عن الفراء رحمهما الله تعالى. قال الفراء: الضم قراءة عامة القراء، والإسكان قراءة الأعمش، والفتح لغة بني عقيل، كأنهم ذهبوا بها إلى صفة اليوم؛ لأنه يجمع الناس، كما يقال: ضحكة للذي يكثر الضحك، وسمي يوم الجمعة لاجتماع الناس فيه، هذا هو الأشهر في اللغة، وجاء في الحديث عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنها سميت به لأن آدم عليه السلام جمع فيها خلقه، وقيل: لأن المخلوقات اجتمع خلقها، وفرع منها في يوم الجمعة، وجمع الجمعة جمع وجمعات، ويقال: جمع القوم بتشديد الميم يجمعون أي: شهدوا الجمعة فصلوها، وكان يوم الجمعة يسمى في الجاهلية العروبة بالألف واللام. قال الإمام أبو جعفر النحاس في كتابه صناعة الكتاب: لا يعرفه أهل اللغة إلا بالألف واللام إلا شاذا، قال: ومعناه اليوم البين المعظم من أعرب إذا بين. قال: ولم يزل يوم الجمعة معظما عند أهل كل ملة، قال: ويقال له حربة أي مرتفع عال كالحربة، قال: وقيل: من هذا اشتق المحراب، ويقال: جامع الرجل امرأته أي وطئها، وقولهم في العيد والكسوف ينادى لهما الصلاة جامعة هو بنصب الصلاة، وجامعة الصلاة على الإفراد وجامعة على الحال ويوم الجمعة.
قيل: لم يسم بالجمعة إلا في الأسلام، وقيل: سماه كعب بن لؤي، وكانت قريش تجتمع إليه فيه فيخطبهم فيه، ويذكرهم بمبعث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويأمرهم بالإيمان به، وممن ذكر الخلاف في الجمعة السهيلي، ويقال: جمعت الشيء المفرق وأجمعه جمعا فاجتمع، والرجل المجتمع بكسر الميم هو الذي بلغ أشده.
قال الجوهري وغيره:(3/54)
ولا يقال ذلك للنساء، ويقال للجارية إذا شبت، قد جمعت الثياب أي لبست الدرع والخمار والملحفة، وقد تجمع القوم أي اجتمعوا، ويقال للموضع الذي يجتمعون فيه مجمع القوم، بفتح الميم وكسرها مثل مطلع، ومطلع ذكرها الجوهري، ويقال للمزدلفة: جمع بفتح الجيم وإسكان الميم سميت به لاجتماع الناس بها، وقيل: جمعهم بين الوقوف بها، وجمع الكف بضم الجيم وإسكان الميم هو حين يقبض أصابعها، ويقال: فلانه من زوجها بجمع، وجمع بضم الميم وكسرها أي لم يطأها، وماتت فلانة بجمع بضم الميم أي ماتت وولدها في جوفها، والجامع المسجد الأعظم من مساجد البلد جمعه الناس، ويقال: المسجد الجامع ومسجد الجامع وهو على ظاهره من الإضافة، عند النحويين الكوفيين وعند البصريين لا يجوز إضافة الشيء إلى نفسه، فيقولون: معناه مسجد المكان الجامع والجمعاء من البهائم التي لم يذهب من ثديها شيء، قال الكسائى وغيره: يقال: أجمعت الأمر وعلى الأمر إذا عزمت عليه والأمر مجمع، ويقال: هذا الشيء مجموع أي جمع من ها هنا وها هنا.
ويقال: استجمع السيل أي اجتمع من كل مكان، ويقال: قبضت حقي أجمع للتوكيد، ويقال: جاء القوم بأجمعهم بضم الميم وفتحها لغتان فصيحتان مشهورتان الضم أجودهما، معناه كلهم، ويقال: جماع الأمر كذا أي الذي يجمعه، وقوله في خطبة التنبيه إذا قرأه المنتهي تذكر به جميع الحوادث، وفي خطبة الوجيز بنحوه هذا من العام الذي يراد به الخصوص أي تذكر كثيرا منها، ويجوز أن يراد به الحقيقة لمن كان متبحرا وجامعه على أمر كذا أي اجتمع معه عليه كذا، قال الجوهري: وقال الحريري: في درة الغواص لا يقال اجتمع فلان مع فلان، وإنما يقال اجتمع فلان وفلان.
جمل: وقعة الجمل في خلافة علي رضي الله عنه مشهورة، كانت سنة ست وثلاثين، وكانت صفين سنة سبع وثلاثين، وكانت وقعة الجمل في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين، وذكر ابن الأثير في كتابه معرفة الصحابة في ترجمة يعلى بن أمية أن إسم الجمل الذي كانت عليه عائشة رضي الله عنها يوم الجمل عسكر.
جنب: يقال: أجنب الرجل، وجنب بضم الجيم وكسر النون من الجنابة، والأول أفصح وأشهر، ورجل جنب وامرأة جنب ورجلان ورجال ونساء جنب كله بلفظ واحد هذا هو الفصيح، وبه جاء القرآن وفي لغة مشهورة يثنى ويجمع، فيقال: جنبان(3/55)
وجنبون وأجناب.
جنن: قال الأزهري في باب عنن، قال عمر بن أبي عمرو عن أبيه: يقال للمجنون معنون ومصروع ومخفوع ومعتوه وممنوه وممنه إذا كان مجنونا، وزاد في باب العين والهاء والراء وممسوس. قال صاحب المحكم في باب خلع: الخلاع والخيلع والخولع كالخبل والجنون يصيب الإنسان، وقيل: هو فزع يبقى في الفؤاد يكاد يعتري منه الوسواس. قال الإمام أبو الحسن الواحدي في آخر سورة الأحقاف من تفسيره: اختلف العلماء في حكم مؤمني الجن، فروى سفيان عن الليث: أن ثوابهم أن يجاروا من النار، ثم يقال لهم كونوا ترابا كالبهائم، قال: وهذا مذهب جماعة من أهل العلم، قالوا: لا ثواب لهم إلا النجاة من النار، وذهب آخرون: أنهم كما يعاقبون بالإساءة يجازون بالإحسان وهو مذهب مالك وابن أبي ليلى.
قال الضحاك: والجن يدخلون ويأكلون ويشربون. قال الزجاج: يقال جنه الليل وأجنه وجن عليه، إذا أظلم وستره جنونا وجنانا وإجنانا، وجننت الميت وأجننته دفنته، وفي صحيح البخاري في باب ذكر الجن في أول كتاب مبعث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه كان يحمل مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أداوة لوضوئه وحاجته، فبينما هو يتبعه بها، فقال: من هذا، فقال: أنا أبو هريرة، فقال: ابغني أحجارا استنفض بها، ولا تأتني بعظم ولا بروثة، فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي حتى وضعتها إلى جنبه، ثم انصرفت حتى إذا فرغ مشيت، فقلت: ما بال العظم والروثة، قال: هما من طعام الجن، وأنه أتاني وفد جن نصيبين ونعم الجن، فسألوني الزاد فدعوت الله تعالى أن لا يمروا بعظم ولا روثة إلا وجدوا عليها طعامًا.
جهبذ: الجهبذ بكسر الجيم، والباء الموحدة، وبالذال المعجمة هو الفائق في تمييز جيد الدراهم من رديئها، والجمع جهابذة، وهي عجمية، وقد تطلق على البارع في العلم استعارة، وقيل: الجهابذة السماسرة، ذكره شارح مقامات الحريري في المقامة السادسة.
جهد: قال الرازي: الاجتهاد في عرف الفقهاء هو استفراغ الوسع في النظر فيما لا يلحقه فيه لوم.
الرجعة: الجوهر معروف الواحدة جوهرة، قال الجوهري وغيره: هو معروف، وأما الجوهر الفرد الذي يستعمله المتكلمون فهو ما تحيز، وقد سبق ذكره في فصل جسم.
جهل: قال الإمام أبو الحسن الواحدي في كتابه البسيط في التفسير في(3/56)
قول الله تعالى {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} (آل عمران: من الآية154) قال: الجاهلية زمان الفترة قبل الإسلام. قال الجوهري: الجهل خلاف العلم، وقد جهل فلان جهلاً وجهالة، وتجاهل أرى من نفسه ذلك وليس به، واستجهله عده جاهلاً واستخفه أيضًا، والتجهيل أن تنسبه إلى الجهل، والمجهلة الأمر الذي يحملك على الجهل، ومنه قولهم الولد مجهلة، وقولهم كان ذلك في الجاهلية الجهلاء توكيد للأول، يشتق له من اسمه ما يؤكد به، كما يقال وتد واتد، وليلة ليلاء، ويوم أيوم، هذا كلام الجوهري.
قلت: والجهل عند أهل الأصول اعتقاد الشيء جزما على خلاف ما هو به، وقوله في الوسيط في باب الربا في مسألة: مد عجوة، والتقويم تخمين وجهل لا يفيد معرفة في الربا، قال الإمام الرافعي: أراد بالجهل هنا عدم العلم، وإلا فحقيقة المشهور هو الجزم بكون الشيء على خلاف ما هو، وهو ضد التخمين، والظن فلا يكون الشيء تخمينا وجهلا بذلك المعنى.
جوح: قال الأزهري: قال الشافعي رضي الله عنه: جماع الجوائح كل ما أذهب الثمرة أو بعضها من أمر سماوي بغير جناية آدمي. قال الأزهري: والجائحة تكون بالبرد يقع من السماء، وتكون بالبرد المحرق أو الحر المفرط حتى يبطل الثمر، وقال الأزهري أيضًا في كتاب شرح ألفاظ المختصر: الجوائح جمع الجائحة، وهي الآفة تصيب ثمر النخل من حر مفرط أو برد يعظم حجمه فينفض الثمر ويلقيه.
قال الإمام أبو سليمان الخطابي: الجوائح هي الآفات التي تصيب الثمار فتهلكها، يقال: جاحهم الدهر يجوحهم، واجتاحهم الزمان إذا أصابهم بمكروه عظيم، وفي الحديث أمر بوضع الجوائح معناه أن يسقط من الثمن ما يقابل الثمرة التي تلفت بالجائحة.
جود: الجواد من أسماء الله تعالى، قال أبو جعفر النحاس في أسماء الله تعالى وصفاته: الجواد في كلام العرب، الذي يتفضل على شيء لا يستحق، والذي يعطي من لا يسأل، ويعطي الكثير، ولا يخاف الفقر، من قولهم: مطر جواد إذا كان كثيرا، وفرس جواد إذا كان يعدو كثيرا.
جون: ذكر في باب العدد من الوسيط: أن الجون مشترك بين الضوء والظلمة، وهو بفتح الجيم وإسكان الواو. قال أهل اللغة: الجون يطلق على الأسود والأبيض، قالوا: والسدفة تطلق على الظلمة والضوء، فهذا الذي قاله الغزالي مخالف للغة.(3/57)
فصل في أسماء المواضع
الجحفة: ميقات أهل الشام ومصر والمغرب بضم الجيم، وإسكان الحاء، وهي قرية كبيرة كانت عامرة ذات منبر، وهي على طريق المدينة على نحو سبع مراحل من المدينة، ونحو ثلاث مراحل من مكة، وهي المساجد من البحر بينها وبينه نحو ستة أميال. قال صاحب المطالع وغيره: سميت جحفة؛ لأن السيل جحفها وحمل أهلها، ويقال لها: مهيعة بفتح الميم وإسكان الهاء وفتح الياء المثناة من تحت.
قال عياض في شرح مسلم: يقال أيضًا: مهيعة كمعيشة. قال أبو الفتح الهمداني: هي فعلة من قولهم جحف السيل، واجتحف إذا اقتلع ما يمر به من شجر وغيره، وهذا الأسم من باب الغرفة، كما تقول غرفت غرفة بالفتح، وما يغرفه غرفة بالضم، كذلك جحف السيل جحفة بالفتح والمجحوف حجفة بالضم.
جدة: مذكورة في باب صلاة المسافرين، وعقد الذمة من المهذب هي بضم الجيم وتشديد الدال المهملة، وهي بلدة على ساحل البحر بينها وبين مكة مرحلتان. قال العلماء: الجد والجدة شاطىء البحر، وبه سميت جدة المدينة المعروفة على ساحل البحر بقرب مكة شرفها الله تعالى.
جزيرة العرب: مذكورة في كتاب الجزية، وفي حدها قولان مشهوران، وقد حكاهما في المهذب.
الجعرانة: بكسر الجيم وإسكان العين وتخفيف الراء، هكذا صوابها عند إمامنا الشافعي والأصمعي رضي الله عنهما، وأهل اللغة ومحققي المحدثين وغيرهم ومنهم من يكسر العين ويشدد الراء، وهو قول عبد الله بن وهب وأكثر المحدثين، قال صاحب مطالع الأنوار: أصحاب الحديث يشددونها، وأهل الأتقان والأدب يخطؤنهم ويخففون، وكلاهما صواب، وحكى إسماعيل(3/58)
القاضي عن علي بن المديني: قال: أهل المدينة يثقلونها ويثقلون الحديبية، وأهل العراق يخففونهما، ومذهب الأصمعي تخفيف الجعرانة، وسمع من العرب من يثقلها، وبالتخفيف قيدها الخطابي، وبه قرأنا على المتقنين، وهي ما بين الطائف ومكة، وهي إلى مكة أقرب، هذا كلام صاحب المطالع.
جلولاء: ذكرها في باب الاستبراء من المهذب، وهي بفتح اللام وبالمد، وهي بلدة بينها وبين بغداد نحو مرحلة، كانت بها غزاة للمسلمين في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، غنموا من الفرس سبايا وغيرهن بحمد الله تعالى وفضله، قالوا: وكانت جلولاء تسمى فتح الفتوح، بلغت غنائمها ثمانية آلاف ألف.
الجمرات: التي في الحج مواضع معروفة: الأولى والوسطى من منى، والثالثة جمرة العقبة، ليست من منى بل هي حد منى من الجانب الغربي جهة مكة، والجمرة اسم لمجتمع الحصى، ويقال: جمرة العقبة الجمرة الكبرى.
جمع: مذكور في صفة الحج من المهذب: هي بفتح الجيم، وإسكان الميم، وهي المزدلفة سميت بذلك لاجتماع الناس فيها. وقال الواحدي: لجمعهم بين المغرب والعشاء.
جهنم: اسم لنار الآخرة، نسأل الله الكريم العافية منها، ومن كل بلاء. قال الإمام أبو الحسن الواحدي: قال يونس وأكثر النحويين: جهنم اسم للنار التي يعاقب الله تعالى بها في الآخرة، وهي عجمية لا تنصرف للتعريف والعجمة. قال: وقال آخرون: جهنم اسم عربي، سميت نار الآخرة بها لبعد قعرها، ولم تنصرف للتعريف والتأنيث. قال قطرب: حكي لنا عن رؤبة أنه قال:
ركية جهنام
يريد بعيدة القعر، هذا ما ذكره الواحدي في سورة البقرة، وذكر في قوله تعالى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} (الأعراف: من الآية41) قال: جهنم لا تنصرف للتعريف والتأنيث، قال: وقال بعض أهل اللغة: واشتقاقها من الجهومة وهي الغلظ، يقال: جهم الوجه أي غليظه، فسميت جهنم لغلظ أمرها في العذاب.
الجولان: بفتح الجيم وإسكان الواو، كورة معروفة، وهو إقليم مشتمل على نحو مائتي قرية، قاعدتها بليدتنا نوى، وهي طرفه الشرقي، وبين نوى ودمشق دون مرحلتين، وطول الجولان أكثر من مرحلة، وعرضه نحو مرحلة، وله ذكر كثير في المغازي وأشعار العرب، وهو الذي قال فيه النابغة:(3/59)
بكى حارث الجولان من فقد ربه ... وحوران منه موحش متضائل
وهو الذي عناه حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه بقوله:
قد عنى جاسم إلى بيت رأس ... فالحوابي فحارث الجولان
قيل: حارث جبل، وقيل: رجل بعينه، قال أبو الفتح الهمداني: مثال الجولان فعلان بفتح الأول وإسكان الثاني، وهو مشتق من الجولان بفتحهما من جال يجول، فالجولان بفتح بالإسكان، الاسم سمي بذلك لاتساعه، هذا كلام أبي الفتح، وكذا ذكر الحازمي في المؤتلف: أن الجولان ساكن الواو، وهذا لا خلاف فيه.
جابية: وأما الجابية: فقرية معروفة بجنب نوى على ثلاثة أميال منها من جانب الشمال، وإلى هذه القرية ينسب باب الجابية أحد أبواب دمشق. قال أبو الفتح: سميت الجابية تشبيها بما يجبى فيه الماء، فإن الجابية اسم للحوض، فسميت جابية لكثرة مياهها، قال: والجابية أيضًا جماعة القوم، فيجوز أن تكون سميت بذلك لاجتماع الناس بها وكثرتهم فيها لكونها أرض خصب وخير.
جيحون: بفتح الجيم وإسكان الحاء المهملة، مذكور في الروضة في أول كتاب الحج في فصل الاستطاعة في ركوب البحر، وهو النهر المعروف في طرف خراسان عند بلخ.
قال أبو الفتح الهمداني: يمكن أن يكون فعلونا وفيعولا، فإن جعلته فعلونا كان من الاجتياح، والنون زائدة سميت بذلك لأخذه مياه الأنهار التي بقربه، واجتذابه إياها إلى نفسه، يقال من ذلك جاحه يجيحه ويجوحه لغتان، فإن جعلته ملدا فالنون أصل، وهو من الجحن بفتح الجيم والحاء، يقال: غلام لجحن إذا كان سيء الغذاء، فكأنه قيل له جيحون لقلة أصله وصغر وبعيرا، ولك في جيحون إن كان عربيا الصرف على معنى التذكير، وترك الصرف على معنى التأنيث، وإن كان عجميا فيترك الصرف لا غير، ونهر آخر يقال له جيحان، ويكون فعلانا وفيعالا من ذلك، هذا آخر كلام أبي الفتح.
وقال الحافظ أبو بكر الحازمي: سيحان نهر عند المصيصة له ذكر في الآثار، قال: وهو غير سيحون، وأما الجوهري فقال في الصحاح في فصل: جحن جيحون نهر بلخ وهو فيعول، قال: وجيحان نهر بالشام، والصواب أن جيحان نهر المصيصة من بلاد الأرمن، وسيحان نهر آذنة، وهما عظيمان جدا أكبرهما(3/60)
جيحان، هكذا أخبرت الثقاة الذين شاهدوهما، وغلط الجوهري في قوله جيحان نهر بالشام.
حرف الحاء
حبر: الحبر الذي يكتب به مكسور الحاء، وأما العالم فيقال: بفتح الحاء وكسرها لغتان مشهورتان، والمحبرة وعاء الحبر، وفيها لغتان فتح الميم وكسرها، وممن ذكر اللغتين فيها شيخنا جمال الدين بن مالك رضي الله تعالى عنهما في كتابه المثلث قوله: برد حبرة هو بكسر الحاء وفتح الباء كعنبة وهي مفردة، والجع حبر وحبرات كعنبة وعنب وعنبات، ويقال: برد حبرة على الوصف، وبرد حبرة على الإضافة، وهو أكثر في استعمالهم، ويقال: برد حبير على الوصف، وهو ثوب يمان يكون من قطن أو كتان مخطط، محبر أي: مزين، والتحبير التزيين والتحسين.
حبس: قال الجوهري: الحبس ضد التخلية، وحبسته واحتبسته بمعنى، واحتبس أيضا بنفسه يتعدى ولا يتعدى، وتحبس على كذا أي حبس نفسه على ذلك، والحبسة بالضم الاسم من الاحتباس، ويقال للصمت حبسه، واحتبست فرسا في سبيل الله تعالى أي: وقفت، فهو محتبس وحبيس، والحبس بالضم ما وقف، والحبس بالكسر خشب أو حجارة تبنى في مجرى الماء لتحبس الماء، فيشرب منه القوم، ويسقوا أموالهم، والجمع أحباس، ويسمى مصنعة الماء حبسا.
حبل: في الصحيح عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع حبل الحبلة، وهو بفتح الحاء والباء في حبل وفي الحبلة.
قال القاضي عياض: ورواه بعضهم بإسكان الباء في الأول وهو قوله حبل وهذا غلط، والصواب الفتح. قال أهل اللغة: الحبلة هنا جمع حابل كظالم وظلمة، وفاجر وفجرة، وكاتب وكتبة. قال الأخفش: يقال حبلت المرأة فهي حابل، ونسوة حبلة. قال ابن الأنبارى وغيره: الهاء في الحبلة للمبالغة، واتفق أهل اللغة: على أن الحبل مختص بالآدميات، وإنما يقال في غيرهن الحمل، يقال: حبلت المرأة ولدا وحبلت بولد وحبلت من زوجها وحملت الشاة والبقرة والناقة ونحوها، ولا يقال: حبلت.
قال أبو عبيدة: لا يقال لشيء من الحيوان حبل إلا ما جاء في هذا الحديث، واختلفوا في المراد بالنهي عن بيع الحبل الحبلة، فقيل: هو البيع بثمن مؤجل إلى أن(3/61)
تلد الناقة ويلد ولدها، وهذا تفسير ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ومالك والشافعي وغيرهم رحمهم الله تعالى.
وقيل: هو بيع ولد ولد الناقة الحامل في الحال، قاله أبو عبيدة وأبو عبيد وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وهو أقرب إلى اللغة، لكن الأول أقوى؛ لأنه تفسير الراوي وهو أعرف، والبيع باطل على التقديرين.
حتت: في الحديث "حتيه ثم اقرضيه" قالوا: الحت هو الحك، والقرض هو تقطيعه، وقلعه بالظفر. قال الأزهري: في باب العين والتاء. قرأ ابن مسعود "عتى حين" في موضع حتى.
حجن: قوله في المهذب في الطواف: استلم الركن بمحجن هو بميم مكسورة وحاء مهملة ساكنة ثم جيم مفتوحة ثم نون، وهي عصا معقفة الرأس كالصولجان جمعه محاجين.
حدق: قال أهل اللغة: الحدقة سواد العين وجمعها حداق وحدق. قال ابن فارس: يقال للحدقة الحنديقة يعني بكسر الحاء ونون بعدها. ويقال: حدق القوم بالرجل وأحدقوا به أي أطافوا به وأحاطوا. قالوا: والتحديق والحداقة شدة النظر.
وفي الحديث: "فحدقني القوم بأبصارهم" ذكره في باب ما يفسد الصلاة من المهذب هو بفتح الحاء والدال المهملتين والدال مخففة، هكذا الرواية فيه. وجاء في صحيح مسلم وسنن أبي داود "فرماني"، وهذا ظاهر المعنى، وأما رواية "حدقني" فرويناها في مسند أبي عوانة الاسفراييني كما ذكرها في المهذب. وكذا رواه الخطيب البغدادي في كتاب الفقيه والمتفقه وهي مشكلة، ولم يذكر أهل اللغة في هذه الكتب المشهورة "حدقني" بمعنى نظر، وإنما ذكروا حدق بالتشديد إذا نظر نظرًا شديدًا لكنه لازم غير متعد. يقال: حدق إليه.
وذكر جماعة من المتأخرين: أن معنى حدقني رموني بأحداقهم والمعروف في نحو هذا حدقني أصاب حدقتي، ولكن قد جوز هذا هنا شيخنا جمال الدين بن مالك رضي الله تعالى عنه، وهو إمام أهل اللغة والأدب في هذه الاعصار بلا مدافعة، قال: ومثله قولهم عنته أصبته بالعين وركبه البعير أصابه بركبته ونظائره.
وأما الحديقة فاختلف أهل اللغة فيها، فقال الليث: الحديقة أرض ذات شجر مثمر. وقال أبو عبيدة معمر: الحديقة الحائظ يعني البستان، وقال الفراء: إنما يقال حديقة لكل بستان، فإن لم يكن لا يقال حديقة.
حدم: قولهم في باب الحيض دم(3/62)
الحيض هو المحتدم القاني المحتدم بالحاء والدال المهملتين والدال مكسورة.
قال أصحابنا: هو اللذاع للبشرة بحدته، قالوا: وهو مأخوذ من احتدام النهار وهو اشتداد حره، وقال أهل اللغة: هو الذي اشتدت حمرته حتى أسود والفعل منه احتدم.
حذف: قوله في باب صدقة التطوع من المهذب: أن رجلا جاء بمثل البيضة من الذهب، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هاتها مغضبا" فحذفه بها حذفة لو أصابه لأوجعه أوعقره. قوله: حذفه هو بالحاء المهملة والذال المعجمة، هكذا ضبطناه في كتب الحديث كسنن أبي داود وغيره وفي المهذب، وكذا هو في النسخ، وكذا قيده كل من تكلم على ألفاظ المهذب ومعناه رماه بها، قالوا: وهو مجاز، فإن الحذف يكون بالعصا ونحوها، والقذف يكون بالحصاة ونحوها، فالحاذف هو النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذا جاء في الحديث بيانه.
حذم: قوله في باب الأذان من المهذب لما روي عن ابن الزبير مؤذن بيت المقدس قال: قال لي عمر رضي الله تعالى عنه: "إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحذم" هذا الحديث، رويناه في كتاب السنن الكبير للبيهقي رحمه الله تعالى قوله: فأحذم هو بالحاء المهملة، وكسر الذال المعجمة، والهمزة في أوله همزة وصل يقال حذم يحذم حذما.
قال الأصمعي وغيره: الحذم والحذر قطع التطويل. قال ابن فارس: كل شيء أشرعت فيه فقد حذمته، هذا الذي ذكرناه هو الصواب المشهور. ونقل بعض الأئمة: أنه رأى هذا بخط المصنف. ورأيت في كتاب الشيخ أبي القاسم بن البرزي أنه قال: روي فاجذم بالجيم، قال: وروي بالخاء المعجمة، قال: والذي ذكره شيخنا بالخاء المعجمة وهو من الخذم وهو السرعة.
قلت: وقد ذكره غيره بالأوجه الثلاثة الجيم والحاء والخاء والذال المعجمة فيها كلها مكسورة، وفسروا رواية الجيم بالقطع أي: قطع التطويل، وهذان الوجهان صحيحان في اللغة، ولكن المعروف ما قدمته، وقد ذكره أبو القاسم الزمخشري في الخاء المعجمة، وقال هو اختيار أبي عبيد.
حرص: قال صاحب المحكم: الحرص شدة الأرادة، والشره إلى المطلوب، وقد حرص عليه يحرص، ويحرص حرصا وحرصا، ورجل حريص من قوم حرصاء وحراص، وامرأة حريصة في نسوة حراص وحرائص، وحرص الثوب يحرصه حرصا خرقه.
وقيل: هو أن يدقه حتى يجعل فيه ثقبا(3/63)
وشقوقا، والحرصة من الشجاج التي حرصت من وراء الجلد ولم تخرقه، والحارصة والحريصة أول الشجاج، وهي التي تحرص الجلد تشقه قليلا، وحرص القصار الثوب شقه، والحارصة السحابة التي تحرص وجه الأرض أي: تقشره من شدة وقعها.
وقال الهروي في الغريبين في الشجاج: الحارصة وهي التي تحرص الجلد أي: تشقه وكذا. قال القزاز في جامعه: حرصت رأسه أحرصه يعني بكسر الراء حرصا إذا قشرت الجلد عن عظمه، وكذا ذكر حرصت رأسه أحرصه بكسر الراء في المضارع غير واحد منهم صاحب المحكم والهروي والقزاز في جامعه، والجوهري في صحاحه.
حرم: قوله في الوجيز في فصل الطواف فرع لو طاف المحرم بالصبي الذي أحرم عنه أجزأ عن الصبي. قال الإمام الرافعي: الأولى أن يقرأ أحرم بضم الهمزة وكسر الراء إذ لا فرق بين أن يكون الحامل وليه الذي أحرم عنه أو غيره.
حسر: قال الشافعي رضي الله عنه في كتاب المزارعة: وإن تكاراها والماء قائم عليها وقد ينحسر يعني الماء. قال البيهقي في كتابه: رد الانتقاد على ألفاظ الشافعي رضي الله عنه، قال المعترض: لا تقول العرب انحسر الماء عن شيء، وإنما تقول حسر الماء عن كذا، قاله الخليل في كتاب العين. قال: وجوابه: أن أبا العباس كوشاذ الأديب قال: يقال: حسر الماء وانحسر لغتان.
حس: قوله في المهذب في باب الآنية: ويقبل قول الأعمى يعني في تنجيس الماء؛ لأن له طريقا إلى العلم به بالحس والخبر، هكذا ضبطناه بالحاء، وهو الصواب، وكذلك وجدناه في نسخ قوبلت أو قرئت على المصنف رحمه الله تعالى، وليس هو بالجيم لأن الحس بالحاء أعم، والله تعالى أعلم.
حسن: قول الله تعالى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} (الإسراء: من الآية23) ذكره في المهذب في أول باب نفقة الأقارب.
قال المفسرون وأصحاب المعاني والإعراب: معناه وأوصى بالوالدين إحسانا، وبعضهم يقول: أمر بالوالدين إحسانا، ومعناه أمر أن تحسنوا إليهما بالبر لهما والعطف عليهما.
قال الفراء: تقول العرب: آمرك به خيرا، وأوصيك به خيرا، قال: وكأن معناه أوصيك أن تفعل به خيرا، ثم تحذف أن فتنصب خيرا بالأمر والوصية.
حشر: قال أهل اللغة: الحشر،(3/64)
وقال الأصمعي: الحشمة الغضب والاستحياء، واحشمة واحتشمت منه بمعنى. قال الكميت:
ورأيت الشريف في أعين الناس وضيعا وقل منه احتشامي
ورجل حشم أي: محتشم لغرابة الرجل خدمه، ومن يغضب له سموا بذلك؛ لأنهم يغضبون له.
حشو: قوله في مختصر المزني: إذا لم يمكنه الرمل أحببت أن يصير في حاشية الطواف، قال الأزهري في تفسير هذا اللفظ: الحاشية الناحية، وحاشية الثوب وكل شيء ناحيته، وحاشية كل شيء طرفه الأقصى، وكذا حشى كل شيء ناحيته، ومنه قولهم: حاشى الله، وكذا قولهم في الاستثناء حاشى من الحشى، وهوالناحية، وإذا استثنى شيئا فقد نحاه عما حلف عليه، قاله ابن الأعرابي وابن الأنبارى، هذا كلام الأزهري.
حصب: الحصباء بفتح الحاء وإسكان الصاد وبالمد الحصى الصغار مذكور في المهذب في الدفن: والحصبة بفتح الحاء وبفتح الصاد وكسرها وإسكانها ثلاث لغات الإسكان أفصح، وأشهر، ولم يذكر كثيرون أو الأكثرون سواه، وممن حكى الثلاث صاحب نهاية الغريب، والحصبة بثر تخرج في الجسد تقول منه حصب جلده بكسر الصاد يحصب.
حصر: قولهم: لو اختلط عدد محصور بعدد محصور أو بغير محصور، هذا اللفظ مما تكرر في أبواب من هذه الكتب، وقل من بين حقيقة الفرق بينهما، وقد نقلت في الروضة في أواخر باب الصيد والذبائح فيه كلام الغزالي.
قال الإمام الغزالي: إن قلت: كل عدد فهو محصور في علم الله تعالى، ولو أراد إنسان حصر أهل بلد لعذر عليه، إن تمكن منهم، فاعلم أن تحديد أمثال هذه الامور غير ممكن، وإنما يضبط بالتقريب، فنقول: كل عدد لو اجتمع في صعيد واحد لعسر على الناظر عده بمجرد النظر كالألف ونحوه فهو غير محصور، وما سهل كالعشرة والعشرين فهو محصور، وبين الطرفين أوساط متشابهة تلحق بأحد الطرفين بالظن، وما وقع الشك فيه استفتى فيه القلب، هذا كلام الغزالي.
حصن: الإحصان في الشرع خمسة أقسام: أحدها الإحصان في الزنا الذي يوجب الرجم على الزاني، وهو الوطء بنكاح، والثاني: الإحصان في المقذوف، وهو العفة، وهو الذي يوجب على قاذفه ثمانين جلدة، والثالث: الإحصان بمعنى الحرية، والرابع: الإحصان بمعنى التزويج، والخامس: الإحصان بمعنى الإسلام، فأما الإحصان في الزنا فليس(3/65)
له ذكر في القرآن العزيز إلا في قوله تعالى: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (النساء: من الآية24) قالوا: معناه مصيبين بالنكاح لا بالزنا، وأما الأربعة الباقية فمذكورة في الكتاب العزيز، فأما الإحصان في المقذوف فهو المراد بقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} (النور: من الآية4) وفي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} (النور: من الآية23) الإحصان بمعنى الحرية فهو المراد بقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (المائدة: من الآية5) وفي قوله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} (النساء: من الآية25) أما الإحصان بمعنى التزويج فهو المراد بقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} إلى قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (النساء: من الآية24) وأما الإحصان بمعنى الإسلام فهو المراد بقوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ} (النساء: من الآية25) .
واختلف العلماء في المراد بأحصن هذا، فقيل: أسلمن، وقيل: تزوجن، وقد قرىء بفتح الهمزة وضمها قراءتان في السبع. قال الواحدي: من ضمها فمعناه أحصن بالآزواج أي: تزوجن، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة رحمهم الله تعالى. ومن فتحها فمعناه أسلمن كذا، قاله ابن عمر وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم والشعبي وإبراهيم والسدي رحمهم الله تعالى.
فأما شرط المحصن الذي يرجم في الزنا: فهو البالغ العاقل الحر الواطىء في نكاح صحيح في حال تكليفه وحريته، وأما المحصن الذي يجلد قاذفه ثمانين جلدة: فهو البالغ العاقل الحر المسلم العفيف، وإن شئت قلت في الموضعين: المكلف بدلا عن البالغ العاقل، والأول أولى لئلا يخرج السكران والنائم فإنهما ليسا مكلفين.
قال الإمام الواحدي: الإحصان في اللغة أصله المنع، وكذلك الحصانة، ومنه مدينة حصينة، ودرع حصينة أي: تمنع صاحبها من الجرح، والحصن الموضع الحصين لمنعه، والحصان بكسر الحاء الفرس لمنعه لصاحبه من الهلاك، والحصان بفتح الحاء المرأة العفيفة لمنعها فرجها من الفساد، وحصنت المرة تحصن حصنا فهي حصان، مثل جبنت تجبن جبنا فهي جبان.
وقال سيوبيه: وقالوا أيضا: حصنا. قال أبو عبيد: والكسائى والزجاج حصانة. وقال شمر: امرأة حصان وحاصن: هي العفيفة، فحصل من هذا أنه يقال امرأة حصان وحاصن بينة الحصن، فالحصن والحصانة ثلاثة مصادر. قال الزجاج: يقال: امرأة حصان بينة التحصين، وفرس حصان بين التحصن والتحصين، وبناء حصين بين الحصانة، ولو(3/66)
قيل في هذا كله الحصانة لجاز بإجماع.
قال الواحدي: وأما الإحصان فيقع على معان ترجع إلى معنى واحد منها الحرية والعفاف، وكون المرأة ذات زوج، فالإحصان هو أن يحمي الشيء ويمنع، والحرة تحصن نفسها وتحصن هي أيضا، والعفة مانعة من الزنا، والعفيفة تمنع نفسها من الزنا، والإسلام مانع من الفواحش، والمحصنة المزوجة لأن الزوج يمنعها.
قال الواحدي: واختلف القراء في قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ} فقرأوا بفتح الصاد وكسرها في جميع القرآن، إلا الحرف الأول في النساء {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} (النساء: من الآية24) فإنهم أجمعوا على فتحه، قاله أبو عبيدة، هذا آخر كلام الواحدي.
حفل: في الحديث: "من ابتاع محفلة" مذكور في باب المصراة من المهذب: المحفلة بضم الميم وفتح الحاء المهملة وفتح الفاء.
قال الهروي رحمه الله تعالى: المحفلة الشاة، أو البقرة، أو الناقة لا يحلبها صاحبها أياما ليجتمع لبنها في ضرعها، فإذا احتلبها المشتري حسبها عزيرة فزاد في ثمنها، فإذا حلبها بعد ذلك وجدها ناقصة اللبن عما حلبها أيام تحفيلها. وقال صاحب المحكم: حفل اللبن في الضرع يحفل حفلا وحفولا وتحفل، واحتفل اجتمع، وحفله هو، وضرع حافل، والجمع حفل، وناقة حافلة، وحفول، وشاة حافل.
وقال الجوهري: التحفيل مثل التصرية، وهو ألا تحلب الشاة أياما ليجتمع اللبن في ضرعها للبيع، والشاة محفلة، ومصراة، وكذا قال الأزهري وغيره. المحفلة معناها: المصراة، وقال غيره: هي مأخوذة من الاحتفال وهو الاجتماع. قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى في حديث المحفلة: ليس إسناده بذاك، وكذا قال الإمام البيهقي في معرفة السنن والآثار: هذه الرواية غير قوية، يعني حديث ابن عمر في المحفلة.
حقب: قال الهروي الحاقب الذي احتاج إلى الخلاء فلم يتبرز، وحصر غائطه شبه بالبعير، الحقب الذي دنا الحقب من ثيله فمنعه من أن يبول.
حقد: قولهم "حقد المعدن" أي: امتنع خروج النيل منه، وأصل الحقد المنع. تقول العرب: حقد المعدن منع نيله، وحقدت السماء منعت قطرها، وحقد فلان على فلان منعه بره ولطفه.
حقق: قولهم: يقول إذا رفع رأسه من الركوع: أهل الثناء والمجد حق ما قاله العبد كلنا لك عبد، هكذا هو في كتب الفقه، والذي في صحيح مسلم وسنن أبي داود وسائر،(3/67)
وهذا هو الصواب، وتقديره: أحق ما قال العبد لا مانع لما أعطيت إلى آخره، واعترض بينهما قوله وكلنا لك عبد، وهذا الاعتراض كثير في القرآن والسنة وفي كلام العرب، وقد جمعت جملة منه في آخر صفة الوضوء من شرح المهذب، ومنه قوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} (الروم:17) اعترض قوله: {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (الروم: من الآية18) وأمثاله كثيرة، وقولهم فلان أحق بكذا وكذا، وصار المتحجر أحق به وأشباهه، وفي الحديث: "الأيم أحق بنفسها".
قال الأزهري في شرح ألفاظ المختصر: لفظ أحق في كلام العرب له معنيان: أحدهما: استيعاب الحق كله كقولك فلان أحق بماله أي: لا حق لأحد فيه غيره، والثاني: على ترجيح الحق وإن كان للآخر فيه نصيب، كقولك فلان أحسن وجها من فلان لا تريد به نفي الحسن عن الأول بل تريد الترجيح، قال: وهذا معنى قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الأيم أحق بنفسها من وليها" أي: لا يفتات عليها، فيزوجها بغير إذنها، ولم يرد إبطال حق الولي فإنه هو الذي يعقد عليها وينظر لها.
حقل: في حديث جابر رضي الله عنه: "أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن المحاقلة"، وفسره في الحديث في المهذب: "أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق حنطة".
حقن: قال الهروي: الحاقن للبول كالحاقب بالغائط. قال شمر: الحقن والحاقن الذي حقن بوله.
حكر: الاحتكار بكسر التاء، قال الجوهري: احتكار الطعام جمعه وحبسه يتربص به الغلاء، قال: وهو الحكرة بالضم.
حكك: قوله في المهذب في باب طهارة البدن؛ لأن الإنسان لا يخلو من بثرة وحكة، الحكة: بكسر الحاء وهي الجرب، قاله الجوهري.
حكم: قوله نجاسة حكمية وعينية، فالحكمية: هي التي لا يحس لها طعم ولا لون ولا ريح، والعينية نقيضها.
حلب: المحلب المذكور في زكاة الخلطة هو بفتح الميم، وهو موضع المحلب، وهذا يشترط الاتحاد فيه في ثبوت الخلطة بلا خلاف، وأما الحلب بكسر الميم: فهو الإناء الذي يحلب فيه، وفي اشتراط الاتحاد فيه لثبوت الخلطة وجهان، أصحهما لا يشترط، وكذا الوجهان في اشتراط اتحاد الحالب، والأصح أنه لا يشترط أيضًا، وهذا الذي ذكرته هنا من النفائس المغتنمة.(3/68)
حلقم: الحلقوم بضم الحاء والقاف، قال الجوهري: هو الحلق، وقد أوضحه الشيخ أبو إسحاق في المهذب، فقال في باب الصيد والذبائح: الحلقوم: مجرى النفس، والمريء مجرى الطعام، وقد ذكرت في الروضة: أن الحلقوم مجرى النفس خروجا ودخولا، والمريء مجرى الطعام والشراب وهو تحت الحلقوم، ويقال لهما: مع الودجين الأوداج.
حلل: قوله في باب ستر العورة من المهذب وعن ابن مسعود: أنه رأى أعرابيا عليه شملة قد ذيلها وهو يصلي، قال: إن الذي يجر ثوبه من الخيلاء في الصلاة ليس من الله عز وجل في حل ولا حرام، هكذا ذكره المصنف موقوفا على ابن مسعود من قوله، وذكر البغوي صاحب التهذيب في شرح السنة: أن بعضهم وقفه على ابن مسعود، وبعضهم رفعه إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقوله: "ليس من الله عز وجل في حل ولا حرام" معناه أنه بعيد عن رضا الله عز وجل. قال القلعي: معناه ليس من الله تعالى في شيء، قال الواحدي: الإمام المفسر في قول الله سبحانه وتعالى: {فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} (آل عمران: من الآية28) أي: ليس من دين الله في شيء فحذف الدين اكتفاء بالمضاف إليه، والمعنى: أنه قد برىء من الله تعالى، والجواب دينه.
وقال بعض من شرح أحاديث المهذب: في قول ابن مسعود معناه: لا يؤمن بحلال الله تعالى وحرامه، وقوله ذيلها جعل لها ذيلاً، والشملة والخيلاء تأتي في بابها إن شاء الله تعالى، وأما تسمية الزوج حليلاً والمرأة حليلة، فقيل: لأن كل واحد منهما تحل مباشرته لصاحبه، وقيل: لأنهما يحلان بمكان واحد، وقيل: لأن كل وحد منهما يحل إزار صاحبه، وقيل: لأنه يحال صاحبه أي: ينازله.
قوله في المهذب: وإن أدخل في إحليله مسبارا الإحليل بكسر الهمزة واللام. قال أهل اللغة: هو الثقب الذي في رأس الذكر يخرج منه البول، وجمعه كصيحاني الحلة ثوبان. عند جمهور أهل اللغة: لا تكون إلا ثوبين سميت به؛ لأن أحدهما يحل فوق الآخر، قيل: ويقال للثوب الواحد الجديد قريب العهد حلة؛ لأنه يحل من طيه، حكاه عياض في شرح مسلم في مناقب سعد بن معاذ.
حلو: في حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه: "أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن حلوان الكاهن"، وهو حديث صحيح متفق على صحته، أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهو بضم الحاء وسكون اللام. قال الإمام أبو سليمان(3/69)
الخطابي رحمه الله تعالى: حلوان الكاهن هو ما يأخذه المتكهن على كهانته وهو محرم، وفعله باطل، يقال: حلوت الرجل شيئًا يعني رشوته، قال: وحلوان العراف حرام كذلك، وذكر الفرق بين الكاهن والعراف وهو مذكور في حرف الكاف.
قال: قال ابن الأعرابي: ويقال: مطلقتي الكاهن الشيع والصهميم، قال الهروي: الحلوان ما يعطاه الكاهن على كهانته، يقال: حلوته أحلوه حلوانا، قال: وقال بعضهم: أحيله من الحلاوة شبه بالشيء الحلو، يقال: حلوت فلانا إذا أطعمته الحلوى، كما يقال عسلته وتمرته. قال أبو عبيد: ويطلق الحلوان أيضا على غير هذا، وهو أن يأخذ الرجل مهر ابنته لنفسه، وذلك عيب عند النساء، قالت امرأة تمدح زوجها:
لا يأخذ الحلوان عن بناتنا
حمد: الحمد هو الثناء على المحمود بجميل صفاته، وأفعاله، والشكر الثناء عليه بإنعامه على الشاكر، ونقيض الحمد الذم، ونقيض الشكر الكفر، والحمد أعم، ويقال: حمده بكسر الميم يحمده بفتحها، وفي الحديث الحسن في سنن أبي داود وابن ماجه ومسند أبي عوانة المخرج على شرط مسلم عن أبي هريرة: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع"، وفي رواية: "كل كلام لا يبدأ فيه الحمد لله فهو أجذم"، وفي رواية "بسم الله الرحمن الرحيم".
وقد أوضحت روايته، وطرقه، ومعناه في شرح المهذب ولهذا الحديث بدا العلماء في أوائل كتبهم بالحمد لله، ومعنى أقطع ناقص قليل البركة واجذم بمعناه، وهو بالجيم وذال معجمة.
قال الإمام الواحدي: الألف واللام في الحمد يحتمل كونها للجنس أي: جميع المحامد لله تعالى؛ لأنه الموصوف بصفات الكمال في نعوته، وأفعاله الحميدة، ويحتمل كونها للعهد أي: الحمد لله الذي حمد به نفسه، وحمدته أولياؤه، واللام في لله لام الإضافة، ولها معنيان الملك والاختصاص.
قال ابن فارس: سمي نبينا محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - محمدا لكثرة خصاله المحمودة يعني: ألهم الله تعالى أهله تسميته بذلك لما علم من خصاله الحميدة، قال أهل اللغة: رجل محمد ومحمود أي: كثير الخصال المحمودة: وأنشد الجوهري وغيره:
إلى الماجد القرم الجواد المحمد
إليك أبيت اللعن كان كلالها
القرم السيد.
حمر: في الحديث المتفق على ضعفه في أول المهذب: أن النبي - صلّى الله(3/70)
عليه وسلم - قال لعائشة: "يا حميراء لا تفعلي هذا فإنه يورث البرص"، قال المتكلمون على هذا الحديث من الطوائف: المراد بالحميراء هنا البيضاء.
قال أهل اللغة: تقول العرب لشديد البياض أحمر. ومنه الحديث عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بعثت إلى الأسود والأحمر" والمراد بالأحمر العجم وهم بيض. وقيل: المراد بهم الجن، والتصغير في الحميراء هنا تصغير تحبيب، كقولهم يا بني ويا أخي، قولهم حمار قبان هو دويبة تشبه الخنفساء تحمل العذرة. ونحوها قوله في الوسيط في استيفاء القصاص: له القصاص في حمارة القيظ، هو بفتح الحاء المهملة وتخفيف الميم وتشديد الراء وهو شدة حره. قال الجوهري: وربما خففت الراء في الشعر للضرورة. قال: والجمع حمار.
حمص: الحمص: هو الحب المعروف، هو بكسر الحاء بلا خلاف، وفي الميم لغتان الفتح والكسر، الكوفيون بالفتح، والبصريون بالكسر.
حمق: نص الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى: على أنه يجزىء عتق الأحمق في كفارة الظهار وغيرها، فيحتاج إلى ضبطه. وقد ذكرته في أواخر باب تعليق الطلاق من الروضة: فيما إذا قالت له زوجته: أنت أحمق، فقال: إن كنت أحمق فأنت طالق.
واختلفت عبارة الأصحاب في ضبطه، وذكروه في باب كفارة الظهار ففي المهذب والتهذيب: أنه من يفعل الشيء فى غير موضعه مع علمه بقبحه. وفي التتمة والبيان: أنه من يفعل مع علمه بقبحه. وفي الحاوي: أنه الذي يضع كلامه فى غير موضعه فيأتي بالحسن في موضع القبيح وعكسه.
وقال أبو العباس الروياني من أصحابنا: الأحمق من نقصت مرتبة أموره وأحواله عن مراتب أمثاله نقصا بينا بلا مرض ولا سبب. وقال أبو عمر الزاهد في شرح الفصيح: سئل أبو العباس ثعلب عن الأحمق، فقال: هو الكاسد العقل لا ينتفع بعقله. قال ابن الأعرابي: انحمقت النوق إذا كسدت. قال الجوهري: الحمق، والحمق قلة العقل، وقد حمق الرجل بالضم حماقة، فهو أحمق. ويقال أيضا: حمق بالكسر يحمق حمقا مثل غنم يغنم غنما، فهو حمق، وامرأة حمقاء، وقوم ونسوة حمق وحمقى وحماقى، وحمقت النوق بالضم كسدت، واحمقت المرأة جاءت بولد أحمق فهي محمق ومحمقة، فإن كان عداتها أن تلد الحمقى فهي محماق. ويقال: أحمقت الرجل إذا وجدته أحمق، وحمقته نسبته إلى الحمق، وحامقته ساعدته على حمقه، واستحمقته عددته أحمق،(3/71)
وتحامق تكلف الحماقة، وانحمقت النوق كسدت، وانحمق الثوب أخلق.
حمم: قول الله عز وجل: {حم} جاء ذكره في المهذب في سجود التلاوة، وقال الأزهري: قال بعضهم: معناه قضى ما هو كائن. وذكر الماوردي فيه خمس تأويلات، أحدها: أنه اسم من أسماء الله تعالى أقسم به قاله ابن عباس رضي الله عنهما، والثاني: أنه اسم من أسماء القرآن قاله قتادة، والثالث: أنها حروف مقطعة من أسماء الله تعالى الذي هو الرحمن الرحيم، الرابع: هو محمد قاله جعفر بن محمد، والخامس: هو فواتح السور قاله مجاهد، والله أعلم.
ذكر في باب العاقلة في المهذب أبياتا من الشعر فيها يناشدني "حم" قيل: معناه القرآن أي: يستجير مني بالقرآن. وفي الحديث: "شعاركم حم لا ينصرون".
قال الأزهري: سئل أبو العباس عن قوله "حم لا ينصرون" فقال: معناه والله لا ينصرون، الكلام خبر ليس بدعاء رأيته في فصل م ح.
وقال أبو سليمان الخطابي في معالم السنن في كتاب الجهاد عن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، قال: معناه الخبر، ولو الدعاء لكان مجزوما أي: لا ينصروا، وإنما هو إخبار، كأنه قال: والله لا ينصرون. وقد روي عن ابن عباس رحمهما الله أنه قال: حم، اسم من أسماء الله تعالى. قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه فإن عامة الوسواس منه" ذكره في المهذب، هو بضم الميم، وفتح الحاء، أخرجه أبو داود في سننه، والترمذي في جامعه وغيرهما.
قال الترمذي: هو حديث غريب. قال الخطابي رحمه الله تعالى: المستحم المغتسل سمي باسم الحميم، وهو الماء الحار الذي يغتسل به. قال: وإنما ينهى عن ذلك إذا لم يكن المكان جلدا صلبا، أو مبلطا، أو لم يكن له مسلك ينفذ فيه البول، ويسيل فيه الماء، فيتوهم المغتسل أنه أصابه شيء من قطره، ورشاشه فيورثه الوسواس.
وقال أبو عيسى الترمذي: قد كره قوم من أهل العلم البول في المغتسل، ورخص فيه آخرون منهم ابن سيرين، فقيل له: إنه يقال: إن عامة الوسواس منه، فقال: ربنا الله لا نشرك به شيئا. وقال ابن المبارك: وقد وسع في البول في المغتسل إذا جرى فيه الماء، والحمام بالتشديد معروف.
قال الأزهري: قال الليث: الحميم الماء الحار، والحمام مشتق من الحميم يذكره العرب. قال: ويقال: طاب حميمك وحمتك للذي يخرج من الحمام أي: طاب عرفك، والحمى معروفة وحم الرجل واحمه الله تعالى فهو محموم ذكره الأزهري(3/72)
وغيره.
والحممة المذكورة في باب الاستطابة بضم الحاء وفتح الميمين وتخفيفهما، قال الأزهري: قال الليث: الحمم الفحم البارد الواحدة حممة قوله في المهذب روى ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: "أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الاستنجاء بالحممة"، هذا بعض حديث أخرجه أبو داود في سننه، ولفظه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه. قال: "قدم وفد الجن على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: يا محمد أنه أمتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حممة، فإن الله تعالى جعل لنا فيها رزقا، قال: فنهى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "، فالحممة بضم الحاء وفتح الميمين وتخفيفهما.
قال الأمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى: الحمم الفحم، وما أحرق من الخشب، والعظام ونحوهما، والاستنجاء به منهي عنه؛ لأنه جعل رزقا للجن، فلا يجوز إفساده عليهم، قال: وفيه أيضًا أنه إذا مس ذلك المكان، وناله أدنى غمز وضغط تفتت لرخاوته، فعلق به شيء متلوثا بما يلقاه من تلك النجاسة. قال: وفي معناه الاستنجاء بالتراب وفتات المدر ونحوهما. وذكر البغوي رحمه الله تعالى في شرح السنة هذا الحديث، ثم قال: فقد قيل: كلها طعام الجن والاستنجاء منهي عنه، وقيل المراد منها: العظم المحترق، والله تعالى أعلم.
الحمام: الطير المعروف، قال أهل اللغة: الحمام عند العرب ذوات الأطواق نحو الفواخت والقمارى والقطا والوراشين وأشباهها. قالوا: والحمامة تقع على الذكر والأنثى، وجمع الحمامة: البغوي، وحمامات، وحمائم. وقد ذكره في الوسيط مجموعا في كتاب الوقف في قوله: وإن وقف على حمامات مكة. والله أعلم.
حنا: الحناء الذي يخضب به معروف، وهو بكسر الحاء، وتشديد النون، وبالمد، وأصله الهمز. يقال: حنأت لحيته تحنئة، وتحنينا إذا خضبتها، والحناء جمع الحناءة. كذا قاله ابن ولاد في المقصور والممدود له. وقال الجوهري: الحناءة أخص من الحناء.
حنت: الحانوت معروف يذكر ويؤنث لغتان، وهو الدكان. قال الجوهري: الحانوت معروف يذكر ويؤنث لغتان، وأصله حانوه مثل ترقوه، فلما سكنت الواو انقلبت هاء التأنيث تاء، وجمعها حوانيت لأن الرابع منه حرف لين، وإنما يرد الاسم الذي جاوز أربعة أحرف إلى الرباعي في الجمع والتصغير، إذا لم يكن الرابع منه حرف لين، هذا كلام الجوهري.
وذكر هذا الحرف في فصل حين؛ لأنه أصله، وإنما ذكرته هنا أنا لأن المتفقهين وأكثر من يطالع هذا الكتاب لا يعرفون له مظنة(3/73)
غير هذا الفصل، فأردت التسهيل عليهم كما سبق التزامه في الخطبة، وقد نبهت على أصله، فحصل الجمع بين الغرضين، وأما قوله في الوجيز في أول الباب الثالث من كتاب الإجارة: استأجر دكانا أو حانوتا فهو مما أنكر عليه، وصوابه حذف أحدهما، فإن الدكان هو الحانوت كذا قاله الجوهري وغيره، وسيأتي بيانه في حرف الدال، إن شاء الله تعالى، وقد سبق إنكاره للإمام الرافعي.
حنط: الحنوط المذكور في طيب الميت هو بفتح النون، ويقال: الحناط بكسر الحاء. قال الازهري: يدخل في الحنوط الكافور، وذريرة القصب، والصندل الأحمر والأبيض. قال غيره: الحنوط كل شيء خلط من الطيب للميت خاصة، وقد حنط الميت تحنيطا، وتحنط الرجل بالحنوط، إذا استعمله متأهبا للموت، وكان هذا عادة لجماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم في الغزوات، والحنطة بكسر الحاء البر والقمح. قال الجوهري: جمعها حنط.
حنك: قوله في المهذب في العقيقة: "يستحب أن يحنك المولود بالتمر"، واستند بحديث أنس رضي الله تعالى عنه في ذلك، وهو حديث صحيح. قال صاحب المطالع: التحنيك هو أن تمضغ التمرة، وتجعلها في في الصبي، ويحك بها حنكه بسبابته حتى تتحلل في حلقه، والحنك أعلى داخل الفم. والله تعالى أعلم. قال الهروي: يقال: حنكه وحنكه يعني بتخفيف النون وتشديدها.
حوذ: في الحديث: "ما من ثلاثة في قرية أو بدو لا تقام فيهم الجماعة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان" ذكره في باب صلاة الجماعة من المهذب، ومعنى استحوذ: استولى وغلب وتمكن منهم.
حول: قال صاحب المحكم: الحول سنة بأسرها، والجمع أحوال وحؤول، وحال الحول حولا تم، وأحاله الله علينا أتمه، وحال عليه الحول حولا وحؤولا أتى، وأحال الشيء واحتال أتى عليه حول كامل، وأحول الصبي أتى عليه حول من مولده، وأحال الحول بلغه، والحول والحيل والحيلة والحويل والمحالة والاحتيال والتحول والتحيل كل ذلك الحذق وجودة النظر والقدرة على دقة التصرف، ورجل حول وحولة وحول وحوالي وحوالي وحولول شديد الاحتيال، وما أحوله وأحيله وهو أحول منك وأحيل ولا محالة من ذلك أي: لا بد، والمحال من الكلام ما عدل به عن وجهه، وحوله جعله(3/74)
محالا، وأحال أتى بمحال، ورجل محوال كثير الكلام، وكلام مستحيل محال، وحاول الشيء محاولة وحوالا رامه، وكلما حجز بين شيئين فقد حال بينهما حولا، واسم ذلك الشيء الحوال، وتحول عن الشيء زال عنه إلى غيره، وحوله إليه أزاله، والاسم الحول، والحويل، وفي التنزيل لا يبغون عنها حولا، وحال الشيء حولا وحؤولا يحول قوله لا حول ولا قوة إلا بالله.
قال الهروي: قال أبو الهيثم: الحول الحركة، يقال: أحال الشخص إذا تحرك، ويقال: استحل هذ الشخص أي: أنظر هل يتحرك أم لا، وكأن القائل يقول: لا حرك ولا استطاعة إلا بمشيئة الله عز وجل. وكذا قاله أبو عمر في الشرح عن أبي العباس قال: معناه لا حول في دفع شر، ولا قوة في درك خير إلا بالله. وقيل: لا حول عن معصية الله تعالى إلا بعصمته، ولا قوة على طاعة الله إلا بعونه. ويحكى هذا عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، ويقال عن قولهم: لا حول ولا قوة إلا بالله.
الحوقلة بفتح الحاء وإسكان الواو بعدها قاف ثم لام، كذا قالها الأزهري في التهذيب والأكثرون من العلماء، وقال الجوهري في صحاحه: هي الحولقة بتقديم اللام على القاف، والمعروف المشهور هو الأول. قال ابن الأثير رحمه الله تعالى في شرح مسند الشافعي رضي الله تعالى عنه على الأول: تكون الحاء من الحول، والقاف من القوة، واللام من الله تعالى، وعلى الثاني: الحاء والواو واللام من الحول، والقاف، قال: والأول أولى، ومثل الحوقلة الحيعلة والحمدلة والبسملة والهيللة والسبحلة، وسيأتي بيان ذلك في فصل الحيعلة إن شاء الله تعالى.
والحيلة: بكسر الحاء الاسم من الاحتيال. قال الجوهري: وكذلك الحول والحيل، يقال: لا حيل ولا قوة في حول. قال الفراء: يقال: هو أحيل منك وأحول أي: أكثر حيلة، وما أحيله لغة في ما أحوله. قال أبو زيد: يقال: ماله حيلة، ولا محالة، ولا احتيال ولا محال بمعنى واحد. وقولهم: لا محالة أي: لا بد. يقال: الموت آت لا محالة، والحوالة بفتح الحاء. يقال: احتال عليه بالدين حوالة، واحتال من الحيلة، وحوله عن القبلة أي: أداره عنها فتحول.
قال الجوهري: وحول أيضا بنفسه يتعدى، ولا يتعدى قوله في باب الأذان عقب قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الأئمة ضمناء، والمؤذنون أمناء، والأمين أحسن حالا من الضمين" فسره المحاملي في التجريد، فقال: لأن الأمين متطوع بما يفعله، والضامن يفعل(3/75)
ما يجب عليه. قوله في أول كتاب الرهن من المهذب: لأن الحاجة تدعو إلى شرط الرهن بعد ثبوت الدين، وحال ثبوته. فقوله: حال منصوب على الظرف.
حيض: قال أهل اللغة: يقال: حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا فهي حائض بغير هاء لأن هذه صفة لا تكون للمذكر، فلم يحتج إلى إلحاق الهاء فيه للفرق، بخلاف مسلمة وقائمة. وحكى الجوهري عن الفراء: أنه يقال أيضًا: حائضة بالهاء. وأنشد:
كحائضة يزني بها غير طاهر
قال أهل اللغة: عركت بفتح العين والراء، تعرك عروكا كقعدت تقعد قعودا أي: حاضت. قال الهروي في الغريبين: يقال: حاضت المرأة، وتحيضت ودرست وعركت وطمثت تحيض حيضا ومحيضا ومحاضا إذا سال دمها في أوانه، فإذا سال فى غير أوقاته المعلومة فهي المستحاضة.
قال أهل اللغة: ويقال: نساء حيض وحوائض، والحيضة بفتح الحاء المرة الواحدة من الحيض، والحيضة بكسر الحاء اسم للحالة والهيئة. وفي الحديث: "خذي ثياب حيضتك" هذا بالكسر، وفي الحديث الآخر: "إذا أقبلت الحيضة".
قال الخطابي: المحدثون يقولونها بالفتح وهو خطأ، والصواب الكسر؛ لأن المراد الحالة.
ورد القاضي عياض وغيره قول الخطابي، وقالوا: الأظهر الفتح؛ لأن المراد إذا أقبل الحيض. وفي الحديث "تحيضي في علم الله تعالى" أي: التزمي أحكام الحيض، وافعلي فعلهن، وكل هذه الأحاديث صحيحة، وفي الحديث الآخر: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" المراد: بالحائض البالغة هنا كما في الحديث الآخر: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم" وليس للتقييد بالحائض هنا مفهوم يعمل عليه، فيكون دليلا على أن غير البالغة من المميزات تقبل صلاتها بغير خمار، بل هذا من التقييد الخارج على سبب لكونه الغالب، كما في قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} (النساء: من الآية23) وقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} (الإسراء: من الآية31) وقوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (البقرة: من الآية229) وقوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (النساء: من الآية101) وقوله تعالى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} (النور: من الآية33) ومن زعم أن هذه الآية ليست مما نحن فيه فهو جاهل، أولم يفكر، والله تعالى أعلم.
قال أهل اللغة: والحيضة بالكسر أيضًا اسم للخرقة التي تستثفر بها المرأة.(3/76)
قال الجوهري: ومنه قول عائشة رضي الله تعالى عنها: "ليتني كنت حيضة ملقاة" قال: وكذلك المحيضة، وجمعها محائض، هذا ما يتعلق بتصريف الكلمة.
وأما أصلها فقال الإمام أبو منصور الأزهري في كتابه شرح ألفاظ مختصر المزني رحمهما الله تعالى: الحيض دم يرخيه رحم المرأة بعد بلوغها في أوقات معتادة، وأصله من حاض السيل وفاض إذا سال يسمى حيضًا لسيلان الدم في الأوقات المعتادة. قال: والاستحاضة أن يسيل الدم فى غير أوقاته المعتادة. قال: ودم الحيض يخرج من قعر الرحم، ويكون أسود محتدما أي: حارا كأنه محترق، وأما دم الاستحاضة فيسيل من العاذل، وهو عرق فمه الذي يسيل منه في أدنى الرحم دون قعره. قال: وذكر ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هذا كلام الأزهري، وقوله: العادل هو بالعين المهملة وكسر الدال المعجمة وباللام.
وقال الهروي: قال ابن عرفة: الحيض والمحيض اجتماع الدم إلى ذلك المكان، وبه سمي الحوض لاجتماع الماء فيه. ثم ذكر: أن الحيض هو سيلان الدم في أوقاته المعتادة.
فقد اتفق الهروي وشيخه الأزهري: على أن الاستحاضة عبارة عن جريان الدم فى غير أوقاته. وقد اختلف أصحابنا في حقيقة الاستحاضة، فذهب جماعة إلى أن الاستحاضة لا تكون إلا دما متصلاً بالحيض، ليس بحيض أن ترى الدم في زمن الحيض، ويجاوز خمسة عشر يومًا متصلاً، فأما إذا رأت الدم قبل تسع سنين، أو رأت بعد تسع متصل بالحيض، فإن رأت دون أقل الحيض فليس هذا باستحاضة بل يسمى دم فساد.
وذهب جماعة من أصحابنا إلى أن الجميع يسمى استحاضة، فممن قال بالأول صاحب الحاوي، فقال قال الشافعي رضي الله عنه: لو رأت الدم قبل استكمال تسع سنين فهو دم فساد، لا يقال له يحض ولا استحاضة؛ لأن الاستحاضة لا تكون على أثر حيض. ثم قال بعد هذا بأسطر: النساء أضرب: طاهر وحائض ومستحاضة وذات فساد، فالطاهر ذات النقاء، والحائض من ترى الدم في أوانه، والمستحاضة من ترى الدم على أثر الحيض على صفة لا يكون حيضا، وذات الفساد من يبتدىء بها دم لا يكون حيضًا. هذا آخر كلام صاحب الحاوي.
وقد أشار كثير من أصحابنا أو أكثرهم إلى معنى ما قال، وهو أن الاستحاضة الدم المتصل بدم الحيض، فإن لم يتصل فدم فساد. وصرح أبو عبد الله الزبيري في كتابه الكافي والقاضي حسين وصاحبه صاحب(3/77)
التتمة وصاحب العدة وغيرهم بخلاف هذا، فقالوا: دم الاستحاضة ضربان: متصل بدم الحيض، وغير متصل، فالمتصل: أن ترى البالغة الدم، وتجاوز خمسة عشر، وغير المتصل: التي لها دون تسع سنين إذا رأت الدم، والكبيرة إذا رأته وانقطع لدون يوم وليلة.
وهذا الذي قاله هؤلاء صحيح مليح موافق لما قدمته عن إمامي اللغة الأزهري والهروي، وقد استعمل في المهذب والتنبيه الاستحاضة بهذا المعنى، فقال في المهذب في فصل النفاس: فإن أدر الدم قبل الولادة خمسة أيام، فمن أصحابنا من قال: هو استحاضة، وقال في التنبيه: وفي الدم الذي تراه الحامل قولان: أصحهما أنه حيض، والثاني: أنه استحاضة، والله تعالى أعلم.
وذكر أصحابنا اختلاف العلماء في المحيض المذكور في القرآن العزيز، قالوا: مذهبنا أن الحيض والمحيض بمعنى الحيض، كما قدمناه. وقال بعض العلماء: هو زمن الحيض. وقال بعضهم: مكان الحيض هو نفس الفرج. وقد أوضحت هذا كله بأدلته في شرح المهذب.
قال صاحب الحاوي: وللحيض خمسة أسماء أخر الطمث، ويقال: امرأة طامث، والعراك: ويقال: امرأة عارك ونسوة عوارك، والضحك: وامرأة ضاحك ونسوة ضواحك، والاكبار: والمرأة مكبر، والاعصار: والمرأة المعصر، وأنشد في كل هذا أبياتا أوضحتها في شرح المهذب.
قال: قال الجاحظ في كتاب الحيوان: والذي يحيض من الحيوان أربع: المرأة والأرنب والخفاش والضبع. وروينا في سنن الإمام البيهقي رحمه الله تعالى: أنه قيل لعائشة رضي الله عنها: ما تقولين في العراك، قالت: الحيض تعنون، قالوا: نعم، قالت: سموه كما سماه الله عز وجل. وثبت في الصحيح أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في الحيض: "هذا شيء كتبه الله تعالى على بنات آدم فظاهره أنه لم يزل فيهن".
وحكى أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رضي الله عنه في صحيحه عن بعض العلماء: أنه قال: كان أول ما أرسل الحيض على بني إسرائيل. قال البخاري: وحديث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثر يعني أنه عام في جميع بنات آدم. وحكى صاحب الحاوي وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما في سبب ابتداء الحيض: أن الله عز وجل قال: يا آدم ما حملك على أكل الشجرة، قال: زينته لي حواء، قال: إني عاقبتها لا تحمل إلا كرها، ولا تضع إلا كرها، ودميتها، والله تعالى أعلم.
وأعلم: أن باب الحيض من الأبواب العويصة، وقد اعتنى أصحابنا رحمهم الله تعالى بإيضاحه، فبينوه أحسن بيان، وبسطوه(3/78)
أوضح بسط، وقد جمع فيه إمام الحرمين نحو نصف مجلدة في النهاية، وجمع غيره نحوه، ولم يكن فيه أعظم تصنيفا من كتاب أبي الفرج الدارمي من أصحابنا العراقيين في طبقة القاضي أبي الطيب الطبري، فجمع مجلدة ضخمة في مسألة المستحاصة المتحيرة وحدها، لم يخلط معها غيرها، وقد جمعت أنا فيه في شرح المهذب جملة مستكثرة نحو مجلدة، مع أني حرصت على ترك الإطالة. ونسأل الله تعالى التوفيق.
حيعل: قوله في باب الأذان: يقول بعد الحيعلة: هي بفتح الحاء وإسكان الياء وفتح العين. قال الإمام أبو منصور الأزهري في أول كتابه تهذيب اللغة بعد أن فرغ من مقدمة الكتاب وشرع في الأبواب.
قال الليث: قال الخليل بن أحمد رحمه الله تعالى: العين والحاء لا يلتقيان في كلمة واحدة أصلية الحروف لقرب مخرجيهما إلا أن يؤلف فعل من جمع بين كلمتين مثل حي على فيقال منه حيعل. قال الأزهري: وهو كما قال الخليل رحمه الله تعالى: وأنشده غيره:
إلى أن دعا داعي الصلاة بحيعلا
ألا رب طيف منك بات معانقي
ومعنى حي على الصلاة: أسرعوا إليها وهلموا إليها واقبلوا. ومثله في الحديث: "إذا ذكر الصالحون فحي هلا بعمر" معناه: أقبلوا على ذكره. وقيل: أسرعوا إلى ذكره، ومثل الحيعلة عبارة عن حي على كذا، قولهم: الحمدلة، والبسملة، والهيللة، والسبحلة، إشارة إلى الحمد لله، وبسم الله، ولا إله إلا الله، وسبحان الله، ومثله قولهم: ولا حول ولا قوة إلى بالله الحوقلة والحولقة، كما قدمناه في فصلها.
حين: قال البخاري في صحيحه في أول تفسير سورة الأعراف: الحين عند العرب من ساعة إلى ما لا يحصى عدده.
حيي: الحياء: ممدود، وهو خصلة من خصال الإيمان، كما صح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "الحياء من الإيمان" وصح عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "الحياء خير كله".
قال الواحدي: قال أهل اللغة: أصل الاستحياء من الحياة، واستحيا الرجل من قوة الحياة فيه لشدة علمه بمواقع العيب، فالحياء من قوة الحس، ولطفه، وقوة الحياة. وقال مجد الدين ابن الأثير في باب ما ينقض الوضوء من مسند الشافعي رضي الله عنه: الحياء تغير، وانكسار يعرض للإنسان من تخوف ما يعاب به، ويذم عليه، واشتقاقه من الحياة(3/79)
فكأن الحي جعل متنكس القوة منتقض الحياة لما يعتريه من الانكسار والتغير. يقال: استحيت منه واستحييته بمعنى. ويقال: استحييت بياء واحدة أسقطوا الياء الأولى، وألقوا حركتها على الحاء، والأصل إثبات الياءين، وهي لغة أهل الحجاز، وحذف الأولى لغة تميم، والله تعالى أعلم.
وقولهم في باب الغسل في حديث أم سليم رضي الله عنها: "أن الله لا يستحيي من الحق" معناه لا يستحيي أن يبين ما هو الحق.
فصل في أسماء المواضع
الحجاز: مذكور في كتاب الجزية، قال في المهذب: قال الشافعي رضي الله عنه: هي مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها، وهكذا فسره أصحابنا، كما فسره الإمام الشافعي رضي الله عنه قال في المهذب: قال الأصمعي: سمي حجازا؛ لأنه حجز بين تهامة ونجد، وهذا الذي نقله عن الأصمعي قاله أيضا وغيره، وقيل: هذا في حده واشتقاقه.
الحجر: حجر الكعبة زادها الله تعالى شرفا، هو بكسر الحاء وإسكان الجيم، هذا هو الصواب المعروف الذي قاله العلماء من أصحاب الفنون. ورأيت بعض الفضلاء المصنفين في ألفاظ المهذب أنه يقال أيضا: حجر بفتح الحاء كحجر الإنسان سمي حجرا لاستدارته.
والحجر: عرصة ملصقة بالكعبة منقوشة على صورة نصف دائرة، وعليه جدار، وارتفاع الجدار من الأرض نحو ستة أذرع، وعرضه نحو خمسة أشبار. وقيل: خمسة وثلث، وللجدار طرفان: ينتهي أحدهما: إلى ركن البيت العراقي، والآخر: إلى الركن الشامي، وبين كل واحد من الطرفين وبين الركن فتحة يدخل منها إلى الحجر، وتدويرة الحجر تسع وثلاثون ذراعا وشبر، وطول الحجر من الشاذوران الملتصق بالكعبة إلى الجدار المقابل له من الحجر أربعة وثلاثون قدما ونصف قدم، وما بين الفتحتين أربعون قدما إلا نصف قدم، وميزاب البيت يضرب في الحجر.
وقد اختلفت الروايات، وأقوال أصحابنا في أن الحجر كله من البيت، أو ستة أذرع فحسب أم سبعة، وهذا الموضع لا يحتمل بسطها فأشرت إلى أصلها، وقد أوضحته في كتاب الإيضاح في المناسك الذي جمعته.
الحجر الأسود: زاده الله تعالى شرفا،(3/80)
وهو في ركن الكعبة الذي يلي البيت من جانب المشرق، ويقال له: الركن الأسود، ويقال له وللركن اليماني: الركنان اليمانيان، وارتفاع الحجر الأسود من الأرض ذراعان وثلثا ذراع، قاله الأزرقي، قاله: وذرع ما بين الركن الأسود والمقام ثمانية وعشرون ذراعًا.
وثبت في الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضًا من اللبن، فسودته خطايا بني آدم” رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وروى الأزرقي في فضله وما يتعلق به أشياء كثيرة: منها عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قالا: الركن والمقام من الجنة، قالا: ولولا ما مسه من أهل الشرك، ما مسه ذو عاهة إلا شفي. وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أنزل الله الركن والمقام مع آدم ليلة نزل.
الحجون: بفتح الحاء بعدها جيم مضمومة، وهو من حرم مكة، زادها الله تعالى شرفًا، وهو: الجبل المشرف على مسجد جبل الحرس بأعلى مكة على يمينك، وأنت مصعد.
الحديبية: بضم الحاء وفتح الدال وتخفيف الياء، كذا قاله الشافعي رضي الله عنه وأهل اللغة وبعض أهل الحديث، وقال أكثر المحدثين: بتشديد الياء وهما وجهان مشهوران، وقد تقدم في حرف الجيم، ثم ذكر الجعرانة فيها زيادة، قال صاحب مطالع الأنوار: ضبطناها بالتخفيف عن المتقنين، وأما عامة الفقهاء والمحدثين فيشددونها، قال: وهي قرية ليست بالكبيرة سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة، قال: وهي على نحو مرحلة من مكة، وكان الصحابة الذين بايعوا تحت الشجرة، وهي شجرة سمرة بيعة الرضوان يوم الحديبية ألف وأربعمائة، وقيل: ألفا وخمسمائة، وقيل: ألفا وثلاثمائة. وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما هذه الروايات الثلاث في باب غزوة الحديبية، والأشهر ألف وأربعمائة.
وفي البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال لنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الحديبية: “أنتم خير أهل الأرض وكنا ألفا وأربعمائة” وكذا قال البيهقي، وأكثر الروايات: أن أهل الحديبية كانوا ألفا وأربعمائة رضي الله تعالى عنهم.
حديثة الموصل: المذكورة في حد سواد العراق، هي: بفتح الحاء وكسر الدال، بعدها ياء مثناة من تحت ساكنة،(3/81)
ثم ثاء مثلثة، ثم هاء.
الحرة: المذكورة في المهذب في حديث: “رجم ماعز رضي الله تعالى عنه الحرة التي خارج المدينة، وللمدينة حرتان وهما لابتاها”، وقد تقدم تفسيرهما.
الحرم: حرم مكة زادها الله تعالى شرفًا وفضلاً، وهو: ما أحاط بمكة من جوانبها، وأطاف بها، جعل الله عز وجل حكمه حكمها في الحرمة تشريفا لهًا، وأعلم: أن معرفة حدود الحرم من أهم ما ينبغي أن يعتنى به، فإنه يتعلق به أحكام كثيرة، وقد اعتنيت بتحقيق حدوده، وأوضحته في كتاب الإيضاح في المناسك غاية الإيضاح: فحد الحرم من طريق المدينة دون التنعيم عند بيوت نفار بكسر النون، وهو على ثلاثة أميال، وحده من طريق اليمن طرف أضاه لبن بكسر اللام وإسكان الباء الموحدة، على سبعة أميال، ومن طريق العراق على ثنية جبل المقطع علىسبعة أميال أيضًا.
قال الأزرقي: سمي جبل المقطع؛ لأنهم قطعوا منه أحجار الكعبة في زمن ابن الزبير، وقيل: إنما سمي المقطع؛ لأنهم كانوا في الجاهلية إذا خرجوا من الحرم علقوا في رقاب إبلهم من قشور شجر الحرم، وإن كان رجلا علق في رقبته فأمنوا به حيث توجهوا، وقالوا: هؤلاء وفد الله تعالى إعظاما للحرم، وإذا رجعوا دخلوا الحرم قطعوا ذلك هنالك فسمي المقطع، ومن طريق الجعرانة في شعب آل عبد الله بن خالد على تسعة أميال عشرة إلا واحدا، ومن طريق الطائف على عرفات من بطن نمرة على سبعة أميال عشر إلا ثلاثة، ومن طريق جدة منقطع الأعشاش علىعشرة أميال، هكذا ذكر هذه الحدود أبو الوليد الأزرقي في كتاب تاريخ مكة، وأصحابنا في كتب الفقه منهم الشيخ أبو إسحاق في المهذب في باب عقد الذمة، وكذا صاحب الحاوي في الأحكام السلطانية، إلا أنهما لم يذكرا حده من طريق اليمن.
وذكره الأزرقي والجماهير وانفرد الأزرقي فقال: حده من طريق الطائف أحد عشر ميلاً، وقال الجمهور: سبعة فقط كما قدمناه، وهي سبعة عشر إلا ثلاثة، فاعتمد ما لخصته من حد الحرم الكريم، فما أظنك تجده أوضح من هذا. قال الأزرقي: في أنصاب الحرم على رأس الثنية ما كان من وجوهها في هذا الشق فهو حرم، وما كان في ظهرها فهو حل، قال: وبعض الأعشاش في الحل، وبعضها في الحرم، ذكره في آخر الكتاب.
أما حرم المدينة فقد ثبت بيانه في الصحيح، ففيه(3/82)
أكمل مقنع، وأبلغ كفاية. روينا في صحيحي البخاري ومسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “المدينة حرم ما بين عير إلى ثور” هكذا هو في الصحيح، وغيرهما “عير إلى ثور” وعير بفتح العين المهملة وإسكان المثناة تحت.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام وغيره من العلماء: عير جبل بالمدينة، وأما ثور فجبل لا يعرف أهل المدينة بها جبلاً. يقال له: ثور، قالوا: فنرى أن أصل الحديث ما بين عير إلى أحد. وقال الحازمي: الرواية الصحيحة ما بين عير إلى أحد. وقيل: إلى ثور، وليس بشيء.
وثبت في الصحيحين من روايات جماعة من الصحابة رفعوه “ما بين لآبتيها حرام” وفي مسلم “ما بين مأزميها واللابة” والمأزم معروفان مذكوران في هذا الكتاب في موضعهما.
قال الماوردي: واختلف الناس في مكة وما حولها هل صارت حرمًا وأمنا بسؤل إبراهيم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أم كانت قبله؟ كذلك على قولين: أحدهما: لم تزل حرما آمنا من الجبابرة ومن الخسوف والزلازل، وإنما سأل إبراهيم عليه السلام ربه سبحانه وتعالى أن يجعله آمنا من الجدب والقحط، وأن يرزق أهله من كل الثمرات، لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إن مكة حرمها الله تعالى ولم يحرمها الناس” رواه البخاري في صحيحه من رواية أبي شريح وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم فتح مكة: “فإن هذا بلد حرمه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض وهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة، وأنه لم يحل القتال لأحد قبلي، وأنه لم يحل إلا ساعة من نهار فهو حرام حرمة الله إلى يوم القيامة” رواه البخاري في صحيحه في كتاب الحج بهذا اللفظ من رواية ابن عباس رضي الله عنهما، والقول الثاني: إن تحريمها كان بسؤال إبراهيم عليه السلام وكانت قبله حلالاً، لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة” رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من رواية أبي هريرة رضي الله عنه.
قال الماوردي: والذي يختض به حرم مكة من الأحكام التي تخالف سائر البلاد خمسة أحكام، أحدها: أن لا يدخلها أحد إلا بإحرام حج أو عمرة. والثاني: ألا يحارب أهلها فإن بغوا على أهل العدل، فقد ذهب بعض إلى تحريم قتالهم، ويضيق عليهم حتى يرجعوا عن البغي، ويدخلوا في أحكام أهل العدل، والذي عليه أكثر الفقهاء أنهم يقاتلون على بغيهم(3/83)
إذا لم يمكن ردهم عن البغي إلا بالقتال؛ لأن قتال أهل البغي من حقوق الله تعالى التي لا تجوز إضاعتها ولأن يكون محفوظا في حرم الله تعالى أولى من أن يكون مضيعا فيه. والحكم الثالث: تحريم صيده على المحلين، والمحرمين من أهل الحرم، وممن طرأ عليه. الحكم الرابع: تحريم قطع شجرة. الحكم الخامس: أنه يمنع جميع من خالف دين الإسلام من دخوله مقيمًا كان أو مارا. هذا مذهب الشافعي رضي الله عنه وأكثر الفقهاء، وجوزه أبو حنيفة إذا لم يستوطنوه، هذا آخر كلام الماوردي.
وترك من الأحكام التي يتميز بها الحرم اللقطة، فإن لقطة الحرم لا تحل إلا لمنشد لا للمتملك على المذهب الصحيح بخلاف غيره، وترك أيضًا تحريم إخراج أحجاره وترابه منه إلى غيره وهو حرام، وبيانه مشهور في كتب المذهب، وترك أيضًا إدخال الأحجار والتراب من غيره إليه فإنه مكروه، وترك اختصاص نحر الهدايا ودماء الحج به، وترك وجوب قصده بالنذر بخلاف غيره كمسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبيت المقدس أحد القولين فيهما، وترك أيضا تغليظ الدية بالقتل فيه، وترك أيضًا تحريم دفن المشرك فيه، وأنه إن دفن ينبش إن لم يتقطع، وإنه لا يجوز له في الدخول إليه على حال وإنه لا دم على المتمتع والقارن إذا كانا من أهله، وإنه لا يجوز الإذن إحرام المقيم به بالحج خارجه، أنه لا يكره فيه صلاة النافلة التي لا سبب لها في أوقات الكراهة تشريفا لها، وأنه يحرم استقبال الكعبة واستدبارها بالبول والغائط في الصحراء، وهذا الذي ذكره الماوردي من أن البغاة إذا امتنعوا في الحرم يقاتلون عند أكثر الفقهاء هو الصحيح، وقد نص عليه الشافعي في كتابه اختلاف الحديث من كتب الأم، وقال القفال المروزي في أول كتاب النكاح في ذكر خصائص النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا يجوز القتال بمكة، حتى لو تحصن جماعة من الكفار بمكة لا يجوز لنا قتالهم فيها، وهذا الذي قاله فاسد مردود، نبهت عليه لئلا يغتر به. وأما الحديث الصحيح بالنهي عن القتال فيها، فمعناه: لا يجوز نصب القتال وقتالهم بما يعم إذا أمكن إصلاح الحال بدون ذلك، بخلاف ما إذ تحرز كفار في بلد آخر.
وأما حرم المدينة: فحده مابين جبليها طولا وما بين لابتيها عرضا، ففي الصحيحين عن علي رضي الله عنه وعن أبي هريرة رضي الله عنه ما ذكرناه قبل هذا. وفي المناسك وفي صحيح البخاري في كتاب(3/84)
الدعاء في باب التعوذ من غلبة الرجال عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن أنس قال: أشرف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المدينة، فقال: اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم إبراهيم مكة” ورواه مسلم في آخر الحج، ويشترك الحرمان في أمور ويختلفان في أمور.
حضرموت: مذكورة في باب صفة القضاء من المهذب في قوله: إن رجلاً من حضرموت، ورجلاً من كندة تحاكما إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو بفتح الحاء وإسكان الضاد المعجمة وفتح الميم.
قال صاحب مطالع الأنوار وهذيل: بضم الميم منها، وهذا غريب. قال أهل اللغة: يجوز فيه بناء الإسمين على الفتح، فتفتح التاء والراء، ويجوز بناء الأول، وإعراب الثاني كإعراب ما لا ينصرف، فيقال: هذا حضرموت برفع التاء، ويجوز إعراب الأول والثاني، فيقال: هذا حضرموت برفع الراء وجر التاء وتنوينها، والنسبة إليه حضرمي، وجماعة حضارمة، والتصغير حضيرموت ويصغر الأول.
