ـ[لكتاب: تهذيب الأسماء واللغات]ـ
المؤلف: الإمام العلامة الفقيه الحافظ أبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي
عنيت بنشره وتصحيحه والتعليق عليه ومقابلة أصوله: شركة العلماء بمساعدة إدارة الطباعة المنيرية
يطلب من: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان
عدد الأجزاء: 4
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
(تخريج الأحاديث وتخريج أسماء الرجال لـ مصطفى عبد القادر عطا، وليست في المطبوع)(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
مقدمة المؤلف
الحمد لله خالق المصنوعات، وبارىء البريات، ومدبر الكائنات، ومصرف الألسن الناطقات، مفضل لغة العرب على سائر اللغات، المُنزل كتابه والمرسل رسوله وحبيبه محمدًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بها تنويهًا بشأنها، وتعريفًا بعظم محلها وارتفاع مكانها، أحمده أبلغ الحمد وأكمله، وأزكاه وأشمله، وأشهد أن لا إله إلا الله اللطيف الكريم، الرءوف الرحيم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وحبيبه وخليله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى سائر النبيين وآل كل وسائر الصالحين، أما بعد:
فإن لغة العرب لما كانت بالمحل الأعلى، والمقام الأسنى، وبها يُعرف كتاب رب العالمين، وسُنة خير الأولين والآخرين، وأكرم السابقين واللاحقين، صلوات الله عليه وعلى سائر النبيين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اجتهد أولو البصائر والأنفس الزاكيات، والهمم المهذبة العاليات فى الاعتناء بها، والتمكن من إتقانها بحفظ أشعار العرب وخطبهم ونثرهم، وغير ذلك من أمرهم، وكان هذا الاعتناء فى زمن الصحابة، رضى الله عنهم، مع فصاحتهم نسبًا ودارًا، ومعرفتهم باللغة استظهارًا، لكن أرادوا الاستكثار من اللغة التى حالها ما ذكرنا، ومحلها ما قدمنا، وكان ابن عباس، وعائشة، وغيرهما، رضى الله عنهم، يحفظون من الأشعار واللغات ما هو من المعروفات الشائعات.
وأما ضرب عمر بن الخطاب وابنه، رضى الله عنهما، أولادهما لتفريطهم فى حفظ العربية، فمن المنقولات الواضحات الجلية. وأما المنقول عن التابعين ومَن بعدهم فى ذلك، فهو أكثر من أن يُحصر، وأشهر من أن يذكر.
وأما ثناء إمامنا الشافعى، رحمه الله، وحثه على تعلم العربية فى(1/2)
أول رسالته، فهو مقتضى منصبه، وعظم جلالته، ولا حاجة إلى الإطالة فى الحث عليها، فالعلماء مجمعون على الدعاء إليها، بل شرطوها فى المفتى، والإمام الأعظم والقاضى لصحة الولايات، واتفقوا على أن تعلمها وتعليمها من فروض الكفايات.
فلما كان أمرها ما ذكرته، وجلالتها بالمحل الذى وصفته، أردت أن أسلك بعض طرق أهلها، لعلى أنال بعض فضلها، وأؤدى بعض ما ذكرته من فروض الكفاية، وأساعد فى معرفة اللغة من له رغبة من أهل العناية، فأجمع إن شاء الله الكريم الرءوف الرحيم ذو الطول والإحسان والفضل والامتنان كتابًا فى الألفاظ الموجودة فى "مختصر أبى إبراهيم المزنى"، و"المهذب"، و"التنبيه"، و"الوسيط"، و"الوجيز"، و"الروضة"، وهو الكتاب الذى اختصرته من شرح الوجيز للإمام أبى القاسم الرافعى، رحمه الله.
فإن هذه الكتب الستة تجمع ما يحتاج إليه من اللغات، وأضم إلى ما فيها جُملاً مما يحتاج إليه مما ليس فيها؛ ليعم الانتفاع به إن شاء الله تعالى، اللغات العربية، والعجمية، والمعربة، والاصطلاحات الشرعية، والألفاظ الفقهية، وأضم إلى اللغات ما فى هذه الكتب من أسماء الرجال، والنساء، والملائكة، والجن، وغيرهم ممن له ذكر فى هذه الكتب برواية وغيرها، مسلمًا كان أو كافرًا، برًا كان أو فاجرًا.
وخصصت هذه الكتب بالتصنيف؛ لأن الخمسة الأولى منها مشهورة بين أصحابنا يتداولونها أكثر تداول، وهى سائرة فى كل الأمصار، مشهورة للخواص والمبتدئين فى كل الأقطار، مع عدم تصنيف مفيد يستوعبها.
وقد صنَّف جماعة فى أفرادها مصنفات غير مستوفات، وفى كثير منها إنكار وتصحيف، فيقبح بمنتصب للإعادة أو التدريس إهمال ذلك، وأرجو من فضل الله الكريم إن تم هذا الكتاب أن يشفى القلوب الصافيات، ويملأ الأعين الصحيحات الكاملات.
وأرتب الكتاب على قسمين:
الأول: فى الأسماء. والثانى: فى اللغات.
فأما الأسماء فضربان:
الأول: فى الذكور. والثانى: فى الإناث.
فأما الأول فثمانية(1/3)
أنواع:
الأول: فى الأسماء الصحيحة، كمحمد، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، وزيد، وعمرو، وشبهها.
الثانى: فى الكنى، كأبى القاسم، وأبى بكر، وأبى حفص، ونظائرها.
الثالث: الأنساب والألقاب والقبائل، كالزهرى، والأوزاعى، والبويطى، والمزنى، وكالأعمش، والأصم، وكقريش، وخزاعة، وخثعم.
الرابع: ما قيل فيه ابن فلان، أو ابن فلانة، أو أخوه، أو أخته، أو عمه، أو خاله، كابن أبى سعية، وابن أبى ليلى، وابن أبى ذئب، وابن جريج، وكابن أم مكتوم، وابن اللتبية، وكأخوى عائشة، رضى الله عنها، وأختيها، وعم عباد بن تميم، ونظائرها.
الخامس: ما قيل فيه فلان، عن أبيه، عن جده.
السادس: زوج فلانة، وزوجة فلان.
السابع: المبهمات، كرجل، وشيخ، وبعض العلماء، ونحوه.
الثامن: ما وقع من الأسماء والأنساب غلطًا.
وأما الضرب الثانى، وهو النساء، فهو سبعة أنواع على الترتيب المذكور فى الرجال، ويسقط منهن النوع الخامس، فليس فى هذه الكتب فلانة، عن أمها، عن جدتها، أو عن أبيها، عن جدها، وباقى الأنواع موجودة.
وسنرى كل ما ذكرته فى موضعه موضحًا إن شاء الله تعالى. وأرتب جميع ذلك على حروف المعجم، لكن أبدأ فيه بمن اسمه محمد كما فعل أبو عبد الله البخارى والعلماء بعده، رضى الله عنهم، لشرف اسم النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم أعود إلى ترتيب الحروف، فأبدأ بحرف الهمزة، ثم الباء، ثم التاء، ثم الجيم، إلى آخرها، وأعتمد فى الاسم الحرف الأول، فأقول: حرف الهمزة، أذكر فيه اسم كل من فى اسمه ألف، مقدمًا منهم من بعد الألف فيه الأول فالأول، فأقدم آدم على إبراهيم؛ لأنهما وإن اشتركا فى أن أولهما همزة، لكن بعد همزة آدم همزة أخرى، وبعد همزة إبراهيم باء، والهمزة مقدمة على الباء، ثم كذلك فى باقى حروف الاسم، وأعتبر ذلك فى باقى الحروف، فأقدم أبيض بن حمال، على أُبى بن كعب؛ لأنهما وإن اشتركا فى الهمزة والباء والياء، فرابع أبيض ضاد، ورابع أبى ياء أخرى، فإن اشترك اثنان فى جميع الحروف كإبراهيم وإبراهيم، قدمت بالآباء،(1/4)
فأقدم إبراهيم بن آزر على إبراهيم بن إبراهيم، وإبراهيم بن إبراهيم على إبراهيم بن أحمد، وإبراهيم بن أحمد على إبراهيم بن أدهم، فإن استويا فى اسمهما واسم أبويهما كإبراهيم بن أحمد وإبراهيم بن أحمد، قدمت بالجد، فأقدم إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم على إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل، فإن استويا فى الجد أيضًا اعتبرت أبا الجد، ثم جده، ثم على هذا المثال فى جميع الحروف إلى حرف الياء.
وكذلك أصنع فى الكنى، والأنساب، والألقاب، والقبائل، ونحوها، فأقدم ترجمة أبى إبراهيم على ترجمة أبى إسحاق، وترجمة الأنماطى على الأوزاعى، والأصمعى على الأعمش، وبنى تميم على بنى حنيفة، وكذلك فى الأبناء ابن أم مكتوم على ابن اللتبية، وكذا الأخوة وغيرهم، وكذا الزوج والزوجة، وكذا بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، على طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جده، وكذا طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جده، على عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. وأما المبهمات والأغاليط، فأذكرها على ترتيب وقوعها فى هذه الكتب، وأفعل مثل جميع ذلك فى النساء، إن شاء الله تعالى.
وأما اللغات: فأرتبها أيضًا على حروف المعجم على حسب ما سبق من مراعاة الحرف الأول والثانى وما بعدها، مقدمًا الأول فالأول، معتبرًا الحروف الأصلية ولا أنظر إلى الزوائد، وربما ذكرت بعض الزوائد فى باب على لفظه، ونبهت على أن الحرف الفلانى زائد، وقد ذكرته فى موضعه الأصلى، وإنما أفعل هذا لأن هذا الكتاب قد يطالعه بعض المتفقهين ممن لا يعرف التصريف، فربما طالع اللفظة فى غير محلها الأصلى متوهمًا أن حروفها كلها أصول، فلا يجدها هناك، ولا يعلم لها مظنة أخرى، فأردت التسهيل عليهم، فإن خير المصنفات ما سهلت منفعته وتمكن منها كل أحد.
وأذكر إن شاء الله تعالى فى آخر كل حرف اسم المواضع التى أولها من تلك الحروف، وأعتبر الحرف الزائد على عادة العلماء فى أسماء الأشخاص(1/5)
والأماكن؛ لأنها قليلة وذكرها فى حرفها الأول أقرب إلى وصول المتفقهين إليه.
وأضبط إن شاء الله تعالى من أسماء الأشخاص واللغات والمواضع كل ما يحتاج إلى ضبط بتقييده بالحركات والتخفيف والتشديد، وأن هذا الحرف بالعين المهملة أو الغين المعجمة وما أشبهه، وأنقل كل ذلك إن شاء الله تعالى محققًا مهذبًا من مظانه المعتمدة، وكتب أهل التحقيق فيه، فما كان مشهورًا لا أضيفه غالبًا إلى قائليه؛ لكثرتهم وعدم الحاجة إليه، وما كان غريبًا أضفته إلى قائله أو ناقله، وما كان من الأسماء وبيان أحوال أصحابها نقلته من كتب الأئمة الحفاظ الأعلام المشهورين بالإمامة فى ذلك، والمعتمدين عند جميع العلماء، كتاريخ البخارى، وابن أبى خيثمة، وخليفة بن خياط المعروب بشباب، والطبقات الكبير، والطبقات الصغير لمحمد بن سعد كاتب الواقدى، وهو ثقة، وإن كان شيخه الواقدى ضعيفًا، ومن الجرح والتعديل لابن أبى حاتم، والثقات لأبى حاتم بن حبان، بكسر الحاء، وتاريخ نيسابور للحاكم أبى عبد الله، وتاريخ بغداد للخطيب، وتاريخ همدان، وتاريخ دمشق للحافظ أبى القاسم بن عساكر، وغيرها من كتب التواريخ الكبار وغيرها.
ومن كتب أسماء الصحابة كالاستيعاب لابن عبد البر، وكتاب ابن مندة، وأبى نعيم، وأبى موسى، وابن الأثير، وغيرها، ومن كتب المغازى والسير، ومن كتب ضبط الأسماء كالمؤتلف والمختلف للدارقطنى، وعبد الغنى بن سعيد، والخطيب البغدادى، وابن ماكولا، وغيرها، ومن كتب طبقات الفقهاء كطبقات أبى عاصم العبادى، وطبقات الشيخ أبى إسحاق، وطبقات الشيخ أبى عمرو بن الصلاح، وهى مقطعات، وقد شرعت فى تهذيبها وترتيبها، وهو نفيس لم يصنف مثله ولا قريب منه، ولا يغنى عنه فى معرفة الفقهاء غيره، ويقبح بالمنتسب إلى مذهب الشافعى جهله، وأجمع فيه عيونًا من روايات كتب الحديث، وكتب الفقه، وكتب الأصول وغيرها، ومن الأنساب كالأنساب لأبى سعد السمعانى وغيره،(1/6)
ومن كتب المبهمات ككتاب الخطيب البغدادى، وابن بشكوال، وغيرهما.
وأما اللغات فمعظمها من تهذيب اللغة للأزهرى، وكتاب شرح ألفاظ مختصر المزنى، والمحكم فى اللغة، وجامع القزاز، والجمرة لابن دريد، والمجمل لابن فارس، وصحاح الجوهرى، وغيرها من الكتب المشهورة فى اللغة. ومن كتب غريب الحديث كغريب أبى عبيدة، وصاحبه أبى عبيد، وابن قتيبة، والخطابى، والهروى. ومن كتب تفسير القرآن كالبسيط للواحدى، وكتاب الرمانى المعتزلى، وغيرهما من التفاسير الجامعة للغات.
ومن الكتب المصنفة فى أنواع من مفردات اللغة، كغريب المصنف لأبى عبيد القاسم ابن سلام، وإصلاح المنطق لابن السكيت، وأدب الكاتب لابن قتيبة وشروحه، وكتاب الزاهر لابن الأنبارى، وشروح الفصيح. ومن الكتب المصنفة فى لحن العوام للمتقدمين والمتأخرين، وهى كثيرة مشهورة، ومن شروح الحديث كمعالم السنن للخطابى فى شرح سنن أبى داود، والأعلام له فى شرح البخارى، والتمهيد لابن عبد البر فى شرح الموطأ، وشرح البخارى لابن بطال، وشرح الترمذى لابن العربى، وشرح مسلم للقاضى عياض، والمشارق له، ومطالع الأنوار لابن قرقول، وغيرها.
ومن كتب الفقه والأصول والكلام كبيان حقيقة العقل، والنبى، والمعجزة، والكرامة، والسحر، والرزق، والتوفيق، والخذلان، والكلام، والوجود، والآجال، والأقدار، والمعالم، والمسيخ، والبداء، وغير ذلك مما لا يوجد متقنًا إلا فى كتب الأصول والكلام. ومن كتب الأماكن ككتاب أبى عبيد البكرى، والاشتقاق لأبى الفتح الهمدانى، والمؤتلف والمختلف فى الأماكن للحازمى، وغيرها. وسنرى إن شاء الله تعالى ما أنقله من هذه الكتب مضافًا إليها كلها فى مواطنها، وكذا غيرها مما لم أذكره مما سنراه وتقر به عينك إن شاء الله تعالى.
وأرجو من فضل الله تعالى أن هذا الكتاب يجتمع فيه من الأسماء واللغات والضوابط والكليات والمعانى المستجادات جُمل مستكثرات ينتفع بها فى تفسير(1/7)
القرآن والحديث، وجميع الكتب المصنفات، فإنى لا أقتصر فيه على ضبط الألفاظ وحقيقتها، بل أنبه مع ذلك على كثير من المعانى اللطيفة والمسائل الحقيقية بأوضح العبارات المختصرات إن شاء الله تعالى، وأضبط فيه إن شاء الله تعالى من حدود الألفاظ الفقهية ومجامعها ما يصعب تحقيقه إلا على النادر من أهل العنايات كضبط حقيقة الهبة، والهدية، والصدقة، والفرق بينها، وما يتعلق بالألفاظ الجامعة كقولنا: الجماع يتعلق به نحو مائة حكم كذا وكذا، وتلك الأحكام كلها يتعلق بالوطء فى دبر المرأة إلا سبعة أحكام، ويتعلق معظمها بالوطء فى دبر الرجل، ووطء البهيمة، وأن الأحكام كلها تتعلق بتغييب الحشفة من سليم الذكر، وفى مقطوعها تفصيل نذكره فى موضعه إن شاء الله تعالى، ومن ذلك حقيقة الإكراه، وكذا هو يسقط أثر الفعل إلا فى نحو ثلاثين مسألة، وهى كذا وكذا، ومن ذلك حرمة مكة حده من كل جهة كذا وكذا، ويخالف غيره من البلاد فى كذا وكذا حكمًا.
ومن ذلك الحيض يتعلق به أحكام وهى كذا وكذا، وتلك الأحكام كلها يتعلق بالنفاس إلا كذا وكذا، والميتة كلها حرام ونجسة إلا كذا وكذا مسألة، وأشباه هذه الأمثلة غير منحصرة، وسنراها إن شاء الله تعالى فى مواضعها، وكذلك أوضح إن شاء الله تعالى من بيان المواضع وحدودخا وضبطها ما لا أظنك تجد مجموعها فى غير هذا الموضع إلا بتعب إن وجدته، وأنبه على ما يشتبه منها كذى الحُلَيْفة ميقات أهل المدينة، وبقربه أربعة مواضع تشبهه فى الخط، وهَجَر المذكورة فى مسألة القلتين غير هجر المذكورة فى باب الجزية، وأشباه ذلك كثيرة.
وأما الأسماء: فهى إن شاء الله تعالى أتقن ما تجده، وأجمعه للنفائس وعيون أخبار أصحابها، فأحققها أكمل تحقيق وأبلغ إيضاح، ثم أسلك فى هذا الكتاب إن شاء الله تعالى طريقة مستحسنة من مستجادات التصنيف، وهى أن ما كان فيه من الأسماء والألفاظ متكررًا تكرارًا كثيرًا أو معروف الموضع شرحته(1/8)
من غير بيان موضعه غالبًا، وما كان يخفى موضعه على بعض المتفقهين وشبهه بينت موضعه، فأقول مثلاً قوله فى المهذب فى باب كذا أو فى أوله أو أوائله أو أواخره أو فى أثنائه مثاله الكراز، ذكره فى المهذب فى باب السلم فى فصل السلم فى الآنية، وهو بضم الكاف وتخفيف الراء ... الخ شرحه، وروضة خاخ ذكرها فى كتاب السير، وبُزَاخة ذكره فى قتل المرتد وأشباه ذلك.
وكذا أسماء الأشخاص إن كان الشخص متكررًا كالمزنى، وابن سريج، لا أضيفه إلى موضع، وإن لم يكن متكررًا أو تكرر فى موضعين أو ثلاثة بينت موضعه، فأقول مثلاً: البخارى ومسلم صاحبا الصحيحين، ذكرهما فى المهذب فى باب قسم الخمس، ولا ذكر لهما فى المهذب إلا هنا، وذكر فى الوسيط البخارى فى صفة الصلاة فى قراءة: بسم الله الرحمن الرحيم، لا ذكر له فى هذين الكتابين إلا فى هذين الموضعين، وتكرر ذكرهما فى الروضة، وأبو داود ذكره فى المهذب فى آخر زكاة الفطر، وفى قسم الخمس فحسب، ولا ذكر له فى باقى الكتب إلا فى الروضة فتكرر فيها.
وأبيض بن حمال الصحابى لا ذكر له فى هذه الكتب الستة إلا فى إحياء الموات من المهذب، والنجاشى فى الجنائز وأشباه هذا، وإذا تكرر الاسم فى موضعين بلفظتين يوهمان الاختلاف وليس يختلفان أو عكسه بينته، فقلت مثلاً: أبو شريح الخزاعى فى المهذب فى باب ما يجب به القصاص، هو أبو شريح الكعبى المذكور فى باب استيفاء القصاص، ثم فى باب العفو عن القصاص، وعبد الله بن زيد الأنصارى المذكور فى المهذب فى صفة الوضوء، وصلاة الاستسقاء، وأول باب الشك فى الطلاق، هو واحد، وهو غير عبد الله بن زيد المذكور فى باب الأذان من المهذب، والوسيط، والفرق بينهما من كذا وكذا.
ومرادى بهذا كله التيسير والإيضاح للطالبين رجاء رضا رب العالمين، فقد صح أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "والله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه"، وأذكر إن شاء الله تعالى فى آخر ترجمة كل واحد من فقهاء أصحابنا مسائل غريبة عنه، سواء كان قوله فيها(1/9)
راجحًا أو مرجوحًا، وأبين أن قوله راجح أو مرجوح، وأكثر ذلك من المرجوح، والمقصود من تراجم الصحابة وغيرهم بيان الاسم، والكنية، والنسب، والبلد، والمولد، والوفاء، ونفيسه من مناقبه، وعيون أخباره، وينضم إلى هذا فى فقهاء أصحابنا أنه على من تفقه ومن تفقه عليه، وما صنف وأن تصنيفه نفيس أم لا، وأنه يعتمد أم لا، وأنه قليل المخالفة للأصحاب أو كثيرها.
وسنرى فى كل ذلك إن شاء الله تعالى ما تقر به عينك، وترغب بسببه فى مراجعة كتب العلماء من كل فن، وأرجو إن تم هذا الكتاب أن يحصل لصاحبه مقصود خزانة من أنواع العلوم التى يدخل فيه، واستمدادى فى ذلك وفى غيره من أمورى التوفيق، والكفاية، والإعانة، والصيانة، والهداية من الله الكريم الوهاب، اللطيف الحكيم التواب، أسأله التوفيق لحسن النيات، وتيسير أنواع الطاعات، والهداية لها دائمًا فى ازدياد حتى الممات، ومغفرة ما ظلمت نفسى به فى المخالفات، وأن يفعل ذلك بوالدى ومشايخى وأهلينا وأحبابنا، وسائر المسلمين والمسلمات، وأن يجود علينا أجمعين برضاه ومحبته، ودوام طاعته، ويجمع بيننا فى دار كرامته، وغير ذلك من أنواع المسرات، وأن ينفعنا أجمعين بهذا الكتاب، ويجمع لنا المثوبات، وألا ينزع منا ما وهبه لنا ومنَّ به علينا من الخيرات، وألا يجعل شيئًا من ذلك فتنة لنا، وأن يعيذنا من كل المخالفات، إنه سميع الدعوات، جزيل العطيات، اعتصمت بالله، توكلت على الله، ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، حسبى الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، وأقدم فى أول الكتاب فصولاً تكون لمحصله قواعد وأصولاً.
* * *
[القسم الأول: في الأسماء]
فصل
اعلم أن لمعرفة أسماء الرجال، وأحوالهم، وأقوالهم، ومراتبهم، فوائد كثيرة، منها معرفة مناقبهم، وأحوالهم، فيتأدب بآدابهم، ويقتبس المحاسن من آثارهم، ومنها مراتبهم وأعصارهم، فينزلون منازلهم، ولا يقصر بالعالى فى الجلالة عن درجته، ولا يرفع غيره عن مرتبته، وقد قال الله تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76] ، وثبت فى صحيح مسلم عن ابن مسعود، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "(1/10)
ليلينى منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم ثلاثًا" (1) ، وعن عائشة، رضى الله عنها، قالت: "أمرنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ننزل الناس منازلهم" (2) . قال الحاكم أبو عبد الله فى علوم الحديث: هو حديث صحيح، وأشار أبو داود فى سننه إلى أنه مرسل.
ومنها أنهم أئمتنا وأسلافنا، كالوالدين لنا، وأجدى علينا فى مصالح آخرتنا التى هى دار قرارنا، وأنصح لنا فيما هو أعود علينا، فيقبح بنا أن نجهلهم وأن نهمل معرفتهم. ومنها أن يكون العمل والترجيح بقول أعلمهم وأورعهم إذا تعارضت أقوالهم على ما أوضحته فى مقدمة شرح المهذب. ومنها بيان مصنفاتهم وما لها من الجلالة وعدمها، والتنبيه على مراتبها، وفى ذلك إرشاد للطالب إلى تحصيلها، وتعريف له بما يعتمده منها، وتحذيره مما يخاف من الاعتزار به، وغير ذلك، وبالله التوفيق.
* * *
فصل: يتعلق بالتسمية والأسماء والكنى والألقاب
وقد جمعت فى هذه الأقسام جُملاً نفيسة فى كتاب الأذكار، وأنا أشير هنا إن شاء الله إلى نُبذ من عيون ذلك:
يستحب تحسين الاسم، لحديث أبى الدرداء، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم، فأحسنوا أسمائكم" (3) . رواه أبو داود بإسناد جيد.
وفى صحيح مسلم، عن ابن عمر، رضى الله عنهما، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن أحب أسمائكم إلى الله: عبد الله، وعبد الرحمن" (4) .
وفى سنن أبى داود، والنسائى، عن ابن وهب الجشمى الصحابى، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله: عبد الله، وعبد الرحمن، وأصدقها: حارث، وهمام، وأقبحها: حرب، ومرة" (5) .
وفى صحيح مسلم، عن سمرة بن جندب، رضى الله عنه، قال: قال رسول
_________
(1) أورده السيوطى فى الكبير وعزاه لعبد الرزاق، ومسلم، وأبو داود، والترمذى، والنسائى، وابن ماجه عن أبى مسعود. أحمد، وابن حبان، والطبرانى، والحاكم عن ابن مسعود.
حديث أبى مسعود: أخرجه عبد الرزاق (2/45، رقم 2430) ، ومسلم (1/323، رقم 432) وأبو داود (1/180، رقم 674) ، والنسائى (1/286، رقم 881) ، وابن ماجه (1/312، رقم 976) قال الترمذى بعد أن ذكر حديث ابن مسعود (1/440، رقم 228) : وفى الباب عن أبى مسعود.
حديث ابن مسعود: أخرجه أحمد (1/457، رقم 4373) ، وابن حبان (5/545، رقم 2172) ، والطبرانى (10/88، رقم 10041) ، والحاكم (2/10، رقم 2150) وقال: صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه أيضًا: الترمذى (1/440، رقم 228) ، وقال: حسن صحيح غريب.
(2) أخرجه الخرائطى فى مكارم الأخلاق (ص 37، رقم 46) .
(3) أخرجه أحمد (5/194، رقم 21739) ، وأبو داود (4/287، رقم 4948) ، وابن حبان (13/135، رقم 5818) ، وأبو نعيم فى الحلية (5/152) ، والبيهقى (9/306، رقم 19091) .
(4) أخرجه مسلم (3/1682، رقم 2132) . وأخرجه أيضًا: الحاكم (4/304، رقم 7719) وقال: صحيح على شرط الشيخين. والبيهقى (9/306، رقم 19089) .
(5) أخرجه أحمد (4/345، رقم 19054) ، والبخارى فى الأدب المفرد (ص 284، رقم 814) ، وأبو داود (4/287، رقم 4950) ، والنسائى فى الكبرى (3/37، رقم 4406) ، والطبرانى (22/380، رقم 949) ، والبيهقى (9/306، رقم 19090) .(1/11)
الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “لا تسمين غلامك يسارًا، ولا رباحًا، ولا نجاحًا، ولا أفلح، فإنك تقول: أثَم هو، فلا يكون فيقول: لا” (1) .
ويستحب تغيير الاسم القبيح إلى حسن، ففى الصحيحين عن أبى هريرة، رضى الله عنه، أن زينب كان اسمها برّة، فقيل: تزكى نفسها، فسماها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زينب.
وفى صحيح مسلم، عن زينب بنت أبى سلمة، رضى الله عنها، قالت: سميت برة، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “سموها زينب” (2) ، قالت: ودخلت عليه زينب بنت جحش واسمها برة، فسماها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زينب.
وفى صحيح مسلم، عن ابن عمر، رضى الله عنهما، أن ابنة لعمر كان اسمها عاصية، فسماها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جميلة.
ويحرم تلقيب الإنسان بما يكرهه، سواء كان صفة له، كالأعمش، والأجلح، والأعمى، والأصم، والأقرع، والأعرج، والأبرص، والأحول، والأثبج، والأصفر، والأحدب، والأزرق، والأفطس، والأشتر، والأثرم، والأقطع، والزمن، والمقعد، والأشل، سواء كان صفة لأبيه أو أمه أو غير ذلك مما يكرهه.
واتفقت العلماء على جواز ذكره بذلك على سبيل التعريف لمن لا يعرفه إلا بذلك، كهؤلاء المذكورين فى المثال، فإنهم أئمة وعلماء مشهورون بهذه الألقاب فى كتب الحديث وغيرها، ولا يعرفهم أكثر الناس إلا بالألقاب.
واتفقوا على جواز تلقيبه باللقب الحسن وما لا يكرهه، كعتيق لقب أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، وأبى تراب لقب على بن أبى طالب، وذى اليدين لقب الخرباق بن عمرو، وسرق لقب الحباب بن أسد الجهنى، فهؤلاء صحابيون، رضى الله عنهم، لقبهم النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذه الألقاب وكانوا يحبونها.
وتجوز الكنية لكل مسلم، ويستحب لنا أن نكنى أهل الفضل من العلماء وغيرهم، ويستحب أن يكنى بأكبر أولاده، وفى حديث فى سنن أبى داود وغيره، أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سأل رجلاً عن أكبر أولاده، فكناه به. ويجوز تكنيته بغير أولاده، ويجوز تكنية من لا ولد له، ويجوز تكنية من لم يولد له، وتكنية الطفل كما كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: “يا أبا عمير، ما فعل
_________
(1) أخرجه ابن أبى شيبة (6/109، رقم 29868) ، وأحمد (5/10، رقم 20119) ، ومسلم (3/1685، رقم 2137) ، وابن حبان (3/116، رقم 835) ، (13/150، رقم 5838) ، والطبرانى (7/187، رقم 6791) ، (7/188، رقم 6793) . وأخرجه أيضًا: النسائى فى الكبرى (6/211، رقم 10681) ، والبيهقى فى شعب الإيمان (1/423، رقم 601) .
(2) أخرجه مسلم (3/1687، رقم 2142) ، وأبو داود (4/288، رقم 4953) . وأخرجه أيضا: ابن أبى عاصم فى الآحاد (6/23، رقم 3203) ، وابن سعد (8/461) ، والطبرانى (24/280، رقم 709) .(1/12)
النغير” (1) .
ويجوز تكنية الرجل بأبى فلانة، والمرأة بأم فلان وأم فلانة، ويكنى الكافر الذى اشتهر بكنيته كأبى لهب، وأبى طالب، وأبى رغال، وغيرهم. وفى جواز التكنى بأبى القاسم خلاف للعلماء أوضحته فى كتاب الأذكار والروضة، وأنا أشير إليها هاهنا، وبالله التوفيق.
* * *
فصل
عادة الأئمة الحذاق المصنفين فى الأسماء والأنساب أن ينسبوا الرجل النسب العام ثم الخاص؛ ليحصل فى الثانى فائدة لم تكن فى الأول، فيقولون مثلاً: فلان بن فلان القريشى الهاشمى؛ لأنه لا يلزم من كونه قرشيًا كونه هاشميًا، ولا يعكسون فيقولون: الهاشمى القرشى، فإنه لا فائدة فى الثانى حينئذ، فإنه يلزم من كونه هاشميًا كونه قرشيًا.
فإن قيل: فينبغى ألا يذكروا القريشى، بل يقتصروا على الهاشمى.
فالجواب: أنه قد يخفى على بعض الناس كون الهاشمى قرشيًا، ويظهر هذا الخفاء فى البطون الخفية، كالأشهل من الأنصار، فيقال: الأنصارى الأشهلى، ولو اقتصروا على الأشهلى لم يعرف كثير من الناس أن الأشهلى من الأنصار أم لا، وكذا ما أشبهه، فذكروا العام ثم الخاص؛ لدفع هذا الوهم، وقد يقتصرون على الخاص، وقد يقتصرون على العام، وهذا قليل.
ثم إنهم قد ينسبون إلى البلد بعد القبيلة، فيقولون: القريشى المكى أو المدنى، وإذا كان له نسب إلى بلدين بأن يستوطن أحدهما ثم الآخر نسبوه غالبًا إليهما، وقد يقتصرون على أحدها، وإذا نسبوه إليهما قدموا الأول، فقالوا: المكى الدمشقى، والأحسن: المكى ثم الدمشقى، وإذا كان من قرية بلدة نسبوه تارة إلى القرية، وتارة إلى البلدة، وتارة إليهما، وحينئذ يقدمون البلدة؛ لأنها أعم كما سبق فى القبائل، فيقولون فيمن هو من أهل حرستا، قرية من
_________
(1) أخرجه الطيالسى (ص 280، رقم 2088) ، وأحمد (3/119، رقم 12220) ، والبخارى (5/2270، رقم 5778) ، والترمذى (2/154، رقم 333) وقال: حسن صحيح. والنسائى فى الكبرى (6/91، رقم 10165) ، وابن ماجه (2/1226، رقم 3720) ، وأبو عوانة (1/407، رقم 1501) ، والطحاوى (4/194) ، وابن حبان (6/82، رقم 2308) . وأخرجه أيضا: ابن أبى شيبة (1/351، رقم 4042) ، ومسلم (3/1692، رقم 2150) ، وأبو داود (4/293 رقم 4969) .(1/13)
قرى الغوطة التى هى كورة من كور دمشق: فلان الدمشقى الحرستانى، وقد يقولون فى مثله: فلان الشامى الدمشقى الحرستانى، فينسبونه إلى الإقليم، ثم البلدة، ثم القرية.
وقد ينسبونه إلى الكورة، فيقولون: الغوطى الحرستانى، أو الشامى الدمشقى الغوطى الحرستانى. قال عبد الله بن المبارك، رحمه الله، وغيره: إذا أقام إنسان فى بلد أربع سنين نسب إليه.
وينسبون إلى القبيلة مولاهم؛ لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "موالى القوم من أنفسهم" (1) ، وسواء كان مولى عتاقة، وهو الأكثر، أو مولى حلف ومناصرة، أو مولى إسلام، بأن أسلم على يد واحد من القبيلة، كالبخارى الإمام مولى الجعفيين، أسلم بعض أجداده على يد واحد من الجعفيين، وسنوضحه فى ترجمته، إن شاء الله تعالى، وقد ينسبون إلى القبيلة مولى مولاها، كأبى الحباب الهاشمى مولى شقران مولى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبالله التوفيق.
* * *
فصل فى حقيقة الصحابى والتابعى وبيان فضلهم
ومراتب الصحابة والتابعين وأتباعهم
أما الصحابى: ففيه مذهبان، أصحهما وهو مذهب البخارى وسائر المحدثين وجماعة من الفقهاء وغيرهم، أنه كل مسلم رأى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولو ساعة، وإن لم يجالسه ويخالطه. والثانى وهو مذهب أكثر أهل الأصول أنه يشترط مجالسته، وهذا مقتضى العرف، وذاك مقتضى اللغة، وهكذا قاله الإمام أبو بكر بن الباقلانى، رحمه الله، وغيره.
وأما التابعى: ففيه أيضًا مذهبان، أحدهما: الذى رأى صحابيًا. والثانى: أنه الذى جالس صحابيًا.
قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِىَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى
_________
(1) أخرجه البخارى (6/2484، رقم 6380) . وأخرجه أيضا: القضاعى (2/110، رقم 988) ، والبيهقى (2/151، رقم 2687) .(1/14)
تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} [التوبة: 100] الآية. واختلفوا فى المراد بالسابقين فى الآية، فقال سعيد بن المسيب وآخرون: هم من صلى إلى القبلتين. وقال الشعبى: أهل بيعة الرضوان. وقال محمد بن كعب القرظى، وعطاء: هم أهل بدر.
وقال الله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29] إلى آخر السورة.
وقال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران: 110] .
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] .
وفى الصحيحين عن عمران بن الحصين، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “خيركم قرنى، ثم اللذين يلونهم، ثم الذين يلونهم”.
وفى الصحيح قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “لو أنفق أحدكم مثل أُحُد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه” أى نصفه.
والأحاديث فى فضل الصحابة، رضى الله عنهم، على الإطلاق كثيرة مشهورة فى الصحيحين وغيرهما، وأما فضائلهم على الخصوص لطائفة ولأشخاص، فأكثر من أن تحصر، وسنذكر فى تراجمهم منها جملاً إن شاء الله تعالى.
فممن له مزية من الصحابة، رضى الله عنهم، العشرة الذين شهد لهم النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجنة، وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبى وقاص، وسعيد بن زيد، وأبو عبيدة بن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف، رضى الله عنهم. ومنهم أهل بدر، وأُحُد، والعقبتين الأولى والثانية، وأهل بيعة الرضوان تحت الشجرة. قال الله تعالى: {لَقَدْ رَضِىَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18] .
قال الإمام أبو منصور البغدادى: أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة، ثم تمام العشرة، ثم أهل بدر، ثم أُحُد، ثم بيعة الرضوان. وأجمع أهل السُنة على أن أفضلهم على الإطلاق أبو بكر، ثم عمر. وقدَّم جمهورهم عثمان على علىّ، رضى الله عنهم.
قال الخطابى: وقدم أهل السُنة من أهل الكوفة عليًّا على عثمان، وبه قال ابن خزيمة، والصحيح قول الجمهور تقديم عثمان، ولهذا اختارته الصحابة للخلافة وقدموه، وهم أعلم وأعرف بالمراتب.
وأولهم إسلامًا خديجة بنت خويلد، وأبو بكر،(1/15)
هذا هو الصحيح، واختلفوا فى أيهما أسبق، وآخرهم وفاة أبو الطفيل عامر بن واثلة، رضى الله عنه، توفى سنة مائة من الهجرة باتفاق العلماء، واتفقوا على أنه آخر الصحابة، رضى الله عنهم، وفاة.
وأما التابعون: فواحدهم تابعى، وتابعى، وقد ذكرنا حقيقته وفضلهم، وأما مراتبهم، فقال الإمام الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابورى: هم خمس عشرة طبقة، أولهم الذين أدركوا العشرة من الصحابة، منهم قيس بن أبى حازم، سمع العشرة، وروى عنهم، ولم يشاركه فى هذا أحد، وقيل: لم يسمع عبد الرحمن. ويليهم الذين ولدوا فى حياة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أولاد الصحابة، ثم ذكر طبقاتهم. وفى صحيح مسلم أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال فى أويس القرنى: “هو خير التابعين، رضى الله عنه”.
وقال أحمد بن حنبل: أفضل التابعين سعيد بن المسيب، فقيل له: علقمة، والأسود؟ فقال: سعيد، وعلقمة، والأسود. وعنه: لا أعلم فيهم مثل أبى عثمان النهدى، وقيس ابن أبى حازم. وعنه: أفضلهم قيس، وأبو عثمان، وعلقمة، ومسروق. ولعله أراد أفضلهم فى ظاهر علوم الشرع، وإلا فأويس خير التابعين.
وقال أبو عبد الله بن خفيف الزاهد: أهل المدينة يقولون: أفضل التابعين ابن المسيب، وأهل الكوفة أويس، وأهل البصرة الحسن. ومن الفضلاء التابعين الفقهاء السبعة فقهاء المدينة: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وعبيد الله ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد، وسليمان بن يسار، وفى السابع ثلاثة أقوال، هل هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف؟ أو سالم بن عبد الله بن عمر ابن الخطاب؟ أو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام؟. وقد ذكرهم صاحب المهذب فى باب الخيار فى النكاح، وسنوضحهم فى تراجمهم إن شاء الله تعالى.
وأما تابعو التابعين ومن بعدهم: فلهم فضل فى الجملة، ولكن لا يلحقون من حيث الجملة بمن قبلهم؛ لحديث أنس، رضى الله عنه، فى صحيح البخارى، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “ما من عام إلا والذى بعده شر منه” (1) .
وفى صحيح
_________
(1) أخرجه الترمذى (4/492، رقم 2206) وقال: حسن صحيح. وأخرجه نعيم بن حماد (1/41، رقم 47) . وأخرجه أيضًا: أحمد (3/132، رقم 12369) ، وأبو يعلى (7/97، رقم 4037) جميعا عن أنس.(1/16)
البخارى أيضًا، عن مرداس الأسلمى، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “يذهب الصالحون الأول فالأول، وتبقى حفالة كحفالة الشعير والتمر لا يباليهم الله بالة” (1) ، يقال: لا أبالى زيدًا بالاً ولا بالة، وبلى بكسر الياء مقصور، أى لا أكترث به ولا أهتم له.
ومع هذا فلهم فى أنفسهم فضائل ظاهرة، وفى حفظ العلم آيات باهرة، ففى الصحيحين أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم خذلان من خذلهم" (2) . وجملة العلماء أو جمهورهم على أنهم حملة العلم، وقد دعا لهم النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "نضر الله امرء سمع مقالتى فوعاها فأداها كما سمعها" (3) ، وجعلهم عدولاً، فأمرهم بالتبليغ عنه، فقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليبلغ الشاهد منكم الغائب"، وفى الحديث الآخر: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين".
وهذا إخبار منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بصيانة العلم وحفظه وعدالة ناقليه، وأن الله تعالى يوفق له فى كل عصر خلفاء من العدول يحملونه وينفون عنه التحريف وما بعده فلا يضيع، وهذا تصريح بعدالة حامليه فى كل عصر، وهكذا وقع ولله الحمد، وهذا من أعلام النبوة، ولا يضر مع هذا كون بعض الفساق يعرف شيئًا من العلم، فإن الحديث إنما هو إخبار بأن العدول يحملونه لا أن غيرهم لا يعرف شيئًا منه، والله أعلم.
* * *
فصل فى سلسلة التفقه لأصحاب الشافعى، رحمة الله عليه
منهم إلى الشافعى، رحمه الله، ثم إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وهذا من المطلوبات المهمات، والنفائس الجليلات، التى
_________
(1) حديث مرادس: أخرجه: أحمد (4 / 193، رقم 17765) ، والبخاري (5 / 2364، رقم6070) .
حديث المستورد: أخرجه: الطبراني (20 / 310، رقم 737) ، وأخرجه أيضا: الطبرانى فى الأوسط (3 / 123، رقم 2677) قال الهيثمى (7 /321) : رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات.
أخرجه: الرامهرمزي (ص 125، رقم 90) ، وأخرجه أيضا: الدارمي (2 / 390، رقم 2719) مختصرا، والطبراني (20 / 298، رقم 708) .
(2) أخرجه ابن ماجه (1/4، رقم 6) ، والطبرانى (19/27، رقم 55) ، وابن حبان (1/261، رقم 61) . وأخرجه أيضا: الترمذى (4/485، رقم 2192) .
(3) أخرجه الترمذى (5/33، رقم 2656) وقال: حسن. وأخرجه أيضا: أبو داود (3/322، رقم 3660) والنسائى (3/431، رقم 5847) .
أخرجه أحمد (1/436، رقم 4157) ، والترمذى (5/34، رقم 2657) وقال: حسن صحيح. وابن حبان (1/268، رقم 66) ، والبيهقى فى شعب الإيمان (2/274، رقم 1738) . وأخرجه أيضا: البزار (5/382، رقم 2014) ، والشاشى (1/314، رقم 275) ، وابن عدى (6/462، رقم 1942) .(1/17)
ينبغى للمتفقه والفقيه معرفتها، وتقبح به جهالتها، فإن شيوخه فى العلم آباء فى الدين، وصلة بينه وبين رب العالمين، وكيف لا يقبح جهل الإنسان والوصلة بينه وبين ربه الكريم الوهاب، مع أنه مأمور بالدعاء لهم، وبرهم، وذكر مآثرهم، والثناء عليهم، وشكرهم، فأذكرهم منى إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحينئذ يعرف مَن كان فى عصرنا وبعده طريقه باجتماعها هى وطريقتى قريبًا.
فأما أنا فأخذت الفقه قراءة، وتصحيحًا، وسماعًا، وشرحًا، وتعليقًا، عن جماعات، أولهم شيخى الإمام المتفق على علمه، وزهده، وورعه، وكثرة عبادته، وعظم فضله، وتميزه فى ذلك على أشكاله، أبو إبراهيم إسحاق بن أحمد بن عثمان المغربى ثم المقدسى، رضى الله عنه وأرضاه، وجمع بينى وبينه وبين سائر أحبابنا فى دار كرامته مع من اصطفاه، ثم شيخنا أبو محمد عبد الرحمن بن نوح بن محمد بن إبراهيم بن موسى المقدسى ثم الدمشقى، الإمام العارف، الزاهد، العابد، والورع، المتقن، مفتى دمشق فى وقته، رحمه الله، ثم شيخنا أبو حفص عمر بن أسعد بن أبى غالب الربعى، بفتح الباء، الأربلى، الإمام المتقن، رضى الله عنه، ثم شيخنا أبو الحسن سلار بن الحسن الأربلى ثم الحلبى ثم الدمشقى، المجمع على إمامته، وجلالته، وتقدمه فى علم المذهب على أهل عصره بهذه النواحى، رضى الله عنه.
وتفقه شيوخنا الثلاثة الأولون على شيخهم الإمام أبى عمرو عثمان بن عبد الرحمن ابن عثمان المعروف بابن الصلاح، وتفقه هو على والده، وتفقه والده فى طريقة العراقيين على أبى سعيد عبد الله بن محمد بن هبة الله بن على بن أبى عصرون الموصلى، وتفقه أبو سعيد على القاضى أبى على الفارقى، وتفقه الفارقى على الشيخ أبى إسحاق الشيرازى، وتفقه الشيخ أبو إسحاق على القاضى أبى الطيب طاهر بن عبد الله الطبرى، وتفقه أبو الطيب على أبى الحسن محمد بن على بن سهل بن مصلح الماسرجسى، وتفقه الماسرجسى على أبى إسحاق إبراهيم بن أحمد المروزى، وتفقه أبو إسحاق على أبى العباس أحمد بن عمر بن(1/18)
سريج، وتفقه ابن سريج على أبى القاسم عثمان بن بشار الأنماطى، وتفقه الأنماطى على أبى إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزنى، وتفقه المازنى على أبى عبيد الله محمد بن إدريس الشافعى، رضى الله عنه، وتفقه الشافعى على جماعات، منهم أبو عبد الله مالك بن أنس إمام المدينة، ومالك على ربيعة، عن أنس، وعلى نافع، عن ابن عمر، كلاهما عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
والشيخ الثانى للشافعى، رحمه الله، سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمرو بن عباس، رضى الله عنهم. والشيخ الثالث للشافعى، رضى الله عنه، أبو خالد مسلم بن خالد مفتى مكة وإمام أهلها، وتفقه مسلم على أبى الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وتفقه ابن جريج على أبى محمد عطاء بن أسلم أبى رباح، وتفقه عطاء على أبى العباس عبد الله بن عباس، وأخذ ابن عباس عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعن عمر بن الخطاب، وعلى، وزيد بن ثابت، وجماعات من الصحابة، رضى الله عنهم، عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وأما طريقة أصحابنا الخراسانيين، فأخذتها عن شيوخنا المذكورين، وأخذها شيوخنا الثلاثة عن أبى عمرو، عن والده، عن أبى القاسم بن البزرى الجزرى، عن أبى الحسن على بن محمد بن على الكيا الهراسى، عن أبى المعالى عبد الملك بن عبد الله بن يوسف ابن عبد الله بن يوسف إمام الحرمين، عن والده أبى محمد، عن أبى بكر عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن أحمد القفال المروزى الصغير، وهو إمام طريقة خراسان، عن أبى زيد محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد المروزى، عن أبى إسحاق المروزى، عن ابن سريج، كما سبق. وتفقه شيخنا الإمام أبو الحسن سلار على جماعات، منهم الإمام أبو بكر الماهانى، وتفقه الماهانى على ابن البزرى بطريقه السابق، فهذا مختصر السلسلة.
ومعلوم أن كل واحد من هؤلاء أخذ عن جماعة، بل جماعات، لكن أردت الاختصار وبيان واحد من شيوخ كل واحد، وذكرت أجلهم وأشهرهم له، وسأوضحهم(1/19)
بأحوالهم وتراجمهم فى هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، إلا شيوخنا المتأخرين، فإنه لا ذكر لأكثرهم فى هذا، وقد ذكرتهم فى كتاب الطبقات، وبالله التوفيق.
* * *
فصل ابتداء التاريخ
ابتدأ التاريخ فى الإسلام من هجرة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من مكة إلى المدينة، وهذا مجمع عليه، وأول مَن أرَّخ بالهجرة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، سنة سبع عشرة من الهجرة. وهذه أحرف فى بيان جملة من الأمور المشهورة فى كل سنة من سنى الهجرة إلى وفاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ترتيب السنين، وهى عشر سنين:
الأولى: فيها بنى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسجده ومساكنه، وآخى بين المهاجرين والأنصار، وأسلم عبد الله بن سلام، وشرع الأذان.
السنة الثانية: فيها حولت القبلة إلى الكعبة بعد ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا من الهجرة فى شعبان، وفيها فرض صوم رمضان شهره، وفيها فرضت صدقة الفطر، وفيها كانت غزوة بدر فى رمضان، وفى شوال منها بنى بعائشة، وفيها تزوج علىٌ فاطمة.
الثالثة: فيها غزوات وسرايا، منها غزوة أُحُد يوم السبت السابع من شوال، ثم غزوة بدر الصغرى لهلال ذى القعدة، وفيها غزوة النضير، وحُرمت الخمر بعد أُحُد، وتزوج فيها حفصة، وتزوج عثمان أم كلثوم، وولد الحسن بن على.
الرابعة: فيها تزوج أم سلمة، وقصرت الصلاة، ونزل التيمم، وفيها غزوة الخندق، وقيل: الخندق فى سنة خمس، والصحيح أنه سنة أربع، ففى الصحيحين عن ابن عمر، رضى الله عنهما، قال: عُرضت على النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أُحُد وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزنى، وعُرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازنى. وقد أجمعوا على أن أُحُدًا فى الثالثة، ويقال لها: الخندق، والأحزاب، وكان حصار الأحزاب المدينة خمسة عشر يومًا، ثم هزمهم الله عز وجل، وأرسل عليهم ريحًا وجنودًا، وقيل: أن غزاة ذات الرقاع فيها، والأرجح أنها فى سنة خمس، وهو أول صلاة الخوف، وفيها(1/20)
قتل القراء ببئر معونة، رضى الله عنهم.
الخامسة: فيها غزاة دومة الجندل، وقريظة، ونزل الحجاب.
السادسة: فيها غزاة الحديبية، وبيعة الرضوان، وغزوة بنى المصطلق، وكسفت الشمس، ونزل الظهار.
السابعة: فيها غزوة خيبر، والهدنة، وهو الصلح مع أهل مكة، والقضاء، ويقال لها أيضًا: عمرة القضاء، وعمرة القضية أيضًا، وفيها هاجر خالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة سادن الكعبة، فلقوا عمرو بن العاص واصطحبوا وأسلموا ثلاثتهم، وتزوج أم حبيبة، وميمونة، وصفية، وجاءته مارية، وبغلته دُلْدُلُ، وقدم جعفر وأصحابه من الحبشة، وأسلم أبو هريرة.
الثامنة: فيها غزوة مؤتة، وذات السلاسل، وفتح مكة فى رمضان، وولد إبراهيم، وتوفيت زينب بنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفيها غزوة حنين، والطائف، وفيها غلا السعر، فقالوا: سعر لنا، فأجابهم بقوله: “المسعر هو الله”.
التاسعة: فيها غزوة تبوك، وحج أبو بكر، رضى الله عنه، بالناس، وتوفيت أم كلثوم، والنجاشى، رضى الله عنهما، وتتابعت الوفود.
العاشرة: فيها حج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حجة الوداع، وتوفى إبراهيم ابن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأسلم جرير، ونزل: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] .
وهذا حين أشرع فى مقصود الكتاب مستعينًا بالله الكريم الوهاب، مبتدئًا بنبينا محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم من اسمه محمد؛ لشرف اسمه، ثم أعود إلى ترتيب الحروف المشروطة فى الخطبة، وهو - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
* * *
الترجمة النبوية الشريفة
1 - محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن كلاب ابن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان:
إلى هنا إجماع الأمة، وأما ما بعده إلى آدم فيختلف فيه أشد اختلاف. قال العلماء: ولا يصح فيه شىء يعتمد، وقُصى بضم القاف، ولؤى بالهمزة وتركه، وإلياس بهمزة وصل، وقيل: بهمزة قطع.
وكنية النبى المشهورة: أبو القاسم، وكناه جبريل، صلى الله عليهما وسلم: أبا إبراهيم. ولرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسماء كثيرة، أفرد فيها الإمام الحافظ أبو القاسم(1/21)
على بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الشافعى الدمشقى المعروف بابن عساكر، رحمه الله، بابًا فى تاريخ دمشق، ذكر فيه أسماء كثيرة، جاء بعضها فى الصحيحين، وباقيها فى غيرهما، منها: محمد، وأحمد، والحاشر، والعاقب، والمقفى، والماحى، وخاتم الأنبياء، ونبى الرحمة، ونبى الملحمة. وفى رواية: نبى الملاحم، ونبى التوبة، والفاتح، وطه، ويس، وعبد الله.
قال الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن على البيهقى، رحمه الله: زاد بعض العلماء، فقال: سماه الله عز وجل فى القرآن: رسولاً، نبيًا، أميًا، شاهدًا، مبشرًا، نذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه، وسراجًا منيرًا، ورءوفًا رحيمًا، ومذكرًا، وجعله رحمة، ونعمة، وهاديًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وعن ابن عباس، رضى الله عنهما، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اسمى فى القرآن محمد، وفى الإنجيل أحمد، وفى التوراة أحيد، وإنما سميت أحيدًا لأنى أحيد أمتى عن نار جهنم" (1) . قلت: وبعض هذه المذكورات صفات، فإطلاقهم الأسماء عليها مجاز.
وقال الإمام الحافظ القاضى أبو بكر بن العربى المالكى فى كتابه الأحوذى فى شرح الترمذى: قال بعض الصوفية: لله عز وجل ألف اسم، وللنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ألف اسم.
قال ابن الأعرابى: فأما أسماء الله عز وجل، فهذا العدد حقير فيها، وأما أسماء النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم أحصها إلا من جهة الورود الظاهر بصيغة الأسماء النبية، فوعيت منها أربعة وستين اسمًا، ثم ذكرها مفصلة مشروحة، فاستوعب وأجاد، ثم قال: وله وراء هذه أسماء.
وأم النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب. ووُلد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عام الفيل، وقيل: بعده بثلاثين سنة. قال الحاكم أبو أحمد: وقيل: بعده بأربعين سنة، وقيل: بعده بعشر سنين. رواه الحافظ أبو القاسم بن عساكر فى تاريخ دمشق، والصحيح المشهور أنه
_________
(1) أخرجه ابن عدى (1/337، ترجمة 164 إسحاق بن بشر) ، وابن عساكر (3/32) .(1/22)
عام الفيل، ونقل إبراهيم بن المنذر الحزامى شيخ البخارى، وخليفة بن خياط، وآخرون الإجماع عليه.
واتفقوا على أنه ولد يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، واختلفوا هل هو فى اليوم الثانى أم الثامن أم العاشر أم الثانى عشر، فهذه أربعة أقوال مشهورة. وتوفى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضحى يوم الاثنين لثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، ومنها ابتداء التاريخ كما سبق، ودفن يوم الثلاثاء حين زالت الشمس، وقيل: ليلة الأربعاء، وتوفى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وله ثلاث وستون سنة، وقيل: خمس وستون سنة، وقيل: ستون، والأول أصح وأشهر، وقد جاءت الأقوال الثلاثة فى الصحيح.
قال العلماء: الجمع بين الروايات أن من روى ستين لم يعتبر هذه الكسور، ومن روى خمسًا وستين عد سنة المولد والوفاة، ومن روى ثلاثًا وستين لم يعدهما، والصحيح ثلاث وستون. وكذا الصحيح فى سن أبى بكر، وعمر، وعلى، وعائشة، رضى الله عنهم، ثلاث وستون سنة.
قال الحاكم أبو أحمد، وهو شيخ الحاكم أبى عبد الله: يقال: ولد النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الاثنين، ونبىء يوم الاثنين، وهاجر من مكة يوم الاثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين، وتوفى يوم الاثنين. وروى أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولد مختونًا مسرورًا، وكفن - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة، ثبت ذلك فى الصحيحين.
قال الحاكم أبو أحمد: ولما أدرج النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى أكفانه وضع على سريره على شفير القبر، ثم دخل الناس أرسالاً يصلون عليه فوجًا فوجًا لا يؤمهم أحد، فأولهم صلاة عليه العباس، ثم بنو هاشم، ثم المهاجرون، ثم الأنصار، ثم سائر الناس، فلما فرغ الرجال دخل الصبيان، ثم النساء، ثم دفن - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ونزل فى حفرته العباس، وعلى، والفضل وقثم ابنا العباس، وشقران.
قال: ويقال: كان أسامة بن زيد، وأوس بن حولى معهم، ودفن فى اللحد، وبنى عليه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى لحده اللبن، يقال: إنها تسع لبنات، ثم أهالوا التراب، وجعل قبره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسطحًا، ورش عليه الماء رشًا. قال: ويقال: نزل المغيرة فى قبره، ولا يصح.
قال الحاكم أبو أحمد: يقال: مات عبد الله والد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثمانية(1/23)
وعشرون شهرًا، وقيل: تسعة أشهر، وقيل: سبعة أشهر، وقيل: شهران، وقيل: مات وهو حمل، وتوفى بالمدينة. قال الواقدى وكاتبه محمد بن سعد: لا يثبت أنه توفى وهو حمل. ومات جده عبد المطلب وله ثمان سنين، وقيل: ست سنين، وأوصى به إلى أبى طالب. وماتت أم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وله ست سنين، وقيل: أربع، ماتت بالأبواء، مكان بين مكة والمدينة.
وبعث - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رسولاً إلى الناس كافة وهو ابن أربعين سنة، وقيل: أربعين ويوم، وأقام بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة، وقيل: عشرًا، وقيل: خمس عشرة، ثم هاجر إلى المدينة، فأقام بها عشر سنين بلا خلاف، وقدم المدينة يوم الاثنين لثنتى عشرة خلت من شهر ربيع الأول. قال الحاكم: وبدأ الوجع برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى بيت ميمونة يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من شهر صفر.
فصل
أرضعته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثويبة، بضم المثلثة، مولاة أبى لهب أيامًا، ثم أرضعته حليمة بنت أبى ذؤيب عبد الله بن الحارث السعدية، وروى عنها أنها قالت: كان يشب فى اليوم شباب الصبى فى شهر. ونشأ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتيمًا، فكفله جده عبد المطلب، ثم عمه أبو طالب، وطهره الله عز وجل من دنس الجاهلية، فلم يعظم صنمًا لهم فى عمره قط، ولم يحضر مشهدًا من مشاهد كفرهم، وكانوا يطلبونه لذلك فيمتنع، ويعصمه الله من ذلك.
وفى الحديث عن على، رضى الله عنه، أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “ما عبدت صنمًا قط، وما شربت خمرًا قط، وما زلت أعرف أن الذى هُم عليه كُفر”، وهذا من لطف الله تعالى به أن برأه من دنس الجاهلية ومن كل عيب، ومنحه كل خُلق جميل، حتى كان يُعرف فى قومه بالأمين؛ لما شاهدوا من أمانته وصدقه وطهارته.
فلما بلغ اثنتى عشرة سنة خرج مع عمه أبى طالب إلى الشام حتى بلغ بصرى، فرآه بحيرًا الراهب فعرفه بصفته، فجاء وأخذ بيده، وقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب(1/24)
العالمين، هذا يبعثه الله حجة للعالمين، قالوا: فمن أين علمت ذلك؟ قال: إنكم حين أقبلتم من العقبة لم يبق شجرة ولا حجر إلا خر ساجدًا، ولا يسجد إلا لنبى، وإنا نجده فى كتبنا، وسأل أبا طالب أن يرده خوفًا من اليهود فرده.
ثم خرج - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثانيًا إلى الشام مع ميسرة غلام خديجة، رضى الله عنها، فى تجارة لها قبل أن يتزوجها، حتى بلغ سوق بصرى، فلما بلغ خمسًا وعشرين سنة تزوج خديجة، ولما خرج إلى المدينة مهاجرًا خرج معه أبو بكر الصديق، رضى الله عنه، ومولى أبى بكر عامر بن فُهيرة، بضم الفاء، ودليلهم عبد الله بن الأريقط الليثى، وهو كافر، ولا يُعلم له إسلام.
فصل فى صفته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير، ولا الأبيض الأمهق، ولا الآدم، ولا الجعد القطط، ولا السبط، وتوفى وليس فى رأسه عشرون شعرة بيضاء، وكان حسن الجسم، بعيد ما بين المنكبين، له شعر إلى منكبيه، وفى وقت إلى شحمتى أذنيه، وفى وقت إلى نصف أذنيه، كث اللحية، شثن الكفين، أى غليظ الأصابع، ضخم الرأس والكراديس، فى وجهه تدوير، أدعج العينين، طويل أهدابهما، أحمر المآقى، ذا مشربة، وهى الشعر الدقيق من الصدر إلى السرة كالقضيب، إذا مشى تقلع كأنما ينحط فى صبب، أى يمشى بقوة، والصبب الحدور، يتلألأ وجهه كالقمر ليلة البدر كأن وجهه كالقمر، حسن الصوت، سهل الخدين، ضليع الفم، سواء البطن والصدر، أشعر المنكبين والذراعين وأعالى الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، أشكل العينين، أى طويل شقهما، منهوس العقبين، أى قليل لحم العقب، بين كتفيه خاتم النبوة، كزر الحجلة وكبيضة الحمامة.
وكان إذا مشى كأنما تطوى له الأرض، ويَجِدُّون فى لحاقه وهو غير مكترث، وكان يسدل شعر رأسه ثم فرقه، وكان يرجله ويسرح لحيته، ويكتحل بالأثمد كل ليلة فى كل عين ثلاثة أطراف عند النوم، وكان أحب(1/25)
الثياب إليه القميص، والبياض، والحبرة، وهى ضرب من البرود فيه حمرة، وكان كُم قميص رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الرسغ، ولبس فى وقت حلة حمراء وإزارًا ورداء، وفى وقت ثوبين أعفرين، وفى وقت جبة ضيقة الكمين، وفى وقت قباء، وفى وقت عمامة سوداء وأرخى طرفها بين كتفيه، وفى وقت مرطًا أسود من شعر، أى كساء، ولبس الخاتم والخف والنعل.
فصل فى أبناءه وبناته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
له ثلاثة بنين: القاسم، وبه كان يكنى، ولد قبل النبوة، وتوفى وهو ابن سنتين. وعبد الله، وسمى الطيب والطاهر؛ لأنه ولد بعد النبوة، وقيل: الطيب والطاهر غير عبد الله، والصحيح الأول. والثالث إبراهيم، ولد بالمدينة سنة ثمان، ومات بها سنة عشر وهو ابن سبعة عشر شهرًا أو ثمانية عشر.
وكان له - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربع بنات: زينب تزوجها أبو العاص بن الربيه بن عبد العزى بن عبد الشمس، وهو ابن خالتها، وأمه هالة بنت خويلد. وفاطمة تزوجها على بن أبى طالب، رضى الله عنه. ورقية، وأم كلثوم تزوجهما عثمان بن عفان، تزوج رقية، ثم أم كلثوم، وتوفيتا عنده، ولهذا سمى ذا النورين، توفيت رقية يوم بدر فى رمضان سنة اثنتين من الهجرة، وتوفيت أم كلثوم فى شعبان سنة تسع من الهجرة.
فالبنات أربع بلا خلاف، والبنون ثلاثة على الصحيح، وأول من ولد له القاسم، ثم زينب، ثم رقية، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، وجاء أن فاطمة، عليها السلام، أسن من أم كلثوم، ذكر ذلك على بن أحمد بن سعيد بن محرم أبو محمد الحافظ. ثم فى الإسلام عبد الله بمكة، ثم إبراهيم بالمدينة، وكلهم من خديجة، إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية، وكلهم توفوا قبله إلا فاطمة، فإنها عاشت بعده ستة أشهر على الأصح والأشهر.(1/26)
فصل فى أعمامه وعماته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أعمامه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحد عشرة: أحدهم الحارث، وهو أكبر أولاد عبد المطلب، وبه كان يكنى، وقثم، والزبير، وحمزة، والعباس، وأبو طالب، وأبو لهب، وعبد الكعبة، وحجل، بحاء مهملة مفتوحة ثم جيم ساكنة، وضرار، والفيداق، أسلم منهم حمزة، والعباس، وكان حمزة أصغرهم سنًا؛ لأنه رضيع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم العباس قريب منه فى السن، وهو الذى كان يلى زمزم بعد أبيه عبد المطلب، وكان أكبر سنًا من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بثلاث سنين.
وعماته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ست: صفية أسلمت وهاجرت، وهى أم الزبير بن العوام، توفيت بالمدينة فى خلافة عمر بن الخطاب، رضى الله عنهما، وهى أخت حمزة لأمه. وعاتكة، قيل: إنها أسلمت، وهى التى رأت رؤيا غزوة بدر وقصتها مشهورة. وبرة، وأروى، وأميمة، وأم حكيم، وهى البيضاء.
فصل فى أزواجه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أولهن خديجة، ثم سودة، ثم عائشة، ثم حفصة، وأم حبيبة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وميمونة، وجويرية، وسفية، وسنذكرهن فى تراجمهن إن شاء الله تعالى، فهؤلاء التسع بعد خديجة توفى عنهن، ولم يتزوج فى حياة خديجة غيرها، ولا تزوج بكرًا غير عائشة. وأما اللاتى فارقهن - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى حياته فتركناهن لكثرة الاختلاف فيهن. وكان له سريتان: مارية، وريحانة بنت زيد، وقيل: بنت شمعون، ثم أعتقها.
روينا عن قتادة، قال: تزوج النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمس عشرة امرأة، فدخل بثلاث عشرة، وجمع بين إحدى عشرة، وتوفى عن تسع.(1/27)
فصل فى مواليه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
منهم: زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبى أبو أسامة، وثوبان بن بجدد، بضم الموحدة والدال وإسكان الجيم، وأبو كبشة واسمه سليم، شهد بدرًا، وباذام، ورويفع، وقصير، وميمون، وأبو بكرة، وهرمز، وأبو صفية عبيد، وأبو سلمى، وأنسه، بفتح الهمزة والنون، وصالح، وشقران، ورباح بالموحدة، وأسود النوبى، ويسار الراعى، وأبو رافع واسمه أسلم، وقيل غير ذلك، وأبو لهثة، وفضالة اليمانى، ورافع، ومدعم، بكسر الميم وإسكان الدال وفتح العين المهملتين، أسود، وهو الذى قتل بوادى القرى، وكركرة بكسر الكافين، وقيل: بفتحهما، كان على ثقل النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وزيد جد هلال بن يسار بن زيد، وعبيدة، وطهمان أو كيسان أو مهران أو ذكوان أو مروان، ومأبور القبطى، وواقد، وأبو واقد، وهشام، وأبو ضميرة، وحنين، وأبو عسيب، واسمه أحمر، وأبو عبيدة، وسفينة، وسلمان الفارسى، وأيمن بن أم أيمن، وأفلح، وسابق، وسالم، وزيد بن بولا، وسعيد، وضميرة بن أبى ضميرة، وعبيد الله بن أسلم، ونافع، ونبيل، ووردان، وأبو أثيلة، وأبو الحمراء.
ومن الإماء: سلمى، بفتح السين، أم رافع، وأم أيمن بركة، بفتح الباء، وهى أم أسامة ابن زيد، وميمونة بنت سعيد، وخضرة، ورضوى، وأميمة، وريحانة، وأم ضميرة، ومارية، وشيرين، وهى أختها، وأم عباس. وكثير من هؤلاء لهم ذكر فى هذه الكتب، وسيأتى بيان أحوالهم فى تراجمهم إن شاء الله تعالى. واعلم أن هؤلاء الموالى لم يكونوا موجودين فى وقت واحد للنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل كان بعض منهم فى وقت، والله أعلم.(1/28)
فصل فى خدمه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
منهم: أنس بن مالك، وهند وأسماء ابنا حارثة الأسلميان، وربيعة بن كعب الأسلمى، وكان عبد الله بن مسعود صاحب نعليه إذا قام ألبسه إياهما، وإذا جلس حطهما وجعلهما فى ذراعيه حتى يقوم، وكان عقبة بن عامر الجهنى صاحب بغلته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقود به فى الأسفار، وبلال المؤذن، وسعد مولى أبى بكر الصديق، وذو مخمر، ويقال: مخبر، بالباء الموحدة، ابن أخى النجاشى، ويقال: ابن أخته، وبكير بن سراح الليثى، ويقال: بكر، وأبو ذر الغفارى، والأسلع بن شريك بن عوف الأعرجى، ومهاجر مولى أم سلمة، وأبو السجع، رضى الله عنهم.
فصل فى كُتَّابه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ذكرهم الحافظ أبو القاسم فى تاريخ دمشق أنهم ثلاثة وعشرون، وروى ذلك كله بأسانيده، وهم: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان، وعلى، والزبير، وأُبى بن كعب، وزيد بن ثابت، ومعاوية بن أبى سفيان، ومحمد بن مسلمة، والأرقم بن أبى الأرقم، وأبان بن سعيد بن العاص، وأخوه خالد بن سعيد، وثابت بن قيس، وحنظلة ابن الربيع، وخالد بن الوليد، وعبد الله بن الأرقم، وعبد الله بن زيد بن عبد ربه، والعلاء بن عتبة، والمغيرة بن شعبة، والسجل. وزاد غيره: شرحبيل بن حسنة، قالوا: وكان أكثرهم كتابة زيد بن ثابت، ومعاوية، رضى الله عنهم.(1/29)
فصل فى رُسُلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أرسل - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عمرو بن أمية الضمرى إلى النجاشى، فأخذ كتاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووضعه على عينيه، ونزل عن سريره، فجلس على الأرض، ثم أسلم حين حضره جعفر بن أبى طالب وحسن إسلامه. وأرسل - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دحية بن خليفة الكلبى بكتاب إلى هرقل عظيم الروم. وعبد الله بن حذافة السهمى إلى كسرى ملك فارس. وحاطب بن أبى بلتعة اللخمى إلى المقوقس ملك الأسكندرية ومصر، فقال خيرًا، وقارب أن يُسلم، وأهدى لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مارية القبطية وأختها شيرين، فوهبها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحسان بن ثابت. وأرسل عمرو بن العاص إلى ملكى عمان فأسلما وخليا بين عمرو وبين الصدقة والحكم فيما بينهم، فلم يزل عندهم حتى توفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وأرسل سليط بن عمرو العلوى إلى اليمامة وإلى هوذة بن على الحنفى. وأرسل شجاع بن وهب الأسدى إلى الحارث بن أبى شمر الغسانى ملك البلقاء من أرض الشام. وأرسل المهاجر بن أبى أمية المخزومى إلى الحارث الحميرى. وأرسل العلاء بن الحضرمى إلى المنذر بن ساوى العبدى ملك البحرين فصدق وأسلم. وأرسل أبا موسى الأشعرى وعاذ بن جبل إلى جملة اليمن داعين إلى الإسلام، فأسلم عامة أهل اليمن ملكوهم وسوقتهم.
فصل فى مؤذنيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
له - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعة من المؤذنين: بلال، وابن أم مكتوم بالمدينة، وأبو محذورة بمكة، وسعد القرظ بقباء، وسيأتى بيان أحوالهم فى تراجمهم، إن شاء الله تعالى.(1/30)
فصل فى حجه وعمرته وغزواته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ثبت فى الصحيحين أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتمر أربع عُمَر بعد الهجرة، ولم يحج إلا حجة الوداع التى ودَّع الناس فيها سنة عشر من الهجرة، وغزا بنفسه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمسًا وعشرين غزوة، هذا هو المشهور، وهو قول موسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، وأبى معشر، وغيرهم من أئمة السير والمغازى، وقيل: سبعًا وعشرين، ونقل أبو عبد الله محمد بن سعد فى الطبقات الاتفاق على أن غزواته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنفسه سبع وعشرون غزوة، وسراياه ست وخمسون، وعدَّها واحدة واحدة مرتبة على حسب وقوعها.
قالوا: ولم يقاتل إلا فى تسع: بدر، وأُحُد، والخندق، وبنى قريظة، وبنى المصطلق، وخيبر، وفتح مكة، وحنين، والطائف، وهذا على قول من قال: فتحت مكة عنوة، وقيل: قاتل بوادى القرى، وفى الغابة، وبنى النضير، والله أعلم.
فصل فى أخلاقه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجود الناس، وكان أجود ما يكون فى رمضان، وكان أحسن الناس خَلقًا وخُلُقًا، وألينهم كفًا، وأطيبهم ريحًا، وأكملهم حجًا، وأحسنهم عشرة، وأعلمهم بالله، وأشدهم لله خشية، ولا يغضب لنفسه، ولا ينتقم لها، وإنما يغضب إذا انتهكت حرمات الله عز وجل، فحينئذ يغضب ولا يقوم لغضبه شىء حتى ينتصر للحق، وإذا غضب أعرض وأشاح، وكان خُلقه القرآن، وكان أكثر الناس تواضعًا، يقضى حاجة أهله، ويخفض جناحه للضعفة، وما سُئل شيئًا قط فقال: لا، وكان أحلم الناس، وكان أشد الناس حياء من العذراء فى خدرها، والقريب والبعيد والقوى والضعيف عنده(1/31)
فى الحق سواء.
وما عاب طعامًا قط، إن اشتهاه أكله وإلا تركه، ولا يأكل متكئًا ولا على خوان، ويأكل ما تيسر، ولا يمتنع من مباح ما، وكان يحب الحلواء والعسل، ويعجبه الدباء، وهو اليقطين، وقال: "نعم الإدام الخل" (1) ، و"فضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" (2)
) ، وكان أحب الشاة إليه الذراع. وقال أبو هريرة، رضى الله عنه: خرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير، يعنى للعدم، وكان يأتى الشهر والشهران لا يوقد فى بيت من بيوته نار.
وكان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، ويكافىء على الهدية. ويخصف النعل، ويرقع الثوب، ويعود المريض، ويجيب من دعاه من غنى أو فقير، أو دنى أو شريف، ولا يحتقر أحدًا، وكان يقعد تارة القرفصاء، وتارة متربعًا، واتكأ فى أوقات، وفى كثير من الأوقات أو فى أكثرها محتبيًا بيديه، وكان يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقهن، ويتنفس فى الشراب بالإناء ثلاثًا خارج الإناء. ويتكلم بجوامع الكلم، ويعيد الكلمة ثلاثًا لتفهم، وكلامه بَيِّن يفهمه من سمعه، ولا يتكلم فى غير حاجة، ولا يقعد ولا يقوم إلا على ذكر الله تعالى، وركب الفرس والبعير والحمار والبغلة، وأردف معه خلفه على ناقة وعلى حمار، ولا يدع أحدًا يمشى خلفه.
وعصب على بطنه الحجر من الجوع، وكان يبيت هو وأهله الليالى طاويين، وفراشه من أدم حشوه ليف، وكان متقللاً من أمتعة الدنيا كلها، وقد أعطاه الله تعالى مفاتيح خزائن الأرض كلها فأبى أن يأخذها واختار الآخرة عليها، وكان كثير الذكر، دائم الفكر، جل ضحكه التبسم، وضحك فى أوقات حتى بدت نواجذه وهى الأنياب، ويحب الطيب، ويكره الريح الكريهة، ويمزح ولا يقول إلا حقًا، ويقبل عذر المعتذر إليه، وكان كما وصفه الله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128] ، وقال تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} [التوبة: 103] .
وكانت معاتبته تعريضًا: "ما بال قوم يشترطون شروطًا ليست فى كتاب الله تعالى" (3) . ونحو ذلك، ويأمر بالرفق ويحث عليه، وينهى عن العنف، ويحث على العفو والصفح ومكارم الأخلاق، ويحب التيمن فى طهوره وترجله
_________
(1) أورده السيوطى فى الكبير وعزاه لأبى عوانة، والحكيم عن أنس. الطيالسى، وأحمد، والدارمى، ومسلم، والنسائى، وأبى داود، والترمذى، وابن ماجه عن جابر. تمام، وابن عساكر عن عمر بن عبد العزيز عن أمه أم عاصم عن أبيها عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه. أبى عوانة، والطبرانى عن ابن عباس. مسلم، والترمذى، وابن ماجه عن عائشة. الطبرانى عن السائب بن يزيد) .
(2) حديث أنس: أخرجه أحمد (3/156، رقم 12619) ، والبخارى (3/1375، رقم 3559) ، ومسلم (4/1895، رقم 2446) ، والترمذى (5/706، رقم 3887) وقال: حسن. والنسائى (7/68، رقم 3948) ، وابن ماجه (2/1092، رقم 3281) ، والدارمى (2/144، رقم 2069) ، وابن حبان (16/50، رقم 7113) . وأخرجه أيضًا: ابن أبى شيبة
(6/390، رقم 32281) ، والطبرانى فى الأوسط (2/369، رقم 2256) .
حديث أبى موسى: أخرجه النسائى (7/68، رقم 3947) .
حديث عائشة: أخرجه أحمد (6/159، رقم 25299) والنسائى (7/68، رقم 3948) وأخرجه أيضًا: إسحاق بن راهويه (2/486، رقم 1068) ، وابن حبان (16/52، رقم 7115) .
حديث سعد: أخرجه أبو نعيم فى الحلية (9/25) . وأخرجه أيضًا: الطبرانى فى الأوسط (2/278، رقم 1978) . قال الهيثمى (9/243) : رجاله رجال الصحيح.
حديث معاوية بن قرة عن أبيه: أخرجه الحاكم (3/677، رقم 6483) ، والطبرانى (19/28، رقم 60) . قال الهيثمى فى مجمع الزوائد (9/243) : إسناده حسن.
حديث عبد الرحمن بن عوف: أخرجه الطبرانى (23/42، رقم 108) . قال الهيثمى (9/243: رجاله رجال الصحيح إلا أن أبا سلمة بن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه.
(3) أخرجه عبد الرزاق (7/248، رقم 13006) ، والبخارى (2/981، رقم 2584) ، ومسلم (2/1142، رقم 1504) ، وأبو داود (4/21، رقم 3929) ، والترمذى (4/436، رقم 2124) ، وقال: حسن صحيح. والنسائى (7/305، رقم 4655) ، وابن ماجه (2/842، رقم 2521) .(1/32)
وتنعله وفى شأنه كله، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى. وإذا نام واضطجع اضطجع على جنبه الأيمن مستقبل القبلة.
وكان مجلسه مجلس حلم، وحياء، وأمانة، وصيانة، وصبر، وسكينة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا يؤذين فيه الحرم، أى لا يذكر فيه النساء، يتعاطفون فيه بالتقوى، ويتواضعون، ويوقر الكبار، ويرحم الصغار، ويؤثرون المحتاج، ويحفظون الغريب، ويخرجون أدلة على الخير. وكان يتألف أصحابه، ويكرم كريم كل قوم ويوليه أمرهم، ويتفقد أصحابه، ولم يكن فاحشًا ولا متفحشًا، ولا يجزى بالسيئة السيئة، بل يعفو ويصفح، ولم يضرب خادمًا ولا امرأة ولا شيئًا قط، إلا أن يجاهد فى سبيل الله، وما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثمًا.
ودلائل كل ما ذكرته فى الصحيح مشهورة، وقد جمع الله سبحانه وتعالى له - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كمال الأخلاق، ومحاسن الشيم، وآتاه علم الأولين والآخرين، وما فيه النجاة والفوز، وهو أمىّ لا يقرأ ولا يكتب، ولا مُعلم له من البشر، وآتاه ما لم يؤت أحدًا من العالمين، واختاره على جميع الأولين والآخرين، صلوات الله عليه وسلامه دائمين إلى يوم الدين. ثبت فى الصحيح عن أنس بن مالك، رضى الله عنه، قال: ما مستت ديباجًا ولا حريرًا ألين من كف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا شممت رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولقد خدمت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشر سنين، فما قال لى قط أف، ولا قال لشىء فعلته: لم فعلته، ولا لشىء لم أفعله: ألا فعلت كذا.
فصل فى معجزاته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معجزات ظاهرات وأعلام متظاهرات تبلغ ألوفًا، وهى مشهورات، فمنها القرآن، المعجزة الظاهرة، والدلالة الباهرة، {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] ، الذى أعجز البلغاء فى أفصح الأعصار، وأعياهم أن يأتوا بسورة منه ولو استعانوا بجميع الخلق. قال الله تعالى: {قُل لَّئِنِ(1/33)
اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88] ، فتحداهم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك مع كثرتهم وفصاحتهم وشدة عداوتهم إلى يومنا هذا.
أما المعجزات غيره، فلا يمكن حصرها أبدًا؛ لأنها كثيرة جدًا، ومتجددة متزايدة، ولكن أذكر منها أمثلة كانشقاق القمر، ونبع الماء من بين أصابعه، وتكثير الماء والطعام، وتسبيح الطعام، وحنين الجذع، وتسليم الحجر، وتكليم الزراع المسمومة، ومشى الشجرة إليه، واجتماع الشجرتين المتباعدتين ورجوعهما إلى مكانهما، ودرور الشاة الحائل، ورده عين قتادة بن النعمان بعد أن ندرت وصارت فى يده إلى مكانها، فلم تكن تُعرف بعد ذلك، وتفله فى عينى على وكان أرمد فبرىء من ساعته، ومسحه رجل عبد الله بن عتيك فبرأت فى الحال، وإخباره بمصارع المشركين يوم بدر، هذا مصرع فلان، فلم يعدوا مصارعهم، وإخباره بقتلة أُبى بن خلف، وإخباره بأن طائفة من أمته يغزون البحر، وأن أم حرام منهم فكان كذلك، وبأنه يفتح على أمته ما زوى له من مشارق الأرض ومغاربها، وبأن كنوز كسرى تنفقها أمته فى سبيل الله عز وجل، وبأنه يخاف على أمته ما يفتح عليهم من زهرة الدنيا، وبأن خزائن فارس والروم تفتح لنا، وبأن سراقة بن مالك يسور بسوارى كسرى.
وبأن الحسن بن على يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، وبأن سعد بن أبى وقاص يعيش حتى ينتفع به أقوام ويضر به آخرون، وبأن النجاشى مات يومكم هذا وهو بالحبشة، وبأن الأسود العنسى قُتل ليلتكم هذه وهو باليمن، وبأن المسلمين يقاتلون الترك صغار الأعين عراض الوجوه ذلف الأنوف، وبأن اليمن تفتح عليكم والشام والعراق، وبأن المسلمين يجندون ثلاثة أجناد جندًا بالشام، وجندًا باليمن، وجندًا بالعراق، وبأنهم يفتحون مصر أرضًا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرًا فإن لهم ذمة ورحمًا.
وبأن أويسًا القرنى يقدم عليكم فى إمداد أهل اليمن، كان به برص فبرىء منه إلا قدر درهم، فقدم كذلك على عمر، وبأن طائفة(1/34)
من أمته على الحق، وبأن الناس يكثرون، وبأن الأنصار يقلون، وبأن الأنصار يلقون بعده أثرة، وبأن الناس لا يزالون يسألون حتى يقولوا: هذا خلق الله الخلق ... الحديث، وبأن رويفع بن ثابت تطول به الحياة، وبأن عمار بن ياسر تقتله الفئة الباغية، وبأن هذه الأمة ستفترق، وبأنه سيكون بينهم قتال، وبأنه ستخرج نار من أرض الحجاز، وأشباه هذا، فوقعت كلها كما ذكر - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واضحة جلية.
وقال لثابت بن قيس: "تعيش حميدًا، وتقتل شهيدًا"، فعاش حميدًا، واستشهد باليمامة. وقال لعثمان: "تصيبه بلوى شديدة". وقال فى رجل من المسلمين: "يقاتل قتالاً شديدًا، وأنه من أهل النار"، فَقَتل نفسه. وجاءه وابصة بن معبد يسأله عن البر والإثم، فقال: "جئت تسأل عن البر والإثم" (1) . وقال لعلى والزبير والمقداد: "اذهبوا إلى روضة خاخ" (2) بأن هناك ظعينة معها كتاب، فوجدوها فأنكرته، ثم أخرجته من عقاصها.
وقال لأبى هريرة حين سرق الشيطان التمر: "إنه سيعود" فعاد. وقال لأزواجه: "أطولكن يدًا أسرعكن لحاقًا بى" (3) فكان كذلك. وقال لعبد الله بن سلام: "أنت على الإسلام حتى تموت". ودعا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنس بأن يكثر ماله وولده ويطول عمره، فكان كذلك، عاش فوق مائة سنة، ولم يكن أحد من الأنصار أكثر مالاً منه، ودفن من أولاده الذكور لصلبه مائة وعشرين ابنًا قبل قدوم الحجاج سوى غيرهم، وهذا مصرح به فى صحيح البخارى وغيره.
ودعا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يعز الله الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبى جهل، فأعزه الله بعمر، رضى الله عنه. ودعا على سراقة بن مالك فارتطمت به فرسه فى جلد من الأرض، وساخت قوائمها فيها، فناداه بالأمان وسأله الدعاء له. ودعا لعلى أن يذهب الله عنه الحر والبرد، فلم يكن يجد حرًا ولا بردًا. ودعا لحذيفة ليلة بعثه يأتى بخبر الأحزاب ألا يجد بردًا، فلم يجده حتى رجع. ودعا لابن عباس أن يفقهه الله فى الدين، فكان كذلك. ودعا على عتبة بن أبى لهب أن
_________
(1) أخرجه الطبرانى (22/147، رقم 402) ، وابن عساكر (62/340) .
قال الهيثمى (1/175) : رواه أحمد والبزار وفيه أبو عبد الله السلمى وقال فى البزار الأسدى عن وابصة وعنه معاوية بن صالح ولم أجد من ترجمه.
(2) حديث علي: أخرجه أحمد (1/79، رقم 600) ، والبخاري (3/1095، رقم 2845) ، ومسلم (4/1941، رقم 2494) ، وأبو داود (3/47، رقم 2650) ، والترمذي (5/409، رقم 3305) . وأخرجه أيضا: الحميدي (1/27، رقم 49) ، وابن حبان (14/424، رقم 6499) .
(3) أخرجه مسلم (4/1907، رقم 2452) واللفظ له، والنسائى (5/66، رقم 2541) ، وابن حبان (15/50، رقم 6665) . وأخرجه أيضًا: البخارى (2/515، رقم 1354) ، والحاكم (4/26، رقم 6776) قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.(1/35)
يسلط الله عليه كلبًا من كلابه، فقتله الأسد بالزرقاء. ودعا بنزول المطر حين سألوه ذلك لقحوط المطر ولم يكن فى السماء قزعة، فثار سحاب أمثال الجبال، ومطروا إلى الجمعة الأخرى، حتى سألوه أن يدعو برفعه، فدعا فارتفع وخرجوا يمشون فى الشمس.
ودعا لأبى طلحة ولامرأته أم سليم أن يباك الله لهما فى ليلتهما، فكان كذلك، فحملت فولدت عبد الله، فكان من أولاده تسعة كلهم علماء. ودعا لأم أبى هريرة، رضى الله عنه، بالهداية، فذهب أبو هريرة فوجدها تغتسل وقد أسلمت. ودعا لأم قيس بنت محصن أخت عكاشة بطول العمر، فلا نعلم امرأة عمَّرت ما عمرت، رواه النسائى فى أبواب غسل الميت. ورمى الكفار يوم حنين بقبضة من تراب، وقال: "شاهت الوجوه" (1)
) فهزمهم الله تعالى، وامتلأت أعينهم ترابًا. وخرج على مائة من قريش ينتظرونه ليفعلوا به مكروهًا، فوضع التراب على رءوسهم ومضى ولم يروه.
فصل فى أفراس النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كان له - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفراس، فأول فرس ملكه السكب، بفتح السين المهملة وإسكان الكاف وبالباء الموحدة، وكان أغر محجلاً، طلق اليمنى، وهو أول فرس غزا عليه. وفرس آخر يقال له: شنجة، وهو الذى سابق عليه فسبق، وفرس آخر يقال له: المرتجز، وهو الذى اشتراه من الأعرابى الذى شهد له خزيمة بن ثابت. وقال سهل بن سعد: كان لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثة أفراس: لزاز، بكسر اللام وبزاءين، والظرب، بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء، واللحيف، بضم اللام وفتح الحاء المهملة، وقيل: بالمعجمة، وقيل: النحيف، بالنون، فأما لزاز فأهداه له المقوقس، واللحيف أهداه له ربيعة بن أبى البراء فأثابه عليه فرايض، والظرب أهداه له فروة بن عمرو الجذامى، وكان له فرس يقال له: الورد، أهداه له تميم الدارى، ثم وهبه لعمر، ثم وهبه عمر لرجل، ثم وجده يباع.
وكان له - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بغلته دُلْدُل، بضم الدالين المهملتين، يركبها فى الأسفار، وعاشت
_________
(1) أورده السيوطى فى الكبير وعزاه لمسلم عن سلمة بن الأكوع. أحمد عن أبى عبد الرحمن الفهرى واسمه يزيد بن أسيد. عبد بن حميد عن يزيد بن عامر. الطبرانى عن الحارث بن بدل السعدى قال البغوى: وما له غيره قال وبلغنى أنه لم يسمعه من النبى (وإنما رواه عن عمرو بن سفيان الثقفى. البغوى، والطبرانى عن شيبة بن عثمان. الطبرانى عن حكيم بن حزام أنه قاله يوم بدر. الحاكم عن ابن عباس أنه قاله لقريش بمكة) .
حديث سلمة بن الأكوع: أخرجه مسلم (3/1402، رقم 1777) .
حديث أبى عبد الرحمن الفهرى: أخرجه أحمد (5/286، رقم 22520) . وأخرجه أيضًا: الطيالسى (ص 195، رقم 1371) ، والطبرانى (22/288، رقم 741) . قال الهيثمى (6/182) : رواه البزار والطبرانى، ورجالهما ثقات.
حديث يزيد بن عامر: أخرجه عبد بن حميد (ص 163، رقم 440) . وأخرجه أيضًا: ابن أبى عاصم فى الآحاد والمثانى (3/136، رقم 1464) ، والطبرانى (22/237، رقم 622) . قال الهيثمى (6/183) : رجاله ثقات.
حديث الحارث بن بدل: قال الحافظ فى الإصابة (2/191، ترجمة 2031 الحارث بن بدل) : تابعى لا صحبة له.
حديث شيبة بن عثمان: أخرجه الطبرانى (7/298، رقم 7192) . قال الهيثمى (6/184) : فيه أبو بكر الهذلى، وهو ضعيف.
حديث حكيم بن حزام: أخرجه الطبرانى (3/203، رقم 3128) . قال الهيثمى (6/84) : إسناده حسن.
حديث ابن عباس: أخرجه الحاكم (1/268، رقم 583) وقال: صحيح ولا أعرف له علة. وأخرجه أيضًا: أحمد (1/303، رقم 2762، 1/368 رقم 3485) قال الهيثمى (8/228) : رواه أحمد بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح.(1/36)
بعده - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى كبرت وذهبت أسنانها، وكان يحش لها الشعير، وماتت بينبع. وروينا فى تاريخ دمشق من طرق أنها بقيت حتى قاتل عليها على بن أبى طالب، رضى الله عنه، فى خلافته الخوارج. وكان له - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناقته العضباء، ويقال لها أيضًا: الجدعاء، والقصواء، هكذا روينا عن محمد بن إبراهيم التيمى، أن هذه الأسماء الثلاثة لناقة واحدة، وكذا قاله غيره، وقيل: هن ثلاث.
وكان له حمار يقال له: عُفير، بضم العين المهملة وفتح الفاء، وذكره القاضى عياض بالغين المعجمة، واتفقوا على تغليطه فى ذلك. مات عفير فى حجة الوداع، وكان له وقت عشرون لقحة، ومائة شاة، وثلاثة أرماح، وثلاثة أفراس، وستة أسياف منها ذو الفقار، تنفله يوم بدر، وهو الذى رأى فيه الرؤيا يوم أُحُد، ودرعان، وترس، وخاتم، وقدح غليظ من خشب، وراية سوداء مربعة من نمرة، ولواء أبيض، وروى أسود.
واعلم أن أحوال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسيره وما أكرمه الله تعالى به، وما أفاضه على العالمين من آثاره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير محصورة، ولا يمكن استقصاؤها، لاسيما فى هذا الكتاب الموضوع للإشارة إلى نبذ من عيون الأسماء، وما يتعلق بها، وفيما ذكرته تنبيه على ما تركته، ولأن مقصودى تشريف الكتاب بتصدير بعض أحوال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى أوله، وقد حصل ذلك ولله الحمد، وكيف لا يشرف كتاب صدر بأحوال الرسول المصطفى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والحبيب المجتبى، خيرة العالم، وخاتم النبيين، وإمام المتقين، وسيد المرسلين، هادى الأمة، ونبى الرحمة - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وزاده فضلاً وشرفًا لديه، والحمد لله رب العالمين.
فصل فى خصائص رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى الأحكام وغيرها
وهذا فصل نفيس، وعادة(1/37)
أصحابنا يذكرونه فى أول كتاب النكاح؛ لأن خصائصه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى النكاح أكثر من غيرها، وقد جمعتها فى الروضة مستقصًا ولله الحمد، وهذا الكتاب لا يحتمل بسطها، فأشير فيه إلى مقاصدها مختصرة إن شاء الله تعالى. قال أصحابنا: خصائصه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعة أضرب:
الأول: ما اختص به - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الواجبات: قالوا: والحكمة فيه زيادة الزلفى والدرجات العلى، فلم يتقرب المتقربون إلى الله تعالى بمثل أداء ما افترض عليهم، كما صرح به الحديث الصحيح، ونقل إمام الحرمين عن بعض أصحابنا أن ثواب الفرض يزيد على ثواب النفل بسبعين درجة، واستأنسوا فيه بحديث، فمن هذا الضرب صلاة الضحى، ومنه الأضحية، والوتر، والتهجد، والسواد، والمشاورة.
والصحيح عند أصحابنا أنها واجبات عليه، وقيل: سُنن، والأصح عند أصحابنا أن الوتر غير التهجد، والصحيح أن التهجد نسخ وجوبه فى حقه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما نسخ فى حق الأمة، وهذا هو المنصوص للشافعى، رحمه الله. قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ} [الإسراء: 79] ، وفى صحيح مسلم عن عائشة ما يدل عليه.
ومنه وجوب مصابرته العدو، وإن كثروا وزادوا على الضعف. ومنه قضاء دين من مات وعليه دين، لم يخلف وفاء، وقيل: كان يقضيه تكرمًا لا وجوبًا، والأصح عند أصحابنا أنه كان واجبًا. وقيل: يجب عليه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا رأى شيئًا يعجبه أن يقول: لبيك إن العيش عيش الآخرة، ومن هذا الضرب فى النكاح أنه أوجب عليه تخيير نسائه بين مفارقته واختياره.
وقال بعض أصحابنا: كان هذا التخيير مستحبًا، والصحيح وجوبه، فلما خيرهن اخترنه والدار الآخرة، فحرم عليه التزوج عليهن والتبدل بهن مكافأة لهن على حسن صنيعهن، قال الله تعالى: {لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} [الأحزاب: 52] ، ثم نسخ لتكون المنة لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بترك التزوج عليهن، فقال تعالى: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِى آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [الأحزاب: 50] الآية. واختلف أصحابنا هل حرم طلاقهن بعد الاختيار؟ فالأصح أنه لم يحرم وإنما حرم التبدل، وهو غير مجرد الطلاق.(1/38)
الضرب الثانى: ما اختص به من المحرمات عليه: ليكون الأجر فى اجتنابه أكثر، وهو قسمان:
أحدهما: فى غير النكاح: فمنه الشعر، والخط، ومنه الزكاة، وفى صدقة التطوع قولان للشافعى، أصحهما أنها كانت محرمة عليه، وأما الأكل متكئًا، وأكل الثوم والبصل والكرات، فكانت مكروهة له غير محرمة فى الأصح. وقال بعض أصحابنا: محرمات، وكان يحرم عليه إذا لبس لامته أن ينزعها حتى يلقى العدو ويقاتل، وقيل: كان مكروهًا، والصحيح عند أصحابنا تحريمه.
وقال بعض أصحابنا تفريعًا على هذا: إنه كان إذا شرع فى تطوع لزمه إتمامه، وهذا ضعيف، وكان يحرم عليه مد العين إلى ما متع به الناس من زهرة الدنيا، وحرم عليه خائنة الأعين، وهى الإيماء برأس أو يد أو غيرهما إلى مباح من قتل أو ضرب أو نحوها، على خلاف ما يظهر ويشعر به الحال، وكان لا يصلى أولاً على من مات وعليه دين ولا وفاء له، ويأذن لأصحابه فى الصلاة عليه. واختلف أصحابنا هل كان يحرم عليه الصلاة أم لا؟ ثم نسخ ذلك، وكان يصلى عليه، ويوفى دينه من عنده.
القسم الثانى: فى النكاح: فمنه إمساك من كرهت نكاحه، والصحيح عند أصحابنا تحريمه. وقال بعضهم: كان لا يفارقها تكرمًا. ومنه نكاح الكتابية، والأصح عند أصحابنا أنه كان محرمًا عليه، وبه قال ابن سريج، وأبو سعيد الأصطخرى، والقاضى أبو حامد المروروذى.
وقال أبو إسحاق المروزى: ليس بحرام، ويجرى الوجهان فى التسرى بالأمة الكتابية ونكاح الأمة المسلمة، لكن الأصح فى التسرى بالكتابية الحل، وفى نكاح الأمة المسلمة التحريم، وأما الأمة الكتابية، فقطع الجمهور بأن نكاحها كان محرمًا عليه، وطرد الحناطى الوجهين، وفرع الأصحاب هنا تفريعات لا أراها لاثقة بهذا الكتاب.
الضرب الثالث: التخفيفات والمباحات: وما أبيح له - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دون غيره نوعان:
أحدهما: لا يتعلق بالنكاح: فمنه الوصال فى الصوم، واصطفاء ما يختاره من الغنيمة قبل القسمة من جارية وغيرها، ويقال لذلك المختار: الصفى والصفية، وجمعها(1/39)
صفايا. ومن خمس الخمس فى الفىء والغنيمة، وأربعة أخماس الفىء، ودخول مكة بلا إحرام، وإباحة القتال فيها ساعة دخلها يوم الفتح، وله أن يقضى بعلمه وفى غيره خلاف، ويحكم لنفسه وولده، ويشهد لنفسه وولده، ويقبل شهادة من يشهد له، ويحيى الموات لنفسه، ولا ينتقض وضوئه بالنوم مضطجعًا. وذكر بعض أصحابنا فى انتقاض وضوئه بلمس المرأة وجهين، والمشهور الانتقاض. وفى إباحة مكثه فى المسجد مع الجنابة وجهان لأصحابنا، قال أبو العباس بن القاص فى التلخيص: يباح، وقال القفال وغيره: لا يباح، وغَلَّط إمام الحرمين وغيره صاحب التلخيص فى الإباحة.
وقد يحتج للإباحة بحديث عطية، عن أبى سعيد، قال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا على، لا يحل لأحد يجنب فى هذا المسجد غيرى وغيرك" (1) . قال الترمذى: حديث حسن. وقد يعترض على هذا الحديث بأن عطية ضعيف عند الجمهور، ويجاب بأن الترمذى حكم بأنه حسن، فلعله اعتضد بما اقتضى حسنه. وأبيح له أخذ الطعام والشراب من مالكيهما المحتاج إليهما إذا احتاج هو - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليهما، ويجب على صاحبهما البذل له - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وصيانة مهجته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال الله تعالى: {النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] . واعلم أن معظم هذه المباحاة لم يفعلها - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإن كانت مباحة له، والله أعلم.
النوع الثانى: متعلق بالنكاح: فمنه إباحة تسع نسوة، والصحيح جواز الزيادة له - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ومنه انعقاد نكاحه بلفظ الهبة على الأصح، والأصح انحصار طلاقه فى الثلاث، وقيل: لا ينحصر، وإذا عقد نكاحه بلفظ الهبة لا يجب مهر بالعقد، ولا بالدخول بخلاف غيره. ومنه انعقاد نكاحه بلا ولى ولا شهود، وفى حال الإحرام على الصحيح فى الجميع، وإذا رغب فى نكاح امرأة خلية لزمها الإجابة على الصحيح، ويحرم على غيره خطبتها. وفى وجوب القسم بين أزواجه وإمائه وجهان.
قال الأصطخرى: لا يجب، فيكون من الخصائص. وقال آخرون: يجب، فليس منها. وبنى الأصحاب أكثر هذه المسائل ونظائرها على أصل عندهم، وهو أن نكاحه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هل هو كالنكاح فى حقنا أم كالتسرى؟. وأعتق صفية وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، فقيل: أعتقها وشرط أن ينكحها،
_________
(1) أخرجه الترمذى (5/639، رقم 3727) وقال: حسن غريب. وأبو يعلى (2/311، رقم 1042) ، والبيهقى (7/65، رقم 13181) .(1/40)
فلزمه الوفاء بخلاف غيره. وقيل: جعل نفس العتق صداقًا، وصح ذلك بخلاف غيره، وقيل: أعتقها بلا عوض، وتزوجها بلا مهر لا فى الحال ولا فيما بعد، وهذا أصح، وذكر الأصحاب فى هذا النوع أشياء كثيرة جدًا حذفتها.
الضرب الرابع: ما اختص به - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الفضائل والإكرام: فمنه أن أزواجه اللائى توفى عنهن محرمات على غيره أبدًا، وفيمن فارقها فى الحياة أوجه أصحها تحريمها، وهو نص الشافعى، رحمه الله، فى أحكام القرآن، وبه قال أبو على بن أبى هريرة؛ لقوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] ، والثانى: يحل، والثالث: يحرم التى دخل بها فقط. فإذا قلنا بالتحريم، ففى أمة يفارقها بوفاة أو غيرها بعد الدخول وجهان. ومنه أن أزواجه أمهات المؤمنين، سواء من توفيت تحته ومن توفى عنها، وذلك فى تحريم نكاحهن ووجوب احترامهن وطاعتهن، وتحريم حقوقهن لا فى النظر والخلوة، وتحريم بناتهن وإخواتهن، فلا يقال: بناتهن أخوات المؤمنين، ولا آباؤهن وأمهاتهن أجداد وجدات المؤمنين، ولا إخوتهن وأخواتهن أخوال وخالات المؤمنين.
وقال بعض أصحابنا: يطلق اسم الإخوة على بناتهن، واسم الخؤولة على إخوتهن وأخواتهن، وهذا ظاهر نص الشافعى، رحمه الله، فى مختصر المزنى. وهل كن أمهات المؤمنات؟ فيه وجهان صحابنا، أصحهما: لا، بل هن أمهات المؤمنين دون المؤمنات، وهو المنقول عن عائشة، رضى الله عنها، بناء على المذهب المختار لأهل الأصول أن النساء لا يدخلن فى ضمير الرجال.
وقال البغوى من أصحابنا: ويقال للنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أبو المؤمنين والمؤمنات. ونقل الواحدى عن بعض أصحابنا أنه لا يقال ذلك؛ لقوله تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] . قال: ونص الشافعى، رضى الله عنه، على جوازه، أى أبوهم فى الحرمة.
قال: ومعنى الآية: ليس أحد من رجالكم ولد صلبه. وفى الحديث الصحيح فى سنن أبى داود وغيره، أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنما أنا لكم مثل الوالد" (1) ، قيل: فى الشفقة، وقيل: فى ألا يستحيوا من سؤالى عما يحتاجون إليه من أمر العورات وغيرها، وقيل: فى ذلك كله وغيره، وقد أوضحت ذلك كله فى كتاب الاستطابة من شرح
_________
(1) أخرجه الشافعى (1/13) ، وابن حبان (4/288، رقم 1440) ، والبيهقى (1/91، رقم 435) .(1/41)
المهذب.
ومنه تفضيل نسائه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على سائر النساء، وجعل ثوابهن وعقابهن ضعفين، وتحريم سؤالهن إلا من وراء حجاب، ويجوز فى غيرهن مشافهة. وأفضل أزواجه خديجة وعائشة. قال أبو سعد المتولى: واختلف أصحابنا أيتهما أفضل. ومنه فى غير النكاح أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاتم النبيين وخير الخلائق أجمعين، وأمته أفضل الأمم، وأصحابه خير القرون، وأمته معصومة من الاجتماع على ضلالة، وشريعته مؤبدة وناسخة لجميع الشرائع، وكتابه معجزة محفوظ عن التحريف والتبديل، وهو حجة على الناس بعد وفاته، ومعجزات سائر الأنبياء انقرضت، ونُصر بالرعب مسيرة شهر، وجعلت له الأرض مسجدًا وطهورًا، وأحلت له الغنائم، وأعطى الشفاعة والمقام المحمود، وأرسل إلى الناس كافة، وهو سيد ولد آدم، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، وأول مشفع، وأول من يقرع باب الجنة.
وهو أكثر الأنبياء تبعًا، وأُعطى جوامع الكلم، وصفوف أمته فى الصلاة كصفوف الملائكة، وكان لا ينام قلبه، ويرى من وراء ظهره كما يرى من قدامه، ولا يحل لأحد أن يرفع صوته فوق صوته، ولا أن يناديه من وراء الحجرات، ولا أن يناديه باسمه فيقول: يا محمد، بل يقول: يا نبى الله، يا رسول الله، ويخاطبه المصلى بقوله: السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته، ولو خاطب آدميًا غيره بطلت صلاته، ويلزم المصلى إذا دعاه أن يجيبه وهو فى الصلاة، ولا تبطل صلاته، وكان بوله ودمه يتبرك بهما، وكان شعره طاهرًا، وإن حكمنا بنجاسة شعر الأمة، واختلف أصحابنا فى طهارة دمه وبوله وسائر الفضلات، وكانت الهدية حلالاً له بخلاف غيره من ولاة الأمور، فلا تحل له هدية رعاياهم على تفصيل مشهور، ولا يجوز الجنون على الأنبياء، ويجوز عليهم الإغماء؛ لأنه مرض بخلاف الجنون، واختلفوا فى جواز الاحتلام، والأشهر امتناعه.
وفاته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتان بعد الظهر فقضاهما بعد العصر، وواظب عليهما بعد العصر، وفى اختصاصه بهذه الملازمة والمداومة وجهان لأصحابنا أصحهما وأشهرهما الاختصاص. وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تسموا باسمى ولا تكنوا بكنيتى" (1) ، وفى جواز التكنى بأبى القاسم خلاف
_________
(1) أخرجه ابن سعد (1/107) .(1/42)
أوضحته فى الروضة، وفى كتاب الأذكار. وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة، إلا سببى ونسبى" (1) ، قيل: معناه أن أمته ينسبون إليه يوم القيامة، وأمم سائر الأنبياء لا تنسب إليهم، وقيل: يُنتفع يومئذ بالانتساب إليه ولا يُنتفع بسائر الأنساب. قال أصحابنا: ومن أستهان أو زنى بحضرته كفر، كذا قالوه، وفى الزنا نظر.
قال ابن القاص، والقفال، والمروزى: ومن الخصائص أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يؤخذ عن الدنيا عند تلقى الوحى، ولا يسقط عنه الصلاة ولا غيرها. ومنه أن من رآه فى المنام فقد رآه حقًا، فإن الشيطان لا يتمثل بصورته، ولكن لا يعمل بما يسمعه الراءى منه فى المنام فيما يتعلق بالأحكام إن خالف ما استقر فى الشرع؛ لعدم ضبط الرائى، لا للشك فى الرؤية؛ لأن الخبر لا يُقبل إلا من ضابط مطلف، والنائم بخلافه. ومنها أن الأرض لا تأكل لحوم الأنبياء للحديث المشهور.
ومنها قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن كذبًا علىَّ ليس ككذب على أحد" (2)
) ، قال أصحابنا وغيرهم: فتعمد الكذب عليه من الكبائر، فإن استحله المتعمد كفر، وإلا فهو كسائر الكبائر لا يكفر بها. وقال الشيخ أبو محمد الجوينى والد إمام الحرمين: يكفر بذلك، والصواب الأول، وبه قطع الجمهور، والله أعلم.
واعلم أن هذا الضرب لا ينحصر، ولكن نبهنا بما ذكرناه على ما سواه، ولنختم الفصل بكلامين:
أحدهما: قال إمام الحرمين: قال المحققون: ذكر الخلاف فى مسائل الخصائص خبط لا فائدة فيه، فإنه لا يتعلق به حكم ناجز تمس الحاجة إليه، وإنما يجرى الخلاف فيما لا نجد بُدًا من إثبات حكم فيه، فإن الأقيسة لا مجال لها، والأحكام الخاصة تتبع فيها النصوص، وما لا نص فيه فالخلاف فيه هجوم على الغيب من غير فائدة.
الكلام الثانى: قال الصيمرى: منع أبو على بن خيران الكلام فى الخصائص؛ لأنه أمر انقضى. قال: وقال سائر أصحابنا: لا بأس به، وهو الصحيح؛ لما فيه من زيادة العلم، هذا كلام الأصحاب، والصواب الجزم بجواز ذلك، بل باستحبابه، ولو قيل بوجوبه لم يكن بعيدًا إن لم يمنع منه إجماع؛ لأنه ربما رأى جاهل بعض الخصائص ثابتًا فى الصحيح فعمل به أخذًا بأصل التأسى، فوجب بيانها
_________
(1) حديث ابن عباس: أخرجه الطبرانى (11/243، رقم 11621) .
حديث عمر: أخرجه الطبرانى فى الأوسط (5/376، رقم 5606) ، والبيهقى (7/64، رقم 13172) ، والضياء (1/197، رقم 101) ، وقال: إسناده حسن. وأخرجه أيضًا: الطبرانى= = (3/45، رقم 2634) ، وأبو نعيم (7/314) ، وقال: غريب. والديلمى (3/255، رقم 4755) .
حديث المسور: أخرجه الطبرانى (20/27، رقم 33) .
(2) حديث المغيرة بن شعبة: أخرجه أحمد (4/245، رقم 18165) ، والبخارى (1/434، رقم 1229) ، ومسلم (1/10، رقم 4) .
حديث سعيد بن زيد: أخرجه البزار (4/100، رقم 1276) وأبو يعلى (2/257، رقم 966) قال الهيثمى (1/143) : رواه البزار، وأبو يعلى، وله عندهما إسنادان أحدهما رجاله موثقون. والبغوى (3/64، رقم 965) ، والضياء (3/286، رقم 1087) .(1/43)
لتعرف، ولا مشاركة فيها، وأى فائدة أعظم من هذه، وأما ما يقع فى أثناء الخصائص مما لا فائدة فيه اليوم، فقليل جدًا لا تخلو أبواب الفقه عن مثله للتدرب ومعرفة الأدلة وتحقيق الشىء على ما هو عليه، كما يقولون فى الفرائض ترك مائة جلدة، ونحو ذلك، وبالله التوفيق.
فهذا آخر ما انتخبته من نبذ العيون المتعلقة بترجمة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حبيب رب العالمين، وخير الأولين والآخرين، صلوات الله عليه وسلامه وعلى سائر النبيين وآل كل وسائر الصالحين، وحسبى الله ونعم الوكيل.
إمامنا، رضى الله عنه
2 - إمامنا، رضى الله عنه، هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان ابن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصى القريشى المطلبى الشافعى الحجازى المكى (1) :
ابن عم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يلتقى معه فى عبد مناف. وقد أكثر العلماء، رحمهم الله تعالى، من المصنفات فى مناقب الشافعى وأحواله من المتقدمين والمتأخرين، كداود الظاهرى، والساجى، وخلائق من المتقدمين، وأما المتأخرين كالدارقطنى، والآجرى، والرازى، والصاحب بن عباد، والبيهقى، ونصر المقدسى، وخلائق لا يحصون، فكتبهم فى مناقبه مشهورة، ومن أحسنها وأثبتها كتاب البيهقى، وهو مجلدان ضخمان مشتملان على نفائس من كل فن، استوعب فيهما معظم أحواله ومناقبه بالأسانيد الصحيحة والدلائل الصريحة، وكتابنا هذا مبنى على الاختصار، فلا يليق به البسط والتطويل والإكثار، فأقتصر فيه إن شاء الله تعالى على الإشارة إلى نبذ من تلك المقاصد والمرمز إلى جُمل من تلك الكليات والمعاقد، فأقول مستعينًا بالله متوكلاً عليه، مفوضًا أمرى إليه:
الشافعى، رضى الله عنه، قريشى مطلبى بإجماع أهل النقل من جميع الطوائف، وأمه أزدية، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة فى فضل قريش، وانعقد الإجماع على تفضيلهم على جميع قبائل العرب وغيرهم.
وفى الصحيحين عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الأئمة من قريش" (2) . وفى صحيح مسلم، عن جابر، رضى الله عنه، عن
_________
(1) انظر: التاريخ الكبير (1/42) ، والجرح والتعديل (7/201 - 204) ، والثقات لابن حبان (9/30) ، ووفيات الأعيان (4/163 - 169) ، والمختصر فى أخبار البشر (2/26، 27) ، وسير أعلام النبلاء (1/361 - 363) برقم (1) ، والوافى بالوفيات (2/171 - 181) ، وتهذيب التهذيب (9/25 - 31) ، وتقريب التهذيب (2/143) ، والنجوم الزاهرة (2/176، 177) ..
(2) أخرجه الطيالسى (ص 284، رقم 2133) ، وأحمد (3/129، رقم 12329) ، والطبرانى (1/252، رقم 725) ، وأبو نعيم فى الحلية (5/8) ، والبيهقى (8/143، رقم 16318) ، والضياء (4/403، رقم 1576) . وأخرجه أيضًا: النسائى فى الكبرى (3/467، رقم 5942) ، وأبو يعلى (7/94، رقم 4032) ، والطبرانى فى الأوسط (7/41، رقم 6789) . قال الهيثمى (5/194) : رواه الطبرانى فى الأوسط والكبير، وفيه عبد الله بن فروح وثقه ابن حبان، وقال: ربما خالف وفيه كلام، وبقية رجال الكبير ثقات.(1/44)
رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الناس تبع لقريش فى الخير والشر" (1) . وأن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الناس معادن، خيارهم فى الجاهلية خيارهم فى الإسلام إذا فقهوا" (2) . وفى صحيح مسلم أيضًا عن واثلة بن الأسقع، رضى الله عنه، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بنى هاشم، واصطفانى من بنى هاشم" (3) .
وفى صحيح البخارى عن جبير بن مطعم، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنما بنو المطلب وبنو هاشم شىء واحد" (4) . وفى صحيح كتاب الترمذى، عن أنس بن مالك، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الأزد أسد الله فى الأرض، يريد الناس أن يضعوهم ويأبى الله إلا أن يرفعهم، وليأتين على الناس زمان يقول الرجل: يا ليتنى كنت أزديًا، ويا ليت أمى كانت أزدية" (5) . قال الترمذى: وروى موقوفًا عن أنس، وهو عندنا أصح.
وفى الترمذى أيضًا عن أبى هريرة، رضى الله عنه، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الملك فى قريش، والقضاء فى الأنصار، والأذان فى الحبشة، والأمانة فى الأزد" (6) ، يعنى اليمن. قال الترمذى: وروى موقوفًا عن أبى هريرة، وهو أصح.
فصل فى مولد الشافعى، رحمه الله، ووفاته
وذكر نبذ من أموره وحالاته
أجمعوا على أنه ولد سنة خمسين ومائة، وهى السنة التى توفى فيها أبو حنيفة، رحمه الله تعالى، وقيل: إنه فى اليوم الذى توفى فيه أبو حنيفة. قال البيهقى: ولم يثبت اليوم، ثم المشهور الذى عليه الجمهور أن الشافعى ولد بغزة، وقيل: بعسقلان، وهما من الأرض المقدسة التى بارك الله فيها، فإنهما على نحو من مرحلتين من بيت المقدس، ثم حُمل إلى مكة وهو ابن سنتين، وتوفى بمصر سنة أربع ومائتين، وهو ابن أربع وخمسين سنة. قال الربيع: توفى الشافعى، رحمه الله تعالى، ليلة الجمعة بعد المغرب
_________
(1) حديث جابر: أخرجه ابن أبى شيبة (6/402، رقم 32382) ، وأحمد (3/331، رقم 14585) ، ومسلم (3/1451، رقم 1819) ، وابن حبان (14/158، رقم 6263) . وأخرجه أيضًا: أبو عوانة (4/368، رقم 6972) .
(2) حديث جابر: أخرجه أحمد (3/367، رقم 14988) .
حديث أبى هريرة: أخرجه البخارى (3/1288، رقم 3304) ، ومسلم (4/1958، رقم 2526) . وأخرجه أيضًا: أحمد (2/257، رقم 7487) .
(3) أخرجه مسلم (4/1782، رقم 2276) ، والترمذى (5/583، رقم 3606) ، وقال: حسن صحيح غريب. أخرجه أيضًا: أحمد (4/107، رقم 17027) ، وأبو يعلى (13/469، رقم 7485) ، والخطيب (13/64) .
(4) أخرجه الطبرانى (2/126، رقم 1540) .
(5) أخرجه الترمذى (5/727، رقم 3937) ، وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وروى هذا الحديث بهذا الإسناد عن أنس موقوف وهو عندنا أصح. ومحمد بن جميع الصيداوى فى معجم الشيوخ (1/181) ، والضياء (6/195، رقم 2212.
(6) أخرجه أحمد (2/364، رقم 8746) ، قال الهيثمى (4/192) : رجاله ثقات. والترمذى (5/727، رقم 3936) . وأخرجه أيضًا: ابن أبى شيبة (6/403، رقم 32395) ، وأحمد فى فضائل الصحابة (2/795، رقم 1423) ، وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل (9/437، رقم 2186) .(1/45)
وأنا عنده، ودفن بعد العصر يوم الجمعة آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين، وقبره رحمه الله تعالى بمصر، عليه من الجلالة وله من الاحترام ما هو لائق بمنصب ذلك الإمام.
قال الربيع: رأيت فى النوم أن آدم، عليه السلام، مات، فسألت عن ذلك، فقيل: هذا موت أعلم أهل الأرض؛ لأن الله تعالى علم آدم الأسماء كلها، فما كان إلا يسير فمات الشافعى، رحمه الله، ورأى غيره ليلة مات الشافعى قائلاً يقول: الليلة مات النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحزن الناس لموته الحزن الذى يوازى رزيتهم به.
فصل
نشأ الشافعى، رضى الله عنه، يتميًا فى حجر أمه فى قلة عيش وضيق حال، وكان فى صباه يجالس العلماء، ويكتب ما يستفيده فى العظام ونحوها؛ لعجزه عن الورق، حتى ملأ منها حبابًا. عن مصعب بن عبد الله الزبيرى، قال: كان الشافعى، رحمه الله، فى ابتداء أمره يطلب الشعر وأيام العرب والأدب، ثم أخذ فى الفقه. قال: وكان سبب أخذه فيه أنه كان يسير يومًا على دابة له وخلفه كاتب لأبى، فتمثل الشافعى ببيت شعر، فقرعه كاتب أبى بسوطه، ثم قال له: مثلك يذهب بمروءته فى مثل هذا، أين أنت من الفقه؟! فهزه ذلك، فقصد مجالسة مسلم بن خالد الزنجى مفتى مكة، ثم قدم علينا، يعنى المدينة، فلزم مالكًا، رحمه الله.
وعن الشافعى، قال: كنت أنظر فى الشعر، فارتقيت عقبة بمنى، فإذا صوت من خلفى: عليك بالفقه. وعن الحميدى قال: قال الشافعى: خرجت أطلب النحو والأدب، فلقينى مسلم بن خالد الزنجى، فقال: يا فتى، من أين أنت؟ قلت: من أهل مكة، قال: أين منزلك؟ قلت: بشعب الخيف، قال: من أى قبيلة أنت؟ قلت: من عبد مناف، فقال: بخ بخ، لقد شرفك الله فى الدنيا والآخرة، ألا جعلت فهمك هذا فى الفقه فكان أحسن لك؟!.(1/46)
فصل
فلما أخذ الشافعى، رحمه الله، فى الفقه، وحصل منه على مسلم بن خالد الزنجى وغيره من أئمة مكة ما حصل، رحل إلى المدينة قاصدًا الأخذ عن أبى عبد الله مالك بن أنس، رضى الله عنه، ورحلته مشهورة فيها مصنف معروف مسموع، وأكرمه مالك، رحمه الله، وعامله لنسبه، وعلمه وفهمه وعقله وأدبه بما هو اللائق بهما، وقرأ الموطأ على مالك حفظًا، فأعجبته قراءته، فكان مالك يستزيده من القراءة لإعجابه من قراءته، ولازم مالكًا فقال له: اتق الله، فإنه سيكون لك شأن. وفى رواية أنه قال له: إن الله تعالى قد ألقى على قلبك نورًا فلا تطفئه بالمعصية.
وكان للشافعى حين أتى مالكًا ثلاث عشرة سنة، ثم ولى باليمن واشتهر من حسن سيرته، وحمله الناس على السنة والطرائق الجميلة أشياء كثيرة معروفة، ثم رحل إلى العراق، وجدّ فى الاشتغال بالعلم، وناظر محمد بن الحسن وغيره، ونشر علم الحديث، وأقام مذهب أهله، ونصر السنة، وشاع ذكره وفضله وتزايد تزايدًا ملأ البقاع، وطلب منه عبد الرحمن بن مهدى إمام أهل الحديث فى عصره أن يُصَنِّف كتابًا فى أصول الفقه، وكان عبد الرحمن ويحيى بن سعيد القطان يعجبان بكتاب الرسالة، وكذلك أهل عصرهما ومن بعدهما، وكان القطان وأحمد بن حنبل يدعوان للشافعى، رضى الله عنهم أجمعين، فى صلاتهم؛ لما رأيا من اهتمامه بإقامة الدين ونصر السنة وفهمها، واقتباس الأحكام منها، وأجمع الناس على استحسان رسالته، وأقوال السلف فى ذلك مشهورة بأسانيدها.
قال المزنى: قرأت الرسالة خمسمائة مرة، ما من مرة إلا واستفدت منها فائدة جديدة. وقال المزنى أيضًا: أنا أنظر فى الرسالة من خمسين سنة، ما أعلم أنى نظرت فيها مرة إلا استفدت منها شيئًا لم أكن عرفته.
فلما اشتهرت جلالة الشافعى، رحمه الله، فى العراق، وسار(1/47)
ذكره فى الآفاق، وأذعن بفضله الموافقون والمخالفون، واعترف به العلماء أجمعون، وعظمت عند الخلائق وولاة الأمور مرتبته، واستقرت عندهم جلالته وإمامته، وظهر من فضله فى مناظراته أهل العراق وغيرهم ما لم يظهر لسواه، وأظهر من بيان القواعد ومهمات الأصول ما لم يعرف لمن عداه، وامتحن فى مواطن كثيرة مما لا يحصى من المسائل، فكان جوابه فيها من الصواب والسداد بالمحل الأعلى والمقام الأسنى، عكف عليه للاستفادة منه الصغار والكبار، والأئمة الأخيار من أهل الحديث والفقه وغيرهم، ورجع كثير منهم عن مذاهب كانوا عليها إلى مذهبه، وتمسكوا بطريقته كأبى ثور وخلائق من الأئمة، وترك كثير منهم الأخذ عن شيوخهم وكبار الأئمة لانقطاعهم إلى الشافعى حين رأوا عنده ما لا يجدون عند غيره، وبارك الله الكريم له ولهم فى تلك العلوم الباهرة والمحاسن المتظاهرة والخيرات المتكاثرة، ولله الحمد على ذلك وعلى سائر نعمه التى لا تحصى.
وصنف فى العراق كتابه القديم المسمى كتاب الحجة، ويرويه عنه أربعة من كبار أصحابه العراقيين، وهم أحمد بن حنبل، وأبو ثور، والزعفرانى، والكرابيسى، وأتقنهم له رواية الزعفرانى. ثم خرج الشافعى، رحمه الله، إلى مصر سنة تسع وتسعين ومائة. وقال أبو عبد الله حرملة بن يحيى: قدم الشافعى مصر سنة تسع وتسعين ومائة. وقال الربيع: سنة مائتين، ولعله قدم فى آخر سنة تسع جمعًا بين الروايتين، وصنف كتبه الجديدة كلها بمصر، وسار ذكره فى البلدان، وقصده الناس من الشام واليمن والعراق وسائر النواحى والأقطار للتفقه عليه والرواية عنه، وسماع كتبه منه، وأخذها عنه، وساد أهل مصر وغيرهم، وابتكر كتبًا لم يسبق إليها، منها أصول الفقه، وكتاب القسامة، وكتاب الجزية، وكتاب قتال أهل البغى، وغيرها.
قال الإمام أبو الحسين محمد بن عبد الله بن جعفر الرازى فى كتابه مناقب الشافعى: سمعت أبا عمرو أحمد بن على بن الحسن البصرى، قال: سمعت محمد بن أحمد بن سفيان الطرائفى البغدادى يقول: سمعت الربيع بن سليمان يومًا وقد حط على باب داره تسعمائة راحلة فى(1/48)
سماع كتب الشافعى، رحمه الله ورضى عنه.
فصل فى تلخيص جملة من أحوال الشافعى
اعلم أنه، رضى الله عنه، كان من أنواع المحاسن بالمحل الأعلى، والمقام الأسنى؛ لما جمعه الله الكريم له من الخيرات، ووفقه له من جميل الصفات، وسهله عليه من أنواع المكرمات، فمن ذلك شرف النسب الطاهر، والعنصر الباهر، واجتماعه هو ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى النسب، وذلك غاية الشرف ونهاية الحسب. ومن ذلك شرف المولد والمنشأ، فإنه ولد بالأرض المقدسة، ونشأ بمكة. ومن ذلك أنه جاء بعد أن مهدت الكتب وصنفت وقررت الأحكام ونقحت، فنظر فى مذاهب المتقدمين، وأخذ من الأئمة المبرزين، وناظر الحذاق المتقنين، فبحث مذاهبهم وسبرها وتحققها وخبرها، فلخص منها طريقة جامعة للكتاب والسنة والإجماع والقياس، ولم يقتصر على ذلك كما وقع لغيره، وتفرغ للاختيار والتكميل والتنقيح مع كمال قوته وعلو همته وبراعته فى جميع أنواع الفنون، واضطلاعه منها أشد اضطلاع، وهو المبرز فى الاستنباط من الكتاب والسنة، البارع فى معرفة الناسخ والمنسوخ، والمجمل والمبين، والخاص والعام، وغيرها من تقاسيم الخطاب، فلم يسبقه أحد إلى فتح هذا الباب؛ لأنه أول مَن صَنَّف أصول الفقه بلا اختلاف ولا ارتياب، وهو الذى لا يساوى، بل لا يدانى فى معرفة كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ورد بعضها إلى بعض، وهو الإمام الحجة فى لغة العرب ونحوهم، فقد اشتغل فى العربية عشرين سنة مع بلاغته وفصاحته، ومع أنه عربى اللسان والدار والعصر، وبها يعرف الكتاب والسنة.
قال عبد الملك بن هشام صاحب المغازى: إمام أهل مصر فى عصره فى اللغة والنحو الشافعى، حجة فى اللغة، وكان إذا شك فى شىء(1/49)
من اللغة بعث إلى الشافعى فسأله عنه. وقال أبو عبيد: كان الشافعى ممن تؤخذ عنه اللغة. وقال أيوب بن سويد: خذوا عن الشافعى اللغة. وقال أبو عثمان المازنى: الشافعى عندنا حجة فى النحو.
وقال الأصمعى: صححت أشعار الهذليين على شاب من قريش بمكة يقال له: محمد ابن إدريس. وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: سمعت الشافعى يقول: أروى لثلاثمائة شاعر مجنون. وقال الزبير بن بكار: أخذت شعر هذيل ووقائعها وأيامها من عمى مصعب، وقال: أخذتها من الشافعى حفظًا. وأقاوئل العلماء فى هذا كثير.
وهو الذى قلد المنن الجسيمة أهل الآثار، وحملة الحديث، ونقلة الأخبار بتوقيفه إياهم على معانى السنن وتبيينه وقذفه بالحق على باطل مخالفى السنن وتمويههم، فنعشهم بعد أن كانوا خاملين، وظهرت كلمته على جميع المخالفين، ودمغهم بواضحات البراهين، حتى ظلت أعناقهم لها خاضعين.
قال محمد بن الحسن، رحمه الله: إن تكلم أصحاب الحديث يومًا فبلسان الشافعى، يعنى لما وضع من كتبه. وقال الحسن بن محمد الزعفرانى: كان أصحاب الحديث رقودًا فأيقظهم الشافعى فتيقظوا. وقال أحمد بن حنبل: ما أحد مس بيده محبرة ولا قلمًا إلا وللشافعى فى رقبته منة. فهذا قول إمام أصحاب الحديث وأهله، ومن لا يختلف الناس فى ورعه وفضله.
ومن ذلك أن الشافعى، رحمه الله، مكنه الله تعالى من أنواع العلوم، حتى عجز لديه المناظرون من الطوائف وأصحاب الفنون، واعترف بتبريزه، وأذعن الموافقون والمخالفون فى المحافل الكثيرة المشهورة المشتملة على أئمة عصره فى البلدان، وهذه المناظرات موجودة فى كتبه وكتب العلماء معروفة عند المتقدمين والمتأخرين. وفى كتاب الأم للشافعى، رحمه الله، من هذه المناظرات جُمل من العجائب والنفائس الجليلات، والقواعد المستفادات، وكم من مناظرة واقعة فيه يقطع كل من وقف عليها وأنصف وصدق أنه لم يُسبق إليها، ومن ذلك أنه تصدر فى عصر الأئمة المبرزين للإفتاء والتدريس والتصنيف، وقد أمره بذلك شيخه أبو خالد مسلم بن خالد الزنجى إمام أهل مكة ومفتيها، وقال له: افت يا أبا(1/50)
عبد الله، فقد والله آن لك أن تفتى، وكان للشافعى إذ ذاك خمس عشرة سنة. وأقاويل أهل عصره فى هذا كثيرة مشهورة.
وأخذ عن الشافعى، رحمه الله، العلم فى سن الحداثة مع توفر العلماء فى ذلك العصر، وهذا من الدلائل الصريحة لعظم جلالته وعلو مرتبته، وهذا كله مشهور فى كتب مناقبه وغيرها، ومن ذلك شدة اجتهاده فى نصرة الحديث، واتباع السنة، وجمعه فى مذهبه بين أطراف الأدلة، مع الإتقان والتحقيق والغوص التام على المعانى والتدقيق، حتى لُقِّب حين قدم العراق بناصر الحديث، وغلب فى عرف العلماء المتقدمين والفقهاء الخراسانيين على متبعى مذهبه لقب أصحاب الحديث فى القديم والحديث.
وقد روينا عن إمام الأئمة أبى بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، وكان من حفظ الحديث ومعرفة السنة بالغاية العالية، أنه سُئل: هل سنة صحيحة لم يودعها الشافعى كتبه؟ قال: لا، ومع هذا فاحتاط الشافعى، رحمه الله، لكون الإحاطة ممتنعة على البشر، فقال: ما هو ثابت عنه من أوجه من وصيته بالعمل بالحديث الصحيح وترك قوله المخالف للنص الثابت الصريح، وقد امتثل أصحابنا، رحمهم الله، وصيته، وعملوا بها فى مسائل كثيرة مشهورة، كمسألة التثويب فى أذان الصبح، واشتراط التحلل فى الحج بعذر المرض ونحوه، وغير ذلك مما هو معروف، ولكن لهذا شرط قل من يتصف به فى هذه الأزمان، وقد أوضحته فى مقدمة شرح المهذب.