قال أهل اللغة: حضرموت: اسم لبلد باليمن، وهو أيضًا اسم لقبيلة، واختلف المتكلمون على الحديث وألفاظ المهذب في المراد بحضرموت في هذا الحديث، فقيل: البلدة، وقيل: القبيلة، وهو الأظهر.
الحطيم: زاده الله تعالى فضلاً وشرفًا، وهذا الموضع المشهور بالمسجد الحرام بقرب الكعبة الكريمة، روى الأزرقي في كتاب مكة عن ابن جريج، قال الحطيم: ما بين الركن الأسود والمقام وزمزم والحجر سمي حطيمًا؛ لأن الناس يزدحمون على الدعاء فيه، ويحطم بعضهم بعضًا، والدعاء فيه مستجاب، قال: وقل: من حلف هناك آثما إلا عجلت عقوبته. وروى أشياء كثيرة في ناس كثيرين عجلت عقوباتهم باليمين الكاذبة فيه، وبالدعاء عليهم لظلمهم.
حفر أبي موسى: مذكور في حد جزيرة العرب في باب عقد الذمة من المهذب هو بفتح الحاء والفاء وبالراء، هو منسوب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وهو من البصرة على ست مراحل، سمي حفر أبي موسى؛ لأن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه لما أقبل إلى البصرة أخذ عل فلج، حتى نزل بالحفر فعطش الناس فأمر ببئر فحفرت فأنبطت عذبة. فقيل: حفر أبي موسى وهو بمعنى المحفور. كما قال: خيط أي مخيوط، وهدم بمعنى مهدوم، ويسمى التراب أيضًا حفرا بمعنى محفور كما ذكرنا.(3/85)
الحفياء: مذكورة في باب المسابقة من المهذب، وهي: بحاء مهملة مفتوحة، ثم فاء ساكنة، ثم ياء مثناة من تحت، ثم ألف ممدود وهذا هو الأشهر، ويقال: بالقصر.
قال صاحب المطالع: الحفيا تمد وتقصر، قال: وضبطه بعضهم بضم الحاء وهو خطأ. قلت: وذكر الإمام الحافظ أبو بكر الحازمي في كتابه المختلف والمؤتلف في أسماء الأماكن أنه يقال فيها أيضًا: الحيفا، بتقديم الياء على الفاء، ذكره في حرف الحاء. قال: والأشهر تقديم الفاء، والله تعالى أعلم.
حلوان: مذكور في حد سواد العراق، هو بضم الحاء وإسكان اللام، قال الإمام الحازمي في المؤتلف والمختلف: حلوان البلد المعروف، وهو: آخر مما يلي المشرق، نسب إلى حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة؛ لأنه بناه.
حمص: مدينة معروفة من مشارق الشام، لا ينصرف للعجمة والعلمية، والتأنيث كماه وجوز، وهي من المدن الفاضلة، وفي حديث ضعيف: “أنها مدن الجنة”، وكانت في أول الأمر أشهر بالفضل من دمشق. وذكر الثعلبي في العرائس في فضل الشام: أنه نزل حمص تسعمائة رجل من الصحابة.
حنين: تكرر ذكره في كتاب السير من المهذب وهو واد بين مكة والطائف وراء عرفات، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلاً، وهو مصروف كما نطق به القرآن العظيم.
الحيرة: مذكورة في استطاعة المرأة في كتاب الحج من المهذب حديثها في صحيح البخاري رحمه الله، وهي بكسر الحاء وإسكان الياء المثناة من تحت بعدها راء ثم هاء وهي مدينة معروفة عند الكوفة، وهي مدينة النعمان، فهذه هي المذكورة في الحديث في كتب المذهب، وليست بالحيرة المحلة المعروفة بنيسابور، والله تعالى أعلم.
حرف الخاء
خبث: قوله عند دخول الخلاء: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" حديثه في الصحيحين من رواية أنس، وهو بضم الباء، ويجوز تخفيفها بإسكانها كما في نظائره ككتب ورسل وعنق وأذن ونحوها، هذا هو الصواب.
وأما قول الإمام أبي سليمان الخطابي: أن المحدثين يروونه بإسكان الباء، وأنه خطأ منهم، فليس بصواب منه؛ لأن إسكان الباء في هذا الباب، وهو باب فعل بضمتين جائز بلا خلاف بين أهل اللغة والتصريف والنحو،(3/86)
وهو أجل من أن ينكر هذا، ولعله أراد الإنكار على من يقول أصله الإسكان، وأما الإسكان على سبيل التخفيف، فلا يمنعه أحد، ومع هذا فعبارته مشكلة.
وأما معناه فقال الخطابي: الخبث جمع خبيث، والمراد: ذكور الشياطين، والخبائث جمع خبيثة، والمراد: أناث الشياطين. وقال غيره: الخبث بالإسكان الشر، وقيل: الكفر، وقيل: الشيطان والخبائث المعاصي. قال أهل اللغة: أصل الخبث في كلام العرب المذموم، والمكروه، والقبيح من قول أو فعل أو مال أو طعام أو شراب أو شخص أو حال. وقال أبو عمر المزاهد: قال ابن الأعرابي: الخبث في كلام العرب المكروه، فإن كان من الكلام فهو الشتم، وإن كان من الملل فهو الكفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضار.
خبر: وأما المخابرة، فقال أبو عبيد، والأكثرون من أهل اللغة، والفقهاء: هي مأخوذة من الخبير، وهو: الأكار بتشديد الكاف وهو الفلاح الحراث. وقال آخرون: من الخبار، وهي: الأرض اللينة، والمزارعة قريب من المخابرة، وقيل: من الخبر بضم الخاء، وهو: النصيب.
قال الجوهري: قال أبو عبيد: هو النصيب من سمك أو لحم. قال: ويقال: تخبروا خبرة إذا اشتروا شاة فذبحوها واقتسموا لحمها. وقال ابن الأعرابي: هي مشتقة من خيبر؛ لأن أول هذه المعاملة كان فيها من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واختلف أصحابنا فيهما هل هما بمعنى أم لا، فقال بعضهم: هما بمعنى واحد، وادعى صاحب البيان: أن هذا قول أكثر أصحابنا، وليس كما قاله، بل الصحيح الذي ذهب إليه جمهورهم، ونص عليه الشافعي رضي الله عنه، ونقله صاحب الشامل، والمحققون عن الجمهور: أنهما مختلفان، والمخابرة: هي المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها، ويكون البذر من العامل، والمزارعة مثلها، إلا أن البذر من مالك الأرض.
قال الرافعي: وقد يقال: المخابرة اكتراء الأرض ببعض ما يخرج منها، والمزارعة اكتراء العامل ليزرع الأرض ببعض ما يخرج منها، ولا يختلف المعنى بهذا الاختلاف.
وأعلم أن المشهور من مذهبنا إبطال المخابرة، والمزارعة جميعًا، وهو نص الشافعي والأصحاب رضي الله عنهم، وذهب جماعة من محققي أصحابنا إلى صحتهما، وهو قول ابن سريج وابن خزيمة، واختاره أيضا الخطابي، وقد أوضحته في الروضة، ولله الحمد. وممن قال من أهل اللغة: أن المخابرة والمزارعة بمعنى واحد صاحب(3/87)
الصحاح، وقاله أيضًا الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى في معالم السنن. قال الخطابي: الخبر النصيب.
خبل: قوله في المهذب في أول صفة الصلاة: وإن كان بلسانه خبل، هو بفتح الخاء المعجمة وإسكان الباء الموحدة، وهو فساد فيه. قال ابن السكيت: الخبل فساد، قال الجوهري: الخبل بالتسكين الفساد، وجمعه خبول. وقال الهروي: الخبل فساد الأعضاء، ورجل خبل ومختبل. قال: قال شمر: الخبال والخبل الفساد.
ختم: الخاتم والخاتم بفتح التاء وكسرها، والخيتام والخاتام كله بمعنى، والجمع خواتيم هذه اللغات الأربع مشهورة.
خدع: قال الإمام أبو منصور الأزهري: قال أبو عبيد: قال أبو زيد: يقال خدعته خدعا وخديعة، وأجاز غيره خدعا بالفتح، ويقال: رجل خداع وخدوع وخدعة وإذا كان خداعا، والخدعة ماخدع به. وقال أبو عبيد: سمعت الكسائى يقول: الحرب خدعة يعني بضم الخاء وفتح الدال، قال: وقال أبو زيد مثله، ورجل خدعة إذا كان يخدع، وروي في الحديث: “الحرب خدعة” أي: ينقضي أمرها بخدعة واحدة، وقيل: الحرب خدعة ثلاث لغات، وأجودها ما قال الكسائى وأبو زيد خدعة.
قال الإمام الواحدي في البسيط من التفسير: اختلف أهل اللغة في أصل الخداع، فقام قوم أصله من إخفاء الشيء. قال الليث: أخدعت الشيء أي: أخفيته. وقال آخرون: أصل اخداع والخدع الفساد. قال ابن الأعرابي: الخادع الفاسد من الطعام. وغيره قوله في الوسيط في كتاب شرب الخمر: ويتقي يعني: الجلاد المقاتل كالقرط والأخدع، فالأخدع بفتح الهمزة على وزن الأحمر. قال الإمام الأزهري: الأخدعان عرقان في صفحتي العنق قد خفيا وبطنا، والأخادع الجمع، ورجل مخدوع قد أصيب أخدعه. وقال صاحب المحكم: وقيل: الأخدعان الودجان، قال: وخدعه يخدعه خدعا قطع أخدعه. قوله في الوسيط والله تعالى لا يخادع في العزائم، ذكره في كتاب السير في مسألة الهزيمة معناه، والله أعلم لا يخفى عليه شيء كما تقدم في معنى الخداع.
قال الواحدي: قال اللحياني وأبو عبيدة خادعت الرجل بمعنى خدعته. قال الأزهري: والمخدع والمخدع الخزانة، قال: وأخدعت الشيء أخفيته، وقال صاحب المحكم: الخدع إظهار خلاف ما يخفيه خدعه يخدعه خدعا وخدعا وخديعة وخدعة وخداعا وخدعه واختدعه.
وقيل:(3/88)
الخدع والخدع والخداع الآسم، وتخادع القوم خدع بعضهم بعضا، وانخدع أرى أنه قد خدع، والخدع ما يخدع به، ورجل خدعة يخدع كثيرا، وخدعة يخدع الناس كثيرًا، ورجل خداع وخدع وخيدع وخدوع كثير الخداع، وكذلك المرأة بغير هاء، وخادعت فلانًا رمت خدعه، وخدعته ظفرت به.
وقال: الحرب خدعة وخِدْعة وخُدَعة، فمن قال: خدعة فمعناه من خدع فيها خدعة فزلقت قدمه وعطب فليس لها إقالة. ومن قال: خدعة أراد أنها تخدع، كما يقال رجل لعنة يلعن كثيرًا، وإذا خدع أحد صليت صاحبه في الحرب، فإنما خدعت هي. ومن قال: خدعة أراد أنها تخدع أهلها، ورجل مخدع خدع في الحرب مرة بعد مرة، والخيدع الذي لا يوثق بمودته، والخيدع السراب لذلك، وطريق خيدع وخادع جائر مخالف للقصد لا يفطن به، وخدعت الشيء وأخدعته كتمته وأخفيته، والمخدع الخزانة.
قال سيبويه: لم يأت مفعل اسما إلا المخدع، وما سواه صفة، والمخدع والمخدع لغة في المخدع.
خدم: وروينا في صحيح البخاري في كتاب النكاح في باب النقيع والشراب الذي لا يسكر في العرس. عن سهل بن سعد: أن امرأة أبي سعد كانت خادمتهم في عرسهم هكذا هو في معظم الأصول خادمتهم بالتاء.
خرج: وأما قول الغزالي رحمه الله تعالى وغيره من الأصحاب رحمهم الله تعالى في المسألة قولان: بالنقل والتخريج. فقال الإمام أبو القاسم الرافعي في كتاب التيمم معناه: أنه إذا ورد نصان عن صاحب المذهب مختلفان في صورتين متشابهتين، ولم يظهر بينهما ما يصلح فارقا، فالأصحاب يخرجون نصه في الصورة الأخرى لاشتراكهما في المعنى، فيجعل في كل واحدة من الصورتين قولان: منصوص ومخرج. المنصوص في هذه هو المخرج في تلك، والمنصوص في تلك هو المخرج في هذه، فيقولون فيهما قولان: بالنقل والتخريج أي: نقل المنصوص من هذ الصورة إلى تلك الصورة، وخرج منها، وكذلك بالعكس. ويجوز أن يراد بالنقل الرواية، ويكون المعنى في كل واحدة من الصورتين قول منقول أي: مروي عنه وآخر مخرج، ثم الغالب في مثل هذا: عدم إطباق الأصحاب على هذا التصرف، بل ينقسمون غالبا(3/89)
فريقين منهم من يقول، ومنهم من يمتنع، ويستخرج فارقا بين الصورتين يستند إليه افتراق النصين، هذا كلام الرافعي. وقد اختلف أصحابنا في القول المخرج هل ينسب إلى الشافعي رضي الله تعالى عنه؟ فمنهم من قال: ينسب، والصحيح الذي قاله المحققون: لا ينسب؛ لأنه لم يقله، ولعله لو روجع ذكر فارقًا ظاهرًا، قوله في المهذب في باب الكفن، ويجعل الحنوط على خراج نافذ، إذا كان الخراج بضم الخاء المعجمة وتخفيف الراء، وهو القرحة في الجسد.
خرع: قولهم: اخترع الدليل أو الحكم، وما أشبهه. فمعناه ارتجله وابتكره، ولم يسبق إليه. قال الأزهري: اخترعه أي: اخترقه. قال: والخرع الشق، يقال: خرعته فانخرع أي: شققته فانشق، وانخرعت القناة إذا انشقت. قال صاحب المحكم: اخترع الشيء ارتجله، والاسم الخرعة.
خسف: يقال: خسف القمر، وخسفت الشمس، وكسف وكسفت، وانخسف وانخسفت، وانكسف وانكسفت، وخسفا وكسفا، كلها لغات صحيحة، وصحت وثبتت كلها في صحيح البخاري، ومسلم من لفظ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال الأزهري في باب العين والخاء والشين: قال أبو زيد: يقال: خسفت الشمس وكسفت وخسفت بمعنى واحد.
خشع: قال الإمام الأزهري: التخشع لله تعالى الإخبات والتذلل. وقال الليث: خشع الرجل يخشع خوشعا، إذا رمى ببصره إلى الأرض، والخشوع قريب من الخضوع، إلا أن الخضوع في البدن، وهو الإقرار بالأستخذاء، والخشوع في البدن والصوت والبصر، هذا كلام الأزهري.
وقال صاحب المحكم: خشع واختشع وتخشع رمى ببصره نحو الأرض، وخفض صوته، وقوم خشع متخشعون. وقال الواحدي: الخشوع في اللغة السكون، قال: وعلى هذا يدور كلام المفسرين في تفسير الخشوع في الصلاة. قال الأزهري: هو سكون المرء في صلاته. وقال السدي: خاشعون متواضعون. وقال مجاهد: ساكنون. وقال عمرو بن دينار: هو السكوت وحسن الهيئة.
خصر: قولهم في التنبيه: هذا كتاب مختصر، اختلفت عبارات العلماء في معنى المختصر. فقال الشيخ أبو حامد الإسفرايني شيخ أصحاب العراقيين في تعليقه حقيقة الاختصار: ضم بعض الشيء إلى بعض، قال: ومعناه عند الفقهاء رد الكثير إلى القليل، وفي القليل معنى الكثير، قال: وقيل: هو إيجاز اللفظ مع(3/90)
استيفاء المعنى، ولم يذكر صاحب الشامل غير هذا الثاني، وذكرهما جميعًا المحاملي في المجموع. وقال صاحب الحاوي: قال الخليل بن أحمد: هو ما دل قليله على كثيره، سمي اختصارا لاجتماعه، كما سميت المخصرة مخصرة لاجتماع السيور، ومخصر الإنسان لاجتماعه ودقته.
خضر: قوله في المهذب في باب السير: مر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الخضراء كتيبة فيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحقد. قال الأصمعي: الخضراء: اسم من أسماء الكتيبة، والكتيبة الخيل المجتمعة، وقيل: سميت خضراء لكثرة الحديد فيها، والعرب تسمي أخضر. قال الجوهري: يقال: كتيبة خضراء للتي يعلوها سواد الحديد.
خضع: قال الأزهري: خضع في كلام العرب يكون لازمًا ومتعديا، تقول: خضعته فخضع، وخضع الرجل رقبته فاختضعت. وقال صاحب المحكم: خضع يخضع خضعا وخضوعا واختضع ذل، ورجل خيضع واخضع وخضيع ألان كلامه للمرأة، خضعه الكبر يخضعه خضعًا وخضوعا وأخضعه حناه وخضع هو وأخضع انحنى.
خطأ: قال الجوهري رحمه الله تعالى: الخطأ: نقيض الصواب، وقد يمد، وقرىء بهما في قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلا خَطَأً} (النساء: من الآية92) تقول منه أخطأت وتخطأت بمعنى واحد، ولا تقل أخطيت، وبعضهم يقوله، والخطأ الذنب من قول الله تعالى: {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً} (الاسراء: من الآية31) أي: إثما، تقول منه خطىء يخطأ خطأ، وخطئة على فعلة، والاسم الخطيئة على فعيلة، ولك أن تشدد الياء؛ لأن كل ياء ساكنة قبلها كسرة أو واو ساكنة قبلها ضمة، وهما زائدتان للمد لا للإلحاق، ولا هما من نفس الكلمة، فإنك تقلب الهمزة بعد الواو واوا، وبعد الياء ياء، وتدغم، فتقول: في مقروء مقرو، وفي خبيء خبي بتشديد الواو والياء.
قال أبو عبيدة: خطىء وأخطأ بمعنى واحد لغتان، قال: وفي المثل مع الخواطىء سهم صائب يضرب للذي يكثر منه الخطأ، ويأتي في الأحيان بالصواب. قال الأموي: المخطىء من أراد شيئا فصار إلى غيره، والخاطىء من تعمد لما لا ينبغي، وتقول: خطأته تخطئة وتخطيئا، إذا قلت له أخطأت، وتخطأت له في المسألة أي: أخطأت، وجمع الخطيئة خطايا، وكان الأصل خطائي على وزن فعائل، فلما اجتمعت الهمزتان قلبت الثانية ياء؛ لأن قبلها كسرة، ثم استثقلت والجمع ثقيل، وهو معتل مع(3/91)
ذلك، فقلبت الياء ألفًا، ثم قلبت الهمزة الأولى ياء لخفائها ما بين الألفين، هذا آخر كلام الجوهري.
وفي مسند أبي عوانة وأبي يعلى الموصلي عن سيعد بن جبير قال: خرجت مع ابن عمر فمررنا بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، ورويناه بهذه الحروف في صحيحي البخاري ومسلم. وفي حديث أبي ذر أحد قواعد الإسلام: “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، يا عبادي إنكم تخطؤون بالليل والنهار” ولم يقل تخطأون.
خطب: قال الإمام أبو منصور الأزهري: قال الليث: الخطب سبب الأمر، تقول: ما خطبك أي: ما أمرك، وتقول: هذا خطب جليل، وخطب يسير، وجمعه خطوب، والخطبة مصدر الخطيب، وهو يخطب المرأة، ويختطبها خطبة، وخطبني. وقال الفراء في قول الله تعالى: {مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} (البقرة: من الآية235) الخطبة: مصدر الخطب، وهو بمنزلة قولك: أنه لحسن القعدة والجلسة، قال: والخطبة مثل الرسالة التي لها أول وآخر. قال الأزهري: والذي قال الليث: أن الخطبة مصدر الخطيب، لا يجوز إلا على وجه، وهو أن الخطبة اسم للكلام الذي يتكلم به الخطيب فيوضع، والعرب تقول: فلان خطب فلانة إذا كان يخطبها. وقال الليث: الخطاب مراجعة الكلام، وخطب الخاطب على المنبر يخطب خطابة، واسم الكلام الخطبة. وقال الزجاج أيضًا في معاني القرآن: الخطبة بالضم ما له أول وآخر نحو الرسالة، وجمع الخطيب خطباء، وجمع الخاطب خطاب، هذا ما ذكره الأزهري.
وقال صاحب المحكم: الخطب الشأن، أو الأمر صغر أو كبر، وخطب المرأة يخطبها خطبا، وخطبة الأولى عن اللحياني، واختطبها وخطبها عليه وهي خطبة، والجمع أخطاب، وكذلك خطبة وخطبة الضم عن كراع، وخطبا وخطيبة وهو خطبها، والجمع كالجمع، وكذلك هو خطيبها، والجمع خطيبون، ولا يكسر، ورجل خطاب كثير التصرف في الخطبة، واختطب القوم فلانًا دعوه إلى تزويج صاحبتهم، والخطاب والمخاطبة مراجعة الكلام، وخطب الخاطب على المنبر يخطب خطابة، واسم الكلام الخطبة.
وقال ثعلب: خطب على القوم خطبة فجعلها مصدرا، ولا أدري كيف ذلك إلا أن يكون وضع الاسم. وذهب أبو إسحاق: إلى أن الخطبة عند العرب الكلام المنثور المسجع ونحوه، ورجل خطيب حسن الخطبة. قال الجوهري:(3/92)
خطب على المنبر خطبة بالضم، وخطبت المرأة خطبة بالكسر، واختطبت فيهما، والخطيب الخاطب، والخطيب الخطبة، والخطابية من الرافضة ينسبون إلى أبي الخطاب، وكان يأمر أصحابه أن يشهدوا على من خالفهم بالزور، وقد خطب الرجل بالضم، خطابة بالفتح صار خطيبا.
وقال أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي الفقيه الشافعي صاحب الحاوي من أصحابنا في كتابه التفسير: الخطبة بكسر الخاء، هي: طلب النكاح، والخطبة بالضم تأليف كلام يتضمن وعظا وإبلاغا، وهذا الذي قاله حسن مفصح عن معنى اللفظة، والله تعالى أعلم.
وأعلم: أن الخطب المشهورة ثلاث عشرة خطبة: خطبتان للجمعة، وخطبتان للعيد، وخطبتان للكسوف، وخطبتان للاستسقاء، وخمس خطب في الحج، وواحدة في اليوم السابع من ذي الحجة بمكة عند الكعبة بعد صلاة الظهر، وثنتان بعرفات في مسجد إبراهيم عليه السلام بعد الزوال وقبل صلاة الظهر، وخطبة بعد صلاة الظهر بمنى يوم النحر، والصلاة أفراد إلا التي عند عرفات فإنها خطبتان وقبل صلاة الظهر. قال الماوردي في الأحكام السلطانية في باب ولاية الحج: جميع الخطب مشروعة بعد الصلاة إلا خطبتي الجمعة ملكا والتى بعرفات. الخطابية: الطائفة المبتدعة من الرافضة نسبوا إلى أبي الخطاب الكوفي، حكاه ابن الصباغ.
خطر: قال الإمام أبو منصور الأزهري رحمه الله تعالى: قال الليث: الخطر ارتفاع المكانة والمنزلة والمال والشرف، ويقال للرجل الشريف: هو عظيم الخطر. وقال ابن السكيت: الخطر والسبق والندب واحد، وهو كله الذي يوضع في النضال والرهان، فمن سبق أخذه، ويقال فيه: كل فعل مشددا إذا أخذه.
قال الليث: والأشراف على شفا هلكة هو الخطر، والإنسان يخاطر بنفسه إذا أشفى بها على خطر ملك، أو نيل ملك، ويقول: خطر ببالي وعلى بالي كذا وكذا يخطر خطورا، إذا وقع ذلك في بالك وهمك. قال الفراء: يقال: أنه لعظيم الخطر وصغير الخطر في حسن فعاله، وشرفه، وسوء فعاله، ولؤمه، والخاطر: ما يخطر في القلب من تدبير أو أمر، هذا ما نقلته من كتاب الأزهري، وقال صاحب المحكم: الخاطر الهاجس، والجمع الخواطر، وقد خطر بباله وعليه يخطِر ويخطُر الأخيرة(3/93)
عن ابن جني خطورًا إذا ذكره بعد نسيان.
خطط: قال الإمام أبو منصور الأزهري رحمه الله تعالى: قال الليث: الخط الكتابة ونحوه مما يخط، والخطة الأرض التي يختطها الرجل لم تكن له، قال: وإنما كسرت الخاء لأنها أخرجت على مصدر أفعل، وقال في موضع أخر من الفصل: اختط فلان خطة إذا تحجر موضعًا، وخط عليه بجدار، وجمعها الخطط.
قال صاحب المحكم: خط الشيء يخطه خطا كتبه بقلم أو غيره، والتخطيط التسطير، والماشي يخط برجله الأرض على التشبيه بذلك، وثوب مخطط فيه خطوط، وكذلك تمر مخطط، وخط وجهه واختط صارت فيه خطوط، والخطة كالخط كأنها اسم للطريقة، والخط والخطة الأرض تترك من غير أن ينزلها نازل قبل ذلك، وقد خطها لنفسه خطا واختطها، وكلما خططته فقد خططت عليه.
قال الجوهري: الخطة بالكسر الأرض يختطها الرجل لنفسه، وهو أن يعلم عليها علامة بالخط ليعلم أنه قد أحتازها ليبنيها إذا أراد، ومنه خطط الكوفة والبصرة، والخطة بالضم القصة والأمر، وفي رأسه خطة إذا جاء وفي نفسه حاجة قد عزم عليها، والعامة تقول: خطية، وقولهم: خطة نائية أي مقصد بعيد، وقولهم: خذ خطة أي: خذ خطة الانتصاف، ومعناه انتصف، والخطة من الخطط كالنقطة من النقط، واختط الغلام نبت عذاره، والله تعالى أعلم.
وقول الغزالي في كتاب الجمعة: خطة البلد. وفي باب الوقف خطة الإسلام، وأشباه هذا كله بكسر الخاء على ما تقدم قوله في الجنين: إن بدا فيه التخطيط وجبت فيه الغرة وانقضت العدة. قال الرافعي في باب دية الجنين: التخطيط: قد يفسر بصورة الأعضاء من اليد والأصابع وغيرهما، وقد يفسر بالشكل والتقطيع الكلي، قبل تبيين آحاد أعضائه وهيئآتها، وهي الأكثر. قال أبو الفتح الهمداني في كتاب الآشتقاق: الخط: قرية ينسب إليها الرماح، يقال: رماح خطية بفتح الخاء، قال: ومنهم من يكسرها، وقيل لها ذلك؛ لأنها على ساحل البحر، والساحل يقال له الخط؛ لأنه فاصل بين الماء والتراب، هذا كلام أبي الفتح. واقتصر الجمهور على أن الرمح الخطي بفتح الخاء، وقل من ذكر الكسر.
خطف: قال الأزهري: يقال: خطفت الشيء واختطفته، إذا اجتذبته بسرعة، والخطاف طائر معروف، وجمعه خطاطيف. قال الأصمعي: الخطاف هو(3/94)
الذي يجري في البكرة إذا كان من حديد، فإن كان من خشب فهو القعو. قال أبو الخطاب: وخطفت السفينة وخطفت أي: سارت. وقال صاحب المحكم: الخطف الأخذ بسرعة واستلاب خطفه، وخطفه يخطفه واختطفه وتخطفه. قال سيبويه: خطفه واختطفه كما قالوا نزعه وانتزعه، ورجل خيطف خاطف وسيف مخطف يخطف البصر بلمعه، وخطف البرق البصر، وخطفه يخطف ذهب به، وخطف واختطفه استرقه، والخطاف العصفور الأسود وهو الذي تدعوه العامة عصفور الجنة، هذا كلام صاحب المحكم. والخطاف المذكور في كتاب الأطعمة، قال أصحابنا: لا يحل أكله، هذا هو الذي ذكره الأزهري، وصاحب المحكم: وهو هذا الذي يأوي إلى البيوت عند ارتفاع البرد، وإقبال الربيع، وهو بضم الخاء وتشديد الطاء.
خفر: قوله: أن تجد طريقا آمنا خفارة، يقال: بضم الخاء وفتحها وكسرها ثلاث لغات حكاها صاحب المحكم، قال: وهي جعل الخفير، قال: وقد خفر الرجل وخفر به وعليه يخفره خفرا أجاره ومنعه وأمنه، وكذلك يخفر به فلان خفيري أي: الذي أجيره، والخفير المجير كل واحد منهما خفير لصاحبه، والاسم من ذلك كله الخفرة والخفارة، وقيل: الخفرة والخفارة، والخفارة الأمانة وهو من ذلك الأول، والخفرة أيضًا الخفير الذي هو المجير، والخفارة أيضًا جعل الخفير، قال: وخفرته خفرا، وأخفره نقض عهده وغدره، وأخفر الذمة لم يف بها، هذا كله كلام صاحب المحكم.
وقال الجوهري: خفرت بالرجل أخفر بالكسر خفرا إذا أجرته وتخفرت بفلان إذا استجرت به وسألته أن يكون لك خفيرا، وأخفرته نقضت عهده، ويقال أيضا: أخفرته إذا بعثت معه خفيرا، والاسم الخفرة بالضم، وهي الذمة، يقال: وقت خفرتك.
خفش: قال أهل اللغة: الخفاش طائر معروف يطير بالليل، وجمعه خفافيش، وأما الرجل الأخفش المذكور في الديات، وذكره في الروضة في عيوب البيع فهو نوعان، ذكرهما الجوهري وغيره، أحدهما: أن يكون ضعيف البصر من أصل الخلقة. والثاني: يكون لعلة، وهو الذي يبصر بالليل دون النهار، وفي الغيم دون الصحو.
خلب: في الحديث: “نهى عن كل ذي مخلب من الطير” هو بكسر الميم وإسكان الخاء المعجمة وفتح اللام. قال(3/95)
أهل اللغة والفقه وغيرهم: المخلب للطير كالظفر للآدمي، وفي الحديث: “قل لا خلابة” هي بكسر الخاء وتخفيف اللام والباء وهي الخديعة، يقال منه خلبه يخلبه بضم اللام، واختلبه مثله.
خلع: قال الإمام أبو منصور الأزهري: يقال: خلع الرجل ثوبه وخلع امرأته وخالعها إذا افتدت منه بمالها فطلقها، وأبانها من نفسه، قال: وسمي ذلك الفراق خلعا؛ لأن الله عز وجل جعل النساء لباسا للرجال والرجال لباسا لهن، فقال: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} (البقرة: من الآية187) وهي ضجيعه وضجيعته، فإذا افتدت منه بمال تعطيه ليبينها منه فأجابها إلى ذلك، فقد بانت منه وخلع كل واحد منهما لباس صاحبه، قال: والاسم من ذلك الخلع والمصدر الخلع، وقد اختلعت المرأة منه اختلاعا، إذا افتدت بمالها، فهذا معنى الخلع عند الفقهاء قال: وخلعة المال وخلعته خياره يعني بضم الخاء وكسرها، قال: وقال أبو سعيد: سمي خيار المال خلعة؛ لأنه لم يخلع قلب الناظر إليه، قال: والخلعة يعني بالكسر من الثياب ما خلعته فطرحته على آخر أو لم تطرحه، قال: والخلع كالنزع إلا أن فيه مهلة، قال: وأصابه في بعض أعضائه خلع وهو زوال المفاصل من غير بينونة، ويقال للشاطر من الفتيان خليع؛ لأنه خلع رسنه، وتخلع الرجل في الشراب شربه بالليل والنهار، والخليع الذي خلعه أهله وتبرؤا منه، وخلع من الدين والحياء، وقوم خلعاء مبينو الخلاعة، هذا آخر كلام الأزهري رحمه الله تعالى.
وفي كتاب المثلث لشيخنا جمال الدين بن مالك رضي الله عنه: الخلعة بالضم لغة في الخلع، وهو مصدر خلع المرأة، قوله في دعاء القنوت من المهذب: ونخلع من يفجرك أي: نترك ونهجر من يعصيك، قوله في أخر باب الخلع من المهذب: وإن قال أحدهما: خالعتني على ألف درهم، وقال الآخر: بل ألف مطلق تخالعا، قوله: خالعتني هو بفتح التاء خطاب للمذكر، ومراده: قال أحد الزوجين أو أحد الشخصين أو أحد الإنسانين فيكونان مذكرين. قال الجوهري: خلع الوالي عزل، وخالعت المرأة بعلها فهي خالع، والاسم الخلعة، وقال صاحب المحكم: خلع الشيء يخلعه خلعا، واختلعه كنزعه، إلا أن في الخلع مهلة، وسوى بعضهم بين الخلع والنزع: وخلع الربقة من عنقه نقض عهده، وتخالع القوم نقضوا العهد، وخلع دابته يخلعها خلعا وخلعا أطلقها من قيدها، وخلع عذاره ألقاه عن نفسه فعدا بشر(3/96)
وهو على المثل، وخلع امرأته خلعا وخلاعا فاختلعت أزالها عن نفسه وطلقها، أنشد ابن الأعرابي:
مال أردن منك انخلاعا
مولعات بهات هات وأن شفر
شفر مال قل، وخلعه عن النسب أزاله، وخلع الرجل خلاعة فهو خليع تباعد، والخليع الشاطر منه، والأنثى خليعة بالهاء، وتخلع في مشيته هز منكبيه وأشار بيديه، والخلع والخلع زوال المفصل من اليد أو الرجل من غير بينونة، وخلع أوصالها أزالها، وثوب خليع خليق، هذا آخر كلام صاحب المحكم.
خلف: وفي الحديث: “أربعون خلفة في بطونها أولادها” هذا مما يسألون عنه، فيقال: الخلفة التي ولدها، فما حكمة قوله في بطونها أولادها؟ وجوابه من خمسة أوجه: أحدها: أنه توكيد وأيضاح. والثاني: أنه تفسير لها لا قيد. والثالث: أنه نفي لوهم متوهم يتوهم أنه يكفي في الخلفة أن تكون حملت في وقت ما، ولا يشترط حملها حالة دفعها في الدية. والرابع: أنه إيضاح لحكمها، وأن يشترط في نفس الأمر أن تكون حاملاً، ولا يكفي قول أهل الخبرة: أنها خلفة إذا تبينا أنه لم يكن ولد. والخامس: ذكره الرافعي أنه قبل أن الخلفة تطلق أيضا على التي ولدت وولدها يتبعها.
خلق: قولهم في السجود: فتبارك الله أحسن الخلقين، معناه: أحسن المصورين والمقدرين.
خلل: تكرر في الأحاديث في المهذب ذكر الخليل في حديث “هذا وضوئي ووضوء خليلي إبراهيم” وقوله: “أوصاني خليلي بثلاث”. قال الإمام أبو الحسن الواحدي في قول الله عز وجل: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (النساء: من الآية125) قال أبو بكر ابن الأنبارى: الخليل معناه المحب الكامل المحبة، والمحبوب الموفى بحقيقة المحبة اللذان ليس في حبهما نقص، ولا خلل، قال: فتأويل قول الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} اتخذا الله إبراهيم محبا له خالص الحب، ومحبوبا له، وشرفه بلزوم هذا الاسم له، الذي لا يستحق مثله إلا أنبياؤه ومن شرفه الله تعالى ورفع قدره.
قال ابن الأنبارى: وقال بعض أهل العلم: معناه واتخذ الله إبراهيم فقيرا إليه، لا يجعل فقره وفاقته إلى غيره، ولا ينزل حوائجه بسواه، فالخليل(3/97)
على هذا القول فعيل من الخلة بمعنى الفقير. ونحو هذا قال الزجاج: الخليل المحب الذي ليس في محبته خلل، فجائز أن يكون إبراهيم سمي خليلاً؛ لأنه الذي أحبه الله تعالى محبة تامة، وأحب الله هو محبة تامة، قال: وقيل: الخليل الفقير. قال الواحدي: فهذان القولان ذكرهما جميع أهل المعاني، والاختيار هو الأول؛ لأن الله عز وجل خليل وإبراهيم خليل الله عز وجل، ولا يجوز أن يقال الله تعالى خليل إبراهيم من الخلة التي هي الحاجة، هذا آخر كلام الواحدي.
وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى: أصل الخلة الاختصاص والاستصفاء، وقيل: أصلها الانقطاع إلى من خاللت، وقيل: الخلة صفاء المودة، وقيل: هي المحبة والألطاف.
خلو: قوله: إذا أراد دخول الخلاء أي: موضع التغوط، يقال له: الخلاء، والمذهب، والمرفق، والمرحاض، وأصله الخلوة؛ لأنه شيء يستخلي به قوله في الوجيز في باب الصيد والذبائح لو رمى سهما في خلوة ولا يرجو صيدا حرم. قال الإمام الرافعي: ذكر الخلوة لا معنى له في هذا المعنى، إلا أن يريد في موضع خال عن الصيد.
خمر: الخمر: هي الشراب المعروف، وهي مؤنثة في اللغة الفصيحة المشهورة، وذكر أبو حاتم السجستاني في كتابه المذكر والمؤنث في موضعين منه: أن قوما فصحاء يذكرونها، قال: سمعت ذلك ممن أثق به منهم، وذكرها أيضًا ابن قتيبة في أدب الكاتب فيما جاء فيه لغتان التذكير والتأنيث، ولا يقال: خمرة بالهاء في اللغة الفصيحة، وقد تكرر استعمالها بالهاء في الوسيط، وهي لغة ولا إنكار عليه، وقد روينا في الجعديات الكتاب المعروف عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: “الشيطان يحب الخمرة” هكذا هو في الرواية بالهاء، وكذا ذكر هذه اللغة الجوهري وغيره. قال الجوهري: خمرة وخمر وخمور كتمرة وتمر وتمور. وذكر أبو حاتم أنه يقال: خمرة، كما قالوا: دقيقة وسويقة وذهبة وعسلة.
قال شيخنا جمال الدين بن مالك في كتابه المثلث: الخمرة هي الخمر.
قال الإمام أبو الحسن الواحدي: الخمر عند أهل اللغة: سميت خمرا لسترها العقل. قال الليث: اختمار الخمر إدراكها وغليانها، ومخمرها متخذها، وخمرت الدابة أخمرها سقيتها الخمر. قال الكسائى: يقال: اختمرت خمرا، ولا يقال: أخمرتها، وأصل هذا الحرف التغطية، وقيل: سميت خمرا؛(3/98)
لأنها تغطى حتى تدرك.
وقال ابن الأنبارى: سميت خمرًا؛ لأنها تخامر العقل أي: تخالطه، هذا كلام أهل اللغة في هذا الحرف، وأما حدها فقد اختلف العلماء فيه، فقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأهل الرأي: الخمر ما اعتصر من العنب والنخلة، فيغلى بطبعه دون عمل النار، وما سوى ذلك ليس بخمر. وقال مالك والشافعي وأحمد وأهل الأثر رضي الله عنهم: إن الخمر كل شراب مسكر، فسواء كان عصيرا أو نقيعا مطبوخا كان أونيئا، واللغة تشهد لهذا. قال الزجاج: القياس إن ما عمل عمل الخمر يقال له خمر، وأن يكون في التحريم بمنزلتها، هذا آخر كلام الواحدي.
خمس: قوله في المختصر في باب السلم يقال في العبد: أنه خماسي أو سداسي، وأنه يصف سنه. قال الرافعي: واختلفوا في تفسيره، فقيل: المراد بالخماسي والسداسي التعرض للقدر يعني: خمسة أشبار أو ستة، وقيل: المراد السن يعني: ابن خمس أو ست، ومن قال بالأول حمل قوله يصف سنه على المعنى الثاني، ومن قال بالثاني حمل قوله يصف سنه على الأسنان المعروفة، وأنه يذكر أنه مفلج الأسنان أو غيره، وذلك من طريق الأولى دون الاشتراط.
وحكى المسعودي: أن الخماسي والسداسي صنفان من عبيد النوبة معروفان عنده. قلت: قال البيهقي في كتابه رد الانتقاد على ألفاظ الشافعي رضي الله عنهما: قد اعترض الشافعي رضي الله عنه في هذا، فقيل: إن أهل اللغة يقولون: عبد خماسي، ولا يقولون: عبد سداسي ولا سباعي. قال: وجوابه أن الأزهري قال: الخماسي الذي يكون خمسة أشبار، وإنما يقال: خماسي ورباعي فيمن يزداد طولاً، ويقال في الثوب سباعي.
قال الأزهري: والسداسي في الرقيق والوصائف أيضًا جائز أيضا عندي. قال البيهقي: وقال أبو منصور الخمشادي في كتابه: اختلفت العرب في السداسي، فمنهم من ينكره ومنهم من يجوزه كالخماسي. قال البيهقي: وبلغني أن ذلك لغة هذيل، ثم روى البيهقي في ذلك حديثا من حديث عبد الله بن عتبة بن مسعود ابن أخي عبد الله بن مسعود، قال: “أذكر أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذني وأنا خماسي أوسداسي، فأجلسني في حجره، ومسح رأسي ودعا لي، وأدركتني البركة”.
خمع: قال صاحب المحكم: خمعت الضبع تخمع خمعا وخموعا وخماعا عرجت، وكذلك كل ذي عرج وبنو خماعة بطن.
خنث: المخنث بكسر النون(3/99)
وفتحها والكسر أفصح، والفتح أشهر، وهو الذي خلقه خلق النساء في حركاته وهيئته وكلامه ونحو ذلك، وهو ضربان، أحدهما: من يكون ذلك خلقة له لا يتكلفه ولا صنع له فيه، فهذا لا إثم عليه ولا ذم ولا عيب، إذ لا فعل له ولا كسب. والثاني: من يتكلف ذلك فليس ذلك هو بخلقة فيه، فهذا هو المذموم الآثم الذي جاءت الأحاديث بلعنه، قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “لعن الله المخنثين، ولعن المتشبهين بالنساء من الرجال” سمي مخنثا؛ لانكسار كلامه ولينه، يقال: خنثت الشيء إذا عطفته.
أما الخنثى فضربان: أشهرهما من له فرج النساء وذكر الرجال، والثاني: من ليس له واحد منهما، وإنما له خرق يخرج منه البول وغيره لا يشبه واحدا منهما، وهذا الثاني ذكره البغوي والماوردي وغيرهما، وقد وقع هذا الخنثى في البقر، فجاءني جماعة أثق بهم يوم عرفة سنة أربع وسبعين وستمائة، قالوا: إن عندهم بقرة هي خنثى ليس له فرج الأنثى ولا ذكر الثور، وإنما لها خرق عند ضرعها يخرج منه البول، وسألوا عن جواز التضحية بها، فقلت لهم تجزئ لأنها ذكر أو أنثى، وكلاهما مجزىء، وليس فيه ما ينقص اللحم واستثبتهم فيه، فقال صاحب التتمة في أول كتاب الزكاة: يقال: ليس فيه شيء من الحيوانات خنثى إلا في الآدمي والإبل، قلت: وتكون في البقر كما حكيته.
خندق: الخندق معروف مفتوح الخاء والدال، ذكره ابن قتيبة في باب ما يتكلم به العرب من الكلام الأعجمي.
خنزير: الخنزير هو بكسر الخاء وهو معروف. قال أبو البقاء العكبري في كتاب إعراب القرآن في سورة البقرة: النون في الخنزير أصل، وهو على مثال عزبيب، قال: وقيل: هي زائدة مأخوذة من الخزر.
خوف: في أبيات المرأة التي أنشدت الشعر في باب الإيلاء من المهذب: مخافة ربي، يجوز في مخافة الرفع والنصب، والرفع أجود.
خير: الخير ضد الشر، تقول: منه خرت يا رجل فأنت خائر، وخار الله تعالى لك، والخيار خلاف الأشرار، والخيار الاسم من الاختيار، والخيار القثاء، وليس بعربي، قال هذه الجملة الجوهري، قال: والاستخارة طلب الخير وخيرته بين الشيئين أي: فوضت إليه الخيار، وفلانة خير الناس ولا تقل خيرة الناس، وفلان خير الناس ولا تقل أخير. لا يثنى ولا يجمع؛ لأنه في معنى(3/100)
افعل، ورجل خير وخير مشدد ومخفف، وكذلك امرأة خيرة وخيرة، هذا كلام الجوهري.
وقال الفراء رحمه الله تعالى: يقال لامرأة خير وخيرة، وخيرة: ثلاثة أوجه وكذلك الجمع. قال المبرد: والفاضلة قوله في الحديث: “لم أجد إلا جملا خيارًا” ذكره في باب القرض من المهذب: هو بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الياء أي: جيدا مختارا، يقال: جمل خيار، وإبل خيار، وناقة خيار بلفظ واحد، ذكره صاحب مطالع الأنوار. قوله في المهذب في آخر الخلع: فإن قال: طلقتك بعوض، فقالت: طلقتني بعد مضي الخيار، بانت بإقراره، والقول في العوض قولها. معنى قولها بعد مضي الخيار: إني التمست منك الطلاق على العوض فلم تطلقني عقيب سؤالي بحيث يصلح أن يكون جوابا بل طلقتني بعد ذلك طلاقا مستأنفا، والله تعالى أعلم.
وقولهم: وصلاته على محمد خير خلقه، وهو - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خير الخلق، ودلائله واضحة، وثبت في صحيح البخاري في باب قول الله عز وجل: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} (البقرة: من الآية30) عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قالت اليهود في عبد الله بن سلام: أعلمنا وابن أعلمنا وأخيرنا وابن أخيرنا، كذا هو في الأصول أخيرنا بالألف فيهما.
خيل: الخيل والخيلاء تكرر ذكرهما، قال الإمام الواحدي في أول سورة آل عمران الخيل، جمع لا واحد له من لفظه كالقوم والرهط والنساء. قال: سميت خيلا لاختيالها في مشيتها بطول أذنابها، والإختلال مأخذ من التخيل وهو التشبه بالشيء فالمختال يتخيل في صورة من هو أعظم منه كبرا، والخيال صورة الشيء، والأخيل الشقراق؛ لأنه يتخيل مرة أحمر ومرة أخضر، هذا آخر كلام الواحدي.
وكذا قال جمهور الأئمة: إن الخيل لا واحد له من لفظه. وقال أبو البقاء في إعرابه مثل ما قال الجمهور: قال: وقيل: واحده خائل مثل طائر وطير وواحد الخيل عند الجمهور فرس، والفرس: اسم للذكر والأنثى. قال أبو حاتم السجستاني في كتابه المذكر والمؤنث: الخيل: مؤنثة، وتجمع على خيول، وتصغير الخيل خييل، قال: وقولهم يا خيل الله اركبي معناه: يا أصحاب الله خيل الله اركبوا.
خيم: قوله في المهذب في باب قسم الصدقات: وإن كان من الخيم هو بفتح الخاء وإسكان الياء، ويجوز كسر الخاء وفتح الياء، يقال في الواحدة خيمة،(3/101)
والجماعة خيم كتمرة وتمر، وجمع الخيم خيام ككلب وكلاب، ذكره الواحدي في تفسير قوله تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} (الرحمن:72) .
وقال الجوهري: جمع الخيمة خيمات وخيم مثل بدرة وبدرات وبدر، والخيم مثل الخيمة وجمعه خيام كفرخ وفراخ. قال الأزهري: قال ابن الأعرابي: الخيمة لا تكون إلا من أربعة أعواد ثم تسقف بالثمام، ولا تكون من ثياب. قال الأزهري: وقال غيره: المظلة تكون من ثياب، والخباء بيت صغير من صوف أو شعر، فإذا كان بيتا من شعر فهو دوح يعني بالحاء المهملة، فإن كان من آدم فهو من طراف يعني بالفاء. وقال ابن السكيت: الخيام أعواد تنصب يجعل عليها عوارض، ويلقى عليها الثمام، وسعف النخل يسكن القيظ، وهي أبرد من الأخبية.
قال الأزهري بعد حكايته هذا كله: الخيام تكون للعبيد، والإماء سويت للزوايا وربما يظلل بها، والنواطير يسوونها يتظللون بها، ويراعون الثمار من اخصاصها، هذا آخر كلام الأزهري في شرح المختصر.
فصل في أسماء المواضع
خانقين: قوله في كتاب الصيام من المهذب: أتانا كتاب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، ونحن بخانقين أن الأهلة بعضها أكبر من بعض هي بخاء معجمة ثم ألف ثم نون ثم قاف مكسورتين ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ثم نون، وهي بليدة بالعراق بينها وبين بغداد نحو ثلاث مراحل في جهة الجبال.
خراسان: الإقليم العظيم المعروف موطن الكثير، أو الأكثر من علماء المسلمين رضي الله تعالى عنهم، قال أبو الفتح الهمداني: ويقال له أيضًا خرسان بحذف الألف وإسكان الراء.
الخندق: المذكور في قولهم يوم الخندق تكرر ذكره في هذه الكتب: هو خندق مدينة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حفره رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه رضي الله تعالى عنهم لما تحزبت عليهم الأحزاب فيوم الخندق هو يوم الأحزاب، وكان في سنة أربع من الهجرة، وقيل: سنة خمس، وكانت مدة حصارهم خمسة عشر يومًا، ثم أرسل الله تعالى على(3/102)
الكفار ريحا وجنودا لم يرها المسلمون فهزمهم بها في صحيح البخاري في أول باب غزوة الخندق، قال: قال موسى بن عقبة: كانت عزوة الخندق في سنة أربع، وحديث ابن عمر عرضت يوم أحد ويوم الخندق.
خيبر: البلدة المعروفة على نحو أربع مراحل من المدينة إلى جهة الشام ذات نجيل ومزارع، فتحها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أوائل سنة سبع من الهجرة، أقام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علىحصارهم بضع عشرة ليلة، وذكر الحازمي في المؤتلف: أن أراضي خيبر يقال لها خبابر بفتح الخاء.
حرف الدال
دبر: الدبر بضم الباء وإسكانها دبر الحيوان، وهو الآخر من كل شيء، وتدبير المماليك معروف. والمقابلة التي قطع من مقدم أذنها فلقة، وتدلت في مقابلة الأذن ولم تنفصل، والمدابرة التي قطع من مؤخر أذنها فلقة، وتدلت منه ولم تنفصل، والفلقة الأولى تسمى الأقبالة، والأخرى تسمى الأدبارة، هذا هو المهشور في كتب اللغة والحديث والفقه.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه غريب الحديث: المقابلة من الشاء الموسومة بالنار في باطن أذنها، والمدابرة في ظاهر أذنها، وفي الحديث: رجل يأتي الصلاة دبارا أي: بعد فواتها، وهو بكسر الدال، وحكم الوطء في الدبر حكم الوطء في القبل، إلا في أحكام التحليل والتحصين، والخروج من التعنين، والخروج من الإيلاء، وتغيير إذن البكر في النكاح، وأن الأمة لا يلحق السيد ولدها بوطئه في الدبر بخلاف القبل، وفي مسألتي البكر والأمة وجه ضعيف، قال الرافعي: التدبير تعليق العتق بدبر الحياة سمي تدبيرا من لفظ الدبر، وقيل: لأنه دبر أمر دنياه باستخدامه واسترقاقه، وأمر آخرته بإعتاقه، وهذا عائد إلى الأول؛ لأن التدبير في الأمر مأخوذ من لفظ الدبر أيضًا لأنه نظر في عواقب الأمور وإدبارها.
دبس: الدبس معروف قوله في المهذب في الصيد والذبائح: وإن رمى الصيد بالبندق والدبوس هو بفتح الدال، وهو(3/103)
معروف، وجمعه دبابيس: أنشد فيه للعرب ثم قال أراه معربًا.
دحو: قال أهل اللغة: الدحو البسط، قال الله تعالى: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} (النازعات:30) أي: بسطها، يقال: دحوت الشيء أدحوه دحوا، ويقال للاعب بالجوز: أبعد المدى وادحه أي: ارمه. قوله في المسابقة من المهذب: ولا تجوز المسابقة على مداحاة الأحجار هو بضم الميم. قيل: هو السبق بالأحجار والرمي بها. وقيل: هو أن تحفر حفرة ثم ترمي الأحجار إليها فمن وقع حجره فيها، فقد سبق. وقيل: هو إشالة الأحجار باليد. وقيل: هو أن يضرب بعضهم إلى بعض، وكل هذا لا تجوز المسابقة فيه على عوض.
دخن: قال الجوهري: دخان النار معروف، والجمع دواخن، كما قالوا: عثان وعواثن على غير قياس، والدخن أيضا الدخان، ومنه هدنة على دخن أي: سكون لعلة لا للصلح.
درج: قوله في باب الأذان: يرتل الأذان، ويدرج الإقامة. فقوله: يدرج يجوز فيه وجهان، أحدهما: يدرج بضم الياء وكسر الراء. والثاني: بفتح الياء وفتح الراء ومعناه يدخل بعض كلماتها في بعض ولا يترسل فيها، ويقطع بعضها عن بعض، بخلاف الإذان.
قال الأزهري في شرح بعض ألفاظ المختصر: إدراج الإقامة: هو أن يصل بعضها ببعض، ولا يترسل فيها ترسله في الأذان. قال: وأصل الإدراج الطي، يقال: أدرجت الكتاب والثوب ودرجتهما إدراجا، ودرجا إذا طويتهما على وجوههما. وذكر في باب اللقطة من المهذب: الدراج وهو نوع من الطير معروف.
قال أهل اللغة: الدراج بضم الدال وتشديد الراء، وبعدها ألف الواحدة درجة كذلك، إلا أنها بغير ألف وهي طائر باطن جناحيه أسود، وظاهرهما أغبر على خلقة القطا إلا أنها ألطف.
درر: قوله: ضربه عمر رضي الله تعالى عنه بالدرة، هي بكسر الدال وتشديد الراء، وهي معروفة، ويقال لها: العرقة، بفتح العين والراء، وبالقاف ذكره صاحب المحكم.
درك: وأما ضمان الدرك فهو بفتح الدال، وبفتح الراء، وإسكانها لغتان: حكاهما الجوهري، وقال الجوهري: الدرك التبعة. قال أبو سعيد المتولي في كتاب التتمة: سمي ضمان الدرك لالتزامه الغرامة عند إدراك المستحق عين ماله.
قوله في مختصر المزني: أشهر الحج شوال، وذو القعدة، وتسع من(3/104)
ذي الحجة، وهو يوم عرفة، فمن لم يدركه من قبل الفجر يوم النحر، فقد فاته الحج، هذا نصه.
قال الرافعي: قال المسعودي: قوله: هو يوم عرفة معناه: التاسع يوم عرفة، وفيه معظم الحج، وقوله: فمن لم يدركه، قال الأكثرون معناه: من لم يدرك الأحرام بالحج. وقال المسعودي: أي: من لم يدرك الوقوف بعرفة.
درهم: في الدرهم ثلاث لغات حكاهن أبو عمر الزاهد في شرح الفصيح عن شيخه وأستاذه ثعلب عن سلمة عن الفراء، قال: أفصح اللغات درهم، والثانية: درهم، الثالث: درهام يعني: الأولى بفتح الهاء، والثانية بكسرها، والدال مكسورة فيهن، واحتج بعضهم لدرهام بقول الشاعر:
لجاز في آفاقها خاتامي
لو أن عندي مائتي درهام
دفن: قال صاحب البحر في باب الاعتكاف: اختلف العلماء في قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها. فقال بعضهم: المراد دفنها في المسجد، وقال بعضهم: المراد أخراجها من المسجد.
دقع: في الحديث: “لا تحل المسالة إلا من فقر مدقع”، ذكره في المهذب في باب بيع النجش: وهو بضم الميم وسكون الدال وكسر القاف. قال الهروي: قال أبو عبيد: الدقع الخضوع في طلب الحاجة مأخوذة من الدقعاء، وهو التراب، ومنه الحديث: “لا تحل المسألة إلا من فقر مدقع” أي: شديد يفضي بصاحبه إلى الدقعاء. وقال ابن الأعرابي: الدقع سوء احتمال الفقر.
قال الجوهري: فقر مدقع أي: ملصق بالدقعاء، والدقعاء التراب، يقال: دقع الرجل بالكسر أي: لصق بالتراب ذلا. قال صاحب المحكم: دقع الرجل دقعًا، وأدقع لصق بالدقعاء وغيره من أي شيء كان، ودقع وأدقع افتقر. وذكر الأزهري مثل قول الهروي، وقال: قال شمر: أدقع فلان فهو مدقع إذا لزق بالأرض فقرًا، ويقال: دقع أيضًا، قال ابن شميل: الدقعاء والأدقع والدقاع التراب، ورأيت القوم صقعى دقعى أي: لاصقين بالأرض من الجوع والديقوع الشديد. قال صاحب المحكم: والدقعم يعني بكسرتين الدقعاء الميم زائدة، والدقع بفتحتين سوء احتمال الفقر، والدقعاء الذرة.
دكك: الدكة بفتح الدال كذا(3/105)
ضبطه أهل اللغة، قالوا: وهي المكان المرتفع الذي يباع عليه.
دكن: الدكان بضم الدال المهملة معروف، وهو مذكر. قال الجوهري: الدكان واحد الدكاكين، وهي الحوانيت فارسي معرب. وقوله في الوجيز في أول الباب الثالث من الإجارة: استأجرت دكانا أو حانوتا، مما أنكر عليه؛ لأنهما بمعنى كما ترى، وقد ذكرناه في حرف الحاء.
دلب: الدولاب المذكور في باب الزكاة وباب المساقاة وهو الذي يستقى عليه معروف. قال الجوهري وغيره: هو فارسي معرب، وذكره الشيخ تقي الدين بن الصلاح رحمه الله تعالى وغيره: قبله ممن اعتنى بألفاظ المهذب بفتح الدال.
والذي رأيته أنا في صحاح الجوهري مضبوطا بضمها، وجمعها دواليب، قوله في باب المساقاة من الروضة: لا تجوز المساقاة على الدلب هو بضم الدال وإسكان اللام، وهو شجر معروف لا ثمر له الواحدة دلبة، وأرض مدلبة ذات دلب.
دلو: في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في حديثه الطويل المشتمل على معجزات، قال: “دخل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بئر أريس وكشف عن ساقيه، ودلاهما في البئر، قال: ثم جاء أبو بكر رضي الله عنه ودلى رجليه في البئر، ثم جاء عمر رضي الله عنه ودلى رجليه في البئر”، هكذا هو في النسخ.
دمم: قوله في أول النكاح من المهذب عن عمر رضي الله عنه: “لا تزوجوا بناتكم من الرجل الدميم”، هو بالدال المهملة المفتوحة، ومن قالها بالمعجمة فقد صحف بلا خلاف بين أهل اللغة. قال الجوهري: الدميم القبيح، وقد دممت يا رجل تدم، وتدم دمامة أي: صرت دميما. وروينا في حلية الأولياء في آخر ترجمة سفيان الثوري عن هشام ابن عروة عن أبيه عن الزبير بن العوام رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “يعمد أحدكم إلى ابنته فيزوجها القبيح الدميم إنهم يردن ماتريدون”.
دور: قوله في المهذب في باب الأذان: ولا يستدير، لما روى أبو جحيفة، قال: “رأيت بلالا خرج إلى الأبطح”، إلى قوله: “لوى عنقه يمينا وشمالا ولم يستدير”، هكذا ضبطنا اللفظ في المهذب: ولا يستدير بكسر الدال وبعدها ياء مثناة من تحت، وكذا ضبطنا الحديث: لم يستدير، لا أنه لم يستدبر بالباء الموحدة، وضبطنا قوله في التنبيه: يستدبر بالباء الموحدة، وحديث(3/106)
أبي جحيفة رضي الله عنه هذا أخرجه أبو داود هكذا في سننه، واختلف ضبط الرواة فيه في يستدير ويستدبر، ورواه الترمذي، وقال فيه: “رأيت بلالا يؤذن، ويدور ويتبع فاه ههنا وههنا”.
وقال الترمذي: هو حديث حسن صحيح، وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من غير لفظ يستدير، لفظ رواية البخاري: “رأيت بلالا يؤذن فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا بالأذان”، ومسلم يقول: يمينا وشمالا، ويقول: حي على الصلاة حي على الفلاح.
دون: قال الجوهري: دون نقيض فوق، وهو تقصير عن الغاية، ويكون ظرفًا، والدون الحقير الخسيس، ولا يشتق منه فعل، وبعضهم يقول: دان منه يدون دونا، وأدين إدانة، ويقال: هذا دون ذاك أي: أقرب منه، ويقال في الإغراء بالشيء دونكه، وأما الديوان فبكسر الدال على المشهور، وفي لغة بفتحها، وهو فارسي معرب.
قال الجوهري: أصله دوان، فعوض من إحدى الواوين ياء؛ لأنه يجمع على دواوين، ولو كانت الياء أصلية لقالوا: دياوين، ويقال: دونت الديوان. قال أقضى القضاة الماوردي في الأحكام السلطانية: الديوان موضوع لحفظ الحقوق من الأموال والأعمال، ومن يقوم بها من الجيوش والعمال، قال: وفي سبب تسميته ديوانا وجهان، أحدهما: أن كسرى يتحقق يومًا على كتاب ديوانه فرآهم يحسبون مع أنفسهم، فقال: دوانة أي: مجانين، ثم حذفت الهاء لكثرة الاستعمال تخفيفًا. والثاني: أن الديوان بالفارسية اسم للشياطين، فسمي الكتاب باسمهم لحذقهم بالأمور، ووقوفهم على الجلي والخفي، وجمعهم لما شذ وتفرق، وسمى مكانهم باسمهم، وأول من وضع الديوان في الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي سببه أقوال. وذكر الماوردي في أحكام الديوان وشروطه وأحكامه وما يتعلق به أكثر من كراسة مشتملة على نفائس، نقلت منها إلى الروضة جملاً في باب قسم الفيء. والله تعالى أعلم.
ديت: قوله في المذهب في فصل الغناء من كتاب الشهادات: إن اتخذ جارية ليجمع الناس لغنائها ردت شهادته؛ لأنه دياثة، هي بكسر الدال، وتخفيف الياء، وهي فعل الديوث، وهو الذي يقر السوء على أهله كذا قاله جماعات. وقال الزبيدي: هو الذي يدخل الرجل عل امرأته. وقال الجوهري: هو الذي لا غيرة له، وكل هذا متقارب.
دير: قول الشافعي رضي الله عنه في الجزية وأصحاب الديارات قد أنكره(3/107)
جماعة، وقالوا: إن أرادوا جمع دير فصوابه ديور كعين وعيون.
قال البيهقي: قال أبو منصور الخمشادي: هي لغة صحيحة تستعمل في نواحي الشام وبلاد الروم، وهي جمع الجمع، يقال: دار وديار وديارات كجمل وجمالات. وروى البيهقي بإسناده: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنما هلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم، وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات".
فصل في اسماء المواضع
داريا: القرية المعروفة بجنب دمشق على دون ثلاثة أميال، وهي بفتح الراء وتشديد الياء المثناة من تحت، وكان فضلاء السلف يسكنونها، وممن سكنها من الصحابة رضي الله عنهم بلال المؤذن، وبها قبران مشهوران يقصدان للزيارة لسيدين جليلين أبي مسلم الخولاني وأبي سليمان الداراني رضي الله عنهما.
قال أبو الفتح الهمداني: داريا وزنها فعليا من الدار، والألف للتأنيث إنما زيدت فيها هذه الزوائد دلالة على التكثير؛ لأنها كانت مجمعا لدور آل جفنة الغسانيين ومنازلهم، ومثلها من الكلام مرحيا وبرديا، حكاهما سيبويه.
دجلة: النهر المشهور بالعراق، وهو بكسر الدال، ولا يدخلها الألف واللام. قال أبو الفتح الهمداني: يجوز أن تكون مشتقة من قولهم: بعير مدجل أي: كظهرين بالقطران طليا كثيرا قد عم جسده، وجرى عنه، وبذلك سمي الدجال؛ لأنه مطلي بالكفر والعناد ولأنه يطلي أصحابه بذلك، وسميت دجلة لتغطيتها بمائها ما يمر عليه وغلبتها عليه. قال: ويجوز أن تكون مشتقة من معنى الكثرة، ومنها اشتقاق الدجال لكثرة جموعه، فسميت دجلة لكثرة مائها. قال: ويجوز أن تكون من معنى السرعة، والدوام من قولهم للإبل التي تحمل الأثقال دجالة، فسميت دجلة لدوام جريها وسرعته.
دومة الجندل: مذكورة في باب الجزية من المهذب يقال: بضم الدال وفتحها وجهان مشهوران، والواو ساكنة فيهما وأشار الحازمي وغيره من المحدثين إلى ترجيح الضم. قال الجوهري في صحاحه أصحاب اللغة: يقولونه بضم الدال، وأهل(3/108)
الحديث يفتحونهما. وقال ابن دريد: الصواب ضم. قال: وأخطأ المحدثون في الفتح.
قال صاحب المطالع: ويقال فيها: دوما، حكاه عن الواقدي. قال صاحب المطالع وهي بقرب تبوك. وقال الحازمي: هي أرض بالشام بينها وبين دمشق خمس ليال، وبينها وبين المدينة خمس عشرة ليلة، وهذان القولان ليسا بجيدين، والصواب ما نقله الإمام الحافظ أبو القاسم بن عساكر في تاريخ دمشق عن الواقدي، قال: كانت غزوة دومة الجندل أول غزوات الشام، وهي من المدينة على ثلاث عشرة مرحلة، ومن الكوفة على عشر مراحل، ومن دمشق على عشر مراحل في برية، وهي أرض نخل وزرع يسقون على النواضح، وحولها عيون قليلة، وزرعهم الشعير، وهي مدينة عليها سور، ولها حصن عادي مشهور في العرب، هذا آخر حكاية الحافظ، لم ينكر منها شيئا، ومحله من الاتقان والمعرفة بأرفع الغايات.
ويقاربه ما قاله الإمام أبو الفتح الهمداني في كتاب الاشتقاق قال: دومة الجندل قرية على عشر مراحل من الكوفة، وثمان من دمشق، وثنتي عشر من مصر، وعشر من المدينة، وفيها اجتمع الحكمان. قال: والدومة مجتمع الشيء ومستداره، فكأنما سميت دومة؛ لأن مكانها مستدار الجندل.
حرف الذال المعجمة
ذبب: الذباب معروف، واحدته ذبابة، وجمعه في القلة أذبة، وفي الكثرة ذبان بكسر الذال وتشديد الباء كغراب وأغربة وغربان، وقراد وأقردة وقردان.
قال الجوهري: قال أبو عبيد: يقال: أرض مذبة يعني بفتح الميم والذال، أي: ذات ذباب. وقال الفراء: أرض مذبومة كما يقال أرض موحوشة أي: ذات وحش. قال الواحدي: قال الزجاجي: سمي هذا الطائر ذبابًا لكثرة حركته، واضطرابه. وقال غير الواحدي سمي بذلك؛ لأنه يذب أي: يدفع، والذب المنع والدفع.
ذرع: الذراع ذراع اليد فيه لغتان التذكير والتأنيث، والذراع الذي يذرع به يقال منه ذرعت الثوب، وغيره أذرعه ذرعا، وجمع الذراع أذرع وذرعان،(3/109)
الأول جمع قلة، والثاني كثرة، وقد ذرعه القيء أي: غلبه وسبقه، وضاق بالأمر ذرعا، إذا لم يطقه، ولم يقو عليه.
قال الإمام أبو منصور الأزهري: الذرع يوضع موضع الطاقة، قال: والأصل فيه أن يذرع البعير بيديه في سيره ذرعا على قدر سعة خطوته، فإذا حمل عليه أكثر من طاقته ضاق ذرعه عن ذلك فضعف ومد عنقه، فجعل ضيق الذرع عبارة عن ضيق الوسع والطاقة، فيقال: ما لي ذرع ولا ذراع أي: مالي طاقة، والدليل على صحة هذا: أنهم يجعلون الذراع موضع الذرع، فيقولون: ضقت به ذرعا.
قال الواحدي: لم أجد أحدا ذكر في أصل الذرع أحسن ما ذكره الأزهري، قال: وذكر ابن الانبارى فيه قولين: أحدهما: أن أصله من ذرع فلانا القيء إذا غلبه وسبقه فمعنى ضاق ذرعه أي: ضاق عن حبس المكروه في نفسه. والثاني: قريب من معنى قول الأزهري، وقول الأزهري أبين وأحسن، والذريعة بفتح الذال الوسيلة، وتذرع بذريعة أي: توسل بوسيلة، وجمعها ذرائع، والقتل الذريع السريع، وأذرعات بفتح الهمزة وكسر الراء، كذا قيدها صاحب الصحاح، وهي بلدة معروفة بالشام حماها الله تعالى بينها وبين دمشق مرحلتان، وإلى بصرى دون مرحلة، وإلى القدس نحو أربع مراحل، والنسبة إليها أذرعي بفتح الراء.
قال أبو الفتح الهمداني في اشتقاق البلدان: أذرعات جمع للسابع، وأذرعة جمع ذراع في لغة من ذكر، قال: وكأنها سميت بذلك؛ لأنها كانت صغيرة متقاربة الأقطار متدانية البيوت، ثم أدنى بعضها شيئًا فشيئًا ليصح خروجهم من الواحد إلى الجمع، ثم جمع الجمع قوله في المهذب في باب المسابقة، قال الشاعر:
كالبغل يعجز عن شوط المحاضير
إن المذرع لا تغنى خؤولته
المذرع: بضم الميم وفتح الذال المعجمة وفتح الراء، هو الذي أمه أشرف من أبيه كذا قاله الجمهور. وقال ابن فارس في المجمل: المذرع من الرجال هو الذي أمه عربية وأبوه خسيس غير عربي. قال ابن فارس وغيره: سمي بذلك للرقمتين اللتين في ذراع البغل؛ لأنهما أتيا من ناحية الحمار، ومعنى هذا البيت أن الشاعر هجا آل ذي الجدين حيث زوجوا سليما مولى زياد بعض بناتهم؛ لأنه ليس كفؤا، وشبهه بإتيان الحمار الفرس. فقوله: لا تغني خؤولته أي: لا تكفي فضيلة نسب أمه وكرم أخواله وكونهم عربا، والمحاضير الخيل الجياد الشديدة العدو مأخوذ من الحضر،(3/110)
وهو العدو، فمعناه: المذرع ناقص، ولا يرفعه شرف خاله، كما أن البغل لا يرفعه شرف خاله، وهو الفرس، ولهذا تراه يعجز عن شوط الفرس.
ذرق: ذرق الطائر معروف، وهو منه كالروث من الفرس، والحمار وهو بفتح الذال المعجمة وإسكان الراء، وفعله ذرق يذرق، ويذرق بضم الراء وكسرها في المضارع، حكاهما الجوهري.
ذكر: قد تكرر في الكتب قولهم: ذكر الله سبحانه وتعالى. قال الإمام أبو الحسن الواحدي: أصل الذكر في اللغة: التنبيه على الشيء، ومن ذكرك شيئا فقد نبهك عليه، وإذا ذكرته فقد نبهته عليه، قال: ومعنى الذكر حضور المعنى في النفس، ثم يكون تارة بالفعل، وتارة بالقول، وليس بشرط أن يكون بعد نسيان، هذا كلام الواحدي. وقد اتفق العلماء: على أن الذكر على ضربين: ذكر القلب، وذكر اللسان، قالوا: وذكر اللسان يتوصل به إلى إدامة ذكر القلب، قالوا: وذكر القلب أفضل من ذكر اللسان، وإذا ذكر بالقلب واللسان معا فهو الذكر الكامل.
وفي حديث الزكاة: “ابن لبون ذكرا” اختلف العلماء في الحكمة في قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “ذكرا” مع أن ابن اللبون لا يكون إلا ذكرا، فقيل: هو تأكيد ونفي لغلط يتطرق إلى ذلك، فإن أسنان الزكاة كلها مؤنثة، وهذا وحده مذكر فحسن تأكيده بذكر الذكر، وقيل: هو تنبيه على العلة كأن المعنى لا تستكثره أيها الدافع لكبر سنه، فإنه ناقص لكونه ذكرا، ولا تستقله أيها الأحد فإنه وإن كان ذكرا أسن من بنت المخاض. قال الجوهري: الذكر خلاف الأنثى، والجمع ذكور وذكران وذكارة كحجر وحجارة، والذكر المعروف، والجمع مذاكير على غير قياس، كأنهم فرقوا بين الذكر الذي هو الفحل، وبين الذكر الذي هو العضو في الجمع.
قال الأخفش: هو من الجمع الذي لا واحد له، والذكر والذكر بالكسر خلاف النسيان وكذا التذكرة، وقولهم: اجعله منك على ذكر، وذكر بمعنى الذكر الصيت والغناء، وذكرت الشيء بعد النسيان، وذكرته بلساني وبقلبي، وتذكرته وأذكرته غيري، وذكرته بمعنى، والتذكرة ما تستذكر به الحاجة، وأذكرت المرأة ولدت ذكرا، والمذكار التي عادتها تلد الذكور.
ذكى: في الحديث: “ذكاة الجنين ذكاة أمه” وهو حديث حسن، رواه أبو(3/111)
داود وغيره، والرواية المشهورة: “ذكاة أمه” برفع ذكاة، وبعض الناس ينصبها، ويجعلها بالنصب دليلا لأصحاب أبي حنيفة رحمه الله تعالى في أنه لا يحل إلا بذكاة، ويقولون: تقديره كذكاة أمه، حذفت الكاف فانتصب، وهذا ليس بشيء؛ لأن الرواية المعروفة بالرفع.
وكذا نقله الإمام أبو سليمان الخطابي وغيره وتقديره: على الرفع يحتمل أوجها، أحسنها أن ذكاة الجنين خبر مقدم، وذكاة أمه مبتدأ، والتقدير: ذكاة أم الجنين ذكاة له. كقول الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا
ونظائره وذلك لأن الخبر ما حصلت به الفائدة، ولا تحصل إلا بما ذكرناه، وأما رواية النصب على تقدير صحتها، فتقديرها: ذكاة الجنين حاصلة وقت ذكاة أمه، وأما قولهم: تقديره كذكاة أمه فلا يصح عند النحويين بل هو لحن، وإنما جاء النصب بإسقاط الحرف في مواضع معروفة عند الكوفيين بشرط ليس موجودا ههنا. والله تعالى أعلم.
ذمم: قولهم: ثبت المال في ذمته، وتعلق بذمته، وبرئت ذمته، واشتغلت ذمته مرادهم بالذمة الذات، والذمة في اللغة: تكون للعهد، وتكون للأمانة، ومنه قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “يسعى بذمتهم أدناهم ومن صلى الصبح فهو في ذمة الله عز وجل”، ولهم ذمة الله ورسوله فاصطلح الفقهاء على استعمال لفظ الذمة موضع الذات والنفس، فقولهم: وجب في ذمته أي: في ذاته ونفسه؛ لأن الذمة العهد والأمانة حملهما النفس والذات، فسمى محلها باسمها.
ذنب: قوله في باب السلم من المهذب: إذا أسلم في الرطب لا يلزمه قبول المذنب، المذنب بضم الميم وفتح الذال المعجمة وكسر النون المشددة، وهو البسر الذي بدأ فيه الأرطاب من قبل ذنبه فحسب. قال الجوهري: وقد ذنبت البسرة فهي مذنبة.
ذوق: يقال: ذقت الشيء أذوقه ذوقا وذواقا ومذاقا ومذاقة وما ذقت ذواقا: أي شيئًا وذقت ما عند فلان أي: خيرته، وذقت القوس أي: جذبت وترها لأنظر ما شدتها وأذاقه الله وبال أمره، وتذوقته أي ذقته شيئًا بعد شيء، وأمر مستذاق أي: مجرب معلوم والذواق الملول. قوله في باب الديات من المهذب: وإن جنى على لسانه فذهب ذوقه، ولم يحس بشيء من المذاق، وهي الخمسة الحلاوة، والمرارة، والحموضة، والملوحة والعذوبة، المذاق: بفتح(3/112)
الميم وتخفيف الذال والقاف.
ذوي: قولهم: ذو كذا معناه: صاحبه هذا معناه في اللغة، وأما قولهم في باب الأيمان: وإن حلف بصفة من صفات الذات، وقول صاحب المهذب في كتاب الطلاق والبياض: أعراض تحل الذات فمرادهم بالذات الحقيقة، وهذا اصطلاح للمتكلمين، وقد أنكره بعض الأدباء عليهم، وقال: لا يعرف ذات في لغة العرب بمعنى حقيقة، وإنما ذات بمعنى صاحبة، وهذا الإنكار منكر بل الذي قاله الفقهاء والمتكلمون صحيح، وقد قال الإمام أبو الحسن الواحدي في أول سورة الأنفال في قول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} (الأنفال: من الآية1) .
قال أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب معنى ذات بينكن أي: الحالة التي بينكم، فالتأنيث عنده للحالة، وهو قول الكوفيين: قال: وقال الزجاج: معنى ذات بينكم حقيقة وصلكم، والبين الوصل. قال الواحدي: فذات عنده بمعنى النفس، كما يقال ذات الشيء ونفسه. قال الواحدي: وقال صاحب النظم: ذات كناية عن الخصومة والمنازعة ههنا وهي الواقعة بينهم. وفي الحديث في صلاة العيد: أمرنا بأن نخرج ذوات الخدور أي: صواحب الخدور وهي بكسر التاء منصوب، يقال: بكسر التاء في حال النصب والجر وترفع في الرفع، وأما ذات المفردة فتلحقها الحركات الثلاث.
فصل في أسماء المواضع
ذات الرقاع: بكسر الراء مذكورة في باب صلاة الخوف، قال صاحب المطالع: قيل: هو أسم شجرة سميت الغزوة به، وقيل: لأن أقدامهم نقبت فلفوا عليها الخرق، وبهذا فسرها مسلم في كتابه، وقيل: سميت برقاع كانت في ألويتهم، والأصح أنه موضع لقوله في خبر جابر حتى إذا كنا بذات الرقاع هذا كلام صاحب المطالع، وقد ثبت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: تنقبت أقدامنا فكنا نلف على أقدامنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع كما كنا نعصب أرجلنا من الخرق.
قال الشيخ تقي الدين بن الصلاح رحمه الله تعالى: يجمع بين هذا وبين قول جابر بأن(3/113)
يقال: سميت البقعة ذات الرقاع لما ذكره أبو موسى، قلت: معناه أن جابرا قال: حتى إذا كنا بالبقعة التي صار اسمها ذات الرقاع، فالصواب ما قاله أبو موسى لأنه صحابي شاهد الأمر، وفسر تفسيرا موافقا للواقع وللغة، ولم يخالفه صريح غيره فلا يعدل عنه.
ذات السلاسل: بسينين مهملتين الأولى مفتوحة، والثانية مكسورة، واللام مخففة موضع معروف بناحية الشام في أرض بني عذرة، قال ابن هشام في سيرة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سار عمرو بن العاصي رضي الله عنه حتى إذا كان على ماء بأرض جذام يقال له السلسل، وقال: وبذلك سميت تلك الغزوة ذات السلاسل، وكانت غزوة ذات السلاسل في جمادى الآخرة سنة ثمان من الهجرة، وكان غزوة مؤتة قبلها في جمادى الأولى، وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر في كتابه تاريخ دمشق: كانت غزوة ذات السلاسل بعد مؤتة، فيما ذكره أهل المغازي سوى ابن إسحاق فإنه قال: هي قبل مؤتة، والمشهورة في ذات السلاسل فتح السين الأولى، وذكر ابن الأثير في كتابه نهاية الغريب: أنها بالضم وهو اسم ماء يقال له سلاسل بمعنى سلسال، وهو السهل، وأظن ابن الأثير استنبطه من الصحاح الجوهري من غير نقل عنده فيه، ولا دلالة في كلامه.
ذات عرق: ميقات أهل العراق هو بكسر العين المهملة، وإسكان الراء بعدها قاف، وهو على مرحلتين من مكة. قال الحازمي: وهي الحد بين أهل نجد وتهامة.
ذوالحليفة: ميقات أهل المدينة زادها الله شرفا بضم الحاء المهملة وفتح اللام وإسكان الياء المثناة من تحت وبالفاء وهو على نحو ستة أميال من المدينة، وقيل: سبعة، وقيل: أربعة، وفي شرح مسلم لعياض: ذو الحليفة ماء لبني جشم، وربما اشتبه هذا بالحليفة على لفظ الميقات، وهي موضع بين حاذة وذات عرق من تهامة أو بحليقة بفتح الحاء وكسر اللام وبالقاف على اثني عشر ميلا من المدينة بينها وبين ديار بني سليم، أو اشتبه بحليفة مثل الذي قبله، إلا أنه بالفاء، وهو جبل بمكة يشرف على أجبال ذكرهن عن الحازمي، وقد نظم بعض الشعراء المواقيت الخمس في بيتين، فقال:
وبذي الحليفة يحرم المدن(3/114)
ولأهل نجد قرن فاستبن
عرق العراق يلملم اليمن
والشام جحفة إن مررت بها
ذو طوى: مذكور في باب دخول مكة من الروضة وغيرها هو بفتح الطاء على الأفصح، ويجوز ضمها وكسرها وبفتح الواو المخففة، ويصرف ولا يصرف لغتان قرىء بهما في السبع، موضع عند باب مكة بأسفل مكة في صوب طريق العمرة المعتادة ومستجاب عائشة، ويعرف اليوم بأبار الزاهر يستحب لمن دخل مكة أن يغتسل به بنية غسل دخول مكة أي: داخل كان ممن يصح إحرامه بحج أو عمرة حتى الحائض والنفساء والصبي هذا إن مر به وإلا اغتسل في غيره.
ذو مرخ: بميم ثم راء مفتوحتين، ثم خاء معجمة، المذكور في شعر الحطيئة في كتاب الأقضية من المهذب وسيأتي بيانه في حرف الميم. إن شاء الله تعالى
حرف الراء
ربب: قول الله تبارك وتعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} (النساء: من الآية23) قال الإمام أبو إسحاق بن إبراهيم السري الزجاج في كتابه معاني القرآن: قال أبو العباس محمد بن يزيد: {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} نعت للنساء اللواتي هن أمهات الربائب دون غير. قال أبو العباس: والدليل على ذلك أن إجماع الناس أن الربيبة تحل إذا لم يدخل بأمها، وأن من أجاز أن يكون قوله: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} هو لأمهات نسائكم يكون معناه: وأمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن، فيخرج أن يكون اللاتي دخلتم بهن الربائب.
قال الزجاج: والدليل على أن ما قاله أبو العباس هو الصحيح أن الجزء من الخبرين إذا اختلفا لم يكن نعتهما واحدا، لا يجوز النحويون مررت بنسائك وهربت من نساء زيد الظريفات على أن تكون الظريفات نعتا لهؤلاء النساء، ولهؤلاء النساء قال: والذين جعلوا أمهات نسائكم بمنزلة قوله: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} إنما يجوز لهم أن يكون منصوبا على أعني، فيكون المعنى اللاتي دخلتم بهن. قال: وأن يكون {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} من تمام تلك التحريمات المبهمات في أول الآية، وتكون الربائب هن اللاتي يحللن إذا لم يدخل(3/115)
بأمهاتهن فقط ودون أمهات نسائكم هو الجيد البالغ، فأما الربيبة فهي بنت امرأة الرجل من غيره، ومعناها مربوية؛ لأن الرجل هو يربيها. قال: ويجوز أن تسمى ربيبة؛ لأنه تولى تربيتها وكانت في حجره، أو لم تكن تربت في حجره لأن الرجل إذا تزوج بأمها سمي ربيبها، والعرب تسمي الفاعلين والمفعولين بما يقع بهم ويوقعونه. فيقال: هذا مقتول أي: قد وقع به القتل، وهذا قاتل أي: قد قتل، هذا آخر كلام الزجاج رحمه الله تعالى.
وقال غيره: الدليل على أنه لا يجوز عود قوله تعالى: {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} إلى أمهات النساء، بل يختص بأمهات الربائب، أن النساء في الموضعين يختلف موجب إعرابهما وجرهما ولا يجوز وصفهما بلفظ واحد.
ربط: قال أهل اللغة: يقال: ربط الشيء أي: شده يربطه، ويربطه بكسر الباء في المضارع وضمها، وممن حكاهما الأخفش والجوهري. والموضع مربط، ومربط: بفتح الباء وكسرها، والرباط المرابطة بالثغر، وأيضًا واحد الرباطات وهي الأبنية المعروفة، ورباط الخيل مرابطتها، والرباط ما تشد به القربة والدابة وغيرهما، وفلان رابط الجاش وربيط الجاش أي: شديد القلب.
قال الجوهري: كأنه يربط نفسه عن الفرار. وقول الغزالي في مواضع من الوسيط والوجيز: في الرابطة قيود، مراده بالرابطة الضابط الذي ذكره النحويون، ولعله مأخوذ مما حكاه أهل اللغة عن العرب، قالوا: جيش رابطة، ورابطة من الخيل أي: جماعة.
ربع: الربع من العدد معروف، وهو جزء من أربعة، يقال: ربع، وربع بإسكان الباء وضمها، وربيع بفتح الراء وكسر الباء، وبعدها ياء ثلاث لغات ذكرها في المحكم. قال: ويطرد ذلك في هذه الكسور عند بعضهم، قال: والجمع أرباع وربوع. ويوم الأربعاء معروف، وفيه ثلاث لغات ذكرها صاحب المحكم أربِعًا وأربَعًا وأربُعًا بكسر الباء وفتحها وضمها، والأشهر والأجود الكسر.
قال صاحب المحكم: هذا اليوم الرابع من الأسبوع؛ لأن أول الأيام عندهم الأحد بدليل هذه التسمية، ثم الاثنان ثم الثلاثاء ثم الأربعاء. قال: ولكنهم اختصوه بهذا البناء يعني: اختصوا أيام الأسبوع كما اختصوا الدبران والسماك لما ذهبوا إليه من الفرق.
قال اللحياني: كان أبو زياد يقول: مضى الأربعاء بما فيه فيفرده ويذكره. وكان أبو إسحاق الزجاج(3/116)
يقول: مضت الأربعاء بما فيهن فيؤنث ويجمع يخرجه مخرج العدد. وحكي عن ثعلب: في جمعه أرابع، ولست من هذا على ثقة. وحكي أيضا عنه عن ابن الأعرابي لا شك أربعاويًا أي: ممن يصوم الأربعاء وحده، هذا ما ذكره في المحكم، ويسمى يوم الأربعاء دبارًا بضم الدال وتخفيف الباء الموحدة، ويجمع أربعاوات قولهم في كتاب الزكاة في المائتين هي أربع خمسينات وخمس أربعينات، هذا قد أنكره بعض أهل العربية، قال: ولا يجوز جمع الخمسين والأربعين ونحوهما، وهذا الإنكار ضعيف، والصواب جوازه، وقد حكاه ابن بري وغيره عن سيبويه. قال: كل مذكر لم يجمع جمع تكسير يجوز جمعه بالألف والتاء قياسًا كحمام وحمامات، فيجوز أربعينات ونحوها، وفي الحديث: “لم أجد إلا جملا رباعيًا” ذكره في باب القرض من المهذب: هو بفتح الراء وكسر العين وتخفيف الياء، وهو الفتي من الإبل، يقال: هذا جمل باع، ومررت برباع، ورأيت رباعيًا مثل قاض سواء، والرباعية من الأسنان بتخفيف الياء.
قوله في الزكاة من المهذب: ابن الشظاظان وابن المربعة هي بكسر الميم وإسكان الراء، ويقال فيها المربع أيضًا، وهي عصى يأخذ الرجلان بطرفيها ليحملا الحمل ويضعاه على ظهر البعير، ويقال منه ربعت البعير، واليربوع بفتح الباء حيوان معروف، أكبر من كبار الفار قريب الشبه منه، والياء زائدة وجمعه يرابيع.
ربو: الربا مقصورة، وأصله الزيادة. قال الإمام الثعلبي رحمه الله تعالى: الربا زيادة على أصل المال من غير بيع، يقال: ربا الشيء إذا زاد، ويقال: الربا والرما. وقال عمر رضي الله تعالى عنه: إني أخاف عليكم الرما يعني: الربا، قال: وقياس كتابته بالياء لكسر أوله، وقد كتبوه في القرآن بالواو.
قال الفراء: إنما كتبوه كذلك؛ لأن أهل الحجاز تعلموا الكتابة من الحيرة، ولغتهم الربو، فعلموهم صورة الحرف على لغتهم، وكذلك قرأها أبو سماك العدوي بالواو. وقرأ حمزة والكسائى بالإمالة لمكان الكسرة بالراء، وقرأ الباقون بالتفخيم بفتحة الباء، فأما اليوم فأنت فيه بالخيار، إن شئت كتبت بالياء، أو على ما في المصاحف، أو بالألف، هذا ما ذكره الثعلبي.
وقال الجوهري: ربا الشيء يربو ربوا أي: زاد، قال: والربا في البيع ويثنى ربوان وربيان، وقد أربا الرجل، والربية مخففة لغة في الربا، قال: والرماء(3/117)
بالمد الربا، وارما فلان أي: أربا. قال الإمام الواحدي: الربا في اللغة الزيادة، يقال: ربا الشيء يربو ربوا، وأربا الرجل إذا عامل في الربا، قال: والربا في الشرع اسم للزيادة على أصل المال من غير بيع. وقال أبو البقاء العكبري: لام الربا واو؛ لأنه من ربا يربو وتثنيته ربوان. قال: ويكتب بالألف، وأجاز الكوفيون كتبه وتثنيته بالياء، قالوا: لأجل الكسرة التي في أوله، قال: وهو خطأ عندنا، وذكر في المهذب قول الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (البقرة: من الآية275) . قال الواحدي: معنى يأكلون الربا يعاملون، وخص الأكل معظم الأمر، كما قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} (النساء: من الآية10) وكما لا يجوز أكل مال اليتيم لا يجوز إتلافه، ولكنه نبه بالأكل على ما سواه، وقوله تعالى: {لا يَقُومُونَ} (البقرة: من الآية275) يعني: يوم القيامة من قبورهم، وقوله تعالى: {إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (البقرة: من الآية275) التخبط معناه: الضرب على غير استواء، وخبط البعير وتخبطه إذا مسه بخبل أو جنون؛ لأنه كالضرب على غير استواء في الادهاش، وتسمى إصابة الشيطان بالجنون أو الخبل خبطة،
ويقال به خبطة من جنون والمس الجنون، يقال: مس الرجل وبه مسيس، وأصله من المس باليد كأن الشيطان يمس الإنسان فيجنه ثم سمي الجنون مسا، كما أن الشيطان يتخبطه ويطأه برجله، فيخبله فيسمى الجنون خبطة، فالتخبط بالرجل والمس باليد.
فأما التفسير فقال قتادة: إن أكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونًا، وذلك علم لأكلة الربا يعرفهم بهم أهل الموقف يعلم أنهم أكلة الربا في الدنيا. قال الزجاج: لا يقومون في الآخرة إلا كما يقوم المجنون من حال جنونه، فعلى هذا معنى الآية: يقومون مجانين كمن أصابه الشيطان بجنون. قال ابن قتيبة: يريد أنه إذا بعث الناس من قبورهم خرجوا مسرعين، لقوله تعالى: {يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً} (المعارج: من الآية43) إلا أكلة الربا فإنهم يقومون ويسقطون كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان ويسقط؛ لأنهم أكلوا الربا في الدنيا فأرباه الله تعالى في بطونهم يوم القيامة حتى أثقلهم، فهم ينهضون ويسقطون ويريدون الإسراع فلا يقدرون. قال: وهذا المعنى غير الأول يريد أن أكلة الربا لا يمكنهم الإسراع في المشي كالذى(3/118)
خبله الشيطان فأصابه بخبل في أعضائه من عرج أو زمانة فهو يقوم ويسقط، وهذا ليس من الجنون في شيء والأول قول أهل التفسير.
ويؤكد هذا الثاني ما روي في قصة الإسراء: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - “إنطلق به جبريل إلى رجال كثير كل رجل منهم بطنه مثل البيت الضخم يقوم أحدهم فتميل به بطنه فيصرع، قال: قلت: يا جبريل من هؤلاء، قال: الذي يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس” هذا ما ذكره الواحدي، وقال الماوردي: قوله تعالى: {يَأْكُلُونَ الرِّبا} (البقرة: من الآية275) يعني: يأخذون الربا، فعبر عن الأخذ بالأكل؛ لأن الأخذ إنما يراد للأكل.
رتت: الأرت المذكور في صفة الأئمة، وهو بفتح الراء وتشديد التاء المثناة من فوق، قال صاحب البيان: قال أصحابنا: هو الذي يدغم حرفا في حرف، يعني: على خلاف الإدغام الجائز في العربية، وأما أهل اللغة: فقالوا: الأرت الذي في كلامه عجمة، وهي الرتة بضم الراء.
رجف: قولهم في كتاب الجهاد: لا يأذن الإمام لمرجف. قال الواحدي في سورة الأحزاب: الارجاف إشاعة الباطل للاغتمام به.
رجل: قول الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} (البقرة: من الآية239) قال الإمام الواحدي رحمه الله تعالى: أراد فإن خفتم عدوا فحذف المفعول لإحاطة العلم به. قال: والرجال جمع راجل مثل تاجر وتجار وصاحب وصحاب، والراجل هو الكائن على رجله ماشيا كان أو واقفا، ويقال في جمع راجل مثل راحل رجل ورجالة ورجالة ورجال ورجال.
والركبان: جمع راكب مثل فارس وفرسان، ومعنى الآية: فإن لم يمكنكم أن تصلوا قائمين موفين للصلاة حقوقها فصلوا مشاة على أرجلكم وركبانا على ظهور دوابكم فإن ذلكم يجزيكم. قال المفسرون: هذا في حال المسابقة والمطاردة يكبر الرجل مستقبل القبلة إن أمكنه وإن لم يمكنه غير مستقبل القبلة ثم يقرأ ويومىء للركوع والسجود. قال ابن عمر في تفسير هذه الآية: مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، هذا ما ذكره الواحدي.
وقد ذكر في المهذب قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عقب الآية: وكان بعض شيوخنا يذهب إلى أنه تفسير، كما قال الواحدي، وبعضهم يقول: ليس بتفسير بل هو بيان حكم من أحكام صلاة الخوف، وجاء عن نافع مولى ابن عمر رضي الله(3/119)
تعالى عنهم أنه قال: لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والله تعالى أعلم بالصواب.
رحب: الإبل الأرحبية مذكورة في زكاة الوسيط والروضة بفتح الهمزة، والحاء منسوبة إلى أرحب بطن من همدان القبيلة المعروفة.
ردب: الأردب بكسر الهمزة وإسكان الراء، وفتح الدال المهملة مكيال لأهل مصر معروف. قال الروياني في البحر: الأردب أربعة وعشرون صاعا وهو أربعة وستون منا.
رسغ: قال الأزهري في كتاب الجنايات من شرح المختصر: الرسغ مفصل ما بين الكف والساعد. وقال صاحب الصحاح: الرسغ من الدواب الموضع المستدق الذي بين الحافر وموصل للوظيف من اليد والرجل، يقال: رسغ ورسغ مثل عشر وعشر. قال ابن دريد في الجمهرة: الرسغ موضع الكف في الذراع، وموصل القدم في الساق، ومن ذوات الحافر موصل وظيفي اليدين والرجلين في الحافر ومن الإبل موصل الأوظفة في الأخفاف. قال: وجمع الرسغ أرساغ، ويقال: رصغ بالصاد.
وفيه حديث: “في كم قميص رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الرصغ”، في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وذكرته في آخر باب الجوع من الرياض، وفيه حديث في صفة الصلاة: “فوضع يده اليمنى على كف اليسرى والرسغ والساعد”، هكذا هو في سنن أبي داود والبيهي وغيرهما من رواية وائل بن حجر، وهو حديث صحيح.
رسل: الرسول واحد رسل الله سبحانه وتعالى صلوات الله عليهم أجمعين. قال الإمام أبو منصور الأزهري في شرح ألفاظ المختصر: الرسول هو الذي يبلغ أخبار من بعثه أخذا من قولهم جاءت الإبل رسلاً أي: متتابعة.
قال الواحدي: في قول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} (الحج: من الآية52) الرسول: الذي أرسل إلى الخلق بإرسال جبريل عليه الصلاة والسلام إليه عيانا وحاوره شفاها، والنبي: الذي تكون نبوته إلهاما أو منامًا فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً.
قال الواحدي: وهذا معنى قول الفراء الرسول النبي، والجواب: والنبي المحدث الذي لم يرسل، هذا كلام الواحدي وفيه نقص في صفة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإن ظاهره أن النبوة المجردة(3/120)
لا تكون برسالة ملك بذلك، وليس هو كذلك، وكلام الفراء الذي استشهد به يرد عليه وجمع الرسول رسل بضم السين وإسكانها على التخفيف.
قال الهروي وغيره: يطلق لفظ الرسول على الواحد والاثنين والجمع، ومنه قوله تعالى: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الشعراء:16) على أحد الأقوال، وقول الله تعالى: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً} (المرسلات:1) قولان مشهوران، أحدهما: الملائكة، والثاني: الرياح. وحكى الماوردي صاحب الحاوي في تفسيره عن أبي صالح، قال: هي الرسل. قوله في الوسيط في كتاب الطلاق: فروع متفرقة نذكرها أرسالا معناه متتابعة، وهو بفتح أوله، وقولهم: أرسل الصيد والبهيمة ونحوهما أي: أطلقه وخلاه، وراسل صديقه وغيره كتب إليه رسالة. قوله في آخر كتاب المسابقة من المهذب: إذا اختلف الرامي ورسيله هو بفتح الراء وكسر السين ومعناه: مراسله أي: مسابقه.
قال أهل اللغة: رسيل الرجل هو الذي يراسله في نضال أو غيره، وراسله مراسلة فهو مراسل ورسيل واسترسل الشعر نزل، وقوله في صفة الوضوء في المهذب: اللحية المسترسلة هي بكسر السين، يقال: افعل كذا على رسلك أي: بتؤدة وتأن وهو بكسر الراء وفتحها لغتان الكسر أشهر، وقوله في مختصر المزني والمهذب: يستحب أن يترسل في أذانه.
قال الأزهري: معناه يتمهل فيه ويبين كلامه تبينًا يفهمه من سمعه، قال: وهو من قولك: جاء فلان على رسله أي: على هينته غير عجل ولا متعب نفسه، والمرسل من الحديث هو الذي انقطع إسناده وسقط بعض رواته، هذا معناه عند الفقهاء وأصحاب الأصول والخطيب البغدادي وغيره من المحدثين. وقال جماعات من أهل الحديث أو أكثرهم: هو الذي سقط فيه الصحابي وحده، ولا يحتج به عندنا إلا بشروط مشهورة، وقد ذكرته مبينًا في كتاب الإرشاد مع فصل حسن في مرسل سعيد بن المسيب وغيره، وقد يكون الرسول من رسل الله تعالى ملكًا وقد يكون آدميًا، قال الله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} (الحج: من الآية75) وقد يكون نبيا وقد لا يكون ولا يكون النبي إلا آدميًا.
رشا: الرشاء بكسر الراء وبالمد هو الحبل، وجمعه بتغريب سقاء، وأسقية على القاضي وغيره من الولاة معروفة، وهي بضم الراء وكسرها(3/121)
لغتان فصيحتان مشهورتان، وجمعهما رشا بضم الراء وكسرها، ويقال: منها رشاه يرشوه رشوا إذا اعطاه، وارتشى أخذها، واسترشاه طلب الرشوة.
قال بعض العلماء: الرشوة مأخوذة من الرشا لأنه يتوصل بها إلى مطلوبه كالحبل، ولهذا قيل الرشوة رشا الحاجة، ثم الرشوة محرمة على القاضي وغيره من الولاة مطلقًا؛ لأنها تدفع إليه ليحكم بحق أو ليمتنع من ظلم، وكلاهما واجب عليه، فلا يجوز أخذ العوض عليه، وأما دافع الرشوة فإن توصل بها إلى باطل فحرام عليه، وهو المراد بالراشي الملعون، وإن توصل بها إلى تحصيل حق، ودفع ظلم فليس بحرام، ويختلف الحال في جوازه ووجوبه باختلاف المواضع.
رشد: في الحديث: “أرشد الله الأئمة” قال صاحب المحكم: الرشد والرشد والرشاد نقيض الغي رشد يرشد رشدا ورشدا ورشاداً، وهو راشد ورشيد ورشد أمره رشد فيه، وقيل: إنما ينصب على توهم رشده أمره وإن لم يستعمل هكذا، وأرشده إلى الأمر ورشده هداه واسترشده طلب منه الرشد.
قال الهروي: الرشد والرشد، والرشاد الهدي والاستقامة، يقال: رشد يرشد رشدًا، ورشد يرشد رشدًا لغة فيه. قال الجوهري: رشد يرشد رشدا ورشدا بالكسر يرشد رشدا لغة فيه وقال الواحدي: الرشد في اللغة إصابة الخير، وهو نقيض الغي وحب الرشاد نبت يقال له الثفاء، قاله في المحكم.
رشش: قال الجوهري: الرش الماء والدمع والدم، وقد رششت المكان رشا، وترشش عليه الماء، قال: والرشاش بالفتح ما ترشش من الدم والدمع يعني: الماء ونحوها.
رطب: قال أهل اللغة: الرطب بفتح الراء خلاف اليابس، تقول: منه رطب الشيء بضم الطاء يرطب رطوبة، فهو رطب ورطيب ورطبته ترطيبًا، وغصن رطيب ناعم، والمرطوب صاحب الرطوبة، والرطب بضم الراء وإسكان الطاء الكلأ، ويقال: بضم الطاء أيضًا كعسر وعسر، والرطبة بفتح الراء القضيب.
قال الجوهري: هي القضيب ما دام رطبا والجمع رطاب، تقول: منه رطبت الفرس رطبا ورطوبًا، والرطب بضم الراء وفتح الطاء، رطب التمر الواحدة رطبة، والجمع رطاب وأرطاب، وجمع الرطبة رطبات ورطب، وأرطب البسر صار رطبا، ورطبت القوم ترطيبًا أطعمتهم الرطب، وأرض مرطبة كثيرة الكلأ.(3/122)
وقوله في المهذب في باب من يصح لعانه في الحديث “من حلف على يمين ولو بسواك من رطب” هو بضم الراء وإسكان الطاء.
رطل: الرطل بكسر الراء وفتحها لغتان مشهورتان، الكسر أجود وغالب استعماله يراد به الوزن. وقال الأزهري في شرح ألفاظ المختصر في أول كتاب البيع: الرطل يكون وزنًا ويكون كيلا، وقوله في باب الزنا من المختصر والوسيط والوجيز.
راطل مائة دينار كأنه معناه وازن وأعلم أن الرطل متى أطلقوه في هذه الكتب ونحوها أرادوا به رطل بغداد، وقد يصرحون به وقد لا يصرحون لشهرته والعلم به، ومن أهم ما ينبغي أن يعرف ضبط رطل بغداد، فإنه يترتب عليه أحكام كثيرة في الزكاة والكفارات وغيرهما مما هو معروف، وهو مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم فإنه تسعون مثقالا وكل مثقال درهم وثلاثة أسباع درهم، وقيل: مائة وثمانية وعشرون فقط، وقيل: مائة وثلاثون، وبهذا جزم الغزالي في الوسيط والوجيز والرافعي ولكنه ضعيف، والأظهر الأول، وقد أوضحت اعتبار هذا التقدير هل هو بالوزن أم بالكيل في الروضة في بابي زكاة المعشرات وزكاة الفطر.
رعع: قال صاحب المحكم: رعاع الناس سقاطهم وسفلتهم، والرعرعة حسن شباب الغلام وتحركه، وشاب رعرع ورعرعة ورعرع ورعراع أي: مراهق، وقيل: محتلم، وقيل: قد تحرك وكبر، وقد ترعرع ورعرعه الله تعالى. وقال الأزهري: رعرعت سنه وترعرعت إذا تحركت.
رغس: قوله في أول حد الزنا في الجارية التي زنت مرغوس بدرهمين، هو بالغين المعجمة والسين المهملة، هكذا نص عليه القاضي عياض في كتابه التنبيهات، وكذا رأيته مضبوطا في نسخة معتمدة من كتاب آداب الفقيه، والمتفقه تصنيف الخطيب البغدادي. قال الأزهري: رجل مرغوس أي: كثير الخير. وقال صاحب المحكم: الرغس النماء والبركة والكثرة، وقد رغسه الله تعالى رغسًا، ووجه مرغوس طلق مبارك مرزوق، ورغسه الله تعالى مالا وولدا أعطاه كثيرا منه، وامرأة مرغوثة ولود، وشاة مرغوثة كثيرة الولد، والرغس النكاح.
وقال الأزهري: امرأة مرغوث أي ولود، كذا قال: مرغوس بلا هاء.
قلت: وهذا الحرف الذي في المهذب يقوله الفقهاء بالعين المهملة والشين المعجمة وليس كذلك.(3/123)
رفع: قوله في المهذب في باب الأذان: لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا “يؤذن لكم خياركم” فقوله: مرفوعا يعني: مضافا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: “يؤذن لكم خياركم”.
قال الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى: المرفوع ما أخبر فيه الصحابي عن قول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو فعله، وأما هذا الحديث فقد أخرجه الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في السنن الكبير، وأخرجه أيضًا ابن ماجة في سننه.
رفق: المرفق مرفق اليد فيه لغتان مشهورتان، كسر الميم مع فتح الفاء، وعكسه فتح الميم مع كسر الفاء. قال الواحدي: قال الفراء: أكثر العرب على كسر الفاء. وقال الأصمعي: لا أعرف إلا الكسر، وذكر قطرب وغيره اللغتين، والرفق ضد العنف، فيقال: منه رفق به يرفق، وحكى أبو زيد رفقت به وأرفقته وترفقت بمعنى، والرفيق ضد الأخرق، ويقال: أرفقته أي: نفعته، والرفقة بضم الراء وكسرها، الجماعة يترافقون في السفر، والجمع رفاقة، تقول: رافقته فترافقنا، وهو رفيقي ومرافقي وجمع رفيق رفقاء.
قال الأزهري في شرح ألفاظ المختصر: سموا رفقة؛ لأنهم يترافقون فينزلون معا ويحملون معا، ويرتفق بعضهم ببعض، ومرافق الدار كمصب الماء ونحوه، واحدها مرفق.
رقب: الرقبى بضم الباء نوع من الهبة، وكذلك العمري، ولهما ثلاث صور مذكورة في هذه الكتب وغيرها، وهي مشتقة من الرقوب؛ لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه، وكانت الجاهلية تسميها هذين الإسمين.
رقع: في الحديث: “لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة” ذكره في المهذب في كتاب السير. قال الهروي: سبعة أرقعة يعني: طباق السماء كل سماء منها رقعت التي تليها كما يرقع الثوب بالرقعة، قال: ويقال الرقيع: اسم لسماء الدنيا؛ لأنها رقعت بالأنوار التي فيها.
وقال الأزهري في تهذيب اللغة مثل ما ذكره الهروي: قال صاحب المحكم: الأرقع والرقيع إسمان للسماء الدنيا سميت بذلك؛ لأنها مرقوعة بالنجوم والله تعالى أعلم. قال: وقيل: كل واحدة من السموات رقيع للأخرى، والجمع أرقعة، وفي الحديث سبعة أرقعة على التذكير ذهب إلى معنى السقف، وكذا قال الجوهري الرقيع سماء الدنيا، وكذلك سائر(3/124)
السموات، وذكر في معنى تذكير سبعة أرقعة، كما قال في المحكم. قال الأزهري: قالوا: الرقيع الرجل الأحمق سمي رقيعًا؛ لأن عقله كأنه أخلق فاسترم فاحتاج إلى أن يرقع، ورجل مرقعان وامرأة مرقعانة، وقد رقع يرقع رقاعة، ورقعت الثوب، ورقعته ورقعني فما ارتقعت به أي: لم أكترث به، ورقع الغرض بسهمه أصابه وكل إصابة رقع، ورقعه رقعًا قبيحًا إذا شتمه وهجاه، ورقع ذنبه بسوط ضربه به وبالبعير رقعة، ونقبة من جرب وهو أول الجرب، هذا آخر كلام الأزهري.
وقال صاحب المحكم: رقع الثوب، والأديم يرقعه رقعًا، ورقعه ألحم خرقه وفيه مترقع لمن يصلحه أي: موضع ترقيع، وكل ما سددت من خلله فقد رقعته ورقعته، وقد تجاوزوا بذلك إلى ما ليس بعين، فقالوا: أجد فيك مرقعًا للكلام، وشاعر مرقع يصل الكلام فيرقع بعضه ببعض، والرقعة ما رقع به، وجمعها رقع ورقاع، والرقعاء من النساء دقيقة الساقين، ويقال للمرأة الحمقاء رقعاء مولدة، هذا آخر كلام المحكم.
ركب: قال الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} (البقرة: من الآية239) تقدم تفسيره في فصل الراء مع الجيم، قوله في أواخر كتاب الديات من الوسيط: لو قال: أنا ضامنون كذا وقع في النسخ ركبان بالنون في آخره، وهو منكر، والمعروف في اللغة أن يقال فيهم ركاب السفينة، قاله أهل اللغة، والركبان راكبو الإبل خاصة، وبعضهم يقول: راكبو الدواب.
ركد: قال أهل اللغة: ركد الماء يركد بضم الكاف ركودا أي: سكن، وكذلك السفينة والريح، وركدت الشمس إذا قام قائم الظهيرة، وكل ثابت في مكان فهو راكد وركد القوم هدؤا، والمراكد المواضع التي يركد فيها الإنسان وغيره. قال الجوهري: جفنة ركود أي: مملوءة.
ركع: قال الإمام أبو منصور الأزهري: صلاة الصبح ركعتان، وصلاة الظهر أربع ركعات، وكل قومة يتلوها الركوع والسجدتان من الصلوات كلها فهي ركعة، ويقال: ركع المصلي ركعة وركعتين وثلاث ركعات، وأما الركوع فهو أن يخفض المصلي رأسه بعد القومة التي فيها القراءة حتى يطمئن ظهره راكعًا، يقال: ركع ركوعًا والأول تقول فيه ركع ركعة، وكل شيء ينكب لوجهه ويمس بركبتيه الأرض أو لا يمسها بعد أن يخفض رأسه فهو راكع، وجمع الراكع ركع وركوع، وهذا ما ذكره(3/125)
الأزهري في تهذيب اللغة. وقال في شرح ألفاظ المختصر: الركوع الانحناء.
ركن: أما الفرق بين الركن والشرط، فقال الرافعي في أول صفة الصلاة: الركن والشرط يشتركان في أنه لابد منهما، وكيف يفترقان، قيل: كافتراق العام والخاص والشرط ما لا بد منه، فعلى هذا كل ركن شرط ولا ينعكس، قلت: وبهذا جزم الشيخ أبو حامد الإسفرايني في تعليقه في أول باب ما يجزي من الصلاة، وقال الأكثرون: يفترقان افتراق الخاص قوم الشرط يما يتقدم على الصلاة كالطهارة، وستر العورة، والأركان بما تشتمل عليه الصلاة، قال: وذلك أن تفرق بينهما بعبارتين إحداهما: أن تقول: الأركان هي المفروضات المتلاحقة التي أولها التكبير وآخرها التسليم، ولا يلزم التروك؛ لأنها دائمة تلحق ولا تلحق، ويعنى بالشروط ما يعتبر في الصلاة بحيث يقارن كل معتبر سواه، والركن ما يعتبر لا على هذ الوجه مثاله الطهارة تعتبر مقارنتها للركوع والسجود.
رمض: الصوم والصيام في اللغة هو الإمساك عن الشيء، وفي الشريعة إمساك عن أشياء مخصوصة في وقت مخصوص من شخص مخصوص، قولهم: شهر رمضان، أما الشهر فقال أهل اللغة: هو مأخوذ من الشهرة، يقال: شهر الشيء يشهره شهرا إذا أظهره، فسمي الشهر شهرًا لشهرة أمره في حوائج الناس إليه في معاملتهم ومناسكهم من حجهم وصومهم وغير ذلك من أمورهم.
وأما رمضان فاختلفوا في اشتقاقه على أقوال حكاها الواحدي المفسر، أحدها: أنه مأخوذ من الرمض، وهو حر الحجارة من شدة حر الشمس، فسمى هذا الشهر رمضان؛ لأن وجوب صومه صادف شدة الحر، وهذا القول حكاه الأصمعي عن أبي عمرو. والقول الثاني: وهو قول الخليل: أنه مأخوذ من الرميض، وهو من السحاب والمطر ما كان في آخر القيظ وأول الخريف، سمي رميضًا؛ لأنه يدرأ سخونة الشمس، فسمي هذا الشهر رمضان؛ لأنه يغسل الأبدان من الآثام. والقول الثالث: أنه من قولهم: رمضت النصل أرمضه رمضا، إذا دققته بين حجرين ليرق، فسمي هذا الشهر رمضان؛ لأنهم كانوا يرمضون أسلحتهم فيه ليقضوا منها أوطارهم في شوال قبل دخول الأشهر الحرم، قال: وهذا القول يحكى عن الأزهري.
قال الواحدي: فعلى قول الأزهري: الاسم جاهلي، وعلى(3/126)
القولين الأولين يكون الاسم إسلاميًا، وقيل: الإسلام لا يكون له هذا الاسم. قال الواحدي: وروى سلمة عن الفراء: أنه يقال هذا شهر رمضان، وهذا شهر ربيع، ولا يذكر الشهور مع أسماء سائر الشهورة العربية ويجمع رمضان رمضانات، هذا آخر كلام أهل اللغة، وقد اختلف العلماء في أنه هل يكره أن يقال رمضان من غير ذكر الشهر فذهب بعض المتقدمين إلى كراهته، قال أصحابنا: يكره أن يقال جاء رمضان من غير ذكر الشهر، وكذلك دخل رمضان وحضر رمضان وما أشبه ذلك مما لا قرينة فيه تدل على أن المراد الشهر، فإن ذكر معه قرينة تدل على أنه الشهر كقولك صمت رمضان وجاء رمضان الشهر المبارك وما أشبه ذلك لم يكره، هكذا قاله أصحابنا. ونقله صاحب الحاوي وصاحب البيان وجماعة آخرون عن الأصحاب، واحتج الأصحاب في ذلك بما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى، ولكن قولوا شهر رمضان” وهذا الحديث رواه البيهقي وضعفه، والضعف بين عليه، وروى الكراهة في ذلك عن مجاهد والحسن البصري.
قال البيهقي: والطريق إليهما في ذلك ضعيف، والصحيح والله تعالى أعلم ما ذهب إليه الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه، وجماعات من المحققين: أنه لا كراهة في ذلك مطلقًا كيفما قيل؛ لأن الكراهة لا تثبت إلا بالشرع، ولم يثبت في ذلك شيء، وقد صنف جماعة لا يحصون في أسماء الله تعالى مصنفات مبسوطة فلم يثبتوا هذا الاسم، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة جواز ذلك، وذلك مشهور في الصحيحين وغيرهما، ولو قصدت جمع ذلك رجوت أن تزيد أحاديثه على مائتين، لكن الغرض الإشارة إلى حديث منها، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “إذا جاء رمضان حسنة أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين” وفي بعض الروايات “إذا دخل رمضان” وفي رواية لمسلم “إذا كان رمضان” وفي الصحيح حديث: “بني الإسلام على خمس منها” و“صوم رمضان”.
رمل: الرمل معروف، وجمعه رمال. قال الجوهري: والرملة أخص منه، وأما الرمل في الطواف فهو بفتح الراء(3/127)
والميم، وهو إسراع المشي مع تقارب الخطى دون الوثوب، والعدو وهو الخبب. قال الشافعي رضي الله تعالى عنه في مختصر المزني رضي الله عنه: الرمل هو الخبب. قال الإمام الرافعي: وقد غلط من الأئمة من جعله دون الخبب.
قلت: قال أهل اللغة: الرمل والرملان الهرولة، ويقال منه رمل بفتح الميم يرمل بضمها. قال الجوهري: وغيره من أهل اللغة: الأرمل من الرجال من لا زوجة له، والأرملة التي لا زوج لها، وقد أرملت المرأة إذا مات عنها زوجها. وأنشد:
فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر
هذي الأرامل قد قضيت حاجتها
وقال ابن فارس: أرمل الرجل إذا لم يكن معه زاد، ثم أنشد هذا البيت، فذهب في معناه إلى غير ما ذهب إليه غيره.
رمن: الرمان معروف، ونونه أصلية لقولهم مرمنة للمكان الذي يكثر فيه، والواحدة رمانة، وهو من الفاكهة باتفاق أهل اللغة، وسيأتي في فصل الفاكهة بيان ذلك إن شاء الله تعالى.
رنب: الأرنب، قال الجوهري: هي واحدة الأرانب. قال صاحب المحكم: الأرنب معروف، يكون للذكر والأنثى، وقيل: الأرنب الأنثى، والخزز الذكر، والجمع أرانب وأران عن اللحياني، فأما سيبويه فلم يجز أران إلا في الشعر.
رنج: الرانج المذكور في بيع الأصول والثمار، ضبطناه بكسر النون، وكذلك وجدته في نسخة معتمدة من صحاح الجوهري مضبوطًا بالكسر، ورأيته في نسخة من المحكم مفتوح النون. قال الجوهري: هو الجوز الهندي، قال: وما أظنه عربيًا. وقال صاحب المحكم: هو النارجيل، وهو جوز الهند، حكاه أبو حنيفة. وقال: أحسبه معربًا.
روح: قوله: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، قيل: الروح جبريل عليه السلام، وقيل: ملك عظيم أعظم الملائكة خلقا، وقيل: أشرف الملائكة، وقيل: خلق كهيئة الناس، وقيل: أرواح بني آدم، حكى هذه الأقوال الماوردي في تفسيره قوله في الوسيط في كتاب الديات: لو أوقد نارا على السطح في يوم ريح، الصواب فيه إسكان الياء من ريح وإضافة يوم إليه، ومعناه: في يوم ذي ريح، ومراده ريح شديدة، ولو قال: في يوم راح لكان أولى، أو قال في يوم ريح شديدة، وأما ما قاله بعضهم: أن صوابه(3/128)
ريح بفتح الراء وكسر الياء المشددة فليس بصحيح، فإن الريح طيب الريح، ومراد المصنف ريح شديدة فيفسد المعنى.
رود: قال أهل اللغة: الإرادة المشيئة. قال الجوهري: أصلها الواو، ومذهب أهل السنة: أن الله تعالى مريد بإرادة قديمة، وهي صفة من صفات الذات، ولم يزل مريدًا. قال الإمام أبو بكر بن الباقلاني في كتابه هداية المسترشدين: فإن قيل: يلزم على قولكم أنه لم يزل مريدًا إنه لم يزل راضيًا ومحبًا وقاصدًا ومختارًا ومواليًا ومعاديًا وغضبان وساخطًا وكارهًا ورحمانًا ورحيمًا، قلنا: كذلك نقول لأن جميع هذه الأسماء والصفات راجعة إلى الإرادة فقط.
روق: في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها: “أن امرأة كانت تهراق الدم” حديثها مشهور، وهو حديث صحيح، رواه مالك في الموطأ وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي، وغيرهم بإسناد صحيح، على شرط البخاري ومسلم.
وتهراق بضم التاء وفتح الهاء والدم منصوب على التشبيه بالمفعول به أو على التمييز على مذهب الكوفيين هرقت الماء وأهرقته.
ذهب بعض اللغويين: إلى أن هرقت فعلت وأهرقت أفعلت، وأنهما بمعنى واحد، وهذا قول من لا يحسن التصريف؛ لأنه يوهم أن الهاء أصل، وهو غلط، بل هما فعلان رباعيان معتلان بالعين أصلهما أرقت، فالهاء بدل من همزة أفعلت في هرقت كأرحت الماشية وهرحتها وأبرت الثوب وهبرته، والهاء في أهرقت عوض من ذهاب حركة عين الفعل عنها، ونقلها إلى الياء؛ لأن أصله أريقت أو أروقت على اختلاف فيه، فنقلت حركة الواو والياء إلى الراء فانقلب حرف العلة ألفا لانفتاح ما قبله الآن، وتحركه في الأصل ثم حذفت الألف لسكونها وسكون القاف، والساقط إن كان واوًا فهو من راق الشيء يروق، وإن كان ياء فقد حكى راق الماء يريق إذا انصب.
والدليل على أن الهاء فيهما ليست فاء الفعل كما توهم: أنها لو كانت لزم جرى هرقت في تصريفه كضربت، فيقال: هرقت أهرق هرقا كضربت أضرب ضربًا، أو مجرى غيره من الثلاثية التي مضارعها بضم العين، ويجيء مصادرها مختلفة، ويلزم جرى أهرقت كأكرمت أكرم أكرامًا، ولم تقل العرب شيئًا من(3/129)
ذلك، بل يقولون في مضارع هرقت أهريق بضم الهمزة وفتح الهاء، فضمها يدل على أنه رباعي أعني: هرقت لا ثلاثي، واسم فاعله مهريق، واسم مفعوله مهراق، فيفتحون الهاء؛ لأنها بدل من همزة، ولو يثبت على تصريف الفعل لفتحت، فتقول: في أرقت إذا لم تحذف همزته يوريق، وفي اسم فاعله موريق، وفي مفعوله موراق، وقالوا: في مصدره هراقة كأراقة وإذا صرفوا أهرقت بسكون الهاء، فمضارعة أهريق، واسم فاعله مهريق، ومفعوله مهراق، ومصدره إهراقة، فأسكنوا الهاء في الجميع، فدل على أنه رباعي معتل، وليس بفعل صحيح، وأن هاءه بدل من همزة أرقت أو عوض كما سبق، والشاهد على سكون هاء مهريق قول العديل بن الفرخ العجلي:
لرقارق آل فوق رابية جلد
فكنت كمهريق الذي في سقائه
والشاهد على سكون إهراقه قول ذي الرمة:
لأعزلة عنها وفي النفس أن أثنى
فلما دنت إهراقة الماء أنصتت
روم: الروم جيل من الناس معروف، كالعرب والفرس والزنج وغيرهم، والروم: الذين تسميهم أهل هذه البلاد الإفرنج. قال الإمام الواحدي رحمه الله تعالى: هم جيل من ولد روم بن عيصو بن إسحاق غلب اسم أبيهم عليهم فصار كالاسم للقبيلة، قال: وإن شئت هو جمع رومي منسوب إلى روم بن عيصو، كما يقال زنجي وزنج ونحو ذلك. قال أهل اللغة: رام فلان الشيء يرومه روما أي: طلبه، والمرام بفتح الميم المطلب. قال ابن الأعرابي: يقال رومت فلانا ورومت بفلان إذا جعلته يطلب الشيء.
روى: يقال: رويت من الماء واللبن ونحوهما، أروى ريا وريا بكسر الراء وفتحها وروى مثل رضا ثلاث لغات حكاهن الجوهري، وارتويت وترويت بمعنى رويت ويوم التروية بفتح التاء وإسكان الراء، ذكره في المهذب في صفة الحج: هو اليوم الثامن من ذي الحجة سمي يوم التروية؛ لأنهم كانوا يرتوون فيه الماء ويحملونه معهم في ذهابهم من مكة إلى عرفات. ويقال: رويت الحديث والشعر رواية فأنا راو، والجمع رواة، ويقال: رويت القوم أرويهم أي: استقيت لهم، ورويته الحديث والشعر إي: حملته إياه وجعلته راويا له.
قال الجوهري: ويقال أيضًا أرويته إياه والمصدر تروية، ويقال: فلان رواية للشعر إذا وصف بكثرة روايته، والهاء للمبالغة والراية العلم، وجمعه رايات، والراوية البعير أو البغل أو الحمار الذي يستقى عليه، هذا أصلها، ثم استعملت مجازا(3/130)
في المزادة، ويقال: رؤيت في الأمر أي: نظرت فيه وفكرت فيه. قال الجوهري: يهمز ولا يهمز، ويقال: ماء روى بكسر الراء والقصر وبفتحها مع المد أي: عذب، ويقال رجل له رواء بضم الراء وبالمد أي: منظر، ومن هذا قوله في خطبة الوجيز وهداية ينمحق في روائها أباطيل الخيالات.
ريف: قولهم في باب الأطعمة من كتاب المهذب: ويرجع في معرفة ما يستطاب من الحيوانات الذي جهلنا حاله إلى العرب من أهل الريف والقرى الريف بكسر الراء وإسكان الياء. قال أهل اللغة: هو الأرض التي فيها زرع وخصب، وجمعه أرياف، وأريفن أي: سرن إلى الريف وأرافت الأرض بلا همز مثال أقامت معناه أخصبت، وهي أرض ريفة بتشديد الياء.
فصل في أسماء المواضع
رام هرمز: مذكور في المهذب في باب صلاة المسافرين وفي فصل الأمان من باب السير: وهي بفتح الميم الأولى وضم الهاء وإسكان الميم الثانية، وهي من بلاد خورستان بقرب شيراز.
الربذة: ذكرها في باب الربا من المهذب: هي براء ثم باء موحدة ثم ذال معجمة مفتوحات ثم هاء، وهو موضع قريب من مدينة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من منازل حاج العراق، وبها قبر أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال الحازمي في المختلف والمؤتلف: هي من منازل الحاج بين السليلة والعمق. وقال صاحب مطالع الأنوار: وهي على ثلاث مراحل من المدينة المساجد من ذات عرق.
راذان: في حديث ابن مسعود: "لا تتخذوا الضيعة". قال عبد الله: براذان بالمدينة ما بالمدينة هذه اللفظة مما رأيت خلائق غلطوا فيها، وآخرين تحيروا فيها فلم يدروا ما هي ولا كيف هي تقال، وآخرين صحفوها، وصوابها: أن راذان بالراء والذال المعجمة وآخره نون، قاله الحازمي في كتابه في الأماكن.
وهي ناحية من سواد العراق تشتمل على قرى كثيرة ذوات مزارع، وهي صقعان راذان الأعلى وراذان الأسفل، هذا كلام الحازمي.
والباء التي في قوله براذان هي باء الجر، ليست من الكلمة،(3/131)
ومعنى الكلام لا سيما إن اتخذتم الضيعة براذان أو بالمدينة يعني: في راذان أو في المدينة، وإنما خص هذين الموضعين لنفاستهما وكثرة الرغبة فيهما.
الردم: المذكور في أول باب دخول مكة من الروضة هو بفتح الراء وإسكان الدال المهملة، وهو موضع معروف بمكة زادها الله تعالى شرفًا يرى الداخل الكعبة الكريمة منها.
الروحاء: مذكورة في أول باب الهبة من المهذب هي بفتح الراء وإسكان الواو وبالحاء المهملة ممدودة، وهي موضع من عمل الفرع بضم الفاء وإسكان الراء، وبينها وبين مدينة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ستة وثلاثون ميلاً، كذا جاء في صحيح مسلم في باب الأذان عن سليمان الأعمش، قال: قلت لأبي سفيان وهو طلحة بن نافع التابعي المشهور: كم بينها وبين المدينة، قال: ستة وثلاثون ميلاً.
وحكى صاحب المطالع: أن بينهما أربعين ميلاً وأن في كتاب ابن أبي شيبة بينهما ثلاثون ميلاً والله تعالى أعلم.
روضة خاخ: مذكورة في آخر كتاب السير في المهذب في فصل: وإن تجسس رجل من المسلمين للكفار لم يقتل، هي بخاءين معجمتين عند المدينة، وبها وجد علي ورفيقه الظعينة التي معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، قاله الحازمي. وقال ابن الأثير: هي موضع بين مكة والمدينة.
الري: مذكورة في الوسيط في صلاة المسافر، وهي مدينة كبيرة من مدن الجبال، وينسب إليها رازي، وهو من شواذ النسب.
حرف الزاي
زبب: الزبيب الذي يؤكل معروف، الواحدة زبيبة، ويقال: زبب فلان عنبه تزبيبًا أي: جعله زبيبًا. وقوله في الوسيط في باب الأحداث: زبيبة الحسن. وقوله في موانع النكاح: ستدخل زُبيبة الصغير هي بضم الزاي، تصغير الزب وهو الذكر، وألحقت الياء فيه كما ألحقت في عسيلة ودهينة ونحو ذلك.
زبزب: قوله في المهذب والتنبيه: لا تجوز المسابقة على الزبازب بالزاي المكررة الأولى مفتوحة والثانية مكسورة وبالباء الموحدة المكررة، وهو جمع زبزب على(3/132)
مثال جعفر، وهي سفينة صغيرة تتخذ للحرب تشبه الزورق الطويل، وليست عربية.
زبل: المزبلة بفتح الميم والباء، وبضم الباء أيضًا لغتان، موضع الزبل بكسر الزاي: وهو السرجين، يقال: زبلت الأرض إذا أسمدتها، قاله كله الجوهري. والزبيل بفتح الزاي: وبعدها ياء مكسورة مخففة نون، وهو القفة، وجمعه زبل بضم الزاي وسكون الباء، قاله في المحكم.
قال الجوهري فإن كسرته شددت، فقلت: زبيل أو زنبيل؛ لأنه ليس في الكلام فعليل بالفتح.
زحر: قوله في باب الوصية: الزحير المتواتر هو بفتح الزاي وكسر الحاء وهو استطلاق البطن قاله الجوهري، قال: وكذلك الزحار بالضم، قال: والزحير التنفس بشدة، يقال: زحرت المرأة عند الولادة تزحر وتزحر.
زرع: المزارعة المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها، ويكون البذر من مالك الأرض والمخابرة مثلها إلا أن البذر من العامل، وقيل: هما بمعنى، وقد سبق بيانهما وبسط القول فيهما في حرف الخاء.
قال أهل اللغة: الزرع واحد الزروع وموضعه مزرعة ومزدرع، والزرع أيضًا طرح البذر، والزرع أيضًا الإنبات، يقال: زرعه الله تعالى أي: أنبته الله تعالى، ومنه قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} (الواقعة:64) .
زرق: قوله في أول الباب الثالث من اللعان من الوسيط؛ لأنه يحتمل انزراق المني، كذا وقع انزراق.
زعزع: في باب الإيلاء من المهذب في أبيات الشعر:
لزعزع من هذا السرير جوانبه
فوالله لولا الله لا شيء غيره
هو بضم الزاي الأولى وكسر الثانية، قال الإمام الأزهري: زعزعزت الشيء إذا أردت إزالته من منبته فحركته تحريكا ومنه قول الشاعر:
لزعزع من هذا السرير جوانبه
وقال صاحب المحكم: وزعزعته زعزعة، وأنشد البيت، ثم قال: ويروى:
لولا الله أني أراقبه
زعق: قال الأزهري: قال الليث وغيره: الزعاق الماء المر الغليظ الذي لا يطلق شربه من أجوجته، وطعام مزعوق أكثر ملحه، وذكر صاحب المحكم مثله، وزاد الواحد والجمع في الزعاق سواء، وأزعق أنبط ماء زعاقا، وزعق القدر يزعقها زعقًا، وأزعقها أكثر ملحها، وزعق دوابه طردها مسرعا. وقيل: الزاعق الذي يسوق ويصيح بها صياحًا شديدًا، وزعقة المؤذن صوته(3/133)
هذا كلام صاحب المحكم هنا.
وقال الأزهري في باب العين والقاف والذال المعجمة: قال الليث: الزعاق بمنزلة الذعاق، ومعناه المر، سمع ذلك من بعضهم، فلا أدري ألغة أم لثغة. قال الأزهري: لم أسمع ذعاق بالذال لغير الليث، قال: وقال ابن دريد: زعقه وزعقه صاح به وأفزعه، قال الأزهري: وهذا من أباطيل ابن دريد، وذكر صاحب المحكم هاتين اللفظتين ولم ينكرهما.
زعم: قال الإمام الواحدي المفسر رحمه الله تعالى في قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} (النساء: من الآية60) قال: الزُعم والزَعم لغتان، وأكثر ما يستعمل القول فيما لا يتحقق. قال ابن المظفر: أهل العربية يقولون: زعم فلان إذا شك فيه، ولم يدر لعله كذب أو باطل. وعن الأصمعي الزعم الكذب. وقال شريح: زعموا كنية الكذب. وقال ثعلب عن ابن الأعرابي: الزعم القول يكون حقًا ويكون باطلاً، وأنشد في الزعم الذي هو حق لأمية بن أبي الصلت:
سينجزكم ربكم ما زعم
وإني أذين لكم أنه
ومثل ذلك قال شمر: وأنشد للجعدي رضي الله تعالى عنه في الزعم الذي هو حق يذكر نوحا عليه الصلاة والسلام:
إن الله موف للناس ما زعما
نودي قم واركبن بأهلك
وهذا بمعنى التحقيق هذا آخر كلام الواحدي، وروينا في الحديث المرفوع عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: زعم جبريل كذا، وروينا في مسند أبي عوانة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: زعمنا أن سهم ذي القربى لنا، فأبى علينا قومنا أي: قلنا واعتقدنا.
وروينا في حديث ضمام بن ثعلبة رضي الله تعالى عنه أنه قال لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "زعم رسولك أن علينا خمس صلوات في كل يوم وليلة، وزعم أن علينا الزكاة، وزعم كذا وكذا" الحديث. وزعم في كل هذا بمعنى: قال، وليس فيها تشكك، وقد أكثر سيبويه رحمه الله تعالى في كتابه الذي هو قدوة أهل العربية من قوله زعم الخليل كذا، وزعم أبو الخطاب وهما شيخاه، ويعني: بزعم قال.
زغب: قوله في الروضة في أول الحجر: الزغب الذي حول الفرج لا أثر له في البلوغ، وهو بفتح الزاي والغين المعجمة. قال أهل اللغة: هو الشعيرات الصفر فوق الفرج، وقد زغب الفرج تزغيبًا،(3/134)
وازتغب إذا طلع زغبه، وازتغب الشعر إذا نبت بعد الحلق.
زلل: ذكر الغزالي رحمه الله تعالى في باب الوليمة من كتابيه: زلة الصوفية، وهي بفتح الزاي وتشديد اللام، وهي الطعام يحملونه من المائدة.
قال أهل اللغة: الزلة من الألفاظ المثلثة، فالزلة بفتح الزاي الخطيئة، وهي السقطة، وهي الطعام الذي يدعى إليه الناس، وهي المحمول من المائدة لقريب أو صديق، والزلة بكسر الزاي الحجارة الملس، والزلة بضم الزاي ضيق النفس.
زمر: قوله: مُزمور الشيطان هو بضم الميم وفتحها لغتان، حكاهما ابن الأثير، ويقال: مزمار، ويقال: مزمارة بالهاء في آخره، رواه البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد في باب الدرق.
زمل: ذكره في المهذب الزاملة في استطاعة الحج. قال أهل اللغة: هو البعير الذي يستظهر به المسافر يحمل عليه طعامه ومتاعه.
زنا: قوله في الوسيط في باب صلاة الجماعة: وقد قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يصلين أحدكم وهو زناء" هذا الحديث بهذا اللفظ رواه أبو عبيد في غريب الحديث بإسناد ضعيف، وهو صحيح المعنى، فقد روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصلي وهو حاقن حتى يتخفف" رواه أبو داود وغيره وعن ثوبان رضي الله عنه نحوه رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن. وعن عائشة رضي الله تعالى عنها: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا صلاة بحضرة الطعام ولا لمن يدافعه الأخبثان" رواه مسلم في صحيحه، والأخبثان البول والغائط، أما ضبط اللفظة التي في حديث الوسيط فهي زناء بزاي مفتوحة ثم نون مخففة ثم ألف ممدودة، ومعناه: الحاقن، هو الذي اضطره البول وهو يدافعه.
قال الجوهري: تقول منه زنأ البول بالهمز يزنأ زنوءا، إذا احتقن. قوله في المهذب في باب القذف قال الشاعر:
وارق إلى الخيرات زنأ في الجبل(3/135)
هذا الذي أتى به بعض بيتين. قال ابن السكيت في إصلاح المنطق، والأزهري والجوهري، وغيرهم من أهل اللغة وغيرهم: قالت امرأة من العرب ترقص ابنا لها:
ولا تكونن كهلوف وكل
وارق إلى الخيران زنأ في الجبل
اشبه أبا أمك أو أشبه حمل
يصيح في مضجعه قد انجدل
قال الأزهري: حمل يعني: بفتح الحاء والميم اسم رجل، والهلوف يعني: بكسر الهاء وفتح اللام المشددة الرجل العظيم الخلق، والوكل يعني: بفتح الواو والكاف الرجل الضعيف، وانجدل سقط إلى الجدلة يعني: بفتح الجيم وهي الأرض، وكل هؤلاء ذكروا البيتين لامرأة من العرب وأنشدوهما كما قدمته، إلا الجوهري فإنه قال:
أشبه أبا أمك أو أشبه عمل
بعين بدل الحاء، ذكره في فصل العين من حروف اللام، وقال: عمل اسم رجل، وسمى المرأة فقال: هي منفوسة بنت زيد الخيل.
وقال أبو زكريا التبريزي إنكارا على الجوهري: وإنما قال قيس بن عاصم المنقري: يرقص ابنا له، فقال: "أشبه أبا أمك أو أشبه عمل" يعني: عملي، ولم يرد عمل اسم رجل كما قال الجوهري، واقتصر الجوهري في فصل الزاي من حرف الهمزة على القدر الذي في المهذب، ونسبه إلى قيس بن عاصم المنقري، فقال: وقال قيس بن عاصم المنقري: "وارق إلى الخيرات زنأ في الجبل" هذا بيان حال الشعر، وأما ضبط اللفظة فهي بفتح الزاي وإسكان النون وبعدها همزة منصوبة منونة، ومعناه: صعودا. قال أهل اللغة: يقال: زنأ في الجبل يزنأ زنأ وزنوءا بمعنى صعد.
زنى: قال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (النور: من الآية2) وقال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (المائدة: من الآية38) يقال: ما الحكمة في أن بدأ في الزنى بالمرأة وفي السرقة بالرجل، وما الحكمة في أن جعل حد السارق بعقوبة العضو الذي وقعت به الجناية وهو اليد، وفي الزاني بغيره؟
والجواب عن الأول: أن الزنى من المرأة أقبح فإنه يترتب عليه تلطيخ فراش الرجل وفساد الأنساب؛ ولأنه في العادة يستقبح منها هي في إخفائه أكثر من الرجل، وغير ذلك من الأمور التي تقتضي زيادة قبحه منها على الرجل، ولهذا كان تقديمها أهم، وأما السرقة فالغالب وقوعها من الرجال فقدموا لذلك. وأما الحكمة الثانية: فلآن قطع اليد يحصل به عقوبة محل الجناية من غير مفسدة، وفي قطع الذكر مفسدة، وهو إبطال النسل المندوب إلى إكثاره، ولأن الحد لزجر المحدود وغيره، فإذا قطعت اليد وحصل الزجر، ولو قطع الذكر لم يدر به.
ولم يجمل قوله في المهذب: ولو قال للرجل: يا زانية بالهاء كان قذفًا؛ لأن الهاء قد تزاد للمبالغة، كقولهم علامة ونسابة، هكذا قاله جماعة(3/136)
من أصحابنا، وأنكره آخرون. قال الرافعي: لم يرض إمام الحرمين وآخرون هذا، قالوا: وليس هذا مما يجري فيه القياس بل هو مسموع، ولا يصح أن يقال لمن يكثر القتل قاتلة، ولا قتالة، وإنما دليل كونه قد قال به إنه إذا حصلت الإشارة إلى العين، لم ينظر إلى علامة التذكير والتأنيث، كما لو قال لعبده: أنت حرة؛ لأنه لحن لا يمنع الفهم ولا يدفع العار.
زوج: يقال للرجل زوج وللمرأة زوج، هذه اللغة الفصيحة المشهورة التي جاء بها القرآن العزيز، ويقال أيضًا: للمرأة زوجة بالهاء، وهي لغة مشهورة حكاها جماعة من أهل اللغة. قال أبو حاتم السجستاني في المذكر والمؤنث: لغة أهل الحجاز زوج، وهي التي جاء بها القرآن، والجمع أزواج، قال: وأهل نجد يقولون: زوجة للمرأة، قال: وأهل مكة والمدينة يتكلمون بذلك أيضًا، وأنشد:
قد صار في رأسه التخويص والنزع
زوجة اشمطعر هوب بوادره
وثبت في صحيحي البخاري ومسلم عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في صفة أهل الجنة: لكل واحد منهم زوجتان، هكذا هو في الصحيحين بالتاء. وفي صحيح مسلم: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "هذه زوجتي فلانة" يعني صفية في حديثه الطويل الذي فيه "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم". وثبت في صحيح البخاري في حديث ابن أبي مليكة: "أن ابن عباس دخل على عائشة رضي الله تعالى عنهم في مرضها، فقال: أنت بخير إن شاء الله تعالى زوجة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم ينكح بكرا غيرك".
وفي أوائل كتاب النكاح من صحيح البخاري في باب كثرة النساء عن ابن عباس قال: "هذه ميمونة زوجة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " هكذا هو بالهاء، ويقال: تزوج الرجل امرأة، وتزوج بامرأة، وزوجت زيدًا امرأة، وزوجته بامرأة يعدى بنفسه، وبالباء لغتان مشهورتان، حكاهما جماعات من أهل اللغة: عن ابن قتيبة في أدب الكاتب، وأفصحهما تزوج امرأة معدى بنفسه، قال الله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا} (الأحزاب: من الآية37) وأما قوله تعالى: {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} (الدخان: من الآية54) .
فقد اختلف العلماء في المراد بالتزويج ههنا، فقال الإمام أبو الحسن الواحدي في البسيط: قال أبو عبيدة: معناه(3/137)
جعلناهم أزواجا كما يزوج النعل بالنعل أي: جعلناهم اثنين اثنين. وقال يونس: أي قرناهم بهن، وليس من عقد التزويج. قال يونس: والعرب لا تقول تزوجت بها، وإنما تقول تزوجتها. قال الواحدي: وقال ابن سلام - يعني أبا عبيدة: تميم يقولون: تزوجت بامرأة وتزوجت امرأة، قال: وحكى الكسائى أيضًا: زوجناه امرأة وزوجناه بامرأة، قال: وقال الأزهري: تقول العرب: زوجته امرأة، وتزوجت امرأة، وليس من كلامهم تزوجت بامرأة. قال: وقوله تعالى: {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} أي: قرناهم، قال: وقال الفراء: هي لغة في أزد شنوءة، هذا كلام الأزهري.
وقال الأخفش: قول أبي عبيد حسن والله تعالى أعلم، وجزم البخاري في صحيحه: بأن معنى زوجناهم أنكحناهم، وفي صحيح البخاري عن أنس في قصة أم حرام وركوب البحر في الغزو، قال: فتزوج بها عبادة بن الصامت، ذكره في كتاب الجهاد في باب ركوب البحر.
زود: قال أهل اللغة: الزاد طعام يتخذ للسفر، يقال: تزودت لسفري، وزودت فلانًا فتزود، والمزود بكسر الميم ما يجعل فيه الزاد.
زون: قوله في باب المسابقة على الحراب: والزانات هي بالزاي والنون، وهي نوع من الحراب تكون مع الديلم رأسها دقيق، وحديدتها عريضة.
زيت: الزيت معروف، ويقال له الخيلع بفتح الخاء المعجمة وإسكان الياء وفتح اللام، ذكره صاحب المحكم في باب خلع عن كراع، والله تعالى أعلم.
فصل في أسماء المواضع
زمزم: زادها الله تعالى شرفًا بزاءين وفتحهما وإسكان الميم بينهما، وهي بئر في المسجد الحرام، زاده الله تعالى شرفًا بينها وبين الكعبة، زادها الله تعالى شرفًا ثمان وثلاثون ذراعا، قيل: سميت زمزم لكثرة مائها، يقال: ماء زمزم وزمزوم بانتساخ إذا كان كثيرًا، وقيل: لضم هاجر عليها السلام لمائها حين انفجرت وزمها إياها، وقيل: لزمزمة جبريل وكلامه، وقيل: إنه غير مشتق.
ولها أسماء أخر ذكرها الأزرقي وغيره: هزمة جبريل، والهزمة الغمزة بالعقب في الأرض، وبرة، وشباعة، والمضنونة، وتكتم،(3/138)
ويقال لها: طعام طعم، وشفاء سقم، وشراب الأبرار.
وجاء في الحديث: "ماء زمزم طعام طعم، وشفاء سقم"، و"جاء ماء زمزم لما شرب له" معناه من شربه لحاجة نالها، وقد جربه العلماء والصالحون لحاجات أخروية ودنيوية، فنالوها بحمد الله تعالى، وفضله، وفي الصحيح عن أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه: أنه أقام شهرًا بمكة، لا قوت له إلا ماء زمزم، وفضائلها أكثر من أن تحصر، والله تعالى أعلم.
وروى الأزرقي عن العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه، قال: تنافس الناس في زمزم في زمن الجاهلية حتى إن كان أهل العيال يفدون بعيالهم فيشربون فيكون صبوحا لهم، وقد كنا نعدها عونا على العيال. قال العباس: وكانت زمزم في الجاهلية تسمى شباعة، وفي غريب الحديث لابن قتيبة عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، قال: "خير بئر في الآرض زمزم، وشر بئر في الأرض برهوت". قال ابن قتيبة: برهوت بئر بحضرموت، يقال: إن أرواح الكفار فيها، وذكر له دلائل.
قال الأزرقي: كان ذرع زمزم من أعلاها إلى أسفلها ستين ذراعًا كل ذلك بنيان، وما بقي فهو جبل منقور، وهي تسعة وعشرون ذراعا، وذرع تدوير فم زمزم أحد عشر ذراعا، وسعة فم زمزم ثلاث أذرع وثلثا ذراع، وعلى البئر مكبس ساج مربع فيه اثنتا بكرة يستقى عليها، وأول من عمل الرخام على زمزم وعلى الشباك وفرش أرضها بالرخام أبو جعفر أمير المؤمنين في خلافته.
قال الأزرقي: ولم تزل السقاية بيد عبد مناف، فكان يسقى الماء من بئر كرادم وبئر خم على الإبل في المزاد والقرب، ثم يسكب ذلك الماء في حياض من أدم بفناء الكعبة، فيرده الحاج حتى يتفرقوا، وكان يستعذب لذلك الماء، ثم وليها من بعده ابنه هاشم بن عبد مناف، ولم يزل يسقي الحاج حتى توفي، فقام بأمر السقاية من بعده ابنه عبد المطلب بن هاشم، فلم يزل كذلك حتى حفر زمزم، فعفت على آبار مكة كلها، فكان منها يشرب الحاج، وكانت لعبد المطلب إبل كثيرة، فإذا كان الموسم جمعها، ثم يسقي لبنها بالعسل في حوض من آدم ثم زمزم، ويشتري الزبيب فينبذه بماء زمزم، وكانت إذ ذاك غليظة جدا، وكان للناس أسقية كثيرة يستقون منها الماء، ثم ينبذون فيها القبضات من الزبيب والتمر ليكثر غلظ الماء، وكان الماء العذب بمكة عزيزًا، لا يوجد إلا لإنسان يستعذب له من بئر ميمون وخارج من مكة، فلبث(3/139)
عبد المطلب يسقي الناس حتى توفي، فقام بأمر السقاية بعده ابنه العباس بن عبد المطلب، فلم تزل في يده، وكان للعباس كرم بالطائف، فكان يحمل زبيبه، وكان يداين أهل الطائف، ويقتضي منهم الزبيب، فينبذ ذلك كله، ويسقيه الحاج في أيام الموسم، حتى مضت الجاهلية، وصدر من الإسلام ثم أقرها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في يد العباس يوم الفتح، ثم لم تزل في يد العباس حتى توفي فوليها بعده ابنه عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، فكان يفعل ذلك كفعله، ولا ينازعه فيها منازع، حتى توفي فكانت بيد ابنه علي بن عبد الله يفعل كفعل ابيه وجده، يأتيه الزبيب من الطائف، فينبذه حتى توفي، ثم كانت بيده إلى الآن.
حرف السين
سار: قوله في أول الوسيط: الطهورية مخصوصة بالماء من بين سائر المائعات، قد أنكره الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى فقال: في كلامه هذا استعمال للفظة سائر بمعنى الجميع، وذلك مردود عند أهل اللغة، معدود في غلط العامة، وأشباههم من الخاصة. قال أبو منصور الأزهري في تهذيب اللغة: أهل اللغة اتفقوا على أن معنى سائر الباقي. قال الشيخ: ولا التفات إلى قول الجوهري صاحب اللغة سائر الناس جميعهم، فإنه ممن لا يقبل ما ينفرد به، وقد حكم عليه بالغلط في هذا من وجيهن، أحدهما: في تفسير ذلك بالجميع، والثاني: في أنه ذكره في فصل سير، وحقه أن يذكره في فصل سار؛ لأنه من السؤر بالهمز، وهو بقية الشراب وغيره.
قال الشيخ: وقول الغزالي صحيح من حيث الحكم، أن هذه الخصوصية، إنما هي بالنسبة إلى المائعات فحسب لا مطلقًا، فإن التراب طهور أيضًا بنص الحديث، فهذا وجه يصح به هذا الكلام، وقد استعمل الغزالي رحمه الله تعالى سائر بمعنى الجميع، في مواضع كثيرة من الوسيط، وهي لغة صحيحة ذكرها غير الجوهرى، لم ينفرد بها الجوهري، بل وافقه عليها الإمام أبو منصور الجواليقي في أول كتابه شرح أدب الكاتب أن سائر بمعنى: الجميع، واستشهد على ذلك، وإذا اتفق هذان الإمامان على نقلها فهي لغة. وقال ابن دريد: سائر الشيء يقع على معظمه، وجله ولا يستغرقه. كقولهم جاء سائر بني فلان أي:(3/140)
جلهم، ولك سائر المال أي: معظمه. قال ابن بري: ويدل على صحة قوله قول ابن مضرس:
وليس له من سائر الناس عاذر
فما حسن أن يعذر المرء نفسه
وقال ذو الرمة:
وسائر اليسير إلا ذاك منجذب
معرسا في بياض الصبح وقعته
إلا ذاك المستثنى التعريس من السير، فسائر بمعنى: الجميع، وأنكر أبو علي أن يكون سائر من السؤر بمعنى: البقية؛ لأنها تقتضي الأقل، والسائر الأكثر، ولحذفهم عينها في نحو قوله:
كلون الثؤر وهي إذا ما سارها
وسود ماء المرد فاها فلونه
لأنها لما اعتلت بالقلب اعتلت بالحذف، ولو كانت العين همزة في الأصل لما حذفت.
قال ابن ولاد: سائر يوافق بقية، في نحو أخذت من المال بعضه وتركت سائره؛ لأن المتروك بمنزلة البقية، يفارقها من حيث أن السائر لما كثر، والبقية لما قل، ولهذا تقول: أخذت من الكتاب ورقة، وتركت سائره، ولا تقول: تركت بقيته، وقوله الصحيح: أن سائر بمعنى الباقي قل أو كثر لا شاهد عليه؛ لأنه استعمل للأكثر والبقية للأقل، كما قال أبو علي: وقال ابن بري: من جعل سائر من سار يسير، فيجوز أن يقول: لقيت سائر القوم أي: الجماعة التي يسير فيها هذا الاسم، وأنشدوا على ذلك قول ابن الرقاع:
توفي فليغفر له سائر الذنب
وحجر وزيان وإن يك حافظا
وابن أحمر:
فلم تعدموا من سائر الناس باغيا
فلا يأتنا منكم كتاب بروعة
وقول ذي الرمة، وقد سبق قول ابن أحمر:
ومالت حماحمه وسائره ندى
قضيبا من الريحان غله الندى
وقال الأحوص:
إلى غيركم من سائر الناس مجمع
فإني لأستحييكم أن يقودني
وقال المعري:
فهو فرض في سائر الأبدان
أشرب العالمون حبك طبعا
وقال الأحوص:
رقد القوم سائر الحراس
فجلتها لنا لبابة ولما
سبب: والأصبع السبابة، وهي تلي الأبهام سميت بذلك؛ لأن الناس يشيرون بها عند السب.
سبج: قوله في باب جامع الإيمان من المهذب: وإن لبس شيئا من الخرز،(3/141)
والسبج هو السبج بسين مهملة ثم باء موحدة مفتوحتين ثم جيم، وهو خرز أسود يلبس في العراق كثيرًا، وهو فارسي معرب. قال الجوهري: وقال ابن فارس في المجمل: هو عربي.
سبح: التسبيح في اللغة التنزيه، ومعنى سبحان الله تنزيها له من النقائص مطلقًا، ومن صفات المحدثات كلها، وهو اسم منصوب على أنه واقع موقع المصدر لفعل محذوف، تقديره: سبحت الله تعالى.
قال النحويون وأهل اللغة: يقال: سبحت الله تعالى تسبيحًا وسبحانًا، فالتسبيح مصدر، وسبحان واقع موقعه ولا يستعمل غالبًا إلا مضافًا كقولنا سبحان الله، وهو مضاف إلى المفعول به أي: سبحت الله تعالى؛ لأنه المسبح المنزه.
قال أبو البقاء رحمه الله تعالى: ويجوز أن يكون مضافًا إلى الفاعل لأن المعنى تنزه الله تعالى، وهذا الذي قاله وإن كان له وجه فالمشهور المعروف هو الأول، قالوا: وقد جاء غير مضاف كقول الشاعر:
فسبحانه ثم سبحانًا أنزهه
قال أهل اللغة والمعاني والتفسير وغيرهم: ويكون التسبيح بمعنى الصلاة، ومنه قول الله سبحانه وتعالى: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} (الصافات:143) أي المصلين، والسبحة بضم السين صلاة النافلة، ومنه قوله في الحديث: سبحة الضحى وغيرها، ومنه ما حكاه في هيئة الجمعة من المهذب: قعود الإمام يقطع السبحة.
قال الجوهري رحمه الله تعالى: السبحة التطوع من الذكر والصلاة، تقول: قضيت سبحتي، قالوا: وإنما قيل: للمصلي مسبح لكونه معظما لله عز وجل بالصلاة وعبادته إياه وخضوعه له، فهو منزه بصورة حاله، قالوا: وجاء التسبيح بمعنى: الاستثناء، ومنه قوله تعالى: {قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون} أي: تستثنون، وتقولون: إن شاء الله تعالى، وهو راجع إلى معنى التعظيم لله عز وجل للتبرك باسمه.
قال الإمام الواحدي رحمه الله تعالى: قال سيبويه رحمه الله تعالى: معنى سبحان الله براءة الله من السوء، وسبحان الله بهذا المعنى معرفة يدل على ذلك. قول الأعشى:
سبحان من علقمة الفاجر
أي: براءة منه، قال: وهو ذكر تعظيم لله تعالى لا يصلح لغيره، وإنما ذكره الشاعر نادرًا، ورده إلى الأصل وأجراه كالمثل. قلت: ومراد سيبويه رحمه الله تعالى: إنه اسم معرفة لا ينصرف إذا لم يضف للعلمية، وزيادة الألف والنون، ولهذا لم يصرفه الأعشى، ومنهم من يصرفه ويجعله نكرة، كما تقدم في البيت السابق والله تعالى أعلم.
قلت: هذا أصل هذه(3/142)
الكلمة، ثم أنها يؤتى بها للتعجب، ومن ذلك قول الله عز وجل: {سبحنك هذا بهتن عظيم} . قال أبو القاسم الزمخشري: سبحانك هنا للتعجب من عظم الأمر. قلت: فإن قيل: فما معنى التعجب في كلمة التسبيح، قلنا: الأصل في ذلك أن يسبح الله تعالى عند رؤية العجيب من صنائعه، ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منه. قلت: ومنه الحديث الصحيح عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال للمغتسلة من الحيض: “خذي فرصة من مسك فتطهري بها” قالت: كيف أتطهر بها. قال: “سبحان الله تطهري بها” وفي الحديث الآخر في الصحيح: أن أبا هريرة لما سأل عنه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاغتسل ثم جاء وقال: كنت جنبًا، فقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “سبحان الله إن المؤمن لا ينجس” ومعنى الحديثين: التعجب من خفاء هذا الأمر الذي لا يخفى، ومثله ماحكاه في أول باب العدد من المهذب عن الوليد بن مسلم قال: قلت لمالك بن أنس رحمه الله تعالى: حديث جميلة عن عائشة رضي الله تعالى عنها: “لا تزيد المرأة على السنتين في الحمل”، قال مالك: سبحان الله من يقول هذا، هذه امرأة محمد بن عجلان جارتنا تحمل أربع سنين، أراد مالك رحمه الله تعالى التعجب من أنكار هذا الأمر مشاهدة المحسوس.
ونظائر ما ذكرنا كثيرة، وكذلك يقولون في التعجب: لا إله الا الله، وممن ذكر هذين اللفظتين في ألفاظ التعجب من النحويين الإمام أبو بكر ابن السراج رحمه الله تعالى في كتابه الأصول، والله تعالى أعلم.
وقوله في السجود من المهذب يقول: “سبوح قدوس”، فيهما لغتان مشهورتان، أفصحهما وأكثرهما ضم أولهما وثانيهما، والثانية فتح أولهما مع ضم ثانيهما. قال الجوهري: سبوح من صفات الله تعالى، قال ثعلب: كل اسم على فعول فهو مفتوح الأول إلإ السبوح والقدوس، فإن الضم فيهما أكثر وكذلك الزروج. وقال ابن فارس في المجمل: سبوح هو الله عز وجل، وكذلك قاله الزبيدي في مختصر العين، فحصل خلاف في أنه اسم الله تعالى أو صفة من صفاته، وتسمية هذا خلافًا يحرم على بعض أصحابنا المتكلمين من أن صفاته سبحانه وتعالى لا يقال هي الذات ولا غيرها، ويكون المراد بالسبوح والقدوس المسبح والمقدس، فكأنه قال: مسبح مقدس رب الملائكة والروح عز وجل. والله تعالى أعلم.
والسُبْحة: بضم السين وإسكان الباء، خرز منظومة يسبح(3/143)
بها معروفة، تعتادها أهل الخير مأخوذة من التسبيح، والمسبحة بضم الميم وفتح السين وكسر الباء المشددة الأصبع السبابة، وهي التي تلي الإبهام سميت بذلك؛ لأن المصلي يشير بها إلى التوحيد والتنزيه لله سبحانه وتعالى عن الشرك. قال أصحابنا: وتكون إشارته عند الهمزة من قوله إلا الله في قوله أشهد أن لا إله إلا الله.
وأما صلاة التسبيح المعروفة: فسميت بذلك لكثرة التسبيح فيها على خلاف العادة في غيرها، وقد جاء فيها حديث حسن في كتاب الترمذي وغيره، وذكرها المحاملي وصاحب التتمة وغيرهما من أصحابنا، وهي سنة حسنة، وقد أوضحتها أكمل إيضاح، وسأزيدها إيضاحا في شرح المهذب مبسوطة إن شاء الله تعالى.
ومعنى سبوح قدوس: المبرأ من النقائص والشريك، وكل ما لا يليق بالإليهة، وقدوس: المطهر من كل ما لا يليق بالخالق. قال الهروي: وقيل: القدوس المبارك. قال القاضي عياض: وقيل فيه: سبوحا قدوسا أي: أسبح سبوحًا، أو أذكر أو أعظم أو أعبد، والسباحة بكسر السين العوم في الماء، يقال: سبح يسبح بفتح الباء فيهما. والله تعالى أعلم.
سبط: يقال شعر سبط بكسر الباء وفتحها، أي: مسترسل، وسبط الشعر بكسر الباء يسبط بفتحها سبطا بالفتح أيضًا، ورجل سبط الشعر، وسبط بكسر الباء وإسكانها، والساباط سقيفة بين حائطين تحتها طريق أو نحوه، والجمع سوابط وساباطات، وفي الحديث: أتى سباطة قوم فبال قائمًا، بضم السين وتخفيف الباء، وهي ملقى الكناسة والتراب، ونحوهما تكون بفناء الدار، وسباط بضم السين اسم الشهر المعروف في شهور الروم.
سبع: قوله في مختصر المزني، ويضطبع الطائف حتى يكمل سبعة، اختلفت نسخ المختصر فيه ففي بعضها سبعة بالباء الموحدة قبل العين أي: طوفاته السبعة، وفي بعضها سعية بمثناة من تحت بعد العين، وهي السعي بين الصفا والمروة.
وينبني على هذا الخلاف في لفظ اختلاف أصحابنا: في أنه يضطبع في الركعتين بعد الطواف أم لا؟ فمن قال: بالباء، قال: إذا فرغ الطواف أزال الاضطباع ثم صلى ثم أعاد الآضطباع للسعي. ومن قاله: بالمثناة، قال: يستديم الاضطباع في الطواف والصلاة والسعي، والصحيح عند الأصحاب هو الأول، وقد أوضحته في الروضة، وأرجو إيضاحه في المناسك.
سبغ: قولهم إن اقتصر في الوضوء(3/144)
على مرة وأسبغ أجزأه، وإن نقص عن المد والصاع، وأسبغ أجزأه، معنى أسبغ: عمم الأعضاء واستوعبها، ومنه ثوب سابغ، ودرع سابغة.
سبق: في الحديث: "لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل" قال الإمام أبو سليمان الخطابي في معالم السنن: السبق بفتح السين والباء، ما يجعل للسابق على سبقه من جعل ونوال، وأما السبق بسكون الباء، فهو مصدر سبقت الرجل أسبقه سبقًا، قال: والرواية الصحيحة في هذا الحديث السبق مفتوحة الباء، يريد أن العطاء والجعل لا يستحق إلا في سباق الخيل والإبل، وما في معناهما من النضال وهو الرمي، هكذا قال الشيخ تقي الدين بن الصلاح رحمه الله تعالى: أن الرواية الصحيحة فيه فتح الباء، وقوله في باب المسابقة من المهذب: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعلي رضي الله تعالى عنه: يا علي قد جعلت إليك هذ السبقة بين الناس، هو بضم السين وإسكان الباء، هكذا قيده جماعة من المصنفين في ألفاظ المهذب، وذكر بعض المصنفين منهم: أنه روي بفتح السين، وأنكره المحققون، وقالوا: الصواب الضم، ومعناه أمر المسابقة.
قال الإمام الواحدي في تفسير أول سورة الحجر: سبق إذا كان واقعا على شخص فمعناه جاز وخلف، كقولك سبق زيد عمرًا أي جازه وخلفه وراءه. ومعنى استأخر قصر عنه ولم يبلغه، وأما إذا كان واقعًا على زمان، فهو بالعكس من هذا، كقولك سبق فلان الحول، وسبق عام كذا أي: مضى قبل مجيئه ولم يبلغه. ومعنى استأخر عنه جاوزه وخلفه وراءه، فقوله تعالى: {مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا} (الحجر: من الآية5) أي: لا تقصر عنه فتهلك قبل بلوع الأجل، وما يستئخرون أي: يتجاوزنه ويتأخر الأجل عنهم.
سجد: قال الأزهري: السجود أصله التطامن والميل. وقال الواحدي: أصله في اللغة الخضوع والتذلل، قال: وسجود كل شيء في القرأن طاعته لما سجد له، هذا أصله في اللغة، ثم قيل: لكل من وضع جبهته على الأرض سجد؛ لأنه غاية الخضوع.
سحر: قولها: بين سحري ونحري، السحر: فتح السين وضمها لغتان، وإسكان الحاء المهملتين وهو الرئة وما يتعلق بها. قال القاضي عياض: وقيل: إنما هو شجري بالشين المعجمة والجيم أي: ضمته إلى نحرها(3/145)
مشبكة يديها عليه، والصواب المعروف هو الأول.
سحل: قوله في المهذب في باب الكفن "كفن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ثلاث أثواب سحولية" هو بضم الحاء المهملة، وروي بفتح السين وضمها، والفتح قول الأكثرين وروايتهم. قال الأزهري في تفسير هذا الحديث: سحول بفتح السين مدينة في ناحية اليمن تحمل منها الثياب، فيقال لها السحولية، قال: وأما السحولية بضم السين فهي الثياب البيض، قال غير الأزهرى: السحولية بالفتح نسبة إلى سحول قرية ظاهرا، وبالضم ثياب القطن، وقيل: بالضم ثياب نقية من القطن خاصة، وفي رواية لمسلم: ثلاثة أثواب سحولية بضم السين، قالوا: هو جمع سحل وهو ثوب القطن.
سدد: قوله في المهذب في باب طهارة البدن والثوب: وإن حمل يعني المصلي قارورة فيها نجاسة وقد سد رأسها، ففيه وجهان: قوله: سد هو بالسين المهملة، قال صاحب البيان: لم يذكر الشيخ أبو إسحاق بأي شيء سد رأسها، وسائر أصحابنا قالوا: إذا سد رأسها بالصفر والرصاص وما أشبههما، والتحم بالقارورة ففيه وجهان: وأما إذا سد رأسها بشمعة أو خرقة وما أشبههما فلا تصح صلاته وجهًا واحدًا، قال: وأطلاق الشيخ يحمل على الصفر والرصاص وما أشبههما.
سدر: في الحديث: "المحرم يغسله بماء وسدر"، وفيه حديث صحيح مخرج في صحيح البخاري ومسلم السدر معروف، وهو من شجر النبق، ويطلق السدر على الغاسول المعروف، وعلى الشجرة، وواحدة الشجر سدرة، ويجمع على سدرات وسدارات وسدرات وسدر، الأولى بكسر السين وإسكان الدال، والثانية كسر السين وفتح الدال، والثالثة كسرهما، والرابعة كسر السين وفتح الدال من غير ألف بعدهما، وكذلك تجمع كسرة.
سرر: قال الله تعالى: {لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً} (البقرة: من الآية235) قال صاحب المهذب: وفسر الشافعي رضي الله تعالى عنه: السر بالجماع؛ لأنه يفعل سرًا، وقد اختلف المفسرون وغيرهم في هذا، فنقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وغيره: أنه الجماع، كما قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: وذهب جماعات إلى أن المراد بالسر الزنا، حكاه الواحدي عن الحسن وقتادة والضحاك والربيع، وهو رواية عطية بن ابن عباس، قالوا: وكان الرجل يدخل على المرينة، وهو يعرض بالنكاح(3/146)
فيقول لها: دعيني فإذا وفيت عدتك أظهرت نكاحك، فنهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك.
وقال الشعبي والسدي: لا تأخذ عليها ميثاقًا أن لا تنكح غيره، وجمع الواحدي الأقوال، ثم قال: فحصل في السر أربعة أقوال: النكاح، والجماع، والزنا، والسر الذي تخفيه وتكمته عن غيرك. قال: وقوله تعالى: {إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً} (البقرة: من الآية235) يعني به التعريض بالخطبة وتقديره: قولاً معروفًا في هذا الموضع؛ لأن التعريض مأذون فيه معروف، والتصريح مزجور عنه فهو معروف. قال: ويجوز أن يكون المعنى قولاً معروفًا منه الفحوى دون التصريح، والسرير معروف: وهو مشترك بين سرير المولود وسرير الميت وهو نفسه، وسرير الملك، وجمعه أسرَّة وسرر بضم السين والراء، كما قال الله تعالى: {عَلَى سُرُرٍ} (الحجر: من الآية47) هذه هي اللغة الفصيحة المشهورة، ويجوز فتح الراء الأولى عند المحققين من النحويين وأهل اللغة.
قال الجوهري في صحاحه: جمع السرير سرر، إلا أن بعضهم يستثقل اجتماع الضمتين مع التصغير، فيرد الأولى منهما إلى الفتح لخفته، فيقول: سرر، وكذلك ما أشبهه كذليل وذلل ونحوه، هذا كلام الجوهري.
وقد ذكر الفتح شيخنا جمال الدين بن مالك رحمه الله تعالى في كتابه المثلث، قال: ولكن الضم أقيس، وأشهر وأنشد في المهذب في باب الإيلاء:
لزعزع من هذا السرير جوانبه
المراد بالسرير هنا: نفس المرة التي أنشدت الشعر شبهت نفسها بالسرير من حيث أنها فراش للرجل مركوب كسرير الخشب الذي يجلس عليه.
وقال الواحدي في تفسير سورة الحجر: قال أبو عبيدة: يقال: في جمع السرير سرر بضم الراء وسرر بفتحها، وكل فعيل من المضاعف يجمع على فعل، وفعل بالضم والفتح. وقال المفضل: بعض تميم وكلب يفتحون؛ لأنهم يستثقلون ضمتين متواليتين في حرفين من جنس واحد. وقال بعض أهل المعاني: السرير مجلس رفيع موطوء للسرور، وهو مأخوذ منه؛ لأنه مجلس سرور. وقال الإمام أبو علي عمر بن محمد بن عمر الشلوبيني في كتابه شرح الجزولية عند قول صاحب الجزولية: وإنما فتحوا عين فعل في مضاعفه والأعرف الضم. قال الشلوبيني: مثاله سرر، وسرر جمع سرير، وجدد وجدد جمع جديد، وهذا قياس في النحو مطرد عند النحويين، وذلك يرد قول يعقوب وغيره في قولهم: ثياب جدد، ولا تقول جدد إنما الجدد(3/147)
الطرائف، فإن الضم في جدد جمع جديد، جائز على ما ذكرناه ولم يعرفه يعقوب. وقال أبو عمر الزاهد في شرح الفصيح في أوائل باب المضموم أوله: سمعت المبرد يقول: ثياب جدد، وثياب جدد وسرير وسرر وسرر لغتان فصيحتان، وقولهم: تسرى بجارية، قال الأزهري: تسرى بمعنى تسرر لكن كثرت الراءات، فقلبت إحداهن ياء، كما قالوا: تظنيت من الظن، وأصله تظننت. وقال البيهقي في كتابه رد الانتقاد على ألفاظ الشافعي: قال أبو العلاء بن كموشاد: يقال: تسرى الجارية وتسررها واستسرها.
سرف: قال الأزهري وغيره: السرف مجاوزة الحد المعروف لمثله.
سرق: قال الجوهري: سرق منه مالا يسرق سرقا بالتحريك، يعني: بفتح الراء. قال: والاسم السرق، والسرقة بكسر الراء فيهما، قال: وربما قالوا: سرقه مالا وسرقه نسبه إلى السرقة. قوله في المهذب في باب السلم: بعد أن ذكر ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في السلم في السرق: والسرق الحرير، فالسرق بفتح السين والراء المهملتين، ولكن قال الجوهري: هو شقق الحرير، ثم قال: قال أبو عبيد: إلا أنها البيض منها الواحدة منها سرقة. قال: وأصلها بالفارسية سرة أي: جيد، فعربوه كما عرب برق للحمل، ويلحق للقباء، واستبرق للغليظ من الديباج. والله تعالى أعلم.