ومن ذلك تمسكه بالأحاديث الصحيحة، وإعراضه عن الأخبار الواهية والضعيفة، ولا أعلم أحدًا من الفقهاء اعتنى فى الاحتجاج بالتمييز بين الصحيح والضعيف كاعتنائه ولا قريبًا منه، فرضى الله عنه، وهذا واضح جلى فى كتبه، وإن كان أكثر أصحابنا لم يسلكوا طريقته فى هذا. ومن ذلك أخذه، رحمه الله، بالاحتياط فى مسائل العبادات وغيرها مما هو معروف. ومن ذلك شدة اجتهاده فى العبادة وسلوط طرائق الورع والسخاء والزهادة، وهذا من خلقه وسيرته مشهور معروف، ولا يتمارى فيه إلا جاهل أو ظالم عسوف، فكان رضى الله عنه، بالمحل الأعلى من متانة الدين، وهذا مقطوع بمعرفته عند الموافقين والمخالفين:(1/51)
وليس يصح فى الأذهان شىء ... إذا احتاج النهار إلى دليل
وأما سخاؤه، وشجاعته، وكمال عقله، وبراعته، فإنه مما اشترك الخواص والعوام فى معرفته، فلا أستدل عليه لشهرته، وكل هذا مشهور فى كتب المناقب مروى من طرق. ومن ذلك ما جاء فى الحديث المشهور: "إن عالم قريش يملأ طباق الأرض علمًا" (1) ، وحمله العلماء المتقدمون والمتأخرون على الشافعى، رحمه الله، واستدلوا له بأنه لم ينقل عن الصحابة، رضى الله عنهم، إلا مسائل معدودة إذ كانت فتاويهم مقصورة على الوقائع، بل كانوا ينهون عن السؤال عما لم يقع، وكانت همتهم مصروفة إلى جهاد الكفار لإعلاء كلمة الإسلام، وإلى مجاهدة النفوس والعبادة، فلم يتفرغوا للتصنيف، وكذلك التابعون لم يصنفوا، وأما من جاء بعدهم وصنف الكتب، فلم يكن فيهم قرشى يتصف بهذه الصفة قبل الشافعى ولا بعده إلا هو.
وقد قال الساجى، رحمه الله، فى أول كتابه المشهور فى اختلاف العلماء: إنما بدأت بالشافعى قبل جميع الفقهاء وقدمته عليهم، وإن كان فيهم أقدم منه؛ اتباعًا للسنة، فإن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قدموا قريشًا وتعلموا من قريش" (2)
) . وقال الإمام أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدى الإستراباذى صاحب الربيع بن سليمان المرادى: فى هذا الحديث علامة بينة، إذا تأمله الناظر المميز علم أن المراد به رجل من علماء هذه الأمة من قريش، ظهر علمه وانتشر فى البلاد، وكتب كما يكتب المصاحف، ودرسه المشايخ والشبان فى مجالسهم، وأجروا أقاويله فى مجالس الحكام، والأمراء، والقراء، وأهل الآثار، وغيرهم. قال: وهذه صفة لا نعلمها فى أحد غير الشافعى. قال: فهو عالم قريش الأفضل الذى دون العلم، وشرح الأصول والفروع، ومهد القواعد. قال البيهقى بعد روايته كلام أبى نعيم: وإلى هذا ذهب أحمد بن حنبل فى تأويل الخبر.
ومن ذلك مصنفات الشافعى، رحمه الله، فى الأصول والفروع التى لم يسبق إليها كثرة وحسنًا، وهى كثيرة مشهورة، كالأم فى نحو خمسة عشر مجلدًا، وهو مشهور، وجامعى المزنى الكبير والصغير، ومختصريه، ومختصر الربيع، والبويطى، وكتاب
_________
(1) أخرجه ابن عساكر (58/379) .
(2) أخرجه الشافعى (1/278) . حديث عبد الله بن السائب: أخرجه أيضًا: ابن أبى عاصم (2/637، رقم 1519) . قال المناوى (4/512) : فيه أبو معشر قالوا ضعيف.
حديث أنس: أخرجه أبو نعيم (9/64) .
أخرجه البيهقى (3/121، رقم 5080) . وأخرجه أيضا: عبد الرزاق عن معمر فى الجامع (11/54، رقم 19893) ، وابن أبى شيبة (6/402، رقم 32386) .(1/52)
حرملة، وكتاب الحجة، وهو القديم، والرسالة الجديدة والقديمة، والأمالى، والإملاء، وغير ذلك مما هو معروف، وقد جمعها البيهقى فى باب من كتابه فى مناقب الشافعى.
قال القاضى الإمام أبو محمد الحسن بن محمد المروزى فى خطبة تعليقه: قيل: إن الشافعى، رحمه الله، صنف مائة وثلاثة عشر كتابًا فى التفسير، والفقه، والأدب، وغير ذلك، وما أحسنها، فأمر يدرك بمطالعتها، فلا يتمارى فيه موافق ولا مخالف، وأما كتب أصحابه التى هى شروح لنصوصه ومخرجة على أصوله مفهومة من قواعده، فلا يحصرها إلا الله تعالى مع عظم فوائدها وكثرة عوائدها، وكبر حجمها، وحسن ترتيبها ونظمها كتعليق الشيخ أبى حامد الإسفرايينى، وصاحبيه القاضى أبى الطيب الطبرى، والماوردى صاحب الحاوى، ونهاية المطلب، لإمام الحرمين وغيرها مما هو معروف، وكل هذا مصرح بغزارة علمه وجزالة كلامه وبلاغته، وبراعة فهمه، وصحة نيته، وحسن طويته، وقد نقل عنه فى صحة نيته نقول كثيرة مشهورة، وكفى بالاستقراء فى ذلك دليلاً قاطعًا وبرهانًا صادعًا.
قال الساجى فى أول كتابه فى الاختلاف: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعى يقول: وددت أن الخلق تعلموا هذا العلم، على أن لا ينسب إلىَّ منه حرف، فهذا إسناد لا يمارى فى صحته. وقال الشافعى، رحمه الله: وددت إذا ناظرت أحدًا أن يُظهر الله الحق على يديه. ونظائر هذا كثيرة مشهورة. ومن ذلك مبالغته فى الشفقة على المتعلمين، ونصيحته لله تعالى وكتابه ورسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمين، وذلك هو الدين كما صح عن سيد المرسلين - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا الذى ذكرته من أحواله وإن كان كله مشهورًا، فلا بأس بالإشارة إليه ليعرفه من لم يقف عليه.
فصل فى نوادر من حكم الشافعى، رضى الله عنه، وجزيل كلامه
قال رحمه الله: طلب(1/53)
العلم أفضل من صلاة النافلة. وقال: من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم. وقال: ما تقرب إلى الله تعالى بشىء بعد الفرائض أفضل من طلب العلم. وقال: ما أفلح فى العلم إلا من طلبه فى القلة، ولقد كنت أطلب القرطاس فيعسر علىَّ. وقال: لا يطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح، ولكن من طلبه بذلة النفس، وضيق العيش، وخدمة العلم، وتواضع النفس أفلح. وقال: تفقه قبل أن ترأس، فإذا رأست فلا سبيل إلى التفقه.
وقال: من طلب علمًا فليدقق؛ لئلا يضيع دقيق العلم. وقال: من لا يحب العلم لا خير فيه، ولا يكون بينك وبينه صداقة ولا معرفة. وقال: زينة العلماء التوفيق، وحليتهم حسن الخلق، وجمالهم كرم النفس. وقال: زينة العلم الورع والحلم. وقال: لا عيب بالعلماء أقبح من رغبتهم فيما زهدهم الله فيه وزهدهم فيما رغبهم فيه. وقال: ليس العلم ما حُفظ، العلم ما نفع. وقال: فقر العلماء فقر اختيار، وفقر الجهال فقر اضطرار. وقال: المراء فى العلم يقسى القل ويورث الضغائن. وقال: الناس فى غفلة عن هذه السورة: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ} [العصر: 1، 2] ، وكان قد جزأ الليلة ثلاثة أجزاء، الثلث الأول يكتب، والثانى يصلى فيه، والثالث ينام.
وقال الربيع: نمت فى منزل الشافعى ليالى، فلم يكن ينام من الليل إلا يسيرًا. وقال بحر بن نصر: ما رأيت ولا سمعت فى عصر الشافعى كان أتقى لله ولا أروع ولا أحسن صوتًا بالقرآن منه. وقال الحميدى: كان الشافعى يختم فى كل يوم ختمة. وقال حرملة: سمعت الشافعى يقول: وددت أن كل علم يعلمه الناس أوجر عليه ولا يحمدونى قط. وقال أحمد بن حنبل، رحمه الله: كان الشافعى، رحمه الله، قد جمع الله تعالى فيه كل خير.
وقال الشافعى: الظرف الوقوف مع الحق كما وقف. وقال: ما كذبت قط، ولا حلفت بالله صادقًا ولا كاذبًا. وقال: ما تركت غسل الجمعة فى برد ولا سفر ولا غيره. وقال: ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا شبعة طرحتها من ساعتى. وفى رواية: من عشرين سنة. وقال: من لم تعزه التقوى فلا عز له. وقال: ما فرغت من الفقر قط. وقال: طلب فضول الدنيا عقوبة عاقب الله بها أهل التوحيد.(1/54)
وقيل للشافعى: ما لك تدمن إمساك العصى ولست بضعيف؟ فقال: لأذكر أنى مسافر، يعنى فى الدنيا. وقال: من شهد الضعف من نفسه نال الاستقامة. وقال: من غلبته شدة الشهوة للدنيا لزمته العبودية لأهلها، ومن رضى بالقنوع زال عنه الخضوع. وقال: خير الدنيا والآخرة فى خمس خصال: غنى النفس، وكف الأذى، وكسب الحلال، ولبس التقوى، والثقة بالله عز وجل على كل حال.
وقال للربيع: عليك بالزهد. وقال: أنفع الذخائر التقوى وأضرها العدوان. وقال: من أحب أن يفتح الله قلبه أو ينوره فعليه بترك الكلام فيما لا يعنيه، واجتناب المعاصى، ويكون له خبئة فيما بينه وبين الله تعالى من عمل. وفى رواية: فعليه بالخلوة، وقلة الأكل، وترك مخالطة السفهاء، وبعض أهل العلم الذين ليس معهم إنصاف ولا أدب.
وقال: يا ربيع، لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنك إذا تكلمت بالكلمة ملكتك ولم تملكها. وقال ليونس بن عبد الأعلى: لو اجتهدت كل الجهد على أن ترضى الناس كلهم فلا سبيل، فاخلص عملك ونيتك لله عز وجل. وقال: لا يعرف الرياء إلا المخلصون. وقال: لو أوصى رجل بشىء لأعقل الناس صرف إلى الزهاد. وقال: سياسة الناس أشد من سياسة الدواب. وقال: العاقل من عقله عقله عن كل مذموم.
وقال: لو علمت أن شرب الماء البارد ينقص مروءتى لما شربته، ولو كنت اليوم ممن يقول الشعر لرثيت المروءة. وقال: للمروءة أربعة أركان: حسن الخلق، والسخاء، والتواضع، والنسك. وقال: المروءة عفة الجوارح عما لا يعنيها. وقال: أصحاب المروءات فى جهد. وقال: من أحب أن يقضى الله له بالخير فليحسن الظن بالناس.
وقال: لا يكمل الرجل فى الدنيا إلا بأربع: بالديانة، والأمانة، والصيانة، والرزانة. وقال: أقمت أربعين سنة أسأل إخوانى الذين تزوجوا عن أحوالهم فى تزوجهم، فما منهم أحد قال إنه رأى خيرًا. وقال: ليس بأخيك من احتجت إلى مداراته. وقال: من صدق فى إخوة أخيه قبل علله، وسد خلله، وغفر زلله. وقال: من علامة الصديق أن يكون لصديق صديقه صديقًا. وقال: ليس سرور يعدل صحبة الإخوان، ولا غم يعدل فراقهم. وقال: لا تقصر فى حق أخيك اعتمادًا على(1/55)
مودته.
وقال: لا تبذل وجهك إلى من يهون عليه ردك. وقال: من برك فقد أوثقك، ومن جفاك فقد أطلقك. وقال: من نَمَّ لك نَمَّ بك، ومن إذا أرضيته قال فيك ما ليس فيك، وإذا أغضبته قال فيك ما ليس فيك. وقال: الكيس العاقل هو الفطن المتغافل. وقال: من وعظ أخاه سرًا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه. وقال: من سام بنفسه فوق ما تساوى رده الله تعالى إلى قيمته. وقال: الفتوة حلى الأحرار.
وقال: من تزين بباطل هتك ستره. وقال: التواضع من أخلاق الكرام، والتكبر من شيم اللئام. وقال: التواضع يورث المحبة، والقناعة تورث الراحة. وقال: أرفع الناس قدرًا من لا يرى قدره، وأكثرهم فضلاً من لا يرى فضله. وقال: إذا كثرت الحوائج فابدأ بأهمها. وقال: من كتم سره كانت الخيرة فى يده. وقال: الشفاعات زكاة المروآت. وقال: ما ضحك من خطأ رجل إلا ثبت الله صوابه فى قلبه.
وقال: أبين ما فى الإنسان ضعفه، فمن شهد الضعف من نفسه نال الاستقامة مع الله تعالى. وقال: قال رجل لأُبى بن كعب، رضى الله عنه: عظنى، فقال: وَاخِ الإخوان على قدر تقواهم، ولا تجعل لسانك مذلة لمن لا يرغب فيه، ولا تغبط الحى إلا بما تغبط به الميت. وقال: من صدق الله نجا، ومن أشفق على دينه سلم من الردى، ومن زهد فى الدنيا قرت عيناه بما يرى من ثواب الله تعالى غدًا. وقال: كن فى الدنيا زاهدًا، وفى الآخرة راغبًا، وأضدق الله تعالى فى جميع أمورك تنج غدًا مع الناجين. وقال: من كان فيه ثلاث خصال فقد أكمل الإيمان: من أمر بالمعروف وائتمر به، ونهى عن المنكر وانتهى عنه، وحافظ على حدود الله تعالى.
وقال لأخ له فى الله تعالى يعظه ويخوفه: يا أخى، إن الدنيا دحض مزلة، ودار مذلة، عمرانها إلى الخراب صائر، وساكنها للقبور زائر، شملها على الفرقة موقوف، وغناها إلى الفقر مصروف، الإكثار فيها إعسار، والإعسار فيها يسار، فافزع إلى الله، وارض برزق الله تعالى، ولا تستلف من دار بقائك فى دار فنائك، فإن عيشك فىء زائل، وجدار مائل، أكثر من عملك، وقصر من أملك.
وقال: أرجى حديث للمسلمين حديث أبى موسى، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا(1/56)
كان يوم القيامة دفع إلى كل مسلم يهودى أو نصرانى، وقيل: يا مسلم، هذا فداؤك من النار" (1) . رواه مسلم فى صحيحه. وقال: الانبساط إلى الناس مجلبة لقرناء السوء، والانقباض عنهم مكسبة للعداوة، فكن بين المنقبض والمنبسط.
وقال: ما أكرمت أحدًا فوق مقداره إلا اتضع من قدرى عنده بمقدار ما زدت فى إكرامه. وقال: لا وفاء لعبد، ولا شكر للئيم، ولا صنيعة عند نذل. وقال: صحبة من لا يخاف العار عار يوم القيامة. وقال: عاشر كرام الناس تعش كريمًا، ولا تعاشر اللئام فتنسب إلى اللؤم. وقال له رجل: أوصنى، فقال: إن الله تعالى خلقك حرًا، فكن حرًا كما خلقك. وقال: من سمع بأذنه صار حاكيًا، ومن أصغى بقلبه كان واعيًا، ومن وعظ بفعله كان هاديًا.
وقال: من الذل أشياء: حضور مجلس العلماء بلا نسخة، وعبور الجسر بلا قطعة، ودخول الحمام بلا سطل، وتذلل الشريف للدنىء لينال منه شيئًا، وتذلل الرجل للرأة لينال من مالها شيئًا، ومداراة الأحمق، فإن مداراته غاية لا تدرك. وقال: من ولى القضاء ولم يفتقر فهو لص. وقال: لا بأس على الفقين أن يكون معه سفيه يسافه به. وقال: إذا أخطأتك الصنيعة إلى من يتقى الله عز وجل فاصطنعها إلى من يتقى العار.
فصل فى أحرف من المنقولات من سخائه
اعلم أن سخاء الشافعى، رحمه الله، مما اشتهر، حتى لا يتشكك فيه من له أدنى أنس بعلم أو مخالطة الناس، ولكنى أنثر منه أحرفًا:
قال الحميدى: قدم الشافعى، رحمه الله، من صنعاء إلى مكة بعشرة آلاف دينار، فضرب خباءه خارجًا من مكة، فكان الناس يأتونه، فما برح حتى فرقها كلها. وقال عمرو بن سواد: كان الشافعى أسخى الناس بالدينار والدرهم والطعام. وقال البويطى: قدم الشافعى مصر، وكانت زبيدة ترسل إليه برزم
_________
(1) أخرجه مسلم (4/2119، رقم 2767) . أخرجه الطبرانى فى الأوسط (1/5، رقم 1) .(1/57)
الثياب والوشى، فيقسمها بين الناس. وقال الربيع: كان الشافعى راكبًا على حمار، فمر على سوق الحدادين، فسقط سوطه من يده، فوثب إنسان فمسحه بكفه وناوله إياه، فقال لغلامه: ادفع إليه الدنانير التى معك، فما أدرى كانت سبعة أو تسعة.
قال: وكنا يومًا مع الشافعى، فانقطع شسع نعله، فأصلحه له رجل، فقال: يا ربيع، أمعك من نفقتنا شىء؟ قلت: نعم، قال: كم؟ قلت: سبعة دنانير، قال: ادفعها إليه. وقال أبو سعد: كان الشافعى من أجود الناس وأسخاهم كفًا، كان يشترى الجارية الصناع التى تطبخ وتعمل الحلواء، ويقول لنا: تشهوا ما أحببتم، فقد اشتريت جارية تحسن أن تعمل ما تريدون، فيقول بعض أصحابنا: اعملى اليوم كذا وكذا، وكنا نحن نأمرها. وقال الربيع: كان الشافعى إذا سأله إنسان شيئًا يحمر وجهه حياء من السائل، ويبادر بإعطائه، رحمه الله ورضى عنه.
فصل فى شهادة أئمة الإسلام المتقدمين فمن بعدهم للشافعى بالتقدم فى العلم
واعترافهم له به، وحسن ثنائهم عليه، وجميل دعائهم له ووصفهم له بالصفات الجميلة والخلال الحميدة
وهذا الباب ربما يتسع جدًا، لكنا نرمز إلى أحرف منه تنبيهًا بها على ما سواها، وأسانيدها كلها موجودة مشهورة، لكن نحذفها اختصارًا. قال له شيخه مالك بن أنس، رضى الله عنه: إن الله عز وجل قد ألقى على قلبك نورًا، فلا تطفئه بالمعصية. وقال الشافعى: لما رحلت إلى مالك فسمع كلامى، نظر إلىَّ ساعة، وكانت لمالك فراسة، فقال: ما اسمك؟ قلت: محمد، قال: يا محمد، اتق الله واجتنب المعاصى، فإنه سيكون لك شأن، فقلت: نعم وكرامة، فقال: إذا كان غدًا تجىء ويجىء من يقرأ لك الموطأ، فقلت: إنى أقرأه ظاهرًا، فغدوت إليه وابتدأت، فكلما تهيبت مالكًا وأردت أن أقطع أعجبته قراءتى وأغرانى بقول: زد يا فتى، حتى قرأته عليه فى أيام يسيرة، ثم أقمت بالمدينة إلى أن توفى مالك، رضى الله عنه، ثم ذكر(1/58)
خروجه إلى اليمن. وفى رواية: فقرأته عليه، وربما قال لى فى شىء قد مرَّ: أعد حديث كذا، فأعيده حفظًا، وكأنه أعجبه، فقال: أنت يجب أن تكون قاضيًا. وفى هذه الرواية: أتيته وأنا ابن ثلاث عشرة سنة.
وقال شيخه سفيان بن عيينة، وقد قرىء عليه حديث فى الرقائق، فغشى على الشافعى، فقيل: قد مات الشافعى، فقال سفيان: إن كان قد مات فقد مات أفضل أهل زمانه. وقال أحمد بن محمد ابن بنت الشافعى: سمعت أبى وعمى يقولان: كان ابن عيينة إذا جاءه شىء من التفسير والفتيا التفت إلى الشافعى، وقال: سلوا هذا. وقال على بن المدينى: كان الشافعى لما عرفته عند ابن عيينة، وكان ابن عيينة يعظمه ويجله، وفسر الشافعى عند ابن عيينة حديثًا أشكل على سفيان، فقال له سفيان: جزاك الله خيرًا، ما يجيئنا منك إلا ما تحب.
وقال الحميدى صاحب سفيان: كان سفيان بن عيينة، ومسلم بن خالد، وسعيد بن سالم، وعبد الحميد بن عبد العزيز شيوخ مكة يصفون الشافعى ويعرفونه من صغره، مقدمًا عندهم بالذكاء والعقل والصيانة، ويقولون: لم نعرف له صبوة. وقال الحميدى: سمعت مسلم بن خالد يقول للشافعى: قد والله آن لك أن تفتى، والشافعى ابن خمس عشرة سنة.
وقال يحيى بن سعيد القطان إمام المحدثين فى زمانه: أنا أدعو الله للشافعى فى صلاتى من أربع سنين. وقال القطان حين عرض عليه كتاب الرسالة للشافعى: ما رأيت أعقل أو أفقه منه.
وقال أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدى، المقدم فى عصره فى علمى الحديث والفقه حين جاءته رسالة الشافعى، وكان طلب من الشافعى أن يصنف كتاب الرسالة، فأثنى عليه ثناء جميلاً، وأعجب بالرسالة إعجابًا كثيرًا، وقال: ما أصلى صلاة إلا أدعو للشافعى. وبعث أبو يوسف القاضى إلى الشافعى حين خرج من عند هارون الرشيد يقرئه السلام ويقول: صَنِّف الكتب، فإنك أولى من يُصَنِّف فى هذا الزمان.
وقال أبو حسان الرازى: ما رأيت محمد بن الحسن يعظم أحدًا من أهل العلم تعظيمه للشافعى، رحمه الله. وقال أيوب بن سويد الرملى، وهو أحد شيوخ(1/59)
الشافعى، ومات قبل الشافعى بإحدى عشرة سنة: ما ظننت أنى أعيش حتى أرى مثل الشافعى. وقال البويطى: قال يحيى بن حسان: ما رأيت مثل الشافعى، وكان شديد المحبة للشافعى، قدم مصر، وقال: إنما جئت لأسلم على الشافعى.
وقال محمد بن على المدينى: قال لى أبى: لا تترك حرفًا للشافعى إلا أكتبه. وقال يحيى ابن معين، وقد سُئل عمن يكتب كتب الشافعى؟ فقال: عن الربيع. وقال قتيبة بن سعيد: مات الثورى ومات الورع، ومات الشافعى وماتت السنن، ويموت أحمد بن حنبل وتظهر البدع. وقال قتيبة: لو وصلتنى كتب الشافعى لكتبتها، ما رأت عيناى أكيس منها. وقال مصعب بن عبد الله الزبيرى: ما رأيت أعلم بأيام الناس من الشافعى.
وقال أحمد بن حنبل، رحمه الله: إذا جاءت المسألة ليس فيها أثر، فافت فيها بقول الشافعى. وقال أحمد أيضًا: ما تكلم فى العلم أقل خطأ ولا أشد أخذًا بسنة النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الشافعى. وقال أحمد بن حنبل وقد سُئل عن الشافعى: لقد منَّ الله به علينا، لقد كنا تعلمنا كلام القوم وكتبنا كتبهم، حتى قدم علينا الشافعى، فلما سمعنا كلامه علمنا أنه أعلم من غيره، وقد جالسناه الأيام والليالى، فما رأينا منه إلا كل خير، رحمة الله عليه.
وقال الزعفرانى: ما ذهبت إلى الشافعى قط مجلسًا إلا وجدت أحمد بن حنبل فيه. وقال صالح بن أحمد بن حنبل: ركب الشافعى حماره، فسار أبى يمشى إلى جانبه وهو يذاكره، فبلغ ذلك يحيى بن معين، فبعث إليه أبى فى ذلك، فبعث إليه أبى: إنك لو كنت فى الجانب الآخر من الحمار لكان خيرًا لك.
وقال الفضيل بن زياد: قال أحمد بن حنبل: هذا الذى ترون كله أو عامته من الشافعى، ما بت مدة أربعين سنة، أو قال: ثلاثين سنة، إلا وأدعو الله للشافعى وأستغفر له. وفى رواية غير الفضيل: إنى لأدعو للشافعى فى صلاتى من أربعين سنة أقول: اللهم اغفر لى ولوالدى ولمحمد بن إدريس الشافعى، فما كان فيهم أتبع لحديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منه. وفى رواية: ما أعلم أحدًا أعظم منة على الإسلام فى زمن الشافعى من الشافعى.
وقال أحمد: ما أحد مس بيده محبرة وقلمًا إلا وللشافعى فى عنقه منة. وقال محفوظ ابن أبى توبة: كنا بمكة وأحمد بن حنبل جالس عند الشافعى، فحدث ابن عيينة، فقال: هذا يفوت وذاك لا يفوت، وجلس عند الشافعى.(1/60)
وقال أحمد لإسحاق بن راهوية: تعالى حتى أريك رجلاً لم تر عيناك مثله. وقال أحمد: كان الفقه قفلاً على أهله حتى فتحه الله بالشافعى. وقال أحمد لمحمد بن مسلم بن دارة حين قدم من مصر: كتبت كتب الشافعى؟ قال: لا، قال: فرطت.
وقال أحمد: لما قدم علينا الشافعى من صنعاء، سرنا على المحجة البيضاء. وقال: كانت أقفيتنا لأصحاب أبى حنيفة حتى رأينا الشافعى، فكان أفقه الناس فى كتاب الله عز وجل وسنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال: لا يستغنى، أو لا يشبع صاحب الحديث من كتب الشافعى. وقال: ما كان أصحاب الحديث يعرفون معانى أحاديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فبينها لهم.
وقال إسحاق بن راهوية: الشافعى إمام العلماء، وما يتكلم أحد بالرأى إلا والشافعى أقل خطأ منه. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: ما رأيت أحدًا أعقل ولا أورع ولا أفصح ولا أنبل رأيًا من الشافعى. وقال الربيع: جاءنى أبو عبيد، فأخذ كتب الشافعى، يعنى ليكتبها. وقال يحيى بن أكثم: ما رأيت أحدًا أعقل من الشافعى. وقال عبد الله بن عبد الحكم: ما رأيت مثل الشافعى، وما رأيت رجلاً أحسن استنباطًا منه.
وقال أبو ثور: كنت أنا وإسحاق بن راهوية وحسين الكرابيسى وجماعة من العراقيين ما تركنا بدعتنا حتى رأينا الشافعى، قال: ولا أرى هو مثل نفسه. وقال الزعفرانى راوى كتب الشافعى القديمة: ما رأيت مثال الشافعى أفضل ولا أكرم ولا أتقى ولا أعلم منه، وما رأيته لحن قط، وكان يقرأ عليه من كل شعر فيعرفه، وما حمل أحد محبرة إلا وللشافعى عليه منة، ما كان الشافعى إلا بحرًا.
وقال الكرابيسى: ما فهمنا استنباط أكثر السنن إلا بتعليم الشافعى إيانا. وقال الكرابيسى أيضًا: ما كنا ندرى ما الكتاب والسنة والإجماع حتى سمعنا الشافعى، وما رأيت مثل الشافعى ولا رأى الشافعى مثل نفسه، وما رأيت أفصح منه ولا أعرف. وقال الكرابيسى أيضًا: ما رأيت مجلسًا قط أنبل من مجلس الشافعى، كان يحضره أهل الحديث، وأهل الفقه، وأهل الشعر، وكان يأتيه كبار أهل اللغة والشعر، فكل يتكلم منه.
وقال أبو بكر الحميدى(1/61)
المكى: قال لى أحمد بن حنبل ونحن بمكة: الزم الشافعى، فلزمته حتى خرجت معه إلى مصر. وقال الحميدى: كنا نريد أن نرد على أهل الرأى فلا نحسن، حتى جاءنا الشافعى ففتح لنا. وقال الحميدى: سيد علماء زمانه الشافعى. وكان الحميدى إذا جرى عنده ذكر الشافعى يقول: حدثنا سيد الفقهاء الشافعى. وقال الحميدى: كان الشافعى ربما يلقى علىَّ وعلى ابنه المسألة فيقول: أيكما أصاب فله دينار.
وقال هارون بن سعيد الأبلى أحد شيوخ مسلم فى صحيحه: ما رأيت مثل الشافعى. وقيل لأحمد بن صالح: جالست الشافعى؟ فقال: سبحان الله، كنت أقصر فى مجالسته. وقال على بن معبد المصرى: ما عرفنا الحديث حتى جاءنا الشافعى. وقال المزنى: قدم الشافعى مصر وبها عبد الملك بن هشام النحوى صاحب المغازى، وكان علامة أهل عصره فى العربية والشعر، فذهب إلى الشافعى، ثم قال: ما ظننت أن الله خلق مثل الشافعى، ثم اتخذ قول الشافعى حجة فى اللغة.
وقال الربيع: قال البويطى: ما عرفنا قدر الشافعى حتى رأيت أهل العراق يذكرونه ويصفونه بوصف ما نحسن نصفه، فقد كان حذاق العراق بالفقه والنظر وكل صنف من أهل الحديث وأهل العربية والنظار يقولون أنهم لم يروا مثل الشافعى. قال الربيع: وكان البويطى يقول: قد رأيت الناس، والله ما رأيت أحدًا يشبه الشافعى ولا يقاربه فى صنف من العلم، والله إن الشافعى كان عندى أورع من كل مَن رأيته يُنسب إلى الورع.
قال الربيع: ومن كثرة ما كنت أرى البويطى يأسف على الشافعى وما فاته قلت له: يا أبا يعقوب، قد كان الشافعى لك محبًا يقدمك على أصحابه، وكنت أراك شديد الهيبة له، فما منعك أن تسأله عن كل ما كنت تريد؟ فقال لى: قد رأيت الشافعى ولينه وتواضعه، والله ما كلمته فى شىء قط إلا وأنا كالمقشعر من هيبته، وقد رأيت ابن هرمز وكل مَن كان فى زمن الشافعى كيف كانوا يهابونه، وقد رأيت هيبة السلاطين له. وقال محمد بن عبد الحكم: ما رأيت مثل الشافعى ولا رأى مثله.
وقال محمد: ليس فلان عندنا بفقيه؛ لأنه يجمع أقوال الناس ويختار بعضها، قيل: فمن الفقيه؟ قال: الذى يستنبط أصلاً من كتاب أو سنة لم يسبق إليه، ثم يشعب فى ذلك الأصل مائة شعب، قيل: فمن يقوى على هذا؟ قال: محمد بن(1/62)
إدريس. وقال على الرازى: حج بشر المريسى، فلما قدم قيل له: من لقيت بمكة؟ قال: رأيت رجلاً إن كان منكم فلم تغلبوا، وإن كان عليكم فتأهبوا وخذوا حذركم، وهو محمد بن إدريس الشافعى.
وقال المريسى: مع الشافعى نصف عقل أهل الدنيا. وقال: ما رأيت أعقل من الشافعى. وقال: ما رأيت أمهر من الشافعى. وقال: رأيت بمكة فتى لئن بقى ليكونن رجل الدنيا. وقال المزنى: لو كنا نفهم عن الشافعى كل ما قاله لأتيناكم بصنوف العلم، وأى علم كان يذهب على الشافعى، ولكن لم نكن نفهم فقصرنا وعاجله الموت.
وقال الربيع: لو رأيتم الشافعى لقلتم: ما هذه كتبه، كان والله لسانه أكبر من كتبه. وقال حرملة: كان أبى قد رتب لى كاتبًا، وقال للكاتب: اكتب كل ما تكلم به الشافعى. وقال داود بن على الظاهرى: كان الشافعى، رضى الله عنه، سراجًا لحملة الآثار ونقلة الأخبار، ومن تعلق بشىء من بيانه صار محجاجًا.
قال داود: ومن فضائل الشافعى حفظه لكتاب ربه، وجمعه للسنن وآثار الصحابة، ومعرفته بأقسام الخطاب، وتقديمه ذلك على الرأى، وكشفه عن المخالفين، وما أبطله من زيوفهم، وقذف به على باطلهم فدمغه، ثم ما بين من الحق الذى سهل له بتوفيق خالقه معرفته، حتى استطال به من لم يكن يميز، وألفوا الكتب وناظروا المخالفين، ثم ما من الله تعالى به عليه من منطقه الذى لا يدانى فيه، وما وقاه من شح نفسه، فأولئك هم المفلحون، وسماحته، وجوده، وجميل سيرته، وورعه، ونسبه.
ثم ساق الكلام إلى أن قال: وما علمت أحدًا كان فى عصره أمن على الإسلام منه؛ لما نشر من الحق، وقمع من الباطل، وأظهر من الحجج، وعلم من الخير، رحمة الله ورضوانه عليه، وشكر الله له جميع ذلك، وجمع بيننا وبين نبينا محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصالحين من عباده وبينه فى جنته مع جميع الأحبة، إنه لطيف خبير. وقال داود: كنت عند أبى ثور، فدخل رجل، فقال: يا أبا ثور، ما ترى هذه المصيبة النازلة بالناس؟ قال: ما هى؟ قال: يقولون: الثورى أفقه من الشافعى، فقال: سبحان الله العظيم، أوقالوها؟ قال: نعم، قال: نحن نقول: الشافعى أفقه من إبراهيم النخعى وذويه، وجاءنا هذا بالثورى.
وقال إبراهيم الحربى: قدم الشافعى بغداد وفى الجامع الغربى عشرون حلقة لأصحاب الرأى، فلما كان فى الجمعة لم يثبت منها(1/63)
إلا ثلاث حلق أو أربع. وقال هلال بن العلاء: أصحاب الحديث عيال على الشافعى، فتح لهم الأقفال. وقال أبو العباس بن سريج: من أراد الظرف فعليه بمذهب الشافعى، وقراءة أبى عمرو، وشعر ابن المعتز. وقال الجاحظ: نظرت فى كتب هؤلاء المتابعة، فلم أر أحسن تأليفًا من الشافعى، كأن فاه ينظم. وأنشد نفطويه شعرًا:
مثل الشافعى فى العلماء ... مثل البدر فى نجوم السماء
وهى أبيات كثيرة مشهورة. وأقوال السلف فى مدحه غير محصورة، وفيما ذكرته أبلغ كفاية للمستبصر.
فصل فيمن روى الشافعى عنهم
من علماء الحجاز واليمن ومصر والعراق وخراسان
قال الدارقطنى: منهم من أهل مكة سفيان، وفلان، وفلان، ثم ذكرهم. وذكرهم الحاكم أبو عبد الله وآخرون، وجمعهم البيهقى، وكذلك ذكروا من أصحابه الذين سمعوا منه وتفقهوا عليه خلائق معروفين من أعلام الأئمة وغيرهم، كأحمد بن حنبل، وأبى ثور، والحميدى، والبويطى، والمزنى، وغيرهم. ولما حضرت الوفاة الشافعى، وصى أن يكون القاعد فى حلقته وخليفته البويطى، وستأتى مناقبه فى ترجمته إن شاء الله، وهو أبو يعقوب يوسف بن يحيى.
فصل
كان الشافعى، رضى الله عنه، يخضب لحيته بالحناء، وتارة بصفرة اتباعًا للسنة، وكان طويلاً، سائل الخدين، قليل لحم الوجه، خفيف العارضين، طويل العنق، طويل القصب، آدم، يخضب لحيته بالحناء قانئة، وفى وقت بصفرة، حسن(1/64)
الصوت، حسن السمت، عظيم العقل، حسن الوجه، حسن الخلق، مهيبًا، فصيحًا، إذا أخرج لسانه بلغ أنفه، وكان كثير الأسقام، وقولهم: طويل القصب.
قال الأصمعى: هو عظم العضد والفخذ والساق، فكل عظم منها قصبة، وقولهم: سائل الخدين، أى رقيقهما مستطيلهما، والقائنة بالهمزة هى شديدة الحمرة. وقال يونس ابن عبد الأعلى: ما رأيت أحدًا لقى من السقم ما لقى الشافعى، وسبب هذا والله أعلم لطف الله تعالى به ومعاملته بمعاملة الأولياء؛ لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى الحديث الصحيح: "نحن معاشر الأنبياء أشد بلاء، ثم الأمثل فالأمثل".
وقال الربيع: كان الشافعى حسن الوجه، حسن الخلق، محببًا إلى كل من كان بمصر فى وقته من الفقهاء والنبلاء والأمراء، كلهم يجل الشافعى ويعظمه، وكان مقتصدًا فى لباسه، ويتختم فى يساره، نقش خاتمه: كفى بالله ثقة لمحمد بن إدريس، وكان مجلسه مصونًا، وكان إذا خيض فى مجلسه فى الكلام نهى عنه، وكان ذا معرفة تامة بالطب والرمى، حتى كان يصيب عشرة من عشرة.
قال الربيع: وكان الشافعى أشجع الناس وأفرسهم، وكان يأخذ بأذنه وأذن الفرس والفرس يعدو، وكان ذا معرفة بالفراسة، وكان مع حسن خلقه مهيبًا، حتى قال الربيع وهو صاحبه وخادمه: والله ما اجترأت أن أشرب والشافعى ينظر إلىَّ هيبة له.
فصل فى منثور من أحوال الشافعى، رحمه الله
قال الربيع: سمعت الشافعى يقول: رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى المنام قبل حلمى، فقال لى: يا غلام، فقلت: لبيك يا رسول الله، قال: ممن أنت؟ قلت: من رهطك، قال: ادن منى، فدنوت منه، ففتح فمى، فأمر من ريقه على لسانى وفمى وشفتى، وقال: امض بارك الله فيك، فما أذكر أنى لحنت فى حديث بعد ذلك ولا شعر.
وعن أبى الحسن على بن أحمد الدينورى الزاهد، قال: رأيت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى المنام، فقلت: يا رسول الله، بقول مَن آخذ؟ فأشار إلى على بن أبى(1/65)
طالب، رضى الله عنه، فقال: خذ بيد هذا فأت به ابن عمنا الشافعى ليعمل بمذهبه فيرشد ويبلغ باب الجنة، ثم قال: الشافعى بين العلماء كالبدر بين الكواكب.
وقال الشافعى: ما ناظرت أحدًا قط على الغلبة. وفى رواية: ما ناظرت أحدًا قط إلا على النصيحة. وقال أبو عثمان محمد بن الشافعى: ما سمعت أبى ناظر أحدًا قط فرفع صوته. وقال الربيع: رأيت من الشافعى ما لا أحصى، وكان إذا انصرف اتشح بردائه، ووضعت له منارة قصيرة، واتكأ على وسادة وتحته مضريتان، ويأخذ القلم فلا يزال يكتب.
وقال الربيع: سمعت الشافعى يقول: أريت فى المنام كأن آتيًا أتانى، فحمل كتبى فبثها فى الهواء، فسألت بعض المعبرين، فقال: إن صدقت رؤياك لم يبق بلد من بلاد الإسلام إلا ودخل علمك فيه. وقال حرملة: رأيت الشافعى يقرىء الناس فى المسجد الحرام وهو ابن ثلاث عشرة سنة.
وقال بحر بن نصر: كنا إذا أردنا أن نبكى قمنا إلى الشافعى، فإذا أتيناه استفتح القراءة حتى تساقطوا وكثر عجيجهم بالبكاء، فإذا رأى ذلك أمسك عن القراءة، لحسن صوته. وقال الربيع: سمعت الشافعى يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص. وقال: أحب أن تكثروا الصلاة على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال المزنى: ما رأيت من العلماء من يوجب للنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى كتبه ما يوجبه الشافعى لحسن ذكره رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقال الشافعى فى القديم: إن الدعاء يتم بالصلاة على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتتمته بها. وقال الكرابيسى: سمعت الشافعى يقول: يكره أن يقول الرجال: قال الرسول، لكن يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ تعظيمًا له. وقال حرملة: سمعت الشافعى يقول: سميت ببغداد ناصر الحديث. وقال المزنى: ناحت الجن ليلة مات الشافعى، رضى الله عنه.
وقال الإمام الحافظ محمد بن مسلم بن دارة، بالراء: لما مات أبو زرعة الرازى رأيته فى المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: قال لى الجبار سبحانه وتعالى: ألحقوه بأبى عبد الله، وأبى عبد الله، وأبى عبد الله، الأول مالك، والثانى الشافعى، والثالث أحمد بن حنبل. وقال أبو عبد الله محمد بن يعقوب الهاشمى: رأيت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى المنام، فقال: الشافعى فى الجنة، أو من(1/66)
أهل الجنة. وقال أبو العباس الأصم: رأيت عبد الله بن صالح فى المنام وذكرت الشافعى، فأشار عبد الله بيده نحو السماء، وقال: ليس ثم أكبر منه.
فصل
هذا آخر ما يتعلق بترجمة الشافعى، رحمه الله، وهو وإن كان فيه طول بالنسبة إلى هذا الكتاب المبنى على الاختصار، فهو مختصر جدًا بالنسبة إلى ما ذكره البيهقى وغيره من المتقدمين عليه والمتأخرين فى مناقبه، وبالنسبة إلى ما أحفظه من أحواله التى اطلعت عليها فى غير كتب المناقب متفرقة فى كتب العلماء، ولكن نبهت بما ذكرته على ما حذفته، فرضى الله عنه وأرضاه، وأكرم نزله ومثواه، وجمع بينى وبينه مع أحبابنا فى دار كرامته، ونفعنى بانتسابى إليه وانتمائى إلى محبته، وحشرنى فى زمرته، والمرء مع من أحب، وأنا من أهل محبته.
3 - محمد بن إسماعيل البخارى (1) :
الإمام صاحب الصحيح، هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة ابن بردزبه، بباء موحدة مفتوحة، ثم راء ساكنة، ثم دال مهملة مكسورة، ثم زاى ساكنة، ثم باء موحدة، ثم هاء، هكذا قيده الأمير أبو نصر بن ماكولا، وقال: هو بالبخارية، ومعناه بالعربية الزراع.
وروينا عن الخطيب الحافظ أبى بكر أحمد بن على بن ثابت البغدادى قال: بردزبه مجوسى مات عليها. قال: وابنه المغيرة أسلم على يد اليمان البخارى الجعفى، وإلى بخارى ويمان هذا هو أبو عبد الله محمد بن جعفر بن يمان المسندى، بفتح النون، شيخ البخارى، وإنما قيل للبخارى: جعفى؛ لأنه مولى يمان الجعفى ولاء إسلام.
واتفقوا على أن البخارى،
_________
(1) الجرح والتعديل (7/191) ، والثقات لابن حبان (9/113) ، وتاريخ بغداد (2/4 - 37) ، ووفيات الأعيان (4/188 - 191) ، والمختصر فى أخبار البشر (2/48) ، وسير أعلام النبلاء (12/391 - 471) برقم (171) ، والوافى بالوفيات (2/206 - 209) ، وتهذيب التهذيب (9/47 - 55) ، وتقريب التهذيب (2/144) ، والنجوم الزاهرة (3/25، 26) ..(1/67)
رحمه الله، ولد بعد صلاة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر شوال سنة أربع وتسعين ومائة، وأنه توفى ليلة السبت عند صلاة العشاء ليلة عيد الفطر، ودفن يوم الفطر بعد الظهر سنة ست وخمسين ومائتين، ودفن بخرتنك، قرية على فرسخين من سمرقند. وروينا من أوجه، عن الحسن بن الحسين البزاز، بزاءين، قال: رأيت محمد بن إسماعيل البخارى نحيف الجسم، ليس بالطويل ولا بالقصير. وهذه نبذة من عيون أخباره أشير إليها بأقرب الإشارات، وهى عندى بأسانيدها المهذبات المشهورات:
روينا عنه أنه قال: أما المادح والذام عندى سواء. وقال: أرجو أن ألقى الله عز وجل ولا يطالبنى أنى اعتبت أحدًا. وقال: ما اشتريت منذ وليت من أحد بدرهم، ولا عت أحدًا شيئًا، فسُئل عن الورق والحبر، فقال: كنت آمر إنسانًا أن يشترى لى.
وروينا عن أبى عبد الله محمد بن يوسف الفربرى راوية صحيح البخارى، قال: رأيت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى النوم، فقال: أين تريد؟ قلت: أريد محمد بن إسماعيل البخارى، فقال: أقرئه منى السلام.
وروينا عن الفربرى، قال: رأيت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى، رحمه الله، فى النوم خلف النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمشى، كلما رفع قدمه وضع البخارى قدمه فى ذلك الموضع.
وعن محمد بن حمدويه، قال: سمعت محمد بن إسماعيل البخارى يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتى ألف حديث غير صحيح.
وروينا عن الإمام أحمد بن حنبل، قال: ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل. وعنه قال: انتهى الحفظ إلى أربعة من أهل خراسان: أبو زرعة الرازى، ومحمد بن إسماعيل البخارى، وعبد الله بن عبد الرحمن السمرقندى، يعنى الدارمى، والحسن بن شجاع البلخى.
وعن الحافظ أبى على صالح بن محمد بن جزرة، قال: ما رأيت خراسانيًا أفهم من البخارى. وعنه قال: أعلمهم بالحديث البخارى، وأحفظهم أبو زرعة، وهو أكثرهم حديثًا.
وعن محمد بن بشار شيخ البخارى ومسلم، قال: حفاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة بالرى، ومسلم بن الحجاج بنيسابور، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمى بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل ببخارى. وعنه قال: ما قدم علينا، يعنى البصرة، مثل البخارى. وعنه أنه قال حين دخل البخارى البصرة: دخل اليوم سيد الفقهاء.(1/68)
وعنه أنه حين قدم البخارى البصرة قام إليه فأخذ بيده وعانقه، وقال: مرحبًا بمن أفتخر به منذ سنين.
وروينا عن إسحاق بن أحمد بن خلف، قال: سمعت البخارى غير مرة يقول: ما تصاغرت نفسى عند أحد إلا عند على بن المدينى، فذكر لعلى بن المدينى قول البخارى هذا، فقال: ذروا قوله، هو ما رأى مثل نفسه.
وروينا عن محمد بن عبد الله بن نمير، وأبى بكر بن أبى شيبة، قالا: ما رأينا مثل محمد بن إسماعيل. وروينا عن عمرو بن على القلاس، قال: حديث لا يعرفه البخارى ليس بحديث.
وروينا عن عبدان شيخ البخارى، قال: ما رأيت شابًا أبصر من هذا، وأشار إلى البخارى. وروينا عن عبد الله بن محمد المسندى، بفتح النون، قال: محمد بن إسماعيل إمام، فمن لم يجعله إمامًا فاتهمه. وروينا عن الإمام أبى محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمى، قال: رأيت العلماء بالحرمين والحجاز والشام والعراق، فما رأيت فيهم أجمع من أبى عبد الله البخارى.
وروينا عن ابن سهل محمود بن النصر، قال: دخلت البصرة والشام والحجاز والكوفة، ورأيت علماءها، فكلما جرى ذكر البخارى فَضَّلوه على أنفسهم. وروينا عن على بن حجر، قال: أخرجت خراسان ثلاثة: أبا زرعة بالرى، ومحمد بن إسماعيل ببخارى، والدرمى بسمرقند. قال: والبخارى عندى أعلمهم وأبصرهم وأفهمهم. وروينا عن أبى حامد الأعمش، قال: رأيت محمد بن إسماعيل البخارى فى جنازة، ومحمد بن يحيى الذهلى، يعنى شيخ البخارى، وإمام نيسابور يسأله عن الأسماء والكنى، وعلل الحديث، والبخارى يمر فيها مثل السهم، كأنه يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] .
وروينا عن حاشد، بالحاء المهملة وكسر الشين المعجمة، ابن إسماعيل، قال: رأيت إسحاق بن راهوية جالسًا على السرير ومحمد بن إسماعيل معه، فأنكر عليه محمد بن إسماعيل شيئًا، فرجع إسحاق إلى قول محمد، وقال إسحاق: يا معشر أصحاب الحديث، اكتبوا عن هذا الشاب، فإنه لو كان فى زمن الحسن البصرى لاحتاج الناس إليه؛ لمعرفته بالحديث وفهمه. وروينا عن أبى عمرو أحمد بن نصر الخفاث، قال: حدثنى محمد بن إسماعيل البخارى التقى، النقى، العالم الذى لم أر مثله. وروينا عن أبى عيسى(1/69)
الترمذى، قال: لم أر بالعراق ولا بخراسان فى معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل. وروينا عن عبد الله بن حماد الآملى، وهو شيخ البخارى: وددت أنى شعرة فى صدر محمد بن إسماعيل.
وروينا عن محمد بن يعقوب الحافظ، عن أبيه، قال: رأيت مسلم بن الحجاج بين يدى البخارى يسأله سؤال الصبى لمعلم. وروينا عن الإمام مسلم بن الحجاج أنه قال للبخارى: لا يبغضك إلا حاسد، وأشهد أنه ليس فى الدنيا مثلك. وروى الحاكم أبو عبد الله فى تاريخ نيسابور بإسناده، عن أحمد بن حمدون، قال: جاء مسلم بن الحجاج إلى البخارى، فقبل بين عينيه، وقال: دعنى أُقَبِّل رجليك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين، ويا طبيب الحديث فى علله.
وروينا عن حاشد بن إسماعيل، قال: كان أهل البصرة يعدون خلف البخارى فى طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه، ويجلسوه فى الطريق، ويجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه، وكان البخارى إذ ذاك شابًا لم يخرج وجهه. وروينا عن أبى بكر الأغر، قال: كتبنا عن محمد بن إسماعيل على باب محمد بن يوسف الفريابى وما فى وجهه شعرة.
وروينا عن الحافظ صالح بن محمد جزرة، قال: كان البخارى يجلس ببغداد، وكنت أستملى له، ويجتمع فى مجلسه أكثر من عشرين ألفًا. وروينا عن محمد بن يوسف بن عاصم، قال: كان للبخارى ثلاثة مستملين، واجتمع فى مجلسه أكثر من عشرين ألفًا. وروينا عن إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من محمد بن إسماعيل.
قال الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسى: وحسبك بإمام الأئمة ابن خزيمة يقول فيه هذا القول مع لقيه الأئمة والمشايخ شرقًا وغربًا.
قال أبو الفضل: ولا عجب فيه، فإن المشايخ قاطبة أجمعوا على قدمه، وقَدَّمُوُه على أنفسهم فى عنفوان شبابه، وابن خزيمة إنما رآه عند كبره وتفرده فى هذا الشأن.
وروينا عن إبراهيم بن محمد بن سلام، بتخفيف اللام على الأصح، وقيل: بتشديدها، قال: إن الرتوت من أصحاب الحديث مثل(1/70)
سعيد بن أبى مريم المصرى، ونعيم بن حماد، والحميدى، والحجاج بن منهال، وإسماعيل بن أبى أويس، والعربى، والحسن الخلال، ومحمد بن ميمون صاحب ابن عيينة، ومحمد بن العلاء، والأشج، وإبراهيم بن المنذر الخزامى، وإبراهيم بن موسى الفراء، كلهم كانوا يهابون محمد بن إسماعيل، ويقضون له على أنفسهم فى النظر والمعرفة. قلت: الرتوت: الرؤساء، قاله ابن الأعرابى وغيره. وذكره الحاكم أبو عبد الله البخارى، فقال: هو إمام أهل الحديث بلا خلاف بين أهل النقل.
واعلم أن وصف البخارى، رحمه الله، بارتفاع المحل والتقدم فى هذا العلم على الأماثل والأقران، متفق عليه فيما تأخر وتقدم من الأزمان، ويكفى فى فضله أن معظم من أثنى عليه ونشر مناقبه شيوخه الأعلام المبرزون، والحُذَّاق المتقنون.
فصل فى الإشارة إلى بعض شيوخه
والآخذين عنه، والمنتمين إليه، والمستفيدين منه
هذا الباب واسع جدًا لا يمكن استقصاؤه، فأنبه على جماعة من كل إقليم وبلد؛ ليستدل بذلك على اتساع رحلته، وكثرة روايته، وعظم عنايته.
فأما شيوخه، فقال الحاكم أبو عبد الله فى تاريخ نيسابور: ممن سمع منه البخارى، رحمه الله تعالى، بمكة: أبو الوليد أحمد بن محمد الأزرقى، وعبد الله بن يزيد المقرى، وإسماعيل بن سالم الصائغ، وأبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدى، وأقرانهم. وبالمدينة: إبراهيم بن المنذر الخزامى، ومطرف بن عبد الله، وإبراهيم بن حمزة، وأبو ثابت محمد بن عبيد الله، وعبد العزيز بن عبد الله الأويسى، وأقرانهم. وبالشام: محمد بن يوسف الفريابى، وأبو نصر إسحاق بن إبراهيم، وآدم بن أبى إياس، وأبو اليمان الحكم بن نافع، وحيوة بن شريح، وأقرانهم.
وببخارى: محمد بن سلام البيكندى، وعبد الله بن محمد المسندى، وهارون بن الأشعث، وأقرانهم. وبمرو: على بن الحسن بن شقيق،(1/71)
وعبدان، ومحمد بن مقاتل، وأقرانهم. وببلخ: مكى بن إبراهيم، ويحيى بن بشر، ومحمد بن أبان، والحسن بن شجاع، ويحيى بن موسى، وقتيبة، وأقرانهم، وقد أكثر بها. وبهراة: أحمد بن أبى الوليد الحنفى. وبنيسابور: يحيى بن يحيى، وبشر بن الحكم، وإسحاق بن راهوية، ومحمد بن رافع، ومحمد بن يحيى الذهلى، وأقرانهم. وبالرى: إبراهيم بن موسى. وببغداد: محمد بن عيسى الطباع، ومحمد بن سائق، وسريج، بالسين المهملة والجيم، ابن النعمان، وأحمد بن حنبل، وأقرانهم، وبواسط: حسان بن حسان، وحسان بن عبد الله، وسعيد بن عبد الله ابن سليمان، وأقرانهم.
وبالبصرة: أبو عاصم النبيل، وصفوان بن عيسى، وبدل بن المحرب، بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة، وحرمى بن عمارة، وعفان بن مسلم، ومحمد بن عرعرة، وسليمان بن حرب، وأبو الوليد الطيالسى، وعارم، ومحمد بن سنان، وأقرانهم. وبالكوفة: عبد الله بن موسى، وأبو نعيم، وأحمد بن يعقوب، وإسماعيل بن أبان، والحسن بن الربيع، وخالد بن مخلد، وسعيد بن حفص، وطلق بن غنام، وعمرو بن حفص، وعروة، وقبيصة بن عقبة، وأبو غسان، وأقرانهم. وبمصر: عثمان بن صالح، وسعيد بن أبى مريم، وعبد الله بن صالح، وأحمد بن صالح، وأحمد بن شبيب، وأصبغ ابن الفرج، وسعيد بن عيسى، وسعيد بن كثير بن عفير، ويحيى بن عبد الله بن بكير، وأقرانهم. وبالجزيرة: أحمد بن عبد الملك الحرانى، وأحمد بن يزيد الحرانى، وعمرو بن خلف، وإسماعيل بن عبد الله الرقى، وأقرانهم.
قال الحاكم أبو عبد الله: قد رحل البخارى، رحمه الله، إلى هذه البلاد المذكورة فى طلب العلم، وأقام فى كل مدينة منها على مشايخها. قال: وإنما سميت من كل ناحية جماعة من المتقدمين؛ ليستدل به على علاى إسناده، وبالله التوفيق. وروينا عن الخطيب البغدادى، رحمه الله، قال: رحل البخارى، رحمه الله تعالى، إلى محدثى الأمصار، وكتب بخراسان، والجبال، ومدن العراق كلها، وبالحجاز، والشام، ومصر، وورد بغداد دفعات. وروينا من جهات عن جعفر بن محمد القطان، قال: سمعت(1/72)
البخارى يقول: كتبت عن ألف شيخ من العلماء وزيادة، وليس عندى حديث إلا أذكر إسناده.
وأما الآخذون عن البخارى، فأكثر من أن يحصروا، وأشهر من أن يذكروا. وقد روينا عن الفربرى، قال: سمع الصحيح من البخارى سبعون ألف رجل، فما بقى أحد يرويه غيرى. وقد روى عنه خلائق غير ذلك، وقد قدمنا أنه كان يحضر مجلسه أكثر من عشرين ألفًا يأخذون عنه، وممن روى عنه من الأئمة الأعلام: الإمام أبو الحسين مسلم ابن الحجاج صاحب الصحيح، وأبو عيسى الترمذى، وأبو عبد الرحمن النسائى، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرازيان، وأبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربى الإمام، وصالح بن محمد جزرة الحافظ، وأبو بكر بن خزيمة، ويحيى بن محمد بن صاعد، ومحمد بن عبد الله مطين، وكل هؤلاء أئمة حفاظ، وآخرون من الحفاظ وغيرهم. قال الخطيب: آخر مَن حدَّث ببغداد عن البخارى: الحسين بن إسماعيل المحاملى.
فصل فى اسم صحيح البخارى، وتعريف محله
وسبب تصنيفه، وكيفية جمعه وتأليفه
أما اسمه: فسماه مؤلفه البخارى، رحمه الله: الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسننه وأيامه.
وأما محله: فقال العلماء: هو أول مُصَنَّف صُنِّف فى الصحيح المجرد. واتفق العلماء على أن أصح الكتب المصنفة صحيحا البخارى ومسلم. واتفق الجمهور على أن صحيح البخارى أصحهما صحيحًا، وأكثرهما فوائد. وقال الحافظ أبو على النيسابورى وبعض علماء المغرب: صحيح مسلم(1/73)
أصح. وأنكر العلماء ذلك عليهم، والصواب ترجيح صحيح البخارى. وقد قرر الإمام الحافظ أبو بكر الإسماعيلى فى كتابه المدخل ترجيح صحيح البخارى على صحيح مسلم، وذكر دلائله. وقال النسائى: أجود هذه الكتب كتاب البخارى. وأجمعت الأمة على صحة هذين الكتابين، ووجوب العمل بأحاديثهما.
وأما سبب تصنيفه وكيفية تأليفه: فروينا عن إبراهيم بن معقل النسفى، قال: قال البخارى، رحمه الله: كنت عند إسحاق بن راهوية، فقال لنا بعض أصحابنا: لو جمعتم كتابًا مختصرًا فى الصحيح لسنن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فوقع ذلك فى قلبى، وأخذت فى جمع هذا الكتاب. وروينا من جهات عن البخارى، رحمه الله، قال: صنفت كتاب الصحيح لست عشرة سنة، خرجته من ستمائة ألف حديث، وجعلته حجة بينى وبين الله. وروينا عنه قال: رأيت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى المنام، وكأنى واقف بين يديه، وبيدى مروحة أذب عنه، فسالت بعض المعبرين، فقال: أنت تذب عنه الكذب، فهو الذى حملنى على إخراج الصحيح. وروينا عنه، قال: ما أدخلت فى كتاب الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحاح طحال القول.
وروينا عن الفربرى، قال: قال البخارى: ما وضعت فى كتاب الصحيح حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين. وروينا عن عبد القدوس بن همام، قال: سمعت عدة من المشايخ يقولون: حول البخارى تراجم جامعه بين قبر النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومنبره، وكان يصلى لكل ترجمة ركعتين. وقال آخرون، منهم أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسى: صنفه ببخارى، وقيل: بمكة، وقيل: بالبصرة، وكل هذا صحيح، ومعناه أنه كان يصنف فيه فى كل بلدة من هذه البلدان، فإنه بقى فى تصنيفه ست عشرة سنة كما سبق. قال الحاكم أبو عبد الله: حدثنا أبو عمرو إسماعيل، حدثنا أبو عبد الله(1/74)
محمد بن على، قال: سمعت البخارى يقول: أقمت بالبصرة خمس سنين مع كتبى أصنف وأحج فى كل سنة، وأرجع من مكة إلى البصرة.
قال البخارى: وأنا أرجو أن يبارك الله تعالى للمسلمين فى هذه المصنفات. وبلغنى عن الشيخ أبى زيد المروزى، من أصحابنا، وهو أجل من روى صحيح البخارى، عن الفربرى، قال: رأيت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى المنام، فقال لى: إلى متى تدرس الفقه ولا تدرس كتابى؟ قلت: وما كتابك يا رسول الله؟ قال: جامع محمد بن إسماعيل البخارى، أو كما قال.
فصل
جملة ما فى صحيح البخارى من الأحاديث المسندة سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثًا بالأحاديث المكررة، وبحذف المكررة نحو أربعة آلاف، وقد ذكرتها مفصلة مختصرة فى أول شرح صحيح البخارى، وذكرت فيه جملة من أحوال البخارى، وورعه، وتعظيمه للعلم، وما يتعلق بصحيحه، كبيان فائدة إعادته الحديث الواحد فى أبواب، وفائدة تحديثه عن واحد فى موضع، ثم يروى فى موضع آخر عن رجل أو رجلين عنه، وبيان التعليق الذى فيه، وغير ذلك.
فصل
روينا عن محمد بن أبى حاتم وراق البخارى، قال: كان البخارى إذا كنت معه فى سفر جمعنا بيت، إلا فى القيظ أحيانًا، فكنت أراه يقوم فى ليلته خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة، فى كل مرة يأخذ القداحة فيورى نارًا بيده ويسرج، ثم يخرج أحاديث يعلمها، ثم يضع رأسه، وكان يصلى فى وقت السحر ثلاث عشرة ركعة يوتر منها بواحدة، ورأيته استلقى على قفاه يومًا ونحن بفربر فى تصنيف كتاب التفسير، وكان أتعب نفسه فى ذلك اليوم فى كثرة إخراج الحديث، فقلت له: يا أبا عبد الله،(1/75)
سمعتك تقول: ما أتيت شيئًا بغير علم قط منذ عقلت، فأى علم فى هذا الاستلقاء؟ فقال: أتعبنا أنفسنا فى هذا اليوم، وهذا ثغر خشيت أن يحدث حدث فى أمر العدو، فأحببت أن أستريح وآخذ أهبة ذلك، فإن غافصنا (1) عدو كان بنا حراك، فهذه الحكاية وإن اشتملت على نفائس مقصودى فيها التنبيه على قوله: ما أتيت شيئًا بغير علم.
فهذه أحرف من عيون مناقبه وصفاته، ودرر شمائله وحالاته، أشرت إليها إشارات لكونها من المعروفات الواضحات، ومناقبه لا تستقصى؛ لخروجها عن أن تحصى، وهى منقسمة إلى حفظ، ودراية، واجتهاد فى التحصيل، ورواية، ونسك، وإفادة، وورع، وزهادة، وتحقيق، وإتقان، وتمكن، وعرفان، وأحوال، وكرامات، وغيرها من أنواع المكرمات، ويوضح ذلك ما أشرت إليه من أقوال أعلام المسلمين أولى الفضل والورع، والدين، والحفاظ والنقاد المتقنين، الذين لا يجازفون فى العبارات، بل يتأملونها ويحررونها، ويحافظون على صيانتها أشد المحافظات، وأقاويلهم بنحو ما ذكرته غير منحصرة، وفيما أشرت إليه أبلغ كفاية للمستبصر، رضى الله عنه وأرضاه، وجمع بينى وبينه وجميع أحبابنا فى دار كرامته مع من اصطفاه، وجزاه عنى وعن سائر المسلمين أكمل الجزاء، وحباه من فضله أبلغ الحباء.
4 - محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد بن صخر بن عامر بن كعب بن سعيد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب القريشى التيمى المدن (2) :
أبو عبد الله، مذكور فى مختصر المزنى فى أول الاعتكاف، وهو تابعى جليل، سمع ابن عمر، وأنسًا، رضى الله عنهم، وسمع جماعات من التابعين، منهم علقمة بن وقاص، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وإبراهيم بن عبد الله بن حسين، وعروة بن الزبير، وعطاء ابن يسار، وآخرون. روى عنه جماعات من التابعين، منهم يحيى بن سعيد الأنصارى، ويحيى بن أبى كثير، ويزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، والزهرى، ومحمد بن إسحاق، وابن عجلان، وآخرون، وهو ثقة بالاتفاق.
روى له البخارى ومسلم فى صحيحيهما، وهو
_________
(1) غافصنا: معناه بالغين المعجمة: فاجأنا العدو وأخذنا على غرة منا. وبالعين المهملة معناه: صارعنا..
(2) انظر: الجرح والتعديل (7/184) ، والثقات لابن حبان (5/381) ، والتاريخ الكبير (1/22، 23) ، والضعفاء الكبير برقم (1574) ، وسير أعلام النبلاء (5/294 - 296) برقم (140) ، والمغنى فى الضعفاء (2/544) ، وتهذيب التهذيب (9/5 - 7) ، وتقريب التهذيب (2/140) ..(1/76)
راوى حديث: “إنما الأعمال بالنيات”، لم يروه عنه غير يحيى الأنصارى، ولم يروه عن علقمة بن وقاص غير محمد هذا. قال محمد بن سعد كاتب الواقدى: كان محمد بن إبراهيم كثير الحديث، توفى سنة عشرين ومائة بالمدينة. وقال خليفة بن خياط: سنة إحدى وعشرين، وكان جده الحارث من المهاجرين الأولين، رضى الله عنهم أجمعين.
5 - محمد بن إبراهيم بن مسلم بن أمية (1) :
أبو أمية الطرسوسى، بفتح الطاء والراء، مذكور فى مختصر المزنى فى باب بيع حاضر لباد، هو بغدادى سكن طرسوس، سمع عمرو بن يونس اليمامى، وأبا مسهر عبد الأعلى بن مسهر، وصفوان بن صالح، وهشام بن عمار، وخلائق آخرين. روى عنه أبو حاتم محمد بن إدريس الرازى، وأبو نعيم عبد الملك بن محمد الجرجانى، وأبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفرايينى، وأبو الحسن أحمد بن عمير بن يوسف بن جوصا، وخلائق من الحفاظ والأئمة. قال أبو داود السجستانى والجمهور: هو ثقة، وكان إمامًا فى الحديث، رفيع القدر، مقدمًا، فهمًا، رحالاً، توفى بطرسوس فى جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين ومائتين، رحمه الله.
6 - محمد بن إسحاق بن جعفر (2) :
ويقال: محمد بن إسحاق بن محمد، أبو بكر الصاغانى، بالصاد المهملة والغين المعجمة، ويقال: الصغانى، بتخفيف الغين وحذف الألف، نسبة إلى بلدة بخراسان يقال لها: صاغان وصغان، وهو خراسانى سكن بغداد. ذكره فى المختصر فى باب بيعتين فى بيعة، وهو من كبار الأئمة، سمع أبا عامر العقدى، بفتح العين والقاف، والأسود بن عامر، وسعيد بن عامر، وأبا نوح قرادًا، وأبا النضر هاشم بن القاسم، ويحيى بن عبد الله ابن بكير، وأبا عاصم النبيل، وروح بن عبادة، وأبا نعيم الفضل بن دكين، ويعلى بن عبيد، وابا اليمان، وأبا مسهر، وعبد الوهاب بن عطاء، وخلائق من الأئمة.
روى عنه أبو عمر حفص بن عمر الدورى، وهو أكبر منه، ومسلم بن الحجاج، وأبو داود، والنسائى، والترمذى، وابن ماجة، والمزنى، وابن خزيمة، والحسين بن إسماعيل المحاملى، وأبو العباس الأصم، وأحمد بن محمد بن زياد الأعرابى، وموسى بن هارون الحمال، بالحاء، وأبو عوانة الإسفرايينى، وعبد الرحمن
_________
(1) الجرح والتعديل (7/187) وتاريخ بغداد (1/394 - 396) وطبقات الحنابلة (1/265، 266) والمنتظم (5/90، 91) وميزان الإعتدال (3/447) والمغنى فى الضعفاء (2/545) وتذكرة الحفاظ (2/581) وسير أعلام النبلاء (13/91 - 93) وتهذيب التهذيب (9/15، 16) وتقريب التهذيب (2/141) ..
(2) الجرح والتعديل (7/195، 196) والثقات لابن حبان (9/136) وتاريخ بغداد (1/240، 241) والمنتظم (5/78) والأنساب (8/68) والمعجم المشتمل لابن عساكر (225) وسير أعلام النبلاء (12/592 - 594) وتذكرة الحفاظ (2/573) وتاريخ ابن الوردى (1/240) وتهذيب التهذيب (9/35، 36) وتقريب التهذيب (2/144) ..(1/77)
بن أبى حاتم، وأبو الفوارس شجاع بن جعفر الأنصارى، وهو آخر من حدث عنه وفاة، وخلايق غيرهم.
واتفقوا على أنه ثقة مأمون. قال الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن على بن ثابت الخطيب البغدادى: كان الصاغانى هذا أحد الأثبات المتقنين، مع صلابة فى الدين، واشتهار بالسنة، واتساع فى الرواية، رحل فى طلب العلم، وكتب عن أهل بغداد، والبصرة، والكوفة، والمدينة، ومكة، والشام، ومصر. قال: وبلغنى عن أبى مزاحم الخاقانى، قال: كان الصاغانى يشبه ابن معين فى وقته. قال الدارقطنى: كان ثقة، وفوق الثقة، وهو وجه مشايخ بغداد، توفى سنة سبعين ومائتين، رحمه الله.
7 - محمد بن إسحاق بن خزيمة الإمام (1) :
من أصحابنا، مكرر فى الروضة، وسنذكره فى نوع الأبناء إن شاء الله تعالى، فهو به أشهر.
8 - محمد بن جرير (2) :
تكرر ذكره فى الروضة، هو الإمام البارع فى أنواع العلوم، أبو جعفر محمد بن جرير ابن يزيد بن كثير بن غالب الطبرى. وهو فى طبقة الترمذى، والنسائى. سمع عبد الملك ابن أبى الشوارب، وأحمد بن منيع البغوى، ومحمد بن حميد الرازى، والوليد بن شجاع، وأبا كريب محمد بن العلاء، ويعقوب بن إبراهيم الدورقى، وأبا سعيد الأشج، وعمرو ابن على، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن يسار، وغيرهم من شيوخ البخارى ومسلم. وحدث عنه أحمد بن كامل، ومحمد بن عبد الله الشافعى، ومخلد بن جعفر، وخلائق.
قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادى فى تاريخ بغداد: استوطن الطبرى بغداد، وأقام بها حتى توفى، وكان أحد أئمة العلماء، يُحكم بقوله، ويُرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان حافظًا لكتاب الله تعالى، عارفًا بالقراءات، بصيرًا بالمعانى، فقيهًا فى أحكام القرآن، عالمًا بالسنن وطرقها، صحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفًا بأقوال الصحابة والتابعين فمن بعدهم فى الأحكام، عارفًا بأيام الناس وأخبارهم، وله كتاب التاريخ المشهور، وكتاب فى التفسير لم يصنف أحد مثله، وكتاب تهذيب الآثار، لم أر سواه فى معناه، لكنه لم يتمه، وله فى أصول الفقه
_________
(1) الجرح والتعديل (7/196) والثقات لابن حبان (9/156) وطبقات الفقهاء للشيرازى (105، 106) والمنتظم (6/184 - 186) وسير أعلام النبلاء (14/365 - 382) وتذكرة الحفاظ (2/720 - 731) ومرآة الجنان (2/264) والوافى بالوفيات (2/196) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (3/109، 110) والبداية والنهاية (11/149) وغاية النهاية (2/97، 98) وطبقات الشافعية لابن قاضى شهبة (3/209) والأعلام (6/253) ومعجم المؤلفين (9/39) ..
(2) تاريخ جرجان للسهمى (253، 254) وتاريخ بغداد (2/162 - 169) وطبقات الفقهاء للشيرازى (93) والمنتظم (6/170 - 172) ومعجم الأدباء (18/40 - 94) وإنباه الرواة (3/89، 90) ووفيات الأعيان (4/191، 192) وتاريخ ابن الوردى (1/258) وميزان الإعتدال (3/498، 499) ومعرفة القراء الكبار (1/264، 266) وسير أعلام النبلاء (14/267 - 282) وتذكرة الحفاظ (2/170 - 716) والمختصر فى أخبار البشر (2/71) والوافى بالوفيات (2/284 - 287) ومرآة الجنان (2/260) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (3/120 - 128) والبداية والنهاية (11/145 - 147) وتاريخ الخميس (2/389) وغاية النهاية (2/106 - 108) ولسان الميزان (5/100 - 103) والنجوم الزاهرة (3/205) وطبقات المفسّرين للداودى (2/106 - 114) ..(1/78)
وفروعه كتب كثيرة، وتفرد بمسائل حفظت عنه.
قال الخطيب: وسمعت على بن عبد الله السمسار يحكى أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب فى كل يوم أربعين ورقة. وعن الشيخ أبى حامد الإسفرايينى، قال: لو سافر رجل إلى الصين ليحصل تفسير ابن جرير الطبرى لم يكن هذا كثيرًا، أو كلامًا هذا معناه. وروينا عنه أنه قال لأصحابه: هل تنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ قال: ثلاثون ألف ورقة، فقالوا: هذا مما يفنى الأعمار قبل تمامه، فاختصره فى نحو ثلاثة آلاف ورقة. وكذلك قال لهم فى التاريخ، فأجابوه بمثل جواب التفسير، فقال: إنا لله، ماتت الهمم، فاختصره نحو ما اختصر التفسير. وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة: ما أعلم تحت أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير.
وروينا أن أبا بكر بن مجاهد إمام الناس فى القراءات استمع ليلة لقراءة محمد بن جرير، فقال: ما ظننت أن الله تعالى خلق بشرًا يُحسن يقرأن هذه القراءة. وروى الخطيب، عن القاضى أحمد بن كامل، قال: توفى أبو جعفر محمد بن جرير وقت المغرب ليلة الاثنين ليومين بقيا من شهر شوال سنة عشر وثلاثمائة، ودفن ضحوة يوم الاثنين فى داره، ولم يغير شيبه، وكان السواد فى شعر رأسه ولحيته كثيرًا، وكان مولده فى آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وعشرين ومائتين، وكان أسمر إلى الأدمة، أعين، نحيف الجسم، مديد القامة، فصيح اللسان، ولم يؤذن به أحد، واجتمع عليه ما لا يحصيهم عددًا إلا الله تعالى، وصلى على قبره عدة شهور ليلاً ونهارًا، وزاره خلق كثير من أهل الدين والأدب، ورثاه ابن الأعرابى، وابن دريد، وغيرهما، ولقد أجاد ابن دريد وأبلغ فى ترثيته.
قال الرافعى فى مواضع منها أول كتاب الزكاة من الشرح: تَفردُ ابن جرير لا يعد وجهًا فى مذهبنا، وإن كان معدودًا من طبقات أصحاب الشافعى، رضى الله عنهم أجمعين. قلت: ذكره أبو عاصم العيادى فى فقهاء الشافعية، وقال: هو من أفراد علمائنا، وأخذ فقه الشافعى عن الربيع المرادى، والحسن الزعفرانى.
9 - محمد بن حاطب (1) :
الصحابى ابن الصحابى والصحابية، رضى الله عنهم،
_________
(1) انظر: الإصابة (3/372) ، والتاريخ الكبير (1/17) ، والجرح والتعديل (7/224) ، والاستيعاب (3/340) ، وأسد الغابة (4/314، 315) ، وسير أعلام النبلاء (3/435، 436) برقم (79) ، والوافى بالوفيات (2/317) ، وتهذيب التهذيب (9/106) ، ومرآة الجنان (1/155) ، والعقد الثمين (1/450) ..(1/79)
مذكور فى المهذب فى الوليمة والسرقة. هو أبو القاسم، ويقال: أبو إبراهيم محمد بن حاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القريشى الجمحى الكوفى، وأمه أم جميل فاطمة بنت المجلل، بالجيم، ابن عبد الله بن قيس القريشية العامرية، من بنى عامر بن لؤى، أسلمت وهاجرت، وقيل: اسمها جويرية، وقيل: أسماء، وهو أول من سمى فى الإسلام محمدًا، ولد بأرض الحبشة فى الهجرة، وقيل: إن أباه هاجر به إلى الحبشة وهو طفل، وأرضعته أسماء بنت عميس بلبن ابنها عبد الله بن جعفر، وكانا يتواصلان على ذلك حتى ماتا.
وحديثه المذكور فى الوليمة أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت”. رواه الترمذى، وقال: حديث حسن صحيح. والنسائى، وابن ماجة. روى عنه ابن بلج، بالموحدة والجيم، وسماك بن حرب، وأبو عون الثقفى. شهد مع على، رضى الله عنه، الجمل، وصفين، والنهروان، وتوفى بمكة سنة أربع وسبعين. وقال أبو نعيم: توفى بالكوفة سنة ست وثمانين، والأول أشهر، رضى الله عنه.
10 - محمد بن الحسن (1) :
صاحب أبى حنيفة، رضى الله عنهما. تكرر ذكره فى المختصر، فذكره فى اختلاف المتبايعين، والحوالة، ونكاح المشرك، والطلاق، والخراج، والشهادات، والقافة، والولاء، والكتابة، وغيرها. وذكره فى الروضة فى مواضع. هو الإمام أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد الشيبانى مولاهم. قال الخطيب البغدادى فى تاريخ بغداد: أصل محمد ابن الحسن دمشقى من أهل قرية تسمى حرستا، قدم أبوه العراق، فولد له محمد بواسط، ونشأ بالكوفة، وسمع الحديث بها من أبى حنيفة، ومسعر بن كدام، وسفيان الثورى، وعمر بن ذر، ومالك بن مغول.
قال: وكتب أيضًا عن مالك بن أنس، والأوزاعى، وزمعة بن صالح، وبكير بن عمار، وأبى يوسف. وسكن بغداد وحدث بها. روى عنه الشافعى، وأبو سليمان الجوزجانى، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وغيرهم. وكان الرشيد ولاه القضاء، وخرج معه فى سفره إلى خراسان، فمات بالرى، ودفن بها.
قال الخطيب: وقال محمد بن سعد كاتب
_________
(1) انظر: طبقات ابن سعد (7/336) ، وتاريخ ابن معين (2/511) ، والجرح والتعديل (7/227) ، وميزان الاعتدال (3/513) ، ولسان الميزان (5/121، 122) ..(1/80)
الواقدى: كان أصل محمد من الجزيرة، وكان أبوه من جند أهل الشام، فقدم واسطًا، فولد بها محمد سنة ثنتين وثلاثين ومائة، ونشأ بالكوفة، وطلب الحديث، وسمع سماعًا كثيرًا، وجالس أبا حنيفة، وسمع منه، ونظر فى الرأى فغلب عليه وعُرف به وتقدم فيه، وقدم بغداد فنزلها، واختلف إليه الناس، وسمعوا منه الحديث، والرأى، وخرج إلى الرقة وهارون الرشيد فيها، فولاه قضاءها، ثم عزله، فقدم بغداد، فلما خرج هارون إلى الرى الخرجة الأولى أمره فخرج معه، فمات بالرى سنة تسع وثمانين ومائة، وهو ابن ثمان وخمسين سنة.
ثم روى الخطيب بإسناده، عن محمد بن الحسن، قال: ترك أبى ثلاثين ألف درهم، فأنفقت خمسة عشر ألفًا على النحو واللغة، وخمسة عشر ألفًا على الحديث والفقه. وبإسناده عن الشافعى، قال: قال محمد بن الحسن: أقمت على باب مالك ثلاث سنين وكسرًا. قال: وكان يقول: إنه سمع لفظ أكثر من سبعمائة حديث، وكان إذا حدثهم عن مالك امتلأ منزله وكثر الناس حتى يضيق عليه الموضع، وإذا حدث عن غير مالك لم يجئه إلا اليسير من الناس، فقال: ما أعلم أحدًا أسوأ ثناء على أصحابه منكم، إذا حدثتكم عن مالك ملأتم علىَّ الموضع، وإذا حدثتكم عن أصحابكم إنما تأتون متكارهين. وبإسناده عن إسماعيل بن حماد بن أبى حنيفة، قال: كان لمحمد بن الحسن مجلس فى مسجد الكوفة وهو ابن عشرين سنة.
وبإسناده عن الشافعى، قال: ما رأيت سمينًا أخف روحًا من محمد بن الحسن، وما رأيت أفصح منه، كنت إذا رأيته يقرأ كأن القرآن نزل بلغته. وعنه قال: ما رأيت أعقل من محمد بن الحسن. وعنه قال: ما رأيت مبدنًا قط أذكى من محمد بن الحسن. وعنه قال: كان محمد بن الحسن إذا أخذ فى المسألة كأنه قرآن ينزل، لا يُقدِّم حرفًا ولا يؤخره. وعنه قال: كان محمد بن الحسن يملأ العين والقلب. وعنه قال: حملت عن محمد بن الحسن وقْرَىْ بختى كتبًا.
وعن يحيى بن معين، قال: كتبت الجامع الصغير عن محمد بن الحسن. وعن أبى عبيد: ما رأيت أعلم بكتاب الله من محمد بن الحسن. وعن إبراهيم الحربى، قال: قلت(1/81)
للإمام أحمد: من أين لك هذه المسائل الدقيقة؟ قال: من كتب محمد بن الحسن. وعن محمد بن سماعة، قال: قال محمد بن الحسن لأهله: لا تسألونى حاجة من حوائج الدنيا تشغلوا قلبى، وخذوا ما تحتاجون إليه من وكيلى، فإنه أقل لهمى وأفرغ لقلبى. وبإسناده عن يحيى بن معين، وعمرو بن على، وأبى داود، وغيرهم تضعيفه فى رواية الحديث.
وبإسناده عن أحمد بن يحيى ثعلب، قال: توفى الكسائى ومحمد بن الحسن فى يوم واحد، فقال الرشيد: ذهب اليوم اللغة والفقه، وماتا بالرى. وبإسناده عن ابن أبى رجاء، عن محمويه، قال: وكنا نعده من الأبدال، قال: رأيت محمد بن الحسن فى المنام، فقلت: يا أبا عبد الله، إلى ما صرت؟ قال: قال لى ربى: إنى لم أجعلك وعاء للعلم، وأنا أريد أن أعذبك، قلت: ما فعل أبو يوسف؟ قال: فوقى، قلت: أبو حنيفة؟ قال: فوق أبى يوسف بطبقات.
وقال الشيخ أبو إسحاق فى الطبقات: حضر محمد بن الحسن مجلس أبى حنيفة سنتين، ثم تفقه على أبى يوسف، وصنَّف الكتب الكثيرة، ونشر علم أبى حنيفة. قال الشافعى: ما رأيت أحدًا يسأل مسألة فيها نظر إلا تبينت فى وجهه الكراهة، إلا محمد ابن الحسن. قال: وروى الربيع، قال: كتب الشافعى إلى محمد، وقد طلب منه كتبًا ينسخها فأخرها عنه، شعر:
ـن من رآه مثله
قد رأى من قبله
أن يمنعوه أهله
لأهله لعله
قل لمن ترعيـ
ومن كأن من رآه
العلم ينهى أهله
لعله يبذله
فبعث إليه الكتب من وقته، رحمهما الله.
11 - محمد بن سيرين الأنصارى:
مولاهم أبو بكر البصرى التابعى الإمام فى التفسير، والحديث، والفقه، وعبر الرؤيا، والمقدم فى الزهد والورع. تكرر ذكره فى المختصر. وأولاد سيرين ستة: محمد، ومعبد، وأنس، ويحيى، وحفصة، وكريمة، وكلهم(1/82)
رواة ثقات، وروى محمد، عن يحيى، عن أنس، عن أنس بن مالك حديثًا، وهذا من المستطرفات لكونهم ثلاثة إخوة، روى بعضهم عن بعض، وكان أبوهم سيرين من سبى عين التمر، وهو مولى أنس بن مالك، كاتبه على عشرين ألف درهم فأداها وعتق.
قال ابن قتيبة فى المعارف: كانت أم ابن سيرين اسمها صفية، مولاة لأبى بكر الصديق، رضى الله عنه، طيبها ثلاث من أزواج النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودعون لها، وحضر إملاكها ثمانية عشر بدريًا، منهم أُبى بن كعب، يدعو وهم يؤمنون، وكان سيرين يكنى أبا عمرة. قال: وقد ولد لسيرين ثلاثة وعشرون ولدًا من أمهات أولاد، دخل محمد بن سيرين على زيد بن ثابت، وسمع ابن عمر. قال يحيى بن معين: سمع منه حديثًا واحدًا.
وفى تاريخ بغداد، عن أيوب أنه سمع من ابن عمر حديثين، وسمع أيضًا جندب بن عبد الله البجلى، وأبا هريرة، وعبد الله بن الزبير، وعمران بن حصين، وعدى بن حاتم، وسليمان بن عامر، وأم عطية الأنصارى، وهؤلاء كلهم صحابة، وسمع من التابعين عبيدة، بفتح العين، السلمانى، ومسلم بن يسار، وشريحًا، وقيس بن عباد، بضم العين وتخفيف الباء، وعلقمة، والربيع بن خيثم، وأخاه معبدًا، وحميد بن عبد الرحمن الحميرى، وعبد الرحمن بن أبى بكرة، وأخته حفصة، وخلائق.
قال أحمد بن حنبل: لم يسمع ابن سيرين عباس. وقال هشام بن حسان: أدرك الحسن البصرى من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة وعشرين، وأدرك ابن سيرين ثلاثين منهم. وقال البخارى: حج ابن سيرين زمن ابن الزبير فسمعه، وسمع زيد بن ثابت، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، وهو أكبر من أخيه أنس. وروى عنه جماعات من التابعين، منهم الشعبى، وأيوب، وقتادة، وسليمان التيمى، وخلائق منهم ومن غيرهم. قال ابن عون: كان ابن سيرين يحدث بالحديث على حروفه. وقال محمد بن سعد: كان ثقة، مأمونًا، عاليًا، رفيعًا، فقيهًا، إمامًا، كثير العلم، ورعًا.
وقال هشام بن حسان: حدثنى أصدق مَن أدركت محمد بن سيرين. وقال الخطيب فى تاريخ بغداد: كان ابن سيرين أحد الفقهاء المذكورين بالورع فى وقته. قال: وكان ابن سيرين مولى لأنس بن مالك، فكاتبه على ألوف، فعتق بالكتابة. وعن محمد، قال: حججنا فدخلنا(1/83)
على زيد بن ثابت ونحن سبعة ولد سيرين، فقال: هذان لأم، وهذان لأم، وهذان لأم، وهذا لأم، فما أخطأ، وكان معبد أخاه لأمه. وعن مورق العجلى، قال: ما رأيت رجلاً أفقه فى ورعه، ولا أورع فى فقهه من محمد بن سيرين.
وعن عبد الحميد بن عبد الله بن مسلم بن يسار، قال: لما حبس ابن سيرين فى السجن قال له السجان: إذا كان الليل فاذهب إلى أهلك، وإذا أصبحت فتعال، فقال: لا والله لا أعينك على خيانة السلطان. قال الخطيب: وكان حبس فى دين ركبه لغريم له. وبإسناده عن المداينى، قال: كان سبب حبس ابن سيرين أنه اشترى زيتًا بأربعين ألف درهم، فوجد فى زق منه فأرة، فقال: الفأرة كانت فى المعصرة، فصب الزيت كله، وكان يقول: عيرت رجلاً بشىء من ثلاثين سنة أحسبنى عوقبت به. وكانوا يرون أنه عيره بالفقر فابتلى به.
وعن ابن عون: كان ابن سيرين من أرجى الناس لهذه الأمة وأشدهم أزرًا على نفسه. وعن هشام بن حسان، قال: كنا نزولاً مع ابن سيرين فى الدار، فكنا نسمع بكاه بالليل وضحكه بالنهار. ومرَّ ابن سيرين برواس قد أخرج رأسًا فغشى عليه، وادعى عليه رجل درهمين فأنكره، فقال: تحلف؟ قال: نعم، قيل له: تحلف على درهمين؟ قال: نعم، لا أطعمه حرامًا وأنا أعلم.
وعن عثمان البتى، قال: لم يكن بهذه البلدة أحد أعلم بالقضاء من محمد بن سيرين. قال ابن قتيبة: ولد لابن سيرين ثلاثون ولدًا من امرأة واحدة زوجة له عربية، ولم يبق منهم غير عبد الله بن محمد، وقضى عنه ابنه هذا ثلاثين ألف درهم، فما مات عبد الله حتى صار ماله ثلاثمائة ألف درهم.
واتفقوا على أن ابن سيرين توفى بالبصرة سنة عشر ومائة بعد الحسن بمائة يوم. قال حماد بن زيد: مات الحسن أول رجب سنة عشر ومائة، وصليت عليه، ومات ابن سيرين لتسع مضين من شوال سنة عشر. قال على بن المدينى، وعمرو بن على القلاس، وغيرهما: أصح الأسانيد محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن على، رضى الله عنهم. وفى هذه المسألة خلاف، وسنبسطه قريبًا فى ترجمة الزهرى محمد بن مسلم إن شاء الله تعالى، وبالله التوفيق.
12 - محمد بن طلحة بن عبيد الله (1) :
مذكور فى المهذب فى وسط باب استيفاء
_________
(1) انظر: الإصابة (3/376) ، وأسد الغابة (4/322) ، والاستيعاب (3/349) ، والوافى بالوفيات (3/174) ، والعقد الثمين (2/36) ، وسير أعلام النبلاء (4/368) ، وطبقات ابن سعد (5/52) ..(1/84)
القصاص، ثم فى قتال أهل البغى، هو أبو القاسم محمد بن طلحة بن عبيد الله القريشى التيمى المدنى، وتمام نسبه فى ترجمة أبيه. قال ابن أبى حاتم: أدرك النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - له رواية وهو صبى مسح النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برأسه وسماه محمدًا، وكناه أبا القاسم.
روى عنه ابنه إبراهيم، وعبد الرحمن بن أبى ليلى، ويقال لمحمد هذا: السجاد، سمى بذلك لكثرة سجوده، وكان زاهدًا، عابدًا، صالحًا، وحضر وقعة الجمل مع عائشة، رضى الله عنها، وكان على، رضى الله عنه، نهى عن قتله لما علم من فراغ قلبه من المنازعة ونحوها، فقتله إنسان ذلك اليوم فى وقعة الجمل فى جمادى الأولى سنة ست وثلاثين. قال ابن قتيبة: وأم محمد هذا حمنة بنت جحش.
13 - محمد بن عباد (1) :
مذكور فى المختصر فى حديث القلتين، هو محمد بن عباد بن جعفر بن رفاعة بن أمية بن عابد، بالباء الموحدة، ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم القريشى المخزومى المكى. تابعى ثقة، سمع ابن عمر، وأبا هريرة، وجابرًا، وابن عمرو بن العاص، وغيرهم. روى عنه ابن جريج، وعبد الحميد بن جبير بن شيبة، وغيرهما. روى له البخارى ومسلم فى صحيحيهما. قال ابن سعد: كان ثقة، قليل الحديث.
14 - محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبى صعصعة الأنصارى النجارى، بالنون، المدنى:
أبو عبد الرحمن. مذكور فى المختصر فى زكاة التجارة. روى عن أبيه، عن أبى سعيد. روى عنه محمد بن إسحاق بن يسار، ومالك، وابن عيينة، وهو ثقة. روى له البخارى فى صحيحه.
15 - محمد بن أبى بكر الصديق، رضى الله عنه (2) :
مذكور فى المختصر فى تجارة الوصى، وفى المهذب فى الإحرام بالحج، هو أبو القاسم محمد بن أبى بكر عبد الله بن عثمان، وسيأتى تمام نسبه فى ترجمة أبيه إن شاء الله تعالى. ولد محمد هذا بذى الحليفة عام حجة الوداع لليال بقين من ذى القعدة سنة عشر من الهجرة. وحضر مع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حجة الوداع، وتوفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وله نحو ثلاثة أشهر ونصف. روى عنه أبيه، وأمه أسماء بنت عميس. روى عنه ابنه القاسم. قال البخارى
_________
(1) انظر: الجرح والتعديل (8/13، 14) ، والتاريخ الكبير (1/175) ، وتهذيب التهذيب (9/243) ، وتقريب التهذيب (2/174) .
(2) انظر: الإصابة (3/472) ، والنجوم الزاهرة (1/106) ، والعقد الثمين (2/68) ، وأسد الغابة (4/324) ، والاستيعاب (3/348) ، والتاريخ الكبير (1/124) ، والنجوم الزاهرة (1/106) ، وسير أعلام النبلاء (3/481) (104) . .(1/85)
فى كتاب الضعفاء: يختلفون فى حديثه. روى له النسائى، وابن ماجة. قتل بصر سنة ثمان وثلاثين، رحمه الله، وحزنت عليه عائشة، رضى الله عنها كثيرًا.
16 - محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبى ذئب هشام بن شعبة بن عبد الله بن أبى قيس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل - بكسر الحاء وإسكان السين المهملتين - ابن عامر بن لؤى بن غالب القريشى العامرى (1) :
أبو الحارث المدنى المعروف بابن أبى ذئب. تكرر فى المختصر، وهو من تابعى التابعين، سمع نافعًا، وعكرمة، وسعيد المقبرى، وآخرين من التابعين. روى عنه جماعات من الأئمة الكبار تابعى التابعين، منهم معمر، والثورى، ووكيع، ويحيى القطان، وابن المبارك، وخلائق. واتفقوا على إمامته وجلالته. روى له البخارى ومسلم فى صحيحيهما. قال أحمد بن حنبل: كان ابن أبى ذئب يشبه سعيد بن المسيب، قيل لأحمد: هل خلف ببلاده مثله؟ قال: لا، ولا بغيرها، وكان ثقة صدوقًا. قال يحيى بن معين: كل من روى عنه ابن أبى ذئب ثقة، إلا أبا جابر البياضى.
وقال الشافعى: ما فاتنى أحد فأسفت عليه ما أسفت على الليث بن سعد، وابن أبى ذئب، ولد سنة ثمانين، وأقدمه المهدى بغداد فحدث بها، ثم رجع يريد المدينة، فتوفى بالكوفة سنة تسع وخمسين ومائة، وهو ابن تسع وسبعين سنة، وكان يفتى بالمدينة. ذكر له الخطيب ترجمة نفيسة فى تاريخ بغداد، قال: وكان ثقة، صالحًا، ورعًا، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر. قال مصعب الزبيرى: كان ابن أبى ذئب فقيه المدينة. وعن محمد بن القاسم، قال: لما حج المهدى دخل مسجد النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلم يبق أحد إلا قام إلا ابن أبى ذئب، فقال له المسيب بن زهير: قم، هذا أمير المؤمنين، فقال: إنما يقوم الناس لرب العالمين، فقال المهدى: دعه، فلقد قامت كل شعرة فى رأسى.
وعن أبى نعيم، قال: حججت سنة حج أبو جعفر وأنا ابن إحدى وعشرين سنة ومعه ابن أبى ذئب، ومالك بن أنس، فدعا ابن أبى ذئب فأقعده معه فى دار الندوة، فقال: ما تقول فى الحسن بن زيد بن الحسن ابن فاطمة؟ فقال: إنه ليتحرى العدل، فقال: ما تقول فىّ مرتين أو ثلاثًا، فقال: ورب هذه البنية إنك لجائر، فأخذ الربيع بلحيته، فقال
_________
(1) انظر: تقريب التهذيب (2/184) ، والتاريخ الكبير (1/152) ، والجرح والتعديل (7/313) ، وتهذيب التهذيب (9/393) ، وتاريخ ابن معين (2/525) ، ووفيات الأعيان (4/183) ، وسير أعلام النبلاء (7/139) ، والوافى بالوفيات (3/223) .(1/86)
ابن جعفر: كف يا ابن اللخناء، وأمر له بثلاث مائة دينار.
وكان ابن أبى ذئب يصلى الليل أجمع، ويصوم يومًا ويفطر يومًا، ثم يسرد الصوم ويجتهد فى العبادة، ولو قيل له: إن القيامة غدًا، ما كان فيه مزيد اجتهاد. وذكر الخطيب بأسانيده جملاً من مناقبه وقوله بالحق، وإنكاره على الخلفاء، وأنه لا يأخذه فى الله لومة لائم، وتمييزه على علماء عصره فى ذلك، رحمه الله.
17 - محمد بن عجلان (1) :
تكرر فى المختصر، وذكره فى المهذب فى أول العدد، وهو أبو عبد الله محمد بن عجلان المدنى مولى فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة. كان إمامًا، فقيهًا، عابدًا، وله حلقة فى مسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويفتى، وله مذهب معروف، وهو تابعى صغير.
قال أبو نعيم: سمع أنسًا، وأبا الطفيل الصحابيين، وخلائق من التابعين منهم أبوه، وعكرمة، ونافع، وسعيد المقبرى.
روى عنه جماعات من كبار الأئمة، منهم عبيد الله بن عمر، ومنصور بن المعتمر، ومالك بن أنس، والليث، والثورى، وابن عيينة، وحيوة بن شريح، وشعبة، والقطان، وعبد الله بن إدريس، وخلائق. وحمل به أكثر من ثلاث سنين. توفى بالمدينة سنة ثمان أو تسع وأربعين ومائة.
18 - محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب، رضى الله عنهم، القريشى الهاشمى المدنى (2) :
أبو جعفر، المعروف بالباقر، سمى بذلك لأنه بقر العلم، أى شقه، فعرف أصله، وعلم خفيه. وأمه أم عبد الله بنت حسن بن على بن أبى طالب. تكرر فى المختصر، وذكره فى المهذب فى صدقة التطوع، وفى باب تضمين الأجير، وفى دية اللسان، وهو تابعى جليل، إمام، بارع، مجمع على جلالته، معدود فى فقهاء المدينة وأئمتهم، سمع جابرًا، وأنسًا، وسمع جماعات من كبار التابعين كابن المسيب، وابن الحنفية، وغيرهما.
روى عنه أبو إسحاق السبيعى، وعطاء بن أبى رباح، وعمرو بن دينار، والأعرج، وهو أسن منه، والزهرى، وربيعة، وخلائق آخرون من التابعين وكبار الأئمة. وروى له البخارى ومسلم. قال مصعب الزبيرى: توفى سنة أربع عشرة ومائة. وقال يحيى بن معين: سنة ثمانى عشرة. وقال المداينى: سنة سبع عشرة، وهو ابن ثلاث وستين
_________
(1) انظر: تهذيب التهذيب (9/341) ، وتقريب التهذيب (2/190) ، وميزان الاعتدال (3/644) ، والتاريخ الكبير (1/196) ، وتاريخ ابن معين (2/530) ، وسير أعلام النبلاء (6/317) ، والوافى بالوفيات (4/92) .
(2) انظر: الجرح والتعديل (8/26) ، وطبقات ابن سعد (5/320 - 324) ، وتاريخ ابن معين (2/531) ، والتاريخ الكبير (1/183) ، وحلية الأولياء (3/180 - 192) ، وربيع الأبرار (4/328) ، وصفة الصفوة (2/108 - 112) ، وتذكرة الحفاظ (1/124، 125) ، وسير أعلام النبلاء (4/401 - 409) برقم (158) ، والبداية والنهاية (9/309 - 312) ، والوافى بالوفيات (4/102، 103) ، ومرآة الجنان (1/247، 248) ، والذريعة إلى تصانيف الشيعة (1/315) ، ووفيات الأعيان (3/314) ، وتهذيب التهذيب (9/350 - 352) ، وتقريب التهذيب (2/192) . .(1/87)
سنة. وقال الواقدى: ابن ثلاث وسبعين سنة. وفى تاريخ البخارى عن ابنه جعفر أنه توفى وهو ابن ثمان وخمسين سنة، رحمه الله.
19 - محمد بن على بن شافع القريشى المطلبى الشافعى:
عم الإمام الشافعى. تقدم باقى نسبه فى ترجمة الشافعى. روى عنه الشافعى فى عشرة النساء، وقال: عمى ثقة. روى عنه عبد الله بن على بن السائب.
20 - محمد بن على بن أبى طالب (1) :
المعروف بابن الحنفية، واسمها خولة، من سبى بنى حنيفة، وهى خولة بنت جعفر ابن قيس بن مسلم بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة، كنية محمد هذا أبو القاسم، ويقال: أبو عبد الله. ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر.
وقال ابن أبى حاتم: لثلاث بقين، وهو من كبار التابعين، دخل على عمر بن الخطاب، وسمع عثمان، وأباه، رضى الله عنهم.
روى عنه بنوه الحسن، وعبد الله، وإبراهيم، وعون، وجماعات من التابعين. روينا عنه، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، إن ولد لى مولود بعدك أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال: “نعم”.
قال أحمد بن عبد الله العقيلى الإمام الحافظ: ثلاثة يسمون محمدًا رخص فى كنيتهم بأبى القاسم: محمد بن أبى بكر، ومحمد بن على، ومحمد بن طلحة بن عبيد الله.
وقال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد الحافظ: لا نعلم أحدًا أسند عن على، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثر ولا أصح مما أسند محمد ابن الحنفية. قال عمرو بن على، وأبو نعيم فى رواية عنه: مات محمد بن الحنفية سنة أربع عشرة ومائة. وقال البخارى: قال أبو نعيم: مات سنة ثمانين. وقال يحيى بن بكير: سنة إحدى وثمانين. وقال المداينى: سنة ثلاث وثمانين.
وفى طبقات الفقهاء للشيخ أبى إسحاق، عن الهيثم بن عدى: سنة ثلاث أو اثنتين وسبعين. وفى تاريخ البخارى، عن أبى حمزة، بالحاء، قال: قضينا نسكنا حين قتل ابن الزبير، ثم رجعنا إلى المدينة مع محمد ابن الحنفية، فمكث ثلاثة أيام، ثم توفى. وهذا يوافق قول الهيثم، فإن ابن الزبير قتل سنة ثلاث وسبعين، وقيل: سنة اثنتين.
_________
(1) انظر: سير أعلام النبلاء (4/110 - 129) برقم (36) ، وطبقات ابن سعد (5/91 - 116) ، والتاريخ الكبير (1/182) ، والجرح والتعديل (8/26) ، وحلية الأولياء (3/174 - 180) ، وصفة الصفوة (2/77 - 79) ، والبداية والنهاية (9/38، 39) ، وفوات الوفيات (1/189، 190) ، والعقد الثمين (2/157) ، وتهذيب التهذيب (9/354) ، وتقريب التهذيب (2/192) ، والوافى بالوفيات (4/99 - 105) ..(1/88)
فصل
يقال لمحمد هذا: ابن الحنفية، ويقال: محمد بن على، ويقال: محمد بن على ابن الحنفية، فيُنسب إلى أبيه وأمه جميعًا، فعلى هذا يشترط أن ينون على، ويكتب ابن الحنفية بالألف، ويكون إعرابه إعراب محمد؛ لأنه وصف لمحمد لا لعلى، ولهذا نظائر، وقد أفردتها فى جزء، منها عبد الله بن مالك ابن بحينة، مالك أبوه وبحينة أمه. وعبد الله بن أُبى ابن سلول المنافق، أُبىّ أبوه وسلول أمه. وإسماعيل بن إبراهيم ابن علية مثلهما. والمقداد بن عمرو ابن الأسود، أبوه الحقيقى عمرو، وتبناه الأسود فنُسب إليه. وإسحاق ابن إبراهيم بن راهوية، فراهوية هو إبراهيم. ومثله محمد بن يزيد ابن ماجة صاحب السنن، ماجة هو يزيد، وآخرون كذلك.
21 - محمد بن عمرو بن حزم:
تكرر فى المختصر والمهذب، هو أبو عبد الملك، ويقال: أبو سليمان، ويقال: أبو القاسم محمد بن عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان، بفتح اللام وإسكان الواو وبذال معجمة، ابن عمرو بن عبد غنم بن مالك بن النجار الأنصارى النجارى، بالنون، المدنى. ولد فى حياة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنجران، وأبوه عامل عليها لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو من كبار التابعين. روى عن عمر بن الخطاب، وعمرو بن العاص، وأبيه. روى عنه ابنه أبو بكر. قال ابن سعد: كان ثقة، قليل الحديث، له عقب بالمدينة وببغداد، قُتل يوم الحرة بالمدينة سنة ثلاث وستين، وكان فقيهًا، فاضلاً من صالحى المسلمين.
22 - محمد بن عروة بن علقمة بن وقاص بن محصن الليثى المدنى:
مذكور فى المختصر. قال ابن أبى حاتم: كنيته أبو عبد الله، وفى تاريخ البخارى أن كنيته أبو الحسن، وهو من تابعى التابعين، سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن، ونافعًا، وسالم ابن عبد الله، وعبد الأغر، وأباه، وآخرين. روى عنه مالك، والسفيانان، وشعبة، ويحيى(1/89)
القطان، ويزيد بن هارون، وعبد الله بن نمير، والنضر بن شميل، وخلائق. قال يحيى القطان: هو رجل صالح. وقال عمرو بن على: توفى سنة خمس وأربعين ومائة.
23 - محمد بن كعب القرظى (1) :
تكرر فى المختصر والمهذب، هو بضم القاف وفتح الراء وبالظاء المعجمة، منسوب إلى بنى قريظة الطائفة المعروفة من اليهود. وهو تابعى جليل، من كبار التابعين وأئمتهم، وهو أبو حمزة محمد بن كعب بن سليم. وقال محمد بن سعد: محمد بن كعب بن حيان، بالمثناة، ابن سليم بن أسد المدنى. من حلفاء الأوس، وكان أبوه من سبى قريظة، سكن محمد الكوفة، ثم عاد إلى المدينة. قال قتيبة: بلغنى أنه ولد فى حياة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. سمع ابن عباس، وزيد بن أرقم، ومعاوية. وقيل: سمع ابن مسعود، ورأى ابن عمر.
وروى عن جابر بن عبد الله، وأنس، وأبى ذر، وأبى هريرة، والبراء، والمغيرة، وعبد الله بن يزيد الخطمى، وكعب بن عجرة الصحابيين، رضى الله عنهم. وروى عنه جماعات من كبار التابعين وصغارهم، منهم عمرو بن دينار، وأبو سهيل، ومحمد بن المنكدر، وزيد بن أسلم، وخلائق. واتفقوا على أنه ثقة.
قال ابن سعد: كان ثقة، عالمًا، كثير الحديث، ورعًا. قال أبو نعيم، وابن أبى شيبة، والترمذى: توفى سنة ثمان ومائة. وقال عمرو بن على، والواقدى: سنة سبع عشرة ومائة. وقيل: سنة عشرين.
24 - محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى (2) :
أبو بكر القريشى الزهرى المدنى. سكن الشام، وكان بأيلة، ويقولون تارة: الزهرى، وتارة: ابن شهاب، ينسبونه إلى جد جده، وقد تكرر فى المختصر، والمهذب، والروضة، وهو تابعى صغير، سمع أنس بن مالك، وسهل بن سعد، والسائب بن يزيد، وشبيبًا أبا جميلة، وعبد الرحمن بن أزهر، وربيعة بن عباد، بكسر العين وتخفيف الباء، ومحمود بن الربيع، وعبد الله بن ثعلبة بن صغير، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وأبا أمامة أسعد بن سهل بن حنيف، وأبا الطفيل، ورجلاً من بلى له صحبة، وهؤلاء كلهم صحابة. ورأى ابن عمر، وسمع
_________
(1) انظر: الجرح والتعديل (8/67) ، وتاريخ ابن معين (2/536) ، والثقات لابن حبان (5/351) ، وحلية الأولياء (3/212 - 221) ، وسير أعلام النبلاء (5/65 - 68) برقم (23) ، والبداية والنهاية (9/257) ، والتاريخ الكبير (1/216) .
(2) انظر: التاريخ الكبير (1/220) ، والجرح والتعديل (8/71) ، والأغانى (4/48) ، والوافى بالوفيات (5/24 - 26) ، ووفيات الأعيان (4/177) ، وميزان الاعتدال (4/40) ، وتهذيب التهذيب (9/445) ، وتقريب التهذيب (2/207) ..(1/90)
خلائق من كبار التابعين وائمتهم. روى عنه خلائق من كبار التابعين وصغارهم، ومن أتباع التابعين، ومن شيوخه.
وروينا بالإسناد الصحيح عن عمرو بن دينار، قال: ما رأيت أنص للحديث من الزهرى، وما رأيت أحدًا الدينار والدرهم أهون عنده منه، إن كانت الدنانير والدراهم عنده بمنزلة البعر. وروينا عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، قال: قلت لأبى: بم فاقكم الزهرى؟ قال: كان يأتى المجالس من صدورها ولا يأتيها من خلفها، ولا يبقى فى المجلس شابًا إلا سأله، ولا كهلاً إلا سأله، ثم يأتى الدار من دور الأنصار، فلا يبقى فيها شابًا إلا سأله، ولا كهلاً إلا سأله، ولا فتى إلا سأله، ولا عجوزًا إلا سالها، ولا كهلة إلا سألها، حتى يحاول ربات الحجال. وروينا عن الليث بن سعد، قال: ما رأيت عالمًا أجمع من ابن شهاب، ولا أكثر علمًا منه.
قال البخارى: قال على ابن المدينى: للزهرى نحو ألفى حديث. وقال أحمد بن الفرات: ليس فيهم أجود مسندًا من الزهرى. وقال أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية: أصح الأسانيد مطلقًا الزهرى، عن سالم، عن أبيه. وقال أبو بكر بن أبى شيبة: أصحها الزهرى، عن على بن الحسين، عن أبيه، عن على. وقال على بن المدينى، وعمرو بن على القلاس، وغيرهما: أصحها محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن على.
وقال يحيى بن معين: أصحها الأعمش، عن إبراهيم النخعى، عن علقمة، عن ابن مسعود. وقال البخارى: أصحها مالك، عن نافع، عن ابن عمر. فعلى هذا قال أبو منصور عبد القاهر التميمى: أصحها الشافعى، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ لإجماع أهل الحديث على أن الشافعى أجل أصحاب مالك، رضى الله عنهم أجمعين. والمختار أنه لا يجزم لإسناد أنه أصحها على الإطلاق لعسر ذلك.
وقال الشافعى، رحمه الله: لولا الزهرى لذهبت السنن من المدينة. ومناقبه والثناء عليه وعلى حفظه أكثر من أن يحصر.
وقال البخارى فى التاريخ: قال لى إبراهيم بن المنذر، عن معن، عن ابن أخى الزهرى أنه أخذ القرآن فى ثمانين ليلة، وهذا إسناد فى نهاية من الصحة، ومعناه أن الزهرى حفظ القرآن فى ثمانين ليلة. وبإسناده الصحيح عن(1/91)
أيوب السختيانى، قال: ما رأيت أعلم من الزعرى، فقيل له: ولا الحسن؟ قال: ما رأيت أعلم من الزهرى. قال البخارى: وقال لنا عبد الله بن صالح: حدثنا الليث، عن الزهرى، قال: ما استودعت حفظى شيئًا فخاننى.
وبإسناده الصحيح عن سعد بن إبراهيم، قال: ما أرى أحدًا بعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع ما جمع الزهرى. وقال مالك: حدثنى الزهرى بحديث فيه طول، قلت: أعد ما كنت تحب أن يعاد عليك، فقال: لا، قلت: اكتب، فكتب. قال: توفى ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من شهر رمضان سنة أربع وعشرين ومائة، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، ودفن بقرية له بأطراف الشام يقال لها: شغبدا، بشين مفتوحة، وغين ساكنة معجمتين، وبباء موحدة مفتوحة، ثم دال مهملة مفتوحة مخففة.
25 - محمد بن مسلمة الصحابى، رضى الله عنه:
تكرر فى المختصر فى السير، وذكره فى المهذب فى الفرائض، هو أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو سعيد محمد بن مسلمة بن سلمة بن خالد بن عدى ابن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصارى الحارثى المدنى. شهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدرًا والمشاهد كلها، وقيل: استخلفه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المدينة فى غزوة تبوك.
روى عنه جماعة من الصحابة جابر بن عبد الله، والمغيرة، والمسور بن مخرمة، وسهل ابن أبى خيثمة، رضى الله عنهم، وجماعات من التابعين. اعتزال الفتنة، وأقام بالربذة، وتوفى بالمدينة فى صفر سنة ثلاث وأربعين. وقيل: سبع وأربعين، وهو ابن تسع وسبعين.
قال محمد بن إسحاق، وموسى بن عقبة: محمد بن مسلمة هو الذى قتل مرحبا اليهودى بخيبر. قال ابن عبد البر: الصحيح أن قالته على بن أبى طالب. وقال الشافعى فى مختصر المزنى فى أول كتاب السير: إن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى محمد بن مسلمة سلب مرحب يوم خيبر، وهذا دليل على أنه قاتله. قال ابن الأثير: قيل: إن محمد بن مسلمة هو قاتل مرحب. قال: والصحيح الذى عليه أكثر أهل السير والحديث أن عليًا هو قاتله، خلف عشرة بنين وست بنات.
26 - محمد بن نصر:
من أصحابنا أصحاب الوجوه، مذكور فى الروضة فى(1/92)
الوصية فى ركن الصيغة، وفى كتاب الصداق فى باب تشطره فى مسألة من أصدقها حليًا فكسرته. هو الإمام البارع العلامة فى فنون العلم، أبو عبد الله محمد بن نصر المروزى الفقيه الشافعى.
روينا فى تاريخ بغداد عن الخطيب، قال: محمد بن نصر المروزى، أبو عبد الله الفقيه، صاحب التصانيف الكثيرة، والكتب الجمة، ولد ببغداد، ونشأ بنيسابور، ورحل إلى سائر الأمصار فى طلب العلم، واستوطن سمرقند.
وكان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم فى الأحكام. روى الحديث عن عبدان، وصدقة بن الفضل، ويحيى بن يحيى، وإسحاق بن راهوية، وأبى قدامة السرخسى، وهدبة بن خالد، بالموحدة، ومحمد بن بشار، وابن المثنى، وإبراهيم بن المنذر، وغيرهم من أهل خراسان، والعراق، والحجاز، والشام، ومصر. روى عنه ابنه إسماعيل، وأبو على البلخى، وعثمان بن جعفر بن اللبان، ومحمد بن يعقوب بن الأخرم، وغيرهم.
ثم روى الخطيب، عن محمد بن نصر، قال: ولدت سنة اثنتين ومائتين قبل وقاة الشافعى بسنتين، قال: وكان أبى مروزيًا. ثم روى عن القفال الشاشى، قال: سمعت أبا بكر الصيرفى يقول: لو لم يصنف محمد بن نصر إلا كتاب القسامة لكان من أفقه الناس، فكيف وقد صَنَّف كتبًا سواه. وعن محمد بن عبد الحكم، قال: كان محمد بن نصر عندنا بمصر إمامًا، فكيف بخراسان. وعن أبى بكر أحمد بن إسحاق، قال: ما رأيت أحسن صلاة من محمد بن نصر، ولقد بلغنى أن زنبورًا قعد على جبهته فسال الدم على وجهه ولم يتحرك. قلت: هذا محمول على دم يسير، بحيث يعفى عنه ولا يبطل الصلاة.
أخبرنى أبو محمد الأنبارى، أخبرنا الحرستانى، أخبرنا أبو الفتح نصر الله، أخبرنا أبو الفتح نصر المقدسى، أخبرنا أبو الفضل أحمد بن محمد الفراتى، قال: سمعت جدى أبا عمرو الفراتى يقول: سمعت أبا منصور محمد بن أحمد بن حمشاد يقول: سمعت الأستاذ أبا الوليد حسان بن محمد القريشى يقول: سمعت أبا الفضل البلعمى يقول: دخل محمد ابن نصر المروزى، رحمه الله، على إسماعيل بن أحمد والى خراسان، فقام له وبجله وأبلغ فى تعظيمه وإجلاله، فلما خرج(1/93)
عاتبه أخوه إسحاق بن أحمد على ذلك، فقال له إسماعيل: إنما قمت له إجلالاً لإخبار رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم إن إسماعيل رأى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى المنام، فقال له: قمت لمحمد بن نصر إجلالاً لإخبارى لا جرم، ثبت ملكك، وملك بنيك لإجلالك له، وذهب ملك أخيك إسحاق وملك بنيه لاستخفافه بمحمد بن نصر، فبقى ملك إسماعيل وبنيه أكثر من مائة وعشرين سنة.
وذكر الشيخ أبو إسحاق فى طبقات الفقهاء، عن محمد بن نصر، قال: كتبت الحديث بضعًا وعشرين سنة، وسمعت قولاً ومسائل ولم يكن لى حسن رأى فى الشافعى، فبينا أنا قاعد فى مسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أغفيت، فرأيت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى المنام، فقلت: يا رسول الله، أكتب رأى أبى حنيفة؟ فقال: لا، فقلت: رأى مالك؟ فقال: اكتب ما وافق حديثى، قلت: أكتب رأى الشافعى؟ فطأطأ رأسه شبه الغضبان، وقال: لا تقول رأى الشافعى، ليس بالرأى، بل هو رد على من خالف سنتى، قال: فخرجت فى أثر هذه الرؤيا إلى مصر، وكتبت كتب الشافعى.
توفى محمد بن نصر، رحمه الله، بسمرقند سنة أربع وتسعين ومائتين، وكانت لحيته بيضاء، وكان من أحسن الناس صورة، وله اختيارات غريبة مخالفة للمذهب، ظهر له دلائلها منها ما حكيته عنه فى الروضة أنه قال: يكفى فى صحة الوصية الإشهاد عليه بأن هذا الكتاب خطى وما فيه وصيتى، وإن لم يعلم الشاهد ما فيه. كذا نقله عنه إمام الحرمين والمتولى. وحكى أبو الحسن العبادى عنه أنه يكفى الكتاب بلا شهادة، والمشهور أنه لابد من الإشهاد، ومعرفة الشاهدين المشهود به، والله أعلم.
27 - محمد بن يحيى بن حبان بن منقذ:
مذكور فى المختصر فى باب الساعات التى نهى عن الصلاة فيها. وفى المهذب فى خيار الشرط، وفى الحجر. هو أبو عبد الله محمد بن يحيى بن حبان، بفتح الحاء باتفاق العلماء، ابن منقذ بن عمرو، ويقال: عطية بدل عمرو بن خنساء، بفتح الخاء المعجمة ثم نون ساكنة، ابن مبذول، بالذال المعجمة، ابن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار الأنصارى النجارى، بالجيم، المازنى المدنى.
تابعى(1/94)
مشهور، سمع أنسًا، وعمه واسع بن حبان، كانت له حلقة فى مسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان يفتى، وكان كثير الحديث والفقه. وحبان ومنقذ صحابيان سيوضحان فى ترجمة حبان إن شاء الله تعالى. توفى محمد بالمدينة سنة إحدى وعشرين ومائة، وهو ابن أربع وسبعين سنة. روى له البخارى، ومسلم فى صحيحيهما. قال يحيى بن معين، وأبو حاتم، والباقون: كان ثقة.
28 - محمد بن يحيى صاحب الغزالى:
تكرر فى الروضة. هو الإمام أبو سعيد محمد بن يحيى بن أبى منصور النيسابورى الشهيد. تفقه على الغزالى، وأبى المظفر أحمد بن محمد الخوافى، وغيرهما، وكان إمامًا، بارعًا فى الفقه، والزهد، والورع، وتفقه عليه خلائق من الأئمة. ورحل إليه الناس من الأقطار، وتخرج به خلائق، فصاروا أئمة، قتلته الغز لما استولوا على نيسابور شهيدًا فى شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وخمسمائة.
* * *
حرف الألف
باب من اسمه آدم
29 - آدم أبو البشر، عليه السلام:
مذكور فى المهذب فى مواضع، منها الفرائض، كنيته أبو البشر، ويقال: أبو محمد، خلقه الله عز وجل بيده، وأسجد له ملائكته، وأسكنه جنته، واصطفاه، وكرم ذريته، وعلمه جميع الأسماء، وجعله أول الأنبياء، وعلمه ما لم يعلم الملائكة المقربين، وجعل من نسله الأنبياء، والمرسلين، والأولياء، والصديقين.
قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا} [آل عمران: 33] الآية، وقال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا} [البقرة: 31] الآية. وثبت فى صحيح مسلم، عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن الله تعالى خلقه يوم الجمعة". واشتهر فى كتب الحديث والتواريخ أنه عاش ألف سنة، وروينا معناه فى حديث مرفوع.
وروينا فى تاريخ دمشق فى حديث طويل عن عائشة، رضى(1/95)
الله عنها، قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أنا أشبه الناس بأبى آدم، عليه السلام، وكان أبى إبراهيم، عليه السلام، أشبه الناس بى خلقًا وخُلقًا". فأما اشتقاق اسمه، فقال الإمام أبو الحسن على بن أحمد الواحدى: قال ابن عباس، رضى الله عنهما: سمى آدم؛ لأنه خلق من أديم الأرض. قال: وهكذا قاله أهل اللغة فيما حكاه الزجاج. قال الزجاج: قال أهل اللغة: آدن مشتق من أديم الأرض؛ لأنه خُلق من تراب، وأديم الأرض وجهها. قال: وقال النضر بن شميل: سمى آدم لبياضه. وهذا كله تصريح منهم بأن آدم اسم عربى مشتق، وإلا فالعجمى لا اشتقاق له.
قال أبو البقاء: آدم وزنه أفعل، والألف منه مبدلة من همزة، وهى فاء الفعل؛ لأنه مشتق من أديم الأرض أو من الأدمة، قال: ولا يجوز أن يكون أصله فاعلاً بفتح العين، إذ لو كان كذلك لانصرف، كالعالم، وخاتم، والتعريف وحده لا يمنع الصرف، وليس هو بعجمى، هذا كلام أبى البقاء.
وقال الإمام أبو منصور موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقى فى كتابه المعرب: أسماء الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، كلها أعجمية، نحو: إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، وإلياس، وإدريس، وأيوب، إلا أربعة: آدم، وصالحًا، وشعيبًا، ومحمدًا، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
قال أبو إسحاق الزجاج: اختلفت الآيات فيما بدىء به خلق آدم، ففى موضع خلقه الله تعالى من تراب، وفى موضع من طين لازب، وفى موضع من حمأ مسنون، وفى موضع من صلصال، قال: وهذه الألفاظ راجعة إلى أصل واحد، وهو التراب الذى هو أصل الطين، فأعلمنا الله عز وجل أنه خلقه من تراب جعل طينًا، ثم انتقل فصار كالحمأ المسنون، ثم انتقل فصار صلصالاً كالفخار. ولقد أحسن الزجاج، رحمه الله.
قال الإمام أبو إسحاق الثعلبى فى قول الله عز وجل إخبارًا أن إبليس قال: {خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف: 12] ، قال الحكماء: أخطأ عدو الله فى تفضيله النار على الطين؛ لأن الطين أفضل منها من أوجه:
أحدها: أنه من جوهر الطين الرزانة، والسكون، والوقار، والحلم، والأناة، والحياء، والصبر، وذلك سبب توبة آدم وتواضعه وتضرعه، فأورثه(1/96)
المغفرة، والاجتباء، والهداية. وجوهر النار الخفة، والطيش، والحدة، والارتفاع، والاضطراب، وذلك سبب استكبار إبليس فأورثه اللعنة والهلاك.
والثانى: أن الجنة موصوفة بأن ترابها مسك، ولم ينقل أن فيها نارًا.
الثالث: أنها سبب العذاب بخلاف الطين.
الرابع: أن الطين مستغن عن النار وهى محتاجة إلى مكان وهو التراب.
الخامس: أن الطين سبب جمع الأشياء، وهى سبب تفريقها، وبالله التوفيق.
30 - آدم بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز القريشى الأموى (1) :
وتمام نسبه فى ترجمة جده. مذكور فى المهذب فى قسم الفىء، كان شاعرًا ماجنًا، وكان ببغداد فى صحابة الخليفة المهدى، ثم تاب ونسك.
* * *
باب أبان
31 - أبان بن عثمان (2) :
مذكور فى المختصر فى نكاح المحرم، هو أبو سعيد أبان بن عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القريشى الأموى المدنى التابعى الكبير، يلتقى مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى عبد مناف، وأمه أم عمرو بنت جندب الدوسية. سمع أباه، وزيد بن ثابت. روى عنه الزهرى، وعمر بن عبد العزيز، وخلائق من التابعين وغيرهم.
قال عمرو بن شعيب: ما رأيت أحدًا أعلم بحديث ولا فقه من أبان بن عثمان. وقال يحيى بن سعيد: كان فقهاء المدينة عشرة: سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والقاسم، وسالم، وعروة، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وقبيصة بن ذؤيب، وأبان بن عثمان، وخارجة بن زيد، وسليمان بن يسار. واتفق العلماء على أنه ثقة، توفى بالمدينة سنة خمس ومائة.
واعلم أن فى صرف أبان خلافًا مشهورًا، الصحيح الذى عليه الأكثرون والمحققون صرفه، فمن صرفه قال: الهمزة أصل والألف زائدة، ووزنه فعال كغزال وعناق ونظائرهما، ومن منع صرفه عكس، فقال: الهمزة زائدة والألف بدل من ياء، ووزنه أفعل، فلا ينصرف لوزن الفعل، وقد بسطت الكلام فى تحقيقه فى أوائل
_________
(1) انظر: تاريخ بغداد (7/25 - 27) ، وتاريخ الإسلام (4067) .
(2) انظر: سير أعلام النبلاء (4/351 - 353) برقم (133) ، وطبقات ابن سعد (5/151 - 153) ، والتاريخ الكبير (1/450، 451) ، والجرح والتعديل (2/295) ، وتهذيب تاريخ دمشق (2/134، 135) ، وتهذيب الكمال (2/16 - 19) ، والبداية والنهاية (9/233) ، والوافى بالوفيات (5/307) ، وتهذيب التهذيب (1/97) ، وتقريب التهذيب (1/31) ، والنجوم الزاهرة (1/253) .(1/97)
شرح صحيح مسلم، رحمه الله.
* * *
باب إبراهيم
قد سبق فى ترجمة آدم أن إبراهيم إسم أعجمى، وفيه لغات أشهرها إبراهيم، والثانية إبراهام، وقرىء بهما فى السبع، والثالثة والرابعة والخامسة إبراهم، بكسر الهاء وفتحها وضمها، حكاهن الإمام أبو حفص عمر بن خلف بن مكى الصقلى النحوى اللغوى فى كتابه تثقيف اللسان، عن الفراء، عن العرب، وحكى الكسر والضم أيضًا جماعات منهم الإمام أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبرى، قال: وقرىء بهما فى الشواذ، قال: وجمعه أباره عند قوم، وعند آخرين براهم، وقيل: براهمة. قال الإمام أبو الحسن الماوردى صاحب الحاوى: معناه بالسريانية أب رحيم.
وقال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة: تحذف الألف من الأسماء الأعجمية نحو إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، وإسرائيل، استثقالاً لها، كما ترك صرفها. قال: وكذلك سليمان، وهارون، وسائر الأسماء الأعجمية المستعملة، فأما ما لا يكثر استعماله منها كهاروت، وماروت، وطالوت، وجالوت، وقارون، فلا تحذف الألف فى شىء منها، ولا تحذف من داود، وإن كان مستعملاً؛ لأنه حذف منه أحد الواوين، فلو حذفت الألف أيضًا أجحف بالكلمة، وأما ما كان على فاعل كصالح، ومالك، وخالد، فيجوز إثبات الألف، ويجوز حذفها بشرط أن يكثر استعماله، فإن لم يكثر كسالم، وجابر، وحاتم، وحامد، لم يجز حذف الألف، ومما كثر استعماله ويدخله الألف واللام يكتب بغير ألف مع الألف واللام، فإن حذفتهما أثبت الألف، تقول: قال الحارث، وقال: حارث؛ لئلا يشتبه بحرب، ولا تحذف الألف من عمران، ويجوز حذفها وإثباتها فى مروان، وعثمان، وسفيان، ونحوهم بشرط كثرة استعماله، وبالله التوفيق.
32 - إبراهيم خليل الرحمن، صلوات الله عليه وسلامه:
تكرر فى هذه الكتب كلها. قال الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} [النساء: 125] .
وقال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ(1/98)
أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَآتَيْنَاهُ فِى الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِى الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [النحل: 120 - 122] .
وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ} [الأنبياء: 51] .
وقال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124] .
وقال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِى ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِى الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِى الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [العنكبوت: 27] .
وقال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ} [هود: 75] .
وقال تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِى وَفىّ} [النجم: 37] .
وقال تعالى: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ} [البقرة: 130] .
وهو أبو إسماعيل إبراهيم بن آزر، وهو تارح، بمثناة من فوق، وفتح الراء، وبحاء مهملة، قيل: آزر اسم، وتارح لقب، وقيل عكسه، والقولان مشهوران، وباقى نسبه إلى آدم مختلف فيه، ولا يصح فى تعيينه شىء، فتركته لهذا ولعدم الضرورة إليه. أنزل الله تعالى عليه صحفًا كما أخبر سبحانه فى كتابه العزيز. قال أهل التاريخ: كانت عشر صحائف، وجعل له لسان صدق فى الآخرين، أى ثناء حسنًا، فليس أحد من الأمم إلا يحبه، وأكرمه بالخلة، وبأن جعل أكثر الأنبياء من ذريته، وختم ذلك سبحانه وتعالى بنبينا محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والآيات الكريمة فى بيان أحواله معلومة أشرت إلى بعضها.
هاجر، عليه السلام، من العراق إلى الشام، قيل: بلغ عمره مائة وخمسًا وسبعين سنة، وقيل: مائتى سنة، ودفن فى الأرض المقدسة، وقبره معروف بالبلدة المعروفة بالخليل، بينها وبين بيت المقدس دون مرحلة.
روينا فى صحيحى البخارى ومسلم، عن أبى هريرة، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “اختتن إبراهيم، عليه السلام، وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم” (1) ، روى القدوم، بالتخفيف والتشديد، وسنوضحه فى موضعه من قسم اللغات إن شاء الله تعالى.
وروينا فى صحيحيهما، عن ابن عباس، رضى الله عنهما، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم، عليه السلام” (2) . وروينا فى صحيح مسلم، عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “حين أسرى بى ورأيت إبراهيم، وأنا أشبه ولده به” (3) .
وفى صحيح مسلم أيضًا، عن أنس، أن رجلاً قال للنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
_________
(1) أخرجه أحمد (2/435، رقم9620) ، والبخارى (3/1224، رقم 3178) ، ومسلم (4/1839، رقم 2370) . وأخرجه أيضًا: أبو يعلى (10/384، رقم 5981) ، والبيهقى (8/325) .
(2) أخرجه الطيالسى (ص 343، رقم 2638) ، وأحمد (1/253، رقم 2281) ، والبخارى (4/1691، رقم 4349) ، مسلم (4/2194، رقم 2860) ، والترمذى (5/321، رقم 3167) وقال: حسن صحيح. والنسائى (4/117، رقم 2087) .
(3) أخرجه البخارى (3/1243، رقم 3214) ، ومسلم (1/154، رقم 168) ، والترمذى (5/300، رقم 3130) وقال: حسن صحيح.(1/99)
يا خير البرية، قال: “ذاك إبراهيم”، وهذا محمول على التواضع، وإلا فالنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفضل الخلق؛ لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “أنا سيد ولد آدم” (1) . وفى صحيح البخارى، عن ابن عباس، قال: “كان آخر قول إبراهيم حين ألقى فى النار: حسبى الله ونعم الوكيل” (2) ، وفى رواية فى البخارى: “قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم حين ألقى فى النار”.
وفى الصحيحين أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبر عن ليلة الإسراء ورؤيته الأنبياء فى السموات، ورأى إبراهيم فى السماء السادسة، وفى رواية: فى السابعة، مُسندًا ظهره إلى البيت المعمور. وفى صحيح البخارى، عن سمرة بن جندب، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “أتانى الليلة اثنان، فأتينا على رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولاً، وأنه إبراهيم”.
روينا فى موطأ مالك، عن سعيد بن المسيب، رحمه الله، قال: “كان إبراهيم النبى، عليه السلام، أول الناس ضيّف الضيف، وأول الناس اختتن، وأول الناس قص شاربه، وأول الناس رأى الشيب، فقال: يا رب، ما هذا؟ فقال الله تبارك وتعالى: وقار يا إبراهيم، فقال: يا رب، زدنى وقارًا”. ورويناه فى تاريخ دمشق بزيادة: “وأول من استحد وقلم أظفاره”.
وقد مَنَّ الله الكريم علينا وجعل لنا رواية متصلة، وسببًا متعلقًا بخليله إبراهيم، عليه السلام، كما مَنَّ علينا بذلك فى حبيبه وخليله وصفيه محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أخبرنا الإمام أبو محمد عبد الرحمن ابن الإمام أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى، رضى الله عنه، أخبرنا أبو حفص بن طبرزد، أنا أبو الفتح الكروخى، أنا القاضى أبو عامر، أنا أبو محمد بن الجراحى، أنا أبو العباس المحبوبى، أنا أبو عيسى الترمذى، ثنا عبد الله بن أبى زياد، ثنا سيار، ثنا عبد الواحد بن زياد، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن مسعود، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “لقيت إبراهيم ليلة أسرى بى، فقال: يا محمد، أقرىء أمتك منى السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر” (3) . قال الترمذى: هذا حديث حسن.
روينا فى تاريخ دمشق للحافظ أبى القاسم بن عساكر، عن ابن عباس، رضى الله عنهما، قال: ولد إبراهيم،
_________
(1) أخرجه ابن أبى شيبة (6/317، رقم 31728) ، ومسلم (4/1782، رقم 2278) ، وأبو داود (4/218، رقم 4673) . وأخرجه أيضًا: أحمد (2/540، رقم 10985) .
(2) حديث أبى هريرة: أخرجه الخطيب (9/118) ، وقال: غريب من رواية أبى حصين عن أبى صالح عن أبى هريرة مسندًا، لا أعلم رواه غير سلام بن سليمان عن إسرائيل، والمحفوظ ما رواه الناس عن إسرائيل وأبى بكر بن عياش عن أبى حصين عن أبى الضحى عن ابن عباس قال: “لما ألقى إبراهيم فى النار …” الحديث.
حديث ابن عباس الموقوف المشار إليه: أخرجه الحاكم (2/326، رقم 3167) بلفظ: “كان آخر كلام إبراهيم حين ألقى فى النار حسبى الله ونعم الوكيل” وقال: صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه أيضًا: البخارى (4/1662 رقم 4288) والنسائى فى الكبرى (6/316، رقم 11081) ، قال الحافظ فى الفتح (8/229) : وهم الحاكم فى استدراكه.
(3) أخرجه الطبرانى (10/173، رقم 10363) . وأخرجه أيضًا: الترمذى (5/510، رقم 3462) وقال: حسن غريب، والطبرانى فى الأوسط (4/270، رقم 4170) وفى الصغير (1/326، رقم 539) قال الهيثمى (10/91) : فيه عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة الكوفى وهو ضعيف.(1/100)
عليه السلام، بغوطة دمشق، بقرية يقال لها: برزة. قال الحافظ: كذا فى هذه الرواية، والصحيح أنه ولد بكوثا من إقليم بابل بالعراق، وإنما نسب إليه هذا المقام؛ لأنه صلى فيه، إذ جاء معينًا للوط، عليه السلام. وفى التاريخ أن آزر كان من أهل حران، وأن أم إبراهيم اسمها نونا، وقيل: أينونا، وأن نمرود حبسه سنين، ثم ألقاه فى النار، وأنه كان يدعى أبا الضيفان.
وعن عكرمة أنه كان يكنى أبا الضيفان، وأن تجارة إبراهيم كانت فى البز، وأن النار لم تنل منه إلا وثاقه لتنطلق يداه. قال الله تبارك وتعالى: {يَا نَارُ كُونِى بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69] ، وأن النار بردت فى ذلك الوقت على أهل المشرق والمغرب، فلم ينضج بها زراع، وأن جبريل، عليه السلام، مر به حين ألقى فى الهواء، فقال: يا إبراهيم، ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا.
وفيه عن على بن أبى طالب، رضى الله عنه، أن البغال كانت تتناسل، وكانت أسرع الدواب فى نقل الحطب لنار إبراهيم، فدعا عليها، فقطع الله نسلها. وعن الحسن البصرى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: 124] ، قال: ابتلاه بالكوكب، فوجده صابرًا، ثم ابتلاه بالقمر، فوجده صابرًا، ثم ابتلاه بالشمس، فوجده صابرًا، ثم ابتلاه بالنار، فوجده صابرًا، ثم ابتلاه بذبح ابنه، فوجده صابرًا.
وعن مجاهد أن إبراهيم وإسماعيل حجا ماشيين. وعنه فى قول الله تعالى: {ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الذاريات: 24] ، إكرامهم أنه خدمه بنفسه. وفى حديث مرفوع: أنه كان من أغير الناس.
وعن كعب الأحبار، وآخرين، أن سبب وفاة إبراهيم، عليه السلام، أنه أتاه ملك فى صورة شيخ كبير فضيفه، فكان يأكل ويسيل طعامه ولعابه على لحيته وصدره، فقال له إبراهيم: يا عبد الله، ما هذا؟ قال: بلغت الكبر الذى يكون صاحبه هكذا، قال: وكم أتى عليك؟ قال: مائتا سنة، ولإبراهيم يومئذ مائتا سنة، فكره الحياة لئلا يصير إلى هذه الحال، فمات بلا مرض. وعن أبى السكن الهجرى، قال: توفى إبراهيم، وداود، وسليمان، عليهم السلام، فجأة، وكذلك الصالحون، وهو تخفيف على المؤمن. قلت: هو تخفيف ورحمة فى حق المراقبين، وبالله التوفيق.
وفى التاريخ أيضًا فى ترجمة هاجر، قال: هاجر، ويقال: آجر، بالمد، القبطية، ويقال: الجرهمية، أم إسماعيل،(1/101)
كانت للجبار الذى كان يسكن عين الجر بقرب بعلبك، فوهبها لسارة، فوهبتها لإبراهيم، وأنها توفيت ولابنها إسماعيل عشرون سنة، ولها تسعون سنة، فدفنها إسماعيل فى الحجر. وفى ترجمة سارة امرأة إبراهيم، أنها إم إسحاق، وأنها كانت من أحسن نساء العالمين، وأنها توفيت ولها مائة وسبع وعشرون سنة، فتزوج إبراهيم امرأة من الكنعانيين يقال لها: قنطوراء. وفى الحديث: “الترك بنو قنطوراء” (1) ، وكان إسماعيل أكبر ولد إبراهيم، عليهم الصلاة والسلام.
33 - إبراهيم بن أبى القاسم محمد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
مذكور فى المهذب فى التعزية، أمه مارية القبطية، ولدته فى ذى الحجة سنة ثمان من الهجرة، وتوفى سنة عشر. ثبت فى صحيح البخارى أنه توفى وله سبعة عشر أو ثمانية عشر شهرًا، هكذا ثبت على الشك. قال الواقدى، وغيره: توفى يوم الثلاثاء لعشر خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر. وثبت فى البخارى أيضًا من رواية البراء بن عازب، أنه لما توفى إبراهيم، قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إن له مرضعًا فى الجنة” (2) ، ضبطناه بالوجهين، أشهرهما بضم الميم وكسر الضاد، والثانى بفتحهما.
وسر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بولادته كثيرًا، وكانت قابلته سلمى مولاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امرأة أبى رافع، فبشر أبو رافع به النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فوهبه عبدًا، وحلق شعره يوم سابعه. قال الزبير ابن بكار: وتصدق بزنة شعره فضة، ودفنه، وسماه، ثم دفعه إلى أم سيف امرأة قين بالمدينة لترضعين. قال الزبير: تنافست الأنصار فيمن يرضعه، وأحبوا أن يفرغوا مارية للنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وفى صحيح البخارى، عن أنس، قال: دخلنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أبى سيف لقين، وكان ظئرًا لإبراهيم، أى زوج مرضعته، فأخذ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إبراهيم فقبله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟ فقال: “يا ابن عوف، إنها رحمة الله”، ثم اتبعها بأخرى، فقال: “إن العين
_________
(1) أخرجه الطبرانى فى الكبير (10/181، رقم 10389) ، وفى الأوسط (6/7، رقم 5634) . قال الهيثمى (7/312) : فيه عثمان بن يحيى القرقسانى، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(2) حديث البراء: أخرجه الطيالسى (ص 99، رقم 729) ، والبخارى (1/465، رقم 1316) ، وابن حبان (15/400، رقم 6949) ، والحاكم (4/41، رقم 6820) . وأخرجه أيضًا: ابن أبى شيبة (3/54، رقم 12053) ، وأحمد (4/300، رقم 18686) جميعًا أن النبى (قاله لما توفى ولده إبراهيم. حديث عبد الله بن أبى أوفى: أخرجه ابن عساكر (3/143) بنحوه..(1/102)
تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون” (1) . ودفن بالبقيع، وقبره مشهور عليه قبة، وصلى عليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكبر أربع تكبيرات، هذا قول جمهور العلماء، وهو الصحيح.
وروى ابن إسحاق بإسناده، عن عائشة، رضى الله عنه، أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يصل عليه. قال ابن عبد البر: هذا غلط، فقد أجمع جماهير العلماء على الصلاة على الأطفال إذا استهلوا، وهو عمل استفيض فى السلف والخلف. قيل: إن الفضل بن عباس غسل إبراهيم، ونزل فى قبره هو وأسامة بن زيد، ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالس على شفير القبر، ورش على قبره ماء، وهو أول قبر رش عليه الماء. وأما ما روى عن بعض المتقدمين: لو عاش إبراهيم لكان نبيًا، فباطل وجسارة على الكلام فى المغيبات، ومجازفة، وهجوم على عظيم من الزلات، والله المستعان.
34 - إبراهيم بن سعد (2) :
شيخ الشافعى. مذكور فى المختصر فى كتاب الصيام فى باب الجود والإفضال، هو أبو إسحاق إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشى الزهرى المدنى. وسكن بغداد، وتمام نسبه فى ترجمة جد أبيه عبد الرحمن بن عوف، أحد العشرة المبشرة، رضى الله عنهم، هو من تابعى التابعين. سمع أباه، والزهرى، وهشام بن عروة، ومحمد بن إسحاق، وآخرين من الأئمة. روى عنه جماعات من الأعلام، شعبة، والليث، وابن مهدى، وابناه يعقوب وسعد، وأحمد بن عبد الله، وموسى بن إسماعيل، ويزيد بن هارون، وابن وهب، وأبو داود، وأبو الوليد الطيالسيان، والقعنبى، وأحمد بن حنبل، وخلائق.
وهو ثقة، كثير الحديث، روى له البخارى، ومسلم، واستوطن بغداد، وولى بها بيت المال لهارون الرشيد، وتوفى بها سنة ثلاث، وقيل: أربع وثمانين ومائة، وهو ابن خمس وتسعين سنة، ودفن بمقابر باب التين. قال الخطيب: حدث عنه يزيد بن عبد الله بن الهاد، والحسين بن سيار، وبين وفاتيهما مائة واثنتا عشرة سنة. توفى يزيد سنة تسع وثلاثين ومائة.
35 - إبراهيم بن محمد بن أبى يحيى:
شيخ الشافعى. كرره فى المختصر كثيرًا، هو
_________
(1) أخرجه ابن ماجه (1/506، رقم 1589) ، والطبرانى (24/171، رقم 433) ، وابن عساكر (3/139) . وأخرجه أيضًا: ابن سعد (1/143) ، والطبرانى فى الأوسط (8/346، رقم 8829) . وللحديث شاهد أخرجه البخارى من حديث أنس (1/439، رقم 1241) ..
(2) انظر: طبقات ابن سعد (7/322) ، وتاريخ ابن معين (2/9) ، والتاريخ الكبير (1/288) ، والجرح والتعديل (2/101) ، والثقات لابن حبان (6/7) ، وميزان الاعتدال (1/33 - 35) ، وتهذيب التهذيب (1/121 - 123) ، وتقريب التهذيب (1/34) ..(1/103)
مدنى، مولى بنى أسلم. واسم أبى يحيى: سمعان، ويقال له: إبراهيم بن محمد بن أبى عطاء. روى عن صفوان بن سليم، وصالح مولى التوأمة، ويحيى الأنصارى، ومحمد بن المنكدر، وغيرهم. روى عنه الشافعى، وداود ابن عبد الله، ويحيى بن آدم. واتفق العلماء على تضعيفه وجرحه، وأنه كان يرى القدر، ويتهمونه بالكذب. قال البخارى فى تاريخه: قال يحيى القطان: تركه ابن المبارك والناس. قال: وكنا نتهمه بالكذب.
وحكى ابن أبى حاتم جرحه وتوهينه عن مالك، ووكيع، وابن المبارك، وابن عيينة، والقطان، وابن المدينى، وأحمد، وابن معين، وأبى حاتم، وأبى زرعة، وغيرهم. قال أحمد: لا تكتب حديثه، تركه الناس؛ لأنه يروى أحاديث منكرة لا أصل لها، ويأخذ أحاديث الناس يضعها فى كتبه. وقال وكيع: لا تكتبوا عنه حرفًا. وقال ابن معين: هو كذاب متروك الحديث. وقال بشر بن المفضل: سألت فقهاء المدينة عنه، فكلهم قالوا: هو كذاب.
36 - إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود بن عمرو بن ربيعة بن ذهل بن سعد بن مالك بن النخع النخعى الكوفى:
فقيه أهل الكوفة، أبو عمران. تكرر فى المختصر، وذكره فى المهذب فى ميراث أهل الفرض، ثم فى الشهادات فى مسألة التوبة، وأمه مليكة بنت يزيد بن قيس أخت الأسود بن يزيد، وهو تابعى جليل، دخل على عائشة، رضى الله عنها، ولم يثبت له منها سماع، وسمع جماعات من كبار التابعين منهم علقمة، وخالاه الأسود، وعبد الرحمن ابنا يزيد، ومسروق، وأبو عبيدة بن عبد الله، وغيرهم. روى عنه جماعات من التابعين، منهم السبيعى، وحبيب بن أبى ثابت، وسماك بن حرب، والحكم، والأعمش، وابن عون، وحماد بن أبى سليمان شيخ أبى حنيفة.
وأجمعوا على توثيقه وجلالته وبراعته فى الفقه. روينا عن الشعبى أنه قال حين توفى النخعى: ما ترك أحدًا أعلم منه أو أفقه، قيل: ولا الحسن وابن سيرين؟ قال: ولا الحسن وابن سيرين، ولا من أهل البصرة، ولا الكوفة، ولا الحجاز، ولا الشام. وروينا عن أحمد بن صالح العجلى، قال: لم يحدث النخعى عن أحد من أصحاب النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد أدرك منهم جماعة، ورأى عائشة.(1/104)
وروينا عن الأعمش، قال: كان النخعى صيرفى الحديث. وقال أبو زرعة: النخعى علم من أعلام أهل الإسلام. وقال العجلى: كان النخعى صالحًا، فقيهًا، متوقيًا، قليل التكلف. توفى سنة ست وتسعين، وهو ابن تسع وأربعين سنة. وقال البخارى: ابن ثمان وخمسين سنة.
37 - إبراهيم بن يوسف:
من أصحابنا، مذكور فى الروضة قبيل كتاب الرجعة بأسطر، هو أبو [......] (1) .
38 - إبراهيم بن ميسرة (2) :
مذكور فى أول نكاح المهذب، هو طائفى سكن مكة، مولى لبعض أهل مكة، تابعى جليل، سمع أنسًا، وسمع جماعة من كبار التابعين، طاووسًا، وسعيد بن المسيب. روى عنه أبو أيوب السختيانى التابعى، وابن جريج، والثورى، وابن عيينة، وآخرون. واتفقوا على أنه ثقة مأمون. قال ابن عيينة: كان من أوثق الناس وأصدقهم. قال الحميدى: حدثنا سفيان، قال: أخبرنى إبراهيم بن ميسرة، من لم تر عيناك والله مثله. قال البخارى، عن على بن المدينى: لإبراهيم بن ميسرة نحو ستين حديثًا. وقال: توفى قريبًا من سنة ست وثلاثين ومائة، رحمه الله.
39 - إبراهيم البلدى:
مذكور فى الوسيط فى باب الآنية، لا ذكر له فى هذه الكتب إلا فى هذا الموضع، وهى روايته عن المزنى، عن الشافعى، أنه رجع عن تنجس شعر الآدمى. وقد رأيت بعض من لا معرفة له بهذا الشأن ينكر على الغزالى، وينسبه إلى التفرد بهذه الحكاية عن البلدى، وهذا عجب، فإنها مشهورة حكاها جماعة قبل الغزالى، عن البلدى، عن المزنى، منهم صاحب الحاوى، وإمام الحرمين، وغيرهما، وهو البلدى، بفتح الباء واللام، منسوب إلى بلد (3) .
_________
(1) ما بين المعقوفتين بياض بالأصل.
(2) انظر: التاريخ الكبير (1/328) ، والجرح والتعديل (2/133) ، وتهذيب التهذيب (1/172) ، وتقريب التهذيب (1/44) ..
(3) فى بعض النسخ التى بين أيدينا هكذا: إلى بلد، وترك بياض، ونبه عليه فى الحاشية، وفى بعض النسخ لم يوجد بياض ولم ينبه عليه، والصحيح الأول، وتتميمًا للفائدة أذكر ترجمته نقلاً عن العلامة تاج الدين بن السبكى فى طبقات الشافعية، قال: نقل الغزالى فى الوسيط أنه روى عن المزنى، عن الشافعى أنه رجع عن تنجيس شعر الآدمى، وقد سبق الغزالى إلى هذا النقل أبو عاصم العبادى، والقاضى الماوردى، وجماعات، والرجل معروف الاسم بين المتقدمين لا ينبغى إنكاره، غير أن ترجمته عزيزة لم أجدها إلى الآن كما فى النفس. وقد ذكره العبادى فى الطبقة الثانية فى المقلين المنفردين بروايات، وسيأتى ما يؤيد روايته، فإنا إن شاء الله سنذكر فى الطبقة الثالثة فى= =ترجمة محمد بن عبد الله بن أبى جعفر قوله: سمعت ابن أبى هريرة يقول: سمعت ابن سريج يقول: سمعت أبا القاسم الأنماطى يقول: إن أبا إبراهيم المزنى قال: سمعت الشافعى يقول قبل وفاته بشهر: إن الشعر لا يموت بموت ذات الروح، فقد تابع الأنماطى، وهذه متابعة جيدة لم أجد فى الباب مثلها. ا. هـ. إدارة الطباعة المنيرية.(1/105)
40 - إبراهيم المروذى:
من أصحابنا المصنفين، تكرر ذكره فى الروضة، هو بفتح الميم، وضم الراء المشددة، وواو ساكنة، ثم ذال معجمة، منسوب إلى مرو الروذ مدينة بخراسان، وهو الإمام [......] (1) .
* * *
باب إبليس
41 - إبليس عدو الله:
مذكور فى المهذب فى باب الإقرار. قال الجوهرى وغيره: كنيته أبو مرة، واختلف العلماء فى أنه من الملائكة من طائفة يقال لهم: الجن، أم ليس من الملائكة؟ وفى أنه اسم عربى أم عجمى؟ والصحيح أنه من الملائكة، وأنه عجمى. قال الإمام أبو الحسن الواحدى: قال أكثر أهل اللغة والتفسير: سمى إبليس؛ لأنه أبلس من رحمة الله تعالى، أى أيس، والمبلس المكتئب الحزين الآيس. قال: وعلى هذا هو عربى مشتق.
وقال ابن الأنبارى: لا يجوز أن يكون مشتقًا من أبلس؛ لأنه لو كان مشتقًا لصرف، كما أن إسحاق إذا كان عربيًا مأخوذًا من أسحقه الله إسحاقًا انصرف، فلو كان إبليس مشتقًا لصرف كأكليل وبابه، فلما لم يصرف دل على أنه عجمى معرفة، والعجمى ليس مشتقًا. وقال ابن جرير: إنما لم يصرف، وإن كان عربيًا؛ لقلة نظيره فى كلام العرب، فشبهوه بالأعجمى، وهذا الذى قاله ابن جرير يبطل بباب إفعيل، فإنه مصروف كله إلا إبليس. قال الواحدى: والاختيار أنه ليس بمشتق؛ لإجماع النحويين على أنه منع الصرف للعجمة والمعرفة.
_________
(1) ما بين المعقوفتين بياض بالأصل.(1/106)
قال: واختلفوا فى أنه من الملائكة، فروى عن طاووس، ومجاهد، عن ابن عباس أنه كان من الملائكة، وكان اسمه عزازيل، فلما عصى الله تعالى لعنه الله وجعله شيطانًا مريدًا، وسماه إبليس، وبهذا قال ابن مسعود، وابن المسيب، وقتادة، وابن جريج، وابن جرير، واختاره الزجاج، وابن الأنبارى، قالوا: وهى مستثنى من جنس المستثنى منه. قالوا: وقول الله تعالى: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ} [الكهف: 50] ، أى طائفة من الملائكة يقال لهم: الجن.
وقال الحسن، وعبد الرحمن بن زيد، وشهر بن حوشب: ما كان من الملائكة قط، واستثناء منقطع، والمعنى عندهم أن الملائكة وإبليس أمروا بالسجود، فأطاعت الملائكة كلهم وعصى إبليس، والصحيح أنه من الملائكة؛ لأنه لم ينقل أن غير الملائكة أمر بالسجود، والأصل فى الاستثناء أن يكون من جنس المستثنى منه، والله أعلم. وأما إنظاره إلى يوم الدين فزيادة فى عقوبته، وتكثير معاصيه وغوايته، نسأل الله الكريم اللطف وخاتمة الخير.
* * *
باب أبيض
42 - أبيض بن حمال الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المختصر، والمهذب، والوسيط فى إحياء الموات، وحَمَّال بفتح الحاء المهملة، وتشديد الميم، وهو أبو سعيد أبيض بن حمال بن مرثد بن ذى لحيان، بضم اللام، الشيبانى المأربى، بعد الميم همزة ساكنة يجوز تخفيفها بقلبها ألفًا، ثم راء مكسورة وباء موحدة، من أهل مأرب بلدة معروفة باليمن، وسنوضحها فى الميم من اللغات إن شاء الله تعالى.
قال ابن سعد: وفد أبيض على النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة، قال: ويقال: بل لقيه بمكة فى حجة الوداع، حديثه عند أولاده، ذكر له فى المهذب حديثين أحدهما: "إقطاع ملح مأرب"، رواه أبو داود، والترمذى، وابن ماجة، والآخر حديث: "لا حمى فى الأراك" (1) ، رواه أبو داود. وفى الصحابة جماعة يسمون أبيض غيره.
* * *
باب أُبيّ
43 - أُبىّ بن عمارة الصحابى الأنصارى، رضى الله عنه:
راوى حديث ترك
_________
(1) أخرجه الدارمى (2/348، رقم 2611) ، وأبو داود (3/175، رقم 3066) ، والدارقطني (4/245) ، والطبرانى (1/278، رقم 808) . وأخرجه أيضًا: الضياء (4/56، رقم) وقال: إسناده حسن.(1/107)
التوقيق فى مسح الخف، مذكور فى المهذب فى مسح الخف، وهو مكسور العين، ويقال: بضمها، والكسر أشهر، وبه جزم أبو نصر بن ماكولا وآخرون من أئمة هذا الشأن، وحكى جماعة فيه الكسر والضم جميعًا، منهم الحافظ أبو عمر بن عبد البر، وأبو بكر البيهقى، وأبو محمد بن الغنى المقدسى، وآخرون، وكل من حكى من الوجهين قال: الكسر أشهر وأكثر، إلا ابن عبد البر، فقال: الأكثرون على الضم، واتفقوا على أنه ليس فى الأسماء عمارة بالكسر غيره. قال ابن أبى حاتم: ويقال: أُبىّ بن عبادة، يعنى بالباء والدال، عداده فى المدنيين، وسكن مصر.
قالوا: وله حديث واحد، وهو أنه صلى مع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى بيته إلى القبلتين، فسأله عن المسح على الخف، فقال: "امسح ما شئت ... " الحديث. واتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف مضطرب، وأنكر بعض العلماء كون أُبىّ بن عمارة صحابيًا. قال ابن عبد البر: اضطرب حديثه، ولم يذكره البخارى فى تاريخه الكبير؛ لأنهم يقولون: أنه أخطأ، وإنما هو أبو أُبىّ ابن أم حزام، واسمه عبد الله، هذا كلام ابن عبد البر. وقال ابن أبى حاتم: من قال: أُبىّ بن عمارة أخطأ، إنما هو أبو أُبىّ، واسمه عبد الله بن عمرو ابن أم حزام، كذا رواه إبراهيم بن عبلة، وذكر أنه رآه وسمع منه. وسمعت والدى يقول ذلك، أدخله أبو زرعة فى مسند البصريين، والله أعلم.
44 - أُبىّ بن كعب السيد القارى، رضى الله عنه (1) :
تكرر فى المختصر، وفى المهذب، هو أُبىّ بن كعب بن قيس بن عبيد بن يزيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار، واسم النجار تيم اللات، وقيل: تيم الله بن ثعلبة ابن عمرو بن الخزرج الأكبرى الأنصارى الخزرجى النجارى، بالنون، المعادى المدنى، وقيل: أُبىّ بن كعب بن المنذر بن قيس، له كنيتان، إحداهما: أبو المنذر، كناه بها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والثانية: أبو الطفيل، كناه بها عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، أى بابنه الطفيل.
وأم أبى صهيلة، بضم الصاد المهملة، بنت الأسود بن حرام، بالراء، ابن عمرو بن زيد مناة بن عدى
_________
(1) انظر: الإصابة (1/26) ، والاستيعاب (1/126) ، وأسد الغابة (1/49) ، وطبقات ابن سعد (3/498) ، والتاريخ الكبير (2/39) ، وحلية الأولياء (1/250) ، ونهاية الأرب (19/363) ، وسير أعلام النبلاء (1/389) (82) ، والوافى بالوفيات (6/190) ..(1/108)
بن عمرو بن مالك بن النجار، وهى عمة أبى طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام، والأوس والخزرج هو جماع الأنصار، وهما ابنا حارثة، بالحاء والمثلثة، ابن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس بن مازن بن الأسد، ويقال: الأزد بن الغوث، بفتح الغين المعجمة وبالمثلثة، ابن نبت، بفتح النون وإسكان الموحدة، وأما النجار، فقيل: سمى بذلك؛ لأنه اختتن بالقدوم، وقيل: ضرب وجه رجل بالقدوم فنجره، أى نحته.
شهد أُبىّ، رضى الله عنه، العقبة الثانية فى السبعين من الأنصار، رضى الله عنهم، وشهد بدرًا وغيرها من المشاهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة حديث وأربعة وستون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على ثلاثة، وانفرد البخارى بثلاثة، ومسلم بسبعة. روى عنه جماعة من الصحابة منهم أبو ايوب، وابن عباس، وأبو موسى الأشعرى، وآخرون، ومن التابعين ابنه الطفيل، وسويد بن غفلة، وزر بن حبيش، وعبد الرحمن بن الأسود، وعبد الرحمن بن أبى ليلى، وآخرون.
ثبت فى صحيحى البخارى ومسلم عن ابن عباس، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ على أُبىّ ابن كعب سورة: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [البينة: 1] ، وقال: "أمرنى الله عز وجل أن أقرأ عليك"، وهى منقبة عظيمة لأُبىّ لم يشاركه فيها أحد من الناس. وفى كتاب الترمذى وغيره أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أقرأ أمتى أُبىّ بن كعب" (1) .
وفى الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "خذوا القرآن من أربعة: عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبى حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأُبىّ بن كعب، رضى الله عنهم" (2) . وكان عمر، رضى الله عنه، يقول: أُبىّ سيد المسلمين.
وقال مسروق: كان أصحاب القضاء من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ستة: عمر، وعلى، وعبد الله، وأُبىّ، وزيد، وأبو موسى. قال محمد بن سعد، عن الواقدى: أول من كتب لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قدم المدينة أُبىّ بن كعب، وهو أول من كتب فى آخر الكتاب: فلان بن فلان. توفى أُبىّ، رضى الله عنه، بالمدينة ودفن بها، قيل: سنة ثلاثين فى خلافة عثمان. قال أبو نعيم الأصبهانى: وهذا هو الصحيح. وقيل: سنة تسع عشرة، وقيل: سنة عشرين، وقيل: سنة اثنتين وعشرين، وقيل: ثنتين وثلاثين.
_________
(1) أخرجه الطيالسى (ص 281، رقم 2096) ، وأحمد (3/281، رقم 14022) ، والترمذى (5/665، رقم 3791) وقال: حسن صحيح. والنسائى فى الكبرى (5/67، رقم 8242) ، وابن ماجه (1/55، رقم 154) ، وابن حبان (16/85، رقم 7137) ، والحاكم (3/477، رقم 5784) ، وقال: صحيح على شرط الشيخين. وأبو نعيم فى الحلية (3/122) ، والبيهقى (6/210، رقم 11966) ، والضياء (6/225، رقم 2240) .
(2) أخرجه الطيالسى (ص 281، رقم 2096) ، وأحمد (3/281، رقم 14022) ، والترمذى (5/665، رقم 3791) وقال: حسن صحيح. والنسائى فى الكبرى (5/67، رقم 8242) ، وابن ماجه (1/55، رقم 154) ، وابن حبان (16/85، رقم 7137) ، والحاكم (3/477، = =رقم 5784) ، وقال: صحيح على شرط الشيخين. وأبو نعيم فى الحلية (3/122) ، والبيهقى (6/210، رقم 11966) ، والضياء (6/225، رقم 2240) .(1/109)
قال ابن عبد البر: والأكثر أنه مات فى خلافة عمر، وكان أبيض الرأس واللحية، لا يغير شيبه، قصيرًا، نحيفًا، رضى الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة مثواه.
* * *
باب أحمد
45 - أحمد بن حنبل الإمام، رضى الله عنه (1) :
تكرر فى المهذب، والوسيط، والروضة، هو الإمام البارع، المجمع على جلالته، وإمامته، وورعه، وزهادته، وحفظه، ووفور علمه، وسيادته، أبو عبد الله أحمد بن محمد ابن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان، بالمثناة، ابن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن على بن بكر بن وائل بن قاسطا بن هنب، بكسر الهاء وإسكان النون وبعدها موحدة، ابن أفصى، بالفاء والصاد المهملة، ابن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان الشيبانى المروزى ثم البغدادى، أبو عبد الله.
خرج من مرو حملاً، وولد ببغداد ونشأ بها، إلى أن توفى بها، ودخل مكة، والمدينة، والشام، واليمن، والكوفة، والبصرة، والجزيرة. سمع سفيان بن عيينة، وإبراهيم بن سعد، ويحيى القطان، وهشيمًا، ووكيعًا، وابن علية، وابن مهدى، وعبد الرزاق، وخلائق. روى عنه شيخه عبد الرزاق، ويحيى بن آدم، وأبو الوليد، وابن مهدى، ويزيد ابن هارون، وعلى بن المدينى، والبخارى، ومسلم، وأبو داود، والذهلى، وأبو زرعة الرازى، والدمشقى، وإبراهيم الحربى، وأبو بكر أحمد بن محمد بن هانىء الطائى الأثرم، والبغوى، وابن أبى الدنيا، ومحمد بن إسحاق الصاغانى، وأبو حاتم الرازى، وأحمد بن أبى الحوارى، وموسى بن هارون، وحنبل بن إسحاق، وعثمان بن سعيد الدارمى، وحجاج بن الشاعر، وعبد الملك بن عبد الحميد الميمونى، وبقى بن مخلد الأندلسى، ويعقوب بن شيبة، وخلائق.
روينا من طرق عن إبراهيم الحربى، قال: رأيت ثلاثة لم نر مثلهما أبدًا: أبا عبيد القاسم ما مثلته إلا بجبل نفخ فيه الروح، وبشر بن الحارث ما شبهته إلا برجل عجن من
_________
(1) انظر: طبقات ابن سعد (7/354) ، وتاريخ ابن معين (2/19، 20) ، والتاريخ الكبير (2/5) ، والجرح والتعديل (2/68) ، والثقات لابن حبان (8/18، 19) ، وتاريخ بغداد (4/412 - 425) ، وتاريخ دمشق (7/218 - 296) ، ووفيات الأعيان (1/63 - 65) ، وتهذيب الكمال (1/437 - 470) ، وسير أعلام النبلاء (11/177 - 358) برقم (78) ، ووالوافى بالوفيات (6/363 - 369) ، والمنختصر فى أخبار البشر (2/39) ، ومرآة الجنان (2/132 - 134) ، والنجوم الزاهرة (2/304 - 306) ، وتهذيب التهذيب (1/72 - 76) ، وتقريب التهذيب (1/24) . .(1/110)
قرنه إلى قدمه عقلاً، وأحمد بن حنبل كأن الله عز وجل جمع له علم الأولين من كل صنف. وروينا عن أبى مسهر، قال: ما أعلم أحدًا يحفظ على هذه الأمة أمر دينها إلا شابًا بالمشرق، يعنى أحمد بن حنبل.
وروينا عن على بن المدينى، قال: قال لى سيدى أحمد بن حنبل: لا تحدث إلا من كتاب. وروينا عن إبراهيم بن خالد، قال: كنا نجالس أحمد، فيذكر الحديث ونحفظه ونتقنه، فإذا أردنا أن نكتبه قال: الكتاب أحفظ شىء، فيثب ويجىء بالكتاب.
وروينا عن الهيثم بن جميل، قال: وددت أنه نقص من عمرى وزيد فى عمر أحمد بن حنبل. وروينا عن أبى زرعة، قال: ما رأيت من المشايخ أحفظ من أحمد بن حنبل، حزرت كتبه اثنى عشر حملاً وعدلاً، كل ذلك كان يحفظه عن ظهر قلبه. وذكر ابن أبى حاتم فى كتابه الجرح والتعديل أبوابًا فى مناقب أحمد بن حنبل، رحمه الله، فيها جُمل من نفائس أحواله، منها:
عن عبد الرحمن بن مهدى، قال: أحمد أعلم الناس بحديث سفيان الثورى. وعن أبى عبيد، قال: انتهى العلم إلى أربعة: أحمد بن حنبل، وهو أفقههم فيه، وعلى بن المدينى، وهو أعلمهم به، ويحيى بن معين، وهو أكتبهم له، وأبى بكر بن أبى شيبة، وهو أحفظه له. وسُئل أبو حاتم عن أحمد بن حنبل وعلى بن المدينى، فقال: كانا فى الحفظ متقاربين، وكان أحمد أفقه. وقال أبو زرعة: ما رأيت أحدًا أجمع من أحمد بن حنبل، وما رأيت أحدًا أكمل منه، اجتمع فيه زهد، وفقه، وفضل، وأشياء كثيرة. وقال قتيبة: أحمد إمام الدنيا.
وعن الهيثم بن جميل، قال: إن عاش هذا الفتى، يعنى أحمد، فسيكون حجة على أهل زمانه. وقال ابن المدينى: ليس فى أصحابنا أحفظ من أحمد بن حنبل. وقال عمر بن أحمد الناقد: إذا وافقنى أحمد على حديث لا أبالى من خالفنى. وقال الشافعى: ما رأيت أعقل من أحمد بن حنبل، وسليمان بن داود الهاشمى. وقال أبو حاتم: كان أحمد بن حنبل بارع الفهم بمعرفة صحيح الحديث وسقيمه.
وقال صالح بن أحمد بن حنبل: قال أبى: حججت خمس حجج، ثلاثًا منهن راجلاً، أنفقت فى إحداهن ثلاثين درهمًا. قال: وما رأيت أبى قط اشترى رمانًا، ولا سفرجلاً، ولا شيئًا من الفاكهة، إلا أن يشترى بطيخة فيأكلها بخبز أو عنب أو تمر. قال: وكثيرًا ما كان يأتدم بالخل. قال: وأمسك أبى عن مكاتبة إسحاق بن راهوية لما أدخل كتابه إلى عبد الله بن طاهر وقرأه. قال: وقال أبى:(1/111)
إذا لم يكن عندى قطعة أفرخ. قال: وربما اشترينا الشىء فنستره عنه لئلا يوبخنا عليه.
وقال الميمونى: ما رأيت مصليًا قط أحسن صلاة من أحمد بن حنبل، ولا أشد اتباعًا للسنن منه. وعن الحسن بن الحسين الرازى، قال: حضرت بمصر عند بقال، فسألنى عن أحمد بن حنبل، فقلت: كتبت عنه، فلم يأخذ ثمن المتاع منى، وقال: لا آخذ ثمنًا ممن يعرف أحمد بن حنبل. وقال أبو حاتم: إذا رأيت الرجل يحب أحمد بن حنبل فاعلم أنه صاحب سُنَّة.
وقال إبراهيم بن الحارث من ولد عبادة بن الصامت: قيل لبشر الحافى حين ضرب أحمد بن حنبل فى المحنة: لو قمت وتكلمت كما تكلم؟ فقال: لا أقوى عليه، وإن أحمد قام مقام الأنبياء. وقال ابن أبى حاتم: سمعت أبا زرعة يقول: بلغنى أن المتوكل أمر أن يمسح الموضع الذى قام الناس فيه للصلاة على أحمد بن حنبل، فبلغ مقام ألفى ألف وخمسائة ألف. قال: وقال الوركانى: أسلم يوم وفاة أحمد بن حنبل عشرون ألفًا من اليهود والنصارى والمجوس. ووقع المأتم فى أربعة أصناف: المسلمين، واليهود، والنصارى، والمجوس.
وأحوال أحمد بن حنبل، رحمه الله، ومناقبه أكثر من أن تحصر، وقد صنف فيها جماعة، ومقصودى فى هذا الكتاب الإشارة إلى أطراف المقاصد. ولد، رحمه الله، فى شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة، وتوفى ضحوة يوم الجمعة الثانى عشر من شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومائتين، ودفن ببغداد، وقبره مشهور معروف يتبرك به، رحمه الله. وروينا فى تاريخ دمشق جُملاً متكاثرات مما رؤى له قبل وفاته وبعدها من المنامات الصالحات، رحمه الله.
46 - أحمد بن محمد بن [......] (1) :
أبو الحسن الصابونى، من
_________
(1) ما بين المعقوفتين بياض فى أصل بعض النسخ، وفى بعضها الاسم موصول بما بعده.(1/112)
أصحابنا أصحاب الوجوه، مذكور فى الروضة فى أوائل الباب السادس من كتاب النكاح، ومن غرائب الصابونى ما حكيته عنه فى الروضة أن أم الزوجة لا تحرم إلا بالدخول بالزوجة كعكسه، وهذا شاذ مردود، والصواب المشهور تحريمها بنفس العقد.
47 - أحمد بن منصور بن راشد الحنظلى الرازى (1) :
مذكور فى المختصر فى باب السلف والرهن. روى عن النضر بن شميل، وعبد الملك بن إبراهيم الجدى. روى عنه موسى بن إسحاق، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وقال: هو صدوق.
48 - أحمد بن سيار بن أيوب:
أبو الحسن الفقيه السيارى، من أصحابنا أصحاب الوجوه، أوجب الأذان للجمعة دون غيرها، كما قاله ابن خيران والأصطخرى. ذكر الخطيب أنه كان إمام أهل الحديث فى بلده علمًا، وأدبًا، وزهدًا، وورعًا، وكان يقاس بعبد الله بن المبارك المروزى. سمع عبدان بن عثمان، وعفان بن مسلم، وسليمان بن حرب، وإسحاق بن راهوية، وغيرهم من شيوخ البخارى ومسلم.
روى عنه البخارى وعامة الخراسانيين. وورد بغداد وحدث بها، فروى عنه من أهلها ابن ناجية، وابن صاعد. وقال الدارقطنى: رحل ابن سيار إلى الشام ومصر، وصَنَّف، وله كتاب فى أخبار مرو. قال: وهو ثقة فى الحديث. وذكر الحاكم أبو عبد الله أنه سمع أبا العباس القاسم بن القاسم السيارى ابن بنت أحمد بن سيار يذكر أن جده أحمد توفى سنة ثمان وستين ومائتين. ومن غرائبه أنه أوجب رفع اليدين فى تكبيرة الإحرام، حكاه القفال فى فتاويه عنه، ولا نعلم أحدًا من العلماء وافقه عليه إلا داود الظاهرى.
* * *
باب أسامة، وإسحاق، وأسلع، وأسلم
49 - أسامة بن زيد الصحابى (2) :
تكرر فى المختصر، والمهذب. هو مولى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وابن مولاه، وابن مولاته، وحبه، وابن حبه، أبو محمد، وقيل: أبو زيد، وقيل: أبو يزيد، وقيل: أبو خارجة، أسامة ابن زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى بن زيد، وقيل: يزيد بن امرىء القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبدود بن
_________
(1) انظر: الجرح والتعديل (2/78) ، والثقات لابن حبان (8/34) ، وتهذيب الكمال (1/491، 492) ، وتهذيب التهذيب (1/82، 83) ، وتقريب التهذيب (1/26) ..
(2) انظر: الإصابة (1/31) ، والاستيعاب (1/57 - 59) ، والبداية والنهاية (8/67) ، وأسد الغابة (1/64 - 66) ، والتاريخ الكبير (2/20) ، وسير أعلام النبلاء (2/496 - 507) برقم (104) ، والطبقات الكبرى (4/61) ، والوافى بالوفيات (8/373) ، وتهذيب الكمال (2/338 - 347) برقم (316) ..(1/113)
امرىء القيس بن النعمان بن عمران ابن عهد عوف بن كنانة بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن وبرة بن كلب بن وبرة بن الحارث بن قضاعة الكلبى الهاشمى. وأمه أم أيمن بركة، رضى الله عنها، وسيأتى بيانها فى ترجمتها إن شاء الله تعالى.
روى لأسامة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة وثمانية وعشرون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على خمسة، وانفرد البخارى بحديثين، ومسلم بحديثين. روى عنه ابن عباس، ثم جماعات من كبار التابعين.
روينا فى صحيحى البخارى ومسلم، عن ابن عمر، رضى الله عنهما، قال: بعث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعثًا وأمّر عليهم أسامة بن زيد، فطعن بعض الناس فى إمارته، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن تطعنوا فى إمارته فقد طعنتم فى إمارة أبيه من قبل، وأيم الله إن كان لخليقًا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلىَّ، وإن هذا لمن أحب الناس إلىَّ". وزاد فى رواية لمسلم: "وأوصيكم به، فإنه من صالحيكم".
وفى صحيح البخارى، عن أسامة، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأخذه والحسن بن على فيقول: "اللهم أحبهما فإنى أحبهما"، أو كما قال. وفى رواية له أيضًا، قال: كان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقعدنى على فخذه، ويقعد الحسن على فخذه الأخرى، ثم يضمهما، ثم يقول: "اللهم إنى أرحمهما فارحمهما".
وفى البخارى ومسلم، عن عائشة، رضى الله عنها، أن قريشًا أهمهم شأن المرأة المخزومية، فقالوا: من يجترىء عليه إلا أسامة بن زيد حِب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وفى البخارى، عن عمرو بن دينار، قال: نظر ابن عمر يومًا إلى رجل يسحب ثيابه فى المسجد، فقال: انظروا من هذا ليت هذا عبدى، قال له إنسان: أما تعرف هذا يا أبا عبد الرحمن؟! هذا محمد بن أسامة بن زيد، فطأطأ ابن عمر رأسه فى الأرض، ثم قال: لو رآه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأحبه.
وفى كتاب الترمذى، عن عائشة، قالت: أراد النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ينحى مخاط أسامة، فقلت: دعنى أفعل، فقال: "يا عائشة، أحبيه فإنى أحبه" (1) ، قال الترمذى: حديث حسن. وروينا فى الترمذى أيضًا، عن أسلم مولى عمر، أن عمر، رضى الله عنه، فرض لأسامة ثلاث آلاف وخمسمائة، وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف، فقال: لم فضلت أسامة علىَّ؟ قال: لأن زيدًا كان أحب إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أبيك، وكان أسامة أحب إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منك، فآثرت حِب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على حبى. قال
_________
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه (15/535/7058) . والترمذي في سننه (5/678/3818) .(1/114)
الترمذى: حديث حسن.
ومناقب أسامة، رضى الله عنه، كثيرة مشهورة. وولاه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمارة الجيش وفيهم عمر، رضى الله عنه، وعقد له اللواء. وتوفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وله عشرون سنة، وقيل: تسعة عشر، وقيل: ثمانية عشرة. وثبت فى الصحيحين عن عائشة، رضى الله عنها، قالت: دخل على قائف والنبى شاهد وأسامة بن زيد وزيد مضطجعان، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فسر بذلك النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأعجبه. قال العلماء: سبب سروره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أسامة كان لونه أسود، وكان طويلاً، خرج إلى أمه، وكان أبو زيد قصيرًا أبيض، وقيل: بين البياض والسواد، وكان بعض المنافقين قصد المغايظة والإيذاء، فدفع الله ذلك وله الحمد.
توفى أسامة، رضى الله عنه، بالمدينة، وقيل: بوادى القرى، وحمل إلى المدينة سنة أربع وخمسين، وقيل: سنة تسع أو ثمان وخمسين، وقيل: سنة أربعين بعد علىّ بقليل. قال ابن عبد البر وغيره: الصحيح سنة أربع وخمسين. وفى تاريخ دمشق فى ترجمة فاطمة بنت أسامة أنها كانت تسكن المزة القرية المعروفة بقرب دمشق، وأن أسامة توفى بقرية له بوادى القرى، وخلف بنتًا له فى المزة يقال لها: فاطمة، فلم تزل مقيمة بها إلى أن ولى عمر بن عبد العزيز، فدخلت عليه فقام لها وأقعدها مكانه، وقال: حوائجك يا فاطمة، قالت: تحملنى إلى أخى، فجهزها وحملها.
وبإسناده عن الأوزاعى قال: دخلت فاطمة بنت أسامة على عمر بن عبد العزيز ومعها مولاة لها تمسك بيدها، فقام لها عمر ومشى إليها حتى جعل يده فى يدها أو يداه فى ثيابها، ومشى حتى أجلسها فى مجلسه، وجلس بين يديها، وما ترك لها حاجة إلا قضاها، رضى الله عنهم.
50 - إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن:
النبى ابن النبى وأبو النبيين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. مذكور فى المهذب فى أول باب ما يحرم من النكاح، هو أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الخليل، أبو أنبياء بنى إسرائيل. والآيات فى فضله كثيرة مشهورة، قال الله تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 112] .
وقال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ(1/115)
بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 72، 73] .
وقال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [البقرة: 136] الآية.
وقال تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِى الأَيْدِى وَالأَبْصَارِ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ} [ص: 45 - 47] .
واختلف العلماء فى الذبيح هل هو إسماعيل أم إسحاق؟ والأكثرون على أنه إسماعيل، وكان إسماعيل أكبر من إسحاق كما سبق فى ترجمة إبراهيم، وسبق هناك أن أم إسحاق سارة، وذكرنا طرفًا من أحوالها. قيل: إنه ولد بعد إسماعيل بأربع عشرة سنة. وثبت فى الصحيحين عن أبى هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قيل له: من أكرم الناس؟ قال: "أكرمهم أتقاهم"، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: "فأكرم الناس يوسف نبى الله ابن نبى الله ابن نبى الله ابن خليل الله" (1) .
وفى الصحيحين عن ابن عمر، رضى الله عنهما، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم" (2) صلى الله عليهم وعلى نبينا أجمعين. توفى بالأرض المقدسة، ومشهرو أن قبره عند قبر أبيه، قيل: عاش مائة وثمانين سنة عليه الصلاة السلام.
51 - إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة (3) :
مذكور فى المختصر فى غسل الحيض، هو أبو يحيى إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة زيد بن سهل الأنصارى النجارى، بالنون، المدنى. كان يسكن دار جده بالمدينة، وهو تابعى، سمع عمه لأمه أنس بن مالك، وأباه الطفيل بن أُبىّ بن كعب، وأبا صالح، وآخرين من التابعين. روى عنه يحيى بن سعيد الأنصارى، ويحيى بن أبى كثير، وهما تابعيان، والأوزاعى، ومالك، وعبد العزيز الماجشون، وابن عيينة، وهمام، وحماد بن سلمة، وآخرون.
واتفقوا على أنه ثقة، وأحاديثه مشهورة فى الصحيحين، وهو أشهر إخوته وأكثرهم حديثًا، وهم عبد الله، ويعقوب، وإسماعيل، وعمر بنو عبد الله. وكان مالك لا يقدم عليه فى الحديث أحدًا. توفى سنة ثنتين وثلاثين ومائة. وقيل: سنة أربع وثلاثين.
_________
(1) أخرجه البخارى (3/1224، رقم 3175) ، ومسلم (4/1846، رقم 2378) .
(2) حديث ابن عمر: أخرجه أحمد (2/96، رقم 5712) ، والبخارى (3/1237، رقم 3202) . وأخرجه أيضًا: الديلمى (3/310، رقم 4931) .
حديث أبى هريرة: أخرجه أحمد (2/416، رقم 9369) . وأخرجه أيضًا: البخارى فى الأدب (1/212، رقم 605) ، والترمذى (5/293، رقم 3116) وقال: حسن. وأبو يعلى (10/338، رقم 5932) ، وابن حبان (13/92، رقم 5776) والطبرانى فى الأوسط (3/116، رقم 2657) ، والحاكم (2/377، رقم 3325) وقال: صحيح على شرط مسلم.
(3) انظر: التاريخ الكبير (1/393) ، والجرح والتعديل (2/226) ، وتهذيب التهذيب (1/239) ، وتقريب التهذيب (1/59) ..(1/116)
52 - الأسلع الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المهذب فى التيمم، بفتح الهمزة واللام، وسينه مهملة ساكنة، وهو الأسلع بن شريك بن عوف الأعرجى التميمى، خادم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وصاحب راحلته، وحديثه مذكور فى المهذب فى صفة التيمم، رويناه فى سنن البيهقى بإسناد ضعيف، وفيه مخالفة لما فى المهذب فى اللفظ وبعض المعنى، وهذا الذى ذكرته من أنه الأسلع بن شريك هو الذى قاله الحفاظ المحققون، منهم أبو عبد الله بن مندة فى معرفة الصحابة، وآخرون.
وروينا فى تاريخ دمشق عن مصنفه، قال فى خدام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: منهم الأسلع بن شريك بن عوف الأعرجى. قال: ويقال: اسم الأسلع ميمون بن يسار، ثم روى عنه حديث التيمم. وقال الحافظ أبو بكر الحازمى: هو الأسلع بن الأسقع الأعرابى، له صحبة، ولا نعلم له غير هذا الحديث، هذا كلام الحازمى. وقد ذكر ابن عبد البر فى كتابه الاستيعاب الأسلع بن الأسقع الأعرابى، له صحبة. روى فى التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين، قال: ولا أعلم له غير هذا الحديث، وفيه نظر، هذا كلامه. والصواب أن المذكور فى المهذب هو الأسلع بن شريك، فإن لفظ روايته وسياق حديثه يقتضيه، بل يتعين حمله عليه، والله أعلم.
53 - أسلم مولى عمر بن الخطاب، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب فى أول القراض وفى إحياء الموات، وفى مسألة كسر الترقوة من كتاب الديات، وفى الجزية. هو أبو خالد، ويقال: أبو زيد القريشى العدوى المدنى، مولى عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، من سبى اليمن، هكذا قاله البخارى فى التاريخ، وابن أبى حاتم، وآخرون. وحكى عن سعيد بن المسيب أنه قال: هو حبشى، قالوا: بعث أبو بكر الصديق عمر، رضى الله عنهما، سنة إحدى عشرة، فأقام للناس الحج، واشترى أسلم. سمع أبا بكر الصديق، وعمر، وعثمان، وأبا عبيدة، ومعاذ، أو ابن عمر، ومعاوية، وأبا هريرة، وحفصة، رضى الله عنهم.
روى عنه ابنه زيد، والقاسم بن محمد، ونافع، وآخرون. واتفق الحفاظ على توثيقه. وروى له البخارى ومسلم، وحضر الجابية مع عمر. توفى بالمدينة سنة
_________
(1) انظر: الإصابة (1/38) ، وطبقات ابن سعد (5/10) ، والجرح والتعديل (2/306) ، وأسد الغابة (1/77) ، والتاريخ الكبير (2/23، 24) ، وسير أعلام النبلاء (4/98 - 100) ، والبداية والنهاية (9/32) ، ومرآة الجنان (1/161) ، وتهذيب التهذيب (1/266) . .(1/117)
ثمانين، قاله أبو عبيد القاسم بن سلام. وقال البخارى: صلى عليه مروان بن الحكم، وهذا يخالف الأول؛ لأن مروان بن الحكم مات سنة خمس وستين، وكان معزولاً عن المدينة. قال البخارى فى التاريخ: توفى أسلم وهو ابن مائة وأربع عشرة سنة، والله أعلم.
* * *
باب إسماعيل
قد سبق فى ترجمة آدم أن أسماء الأنبياء كلها أعجمية إلا أربعة، وفى إسماعيل لغتان هذه أشهرهما، وبها جاء القرآن، والثانية: اسمعين، وسبق فى ترجمة إبراهيم أن إسماعيل ونظائره يكتب بحذف الألف.
54 - إسماعيل، رسول رب العالمين، ابن إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليهما وسلم:
تكرر ذكره فى المهذب فى كتاب النكاح. قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 54، 55] .
وقال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127] الآيات.
وقال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [البقرة: 136] الآية.
وقال تعالى: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33] .
وقال الله تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِى رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ} [الأنبياء: 85، 86] .
وقال تعالى: {وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الأَخْيَارِ} [ص: 48] .
وروينا فى صحيح البخارى، عن ابن عباس، رضى الله عنهما، قال: كان النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعوذ الحسن والحسين، رضى الله عنهما: "أعيذكما بكلمات الله التامات من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة"، ويقول: "إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق، صلى الله وسلم عليهم أجمعين".
وفى البخارى أيضًا عن سلمة بن الأكوع، رضى الله عنه، قال: مر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -(1/118)
على نفر من أسلم يتناضلون، فقال: "ارموا بنى إسماعيل، فإن أباكم كان راميًا" (1) . وفى صحيح مسلم، عن واثلة بن الأسقع، رضى الله عنه، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بنى هاشم، واصطفانى من بنى هاشم" (2) .
وفى صحيح البخارى، رضى الله عنه، الحديث الطويل فى قصة إسماعيل وأمه وزمزم، وأن إبراهيم، عليه السلام، ذهب بإسماعيل وأمه هاجر وهى ترضعه من الشام إلى مكة، فوضعهما تحت دوحة، وهى الشجرة الكبيرة، وليس معهما إلا شنة فيها ماء، وليس بمكة يومئذ أحد، ولا بها ماء، ووضع عندهما جرابًا فيه تمر، ثم رجع إبراهيم فنادته أم إسماعيل: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادى الذى ليس فيه أنيس ولا شىء؟ قالت له ذلك مرارًا ولا يلتفت إليها، فقالت له: آالله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذًا لا يضيعنا، ثم رجعت، فانطلق إبراهيم، حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الدعوات، فرفع يديه فقال: {رَّبَّنَا إِنِّى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ} [إبراهيم: 37] الآية.
وجعلت أم إسماعيل ترضعه وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد عطشت وعطش، وجعلت تنظر إليه وهو يتلوى، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل فى الأرض يليها، فقامت عليه، وذكر تمام الحديث فى نداء جبريل لها، وبحثه زمزم، وإثارة الماء منها، وقول جبريل لها: لا تخافوا الضيعة، فإن هاهنا بيتًا لله تعالى يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله تعالى لا يضيع أهله، وإن جرهم جاءوا إليها وطلبوا أن تأذن لهم بالنزول عندها فأذنت، وأن إسماعيل شب وتعلم منهم العربية وأعجبهم حين شب، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته، وكان إسماعيل يصيد، فلم يجده ووجد امرأته، فشكت ضيق عيشهم، فأوصاها أن يأمره بطلاقها فطلقها.
ثم جاءه مرة أخرى فلم يجده، فسأل امرأته الأخرى عن حالهم، فشكرت الله تعالى، وأتت بخبز، فأوصاها أن يأمره بإمساكها، ثم جاء مرة ثالثة
_________
(1) حديث سلمة بن الأكوع: أخرجه أحمد (4/50، رقم 16576) ، والبخارى (3/1062، رقم 2743) ، وابن حبان (10/547، رقم 4693) .
حديث أبى هريرة: أخرجه الحاكم (2/103، رقم 2465) . وأخرجه أيضًا: ابن حبان (10/548، رقم 4695) .
(2) أخرجه مسلم (4/1782، رقم 2276) ، والترمذى (5/583، رقم 3606) ، وقال: حسن صحيح غريب. أخرجه أيضًا: أحمد (4/107، رقم 17027) ، وأبو يعلى (13/469، رقم 7485) ، والخطيب (13/64) .(1/119)
وجد إسماعيل، فقام إليه وقال له: يا إسماعيل، إن الله قد أمرنى ببناء هذا البيت، وذكر تمام الحديث فى بناء الكعبة. وقد سبق بيان حال أمه هاجر، ومتى توفيت فى ترجمة إبراهيم، وقد سبق أن إسماعيل كان أكبر من إسحاق، وسبق فى ترجمة إسحاق الاختلاف فى الذبيح، وأن الأكثرين على أنه إسماعيل.
55 - إسماعيل بن إبراهيم، المعروف بابن علية:
مذكور فى المختصر فى نكاح المشرك، والأضحية، وهو الإمام أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم بن شهم بن مقسم الأسدى، أسد خزيمة، مولاهم البصرى، أصله كوفى، ويقال له: ابن علية، هى أمه، وكان يكره أن يُنسب إليها، ويجوز نسبته إليها للتعريف. سمع جماعات من التابعين، منهم يزيد بن حميد، ومحمد بن المنكدر، ويزيد الرشك، وعبد العزيز بن صهيب، وأيوب، والعلاء، وعبد الرحمن، وعبد الله بن عوف، وآخرون من التابعين، وجماعات من غيرهم، منهم ابن أبى نجيح، وابن جريج، ومالك، والثورى، وشعبة، وآخرون. روى عنه خلائق من الأعلام، منهم ابن جريج، وإبراهيم بن طهمان، وشعبة، وحماد بن زيد، وعبد الرحمن بن مهدى، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وابن راهوية، وابن المدينى، وخلائق.
واتفقوا على جلالته، وتوثيقه، وحفظه، وإمامته. قال شعبة: ابن علية ريحانة الفقهاء. وفى رواية: سيد المحدثين. وقال غندر: نشأت فى الحديث، وليس أحد يُقَدَّم فيه على ابن علية. وقال أحمد بن حنبل: إلى ابن علية المنتهى فى التثبت بالبصرة. وقال ابن معين: كان ثقة، مأمونًا، صدوقًا، مسلمًا، ورعًا، تقيًا.
وقال محمد بن سعد: إسماعيل بن إبراهيم مولى عبد الرحمن بن قطبة الأسدى، أسد خزيمة، كان أبوه تاجرًا من أهل الكوفة، وكان يقدم البصرة بتجارته، فتزوج بها علية بنت حسان مولاة لبنى شيبان، وكانت امرأة نبيلة عاقلة. قال: وكان إسماعيل ثقة، ثبتًا فى الحديث، ولى صدقات البصرة، وولى بغداد فى آخر خلافة هارون، واستوطن بغداد وتوفى بها، ودفن فى مقابر عبد الله بن مالك، وصلى عليه ابنه إبراهيم.
روينا عن عمر بن زرارة، قال: صحبت ابن علية أربعة عشرة سنة، فما رأيته ضحك فيها، وصحبته تسع سنين، فما رأيته(1/120)
تبسم فيها. قال الخطيب: حدث عن ابن علية: ابن جريج، وموسى بن سهل الوشا، وبين وفاتيهما مائة وعشرون سنة، وقيل: تسعة وعشرون سنة، وحدث عنه ابن طهمان، وبين وفاته ووفاة الوشا مائة وعشر سنين، وقيل: مائة وخمس وعشرون. وحدث عنه شعبة، وبين وفاته ووفاة الوشا مائة وثمانى عشرة سنة، توفى الوشا أول ذى القعدة سنة ثمان وتسعين ومائتين. قال البخارى: قال ابن المثنى: توفى ابن علية سنة أربع وتسعين ومائة. وقال أحمد: سنة ثلاث وتسعين. قال: وولد سنة عشر ومائة.
56 - إسماعيل بن أبى خالد التابعى (1) :
مذكور فى خراج السواد من المختصر. هو أبو عبد الله إسماعيل بن أبى خالد هرمز، وقيل: سعد، وقيل: كثير البجلى الأحمسى، مولاهم الكوفى التابعى. رأى سلمة ابن الأكوع، وأنس بن مالك، وسمع ابن أبى أوفى، وعمر بن حريث، وأبا جحيفة، وابا كاهل قيس بن عائذ، بالذال المعجمة، وكلهم صحابة. وسمع جماعات من كبار التابعين، منهم قيس بن أبى حازم، وابن أبى ليلى، والشعبى، والسبيعى، والزبير بن عدى، وخلائق. روى عنه مالك بن مغول، والثورى، وابن عيينة، وشعبة، وابن المبارك، وخلائق من الأئمة الأعلام.
قال مروان بن معاوية: كان إسماعيل يسمى الميزان. وقال سفيان: حفاظ الإسلام ثلاثة: إسماعيل بن أبى خالد، وعبد الملك بن أبى سليمان، ويحيى الأنصارى، وهو أعلم الناس بالشعبى. قال ابن المدينى: له نحو ثلاثمائة حديث. قال الخطيب: حدث عنه الحاكم، ويحيى بن هشام، وبين وفاتيهما نحو مائة وعشر سنين. توفى إسماعيل سنة خمس وأربعين ومائة، واتفقوا على توثيقه وجلالته. روى له البخارى، ومسلم.
57 - إسماعيل بن أبى القاسم البوشنجى:
من أصحابنا المتأخرين، تكرر كثيرًا فى الروضة فى الخلع والطلاق. قال أبو سعد السمعانى فى الأنساب: هو منسوب إلى بوشنج، بضم الباء الموحدة، وفتح الشين المعجمة بعدها نون ساكنة، ثم جيم. قال: وقد يعرب فيقال: فوشنج، بالفاء. قال: ويقال: بوشنك، وهى بلدة على سبعة فراسخ من هراة. وإسماعيل هذا هو أبو سعيد إسماعيل بن أبى القاسم عبد الواحد بن إسماعيل بن محمد.
قال السمعانى:
_________
(1) انظر: الجرح والتعديل (2/174) ، وتهذيب التهذيب (1/291) ، وطبقات ابن سعد (9/344) ، والبداية والنهاية (10/96) ، وتقريب التهذيب (1/68) ، والوافى بالوفيات (9/115) ، والتاريخ الكبير (1/351) ، والنجوم الزاهرة (2/4) ، وتاريخ ابن معين (2/32، والثقات لابن حبان (3/6) ، وتذكرة الحفاظ (1/153) ، وسير أعلام النبلاء (6/176) ، والوافى بالوفيات (9/115) .(1/121)
كان فاضلاً، غزير العلم، حسن المعرفة بالمذهب، جميل السيرة، مرضى الطريقة، كثير العبادة، دائم الذكر، خشن العيش، قانعًا باليسير، راغبًا فى نشر العلم، لازمًا للسنة، غير ملتفت إلى الأمراء وأبناء الدنيا، سمع بنيسابور الحافظ أبا صالح المؤذن، وأحمد بن خلف الشيرازى، وغيرهما، وبأصبهان أبا الفضل حمد بن أحمد الحداد، وغيره، وببغداد حين وردها حاجًا أبا على بن تيهان، وغيره.
سمع منه أبو سعد السمعانى، وحدث عنه الحافظ أبو القاسم بن عساكر فى معجمه، وسكن هراة حتى توفى بها، وكان مفتيها، وصنف فى المذهب. وذكره أبو الحسن عبد الغافر، فقال: هو شاب نشأ فى عبادة الله تعالى، مرضى السيرة، جار على منوال أبيه أبى القاسم البوشنجى الفقيه، وهو فقيه مدرس، مناظر، ورع، زاهد، دخل نيسابور، وحضر مجالس النظر، فارتضاه الأئمة والفقهاء. وقال الإمام أبو القاسم الرافعى: هو إمام غواص متأخر، لقيه من لقينا. ولد إسماعيل سنة إحدى وستين وأربعمائة، وتوفى بهراة سنة ست وثلاثين وخمسمائة، رحمه الله.
58 - الأسود بن يزيد التابعى (1) :
مذكور فى المهذب فى أول الفوات والإحصار، وفى ميراث الأخوات. هو أبو عمرو، ويقال: أبو عبد الرحمن الأسود بن يزيد بن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة ابن سلامان بن كهيل النخعى الكوفى التابعى الفقيه الإمام الصالح، أخو عبد الرحمن ابن يزيد، وابن أخى علقمة بن قيس، وكان أسن من علقمة، وهو خال إبراهيم بن يزيد النخعى الفقيه. رأى أبا بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، رضى الله عنهما. وروى عن على، وابن مسعود، ومعاذ، وأبى موسى، وعائشة. روى عنه ابنه عبد الرحمن بن الأسود، وأخوه عبد الرحمن بن يزيد، وإبراهيم النخعى، وآخرون.
قال أحمد بن حنبل: هو ثقة، من أهل الخير. واتفقوا على توثيقه وجلالته. وروينا عن ميمون بن أبى حمزة، قال: سافر الأسود بن يزيد ثمانين حجة وعمرة، لم يجمع بينهما، وسافر ابنه عبد الرحمن ثمانين حجة وعمرة لم يجمع بينهما. وروينا أن ابنه عبد الرحمن كان يصلى كل يوم سبعمائة ركعة، وكانوا يقولون: إنه أقل أهل بيته اجتهادًا، وإنه صار عظمًا وجلدًا، رضى الله عنهم.
_________
(1) انظر: الإصابة (1/106) ، والاستيعاب (1/94) ، وطبقات ابن سعد (6/70) ، والجرح والتعديل (2/291، 292) ، والثقات لابن حبان (4/31) ، وحلية الأولياء (2/102 - 105) ، وتهذيب التهذيب (1/342، 343) ، وأسد الغابة (1/88) ، والتاريخ الكبير (1/449) ، وسير أعلام النبلاء (4/50 - 53) برقم (13) ، والبداية والنهاية (1/106) .(1/122)
59 - أسيفع جهينة:
مذكور فى التفليس من المهذب، والوسيط، هو بضم الهمزة، وفتح السين، وإسكان الياء، وفتح الفاء.
* * *
باب أشيم، وأشعث، وأفلح، والأقرع، وأكيدر
60 - أشيم الضبابى:
مذكور فى المهذب فى موضعين فى باب استيفاء القصاص، وفى كتاب القاضى إلى القاضى، لا ذكر له فى هذه الكتب فى غير هذين الموضعين، هو بفتح الهمزة، والياء المثناة تحت، وإسكان السين المعجمة بينهما، والضبابى بكسر الضاد المعجمة، وبباء موحدة مكررة، وحديث قصته أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى الضحاك بن سفيان أن ورث امرأة أشيم الضبابى من دية زوجها، رواه أبو داود، والترمذى، والنسائى، وغيرهم. قال الترمذى: حديث حسن صحيح. وروى الحافظ أبو موسى الأصبهانى بإسناده، عن أنس قال: كان قتل أشيم خطأ، وهو صحابى ذكره ابن عبد البر وغيره فى الصحابة، رضى الله عنهم.
61 - الأشعث بن قيس الصحابى (1) :
مذكور فى المهذب فى كفالة البدن، وذكره فى الوسيط فى أول النكاح. هو أبو محمد الأشعث بن قيس بن معد يكرب، جد معاوية بن جبلة بن عدى بن ربيعة بن الحارث ابن معاوية بن الحارث الأصغر بن معاوية بن الحارث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مرتع، بضم الميم، وفتح الراء، وكسر التاء المثناة فوق المشددة، ابن معاوية بن ثور بن عفير الكندى، وثور بن عفير هو كندة، وإنما قيل له: كندة؛ لأنه كند أباه النعمة، أى كفرها، ومنه قول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} [العاديات: 6] .
وفد الأشعث إلى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سنة عشر من الهجرة فى وفد كندة، وكانوا ستين راكبًا، فأسلموا ورجع إلى اليمن، وكان الأشعث ممن ارتد بعد النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فبعث أبو بكر، رضى الله عنه، الجنود إلى اليمن فأسروه، فأحضروه بين يديه فأسلم، وقال: استبقنى لحربك وزوجنى أختك، فأطلقه أبو بكر وزوجه أخته، وهى أم محمد بن الأشعث.
وشهد الأشعث اليرموك بالشام،
_________
(1) انظر: الإصابة (1/51) ، والوافى بالوفيات (9/274) ، وسير أعلام النبلاء (2/37) ، وأسد الغابة (1/118) ، والاستيعاب (1/109) ، وطبقات ابن سعد (6/22) ، والتاريخ الكبير (1/434) ، والوافى بالوفيات (9/274) ..(1/123)
ثم القادسية بالعراق، والمدائن، وجلولاء، ونهاوند، وسكن الكوفة، وشهد صفين مع على، رضى الله عنه، وشهد الحكمين بدومة الجندل، وكان عثمان استعمله على أذربيجان، وكان الحسن بن على تزوج ابنته. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسعة أحاديث، اتفق البخارى ومسلم على حديث منها، روى عنه قيس ابن أبى حازم، وأبو وائل، والشعبى، وآخرون. نزل الكوفة وتوفى بها بعد قتل على بن أبى طالب بأربعين ليلة، وقيل: بعده سنة ثنتين وأربعين.
62 - أفلح أخو أبى القعيس الصحابى:
مذكور فى كتاب الرضاع، هو عم عائشة، رضى الله عنها، من الرضاع، وحديثه فى الصحيح مشهور، ويقال: أفلح بن أبى القعيس، ويقال: أفلح أبو القعيس، والصحيح أخو أبى القعيس. قال الخطيب فى كتابه الأسماء المبهمة: كنيته أبو الجعد.
63 - الأقرع بن حابس (1) :
مذكور فى المختصر فى قسم الفىء، وفى خراج السواد، وفى المهذب فى قسم الصدقات، وفى الحج، وفى إحياء الموات فى باب الإقطاع، وفى الوسيط فى قسم الصدقات. هو الأقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن درام بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمى. شهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتح مكة، وحنينًا، وحصار الطائف، وشهد مع خالد بن الوليد فتح العراق والأنبار، وكان على مقدمى خالد. قال ابن دريد: اسم الأقرع فراس، ولقب الأقرع بقرع كان فى رأسه، وكان شريفًا فى الجاهلية والإسلام، واستعمله عبد الله بن عامر على جيش بعثه إلى خراسان، فأصيب بالجوزجان هو والجيش، رضى الله عنهم.
64 - أكيدر دومة:
مذكور فى المهذب فى باب الجزية، وفى المختصر قبيل باب الجزية، هو بضم الهمزة وفتح الكاف. قال الخطيب البغدادى: هو أكيدر بن عبد الملك بن عبد الحق بن أعياء بن الحارث بن معاوية الكندى، هكذا ذكر نسبه الخطيب. وقال الشافعى، رضى الله عنه، فى المختصر: يقال: إنه من غسان أو كندة. قال الخطيب
_________
(1) انظر: الإصابة (1/58) ، وأسد الغابة (1/107) ، والاستيعاب (1/96) ، والوافى بالوفيات (9/307) ..(1/124)
فى كتابه الأسماء المبهمة: كان نصرانيًا ثم أسلم، وقيل: بل مات نصرانيًا، هذا كلام الخطيب. وقال أبو عبد الله بن مندة، وأبو نعيم الأصبهانى فى كتابيهما فى معرفة الصحابة: إن أكيدر هذا أسلم، وأهدى إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حلة سيراء، فوهبها لعمر بن الخطاب، رضى الله عنه.
قال ابن الأثير: أما الهدية والمصالحة فصحيحان. قال: وأما الإسلام فغلطا فيه، فإنه لم يسلم بلا خلاف بين أهل السير، ومن قال: إنه أسلم، فقد أخطأ خطأ فاحشًا. قال: وكان أكيدر نصرانيًا، فلما صالحه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عاد إلى حصنه وبقى فيه، ثم إن خالدًا حاصره فى زمن أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، فقتله مشركًا نصرانيًا، يعنى لنقضه العهد. قال: وذكر البلاذرى أن أكيدر لما قدم على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسلم، وعاد إلى دومة، فلما توفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ارتد أكيدر ومنع ما قبله، فلما سار خالد من العراق إلى الشام قتله، وعلى هذا القول ينبغى أيضًا ألا يذكر مع الصحابة، فإن المرتد لا يذكر معهم، وبالله التوفيق.
* * *
باب إلياس، وامرؤ القيس، وأمية
65 - إلياس رسول رب العالمين:
مذكور فى المهذب فى باب الوقف. قال الله تعالى: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 123] . وقال تعالى: {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ} [الأنعام: 85] الآيات، وقرأ الجمهور: "وأن إلياس" بتحقيق الهمزة المكسورة، وعن ابن ذكوان وصلها. وفى صحيح البخارى فى كتاب الأنبياء، قال: ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس.
66 - إلياس بن مضر:
مذكور فى المهذب، والروضة فى الفىء، وهو جد قريش، سبق بيان نسبه فى نسب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو بكسر الهمزة على الصحيح الأشهر. وقال القاضى عياض فى المشارق: ضبطه ابن الأنبارى بفتح الهمزة ولام التعريف. وقال ابن دريد: بكسرها من اليأس الذى هو ضد الرجاء. قال: وأما إلياس النبى، فبالكسر لا غير.
67 - امرؤ القيس:
الشاعر المشهور. مذكور فى المختصر فى التعريض بالخطبة،(1/125)
أنشد له البيتين، وقد أنشدهما صاحب المهذب. هو الشاعر المشهور الجاهلى، هو امرؤ القيس بن حجر، بضم الحاء، ابن الحارث بن عمر بن حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن يغوث بن ثور بن مرتع، بضم الميم وفتح الراء وكسر المثناة فوق المشددة، ابن معاوية بن كندة.
قال محمد بن سلام: كان امرؤ القيس بن حجر الكندى بعد مهلهل، ومهلهل خاله، وطرفة، وعبيد، بفتح العين، ابن الأبرص، وعمرو بن قمئة، بفتح القاف وكسر الميم وبعدها همزة، والمتملمس، كلهم فى عصر واحد. قال: وكان أول من قصد القصائد وذكر الوقائع المهلهل، واسمه عدى، وإنما قيل له: المهلهل، لهلهلة شعره، وهو اضطرابه واختلافه، وكان عمرو بن قمئة معلم امرىء القيس، ضمه أبوه إليه ليحسن أدبه، وخرج معه إلى بلاد الروم.
68 - أمية بن أبى الصلت الكافر:
مذكور فى المختصر، والمهذب فى الشهادات. سمع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شعره الذى فيه حكمة. واسم أبى الصلت: عبد الله بن ربيعة بن عوف بن عقدة بن غيرة، بكسر الغين المعجمة، ابن عوف بن قسى، وهو ثقيف الثقفى، كان أمية يتعبد فى الجاهلية، ويؤمن بالبعث، وينشد فى أبياته الشعر المليح، وأدرك الإسلام ولم يسلم. ثبت فى صحيح مسلم، عن الشريد بن سويد، رضى الله عنه، قال: ردفت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومًا، فقال: "هل معك من شعر أمية بن أبى الصلت شىء؟ "، قلت: نعم، قال: "هيه"، فأنشدته بيتًا، فقال: "هيه"، ثم أنشدته بيتًا، فقال: "هيه"، حتى أنشدته مائة بيت، فقال: "إن كاد ليسلم"، وفى رواية: "فلقد كان يسلم فى شعره" (1) .
* * *
باب أنجشة، وأنس، وأنيس
69 - أنجشة الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المهذب فى الشهادات فى سماع الحدا، حديثه فى الصحيح. هو بفتح الهمزة، وإسكان النون، وفتح الجيم، وبالشين المعجمة، كان عبدًا أسود، حسن الصوت، فحدا بأمهات المؤمنين فى حجة الوداع، فأسرعت الإبل، فقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رويدك يا أنجشة، رفقًا بالقوارير" (2) . وحديثه هذا فى الصحيحين
_________
(1) أخرجه مسلم (4/1767، رقم 2255) .
(2) حديث أنس: أخرجه الطيالسى (ص 272، رقم 2048) ، وأحمد (3/254، رقم 13695) ، = =والبخارى (5/2291، رقم 5849) ، ومسلم (4/1811، رقم 2323) ، والنسائى فى الكبرى (6/135، رقم 10363) ، وابن حبان (13/118، رقم 5800) . وأخرجه أيضا: أبو يعلى (7/116، رقم 4064) ، وعبد بن حميد (ص 398، رقم 1342) .
حديث ابن عباس: أخرجه الدارمى (2/382، رقم 2701) .(1/126)
من رواية أنس، لكن لم يذكر أنه فى حجة الوداع، وهو مذكور فى غيرهما.
70 - أنس بن عياض (1) :
تكرر فى المختصر. هو أبو ضمرة أنس بن عياض بن ضمرة الليثى المدنى، سمع ربيعة، وأبا حازم، وصالح بن كيسان، وشريكًا، وآخرين من التابعين. روى عنه بقية بن الوليد، والشافعى، وأحمد بن حنبل، وابن المدينى، والقعنبى، وقتيبة، والحميدى، وآخرون من الأئمة. واتفقوا على تعديله. وروى له البخارى، ومسلم. ولد سنة أربع ومائة، وتوفى سنة ثمانين ومائة، وقيل: سنة مائتين.
71 - أنس بن مالك (2) :
تكرر فى هذه الكتب. هو أبو حمزة أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم، بفتح الضادين المعجمتين، ابن زيد بن حرام، بالراء، ابن جندب، بضم الدال وفتحها، ابن عامر بن غنم، بفتح الغين المعجمة وإسكان النون، ابن عدى بن النجار بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة الأنصارى الخزرجى النجارى النضرى. خادم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كان يتسمى بذلك ويفتخر به، وحق له ذلك. كناه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا حمزة ببقلة كان يحبها. وأمه أم سليم، وسأوضح أحوالها فى ترجمتها إن شاء الله تعالى.
خدم أنس النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشر سنين، وهى مدة إقامته بالمدينة - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثبت ذلك فى الصحيح. وحمل عنه حديثًا كثيرًا، فروى ألفى حديث ومائتين وستة وثمانين حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على مائة وثمانية وستين، وانفرد البخارى بثلاثة وثمانين، ومسلم أحد وسبعين. وكان أكثر الصحابة أولادًا لدعاء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
روينا فى صحيح البخارى ومسلم، عن أنس، رضى الله عنه، قال: دخل النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أم سليم، يعنى أمه، فأتته بتمر وسمن، فقال: "أعيدوا سمنكم فى سقائه، وتمركم فى وعائه"، ثم قام إلى ناحية البيت، فصلى غير المكتوبة، فدعا لأم سليم وأهل بيتها، فقالت: يا سول الله، إن لى حويجة، قال: "ما هى؟ "، قالت: خادمك أنس، فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا به: "اللهم ارزقه مالاً وولدًا، وبارك له"، قال: فإنى لمن أكثر الأنصار مالاً. وحدثتنى بنتى أمينة أنه دفن لصلبى إلى مقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة، هذا لفظ البخارى.
واتفق العلماء على مجاوزة عمره مائة سنة، والصحيح الذى عليه الجمهور أنه توفى سنة ثلاث وتسعين،
_________
(1) انظر: طبقات ابن سعد (5/436) ، وتاريخ ابن معين (2/43) ، والتاريخ الكبير (2/33) ، والجرح والتعديل (2/289) ، والثقات لابن حبان (6/76) ، وتهذيب الكمال (3/349 - 353) ، وتهذيب التهذيب (1/375، 376) ، وتقريب التهذيب (1/84) ..
(2) انظر: سير أعلام النبلاء (3/395 - 406) برقم (62) ، وطبقات ابن سعد (7/17 - 26) ، والثقات لابن حبان (3/4) ، وتاريخ ابن معين (2/43 - 45) ، وتهذيب تاريخ دمشق (3/142 - 153) ، وأسد الغابة (1/127 - 129) ، والتاريخ الكبير (2/27، 28) ، وتذكرة الحفاظ (1/42) ، والمعرفة والتاريخ (1/506 - 508) ، ونهاية الأرب (21/319) ، والاستيعاب (1/108) ، والبداية والنهاية (9/88 - 92) ، وفوات الوفيات (2/29، 3/133، 134) ، والوافى بالوفيات (9/411 - 46) ، وتاريخ اليعقوبى (2/272) ، وغاية النهاية (1/172) ، وتهذيب التهذيب (1/376 - 379) ، والبيان والتبيين والنجوم الزاهرة (1/224) ، (1/308) ، وتقريب التهذيب (1/84) ، والجرح والتعديل (2/286) ، ومرآة الجنان (1/182) .(1/127)
وقيل: سنة تسعين، وقيل: إحدى وتسعين، وقيل: اثنتين وتسعين، وقيل: خمس وتسعين، وقيل: سبع وتسعين. وثبت فى الصحيح أنه كان له قبل الهجرة عشر سنين، فعمره فوق المائة كما ترى. وأما ما نقل عن حميد، أن عمر أنس مائة إلا سنة، فشاذ مردود. وتوفى بالبصرة خارجها على نحو فرسخ ونصف، ودفن هناك فى موضع هناك يُعرف بقصر أنس، رضى الله عنه، وكان له بستان يحمل فى سنة مرتين، وكان فيه ريحان يجىء منه ريح المسك، كان أحد الرماة المصيبين.
قال محمد بن عبد الله الأنصارى: خرج مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى بدر وهو غلام يخدمه. قال ابن قتيبة فى المعارف: ثلاثة من أهل البصرة لم يموتوا حتى رأى كل واحد منهم مائة ذكر من صلبه: أنس بن مالك، وأبو بكرة، وخليفة بن بدر. روى البخارى فى تاريخه، عن قتادة، قال: لما مات أنس قال مورق: ذهب اليوم مصف العلم، قيل له: كيف ذلك؟ قال: كان الرجل من أهل الأهواء إذ خالفنا فى الحديث قلنا: تعال إلى من سمعه من النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
72 - أنس بن النضر الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المهذب فى أول باب القصاص فى الجروح والأعضاء. هو أنس بن النضر بن ضمضم، وباقى نسبه سبق فى ترجمة ابن أخيه أنس بن مالك. استشهد يوم أُحُد، وفى صحيح البخارى، عن أنس بن مالك، قال: غاب عمى أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "غبت عن أول قتال قاتلت فيه المشركين"، فقال: والله لئن أشهدنى الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أُحُد انكشف المسلمون، فقال: اللهم إنى أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، يعنى المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: أى سعد هذه الجنة ورب أنس أجد ريحها دون أُحُد، فقاتل فَقُتِلَ، فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربة بسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم. قال أنس: كنا نرى أن هذه الآية نزلت فيه وفى أشباهه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] . وثبت أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال فى حقه: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره".
73 - أنيس الصحابى (1) :
بالتصغير، مذكور فى المختصر فى الحدود، وتكرر فى
_________
(1) انظر: الإصابة (1/73) ، وأسد الغابة (1/135) ، والاستيعاب (1/61) ، والتاريخ الكبير (2/30) ، والوافى بالوفيات (9/434) ..(1/128)
المهذب، حديثه: "واغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها" (1) ، وهو ثابت فى الصحيحين مشهور من رواية زيد بن خالد، وأبى هريرة. وأنيس هذا هو أنيس بن الضحاك الأسلمى، معدود فى الشاميين. وقال ابن عبد البر: يقال له: أنيس بن مرثد. قال ابن الأثير: الأول أشبه بالصحة؛ لكثرة الناقلين له، ولأن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقصد أن لا يؤمر فى القبيلة إلا رجل منها؛ لنفورهم من حكم غيرهم، وكانت المرأة أسلمية، والله أعلم.
* * *
باب أوس
74 - أوس بن أوس الصحابى، رضى الله عنه:
راوى حديث: "من غسل واغتسل وبكر وابتكر" (2) . ذكره فى المهذب فى الجمعة، وذكر حديثه فى الوسيط أيضًا، لكن لم يذكر أن أوسًا رواه، وهو حديث حسن رواه أبو داود، والترمذى، وغيرهما. وهو أوس بن أوس الثقفى. وقال يحيى بن معين: يقال له: أوس بن أوس، ويقال له: أويس بن أبى أوس. وقال البخارى: أوس بن أوس، وأوس ابن أبى أوس، وأوس بن حذيفة، الثلاثة اسم لرجل واحد، ووافقه جماعة، وخالفه بعضهم فجعلوهم ثلاثة. نزل أوس هذا دمشق، ومسجده وداره بها فى درب القتلى، وقبره بها، روى حديثين فى الجمعة، حديث: "من غسل واغتسل"، وحديث: "أكثروا من الصلاة علىَّ"، وحديثًا فى الصيام.
75 - أوس بن الصامت الصحابى، رضى الله عنه (3) :
مذكور فى الظهار فى المهذب. هو أخو عبادة بن الصامت، وهو أوس بن الصامت ابن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن غوير بن عمرو بن عوف بن الخزرج الأنصارى الخزرجى. شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو الذى ظاهر من امرأته. قال ابن عباس، رضى الله عنه: وكان ذلك أول ظهار جرى فى الإسلام، وكان شاعرًا، سكن
_________
(1) أخرجه الطيالسى (ص 189، رقم 1333) ى ى، وأحمد (4/115، رقم 17079) ، والبخارى (2/971، رقم 2575) ، ومسلم (3/1324، رقم 1697) ، والنسائى (8/241، رقم 5411) ، والترمذى (4/39، رقم 1433) ، وابن ماجه (2/852، رقم 2549) .
(2) أخرجه الطيالسى (1/152، رقم 1114) ، وأحمد (4/104، رقم:17002) ، وابن أبى شيبة (1/433، رقم 4990) ، وابن سعد (5/511) ، وأبو داود (1/ 95، رقم 345) ، والترمذى (2 /367، رقم: 496) وقال: حديث حسن. والنسائى (3 /95، رقم 1381) ، وابن ماجه (1 /346، رقم 1087) ، والدارمى (1/437، رقم: 1547) ، وابن حبان (7/19، رقم 2781) ، وابن سعد (5/511) ، والطبرانى (1/215، رقم: 585) ، والبيهقى (3 /229، رقم:5670) .
(3) انظر: الإصابة (1/85) ، والاستيعاب (1/78) ، وأسد الغابة (1/146) ، وطبقات ابن سعد (3/547) ، والوافى بالوفيات (9/447) . .(1/129)
بيت المقدس، وقيل: الرملة، وتوفى بالرملة سنة اثنتين وثلاثين، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة.
* * *
باب إياس، وأيمن، وأيوب
76 - إياس بن عبد الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المهذب فى أول باب أحكام المياه. هو أبو عوف، وقيل: أبو الفرات إياس ابن عبد المزنى الكوفى، وقيل: الحجازى، روى حديث النهى عن بيع الماء، رواه أبو داود، والترمذى، والنسائى، وغيرهم. ووقع فى المهذب: إياس بن عمرو، وفى رواية الترمذى: إياس بن عبد الله، وكلاهما خطأ، والصواب: إياس بن عبد، غير مضاف، والله أعلم.
77 - أيمن ابن أم أيمن:
مذكور فى المهذب فى أول باب تكبير العيد. هو أيمن بن عبيد بن عمرو بن بلال بن أبى الجرباء بن قيس بن مالك بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج، وهو أيمن ابن أم أيمن حاضنة النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأخو أسامة بن زيد لأمه، وأيمن صحابى جليل مشهور، استشهد يوم حنين. قال ابن إسحاق: كان أيمن على مطهرة النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وله ابن يقال له: الحجاج بن أيمن. وقد روى عطاء ومجاهد حديثًا عن أيمن: "لا قطع إلا فى ثمن المجن"، وهو مرسل، لم يدركاه.
78 - أيوب النبى، عليه السلام:
مذكور فى المهذب فى الوقف، وفى الإيمان. قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِىَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لأُوْلِى الأَلْبَابِ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 41-44] .
وقال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ} [النساء: 163] الآيات.
وقال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ} [الأنبياء: 83، 84] الآية.
وروينا فى صحيح البخارى، عن أبى هريرة، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بينما أيوب يغتسل عريانًا، إذ خرَّ عليه جراد من ذهب، فجعل(1/130)
يحثى فى ثوبه، فناداه ربه: يا أيوب، ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى بى عن بركتك" (1) . وكان أيوب ببلاد حوران، وقبره مشهور عندهم فى قرية بقرب نوى، عليه مشهد ومسجد، وقرية موقوفة على مصالحه، وعين جارية فيها قدم فى حجر يقولون إنه أثر قدمه، ويغتسلون من العين ويشربون متبركين، ويقولون: إنها المذكورة فى القرآن، وهى قطع كبير جدًا فى وسط صخرة عظيمة، وعليها مشهد، وهناك صخرة عليها مشهد يقولون: إنه كان يستند إليها، ويزورونها ويعتقدون بركة تلك المواضع كلها، والله أعلم.
79 - أيوب السختيانى (2) :
مذكور فى المختصر فى الربا. هو الإمام التابعى أبو بكر أيوب بن أبى تميمة، واسم أبى تميمة كيسان العبرى، ويقال: الجهنى، مولاهم البصرى السختيانى، بكسر التاء. قال ابن عبد البر وغيره: كان يبيع السختيان بالبصرة، فقيل له: السختيانى. رأى أنس بن مالك، وسمع عمرو بن سلمة، بكسر اللام، الجرمى، وأبا رجاء العطاردى، وأبا عثمان النهدى، وأبا الشعثاء جابر بن زيد، والحسن البصرى، وابن سيرين، وسالم بن عبد الله، ونافعًا، وابن أبى مليكة، وابن المنكدر، وغيرهم من كبار التابعين وغيرهم.
وروى عنه جماعة من التابعين، منهم شيخه محمد بن سيرين، وعمرو بن دينار، وقتادة، وحميد الطويل، ويحيى بن أبى كثير، وابن عون، والأعمش، وغيرهم. وروى عنه من تابعى التابعين وأعلام الأئمة مالك، والثورى، وابن عيينة، والحمادان، وابن أبى عروبة، وابن علية، ومعمر، وخلائق. واتفقوا على جلالته، وإمامته، وحفظه، وتوثيقه، ووفور علمه، وفهمه، وسيادته.
روينا عن شعبة، قال: حدثنى أيوب، وكان سيد الفقهاء. وروينا عن الحميدى صاحب ابن عيينة، قال: لقى ابن عيينة ستة وثمانين من التابعين، وكان يقول: ما لقيت فيهم مثل أيوب. وروينا عن الحسن البصرى، قال: أيوب سيد شباب أهل البصرة. وفى رواية، قال: أيوب سيد الفتيان. وروينا عن محمد بن سعد، قال: كان أيوب ثقة، ثبتًا فى الحديث، جامعًا، كثير العلم، عدلاً، حجة.
وقال مسلم بن أكيس: قلت لمحمد بن سيرين: من حدثك بحديث كذا وكذا؟
_________
(1) أخرجه أحمد (2/314، رقم 8144) ، والبخارى (1/107، رقم 275) ، والنسائى (1/200، رقم 409) . وأخرجه أيضا: الطيالسى (ص 322، رقم 2455) وابن حبان (14/121، رقم 6229) والبيهقى (1/198، رقم 909) .
(2) انظر: التاريخ الكبير (1/409) ، وتاريخ ابن معين (2/48) ، والجرح والتعديل (2/255) ، وتهذيب التهذيب (1/397) ، وتقريب التهذيب (1/89) . .(1/131)
قال: الثبت الثبت أيوب. وقال أبو حاتم: هو أحب إلىَّ فى كل شىء من خالد، وهو ثقة لا يُسأل عن مثله، وهو أكبر من سليمان التيمى، ولا يبلغ التيمى منزلة أيوب. وقال البخارى، عن على بن المدينى: له نحو ثمانمائة حديث. وقال ابن علية: كنا نقول: حديث أيوب ألفا حديث، فما أقل ما ذهب عنى منها. وقال حماد بن زيد: كان أيوب عندى أفضل مَن جالسته وأشدهم اتباعًا للسنة. ومناقبه كثيرة مشهورة. توفى سنة إحدى وثلاثين ومائة، رحمه الله.
* * *
حرف الباء الموحدة
باب البراء، وبريدة، وبشر، وبشير
80 - البراء بن عازب الصحابى، رضى الله عنهما (1) :
متكرر فى هذه الكتب، هو بتخفيف الراء وبالمد، هذا هو الصحيح المشهور عند طوائف العلماء من أهل الحديث، والتاريخ، والأسماء، واللغات، والمؤتلف والمختلف، وغيرهم، وحكى فيه القصر. وهو أبو عمارة، ويقال: أبو عمرو، ويقال: أبو الطفيل البراء بن عازب بن الحارث بن عدى بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصارى الأوسى الحارثى المدنى، أمه أم حبيبة بنت أبى حبيبة، وقيل: أم خالد بنت ثابت، وأبوه عازب صحابى.
ذكر محمد بن سعد فى الطبقات أنه أسلم. روى للبراء عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثمائة حديث وخمسة أحاديث، اتفق البخارى ومسلم منها على اثنين وعشرين، وانفرد البخارى بخمسة عشرة، ومسلم بستة. روى عنه عبد الله بن يزيد الخطمى، وأبو جحيفة الصحابيان، وجماعة من التابعين منهم الشعبى، وابن أبى ليلى، والسبيعى، ومعاوية بن سويد، وأبو المنهال سيار بن سلامة، وغيرهم. نزل الكوفة وتوفى بها زمن مصعب بن الزبير. استصغره النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم بدر، وأول مشاهده أُحُد.
روينا فى صحيح البخارى، عن البراء، قال: استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر. وفى البخارى، عن البراء، قال: غزوت مع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمس عشرة غزوة. وفى البخارى أيضًا، عن البراء، قال: يعدون الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة
_________
(1) انظر: الإصابة (1/142) ، والبداية والنهاية (8/328) ، وطبقات ابن سعد (4/364، 6/17) ، والثقات لابن حبان (3/26) ، والجرح والتعديل (2/399) ، والتاريخ الكبير (2/117) ، والاستيعاب (1/155 - 157) ، وأسد الغابة (1/171، 172) ، وتهذيب الكمال (4/34) ، والوافى بالوفيات (10/104، 105) ، وتهذيب التهذيب (1/425، 426) .(1/132)
فتحًا، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية، كنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربع عشرة ومائة، وذكر تمام الحديث.
وفى البخارى أيضًا، عن البراء بن عازب: ما جاء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة مهاجرًا حتى قرأت: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] فى سور مثلها من المفصل. وشهد البراء مع أبى موسى غزوة تستر، وشهد مع على، رضى الله عنه، الجمل، وصفين، والنهروان، هو وأخوه عبيد بن عازب، وكان للبراء ابنان: يزيد، وسويد، رضى الله عنه وعنهما.
81 - بريدة بن الحصيب، رضى الله عنه (1) :
تكرر فى المهذب، والوسيط، والروضة. هو أبو عبد الله، ويقال: أبو سهل، ويقال: أبو الحصيب، ويقال: أبو ساسان بريدة بن الحصيب، بضم الحاء المهملة، ابن عبد الله بن الحرب بن الأعرج بن سعد بن رزاح الأسلمى. سكن المدينة، ثم البصرة، ثم مرو، وتوفى بها سنة اثنتين وستين، وهو آخر من توفى من الصحابة، رضى الله عنهم، بخراسان. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة حديث وأربعة وستون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم على حديث، وانفرد البخارى بحديثين، ومسلم بأحد عشر. أسلم بريدة قبل بدر، ولم يشهدها، وقيل: أسلم بعدها. روى عنه ابناه عبد الله، وسليمان.
82 - بشر بن البراء الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المهذب فى وجوب القصاص بإطعام السم. هو بشر بن البراء بن معرور ابن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدى بن غنم بن كعب بن سلمة، بكسر اللام، ابن سعد بن على بن أسد، بفتح السين، ابن شاردة بن تريد، بالمثناة فوق فى أوله، ابن جشم بن الخزرج الأنصارى الخزرجى السلمى، بفتح السين واللام، المدنى. شهد بشر العقبة، وبدرًا، وأُحُدًا، وتوفى بخيبر حين فتحت سنة سبع من الهجرة من الأكلة التى أكلها مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الشاة التى سمتها اليهودية، قيل: إنه مات فى الحال، وقيل: لزمه وجعه حتى مات بعد سنة، وآخى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينه وبين واقد بن عمرو التميمى حليف بنى عدى، وهو الذى قال فيه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لبنى سلمة: "من سيدكم يا بنى سلمة؟ "، قالوا: الجد بن قيس على بخل فيه، فقال: "وأى داء أودى
_________
(1) انظر: الإصابة (1/146) ، والاستيعاب (2/173) ، وأسد الغابة (1/175) ، وطبقات ابن سعد (4/241، 7/365) ، وتهذيب الكمال (4/53 - 55) ، والتاريخ الكبير (2/141) ، والجرح والتعديل (2/424) ، وسير أعلام النبلاء (2/469 - 471) برقم (91) ، وتهذيب التهذيب (1/433) ، والوافى بالوفيات (10/124) .(1/133)
من البخل، بل سيدكم الأبيض الجعد بشر بن البراء، رضى الله عنه".
83 - بشير بن سعد (1) :
بفتح الباء وكسر الشين، والد النعمان بن بشير. مذكور فى المهذب وغيره فى باب الهبة وغيره. هو أبو النعمان بشير بن سعد بن جلاس بن زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصارى الخزرجى المدنى الصحابى الفاضل الصالح، شهد العقبة الثانية، وبدرًا، وأُحُدًا، والخندق، والمشاهد بعدها مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قيل: إنه أول من بايع أبا بكر الصديق، رضى الله عنه، من الأنصار بالخلافة، واستشهد مع خالد بن الوليد، رضى الله عنه، يوم عين التمر بعد انصرافه من اليمامة سنة ثنتى عشرة من الهجرة، وهو الذى ثبت فى الصحيح أنه قال: يا رسول الله، أمرنا أن نصلى عليك، فكيف نصلى عليك؟ الحديث.
84 - بشير - بضم الباء وفتح الشين - ابن يسار - بباء مثناة من تحت ثم سين مهملة (2) :
_________
(1) طبقات ابن سعد (3/531) ، تاريخ خليفة (78) ، طبقاته (94) ، التاريخ الكبير للبخارى (2/1/98، 99) ، المعرفة ليعقوب (1/381، 3/256، 257) ، تاريخ أبى زرعة الدمشقى (222) ، الجرح والتعديل لابن أبى حاتم (1/1/374) ، الاستيعاب لابن عبد البر (1/172، 173) ، أسد الغابة لابن الأثير (1/195) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (1/464، 465) ، الإصابة (1/158) . وتقريب التهذيب (714) وقال: "الجلاس بضم الجيم وتخفيف اللام الأنصاري الخزرجي صحابي جليل بدري استشهد بعين التمر س"..
(2) طبقات ابن سعد (5/303) ، التاريخ الكبير للبخارى (2/1/132) ، الجرح والتعديل لابن أبى حاتم (1/1/394، 395) ، سير أعلام النبلاء (4/591، 592) ، تاريخ الإسلام (4/93) . وتقريب التهذيب (730) وقال: "ثقة فقيه من الثالثة ع"..(1/134)
مذكور فى المختصر فى بيع العرايا. هو بشير بن يسار الأنصارى الحارثى، مولاهم المدنى التابعى. روى عن جابر، وأنس، ورافع بن خديج، وغيرهم من الصحابة. روى عنه جماعة من التابعين، منهم محمد بن إسحاق، ويحيى الأنصارى. واتفقوا على توثيقه. قال يحيى بن معين: هو ثقة. قال: وليس هو بأخى سليمان بن يسار. وقال محمد بن سعد: كان شيخًا كبيرًا فقيهًا، أدرك عامة أصحاب النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان قليل الحديث، رحمه الله.
* * *
باب بكير، وبلال، وبهز
85 - بكير - بضم الباء - ابن عامر:
مذكور فى المهذب فى خراج السواد. هو أبو إسماعيل بكير بن عامر البجلى الكوفى. من تابعى التابعين. روى عن قيس بن أبى حازم، والنخعى، والشعبى، وآخرين. روى عنه الثورى، ووكيع، والحسن بن صالح، وأبو نعيم. قال الجمهور: هو ضعيف [......] (1) .
86 - بكير بن عبد الله بن الأشج (2) :
مذكور فى المختصر فى نفقة المماليك. هو أبو عبد الله، ويقال: أبو يوسف المخزومى مولاهم، ويقال: الأشجعى، ويقال: الزهرى المدنى التابعى. روى عن السائب بن يزيد، وربيعة بن عباد، بكسر العين وتخفيف الباء، الصحابيين، وجماعات من التابعين، منهم سعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله، وحمران، وكريب، وخلائق. روى عنه جماعات من الكبار، منهم محمد بن عجلان، ويزيد بن أبى حبيب، وعمرو بن الحارث، والليث، وخلائق. واتفقوا على جلالته وتوثيقه وعلمه.
قال مالك: وكان من العلماء. وقال أحمد: هو ثقة صالح. وقال ابن معين: ما ينبغى لأحد أن يفضله أو يفوقه فى الحديث. وقال على بن المدينى: لم يكن بالمدينة بعد كبار التابعين أعلم من ابن شهاب، ويحيى الأنصارى، وبكير بن عبد الله بن الأشج. وقال أحمد بن عبد الله: لم يسمع منه مالك شيئًا، خرج قديمًا إلى مصر. وقال البخارى: كان من صلحاء الناس، رحمه الله.
87 - بلال بن الحارث الصحابى، رضى الله عنه (3) :
مذكور فى المهذب فى زكاة
_________
(1) ما بين المعقوفتين بياض بالأصل.
(2) طبقات ابن سعد (9/الورقة 212) ، تاريخ خليفة (354، 382) ، طبقاته (263، 268) ، التاريخ الكبير للبخارى (2/1/113) ، الكنى للدولابى (1/96) ، الجرح والتعديل لابن أبى حاتم (1/1/403، 404) ، سير أعلام النبلاء (6/170) ، تاريخ الإسلام (5/48) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (1/491، 492) . وتقريب التهذيب (760) وقال: "ثقة من الخامسة مات سنة عشرين وقيل بعدها ع"..
(3) التاريخ الكبير للبخارى (2/1/106، 107) ، الاستيعاب لابن عبد البر (1/183) ، أسد الغابة لابن الأثير (1/205، 206) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (1/105، 502) ، الإصابة (1/164) ، وتقريب التهذيب (777) وقال: "صحابي مات سنة ستين وله ثمانون سنة 4"..(1/135)
المعدن. هو أبو عبد الرحمن بلال بن الحارث بن عصم ابن سعيد بن قرة بن خلاوة، بفتح الخاء المعجمة، ابن ثعلبة بن ثور بن هذمة، بضم الهاء وإسكان الذال المعجمة، ابن لاطم بن عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار المزنى. وولد عثمان المذكور يقال لهم: مزنيون، نُسبوا إلى أمه مزينة، وبلال هذا مزنى، وفد إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى وفد مزينة سنة خمس من الهجرة، وأقطعه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المعادن القبلية، بفتح القاف والباء، وكان يحمل لواء مزينة يوم فتح مكة، ثم سكن البصرة، وتوفى سنة ستين، وهو ابن ثمانين سنة. روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثمانية أحاديث.
88 - بلال بن رباح مؤذن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
مكرر فى هذه الكتب. هو أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الكريم، ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو عمرو بلال بن رباح الحبشى القرشى التيمى، مولى أبى بكر الصديق، رضى الله عنه. أمه حمامة مولاة لبنى جمح. وكان بلال، رضى الله عنه، قديم الإسلام والهجرة، شهد بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، والمشاهد كلها مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان ممن يُعَذَّب فى الله تعالى، فيصبر على العذاب، وكان أمية بن خلف يعذبه ويتابع عليه العذاب، فقدر الله تعالى أن بلالاً قتله يوم بدر، وكان بلال ممن أسلم أول النبوة، ومِن أول مَن أظهر إسلامه، وكانوا يطوفون به ويعذبونه، وكان من مولدى مكة، وقيل: من مولدى الشراة، اشتراه أبو بكر بخمس أواقى، وقيل: بسبع، وقيل: بتسع، وأعتقه لله عز وجل، وآخى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينه وبين أبى عبيدة بن الجراح، وكان بلال يؤذن لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حياته سفرًا وحضرًا، وهو أوَّل مَن أذَّن فى الإسلام.
ولما توفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذهب إلى الشام للجهاد، فأقام بها إلى أن توفى، وقيل: إنه أذَّن لأبى بكر الصديق، رضى الله عنه، مدته، وأذن لعمر، رضى الله عنه، مرة حين قدم عمر الشام، فلم ير باك أكثر من ذلك اليوم، وأذَّن فى قدمة قدمها إلى المدينة لزيارة قبر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طلب ذلك منه الصحابة، فأذَّن ولم يتم الأذان. روى عنه جماعات من الصحابة، رضى الله عنهم، منهم أبو بكر الصديق، وعمر، وعلى، وابن مسعود، وابن عمر، وأسامة بن زيد،(1/136)
وكعب بن عجرة، وجابر، وأبو سعيد الخدرى، والبراء بن عازب، رضى الله عنهم، وجماعات من كبار التابعين، وكان عمر، رضى الله عنه، يقول: أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا.
وثبت فى صحيحى البخارى ومسلم أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لبلال: "دخلت الجنة فسمعت خشف نعليك بين يدى" (1) . وفى صحيح البخارى عن قيس بن أبى حازم، قال: قال بلال لأبى بكر، رضى الله عنه: إن كنت إنما اشتريتنى لنفسك فأمسكنى، وإن كنت إنما اشتريتنى لله عز وجل، فدعنى وعمل الله. وفضائله مشهورة، توفى بدمشق سنة عشرين، وقيل: إحدى وعشرين، وقيل: ثمانى عشرة، وهو ابن أربع وستين سنة، وقيل: كان قرن أبى بكر، رضى الله عنهما، وقيل: توفى وهو ابن ثلاث وستين سنة، وقيل: ابن سبعين، وكان ينزل داريّا قرية بقرب دمشق، ودفن بباب الصغير من دمشق، وقيل: بباب كيسان منها، وقيل: بداريا، وقيل: بحلب.
وقال السمعانى فى الأنساب فى ترجمة المؤذن: أنه دفن بالمدينة، وهو غلط، والصحيح الذى عليه الجمهور أنه دفن بباب الصغير. قالوا: وان آدم شديد الأدمة، نحيفًا، طويلاً، خفيف العارضين. قال ابن عبد البر: ولبلال أخ اسمه خالد، وأخت اسمها عفرة، وهى مولاة عمر بن عبد الله مولى عفرة، ولم يعقب بلال، رضى الله عنه.
89 - بهز بن حكيم بن معاوية (2) :
تكرر ذكره فى زكاة المهذب، وذكره أيضًا فى الشهادات فى شهادة الزور. هو أبو عبد الملك بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة، بفتح الحاء المهملة وبعدها ياء مثناة من تحت ساكنة، القشيرى البصرى. روى عن أبيه، وزرارة بن أوفى. روى عنه الزهرى، وابن عون، وسليمان التيمى، وهم تابعيون، والثورى، والحمادان، ومعمر، ومحمد بن عبد الله الأنصارى، وخلائق من الأئمة.
قال يحيى بن معين والجمهور: هو ثقة، يحتج به. قال يحيى: إسناده عن أبيه عن جده صحيح.
_________
(1) أخرجه أحمد (3/372، رقم 15044) ، والبخارى (3/1346، رقم 3476) ، ومسلم (4/1862، رقم 2394) . وأخرجه أيضًا: أبو يعلى (4/51، رقم 2063) .
(2) التاريخ الكبير للبخارى (2/1/142، 143) ، الجرح والتعديل لابن أبى حاتم (1/1/430، 431) ، المجروحين لابن حبان (1/194) ، سير أعلام النبلاء (6/253) ، ميزان الاعتدال (1/353) ، تاريخ الإسلام (6/42) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (1/498، 499) . وتقريب التهذيب (772) وقال: "صدوق من السادسة مات قبل الستين خت 4"..(1/137)
قال الخطيب: حدث عنه الزهرى والأنصارى، وبين وفاتيهما إحدى وتسعون سنة، وحدث عنه التيمى والأنصارى، وبين وفاتيهما ثنتان أو إحدى وتسعون سنة.
* * *
حرف التاء المثناة فوق
90 - تميم الدارى الصحابى، رضى الله عنه (1) :
هو تميم بن أوس بن خارجة بن سويد بن خزيمة، وقيل: سواد بن خزيمة، وقيل: سود بن خزيمة بن ذراع بن عدى بن الدار بن هانىء بن حبيب بن أنمار بن لخم بن عدى بن عمرو بن سبأ الدارى، وقيل فى نسبه غير هذا، يكنى أبا رقية، كنى ببنته رقية، ولم يولد له غيرها، وإنما العقب لأخيه لأمه أبى هند، واسمه بر بن عبد الله، ويقال: تميم الدارى والديرى، فالدارى منسوب إلى جده الدار، وقيل غير ذلك، وقد أوضحت الخلاف فيه فى شرح صحيح مسلم، والديرى نسبة إلى دير كان يتعبد فيه قبل الإسلام، وكان نصرانيًا أسلم سنة تسع من الهجرة.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثمانية عشر حديثًا، روى مسلم منها حديث: "الدين النصيحة" (2) ، وفى صحيح مسلم أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - روى عن تميم قصة الجساسة، وهذه منقبة شريفة له لا يشاركه فيها غيره، ويدخل فى رواية الأكابر عن الأصاغر. وروى عنه جماعة من الصحابة، منهم ابن عباس، وأنس، وأبو هريرة، رضى الله عنهم، وجماعات من التابعين، وكان بالمدينة، ثم انتقل إلى بيت المقدس بعد قتل عثمان، رضى الله عنه، وكان كثير التهجد، قام ليلة حتى أصبح بآية من القرآن يركع ويسجد ويبكى، وهى: {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} [الجاثية: 21] الآية.
وكان له هيئة ولباس، وهو أول من قص على الناس، استأذن عمر، رضى الله عنه، فى ذلك فأذن له، وهو أول من أسرج فى المسجد، قاله أبو نعيم الأصبهانى. قلت: وقال الحافظ أبو عبد الله بن مندة، وأبو نعيم الأصبهانيان، وأبو عمر بن عبد البر: زار روح بن زنباع تميمًا الدارى، فوجده ينقى شعيرًا لفرسه، فقال له روح: أما كان فى هؤلاء من يكفيك؟ قال: بلى، ولكن سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما من امرىء مسلم ينقى لفرسه شعيرًا ثم يعلفه عليه، إلا كتب الله له بكل
_________
(1) طبقات ابن سعد (7/408) ، التاريخ الكبير للبخارى (2/1/150) ، الجرح والتعديل لابن أبى حاتم (1/1/440) ، الاستيعاب لابن عبد البر (1/193، 194) ، أسد الغابة لابن الأثير (1/215، 216) ، تاريخ الإسلام (2/188) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (1/511، 512) . وتقريب التهذيب (799) وقال: "أبو رقية بقاف وتحتانية مصغر صحابي مشهور سكن بيت المقدس بعد قتل عثمان قيل مات سنة أربعين خت م 4"..
(2) أخرجه أحمد (4/102، رقم 16982) ، ومسلم (1/74، رقم 55) ، وأبو داود (4/286، رقم 4944) ، والنسائى (7/156، رقم 4197) .(1/138)
حبة حسنة".
وقول المصنف: وكان له هيئة ولباس، قال ابن عساكر فى تاريخه: عن أنس أن تميمًا اشترى رداء بألف درهم، وكان يصلى بأصحابه فيه. وعن ثابت أن تميمًا اشترى حلة بألف درهم، فكان يلبسها فى الليلة التى يرجى أنها ليلة القدر. وعن قتادة، عن ابن سيرين، أن تميمًا الدارى اشترى رداء بألف درهم يخرج فيه إلى الصلاة. وفى رواية: فكان يقوم فيها بالليل إلى الصلاة.
* * *
حرف الثاء المثلثة
91 - ثابت بن أرقم الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المختصر فى قتال البغاة. هو ثابت بن أرقم بن ثعلبة بن عدى بن العجلان البلوى، شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وشهد غزوة مؤتة، واستشهد يوم اليمامة سنة إحدى عشرة فى قتال أهل الردة قتله طليحة، وقتل معه عكاشة بن محصن، اشترك طليحة وأخوه فى قتلهما، ثم أسلم طليحة. وقال عروة بن الزبير: بعث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سرية قبل نجد أميرهم ثابت، فأصيب فيها، والصواب الأول، وبه قال الشافعى فى المختصر والجمهور.
92 - ثابت بن سعيد بن أبيض بن حمال (1) :
مذكور فى المهذب فى باب الإقطاع من إحياء الموات. روى عن أبيه. وروى عنه ابن أخيه فرح بن سعيد.
93 - ثابت بن قيس الصحابى، رضى الله عنه (2) :
تكرر فى مواضع، منها أول الخلع، ومسألة نزول أهل القلعة على حكم حاكم من كتاب السير. هو أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو محمد ثابت بن قيس بن شماس بن مالك ابن زهير بن امرىء القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصارى الخزرجى المدنى. أمه هند بنت رهم، ويقال له: خطيب الأنصار، وخطيب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، شهد أُحُدًا وما بعدها من المشاهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثبت فى صحيح مسلم أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشر ثابت بن قيس هذا بالجنة، وأخبره أنه من أهلها، وثبت فى الترمذى بإسناد صحيح أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "نِعم الرجل ثابت بن قيس" (3) .
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (2/1/164) ، الجرح والتعديل لابن أبى حاتم (1/1/452) ، ميزان الاعتدال (1/364) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (2/5، 6) . وتقريب التهذيب (815) وقال: ثابت ابن سعيد ابن أبيض ابن حمال بالمهملة وتشديد الميم المأربي بكسر الراء بعدها موحدة مقبول من السادسة وروايته عند النسائي في الكبرى 4"..
(2) طبقات ابن سعد (5/206) ، التاريخ الكبير للبخارى (2/1/167) ، الجرح والتعديل لابن أبى حاتم (1/1/456) ، الاستيعاب لابن عبد البر (1/200، 203) ، أسد الغابة (1/229، 230) ، سير أعلام النبلاء (1/308) ، تاريخ الإسلام (1/371) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (2/12) ، الإصابة (1/195) ، وتقريب التهذيب (825) وقال: "شماس بمعجمة وميم مشددة وآخره مهملة أنصاري خزرجي خطيب الأنصار من كبار الصحابة"..
(3) أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/167، رقم 2081) ، والترمذي (5/666، رقم 3795) وقال: حسن. وأبو نعيم (9/42) ، والحاكم (3/259، رقم 5031) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وأخرجه أيضا: النسائي (5/64، رقم 8230) .(1/139)
استشهد يوم اليمامة فى خلافة أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، سنة إحدى عشرة، ومشهور فى كتب المغازى أنه لما استشهد كان عليه درع نفيسة، فأخذها رجل، فرأ رجل ثابتًا فى منامه، فقال له ثابت: إنى أريد أن أوصيك وصية، فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه، إنى قُتِلت أمس، فمرَّ بى رجل فأخذ درعى، ومنزله فى أقصى الناس، وعند خبائه فرس يستن فى طوله، وقد كفأ على الدرع برمة، وفوق البرمة رحل، فأت خالدًا فمره فليبعث فليأخذها، فإذا قدمت المدينة فقل لأبى بكر الصديق، رضى الله عنه، أن علىَّ من الدين كذا وكذا، وفلان من رقيقى حر، وفلان، فأتى الرجل خالدًا، فبعث إلى الدرع، فأتى بها على ما وصف، وأخبر أبا بكر، رضى الله عنه، برؤياه فأجاز وصيته.
قالوا: ولا نعلم أحدًا أوصى بعد موته فأجيزت وصيته غير ثابت، رضى الله عنه. واعلم أن ما ذكرته من أن ثابتًا المذكور فى مسألة القلعة هو ثابت بن قيس، هو الصواب الذى ذكره العلماء كافة، وتظاهرت عليه كتب الحديث والمغازى، وأما قول ابن باطيش أنه ثابت بن الضحاك، فغلط صريح لا حيلة فيه، وما أدرى ما حمله عليه، وبالله التوفيق.
94 - ثعلبة بن أبى مالك (1) :
مذكور فى المهذب فى باب هيئة الجمعة. هو أبو يحيى ثعلبة بن أبى مالك القرظى المدنى، إمام مسجد بنى قريظة. قال مصعب الزبيرى: رأى ثعلبة النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وسمع عمر بن الخطاب، وجابرًا، رضى الله عنهما، وغيرهما. روى عنه الزهرى، وابنه أبو مالك، ويحيى بن سعيد الأنصارى. روى له البخارى.
95 - ثمامة بن أثال الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المختصر فى السير، وفى المهذب فيه، وفى آخر عقد الذمة. هو ثمامة بن أثال، بضم الهمزة وتخفيف الثاء المثلثلة، وهو مصروف بلا خلاف، ابن النعمان بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة بن لجيم الحنفى اليمامى. سيد أهل اليمامة، أسره رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم أطلقه، فأسلم وحسن إسلامه، ولم يرتد مع من ارتد من أهل اليمامة، ولا خرج من الطاعة قط، رضى الله عنه.
96 - ثوبان مولى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (2) :
تكرر ذكره. هو أبو عبد الله، ويقال:
_________
(1) طبقات ابن سعد (5/79) ، التاريخ الكبير للبخارى (2/1/174) ، الجرح والتعديل لابن أبى حاتم (1/1/463) ، الاستيعاب لابن عبد البر (1/212) ، أسد الغابة لابن الأثير (1/245) ، تاريخ الإسلام (3/346، 347) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (2/25) ، الإصابة (1/201) . وتقريب التهذيب (845) وقال: "مختلف في صحبته وقال العجلي تابعي ثقة خ د ق"..
(2) طبقات ابن سعد (7/424) ، التاريخ الكبير للبخارى (2/1/181) ، الجرح والتعديل لابن أبى حاتم (1/1/469) ، الاستيعاب لابن عبد البر (1/218) ، أسد الغابة (1/249، 250) ، سير أعلام النبلاء (3/15) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (2/31) ، الإصابة (1/204) ، وتقريب التهذيب (858) ..(1/140)
أبو عبد الرحمن ثوبان بن بجدد، بموحدة مضمومة، ثم جيم ساكنة، ثم دال مهملة مكررة الأولى مضمومة، ويقال: ابن جحدر الهاشمى، من أهل السراة، موضع بين مكة واليمن، وقيل: إنه من حمير، وقيل: من الهان، أصابه سباء فاشتراه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأعتقه، ولم يزل معه فى الحضر والسفر، فلما توفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج إلى الشام فنزل الرملة، ثم انتقل إلى حمص وابتنى بها دارًا، وتوفى بها سنة خمس وأربعين، وقيل: سنة أربع وخمسين، رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة حديث وسبعة وعشرون حديثًا، روى له مسلم منها عشرة أحاديث. روى عنه جماعات من كبار التابعين. روينا فى صحيح مسلم، عن ثوبان قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "عليك بكثرة السجود، فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة" (1) .
97 - ثور بن يزيد الكلاعى (2) :
مذكور فى المختصر فى مسح الخف، هو أبو خالد ثور بن يزيد بن زياد الكلاعى، بفتح الكاف، ويقال: الرحبى الشامى الحمصى. سمع جماعات من التابعين، منهم عطاء، ونافع، والزهرى، ومحمد بن المنكدر، وآخرون. روى عنه محمد بن إسحاق بن يسار، ومالك، والثورى، وابن عيينة، وابن المبارك، وخلائق من الأئمة. واتفقوا على توثيقه والثناء عليه. قال يحيى القطان: ما رأيت شاميًا أوثق منه. وقال وكيع: هو أعبد من رأيت. قال محمد بن سعد: مات ببيت المقدس سنة ثلاث وخمسين ومائة، وهو ابن بضع وستين سنة.
* * *
حرف الجيم
98 - جابر بن زيد التابعى (3) :
مذكور فى المهذب فى صلاة العيد. هو الإمام أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدى البصرى التابعى. سمع ابن عباس، وابن عمر، والحكم بن عمرو الغفارى، رضى الله عنهم. روى عنه عمرو بن دينار، وقتادة، وعمرو بن هرم. واتفقوا على توثيقه وجلالته، وهو معدود فى أئمة التابعين وفقهائهم، وله مذهب يتفرد به. وجاء عن ابن عباس، قال:
_________
(1) أخرجه أحمد (5/276، رقم 22431) ، ومسلم (1/353، رقم 488) ، والترمذى (2/231، رقم 389) وقال: حسن صحيح، والنسائى فى الكبرى (1/242، رقم 725) ، وابن ماجه (1/457، رقم 1423) ، وابن خزيمة (1/163، رقم 316) ، وابن حبان (5/27، رقم 1735) .
(2) طبقات ابن سعد (7/467) ، التاريخ الكبير للبخارى (2/1/181) ، سير أعلام النبلاء (6/344) ، ميزان الاعتدال (1/374) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (2/33، 35) ، وتقريب التهذيب (861) وقال: "ثقة ثبت إلا أنه يرى القدر من السابعة مات سنة خمسين وقيل ثلاث أو خمس وخمسين ع"..
(3) طبقات ابن سعد (7/179) ، التاريخ الكبير للبخارى (2/1/204) ، الجرح والتعديل لابن أبى حاتم (1/1/494، 495) ، سير أعلام النبلاء (4/481، 483) ، تاريخ الإسلام (4/77، 78، 4/95) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (2/38، 39) ، وتقريب التهذيب (865) وقال: "الجوفي بفتح الجيم وسكون الواو بعدها فاء البصري مشهور بكنيته ثقة فقيه من الثالثة مات دون المائة سنة ثلاث وتسعين ويقال ثلاث ومائة ع". .(1/141)
لو أخذ أهل البصرة بقول جابر بن زيد لأوسعهم علمًا عن كتاب الله. قال أحمد ابن حنبل، وعمرو بن على، والبخارى: توفى سنة ثلاث وتسعين. وقال محمد بن سعد: سنة ثلاث ومائة. وقال الهيثم: سنة أربع ومائة.
99 - جابر بن سمرة الصحابى، رضى الله عنه (1) :
تكرر. هو أبو عبد الله، ويقال: أبو خالد جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب بن حجير بن رباب بن حبيب بن سواء، بالمد وضم السين، ابن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان، بالعين المهملة، ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان السوائى، وهو وأبوه صحابيان، رضى الله عنهما. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة حديث وستة وأربعون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم على حديثين، وانفرد مسلم بثلاثة وعشرين حديثًا. روى عنه جماعات من التابعين، منهم عبد الملك بن عمير، وعامر بن سعد، والشعبى. توفى سنة ست وستين. روينا فى صحيح مسلم، عن جابر بن سمرة، قال: والله لقد صليت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثر من ألفى صلاة.
100 - جابر بن عبد الله الصحابى ابن الصحابى، رضى الله عنهما (2) :
تكرر. هو أبو عبد الله، وقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو محمد جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام، بالراء، ابن عمرو بن سواد بن سلمة، بكسر اللام، ابن سعد بن على ابن أسد بن ساردة، بالسين المهملة، ابن تزيد، بالتاء المثناة فوق، ابن جشم بن الخزرج الأنصارى السلمى، بفتح السين واللام، المدنى. وهو أحد المكثرين الرواية عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. روى ألف حديث وخمسمائة حديث وأربعين حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على ستين حديثًا، وانفرد البخارى بستة وعشرين ومسلم بمائة وستة وعشرين.
وروى عن أبى بكر، وعمر، وعلى، وأبى عبيدة، ومعاذ، وخالد بن الوليد، وأبى هريرة، رضى الله عنهم. روى عنه جماعات من أئمة التابعين، منهم سعيد بن المسيب، وأبو سلمة، ومحمد الباقر، وعطاء، وسالم بن أبى الجعد، وعمرو بن دينار، ومجاهد، ومحمد بن المنكدر، وأبو الزبير، والشعبى، وخلائق. ومناقبه
_________
(1) طبقات ابن سعد (6/24) ، التاريخ الكبير للبخارى (2/1/205) ، الجرح والتعديل لابن أبى حاتم (1/1/493) ، أسد الغابة لابن الأثير (1/254) ، سير أعلام النبلاء (3/186) ، تاريخ الإسلام (3/2) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (2/39، 40) ، الإصابة (1/212) ، وتقريب التهذيب (867) وقال: “جنادة بضم الجيم بعدها نون السوائي بضم المهملة والد صحابي ابن صحابي نزل الكوفة ومات بها بعد سنة سبعين ع”..
(2) طبقات ابن سعد (3/574) ، التاريخ الكبير للبخارى (2/1/207) ، الجرح والتعديل لابن أبى حاتم (1/1/492) ، الاستيعاب لابن عبد البر (1/219) ، أسد الغابة (1/256، 258) ، السير (3/189) ، تاريخ الإسلام (3/143، 145) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (2/42، 43) ، الإصابة (2/212) ، وتقريب التهذيب (871) وقال: “صحابي ابن صحابي غزا تسع عشرة غزوة ومات بالمدينة بعد السبعين وهو ابن أربع وتسعين ع”. .(1/142)
كثيرة، استشهد أبوه يوم أُحُد، فأحياه الله تعالى وكلمه، وقال: يا عبد الله، ما تريد؟ فقال: أن أرجع إلى الدنيا فأستشهد مرة أخرى.
وثبت فى صحيح البخارى، عن جابر قال: دفنت أبى يوم أُحُد مع رجل، ثم استخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته غير أذنه. وثبت فى صحيح مسلم، عن جابر، قال: غزوت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسع عشرة غزوة، ولم أشهد بدرًا ولا أُحُدًا منعنى أبى، فلما قُتل أبى يوم أُحُد لم أتخلف عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى غزوة قط.
وفى صحيح البخارى فى كتاب المبعث، عن جابر بن عبد الله، رضى الله عنه، قال: أنا وأبى وخالى من أصحاب العقبة. توفى جابر بالمدينة سنة ثلاث وسبعين، وقيل: ثمان وسبعين، وقيل: ثمان وستين، وهو ابن أربع وتسعين سنة، رضى الله عنه. وكان ذهب بصره فى آخر عمره. روينا فى صحيحى البخارى ومسلم، عن جابر بن عبد الله، قال: قال لنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الحديبية: “أنتم اليوم خير أهل الأرض”، وكنا ألفًا وأربعمائة. قال جابر: لو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة. وحيث أُطلق جابر فى هذه الكتب فهو جابر بن عبد الله، وإذا أراد ابن سمرة قيده.
101 - جبار بن صخر الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب فى باب موقف الإمام والمأموم. هو بفتح الجيم، وتشديد الموحدة، وآخره راء، وهو أبو عبد الله جبار بن سخر بن أمية بن خنساء بن عبيد بن عدى بن تميم بن كعب بن سلمة، بكسر اللام، الأنصارى السلمى، بفتح السين واللام، المدنى.
قال محمد بن سعد: شهد جبار بن صخر العقبة مع السبعين من الأنصار باتفاق الرواة. قال: وآخى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينه وبين المقداد بن الأسود. قال: وشهد جبار بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، والمشاهد كلها مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يبعثه خارجًا إلى خيبر. قال: وشهد بدرًا وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة. وتوفى بالمدينة سنة ثلاثين وله عقب وحديث، قصته المذكورة فى المهذب، رواه مسلم فى صحيحه.
102 - جبريل الملك الكريم رسول رب العالمين، عليه السلام:
مذكور فى مواقيت
_________
(1) انظر: الإصابة (1/220) ، وأسد الغابة (1/265) ، والاستيعاب (1/227) ، والبداية والنهاية (7/156) ، والوافى بالوفيات (11/42) ، والبداية والنهاية (7/156) ، وطبقات ابن سعد (3/576) .(1/143)
الصلاة من المهذب، والوسيط، وفى الوصية منهما، ومن الروضة، وفى أول باب الزكاة من المهذب، وفى الإحرام، والوليمة. فيه تسع لغات حكاهن ابن الأنبارى، وابن الجواليقى: جبريل، وجبريل بكسر الجيم وفتحها، وجبرئل، بفتح الجيم وهمزة مكسورة وتشديد اللام، وجبرائل بعدها ياء، وجبراييل بياءين بعد الألف، وجبرئيل بهمزة بعد الراء وياء، وجبرئل بكسر الهمزة وتخفيف اللام مع فتح الجيم والراء، وجبرين وجبرين بفتح الجيم وكسرها.
قال جماعات من المفسرين، وصاحب المحكم، والجوهرى، وغيرهما من أهل اللغة فى جبريل وميكائيل: إن جبر وميك اسمان أضيفا إلى إيل وأل. وقال: وإيل وأل اسمان لله تعالى، وجبر وميك معناه بالسريانية عبد، فتقديره عبد الله. قال أبو على الفارسى: هذا الذى قالوه خطأ من وجهين: أحدهما: أن إيل وأل لا يعرفان فى أسماء الله تعالى. والثانى: أنه لو كان كذلك، لم يتصرف آخر الاسم فى وجوه العربية، ولكان آخره مجرورًا أبدًا كعبد الله. وهذا الذى قاله أبو على هو الصواب، فإن ما زعموه باطل لا أصل له.
واعلم أن جبريل يقال له: الناموس، بالنون، كما ثبت فى الصحيحين فى حديث المبعث. قال أهل اللغة: الناموس صاحب سر الرجل الذى يطلعه على باطن أمره، وقيل: الناموس صاحب خبر الخير، والجاسوس صاحب خبر الشر.
وقد تظاهرت الدلائل على عظم مرتبة جبريل، عليه السلام. قال الله تعالى: {قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} [البقرة: 97، 98] .
وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ} [الشعراء: 192 - 194] الآية.
وقال تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: 5] الآيات، والمراد بشديد القوى جبريل، عليه السلام.
وقال تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: 13، 14] الآية، المراد: رأى جبريل، هذا قول الجمهور، فرآه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على صورته له ستمائة جناح مرتين.
وقال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِى قُوَّةٍ عِندَ ذِى الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: 19 - 24] .
وثبت(1/144)
فى صحيح البخارى ومسلم فى حديث المبعث عن عائشة، رضى الله عنها، أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاءه جبريل وهو يتعبد فى غار حراء، فأخذه فغطه ثم أرسله، فقال: اقرأ، ثم غطه ثانية وثالثة يقول له مثل ذلك، ثم قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 - 5] .
وفى صحيح مسلم عن ابن مسعود فى قول الله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] ، قال: رأى جبريل فى صورته له ستمائة جناح. وعن مسروق، قال: قلت لعائشة، رضى الله عنها: ألم يقل الله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 23] ، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] ؟ فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: “إنما هو جبريل، لم أره على صورته التى خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطًا من السماء سادًا عظم خلقته ما بين السماء والأرض”.
وفى صحيح مسلم، عن مسروق أيضًا، قال: قلت لعائشة، رضى الله عنها: قوله تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 8، 9] ، فقالت: إنما ذلك جبريل، كان يأتيه فى صورة الرجال، وإنه أتاه هذه المرة فى صورته التى هى صورة، فسد أفق السماء.
وفى صحيحى البخارى ومسلم، عن عائشة، أن الحارث بن هشام سأل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحى؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “أحيانًا يأتينى مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علىَّ، فيفصم عنى وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانًا يتمثل لى الملك رجلاً، فيكلمنى فأعى ما يقول” (1) ، قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه الوحى فى اليوم الشديد البرد فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد عرقًا. قال أهل اللغة: الفصم القطع بغير إبانة، ومعناه: يفارقنى على أنه يعود.
وفى صحيحيهما عن ابن عباس، قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجود الناس، وكان أجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه فى كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجود بالخير من الريح المرسلة.
وفى صحيح البخارى عن ابن عباس، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لجبريل: “ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ ”، فنزلت: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64] . وفى البخارى عن البراء، قال: قال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحسان: “اهجهم”، قال: أوهاجهم وجبريل معك؟!.
وفى الصحيحين فى حديث الإسراء: صعود رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجبريل إلى السموات السبع، وأن جبريل يتفتح فى باب كل سماء، فيقال: من هذا؟ فيقول: جبريل، فيقال: ومن معك؟ فيقول: محمد، فيفتح. وفى الصحيح أن الله تعالى إذا أحب عبدًا نادى: يا جبريل، إنلا أحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادى جبريل فى السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول فى الأرض. والأحاديث الصحيحة المتعلقة بعظم فضل جبريل كثيرة مشهورة.