سرل: قال الأزهري: أما سرل فليس بعربي صحيح، والسراويل أعجمية عربت، وجاء السراويل على لفظ الجماعة وهي واحدة، وقد سمعت غير واحد من الأعراب يقول: سروال، وإذا قالوا: سراويل أنثوا.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: "أنه كره السراويل المخرفجة" يعني: الواسعة الطويلة، قال: وقال الليث: السراويل أعجمية أعربت وأنثت، والجمع سراويلات، قال: وسرولته أي: ألبسته السراويل، هذا ما ذكره الأزهري. وقال صاحب المحكم: السراويل فارسي معرب يذكر ويؤنث، ولم يعرف الأصمعي فيها إلا التأنيث، والجمع سراويلات. قال سيبويه: ولا يكسر؛ لأنه لو كسر لم يرجع إلى لفظ الواحد فترك، وقد قيل: سراويل جمع واحده سروالة، وسروله فتسرول ألبسه إياها فلبسها، والسراوين السراويل: زعم يعقوب أن النون فيها بدل من اللام. وقال الجوهري السراويل معروف يذكر ويؤنث، والجمع السراويلات. قال سيبويه: سراويل واحدة وهي أعجمية أعربت(3/148)
فأشبهت من كلامهم مما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، فهي مصروفة في النكرة ومن النحويين من لا يصرفه في النكرة، ويزعم أنه جمع سروال وسروالة، والعمل على القول الأول والثاني أقوى. وقال أبو حاتم السجستاني في كتابه المذكر والمؤنث، السراويل مؤنثة لا يذكرها من علمناه. قال: وبعض العرب يظن السراويل جماعة، قال: وسمعت من الأعراب من يقول: الشراويل بالشين يعني المعجمة.
سطل: السطل بفتح السين وإسكان الطاء، ويقال أيضا: السطيل. قال الزبيدي: جمع السطل سطول. قال: وهي طسيسة صغيرة على هيئة التور له عروة.
سعد: قال أهل اللغة: السعد اليمن.
سعل: قال الأزهري في باب العين والهاء والكاف: الهكاع السعال يعني: بضم الهاء.
سعن: قوله في المهذب في باب عقد الذمة في كتاب النصارى في الصلح: ولا يخرج سعانينا ولا باعونا هو بسين مفتوحة ثم عين مهلمتين وبالنون، وهو عيد معروف لهم، وهو منصوب بإسقاط الحرف أي: لا يخرج في السعانين. وقال أبو السعادات ابن الأثير في كتابه النهاية في غريب الحديث: هو عيد لهم قبل عيدهم الكبير بأسبوع. قال: وهو سرياني معرب. قال: وقيل: هو جمع واحده سعنون، وهو الذي ذكرته من أنه بالسين المهملة لا خلاف فيه وممن قيده كذلك، ونص عليه من العلماء أبو السعادات ابن الأثير وغيره، وتقوله العوام وأشباههم من المتفقهين بالشين المعجمة، وذلك خطأ ظاهر.
سعى: قوله في مختصر المزني: ويضطبع حتى يكمل سعيه، كذا وقع في بعض النسخ، وفي بعضها سبعة بموحدة قبل العين، وتقدم بيانه في حرف السين والموحدة.
سفتج: قوله في باب القرض: اقترض على أنه يكتب له سفتجة هي بالسين المهملة والتاء وإسكان الفاء بينهما وبالجيم، وهو كتاب يكتبه المستقرض للمقرض إلى نائبه ببلد آخر ليعطيه ما أقرضه، وهي لفظة أعجمية.
سفر: قوله في الوسيط والوجيز والروضة في مواضع: إن صرح الوكيل بالسفارة وهي بكسر السين وهي النيابة. قال الرافعي في آخر الباب الرابع من كتاب(3/149)
الخلع: أصل السفارة الإصلاح، يقال: سفرت بين القوم أي: أصلحت، ثم سمي الرسول سفيرًا؛ لأنه يسعى في الإصلاح، ويبعث له غالبًا.
سفل: قال الإمام أبو منصور الأزهري رحمه الله تعالى: قال الليث: الأسفل نقيض الأعلى، والسفلى نقيض العليا، والسفل نقيض العلو في التسفل، والتعلي والسافلة نقيض العالية في النهر والرمح ونحوه، والسافل: نقيض العالي، والسفلة نقيض العلية، والسفال نقيض العلاء. ويقال: أمرهم في سفال وفي علاء، والسفول مصدر وهو نقيض علو، والسفل نقيض العلو في البناء، هذا ما ذكره الأزهري.
وقال صاحب المحكم رحمه الله تعالى: السفل، والسفل يعني: بضم السين وكسرها، والسفلة يعني: بالكسر نقيض العلو، والأسفل نقيض الأعلى يكون إسمًا وظرفًا، وقد سفل وسفل يعني: بفتح الفاء وضمها يسفل فيهما يعني: بضم الفاء سفالا وسفولا وتسفل، وسفلة الناس وسفلتهم أسافلهم وغوغاؤهم. وقيل: سفالة كل شيء وعلاوته أسفله وأعلاه.
سقمن: السقمونيا: بفتح السين الميم وكسر النون مقصورة، وهي من العقاقير التي تقتل، ويصح بيعها؛ لأنه ينتفع بقليلها، وقد ذكرتها في الروضة في أول كتاب البيع؟
سكر: السكر معروف، والسكر المذكور في باب زكاة الثمار من المهذب: وهو نوع من النخل وهو بضم السين وتشديد الكاف مثل السكر المعروف، وتفسيره مذكور في باب الهاء في فصل هلب لمصلحة اقتضته، وأعلم أن المذهب الصحيح الذي جزم به أصحابنا وغيرهم في الأصول: أن السكران ليس مكلفًا. وقال الشيخ أبو محمد الجويني في باب الأذان من كتابه الفروق، والقاضي حسين في فتاويه فيه، وصاحب التهذيب فيه: هو مكلف، واحتج بقول الله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} (النساء: من الآية43) وأجاب الغزالي في المتسصفى عن الآية.
سكن: السكين معروف، قال أبو جعفر النحاس في كتابه صناعة الكاتب حكي عن الأصمعي: أن السكين تذكر، وزعم الفراء أنه يذكر ويؤنث، وحكى الكسائى سكينه، وحكى ابن السكيت سكين حديد وحداد.
زاد غيره حدادًا بالتخفيف، والجمع حداد يعني: بكسر الحاء، وسكين محدد ومحددة ومحد ومحدة، لأنك تقول: أحددت السكين وحددته. ويقال: سكين مجلى ومجلو، واشتقاق السكين من سكن أي: هدأ ومات(3/150)
أي: السكون بها.
قال النحاس: قال أبو إسحاق: واشتقاق المدية من المدي؛ لأنها مدى الأجل. قال ابن الأعرابي: يقال: للسكين مدية، ومَدية، ومِدية ثلاث لغات، والنصاب أصل الشيء، وأنصبت السكين جعلت له نصابا، وأقبضتها وأقربتها جعلت لها مقبضا وقرابا، وقربتها أدخلتها في القراب، وكذا غلفتها وأغلفتها، والشفرة الجانب الذي يقطع من السكين، والذي لا يقطع به يقال له كل، حكاه أبو زيد، والحديدة الذاهبة في النصاب سيلان، وحد رأس السكين الذباب، والذي يليه الظبة، وجانبت السكين غمدته مقلوبًا، هذا آخر كلام النحاس.
سلب: في الحديث: "لا تغالو في الكفن فإنه يسلب سلبًا سريعًا" فسر تفسيرين أحدهما: يبلى عاجلا، فلا فائدة في المغالاة فيه. والثاني: أن النباش يقصده إذا كان غاليًا نفيسًا فيسلبه، والسلب: اجتذاب الثوب عن الملابس.
سلم: السلام: اسم من أسماء الله تعالى، واختلف العلماء في معناه، فذكر إمام الحرمين في كتابه الإرشاد فيه ثلاثة أقوال، أحدها: معناه ذو السلاة من كل آفة ونقيصة، فيكون من أسماء التنزيه. والثاني: معناه مالك تسليم العباد من المهالك، فيرجع إلى القدرة. والثالث: معناه ذو السلام علىالمؤمنين في الجنان، فيرجع إلى الكلام القديم والقول الأزلي، هذا كلام إمام الحرمين. وقال غيره: معناه الذي سلم خلقه من ظلمه، وقيل: معناه مسلم المسلمين من العذاب، وقيل: المسلم على المصطفين، لقوله تعالى {وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} (النمل: من الآية59) أي: ذو السلام وأما السلام من الصلاة. وقوله في التشهد: السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته، وسلام الإنسان على الآخر فهو بمعنى السلامة أي: لكم السلام والسلامة.
وذكر الأزهري فيه قولين، أحدهما: معناه اسم السلام وهو الله عز وجل عليك. والثاني: سلم الله عليك تسليما وسلامًا، ومن سلم الله تعالى عليه سلم من الآفات. وقيل: معناه السلام عليكم أي: الله معكم على بمعنى مع. قال الهروي: ويقال: نحن مسالمون لكم.
قال أبو جعفرالنحاس: قولهم: سلام عليكم هو بالرفع، قال: ويجوز بالنصب، إلا أن الاختيار الرفع، قال: وقد قال النحويون: ما كان مشتقًا من فعل، فالاختيار فيه النصب نحو قولك: سقيًا لزيد وويل له لأن ويلا لا فعل له، ويجوز في أحدهما ما جاز في الأخر إلا أن الاختيار ما قدمناه. قال: وكان يجب على هذا أن ينصب سلام؛ لأن منه فعلا ولكن اختير الرفع؛ لأنه أعم،(3/151)
وليس يراد أفعل فعلا، فيكون المعنى تحية عليك.
قال النحاس في موضع آخر: إنما قالوا: سلام عليك في أول الكتاب لأنه ما ابتدىء به ولم يتقدمه ما يكون به معرفة، وجب أن يكون نكرة. وقالوا في الآخر: السلام عليك؛ لأنه إشارة إلى الأول، وقدموا السلام على الرحمة؛ لأن السلام اسم من أسماء الله تعالى. قوله: استلم الحجر الأسود. قال الهروي: قال الأزهري: استلام الحجر افتعال من السلام وهو التحية، كما يقال: افترأت السلام، ولذلك أهل اليمن يسمون الركن الأسود المحيا: معناه أن الناس يحيونه. وقال العتبي: هو افتعال من السلام، وهي الحجارة واحدتها سلمة، تقول: استلمت الحجر إذا لمسته، كما تقول اكتحلت من الكحل، هذا ما ذكره الهروي.
وقال الجوهري: استلم الحجر إما بالقبلة أو باليد، ولا يهمز؛ لأنه مأخوذ من السلام وهو الحجر، وبعضهم يهمزه. وقال صاحب المحكم: استلم الحجر واستلأمه قبله أو اعتنقه، وليس أصله الهمز. قال الواحدي في تفسير سورة هود في قوله سبحانه وتعالى: {قَالُوا سَلاماً} (هود: من الآية69) قال سلام. قال: قال: أكثر ما يستعمل سلام بغير ألف ولام، وذلك أنه في مثل الدعاء، فهو مثل قولهم: خير بين يديك، لما كان في معنى المنصوب استخير فيه الابتداء بالنكرة، فمن ذلك قوله تعالى: {قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} (مريم: من الآية47) وقوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} (الرعد:24) وقوله تعالى: {سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} (الصافات:79) {سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} (الصافات:120) وغير ذلك، وجاء بالألف واللام في قوله تعالى: {وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} (طه: من الآية47) قال: وقال الأخفش: ومن العرب من يقول: سلام عليكم، ومنهم من يقول: السلام عليكم، فالذين ألحقوا الألف واللام حملوه على غير المعهود، والذين لم يلحقوه حملوه على غير المعهود، وزعم أن فيهم من يقول: سلام عليكم فلا ينون، وحمل ذلك على وجهين، أحدهما: أنه حذف الزيادة من الكلمة كما تحذف من الأصل في نحو لم يك. والآخر: أنه لما كثر استعمال هذه الكلمة وفيها الألف واللام حذفا لكثرة الاستعمال كما حذفا من اللهم فقالوا لهم. وقرأ حمزة، قال: سلم بكسر السين. قال الفراء: وهو في معنى سلام، كما قالوا: حل وحلال وحرم وحرام؛ لأن التفسير جاء بأنهم سلموا عليه فرد عليهم، وأنشد:
كما اكتل بالبرق الغمام اللوائح(3/152)
مررنا فقلنا آيه سلم فسلمت
فهذا دليل على أنهم سلموا فردت عليهم فعلى هذا القراءتان بمعنى. قال أبو علي: ويحتمل أن يكون سلم خلاف العدو والحرب؛ لأنهم لما تخلفوا عن طعام إبراهيم عليه السلام فنكرهم. فقال: سلم أي: أنا سلم ولست بحرب ولا عدو، فلا تمتنعوا من طعامي كطعام العدو.
قلت: فعلى هذا لا يكون قوله: سلم، جوابا لقولهم: سلامًا، بل حذف جواب ذلك للدلالة، فلما قعدوا عنده وأحضر الطعام فامتنعوا، قال: سلم والله تعالى أعلم.
قال أهل العلم: ويسمى السلام تحية، ومنه قول الله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (النساء: من الآية86) قال بعض العلماء: سمي تحية؛ لأنه يستقبل به محياه وهو وجهه، وسلم بضم السين وفتح اللام معروف، وهو الدرجة والمرقاة، قاله في المحكم، قال: ويذكر ويؤنث، قال ابن عقيل:
يبنى له في السموات السلاليم
لا يحرز المرء أحجار البلاد ولا
احتاج فزاد الياء، هذا ما ذكره في المحكم. وقال الجوهري: السلم واحد السلاليم. وقال الهروي في قوله تعالى: {أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ} (الأنعام: من الآية35) أي: مصعدا، وهو الشيء الذي سلمك إلى مصعدك، مأخوذ من السلامة. وقال أبو حاتم السجستاني في المذكر والمؤنث: السلم مذكر، وفي القرآن العزيز {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} (الطور: من الآية38) قال: وقد ذكروا التأنيث أيضا عن العرب، قوله في الوسيط في بيع الأصول والثمار: اللفظ الثالث الدار ولا يندرج تحتها المنقولات كالرفوف المنقولة والسلاليم، كذا وقع السلاليم بالياء جمع سلم كما تقدم.
قال أهل اللغة: ويقال: سلمت الشيء إلى فلان فتسلمه أي: أخذه، وسلم فلان من كذا يسلم سلامة، وسلمه الله تعالى منه، والتسليم السلام، والتسليم للشيء والاستسلام له.
والاستسلام له الانقياد له وأسلم أمره إلى الله عز وجل أي: فوضه إليه، وأسلم دخل في دين الإسلام، وأسلمت زيدًا لكذا أي: خذلته، ويقال: تسالم القوم مسالمة وتسالما والسليم اللديغ.
قال أهل اللغة: في وجه تسميته بذلك قولان، أحدهما: التفاؤل بسلامته. والثاني: أنه أسلم لما به، والسلم الذي هو نوع من البيع معروف، ويقال فيه: السلف. قال الأزهري في شرح ألفاظ المختصر: السلم والسلف واحد، ويقال: سلم وأسلم وسلف وأسلف بمعنى واحد، هذا قول جميع أهل اللغة، هذا(3/153)
ما ذكره الأزهري.
وأما معناه وحده في الشرع، فقال إمام الحرمين: فيه عبارتان للأصحاب مشعرتان بمقصوده، أحدهما: أنه عقد علي موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلا. والثانية: أنه عقد يفتقر إلى بدل ما يستحق تسليمه عاجلا في مقابلة ما لا يستحق تسليمه عاجلا. قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "على كل سلامى من أحدكم صدقة" ذكره في باب صلاة التطوع من المهذب، وهو بضم السين وتخفيف اللام وفتح الميم مثل حبارى. قال الهروي: قال أبو عبيد: كأن المعنى على كل عظم من عظام ابن آدم صدقة. وقال ابن فارس والجوهري: المراد بالسلامى عظام الأصابع. وقال صاحب المطالع كلامًا يجمع كل هذا، فقال على كل عظم ومفصل، قال: وأصله عظام الكف والأكارع.
قولهم في كتاب الحج: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام. قال القاضي أبو الطيب في كتابه المجرد السلام الأول هو اسم من أسماء الله تعالى، وقوله: ومنك السلام أي: السلامة من الآفات، قال: وقوله حينا ربنا بالسلام أي اجعل تحيتنا في وفودنا عليك السلامة من الآفات، قولهم جاز بشرط بالإجماع سلامة العاقبة. قال الإمام أبو القاسم الرافعي في آخر كتاب الوديعة: هذا اللفظ يكثر استعماله، وليس المراد منه اشتراط السلامة في نفس الجواز، حتى إذا لم يسلم ذلك الشيء يتبين عدم الجواز، بل المراد إنما يجوز التأخير ويشترط عليه التزام خطر الضمان.
سمت: قال الأزهري: قال الليث: التسمية ذكر الله تعالى على كل شيء، والتسميت قولك للعاطس يرحمك الله. قال الأزهري: وقال أبو العباس: يقال: سمت العاطس تسميتا، وشمته تشميتا إذا دعوت له بالهدى، وقصدت التسميت المستقيم والأصل فيه السين فقلبت شينا. قال صاحب المحكم: التسميت الدعاء للعاطس معناه: هداك الله تعالى إلى السمت، وذلك لما في العطاس من الانزعاج والقلق هذا قول الفارسى وقد سمته. وقال ثعلب: سمته إذا عطس فقال له يرحمك الله أخذا من السمت أي: الطريق والقصد، كأنه قصده بذلك الدعاء، وقد يجعلون السين شينا. وقال الهروي في باب الشين المعجمة: قال أبو عبيد: يقال: سمت العاطس وشمته بالسين والشين، إذا دعا له بالخير، والسين أعلى اللغتين. وقال أبو بكر: يقال: سمت فلانًا وسمت عليه إذا دعوت له، وكل داع بالخير فهو مسمت ومشمت. وقال أحمد بن يحيى: الأصل(3/154)
فيها السين من السمت، وهو القصد والهدى. قال ثعلب: ومعناه بالمعجمة أبعد الله عنك الشماتة.
سمح: السماح والسماحة الجود، وسمح به إذا جاء به. وسمح لي أي: أعطاني وما كان سمحا، ولقد سمح بالضم فهو سمح، وقوم سمحاء كأنه جمع سميح ومساميح، كأنه جمه مسماح، وامرأة سمحة ونسوة سماح عن ثعلب، والمسامحة المساهلة وتسامحوا تساهلوا. قال: هذه الجملة الجوهري، وذكر الأزهري عن الليث: رجل سمح ورجال سمحاء ورجل مسماح ورجال مساميح. قال: وقال أبوزيد: سمح لي بذلك يسمح سماحة، وهي الموافقة على ما طلب وسمح لي أعطاني. قال ابن قتيبة في أدب الكاتب يقال: سمح وأسمح بمعنى.
سمر: السمور المذكور في باب الأطعمة طائر معروف، وهو بفتح الميم المشددة مثل سفود وكلوب.
سمع: قوله في الصلاة: سمع الله لمن حمده أي: تقبل منه حمده وجازاه به. قال الإمام أبو الحسن الواحدي في تفسير قول الله عز وجل: {إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} (يّس:25) معناه: فاسمعوا مني، قاله أبو عبيدة والمبرد. قال: وهذا مثل قولك: سمعت فلانا وإنما المسموع قوله، ولكنه من المحذوف، وهو من أكثر الكلام يجري على الألسنة. وحق الكلام أن تقول: سمعت من فلان ما قال قوله في التنبيه في باب الجمعة، والمقيم في موضع لا يسمع فيه النداء من الموضع الذي تقام فيه الجمعة، هو بضم الياء من يسمع، فإنه لا يشترط سمع إنسان بعينه، بل متى سمع إنسان في القرية لزمت الجمعة جميع أهلها.
سمم: السمسم بكسر السينين معروف، والسم القاتل بضم السين وفتحها وكسرها ثلاث لغات، وكذلك اللغات الثلاث في سم الخياط: وهي ثقبته والضم والفتح مشهوران، وحكى الكسر جماعة منهم صاحب مطالع الأنوار، وجمعه سمام وسموم، وأفصحهن الفتح، ومسام البدن ثقبه وهي بفتح الميم وتشديد الميم الثانية، وسام أبرص بتشديد الميم.
قال أهل اللغة: هو كبار الوزغ. قال أهل اللغة والنحو: سام أبرص اسمان جعلا اسما واحدًا، ويجوز فيه وجهان أحدهما: أن تبنيهما على الفتح كخمسة عشر. والثاني: أن تعرب الأول وتضيفه إلى الثاني، ويكون الثاني مفتوحا لكونه لا ينصرف. قال أهل اللغة: وتقول في التثنية هذان ساما أبرص، وفي الجمع هؤلاء سوام أبرص،(3/155)
وإن شئت قلت: هؤلاء السوام، ولا تذكر أبرص، وإن شئت قلت: هؤلاء البرصة والأبارص.
سمو: السماء هو السقف المعروف، مشتقة من السمو وهو العلو، وفيها لغتان التذكير والتأنيث. قال أبو الفتح الهمداني: أما التذكير فلأحد ثلاثة أوجه: أحدها على معنى السقف. والثاني: على اللفظ. والثالث: على أنه جمع مذكر وقع أولا فيكون جمع سماء مثل العطا جمع عطاء، كذا سمى أبو الفتح هذا جمعًا وهو اصطلاح أهل اللغة.
وأما أهل النحو والتصريف: فيسمونه اسم جمع، أو اسم جنس، ولا يسمونه جمعًا. قال أبو الفتح: وأما التأنيث فلوجهين، أحدهما: أنه من باب الأسماء الموضوعة للتأنيث كالآتان والعناق. والثاني: جمع سماء على لغة أهل الحجاز، فإنهم يؤنثون هذا الضرب فيقولون: هذا الصخر وهذه النمر وهذه السعير على معنى الصخور والنمور.
ومذهب أهل السنة وجمهور أهل اللغة: أن الاسم هو المسمى، ومذهب المعتزلة: أنه غيره، وقد يقع على التسمية، وقد أوضحته في شرح مسلم في مناقب عائشة رضي الله تعالى عنها.
سنخ: سنخ السن المذكور في باب الديات هو بكسر السين المهملة وإسكان النون وبالخاء المعجمة، وجمعه أسناخ، وهو أصل السن المستتر باللحم، وسنخ كل شيء أصله.
سنن: السنة سنة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصلها الطريقة، وتطلق سنته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الأحاديث المروية عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتطلق السنة على المندوب. قال جماعة من أصحابنا في أصول الفقه: السنة والمندوب والتطوع والنفل والمرغب فيه والمستحب كلها بمعنى واحد، وهو ما كان فعله راجحا على تركه ولا إثم في تركه، ويقال: سن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذا أي: شرعه وجعله شرعا، وقوله في باب التعزير من المهذب في حديث علي رضي الله تعالى عنه: "ما من رجل أقمت عليه حدا فمات فأجد في نفسي إلا شارب الخمر فإنه لو مات وديته" لأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يسنه، هذا حديث صحيح. وقوله: لم يسنه، قيل: معناه لم يسن الزيادة على الأربعين تعزيرًا فأنا إذا زدتها تعزيرًا فمات وديته، والثاني: معناه لم يسنه بالسوط بل بالنعال، وأطراف الثياب.
وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المجوس: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" مذكورة في الجزية(3/156)
من المهذب، وذكر لفظه في الوسيط ولم يروه، معناه: أسلكوا بهم مسلك أهل الكتاب، واحكموا فيهم حكمهم هذا في الجزية خاصة، لا في حل المناكحة والذبيحة، وقولهم: أقل سن تحيض فيه المرأة، وقولهم: إن كانت في سن من تحيض وسن اليأس وسن البلوغ وسن التمييز، والمراد في الكل الزمان، قوله في آخر باب المسابقة من المهذب في السهم المزدلف؛ لأن الأرض تزيله عن سننه، يقال: بفتح السين وضمها لغتان مشهورتان، ومعناه: عن وجهه وقصده.
سهم: قوله في الوجيز في الركن الثاني من الباب الأول في المساقاة: وليكن الثمر مخصوصًا بهما مشروطًا على الاستهام، يعني: بالاستهام الاشتراك.
سود: جاء في الحديث: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع العنب حتى يسود، ذكره في باب بيع الأصول والثمار يسود بفتح الياء وإسكان السين وفتح الواو وتشديد الدال، هذه اللغة الفصيحة التي جاء بها القرآن العزيز، في قوله عز وجل: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} وفيه أربع لغات فتح الياء كما ذكرناه، وكسرها ويسواد، ويبياض بفتح الياء، وكسرها مع زيادة الألف.
سوك: السواك بكسر السين. قال ابن قتيبة في باب ما جاء مكسورًا، والعامة تضمه السواك بالكسر، ولا يقال: السواك يعني بالضم. قال الأزهري: قال الليث: السواك فعلك بالسواك والمسواك، يقال: ساك فاه يسوكه سوكا، فإذا قلت: استاك لم يذكر الضم، قال: والسواك تؤنثه العرب. وفي الحديث: "إن السواك مطهرة للفم" أي: تطهر الفم. قال الأزهري: ما سمعت أن السواك يؤنث، وهو عندي من غدد الليث، والسواك يذكر، وقولهم: مطهرة للفم كقولهم: الولد مجبنة مجهلة مبخلة. قال الليث: يقال: جاءت الإبل تساوك إذا جاءت تحرك رؤوسها. قال الأزهري: قلت: تقول العرب جاءت الغنم هزلاء تساوك أي: تتمايل من الهزال والضعف، وهكذا رواه ابن جبلة عن أبي عبيد، هذا ما ذكره الأزهري.
وقال الجوهري: السواك المسواك بجمع على سوك مثل كتاب وكتب، وسوك فاه تسويكا، وإذا قلت: استاك أو تسوك لم تذكر الفم، وجاءت الإبل تساوك أي: تتمايل من الضعف فى مشيتها. وقال صاحب المحكم: ساك الشئ سوكا دلكه، وساك فمه بالعود واستاك مشتق من ذلك، واسم العود المسواك يذكر ويؤنث، والسواك كالمسواك، والجمع سوك. قال أبو حنيفة: ربما همز، فقيل: سؤك، هذا ما ذكره في المحكم. ورأيت في نسخة(3/157)
صحيحة منه على الحاشية السواك والمسواك يذكران هذا هو الصحيح، استدراك على المصنف.
قال صاحب التحرير في شرح صحيح مسلم: السواك هو استعمال عود أو غيره في الأسنان ليذهب الصفرة عنها، ويقلع القلح عن بياضها، والأحاديث في فضل السواك كثيرة معروفة في الصحيحين وغيرهما، ومن أحسنها وأغربها وفيه فائدة لطيفة عزيزة، ما رواه الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في أول كتاب النكاح بإسناده عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أربع من سنن المرسلين الحناء والتعطر والسواك والنكاح" قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
سوي: قوله في المهذب في الهدي "استوت ناقته على البيداء"، يعني: علت على البيداء. قال المرزوقي في شرح الفصيح: تقول هذا الشيء يساوي ألفًا أي: يستوي معه في القدر، قال: والعامة تقول: يسوى وليس بشيء. قال: والسواء وسط الشيء واستقامته، ولذلك قيل: سويت الشيء وسواء السبيل منه. وكذلك قوله مائة سواء في صحيح مسلم في آخر كتاب النذر: أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أعتق عبدًا كان ضربه، ثم قال: ما لي فيه من الأجر ما يسوى هذا. وفي صحيح البخاري في أوائل كتاب الحدود في باب لعن السارق عن الأعمش، قال: أن الحبل الذي يقطع فيه ما يسوى دراهم، كذا هو في الأصول يسوي، واعتذر صاحبهم عن كلام ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، فقال: هو تغيير من بعض الرواة.
سيج: في المهذب في الجنازة السياج وهو الطيلسان الأخضر المقوي. وقيل: هو الحسن، منها قوله في التنبيه وغيره: أدخل ساجا في بناء فعفن فيه الساج بتخفيف الجيم نوع من الخشب، وهو من أجوده، والواحدة منه ساجة، وجمعه السيجان. قال القاضي عياض في المشارق: بعضهم يجعل هذا في حرف الياء وبعضهم في حرف الواو.
سود: قال الإمام الواحدي في قصة يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام في سورة آل عمران: في قول الله تعالى: {وَسَيِّداً وَحَصُوراً} (آل عمران: من الآية39) يقال: ساد فلان قومه يسودهم سوددا وسيادة إذا صار رئيسهم. قال الزجاج: السيد الذي يفوق في الخير قومه. وقال بعض أهل اللغة: السيد المالك الذي تجب طاعته، ولهذا يقال: سيد الغلام، ولا يقال سيد الثوب. وقال الفراء: السيد المالك، والسيد الرئيس، والسيد الحكيم، والسيد(3/158)
السخي، والسيد الزوج، ومنه قوله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} (يوسف: من الآية25) أي: زوجها، وقال أبو حيوة: سمي سيدًا لأنه يسود. سواد الناس: أي أعظمهم، هذا قول أهل اللغة في السيد. وأما التفسير: فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: السيد الكريم على ربه عز وجل. وقال قتادة: السيد العابد الورع الحليم. وقال عكرمة: السيد هو الذي لا يغلبه غضبه.
سير: قولهم كتاب السير: هو بكسر السين وفتح الياء، جمع سيرة، وهي الطريقة. قال الرافعي: يقال: إنها من سار يسير، وترجموه بكتاب السير؛ لأن الأحكام المذكورة فيه متلقاة من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزواته، ومقصودهم به الكلام في الجهاد وأحكامه، وترجمه بعضهم بكتاب الجهاد، وترجمه في التنبيه بباب قتال المشركين، قوله في الوجيز في مسائل قبض الرهن: لا بد من مضي زمان يمكنه المسير فيه إلى البيت، ونص الشافعي رضي الله تعالى عنه: أنه لا يكون قبضًا لما لم يصل إلى بيته، هكذا هو فيما عندنا من النسخ المسير بالسين، ولم يصر بالصاد. قال الإمام الرافعي: يجوز فيهما السين والصاد، ولفظ الشافعي رضي الله تعالى عنه، والوسيط بالصاد.
فصل في أسماء المواضع
سجستان: التي ينسب إليها أبو داود السجستاني، روينا عن الحافظ عبد القادر الرهاوي في كتابه الأربعين، قال: اسمه ذريح، وسجستان: اسم لتلك الديار، فلما كانت ذريح قصبة ذلك الأقليم ودار مملكتها غلب عليها الاسم، وهي خلف كرمان مسيرة مائة فرسخ، منها أربعون فرسخا مفازة ليس بها ماء، وهي التي ناحية الهند على حد غزنة. قال: وكرمان اسم لتلك الديار التي قصبتها بردشير، وقد غلب اسم كرمان على بردشير، حتى كانت مقصد القوافل والملوك والعساكر، وإنما كرمان اسم لتلك الديار، وهي تشتمل على مدن، وكرمان وراء أصبهان إلى ناحية الهند مسيرة مائة وثلاثين فرسخا، وما وراءها إلى ناحية سجستان وغزنة والهند كله مفازة.
وقال الحافظ أبو بكر الحازمي في كتاب المؤتلف في الأماكن: سجز بالسين المهملة المكسورة وبالجيم الساكنة وآخره زاي، اسم لسجستان، ويقال في النسبة إليها سجزي.(3/159)
سر من رأى: المدينة المشهورة بالعراق. قال أبو الفتح الهمداني: يقال: بضم السين وبفتحها.
سقاية العباس: رضي الله تعالى عنه موضع بالمسجد الحرام، زاده الله تعالى شرفا، يستقى فيها الماء ليشربه الناس، وبينها وبين زمزم أربعون ذراعا. حكى الأزرقي في كتابه تاريخ مكة وغيره من العلماء: أن السقاية حياض من أدم، كانت على عهد قصي بن كلاب توضع بفناء الكعبة، ويستقى فيها الماء العذب من الآبار على الإبل، ويسقاه الحاج، فجعل قصي عند موته أمر السقاية لابنه عبد مناف، ولم تزل مع عبد مناف يقوم بها، فكان يسقي الماء من بئر كرادم وغيره إلى أن مات، ومن حصون خيبر.
السلالم: جاء ذكره في سنن أبي داود وغيره، هو بضم السين وتخفيف اللام، كذا قاله أبو الفتح وغيره.
السماوة: مذكورة في حد جزيرة العرب من باب عقد الذمة من المهذب: هي بفتح السين وتخفيف الميم، قيل: هي أرض لبني كلب لها طول ولا عرض لها، تأخذ من ظهر الكوفة إلى جهة مصر. قال أبوالفتح الهمداني: سميت بذلك لعلوها وارتفاعها.
سواد العراق: اختلف في وجه تسميته سوادًا. فالمشهور أنه سمي سوادًا لسواده بالزرع والأشجار؛ لأن الخضرة ترى من البعد سوداء، وقيل: إن المسلمين الذين قدموا العراق للفتح رضي الله تعالى عنهم لما أقبلوا قالوا: ما هذا السواد فسمي به. وقيل: سمي سوادًا لكثرته من الأعظم، وهذا منقول عن الأصمعي.
حرف الشين
شبب: قال الحافظ أبوبكر الحازمي في كتابه المؤتلف والمختلف: ذو الشب شق في أعلى جبل جهينة، يستخرج من أرضه الشب.
شدخ: قوله في المهذب في باب السلم: إذا أسلم في الرطب، لا يلزمه قبول المشدخ، المشدخ: بضم الميم وفتح الشين المعجمة وفتح الدال المهملة وآخره خاء معجمة. قال الجوهري: المشدخ البسر يغمر حتى ينشدخ.
شذا: قوله في المهذب في باب المسابقة: اختلفوا في المسابقة على سفن(3/160)
الحرب كالذباذب، والشذوات: هي بفتح الشين وتخفيف الذال المعجمتين، وهو نوع من سفن الحرب، ويقال في واحدتها شذاة، ويجمع أيضا على الشذا بالقصر بحذف الهاء، وهي لفظة عربية صحيحة.
شرب: قول الغزالي في كتاب الشهادات: وما هو من شعار الشرب. قال الرافعي: يجوز فيه فتح الشين على أنه جمع شارب كصاحب وصحب، ويجوز ضمها أي: شعار شرب الخمر.
شرج: في الحديث “شِراج الحرة” مذكور في إحياء الموات، هو بكسر الشين وتخفيف الراء، وهو جمع شرجة بفتح الشين والراء، وهي مسيل الماء. قوله في المهذب في باب السرقة: إذا سرق اللبن من الحائط المشرج. التشريج: التنضيج، وإضافة بعضه إلى بعض واتصاله، وقوله: في مسح الخف لبس خفا له شرج، وهو بفتح الشين والراء له عرى.
شرر: وفي أواخر كتاب النكاح من صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إن من أشر الناس عند الله تعالى يوم القيامة، الرجل الذي يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها وتنشر سره” كذا في الأصول المعتمدة وغيرها أشر بالألف.
شرط: قد قدمنا في فصل ركن بيان الفرق بين الركن والشرط وحقيقة الشرط، وأما قول الغزالي وغيره: إذا صلى بنجاسة ناسيًا ففي وجوب الإعادة قولان: بناء على أن إزالة النجاسة شرط أم منهي عنه. فقال الرافعي: معناه أن خطاب الشرع قسمان: خطاب تكليف بالأمر والنهي، وهذا يؤثر فيه النسيان، ولهذا لا يأثم الناس بترك المأمور به، ولا بفعل المنهي عنه؛ لأنه لم يبق مكلفا عند النسيان بل التحق بالمجنون وغيره ممن لا يخاطب. والقسم الثاني: خطاب الاخبار، وهو ربط الأحكام بالأسباب، وجعل الشيء شرطا هو من هذا القبيل؛ لأن معناه إذا لم يوجد كذا في كذا فهو غير معتد به، والنسيان لا يؤثر في هذا القسم، ولهذا يجب الضمان على من أتلف مال غيره ناسيًا.
شرع: الشريعة ما شرع الله تعالى لعباده من الدين، وقد شرع لهم شرعا أي: سن. قال الهروي: قال ابن عرفة: الشرعة والشريعة سواء، وهو الظاهر المستقيم من(3/161)
المذهب، يقال: شرع الله تعالى هذا أي: جعله مذهبًا ظاهرًا، قلت: قد ذكر الواحدي وغيره عن أهل اللغة في قول الله عز وجل {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ} (الجاثية: من الآية18) أقوالا، فقالوا: الشريعة الدين، والملة، والمنهاج، والطريقة، والسنة، والقصد. قالوا: وبذلك سميت شريعة النهر؛ لأنه يوصل منها إلى الانتفاع، والشرائع في الدين المذاهب التي شرعها الله تعالى لخلقه.
شرك: في الحديث: “وقت الظهر والفيء مثل الشراك” هو بكسر الشين، وهو أحد سيور النعل التي تكون على وجهها، وتقديره هنا ليس للتحديد والاشتراط، ولكن الزوال لا يتبين بأقل منه.
شزن: روي في المهذب في باب سجود التلاوة، حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: “خطبنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومًا فقرأ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما مر بالسجود تشزنا للسجود” إلى آخر الحديث، هذا حديث صحيح رواه أبو داود في سننه والبيهقي وغيرهما. قال البيهقي: هو حديث حسن الإسناد صحيح، وقوله: تشزنا كذا وقع في المهذب وفي سنن أبي داود أيضًا، وغيره بتاء في أوله ثم شين معجمة مفتوحة، ثم زاي معجمة مشددة، ثم نون مشددة ثم ألف.
قال الإمام أبو سليمان الخطابي: معناه استوفزنا للسجود وتهيأنا له. قال: وأصله من الشزن وهو القلق، يقال: بات فلان على شزن إذا بات قلقا يتقلب من جنب إلى جنب.
قلت: وجاء في رواية البيهقي في السنن الكبير: تهيأ الناس للسجود، وفي معرفة السنن والآثار للبيهقي: تيسرنا بالسين والراء المهملتين وبزيادة بعد التاء من التيسير. قال: وقال بعضهم: تشزنا يعني كما ذكره أبو داود وصاحب المهذب.
شسع: قال أهل اللغة: شسع النعل بشين معجمة مكسورة ثم سين مهملة ساكنة، وهو أحد سيور النعل الذي يدخل بين الأصبعين، ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل المشدودة في الزمام، هو السير الذي يعقد فيه الشسع جمعه شسوع.
شعر: والشعار الثوب الذي يلي الجسد، والدثار فوقه، قالوا: سمي شعارا؛ لأنه يلي شعر البدن، وأما إشعار الهدي فهو من الأعلام، وهو أن يضرب صفحة سنامها اليمنى بحديدة، وهي مستقبلة القبلة فيدميها، ويلطخها بالدم ليعلم أنها هدي، وقد ذكرت في الروضة وغيرها اختلاف أصحابنا في أنه يقدم التقليد على الاشعار أم يؤخره(3/162)
وتقديمه هو المنصوص. وذكرت أيضا قول صاحب البحر أنه إن قرن هديين في حبل أشعر أحدهما في الصفحة اليمنى والآخر في اليسرى ليشاهدا.
وأعلم أن الإشعار سنة للأحاديث الصحيحة، ولا نظر إلى ما فيه من الإيلام؛ لأنه لا منع إلا ما منعه الشرع، وهذا الإيلام شبيه بالوسم والكي.
وذكر أصحابنا للإشعار فوائد: منها إذا اختلطت بغيرها تميزت. ومنها إذا ضلت عرفت، ومنها أن السارق ربما ارتدع فتركها، ومنها أنها قد تعطب فتنحر، فإذا رأى المساكين عليها العلامة أكلوها، ومنها أن المساكين يتبعونها إلى المنحر لينالوا منها، ومنها إظهار هذا الشعار العظيم، وفيه حث لغيره على التشبه به.
قوله في الوسيط والوجيز في أول الحج في ركوب البحر: لا يلزم المستشعر هو الجبان، وهو بسكون الشين قبل العين وكسر العين. وقوله في الوجيز: يلزم غير المستشعر دون الجبان، هو مما أنكره عليه الإمام الرافعي، فقال: الجبان والمستشعر هنا بمعنى. قال: ولو قال: لم يلزم غير المستشعر دون المستشعر، أو غير الجبان دون الجبان، لكان أحسن وأقرب إلى الأفهام. وقد استعمل في الوسيط حسنا، فقال: المستشعر وغير المستشعر.
قال الإمام أبو القاسم علي بن جعفر بن علي السعدي الصقلي المعروف بابن القطاع في كتابه الشافي في علم القوافي: قد رأى قوم منهم الأخفش وهو شيخ هذه الصناعة بعد الخليل: أن مشطور الرجز ومنهوكه، ومشطور السريع ومنهوك المنسرح ليس بشعر، لقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “الله مولانا ولا مولى لكم” وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت” وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب” وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “لا هم إن الدار دار الآخرة” وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “الجار قبل الدار” قال ابن القطاع: وهذا الذي زعمه الأخفش وغيره غلط بين، وذلك أن الشاعر إنما سمي شاعرًا لوجوه: منها أنه شعر القول وقصده وأراده واهتدى إليه وأتى به كلاما مزونا على طريقة الضرب مقفى.
فأما إذا خلا من هذه الأوصاف أو بعضها فلا يستحق أن يسمى شاعرًا ولا قوله شعرًا، بدليل أنه لو قال كلامًا موزونًا إنه لم يقصد به الشعر، ولم يقفه لم يسم ذلك الكلام شعرًا ولا قائله شاعرًا بإجماع(3/163)
العلماء والشعراء، وكذلك لو قفاه وقصد به الشعر غير أنه لم يأت به موزونًا، وكذلك لو أتى به موزونًا مقفى غير أنه لم يقصد به الشعر ولا أراده لم يستحق ذلك، بدليل أن كثيرا من الناس يأتون بكلام موزون مقفى غير أنهم ما شعروا به ولا قصدوه ولا أرادوه، فلا يستحقون التسمية بذلك، وإذا تفقد ذلك وجد في كلام الناس كثيرًا، كما قال بعض السؤال اختموا صلاتكم بالدعاء والصدقة في أمثال لهذا كثيرة.
وبدليل أن الكلام لا يكون شعرًا ولا صاحبه شاعرًا إلا بالأوصاف التي ذكرناها، وهي الوزن على طريقة العرب والتقفية مع القصد والإرادة من الشاعر، فإذا خلا من هذه الأوصاف أو من بعضها فليس بشعر البتة ولا قائله شاعر.
والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقصد بكلامه ذلك الشعر ولا شعر له ولا أراده ولا يعد ما وافق الموزون شعرًا لذلك، وإن كان كلامًا موزونًا. ألا ترى أنه جاء في كتاب الله تعالى من هذا شيء كثير، فهو جار مجراه فموافقة الإنسان الشعر في الوزن مع عدم القصد من قائله والإرادة له، فلا حكم له، فهذا مختصر ما ذكره ابن القطاع، وقد بسطه بسطًا كثيرًا في آخر كتابه المذكور وبه ختم كتابه.
شعع: قال أهل اللغة: شعاع الشمس بضم الشين، وهو ما يرى من ضوئها عند ذروها مثل الحبال والقضبان مقبلة إليك إذا نظرت إليها. قال صاحب المحكم بعد أن ذكر هذا المشهور، وقيل: هذا الذي تراه ممتدًا كالرماح بعد الطلوع، قال: وقيل: هو انتشار ضوئها، والجمع أشعة وشعع بضم الشينوالعين وأشعت الشمس نشرت شعاعها. قال الأزهري: قال أبو عمرو: والشعشع بضم الشين هو الغلام الحسن الوجه الخفيف الروح، وقوله في المهذب في فصل جواز قتل دواب الكفار في باب السير في بيت الشعر:
بضربة مثل شعاع الشمس
لأحمين صاحبي ونفسي
أراد به حصول واضحة عظيمة بينة، وكذا قوله في شعر الآخر في باب الأقضية من المهذب:
الأمر أضوأ من شعاع الشمس
معناه: براءتي مما رميت به واضحة جلية لا خفاء بها.
شفف: قال أهل اللغة: الشف بفتح الشين ستر رقيق. قال الجوهري: قال أبو نصر: هو ستر أحمر رقيق من صوف يستشف، ما وراءه الشف بكسرها الفضل، والريح(3/164)
تقول: منه شف يشف شفًا بكسرها في المضارع والمصدر. قال ابن السكيت: والشف أيضا النقصان وهو من الأضداد، وشف عليه ثوبه يشف شفوفا وشففًا أي: رق حتى يرى ما خلفه وثوب شف.
وشف أي: رقيق وشف جسمه ويشف شفوفا أي: نحل وأشففت بعض ولدي على بعض أي: فضلتهم والشفيف لذع البرد. قوله في الروضة الشفان مطر وزيادة، هكذا ذكره الرافعي تقليدًا لصاحب التقريب، فهو الذي ذكره منفردًا به عن الأصحاب، وهو بفتح الشين المعجمة وتشديد الفاء وآخره نون. قال أهل اللغة: الشفان برد ريح فيها نداوة. قال صاحب المجمل: ويقال: الشفيف أيضًا، فهذا قول أهل اللغة فيه، وهو تصريح بأنه ليس بمطر فضلا عن كونه مطرًا وزيادة، فقوله مطر وزيادة تساهل وإطلاق فاسد، وصوابه: أن يقال الشفان له حكم المطر، لتضمنه القدر المبيح من المطر؛ لأن المبيح من المطر هو ما يبل الثوب، وهذا موجود في الشفان، فصار كالثلج الذي يبل.
شفق: أجمع العلماء على أن وقت صلاة العشاء يدخل بغيبوبة الشفق. والأحاديث الصحيحة مشهورة بذلك. ولكن اختلفوا في الشفق المراد به هل هو الأحمر أو الأبيض، والأحمر يتقدم والأبيض يتأخر، فذهب الشافعي والجمهور رضي الله تعالى عنهم إلى أنه الحمرة، وذهب أبو حنيفة وآخرون: إلى أنه البياض. وروى البيهقي بإسناده الصحيح، عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، أنه قال: الشفق الحمرة. ورواه البيهقي أيضًا عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس وأبي هريرة وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس رضي الله تعالى عنهم. ورواه عن مكحول وسفيان الثوري ورواه مرفوعًا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وليس بثابت عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وحكى ابن المنذر في الأشراف أنه الحمرة عن ابن أبي ليلى ومالك والثوري وأحمد وإسحاق وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، قال: وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعن ابن عباس أيضًا أنه البياض. قال: وروينا عن أنس وأبي هريرة وعمر بن عبد العزيز: ما يدل على أنه البياض، وبه قال أبو حنيفة، قال ابن المنذر: الشفق البياض، وحكى القاضي أبو الطيب عن أبي ثور وداود: أنه الحمرة، وعن زفر والمزني: أنه البياض، وحكاه غيره عن معاذ بن جبل الصحابي. ونقل البغوي عن أكثر أهل العلم: أنه الحمرة. واستدل أصحابنا للحمرة بأشياء من الحديث والمعنى لا يظهر(3/165)
منها دلالة محققة، والذي ينبغي أن يعتمد أن المعروف عند العرب: أن الشفق الحمرة، وذلك مشهور في شعرهم ونثرهم، ويدل عليه نقل أئمة اللغة.
قال الإمام أبو منصور الأزهري في شرح ألفاظ المختصر: الشفق عند العرب الحمرة. روى سلمة عن الفراء قال: سمعت بعض العرب يقول: عليه ثوب مصبوغ كأنه الشفق وكان أحمر. وقال ابن فارس في المجمل: قال ابن دريد: الشفق الحمرة. قال ابن فارس: وقال أيضا الخليل: الشفق الحمرة التي من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة، وذكر قول الفراء ولم يذكر ابن فارس غير هذا.
وقال الزبيدي في مختصر العين: الشفق الحمرة بعد غروب الشمس. وقال الخطابي في معالم السنن حكي عن الفراء: أنه الحمرة. قال: وأخبرني أبو عمر عن ثعلب: أن الشفق البياض. قال الخطابي: وقال بعضهم: الشفق اسم للحمرة والبياض، إلا أنه إنما يطلق على أحمر ليس بقاني، وأبيض ليس بناصع، وإنما يعلم المراد به بالأدلة لا بنفس الاسم كالقر، وغيره من الأسماء للشتاء.
شقص: الشقص المذكور في باب الشفعة هو بكسر الشين وإسكان القاف، وهو القطعة من الأرض والطائفة من الشيء، قاله أهل اللغة كلهم، والشقص هو الشريك.
شكر: الشكر هو الثناء على المشكور بإنعامه على الشاكر، وقد سبق في فصل حمد ذكر الشكر، والحمد ونقيضهما، ويقال: شكرته وشكرت له. قال الجوهري وغيره: وباللام أفصح وبه جاء القرآن. والشكران بمعنى الشكر وتشكرت له.
شكك: أعلم أن الشك عند الأصوليين هو تردد الذهن بين أمرين على حد السواء، قالوا: التردد بين الطرفين إن كان على السواء فهو الشك، وإلا فالراجح ظن والمرجوح وهم. قال الإمام الغزالي في أوائل باب الحلال والحرام من الإحياء: الشك عبارة عن اعتقادين متقابلين نشأ عن سببين، فما لا سبب له لا يثبت عقده في النفس حتى يساوي العقد المقابل له فيصر شكا، فلهذا يقول: من شك هل صلى ثلاثًا أم أربعًا أخذ بالثلاث؛ لأن الأصل عدم الزيادة، ولو سئل الإنسان أن صلاة الظهر التي صلاها من عشر سنين كانت ثلاثًا أم أربعًا لم يتحقق قطعًا أنها أربع، لجواز أن تكون ثلاثًا، فهذا التجويز لا يكون شكا إذ لم يحضره سبب أوجب اعتقاد كونها ثلاثًا، فاحفظ حقيقته حتى لا يشتبه بالوهم والتجويز لغير سبب.
قلت:(3/166)
وأعلم أن الفقهاء يطلقون في كثير من كتب الفقه لفظ الشك على التردد بين الطرفين، مستويا كان أو راجحا، كقولهم شك في الحديث، أو في النجاسة، أو في صلاته، أو في طوفه، ونيته، وطلاقه وغير ذلك، وقد أوضحت ذلك في مواضع من شرح المهذب.
شهد: الشهيد المقتول في سبيل الله تعالى اختلف في تسميته شهيدًا، فقال النضر بن شميل سمي بذلك؛ لأنه حي، فإن أرواحهم شهدت وحضرت دار السلام، وأرواح غيرهم إنما تشهدها يوم القيامة. وقال ابن الأنبارى: لأن الله تعالى وملائكته عليهم السلام يشهدون لهم بالجنة. وقيل: لأنه يشهد عند خروج روحه ما أعد الله تعالى له من الثواب والكرامة. وقيل: لأن ملائكة الرحمة يشهدونه فيأخذون روحه. وقيل: لأنه شهد له بالإيمان وخاتمة الخير بظاهر حاله. وقيل: لأن عليه شاهدًا شهد بكونه شهيدًا وهو الدم، فإنه يبعث يوم القيامة وأوداجه تشخب دما. وحكى الأزهري وغيره قولا آخر: أنه سمي شهيدًا؛ لأنه ممن يشهد على الأمم يوم القيامة، وعلى هذا القول لا اختصاص له بهذا السبب.
وأعلم أن الشهيد ثلاثة أقسام، أحدها: المقتول في حرب الكفار بسبب قتالهم فهذا له حكم الشهداء في ثواب الآخرة وفي أحكام الدنيا، وهو أنه لا يغسل ولا يصلى عليه. والثاني: شهيد في الثواب دون أحكام الدنيا، وهو المبطون والمطعون وصاحب الهدم والغريق، والمرأة التي تموت في نفاسها، والمقتول دون ماله وغيرهم ممن وردت الأحاديث الصحيحة بتسميته شهيدًا فهذا يغسل ويصلى عليه وله ثواب الشهداء، ولا يلزم أن يكون ثوابهم مثل ثواب الأول.
والثالث من غل في الغنيمة، وشبهه ممن وردت الآثار بنفي تسميته شهيدًا، إذا قتل في حرب الكفار فهذا له حكم الشهداء في الدنيا، فلا يغسل ولا يصلى عليه، وليس له ثوابهم الكامل في الآخرة.
شهر: الشهر واحد الشهور، وهو مأخوذ من الشهرة، يقال: شهرت الشيء أشهره شهرة وشهرًا أظهرته هذه اللغة المشهورة. ويقال أيضا: أشهرته حكاها الزبيدي في مختصر العين إذا أظهرته وأعلنته واشتهر أي: ظهر وشهرته تشهيرًا وشهر سيفه أي: سله، فسمي الشهر شهرا لشهرة أمره لحاجات الناس إليه في عباداتهم ومعاملاتهم وغيرها، ويقال: أشهرنا دخلنا في الشهر.
وقوله في(3/167)
باب السلم من المهذب: الأجل المعلوم كشهور العرب والفرس والروم الشهور عند الجميع اثنا عشر شهرًا، كما أخبر الله سبحانه وتعالى بقول الله تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموت والأرض منها أربعة حرم} فأما شهور المسلمين فمنها أربعة حرم، كما قال الله عز وجل، واتفق العلماء على أنها ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، واختلفوا في كيفية عدها على قولين: حكاهما أبو جعفر النحاس في كتابه صناعة الكتاب. قال: ذهب الكوفيون إلى أنه يقال المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة. قال: والكتاب يميلون إلى هذا القول ليأتوا بهن من سنة واحدة. قال: وأهل المدينة يقولون: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب وقوم ينكرون هذا، ويقولون: جاءوا بها من سنتين.
قال النحاس: وهذا غلط بين وجهل باللغة؛ لأنه قد علم المراد، وأن المقصود ذكرهما، وأنها في كل سنة فكيف يتوهم أنها من سنتين، قالوا: والأولى والاختيار ما قاله أهل المدينة؛ لأن الأخبار قد تظاهرت عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما قالوا من رواية ابن عمر وأبي هريرة وأبي بكرة رضي الله تعالى عنهم قالوا: وهذا أيضًا قول أكثر أهل التأويل، قالوا: وأدخلت الألف واللام في المحرم دون غيره. قال: وجاء من الشهور ثلاثة مضافة شهر رمضان وشهرا هذه الشهور. واشتقاقها مذكور في تراجمها من الكتاب.
وأما شهور الفرس فأيلول وتشرين الأول والثاني، وهذه الثلاثة فصل الخريف وكانون الأول وكانون الثاني وسباط بالسين المهملة، وهذه الثلاثة فصل الشتاء وآذار بالذال المعجمة ونيسان وأيار وحزيران وتموز وآب وهذه الستة فصل الصيف. وفي الحديث في خروج النساء يوم العيد “ولا يلبسن الشهرة من الثياب” هو بضم الشين ومعناه: الثياب الفاخرة التي تشتهر بها عن غيرها لحسنها.
شوب: قال أهل اللغة: الشوب الخلط، وقد شبت الشيء بضم الشين أشوبه، فهو مشوب إذا خلطته.
شوش: قوله: يشوش على الناس، ويشوش القواعد، وما أشبهه هذا قد استعمله الغزالي رحمه الله تعالى في مواضع كثيرة، واستعمله صاحب المهذب في باب صلاة الجماعة وفي آخر باب المسابقة: وهو غلط عند أهل اللغة، عده ابن الجواليقي(3/168)
وجماعة من العلماء في لحن العوام، وقالوا: الصواب يهوش بضم الياء وفتح الهاء وكسر الواو، ومعناه الخلط واللبس.
وقال أهل اللغة: الهوشة الاضطراب، وقد هوش القوم، قالوا: وكل شيء خلطته فقد هوشته، وقد أجاز الجوهري في صحاحه التشويش، وقال: التشويش التخليط، وقد تشوش عليه الأمر. وقال ابن الجواليقي في كتابه لحن العوام: تقول: هوشت الشيء إذا خلطته، ولا تقل شوشته. فقد أجمع أهل اللغة: على أن التشويش لا أصل له في اللغة، وأنه من كلام المولدين، قال: وخطأوا الليث فيه.
شوط: قال أهل اللغة: الشوط بفتح الشين هو الطلق بفتح الطاء واللام، يقال: جرى شوطا. قال الزبيدي: الشوط جرى مرة إلى الغاية وجمعه أشواط. وأما قول الغزالي في الوسيط والوجيز في مسائل الطواف: لم يعتد بذلك الشوط، فهذا من قد ينكر عليه؛ لأن الشافعي رضي الله تعالى عنه نص على كراهة تسمية الطواف شوطًا أو دورا.
ورواه عن مجاهد رضي الله تعالى عنهما، وإنما تسمى المرة طوفة، والمرتان طوفتان، والمرات طوفات، والمجموع طواف. فإن قيل: ذكر الجوهري في صحاح اللغة أنه يقال: طاف بالبيت سبعة أشواط، من الحجر إلى الحجر شوط، وهذا يدل على صحة استعماله، فجوابه: أن الجوهري يتكلم فيما كانت العرب تستعمله، وهذا لا ينكره، وإنما يقول الشافعي رضي الله تعالى عنه: أنه مكروه في الشرع، وقد ثبت في صحيحي البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: أمرهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يرملوا ثلاثة أشواط، قال: ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها، إلا الإبقاء عليهم.
شوه: قال ثعلب: قال ابن الأعرابي: المرأة الشوهاء تطلق على القبيحة وعلى الحسنة فهو من الأضداد.
شيأ: الشيء الجزء الصغير شيىء بضم الشين وكسرها لغتان، قالوا: ولا يقال شوى، وجمعه أشياء غير مصروف، ولأهل النحو والتصريف في عدم صرفه وتحقيق أصله كلام طويل لا يحتاج إليه الفقهاء. وتصغير أشياء على أشياء بتشديد الياء ويجمع على أشاوي بكسر الواو وتشديد الياء. وأشاوى مثل الصحارى. قال أهل اللغة: والمشيئة الإرادة، وقد شئت الشيء أشاوة. ويقال كل شيء بشيئة الله تعالى(3/169)
بكسر الشين على وزن شيعة أي: بمشيئته، وفرق أصحابنا بين المحبة والمشيئة، قالوا: ولهذا يقال الإنسان يشاء دخول الدار ولا يحبه ويحب ولده ولا يسوغ فيه المشيئة، وقد ذكرت هذا في الروضة في تعليق الطلاق بالمشيئة قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إن في أعين الأنصار شيئا” مذكور في نكاح المهذب، وهو حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه من رواية أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وهكذا ضبطناه في صحيح مسلم شيئا بهمز بعد الياء، وهذا هو الصواب، وهكذا وجد بخط المصنف، وهكذا هو في النسخ المعتمدة من المهذب. وروي شينًا بالنون بدل الهمز.
وعلى الأول اختلفوا في المراد بالشيء، فقيل: عمش. وقيل: زرقة. وقيل: بنو. وقيل: ضعف في الأجفان. وقيل: بياض في الأجفان. وفي الحديث: “أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء” ذكره في باب ما يلحق من النسب أي: ليست من دين الله تعالى في شيء، ومعناه ليست مرتبطة بدينه وليست في ذمته، بل هي في معنى المتبرىء منه سبحانه وتعالى. عافانا الله تعالى.
واعلم: أن مذهب أهل السنة أن المعدوم لا يسمى شيئا، وقالت المعتزلة: يسمى شيئا ووافقوا على أن المحال لا يسمى شيئا، فلا يكون داخلا في قول الله عز وجل: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة: من الآية284) .
قال أصحابنا وغيرهم من المتكلمين: لا يوصف الله سبحانه وتعالى بالقدرة على المستحيل، واستدل أصحابنا على أن المعدوم لا يسمى شيئا بقول الله عز وجل: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} (مريم: من الآية9) وأما قول الله تعالى: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} (الحج: من الآية1) . فقال أصحابنا: سماها شيئا لتحقق وقوعها فسماها باسم الواقع، كما قال تعالى: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ} (الصافات: من الآية21) ، {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} (الأعراف: من الآية44) ، {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ} (الأعراف: من الآية50) ونحو ذلك.
شيخ: الشيخ من الآدميين، يقال في جمعه شيوخ ومشيخة وشيخة ومشيوخاء، حكاه أبو عمرو عن ابن الأعرابي، وذكر في المهذب في أول كتاب الحدود الحديث المشهور: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" المراد: بالشيخ والشيخة الرجل والمرأة المحصنين، وليس معناه أنه لا يرجم أحدهما إلا إذا زنا بمحصن بل ذلك من التقييد الذي لا مفهوم له، فلو زنى محصن ببكر رجم المحصن وجلد البكر، ومعنى البتة هنا رجما لا بد منه ولا مندوحة عنه.(3/170)
فصل في أسماء المواضع
الشام: إقليمنا المعروف، حماه الله تعالى وصانه وسائر بلاد الإسلام وأهله. تكرر ذكره في هذه الكتب هو بهمزة ساكنة مثل رأس، ويجوز تخفيفه بحذفها كما في رأس وشبهه، وفيه لغة أخرى شآم بالمد، حكاهما جماعة، والشين مفتوحة بلا خلاف.
قال صاحب المطالع: وأباها أكثرهم، وهو مذكر هذا هو المشهور. وقال الجوهري: يذكر ويؤنث قال أهل اللغة: ينسب إليه الشأمي بالهمز وحذفها مع الياء، وشآم بالمد من غير ياء كثمان. قال سيبويه وغيره: ويجوز شأمي بالمد مع الياء ومنعه غيره؛ لأن الألف عوض عن ياء النسب، فلا يجمع بينهما، والصحيح جوازه، فقد حكاه سيبويه وهو إمام هذا الفن. قال الجوهري: وتقول امرأة شآمية بالتشديد والمد وشامية بالتخفيف.
وأما سبب تسميته شآما فذكر الحافظ أبو القاسم بن عساكر رحمه الله تعالى في أول تاريخ دمشق بابًا في ذلك، فروى فيه أنه قال: سمي شآمًا لأن قومًا من بني كنعان بن حام تشاءموا إليها. وعن ابن الانبارى أنه قال فيه وجهان: يجوز أن يكون مأخوذا من اليد الشومى وهي اليسرى، ويجوز أن يكون فعلا من الشؤم، يقال: قد أشأم إذا أتى الشام. وعن ابن فارس أنه فعل من اليد الشومى. قال: قال قوم: هو من شوم الإبل، وهي سودها. وعن ابن المقفع سميت شامًا بسام بن نوح واسمه بالسريانية شام وعن ابن الكلبى سمي شاما بشامات له سود وحمر وبيض. وقال غيره: سميت شامًا لكونها عن شمال الأرض، وأما حد الشام فالمشهور أنه من العريش إلى الفرات طولا وقيل إلى نابلس. وأما العرض فمن كذا. وروينا في تاريخ دمشق وغيره أن الشام دخله عشرة آلاف عين رأت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
شاذروان الكعبة: زادها الله تعالى شرفًا هو بفتح الذال المعجمة وسكون الراء،(3/171)
وهو بناء لطيف جدا ملصق بحائط الكعبة وارتفاعه عن الأرض في بعض المواضع نحو شبرين، وفي بعضها نحو شبر ونصف، وعرضها في بعضها نحو شبرين ونصف، وفي بعضها نحو شبر ونصف.
الشط: قوله في باب في المهذب عن أبي الوليد الطيالسي رحمه الله تعالى: أدركت الناس بالبصرة تحمل التمر من الفرات فيطرح على حافة الشط، المراد: بالشط دجلة.
الشعب: قوله في أول باب قسم الغنيمة والفيء من المهذب: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قسم غنائم بدر بشعب من شعاب الصفراء، هكذا ضبطناه في المهذب بشعب بكسر الشين. والشعب: الطريق بين الجبلين. وقال الحافظ أبو بكر الحازمي في كتاب المؤتلف في أسماء الأماكن: شعب بضم الشين واد بين مكة والمدينة يصب في الصفراء، وليس في هذا مخالفة لما ضبطناه في المهذب: فإن هذا الذي ضبطه الحازمي يحتمل أنه غير الذي في المهذب ولو قدر أنه هو صح أن يقال فيه شعب من الشعاب بالكسر ويكون صفة، وإن كان له اسم علم بالضم.
قال الحازمي: وأما سير بفتح السين المهملة بعدها ياء مثناة من تحت مشددة مكسورة فكثيب بين المدينة وبدر، يقال: هناك قسم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غنائم بدر. قال: وقد يخالف في لفظه، قلت: ولا منافاة بين هذا والأول، والله تعالى أعلم.
حرف الصاد
صبر: الصبر في اللغة: الحبس وقتله صبرا حبسه للقتل، والصبر في الشرع: صفة محمودة، ومعناه: حبس النفس على ما أمرت به من مكابدة الطاعات، والصبر على البلاء، وأنواع الضرر فى غير معصية، والصبر من أعظم الأصول التي يعتمدها الزهاد وسالكو طريق الآخرة، وهو باب من أبواب كتب الرقائق، وقد جمعت أنا فيه جملة من الأحاديث الصحيحة مع الآثار في كتاب رياض الصالحين، وقد أمر الله تعالى به في مواضع كثيرة كقوله "اصبروا وصابروا"، وفي الحديث الصحيح الصبر ضياء. والصبرة من الطعام وغيره هي الكومة المجموعة.
قال الروياني في البحر:(3/172)
سميت بذلك لإفراغ بعضها على بعض، يقال: صبرت المتاع وغيره إذا جمعته وضممت بعضها إلى بعض.
صبع: الأصبع معروفة وفيها لغات كسر الهمزة وفتحها وضمها مع الحركات الثلاث في الباء فهذه تسع، والعاشرة أصبوع بضم الهمزة والباء. وأما قول الشافعي رضي الله تعالى عنه في المختصر في كتاب السبق والرمي: الصلاة جائزة في المضربة، والأصابع إذا كان جلدها مذكى أو مدبوغا، والمضربة هي التي يلبسها الرامي كفه السرى حتى لا يصيبها الوتر. قال الشيخ أبو حامد: الأصحاب يقولون: المضربة بالتشديد، ولفظ الشافعي المضربة بالتخفيف بناها بناء الآلات، وأما الأصابع فجلد يجعله الرامي في إبهامه، وسبحته من يده اليمنى ليمد بها الوتر. ومراد الشافعي رحمه الله تعالى: أنه لا بأس باستصحابها في الصلاة بشرط الطهارة، ويتعلق النظر فيهما أيضا بكشف اليد في السجود.
صحب: قولهم: اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه، اختلف في الصحابي على مذهبين، الصحيح: الذي قاله المحدثون والمحققون من غيرهم: “أنه كل مسلم رأى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولو ساعة” وبهذا صرح البخاري في صحيحه والباقون، وسواء جالسه أم لا. والثاني: واختاره جماعة من أهل الأصول وأكثرهم: أنه من طالت صحبته له - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومجالسته على سبيل التبع.
قال الإمام القاضي أبو بكر الباقلاني: لا خلاف بين أهل اللغة: أن الصحابي مشتق من الصحبة، جار على كل من صحب غيره قليلاً أو كثيرًا، يقال: صحبه شهرًا يومًا ساعة، وهذا يوجب في حكم اللغة إجراء هذا على من صحب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولو ساعة، هذا هو الأصل، ومع هذا فقد تقرر للائمة عرف في أنهم لا يستعملونه إلا فيمن كثرت صحبته واتصل لقاؤه، ولا يجري ذلك على من لقي المرء ساعة ومشى معه خطا، وسمع منه حديثا، فوجب أن لا يجري في الاستعمال إلا على من هذا حاله، هذا كلام القاضي المجمع على إمامته مطلقًا، وفيه تقدير للمذهبين. ورد لحكاية السمعاني عن أهل اللغة حيث قال: والصحابي من حيث اللغة، والظاهر يقع على من طالت صحبته ومجالسته على طريق التبع والأخذ، قال: وهذا طريق الأصوليين.
وأما قول(3/173)
الفقهاء وأصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة: فمجاز مستفيض للموافقة بينهم، وشدة ارتباط بعضهم ببعض كالصاحب، ويجمع صاحب على صحب كراكب وركب، وصحاب كجائع وجياع، وصحبة بالضم كفاره وفرهة، وصحبان كشاب، وشبان والأصحاب جمع صحب كفرخ وأفراخ، والصحابة الأصحاب وجمع الأصحاب أصاحيب. وقوله في النداء: أيا صاح معناه: صاحبي، وصحبته بكسر الحاء أصحبه بفتحها، الصحبة بضم الصاد، وصحابة بالفتح.
صدق: الصداق: اسم لما تستحقه المرأة بعقد النكاح، قيل: إنه مشتق من الصدق بفتح الصاد وإسكان الدال، وهو الشيء الشديد الصلب، فكأنه أشد الأعراض لزوما، من حيث أنه لا ينفك عن النكاح ولا يستباح بضع المنكوحة إلا به، وفيه لغات: صداق وصداق بفتح الصاد وكسرها، وصدقة بفتح الدال، وصدقة بضمهما، وله ستة أسماء: أخر المهر، والفريضة، والنحلة، والأجر، والعليقة، والعقر بضم العين. والله أعلم.
صرر: قوله في كتاب الحج من مختصر المزني: لا يحج الصرورة عن غيره، وقد استعمله بهذا المعنى في الوسيط في أول كتاب السير: هو الصرورة بفتح الصاد المهملة وتخفيف الراء المضمومة وآخره هاء، وهو الذي لم يحج.
قال الأزهري: الصرورة الذي لم يحج، يقال: رجل صرورة وامرأة صرورة إذا لم يحجا، قال: ويقال أيضا: للرجل الذي لم يتزوج ولم يأت النساء صرورة، لصره على ماء ظهره وإيقافه إياه، وقيل: للذي لم يحج صرورة لصره على نفقته.
وحكى الأزرقي في تاريخ مكة: أنه كان من عادة الجاهلية أن الرجل يحدث الحدث يقتل الرجل أو يضربه أو يلطمه، فيربط لحا من لحا الحرم قلادة في رقبته، ويقول: أنا صرورة، فيقال: دعوا الصرورة لجهله فلا يعرض له أحد، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “لا صرورة في الإسلام وإن من أحدث حدثا أخذ بحدثه” هذا ما حكاه الأزرقي. وقال الإمام أبو سليمان الخطابي: هذا الحديث يفسر تفسيرين، أحدهما: أن الصرورة الرجل الذي انقطع عن النكاح، وتبتل على طريق رهبانية النصارى. والثاني: أن الصرورة من لم يحج، فمعناه على هذا: أن سنة الدين أن لا يبقى أحد من الناس يستطيع الحج فلا يحج، حتى لا يكون صرورة في الإسلام. قال: وقد يستدل به من يقول: إن الصرورة(3/174)
لا يجوز أن يحج عن غيره، وتقدير الكلام عنده: أن الصرورة إذا شرع في الحج عن غيره صار الحج عن نفسه، وانقلب إلى فرضه.
صرف: قال الشافعي رضي الله تعالى عنه والأصحاب رحمهم الله: يلزم العامل في المساقاة تصريف الجريد، والجريد سعف النخل. فذكر الأزهري والأصحاب في معناه سببين، أحدهما: أنه قطع ما يضر تركه يابسًا وغير يابس. والثاني: ردها عن وجوه العناقيد، وتسوية العناقيد بينها لتصيبها الشمس، وليتيسر قطعها عند الإدراك. وأما قوله في الوجيز في كتاب المساقاة: على العامل تصريف الجرين ورد الثمار إليه، فهكذا هو في النسخ الجرين بالنون، وهو صحيح فتصريفه تسويته، وقد سبق بيانه في حرف الجيم في جرد وفي جرن.
صرم: في باب الأقطاع من المهذب في كلام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: وازرت الصريمة والغنيمة أن تهلك ماشيته تأتي فتقول: يا أمير المؤمنين الصريمة والغنيمة، بضم أولها وفتح ثانيها على التصغير الصرمة والغنم.
قال أهل اللغة: الصرمة من الإبل خاصة، قالوا: وهو اسم لما جاوز الذود إلى الثلاثين، والذود من الخمسة إلى العشرة، هكذا قاله الأزهري وابن فارس والجوهري وغيرهم. قال الزبيدي في مختصر العين: الصريمة القطيع من الإبل وغيرها والله أعلم.
قال الأزهري: والغنيمة ما بين الأربعين إلى المائة من الشاء، قال: والغنم ما يفرد لها راع على حدة، وهي ما بين المائتين إلى أربعمائة.
صرى: قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “لا تصروا الإبل” هو بضم التاء وفتح الراء هذه رواية الأكثرين. قال صاحب المطالع: هو من صرى يصرى إذا جمع، وهو تفسير مالك والكافة من الفقهاء وأهل اللغة، وبعض الرواة يقول: لا تصروا الإبل، وهو خطأ على هذا التفسير، ولكنه يخرج على تفسير من فسره بالربط والشد من صر يصر، ويقال فيها المصرورة وهو تفسير الشافعي رضي الله تعالى عنه لهذه اللفظة كأنه يحبسه فيها يربط أخلافها، هذا ما ذكره صاحب المطالع. وقال الإمام أبو منصور الأزهري في شرح المختصر: ذكر الشافعي رضي الله تعالى عنه المصراة، ففسرها: أنها الناقة تصر أخلافها ولا تحلب أياما حتى يجتمع اللبن في ضرعها، فإذا حلبها المشتري فنحت.
قال الأزهري: وجائز(3/175)
أن يكون سميت مصراة من صر أخلافها، كما قال الشافعي رحمه الله، وجائز أن تكون مصراة من الصري وهو الجمع، يقال: صريت الماء في الحوض إذا جمعته، ويقال لذلك الماء صرى، قال: ومن جعله من الصر، قال: كانت المصراة في الأصل مصررة، فاجتمعت ثلاث لينزعها، فقلبت إحداهن ياء، كما قالوا: تظنيت من الظن هذا ما ذكره الأزهري.
وقال أبو سليمان الخطابي في معالم السنن: اختلف أهل العلم واللغة في المصراة ومن أين أخذت واشتقت، فقال الشافعي رضي الله تعالى عنه: التصرية أن تربط الناقة والشاة وتترك من الحلب اليومين والثلاثة حتى يجتمع لها لبن، فيراه مشتريها كثيرًا فيزيد في ثمنها، فإذا تركت بعد تلك الحلبة حلبة أو اثنتين، عرف أن ذلك ليس بلبنها. قال أبو عبيد: المصراة الناقة أو البقرة أو الشاة التي قد صرى اللبن في ضرعها، يعني: حقن فيه أيامًا فلم يحلب، وأصل التصرية حبس الماء وجمعه، يقال: منها صريت الماء، ويقال: إنما سميت المصراة؛ لأنها مياه اجتمعت. قال أبو عبيد: ولو كان من الربط لكان مصرورة أو مصررة. قال الخطابي: كأنه يريد به الرد على الشافعي. قال الخطابي: قول أبي عبيد حسن، وقول الشافعي صحيح، والعرب تصر ضروع الحلوبات إذا أرسلتها تسرح، ويمسون ذلك الرباط صرارا، فإذا راحت حلت تلك الأصرة وحلبت، ومن هذا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحل صرار ناقته بغير إذن صاحبها فإنه خاتم أهلها عليها” قال: ويحتمل أن تكون المصراة أصلها المصرورة، أبدل إحدى الراءين ياء، ومنه قوله تعالى: {قد خاب من دساها} أي: أحملها بمنع الخير، وأصله دسسها، ومثله في الكلام كثير، هذا ما ذكره الخطابي، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: “نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النجش والتصرية” وهذا يدل لرواية الجمهور.
صعد: قولهم التيمم مثلا ضربتان فصاعدا، أي: فما زاد، وهو منصوب على الحال.
صعق: قال الأزهري: الصاعقة والصعقة الصيحة يغشى منها على من يسمعها أو يموت، وهو قوله تعالى: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ} (الرعد: من الآية13) يعني: أصوات الرعد،(3/176)
ويقال لها: الصواقع أيضًا. قال الليث: والصعق مثل: الغشي يأخذ الإنسان من الحر وغيره، وأصعقته الصيحة قتلته هذا، آخر كلام الأزهري.
وقال صاحب المحكم: صعق الإنسان صعقا وصعقا، فهو صعق غشي عليه، وذهب عقله من صوت يسمعه كالهدة الشديدة، ومثله إذا مات والصاعقة العذاب، وقيل: هي قطعة من نار تسقط بأثر الرعد، لا تأتي على شيء إلا أحرقته، فصعق وصعق أصابته صاعقة، وصعقته السماء وأصعقتهم ألقت عليهم صاعقة.
بنو: والصفرة المذكورة في كتاب الحيض مع الكدرة وقل من بينهما من أصحابنا. وقد قال الشيخ أبو حامد الاسفراييني في تعليقه: الصفرة والكدرة ليستا بدم، وإنما هو ماء أصفر وماء كدر. وقال إمام الحرمين في النهاية: الصفرة شيء كالصديد تعلوه صفرة، وليس على شيء من الدماء القوية والضعيفة. قال: والكدرة شيء كدر ليس على ألوان الدماء.
صفف: قال أهل اللغة: الصف واحد الصفوف، وصافوهم في القتال والمصف بفتح الميم، والمصاف الموقف في الحرب وجمعه مصاف، وصففت القوم فاصطفوا إذا أقمتهم في صف الحرب أو الصلاة، وصفت الإبل قوائمها فهي صافة وصواف، وصففت السرج جعلت له صفة، والصفصف المستوى من الأرض. وقول أنس رضي الله تعالى عنه: صففت أنا واليتيم وراءه، ذكره في موقف الإمام والمأموم من المهذب هو بفتح الصاد والفاء الأولى أي: صففنا أنفسنا، هذا هو الصواب المعروف في رواية الحديث والفقه.
وحكى الشيخ عماد الدين بن ياسين رحمه الله تعالى في كتابه ألفاظ المهذب: أنه روي بضم الصاد على ما لم يسم فاعله، قال: وهو أحسن، وهذه الرواية غريبة جدًا، وما أظنها تصح من جهة النقل، ولكنها صحيحة في المعنى.
وأصحاب الصفة زهاد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وهم الفقراء الغرباء الذين كانوا يأوون إلى مسجد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكانت لهم في آخره صفة، وهي مكان مقتطع من المسجد مظلل عليه يبيتون فيه ويأوون إليه، قاله إبراهيم الحربي والقاضي عياض وأصله من صف البيت وهو شيء كالظلة قدامه. وكان أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عريفهم حين هاجروا، وكانوا يقلون ويكثرون، ففي وقت كانوا سبعين وفي وقت غير ذلك، وقد(3/177)
بلغوا أربعمائة كما ذكره القرطبي في تفسير سورة النور، ومثله في الكشاف في سورة البقرة، ثم قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (البقرة: من الآية273) فيزيدون بمن يقدم عليهم، وينقصون بمن يموت أو يسافر أو يتزوج.
صفق: قوله في المهذب: ويجب ستره العورة بما لا يصف البشرة من ثوب صفيق الثوب الصفيق المتين، قاله في المحكم. قال: وقد صفق صفاقة وأصفقه الحائك، ومن هذا قوله في المهذب: وإن لبس جوربا جاز المسح عليه بشرطين، أحدهما: أن يكون صفيقا. وقولهم: تفريق الصفقة في البيع مأخوذ من قولك: صفقت له في البيع والبيعة: أي ضربت يدك على يده بالبيعة، وعلى يده صفقا ضرب بيده على يده، وذلك عند وجوب البيع والاسم منها الصفقة والصفقى.
صقع: قولهم في المهذب في الأذان والإقامة: فإن اتفق أهل بلد أو صقع على تركها قوتلوا الصقع بضم الصاد وسكون القاف هو الناحية، والسقع بالسين لغة فيه، كذا قاله الجوهري وصاحب المحكم. وقال الأزهري في تهذيب اللغة في حرف العين مع الصاد: والصقع الناحية والجمع الأصقاع، وقد صقع فلان نحو صقع، كذا أي قصده. ثم قال في حرف العين مع السين.
قال الخليل رحمه الله: كل صاد تجيء قبل القاف، وكل سين تجيء قبل القاف، فللعرب فيه لغتان منهم من يجعلها سينًا ومنهم من يجعلها صادًا، لا يبالون أمتصلة كانت بالقاف أو منفصلة بعد أن يكونا في كلمة واحدة، إلا أن الصاد في بعض الكلمات أحسن والسين في بعضها أحسن، قال: وكل ناحية صقع وسقع والسين أحسن هذا كلام الأزهري، وقال صاحب المحكم مثله.
وقال أبو عمرو الزاهد في شرح الفصيح في باب المفتوح أوله يقال صقع الدين بالصاد وبالسين وبالزاي، قال: ويقال للجانب من كل شيء صقع، وهكذا بالسين والزاي يعني: بضم الصاد والسين والزاي.
قال الأزهري: وصقعت الأرض وأصقعت أصابها الصقيع، وأرض صقعة ومصقوعة، وأصقع الشجر فالشجر صقع ومصقع. وقال صاحب المحكم: الصاقعة كالصاعقة والزعبل الجليد، والأصقع من الطير ما كان على رأسه بياض وخطيب مصقع بليغ، قيل: هو من رفع الصوت. وقيل: لأنه يذهب في كل صقع من الكلام أي: ناحية، وهو هذا كلام(3/178)
صاحب المحكم. وقال الليث في المحكم الخطيب: مسقع بالسين أحسن منه والصاد جائز.
صلح: قال الإمام أبو أسحاق الزجاج في كتابه معاني القرآن العزيز في قول الله تعالى في صفة يحيى بن زكريا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سورة آل عمران: {وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ} (آل عمران: من الآية39) قال: الصالح هو الذي يؤدي إلى الله عز وجل ما افترض عليه ويؤدي إلى الناس حقوقهم، هذا قول الزجاج. وكذا قال صاحب مطالع الأنوار: الرجل الصالح هو المقيم بما يلزمه من حقوق الله سبحانه وتعالى وحقوق الناس.
صلخ: قوله في الوسيط في كتاب الكفارات: الأصم الأصلخ، هو بالخاء المعجمة الذي لا يسمع شيئًا أصلا، يقال: أصلخ بين الصلخ.
صلد: قال أهل اللغة: حجر صلد أي: صلب أملس، وهو بفتح الصاد وإسكان اللام، ذكره في تيمم الوسيط.
صلو: الصلاة في اللغة: الدعاء، هذا قول جماهير العلماء من أهل اللغة والفقه وغيرهم، وسميت الصلاة الشرعية صلاة لاشتمالها عليه هذا على مذهب الجمهور من أصحابنا وغيرهم من أهل الأصول: أن الصلاة ونحوها من الأسماء الشرعية منقولة من اللغة، وأما من قال منهم: أنه ليس في الأسماء، منقول إلى الشرع بل كلها مبقاة على موضوعها في اللغة، وإنما زيد عليها زيادات كالركوع والسجود وغيرهما، كما أضيف إليها الطهارة، فلا يحتاج هذا القائل إلى نقل بل هي عنده الدعاء في الشرع واللغة.
واختلف العلماء في اشتقاق الصلاة، فالأشهر الأظهر أنها من الصلوين، وهما عرقان من جانبي الذنب، وعظمان ينحنيان في الركوع والسجود. قالوا: ولهذا كتبت الصلاة في المصحف بالواو، وقيل: مشتقة من أشياء كثيرة، لا يصح دعوى الاشتقاق فيها، لاختلاف الحروف الأصلية، وقد تقرر أن من شروط الاشتقاق الاتفاق في الحروف الأصلية كما سبق في حرف السين. قال العلماء: الصلاة من الله رحمة، ومن الملائكة استغفار، ومن الآدمي تضرع ودعاء، وممن ذكر هذا التقسيم الإمام الأزهري وآخرون.
صمخ: صماخ الأذن الخرق النافذ في أصلها إلى الرأس، وهو بكسر الصاد جمعه أصمخة، ويقال فيه: سماخ بالسين لغتان ذكرهما جماعات من أهل اللغة. وفي صحيح مسلم في حديث أبي ذر في قصة إسلامه في(3/179)
باب مناقبه: “فضرب على أسمختهم”، هكذا هو في جميع النسخ، أسمختهم صماخ الأذن بكسر الصاد، ويقال أيضا بالسين بدل الصاد والصاد أفصح. ولم يذكر ابن السكيت في إصلاح المنطق وصاحبه ابن قتيبة في أدب الكاتب إلا الصاد، وجعلا السين من غلط العامة، وممن ذكر اللغتين ابن فارس في المجمل ذكر الصاد في بابها والسين في بابها، قال: في السين والسماخ لغة في الصماخ.
صنف: قوله في أول خطبة الوسيط صنفت هذا الكتاب، قال أهل اللغة: التصنيف التمييز، وصنفت الشيء جعلته أصنافًا فكأن المصنف لكتاب مبين النوع أو القدر الذي أتى به في كتابه من غيره، وأما الصنف بكسر الصاد فهو النوع. قال الجوهري وغيره: والصنف بفتح الصاد لغة فيه، وصنفة الثوب والإزار طرته، وهي جانبه الذي لا هدب فيه. قال الجوهري وغيره: ويقال هي حاشية الثوب أي: جانب كان، وهي بفتح الصاد وكسر النون، وقد ذكرها في المهذب في باب الكفن.
صهر: قال أهل اللغة: صهره وأصهره إذا قربه، ومنه المصاهرة في النكاح.
صوت: قوله في المهذب في المؤذن: يكون صيتا هو بفتح الصاد وكسر الياء المشددة وبعدها تاء مثناة من فوق. قال الأزهري في شرح ألفاظ المختصر: الصيت على وزن السيد الدوال، وهو الرفيع الصوت، قال: وهو فيعل بتقديم الياء من صات يصوت، وأما الصوت فهو الذي يسمعه الناس، وذهب صيت فلان في الناس أي: ذكره وشرفه، هذا آخر كلام الأزهري. وقال الجوهري في صحاحه: رجل صيت أي: شديد الصوت، قال: وكذلك رجل صات أي: شديد الصوت، قال: وهذا كقولهم رجل مال أي: كثير الماء، ورجل نال كثير النوال، وأصله كله فعل بكسر العين، وقد صات الشيء يصوت صوتًا وكذلك صوت تصويتًا، قال: والصيت الذكر الجميل الذي ينشر في الناس دون القبيح، يقال: ذهب صيته في الناس وأصله من الواو، وربما قالوا: انتشر صوته في الناس بمعنى الصيت.