وكان يأتى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى صورة دحية الكلبى، ورأته الصحابة حين جاء فى صورة رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه أحد، فسأل النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهم يرونه ويسمعونه عن الإيمان، والإسلام، والإحسان، والساعة وأمارتها، ثم خرج فطلبوه فى الحال فلم يجدوه، فقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “
_________
(1) حديث عائشة: أخرجه مالك (1/202، رقم 475) ، وأحمد (6/158، رقم 25291) ، والبخارى (3/1176، رقم 3043) ، ومسلم (4/1816، رقم 2333) ، والترمذى (5/597، رقم 3634) ، وقال: حسن صحيح. والنسائى (2/147، رقم 934) ، والطبرانى (3/259، رقم 3345) وأبو عوانة (كما فى إتحاف الخيرة 6/131/ب _ مخطوط) . وأخرجه أيضًا: الحميدى (1/124، رقم 256) ، وابن راهويه (2/252، رقم 754) ، وعبد بن حميد= = (ص 433، رقم1490) ، وابن خزيمة فى التوحيد (ص 149) ، وابن حبان (1/225، رقم 38) .
حديث عائشة عن الحارث: أخرجه الطبرانى (3/259، رقم 3343) ، والحاكم (3/314، رقم 5213) ..(1/145)
هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم” (1) ، وهذا الحديث فى الصحيحين.
وفى صحيح البخارى عن ابن عباس، أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال يوم بدر: “هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب”. وفى البخارى عن عائشة، رضى الله عنها، قالت: لما رجع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الخندق ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل، فقال: قد وضعت السلاح، والله ما وضعناه، فاخرج إليهم، قال: “فإلى أين؟ ”، قال: هاهنا، وأشار بيده إلى بنى قريظة، فخرج النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليهم. وفى البخارى عن أنس بن مالك، قال: كأنى أنظر إلى الغبار ساطعًا فى زقاق بنى غنم موكب جبريل حين سار النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى بنى قريظة.
103 - جبير بن مطعم الصحابى، رضى الله عنه (2) :
متكرر فى المختصر، والمهذب، ومطعم بكسر العين. هو أبو محمد، ويقال: أبو عدى جبير بن مطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف بن قصى القرشى النوفلى المدنى. أسلم قبل عام خيبر، وقيل: أسلم يوم فتح مكة. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ستون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم على ستة، وانفرد البخارى بثلاثة، ومسلم بحديث. روى عنه سليمان بن صرد
_________
(1) أخرجه أحمد (1/51، رقم 367) ، ومسلم (1/36، رقم 8) ، وأبو داود (4/223، رقم 4695) ، والترمذى (5/6، رقم 2610) ، والنسائى (8/97، رقم 4990) ، وابن ماجه (1/24، رقم 63) .
(2) التاريخ الكبير للبخارى (2/1/223) ، الجرح التعديل لابن أبى حاتم (1/1/512) ، سير أعلام النبلاء (3/95) ، تاريخ الإسلام (2/274) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (2/63، 64) ، الإصابة (1/225، 226) ، وتقريب التهذيب (903) وقال: “صحابي عارف بالأنساب مات سنة ثمان أو تسع وخمسين ع”..(1/146)
الصحابى، وابناه نافع ومحمد ابنا جبير، وسعيد بن المسيب، وآخرون. قال الزبير بن بكار: كان من علماء قريش وساداتهم. توفى بالمدينة سنة أربع وخمسين. وقال ابن قتيبة: سنة تسع وخمسين.
104 - جرير بن عبد الله الصحابى، رضى الله عنه (1) :
تكرر فى المختصر، والمهذب. هو أبو عمرو جرير بن عبد الله بن جابر بن مالك بن نصر بن ثعلبة البجلى الأحمسى، بالمهملتين، الكوفى، وبجيلة هى بنت صعب بن سعد العشيرة أم ولد أنمار بن أرش، نسبوا إليها، نزل جرير الكوفة، ثم تحول إلى قرقيسيا، وتوفى بها سنة إحدى وخمسين. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة حديث، اتفقا منها على ثمانية، وانفرد البخارى بحديث، ومسلم بستة. روى عنه أنس بن مالك، وقيس بن أبى حازم، والشعبى، وبنوه الثلاثة عبيد الله، وإبراهيم، والمنذر بنو جرير، وآخرون.
قال ابن قتيبة: قدم جرير على النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سنة عشر من الهجرة فى شهر رمضان، فبايعه وأسلم. قال: وكان عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، يقول: جرير يوسف هذه الأمة؛ لحسنه. قال: وكان طويلاً يصل إلى سنام البعير، وكانت نعله ذراعًا، ويخضب لحيته بزعفران بالليل ويغسلها إذا أصبح. واعتزل عليًا ومعاوية، وأقام بالجزيرة ونواحيها حتى توفى سنة أربع وخمسين، رضى الله تعالى عنه.
روينا فى صحيحى البخارى ومسلم عن أنس، قال: خرجت مع جرير فى سفر، فكان يخدمنى، فقلت له: لا تفعل، فقال: إنى رأيت الأنصار تصنع برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشياء آليت ألا أصحب أحدًا منهم إلا خدمتهم، وكان جرير أكبر من أنس، رضى الله عنهما. وروينا فى صحيحيهما عن جرير، قال: بايعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم.
وفى صحيحيهما عن جرير، قال: ما حجبنى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منذ أسلمت، ولا رآنى إلا تبسم فى وجهى، ولقد شكوت إليه أنى لا أثبت على الخيل، فضرب بيده على صدرى، وقال: “اللهم ثبته واجعله هاديًا مهديًا”. وفى صحيحيهما عن جرير، قال: قال لى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى حجة الوداع: “استنصت لى
_________
(1) طبقات ابن سعد (6/22) ، التاريخ الكبير للبخارى (2/1/211) ، الجرح التعديل لابن أبى حاتم (1/1/502) ، الاستيعاب لابن عبد البر (1/236، 240) ، أسد الغابة لابن الأثير (1/279، 280) ، السير (2/530، 537) ، تاريخ الإسلام (2/274) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (2/73، 74) ، الإصابة (1/232) ، تقريب التهذيب (915) وقال: “صحابي مشهور يقال له: يوسف هذه الأمة مات سنة إحدى وخمسين وقيل بعدها ع”..(1/147)
الناس”.
وفى صحيحيهما عن جرير، قال: كان فى الجاهلية بيت لخثعم يقال له: ذو الخلصة، والكعبة اليمانية، فقال لى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “هل أنت مريحى من ذى الخلصة والكعبة اليمانية؟ ”، فنفرت إليه فى مائة وخمسين فارسًا من أحمس، فكسرناه وقتلنا من وجدنا عنده، فأتيناه فأخبرناه، فدعا لنا ولأحمس. وفى رواية: قال: “انطلق فحرقها بالنار”، ثم بعث جرير إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً يبشره، فبرك رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على خيل أحمس ورجالها خمس مرات.
ومناقبه كثيرة، ومن مستطرفاتها أنه اشترى له وكيله فرسًا بثلاثمائة درهم، فرآها جرير، فتخيل أنها تساوى أربعمائة، فقال لصاحبها: أتبيعها بأربعمائة؟ قال: نعم، ثم تخيل أنها تساوى خمسمائة، فقال: أتبيعها بخمسمائة؟ قال: نعم، ثم تخيل أنها تساوى ستمائة، ثم سبعمائة، ثم ثمانمائة، فاشتراها بثمانمائة، رضى الله عنه.
105 - جعفر بن أبى طالب عبد مناف بن عبد المطلب، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المختصر، وفى مواضع من المهذب، منها باب التكبير فى العيد، والتعزية، والشرط فى الطلاق، والحضانة. هو أبو عبد الله جعفر بن أبى طالب الهاشمى الطيار، ذو الجناحين، وذو الهجرتين الجواد، أبو الجواد. كان من متقدمى الإسلام، وهاجر إلى الحبشة، وكان هو وأصحابه سبب إسلام النجاشى، رحمه الله، وارتفق المسلمون بجعفر هناك واعتضدوا به، وكان جعفر أميرهم فى الهجرة، وهاجرت معه زوجته أسماء بنت عميس، فولدت له هناك عبد الله بن جعفر، وهو أول مولود ولد فى الإسلام بأرض الحبشة.
وقصة جعفر مع النجاشى فى أول اجتماعه به وقراءته عليه سورة مريم، وقوله: ثم إن عيسى عبد الله تعالى، وغير ذلك مما جرى له مشهور معروف. ثم قدم من الحبشة هو ومن صحبه من المهاجرين ومن دخل فى الإسلام هناك، وجاءوا فى سفينتين فى البحر، فقدموا على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى خيبر، فأسهم لهم منها، ولم يسهم لمن لم يحضرها غير أهل السفينتين. وحديث قصتهم فى الصحيح مشهورة.
ثم سكن المدينة، ثم أمّره النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على جيش غزوة مؤتة بعد زيد بن حارثة، فاستشهد هو
_________
(1) طبقات ابن سعد 4/34، التاريخ الكبير للبخارى 2/2139، الكنى للدولابى 2/77، الجرح والتعديل 2/1960، الإستيعاب لابن عبد البر 242، أسد الغابة 1/286-289، سير أعلام النبلاء 1/206-217، الإصابة رقم 1166، تهذيب التهذيب 2/98-99، وتقريب التهذيب (943) ..(1/148)
وزيد فيها فى جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة، فأخبر بوفاته رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المنبر فى المدينة حال وفاته، واستغفر له، وأمر المسلمين بالاستغفار له، ووجدوا به يومئذ أربعًا وخمسين ضربة بالسيف فى مقدمه.
وروى البخارى فى صحيحه، عن ابن عمر، قال: كنت فى غزوة مؤتة، فالتمسنا جعفرًا، فوجدناه فى القتلى، ووجدنا فى جسده بضعًا وتسعين من طعنة ورمية. وفى رواية للبخارى أيضًا: فعددت به خمسين من طعنة وضربة ليس فيها شىء فى دبره. وقبره وقبر صاحبيه زيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة مشهور بأرض مؤتة من الشام، على نحو مرحلتين من بيت المقدس، رضى الله عنهم.
روينا فى صحيح البخارى، عن أبى هريرة، رضى الله عنه، قال: كان خير الناس للمساكين جعفر بن أبى طالب، رضى الله عنه، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان فى بيته، حتى إن كان ليخرج إلينا العكة التى ليس فيها شىء، فيشقها فنلعق ما فيها. وفى صحيح البخارى، عن الشعبى، أن ابن عمر كان إذا سلم على ابن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذى الجناحين.
جاء فى غير البخارى أنه قطعت يداه يوم غزوة مؤتة، فجعل الله له جناحين يطير بهما. وعن أبى هريرة، رضى الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “رأيت جعفرًا يطير فى الجنة مع الملائكة” (1) . رواه الترمذى، وفى إسناده ضعف. وثبت أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لجعفر: “أشبهت خَلقى وخُلقى” (2) . ومناقبه كثيرة مشهورة.
قالوا: وكان جعفر أسن من على، رضى الله عنه، بعشر سنين، وعقيل أسن من جعفر بعشر سنين، وطالب بن أبى طالب أسن من عقيل بعشر سنين، وأمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وهى أول هاشمية تزوجها هاشمى، وأسلمت، رضى الله عنها، وهاجرت إلى المدينة، وتوفيت فى زمن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وصلى عليها ونزل فى قبرها، وكان يكرمها، وكان أولاد جعفر ثلاثة من أسماء: عبد الله، ومحمد، وعون، والعقب لعبد الله دون أخويه، رضى الله عنهم أجمعين. وكان لجعفر يوم توفى إحدى وأربعين سنة، وقيل غير ذلك، رضى الله عنه.
106 - جعفر بن محمد الصادق، رضى الله عنه (3) :
مذكور فى المختصر فى قسم الصدقات،
_________
(1) أخرجه الترمذى (5/654، رقم 3763) وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله جعفر وقد ضعفه يحيى بن معين وغيره، وأبو يعلى (11/350، رقم 6464) ، والحاكم (3/231، رقم 4935) وقال: صحيح الإسناد. وأخرجه أيضًا: ابن حبان (15/521، رقم 7047) .
(2) أخرجه أحمد (1/98، رقم 770) . وأخرجه الحاكم (3/232، رقم 4939) ، وقال: صحيح على شرط مسلم. وأبو داود (2/284، رقم 2278) ، والبيهقى (8/6، رقم 15549) .
(3) التاريخ الكبير للبخارى 2/2183، الجرح والتعديل 2/1987، تاريخ الإسلام للذهبى 6/45-48، سير أعلام النبلاء 6/255-270، ميزان الاعتدال 1/414-415، تهذيب التهذيب لابن حجر 2/103-104، وتقريب التهذيب (950) وقال: "صدوق فقيه إمام من السادسة مات سنة ثمان وأربعين بخ م 4"..(1/149)
وفى الشهادات، وفى المهذب فى آخر صدقة التطوع، وفى باب تضمين الأجير. هو الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد بن على ابن الحسين بن على بن أبى طالب، رضى الله عنهم، الهاشمى المدنى الصادق. أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق، رضى الله عنهم. روى عن أبيه، والقاسم بن محمد، ونافع، وعطاء، ومحمد بن المنكدر، والزهرى، وغيرهم. روى عنه محمد بن إسحاق، ويحيى الأنصارى، ومالك، والسفيانان، وابن جريج، وشعبة، ويحيى القطان، وآخرون. واتفقوا على إمامته، وجلالته، وسيادته. قال عمرو بن أبى المقدام: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين. قال البخارى فى تاريخه: ولد جعفر سنة ثمانين، وتوفى سنة ثمان وأربعين ومائة.
* * *
حرف الحاء المهملة
107 - الحارث بن حاطب الصحابى، رضى الله عنهم (1) :
مذكور فى المهذب فى الشهادة على هلال رمضان، وفى باب السرقة. هو الحارث ابن حاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القريشى الجمحى المكى. وأمه فاطمة بنت المجلل، ولد بأرض الحبشة فى الهجرة هو وأخوه محمد ابن حاطب، وكان الحارث أسن، واستعمل عبد الله بن الزبير الحارث على مكة سنة ست وستين، هكذا قاله ابن الكلبى، والزبير بن بكار، وأبو عمر بن عبد البر، وغيرهم.
وقال ابن إسحاق: إنه هاجر إلى الحبشة، والأول أصح. وظن أبو عبد الله بن مندة أن الحارث بن حاطب هذا خرج مع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم بدر هو وأبو لبابة، فردهما واستخلف أبا لبابة على المدينة، وضرب لهما بسهمهما، وغلطوه فى هذا، قالوا: وإنما الذى ردَّه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحارث بن حاطب بن عمرو بن عبيد بن أمية الأنصارى الأوسى، وأما الأول فقرسى جمحى، ولد بالحبشة ولم يقدم المدينة إلا بعد بدر وهو صبى، والله أعلم. وحديثه المذكور فى المهذب حديث حسن، رواه أبو داود بإسناد حسن.
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى 2/2401، الجرح والتعديل لابن أبى حاتم 3/328، الاستيعاب 1/285، أسد الغابة 1/322-323، تهذيب التهذيب لابن حجر 2/138-139، الإصابة 1390، وتقريب التهذيب (1015) وقال: "صحابي صغير وذكره ابن حبان في ثقات التابعين مات بعد سنة ست وستين د س"..(1/150)
108 - الحارث بن عبد الرحمن (1) :
مذكور فى المختصر فى قطع السارق. هو أبو عبد الرحمن الحارث بن عبد الرحمن القرشى العامرى المدنى، خال ابن أبى ذؤيب. روى عن أبى سلمة بن عبد الرحمن، وسالم، وحمزة ابنى عبد الله بن عمر، رضى الله عنه. روى عنه ابن أبى ذؤيب. قال الحاكم أبو أحمد: يقال: لا راوى له غيره. قال يحيى بن معين: هو مشهور.
109 - حارثة بن مضرب (2) :
مذكور فى المهذب فى كفالة البدن، وفى أول الأقضية. وضرب، بضم الميم، وفتح الضاد المعجمة، وكسر الراء. وحكى القلعى فتحها أيضًا وهو غلط، وهو حارثة بن مضرب العبدى الكوفى التابعى، سمع عمر بن الخطاب، وعليًا، وابن مسعود، وأبا موسى الأشعرى، وعمارًا، وغيرهم، رضى الله عنهم. قال يحيى بن معين وغيره: هو ثقة.
110 - حاطب بن أبى بلتعة الصحابى، رضى الله عنه (3) :
بفتح الباء الموحدة والتاء المثناة فوق بينهما لام ساكنة. مذكور فى مواضع من المختصر، وفى كتاب السير من المهذب. هو أبو محمد، وقيل: أبو عبد الله حاطب بن أبى بلتعة عمرو بن عمير بن سلمة بن صعب بن سهل بن العتيك بن سَعَّاد، بفتح السين وتشديد العين، ابن راشدة بن جزيلة، بالزاى، ابن لخم بن عدى حليف للزبير بن العوام. وقيل: كان لعبيد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد، فكاتبه فأدى كتابته، شهد بدرًا، والحديبية، وشهد الله له بالإيمان فى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء} [الممتحنة: 1] الآيتين نزلتا فيه.
قالوا: وأرسله رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المقوقس صاحب الإسكندرية سنة ست من الهجرة، فقال له المقوقس: أخبرنى عن صاحبك أليس هو نبيًا؟ قال: بلى، قال: فما له لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلدته؟ قال له حاطب: فعيسى ابن مريم رسول الله حين أراد قومه صلبه لم يدع عليهم حتى رفعه الله، قال: أحسنت، أنت حكيم جئت من عند حكيم، وبعث معه هدية لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها مارية القبطية، وأختها شيرين، وجارية أخرى، فاتخذ
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى 2/2434، الجرح والتعديل 3/367، ميزان الاعتدال 1/437-438، تاريخ الإسلام 5/85، تهذيب التهذيب لابن حجر 2/148 - 149، وتقريب التهذيب (1031) وقال: “صدوق من الخامسة مات سنة تسع وعشرين وله ثلاث وسبعون سنة 4”..
(2) طبقات ابن سعد 6/116، التاريخ الكبير للبخارى 3/326، الجرح والتعديل 3/1173، أسد الغابة 1/358، ميزان الاعتدال 1/446، تاريخ الإسلام 3/151، تهذيب التهذيب لابن حجر 2/166، 167، الإصابة 1940، وتقريب التهذيب (1063) وقال: “مضرب بتشديد الراء المكسورة قبلها معجمة العبدي الكوفي ثقة من الثانية غلط من نقل عن ابن المديني أنه تركه بخ 4”..
(3) انظر: الإصابة (1/300) ، وأسد الغابة (1/360) ، والاستيعاب (1/348) ، وطبقات ابن سعد (3/114) ، وسير أعلام النبلاء (2/43) (9) ، والوافى بالوفيات (11/272) ..(1/151)
مارية سرية، ووهب شيرين لحسان بن ثابت، والأخرى لأبى جهم بن حذيفة، وأرسل معه من يوصله مأمنه.
توفى حاطب سنة ثلاثين بالمدينة، وصلى عليه عثمان بن عفان، رضى الله عنه، وكان عمره خمسًا وستين سنة. وروينا فى صحيح البخارى عن جابر، أن عبدًا لحاطب جاء إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يشكو حاطبًا، فقال: يا رسول الله، ليدخلن حاطب النار، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “كذبت لا يدخلها، فإنه شهد بدرًا، والحديبية”، وكان حاطب حسن الجسم، خفيف اللحية. ذكره ابن سعد.
111 - حَبان بن منقذ:
مذكور فى باب خيار الشرط فى البيع من المختصر، والمهذب، والوسيط، وفى أوائل كتاب العدد من المختصر، والوسيط، وفى الرد بالعيب من المهذب. وهو بالباء الموحدة، وبفتح الحاء بلا خلاف بين أهل العلم من أهل الحديث، والتاريخ، والأسماء، والمؤتلف والمختلف، وإنما ذكرت هذا لأنى رأيت مَن يصحفه كثيرًا، فيكسر حاءه، وهذا غلط بلا شك، وقد سبق تمام نسبه فى ترجمة ابن ابنه محمد بن يحيى بن حبان.
وحبان صحابى مشهور، شهد أُحُدًا وما بعدها، وتزوج زينب الصغرى بنت ربيعة ابن الحارث بن عبد المطلب، فولدت له يحيى، وواسعًا. وتوفى حبان فى خلافة عثمان، رضى الله عنه. ومنقذ أيضًا صحابى، ذكره البخارى فى تاريخه، وقال: له صحبة، وستأتى ترجمته فى حرف الميم إن شاء الله تعالى.
112 - حجاج بن أرطأة (1) :
بفتح الهمزة. مذكور فى أول حيض المهذب. هو أبو أرطأة الحجاج بن أرطأة بن ثور ابن هبيرة بن شراحيل بن كعب بن سلامان بن عامر بن حارثة بن سعد بن مالك بن النخع النخعى الكوفى الفقيه. أحد الأئمة فى الحديث والفقه، وهو من تابعى التابعين. سمع عطاء، والشعبى، والزهرى، وقتادة، وغيرهم من التابعين. روى عنه محمد بن إسحاق، وهو تابعى، ومنصور بن
_________
(1) طبقات ابن سعد 6/359، التاريخ الكبير للبخارى 2/2835، الكنى للدولابى 1/112، الجرح والتعديل 3/673، المجروحين لابن حبان 1/225، تاريخ بغداد 8/230، ميزان الاعتدال 1/458-460، تاريخ الإسلام 6/51-53، سير أعلام النبلاء 7/68، تهذيب التهذيب لابن حجر 2/196-198، وتقريب التهذيب (1119) وقال: “أحد الفقهاء صدوق كثير الخطأ والتدليس من السابعة مات سنة خمس وأربعين بخ م 4”..(1/152)
المعتمر، والثورى، وشعبة، والحمادان، وابن المبارك، وآخرون من الأئمة.
واتفقوا على أنه مدلس، وضعفه الجمهور، فلم يحتجوا به، ووثقه شعبة وقليلون، وكان بارعًا فى الحفظ والعلم. روينا عن سفيان الثورى أنه قال لطلبة العلم: عليكم بالحجاج، فما بقى أحد أعرف بما يخرج من رأسه منه. قال: وما رأيت أحفظ منه. وعن حماد بن زيد، قال: الحجاج عندنا أقهر للحديث من الثورى، وكان قاضى البصرة. وقال هشيم: سمعت الحجاج يقول: استفتيت وأنا ابن ست عشرة سنة. وقال الحجاج: ما خاصمت قط أحدًا ولا جلست إلى قوم يختصمون، توفى بالرى.
113 - الحجاج بن يوسف الثقفى المشهور (1) :
تكرر ذكره فى المختصر، والمهذب، والوسيط، والروضة. وهو أبو محمد الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبى عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب بن مالك بن كعب الثقفى. قال ابن قتيبة: هو من الأجلاف. قال: وكان أخفش، دقيق الصوت، وأوَّل ولاية وليها تبالة، بمثناة فوق مفتوحة، ثم باء موحدة مخففة، فلما رآها احتقرها فتركها، ثم تولى قتال ابن الزبير، رضى الله عنه، فقهره على مكة والحجاز، وقتل ابن الزبير وصلبه بمكة سنة ثلاث وسبعين، فولاه عبد الملك الحجاز ثلاث سنين، وكان يصلى بالناس، ويقيم لهم الموسم، ثم ولاه العراق وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، فوليها عشرين سنة، وحطم أهلها، وفعل ما فعل. وتوفى بواسط ودفن بها، وعفى قبره، وأجرى عليه الماء، وكان موته سنة خمس وتسعين.
114 - حذيفة بن اليمان الصحابى، رضى الله عنه (2) :
تكرر فى هذه الكتب. هو أبو عبد الله حذيفة بن اليمان، وابن اليمان حسل، بكسر الحاء وإسكان السين المهملتين، ويقال: حسيل، بالتصغير، ابن جابر بن عمرو بن ربيعة ابن جروة، بجيم مكسورة، ابن الحارث بن مازن بن قطيعة بن عبس بن بغيض، بفتح الموحدة وبغين وضاد معجمتين، ابن ريث، براء مفتوحة ثم مثناة من تحت ساكنة ثم مثلثة، ابن غطفان بن سعد بن
_________
(1) الجرح والتعديل 3/718، تاريخ بغداد للخطيب 8/240، المنتظم لابن الجوزى 5/20، تاريخ الإسلام للذهبى، الورقة 231 سير أعلام النبلاء 12/301، ميزان الاعتدال 1/466، تهذيب التهذيب لابن حجر 2/209-210، وتقريب التهذيب (1140) وقال: “ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة تسع وخمسين م”..
(2) طبقات ابن سعد 5/527، 6/15، 7/317، التاريخ الكبير للبخارى 3/332، الجرح والتعديل 3/1140، الاستيعاب 1/324، أسد الغابة 1/390-392، سير أعلام النبلاء 2/361-369، تاريخ الإسلام 2/152، تهذيب التهذيب لابن حجر 2/219-220، الإصابة 1647، تقريب التهذيب (1156) وقال: “حسيل بمهملتين مصغرا ويقال حسل بكسر ثم سكون العبسي بالموحدة حليف الأنصار صحابي جليل”..(1/153)
قيس عيلان، بالعين المهملة، ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان العبسى، حليف بنى عبد الأشهل من الأنصار. قالوا: واليمان لقب حسل. وقال الكلبى، وابن سعد: هو لقب جروة. قالوا: ولقب باليمان؛ لأنه أصاب دمًا فى قومه، فهرب إلى المدينة، فحالف بنى عبد الأشهل من الأنصار، فسماه قومه اليمان؛ لأنه حالف الأنصار، وهم من اليمن.
أسلم حذيفة وأبوه، وهاجرا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وشهدا جميعًا أُحُدًا، وقُتل أبوه يومئذ، قتله المسلمون خطأ، فوهب لهم دمه، وأسلمت أم حذيفة وهاجرت. وفى كتاب الترمذى فى مناقب الحسن والحسين، رضى الله عنهما، حديث حسن، يتضمن إسلامها. روى عن حذيفة جماعات من الصحابة، منهم عمر، وعلى، وعمار، وجندب، وعبد الله بن يزيد الخطمى، وأبو الطفيل. وروى عنه خلائق من التابعين، منهم ابنه أبو عبيدة بن حذيفة، وكان صاحب سر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى المنافقين يعلمهم وحده، وسأله عمر بن الخطاب، رضى الله عنه: هل فى عمالى أحد منهم؟ قال: “نعم، واحد”، قال: من هو؟ قال: “لا أذكره”، فعزله عمر كأنما دَلّ عليه.
وأرسله رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الأحزاب سرية وحده ليأتيه بخبر القوم، فوصلهم وجاءه بخبرهم. وحديثه هذا فى الصحيح مشهور طويل، مشتمل على معجزات. وحضر حذيفة الحرب بنهاوند، فلما قتل النعمان بن مقرن أمير الجيش أخذ الراية، وكان فتح همذان، والرى، والدينور على يد حذيفة، وشهد فتح الجزيرة، ونزل نصيبين، وولاه عمر، رضى الله عنه، المدائن.
وقال عمر، رضى الله عنه، لأصحابه: تمنوا، فتمنوا ملء البيت الذى هم فيه جوهرًا لينفقوه فى سبيل الله، فقال عمر: لكنى أتمنى رجالاً مثل أبى عبيدة، ومعاذ بن جبل، وحذيفة، وأستعملهم فى طاعة الله تعالى. وكان كثير السؤال لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أحاديث الفتن والشر ليجتنبها، وسأله رجل: أى الفتن أشد؟ قال: أن يعرض عليك الخير والشر، ولا تدرى أيهما تترك.
توفى بالمدائن سنة ست وثلاثين بعد قتل عثمان بن عفان، رضى الله عنهما، بأربعين ليلة، وقُتل عثمان يوم الجمعة لثمانى عشرة خلون من ذى الحجة سنة خمس وثلاثين، ولم يدرك حذيفة وقعة الجمل؛ لأنها كانت فى(1/154)
جمادى الأولى سنة ست وثلاثين. وكان لحذيفة أخ اسمه صفوان، وأختان: أم سلمة، وفاطمة، بنو اليمان.
روينا فى صحيحى البخارى ومسلم، عن حذيفة، قال: قام فينا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مقامًا ما ترك شيئًا يكون من مقامه ذلك إلى القيام الساعة إلا حَدَّث به، حَفِظَه مَن حَفِظَه، ونَسيه مَن نسيه، قد علمه أصحابى هؤلاء، وأنه ليكون منه الشىء قد نسيته فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه.
وفى الصحيحين عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركنى. وفى صحيح مسلم عنه، قال: أخبرنى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما كان إلى أن تقوم الساعة. وفى صحيح مسلم أيضًا عنه قال: والله إنى لأعلم الناس بكل فتنة كائنة فيما بينى وبين الساعة. ومناقبه وأحواله كثيرة مشهورة، رضى الله عنه.
115 - حرام (1) :
بالراء لا بالزاى. مذكور فى باب صول الفحل من المختصر والمهذب. هو أبو سعد، وقيل: أبو سعيد حرام بن سعد بن محيصة بن مسعود بن كعب بن عامر بن عدى بن مجدعة بن حارثة، بالحاء، ابن الحارث الأنصارى الحارثى المدنى التابعى. ويقال: حرام ابن ساعدة، ويقال: حرام بن محيصة، ينسب إلى جده. روى عن البراء بن عازب. وروى عنه الزهرى. قال محمد بن سعد: كان ثقة، قليل الحديث، توفى بالمدينة سنة ثلاث عشرة ومائة، وهو ابن سبعين سنة.
واعلم أنه قد وقع فى المختصر والمهذب عن حرام بن سعد أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط قوم فأفسدت، فقضى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن على أهل الأموال حفظ أموالهم بالنهار ... إلى آخره، فجعلا الحديث مرسلاً؛ لأن حرامًا تابعى لم يدرك هذه القضية، وهذا تغيير للحديث، والحديث متصل محفوظ فى سنن أبى داود، والنسائى، وابن ماجة، وآخرين عن حرام، عن البراء، أن ناقة له دخلت، وذكر الحديث، والله أعلم.
116 - حرملة (2) :
صاحب الإمام الشافعى، رضى الله عنه، حقيقة، أحد رواة كتبه. تكرر فى المهذب، والوسيط، والروضة، وقولهم: قال فى حرملة، أو نص فى حرملة،
_________
(1) طبقات ابن سعد 5/258، تاريخ البخارى 3/350، الجرح والتعديل 3/1256، تاريخ الإسلام 4/241، تهذيب التهذيب لابن حجر 2/223، تقريب التهذيب (1163) وقال: “ثقة من الثالثة 4”..
(2) التاريخ الكبير للبخارى 3/245، الجرح والتعديل 3/1224، ميزان الاعتدال 1/472، 473، رقم 1783، سير أعلام النبلاء 11/389، تهذيب التهذيب لابن حجر 2/229، 231، تقريب التهذيب (1175) وقال: “صدوق من الحادية عشرة مات سنة ثلاث أو أربع وأربعين وكان مولده سنة ستين م س ق”. .(1/155)
معناه: قال الشافعى فى الكتاب الذى نقل عنه حرملة، فسمى الكتاب باسم راويه مجازًا، كما يقال: قرأت للبخارى، ومسلمًا، والترمذى، والنسائى، وسيبويه، والزمخشرى، وشبهها.
وهو أبو عبد الله، وقيل: أبو حفص حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران بن قراد المصرى التجيبى، بتاء مثناة فوق، ثم جيم مكسورة، والمشهور ضم التاء، وقيل بفتحها، منسوب إلى تجيب قبيلة معروفة من العرب فى اليمن. قال السمعانى: هو نسبة إلى تجيب، وهى اسم امرأة، وهى أم عدى وسعد ابنى أشرس بن شبيب بن السكون، قاله أحمد بن الحباب النسابة. قال: وهذه القبيلة نزلت مصر، وبها محلة تنسب إليها.
سمع حرملة جماعات من الأئمة، منهم الشافعى، وابن وهب، وأبوه يحيى، وغيرهم. روى عنه جماعات من الأئمة، منهم مسلم بن الحجاج فى صحيحه وأكثر عنه، وأبو زرعة، وأبو حاتم الرازيان، وابن ماجة، والحسن بن سفيان، وآخرون. وكان إمامًا، حافظًا للحديث والفقه، ويكفيه جلالة إكثار مسلم بن الحجاج عنه فى صحيحه، وصنَّف المبسوط، والمختصر.
قال ابن ماكولا: ولد حرملة سنة ست وستين ومائة، وتوفى فى شوال سنة ثلاث وأربعين ومائتين. وقال ابن عدى: توفى سنة أربع وأربعين ومائتين، رحمه الله تعالى. روينا عن أبى سليمان الخطابى فى أول كتابه معالم السنن، شرح سنن أبى داود: أن أصحاب الشافعى المتقدمين يعتمدون روايات المزنى، والربيع المرادى، عن الشافعى، ما لا يعتمدون حرملة، والربيع الجيزى، رحمهم الله أجمعين.
117 - حسان بن ثابت الصحابى، رضى الله عنه (1) :
شاعر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. مذكور فى المهذب فى الشهادات وجواز الشعر. هو أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو الوليد، ويقال: أبو الحسام حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام، بالراء، ابن عمرو بن زيد مناة بن عدى بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصارى النجارى المدنى. وأمه الفريعة بنت خالد. روينا عن محمد بن إسحاق وآخرين بأسانيد قالوا: عاش حسان بن ثابت، وأبو ثابت، وأبوه المنذر، وأبوه حرام، كل واحد من الأربعة مائة وعشرين سنة،
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى 3/120، الكنى للدولابى 1/79، 92، الجرح والتعديل 3/1026، الاستيعاب 1/341، سير أعلام النبلاء 2/512- 523، تهذيب التهذيب لابن حجر 2/247 - 248، الإصابة 1704، تقريب التهذيب (1197) وقال: “شاعر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مشهور مات سنة أربع وخمسين وله مائة وعشرون سنة خ م د س ق”..(1/156)
وهذه طُرفة عجيبة لا تُعرف فى غيرهم، كذا قاله أبو نعيم وجماعات من الأئمة.
قالوا: عاش حسان ستين سنة فى الجاهلية وستين فى الإسلام، وتوفى بالمدينة سنة أربع وخمسين، وشاركه فى هذا حكيم بن حزام، فعاش ستين سنة فى الجاهلية وستين سنة فى الإسلام، وتوفى بالمدينة سنة أربع وخمسين، ولا يُعرف لهما ثالث فى هذا. والمراد بالإسلام من حين انتشر وشاع فى الناس، وذلك قبل هجرة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنحو ست سنين.
روى عن حسان ابنه عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب. وثبت فى الصحيح أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لحسان: أهج المشركين وروح القدس معك، يعنى جبريل، عليه السلام. وفى رواية: “اللهم أيده بروح القدس” (1) . والأحاديث الصحيحة بمعنى ما ذكرته كثيرة. قالوا: ويقال له: أبو الحسام؛ لمناضلته عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتقطيعه الكفار بشعره، وتمزيق أعراضهم.
قال العلماء: كان المشركون يهجون الصحابة والإسلام، فانتدب لهجوهم ثلاثة من الأنصار: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، رضى الله عنهم، فكان حسان وكعب يعارضانهم فى الوقائع والأيام والمآثر، ويذكران مثالبهم، وكان عبد الله بن رواحة يعيرهم بالكفر وبعبادة الأوثان، فكان قوله أهون عليهم من قول صاحبيه، فلما أسلموا وفقهوا كان قول عبد الله أشد عليهم.
وقال أبو عبيدة: أجمعت العرب على أن أشعر أهل المدر أهل يثرب، ثم عبد القيس، ثم ثقيف، وعلى أن أشعر أهل المدن حسان. ووهب له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جارية اسمها شيرين، وهى أخت مارية، وهى أم ابنه عبد الرحمن،
_________
(1) أخرجه أحمد (5/222، رقم 21986) ، والبخارى (1/173، رقم 442) ، والنسائى فى الكبرى (6/51، رقم 10000) ، وابن حبان (4/532، رقم 1653) . وأخرجه أيضا: مسلم (4/1933، رقم 2485) .(1/157)
هو ابن خالة إبراهيم بن سيدنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد سبق بيانهما فى ترجمة إبراهيم.
118 - الحسن بن على بن أبى طالب، رضى الله عنهما (1) :
تكرر ذكره. هو أبو محمد الحسن بن على بن أبى طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشى الهاشمى المدنى، سبط رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وريحانته، وابن فاطمة بنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سيدة نساء العالمين، عليها السلام. ولد فى نصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة. روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحاديث، وروت عنه عائشة، رضى الله عنها. وروى عنه جماعات من التابعين، منهم ابنه الحسن بن الحسن، وأبو الحوارى، بالحاء المهملة، ربيعة بن سنان، والشعبى، وأبو وائل، وابن سيرين، وآخرون.
توفى بالمدينة مسمومًا سنة تسع وأربعين، وقيل: سنة خمسين، وقيل: إحدى وخمسين، ودفن بالبقيع، وقبره فيه مشهور، صلى عليه سعيد بن العاص. وكان الحسن رضى الله عنه، شبيهًا بالنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، سمَّاه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحسن، وعق عنه يوم سابعه، وحلق شعره وأمر أن يتصدق بزنة شعره فضة، وهو خامس أهل الكساء.
قال أبو أحمد العسكرى: سماه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحسن، وكناه أبو محمد. قال: ولم يكن هذا الاسم يُعرف فى الجاهلية. ثم روى عن ابن الأعرابى، عن المفضل، قال: إن الله تعالى حجب اسم الحسن والحسين حتى سمى بهما النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابنيه الحسن والحسين. قال: قلت له: فالذين باليمن؟ قال: ذاك حسْن، بإسكان السين، وحَسِين، بفتح الحاء وكسر السين.
أرضعته أم الفضل امرأة العباس مع ابنها قثم بن العباس، ونقلوا أن الحسن، رضى الله عنه، حج حجات ماشيًا، وقال: إنى أستحيى من الله تعالى أن ألقاه ولم أمش إلى بيته. وقاسم الله تعالى ماله ثلاث مرات، فتصدق بنصفه حتى كان يتصدق بنعل ويمسك نعلاً، وخرج من ماله كله مرتين، وكان حليمًا، كريمًا، ورعًا، دعاه ورعه وحلمه إلى أن ترك الدنيا والخلافة لله تعالى، وكان من المبادرين إلى نصرة عثمان بن عفان، رضى الله عنه.
وولى الخلافة بعد قتل أبيه على، رضى الله عنه، وكان قتل على لثلاث عشرة بقيت من شهر رمضان سنة أربعين، وبايعه أكثر من أربعين
_________
(1) انظر: الإصابة (1/328) ، والاستيعاب (1/369) ، وتهذيب الكمال (5/220) ، والبداية والنهاية (8/14، 33، 45) ، وسير أعلام النبلاء (3/245 - 279) برقم (47) ، والعقد الثمين (4/157) ، والوافى بالوفيات (12/107) ، ووفيات الأعيان (2/65) ، وتاريخ دمشق (10/49) ، والتاريخ الكبير (2/286) ، وحلية الأولياء (2/35) ، أسد الغابة (1/9 - 15) ، وتاريخ بغداد (1/138) ..(1/158)
ألفًا كانوا بايعوا أباه، وبقى نحو سبعة أشهر خليفة بالحجاز، واليمن، والعراق، وخراسان، وغير ذلك، ثم سار إليه معاوية من الشام، وسار هو إلى معاوية، فلما تقاربا علم أنه لن تغلب إحدى الطائفتين حتى يذهب أكثر الأخرى، فأرسل إلى معاوية يبذل له تسليم الأمر إليه، على أن تكون له الخلافة بعده، وعلى أنه لا يطلب أحدًا من أهل المدينة والحجاز والعراق بشىء مما كان أيام أبيه، وغير ذلك من القواعد، فأجابه معاوية إلى ما طلب، فاصطلحا على ذلك، وظهرت المعجزة النبوية فى قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للحسن: “إن ابنى هذا سيد يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين”. قيل: كان صلحهما لخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين، وقيل: فى شهر ربيع الآخر، وقيل: فى نصف جمادى الأولى من السنة المذكورة، وكان وصى إلى أخيه الحسين، رضى الله عنهما.
روينا فى صحيح البخارى ومسلم، عن البراء، قال: رأيت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والحسن على عاتقه، وهو يقول: “اللهم إنى أحبه فأحبه” (1)
) . وفى صحيح البخارى، عن أسامة، قال: كان النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأخذنى فيقعدنى على فخذه، ويقعد الحسن على فخذه الأخرى، ثم يضمهما ثم يقول: “اللهم إنى أرحمهما فارحمهما”. وفى صحيح البخارى، عن أبى بكرة، قال: سمعت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المنبر والحسن إلى جنبه ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة، يقول: “إن ابنى هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين” (2) .
وفى البخارى، عن أنس، رضى الله عنه، قال: لم يكن أحد أشبه بالنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الحسن بن على، رضى الله عنهما. وفى البخارى، عن ابن عمر، رضى الله عنهما، قال: قال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “هما ريحانتاى من الدنيا” (3) ، يعنى الحسن والحسين، رضى الله عنهما. وفى البخارى عن ابن عمر، رضى الله عنه، قال: قال أبو بكر، رضى الله عنه: ارقبوا محمدًا فى أهل بيته.
وفى صحيح مسلم، عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “وأنا تارك فيكم ثقلين أولهم كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به” (4) ، فحث على كتاب الله ورغب، ثم قال: “وأهل بيتى أذكركم الله فى أهل بيتى، أذكركم الله فى أهل بيتى” (5) .
_________
(1) حديث أبى هريرة: أخرجه أحمد (2/249، رقم 7392) ، والبخارى (5/2207، رقم 5545) ، ومسلم (4/1882، رقم 2421) ، وابن ماجه (1/51، رقم 142) ، وأبو يعلى (11/278، رقم 6391) .
حديث سعيد بن زيد: أخرجه الطبرانى (1/152، رقم 351) . قال الهيثمى (9/176) : رجاله رجال الصحيح غير يزيد بن يحنس، وهو ثقة.
حديث عائشة: أخرجه الطبرانى (3/32، رقم 2585) ، قال الهيثمى (9/176) : فيه عثمان بن أبى الكنات، وفيه ضعف. وابن عساكر (13/197) .
(2) حديث أبى بكرة: أخرجه أحمد (5/49، رقم 20517) ، والبخارى (2/962، رقم 2557) ، وأبو داود (4/216، رقم 4662) ، والنسائى (3/107، رقم 1410) . وأخرجه أيضًا: الطبرانى (3/33، رقم 2588) ، والحاكم (3/191، رقم 4809) ، والبيهقى (8/173، رقم 16486) .
(3) حديث ابن عمر: أخرجه الترمذى (5/657، رقم 3770) ، وقال: صحيح. والحديث أصله عند البخارى (5/2234، رقم 5648) .
حديث أنس: أخرجه النسائى فى الكبرى (5/150، رقم 8529) .
(4) أخرجه أحمد (4/366، رقم 19285) ، والدارمى (2/524، رقم 3316) ، وعبد بن حميد (ص 114، رقم 265) ، ومسلم (4/1873، رقم 2408) ، وابن خزيمة (4/62، رقم 2357) ، وابن حبان (1/330، رقم 123) ، والحاكم (3/160، رقم 4711) ، (3/118، رقم 4577) ، (3/613، رقم 6272) . وأخرجه أيضًا: البيهقى (2/148، رقم 2679) .
(5) أخرجه أحمد (4/366، رقم 19285) ، والدارمى (2/524، رقم 3316) ، وعبد بن حميد (ص 114، رقم 265) ، ومسلم (4/1873، رقم 2408) ، وابن خزيمة (4/62، رقم 2357) ، وابن حبان (1/330، رقم 123) ، والحاكم (3/160، رقم 4711) ، (3/118، رقم 4577) ، (3/613، رقم 6272) . وأخرجه أيضًا: البيهقى (2/148، رقم 2679) .(1/159)
وعن أبى سعيد الخدرى، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة” (1)
) . رواه الترمذى، وقال: حديث حسن صحيح. وعن أسامة بن زيد، قال: طرقت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات ليلة، فخرج وهو مشتمل على شىء، قلت: ما هذا؟ فكشفه، فإذا حسن وحسين على وركيه، فقال: “هذان ابناى وابنا ابنتى، اللهم إنى أحبهما فأحبهما، وأحب من يحبهما”) . رواه الترمذى، وقال: حديث حسن. ومناقبه، رضى الله عنه كثيرة مشهورة.
119 - الحسن بن محمد بن الحنفية (2) :
مذكور فى المختصر فى المتعة. هو أبو محمد الحسن بن محمد بن على بن أبى طالب، رضى الله عنهم، القرشى الهاشمى المدنى التابعى. سمع سلمة بن الأكوع، وجابر بن عبد الله الصحابيين، وسمع أباه وغيره من التابعين. روى عنه عمرو بن دينار، والزهرى، وآخرون. واتفقوا على توثيقه. روى له البخارى ومسلم، توفى سنة مائة أو تسع وتسعين، رحمه الله.
120 - الحسن بن محمد بن الصباح الزعفرانى البغداد (3) :
أبو على، صاحب الشافعى، رضى الله عنه. أحد رواة كتبه القديمة. قال صاحب الحاوى فى وقت صلاة المغرب: الزعفرانى أثبت رواة القديم، وكذا قاله غيره. ودرب الزعفرانى الذى ببغداد منسوب إليه، وفيه مسجد الشافعى، رضى الله عنه. وكان الشيخ أبو إسحاق صاحب التنبيه يدرس فيه، ذكره فى طبقاته. سمع الزعفرانى ابن عيينة، وابن علية، ووكيعًا، وعبد الوهاب بن عطاء، وعبد الوهاب الثقفى، والشافعى، وعفان بن مسلم، وآخرين. روى عنه البخارى، وأبو داود، والنسائى، والترمذى، وابن ماجة، وقاسم بن زكريا، وزكريا بن يحيى الساجى، وابن خزيمة، والبغوى، وابن صاعد، والحسين المحاملى، وآخرون.
روينا عن الزعفرانى، قال: لما قرأت كتاب الرسالة على الشافعى، قال لى: من أى العرب أنت؟ قلت: ما أنا من العرب، وما أنا إلا من قرية يقال لها: الزعفرانية، قال: أنت سيد هذه القرية. قال النسائى: هو ثقة. وقال ابن المنادى: هو أحد الثقات. وقال الساجى: سمعت الزعفرانى يقول: قدم علينا الشافعى، رحمه الله، فاجتمعنا، فقال: التمسوا من يقرأ لكم، فلم يحسن غيرى، وما كان فى وجهى
_________
(1) حديث أبى سعيد: أخرجه ابن أبى شيبة (6/378، رقم 32176) ، والترمذى (5/656، رقم 3768) وقال: حسن صحيح. وأحمد (3/3، رقم 11012) ، والطبرانى (3/39، رقم 2614) . وأخرجه أيضًا: النسائى فى الكبرى (5/149، رقم 8525) ، وابن عساكر (13/211) .
حديث على: أخرجه ابن أبى شيبة (6/378، رقم 32179) ، والطبرانى (3/35، رقم 2599) ، قال الهيثمى (9/182) : رواه الطبرانى بأسانيد وفيها الحارث الأعور وهو ضعيف. والخطيب (2/185) . وأخرجه أيضًا: ابن عساكر (13/208) .
حديث أبى هريرة: أخرجه الطبرانى (3/37، رقم 2605) .
حديث جابر: أخرجه الطبرانى (3/39، رقم 2616) ، قال الهيثمى (9/183) : فيه جابر الجعفى، وهو ضعيف.
حديث عمر: أخرجه الطبرانى (3/35، رقم 2598) ، قال الهيثمى (9/182) : فيه حكيم بن حزام أبو سمير، وهو متروك. وابن عدى (2/220) ، وابن عساكر (14/132) .
حديث ابن مسعود: أخرجه ابن عدى (5/322) ، وابن عساكر (14/133) . وأخرجه أيضًا: أبو نعيم (5/58) .
حديث بريدة: أخرجه ابن عساكر (13/210) .
(2) طبقات ابن سعد 5/328، التاريخ الكبير للبخارى 2/2560، الجرح والتعديل 3/144، تاريخ الإسلام 3/357، 359، سير أعلام النبلاء 4/130، 131، تهذيب التهذيب لابن حجر 2/320، 321، تقريب التهذيب (1248) وقال: “ثقة فقيه يقال إنه أول من تكلم في الارجاء من الثالثة مات سنة مائة أو قبلها بسنة ع”.
(3) انظر: الجرح والتعديل (3/36) ، والثقات لابن حبان (8/177) ، وتاريخ بغداد (7/407 - 410) ، ووفيات الأعيان (2/73، 74) ، وتهذيب الكمال (6/310 - 313) ، والمختصر فى أخبار البشر (2/49) ، وسير أعلام النبلاء (12/262 - 265) برقم (100) ، ومرآة الجنان (2/171، 172) ، والوافى بالوفيات (12/235) ، وتهذيب التهذيب (2/318، 319) ، وتقريب التهذيب (1/170) .(1/160)
شعرة، وأنى لأعجب من انطلاق لسانى، وجسارتى بين يديه، فقرأت الكتب كلها إلا كتابين قرأهما هو: المناسك، والصلاة. وروى البيهقى، عن القاضى أبى حامد المروزى من أصحابنا، قال: كان الزعفرانى من أهل اللغة. توفى الزعفرانى فى شهر رمضان سنة ستين ومائتين.
121 - الحسن بن مسلم (1) :
مذكور فى المختصر فى عدة الرجعة. هو الحسن بن مسلم بن يناق، بمثناة تحت مفتوحة، ثم نون مشددة، ثم ألف، ثم قاف، المكى. سمع طاووسًا، ومجاهدًا، وسعيد بن جبير، وغيرهم. روى عنه حميد الطويل، وعمرو بن مرة، والحكم، وسليمان التيمى، وهؤلاء تابعيون، وليس هو تابعيًا، وهذا من رواية الكبار عن الصغار، وروى عنه أيضًا ابن جريج وغيره من المتأخرين. واتفقوا على توثيقه. روى له البخارى ومسلم، توفى قبل أبيه مسلم، وقبل طاووس.
122 - الحسن البصرى (2) :
تكرر فى المختصر، والمهذب. هو الإمام المشهور المجمع على جلالته فى كل فن، أبو سعيد الحسن بن أبى الحسن يسار التابعى البصرى، بفتح الباء وكسرها، الأنصارى، مولاهم مولى زيد بن ثابت، وقيل: مولى جميل بن قطبة، وأمه اسمها خيرة مولاة لأم سلمة أم المؤمنين، رضى الله عنها. ولد الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه. قالوا: فربما خرجت أمه فى شغل فيبكى فتعطيه أم سلمة، رضى الله عنها، ثديها فيدر عليه، فيرون أن تلك الفصاحة والحكم من ذلك.
ونشأ الحسن بوادى القرى، وكان فصيحًا، رأى طلحة بن عبيد الله، وعائشة، رضى الله عنها، ولم يصح له سماع منها. وقيل: إنه لقى على بن أبى طالب، رضى الله عنه، ولم يصح، وسمع ابن عمر، وأنسًا، وسمرة، وأبا بكرة، وقيس بن عاصم، وجندب بن عبد الله، ومعقل بن يسار، وعمرو بن تغلب، بالمثناة والغين المعجمة، وعبد الرحمن بن سمرة، وأبا برزة الأسلمى، وعمران بن الحصين، وعبد الله بن مغفل، وأحمر بن جزء، وعائد بن عمرو المزنى الصحابيين، رضى الله عنهم. وسمع خلائق من كبار التابعين، روى عنه خلائق من التابعين وغيرهم.
وروينا عن الفضيل بن عياض،
_________
(1) طبقات ابن سعد 5/479، التاريخ الكبير للبخارى 2/2565، الجرح والتعديل 3/155، تاريخ الإسلام 4/106، تهذيب التهذيب لابن حجر 2/322، تقريب التهذيب (1286) وقال: “ثقة من الخامسة ومات قديما بعد المائة بقليل خ م د س ق”..
(2) طبقات ابن سعد 7/156، التاريخ الكبير للبخارى 2/2503، الكنى للدولابى 1/187، 189، الجرح والتعديل 3/177، تاريخ الإسلام 4/98، 106، سير أعلام النبلاء 4/563، 588، ميزان الاعتدال 1/527، تهذيب التهذيب لابن حجر 2/263، 270، تقريب التهذيب (1227) وقال: “ثقة فقيه فاضل مشهور وكان يرسل كثيرا ويدلس، هو رأس أهل الطبقة الثالثة مات سنة عشر ومائة وقد قارب التسعين ع”..(1/161)
رحمه الله، قال: سألت هشام بن حسان: كم أدرك الحسن من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: مائة وثلاثين، قلت: فابن سيرين؟ قال: ثلاثين. وروينا عن الحسن، قال: غزونا غزوة إلى خراسان معنا فيها ثلاثمائة من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان الرجل منهم يصلى بنا ويقرأ الآيات من السورة ثم يركع.
قال يحيى بن معين، وأبو حاتم، وابن أبى خيثمة، وغيرهم: ولم يصح للحسن سماع من أبى هريرة، فقيل ليحيى: يجىء فى بعض الحديث عن الحسن، قال: حدثنا أبو هريرة؟ قال: ليس بشىء، قيل له: فسالم الخياط قال: سمعت الحسين يقول: سمعت أبا هريرة، فقال: سالم الخياط ليس بشىء، وأثنى على ابن المدينى، وأبو زرعة على مراسيل الحسن.
وروينا عن مطر الوراق، قال: كان الحسن كأنما كان فى الآخرة، فهو يخبر عما رأى وعاين. وقال أبو بردة: لم أر من لم يصحب النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشبه بأصحابه من الحسن. وروينا عن الربيع بن أنس، قال: اختلفت إلى الحسن عشر سنين أو ما شاء الله، ما من يوم إلا أسمع منه ما لم أسمع قبله.
وروينا عن محمد بن سعد، قال: كان الحسن جامعًا، عالمًا، رفيعًا، فقيهًا، ثقة، مأمونًا، عابدًا، ناسكًا، كثير العلم، جميلاً، وسيمًا. وقدم مكة فأجلسوه على سرير، واجتمع الناس إليه، فيهم طاووس، وعطاء، ومجاهد، وعمرو بن شعيب، فحدثهم، فقالوا، أو قال بعضهم: لم ير مثل هذا قط. وقال بكر بن عبد الله: الحسن أفقه من رأينا. ومناقبه كثيرة مشهورة. توفى سنة عشر ومائة.
ومن حكم الحسن ما ذكره الشافعى، رضى الله عنه، فى المختصر فى قول الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ} [آل عمران: 159] ، قال الحسن: كان غنيًا عن مشاورتهم، ولكن أراد أن يستن به الحكام بعده. وقال فى قوله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79] الآية: لولا هذه الآية لرأيت الحكام هلكوا، ولكن أثنى على هذا بصوابه، وأثنى على هذا باجتهاده. واعلم أن الحسن تكرر فى المهذب ولا ينسبه، فحيث جاء الحسن مطلقًا فيه فهو البصرى.
123 - الحسين - بضم الحاء - ابن على بن أبى طالب الهاشمى (1) :
أبو عبد الله، سبط رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وريحانته، رضى الله عنه. وهو وأخوه
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى 2/2846، الجرح التعديل 3/249، تقريب التهذيب (1334) ..(1/162)
الحسن سيدا شباب أهل الجنة، وقد سبق جملة من مناقبه فى مناقب أخيه الحسن بن على، رضى الله عنهما. ولد الحسين لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة، قاله الزبير بن بكار وغيره. وقال جعفر بن محمد: لم يكن بين الحمل بالحسين وولادة الحسن إلا طهر واحد. وروينا فى كتاب الترمذى، عن يعلى بن مرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “حسين منى وأنا من حسين، أحب الله مَن أحب حسينًا، حسين سبط من الأسباط”، قال الترمذى: حديث حسن.
وروينا فيه عن على بن أبى طالب، رضى الله عنه، قال: الحسن أشبه برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما كان أسفل من ذلك. قال الترمذى: حديث حسن. قال الزبير بن بكار: حدثنى مصعب، قال: حج الحسين خمسًا وعشرين حجة ماشيًا. قالوا: وكان الحسين، رضى الله عنه، فاضلاً، كثير الصلاة، والصوم، والحج، والصدقة، وأفعال الخير جميعها. قُتل، رضى الله عنه، يوم الجمعة، وقيل: يوم السبت يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق، وقبره مشهور يُزار ويُتبرك به، وحزن الناس عليه كثيرًا، وأكثروا فيه المراثى، رضى الله عنه.
وللحسين، رضى الله عنه، أولاد على الأكبر، وعلى الأصغر، وفاطمة، وسكينة، رضى الله عنهم. روينا فى تاريخ دمشق أن سكينة اسمها أميمة، وقيل: أمينة، وقيل: آمنة، قدمت دمشق مع أهلها، ثم خرجت إلى المدينة، ويقال: عادت إلى دمشق، وأن قبرها بها، والصحيح وقول الأكثرين أنها توفيت بالمدينة يوم الخميس لخمس خلون من شهر ربيع الأول سنة سبع عشرة ومائة، وكانت من سيدات النساء، وأهل الجود والفضل، رضى الله عنها وعن آبائها.
124 - الحسين بن حريث الجدلى (1) :
مذكور فى المهذب فى شهادة هلال رمضان، كذا وقع فى المهذب: ابن حريث، وهو غلط، والصواب: ابن الحارث، وهو مشهور معروف لا خلاف فيه بين أهل العلم بهذا الفن، وهو أبو القاسم الحسين بن الحارث الكوفى التابعى الجدلى، من جديلة قيس القبيلة المعروفة. سمع ابن عمر، والنعمان بن بشير،
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى 2/2850، الجرح والتعديل 3/222، تاريخ الإسلام 4/242، 5/61، تهذيب التهذيب لابن حجر 2/333، تقريب التهذيب (1313) وقال: “صدوق من الثالثة د س”..(1/163)
والحارث بن حاطب، وغيرهم. روى عنه سعد بن طارق، وعطاء بن السائب، وشعبة، ويحيى بن أبى زيادة، وغيرهم.
وقد زعم بعض المتأخرين ممن صنف فى ألفاظ المهذب بأن قول صاحب المهذب: الحسين الجدلى، جديلة قيس، غلط، وأن صوابه جديلة عبد القيس، أو الجدلى العبدى، فإن النسبة إلى عبد القيس لا تكون إلا هكذا، وهذا الذى قاله هذا الزاعم غلط صريح، وجهل فاحش، بل الصواب ما قاله صاحب المهذب: جديلة قيس، وهكذا جاء مصرحًا به فى جميع روايات هذا الحديث فى سنن أبى داود، والبيهقى، وغيرهما، وكذا ذكره أئمة التواريخ وأسماء الرجال كلهم، يقولون: الجدلى جديلة قيس. قال العلماء: فى العرب ثلاث قبائل تسمى كل واحدة جديلة:
إحداها: من أسد، وهو عبد القيس بن أفصى، بالفاء والصاد المهملة، ابن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة.
والثانية: من طىء، وهو جديلة بن سبيع، بضم السين، ابن عمرو.
والثالثة: جديلة قيس عيلان، بالعين المهملة، وقد ذكر هذه الثالثة أئمة الأنساب أبو عبيدة معمر، وابن حبيب، والزبير بن بكار، ونقله من الأئمة الحفاظ المتقدمين والمتأخرين أبو نصر بن ماكولا، وهذا الحسين بن الحارث منسوب إلى هذه الثالثة.
125 - الحسين بن محمد (1) :
وهو القاضى حسين، من أصحابنا. تكرر ذكره فى الوسيط، والروضة، ولا ذكر له فى المهذب، ويأتى كثيرًا معرفًا بالقاضى حسين، وكثيرًا مطلقًا القاضى فقط، وهو الإمام أبو على الحسين بن محمد المروزى، ويقال له أيضًا: المرورذى، بالذال المعجمة وتشديد الراء الثانية وتخفيفها، وهو من أصحابنا أصحاب الوجوه، كبير القدر، مرتفع الشأن، غواص على المعانى الدقيقة، والفروع المستفادة الأنيقة، وهو من أجل أصحاب القفال المروزى، له التعليق الكبير، وما أجزل فوائده، وأكثر فروعه المستفادة، ولكن يقع فى نسخه اختلاف، وكذلك تعليق الشيخ أبى حامد. وللقاضى الفتاوى المفيدة، وهى مشهورة. وروى الحديث، وتفقه عليه جماعات من الأئمة، منهم صاحب التتمة، والتهذيب، وكتاباهما فى التحقيق
_________
(1) طبقات ابن سعد 7/338، التاريخ الكبير للبخارى 2/2879، الجرح التعديل 3/287، 290، تاريخ الخطيب 8/88 - 90، ميزان الاعتدال 1/2047، تهذيب التهذيب لابن حجر 2/366، تقريب التهذيب (1345) وقال: “ثقة من التاسعة مات سنة ثلاث عشرة أو بعدها بسنة أو سنتين ع”.(1/164)
مختصر وتهذيب لتعليقه.
وقد روينا عن القاضى جملة كثيرة من الأحاديث النبوية. قال الرافعى: وكان يقال له: حبر الأمة. قال: وسمعت سبطه الحسن بن محمد بن الحسين بن محمد ابن القاضى حسين يقول: أتى القاضى، رحمه الله، رجل فقال: حلفت بالطلاق أنه ليس أحد فى الفقه أو العلم مثلك، فأطرق رأسه ساعة وبكى، ثم قال: هكذا يفعل موت الرجال، لا يقع طلاقك.
قال القاضى حسين فى تعليقه فى باب الأذان: نقل الإمام أحمد البيهقى، عن الشافعى، رضى الله عنه، قولاً أنه إذا ترك الترجيع فى الأذان لا يصح أذانه، وفى هذا الكلام فوائد، منها فضيلة البيهقى بوصف القاضى له بهذا، ومنها تواضع القاضى، ومنها معرفة هذا القول الغريب، والمذهب الصحيح أن الأذان لا يبطل بتركه، ولكن يتأكد المحافظة عليه، وقد أوضحته بدلائله فى شرح المهذب.
واعلم أنه متى أطلق القاضى فى كتب متأخرى الخراسانيين كالنهاية، والتتمة، والتهذيب، وكتب الغزالى ونحوها، فالمراد القاضى حسين، ومتى أطلق القاضى فى كتب متوسط العراقيين، فالمراد القاضى أبو حامد المروروذى، ومتى أطلق فى كتب الأصول لأصحابنا، فالمراد القاضى أبو بكر الباقلانى الإمام المالكى فى الفروع، ومتى أطلق فى كتب المعتزلة أو كتب أصحابنا الأصوليين حكاية عن المعتزلة، فالمراد به القاضى الجبائى، والله أعلم.
توفى القاضى حسين، رحمه الله، بعد صلاة العشاء ليلة الأربعاء الثالث والعشرين من المحرم سنة اثنتين وستين وأربعمائة. ومن غرائب القاضى حسين ما حكيته فى آخر باب ما يفسد الصلاة فى شرح المهذب، أنه قال: لو صلى وهو يدافع الأخبثين بحيث يذهب خشوعه، لم تصح صلاته، وقال قبله الشيخ أبو زيد المروذى، والصحيح المشهور لا تبطل، لكن تكره، وله غرائب كثيرة ذكرتها فى الروضة، وشرح المهذب متفرقة، رحمه الله.
126 - الحكم بن حزن الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب فى صلاة الجمعة، وحزن بفتح الحاء المهملة وإسكان الزاى، وهو قليل الحديث، لا يُعرف له إلا
_________
(1) طبقات ابن سعد (5/516) ، والتاريخ الكبير للبخارى (2/الترحمة:2649) ، وتاريخ الطبرى (7/255 - 267، 268) ، والجرح والتعديل (3/الترجمة:534) ، وأسد الغابة (2/31) ، وتهذيب التهذيب (2/425) ، والإصابة (1/343) . تقريب التهذيب (1441) وقال: “الحكم ابن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي الكلفي بضم الكاف وفتح اللام ثم فاء صحابي قليل الحديث د”.(1/165)
الحديث الذى فى المهذب، وهو حديث حسن. رويناه فى سنن أبى داود بإسناد صحيح أو حسن، عن شعيب بن رزيق، قال: جلست إلى رجل له صحبة من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقال له: الحكم بن حزن الكلفى، فقال: وفدت على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سابع سبعة أو تاسع تسعة، فدخلنا فقلنا: يا رسول الله، زرناك فادع الله لنا بخير، فأمر بنا أو أمر لنا بشىء من التمر، فأقمنا بها أيامًا شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقام متوكئًا على عصى أو قوس، فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات، ثم قال: “أيها الناس، إنكم لن تطيقوا، أو لن تفعلوا كل ما أمرتم به، ولكن سددوا وأبشروا”، قال أبو داود: ثبتنى فى شىء منه بعض أصحابنا. ورويناه فى مسند أبى يعلى الموصلى بحذف كلام أبى داود، رحمه الله.
127 - حكيم - بفتح الحاء وبالياء - ابن حزام - بالزاى (1) :
تكرر فى المختصر، والمهذب. هو أبو خالد حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى بن كلاب القريشى الأسدى المكى. أسلم يوم فتح مكة سنة ثمان من الهرجة، وكان شهد بدرًا مع المشركين، وكان إذا اجتهد فى يمينه قال: والذى نجانى أن أكون قتيلاً يوم بدر.
ولد قبل عام الفيل بثلاث عشرة سنة على الأشهر، وعاش ستين سنة فى الجاهلية، وستين فى الإسلام، ولا يشاركه فى هذا أحد إلا حسان بن ثابت، وقد قدمنا فى ترجمة حسان أن المراد بهذا بقولهم: ستين سنة فى الإسلام، أى من حين ظهوره ظهورًا فاشيًا. قالوا: ولد حكيم فى جوف الكعبة، ولا يُعرف أحد ولد فيها غيره، وأما ما روى أن على بن أبى طالب، رضى الله عنه، ولد فيها، فضعيف عند العلماء.
توفى حكيم بالمدينة سنة أربع وخمسين. روى عنه سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعبد الله بن الحارث، وموسى بن طلحة، وابنه حزام بن حكيم، وصفوان بن محمد، والمطلب بن حنطب، ويوسف بن ماهك، بفتح الهاء، ومحمد بن سيرين.
وكان حكيم من أشراف قريش ووجوهها فى الجاهلية والإسلام، وأعطاه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم حنين مائة بعير، ولم يصنع من المعروف شيئًا فى الجاهلية إلا صنع
_________
(1) والتاريخ الكبير للبخارى (3/الترحمة:42) ، والكنى للدولابى (1/68) ، والجرح والتعديل (3/الترجمة:876) ، والاستيعاب (1/362) ، وتاريخ الاسلام (2/277) ، وسير أعلام النبلاء (3/44) ، وتهذيب التهذيب (2/447) ، والإصابة (1/342) . تقريب التهذيب (1470) ..(1/166)
فى الإسلام مثله، وكانت دار الندوة له فباعها لمعاوية بمائة ألف درهم، فقيل له: بعت مكرمة قريش، فقال: ذهبت المكارم إلا بالتقوى، وتصدق بثمنها. قالوا: وحج فى الإسلام ومعه مائة بدنة قد جللها بالحبرة أهداها، ووقف بمائة وصيف معهم أطواق الفضة منقوش فيها: عتقاء الله عن حكيم بن حزام. وأهدى ألف شاة، وكان جوادًا.
وحكيم ابن أخى خديجة بنت خويلد أم المؤمنين، رضى الله عنها، وابن عم الزبير بن العوام بن خويلد، وأوصى إلى عبد الله بن الزبير، وله مناقب كثيرة. روينا فى صحيحى البخارى ومسلم، عن حكيم بن حزام، قال: قلت: يا رسول الله، رأيت أشياء كنت أتحنث بها فى الجاهلية من صدقة وعتاقة وصلة رحم، فهل لى فيها من أجر؟ فقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “أسلمت على ما أسلفت من خير”، قال: قلت: فوالله لا أدع شيئًا صنعته فى الجاهلية إلا صنعت فى الإسلام مثله. التحنث: التبرر، ومعناه دفع الحنث.
وروينا فى صحيحيهما عن حكيم، قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأعطانى، ثم سألته فأعطانى، ثم قال: “يا حكيم، إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذى يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى) ، قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذى بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا”.
وكان أبو بكر، رضى الله عنه، يدعو حكيمًا ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئًا، ثم دعاه عمر ليعطيه فأبى أن يقبله، فقال: يا معشر المسلمين، أشهدكم على حكيم أنى أعرض عليه حقه الذى قسم الله له من هذا الفىء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس بعد النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئًا حتى توفى، رضى الله عنه.
128 - حكيم بن معاوية، والد بهز بن حكيم (1) :
تكرر فى زكاة المهذب. هو أبو بهز حكيم بن معاوية بن الحيدة القشيرى البصرى التابعى، ثقة معروف، روى عنه ابنه بهز والحريرى.
129 - حماد (2) :
مذكور فى المهذب فى باب الأذان، أظنه حماد بن زيد، وهو الإمام البارع المجمع على جلالته أبو إسماعيل حماد بن زيد بن درهم الأزدى الجهضمى البصرى، مولى آل جرير ابن حازم. سمع ثابتًا البنانى، ومحمد بن سيرين، وعمرو بن
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (3/الترحمة:45) ، والجرح والتعديل (3/الترجمة:903) ، وتاريخ الاسلام (4/108) . تقريب التهذيب (1478) وقال: “صدوق من الثالثة خت 4”..
(2) طبقات ابن سعد (7/286) ، والتاريخ الكبير للبخارى (3/الترحمة:100) ، والكنى للدولابى (1/96) ، والجرح والتعديل (3/الترجمة:617) ، وسير أعلام النبلاء (7/456 - 466) ، وتهذيب التهذيب (3/9 - 11) . تقريب التهذيب (1498) وقال: “ثقة ثبت فقيه قيل إنه كان ضريرا ولعله طرأ عليه لأنه صح أنه كان يكتب من كبار الثامنة مات سنة تسع وسبعين وله إحدى وثمانون سنة ع”..(1/167)
دينار، وخلائق من التابعين، وغيرهم. روى عنه جماعات من أعلام الأئمة، منهم الثورى، وابن عيينة، وابن المبارك، وابن مهدى، ويحيى القطان، ووكيع، ويزيد بن هارون، وخلائق.
روينا عن عبد الرحمن بن مهدى، قال: أئمة الناس فى زمانهم أربعة: الثورى بالكوفة، ومالك بالحجاز، والأوزاعى بالشام، وحماد بن زيد بالبصرة. وقال عبيد الله بن الحسن: إنما هما الحمادان، فإذا طلبتم العلم فاطلبوه من الحمادين، يعنى ابن زيد وابن سلمة. وقال يحيى بن معين: ليس أحد أتقن من حماد بن زيد.
وقال يحيى بن يحيى: ما رأيت أحدًا من الشيوخ أحفظ من حماد بن زيد. وقال ابن مهدى: ما رأيت أعلم من حماد بن زيد. وقال حماد: جالست أيوب عشرين سنة. ولد حماد سنة ثمان وتسعين، وتوفى فى شهر رمضان سنة تسع وسبعين ومائة بالبصرة، وقد ذكر ابن أبى حاتم جملة صالحة من مناقبه، رضى الله عنه.
130 - حماس:
والد عمرو بن حماس. مذكور فى المختصر فى أول زكاة التجارة. قال البخارى: هو أبو عمر حماس بن عمرو الليثى المدنى التابعى، سمع عمر بن الخطاب، رضى الله عنه. روى عنه ابنه أبو عمرو، وستأتى ترجمة ابنه إن شاء الله تعالى. وحماس بكسر الحاء المهملة وتخفيف الميم والسين المهملة، وهو من الأسماء المفردة، ذكره البخارى، وابن أبى حاتم، وغيرهما فى الأفراد.
131 - حمزة بن عبد المطلب:
عم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورضى عنه. تكرر ذكره، يقال له: أسد الرحمن، وأسد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعمه، وأخوه من الرضاعة، كنيته أبو عمارة، كنى بابن له يقال له: عمارة من امرأة من بنى النجار، وقيل: كنيته أبو يعلى، كنى بابنه يعلى، ولم يعقب حمزة، وأمه هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وهى بنت عم آمنة بنت وهب أم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو شقيق صفية بنت عبد المطلب أم الزبير بن العوام، رضى الله عنهم. وكان حمزة أسن من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسنتين، وقيل: بأربع، وآخى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينه وبين زيد بن حارثة. أسلم حمزة فى السنة الثانية من مبعث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا وبارز، وأبلى فيها بلاء عظيمًا، وقاتل بسيفين.(1/168)
قال أبو الحسن المدائنى: أول لواء عقده رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحمزة بن عبد المطلب حين بعثه فى سرية إلى سيف البحر، بكسر السين، من أرض جهينة، وخالفه ابن إسحاق، فقال: أول لواء عقده لعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب. استشهد يوم أُحُد فى نصف شوال من السنة الثالثة من الهجرة بعد أن قتل أُحُدًا وثلاثين من الكفار، ودفن عند أُحُد فى موضعه، وقبره مشهور يزار ويتبرك به، وحزن عليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصحابة، رضى الله عنهم.
132 - حمزة بن عمرو الأسلمى الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المختصر، والمهذب فى الصيام. هو أبو صالح، وقيل: أبو محمد حمزة بن عمرو بن عويمر بن الحارث بن الأعرج بن سعد بن رزاح، براء مفتوحة، ثم زاى، وبالحاء المهملة، ابن عدى بن سهل، وقيل: سهم بن مازن بن الحارث بن سلامان بن أسلم بن أفصى بن حارثة الأسلمى. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسعة أحاديث، روى مسلم فى صحيحه حديثًا.
روت عنه عائشة أم المؤمنين، رضى الله عنها، وابنه محمد، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، وغيرهم. توفى سنة إحدى وستين، وهو ابن إحدى وسبعين سنة، وقيل: ابن ثمانين، وكان يصوم الدهر، ثبت هذا فى صحيح مسلم.
أخبرنا أبو إسحاق الواسطى، أنبأ الفراوى، أنبأ الفارسى، أنبأ الجلودى، أنبأ ابن سفيان، أنبأ أو ثنا مسلم، ثنا أبو الربيع، ثنا حماد، ثنا هشام، عن أبيه، عن عائشة، رضى الله عنها، أن حمزة بن عمرو سأل النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا رسول الله، إنى رجل أسرد الصوم، أفأصوم فى السفر؟ قال: “صم إن شئت، وأفطر إن شئت”. وروى البخارى فى تاريخه بإسناده، عن محمد بن حمزة هذا عن أبيه، قال: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى سفر، فتفرقنا فى ليلة ظلماء، فأضاءت أصابعى حتى جمعوا عليها ظهرهم وما هلك منهم، وإن أصابعى لتنير. وروى بإسناده أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كناه أبا صالح.
133 - حمل بن النابغة الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المهذب فى دية الجنين، هو بفتح الحاء المهملة والميم، وهو أبو نضلة حمل ابن مالك بن النابغة بن
_________
(1) طبقات ابن سعد (4/315) ، والتاريخ الكبير للبخارى (3/الترحمة:173) ، والكنى للدولابى (1/39) ، والجرح والتعديل (3/الترجمة:928) ، والاستيعاب (1/375) ، وأسد الغابة (2/50) ، وتاريخ الاسلام (3/14) ، وتهذيب التهذيب (3/31، 32) . تقريب التهذيب (1529) وقال: “صحابي جليل مات سنة إحدى وستين وله إحدى وسبعون وقيل ثمانون خت م د س”. .(1/169)
جابر بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كبير، بالباء الموحدة، ابن هند بن طابخة بن لحيان بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر الهذلى. نزل البصرة، وكان له بها دار. ذكره مسلم بن الحجاج فيمن روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أهل المدينة، وعدَّه غيره من البصريين، والله أعلم.
134 - حميد بن تيرويه - ويقال: تير، بكسر المثناة فوق - الطويل (1) :
مذكور فى المختصر فى باب بيع ثمر الحائط. هو أبو عبيدة، وقيل: أبو عبيد حميد بن أبى حميد، واسم أبى حميد تيرويه، وقيل: تير، وقيل: ذا ذويه، وقيل: طرخان، وقيل: مهران، ويقال: عبد الرحمن، ويقال: داود، وهو تابعى بصرى، سمع أنس بن مالك، وسمع جماعات من التابعين. روى عنه يحيى الأنصارى التابعى، وعبيد الله العمرى، ومالك، والثورى، وابن عيينة، وشعبة، وهشيم، والحمادان، وابن المبارك، وابن علية، ويحيى القطان، وخلائق.
قيل: إنه كان قصيرًا، طويل اليدين، فقيل: حميد الطويل، قيل: كان يقف عند الميت فتصل إحدى يديه رأسه والأخرى رجليه. قال البخارى: قال الأصمعى: رأيت حميدًا لم يكن طويلاً، لكن طويل اليدين، وهو مولى طلحة الطلحات الخزاعى، وقيل: كان فى جيرانه رجل يقال له: حميد القصير، فقيل له: حميد الطويل؛ ليتميز. مات سنة ثلاث وأربعين ومائة.
135 - حميد بن قيس (2) :
مذكور فى المختصر. هو أبو صفوان حميد بن قيس الأسدى، مولاهم المكى الأعرج. روى عن طاووس، وعطاء، ومجاهد، وعمر بن عبد العزيز، والزهرى، وغيرهم. روى عنه جعفر الصادق، ومالك، والسفيانان، وآخرون. وهو من الثقاة المشهورين. روى له البخارى، ومسلم، وهو من العباد والقراء، وكان أهل مكة يجتمعون على قراءته. قال سفيان: كان حميد أفرضهم وأحسبهم، يعنى أهل مكة. قال: ولم يكن بمكة أقرأ منه ولا من عبد الله بن كثير.
136 - حنظلة بن الراهب الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المختصر، والمهذب فى كتاب السير، وفى جنائز المهذب أيضًا. هو حنظلة ابن أبى عامر، واسم أبى عامر
_________
(1) طبقات ابن سعد (7/252) ، والتاريخ الكبير للبخارى (2/الترحمة:2704) ، والكنى للدولابى (2/73) ، والجرح والتعديل (3/الترجمة:961) ، وتاريخ الاسلام (6/57) ، وسير أعلام النبلاء (6/163 - 169) ، وميزان الاعتدال (1/الترجمة:2320) ، وتهذيب التهذيب (3/38 - 40) . تقريب التهذيب (1544) وقال: “ثقة مدلس وعابه زائدة لدخوله في شيء من أمر الأمراء من الخامسة مات سنة اثنتين ويقال ثلاث وأربعين وهو قائم يصلي وله خمس وسبعون ع”..
(2) طبقات ابن سعد (5/486) ، والتاريخ الكبير للبخارى (3/الترحمة:2719) ، والكنى للدولابى (2/12) ، وتاريخ الاسلام (5/238) ، وميزان الاعتدال (1/الترجمة:2341) ، وتهذيب التهذيب (3/46، 47) . تقريب التهذيب (1556) وقال: “ليس به بأس من السادسة مات سنة ثلاثين وقيل بعدها ع”..(1/170)
عمرو بن صيفى بن زيد بن أمية بن ضبيعة، وقيل: اسم أبى عامر عبد بن عمرو الأنصارى الأوسى المدنى، وكان أبو عامر يُعرف فى الجاهلية بالراهب، وكان هو وعبد الله بن أُبى بن سلول منافقين، فعبد الله يبطن النفاق، وأبو عامر يظهره. ومات أبو عامر كافرًا سنة تسع، وقيل: سنة عشر من الهجرة.
وأما حنظلة، فهو من سادات الصحابة وفضلائهم، وهو المعروف بغسيل الملائكة، وإنما قيل له ذلك لما اشتهر فى كتب التواريخ والمغازى أنه حين استشهد بأُحُد قال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “ما شأن حنظلة، إنه غسلته الملائكة”، فسألوا امرأته، فقالت: سمع الهيعة وهو جنب، فلم يتأخر للاغتسال. استشهد يوم أُحُد نصف شوال سنة ثلاث من الهجرة، رضى الله عنه.
137 - حنظلة (1) :
المذكور فى المهذب فى كتاب الصيام فى مسألة الغلط بالفطر قبل غروب الشمس، هو حنظلة بن قيس بن عمرو بن حصين بن خلدة بن مخلد، بضم الميم وتشديد اللام، ابن زريق، بتقديم الزارى، الأنصارى الزرقى المدنى التابعى. روى عن عمر بن الخطاب، وعثمان، وابن الزبير، وأبى هريرة، ورافع بن خديج، رضى الله عنهم. روى عنه يحيى الأنصارى، والزهرى، وربيعة، وغيرهم. وهو ثقة، روى له البخارى ومسلم، وكان ذا حزم.
138 - حويصة:
أخو محيصة. مذكوران فى القسامة من المختصر، والمهذب، ويجوز فيهما تشديد الياء مكسورة، ويجوز تخفيفها ساكنة، والأشهر التشديد، وهو أبو سعيد حويصة بن مسعود ابن كعب بن عامر بن عدى بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصارى الأوسى الحارثى المدنى الصحابى، رضى الله عنه. شهد هو وأخوه محيصة أُحُدًا، والخندق، وسائر المشاهد بعدهما مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. روى عنه محمد بن سهل بن أبى حثمة، وحرام بن سعد، وكان حويصة أسن من محيصة، وأسلم محيصة قبله، وأسلم حويصة على يد محيصة، رضى الله عنهما، وقصتهما مشهورة.
139 - حيى بن أخطب اليهودى:
مذكور فى أواخر الهدنة من المهذب،
_________
(1) طبقات ابن سعد (5/73) ، والتاريخ الكبير للبخارى (3/الترحمة:155) ، والجرح والتعديل (3/الترجمة:1064) ، والاستيعاب (1/383) ، وأسد الغابة (2/61) ، وتهذيب التهذيب (3/63) ، والإصابة (1/368 - 397) . تقريب التهذيب (1586) وقال: “ثقة من الثانية وقيل إن له رؤية خ م د س ق”..(1/171)
هو والد صفية أم المؤمنين، رضى الله عنها، وهو بضم الحاء على المشهور، وحكى كسرها، وكان من رؤساء اليهود، لعنهم الله.
* * *
حرف الخاء المعجمة
140 - خارجة بن زيد (1) :
أحد الفقهاء السبعة، مذكور فى المهذب فى مسألة خيار الأمة بالعتق، هو أبو زيد خارجة بن زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم ابن مالك بن النجار الأنصارى النجارى المدنى التابعى. أدرك عثمان، وسمع أباه زيدًا، وعمه يزيد، وأم العلاء الأنصارية. روى عنه سالم بن عبد الله، والزهرى، ويزيد بن عبد الله بن قسيط، وأبو الزناد، وآخرون.
وكان إمامًا، بارعًا فى العلم، واتفقوا على توثيقه وجلالته، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وعبيد الله بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد، وسليمان بن يسار، وفى السابع ثلاثة أقوال: فقيل: سالم بن عبد الله بن عمر، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعلى هذا جمعهم الشاعر فى بيت، فقال شعر:
ـمته ضيزى عن الحق خارجة
سعيد أبو بكر سليمان خارجة
ألا كل من لا يقتدى بأئمة فقسـ
فخذهم عبيد الله عروة قاسم
توفى بالمدينة سنة مائة، وهو ابن سبعين سنة.
141 - خالد بن رباح (2) :
بفتح الباء. مذكور فى المختصر. هو أبو الفضل خالد بن رباح الهذلى البصرى. سمع عكرمة، والحسن، وغيرهما. روى عنه وكيع، وإسرائيل، ويزيد بن هارون، وغيرهم، واتفقوا على توثيقه.
142 - خالد بن الوليد الصحابى، رضى الله عنه (3) :
مذكور فى أطعمة المهذب، والطلاق،
_________
(1) طبقات ابن سعد 5/262، التاريخ الكبير للبخارى 3/696، الجرح والتعديل 3/1707، تاريخ الإسلام 3/362، سير أعلام النبلاء 4/437 - 441، تهذيب التهذيب 3/74. تقريب التهذيب (1609) وقال: "ثقة فقيه من الثالثة مات سنة مائة وقيل قبلها ع"..
(2) انظر: الجرح والتعديل (3/330) ، وميزان الاعتدال (1/630) ، والتاريخ الكبير (3/148) ..
(3) طبقات ابن سعد 4/252، 7/394، الجرح والتعديل 3/1607، الاستيعاب 3/163، أسد الغابة 2/93، سير أعلام النبلاء 1/366- 384. تقريب التهذيب (1684) وقال: “من كبار الصحابة وكان إسلامه بين الحديبية والفتح وكان أميرا على قتال أهل الردة وغيرها من الفتوح إلى أن مات سنة إحدى أو اثنتين وعشرين خ م س ق”. .(1/172)
والسير، وحد الخمر، وصلاة الخوف من الوسيط، وغيرها. هو أبو سليمان، وقيل: أبو الوليد خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب القرشى المخزومى، سيف الله. أمه لبابة الصغرى بنت الحارث أخت ميمونة أم المؤمنين، رضى الله عنها، ولبابة الكبرى امرأة العباس، أسلم بعد الحديبية، وكانت الحديبية فى ذى القعدة سنة ست من الهجرة، وشهد غزوة مؤتة، وسماه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومئذ سيف الله، وشهد خيبر، وفتح مكة، وحنينًا. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثمانية عشر حديثًا، اتفق البخارى ومسلم على حديث.
روى عنه ابن عباس، وجابر، والمقدام بن معدى كرب، وأبو أمامة بن سهل الصحابيون، رضى الله عنهم. وروى عنه من التابعين قيس بن أبى حازم، وأبو وائل، وغيرهما، وكان من المشهورين بالشجاعة والشرف والرياسة. ثبت فى صحيح البخارى عنه أنه قال: لقد اندق فى يدى يوم مؤتة تسعة أسياف، فما ثبت فى يدى إلا صفيحة يمانية.
قال الزبير بن بكار وغيره: كان خالد هو المقدم على خيول قريش فى الجاهلية، ولم يزل من حين أسلم يوليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعِنَّة الخيل، فيكون فى مقدمتها، وشهد فتح مكة فأبلى فيها، وبعثه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى العزى فهدمها، وكانت بيتًا عظيمًا لمضر تبجله، ولا يصح له مشهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل فتح مكة. وأرسله رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أكيدر صاحب دومة، فأسره وأحضره عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فصالحه على الجزية، ورده إلى بلده، وأرسله رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سنة عشر إلى بنى الحارث بن كعب بن مذحج، فقدم معه رجال منهم، فأسلموا ورجعوا إلى قومهم. وأمَّره أبو بكر الصديق، رضى الله عنه، على قتال مسيلمة الكذاب والمرتدين باليمامة، وكان له فى قتالهم الأثر العظيم.
وله الآثار العظيمة المشهورة فى قتال الروم بالشام، والفرس بالعراق، وافتتح دمشق. وكان فى قلنسوته شعر من شعر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستنصر به ويتبرك به، فلا يزال منصورًا، ولما حضرت خالدًا الوقاة قال: لقد شهدت مائة زحف أو نحوها وما فى بدنى موضع شهير إلا وفيه ضربة، أو طعنة، أو رمية، وها أنا أموت على فراشى، فلا نامت أعين(1/173)
الجبناء، وما لى من عملى أرجا من لا إله إلا الله وأنا متترس بها.
وتوفى فى خلافة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، سنة إحدى وعشرين، وكانت وفاته بحمص، وقبره مشهور على نحو ميل من حمص، وقيل: توفى بالمدينة، قاله أبو زرعة الدمشقى، عن دحيم، والصحيح الأول، وحزن عليه عمر والمسلمون حزنًا شديدًا، ولما حضرته الوفاة حبس فرسه وسلاحه فى سبيل الله. وثبت فى الصحيحين أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “إن خالدًا احتبس أدراعه واعتده فى سبيل الله” (1) . وفضائله كثيرة مشهورة، رضى الله عنه.
143 - خباب بن الأرت - بالتاء المثناة فوق المشددة - الصحابى، رضى الله عنه (2) :
تكرر، هو أبو عبد الله، وقيل: أبو محمد، وقيل: أبو يحيى خباب بن الأرت بن جندلة ابن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وهو عربى لحقه سباء فى الجاهلية فبيع بمكة، وقيل: هو حليف بنى زهرة، وقيل: هو مولى أم أنمار بنت سباع الخزاعية، وهى من حلفاء بنى زهرة بن كلاب بن مرة، فهو تميمى النسب، خزاعى الولاء، زهرى الحلف، وكان خباب من السابقين إلى الإسلام، وممن تعذب فى الله تعالى، وكان سادس ستة فى الإسلام.
قال مجاهد: أول من أظهر إسلامه من الصحابة أبو بكر، وخباب، وصهيب، وبلال، وعمار، وسمية أم عمار، فكان أبو بكر، رضى الله عنه، يمنع عنه قومه، وأما الآخرون فكانوا يعذبونهم. وقال الشعبى: إن خبابًا صبر ولم يعط الكفار ما سألوه، فجعلوا يلزقون ظهره بالرضف حتى ذهب لحم ظهره. قال: وسأله عمر، رضى الله عنه، عما لقى من المشركين، فقال: يا أمير المؤمنين، انظر إلى ظهرى، فنظر فقال: ما رأيت كاليوم ظهر رجل، قال خباب: لقد أوقدت نار، وسُحِبْت عليها، فما أطفأها إلا ودك ظهرى.
وشهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدرًا، وأُحُدًا، والمشاهد كلها مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثنان وثلاثون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم على ثلاثة، وانفرد البخارى بحديثين، ومسلم بحديث. روى عنه ابنه عبد الله،
_________
(1) أخرجه أحمد (2/322، رقم 8267) ، والبخارى (2/534، رقم 1399) ، ومسلم (2/676، رقم 983) ، وأبو داود (2/115، رقم 1623) ، والنسائى (5/ 33، رقم 2464) . وأخرجه أيضا: عبد الرزاق (4/18، رقم 6826) ، والدارقطنى (2/123) ، وابن حبان (8/67، رقم 3273) ، والبيهقى (4/111، رقم 7160) ..
(2) طبقات ابن سعد 3/164، 6/14، التاريخ الكبير للبخارى 3/730، الجرح والتعديل 3/1817، الاستيعاب 2/437، أسد الغابة 2/98، سير أعلام النبلاء 2/323، تهذيب التهذيب 3/133، الإصابة 1/466. تقريب التهذيب (1698) وقال: خباب بموحدتين الأولى مثقلة، من السابقين إلى الإسلام وكان يعذب في الله وشهد بدرا ثم نزل الكوفة ومات بها سنة سبع وثلاثين ع”..(1/174)
وقيس بن أبى حازم، وأبو نوفل، ومسروق، وأبو ميسرة، والشعبى، وآخرون.
ومرض خباب مرضًا شديدًا طويلاً توفى منه بالكوفة سنة سبع وثلاثين فى خلافة على، رضى الله عنه، وقبره أول قبر دفن بظاهر الكوفة، وكان أوصى بذلك، وكان الناس إنما يدفنون على أبواب بيوتهم، ثم دفنوا بظاهر الكوفة حين أوصى خباب بذلك، ولما رأى على، كرم الله وجهه، قبره قال: رحم الله خبابًا، أسلم راعيًا، وهاجر طائعًا، وعاش مجاهدًا، وابتلى فى جسمه، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملاً. وكان عمره ثلاثًا وسبعين سنة. وقال بعضهم: توفى سنة تسع عشرة، وغلطوه.
144 - خذام:
والد خنساء بنت خذام. مذكور فى نكاح المهذب. هو أبو وديعة خذام بن وديعة، وقيل: ابن خالد الأنصارى الأوسى المدنى الصحابى. وخذام بخاء مسكورة وذال معجمتين.
145 - خريم بن فاتك الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب فى الشهادة بالزور. هو أبو يحيى، وقيل: أبو أيمن خريم، بضم الخاء وفتح الراء، ابن فاتك بن الأخرم بن شداد بن عمرو بن فاتك بن القليب، بضم القاف، ابن عمرو بن أسد بن خزيمة الأسدى. شهد هو وأخوه سبرة بدرًا، وقيل: لم يشهدها، والصحيح الأول، وبه قال البخارى والأكثرون، وهو معدود فى الشاميين، وقيل: فى الكوفيين، نزل الرقة. روى عنه ابنه أيمن، والمعرور بن سويد، والربيع بن عميلة، بضم العين، وآخرون.
146 - خزيمة بن ثابت الصحابى، رضى الله عنه (2) :
تكرر فى المهذب فى أول باب الإحرام بالحج، وفى عشرة النساء، والشهادات، هو أبو عمارة خزيمة بن ثابت بن عمارة بن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة بن عامر بن عنان بن عامر بن خطمة بن جشم بن مالك بن الأوس الأنصارى الأوسى الخطمى المدنى، وسمى خطمة لأنه ضرب رجلاً على خطمه. شهد خزيمة مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدرًا وما بعدها من المشاهد، وكان خزيمة وعمير بن عدى يكسران أصنام بنى خطمة، وكانت راية
_________
(1) طبقات ابن سعد 6/38- 39، التاريخ الكبير للبخارى 3/757، الجرح والتعديل 3/1837، أسد الغابة 2/112، تهذيب التهذيب 3/139، الإصابة 1/424. تقريب التهذيب (1708) وقال: “خريم، لجد جده صحابي شهد الحديبية ولم يصح أنه شهد بدرا مات بالرقة في خلافة معاوية 4”..
(2) طبقات ابن سعد 4/378، 6/51، التاريخ الكبير للبخارى 3/704، الجرح والتعديل 3/1744، الاستيعاب 2/448، أسد الغابة 2/114، سير أعلام النبلاء 2/485- 487، العبر 1/41، تهذيب التهذيب 3/140، الإصابة 1/425. تقريب التهذيب (1710) وقال: “من كبار الصحابة شهد بدرا وقتل مع علي بصفين سنة سبع وثلاثين م 4”. .(1/175)
بنى خطمة بيده يوم فتح مكة، وشهد مع على، رضى الله عنه، الجمل وصفين، ولم يقاتل فيهما، فلما قُتل ابن ياسر بصفين، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: “تقتل عمارًا الفئة الباغية” (1) ، فسَّل سيفه، وقاتل حتى قُتل، وكانت صفين سنة سبع وثلاثين.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثمانية وثلاثون حديثًا. روى عنه ابنه عمارة وآخرون، ومن أجلِّ مناقبه أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل شهادته كشهادة رجلين، فكان يُسمى ذا الشهادتين. روينا فى صحيح البخارى، عن زيد بن ثابت، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل شهادة خزيمة بن ثابت شهادة رجلين.
147 - الخَضِر، عليه السلام:
مذكور فى المهذب فى باب التعزية، هو بفتح الخاء وكسر الضاد، ويجوز إسكان الضاد مع كسر الخاء وفتحها كما فى نظائره. والخضر لقب، قالوا: واسمه بليا، بموحدة مفتوحة، ثم لام ساكنة، ثم مثناة تحت، ابن ملكان، بفتح الميم وإسكان اللام، وقيل: كليمان. قال ابن قتيبة فى المعارف: قال وهب بن منبه: اسم الخضر بليا بن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، قالوا: وكان أبوه من الملوك، واختلفوا فى سبب تلقيبه بالخضر، فقال الأكثرون: لأنه جلس على فروة بيضاء فصارت خضراء، والفروة وجه الأرض، وقيل: الهشيم من النبات، وقيل: لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله، والصواب الأول. فقد روينا فى صحيح البخارى، عن همام بن منبه، عن أبى هريرة، رضى الله عنه، أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “إنما سمى الخضر؛ لأنه جلس على فروة، فإذا هى تهتز من خلفه خضراء” (2) . فهذا نص صحيح صريح.
وكنية الخضر أبو العباس، وهو صاحب موسى النبى، عليه السلام، الذى سأل السبيل إلى لقيه، وقد أثنى الله تعالى عليه فى كتابه بقوله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65] ، فأخبر الله عنه فى باقى الآيات بتلك الأعجوبات، وموسى الذى صحبه هو موسى بنى إسرائيل كليم الله تعالى كما جاء به الحديث المشهور فى صحيحى البخارى ومسلم، وهو مشتمل على عجائب من أمرهما.
واختلفوا فى حياة الخضر ونبوته، فقال
_________
(1) أخرجه أحمد (3/90، رقم 11879) ، والبخاري (3/1035، رقم 2657) ، وابن حبان (15/554، رقم 7079) . وفى الحديث أن أبا سعيد الخدري قال: كنا نحمل لبنة لبنة وعمار بن ياسر يحمل لبنتين لبنتين قال فرآه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعل ينفض التراب عنه ويقول يا عمار ألا تحمل لبنة كما يحمل أصحابك قال إني أريد الأجر من الله قال فجعل ينفض التراب عنه ويقول. فذكره.
(2) أخرجه أحمد (2/312، رقم 8098) ، والبخارى (3/1248، رقم 3221) ، والترمذى (5/313، رقم 3151) وقال: حسن صحيح.
حديث ابن عباس: أخرجه الطبرانى (12/209، رقم 12914) ، وابن عساكر (16/402) .(1/176)
الأكثرون من العلماء: هو حى موجود بين أظهرنا، وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة، وحكاياتهم فى رؤيته والاجتماع به والأخذ عنه، وسؤاله وجوابه، ووجوده فى المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر.
قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح فى فتاويه: هو حى عند جماهير العلماء والصالحين والعامة معهم فى ذلك. قال: وإنما شذ بإنكاره بعض المحدثين. قال: وهو نبى، واختلفوا فى كونه مرسلاً، وكذا قاله بهذه الحروف غير الشيخ من المتقدمين. وقال أبو القاسم القشيرى فى رسالته فى باب الأولياء: لم يكن الخضر نبيًا، وإنما كان وليًا. وقال أقضى القضاة الماوردى فى تفسيره: قيل: هو ولى، وقيل: هو نبى، وقيل: إنه من الملائكة، وهذا الثالث غريب ضعيف أو باطل.
وفى آخر صحيح مسلم فى أحاديث الدجال أنه يقتل رجلاً ثم يحيا. قال إبراهيم بن سفيان صاحب مسلم: يقال: إن ذلك الرجل هو الخضر، وكذا قال معمر فى مسنده أنه يقال: إنه الخضر. وذكر أبو إسحاق الثعلبى المفسر اختلافًا فى أن الخضر كان فى زمن إبراهيم الخليل، عليه السلام، أم بعده بقليل أم بعده بكثير. قال: والخضر على جميع الأقوال نبى معمر محجوب عن الأبصار. قال: وقيل: إنه لا يموت إلا فى آخر الزمان عند رفع القرآن.
148 - خلاس بن عمرو:
مذكور فى المهذب فى باب تضمين الأجير فى المسابقة، ثم فى أول القذف، هو بكسر الخاء المعجمة وبالتخفيف، وآخره سين مهملة، وهو خلاس بن عمرو الهجرى البصرى التابعى. سمع عمار بن ياسر، وابن عباس، وعائشة. وروى عن على بن أبى طالب، وأبى هريرة، رضى الله عنهم. روى عنه مالك بن دينار، وقتادة، وعوف الأعرابى، وغيرهم، وهو ثقة. قالوا: وروايته عن على من كتاب لا سماع.
149 - الخليل بن أحمد:
إمام العربية، مذكور فى الروضة فى باب الاعتكاف، هو إمام العربية، أبو عبد الرحمن البصرى، الخليل بن أحمد الأزدى الفراهيدى، والفراهيد بفتح الفاء وكسر الهاء وبدال مهملة، هذا هو الصواب. وقال السمعانى:(1/177)
هو بذال معجمة، وهو تصحيف بلا شك. وكُتُب العلماء من الطوائف متظاهرة متطابقة على أنه بالمهملة. قال الجوهرى فى صحاحه: وكان يونس يقول: فرهودى، والفراهيد بطن من الأزد.
قال ابن أبى حاتم: روى الخليل عن عثمان بن حاضر، عن ابن عباس، وعن أيوب السختيانى. روى عنه النضر بن شميل، والأصمعى، وعلى بن نصر، ووهب بن جرير. قال ابن قتيبة فى المعارف: كان الخليل ذكيًا، لطيفًا، فطنًا، واتفق العلماء على جلالته وفضائله، وتقدمه فى علوم العربية من النحو، واللغة، والتصريف، والعروض، وهو السابق إلى ذلك، المرجوع فيه إليه، وهو شيخ سيبويه إمام أهل العربية، وكان الخليل ورعًا. قال أهل التواريخ والأنساب: لم يسم أحد بعد نبينا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحمد قبل أبى الخليل هذا.
واعلم أن فى العلماء والرواة ستة يسمى كل واحد منهم الخليل بن أحمد، قد أوضحتهم فى علوم الحديث، أولهم عبد الرحمن هذا، وكان الخليل زاهدًا، متقللاً من الدنيا، منقطعًا إلى العلم، توفى بالبصرة سنة سبعين ومائة، وهو ابن أربع وسبعين، وصَنَّف كُتبًا، وبعض العلماء ينسبون كتاب العين إليه، وبعضهم يُنكر ذلك، ويقول: كانت مقطعات جمعها الليث بن المظفر بن نصر بن يسار صاحب الخليل، وزاد فيها ونقص ونسبها إلى الخليل، وهو برىء منها. واتفقوا على كثرة الأغاليط فى كتاب العين، وكثيرًا مما ينقل الأزهرى فى تهذيب اللغة عن العين من الأغاليط، ويقول: هذا من عدد الليث، وسأذكر جملاً من ذلك فى قسم اللغات إن شاء الله تعالى.
150 - خوات بن جبير الصحابى:
مذكور فى الوسيط فى صلاة الخوف، وهو بفتح الخاء المعجمة وتشديد الواو، وهو خوات بن جبير بن النعمان بن أمية بن امرىء القيس، وهو البرك، بضم الباء الموحدة وفتح الراء المهملة، ابن ثعلبة بن عمرو بن عوف بن مالك بن أوس الأنصارى الأوسى، وكنيته أبو عبد الله. وقيل: أبو صالح. قلت: ويحتمل أنهما كنيتان له كما لغيره كنيتان، بل كُنى، وهو أحد فرسان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، شهد بدرًا هو وأخوه عبد الله بن جبير فى قول بعضهم. وقال موسى بن عقبة: إنه رجع(1/178)
من الصفراء لمرض أو جرح أصابه، فضرب له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسهمه وأجره.
وكذلك قال الحفاظ ابن مندة، وأبو نعيم الأصبهانيان، وأبو عمر بن عبد البر النمرى الشاطبى لا القرطبى كما ظنه ابن الأثير فى معرفة الصحابة، وكذا قاله أيضًا من أصحاب السير والمغازى محمد بن إسحاق بن يسار، والكلبى. وهو صاحب ذات النحيين، وهى امرأة من بنى تيم الله. روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى صلاة الخوف، وما أسكر كثيره فقليله حرام. وتوفى بالمدينة سنة أربعين وعمره أربع وتسعون سنة، مائة إلا ست سنين، قاله ابن مندة، وأبو نعيم الأصبهانيان، وأبو عمر بن عبد البر، رحمهم الله تعالى.
* * *
حرف الدال المهملة
151 - داذويه الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المهذب فى الباب الثانى من كتاب الأقضية، وهو بدال مهملة فى أوله بلا خلاف، وبعد الألف ذال معجمة عند الجمهور، وقيل: مهملة، ولم يذكر القلعى غيره، والصواب الأول، وهى مفتوحة، ثم واو مفتوحة، ثم ياء مثناة تحت ساكنة، وداذويه هذا صحابى صالح، وهو أحد الثلاثة الذين قتلوا الأسود العنسى الكذاب، وهم داذويه، وفيروز الديلمى، وقيس بن مكشوح، وقتلوه بصنعاء اليمن فى حياة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
152 - دانيال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
مذكور فى المهذب فى أواخر باب أدب القاضى، وذكر صاحب كتاب العين أنه يقال فيه أيضًا: دانيا، بحذف اللام، والمشهور الأول، وهو ممن أتاه الله عز وجل الحكمة والنبوة، وكان فى أيام بختنصر. قال أهل التواريخ: أسره بختنصر مع من أسره من بنى إسرائيل وحبسهم، ثم رأى بختنصر رؤيا أفزعته وعجز الناس عن تفسيرها، ففسرها دانيال فأعجبه وأكرمه. قالوا: وقبره بنهر السوس، والله أعلم.
153 - داود النبى، عليه السلام:
تكرر فى المختصر، وفى المهذب فى صلاة التطوع،(1/179)
ومواضع كثيرة، هو أبو سليمان داود بن إيشا، بهمزة مكسورة، ثم مثناة من تحت ساكنة، ثم شين معجمة. قال أبو إسحاق الثعلبى فى كتابه العرائس: هو داود بن إيشيا بن عوبد بن ياعز بن سلمون بن نحشون بن عمى نادب بن رام بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم الخليل، عليهم السلام.
وقد تظاهرت الآيات والأحاديث الصحيحة على عظم فضل الله تعالى عليه، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} [النمل: 15] .
وقال تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 78] الآيات.
وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ: 10] الآية.
وقال تعالى: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص: 25، 26] الآية.
وقال تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} [النساء: 163] .
وقال تعالى: {وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} [الأنعام: 84] الآيات.
وقال تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء} [البقرة: 251] .
وقال تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِىِّ وَالإِشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: 17 - 20] .
وروينا فى صحيح البخارى ومسلم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ولا يفر إذا لاقى” (1) . وفى رواية فى الصحيحين: “كان يصوم نصف الدهر”. وفى رواية فى الصحيحين: “صم صيام داود، فإنه كان أعبد الناس” (2) .
وروينا فى صحيحيهما، عن أبى موسى، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “لو رأيتنى وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود” (3) ، ليس فى رواية البخارى: “لو رأيتنى وأنا أستمع لقراءتك البارحة”.
وروينا فى صحيحى البخارى ومسلم، عن أبى
_________
(1) أخرجه أحمد (2/160، رقم 6491) ، والبخارى (3/1257، رقم 3238) ، ومسلم (2/816، رقم 1159) ، وأبو داود (2/327، رقم 2448) ، والنسائى (3/214، رقم 1630) ، وابن ماجه (1/546، رقم 1712) . وأخرجه أيضًا: الحميدى (2/269، رقم 589) ، والدارمى (2/33، رقم 1752) ، والبزار (6/356، رقم 2364) ، وابن خزيمة
(2/181، رقم 1145) ، وابن حبان (6/325، رقم 2590) ، والبيهقى (3/3، رقم 4432) ، والديلمى (1/366، رقم 1477) .
(2) حديث حكيم: أخرجه الطبرانى (3/201، رقم 3123) .
حديث كهمس الهلالى: أخرجه ابن سعد (7/46) ، والطبرانى (19/194، رقم 435) . قال الهيثمى (3/197) : فيه حماد بن يزيد المنقرى ولم أجد من ذكره.
حديث أبى عقرب: أخرجه الطبرانى (22/316، رقم 798) ، والبيهقى فى شعب الإيمان (3/400، رقم 3879) . وأخرجه أيضًا: الطيالسى (ص 185، رقم 1313) ، أحمد (5/67، رقم 20682) ، والنسائى (4/225، رقم 2433) .
(3) أخرجه أحمد (5/351، رقم 23019) ، والبخارى فى الأدب المفرد (1/373، رقم 1087) ، ومسلم (1/546، رقم 793) ، والنسائى فى الكبرى (5/23، رقم 8058) ، والدارمى 2/565، رقم 3498) ، وأبو عوانة كما فى إتحاف الخيرة المهرة للحافظ (2/565، رقم 2269) ، وابن حبان (3/174، رقم 892) ، والحاكم (4/314، رقم 7757) وقال: صحيح على شرط الشيخين. ومسلم (1/546، رقم 793) ، والبيهقى (3/12، رقم 4484) .(1/180)
هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “لقد خفف على داود القرآن، فكان يأمر بدوابه أن تُسْرَج، فيقرأ قبل أن تسرج دوابه، ولا يأكل إلا من عمل يده”، المراد بالقرآن الزبور.
وفى صحيح البخارى، عن المقدام بن معد يكرب، رضى الله عنه، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبى الله داود كان يأكل من عمل يده” (1) .
وروينا فى كتاب الترمذى، عن أبى الدرداء، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “كان من دعاء داود: اللهم إنى أسألك حبك، وحب من يحبك، والعمل الذى يبلغنى حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلىَّ من نفسى وأهلى، ومن الماء البارد”. قال:
وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا ذكر داود قال: “كان أعبد البشر” (2) . قال الترمذى: هذا حديث حسن.
وروينا فى حليلة الأولياء، عن الفضل بن عياض، رضى الله عنه، قال: قال داود: إلهى، كن لابنى سليمان كما كنت لى، فأوحى الله تعالى إليه: يا داود، قل لابنك سليمان يكون لى كما كنت لى، حتى أكون له كما كنت لك.
قال الثعلبى: قال العلماء: لما استشهد طالوت، أعطت بنو إسرائيل داود خزائن طالوت، وملكوه على أنفسهم، وذلك بعد قتل جالوت بسبع سنين، ولم يجتمع بنوا إسرائيل على ملك إلا داود.
قال: وقال كعب، ووهب بن منبه: كان داود أحمر الوجه، سبط الرأس، أبيض الجسم، طويل اللحية فيها جعودة، حسن الصوت والخلق، طاهر القلب. قال: ومما أعطاه الله تعالى من الفضائل: الزبور، وحسن الصوت، فلم يعط أحدًا مثل صوته، وحكى من آثار صوته أشياء عجيبة، منها تسخير الجبال والطير للتسبيح معه، ومنها الحكمة وفصل الخطاب، فالحكمة الإصابة فى الأمور، وفصل الخطاب قيل: معرفة الأحكام وإتقانها وتسهيلها، وقيل: بيان الكلام، وقيل: قوله: أما بعد، وقيل: الشهود والإيمان. ومنها السلسلة المشهورة، ومنها القوة فى العبادة، والمجاهدة، ومنها قوة الملك وتمكينه، ومنها قوة بدنه، ومنها إلانة الحديد له.
قال: قال أهل التواريخ: كان عمر داود، عليه السلام، مائة سنة، مدة ملكه منها أربعون سنة، عليه السلام.
_________
(1) أخرجه أحمد (4/132، رقم 17229) ، والبخارى (2/730) ، والبيهقى فى شعب الإيمان (2/84، رقم 1224) .
(2) أخرجه الترمذى (5/522، رقم 3490) ، وقال: حسن. والحاكم (2/470، رقم 3621) وقال: صحيح الإسناد. وأخرجه أيضًا: البخارى فى التاريخ الكبير (1/89، رقم 248) . قال الهيثمى (8/206) : رواه البزار فى حديث طويل، وإسناده حسن.(1/181)
154 - داود بن الحصين (1) :
مذكور فى المهذب فى بيع العرايا خمسة أوسق أو دونها، وحديثه هذا فى الصحيحين. هو أبو سليمان داود بن الحصين المدنى الأموى، مولى عمرو بن عثمان بن عفان، رضى الله عنه. روى عن عكرمة، والأعرج، وغيرهما. روى عنه محمد بن إسحاق، وآخرون. وثقه يحيى بن معين وغيره، وضعفه أبو حاتم. وقد روى له البخارى. وتوفى سنة خمس وثلاثين ومائة، وهو ابن ست وسبعين سنة.
155 - داود بن شابور (2) :
بالشين المعجمة. مذكور فى المختصر فى صوم عرفة وعاشوراء. هو أبو سليمان داود بن شابور المكى. سمع عطاء، ومجاهدًا، وشهر بن حوشب، وعمرو بن شعيب. روى عنه ابن عيينة، وداود بن عبد الرحمن العطار. قال يحيى بن معين: هو ثقة.
156 - داود بن صالح التمار المدنى الأنصارى، مولاهم:
مذكور فى المختصر فى باب الشعير. روى عن سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وغيرهما. روى عنه هشام بن عروة، وابن جريج، والدراوردى. قال أحمد بن حنبل: لا أعلم به بأسًا.
157 - داود بن على بن خلف الأصبهانى ثم البغدادى:
إمام أهل الظاهر، أبو سليمان. تكرر فى الوسيط، والروضة. قال الشيخ أبو إسحاق فى طبقاته: أصله من أصبهان، ومولده بالكوفة، ونشأ ببغداد، ولد سنة ثنتين ومائتين، وتوفى ببغداد سنة سبعين ومائتين فى ذى القعدة، وقيل: فى شهر رمضان، ودفن بالشونيزية. أخذ العلم عن إسحاق بن راهوية، وأبى ثور، وكان زاهدًا، متقللاً. قال ثعلب: كان عقل داود أكثر من علمه. قيل: إنه كان يحضر مجلسه أربعمائة صاحب طيلسان أخضر، وكان من المحبين للشافعى، صنَّف كتابين فى فضائله والثناء عليه، وانتهت إليه رياسة العلم ببغداد، هذا كلام الشيخ أبى إسحاق.
وفضائل داود وزهده وورعه ومتابعته للسنة مشهورة. واختلف العلماء هل يعتبر قوله فى الإجماع؟ فقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايينى: اختلف أهل الحق فى نفاة القياس،
_________
(1) طبقات ابن سعد 9/الورقة 217، التاريخ الكبير للبخارى 3/779، الجرح والتعديل 3/1874، تاريخ الإسلام 5/241، سير أعلام النبلاء 6/106، ميزان الاعتدال 2/2600، تهذيب التهذيب لابن حجر 3/181. تقريب التهذيب (1779) وقال: “ثقة إلا في عكرمة ورمي برأي الخوارج من السادسة مات سنة خمس وثلاثين ع”..
(2) التاريخ الكبير للبخارى 3/789، الجرح والتعديل 3/1898، تاريخ الإسلام 5/67، تهذيب التهذيب لابن حجر 3/187. تقريب التهذيب (1788) وقال: “ثقة من السادسة بخ ت س”..(1/182)
يعنى داود وشبهه، فقال الجمهور: إنهم لا يبلغون رتبة الاجتهاد، ولا يجوز تقليدهم القضاء، وهذا ينفى الاعتداد به فى الإجماع.
ونقل الأستاذ أبو منصور البغدادى من أصحابنا، عن أبى على بن أبى هريرة وطائفة من الشافعيين أنه لا اعتبار بخلاف داود وسائر نفاة القياس فى الفروع، ويعتبر خلافهم فى الأصول.
وقال إمام الحرمين: الذى ذهب إليه أهل التحقيق أن منكرى القياس لا يعدون من علماء الأمة وحملة الشريعة؛ لأنهم معاندون مباهتون فيما ثبت استفاضة وتواترًا، ولأن معظم الشريعة صادرة عن الاجتهاد، ولا تفى النصوص بعشر معشارها، وهؤلاء ملتحقون بالعوام.
وذكر إمام الحرمين أيضًا فى النهاية فى كتاب الكفارات قول داود، أن الرقبة المعيبة تجزىء فى الكفارة، وأن الشافعى، رضى الله عنه، نقل الإجماع أنها لا تجزىء. ثم قال: وعندى أن الشافعى، رحمه الله، لو عاصر داود لما عده من العلماء.
وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح بعد أن ذكر ما ذكرته أو معظمه، قال: الذى اختاره الأستاذ أبو منصور وذكر أنه الصحيح من المذهب أنه يعتبر خلاف داود. وقال الشيخ: وهذا الذى استقر عليه الأمر آخرًا كما هو الأغلب الأعرف من صفو الأئمة المتأخرين، الذين أوردوا مذهب داود فى مصنفاتهم المشهورة، كالشيخ أبى حامد، والمحاملى، يعنى الماوردى، والقاضى أبى الطيب وشبههم، فلولا اعتدادهم به لما ذكروا مذهبه فى مصنفاتهم هذه.
قال الشيخ: والذى أجيب به بعد الاستخارة والاستعانة بالله تعالى أن داود يعتبر قوله، ويعتد به فى الإجماع إلا فيما خالف فيه القياس الجلى، وما أجمع عليه القياسيون من أنواعه أو بناه على أصوله التى قام الدليل القاطع على بطلانها باتفاق من سواه على خلافه إجماع منعقد، وقوله المخالف حينئذ خارج من الإجماع كقوله فى التغوط فى الماء الراكد، وتلك المسائل الشنيعة، وقوله: لا ربا إلا فى الستة المنصوص عليها، فخلافه فى هذه وشبهه غير معتد به؛ لأنه(1/183)
مبنى على ما يقطع ببطلانه، والاجتهاد على خلاف الدليل القاطع مردود، وينتقض حكم الحاكم به. قال الشيخ: وهذا الذى اخترته ميل إلى أن منصب الاجتهاد يتجزأ، ويكون الشخص مجتهدًا فى نوع دون نوع. قال: ولا فرق فيما ذكرنا بين زمن داود وما بعده، فإن المذاهب لا تموت بموت أصحابها، والله عز وجل أعلم.
سمع داود الظاهرى: سليمان بن حرب، وعمرو بن مرزوق، والقعنبى، ومسددًا، وطبقتهم، ورحل إلى نيسابور، فسمع إسحاق بن راهوية. قال الخطيب والسمعانى وغيرهما: وكان زاهدًا، ورعًا، ناسكًا، وفى كتبه حديث كثير، لكن الرواية عنه عزيزة، روى عنه ابنه أبو بكر محمد بن داود، وزكريا الساجى، وآخرون.
قال أبو عبد الله المحاملى: رأيت داود يصلى، فما رأيت مصليًا يشبهه فى حسن تواضعه. وروى الخطيب، عن أبى عمرو المستملى، قال: رأيت داود الظاهرى يرد على إسحاق بن راهوية، وما رأيت أحدًا قبله ولا بعده يرد عليه هيبة له.
158 - الدجال عدو الله:
تكرر فى هذه الكتب، وذكر فى التنبيه وغيره فى باب الإيلاء، بفتح الدال، وهو المسيح الكذاب، سمى دجالاً لتمويهه، والدجل التمويه والتغطية، يقال: دجل فلان إذا موه، ودجل الحق غطاه بباطله. وحكى ابن فارس عن ثعلب نحو ما ذكرناه، وحكى عنه غيره أنه سمى دجالاً لكذبه، وكل كذاب دجال، وجمعه دجالون.
وفى صحيح مسلم وغيره، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “يكون فى آخر الزمان دجالون كذابون”، وسمى مسيحًا؛ لأنه يمسح الأرض كلها إلا مكة والمدينة، أى يطؤها. وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة بالأمر بالاستعاذة من فتنته، وأنها من أعظم الفتن، وأنه ما من نبى إلا وقد أنذره قومه، وأنه أعور العين اليمنى، وجاء أعور اليسرى.
قال العلماء: عيناه معينتان، إحداهما طافئة بالهمز ذاهبة النور عمياء، لا يُبصر بها شيئًا، والثانية طافية بلا همز، أى ناتئة حجرًا، كأنها عنبة طافية، لكنه يُبصر بها، ويمكث فى الأرض أربعين يومًا يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامنا، ومكتوب بين عينيه: ك ف ر، وأنه يتبعه(1/184)
سبعون ألفًا من يهود أصبهان عليهم الطيالسة، وأن عيسى، عليه السلام، ينزل من السماء فيقتل الدجال بباب لِد البلدة المعروفة بقرب بيت المقدس.
وكل هذه الألفاظ ثابتة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى صحيح مسلم، وبعضها فى البخارى أيضًا، والأحاديث الصحيحة فيه كثيرة جدًا، وكان السلف يستحبون أن يلقن الصبيان أحاديث الدجال ليتحفظوها، وتترسخ فى نفوسهم، ويتوارثها الناس، وبالله التوفيق.
159 - دحية الكلبى الصحابى، رضى الله عنه (1) :
يقال: بكسر الدال وبفتحها لغتان مشهورتان. هو دحية بن خليفة بن فضالة بن فروة الكلبى، أسلم قديمًا، وشهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مشاهده كلها بعد بدر، وأرسله رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكتاب إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى هرقل، وحديثه فى الصحيحين، وكان جبريل، عليه السلام، يأتى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى صورته، وكان من أجمل الناس.
وحكى أنه كان إذا قدم من الشام لم تبق معصر إلا خرجت تنظر إليه، والمعصر التى بلغت سن المحيض. روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثة أحاديث. روى عنه خالد بن يزيد، وعبد الله بن شداد، والشعبى، وغيرهم، وشهد اليرموك، وسكن المزة القرية المعروفة بجنب دمشق، وبقى إلى خلافة معاوية، رضى الله عنهما.
160 - دريد بن الصمة:
الشاعر الكافر. مذكور فى المهذب فى كتاب السير. هو بضم الدال، وفتح الراء، والصمة بكسر الصاد وتشديد الميم، وهو دريد بن الصمة بن الحارث بن معاوية بن جداعة، بضم الجيم، ابن عزية بن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن، من الشعراء المذكورين، قُتل يوم حنين كافرًا.
* * *
حرف الذال المعجمة
161 - ذو اليدين الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى كتاب الصلاة فى هذه الكتب، اسمه الخرباق بن عمرو، بخاء معجمة مكسورة، وبموحدة وقاف، وهو
_________
(1) طبقات ابن سعد 4/294، التاريخ الكبير للبخارى 3/878، الجرح والتعديل 3/1996، الاستيعاب 2/461، أسد الغابة 2/130، تاريخ الأسلام 2/222، سير أعلام النبلاء 2/550، تهذيب التهذيب لابن حجر 3/306 - 307، الإصابة 1/471. تقريب التهذيب (1821) وقال: “صحابي جليل نزل المزة ومات في خلافة معاوية د”..(1/185)
من بنى سليم، وهو الذى قال: يا رسول الله، أقصرت الصلاة أم نسيت؟ حين سلم فى ركعتين، وليس هو ذا الشمالين الذى قُتل يوم بدر؛ لأن ذا الشمالين خزاعى قُتل يوم بدر، وذو اليدين سلمى عاش بعد النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زمانًا حتى روى المتأخرون من التابعين عنه. واستدل العلماء لما ذكرناه بأن أبا هريرة شهد قصة السهو فى الصلاة، ففى صحيحى البخارى ومسلم عن أبى هريرة، قال: صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبينا نحن نصلى مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحدى صلاتى العشاء، فسلم من ركعتين، فقال له ذو اليدين ... الحديث.
وأشباه هذه الألفاظ المصرحة بأن أبا هريرة حضر القصة وهو مسلم. وقد اجتمعوا على أن أبا هريرة إنما أسلم عام خيبر سنة سبع من الهجرة بعد بدر بخمس سنين، وكان الزهرى يقول: إن ذا اليدين هو ذو الشمالين، وأنه قُتل ببدر، وأن قصته فى الصلاة كانت قبل بدر، تابعه أصحاب أبى حنيفة على هذا، وقالوا: كلام الناس فى الصلاة يبطلها، وادعوا أن هذا الحديث منسوخ، والصواب ما سبق.
وقد أطنب أعلام المحدثين فى إيضاح هذا، ومن أحسنهم له إيضاحًا الحافظ أبو عمر ابن عبد البر فى كتاب التمهيد فى شرح الموطأ، وقد لخصت مقاصد ما ذكره مع ما ذكره غيره فى شرح صحيح مسلم، وفى شرح المهذب. قال ابن عبد البر: واتفقوا على أن الزهرى غلط فى هذه القصة، والله أعلم.
قال العلماء: وإنما قيل له ذو اليدين؛ لأنه كان فى يديه طول، ثبت فى الصحيح أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسميه ذا اليدين، وكان فى يديه طول. وفى رواية أنه بسيط اليدين.(1/186)
* * *
حرف الراء
162 - رافع بن خديج الصحابى، رضى الله عنه (1) :
تكرر. وخديج بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة، وهو أبو عبد الله، ويقال: أبو رافع، ويقال: أبو خديج، رافع بن خديج بن رافع بن عدى بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصارى الأوسى الحارثى المدنى، استصغره رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم بدر فردَّه وأجازه يوم أُحُد، فشهد أُحُد والخندق، وأكثر المشاهد. قالوا: وأصابه سهم يوم أُحُد، فنزعه وبقى نصله إلى أن مات. وقال له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنا أشهد لك يوم القيامة"، وانتفضت جراحته، فتوفى منها بالمدينة سنة أربع وسبعين وهو ابن ست وثمانين سنة، وكان عريف قومه.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثمانية وسبعون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم على خمسة، ولمسلم ثلاثة. روى عنه ابن عمر، والسائب بن يزيد، ومحمود بن لبيد، وأسيد بن ظهير الصحابيون. وروى عنه من التابعين عطاء، ومجاهد، والشعبى، وعطاء بن صهيب، وابن ابنه عباية بن رفاعة بن رافع، ونافع بن جبير، وسليمان بن يسار، وآخرون.
163 - الربيع بن سبرة التابعى، رحمه الله (2) :
مذكور فى المختصر فى باب المتعة، وفى المهذب فى أول كتاب الصلاة، هو الربيع ابن سبرة بن معبد الجهنى المدنى التابعى. روى عن أبيه، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهما. روى عنه ابناه عبد الملك وعبد العزيز، والزهرى، وآخرون. قال أحمد بن عبد الله العجلى: هو ثقة، وروى له مسلم.
164 - الربيع بن سليمان الجيزى (3) :
صاحب الشافعى، رحمه الله. ذكره فى المهذب فى موضع واحد فقط فى مسألة دباغ جلد الميتة. روى عن الشافعى أن الشعر يطهر تبعًا للجلد، والأصح عند الأصحاب أنه لا يطهر، وهو رواية أكثر أصحاب الشافعى عنه، وذكرته فى الروضة فى كتاب الشهادات أنه روى عن الشافعى كراهة
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (3/1024) والجرح والتعديل (3/2150) والاستعياب (2/479) وأسد الغابة (2/150) وتاريخ الإسلام (3/153) وسير أعلام النبلاء (3/181) والإصابة (1/495) وتهذيب التهذيب (3/229، 230) . تقريب التهذيب (1861) وقال: "صحابي جليل أول مشاهده أحد ثم الخندق مات سنة ثلاث أو أربع وسبعين وقيل قبل ذلك ع"..
(2) انظر: الجرح والتعديل (3/462) ، والتاريخ الكبير (3/273) ، وتهذيب تاريخ دمشق (5/308) ، والثقات لابن حبان (4/227) ، وتهذيب التهذيب (3/244، 245) ، وتقريب التهذيب (1/245) . .
(3) انظر: الجرح والتعديل (3/464) ، وتهذيب الكمال (9/86، 87) ، وسير أعلام النبلاء (12/591) برقم (223) ، وتهذيب التهذيب (3/245) ، وتقريب التهذيب (1/245) . .(1/187)
القراءة فى الألحان، ولا ذكر له فى هذه الكتب الستة فى غير هذين الموضعين، وهذا الثانى حكاه عنه جماعة من الأصحاب منهم صاحب الشامل، وهذا تصريح بغلط مَن زعم أنه لا ذكر له فى المهذب إلا فى مسألة الشعر، ولعله تصحيف المهذب بالمذهب.
وهو الجيزى، بكسر الجيم والزاى، منسوب إلى الجيزة موضع معروف بمصر، وهو الربيع بن سليمان بن داود الأزدى مولاهم المصرى الجيزى الشافعى. روى عن الشافعى، رحمه الله، وابن وهب، وأبى النضر بن عبد الجبار، وعبد الله بن عبد الحكم، وأسد بن موسى، وآخرين. روى عنه أبو داود السجستانى، والنسائى، والطحاوى، وآخرون. قال الخطيب البغدادى: كان ثقة. توفى فى ذى الحجة سنة ست وخمسين ومائتين.
165 - الربيع بن سليمان المرادى:
صاحب الشافعى، رحمه الله. تكرر فى المهذب، والوسيط، والروضة، وهو أكثر أصحاب الشافعى، رحمه الله، رواية عنه، وهو راوية كتبه، هو أبو محمد الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل المرادى، مولاهم المصرى المؤذن صاحب الشافعى وخادمه.
سمع الشافعى، وابن وهب، وشعيب بن الليث، ويحيى بن حسان، وأسد بن موسى، وعبد الرحمن بن زياد، وأيوب بن سويد الرملى، وغيرهم. وروى عنه أبو زرعة، وأبو حاتم الرازيان، وابن أبى حاتم، وأبو داود، والنسائى، وابن صاعد، وابن ماجة، وابن زياد، والساجى، وأبو نعيم عبد الملك بن محمد الجرجانى، والطحاوى، وخلائق غيرهم.
قال عبد الله بن محمد القزوينى: سمعت الربيع يقول: كل محدث حدث بمصر بعد ابن وهب كنت مستمليه. قال ابن أبى حاتم: هو صدوق. قال الخطيب: هو ثقة. توفى فى شوال سنة سبعين ومائتين.
واعلم أن الربيع حيث أطلق فى كتب المذهب المراد به المرادى، وإذا أرادوا الجيزى قيدوه بالجيزى، وقد سبق فى ترجمة الجيزى الموضعان اللذان ذكر فيهما، ويقال: المرادى راوية الشافعى، كان الشافعى تفرس فى أصحابه، فقال لكل واحد منهم: أنت تكون بصفة كذا. وقال للمرادى: أنت راوية كتبى، فكان كما تفرس، رضى الله عنه.
قال(1/188)
الحافظ الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن على البيهقى فى آخر كتابه مناقب الشافعى: الربيع بن سليمان المرادى، هو راوى كتب الشافعى الجديدة على الصدق والإتقان، فربما فاتته صفحات من كتاب فيقول فيها: قال الشافعى، أو يرويها عن البويطى، عن الشافعى، رحمه الله. قال: وصارت الرواحل تشد إليه من أقطار الأرض لسماع كتب الشافعى.
قال البويطى: الربيع أثبت فى الشافعى منى. قال البيهقى: وحج الربيع سنة أربعين ومائتين، واجتمع هو وأبو على الحسن بن محمد الزعفرانى بمكة زادها الله شرفًا، فقال: يا أبا على، أنت بالمشرق وأنا بالمغرب نبث هذا العلم، يعنى علم الشافعى وكتبه، وكان يحب الربيع ويقربه. قال: وقال الشافعى للربيع: لو أستطيع أن أطعمك العلم لأطعمتك.
وقال الربيع: قال لى الشافعى: ما أحبك إلىَّ. وقال يونس بن عبد الأعلى: قال الشافعى: ما خدمنى أحد خدمة الربيع. وقال الربيع: قال لى الشافعى، رحمه الله: أجب يا ربيع فى المسائل، فإنه لا يصيب أحد حتى يخطىء. ومناقب الربيع كثيرة مشهورة، رحمه الله.
166 - ربيعة (1) :
شيخ مالك، تكرر فى المختصر. هو أبو عثمان، ويقال: أبو عبد الرحمن ربيعة بن أبى عبد الرحمن فروخ القرشى التيمى، مولاهم مولى آل المنكدر التيميين المدنى، يقال له: ربيعة الرأى، بالهمز؛ لأنه كان يعرف بالرأى والقياس، وهو تابعى جليل، سمع أنس بن مالك، والسائب بن يزيد الصحابيين، ومحمد بن يحيى بن حبان، وابن المسيب، والقاسم ابن محمد، وسالم بن عبد الله، وسليمان وعطاء ابنى يسار، ومكحولاً، وخلائق. روى عنه يحيى الأنصارى، ومالك، والثورى، وشعبة، والليث، والأوزاعى، وابن عيينة، وسليمان بن بلال، والدرارودى، وخلائق من الأئمة، وغيرهم.
قال يحيى بن سعيد: ما رأيت أعقل من ربيعة، وكان صاحب معضلات أهل المدينة، ورئيسهم فى الفتيا. وقال القاسم بن محمد: لو تمنيت أحدًا تلده أمى لتمنيت ربيعة. وقال الحميدى: كان ربيعة حافظًا. وقال مالك: ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة. واتفق العلماء من المحدثين وغيرهم على توثيقه وجلالته وعظم
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (3/976) والجرح والتعديل (3/2131) وتاريخ الإسلام (5/245) وسير أعلام النبلاء (6/89 - 96) وميزان الاعتدال (2/2753) وتاريخ الخطيب (8/425) وتهذيب التهذيب (3/258، 259) وتاريخ بغداد (421 - 424) . تقريب التهذيب (1911) وقال: "ثقة فقيه مشهور قال ابن سعد كانوا يتقونه لموضع الرأي من الخامسة مات سنة ست وثلاثين على الصحيح وقيل سنة ثلاث وقال الباجي سنة اثنتين وأربعين ع"..(1/189)
مرتبته فى العلم والفهم. توفى بالمدينة سنة ست وثلاثين ومائة، رضى الله عنه.