صون: قال أهل اللغة: يقال: صنت الشئ أصونه صونا وصيانة وصيانا بالكسر، فهو مصون. قال الجوهري: ولا تقل مصان، قال: ويقال: ثوب مصون، ومصوون الأول على النقص، والثاني: على الإتمام.
وقوله في الروضة في بيع الغائب: إن كان المرى صوانا له كقشر الرمان هو بكسر الصاد وضمها، قال الجوهري: الصوان، والصوان(3/180)
بالكسر والضم، والصيان بالكسر هو الوعاء الذي يصان فيه الشيء. قال الجوهري: والصوان بالتشديد يعني: وفتح الصاد ضرب من الحجارة الواحدة صوانة.
فصل في أسماء المواضع
الصخرة الشريفة: ببيت المقدس مذكورة في باب اللعان وغيره، في مكان تغليظ اليمين، هي معروفة، وفضلها مشهور، وقد صنف الحافظ أبو محمد القاسم الحافظ الكبير أبي القاسم بن علي بن الحسن المعروف بابن عساكر الدمشقي كتابه المشهور المستقصى في شرف الأقصى، أتى فيه بأشياء كثيرة من فضلها وغيره، وقد سمعته على صاحبه الشيخ أبي محمد بن أبي اليسر عن المصنف.
الصفا: هو مبدأ السعي مقصور، وهو مكان مرتفع عند باب المسجد الحرام، وهو أنف من جبل أبي قبيس، وهو الآن إحدى عشرة درجة فوقها أزج كإيوان، وعرض فتحة هذا الأزج نحو خمسين قدمًا، وأما المروة فلاطئة جدا، وهي ممن أنف جبل قيقعان وهي درجتان، وعليها أيضًا أزج كإيوان، وعرض ما تحت الأزج نحو أربعين قدمًا، فمن وقف عليها كان محاذيًا للركن العراقي، وتمنعه العمارة من رؤيته، وقولهم: إذا نزل من الصفا سعى حتى يكون بينه وبين الميل الأخضر المعلق بفناء المسجد نحو ست أذرع، فيسعى سعيا شديدًا حتى يحاذي الميلين الأخضرين اللذين بفناء المسجد، وحذاء دار العباس ثم يمشي حتى يصعد المروة.
اعلم: أن السعي وهو ما بين الصفا والمروة واد، وهو سوق البلد ملاصق للمسجد الحرام. قوله في باب قسم الغنيمة ثم في باب القسمة من المهذب قسم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غنائم بدر بشعب من شعاب الصفراء.
الصفراء: هي بفتح الصاد والمد موضع بقرب بدر إلى جهة المدينة بينهما نحو فرسخين أو ثلاثة، وهو واد كثير النخل والزرع.
صفين: مذكور في قتال أهل البغي من المهذب: وهو موضع بقرب الفرات معروف بين الرقة وبالس، وهو بكسر الصاد والفاء المشددة.(3/181)
صنعاء: بفتح الصاد وإسكان النون وبالمد، ذكرها في أول الجنايات من المهذب في قول عمر رضي الله تعالى عنه: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلهم، وذكرها في باب اليمين في الدعاوى: أن الشافعي رحمه الله قال: رأيت قاضيًا. وفي رواية عنه: رأيت مطرقًا بصنعاء يحلف على المصحف، هي في الموضعين اليمن قاعدة اليمن ومدينته العظمى، وهي من عجائب الدنيا. كما قال الشافعي رحمه الله: وينسب إليها صنعاني على غير قياس، وإنما قيدتها بصنعاء اليمن لئلا تشتبه بصنعاء دمشق، قرية كانت في جانبها الغربي في ناحية الربوة، وبصنعاء الروم.
وذكر الحازمي في المؤتلف: أن صنعاء اليمن يقال لها: أزال بفتح الهمزة والزاي وآخرها لام يجوز كسرها وضمها ذكره في باب الهمزة، وذكر الحازمي أيضًا في حرف الضاد المعجمة: أن صنعان لغة قليلة في صنعاء.
الصين: مذكور في باب الإيلاء من المهذب: وهو بكسر الصاد وإسكان الياء، وهو إقليم عظيم معروف بالمشرق يشتمل على مدن كثيرة. قال الجوهري: والصواني الأواني المنسوبة إليها.
حرف الضاد
ضحو: قال القاضي عياض رحمه الله: قال صاحب الأفعال: يقال: ضحيت وضحوت ضحيا وضحوا أي: برزت للشمس، وضحيت ضحى أصابتني الشمس. قال الله عز وجل: {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} (طه:119) وقال الشافعي في المختصر في باب صوم عرفة: أحب للحاج ترك صوم عرفة؛ لأنه حاج مضحى مسافر، هكذا هو في المختصر. ونقله القاضي أبو الطيب في المجرد والأصحاب مضحى، قالوا: معناه بارز للشمس.
ضرب: وأما قول الشافعي رحمه الله في كتاب المسابقة الصلاة في المضربة
والأصابع جائزة، فقد سبق بيانه في فصل صبع: المضاربة القراض والمقارضة بمعنى سميت مضاربة؛ لأن كل واحد منهما يضرب في الربح بسهم، وقيل: لما فيه من الضرب بالمال والتقليب، واشتقاق القراض من القرض، وهو القطع من قولهم: قرض الفأر الثوب أي: قطعه، ومن المقراض؛ لأنه يقطع فسمي قرضا؛ لأن المالك يقطع قطعة من ماله فيدفعها إلى العامل يتجر فيها، أو لأنه قطع من الربح قطعة، وقيل: مشتق من المقارضة(3/182)
وهي المساواة.
ضعع: قال الأزهري: ضعضع فلان إذا خضع وذل، وضعضعه الدهر. والعرب تسمي الفقير متضعضعًا، وقد تضعضع إذا افتقر، والضعضع الضعيف. قال ابن شميل: رجل ضعضاع لا رأي له ولا حزم، والضعضاع الضعيف من كل شيئ. قال صاحب المحكم: الضعضعة الخضوع، وضعضعت الأمر فتضعضع، وتضعضع الرجل ضعف وخف جسمه من مرض أو حزن، وتضعضع ماله قل. قال الأزهري في باب الصاد المهملة مع العين، قال أبو سعيد: تصعصع وتضعضع بمعنى واحد إذا ذل وخضع.
ضلع: وقد ثبت في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “استوصوا بالنساء خيرًا فإن المرأة خلقت من ضلع وإن اعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج” رواه البخاري في صحيحه في باب قول الله عز وجل: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} (البقرة: من الآية30) ورواه مسلم في كتاب الطلاق من طريقين.
ضلل: الضلال خلاف الهدى، وضل عن الطريق ذهب من غيره، وأضل الماء في رحله ذهب عنه. قولهم في باب اللقطة: ضالة الإبل والغنم.
قال الأزهري وغيره: لا تقع الضالة إلا على الحيوان، فأما المتاع فلا يسمى ضالا بل يسمى لقطة، يقال: ضل الإنسان والبعير وغيرهما من الحيوان فهو ضال. والضوال جمع ضالة، ويقال لها الهوامي والهوافي، واحدتها هامية وهافية وهمت وهفت وهملت، إذا ذهبت على وجهها بلا راع ولا سائق.
ضمن: الضمان مصدر ضمنت الشيء أضمنه ضمانا إذا كفلت به فأنا ضامن وضمين. قال صاحب المحكم: ضمن الشيء وبه ضمنا وضمانا وضمنه أياه كفله فجعله يتعدى بنفسه وبحرف الجر، وقوله في المهذب: الأمين أحسن حالا من الضمين. يعني الضامن كما تقدم.
قال الهروي: وقوله في الحديث الإمام ضامن: يريد أنه يحفظ على القوم صلاتهم، ومعنى الضمان الحفظ والرعاية. وقال غير الهروي: معناه ضمان الدعاء أي: يعم القوم به، ولا يخص به نفسه، وقيل معناه: أنه يتحمل القراءة عن القوم في بعض الأحوال، وكذلك يتحمل القيام عمن أدركه راكعا، حكاهما البغوي في شرح السنة.
وقال الشافعي في الأم: يحتمل ضمنا لما غابوا من المخالفة بالقراءة والذكر.(3/183)
وقال صاحب الأحوذي في شرح الترمذي: معنى ضمان الإمام لصلاة المأموم، هو التزام بشروطها وحفظ صلاته في نفسه؛ لأن صلاة المأموم تبتني عليه، وقيل معناه: أنهم إذا قاموا بالصلاة بالجماعة سقط فرض الكفاية عن سائر الناس بفعلهم، قوله: نهى عن بيع المضامين.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: فيما رأيته في غريب الحديث له، وهو أول من صنف غريب الحديث عن بعض العلماء، وعند بعضهم النضر بن شميل المضامين ما في أصلاب الفحول، وكذلك قاله صاحبه أبو عبيد القاسم بن سلام، وكذلك حكاه عنه الهروي، وكذلك ذكره الجوهري وغيرهم. وقال صاحب المحكم: المضامين ما في بطون الحوامل من كل شيئ كأنهن تضمنه، قال: ومنه الحديث وناقة ضامن ومضمان وحامل من ذلك أيضًا. قال الأزهري في شرح ألفاظ المختصر: المضامين ما في أصلا الفحول، سميت بذلك لأن الله تعالى أودعها ظهورها، فكأنها ضمنتها. وحكى صاحب مطالع الأنوار عن مالك بن أنس الإمام أنه قال: المضامين الأجنة في البطون. وعن ابن حبيب من أصحابه: هو ما في ظهور الفحول، قال: وقيل: المضامين ما يكون في بطون مثل حبل الحبلة.
قوله في كتاب البيع من الوسيط: توالي من الضمانين، قد فسره هو في البسيط بأن معناه: أن يكون مضمونا له. وعليه قولهم في كتاب الحكايات وآخر كتاب الرهن من المهذب وغير ذلك: وإن جرحه فبقي ضمانا إلى أن مات، ونحو ذلك من المجازات هو بفتح الضاد وكسر الميم، وهو على وزن وجع، ومعناه أي متألمًا.
ضنا: قوله في مختصر المزني والوسيط والوجيز في باب التيمم هل يتيمم لشدة الضنا فيه قولان: الضنا مقصور مفتوح الضاد. قال ابن فارس في المجمل: هو داء يخامر صاحبه وكل ما ظن أنه برىء منه نكس. وقال الرافعي في شرح الوجيز: هو المرض المدنف، قال: وهو الذي يجعله ضمنا فهو نوع مرض، هذا كلام الرافعي، وهو قريب من قول ابن فارس. قال أهل اللغة: يقال منه ضنى بفت الضاد وكسر النون، يضنى بفتح النون هنا، فهو ضن بضاد ثم نون مكسورة منونة كشيخ وضنى على وزن عصى.
قال الجوهري: واللغتان فيه مثل حرى وحر، قال: ويقال فيه تركته ضنا وضنيا، فإذا قلت ضنا استوى فيه المذكر والمؤنث والجمع؛ لأنه مصدر في الأصل فإذا كسرت النون ثنيت وجمعت كما قلنا(3/184)
في حر، ويقال: أضناه أي: أثقله.
ضوع: الضوع مذكور في الروضة في باب الأطعمة، هو بضم الضاد المعجمة وفتح الواو وبالعين المهملة. قال صاحب المجمل: الضوع طائر. قال المفضل: هو ذكر البوم وجمعه ضيعان. وقال الزبيدي: الضوع طائر من جنس الهام. وقال الجوهري: هو طير الليل من جنس الهام. والله أعلم.
حرف الطاء
طبب: الطبيب العالم، وجمع القلة أطبة والكثير أطباء تقول ما كنت طبيبا ولقد طببت بكسر الباء، والمتطبب: الذي يتعاطى علم رآه، والطَب والطُب بفتح الطاء وضمها لغتان في الطب فكل حاذق طبيب عند العرب، قال هذه الجملة الجوهري.
طبع: في الحديث: “من توضأ ثم قال سبحانك اللهم وبحمدك” إلى آخره “طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة”. قال أهل اللغة: الطبع الختم، وطبع الشيء أي: ختم، والطابع بفتح الباء وكسرها لغتان، وهو الذي يختم به. قال أهل اللغة: والطبع السجية. وقوله في باب زكاة الثمار من المهذب: الناقة المطبعة هو بضم الميم وفتح الطاء والباء المشددة. قال أهل اللغة: هي المثقلة بالحمل.
طحلب: الطحلب المذكور في باب المياه من المهذب: والروضة هو بضم الطاء وإسكان الحاء المهملتين وتضم اللام وتفتح لغتان مشهورتان، وهو شيء أخضر يعلو الماء، ويقال قد طحلب الماء.
طرب: قال أهل اللغة: الطرب خفة تصيب الإنسان لشدة حزن أو سرور. قالوا: ولا يختص بالسرور والفعل. قال أهل اللغة: التطريب مد الصوت.
طرث: الطرثوت ذكره في الروضة في أول باب الربا، هو بضم الطاء المهملة وإسكان الراء وبثاءين مثلثتين الأولى مضمومة، وهو نبت يؤكل باردًا وفي القحط.
طرف: الطرفاء بالمد شجر من شجر البوادي، واحدها طرفة.
طرق: الطريق يذكر ويؤنث لغتان فصيحتان. قال أبو حاتم السجستاني: في المذكر والمؤنث الطريق، يؤنثه أهل الحجاز(3/185)
ويذكره أهل نجد وأكثر العرب. قال: والقرآن كله يدل على التذكير، قال الله تعالى: {وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} (الاحقاف: من الآية30) قوله في باب الضمان من المهذب: استطرقت رجلا فحلا معناه: طلبت منه فحلا لأنزيه على دابتي.
طعم: الطعام ما يؤكل، والطعم بفتح الطاء ما يؤديه الذوق، يقال: طعمه مر، والطعام بالضم الطعام، وطعم يطعم بكسر العين في الماضي، وفتحها في المستقبل طعما، فهو طاعم إذا أكل أو ذاق مثل غنم يغنم غنما فهو غانم، وأطعمته أنا واستطعمته طلبت منه الطعام، ورجل مطعام كثير الاطعام والقرى، ومطعم بكسر الميم وفتح العين كثير الأكل، ومطعم بضم الميم مرزوق، والطعمة بضم الطاء المأكلة، يقال: جعلت هذه الضيعة طعمة لفلان، قاله الجوهري.
وقولهم: ويجزي في بول الغلام الذي لم يطعم النضح هو بفتح الياء أي: الذي لم يأكل، والمراد: الذي لم يأكل غير اللبن وغير ما يحنك به وما أشبهه، فإذا أكل الخبز وما أشبهه وجب الغسل، وفي الحديث نهى عن بيع الثمرة حتى تطعم، هو بضم التاء وإسكان الطاء وكسر العين.
قال أهل اللغة: يقال: أطعمت الثمرة أدركت وصار لها طعم، ومنه الحديث المشهور في قصة الدجال، قال: أخبروني عن نخل ببستان هل أطعم، وقد ذكر الشيخ أبو القاسم ابن البرزي وغيره ممن جمع ألفاظ المهذب: أن قوله هنا يطعم بفتح الياء والعين، وقال ابن باطيش: المختار أنه بضم الياء وفتح العين، وهذا غلط صريح وخطأ قبيح، والصواب ما ذكرناه أولا، واللفظة مشهورة في كتب اللغة والحديث كما قدمته، وإنما نقصد بيان بطلان هذا لئلا يغتر به أو يوهم أنه يقال بالوجهين. قال ابن فارس وغيره من أهل اللغة: الطعام يقع على كل ما يطعم حتى الماء. قال الله تعالى: {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} (البقرة: من الآية249) وقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في زمزم: “إنها طعام طعم، وشفاء سقم” قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني”، الصحيح عند العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم: أن معناه أعطى قوة الطاعم والشارب. وقيل: يطعم من طعام أهل الجنة حقيقة. قال الرافعي: قال المسعودي: أصح ما قيل في معناه: أعطى قوة الطاعم والشارب.
طعن: قوله في المهذب في كتاب الديات: وإن طعن وجنته. وفي أثناء كتاب السير منه أيضا شعر المتنبي:
بالراي قبل تطاعن الفرسان
ولربما طعن الفتى أقرانه
وبعده بقليل فى شعر ابن شعوب:(3/186)
بطعنة مثل شعاع الشمس
لأحمين صاحبي ونفسي
الطعن: الضرب بالرمح وبالقرن وما يجري مجراهما، وتطاعنوا واطعنوا واستعير في الوقيعة في قال الله تعالى: {لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ} (النساء: من الآية46) ، وقال تعالى: {وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ} (التوبة: من الآية12) ونهى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الطعن في الأنساب، وجعله من أخلاق الجاهلية، وجعله كفرا هو والنياحة، والاستسقاء بالأنواء. والطاعون المذكور في باب الوصية: مرض معروف، هو بثر وورم مؤلم جدًا، يخرج مع لهب ويسود ما حواليه أو يخضر أو يحمر حمرة بنفسجية كدرة، ويحصل معه خفقان القلب والقيء، ويخرج في المراق والأباط غالبًا، والأيدي والأصابع وسائر الجسد.
طفر: قوله في أول النكاح من الوسيط: وإن زالت البكارة بوثبة أو بطفرة، الطفرة بفتح الطاء المهملة وإسكان الفاء. قال صاحب العين وصاحب المجمل: يقال: طفر إذا وثب في ارتفاع. وقال الجوهري والزبيدي في مختصر العين: طفر معناه وثب فعلى هذا هما بمعنى، وعلى الأول يكون الوثوب عامًا في الارتفاع والتقدم، والطفر مختص بالارتفاع، ويمكن حمل الثاني على موافقة الأول.
طفل: قال الإمام أبو الحسن الواحدي في كتابه البسيط في أول سورة الحج: قال أبو الهيثم: الصبي يدعى طفلا حين يسقط من بطن أمه إلى أن يحتلم. قال أبو الهيثم: والعرب تقول جارية طفل، وجاريتان طفل، وجوار طفل، وغلام طفل، وغلمان طفل، ويقال: طفل وطفلة، وطفلان وطفلتان في القياس، وأطفال ويقال: طفلات، وأطفلت المرأة والظبية إذا صارت ذات طفل. وقال المفسرون وأصحاب المعاني والنحويون وأهل اللغة في قول الله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} (النور: من الآية31) المراد بالطفل هنا الأطفال. قال المبرد وغيره: مجازه مجاز المصدر.
طلس: قال أهل اللغة: الطلس المحو والطمس، وقد طلست الكتاب أطلسه بكسر اللام طلسا فتطلس، والأطلس والطلس بكسر الطاء الخلق، وجمعه أطلاس، يقال رجل أطلس الثوب، والطيلسان بفتح الطاء واللام واحد الطيالسة.
قال الجوهري: والهاء في الجمع للعجمة؛ لأنه فارسي معرب. قال: ولا يجوز ترخيمة؛ لأنه ليس في كلام العرب، فيعل بكسر العين إلا معتلا نحو سيد وميت. وذكر القاضي عياض في المشارق في حرف السين مع الياء في تفسير الساحة: أن الطيلسان يقال بفتح اللام(3/187)
وكسرها وضمها وهو أقل. هذا كلامه وهو غريب، والمشهور الفتح.
طلق: حد الطلاق تصرف مملوك للزوج يحدثه بلا سبب فينقطع النكاح به، ويقال في المرأة هي طالق وطالقة بالهاء، والمشهور الفصيح حذف الهاء، وهو المستعمل في الحديث والفقه وغيرهما، ووقع في نسخ المهذب: طالقة بالهاء، في قوله في باب الشرط في الطلاق في فصل: وإن قال أنت طالق اليوم، قال: وقوله هذا يحتمل أن يكون طالقة بطلاقها اليوم. ووقع في بعض المواضع من التنبيه طالقتان، وهو جار على هذه اللغة.
طلل: قوله في المهذب في دية الجنين ومثل ذلك يطل، روي يطل بالياء المثناة المضمومة وتشديد اللام المضمومة، وروي بطل بفتح الباء الموحدة واللام المخففة، وقد تقدم ذلك في حرف الباء، ومعنى يطل بالمثناة يهدر. قال الجوهري: قال أبو زيد: يقال طل دمه فهو مطلول وأطل، وطله الله تعالى وأطله أي: أهدره. قال: ولا يقال طل دمه بفتح الطاء، وأبو عبيدة والكسائى يقولانه، قال أبو عبيدة القاسم: فيه ثلاث لغات طل وطل وأطل، وقوله في الوسيط في أول كتاب الجراح في مسائل الإكراه على القتل: لو رمى إلى طلل هو بفتح الطاء واللام، وهو الشيء المرتفع، ويقال لشخص الإنسان طلل وطلالة بالفتح. قال أهل اللغة: يقال: أطل على الشيء أي: أشرف، وتطال بالتشديد إذا مد عنقه ينظر إلى شيء يبعد عنه.
طهر: الطهارة في اللغة: النظافة والتنزة عن الأدناس. وفي الشرع: رفع الحدث وإزالة النجاسة، أو ما في معناهما كالتيمم وتجديد الوضوء، والغسلة الثانية الثالثة وفي الوضوء، وإزالة النجاسة، والاغسال المسنونة، وطهارة المستحاضة، وسلس البول، وما في معناهما من حدث دائم، فكل هذه طهارات ولا يرفع ولا يزل نجسا، ومن اقتصر على أن الطهارة رفع الحدث، وإزالة النجس فليس بمصيب، فإنه حد ناقص لأنه يخرج منه ما ذكرناه، والله تعالى أعلم.
ويقال: طهر الشيء بفتح الهاء وضمها لغتان مشهورتان الفتح أفصحهما يطهر طهرا وطهارة. وقوله في أول الوسيط والوجيز: يستحب الاستطهار في إزالة النجاسة بغسلة ثانية وثالثة. قال الإمام أبو القاسم الرافعي: يجوز أن يقرأ بالطاء المهملة وبالظاء المعجمة، فالمهملة معناه طلب الطهر، وبالمعجمة الاحتياط، وهذا كله كما(3/188)
قال الشافعي رحمه الله تعالى في أول المبتدأه المميزة إذا استحيضت ولا يتطهر بثلاثة أيام قرىء بهما جميعًا هذا كلام الرافعي. وقد ذكر صاحب البحر في باب الحيض: أن قول الشافعي لا يستظهر قرىء بالوجهين بالمعجمة والمهملة، ولم يرجح واحد منهما، كما لم يرجحه الرافعي، والصحيح الصواب المشهور المعروف المختار أنه بالمعجمة في الموضعين.
طوف: الطائفة من الشيء قطعة منه قاله الجوهري وغير الجوهري في قوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (النور: من الآية2) قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: الواحد فما فوقه. وقال الهروي: يجوز أن يقال للواحد طائفة، يراد بها نفس طائفة. قال الإمام الثعلبي: اختلفوا في الطائفة في قوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} قال النخعي ومجاهد: أقله رجل واحد. وقال عطاء وعكرمة: رجلان. وقال أبو زيد: أربعة.
وحكى الواحدي هذه الأقوال، وزاد عن الزهري أنهم ثلاثة فصاعدا، وعن الحسن أنهم عشرة، وعن قتادة قال: هم نفر من المسلمين، وعن ابن عباس في رواية: أنهم أربعة إلى أربعين. قال الواحدي: قال الزجاج: أما من قال واحد فهو على غير ما عند أهل اللغة لأن الطائفة في معنى جماعة، وأقل الجماعة اثنان، وأقل ما يجب في الطائفة عندي اثنان.
قال الواحدي: والذي ينبغي أن يتحرى في شهادة عذاب الزنا أن يكونوا جماعة لأن الأغلب على الطائفة الجماعة. وحكي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك أنه قال الطائفة هنا خمسة. هذه مذاهب المفسرين والعلماء، وأما مذهبنا فالطائفة عندنا أربعة. قال الشيخ أبو حامد الاسفرايني: جعل الشافعي رضي الله تعالى عنه الطائفة في هذه الآية أربعة، وفي صلاة الخوف ثلاثة، وفي قوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} (التوبة: من الآية122) قال: الطائفة واحد فصاعدا، هذا كلام أبي حامد، ومذهبنا أن حضور الطافة عذاب الزنا مستحب وليس بواجب، والله تعالى أعلم.
وقد قال الشافعي والأصحاب في قول الله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} (النساء: من الآية102) إلى آخر الآية، المراد بالطائفة التي يصلي بها الإمام ثلاثة فصاعدا، وكذلك الطائفة التي تكون في وجه العدو، والمراد بهم ثلاثة فصاعدا. قال الشافعي والأصحاب: ويكره أن يصلى صلاة الخوف(3/189)
بأقل من ستة سوى الإمام: ثلاثة منهم خلفه وثلاثة في وجه العدو، وهكذا نص عليه الشافعي في مختصر المزني، واتفق أصحابنا عليه، قالوا: فإن خالف أساء وكره كراهة تنزيهية وصحت صلاتهم، وأعترض أبو بكر بن داود على الشافعي رضي الله تعالى عنهم وقال: قوله أقل الطائفة ثلاثة خطأ لأن الطائفة في الشرع، واللغة تطلق على واحد. أما اللغة فحكى ثعلب عن الفراء أنه قال مسموع عن العرب أن الطائفة الواحد، وأما الشرع فقد احتج الشافعي في قبول خبر الواحد بقوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّين} فحملها على الواحد، وأجاب أصحابنا عن اعتراضه بأجوبة: أحدها وهو المشهور، والراجح أن يسلم له أن الطائفة يجوز أن تطلق على واحد، وإنما قال الشافعي في الخوف: يستحب أن لا تكون الطائفة أقل من ثلاثة لقوله تعالى في الطائفة الأولى {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} (النساء: من الآية102) وقال سبحانه وتعالى في الطائفة الأخرى: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} (النساء: من الآية102) فعبر عنهم بضمير الجمع في هذه المواضع كلها وأقل الجمع ثلاثة، وأما الطائفة في الآية التي استشهد بها فإنما حملناها على الواحد بالقرينة، وهو أن الإنذار يحصل بالواحد، وفي آية الزنا حملناها على أربعة؛ لأن المقصود إظهار ذلك في ملأ من الناس فلا يحصل بواحد
ولأنها البينة التي يثبت بها الزنا، فإن قيل فقد قال سبحانه وتعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} (التوبة: من الآية122) فأعاد ضمير الجمع، فالجواب أن الجمع عائد إلى الطوائف التي تجتمع من الفرق، والله تعالى أعلم.
قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إنها من الطوافين عليكم أو الطوافات” قال الهروي في تفسير هذا الحديث. قال أبو الهيثم: الطائف الخادم الذي يخدمك برفق، وجمعه الطوافون. وقال صاحب المحكم: الطوافون الخدام والمماليك. وقال الإمام أبو سليمان الخطابي: يتأول هذا الحديث على وجهين، أحدهما: أن يكون شبهها بخدم البيت وبمن يطوف على أهله للخدمة ومعالجة المهنة. والآخر: أن يكون شبهها بمن يطوف للحاجة والمسألة يريد أن الأجر في مواساتها كالأجر في مواساة من يطوف للحاجة ويتعرض للمسألة. وقال صاحب المطالع أي من(3/190)
المتكررين: وما لا ينفك عنه ولا يقدر على التحفظ منه، والطائف المتكرر بالخدمة الملاطف فيها، قال: وقوله أو الطوافات يحتمل الشك، ويحتمل ذكر الصنفين من الذكور والإناث.
قلت: ويشبه أن يكون معنى الحديث والله أعلم: أن الطوافين من الخدم والصغار سقط الحجاب في حقهم للضرورة بكثرة مداخلتهم بخلاف غيرهم من الأحرار التابعين، فهكذا يسقط حكم النجاسة في الهرة بخلاف غيرها من الحيوانات؛ لأن الهرة من الطوافين. وقد أشار إلى هذا المعنى الإمام أبو بكر بن العربي المالكي صاحب كتاب الأحوذي في شرح الترمذي، وهذا الحديث حديث صحيح مشهور، رواه مالك في موطئه وأبو داود والترمذي وغيرهما. قال الترمذي: هو حديث حسن صحيح. والله تعالى أعلم.
طيب: قوله في المهذب في قسم الفيء حلف المطيبين، هو بفتح الطاء المخففة وكسر الياء، ومعهم حلف الفضول بضم الفاء، هما حلفان كانا في قريش قبل نبوة نبينا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. والحِلْف بكسر الحاء وإسكان اللام هو العهد والبيعة، أحدهما: أنه وقع تنازع بين بني عبد مناف وبني عبد الدار، فيما كان إلى قصي من الحجابة والسقاية والرفادة واللواء، فتبع عبد مناف قبائل منهم أسد بن عبد العزى وتيم وزهرة وبنو الحارث بن فهر، وتحالفوا أنهم لا يتخاذلون، وأنهم ينصرون المظلومين، ويدفعون الظالمين، وتبع عبد الدر جمح وسهم ومخزوم وعدي وتحالفوا أيضًا وهؤلاء يسمون الأحلاف، وعبد مناف ومن معهم يسمون المطيبين لأنهم خرجوا جفنة فملأوها طيبًا فكانوا يغمسون أيديهم فيها ويتبايعون، وقيل: لأنهم أخرجوا من طيب أموالهم شيئًا أعدوه للأضياف.
والحلف الثاني: أنه كان في قريش من يستضعف الغريب فيظلمه ويأخذ ماله فأنكروا ذلك، وتبايعوا على منع الظالم من الظلم في دار عبد الله بن جدعان اجتمع عليه بنو هاشم وبنو المطلب وأسد بن عبد العزى وزهرة وتيم وسمي هذا حلف الفضول، قيل: لأنهم أخرجوا فضول أموالهم للأضياف، وقيل: لأنه قام بأمرهم جماعة اسم كل واحد منهم فضل منهم: الفضل بن الحارث، والفضل بن وداعة، والفضل بن فضالة. وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معهم في حلف الفضول، وكان أيضا في الحلف الأول مع المطيبين، نقلته من شرح الوجيز.(3/191)
فصل في أسماء المواضع
الطائف: بلد معروف على مرحلتين من مكة في جهة المشرق. قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: أحد غزوات النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التي قاتل فيها غزاة الطائف. ذكره في المختصر في السير.
طبرية الشام: مذكورة في باب الإقرار، هي مدينة معروفة بالشام ذات حصن في ناحية الأردن، وهي داخلة في الأرض المقدسة بينها وبين بيت المقدس نحو مرحلتين، وإنما قالوا طبرية الشام ليحترزوا عن طبرستان البلدة المعروفة بعراق العجم، فإنه ينسب إليها طبري، وإليها ينسب أبو علي الطبري، والقاضي أبو الطيب الطبري، وهي بفتح الطاء والباء والراء وإسكان السين، كذا قيدها الحازمي وغيره، وهي مذكورة في الروضة في مواضع منها القنوت في الوتر.
طرسوس: بفتح الطاء والراء وسينين مهملتين الأولى مضمومة مذكورة في كتاب الوقف من الكتابين، وهي مدينة معروفة في بلد الأرمن مجاورة للشام من ناحية الفرات، وقد استولى عليها الكفار في هذه الأعصار. وقول الغزالي: إن وقف شيئا على الثغور كطرسوس، واتسعت خطة الإسلام حواليها، أراد بهذا حال طرسوس قبل هذه الأعصار.
طوس: كورة من كور نيسابور إلى ناحية مرو الشاهجان، وطابران قصبة طوس، قاله الهروي.
حرف الظاء
ظبي: الظبي معروف، والأنثى ظبية بالهاء، وجمع الظبي في القلة أظب كدلو وأدل ووزنه أفعل، وجمعه في الكثرة ظباء وظبي كثدي، وهو على وزن فعول. قال الجوهري: ويقال أيضا ظبيات بفتح الباء. وأما قوله في التنبيه: فإن أتلف ظبيًا ماخضًا فكذا وقع في النسخ وهو لحن وصوابه ظبية ماخضا؛ لأن الماخض الحامل، ولا يقال في الأنثى إلا ظبية والذكر ظبي.
ظرب: قولهم في دعاء الاستسقاء: "(3/192)
اللهم علىالظراب" بكسر الظاء، وهي الروابي الصغار، واحدها ظرب بفتح الظاء وكسر الراء.
ظفر: قال الأزهري: قال الليث: الظفر ظفر الأصبع وظفر الطائر، والجمع الأظفار وجماعات الأظفار أظافير، ويقال ظفر فلان في وجه فلان إذا غرز ظفره في لحمه فعقره، وكذلك التظفير في القثاء والبطيخ والأشياء كلها، ويقال للظفر أظفور وجمعه أظافير. وقال صاحب المحكم: الظفر والظفر معروف يكون للإنسان وغيره، وأما قراءة من قرأ كل ظفر بالكسر فشاذ غير مأنوس به لا يعرف ظفر بالكسر، وقيل: الظفر لما لا يصيد ومن الطير المخلب لما يصيد كله يذكر صرح ذلك اللحياني والجمع أظفار وهو الأظفور، وعلى هذا قولهم أظافير لا على أن جمع أظفار الذي هو جمع ظفر؛ لأنه ليس كل جمع يجمع، وأما من لم يقل الأظفر فإن أظافير عنده إنما جمع الجمع، فجمع ظفرا على أظفار ثم أظفار على أظافير، ورجل الاظفار عريضها، ولا فعل لها من جهة السماع، وظفره يظفره وظفره وأظفره غرز في وجهه ظفره.
قال الإمام الثعلبي المفسر رحمه الله تعالى في قول الله تبارك وتعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} (الأنعام: من الآية146) قال: وقرأ الحسن ظفر مكسورة الظاء ساكنة الفاء، وقرأ أبو السماك بكسر الظاء والفاء وهي لغة. وقال أبو البقاء العكبري رحمه الله تعالى في كتابه إعراب القرآن: {كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} الجمهور على ضم الظاء والفاء، ويقرأ بإسكان الفاء، ويقرأ بكسر الظاء والإسكان. قال الجوهري: الظفر جمعه أظفار وأظفور وأظافير. وقال ابن السكيت: يقال رجل أظفر بين الظفر إذا كان طويل الأظفار، كما يقال رجل أشعر لطويل الشعر. قال صاحب المحكم: والظفر ضرب من العطر أسود متفلق من أصله على شكل ظفر الإنسان، والجمع أظفار وأظافير. قال صاحب العين: لا واحد له وظفر ثوبه طيبه بالظفر، قال: والظفر الفوز بالمطلوب، وقد ظفر به أو عليه فظفره ظفرا وأظفره الله تعالى به أو عليه. ورجل مظفر وظفر وهو مظفور به وظفير لا يحاول أمرًا إلا ظفر به وظفره دعا له بالظفر.
قال الأزهري: قال الليث: الظفر الفوز بما طلبت، وتقول: ظفر الله تعالى فلانا على فلان وكذا ظفره وظفرت به فأنا ظافر به وهو مظفور به، وتقول: أظفرني الله تعالى به وفلان مظفر لا يؤوب إلا بالظفر فيعل نعته للكثرة والمبالغة، فإن قيل: ظفر الله تعالى فلانا أي جعله مظفرًا جاز وحسن أيضًا. قال ابن روح: تظافر القوم عليه وتظافروا وتظاهروا بمعنى واحد.
ظلل: قولهم: آخر وقت الظهر إذا صار كل شيء مثله هذا مما رأيت بعض الجاهلين يتكلم فيه بأباطيل في الفرق بين الظل والفيء، والصواب ما ذكره الإمام أبو محمد ابن مسلم بن قتيبة في أول أدب الكتاب قال: يذهبون يعني العوام إلى أن الظل والفيء بمعنى، وليس كذلك بل الظل يكون غدوة وعشية ومن أول النهار إلى آخره، ومعنى الظل الستر، ومنه قولهم: أنا في ظلك ومنه ظل الجنة، وظل شجرها إتمامه وسترها ونواحيها، وظل الليل سواده لأنه يستر كل شيء، وظل الشمس ما سترته الشخوص من مسقطها.
وأما الفيء فلا يكون إلا بعد الزوال، ولا يقال لما قبل الزوال فيء، وإنما سمي بعد الزوال فيئا لأنه ظل فاء من جانب إلى جانب أي: رجع، والفيء الرجوع، هذا كلام ابن قتيبة وهو نفيس، وقد ذكره غيره ما ليس بصحيح فلم أعرج عليه والله تعالى أعلم. وقولهم أخشاب المظلة فوق البعير هي بكسر الميم وفتح الظاء وتشديد اللام، نص عليه الجوهري وغيره، وأصله البيت من شعر.
ظلم: قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الوضوء: "فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم" قد تقدم معنى الظلم والإساءة هنا في فصل أساء فلا نعيده. وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس لعرق السهو حق" يأتي إن شاء الله تعالى في حرف العين، ويقال ظلمه يظلمه ظلما ومظلمة. قال الجوهري: وقال هو وغيره: أصل الظلم وضع الشيء فى غير موضعه، قال: والظلمة خلاف النور والظلمة بضم اللام لغة فيه، والجمع ظلم وظلمات، وقد أظلم الليل وقالوا: ما أظلمه ومما أضوأه، وهو شاذ، والظلام أول الليل والظلماء والظلمة.
وقال صاحب المحكم: الظلمة ذهاب النور، وهي الظلماء، والظلام اسم يجمع ذلك كالسواد. وقيل: الظلام أول الليل وإن كان مقمرا. وقال الهروي: يقال أظلم الليل وظلم، قولهم؛ لأنه لم يستدرك الظلامة، الظلامة بضم الظاء. قال الجوهري رحمه الله تعالى: الظلامة والظلمة والمظلمة ما تطلبه عند الظالم، وهو اسم ما أخذ منك. وقال صاحب المحكم: الظلامة ما تظلمه وهي المظلمة،(3/193)
وقال غيرهما: جمع ظلامة ظلام بضم الظاء. قال أهل اللغة: أصل الظلم وضع الشيء فى غير موضعه، قالوا هم وأصحابنا المتكلمون وهو أيضا: التصرف فى غير ملك. قال أصحابنا وغيرهم: ويستحيل أن يقع الظلم من الله تعالى فإن العالم ملكه فلا يتصرف فى غير ملكه، وقوله تعالى: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة} وأشباهه من الآيات الكريمة معناه: لا يتصور الظلم في حقه سبحانه وتعالى، ولا يقع منه هذا، معناه الذي يجب على كل أحد اعتقاده، وأما ما يقع في كتب المفسرين لا يعاقب بغير جرم خطأ صريح وجهل قبيح، مردود على قائله، وإن كان كبير المرتبة فلا يعتد بما يراه من ذلك. وقول الله تبارك وتعالى: {وما ربك بظلام للعبيد} هذا مما يسأل عنه كثيرًا عن الحكمة في بنائه على فعال الذي هو للكثرة، ولا يلزم من نفي الظلم الكثير نفي القليل بخلاف العكس، والجواب: من أوجه ذكر منها أبو البقاء العكبري في كتابه إعراب القرآن أربعة أوجه في سورة آل عمران أحدها: أن فعالا قد جاء ولا يراد به الكثرة كقول طرفة:
ولكن متى يسترفد القوم أرفد
ولست بحلال التلاع مخافة
لا يريد أنه يحل التلاع قليلا لأن ذلك يدفعه.
قوله: متى يسترفد القوم أرفد، وهذا يدل على نفي الحل في كل حال. والجواب الثاني: أن ظلاما هنا للكثرة لأنه مقابل للعباد، وفي العباد كثرة إذا قوبل بهم الظلم كان كثيرا. والثالث: أنه إذا انتفى الظلم الكثير انتفى القليل ضرورة؛ لأن الذي يظلم إنما يظلم لانتفاعه بالظلم، فإذا ترك الظلم الكثير مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع والضر كان للظلم القليل المنفعة أترك. الوجه الرابع: أنه على النسب أي لا ينسب إلى الظلم، فيكون من باب بزاز وتمار وعطاء.
فهذه الأقوال التي ذكرها أبو البقاء وهي مشهورة في كتب المتقدمين، والراجح عند جماعة هو الوجه الأول وأنشدوا فيه أبياتا كثيرة نحو البيت المذكور.
ظنن: قوله في المهذب في آخر مقام المعتدة ولأن الليل مظنة الفساد، ووقع في بعض النسخ بالظاء المعجمة والنون، وفي بعضها بالطاء المهملة والياء المثناة من تحت، وهذا الذي بالمهملة هو الأكثر في النسخ، وبه ضبطه بعض الأئمة الفضلاء الناقلي عن خط المصنف، وكلاهما صحيح، أما بالمعجمة فقال أهل اللغة: مظنة الشيء(3/195)
موضعه، وأما بالمهملة: فشبه الليل بالمطية، التي هي الراحلة التي تركب، ويتوصل بها إلى الغرض، وذلك لستر الليل وعدم المزعج فيه.
ظهر: صلاة الظهر معروفة سميت ظهرا لظهورها وبروزها، ظهار الزوج من زوجته معروف، وهو أن يقول أنت علي كظهر أمي، وهو مأخوذ من الظهر. قال العلماء: إنما خص الظهر بهذا دون البطن والفخذ والفرج، وإن كانت أولى بهذا لأنها محل الاستمتاع لأن الظهر موضع الركوب، والمرأة مركوبة إذا غشيها الزوج وهو راكب: أي مرتفع على مركوب، فكأنه قال: ركوبك علي حرام كركوب أمي، فإن أمي لا تكون ظهرا أي: موطوءة فكذا أنت فأقام الظهر مقام المركوب وأقام الركوب مقام الوطء.
وفي الحديث "إنما الصدقة عن ظهر غنى" معناه والله تعالى أعلم. عن غنى ظاهر وهو ما زاد على الكفاية، فأما قدر الحاجة والكفاية فلا صدقة منه، قوله في الوسيط والوجيز: يستحب الاستظهار بغسلة ثانية وثالثة. وقوله في مختصر المزني: ولا يستظهر لثلاثة أيام كله بالظاء المعجمة، ويجوز أيضًا بالمهملة، وقد تقدم بيانه في الطاء قوله في المهذب في باب الآنية فيما إذا اشتبه عليه ماء مطلق وماء مستعمل ففيه وجهان، أحدهما: لا يتحرى إلى آخره. والثاني: يتحرى لأنه يجوز أن يسقط الفرض بالظاهر مع القدرة على اليقين.
فقوله بالظاهر هو بالظاء المعجمة هكذا ضبطناه وهو الصواب، وليس هو بالطاء المهملة؛ لأنه بالمعجمة أعم؛ ولأنه لا يختص بباب النجاسة، والله تعالى أعلم.(3/196)
حرف العين
وهو الحرف الذي اعتمده الخليل بن أحمد رضي الله تعالى عنه، وبدأ به كتابه، وتابعه الناس عليه. قال الأزهري: قال الليث: قال الخليل: لم يأتلف العين والغين في شيء من كلام العرب.
عبب: قال الإمام أبو منصور الأزهري جاء في بعض الأخبار مصوا الماء مصا ولا تعبوه عبا. والعب: أن يشرب الماء ولا يتنفس، وقيل: إنه يورث الأكباد، وقد روي في خبر مرفوع. وقال أبو عمرو: العب أن يشرب الماء دعرقة بلا عبث. والدعرقة أن يصب الماء مرة واحدة. والعبث أن يقطع الجرع. قال الأزهري: قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: الحمام من الطير ما عب وهدر، وذلك أن الحمام يعب الماء عبًا ولا يشرب كما تشرب الطير شيئًا فشيئًا. وقال صاحب المحكم: شرب الماء بلا مص، وهو الجرع، وقيل: تتابع الجرع، يقال عبه يعبه عبًا وعب في الإناء والماء عبًا أي كرع. ويقال في الطائر عب ولا يقال شرب. وفي الحديث "أن الله تعالى قد وضع عنكم عبية الجاهلية"
قال أبو عبيدة واللحياني والأزهري وصاحب المحكم وجماعات من المتقدمين وغيرهم: هي بضم العين وكسرها لغتان، ومعناهما الكبر والفخر. قال الأزهري: لا أدري أهي فعيلة من العب أو من العبو وهو الضوء. قال الإمام أبو القاسم الرافعي: العب هو شرب الماء جرعا والهدير ترجيعه وصوته تغريده، قال: والأشبه أن يقال ما له عب وله هدير، قال: ولو اقتصروا في تفسير الحمام على العب لكفاهم، ذلك يدل عليه نص الشافعي رحمه الله تعالى في عيون المسائل، قال: وما عب في الماء عبا فهو البغوي، وما شرب قطره قطرة كالدجاج فليس بحمام.(4/2)
عبق: قال أهل اللغة: يقال عبق به الطيب بكسر الباء أي: لزق أو يعبق بفتحها عبقًا بالفتح، وعباقية على وزن ثمانية.
عتر: ذكر في الروضة في باب العقيقة قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “لا فرع ولا عتيرة” وذكر اختلاف الأصحاب في أنهما مكروهان أم لا، وهذا الحديث في صحيح البخاري من رواية أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وفيه في صحيح البخاري الفرع أول النتاج كانوا يذبحونه لطواغيتهم، والعتيرة في رجب.
قال الخطابي في شرح صحيح البخاري: أحسب هذا التفسير من كلام الزهري راوي الحديث. قال الخطابي: وأصل العتيرة النسيكة التي تعتر أي: تذبح، وكان أهل الجاهلية يذبحونها في رجب ويسمونها الرجبية، فنهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنها، وكان ابن سيرين من بين أهل العلم يذبحها في رجب. قلت: لا خلاف أن تفسير العتيرة ما ذكره إلا أنها في العشر الأول من رجب.
كذا قال الجوهري: العتر والعتيرة بمعنى كذبح وذبيحة، وقد عتر الرجل يعتر بكسر التاء في المضارع عترا بفتح العين وإسكان التاء إذا ذبح العتيرة، ويقال هذه أيام ترجيب وتعتير.
عتق: قوله في الحديث: نهى عن الصلاة في سبع مواطن منها فوق بيت الله العتيق بمعنى الكعبة المعظمة. واختلف العلماء في سبب تسميته عتيقا، فروى الواحدي في الوسيط بإسناده عن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إنما سمى الله تعالى البيت العتيق لأن الله تعالى أعتقه من الجبابرة فلم يظهر جبار قط، قال: وهذا قول أكثر المفسرين.
وقال الإمام أبو منصور الأزهري في تهذيب اللغة: قال الحسن: والبيت القديم. قال: وقال غيره: البيت العتيق أعتق من الغرق أيام الطوفان، وقيل: إنه أعتق من الجبابرة ولم يدعه منهم أحد.
وذكر صاحب المحكم الأقوال الثلاثة التي ذكرها الأزهري، قال: والأول أولى يعني أنه سمي به لقدمه، وذكر الهروي أيضًا هذه الأقوال وقدم الأول منها. وقال صاحب مطالع الأنوار: العرب تقول لكل مثناة في الجودة عتيق، ومنه سميت الكعبة البيت العتيق.
وذكر أيضًا هذه الأقوال الثلاثة، قال الأزهري عن شمر: العاتق الجارية التي قد أدركت وبلغت ولم تتزوج بعد. وقال ابن الأعرابي: العاتق الجارية التي قد بلغت أن تدرع(4/3)
وعتقت من الصبا والاستعانة بها، وإنما سميت عاتقا لهذا. وقال الجوهري: جارية عاتق أي: شابة أول ما أدركت فخدرت في بيت أهلها ولم تبن إلى زوج. وقال صاحب المحكم: جارية عاتق شابة، وقيل: العاتق البكر التي لم تبن عن أهلها، وقيل: هي بين التي أدركت وبين التي عنست. والعاتق أيضا التي لم تتزوج سميت بذلك لأنها عتقت عن رحمة أبويها ولم يملكها زوج بعد. قال الفارسى: وليس بقوي والجمع في ذلك كله عواتق.
قال الجوهري: العتق الكرم يقال ما أبين، والعتق في وجه فلان يعني الكرم والعتق الجمال والعتق الحرية، وكذلك العتاق بالفتح، والعتاقة بالفتح تقول منها: عتق العبد يعتق بالكسر عتقا وعتاقا وعتاقة فهو عتيق وعاتق وأعتقته أنا، وفلان مولى عتاقة، ومولى عتيق، ومولاة عتيقة، وموال عتقاء، ونساء عتائق، وذلك إذا أعتقن وعتق الشيء بالضم عتاقة أي: قدم وصار عتيقا، وكذلك عتق يعتق مثل دخل يدخل فهو عاتق، ودنانير عتق وعتقته أنا تعتيقًا. والعتيق القديم من كل شيء حتى قالوا رجل عتيق أي قديم.
عن أبي عبيد: والعتيق العبد المعتق، والعتيق الكريم من كل شيء، والخيار من كل شيء التمر والماء والبازي والشحم، والعاتق موضع الرداء من المنكب يذكر ويؤنث، وفرس عتيق أي: رائع والجمع العتاق، وإنما قيل: قنطرة عتيقة بالهاء، وقنطرة جديد بلا هاء لأن العتيقة بمعنى الفاعلة، والجديدة بمعنى المفعولة، ليفرق بين ما له الفعل وبين ما الفعل واقع عليه، هذا ما ذكره الجوهري.
وقال الأزهري: عتيق التمر وغيره، وعتق يعتق إذا صار قديمًا. قال الأصمعي: العاتقان ما بين(4/4)
المنكبين والعتق والجمع العواتق. وقال ابن الأعرابي: كل شيء بلغ النهاية في جودة أو رداءة أو حسن أو قبح فهو عتيق، وجمعه عتق، قال: وبكرة عتيقة إذا كانت نجيبة كريمة، هذا آخر كلام الأزهري. وقال صاحب المحكم: العتق خلاف الرق، عتق يعتق وعتقًا وعتاقا وعتاقة فهو عتيق وجمعه عتقاء، وأعتقته فهو معتق وعتيق والجمع كالجمع، وأمة عتيق وعتيقة في إماء عتائق وحلف بالعتاق أي بالاعتاق، وفرس عتيق أي رائع كريم، وقد عتق عتاقة، والاسم العتق العتيق القديم من كل شيء، وقد عتق عتاقًا وعتاقة.
وقال بعض حذاق اللغويين: العتق للموات كالخمر والتمر، والقدم للموات والحيوان جميعًا، وعتق الشمس وعتق أي قدم عن اللحياني، والعاتق ما بين المنكب، والعتق مذكر وقد أنث وليس يثبت. قال اللحياني: وهو مذكر لا غير، والجمع عتق وعتق وعواتق، وهذا ما ذكره في المحكم. وقد ذكر ابن قتيبة العاتق في باب ما يذكر ويؤنث لغتان، وقال ابن السكيت: هو مذكر وقد يؤنث، وأنشد بيتًا في تأنيثه.
وقال شيخنا جمال الدين في كتابه المثلث: العتق بالكسر التخلص من العبودية، وهو نجابة الإنسان وغيره، وهو قدم الشيء وقد يضم، والعتق بالضم جمع عتيق، وهو الجيد والجميل والقديم أيضًا، قال: والعتاق بالفتح عتق العبد، والعتاق بالكسر جمع عتيق، والعتاق بالضم الجيد الجميل. قال الأزهري رحمه الله تعالى في باب العتق من كتابه شرح ألفاظ مختصر المزني: وإنما قيل: لمن أعتق نسمة أعتق رقبة وفك رقبة، وخصت الرقبة دون جميع الأعضاء لأن ملك السيد لعبده كالحبل في رقبته وكالغل، فإذا أعتق فكأنه فك من ذلك، وذكر أبو محمد بن قتيبة في أول كتابه غريب الحديث مثله أو نحوه.
قال الأزهري في شرح ألفاظ المختصر: العتق مأخوذ من قولهم عتق الفرس إذا سبق ونجا، وعتق فرخ الطير إذا طار فاستقل فكأن العبد لما فكت رقبته من الرق تخلص وذهب حيث شاء. قال صاحب مطالع الأنوار: يقال عتق المملوك يعتق عتقا وعتاقة بالفتح فيهما وعتاقا أيضا بالفتح، والاسم العتق بالكسر، قال: ولا يقال عتق إنما هو أعتق إذا أعتقه سيده، قال: والذهب العتق بضم العين والتاء جمع عتيق، وهي القديمة، قال: وفي رواية بعض شيوخ الموطأ بفتح التاء وشدها على مثال سجد، قال: والأول أشبه، والله تعالى أعلم. وقوله في التنبيه وغيره: وإن نذر عتق رقبة كذا وقع في النسخ، وكان الأصوب أن يقول إعتاق مصدر أعتق.
عته: قال الإمام أبو منصور الأزهري: قال أبو عمرو المعتوه والمخفوق المجنون. وقال ابن الأعرابي عن المفضل: رجل معته إذا كان مجنونا مضطربا في خلقه، قال: وقال الأصمعي نحوا من ذلك. وقال الليث: المعتوه المدهوش مس جنون، قال: والتعته التجنن، هذا ما ذكره الأزهري في باب عته، وقال في عنن، قال أبو عمرو: يقال للمجنون معنون ومهروع ومحموع ومعتوه وممنوه وممنه إذا كان مجنونا. قال صاحب المحكم: يقال عته الرجل عتها وعتاها وهو بين العته، والعته من لا عقل له.(4/5)
عثث: قال الأزهري: العثث السوس الواحدة عثة، وقد عث الصوف إذا أكله العث، ويقال للمرأة ما هي إلا عثة. وقال صاحب المحكم: العثة السوسة والأرضة، والجمع العث وعثث، وعث الصوف والثوب يعثه عثًا إذا أكله، والعث دويبة تأكل الجلود، وقيل: دويبة تعلق بالاهاب فتأكله، هذا قول ابن الأعرابي.
قال ابن دريد: بغير هاء دواب تقع في الصوف، فدل على أن العث جمع، وقد يجوز أن يعني بالعث الواحدة، وعبر عنه بالدواب لأنه حسن معناه الجمع، وإن كان معناه واحدا، هذا آخر كلام صاحب المحكم.
عثر: في الحديث: “فيما سقت السماء أو كان عثريا العشر” العثري بعين مهملة ثم ثاء مثلثة مفتوحتين ثم راء مهملة مكسورة ثم ياء مشددة. قال صاحب الطوالع وحكى ابن المرابط عثريا بسكون الثاء قال والأول أعرف.
قال الشيخ تقي الدين ابن الصلاح رحمه الله تعالى: هو عند بعض أهل اللغة العذى، قال: والأصح ما ذهب إليه الأزهري وغيره من أهل اللغة: أنه مخصوص بما سقى من ماء السيل فيجعل عاثور، وهو شبه ساقية تحفر له يجري فيها الماء إلى أصوله سمي ذلك عاثورا؛ لأنه يتعثر بها الإشارة الذي لا يشعر بها، وهذا هو الذي فسره الشيخ أبو إسحاق رحمه الله تعالى في مهذبه ولكن لم يقيده بماء السيل والمطر، فأشكل على القلعي اليمني شارح ألفاظه، فقال في معرض الإنكار: العثرى هو ما سقت السماء، لا اختلاف فيه بين أهل اللغة فوقع ولم يسلم أيضًا من حديث أنه أطلق أيضًا ولم يقيد. والله تعالى أعلم، هذا كلام الشيخ تقي الدين.
وروينا في سنن ابن ماجه عن يحيى بن آدم، أنه قال: البعل والعثري ما يزرع للسحاب وللمطر خاصة ليس يصيبه إلا ماء المطر، والبعل ما كان من الكروم قد ذهبت عروقه في الأرض إلى الماء فلا يحتاج إلى السقي الخمس سنين والست. فذكر الجوهري في صحاحه وغيره: أن العثري الزرع الذي لا يسقيه إلا ماء المطر. وذكر ابن فارس في المجمل قولين: أحدهما هذا، والثاني وأشار إلى ترجيحه أنه ما سقي من النخل سحا والسح الماء الجاري.
عجب: ذكر في باب الصيد والذبائح عجب الذنب هو بفتح العين وإسكان الجيم، وهو أصل الذنب.
عجج: في الحديث “أفضل الحج العج والثج” ذكره في المهذب العج بفتح(4/6)
العين. قال الأزهري رحمه الله تعالى: قال أبو عبيد: رفع الصوت بالتلبية، والثج سيلان دماء الهدي، ويقال: عج القوم يعجون وضح يضجون، إذا رفعوا أصواتهم بالدعاء والاستغاثة، قال: والعجاج غبار يثور به الريح الواحدة عجاجة وفعله التعجيج، قال: وقال اللحياني: رجل عجاج ثجاج إذا كان صياحا. قال غيره: عج أي: صاح. قال صاحب المحكم: عج يعج ويعج عجا وعجيجا رفع صوته، وعجة القوم وعجيجهم صياحهم وجلبتهم، ورجل عجاج صياح والأنثى بالهاء، ونهر عجاج تسمع لمائه عجيجًا، وعج البيت دخانًا فتعجج ملأه.
عجر: قوله في الروضة في أول الجنايات: “العجار من المقاتل”، هو بكسر العين وتخفيف الجيم، وهو ما بين الخصية وحلقة الدبر.
عدد: في حديث أبيض بن حمال ذكر الماء العد ذكراه في باب الاقطاع والحمى من المهذب والوسيط فالعد بكسر العين وتشديد الدال المهملة.
قال أبو منصور الأزهري: قال أبو عبيد: سمعت الأصمعي يقول: الماء العد الدائم الذي لا ينقطع مثل ماء العين وماء البئر، وجمع العد أعداد. وقال شمر: قال أبو عبيدة: العد القديمة من الركايا. قال: وهو من قولهم حسب عداي قديم. قال: وقال أبو عدنان: سألت أبا عبيدة عن الماء العد، فقال لي: الماء العد بلغة تميم الكثير، وهو بلغة بكر بن وائل الماء القليل، قال: وقالت لي الكلابية: الماء العد الركي، يقال: أمن العد هذا أم من ماء السماء، قالت: ومأكل ركية عد قل أم كثر، هذا آخر كلام الأزهري.
وقال صاحب المحكم: الماء العد الذي له مادة وهذا نحو الأول، وقولهم في كتاب الفرائض مسألة المعادة: هو بضم الميم وتشديد الدال المفتوحة. قال الأزهري: قال شمر: العد أهل الذي يعادي بعضهم بعضًا على الميراث. قال الأزهري: العدة الجماعة قلت أو كثرت، يقال: عدة رجال وعدة نساء، قال: والعدة مصدر عددت الشيء عدًا وعدة، قال: والعدة عدة المرأة شهورا كانت أو أقراء، أو وضع حمل حملته من زوجها، وجمع عدتها عدد، وأصل ذلك كله من العد قول الله تبارك وتعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (البقرة: من الآية203) مذهبنا أنها أيام التشريق، هي ثلاثة أيام بعد يوم النحر: أولها: وهو الحادي عشر من ذي الحجة ويسمى يوم النفر، وثانيها: يوم الثاني عشر وهو يوم النفر الأول، وثالثها يوم الثالث عشر وهو يوم النفر الثاني.
قال الإمام: أقضى القضاة الماوردي صاحب(4/7)
الحاوي في تفسير قوله تعالى: {فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} هي أيام منى في قول جميع المفسرين، وإن خالف بعض الفقهاء في أن شرك بين بعضها وبين الأيام المعلومات. وقال الإمام الواحدي: الأصح أن هذه الأيام يراد بها أيام التشريق أيام منى سماها معدودات لقلتها كقوله تعالى: {مَعْدُودَةً} (البقرة: من الآية80) وجمعها على الألف، والتاء تدل على القلة نحو دريهمات وحمامات. قال: وأكثر العلماء على ما ذكرنا، وهو أن الأيام المعدودات أيام التشريق وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر.
وقال الإمام الأزهري في تهذيب اللغة: الأيام المعدودات في الآية ثلاثة بعد يوم النحر، وهو قول ابن عباس والضحاك والشافعي رضي الله تعالى عنهم. قال: وقال الزجاج: كل عدد قل أو كثر فهو معدود، ومعدودات تدل على القلة؛ لأن كل قليل يجمع بالألف والتاء نحو دريهمات وحمامات، وقد يجوز أن تقع الألف والتاء للتكثير. قال الأزهري: قال أبو زيد: يقال انقضت عدة الرجل إذا انقضى أجله، وجمعها العدد، ومثله انقضت مدته وهي المدد. قال: وقال أبو العباس عن ابن الأعرابي: يقال هذا عداده وعده ونده ونديده وبده وبديده وسيه وزنه وزنه وحيده وحيده وعفره وغفره ودنه أي: مثله، وفي الحديث: “ما زالت أكلة خيبر تعادني”. قال أبو عبيد: قال الأصمعي: هو من العداد، وهي الشيء الذي يأتيك لوقت مثل الحمى الربع والغب.
قال الأزهري: قلت: معناه تؤذيني وتراجعني في روينا معدودة. قال الأزهري: ويقال فلان عداده في بني فلان إذا كان ديوانه معهم، والعدائد النظراء واحدهم عديد وعداد القوس صوتها والعديد الكثرة، ويقال: ما أكثر عديد بني فلان وهذه الدراهم تعديد هذه إذا كانت بعددها، ويقال: إنهم ليتعادون على عشرة الآف أي: يزيدون عليها في العدد، ويقال: هم يتعادون إذا اشتركوا فيما يتعادونه بعضهم بعضًا من المكارم وغيرها، والعدة ما أعد للأمر بحدث مثل الأهبة، ويقال: أعددت للأمر عدته، والعدات الرماة، ويقال: أتيت فلانا في يوم عداد أي: يوم جمعة أو فطر أو عيد، وفلان به عداد من اللمم وهو يشبه الجنون يأخذ الإنسان في أوقات معلومة، هذا آخر كلام الأزهري.
قال صاحب المحكم: العد إحصاء الشيء عده يعده عدًا وتعدادًا وعدده، وحكى اللحياني عده معدًا، وحكى اللحياني أيضًا عن العرب عددت الدراهم أفرادًا ووحادًا، وأعددت الدراهم(4/8)
أفرادًا ووحادًا. ثم قال: لا أدري أمن العدد أم من العدة، فشكه في ذلك يدل على أن أعددت لغة في عددت ولا أعرفها. والعدد مقدار ما يعد ومبلغه والجمع أعداد، وعددت من الأفعال المتعدية إلى مفعولين بعد اعتقاد حذف الوسط، والوسط حرف الجر، يقولون: عددتك المال وعددت لك المال عددتك وعددت لك ولم يذكر المال، وإعداد الشيء واستعداده واعتداده وتعدده إحصاؤه. قال ثعلب: يقال استعددت للمسائل وتعددت واسم ذلك العدة. قال ابن دريد: والعدة من السلاح ما اعتددته خص به السلاح لفظًا فلا أدري أخصه في المعنى أم لا؟ وعدان الشباب والملك أولهما وأفضلهما. والعدان الزمان، والعهد وجبتك على عدان تفعل ذلك عدان، تقول ذلك أي حينه، هذا آخر كلام صاحب المحكم.
قال الشيخ الإمام العلامة النحوي الزبيدي في شرح المجمل له: لما كان المضاف يتعرف بالمضاف إليه ويتنكر به كان حكم الاسم المضاف إلى النكرة، إذا عرف دخول الألف واللام على الثاني فتعرف بهما، فيتعرف الأول بالإضافة إلى الثاني المتعرف بالألف واللام، ولا تدخل الألف واللام على الأول لأنهما لا يجتمعان مع الإضافة، وكذا كل عدد مضاف إذا عرف أدخلناه على الاسم المضاف فيتعرف بهما، ويتعرف العدد بإضافته إلى ذلك الاسم سواء أضيف العدد إلى واحد أو إلى جمع، نحو: ثلاثة الرجال ومائة الدراهم وألف الدراهم وشاهده:
ثلاث الأيامى والديار البلاقع
وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى
ومنه:
فسما فأدرك خمسة الأشبار
والعدد المفسر بواحد مركب وغير مركب: فالمركب يكتفي فيه بدخول الألف واللام نحو أحد عشر درهما تقول فيه الأحد عشر درهمًا؛ لأن المركب حكمه وحكم غير المركب واحد؛ لأن المركب صار كالمفرد مركب، فالوجه لإدخالهما على الاسم الأول كالاسم المفرد إذا أدخلناه في أوله لا في آخره هذا هو المختار. ومنهم من يدخلهما في الأول والثاني نحو الخمسة العشر درهما، ووجهه أن الإسمين المركبين وإن صارا كالاسم الواحد، فالأصل أيضًا أن يراعى فيهما كونهما اسمين فأدخلنا في كل واحد منهما على حدته وهذا جيد، والأول أجود. ومنهم من يدخلهما في الأول والثاني(4/9)
والتمييز فيقول هذه الخمسة العشر الدراهم، وهذا قبيح لدخول الألف واللام على التمييز، وحكمه وجوب تنكيره، ولكن لما كان التمييز مشتبها بالمفعول دخلتا عليه فنصب على التشبيه بالمفعول به لا أنه تمييز فلذا دخلتاه وإن قبح، والعدد المجموع بواو ونون وياء ونون يدخل عليه الألف واللام لا على التمييز بعده نحو العشرون رجلا، فتدخل على الأول والثاني لأنهما ليسا مركبين، فيتعرف كل واحد منهما على حدته، ويجوز الثلاثة والعشرون رجلا لأنهما وإن كانا غير مركبين فالثاني منهما معطوف على الأول، ولجمع العطف لهما أشبها التركيب لأنهما عدد واحد، وتعريف التمييز في هذا وجهه كوجهه فيما تقدم.
عدن: قال الإمام الرافعي في إحياء الموات: المعادن هي البقاع التي أودعها الله تعالى شيئا من الجواهر المطلوبة، وهي قسمان: ظاهرة وباطنة، فالظاهرة: هي التي يبدو جوهرها بلا عمل، وإنما السعي والعمل لتحصيله وذلك كالنفط والكبريت والقار والمومياء والبرام والقطران وأحجار الرحى وشبهها، وهذه لا يملكها أحد بالاحياء والعمارة وإن أراد بها النيل، ولا يختص بها المحتجر أيضًا، وليس للسلطان إقطاعها بل هي مشتركة بين الناس كالماء والحطب والكلأ. وأما الباطنة: فهي التي لا يظهر جوهرها إلا بالعمل في المعالجة كالذهب والفضة والفيروزج والياقوت والرصاص والنحاس والحديد وسائر الجواهر المبثوثة في طبقات الأرض وهل يملك هذه بالاحياء، فيه وجهان أظهرهما أنها كالظاهرة.
عذب: الماء العذب هو الطيب كذا قاله أهل اللغة والمفسرون. قال الواحدي: سمي عذبًا لأنه يعذب العطش أي: يمنعه، قال: وأصل العذب في كلام العرب المنع، يقال عذبته عذبًا إذا منعته، وعذب عذوبًا إذا امتنع، قال: وسمي العذاب عذابًا لأنه يمنع المعاقب من المعاودة لما جرمه، ويمنع غيره من مثل فعله، قال: والعذاب كل ما يعيي الإنسان ويشق عليه.
عذر: قوله في الوسيط في أول كتاب السير والنظر في طرفين في الواجبات على الكفاية وفي المعاذير المسقطة. المراد بالمعاذير الأعذار، وهذا مما ينكر عليه، فيقال العذر لا يجمع على معاذير، وإنما جمعه المعروف أعذار فيجاب بأن هذا صحيح فصيح موافق لقول الله عز وجل: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} (القيامة:15) فإن جمهور العلماء من المفسرين(4/10)
وأهل العربية: على أن المراد معاذيره الاعذار. وروي في مسند أبي عوانة في كتاب اللعان: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “لا شخص أحب إليه المعاذير من الله تعالى” ولذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين، والمراد بالمعاذير الاعذار، فقد جاء في الروايات الأخر العذر وبه يصح المعنى، فقد جاءت المعاذير في الكتاب والسنة بمعنى الأعذار فوجب قبوله، وهو - والله تعالى أعلم - جمع معذور بمعنى العذر، فالمعذور على هذا مصدر كما قالوا مجنون ومجلود ومعقول بمعنى الجنون والجلد، والعقل فهي مصادر مسموعة خارجة عن القياس وكذا المعذور بمعنى العذر، فالمعاذير جمع معذور، وإن لم يسمع واحده كما قالوا في جمع المذكر مذاكير.
عذط: العذيوط مذكور في الوسيط والروضة في خيار النكاح، وهو بكسر العين وإسكان الذال المعجمة وفتح الياء المثناة من تحت وإسكان الواو والطاء المهملة، وهو الذي يخرج منه الغائط عند جماعة، والمرأة عذيوطة والمصدر عذيطة بكسر العين.
عذق: قال الأزهري: قال الأصمعي وغيره: العذق بالفتح هو التحلة نفسها. والعذق بالكسر الكباسة والجمع عذوق وأعذاق. وقال ابن الأعرابي: اعتذق الرجل واعتذب إذا أرسل لعمامته عذبتين من خلف، هذا ما ذكره الأزهري. وقال صاحب المحكم: العذق بالفتح كل غصن له شعب والعذق أيضًا النخلة. والعذق: يعني بالكسر الصنو من النخل والعنقود من العنب وجمعه أعذاق وعذوق.
عرب: قول الغزالي: لغو اليمين قول: لا والله وبلى والله، لا يخفى أن لغو اليمين لا يختص بالعرب، وكان حقه أن يقول قول الناس، ولعل سبب ذكره العرب أن لغو اليمين في كلامهم أكثر، وقد يمنع هذا، ويحتمل أنه أراد أن هذا كان معروفا عند العرب، فنزل قول الله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} (البقرة: من الآية225) وحمل على ذلك.
عرج: قال أهل اللغة: يقال عرج في السلم ونحوه يعرج بضم الراء عروجًا أي ارتقى، وعرج أيضًا بفتح الراء إذا أصابه شيء في رجله فجمع، ومشى مشية الأعرج ذا لم يكن خلقة أصلية، فإذا كان خلقة قلت: عرج بكسر الراء، كذا ذكره الجوهري وغيره، قال: ويقال من الثاني أعرج بين العرج، وقوم عرج(4/11)
وعرجان، وأعرجه الله تعالى، وما أشد عرجه، ولا يقال ما أعرجه، والعرجان بفتح العين والراء مشية الأعرج. وعرج على الشيء بالتشديد تعريجًا إذا أقام عليه، ويقال ما لي عليه عرجة ولا عرجة بضم العين وفتحها ولا تعريج ولا تعرج أي: إقامة والمعراج السلم، ومنه ليلة المعراج لنبينا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو بكسر الميم وفتحها لغتان ذكرهما الأخفش وغيره قال: وهما كالمرقاة والمرقاة، ويقال في جمعه المعارج والمعاريج بإثبات الياء وحذفها كالمفاتح والمفاتيح.
وقوله في المهذب في باب استيفاء القصاص: أن رجلا طعن رجلا بقرن في رجله فعرج هو بفتح الراء على ما ذكرناه، وكذا ضبطه بعض المحققين المصنفين في ألفاظ المهذب.
عدا: قوله في الوسيط والبسيط والوجيز إذا غاب إلى مسافة العدوى. قال إمام الحرمين وغيره: هي التي يمكن قطعها في اليوم الواحد ذهابا ورجوعا، ومعناه أن يتمكن المبتكر إليها من الرجوع إلى منزله قبل الليل. قال الرافعي: مأخذ لفظها ففي الصحاح أن العدوى الاسم من الاعداء وهي المعونة، يقال أعدى الأمير فلانًا على خصمه إذا أعانه عليه، والعدوى أيضًا ما يعدي من جرب وغيره، وهي مجاوزته من صاحبه إلى غيره، فقيل لهذه المسافة مسافة العدوى لأن القاضي يعدي من استعدى به على الغائب إليها فيحضره، ويمكن أن يجعل من الأعداء بالمعنى الثاني لسهولة المجاوزة من أحد الموضعين إلى الآخر هذا كلام الرافعي.
عرر: قال الله تعالى: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} (الحج: من الآية36) ذكر في باب الأضحية من المهذب وذكر تفسير الحسن ومجاهد. وقال الإمام أبو منصور الأزهري: قال جماعة من أهل اللغة: القانع الذي يسأل، والمعتر الذي يطيف بك، ولا يطلب ما عندك سألك أو سكت عن السؤال. قال ابن الأعرابي: عراه واعتراه وعره واعتره بمعنى واحد إذا أتاه وطلب معروفه. وقال الإمام أبو إسحاق الثعلبي المفسر: روى العوفي عن ابن عباس وليث عن مجاهد: أن القانع الذي يقنع بما يعطى ويرضى بما عنده ولا يسأل الناس. والمعتر الذي يمر بك ويتعرض لك ولا يسألك. وقال عكرمة وإبراهيم وقتادة: القانع المتعفف الجالس في بيته، والمعتر السائل الذي يعتريك فيسألك، وهي رواية الوالبي عن ابن عباس. وعن مجاهد:(4/12)
القانع أهل مكة وجارك وإن كان غنيًا والمعتر الذي يعتريك ويأتيك فيسألك. وعلى هذه التأويلات يكون القانع من القناعة وهو الرضى والتعفف وترك السؤال.
قال سعيد بن جبير والكلبي: القانع الذي يسألك والمعتر الذي يتعرض لك ويريك نفسه ولا يسألك، وعلى هذا القول يكون القانع من القنوع وهو السؤال. وقال زيد بن أسلم: القانع المسكين الذي يطوف ويسأل والمعتر الصديق الزائر. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: القانع الطامع والمعتر من يعتر بالبدن من غني أو فقير. وقال أبو زيد: القانع المسكين والمعتر الذي يعتر القوم برسوم وليس بمسكين ولا يكون له ذبيحة، فيجيء إلى القوم لأخذ لحمهم. وقال الحسن: المعترى وهو مثل المعتر يقال اعتراه وعراه وأعراه إذا أتاه طالبا معروفه، هذا ما ذكره الثعلبي.
قال صاحب المحكم: المعتر الفقير، وقيل المعترض للمعروف من غير أن يسأل. عره واعتره واعتر به. قال: والعرعر شجر عظيم جبلي لا يزال أخضر. قوله في المهذب في باب من تقبل شهادته لم ترد لمعرة، هي بفتح الميم والعين وهي العيب.
عرس: العرس بضم الراء وإسكانها لغتان مشهورتان، وهي مؤنثة وتذكر. ويقال أعرس اتخذ عرسًا، وأعرس بامرأته إذا بنى بها، وكذا إذا وطأها. قال الجوهري: ولا يقال عرس، ونقل غيره عرس أيضًا، وفي صحيح البخاري في أبواب الوليمة عن سهل ابن سعد، قال: عرس أبو أسد، ودعا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه فما صنع لهم طعامًا إلا امرأته.
عرق: قوله في المهذب قال في اختلاف العراقيين هو بفتح الياء الأولى وكسر النون على لفظ التثنية، والمراد بهما ابن أبي ليلى وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى، وابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، واسم أبي ليلى مختلف فيه، قيل: اسمه يسار وهو قول مسلم بن الحجاج ومحمد بن عبد الله بن نمير، وقيل: اسمه داود بن بلال، وقيل: سيار بن نمير، وقيل: اسمه بلال، وقيل: اسمه بليل بباء موحدة مضمومة ثم لام مفتوحة ثم ياء مثناة من تحت ساكنة، وقيل: لا يحفظ اسمه وسيأتي إن شاء الله تعالى في الأسماء والقبائل في اختلاف العراقيين، هو للإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه، وهو كتاب صنفه الشافعي رضي الله تعالى عنه من جملة كتب الأم، يذكر فيه المسائل التي اختلف(4/13)
فيها أبو حنيفة وابن أبي ليلى فتارة يختار أحدهما ويزيف الآخر، وتارة يزيفهما معا ويختار غيرهما، وهو كتاب حجمه لطيف.
قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “ليس لعرق السهو حق” أخرجه أبو داود في سننه عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعد بن زيد أحد العشرة رضي الله تعالى عنهم عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأخرجه الترمذي أيضًا، وأخرجه مالك في الموطأ عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلا فلم يذكر فيه سعيدًا، وإسناد أبي داود صحيح، رجاله رجال الصحيح.
قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى: من الناس من يرويه على إضافة العرق إلى الظالم، وهو الغارس الذي غرسه فى غير حقه، ومنهم من يجعل الظالم من نعت العرق يريد به الغراس والشجر وجعله ظالمًا لأنه ثبت حقه. قال صاحب المطالع: معناه لعرق ذي ظلم على النعت ومن أضافه إلى الظالم فبين، وأحسن ما قيل فيه أنه كل ما احتفر أو غرس بغير حق كما قال مالك. ولم يذكر الأزهري في تهذيب اللغة وصاحبه ابن فارس في المجمل فيه إلا تنوين عرق على النعت، وكذا قاله أيضًا الأزهري في شرح الفاظ المختصر: قال لأن الغارس ظالم، وإذا كان ظالمًا فعرق ما غرس ظالم. وأصل الظلم وضع الشيء موضعه. قال الإمامان أبو عبد الله مالك بن أنس والشافعي رضي الله تعالى عنهم: العرق الظالم كل ما احتفر أو بني أو غرس ظلمًا في حق امرىء بغير خروجه منه، هذا لفظ الشافعي. ولفظ مالك: العرق الظالم كل ما احتفر أو غرس أو أخذ بغير حق. وفي هذا ذكر معنى الحديث وهو أن اختيار هذين الإمامين في ضبط هذا الحديث تنوين عرق. وقال الأزهري: قال أبو عبيد: قال هشام بن عروة: وهو الذي روى الحديث العرق الظالم أن يجيء الرجل إلى أرض قد أحياها رجل قبله فيغرس فيها غرسًا.
قلت: وهذا أيضًا تصريح بأن هؤلاء الأئمة رووه بالتنوين. وفي حديث المستحاضة إنما ذلك عرق هو بكسر العين، ومعناه أن الاستحاضة تخرج من عرق يسمى العاذل بكسر الذال المعجمة بخلاف الحيض، فإنه يخرج من قعر الرحم، وقد قدمت بيان هذا في فصل حيض موضحًا غاية الإيضاح. قال: وقال الأزهري: قال ابن الأعرابي: العرق أهل الشرف واحدهم عريق وعروق، والعرق أهل السلام في الدين، وغلام عريق نحيف الجسم خفيف(4/14)
الروح وجمعه عراق، وهي العظام الذي يؤخذ منها هين اللحم، ويبقى عليها لحوم رقيقة طيبة فتكسر وتطبخ، وتؤخذ إهالتها من طفاحتها، ويؤكل ما على العظام من لحم رقيق وتتمشمش العظام، ولحمها من أطيب اللحمان عندهم، يقال عرقت العظم وتعرقته وأعرقته إذا أخذت اللحم عنه نهشًا بأسنانك، وعظم معروق إذا ألقى عنه لحمه، والعراق مثل العراق.
قال الدباسي: يقال عرقت العظم وأعرقه، وفرس معروق ومعرق إذا لم يكن على قصبه لحم، وفرس معرق أي مضمر، وعرق فرسك تعريقًا أي أجره حتى يعرق ويضمر ويذهب وهل لحمه، وأعرق الشجر وتعرق امتدت عروقه في الأرض، والعرقة الطرة تنسج على جوانب الفسطاط، والعرقة خشبة تعرض على الحائط بين اللبن، وجري الفرس عرقًا أو عرقين أي طلقًا أو طلقين، والعرق النفع والثواب، ولقيت منه ذات العراقي أي الداهية، ويقال للخشبتين اللتين يعرضان على الدلو كالصليب العرقوتان والجمع العراقي، وعرقيت الدلو عرقاة إذا شددت عليه العرقوتين، والعرب تقول في الدعاء استأصل الله عرقاته بنصب التاء؛ لأنهم يجعلونها واحد مؤنثة.
قال الأزهري: ومن كسر التاء فجعلها جمع عرقة فقد أخطأ. قال الليث: العراقة من الشجر أرومه الأوسط ومنه تتشعب العروق، هو على تقدير فعلاة، والعرق الجبل الصغير ويقال تركت الحق معرقًا وصادحا وسانحًا أي لائحًا بينا، وعرق في الأرض عروقا أي ذهب فيهان هذا آخر كلام الأزهري.
وقال صاحب المحكم رحمه الله تعالى: العرق ما جرى من أصول الشعر من ماء الجلد، اسم للجنس لا يجمع، هو في الحيوان أصل وفي غيره مستعار، يقال عرق عرقًا ورجل عرق كثير العرق، فأما عرقة فبناء مطرد في كل فعل ثلاثي كضحكة وهزأة، ولربما غلط بمثل هذا ولم يشعر بمكان اطراده، فذكر كما يذكر ما يطرد.
فقد قال بعضهم: رجل عرق وعرقة كثير العرق، فيسوى بين عرق وعرقة وعرق غير مطرد وعرقة مطرد كما ذكرنا، وأعرقت الفرس وعرقته أجريته ليعرق، وعرق الحائط عرقا ندى، وكذلك الأرض الثرية إذا نتج فيها الندى حتى يلتقي هو والثرى، وعرق الزجاجة ما نتح به من الشراب وغيره مما فيها، ولبن عرق فاسد الطعم، وذلك من أن تشد قربة على جنب البعير بلا وقاية فيصيبها عرقه.
وقيل: هو الخبيث الحمض، وقد عرق عرقا، والعرق اللبن لأنه(4/15)
عرق يتحلب في العروق حتى ينتهي إلى الضرع، وما أكثر عرق إبلك وغنمك أي لبنها ونتاجها، وعرق التمر دبسه، وناقة دائمة العرق أي الدرة. وقيل: دائمة اللبن وفي غنمه عرق أي نتاج كثير، وعرق كل شيء أصله والجمع أعراق وعروق، ورجل معرق في الحسب، وقد عرق فيه أعمامه وأخواله وأعرقوا، وأعرق فيه إعراق العبيد والإماء إذا خالطه ذلك وتخلق بأخلاقهم، وعرق فيه اللئام، ويجوز في الشعر أنه لمعروق له في الكرم على توهم حذف الزائد، وتداركه اعراق خير واعراق شر، وكذلك الفرس وغيره، وقد أعرق وعروق كل شيء أطناب تتشعب منه واحدها عرق وأعرق، وعرق الشجر امتدت عروقه، والعرقاة الأصل الذي يذهب في الأرض سفلا وتتشعب منه العروق.
وقال بعضهم: أعرقه وعرقاة فجمع بالتاء، وعرقاة كل شيء، وعرقاته أصله وما يقوم عليه ويقال استأصل الله عرقاتهم وعرقاتهم أي شأفتهم، فعرقاتهم بالكسر جمع عرق كأنه عرق، وعرقات كعرس وعرسات، إلا أن عرسًا أنثى، فيكون هذا من المذكر الذي جمع بالألف والتاء كسجل وسجلات وحمام وحمامات. ومن قال: عرقاتهم أجراه مجرى سعلاة، وقد يكون عرقاتهم جمع عرق وعرقة. كما قال بعضهم: رأيت بناتك فشبهوها بهاء التأنيث التي في قناتهم وفتاتهم لأنهم للتأنيث، كما أن هذه له، والذي سمع من العرب الفصحاء عرقاتهم بالكسر، والعرق: الأرض الملح التي لا تنبت.
وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: العرق سبخة تنبت الشجر، واستعرقت إبلكم أتت ذلك المكان، وإبل عراقية منسوبة إلى العراق على غير قياس. والعراق العظم بغير لحم فإن كان عليه لحم فهو عرق. وقيل: العرق الذي قد كان أخذ أكثر لحمه والعرق بالتشقق من اللحم وجمعها عراق، وهو من الجمع العزيز وله نظائر. وحكى ابن الأعرابي في جمعه: عراق بالكسر، وهو أقيس وعرق العظم يعرقه عرقا وتعرقه واعترقه أكل ما عليه، ورجل معروق ومعترق ومعرق قليل اللحم، وكذلك الخد، وعرقته الخطوب تعرقه أخذت منه، والعرق الزبيب نادر، والعرقة الدرة التي يضرب بها، والعرقوة خشبة معروضة على الدلو والجمع عرق يعني بفتح العين وإسكان الراء وأصله عرقو، إلا أنه ليس في الكلام اسم آخره واو قبلها حرف مضموم، وإنما يختص بهذا الضرب الأفعال نحو سرو ونهو ودهو،(4/16)
فإذا أدى قياس إلى مثل هذا رفض فعدلوا إلى إبدال الواو ياء، فكأنهم حولوا عرقوًا إلى عرقي، ثم كرهوا الكسرة على الياء فأسكنوها وبعدها النون ساكنة، فالتقى ساكنان فحذفوا الياء وبقيت الكسرة دالة عليها، وثبتت النون إشعارًا بالصرف، فإذا لم يلتق ساكنان ردوا الياء، فقالوا: رأيت عرقيها، والعرقاة العرقوة وذات العراقي هي الدلو، والدلو من أسماء الداهية، وعرق في الأرض يعرق عرقًا ذهب، والعراقي عند أهل اليمن التراقي، هذا آخر كلام صاحب المحكم.
قوله في حديث المظاهر والمجامع في شهر رمضان “فأتي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعرق من تمر العرق” بفتح العين والراء. قال الأزهري: هكذا رواه ابن جبلة عن أبي عبيد عرق يعني بفتح الراء. قال الأزهري: وأصحاب الحديث يخففونه يعني بسكون الراء. قال الأصمعي: العرق الشقيقة المنسوجة من الخوص قبل أن يجعل منها زبيل فسمي الزبيل عرقًا، وكذلك كل شيء يصطف مثل الطير إذا اصطفت في السماء فهي عرقة. قال غيره: وكذلك كل شيء مظفور فهو عرق، هذا أخر كلام الأزهري.
وقال صاحب المحكم: العرق والعرقة الزبيل. وفي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه: “لا تغالوا في صداق النساء فإن الرجل يغالي في صداقها حتى يقول تجشمت إليك عرق القربة” قال الأزهري: قال أبو عبيد: قال الكسائى: معناه أن تقول تصببت وتكلفت حتى عرقت كعرق القربة، وعرقها سيلان مائها. قال أبو عبيد: هو أن يقول تكلفت لك ما لم يبلغه أحد حتى تجشمت ما لا يكون لأن القربة لا تعرق، ومثل هذا قولهم حتى يشيب الغراب ويبيض القار. قال الأصمعي: عرق القربة كلمة معناها الشدة ولا أدري ما أصلها. قال ابن الأعرابي: علق القربة وعرقها واحد، وهو معلاق تحمل فيه القربة، فهذا آخر كلام الأزهري عن حكاية أبي عبيد.
عرم: قد تكرر في الوسيط لفظ العرامة كقوله في باب حد قاطع الطريق: إذا فترت قوة السلطان وثار ذوو العرامة في البلاد، فالعرامة بفتح العين وتخفيف الراء، يقال: عرم الرجل بكسر الراء وفتحها وضمها والعين مفتوحة بكل حال فهو عارم وهو الشرير المفسد. وقيل: هو الجاهل الشرس.(4/17)
عري: في الأحاديث أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رخص في العرايا، فقد فسرت في الكتب الثلاثة فلا حاجة إلى تفسيرها. قال الهروي: واحدة العرايا عرية فعيلة بمعنى مفعولة من عراه يعروه، ويحتمل أن تكون من عرى يعري كأنها عريت من جملة التحريم، فعريت أي حلت وخرجت، فهي فعيلة بمعنى فاعلة. ويقال: هو عرو من هذا الأمر أي خلو منه. قال الأزهري: هي فعيلة بمعنى فاعلة. وقيل: هي مشتقة من عروت الرجل إذا ألممت به؛ لأن صاحبها يتردد إليها. وقيل: سميت بذلك لتخلي صاحبها الأول عنها من بين سائر نخيله ذلك.
قوله في باب ستر العورة من المهذب: وإن اجتمع نساء عراة، هكذا وقع في الكتاب عراة وهو لحن، وصوابه عاريات كضاربة وضاربات، قوله: كانوا يطوفون بالبيت عراة. حكى أبو الوليد الأزرقي في تاريخ مكة: أن الذين كانوا يطوفون عراة هم العرب العرباء غير قريش أهل مكة، فأما أهل مكة قريش فإنهم كانوا يطوفون مستترين، ثم روى الأزرقي: أن العرب كانت تطوف بالبيت عراة إلا قريش وأحلافها، فمن جاء من غيرهم وضع ثيابه خارج المسجد. قال: وقال ابن جريج: لما أن أهلك الله أبرهة صاحب الفيل وسلط عليه الطير الأبابيل عظم جميع العرب قريشًا وأهل مكة، وقالوا: هم أهل الله قاتل عنهم وكفاهم مؤونة عدوهم، فازدادوا في تعظيم الحرم والمشاعر الحرام، ورأوا أن دينهم خير الأديان، وقالت قريش وأهل مكة: نحن أهل الله بنو إبراهيم خليل الله وولاة البيت الحرام وسكان حرمه، فليس لأحد من العرب مثل حقنا ولا مثل منزلتنا، ولا تعرف العرب لأحد مثل ما تعرف لنا، فابتدعوا عند ذلك أحداثا في دينهم أداروها بينهم، فقالوا: لا تعظموا شيئا من الحل كما تعظموا الحرم، فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت العرب بحرمكم، فتركوا الوقوف بعرفة والإفاضة منها، وهم يعتقدون أنها من المشاعر العظام ودين إبراهيم عليه السلام، ويقرون سائر العرب أن يقفوا عليها وأن يفيضوا منها، وقالوا: نحن لا ينبغي لنا أن نخرج من الحرم ولا نعظم غيره، ثم جعلوا لمن ولد من سائر العرب من سكان الحل والحرم، مثل الذي لهم بولادتهم إياهم يحل لهم ما يحل لهم ويحرم عليهم ما يحرم عليهم، وكانت كنانة وخزاعة قد دخلوا معهم في ذلك ثم ابتدعوا أمورًا لم تكن، حتى قالوا: لا ينبغي لنا أن(4/18)
نأقط الأقط ولا نسلؤا السمن ونحن محرمون، ولا ندخل بيتًا من شعر ولا نستظل إلا في بيوت الأدم، ثم زادوا في الابتداع، فقالوا: لا ينبغي لأهل الحرم أن يأكلوا من طعام جاؤوا به معهم من الحل في الحرم إذا جاؤوا حجاجا أو معتمرين، ولا يأكلوا في الحرم
إلا من طعام أهل الحرم إما قراء وإما شراء.
وكان مما ابتدعوا: أنهم إذا حج الصرورة إنسان من غير الحمس، والحمس من أهل مكة قريش وخزاعة وكنانة، ومن دان دينهم ممن ولدوا من حلفائهم فلا يطوف إلا عريانًا رجلا كان أو امرأة، إلا أن يطوف في ثوب أحمسي إما بإعارة وإما بإجارة، فيقف الغريب بباب المسجد، ويقول من يعيرني ثوبا، فإن أعاره أحمسي ثوبا أو أكراه طاف به، وإن لم يعره ألقى ثيابه بباب المسجد من خارج، ثم دخل الطواف وهو عريان، فإذا فرغ من طوافه خرج فيجد ثيابه كما تركها لم تمس، فيأخذها فيلبسها، ولا يعود إلى الطواف بعد ذلك عريانا، ولم يكن يطوف عريانا إلا الصرورة من غير الحمس، فأما الحمس فكانت تطوف في ثيابها، فإن قدم غير أحمسي من رجل أو امرأة، ولم يجد ثياب أحمسي يطوف فيها ومعه فضل ثياب يلبثها غير ثيابه التي عليه طاف بثيابه ثم جعلها لقا، واللقى: أن يطرح ثيابه بين أساف ونائلة، فلا يمسها أحد ولا ينتفع بها حتى تبلى من وطء الأقدام والشمس والرياح والمطر، فجاءت امرأة لها جمال وهيئة فطلبت ثيابا لأحمسي فلم تجدها، ولم تجد بدًا من الطواف عريانة، فنزعت ثيابها بباب المسجد ثم دخلت المسجد عريانة فوضعت يدها على فرجها وجعلت تقول:
فما بدا منه فلا أحله
اليوم يبدو بعضه أو كله
فجعل فتيان مكة ينظرون إليها وكان لها وتزوجت في قريش. وجاءت امرأة تطوف عريانة ولها جمال، فأعجبت رجلا فطاف إلى جنبها ليمسها فأدنى عضده إلى عضدها فالتزقت عضده بعضدها، فخرجا من المسجد هاربين على وجوههما فزعين لما أصابهما، فلقيهما شيخ من قريش فأخبراه، فأفتاهما أن يعودا إلى مكانهما الذي أصابهما فيه ما أصابهما فيدعوا ويخلصا أن لا يعودا، فرجعا فدعوا الله تعالى وأخلصا إليه أن لا يعودا فافترقت أعضادهما، فذهب كل واحد منهما إلى ناحية، هذا آخر ما حكاه(4/19)
الأزرقي عن ابن جريج.
وروى الأزرقي عن ابن عباس، قال: كانت قبائل من العرب من بني عامر وغيرهم يطوفون عراة الرجال بالنهار والنساء بالليل، وكانوا يقولون: لا نطوف في الثياب التي قارفنا فيها الذنوب.
عزز: قال الإمام أبو منصور الأزهري رحمه الله تعالى: العزيز من صفات الله تعالى الحسنى. قال أبو إسحاق بن السري: هو الممتنع فلا يغلبه شيء. وقال غيره: هو القوي الغالب على كل شيء. وقيل: هو الذي ليس كمثله شىء. قال: وقوله تعالى: {فعززنا بثالث} معناه قوينا وشددنا. قال الإمام الواحدي رحمه الله تعالى في كتابه البسيط في التفسير: اختلف قول أهل اللغة في معنى العزيز واشتقاقه، فقال أبو إسحاق العزيز في صفات الله تعالى: الممتنع فلا يغلبه شيء، وهذا قول المفضل. قال: العزيز الذي لا تناله الأيدي، وعلى هذا القول العزيز من عز يعز بفتح العين إذا اشتد، يقال: عز علي ما أصاب فلانًا أي اشتد وتعزز لحم الناقة، إذا صلب واشتد، والعزاز: الأرض الصلبة فمعنى العزة في اللغة الشدة، ولا يجوز في وصف الله تعالى الشدة، ويجوز العزة وهي امتناعه على من أراده.
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: العزيز الذي لا يوجد مثله. قال الفراء: يقال عز الشيء يعز بالكسر إذا قل حتى لا يكاد يوجد عزة فهو عزيز. وقال الكسائى وابن الانبارى وجماعة من أهل اللغة: العزيز القوي الغالب، تقول العرب: عز فلان فلانًا يعزه عزا إذا غلبه، قال الله تعالى: {وعزنى في الخطاب} هذا ما ذكره الواحدي. قال أهل اللغة: العز والعزة بمعنى، وهي الرفعة والامتناع والشدة والغلبة، ورجل عزيز من قوم أعزة وأعزاء وأعزاز.
قال صاحب المحكم: ولا تقل عززا كراهة التضعيف، قال: وامتناع هذا مطرد، فما كان من هذا النحو المضاعف، قال: وأما قولهم عز عزيزًا إما أن يكون للمبالغة وإما أن يكون بمعنى معز، قال: واعتز به وتعزز أي: تشرف وعز علي يعز عزًا وعزة وعزازة كرم، قال: وعززت القوم وعززتهم وأعززهم قويتهم، قال: وقال ثعلب في كتابه الفصيح: “إذا عز أخوك فهن” معناه إذا تعظم أخوك شامخًا عليك فالتزم له الهوان. قال أبو إسحاق: هذا خطأ من ثعلب إنما هو فهن بكسر الهاء، معناه إذا اشتد فهن من هان يهين إذا صار هينًا لينًا فإن العرب لا تأمر بالهوان؛ لأنهم أعزة أباؤن للضيم. قال صاحب المحكم: عندي أن قول ثعلب(4/20)
صحيح لقول ابن أحمر:
إذا عز ابن عمك أن تهونا
دببت لها الضراء رجاء أبقي
قلت: ولم يذكر الأزهري وجماعة إلا فهن بالضم. قوله في كتاب الحج: إنك أنت الأعز الأكرم، الأعز: معناه العزيز. قال الأزهري: يقال ملك أعز وعزيز بمعنى واحد، وكذا قاله صاحب المحكم وغيره. قال الأزهري: عز الرجل يعز عزا وعزة إذا قوي بعد ذله، وتقول العرب من عز بز أي: من غلب سلب. وفي الحديث استعز برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال أبو عمرو: استعز بفلان أي غلب في كل أمر من مرض أو عاهة، قال: واستعز الله بفلان معزاز، واستعز بحقي أي غلبني، وفلان معزاز المرض شديده. قال الأزهري: قال الفراء: العزة بيت الطيبة، وبها سميت المرأة عزة.
عزف: المعازف الملاهي وتشمل الأوتار والمزامير حكاه الرافعي. قال الجوهري: عزفت نفسي عن الشيء تعزف وتعزف عزوفا أي زهدت فيه وانصرفت عنه، والعزيف: صوت الجن وعزفت الجن تعزف بالكسر عزيفًا، والمعازف الملاهي، والعازف اللاعب بها وعزفت عزفا.
عزى: قال الأزهري في شرح ألفاظ المختصر التعزية التأسية لمن يصاب بمن يعز عليه، وهو أن يقال له تعز بعزاء الله تعالى، وعزاء الله تعالى قوله عز وجل: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (البقرة:156) وكقوله عز وجل: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} (الحديد: من الآية22، 23) قال: والعزاء اسم أقيم مقام التعزية، ومعنى تعز بعزاء الله تعالى تصبر بالتعزية التي عزاك الله تعالى بها، وأصل العزاء: الصبر وعزيت فلانا أمرته بالصبر، هذا كلام الأزهري.
وقال صاحب المحكم في باب عزز: قولهم تعزيت عنه أي: تصبرت أصلها تعززت أي: تشددت مثل تظنيت من تظننت، والاسم منه العزاء.
عسس: قال أهل اللغة: يقال: عس يعس عسًا واعتس يعتس إذا طاف بالليل، فيكشف عن أهل الريبة ورجل عاس، قال أكثرهم: والجمع عسس كخادم وخدم.
وقال صاحب المحكم: جمعه عساس وعسسة ككافر وكفار وكفرة، قال: والعسس اسم للجمع. وقيل: جمع عاس، قال: وقيل: العاس يقع على الواحد والجمع، واعتس الشيء أي طلبه ليلا وقصده، وذئب عسعس(4/21)
وعساس أي طلوب لصيد بالليل. وقيل: يقع هذا الاسم على كل السباع إذا طلب الصيد بالليل. وقيل: هو الذي لا ينقاد. وقيل: العسعاس الخفيف من كل شيء، وعسعس الليل عسعسة أدبر، كذا قاله الأكثرون.
ونقل الفراء إجماع المفسرين عليه، وقال آخرون: معناه أقبل، وقال آخرون: هو من الأضداد، يقال إذا أقبل وإذا أدبر، وقد بسط الأزهري القول فيه، ونقله عن أئمة اللغة بجميع ما ذكرته.
عسف: قوله في الوسيط والوجيز والمنهاج راكب تعاسيف هو من العسف. قال الأزهري: العسف ركوب الأمر بغير روية وركوب الفلاة وقطعها صوب.
عسم: قوله في باب الديات من المهذب في يد الأعسم الدية. قال ابن الأعرابي وغيره من أهل اللغة وصاحب الشامل وغيره من أصحابنا في كتب المذهب: العسم اعوجاج وميل في رسغ اليد، والرسغ مفصل الكف من الذراع.
قال صاحب الشامل: هو جار مجرى عين الأحول. وقال ابن فارس في المجمل: العسم يبس في المرفق. وقال الجوهري: هو يبس مفصل الرسغ حتى يعوج الكف والقدم، ورجل أعسم وامرأة عسماء.
عسى: قال الإمام أبو الحسن الواحدي المفسر في كتابه في قول الله تبارك وتعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (البقرة: من الآية216) عسى عند العامة شك وتوهم، وهي عند الله تبارك وتعالى يقين وواجب، وعسى فعل متصرف درج مضارعه وبقي ماضيه، تقول: عسيتما وعسيتم يتكلم فيه على فعل ماض، وأميت ما سواه من وجوه فعله ويرتفع الاسم بعده كما يرتفع بعد الفعل، يقال منه أعسى لفلان أن يفعل كذا مثل أحرى وأخلق بعده، وبالعسي أن تفعل كما تقول بالحري أن تفعل ومعناه من جميع الوجوه قريب وقرب وأقرب به، ومنه قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ} (النمل: من الآية72) أي: قرب، وقوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً} (الإسراء: من الآية51) أي: قرب ذلك وكثرت عسى على الألسنة حتى صارت كأنها مثل لعل، وتأويل عسى التقريب، وجاءت عسى في القرآن بدخول أن كقوله تعالى: {عسى ربكم أن يرحمكم} و {عسى أن يكون ردف لكم} ولما كثرت عند العرب في ألفاظهم أسقطوا أن، كما قال الشاعر:
له كل يوم في خليقته أمر(4/22)
عسى فرج يأتي به الله أنه
وقال آخر:
يكون وراءه فرج قريب
عسى الكرب الذي أمسيت فيه
هذا آخر ما ذكره الواحدي هنا. وذكر في قوله تعالى: {هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} (البقرة: من الآية246) قرأ نافع وحده عسيتم بكسر السين، واللغة الفصيحة المشهورة فيها فتحها. قال: ووجه قراءة نافع ما حكاه ابن الأعرابي أنهم يقولون هو عسى بكذا، وما أعساه وأعسى به، وقولهم عسى يقوي عسيتم بكسر السين ألا ترى أن عسى مثل شج وحرفان، قالوا: يلزمكم أن تقرؤوا عسى ربكم. قيل: القياس هذا، وله أن يأخذ باللغتين فيستعمل إحداهما في موضع والأخرى في موضع.
قال الإمام أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره في قوله تعالى: {هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} قال: قرأ نافع وطلحة والحسن عسيتم بكسر السين في القرآن كله وهي لغة، والباقون بالفتح وهي اللغة الفصيحة. قال أبو عبيد: لو جاز عسيتم يعني بالكسر لقرىء عسى ربكم يعني بالكسر مثله. والجواب: عما ذكره الواحدي كما تقدم. وقال الإمام أبو البقاء النحوي في كتابه إعراب القرآن في هذه الآية: جمهور القراء على فتح السين لأنه على فعل تقول عسى مثل رمى وتقرأ بكسرها وهي لغة، والفعل منها عسى مثل خشي، واسم الفاعل مثل عم حكاه ابن الأعرابي.
قال الواحدي في قول الله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} (الاسراء: من الآية79) قال المفسرون: كلهم عسى من الله عز وجل واجب. قال أهل المعاني: وإنما كان كذلك لأن معنى عسى في اللغة التقريب والإطماع، ومن أطمع إنسانا في شيء حرمه كان عارا، والله تعالى أكرم من أن يطمع إنسانا في شيء ثم لا يعطيه ذلك.
عشر: العشر من الشهر فيه لغتان التأنيث والتذكير، والتأنيث أكثر في الأحاديث وكلام العرب، ومنه الأحاديث الصحيحة في طلب ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، ومما جاء في التذكير حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه في صحيح مسلم في آخر كتاب الصيام في حديث ليلة القدر، قال: إن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتكف العسر الأول من رمضان ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إني أعتكف العشر الأول ألتمس هذه الليلة ثم اعتكفت العشر الأوسط ثم أتيت فقيل لي إنها في العشر الأواخر” هذا(4/23)
هو في جميع النسخ العشر الأوسط من كلام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وفي رواية بعده من كلام أبي سعيد العشر الوسطى.
عشش: العش للطائر معروف، وهو ما يجمعه من قطع العيدان والحشيش ونحوها، فيبيض فيه في جبل أو شجرة أو سقف أو نحو ذلك. قال صاحب المحكم: جمعه أعشاش وعشاش وعشوش وعششة. قال: واعتش الطائر اتخذ عشا وكذلك عشعش. قال الأزهري: قال أبو عبيد من أمثالهم: “ليس هذا بعشك فادرجي” يضرب مثلا لمن يرفع نفسه فوق قدره، ونحوه: “تلمس أعشاشك” أي: تلمس التجني والعلل في ذويك.
عشق: قال الأزهري: سئل أحمد بن يحيى عن الحب والعشق أيهما أحمد، فقال: الحب لأن العشق فيه إفراط. قال ابن الأعرابي: والعشق اللبلاب واحدتها عشيقة. قال: وسمي العاشق عاشقا لأنه يذبل ممن شدة الهوى كما تذبل العشقة إذا تركت. قال أبو عبيدة: امرأة عاشق بلا هاء وحكاه عن الكسائى. قال الليث: عشق يعشق عشقا وعشقا العشق الاسم. قال غيره: والعشق بالسين والشين اللزوم للشيء لا يفارقه، ولذلك قيل للكلف عاشق للزومه هواه، والمعشق العشق هذا كلام الأزهري. وقال الليث في العين بعد ذكره ما نقله الأزهري عنه يقال للفاعل عاشق وعاشقة، وللمفعول معشوق ومعشوقة. وقال صاحب المحكم: العشق عجب المحب بالمحبوب يكون في عفاف الحب ودعارته عشقه عشقا وعشقا وتعشقه. وقيل: العشق الاسم، ورجل عاشق وعشيق كثير العشق، وامرأة عاشق وعاشقة، والعشقة شجرة تخضر ثم تدق وتصفر قاله الزجاج، وزعم أن اشتقاق العاشق من ذلك.
عصب: في الحديث: “إلا ثوب عصب” مذكور في العدة من المهذب هو بعين مفتوحة ثم صاد ساكنة مهملتين ثم باء موحدة، وهي برود اليمن يعصب غزلها ثم يصبغ معصوبا ثم ينسج.
عصص: قال الأزهري: قال ابن الأعرابي: يقال في عجب الذنب هو العُصْعُص والعُصْعَص والعُصَص والعَصَص والعُصْعُوص كلها صحيحة. قال صاحب المحكم: عص الشيء يعص بفتح العين عصًا إذا صلب واشتد وجمع العصعوص عصاعص.(4/24)
عضب: المعضوب المذكور في كتاب الحج العاجز عن الحج بنفسه لزمانة أو كسر أو مرض لا يرجى زواله أو كبر بحيث لا يستمسك على الراحلة إلا بمشقة شديدة هذا حده عند أصحابنا، وتفصيله في هذه الكتب واضح معروف، وهو بالعين المهملة والضاد المعجمة، وهو من العضب بفتح العين وإسكان الضاد وهو القطع، هكذا قاله أهل اللغة، وقالوا يقال منه عضبته أي قطعته.
قال الجوهري في الصحاح: المعضوب الضعيف، قلت: فيجوز أن يكون تسمية الفقهاء العاجز عن الحج معضوبا لهذا، ويجوز أن يكون من القطع لأن الزمانة ونحوها قطعت حركته، وهذا هو الذي قاله الشارحون لألفاظ الفقهاء، ثم هذا الذي ذكرناه من كونه بالضاد المعجمة، هو المشهور المعروف الذي قاله الجماهير بل الجميع.
وقال الإمام أبو القاسم الرافعي: بالمعجمة، ثم قال: وقيل: هو المعصوب بالصاد المهملة كأنه ضرب على عصبه فتعطلت أعضاؤه. قول الشافعي رضي الله تعالى عنه في المختصر في زكاة الفطر: ويزكي عمن كان مرهوبا أو مغصوبا، المشهور أنه مغصوب بالغين المعجمة والصاد المهملة. قال صاحب الحاوي: ومنهم من رواه معضوب بالعين المهملة والضاد المعجمة أي زمنًا وله وجه أيضًا.
عضض: قال الأزهري: العض بالأسنان والفعل عضضت يعني بكسر الضاد أعض، والأمر منه عض واعضض. قال صاحب المحكم: العض الشد بالأسنان على الشيء، وكذلك عض الحية، ولا يقال للعقرب. وقد عضضته أعضه وعضضت عليه عضًا وعضاضًا وعضيضًا ويقال عَضَّضْتُه تميمية، والعض باللسان أن يتناوله بما لا ينبغي، والفعل كالفعل وكذلك المصدر، ودابة ذات عضيض وعضاض وفرس عضوض وكلب عضوض وناقة عضوض بغير هاء.
وقال الأزهري: قال الفراء: العضاض ما لان من الأنف. وقال الفراء: والعضاضي الرجل الناعم اللين مأخوذ منه. قال الأزهري: واليعضوض ثمر أسود والياء ليست أصلية له ذكر في حد وفد عبد القيس. قال الزبيدي في مختصر العين: لا يدخله السوس أبدًا.
عضل: العضل بفتح العين وإسكان الضاد، هو منع الولي الأيم من التزويج، ومنع الزوج امرأته من حسن الصحبة(4/25)
لتفتدي منه، وكلاهما محرم بنص القرآن العزيز. قال أهل اللغة: العضل المنع، يقال عضل فلان أيمه إذا منعها من التزويج فهو يعضلها، ويعضلها بكسر الضاد وضمها. قالوا: وأصل العضل الضيق يقال عضلت المرأة إذا نشب الولد فى بطنها، وكذلك عضلت الأرض بالجيش إذا ضاقت بهم كثرة، وأعضل الداء الأطباء إذا أعياهم. ويقال داء عضال بضم العين كغراب وامرأة عضال وأعضل الأمر أي اشتد.
عضو: قوله في أول كتاب الرهن من المهذب لأن الرهن إنما جعل ليحفظ عوض ما زال ملكه عنه من مال ومنفعة وعضو، فقوله وعضو هو بضم العين ثم ضاد ثم واو هذا هو الصحيح الصواب، وهكذا هو في نسخة قوبلت مع الشيخ أبي إسحاق المصنف رحمه الله تعالى، ويوجد في أكثر النسخ، وعوض بتقديم الواو على الضاد وهو غلط أو فاسد من حيث النقل والمعنى، والصواب ما تقدم أنه عضو بتقديم الضاد. فقوله ليحفظ عوض ما زال ملكه عنه من مال ومنعفة وعضو. أما عوض المال فهو ثمن المبيع وقيمة المتلف والمسلم فيه وغير ذلك. وأما عوض المنفعة فأجرة الدار وشبهها ومال الخلع وغيره. وأما عوض العضو فأرش الجناية والمهر، فإن أرش الجناية عوض العضو المجنى عليه وكذلك الصداق، ولا يقال كيف يقال زال ملك الإنسان من عضوه، وكيف يملك الإنسان نفسه أو بعضها، لأنا نقول سماه مالكا مجازًا وكثيرًا ما يطلق أصحابنا هذه العبارة لا سيما في أبواب النكاح، إذ يقولون ملكت المرأة نفسها بالخلع وبالطلاق فيسمون ذلك وأشباهه ملكا من حيث أنه يتصرف في نفسه تصرف المالك في ملكه ومراد المصنف - والله تعالى أعلم - أن يضبط أنواع الدين الذي يكون الرهن عليه، وقد ذكر ذلك أولا في قوله: يجوز أخذ الرهن على دين السَّلم، وعوض القرض، والثمن، والأجرة، والصداق، وعوض الخلع، ومال الصلح، وأرش الجناية، وغرامة المتلف، والله تعالى أعلم.
عطى: قوله في الوجيز في كتاب الصداق تزوجها على أن يعطي أباها ألفًا. قال الرافعي: يجوز أن يعطي بالياء والتاء وبيانهما يعرف من الخلاف والتفصيل الذي في المسألة.
عفص: العفص الذي يدبغ به معروف الواحدة عفصة. وفي باب اللقطة يعرف عفاصها هو بكسر العين وبالفاء.(4/26)
قال أهل اللغة والفقهاء: هو الوعاء الذي يكون فيه اللقطة سواء كان من جلد أو خرقة أو غيرهما. قالوا: ويطلق العفاص أيضًا على الجلد الذي يلبسه رأس القارورة لأنه كالوعاء له، فأما الذي يدخل في فم القارورة من خشبة أو جلد أو خرقة مجموعة ونحو ذلك فهو الصمام بكسر الصاد. ويقال: عفصتها عفصًا إذا شددت العفاص عليها، واعتفصته إعفاصا إذا جعلت لها عفاصًا.
عفف: قال أبو منصور الأزهري: يقال: عف الإنسان عن المحارم يعف عفة وعفًا وعفافا فهو عفيف، وجمعه أعفاء، وامرأة عفيفة الفرج ونسوة عفائف. وقال صاحب المحكم: العفة الكف عما لا يحل ولا يحمد، يقال: عف يعف عفة وعفافا وعفافة وتعفف واستعفف، ورجل عف، وعفيف والأنثى بالهاء، وجمع العفيف أعفة وأعفاء، ولم يكسروا العف. وقيل: العفيفة من النساء السيدة الحرة، ورجل عفيف، وعف عن المسألة والحرص، والجمع كالجمع هذا آخر كلام صاحب المحكم.
قال الجوهري: ويقال أعفه الله تعالى. قال الزبيدي في مختصر العين: عفان فعلان من العفة.
عقب: أركبه عقبة أي نوبة لأن كل واحد منهما يعقب صاحبه ويركب موضعه. قال صاحب العين: العقبة مقدار فرسخين، ويقال اعتقبا وتعاقبا. قال الواحدي: سمي العقاب عقابا لأنه يعقب الذنب.
عقد: قال صاحب المحكم: العقد نقيض الحل عقده يعقده عقدا وتعاقدا وعقده واعتقده كعقده وقد انعقد وتعقد. قال سيبويه: وقالوا: هو مني كعقد الإزار أي بتلك المنزلة له، فحذف وأوصل الفعل والعقدة حجم العقد، والجمع عقد، والعقد الخيط ينظم فيه الخرز، والجمع عقود، والمعقاد خيط تنظم فيه خرزات وتعلق في عنق الصبي، وعقد التاج فوق رأسه واعتقده عصبه به، وعقد العهد واليمين يعقدهما عقدًا، وعقدهما أكد عقدهما، والعقد العهد، والجمع عقود وعاقده عاهده وتعاقدوا تعاهدوا، والعقيد الحليف، وعقد البناء بالجص يعقده عقدا ألزقه والعقد ماعقدت من البناء، والجمع أعقاد وعقود، وعقد العسل والربُّ ونحوهما يعقد ويعقد. وأعقدته فهو معقد وعقيد، والعقيد عسل يعقد حتى يخثر، وفي لسانه عقدة وعقد أي التواء، ورجل أعقد في لسانه(4/27)
عقدة وعقد كلامه أعوصه وعماه، وعقد على الشيء لزمه، وعقد النكاح والبيع وجوبهما. قال الفارسى: هو من الشد والربط، وعقد كل شيء إبرامه، واعتقد الشيء صلبه، وتعقد الإخاء استحكم، وعقد الشحم يعقد انبنى وظهر، والعقد المتراكم من الرمل واحده عقدة والجمع أعقاد، والعقد بالفتح لغة في العقد، هذا آخر كلام صاحب المحكم.
وقال الأزهري: أعقدت العسل ونحوه. وروى بعضهم عقدته، والكلام اعتقدت، وموضع العقد من الحل معقد وجمعه معاقد، هذا آخر كلام الأزهري. وقال الليث في العين: تعقد السحاب إذا صار كأنه عقد مضروب مبني، والعقدة الضيعة والجمع العقد، واعتقد الرجل مالا وإخاء، وعقد الرجل والمرأة فهو أعقد وهي عقداء، إذا كان في لسانه عقدة وغلظ في وسطه، والفعل عقد يعقد عقدًا.
عقر: قولهم في الشفعة: لا تجب إلا في عقار هو بفتح العين. قال الأزهري: قال أبو عبيد: سمعت الأصمعي يقول: عقر الدار أصلها في لغة الحجاز، فأما أهل نجد فيقولون: عقر، قال: ومنه قيل العقار وهو المنزل والأرض والضياع، هذا آخر كلام الأزهري.
وقال أبو إسحاق الزجاج في معاني القرآن العزيز في قوله تعالى في سورة آل عمران حكاية عن زكريا عليه السلام: {وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ} (آل عمران: من الآية40) قال: والعقار كل ما له أصل، قال: وقد قيل إن النخل خاصة يقال لها عقار. قال: وعقر دار القوم أصل مقالهم الذي عليه معولهم، وإذا انتقلوا منه لنجعة رجعوا إليه، هذا آخر كلام الزجاج. وفي حديث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “خمس من قتلهن فلا جناح عليه” فذكر فيهن الكلب العقور.
قال الأزهري: قال أبو عبيد: بلغني عن سفيان بن عيينة، أنه قال: معناه كل سبع يعقر، ولم يخص به الكلب. قال أبو عبيد: ولهذا يقال لكل جارح أو عاقر كلب عقور مثل الأسد والفهد والنمر وما أشبهها. وفي أول باب الهبة من المهذب في الحديث: “مر بحمار عقير” معناه معقور فعيل، بمعنى مفعول كالقتيل والذبيح والجريح والعصير ونظائرها والمراد حمار وحش، وجمع العقير عقرى كقتلى ومرضى وجرحى، الذكر والأنثى فيه سواء. قال الأزهري: والعقاقير الأدوية التي يستشفى بها. قال أبو الهيثم: العقار والعقاقير كل نبت ينبت مما فيه شفاء، قوله في الوسيط في مواضع منها كتاب الرهن بدل المنفعة(4/28)
ككسب العبد والعقر لا يتعدى إليه الرهن، العقر هنا بضم العين المهملة وإسكان القاف وبعدها راء مهملة وهو المهر، ويعني بها هنا مهر الأمة المرهونة لو وطئت اليسرى أو زنا.
قال الأزهري: قال ابن شميل: عقر المرأة مهرها وجمعه الاعقار. وقال أحمد بن حنبل: العقر المهر. قال ابن المظفر: عقر المرأة دية فرجها إذا غصبت فرجها. وقال أبو عبيد عقر المرأة ثواب تثابه المرأة من نكاحها، هذا ما ذكره الأزهري. وقال الإمام أبو الحسن عبد الغافر الفارسى في مجمع الغرائب العقر ما تعطاه المرأة على وطء الشبهة لأن الواطىء إذا افتضها عقرها فسمى مهرها عقرًا ثم استعمل في الثيب وغيرها.
قال الواحدي في البسيط في أول سورة آل عمران: العاقر من النساء التي لا تلد، يقال عقرت المرأة يعني بضم القاف تعقر عقرًا وعقارة وعقر، ثم قال: ويقال أيضًا: عقر الرجل وعقَر وعقِر بضم القاف وفتحها وكسرها إذا لم يُحبل ورجل عاقر ورجال ونساء عقر، ويقال: أعقر الله تعالى رحمها فهي معقرة ورمل عاقر لا ينبت شيئًا. قال شيخنا جمال الدين بن مالك في المثلث: عقرت المرأة بضم القاف وفتحها وكسرها إذا انقطع حملها، وكذلك الرجل إذا لم يولد له، وعقمت بالكسر والضم صارت لا تلد وكذلك الرجل، وفي الحديث: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: في شأن صفية رضي الله تعالى عنها “عقرى حلقى” هكذا يرويه المحدثون بالألف، التي هي ألف التأنيث ويكتبونه بالياء ولا ينونونه، وهكذا نقله جماعة لا يحصون عن روايات المحدثين، وهو صحيح فصيح.
قال الأزهري: قال أبو عبيد: معنى عقرى عقرها الله تعالى وحلقى حلقها الله تعالى يعني عقر الله تعالى جسدها، وأصابها بوجع في حلقها. قال أبو عبيد: أصحاب الحديث يروونه عقرى حلقى، وإنما هو عقرًا حلقًا. قال: وهذا على مذهب العرب في الدعاء على الشيء إرادة لوقوعه. قال شمر: قلت لأبي عبيد: لم لا تجيز عقرى، قال: فعلى تجيء نعتًا ولم تجىء في الدعاء، فقلت: روى ابن شميل عن العرب مُطَّيْرى، وعقرى أخف منها فلم ينكره، هذا آخر كلام الأزهري. وقال صاحب المحكم: ويقال للمرأة عقرى حلقى معناه عقرها الله تعالى وحلقها أي: حلق شعرها أو أصابها بوجع في حلقها، فعقرى ههنا مصدر كدعوى، وقيل: عقرى حلقى يعقر قومها ويحلقهم بشؤمها، وقيل: العقرى الحائض، وقيل: عقرى حلقى أي(4/29)
عقرها الله تعالى وحلقها، هذا آخر كلام صاحب المحكم. وقيل معناه عاقر لا تلد، وعلى الأقوال كلها كلمة استعت فيها العرب فصارت تطلقها، ولا تريد حقيقة معناها الذي وضعت له كتربت يداك وقاتله الله ما أشجعه.
وقال صاحب المحكم: العقر والعِقر العقم، وقد عقرت المرأة عَقارة وعِقارة وعَقَرت تَعْقر عَقرًا وعُقرًا وعَقَرت عِقارًا وهي عاقر، وكذلك الناقة وجمعها عقر ورجل عاقر وعقير لا يولد له، ولم نسمع في المرأة عقيرًا، والعُقْرة خرزة تشدها المرأة على حقويها لئلا تحبل، وعَقُر الأمر عُقُرًا لم ينتج عاقبة والعاقر من الرمل ما لا ينبت. وقيل: هي الرملة التي تنبت جنباتها ولا ينبت وسطها، والعقر شبيه بالحز عقره يعقره وعقره، والعقير: المعقور، والجمع عقرى الذكر والأنثى سواء، وعقر الفرس عقرًا قطع قوائمه، وعقر الناقة يعقرها ويعقرها عقرًا، وعقرها إذ فعل بها ذلك حتى تسقط فنحرها مستمكنا منها، وكذلك كل فعيل مصروف عن مفعول به فإنه بغير هاء.
قال اللحياني: وهو الكلام المجتمع عليه، ومنه ما يقال بالهاء، وعاقر صاحبه فاخره في عقر الإبل، وتعاقر الرجلان عقرا إبلهما ليرى أيهما أعقر لها، والعقيرة ما عقر من صيد أو غيره، وعقيرة الرجل صوته إذا غنى أو بكى أو قرأ، والعقيرة الرجل الشريف يقتل وعقر القتب، والرحل ظهر الناقة، والسرج ظهر الدابة، يعقره عقرًا حزه وأدبره واعتقر الظهر وانعقر دبر وسرج معقار ومِعقر ومُعقر وعُقَرة وعُقَر وعاقور يعقر ظهر الدابة، وكذلك الرحل.
وقيل: لا يقال معقر إلا لما عادته أن يعقر، ورجل عُقَرة وعُقَر ومِعقر يعقُر الإبل من إتعابه إياها، ولا يقال عقور، والجمع عقر، وكلأ أرض كذا عُقَار وعقار، يعقر الماشية وعقر النخلة عقرا فهي عقرة قطع رأسها فيبست، وبيضة العقر التي تمتحن بها المرأة عند الافتضاض. وقيل: هي أول بيضة تبيضها الدجاجة؛ لأنها تعقرها. وقيل: هي آخر بيضة تبيضها إذا هرمت. وقيل: هي بيضة الديك يبيضها في السنة مرة. ويقال للذي لا غناء عنده بيضة العقر على التشبيه بذلك، وبيضة العقر الأبتر الذي لا ولد له وعُقْر القوم وعَقرهم محلتهم بين الدار والحوض، وعقر الحوض وعقره مؤخره. وقيل: مقام الشاربة منه، وناقة عقرة تشرب من عقر الحوض، وعقر النار وعقرها أصلها الذي تتأجج منه. وقيل: معظمها ومجتمعها، وعقر الدار وعقرها أصلها. وقيل: وسطها، وهذا البيت عقر القصيدة أي خيارها،(4/30)
والعقر والعقار المنزل والضيعة، وخص بعضهم بالنخل العقار، وعقر البيت متاعه ونضده الذي لا يتبدل إلا في الأعياد، والحقوق الكبار. وقيل: عقار المتاع خياره. وقيل: عقاره متاعه ونضده إذا كان حسنا كثيرًا، وعاقر الشيء معاقرة وعقارا لزمه والعقار الخمر لأنها عاقرت الدن لزمته. وقيل: لأن أصحابه تعاقروا بها أي: يلازمونها. وقيل: هي التي تعقر شاربها. وقيل: التي لا يلبث أن يسكر، وعقر الرجل عقرا فجأه الروع فلم يقدر أن يتقدم أو يتأخر. وقيل: عقر دهش والعقر والعقر القصر. وقيل: القصر المنهدم بعضه على بعض. وقيل: البناء المرتفع، هذا آخر كلام صاحب المحكم. وقال الأزهري: قال ابن شميل: ناقة عقير وجمل عقير، والعقر لا يكون إلا في القوائم.
قال الأزهري: والعقر عند العرب كشف عرقوب البعير، ثم يجعل النحر عقرًا لأن ناحر البعير يعقر، ثم ينحر. وذكر في سبب تسمية الخمر عقارًا كمهر، وهو داء في الرحم، وعقرة العلم النسيان وبيضة العقر. يقال: إنها بيضة الديك، وذلك أنه يبيض في السنة بيضة واحدة تضرب مثلا للعطية القليلة لا التي لا يربها معطيها ببر يتلوها، والعاقرة الملاعنة، والعقاقير الأدوية التي يستشفى بها. وقال أبو الهيثم: العقار والعقاقير كل نبت ينبت مما في شفاء، هذا آخر كلام الأزهري.
عقص: قوله في قصة الظعينة في قصة حاطب رضي الله تعالى عنه فأخرجت الكتاب من عقاصها مذكور في آخر كتاب السير من المهذب العقاص بكسر العين. قال الأزهري: قال أبو عبيد: العقص ضرب من الضفر، وهو أن يلوي الشعر على الرأس، ولها تقول النساء لها عقصة، وجمعها عقصة وعقاص. وقال الليث: العقص أن تأخذ المرأة كل خصلة من شعرها فتلويها ثم تعقدها، حتى يبقى فيها التواء، ثم ترسلها فكل خصلة عقيصة. قال: والمرأة ربما اتخذت عقيصة من شعر غيرها.
قال أبو عبيد عن أبي زيد: العقصاء من الشعر التي التوى قرناها على أذنيها من خلفها، هذا كلام الأزهري. وقال صاحب المحكم: العقيصة الخصلة، والجمع عقائص وعقاص وهي العقصة، ولا يقال للرجل عقصة وعقصت شعرها تعقصه عقصا شدته في قفاها.
عقق: قال الإمام أبو منصور الأزهري: قال أبو عبيد: قال الأصمعي وغيره: العقيقة أصلها الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد، وإنما سميت الشاة التي تذبح(4/31)
عنه في تلك الحال عقيقة لأنه يحلق عنه ذلك الشعر عند الذبح، ولهذا قال في الحديث: “أميطوا عنه الأذى” يعني بالأذى ذلك الشعر الذي يحلق عنه، قال: وهذا مما قلت لك إنهم ربما سموا الشيء باسم غيره إذا كان معه أو من شبهه، فسميت الشاة عقيقة لعقيقة الشعر.
قال أبو عبيد: وكذلك كل مولود من البهائم، فإن الشعر الذي يكون عليه حين يولد عقيقة وعقة. وقال الأزهري: ويقال لذلك الشعر عقيق بغير هاء. قال الأزهري: العق في الأصل الشق والقطع، وسميت الشعرة الذي يخرج الولد من بطن أمه، وهي عليه عقيقة لأنها إذا كانت على رأس الأنسي حلقت فقطعت، وإن كانت على البهيمة فإنها تتنسل. وقيل: للذبيحة عقيقة لأنها تذبح أي تشق حلقومها ومريها وودجاها قطعا كما سميت ذبيحة بالذبح، وهو الشق. قال ابن السكيت: عق فلان عن ولده إذا ذبح عنه يوم أسبوعه، قال: وعق فلان أباه يعقه عقا، وقال غيره: عق فلان والديه يعقهما عقوقا إذا قطعهما ولم يصل رحمه منهما، وجمع العاق القاطع لرحمه عققة. ويقال أيضًا: رجل عق. قال ابن الأعرابي: العقق قاطعوا الأرحام.
قال الأزهري: والعرب تقول لكل مسيل ما شقه السيل في الأرض فأنهره ووسعه عقيق. وفي بلاد العرب أربعة أعقة وهي أودية شقتها السيول عادية، فمنها: عقيق عارض اليمامة وهو واد واسع مما يلي العرمة يتدقق فيه شعاب العارض، وفيه عيون عذبة الماء، ومنها: عقيق بناحية المدينة فيها عيون ونخيل، ومنها: عقيق آخر يتدفق ماؤه في غوري تهامة هو الذي ذكره الشافعي رضي الله تعالى عنه، فقال: ولو أهلوا من العقيق لكان أحب إلي، ومنها: عقيق القنان تجري إليه مياه قلل نجد وجباله. وقال الأصمعي: الأعقة الأودية. وقال أبو عبيدة: عقيقة الصبي غرلته إذا ختن.
قال صاحب المحكم: عق والده يعقه عقا وعقوقا شق عصى طاعته. قال: وقد يعم بلفظ الرحم الفعل كالفعل والمصدر كالمصدر ورجل عقق وعقق وعق بمعنى عاق والمعقة العقوق. قال: والعقيقة الشعر الذي يولد به العربي الجلد والعلقة كالعقيقة، وقيل: العقة في الناس والخمر خاصة، وأعقت الحامل نبت شعر ولدها وعق عن ابنه يعق ويعق حلق عقيقته أو ذبح عن شاة والعقوق من البهائم الحامل. وقيل: هي من الحامل خاصة والجمع عقق وعقائق، وإذا طلب(4/32)
الإنسان فوق ما يستحق، قالوا: طلب الأبلق العقوق فكأنه طلب أمرًا لا يكون أبدًا لأنه لا يكون الأبلق عقوقًا، ويقال: إن رجلا سأل معاوية أن يزوجه أمه، فقال: أمرها إليها، وقد أبت أن تتزوج فقال: فولني مكان كذا، فقال معاوية: متمثلا:
لم ينله أراد بيض الأنوق
طلب الأبلق العقوق فلما
والأنوق طائر أبيض يبيض في قنن الجبال فبيضه في حرز، إلا أنه يطمع فيها، فمعناه: أنه طلب ما لا يكون، فلما لم يجد ذلك طلب ما يطمع في الوصول إليه، وهو مع ذلك بعيد. وماعق وعقاق شديد المرارة، الواحد والجمع فيه سواء، والعقيق: خرز أحمر يتخذ منه الفصوص الواحدة عقيقة، وعقعق الطائر بصوته ذهب، وجاء والعقعق طائر معروف من ذلك، هذا آخر كلام صاحب المحكم.
عقل: قال الأزهري: قال ابن الأعرابي: العقل التثبت في الأمور، والعقل القلب، والقلب العقل. قال: وقال غيره: سمي العقل عقلاً لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك أي: يحبسه. وقال آخرون: العقل هو التمييز الذي يتميز به الإنسان عن سائر الحيوان، قال: والمعقول ما تعقله بقلبك، والمعقول العقل يقال ما له معقول أي: ما له عقل، ويقال: اعتقل لسانه إذا لم يقدر على الكلام. قال: والعقل في كلام العرب الدية سميت عقلا لأن الدية كانت ثم العرب إبلا لأنها كانت أموالهم، فسميت الدية عقلا لأن القاتل كان يكلف أن يسوق إبل الدية إلى فناء ورثة المقتول فيعقلها بالعقل، ويسلمها إلى أوليائه.
وأصل العقل مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، وهو حبل يثنى به يد البعير إلى ركبتيه فتشد به، ويقال: عقلت فلانا إذا أعطيت ديته ورثته وعقلت عن فلان إذا ألزمته جناية فغرمت ديتها عنه، والمعقل الملجأ، وعقل الدواء بطنه يعقله عقلا إذا أمسكه بعد استطلاقه، وذلك الدواء عقول وعقل أيضًا بطنه، وعقل المصدق الصدقة قبضها، واعتقل رمحه وضعه بين ركابه وساقه، واعتقل الشاة وضع رجلها بين فخذه، وساقه فحلبها، ولفلان عقلة يعقل بها الناس، إذا صارعهم عقل أرجلهم، والعقيلة الكريمة من النساء والإبل وغيرهما، والجمع العقائل، وعقل الظل إذا قام قائم الظهيرة، وعقل فلان فلانًا وعكله إذا أقامه على إحدى(4/33)
رجليه، وهو معقول منذ اليوم، وصار دم فلان معقلة على قومه إذا غرموه، واعتقل فلان من دم صاحبه إذا أخذ العقل، والمعاقل حيث تعقل الإبل، وعقلت المرأة شعرها إذا مشطته، والماشطة العاقلة، والدرة الكبيرة الصافية عقيلة البحر، والعقنقل من الرمل ما ارتكم، وتعقل بعضه ببعض ويجمع عقنقلات، وعقاقل وأعقلت فلانا لقيته عاقلا، وعقلته جعلته عاقلا، هذا آخر كلام الأزهري.
وقال صاحب المحكم: العقل ضد الحمق، والجمع عقول عقل يعقل عقالا وعقالا فهو عاقل من قوم عقلاء. قال إمام الحرمين في أول الإرشاد: العقل علوم ضرورية، والدليل على أنه من العلوم استحالة الاتصاف به مع تقدير الخلو من جميع العلوم، وليس العقل من العلوم النظرية، إذ شرط النظر تقدم العقل، وليس العقل جميع العلوم الضرورية، فإن الضرير ومن لا يدرك يتصف بالعقل، مع انتفاء علوم ضرورية عنه، فبان بهذا: أن العقل من العلوم الضرورية وليس كلها، هذا كلام الإمام.
واختلف الناس في محل العقل هل هو في القلب أم في الدماغ، فذهب أصحابنا من المتكلمين أنه في القلب، وبه قال جمهور المتكلمين وهو قول الفلاسفة. وقالت الأطباء: هو في الدماغ، وهو محكي عن أبي حنيفة. احتج أصحابنا بقول الله تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها} وقوله تعالى: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب} وبقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب” فجعل - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاح الجسد وفساده تابعًا للقلب، مع أن الدماغ من جملة الجسد،
واحتج القائلون بالدماغ: بأنه إذا فسد الدماغ فسد العقل. والجواب: أن الله تعالى أجرى العادة بفساد العقل عند فساد الدماغ مع أن العقل ليس فيه، ولا امتناع في هذا، والمعقول العقل، وهو أحد المصادر التي جاءت على مفعول كالميسور والمعسور، وعاقله فعقله بعقله إذا كان أعقل منه، وعقل الشيء يعقله عقلا فهمه، وقلب عقول فهم، وتعاقل أظهر أنه عاقل فهم وليس كذلك، وعقل الدواء بطنه، يعقله ويعقله عقلا أمسكه، واعتقل لسانه امتسك، وعقله عن حاجته يعقله، وعقَّله وتعقله واعتقله حبسه، وعقل البعير يعقله عقلا، وعقَّله واعتقله شد وظيفه إلى ذراعه وكذلك الناقة، وقد يعقل العرقوبان،(4/34)
والعقال الرباط الذي يربط به والجمع عقل، وهم على معاقلهم الأولى أي: على حال الديات التي كانت في الجاهلية، وعلى معاقلهم أيضًا أي: على مراتب آبائهم، وأصله من ذلك، وفلان عقال المئين وهو الرجل الشريف إذا أسر فدى بمئين من الإبل، والعقل اصطكاك الركبتين، وقيل: التواء في الرجل، وقيل: هو أن يفرط الروح في الرجلين حتى يصطك العرقوبان، وداء ذو عقال لا يبرأ منه، والعقيلة من النساء المخدرة، وعقيلة القوم سيدهم، وعقيلة كل شيء أكرمه، وعقائل الإنسان كرائم ماله، وعاقول البحر معظمه وقيل: موجه، وعاقول النهر ما اعوج منه، والعاقول ما التبس من الأمور، وأرض عاقول لا يهتدى إليها، والعقل ضرب من الوشي الأحمر. وقيل: هو ثوب أحمر يجلل به الهودج، وعقله يعقله عقلا، واعتقله صرعه وعقل إليه يعقل عقلا وعقولا لجأ، والعقل الحصن وجمعه عقول وهو المعقول، وفلان معقل لقومه أي ملجأ على هذا المثل، هذا آخر كلام صاحب المحكم.
قولهم: التمر المعقلي هو بفتح الميم وإسكان العين هو نوع معروف. قيل: منسوب إلى معقل بن يسار الصحابي رضي الله تعالى عنه. قال ابن ماكولا في الأنساب: وإليه أيضا ينسب نهر معقل بالبصرة. وفي الحديث: “لو منعوني عقالا لقاتلتهم” قيل: هو العقال الذي هو الحبل. وقيل: هو صدقة عام، والخلاف فيه مشهور للمتقدمين والمتأخرين من الفقهاء، وأهل الحديث واللغة وكلاهما يسمى عقالا في اللغة.
عكب: العنكبوت معروفة، وهي هذه الناسجة، قال الجوهري: الغالب عليها التأنيث، قال: وجمعها عناكب والعنكبات العنكبوت أيضًا. وقال أبو حاتم السجستاني: العنكبوت مؤنثة، وجمعها عنكبوتات وعناكيب وعناكب، وربما ذكر العنكبوت في الشعر. قال الواحدي: قال الليث: العنكبوت دويبة تنسج نسجًا رفيعًا مهلهلا بين الهواء والأرض وعلى رأس التين. قال: وتجمع العناكب والعناكيب والعنكبوتات وتصغر عنيكبًا وعنيكيبًا، وأهل اليمن تقول: العنكبوه بالهاء. وحكي عن الفراء أيضًا أنها مؤنثة وقد يذكرها بعض العرب.
عكف: قال الله تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (البقرة: من الآية187) يقال: عكف يعكف ويعكف إذا أقام قوله تعالى: {والهدى} .
معكوفا: قال الإمام أبو منصور الأزهري في التهذيب: قال المفسرون وغيرهم من أهل اللغة:(4/35)
عاكفون مقيمون في المساجد، يقال: عكف يعكف ويعكف إذا أقام، قوله تعالى: {والهدى معكوفا} فإن مجاهدًا وعطاء قالا محبوسًا. وكذلك قال الفراء: يقال عكفته أعكفه عكفا إذا حبسته. قال الأزهري: ويقال عكفته عكفا فعكف يعكف عكوفا، وهو لازم وواقع يعني: متعديا، كما يقال رجعته فرجع، إلا أن مصدر اللازم العكوف، ومصدر الواقع العكف. وقال الليث: يقال عكف يعكف ويعكف عكفًا وعكوفا، وهو إقبالك على الشيء لا ترفع عنه وجهك.
عكن: في الحديث: “أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التحف بملحفة ورسية” قال الراوي: فكأني أنظر إلى أثر الورس في عكنة مذكور في باب صفة الوضوء من المهذب. قوله: عكنه هو بضم العين وفتح الكاف، جمع عكنة بضم العين وإسكان الكاف. قال الأزهري: قال الليث وغيره: العكن الانطواء في بطن الجارية من السمن واحدة العكن عكنة، ولو قيل جارية عكناء لجاز، ولكنهم يقولون معكنة، ويقال تعكن الشيء تعكنًا إذا ركم بعضه على بعض وانثنى.
علس: العلس المذكور في زكاة النبات هو بفتح العين واللام المخففة، وهو صنف من الحنطة يكون حبتان منه في نبت. روى الإمام أبو منصور الأزهري في كتابه تهذيب اللغة عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أنه قال: العلس ضرب من القمح يكون في الكمام منه حبتان، وهو في ناحية اليمن ولم يذكر غير هذا، وكذا قال الجوهري وهو طعام أهل صنعاء وصنعاء قاعدة اليمن. وأما قول الغزالي في الوسيط: أنه حنطة توجد بالشام فأنكر عليه فإنه لا يعرف ذلك في الشام، ولا قيل أنه كان فيه، وذكر بعض فضلاء المصنفين في ألفاظ المهذب: أنه حنطة صلبة سمراء عسرة الاستنقاء جدًا، لا تنقى إلا بالمهارس، وهي طيبة الخبز سنبلها لطاف قليلة الريع.
علق: قولهم في نجاسة العلقة وجهان: هي العلقة التي هي أصل الإنسان يعني: لو ألقت المرأة العلقة ففي نجاستها وجهان، قال الله تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} (المؤمنون: من الآية14) قال الأزهري: العلقة الدم الجامد الغليظ، ومنه قيل: لهذه الدابة التي تكون في الماء علقة لأنها حمراء كالدم، وكل دم غليظ علق. قال: أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي في تفسيره سورة اقرأ العلق جمع علقة، والعلق قطعة من دم رطب سميت(4/36)
بذلك؛ لأنها تعلق لرطوبتها بما تمر عليه، فإذا جفت لم تكن علقة. وقال صاحب المحكم: العلق الدم ما كان. قال: وقيل هو الجامد قبل أن ييبس. وقيل: هو ما اشتدت حمرته والقطعة منه علقة.
قوله في الوسيط: لو حمل علاق المصحف هو بكسر العين. قال الأزهري: العلاقة بالكسر علاقة السيف والسوط يعني: وشبههما، وكذا قاله صاحب المحكم وجماعات قوله في كتاب البيع من الوسيط: إذا انضم إلى البيع معه علقة هي بضم العين وإسكان اللام يعني بقية ودعوى. قال الأزهري: عندهم علقة من طعامهم أي بقية. قال: وقال ابن شميل: يقال لفلان في هذه الدار علاقة أي: بقية نصيب وفي الدعوى له علاقة. قال الأزهري: الإعلاق معالجة عذرة الصبي ودفعها بالأصبع، يقال: أعلقت عنه أمه عذرة إذا فعلت ذلك به، وغمزت ذلك الموضع بأصبعها ودفعته. والعلق: الدواهي وهي أيضا المنايا والاشغال، وعلق العلق بحنك الدابة تعلق علقًا، إذا عض على موضع العذرة من حلقه فشرب الدم، والمعلوق من الناس والدواب الذي أخذ العلق بحلقه عند الشرب، ويقال: علق فلان فلانة وعلقها تعليقا، وهو معلق القلب بها إذا أحبها.
والعلاقة: بفتح العين الهوى اللازم للقلب، والعلاقة بكسر العين علاقة السيف والسوط، وعلق يفعل كذا كطفق، وفي الحديث: “أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تعلق من ثمار الجنة”. قال الأزهري: معناه تتناول بأفواهها، يقال: علقت تعلق علوقا، والمعلق قدح يعلقه الراكب معه، وجمعه معاليق، والعلقة من الطعام والمركب ما يتبلغ به وإن لم يكن تامًا، وعندهم علقة من متاعهم أي: بقية، وما في الأرض علاق أي: ما يتبلغ به، وامرأة معلقة إذا لم ينفق عليها زوجها ولم يخل سبيلها، فهي لا أيم ولا ذات بعل، والعلق: الشيء النفيس وهو علق مضغة أي: مص به وجمعه أعلاق، وما عليه علقة إذا لم يكن عليه ثياب لها قيمة، والعلق في الثوب ما علق به، وفلان معلاق وذو معلاق أي: شديد الخصومة، ومعلاق الرجل لسانه إذا كان جدلا، والمعلاق والمعلوق بكسر الميم في الأول وضمها في الثاني، ما تعلق عليه الشيئ، وتعليق الباب نصبه وتركيبه، والعليق القصيم يعلق على الدابة، ويقال للشارب عليق، والعليق نبات معروف يتعلق بالشجر ويلتوي عليه، هذا آخر كلام الأزهري.
وقال صاحب المحكم:(4/37)
علق بالشيء علقًا وعلقة نشب فيه، وهو عالق به أي: نشيب فيه، وأعلق فاحتككت علق الصيد بحبالته، وعلق الشيء علقًا وعلق به لزمه، وعلقت نفسه الشيء فهي علقة وعلاقية وعلقنة لهجت به، والعلاقة الحب اللازم للقلب، وقد علقها علقا وعلاقة وعلق بها وتعلقها وتعلق بها وعلقها وعلق بها.
قال اللحياني: العلق الهوى يكون للرجل في المرأة وإنه لذو علق في فلانة كذا عداه بفي. قال اللحياني عن الكسائى: لها في قلبي علق حب وعلاقة حب، قال: ولم يعرف الأصمعي علق حب ولا علاقة حب، إنما عرف علاقة حب بالفتح وعلق حب، قال: بفتح العين واللام، وعلق الشيء بالشيء ومنه وعليه تعليقًا ناطه، والعلاقة ما علقته به، وتعلق الشيء ما علقه من نفسه، وعلاقة السوط هي ما في مقبضه من السير، وكذلك علاقة القدح والمصحف وما أشبه ذلك، وأعلق السوط والمصحف والقدح جعل لها علاقة، وعلقه على الوتد، وعلق الشيء خلفه كما تعلق الحقيبة وغيرها من وراء الرجل، وتعلق به وتعلقه على حذف الوسيط سواء، وعلق الثوب من الشجر علقا، وعلوقا بقي متعلقا به، والعلق الجذبة في الثوب وغيره، وهو منه، والعلق كل ما علق.
قال اللحياني: وهو العلوق، والمعالق بغير ياء، والمعلاق والمعلوق ما علق به من عنب ونحوه، لا نظير له إلا مغرود لضرب من الكمأة، ومغفور ومغثور ومغبور لغة في مغثور ومزمور، ومعاليق العقد السيوف، ويجعل فيها من كل ما يحس فيه، والأعاليق كالمعاليق كلاهما ما علق، ولا واحد للأعاليق، وكل شيء علق فيه شيء فهو معلاقه، والمعلقة بعض أداة الراعي، وعلق به علقا وعلوقا تعلق، والعلوق ما تعلق بالإنسان، والعلوق المسة، ويقال ما بينهما علاقة يعني بفتح العين أي: شيء يتعلق به أحدهما على الآخر، ولي في الأمر علوق ومتعلق أي: مفترض، والعليق القضيم يعلق على الدابة، وعلقها على الدابة وعلقها علق عليها، وعلق به علقا خاصمه، والعلاقة الخصومة، يقال: لفلان في أرض بني فلان علاقة أي: خصومة، والعلاقى مقصور الألقاب، واحدتها علاقية، وهي أيضا العلائق واحدتها علاقة لأنها تعلق على الناس، والعلق دود أسود في الماء المعروف الواحدة علقة، وعلق الدابة علقا تعلقت به العلقة، وعلقت به علقا لزمته، والمعلوق الذي أخذ العلق بحلقه عند الشرب، والعلوق التي لا تحب زوجها، ومن النوق التي لا تألف الفحل ولا ترأم الولد، وكلاهما على الفال.
وقيل: هي التي ترأم بأنفها ولا تدر، وقيل: هي التي عطفت على ولد غيرها، ولم تدر(4/38)
عليه، والعلق المال الكريم، يقال علق خير، وقد قالوا: علق شر والجمع أعلاق، والعلق الخمر لنفاستها. وقيل: هي القديمة، والعلقة الثوب النفيس يكون للرجل، والعلقة قميص بلا كمين. وقيل: ثوب صغير للصبي. وقيل: أول ثوب يلبسه المولود.
وقال اللحياني: العلق الثوب الكريم أوالترس أو السيف، وكذا الشيء الواحد الكريم الروحانيين، ويقال له العلوق، وعلق علاقا وعلوقا أكل، وأكثر ما يستعمل في الجحد، يقال: ما ذقت علاقا ولا علوقا. وفي الحديث: “أروح الشهداء تعلق من ثمار الجنة” بضم اللام تصيب، ورواه الفراء تعلق بفتح اللام، والعلقى شجر تدوم خضرته في القيظ، ولها أفنان طوال رقاق وورق لطاف، فبعضهم يجعل ألفها للتأنيث وبعضهم يجعلها للالحاق، والعلائق الصنائع، هذا آخر كلام صاحب المحكم.
وقال الأزهري في باب علق: قال ابن الأعرابي: يقال علق مصة وعلق مطة بمعنى واحد سمي علقا؛ لأنه علق به بحبه إياه يقال ذلك لكل ما أحبه. قوله في المهذب في باب الربا في حديث فضالة بن عبيد رضي الله تعالى عنه: “أتى بقلادة معلقة بذهب” هكذا هو بالعين المهملة والقاف فهكذا هو في روايات الحديث، وعند الفقهاء المحققين، وكذا ضبطه ابن البرزي وغيره من المتكلمين على ألفاظ المهذب. وحكى ابن معن أنه روى أيضا بغين معجمة وفاء، وهذا الذي حكاه، وإن كان صحيح المعنى فهو غير معروف في الروايات.
علل: قال الإمام أبو منصور الأزهري: عل ولعل حرفان وضعا للترجي في قول النحويين. وقال يونس في قول الله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} (الكهف: من الآية6) و {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ} (هود: من الآية12) قال: معناه كأنك فاعل ذلك إن لم يؤمنوا، قال: ولعل لها مواضع في كلام العرب من ذلك قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الأنعام: من الآية152) و {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: من الآية21) و {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} (طه: من الآية44) قال: معناها كي كقولك ابعث إلي بدابتك لعلي أركبها بمعنى كي، قال: وتقول: انطلق بنا لعلنا نتحدث أي: كي نتحدث.
وقال ابن الأنبارى: لعل تكون ترجيًا، وتكون بمعنى كي، وتكون ظنا كقولك لعلي أحج العام، معناه أظنني سأحج، وتكون بمعنى عسى، تقول: لعل عبد الله أن يقوم معناه عسى، وتكون بمعنى الاستفهام كقولك لعلك تشتمني، فإنما قيل معناه هل تشتمني. وقال ابن السكيت: في لعل لغات تقول بعض العرب: لعلني، وبعضهم لعني، وبعضهم علني، وبعضهم لأني ولأنني، وبعضهم لو أنني، هذا ما(4/39)
ذكره الأزهري في باب العين واللام، وذكر في باب العين والنون.
قال الفراء: لأنك، وأنك، ولعنك بمعنى لعلك. قال الأزهري: وقال ابن الأعرابي: لعنك لبني تميم. قال: وبنو تيم الله بن ثعلبة يقولون: ورعنك، يقولون ذلك يريدون لعلك. وقال اللحياني: ومن العرب من يقول وعنك ولغنك بالغين بمعنى لعلك. قوله: بالغين يعني المعجمة، هذا آخر كلام الأزهري.
قال الإمام أبو إسحاق الثعلبي المفسر في تفسيره المشهور عند ذكر تفسير قول الله تعالى: {وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (البقرة: من الآية150) في لعل ست لغات: لعل، وعل، ولعن، وعن، ورعن، ولعا. ولها ستة أوجه: هي من الله تعالى واجبة، ومن الناس على معان تكون بمعنى الاستفهام: كقول القائل لعلك فعلت ذلك مستفهما. وتكون بمعنى الظن: يقول قام فلان، فيقال لعل ذلك بمعنى أظن وأرى ذلك. وتكون بمعنى الإيجاب: بمعنى ما أخلقه كقولك وقد وجبت الصلاة، فيقال لعل ذلك أي: ما أخلقه، وتكون بمعنى الترجي والتمني: كقولك لعل الله تعالى أن يرزقني مالا. وتكون بمعنى عسى: يكون ما يراد كقوله تعالى: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ} (غافر: من الآية36) . وتكون بمعنى كي: على الجزاء كقوله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} (الأنعام: من الآية65) أي: لكي يفقهون، هذا آخر ما ذكره الثعلبي.
قال صاحب المحكم: العلة الحدث يشغل صاحبه عن وجهه، وقد اعتل الرجل وهذا علة لهذا أي سبب، والعلة المرض يقال منه: عل يعل واعتل وأعله الله تعالى، ورجل عليل، وحروف العلة والاعتلال الألف والياء والواو سميت بذلك للينها وثبوتها. واستعمل أبو إسحاق لفظة المعلول في المتقارب من العروض، واستعمله في المضارع، وأرى هذا إنما هو على طرح الزائد كأنه جاء على عل وإن لم يلفظ به، وإلا فلا وجه له، والمتكلمون يستعملون لفظ المعلول في هذا كثيرًا وبالجملة، فلست منها على ثقة ولا ثلج؛ لأن المعروف إنما هو أعله الله تعالى فهو معل، اللهم إلا أن يكون على ما ذهب إليه سيبويه، من قولهم مجنون ومسلول من أنه جاء على جننته وسللته، وإن لم يستعملا في الكلام استغناء عنهما بأفعلت، قال: وإذا قالوا: جن وسل فإنما يقولون جعل فيه الجنون والسل، كما قالوا: حرف وصل، هذا آخر كلام صاحب المحكم.
وقال الإمام الواحدي في قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:21) قال ابن الأنبارى: لعل تكون ترجيًا، وتكون بمعنى كي وتكون ظنا. وقال يونس وقطرب:(4/40)
لعل تأتي في كلام العرب بمعنى كي. وقال سيبويه: لعل كلمة ترجية وتطميع للمخاطين أي: كونوا على رجاء وطمع أن تتقوا بعبادتكم عقوبة الله تعالى أن تحل بكم، كما قال في قصة فرعون: {لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه: من الآية44) كأنه قال: اذهبا أنتما على رجائكما وطمعكما والله تعالى من وراء ذلك، وعالم بما يؤول إليه أمره - والله تعالى أعلم - هذا آخر كلام الواحدي هنا.
وكذلك قال أبو إسحاق الزجاج في كتابه معاني القرآن العزيز في هذه الآية: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: من الآية21) قال: فيها قولان، أحدهما: معناه عند أهل اللغة كي تتقوا. قال: والذي ذهب إليه سيبويه في مثل هذا: أنه فرح لهم، كما قال الله عز وجل في قصة فرعون: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه: من الآية44) أي: كأنه قال اذهبا أنتما على رجائكما والله تعالى من وراء ذلك، وكذا قال الزجاج والواحدي في قول الله تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عمران: من الآية103) قالا: معناه لتكونوا على رجاء هدايته، وقد كرر الواحدي هذا القول في مواضع كثيرة.
وقال صاحب المحكم: لعل ولعل يعني: بفتح اللام الثانية وكسرها طمع وإشفاق كعل. قال: وقال بعض النحويين: اللام الأولى زائدة مؤكدة، وإنما هو عل. وأما سيبويه فجعلها حرفا واحدًا غير مزيد. وحكى أبو زيد: أن لغة عقيل لعل زيد منطلق بكسر اللام الأخيرة من لعل وجر زيد، قال كعب بن سعد الغنوي:
لعل أبي متوقد منك قريب
فقلت أدعوا أخرى وأرفع الصوت ثانيا
وقال أبو الحسن الأخفش: قال أبو عبيدة: أنه سمع لام لعل مفتوحة في لغة من جر بها، في قول الشاعر:
جهارا من زهير أو أسيد
لعل الله يمكنني عليها
قال الأزهري: قال أبو زيد في نوادرة: يقال: هما أخوان من علة وهما ابنا علة إذا كانت أماهما شتى والأب واحد، وهم بنو العلات، وهم أخوة من علة وعلات، كل هذا من كلامهم، ونحن إخوان من علة، وهو أخي من علة، وهما أخوان من ضرتين، ولم يقولوا من ضرة وهم أولاد العلات. قال الأصمعي: تعللت بالمرأة لهوت بها. وقال صاحب المحكم: تعلل بالأمر واعتل به تشاغل، وعلله بطعام، وحديث ونحوهما شغله، وتعلت المرأة من نفاسها، وتعللت خرجت منه وطهرت، وبنو العلة من العالمين وجمعها علائل.
علو: وأما قولهم في بابي السجود(4/41)
والتلاوة: إذا فعل كذا فعليه سجود السهو، وسجود التلاوة على المستمع كهو على القارىء، وأشباه ذلك مع أن سجود السهو وسجود التلاوة سنتان عندنا بلا خلاف. فقال الرافعي: لفظة على هنا ليست للإيجاب بل المراد تأكيد الاستحباب، قال: وكثيرا ما يتكرر هذا في كلام الأصحاب في هاتين السجدتين، ومرادهم ما ذكرنا، قال: وقد يستعملون لفظ الوجوب واللزوم في ذلك والمراد تأكيد الاستحباب. قلت: ومن هذا المعنى قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “غسل الجمعة واجب على كل محتلم وإذا عطس فحمد الله تعالى فحق على من سمعه أن يسمته”.
عمد: في الحديث: “لا يعمد إلى أسد من أسد الله تعالى ثم يعطيك سلبه” ذكره في الإيمان من المهذب معنى يعمد يقصد هو بكسر الميم، والعمدة ما يعتمد عليه، والعمود معروف، وجمعه عمد وعمد بضم العين والميم وفتحهما. والعمد ضد الخطأ، وعمد الخطأ في الجنايات معروف. قال الواحدي: قال الفراء: العمد والعمد جمع العمود كأدم وأدم، والعماد والعمود ما يعمد الشيء به. يقال: عمدت الحائط أعمده بضم الميم إذا دعمته، فاعتمد الحائط على العماد أي امتسك به، وفلان عمدة قومه أي: يعتمدونه فيما ينوبهم.
عمر: قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (البقرة: من الآية196) قال الأزهري: العمرة مأخوذ من الاعتمار وهو الزيارة، يقال: أتانا فلان معتمرا أي: زائرًا. قال: ويقال الاعتمار القصد، قال: وقيل: إنما قيل الفاء لأنه قصد لعمل في موضع عامر.
وقال الجوهري: العمرة في الحج أصلها من الزيارة، والجمع العمر، والعمرى بضم العين نوع من الهبة، ولها ثلاث صور مشهورة في هذه الكتب وغيرها، وهي مشتقة من العمر، وقد سبق في باب الراء أن الرقبى والعمرى ينفذ من هبات الجاهلية. قال الجوهري: عمرويه شيئان جعلا واحدًا وكذلك سيبويه، وبني على الكسر لأن آخره أعجمي مضارع للأصوات فشبه بغاق، فإن نكرته نونت، فقلت: مررت بعمرويه، وعمرويه آخر.
ذكر المبرد في تثنيته: وجمعه العمرويهان والعمرويهون. وذكر غيره: أن من قال: هذا عمرويه وسيبويه، ورأيت عمرويه وسيبويه، فأعربه وثناه وجمعه، ولم يشرطه المبرد، وعمرو: اسم رجل يكتب بالواو فرقا بينه وبين عمر، ويسقطها النصب لأن الألف تلحقها، ويجمع على عمور، قاله(4/42)
الجوهري.
وقال الأزهري في آخر تهذيب اللغة في آخر باب الواوات: زيدت الواو في عمرو دون عمر؛ لأن عمر أثفل من عمرو، وهكذا ذكر هذا الفرق أبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب. قال الجوهري: عمرت الخراب أعمره عمارة فهو عامر أي: معمور مثل دافق أي: مدفوق، ومكان عمير أي: عامر.
قوله في المهذب في استقبال القبلة: إذا ركب في عمارته وفي الحج لا يلزمه حتى يجد عمارته هي بفتح العين. قال ابن البرزي ثم ابن باطيش في شرحهما ألفاظ المهذب: هي بفتح العين وتشديد الميم والتاء وفتحها، وذكرها غيرهما بتخفيف الميم، وهي مركب صغير على هيئة مهد الصبي أو قريبة من صورته، ولعلها مأخوذة من العمارة بفتح العين وتخفيف الميم، وهي كل شيء جعلته على رأسك من عمامة أو قلنسوة أو تاج، ذلك ذكره الأزهري والجوهري عن أبي عبيدة، لكن الجوهري: ذكر عمارة بالهاء في آخره، وهي عامرة وعمر فلان المكان سكنه وعمره جعله عامرا بفتح الميم فيهما، وعمر الرجل طال عمره بفتح العين وكسر الميم، وعمر بالكسر أيضًا بالمكان أقام فيه، وعمرت الدار ضد خربت بضم الميم عن قطرب وبفتحها عن غيره، ويقال: طال عمره وعمره وعمره بضم العين والميم وبضم العين وإسكان الميم وبفتح العين وإسكان الميم، والتزموا في القسم لعمرك وعمرك بفتح العين. قال الزجاج وغيره: لأن الفتح أخف سمرات لكثرة القسم. قال المفسرون في قول الله تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} (الحجر:72) معناه وحياتك. قال: وهو خطاب للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال الزجاج: وهذه آية عظيمة في تفضيل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقيل معناه: وعيشك. وقيل: ومدة بقائك حيا.
قال الأزهري: والعمران أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فغلب عمر لأنه أخف الأسمين. وقيل: شبه العمرين قبل خلافة عمر بن عبد العزيز يعني: ما جاء في الحديث أنهم قالوا لعثمان رضي الله تعالى عنه: يوم الدار تسلك سيرة العمرين. قال الأزهري: قال أبو عبيدة: فإن قيل كيف بدأ بعمر قبل أبي بكر وهو قبله وهو أفضل منه، فإن العرب تفعل هذا يبدأون بالأخس يقولون ربيعة ومضر وسليم وعامر ولم يترك قليلا ولا كثيرًا. وعن قتادة: أنه قال أعتق العمران فيمن بينهما من الخلفاء العالمين الأولاد، ففي قول قتادة(4/43)
العمران عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنهما يعني؛ لأنه لم يكن بين أبي بكر وعمر خليفة.
عمق: العمق بفتح العين وضمها قعر البئر ونحوها، وكذلك الوادي وشبهه.
عمم: قال الأزهري: العم أخو الأب. قال أبو عبيد: قال أبو زيد: يقال تعممت الرجل إذا دعوته عما ومثله تخولت خالا. قال الأزهري: ويجمع العم أعمامًا وعمومة. قال ابن السكيت: يقال هما ابنا عم ولا يقال هما ابنا خال، ويقال هما ابنا خالة ولا يقال عما ابنا عمة. قال الأزهري: والعمامة من لباس الناس معروفة، والجمع العمائم، وقد تعممها الرجل واعتم بها، وإنه لحسن العمة، والعرب تقول للرجل إذا سود قد عمم، وذلك أن العمائم تيجان العرب، وكانوا إذا سودوا رجلا عمموه عمامة حمراء، وكانت الفرس تتوج ملوكها، فيقال له متوج، وتقول العرب رجل معم مخول إذا كان كريم الأعمام والأخوال. وقال الليث: ويقال فيه معم مخول أيضًا.
قال الأزهري: ولم أسمعه لغيره، ولكن يقال رجل معم ملم إذا كان يعم الناس ببره وفضله، ويلمهم أي يصلح أمرهم ويجمعهم، والمعمم السيد الذي يقلده القوم أمورهم، ويلجأ إليه العوام، هذا آخر كلام الأزهري. وكذا في أصله معم ملم بكسر الميم فيهما. وقال صاحب المحكم: بضمهما وهو أظهر. وقال الجوهري: المعم المخول الكثير الأعمام والأخوال الكريمهم وقد يكسران. قولهم السفر عذر عام، والمرض عذر عام، ونحو ذلك معناه أنه كثير ليس بنادر كالاستحاضة لأنه هو الأغلب الأكثر.
قوله في المهذب في باب التيمم: وإن سفت عليه الريح ترابا عمه، هكذا ضبطناه على شيوخنا عمه بالعين المهملة وكذا عرفناه أى: استوعب جميع العضو. ورأيت فى ألفاظ المهذب لابن البرزى ثم لابن باطيش الإمامين، قالا: قوله غمه هو بغين معجمة أي: غطاه. قلت: وهذا صحيح أيضًا، فقد قال أهل اللغة: غممت الشيء غطيته، والله تعالى أعلم.
وقال صاحب المحكم: العم أخو الأب، والجمع أعمام وعموم وعمومة. قال سيبويه: أدخلوا فيها الهاء لتخفيف التأنيث، ونظيره البعولة والفحولة. وحكى ابن الأعرابي في أدنى العدد أعم وأعمومون بإظهار التضعيف جمع الجمع، وكان الحكم أعمون لكن هذا حكاه. والأنثى عمة والمصدر العمومة، وما كنت عمًا، ولقد عممت، ورجل معم، ومعم كثر الأعمام، واستعم الرجل اتخذه عمًا،(4/44)
وتعممه إذا دعاه عمًا، وتعممته النساء دعونه عمًا كما تقول تأخاه وتأباه وتبناه، وهما ابنا عم تفرد العم، ولا تثنيه لأنك إنما تريد أن كل واحد منهما مضاف إلى هذه الكنية، هذا قول سيبويه.
والعمامة معروفة، وربما كنى بها عن البيضة والمغفر، والجمع عمائم، وعمام الأخيرة عن اللحياني. قال اللحياني: والعرب تقول لما وضعوا عمائمهم عرفناهم فإما أن يكون جمع عمامة جمع تكسير، وإما أن يكون من باب طلحة وطلح، وعمهم الأمر يعمهم شملهم، والعامة خلاف الخاصة. قال ثعلب: سميت بذلك لأنها تعم بالشر، والأعم الجماعة عن أبي زيد قال: وليس في الكلام أفعل يدل على غير هذا إلا أن يكون اسم جنس كالاروي، والأمر الذي هو الأمعاء، هذا آخر كلام صاحب المحكم، وهذا الذي حكاه عن ثعلب في سبب تسمية العامة محتمل لكن الأظهر - والله تعالى أعلم - أنهم سموا بذلك لعمومهم وكثرتهم بالنسبة إلى الخاصة.
قال ابن فارس في المجمل والجوهري: المعمم الكثير الأعمام الكريمهم والعمية الكبر. قال الجوهري: ويقال يا بن عمي ويا بن عم ويا بن عم ثلاث لغات: قال: والنسبة إلى عم عموي كأنه منسوب إلى عمي، قاله الأخفش.
عنز: في حديث أبي جحيفة رضي الله تعالى عنه: “أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج في حلة حمراء فركز غنزة فجعل يصلي إليها بالبطحاء” هذا حديث متفق على صحته العنزة بعين مهملة ثم نون ثم زاي مفتوحات ثم هاء. قال أبو عبيدة وغيره: هي مثل نصف الرمح وأطول فيها سنان مثل سنان الرمح. قال بعضهم: لكن سنانها في أسفلها، بخلاف الرمح فإن سنانه في أعلاه.
عنف: العنف بضم العين وإسكان النون ضد الرفق، وهذا الذي ذكرته من ضمه هو المعروف في كتب اللغة، وممن نص على ضمه ابن الأثير في نهاية الغريب. قال الجوهري: العنف ضد الرفق، تقول منه عنُف عليه بضم النون وعنف به أيضًا، والعنيف الذي ليس له رفق بركوب الخيل، والجمع عنف، والتعنيف التعيير، واللوم وعنفوان الشيء أوله بضم العين والفاء.
عنق: قال صاحب المحكم: العنق، والعنق وصلة ما بين الرأس والجسد، يذكر ويؤنث، والتذكير أغلب. وقيل: من ثقل أنث ومن خفف ذكر. قال سيبويه: عنق مخفف من عنق، وجمعها أعناق، لم(4/45)
يجاوزوا هذا البناء، والعنق طول العنق وغلظه، يقال عنق عقنًا فهو أعنق، والأنثى عنقاء، ورجل معنق، وامرأة معنقة طويلا العنق، وهضبة عنقاء، ومعنقة طويلة، وعانقه معانقة وعناقا التزمه فأدنى عنقه من عنقه.
وقيل: المعانقة في المودة والاعتناق في الحرب، والعنيق المعانق، وكلب أعنق في عنقه بياض، والمعنقة قلادة توضع في عنق الكلب، وأعنقه قلده إياها، واعتنقت الدابة في الرحل فأخرجت عنقها، وعنق الشتاءء الصيف والسنة وكل شيء أوله، والجمع أعناق، وعنق الجبل ما أشرف منه والجمع كالجمع، والأعناق الرؤساء، والعنق الجماعة من الناس تذكر، والجمع كالجمع، وجاء القوم عنقًا عنقًا أي طوائف، وله عنق في الخير أي: سابقة، والعنق بفتحتين من السير هو المنبسط، وسير عنق وعنيق، وأعنقت الدابة وهي معنق ومعناق وعنيق، والعناق الحرة، والعناق الأنثى من المعز، والجمع أعنق وعنق وعنوق.
قال سيبويه رحمه الله تعالى: أما تكسيرهم إياه على أفعل إذا كانا يعنقان على باب فعل، وشاة معناق تلد العنوق، وعناق الأرض دويبة أصغر من الظهر يصيد كل شيء حتى الطير، والعناق الداهية والخيبة، والعناق النجم الأوسط من بنات نعش الكبرى، والعنقاء الداهية، والعنقاء طائر ضخم ليس بالعقاب. وقيل: العنقاء المغرب كلمة لا أصل لها، ويقال إنها طائر عظيم لا يرى إلا في الدهور، ثم كثر ذلك حتى سموا الداهية عنقاء مغربا ومغربة. وقيل: سميت عنقاء لأنه كان في عنقها بيضا كالطوق. وقال كراع: العنقاء فيما يزعمون طائر يكون عند مغرب الشمس، هذا آخر كلام صاحب المحكم.
وقال الأزهري في قوله عز وجل: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} (الشعراء: من الآية4) قال أكثر المفسرين: الأعناق هنا الجماعات، وقيل الرقاب، والعنق مؤنثة وقد ذكره بعضهم، والعنق: القطعة من المال والقطعة من العمل خيرا كان أو شرا. وفي الحديث: “المؤذنون أطول أعناقا يوم القيامة” قال ابن الأعرابي: معناه أكثر الناس أعمالا. وقال غيره: هو من طول العنق لأن الناس يومئذ في الكرب وهم في الروح والنشاط مشرئبون لأن يؤذن لهم في دخول الجنة، والعنقة القلادة، والمعنقة بضم الميم والتشديد دويبة، وكان ذلك على عنق الدهر أي: قديمة، والعناق الأنثى من أولاد العز إذا أتت عليها سنة، وجمعها عنق، وهذا جمع نادر، ويقولون في العدد الأقل ثلاث أعنق، وانطلقوا معنقين أي(4/46)
مسرعين، وأعنقت إليه أعنق أعناقا، ورجل معنق، وقوم معنقون ومعانيق، وأعنقت الثريا غابت، وأعنقت النجوم تقدمت للمغيب، والمعنق السابق هذا آخر كلام الأزهري. وفي العناق من أولاد المعز كلام سبق في فصل الجفرة.
عن: قال الإمام أبو منصور الأزهري في فصل عنن: قال النحويون: عن ساكنة النون حرف وضع لمعنى ما عداك وتراخى عنك، يقال: انصرف عني وتنح عني. قال أبو زيد: العرب تزيد عنك يقال خذ ذا عنك المعنى خذ ذا وعنك زائدة. قال: وقال الفراء: لغة قريش ومن جاورهم أن وتميم وقيس وأسد ومن جاورهم يجعلون ألف أن إذا كانت مفتوحة عينًا، يقولون: أشهد عنك رسول الله فإذا كسروا رجعوا إلى الألف. قال: والعرب تقول لأنك وتقول لعنك بمعنى لعلك. وقال صاحب المحكم: عن تكون حرفا واسما بدليل قولهم من عنه. قال أبو أسحاق: يجوز حذف النون من عن يجوز للشاعر، كما يجوز له حذف نون من وكأن حذفه، إنما هو لالتقاء الساكنين إلا أن حذف نون من في الشعر أكثر من حذف نون عن لأن دخول من في الكلام أكثر من دخول عن.
عنن: قولهم شركة العنان هي بكسر العين وتخفيف النون. قال الأزهري: قال الفراء: شاركه شركة عنان أي اشتركا في شيء عن لهما أي: عرض. وقال ابن السكيت: شاركه شركة عنان أي: اشتراكا في شيء خاص كأنه عن لهما أي: عرض فاشترياه واشتركا فيه. قال الأزهري: وقال غيرهما: سميت هذه شركة عنان لمعارضة كل واحد منهما صاحبه بمال مثل مال صاحبه، وعمل فيه مثل عمله بيعًا وشراء، يقال: عانه عنانا ومعانة كما يقال عارضه معارضة وعراضًا. قال: وسمي عنان اللجام عنانا لاعتراض سيرين على صفحتي عنق الدابة من عن يمينه وشماله.