167 - رجاء بن حيوة (1) :
مذكور فى المختصر فى مسح الخف. هو أبو المقدام، ويقال: أبو نصر، رجاء بن حيوة بن جندل، ويقال: جنزل، ويقال: جرول بن الأحنف بن السمط الكندى الفلسطينى، ويقال: الأردنى، بضم الهمزة والدال وتشديد النون، التابعى الإمام.
روى عن معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، ومعاوية بن أبى سفيان، وأبى سعيد الخدرى، وجابر، والمسور، وابن عمرو بن العاص، وأبى أمامة، ومحمود بن الربيع، وغيرهم من الصحابة، رضى الله عنهم، وعن خلائق من التابعين. روى عنه جماعات من التابعين منهم الزهرى، وابن عون، والحكم، وقتادة، وحميد الطويل، وابن عجلان، وخلائق غيرهم.
وقال مطر: ما رأيت شاميًا أفقه من رجاء بن حيوة. وقال ابن سعد: كان ينزل الأردن، وكان ثقة، عالمًا، فاضلاً، كثير العلم. قال أبو مسهر: كان رجاء من نيسان، ثم انتقل إلى فلسطين. وقال مسلمة بن عبد الملك: فى كندة ثلاثة رجال إن الله لينزل الغيث بهم وينصر بهم على الأعداء: رجاء بن حيوة، وعبادة بن نسىء، وعدى بن عدى. وقال مكحول: رجاء شيخنا وسيدنا، وسيد أهل الشام. ومناقبه كثيرة مشهورة.
قال البخارى: قيل لرجاء: ما لك لا تأتى السلطان؟ وكان يقعد عنهم، فقال: يكفينى الذى تركتهم له، يعنى رب العالمين سبحانه وتعالى. قالوا: وكان رجاء قاضيًا. وأجمعوا على جلالته وعظم فضله فى نفسه وعلمه. وتوفى سنة ثنتى عشرة ومائة، رحمه الله.
168 - رشيد الثقفى التابعى:
بضم الراء وفتح الشين، مذكور فى المهذب فى أول باب اجتماع العدتين، هو [......] (2) .
169 - رفاعة بن رافع الصحابى، رضى الله عنهما (3) :
مذكور فى المهذب فى مواضع من صفة الصلاة. هو أبو معاذ رفاعة بن رافع بن مالك بن عجلان بن عمرو بن عامر بن زريق، بتقديم الزاى، الأنصارى الزرقى المدنى. شهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العقبة، وبدرًا، وأُحُدًا، والخندق، وبيعة الرضوان، والمشاهد كلها. وأبوه رافع صحابى.
_________
(1) طبقات ابن سعد (7/454) والتاريخ الكبير للبخارى (3/1062) والجرح والتعديل (3/2266) وتاريخ الإسلام (4/249) وسير أعلام النبلاء (4/557) وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/265) . تقريب التهذيب (1920) وقال: “ثقة فقيه من الثالثة مات سنة اثنتي عشرة خت م 4”..
(2) ما بين المعقوفتين بياض بالأصل مقدار سطرين.
(3) طبقات ابن سعد (3/596) والتاريخ الكبير للبخارى (3/1089) والجرح والتعديل (3/2230) والاستيعاب (2/497) وأسد الغابة (2/178) والإصابة (1/517) وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/281) . تقريب التهذيب (1946) ..(1/190)
واختلفوا فى شهوده بدرًا، وشهد العقبتين الأولى والثانية. روى لرفاعة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعة وعشرون حديثًا، روى البخارى منها ثلاثة.
وروى عنه ابنه معاذ، ويحيى بن خلاد، وعبد الله بن شداد. توفى فى أول خلافة معاوية. وذكره فى المهذب فى فصل الاعتدال من الركوع، وقال فيه: رفاعة بن مالك، فنسبه إلى جده. وفى صحيح البخارى فى باب شهود الملائكة بدرًا عن معاذ بن رفاعة ابن رافع، وكان رفاعة من أهل بدر، وكان رافع من أهل العقبة، وكان يقول لابنه: ما يسرنى أنى شهدت بدرًا بالعقبة، فظاهر هذا أن رافعًا لم يشهد بدرًا.
170 - رفاعة القرظى الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المختصر، والمهذب فى الرجعة، وهو رافعة بن سموال، بسين مهملة تفتح وتكسر، ثم ميم ساكنة، وقيل: رفاعة بن رفاعة القرظى المدنى، من بنى قريظة، خال صفية أم المؤمنين، رضى الله عنها؛ لأن أمها برة بنت سموال.
171 - ركانة بن عبد يزيد الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المختصر فى الطلاق وفى اليمين، وفى المهذب فى المسابقة، وأول الطرق، وآخر اليمين فى الدعاوى، لكنه ذكره فى الموضعين الأخيرين على الصواب، وقال فى المسابقة: يزيد بن ركانة، وهو غلط لا شك فيه، وسأوضحه فى النوع الثامن فى الأوهام إن شاء الله تعالى.
وهو ركانة، بضم الراء وتخفيف الكاف وبالنون، وليس فى الأسماء ركانة غيره، هكذا قاله البخارى، وابن أبى حاتم، وغيرهما، وهو ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصى القرشى المطلبى الحجازى المكى ثم المدنى.
أسلم يوم فتح مكة، وكان من أشد الناس، وهو الذى صارعه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصرعه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال الحافظ عبد الغنى المقدسى: وهذا أمثل ما روى فى مصارعة النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأما ما روى فى مصارعته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا جهل، فلا أصل له. وله عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديث.
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (3/1146) والجرح والتعديل (3/2342) والاستيعاب (2/507) وأسد الغابة (2/187) والإصابة (1/520) وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/287) . تقريب التهذيب (1955) . .(1/191)
روى عنه ابنه يزيد، وابن ابنه على، وأخوه طلحة. توفى بالمدينة فى خلافة معاوية، رضى الله عنه، سنة اثنتين وأربعين، وقيل: توفى فى خلافة عثمان، وحديث مصارعته النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مذكور فى كتابى أبو داود والترمذى فى كتاب اللباس، لكنه مرسل. قال الترمذى: ليس إسناده بالقائم، وفى رواته مجهول، ولفظه فيهما عن محمد بن على بن ركانة، أن ركانة صارع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فصرعه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال ركانة: وسمعت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: “فرَّق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس”. وركانة هذا هو الذى طلق امرأته سهيمة بنت عويمر بالمدينة.
172 - رويفع بن ثابت الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب فى أواخر كتاب السير فى علف الدواب من الغنيمة. هو رويفع ابن ثابت بن سكن بن حارثة بن عمرو بن زيد مناة بن عدى بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصارى النجارى المصرى. سكن مصر، وأمره معاوية على طرابلس البلدة المعروفة بالمغرب سنة ست وأربعين، فغزا منها إفريقية سنة سبع وأربعين وفتحها. توفى ببرقة أميرًا عليها، وقبره بها، وقيل: مات بالشام، والصحيح الأول، وهو آخر من توفى من الصحابة هناك. روى عنه جماعة من التابعين أحاديث عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
* * *
حرف الزاي
173 - زاهر السرخسي:
من أئمة أصحابنا أصحاب الوجوه، تكرر ذكره فى الروضة، وذكره فى الوسيط فى أول الخيار فى النكاح بالعيب. هو أبو على زاهر بن محمد بن أحمد بن عيسى، منسوب إلى سرخس، بسين مهملة ثم راء مفتوحتين ثم خاء معجمة ساكنة ثم سين أخرى، هذا هو المشهور فى ضبطها، وروينا فيه شعرًا، وقيل: سرخس بإسكان الراء وفتح الخاء، وكان من كبار أئمة أصحابنا فى العصر والمرتبة، ولكن المنقول عنه فى المذهب قليل جدًا.
قال الحاكم أبو عبد الله النيسابورى الحافظ
_________
(1) طبقات ابن سعد (4/354) والتاريخ الكبير للبخارى (3/1147) والجرح والتعديل (3/2345) والاستيعاب (2/504) وأسد الغابة (2/191) وتاريخ الإسلام (2/223 - 279) وسير أعلام النبلاء (3/36) والاستيعاب (1/522) وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/299) . تقريب التهذيب (1971) وقال: "صحابي سكن مصر وولي إمرة برقة ومات بها سنة ست وخمسين ي خ ت س"..(1/192)
فى تاريخ نيسابور: هو أبو على زاهر السرخسى المقرىء الفقيه المحدث، شيخ عصره بخراسان، قرأ القرآن على أبى بكر بن مجاهد، وتفقه على أبى إسحاق المروزى، ودرس الأدب على أبى بكر بن الأنبارى وغيره. توفى رحمه الله تعالى يوم الأربعاء سلخ شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، وهو ابن ست وتسعين سنة.
ومن غرائبه المسألة المذكورة فى الوسيط وغيره، وهى أنه قال: ثبت الخيار إذا وجد أحد الزوجين الآخر عذيوطًا، وهو الذى يخرج منه الغائط عند جماعه، والمشهور فى المذهب أنه لا خيار بهذا.
174 - الزبرقان بن بدر الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المهذب فى قسم الصدقات من المؤلفة. هو أبو عياش الزربرقان، بكسر الزاء والراء بينهما موحدة ساكنة، ابن بدر بن امرىء القيس بن خلف بن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم التميمى السعدى. قالوا: والزبرقان لقب له، واسمه الحصين، وإنما قيل له الزبرقان لحسنه، والزبرقان فى اللغة اسم للقمر، هكذا نقله الجوهرى وغيره. وقال ابن السكيت، وحكاه الجوهرى وآخرون: وإنما قيل له الزبرقان لصفرة عمامته، يقال: زبرقت الثوب إذا صفرته.
قالوا: وكان يلبس عمامة مزبرقة بالزعفران. وكان الزبرقان مرتفع القدر فى الجاهلية، ثم كان سيدًا فى الإسلام، وكان من الشعراء المحسنين، وفد على النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى وفد بنى تميم، وكانوا جمعًا فأسلموا، وأجازهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأحسن جوائزهم، وذلك سنة تسع من الهجرة، وكان يقال للزبرقان: قمر نجد؛ لحسنه، وولاه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صدقات قومه، فلما قُبض رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وارتدت العرب، ومنعت الصدقات، ثبت الزبرقان على الإسلام، وأخذ صدقات قومه فأدَّاها إلى أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، فأقره أبو بكر، ثم عمر على الصدقات، رضى الله عنهم.
175 - الزبير بن باطا اليهودى:
مذكور فى المهذب فى كتاب السير فى نزول أهل القلعة على حكم حاكم. هو الزبير، بفتح الزاى وكسر الباء بلا خلاف بين العلماء،(1/193)
وكلهم مصرحون به، وممن نقل الاتفاق عليه صاحب مطالع الأنوار، وباطا بموحدة بلا همز ولا مد. قال صاحب المطالع: ويقال: باطيا، وهو والد عبد الرحمن بن الزبير المذكور فى المهذب فى باب الرجعة، وقتل الزبير بن باطا يوم بنى قريظة كافرًا، قتله الزبير بن العوام، رضى الله عنه، صبرًا.
176 - الزبير - بضم الزاى - بن العوام الصحابى، رضى الله عنه (1) :
أحد العشرة، رضى الله عنهم. تكرر فى هذه الكتب. هو أبو عبد الله الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى القريشى الأسدى المدنى، يلتقى مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى قصى. وأم الزبير، رضى الله عنها، صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أسلمت وهاجرت إلى المدينة. أسلم الزبير، رضى الله عنه، قديمًا فى أوائل الإسلام وهو ابن خمس عشرة سنة، وقيل: ست عشرة، وقيل: وهو ابن ثمان سنين، وقيل: ابن ثنتى عشرة سنة، وكان إسلامه بعد إسلام أبى بكر، رضى الله عنه، بقليل، قيل: كان رابعًا أو خامسًا.
وهو أحد العشرة المشهور لهم بالجنة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبى وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، رضى الله عنهم. وهو أحد الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، الخلافة فى أحدهم: عثمان، وعلى، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، رضى الله عنهم. وقال: هؤلاء توفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو عنهم راضى.
وهاجر الزبير، رضى الله عنه، إلى أرض الحبشة، ثم إلى المدينة، وآخى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينه وبين عبد الله بن مسعود حين آخى بين المهاجرين بمكة، فلما قدم المدينة وآخى بين المهاجرين والأنصار آخى بينه وبين سلمة بن سلامة بن وقش، وكان الزبير أول من سلَّ سيفًا فى سبيل الله، شهد بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، والحديبية، وخيبر، وفتح مكة، وحصار الطائف، والمشاهد كلها مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وشهد اليرموك، وفتح مصر. وكان أسمر، ربعة، معتدل اللحم، خفيف اللحية.
روينا فى صحيحى البخارى ومسلم، عن جابر، رضى الله عنه،
_________
(1) طبقات ابن سعد (3/100) والتاريخ الكبير للبخارى (3/1359) والجرح والتعديل (3/2627) والاستيعاب (2/510) وأسد الغابة (2/196) وأعلام النبلاء (1/41) وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/318) والإصابة (1/545) . تقريب التهذيب (2003) وقال: “أحد العشرة المشهود لهم بالجنة قتل سنة ست وثلاثين بعد منصرفه من وقعة الجمل ع”..(1/194)
قال: ندب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصحابه يوم الأحزاب، فانتدب الزبير ثلاث مرات، قال: “من يأتينى بخبر القوم؟ ”، قال الزبير: أنا، قال: “من يأتينى بخبر القوم؟ ”، قال الزبير: أنا، قال: “من يأتينى بخبر القوم؟ ”، قال الزبير: أنا، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إن لكل نبى حواريًا، وحوارى الزبير” (1) .
وفى صحيحيهما عن عبد الله بن الزبير، قال: قال لى أبى: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “من يأتنى بنى قريظة فيأتينى بخبرهم”، فانطلقت، فلما رجعت جمع لى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ألوية فقال: “ارم فداك أبى وأمى” (2)
) .
وفى صحيح البخارى، أن عثمان بن عفان، رضى الله عنه، قيل له: استخلف، قال: فلعلهم قالوا: الزبير، قال: نعم. قال: أما والذى نفسى بيده إنه لخيرهم ما علمت، وإن كان لأحبهم إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وفى رواية للبخارى أيضًا: قال عثمان: أما والله إنكم لتعلمون أنه خيركم، ثلاثًا.
وفى البخارى أيضًا، عن عروة، أن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا للزبير يوم اليرموك: ألا تشد فنشد معك؟ فحمل عليهم فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها يوم بدر، قال عروة: فكنت أدخل يدى فى تلك الضربات ألعب وأنا صغير. وفى رواية البخارى: أن الزبير حمل عليهم حتى شق صفوفهم، فجاوزهم وما معه أحد. وفى صحيح البخارى، عن هشام بن عروة، قال: أقمنا سيف الزبير بيننا بثلاثة آلاف.
وفى الترمذى، عن هشام بن عروة بن الزبير، قال: أوصى الزبير إلى ابنه عبد الله صيحة الجمل، فقال: ما منى عضو إلا وقد جرح مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حتى انتهى إلى فرجه. قال الترمذى: حديث حسن، وفيما قاله نظر؛ لأنه منقطع بين هشام والزبير.
ومن مناقبه ما ثبت فى صحيح البخارى، عن عبد الله بن الزبير، قال: لما وقف الزبير يوم الجمل دعانى فقمت إلى جنبه، فقال: يا بنى، إنى لا أرانى إلا سأقتل اليوم مظلومًا، وإن من أكبر همى لدينى، أفترى ديننا يبقى من مالنا شيئًا، ثم قال: يا بنى، بع مالنا واقض ديننا، وأوصى بالثلث. قال عبد الله: فجعل يوصينى بدينه ويقول: يا بنى، إن عجزت عن شىء منه فاستعن بمولاى، فوالله ما دريت ما أراد، حتى قلت: يا أبت، من مولاك؟ قال: الله، فوالله ما وقعت فى كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقض عنه دينه، فيقضيه.
_________
(1) حديث جابر: أخرجه أحمد (3/338، رقم 14675) ، وعبد بن حميد (ص 328، رقم 1088) ، والبخارى (6/2650، رقم 6833) ، ومسلم (4/1879، رقم 2415) ، وابن ماجه (1/45، رقم 122) . وأخرجه أيضًا: ابن عساكر (18/360) .
حديث الزبير: أخرجه ابن عساكر (18/380) .
حديث على: أخرجه أحمد (1/102، رقم 799) ، وأبو يعلى (1/445، رقم 594) .
حديث أبى موسى: أخرجه ابن عدى (7/246 ترجمة 2145 يحيى بن خليف بن عقبة السعدى) .
(2) حديث على: أخرجه البخارى (3/1064، رقم 2749) . ومسلم (4/1876، رقم 2411) ، والطبرانى فى الأوسط (5/382، رقم 5627) ، وابن حبان (15/446، رقم 6988) ، والبيهقى (9/162، رقم 18294) .
حديث سعد: أخرجه البخارى (4/1489، رقم 3829) ، ومسلم (4/1876، رقم 2412) ، والترمذى (5/130، بعد رقم 2829) ، والشاشى (1/156، رقم 92) ، والطبرانى فى الأوسط (6/73، رقم 5831) ، والبيهقى (9/162، رقم 18293) .(1/195)
قال: فقتل الزبير ولم يدع دينارًا ولا درهمًا إلا أرضين منها الغابة، وإحدى عشرة دارًا المدينة، ودارين بالبصرة، ودارًا بالكوفة، ودارًا بمصر. قال: وإنما كان دينه أن الرجل كان يأتيه بالمال يستودعه إياه، فيقول الزبير: لا، ولكنه سلف أنى أخشى عليه الضيعة، وما ولى إمارة قط، ولا جباية، ولا خراجًا، ولا شيئًا إلا أن يكون غزوًا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو مع أبى بكر، وعمر، وعثمان، رضى الله عنهم.
قال عبد الله بن الزبير: فحسبت ما كان عليه من الدين، فكان ألف ألف ومائتى ألف، وكان الزبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف، فباعها عبد الله بألف ألف وستمائة ألف. ثم قال: من كان له عندنا شىء فليوافنا بالغابة، فلما فرغ عبد الله من قضاء دينه، قال بنو الزبير: اقسم بيننا ميراثنا، قال: والله لا أقسم بينكم حتى أنادى بالموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه، فجعل ينادى كل سنة فى الموسم، فلما مضى أربع سنين قسم بينهم، ودفع الثلث، وكان للزبير أربع نسوة، فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتى ألف، فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف. هذا لفظ رواية البخارى.
ومما روينا من أموال الزبير أنه كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، فيتصدق به فى مجلسه، وما يقوم بدرهم منه، ومناقبه كثيرة. وكان الزبير، رضى الله عنه، يوم الجمل قد ترك القتال وانصرف، فلحقه جماعة من الغواة فقتلوه بوادى السباع بناحية البصرة، وقبره هناك، فى جمادى الأولى سنة ست وثلاثين، وكان عمره حينئذ سبعًا وستين سنة، وقيل: ستًا وستين، وقيل: أربعًا وستين، رضى الله عنه.
177 - زر بن حبيش (1) :
بكسر الزاى. مذكور فى المهذب فى كتاب السير فى مسائل الأمان. هو أبو مريم، وقيل: أبو مطرف زر بن حبيش، بضم الحاء المهملة، ابن حباشة، بضمها أيضًا، ابن أوس بن هلال بن سعد بن حبال بن نصر بن غاضرة بن مالك بن ثعلبة بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدى الكوفى التابعى الكبير المخضرم.
أدرك الجاهلية، وسمع عمر، وعثمان، وعليًا، وابن مسعود، وآخرين من كبار الصحابة. روى عنه جماعات من التابعين منهم الشعبى،
_________
(1) طبقات ابن سعد (6/104) والتاريخ الكبير للبخارى (3/1495) والجرح والتعديل (3/2817) والاستيعاب (2/563) وأسد الغابة (2/300) وتاريخ الإسلام (3/249) وسير أعلام النبلاء (4/166) وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/321) والإصابة (1/577) . تقريب التهذيب (2008) وقال: “ثقة جليل مخضرم من الثانية مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث وثمانين وهو ابن مائة وسبع وعشرين سنة ع”..(1/196)
والنخعى، وعدى بن ثابت، واتفقوا على توثيقه وجلالته، توفى سنة اثنتين وثمانين، وهو ابن مائة وعشرين سنة، وقيل: مائة وثنتين وعشرين سنة، وقيل: مائة وسبع وعشرين سنة.
178 - زفر (1) :
صاحب أبى حنيفة، رضى الله عنهما. تكرر فى الوسيط فى الصوم، والربا، وغيرهما. هو أبو الهذيل زفر بن الهذيل العنبرى البصرى الإمام، صاحب أبى حنيفة، ولد سنة عشر ومائة، وتوفى سنة ثمان وخمسين ومائة وله ثمان وأربعون سنة. وكان جامعًا بين العلم والعبادة، وكان صاحب حديث، ثم غلب عليه الرأى.
قال ابن أبى حاتم: روى عن حجاج بن أرطأة، روى عنه أبو نعيم، وحسان بن إبراهيم، وأكثم بن محمد. قال أبو نعيم: كان زفر ثقة، مأمونًا. دخل البصرة فى ميراث أخيه، فتشبث به أهل البصرة، فمنعوه الخروج منها. قال يحيى بن معين: زفر صاحب الرأى ثقة مأمون. قال ابن قتيبة: توفى بالبصرة.
179 - زكريا النبى، عليه السلام، أبو يحيى:
تكرر فى المهذب فى كتاب الوقف وغيره، وفيه خمس لغات، أشهرها زكرياء بالمد، والثانية بالقصر، وقرىء بهما فى السبع، والثالثة والرابعة زكرى وزكرى بتشديد الياء وتخفيفها، حكاهما ابن دريد، وحكاهما من المتأخرين الجواليقى، والخامسة زكر، كقلم، حكاه أبو البقاء. قال الجواليقى: فمن مد قال فى التثنية: زكرياءان، وفى الجمع: زكرياؤن، ومن قصر قال: زكريان وزكريون، ومن قال: زكرى قال: زكريان كمدنيان، وزكريون كمدنيون، ومن خفف قال: زكريان وزكريون، وقد سبق أنه اسم أعجمى.
قال الله تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّى فِى الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} [آل عمران: 38، 39] الآيات.
وقال تعالى: {كهيعص ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا} [مريم: 1 - 3] الآيات.
وقال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِى فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا
_________
(1) انظر: ميزان الاعتدال (2/71) ، والجرح والتعديل (3/608) ، ولسان الميزان (2/476) ، وتاريخ ابن معين (2/172) ، وطبقات ابن سعد (6/270) ، والوافى بالوفيات (14/200) ..(1/197)
وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 89، 90] .
واختلف العلماء فى قوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا} هل هو مختص بزكريا وأهله؟ أم عائد إليه وإلى جميع الأنبياء المذكورين فى السورة من موسى وهارون؟ وعلى التقديرين فيه فضل زكريا.
وقال تعالى: {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ} [الأنعام: 85] الآيات.
وثبت فى صحيح مسلم، عن أبى هريرة، رضى الله عنه، عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “كان زكريا نجارًا”، وهذه من الفضائل؛ لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى صحيح البخارى: “أفضل ما أكل الرجل من عمل يده”. قال أهل التواريخ: كان زكريا من ذرية سليمان بن داود، عليهما السلام، وقتل زكريا بعد قتل يحيى ابنه، صلوات الله وسلامه عليهما، والله أعلم.
180 - زياد بن الحارث الصدائى الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى باب الأذان من المهذب، منسوب إلى صداء، بضم الصاد المهملة وتخفيف الدال وبالمد، وهم حى باليمن. قال البخارى وغيره: وقيل: إن صداء هو ابن حرب بن علة. وقدم زياد على النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأذن له فى سفره فى صلاة الصبح لغيبة بلال، وحديثه فى سنن أبى داود، والترمذى، وغيرهما، وفيه ضعف. روى لزياد عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعة أحاديث. قالوا: وبعثه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى قومه ليسلموا فأسلموا.
181 - زياد بن سعد (2) :
مذكور فى المختصر فى أول الحضانة، هو أبو عبد الرحمن زياد بن سعد بن عبد الرحمن الخراسانى، سكن مكة، ثم سكن اليمن. روى عن عمرو بن دينار، وثابت الأحنف، وأبى الزبير، والزهرى، وآخرين. روى عنه مالك، وابن جريج، وابن عيينة، وآخرون. واتفقوا على توثيقه، روى له البخارى ومسلم.
182 - زياد بن سمية:
المذكور فى المهذب فى مواضع من كتاب الحدود، وهو أحد الأربعة الشهود بالزنا، يقال له: زياد بن سمية، مولاه الحارث بن كلدة، بفتح الكاف واللام، وهى أم أبى بكرة، وأم زياد هذا، ويقال له: زياد بن أبيه، ويقال له: زياد بن أبى سفيان صخر بن حرب، واستلحقه معاوية بن أبى سفيان، وقال: أنت أخى وابن أبى.
كنية زياد أبو المغيرة. قيل: ولد عام هجرة النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
_________
(1) طبقات ابن سعد (7/503) والتاريخ الكبير للبخارى (3/1162) والجرح والتعديل (3/2384) وأسد الغابة (2/313) وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/359) والإصابة (1/557) . تقريب التهذيب (2063) وقال: “له صحبة ووفادة د ت ق”. .
(2) التاريخ الكبير للبخارى (3/1207) والكنى للدولابى (2/65) والجرح والتعديل (3/2408) وتاريخ الإسلام (6/66) وسير أعلام النبلاء (6/323) وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/369) . تقريب التهذيب (2080) وقال: “ثقة ثبت قال ابن عيينة كان أثبت أصحاب الزهري من السادسة ع”..(1/198)
إلى المدينة، وقيل: يوم بدر، وليست له صحبة ولا رواية، وكان من دهاة العرب والخطباء الفصحاء، واستعمله عمر ابن الخطاب، رضى الله عنه، على بعض أعمال البصرة، وقيل: استعمله أبو موسى، رضى الله عنه، وكان كاتبه، ثم استعمله على بن أبى طالب، رضى الله عنه، على بلاد فارس، فلم يزل معه إلى أن قتل، وسلم الحسن الأمر إلى معاوية، فاستلحقه معاوية سنة أربع وأربعين، ثم استعمله على البصرة والكوفة، وبقى عليها إلى أن مات سنة ثلاث وخمسين.
183 - زياد بن أبى مريم التابعى (1) :
مذكور فى المهذب فى نصف الصيد والذبائح. هو زياد بن أبى مريم القريشى الأموى، مولى عثمان بن عفان، رضى الله عنه. سمع أبا موسى الأشعرى، وعبد الله بن معقل، بالقاف، التابعى، ورأى أنس بن مالك وصحبه. روى عنه عبد الكريم الجزرى، وميمون بن مهران. قال أحمد بن عبد الله: هو تابعى ثقة. وروى البخارى فى تاريخه عن زياد هذا، قال: كان سعيد بن جبير يستحييى أن يُحَدِّث وأنا حاضر.
184 - زيد بن أرقم الصحابى، رضى الله عنه (2) :
تكرر فى المختصر، والمهذب. هو أبو عمرو، وقيل: أبو عامر، وقيل: أبو سعيد، وقيل: أبو سعد، وقيل: أبو حمزة، وقيل: أبو أنيسة، زيد بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعمان بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج بن ثعلبة الأنصارى الخزرجى المدنى.
غزا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبع عشرة غزوة، استصغره يوم أُحُد، وكان يتيمًا فى حجر عبد الله بن رواحة، وسار معه فى غزوة مؤتة. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبعون حديثًا، اتفقا على أربعة، وللبخارى حديثان، ولمسلم ستة. روى عنه أنس بن مالك، وابن عباس، وخلائق من التابعين.
نزل الكوفة، وتوفى بها سنة ست وخمسين. وقال محمد بن سعد وآخرون: سنة ثمان وستين. وله مناقب، منها ما روينا فى صحيحى البخارى ومسلم فى قصة إخباره بقول المنافقين: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، فقرأ عليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الآية، وقال: “إن الله قد صدقك”.
185 -
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (3/1261) والجرح والتعديل (3/2465) وميزان الاعتدال (2/2961) وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/384) . تقريب التهذيب (2099) وقال: “وثقه العجلي من السادسة ولم يثبت سماعه من أبي موسى وجزم أهل بلده بأنه غير ابن الجراح ق”..
(2) طبقات ابن سعد (6/18) ، والتاريخ الكبير للبخارى (3/1283) ، والمعرفة والتاريخ (1/303) ، والجرح والتعديل (3/2508) ، والاستيعاب (2/535) ، وأسد الغابة (2/319) ، وتاريخ الإسلام (3/16) ، وسير أعلام النبلاء (3/165 - 168) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/394) ، والإصابة (1/560) . تقريب التهذيب (2116) وقال: “صحابي مشهور أول مشاهده الخندق وأنزل الله تصديقه في سورة المنافقين مات سنة ست أو ثمان وستين ع”..(1/199)
زيد بن أسلم (1) :
تكرر فى المختصر، وذكره فى المهذب فى مسألة الحمى. هو أبو أسامة زيد بن أسلم القريشى العدوى المدنى، مولى عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، التابعى الصالح الفقيه، رحمه الله. روى عن ابن عمر، وأنس، وجابر، وربيعة بن عباد، وسلمة بن الأكوع الصحابيين، رضى الله عنهم. وروى عن أبيه، وعطاء بن يسار، وحمران، وعلى بن الحسين، وأبى صالح السمان، وآخرين من التابعين. روى عنه الزهرى، ويحيى الأنصارى، وأيوب السختيانى، ومحمد بن إسحاق التابعيون، ومالك، والثورى، ومعمر، وخلائق من الأئمة.
قال يحيى بن معين: سمع زيد بن أسلم من ابن عمر، ولم يسمع جابرًا ولا أبا هريرة. وقال محمد بن سعد: كانت لزيد بن أسلم حلقة فى مسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان ثقة كثير الحديث. وقال أبو حاتم: لقد رأيتنا فى مجلس زيد بن أسلم أربعين فقيهًا، أدنى خصلة فينا التواسى بما فى أيدينا، وما رأيت فيه متمارين ولا متنازعين فى حديث لا ينفعهما، وكان أبو حازم يقول لهم: لا يرينى الله يوم زيد، وقدمنى بين يدى زيد أنه لم يبق أحد أرضى لنفسى ودينى غيره، فأتاه نعى زيد فعقر، فما قام ولا شهده، وكان أبو حازم يقول: اللهم إنك تعلم أنى أنظر إلى زيد فأذكر بالنظر إليه القوة على عبادتك، فكيف بملاقاته ومحادثته. ومناقبه كثيرة.
توفى بالمدينة سنة ست وثلاثين ومائة، وقيل: سنة ثلاث وثلاثين، وقيل: ثلاث وأربعين. وحكى البخارى فى تاريخه أن على بن الحسين، رضى الله عنهما، كان يجلس إلى زيد بن أسلم ويتخطا مجالس قومه، فقيل له: تتخطا مجالس قومك إلى عبد عمر بن الخطاب، فقال: إنما يجلس الرجل إلى من ينفعه فى دينه.
186 - زيد بن ثابت الصحابى، رضى الله عنه (2) :
تكرر فى هذه الكتب. هو أبو سعيد، وقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو خارجة، زيد ابن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان، بفتح اللام وإسكان الواو وبذال معجمة، ابن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصارى النجارى المدنى الفرضى الكاتب، كاتب الوحى والمصحف، وكان عمره حين قدم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة إحدى
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (3/1287) ، والكنى للدولابى (1/105) ، والجرح والتعديل (3/2511) ، والحلية لأبى نعيم (3/221 - 229) ، وتاريخ الإسلام (5/251) ، وسير أعلام النبلاء (5/316، 317) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/395) ، وشذرات الذهب (1/166) . تقريب التهذيب (2117) وقال: “ثقة عالم وكان يرسل من الثالثة مات سنة ست وثلاثين ع”. .
(2) طبقات ابن سعد (2/358) ، والتاريخ الكبير للبخارى (3/1278) ، والجرح والتعديل (3/2524) ، والاستيعاب (2/537) ، وأسد الغابة (2/221) ، وتاريخ الإسلام (2/123) ، وسير أعلام النبلاء (2/426 - 441) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/399) ، والإصابة (1/561) ، وشذرات الذهب (1/54 - 62) . تقريب التهذيب (2120) وقال: “صحابي مشهور كتب الوحي قال مسروق كان من الراسخين في العلم مات سنة خمس أو ثمان وأربعين وقيل بعد الخمسين ع”. .(1/200)
عشرة سنة، وحفظ قبل قدوم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة مهاجرًا ست عشرة سورة، وقُتل أبوه ولزيد بن ثابت ست سنين، واستصغره النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم بدر فردَّه، وشهد أُحُدًا، وقيل: لم يشهدها، وشهد الخندق وما بعدها من المشاهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأعطاه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم تبوك راية بنى النجار، وقال: “القرآن مقدم وزيد أكثر أخذًا للقرآن”.
وكان يكتب الوحى لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويكتب له أيضًا المراسلات إلى الناس، وكان يكتب لأبى بكر، وعمر بن الخطاب فى خلافتهما، وكان أحد الثلاثة الذين جمعوا المصحف، أمره بذلك أبو بكر، وعمر، رضى الله عنهما، وكان عمر يستخلفه إذا حج، وكان معه حين قدم الشام، وهو الذى تولى قسم غنائم اليرموك، وكان عثمان، رضى الله عنه، أيضًا يستخلفه إذا حج، ورُمى يوم اليمامة بسهم فلم يضره.
قال ابن أبى داود وآخرون: كان زيد أعلم الصحابة بالفرائض؛ للحديث: “أفرضكم زيد”. قالوا: وكان من الراسخين فى العلم، وكان على بيت المال لعثمان، رضى الله عنه، وأحواله كثيرة مشهورة. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثنان وتسعون حديثًا، اتفقا منها على خمسة، وانفرد البخارى بأربعة، ومسلم بحديث.
روى عنه جماعات من الصحابة، منهم ابن عمر، وابن عباس، وأنس، وأبو هريرة، وسهل بن أبى حثمة، وعبد الله بن زيد، وسهل بن حنيف، وأبو سعيد الخدرى، وسهل ابن سعد، رضى الله عنهم. وروى عنه خلائق من كبار التابعين، منهم ابن المسيب، وسليمان وعطاء ابنا يسار، والقاسم بن محمد، وأبان بن عثمان، وقبيصة بن ذؤيب، وابناه خارجة وسليمان ابنا زيد، وآخرون.
توفى بالمدينة سنة أربع وخمسين، وقيل: ست وخمسين، وقيل: سنة أربعين، وقيل: خمس وأربعين، وقيل: سنة إحدى وأربعين، وقيل: سنة ثلاث وأربعين، وقيل: إحدى وخمسين، وقيل: ثلاث وخمسين، وقيل: خمس وخمسين.
وروى البخارى فى تاريخه بإسناده الصحيح، عن عمار بن أبى عمار، قال: لما مات زيد بن ثابت جلسنا إلى ابن عباس، فقال: هذا ذهاب العلماء، دفن اليوم علم كثير. ومن الغرائب المنقولة عن زيد(1/201)
بن ثابت ما حكيته عنه من أنه كان يقول بصحة الدور فى المسألة السريجية، وأنه لا يقع الطلاق.
187 - زيد بن حارثة (1) :
تكرر فى المختصر، والمهذب، هو أبو أسامة زيد بن حارثة، بالحاء، ابن شراحيل، بفتح الشين، ابن كعب بن عبد العزى بن امرىء القيس بن عامر بن النعمان بن عامر ابن عبد الله بن عوف بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن كلب بن وبرة بن الحاف بن قضاعة الكلبى نسبًا، القريشى الهاشمى بالولاء، الحجازى، رضى الله عنه، ويقع فى نسبه اختلاف وتغيير وزيادة ونقص، وهو مولى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشهر مواليه، ويقال له: حب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو حبه.
كان أصابه سباء فى الجاهلية؛ لأن أمه خرجت به تزور قومها، فأغارت عليهم بنو القين بن جسر، فأخذوا زيدًا فقدموا به سوق عكاظ، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد، رضى الله عنها، فوهبته للنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل النبوة وهو ابن ثمان سنين، وقيل: رآه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينادى عليه بالبطحاء، فذكره لخديجة، فقالت له يشتريه، فاشتراه من مالها لها، ثم وهبته للنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأعتقه وتبناه. قال ابن عمر، رضى الله عنهما: ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد، حتى نزل قول الله تعالى: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ} [الأحزاب: 5] الآية.
وآخى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينه وبين جعفر بن أبى طالب، رضى الله عنهما، وكان من أول من أسلم، حتى أن الزهرى قال فى رواية عنه: أنه أول من أسلم، وقال غيره: أولهم إسلامًا خديجة، ثم أبو بكر، ثم على، ثم زيد، رضى الله عنهم، وفى المسألة خلاف مشهور، ولكن تقديم زيد على الجميع ضعيف.
وهاجر مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة، وشهد بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، والحديبية، وخيبر، وكان هو البشير إلى المدينة بنصر المؤمنين يوم بدر، وكان من الرماة المذكورين، وزوَّجه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مولاته أم أيمن، فولدت له أسامة، وتزوج زينب بنت جحش أم المؤمنين، رضى الله عنها، ثم طلقها، ثم تزوجها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقصته فى القرآن العزيز.
قال العلماء: ولم يذكر الله عز وجل فى القرآن
_________
(1) طبقات ابن سعد (3/40) ، والتاريخ الكبير للبخارى (3/1275) ، والجرح والتعديل (3/2530) ، والاستيعاب (2/542) ، وأسد الغابة (2/224) ، وسير أعلام النبلاء (1/220) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/401) ، والإصابة (1/563) . تقريب التهذيب (2123) وقال: “صحابي جليل مشهور من أول الناس إسلاما استشهد يوم مؤتة في حياة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سنة ثمان وهو ابن خمس وخمسين س ق”..(1/202)
باسم العلم من أصحاب نبينا وغيره من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، إلا زيدًا فى قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] ، ولا يرد على هذا قول من قال السجيل فى قول الله تعالى: {كَطَىِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء: 104] اسم كاتب، فإنه ضعيف أو غلط.
ولما جهز رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجيش إلى غزوة مؤتة، جعل أميرهم زيد بن حارثة، وقال: “فإن أصيب فجعفر بن أبى طالب، فإن أصيب فعبد الله بن رواحة”، فاستشهدوا ثلاثتهم بها، رضى الله عنهم، فى جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة، وحزن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمون عليهم.
روى لزيد عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديثان، روى عنه ابنه أسامة، رضى الله عنهما. روينا فى صحيحى البخارى ومسلم، عن ابن عمر، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال حين أمَّر أسامة بن زيد، فطعن بعض المنافقين: “إن تطعنوا فى إمارته فقد كنتم تطعنون فى إمارة أبيه من قبل، وأيم الله إن كان لخليقًا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلىَّ، وإن هذا لمن أحب الناس إلىَّ بعده” (1) .
ومناقبه كثيرة، رضى الله عنه، وذكرنا تمام كلام الراوى فى فوائده أن حارثة والد زيد أسلم حين جاء فى طلب زيد، ثم ذهب إلى قومه مسلمًا.
188 - زيد بن خالد الجهنى الصحابى، رضى الله عنه (2) :
تكرر فى المختصر، والمهذب. هو أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو طلحة، وقيل: أبو زرعة، سكن المدينة، وشهد الحديبية، وكان معه لواء جهينة يوم الفتح، رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحد وثمانون حديثًا، اتفقا على خمسة، وانفرد مسلم بثلاثة. روى عنه السائب بن يزيد، والسائب بن خلاد الصحابيان، وجماعت من التابعين. توفى بالمدينة، وقيل: بالكوفة، وقيل: بمصر، سنة ثمان وستين، وهو ابن خمس وثمانين سنة، وقيل: توفى سنة خمسين، وقيل: سنة اثنتين وسبعين، وقيل: سنة ثمان وتسعين، رضى الله عنه.
189 - زيد بن الخطاب الصحابى، رضى الله عنه (3) :
أخو عمر بن الخطاب، رضى الله عنهما، لأبيه. هو أبو عبد الرحمن زيد بن الخطاب ابن نفيل، وتمام نسبه فى ترجمة أخيه عمر، رضى الله عنه، القريشى العدوى، وكان أسن من عمر، وأسلم قبل عمر،
_________
(1) أخرجه أحمد (2/20، رقم 4701) ، والبخارى (3/1365، رقم 3524) ، ومسلم (4/1884، رقم 2426) ، والترمذى (5/676، رقم 3816) وقال: حسن..
(2) طبقات ابن سعد (4/344) ، والتاريخ الكبير للبخارى (3/1282) ، والكنى للدولابى (1/79) ، والجرح والتعديل (3/2540) ، والاستيعاب (2/549) ، وأسد الغابة (2/228) ، وتاريخ الإسلام (3/17) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/410) ، والإصابة (1/565) . تقريب التهذيب (2133) وقال: “صحابي مشهور مات بالمدينة سنة ثمان وستين أو وسبعين وله خمس وثمانون سنة بالكوفة ع”. .
(3) طبقات ابن سعد (3/376) ، والتاريخ الكبير للبخارى (3/1274) ، والجرح والتعديل (3/2539) ، وحلية الأولياء (1/367) ، والاستيعاب (2/550) ، وأسد الغابة (2/228) ، وتاريخ الإسلام (1/267) ، وسير أعلام النبلاء (1/297) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/411) ، والإصابة (1/565) . تقريب التهذيب (2134) وقال: “أخو عمر كان قديم الإسلام وشهد بدرا واستشهد باليمامة سنة اثنتي عشرة خت م د”..(1/203)
وهو من المهاجرين الأولين، شهد بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، والحديبية، والمشاهد كلها مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وآخى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينه وبين معن بن عدى الأنصارى، فقتلا جميعًا باليمامة شهيدين، وكانت اليمامة فى خلافة أبى بكر، رضى الله عنه، فى شهر ربيع الأول سنة ثنتى عشرة، وقيل: سنة إحدى عشرة، وكان طويلاً ظاهر الطول.
ولما قُتل حزن عليه عمر، رضى الله عنه، حزنًا شديدًا، وقال: ما هبت الصبا إلا وأنا أجد منها ريح زيد. وقال عمر، رضى الله عنه، يوم أُحُد: خذ درعى، فقال: إنى أريد من الشهادة ما تريد، فتركا الدرع، وكانت راية المسلمين يوم اليمامة مع زيد، فلم يزل يتقدم بها فى نحر العدو، ثم ضارب بسيفه حتى قُتل، ووقعت الراية فأخذها سالم مولى أبى حذيفة، ولما أخبر عمر بقتل زيد، قال: رحم الله أخى، سبقنى إلى الحُسْنَيين، أسلم قبلى، واستشهد قبلى. روى له مسلم حديثًا، والبخارى تعليقًا، وأبو داود.
190 - زيد بن سعية الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المهذب فى أول باب السلم. هو أحد أحبار اليهود الذين أسلموا، وأكثرهم علمًا ومالاً، أسلم وحَسن إسلامه، وشهد مع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مشاهد كثيرة، وتوفى فى غزوة تبوك مقبلاً إلى المدينة، وخبر إسلامه طويل مشهور، وأبوه سعية، بسين مهملة مفتوحة. وقال القلعى: إنها مضمومة، وهو غريب، وهو بالنون، ويقال: بالياء، حكاهما أبو عمر بن عبد البر وغيره. قال ابن عبد البر: النون أكثر، واقتصر الجمهور على النون.
191 - زيد بن عمر بن الخطاب (1) :
مذكور فى المهذب فى صلاة الجنازة. هو ابن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، من زوجته أم كلثوم بنت على بن أبى طالب من فاطمة بنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رضى الله عنهم. قال ابن أبى حاتم: سمعت أبى يقول: توفى زيد وأمه أم كلثوم فى ساعة واحدة، وهو صغير، ولا يُدرى أيهما مات أولاً.
192 - زيد بن عمرو بن نفيل القريشى العدوى:
والد سعيد بن زيد، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وزيد هذا ابن عم عمر بن الخطاب بن نفيل، وسنذكر تمام
_________
(1) انظر: سير أعلام النبلاء (3/502) فى ترجمة أم كلثوم بنت على، برقم (114) ، والجرح والتعديل (3/568) ، والوافى بالوفيات (15/37) .(1/204)
نسبه فى ترجمة ابنه سعيد إن شاء الله تعالى. كان يتعبد فى الفترة قبل النبوة على دين إبراهيم، عليه السلام، ويتطلب دين إبراهيم، ويوحد الله تعالى، ويعيب على قريش ذبائحهم على الأنصاب، ولا يأكل مما ذبح على النصب، وكان إذا دخل الكعبة قال: لبيك حقًا حقًا تعبدًا ورقًا، عُذت بما عاذ به إبراهيم.
وعن أسماء بنت أبى بكر الصديق، رضى الله عنها، قالت: رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مسندًا ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش، والذى نفس زيد بيده، ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيرى. وكان يقول: اللهم لو أنى أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به، ثم يسجد على راحتيه. وكان يقول: يا قريش، إياكم والزنا، فإنه يورث الفقر. وفى الحديث أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئل عن زيد، فقال: “يبعث يوم القيامة أمة وحده”.
وتوفى قبل النبوة، فرثاه ورقة بن نوفل بأبيات معناها أنه خلص نفسه من جهنم بتوحيده واجتنابه عبادة الأوثان. وفى صحيح البخارى فى كتاب المناقب جملة من أخبار زيد ومناقبه أنه كان يحيى الموؤدة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: لا تقتلها، أنا أكفيك مؤونتها، فيأخذها، فإذا ترعرعت قال لأبيها: إن شئت دفعتها إليك، وإن شئت كفيتك مؤونتها.
193 - زيد بن وهب (1) :
مذكور فى المهذب فى أوائل باب العفو عن القصاص. هو أبو سليمان زيد بن وهب الجهنى التابعى الكبير الكوفى، رحل إلى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مهاجرًا، فتوفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو فى الطريق، فسمع عمر بن الخطاب، وعليًّا، وابن مسعود، وأبا ذر، وحذيفة، وأبا موسى، وغيرهم. روى عنه إسماعيل بن أبى خالد، وسلمة بن كهيل، وحبيب بن أبى ثابت، والأعمش، وغيرهم من التابعين، واتفقوا على توثيقه وجلالته. توفى سنة ست وتسعين، وقيل: قبلها.
194 - زيد بن كعب بن عجرة:
مذكور فى المهذب فى أول باب الخيار فى النكاح، هكذا قال زيد بن كعب بن عجرة، وزيد فى هذا الحديث فى بعض طرقه زيد بن كعب، وليس هو ابن كعب بن عجرة، وإنما هو زيد بن كعب آخر.
_________
(1) طبقات ابن سعد (6/102) ، وطبقات خليفة (158) ، والتاريخ الكبير للبخارى (3/1352) ، والكنى للدولابى (1/71) ، والجرح والتعديل (3/2600) ، وحلية الأولياء (4/171) ، والاستيعاب (2/559) ، وأسد الغابة (2/242) ، وتاريخ الإسلام (3/251) ، وسير أعلام النبلاء (4/196) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/427) ، والإصابة (1/583) . تقريب التهذيب (2159) وقال: "ثقة جليل لم يصب من قال في حديثه خلل من الثانية مات بعد الثمانين وقيل سنة ست وتسعين ع"..(1/205)
* * *
حرف السين
195 - سالم مولى أبى حذيفة الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المختصر فى الرضاع. هو أبو عبد الله سالم بن عبيد بن ربيعة، هكذا نسبه ابن مندة. وقال أبو نعيم: هذا وهم فاحش. وقال غيره: هو سالم بن معقل، وهو مولى أبى حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى القريشى العبشمى.
كان سالم من أهل فارس من اصطخر، وهو من فضلاء الصحابة والمهاجرين، أعتقته مولاته بثينة امرأة أبى حذيفة الأنصارية، فتولاه أبو حذيفة وتبناه، فيقال له: قريشى وأنصارى وفارسى لما ذكرناه. وثبت فى الصحيح أنه هاجر من مكة إلى المدينة قبل قدوم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان يؤم المهاجرين بالمدينة؛ لأنه كان أكثرهم قرآنًا. والأحاديث الصحيحة فى فضله كثيرة.
وكان عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، يثنى عليه كثيرًا، حتى قال حين أوصى قبل وفاته: لو كان سالم حيًا ما جعلته شورى. قال أبو عمر بن عبد البر، رحمه الله: معناه أنه كان يصدر عن رأيه فيمن ينجز له تولية الخلافة.
وآخى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينه وبين معاذ بن ماغص، وكان أبو حذيفة قد زوَّجه بنت أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة، وهى من المهاجرات، وكانت من أفضل أيامى قريش. وثبت فى الصحيح أن سهلة بنت سهيل بن عمرو امرأة أبى حذيفة جاءت إلى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالت: يا رسول الله، إن سالمًا بلغ مبلغ الرجال، وعقل ما يعقلون، وأنه يدخل علينا، وإنى أظن فى نفس أبى حذيفة من ذلك شيئًا، فقال: "أرضعيه تحرمى عليه، ويذهب ما فى نفس أبى حذيفة" (1) ، فرجعت إليه، فقالت: إنى أرضعته، فذهب ما فى نفس أبى حذيفة.
وشهد سالم بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، وسائر المشاهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقُتل يوم اليمامة شهيدًا، وكان لواء المسلمين معه يومئذ، فقيل: لو أعطيته غيرك لخشى عليه معك، فقال: بئس حامل القرآن أنا إذًا، فقاتل فقطعت يمينه، فأخذ اللواء بيساره، فقطعت يساره، فاعتنق اللواء وهو يقول:
_________
(1) أخرجه مسلم (2/1076، رقم 1453) ، وأبو داود (2/223، رقم 2061) ، والنسائى (6/105، رقم 3322) ، وابن ماجه (1/625، رقم 1943) جميعًا عن عائشة قالت: إن سهلة بنت سهيل بن عمرو جاءت النبى (فقالت: يا رسول الله إن سالمًا مولى أبى حذيفة معنا فى بيتنا، وقد بلغ ما يبلغ الرجال وعلم ما يعلم الرجال ... فذكره.(1/206)
{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144] إلى قوله تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِىٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} [آل عمران: 146] ، فلما صرع قال لأصحابه: ما فعل أبو حذيفة؟ قيل: قُتل، قال: فما فعل فلان؟ قيل: قُتل، قال: فأضجعونى بينهما، فلما قُتل أرسلوا ميراثه إلى معتقته بثينة، فلم تقبله وقالت: إنما أعتقته سائبة، فجعلوا ميراثه فى بيت المال.
روى عنه ثابت بن قيس بن شماس، وابن عمر، رضى الله عنه، وابن عمرو، رضى الله عنه. روينا فى صحيحى البخارى ومسلم، عن مسروق، قال: ذكر عند عبد الله بن عمرو وعبد الله بن مسعود، فقال: لا أزال أحبه، سمعت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله، وسالم مولى أبى حذيفة، ومعاذ، وأُبى بن كعب" (1) ، وفى رواية تقديم أُبى على معاذ، رضى الله عنه.
196 - سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضى الله عنهم (2) :
تكرر فى المختصر، والمهذب، ولم ينسبه فى المهذب فى أكثر المواضع، فذكره فى موضعين من زكاة الماشية، وفى صفة الحج، وفى باب ما يجوز بيعه، وفى الرد بالعيب. هو أبو عمر، ويقال: أبو عبد الله سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشى العدوى المدنى التابعى، الإمام، الفقيه، الزاهد، العابد.
سمع أباه، وأبا أيوب الأنصارى، ورافع بن خديج، وأبا هريرة، وعائشة، رضى الله عنهم، وسمع جماعات من التابعين. روى عنه جماعات من التابعين، منهم عمرو بن دينار، ونافع مولى أبيه، والزهرى، وموسى بن عقبة، وحميد الطويل، وعبيد الله العمرى، وصالح بن كيسان، وغيرهم من التابعين، وخلائق من تابعى التابعين. وأجمعوا على إمامته، وجلالته، وزهادته، وعلو مرتبته.
روينا عن سعيد بن المسيب، قال: كان عبد الله بن عمر أشبه ولد عمر به، وكان سالم أشبه ولد عبد الله به. وروينا عن مالك بن أنس الإمام، قال: لم يكن أحد أشبه بمن مضى من الصالحين فى الزهد والقصد والعيش من سالم، كان يلبس الثوب بدرهمين. وروينا عن إسحاق بن راهوية، قال: أصح الأسانيد كلها الزهرى، عن سالم، عن أبيه، وفى هذه المسألة خلاف سبق فى ترجمة ابن سيرين.
وروينا عن محمد بن سعد، قال: كان سالم كثير الحديث، عاليًا من الرجال، ورعًا. وفى تاريخ ابن أبى خيثمة، أن ابن عمر كان يلقى ابنه سالمًا فيقبله، ويقول:
_________
(1) حديث ابن عمرو: أخرجه الترمذى (5/674 رقم 3810) وقال: حسن صحيح. والحاكم (3/605، رقم 6242) وقال: صحيح الإسناد. وأخرجه أيضًا: البخارى (3/1385، رقم 3597) .
حديث ابن مسعود: أخرجه البزار (4/332، رقم 1526) ، قال الهيثمى (9/311) : رجاله.
(2) طبقات ابن سعد (5/195) ، وتاريخ الدارمى (521) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/2155) ، والكنى للدولابى (2/56) ، والجرح والتعديل (4/797) ، والحلية لأبى نعيم (2/193) ، وتاريخ الإسلام (4/115) ، وسير أعلام النبلاء (4/457) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/436) . تقريب التهذيب (2176) وقال: "كان ثبتا عابدا فاضلا كان يشبه بأبيه في الهدي والسمت من كبار الثالثة مات في آخر سنة ست على الصحيح ع"..(1/207)
ألا تعجبون من شيخ يقبل شيخًا. وروينا عن ابن المبارك أنه عّد الفقهاء السبعة فقهاء المدينة، فجعل سالمًا أحدهم، وقد سبق بيانهم والاختلاف فيهم فى ترجمة خارجة بن زيد.
قال أبو نعيم الفضل بن دكين، والبخارى: توفى سالم سنة ست ومائة. وقال الأصمعى: سنة خمس. وقال الهيثم: سنة ثمان بالمدينة، رضى الله عنه.
197 - السائب بن يزيد الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب فى أواخر كتاب السرقة. هو أبو يزيد السائب بن يزيد بن سعيد ابن ثمامة بن الأسود بن عبد الله بن الحارث الولادة، وهو ابن أخت النمر، لا يعرفون إلا بذلك، الكندى، ويقال: الأسدى، ويقال: الليثى، ويقال: الهذلى، وأبو السائب صحابى وله حلف فى قريش فى عبد شمس.
ولد السائب سنة ثلاث من الهجرة، وتوفى بالمدينة سنة أربع وتسعين، وقيل: سنة إحدى وتسعين، وقيل: ست وثمانين، وقيل: ثمان وثمانين، والصحيح الأول. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمسة أحاديث اتفق البخارى ومسلم على حديث، وللبخارى أربعة. روى عنه الزهرى، والجعيد، ويزيد بن خصيفة، وغيرهم.
روينا فى صحيحى البخارى ومسلم، عن السائب بن يزيد، قال: ذهبت بى خالتى إلى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالت: يا رسول الله، إن بابن أختى وجع، فمسح رأسى ودعا لى بالبركة، وتوضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل زر الحجلة، يعنى بالحجلة الخيمة. وفى رواية: نظرت إلى خاتم النبوة.
وفى رواية الصحيحين عن الجعيد بن عبد الرحمن، قال: رأيت السائب بن يزيد سنة أربع وتسعين جلدًا معتدلاً، فقال: قد علمت ما منعت به سمعى وبصرى إلا بدعاء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وفى صحيح البخارى عن السائب، قال: حج أبى مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا ابن سبع سنين. وفى صحيح البخارى عنه قال: أذكر أنى خرجت مع الغلمان إلى ثنية الوداع لنلقى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مقدمه من غزوة تبوك.
198 - سِباع بن ثابت:
بكسر السين. ذكر الشيخ إبراهيم المروزى من أصحابنا فى تعليقه للمهذب أن المزنى ذكره فى المختصر فى باب العقيقة، فقال: قال المزنى: أخبرنى الشافعى،
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (4/الترجمة2286) ، والجرح والتعديل (4/1031) ، والاستيعاب (2/576) ، وأسد الغابة (2/257) ، وتاريخ الإسلام (3/369) ، وسير أعلام النبلاء (3/437) ، والكاشف (1/1813) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/450) ، والإصابة (2/3077) . تقريب التهذيب (2202) وقال: "صحابي صغير له أحاديث قليلة وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة ع"..(1/208)
عن ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبى يزيد، عن سباع بن وهب، عن أم كرز، فذكر حديث العقيقة. قال إبراهيم: هذه رواية المزنى، وأنكرها أهل الحديث من وجهين: أحدهما: قوله: عن عبيد الله، عن سباع، وإنما رواه ابن عيينة، عن عبيد الله، عن أبيه، عن سباع. والثانى: قوله: عن سباع بن وهب، وإنما هو سباع بن ثابت، وقد رواه الطحاوى، عن المزنى، عن الشافعى على الصحة، وكذا سائر أصحاب ابن عيينة، هذا كلام المروزى، ولم أر أنا هذا الإسناد فى مختصر المزنى، إنما فيه: قال الشافعى فى حديث أم كرز، كذا فذكره بلا إسناد.
وذكر ابن أبى حاتم سباع بن ثابت هذا، فقال: هو حليف بنى زهرة، روى عن أم كرز فيما روى ابن عيينة، وحماد بن زيد، عن عبيد الله بن أبى يزيد. وروى ابن جريج، عن عبيد الله بن أبى يزيد، عن سباع بن ثابت، عن محمد بن ثابت بن سباع، عن أم كرز، وأما ابن عيينة، فيرويه عن عبيد الله بن أبى يزيد، عن أبيه، عن سباع بن ثابت.
199 - سبرة بن معبد الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب فى أول كتاب الصلاة، هو أبو ثرية، بضم المثلثة، وحكى ابن الأثير فتحها، وهو غريب، ثم راء مفتوحة وبعدها ياء مثناة تحت مشددة، هذا هو المشهور، وقيل: كنيته أبو الربيع، حكاه الحافظ أبو القاسم بن عساكر فى الأطراف. سبرة بفتح السين المهملة، وإسكان الموحدة، ابن معبد، ويقال: ابن عوسجة بن حرملة ابن سبرة بن خديج بن مالك بن عمرو بن ذهل بن ثعلبة بن نصر بن سعد بن ذبيان بن رشدان بن قيس بن جهينة الجهنى. كان له دار بالمدينة. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسعة عشر حديثًا. روى مسلم منها حديثًا. روى عنه ابنه الربيع بن سبرة، توفى فى خلافة معاوية، رضى الله عنهما.
200 - سراقة بن مالك (2) :
مذكور فى المختصر فى تفريق الخمس، وفى مواضع من المهذب منها باب الاستطابة، والحج، والمسابقة. هو أبو سفيان سراقة بن مالك بن جعشم بن مالك بن عمرو بن مالك بن تيم بن مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة
_________
(1) طبقات ابن سعد (4/348) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/2430) ، والجرح والتعديل (4/1281) ، والاستعياب (2/579) ، وأسد الغابة (2/260) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/453) ، والإصابة (2/3087) . تقريب التهذيب (2209) وقال: "له صحبة وأول مشاهده الخندق وكان ينزل ذا المروة ومات بها في خلافة معاوية خت م 4"..
(2) التاريخ الكبير للبخارى (4/2523) ، والجرح والتعديل (4/1342) ، والاستيعاب (2/581) ، وأسد الغابة (2/264) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/456) ، والإصابة (2/3115) . تقريب التهذيب (2216) وقال: "جعشم بضم الجيم والمعجمة بينهما عين مهملة ساكنة الكناني ثم المدلجي أبو سفيان صحابي مشهور من مسلمة الفتح مات في خلافة عثمان سنة أربع وعشرين وقيل بعدها خ 4"..(1/209)
الكنانى المدلجى الحجازى الصحابى. وجُعشم بضم الجيم والشين المعجمة، هذا قول الجمهور من الطوائف، وحكى الجوهرى ضم الشين وفتحها.
وسراقة من مشهورى الصحابة، رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسعة عشر حديثًا، روى البخارى أحدها. وروى عنه ابن عباس، وجابر، رضى الله عنهما، ومن التابعين سعيد ابن المسيب، وابنه محمد بن سراقة، كان ينزل قُديدًا، بضم القاف، بين مكة والمدينة، وقيل: سكن مكة، ويُعد فى أهل المدينة، أسلم عند النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجعرانة حين انصرف من حنين والطائف، وحديثه فى خروجه وراء النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مهاجرًا مشهور فى الصحيحين.
وفى الحديث أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لسراقة: "كيف بك إذا لبست سوارى كسرى؟ "، فلما أتى عمر، رضى الله عنه، بسوارى كسرى وتاجه ومنطقته دعا سراقة فألبسه السوارين، وقال: ارفع يديك وقل: الله أكبر، الحمد لله الذى سلبهما كسرى بن هرمز، وألبسهما سراقة بن مالك أعرابيًا من بنى مدلج، ورفع عمر، رضى الله عنه، صوته.
توفى سراقة فى أول خلافة عثمان، رضى الله عنه، سنة أربع وعشرين، وقيل: توفى بعد عثمان، رضى الله عنه، والصحيح الأول.
* * *
باب سعد
201 - سعد بن الربيع الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المهذب فى ميراث البنات. هو سعد بن الربيع بن عمرو بن أبى زهير بن مالك بن امرىء القيس بن مالك الأعرابى بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصارى الخزرجى، عقبى، بدرى، نقيب. قال جميع أهل السير: أنه كان نقيب بنى الحارث بن الخزرج هو وعبد الله بن رواحة.
وكان كاتبًا فى الجاهلية، شهد العقبة الأولى والثانية، وقُتل يوم أُحُد شهيدًا، وبَعث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَن يتفقده بين مَن جُرح أو قُتل، فبينما ذلك الرجل يتفقد، ناداه سعد بن الربيع:(1/210)
ما شأنك؟ قال: بعثنى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لآتيه بخبرك، قال: فاذهب إليه فأقرئه منى السلام، وأخبره أنى قد طعنت اثنتى عشرة طعنة، وإنى قد أنفذت مقاتلى، وأخبر قومك أنهم لا عذر لهم عند الله إن قُتل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومنهم أحد حى، قيل: الرجل الذى ذهب إليه أُبىّ بن كعب.
قال أبو سعيد الخدرى: قال أبى: فلم أبرح حتى مات، قال: فجئت فأخبرت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: “رحمه الله، نصح لله ولرسوله حيًا وميتًا”. ودفن هو وخارجة بن زيد بن أبى زهير فى قبر واحد، وخلف بنتين، فأعطاهما رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثلثين، وفيهما نزلت: {فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] ، فبذلك علم مراد الله منها، وأنه أراد بـ {فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} اثنتين فما فوقهما.
وعن جابر بن عبد الله، رضى الله عنه، قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع قُتل أبوهما معك يوم أُحُد شهيدًا، وإن عمهما أخذ مالهما، فلم يدع لهما مالاً، ولا تُنكحان إلا بمال، فقال: “يقضى الله فى ذلك”، فنزلت آية المواريث، فبعث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى عمهما، فقال: “اعط ابنتى سعد الثلثين، واعط أمهما الثمن، وما بقى فهو لك”. رواه أحمد، وأبو داود، والترمذى، وابن ماجة، أربعتهم. قال الترمذى: هذا حديث صحيح.
وآخى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينه وبين عبد الرحمن بن عوف، فعرض على عبد الرحمن أن يناصفه أهله وماله، فقال: بارك الله لك فى أهلك ومالك. أخرجه ابن مندة، وأبو نعيم، وابن عبد البر، وابن الأثير فى معرفة الصحابة، رضى الله عنهم أجمعين.
ولهم آخر: سعد بن الربيع بن عمرو بن عدى، يكنى أبا الحارث، ويُعرف بابن الحنظلية، والحنظلية أم جده، وقيل: أمه وأم أخوته. ذكره ابن عبد البر.
ولهم آخر: سعد بن الربيع بن عدى بن مالك، من بنى جحجيا، قُتل يوم اليمامة، ذكره ابن مندة، وأبو نعيم، وقال أبو نعيم: صوابه سعيد بن الربيع.
202 - سعد بن طارق:
مذكور فى المهذب فى الطواف. هو أبو مالك سعد بن طارق بن أشيم، بإسكان الشين المعجمة، الأشجعى التابعى الكوفى، سمع أباه،(1/211)
وهو صحابى، وأنسًا، وعبد الله ابن أبى أوفى، رضى الله عنهم، وسمع جماعات من التابعين. روى عنه الثورى، وشعبة أبو عوانة، وعبد الواحد بن زياد، ويزيد بن هارون، وآخرون. واتفقوا على توثيقه. روى له مسلم فى صحيحه.
203 - سعد بن عائذ:
بالذال المعجمة، هو سعد القرظ المؤذن. مذكور فى الوسيط فى الأذان للصبح، هو مولى عمار بن ياسر، هو بإضافة سعد إلى القرظ، بفتح القاف، وهذا لا خلاف فيه عند أهل العلم بهذا الفن، ويقع فى بعض نسخ الوسيط: القرظى، وهو خطأ فاحش بلا شك، وإنما هو سعد القرظ كما سبق. قال العلماء: أضيف إلى القرظ الذى يدبع به؛ لأنه كان كلما اتجر فى شىء خسر فيه، فاتجر فى القرظ فربح فيه، فلزم التجارة فيه، فأضيف إليه، جعله النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مؤذنًا بقباء، فلما ولى أبو بكر، رضى الله عنه، الخلافة وترك بلال الأذان، نقله أبو بكر، رضى الله عنه، إلى مسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليؤذن فيه، فلم يزل يؤذن فيه حتى مات فى أيام الحجاج بن يوسف، وتوارث بنوه الأذان، وقيل: الذى نقله عمر بن الخطاب، رضى الله عنه.
204 - سعد بن عبادة الصحابى، رضى الله عنه (1) :
هو أبو ثابت، وقيل: أبو قيس سعد بن عبادة بن دليم، بضم الدال المهملة، وفتح اللام، ابن حارثة بن حرام بن حزيمة، بفتح الحاء المهملة وكسر الزاى، ابن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصارى الخزرجى الساعدى المدنى. اتفقوا على أنه كان نقيب بنى ساعدة، وكان صاحب راية الأنصار فى المشاهد كلها، وكان سيدًا، جوادًا، وجيهًا فى الأنصار، ذا رياسة وسيادة وكرم، وكان مشهورًا بالكرم، وكان يحمل كل يوم إلى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جفنة مملوءة ثريدًا ولحمًا، ونقلوا أنه لم يكن فى الأوس والخزرج أربعة مطعمون متوالدون متوالون إلا قيس بن سعد بن عبادة بن دليم، وآباؤه هؤلاء. وله ولأهله فى الجود والكرم أشياء كثيرة مشهورة.
وفى حديث طويل أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال فى قيس بن سعد بن عبادة أنه من بيت جود، وشهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لسعد بأنه غيور، وكان شديد الغيرة، شهد سعد العقبة، وبدرًا، وقيل: لم يشهد بدرًا، وشهد باقى المشاهد. روى عنه بنوه قيس، وسعيد، وإسحاق، وعبد الله بن عباس، وأبو أمامة، وسهل بن سهل. وروى سعيد بن المسيب، والحسن البصرى عنه، وروايتهما عنه مرسلة لم يدركاه. توفى سنة ست عشرة، وقيل: خمس عشرة، وقيل: أربع عشرة، وقيل: إحدى عشرة، وهو شاذ، بل غلط، واتفقوا على أنه كان بأرض حوران من الشام، وأجمعوا على أنه توفى بحوران.
قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر وغيره من الأئمة: وهذا القبر المشهور فى المزة القرية المعروفة بقرب دمشق يقال أنه قبر سعد بن عبادة،
_________
(1) طبقات ابن سعد (3/613، 7/389) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/1911) ، والجرح والتعديل (4/382) ، والاستيعاب (2/594) ، وأسد الغابة (2/283) ، وتاريخ الإسلام (1/379) ، وسير أعلام النبلاء (1/270) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/475) ، والإصابة (2/3173) . تقريب التهذيب (2243) ..(1/212)
فيحتمل أنه نقل من حوران إليها. قالوا: يقال: إن الجن قتلته، وأنشدوا فيه البيتين المشهورين.
205 - سعد بن أبى وقاص، رضى الله عنه (1) :
أحد العشرة، رضى الله عنهم. تكرر فى هذه الكتب. هو أبو إسحاق سعد بن مالك ابن وهب، ويقال: أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى القريشى الزهرى المكى المدنى. أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجنة، وتوفى وهو عنهم راض، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، أمر الخلافة إليهم.
وأسلم قديمًا بعد أربعة، وقيل: بعد ستة، وهو ابن سبع عشرة سنة، وهو أول من رمى بسهم فى سبيل الله تعالى، وأول من أراق دمًا فى سبيل الله تعالى، وهو من المهاجرين الأولين، هاجر إلى المدينة قبل قدوم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليها، شهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، وسائر المشاهد كلها، وكان يقال له: فارس الإسلام، وأبلى يوم أُحُد بلاء شديدًا، وكان مجاب الدعوة، وحديثه فى دعائه على الرجل الكاذب عليه من أهل الكوفة وهو أبو سعدة، وأجيبت دعوته فى ثلاثة أشياء مشهور فى الصحيحين.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائتان وسبعون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على خمسة عشر، وانفرد البخارى بخمسة، ومسلم بثمانية عشر. روى عنه ابن عمر، وابن عباس، وجابر بن سمرة، والسائب بن يزيد، وعائشة، رضى الله عنها. وروى عنه من
_________
(1) طبقات ابن سعد (3/137، 6/12) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/1908) ، والجرح والتعديل (4/405) ، والاستيعاب (2/606) ، وأسد الغابة (2/290) ، وتاريخ الإسلام (2/281) ، وسير أعلام النبلاء (1/92) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/483) ، والإصابة (2/3194) . تقريب التهذيب (2259) ..(1/213)
التابعين أولاده الخمسة: محمد، وإبراهيم، وعامر، ومصعب، وعائشة، وجماعات آخرون.
واستعمله عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، على الجيوش التى بعثها إلى بلاد الفرس، وهو كان أمير الجيش الذين هزموا الفرس بالقادسية وبجلولاء وغنموهم، وهو الذى فتح المدائن مدائن كسرى، وهو الذى بنى الكوفة، وولاه عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، العراق.
روينا فى صحيحى البخارى ومسلم، عن على، رضى الله عنه، قال: ما سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع أبويه لأحد إلا لسعد بن مالك، فإنى سمعته يوم أُحُد يقول: “ارم فداك أبى وأمى”، وقد جمعهما النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أيضًا للزبير بن العوام. قال الزهرى: رمى سعد يوم أُحُد ألف سهم. ولما قُتل عثمان، رضى الله عنه، اعتزل سعد الفتن، فلم يقاتل فى شىء من تلك الحروب.
توفى سنة خمس وخمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة أربع، وقيل: سنة ست، وقيل: سنة سبع، وقيل: سنة ثمان وخمسين، توفى بقصره بالعقيق على عشرة أميال، وقيل: سبعة من المدينة، وحمل على أعناق الرجال إلى المدينة، وصلى عليه بالمدينة، ودفن بالبقيع، وكان آدم، طوالاً، ذا هامة، ولما حضرته الوفاة دعا بخلق جبة له من صوف، فقال: كفنونى فيها، فإنى كنت لقيت المشركين فيها يوم بدر وهى علىَّ، وإنما كنت أخبؤها لهذا.
206 - سعد بن معاذ الأنصارى الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب فى حمل الجنازة، وفى الحجر، وفى الوليمة، وفى الهدية. هو أبو عمر سعد بن معاذ بن النعمان بن امرىء القيس بن يزيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصارى الأوسى الأشهلى المدنى سيد الأوس، وأمه كبشة بنت رافع، أسلمت، ولها صحبة.
أسلم سعد على يد مصعب بن عمير، رضى الله عنه، حين بعثه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبله مهاجرًا إلى المدينة يُعَلِّم المسلمين أمور دينهم، فلما أسلم سعد قال لبنى عبد الأشهل: كلام رجالكم ونسائكم علىَّ حرام حتى تسلموا، فأسلموا، وكان من أعظم الناس بركة فى الإسلام، ومن أنفعهم لقومه، وشهد بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، وقريظة، ونزلوا على حكمه، فحكم فيهم بقتل
_________
(1) طبقات ابن سعد (3/420) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/1909) ، والجرح والتعديل (4/411) ، والاستيعاب (2/602) ، وأسد الغابة (2/297) ، وسير أعلام النبلاء (1/279) ، والإصابة (2/3204) . تقريب التهذيب (2255) .(1/214)
الردل وسبى الذرية، فقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى”.
وتوفى شهيدًا عام الخندق من جرح أصابه من قتال الخندق. وثبت فى صحيحى البخارى ومسلم، عن جابر، رضى الله عنه، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: “اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ” (1) . وفى صحيح مسلم، عن أنس، رضى الله عنه، مثله. قال العلماء: اهتزاز العرش فرح الملائكة بقدومه؛ لما رأوا من منزلته.
وفى الصحيحين عن البراء، قال: أهدى لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثوب حرير، فجعلنا نلمسه ونتعجب منه، فقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “والذى نفسى بيده، لمناديل سعد بن معاذ فى الجنة خير من هذا وألين”. وفى الصحيحين عن أنس مثله. وفى رواية: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “والذى نفسى بيده، لمناديل سعد بن معاذ فى الجنة أحسن من هذا” (2) .
وفى الصحيحين عن أبى سعيد، رضى الله عنه، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين بعث إلى سعد بن معاذ فجاء على حمار، فبلغ قريبًا من المسجد، قال: “قوموا إلى سيدكم”، أو قال: “خيركم” (3) .
وفى الترمذى، عن أنس، قال: لما حملت جنازة سعد بن معاذ، قال المنافقون: ما أخف جنازته، وذلك لحكمه فى قريظة، فقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الملائكة كانت تحمله" (4) . قال الترمذى: هذا حديث صحيح. ومناقب سعد، رضى الله عنه، كثيرة مشهورة، وأنشدوا:
وما اهتز عرش الله من موت هالك ... سمعنا به إلا لسعد أبى عمرو
روى له البخارى حديثًا من رواية ابن مسعود فيه معجزة من معجزات النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
* * *
باب سعيد
207 - سعيد بن أبيض بن حمال (5) :
بفتح الحاء المهملة. مذكور فى المهذب فى إحياء الموات فى باب الأقطاع، وهو يمانى تابعى. روى عن أبيه، وهو صحابى سبق بيانه. وعن فروة بن مسيك، بضم الميم. روى عنه ابنه ثابت.
_________
(1) حديث أنس: أخرجه أحمد (3/234، رقم 13460) ، ومسلم (4/1916، رقم 2467) ، وابن حبان (15/505، رقم 7032) ، والطبرانى (6/12، رقم 5343) .
حديث ابن عمر: ذكره الحكيم (1/99) .
حديث معيقيب: أخرجه الطبرانى (6/12، رقم 5341) . قال الهيثمى (9/309) : فيه عمرو بن مالك الغبرى وثقه ابن حبان وقال يغرب وضعفه أبو حاتم وأبو زرعة وبقية رجاله رجال الصحيح.
حديث أسيد بن خضر: أخرجه الحاكم (3/228، رقم: 4927) . وأخرجه أيضًا: ابن أبى شيبة (6/393، رقم 32314) ، وابن أبى عاصم فى الآحاد والمثانى (3/468، رقم 1926) .
حديث جابر: أخرجه أحمد (3/316، رقم 14440) ، والبخارى (3/1384، رقم 3592) ، ومسلم (4/1915، رقم 2466) ، والترمذى (5/689، رقم 3848) وقال: حسن صحيح. وابن ماجه (1/56، رقم 158) ، وابن حبان (15/504، رقم 7031) ، والحاكم (3/229، رقم 4928) وقال: صحيح الإسناد.
(2) حديث أنس: أخرجه الطيالسى (ص 274، رقم 2057) ى ى، وأحمد (3/238، رقم 13517) ، وعبد بن حميد (ص 361، رقم 1200) ، ومسلم (4/1916، رقم 2469) . وأخرجه أيضا: النسائى (8/199، رقم 5302) ، وفى الحديث أنه أهدى لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبة من سندس وكان ينهى عن الحرير فعجب الناس منها فذكره.
حديث البراء: أخرجه الطيالسى (ص 97، رقم 710) ، وأحمد (4/294، رقم 18618) ، والبخارى (6/2448، رقم 6264) ، ومسلم (4/1916، رقم 2468) ، والترمذى (5/689، رقم 3847) وقال: حسن صحيح. وأخرجه أيضا: هناد (1/114، رقم 143) ، وابن ماجه (1/55، رقم 157) ، وفى الحديث أنه أهدى للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثوب حرير فجعلوا يلمسونه ويتعجبون منه وقالوا: ما رأينا ثوبا خير منه وألين؟ فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيعجبكم هذا؟ قلنا: نعم. فذكره.
(3) أخرجه البخارى (3/1107، رقم 2878) ، ومسلم (3/1388، رقم 1768) ، وأبو داود (4/355، رقم 5215) ، والطبرانى (6/6، رقم 5323) ، وفى الحديث أن النبى (بعث إلى سعد بن معاذ فى أمر بنى قريظة فجاء سعد على حمار قد كادت رجلاه تبلغان الأرض فلما رآه النبى (قال لأصحابه: قوموا إلى سيدكم ... الحديث.
(4) أخرجه الترمذى (5/690، رقم 3849) وقال: حسن صحيح غريب. وأخرجه أيضًا: عبد بن حميد (ص 360، رقم 1194) ، وأبو يعلى (5/377، رقم 3034) ، والضياء (7/29، رقم 2413) .
(5) التاريخ الكبير للبخارى (4/1525) ، والجرح والتعديل (4/الترجمة5) ، وميزان الاعتدال (2/3134) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/3) . تقريب التهذيب (2271) وقال: "مقبول من الثالثة د س ق"..(1/215)
208 - سعيد بن جبير (1) :
تكرر فى المختصر، وذكر فى المهذب، والوسيط فى الشهادات وغيره. هو الإمام الجليل أبو عبد الله، كذا كناه الجمهور، وقيل: أبو محمد سعيد بن جبير بن هشام الكوفى الأسدى الوالبى، بالموحدة، منسوب إلى ولاء بنى والبة، ووالبة هو ابن الحارث بن ثعلبة ابن دودان، بدالين مهملتين الأولى مضمومة، ابن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس.
سمع سعيد جماعات من أئمة الصحابة، منهم ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وعبد الله بن مغفل، وأبو مسعود البدرى، وأنس، رضى الله عنهم، وجماعات من التابعين. روى عنه جماعات من التابعين وغيرهم، وكان سعيد من كبار أئمة التابعين ومتقدميهم فى التفسير، والحديث، والفقه، والعبادة، والورع، وغيرها من صفات أهل الخير.
روينا عن أصبغ بن زيد الواسطى، قال: كان لسعيد بن جبير ديك يقوم من الليل بصياحه، فلم يصح ليلة حتى أصبح، فلم يصل سعيد تلك الليلة، فشق عليه، فقال: ما له قطع الله صوته، فما سمع له صوت بعد. وذكر البخارى فى تاريخه، عن سفيان الثورى أنه كان يقدم سعيد بن جبير فى العلم على إبراهيم النخعى.
وذكر ابن أبى حاتم بإسناده عن ابن عباس أنه قال لسعيد بن جبير: حدث، فقال: أحدث وأنت شاهد؟ فقال: أوليس من نعمة الله عليك أن تحدث وأنا شاهد. وبإسناده أن رجلاً سأل ابن عمر عن فريضة، فقال: سل عنها سعيد بن جبير، فإنه يعلم منها ما أعلم، ولكنه أحسب منى. وبإسناده أن ابن عباس كان إذا أتاه أهل الكوفة يسألونه يقول: أليس فيكم سعيد بن جبير. وعن أشعث بن إسحاق قال: كان يقال: سعيد بن جبير جهبذ العلماء.
ومناقبه كثيرة مشهورة، قتله الحجاج بن يوسف صبرًا ظلمًا فى شعبان سنة خمس وتسعين، ولم يعش الحجاج بعده إلا أيامًا، وكان عمر سعيد بن جبير حين قُتل تسعًا وأربعين سنة، وهذا هو الأصح، ولم يذكر البخارى فى تاريخه وغيره من الأئمة سواه. وقال السمعانى: قُتل سنة أربع وتسعين وهو ابن ثلاث وخمسين سنة. وقال ابن قتيبة: قُتل سنة أربع وتسعين وهو ابن تسع وأربعين.
روينا عن خلف بن خليفة، قال: حدثنى بواب الحجاج، قال: رأيت رأس سعيد بن
_________
(1) طبقات ابن سعد (6/256) ، والتاريخ الكبير للبخارى (3/1533) ، والجرح والتعديل (4/29) ، وتاريخ الإسلام (4/2) ، وسير أعلام النبلاء (4/321) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/11) . تقريب التهذيب (2278) وقال: "ثقة ثبت فقيه من الثالثة وروايته عن عائشة وأبي موسى ونحوهما مرسلة قتل بين يدي الحجاج [دون المائة] سنة خمس وتسعين ولم يكمل الخمسين ع"..(1/216)
جبير بعدما سقط إلى الأرض يقول: لا إله إلا الله. وكان لسعيد ثلاثة بنين: عبد الله، ومحمد، وعبد الملك. وروى ابن قتيبة أن الحجاج قال له: اختر أية قتلة شئت، فقال: اختر أنت لنفسك، فإن القصاص أمامك.
209 - سعيد بن زيد الصحابى (1) :
أحد العشرة، رضى الله عنهم. تكرر ذكره. هو أبو الأعور، وقيل: أبو ثور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رباح، بالمثناة، ابن عبد الله بن قرط بن رزاح، براء مفتوحة ثم زاى وحاء مهملة، ابن عدى بن كعب بن لؤى بن غالب القريشى العدوى المكى المدنى، أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجنة، وتوفى وهو راض عنهم، وهو ابن ابن عم عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وتزوج أخت عمر فاطمة بنت الخطاب، أسلمت هى وزوجها سعيد قبل عمر، وكانا سبب إسلام عمر، رضى الله عنهم، وأسلم سعيد قديمًا، وكان من المهاجرين الأولين، وآخى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينه وبين أُبىّ بن كعب.
وشهد مع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المشاهد كلها بعد بدر، واختلفوا فى شهوده بدرًا، فقال الأكثرون: لم يشهدها لعذره، فإنه كان غائبًا عن المدينة، وضرب له النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسهمه منها وأجره. وقال جماعة: شهد بدرًا. وذكره البخارى فى صحيحه فيمن شهد بدرًا، وشهد اليرموك، وحصار دمشق، وكان مجاب الدعوة.
روينا فى صحيحى البخارى ومسلم، عن عروة، أن سعيد بن زيد خاصمته أروى بنت أوس إلى مروان، وادَّعت عليه أنه أخذ شيئًا من أرضها، فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها بعد أن سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: “من أخذ شبرًا من أرض ظلمًا، طوقه إلى سبع أرضين”، فقال مروان: لا أسألك بَيِّنة بعد هذا، قال سعيد: اللهم إن كانت كاذبة فاعم بصرها واقتلها فى أرضها، فما ماتت حتى ذهب بصرها، وبينا هى تمشى فى أرضها إذ وقعت فى حفرة فماتت. وفى رواية لمسلم أنها قالت: أصابتنى دعوة سعيد.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثمانية وأربعون حديثًا، اتفقا على حديثين، وانفرد البخارى بحديث. روى عنه ابن عمر، وعمرو بن حريث، وابن الطفيل الصحابيون، رضى الله
_________
(1) طبقات ابن سعد (3/379، و6/13) ، والتاريخ الكبير للبخارى (3/1509) ، والكنى للدولابى (1/11) ، والجرح والتعديل (4/85) ، والاستيعاب (2/614) ، وأسد الغابة (2/306) ، وسير أعلام التبلاء (1/124) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/34) . تقريب التهذيب (2314) وقال: “أحد العشرة مات سنة خمسين أو بعدها بسنة أو سنتين ع”.(1/217)
عنهم، وجماعات من التابعين. توفى بالعقيق، وقيل: بالمدينة سنة خمسين أو إحدى وخمسين، وهو ابن بضع وسبعين سنة، وغسله ابن عمر، وقيل: سعد بن أبى وقاص، وصلى عليه ابن عمر، ونزل فى قبره سعد، وابن عمر، رضى الله عنهم أجمعين.
210 - سعيد بن العاص الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب فى الصلاة على الجنازة، وموقف الإمام منها. هو أبو عثمان، وقيل: أبو عبد الرحمن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القريشى الأموى الحجازى. قال محمد بن سعد: توفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولسعيد تسع سنين، وكان من أشراف قريش، جمع السخاء والفصاحة، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان، واستعمله عثمان، رضى الله عنه، على الكوفة، وغزا طبرستان وافتتحها، وقيل: إنه افتتح جرجان فى خلافة عثمان.
وكان يقال له: عكة العسل؛ لكثرة خيره، وسكن دمشق، ثم تحول إلى المدينة، ولما قتل عثمان، رضى الله عنه، اعتزل الفتن، فلم يشهد الجمل ولا صفين، ثم استعمله معاوية، رضى الله عنه، على المدينة، وكان يوليه إذا عزل مروان، ويولى مروان إذا عزله. وكان سعيد لكثرة جوده إذا سأله إنسان وليس عنده ما يعطيه كتب له عليه دينًا إلى وقت ميسرته، وله فى ذلك حكايات مشهورة، وكان يجمع إخوانه كل جمعة فيصنع لهم طعامًا ويخلع عليهم، ويرسل إليهم بالجوائز، ويبعث إلى عيالهم العطاء الكثير، وكان يبعث مولى له كل ليلة جمعة إلى مسجد الكوفة ومعه الصرر فيها الدنانير، فيضعها بين يدى المصلين.
وروى سعيد عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعن عمر، وعثمان، وعائشة، رضى الله عنهم. وروى عنه ابناه يحيى وعمرو الأشدق، وسالم بن عبد الله، وعروة، وغيرهم. قالوا: ولما حضرته الوفاة قال لبنيه: أيكم يقبل وصيتى؟ قال الأكبر: أنا، قال: إن فيها وفاء دينى، قال: وما هو؟ قال: ثمانون ألف دينار، قال: وفيم أخذتها؟ قال: فى كريم سددت خلته، وفى رجل جاءنى ودمه يتروى فى وجهه من الحياء فبدأته بحاجته قبل سؤاله. توفى سنة تسع وخمسين، وقيل: سنة سبع أو ثمان وخمسين، رضى الله عنه.
_________
(1) طبقات ابن سعد (5/30) ، والتاريخ الكبير للبخارى (3/1672) ، والكنى للدولابى (1/63) ، والجرح والتعديل (4/204) ، والاستيعاب (2/621) ، وأسد الغابة (2/309) ، وتاريخ الإسلام (2/286) ، وسير أعلام النبلاء (3/444) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/48) ، والإصابة (2/3268) . تقريب التهذيب (2337) ..(1/218)
211 - سعيد المقبرى (1) :
مذكور فى المختصر فى أول النفقات، وفى الخراج. هو سعيد بن كيسان، ويُعرف بسعيد بن أبى سعيد المقبرى، بضم الباء وفتحها، منسوب إلى المقابر؛ لأنه كان يسكن عندها، وقيل: لأن عمر بن الخطاب جعله على حفر القبور بالمدينة، وهو أبو سعد، بإسكان العين، سعيد بن أبى سعيد المقبرى الليثى، مولاهم المدنى التابعى، كان أبوه مكاتبًا لامرأة من بنى ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، سمع ابن عمر، وأبا هريرة، وأبا شريح الخزاعى، وأبا سعيد الخدرى، رضى الله عنهم، وسمع من التابعين وأباه وخلائق.
روى عنه أبو حازم، ومحمد بن عجلان، ومحمد بن إسحاق، ويحيى الأنصارى، وعبيد الله العمرى التابعيون، ومالك بن أنس، وابن أبى ذؤيب، والليث، وخلائق من أتباع التابعين والأئمة، واتفقوا على توثيقه. روى له البخارى ومسلم. قال محمد بن سعد: كان ثقة، كثير الحديث، لكنه كبر واختلط قبل موته، وقد الشام مرابطًا، وحدَّث ببيروت من ساحل دمشق.
212 - سعيد بن المسيب (2) :
تكرر فى المختصر، والمهذب، والوسيط. هو الإمام الجليل أبو محمد سعيد بن المسيب ابن حزن بن أبى وهب بن عمرو بن عائذ، بالذال المعجمة، ابن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب القريشى المخزومى التابعى، إمام التابعين. وأبوه المسيب، وجده حزن صحابيان، أسلما يوم فتح مكة، ويقال: المسيب، بفتح الياء وكسرها، والفتح هو المشهور، وحكى عنه أنه كان يكرهه، ومذهب أهل المدينة الكسر.
ولد سعيد لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب، وقيل: لأربع سنين، ورأى عمر وسمع منه، ومن عثمان، وعلى، وسعد بن أبى وقاص، وابن عباس، وابن عمر، وجبير ابن مطعم، وعبد الله بن زيد بن عاصم، وحكيم بن حزام، وأبى هريرة، ومعاوية، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبى موسى الأشعرى، وصفوان بن أمية، وأبيه، والمسور بن مخرمة، وجابر بن عبد الله، وأبى سعيد الخدرى، وزيد بن ثابت، وعثمان بن أبى العاص، وعائشة، وأم سلمة، وغيرهم من الصحابة، رضى الله عنهم أجمعين.
روى عنه جماعات من أعلام التابعين، منهم عطاء بن أبى رباح،
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (3/1585) ، والجرح والتعديل (4/251) ، وتاريخ الإسلام (5/80) ، وسير أعلام النبلاء (5/216) ، وميزان الاعتدال (2/3187) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/38) . تقريب التهذيب (2321) وقال: “ثقة من الثالثة تغير قبل موته بأربع سنين وروايته عن عائشة وأم سلمة مرسلة مات في حدود العشرين وقيل قبلها وقيل بعدها ع”.
(2) طبقات ابن سعد (2/379 و5/119) ، والتاريخ الكبير للبخارى (3/1698) ، والجرح والتعديل (4/262) ، وتاريخ الإسلام (4/4، 118) ، وسير أعلام النبلاء (4/217) ، وتذكرة الحفاظ (1/54) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/84) . تقريب التهذيب (2396) وقال: “أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار من كبار الثانية اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل وقال ابن المديني لا أعلم في التابعين أوسع علما منه مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين ع”.(1/219)
ومحمد الباقر، وعمرو بن دينار، ويحيى الأنصارى، والزهرى، وأكثر عنه، وخلائق غيرهم. واتفق العلماء على إمامته، وجلالته، وتقدمه على أهل عصره فى العلم، والفضيلة، ووجوه الخير.
قال محمد بن يحيى بن حبان: كان رأس أهل المدينة فى دهره، المقدم عليهم فى الفتوى سعيد بن المسيب، ويقال له: فقيه الفقهاء. وقال قتادة: ما رأيت أحدًا أعلم بحلال الله وحرامه من سعيد بن المسيب. وقال مكحول: طفت الأرض كلها فى طلب العلم، فما لقيت أحدًا أعلم من سعيد بن المسيب. وقال سليمان بن موسى: كان سعيد ابن المسيب أفقه التابعين.
وروينا عن سعيد قال: كنت أرحل الأيام والليالى فى طلب الحديث الواحد. وقال على بن المدينى: لا أعلم أحدًا فى التابعين أوسع علمًا من سعيد بن المسيب، وإذا قال سعيد: مضت السنة، فحسبك به. قال: وهو عند أجلِّ التابعين. وقال أحمد بن حنبل: أفضل التابعين سعيد بن المسيب، فقيل له: فعلقمة والأسود، فقال: سعيد، وعلقمة، والأسود.
وقال أبو طالب: قلت لأحمد بن حنبل: سعيد بن المسيب؟ فقال: ومَن مثل سعيد بن المسيب، ثقة من أهل الخير، قلت: فسعيد عن عمر حجة؟ فقال: هو عندنا حجة، قد رأى عمر وسمع منه، إذا لم يقبل سعيد عن عمر، فمن يقبل؟! وقال يحيى بن معين: قد رأى عمر وكان صغيرًا. وقال يحيى بن سعيد: كان سعيد بن المسيب لا يكاد يفتى فتيا ولا يقول شيئًا إلا قال: اللهم سلمنى وسلم منى.
وقال أبو حاتم: ليس فى التابعين أنبل من سعيد بن المسيب، وهو أثبتهم فى أبى هريرة. قال الحافظ: كان أعلم الناس بحديث أبى هريرة سعيد بن المسيب، وكان زوج بنت أبى هريرة. قال أحمد بن عبد الله: كان سعيد فقيهًا، صالحًا، لا يأخذ العطاء، له بضاعة أربعمائة دينار يتجر فيها فى الزيت. وروى البخارى فى تاريخه أن ابن المسيب حج أربعين حجة. وأقوال السلف والخلف متظاهرة على إمامته، وجلالته، وعظم محله فى العلم والدين.
توفى سنة ثلاث وتسعين، وقيل: سنة أربع وتسعين، وكان يقال لهذه السنة: سنة الفقهاء؛ لكثرة من مات فيها من الفقهاء، وقد ذكرنا مرارًا أن سعيد بن المسيب أحد فقهاء المدينة السبعة، وسبق بيانهم فى ترجمة خارجة بن زيد.
وأما(1/220)
قول الإمام أحمد بن حنبل وغيره: أن سعيد بن المسيب أفضل التابعين، فمرادهم أفضلهم فى علوم الشرع، وإلا ففى صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: “إن خير التابعين رجل يقال له: أويس، وكان به بياض، فمروه فليستغفر لكم”.
وأما قول أصحابنا المتأخرين: مراسيل سعيد بن المسيب حجة عند الشافعى، فليس على إطلاقه على المختار، وإنما قال الشافعى، إرسال ابن المسيب عندنا حسن. ولأصحابنا المتقدمين فيها وجهان مشهوران، أحدهما: أنها حجة مطلقة، قالوا: لأنها فتشت فوجدت مسندة. والثانى، وهو الصحيح واختاره المحققون: أنها كغيرها من مراسيل كبار التابعين، فإن اعتضدت بمسند أو بمرسل من جهة أخرى أو قول بعض الصحابة أو أكثر الفقهاء بعدهما، كانت حجة عند الشافعى، وإلا فلا؛ لأنه وجد فيها ما ليس مسندًا بحال، كذا ذكره البيهقى، والخطيب البغدادى، وغيرهما من الحفاظ المتقنين.
وقد بسطت القول فيه فى علوم الحديث، ومقدمة شرح المهذب، ومن غرائب ابن المسيب قوله: إن المطلقة ثلاثًا تحل للأول بمجرد عقد الثانى من غير وطء، وقال جميع العلماء بسواه: يشترط الوطء.
213 - سعيد بن أبى عروبة (1) :
مذكور فى المختصر فى كتاب العتق، هكذا يقال: ابن أبى عروبة، ولا يستعمله المحدثون وأصحاب الأسماء والتواريخ إلا هكذا. وقال ابن قتيبة فى أدب الكاتب: صوابه ابن أبى العروبة، وهو أبو النضر سعيد بن مهران بن عروبة العدوى عدى يشكر، مولاهم البصرى، سمع الحسن، وابن سيرين، وقتادة، وآخرين من التابعين.
روى عنه الأعمش، وهو تابعى، والثورى، وشعبة، وخلائق. واتفقوا على توثيقه. روى له البخارى ومسلم، واختلط قبل وفاته. وحكم المختلط أنه لا يُحتج بما روى عنه فى الاختلاط أو شك فى وقت تحمله، ويحتج بما روى عنه قبل الاختلاط، وما كان فى الصحيحين عنه محمول على الأخذ عنه قبل اختلاطه. توفى سنة ست، وقيل: سبع وخمسين ومائة، رحمه الله تعالى.
_________
(1) طبقات ابن سعد (7/273) ، والتاريخ الكبير للبخارى (3/1679) ، والجرح والتعديل (4/276) ، وتاريخ الإسلام (6/183) ، وسير أعلام النبلاء (6/413) ، وميزان الاعتدال (2/3242) ، وتذكرة الحفاظ (1/177) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/110) . تقريب التهذيب (2365) وقال: “ثقة حافظ له تصانيف لكنه كثير التدليس واختلط وكان من أثبت الناس في قتادة من السادسة مات سنة ست وقيل سبع وخمسين ع.(1/221)
* * *
باب سفيان وسفينة
بضم السين وكسرها وفتحها، والضم أشهر
214 - سفيان الثورى (1) :
تكرر فى المهذب. هو أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع ابن عبد الله بن موهبة بن أبى عبد الله بن منقذ بن نصر بن الحارث بن ثعلبة بن ملكان ابن ثور بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر الثورى الكوفى، الإمام الجامع لأنواع المحاسن.
وهو من تابعى التابعين، ولد سنة سبع وتسعين، سمع سفيان الثورى: أبا إسحاق السبيعى، وعبد الملك بن عمير، وعمرو بن مرة، وخلائق من كبار التابعين وغيرهم. روى عنه محمد بن عجلان، والأعمش، وهما تابعيان، ومعمر، والأوزاعى، وابن أبى إسحاق، ومالك، وابن عيينة، وشعبة، والفضيل بن عياض، وأبو الأحوص، وأبو إسحاق الفزارى، وابن المبارك، وزائدة، وابن مهدى، ووكيع، وأبو نعيم، ويحيى القطان، ومحمد بن يوسف الفريابى، وخلائق.
واتفق العلماء على وصفه بالبراعة فى العلم بالحديث، والفقه، والورع، والزهد، وخشونة العيش، والقول بالحق، وغير ذلك من المحاسن. قال أحمد بن عبد الله: أحسن إسناد الكوفة سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود.
وقال أبو عاصم: الثورى أمير المؤمنين فى الحديث. وقال ابن المبارك: كتبت عن ألف ومائة شيخ، ما كتبت عن أفضل من الثورى. وقال عبد الرزاق: سمعت الثورى يقول: ما استودعت قلبى شيئًا فخاننى قط. وقال يونس بن عبيد: ما رأيت أفضل من الثورى، فقيل: قد رأيت عطاء، وسعيد بن جبير، ومجاهد وتقول هذا؟! فقال: هو والله ما أقول ما رأيت أفضل من الثورى.
وقال يحيى بن معين: كل من خالف الثورى فالقول قول الثورى. وقال ابن مهدى: ما رأيت أحفظ للحديث من الثورى. وقال ابن عيينة: كان ابن عباس فى زمانه، والشعبى فى زمانه، والثورى فى زمانه. وقال عباس الدورى: رأيت ابن معين لا يقدم على الثورى فى زمانه أحدًا فى كل شىء. وقال القطان: ما رأيت أحفظ من الثورى.
وقال ابن عيينة: أنا من غلمان
_________
(1) طبقات ابن سعد (6/371) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/2077) ، والكنى للدولابى (2/56) ، والجرح والتعديل (4/972) ، وسير أعلام النبلاء (7/229 - 279) . تقريب التهذيب (2445) وقال: "ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة من رؤوس الطبقة السابعة وكان ربما دلس مات سنة إحدى وستين وله أربع وستون ع". .(1/222)
الثورى، وما رأيت أعلم بالحلال والحرام منه. وقال ابن المبارك: كنت إذا شئت رأيت الثورى مصليًا، وإن شئت رأيته محدثًا، وإن شئت رأيته فى غامض الفقه. وقال الأوزاعى، وقد ذكر ذهاب العلماء: لم يبق منهم من يجتمع عليه العامة بالرضا والصحة إلا الثورى. وقال الوليد بن مسلم: رأيت الثورى يستفتى بمكة ولم يختط وجهه.
وروينا عن عبد الرزاق، قال: بعث أبو جعفر أمير المؤمنين الخشابين قدامه حين خرج إلى مكة، وقال: إذا رأيتم سفيان الثورى فاصلبوه، فوصلوا مكة ونصبوا الخشب، فنودى سفيان، فإذا رأسه فى حجر الفضيل بن عياض، ورجله فى حجر ابن عيينة، فقالوا: يا أبا عبد الله، اتق الله ولا تشمت بنا الأعداء، فتقدم إلى أستار الكعبة فأخذها، وقال: برئت منه إن دخلها أبو جعفر، فمات أبو جعفر قبل أن يدخل مكة.
وأحوال الثورى والثناء عليه أكثر من أن تُحصر، وأوضح من أن تُشهر، وهو أحد أصحاب المذاهب الستة المتبوعة. وقد ذكرت فى ترجمة الشافعى، رضى الله عنه، أن بعض الأئمة جمعهم فى بيت شعر. قال أبو نعيم الفضل بن دكين: خرج الثورى من الكوفة إلى البصرة سنة خمس وخمسين ومائة، فما رجع إليها. قال محمد بن سعد: أجمعوا على أنه توفى بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة، رضى الله عنه.
215 - سفيان بن عبد الله الصحابى، رضى الله عنه (1) :
عامل عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، مذكور فى المهذب فى أواخر صدقة الغنم، هو أبو عمرو، وقيل: أبو عمرة سفيان بن عبد الله بن أبى ربيعة بن الحارث بن مالك ابن حطيط، بضم الحاء المهملة، ابن جشم بن ثقيف الثقفى الطائفى الصحابى، كان عاملاً لعمر بن الخطاب، رضى الله عنه، على الطائف، واستعمله إذ عزل عثمان بن أبى العاص عنها، ونقله إلى البحرين.
روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحاديث كثيرة. روى مسلم فى صحيحه منها حديثًا، وهو أنه قال: قلت: يا رسول الله، قل لى فى الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرك، قال: "قل: آمنت بالله ثم استقم"، وهذا الحديث أحد الأحاديث التى عليها مدار
_________
(1) طبقات ابن سعد (5/514) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/2057) ، والجرح والتعديل (4/952) ، والاستيعاب (2/630) ، وأسد الغابة (2/319) ، والكاشف (1/2017) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/115) ، والإصابة (2/3315) . تقريب التهذيب (2446) وقال: "صحابي وكان عامل عمر على الطائف م ت س ق"..(1/223)
الإسلام. روى عنه ابنه عبد الله، وعروة، وجبير بن نفير، ونافع بن جبير، وغيرهم، رضى الله عنهم.
216 - سفيان بن عيينة (1) :
تكرر فيها كثيرًا. هو أبو محمد سفيان بن عيينة، بضم العين والسين على المشهور، ويقال: بكسرهما، وحكى فتح السين أيضًا ابن عمران ميمون الكوفى، ثم المكى الهلالى مولاهم، مولى محمد بن مزاحم، أخى الضحاك، وكان بنو عيينة عشرة خزازين، حدَّث منهم خمسة: محمد، وإبراهيم، وسفيان، وآدم، وعمران، أشهرهم وأجلهم سفيان. سكن مكة وتوفى بها، وهو من تابعى التابعين.
سمع الزهرى، وعمرو بن دينار، والشعبى، وعبد الله بن دينار، ومحمد بن المنكدر، وخلائق من التابعين وغيرهم. روى عنه الأعمش، والثورى، ومسعر، وابن جريج، وشعبة، وهمام، ووكيع، وابن المبارك، وابن مهدى، والقطان، وحماد بن زيد، وقيس بن الربيع، والحسن بن صالح، والشافعى، وابن وهب، وأحمد بن حنبل، وابن المدينى، وابن معين، وابن راهوية، والحميدى، وخلائق لا يحصون من الأئمة. وروى الثورى عن القطان، عن ابن عيينة، واتفقوا على إمامته وجلالته وعظم مرتبته.
روينا عن ابن وهب، قال: ما رأيت أعلم بكتاب الله تعالى من ابن عيينة. وقال أبو يوسف الغسولى: دخلت على ابن عيينة وبين يديه قرصان من شعير، فقال: إنهما طعامى منذ أربعين سنة. وقال الثورى: ابن عيينة أحد الآخذين. وقال أبو حاتم: أتيت أصحاب الزهرى مالك، وابن عيينة، وكان أعلم بحديث عمرو بن دينار من شعبة. وقال يحيى القطان: سفيان إمام من أربعين سنة، وذلك فى حياة سفيان.
وقال يحيى: أثبت الناس فى حديث عمرو بن دينار ابن عيينة. وقال القطان: ما رأيت أحسن حديثًا من ابن عيينة. وقال الشافعى: ما رأيت أحدًا فيه من آلة العالم ما فى سفيان، وما رأيت أحدًا أكف عن الفتيا منه، وما رأيت أحدًا أحسن لتفسير الحديث منه. وقال أحمد بن عبد الله: كان ابن عيينة حسن الحديث، وكان يُعد من حكماء أصحاب الحديث، وكان حديثه نحو سبعة آلاف
_________
(1) طبقات ابن سعد (5/497) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/2082) ، والجرح والتعديل (4/973) ، وسير أعلام النبلاء (8/400) ، والكاشف (1/2022) ، وتذكرة الحفاظ (1/262) ، وميزان الاعتدال (2/3327) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/117) . تقريب التهذيب (2451) وقال: "ثقة حافظ فقيه إمام حجة إلا أنه تغير حفظه بأخرة وكان ربما دلس لكن عن الثقات من رؤوس الطبقة الثامنة وكان أثبت الناس في عمرو ابن دينار مات في رجب سنة ثمان وتسعين وله إحدى وتسعون سنة ع"..(1/224)
حديث، ولم يكن له كتب.
وروينا عن سعد، أن ابن نصر، قال: قال سفيان بن عيينة: قرأن القرآن وأنا ابن أربع سنين، وكتبت الحديث وأنا ابن سبع سنين، ولما بلغت خمس عشرة سنة قال لى أبى: يا بنى، قد انقطعت عنك شرائع الصبى، فاختلط بالخير تكن من أهله، واعلم أنه لن يسعد بالعلماء إلا مَن أطاعهم، فأطعهم تسعد، واخدمهم تقتبس من علمهم، فجعلت أميل إلى وصية أبى ولا أعدل عنها.
وروينا عن الحسن بن عمر، أن ابن عيينة قال: قال لى سفيان بالمزدلفة فى آخر حجة حجها: قد وفيت هذا الموضع سبعين مرة، أقول فى كل مرة: اللهم لا تجعله آخر العهد فى هذا المكان، وقد استحييت من الله تعالى من كثرة ما أسأله، فرجع فتوفى فى السنة الداخلة.
ومناقبه كثيرة مشهورة، وهو أحد أجداد الشافعية فى طريق الفقه كما سبق فى أول الكتاب، وكان يقول فى تفسير الحديث: "من غشنا فليس منا، ومن حمل علينا السلاح فليس منا" (1) ، من تأوله على أن المراد ليس على هدينا وحسن طريقتنا فقد أساء، ومراده أن يبقى تفسيره مسكوتًا ليكون أبلغ فى الزخر عن هذه المعاصى. ولد سفيان سنة سبع ومائة، وتوفى يوم السبت غرة رجب سنة ثمان وتسعين ومائة، رحمه الله.
217 - سفينة مولى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (2) :
مذكور فى المهذب فى باب الأطعمة. هو لقب له، واسمه مهران، هذا قول الأكثرين، وقيل: أحمر، قاله أبو نعيم الفضل وغيره، وقيل: رومان، وقيل: بحران، وقيل: عبس، وقيل: قيس، وقيل: شنبة، بعد الشين نون ساكنة ثم باء موحدة، وقيل: عمير، حكاه الحاكم أبو أحمد، وكنيته أبو عبد الرحمن، هذا قول الأكثرين، وقيل: أبو البخترى، ولقبه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سفينة.
روينا عنه قال: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نمشى، فمررنا بواد أو نهر، وكنت أعبر الناس، فقال لى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما كنت منذ اليوم إلا سفينة". وروينا عنه، قال: خرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمشى ومعه أصحابه، فثقل عليهم متاعهم، فقال لى: "ابسط كساك"، فبسطته، فجعلوا فيه متاعهم، ثم حمله علىَّ، فقال لى: "احمل، فإنما أنت سفينة"، فلو حمل علىَّ من يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلاثة أوخمسة أو ستة أوسبعة ما ثقل علىَّ
_________
(1) أخرجه مسلم (1/99، رقم 101) ، وابن ماجه (2/860، رقم 2575) . وأخرجه أيضا: البخارى فى الأدب (1436، رقم1280) .
(2) التاريخ الكبير للبخارى (4/2524) ، والجرح والتعديل (4/1392) ، والاستيعاب (2/684) ، وأسد الغابة (2/324) ، وسير أعلام النبلاء (3/172) ، والكاشف (1/2026) ، وتاريخ الإسلام (3/158) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/125) ، والإصابة (2/3335) . تقريب التهذيب (2458) وقال: "سفينة مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكنى أبا عبد الرحمن يقال كان اسمه مهران أو غير ذلك فلقب سفينة لكونه حمل شيئا كثيرا في السفر مشهور له أحاديث م 4"..(1/225)
إلا أن يجفو. وفى رواية: كلما أعيا بعض القوم ألقى علىَّ سيفه وترسه ورمحه، حتى حملت شيئًا كثيرًا، وكان إذا قيل له: ما اسمك؟ يقول: سمانى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سفينة، فلا أريد غيره.
وكان سفينة يسكن بكن نخلة، وهو من مولدى العرب، وقيل: من أبناء فارس. قال ابن أبى حاتم: سمعت أبى يقول: اشتراه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأعتقه. وقال آخرون: أعتقته أم سلمة، فيقال له: مولى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويقال: مولى أم سلمة. روى البخارى فى تاريخه أنه بقى إلى زمن الحجاج، قال: وفى إسناد هذا نظر، ذكره البخارى، وابن أبى حاتم فى الأسماء المفردة.
وروينا عنه قال: خدمت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشر سنين. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعة عشر حديثًا، روى مسلم أحدها. وروى عنه بنوه عبد الرحمن، وعمر، ومحمد، وزياد، وكثير بنو سفينة، ومحمد بن المنكدر، وسعيد بن جمهان، وغيرهم. روينا عن سفينة، رضى الله عنه، قال: لقينى الأسد، فقلت: أنا سفينة مولى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فضرب بذنبه الأرض وقعد.
وروينا عنه، قال: ركبت البحر فى سفينة، فكسرت بنا، فركبت لوحًا منها، فطرحنى فى جزيرة فيها أسد، فلم يرعنى إلا به، فقلت: يا أبا حرث، أنا سفينة مولى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجعل يغمزنى بمنكبيه حتى أقامنى على الطريق، ثم همهم فظننت أنه السلام.
* * *
باب سلمان
218 - سلمان الفارسى الصحابى، رضى الله عنه (1) :
تكرر فى المهذب. هو أبو عبد الله سلمان الخير، مولى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، سُئل عن نسبه، فقال: أنا سلمان بن الإسلام، أصله من فارس من جى، بفتح الجيم وتشديد الياء، قرية من قرى أصبهان، وقيل: من رام هرمز. روى ابن أبى خيثمة فى تاريخه، عن ابن عباس، قال: حدثنى سلمان، رضى الله عنه، قال: كنت من أهل أصبهان من قرية يقال لها: جى، وكان أبى دهقانها.
وسبب إسلامه مشهور، وأنه هرب من أبيه، وكان مجوسيًا، فلحق براهب، ثم جماعة من الرهبان واحد بعد واحد، يصحبهم إلى وفاتهم، إلى أن دله الأخير على الذهاب إلى الحجاز، وأخبره بظهور النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقصده مع عرب، فغدروا به
_________
(1) طبقات ابن سعد (6/16 و7/318) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/2235) ، والجرح والتعديل (4/1289) ، والاستيعاب (2/634) ، وأسد الغابة (2/328) ، وسير أعلام النبلاء (1/505 - 558) ، والكاشف (1/2039) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/137) ، والإصابة (2/3357) . تقريب التهذيب (2477) وقال: "أول مشاهده الخندق مات سنة أربع وثلاثين يقال بلغ ثلاثمائة سنة ع"..(1/226)
وباعوه فى وادى القرى اليهودى، ثم اشتراه منه يهودى من قريظة، فقدم به المدينة، فأقام بها مدة حتى قدمها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأتاه بصدقة فلم يأكل منها، ثم بعد مدة أتاه بهدية فأكل منها، ثم رأى خاتم النبوة، وكان الراهب الأخير وصف له هذه العلامات الثلاث للنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال سلمان: فرأيت الخاتم فقبلته وبكيت، فأجلسنى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين يديه، فحدثنى بشأنى كله.
وفاتنى معه بدر وأُحُد بسبب الرق، فقال لى: "يا سلمان، كاتب عن نفسك"، فلم أزل بصاحبى حتى كاتبته على أن أغرس له ثلاثمائة نخلة، وعلى أربعين أوقية ذهب، فقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أعينوا أخاكم سلمان بالنخل"، فأعانونى حتى اجتمعت لى، فقال: "فقر بها ولا تضع منها شيئًا حتى أضعه بيدى"، ففعلت، فأعاننى أصحابه حتى فرغت، فأتيته فكنت آتيه بالنخلة فيضعها ويسوى عليها التراب، فوالذى بعثه بالحق نبيًا ما ماتت منها واحدة وبقى الذهب، فجاء رجل بمثل البيضة من ذهب أصابه من بعض المعادن، فقال: ادع سلمان المسكين الفارسى المكاتب، فقال: أد هذه.
وروينا عنه قال: تداولنى بضعة عشر ربًا من رب إلى رب. وأول مشاهده مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الخندق، ولم يتخلف عن مشهد بعدها، وآخى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين أبى الدرداء وبين سلمان، ثبت ذلك فى صحيح البخارى. وكان من فضلاء الصحابة وزهادهم وعلمائهم، وذوى القرب من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو الذى أشار على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بحفر الخندق حين جاءت الأحزاب، وسكن العراق، وكان يعمل الخوص بيده فيأكل منه، وكان عطاؤه خمسة آلاف، فإذا خرج فرقه.
وكان أبو الدرداء قد سكن الشام، فكتب إلى سلمان: أما بعد، فإن الله قد رزقنى بعدك مالاً وولدًا، ونزلت الأرض المقدسة، فكتب إليه سلمان: سلام عليك، أم بعد، فإنك كتبت إلىَّ أن الله رزقك مالاً وولدًا، فاعلم أن الخير ليس بكثرة المال والولد، ولكن الخير أن يكثر حلمك، وأن ينفعك علمك، وكتبت إلىَّ أنك بالأرض المقدسة، وأن الأرض لا تقدس أحدًا.
ونقلوا اتفاق العلماء على أن سلمان الفارسى عاش مائتين وخمسين سنة، وقيل: ثلاثمائة وخمسين سنة، وقيل: إنه أدرك وصى عيسى ابن مريم، عليه السلام. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -(1/227)
ستون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم على ثلاثة، ولمسلم ثلاثة. وروى عنه ابن عباس، وأنس، وعقبة بن عامر، وأبو سعيد، وكعب بن عجرة، وأبو الطفيل، رضى الله عنهم. وروى عنه جماعات من التابعين.
توفى سلمان بالمدائن فى أول سنة ست وثلاثين، وقيل: سنة خمس وثلاثين، ويقال: فى خلافة عمر، رضى الله عنه، وهو غلط. قال أبو بكر بن أبى داود وغيره: لسلمان ثلاث بنات: بنت بأصبهان، وزعم جماعة أنهم من ولدها، وبنتان بمصر. وروى الترمذى بإسناده عن أنس، رضى الله عنه، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة: على، وعمار، وسلمان، رضى الله عنه" (1) . قال الترمذى: حديث حسن.
219 - سلمان بن ربيعة:
مذكور فى المهذب فى ميراث بنت الابن. هو أبو عبد الله سلمان بن ربيعة بن يزيد ابن عمرو بن سهم بن نضلة بن غنم بن قتيبة بن معن بن مالك بن أعصر، وهو منبه بن سعد بن قيس عيلان، بالعين المهملة، ابن مضر بن نزار الباهلى الكوفى التابعى، هكذا قاله الجمهور أنه تابعى من كبار التابعين، وقيل: له صحبة، وشهد فتح الشام، وسكن الكوفة، وكان قاضيها لعمر بن الخطاب، رضى الله عنه.
روى عن عمر، وولى غزو أرمينية، واستشهد بها سنة تسع وعشرين، وقيل: سنة ثلاثين، وقيل: إحدى وثلاثين. روى عنه أبو وائل، وعدى بن عدى، وعمرو بن ميمون، قيل: كان يغزو سنة ويحج سنة. قال ابن سعد فى الطبقة الأولى من تابعى أهل الكوفة: سلمان بن ربيعة، وكان ثقة قليل الحديث، وهو أول من تولى قضاء الكوفة، وكان يمكث أربعين يومًا لا يأتيه خصم. وقال العقيلى: هو ثقة من كبار التابعين.
220 - سلمان بن عامر الصحابى، رضى الله عنه (2) :
مذكور فى أواخر كتاب صيام المهذب، وفى الوقف منه. هو سلمان بن عامر بن أوس بن حجر بن عمرو بن الحارث بن تيم بن ذهل بن مالك بن سعد بن بكر بن ضبة ابن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر الضبى.
قال مسلم بن الحجاج: لم يكن فى الصحابة ضبى غيره، نزل البصرة، وله بها دار بقرب الجامع. روى عنه محمد وحفصة ولدا سيرين، وعبد العزيز بن بشير،
_________
(1) أخرجه الترمذى (5/667، رقم 3797) ، وقال: حسن غريب. وأبو يعلى (12/142، رقم 6772) ، قال الهيثمى (9/117) : فيه النضر بن حميد الكندى، وهو متروك. والحاكم (3/148، رقم 4666) ، وقال: صحيح الإسناد.
(2) التاريخ الكبير للبخارى (4/2236) ، والجرح والتعديل (4/1291) ، والاستيعاب (2/633) ، وأسد الغابة (2/327) ، والكاشف (1/2038) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/137) ، والإصابة (2/3365) . تقريب التهذيب (2476) وقال: "صحابي سكن البصرة خ 4"..(1/228)
والرباب، بفتح الراء وبالموحدة، أم الرابح. روى له البخارى حديثًا واحدًا، وأما حديثه فى المهذب عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور" (1) . فرواه أبو داود، والترمذى، وقال: هو حديث حسن صحيح.
* * *
باب سلمة وسليم
221 - سلمة بن الأكوع الصحابى، رضى الله عنه (2) :
تكرر. هو أبو مسلم، ويقال: أبو إياس، ويقال: أبو عامر سلمة بن عمرو بن الأكوع، واسم الأكوع سنان بن عبد الله بن قشير بن خزيمة بن مالك بن سلامان بن أسلم الأسلمى.
شهد بيعة الرضوان بالحديبية، وبايع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومئذ ثلاث مرات فى أول الناس ووسطهم وآخرهم، وكان شجاعًا، راميًا، محسنًا، خيرًا، فاضلاً، غزا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبع غزوات، ويقال: شهد غزوة مؤتة.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبعة وسبعون حديثًا، اتفقا على ستة عشر، وانفرد البخارى بخمسة، ومسلم بتسعة. روى عنه ابنه إياس، ومولاه يزيد بن أبى عبيد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وآخرون، وكان يسكن المدينة، فلما قُتل عثمان خرج إلى الربذة فسكنها، وتزوج هناك وولد له، فلم يزل بها حتى كان قبل وفاته بليال عاد إلى المدينة فتوفى بها سنة أربع وسبعين، وهو ابن ثمانين سنة، وكان يصفر رأسه ولحيته. قال ابن إياس: ما كذب أبى قط.
وفى صحيح البخارى أحاديث ثلاثيات يرويها البخارى، عن المكى بن إبراهيم، عن يزيد مولى سلمة، عن سلمة، رضى الله عنه، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وثبت فى الصحيح أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خير رجالتنا سلمة بن الأكوع"، قاله فى غزوة ذى قرد لما استنقذ لقاح رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من العدو الذين أغاروا عليها وهزمهم وحده.
222 - سلمة بن صخر الصحابى، رضى الله عنه (3) :
مذكور فى المهذب فى الظهار المؤقت. هو سلمة بن صخر بن سلمان بن الصمة بن حارثة بن الحارث بن زيد مناة
_________
(1) أخرجه الطيالسى (ص 163، رقم 1181) ، وأحمد (4/17، رقم 16270) ، والدارمى (2/13، رقم 1701) ، وأبو داود (2/305، رقم 2355) ، والترمذى (3/78، رقم 695) ، وقال: حسن صحيح. والنسائى فى الكبرى (2/254، رقم 3319) ، وابن ماجه (1/542، رقم 1699) ، والحاكم (1/597، رقم 1575) ، وقال: صحيح على شرط البخارى. ووافقه الذهبى. وابن خزيمة (3/278، رقم 2067) ، والطبرانى (6/272، رقم 6192) ، وابن حبان (8/282، رقم 3515) ، والبيهقى فى شعب الإيمان (3/406، رقم 3898) .
(2) انظر: الإصابة (2/66، 67) ، وطبقات ابن سعد (4/305) ، والتاريخ الكبير (4/69) ، والجرح والتعديل (4/166) ، والاستيعاب (2/87، 88) ، وتهذيب تاريخ دمشق (1/232 - 234) ، وأسد الغابة (2/333) ، وسير أعلام النبلاء (3/326 - 331) ، والبداية والنهاية (9/6) ، والوافى بالوفيات (15/321) ، وتهذيب التهذيب (4/150 - 152) ، ومرآة الجنان (1/155) ، وتجريد أسماء الصحابة (1/2404) ، وتهذيب الكمال (11/301، 302) ..
(3) التاريخ الكبير للبخارى (4/1993) ، والجرح والتعديل (4/733) ، والاستيعاب (2/641) ، وأسد الغابة (2/337) ، والكاشف (1/2055) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/147) ، والإصابة (2/3286) . تقريب التهذيب (2496) وقال: "صحابي ظاهر من امرأته قال البغوي لا أعلم له مسندا غيره د ت ق"..(1/229)
بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب، بفتح الغين وإسكان الضاد المعجمتين، ابن جشم بن الخزرج الأنصارى الخزرجى، ويقال له: البياضى؛ لأنه حليف بنى بياضة، ويقال: اسمه سلمان، وسلمة أصح وأشهر، وهو أحد البكائين. روى عنه سعيد بن المسيب، وأبو سلمة، وسماك بن حرب، وسليمان بن يسار.
223 - سلمة بن عبد الله (1) :
ويقال: ابن عبيد الله بن محصن الخطمى. مذكور فى المختصر. هو الأنصارى الخطمى، روى عن أبيه، ولأبيه صحبة.
224 - سلمة بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القريشى المخزومى:
وأمه ضباعة بنت عامر بن قرط، وهو أخو أبى جهل عمرو بن هشام، وابن عم خالد بن الوليد، أسلم سلمة، رضى الله عنه، قديمًا، وكان من فضلاء الصحابة، وهاجر إلى الحبشة، ومنعه الكفار من الهجرة إلى المدينة، وعذبوه بمكة فى الله عز وجل.
وثبت فى الصحيحين أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يدعو فى قنوته فى الصلاة له ولغيره من المستضعفين ويسميه فيقول: "اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش ابن أبى ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين"، وهؤلاء الثلاثة من بنى مخزوم، فالوليد هو أخو خالد بن الوليد، وعياش بن ربيعة بن المغيرة، وهو ابن عم خالد.
وهاجر سلمة بعد الخندق إلى المدينة، وشهد غزوة مؤتة، وأقام بالمدينة حتى توفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فخرج إلى الشام مجاهدًا حين بعث أبو بكر الصديق، رضى الله عنه، الجيوش إلى الشام، فقُتل شهيدًا بمرج الصفر سنة أربع عشرة فى أول خلافة عمر، وقيل: قتل بأجنادين فى جمادى الأولى قبل وفاة أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، بأربعة وعشرين ليلة.
225 - سلمة الأنصارى الصحابى، رضى الله عنه:
أبو يزيد، جد عبد الحميد بن يزيد بن سلمة. حديثه فى أهل البصرة فى تخيير الصغير بين أبويه إذا افترقا، وقيل: إنه والد عبد الحميد لا جده. قالوا: وهو غلط، وذكره فى المهذب فى أول الحضانة، وقال:
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (4/2025) ، والجرح والتعديل (4/732) ، والكاشف (1/2059) ، وميزان الاعتدال (2/3408) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/148) . تقريب التهذيب (2499) وقال: "مجهول من الرابعة بخ ت ق"..(1/230)
عن عبد الحميد بن سلمة، عن أبيه، فاختار فيه القول المردود، وقيل: إنه ضمرى من بنى كنانة.
226 - سليك الغطفانى الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى باب الجمعة من هذه الكتب. هو سليك، بضم السين المهملة وفتح اللام وإسكان المثناة تحت بعدها كاف، ابن عمرو، وقيل: ابن هدبة، بضم الهاء وبالموحدة. وفى صحيح مسلم، عن جابر، قال: جاء سليك الغطفانى يوم الجمعة والنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب، فجلس فقال: "يا سليك، قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما"، ثم قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين وليتجوز فيهما" (1) .
* * *
باب سُليم
بضم السين
227 - سليم بن أيوب:
من فقهاء أصحابنا وأئمتهم ومصنفيهم، تكرر ذكره فى الروضة. هو أبو الفتح سليم ابن أيوب الرازى، تفقه وهو كبير، وكان يشتغل فى أول عمره بالنحو، واللغة، والتفسير، والمعانى، ثم بالحديث، ثم رحل إلى بغداد، واشتغل بالفقه على الشيخ أبى حامد الأسفرايينى إمام أصحابنا العراقيين، وله عنه التعليقة المشهورة، وله مصنفات كثيرة فى التفسير، والحديث، وغريب الحديث، والعربية، والفقه، وكان إمامًا، جامعًا لأنواع من العلوم، ومحافظ على أوقاته، فلا يصرفها فى غير طاعة، وهو الذى نشر العلم بصور المدينة المعروفة بساحل دمشق، وعليه تفقه الشيخ أبو الفتح نصر المقدسى الزاهد، وأخذ طرائقه الجميلة.
قيل لسليم: ما الفرق بين مصنفاتك ومصنفات المحاملى؟ فقال: لأن تلك صنفت بالعراق، ومصنفاتى صنفتها بالشام. قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر فى كتاب التبيين: كان سليم فقيهًا جيدًا، مشارًا إليه فى علمه، صَّنف الكثير فى الفقه وغيره. قال: وهو أول من نشر هذا العلم بصور، وانتفع به جماعة، منهم الشيخ نصر المقدسى. وكان سليم يحاسب
_________
(1) حديث جابر: أخرجه الشافعى فى السنن (1/63) ، والطيالسى (ص 236، رقم 1695) ، وأحمد (3/297، رقم 14207) ، والدارمى (1/438، رقم 1551) ، والبخارى (1/392، رقم 1113) ، ومسلم (2/597، رقم 875) ، وأبو داود (1/291، رقم 1117) ، والنسائى فى الكبرى (1/528، رقم 1703) ، وابن ماجه (1/353، رقم 1114) ، وابن خزيمة (2/353، بعد رقم 1453) ، وابن حبان (6/247، رقم 2502) ، والدارقطنى (2/13) . وأخرجه أيضًا: الطبرانى (7/164، رقم 6711) ، وأبو يعلى (4/187، رقم 2276) .
حديث سُلَيْكِ بن هدبة الْغَطَفَانِىِّ: أخرجه أحمد (3/389، رقم 15218) ، والطبرانى (7/164، رقم: 6712) ، قال الهيثمى (2/184) : رجاله رجال الصحيح. والطحاوى (1/365) ، والدارقطنى (2/14) .(1/231)
نفسه على الأنفاس، لا يدع وقتًا يمضى عليه بغير فائدة من نسخ، أو تدريس، أو قراءة، ونسخ شيئًا كثيرًا.
ثم روى الحافظ، عن المؤمل بن الحسن أنه رأى سليمًا قد حفى قلمه، فجعل يحرك شفتيه حتى قطعه، فعلم أنه كان يقرأ مدة إصلاحه. قال: وغرق سليم فى بحر القلزم عند ساحل جدة بعد عوده من الحج فى صفر سنة سبع وأربعين وخمسمائة، وكان قد نيف على الثمانين، حدث بذلك ابنه إبراهيم بن سليم.
228 - سليم بن عامر (1) :
مذكور فى المهذب فى باب الهدية. هو أبو يحيى، وقيل: أبو ليلى سليم بن عامر الكلاعى، بفتح الكاف، الخبائرى، بخاء معجمة مفتوحة ثم موحدة مخففة وألف ثم همزة ثم راء، منسوب إلى الخبائر، وهو ابن سواد بن عمرو بن الكلاع بن شرحبيل، وهو حمصى تابعى.
سمع المقداد بن الأسود، والمقدام بن معد يكرب، وأبا الدرداء، وعبد الله بن الزبير، وأبا أمامة، وعوف بن مالك، وتميمًا الدارى، وغيرهم من الصحابة، وخلائق من التابعين. وروى عنه جماعات من التابعين وغيرهم. واتفقوا على توثيقه. وروى له مسلم فى صحيحه. قال محمد بن سعد: توفى سنة ثلاثين ومائة، وكان ثقة قديمًا معروفًا، رضى الله عنه.
* * *
باب سليمان
229 - سليمان بن حريث:
ذكره فى المهذب فى كتاب الأقضية فى فصل أصحاب المسائل، وأظنه تصحيفًا، وسيأتى إيضاحه فى النوع الثامن من الأوهام إن شاء الله تعالى.
230 - سليمان بن داود، النبى ابن النبى، عليه السلام:
تكرر فى المختصر، والمهذب فى الاستسقاء والوقف وغيرهما، وسبق بيان نسبه فى ترجمة أبيه.
قال الله تعالى: {وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} [الأنعام: 84] الآية.
وقال الله تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}
_________
(1) طبقات ابن سعد (7/464) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/2190) ، والجرح والتعديل (4/909) ، وأسد الغابة (2/348) ، وتاريخ الإسلام (4/255) ، وسير أعلام النبلاء (5/185) ، والكاشف (1/2085) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/166) ، والإصابة (2/3795) . تقريب التهذيب (2527) وقال: "ثقة من الثالثة غلط من قال إنه أدرك النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مات سنة ثلاثين ومائة بخ م 4"..(1/232)
[الأنبياء: 78، 79] الآيات.
وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَىْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل: 15 - 17] الآيات إلى قوله تعالى: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44] .
وقال تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} [سبأ: 12] .
وقال تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30] الآيات.
وثبت فى صحيح البخارى ومسلم، عن أبى هريرة، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن عفريتًا من الجن تفلت البارحة ليقطع علىَّ صلاتى، فأمكننى الله منه، فأخذته فأردت أن أربطه على سارية من سوارى المسجد حتى تنظروا إليه كلكم، فذكرت دعوة أخى سليمان: رب هب لى ملكًا لا ينبغى لأحد من بعدى، فرددته خاسئًا"، ورويناه من طرق بألقاظ متقاربة.
وفى الصحيحين عن أبى هريرة أيضًا، أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: “كانت امرأتان معهما ابناهما، فجاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت لصاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكما إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه، فقال: ائتونى بالسكين أشقه بينهما، فقالت الصغرى: لا تفعل رحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى” (1) .
وروينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “إن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالاً ثلاثًا: سأل الله تعالى حكمًا يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله تعالى ملكًا لا ينبغى لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد ألا يأتيه أحد لا ينهزه إلا للصلاة فيه أن يخرجه من ذنوبه وخطيئته كيوم ولدته أمه” (2) ، رواه النسائى فى سننه بإسناد صحيح.
قال أبو إسحاق الثعلبى فى كتابه العرائس فى قول الله عز وجل: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [النمل: 16] : أى نبوته وعلمه وحكمته دون سائر أولاد داود. قال: وكان لداود اثنا عشر ابنًا. قال: وكان سليمان ملك الشام إلى اصطخر. قال: وقيل: ملك
_________
(1) أخرجه أحمد (2/322، رقم 8263) ، والبخارى (3/1260، رقم 3244) ، ومسلم (3/1344، رقم 720) ، والنسائى فى الكبرى (3/473، رقم 5960) .
(2) أخرجه أحمد (2/176، رقم 6644) ، والنسائى (2/34، رقم 693) ، قال الحافظ فى الفتح (6/408) : رواه النسائى بإسناد صحيح. وابن ماجه (1/452، رقم 1408) قال البوصيرى (2/14) : هذا إسناد ضعيف. والحكيم (1/370) وابن حبان (14/330، رقم 6420) ، والحاكم (1/84، رقم 83) ، والبيهقى فى شعب الإيمان (3/494، رقم 4175) . وأخرجه أيضًا: ابن خزيمة (2/288، رقم 1334) ، والديلمى (1/224، رقم 860) .(1/233)
الأرض.
وقد روى عن ابن عباس، قال: ملك الأرض مؤمنان: سليمان، وذو القرنين، وكافران: نمرود، وبختنصر. قال كعب الأحبار، ووهب بن منبه: كان سليمان أبيض، جسيمًا، وسيمًا، وضيئًا، جميلاً، خاشعًا، متواضعًا، يلبس الثياب البيض، ويجالس المساكين، ويقول: مسكين جالس مسكينًا، وكان أبوه يشاوره فى كثير من أموره مع صغر سنه؛ لوفور علقله وعلمه. قال: وكان سليمان حين ملك كثير الغزو لا يكاد يتركه، فتحمله الريح هو وعسكره ودوابهم حيث أراد، وتمر به وبعسكره الريح على المزرعة، فلا يتحرك الزرع.
قال: وقال محمد بن كعب القرظى: بلغنا أن عسكر سليمان كان مائة فرسخ خمسة وعشرون للإنس، ومثلها للجن، ومثلها للطير، ومثلها للوحش. قال: وقال أهل التاريخ: كان عمر سليمان ثلاثًا وخمسين سنة، وملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وابتدأ بناء بيت المقدس بعد ابتداء ملكه بأربع سنين، عليه السلام.
231 - سليمان بن صرد الصحابى، رضى الله عنه (1) :
هو أبو مطرف سليمان بن صرد، بضم الصاد وفتح الراء مصروف، ابن الجون بن أبى الجون بن منقذ بن ربيعة بن أحرم بن حزام، بالزاى، ابن حبيشة، بضم الحاء، ابن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة، وهو لحى بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة ابن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد الخزاعى الكوفى. وخزاعة هم ولد حارثة ابن عمرو بن عامر.
روى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمسة عشر حديثًا، اتفقا على حديث، وانفرد البخارى بحديث. روى عنه الشعبى، وعدى بن ثابت، نزل الكوفة، وكان خيرًا فاضلاً صاحب عبادة، وكان له قدر وشرف فى قومه، قُتل سليمان بن صرد بعين الوردة من الجزيرة، وهى رأس عين سنة خمس وستين، وهو ابن ثلاث وتسعين سنة، وكان أميرًا على جيش البوابين.
232 - سليمان بن يسار التابعى (2) :
أحد الفقهاء السبعة، تكرر فى المختصر، والمهذب، فذكره فى مواضع منها باب المزارعة، ثم باب الخيار فى النكاح فى خيار الأمة بالعتق، وأوائل باب اجتماع العدتين. هو أبو أيوب، ويقال: أبو عبد الرحمن، وأبو عبد الله
_________
(1) طبقات ابن سعد (4/292 و6/25) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/1752) ، والكنى للدولابى (2/117) ، والجرح والتعديل (4/539) ، والاستيعاب (2/649) ، وأسد الغابة (2/351) ، وتاريخ الإسلام (3/17) ، وسير أعلام النبلاء (3/394) ، والكاشف (1/2113) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/200) ، والإصابة (2/3457) . تقريب التهذيب (2574) وقال: “صرد بضم المهملة وفتح الراء، صحابي قتل بعين الوردة سنة خمس وستين ع”..
(2) طبقات ابن سعد (5/174) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/1901) ، والجرح والتعديل (4/643) ، وتاريخ الإسلام (4/120) ، وسير أعلام النبلاء (4/444) ، والكاشف (1/2157) وتذكرة الحفاظ (1/90) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/228) . تقريب التهذيب (2619) وقال: “ثقة فاضل أحد الفقهاء السبعة من كبار الثالثة مات بعد المائة وقيل قبلها ع”..(1/234)
سليمان بن يسار الهلالى أخو عطاء، وعبد الملك، وعبد الله موالى ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين، رضى الله عنه. قال ابن سعد: ويقال: إن سليمان بنفسه كان مكاتبًا لها.
سمع ابن عباس، وابن عمر، وجابرًا، وحسان بن ثابت، وأبا رافع، وزيد بن ثابت، والمقداد بن الأسود، وأبا سعيد، وأبا واقد، وأبا هريرة، وعائشة، وأم سلمة، رضى الله عنهم، وسمع خلائق من التابعين. روى عنه جماعات من التابعين، منهم عمرو بن دينار، ونافع، وعمرو بن ميمون، وصالح بن كيسان، والزهرى، ويحيى الأنصارى، وقتادة، وآخرون، رحمة الله عليهم.
قال محمد بن سعد: كان ثقة، عالمًا، رفيعًا، فقيهًا، كثير الحديث. واتفقوا على وصفه بالجلالة وكثرة العلم، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة، وقد سبق بيانهم فى ترجمة خارجة ابن زيد. قال أبو زرعة الرازى: سليمان بن يسار مدنى، ثقة، مأمون، فاضل، عابد. قال ابن سعد: توفى سنة تسع ومائة، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، وقيل: توفى سنة ثلاث ومائة، والله أعلم.
* * *
باب سمرة وسنين
233 - سمرة بن جندب الصحابى، رضى الله عنه (1) :
تكرر فى المهذب، وجندب بضم الدال وفتحها، هو أبو سعيد، ويقال: أبو عبد الرحمن، وأبو عبد الله، وأبو سليمان، وأبو محمد، سمرة بن جندب بن هلال بن حريج، بحاء مهملة مفتوحة، ثم راء مكسورة، ثم مثناة تحت، ثم جيم، ابن مرة بن حزن بن عمرو بن جابر بن خشين، بخاء مضمومة وشين معجمتين، ابن لأى بن عصم بن شمخ ابن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان الفزارى.
توفى أبوه وهو صغير، فقدمت به أمه المدينة، فتزوجها أنصارى، وكان فى حجره حتى كبر، قيل: أجازه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى المقاتلة يوم أُحُد، وغزا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غزوات، ثم سكن البصرة، وكان زياد يستخلفه عليها إذا سار إلى الكوفة، ويستخلفه على الكوفة إذا سار إلى البصرة، وكان يكون فى كل واحدة منهما ستة
_________
(1) طبقات ابن سعد (6/5، 34، 7/49) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/2400) ، والكنى للدولابى (1/81) ، والجرح والتعديل (4/677) ، والاستيعاب (2/653) ، وأسد الغابة (2/354) ، وسير أعلام النبلاء (3/183) ، والكاشف (1/2167) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/236) ، والإصابة (2/3475) . تقريب التهذيب (2630) وقال: "صحابي مشهور له أحاديث مات بالبصرة سنة ثمان وخمسين ع"..(1/235)
أشهر، وكان شديدًا على الخوارج، ولهذا تبغضه الحرورية ومن قاربهم فى مذهبهم. وكان الحسن وابن سيرين وفضلاء البصرة يثنون عليه. قال ابن سيرين: فى رسالة سمرة إلى بنيه علم كثير.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة حديث وثلاثة وعشرون حديثًا، اتفاقا منها على حديثين، وانفرد البخارى بحديثين، ومسلم بأربعة. روى عنه أبو رجاء العطاردى، وعبد الله بن بريدة، والحسن البصرى، والشعبى، وابن سيرين، وابن أبى ليلى، وعلى بن ربيعة، وأبو نضرة، وآخرون.
توفى بالبصرة سنة تسع، وقيل: ثمان وخمسين. وقال البخارى: توفى سمرة بعد أبى هريرة، يقال: آخر سنة تسع وخمسين، ويقال: سنة ستين. وفى صحيحى البخارى ومسلم، عن سمرة، قال: لقد كنت على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غلامًا، فكنت أحفظ عنه، فما يمنعنى من القول إلا أن هاهنا رجالاً هم أسن منى.
234 - سنين أبو جميلة الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المهذب فى أول اللقيط. هو بضم السين، وفتح النون المخففة، وإسكان الياء، هذا هو المشهور فى كتب الجمهور من أصحاب الفنون. وقال البخارى فى تاريخه: وقال ابن أبى أويس: سنين بكسر الياء المشددة، وهو صحابى متفق على صحبته. قال البخارى: خرج مع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عام الفتح. وقال الدارقطنى: حج مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حجة الوداع.
وقال ابن أبى حاتم: سمعت أبى يقول: روى عنه الزهرى، وزيد بن أسلم. ثم أن الجمهور لم يذكروا اسم أبيه. وحكى ابن ماكولا أنه سنين بن فرقد، ويقال له: السلمى، ويقال: الصخرى. وعن الزهرى: أنه سليطى. قال ابن سعد: وهو رجل من بنى سليم من أنفسهم، له أحاديث، وسمع عمر، رضى الله عنه، وكان منزله بالعمق، بضم العين المهملة وفتح الميم.(1/236)
* * *
باب سهل
235 - سهل بن أبى حثمة الصحابى، رضى الله عنه (1) :
تكرر فى المهذب، فذكره فى استقبال القبلة، وصلاة الخوف، والعرايا، والقسامة. وحثمة بفتح الحاء المهملة، وإسكان المثلثة، واسم أبى حثمة عبد الله بن ساعدة، وقيل: عامر بن ساعدة بن عامر بن عدى بن جشم بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج ابن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصارى الحارثى، وكنية سهل أبو يحيى، ويقال: أبو محمد، وهو مدنى، توفى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو ابن ثمان سنين، وقد حفظ عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحاديث.
رُوى له عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمسة وعشرون حديثًا، اتفقا على ثلاثة منها. روى عنه نافع ابن جبير، وعبد الرحمن بن مسعود، وبشير، بضم الموحدة، ابن يسار، بالمهملة، وصالح ابن خوات، والزهرى، وقيل: لم يسمع منه، وحديثه فى صلاة الخوف والعرايا والقسامة فى الصحيحين،
_________
(1) الجرح والتعديل (4/864) ، والاستيعاب (2/661) ، وأسد الغابة (2/363) ، والكاشف (1/2187) ، والإصابة (2/3523) . تقريب التهذيب (2653) وقال: "صحابي صغير ولد سنة ثلاث من الهجرة وله أحاديث مات في خلافة معاوية ع".(1/237)
وحديثه فى استقبال القبلة فى مسألة سترة المصلى صحيح أيضًا، رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة.
236 - سهل بن حنيف الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب فى باب إقامة الحد. هو أبو ثابت، ويقال: أبو سعد، ويقال: أبو الوليد سهل بن حنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبة بن مجدعة بن الحارث بن عمرو ابن خنساء بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصارى المدنى. شهد بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، والمشاهد كلها مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعون حديثًا، اتفقا على أربعة، وانفرد مسلم بحديثين. روى عنه ابنه أبو أمامة أسعد بن سهل، وهو صحابى أيضًا، وأبو وائل، وعبد الرحمن ابن أبى ليلى، وغيرهم. توفى بالكوفة سنة ثمان وثلاثين، وصلى عليه على بن أبى طالب، رضى الله عنه، وحديث سهل بن حنيف فى قيامه فى الناس يوم صفين ووعظه إياهم مشهور فى الصحيحين.
237 - سهل بن سعد الساعدى الصحابى، رضى الله عنه (2) :
تكرر فى المختصر، والمهذب. هو أبو العباس، وقيل: أبو يحيى سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصارى الساعدى المدنى، كان اسمه حزنًا، فسماه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سهلاً. شهد سهل قضاء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى المتلاعنين.
قال الزهرى: سمع من النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان له يوم وفاة النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمس عشرة سنة. وتوفى بالمدينة سنة ثمان وثمانين، وقيل: سنة إحدى وتسعين. قال ابن سعد: هو آخر من مات من أصحاب النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة ليس فيه خلاف. وقال غيره: بل فيه خلاف. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة حديث وثمانية وثمانون حديثًا، اتفقا على ثمانية وعشرين، وانفرد البخارى بأحد عشر. روى عنه الزهرى، وأبو حاتم، وغيرهما.
238 - سهل بن محمد الصعلوكى:
من فقهاء أصحابنا وأئمتهم أصحاب الوجوه، تكرر فى الروضة. هو أبو الطيب سهل ابن الإمام أبى سهل محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن موسى بن عيسى ابن إبراهيم الصعلوكى الحنفى، من بنى حنيفة القبيلة المعروفة، العجلى الشافعى، الإمام فى الفقه والأدب وغيرهما، ابن الإمام والنجيب ابن النجيب.
قال الحكام أبو عبد الله فى وصفه: هو مفتى نيسابور، وابن مفتيها، وأكتب من رأينا من علمائنا وأنظرهم. قال: وكان بعض مشايخنا يقول: من أراد أن ينظر إلى النجيب ابن النجيب فلينظر إلى سهل بن أبى سهل. سمع أباه، وتفقه عليه، وتخرج به، وسمع أبا العباس الأصم، وأبا على حامد الهروى، وأبا عمرو بن نجيد، وأقرانهم من الشيوخ، ودرس واجتمع إليه الخلق فى اليوم الخامس من وفاة أبيه سنة تسع وستين وثلاثمائة، وتخرج به جماعات من الفقهاء بنيسابور وسائر مدن خراسان، وتصدى للفتوى والقضاء والتدريس، وخرجت الفوائد من سماعاته، وحدَّث وأملى. قال: وبلغنى أنه كان فى مجلسه أكثر من خمسمائة محبرة. توفى عشية الجمعة الثالث والعشرين من المحرم سنة سبع وثمانين وثلاثمائة.
قال الحاكم: سمعت
_________
(1) طبقات ابن سعد (3/471، 6/15) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/2090) ، والجرح والتعديل (4/840) ، والاستيعاب (2/662) ، وأسد الغابة (2/364) ، والكاشف (1/2190) ، وتاريخ الإسلام (4/71) ، والإصابة (2/3527) . تقريب التهذيب (2656) وقال: "صحابي من أهل بدر واستخلفه علي على البصرة ومات في خلافته ع".
(2) التاريخ الكبير للبخارى (4/2092) ، والكنى للدولابى (1/82، 83) ، والجرح والتعديل (4/853) ، والاستيعاب (2/664) ، وأسد الغابة (2/366) ، وسير أعلام النبلاء (3/422) ، والكاشف (1/2192) ، وتاريخ الإسلام (4/11) ، والإصابة (2/3533) . تقريب التهذيب (2658) وقال: "له ولأبيه صحبة مشهور مات سنة ثمان وثمانين وقيل بعدها وقد جاز المائة ع.(1/238)
أبا الأصبغ عبد العزيز بن عبد الملك وقد انصرف إلينا من نيسابور ونحن ببخارى، فسألناه: ما الذى استفدت هذه الكرة بنيسابور؟ فقال: رؤية سهل بن أبى سهل، فإنى منذ فارقت وطنى بأقصى المغرب وجئت إلى أقصى المشرق ما رأيت مثله. وقال الشيخ أبو إسحاق: كان سهل فقيهًا، أديبًا، جمع رياسة الدين والدنيا، وأخذ عنه فقهاء نيسابور. وذكر الحاكم وغيره فى مناقبه جملة نفيسة، رحمه الله.
* * *
باب سهيل
بضم السين وزيادة الياء
239 - سهيل بن بيضاء الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المهذب فى أول صلاة الجنازة، وبيضاء أمه، واسم أبيه وهب بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة القريشى الفهرى، وأمه البيضاء اسمها دعد بنت الجحدم، وهم ثلاثة أخوة: سهل، وسهيل، وصفوان بنو بيضاء، اشتهروا بأمهم، وكان سهيل قديم الإسلام، هاجر إلى الحبشة، ثم عاد إلى مكة، ثم هاجر إلى المدينة، شهد بدرًا وغيرها، وتوفى سنة تسع بعد رجوع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من تبوك.
وثبت فى صحيح مسلم أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى عليه وعلى أخيه فى مسجده. وجاء عن أنس، قال: كان أسن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أبا بكر، وسهيل بن بيضاء، كنية سهيل أبو أمية، وقيل: أبو موسى.
240 - سهيل بن عمرو الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى صلح الحديبية، وفى أول قتال أهل البغى من المهذب. هو أبو يزيد سهيل ابن عمرو بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن حسل بن عامر بن لؤى بن غالب القريشى العامرى. أحد سادات قريش وأشرافهم وخطيبهم، أسره المسلمون يوم بدر، وعلى يديه انبرم الصلح يوم الحديبية، ثم أسلم يوم الفتح.
قال سعيد بن مسلم: لم يكن أحد من كبراء قريش الذين أسلموا يوم الفتح أكثر صلاة وصومًا وصدقة واشتغالاً بما ينفعه
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (4/2092) ، والكنى للدولابى (1/82، 83) ، والجرح والتعديل (4/853) ، والاستيعاب (2/664) ، وأسد الغابة (2/366) ، وسير أعلام النبلاء (3/422) ، والكاشف (1/2192) ، وتاريخ الإسلام (4/11) ، والإصابة (2/3533) . تقريب التهذيب (2658) وقال: "له ولأبيه صحبة مشهور مات سنة ثمان وثمانين وقيل بعدها وقد جاز المائة ع"..(1/239)
فى آخرته من سهيل بن عمرو، حتى شحب لونه وتغير، وكان كثير البكاء، رقيقًا عند قراءة القرآن، كان يختلف إلى معاذ بن جبل يقرئه القرآن ويبكى، حتى خرج معاذ من مكة، فقيل له: تختلف إلى هذا الخزرجى، لو كان اختلافك إلى رجل من قومك؟! فقال: هذا الذى صنع بنا ما صنع حتى سبقنا كل السبق لعمرى اختلف، لقد وضع الإسلام أمر الجاهلية، ورفع الله بالإسلام قومًا كانوا فى الجاهلية لا يذكرون، فليتنا كنا مع أولئك فتقدمنا، وإنى لأذكر ما قسم الله لى فى تقدم أهل بيتى من الرجال والنساء فأسر به وأحمد الله عليه، وأرجو أن يكون الله نفعنى بدعائهم أن لا أكون مت على ما مات عليه ينظرانى، فقد شهدت مواطن أنا فيها معاند للحق.
ولما توفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبلغ خبره مكة، ارتجت مكة لما رأت من ارتداد العرب، فقام سهيل بن عمرو خطيبًا، فقال: يا معشر قريش، لا تكونوا آخر من أسلم وأول من ارتد، والله ليمتدن هذا الدين امتداد الشمس والقمر، فى خطبة طويلة.
وخرج بأهل بيته إلى الشام مجاهدًا، فاستشهد باليرموك، وقيل: بمرج الصفر، وقيل: توفى فى طاعون عمواس سنة ثمانى عشرة على أحد الأقوال فى تاريخها، وهو والد أبى جندل، رضى الله عنهما.
* * *
باب سويد وسيف
241 - سويد بن غفلة التابعي (1) :
مذكور فى المهذب فى صدقة الإبل، وغفلة بغين معجمة، وفاء مفتوحتين، وهو أبو أمية سويد بن غفلة بن عوسجة بن عامر بن وداع بن حرث بن مالك بن أدد بن جعفى ابن صعب بن سعد العشيرة الجعفى الكوفى التابعى المخضرم، بفتح الراء، أدرك الجاهلية كبيرًا، وأسلم فى حياة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يره، وأدى صدقته إلى مصدق رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم قصد المدينة، فوصلها فى يوم دفن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحديث إتيان مصدق رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليه فى سنن أبى داود وغيره.
وحضر
_________
(1) طبقات ابن سعد (6/68) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/2255) ، والجرح والتعديل (4/1001) ، والاستيعاب (2/679) ، وأسد الغابة (2/379) ، وسير أعلام النبلاء (4/69) ، وتذكرة الحفاظ (1/53) ، والكاشف (1/2218) ، وتاريخ الإسلام (3/252) ، والإصابة (2/3606، 3720) . تقريب التهذيب (2695) وقال: "مخضرم من الثانية من كبار التابعين قدم المدينة يوم دفن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان مسلما في حياته ثم نزل الكوفة ومات سنة ثمانين وله مائة وثلاثون سنة ع"..(1/240)
القادسية فى زمن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وشهد اليرموك، وخطبة عمر بالجابية. روى عن أبى بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، وابن مسعود، وبلال، وأبى ذر، وأُبىّ بن كعب، وأبى الدرداء. روى عنه عبد الرحمن بن أبى ليلى، والشعبى، وخيثمة بن عبد الرحمن، وآخرون من كبار التابعين.
قال هشيم: بلغ سويد بن غفلة مائة وثمانيًا وعشرين سنة. وقال ابن نمير: توفى سنة إحدى وثمانين، وله مائة وعشرون سنة، وقيل: توفى وهو ابن مائة وإحدى وثلاثين سنة. وقال عمر بن على: توفى سنة اثنتين وثمانين، وهو ابن مائة وعشرين سنة، وشهد صفين مع على، وتوفى بالكوفى، واتفقوا على توثيقه.
242 - سيف بن سليمان المخزومى (1) :
مذكور فى المختصر فى الأقضية واليمين مع الشاهد. هو أبو سليمان سيف بن سليمان، ويقال: ابن أبى سليمان المخزومى، مولاهم المكى. روى عن مجاهد، وابن أبى نجيح، وقيس بن سعد، وعمرو بن دينار، وغيرهم. روى عنه الثورى، وابن المبارك، والقطان، ووكيع، وأبو نعيم، وابن نمير، ومسلم بن خالد الزنجى، واتفقوا على توثيقه. روى له البخارى ومسلم. توفى بعد سنة خمسين ومائة.
* * *
حرف الشين المعجمة
243 - شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف القريشى المطلبى المكى:
جدّ جد الشافعى. مذكور فى كتاب الوقف والوصية من هذه الكتب. ذكره أبو موسى الأصبهانى فى الصحابى، وكذا قال القاضى أبو الطيب الطبرى أن السائب واباه صحابيان.
244 - شبر بن علقمة:
مذكور فى المختصر فى باب الأنفال، هو بفتح الشين وإسكان الموحدة، تابعى مشهور بالنجدة، وليس فى الأسماء شبر غيره، ذكره البخارى، وابن أبى حاتم فى الأفراد. قال البخارى: هو كوفى، سمع سعد بن أبى وقاص، ثم روى البخارى عن شبر، قال: كنا بالقادسية، فطلب رجل من العدو البراز،
_________
(1) طبقات ابن سعد (5/493) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/2373) ، والجرح والتعديل (4/1185) ، وسير أعلام النبلاء (6/338) ، والكاشف (1/2243) ، وميزان الاعتدال (2/3636) . تقريب التهذيب (2722) وقال: "ثقة ثبت رمي بالقدر سكن البصرة أخيرا ومات بعد سنة خمسين من السادسة خ م د س ق". .(1/241)
فبرزت إليه، فصاح وكبَّرت فصرعنى، فنظرت إلى خنجر فى قبائه، فأخذته وطعنته به، وعليه سواران ومنطقة، فقتلته فأخذته وأتيت به سعدًا، فخطب الناس وقص قصته، وقال: إن سلبه بلغ اثنى عشر ألفًا، وقد نفلناكه فكله هنيئًا مريئًا.
245 - شبرمة:
بضم الشين والراء. مذكور فى الحج من المختصر والمهذب. ذكره ابن مندة، وأبو نعيم فى الصحابة، قالا: هو صحابى. توفى هو فى حياة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم ينسباه، ولم يزيدا فى حاله.
246 - شبل بن معبد الصحابى:
تكرر ذكره فى المهذب فى كتاب الشهادات، هو أحد الثلاثة الذين شهدوا بالزنا، وهو شبل بن معبد، وقيل: ابن خليد، وقيل: ابن خالد. قال الطبرى: شبل بن معبد بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن على بن أسلم بن أحمس بن الغوث بن أنمار البجلى، وهو أخو أبى بكرة لأمه، وهم أربعة أخوة لأم اسمها سمية، وهم الشهود.
247 - شداد بن أوس الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب فى أول الصيد والذبائح، وفى أوائل باب استيفاء القصاص. هو أبو يعلى، وقيل: أبو عبد الرحمن شداد بن أوس بن ثابت بن المنذر بن حزام، وهو ابن أخى حسان بن ثابت شاعر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو أنصارى نجارى مدنى، سكن بيت المقدس، وأعقب به.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمسون حديثًا، روى البخارى منها حديثًا ومسلم آخر. روى عنه ابنه يعلى وجماعة من التابعين. توفى ببيت المقدس سنة ثمان وخمسين، وقيل: إحدى وأربعين، وقيل: أربع وستين، وهو ابن خمس وسبعين سنة، وقبره بظاهر باب الرحمة باق إلى الأن، وحديثه المذكور فى المهذب: “إذا قتلتم فأحسنوا القتلة” (2) . رواه مسلم. قالوا: وكان شداد عالمًا، حليمًا، كثير العبادة، والورع، والخوف من الله تعالى.
248 - شرحبيل ابن حسنة الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المهذب فى كتاب السير فى قتل الشيخ الذى فيه رأى. وحسنة أمه، واسم أبيه عبد الله
_________
(1) طبقات ابن سعد (7/401) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/2591) ، والجرح والتعديل (4/1434) ، والاستيعاب (2/694) ، وأسد الغابة (2/387) ، وسير أعلام النبلاء (2/460) ، والكاشف (2/2265) ، وتاريخ الإسلام (3/18) ، وتهذيب التهذيب (4/315) ، والإصابة (2/3847) . تقريب التهذيب (2752) ، وقال: “صحابي مات بالشام قبل الستين أو بعدها وهو ابن أخ حسان ابن ثابت ع”..
(2) أخرجه الطيالسى (ص 152، رقم 1119) ، وأحمد (4/123، رقم 17154) ، والدارمى (2/112، رقم 1970) ، ومسلم (3/1548، رقم 1955) ، وأبو داود (3/100، رقم 2815) ، والترمذى (4/23، رقم 1409) ، وقال: حسن صحيح. وابن أبى شيبة (5/455، رقم 27929) ، والبيهقى فى شعب الإيمان (7/482، رقم 11071) . وأخرجه
أيضًا: النسائى (7/227، رقم 4405) ، وابن ماجه (2/1058، رقم 3170) ، والطبرانى (7/274، رقم 7114) ، والبزار (8/394، رقم 3468) ، والديلمى (1/173، رقم 648) .(1/242)
بن المطاع بن عبد الله بن الغطريف بن عبد العزى السهمى، وقيل: الكندى، كنيته أبو عبد الله. أسلم شرحبيل قديمًا، وأخواه لأمه جنادة وجابر، وهاجروا إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، ثم استعمله أبو بكر، ثم عمر، رضى الله عنهما، على جيوش الشام وفتوحه، ولم يزل واليًا لعمر، رضى الله عنه، على بعض نواحى الشام إلى أن توفى فى طاعون عمواس سنة ثمانى عشرة، وله سبع وستون سنة، طعن هو وأبو عبيدة، رضى الله عنهما، فى يوم واحد.
249 - شريح القاضى (1) :
تكرر فى المختصر والمهذب. هو أبو أمية شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم بن معاوية بن عامر بن الرائش بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة الكندى الكوفى التابعى، ويقال: شريح بن شرحبيل، ويقال: ابن شراحيل، ويقال: إنه من أولاد الفرس الذين كانوا باليمن، والصحيح الأول. أدلرك النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يلقه، وقيل: لقيه، والمشهور الأول. قال يحيى بن معين: كان فى زمن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يسمع منه.
روى عن عمر بن الخطاب، وعلى، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وعبد الرحمن بن أبى بكر، وعروة البارقى، رضى الله عنهم. وروى عنه قيس بن أبى حازم، ومحمد، وأنس ابنا سيرين، ومرة، والنخعى، والشعبى، وآخرون.
قال الأكثرون: استقضاه عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، على الكوفة، وأقروه بعده، فبقى على قضائها ستين سنة، وقضى بالبصرة سنة. قالوا: وولى القضاء لعمر، رضى الله عنه، من سنة ثنتين وعشرين. رُوى عن حفص بن عمر، قال: قضى شريح ستين سنة. وروى ميسرة، عن شريح، قال: وليث القضاء لعمر، وعثمان، وعلى، ومعاوية، ويزيد بن معاوية، ولعبد الملك إلى أيام الحجاج، فاستعفيت الحجاج، وكان له يوم استعفائه مائة وعشرون سنة، وعاش بعد استعفائه سنة.
وقال على بن المدينى: ولى شريح البصرة سبع سنين فى زمن زياد، وولى الكوفة ثلاثًا وخمسين سنة. وقال على بن أبى طالب لشريح، رضى الله عنه: أنت أقضى العرب. وقال أبو الشعثاء: قدم علينا شريح البصرة، فقضى فينا سنة، فما رأينا مثله قبل ولا بعد.
وحكى
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (4/2613) ، والجرح والتعديل (4/1461) ، والكاشف (2/2283) ، وتهذيب التهذيب (4/326) . تقريب التهذيب (2774) ، وقال: “مخضرم ثقة من الثانية وقيل له صحبة مات قبل الثمانين أو بعدها وله مائة وثمان سنين أو أكثر يقال حكم سبعين سنة بخ س”..(1/243)
البخارى فى تاريخه: أن شريحًا توفى سنة ثمان وسبعين، وهو ابن مائة وعشرين سنة. وقال غيره: سنة تسع وسبعين، وقيل: سنة ثمانين، وقيل: سبع وسبعين، وقيل: تسع وتسعين. وقال ابن قتيبة فى المعارف، والشيخ أبو إسحاق فى طبقاته: ولى شريح القضاء خمسًا وسبعين سنة. وروى البيهقى فى كتابه فى مناقب الشافعى فى باب الجرح والتعديل، أن الشافعى قال: لم يكن شريح قاضيًا لعمر بن الخطاب. قال البيهقى: وقد اختلفوا فيه. قال: وبهذا قال جماعة من أهل العلم، وأنكر آخرون قول الشافعى. قالوا: وتوليته القضاء لعمر فمن بعده مشهور.
واتفقوا على توثيق شريح، ودينه، وفضله، والاحتجاج برواياته، وذكائه، وأنه أعلمهم بالقضاء. ونقل الجوهرى وأهل اللغة أن عليًّا، رضى الله عنه، قال لشريح: أيها العبد الأبظر. قالوا: ومعناه الذى فى شفته العليا نتوء.
250 - شيح القاضى:
من أصحابنا المتأخرين، ذكر فى الروضة فى أوائل الباب الثالث فى مستند علم الشاهد. هو [......] (1) .
251 - الشريد أبو عمرو الصحابى، رضى الله عنه (2) :
مذكور فى المختصر، والمهذب فى الشهادات فى سماع الشعر، هو بشين معجمة مفتوحة، ثم راء مكسورة، وهو أبو عمرو الشريد بن سويد الثقفى الحجازى. روى عن ابنه عمرو، ويعقوب بن عاصم، وحديثه المذكور فى المختصر والمهذب رواه مسلم فى صحيحه.
252 - شريك بن سحماء، ويقال: السحماء الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى هذه الكتب فى كتاب اللعان، والسحماء بسين مفتوحة وحاء ساكنة مهملتين وبالمد، وهى أمه، وأم البراء بن مالك، وهو شريك بن عبدة بن معتب، بضم الميم وفتح العين المهملة، ابن الجد بن العجلان بن حارثة بن ضبيعة، بضم الضاد المعجمة، البلوى، وهو ابن عم معن وعاصم بن عدى بن الجد، وهو حليف الأنصار، وهو صاحب اللعان، قيل: إنه شهد مع أبيه أُحُدًا. قال الحطيب: شهد أبوه عبدة بدرًا.
253 - شعبة بن الحجاج الإمام المشهور (3) :
مذكور فى المختصر فى باب السلف،
_________
(1) ما بين المعقوفتين بياض بالأصل قدر ثلاثة سطور قد نبه عليه فى بعض النسخ، وترك فى بعضها الآخر لم ينبه عليه.
(2) طبقات ابن سعد (5/513) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/2731) ، والجرح والتعديل (4/1665) ، والاستيعاب (2/708) ، وأسد الغابة (2/397) ، والكاشف (2/2291) ، وتهذيب التهذيب (4/332) ، والإصابة (2/3892) . تقريب التهذيب (2783) ، وقال: “صحابي شهد بيعة الرضوان قيل كان اسمه مالكا بخ م د تم س ق”..
(3) طبقات ابن سعد (7/280) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/2678) ، والجرح والتعديل (4/1609) ، وسير أعلام النبلاء (7/202) ، والكاشف (2/2297) ، وتذكرة الحفاظ (1/193) ، وتاريخ الإسلام (6/190) ، وتهذيب التهذيب (4/238) . تقريب التهذيب (2790) ، وقال: “ثقة حافظ متقن كان الثوري يقول هو أمير المؤمنين في الحديث وهو أول من فتش بالعراق عن الرجال وذب عن السنة وكان عابدا من السابعة مات سنة ستين ع”. .(1/244)
والرهن، وفى العتق. هو أبو بسطام شعبة بن الحجاج بن الورد العتكى الأزدى، مولاهم الواسطى، ثم البصرى، مولى عبدة بن الأغر، وعبدة مولى يزيد بن المهلب الأزدى. كان شعبة من واسط، ثم انتقل إلى البصرة فاستوطنها، وهو من تابعى التابعين، وأعلام المحدثين، وكبار المحققين، رأى الحسن ومحمد ابن سيرين، وسمع أنس بن سيرين، وعمرو بن دينار، والشعبى، وخلائق لا يحصون من التابعين، وخلائق من غيرهم.
روى عنه الأعمش، وأيوب السختيانى، ومحمد بن إسحاق التابعيون، والثورى، وابن مهدى، ووكيع، وابن المبارك، ويحيى القطان، وخلائق لا يحصون من كبار الأئمة. وأجمعوا على إمامته فى الحديث، وجلالته، وتحريه، واحتياطه، وإتقانه.
قال الإمام أحمد بن حنبل: لم يكن فى زمن شعبة مثله فى الحديث، ولا أحسن حديثًا منه، قسم له منه حظ، وروى عن ثلاثين رجلاً من الكوفة لم يرو عنهم سفيان الثورى. وقال الشافعى: لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق. قال: وكان يجىء إلى الرجل، يعنى الذى ليس أهلاً للحديث، فيقول: لا تحدث وإلا اشتكيت عليك إلى السلطان.
وقال حماد بن زيد: قال لنا أيوب: الأن يقدم عليكم رجل من أهل واسط يقال له: شعبة، هو فارس الحديث، فحدِّثوا عنه. وقال أبو الوليد الطيالسى: اختلفت إلى حماد بن سلمة، فقال: إذا أردت الحديث فالزم شعبة. وقال حماد بن زيد: لا أبالى من يخالفنى إذا وافقنى شعبة؛ لأن شعبة كان لا يرضى أن يسمع الحديث مرة، وإذا خالفنى شعبة فى شىء تركته. وقال يحيى القطان: شعبة أكبر من الثورى بعشر سنين، والثورى أكبر من ابن عيينة بعشر سنين. وقال أحمد بن حنبل: كان شعبة أمة وحده فى هذا الشأن، يعنى علم الحديث وأحوال الرواة.
وروينا عن ابن مهدى، قال: كان سفيان، يعنى الثورى، يقول: شعبة أمير المؤمنين فى الحديث. وروينا عن الثورى أيضًا أنه قال لمسلم بن قتيبة حين قدم من البصرة: ما فعل أستاذنا شعبة. وروينا عن أبى بحر البكراوى، قال: ما رأيت أعبد لله من شعبة، حتى جف جلده على عظمه ليس بينهما لحم. وروينا عن صالح بن محمد، قال: أول مَن تكلم فى(1/245)
الرجال شعبة، ثم اتبعه يحيى القطان، ثم أحمد بن حنبل، وابن معين.
قال البخارى، عن على ابن المدينى: لشعبة نحو ألفى حديث. وقال عبد الصمد: أدرك شعبة من أصحاب ابن عمر نيفًا وخمسين رجلاً. توفى شعبة بالبصرة فى أول سنة ستين ومائة، وهو ابن سبع وسبعين سنة، رحمه الله.
254 - شعيب النبى، عليه السلام:
مذكور فى المهذب فى صفة ولى النكاح. قال الله تعالى إخبارًا عن شعيب، عليه السلام: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88] .
قال الثعلبى فى العرائس: قال عطاء وغيره: هو شعيب بن ميكائيل بن تسخر بن مدين بن إبراهيم الخليل، عليه السلام. قال ابن قتيبة: وجدة أم شعيب بنت لوط، عليه السلام. قال الثعلبى: وكان يقال لشعيب: خطيب الأنبياء، وعُمى فى آخر عمره. قال قتادة: بعثه الله تعالى رسولاً إلى أمتين مدين وأصحاب الأيكة.
وعن ابن عباس، أن شعيبًا كان كثير الصلاة، قالوا: فلما طال تمادى قومه فى كفرهم وغيهم وعنادهم بعد المعجزة وكثرة المراجعة، وأيس من فلاحهم، دعا الله تعالى عليهم، فقال: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف: 89] ، فأجاب الله تعالى دعاءه، وأهلهكهم بالرجفة، وهى الزلزلة، فأصبحوا فى دارهم جاثمين هلكى، وأهلك أصحاب الأيكة بعذاب الظلة.
قال السمعانى فى الأنساب: قبر شعيب، عليه السلام، فى حطين، وهى قرية بساحل الشام، وهذا الذى قاله السمعانى مشهور معروف عند أهل بلادنا، وعلى قبره بناء، وعليه وقف، ويقصده الناس من المواضع البعيدة للزيارة والتبرك، وبالله التوفيق.
255 - شعيب والد عمرو بن شعيب (1) :
المتكرر فى المهذب. هو أبو عمرو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص القريشى السهمى، ويأتى تمام نسبه فى ترجمة جده عبد الله بن عمرو، إن شاء الله تعالى، وهو تابعى، سمع جده عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وابن عباس، رضى الله عنهم. روى عنه ابناه
_________
(1) طبقات ابن سعد (5/243) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/2562) ، والجرح والتعديل (4/1539) ، والكاشف (2/2313) ، وتاريخ الإسلام (39/255) ، وتهذيب التهذيب (4/356) . تقريب التهذيب (2806) ، وقال: “صدوق ثبت سماعه من جده من الثالثة ر 4”..(1/246)
عمرو، وعمر، وثابت البنانى، وعطاء الخراسانى، وغيرهم، وهو ثقة، وأنكر بعضهم سماعه من جده، وغلطوا منكره، وسنوضحه مع ما يتعلق برواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده فى ترجمة عمرو بن شعيب، إن شاء الله تعالى.
256 - شقران - بضم الشين المعجمة - مولى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (1) :
مشهور بهذا اللقب، اسمه صالح، وكان عبدًا حبشيًا لعبد الرحمن بن عوف، أهداه للنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقيل: بل اشتراه فأعتقه بعد بدر، وكان فيمن حضر غسل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنده، وانقرض عقبه فمات آخرهم بالمدينة فى خلافة الرشيد. وقال أبو معشر: شهد شقران بدرًا، ولم يسهم له؛ لأنه كان عبدًا.
257 - شقيق بن سلمة التابعى (2) :
مذكور فى المهذب فى رؤية هلال رمضان. هو أبو وائل شقيق بن سلمة الأسدى، أسد خزيمة الكوفى التابعى المخضرم، أدرك زمن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يره. وروى عن أبى بكر، وسمع عمر، وعثمان، وعليًا، وابن مسعود، وعمارًا، وحبابًا، وحذيفة، وأبا موسى، وأسامة، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وأبا الدرداء، وأبا مسعود البدرى، والبراء، والمغيرة، وجريرًا البجلى، وكعب بن عجرة، وأبا هريرة، وعائشة، وأم سلمة، وغيرهم من الصحابة، رضى الله عنهم أجمعين.
وسمع خلائق من كبار التابعين. روى عنه الشعبى، وعاصم الأحول، والحكم، والسبيعى، والأعمش، وخلائق غيرهم من التابعين، حكوا عنه أنه قال: بعث النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا ابن عشر سنين أرعى إبلاً لأهلى، وقال: أتانا مصدق رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وروى عنه أنه قال: أدركت سبع سنين من سنى الجاهلية. قالوا: وتوفى سنة تسع وتسعين. واتفقوا على توثيقه وجلالته.
قال الأعمش: قال إبراهيم: عليك بشقيق، فإنى أدركت الناس متوافرين، وإنهم يعدونه من خيارهم. قال إبراهيم: وما من قرية إلا وفيها من يدفع عن أهلها به، وأرجو أن يكون شقيق منهم. وقال عمرو بن مرة: قلت لأبى عبيدة ابن ابن مسعود: من أعلم أهل الكوفة بحديث أبيك؟ قال: شقيق.
258 - شيبة بن ربيعة الجاهلى الكافر:
مذكور فى المهذب فى المبارزة، قتله على،
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (4/2758) ، والجرح والتعديل (4/1692) ، والاستيعاب (2/709) ، وأسد الغابة (2/2) ، والكاشف (2/2320) ، وتهذيب التهذيب (4/360) ، والإصابة (2/3916) . تقريب التهذيب (2814) ، وقال: “مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل اسمه صالح شهد بدرا وهو مملوك ثم عتق أظنه مات في خلافة عثمان ت”.
(2) طبقات ابن سعد (6/96، 180) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/2681) ، والكنى للدولابى (2/645) ، والجرح والتعديل (4/1613) ، والاستيعاب (2/710، 4/177) ، وأسد الغابة (3/3) ، وسير أعلام النبلاء (4/161 - 166) ، والكاشف (2/2322) ، وتذكرة الحفاظ (1/60) ، وتهذيب التهذيب (4/361) ، والإصابة (2/3982) . تقريب التهذيب (2816) ، وقال: “ثقة من الثانية مخضرم مات في خلافة عمر ابن عبد العزيز وله مائة سنة ع”..(1/247)
رضى الله عنه، فى المبارزة يوم بدر كافرًا، وهو شيبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف من رؤساء قريش وصناديدهم.
259 - شيث النبى، عليه السلام:
مذكور فى التنبيه وغيره من هذه الكتب فى باب الجزية، وتكرر فى غير هذا الموضع من المهذب، والروضة، وهو ابن آدم لصلبه. قال ابن قتيبة فى المعارف: قال وهب بن منبه: كان شيث من أجمل ولد آدم، وأفضلهم، وأشبههم، وأحبهم إليه، وكان وصى آدم، وولى عهده، وهو الذى ولد البشر كلهم، وإليه انتهت أنساب الناس كلهم، وهو الذى بنى الكعبة بالطين والحجارة، وأنزل الله تعالى عليه خمسين صحيفة، وعاش تسعمائة سنة واثنتى عشرة سنة.
* * *
حرف الصاد المهملة
260 - صالح رسول الله، عليه السلام:
مذكور فى المهذب فى أواخر باب الهدية. قال الثعلبى: هو صالح بن عبيد بن لأسيف بن ماشج بن عبيد بن جاذر بن ثمود بن عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح، عليه السلام. قال أبو عمرو بن العلاء: سميت ثمودًا لقلة مائها، والثمد الماء القليل، وكانت مساكن ثمود الحجر بين الحجاز والشام، وكانوا عربًا، وكان صالح، عليه السلام، من أفضلهم نسبًا، فبعثه الله تعالى إليهم رسولاً وهو شاب، فدعاهم حتى شمط، ولم يتبعه منهم إلا قليل مستضعفون، ولما طال دعاؤه إياهم اقترحوا أن يخرج لهم الناقة آية، فكان من أمرها وأمرهم ما ذكره الله تعالى فى كتابه.
قال: وقالوا: وكان عقر الناقة يوم الأربعاء، وانتقل صالح بعد هلاك قومه إلى الشام بمن أسلم معه، فنزلوا رملة فلسطين، ثم انتقل إلى مكة، فتوفى صالح بها، وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وكان أقام فى قومه عشرين سنة، والله أعلم.
261 - صالح بن خوات بن جبير بن النعمان الأنصارى المدنى التابعى (1) :
مذكور فى صلاة الخوف، هو بخاء معجمة مفتوحة، وواو مشددة ومثناة فوق. روى عن
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/259) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/2795) ، والجرح والتعديل (4/1746) ، وتاريخ الإسلام (3/254) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/387) . تقريب التهذيب (2852) ، وقال: "ثقة من الرابعة وخوات بفتح المعجمة وتشديد الواو وآخره مثناة ع"..(1/248)
سهل بن أبى حثمة. روى عنه القاسم بن محمد، ويزيد بن رومان، وهو ثقة. روى له البخارى ومسلم.
262 - الصعب بن جثامة الصحابى، رضى الله عنه (1) :
تكرر فى المهذب، ذكره فى مواضع، منها قتل الصيد فى الإحرام، والحمى، وكتاب السير فى رمى الكفار بالمنجنيق. وجثامة بفتح الجيم، وتشديد المثلثة، وهو الصعب بن جثامة، واسم جثامة يزيد بن قيس بن عبد الله بن يعمر بن عوف بن عامر بن ليث الليثى الحجازى، توفى فى خلافة أبى بكر الصديق، رضى الله عنه.
263 - صفوان بن أمية الصحابى، رضى الله عنه (2) :
تكرر فى المختصر، والمهذب. هو أبو وهب، وقيل: أبو أمية صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح القريشى الجمحى المكى، أسلم بعد أن شهد حنينًا مع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كافرًا، وكان من المؤلفة، وشهد اليرموك، توفى بمكة سنة اثنتين وأربعين، وقيل: توفى فى خلافة عثمان، وقيل: عام الجمل سنة ست وثلاثين. روى عنه ابنه عبد الله، وعبد الله بن الحارث، وابن المسيب، وطاووس، وعطاء، وقُتل أبوه يوم بدر كافرًا.
264 - صفوان بن عسال المرادى الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المختصر فى الأحداث، وفى المهذب، وفى الوسيط فى مسح الخف، وعسال بفتح العين، وسين مشددة مهملتين، وهو مرادى كوفى، غزا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثنتى عشرة غزوة. ومن مناقبه أن عبد الله بن مسعود روى عنه، وروى عنه جماعات من التابعين.
* * *
حرف الضاد
265 - الضحاك بن سفيان الصحابي، رضي الله عنه (3) :
مذكور فى المهذب فى باب استيفاء القصاص، ثم فى كتاب القاضى إلى القاضى، ولكن قال فى الموضع الثانى: الضحاك بن سفيان، على الصواب، وقال فى الأول: الضحاك بن قيس، وهو غلط
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (4/2989) ، والجرح والتعديل (4/1983) ، والاستيعاب (2/739) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/421) ، والإصابة (2/4065) . تقريب التهذيب (2925) ، وقال: "جثامة بفتح الجيم وتشديد المثلثة الليثي صحابي مات في خلافة الصديق على ما قيل والأصح أنه عاش إلى خلافة عثمان ع"..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/449) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/2920) ، والجرح والتعديل (4/1846) ، والاستيعاب (2/718) ، وأسد الغابة (3/22) ، وسير أعلام النبلاء (2/562) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/424) ، والإصابة (2/4073) . تقريب التهذيب (2932) ، وقال: "صحابي من المؤلفة مات أيام قتل عثمان وقيل سنة إحدى أو اثنتين وأربعين في أوائل خلافة معاوية خت م 4"..
(3) التاريخ الكبير للبخارى (4/3017) ، والجرح والتعديل (4/2018) ، وأسد الغابة (3/36) ، والاستيعاب (2/742) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/444) ، والإصابة (2/4166) . تقريب التهذيب (2967) ، وقال: "صحابي معروف كان من عمال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الصدقات 4"..(1/249)
صريح لا حيلة فيه، وهو الذى كتب إليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أن ورث امرأة أشيم الضبابى من دية زوجها" (1) ، وحديثه هذا صحيح رواه أبو داود، والترمذى، والنسائى، وغيرهم. قال الترمذى: حديث حسن صحيح.
وهو أبو سعيد الضحاك بن سفيان بن كعب بن عبد الله بن أبى بكر بن عبيد بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامرى الكلابى، كان يقوم على رأس رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متوشحًا بسيفه، وكان من الشجعان الأبطال، يُعد بمائة فارس، ولما سار رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى فتح مكة أمَّره على بنى سليم؛ لأنهم كانوا تسعمائة، فقال لهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هل لكم فى رجل يعدل مائة يوفيكم ألفًا"، فوفاهم به، وكان رئيسهم، وإنما جعله عليهم؛ لأنهم جميعًا من قيس عيلان، واستعمله رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على سرية إلى بنى كلاب. روى عنه سعيد بن المسيب، والحسن البصرى.
266 - ضرار بن صرد (2) :
مذكور فى الروضة فى أول كتاب النكاح فى الخصائص. هو بكسر الضاد المعجمة، وأبوه صرد بضم الصاد المهملة، وفتح الراء. قال ابن أبى حاتم: هو ضرار بن صرد أبو نعيم التيمى الكوفى الطحان. روى عن عبد العزيز الدراوردى، وابن أبى حازم، ومعتمر بن سليمان. روى عنه أبو حاتم، وأبو زرعة. قال يحيى بن معين: هو كذاب. وقال ابن أبى حاتم: هو صاحب قرآن وفرائض، صدوق، يُكتب حديثه، ولا يُحتج به. قال: روى حديثًا فى فضيلة بعض الصحابة ينكرها أهل المعرفة بالحديث، والله أعلم.
* * *
حرف الطاء المهملة
267 - طارق بن أشيم (3) :
بفتح الهمزة، وإسكان الشين، وفتح الياء، الصحابى، والد سعد بن طارق أبى مالك. مذكور فى المهذب فى أول صفة الحج. هو أبو سعد طارق بن أشيم بن مسعود الأشجعى. روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحاديث. روى له
_________
(1) أخرجه ابن ماجه (2/914، رقم 2736) . قال البوصيرى (3/148) : هذا إسناد ضعيف. وأخرجه أيضًا: البيهقى (6/221، رقم 12029) .
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/415) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/3054) ، والجرح والتعديل (4/2046) ، وميزان الاعتدال (2/3951) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/455) . 2982) ، وقال: "ضرار بكسر أوله مخففا ابن صرد بضم المهملة وفتح الراء التيمي أبو نعيم الطحان الكوفي صدوق له أوهام وخطأ ورمي بالتشيع وكان عارفا بالفرائض من العاشرة مات سنة تسع وعشرين عخ"..
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/37) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/3113) ، والجرح والتعديل (4/2126) ، وأسد الغابة (3/48) ، والاستيعاب (2/754) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (5/2) ، والإصابة (2/4222) . تقريب التهذيب (2996) ، وقال: "صحابي له أحاديث قال مسلم لم يرو عنه غير ابنه بخ م ت س ق"..(1/250)
مسلم فى حديثين. وروى عن أبى بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، رضى الله عنهم. روى عنه ابنه سعد.
268 - طارق بن شهاب الصحابى (1) :
مذكور فى المهذب فى باب الردة. هو أبو عبد الله طارق بن شهاب بن عبد شمس ابن سلمة الكوفى البجلى الأحمسى، بالحاء والسين المهملتين، منسوب إلى أحمس بن الغوث بن أنمار. أدرك الجاهلية، وصحب النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وغزا فى زمن أبى بكر وعمر ثلاثًا وثلاثين أو ثلاثًا وأربعين غزوة. وروى عن الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وسلمان، وخالد، وأبى موسى، وحذيفة. وروى عنه جماعات من التابعين، منهم قيس بن مسلم، ومخارق بن عبد الله، وإسماعيل بن أبى خالد، وسليمان بن ميسرة، وغيرهم، سكن الكوفة، وتوفى سنة ثلاث وثمانين.
269 - طاووس اليمانى التابعى (2) :
تكرر فى المختصر، وذكره فى المهذب فى أول كتاب إحياء الموات، ثم فى أول باب تحمل الشهادة. هو أبو عبد الرحمن طاووس بن كيسان اليمانى الحميرى مولاهم، وقيل: الهمدانى مولاهم، كان يسكن الجند، بفتح الجيم والنون، بلده معروفة باليمن، وهو من كبار التابعين، والعلماء، والفضلاء الصالحين. سمع ابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو، وجابرًا، وأبا هريرة، وزيد بن ثابت، وابن أرقم، وعائشة، رضى الله عنهم. روى عنه ابنه عبد الله الصالح بن الصالح، ومجاهد، وعمرو بن دينار، وخلائق من التابعين. واتفقوا على جلالته وفضيلته، ووفور علمه، وصلاحه، وحفظه، وتثبته.
قال عمرو بن دينار: ما رأيت أحدًا قط مثل طاووس، توفى بمكة فى سابع ذى الحجة سنة ست ومائة، هذا قول الجمهور. وقال الهيثم بن عدى وأبو نعيم: سنة بضع عشرة ومائة، والمشهور الأول. قالوا: وكان له بضع وسبعون سنة، رحمة الله عليه.
270 - طلحة بن عبيد الله الصحابى (3) :
أحد العشرة، رضى الله عنهم. تكرر فيها. هو أبو محمد طلحة بن عبيد الله بن عثمان ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/66) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/3114) ، والجرح والتعديل (4/1228) ، والاستيعاب (2/755) ، وأسد الغابة (3/48) ، وتاريخ الإسلام (3/259) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (5/3) ، والإصابة (2/4226) . تقريب التهذيب (3000) ، وقال: “قال أبو داود رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يسمع منه مات سنة اثنتين أو ثلاث وثمانين ع”. .
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/537) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/3165) ، والجرح والتعديل (4/2203) ، وسير أعلام النبلاء (5/38) ، وتاريخ الإسلام (4/126) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (5/8 - 10) . تقريب التهذيب (3009) ، وقال: “ثقة فقيه فاضل من الثالثة مات سنة ست ومائة وقيل بعد ذلك ع.
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/214- 225) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/3069) ، والجرح والتعديل (4/2072) ، والاستيعاب (2/764) ، وسير أعلام النبلاء (1/23) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (5/20) ، والإصابة (2/4266) . تقريب التهذيب (3027) ، وقال: “أحد العشرة مشهور استشهد يوم الجمل سنة ست وثلاثين وهو ابن ثلاث وستين ع”. .(1/251)
مرة بن كعب بن لؤى بن غالب القريشى التميمى المكى المدنى، وأمه الصعبة بنت الحضرمى، أخت العلاء بن الحضرمى، أسلمت وهاجرت، واسم الحضرمى عبد الله بن عمار بن أكبر، وعماد بالميم.
وطلحة، رضى الله عنه، أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجنة، وأحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو عنهم راض، وسماه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طلحة الخير، وطلحة الجود، وهو من المهاجرين الأولين، ولم يشهد بدرًا، ولكن ضرب له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسهمه وأجره كمن حضر، وشهد أُحُدًا وما بعدها من المشاهد، وكان أبو بكر، رضى الله عنه، إذا ذكر أُحُدًا قال: ذلك يوم كان كله لطلحة.
رُوى لطلحة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثمانية وثلاثون حديثًا، واتفقا منها على حديثين، وانفرد البخارى بحديثين، ومسلم بثلاثة، قُتل، رضى الله عنه، يوم الجمل لعشر خلون من جمادى الأولى سنة ست وثلاثين، وهذا لا خلاف فيه، وكان عمره أربعًا وستين سنة، وقيل: ثمانيًا وخمسين، وقيل: اثنتين وستين، وقيل: ستين، وقبره بالبصرة مشهور يزار ويتبرك به. روى عنه بنوه موسى، وعيسى، ويحيى، وعامر بن سعد، وخلائق غيرهم من التابعين.
روينا عن عائشة، رضى الله عنها، قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “طلحة ممن قضى نحبه وما بدلوا تبديلاً” (1)
) . وكان طلحة ثبت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أُحُد، ووقاه بيده ضربة قُصد بها فَشُلَّتْ يده، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “أوجب طلحة” (2) . وآخى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينه وبين سعد بن أبى وقاص.
وذكر ابن قتيبة فى المعارف أن طلحة دُفن بقنطرة قرية، فرأته بنته عائشة بعد دفنه بثلاثين سنة فى المنام، فشكا إليها النز، فأمرت به فاستخرج طريًا، فدفن فى داره فى الحجرتين فى البصرة. وذكر غيره أنهم حين حولوه، قال الراوى: كأنى أنظر إلى الكافور لم يتغير إلا عقيصته، فإنها مالت عن موضعها، واخضر شقه الذى يلى الأرض من نز الماء، فاشتروا له دارًا من دور أبى بكرة بعشرة آلاف درهم.
قال: ولطلحة عشرة بنين وأربع بنات، وهم: محمد، وموسى،
_________
(1) حديث معاوية: أخرجه الترمذى (5/644، رقم3740) وقال: هذا حديث غريب. وابن ماجه (1/46، رقم 127) ، والطبرانى (19/324، رقم 739) .
حديث عائشة: أخرجه ابن عساكر (25/82) .
(2) أخرجه أحمد (1/165، رقم: 1417) ، والترمذى (4/201، رقم: 1692) وقال: غريب. وأبو يعلى (2/33، رقم: 670) ، وابن حبان (15/436، رقم: 6979) ، والحاكم (3/28، رقم 4312) وقال: صحيح على شرط مسلم. وأخرجه أيضًا: ابن أبى شيبة (6/376، رقم32160) وفى الحديث أن النبى (قال ذلك يوم أحد لطلحة، حين برك له طلحة فصعد رسول الله (على ظهره.(1/252)
وعيسى، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، وزكريا، ويحيى، وصالح، وعمران، وأم إسحاق، وعائشة، ومريم، والصعبة.
271 - طلحة بن عبيد الله التابعى (1) :
مذكور فى المهذب فى الدعاء بعرفات فى حديث: “أفضل الدعاء يوم عرفة”. هو طلحة بن عبيد الله بن كريز، بكاف مفتوحة، ثم راء مكسورة، ثم ياء، ثم زاى، ابن جابر بن ربيعة بن هلال الخزاعى الكعبى الكوفى، أبو المطرف التابعى. روى عن ابن عمر، وأبى الدرداء، وعائشة، وأم الدرداء الصغرى. روى عنه أبو حازم الأعرج، ومحمد بن سوقة، وحميد الطويل، وآخرون. واتفقوا على توثيقه. روى له مسلم. قال ابن سعد: كان قليل الحديث، وجعله فى الطبقة الثانية من تابعى أهل البصرة، وحديثه المذكور فى المهذب مرسل.
272 - طلحة بن مصرف (2) :
عن أبيه، عن جده. مذكور فى المهذب فى الوضوء فى صفة المضمضة، ومصرف، بضم الميم، وكسر الراء على المشهور، وحكى القلعى فتحها، وهو غلط. هو أبو محمد، وقيل: أبو عبد الله طلحة بن مصرف بن عمرو بن كعب بن جحدب بن معاوية بن سعيد بن الحارث بن دهل بن سلمة بن دؤل بن حنبل بن يامن بن رافع اليامى، ويقال: الأيامى الهمدانى الكوفى التابعى الإمام.
سمع ابن أبى أوفى، وأنسًا، وجماعة من التابعين. روى عنه ابنه محمد، وأبو إسحاق السبيعى، وإسماعيل بن أبى خالد، ومنصور بن المعتمر، والأعمش، وخلائق من الأئمة. واتفقوا على جلالته، وإمامته، ووفور علمه بالقرآن وغيره، وورعه.
قال أحمد بن عبد الله وغيره: كان طلحة من أقرأ أهل الكوفة وخيارهم. وقال عبد الله بن إدريس: كانوا يُسمون طلحة سيد القراء. وروينا عن أحمد بن عبد الله، قال: اجتمع قراء الكوفة فى منزل الحكم بن عتيبة، فأجمعوا على أن أقرأ أهل الكوفة طلحة ابن مصرف، فبلغه ذلك، فغد إلى الأعمش يقرأ عليه ليذهب ذلك الاسم.
وروينا عن عبد الملك بن أبحر، قال: ما رأيت مثل طلحة بن مصرف، وما رأيته فى قوم قط إلا رأيت له الفضل عليهم. وقال حريش بن سليمان: شهدت أبا إسحاق، وسلمة بن كهيل، وحبيب بن أبى ثابت، وأبا
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/228) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/3081) ، والجرح والتعديل (4/2083) ، وتاريخ الإسلام (5/88) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (5/22) . تقريب التهذيب (3028) ، وقال: “ثقة من الثالثة م د”.
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/308) ، والتاريخ الكبير للبخارى (4/3080) ، والجرح والتعديل (4/2080، 2082) ، وسير أعلام النبلاء (5/191) ، وتاريخ الإسلام (4/260) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (5/25) . تقريب التهذيب (3034) ، وقال: “ثقة قارىء فاضل من الخامسة مات سنة اثنتي عشرة أو بعدها ع”..(1/253)
معشر، كلهم يقول: ما رأيت مثل طلحة، وما أدركت مثل طلحة. وقال شعبة: كنت فى جنازة طلحة، فقال أبو معشر: ما ترك بعده مثله. توفى سنة ثنتى عشرة، وقيل: ثلاث عشرة، وقيل: عشر ومائة.
273 - طلحة بن يحيى بن طلحة (1) :
مذكور فى المختصر فى الصوم. هو طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله القريشى التيمى المدنى، ثم سكن الكوفة، التابعى. أدرك عبد الله بن جعفر. وروى عن موسى، وعيسى، ويحيى، وعائشة أولاد طلحة بن عبيد الله، وهم أعمامه، وعن عروة، وعبيد الله بن عبد الله، وأبى بردة، ومجاهد، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهم. روى عنه الثورى، ووكيع، وأبو أسامة، وعبد الله بن إدريس، وابن عيينة، ويحيى بن سعيد الأموى، وغيرهم من الأعلام، وهو ثقة، وثقه يحيى بن معين، ومحمد بن سعد، وغيرهما، وروى له مسلم.
274 - طليحة الكذَّاب (2) :
مذكور فى المختصر فى أول قتال البغاة، ثم ذكر بعد قليل، فقال: ثم أسلم طليحة. ذكره أبو عمر بن عبد البر، وأبو موسى الأصبهانى فى الصحابة، وهو طليحة، بالتصغير، ابن خويلد بن نوفل بن نضلة بن الأسير بن جحوان بن فقعس بن طريف بن عمرو بن عفير بن الحارث بن داودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر الأسدى الفقعسى.
كان من أشجع العرب، وكان يُعد بألف فارس. قالوا: وقدم على النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى وفد أسد خزيمة سنة تسع، وأسلموا، فلما رجعوا ارتد طليحة وادعى النبوة، فأرسل إليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضرار بن الأزور ليقاتله فيمن أطاعه، ثم توفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقويت شوكة طليحة، وأطاعه الحليفان أسد وغطفان، فأرسل إليه أبو بكر الصديق، رضى الله عنه، خالد بن الوليد فقاتله بنواحى سميراء وبزاحة، فأرسل إليه خالد بن الوليد عطاشة ابن محصن، وثابت بن أرقم، رضى الله عنهما، فقتل طليحة أحدهما، ثم أخوه الآخر، ثم هزم الله طليحة وفرق شمل تُباعه، وظهر عليهم المسلمون. فلحق طليحة بالشام، فأقام عند بنى حنيفة حتى توفى أبو بكر، ثم أسلم طليحة وحسن إسلامه، وحج
_________
(1) الجرح والتعديل (4/2095) ، وتاريخ الإسلام (6/85) ، وميزان الاعتدال (2/4013) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (5/27) . تقريب التهذيب (3036) ، وقال: “صدوق يخطىء من السادسة مات سنة ثمان وأربعين م 4”.
(2) انظر: الإصابة (2/234) ، والاستيعاب (2/237) ، وأسد الغابة (3/95) ، والوافى بالوفيات (16/495) ، وسير أعلام النبلاء (1/316) ..(1/254)
فى زمن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه.
وله آثار جميلة فى قتال الفرس فى القادسية بالعراق زمن عمر، رضى الله عنه، وكتب إلى عمر النعمان بن مقرن: أن استعن فى حربك بطليحة وعمرو بن معد يكرب، واستشرهما.
* * *
حرف العين المهملة
275 - عاصم بن ضمرة (1) :
مذكور فى المهذب فى باب زكاة الذهب والفضة. هو عاصم بن ضمرة السلولى الكوفى التابعى. سمع على بن أبى طالب، رضى الله عنه. روى عنه الحكم بن عتيبة، بالمثناة فوق، وأبو إسحاق السبيعى. قال على بن المدينى، وأحمد بن عبد الله، وغيرهما: هو ثقة، توفى سنة أربع وسبعين.
276 - عاصم بن عدى الصحابى، رضى الله عنه (2) :
مذكور فى المهذب فى رمى الجمار. هو أبو عبد الله، ويقال: أبو عمرو، ويقال: أبو عمر عاصم بن عدى بن الجد، بفتح الجيم، ابن العجلان بن حارثة، بالحاء المهملة، ابن ضبيعة، بضم الضاد المعجمة، القضاعى العجلانى حليف الأنصار، شهد أُحُدًا، ولم يشهد بدرًا بنفسه، كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استعمله على قباء، وأهل العالية، وضرب له بسهم، فكان له حكم من شهدها، وهو صاحب عويمر العجلانى فى قصة اللعان.
277 - عاصم بن عمر (3) :
مذكور فى المختصر فى آخر الهبة. هو أبو عمر، وقيل: أبو عمرو عاصم بن عمر بن الخطاب القريشى العدوى التابعى المدنى. ولد قبل وفاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسنتين، وأمه جميلة بنت الأفلح، وقيل: بنت ثابت، كان اسمها عاصية، فسماها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جميلة. وعاصم هذا جد عمر بن عبد العزيز لأمه؛ لأن أم عمر أم عاصم بنت عاصم بن عمر، وكان عاصم خيرًا، فاضلاً، فصيحًا، طويلاً، يقال: كانت ذراعه قريبًا من ذراع وشبر. توفى سنة سبعين، وحزن عليه أخوه عبد الله ورثاه. سمع عاصم أباه، وروى عنه ابناه عبيد الله، وحفص، وعروة بن الزبير. روى له البخارى ومسلم.
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/222) ، والتاريخ الكبير للبخارى (6/3052) ، والجرح والتعديل (6/1910) ، وميزان الاعتدال (2/4052) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (5/45) . تقريب التهذيب (3063) ، وقال: "صدوق من الثالثة مات دون المائة سنة أربع وسبعين 4".
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/466) ، والتاريخ الكبير للبخارى (6/3037) ، والجرح والتعديل (6/1911) ، والاستيعاب (2/781) ، وأسد الغابة (3/75) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (5/49) ، والإصابة (2/4353) . تقريب التهذيب (3066) ، وقال: "صحابي شهد أحدا مات في خلافة معاوية وقد جاز المائة وفي الصحيح حكاية ابن عباس عنه قصة الملاعنة 4". .
(3) التاريخ الكبير للبخارى (6/3042، 3082) ، والجرح والتعديل (6/1915) ، وسير أعلام النبلاء (7/181) ، وميزان الاعتدال (2/4060) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (5/51) . تقريب التهذيب (3068) ، وقال: "ضعيف من السابعة وهو أخو عبيد الله العمري ت ق"..(1/255)
278 - عامر بن سعد (1) :
تكرر فى المهذب، فذكره [......] (2) ، وفى أول الوصايا. هو عامر بن سعد بن أبى وقاص القريشى الزهرى المدنى التابعى، سمع أباه، وعثمان بن عفان، وابن عمر، وأسامة، وأبا سعيد، وأبا هريرة، وعائشة، وغيرهم، رضى الله عنهم. روى عنه ابنه داود، وسعيد بن المسيب، وخلق من التابعين. واتفقوا على توثيقه. توفى بالمدينة سنة ثلاث، وقيل: سنة أربع ومائة، وقيل غير ذلك.
279 - عامر بن عبد الله بن الزبير:
مذكور فى المهذب فى مسألة الحمى، وتمام نسبه سبق فى ترجمة جده الزبير بن العوام، كنية عامر أبو الحارث، وهو تابعى، سمع أباه، وأنسًا، وغيرهما من الصحابة. روى عنه سعيد المقبرى، ويحيى الأنصارى، ومحمد بن عجلان، وآخرون من الأئمة، وكان عابدًا، فاضلاً، مجمعًا على توثيقه وجلالته، وهو مدنى، توفى قريبًا من سنة أربع وعشرين ومائة.
280 - عباد - بفتح العين وتشديد الباء - ابن تميم:
مذكور فى المهذب فى أول الاستسقاء. هو عباد بن تميم بن زيد بن عاصم الأنصارى المازنى المدنى، وتمام نسبه يأتى إن شاء الله تعالى قريبًا فى ترجمة عمه عبد الله ابن زيد بن عاصم. وعباد معدود فى التابعين، ونقلوا عنه أنه قال: أنا يوم الخندق ابن خمس سنين، فأذكر أشياء وأعيها، وكنا مع النساء فى الآطام خوفًا من بنى قريظة.
وهذا يقتضى أنه صحابى، فإنه على هذا التقدير أكبر من عبد الله بن الزبير، والنعمان بن بشير، وأشباههما، روى عن عمه، وأبى بشير الأنصارى، وغيرهما. روى عنه جماعات من التابعين منهم الزهرى، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، روى له البخارى ومسلم.
281 - عبادة بن الصامت الصحابى، رضى الله تعالى عنه:
تكرر فيها. هو أبو الوليد عبادة بن أبى عبادة الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن قيس بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج الأنصارى الخزرجى، وسالم هذا
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/167) والتاريخ الكبير للبخارى (6/2956) والجرح والتعديل (6/1794) وسير أعلام النبلاء (4/ 349) وتاريخ الإسلام (4/130) وتهذيب التهذيب لابن حجر (5/63) وشذرات الذهب (1/126) . تقريب التهذيب (3089) ، وقال: “ثقة من الثالثة مات سنة أربع ومائة ع”.
(2) ما بين المعقوفتين بياض بالأصل.(1/256)
يقال له: الحبلى؛ لعظم بطنه، ويقال للمنتسبين إليه: بنو الحبلى.
شهد عبادة العقبة الأولى والثانية مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وشهد بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، وبيعة الرضوان، وسائر المشاهد، وكان أحد النقباء ليلة العقبة، كان نقيبًا على القواقل؛ لأن بنى سالم يقال لجدهم: قوقل، كان إذا استجار به مستجير قال له قوقل: ستر حيث شئت، فسمى قوقل بن عوف بن الخزرج.
وآخى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينه وبين أبى مرثد الغنوى، واستعمله النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الصدقات، وكان يعلم أهل الصفة القرآن، ولما فتح الشام أرسله عمر بن الخطاب، ومعاذًا، وأبا الدرداء ليعلموا الناس القرآن بالشام ويفهموهم، فأقام عبادة بحمص، ومعاذ بفلسطين، وأبو الدرداء بدمشق، ثم صار عبادة إلى فلسطين.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة وأحد وثمانون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على ستة، وانفرد البخارى بحديثين، ومسلم بآخرين. روى عنه أنس، وجابر، وأبو أمامة، وفضالة، ورفاعة بن رافع، ومحمود بن الربيع، ومن التابعين بنوه الوليد، وعبيد الله، وداود بنو عبادة، وخلائق غيرهم.
قال الأوزاعى: أول من ولى قضاء فلسطين عبادة، وكان فاضلاً، خيرًا، جميلاً، طويلاً، جسيمًا، توفى ببيت المقدس، وقيل: بالرملة، سنة أربع وثلاثين، وهو ابن ثنتين وسبعين سنة، وقيل: توفى سنة خمس وأربعين، والأول أصح وأشهر.
282 - العباس بن عبد المطلب، رضى الله عنه (1) :
عم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. تكرر فى هذه الكتب. هو أبو الفضل الهاشمى، وباقى نسبه سبق فى نسب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كان أسن من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسنتين أو ثلاث، وأمه نتيلة، بضم النون وفتح المثناة فوق، وهى أول عربية كست الكعبة الحرير. قالوا: وسببه أن العباس ضاع وهو صغير، فنذرت إن وجدته أن تكسوها، فوجدته ففعلت، وكان العباس رئيسًا جليلاً فى قريش قبل الإسلام، وكان إليه عمارة المسجد الحرام والسقاية، وحضر ليلة العقبة مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين بايعته الأنصار قبل أن يُسلم العباس، فشدد القصر مع الأنصار وأكده.
وخرج مع المشركين إلى بدر مكرهًا، وأُسر وفدى نفسه وابنى أخويه عقيلاً ونوفل بن الحارث،
_________
(1) انظر: الإصابة (2/271) ، والاستيعاب (2/810) ، وأسد الغابة (3/109) ، وطبقات ابن سعد (4/5) ، والتاريخ الكبير (7/2) ، وسير أعلام النبلاء (2/78) (11) ، والوافى بالوفيات (16/629) ، والعقد الثمين (5/93) ، والبداية والنهاية (7/161) ، ونهاية الأرب (19/449) .(1/257)
وأسلم عقيب ذلك، وقيل: أسلم قبل الهجرة، وكان يكتم إسلامه مقيمًا بمكة يكتب بأخبار المشركين إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان عونًا للمسلمين المستضعفين بمكة. قالوا: وأراد القدوم إلى المدينة، فقال له النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مقامك بمكة خير".
وروينا هذا فى مسند أبى يعلى الموصلى، عن سهل بن سعد الساعدى، وشهد حنينًا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وثبت معه حين انهزم الناس، فأمره النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ينادى فى الناس بالرجوع، فنادى فيهم، وكان صيتًا، فأقبلوا عليه وحملوا على المشركين، فهزمهم الله، وأظهر المسلمين، وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعظمه ويكرمه ويبجله، وكان وَصُولاً لأرحام قريش، مُحسنًا إليهم، ذا رأى وكمال وعقل، جوادًا، أعتق سبعين عبدًا، وكانت الصحابة تكرمه، وتعظمه، وتقدمه، وتشاوره، وتأخذ برأيه.
وذكر الحازمى فى المؤتلف فى الأماكن فى أول حرف العين، عن الضحاك، قال: كان العباس يقف على سلع، فينادى غلمانه فى آخر الليل وهم فى الغابة فيسمعهم، قال: وبين سلع والغابة ثمانية أميال.
وكان للعباس عشرة بنين وثلاث بنات: الفضل، وعبد الله، وعبيد الله، وقثم، وعبد الرحمن، ومعبد، والحارث، وكثير، وعوف، وتمام، وآمنة، وأم حبيب، وصفية، فالفضل، وعبيد الله، وعبد الله، وقثم، ومعبد، وعبد الرحمن، وأم حبيب، أمهم أم الفضل لبابة بنت الحارث الكبرى. قالوا: ولا يُعرف بنو أم تباعدت قبورهم كتباعد قبور بنى أم الفضل، فقبر الفضل بالشام باليرموك، وعبد الله بالطائف، وعبيد الله بالمدينة، وقثم بسمرقند، ومعبد بإفريقية.
توفى العباس، رضى الله عنه، بالمدينة يوم الجمعة لثنتى عشرة ليلة خلت من رجب، وقيل: من رمضان سنة ثنتين وثلاثين، وقيل: أربع وثلاثين، وهو ابن نحو ثمان وثمانين سنة، وهو معتدل القامة، وقبره مشهور بالبقيع. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمسة وثلاثون حديثًا اتفقا على حديث، وانفرد البخارى بحديث، ومسلم بثلاثة. روى عنه ابناه عبد الله، وكثير، وجابر، والأحنف بن قيس، وعبد الله بن الحارث، وآخرون.
وفى صحيح مسلم، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال، وقد ذكر العباس: “يا عم، أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه” (1) ، هو بكسر الصاد، أى مثل أبيه.
_________
(1) أخرجه أحمد (2/322، رقم 8267) ، والبخارى (2/534، رقم 1399) ، ومسلم (2/676، رقم 983) ، وأبو داود (2/115، رقم 1623) ، والنسائى (5/ 33، رقم 2464) . وأخرجه أيضا: عبد الرزاق (4/18، رقم 6826) ، والدارقطنى (2/123) ، وابن حبان (8/67، رقم 3273) ، والبيهقى (4/111، رقم 7160) .(1/258)
وفى كتاب الترمذى أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للعباس: “والذى نفسى بيده، لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله”، ثم قال: “أيها الناس، من آذى عمى فقد آذانى، فإنما عم الرجل صنو أبيه” (1) .
وفى الترمذى أحاديث أخرى فى فضل العباس، وثبت فى صحيح البخارى، أن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، كان إذا قحطوا استسقى بالعباس، فقال: “اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك اليوم بعم نبينا فاسقنا” فيسقون، ومناقبه كثيرة مشهورة، رضى الله عنه.
283 - العباس بن مرداس الصحابى، رضى الله عنه (2) :
مذكور فى المختصر فى قسم الفىء. هو أبو الهيثم. وقيل: أبو الفضل العباس بن مرداس بن أبى عامر بن حارثة بن عبد بن عبس بن رفاعة بن الحارث بن حيى بن الحارث بن بهثة بن سليم بن منصور السلمى، وقيل فى نسبه غير هذا. أسلم قبل فتح مكة بسنتين، وكان من المؤلفة، وممن حسن إسلامه منهم، وكان شاعرًا، محسنًا، وشجاعًا، مشهورًا. قالوا: وكان ممن حرَّم الخمر فى الجاهلية، وممن حرمها فى الجاهلية أبو بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وعثمان بن مظعون، وعبد الرحمن بن عوف، وقيس بن عاصم، رضى الله عنهم.
قال ابن عبد البر فى الاستيعاب: وحرَّمها قبل هؤلاء عبد المطلب بن هاشم، وعبد الله بن جدعان، وشيبة بن ربيعة، وورقة بن نوفل، والوليد بن المغيرة بن الظرب. قال: ويقال: هو أول مَن حرمها فى الجاهلية على نفسه، ويقال: بل عفيف بن معد يكرب قعبدى.
قال الحافظ عبد الغنى فى كتابه الكمال: وقد حرَّمها مقيس بن ضبابة بعد أن شربها، وهو المقتول كافرًا يوم الفتح، يعنى لارتداده بعد الصحبة. قال ابن عبد البر: وكان مرداس أبو العباس هذا شريكًا ومصافيًا لحرب بن أمية، يعنى والد أبى سفيان، وقتلتهما جميعًا الجن، وخبرهما معروف عند أهل الأخبار.
قال: وذكروا أن ثلاثة نفر ذهبوا على وجوههم، فهاموا ولم يوجدوا، ولم يسمع لهم بأثر: طالب بن أبى طالب، وسنان بن حارثة، ومرداس بن أبى عامر أبو عباس بن مرداس، وكان عباس بن مرداس ينزل البادية بناحية، وقيل: قدم دمشق وابتنى بها دارًا، والله أعلم.
284 -
_________
(1) حديث المطلب بن ربيعة: أخرجه ابن أبى شيبة (6/382، رقم 32211) ى، وأحمد (4/165، رقم17551) ، والترمذى (5/652، رقم 3758) وقال: حسن صحيح. والنسائى فى الكيرى (5/51، رقم 8176) ، وفى الحديث أن العباس دخل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أغضبك قال يا رسول الله ما لنا ولقريش إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة وإذا لقونا لقونا بغير ذلك قال فغضب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى احمر وجهه وحتى استدر عرق بين عينيه وكان إذا غضب استدر فلما سرى عنه. فذكره.
حديث العباس: أخرجه الحاكم (3/376، رقم 5433) . وأخرجه أيضا: البزار (4/140، رقم 1315) .
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (4/271، 7/33) والتاريخ الكبير للبخارى (7/2) والجرح والتعديل (6/1152) والكنى للدولابى (1/93) والاستيعاب (2/817) وأسد الغابة (3/112) وتهذيب التهذيب لابن حجر (5/130) والإصابة (2/4511) . تقريب التهذيب (3190) ، وقال: “صحابي مشهور أسلم بعد يوم الأحزاب وسكن البصرة بعد ذلك د ق”..(1/259)
عبد الأعلى بن عبد الله (1) :
مذكور فى المهذب فى آخر ما يجب بمحظورات الأحرام. هو عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر بن كريز، بضم الكاف، القريشى التابعى. روى عن عبد الله بن الحارث. روى عنه خالد الحذاء.
285 - عبد الله بن أُبىّ بن سلول المنافق:
مذكور فى المهذب فى باب الكفن، وآخر صلاة الميت، وسلول أم عبد الله، فلهذا قال العلماء: الصواب فى ذلك أن يقال: عبد الله بن أُبىّ بن سلول، بالرفع بتنوين أُبى، وكتابة ابن سلول بالألف ويعرب إعراب عبد الله؛ لأنه صفة له لا لأُبىّ، وسيأتى تمام نسبه فى ترجمة ابنه عبد الله بن عبد الله الصالح الصحابى الجليل، وكان عبد الله بن أُبىّ رأس المنافقين، ونزل فى ذمة آيات كثيرة مشهورة، وتوفى فى زمن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصلى عليه وكفنه فى قميصه قبل النهى عن الصلاة على المنافقين، وإنما صلى عليه لكرامة ابنه وإحسانًا وكرمًا وحلمًا.
286 - عبد الله بن أنيس الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المختصر فى كتاب السير، وفى المهذب فى آخر باب صوم التطوع فى طلب ليلة القدر. هو أبو يحيى عبد الله بن أنيس بن أسعد بن حرام بن حبيب بن مالك ابن غنم بن كعب بن تيم بن بهثة بن باسرة بن يربوع بن البرك، بفتح الموحدة وإسكان الراء، ابن وبرة من قضاعة، يقال له: الجهنى، وهو حليف بنى سلمة من الأنصار، فيقال له: الأنصارى، ويقال له: قضاعى.
قالوا: والبرك بن وبرة وجهينة كلاهما من قضاعة، شهد عبد الله بن أنيس العقبة فى السبعين من الأنصار، وكان يكسر أصنام بنى سلمة هو ومعاذ بن جبل حين أسلما، شهد بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، وسائر المشاهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقيل: لم يشهد بدرًا، وبعثه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سرية وحده، وهو الذى سأل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ليلة القدر، وهو الذى رحل إلى جابر بن عبد الله شهرًا فأدركه فى الشام، فسمع حديثًا فى المظالم والقصاص بين أهل الجنة والنار قبل دخولهما، وقيل: إن هذا غير الراحل إلى جابر، وأن الراحل أسلمى، والصحيح
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (6/1742) ، والجرح والتعديل (6/141) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (6/95) . تقريب التهذيب (3732) ، وقال: “مقبول من الخامسة قد”..(1/260)
الذى عليه الجمهور أنهما واحد.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعة وعشرون حديثًا، روى مسلم أحدها فى ليلة القدر، وهو المذكور فى المهذب. وقال البخارى فى أول صحيحه: رحل عبد الله بن أنيس إلى جابر، روى عنه جابر، وأبو أمامة، وجماعة من التابعين منهم بنوه الأربعة: عطية، وعمرو، وضمرة، وعبد الله. قال ابن عبد البر: توفى سنة أربع وسبعين، وقيل: توفى سنة أربع وخمسين.
287 - عبد الله بن أبى أوفى الصحابى ابن الصحابى، رضى الله عنهما (1) :
تكرر ذكره. هو أبو إبراهيم، وقيل: أبو محمد، وقيل: أبو معاوية عبد الله بن أبى أوفى، واسم أبى أوفى علقمة بن خالد بن الحارث بن أسيد، بفتح الهمزة، ابن رفاعة بن ثعلبة بن هوازن بن أسلم بن أفصى بن حارثة الأسلمى، شهد بيعة الرضوان وخيبر وما بعدهما من المشاهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يزل بالمدينة حتى توفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم تحول إلى الكوفة، وهو آخر مَن بقى من الصحابة بالكوفة.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمسة وتسعون حديثًا، اتفقا على عشرة، وانفرد البخارى بخمسة، ومسلم بحديث. روى عنه طلحة بن مصرف، وإسماعيل بن أبى خالد، وآخرون. نزل الكوفى، وتوفى بها سنة ست وثمانين، وقيل: سنة سبع وثمانين، وهو آخر من توفى من الصحابة بالكوفة.
روينا فى صحيحى البخارى ومسلم، عن عبد الله بن أبى أوفى، قال: غزونا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبع غزوات تأكل الجراد. وفى رواية: نأكل معه الجراد. وفى صحيحيهما عنه قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أتاه قوم بصدقة قال: “اللهم صل عليهم”، فأتاه أبى بصدقته، فقال: “اللهم صل على آل أبى أوفى”.
288 - عبد الله بن بحينة:
تكرر فى المختصر، والمهذب فى صفة الصلاة، وسجود السهو، وغيرهما. وبحينة بضم الموحدة، وهى أمه، وهو أبو محمد عبد الله بن مالك بن القشب، بكسر القاف وإسكان المعجمة، واسم القشب خندب بن نضلة بن عبد الله الأزدى، أسلم عبد الله ابن مالك هذا هو وأبوه، وصحبا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان عبد الله ممن أسلم وصحبه قديمًا، وكان ناسكًا فاضلاً، يصوم الدهر، وكان ينزل موضعًا
_________
(1) انظر: الإصابة (2/279، 280) ، وسير أعلام النبلاء (3/428 - 430) برقم (76) ، والاستيعاب (2/264، 265) ، وطبقات ابن سعد (4/301، 302) ، والجرح والتعديل (5/120) ، والثقات لابن حبان (3/222) ، وأسد الغابة (3/121) ، والتاريخ الكبير (5/24) ، وتهذيب الكمال (14/317 - 319) ، وتهذيب التهذيب (5/151، 152) ، وتقريب التهذيب (1/402) ، وتجريد أسماء الصحابة (1/2159) ، ووفيات الأعيان (2/400) ، والوافى بالوفيات (17/78، 79) ، والبداية والنهاية (9/75) ، ومرآة الجنان (1/177) ..(1/261)
بقرب المدينة. توفى فى آخر خلافة معاوية. قال ابن عبد البر: وقيل: إن بحينة أم أبيه، والصحيح أنها أمه. روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحاديث. روى عنه ابنه على، وعطاء بن يسار، والأعرج، وغيرهم.
289 - عبد الله بن أبى بكر الصديق عبد الله بن عثمان القريشى التيمى الصحابى ابن الصحابى، رضى الله عنهما (1) :
هو أخو أسماء بنت أبى بكر لأبويها، أمهما قتيلة، وهو الذى كان يأتى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بكر بالطعام وبأخبار قريش إذ هما فى الغار، وكان يبيت عندهما، وأسلم قديمًا، وشهد الفتح، وحنينًا، والطائف مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وجرح يوم الطائف وبرأ، ثم نقض جرحه، فتوفى فى شوال سنة إحدى عشرة فى أوائل خلافة أبيه، وصلى عليه أبوه، ونزل فى قبره عمر بن الخطاب، وطلحة، وأخوه عبد الرحمن، ودفن بعد الظهر، رضى الله عنه.
290 - عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان (2) :
بفتح اللام، وإسكان الواو، وبالذال المعجمة. هو أبو محمد، وقيل: أبو بكر الأنصارى المدنى. مذكور فى المهذب فى صلاة العيد وغيره، وهو تابعى، سمع أنسًا، وعبد الله بن عامر، وعروة، وعمر. روى عنه الزهرى، ومالك، والسفيانان، وحماد بن سلمة. قال أحمد بن حنبل: حديثه شفاء. وقال محمد بن سعد: كان ثقة كثير الحديث عالمًا. توفى سنة خمس وثلاثين ومائة، وقيل: سنة ثلاثين، وهو ابن سبعين سنة.
291 - عبد الله بن جحش الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المختصر فى أول جامع السير. هو أبو محمد عبد الله بن جحش بن رئاب، بكسر الراء، ابن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدى، أمه آمنة بنت عبد المطلب عمة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أسلم قديمًا قبل دخول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دار الأرقم، وهاجر الهجرتين إلى أرض الحبشة هو وأخواه أبو أحمد، وعبيد الله، وأختهم زينب بنت جحش أم المؤمنين، وأم حبيبة، وحمنة بنات جحش، فأما عبيد الله فتنصَّر ومات بالحبشة نصرانيًا.
وهاجر عبد الله وأخوه أبو أحمد وأهله إلى المدينة،
_________
(1) انظر: الاستيعاب (1484) ، وأسد الغابة (3/199) ، والإصابة (4528) ، والبداية والنهاية (6/338) ، والطبرى (3/241) ، والوافى بالوفيات (17/85) ..
(2) التاريخ الكبير للبخارى (5/199) والجرح والتعديل (5/77) وتاريخ الإسلام (5/264) وشذرات الذهب (1/192) . تقريب التهذيب (3239) ، وقال: “ثقة من الخامسة مات سنة خمس وثلاثين وهو ابن سبعين سنة ع”..(1/262)
وأمره رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على سرية، وهو أول أمير أمره، وغنيمته أول غنيمة فى الإسلام، ثم شهد بدرًا، واستشهد يوم أُحُد، وكان من دعائه يوم أُحُد أن يقاتل ويستشهد، ويقطع أنفه وأذنه ويمثل به فى الله تعالى ورسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فاستجاب الله دعاءه، واستشهد وعمل الكفار به ذلك، وكان يقال له: المجدع فى الله تعالى، وكان عمره حين استشهد نيفًا وأربعين سنة، ودفن هو وخاله حمزة بن عبد المطلب فى قبر واحد، رضى الله عنهما.
292 - عبد الله بن جعفر بن أبى طالب (1) :
تكرر فى المختصر، والمهذب. هو أبو جعفر القريشى الهاشمى، الصحابى ابن الصحابى وابن الصحابية، والجواد ابن الجواد، أمه أسماء بنت عميس الخثعمية، وسيأتى بيان أحوالها فى ترجمتها إن شاء الله تعالى، وسبقت مناقب أبيه فى ترجمته، وكان أبوه جعفر هاجر بأمه إلى أرض الحبشة، فولدت عبد الله هناك، وهو أول مولود ولد فى الإسلام بأرض الحبشة باتفاق العلماء، وقدم مع أبيه من الحبشة مهاجرين إلى المدينة، وهو أخو محمد بن أبى بكر الصديق، ويحيى بن على بن أبى طالب، رضى الله عنهم. أمهما أسماء تزوجها جعفر، ثم أبو بكر، ثم على.
رُوى لعبد الله عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمسة وعشرون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على حديثين. روى عنه بنوه الثلاثة: إسماعيل، وإسحاق، ومعاوية، ومحمد بن على بن الحسين، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وسعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وابن أبى مليكة، والحسن بن سعد، ومورق، والشعبى، وعبد الله بن شداد، وعباس بن سهل، وغيرهم.
وتوفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولعبد الله بن جعفر عشر سنين، وكان كريمًا، جوادًا، حليمًا، وكان يسمى بحر الجود. قال الحافظ عبد الغنى: يقال: لم يكن فى الإسلام أسخى منه. وقال ابن قتيبة فى المعارف: كان عبد الله بن جعفر أجود العرب، وأخبار أحواله فى السخاء والجود والحلم مشهورة لا تُحصى.
ومما روينا عنه أنه أقرض الزبير بن العوام ألف ألف درهم، فلما قتل الزبير قال عبد الله بن الزبير لعبد الله بن جعفر: وجدت
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (5/11) والجرح والتعديل (5/96) والكنى للدولابى (1/66) والاستيعاب (3/880) وأسد الغابة (3/139) وسير أعلام النبلاء (3/456) وتاريخ الإسلام (3/163) وتهذيب التهذيب لابن حجر (5/170) والإصابة (2/4591) وشذرات الذهب (1/87) . تقريب التهذيب (3251) ، وقال: “له صحبة مات سنة ثمانين وهو ابن ثمانين ع”..(1/263)
فى كتب أبى أن له عليك ألف ألف درهم، فقال: هو صادق، فاقضبها إذا شئت، ثم لقيه فقال: يا أبا جعفر، إنى وهمت، المال لك على أبى، قال: فهو لك، قال: لا أريد ذلك، قال: فإن شئت فهو لك، وإن كرهت ذلك فلك فيه نظرة ما شئت.
قال ابن قتيبة: ولد عبد الله بن جعفر سبعة عشر ابنًا وبنتين، وهم: جعفر الأكبر، وعلى، وعون الأكبر، وعباس، وأم كلثوم، أمهم زينب بنت على بن أبى طالب من فاطمة بنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ومحمد، وعبيد الله، وأبو بكر، أمهم الخوصاء بنت حفصة أحد بنى تيم الله بن ثعلبة. وصالح، وموسى، وهارون، ويحيى، وأم أبيها، أمهم ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلى، تزوجها بعد على بن أبى طالب. ومعاوية، وإسماعيل، وإسحاق، والقاسم لأمهات أولاد، والحسن، وعون الأصغر، وأمهما جمانة بنت المسيب الفزارية. قال: والعقب من ولد عبد الله بن جعفر لإسماعيل، وإسحاق، وعلى، ومعاوية.
وفى صحيح البخارى، عن الشعبى، أن ابن عمر كان إذا سلم على ابن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذى الجناحين. توفى عبد الله بن جعفر بالمدينة سنة ثمانين من الهجرة، وهو ابن ثمانين سنة، هذا هو الصحيح وقول الجمهور. وقال جماعة: توفى سنة تسعين، وصلى عليه أبان بن عثمان، وهو والى المدينة، وحضر غسله وكفنه، وازدحم الناس على حمل سريره، وحمل أبان معهم بين العمودين، فما فارقه حتى وضعه بالبقيع ودموعه تسيل على خديه، ويقول: كنت والله خيرًا لا شر فيك، وكنت والله شريفًا، واصلاً، برًا، رضى الله عنه.
293 - عبد الله بن الحارث:
مذكور فى المختصر فى كتاب الأقضية. هو أبو محمد عبد الله بن الحارث بن عبد الملك القريشى المخزومى المكى. روى عن الضحاك بن عثمان، وسيف بن سليمان، وعبيد الله بن عمر، وجماعات غيرهم. روى عنه الشافعى، وأحمد، والحميدى، وإسحاق ابن راهوية، وآخرون. روى له مسلم.
294 - عبد الله بن دينار (1) :
تكرر فى المختصر. هو أبو عبد الرحمن عبد الله
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (5/221) والجرح والتعديل (5/217) وسير أعلام النبلاء (5/253) وتاريخ الإسلام (5/93) وميزان الاعتدال (2/4297) وتهذيب التهذيب لابن حجر (5/303) وشذرات الذهب (1/173) . تقريب التهذيب (3300) ، وقال: “ثقة من الرابعة مات سنة سبع وعشرين ع”.(1/264)
بن دينار القريشى العدوى المدنى، مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب. سمع ابن عمر، وأنسًا، وجماعات من التابعين. روى عنه ابنه عبد الرحمن، ويحيى الأنصارى، وسهيل، وربيعة الرأى، وموسى بن عقبة، وهؤلاء تابعيون، وخلائق غيرهم، واتفقوا على توثيقه. توفى سنة سبع وعشرين ومائة.
295 - عبد الله بن رواحة الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى شهادات المختصر وغيره، وفى الوسيط فى الجمعة. هو أبو محمد، وقيل: أبو رواحة، وقيل: أبو عمرو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرىء القيس بن عمرو بن امرىء القيس الأكبر بن مالك الأعز بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصارى الحارثى المدنى.
شهد العقبة، وكان ليلتئذ نقيب بنى الحارث بن الخزرج، وشهد بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، والحديبية، وخيبر، وعمرة القضاء، والمشاهد كلها مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا الفتح وما بعدها، فإنه كان توفى قبلها يوم مؤتة، وهو أحد الأمراء فى غزوة مؤتة، وهو خال النعمان بن بشير، وكان أول خارج إلى الغزوات وآخر قادم. وكان أحد الشعراء المحسنين الذين يردون الأذى عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والإسلام والمسلمين.
وعن الزبير بن العوام، رضى الله عنه، قال: ما رأيت أحدًا أجرأ ولا أشرع شعرًا من ابن رواحة. وعن أبى الدرداء قال: أعوذ بالله أن يأتى يوم لا أذكر فيه عبد الله بن رواحة، كان إذا لقينى يقول: يا عويمر، اجلس فلنؤمن ساعة، فنجلس فنذكر الله ما شاء الله، ثم يقول: يا عويمر، هذا الإيمان، وهو الذى سجع المسلمين فى غزوة مؤتة على لقاء الكفار، وكان المسلمون ثلاثة آلاف والكفار مائتى ألف، وقيل غير ذلك. ومناقبه كثيرة مشهورة.
وفى صحيحى البخارى ومسلم، عن أبى الدرداء، قال: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى شهر رمضان فى حر شديد، حتى أن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعبد الله بن رواحة. استشهد عبد الله بن رواحة فى غزوة مؤتة فى جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة ولم يعقب، رضى الله عنه.
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/525 - 612) والجرح والتعديل (5/230) والاستيعاب (3/898) وأسد الغابة (3/156) وسير أعلام النبلاء (1/230) وتهذيب التهذيب لابن حجر (5/212) والإصابة (2/4676) . تقريب التهذيب (3318) ، وقال: “أحد السابقين شهد بدر واستشهد بمؤتة”.(1/265)
296 - عبد الله بن الزبعرى:
بكسر الزاى، الشاعر المشهور الصحابى. هو عبد الله بن الزبعرى بن قيس بن عدى ابن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى بن غالب القريشى السهمى الساعدى الشاعر. كان من أشد الناس على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه بلسانه ونفسه قبل إسلامه، ثم أسلم بعد الفتح وحسن إسلامه، واعتذر عن زلاته حين أتى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
297 - عبد الله بن الزبير بن العوام، رضى الله عنهما (1) :
هو أبو بكر، ويقال: أبو خبيب، بضم الخاء المعجمة، ويقال: أبو بكير القريشى الأسدى المكى المدنى الصحابى ابن الصحابى، وأمه أسماء بنت أبى بكر الصديق، رضى الله عنهما، وأبوه الزبير أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وحوارى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأمه بنت أبى بكر، وجدته لأبيه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورضى عنها، أسلمت وهاجرت كما ذكرناه فى ترجمة ابنها الزبير، وعمة أبيه خديجة بنت خويلد أم المؤمنين، وخالته عائشة أم المؤمنين.
وهو أول مولود ولد للمهاجرين إلى المدينة بعد الهجرة، وفرح المسلمون بولادته فرحًا شديدًا؛ لأن اليهود كانوا يقولون: قد سحرناهم فلا يولد لهم، فأكذبهم الله تعالى فحنكه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتمرة لاكها، فكان ريق رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أول شىء نزل فى جوفه، وسماه عبد الله، وكناه أبا بكر بكنية جده أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، وسماه باسمه، قاله ابن عبد البر. وولد بعد عشرين شهرًا من الهجرة، وقيل: فى السنة الأولى، وكان صوامًا، قوامًا، طويل الصلاة، وصولاً للرحم، عظيم الشجاعة.
ومن مجاهدته فى العبادة المنقولة عنه أنه قسم الدهر ثلاث ليال، ليلة يصلى قائمًا حتى الصباح، وليلة راكعًا حتى الصباح، وليلة ساجدًا حتى الصباح. وغزا عبد الله بن الزبير إفريقية مع عبد الله بن سعد بن أبى سرح، فأتاهم ملك إفريقية فى مائة ألف وعشرين ألفًا، وكان المسلمون عشرين ألفًا، فسقط فى أيديهم، فنظر ابن الزبير ملكهم قد خرج من عسكره، فأخذ ابن الزبير جماعة فقصده فقتله، ثم كان الفتح على يديه.
ولما مات يزيد بن معاوية منتصف شهر ربيع الأول
_________
(1) والتاريخ الكبير للبخارى (5/9) والجرح والتعديل (5/261) والاستيعاب (3/305) وأسد الغابة (3/161) وسير أعلام النبلاء (3/363) وتاريخ الإسلام (3/167) وتهذيب التهذيب لابن حجر (5/263) والإصابة (2/4682) . وتقريب التهذيب (3319) ، وقال: “كان أول مولود في الإسلام بالمدينة من المهاجرين وولي الخلافة تسع سنين إلى أن قتل في ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين ع”.(1/266)
سنة أربع وستين بويع لعبد الله ابن الزبير بالخلافة، وأطاعه أهل الحجاز، واليمن، والعراق، وخراسان، وجدد عمارة الكعبة، وبقى فى الخلافة إلى أن حصره الحجاج بن يوسف بمكة أول ليلة من ذى الحجة سنة ثنتين وسبعين، وحج الحجاج بالناس ولم يزل يحاصره إلى أن قتله يوم الثلاثاء سابع عشر فى جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، هكذا نقله ابن سعد عن أهل العلم، ونقله غيره، وقيل: بل قتل فى نصف جمادى الآخرة. وحكى البخارى عن حمزة أنه قُتل سنة ثنتين وسبعين، والمشهور الأول.
وكان أطلس لا لحية له، رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثة وثلاثون حديثًا، اتفقا على ستة، وانفرد مسلم بحديثين، روى عنه أخوه عروة، وابن أبى مليكة، وعباس بن سهل، وثابت البنانى، وعطاء، وعبيدة السلمانى، وخلائق آخرون.
قال ابن قتيبة: ولد عبد الله بن الزبير حمزة، وخبيبًا، وثابتًا، وعبادًا، وقيسًا، وعامرًا، وموسى، وعبد الله، وبنات.
واعلم أن عبد الله بن الزبير هو أحد العبادلة الأربعة، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، هكذا سَّماهم أحمد ابن حنبل وسائر المحدثين وغيرهم، قيل لأحمد: فابن مسعود؟ قال: ليس هو منهم. قال البيهقى: لأنه تقدمت وفاته، وهؤلاء عاشوا طويلاً حتى احتيج إلى علمهم، فإذا اتفقوا على شىء قيل: هذا قول العبادلة أو فعلهم، ويلتحق بابن مسعود فى هذا سائر المسمين عبد الله من الصحابى، وهم نحو مائتين وعشرين. وأما قول الجوهرى فى صحاحه أن ابن مسعود أحد العبادلة الأربعة، وأخرج ابن عمرو بن العاص، فغلط ظاهر نبهت عليه لئلا يغتر به.
298 - عبد الله بن زيد بن عاصم الصحابى (1) :
تكرر فى المهذب. هو راوى صفة الوضوء، وحديث الرجل يشك فى الحدث فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا، وحديث صلاة الاستسقاء، ذكره فى المهذب فى صفة الوضوء، والاستسقاء، وأول الشك فى الطلاق، وهو غير عبد الله بن زيد صاحب الأذان، فإن ذلك ليس له إلا حديث الأذان، وسنذكر ترجمته عقيب هذا إن شاء الله تعالى، وأما هذا فهو
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (5/20) والجرح والتعديل (5/266) والاستيعاب (3/913) وأسد الغابة (3/167) وسير أعلام النبلاء (2/377) وتاريخ الإسلام (3/29) وتهذيب التهذيب لابن حجر (5/223) والإصابة (5/385) وشذرات الذهب (1/71) . تقريب التهذيب (3331) ، وقال: “صحابي شهير روى صفة الوضوء وغير ذلك ويقال إنه هو الذي قتل مسيلمة الكذاب واستشهد بالحرة سنة ثلاث وستين ع”..(1/267)
أبو محمد عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب بن عمرو بن عوف ابن مبذول بن غنم بن مازن بن النجار الأنصارى المازنى، يُعرف بابن أم عمارة، واسمها نسيبة، بفتح النون وضمها، شهد عبد الله بن زيد أُحُدًا وما بعدها من المشاهد، واختلفوا فى شهوده بدرًا، فقال ابن منده، وأبو نعيم الأصبهانى: شهدها. وقال ابن عبد البر: لم يشهدها.
قال خليفة بن خياط، والواقدى، وغيرهما: وهو قاتل مسيلمة الكذَّاب، شارك وحشيًا فى قتله، رماه وحشى بالحربة، وقتله عبد الله بن زيد بسيفه. روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحاديث. روى عنه ابن أخته عباد بن تميم، ويحيى بن عمارة، وواسع بن حبان، وغيرهم. قُتل يوم الحرة بالمدينة سنة ثلاث وستين، وهو ابن سبعين سنة، وكان أبوه زيد صحابيًا، رضى الله عنهما.
299 - عبد الله بن زيد (1) :
رائى الأذان. تكرر فى باب الأذان من هذه الكتب. هو أبو محمد عبد ربه بن ثعلبة ابن زيد بن الحارث بن الخزرج الأنصارى الخزرجى الحارثى. وقال عبد الله بن محمد الأنصارى: ليس فى نسبه ثعلبة، وإنما ثعلبة بن عبد ربه أخو زيد، وعم عبد الله، فأدخلوه فى نسبه، وهو خطأ. شهد عبد الله العقبة مع السبعين، وبدرًا، وأُحُدًا، والخندق، والمشاهد كلها مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو الذى أرى الأذان، وكانت رؤياه فى السنة الأولى من الهجرة بعد أن بنى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسجده، وكان أبوه وأمه صحابيين، وكانت معه راية بنى الحارث بن الخزرج يوم فتح مكة. توفى بالمدينة سنة ثنتين وثلاثين، وهو ابن أربع وستين سنة، وصلى عليه عثمان بن عفان.
قال الترمذى: سمعت البخارى يقول: لا يُعرف لعبد الله بن زيد بن عبد ربه إلا حديث الأذان. قلت: قد روينا فى مسند أبى يعلى الموصلى، عن الموصلى، عن محمد ابن المثنى، عن عبد الوهاب، عن عبيد الله بن بشير بن محمد، عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، أنه تصدق على أبويه، ثم توفيا، فرده إليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ميراثًا.
وروينا فى تاريخ دمشق، عن ابنه محمد، عن أبيه عبد الله بن زيد حديثًا فى حلق النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأسه بمنى، وقسمة شعره، وهو
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/536) والتاريخ الكبير للبخارى (5/19) والجرح والتعديل (5/265) وتهذيب التهذيب لابن حجر (5/223) . تقريب التهذيب (3332) ، وقال: “صحابي مشهور مات سنة اثنتين وثلاثين وقيل استشهد بأحد عخ 4”.(1/268)
فى طبقات ابن سعد، وإسناده جيد، وكان عبد الله بين الطويل والقصير، وله من الولد محمد، وأم حميد.
300 - عبد الله بن سرجس الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب فى الاستطابة، وسرجس، بفتح السين وكسر الجيم. هو أبو عبد الله سرجس المزنى البصرى حليف بنى مخزوم. وفى صحيح مسلم، عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس، قال: رأيت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأكلت معه خبزًا، أو قال: ثريدًا، فقلت: يا رسول الله، غفر الله لك، قال: “ولك”، قال عاصم، فقلت: استغفر لك رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: نعم، ولك، ثم تلا: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19] . روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبعة عشر حديثًا. روى مسلم منها ثلاثة.
301 - عبد الله بن سعد بن خيثمة بن مالك بن الحارث بن النحاط بن كعب بن عمرو (2) :
من بنى عمرو بن عوف، كذا قاله ابن مندة. وقال الكلبى، وابن حبيب: عبد الله بن سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط بن كعب بن حارثة بن أسلم ابن امرىء القيس بن مالك بن الأوس، له ولأبيه ولجده صحبة. استشهد جده يوم أُحُد، وأبوه يوم بدر، وشهد هو العقبة رديفًا لأبيه، وشهد بدرًا وأُحُدًا، وقيل: لم يشهد بدرًا.
302 - عبد الله بن سعد بن أبى سرح بن الحارث بن حبيب (3) :
بضم الحاء المهملة، وإسكان المثناة تحت، قاله الكلبى، وابن ماكولا، وقال ابن حبيب: هو بتشديد الياء. قال الكلبى: إنما شدده حسان للحاجة، وهو حبيب بن جذيمة، بفتح الجيم وكسر الذال المعجمة، ابن حسل، بكسر الحاء المهملة، ابن عامر بن لؤى بن غالب القريشى العامرى، كنيته أبو يحيى.
وهو أخو عثمان بن عفان من الرضاعة، أرضعت أمه عثمان، أسلم قبل الفتح، وهاجر، وكان يكتب الوحى لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم ارتد وسار إلى مكة. وقال لقريش: كان يملى علىَّ: {عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ، فأقول: أو عليم حكيم فيقول كل صواب، فلما كان يوم الفتح أمر النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتله، وقتل عبد الله
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد 7/58، التاريخ الكبير للبخارى 5/ 27، 282، الجرح والتعديل 5/ 289، الاستيعاب 3/916، أسد الغابة 3/171، سير أعلام النبلاء 3/426، تاريخ الإسلام 3/265، تهذيب التهذيب لابن حجر 5/232، الإصابة 2/ 4705.تقريب التهذيب (3345) ، وقال: “سرجس بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم بعدها مهملة المزني حليف بني مخزوم صحابي سكن البصرة م 4”.
(2) انظر: الإصابة (2/316) ، وتجريد أسماء الصحابة (1/314) ، وطبقات ابن سعد (7/501) ، والتاريخ الكبير (5/13) ، وأسد الغابة (3/172) ، والوافى بالوفيات (17/194) ..
(3) انظر: الإصابة (2/316) ، والوافى بالوفيات (17/191) ، والعقد الثمين (5/166) ، وسير أعلام النبلاء (3/33) (8) ، وأسد الغابة (3/173) ، والاستيعاب (2/375) ، وطبقات ابن سعد (7/496) .(1/269)
بن خطبل، ومقيس بن ضبابة، ولو وُجِدُوا تحت أستار الكعبة، ففر ابن أبى سرح إلى عثمان فغيبه، ثم أتى به النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدما اطمئن أهل مكة فاستأمنه له، فصمت طويلاً، ثم قال: نعم، فلما انصرف عثمان قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمن حوله: “ما صمت إلا لتقتلوه”، فقال رجل: هلا أومأت إلينا يا رسول الله؟ فقال: “إنه لا ينبغى لنبى أن يكون له خائنة الأعين” (1) .
ثم أسلم ذلك اليوم عبد الله بن سعد بن أبى سرح، وحَسن إسلامه، ولم يظهر منه بعده ما يُنكر، وهو أحد العقلاء والكرماء من قريش، ثم ولاه عثمان مصر سنة خمس وعشرين، ففتح الله على يديه إفريقية، وكان فتحًا عظيمًا بلغ سهم الفارس ثلاثة آلاف مثقال ذهبًا، وشهد معه هذا الفتح عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وكان عبد الله بن سعد هذا فارس بنى عامر بن لؤى، وغزا بعد إفريقية الأساود من أرض النوبة سنة إحدى وثلاثين، وغزا غزوة الصوارى فى البحر إلى الروم.
وحين قُتل عثمان بن عفان اعتزل عبد الله بن سعد بن أبى سرح الفتنة، فأقام بعسقلان، وقيل: بالرملة، وكان دعا بأن يختم عمره بالصلاة، فسلَّم من صلاة الصبح التسليمة الأولى، ثم هم بالتسليمة الثانية عن يساره، فتوفى سنة ست وثلاثين، وقيل: سبع وثلاثين، وقيل: سنة تسع وخمسين، والصحيح عندهم الأول.
303 - عبد الله بن السعدى الصحابى، رضى الله عنه (2) :
قيل: اسم السعدى: قدامة، وقيل: وقدان، قالوا: وهو الصحيح، وهو أبو محمد عبد الله بن السعدى بن وقدان بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى بن غالب القريشى العامرى، وإنما قيل لأبيه: السعدى؛ لأنه استرضع فى بنى سعد بن بكر، كان عبد الله بن السعدى يسكن الشام بالأردن. روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثة أحاديث. توفى سنة سبع وخمسين.
304 - عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلى ثم الأنصارى الخزرجى الصحابى، رضى الله عنه (3) :
كان حليفًا لبنى الخزرج، كنيته أبو يوسف، كنى بابنه
_________
(1) أخرجه أبو داود (3/59، رقم 2683) ، والنسائى (7/105، رقم 4067) ، والحاكم (3/47، رقم 4360) وقال: صحيح على شرط مسلم. والبيهقى (8/205، رقم 16656) .
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد 5/454، 7/407، التاريخ الكبير للبخارى 5/ 47، الاستيعاب 3/920، أسد الغابة 3/175، تهذيب التهذيب لابن حجر 5/235، الإصابة 2/ 4718..
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد 2/352، التاريخ الكبير للبخارى 5/ 29، الجرح والتعديل 5/ 288، الاستيعاب 3/921، أسد الغابة 3/176، سير أعلام النبلاء 2/413، تهذيب التهذيب لابن حجر 5/249، الإصابة 2/ 3557.تقريب التهذيب (3379) ..(1/270)
يوسف، وهو من بنى قينقاع، بضم النون وفتحها وكسرها، وهو من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل، عليه السلام، وكان اسمه فى الجاهلية حصينًا، فسماه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبد الله، أسلم أول قدوم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ونزل فى فضله قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} [الأحقاف: 10] ، وقول الله تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43] .
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمسة وعشرون حديثًا، اتفقا على حديث، وانفرد البخارى بآخر. روى عنه ابناه محمد، ويوسف، وأبو هريرة، وأنس، وعبد الله بن مغفل المزنى، وجماعات من التابعين. وشهد مع عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، فتح بيت المقدس والجابية. توفى سنة ثلاث وأربعين بالمدينة.
روينا فى صحيحى البخارى ومسلم، عن سعد بن أبى وقاص، رضى الله عنه، قال: ما سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول لحى يمشى على الأرض أنه من أهل الجنة إلا لعبد الله ابن سلام، قال: وفيه نزلت: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأحقاف: 10] ، ومناقبه كثيرة مشهورة.
305 - عبد الله بن أبى سلمة (1) :
مذكور فى المختصر. هو عبد الله بن ميمون أبى سلمة الماجشون، بكسر الجيم وضم الشين المعجمة، ومعناه بالفارسية أبيض الخد، مورد التيمى، مولى آل المنكدر التيمى المدنى التابعى. روى عن ابن عمر، وعبد الله بن عامر. وروى عن جماعات من التابعين. روى عنه يحيى الأنصارى، ويحيى القطان، وآخرون، وهو ثقة. روى له مسلم.
306 - عبد الله بن سهل:
الصحابى الذى قتلته اليهود بخيبر. مذكور فى المختصر، والمهذب فى باب القسامة. هو عبد الله بن سهل بن زيد بن كعب بن عامر بن عدى بن مخدعة بن حارثة الأنصارى الحارثى المدنى، وكان خرج إلى خيبر بعد فتحها مع أصحاب له يمتارون ثمرًا، فوجد قتيلاً فيها، رضى الله عنه.
307 - عبد الله بن شبرمة التابعى (2) :
مذكور فى المهذب فى أول نكاح المشرك. هو أبو شبرمة عبد الله بن شبرمة بن الطفيل بن حسان بن المنذر بن ضرار بن عمرو
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى 5/ 287، الجرح والتعديل 5/ 331، تاريخ الإسلام 4/137، 265، تهذيب التهذيب لابن حجر 5/243.تقريب التهذيب (3366) ، وقال: “ثقة من الثالثة مات سنة ست ومائة م د س”..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد 6/350، التاريخ الكبير للبخارى 5/ 349الجرح والتعديل 5/ 381، سير أعلام النبلاء 6/347، ميزان الإعتدال 2/ 4375، تاريخ الإسلام 6/88، تهذيب التهذيب لابن حجر 5/250، 251.تقريب التهذيب (3380) ، وقال: “شبرمة بضم المعجمة وسكون الموحدة وضم الراء ثقة فقيه من الخامسة مات سنة أربع وأربعين خت م د س ق”..(1/271)
بن مالك بن زيد بن كعب بن بجالة بن ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة الضبى الكوفى التابعى. فقيه أهل الكوفة.
روى عن الشعبى، وابن سيرين، وآخرين. روى عنه السفيانان، وشعبة، ووهيب، وغيرهم، واتفقوا على توثيقه والثناء عليه بالجلالة، وكان قاضيًا لأبى جعفر المنصور على سواد الكوفة. وقال الثورى: مفتينا ابن أبى ليلى، وابن شبرمة. قال: وكان ابن شبرمة عفيفًا، عاقلاً، فقيهًا، يشبه النساك، ثقة فى الحديث، شاعرًا، حسن الخلق، جوادًا. توفى سنة أربع وأربعين ومائة.
308 - عبد الله بن الشخير (1) :
بشين وخاء معجمتين مكسورتين والخاء مشددة، الصحابى. هو عبد الله بن الشخير ابن عوف بن كعب بن وقدان بن الجريش، وهو معاوية بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامرى الكعبى الجرشى البصرى، وهو والد مطرف، ويزيد. روى له مسلم فى صحيحه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديثين. روى عنه ابناه.
309 - عبد الله بن شداد (2) :
مذكور فى المهذب فى أول قتال أهل البغى. هو أبو عبد الله بن شداد بن أسامة بن عمرو بن عبد الله بن جابر، ويقال له: عبد الله بن شداد بن الهاد، والهاد لقب لأسامة، وقيل: لعمرو، لقب به لأنه كان يوقد نارًا ليهتدى إليه الأضياف وغيرهم. وعبد الله هذا كنيته أبو الوليد، كنانى ليثى تابعى مدنى، وقيل: كوفى.
ولد على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يدركه، وأمه سلمى بنت عميس الخثعمية، أخت أسماء بنت عميس، كانت تحت حمزة بن عبد المطلب، فاستشهد عنها يوم أُحُد، وولدت منه بنته عمارة، وقيل: فاطمة، ثم تزوجها شداد، فولد له عبد الله، وهى أخت أم الفضل زوجة العباس لأمها، وكن عشر أخوات سأوضحن إن شاء الله فى ترجمة أسماء بنت عميس.
سمع عبد الله بن شداد: عمر بن الخطاب، وعليًا، وابن عمر، وابن عباس، ومعاذًا، وآخرين من الصحابة، رضى الله عنهم أجمعين. وروى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلاً، وروى عنه جماعات من كبار التابعين، منهم طاووس، والشعبى، وغيرهما، واتفقوا على توثيقه، وكثرة حديثه، وأنه فقيه، قتل ليلة دجيل سنة ثنتين وثمانين.
310 -
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد 7/34، التاريخ الكبير للبخارى 5/ 53، الجرح والتعديل 5/370، الاستيعاب 3/926، أسد الغابة 3/183، تهذيب التهذيب لابن حجر 5/251، الإصابة 2/ 4743.تقريب التهذيب (3381) ، وقال: “الشخير بكسر الشين وتشديد الخاء المعجمتين ابن عوف العامري صحابي من مسلمة الفتح م 4”..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد 5/61، 6/126، التاريخ الكبير للبخارى 5/ 342، الجرح والتعديل 5/ 373، تاريخ بغداد 9/473، الاستيعاب 3/926سير أعلام النبلاء 3/488، تاريخ الإسلام 3/265، تهذيب التهذيب لابن حجر 5/251، 252، الإصابة 3/6176.تقريب التهذيب (3382) ، وقال: “وذكره العجلي من كبار التابعين الثقات وكان معدودا في الفقهاء مات بالكوفة مقتولا سنة إحدى وثمانين وقيل بعدها ع”..(1/272)
عبد الله بن أبى طلحة (1) :
مذكور فى المهذب فى باب العقيقة، وأبوه أبو طلحة الأنصارى الصحابى المشهور زيد بن سهل، سنذكره إن شاء الله تعالى فى ترجمته فى الكنى. هو أبو يحيى عبد الله بن أبى طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام، بالحاء المهملة، وتمام نسبه فى ترجمة أبيه الأنصارى النجارى المدنى التابعى الكبير، أخو أنس بن مالك لأمه، أمهما أم سليم بنت ملحان الصحابية الفاضلة، سنذكرها فى ترجمتها إن شاء الله تعالى.
ثبت فى صحيحى البخارى ومسلم، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَنَّك عبد الله هذا حين ولد وسماه عبد الله. وثبت فى الصحيحين أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعا لأبويه فى ليلة وقاع أبيه لأمه حين حملت به، فقال: “بارك الله لكما فى ليلتكما”، فجاءت بعبد الله. وفى صحيح البخارى، عن ابن عيينة، قال: قال رجل من الأنصار: رأيت تسعة أولاد كلهم قد قرأوا القرآن، يعنى من أولاد عبد الله.
وفى غير البخارى، عن على بن المدينى، قال: ولد لعبد الله بن أبى طلحة عشرة من الذكور كلهم قرأوا القرآن، وروى أكثرهم العلم. وروى عن عبد الله ابناه إسحاق، وعبد الله، وشهد مع على صفين، وقتل بفارس شهيدًا، وقيل: توفى بالمدينة فى خلافة الوليد بن عبد الملك. وقال محمد بن سعد: كانت أم عبد الله حاملاً به يوم حنين سنة ثمان من الهجرة، ولم يزل ساكنًا بالمدينة. قال: وكان ثقة، قليل الحديث.
311 - عبد الله بن عامر بن ربيعة:
مذكور فى المهذب فى أول باب القذف. هو أبو محمد بن عبد الله بن عامر بن ربيعة ابن مالك بن عامر بن ربيعة بن حجر بن سلامان بن مالك بن ربيعة بن رفيدة بن عنز، بإسكان النون، ابن وائل بن قاسط بن هنب، بكسر الهاء وإسكان النون وبعدها باء موحدة، ابن أفصى، بالفاء والصاد المهملة، العنزى، بإسكان النون، حليف الخطاب والد عمر. وقال ابن مندة، وأبو نعيم: أنه من عنزة، بفتح النون وزيادة هاء، وهم حى من اليمن، وغلطهما العلماء فى ذلك، والصواب ما سبق.
ولد عبد الله هذا فى زمن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتوفى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وله أربع سنين، وقيل: خمس، وكان أبوه عامر من كبار الصحابة، وقد روى البخارى ومسلم لعبد الله بن عامر
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد 5/74، التاريخ الكبير للبخارى 5/262، الجرح والتعديل 5/ 267، الاستيعاب 3/929، أسد الغابة 3/188، تاريخ الإسلام 3/266، تهذيب التهذيب لابن حجر 5/269، الإصابة 2/ 6178.تقريب التهذيب (3399) ، وقال: “وثقه ابن سعد مات سنة أربع وثمانين بالمدينة وقيل استشهد بفارس وهو أخو أنس لأمه م س”..(1/273)
هذا عن أبيه، وعمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، وعائشة، رضى الله عنهم. توفى سنة خمس وثمانين.
312 - عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم (1) :
أبو العباس الهاشمى، الصحابى ابن الصحابى المكى، ابن عم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كنى بابنه العباس، وهو أكبر أولاده، وأمه لبابة بنت الحارث الهلالية، سأذكرها فى ترجمتها إن شاء الله تعالى، وكان يقال لابن عباس: حبر الأمة، والبحر؛ لكثرة علمه، دعا له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحكمة، وحنكه بريقه حين ولد وهم فى الشعب. وقال ابن مسعود: نعم ترجمان القرآن ابن عباس.
وعاش ابن عباس بعد ابن مسعود نحو خمس وثلاثين سنة، تُشد إليه الرحال، ويُقصد من جميع الأقطار، ومشهور فى الصحيحين تعظيم عمر بن الخطاب لابن عباس، واعتداده به، وتقديمه مع حداثة سنه، وعاش بعده ابن عباس نحو سبع وأربعين سنة، يُقصد ويُستفتى ويُعتمد، وهو أحد العبادلة الأربعة: ابن عمر، وابن عباس، وابن عمرو ابن العاص، وابن الزبير، وقد سبق ذكرهم فى ترجمة عبد الله بن الزبير، وكان ابن عباس أحد الستة من الصحابة الذين هم أكثرهم رواية عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهم: أبو هريرة، ثم ابن عمر، ثم جابر، وابن عباس، وأنس، وعائشة، رضى الله عنهم.
روينا عن الإمام أحمد بن حنبل، قال: ستة من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثروا الرواية عنه وعمروا، فذكرهم. وابن عباس أكثر الصحابة فتوى يروى، كذا قاله أحمد بن حنبل وغيره. وقال على بن المدينى: لم يكن فى أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحد له أصحاب يقومون بقوله فى الفقه إلا ثلاثة: ابن مسعود، وزيد بن ثابت، وابن عباس. وقال سفيان بن عيينة: كان الناس ثلاثة: ابن عباس فى زمانه، والشعبى فى زمانه، وسفيان الثورى فى زمانه.
وقال عبد الله بن طاهر: كان الناس أربعة: ابن عباس فى زمانه، والشعبى فى زمانه، والقاسم بن معن فى زمانه، وأبو عبيد القاسم بن سلام فى زمانه. وذكر الأزرقى فى
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد 2/365، التاريخ الكبير للبخارى 5/ 5، الجرح والتعديل 5/ 527، تاريخ بغداد 1/173، الاستيعاب 3/933، أسد الغابة 3/192، سير أعلام النبلاء 3/331، تاريخ الإسلام 3/30، الإصابة 2/ 4781، تهذيب التهذيب لابن حجر 5/276- 279.تقريب التهذيب (3409) ، وقال: “وهو أحد المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة من فقهاء الصحابة ع”. .(1/274)
كتاب مكة بإسناده الصحيح عن ابن جريج، قال: كنا مع عطاء فى المسجد الحرام، فتذاكرنا ابن عباس وفضله، وكان ابن عبد الله بن عباس وابنه محمد فى الطواف، فعجبنا من تمام قامتهما، وحسن وجوههما، فقال عطاء: وأين حسنهما من حسن ابن عباس، ما رأيت القمر ليلة أربع عشرة إلا ذكرت وجه ابن عباس.
رُوى لابن عباس عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ألف حديث وستمائة حديث وستون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على خمسة وتسعين، وانفرد البخارى بمائة وعشرين، ومسلم بتسعة وأربعين. روى البيهقى بإسناده فى مناقب الشافعى فى باب ما يستدل به على معرفته بصحة الحديث عن الشافعى، قال: لم يثبت عن ابن عباس فى التفسير إلا شبيه بمائة حديث. روى عنه ابن عمر، وأنس، وأبو الطفيل، وأبو أمامة بن سهل، وروى عنه خلائق لا يحصون من التابعين.
ولد ابن عباس عام الشعب فى الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين، فتوفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وقيل: ابن عشر، وهو ضعيف، وقيل: ابن خمس عشرة، ورجحه أحمد بن حنبل وغيره. وثبت فى الصحيحين عن ابن عباس أنه قال: مررت فى حجة الوداع على أتان بين يدى الصف والنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلى بالناس بمنى وأنا غلام قد ناهزت الاحتلام.
وتوفى بالطائف سنة ثمان وستين، قاله الواقدى، وابن أبى شيبة، وأحمد بن حنبل، وابن نمير، وقيل: سنة تسع، وقيل: سنة سبعين. وحكى ابن الأثير قولاً: أنه سنة ثلاث وسبعين، وضعفه وهو غريب ضعيف أو باطل. وصلى عليه محمد بن الحنفية، وقال: اليوم مات ربانى هذه الأمة.
روينا عن ميمون بن مهران، قال: شهدت جنازة ابن عباس، فلما وضع ليصلى عليه جاء طائر أبيض فوقع على أكفانه فدخل فيها، فالتمس فلم يوجد، فلما سوى عليه التراب سمعنا مَن يُسمع صوته ولا يُرى شخصه يقرأ: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِى فِى عِبَادِى وَادْخُلِى جَنَّتِى} [الفجر: 27 - 30] .
وروينا نحوه عن سعيد بن جبير فى تاريخ دمشق: وكان قد كف بصره فى آخر عمره، وكذلك العباس وجده عبد المطلب، وكان يخضب لحيته بالصفرة، وقيل: بالحناء، وحج بالناس حين(1/275)
حصر عثمان، وكان لموضع الدمع من خدى ابن عباس أثر لكثرة بكائه، واستعمله على، رضى الله عنه، على البصرة، ثم فارقها قبل قتل على، وعاد إلى الحجاز.
وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: ما رأيت أحدًا أعلم من ابن عباس بما سبقه من حديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبقضاء أبى بكر، وعمر، وعثمان، رضى الله عنهم، ولا أفقه منه، ولا أعلم بتفسير القرآن وبالعربية والشعر والحساب والفرائض، وكان يجلس يومًا للفقه، ويومًا للتأويل، ويومًا للمغازى، ويومًا للشعر، ويومًا لأيام العرب، وما رأيت عالمًا قط جلس إليه إلا خضع له، ولا سائلاً سأله إلا وجد عنده علمًا.
وثبت فى صحيح البخارى أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضم ابن عباس إلى صدره، وقال: “اللهم علمه الكتاب”، وفى رواية للبخارى: “علمه الحكمة”، وفى رواية لمسلم: “اللهم فقهه”، ومناقبه كثيرة مشهورة، رضى الله عنه.
313 - عبد الله بن عبد الله بن أبى بن مالك بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم ابن غنم بن عوف بن الخزرج الأنصارى الخزرجى الصحابى:
وأبوه هو عبد الله بن أُبىّ بن سلول المنافق، تقدم ذكره فى ترجمته، وكان عبد الله بن عبد الله هذا من فضلاء الصحابة وساداتهم، وكان اسمه الحباب، وبه كان أبوه يكنى، فلما أسلم سماه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبد الله، وشهد بدرًا، وأُحُدًا، والمشاهد كلها مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واستأذن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى قتل أبيه على نفاقه فنهاه، واستشهد عبد الله بن عبد الله يوم اليمامة فى خلافة أبى بكر، رضى الله عنه، سنة ثنتى عشرة.
314 - عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (1) :
مذكور فى المختصر فى مسألة القلتين، هو أبو عبد الرحمن القريشى العدوى المدنى التابعى. سمع أباه، وأوصى إليه أبوه. روى عنه القاسم بن محمد، ونافع مولى ابن عمر، والزهرى، وعبد الرحمن بن القاسم، وعبد الله بن أبى سلمة الماجشون، ومحمد بن عبادة ابن جعفر، ومحمد بن جعفر بن الزبير، وآخرون. قال وكيع وأبو زرعة: ثقة. روى له البخارى ومسلم. قال
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى 5/ 375، الجرح والتعديل 5/ 421، تاريخ بغداد 10/4- 5، تاريخ الإسلام 4/268، تهذيب التهذيب لابن حجر 5/286، 287.تقريب التهذيب (3417) ، وقال: “ثقة من الثالثة مات سنة خمس ومائة خ م د ت س.(1/276)
الهيثم: توفى فى أول خلافة هشام بن عبد الملك، واستخلف هشام فى شعبان سنة خمس ومائة، رحمه الله.
315 - عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق القريشى التيمى المدنى التابعى (1) :
مذكور فى المهذب فى غسل الميت، قال: غسله ابن عمر. روى عن أم سلمة. روى عنه زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، واتفقوا على توثيقه. روى له البخارى ومسلم حديث: “الذى يشرب فى آنية الفضة إنما يجرجر فى بطنه نار جهنم” (2)
) . قال البخارى فى تاريخه: ورث عبد الله عمته عائشة أم المؤمنين. وتوفى قبل قتل ابن الزبير.
316 - عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن سعد بن أبى ذباب الدوسى التابعى (3) :
مذكور فى المختصر فى أول باب القسامة. روى عن سهل بن سعد، وأبى هريرة، وغيرهما. روى عنه مجاهد، وعكرمة بن إبراهيم، وعبد الرحمن بن معاوية. قال يحيى بن معين: هو ثقة.
317 - عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى صعصعة (4) :
مذكور فى المختصر، هو أنصارى، مازنى، مدنى، تابعى، ثقة. سمع أبا سعيد الخدرى. روى عنه ابناه محمد، وعبد الرحمن. روى له البخارى.