قال الكسائى: أعننت اللجام إذا عملت له عنانا. وقال الأصمعي: أعننت الفرس وعننته بالألف، وغير الألف إذا عملت له عنانا. وقال غيره: جمع العنان أعنة. وقال أبو الهيثم: وسمي عنوان الكتاب عنوانًا لأنه يعن له من ناحيته. قال: وأصله عننان، فلما كثرت النونات قلبت أحداها واوا، ومن قال علوان جعل النون لامًا لأنها أخف وأظهر من النون. قال: وكلما استدللت بشيء تظهره على غيره فهو عنوان له، قال: وعننت الكتاب وأعننته وعنونته وعلونته بمعنى(4/47)
واحد. قال الليث: العلوان لغة في العنوان غير جيدة. قال: وهو فيما ذكر مشتق من المعنى، هذا ما ذكره الأزهري.
وقال صاحب المحكم: جمع العنان أعنة وعنن وعنون. وقولهم في عيوب الزوج العنة بضم العين وتشديد النون والرجل عنين بكسر العين والنون. قال الأزهري: قال أبو الهيثم: سمي العنين عنينًا لأنه يعن ذكره عن قبل المرأة من عن يمينه وشماله فلا يقصده. قال أبو عبيد عن الأموي: امرأة عنينة وهي التي لا تريد الرجال. وقال ابن الأعرابي: العنن جمع العنين وجمع المعنون، يقال عن الرجل وعنن وأعنن فهو عنين معنون معن معنن. قال صاحب المحكم: التعنين الحبس، والعنين الذي لا يأتي النساء بين العنانة والعنينة والعنينية وقد عن عنها، وهو مما تقدم كأنه اعترضه ما يحبسه عن النساء، ويقال عن الشيء يعن ويعن عننًا وعنونًا ظهر أمامك، وعن وعنونا واعتن اعترض، والاسم العنين والعنان، ورجل معن يعترض في كل شيء ويدخل فيما لا يعنيه، والأنثى بالهاء، والمعانة والمعارضة، والعنة الخطيرة من الخشب تجعل للإبل والغنم تحبس فيها وجمعه عنن، والعنان السحاب، وقيل: هي من السحاب التي تمسك الماء واحدتها عنانة، وأعنان السماء نواحيها، وعنانها ما بدا لك منها إذا نظرت إليها، هذا آخر كلام صاحب المحكم.
وقال الأزهري في الحديث: “لو بلغت خطيئته عنان السماء” يريد السحاب. قال: ورواه بعضهم أعنان السماء فإن كان أعنان محفوظًا فهي النواحي، وأعنان كل شيء نواحيه. قال الرافعي: شركة العنان أخذت من عنان الدابة، إما لاستواء الشريكين في ولاية الفسخ والتصرف واستحقاق الربح على قدر رأس المال كاستواء طرفي العنان، وأما لأن كل واحد منهما يمنع الآخر من التصرف مما يشتهى كمنع العنان الدابة، وأما لأن الأخذ بعنان الدابة حبس إحدى يديه على العنان، والأخرى مطلقة يستعملها فيما أراد، كذلك الشريك منع نفسه بالشركة عن التصرف في المشترك كما يشتهي وهو مطلق التصرف في سائر أمواله، وقيل: هي من عن الشيء أي ظهر، إما لأنه ظهر لكل واحد منهما، وإما لأنهما أظهرا وجوه الشركة، ولذلك اتفقوا على صحتها، وقيل: هي من المعانة، وهي المعارضة لأن كل واحد يخرج بماله في معارضة الآخر.
عهد: قال الإمام الأزهري رحمه الله تعالى: قال أبو عبيد: العهد في أشياء(4/48)
مختلفة فمنها الحفاظ ورعاية الحرمة ومنها الوصية كقول سعد حين خاصم عبيد الله بن زمعة في ابن أمته، فقال: ابن اخي عهد إلي فيه أخي أي: أوصى.
ومنه قوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ} (يّس: من الآية60) يعني: الوصية. قال: والعهد الأمان. قال الله تعالى: {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (البقرة: من الآية124) وقال تعالى: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ} (التوبة: من الآية4) قال: ومن العهد أيضًا اليمين يحلفها الرجل يقول على عهد الله تعالى. ومن العهد أن تعهد الرجل على حال أو في مكان فتقول عهدي به في مكان كذا وكذا أو في حال كذا. قال: وأما قول الناس أخذت عليه عهد الله تعالى وميثاقه فإن العهد ههنا اليمين وقد ذكرناه. قال الأزهري: العهد الميثاق ومنه قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} (النحل: من الآية91) .
وقال أبو الهيثم: العهد جمع العهدة وهو الميثاق، واليمين الذي تستوثق بها ممن يعاهدك. قال: وإنما سمي اليهود والنصارى أهل العهد للذمة التي أعطوها والعهدة المشترطة عليهم ولهم. قال: والعهد والعهدة واحد تقول برئت إليك من عهدة هذا العبد أي: مما يدركك فيه من عيب كان معهودًا فيه عندي. قال: ويقال استعهد فلان من فلان أي: كتب إليه عهده. قال: وإنما قيل: ولي العهد لأنه ولي الميثاق الذي يؤخذ على من بايع الخليفة والعهد ما عهدته، يقال عهدي بفلان وهو شاب أي: أدركته فرأيته كذلك وكذلك المعهد. وقال الليث: المعاهدة الاعتهاد والتعاهد والتعهد واحد وهو أخذك العهد بما عهدته. وقال ابن شميل: يقال متى عهدك بفلان أي متى رؤيتك إياه وعهده رؤيته. وقال أبو زيد: تعهدت ضيعتي وكل شيء ولا يقال تعاهدت.
قال الأزهري: وأجازهما الفراء وحكاهما ابن السكيت. قال الليث: والمعهد الموضع الذي كنت عهدته أو عهدت به هوى لك، والجمع المعاهد، ويقال: أنا أعهدك من هذا الأمر أي: أنا كفيلك، وأنا أعهدك من إباقة أي: أبرئك من إباقه، وفي عقله عهدة أي: ضعف، وفي خطه عهدة أي: إذا لم يقم حروفه، ويقال عاهدت الله تعالى أن لا أفعل كذا، هذا آخر كلام الأزهري.
وقال صاحب المحكم: والعهد الحفاظ، ومنه حس العهد والإيمان، والعهد الالتقاء، والعهد المنزل المعهود به الشيء سمي بالمصدر، وتعهد الشيء وتعاهده واعتهده تفقده وأخذت العهد به، وأما ضمان العهدة المعروف(4/49)
فيقال فيه أيضًا ضمان الدرك كما سبق في حرف الدال، وهو أن يشتري الرجل سلعة فيضمن رجل للمشتري ثمنها الذي دفعه إلى البائع إن خرجت مستحقة وتفاصيله معروفة. قال أبو سعيد المتولي في التتمة: سمي به لالتزامه ما في عهدة البائع رده، وقيل هو مأخوذ من قول العرب الأمر عهدة أي: لم يحكم لعدو في عقله عهدة أي: ضعف، وكأنه الضامن ضمن ضعف العقد، والتزم ما يحتاج فيه من غرم.
عهر: في الحديث المشهور: “الولد للفراش وللعاهر الحجر” قال الإمام أبو منصور الأزهري في تهذيب اللغة: العاهر الزاني. قال: وقال أبو عبيد: معنى قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “وللعاهر الحجر” أي: لا حق له في النسب وهذا كقولك له التراب أي لا شيء له. قال: وقال أبو زيد: يقال للمرأة الفاجرة عاهرة ومعاهرة ومسافحة. وروى أبو عمرو عن أحمد بن يحيى والمبرد أنهما قالا: هي العهيرة الفاجرة، قالا والياء فيها زائدة، والأصل فيه عهرة مثل تمرة، هذا آخر ما ذكره الأزهري. وكذا قال الخطابي وغيره من الأئمة: العاهر الزاني.
وفي الحديث الآخر: “أيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر” ذكره في كتاب الكتابة من المهذب، وهو حديث أخرجه الجماعة أو داود والترمذي وغيرهما بأسانيدهم عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال الترمذي: وهو حديث حسن صحيح، رواه ابن ماجه بإسناده عن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال الترمذي: لا يصح عن ابن عمر، والصحيح عن جابر. قلت: وعبد الله بن محمد بن عقيل مختلف في الاحتجاج به، فاحتج به أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وضعفه جماعة كثيرون، والله تعالى أعلم.
وقال صاحب المحكم: عهر إليها يعهر عهرًا وعهورًا وعهارة وعهورة وعاهرها عهارًا أتاها ليلا للفجور، وقيل: هو الفجور أي وقت كان يكون في الأمة والحرة، وامرأة عاهر بغير هاء إلا أن يكون على الفعل ومعاهرة.
عهن: قال الأزهري: العهن الصوف المصبوغ ألوانا وجمعه عهون. وقال الليث: يقال لكل صوف عهن والقطعة عهنة. وقال صاحب المحكم: العهن الصوف المصبوغ ألوانا، وقيل: المصبوغ أي لون كان. وقيل: كل صوف عهن.(4/50)
عوج: قال أهل اللغة: العوج بفتح العين والواو في كل منتصب كالحائط، والعود وشبهه، والعوج بكسر العين ما كان في بساط أو أرض أو دين أو معاش، ويقال فلان في دينه عود بكسر العين. وقال صاحب المطالع: قال أهل اللغة: العوج بفتح العين في كل شخص مرئي، والكسر فيما ليس بمرئي كالرأي والكلام، وانفرد عنهم أبو عمرو الشيباني فقال: هما بالكسر معا ومصدرهما معًا بالفتح، حكاه ثعلب عنه. قلت: وفي الحديث: “إن المراة خلقت من ضلع أعوج فإن استمتعت بها استمتعت وبها عوج” ذكره في الطلاق من المهذب، وهو مخرج في صحيحي البخاري ومسلم. واختلف في ضبط عوج فضبطه كثيرون بفتح العين، وضبطه الحافظ أبو القاسم وآخرون من المحققين بالكسر، وهو الصواب الجاري على ما ذكره أهل اللغة كما ذكرنا.
عوذ: في الوسيط في أول كتاب النكاح: ونكح رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امرأة فعلمها نساؤه أن تقول عند لقائه أعوذ بالله منك، وقلن هذه كلمة تعجبه فقالت ذلك، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “لقد استعذت بمعاذ ألحقي بأهلك” هذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، ولكن ليس فيه قوله: “فعلمها نساؤه أن تقول عند لقائه أعوذ بالله منك” فهذه الزيادة ليس لها أصل صحيح، وهي ضعيفة جدًا من حيث الإسناد ومن حيث المعنى، وقد رواها محمد بن سعد كاتب الواقدي في كتابه الطبقات لكن بإسناد ضعيف، وقد اختلف في اسمها فقيل أسماء بنت النعمان الجونية. وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - “بمعاذ” هو بفتح الميم ومعناه بملجأ ومستجار. قال صاحب المطالع: العوذ والعياذ والمعاذ بمعنى الملجأ واللجأ واللياذ والله تعالى أعلم. ونحوه قال الهروي: وقال يقال هو عوذي أي لجاي. قال: والمعاذ في هذا الحديث الذي يعاذ به، والله تعالى معاذ من عاذ به أي: تمسك وامتنع به.
عور: قوله في المهذب: وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: “يتوضأ أحدكم من الطعام الطيب ولا يتوضأ من الكلمة العوراء” فالعوراء بالمد. قال الهروي: قال ابن الأعرابي: العرب تقول للرديء من كل شيء من الأمور والأخلاق أعور، والأنثى من هذا عوراء، قال ومنه يقال للكلمة القبيحة عوراء، وكذا قال الإمام أبو الحسن عبد الغافر بن في كتابه مجمع الغرائب في حديث عائشة العوراء الكلمة القبيحة الزائغة عن الرشد.(4/51)
عول: العول في الفرائض بفتح العين وإسكان الواو، وهو إذا ضاق المال عن سهام أهل الفروض تعال المسألة أي: ترفع سهامها على كل واحد بقدر فرضه لأن كل واحد يأخذ فرضه بتمامه إذا انفرد، فإذا ضاق المال وجب أن يقتسموا على قدر الحقوق كأصحاب الديون والوصايا.
واتفقت الصحابة رضي الله تعالى عنهم على العول في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حين ماتت امرأة في خلافته وتركت زوجا وأختين، وكانت أول فريضة أعيلت في الإسلام، فجمع الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقال لهم: فرض الله تعالى للزوج النصف وللأختين الثلثين، فإن بدأت بالزوج لم يبق للأختين حقهما، وإن بدأت بالأختين لم يبق للزوج حقه، فأشيروا عليّ فأشار عليه العباس رضي الله تعالى عنه بالعول، وقال: أرأيت لو مات رجل وترك ستة دراهم لرجل عليه ثلاثة ولآخر أربعة أليس يجعل المال سبعة أجزاء، فأخذت الصحابة رضي الله تعالى عنهم بقوله، ثم أظهر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيه الخلاف بعد ذلك وأنكر العول. وقال: إن الذي أحصى رمل عالج عددًا لم يجعل في المال نصفًا ونصفا وثلثا، هكذا رويناه في سنن البيهقي، وكذا ذكره إمام الفرائض وغيرها أبو الحسن محمد بن يحيى بن سراقة، وعلى هذا فالمسألة التي وقعت في حال مخالفة ابن عباس كانت زوجًا وأختا وأمًا وهي المقصودة بهذا الشعر، وليس مراده التي حدثت في زمن عمر رضي الله تعالى عنه، وأما قول الغزالي: أنه قال لم يجعل في المال نصفًا وثلثين فليس بمعروف ولا منقول، ولم يأخذ بقول ابن عباس في نفي العول إلا طائفة يسيرة، حكاه ابن سراقة عن أهل الظاهر ثم أجمعت الأمة على إثبات العول، وأهل الظاهر لا يعتد بخلافهم، وابن عباس محجوج بإجماع الصحابة تفريعًا على المختار أنه لا يشترط في الإجماع انقراض العصر، ثم على مذهب ابن عباس يقدم الأقوى من ذوي الفروض، ويدخل النقص على غيره وبيانه أن كل من لا ينقص فرضه إلا إلى فرض كالزوج والزوجة والأم والجدة وولد الأم، فهو مقدم على من يسقط فرضه في حال التعصيب، وهي البنات وبنات الابن والأخوات للأبوين أو للأب، والله تعالى أعلم.
وأما قول الغزالي في الوسيط والوجيز: والعول الرفع فمما أنكر عليه لأن العول مصدر عال يعول عولا فهو لازم، فسبيله أن يقول هو الارتفاع لا الرفع، فإن الأزهري وغيره(4/52)
من أهل اللغة فسروه بالارتفاع والزيادة، وقالوا: يقال عالت الفريضة إذا ارتفعت مأخوذ من قولهم عال الميزان فهو عائل أي: شال وارتفع. قال الرافعي: وقد قال بعضهم يقال عال الرجل الفريضة وأعالها فيعديه، فعلى هذا يصح كلام الغزالي والله أعلم.
عيب: قال الجوهري: العيب والعيبة والعاب بمعنى واحد. يقال أعاب المتاع إذا صار ذا عيب وعبته أنا يتعدى ولا يتعدى، فهو معيب ومعيوب أيضًا على الأصل، ويقال ما فيه معابة ومعاب أي: عيب، والمعايب العيوب، وعيبه نسبه إلى العيب، وعيبه جعله ذا عيب وتعيبه مثله، والعيبة ما يجعل فيه الثياب والجمع عيب، مثل بدرة وبدر وعياب وعيبات.
قلت: والعيب ستة أقسام: عيب في المبيع، وفي رقبة الكفارة، والغرة، والأضحية والهدي والعقيقة، وفي أحد الزوجين، وفي الإجارة. وحدودها مختلفة: فالعيب المؤثر في المبيع الذي يثبت بسببه الخيار، هو ما نقصت به المالية أو الرغبة أو العين كالخصى، والعيب في الكفارة ما أضر ومعناه إضرارا بينا، والعيب في الأضحية أو الهدي أو العقيقة هو مانقص به اللحم، والعيب في النكاح ما ينفر عن الوطء ويكسر سورة التواق، والعيب في الإجارة ما يؤثر في المنفعة تأثيرًا يظهر به تفاوت الأجرة، لا ما يظهر به تفاوت قيمة الرقبة لأن العقد على المنفعة، فهذا تقريب ضبطها، وهي مذكورة في هذه الكتب بحقائقها وفروعها وعيب الغرة في الجنين كالمبيع.
عين: لفظة العين مشتركة في أشياء كثيرة، جمعها أو أكثرها شيخنا جمال الدين بن مالك رضي الله تعالى عنه في كتابه المثلث مختصرة، قال: العين حاسة النظر، ومنبع الماء والجاسوس، والسحابة القبيلة، ومطر لا يقلع أيامًا، وعوج في الميزان، والإصابة بالعين وإصابة العين، والمعاينة، والدينار، والشيء الحاضر، وخيار الشيء وذاته وسيد القوم ونقرة في جانب الركبة أو مقدمها، ولغة في العين وهم أهل الدار واحد الأعيان، وهم الأخوة لأب وأم، وعين الشمس وعين القبلة معروفتان، هذا آخر كلام الشيخ جمال الدين.
قال غيره: تجمع عين الحيوان على أعين وأعيان وعيون، ذكره أبو حاتم السجستاني من المذكر والمؤنث، وذكره غيره. قال أبو حاتم: وتصغيرها عيينة بضم العين، ويجوز كسرها، وكذلك جميع ما تصغره في المذكر والمؤنث إذا كان ثانيه ياء أصلها الياء وما أشبه ذلك، يجوز في تصغيره الضم والكسر والضم أفصح، وكذلك العيون والعيوب والجيوب(4/53)
والشيوخ وما أشبه ذلك، يجوز في تصغيره الضم والكسر والضم أفصح، ولا يجوز في عين وما أشبهها عوينة، وتقول العامة ذو العوينتين، وهو غلط والصواب العيينتين.
قوله في الوسيط في آخر الباب الأول من كتاب البيع: فيما إذا رأى ثوبين ثم سرق أحدهما فقد اشترى معينا مرئيا. قوله معينا هو بالعين المهملة والنون هذا هو الصواب، وقد يصحفه بعض الناس. وبيع العينة بكسر العين معروف وهو مشتق من العين. قال صاحب الحاوي: سميت عينة لأنها أخذ عين بربح والعين الدراهم والدنانير. قوله في الوسيط والوجيز في صوم رمضان: أن ينوي لكل يوم نية معينة، المشهور فتح الياء من معينة.
وقال الإمام أبو القاسم الرافعي في شرح الوجيز: يجوز فتح الياء وكسرها، ففتحها لأن الناوي يعينها ويخرجها عن التعليق، وكسرها لكونها تعين الصوم. وقولهم: حلق العانة سنة، المراد: حلق الشعر الذي فوق ذكر الرجل وحوله، والشعر الذي حول قبل المرأة هذا هو المشهور المعروف.
ورأيت في كتاب الودائع المنسوب إلى أبي العباس ابن سريج رحمه الله تعالى خلاف هذا. فقال في باب البدن من الفرائض والسنن وهو في أوائل الكتاب عقب باب التيمم: حلق العانة سنة، والعانة الشعر المستدير حول الحلقة التي يخرج منها الغائط. قال: والعامة تظنها الشعر النابت فوق الذكر وتحت السرة وليس الأمر كما ظنوا، هذا كلامه، وتفسيره العانة بما حول الدبر خاصة، وإنكار ما حول الذكر شاذ مردود، فالأولى حلق الجميع أعني ما حول القبل والدبر، والسنة في الرجل الحلق وفي المرأة النتف.
فصل في أسماء المواضع
بير أبي عنبة: تقدمت في الباء.
ذات عرق: تقدمت في الذال.
عالج: الذي يضاف إليه رمل عالج ذكره في الوسيط في الفرائض هو بكسر اللام وبعدها جيم، وهو موضع بالبادية كثير الرمال.
العالية: مذكورة في باب صلاة الجمعة من المهذب: وهي مواضع وقرى بقرب مدينة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من جهة الشرق، وأقرب العوالي إلى المدينة على أربعة أميال، وقيل: على ثلاثة وأبعدها ثمانية.(4/54)
عبادان: من العراق مذكورة في حد سواد العراق هي بفتح العين وتشديد الباء الموحدة وبالدال المهملة. قال الحازمي في المؤتلف في أسماء الأماكن: عبادان جزيرة مشهورة تحت البصرة مقصودة للزيارة، وكانت قديما من ثغور المسلمين. قال: ويروى في فضائلها أحاديث غير ثابتة.
عدن: مذكورة في حد جزيرة العرب من باب عقد الذمة من المهذب: هي بفتح العين والدال المهملتين، مدينة معروفة باليمن يقال فيها عدن أبين.
قال الحازمي في المؤتلف: يقال نسب إلى أبين بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبأ. قال صاحب الحاوي في باب زكاة المعادن: يقال عدن إذا أقام، وسميت البلدة عدنا لأن تبعا كان يحبس فيها أصحاب الجرائم.
العذيب: بضم العين المهملة وفتح الذال منزل الحاج العراقي قريب من الكوفة. قال الحازمي: وهو والعذيب أيضًا موضع بالبصرة والعذيب في ديار كلب.
العراق: الإقليم المعروف. قال الماوردي في الأحكام السلطانية: سمي عراقا لاستواء أرضه وخلوها عن جبال تعلوا أو أودية تنخفض، والعراق في كلام العرب الاستواء. وقال الأزهري في تهذيب اللغة: قال أبو عمرو: سميت العراق عراقا لقربها من البحر، قال: وأهل الحجاز يسمون ما كان من البحر عراقا، قال: وقال الليث: العراق شاطىء على طوله، وقيل: لبلد العراق عراق لأنه على شاطىء دجلة والفرات حتى يتصل بالبحر. قال الأزهري: هؤلاء العراق معرب، وأصله عيران فعربته العرب، فقالوا: هذا عراق وأعرق أخذ في بلاد العراق.
وقال صاحب المحكم رحمه الله تعالى: العراق من بلاد فارس حتى يتصل بالبحر مذكر سمي بذلك لأنه على شاطىء دجلة، وكل شاطىء ماء عراق، وقيل: سمي العراق عراقا لأنه استكف أرض العرب. وقيل: سمي به لتواشج عروق الشجر والنخل فيه، كأنه أراد عرقا ثم جمع على عراق. وقيل: سمي به لأن العجم سمته إيران شهر، ومعناه كثرة النخل والشجر، فعرب فقيل عراق. وقيل: سمي بعراق المزادة وهي الجلدة التي تجعل في ملتقى طرفي الجلد إذا خرز في أسفلها لأن العراق بين الريف والبر، والعراقان الكوفة والبصرة، هذا آخر كلام صاحب المحكم. قال: وحكى ثعلب اعترقوا بمعنى اعرقوا أي أتوا العراق.
عرفات: وعرفة: اسم لموضع الوقوف.(4/55)
قيل: سميت بذلك لأن آدم عرف حواء عليهما الصلاة والسلام هناك. وقيل: لأن جبريل عرف إبراهيم عليهما الصلاة والسلام المناسك هناك، وجمعت عرفاتن وإن كان موضعًا واحدًا لأن كل جزء منه يسمى عرفة، ولهذا كانت مصروفة كقصبات.
قال النحويون: ويجوز ترك صرفه، كما يجوز ترك صرف عامات وأذرعات على أنها اسم مفرد لبقعة. قال الواحدي وغيره: وعلى هذا تتوجه قراءة أشهب العقيلى فإذا أفضتم من عرفت بفتح التاء.
قال الزجاج: والوجه الصرف بالتنوين عند جميع النحويين، وأما حد عرفات فالموضع الذي يجوز فيه الوقوف. قال الماوردي في الحاوي: قيل: سميت عرفات لتعارف آدم وحواء فيها لأن آدم أهبط من الجنة بأرض الهند وحواء بجدة فتعارفا بالموقف، وقيل: لأن جبريل عرف إبراهيم عليهما الصلاة والسلام فيها المناسك. وقيل: سميت بذلك للجبال التي فيها، والجبال هي الأعراف، وكل عال نات فهو عرف، ومنه عرف الفرس والديك. قال: قال القاسم بن محمد: سميت بذلك لأن الناس يعترفون فيها بذنوبهم ويسألون غفرانها فتغفر.
عسفان: بعين مضمومة ثم سين ساكنة مهملتين قرية جامعة بها منبر، وهي بين مكة والمدينة على نحو مرحلتين من مكة. وقد نقل صاحب المهذب في أول باب صلاة المسافر عن الإمام مالك رحمه الله تعالى أنه قال: "بين مكة وعسفان أربعة برد" وهذا الذي نقله عن مالك رحمه الله تعالى صحيح عنه ذكره في الموطأ. وأربعة البرد ثمانية وأربعون ميلا وذلك مرحلتان، وهذا الذي ذكرناه هو الصواب، وأما قول صاحب المطالع: أن بينهما ستة ثلاثين ميلا فليس بمنقول.
عسكر مكرم: مذكورة في الروضة في أول كتاب البيع مدينة مشهورة في بلاد سير نحو شيراز.
العقيق: المذكور في ميقات أهل العراق، وهو واد يدفق ماؤه في غوري تهامة كذا ذكره الأزهري في تهذيب اللغة، وهو أبعد من ذات عرق بقليل.(4/56)
حرف الغين
غبب: قوله في التنبيه: "ويدهن غبًا" هو بكسر الغين. قال صاحب البيان وغيره: الأدهان غبًا أن يدهن يومًا ثم يترك حتى يجف رأسه ثم يدهن.
قال الهروي في الحديث: "زر غبًا تزدد حبًا" يقال غب الرجل إذا جاء زائرًا بعد أيام، وأغب عطاؤه إذا جاء غبا، والغب من أوراد الإبل أن ترد يومًا ويومًا لا. وقال الإمام الأزهري مثله أو نحوه، فقال: قال أبو عمرو: غب الرجل إذا جاء زائرًا بعد أيام، ومنه قوله: "زر غبًا تزدد حبًا" وأما الغب من ورود الماء فهو أن يشرب يومًا ويومًا لا.
وقال صاحب المحكم: الغب الإتيان في اليومين ويكون أكثر، وأغب القوم وغب عنهم جاء يومًا وترك يومًا. وقال ثعلب: غب الشيء في نفسه يغب غبا، وأغبني وقع بي، والغب من الحمى أن تأخذ يومًا وتدع يومًا آخر، وهو مشتق من غب الورد لأنها تأخذ يومًا وترفه يومًا، وهي حمى غب على الصفة للحمى، وأغبته الحمى، وأغبت عليه وغبت غبًا، ورجل مغب أغبته الحمى كذلك.
روي عن أبي زيد على لفظ الفاعل. وقال الجوهري: الغب في الزيارة. قال الحسن في كل أسبوع يقال: “زر غبًا تزدد حبًا”.
غبر: قوله في الوجيز في غسل ولوغ الكلب: ولو ذر التراب على المحل لم يكف بل لا بد من مائع يغبر به فيوصله إليه.
قال الرافعي: يجوز أن يقرأ بالباء الموحدة من التغبير، ويجوز أن يقرأ بالياء من التغيير أي: يغير التراب، ذلك المائع فيوصل المائع التراب إليه، ويمكن أن يجعل الفعل للمائع على معنى أنه يغير التراب عن هيئته، فيتهيأ للنفوذ والوصول إلى جميع الأجزاء، وفي بعض النسخ يغبر به، والكل جائز.
غبن: قوله: باعه واشتراه بغبن هو بفتح العين وسكون الباء. قال صاحب المحكم: الغبن في البيع والشراء الوكس. قال الجوهري: يقال غبنه في البيع بالفتح أي: خدعه، وقد غبن فهو مغبون والغبنة من الغبن كالشتمة من الشتم. وقال الهروي: يقال غبنه في البيع يغبنه غبنًا، وأصل الغبن النقص، ومنه يقال غبن فلان ثوبه إذا ثنى طرفه فكفه. وقال صاحب المحكم:(4/57)
غبنه يغبنه هذا الأكثر. وقد حكي بفتح الباء في يغبنه وكل هؤلاء لم يذكروا في الغبن في البيع إلا فتح الغين مع سكون الباء.
وذكر ابن السكيت في باب فعلت وفعل: باتفاق معنى الغبن والغبن بفتح الباء وسكونها، ثم قال: والغبن أكثر في الشراء والبيع، والغبن بتحريك الباء في الرأي يقال غبنت رأيي غبنًا.
غرر: في حديث الوضوء: “تأتي أمتي يوم القيامة غرًا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل” وفي الحديث الآخر: “نهى عن بيع الغرر” وفي الحديث الأخر: “في الجنين غرة عبد أو أمة” وفي صفة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه فرد نشر الإسلام على غره، ذكره في باب بيع الغرر من المهذب: فأما الغرة في الوضوء ففيها أختلاف كبير للأصحاب، وقد ذكرت ذلك مستقصى في شرح المهذب، والحاصل منه وجهان: أظهرهما أن تطويل الغرة هو غسل مقدمات الرأس مع الوجه وكذلك صفحة العنق، والتحجيل غسل بعض العضد مع اليد، وغسل بعض الساق عند غسل الرجل. والثاني: أن الغرة غسل شيء من اليد والرجل، وأصل الغرة بياض في جبهة الفرس فوق قدر الدرهم، والغرة أيضًا أول الشيء وخياره، وأما بيع الغرر فهو مفسر في هذه الكتب مشهور معلوم.
وقوله: “في الجنين غرة عبد أو أمة” هكذا هو في الرواية وكذا المعروف غرة منونة وعبد أو أمة مرفوعان، والغرة اسم للعبد واسم للأمة. قال الجوهري في صحاحه: الغرة العبد والأمة، ومنه الحديث فذكره قال: وكأنه عبر عن الجسم كله بالغرة. وحكى القاضي عياض في الإكمال وصاحب المطالع: أنه روي أيضًا بإضافة غرة إلى عبد، قالا: والصواب التنوين أو هو أصوب. وفي صحيح البخاري في كتاب الديات في باب جنين: المرأة عن المغيرة بن شعبة، قال: قضى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالغرة عبد أو أمة. وقوله: “نشر الإسلام على غره” هو بفتح العين وتشديد الراء، وهو التكسير في الثوب وغيره من الطي أي: مواضع الطي، وهو معنى قوله في المهذب أي: على طيه، والنشر بفتح النون والشين المنتشر. قوله في باب الإقرار من المهذب له عندي تبن في غرارة هي بكسر الغين والجمع غرائر. قال الجوهري: أظنها معربة.
غرل: قال الإمام الحافظ أبو بكر الحازمي من المتأخرين في كتابه المؤتلف والمختلف في أسماء الأماكن: قال أئمة اللغة: الراء واللام لم يجتمعا في كلمة واحدة إلا في أربع: وهي أرل إسم جبل، وورل، وغرلة،(4/58)
وأرض حرلة فيها حجارة وغلظ.
غزو: ذكر الواحدي في قول الله عز وجل: {إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزّىً} (آل عمران: من الآية156) الغزى: جمع غاز مثل شاهد وشهد ونائم ونوم وصائم وصوم وقائل وقول، ومثله من الناقص عاف وعفى، ويجوز غزاة مثل قاض وقضاة ودعاة ورماة، ويجوز غزاء بالمد مثل ضراب، قال: ومعنى الغزو في كلام العرب قصد العدو والمغزى المقصد. قال: روى عمرو عن أبيه الغزو القصد وكذلك الغوز، وقد غزاه وغازه غزوًا وغوزًا إذا قصده. قال الأزهري: ويجمع الغازي غزى مثل ناجي ونجى القوم يتناجون، هذا آخر كلام الواحدي.
وقال أبو البقاء العكبري: يقرأ يعني في الشواذ، وكانوا غزى بتخفيف الزاي، قال: وفيه وجهان، أحدهما: أن أصله غزاة فحذف الهاء تخفيفًا لأن الياء دليل الجمع، وقد حصل ذلك من نفس الصيغة. والثاني: أنه أراد قراءة الجماعة المشددة فحذف إحدى الزايين كراهية التضعيف، والله تعالى أعلم.
غسل: الغسل بالفتح مصدر غسل الشيء غسلا، والغسل بالكسر ما يغسل به الرأس من سدر وخطمي ونحوهما، والغسل بالضم اسم للاغتسال، واسم للماء الذي يغتسل به وهو أيضًا جمع غسول بفتح الغين، وهو ما يغسل به الثوب من أشنان ونحوه. وفي المهذب في حديث ميمونة رضي الله تعالى عنها: “أدنيت لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غسلا من الجنابة” وفي حديث قيس بن سعد رضي الله عنه: “أتانا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوضعنا له غسلا” الغسل في هذين الحديثين مضموم الغين، والمراد به الماء الذي يغتسل به كما تقدم، وهذا الذي ذكرته من ضم الغين في هذين الحديثين مجمع عليه عند أهل اللغة والحديث والفقه وغيرهم.
وأما قول الشيخ عماد الدين بن باطيش رحمه الله تعالى في كتابه ألفاظ المهذب: أنه مكسور الغين فخطأ صريح، وتصحيف قبيح، ومنكر لم يسبق إليه، وباطل لا يتابع عليه، وإنما قصدت بذكره التحذير من الاغترار به، والله تعالى يغفر لنا أجمعين.
قولهم في باب غسل الجنابة وغسل الميت. وقولهم: وجب عليه وضوء وغسل، ويجب الغسل من خروج المني وشبهه هذا كله، يجوز بضم الغين وفتحها لغتان فصيحتان والفتح أشهرهما، وقد غلط الفقهاء في ضمهم إياه وجهل ولم يطلع على اللغة الأخرى. وقد جمع شيخنا جمال الدين بن مالك إمام(4/59)
أهل الأدب في وقته بلا مدافعة رضي الله تعالى عنه في المثلث بين اللغتين غير مرجح إحداهما، مع شدة معرفته، وتحقيقه وتمكنه واطلاعه وتدقيقه ثم سألته عنه أيضًا، فقال: إذا أريد به الاغتسال فالمختار ضمه، ويجوز فتحه كقولنا غسل الجنابة أي: اغتسالها، ومن فتحه أراد غسل يديه غسلا.
قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة” قال جمهور العلماء من المحدثين وأصحاب غريب الحديث وأصحابنا في كتب الفقه وغيرهم: المراد غسلا كغسل الجنابة في الصفة فيتوضأ له، ويستقصى في أيصال الماء إلى المعاطف التي في البدن وإلى الشعور كلها، ويدلك ما يقدر عليه من بدنه، ولا يتساهل بترك شيء من سننه ليكون هذا الغسل سنة.
وحكى جماعة من أصحابنا في كتب الفقه: المراد غسل الجنابة حقيقة، قالوا: فيستحب لمن له زوجة أو مملوكة يستبيح وطئها أن يجامعها، ويغتسل للجنابة منها يوم الجمعة، وهذا كما قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث الآخر: “من غسل واغتسل” على تفسير من فسره أنه يجامع، والحكمة فيه أنه تسكن نفسه وتذهب أو تفتر شهوته، لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - “من غسل” واعلم أن حقيقة الغسل في الجنابة وغسل أعضاء الاغتسال، هو جريان الماء على العضو فلا بد من جريانه، فإن أمسه الماء ولم يجر لم يجزه بلا خلاف، نص عليه الشافعي رحمه الله تعالى، وقد أوضحته في مواضع من شرح المهذب: وإذا جرى كفاه، ولا يشترط الدلك وإمرار اليد على العضو، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور. وقال مالك والمزني: يشترط إمرار اليد. وقد ذكرت المسألة بدلائلها في مواضع من شرح المهذب، وأوضحتها في باب صفة الغسل: ولو أفاض الماء على العضو فجرى، لكن لم يثبت عليه لكونه كان على العضو أثر دهن ذائب أجزأه، فإن الشرط جريان الماء لا ثبوته. قال أصحابنا في مسألة اشتراط الماء لإزالة النجاسة: لا يعرف الغسل في اللغة إلا بالماء، ولم تطلقه العرب على غير الماء.
غصب: الغصب في اللغة أخذ الشيء ظلمًا، قاله الجوهري وصاحب المحكم وغيرهما. قال الجوهري: تقول منه غصبه منه وغصبه عليه بمعنى والاغتصاب مثله والشيء غصب ومغصوب. قال صاحب(4/60)
المحكم: غصب الشيء يغصبه، واغتصبه أخذه ظلمًا، وغصبه علىالشيء قهره، هذا كلام هذين الإمامين. وقد شاع في استعمال مصنفي الفقهاء قولهم غصب منه ثوبًا فيعدونه بمن، والمعروف في اللغة ما قدمناه غصبه ثوبًا معدى بنفسه. وقد أنكر بعض فضلاء زماننا هذا الاستعمال على الفقهاء، ونسبهم إلى اللحن فيه، وقد قدمنا في فصل بيع: أنه يجوز بعت منه فرسًا وذكرنا وجهه ولا يمتنع مثله هنا، والصواب في حد الغصب في الشرع: أنه الاستيلاء على حق غيره فيدخل في هذا غصب الكلب والسرجين وجلد الميتة، ونحو ذلك من النجاسات التي يجوز اقتناؤها، ويدخل في غصب المنافع والأعيان والحقوق والاختصاصات. وأما قول جماعة من أصحابنا: أن الغصب هو الاستيلاء على مال الغير فليس بمرضي لأنه ليس بحد جامع لما ذكرناه، والله تعالى أعلم.
غصص: قوله في كتاب الطهارة من الوسيط: غص بلقمة الأجود فيه فتح الغين لا ضمها، وبه قيده الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى، وقال ابن السكيت: غصصت باللقمة أغص بها غصصًا. قال: وقال أبو عبيدة: وغصصت لغة في الزيادات.
غفر: قوله في المهذب: روت عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: “ما خرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الغائط إلا قال غفرانك” هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما لفظ روايتهما عن عائشة رضي الله تعالى عنها: “أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا خرج من الغائط قال غفرانك” وفي رواية الترمذي: “إذا خرج من الخلاء” قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، قال: ولا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة، قلت: غفرانك منصوب النون.
قال الإمام أبو سليمان الخطابي: الغفران مصدر كالمغفرة، قال: وإنما نصبه بإضمار الطلب والمسألة كأنه يقول: اللهم إني أسألك غفرانك، كما تقول: اللهم عفوك ورحمتك يريد هب لي عفوك ورحمتك. قال: وقيل: في تأويل ذلك وفي تعقيبه الخروج من الخلاء بهذا قولان، أحدهما: أنه استغفر من ترك ذكر الله سبحانه وتعالى مدة لبثه في الخلاء، وكان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يهجر ذكر الله سبحانه وتعالى(4/61)
إلا عند الحاجة، فكأنه رأى هجران ذكر الله تعالى في تلك الحال تقصيرًا، وعده على نفسه دينا فتداركه فالاستغفار. وقيل: معناه التوبة من تقصيره في شكر النعمة التي أنعم سبحانه بها عليه فأطعمه ثم هضمه ثم سهل خروج الأذى منه فرأى شكره قاصرًا عن بلوغ حق هذه النعمة ففزع إلى الاستغفار منه، والله تعالى أعلم.
غلصم: الغلصمة مذكورة في الوسيط في صفة الوضوء في فصل المضمضة، هي بفتح الغين وإسكان اللام وفتح الصاد المهملة. قال ابن فارس في المجمل والجوهري وغيرهما: هي رأس الحلقوم. زاد الجوهري وهو الموضع الناتىء في الحلق.
غلق: يقال: أغلقت الباب هذه اللغة مشهورة، وفي لغة قليلة غلقت. وثبت في صحيح البخاري من كلام ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: دخلوا البيت ثم غلقوا عليهم هكذا هو في الأصول غلقوا بلا ألف. قال الزجاج: وتلقت الباب، وأتلقته بمعنى أغلقته.
غلم: قال الإمام أبو الحسن الواحدي في تفسيره البسيط في قصة يحيى وزكريا صلى الله عليهما وسلم في سورة آل عمران قال: الغلام الشاب من الناس، وأصله من الغلمة والاغتلام، وهو شدة طلب النكاح، ويقال غلام بين الغلومية والغلوم والغلامية، هذا آخر كلامه. ويجمع الغلام على غلمان وغلمة، الأول جمع كثرة والثاني جمع قلة. قال القاضي عياض وغيره: واسم الغلام يقع على الصبي من حين يولد في جميع حالاته إلى أن يبلغ. وقوله في الوسيط في حديث الأعرابي الذي جامع في شهر رمضان مهد عذره بالغلمة هي بضم الغين وإسكان اللام، وهي مصدر غلم إذا اشتدت حاجته إلى النكاح، ويقال فيها الغلم بفتح الغين واللام.
غلو: يقال: غلت القدر تغلي غليًا وغليانا وأغليتها أنا، وغلا فلان في الأمر يغلو غلواً إذا جاوز فيه الحد، وأغلاه الله تعالى، وغلوت بالسهم غلوًا إذا رميت به أبعد ما تقدر عليه، والغلوة بفتح الغين غاية ما يصل إليه السهم، وغالى فلان بكذا إذا اشتراه بثمن غال، والغالية من الطيب هي المسك والعنبر يعجنان بالبان. قال الجوهري في الصحاح: يقال أول من سماها بذلك سليمان بن عبد الملك، يقال منه تغاليت بالغالية.
غمد: قال الجوهري وغيره: غمدت السيف أغمده غمدًا وأغمدته إغمادا فهو(4/62)
مغمود ومغمد.
غمر: ذكر في المهذب في الشهادات في الحديث: لا تقبل شهادة ذي غمر هو بكسر الغين وإسكان الميم، وهو الغل والحقد. يقال منه غمر صدره على وزن علم أي حقد والله تعالى أعلم. ويقال غمر الماء الشيء غطاه، والغمرة الشدة، والجمع غمر كنوبة ونوب، ودخلت في غمار الناس وغمارهم يعني بضم الغين وكسرها أي: في زحمتهم وكثرتهم، والغمرة بالضم طلاء يتخذ من الورس، وقد غمرت المرأة وجهها تغمر تغميرًا أي: طلت به وجهها ليصفو لونها، ويقال الغمنة بالنون على وزن، والغامر من الأرض خلاف العامر بالعين المهملة. قال الجوهري: وقال بعضهم: الغامر ما لم يرزع مما يحتمل الزراعة، وإنما قيل له غامر لأن الماء يبلغه فيغمره، وهو فاعل بمعنى مفعول. قال: وما لم يبلغه الماء من موات الأرض لا يقال له غامر.
غمس: اليمين الغموس بفتح الغين وضم الميم، هي أن يحلف على ماض كاذبا عالمًا سميت غموسًا لأنها تغمس صاحبها في الإثم، ويستحق صاحبها أن يغمس في النار، وهي من المعاصي الكبائر، كما ذكرناه في الروضة في كتاب الإيمان والشهادات.
غمم: قوله في الحديث: “فإن غم عليكم الهلال” هو بضم الغين أي: غطى. وسيأتي في في فصل الغين مع الميم والياء إن شاء الله تعالى. وقولهم في صفة الوضوء نزل الغمم إلى جبهته، الغمم مصدر، والأغم هو الذي نزل الشعر إلى جبهته فستراها، والغم الهم، والغمة بالضم هي الغم.
وقوله في المهذب في التيمم: سفت عليه الريح ترابا غمه، يقال بالغين المعجمة ومعناه غطاه، ويقال بالمهملة، ومعناه استوعبه وهما متقاربان، وقد ضبط بالوجهين إلا أن المهملة أشهر وأجود، وقد تقدم في العين المهملة والغمام بالفتح السحاب. وقوله في باب ما يجب به القصاص من المهذب: غمه بمخدة فمات، هو بفتح الغين المعجمة وتشديد الميم أي: غطى وجهه وسد موضع نفسه من فمه وأنفه.
غمى: قال صاحب المحكم: غمى على المريض وأغمى غشى عليه، ورجل مغمى عليه ومغمى عليه كذلك الاثنان، والجمع المؤنث لأنه مصدر، وقد ثناه بعضهم وجمعه يقال رجلان غميان ورجال أغماء. وذكر الجوهري مثله، وقال: قد أغمي عليه فهو مغمى عليه، وغمي عليه فهو مغمى(4/63)
عليه على مفعول. قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الهلال: “فإن غم عليكم”.
قال الخطابي: هو من قولك غممت الشيء إذا غطيته، وغم علينا الهلال، وغمي وأغمي فهو مغمى، وكان على السماعي، وهي ليلة غماء وصمنا للغمى، والغمى والغمية والغمة إذا صاموا رؤية، ذكر ذلك كله الهروي. قال صاحب المجمل: غم الهلال إذا لم ير لأنه يستره غيم أو غيره. قال الأزهري في الشرح: غم علينا الهلال غما فهو مغموم وغمي فهو مغمى وأغمي فهو مغمى.
غنم: قال أهل اللغة: المغنم والغنيمة بمعنى يقال غنم القوم يغنمون غنما بالضم. قال أصحابنا: الغنيمة في اللغة الفائدة. قال أصحابنا: المال المأخوذ من الكفار منقسم إلى ما يحصل بغير قتال، وإيجاف خيل وركاب، وإلى حاصل بذلك، ويسمى الأول فيئًا والثاني غنيمة. ثم ذكر المسعودي وطائفة من أصحابنا: أن اسم كل واحد من المالين يقع على الآخر إذا أفرد بالذكر، فإذا جمع بينهما افترقا كاسمي الفقير والمسكين.
وقال الشيخ أبو حاتم القزويني وغيره: اسم الفيء يشمل المالين، واسم الغنيمة لا يتناول الأول. وفي لفظ الشافعي رحمه الله تعالى في المختصر: ما يشعر بهذا. قال القاضي أبو الطيب: الفرق بين الفيء والغنيمة وإن كان الجميع راجعًا من الكفار، أن الفيء رجع من غير صنع منا فسمي فيئًا لأنه فاء بنفسه، وفي الغنيمة لنا صنع فلم يرجع بنفسه، بل رده الغانمون على أنفسهم بتوفيق الله تعالى.
غنى: قال أهل اللغة: الغنى مقصور مكسور الأول هو اليسار، يقال منه غني الرجل فهو غني، وتغنى الرجل واستغنى بمعنى واحد، وأغناه الله تعالى وتغانوا أي استغنى بعضهم عن بعض، والغناء بالكسر أيضًا، وبالمد هو الصوت المعروف، والأغنية بمعنى الغنى، والجمع الأغاني، يقال منه تغنى وغنى بمعنى. والغناء بفتح الغين والمد هو النفع والمعنى واحد، المغاني وهو المواضع التي كان بها أهلوها، وغنيت المرأة بزوجها غنيانا أي استغنت، وغني بالمكان أقام به، وغنى أي: عاش، وأغنيت عنك مغنى فلان، ومغناة فلان، ومغنى فلان ومغناه فلان بالضم والفتح أي أجزأت عنك مجزاه. ويقال ما يغني عنك هذا أي: ما يجزىء عنك وما ينفعك. وقوله في المهذب في باب السير قال الشاعر:
وعلىالغانيات جر الذيول(4/64)
كتب القتل والقتال علينا
أراد بالغانيات: النساء. واختلف أهل اللغة في الغانية، فقيل: هي المزوجة لأنها غنيت بزوجها عن غيره. وأنشد ابن الأعرابي ثم الجوهري في صحاحه على هذا قول جميل صاحب بثينة:
وأحببت لما أن غنيت الغوانيا
أحب الأيامى إذ بثينة أيم
أراد بالأيامي: اللاتي لا أزواج لهن، وبالغواني المزوجات. وقوله لما أن غنيت بكسر التاء رجع من الغيبة إلى خطابها، ومعناه: أحب كل من كان مثلها لحبي لها فأحببت الأيامي إذ هي أيم، فلما أن غنيت أي تزوجت أحببت المزوجات. وقيل: الغانية الشابة الجميلة الناعمة. وقيل: هي البارعة في الجمال التي أغناها جمالها عن الزينة.
غول: قال الإمام أبو السعادات المبارك بن محمد المعروف بابن الأثير الجزري في نهاية الغريب في الحديث: "لا غول ولا صفر" الغول: أحد الغيلان، وهي جنس من الجن والشياطين، كانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة تتراءى للناس فتتغول تغويلا أي: تتلون تلونا في صور شتى، وتغولهم أي: تضلهم عن الطريق وتهلكهم، فنفاه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبطله. وقيل: معنى "لا غول" ليس نفيًا لوجود الغول، بل هو إبطال لزعم العرب في تلونه بالصور المختلة واغتياله. فقوله: لا غول أي: لا تستطيع أن تضل أحدًا، ويشهد له الحديث الأخر: "لا غول ولكن السعالى" والسعالى سحرة الجن أي: ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل. ومنه الحديث الأخر: "إذا تغولت الغيلان فنادوا بالأذان" أي: أدفعوا شرها بذكر الله تعالى، وهذا يدل على أنه لم يرد بنفيها عدمها. ومنه حديث أبي داود: "كان لي تمر في سهوة فكانت الغول تجيء فتأخذ" هذا آخر كلام ابن الأثير.
غير: قوله في الوجيز في غسل ولوغ الكلب: ولو ذر التراب على المحل لم يكف بل لا بد من مائع يغيره، وقد قدمنا بيانه في فصل غبر، وأنه يجوز بالباء والياء. قال الإمام أبو نزار الحسن بن أبي الحسن النحوي في كتابه المسائل السفرية: منع قوم دخول الألف واللام على غير وكل وبعض، وقالوا: هذه كما لا تتعرف بالإضافة لا تتعرف بالألف واللام، قال: وعندي أنه تدخل اللام على غير وكل وبعض، فيقال(4/65)
فعل الغير ذلك والكل خير من البعض، وهذا لأن الألف واللام هنا ليستا للتعريف، ولكنها المعاقبة للأضافة نحو قول الشاعر:
كان بين فكها والفك
إنما هو كان بين فكها وفكها، فهذا لأنه من نص على أن غيرًا يتعرف بالإضافة في بعض المواضع، ثم أن الغير يحمل على الضد، والكل يحمل على الجملة، والبعض يحمل على الجزء، فصلح دخول الألف واللام أيضًا من هذا الوجه، والله تعالى أعلم.
فصل في أسماء المواضع
غزنة: مذكورة في الروضة في الباب الثاني من كتاب الإقرار في فصل الإقرار بدرهم وهي بفتح الغين المعجمة وبالزاي وبعدها نون على وزن قصعة، وهي مدينة مشهورة بخراسان، منها جماعات من الأئمة في العلوم، ودراهمها أكثر وزنًا من دراهم الإسلام.
كراع الغميم: مذكور في كتاب الصيام من مختصر المزني: هو بضم الكاف، والغميم بفتح الغين وكسر الميم، وهو واد بين مكة والمدينة، بينه وبين مكة نحو مرحلتين، وهو قدام عسفان بثمانية أميال يضاف هذا الكراع إليه، وهو جبل أسود بطرف الحرة يمتد إليه، وهذا الذي ذكرته من فتح الغين وكسر الميم هو الصواب المشهور المعروف عند أهل الحديث واللغة والتواريخ والسير وغيرهم.
قال صاحب مطالع الأنوار في باب الغين: هو بفتح الغين وكسر الميم وبضم الغين وفتح الميم. وقال في باب الكاف: هو بالفتح وقد صغره بعض الشعراء. قلت: وهذا تصحيف، وكأنه اشتبه عليه. قال الإمام الحافظ أبو بكر الحازمي في كتابه المؤتلف والمختلف في الأماكن: الغميم بفتح الغين كراع، الغميم موضع بين مكة والمدينة. قال: وأما الغميم بضم الغين وفتح الميم فواد في ديار حنظلة من بني سليم، هذا كلام الحازمي وقد صرح بأن الغميم غير الغميم، والله تعالى أعلم.
إذا علم ما ذكرته فقد وقع في كلام المزني وهم، وذلك أنه احتج على جواز فطر المسافر إذا سافر في أثناء النهار وهو صائم بهذا الحديث. فقال روى عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه صام في مخرجه إلى مكة في رمضان حتى إذا بلغ كراع الغميم أفطر، وأمر من صام بالإفطار، وهذا استدلال باطل بلا شك،(4/66)
وذلك لأن معنى الحديث أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صام بعد خروجه من المدينة أيامًا فلما وصل بعد أيام إلى كراع الغميم أفطر، فإن كراع الغميم عن المدينة نحو سبع مراحل، فكيف يستدل بهذا على جواز الفطر في يوم إنشاء السفر. قوله في أول باب اللقطة من المهذب: "عسى الغوير أبؤسا" هو بضم الغين وفتح الواو تصغير الغائر، واختلف فيه فقيل: هو ماء بأرض السماوة، وهي بين الشام والعراق وسبب هذا المثل، ومعنى كلام عمر رضي الله تعالى عنه ذكرناه في فصل عسى.
غور: المذكور في كتاب السير من الوسيط والوجيز في قوله سبايا غور، هو غور تهامة مما يلي اليمن.
حرف الفاء
فأر: الفأرة هي الحيوان المعروف، وجمعه فيران، وفأرة المسك نافجته، وهي وعاؤه وذكر الفيران فؤر بفتح الفاء وبعدها همزة مضمومة، وجمعه فؤور، وقد فئر المكان بكسر الهمزة إذا كثرت فيرانه، وهو مكان فئر كفرح يفرح فرحا فهو فرح ومصدره فأر، وكل هذا مهموز، وقد غلط من قال من الفقهاء وغيرهم: أن الفأرة لا تهمز، أو فرق بين فأرة المسك والحيوان، بل الصواب: أن الجميع مهموز، وتخفيفه بترك الهمزة كما في نظائره كرأس وشبهه، وقد جمع بين الفأرتين في الهمز شيخنا جمال الدين في المثلث، وفي صحاح الجوهري: أن فأرة مهموزة.
فأفاء: الفأفاء المذكور في الروضة في باب صفة الأئمة: هو بهمزتين بعد الفاءين وبالمد صرح به الجوهري وغيره، قال: وهو الذي يتردد بالفاء، قال: ويقال رجل فأفاء على وزن فعلال وفيه فأفأة.
فتح: قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم” رواه علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما. قال البغوي في شرح السنة: هو حديث حسن. وقال الترمذي فيه: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن. قلت: مفتاح بكسر الميم، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيانه بأتم من هذا قريبا.
قال الإمام أبو بكر بن العربي في كتابه الأحوذي في شرح الترمذي(4/67)
قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “مفتاح الصلاة الوضوء” ومجاز ما يفتحها من غلقها، وذلك أن الحدث مانع منها، فهو كالغلق موضوع على المحدث حتى إذا توضأ انحل الغلق، وهذه استعارة بديعة لا يقدر عليها إلا النبوة، ومعنى تحريمها التكبير في حرف الحاء.
وقال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى في المعالم: في هذا الحديث من الفقه، أن تكبيرة الافتتاح جزء من أجزاء الصلاة لأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أضافها إلى الصلاة كما يضاف إليها سائر أجزائها من ركوع وسجود، وإذا كان كذلك لم يجز أن يعري مبادئها من النية لكن يضامها، كما لا يجزيه إلا بمضامة سائر شرائطها، قال: وفيه دليل أن الصلاة لا تجوز إلا بلفظ التكبير دون غيره من الأذكار، وذلك لأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد عينه بالألف واللام اللتين هما للتعريف، والألف واللام مع الإضافة يفيدان السلب والإيجاب، وهو أن يسلب الحكم فيما عدا المذكور كقولك فلان مبيته المساجد أي: لا مأوى له غيرها، وحيلة الهم الصبر أي: لا مدفع له إلا بالصبر، ومثله في الكلام كثير، وفيه دليل على أن التحليل لا يقع بغير السلام، لما ذكرناه من المعنى.
فثث: قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: لا زكاة في الفث وإن كان قويًا، هو بفتح الفاء وتشديد الثاء المثلثة. قال الإمام البيهقي في كتاب رد الانتقاد على الشافعي رحمه الله تعالى. قال أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: سألت بعض الأعراب عن الفث، فقال: نبت يكون بالبادية له حب مدور، فإذا أصابهم قحط حصدوه وتركوه في حفرة أيامًا، ثم يخرج فيداس ويدق فيؤكل. قال الأزهري: الفث حب بري ليس مما ينبته الآدميون، إذا قل قوت أهل البادية دقوه واجتزوا به في المجاعة.
فجل: الفجل بضم الفاء معروف واحدته فجلة وفجلة. قال صاحب المحكم: الفجل والفجل جميعًا. عن أبي حنيفة: أرومة نبات خبيثة الجشأ، واحدتها فجلة وفجلة وهو من ذلك.
فحش: قوله تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} (لأعراف: من الآية28) احتج بهذه الآية أصحابنا على وجوب ستر العورة، ونقلوا عن المفسرين أنهم قالوا: الفاحشة أنهم كانوا يطوفون بالبيت العتيق عراة، وهذا التفسير هو قول الأكثرين من المفسرين. وقيل: المراد بالفاحشة الشرك،(4/68)
قاله ابن عباس، فيما نقله الواحدي، ونقله الماوردي عن الحسن. قال الماوردي والأكثرون: على أنه الطواف بالبيت عراة. قال الواحدي: قال الزجاج: الفاحشة ما يشتد قبحه من الذنوب. وقد نقل صاحب المهذب عن ابن عباس أنه فسرها بالطواف بالبيت عراة، فيكون عن ابن عباس روايتان، والله تعالى أعلم.
قال الواحدي: واحتج أصحابنا على وجوب ستر العورة للصلاة والطواف، بقوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (لأعراف: من الآية31) لأن الطواف صلاة.
فحل: قوله في التنبيه: وقيل: إن تمرة الفحال للبائع بكل حال، الفحال بضم الفاء وتشديد الحاء، وهو ذكر النخل، وجمعه فحاحيل، وكذا قال في المهذب: فحال، وهذا هو المشهور في اللغة. وقال في الوسيط: فحول بضم الحاء وبعدها واو، وهو جمع فحل، وكذلك قاله الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه، وهما لغتان، وقد أنكر هذا على الشافعي من لا معرفة له باللغة كمعرفة الشافعي، فقال: لا يقال في اللغة فحول، وإنما يقال فحال، وهذا خطأ ممن يقوله، بل هما لغتان.
وقد قال أبو محمد بن قتيبة في أدب الكاتب: وهو فحال الفحل، ولا يقال فحل، فأنكر على ابن قتيبة أبو منصور ابن الجواليقي شارح كتابه، وأشار إلى الإنكار عليه أيضًا أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي في كتابه الاقتضاب.
قال ابن الجواليقي: قول ابن قتيبة موافق عليه، قد حكى فيه فحل أيضًا، وجمعه فحول. وفي حديث عثمان رضي الله تعالى عنه: “لا شفعة في بئر ولا فحل” وفي الحديث: “أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل دار رجل من الأنصار وفي ناحية البيت فحل من تلك الفحول” أي: حصير من تلك الحصر التي ترمل من سعف الفحال من النخل، فتكلم به على التجوز، كما قالوا: فلان يلبس القطن والصوف. وقال أحيحة ابن الجلاح:
تابري من حنذ نؤمكم
تابري يا خيرة الغسيل
إذ ضن أهل الفحل بالفحول
قال: وكان الصواب أن يقول كذا، ولا يقال فحال النخل، كما قال ابن السكيت. قلت: حنذ بحاء مهملة ثم نون مفتوحتين ثم ذال معجمة، اسم قرية بقرب المدينة.
فرت: الماء الفرات هو الطيب. قال الواحدي: هو أعذب المياه أي: أطيبها. قال: وقد فرت الماء يعني بضم الراء يفرت فروته إذا عذب أي: طاب. قال الجوهري:(4/69)
يقال ماء فرات ومياه فرات.
فرج: في حديث بسرة بنت صفوان رضي الله تعالى عنها أنها سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: “من مس ذكره فليتوضأ” وفي رواية “من مس فرجه” هذا حديث مشهور رواه الإمام أبو محمد الدارمي وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وغيرهم في سننهم. قال الترمذي: هو حديث حسن صحيح، ورواية أكثرهم “من مس ذكره” وفي إحدى روايتي الدارمي “من مس فرجه” قال أصحابنا: الفرج يطلق على القبل والدبر من الرجل والمرأة، وما يستدل به لإطلاق الفرج على القبل حديث علي رضي الله تعالى عنه قال: أرسلنا المقداد إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأله عن المذي يخرج من الإنسان كيف يفعل به، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “توضأ وانضح فرجك” رواه مسلم في صحيحه، والفرجة بين الصفين وفي المكان مطلقًا، كقوله إذا وجد فرجة أسرع، وما أشبهه كله بضم الفاء وسكون الراء وبفتح الفاء أيضًا جائز، وأما الفرجة بالفتح فهي الفرجة من الهم. قال الأزهري: يقال ما لهذا الغم من فرجة ولا فرجة ولا فرجة يعني: بضم الفاء وفتحها وكسرها، وأنشد ابن الأعرابي:
ــر له فرجة كحل العقال
ربما تجزع النفوس من الأمـ
قال: ويقال فرجة وفرجة وفرجة اسم وفرجة مصدر. وقال صاحب المحكم: الفرج الخلل بين الشيئين، والجمع فروج ولا تكسر ذلك، قال: والفرجة والفرجة كالفرج. وقيل: الفرجة الخلل بين الشيئين، والفرجة الراحة من حزن أو من مرض. قال أمية بن أبي الصلت:
ـــر له فرجة كحل العقال
ربما تكره النفوس من الأمـ
قال: وقيل: الفرجة في الأمر والفرجة بالضم في الجدار والباب، والمعنيان مقتربان، وقد فرج له يفرج فرجًا وفرجة، هذا ما ذكره صاحب المحكم. وقال الجوهري في الصحاح: فرج الله تعالى غمك وفرجه يفرجه بالكسر والفرج العورة، والفرج الثغر وموضع المخافة، والفرجة بالضم فرجة الحائط وما أشبهه، والفرج بالكسر الذي لا يكتم السر. قال صاحب المحكم: الفرج انكشاف الكرب، وقد فرج الله عنه وفرجه فانفرج وتفرج، والفروج الفتى من أولاد الدجاج، والضم فيه لغة رواه اللحياني، قال غيره: فرج القوم للرجل وسعوا له.
فرس: في سنن البيهقي الكبير في أول كتاب البيوع في باب من جوز بيع العين الغائبة بإسناده: أن عبد الرحمن بن(4/70)
عوف اشترى من عثمان بن عفان فرسًا بأربعين ألف درهم أو نحو ذلك الفرس الذي اشتراه من الأعرابي فجحده، فشهد خزيمة بن ثابت اسمه المرتجز وحديثه في سنن أبي داود وغيره من رواية عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عمه الصحابي.
فرصد: قوله في الوسيط في بيع الأصول والثمار: وإن كان مما يقصد منه الورق كالفرصاد، هو بكسر الفاء وسكون الراء وبالصاد والدال المهملتين. قال الجوهري: هو التوت الأحمر. وقال الأزهري: قال الليث: الفرصاد شجر معروف، وأهل البصرة يسمون الشجرة فرصادًا وحمله التوت، قال: وقال بعضهم: هو الفرصاد، والفرصيد لحمل هذه الشجرة. قلت: ومراد الغزالي رحمه الله تعالى شجر التوت مطلقًا، والله تعالى أعلم. وذكر ابن قتيبة في باب ما يصحف فيه العوام، قال: قال الأصمعي: الفرس تقول توت، والعرب تقول توت، وقد شاع الفرصاد في الناس كلهم.
فرض: قال الإمام أبو منصور الأزهري في تهذيب اللغة، قال: نقلت عن ابن الأعرابي: الفرض الحز في القدح وفي الزند وفي السير، وغيره قال: ومنه فرض الصلاة وغيرها: إنما هو لازم للعبد كلزوم الحز للقدح، قال: والفرض ضرب من التمر، قال: والفرض الهبة، يقال: ما أعطاني فرضًا ولا قرضًا، قال: والفرض القراءة، يقال فرضت جزئي أي: قرأته، قال: والفرض السنة، فرض رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي سن.
قال الأزهري: وقال غيره فرض رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي: أوجب وجوبا لازمًا، قال: وهذا هو الظاهر. قال أبو عبيد: الفرض الترس. قال الأصمعي: يقال فرض له في العطاء يفرض فرضًا، وأفرض له إذا جعل له فريضة، والفرض مصدر كل شيء تفرضه فتوجبه على الإنسان بقدر معلوم، والاسم الفريضة. قال أبو الهيثم: فرائض الإبل التي تجب يعني في الزكاة، وقال غيره: سميت فريضة لأنها فرضت أي: أوجبت في عدد معلوم من الإبل فهي مفروضة وفريضة، وأدخلت فيها الهاء لأنها جعلت اسما لا نعتا هذا آخر كلام الأزهري رحمه الله تعالى.
وقال الجوهري في صحاحه: الفرض ما أوجبه الله عز وجل سمي بذلك لأن له معالم وحدودًا، والفرض العطية المرسومة، وفرضت الرجل وأفرضته إذا أعطيته، وفرضت في العطاء وفرضت له في الديوان، والفارض الفرضي الذي يعرف الفرائض، وقد فرض الله تعالى علينا(4/71)
كذا وافترضه أي: أوجب، والاسم الفريضة، ويسمى العلم بقسمة المواريث فرائض. وفي الحديث أفرضكم زيد هذا آخر كلام الجوهري.
وقال صاحب المحكم: الفريضة من الإبل والبقر ما بلغ عدده الزكاة، وأفرضت الماشية وجبت فيها الفريضة، ورجل فارض وفريض عالم بالفرائض كقولك عالم وعليم. عن ابن الأعرابي في الحديث في صوم التطوع آكل وإن كنت قد فرضت الصوم، معناه نويته.
فسط: الفسطاط بيت من شعر كذا قاله أهل اللغة، وفيه ست لغات فسطاط وفستاط وفساط بضم الفاء فيهن وكسرها، والضم أجود.
فصح: قوله في الوسيط في باب السلم: فصح النصارى هو بكسر الفاء وسكون الصاد المهلة وبالحاء المهملة. قال ابن دريد: هو عيد النصارى، وقد تكلمت به العرب، قال حسان:
ـــن سراعا أكلة المرجان
قد دنا الفصح فالولائد ينظمـ
وقال الجوهري: أفصح النصارى إذا جاء فصحهم. قال صاحب المحكم: الفصح فطور النصارى. وقال صاحب المحكم أيضًا: الفصاحة البيان، فصح فصاحة فهو فصيح من قوم فصحاء وفصاح وفصح. قال سيبويه: كسروه تكسير الاسم نحو قضيب وقضب وامرأة فصيحة وفصاح وفصائح، وفصح الأعجمي تكلم بالعربية وفهم عنه، وأفصح تكلم بالفصاحة، وكذلك الصبي، وفصح الرجل وتفصح إذا كان عربي اللسان فازداد فصاحة، والتفصيح استعمال الفصاحة. وقيل: التشبه بالفصحاء. وقيل: جميع الحيوان ضربان أعجم وفصيح والفصيح كل ناطق والأعجم كل ما لا ينطق، وقد أفصح الكلام وأفصح به وأفصح عن الأمر وأفصح الصبح بدا ضوؤه واستبان وكل ما وضح فقد أفصح وأفصح لك فلان بين ولم يجمجم. وحكى اللحياني فصحه الصبح أي: هجم عليه، هذا آخر ما حكاه صاحب المحكم.
فضح: قال أهل اللغة: يقال فضحه يفضحه فضحا وفضحة، ويقال: فضحه فافتضح. قال الفراء: ويقال فضحك الصبح أي: بينك للناس. قال الواحدي في تفسير سورة الحجر يقال: فضحه إذا أبان من أمره ما يلزمه العار. وأما قول الغزالي رحمه الله تعالى في كتاب اللعان لأن اللعان إفضاح فهو خطأ، ولحن ظاهر، وصوابه فضح كما ذكرنا.(4/72)
فضى: في الحديث: “إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه فليتوضأ” قال صاحب المهذب: والإفضاء لا يكون إلا بباطن الكف يعني: الإفضاء باليد لا يكون إلا بباطن الكف، وإلا فالإفضاء يطلق على الجماع وغيره، وهذه العبارة التي قالها صاحب المهذب هي عبارة الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في البويطي، فإنه قال فيه في هذا الحديث: والإفضاء ببطن الكف ليس بظاهرها. وروى البيهقي بإسناده عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه قال: والإفضاء باليد إنما هو ببطنها، كما يقال أفضى بيده مبايعًا وأفضى بيده إلى الأرض ساجدًا وإلى ركبته راكعًا، وهذا الذي نقله هو نص الشافعي في الأم، وهذا الذي ذكراه كذلك هو مشهور في كتب اللغة.
قال ابن فارس في المجمل: أفضى بيده إلى الأرض إذا مسها بباطن راحته في سجوده، والفضاء بالمد المكان الواسع، قاله أهل اللغة.
فظع: في الحديث: “لا تحل المسألة إلا لثلاثة لذي غرم مفظع” ذكره في المهذب في باب النجش: المفظع بضم الميم وإسكان الفاء وكسر الظاء. قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى: الغرم المفظع هو أن يلزمه الفظيعة الفادحة حتى ينقطع به فتحل له الصدقة، فيعطى من سهم الغارمين.
فكه: الفاكهة واحدة الفواكه وبائعها فاكهاني بكسر الكاف. قال الواحدي في قول الله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} (الرحمن:68) ثم النخل والرمان من جملة الفاكهة غير أنهما ذكرا على التفصيل للتفضيل كقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} (البقرة: من الآية238) فأعاد الصلاة تشديدًا لها كذلك أعيد النخل والرمان ترغيبا لأهل الجنة، هذا قول الفراء.
وقال الزجاج: قال يونس النحوي: وهو يتلو الخليل في القدم، والحذق أن النخل والرمان من أفضل الفواكه، وإنما فصلا بالواو لفضلهما، وغلط أهل العراق في قولهم لا يحنث الحالف أن لا يأكل الفاكهة بأكل التمر والرمان، فظنوا أنهما لما ذكرا بعد الفاكهة ليسا من الفاكهة، وهو خلاف جميع أهل اللغة ولا حجة لهم في الآية.
قال الأزهري: ما علمت أحدًا من العرب، قال في النخل والكرم وثمارهما: أنهما ليستا من الفاكهة، وإنما قاله من قاله لقلة علمه بكلام العرب وعلم اللغة وتأويل القرآن العربي المبين، والعرب(4/73)
تذكر أشياء جملة ثم تخص شيئًا منه بالتسمية تنبيها على فضل فيه. قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} (البقرة: من الآية98) فمن قال: ليسا من الملائكة فهو كافر، ومن قال أن تمر النخل والرمان ليسا من الفاكهة لإفراد الله تعالى لهما بعد الفاكهة فهو جاهل، هذا كلام الأزهري وهو آخر كلام الواحدي.
قلت: وليس في هذه الآية تعلق لمن أخرج النخل والرمان من الفاكهة ولا شبهة تعلق بوجه ما، وذلك أن الفاكهة نكرة تصلح للقليل والكثير وللجنس الواحد والأكثر، فلما عطف النخل والرمان عليها أشعر ذلك بأنهما لم يدخلا في قوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ} (الرحمن: من الآية68) ولا يلزم من هذا خروجهما من جنس الفاكهة كلها، وهذا ظاهر لا خفاء فيه.
فقد: ذكر في المهذب في باب مما ينقض الوضوء في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: افتقدت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوقعت يدي على أخمص قدميه كذا وقع افتقدت، وكذا هو في إحدى روايتي مسلم في صحيحه، وفي الرواية الأخرى فقدت، وكلاهما صحيح فهما لغتان فقدا بمعنى واحد.
قال أهل اللغة: فقدت الشيء أفقده بكسر القاف وضمها لغتان، وفقدًا وفقدانا وفقدانا بكسر الفاء وضمها لغتان، قالوا: وكذلك افتقدته أفقده افتقادا مثله، ويقال تفقدت الشيء أي: طلبته عند غيبته، وفقدت المرأة زوجها أو ولدها تفقده فهي فاقد بلا هاء.
فلت: قال الجوهري: يقال أفلت الشيء وتفلت وانفلت بمعنى، وأفلته غيره وافتلت الكلام أي: ارتجله، وافتلت فلان على ما لم يسم فاعله أي: مات فجأة، وافتلتت نفسه أيضًا، وكساء فلوت لا ينظم طرفاه على لابسه لصغره، ويقال كان ذلك الأمر فلتة أي: فجأة إذا لم يكن عن تدبر ولا ترو.
فلذ: قال أهل اللغة: الفلذة بكسر الفاء القطعة من الكبد أو من اللحم أو من المال وغيرها، والجمع فلذ، وفلذت له من مالي أي: قطعت. قال الجوهري: وأفلذته المال أي: أخذت من ماله فلذة، قال: والفالوذ والفالوذق معربان. قال ابن السكيت: ولا يقال الفالوذج.
فلع: قوله في المهذب في باب ما يفسد البيع من الشروط إذا باع فلعة بشرط أن يحذوها. الفلعة: بكسر الفاء وإسكان اللام، وجمعها فلع على وزن قربة وقرب. قال الشيخ الإمام أبو الفتح نصر بن(4/74)
إبراهيم المقدسي ثم الدمشقي الزاهد رحمه الله تعالى في كتابه التهذيب في المذهب في باب السلم: الفلع هي المشركة يعني التي لم يعمل فيه شراك بكسر الشين المعجمة، وهو السير الذي يكون على القدم يستمسك بسببه النعل في الرجل، ولعلها سميت فلعة من الفلوع.
قال أهل اللغة: فلعت الشيء فلعًا فانفلع بمعنى شققته فانشق، وفلعته وتفلعت قدمه تشققت فهي الفلوع الواحد فلع، وفلع بفتح الفاء وكسرها، وقوله يحذوها معناه يجعلها حذاء.
فلن: قال الجوهري: قال ابن السراج: فلان كناية عن اسم يسمى به المحدث عنه خاص غالب، ويقال في النداء يا فل فتحذف الألف والنون لغير ترخيم، ولو كان ترخيما لقالوا يا فلا، وربما جاء الحذف فى غير النداء ضرورة، ويقال الناس الفلان والفلانة بالألف واللام، هذا ما ذكره الجوهري.
وقد روينا في مسند أبي يعلى الموصلي بإسناد صحيح على شرط مسلم في مسند ابن عباس، قال أبو يعلى: ثنا شيبان بن فروخ ثنا أبو عوانة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: ماتت شاة لسودة بنت زمعة فقالت: يا رسول الله ماتت فلانة تعني الشاة فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “فهلا أخذتم مسكها” قلنا: ينفذ مسك شاة قد ماتت، وذكر الحديث هكذا في كل النسخ المعتمدة فلانة بغير ألف ولام، وهذا تصريح بجوازه فهما لغتان.
فهر: قوله في المهذب في باب ستر العورة: كأنهم اليهود خرجوا من فهورهم، هكذا وقع في المهذب من فهورهم على الجمع وهو بضم الفاء والهاء. ورواه الهروي في الغريبين فهرهم بضم الفاء وسكون الهاء من غير واو وبلفظ الواحد، قال: أي موضع مدراسهم، قال: وهي كلمة بنطية عربت. وقال الجوهري: فهر اليهود بالضم مدراسهم وأصلها بهر عبرانية فعربت. وقال صاحب المحكم: فهر اليهود موضع مدراسهم الذي يجتمون إليه في عيدهم. قال: وقيل: هو يوم يأكلون فيه ويشربون، وأصله بهر أعجمي أعرب والنصارى يقولون فخر. قال ابن دريد: لا أحسب الفهر عربيًا صحيحًا.
فوض: قال أهل اللغة: فوض إليه الأمر أي: وكله ورده إليه، وقوم فوضى أي: متساوون لا رئيس لهم، وجاء القوم فوضى أي: مختلطًا بعضهم ببعض، وأموالهم فوضى بينهم أي: مشتركون فيها. قال الجوهري:(4/75)
وفيضوضاء وفيضوض مثله بالمد والقصر، وفاوضته في أمره أي: جاريته، وتفاوضوا في الأمر أي فاوض بعضهم بعضًا فيه، وشركة المفاوضة معروفة مشهورة بحدودها وشروطها في هذه الكتب، وهي باطلة عندنا وعند جماهير العلماء، وصححها أبو حنيفة رحمه الله تعالى بشروط له، وقد أطنب الشافعي رحمه الله تعالى في الاستدلال على إبطالها وجعلها كالقمار، وأما المفوضة في النكاح فالمشهور فيها كسر الواو.
وحكى الرافعي أيضًا فتحها، وقد نقح الكلام فيها تنقيحًا يقتضيه تحقيقه وجلالته واطلاعه وبراعته، وقد نقلت ذلك مختصرًا في الروضة، وخلاصته التي يليق ذكرها في هذا الكتاب أن التفويض جعلك الأمر إلى غيرك، ويقال هو الإهمال، ومنه لا تصلح الناس فوضى، وتسمى المرأة مفوضة لتفويضها أمرها إلى الزوج أو الولي بلا مهر، أو لأنها أهملت الأمر، ومفوضة بفتح الواو لأن الولي فوض أمرها في المهر إلى الزوج أي: أهلمه.
قال أصحابنا التفويض ضربان: تفويض مهر وتفويض بضع، فتفويض المهر: أن تقول لوليها زوجني على أن يكون المهر ما شئت أنت أو ما شئت أنا أو ما شاء الخاطب أو فلان، فإن زوجها بما عين المذكور مشيئته صح النكاح بالمسمى، وإن كان دون مهر المثل، وإن زوجها بلا مهر أو على ما ذكرت من الإبهام ففي صحة النكاح خلاف، والأصح صحته بمهر المثل. وأما تفويض البضع: فالمراد منه أخلاء النكاح من المهر، وهو نوعان: تفويض صحيح وفاسد، فالصحيح: أن يصدر من مستحق المهر النافذ التصرف. والفاسد: كتفويض الصبية والسفيهة، وتفصيل هذا كله وفروعه ومقتضى التفويض في المهر مذكور في هذه الكتب، ولكن نبهت على التقسيم الذي قد يغفل عنه.
فوق: فوق نقيض تحت يكون اسما وظرفا مبنيًا فإذا أضيف أعرب. وحكى الكسائى أفوق ينام أم أسفل بالفتح على حذف المضاف وترك البناء قاله صاحب المحكم. والفاقة الحاجة والمفتاق المحتاج قاله في المحكم. وقال الجوهري: وافتاق الرجل أي: افتقر ولا يقال فاق، وأفاق من مرضه ومن غشيته أي: رجعت الصحة إليه أو رجع إلى الصحة قاله الهروي. قال: ومنه قوله تعالى: {فلما أفاق} قال: وقال بعضهم: الإفاقة الراحة، وأفاق المريض إذا استراح.
قال صاحب المحكم: أفاق العليل إفاقة واستفاق نقه، والاسم الفواق، وكذلك(4/76)
السكران إذا صحا، ورجل مستفيق كثير النوم. عن ابن الأعرابي: وأفاق عنه النعاس أقلع. قال صاحب المجمل: أفاق السكران يفيق وأظنه من رجوع العقل إليه. وقال غيره: الفواق بالفتح والضم هو الإفاقة وهو الراحة أيضًا. وقولهم فواق ناقة بضم الفاء وفتحها لغتان فصيحتان قرىء بهما، قالوا: والفواق قدر ما بين الحلبتين وأطلقه هكذا أكثرهم وأوضح بعضهم. فقال الإمام أبو محمد بن قتيبة في غريب القرآن: فواق الناقة ما بين الحلبتين، وهو أن تحلب الناقة، وتترك ساعة حتى ينزل شيء من اللبن ثم تحلب فما بين الحلبتين فواق. وقال الإمام أبو سليمان الخطابي في كتاب الجهاد: الفواق ما بين الحلبتين، قال: وقيل وهو ما بين الشخبتين.
فين: في الحديث: "لا يخلو المؤمن من الذنب يصيبه الفينة بعد الفينة" ذكره في الوسيط في أول كتاب الشهادات هو بفتح الفاء وإسكان الياء المثناه من تحت بعدها نون وجمعها فينات. قال أهل اللغة: الفينات الساعات، والفينة بعد الفينة أي: الحين بعد الحين، قالوا: ويجوز حذف الألف واللام، فيقولون لفينة فينة، كذا حكاه الجوهري.
فصل في أسماء المواضع
فحل: موضع مشهور في الشام ببلاد الأردن، كانت به وقعة مشهورة للصحابة رضي الله تعالى عنهم مع المشركين، وأظهر الله تعالى المسلمين عليهم. قال الدارقطني: هو بكسر الفاء وإسكان الحاء المهملة، وكذا ذكره الحازمي في المؤتلف والمختلف، وروينا في تاريخ دمشق عن مصنفه الحافظ أبي القاسم ابن عساكر، قال: قال الدارقطني: بكسر الفاء، قال: ورأيته بخط أبي بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي الحافظ فحل بفتح الفاء وسكون الحاء وهو الصواب، هكذا قاله أبو القاسم. وذكر في موضع آخر: أن بعض العلماء قاله بفتح الفاء وكسر الحاء وضعفه. قال أبو القاسم: أهل الشام يقولون إن وقعة فحل كانت قبل فتح دمشق، وذكر سيف بن عمر أنها كانت بعد فتح دمشق.
فدك: مذكورة في باب إقامة الحد من المهذب هي بفتح الفاء والدال المهملة، وهي مدينة بينها وبين مدينة النبي - صلّى(4/77)
الله عليه وسلم - مرحلتان وقيل ثلاث.
الفرات: بضم الفاء وبالتاء الممدودة في الخط في حالتي الوصل والوقف تكرر ذكرها في المهذب في مواضع كثيرة، وهو النهر المعروف بين الشام والجزيرة، وربما قيل بين الشام والعراق، كما قاله في باب جامع الإيمان من المهذب وهو من أنهار الجنة، كما جاءت به الأحاديث الصحيحة المشهورة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وأما قول ابن باطيش: يقال إنه من أنهار الجنة فعبارة قبيحة من أقبح العبارات وأنكر المنكرات، فإن هذه العبارة لا تقال فيما صح عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنها تقتضي تشكك القائل في معناها ونسأل الله تعالى التوفيق والهداية. وثبت في الصحيحين أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن النيل والفرات يخرجان من أصل سدرة المنتهى. قال الحازمي في المؤتلف والمختلف في أسماء الأماكن: مطلع الفرات من بلاد الروم ومنقطعه في أعمال البصرة.
فراوة: مذكورة في الروضة في باب القصاص في الأطراف في التفاوت الثاني بالصفات: هي بفتح الفاء وضمها وتخفيف الراء، فأما الفتح فهو المشهور بين أهل الحديث وغيرهم، وأما الضم فحكاه الإمام الحافظ أبو سعيد السمعاني في الأنساب ويقال فيها: فراووة بواوين وهي بليدة من ثغر خراسان، وإليها ينسب الإمام أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي الفقيه من أصحابنا، الذي يقال له: فقيه الحرمين، وينسب إليها أيضًا الشيخ الصالح ذو الكنى أبو القاسم أبو بكر أبو الفتح منصور الفراوي شيخ شيخنا في رواية صحيح مسلم.
حرف القاف
قبر: القبر مدفن الإنسان وجمعه قبور، والمقبرة بفتح الميم الباء أيضًا لغتان مشهورتان واحدة المقابر. وحكى شيخنا جمال الدين بن مالك رحمه الله تعالى ورضي عنه فيها لغة ثالثة وهي كسر الباء قاله الجوهري. قال: وقد جاء في الشعر المقبر.
وقال صاحب المحكم: المقبرة موضع القبور. قال الجوهري: وقبرت الميت أقبره وأقبره قبرًا أي: دفنته، وأقبرته أي: أمرت بأن يقبر. قال ابن السكيت: أقبرته أي: صيرت له قبرا يدفن فيه، وقوله تعالى: {ثم أماته فأقبره} أي: جعله ممن(4/78)
يقبر، ولم يجعله يلقى للكلاب، وإن كان القبر مما أكرم به بنو آدم.
قبط: قوله في المهذب في حد باب السرقة: روي أن عثمان رضي الله تعالى عنه قطع سارقا سرق قبطية من منبر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو بقاف تضم وتكسر ثم ياء موحدة ثم طاء مهملة مكسورة ثم ياء مشددة ثم هاء.
قال أكثر أهل اللغة: وغريب الحديث هي بضم القاف. وقال الجوهري: هي بكسر القاف، وقد تضم وهي منسوبة إلى القبط الجيل المعروف، فمن كسر فلكون المنسوب إليه مكسورا، ومن ضم قال هذا مما غير في النسب، كما نسبوا إلى الدهر دهري بالضم، ولم يذكر جماعة من المتأخرين المطلعين فيها إلا الضم، منهم صاحب المطالع، واتفقوا على أن جمعها قباطي بفتح القاف، وهي ثياب تعمل بمصر كذا قاله الهروي والجمهور.
وقال الزبيدي في مختصر العين: هو ثوب من كتان يتخذ بمصر. وقال الجوهري: هي ثياب بيض رقاق من كتان يتخذ بمصر - والله تعالى أعلم - فيحتمل أن هذه القبطية كانت سترة وزينة على المنبر.
قبل: القبلة التي يصلي إليها معناها الجهة. قال الهروي: إنما سميت قبلة لأن المصلى يقابلها وتقابله. وقال الإمام الواحدي في البسيط: القبلة الوجهة وهي الفعلة من المقابلة، وأصل القبلة في اللغة الحالة التي يقابل الشيء غيره عليها، كالجلسة للحال التي يجلس عليها، إلا أنها الآن صارت كالعلم للجهة التي تستقبل في الصلاة، وقال غيره: هذا الشيء قبالة هذا بالضم أي: في الجهة التي تقابله.
وقوله في المهذب: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركع ركعتين قُبُل الكعبة، وقال: “هذه القبلة” هذا حديث متفق على صحته أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما. وقوله: قبل ضبطناه بضم القاف والباء. قال صاحب المطالع: قبل كل شيء وقبله، وقبله ما استقبلك منه. قال القلعي في تفسير هذا الحديث: قبل الكعبة أي: مقابلها بحيث يقابلها ويعاينها، يقال: قبل وقبل. قلت: وجاء في رواية ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في الصحيح فصلى ركعتين في وجه الكعبة، وهذا هو المراد بقبلها وهو أحسن ما قيل فيه إن شاء الله تعالى، وأما قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “هذه القبلة”.
فقال الإمام أبو سليمان الخطابي رضي الله تعالى عنه معناه: أن أمر القبلة قد استقر على هذا البيت لا ينسخ بعد اليوم فصلوا إلى الكعبة أبدًا فهي قبلتكم، ويحتمل وجهًا آخر وهو أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -(4/79)
علمهم السنة في مقام الإمام واستقباله القبلة من وجه الكعبة دون أركانها وجوانبها الثلاثة، وإن كانت الصلاة من جميع جهاتها مجزية، والله تعالى أعلم.
قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “لا يزال الله تعالى مقبلا على عبده في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت صرف عنه وجهه” أي: لا يزال ثواب الله تعالى وبره ورحمته ولطفه متوجهًا إليه فإذا التفت قطع عنه ذلك. ومثله في الحديث الآخر: فإن الله تعالى قبل وجهه، وقوله في باب الأضحية المقابلة والمدابرة بفتح الباء فيهما، وقد تقدم في حرف الدال القبيلة واحدة القبائل، وقد تقدم في حرف الباء في فصل بطن بيان القبيلة والشعب والفخذ والبطن وغيرها، والقبل والمقبل نقيض الدبر والمدبر، وقبلة الرجل والمرأة معروفين قيل: إنهما من المقابلة، وأظنها من الإقبال إلى الشيء وعليه.
قثأ: القثاء بكسر القاف وضمها لغتان وبالمد وهو معروف. قال الجوهري: القثاء الخيار والواحدة قثاءة، والمقثأة والمقثوءة موضع القثاء، وأقثأت الأرض إذا كانت كثيرة القثاء. قال الإمام أبو إسحاق الثعلبي: قرأ يحيى بن وثاب وطلحة بن مصرف والأشعث العقيلى وقثائها بضم القاف، وهي لغة تميم، وذكر ابن السكيت في الباب ما يضم ويكسر قثاء وقثاء.
قحد: قوله في الروضة في أول الباب الثاني من الديات: القمحدوة بقاف ثم ميم مفتوحتين ثم حاء مهملة ساكنة ثم دال مهملة مضمومة ثم واو مفتوحة ثم هاء، وهي ما خلف الرأس. قال الجوهري: جمعها قماحد والميم زائدة.
قحم: قوله في باب الوكالة من المهذب: أن للخصومات قحما، وفسره في الكتاب بالمهالك، وهو بضم القاف وفتح الحاء المهملة المخففة، وهي المهالك كما فسره.
قال الجوهري: سميت بذلك لأنها تقحم بصاحبها على ما لا يريده، واحدتها قحمة بضم القاف وإسكان الحاء كركبة وركب. قوله في باب السير من المهذب وفي كتاب قسم الغنيمة من الروضة: ولا يدخل دار الحرب فرسًا قحما هو بفتح القاف وإسكان الحاء المهملة. قال أهل اللغة: هو الهرم مثل القحل بفتح القاف وباللام.
قد: قال الإمام أبو الحسن الواحدي رحمه الله تعالى في قوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون} قد: حرف يوجب به الشيء كقولك قد كان كذا، فأدخل قد توكيدًا لتصديق ذلك، وهو جواب لقولك لم يفعل ذلك. قال: وقال النحويون: قد تقرب(4/80)
الماضي من الحال حتى تلحقه بحكمه، ألا تراهم يقولون قد قامت الصلاة قبل حال قيامها.
قال الفراء: الحال في الفعل الماضي لا يكون إلا بإضمار قد أو بإظهارها كقوله تعالى: {أو جاءوكم حصرت صدورهم} وقد ههنا يجوز أن تكون تأكيدًا لفلاح المؤمنين، ويجوز أن تكون تقريبًا للماضي من الحال، ويكون المعنى أن الفلاح قد حصل لهم، وأنه في الحال عليه هذا كلام الواحدي. وقال الجوهري: قد حرف لا يدخل إلى على الأفعال وهو جواب لقولك لما يفعل، قال: وزعم الخليل: أن هذا لمن ينتظر الخبر تقول قد مات فلان، ولو أخبره وهو لا ينتظره لم يقل قد مات، ولكن يقول مات فلان.
قال الجوهري: وقد يكون قد بمعنى ربما، وإن جعلته إسما شددته، فقلت: كتبت قدًا حسنة، وكذلك كي وهو ولو؛ لأن هذه الحروف لا دليل على ما نقص منها، فيجب أن يزاد في أواخرها ما هو من جنسها وتدغم، إلا في الألف فإنك تهمزها، ولو سميت رجلا بلا أو ما ثم زدت في آخره ألفا همزت؛ لأنك تحرك الثانية، والألف إذا تحركت صارت همزة هذا كلام الجوهري.
قدر: قال أهل اللغة: القدر بإسكان الدال وفتحها لغتان، هو قدر الله تعالى الذي يجب الإيمان به كله خيره وشره حلوه ومره نفعه وضره. ومذهب أهل الحق إثبات القدر والإيمان به كله كما ذكرناه. وقد جاء من النصوص القطعيات في القرآن العزيز والسنن الصحيحة المشهورات في إثباته ما لا يحصى من الدلالات. وقد أكثر العلماء في إثباته من المصنفات المستحسنات، فرضي الله تعالى عنهم وأجزل لهم المثوبات. وذهبت القدرية إلى إنكاره، وأن الأمر أنف أي: مستأنف، لم يسبق به علم الله تعالى الله عن قولهم الباطل علوًا كبيرًا.
وقد جاء في الحديث تسميتهم “مجوس هذه الأمة” لكونهم جعلوا الأفعال للفاعلين، فزعموا أن الله تعالى يخلق الخير، وأن العبد يخلق الشر جل الله تعالى عن قولهم الباطل. قال إمام الحرمين وغيره من متكلمي أصحابنا وابن قتيبة من أئمة أصحاب اللغة: اتفقنا نحن وهم على ذم القدرية وهم يسموننا قدرية لإثبات القدر ويموهون بذلك، وهذا جهل منهم ومباهتة، بل هم المسمون بذلك لأوجه: أحدها: النصوص الصريحة(4/81)
في القرآن والسنة الصحيحة المشهورة في إثبات القدر. والثاني: أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم فمن بعدهم من السلف لم يزالوا على الإيمان بإثبات القدر وإغلاظ القول على من ينفيه. وفي أول صحيح مسلم عن ابن عمر قال: أخبروهم أني بريء منهم وأنهم براء مني حتى يؤمنوا بالقدر كله خيره وشره. والثالث: أنا أثبتناه لله تعالى وهم زعموه لأنفسهم، وادعوا أنهم مخترعون لأفعالهم ولم يتقدم بها علم، فمن أثبته لنفسه كان بأن ينسب إليه أولى ممن نفاه عن نفسه وأثبته لغيره، وهذا الثالث هو قول ابن قتيبة ثم إمام الحرمين رحمهما الله تعالى، والله تعالى أعلم.
قول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (القدر:1) اختلف في معناه على ثلاثة أقوال، أصحها وأشهرها: أن معناها أنزل إلى السماء الدنيا جملة واحدة في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منجمًا في أوقات مختلفة في ثلاث وعشرين سنة أو عشرين أو خمس وعشرين على حسب الاختلاف في مدة إقامته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة بعد النبوة. والثاني: معناه أنزل في عشرين ليلة قدر من عشرين سنة فكان ينزل إلى السماء الدنيا في كل سنة ما يريد الله تعالى إنزاله في السماء منجمًا، ثم ينزل على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السنة منجمًا. والثالث: معناه ابتدأ إنزاله في ليلة القدر ثم نزل في جميع الأوقات من جميع السنين.
روى الحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: “أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة”. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ورواه من طريق آخر بمعناه، وقال: صحيح على شرطهما. وحكى الواحدي وغيره القول الثاني عن مقاتل وقاله أيضًا الإمام أبو عبد الله الحليمي، والقول الثالث حكاه الماوردي عن الشعبي، وهو ضعيف مخالف لما صح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ومحله من القرآن بالمرتبة المعروفة.
وقوله في أول باب المسابقة في الحديث: “حق على الله تعالى أن لا يرفع من هذه القدرة شيء إلا وضعه”. ذكر جماعات ممن شرح ألفاظ المهذب منهم أبو القاسم بن التوزي وابن باطيش وغيرهما: أنه القدرة بضم القاف وبالدال المهملة، قالوا: والقدرة هي بمعنى المقدور كالخلقة بمعنى المخلوق ونظائره. قال: وروي أيضًا بفتح القاف وبالذال(4/82)
المعجمة أي: المستقذرة، وتكون الإشارة إلى زينة الدنيا به. وروى أبو داود هذا الحديث في أول كتاب الأدب من سننه بلفظين، أحدهما: حق على الله تعالى أن لا يرفع شيئا إلا وضعه، والثاني: أن لا يرفع شيء من الدنيا إلا وضعه.
قدم: قول الشافعي رضي الله تعالى عنه: القديم هو الذي قاله ببغداد، وصنفه في كتاب سماه كتاب الحجة، كذا قاله صاحب الشامل في خطبة الشامل، وهذا الكتاب القديم يرويه عن الشافعي أربعة من كبار أصحابه العراقيين: أحمد بن حنبل، وأبو ثور، والكرابيسي، والزعفراني، قال القفال في كتابه شرح التلخيص فيما نهى عنه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أكثر مذهب الشافعي القديم مثل مذهب مالك رضي الله تعالى عنهما.
قرأ: قال الإمام مطلقا ذو الفنون أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي رضي الله تعالى عنه في كتابه البسيط عند ذكر قول الله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرأن} قال رحمه الله تعالى: القرآن اسم لكلام الله تعالى، واختلفوا في اشتقاقه وهمزه، فقرأه ابن كثير بغير همز، ثم روى بإسناده ما رواه البيهقي وغيره عن الإمام الشافعي إمامنا رضي الله تعالى عنه: أنه كان يقول القرآن اسم وليس بمهموز، ولم يؤخذ من قرأت ولكنه اسم لكتاب الله تعالى مثل التوراة والإنجيل.
قال الشافعي: ويهمز قرأت ولا يهمز القرآن. وقال الواحدي: وقول الشافعي أنه اسم لكتاب الله تعالى تنبيه إلى أنه ليس بمشتق، وقد قال بهذا جماعات، قالوا: إنه اسم لكلامه يجري مجرى الإعلام في أسماء غيره، كما قيل في اسم الله تعالى أنه غير مشتق من معنى يجري مجرى اللقب في صفة غيره. وذهب آخرون إلى أنه مأخوذ من قرنت الشيء بالشيء إذا ضممت أحدهما إلى الآخر، فسمي به لاقتران السور والآيات والحروف؛ ولأن العبارة عنه قرن بعضه إلى بعض فهو مشتق من قرن، والاسم مهموز، ومن هذا يقال للجمع بين الحج والعمرة قران.
وذكر الأشعري رحمه الله تعالى هذا المعنى في بعض كتبه، فقال: إن كلام الله تعالى يسمى قرآنا لأن العبارة عنه قرن بعضه إلى بعض بصدق. وقال الفراء: أظن أن القرأن سمى من القرائن، وذلك أن الآيات يصدق بعضهًا بعضًا ويشابه بعضها بعضًا فهي قرائن فمذهب هؤلاء أنه غير مهموز.
وأما الذين(4/83)
همزوا فاختلفوا، فقالت طائفة: إنه مصدر القراءة. قال أبو الحسن اللحياني: يقال قرأت القرآن فأنا اقرأه قراءة وقرأ وقرآنا وهو الاسم، فقوله: وهو الاسم يعني أن القرآن يكون مصدرًا لقرآت، ويكون اسما لكتاب الله تعالى، ومثل القرآن من المصادر الرجحان والنقصان والغفران، هذا هو الأصل ثم أن المقروء يسمى قرآنا لأن المفعول يسمى بالمصدر، كما قالوا: للمشروب شراب وللمكتوب كتاب، واشتهر هذا الاسم في المقروء حتى إذا طرق الأسماع سبق إلى القلوب أنه هو، ولهذا لا يجوز أن يقال إن القرآن مخلوق مع كون القراءة مخلوقة لأن القرآن اشتهر تسميته للمقروء. وقال أبو إسحاق الزجاج: معنى القرآن معنى الجمع، يقال ما قرأت الناقة سلى قط إذا لم يضطم رحمها على ولد، وهذا مذهب أبي عبيدة. قال: إنما سمي القرآن قرآنًا لأنه يجمع السور ويضمها، وأصل القرآن الجمع، ومن هذا الأصل قرء المرأة وهو أيام إجتماع الدم في رحمها.
وقال قطرب: في القرآن قولين، أحدهما: ما ذكرناه وهو قول أبي إسحاق وأبي عبيدة. والثاني: أنه يسمى قرآنا لأن القارىء يظهره ويبينه ويلقيه من فيه أخذًا من قول العرب ما قرأت الناقة سلى قط أي: ما رمت بولد ونحو هذا. قال أبو الهيثم واللحياني: ما أسقطت ولدًا قط وتأويله ماحملت قط، والقرآن يلفظه القارىء من فيه ويلقيه، فسمي قرآنا، ومعنى قرأت القرآن لفظت به.
قال أبو إسحاق: وهذا القول ليس بخارج من الصحة، فتبين على هذا أنه اسم منقول من اسم الحدث، كما أن قولنا زيد في إسم رجل منقول من مصدر زاد يزيد، فأما دخول لام التعريف بعد النقل فكدخوله في الحارث وفي الفضل والعباس بعد النقل. ومذهب الخليل وسيبويه في هذه الأسماء التي سمي بها وفيها الألف واللام: أنها بمنزلة صفات غالبة كالنابغة والصعق، وهذا فيما ينقل من الصفات، فأما الفضل فإنما دخله الألف واللام لأنه مصدر في الأصل، وعلى هذا دخلت الألف واللام في القرآن، ومن هذه الأسماء ما يكون اللام فيه تعريفًا ثانيًا كما قاله في اسم الشمس وإلاهة والآلهة، ومنها ما يكون اللام فيه زائدة نحو قوله يا ليت أم العمرو كانت صاحبي، قال: وقول من يقول إن القرآن غير مهموز، من قرنت الشيء بالشيء أخذها، وإنما هو تخفيف الهمزة ونقل حركتها إلى الساكن قبلها فصار اللفظ به كفعال من قريت، وليس منه ألا(4/84)
ترى أنك لو سميت رجلا بقران مخفف الهمزة لم تصرفه في المعرفة كما لا تصرف عثمان، ولو أردت به فعالا من قرنت لا تصرفه في المعرفة ولا النكرة، وذكر ذلك أبو علي في المسائل الحلبية، هذا آخر ما ذكره الواحدي.
وأول ما نزل من القرآن: أول سورة اقرأ وهو قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (العلق:1: 5) } إلى هنا ثبت في صحيح مسلم. ووقع في أول صحيح البخاري إلى قوله تعالى: {وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} وهو مختصر، والزيادة من الثقة مقبولة، وقيل: أول ما نزل {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} (المدثر:1) وهو غلط، والصواب أنه أول ما نزل بعد فترة الوحي كما ثبت في الصحيحين، وقد بينته في أول الشرح لصحيحي البخاري ومسلم، وآخر ما نزل من السور براءة ومن الآيات {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} (البقرة: من الآية281) الآية، وقيل: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} (النساء: من الآية176) إلى آخرها، وقيل: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} (التوبة: من الآية128) إلى آخر الآيتين، وقيل: آية الربا.
وأما الأقراء في العدة، فقال أهل اللغة: القرء، والقرء بفتح القاف وضمها لغتان حكاهما القاضي عياض وأبو البقاء في إعرابه وغيرهما، أشهرهما الفتح وهو الذي قاله جمهور أهل اللغة واقتصروا عليه وممن حكى اللغتين في قرء، وقرء الخطابي في معالم السنن في كتاب الحيض في أول أبواب المستحاضة وجمعه في القلة أقراء وفي الكثرة قروء.
قال الإمام الواحدي: هذا الحرف من الأضداد، يقال للحيض والأطهار قرء، والعرب تقول: أقرأت المرأة في الأمرين جميعًا، وعلى هذا يونس وأبو عمرو بن العلاء وأبو عبيد أنها من الأضدادن وهي في لغة العرب مستعملة في المعنيين جميعًا وكذلك في الشرع، ومن هذا الاختلاف في اللغة وقع الخلاف في الأقراء بين الصحابة وفقهاء الأمة، فعند علي وابن مسعود وأبي موسى الأشعري ومجاهد ومقاتل وفقهاء الكوفة: أنها الحيض. وعند زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة ومالك والشافعي وأهل المدينة: أنها الأطهار. وهذا الخلاف فيما ذكر منها في العدة فأما كونه حيضًا وطهرًا، وإن اللفظ صالح لهما جميعًا فمما لا يختلف فيه أحد.
وأصل هذا اللفظ واشتقاقه مختلف فيه أيضًا. قال أبو عبيد: أصله من دنو وقت الشيء، وروى الأزهري عن الشافعي: أن القرء إسم للوقت، فلما كان الحيض يجيء لوقت والطهر يجيء لوقت، جاز أن تكون(4/85)
الأقراء حيضًا وأطهارًا. وذكر أبو عمرو بن العلاء: أن القرء الوقت وهو يصلح للحيض ويصلح للطهر. ويقال: هذا قاريء الرياح لوقت هبوبها، وأنشد أهل اللغة للهذلي:
إذا هبت لقاريها الرياح
أي: لوقت هبوبها، ولهذا يقال: أقرأت النجوم إذا طلعت، وأقرأت إذا أفلت فعلى هذا الأصل: القرء يجوز أن يكون الحيض لأنه وقت سيلان الدم، ويكون الطهر لأنه وقت إمساكه على عادة جارية فيه. وقال قوم: أصل القرء الجمع، يقال ما قرأت الناقة سلى قط أي: ما جمعت في رحمها ولدا قط.
قال الأخفش: يقال ما قرأت حيضة أي: ما ضمت رحمها على حيضة، والقرآن من القرء الذي هو الجمع، وقرأ القارىء أي: جمع الحروف بعضها إلى بعض في لفظ، وهذا الأصل يقوى أن الأقراء هي الأطهار. قال أبو إسحاق يعني الزجاج: والذي عندي في حقيقة هذا أن القرء الجمع من قولهم قريت الماء في الحوض، وإن كان قد ألزم الياء فهو جمعت، وقرأت القرآن لفظت به مجموعًا. وإنما القرء اجتماع الدم في الرحم، وذلك إنما يكون في الطهر هذا كلام الزجاج. وذكر أبو حاتم عن الأصمعي أنه قال: في قوله تعالى: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} (البقرة: من الآية228) جاء هذا على غير قياس، والقياس ثلاثة أقرؤ لأن القروء للجمع الكثير، ولا يجوز أن يقال ثلاثة فلوس إنما يقال ثلاثة أفلس فإذا كثرت فهي الفلوس.
قال أبو حاتم: وقال النحويون: في هذا أراد ثلاثة من القروء. وقال أهل المعاني: لما كانت كل مطلقة يلزمها هذا دخله معنى الكثرة، فأتى ببناء الكثرة للاشعار بذلك فالقروء كثيرة إلا أنها في القسمة ثلاثة، هذا آخر ما ذكره الإمام الواحدي.
وقال الزمخشري في كتابه الكشاف: فإن قلت لم جاء المميز على جمع الكثرة قروء دون القلة التي هي الأقراء؟ قلت: يتوسعون في ذلك فيستعملون كل واحد من الجمعين مكان الآخر لاشتراكهما في الجمعية، ألا ترى إلى قوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} (البقرة: من الآية228) وما هي إلا نفوس كثيرة. قال: ولعل القروء كانت أكثر استعمالا في جمع قرء من الأقراء، فأوثر عليه تنزيلا لقليل الاستعمال منزلة المهمل، فيكون مثل قولهم ثلاثة شسوع. قال: وقرأ الزهري ثلاثة قرو بغير همز.
قرح: الماء القراح المذكور في غسل الميت، هو بفتح القاف وتخفيف الراء. قال الأزهري وغيره: الماء القراح هو الخالص الذي لم يجعل فيه كافور ولا حنوط.(4/86)
قرر: باب الإقرار معروف. قال الرافعي: الإقرار الإثبات من قولهم قر الشيء يقر وأقررته وقررته، وليس تسمية هذا الباب إقرارًا لأنه ابتداء إثبات بل لأنه إخبار عن ثبوت ووجوب سابق.
قرص: في الحديث: “حتيه ثم اقرصيه قرصه تقطيعه وقلعه بالظفر” وقد سبق بيانه في الحاء.
قرض: قال الإمام الواحدي في تفسيره: القرض اسم لكل ما يلتمس منه الجزاء، يقال أقرض فلان فلانا إذا أعطاه ما يتجازاه منه، والاسم منه القرض، وهو ما أعطيته لتكافأ عليه هذا إجماع من أهل اللغة.
قال الكسائى: القرض ما أسلفت من عمل صالح أو سيء. وقال الأخفش: تقول العرب لك عندي قرض صدق وقرض سوء لأمر يأتي فيه مسرته ومساءته. وقال ابن كيسان: القرض أن تعطي شيئًا ليرجع إليك مثله أو ليقضى شبهه، وأصله في اللغة: القطع ومنه المقراض، ومعنى أقرضته قطعت له قطعة تجازى عليها، وانقرض القوم إذا هلكوا لانقطاع أثرهم. قال: شبه الله عز وجل عمل المؤمنين لله عز وجل على ما يرجون ثوابه بالقرض؛ لأنهم إنما يعطون ما ينفقون ابتغاء ما وعدهم الله عز وجل من جزيل الثواب. قال: والقرض في قوله عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} (البقرة: من الآية245) اسم لا مصدر، ولو كان مصدرًا لكان إقراضًا. قال أهل المعاني: هذا تطلف من الله عز وجل في الاستدعاء إلى أعمال البر لذلك أضاف الإقراض إلى نفسه، كأنه قيل من ذا الذي يعمل عمل المقرض بأن يقدم، فيأخذ أضعاف ما قدم في وقت فقره وحاجته، وتأويله من ذا الذي يقدم إلى الله عز وجل ما يجد ثوابه عنده، هذا ما ذكره الواحدي في سورة البقرة، ثم ذكر في سورة الحديد صفة القرض الحسن، فقال: قال أهل العلم: القرض الحسن أن يجمع به حلالا وأن يكون من أكرم وأجود ما يملكه لا من رديئه، وأن يكون في حال صحته وحاجته ورجائه الحياة، وأن يضعه في الأحوج الأحق بالدفع إليه، وأن يكتمه وأن لا يتبعه منا ولا أذى، وأن يقصد به وجه الله تعالى فلا يرائي به، وأن لا يستكثر ما يتصدق به، وأن يكون من أحب ماله إليه، فهذه الأوصاف إذا استكملها كان قرضًا حسنًا. وقال يحيى بن معاذ الرازي رضي الله تعالى عنه: عجبت لمن يبقى له مال ورب العرش يستقرضه.(4/87)
قرع: بضم القاف وإسكان الراء من الاستهام وهي معروفة. قال الأزهري: يقال أقرعت بين الشركاء في شيء يقتسمونه فاقترعوا عليه وتقارعوا فقرعهم فلان وهى القرعة. وقال صاحب المحكم: قارعه فقرعه يقرعه أي: أصابته القرعة دونه، وقارع بينهم وأقرع، وقارعة الطريق أعلاه.
قال الأزهري والجوهري: وقيل: هو ما برز منه. وقيل: صدر الطريق. قوله في الوسيط في كتاب الحج: ولو دهن الأقرع رأسه فلا بأس، الأقرع: هو الذي صلع رأسه فلم يبق عليه شعر، ورجل أقرع وامرأة قرعاء، وهو القرع قاله الأزهري. قال الجوهري: الأقرع الذي ذهب شعر رأسه من آفة، وقد قرع فهو أقرع بين القرع، وذلك الموضع من الرأس القرعة، والقوم قرع وقرعان. وكذا قال صاحب المحكم: القرع ذهاب الشعر من داء.
قال صاحب المحكم: حية أقرع متمعط شعر الرأس لجمعه السم فيه، والتقريع قص الشعر، والتقرع بئر يخرج بالفصلان، وحاشية الإبل يسقط وبرها، وفي المثل: أجرد من القرع وقرع الشيء يقرعه قرعًا أي ضربه، والمقرعة خشبة تضرب بها البغال والحمير.
وقيل: كل ما قرع به مقرعة، والقراع والمقارعة مضاربة القوم في الحرب، وقد تقارعوا وقريعك الذي يقارعك، والقارعة القيامة، والقارعة الشدة، والقراع طائر يقرع يابس العيدان بمنقاره فيدخل فيه، والجمع قراعات، ولم يكسر، وترس قراع صلب لصبره على القرع، والقراع من كل شيء الصلب الأسفل الضيق الفم، وقرع الفحل الناقة يقرعها قرعا وقراعا ضربها، وناقة قريعة يكثر الفحل ضرابها ويبطىء لقاحها، واستقرعت البقر إذا ارادت الفحل، والتقريع التأنيب. وقيل: الإيجاع باللوم، واقترع الشي اختاره، وأقرعوه خيار مالهم أعطوه إياه، والقريعة والقرعة خيار المال، والقريع الفحل وهو من ذلك. وقيل: لأنه يقرع الناقة، وجمعه أقرعة، والمقروع كالقريع الذي هو الخيار، واستقرعه جملا فأقرعه إياه أي: أعطاه ليضرب أينقه، وقرع قرعا فهو قرع ذائد عن الشيء، والقريع الجبان، وقرعه صرفه، وقوارع القرآن منه مثل آية الكرسي، وليس لأنها تصرف الفزع عمن قرأها، وأقرع الفرس كبحه، وأقرع إلى الحق رجع، وقرعه بالحق(4/88)
رماه به، وقرع المكان خلا، وقريعة البيت خير موضع فيه إن كان في حر فمظلة أو في قر فمكنة. وقيل: قريعته سقفه، والقرع حمل اليقطين الوحدة قرعة.
قال أبو حنيفة: هو القرع واحدتها قرعة فحرك ثانيها، والمقرعة منبته كالمبطخة والمقثأة، هذا آخر كلام صاحب المحكم. وقال الأزهري: قال ابن الأعرابي: القرع والسبق والندب الخطر الذي يسبق عليه يعني: المال، وأصبحت الرياض قرعا قد جردتها المواشي فلم تترك فيها شيئًا من الكلأ. وقولهم: ألف أقرع هو التام، وترس أقرع وقراع أي صلب، وفلان قريع الكتيبة وقريعها أي رئيسها، وقرعة كل شيء خياره، والقرعة الجراب الواسع يلقى فيه الطعام. وقال أبو عمرو: هو الجراب الصغير وجمعه قرع.
وفي الحديث: “قرع المسجد” أي: قل أهله كما يقرع الرأس إذا قل شعره. وفي الحديث: “نعم البضع لا يقرع أنفه” أصله: أن الرجل يأتي بناقة كريمة إلى رجل له فحل فيسأله أن يطرقها فحله فإن أخرج إليه فحلا ليس بكريم قرع أنفه، وقال: لا أريده. وقولهم: قرع سنه الندم، وقرع الإناء فم الشارب إذا استوفى ما فيه، واقترع فلان أي: اختير، وقريعة الإبل كريمتها، وجفان مقرعات أي: مثقلات، وأقرعت نعلي وخفي إذا جعلت عليهما رقعة كثيفة، وقرع التيس العنز إذا قفطها.
قال الأموي: يقال للضأن استوبلت، وللمعز استدرت، وللبقرة استقرعت، وللكلبة استحرمت، وأقرعت فلانًا كففته، وهو مقرع لكذا ومعرق أي مطبق، وقرع مكان يده من المائدة تقريعًا إذا ترك مكان يده من المائدة فارغًا، وسأتقرع أي أنقلب، وقرعهم أقلقهم وووبخهم، وأقرع المسافر دنا من منزله، وأقرع داره آجرا إذا فرشها بالآجر، وأقرع الشر دام، وأقرع الرجل عن صاحبه، وانقرع كف، وأقرع الغائص والمائح انتهى إلى الأرض، والقراعة القداحة التي يقتدح بها النار، وقوارع القرآن نحو ما قال صاحب المحكم، وقرع الرجل إذا قمر في النضال، وقرع افتقر، وقرع اتعظ، وقرعناك واقترعناك وقرحناك واقترحناك ومخرناك وامتخرناك وانتضلناك أي اخترناك، والقريع المقروع، والقريع الغالب، ويقال: أنزل الله تعالى به قارعة وقرعاء ومقرعة وبيضاء ومبيضة، وهي المصيبة التي لا تدع مالا ولا غيره، هذا آخر كلام الأزهري.(4/89)
قرقب: قوله في باب السلم من المهذب: لا يجوز السلم في ثوب عمل فيه من غير غزله كالقرقوبي، هو بقاف مفتوحة ثم راء ساكنة ثم قاف مضمومة ثم واو ساكنة ثم باء موحدة مكسورة ثم ياء النسب، هكذا ضبطه بعض الأئمة الفضلاء المصنفين في ألفاظ المهذب، وقال: كذا تقوله العامة، وإنما هو قرقبى بضم القافين من غير واو، ورأيت بعض الفضلاء يقول بضم القاف الأولى مع إثبات الواو، والواو ثابتة في النسخ، وقد فسره المصنف.
قرن: في الحديث: “إن الشمس تطلع ومعها قرن شيطان” ذكره في الساعات التي نهى عن الصلاة فيها من الوسيط، وهو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من رواية ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بقرني شيطان” وأما الرواية التي وقعت في الوسيط فهي مرسلة، واختلف العلماء في المراد بقرن الشيطان على أقوال كثيرة. قال الهروي: قيل: قرناه ناحيتا رأسه، قال: وقال الحربي: هذا مثل معناه حينئذ يتحرك الشيطان ويتسلط. وقيل: معنى القرن القوة أي: تطلع حين قوة الشيطان، وقال غير الهروي: قرنه أمته وشيعته، والراجح عند جماعة من المحققين كونه على ظاهره، وهو أن المراد جانبا رأسه ومعناه: أنه يدنى رأسه إلى الشمس في هذه الأوقات ليصير الساجد لها كالساجد له، والله تعالى أعلم.
وفي الحديث الآخر: “خيركم قرني” مذكور في باب الشهادات من المهذب اختلف أيضًا فيه على أقوال كثيرة. قال الهروي: القرن كل طبقة مقترنين في وقت، ومنه: قيل لأهل كل مدة أو طبقة بعث فيها نبي. قلت: السنون أو كثرت قرن. ومنه الحديث: “خيركم قرني - يعني أصحابي - ثم الذين يلونهم” يعني التابعين بإحسان، واشتقاقه من الاقتران. وقيل: القرن ثمانون سنة. وقيل: أربعون. وقيل: مائة. وقال ابن الأعرابي: القرن الوقت. وقال غيره: قيل للزمان قرن لأنه يقرن أمه بأمة وعالما بعالم، وهو مصدر قرنت جعل اسم للوقت أو لأهله، هذا آخر كلام الهروي.
وقال غيره: قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “خيركم قرني” المراد منه الصحابة. وقيل: جميع من كان حيًا على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وحكى الحربي فيه أقوالا، ثم قال: وليس في هذا شيء واضح، ورأى أن القرن كل أمة هلكت فلم يبق منها أحد، والله تعالى أعلم. وقرن الموضع(4/90)
الذي يحرم منه، وهو ميقات أهل نجد، وهو بإسكان الراء، اتفق العلماء عليه واتفقوا على تغليط الجوهري في فتح الراء منه، وفي قوله: إن أويس القرني رضي الله تعالى عنه منسوب إليه، وهذا غلطه فيهما الإمام ابن بري، ويقال فيه قرن المنازل وهو على قدر مرحلتين من مكة، والقران في الحج معروف.
وفي حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها في غسل بنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورضي الله تعالى عنها قالت: “فضفرنا ناصيتها ثلاثة قرون” أي: ثلاث ضفائر وذوائب، فالقرون والذوائب والضفائر والغدائر كلها بمعنى واحد، وهي خصل الشعر المضفورة، وقولهم في باب النكاح إذا وجد أحد الزوجين بالآخر جنونا أو جذامًا أو برصًا أو رتقًا أو قرنًا ثبت له الخيار. قال أهل اللغة: القرن بإسكان الراء هو العفلة بفتح العين المهملة والفاء، وهو لحمة تكون في فم فرج المرأة، والقرن بفتح الراء مصدر قرنت تقرن قرنا على وزن برصت تبرص برصا، فيجوز أن يقال هذا الذي ذكروه في كتاب النكاح بالفتح والإسكان، الفتح على ارادة المصدر والإسكان على إرادة الاسم، ونفس العفلة، إلا أن الفتح أرجح لكونه موافقًا لباقي العيوب، فإنها كلها مصادر، وعطف مصدر على مصدر أحسن من عطف اسم على مصدر، هذا الذي ذكرناه هو الصواب، وقد غلط من أنكر على الفقهاء قولهم ذلك بالفتح، بل الصواب جوازه ورجحانه.
قال الإمام العلامة أبومحمد عبد الله بن بريء. قال الفراء: القرن هو العيب، وهو من قولك امرأة قرناء بينة القرن، وأما القرن بالإسكان فاسم العفلة، والقرن بالفتح اسم العيب، والله تعالى أعلم. ويقال: قرنت بين الشيئين أقرن بضم الراء في المضارع هذه اللغة الفصيحة، ويقال كسرها في لغة قليلة.
قزع: قوله في باب السواك من التنبيه وباب العقيقة من المهذب: ويكره القزع، هو بفتح القاف والزاي، ثبت في الصحيحين من رواية ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، قال: نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن القزع. قال الأزهري في تهذيب اللغة: قال أبو عبيد: هو أن يحلق رأس الصبي ويترك منه مواضع فيها الشعر متفرقة، وهكذا ذكره الهروي وابن فارس والجوهري. يقال: قزع رأسه تقزيعًا إذا حلق شعره، وبقيت منه بقايا في نواحي رأسه. وقال الليث عن الخليل بن أحمد إمام أهل اللغة والعربية مطلقا في الحديث “نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -(4/91)
عن القزع” وهو لغة أخذ بعض الشعر وترك بعضه من الرأس. وكذا قال صاحب المحكم في تفسير القزع في الحديث: هو أخذ بعض الشعر وترك بعضه.
قلت: وإلى هذا أشار في المهذب بقوله: ويكره أن يترك على بعض رأسه الشعر للنهي عن القزع، فظاهر كلامه أن مطلق البعض مكروه.
قوله في باب القصاص في الجروح والأعضاء من المهذب: وإن كانت الموضحة في مقدم الرأس أو مؤخره أو في قنزعته هي بضم القاف وإسكان النون وفتح الزاي وضمها لغتان. قال أهل اللغة: هي الشعر حوالي الرأس، وأنشدوا لحميد الأرقط يصف الصلع:
كأن طسا بين قنزعته
ويجمع على قنازع، وأرادوا بحوالي الرأس جوانبه. وأما قول ابن باطيش: القنزعة أعلى موضع في الرأس فلا نعرفه صحيحا في اللغة، وإن كان صحيح المعنى في هذا الموضع. قال صاحب المحكم: القزع أيضًا قطع من السحاب رقاق، كأنها ظل إذا مرت من تحت السحابة الكبيرة. وقيل القزع السحاب المتفرق واحدتها قزعة، وما في السماء قزعة وقزاع أي: لطخة غيم، والقُزَّعة والقُزْعة خصل من الشعر تترك على رأس الصبي كالذوائب متفرقة في نواحي الرأس، ورجل مقزع ومتفزع لا يرى على رأسه إلا شعيرات متفرقة تطاير مع الريح، والقزعة موضع الشعر المتفرق من الرأس.
وروينا بالإسناد المتقدم إلى أبي عوانة الاسفرايني، قال: ثنا موسى بن سعد الدين عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى غلاما قد حلق بعض رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك، وقال: “احلقوا كله أو ذروا كله” قال الأزهري: والقزعة ولد الزنا.
قسط: في المهذب في باب الأحداث: في الحديث الترخيص للمغتسلة في نبذة من قسط وأظفار، هو بضم القاف، ويقال فيه كست بضم الكاف وبالتاء في آخره، وهو بخور معروف، ليس من مقصود الطيب.
قسم: قولهم كتاب القسامة: هي بفتح القاف. قال الرافعي: قال الأئمة: القسامة في اللغة اسم للأولياء الذين يحلفون على دعوى الدم، وفي لسان الفقهاء: هي اسم للأيمان، قال: وقال الجوهري: هي الأيمان تقسم على الأولياء في الدم، وعلى التقديرين فهي اسم أقيم، يقال: أقسم إقساما وقسامة كأكرم إكراما(4/92)
وكرامة.
قال الإمام: ولا اختصاص لها بأيمان الدماء، إلا أن الفقهاء استعملوها فيها، وأصحابنا استعملوها في الأيمان التي يقع الابتداء فيها بالمدعي، وصورتها: أن يوجد قتيل بموضع لا يعرف قاتله ولا بينة، ويدعي وليه قتله على شخص أو جماعة، وتوجد قرينة تشعر بتصديق الولي في دعواه، ويقال له: اللوث فيحلف الولي خمسين يمينًا، ويثبت القتل فتجب الدية لا القصاص، وفي قول يجب القصاص.
قشع: قال صاحب المحكم: انقشع عنه الشيء وتقشع غشيه ثم انجلى عنه كالظلام عن الصبح، والهم عن القلب، والسحاب عن الجو، والقشع: السحاب الذاهب المتقشع عن وجه السماء، والقَشعة والقِشعة قطعة منه تبقى في أفق السماء إذا تقشع الغيم، وقد أقشع الغيم وانقشع، وتقشع وقشعته الريح قشعًا، وأقشع القوم وتقشعوا وانقشعوا إذا ذهبوا وافترقوا.
قصد: قال الجوهري: القصد إثبات الشيء تقول قصدته وقصدت له وقصدت إليه بمعنى، وقصدت قصده أي: نحوت نحوه، وأقصد السهم أي أصاب، والقصد العدل، والقصد بين الإسراف والتقتير، وهو مقتصد في النفقة، والقاصد القريب، يقال: يننا وبين الماء ليلة قاصدة أي: هينة السير لا تعب فيه ولا بطء. والقصيد: جمع قصيدة من الشعر كسفين جمع سفينة في أول باب غزاة أوطاس من صحيح البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه: في رجل أراد قتله فقصدت له. وفي كتاب الأيمان من صحيح مسلم في باب من قتل رجلا من الكفار بعد أن قال لا إله إلا الله عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه: “أن رجلا من المشركين كان إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله، وأن رجلا من المسلمين قصد غفلته”. هذا لفظه بحروفه، وهكذا في مسلم مرتب هذا الترتيب، وفيه شيء يستظرف، وهو جمعه اللغات الثلاث في سطر واحد قصدت إليه وقصدت له وقصدته.
قصر: القصارة المذكورة في باب التفليس: وهو قصارة الثوب، هي بكسر القاف، وهكذا ما أشبهها من الصنائع مكسورة كلها.
قال أبو إسحاق الزجاج في كتابه معاني القرآن العزيز في أول سورة البقرة في قول الله تعالى: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} (البقرة: من الآية7) وقال: كلما كان مشتملا على الشي فهو في كلام العرب مبني على فعالة نحو الغشاوة،(4/93)
والعمامة والقلادة والعصابة، قال: وكذلك أسماء الصناعات، معنى الصناعة الاشتمال على كل ما فيها نحو الخياطة والقصارة، قال: وكذلك كل من استولى على شيء، فاسم ما استولى عليه الفعالة نحو الخلافة والإمارة، هذا كلام الزجاج.
وذكر الواحدي في البسيط في هذا الموضع مثله سواء، قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: صلاة الأضحى والجمعة والعيدين ركعتان، قصر ذكره في بابي الجمعة والعيدين من المهذب معناه: شرعت ركعتين من أصلها، ولم تشرع أربعًا ثم قصرت. وقوله في المختصر في تفسير الحديث: أول الوقت رضوان الله تعالى، وآخره عفو الله تعالى. قال الشافعي: الرضوان إنما يكون للمحسنين، والعفو يشبه أن يكون للمقصرين، في تسميته مقصر تأويلان لأصحابنا المتقدمين مشهوران في كتب المذهب، أحدهما: أنه مقصر بالنسبة إلى من صلى في أول الوقت، وإن كان لا إثم عليه. والثاني: مقصر بتفويت الأفضل، كما يقال من ترك صلاة الضحى فهو مقصر، وإن كان لا يأثم.
ويقال: قصر المسافر الصلاة وقصرها بتخفيف الصاد وتشديدها لغتان مشهورتان حكاهما جماعات: منهم ابن فارس في كتابه حلية الفقهاء، والتخفيف أفصح، وأشهر وبه جاء القرآن وروايات الأحاديث الصحيحة وهو القصر والتقصير، وهو رد الرباعية إلى ركعتين.
قصع: في الحديث: “ناقة تقصع بجرتها” قال الأزهري: قال أبو عبيد: القصع ضمك الشيء على الشيء حتى تقتله أو تهشمه، ومنه قصع القملة، قال: وقصع الجرة شدة بعض الأسنان إلى بعض، قال أبو زيد: القصع هو المضغ بعد الدسع، والدسع هو أن تنزع الجرة من كرشها، وقال أبو سعيد: الضرير قصع الناقة الجرة استقامة خروجها من الجوف إلى الشدق غير متقطعة ولا نزرة، ومتابعة بعضها بعضًا، وإنما تفعل هذا إذا كانت مطمئنة ساكنة لا تسير، فإذا خافت شيئا قطعت الجرة ولم تخرجها، هذا كلام الأزهري.
قال صاحب المحكم: القصعة الصحفة تشبع العشرة، والجمع قصاع وقصع، وقصع الماء قصعا أبتلعه جرعا، وقصع الماء عطشه يقصعه قصعا، وقصعه سكنه وقتله، والقصع قتل الصؤاب والقملة بين الظفرين، وقصع البعير بجرته مضغها، وقيل: هو أن يردها إلى جوفه، وقيل: هو أن يملأ بها فاه.
قصى: في الحديث: “ما من ثلاثة في قرية أو بدو لا تقام فيهم الجماعة إلا(4/94)
وقد استحوذ عليهم الشيطان عليك بالجماعة فإنما يأخذ الذئب القاصية” ذكره في صلاة الجماعة من المهذب، القاصية: البعيدة شبه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تمكن الشيطان من المنفرد عن الجماعة، بتمكن الذئب من الشاة المنفردة البعيدة من الأهل والغنم.
قضى: قول الله عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} (الإسراء: من الآية23) مذكور في أول نفقة الأقارب من المهذب، قال الواحدي: قال عامة المفسرين وأهل اللغة: معنى قضى هنا أمر. وقال غيره: أوجب. وقيل: ووصى. وكذلك قرأها علي وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب، وروي هذا عن ابن عباس، قال: والتصقت إحدى الواوين بالصاد فصارت قافا. قال الفراء: تقول العرب تركته يقضي أمور الناس أي: يأمر فيها فينفذ أمره، والله تعالى أعلم، والقضاء الولاية المعروفة ممدود.
قال الأزهري: القضاء في الأصل إحكام الشيء والفراغ منه، ويكون القضاء أيضًا الحكم. وقيل للحاكم قاض لأنه يمضي الأحكام ويحكمها، ويكون قضى بمعنى أوجب فيجوز أن يكون سمي قاضيا لإيجابه الحكم على من يجب عليه، هذا آخر كلام الأزهري. وأما عمرة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسماة عمرة القضاء وعمرة القضية فكانت في ذي القعدة سنة سبع من الهجرة، وكان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحرم بالعمرة في ذي القعدة سنة ست، فصده المشركون ثم صالحهم، وقاضى سهيل بن عمرو على الهدنة ثم اعتمر في السنة السابعة. وقيل: لها عمرة القضاء والقضية لمقاضاة سهيل بن عمرو لا لأنها قضاء عمرة سنة ست بلى لما ذكرناه. ووقعت عمرة سنة سبع قضاء، وأما سنة ست فحسبت عمرة في الثواب، فقد جاءت الأحاديث الصحيحة بأن عمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربع: منها عمرة الحديبية سنة ست، وعمرة القضاء سنة سبع، وعمرة الجعرانة سنة ثمان، وعمرة مع حجة سنة عشر.
قطط: قولهم: ما فعلته قط، هي لتوكيد نفي الماضي، وفيها لغات: قط وقط بفتح القاف وضمها مع تشديد الطاء المضمومة فيهما، وقط بفتح القاف وتشديد الطاء المكسورة، وقط بفتح القاف وإسكان الطاء، وقط بكسر القاف وكسر الطاء المخففة.
قطع: قوله في المهذب: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقطع بلال بن الحارث المعادن القبلية، ذكره في زكاة المعدن. قال الأزهري في تهذيب اللغة: يقال: استقطع فلان الإمام قطيعة، فأقطعه إياها إذا سأله أن يقطعها له ويبينها ملكا له فأعطاه إياها. قال الجوهري:(4/95)
والاقطاع يكون تمليكا وغير تمليك. قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إذا صلى أحدكم فليصل إلى السترة، وليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته” ذكره في استقبال القبلة من المهذب: فيقطع مرفوع العين، وهذا الحديث أخرجه أبو داود في سننه بهذا اللفظ عن سهل بن أبي خثمة رضي الله تعالى عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولعل معناه - والله تعالى أعلم - أنه إذا لم يدن منها.
قال الأزهري: قال أبو عمرو: وقطاع النخل وقطاعه مثل الصرام والصرام، وأقطع النخل إقطاعا حان قطاعه، ومقاطع القرآن مواضع الوقوف ومبادئه مواضع الابتداء، وفلان قطع أي: شبهه في قده وخلقه، وجمعه أقطاع. قال الأزهري: ويقال قطع فلان رحمه قطعًا إذا لم يصلها، والاسم القطيعة، ويقال لقاطع رحمه قطعة وقطع بضم القاف وفتح الطاء، ويقال قطعت الحبل قطعًا فانقطع، وقطعت النهر قطعًا وقطوعا ومنقطع، كل شيء حيث ينقطع مثل منقطع الرمل والحرة وشبههما، والمقطع الشيء نفسه. قال الفراء: سمعت بعض العرب يقول: غلبني فلان على قطعان من أرض يريد أرضا مفروزة مثل القطيعة، فإذا أردت قطعة من شيء قطع منه. قلت: قطعة والقطعة يعني بفتحتين موضع القطع من يد الأقطع، يقال ضربه بقطعته.
وقال الليث: يقولون قطع الرجل ولا يقولون قطع الأقطع لأن الأقطع لا يكون أقطع حتى يقطعه غيره، ولو لزمه ذلك من قبل نفسه لقيل قطع أو قطع، قال: ويجمع الأقطع على قطعان. قال الليث: يقال قاطعت فلانا على كذا وكذا من الأجر، والعمل مقاطعة. قال: وسيف قاطع وقطاع ومقطع وكل شيء يقطع به فهو مقطع، والمقطع موضع القطع، والمقطع مصدر كالقطع، والمقطع غاية ما قطع، يقال: مقطع الثوب ومقطع الرمل للذي لا رمل وراءه، ورجل قطوع لإخوانه ومقطاع لا يثبت على مؤاخاة، وبنو قطيعة حي من العرب النسبة إليهم قطعي. قال: وقطاع الطريق الذين يعارضون أبناء السبيل فيقطعون بهم السبيل، وشيء حسن التقطيع إذا كان حسن القد، هذا آخر ما نقلته من كلام الأزهري.
وقال صاحب المحكم: القطع إبانة بعض أجزاء الجرم من بعض فصلا، يقال قطعه يقطعه قطعا، وقطيعة وقطوعا، وقطعة واقتطعه فانقطع وتقطع، وشيء قطيع مقطوع، والقِطعة والقَطعة والقطاعة ما قطعته منه، وخص اللحياني بالقطاعة قطاعة الأديم والجوار، وهو ما قطع من الجوار أو من النخالة، وتقاطع(4/96)
الشيء بان بعضه من بعض، وأقطعه أياه أذن له في قطعه، وحبل اقطاع مقطوع كأنهم جعلوه كل جزء منه قطعًا، وإن لم يتكلم به، وكذلك ثوب أقطاع وقطع، والأقطع المقطوع اليد، والجمع قطع وقطعان، ويد قطعاء مقطوعة، وقد قطع قطعا، والقَطعة والقِطعة موضع القطع من اليد.
وقيل: بقية اليد المقطوعة، ومقطع كل شيء ومنقطعه آخره، وقطع به النهر وأقطعه إياه وأقطعه به جاوزه، وهو من الفصل بين الأجزاء، وانقطع الشيء ذهب وقته ومنه انقطع الحر والبرد، وانقطع كلامه وقف فلم يمض، وقطع لسانه أسكته بإحسانه إليه، وانقطع لسانه ذهبت سلاطته، وقطعه قطعا وأقطعه بكته، وهو قطيع القول ومنه قطع، وقطع قطاعة وأقطعت الداجة انقطع بيضها، وقطع به وانقطع وأقطع وأقطع ضعف عن النكاح، وانقطع بالرجل والبعير كلاً، والقطع والقطيعة الهجران ضد الوصل، وتقاطع القوم تصارموا، وقطع رحمه قطعا، ورجل قطعة وقطع ومقطع وقطاع يقطع رحمه، واقتطع طائفة من الشيء أخذه، والقطيعة ما اقتطعته منه، وأقطعني إياها أذن لي في اقتطاعها، واستقطعه إياها سأله أن يقطعه إياها، والقطيع الطائف من الغنم والنعم ونحوه، فالغالب عليه أنه من عشر إلى أربعين. وقيل: ما بين خمس عشرة إلى خمس وعشرين، والجمع أقطاع وأقطعة وقطعان وقطاع وأقاطيع.
قال سيبويه: وهو مما جمع على غير بناء واحده، ونظيره عنده حديث وأحاديث، والقطعة كالقطيع والقطع، والقطاع اللصوص يقطعون الأرض، والقطع والقطعة والقطيع والقطع والقطاع طائفة من الليل تكون من أول الليل إلى ثلثه، وقطع الجواد الحبل خلفه ومضى، هذا آخر كلام صاحب المحكم.
قطف: قوله في الوسيط في بيع الأصول والثمار: الإبقاء مستحق للبائع إلى أوان القطاف يعني إلى أوان قطعه، يقال: قطاف وقطاف بكسر القاف وفتحها.
قال صاحب المحكم: قطف الشيء يقطفه قطفًا وقطفانا وقطافا وقطافا قطعه، والقطف ما قطف من الثمر، وهو أيضا العنقود ساعة يقطف، والجمع قطوف والقطاف، والقطاف: أوان قطف الثمر، وأقطف العنب حان أن يقطف. وقال الجوهري: القطاف بالكسر العنقود. وقال الهروي: القطف العنقود، وهو اسم لكل ما يقطف كالذبح والطحن. قولهما في باب الإجارة: الدابة القطوف هي بفتح(4/97)
الطاء، وهو البطء في السير.
قعد: قال صاحب المحكم: القعود نقيض القيام، قعد يقعد قعودًا، وأقعدته وقعدت به، والمقعد والمقعدة، والمقعدة مكان القعود. قال سيبويه: هو مني مقعد القابلة، وذلك إذا دنا فالتزق من بين يديك، يريد بتلك المنزلة ولكنه حذف وأوصل، كما قالوا دخلت البيت أي في البيت، ومن العرب من يرفعه ويجعله هو الأول على قولهم انت مني مرأى ومسمع. والقعدة بالكسر الضرب من القعود، وبالفتح المرة الواحدة منه، وذو القعدة إسم شهر كانت العرب تقعد فيه وتحج في ذي الحجة.
وقولهم في الدعاء: إن كنت كاذبًا فحلبت قاعدًا معناه: ذهبت إبلك فصرت تحلب الغنم لأن حالب الغنم لا يكون إلا قاعدًا، وأقعد الرجل لم يقدر على النهوض، وبه قعاد أي داء يقعده، وما قعدك واقتعدك أي حبسك، ورجل قعدى وقعدى عاجز كأنه يؤثر القعود والقعدة والقعودة. والقعود من الإبل ما اتخذه الراعي للركوب وحمل الزاد، والجمع أقعدة. وقعد وقعدان وقعائد واقتعدها اتخذها قعودًا. وقيل: القعود القلوص. وقيل: القعود البكر إلى أن يثنى ثم هو جمل والقعود أيضًا الفصيل، وقاعد الرجل قعد معه، وقعيد الرجل مقاعده، وقعيدا كل إنسان حافظاه عن اليمين وعن الشمال، وقعيدة الرجل وقعيدة بيته امرأته، وقعدت المرأة عن الحيض والولد تقعد قعودا فهي قاعد انقطع عنها، والقاعدة والقاعد أصل الأس والقعدد، والقعدد الجبان اللئيم القاعد عن الحرب والمكارم، والقعدد الخامل والقعدد والقعدد أملك القرابة في النسب، وفلان أقعد من فلان أي أقرب منه إلى جده الاكبر، هذا آخر كلام صاحب المحكم.
وقال الأزهري: قال أبو الهيثم: القواعد من صفات الإناث، لا يقال رجال قواعد ويقال رجل قاعد عن الغزو، وقوم قعاد وقاعدون، وقعدك الله مثل نشدتك، وقعدك الله أي الله معك، وقعيدك الله لتفعلن كذا القعيد الاب، وقعدت الرجل وأقعدته خدمته. قال الفراء: تقول العرب قعد فلان يشتمني وقام يشتمني بمعنى طفق وجعل. وقال أبو عمرو: القعدد القريب النسب من الجد الأكبر، والقعدد البعيد النسب من الجد الأكبر وهو من الأضداد. وقال النضر بن شميل: القعود في الإبل من الذكور، والقلوص من الإناث. وقال ابن الأعرابي: البكرة الأنثى قلوص، والبكر الذكر قعود، إلى أن يثنيا ثم هو جمل.(4/98)
قال الأزهري: وعلى هذا التفسير قول من شاهدت من العرب لا يكون القعود إلا البكر الذكر، وجمعه قعدان والقعادين جمع الجمع، قال: ولم نسمع قعودة بالهاء لغير الليث. وأخبرني المنذري: أنه قرأ بخط أبي الهيثم ذكر الكسائى: أنه سمع من يقول قعودة للقلوص وللذكر قعود. قال الأزهري: وهذا عند الكسائى من نادر الكلام الذي سمعه من بعضهم، وكلام أكثر العرب على غيره. قال ابن السكيت: ما يقعدني عن ذلك الأمر إلا شغل أي ما حبسني. قال ابن الأعرابي: القعد الشراة الذين يحكمون ولا يحاربون. قال الأزهري: هو جمع قاعد كحارس وحرس وخادم وخدم، والقعدي من الخوارج الذي يرى رأي القعد الذين يرون التحكيم حقًا، غير أنهم قعدوا عن الخروج على الناس، هذا آخر كلام الأزهري.
قعر: قال صاحب المحكم: قعر كل شيء أقصاه، وجمعه قعور، ونهر قعير بعيد القعر، وكذلك بئر قعيرة وقعير وقد قعرت قعارة وقصعة قعيرة كذلك، وقعر البئر يقعرها قعرًا انتهى إلى قعرها، وكذا الإٌناء إذا شربت جميع ما فيه حتى تنتهى إلى قعره، وقعر الثريدة أكلها من قعرها، وأقعر البئر جعل لها قعرا. وقال ابن الأعرابي: قعر البئر يقعرها عمقها وقعر الحفر كذلك، ورجل بعيد القعر أي الغور، وقعر الفم داخله، وقعر في كلامه وتقعر تشدق، وتكلم بأقصى قعر فمه، ورجل قيعر وقيعار متقعر في كلامه، وإناء قعران في قعره شيء، وقصعة قعرى وقعرة فيها ما يغطي قعرها، واسم ذلك الشيء القعرة، والقعرة وقعب مقعار واسع بعيد القعر، والمقعر الذي يبلغ قعر الشيء، وامرأة قعرة وقعيرة بعيدة الشهوة. وقيل: هي التي تجد الغلمة في قعر فرجها، وضربه فقعره أي: صرعه، وقعر النخلة والشجرة قطعها من أصلها فسقطت وانقعرت. وقيل: كل ما انصرع فقد انقعر وتقعر، هذا آخر كلام صاحب المحكم.
وقال الأزهري: قعر الرجل بالتشديد إذا روى فنظر فيما يغمض من الرأي حتى يستخرجه. وقال ابن الأعرابي: القعر بفتحتين العقل التام، ويقال: ما خرج من أهل هذا القعر أحد مثله، كقولك من أهل هذا الغائط مثل البصرة والكوفة.
قعل: قال أهل اللغة: القعال ما تناثر عن نور العنب وشبهه من كمامه، واحدته قعالة، وأقعل النور انشقت عنه قعالته، والاقتعال تنحية القعال، والقاعلة(4/99)
الجبل الطويل، وجمعه قواعل، والمقتعل السهم الذي لم يبر بريا جيدًا، والقعولة في المشي إقبال القدم كله على الأخرى، هذا كلام صاحب المحكم.
وقال الأزهري: القيعلة المرأة الجافية الغليظة وأيضًا العقاب الذي يسكن قواعل الجبال، والاقتعال الانتصاب في الركوب، وصخرة مقعالة منتصبة لا أصل لها في الأرض.
قفز: قد تكرر استعمال القفيز في كتب الفقه، ويريدون به التمثيل، والقفيز في الأصل مكيال معروف، وهو مكيال يسع اثني عشر صاعا، والصاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي، هكذا قاله أهل اللغة وأصحاب الغريب وغيرهم. قال أبو منصور الأزهري في شرح ألفاط المختصر: الأردب أربعة وعشرون صاعا وهو أربعة وستون منا، والقيعل نصف الأردب، قال: والكرستون ففيزًا، والقفيز ثمانية مكاكيك، والمكوك صاع ونصف وهو ثلاث كيلجات، والصاع خمسة أرطال وثلث رطل، والمد ربع الصاع، والفرق ثلاثة أصوع، وهي ستة عشر رطلا.
قال الإمام أبو منصور الأزهري: وأخبرني المنذري عن المبرد أنه قال القسط وزن أربعمائة واحد وثمانين درهما. وقال في الصحاح: والقسط مكيال وهو نصف صاع. وفي الغريبين للهروي عن أبي عبيدة: أن القسط والوسق ستون صاعا، والبهار وزن ثلاثمائة رطل، والكر اثنا عشر وسقا، وهو الوقر، هذا آخر كلام الأزهري نقلته بحروفه وكماله لكثرة فوائده.
وأما القفاز الذي يلبس ذكره في باب الإحرام، وفي باب ستر العورة من المهذب: وهو بضم القاف وتشديد الفاء، وهو لباس للكف يتخذ من الجلود وغيرها، تلبسه نساء العرب ليقي أيديهن الحر ويحفظ نعومتها، ويلبسه أيضًا حملة الجوارح من البزاة وغيرها.
قلت: قوله في المهذب في باب الحجر: والقرض يروى أن المسافر وماله لعلي، قلت: قوله يروى أي: ليس هذا خبرًا عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما هو من كلام بعض السلف. قيل: إنه عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وذكر ابن السكيت والجوهري في صحاحه: إن لبعض الأعراب، والقلت بفتح القاف واللام وآخره تاء مثناة من فوق وهو الهلاك. قال الجوهري: تقول منه قلت بكسر اللام والمقلتة بفتح الميم المهلكة.
قلج: القولنج المذكور في باب الوصية مرض معروف، وهو بضم القاف وإسكان(4/100)
الواو وفتح اللام، ويقال فيه قولون وليس بعربي، وهو مرض يحدث بالأمعاء.
قلح: القلح المذكور في باب السواك بفتح القاف واللام. قال الجوهري وغيره: صفرة تعلو الأسنان. وقال صاحب المحكم: القلح والقلاح يعني بضم القاف في الناس وغيرهم. قال: وقيل: هو أن تكثر الصفرة على الأسنان، وتغلظ ثم تسود، أو تحضر. قال: وقد قلح يعني بكسر اللام، وكذلك صرح به الجوهري قلحًا فهو قلح وأقلح، وجمع الأقلح قلح، ومنه الحديث: “لا تدخلوا علي قلحا”.
قلد: التقليد قبول قول المجتهد والعمل به. وقال القفال في أول شرح التلخيص: هو قبول قول القائل إذا لم يعلم من أين قاله. وقال الشيخ أبو إسحاق: هو قبول القول بلا دليل. قال القفال: كأنه جعل قادة له.
قلس: في الحديث: “من قاء في صلاته أو قلس” هو بفتح القاف واللام. قال الجوهري: القلس يعني بإسكان اللام هو القذف، وقد قلس يقلس فهو قالس. قال: وقال الخليل: القلس ما خرج من الحلق ملء الفم أو دونه، وليس هو بقيء فإن عاد فهو القيء، هذا كلام الجوهري.
قلت: وقوله: قاء أو فلس يحتمل أن يكون شكا من الراوي في إحدى اللفظتين، ويحتمل أن يكون للتقسيم يعني سواء كان هذا أو ذاك، وهذا الحديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به، وأما القلنسوة التي تلبس فالنون فيها زائدة، وهي معروفة، وفيها لغتان ذكرهما الجوهري وغيره. قال الجوهري: القلنسوة والقلنسية إذا حسنة القاف ضممت السين، وإذا ضممت القاف كسرت السين وقلبت الواو ياء، فإذا جمعت أو صغرت فأنت بالخيار في حذف الواو والنون لأنهما زائدتان، فإن شئت حذفت الواو فقلت قلانس، وإن شئت حذفت النون فقلت قلاس، وإنما حذفت النون لالتقاء الساكنين، وإن شئت عوضت فيهما ياء فقلت قلانيس أو قلاسي، وتقول في التصغير قلينسة، وإن شئت قلت قليسية، ولك أن تعوض فيهما فتقول قلينيسة، وقليسية بتشديد الياء الأخيرة، وإن جمعت القلنسوة بحذف الهاء فقلت قلنس وأصله قلنسو، إلا أن الواو رفضت لأنه ليس في الأسماء اسم آخره حرف علة وقبله ضمة، فإذا أدى إلى ذلك قياس وجب رفضه، وتبدل من الضمة كسرة فيصير آخر الاسم ياء مكسورًا ما قبلها فيصير كقاض وغاز في التنوين، وكذا(4/101)
القول في أحق وأدل جمع حقو ودلو، ويقال قلسيته فتقلسي وتقلنس وتقلس أي: ألبسته القلنسوة فلبسها، هذا آخر كلام الجوهري.
قلع: قولهم: فإذا حاصر الإمام قلعة هي بفتح القاف وإسكان اللام، وهي الحصن وجمعه قلوع، قاله الأزهري عن ابن الأعرابي، وسيأتي كلام صاحب المحكم فيها.
قال الأزهري: وأقلع الرجل عن عمله إذا كف عنه، والقلاع الساعي إلى السلطان بالباطل، والقلاع القواد، والقلاع النباش، والقلاع الكذاب. قال ابن الأعرابي: القلاع الذي يقع في الناس عند الأمراء يسمى قلاعا لأنه يأتي المتمكن عند الأمير فلا يزال يقع فيه ويشي به حتى يزيله، ويقلعه من مرتبته، والقلاع شراع السفن، والجمع قلع، والقلاع والخراع واحد، وهو أن يكون صحيحا فيقع ميتا، وانقلع وانخرع والقلع الكنف تكون فيه الأدوات، والقلعة يعني بفتح القاف واللام السحابة الضخمة، والجمع قلع، والحجارة الضخمة أيضًا قلع، والقلع بكسر القاف وإسكان اللام الرجل البليد الذي لا يفهم، والقلع أيضا الذي لا يفهم، والقلع أيضا الذي لا يثبت على الخيل، وفي صفة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - “إذا مشى تقلع”، وفي رواية: “إذا زال زال تقلعا” معناهما واحد أي يرفع رجليه رفعا ثابتا لا كمن يمشي اختيالا، والقليع المرأة الضخمة الجافية، وكل هذا مأخوذ من القلعة، وهي السحابة الضخمة، وكذلك قلعة الجبل والحجارة.
قال الفراء: القلاعة والقلاعة تخفف وتشدد هي قشر الأرض الذي يرتفع عن الكمأة، قال: ومرج القلعة اسم للقرية التي دون حلوان، ولا يقال القلعة. قال الأصمعي: القلع الوقت الذي تقلع فيه الحمى، والقلوع اسم من الانقلاع، قال الليث: القلاع الطين الذي ينشق إذا أنضب عنه الماء كل قطعة منه قلاعة يعني بالتشديد فيهما، والقلاع بالتخفيف من أدواء الفم معروف، هذا آخر كلام الأزهري.
وقال صاحب المحكم: القلع انتزاع الشيء من أصله قلعه يقعله قلعا وقلعه واقتلعه وانقلع واقتلع وتقلع. قال سيبويه: قلعت الشيء حولته عن موضعه، واقتلعته لمولاهم والقلاع والقلاعة والقلاعة قشر الأرض الذي يرتفع عن الكمأة فيدل عليها، والقلاع أيضًا الطين الذي يتشقق إذا نضب عنه الماء فكل قطعة منه قلاعة، والقلاع أيضًا الطين اليابس، واحدته قلاعة، والقلاعة المدرة المقتلعة، ورمى بقلاعة أي: بحجة(4/102)
تسكته، وهي على المثل، والقلاع صخور عظام مقتلعة، واحدته قلاعة، والقلعة صخرة عظيمة تنقلع عن الجبل صعبة المرتقى، والقلعة حصن منيع في جبل، وجمعها قلاع وقلع. وقيل: القلعة بسكون اللام حصن مشرف، وجمعه قلوع، وقلع الوالي قلعا وقلعة فانقلع عزل، والدنيا دار قلعة أي: انقلاع، والقلعة من المال ما لا يدوم، والقلعة الرجل الضعيف، وقلع الرجل قلعا، وهو قلع وقلع وقلعة وقلعة وقلاع لم يثبت على السرج، والقلع والقلع الكنف، وجمعه قلعة وقلاع، وأقلع المطر والحمى وغيرهما انجلى، والقلع حين إقلاع الحمى، والقلعة الشقة وجمعها قلع، والقلوع طائر أحمر الرجلين، هذا آخر كلام صاحب المحكم.
قلل: قوله في الركوع: “وما استقلت به قدمي” معناه: حملته. قال صاحب المحكم: استقله حمله ورفعه. قال ابن الأثير في كتابه الشافي في شرح مسند الشافعي رضي الله تعالى عنه في قوله: “وما استقلت به قدمي” أقللت الشيء واستقللت به إذا حملته، قال: والسين في استقللت يجوز أن تكون سين التكلف والتعاطي، وأن تكون سين التفرد بالشيء والمراد به ما حملته قدمي أي: جميع جسمي، قال: وفائدة قوله: “وما استقلت به قدمي” بعد قوله “سمعي وبصري وعظمي”، وإن كانت هذه الأشياء قد جمعت أكثر جسد الإنسان، فإنه تأكيد وتتميم لما عسى أن يكون قد أحل به هذا اللفظ فلم يشمله فاستدرك، فقال: “ما استقلت به قدمي” فأنى بهذا اللفظ الحاوي لجميع البدن.
قمط: في باب الصلح من الوسيط معاقد القمط. قال أهل اللغة: القمط بكسر القاف وإسكان الميم ما تشد به الاخصاص. قال الجوهري: القمط يعني بكسر القاف وإسكان الميم ما تشد به الاخصاص، قال: ومنه معاقد القمط. قال الشافعي رحمه الله تعالى في المختصر: ولا نظر إلى من إليه الدواخل ولا الخوارج ولا أنصاف اللبن ولا معاقد القمط. قال الأزهري في شرح المختصر: والخوارج ما خرج من أشكال البناء مخالف لأشكال ناحيته، وذلك تحسين وتزيين لا يدل على ملك يثبت وحكم يجب، قال: ومعاقد القمط يكون في الأخصاص التي تبنى وتسوى من الحصر وشقايف الخوص، قال: والقمط هي الشرط، وهي حبال دقاق تشد بها الحصر التي تسقف بها الاخصاص وحواجزها، فلا يحكم بمعاقدها ودواخلها وخوارجها(4/103)
لأنها لا تثبت ملكا، وإن كان العرف جرى أن ما دخل يكون أحسن مما خرج، هذا آخر كلام الأزهري.
قمل: القمل معروف واحدتها قملة، وقد قمل رأسه بفتح القاف وكسر الميم قملا بالفتح فيهما إذا كثر قمله. قال في المحكم: ويقال لها قمال يعني في الواحدة.
قنا: قوله في باب الحيض من المهذب: “دم الحيض هو المحتدم القانىء الذي يضرب” والقانىء بهمز آخر كالقارىء يقال: قنأ يقنىء فهو قانىء مثل قرأ يقرأ فهو قارىء، والمصدر قنوء على وزن ركوع هذا أصله، ويجوز تخفيف همزته. قال أهل اللغة: القانىء هو الذي اشتدت حمرته. وقال أصحابنا: هو الذي اشتدت حمرته حتى صارت تضرب إلى السواد.
قنت: قال الجوهري: القنوت الطاعة هذا هو الأصل، ومنه قوله تعالى: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} (الأحزاب: من الآية35) ثم سمي القيام في الصلاة قنوتا، ومنه الحديث: “أفضل الصلاة طول القنوت” ومنه قنوت الوتر، هذا آخر كلام الجوهري.
قنطر: قال الله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً} (النساء: من الآية20) قال أبو البقاء العكبري في إعرابه في أول سورة آل عمران: النون في القنطار أصل ووزنه فعلال مثل حملان، قال: وقيل: النون زائدة، واشتقاقه من قطر يقطر إذا جرى، والذهب والفضة يشبهان الماء في الكثرة وسرعة التقلب، هذا كلام أبي البقاء وجزم أبو منصور الجواليقي في كتابه المعرب حكاية عن ابن الانبارى والمشهور في كتب اللغة: أنه رباعي ونونه أصل، وبهذا جزم الهروي في الغريبين والزبيدي في مختصر العين، وذكر المفسرون في قوله تعالى في سورة آل عمران في والقنطير اختلافا كثيرا، فذهب جماعة إلى أن القنطار هو مال عظيم محدود. وحكى أبو عبيدة عن العرب: أنهم يقولون هو وزن لا يحد، وذهب الأكثرون إلى تحديده ثم اختلفوا فقيل: هو اثنا عشر ألف أوقية، رواه أبو هريرة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وروي عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه ألف دينار. وقيل: ألف ومائتا أوقية، رواه أبي بن كعب وهو قول ابن عمر ومعاذ بن جبل، ورواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم، وقيل: اثنا عشر ألف درهم أو ألف دينار وهو قول الحسن. وقيل: هو ملأ جلد ثور ذهبًا أو فضة. وقيل: هو ثمانية آلاف مثقال ذهب أو فضة. وقيل: أربعة آلاف دينار. وقيل: ألف ومائتا مثقال. وقيل: ثمانون ألفا. وقيل:(4/104)
سبعون ألفا. وقيل: أربعون مثقال. وقيل: غير ذلك. والله تعالى أعلم.
قنع: قوله تعالى: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} (الحج: من الآية36) تقدم تفسيرهما في حرف العين في فصل عرر. والمقنعة والمقنع بكسر الميم فيهما اسم لما تقنع به المرأة رأسها، قاله اللحياني وصاحب المحكم وغيرهما. قال صاحب المحكم: قنع بنفسه قنعا، وقناعة رضي، ورجل قانع من قوم قنع وقنع من قنعين وقنيع من قنيعين وقنعاء، وامرأة قنيع وقنيعة من نسوة قنائع، ورجل قنعاني وقنعان ومقنع وكلاهما لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث يقنع به ويرضى برأيه وقضائه، وربما ثني وجمع وفلان قنعان من فلان لنا أي: تقنع به بدلا منه، يكون ذلك في الدم وغيره، ورجل قنعان يرضى باليسير، وقنع يقنع قنوعا ذل للسؤال. وقيل: سأل وقد استعمل القنوع في الرضى. وقيل: هي قليلة، حكاهما ابن جني، وأنشد فيهما بيتين. وقيل: القنوع الطمع، والقانع خادم القوم وأجيرهم.
وفي الحديث: “لا تقبل شهادة القانع” وأقنع يديه في القنوت مدهما، واسترحم ربه سبحانه وتعالى، وأقنع رأسه رفعه، وشخص ببصره نحو الشيء لا يصرفه عنه، وأقنعت الإناء في النهر استقبلت به جريته ليمتلىء أو أملته لتصب ما فيه، وقنعه بالسيف والسوط والعصا علاه به، والقنوع بمنزلة الحدور من سفح الجبل مؤنث، والقنع ما بقي من الماء في قرب الجبل، والمقنع والمقنعة ما تغطي به المرأة رأسها، والقناع أوسع من المقنعة، وقد تقنعت به وقنعت رأسها، وألقى عن وجهه قناع الحياء وهو على المثل، وربما سموا الشيب قناعا لكونه موضع القناع من الرأس، ورجل مقنع عليه بيضة ومغفر، وتقنع في السلاح دخل، والمقنع المغطى رأسه، والقنع والقناع الطبق من عسب النخل يوضع فيه الطعام، والجمع أقناع وأقنعة، هذا آخر كلام صاحب المحكم.
وقال الأزهري: قال ابن السكيت: من العرب من يجوز القنوع بمعنى القناعة، وكلام العرب الجيد الفرق بينهما، وأقنعني كذا أي: أرضاني، والقناع والمقنعة ما تغطي به المرأة رأسها ومحاسنها من ثوب. وقال الليث: القناع أوسع من المقنعة. قال الأزهري: ولا فرق عند الثقات من أهل اللغة بين القناع والمقنعة، وهو مثل اللحاف والملحفة والقرام والمقرمة، هذا آخر كلام الأزهري.
قنن: العبد القن بكسر القاف(4/105)
وتشديد النون هو عند الفقهاء: من لم يحصل فيه شيء من أسباب العتق ومقدماته بخلاف المكاتب والمدبر والمعلق عتقه على صفة والمستولدة هذا معناه في اصطلاح الفقهاء، وسواء كان أبواه مملوكين أو معتقين أو حرين أصليين بأن كانا كافرين واسترق هو أو أحدهما بصفة، والآخر بخلافها. وأما أهل اللغة: فإنهم يقولون القن هو العبد إذا ملك هو وأبواه كذا صرح به صاحب المجمل والجوهري وغيرهما. قال الجوهري: ويستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمؤنث، قال: وربما قالوا عبيد أقنان لم يجمع على أقنة، والله تعالى أعلم.
قال الجوهري: القوانين: الأصول، واحدها قانون وليس بعربي. قال: مستهلكها بكسر القاف والتشديد هي ما يجعل فيه الشراب، والجمع القناني.
قهد: قوله في المهذب في باب الربا في بيت لبيد:
لمقعر قهد
هو بفتح القاف وسكون الهاء. قال الجوهري في هذا البيت: القهد مثل القهب، وهو الأبيض الأكدر. وقال صاحب المحكم: القهد الأبيض، قال: وخص بعضهم به البيض من أولاد الظباء والبقر. قال: وجمعه قهاد.
قول: قال أهل اللغة: القول والقال والقيل والقولة، وأما قول الأصحاب جاز. وقيل: لا يجوز، وشبه ذلك فهو ترجيح للأول، وأن الاعتماد عليه والثاني ضعيف. قال الرافعي: في أول استقبال القبلة إذا أطلق المذهبيون الحكم ثم قالوا: وقيل: كذا فهو إشارة إلى ترجيح الأول إلا إذا نصوا على خلافه. قلت: وقوله: إلا إذا نصوا على خلافه فيه فائدة حسنة يجاب بها عن قوله في التنبيه في مواضع قليلة، منها قوله في كتاب الغصب: وإن أراد صاحب الثوب قلع الصبغ وامتنع الغاصب أجبر. وقيل: لا يجبر وهو الأصح.
قيأ: القيء معروف الفعل منه قاء بالمد. قال الأزهري في باب العين: والثاء المثلثة. قال ابن الأعرابي: قع يقع وايقع يقع واثع يثع وهاع وياع كل ذلك إذا قاء. قال الأزهري: وروى الليث هذا الحرف تع بالتاء المثناة من فوق إذا قاء. قال الأزهري: وهذا خطأ إنما هو بالمثلثة لا غير، هذا كلام الأزهري. وقال صاحب المحكم في باب العين: والتاء المثناة تع تعًا واتع قاء كثع كلاهما عن ابن دريد، ثم قال في باب العين: والمثلثة ثععت يعني بكسر العين ثعا وثععا وتععت قئت وتععت بفتح العين اتع بكسرها تعا مثلها. وقال(4/106)
ابن دريد: تع وثع سواء، وقد تقدم واثع القيء اندفع. والله تعالى أعلم.
قيح: قال الجوهري: القيح المدة لا يخالطها دم تقول منه قاح الجرح يقيح، وقيح الجرح وتقيح.
قين: قال صاحب المحكم: القين الحداد. وقيل: كل صانع قين، والجمع أقيان وقيون، وقال: يقين قيانة وقينا صار قينا، وقان الحديدة قينا عملها وسواها، وقان الإناء يقينه قينا أصلحه، والتقين التزين بألوان الزينة، وتقين الرجل واقتان تزين، وقانت المرأة نفسها قينا، وقينتها زينتها، وتقين النبت واقتان حسن، والقينة الأمة المغنية تكون من التزين لأنها كانت تزين، وربما قالوا للمتزين باللباس من الرجال قينة، وقيل: القينة الأمة مغنية كانت مغنية، والقين العبد، والجمع قيان، والقينة الدبر. وقيل: هي أدنى فقرة من فقر الظهر إليه. وقيل: هي القطن، وهي ما بين الوركين. وقيل: هي الهزمة التي هنالك، هذا آخر كلام صاحب المحكم.
وقال الإمام أبو منصور الأزهري في تهذيب اللغة: قال الليث: القين والقينة العبد والأمة. قال الليث: وعوام الناس يقولون القينة المغنية. قال الأزهري: إنما قيل للمغنية قينة إذا كان الغناء صناعة لها، وذلك من عمل الإماء دون الحرائر. وقال ثعلب عن ابن الأعرابي: القينة الماشطة، والقينة المغنية، والقينة الجارية تخدم حسب هذا آخر كلام الأزهري.
وقال الجوهري في صحاحه: القينة الأمة مغنية كانت أو غير مغنية، والجمع القيان. قال أبو عمرو: كل عبد عند العرب قين، والأمة قينة، وبعض الناس يظن القينة المغنية خاصة، وليس هو كذلك، هذا آخر كلام الجوهري.
وقال ابن فارس: القين والقينة العبد والأمة. قال: والعامة تسمي المغنية القينة. وقال صاحب مطالع الأنوار: القينة المغنية والقينة أيضًا الأمة وأيضا الماشطة.
فصل في أسماء المواضع
القادسية: في هي بكسر الدال والسين المهملتين وتشديد الياء، بينهما وبين الكوفة نحو مرحلتين، وبينها وبين بغداد نحو خمس مراحل.
قاف: المذكور في كتاب الله العزيز، قال المفسرون: هو جبل محيط بالدنيا(4/107)
كلها نقله الواحدي عن أكثر المفسرين. قال: وقالوا هو من زبرجد وهو من وراء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه بمسيرة سنة وما بينهما ظلمة. قال: وهذا قول مقاتل وابن بريدة وعكرمة والضحاك ومجاهد ورواية عطاء وأبي الجوزاء عن ابن عباس. قال الفراء: على هذا القول كان يجب أن يظهر الاعراب في قاف لأنه اسم وليس بهجاء. قال: ولعل القاف وحدها ذكرت من اسمه، كما قال الشاعر:
قلت لها قفي قالت قاف
وقال قتادة: قاف اسم من أسماء القرآن. وقال مجاهد: قاف فاتحة السورة، وهذا مذهب أهل اللغة. قال أبو عبيدة والزجاج: افتتحت السورة به كما افتتح غيرها بحروف الهجاء نحو {ن} و {الم} و {الر} وحكى الفراء والزجاج: أن قومًا من أهل اللغة قالوا: معنى قاف قضي الأمر أو قضي ما هو كائن، واحتجوا بقول الشاعر:
قلت لها قفي قالت قاف
معناه: قالت قف، هذا كلام الواحدي.
قباء: مذكورة في باب الاستطابة من المهذب هو بضم القاف وتخفيف الباء وبالمد وهو مذكر منون مصروف، هذه هي اللغة الفصيحة المشهورة. وحكى صاحب مطالع الأنوار وغيره فيه لغة أخرى وهي القصر حكاها في المطالع عن الخليل، وأخرى وهي التأنيث، وترك الصرف، والمختار ما قدمته وهو الذي قاله الجمهور، ونقله صاحب المطالع عن أبي عبيد البكري وعن أبي علي القالي.
قبر أم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ذكر الأزرقي في موضعه ثلاثة أقوال، أحدها: أنه بمكة في دار نابغة، والثاني أنه بمكة أيضا في شعب أبي ذر، والثالث أنه بالأبواء. قلت: هذا الثالث أصح.
قبل: المعادن القبلية مذكورة في زكاة المعدن من المهذب: وهي بالقاف والباء الموحدة المفتوحتين وكسر اللام بعدهما، وهو موضع من ناحية الفرع، والفرع بضم الفاء وإسكان الراء قرية ذات نخل وزرع ومياه جامعة بين مكة والمدينة على نحو أربع مراحل من المدينة.
أبوقبيس: زاده الله تعالى شرفا مذكور في باب استقبال القبلة من الوسيط والروضة، هو بضم القاف وفتح الباء، وهو الجبل المعروف بنفس مكة. حكى الجوهري في سبب تسميته بذلك قولين: الصحيح منهما أن أول من نهض يبني فيه رجل من مذحج، يقال له أبو قبيس فلما صعد في البناء سمي أبا قبيس. والثاني: ضعيف(4/108)
أو غلط فتركته.
قال أبو الوليد الأزرقي: الاخشبان بمكة هما الجبلان أحدهما أبو قبيس وهو الجبل المشرف على الصفا إلى السويد إلى الخندمة، وكان يسمى في الجاهلية الأمين لأن الحجر الأسود كان مستودعا فيه عام الطوفان. قال الأزرقي: وبلغني عن بعض أهل العلم من أهل مكة أنه قال: إنما سمي أبا قبيس لأن رجلا كان يقال له أبو قبيس بني فيه فلما صعد فيه بالبناء سمى الجبل أبا قبيس، ويقال كان الرجل من إياد، قال: ويقال اقتبس منه الحجر الأسود فسمي أبا قبيس، والقول الأول أشهرهما عند أهل مكة. قال مجاهد: أول جبل وضعه الله تعالى على الأرض حين مادت أبو قبيس. وأما الأخشب الآخر فهو الجبل الذي يقال له الأحمر وكان يسمى في الجاهلية الأعرف، وهو الجبل المشرف على قعيقعان وعلى دور عبد الله بن الزبير.
القدس: بضم القاف هو بيت المقدس زاده الله تعالى شرفا، يقال بفتح الميم وإسكان القاف وكسر الدال، ويقال بضم الميم وفتح القاف وفتح الدال المشددة لغتان مشهورتان. قال الجوهري في صحاحه بيت المقدس يشدد ويخفف والنسبة إليه مقدسي مثال مجلسي ومقدسي، قال امرؤ القيس:
كما شبرق الولدان ثوب المقدسي
يعني يهوديا والقدس، والقدس: الطهر إسم ومصدر، ومنه قيل للجنة حظيرة القدس، والتقديس التطهير، والأرض المقدسة المطهرة، هذا كلام الجوهري. وقال الواحدي في أول سورة البقرة: البيت المقدس يعني بالتخفيف المطهر. قال: وقال أبو علي: وأما بيت المقدس يعني بالتخفيف فلا يخلو إما أن يكون مصدرا أو مكانا، فإن كان مصدرًا كان كقوله تعالى: {إليه مرجعكم} ونحوه من المصادر، وإن كان مكانا فالمعنى بيت المكان الذي جعل فيه الطهارة أو بيت مكان الطهارة، وتطهيره على معنى إخلائه من الأصنام وإبعاده منها، انتهى قول أبي علي.
وقال الزجاج: البيت المقدس أي المكان المطهر، وبيت المقدس أي: المكان الذي يطهر فيه من الذنوب، هذا ما ذكره الواحدي. وقال غيره: البيت المقدس وبيت المقدس لغتان الأولى على الصفة، والثانية على إضافة الموصوف إلى صفته كصلاة الأولى ومسجد الجامع.
قرن: ميقات أهل نجد، ويقال له قرن المنازل بفتح الميم، وقرن الثعالب كذا قاله صاحب المطالع وغيره، وكذلك(4/109)