318 - عبد الله بن عبيدة بن نشيط (5) :
مذكور فى المختصر فى آخر باب الإحرام، هو زيدى عامرى، مولى بنى عامر بن لؤى، وهو أخو موسى بن عبيدة الزيدى المشهور. روى عن جابر بن عبد الله مرسلاً. وسمع عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعمر بن عبد العزيز، وأخاه موسى بن عبيدة. وروى عن عقبة بن عامر، وسهل بن سعد. قال عبد الرحمن: لا أدرى أسمعهما أم لا. روى عنه صالح بن كيسان وأخوه موسى وغيرهما.
قال أحمد بن حنبل: لا يشتغل بموسى بن عبيدة وأخيه. وقال يحيى بن معين: عبد الله ابن عبيدة ضعيف. وفى رواية: ليس هو بشىء. وقال يعقوب بن شيبة: هو ثقة أدرك جماعة من الصحابة. وقال ابن عدى:
_________
(1) الجرح والتعديل 5/ 435، تهذيب التهذيب لابن حجر 5/292.تقريب التهذيب (3425) ، وقال: “مقبول من الثالثة مات دون المائة بعد السبعين خ م خد س ق”.
(2) حديث أم سلمة: أخرجه الشافعى فى الأم (1/10) ، والبخارى (5/2133، رقم 5311) ، ومسلم (3/1634، رقم 2065) وأخرجه أيضًا: أخرجه الدارمى (2/163، رقم 2129) وأبو يعلى (12/369، رقم 6939) وأبو عوانة (5/216، رقم 8455) ، وابن حبان (12/161، رقم 5342) ، والطبرانى فى الكبير (23/359، رقم 844) ، وفى الشاميين
(1/82، رقم 108) ، والبيهقى (1/27، رقم 98) .
حديث ابن عباس: أخرجه الطبرانى (11/373، رقم 12046) . وأخرجه أيضًا: أبو يعلى (5/101، رقم 2711) ، والطبرانى فى الأوسط (3/338، رقم 3333) ، والطبرانى فى الصغير (1/200، رقم 319) . قال الهيثمى (5/77) : فيه محمد بن يحيى بن أبى سمينة، وقد وثقة أبو حاتم وابن حبان، وغيرهما، وفيه كلام لا يضر، وبقية رجاله ثقات.
حديث أم سلمة وحفصة معًا: أخرجه الطبرانى (23/215، رقم 392) .
الذى يعتق عند الموت كمثل الذى يهدى إذا شبع (أبو داود عن أبى الدرداء)
أخرجه أبو داود (4/30، رقم 3968) .
(3) التاريخ الكبير للبخارى 5/ 405، الجرح والتعديل 5/ 168، 452، تهذيب التهذيب لابن حجر 5/292.تقريب التهذيب (3427) ، وقال: “ثقة من الثالثة د ت س”..
(4) التاريخ الكبير للبخارى 5/ 386، الجرح والتعديل 5/ 430، تهذيب التهذيب لابن حجر 5/294.تقريب التهذيب (3431) ، وقال: عبد الله ابن عبد الرحمن ابن أبي صعصعة الأنصاري المدني ثقة من الثالثة خ د س ق..
(5) التاريخ الكبير للبخارى 5/432، الجرح والتعديل 5/ 466، المجروحين لابن حبان 2/4، تاريخ الإسلام 5/95، ميزان الإعتدال 2/ 4440، تهذيب التهذيب لابن حجر 5/309- 310، تهذيب التهذيب لابن حجر 5/310.تقريب التهذيب (3458) ، وقال: “نشيط بفتح النون وكسر المعجمة الربذي بفتح الراء والموحدة بعدها معجمة ثقة من الرابعة قتلته الخوارج بقديد سنة ثلاثين خ”..(1/277)
تبين على حديثه الضعف. روى له البخارى متابعة. قال الواقدى: قتلته الحرورية بقديد سنة ثلاثين ومائة.
319 - عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلى الحجازى (1) :
ويأتى تمام نسبه فى ترجمة عمه عبد الله بن مسعود إن شاء الله تعالى، هو والد عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أحد الفقهاء السبعة، كنيته أبو عبد الله، ويقال: أبو عبيد الله، وأبو عبد الرحمن، مدنى، ويقال: كوفى، أدرك زمن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وسمع عمر بن الخطاب، وعمه عبد الله بن مسعود، وسبيعة الأسلمية. روى عنه ابناه عبيد الله أحد الفقهاء السبعة، وعون أحد الزهاد المشهورين، وحميد بن عبد الرحمن، وابن سيرين، والسبيعى، وغيرهم.
قال ابن سعد: كان ثقة، رفيعًا، كثير الحديث والفتيا، فقيهًا. قال غيره: توفى سنة أربع وتسعين. روى له البخارى ومسلم. قال ابنه حمزة: سألت أبى عبد الله بن عتبة: أى شىء تذكر من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: أذكر أنه أخذنى وأنا خماسى أو سداسى، فأجلسنى فى حجره، ومسح رأسى بيده، ودعا لى ولذريتى من بعدى بالبركة. قال ابن عبد البر: ذكره العقيلى فى الصحابة، وإنما هو تابعى من كبارهم، استعمله عمر بن الخطاب. وذكره البخارى فى التابعين، هذا كلام ابن عبد البر. واستعمال عمر له يدل على أنه أدرك من زمن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سنين، والله أعلم.
320 - عبد الله بن عدى بن الحمراء القريشى الزهرى الصحابى (2) :
أبو عمر، وقيل: أبو عمرو، وقيل: إنه ثقفى حليف لبنى زهرة، معدود فى أهل الحجاز، كان ينزل بين قديد وعسفان. روى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن، ومحمد بن جبير. روى له الترمذى، والنسائى، وابن ماجه حديث مكة: “والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت”. قال الترمذى: حديث حسن صحيح.
321 - عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضى الله عنهما، القريشى العدوى المدنى الصحابى الزاهد (3) :
أمه وأم أخته حفصة زينب بنت مظعون بن حبيب الجمحى، أسلم
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد 6/120، التاريخ الكبير للبخارى 5/ 485، الجرح والتعديل 5/ 569، الإستيعاب 3/945، أسد الغابة 3/202، تهذيب التهذيب لابن حجر 311- 312، الإصابة 2/ 4813.تقريب التهذيب (3461) ، وقال: “وثقه العجلي وجماعة وهو من كبار الثانية مات بعد السبعين خ م د س ق”..
(2) الجرح والتعديل 5/555، والاستيعاب 3/948، وأسد الغابة 3/225، وتهذيب التهذيب لابن حجر 5/318، 319، والإصابة 2/4822،. تقريب التهذيب (3472) ، وقال: “صحابي له حديث في فضل مكة ت س ق”..
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد 2/373، 4/142، والتاريخ الكبير للبخارى 5/4، والجرح والتعديل 5/492، وتاريخ بغداد 1/171، والاستيعاب 3/950، وأسد الغابة 3/227، وتاريخ الإسلام 3/177، وسير أعلام النبلاء 3/203، وتهذيب التهذيب لابن حجر 5/328 - 330، والإصابة 2/3834. تقريب التهذيب (3490) ، وقال: “أحد المكثرين من الصحابة والعبادلة وكان من أشد الناس اتباعا للأثر مات سنة ثلاث وسبعين في آخرها أو أول التي تليها ع”. .(1/278)
مع أبيه قبل بلوغه، وهاجر قبل أبيه، وأجمعوا أنه لم يشهد بدرًا لصغره، وقيل: شهد أُحُدًا، وقيل: لم يشهدها. وثبت فى الصحيحين عنه أنه قال: عُرضت على النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عام أُحُد وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزنى، وعُرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازنى. وشهد الخندق وما بعدها من المشاهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وشهد غزوة مؤتة، واليرموك، وفتح مصر، وفتح إفريقية.
وثبت فى صحيح البخارى، عن ابن عمر، قال: أول يوم شهدته يوم الخندق، وكان شديد الاتباع لآثار رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أنه ينزل منازله، ويصلى فى كل مكان صلى فيه، ويبرك ناقته فى مبرك ناقته، ونقلوا أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نزل تحت شجرة، فكان ابن عمر يتعاهدها بالماء لئلا تيبس.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ألف حديث وستمائة حديث وثلاثون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على مائة وسبعين، وانفرد البخارى بأحد وثمانين، ومسلم بأحد وثلاثين. روى عنه أولاده الأربعة: سالم، وحمزة، وعبد الله، وبلال، وخلائق لا يحصون من كبار التابعين وغيرهم، ومناقبه كثيرة مشهورة، بل قل نظيره فى المتابعة لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى كل شىء من الأقوال والأفعال وفى الزهادة فى الدنيا ومقاصدها والتطلع إلى الرياسة وغيرها.
روينا عن الزهرى، قال: لا يعدل برأى ابن عمر، فإنه أقام بعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ستين سنة، فلم يخف عليه شىء من أمره، ولا من أمر الصحابة. وعن مالك قال: أقام ابن عمر ستين سنة تقدم عليه وفود الناس. وروينا عن الإمام البخارى فى كتابه كتاب رفع اليدين فى الصلاة، قال: قال جابر بن عبد الله: لم يكن أحد منهم ألزم لطريق رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا أتبع من ابن عمر.
وفى صحيحى البخارى ومسلم، عن ابن عمر، قال: رأيت فى المنام كأن فى يدى قطعة استبرق، وليس مكان أريد من الجنة إلا طارت إليه، فقصصته على حفصة، فقصته على النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “رأى عبد الله رجلاً صالحًا”. وفى رواية فى الصحيحين: “أنا أخاك رجل صالح أو أن عبد الله رجل صالح” (1) .
وكان ابن عمر كثير الصدقة، فربما تصدق فى المجلس الواحد بثلاثين ألفًا. قال نافع: كان ابن عمر إذا اشتد عجبه بشىء من ماله
_________
(1) أخرجه البخارى (6/2578، رقم 6625) ومسلم (4/1927، رقم 2479) وابن ماجه (2/1291، رقم 3919) .(1/279)
تقرب به إلى الله تعالى، وكان رقيقه قد عرفوا ذلك منه، فربما لزم أحدهم المسجد، فإذا رآه ابن عمر على تلك الحال الحسنة أعتقه، فيقول له أصحابه: إنهم يخدعونك، فيقول: من خدعنا بالله انخدعنا له. قال نافع: ولقد رأيتنا ذات عشية وراح ابن عمر على نجيب له قد أخذه بمال، فلما أعجبه سيره أناخه بمكان، ثم نزل عنه، فقال: انزعوا عنه زمامه ورحله وأشعروه وجللوه وأدخلوه فى البدن، وكان كثير الحج.
قال نافع: سمعت ابن عمر وهو ساجد فى الكعبة، يقول: قد تعلم يا رب ما يمنعنى من مزاحمة قريش إلا خوفك. قال: وكان إذا قرأ هذه الآية: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16] بكى حتى يغلبه البكاء. وقال ابن عمر: البر شىء هين، وجه طلق، وكلام لين. ولم يقاتل فى الحروب التى جرت بين المسلمين.
وروينا أن ابن عمر كاتب عبدًا له على خمسة وثلاثين ألف درهم، ثم حط عنه منها خمسة آلاف درهم. وكان ابن عمر يسرد الصوم، وهو أحد الصحابة الساردين للصوم منهم عمر، وابنه، وأبو طلحة، وحمزة بن عمرو، وعائشة.
روينا فى صحيح مسلم، عن عبد الله مولى أسماء، قال: أرسلتنى أسماء إلى ابن عمر، فقالت: بلغنى أنك تحرم أشياء ثلاثة: العلم فى الثوب، وميثرة الأرجوان، وصوم رجب كله، فقال ابن عمر: أما ما ذكرت من صوم رجب، فكيف بمن يصوم الأبد.
واعلم أن ابن عمر أحد الستة الذين هم أكثر الصحابة رواية عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهم ستة: أبو هريرة، ثم ابن عمر، ثم أنس، وابن عباس، وجابر، وعائشة، وهو أحد العبادلة الأربعة، وقد سبق بيانهم فى ترجمة عبد الله بن الزبير. قال البخارى: أصح الأسانيد مطلقًا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، ويسمى هذا الإسناد مسبك الذهب. قال أبو منصور التميمى: فعلى هذا أصحها الشافعى عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر لإجماع أهل الحديث وغيرهم على أن الشافعى أجلّ الرواة عن مالك، وفى أصل هذه المسألة خلاف ذكرته واضحًا فى أول علوم الحديث، والمختار أنه لا يجزم فى إسناد أنه أصحها.
وروينا فى صحيحى البخارى ومسلم، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال فيه: “نعم(1/280)
الرجل عبد الله لو كان يصلى من الليل” (1) . قال سالم: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً. ومناقب ابن عمر وأحواله كثيرة مشهورة. قال ابن قتيبة: كان لابن عمر من الأولاد: سالم، وعبد الله، وعاصم، وحمزة، وبلال، وواقد، وبنات كانت واحدة منهن عند عمرو بن عثمان، وأخرى عند عروة بن الزبير، وكان عبد الله بن عبد الله وصى أبيه، وله عقب بالمدينة، وأمه صفية بنت أبى عبيد أخت المختار.
توفى ابن عمر بمكة سنة ثلاث وسبعين بعد قتل ابن الزبير بثلاثة أشهر، وقيل: بستة أشهر. وقال يحيى بن بكير: توفى ابن عمر بمكة بعد الحج، ودفن بالمحصب. قال: وبعض الناس يقول: بفخ، وفخ بالخاء المعجمة، موضع بقرب مكة، وقد ذكر صاحب المهذب فى أول كتاب السير أن ابن عمر عرض على النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم بدر وهو ابن أربع عشرة سنة، وهذا غلط صريح، وصوابه يوم أُحُد، هكذا ثبت فى الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث والمغازى والتواريخ والأسماء، وكانت بدر فى السنة الثانية من الهجرة، وأُحُد فى الثالثة.
322 - عبد الله بن عمرو الحضرمى (2) :
مذكور فى المهذب فى آخر باب السرقة، هو حليف بنى أمية. قال الواقدى: ولد على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. روى عن عمر بن الخطاب، مذكور فيمن نزل حمص. روى عنه من أهلها عمير بن الأسود، ومالك بن يخامر.
323 - عبد الله بن عمرو بن العاص (3) :
تكرر. هو أبو محمد، وقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو نصير، بضم النون، عبد الله ابن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد، بضم السين وفتح العين، ابن سهم ابن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى بن غالب القريشى السهمى الزاهد العابد، الصحابى ابن الصحابى، رضى الله عنهما، كان بينه وبين أبيه فى السن اثنتى عشرة سنة، وقيل: إحدى عشرة سنة، وأمه ريطة بنت منبه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعيد بن سهم أسلمت. قالوا: وكان النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: “نعم أهل البيت عبد الله، وأبو عبد الله، وأم عبد الله” (4) .
_________
(1) أخرجه أحمد (2/146، رقم 6330) وفى الحديث أن ابن عمر قال: كان الرجل فى حياة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رأى رؤيا قصها على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: وكنت غلاما شابا عزبا فكنت أنام فى المسجد على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فرأيت فى النوم كان ملكين أخذانى فذهبا بى إلى النار فإذا هى مطوية كطى البئر وإذ لها قرنان وإذا فيها ناس قد عرفتهم فجعلت أقول أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار فلقيهما ملك آخر فقال لى لن تراع فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فذكره. والبخارى (1/388، رقم 1105) ، ومسلم (4/1927، رقم 2479) . وأخرجه أيضا: الدارمى (2/171، رقم 2152) .
(2) الاستيعاب 3/956، وأسد الغابة 3/233، وتهذيب التهذيب لابن حجر 5/341. تقريب التهذيب (3508) ، وقال: “ولد على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وروى عن عمر من الثانية كد”..
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد 2/373، 4/261، والكنى للدولابى 1/16، والتاريخ الكبير للبخارى 5/6، والجرح والتعديل 5/529، والاستيعاب 3/956، وأسد الغابة 3/233، وتاريخ الإسلام 3/37، وسير أعلام النبلاء 3/79، والإصابة 2/4847، وشذرات الذهب 1/73. تقريب التهذيب (3499) ، وقال: “أحد السابقين المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة الفقهاء مات في ذي الحجة ليالي الحرة على الأصح بالطائف على الراجح ع”.
(4) حديث أبو مليكة عن طلحة: أخرجه أحمد (1/161، رقم 1381) ، وابن عساكر (31/251) . وأخرجه أيضا: أبو يعلى (2/19، رقم 647) .
أخرجه أحمد (1/161، رقم 1382) ، وأبو يعلى (2/18، رقم 646) ، وابن عدى (3/283 ترجمة 751 سليمان بن أيوب بن سليمان بن عيسى بن موسى بن طلحة بن عبيد الله) . وأخرجه أيضًا: البزار (3/173، رقم 961) ، والشاشى (1/80، رقم 19) . والترمذى (5/688، رقم 3845) ، قال الهيثمى (9/354) : رواه الترمذى باختصار رواه أبو يعلى وأحمد بنحوه ورجاله ثقات.(1/281)
أسلم عبد الله قبل ابيه، وكان كثير العلم مجتهدًا فى العبادة، تلاء للقرآن، وكان أكثر الناس أخذًا للحديث والعلم عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثبت فى الصحيح عن أبى هريرة قال: ما كان أحد أكثر حديثًا عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منى إلا عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبعمائة حديث، اتفق البخارى ومسلم على سبعة عشر منها، وانفرد البخارى بثمانية، ومسلم بعشرين. وإنما قلَّت الرواية عنه مع كثرة ما حمل؛ لأنه سكن مصر، وكان الواردون إليها قليلاً بخلاف أبى هريرة، فإنه استوطن المدينة، وهى مقصد المسلمين من كل جهة. روى عنه سعيد بن المسيب، وعروة، وأبو سلمة وحميد ابنا عبد الرحمن، ومسروق، وخلائق من كبار التابعين. ونقلوا عنه أنه قال: حفظت عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ألف مثل، وأنه قال: لخير أعمله اليوم أحب إلىَّ من مثليه مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنا كنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تهمنا الآخرة ولا تهمنا الدنيا، وأنا اليوم مالت بنا الدنيا.
وشهد مع أبيه فتح الشام، وكانت معه راية أبيه يوم اليرموك. وتوفى عبد الله سنة ثلاث وستين، وقيل: خمس وستين بمصر، وقيل: سنة سبع وستين بمكة، وقيل: سنة خمس وخمسين بالطائف، وقيل: سنة ثمان وستين، وقيل: سنة ثلاث وسبعين، وهو ضعيف، وقيل: توفى بفلسطين سنة خمس وستين، وكان عمره ثنتين وسبعين سنة.
324 - عبد الله بن عمرو بن عوف (1) :
والد كثير بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، مذكور فى المهذب فى صلاة العيد. هو عبد الله بن عمر بن عوف بن زيد بن ملحة، بكسر الميم وبالحاء المهملة، ويقال: بضم الميم، ويقال: مليحة بالتصغير، وهو المدنى، سمع أباه الصحابى. روى عنه ابنه كثير، وكثير ضعيف.
325 - عبد الله بن هلال:
وقيل: ابن شرحبيل المزنى، والد علقمة وبكر ابنى عبد الله المزنى الصحابى، وهو أحد البكائين الذين نزلت فيهم: {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [التوبة: 92] . ذكره فى المهذب فى أول كتاب السير، قيل: كانوا ستة ولعلهم أكثر. قال محمد بن سعد:
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى 5/467، والجرح والتعديل 5/540، وميزان الاعتدال 2/4480، وتهذيب التهذيب لابن حجر 5/339، 340. تقريب التهذيب (3503) ، وقال: “مقبول من الثالثة ر د ت ق”..(1/282)
نزل البصرة، وله بها عقب، له أحاديث عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، روى عنه ابنه علقمة، وأبو بريدة.
326 - عبد الله بن أبى قتادة (1) :
مذكور فى المهذب فى تحريم الصيد بالإحرام، واسم أبى قتادة الحارث بن ربعى الصحابى، سيأتى تمام نسبه فى ترجمته فى نوع الكنى إن شاء الله تعالى، وعبد الله هذا يكنى أبا إبراهيم، ويقال: أبا يحيى الأنصارى السلمى، بفتح السين واللام، المدنى التابعى، سمع أباه. روى عنه إسماعيل بن أبى خالد، ويحيى بن أبى كثير، وآخرون من التابعين، واتفقوا على توثيقه. توفى بالمدينة فى خلافة الوليد بن عبد الملك، وقد ذكر صاحب المهذب حديثه فى جزاء الصيد مرسلاً، وهو فى الصحيحين وغيرهما متصل عنه عن أبيه.
327 - عبد الله بن كثير (2) :
مذكور فى المختصر فى باب السلف والرهن، هو الإمام أحد القراء السبعة، أبو معبد، وقيل: أبو محمد، وقيل: أبو بكر، وقيل: أبو عباد، وقيل: أبو الصلب عبد الله بن كثير الكنانى، مولاهم الدارى المكى، مولى عمرو بن علقمة الكنانى. قال ابن أبى داود وغيره: إنما قيل له: الدارى؛ لأنه من بنى الدار بن هانى بن حبيب بن نمارة بن لخم من رهط تميم الدارى.
قال أبو بكر بن مجاهد: هذا غلط من ابن أبى داود، وليس هو من رهط تميم الدارى، وإنما هو من أبناء فارس، من الطبقة الثانية من التابعين. قال أبو عمرو الدانى فى التيسير: هو الدارى، والدارى العطار، وهذا الذى قاله أبو عمرو هو الصواب. سمع ابن كثير: عبد الله بن الزبير بن العوام، ومحمد بن قيس بن مخرمة، وأبا المنهال عبد الرحمن بن مطعم المكى، ومجاهدًا. روى عنه ابن جريج، وابن أبى نجيح، وشبل بن أبى عباد.
قال محمد بن سعد: كان ثقة، وله أحاديث صالحة، توفى بمكة سنة ثنتين وعشرين ومائة. وقال أبو عمرو الدانى: توفى بمكة سنة عشرين ومائة، وأخذ القرآن عن مجاهد، وقد قدمت فى ترجمة الإمام محمد بن إدريس الشافعى بيتًا يتضمن القراء السبعة، وبيتًا يتضمن أئمة المذاهب الستة.
328 - عبد الله بن لهيعة (3) :
مذكور فى المهذب فى أول الحج، ولهيعة بفتح اللام
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد 5/274، والتاريخ الكبير للبخارى 5/555، والجرح والتعديل 5/139، وتاريخ الإسلام 4/19، وتهذيب التهذيب لابن حجر 5/360. تقريب التهذيب (3538) ، وقال: “ثقة من الثالثة مات [دون المائة] سنة خمس وتسعين ع”..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد 5/484، والتاريخ الكبير للبخارى 5/567، والجرح والتعديل 5/673، وتاريخ الإسلام 4/268، وسير أعلام النبلاء 5/318، وتهذيب التهذيب لابن حجر 5/367، 368. تقريب التهذيب (3550) ، وقال: “أحد الأئمة صدوق من السادسة مات سنة عشرين ومائة ع”..
(3) التاريخ الكبير للبخارى 5/573 - 781، والجرح والتعديل 5/681، وتاريخ الإسلام 3/221، وتهذيب التهذيب لابن حجر 5/373. تقريب التهذيب (3563) ، وقال: “لهيعة بفتح اللام وكسر الهاء صدوق من السابعة خلط بعد احتراق كتبه ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما وله في مسلم بعض شيء مقرون مات سنة أربع وسبعين وقد ناف على الثمانين م د ت ق”..(1/283)
وكسر الهاء. قال الأزهرى فى تهذيب اللغة: قال ابن الأعرابى: يقال فى فلان: لهيعة، إذا كان فيه فترة وكسل. قال: وقال غيره: رجل فيه لهيعة ولهاعة، أى غفلة، وقيل: هى التوانى فى البيع والشراء حتى يغبن. وقال صاحب المحكم: اللهع التفهق فى الكلام، ولهيعة اسم منه. قال: وقيل: هى مشتقة من الهلع مقلوبة منه.
وعبد الله بن لهيعة هذا هو الإمام البارع أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة بن عقبة ابن فرعان، بضم الفاء وإسكان الراء وبالعين المهملة، الحضرمى الأعدولى من أنفسهم، ويقال: الغافقى المصرى، قاضى مصر. سمع عطاء، والأعرج، وأبا الزبير، وابن المنكدر، وعمرو بن دينار، ويحيى الأنصارى، وغيرهم من التابعين. روى عنه الأوزاعى، والثورى، والليث، وابن المبارك، وعمرو بن الحارث، والوليد بن مسلم، والقعنبى، وخلائق من الأئمة.
قال الثورى: عند ابن لهيعة الأصول وعندنا الفروع. وقال: حججت حججًا لألقى ابن لهيعة. وقال عبد الرحمن بن مهدى: وددت أنى سمعت من ابن لهيعة خمسمائة حديث وأنى غرمت مالاً. وقال ابن وهب: حدثنى والله الصادق والبار عبد الله بن لهيعة. وقال روح بن صلاح: لقى ابن لهيعة اثنين وسبعين تابعيًا. وقال ابن معين: ابن لهيعة ضعيف الحديث.
وقال عمرو بن على الفلاس: احترقت كتب ابن لهيعة، ومن كتب عنه قبل ذلك كابن المبارك والمقرىء أصح ممن كتب بعد ذلك. وقال ابن معين: هو ضعيف قبل الاحتراق وبعده، وضعفه الليث بن سعد، ويحيى بن سعيد، والبخارى، والنسائى، وابن سعد، وآخرون. قال البيهقى: أجمع أصحاب الحديث على ضعف ابن لهيعة، وترك الاحتجاج بما ينفرد به.
وقال محمد بن سعد: كان ضعيفًا، وعنده حديث كثير، ومن سمع منه فى أول أمره أحسن حالاً ممن سمع منه آخرًا. قال يحيى بن بكير: احترق منزل ابن لهيعة وكتبه سنة سبعين ومائة قال الخطيب: حدث عن ابن لهيعة: الثورى، ومحمد بن رمح، وبين وفاتيهما إحدى وثمانون سنة، وعمرو بن الحارث، وابن رمح، وبين وفاتيهما أربع وتسعون سنة. توفى ابن لهيعة بمصر سنة أربع وسبعين ومائة، وكان مولده سنة سبع وتسعين، رحمه الله.(1/284)
329 - عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلى (1) :
مولاهم المروزى، أبو عبد الرحمن، الإمام المجمع على إمامته وجلالته فى كل شىء، الذى تستنزل الرحمة بذكره، وترتجا المغفرة بحبه، وهو من تابعى التابعين، سمع هشام بن عروة، ويحيى الأنصارى، وسليمان التيمى، وحميد الطويل، وإسماعيل بن أبى خالد، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، والأعمش، وابن عون، وموسى بن عقبة، وجماعات غيرهم من التابعين، وخلائق غيرهم من أتباع التابعين منهم السفيانان، ومالك، وشعبة، والحمادان، ومسعر، وآخرون لا ينحصرون.
روى عنه الثورى، وجعفر بن سليمان، وداود العطار، وأبو الأحوص، والفضيل بن عياض، وأبو إسحاق الفزارى، وأبو داود الطيالسى، ومحمد بن الحسن صاحب أبى حنيفة، ويحيى القطان، وابن مهدى، وابن وهب، وعبد الرزاق، وخلائق غيرهم. وكان أبوه تركيًا مملوكًا لرجل من همدان، وأمه خوارزمية. قال أبو أسامة: ما رأيت أطلق للعلم من ابن المبارك الشامات ومصر واليمن والحجاز.
روينا عن الحسن بن عيسى، قال: اجتمع جماعات من أصحاب ابن المبارك، فقالوا: تعالوا نعد خصال ابن المبارك من أبواب الخير، فقالوا: جمع العلم، والفقه، والأدب، والنحو، واللغة، والزهد، والشعر، والفصاحة، والورع، والإنصاف، وقيام الليل، والعبادة، والشدة فى رأيه، وقلة الكلام فيما لا يعنيه، وقلة الخلاف على أصحابه، وكان كثيرًا ما يتمثل بهذين البيتين:
ذا حياء وعفاف وكرم
وإذا قلت نعم قال نعم
وإذا صاحبت فاصحب صاحبًا
قائلاً للشىء لا إن قلت لا
وقال العباس بن مصعب: جمع ابن المبارك الحديث، والفقه، والعربية، وأيام الناس، والشجاعة، والسخاء، والتجارة، والمحبة عند الفرق. وقال سفيان بن عيينة حين توفى ابن المبارك، رحمه الله: لقد كان فقيهًا، عابدًا، عالمًا، زاهدًا، سخيًا، شجاعًا. وقال عمار ابن الحسن يمدحه ببيتين:
إذا سار عبد الله من مرو ليلة ... فقد سار منها نورها وجمالها
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/372، 520) ، والتاريخ الكبير للبخارى (5/679) ، والجرح والتعديل (5/838) ، وسير أعلام النبلاء (8/336) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (5/382 - 387) . تقريب التهذيب (3570) ، وقال: “ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد جمعت فيه خصال الخير من الثامنة مات سنة إحدى وثمانين وله ثلاث وستون ع”..(1/285)
إذا ذكر الأحبار من كل بلدة ... فهم أنجم فيها وأنت هلالها
وقال المعتمر بن سليمان: ما رأيت مثل ابن المبارك، يصيب عنده الشىء الذى لا يصاب عند أحد. وقال عبد الرحمن بن مهدى: حدثنى ابن المبارك، وكان نسيج وحده. قال: وهو أفضل من الثورى، فقيل له: إن الناس يخالفونك، فقال: إن الناس لم يجربوا، ما رأيت مثل ابن المبارك. وقال أيضًا: الأئمة أربعة: الثورى، ومالك، وحماد بن زيد، وابن المبارك.
وقال الأوزاعى لأبى عثمان الكلابى: لو رأيت ابن المبارك لقرت عينك. وقال أبو إسحاق الفزارى: ابن المبارك إمام المسلمين. وقال أبو أسامة: ابن المبارك فى أصحاب الحديث كأمير المؤمنين فى الناس. وقال أحمد بن حنبل: لم يكن فى زمن ابن المبارك أطلب للعلم منه، رحل إلى اليمن، ومصر، والشام، والبصرة، والكوفة، وكان من رواة العلم وأهل ذلك، كتب عن الصغار والكبار، وجمع أمرًا عظيمًا، كان صاحب حديث حافظًا.
وقال عبد الرحمن بن أبى جميل: قلنا لابن المبارك: يا عالم المشرق حدثنا، فسمعنا سفيان، فقال: ويحكم، عالم المشرق والمغرب وما بينهما. وقال شعيب بن حرب: كنا نأتى ابن المبارك نحفظ عنه، فما نستطيع أن يتعلق عليه بشىء.
وروينا عن عبثر بن القاسم، قال: لما قدم ابن المبارك وهارون الرشيد الرقة، أشرفت أم ولد له من قصر، فرأت الغبرة قد ارتفعت، والنعال قد تقطعت، وانجفل الناس، فقالت: من هذا؟ قالوا: عالم من خراسان يقال له: ابن المبارك، فقالت: هذا والله الملك لا ملك هارون الذى لا يجمع الناس إلا بالسوط والخشب.
وقال أسود بن سالم: كان ابن المبارك إمامًا يقتدى به، وهو من اثبت الناس فى السنة. وقال محمد بن سعد: طلب ابن المبارك العلم، وروى رواية كثيرة، وصنف كتبًا كثيرة فى أبواب العلم وصنوفه، وقال الشعر فى الزهد والحث على الجهاد، وسمع علمًا كثيرًا، وكان ثقة، مأمونًا، حجة، كثير الحديث.
توفى بهيت منصرفًا من الغزو سنة إحدى وثمانين ومائة، وهو ابن ثلاث وستين سنة. قال البخارى: توفى فى رمضان من السنة المذكورة. قلت: هيت مدينة معروفة على(1/286)
الفرات فوق الأنبار. قال الخطيب: حدث عن ابن المنبارك: معمر، والحسين بن داود، وبين وفاتيهما مائة واثنتان وثلاثون سنة، وقيل: مائة وثلاثون سنة.
330 - عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبى طالب:
أبو محمد الهاشمى المدنى التابعى. تكرر فى المختصر. سمع ابن عمر، وجابرًا، وأنسًا، والربيع بنت معوذ، رضى الله عنهم، وسمع جماعات من كبار التابعين، منهم سعيد بن المسيب، ومحمد بن الحنفية، وعلى بن الحسين، وأبو سلمة، وعطاء بن يسار، وآخرون. روى عنه شريك، ومحمد بن عجلان، والسفيانان وخلائق من الأئمة وغيرهم.
قال الحاكم: كان أحمد بن حنبل وإسحاق يحتجان بحديثه، وليس بالمتين عندهم. وقال محمد بن سعد: كان كثير العلم، وكان مُنكر الحديث، لا يُحتج بحديثه، وضَّعفه ابن عيينة، وابن معين، وأبو حاتم، وأبو زرعة. وقال الترمذى فى مواضع من جامعه: كان أحمد بن حنبل وإسحاق والحميدى يحتجون بحديثه. وقال البخارى: هو مقارب الحديث. توفى سنة خمس وأربعين ومائة.
331 - عبد الله بن محمد بن على بن أبى طالب (1) :
أبو هاشم القريشى الهاشمى المدنى. مذكور فى المختصر فى نكاح المتعة. سمع أباه محمد بن الحنفية. روى عنه سالم بن أبى الجعد، وعمرو بن دينار، والزهرى، وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة صاحب علم ورواية، قليل الحديث، واتفقوا على توثيقه. روى له البخارى، ومسلم. توفى بالحميمة من أرض البلقاء بالشام راجعًا من دمشق إلى المدينة سنة تسع وتسعين، وقيل: سنة ثمان وتسعين، رحمه الله.
332 - عبد الله بن محيريز بن جنادة بن وهب بن لوذان بن سعد بن جمح بن عمرو ابن هصيص بن كعب بن لؤى بن غالب القريشى الجمحى المكى التابعى (2) :
أبو محيريز، نزل الشام، وسكن بيت المقدس. سمع عبادة بن الصامت، وأبا سعيد الخدرى، ومعاوية بن أبى سفيان، وفضالة بن عبيد، وأبا محذورة، وعبد الله بن السعدى، وأوس بن أوس، وغيرهم من الصحابة. روى عنه أبو قلابة، ومحمد بن يحيى بن حبان،
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/327، 328) ، والتاريخ الكبير للبخارى (5/582) ، والجرح والتعديل (5/711) ، وسير أعلام النبلاء (4/129، 130) ، وتاريخ الإسلام (4/20) ، وميزان الاعتدال (2/4533) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (6/16) . تقريب التهذيب (3593) ، وقال: “ثقة قرنه الزهري بأخيه الحسن من الرابعة مات [دون المائة] سنة تسع وتسعين بالشام ع”.
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/447) ، والتاريخ الكبير للبخارى (5/613) ، والجرح والتعديل (5/776) ، والاستيعاب (3/983) ، وسير أعلام النبلاء (4/694، 696) ، وتاريخ الإسلام (4/21) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (6/22، 23) ، والإصابة (3/6633) . تقريب التهذيب (3604) ، وقال: “محيريز بمهملة وراء آخره زاي مصغر الجمحي بضم الجيم وفتح الميم بعدها مهملة، ثقة عابد من الثالثة مات دون المائة سنة تسع وتسعين وقيل قبلها ع”..(1/287)
والزهرى، وآخرون من التابعين. وأجمعوا على توثيقه وإمامته وجلالته وفضله.
قال الأوزاعى: من كان مقتديًا فليقتد بمثل ابن محيريز، فإن الله تعالى لم يكن ليضل أمة فيها مثل ابن محيريز. وقال رجاء بن حيوة: والله إن كنت أعد بقاء ابن محيريز أمانًا لأهل الأرض. وروى له البخارى ومسلم. قال البخارى، عن ضمرة: توفى ابن محيريز فى خلافة الوليد بن عبد الملك، وقيل: توفى فى خلافة عمر بن عبد العزيز، رضى الله عنهم.
333 - عبد الله بن مسعود الصحابى، رضى الله عنه (1) :
متكرر. هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل، بالغين المعجمة والفاء، ابن حبيب بن سمح بن فار، بالفاء وتخفيف الراء، ابن مخزوم بن صاهلة، بالصاد المهملة والهاء، ابن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر ابن نزار الهذلى، حليف بنى زهرة الكوفى، وأمه أم عبد بنت عبدود بن سواء من هذيل أيضًا، أسلمت وهاجرت، فهو صحابى ابن صحابية، أسلم عبد الله قديمًا حين أسلم سعيد بن زيد قبل عمر بن الخطاب بزمان.
جاء عنه قال: لقد رأيتنى سادس ستة ما على الأرض مسلم غيرنا. رواه الطبرانى بإسناده. وهاجر إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، وشهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، وبيعة الرضوان، وسائر المشاهد، وشهد اليرموك، وهو الذى أجهز على أبى جهل يوم بدر، وشهد له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجنة، وهو صاحب نعل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كان يلبسه إياها إذا قام، فإذا خلعها وجلس جعلها ابن مسعود فى ذراعه، وكان كثير الولوج على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والخدمة له.
وثبت فى صحيح مسلم عنه، قال: قال لى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “آذنك على أن ترفع الحجاب، وتسمع سِوادى حتى أنهاك”، والسواد بكسر السين: السرار، وكان يعرف بصاحب السواد، والسواك، والنعل. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثمانمائة وثمانية وأربعون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على أربعة وستين، وانفرد البخارى بأحد وعشرين، ومسلم بخمسة وثلاثين. روى عنه ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وأبو موسى الأشعرى، وأنس، وجابر، وأبو سعيد، وعمران بن الحصين، وعمرو بن حريث، وأبو هريرة، وغيرهم من الصحابة،
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (2/342، 3/150، 6/13) ، والتاريخ الكبير للبخارى (5/3) ، والجرح والتعديل (5/686) ، والاستيعاب (3/987) ، وأسد الغابة (3/256) ، وسير أعلام النبلاء (1/461) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (6/27، 28) ، والإصابة (2/4954) . تقريب التهذيب (3613) ، وقال: "من السابقين الأولين ومن كبار العلماء من الصحابة مناقبة جمة وأمره عمر على الكوفة ومات سنة اثنتين وثلاثين أو في التي بعدها بالمدينة ع".(1/288)
وخلائق لا يُحصون من كبار التابعين.
نزل الكوفة فى آخر أمره، وتوفى بها سنة ثنتين وثلاثين، وقيل: سنة ثلاث وثلاثين، وقيل: عاد إلى المدينة، واتفقوا على أنه توفى وهو ابن بضع وستين سنة، والذين قالوا: توفى بالمدينة، قالوا: دُفن بالبقيع، قيل: وصلى عليه عثمان، وقيل: الزبير، وقيل: عمار ابن ياسر. وكان من كبار الصحابة، وساداتهم، وفقهائهم، ومقدميهم فى القرآن، والفقه، والفتوى، وأصحاب الخلق، وأصحاب الاتباع فى العلم.
ثبت فى صحيحى البخارى ومسلم، عن أبى موسلا، قال: قدمت أنا وأخى من اليمن، فمكثنا حينًا لا نرى ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لما نرى من كثرة دخوله ودخول أمه على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولزومه له.
وفى صحيح البخارى، عن عبد الرحمن بن زيد، قال: قلنا لحذيفة: أخبرنا برجل قريب السمت والدل والهدى من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نأخذ عنه، فقال: ما نعلم أحدًا أقرب سمتًا ودلاً وهديًا برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ابن أم عبد، ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ابن أم عبد أقربهم إلى الله وسيلة.
وفى الصحيحين عن ابن مسعود، قال: علمنى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التشهد كفى بين كفيه كما يعلمنى السورة من القرآن. وفى الصحيحين عنه، قال: بينما نحن مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمنى، إذا انفلق القمر فلقتين، فلقة وراء الجبل، وفلقة دونه، فقال لنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “اشهدوا”.
وفى الصحيحين عنه: قال لى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “اقرأ علىَّ القرآن”، فقلت: يا رسول الله، أقرأ عليك وعليك وأُنزل؟! قال: “إنى أحب أن أسمعه من غيرى”، فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا} [النساء: 41] ، قال: “حسبك الأن”، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان.
وفى الصحيحين عن مسروق قال: ذكر عند عبد الله بن عمرو، يعنى ابن العاص، عبد الله بن مسعود، فقال: لا أزال أحبه، سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: “خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله، وسالم مولى أبى حذيفة، ومعاذ، وأُبىّ بن كعب” (1) . وفى رواية تقديم أُبىّ على معاذ، رضى الله عنهم.
وفى صحيح مسلم، عن ابن مسعود، قال: والذى لا إله غيره، ما من كتاب الله سورة إلا أنا أعلم حيث نزلت، وما من آية إلا أنا أعلم فيما نزلت،
_________
(1) حديث ابن عمرو: أخرجه الترمذى (5/674 رقم 3810) وقال: حسن صحيح. والحاكم (3/605، رقم 6242) وقال: صحيح الإسناد. وأخرجه أيضًا: البخارى (3/1385، رقم 3597) .
حديث ابن مسعود: أخرجه البزار (4/332، رقم 1526) ، قال الهيثمى (9/311) : رجاله ثقات.(1/289)
ولو أعلم أحدًا هو أعلم بكتاب الله منى تبلغه الإبل لركبت إليه.
وفى غير الصحيحين عن حذيفة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “تمسكوا بعهد ابن أم عبد” (1) . وبعثه عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، إلى الكوفة، وكتب إليهم: بعثت إليكم عمارًا أميرًا، وعبد الله بن مسعود معلمًا ووزيرًا، وهما من النجباء من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومن أهل بدر، فاقتدوا بهما، وقد آثرتكم بعبد الله على نفسى.
وقال فيه عمر: كنيف ملىء علمًا، وكان إذا هدأت العيوم قام قيُسمع له دوى كدوى النحل حتى يصبح. قال أبو الدرداء حين توفى ابن مسعود: ما ترك بعده مثله. وقال أبو طيبة: مرض ابن مسعود، فعاده عثمان، فقال: ما تشتكى؟ فقال: ذنوبى، قال: فما تشتهى؟ قال: رحمة ربى، قال: ألا آمر لك بطبيب؟ قال: الطبيب أمرضنى، قال: ألا آمر لك بعطاء؟ قال: لا حاجة لى فيه، قال: يكون لبناتك، فقال: أتخشى على بناتى الفقر، إنى أمرتهن أن يقرأن فى كل ليلة سورة الواقعة، إنى سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: “من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدًا” (2) .
وكان لابن مسعود ثلاثة بنين: عبد الرحمن، وبه كان يكنى، وعتبة، وأبو عبيدة، واسم أبى عبيدة عامر، وقيل: اسمه كنيته، واتفقوا على أن أبا عبيدة لم يسمع أباه، ورواياته عنه كثيرة وكلها منقطعة، وأما عبد الرحمن، فقال على بن المدينى والأكثرون: سمع أباه. وقال أحمد بن حنبل: توفى ابن مسعود ولابنه عبد الرحمن ست سنين. وقال يحيى بن معين: لم يسمع أباه، والله أعلم.
334 - عبد الله بن مغفل (3) :
بضم الميم، وفتح الغين المعجمة، والفاء المشددة، الضحابى، رضى الله عنه. تكرر فى المهذب. هو أبو سعيد، وقيل: أبو عبد الرحمن، وأبو زياد عبد الله بن مغفل بن عبد غنم، وقيل: ابن عبد نهيم بن عفيف بن أسحم بن ربيعة بن عدا، وقيل: عدى بن ثعلبة ابن ذؤيب، وقيل: ذؤيد بن سعد بن عدا بن عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة بن إلياس ابن مضر بن نزار المزنى المدنى البصرى. ومزينة امرأة عثمان بن عمرو، نسبوا إليها، وهى مزينة بنت كلب بن وبرة، فولد عثمان يقال لهم: مزنيون.
وكان عبد الله من أهل بيعة الرضوان، وقال: إنى لممن رفع
_________
(1) حديث حذيفة: أخرجه الحاكم (3/79، رقم 4451) ، والبيهقى (8/153، رقم 16367) . وأخرجه أيضاً: الحميدى (1/214، رقم 449) ، والطبرانى فى الأوسط (5/344، رقم 5503) ، وابن عساكر (30/227) .
حديث أنس: أخرجه ابن عدى (2/249، ترجمة 424 حماد بن دليل) ، وابن عساكر (33/119) .
(2) أخرجه البيهقى فى شعب الإيمان (2/492، رقم: 2500) ، وابن عساكر (33/186) .
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/13 0 32) ، والتاريخ الكبير للبخارى (5/36) ، والجرح والتعديل (5/687) ، والاستيعاب (3/996) ، وأسد الغابة (3/264) ، وسير أعلام النبلاء (2/483) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (6/42) ، والإصابة (2/4972) . تقريب التهذيب (3638) ، وقال: “مغفل بمعجمة وفاء ثقيلة ابن عبد نهم بفتح النون وسكون الهاء صحابي بايع تحت الشجرة ونزل البصرة مات سنة سبع وخمسين وقيل بعد ذلك ع”.(1/290)
أغصان الشجرة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. سكن المدينة، ثم تحول إلى البصرة، وابتنى بها دارًا قرب الجامع، وكان أحد البكائين الذين نزل فيهم قوله تعالى: {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ} [التوبة: 92] . وكان أحد العشرة الذين بعثهم عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، إلى البصرة يفقهون الناس، وهو أول من دخل مدينة تستر حين فتحها المسلمون.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثة وأربعون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على أربعة، وانفرد البخارى بحديث، ومسلم بآخر. روى عنه جماعات من التابعين، منهم الحسن البصرى، وأبو العالية، ومطرف، ويزيد ابنا عبد الله، وآخرون. وتوفى بالبصرة سنة ستين، وقيل: سنة تسع وخمسين، وصلى عليه أبو برزة الأسلمى لوصيته بذلك.
رُوى له فى المهذب فى باب الاستطابة: “لا يبولن أحدكم فى مستحمه”، وهو حديث حسن، وفى مواقيت الصلاة فى النهى عن تسمية المغرب عشاء، رواه البخارى، وفى طهارة البدن النهى عن الصلاة فى أعطان الإبل، وهو صحيح أيضًا، وفى إحياء الموات حديثًا ضعيفًا، وفى كتاب السير حديث دلى جراب شحم يوم خيبر، رواه البخارى ومسلم.
335 - عبد الله بن نافع (1) :
مذكور فى المختصر فى أول صدقة النخل والعنب. هو أبو محمد عبد الله بن نافع الصائغ المدنى القريشى المخزومى مولاهم. سمع مالكًا، وابن أبى ذؤيب، وداود بن قيس، وهشام بن عروة، وغيرهم. روى عنه عبد الرحمن بن محمد بن دحيم، ومحمد بن يحيى الذهلى.
قال أحمد بن حنبل: لم يكن صاحب حديث، وكان صاحب رأى مالك، كان يفتى أهل المدينة، ولم يكن فى الحديث بذاك. وقال البخارى: يعرف حفظه وينكر. وقال يحيى ابن معين: هو ثقة. وقال ابن عدى: روى عن مالك غرائب، وهو مستقيم الحديث. وقال ابن سعد: كان قد لزم مالك بن أنس لزومًا شديدًا، وكان لا يقدم عليه أحدًا. توفى
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/438) ، والتاريخ الكبير للبخارى (5/687) ، والجرح والتعديل (5/856) ، وسير أعلام النبلاء (1/371) ، وميزان الاعتدال (2/4647) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (6/51، 52) . تقريب التهذيب (3659) ، وقال: “ثقة صحيح الكتاب في حفظه لين من كبار العاشرة مات سنة ست ومائتين وقيل بعدها بخ م 4”..(1/291)
بالمدينة فى شهر رمضان سنة ست ومائتين.
336 - عبد الله بن النواحة الكافر:
مذكور فى المهذب فى باب الضمان، وفى السير فى مسألة: لا يقتل رسول الكفار. والنَّواحة: المكثرة من النوح، وقد ذكر فى المهذب فى الضمان والسير أن ابن مسعود قتل عبد الله بن النواحة على كفره ورِدَّتِهِ واستتابه قبل قتله فأبى، فقتله كافرًا.
* * *
باب عبد الحق، وعبد الحميد، وعبد خير، وعبد الدايم
337 - عبد الحق:
صاحب كتاب الأحكام. مذكور فى الروضة فى آخر كتاب الكفارات. هو الإمام الحافظ الفقيه الخطيب أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسين بن سعيد بن إبراهيم الأزدى الإشبيلى.(1/292)
مولده فى شهر ربيع الأول سنة عشر وخمسمائة، وتوفى ببجاية فى أواخر ربيع الآخر سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة.
338 - عبد الحميد بن سلمة:
مذكور فى المهذب فى أول الحضانة، وصوابه عبد الحميد بن يزيد بن سلمة، وهذا الذى فى المهذب نسبه إلى جده، وقد سبق بيانه فى ترجمة سلمة، وهو أنصارى.
339 - عبد خير بن يزيد الهمدانى:
بإسكان الميم، الكوفى، أبو عمارة التابعى. أدرك زمن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يره. قال عبد خير: أتى علىَّ مائة وعشرون سنة، وكنا ببلاد اليمن، فجاءنا كتاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعو الناس إلى خير، فاجتمعوا فى دير واسع فأسلموا وأسلمنا، وكان عبد خير من كبار أصحاب علىّ، رضى الله عنه، واتفقوا على توثيقه. سكن الكوفة.
340 - عبد الدائم بن دينار:
مذكور فى المهذب فى وسط باب المسابقة [......] (1) .
* * *
باب عبد الرحمن
341 - عبد الرحمن بن أبزى الصحابى، رضى الله عنه (2) :
وأبزى بفتح الهمزة، وإسكان الموحدة، وفتح الزاى، وهو خزاعى، مولى نافع بن عبد الحارث، سكن الكوفة، واستعمله علىّ، رضى الله عنه، على خراسان، وأكثر رواياته عن عمر، وأُبىّ بن كعب، رضى الله عنهما. قال عمر بن الخطاب: عبد الرحمن بن أبزى مما رفعه الله بالقرآن. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثنا عشر حديثًا. روى عنه ابناه سعيد، وعبد الله، وغيرهما.
ثبت فى صحيح مسلم عن عامر بن واثلة، أن نافع بن عبد الحارث لقى عمر بعسفان، وكان عمر يستعمله بمكة، فقال: من استعملت على أهل الوادى؟ قال: ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا، قال: فاستخلفت عليهم مولى؟ قال: إنه قارىء لكتاب الله تعالى، وإنه عالم بالفرائض، قال: قال عمر: أما أن نبيكم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
_________
(1) ما بين المعقوفتين بياض فى بعض النسخ مقدار سطر واحد، لم ينبه عليه.
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/462) ، والتاريخ الكبير للبخارى (5/800) ، والجرح والتعديل (5/985) ، والاستيعاب (2/822) ، وأسد الغابة (3/278) ، وسير أعلام النبلاء (3/201) ، وتاريخ الإسلام (3/186) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (6/132، 133) ، والإصابة (2/5075) . تقريب التهذيب (3794) ، وقال: "أبزي بفتح الهمزة وسكون الموحدة بعدها زاي مقصور، صحابي صغير وكان في عهد عمر رجلا وكان على خراسان لعلي ع"..(1/293)
قد قال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين" (1) .
342 - عبد الرحمن بن أزهر الصحابى، رضى الله عنه (2) :
مذكور فى المختصر فى أول باب حد شارب الخمر. هو أبو جبير عبد الرحمن بن أزهر بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب القريشى الزهرى، هو ابن أخى عبد الرحمن بن عوف، هذا هو الصحيح. قال ابن عبد البر: وقد غلط مَن جعله ابن عمه. وقال ابن مندة: أزهر بن عبد عوف، وهو ابن عم عبد الرحمن بن عوف.
قال ابن حزم فى الجمهرة: عبد الرحمن بن أزهر بن عبد عوف، فيكون ابن عم عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف. شهد مع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حنينًا، روى حديث شارب الخمر وغيره. روى عنه أبو سلمة، ومحمد بن إبراهيم، وكريب، وغيرهم. توفى قبل الحرة، وكانت الحرة بالمدينة سنة ثلاث وستين.
343 - عبد الرحمن بن بشر:
مذكور فى المختصر فى باب بيع ثمر الحائط. هو أبو محمد عبد الرحمن بن بشر بن الحكم بن حبيب بن مهران العبدى النيسابورى. سمع ابن عيينة، ويحى القطان، وآخرين. روى عنه البخارى، ومسلم، وأبو داود، وأبو حاتم، وخائق من الأئمة. واتفقوا على توثيقه. قال الحاكم أبو عبد الله: هو العالم ابن العالم ابن العالم. توفى سنة ستين ومائتين، وقيل: سنة ثنتين وستين.
344 - عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق، رضى الله عنهما (3) :
مذكور فى المختصر والمهذب. هو أبو عبد الله، وقيل: أبو عثمان، وقيل: أبو محمد عبد الرحمن بن أبى بكر عبد الله بن عثمان، رضى الله عنهما، القريشى التيمى المكى المدنى، الصحابى ابن الصحابى ابن الصحابى، أمه أم رُومان، بضم الراء على المشهور. وحكى ابن عبد البر فتحها وضمها.
سكن عبد الرحمن المدينة، وتوفى بمكة. قال العلماء: ولا نعلم أربعة ذكور مسلمين متوالدين بعضهم من بعض أدركوا النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصحبوه إلا أبو قحافة، وابنه أبو بكر، وابنه عبد الرحمن، وابنه محمد بن عبد الرحمن أبو عتيق. وكان عبد الرحمن
_________
(1) أخرجه أحمد (1/35، رقم 232) ، والدارمى (2/536، رقم 3365) ومسلم (1/559، رقم 817) ، وابن ماجه (1/79، رقم 218) ، وأبو عوانة (2/444، رقم 3762) ، وابن حبان (3/49، رقم 772) . وأخرجه أيضًا: عبد الرزاق عن معمر فى الجامع (11/439، رقم 20944) ، والبزار (1/371، رقم 249) ، والبيهقى (3/89، رقم 4904) .
(2) التاريخ الكبير للبخارى (5/792) ، والجرح والتعديل (5/983) ، والاستيعاب (2/822) ، وأسد الغابة (3/279) ، وتاريخ الإسلام (4/82) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (6/135، 136) ، والإصابة (2/5078) . تقريب التهذيب (3798) ، وقال: “صحابي صغير مات قبل الحرة، أغفل المزي رقم س وهو في الأشربة د س”.
(3) التاريخ الكبير للبخارى (5/795) ، والجرح والتعديل (5/1180) ، والاستيعاب (2/824) ، وأسد الغابة (3/304) ، وسير أعلام النبلاء (2/471) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (6/146، 147) ، والإصابة (2/5088، 5151) . تقريب التهذيب (3814) .(1/294)
أخا عائشة لأبويها، وشهد بدرًا، وأُحُدًا مع الكفار، وأسلم فى هدنة الحديبية، وحسن إسلامه، وكان اسمه عبد الكعبة، فسماه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبد الرحمن، وقيل: كان اسمه عبد العزى، وكان شجاعًا حَسن الرمى، وشهد اليمامة مع خالد، فَقَتل سبعة من كبار الكفار، وهو قاتل محكم اليمامة بن الطفيل، رماه بسهم فى نحره فقتله، وكان محكم فى ثلمة فى الحصن، فلما قتله دخل المسلمون. قال الزبير بن بكار: كان عبد الرحمن أسن ولد أبى بكر.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثمانية أحاديث، اتفق البخارى ومسلم على ثلاثة منها. روى عنه أبو عثمان النهدى، وشريح القاضى، وعمرو بن أوس، وابن أخيه القاسم بن محمد، وابن أبى مليكة، وميمون بن مهران، وبنته حفصة بنت عبد الرحمن، وغيرهم. توفى بالحبش جبل بينه وبين مكة ستة أميال، وقيل: نحو عشرة أميال، ثم حمل على رقاب الرجال إلى مكة سنة ثلاث وخمسين، وقيل: خمس وخمسين، وقيل: ست، والصحيح الأول، وكانت وفاته فجأة، ولما أبى البيعة ليزيد بن معاوية بعثوا إليه بمائة ألف درهم ليستعطفوه فردَّها، وقال: لا أبيع دينى بدنياى، رضى الله عنه.
345 - عبد الرحمن بن أبى بكرة (1) :
مذكور فى المختصر فى مسح الخف. هو أبو عمرو عبد الرحمن بن أبى بكرة نفيع بن الحارث الثقفى البصرى التابعى، وهو أول مولود ولد فى الإسلام بالبصرة، سمع أباه، وعلى بن أبى طالب، وابن عمرو بن العاص. روى عنه ابن سيرين، وعبد الملك بن عمير، وعلى بن زيد، وقتادة، وخالد الحذاء، وخلائق غيرهم. واتفقوا على توثيقه. روى له البخارى، ومسلم.
346 - عبد الرحمن بن الزبير (2) :
مذكور فى المهذب فى أواخر الرجعة فى وطء المحلل، والزبير بفتح الزاى وكسر الباء بلا خلاف، وهو الزبير بن باطا اليهودى، وقد سبق بيانه فى ترجمته، هذا هو المشهور أن عبد الرحمن الذى تزوج امرأة رفاعة القرظى هو عبد الرحمن بن الزبير بن باطا اليهودى، وكذا ذكره ابن عبد البر وغيره. وقال ابن منده، وأبو نعيم: هو عبد الرحمن بن الزبير بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس.
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/190) ، والتاريخ الكبير للبخارى (5/738) ، وسير أعلام النبلاء (4/319 - 320) ، والإصابة (3/6678) . تقريب التهذيب (3816) ، وقال: “ثقة من الثانية مات سنة ست وتسعين ع”..
(2) الجرح والتعديل (5/1115) ، والاستيعاب (2/833) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (6/170) ، والإصابة (2/5122) . تقريب التهذيب (3860) ، وقال: “ابن الزبير بفتح الزاي ابن باطا بموحدة القرظي بضم القاف وفتح الراء بعدها معجمة صحابي صغير كن”.(1/295)
347 - عبد الرحمن بن زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن مالك ابن حسل بن عامر بن لؤى بن غالب القرشى العامرى:
وهو ابن وليدة زمعة الذى اختصم فيه سعد بن أبى وقاص وعبد بن زمعة يوم الفتح، فقضى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه أن الولد للفراش وللعاهر الحجر، وأجمع النسابون مصعب والزبير والعدوى وغيرهم على ما ذكرناه، قالوا: وأمه يمانية كانت لأبيه، وهو أخو سودة بنت زمعة زوج النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ولد عبد الرحمن بالمدينة، هذا كله نقل ابن عبد البر. وذكر ابن منده، وأبو نعيم الأصبهانى فى نسبه كلامًا باطلاً ظاهر البطلان، والله أعلم.
348 - عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب القرشى العدوى (1) :
ابن أخى عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وهو صحابى، حنكه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومسح رأسه ودعا له بالبركة، فما رؤى مع قوم قط إلا فاقهم طولاً، وكان من أطول الرجال وأتمهم. توفى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وله ست سنين، وكان شبيهًا بأبيه زيد، وزوجه عمه عمر بنته فاطمة، فولدت له عبد الله.
349 - عبد الرحمن بن أبى سعيد الخدرى:
مذكور فى المهذب فى العقيقة. هو أبو حفص، وقيل: أبو محمد، وقيل: أبو جعفر عبد الرحمن بن سعد بن مالك بن سنان الأنصارى الخزرجى الخدرى المدنى، وسيأتى تمام نسبه فى ترجمة أبيه إن شاء الله تعالى، وهو تابعى. روى عن أبيه، وأبى حميد. روى عنه عطاء بن يسار، وزيد بن أسلم، وعمرو بن سليم، وابنه سعيد بن عبد الرحمن، وسهيل، وشريك، وهو ثقة، توفى سنة ثنتى عشرة ومائة.
350 - عبد الرحمن بن سمرة الصحابى (2) :
مذكور فى كفارة اليمين من المهذب وغيره. هو أبو سعيد عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى، هكذا نسبه ابن الكلبى، وأبو عبيد، وابن معين، والبخارى، وابن أبى حاتم، وأبو أحمد العسكرى، وآخرون، وزاد مصعب والزبير ابن بكار فى نسبه فقالا: حبيب بن زمعة بن عبد شمس، فزاد ربيعة. قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/49) ، والتاريخ الكبير للبخارى (5/620) ، والجرح والتعديل (5/1106) ، والاستيعاب (2/833) ، وأسد الغابة (3/295) ، وتاريخ الإسلام (3/43) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (6/179 - 180) ، والإصابة (3/6211) . تقريب التهذيب (3866) .
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/15، 366) ، والتاريخ الكبير للبخارى (5/796) ، والجرح والتعديل (5/1126) ، والاستيعاب (2/835) ، وسير أعلام النبلاء (2/571) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (6/190 - 191) ، والإصابة (2/5132) . تقريب التهذيب (3888) ، وقال: “صحابي من مسلمة الفتح يقال كان اسمه عبد كلال افتتح سجستان ثم سكن البصرة ومات بها سنة خمسين أو بعدها ع”.(1/296)
الدمشقى: الصحيح الأول، وهو قريشى عبشمى، المكى ثم البصرى.
أسلم يوم الفتح، وصحب النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كان اسمه عبد الكعبة، وقيل: عبد كلال، فسماه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبد الرحمن، سكن البصرة، وغزا خراسان فى زمن عثمان، وفتح سجستان، وكابل، وفتح سجستان سنة ثلاث وثلاثين. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعة عشر حديثًا، اتفقا على حديث، وانفرد مسلم بحديثين.
روى عنه ابن عباس، وابن المسيب، والحسن البصرى، وابن سيرين، وآخرون. توفى سنة خمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين بالبصرة، وقيل: توفى بمرو، وأنه أول من دفن بمرو من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والصحيح الأول، وكان متواضعًا، فإذا وقع المطر لبس برنسًا، وأخذ المسحاة، وكنس الطريق.
351 - عبد الرحمن بن سهل (1) :
أخو عبد الله المقتول بخيبر، وفيه شرعت القسامة. مذكور فى المختصر والمهذب فى القسامة، وقد سبق تمام نسبه فى ترجمة أخيه عبد الله بن سهل، وهما صحابيان أنصاريان، شهد عبد الرحمن أُحُدًا، والخندق، وما بعدهما من المشاهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واختلف فى شهوده بدرًا. قال ابن عبد البر: شهدها، واستعمله عمر بن الخطاب على البصرة بعد موت عتبة بن غزوان.
352 - عبد الرحمن بن عبيد الله بن عثمان القريشى الزهرى الصحابى:
أخو طلحة بن عبيد الله، قُتل هو وأخوه طلحة يوم الجمل فى جمادى الأولى سنة ست وثلاثين.
353 - عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد:
مذكور فى المهذب فى الصلاة على عضو الميت. هو عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد ابن أبى العيص بن أمية بن عبد شمس القريشى الأموى، ذكره أبو موسى الأصبهانى فى الصحابة، وأمه جويرية بنت أبى جهل التى كان على، رضى الله عنه، خطبها، وكان عبد الرحمن مع عائشة فى وقعة الجمل، فقتل هنالك.
قال ابن قتيبة فى المعارف: كان يقال لعبد الرحمن: يعسوب قريش، شبهوه بيعسوب النحل، وهو أميرها، واتفقوا على أن يده احتملها طائر من وقعة الجمل، فألقاها بالحجاز فعرفوها بخاتمه، فصلوا عليها ودفنوها. قال ابن قتيبة: حملتها عقاب فألقتها فى ذلك اليوم باليمامة. وقال أبو موسى وغيره: ألقاها بالمدينة. وقال فى المهذب:
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (5/1035) ، وتاريخ الإسلام (3/274) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (6/235 - 236) . تقريب التهذيب (3963) ، وقال: “ثقة من الثالثة خ ت كن”.(1/297)
ألقاها بمكة، والله أعلم.
354 - عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد ابن تيم بن مرة التيمى الصحابى (1) :
وهو ابن أخى طلحة بن عبيد الله، أحد العشرة، وهو والد معاذ بن عبد الرحمن التيمى، أسلم عبد الرحمن يوم الحديبية، وقيل: يوم الفتح. روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحاديث. روى له مسلم حديثًا فى النهى عن لقطة الحاج. روى عنه ابناه معاذ، وعثمان، وابن المسيب، وأبو سلمة، وغيرهم. سكن المدينة، وشهد اليرموك مع أبى عبيدة بن الجراح، وكان من أصحاب ابن الزبير، وقتل معه حين حصره الحجاج، قالوا: ودفنه فى المسجد الحرام، وأخفى قبره خوفًا عليه من انتهاك أصحاب الحجاج.
355 - عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد (2) :
بضم المثناة من تحت وكسر الميم، الأوزاعى، الإمام المشهور. تكرر ذكره فى المختصر والمهذب فى باب الحيض وغيره، كنيته أبو عمرو الشامى الدمشقى، كان إمام أهل الشام فى عصره بلا مدافعة ولا مخالفة، كان أهل الشام والمغرب على مذهبه قبل انتقالهم إلى مذهب مالك رحمه الله.
كان يسكن دمشق خارج باب الفراديس، ثم تحول إلى بيروت فسكنها مرابطًا إلى أن مات بها، وهو من تابعى التابعين. سمع جماعات من التابعين كعطاء بن أبى رباح، وقتادة، ونافع مولى ابن عمر، والزهرى، ومحمد بن المنكدر، وغيرهم. وروى عنه جماعة من التابعين وشيوخه كقتادة، والزهرى، ويحيى بن أبى كثير، وجماعات من أقرانهم وكبار العلماء كسفيان، ومالك، وشعبة، وابن المبارك، وخلائق لا يحصون.
واختلفوا فى الأوزاع التى نسب إليها، فقيل: بطن من حمير، وقيل: من همدان، بإسكان الميم، وقيل: إن الأوزاع قرية كانت عند باب الفراديس من دمشق، وقيل: هى نسبة إلى أوزاع القبائل، أى فرقها وبقايا مجتمعة من قبائل ستى.
روينا عن الإمام الحافظ الحاكم محمد بن محمد بن إسحاق، وهو شيخ الحاكم أبى عبد الله بن البيع النيسابورى، قال: هو منسوب إلى الأوزاع من حمير، قال: وقيل: الأوزاع قرية بدمشق خارج باب
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (5/794) ، والجرح والتعديل (5/1181) ، وتاريخ الإسلام (3/187) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (6/227) ، والإصابة (2/5159) . تقريب التهذيب (3944) ، وقال: “صحابي قتل مع ابن الزبير م د س”..
(2) الجرح والتعديل (5/1257) ، وسير أعلام النبلاء (7/107) ، وتاريخ الإسلام (6/225) ، وميزان الاعتدال (2/4929) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (6/238 - 242) . تقريب التهذيب (3967) ، وقال: "ثقة جليل من السابعة مات سنة سبع وخمسين ع"..(1/298)
الفراديس. قال: وعرضت هذا القول على أحمد بن عمير، يعنى ابن جوصا، بفتح الجيم وإسكان الواو وبالصاد المهملة، قال: وكان علامة بحديث الشام وأنساب أهلها، فلم يرضه، وقال: إنما قيل: الأوزاعى؛ لأنه من أوزاع القبائل.
وبلغنا عن الهيثم بن خارجة، قال: سمعت أصحابنا يقولون: ليس هو من الأوزاع، إنما كان ينزل قرية الأوزاع. وقال الإمام أبو سليمان محمد بن عبد الله الربعى، بفتح الراء والموحدة: قال ضمرة: الأوزاعى حميرى، والأوزاع من قبائل شتى. قال الربعى: وذكره ابن أبى خيثمة فى تاريخه، فقال: بطن من همدان، ولم ينسب هذا القول إلى أحد. قال الربعى: فليس هو بصحيح، وقول ضمرة أصح؛ لأنه وقع على موضع مشهور بربض دمشق يُعرف بالأوزاع، سكنه فى صدر الإسلام بقايا من قبائل شتى. وقال محمد ابن سعد: الأوزاع بطن من همدان، والأوزاعى من أنفسهم، وفيه خلاف كثير حذفته لعدم الضرورة إليه.
ولد الأوزاعى، رضى الله عنه، سنة ثمان وثمانين من الهجرة، ومات سنة سبع وخمسين ومائة. قال أبو زرعة الدمشقى: كان اسم الأوزاعى: عبد العزيز، فسمى نفسه عبد الرحمن. قلت: وقد أجمع العلماء على إمامة الأوزاعى، وجلالته، وعلو مرتبته، وكمال فضله، وأقاويل السلف، رحمهم الله، كثيرة مشهورة مصرحة بورعه، وزهده، وعبادته، وقيامه بالحق، وكثرة حديثه، وغزارة فقهه، وشدة تمسكه بالسُنة، وبراعته فى الفصاحة، وإجلال أعيان أئمة عصره من الأقطار له، واعترافهم بمرتبته.
وروينا عن هقل، بكسر الهاء وإسكان القاف، وهو أثبت الناس بالرواية عن الأوزاعى، قال: أجاب الأوزاعى فى سبعين ألف مسألة أو نحوها. وعن غيره: أنه أفتى فى ثمانين ألف مسألة.
وقال عبد الحميد بن حبيب بن أبى العشرين: سمعت أميرًا كان بالساحل وقد دفنا الأوزاعى ونحن عند القبر يقول: رحمك الله أبا عمرو، فقد كنت أخافك أكثر ممن ولانى. وعن عبد الرحمن بن مهدى، قال: ما كان بالشام أحد أعلم بالسنة من الأوزاعى.
وعن محمد بن شعيب قال: قلت لأمية بن يزيد: أين الأوزاعى من مكحول؟ قال: هو عندنا أرفع من مكحول، قلت له: إن مكحولاً قد رأى أصحاب النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: وإن كان قد رآهم، فإن فضل(1/299)
الأوزاعى فى نفسه، فقد جمع العبادة والورع والقول بالحق.
وعن عبد الرحمن بن مهدى، قال: الأئمة فى الحديث أربعة: الأوزاعى، ومالك، وسفيان الثورى، وحماد بن زيد. وقال أبو حاتم: الأوزاعى إمام متبع لما سمع. وعن سفيان الثورى: أنه لما بلغه مقدم الأوزاعى، فخرج حتى لقيه بذى طوى، فحلَّ سفيان رأس البعير عن القطار ووضعه على رقبته، وكان إذا مر بجماعة قال: الطريق للشيخ. وذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازى فى الطبقات أن الأوزاعى سُئل عن الفقه، يعنى استفتى، وله ثلاث عشرة سنة.
وأقوال السلف فى أحواله كثيرة، وكان مولده ببعلبك، ومات فى حمام بيروت، دخل الحمام فذهب الحمامى فى حاجته وأغلق عليه الباب، ثم جاء ففتح الباب فوجده ميتًا متوسدًا يمينه مستقبل القبلة، رضى الله عنه.
356 - عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب:
يقال له: عبد الرحمن الأكبر، وهو صحابى، ذكره ابن منده، وابن عبد البر، وابو نعيم الأصبهانى، وغيرهم فى الصحابة، وهو أخو عبد الله وحفصة لأمهم زينب بنت مظعون، أدرك عبد الرحمن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يحفظ عنه شيئًا. قالوا: وعبد الرحمن بن عمر الأوسط هو أبو شحمة الذى ضربه عمرو بن العاص بمصر فى الخمر، ثم حمله إلى المدينة فضربه أبوه عمر بن الخطاب تأديبًا، ثم مرض فمات بعد شهر، هكذا رواه معمر، عن الزهرى، عن سالم، عن أبيه.
وأما ما يزعمه بعض أهل العراق أنه مات تحت السياط فغلط، وعبد الرحمن بن عمر الأصغر هو أبو المجبر، والمجبر اسمه أيضًا عبد الرحمن بن عمر. قال ابن عبد البر: وإنما قيل له: المجبر؛ لأنه وقع وهو غلام فتكسر، فحمل إلى عمته حفصة أم المؤمنين، فقيل: انظرى إلى ابن أخيط المكسر، فقالت: ليس بالمكسر، ولكنه المجبر.
357 - عبد الرحمن بن عوف الصحابى، رضى الله عنه (1) :
متكرر فى هذه الكتب. هو أبو محمد بن عوف بن عبد عوف بن الحارث بن زهرة ابن كلاب بن مرة القرشى الزهرى المدنى، كان اسمه فى الجاهلية عبد عمرو، وقيل: عبد الكعبة، فسماه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبد الرحمن. وأمه الشفاء بنت عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة.
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (2/340، 3/124) ، والتاريخ الكبير للبخارى (5/التجمة 790) ، والجرح والتعديل (5/1179) ، والاستيعاب (2/844) ، وأسد الغابة (3/313) ، وسير أعلام النبلاء (1/68) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (6/244 - 246) ، والإصابة (2/5179) . تقريب التهذيب (3973) ، وقال: “أحد العشرة أسلم قديما ومناقبه شهيرة مات سنة اثنتين وثلاثين وقيل غير ذلك ع”. .(1/300)
ولد بعد الفيل بعشر سنين، أسلم عبد الرحمن قديمًا قبل دخول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دار الأرقم، وهو أحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبى بكر، وأحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجنة، وأحد الستة الذين هم أهل الشورى الذين أوصى إليهم عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، بالخلافة، وقال: إن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توفى وهو عنهم راض.
وكان من المهاجرين الأولين، وهاجر الهجرتين إلى الحبشة، ثم إلى المدينة. وآخى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينه وبين سعد بن الربيع، وشهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، وبيعة الرضوان، وسائر المشاهد. وبعثه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى دومة الجندل إلى بنى كلب وعممه بيده، وسدلها بين كتفيه، وقال: “إن فتح الله عليك فتزوج ابنة ملكهم”، أو قال: “شريفهم”، فتزوج بنت شريفهم الأصبغ، وهى تماضر، فولدت له أبا سلمة.
ومن مناقب عبد الرحمن التى لا توجد لغيره من الناس، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى وراءه فى غزوة تبوك حين أدركه وقد صلى بالناس ركعة، وحديثه هذا فى صحيح مسلم وغيره، وقولنا: لا يوجد لغيره من الناس احتراز من صلاة النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلف جبريل حين أعلمه بالمواقيت.
وجرح عبد الرحمن يوم أُحُد إحدى وعشرين جراحة، وجرح فى رجله، وسقطت ثنيتاه، وكان كثير الإنفاق فى سبيل الله تعالى، أعتق فى يوم أَحد وثلاثين عبدًا. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمسة وستون حديثًا، اتفقا منها على حديثين، وانفرد البخارى بخمسة. روى عنه ابن عمر، وابن عباس، وجابر، وأنس، وجبير بن مطعم، وغيرهم من الصحابة، وخلائق من التابعين، منهم بنوه إبراهيم، وحميد، ومصعب بنو عبد الرحمن.
وفى الحديث عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن عبد الرحمن بن عوف أمين فى السماء، أمين فى الأرض. وكان كثير المال، محظوظًا فى التجارة. قيل: إنه دخل على أم سلمة، فقال: يا أمه، خفت أن يهلكنى كثرة مالى، قالت: يا بنى أنفق.
وعن الزهرى، قال: تصدق عبد الرحمن على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشطر ماله أربعة آلاف، ثم بأربعين ألفًا، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، ثم تصدق بخمسمائة فرس فى سبيل الله، ثم بخمسمائة(1/301)
راحلة، وكان عامة ماله التجارة. وفى كتاب الترمذى أن عبد الرحمن بن عوف أوصلا لأمهات المؤمنين بحديقة بيعت بأربعمائة ألف. قال الترمذى: حديث حسن صحيح.
وقال عروة بن الزبير: أوصى عبد الرحمن بخمسين ألف دينار فى سبيل الله تعالى. وقال الزهرى: أوصى عبد الرحمن لمن بقى ممن شهد بدرًا لكل رجل بأربعمائة دينار، وكانوا مائة فأخذوها، وأخذها عثمان فيمن أخذ، وأوصى بألف فرس فى سبيل الله. ولما توفى قال على بن أبى طالب، رضى الله عنه: اذهب يا ابن عوف، أدركت صفوها، وسبقت كدرها. وكان سعد بن أبى وقاص فيمن حمل جنازته وهو يقول: واجبلاه.
وخلف مالاً عظيمًا من ذهب قطع بالفؤوس حتى مجلت أيدى الرجال منها، وترك ألف بعير ومائة فرس، وثلاثة آلاف شاة ترعى، وكان له أربع نسوة صالحت امرأة منهن عن نصيبها بثمانين ألفًا.
وكان أبيض مشربًا حمرة، حسن الوجه، رقيق البشرة، أعين، أهدب الأشفار، أقنى، له جمة، ضخم الكفين، غليظ الأصابع، لا يغير شعره. توفى سنة ثنتين وثلاثين، وقيل: سنة إحدى وثلاثين، وهو ابن ثنتين وسبعين، وقيل: خمس وسبعين، وقيل: ثمان وسبعين، ودفن بالبقيع.
قال ابن قتيبة: ولد عبد الرحمن: محمد، وإبراهيم، وحميد، وزيد، أمهم أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط، وأبو سلمة الفقيه أمه تماضر، ومصعب أمه يمانية، وسهيل أمه يمانية، وعثمان، والمسور، وعمر، وغيرهم، وبنات.
358 - عبد الرحمن بن غنم:
تكرر فى باب الجزية من المهذب. هو عبد الرحمن بن غنم بن كريب بن هانىء بن ربيعة بن عارم بن عدى بن وائل بن ناجية بن الحنبل بن جماهر بن أدغم بن الأشعر الأشعرى. ذكره ابن يونس، وابن منده، وآخرون فى الصحابة. وأنكر ابن أبى حاتم وآخرون صحبته، وقالوا: هو تابعى مخضرم، وكان مسلمًا فى عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يره. وقال الأولون: قدم على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى السفينة مع أبى موسى الأشعرى وأصحابه، كان يسكن فلسطين، وقدم دمشق.
قال ابن يونس: وقدم مصر مع مروان بن الحكم سنة خمس وستين. روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلاً، وسمع عمر بن الخطاب، وعليًا، ومعاذًا، وأبا الدرداء،(1/302)
وأبا ذر، وأبا مالك الأشعرى، رضى الله عنه، ويُعرف بصاحب معاذ؛ لكسرة لزومه له، وكان عبد الرحمن أفقه أهل الشام، وعليه تفقه عامة التابعين بالشام، وكانت له جلالة وقدر. روى عنه خلائق من كبار التابعين. توفى سنة ثمان وسبعين.
359 - عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق، رضى الله عنهم (1) :
تكرر فى المختصر، وذكره فى المهذب فى مشاورة القاضى الفقهاء، كنيته أبو محمد الرضى ابن الرضى، والفقيه ابن الفقيه، أمه أسماء بنت عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق، ولد فى حياة عائشة. روى عن أبيه، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وأسلم مولى عمر، ونافع مولى ابن عمر، وغيرهم. روى عنه يحيى الأنصارى، وأيوب، وهشام بن عروة، وسماك بن حرب، وعبيد الله، وعبد الله ابنا عمر بن حفص، وحميد الطويل، ومالك، والسفيانان، وعمرو بن الحارث، وشعبة، والليث، والأوزاعى، وخلائق من الأئمة وغيرهم. واتفقوا على جلالته وإمامته وفضيلته وصلاحه.
قال أحمد بن حنبل: هو ثقة، ثقة، ثقة. وقال ابن عيينة: لم يكن بالمدينة رجل أرضى من عبد الرحمن. وقال مصعب بن عبد الله: كان من خيار المسلمين. وقال ابن سعد: كان ورعًا، كثير الحديث. قال أبو عبيد: توفى عبد الرحمن سنة ست وعشرين ومائة، يقال: بالشام. وقال خليفة بن خياط كذلك، إلا أنه قال: توفى بالمدينة. وقال ابن سعد: توفى فى بيت المقدس. وقال عمرو بن على، وخليفة فى موضع آخر: توفى سنة إحدى وثلاثين ومائة.
360 - عبد الرحمن بن كعب بن مالك (2) :
مذكور فى المهذب فى أول التفليس. هو أبو الخطاب الأنصارى السلمى، بفتح السين واللام، المدنى التابعى، وسيأتى تمام نسبه فى ترجمة أبيه إن شاء الله تعالى. سمع أباه، وجابرًا. روى عنه صالح بن رستم، والزهرى، وغيرهما، وهو ثقة. روى له البخارى، ومسلم. توفى فى خلافة سليمان بن عبد الملك، وقيل: فى خلافة هشام، رحمه الله.
361 - عبد الرحمن بن أبى ليلى (3) :
مذكور فى المختصر فى تفريق الخُمس، وفى المهذب فى أواخر الصيام، وفى أول باب إقامة الحد. هو أبو عيسى عبد الرحمن بن
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (5/1086) ، والجرح والتعديل (5/1324) ، وسير أعلام النبلاء (6/5) ، وتاريخ الإسلام (5/102) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (6/254 - 255) . تقريب التهذيب (3981) ، وقال: “ثقة جليل قال ابن عيينة كان أفضل أهل زمانه من السادسة مات سنة ست وعشرين وقيل بعدها ع”..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/274) ، والتاريخ الكبير للبخارى (5/1330) ، والجرح والتعديل (5/1330) ، وتاريخ الإسلام (4/144) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (6/259) . تقريب التهذيب (3991) ، وقال: “ثقة من كبار التابعين ويقال ولد في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مات في خلافة سليمان ع”.
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/109) ، والتاريخ الكبير للبخارى (5/1164) ، والجرح والتعديل (5/1424) ، وسير أعلام النبلاء (4/262 - 267) ، وتاريخ الإسلام (3/272) ، وميزان الاعتدال (2/452) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (6/260 - 262) . تقريب التهذيب (3993) ، وقال: “ثقة من الثانية اختلف في سماعه من عمر مات بوقعة الجماجم سنة ثلاث وثمانين قيل إنه غرق ع”..(1/303)
أبى ليلى، واسم أبى ليلى يسار، وقيل: بلال، وقيل: بليل، وقيل: داود الأنصارى الأوسى الكوفى. وأبو ليلى صحابى شهد أُحُدًا وما بعدها من المشاهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم انتقل إلى الكوفة فسكنها، وحضر مع على بن أبى طالب، رضى الله عنه، مشاهده، وقُتل معه بصفين.
وأما ابنه عبد الرحمن صاحب الترجمة، فتابعى جليل كبير، ولد لست سنين بقيت من خلافة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه. روى عن عمر، وعثمان، وعلى، وسعد، وأُبىّ ابن كعب، وابن مسعود، وأبى ذر، وحذيفة، وابن عمر، والمقداد، وأبى أيوب، وابى الدرداء، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك، وكعب بن عجرة، وصهيب، وخوات بن جبير، وأبى موسى، والبراء بن عازب، وسهل بن حنيف، وأبى سعيد الخدرى، وسمرة ابن جندب، وأبى جحيفة، وعبد الله بن زيد، وقيس بن سعد، وأبيه أبى ليلى، وأم هانىء، رضى الله عنهم. روى عنه ابنه عيسى، ومجاهد، وثابت، والحكم، والشعبى، وابن سيرين، وعمرو بن ميمون، وعمرو بن مرة، وآخرون من التابعين. واتفقوا على توثيقه وجلالته.
قال يحيى بن معين: لم يسمع عبد الرحمن بن أبى ليلى عمر بن الخطاب ولم يره، فقيل له: الحديث المروى: كنا مع عمر تتراءى الهلال؟ فقال: ليس بشىء. وقال الشافعى وغيره: لم يدرك ابن أبى ليلى بلالاً؛ لأن بلالاً توفى سنة عشرين بالشام، وولد ابن أبى ليلى قبل ذلك بنحو سنة بالكوفة.
وقال عطاء بن السائب: قال عبد الرحمن بن أبى ليلى: أدركت عشرين ومائة من أصحاب النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلهم من الأنصار. وقال عبد الملك بن عمير: رأيت عبد الرحمن بن أبى ليلى فى حلقة فيها نفر من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستمعون لحديثه، وينصتون له، منهم البراء بن عازب، وقال عبد الله بن الحارث: ما شعرت أن النساء ولدن مثل عبد الرحمن بن أبى ليلى. توفى سنة ثلاث وثمانين.
362 - عبد الرحمن بن مهدى (1) :
مذكور فى المهذب فى مسألة الكفاءة فى النكاح. هو الإمام عبد الرحمن بن مهدى ابن حسان بن عبد الرحمن، أبو سعيد العنبرى، وقيل: الأزدى، مولاهم البصرى اللؤلؤى. إمام أهل الحديث فى عصره،
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/297) ، والتاريخ الكبير للبخارى (5/1123) ، والجرح والتعديل (5/1382) ، وسير أعلام النبلاء (9/192) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (6/279 - 281) . تقريب التهذيب (4018) ، وقال: “ثقة ثبت حافظ عارف بالرجال والحديث قال ابن المديني ما رأيت أعلم منه من التاسعة مات سنة ثمان وتسعين [ومائة] وهو ابن ثلاث وسبعين سنة ع”.(1/304)
والمعول عليه فى علوم الحديث ومعارفه. سمع أبا خلدة خالد بن دينار، وأيمن بن نائل، ومالك بن مغول، ومالك بن أنس، والسفيانين، وشعبة، والماجشون، والحمادين، وخلائق من الأعلام.
روى عنه ابن وهب، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وابن المدينى، وأبو خيثمة، وإسحاق بن راهويه، وابنا أبى شيبة، والقواريرى، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وعمرو ابن على، وأبو ثور، وسوار بن عبد الله القاضى العنبرى، وخلائق غيرهم.
روينا عن على بن المدينى، قال غير مرة: والله لو أخذت وحلفت بين الركن والمقام لحلفت بالله أنى لم أر قط أعلم بالحديث من عبد الرحمن بن مهدى. قال على: وكان عبد الرحمن يختم فى كل ليلتين، وكان ورده فى كل ليلة نصف القرآن.
وقال ابن معين: ما رأيت رجلاً أثبت فى الحديث من ابن مهدى. وقال على بن المدينى: أعلم الناس بالحديث ابن مهدى. وقال أحمد بن حنبل: كأن ابن مهدى خلق للحديث. وقال عبد الرحمن بن مهدى: لا يجوز أن يكون الرجل إمامًا حتى يعلم ما يصح وما لا يصح، وحتى لا يحتج بكل شىء، وحتى يعلم مخارج العلم.
وروينا عن محمد بن أبى صفوان، قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدى يقول: كتب عنى الحديث وأنا فى حلقة مالك بن أنس. وروينا عن البخارى، قال: سمعت على بن المدينى يقول: جاء رجل إلى ابن مهدى، فقال: يا أبا سعيد، إنك تقول: هذا ضعيف، وهذا قوى، وهذا لا يصح، فعم تقول ذاك؟ فقال ابن مهدى: لو أتيت الناقد فأريته دراهم، فقال: هذا جيد، وهذا جيد، وهذا ستّوق، وهذا يهرج، أكنت تسأله عم ذاك أم تسلم الأمر إليه؟ فقال: بل كنت أسلم الأمر إليه، فقال ابن مهدى: هذا كذاك، هذا بطول المجالسة والمناظرة والمذاكرة والعلم به.
وروينا عن يحيى بن عبد الرحمن بن مهدى، قال: كان أبى يحيى الليل كله. ومناقبه كثيرة مشهورة. ولد سنة خمس وثلاثين ومائة، وتوفى سنة ثمان وتسعين ومائة، رحمه الله.
363 - عبد الرحمن بن هرمز الأعرج (1) :
أبو داود الأعرج المشهور بالرواية عن أبى هريرة، تكرر ذكره فى المختصر. هو تابعى مدنى قريشى، مولى ربيعة بن
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/183 - 184) ، والتاريخ الكبير للبخارى (5/1144) ، والجرح والتعديل (5/1408) ، وسير أعلام النبلاء (5/69) ، وتاريخ الإسلام (4/275) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (6/290 - 291) . تقريب التهذيب (4033) ، وقال: "ثقة ثبت عالم من الثالثة مات سنة سبع عشرة ع".(1/305)
الحارث بن عبد المطلب، ويقال: مولى عمر بن ربيعة. سمع أبا هريرة، وابا سعيد، وابن بحينة، وسمع جماعة من التابعين. روى عنه الزهرى، ويحيى الأنصارى، ويحيى بن أبى كثير، ومحمد بن يحيى بن حبان، وأبو الزناد، وهو مكثر عنه. واتفقوا على توثيقه. قال ابن سعد: كان ثقة، كثير الحديث، توفى بالإسكندرية سنة سبع عشرة ومائة. وقيل: سنة عشر، والصحيح الأول.
364 - عبد الرحمن بن يعمر الدؤلى الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب فى الوقوف بعرفات، سكن الكوفة. روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديثًا. روى عنه بكير بن عطاء، ويعمر، بفتح الميم وضمها، والفتح أشهر.
* * *
باب عبد العزيز، وعبد الكريم، وعبد المجيد
وعبد المطلب، وعبد الملك، وعبد الوهاب
365 - عبد العزيز بن صهيب (2) :
مذكور فى المختصر فى أول الأضحية. هو أبو حمزة عبد العزيز بن صهيب البصرى البنانى، بضم الموحدة، مولاهم، وبنانة بطن من قريش. سمع عبد العزيز أنس بن مالك وغيره. روى عنه سعبة، والحمادان، وعبد الوارث، وابن علية، وهشيم، ووهيب، وإبراهيم بن طهمان، وأبو عوانة، وهشام بن حسان، وآخرون، واتفقوا على توثيقه.
366 - عبد العزيز بن عمر (3) :
مذكور فى المختصر فى نكاح المتعة. هو أبو محمد عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ابن مروان، ويأتى تمام نسبه فى ترجمة جده عبد العزيز بن مروان عقبه إن شاء الله تعالى، القريشى الأموى المدنى، أخو عبد الملك، وعاصم، وآدم، وإبراهيم بنى عمر، أمه أم ولد، سمع أباه، والربيع بن سبرة، وقزعة بن يحيى، ونافعًا مولى ابن عمر، ومكحولاً، وخلائق من التابعين. روى عنه شعبة، ويحيى القطان، ووكيع، ومسعر، وابن جريج، وخلائق من الأئمة وغيرهم. قال يحيى بن معين وغيره: هو ثقة. روى له البخارى ومسلم.
367 - عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/367) ، التاريخ الكبير للبخارى (5/797) ، الجرح والتعديل (5/1414) ، الاستيعاب (2/856) ، أسد الغابة (3/328) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (6/301، 302) ، الإصابة (2/5219) . تقريب التهذيب (4047) ، وقال: "ابن يعمر بفتح التحتانية وسكون المهملة وفتح الميم الديلي بكسر الدال وسكون التحتانية صحابي نزل الكوفة ويقال مات بخراسان 4"..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/245) ، التاريخ الكبير للبخارى (6/1534) ، الجرح والتعديل (5/1794) ، سير أعلام النبلاء (6/103) ، تاريخ الإسلام (5/103) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (6/341- 342) . تقريب التهذيب (4102) ، وقال: "البناني بموحدة ونونين البصري يقال له: العبد ثقة من الرابعة مات سنة ثلاثين ع"..
(3) التاريخ الكبير للبخارى (6/1558) ، الجرح والتعديل (5/1810) ، ميزان الإعتدال (2/5118) ، تاريخ الإسلام (6/94) ، التهذيب (6/349- 350) . تقريب التهذيب (4113) ، وقال: "صدوق يخطىء من السابعة مات في حدود الخمسين ع"..(1/306)
بن عبد مناف بن قصى القريشى الأموسى المدنى ثم الدمشقى (1) :
أبو الأصبغ التابعى، وهو والد عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد المشهور، وكان عبد العزيز واليًا على مصر، ولاَّه إياها أبوه، وجعله ولى عهده بعد أخيه عبد الملك، وكانت دار عبد العزيز بدمشق هذه الخانقاة الملاصقة للجامع المعروفة بالسميساطية، وكانت بعده لابنه عمر، رضى الله عنه. سمع ابن الزبير، وأبا هريرة، وأباه مروان. روى عنه الزهرى، وعلى بن رباح، وابنه عمر، وآخرون. قال ابن سعد: كان ثقة، قليل الحديث. توفى بمصر سنة خمس وثمانين. وقال خليفة: سنة ثنتين وثمانين. وقال ابن يونس، عن الليث: سنة ست وثمانين.
368 - عبد العزيز بن أبى رواد (2) :
مذكور فى المختصر، واسم أبى رواد ميمون، وعبد العزيز يكنى أبا عبد الرحمن، وهو خراسانى، ثم مكى أزدى، مولى المغيرة بن المهلب بن أبى صفرة. سمع نافعًا، وصالحًا، وعكرمة مولى ابن عباس، ومحمد بن زياد، وغيرهم. روى عنه ابنه عبد الله، والثورى، وحسين الجعفى، وأبو عاصم النبيل، وآخرون.
قال ابن عدى: فى بعض حديثه ما لا يتابع عليه. روى له البخارى حديثًا واحدًا. وقال ابن أبى حاتم: قال يحيى القطان: هو ثقة فى الحديث، لا ينبغى أن يترك حديثه لرأى أخطأ فيه. وقال أحمد بن حنبل: هو رجل صالح، وكان مرجئًا، وليس هو فى التثبت كغيره. وقال ابن معين: هو ثقة. وقال أبو حاتم: هو صدوق، ثقة، متعبد.
369 - عبد الكريم:
مذكور فى المختصر فى باب عدة الرجعية، هو أحد رجلين:
أحدهما: عبد الكريم بن مالك (3) ، أبو سعيد الجزرى الأمولى، مولى لآل عثمان بن عفان أو معاوية بن أبى سفيان، ويقال له: الخضرمى، بكسر الخاء وإسكان الضاد المعجمتين، منسوب إلى قرية باليمامة، وهو تابعى، رأى أنس بن مالك، وسمع عكرمة، ومجاهدًا، وطاووسًا، وسعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، وابن المنكدر، ونافعًا.
روى عنه ابن جريج، ومالك، والسفيانان، ومسعر، وآخرون. قال ابن عيينة: ما رأيت قط مثل عبد الكريم الجزرى. وقال أحمد بن حنبل: هو ثقة ثبت. وقال ابن معين،
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/236) ، التاريخ الكبير للبخارى (6/1514) ، الجرح والتعديل (5/1827) ، سير أعلام النبلاء (4/249- 251) ، تاريخ الإسلام (3/274) ، ميزان الإعتدال (2/5128) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (6/356) . تقريب التهذيب (4121) ، وقال: “أبو الأصبغ بمهملة ساكنة ثم موحدة مفتوحة ثم معجمة كان صدوقا من الرابعة مات دون المائة بعد الثمانين د”.
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/493) ، التاريخ الكبير للبخارى (6/1561) ، الجرح والتعديل (5/1830) ، المجروحين لابن حبان (2/136) ، سير أعلام النبلاء (7/184) ، تاريخ الإسلام (6/239) ، ميزان الإعتدال (2/5101) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (6/338- 339) . تقريب التهذيب (4096) ، وقال: “ابن أبي رواد بفتح الراء وتشديد الواو صدوق عابد ربما وهم ورمي بالإرجاء من السابعة مات سنة تسع وخمسين خت 4”.
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/481) ، التاريخ الكبير للبخارى (6/1794، 3/1717) ، الجرح والتعديل (6/310) ، المجروحين لابن حبان (2/145) ، سير أعلام النبلاء (6/80) ، تاريخ الإسلام (5/140) ، ميزان الإعتدال (2/5169) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (6/373) . تقريب التهذيب (4154) ، وقال: “الخضرمي بالخاء والضاد المعجمتين نسبة إلى قرية من اليمامة ثقة متقن من السادسة مات سنة سبع وعشرين”..(1/307)
وأبو حاتم، وأبو زرعة، وابن سعد، والنسائى: هو ثقة. قال ابن سعد: توفى سنة سبع وعشرين ومائة.
والآخر: عبد الكريم بن الحارث بن يزيد أبو الحارث الحضرمى (1) ، بفتح الحاء المهملة، المصرى. روى عن المستورد القريشى، وعبد الله بن الحارث البكرى، وغيرهما. روى عنه الليث بن سعد، وعبد الرحمن بن شريح، ويحيى بن أيوب، وعمرو بن الحارث، وابن لهيعة، وحيوة بن شريح، واتفقوا على الثناء عليه ووصفه بالاجتهاد فى العبادة.
روينا عن يحيى بن بكير، قال: سمعت بكر بن مضر يقول: لو قيل لعبد الكريم بن الحارث: إن الساعة تقوم غدًا، ما كان فيه فضل للزيادة. وقال ابن يونس: كان من العباد المجتهدين، توفى سنة ست وثلاثين ومائة، رحمه الله.
370 - عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبى رواد (2) :
أبو عبد الحميد الأزدى، مولاهم المكى. أصله مروزى، واسم ابى رواد ميمون. روى عن أبيه، وابن جريج، والليث، ومعمر. روى عنه الشافعى، وسريج بن يونس، بالسين المهملة والجيم، والحميدى، وآخرون. قال ابن معين: هو ثقة، وكان يروى عن ضعفاء، وكان أعلم الناس بحديث ابن جريج، وكان يعلن بالإرجاء.
وقال البخارى: كان الحميدى يتكلم فيه. وقال أبو حاتم: ليس هو بقوى، يُكتب حديثه. وقال الدارقطنى: يُعتبر به، ولا يُحتج به. وقال أحمد: هو ثقة، وكان فيه غلو فى الإرجاء. وقال ابن عدى: عامة ما أنكر عليه الإرجاء. روى له مسلم مقرونًا بهشام بن سليمان المكى.
371 - عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قصى الهاشمى (3) :
وقيل: اسمه المطلب. أمه أم الحكم بنت الزبير بن عبد المطلب بن هاشم. توفى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعبد المطلب هذا بالغ، وقيل: قبل بلوغه. سكن المدينة، ثم دمشق فى خلافة عمر ابن الخطاب، وكانت داره بدمشق فى زقاق الهاشميين. روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثة أحاديث. روى عنه عبد الله بن الحارث بن نوفل. وتوفى بدمشق سنة ثنتين وستين، وقيل: إحدى، وقيل: توفى فى خلافة معاوية، وصلى عليه معاوية، وتوفى معاوية فى رجب سنة ستين.
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (6/1798) ، الجرح والتعديل (6/313) ، تاريخ الإسلام (5/271) ، تهذيب ابن حجر (6/371) . تقريب التهذيب (4148) ، وقال: “ثقة عابد من السادسة وروايته عن المستورد م منقطعة م س”..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/500) ، التاريخ الكبير للبخارى (6/1875) ، الجرح والتعديل (6/340) ، المجروحين لابن حبان (2/160) ، سير أعلام النبلاء (9/434) ، ميزان الإعتدال (2/5183) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (6/381- 383) . تقريب التهذيب (4160) ، وقال: “رواد بفتح الراء وتشديد الواو صدوق يخطىء وكان مرجئا أفرط ابن حبان فقال متروك من التاسعة مات سنة ست ومائتين م 4”..
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد (4/57) ، التاريخ الكبير للبخارى (6/1937) ، الجرح والتعديل (6/357) ، الاستيعاب (3/1006) ، سير أعلام النبلاء (3/112) ، تاريخ الإسلام (3/46) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (6/383- 384) ، الإصابة (2/5254) . تقريب التهذيب (4162) ، وقال: “صحابي سكن الشام ومات سنة اثنتين وستين ويقال اسمه المطلب م د س”.(1/308)
372 - عبد الملك بن عمير التابعى (1) :
مذكور فى المهذب فى أول باب التعزير. هو أبو عمرو، ويقال: أبو عمر عبد الملك ابن عمير بن سويد بن جارية، بالجيم، اللخمى، ويقال: القرشى الكوفى التابعى. رأى على بن أبى طالب، وأبى موسى الأشعرى، وسمع جرير بن عبد الله، وجابر بن سمرة، والمغيرة بن شعبة، وعدى بن حاتم، وجندب بن عبد الله، والأشعث بن قيس، وغيرهم من الصحابة، وخلائق من التابعين.
روى عنه سليمان التيمى، وإسماعيل بن أبى خالد، والأعمش، والسفيانان، وشعبة، وجرير بن حازم، وخلائق من الأئمة. ضعفه أحمد بن حنبل. وقال ابن معين: هو مخلط. وقال أبو حاتم: ليس بحافظ، وهو صالح، تغير حفظه قبل موته. وقال أحمد بن عبد الله: هو صالح الحديث، كان قاضى الكوفة، روى أكثر من مائة حديث. قال: وهو ثقة. وقد روى له البخارى ومسلم. توفى سنة ست وثلاثين ومائة أو نحوها، وبلغ مائة وثلاث سنين.
373 - عبد الملك بن مروان (2) :
الخليفة المشهور. ذكره فى المهذب فى صلاة المريض، وفى مسألة الأكدرية، وفى أول العدد. هو أبو الوليد عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى القريشى الأموى. قال ابن قتيبة: كان معاوية جعله على ديوان المدينة وهو ابن ست عشرة سنة، وولاه أبوه مروان هجرًا، ثم جعله الخليفة بعده، وكانت خلافته بعد أبيه سنة خمس وستين. وبويع ابن الزبير بالخلافة أيضًا سنة خمس وستين، وولى الحجاج بن يوسف العراق سنة خمس وسبعين، ونقش الدراهم والدنانير بالعربية سنة ست وسبعين، وبنى الحجاج واسط سنة ثلاث وثمانين، وتوفى عبد الملك بدمشق سنة ست وثمانين، وله ثنتان وستون سنة، ولد بالمدينة.
قال: وله من الولد مروان الأكبر، والوليد، وسليمان، ويزيد، ومروان الأصغر، وهشام، وأبو بكر، ومسلمة، وعبد الله، وسعيد، والحجاج، ومحمد، والمنذر، وعنبسة، وقبيصة، وعائشة، وفاطمة.
وذكر فى المهذب فى باب صلاة المريض أن عبد الملك أرسل الأطباء إلى ابن عباس على البرد ليعالجوا عينه، فاستفتى
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/315) ، التاريخ الكبير للبخارى (5/1386) ، الجرح والتعديل (5/1700) ، سير أعلام النبلاء (5/438) ، تاريخ الإسلام (5/271) ، ميزان الإعتدال (2/5235) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (6/411- 413) . تقريب التهذيب (4200) ، وقال: “الفرسي بفتح الفاء والراء ثم مهملة نسبة إلى فرس له سابق كان يقال له القبطي بكسر القاف وسكون الموحدة ثقة فصيح عالم تغير حفظه وربما دلس من الرابعة [الثالثة] مات سنة ست وثلاثين وله مائة وثلاث سنين ع”.
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/223) ، التاريخ الكبير للبخارى (5/1397) ، تاريخ الخطيب (10/388- 391) ، سير أعلام النبلاء (4/246- 249) ، ميزان الإعتدال (2/5248) ، تاريخ الإسلام (3/276) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (6/422- 423) . تقريب التهذيب (4213) ، وقال: “كان طالب علم قبل الخلافة ثم اشتغل بها فتغير حاله ملك ثلاث عشرة سنة استقلالا وقبلها منازعا لابن الزبير تسع سنين من الرابعة ومات دون المائة سنة ست وثمانين في شوال وقد جاوز الستين بخ”..(1/309)
عائشة وأم سلمة فنهتاه. وقد روى البيهقى هذه القصة، واستبعدها بعض المتأخرين لكون عائشة وأم سلمة تقدمت وفاتهما على خلافة عبد الملك بسنين كثيرة، وزعم هذا القائل أن هذه الرواية باطلة، وليس كما زعم؛ لأنه محمول على أنه بعث إليه قبل خلافته، وقد أوضحته فى شرح المهذب.
374 - عبد الوهاب بن عبد المجيد (1) :
تكرر فى المختصر. هو أبو محمد عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت بن عبد الله ابن الحكم بن أبى العاص بن بشر بن عبد الله بن دهمان بن عبد همام بن أبان بن يسار ابن مالك بن حطيط بن جشم بن قسى، بفتح القاف وكسر السين المهملة المخففة، ابن منبه بن بكر بن هوازن الثقفى البصرى، وقسى بن منبه هو ثقيف.
سمع عبد الوهاب: يحيى بن سعيد الأنصارى، وأيوب، وابن عون، وداود بن أبى هند، وخالد الحذاء، وجعفر الصادق، ويونس بن عبيد، وآخرين. روى عنه الشافعى، وهاشم بن القاسم، وقتيبة، وأحمد، وإسحاق، وابن معين، وابن المدينى، ومسدد، وعمرو بن على، ومحمد بن بشار، وابن المثنى، وخلائق من الأئمة وغيرهم.
روينا عن عمرو بن على، قال: كانت غلة عبد الوهاب كل سنة مائتين وأربعين ألفًا إلى خمسين ألفًا ينفقها على أصحاب الحديث، لا يحول الحول على شىء منها. وقال على بن المدينى: ليس على الدنيا كتاب عن يحيى بن سعيد أصح من كتاب عبد الوهاب. ووثقه أحمد بن حنبل، وابن معين، وأحمد بن عبد الله العجلى.
وقال ابن سعد: هو ثقة، فيه ضعف. وقال عقبة بن مكرم: اختلط قبل وفاته بثلاث سنين أو أربع. وقد روى له البخارى ومسلم. ولد سنة ثمان ومائة، وقيل: سنة عشر، وتوفى سنة أربع وتسعين ومائة.
* * *
باب عبد، وعبيد، وعبيد الله وعبيدة بفتح العين، وعبيدة بالضم
375 - عبد بن زمعة:
مذكور فى المختصر فى باب الإقرار بالنسب، وفى اللعان، وفى المهذب فى باب ما يلحق من النسب، وأواخر باب الإقرار، وزمعة بفتح الميم
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/229) ، التاريخ الكبير للبخارى (6/1822) ، الجرح والتعديل (6/369) ، تاريخ بغداد (11/18) ، سير أعلام النبلاء (9/237) ، ميزان الإعتدال (2/5321) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (6/449- 450) . تقريب التهذيب (4261) ، وقال: “ثقة تغير قبل موته بثلاث سنين من الثامنة مات سنة أربع وتسعين عن نحو من ثمانين سنة ع”..(1/310)
وإسكانها وجهان مشهروان، وهو عبد بن زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى بن غالب القريشى العامرى المكى الصحابى، أمه عاتكة بنت الأحنف، وهو أخو سودة بنت زمعة أم المؤمنين لأبيها، وأخو عبد الرحمن الذى تخاصم فيه سعد ابن أبى وقاص، وعبد بن زمعة، وكان عبد شريفًا من سادات الصحابة.
376 - عبيد بن سعد:
مذكور فى المهذب فى أول كتاب النكاح. قال البخارى فى تاريخه: هو ديلمى طائفى. قال ابن عيينة: هو أبو امرأة ابن جريج، سمع عبد الله بن عمرو بن العاص. روى عنه ابن أبى مليكة، وإبراهيم بن ميسرة. قال ابن أبى حاتم: قال ابن معين: عبيد هذا مشهور.
377 - عبيد الله بن الحسن العنبرى (1) :
مذكور فى المهذب فى آخر كتاب الحيض والنفاس. هو عبيد الله بن الحسن بن الحصين بن مالك بن الخشخاش بن جناب، بالجيم والنون، ابن الحارث بن خلف بن الحارث بن مجفر بن كعب بن العنبر بن عمرو بن تميم التميمى العنبرى البصرى الفقيه. كان قاضى البصرة بعد سوار بن عبد الله.
سمع داود بن أبى هند، وخالد الحذاء، وغيرهما. روى عنه عبد الرحمن بن مهدى، وخالد بن الحارث، ومحمد بن عبد الله الأنصارى، ومعاذ بن معاذ. قال محمد بن سعد: كان محمودًا، ثقة، عاقلاً. روى له مسلم فى صحيحه. ومن غرائبه أنه يجوز التقليد فى العقائد والعقليات، وخالف فى ذلك العلماء كافة.
378 - عبيد الله بن أبى رافع (2) :
مذكور فى المهذب فى آخر الجمعة. هو عبيد الله بن أبى رافع مولى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفى اسم أبى رافع خلاف سنذكره فى موضعه من الكنى إن شاء الله تعالى، وهو تابعى، سمع على بن أبى طالب، وأباه، وأبا هريرة، رضى الله عنهم. روى عنه الحسن ابن محمد بن الحنفية، ومحمد بن على بن الحسين، وبشر بن سعيد، وعطاء بن يسار، والأعرج، واتفقوا على توثيقه. روى له البخارى ومسلم، وكان كاتب على بن أبى طالب، رضى الله عنه.
_________
(1) طبقات ابن سعد (7/285) ، وتاريخ البخارى الكبير (5/1201) ، والجرح والتعديل (5/1483) ، وميزان الاعتدال (3/5353) ، وتهذيب التهذيب (7/7) . تقريب التهذيب (4283) ، وقال: “ثقة فقيه لكن عابوا عليه مسألة تكافؤ الأدلة من السابعة مات سنة ثمان وستين ليس له عند مسلم سوى موضع واحد في الجنائز م خد”..
(2) طبقات ابن سعد (5/282) ، وتاريخ البخارى الكبير (5/1217، 6/1941) ، والجرح والتعديل (5/1460) ، وتاريخ الإسلام (4/29) ، وتهذيب التهذيب (7/10، 11) . تقريب التهذيب (4288) ، وقال: “ثقة من الثالثة ع”..(1/311)
379 - عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمى المكى الصحابى:
أخو عبد الله وأخوته، كنيته أبو محمد. كان أصغر من عبد الله بسنة، استعمله على ابن أبى طالب على اليمن، وأمره على الموسم، فحج بالناس سنة ست وثلاثين وسنة سبع، وكان أحد الأجواد المشهورين. روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وروى عنه ابنه عبد الله، وعطاء بن أبى رباح، وسليمان بن يسار، وابن سيرين. توفى سنة ثمان وخمسين، قاله خليفة. وقال الواقدى، والزبير بن بكار: توفى فى أيام يزيد بن معاوية بالمدينة. وقال مصعب: باليمن، والأصح هو الأول.
380 - عبيد الله بن عبد الله بن عتبة:
تكرر فى المختصر، وذكره فى المهذب فى خطبة العيد، وفى خيار الأمة بالعتق. هو أبو عبد الله عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلى المدنى الإمام التابعى، أحد فقهاء المدينة السبعة، سبق بيانهم فى ترجمة خارجة بن زيد، وقد سبق تمام نسبه فى ترجمة عم أبيه عبد الله بن مسعود. سمع ابن عباس، وابن عمر، وأبا هريرة، وأبا سعيد الخدرى، وأبا واقد الليثى، وزيد بن خالد، والنعمان بن بشير، وعائشة، وفاطمة بنت قيس، وغيرهم من الصحابة، رضى الله عنهم، وسمع جماعات من كبار التابعين.
روى عنه عراك بن مالك، والزهرى، وأبو الزناد، وصالح بن كيسان، وغيرهم. واتفقوا على جلالته وإمامته وعظم منزلته. قال: ما سمعت حديثًا قط فأشاء أن أعيه إلا وعيته. وقال أحمد بن عبيد الله: هو تابعى ثقة، رجل صالح، جامع للعلم، وهو معلم عمر بن عبد العزيز، وذهب بصره. قال ابن سعد: كان عالمًا، ثقة، فقيهًا، كثير الحديث والعلم، شاعرًا.
وقال الزهرى: كان ابن عباس يعزه. وقال الزهرى: ما جالست عالمًا إلا ورأيت أنى أتيت على ما عنده، إلا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، فإنى لم آته إلا وجدت عنده علمًا طريفًا. قال ابن المدينى والهيثم: توفى سنة تسع وتسعين. وقال البخارى: سنة خمس أو أربع وتسعين. وقال الواقدى، وابن نمير، والترمذى: سنة ثمان وتسعين، رحمه الله تعالى.(1/312)
381 - عبيد الله بن عدى بن الخيار:
بكسر الخاء المعجمة. مذكور فى المهذب فى فصل سهم الفقراء من كتاب قسم الصدقات. هو عبيد الله بن عدى بن الخيار بن نوفل بن عبد مناف بن قصى القريشى النوفلى المدنى التابعى. أدرك زمن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يرو عنه شيئًا، ولم تثبت رؤيته. روى عن عمر بن الخطاب، وسمع عثمان بن عفان، وعليًا، والمقداد، وكعب الأحبار. روى عنه عروة، وحميد بن عبد الرحمن، وعطاء بن يزيد، وغيرهم. وأمه أم قتال بنت أسيد، بفتح الهمزة، ابن أبى العيس بن أمية. وكان عبيد الله من فقهاء قريش وثقاتهم. روى له البخارى ومسلم. قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وكان له دار بالمدينة، توفى فى زمن الوليد بن عبد الملك.
واعلم أن الحديث الذى ذكره فى المهذب فيه إنكار على صاحب المهذب؛ لأنه قال لما روى عبيد الله بن عبد الله بن الخيار أن رجلين سالا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصدقة، وذكر الحديث، فوقع فيه غلطان:
أحدهما: أنه جعل الحديث مرسلاً، والحديث متصل مشهور بالاتصال عن عبيد الله ابن عدى، قال: أخبرنى رجلان أنهما أتيا النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى حجة الوداع وهو يقسم الصدقة، فسألاه منها، فرفع فينا البصر وخفضه، فرآنا جلدين، فقال: “إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغنى ولا لقوى مكتسب”. هكذا رواه أبو داود، والنسائى، وغيرهما بأسانيد صحيحة، والرجلان المبهمان لا تضر جهالة أعيانهما؛ لأنهما صحابيان، والصحابة كلهم عدول.
والغلط الثانى: كونه قال: عبيد الله بن عبد الله بن الخيار، هكذا هو فى أكثر نسخ المهذب: عبيد الله بن عبد الله، وهو غلط صريح، وصوابه: عبيد الله بن عدى بن الخيار، كما سبق، وليس فيه خلاف بين أهل الحديث والأنساب والتواريخ والسير، إلا ما ذكره البخارى فى تاريخه، فإنه ذكره كما قدمته، ثم قال: قال ابن إسحاق: هو ابن الخيار بن عدى بن نوفل، فحصل الاتفاق على أنه ليس فى نسبه من يسمى عبد الله.
382 - عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب بن(1/313)
نفيل القريشى العدوى المدنى (1) :
أبو عثمان التابعى الصغير. سمع أم خالد بنت خالد بن سعيد الصحابية، وسالم بن عبد الله، وكريبًا، وسعيد المقبرى، وقاسم بن محمد، ونافعًا، وعمرو بن دينار، والزهرى، وخلائق من التابعين وغيرهم. روى عنه جماعات من التابعين، منهم أيوب السختيانى، وحميد الطويل، ومن غيرهم ابن جريج، وشعبة، والسفيانان، ومعمر، والليث، والحمادان، ويحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن سعيد الأموى، وخلائق من الأئمة. وأجمعوا على توثيقه وجلالته.
سُئل أحمد بن حنبل عن عبيد الله بن عمر، ومالك، وأيوب، أيهم أثبت فى نافع؟ فقال: عبيد الله أثبتهم وأحفظهم وأكثرهم رواية. وقال أحمد بن صالح: عبيد الله أحب إلىَّ من مالك فى حديث نافع. وقال يحيى بن معين: عبيد الله، عن القاسم، عن عائشة، الذهب المشبك بالدر، قيل: هو أحب إليك أو الزهرى عن عروة؟ قال: هو أحب إلىَّ.
وقال ابن منجويه: كان عبيد الله من سادات أهل المدينة وأشراف قريش فضلاً وعلمًا وعبادة وشرفًا وحفظًا وإتقانًا. روينا عن سفيان بن عيينة، قال: قدم علينا عبيد الله بن عمر الكوفة فاجتمعوا عليه، فقال: شنتم العلم وأذهبتم نوره، ولو أدركنا عمر وغياكم أوجعنا ضربًا.
383 - عبيد الله بن عمر بن الخطاب:
مذكور فى المهذب والوسيط فى أول الفرائض، هو عبيد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القريشى العدوى المدنى التابعى، وكان شديد البطش، قُتل بصفين.
_________
(1) تاريخ البخارى الكبير (5/1273) ، والجرح والتعديل (5/1545) ، وسير أعلام النبلاء (6/304) ، وتاريخ الإسلام (6/98) ، وتهذيب التهذيب (7/38، 40) . تقريب التهذيب (4324) ، وقال: “ثقة ثبت قدمه أحمد ابن صالح على مالك في نافع وقدمه ابن معين في القاسم عن عائشة على الزهري عن عروة عنها من الخامسة مات سنة بضع وأربعين ع”..(1/314)
384 - عبيدة السلمانى (1) :
بفتح العين وكسر الباء، والسلمانى بإسكان اللام. مذكور فى باب القسم بين النساء والنشوز، هو أبو مسلم، ويقال: أبو عمرو عبيدة بن قيس، وقيل: عبيدة بن عمرو، وقيل: عبيدة بن قيس بن عمرو المرادى الهمدانى، بإسكان الميم وبدال مهملة، الكوفى التابعى الكبير. يقال له: السلمانى نسبة إلى بنى سلمان بطن من مراد، قاله ابن أبى داود السجستانى.
أسلم عبيدة قبل وفاة النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسنتين، ولم يره، وسمع عمر بن الخطاب، وعليًا، وابن مسعود، وابن الزبير، وهو مشهور بصحبة على. روى عنه الشعبى، والنخعى، وأبو حصين، وابن سيرين، وآخرون. نزل الكوفة، وورد المدينة، وحضر مع على قتال الخوارج، وكان أحد أصحاب ابن مسعود الذين يقرءون ويفتون، وكان شريح إذا أشكل عليه شىء أرسلهم إلى عبيدة، وكان ابن سيرين من أروى الناس عنه.
قال ابن سيرين: أدركت الكوفة وبها أربعة يعدون للفقه، فمن بدأ بالحارث ثنى بعبيدة، ومن بدأ بعبيدة ثنى بالحارث، ثم علقمة الثالث، وشريح الرابع، وإن أربعة أحسنهم شريح لخيار. قال ابن سيرين: ما رأيت أشد توقيًا من عبيدة. وقال ابن نمير: كان شريح إذا أشكل عليه الأمر كتب إلى عبيدة وانتهى إلى قوله. توفى عبيدة سنة ثنتين وسبعين، وقيل: ثلاث أو أربع.
385 - عبيدة بن الحارث الصحابى:
بضم العين، وفتح الباء. تكرر فى المختصر، وذكره فى المهذب فى كتاب السير فى المبارزة. هو أبو معاوية، وقيل: أبو الحارث عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف ابن قصى القريشى المطلبى، كان أسن من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعشر سنين، أسلم قديمًا قبل دخول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دار الأرقم
_________
(1) طبقات ابن سعد (6/93) ، وتاريخ البخارى الكبير (6/1777) ، والجرح والتعديل (6/466) ، والاستيعاب (3/1023) ، وأسد الغابة (3/356) ، وسير أعلام النبلاء (4/40، 44) ، وتاريخ الإسلام (3/191) ، وتهذيب التهذيب (7/84، 85) ، والإصابة (3/6405) . تقريب التهذيب (4412) ، وقال: “السلماني بسكون اللام ويقال بفتحها “تابعي كبير من الثانية مخضرم فقيه ثبت كان شريح إذا أشكل عليه شيء يسأله مات سنة اثنتين وسبعين أو بعدها والصحيح أنه مات قبل سنة سبعين ع”..(1/317)
بن أبى الأرقم، أسلم هو وأبو سلمة بن عبد الأسد، وعبد الله بن الأرقم، وعثمان بن مظعون، رضى الله عنهم، فى وقت واحد، وهاجر عبيدة مع أخويه الطفيل والحصين ابنى الحارث، ومع مسطح بن أبى أثاثة بن المطلب إلى المدينة، ونزلوا على عبد الله بن سلمة العجلانى، وكان لعبيدة قدر ومنزلة عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال ابن إسحاق: أقام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة بعد عوده من غزوة ودان بقية صفر، وصدرًا من شهر ربيع الأول السنة الثانية من الهجرة، وبعث فى مقامه ذلك عبيدة بن الحارث فى ستين راكبًا من المهاجرين ليس فيهم أنصارى، وعقد له اللواء، وكان أول لواء عقده رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فالتقى عبيدة والمشركون بثنية المرة، وكان على المشركين أبو سفيان بن حرب، وكان أول من رمى بسهم فى سبيل الله سعد بن أبى وقاص، وكان هذا أول قتال جرى فى الإسلام، ثم شهد عبيدة بدرًا، وبارز شيبة بن ربيعة، فاختلفا ضربتين كلاهما أثبت صاحبه، وبارز حمزة عتبة فقتله مكانه، وبارز على بن أبى طالب الوليد بن عتبة فقتله مكانه، ثم كرا على شيبة فدفقا عليه، واحتملا عبيدة وجاوزاه إلى المسلمين. قيل: إن عبيدة كان أسن المسلمين يوم بدر.
وتوفى بالصفراء وهم راجعون من بدر. قيل: إن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما نزل بأصحابه هنالك قالوا: إنا نجد ريح مسك، فقال: "وما يمنعكم وهاهنا قبر أبى معاوية". قيل: كان عمره حين قُتل ثلاثًا وستين سنة، وكان مربوعًا حسن الوجه، رضى الله عنه.
* * *
باب العين والتاء المثناة فوق
386 - عتاب بن أسيد الصحابى، رضى الله عنه (1) :
تكرر فى المختصر والمهذب. هو أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو محمد عتاب بن أسيد، بفتح الهمزة، ابن أبى العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى القريشى العبشمى، أسلم يوم الفتح، واستعمله النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على مكة حين انصرف عنها بعد الفتح، وسِنه يومئذ عشرون
_________
(1) طبقات ابن سعد (5/446) ، وتاريخ البخارى الكبير (7/244) ، والجرح والتعديل (7/46) ، والاستيعاب (3/1023) ، وأسد الغابة (3/358) ، وتهذيب التهذيب (7/89، 90) . تقريب التهذيب (4418) ، وقال: "له صحبة"..(1/318)
سنة. روى عنه ابن المسيب، وعطاء بن أبى رباح، وروايتهما عنه مرسلة، لم يدركاه بلا شك، ولم يزل عتاب على مكة حتى توفى بها.
قال الواقدى وآخرون منهم أولاد عتاب: إنه توفى فى اليوم الذى توفى فيه أبو بكر الصديق، رضى الله عنه. وقال آخرون: جاء نعى أبى بكر إلى مكة يوم دفن عتاب، وتوفى أبو بكر يوم الاثنين لثمان، وقيل: لثلاث بقين من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وكان عتاب خيرًا، صالحًا، فاضلاً، وأم عتاب زينب بنت عمرو بن أمية بن عبد شمس.
387 - عتبة بن ربيعة:
الكافر، مذكور فى المهذب فى فصل المبارزة، قتله حمزة بن عبد المطلب، رضى الله عنه، يوم بدر كافرًا.
388 - عتبة بن غزوان الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب فى خراج السواد. هو أبو عبد الله، وقيل: أبو غزوان عتبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نسيب، بضم النون، ابن زيد بن مالك بن الحارث بن عوف بن مازن بن منصور بن عكرمة بن خصيفة بن قيس عيلان، بالعين المهملة، ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان المازنى حليف بنى عبد شمس، أسلم قديمًا، وهاجر إلى الحبشة وهو ابن أربعين سنة، ثم عاد إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو بمكة، فأقام معه حتى هاجر إلى المدينة مع المقداد، وكان من السابقين إلى الإسلام، وشهد بدرًا، وبيعة الرضوان، وما بعدها.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعة أحاديث، روى مسلم أحدها. وروى عنه خالد بن عميرة، والحسن البصرى، وإبراهيم بن أبى عيلة، وهارون بن رياب، وغيرهم، هكذا ذكره ابن أبى حاتم، ورواية الحسن عنه مرسلة؛ لأنه توفى قبل ولادة الحسن كما سبق فى ترجمة الحسن.
قال محمد بن سعد: كان رجلاً، طوالاً، جميلاً. قال: وهو قديم الإسلام، أسلم بعد ستة رجال وهو سابعهم، وكان أول من نزل البصرة، وهو الذى اختطها، وكان من الرماة المذكورين، توفى بطريق البصرة، وقيل: فى الربذة سنة سبع عشرة من الهجرة، وقيل: سنة خمس عشرة، وقيل: أربع عشرة، وهو ابن سبع وخمسين سنة.
389 - عتبة بن مسعود:
أخو عبد الله بن مسعود، سبق تمام نسبه فى ترجمة أخيه.
_________
(1) طبقات ابن سعد (3/98، 7/5) ، وتاريخ البخارى الكبير (6/3184) ، والجرح والتعديل (6/2060) ، والاستيعاب (3/1026) ، وأسد الغابة (3/363) ، وسير أعلام النبلاء (1/304) ، وتهذيب التهذيب (7/100) ، والإصابة (2/5411) . تقريب التهذيب (4438) ، وقال: "صحابي جليل مهاجري بدري وهو أول من اختط البصرة مات سنة سبع عشرة ويقال بعدها م ت س ق"..(1/319)
وعتبة صحابى، كنيته أبو عبد الله، هاجر مع أخيه عبد الله إلى الحبشة الهجرة الثانية، وقدم المدينة، وشهد أُحُدًا وما بعدها من المشاهد كلها مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. روى عن الزهرى، قال: ما كان عبد الله ابن مسعود بأفقه من أخيه. وفى رواية: بأقدم صحبة وهجرة من أخيه، ولكنه مات سريعًا. توفى عتبة فى خلافة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وقيل غير ذلك.
390 - عتبة بن أبى وقاص:
أخو سعد. مذكور فى آخر اللعان من المهذب، وأواخر الإقرار، سبق تمام نسبه فى ترجمة سعد، لم يذكره الجمهور فى الصحابة، وذكره ابن منده فيهم، واحتج بحديث وصيته إلى أخيه سعد فى ابن وليدة زمعة، وأنكر أبو نعيم على ابن منده ذكره فى الصحابة. قال أبو نعيم: وعتبة هذا هو الذى شج وجه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكسر رباعيته يوم أُحُد. قال: وما علمت له إسلامًا، ولم يذكره أحد من المتقدمين فى الصحابة، وقيل: إنه مات كافرًا.
* * *
باب العين والثاء المثلثة
391 - عثمان بن حنيف الصحابى، رضى الله عنه (1) :
تكرر فى المهذب فى أول الجزية، وخراج السواد، والأقضية. هو أبو عمرو، وقيل: أبو عبد الله عثمان بن حنيف بن واهب بن العكيم، وسبق تمام نسبه فى ترجمة سهل بن حنيف، وهو كوفى شهد أُحُدًا وما بعدها من المشاهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبقى إلى زمن معاوية، وولاه عمر بن الخطاب مساحة سواد العراق. روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. روى عنه عمارة بن خزيمة، وابن أخيه أبو أمامة بن سهل، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وغيرهم.
392 - عثمان بن طلحة بن أبى طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصى العبدرى الحجبى الصحابى، رضى الله عنه (2) :
أسلم مع خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص فى هدنة الحديبية، وشهد فتح مكة، فدفع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مفتاح
_________
(1) الجرح والتعديل (6/797) ، والاستيعاب (3/1033) ، وأسد الغابة (3/371) ، وسير أعلام النبلاء (2/320) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/112 - 113) ، والإصابة (2/5435) . تقريب التهذيب (4462) ، وقال: "صحابي شهير استعمله عمر على مساحة أرض الكوفة وعلي على البصرة قبل الجمل ومات في خلافة معاوية بخ ت س ق"..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/448) ، والتاريخ الكبير للبخارى (6/851) ، والاستيعاب (3/1034) ، وأسد الغابة (3/372) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/124) . تقريب التهذيب (4482) ، وقال: “صحابي شهير مات سنة اثنتين وأربعين وقيل استشهد بأجنادين وأبطل ذلك العسكري م د”..(1/320)
الكعبة إليه وإلى ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبى طلحة، وقال: “خذوها يا بنى طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم” (1) ، نزل المدينة، ثم مكة. وروى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. توفى بمكة سنة ثنتين وأربعين، وقيل: قُتل يوم أجنادين، بكسر الدال وفتحها، وقُتل أبوه طلحة وعمه عثمان بن أبى طلحة يوم أُحُد كافرين.
393 - عثمان بن أبى العاص الصحابى، رضى الله عنه (2) :
مذكور فى المهذب فى الصوم فى السفر، وفى خراج السواد. هو أبو عبد الله عثمان ابن أبى العاص الثقفى. قدم على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى وفد ثقيف، واستعمله النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الطائف، ثم أقره أبو بكر وعمر، رضى الله عنهما. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسعة أحاديث، روى مسلم ثلاثة منها. روى عنه ابن المسيب، ونافع بن جبير، وغيرهما، والحسن البصرى، وقيل: لم يسمعه. واستعمله عمر على عمان والبحرين، ثم نزل البصرة. قال ابن قتيبة: قطعه عثمان بن عفان اثنى عشر ألف جريب. توفى فى خلافة معاوية، وله عقب كثير أشراف.
394 - عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤى:
أبو قحافة والد أبى بكر الصديق، رضى الله عنهما. مذكور فى السير من الوسيط، وتكرر فى غيره، وهو صحابى أسلم يوم الفتح، وأتى به أبو بكر إلى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليبايعه، وعاش بعد أبى بكر وورثه، وهو أول من وَرث خليفة فى الإسلام، إلا أنه ردَّ نصيبه من الميراث وهو السدس على أولاد أبى بكر.
وتوفى أبو قحافة بمكة سنة أربع عشرة وله سبع وتسعون سنة، ولا يُعرف أربعة متناسلون أدركوا النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا أبو قحافة وأولاده، وقد ذكرناهم فى ترجمة ابن الزبير، وعبد الرحمن بن أبى بكر. وفى صحيح مسلم، عن جابر، قال: أتى بأبى قحافة يوم فتح مكة ولحيته ورأسه كالثغامة بيضاء، فقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “غيروا هذا بشىء، واجتنبوا السواد” (3) .
395 - عثمان بن عفان أمير المؤمنين، رضى الله عنه (4) :
تكرر فيها. هو أبو عمرو،
_________
(1) ذكره ابن سعد (2/137) ، والطبرانى (11/120، رقم 11234) ، وابن عساكر (38/389) . وأخرجه أيضًا: الطبرانى فى الأوسط (1/155، رقم 488) قال الهيثمى (3/285) : فيه عبد الله بن المؤمل وثقه ابن حبان وقال: يخطئ ووثقه ابن معين فى رواية وضعفه جماعة.
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/508، 7/40) ، والتاريخ الكبير للبخارى (6/2195) ، والاستيعاب (3/1035) ، وأسد الغابة (3/372) ، وسير أعلام النبلاء (2/374) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/128، 129) ، والإصابة (2/5441) . تقريب التهذيب (4485) ، وقال: “صحابي شهير استعمله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الطائف ومات في خلافة معاوية بالبصرة م 4”..
(3) أخرجه مسلم (3/1663، رقم 2102) ، وأبو داود (4/85، رقم 4204) ، والنسائى (8/138، رقم 5076) ، وابن ماجه (2/1197، رقم 3624) ، وابن حبان (12/285، رقم 5471) ، وأخرجه أيضًا: أبو عوانة (1/410، رقم 1512) .
(4) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/53 - 84) ، والتاريخ الكبير للبخارى (6/2191) ، والجرح والتعديل (6/882) ، والاستيعاب (3/1037 - 1053) ، وأسد الغابة (3/376) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/139 - 142) ، والإصابة (2/5448) . تقريب التهذيب (4503) ، وقال: “أمير المؤمنين ذو النورين أحد السابقين الأولين والخلفاء الأربعة والعشرة المبشرة”..(1/321)
ويقال: أبو عبد الله، وأبو ليلى عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى القريشى الأموى المكى ثم المدنى أمير المؤمنين. أمه أروى بنت كريز، بضم الكاف وفتح الراء، ابن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
أسلم عثمان قديمًا، دعاه أبو بكر إلى الإسلام فأسلم، وهاجر الهجرتين إلى الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة، فهاجر بزوجته رقية بنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الحبشة الهجرتين الأولى والثانية. روينا فى تاريخ دمشق فى أحوال بنات رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عن أسماء بنت أبى بكر الصديق، رضى الله عنهما، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال حين هاجر عثمان برقية: “والذى نفسى بيده، إنه لأول مَن هاجر بعد إبراهيم ولوط، عليهما السلام”.
ويقال لعثمان: ذو النورين؛ لأنه تزوج بنتى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحداهما بعد الأخرى. قالوا: ولا يُعرف أحد تزوج بنتى نبى غيره، تزوج رقية، رضى الله عنها، قبل النبوة، وتوفيت عنده فى أيام غزوة بدر فى شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة، وكان تأخر عن بدر لتمريضها بإذن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجاء البشير بنصر المؤمنين ببدر يوم دفنوها بالمدينة، رضى الله عنها، وولدت له رقية، ثم تزوج بعد وفاتها أختها أم كلثوم بنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتوفيت، رضى الله عنها، عنده سنة تسع من الهجرة، ولم تلد له شيئًا.
رُوى لعثمان، رضى الله عنه، عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة حديث وستة وأربعون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على ثلاثة، وانفرد البخارى بثمانية ومسلم بخمسة. روى عنه زيد بن خالد الجهنى، وابن الزبير، والسائب بن يزيد، وغيرهم من الصحابة. وروى عنه خلائق من التابعين منهم أبان بن عثمان، وعبيد الله بن عدى، وحمران، وغيرهم.
ولد عثمان فى السنة السادسة بعد الفيل، وقُتل شهيدًا يوم الجمعة لثمان عشرة خلون من ذى الحجة سنة خمس وثلاثين، وقيل: قتل يوم الأربعاء وهو ابن تسعين سنة، وقيل: ثمان وثمانين، وقيل: ثنتين وثمانين،(1/322)
وقيل غير ذلك، وبويع له بالخلافة غرة المحرم سنة أربع وعشرين، وكانت خلافته ثنتى عشرة سنة إلا ليالى.
قال ابن عبد البر: بويع له يوم السبت بعد دفن عمر، رضى الله عنه، بثلاثة أيام، وحج فيها بالناس عشر سنين متوالية، وصلى عليه جبير بن مطعم، ودفن ليلاً بالبقيع، وأخفى قبره ذلك الوقت ثم أظهر، وقيل: دفن بحش كوكب. قال ابن قتيبة: هى أرض اشتراها عثمان وزادها فى البقيع، والحش البستان، وكوكب اسم رجل من الأنصار. وقيل: صلى عليه حكيم بن حزام، وقيل: المسور بن مخرمة، وإنما دفن ليلاً للعجز عن إظهار دفنه بسبب غلبة قاتليه.
قال ابن قتيبة: وفى زمن عثمان كانت غزوة الأسكندرية، ثم سابور، ثم إفريقية، ثم قبرص، واصطخر الآخر، وفارس الأولى، ثم خوزز، وفارس الآخرة، ثم طبرستان، ودارا بجرد، وكرمان، وسجستان، ثم الأساورة فى البحر، وغيرهن، ثم مرو على يد عبد الله بن عامر سنة أربع وثلاثين، ثم حصر فى ذى الحجة سنة خمس وثلاثين، فحصر عشرين يومًا فى داره، وقتل فيها.
وقال الواقدى: حصروه تسعة وأربعين يومًا. وقال الزبير بن بكار: حصروه شهرين وعشرين يومًا، وكان حسن الوجه، رقيق البشرة، كث اللحية، أسمر، كثير الشعر، بين الطويل والقصير، وكان محببًا فى قريش، واشترى بئر رومة من يهودى بعشرين ألف درهم وسبلها للمسلمين، وجهز جيش العسرة بتسعمائة وخمسين بعيرًا وبخمسين فرسًا.
روينا فى صحيحى البخارى ومسلم فى حديث أبى موسى الأشعرى الطويل أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: “بشره بالجنة”، يعنى عثمان. وفى صحيحيهما عن عائشة فى الحديث الطويل، أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع ثيابه حين دخل عثمان، وقال: “ألا أستحى من رجل تستحى منه الملائكة” (1) .
وفى صحيح البخارى عن عبيد الله بن عدى بن الخيار، أن عثمان قال: أما بعد، فإن الله تعالى بعث محمدًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحق نبيًا، وكنت ممن استجاب لله ولرسوله، وآمنت بما بُعث به، ثم هاجرت الهجرتين، وصحبت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ونلت صهر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبايعته، فوالله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله تعالى، ثم أبو بكر مثله، ثم
_________
(1) حديث عائشة: أخرجه أحمد (6/62، رقم 24375) ، ومسلم (4/1866، رقم 2401) .
حديث حفصة: أخرجه أحمد (6/288، رقم 26509) ، وعبد بن حميد (ص 446، رقم 1547) ، والطبرانى (23/205، رقم 355) ، والبيهقى (2/231، رقم 3061) .
حديث بريدة: أخرجه ابن عساكر (39/94) وقال: عن عبد الله بن بريدة.(1/323)
عمر مثله.
وفى صحيح البخارى أيضًا عن عبيد الله بن عدى أيضًا، قال: دخلت على عثمان وهو محصور، فقلت له: إنك إمام العامة، وقد نزل بك ما ترى، وهو يصلى لنا أمام فتية، وأنا أتحرج من الصلاة معه، قال عثمان: إن الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم.
وفى صحيح البخارى عن أبى عبد الرحمن السلمى التابعى، أن عثمان حين حوصر أشرف علهيم فقال: أنشدكم بالله ولا أنشد إلا أصحاب النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ألستم تعلمون أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “من جهز جيش العسرة فله الجنة”، فجهزتهم، ألستم تعلمون أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “من حفر بئر رومة فله الجنة”، فحفرتها، قال: فصدقوه بما قال.
وفى صحيح البخارى عن ابن عمر، قال: كنا فى زمن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا نعدل بأبى بكر أحًدا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا نفاضل بينهم.
وفى صحيح البخارى، عن أنس، قال: صعد النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُحُدًا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، رضى الله عنهم، فرجف، فقال: “اسكن، فليس عليك إلا نبى وصديق وشهيدان” (1) . وفى صحيح البخارى عن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، أن عثمان أحد الستة الذين توفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو عنهم راض.
وفى كتاب الترمذى عن عبد الرحمن بن خباب، بالخاء المعجمة، السلمى الصحابى، قال: شهدت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يحث على جيش العسرة، فقال عثمان بن عفان: يا رسول الله، علىَّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها فى سبيل الله، ثم حض على الجيش، فقال عثمان: يا رسول الله، علىَّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها فى سبيل الله، ثم حض على الجيش، فقال عثمان: يا رسول الله، علىَّ ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها فى سبيل الله، فأنا رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينزل عن المنير وهو يقول: “ما على عثمان ما عمل بعد هذه”. رواه الترمذى بإسناد جيد.
وعن عبد الرحمن بن سمرة، قال: جاء عثمان إلى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بألف دينار حين جهز جيش العسرة، فنثرها فى حجره وهو يقول: “ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم” (2) مرتين. رواه الترمذى، وقال: حديث حسن.
وعن أنس، قال: لما أمر النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ببيعة الرضوان، كان عثمان بن عفان رسول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أهل مكة، فبايع الناس، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “
_________
(1) حديث أنس: أخرجه البخارى (3/1344، رقم 3472) ، وأبو داود (4/212، رقم 4651) ، والترمذى (5/624، رقم 3697) وقال: حسن صحيح. وأخرجه أيضًا: أبو يعلى (5/466 رقم 3196) وابن حبان (15/280 رقم 6865) .
حديث سهل بن سعد: أخرجه أحمد (5/331، رقم 22862) ، وعبد بن حميد (ص 166، رقم 449) ، وأبو يعلى (13/509، رقم 7518) ، قال الهيثمى (9/55) : رجاله رجال الصحيح. وابن حبان (14/415، رقم 6492) ، والطبرانى (1/91، رقم 146) ، والضياء (1/466، رقم 340) .
حديث عثمان: أخرجه الترمذى (5/625، رقم 3699) وقال: حسن صحيح غريب.
(2) حديث عبد الرحمن بن سمرة: أخرجه أحمد (5/63، رقم 20649) ، والحاكم (3/110، رقم 4553) وقال: صحيح الإسناد. وأبو نعيم فى الحلية (1/59) . وفى الحديث أن عبد الرحمن بن سمرة قال جاء عثمان بن عفان إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بألف دينار فى ثوبه حين جهز النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيش العسرة قال فصبها فى حجر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقلبها بيده ويقول. فذكره.
حديث عمران بن حصين: أخرجه الطبرانى (18/231، رقم 577) ، قال الهيثمى (6/191) : فيه العباس بن الفضل الأنصارى، وهو ضعيف.
حديث عبد الرحمن بن خباب السلمى: أخرجه أحمد (4/75، رقم 16742) . وأخرجه أيضًا: أبو نعيم فى الحلية (1/59) .(1/324)
إن عثمان فى حاجة الله وحاجة رسوله”، فضرب بإحدى يديه على الأخرى، فكانت يد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعثمان خيرًا من أيديهم لأنفسهم. رواه الترمذى، وقال: حديث حسن.
وعن أبى الأشعث الصنعانى أن خطباء قامت بالشام فيهم رجال من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقام أحدهم رجل يقال له: مرة بن كعب، فقال: لولا حديث سمعته من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما قمت، وذكر الفتن يقربها، فمر رجل متقنع فى ثوب، فقال: هذا يومئذ على الهدى، فقمت إليه، فإذا هو عثمان بن عفان، فأقبلت إليه بوجهى، فقلت: هذا؟ قال: نعم. رواه الترمذى، وقال: حديث حسن صحيح.
وعن عائشة أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “يا عثمان، إنه لعل الله يقمصك قميصًا، فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه حتى يخلعوه”. رواه الترمذى، وقال: حديث حسن. وعن كليب بن وائل، عن ابن عمر، قال: ذكر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتنة، فقال: “يقتل فيها هذا مظلومًا” لعثمان. رواه الترمذى، وقال: حديث حسن.
وعن أبى سلمة مولى عثمان، قال: قال عثمان يوم الدار: إن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عهد إلىَّ عهدًا، فأنا صابر عليه. رواه الترمذى، وقال: حديث حسن صحيح.
قال ابن قتيبة: كان لعثمان من الأولاد: عبد الله الأكبر أمه فاختة بنت غزوان، وعبد الله الأصغر أمه رقية بنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعمرو، وأبان، وخالد، وعمر، وسعد، والوليد، والمغيرة، وعبد الملك، وأم سعيد، وأم أبان، وأم عمرو، وأم عائشة، رضى الله عنهم.
وعثمان بن عفان أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو عنهم راض، وأحد الخلفاء الراشدين، وأحد السابقين إلى الإسلام، وأحد المنفقين فى سبيل الله الإنفاق العظيم، وأحد أصهار رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يلبس السراويل فى جاهلية ولا إسلام إلى يوم قتله، وقال: إنى رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - البارحة فى المنام وأبو بكر وعمر، فقالوا لى: اصبر، فإنك تفطر عندنا القابلة، ثم دعا بمصحف ففتحه، فقتل وهو بين يديه، وأعتق عشرين مملوكًا وهو محصور، رضى الله عنه.
396 - عثمان بن مظعون الصحابى، رضى الله عنه:
ذكره فى المهذب فى(1/325)
الجنائز، وفى أول باب الوصايا، وفى النكاح. هو أبو السائب عثمان بن مظعون، بالظاء المعجمة، ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحى السيد الفاضل، وكان من السابقين إلى الإسلام.
ذكر ابن سعد بإسناده أن عثمان بن مظعون، وعبيدة بن الحارث بن المطلب، وعبد الرحمن بن عوف، وأبا سلمة، وأبا عبيدة بن الجراح، رضى الله عنهم، أتوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأسلموا فى ساعة واحدة فى أول الإسلام قبل دخول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دار الأرقم، وأن عثمان بن مظعون هاجر الهجرتين إلى الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة، وأنه حرَّم الخمر فى الجاهلية، وقال: لا أشرب شيئًا يُذهب عقلى ويُضحك بى مَن هو أدنى منى، ويحملنى على أن أنكح كريمتى، وأن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “إن عثمان بن مظعون لحى ستير” (1) ، وأن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: “أما لك فىّ أسوة؟ ” (2) ، فقال: بأبى وأمى، فما ذاك؟ قال: “تصوم النهار وتقوم الليل”، قال: إنى أفعل ذلك، قال: “لا إن لعينك عليك حقًا، وإن لجسدك حقًا، وإن لأهلك حقًا، فصل ونم، وصم وأفطر” (3) .
وهاجر عثمان وأخواه قدامة وعبد الله ابنا مظعون والسائب بن عثمان بن مظعون من مكة جميعًا إلى المدينة، فنزلوا على عبد الله بن سلمة العجلانى، وقيل: على خذام بن وديعة، وآخى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين عثمان بن مظعون وأبى الهيثم بن التيهان الأنصارى، وشهد عثمان بدرًا، وتوفى فى شعبان بعد سنتين ونصف من الهجرة، وصلى عليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ودفن بالبقيع، وهو أول من دفن فيه، وأول من توفى من المهاجرين بالمدينة، وقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هذا فرطنا"، ووضع عند رأسه حجرًا.
وفى الحديث أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما توفيت بنته، قال: "الحقى سلفنا الصالح عثمان بن مظعون"، ووقف النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على شفير قبره.
وكان من أشد الناس اجتهادًا فى العبادة، يصوم النهار، ويصلى الليل، ويتجنب الشهوات، ويعتزل النساء. وفى صحيح البخارى أن أم العلاء الأنصارية قالت: رأيت فى النوم لعثمان بن مظعون عينًا تجرى، فجئت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت له ذلك، فقال: "ذاك عمله".
_________
(1) أخرجه ابن سعد (3/394) ، والطبرانى (9/37، رقم 8318) ، قال الهيثمى (4/294) : فيه يحيى بن العلاء وهو متروك. وأخرجه أيضًا: هناد فى الزهد (2/628، رقم 1358) .
(2) أخرجه أحمد (5/364 رقم 23135) وابن سعد (6/43) ، والبيهقى فى شعب الإيمان (5/150 رقم 6145) .
(3) أخرجه أبو داود (2/48، رقم 1369) . وأخرجه أيضا: أحمد (6/268، رقم 26351) .(1/326)
* * *
باب عجلان، وعدي، وعرابة والعرباض، وعرفجة، وعروة
397 - عجلان والد محمد بن عجلان (1) :
مذكور فى المختصر فى أول نفقة المماليك، هو تابعى مدنى ثقة، روى له مسلم، سمع أبا هريرة، ومولاته فاطمة بنت عتبة بن ربيعة. روى عنه ابنه محمد، وبكير بن عبد الله بن الأشج.
398 - عدى بن حاتم الصحابى، رضى الله عنه (2) :
تكرر فى المختصر والمهذب. هو أبو ظريف، وقيل: أبو وهب عدى بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن حشرج بن امرىء القيس بن عدى بن ربيعة بن جرول، بفتح الجيم وإسكان الراء، ابن ثعل، بضم الثاء المثلثة وفتح العين المهملة، ابن عمرو بن الغوث بن طى بن زيد بن أدد بن زيد بن كهلان بن يشجب بن يعرب بن قحطان الطائى الكوفى الصحابى.
وأبوه حاتم هو المشهور بالكرم. ويختلف النسابون فى بعض الأسماء إلى طىء، قدم عدى على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى شعبان سنة تسع من الهجرة، فأسلم وكان نصرانيًا. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ستة وستون حديثًا، اتفقا منها على ثلاثة، وانفرد مسلم بحديثين. روى عنه قيس بن أبى حازم، ومصعب بن سعد، وسعيد بن جبير، والشعبى، وأبو عبيدة بن حذيفة بن اليمان، وهمام بن الحارث، وتميم بن طرفة، وغيرهم، نزل الكوفة، وتوفى بها سنة تسع وستين، وقيل: سنة ثمان، وهو ابن مائة وعشرين سنة.
قال ابن قتيبة: وكان عدى طويلاً، إذا ركب الفرس كادت رجله تخط الأرض. وشهد مع على الجمل، ثم صفين. قال:: ولم يبق له عقب إلا من قبل ابنتيه أسدة وعمرة، وإنما عقب حاتم من ولده عبد الله بن حاتم، وهم ينزلون نهر كربلاء. ولما توفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدم عدى على أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، فى وقت الردة بصدقة قومه، وثبت على الإسلام، وثبت معه قومه، فلم يرتدوا فيمن ارتد من العرب، وكان جوادًا، شريفًا فى قومه، معظمًا عندهم وعند غيرهم، حاضر الجواب.
روى عنه أنه قال: ما دخل علىَّ وقت صلاة إلا وأنا
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/306) ، التاريخ الكبير للبخارى (7/277) ، الجرح والتعديل (6/90) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (7/162) . تقريب التهذيب (4534) ، وقال: "لا بأس به من الرابعة خت م 4"..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/22) ، التاريخ الكبير للبخارى (7/189) ، الجرح والتعديل (7/1) ، الاستيعاب (3/1057) ، أسد الغابة (3/392) ، سير أعلام النبلاء (3/162) ، تاريخ الإسلام (3/46) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (7/166، 167) ، الإصابة (2/5475) . تقريب التهذيب (4540) ، وقال: “ابن الحشرج بفتح المهملة وسكون المعجمة آخره جيم الطائي أبو طريف بفتح المهملة وآخره فاء صحابي شهير وكان ممن ثبت على الإسلام في الردة وحضر فتوح العراق وحروب علي ومات سنة ثمان وستين وهو ابن مائة وعشرين سنة وقيل مائة وثمانين ع.(1/327)
مشتاق إليها. وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكرمه إذا دخل عليه. وشهد فتوح العراق فى زمن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، فحضر وقعة القادسية، ووقعة مهران، وجسر أبى عبيد، وغير ذلك. وكان مع خالد بن الوليد حين سار إلى الشام، وشهد معه بعض فتوحه، وأرسل معه خالد بن الوليد الأخماس إلى أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، وكان عدى يفت الخيز للنمل، ويقول: إنهن جارات ولهن حق.
وروينا فى صحيحى البخارى ومسلم، واللفظ للبخارى، عن عدى بن حاتم، قال: أتيت عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، فى أناس من قومى، فجعل يفرض للرجل من طىء فى ألفين ويعرض عنى، فاستقبلته فأعرض عنى، ثم أتيته من حيال وجهه، فأعرض عنى، قلت: يا أمير المؤمنين، أتعرفنى؟ فضحك، قال: والله إنى لأعرفك، آمنت إذ كفروا، وأقبلت إذ أدبروا، ووفيت إذ غدروا، وإن أول صدقة بيضت وجه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووجوه أصحابه صدقة طىء، جئت بها إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثم أخذ يعتذر وقال: إنما فرضت لقوم أجحفت بهم الفاقة وهم سادات عشائرهم لما ينوبهم من الحقوق، فقال عدى: فلا أبالى إذًا.
399 - عدى بن عدى بن عميرة - بفتح العين - ابن فروة بن زرارة بن الأرقم بن النعمان بن عمرو بن وهب بن ربيعة بن الحارث بن عدى بن ربيعة بن معاوية الأكرمين ابن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن ثور (1) :
وهو كندة بن عفير الكندى، أبو فروة الجزرى، سيد أهل الجزيرة. واختلفوا
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/480) ، التاريخ الكبير للبخارى (7/193) ، الجرح والتعديل (7/6) ، تاريخ الإسلام (4/277) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (7/168، 169) ، الإصابة (2/5486، 3/6772) . تقريب التهذيب (4543) ، وقال: “ثقة فقيه عمل لعمر ابن عبد العزيز على الموصل من الرابعة مات سنة عشرين ومائة د س ق”..(1/328)
فى أنه صحابى أم تابعى، فذكره ابن أبى عاصم، وعلى العسكرى، والطبرانى، وغيرهم فى الصحابة، ولم يذكره الأكثرون فيهم، والصحيح أنه تابعى، وإنما سبب الاختلاف أنه روى أحاديث عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فظنه بعضهم صحابيًا، وأما أبوه عدى بن عميرة، وعمه العرس بن عميرة، فصحابيان بلا خلاف، وكان عدى بن عدى عامل عمر بن عبد العزيز على الجزيرة والموصل، وكان يقال له: سيد أهل الجزيرة، واستعمال عمر له يدل على أنه لا صحبة له؛ لأنه عاش بعد عمر، ولم يبق أحد من الصحابة إلى خلافة عمر بن عبد العزيز.
روى عدى عن أبيه، عن عمه العرس. روى عنه أيوب السختيانى، وأبو الزبير، والحكم، وجرير بن حازم، وخلائق. واتفقوا على جلالته، وعبادته، وفضله، وصلاحه. قال البخارى: عدى بن عدى سيد أهل الجزيرة. وقال مسلمة بن عبد الملك بن مروان: فى كندة ثلاثة إن الله عز وجل لينزل بهم الغيث وينصر بهم على الأعداء: رجاء بن حيوة، وعبادة بن سبأ، وعدى بن عدى.
وقال ابن معين، وأبو حاتم: ثقة. وقال أحمد بن حنبل: لا يُسأل عن مثله. وقال ابن أبى حاتم: لم يسمع من أبيه. وقال محمد بن سعد: كان ناسكًا، فقيهًا. قال أبو عبيد القاسم بن سلام: توفى عدى بن عدى سنة عشرين ومائة، رحمه الله.
400 - عدى بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصى الأسدى القريشى الصحابى، رضى الله عنه:
أخو ورقة بن نوفل. ذكره ابن عبد البر فى الصحابة. وأمه أمية بنت جابر بن سفيان أخت تابط شرا الفهمى، هكذا ذكره الزبير بن بكار. أسلم عدى يوم الفتح، ثم عمل لعمر وعثمان على حضرموت.
401 - عرابة الأوسى الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المهذب فى أوائل كتاب السير. هو عرابة، بفتح العين وتخفيف الراء وبالباء الموحدة. وهو عرابة بن(1/329)
أوس بن قيظى بن عمرو بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصارى الأوسى الحارثى الصحابى. كان أبوه أوس من رءوس المنافقين.
قال ابن إسحاق، والواقدى: استضغر النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عرابة يوم أُحُد، فردَّه مع نفر، منهم ابن عمر، والبراء بن عازب، وكان عرابة من سادات قومه، كريمًا، جوادًا، كان يُقاس فى الجود بعبد الله بن جعفر، وقيس بن سعد عبادة. قال ابن قتيبة، والمبرد: لقى عرابة الشماخ الشاعر وهو يريد المدينة، فقال: ما أقدمك؟ قال: أردت أمتار لأهلى، وكان معه بعيران فأوقرهما له تمرًا وبرًا، وكساه وأكرمه، فخرج من المدينة، وامتدحه بالقصيدة التى يقول فيها:
رأيت عرابة الأوسى يسمو
إذا ماراية رفعت لمجد
إلى الخيرات منقطع القرين
تلقاها عرابة باليمين
402 - العرباض بن سارية:
أبو نجيح السلمى الصحابى، رضى الله عنه. كان من أهل الصفة، وهو من البكائين، نزل الشام، وسكن حمص. قال محمد بن عوف الحمصى: كل واحد من العرباض بن سارية، وعمرو بن عبسة يقول: أنا ربع الإسلام، أى أنا رابع من أسلم، أول شىء لا يدرى أيهما أسلم قبل صاحبه. روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. روى عنه أبو أمامة الباهلى وغيره من الصحابة وخلق من التابعين. توفى سنة خمس وسبعين، وقيل: توفى فى أيام ابن الزبير.
403 - عرفجة بن أسعد الصحابى، رضى الله عنه (1) :
ذكره فى المهذب فى باب الآنية، وباب ما يكره لبسه، لا ذكر له فى هذه الكتب إلا فيهما. قال ابن عبد البر: هو عرفجة بن أسعد بن صفوان. وقال ابن منده، وأبو نعيم: هو عرفجة بن أسعد بن كرب التميمى البصرى. وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر فى الأطراف: هو عرفجة بن أسعد بن كرب بن صفوان بن خباب بن سحنة بن عطارد بن عوف بن كعب بن زيد مناة بن تميم بن مرة التميمى العطاردى أصيب أنفه يوم الكُلاب، بضم الكاف، وهو يوم من أيام الجاهلية، والكُلاب اسم ماء كانت الوقعة عنده. روى عنه ابن ابنه
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/45) ، التاريخ الكبير للبخارى (7/294) ، الجرح والتعديل (7/85) ، الاستيعاب (3/1062) ، أسد الغابة (3/40) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (7/176) ، الإصابة (2/5506) . تقريب التهذيب (4554) ، وقال: “صحابي نزل البصرة د ت”..(1/330)
عبد الرحمن بن طرفة بن عرفجة، وحديثه فى اتخاذ أنف من ذهب حسن. رواه أبو داود، والترمذى، والنسائى، وقال الترمذى وغيره: هو حديث حسن.
404 - عروة بن الجعد (1) :
ويقال: ابن أبى الجعد البارقى. مذكور فى المختصر والمهذب فى باب الوكالة. هو عروة الأزدى البارقى الكوفى الصحابى، وبارق بطن من الأزد، وهو بارق بن عدى بن حارثة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وإنما قيل له: بارق؛ لأنه نزل عند جبل يقال له: بارق، فنسب إليه، وقيل غير ذلك.
سكن عروة الكوفة، ورُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثة عشر حديثًا، اتفقا منها على حديث، واستعمله عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، على قضاء الكوفة قبل شريح. روى عنه قيس بن أبى حازم، والشعبى، والسبيعى، وشريح بن هانىء، وآخرون، وكان مرابطًا معه عدة أفراس، منها فرس اشتراه بعشرة آلاف درهم. وقال شبيب بن غرقدة: رأيت فى دار عروة بن الجعد سبعين فرسًا مربوطة للجهاد فى سبيل الله عز وجل.
405 - عروة بن الزبير التابعى (2) :
تكرر فى المختصر والمهذب. هو أبو عبد الله عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى القريشى الأسدى المدنى التابعى الجليل. فقيه المدينة، أحد الفقهاء السبعة فقهاء المدينة، وسبق بيانهم فى ترجمة خارجة بن زيد، سمع أباه، وأخاه عبد الله، وأمه أسماء بنت أبى بكر، وخالته عائشة، وسعيد بن زيد، وحكيم بن حزام، وابنه هشام بن حكيم، والعبادلة الأربعة، وأبا أيوب، وأبا حميد، وأبا هريرة، وأسامة، والحسن بن على، والمسور، والمغيرة، والنعمان بن بشير، ومعاوية، وأم سلمة، وأم هانىء، وغيرهم من الصحابة، رضى الله عنهم، وخلائق وغيرهم من التابعين.
روى عنه عطاء، وابن أبى مليكة، وعراك بن مالك، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والزهرى، وعمر بن عبد العزيز، وبنوه هشام، ومحمد، ويحيى، وعبد الله، وعثمان بنو عروة، وخلائق من التابعين وغيرهم.
قال
_________
(1) انظر: الإصابة (3/476) ، وطبقات ابن سعد (6/34) ، وتهذيب التهذيب (7/178) ، والجرح والتعديل (6/395) ، والتاريخ الكبير (7/31) ، وعيون الأخبار (1/153) ..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/178 - 182) ، والتاريخ الكبير للبخارى (7/138) ، والجرح والتعديل (6/2207) ، وسير أعلام النبلاء (4/421، 437) ، وتاريخ الإسلام (4/31) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/180 - 185) . تقريب التهذيب (4561) ، وقال: “ثقة فقيه مشهور من الثالثة مات [قبل المائة] سنة أربع وتسعين على الصحيح ومولده في أوائل خلافة عثمان ع”..(1/331)
ابن شهاب: كان عروة بحرًا لا يكدر. وقال ابنه هشام: والله ما تعلمنا منه جزء من ألفى جزء من حديثه. وقال ابن عيينة: كان أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة: القاسم، وعروة، وعمرة. وقال ابن سعد: كان ثقة، كثير الحديث، فقيهًا، عالمًا، مأمونًا، ثبتًا، ومناقبه كثيرة مشهورة، وهو مجمع على جلالته، وعلو مرتبته، ووفور علمه. قال الجمهور: توفى سنة أربع وتسعين. وقال البخارى: سنة تسع وتسعين، رحمه الله.
406 - عروة بن مسعود الثقفى الصحابى، رضى الله عنه:
هو أبو مسعود، وقيل: أبو يعفور، بالفاء والراء، عروة بن مسعود بن معتب بن مالك ابن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن بن عكرمة ابن خفصة بن قيس عيلان، بالعين المهملة، الثقفى، وأمه سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف القريشية، يجتمع هو والمغيرة بن شعبة بن أبى عامر بن مسعود فى مسعود.
قال ابن إسحاق: لما انصرف النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ثقيف تبعه عروة بن مسعود، فأسلم وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام، وكان فيهم محببًا، مطاعًا، فرجع إليهم، وأظهر دينه، ودعاهم إلى الإسلام، فرموه بالنبل من كل وجه، فأصابه سهم فقتله، فقيل له: ما ترى فى دمك؟ فقال: كرامة أكرمنى الله بها، وشهادة ساقها الله إلىَّ، فادفنونى فى الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيزعمون أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال فيه: “إن مثله فى قومه كمثل صاحب يس فى قومه”. وفى صحيح مسلم وغيره أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ورأيت عيسى ابن مريم، فإذا أقرب من رأيت به شبهًا عروة بن مسعود.
407 - عروة بن مضرس الصحابى، رضى الله عنه (1) :
راوى حديث الوقوف بعرفات. هو عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام بن عمرو بن طريف بن عمرو بن ثمامة بن مالك بن جدعاء بن ذهل بن رومان بن جندب ابن خارجة بن قطرة بن طىء الطائى، كان سيدًا فى قومه، وكان يضاهى عدى بن حاتم فى الرياسة، وكان أبوه عظيم الرياسة، وشهد مع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حجة الوداع، وروى عنه حديثًا. قال على بن المدينى: لم يرو عنه غير الشعبى.
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/31) ، والتاريخ الكبير للبخارى (7/136) ، والجرح والتعديل (6/2204) ، والاستيعاب (3/1067) ، وأسد الغابة (3/406) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/188، 189) ، والإصابة (2/5527) . تقريب التهذيب (4568) ، وقال: “ابن مضرس بمعجمة ثم راء مشددة مكسورة ثم مهملة صحابي له حديث واحد في الحج 4”..(1/332)
* * *
باب عصام، وعطاء، وعطية
408 - عِصام - بكسر العين وتخفيف الصاد - ابن يوسف (1) :
مذكور فى الروصة فى الوصية للفقراء والمساكين، نقل عن الشافعى أنه إذا أوصى للفقراء لم يصرف إلى المساكين، ويجوز عكسه، والمشهور فى المذهب جواز الصرف إلى الفريقين سواء هو أوصى للفقراء أم المساكين. هو [......] (2) .
409 - عطاء بن أبى رباح (3) :
تكرر فى المختصر والمهذب، وذكره فى الوسيط فى الحيض والرهن فى مسألة وطء المرتهن. واسم أبى رباح أسلم، وكنية عطاء أبو محمد المكى القريشى، مولى ابن خثيم القريشى الفهرى، وعطاء معدود فى كبار التابعين. ولد فى آخر خلافة عثمان بن عفان، ونشأ بمكة، وسمع العبادلة الأربعة: ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وابن أبى العاص، وجماعات آخرين من الصحابة، رضى الله عنهم. روى عنه جماعات من التابعين، كعمرو بن دينار، والزهرى، وقتادة، وآخرين، وخلائق من غيرهم. وهو من مفتى أهل مكة وأئمتهم المشهورين، وهو أحد شيوخ أصحابنا الشافعيين فى سلسلة الفقه المتصلة برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما سبق فى أول هذا الكتاب.
روينا عن سلمة بن كهيل، قال: ما رأيت من يطلب بعلمه ما عند الله غير عطاء، وطاووس، ومجاهد. وروينا عن الأوزاعى، قال: كان عطاء أرضى الناس عند الناس. وروينا عن سعيد بن أبى عروبة، قال: إذا اجتمع أربعة لم أبال بمن خالفهم: الحسن، وسعيد بن المسيب، وإبراهيم، وعطاء، هؤلاء أئمة الأنصار.
وعن ابن أبى ليلى، قال: حج عطاء سبعين حجة. وقال الشافعى: ليس فى التابعين أحد أكثر اتباعًا للحديث من عطاء. وروى ابن أبى حاتم بإسناده الصحيح عن سفيان الثورى، عن عمرو بن سعيد، عن أمه، قالت: قدم علينا ابن عمر مكة، فسألوه،
_________
(1) انظر: طبقات ابن سعد (7/379) ، والجرح والتعديل (7/26) ، والثقات لابن حبان (8/521) ، وميزان الاعتدال (3/67) ، ولسان الميزان (4/168) ..
(2) ما بين المعقوفتين بياض بالأصل بقدر سطرين.
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد (2/386، 5/467) ، والتاريخ الكبير للبخارى (6/2999) ، والجرح والتعديل (6/1839) ، وسير أعلام النبلاء (5/78) ، وميزان الاعتدال (3/5640) ، وتاريخ الإسلام (4/278) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/199 - 203) . تقريب التهذيب (4591) ، وقال: "ثقة فقيه فاضل لكنه كثير الإرسال من الثالثة مات سنة أربع عشرة على المشهور وقيل إنه تغير بأخرة ولم يكثر ذلك منه ع"..(1/333)
فقال ابن عمر: تجمعون لى المسائل وفيكم ابن أبى رباح.
وعن ربيعة قال: فاق عطاء أهل مكة فى الفتوى. وعن محمد الباقر، رضى الله عنه، قال: ما بقى أحد من الناس أعلم بأمر الحج من عطاء. وقال الباقر أيضًا: خذوا من حديث عطاء ما استطعتم. وقال إسماعيل، أظنه ابن أمية: كان عطاء يطيل الصمت، فإذا تكلم يخيل إلينا أنه يؤيد.
وقال إبراهيم بن عمر بن كيسان: أذكرهم فى زمان بنى أمية يأمرون فى الحاج صائحًا يصيح: لا يُفتى الناس إلا عطاء بن أبى رباح. واتفقوا على توثيقه وجلالته وإمامته. توفى بمكة. قال الجمهور: سنة خمس عشرة ومائة، وقيل: أربع عشرة ومائة، وقيل: سبع عشرة.
ومن غرائبه أنه قال: إذا أراد الإنسان سفرًا فله القصر قبل خروجه من البلد، ووافقه طائفة من أصحاب بن مسعود، وخالفه الجمهور، وقد أوضحته فى شرح مسلم. ومن غرائبه ما حكاه عنه ابن المنذر وغيره عنه أنه قال: إذا كان العيد يوم الجمعة وجبت صلاة العيد، ولا يجب بعدها لا جمعة ولا ظهر ولا صلاة بعد العيد إلا العصر.
410 - عطاء الخراسانى (1) :
هو أبو أيوب، ويقال: أبو عثمان، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو صالح عطاء بن أبى مسلم، واسم أبى مسلم عبد الله، ويقال: ميسرة الأزدى الخراسانى البلخى. سكن عطاء الشام، وهو مولى للمهلب بن أبى صفرة، وعطاء من التابعين الكبار.
روى عن معاذ بن جبل، وكعب بن عجرة، وابن عباس، وأنس، وعبد الله بن السعدى مرسلاً، وسمع ابن المسيب، وابن جبير، وعكرمة، وأبا مسلم، وأبا إدريس الخولانيين، وعطاء بن أبى رباح، ونافعًا، وعروة، والمقبرى، والزهرى، وآخرين من التابعين. روى عنه عطاء بن أبى رباح، وابن جريج، ومعمر، ومالك، وشعبة، وابنه عثمان بن عطاء، والضحاك بن مزاحم، والأوزاعى، وخلائق من الأئمة، وهو من التابعين العباد متفق على توثيقه.
روينا عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: كنا نعارى عطاء الخراسانى، وكان يُحيى الليل، فإذا مضى من الليل
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/369) ، والتاريخ الكبير للبخارى (6/3027) ، والجرح والتعديل (6/1850) ، وتاريخ الإسلام (5/279) ، وسير أعلام النبلاء (6/140) ، وميزان الاعتدال (3/5642) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/212 - 215) . تقريب التهذيب (4600) ، وقال: “صدوق يهم كثيرا ويرسل ويدلس من الخامسة مات سنة خمس وثلاثين لم يصح أن البخاري أخرج له م 4”..(1/334)
ثلثه أو أكثر نادى ونحن فى فساطيطنا: يا عبد الرحمن ابن يزيد، ويا يزيد بن يزيد، ويا هشام بن العار، قوموا فتوضؤوا وصلوا قيام هذا الليل وصيام هذا النهار أيسر من شراب الصديد ومقطعات الحديد ألوحًا ألوحًا، ثم النجاء النجاء، ثم يقبل على صلاته. روى له مسلم. توفى بأريحاء، فحُمل ودُفن ببيت المقدس سنة خمس وثلاثين ومائة. وقال أبو عبيد: سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وقيل: ولد سنة خمسين، رحمه الله.
411 - عطاء بن يسار (1) :
تكرر فى المختصر. هو أبو محمد عطاء بن يسار الهلالى المدنى، مولى ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين، رضى الله عنها، أخو سليمان، وعبد الملك، وعبد الله بنى يسار، وهو من كبار التابعين، سمع ابن مسعود، وأُبىّ بن كعب، وعبد الله بن سلام، وأبا أيوب، وابن عمر، وابن عباس، وابن عمرو بن العاص، وأبا واقد الليثى، وأبا رافع سعيد الخدرى، وأبا هريرة، وأبا مالك، وزيد بن ثابت، وزيد بن خالد، ومولاته ميمونة، رضى الله عنهم. وقال أبو حاتم: لم يسمع ابن مسعود، وأثبت البخارى سماعه منه.
روى عنه جماعات من التابعين، منهم أبو سلمة بن عبد الرحمن، وعمرو بن دينار، وغيرهما. قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. واتفقوا على توثيقه. قال زيد بن أسلم: توفى سنة ثلاث أو أربع ومائة. وقال عمرو بن على، وابن نمير: توفى سنة أربع وتسعين، وهذا أصح. وقال الهيثم بن عدى: سنة سبع وتسعين.
412 - عطية القرظى الصحابى، رضى الله عنه (2) :
مذكور فى المهذب فى باب الحجر، كان من بنى قريظة يهود المدينة فأسلم، وصحب النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، له حديث واحد فى سنن أبى داود، والترمذى، والنسائى، قال: كنت من سبى بنى قريظة، فكانوا ينظرون، فمن أنبت الشعر قُتل، ومن لم ينبت لم يُقتل، وكنت فيمن لم يُنبت فتركت.
قال العلماء: لا نعرف له غير هذا الحديث، ولا نعرف نسبه. روى عنه مجاهد، وعبد الملك بن عمير، وكثير بن السائب، وحديثه هذا رواه أبو داود، والترمذى، والنسائى بأسانيد صحيحة. قال الترمذى: هو حديث حسن صحيح.
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/173) ، والتاريخ الكبير للبخارى (6/2992) ، والجرح والتعديل (6/1867) ، وسير أعلام النبلاء (4/448، 449) ، وميزان الاعتدال (3/5654) ، وتاريخ الإسلام (4/34، 155) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/217، 218) . تقريب التهذيب (4605) ، وقال: “ثقة فاضل صاحب مواعظ وعبادة من صغار الثانية مات سنة أربع وتسعين وقيل بعد ذلك ع”..
(2) التاريخ الكبير للبخارى (7/34) ، والجرح والتعديل (6/2133) ، والاستيعاب (3/1072) ، وأسد الغابة (3/413) ، وتاريخ الإسلام (3/49) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/229) ، والإصابة (2/2279) . تقريب التهذيب (4623) ، وقال: "القرظي بضم القاف وفتح الراء بعدها ظاء مشالة صحابي صغير له حديث يقال سكن الكوفة 4"..(1/335)
* * *
باب العين والقاف
413 - عقبة بن الحارث الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب فى آخر باب عدد الشهود. هو أبو سروعة، بكسر السين المهملة على المشهور، وقيل: بفتحها، عقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف بن قصى القريشى النوفلى المكى الصحابى، أسلم يوم فتح مكة. روى له البخارى ثلاثة أحاديث، أحدها حديثه المذكور فى المهذب أنه تزوج امرأة، فقالت: امرأة سوداء أرضعتكما. وهذا الذى ذكرناه أنه أبو سروعة هو قول أهل الحديث، ومصعب الزبيرى. وقال جمهور أهل النسب: أبو سروعة أخو عقبة، أسلما يوم الفتح.
414 - عقبة بن عامر الصحابى، رضى الله عنه (2) :
تكرر فى المختصر والمهذب. هو أبو حماد، ويقال: أبو سعاد، ويقال: أبو عامر، ويقال: أبو لبيد، ويقال: أبو عمرو، ويقال: أبو عبس، ويقال: أبو أسيد، ويقال: أبو أسد، ويقال: أبو الأسود عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو بن عدى بن عمرو بن رفاعة ابن مودعة بن عدى بن غنم بن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة الجهنى. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمسة وخمسون حديثًا، اتفقا منها على تسعة، وللبخارى حديث، ولمسلم تسعة.
روى عنه جابر بن عبد الله، وابن عباس، وغيرهما من الصحابى، وخلائق من التابعين. سكن دمشق، وكانت له دار فى ناحية قنطرة سنان من باب توما، وسكن مصر، ووليها لمعاوية بن أبى سفيان سنة أربع وأربعين، وتوفى بها سنة ثمان وخمسين، وكان من أحسن الناس صوتًا بالقرآن، وشهد فتوح الشام، وهو كان البريد إلى عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، بفتح دمشق، ووصل المدينة فى سبعة أيام، ورجع منها إلى الشام فى يومين ونصف بدعائه عند قبر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتشفعه به فى تقريب طريقه.
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/447) ، والتاريخ الكبير للبخارى (6/2886) ، والجرح والتعديل (6/1722) ، والاستيعاب (3/1072، 4/1667) ، وأسد الغابة (3/415) ، وتاريخ الإسلام (3/49) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/238، 239) ، والإصابة (2/5592) . تقريب التهذيب (4634) ، وقال: "صحابي من مسلمة الفتح بقي إلى بعد الخمسين خ د ت س"..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (4/343، 7/498) ، والتاريخ الكبير للبخارى (6/2885) ، والجرح والتعديل (6/1741) ، والاستيعاب (3/1073) ، وأسد الغابة (3/417) ، وسير أعلام النبلاء (2/467) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/242 - 244) ، والإصابة (2/5601) . تقريب التهذيب (4641) ، وقال: "صحابي مشهور اختلف في كنيته على سبعة أقوال أشهرها أنه أبو حماد ولي إمرة مصر لمعاوية ثلاث سنين وكان فقيها فاضلا مات في قرب الستين ع"..(1/336)
415 - عقبة بن فرقد:
مذكور فى المهذب فى خراج السواد. هو [......] (1) .
416 - عقبة بن أبى معيط الكافر:
قُتل يوم بدر كافرًا، مذكور فى كتاب السير من المختصر والمهذب، واسم أبى معيط أبان بن أبى عمرو ذكوان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشى.
417 - عقيل بن أبى طالب الصحابى، رضى الله عنه (2) :
تكرر فى المختصر، وذكره فى المهذب فى باب النشوز، هو بفتح العين، وهو أبو يزيد، وقيل: أبو عيسى عقيل بن أبى طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هشام بن عبد مناف القرشى الهاشمى المكى ابن عم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو أخو على وجعفر وطالب لأبيهم، كان طالب أسن من عقيل بعشر سنين، وعقيل أسن من جعفر بعشر سنين، وجعفر أسن من على بعشر سنين.
حضر بدرًا مع المشركين مكرهًا، وأسر يومئذ ففداه عمه العباس، ثم أسلم قبل الحديبية، وجاء إلى المدينة مهاجرًا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سنة ثمان، وشهد غزوة مؤتة مع أخيه جعفر، ثم رجع فعرض له مرض، فلم يسمع له بذكر فى فتح مكة، ولا غزوة حنين والطائف، وأعطاه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من خيبر مائة وأربعين وسقًا كل سنة، وكان من أنسب قريش وأعلمهم بآبائها وأيامها، وكان سريع الجواب المُسْكِت للخصم، وله فيه حكايات حسنة شتى، وكان تطرح له طنفسة فى مسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيجتمع الناس إليه فى علم النسب وأيام العرب.
روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحاديث، وهو قليل الحديث. روى عنه ابنه محمد، وابن ابنه عبد الله بن محمد بن عقيل، وموسى بن طلحة، والحسن البصرى، وغيرهم. توفى فى خلافة معاوية، وقد كف بصره، ودُفن بالبقيع، وقبره مشهور عليه قبة فى أول البقيع.
قال ابن قتيبة: كان لعقيل من الأولاد: مسلم، وعبد الله، وعبيد الله، ومحمد، وعبد الرحمن، وحمزة، وعلى، وجعفر، وعثمان، ويزيد، وسعد، وأبو سعيد، ورملة، وزينب، وفاطمة، وأسماء، وأم هانىء.
* * *
_________
(1) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (4/42 - 44) ، والتاريخ الكبير للبخارى (7/230) ، والجرح والتعديل (6/1201) ، والاستيعاب (3/1078) ، وأسد الغابة (3/422) ، وسير أعلام النبلاء (1/218، 3/99) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/254) ، والإصابة (2/2628) . تقريب التهذيب (4661) ، وقال: "صحابي عالم بالنسب مات سنة ستين وقيل بعدها س ق"..(1/337)
باب العين والكاف
418 - عكاشة بن محصن الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المختصر فى قتال البغاة. هو بتخفيف الكاف وتشديدها وجهان مشهوران، ورواية الأكثرين بالتشديد. وهو أبو محسن، بكسر الميم، عكاشة بن محصن بن حرثان، بضم الحاء المهملة وإسكان الراء وبعدها ثاء مثلثة، ابن قيس بن مرة بن بكير، بالموحدة، ابن غنم بن دودان، بدالين مهملتين الأولى مضمومة، ابن أسد بن خزيمة بن مدركة الأسدى حليف بنى عبد شمس.
شهد بدرًا وأبلى فيها بلاء حسنًا. قالوا: وانكسر سيفه فأعطاه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عرجونًا أو عودًا فعاد فى يده سيفًا شديد المتن أبيض الحديد، فقاتل به حتى فتح الله تعالى على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى استشهد فى قتال المرتدين فى زمن أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، وكان ذلك السيف يسمى العود، وشهد أُحُدًا، والخندق، وسائر المشاهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان من أجمل الرجال، توفى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وله أربع وأربعون سنة.
روى عنه أبو هريرة، وابن عباس، وبشَّره رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأنه يدخل الجنة بغير حساب. روينا فى صحيحى البخارى ومسلم، عن ابن عباس فى الحديث الطويل، أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عرقت عليه الأمم، فرأى سوادًا عظيمًا، فقيل له: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ثم فسرهم النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون" (2)
) ، فقام عكاشة بن محصن، فقال: ادع الله أن يجعلنى منهم، فقال: “أنت منهم”، ثم قام رجل آخر، فقال: ادع الله أن يجعلنى منهم، فقال: “سبقك بها عاشة”.
419 - عكرمة بن أبى جهل (3) :
الصحابى، ابن عدو الله. مذكور فى المختصر فى نكاح المشرك. هو أبو عثمان عكرمة بن أبى جهل عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله
_________
(1) انظر: الإصابة (7/32) ، وأسد الغابة (4/67) ، والاستيعاب (8/112) ، وطبقات ابن سعد (3/92) ، وحلية الأولياء (2/12) (102) ، وسير أعلام النبلاء (1/307) (60) ، والعقد الثمين (6/116) ..
(2) حديث ابن عباس: أخرجه أحمد (1/271، رقم 2448) ، والبخارى (5/2170، رقم 5420) ، ومسلم (1/199، رقم 220) . وأخرجه أيضًا: الترمذى (4/631، رقم 2446) وقال: حسن صحيح. والنسائى فى الكبرى (4/378، رقم 7604) ، وابن حبان (14/339، رقم 6430) .
حديث عمران بن حصين: أخرجه الطبرانى (18/241، رقم 605) . وأخرجه أيضًا: ابن حبان (13/454، رقم 6089) .
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/444، 7/404) ، والتاريخ الكبير للبخارى (7/217) ، والجرح والتعديل (7/31) ، والاستيعاب (3/1082) ، وأسد الغابة (4/4) ، وسير أعلام النبلاء (1/323) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/257، 258) ، والإصابة (2/5638) . 4667) ، وقال: “صحابي أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه واستشهد بالشام في خلافة أبي بكر على الصحيح ت”..(1/338)
بن عمر بن مخزوك بن يقظة ابن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب القريشى المخزومى، وكان أبا جهل يكنى فى الجاهلية أبا الحكم، وكناه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا جهل، وكان أبو جهل وابنه عكرمة من أشد الناس عداوة لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقتل الله أبا جهل يوم بدر كافرًا وبقى عكرمة، ثم هداه الله تعالى، فأسلم عكرمة بعد الفتح بقليل.
وروينا فى مسند أبى يعلى الموصلى، عن سعد بن أبى وقاص، رضى الله عنه، قال: لما كان يوم فتح مكة أمَّن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الناس إلا أربعة رجال وامرأتين، وقال: “اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبى جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، بضم الصاد المهملة، وعبد الله بن سعد بن أبى سرح”.
فأما ابن خطل فأُدرك وهو متعلق بأستار الكعبة، فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر، فسبق عمارًا، وكان أشب الرجلين، فقتله. وأما مقيس بن صبابة، فأدركه الناس فى السوق فقتلوه، وأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم عاصف، فقال أصحاب السفينة لأهل السفينة: أخلصوا، فإن آلهتكم لا تغنى عنكم شيئًا هاهنا، فقال عكرمة: إن لم ينجنى فى البحر إلا الإخلاص ما ينجينى فى البر غيره، اللهم لك علىَّ عهد إن أنت عافيتنى مما أنا فيه أن آتى محمدًا حتى أضع يدى فى يده، فلأجدنه عفوًا كريمًا، فجاء فأسلم.
وأما عبد الله بن سعد، فإنه اختفى عند عثمان بن عفان، فلما دعا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الناس للبيعة، جاء به عثمان حتى وقفه بين يدى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا رسول الله، بايع عبد الله، فرفع رأسه فنظر إليه، ففعل ذلك ثلاثًا، كل ذلك يأبى ثم بايعه، ثم أقبل على أصحابه، فقال: “أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآنى كففت يدى عن بيعته فيقتله”.
وقيل: إن زوجة عكرمة سارت إليه إلى اليمن بأمان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكانت أسلمت، فجاءت به إلى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأسلم وحسن إسلامه، ثم كان من صالحى المسلمين، ولما أسلم قال: يا رسول الله، لا أدع مالاً أنفقته عليك إلا أنفقت فى سبيل الله مثله.
واستعمله النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على صدقات هوازن عام حجة الوداع، وله فى قتال أهل الردة أثر عظيم. استعمله أبو بكر الصديق، رضى الله عنه، على جيش، وسيره(1/339)
إلى أهل عمان، وكانوا ارتدوا، فظهر عليهم، ثم وجهه أيضًا أبو بكر إلى اليمن، فلما فرغ من قتال أهل الردة سار إلى الشام مجاهدًا أيام أبى بكر مع عساكر المسلمين، فلما عسكروا بالجرف على ميلين من المدينة، وخرج أبو بكر، رضى الله عنه، يطوف فى عسكرهم، فأبصر خباء عظيمًا حوله ثمانية أفراس ورماح وعدة ظاهرة، فانتهى إليه، فإذا هو خباء عكرمة، فسلَّم عليه أبو بكر وجزاه خيرًا، وعرض عليه المعونة، فقال: لا حاجة لى فيها، معى ألفا دينار، فدعا له بخير، فسار إلى الشام، واستشهد بأجنادين، وقيل: باليرموك، وقيل: بمرج الصفر، وكانت أجنادين ومرج الصفر كلاهما سنة ثلاث عشرة، وأجنادين بكسر الدال وفتحها، موضع من أرض فلسطين بين الرملة وبين جبرين، ويقال: جبرون، وكان له يوم استشهد اثنان وستون سنة.
وقال عكرمة يوم اليرموك: قاتلت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى كل موطن وأفر منكم، ثم نادى: من يبايع على الموت، فبايعه عمه الحارث بن هشام، وضرار بن الأزور فى أربعمائة من وجوه فرسانهم، فقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعًا جراحات وقتلوا، إلا ضرار بن الأزور.
وروينا عن الزهرى أن عكرمة بن أبى جهل يوم فحل، بكسر الفاء وفتحها، كان أعظم الناس بلاء، وأنه كان يركب الأسنة حتى جرحت صدوره ووجهه، فقيل له: اتق الله وارفق بنفسك، فقال: كنت أجاهد بنفسى عن اللات والعزى فأبذلهما لهما، أفأستبقيها الأن عن الله ورسوله، لا والله أبدًا، فلم يزدد إلا إقدامًا حتى قُتل. روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحاديث، رضى الله عنه.
420 - عكرمة بن خالد (1) :
مذكور فى المهذب فى دية المأمومة. هو عكرمة بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القريشى المخزومى المكى التابعى المتفق على توثيقه. سمع ابن عمر، وابن عباس، وسعيد بن جبير. روى عنه عمرو بن دينار، وحنظلة بن أبى سفيان، وابن طاووس، وقتادة، وخلائق غيرهم. روى له البخارى. توفى بعد عطاء، وسبقت وفاة عطاء.
421 - عكرمة مولى ابن عباس:
تكرر فى المختصر، وذكره فى المهذب فى آخر
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/475) ، والتاريخ الكبير للبخارى (7/221) ، والجرح والتعديل (7/34) ، وميزان الاعتدال (3/5711) ، وتاريخ الإسلام (5/281) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/258، 259) . تقريب التهذيب (4668) ، وقال: “ثقة من الثالثة مات بعد عطاء خ م د ت س”..(1/340)
الظهار. هو أبو عبد الله عكرمة مولى ابن عباس الهاشمى المدنى، أصله بربرى من أهل المغرب، وهو من كبار التابعين. سمع الحسن بن على، وأبا قتادة، وابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو، وأبا هريرة، وأبا سعيد، ومعاوية، وغيرهم. روى عنه جماعات من التابعين، منهم أبو الشعثاء، والشعبى، والنخعى، والسبيعى، وابن سيرين، وعمرو بن دينار، وخلائق غيرهم من التابعين، وخلائق من غيرهم.
قال ابن معين: عكرمة ثقة. قال: وإذا رأيت من يتكلم فى عكرمة فاتهمه على الإسلام. وقال أبو حاتم: هو ثقة، وإنما أنكر عليه مالك ويحيى بن سعيد لرأيه. وقال البخارى: ليس أحد من أصحابنا إلا يحتج بعكرمة. وقال محمد بن سعد: كان كثير العلم، بحرًا من البحور، وليس يحتج بحديثه، ويتكلم الناس فيه.
وذكر ابن سعد، عن عمرو بن دينار، قال: دفع إلىَّ أبو الشعثاء مسائل أسأل عنها عكرمة، وقال: هذا البحر فاسألوه. وقال أحمد بن عبد الله العجلى: عكرمة ثقة، وهو برىء مما يرميه به الناس. وقال عكرمة: إنى لأخرج إلى السوق، فأسمع الرجل يتكلم بكلمة فيفتح لى خمسون بابًا من العلم.
وقال أبو حاتم: أعلم موالى ابن عباس عكرمة. وقال أبو أحمد ابن عدى: لم يمتنع الأئمة من الرواية عن عكرمة، وأدخله أصحاب الصحاح صحاحهم. قال البيهقى: روى له البخارى دون مسلم. توفى سنة أربع ومائة، وقيل: خمس، وقيل: ست، وقيل: سبع.
* * *
باب العين واللام
422 - العلاء بن الحضرمى الصحابى، رضى الله عنه (1) :
اسم الحضرمى عبد الله بن عباد بن أكبر بن ربيعة بن مالك بن عويف بن مالك بن الخزرج بن إياد بن صدى بن زيد بن مقنع بن حضرموت الحضرمى، حليف بنى أمية، ويقال فى أبيه: عبد الله بن عمار، ويقال غير ذلك. ولاَّه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - البحرين، وتوفى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو عليها، فأقره أبو بكر، ثم عمر، رضى الله عنهما.
وتوفى سنة أربع عشرة،
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (4/359) ، الاستيعاب (3/1085) ، أسد الغابة (4/7) ، سير أعلام النبلاء (1/262) ، تهذيب التهذيب (8/178، 179) ، الإصابة (2/5642) ، تقريب التهذيب (5231) ، وقال: "صحابي جليل ومات سنة أربع عشرة وقيل بعد ذلك ع"..(1/341)
وقيل: سنة إحدى وعشرين واليًا عليها. قيل: كان مجاب الدعوة، وأنه خاض البحر بكلمات قالهن، وكان له أثر عظيم فى قتال أهل الردة عند البحرين. روى له البخارى ومسلم حديثًا واحدًا. روى عنه السائب بن يزيد، وأبو هريرة.
423 - العلاء بن زياد (1) :
مذكور فى المهذب فى موقف الإمام فى الصلاة على الميت. هو العلاء بن زياد بن مطر العدوى البصرى التابعى. روى عن أبيه. روى عنه قتادة، وجرير بن حازم.
424 - علقمة بن علاثة - بضم العين المهملة وتخفيف اللام وبالثاء المثلثة - ابن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامرى الكلابى (2) :
من الصحابة المؤلفة، كان من أشراف قومه، سيدًا فيهم، حليمًا، عاقلاً، ثم ارتد علقمة حين عاد النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الطائف ولحق بالشام، ثم عاد إلى قومه بعد وفاة النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأرسل إليه أبو بكر، رضى الله عنه، سرية فانهزم، ثم أسلم وحسن إسلامه، واستعمله عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، على حوران، فتوفى بها.
425 - علقمة الراوى عن عبد الله:
هو ابن مسعود. تكرر فى مواضع من المهذب فى أول النكاح، وفى الطلاق، وفى أول اللعان. هو أبو شبل علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة بن سلامان بن كهيل بن بكر بن عوف بن النخع، ويقال: بكر بن المنتشر بن النخع النخعى الكوفى التابعى الكبير، الجليل، الفقيه، البارع، وهو عم الأسود، وعبد الرحمن ابنى يزيد خالى إبراهيم النخعى.
سمع عمر بن الخطاب، وعثمان، وعليًا، وابن مسعود، وسلمان الفارسى، وخبابًا، وحذيفة، وأبا موسى الأشعرى، وعائشة، وغيرهم من الصحابة، رضى الله عنهم. روى عنه أبو وائل، وإبراهيم النخعى، والشعبى، وابن سيرين، وعبد الرحمن بن يزيد، وأبو الضحى، وغيرهم من التابعين. وأجمعوا على جلالته، وعظم محله، ووفور علمه، وجميل طريقته.
قال إبراهيم النخعى: كان علقمة يشبه بابن مسعود. وقال أبو إسحاق السبيعى: كان علقمة من الربانيين. وقال أحمد بن حنبل: علقمة ثقة من أهل الخير. وقال أبو سعد السمعانى:
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/217) ، الجرح والتعديل (6/1961) ، تهذيب التهذيب (1/342) ، سير أعلام النبلاء (4/202، 206) ، تاريخ الإسلام (4/41) ، تهذيب التهذيب (8/181، 182) ، تقريب التهذيب (5238) ، وقال: "ثقة من الرابعة مات سنة أربع وتسعين خت مد س ق"..
(2) انظر: الإصابة (2/503) ، وأسد الغابة (4/13) ، والاستيعاب (3/126) ، والبداية والنهاية (7/142) ..(1/342)
كان علقمة أكبر أصحاب ابن مسعود وأشبههم هديًا ودلالة. توفى سنة ثنتين وستين، وقيل: ثنتين وسبعين من الهجرة.
426 - علقمة بن وائل (1) :
مذكور فى المهذب فى أوائل باب الإقطاع من كتاب إحياء الموات. هو علقمة بن وائل بن حجر الحضرمى الكوفى، أبوه صحابى، وهو تابعى. روى عن أبيه، والمغيرة بن شعبة، وطارق بن سويد. روى عنه سماك بن حرب، وعبد الملك بن عمير، وغيرهما، وهو ثقة بالاتفاق. قال يحيى بن معين: وروايته ورواية أخيه عبد الجبار عن أبيهما مرسلة، لم يدركاه.
427 - على بن الحسين، رضى الله عنهما (2) :
مذكور فى المختصر فى باب إمامة المرأة. هو أبو الحسين، وقيل: أبو الحسن، وقيل: أبو محمد على بن الحسين بن على بن أبى طالب الهاشمى المدنى التابعى المعروف بزين العابدين، رضى الله عنه. سمع أباه، وابن عباس، والمسور، وأبا رافع، وعائشة، وأم سلمة، وصفية أزواج النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومروان بن الحكم، وسعيد بن المسيب، وآخرين من التابعين. روى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن، ويحيى الأنصارى، والزهرى، وأبو الزناد، وزيد بن أسلم، وحكيم بن جبير، وابنه أبو جعفر محمد بن على، وغيرهم. وأجمعوا على جلالته فى كل شىء.
قال يحيى الأنصارى: هو أفضل هاشمى رأيته بالمدينة. وقال الزهرى: لم أدرك بالمدينة أفضل منه. وقال حماد بن زيد: كان أفضل هاشمى أدركته. وقال أبو بكر بن أبى شيبة: أصح الأسانيد كلها الزهرى، عن على بن الحسين، عن أبيه، عن على. وفى هذه المسألة خلاف. وقال أحمد بن صالح: ولد الزهرى وعلى بن الحسين فى سنة واحدة سنة خمسين. وقال يعقوب بن سفيان: ولد سنة ثلاث وثلاثين.
روينا عن محمد بن سعد، قال: كان ثقة، مأمونًا، كثير الحديث، عاليًا، رفيعًا. وروينا عن شيبة بن نعامة، قال: لما توفى على بن الحسين وجدوه يقوت مائة أهل بيت بالمدينة فى السر. توفى بالمدينة سنة أربع وتسعين، وكان يقال لها: سنة الفقهاء؛ لكثرة من مات فيها منهم، وقيل: توفى سنة ثنتين وتسعين.
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/312) ، والتاريخ الكبير للبخارى (7/178) ، والجرح والتعديل (6/2260) ، وتاريخ الإسلام (4/35) ، وميزان الاعتدال (3/5761) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/280) . تقريب التهذيب (4684) ، وقال: “ابن حجر بضم المهملة وسكون الجيم صدوق إلا أنه لم يسمع من أبيه من الثالثة ي م 4”..
(2) انظر: طبقات ابن سعد (5/211 - 222) ، وتاريخ ابن معين (2/416) ، والتاريخ الكبير (6/266، 267) ، وتاريخ اليعقوبى (2/303 - 305) ، والجرح والتعديل (6/178، 179) ، وحلية الأولياء (3/133 - 145) ، وصفة الصفوة (2/93 - 102) ، ووفيات الأعيان (3/266 - 269) ، وتذكرة الحفاظ (1/74، 75) ، وسير أعلام النبلاء (4/386 - 401) برقم (157) ، نهاية الأرب (21/324 - 331) ، النجوم الزاهرة (1/229) ، وتهذيب التهذيب (7/304 - 307) ، وتقريب التهذيب (2/35) ، وغاية النهاية برقم (2206) ، والبداية والنهاية (9/103 - 115) ، وفوات الوفيات (4/332) ، ومرآة الجنان (1/189 - 192) ..(1/343)
428 - على بن زيد بن جدعان (1) :
مذكور فى المختصر فى الديات فى أسنان الإبل. هو أبو الحسن على بن زيد بن جدعان، بضم الجيم وإسكان الدال المهملة، ابن عمرو بن زهير بن عبد الله بن جدعان ابن عمرو بن كعب بن عمرو بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب القريشى التيمى البصرى، ويقال: المكى الأعمى. نزل البصرة، سمع أنس بن مالك، وأبا عثمان النهدى، وسعيد بن المسيب، وجماعات من التابعين. روى عنه قتادة، وابن عون، وعبيد الله بن عمر، والسفيانان، والحمادان، وشعبة، وابن أبى عروبة، وخلائق، وهو ضعيف عند المحدثين.
429 - على بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القريشى الهاشمى المكى المدنى الكوفى (2) :
أمير المؤمنين، ابن عم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. تكرر فى هذه الكتب، واسم أبى طالب: عبد مناف، هذا هو المشهور، وقيل: اسمه كنيته، وأم على، رضى الله عنها، فاطمة بنت أسد ابن هاشم بن عبد مناف الهاشمية، وهى أول هاشمية ولدت هاشميًا، أسلمت وهاجرت إلى المدينة، وتوفيت فى حياة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وصلى عليها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونزل فى قبرها.
كنية على، رضى الله عنه: أبو الحسن، وكناه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أبا تراب، فكان أحب ما ينادى به إليه، وهو أخو رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمؤاخاة، وصهره على فاطمة سيدة نساء العالمين، وأبو السبطين، وأول هاشمى ولد بين هاشميين، وأول خليفة من بنى هاشم، وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو عنهم راض، وأحد الخلفاء الراشدين، وأحد العلماء الربانيين، والشجعان المشهورين، والزهاد المذكورين، وأحد السابقين إلى الإسلام.
وقد اختلف العلماء فى أوَّل مَن أسلم مِن الأمة، فقيل: خديجة، وقيل: أبو بكر، وقيل: على، رضى الله عنهم، والصحيح خديجة، ثم أبو بكر، ثم على. ونقل الثعلبى إجماع العلماء على أن أوَّل مَنْ أسلم خديجة. قال: إنما الخلاف فى الأول بعدها. قال العلماء: والأورع أن يقال: أوَّل مَن أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر، ومن الصبيان على، ومن
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/252) ، والتاريخ الكبير للبخارى (6/2389) ، والجرح والتعديل (6/1021) ، وسير أعلام النبلاء (5/206) ، وتاريخ الإسلام (5/111، 283) ، وميزان الاعتدال (3/5844) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/322 - 324) . تقريب التهذيب (4734) ، وقال: “ضعيف من الرابعة مات سنة إحدى وثلاثين وقيل قبلها بخ م 4”..
(2) انظر: الإصابة (2/ت 588) ، والاستيعاب (3/1089) ، وأسد الغابة (4/16) ، وتهذيب الكمال (4089) ، والتاريخ الكبير (6/ت 2343) ، وطبقات ابن سعد (3/11) ، والبداية والنهاية (7/328) ، وتاريخ بغداد (1/133) ، وتهذيب التهذيب (7/334) ، وشذرات الذهب (1/84) ، ومصادر ترجمة أمير المؤمنين على بن أبى طالب، رضى الله عنه، لا تعد ولا تحصى، ومناقبه أجل من أن يستوعبها كتاب..(1/344)
النساء خديجة، ومن الموالى زيد بن حارثة، ومن العبيد بلال.
وممن قال بأن عليًا أولهم إسلامًا ابن عباس، وأنس، وزيد بن أرقم، رواه الترمذى عنهم، ورواه الطبرانى عن سلمان الفارسى، ورووه عن محمد بن كعب القرظى. وقال بريدة: أولهم إسلامًا خديجة، ثم على. وحكى مثله عن أبى ذر، والمقداد، وخباب، وجابر، وأبى سعيد الخدرى، والحسن البصرى، وغيرهم. وقال آخرون: أولهم إسلامًا أبو بكر، رضى الله عنه، وسنذكرهم فى ترجمة إن شاء الله تعالى.
قالوا: وأسلم وهو ابن عشر سنين، وقيل: ابن خمس عشرة، حكوه عن الحسن البصرى وغيره. وقال أبو الأسود تيم عروة: أسلم على والزبير وهما ابنا ثمان سنين. وقال ابن عبد البر: لا أعلم أحدًا قال كقوله هذا. وهاجر على، رضى الله عنه، إلى المدينة، واستخلفه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين هاجر من مكة إلى المدينة أن يقيم بعده بمكة أيامًا حتى يؤدى عنه أمانته والودائع والوصايا التى كانت عند النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم يلحقه بأهله، ففعل ذلك.
وشهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، وبيعة الرضوان، وخيبر، والفتح، وحنينًا، والطائف، وسائر المشاهد إلا تبوك، فإن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استخلفه على المدينة، وله فى جميع المشاهد آثار مشهورة. وأجمع أهل التواريخ على شهده بدرًا وسائر المشاهد غير تبوك. قالوا: وأعطاه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللواء فى مواطن كثيرة.
وقال سعيد بن المسيب: أصبت عليًا يوم أُحُد ستة عشر ضربة. وثبت فى الصحيحين أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطاه الراية يوم خيبر، وأخبر أن الفتح يكون على يديه، وأحواله فى الشجاعة وآثاره فى الحروب مشهورة. وأما علمه، فكان من العلوم بالمحل العالى.
روى عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمسمائة حديث وستة وثمانين حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على عشرين، وانفرد البخارى بتسعة، ومسلم بخمسة عشر. روى عنه بنوه الثلاثة الحسن، والحسين، ومحمد بن الحنفية، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وأبو موسى، وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن الزبير، وأبو سعيد، وزيد بن أرقم، وجابر بن عبد الله، وأبو أمامة، وصهيب، وأبو رافع، وأبو هريرة، وجابر بن سمرة، وحذيفة بن أسيد، وسفينة،(1/345)
وعمرو بن حريث، وأبو ليلى، والبراء بن عازب، وطارق ابن شهاب، وطارق بن أشيم، وجرير بن عبد الله، وعمارة بن رويثة، وأبو الطفيل، وعبد الرحمن بن أبزى، وبشر بن سحيم، وأبو جحيفة الصحابيون، رضى الله عنهم، إلا ابن الحنفية، فإنه تابعى. وروى عنه من التابعين خلائق مشهورون.
ونقلوا عن ابن مسعود، قال: كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة على. وقال ابن المسيب: ما كان أحد يقول: سلونى، غير على. وقال ابن عباس: أعطى على تسعة أعشار العلم، ووالله لقد شاركهم فى العشر الباقى. قال: وإذا ثبت لنا الشىء عن على لم نعدل إلى غيره، وسؤال كبار الصحابة له، ورجوعهم إلى فتاويه وأقواله فى المواطن الكثيرة، والمسائل المعضلات مشهور.
وأما زهده فهو من الأمور المشهورة التى اشترك فى معرفتها الخاص والعام. ومن كلماته فى الزهد قوله: الدنيا جيفة، فمن أراد منها شيئًا فليصبر على مخالطة الكلاب.
وأما ما رويناه عنه فى مسند الإمام أحمد بن حنبل وغيره أنه قال: لقد رأيتنى وإنى لأربط الحجر على بطنى من الجوع وإن صدقتى لتبلغ فى اليوم أربعة آلاف دينار. وفى رواية: أربعين ألف دينار. فقال العلماء: لم يرد به زكاة مال يملكه، وإنما أراد الوقوف التى تصدق بها وجعلها صدقة جارية، وكان الحاصل من غلتها يبلغ هذا القدر. قالوا: ولم يدخر قط مالاً يقارب هذا المبلغ، ولم يترك حين توفى إلا ستمائة درهم. روينا عن سفيان بن عيينة، قال: ما بنى على، رضى الله عنه، لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة. وروينا أنه كان عليه إزار غليظ اشتراه بخمسة دراهم.
وأما الأحاديث الواردة فى الصحيح فى فضله فكثيرة. روينا فى صحيحى البخارى ومسلم عن سعد بن أبى وقاص، رضى الله عنه، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلف على بن أبى طالب فى غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله، تخلفنى فى النساء والصبيان؟ فقال: “أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبى بعدى” (1)
) .
وفى صحيحيهما عن سهل بن سعد، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال يوم خيبر: “لأعطين الراية غدًا رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله” (2) ، فبات الناس يدولون ليلتهم أيهم يعطاها،
_________
(1) حديث البراء وزيد: أخرجه الطبرانى (5/203، رقم 5095) . قال الهيثمى (9/111) : رواه الطبرانى بإسنادين فى أحدهما ميمون أبو عبد الله البصرى وثقه ابن حبان وضعفه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح.
حديث سعد بن أبى وقاص: أخرجه الطيالسى (ص 28، رقم 205) ، وأحمد (1/179، رقم 1547) ، والبخارى (3/1359، رقم 3503) ، ومسلم (4/1870، رقم 2404) ، والترمذى (5/641، رقم 3731) وقال: حسن. وابن ماجه (1/42، رقم 115) .
حديث أم سلمة: أخرجه الطبرانى (23/377، رقم 892) . وأخرجه أيضًا: أبو يعلى (12/310، رقم 6883) ، قال الهيثمى (9/109) : رواه أبو يعلى والطبرانى وفى إسناد أبى يعلى محمد بن سلمة بن كهيل وثقه ابن حبان وضعفه غيره وبقية رجاله رجال الصحيح.
(2) أخرجه أبو داود (3/322، رقم 3661) . وأخرجه أيضا: البخاري (3/ 1077، رقم 2783) . ومسلم (4/1872، رقم 2406) .(1/346)
فلما أصبح الناس غدوا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلهم يرجوا أن يعطاها، فقال: “أين على بن أبى طالب؟ ”، فقيل: يا رسول الله، هو يشتكى عينيه، قال: “فأرسلوا إليه”، فأتى به، فبصق رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى عينيه ودعا له، فبرىء حتى كأن لم يكن فيه وجع، فأعطاه الراية، فقال على: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: “انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدى الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم”. قوله: “يدولون”، أى يخوضون ويتحدثون. وفى صحيحيهما عن سلمة بن الأكوع نحوه.
وفى صحيح مسلم، عن سعد بن أبى وقاص فى حديث طويل قال فى آخره: لما نزلت هذه الآية: {نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ} [آل عمران: 61] ، دعا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليًا، وفاطمة، وحسنًا، وحسينًا، فقال: “اللهم هؤلاء أهلى”.
وفى صحيح مسلم أيضًا، عن زيد بن أرقم فى جملة حديث طويل، قال: قام فينا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطيبًا بماء يدعى خمًا بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: “أما بعد، ألا أيها الناس إنما أنا بشر، يوشك أن يأتينى رسول ربى فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله تعالى، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به”، فحث على كتاب الله تعالى ورغب فيه، قال: “وأهل بيتى أذكركم الله فى أهل بيتى، أذكركم الله فى أهل بيتى” (1) ، فقيل: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعد، قال: ومَن هُم؟ قال: آل على، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس.
وفى كتاب الترمذى، عن أبى شريجة الصحابى، أو زيد بن أرقم، شك شعبة، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: “من كنت مولاه فعلى مولاه” (2)
) ، رواه الترمذى، وقال: حديث حسن، والشك فى عين الصحابى لا يقدح فى صحة الحديث؛ لأنهم كلهم عدول.
وعن بريدة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إن الله أمرنى بحب أربعة، وأخبرنى أنه يحبهم”، قيل: يا رسول الله، سمهم لنا، قال: “على منهم”، يقول ذلك ثلاثًا، “وأبو ذر، والمقداد، وسلمان، أمرنى بحبهم، وأخبرنى أنه يحبهم”، رواه الترمذى، وقال: حديث حسن.
وعن حبشى بن جنادة الصحابى، رضى الله عنه، قال: قال رسول
_________
(1) أخرجه أحمد (4/366، رقم 19285) ، والدارمى (2/524، رقم 3316) ، وعبد بن حميد (ص 114، رقم 265) ، ومسلم (4/1873، رقم 2408) ، وابن خزيمة (4/62، رقم 2357) ، وابن حبان (1/330، رقم 123) ، والحاكم (3/160، رقم 4711) ، (3/118، رقم 4577) ، (3/613، رقم 6272) . وأخرجه: البيهقى (2/148، رقم 2679) .
(2) حديث ابن عباس: الحاكم (3 /143، رقم 4652) .
حديث ابن عباس عن بريدة: أخرجه ابن أبى شيبة (6/374، رقم 32132) ،
وأحمد (5/347، رقم 22995) . وأخرجه أيضًا: الحاكم (3/119، رقم 4578) .
حديث البراء: أخرجه أحمد (4/281، رقم 18502) .
حديث جرير: أخرجه الطبرانى (2/357، رقم 2505) .
حديث حبشى بن جنادة: أخرجه ابن قانع (1/199) .
حديث أبى الطفيل عن زيد: أخرجه الترمذى (5/633، رقم 3713) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائى فى السنن الكبرى (5/130، رقم 8464) ، والطبرانى (3/179، رقم 3049) .
حديث جابر: أخرجه ابن أبى شيبة (6/366، رقم 32072) .
حديث أبى أيوب: أخرجه ابن أبى شيبة (6/366، رقم: 32073) ، والطبرانى (4/173، رقم 4052) .
حديث على وثلاثة عشر رجلا: أخرجه أحمد (1/84، رقم 641) .
حديث مالك بن الحويرث: أخرجه الطبرانى (19/291، رقم 646) .(1/347)
الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “على منى وأنا من على، ولا يؤدى عنى إلا أنا أو على” (1) ، رواه الترمذى، والنسائى، وابن ماجة. قال الترمذى: حديث حسن. وفى بعض النسخ: حسن صحيح.
وعن ابن عمر، قال: آخا النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين أصحابه، فجاء على تدمع عيناه، فقال: يا رسول الله، آخيت بين أصحابك فى الدنيا ولم تؤاخ بينى وبين أحد، فقال له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “أنت أخى فى الدنيا والآخرة”، رواه الترمذى، وقال: حديث حسن.
وعن أم عطية، قالت: بعث النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جيشًا فيهم على، فسمعت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو رافع يديه يقول: “اللهم لا تمتنى حتى ترينى عليًا”، رواه الترمذى، وقال: حديث حسن.
وعن زر بن حبيش صاحب على، قال: قال على، رضى الله عنه: والذى فلق الحبة، وبرأ النسمة، أنه لعهد النبى الأمى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلىَّ ألا يحبنى إلا مؤمن ولا يبغضنى إلا منافق. رواه مسلم. وفى الترمذى عن أبى سعيد الخدرى، قال: كنا نعرف المنافقين ببغضهم عليًا.
وأما الحديث المروى عن الصنابحى، عن على، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “أنا دار الحكمة، وعلى بابها” (2) . وفى رواية: “أنا مدينة العلم، وعلى بابها” (3) ، فحديث باطل، رواه الترمذى، وقال: هو حديث مُنكر. وفى بعض النسخ: غريب. قال: ولم يروه من الثقات غير شريك، وروى مرسلاً. وأحوال على، رضى الله عنه، وفضائله فى كل شىء مشهورة غير منحصرة.
ولى الخلافة، رضى الله عنه، خمس سنين، وقيل: خمس سنين إلا شهرًا، بويع بالخلافة فى مسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد قتل عثمان، رضى الله عنه؛ لكونه أفضل الصحابة حينئذ، وذلك فى ذى الحجة سنة خمس وثلاثين. قال سعيد بن المسيب: لما قتل عثمان جاءت الصحابة وغيرهم إلى دار على، فقالوا: نبايعك، فأنت أحق بها، فقال: إنما ذلك إلى أهل بدر، فمن رضوا به فهو الخليفة، فلم يبق أحد إلا أتى عليًا، فلما رأى ذلك خرج إلى المسجد، وصعد المنبر، وكان أول من صعد إليه فبايعه طلحة، ثم بايعه الباقون، ولما دخل الكوفة قال له بعض حكماء العرب: لقد زنت الخلافة وما زانتك، وهى كانت أحوج إليك منك إليها.
وله فى قتال الخوارج عجائب ثابتة فى الصحيح مشهورة. وأخبره النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأنه سيقتل. ونقلوا عنه آثارًا كثيرة تدل على أنه، رضى الله عنه، عَلِمَ السنة والشهر والليلة
_________
(1) أخرجه ابن أبى شيبة (6/366، رقم 32071) ، وأحمد (4/165، رقم 17546) والترمذى (5/636، رقم 3719) وقال: حسن غريب. والنسائى فى الكبرى (5/45، رقم 8147) ، وابن ماجه (1/44، رقم 119) ، وابن أبى عاصم فى السنة (2/598، رقم 1320) ، وابن قانع (1/198) ، والطبرانى (4/16، رقم 3511) ، وأخرجه أيضًا: ابن عدى
(2/442، ترجمة 555 حبشى بن جنادة السلولي) وقال: إسناده فيه نظر. قال المناوى فى فيض القدير (4/357) : قال الذهبى قال البخارى إسناد حديثه فيه نظر.
(2) أخرجه الترمذى (5/637، رقم 3723) وقال: غريب منكر. وأبو نعيم فى الحلية (1/64) .
(3) حديث جابر: أخرجه الحاكم (3/138، رقم 4639) .
حديث ابن عباس: أخرجه الحاكم (3/137، رقم 4637) والخطيب (7/172) وأخرجه أيضًا: ابن عدى (3/412 ترجمة 840) .
أخرجه الطبرانى (11/65، رقم 11061) ، قال الهيثمى (9/114) : فيه عبد السلام بن صالح الهروى وهو ضعيف. وأخرجه أيضًا: الحاكم (3/137، رقم 4637) .(1/348)
التى يُقتل فيها، وأنه لما خرج لصلاة الصبح حين خرج، صاحت الأوز فى وجهه فطردن عنه، فقال: دعوهن فإنهن نوايح.
قال محمد بن سعد: قالوا، يعنى أهل السير: انتدب ثلاثة من الخوارج: عبد الرحمن ابن ملجم المرادى - وهو من حمير، وعداده فى بنى مراد، وهو حليف بنى جبلة بن كندة - والبرك بن عبد الله التميمى، وعمرو بن بكير التميمى، فاجتمعوا بمكة، وتعاقدوا ليقتلن على بن أبى طالب، ومعاوية، وعمرو بن العاص، فقال ابن ملجم: أنا لعلى، وقال البرك: أنا لمعاوية، وقال الآخر: أنا لعمرو، وتعاهدوا أن لا يرجع أحد عن صاحبه حتى يقتله أو يموت دونه، وتواعدوا ليلة سبع عشرة من شهر رمضان.
فتوجه كل واحد إلى المصر الذى فيه صاحبه الذى يريد قتله، فضرب ابن ملجم عليًا، رضى الله عنه، بسيف مسموم فى جبهته فأوصله دماغه فى الليلة المذكورة، وهى ليلة الجمعة، ثم توفى على، رضى الله عنه، فى الكوفة ليلة الأحد التاسع عشر من شهر رمضان سنة أربعين، وغسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر، رضى الله عنهم، وكفن فى ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة.
وروينا أنه لما ضربه ابن ملجم قال: فزت ورب الكعبة. قالوا: ولما فرغ على، رضى الله عنه، من وصيته، قال: السلام وعليكم ورحمة الله وبركاته، ثم لم يتكلم إلا بلا إله إلا الله حتى توفى، ودفن فى السحر، وصلى عليه ابنه الحسن، وقيل: كان عنده فضل من حنوط رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوصى أن يحنط به، وتوفى وهو ابن ثلاث وستين سنة على الأصح وقول الأكثرين، وقيل: أربع وستين، وقيل: خمس وستين، وقيل: ثمان وخمسين، وقيل: سبع وخمسين.
وكان أدم اللون، أصلع، ربعة، أبيض الرأس واللحية، وربما خضب لحيته، وكانت كثة طويلة، حسن الوجه، ضحوك السن. ورثاه الناس فأكثروا فيه المراثى، ودُفن بالكوفة.
قال ابن قتيبة: ولعلى، رضى الله عنه، من الولد: الحسن، والحسين، ومحسن، وأم كلثوم الكبرى، وزينب الكبرى، كلهم من فاطمة، ومحمد ابن الحنفية، وعبيد الله، وأبو بكر، وعمر، ورقية، ويحيى، أمهم أسماء بنت عميس، وجعفر، والعباس، وعبد الله، ورملة، وأم الحسن، وأم كلثوم الصغرى، وزينب الصغرى، وجمانة، وميمونة، وخديجة، وفاطمة، وأم الكرام، ونفيسة، وأم سلمة، وأمامة، وأم أبيها. ومن ولده، عليه السلام: عمر، ومحمد الأصغر، قاله ابن حزم فى الجمهرة.(1/349)
430 - على بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمى (1) :
ابن ابن عم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو جد خلفاء بنى العباس، كنيته أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو الطفيل المدنى التابعى. روى عن أبيه، وسمع أبا سعيد الخدرى، وغيره. روى عنه ابنه محمد بن على، والزهرى، وخلق سواهما.
قال محمد بن سعد: ولد على بن عبد الله هذا ليلة قُتل على بن أبى طالب، رضى الله عنهم، فى رمضان سنة أربعين، وسمى باسمه، وكنى بكنيته أبا الحسن، فغير عبد الملك كنيته، فجعلها أبا محمد. قال: وكان أصغر أولاد عبد الله سنًا، وكان ثقة، قليل الحديث، وتوفى بالشام سنة سبع عشرة ومائة.
وقال أبو سنان: كان على بن عبد الله يصلى كل يوم ألف ركعة. وقال محمد بن سعد: وكان على بن عبد الله أجمل من مشى على وجه الأرض وأوسمه، وأكثره صلاة، وكان يُدْعَى السَّجَّاد، وله عقب، وفيهم الخلافة.
وكان على يسكن الشراة، بفتح الشين المعجمة، وهى بالشام فى أرض البلقاء، ونزل أيضًا دمشق، وله فيها دار. قال الزبير بن بكار: مازال على مجتهدًا فى العبادة حتى توفى. واتفق أهل الحديث على توثيقه. روى له مسلم.
431 - على بن المدينى الإمام (2) :
هو أبو الحسن على بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدى، مولاهم المدنى، مولى عروة بن عطية السعدى من بنى سعد بن بكر. قال البخارى فى تاريخه، وابن أبى حاتم: أصله من المدينة. قال البخارى: وهو بصرى، وكان علىّ أحد أئمة الإسلام المبرزين فى الحديث، صنف فيه مائتى مصنف لم يسبق إلى معظمها ولم يلحق فى كثير منها.
سمع أباه، وحماد بن زيد، وسفيان بن عيينة، ويحيى القطان، وخلائق. روى عنه معاذ ابن معاذ، وأحمد بن حنبل، والبخارى، وخلائق من الأئمة. وأجمعوا على جلالته وإمامته وبراعته فى هذا الشأن، وتقدمه على غيره.
قال عبد الغنى بن سعيد المصرى: أحسن الناس كلامًا على حديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثة: على بن المدينى فى وقته، وموسى بن هارون فى وقته، والدارقطنى فى وقته. وقال سفيان بن عيينة، وهو أحد شيوخ على بن المدينى: حدثنى على بن المدينى، ويلوموننى على حب علىّ، والله لقد كنت أتعلم منه أكثر مما
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/312) ، والتاريخ الكبير للبخارى (6/2407) ، والجرح والتعديل (6/1056) ، وسير أعلام النبلاء (5/252، 284) ، وتاريخ الإسلام (4/282) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/357، 358) . تقريب التهذيب (4761) ، وقال: “ثقة عابد من الثالثة مات سنة ثماني عشرة على الصحيح بخ م 4”..
(2) انظر: طبقات ابن سعد (7/308) ، والتاريخ الكبير (6/284) ، والجرح والتعديل (6/193، 194) ، والثقات لابن حبان (8/469) ، وميزان الاعتدال (3/138 - 141) ، والمختصر فى أخبار البشر (2/37) ، وتهذيب التهذيب (7/349 - 357) ، وتقريب التهذيب (2/39، 40) ..(1/350)
يتعلم منى. وكان سفيان يسميه حية الوادى، وكان إذا سُئل عن شىء يقول: لو كان حبة الوادى.
قال حفص بن محبوب: كنت عند ابن عيينة ومعنا على بن المدينى وابن الشاذكونى، فلما قام ابن المدينى قال سفيان: إذا قامت الخيل لم نجلس مع الرجالة. وقال محمد بن يحيى: رأيت لعلى بن المدينى كتابًا على ظهره مكتوب: المائة والنيف والستون من علل الحديث.
قال عباس العنبرى: كانوا يكتبون قيام ابن المدينى وقعوده ولباسه، وكل شىء يقول ويفعل أو نحو هذا، وكان ابن المدينى إذا قدم بغداد تصدر بالحلقة، وجاء أحمد ويحيى وخلف والمعيطى والناس يناظرون، فإذا اختلفوا فى شىء تكلم فيه على. وقال الأعين: رأيت ابن المدينى مستلقيًا، وأحمد بن حنبل عن يمينه، ويحيى بن معين عن يساره وهو يملى عليهما.
وقال البخارى: ما استصغرت نفسى عند أحد قط إلا عند على بن المدينى. وقال يحيى القطان: نحن نستفيد من ابن المدينى أكثر مما يستفيد منا. وقال عبد الرحمن بن مهدى: على بن المدينى أعلم الناس بحديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخاصة بحديث ابن عيينة.
وقال أبو حاتم: كان ابن المدينى علمًا فى الناس فى معرفة الحديث والعلل، وكان أحمد بن حنبل لا يسميه، بل يكنيه أبا الحسن؛ تبجيلاً، وما سمعت أحمد سماه قط. قال البخارى: توفى ابن المدينى ليومين بقيا من ذى القعدة سنة أربع وثلاثين ومائتين بالعسكر.
432 - على بن مسهر (1) :
مذكور فى المهذب فى آخر حد الزنا. هو أبو الحسن على بن مسهر، بضم الميم، وإسكان السين، وكسر الهاء، الكوفى، الفقيه، قاضى الموصل. وهو من تابعى التابعين. سمع إسماعيل بن أبى خالد، وأبا إسحاق الشيبانى، ومحمد بن قيس، وداود بن أبى هند، والأعمش، وهشام بن عروة، وعبيد الله العمرى، وأبا مالك الأشجعى، وآخرين.
روى عنه زكريا بن عدى، وإسماعيل بن الخليل، وخالد بن مخلد، ومنجاب، وأبو بكر بن أبى شيبة، وخلائق من أهل طبقتهم. واتفقوا على توثيقه. روى له البخارى ومسلم.
قال أحمد بن حنبل: هو صالح الحديث، أثبت من
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/388) ، والتاريخ الكبير للبخارى (6/2456) ، والجرح والتعديل (6/1119) ، وسير أعلام النبلاء (8/426) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/383، 384) . تقريب التهذيب (4800) ، وقال: “مسهر بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء ثقة له غرائب بعد أن أضر من الثامنة مات سنة تسع وثمانين ع”..(1/351)
أبى معاوية الضرير. وقال يحيى بن معين، وأبو زرعة: هو ثقة. وقال أحمد بن عبد الله: هو ثقة، جمع الحديث والفقه. توفى سنة تسع وثمانين ومائة.
433 - على بن معبد (1) :
مذكور فى المختصر فى آخر الأضحية، أظنه على بن معبد بن شداد العبدى الرقى، سكن مصر. روى عن عبيد الله بن عمرو، وخالد بن حبان، ومروان بن معاوية، وبقية ابن الوليد، وإسماعيل بن عياش، وعبد الله بن وهب، وأبى معاوية الضرير، وسفيان ابن عيينة، والليث بن سعد، وعيسى بن يونس، ووكيع، وآخرين من الأئمة.
روى عنه إسحاق بن منصور، ويحيى بن معين، ومحمد بن إسحاق الصغانى، وأبو حاتم، والمزنى صاحب الشافعى، وغيرهم. قال أبو حاتم: هو ثقة. ويحتمل أن الذى ذكره المزنى على بن معبد المصرى الصغير. روى عن الأسود بن عامر، وأبى أحمد الزبيرى، وعلى بن معبد الرقى. قال ابن أبى حاتم: كان صدوقًا.
434 - على بن رباح اللخمى (2) :
مذكور فى المهذب فى آخر الديات فى مسألة تجاذب الواقعين فى بئر، هو بضم العين وفتح اللام، على المشهور، وقيل: بفتحها وكسر اللام، وكان يكره الضم. وكان أهل بلده وهو بمصر يقولونه بالفتح وغيرهم بالضم، وقيل: بالفتح اسم وبالضم لقب. هو أبو عبد الله، ويقال: أبو موسى على بن رباح بن قصير بن رباح بن المقتشب بن ينبع، بضم المثناة تحت وفتح النون، ابن أردة بن حجر بن جزيلة بن لخم اللخمى المصرى التابعى.
سمع عمرو بن العاص، وابنه عبد الله بن عمرو، وعقبة بن عامر، وفضالة بن عبيد، وأبا قتادة، وأبا هريرة، ومعاوية، وغيرهم من الصحابة، رضى الله عنهم. روى عنهم ابنه موسى، والحارث بن يزيد، ويزيد بن أبى حبيب، وآخرون. واتفقوا على توثيقه. روى له مسلم فى صحيحه.
قال أحمد بن عبد الله، ومحمد بن سعد: كان ثقة، ولد سنة خمس عشرة من الهجرة عام اليرموك، توفى بإفريقيا سنة أربع عشرة ومائة، وقيل: سنة سبع عشرة، وكان من أهل الوجاهة، وكان يفد لأهل مصر إلى عبد الملك بدمشق.
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (6/2458) ، والجرح والتعديل (6/1124) ، وسير أعلام النبلاء (10/631) ، وميزان الاعتدال (3/5946) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/384، 385) . تقريب التهذيب (4801) ، وقال: “ثقة فقيه من كبار العاشرة مات سنة ثماني عشرة ت س”..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/512) ، والتاريخ الكبير للبخارى (6/2387) ، والجرح والتعديل (6/1020) ، وسير أعلام النبلاء (5/101، 7/412) ، وتاريخ الإسلام (4/282) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/318، 319) . تقريب التهذيب (4732) ، وقال: “ثقة والمشهور فيه عُليّ بالتصغير وكان يغضب منها من كبار الثالثة مات سنة بضع عشرة ومائة بخ م 4”.(1/352)
باب العين والميم
435 - عمر بن حبيب القاضى (1) :
مذكور فى المهذب فى أواخر صدقة الفطر. هو عمر بن حبيب القاضى البصرى العدوى، من عدى بن عبد مناة بن أد بن طابخة، ولى قضاء البصرة، وولى قضاء الشرقية للمأمون.
روى عن هشام بن عروة، ويحيى الأنصارى، وابن عون، وخالد الحذاء، وسليمان التيمى، وداود ابن أبى هند، وابن جريج، وشعبة، وابن عيينة، وغيرهم. روى عنه محمد ابن عبيد المنادى، وزكريا بن الحارث، وأبو قلابة الرقاشى، ومحمد بن يونس، وغيرهم.
قال أحمد بن حنبل: قدم علينا عمر بن حبيب، فلم نكتب عنه حرفًا، وكان مستخفًا به جدًا. وقال يحيى بن معين: هو ضعيف، كان يكذب. وقال أبو زكريا: كان ابن علية يثنى على عمر بن حبيب، وليس كما قال، بل عمر بن حبيب ليس بشىء. وقال البخارى فى تاريخه: يتكلمون فيه.
وقال يعقوب بن سفيان: هو ضعيف، لا يُكتب حديثه. وقال أبو زرعة: ليس بالقوى. وقال النسائى: هو ضعيف. وقال زكريا الساجى: كان يهم عن الثقات، وكان من أصحاب عبد الله بن الحسن، فأظنهم تركوه لموضع الرأس، وكان صدوقًا، ولم يكن من فرسان الحديث. وقال أحمد بن عبد الله: ليس هو بشىء. وقال ابن عدى: وهو مع ضعفه يُكتب حديثه.
توفى سنة سبع ومائتين. وروينا له فى تاريخ بغداد حكاية بديعة مختصرها أنه حضر مجلس هارون الرشيد، فتكلم الحاضرون فى مسألة، فاحتج بعضهم بحديث عن أبى هريرة، فأنكره الأكثرون وطعنوا فى أبى هريرة، فانتصر له عمر بن حبيب، وقال: أبو هريرة ثقة صحيح النقل، فغضبوا عليه وهموا بقتله، ولم يبق إلا قتله،
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (6/1987) ، والجرح والتعديل (6/553) ، وسير أعلام النبلاء (9/490) ، وميزان الاعتدال (3/6067) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/431، 433) . تقريب التهذيب (4874) ، وقال: "ضعيف من التاسعة مات سنة ست أو سبع ومائتين ق". .(2/2)
وجاءه رسول الخليفة، فقال: أجب أمير المؤمنين وتحنط وتكفن، فقال: اللهم إنك تعلم إنى دفعت عن صاحب نبيك - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأجللت نبيك - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يُطعن فى أحد من أصحابه، فسلمنى منه.
فدخل على الخليفة وفى يده السيف وقدامه النطع، فقال: يا عمر بن حبيب، ما تلقانى أحد من الرد والدفع لقولى بمثل ما لقيتنى، فقال: يا أمير المؤمنين، الذى كنت تقول فيه إزراء برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبما جاء به، وإذا كان أصحابه كذابين فالشريعة باطلة والأحكام مردودة، فقال: أحييتنى يا عمر بن حبيب أحياك الله، كررها ثلاث مرات، وأمر له بعشرة آلاف درهم.
436 - عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، رضى الله عنه (1) :
تكرر ذكره فى كل هذه الكتب. هو أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح، بالمثناة تحت، ابن عبد الله بن قرط بن رزاح، برا مفتوحة ثم زاى ثم ألف ثم حاء مهملة، ابن عدى بن كعب بن لؤى بن غالب القرشى العدوى المدنى، أمير المؤمنين، رضى الله عنه.
أمه حنتمة، بفتح الحاء المهملة ثم نون ساطنة ثم مثناة فوق مفتوحة، بنت هاشم، ويقال: هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب، قالوا: فمن قال: بنت هشام، كانت أخت أبى جهل، ومن قال: بنت هاشم، كانت بنت عمه. قال ابن عبد البر: الصحيح بنت هاشم، ومن قال: بنت هشام، فقد أخطأ. وقال الزبير بن بكار: بنت هاشم، كما قال ابن عبد البر. وقال ابن مندة وابن نعيم: هى بنت هشام أخت أبى جهل، ونقله أبو نعيم، عن محمد بن إسحاق.
ولد عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، بعد الفيل بثلاث عشرة سنة، وكان من أشراف قريش. قالوا: وإليه كانت السفارة فى الجاهلية، فكانت قريش إذا وقعت الحرب بينهم أو بينهم وبين غيرهم، بعثوه سفيرًا، أى رسولاً، ولما بعث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان عمر شديدًا عليه وعلى المسلمين، ثم لطف الله تعالى به، فأسلم قديمًا، فأسلم بعد أربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة، وقيل: بعد تسعة وثلاثون رجلاً وثلاث وعشرين امرأة، وقيل: بعد خمسة وأربعين رجلاً
_________
(1) انظر: الإصابة (2/ت 5736) ، وأسد الغابة (4/53) ، والاستيعاب (2/458) ، والتاريخ الكبير (6/ت 1952) ، وتهذيب الكمال (21/316) ، وتهذيب التهذيب (7/438) ، وطبقات ابن سعد (3/324) ، ومناقب عمر لابن الجوزى، ومصادر ترجمة أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب، رضى الله عنه، لا تعد ولا تحصى، ومناقبه أجل من أن يستوعبها كتاب.(2/3)
وإحدى عشرة امرأة.
وعن سعيد بن المسيب، قال: أسلم عمر بعد أربعين رجلاً وعشرة نسوة، فما هو إلا أن أسلم فظهر الإسلام بمكة. وقال الزبير بن بكار: أسلم عمر بعد دخول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دار الأرقم بعد أربعين رجلاً أو نيف وأربعين من رجال ونساء، وكان النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: عمر بن الخطاب، أو عمرو بن هشام” (1) ، يعنى أبا جهل.
وخبر إسلامه مشهور، وأن سببه أن أخته فاطمة بنت الخطاب، رضى الله عنها، كانت زوجة سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، أحد العشرة، وكانت أسلمت هى وزوجها، فسمع عمر بذلك فقصدهما ليعاقبهما، فقرأ عليه القرآن، فأوقع الله تعالى فى قلبه الإسلام فأسلم، ثم جاء إلى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه وهم مختفون فى دار الصفاء، فأظهر إسلامه، فكبَّر المسلمون فرحًا بإسلامه، ثم خرج إلى مجامع قريش، فنادى بإسلامه، وضربه جماعة منهم وضاربهم، فأجاره خاله فكفوا عنه، ثم لم تطب نفس عمر حين رأى المسلمين يُضربون وهو لا يُضرب فى الله، فردَّ جواره، فكان يضاربهم ويضاربونه إلى أن أظهر الله تعالى الإسلام.
وعن ابن مسعود، قال: كان إسلام عمر فتحًا، وكانت هجرته نصرًا، وكانت إمامته رحمة، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلى فى البيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتلهم حتى تركونا فصلينا.
وعن حذيفة، قال: لما أسلم عمر كان الإسلام كالرجل المقبل، لا يزداد إلا قربًا، فلما قُتل عمر كان الإسلام كالرجل المدبر، لا يزداد إلا بُعدًا.
قال محمد بن سعد: كان إسلام عمر، رضى الله عنه، فى السنة السادسة من النبوة. واتفقوا على تسميته بالفاروق، ورووا عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: “إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وهو الفاروق، فَرَّق الله به بين الحق والباطل”. وعن عائشة، قالت: سمى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عمر الفاروق.
واتفقوا على أنه أوَّل مَن سُمِّىَ أمير المؤمنين، وإنما كان يقال لأبى بكر، رضى الله عنه، خليفة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وعمر، رضى الله عنه، أحد السابقين إلى الإسلام، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الخلفاء الراشدين، وأحد أصهار رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأحد كبار علماء الصحابة وزهادهم.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
_________
(1) حديث ابن عباس: أخرجه الترمذى (5/618، رقم 3683) وقال: غريب. والطبرانى (11/255، رقم 11657) ، وابن عساكر (44/24) .
حديث ابن مسعود: أخرجه الطبرانى (10/159، رقم 10314) ، والحاكم (3/89، رقم 4486) . قال الهيثمى (9/61) : رواه الطبرانى فى الكبير والأوسط بنحوه باختصار، ورجال الكبير رجال الصحيح غير مجالد بن سعيد، وقد وثق.
حديث ابن عمر: أخرجه أحمد (2/95، رقم 5696) ، وعبد بن حميد (ص 245، رقم 759) ، والترمذى (5/617، رقم 3681) ، وقال: حسن صحيح غريب. وابن سعد (3/267) ، وأبو نعيم فى الحلية (5/361) .
حديث أنس عن خباب: أخرجه البزار (6/57، رقم 2119) .
حديث ابن عباس: أخرجه الحاكم (3/89، رقم 4484) وقال: صحيح الإسناد.
حديث ثوبان: أخرجه الطبرانى (2/97، رقم 1428) . قال الهيثمى (9/62) : فيه يزيد بن ربيعة الرحبى، وهو متروك. وقال ابن عدى: أرجو أنه لا بأس به، وبقية رجاله ثقات.
حديث على بن أبى طالب: أخرجه ابن عساكر (44/27) .
حديث الزبير: أخرجه ابن عساكر (44/27) .
أخرجه ابن ماجه (1/39، رقم 105) ، وابن عدى (6/310) ، والحاكم (3/89، رقم 4485) ، وقال: صحيح على شرط الشيخين. والبيهقى (6/370، رقم 12881) . وأخرجه أيضًا: ابن حبان (15/306، رقم 6882) .(2/4)
خمسمائة حديث وتسعة وثلاثون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على ستة وعشرين حديثًا، وانفرد البخارى بأربعة وثلاثين، ومسلم بأحد وعشرين.
روى عنه عثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبى وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، وأبو ذر، وعمرو بن عبسة، وابنه عبد الله بن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وأنس، وأبو موسى الأشعرى، وجابر بن عبد الله، وعمرو بن العاص، وأبو لبابة بن عبد المنذر، والبراء بن عازب، وأبو سعيد الخدرى، وأبو هريرة، وابن السعدى، وعقبة بن عامر، والنعمان بن بشير، وعدى بن حاتم، ويعلى بن أمية، وسفيان بن وهب، وعبد الله بن سرجس، والفلتان بن عاصم، وخالد بن عرفطة، والأشعث بن قيس، وأبو أمامة الباهلى، وعبد الله بن أنيس، وبريدة الأسلمى، وفضالة بن عبيد، وشداد بن أوس، وسعيد بن العاص، وكعب بن عجرة، والمسور بن مخرمة، والسائب بن يزيد، وعبد الله بن الأرقم، وجابر بن سمرة، وحبيب ابن مسلمة، وعبد الرحمن بن أبزى، وعمرو بن حريث، وطارق بن شهاب، ومعمر بن عبد الله، والمسيب بن حزن، وسفيان بن عبد الله، وأبو الطفيل، وعائشة، وحفصة، رضى الله عنهم، وكلهم صحابة.
وروى عنه من التابعين خلائق، منهم ابنه عاصم، ومالك بن أوس، وعلقمة بن وقاص، وأبو عثمان النهدى، وأسلم مولاهم، وقيس بن أبى حازم، وخلق سواهم. وأجمعوا على كثرة علمه، ووفور فهمه، وزهده، وتواضعه، ورفقه بالمسلمين، وإنصافه، ووقوفه مع الحق، وتعظيمه آثار رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وشدة متابعته له، واهتمامه بمصالح المسلمين، وإكرامهم أهل الفضل والخير، ومحاسنه أكثر من أن تستقصى.
قال ابن مسعود حين توفى عمر: ذهب بتسعة أعشار العلم. وأقوال السلف فى علمه مشهورة.
وهاجر إلى المدينة حين أراد النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الهجرة، فتقدم قدامه فى جماعة. قال البراء بن عازب: أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير، ثم ابن أم مكتوم، ثم عمر ابن الخطاب فى عشرين راكبًا، فقلنا: ما فعل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: هو على أثرى، ثم قدم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر، رضى الله عنه.
وعن على، رضى الله عنه، قال: ما علمت أحدًا هاجر إلا مختفيًا(2/5)
إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما همَّ بالهجرة تقلَّد سيفه، وتنكب فرسه، وانتضى فى يده أسهمًا، وأتى الكعبة وأشراف قريش بفنائها، فطاف سبعًا، ثم صلى ركعتين عند المقام، ثم أتى حلقهم واحدة واحدة، فقال: شاهت الوجوه، مَن أراد أن تثكله أمه، ويؤتم ولده، وترمل زوجته فليلقنى وراء هذا الوادى، فما تبعه منهم أحد.
قال ابن إسحاق: هاجر عمر وزيد ابنا الخطاب، وسعيد بن زيد، وعمرو وعبد الله ابنا سراقة، وخنيث بن حذافة، وواقد بن عبد الله، وخولى وهلال ابنا أبى خولى، وعياش بن أبى ربيعة، وخالد، وإياس وعاقل بنو الكبير، فنزلوا على رفاعة بن المنذر فى بنى عمرو بن عوف.
وشهد عمر، رضى الله عنه، مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، وبيعة الرضوان، وخيبر، والفتح، وحنينًا، والطائف، وتبوك، وسائر المشاهد، وكان شديدًا على الكفار والمنافقين، وهو الذى أشار بقتل أسارى بدر، ونزل القرآن على وفق قوله فى ذلك، وكان عمر ممن ثبت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أُحُد.
وأما زهده وتواضعه، فمن المشهورات التى استوى الناس فى العلم بها. قال طلحة ابن عبد الله: كان عمر أزهدنا فى الدنيا، وأرغبنا فى الآخرة. وقال سعد بن أبى وقاص: قد علمت بأى شىء فضلنا عمر، كان أزهدنا فى الدنيا.
وروينا أن عمر دخل على ابنته حفصة، فقدمت إليه مرقًا باردًا وصبت عليه زيتًا، فقال: إدامان فى إناء واحد، لا آكله حتى ألقى الله عز وجل. وعن أنس، قال: لقد رأيت فى قميص عمر أربع رقاع بين كتفيه. وعن أبى عثمان، قال: رأيت عمر يرمى الجمرة وعليه إزار مرقوع بقطعة جراب. وعن غيره أن قميص عمر كان فيه أربع عشرة رقعة أحدها من أدم.
وأما فضائل عمر الثابتة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى الصحيح، فأكثر من أن تحصر، منها عن سعيد بن زيد أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، رضى الله عنهم، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: “أبو بكر فى الجنة، وعمر فى الجنة، وعثمان فى الجنة، وعلى فى الجنة، وطلحة فى الجنة، والزبير فى الجنة، وسعد بن مالك، هو ابن أبى وقاص، فى الجنة، وعبد الرحمن(2/6)
بن عوف فى الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح فى الجنة”، وسكت عن العاشر، قالوا: من العاشر؟ قال: سعيد بن زيد، يعنى نفسه. رواه أبو داود، والترمذى، والنسائى، وغيرهم. قال الترمذى: حديث حسن صحيح.
وعن أبى موسى الأشعرى فى حديثه الطويل المشهور، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “افتح له، يعنى لعمر، وبشره بالجنة”. رواه البخارى ومسلم.
وعن أبى سعيد الخدرى، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: “بينا أنا نائم، رأيت الناس يعرضون علىَّ وعليهم قمص، فمنها ما تبلغ الثدى، ومنها ما دون ذلك، وعرض علىَّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره” (1) ، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: “الدين”. رواه البخارى ومسلم.
وعن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: “بينا أنا نائم، أتيت بقدح لبن، فشربت منه حتى أنى لأرى الرى يخرج من أظفارى، ثم أعطبت فضلى عمر بن الخطاب” (2) ، قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: “العلم”. رواه البخارى ومسلم.
وعن سعد بن أبى وقاص فى حديثه الطويل، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعمر: “يا ابن الخطاب، والذى نفسى بيده ما لقيك الشيطان سالكًا فجًا إلا سلك فجًا غير فجك” (3) . رواه البخارى ومسلم.
وعن أبى هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “بينا أنا نائم، رأيتنى فى الجنة، وإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر، فذكرت غيرتك” (4) ، فبكى عمر، وقال: أعليك أغار يا رسول الله. رواه البخارى ومسلم.
وعن أبى هريرة أيضًا قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون، فإن يكن فى أمتى أحد فإنه عمر”، رواه البخارى، ورواه مسلم من رواية عائشة، وفى روايتهما: قال ابن وهب: محدثون، أى ملهمون. وقال ابن عيينة: معناه مفهمون.
وعن ابن عمر، وأبى هريرة أيضًا قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “بينا أنا نائم، رأيتنى على قليب عليها دلو، فنزعت منها ما شاء الله، ثم أخذها أبو بكر، فنزع ذنوبًا أو ذنوبين، وفى نزعه ضعف، والله يغفر له، ثم جاء عمر فاستقى فاستحالت فى يده غربًا، فلم أر عبقريًا من الناس يفرى فرية حتى روى الناس وضربوا بعطن” (5) . رواهما البخارى ومسلم. قال العلماء: هذه إشارة
_________
(1) أخرجه أحمد (3/86، رقم 11832) ، والبخارى (1/17، رقم 23) ، ومسلم (4/1859، رقم 2390) ، والترمذى (4/539، رقم 2286) ، والنسائى (8/113، 5011) . وأخرجه أيضا: أبو يعلى (2/467، 1290) ، والدارمى (2/170، رقم 2151) ، والطبرانى فى الأوسط (8/331، رقم 8782) ، وابن حبان (15/313، رقم 6890) .
(2) أخرجه أحمد (2/130، رقم 6142) ، والبخارى (1/43، رقم 82) ، ومسلم (4/1859، رقم 2391) ، والترمذى (4/539، رقم 2284) وقال: حديث صحيح.
(3) أخرجه البخارى (3/1347، رقم 3480) ، ومسلم (4/1863، رقم 2396) . وأخرجه أيضًا: الشاشى (1/174، رقم 119) .
(4) حديث أبى هريرة: أخرجه البخارى (3/1185، رقم 3070) ، ومسلم (4/1862، رقم 2394) ، وابن ماجه (1/40، رقم 107) . وأخرجه أيضا: أحمد (2/339، رقم 8451) ، والنسائى فى الكبرى (5/41، رقم 8129) .
(5) أخرجه أحمد (5/455، رقم 23852) قال الهيثمى (5/180) : فيه على بن يزيد وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات. والطبرانى كما فى مجمع الزوائد (9/72) قال الهيثمى: إسناده حسن.(2/7)
إلى خلافة أبى بكر وعمر، وكثرة الفتوح وظهور الإسلام فى زمن عمر.
وعن ابن عمر، وأنس، عن عمر، قال: وافقت ربى فى ثلاث: قلت: يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] ، وقلت: يا رسول الله، يدخل على نسائك البر والفاجر، فلو أمرتهن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى الغيرة، فقلت: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ} [التحريم: 5] ، فنزلت كذلك. رواه البخارى ومسلم، وفى رواية: “أسارى بدر”، بدل: “اجتماع النساء”.
وعن ابن مسعود، قال: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر. رواه البخارى. وعن أبى هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “بينا راع فى غنمه عدا الذئب، فأخذ منها شاة، فطلبها حتى استنقذها منه، فالتفت إليه الذئب، فقال: مَن لها يوم السبع، يوم ليس لها راع غيرى”، فقال الناس: سبحان الله، فقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “فإنى أومن به، وأبو بكر، وعمر، وما هما ثمت”. رواه البخارى، ورواه مسلم بمعناه.
وعن محمد بن على بن أبى طالب، قال: قلت لأبى: أى الناس خير بعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم مَن؟ قال: عمر. رواه البخارى.
وعن ابن عباس، قال: إنى لواقف فى قوم يدعون الله تعالى لعمر، وقد وضع على سريره فتكنفه الناس يدعون فيصلون قبل أن يرفع، فلم يرعنى إلا رجل أخذ بمنكبى، فإذا علىّ، فترحم على عمر، وقال: ما خلفت أحدًا أحب إلىَّ أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك لأنى كنت كثيرًا أسمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: “ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر” (1) . رواه البخارى ومسلم.
وعن ابن عمر، قال: كنا نخير بين الناس فى زمن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنخير أبا بكر، ثم عمر، ثم عثمان. رواه البخارى.
وعن عمرو بن العاص، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعثه على جيش ذات السلاسل، قال: فأتيته فقلت: أى الناس أحب إليك؟، قال: “عائشة”، فقلت: مَن أحب الرجال؟ قال: “أبوها”، قلت: ثم مَن؟ قال: “ثم عمر”، فعد رجالاً. رواه البخارى، ومسلم.
وعن أنس أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صعد أُحُدًا، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم، فقال: “أثبت أُحُد، فإنما عليك نبى،
_________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (4/1859/2389) ، والبخاري في صحيحه (3/1345/3474) .(2/8)
وصديق، وشهيدان” (1) . رواه البخارى.
وعن أبى هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان على حراء هو وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، وطلحة، والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “اهدأ، فما عليك إلا نبى أو صديق أو شهيد”. رواه مسلم.
وعن ابن عباس، قال: دخل عيينة بن حصن على عمر، فقال: هى يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى هَّم أن يوقع به، فقال الحر بن قيس: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] ، وإن هذا من الجاهلين، فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقَّافا عند كتاب الله تعالى. رواه البخارى.
وعن حفصة، قالت: قال عمر: اللهم ارزقنى شهادة فى سبيلك، واجعل موتى فى بلد رسولك، فقلت: أنى يكون هذا، فقال: يأتينى به الله إذا شاء. رواه البخارى.
وعن ابن عمر، قال: ما رأيت أحدًا قط بعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حين قبض كان أجد وأجود حتى انتهى من عمر. رواه البخارى.
وعن ابن عمر، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بأبى جهل، أو بعمر بن الخطاب”، وكان أحبهما إليه عمر. رواه الترمذى، وقال: حديث حسن صحيح.
وعن ابن عمر، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه” (2) . وقال ابن عمر: ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال عمر، إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر. رواه الترمذى، وقال: حديث حسن صحيح.
وعن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “لو كان بعدى نبى لكان عمر بن الخطاب” (3)
) . رواه الترمذى، وقال: حديث حسن صحيح.
وعن حذيفة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “اقتدوا بالذين من بعدى، أبى بكر وعمر” (4) . رواه الترمذى، وقال: حديث حسن غريب.
وعن أنس، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبى بكر وعمر: “هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، إلا النبيين والمرسلين” (5) . رواه الترمذى، وقال: حديث حسن غريب.
وعن أبى سعيد الخدرى، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “ما من نبى إلا له وزيران من أهل السماء، ووزيران من أهل الأرض، فأما وزيراى
_________
(1) حديث أنس: أخرجه البخارى (3/1344، رقم 3472) ، وأبو داود (4/212، رقم 4651) ، والترمذى (5/624، رقم 3697) وقال: حسن صحيح. وأخرجه أيضًا: أبو يعلى (5/466 رقم 3196) وابن حبان (15/280 رقم 6865) .
حديث سهل بن سعد: أخرجه أحمد (5/331، رقم 22862) ، وعبد بن حميد (ص 166، رقم 449) ، وأبو يعلى (13/509، رقم 7518) ، قال الهيثمى (9/55) : رجاله رجال الصحيح. وابن حبان (14/415، رقم 6492) ، والطبرانى (1/91، رقم 146) ، والضياء (1/466، رقم 340) .
حديث عثمان: أخرجه الترمذى (5/625، رقم 3699) وقال: حسن صحيح غريب..
(2) حديث ابن عمر: أخرجه أحمد (2/53، رقم 5145) ، وعبد بن حميد (ص 245، رقم 758) ، والترمذى (5/617، رقم 3682) . وأخرجه أيضًا: ابن حبان (15/318، رقم 6895) ، والطبرانى فى الأوسط (3/338، رقم 3330) ، قال الهيثمى (9/66) : رجاله رجال الصحيح، غير عبد الله بن صالح كاتب الليث، وقد وثق وفيه ضعف. وتمام (2/19، رقم 1016) ، وابن عساكر (44/103) .
حديث أبى ذر: أخرجه أحمد (5/165، رقم 21495) ، وأبو داود (3/139، رقم 2962) ، والحاكم (3/93، رقم 4501) . وأخرجه أيضًا: الطبرانى فى مسند الشاميين (2/382، رقم 1543) ، وابن عساكر (44/99) . قال الهيثمى (9/66) : رواه الطبرانى، وفيه أبو بكر بن أبى مريم، وقد اختلط.
حديث أبى سعيد: أخرجه تمام (2/41، رقم 1086) ، وابن عساكر (44/101) .
(3) حديث عقبة بن عامر: أخرجه أحمد (4/154، رقم 17441) ، والترمذى (5/619، رقم 3686) ، وقال: حسن غريب. والطبرانى (17/298، رقم 822) ، والرويانى (1/171، رقم 214) ، والحاكم (3/92، رقم 4495) وقال: صحيح الإسناد. وأخرجه أيضًا: ابن عدى (3/216) .
حديث عصمة: أخرجه الطبرانى (17/180، رقم 475) . قال الهيثمى (9/68) : فيه الفضل بن المختار وهو ضعيف.
(4) حديث حذيفة: أخرجه أحمد (5/382، رقم 23293) ، والترمذى (5/609، رقم 3662) ، وابن ماجه (1/37، رقم 97) . وأخرجه أيضاً: البزار (7/248، رقم 2827) ، والطبرانى فى الأوسط (4/140، رقم 3816) ، والحاكم (3/79، رقم 4454) ، والبيهقى (5/212، رقم 9836) . وابن عساكر (5/14) .
حديث أنس: أخرجه ابن عساكر (44/233) .
حديث ابن مسعود: أخرجه ابن عساكر (30/228) . وأخرجه أيضاً: الطبرانى فى الأوسط (7/168، رقم 7177) .
(5) حديث على بن أبى طالب: أخرجه أحمد (1/80، رقم 602) ، والترمذى (5/611، رقم 3665) وقال: غريب. وابن ماجه (1/36، رقم 95) . وأخرجه أيضًا: ابن أبى شيبة (6/350، رقم 31941) ، والبزار (2/132، رقم490) ، وأبو يعلى (1/405، رقم 533) ، والديلمى (1/437، رقم 1781) .
حديث أبى جحيفة: أخرجه الطبرانى (22/104، رقم 257) . وأخرجه أيضًا: ابن ماجه (1/38، رقم 100) ، وابن حبان (15/330، رقم 6904) ، والطبرانى فى الأوسط (4/272، رقم 4174) .
حديث أنس بن مالك: أخرجه ابن عساكر (7/118) ، والضياء من طريق أبى يعلى (6/244، رقم2260) . وأخرجه أيضًا: ابن النجار (15/246) .
حديث أبى سعيد: أخرجه البزار كما فى كشف الأستار (3/168، رقم 2492) ، والطبرانى فى الأوسط (4/359، رقم 4431) . قال الهيثمى (9/53) : فيه على بن عابس، وهو ضعيف.(2/9)
من أهل السماء فجبريل وميكائيل، وأما وزيراى من أهل الأرض فأبو بكر وعمر” (1) . رواه الترمذى، وقال: حديث حسن.
وعن عمر، رضى الله عنه، قال: استأذنت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى العمرة فأذن لى، وقال: “لا تنسانا يا أخى من دعائك”، فقال كلمة ما يسرنى أن لى بها الدنيا. وفى رواية: قال: “أشركنا يا أخى فى دعائك” (2) . رواه أبو داود، والترمذى، وقال: حديث حسن.
وعن أبى سعيد، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “إن أهل الدرجات العلا ليراهم مَن تحتهم كما ترون النجم الطالع فى أفق السماء، وأن أبا بكر وعمر ومنهم وأنعما” (3) . رواه أبو داود، والترمذى، ومعنى “وأنعما”: زادا فضلاً، وقيل: دخلا فى النعيم.
وفى الموطأ عن يحيى بن سعيد الأنصارى، أن عمر بن الخطاب كان يحمل فى العام الواحد على أربعين ألف بعير، يحمل الرجل إلى الشام على بعير، والرجلين إلى العراق على بعير.
وفى مسند الشافعى بإسناده عن مولى لعثمان، قال: بينا أنا مع عثمان فى مال بالعالية فى يوم صائف، إذ رأى رجلاً يسوق بكرين، وعلى الأرض مثل الفراش فى الحر، فقال: ما على هذا لو أقام بالمدينة حتى تبرد ثم يروح، فدنا الرجل، فقال: انظر، فنظر، فإذا عمر بن الخطاب، فقلت: هذا أمير المؤمنين، فقام عثمان فأخرج رأسه من الباب، فأذاه نفح السموم، فأعاد رأسه حتى حاذاه، فقال: ما أخرجك هذه الساعة؟ فقال: بكران من إبل الصدقة تخلفا وقد مضى بإبل الصدقة، فأردت أن ألحقهما بالحمى، وخشيت أن يضيعا فيسألنى الله عنهما، فقال: عثمان: يا أمير المؤمنين، هلم إلى الماء والظل ونكفيك، فقال: عد إلى ظلك، فقلت: عندنا مَن يكفيك، فقال: عد إلى ظلك، فمضى، فقال عثمان: مَن أحب أن ينظر إلى القوى الأمين فلينظر إلى هذا، فعاد إلينا فألقى نفسه.
ومن المشهورات من كرامات عمر، رضى الله عنه، أنه كان يخطب يوم الجمعة بالمدينة، فقال فى خطبته: يا سارية بن حصن، الجبل الجبل، فالتفت
_________
(1) أخرجه الترمذى (5/616، رقم 3680) وقال: حسن غريب.
(2) أخرجه الترمذي في سننه (5/560/3562) . وابن ماجه في سننه (2/966/2894) . وأبي داود في سننه (2/80/1498) . وابن حنبل في مسنده (1/29/195) . والبيهقي في سننه الكبرى (5/251/10094) . وأبي يعلى في مسنده (9/377/5501) .
(3) حديث أبى سعيد: أخرجه أحمد (3/98، رقم 11958) ، وعبد بن حميد (ص 280، رقم 887) ، والترمذى (5/607، رقم 3658) وقال: حسن. وابن ماجه (1/37، رقم 96) ، وأبو يعلى (2/369، رقم 1130) ، وابن حبان (16/404، رقم 7393) . وأخرجه أيضًا: ابن أبى شيبة (6/348، رقم 31925) ، وابن عساكر (30/193) .
حديث جابر بن سمرة: أخرجه الطبرانى (2/254، رقم 2065) ، قال الهيثمى (9/54) : فيه الربيع بن سهل الواسطى ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات. والبغوى (1/467، رقم 306) ، وابن عساكر من طريق البغوى (30/201) .
حديث أبى هريرة: أخرجه ابن عساكر (30/199) .(2/10)
الناس بعضهم إلى بعض، فلم يفهموا مراده، فلما قضى صلاته قال له على، رضى الله عنه: ما هذا الذى قلته؟ قال: وسمعته؟ قال: نعم، أنا وكل من فى المسجد، فقال: وقع فى خلدى أن المشركين هزموا إخواننا وركبوا أكتافهم، وأنهم يمرون بجبل، فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوه وظفروا، وإن جاوزوه هلكوا، فخرج منى هذا الكلام، فجاء البشير بعد شهر، فذكر أنهم سمعوا فى ذلك اليوم وتلك الساعة حين جاوزوا الجبل صوتًا يشبه صوت عمر يقول: يا سارية بن حصن، الجبل الجبل، فعدلنا إليه ففتح الله علينا.
وأحوال عمر، رضى الله عنه، وفضائله، وسيرته، ورفقه برعيته، وتواضعه، وجميل سيرته، واجتهاده فى الطاعة وفى حقوق المسلمين أشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر، ومقصود هذا الكتاب الإشارة إلى بعض المقاصد. ولى الخلافة، رضى الله عنه، باستخلاف أبى بكر، رضى الله عنه، له وكان أبو بكر شاور الصحابة فى استخلافه عمر، فأشار به عبد الرحمن بن عوف، وقال: هو أفضل من رأيك فيه، ثم استشار عثمان ابن عفان، فقال: أنت أخبرنا به، فقال: عِلمى به أن سريرته خير من علانيته، وأن ليس فينا مثله، وشاور معهما سعيد بن زيد، وأسيد بن حضير، وغيرهم من المهاجرين والأنصار، فقال أسيد: وهو أعلم للخير بعدك، يرضى للرضى، ويسخط للسخط، وسريرته خير من علانيته، ولن يلى هذا الأمر أحد أقوى عليه منه.
ثم دعا أبو بكر عثمان بن عفان، فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبى قحافة فى آخر عهده بالدنيا خارجًا منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها حين يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إنى مستخلف عليكم بعدى عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا، فإنى لم آل الله ورسوله ودينه ونفسى وإياكم خيرًا، فإن عدل فذلك ظنى به وعلمى فيه، وإن بدَّل فلكل امرىء ما اكتسب، والخير أردت، ولا أعلم الغيب، وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون، والسلام عليكم ورحمة الله.
ثم أمره فختم الكتاب، وخرج به إلى الناس، فبايعوا(2/11)
عمر جميعًا ورضوا به، ثم دعا أبو بكر عمر، فأوضاه بما أوصاه، ثم خرج فرفع أبو بكر يديه مدًا، ثم قال: اللهم إنى لم أرد بذلك إلا صلاحهم، وخفت عليهم الفتنة، فعلمت منهم بما أنت أعلم به، فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم، وأحرصهم على ما أرشدهم، وقد حضرنى من أمرك ما حضرنى، فأخلفنى فيهم فهم عبادك، ونواصيهم فى يدك، وأصلح لهم ولاتهم، واجعله من خلفائك الراشدين، يتبع هدى نبى الرحمة، وأصلح له رعيته.
وقد قدمنا أنه أول مَن سمى أمير المؤمنين، سمَّاه بذلك عدى بن حاتم، ولبيد بن ربيعة حين وفدا إليه من العراق، وقيل: سمَّاه به المغيرة بن شعبة، وقيل: إن عمر قال للناس: أنتم المؤمنون وأنا أميركم، فسمى أمير المؤمنين، وكان قبل ذلك يقال له: خليفة خليفة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فعدلوا عن تلك العبارة لطولها، ثم قام فى الخلافة أتم القيام، وجاهد فى الله حق جهاده، فجيَّش الجيوش، وفتح البلدان، ومَصَّر الأمصار، وأعز الإسلام، وأزل الكفر أشد إزلال، ففتح الشام، والعراق، ومصر، والجزيرة، وديار بكر، وأرمينية، وأذربيجان، وإيران، وبلاد الجبال، وبلاد فارس، وخورستان، وغيرهما. واختلفوا فى خراسان، فقيل: فتحها عثمان، وقيل: فتحها عمر، ثم انتفت ففتحها، والصحيح عندهم أن عثمان الذى فتحها.
وكان عمر أول مَن دَوَّن الديوان للمسلمين، ورتب الناس على سابقتهم فى العطاء وفى الأذان والإكرام، فكان أهل بدر أول الناس دخولاً عليه، وكان على بن أبى طالب أولهم، وأثبت أسماءهم فى الديوان على قربهم من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فبدأ ببنى هاشم، وبنى المطلب، ثم الأقرب فالأقرب.
روينا عن عثمان، وعلى، رضى الله عنهما، قالا فى عمر: هذا هو القوى الأمين. وثبت فى صحيح البخارى وغيره، أن عمر، رضى الله عنه، أوَّل مَن جمع الناس لصلاة التراويح، فجمعهم على أُبىّ بن كعب، رضى الله عنه، وأجمع المسلمون فى زمنه وبعده على استحبابها. ورووا عن على، رضى الله عنه، أنه مر على المساجد فى رمضان وفيها القناديل تزهر، فقال: نَّور الله على عمر قبره كما نور علينا مساجدنا.
وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة، قال: خرجنا مع عمر إلى مكة، فما ضرب فسطاطًا ولا خباء حتى رجع، وكان(2/12)
إذا نزل يلقى له كساء أو نطع على شجرة فيستظل به. وختم الله تعالى لعمر، رضى الله عنه، بالشهادة، وكان يسالها، فطعنه العلج عدو الله أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة وهو قائم فى صلاة الصبح حين أحرم بالصلاة، طعنه بسكين مسمومة ذات طرفين، فضربه فى كتفه وخاصرته، وقيل: ضربه ست ضربات، فقال: الحمد لله الذى لم يجعل منيتى بيد رجل يَدَّعى الإسلام، وطعن العلج مع عمر ثلاثة عشر رجلاً توفى منهم سبعة، وعاش الباقون، فطرح مسلم عليه برنسًا، فلما أحس العلج أنه مقتول قتل نفسه.
وشرب عمر، رضى الله عنه، لبنًا فخرج من جرحه، فعلم هو والناس أنه لا يعيش، فأشاروا عليه بالوصية، فجعل الخلافة شورى بين عثمان، وعلى، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وقال: لا أعلم أحدًا أحق بها من هؤلاء الذين توفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو عنهم راض، وقال: يؤمر المسلمون أحد هؤلاء الستة.
وحسب الدين عليه، فوجده ستة وثمانين ألفًا أو نحوه، فقال لابنه عبد الله: إن وفى مال آل عمر به فأدوه منه، وإلا فسل فى بنى عدى، فإن لم تف أموالهم فسل فى قريش ولا تعدهم إلى غيرهم. ثم بعث ابنه عبد الله إلى عائشة، رضى الله عنها، فقال: قل: يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين، فإنى لست اليوم للمؤمنين أميرًا، وقل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، فجاء فسلَّم واستأذن، فدخل فوجدها تبكى، فقال لها، فأذنت وقالت: كنت أدرته لنفسى ولأوثرنه اليوم على نفسى، فلما أقبل عبد الله من عندها قيل لعمر: هذا عبد الله، قال: ارفعونى، فأسنده رجل، فقال: ما لديك؟ فقال: الذى تحب، قد أذنت، قال: الحمد لله، ما كان شىء أهم إلىَّ من ذلك، فإذا أنا قُبضت فاحملونى، ثم سلم فقل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لى فأدخلونى، وإن ردتنى ردونى إلى مقابر المسلمين، وأوصاهم أن يقتصدوا فى كفنه ولا يغالوا.
وغسله ابنه عبد الله، وحمل على سرير رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وصلى عليه فى مسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وصلى بهم عليه صهيب، وكبر أربعًا، ونزل فى قبره ابنه عبد الله، وعثمان بن عفان، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف.
وطُعن عمر، رضى الله عنه، يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، ودفن يوم الأحد هلال المحرم سنة أربع وعشرين، فكانت خلافته عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين يومًا، وقيل: توفى ربع بقين من ذى الحجة، وقيل: لثلاث، وقيل: لليلة، وقيل غير ذلك فى مدة الخلافة وتاريخ الطعن والوفاة.
وتوفى وهو ابن ثلاث وستين سنة على الصحيح المشهور، ثبت ذلك فى الصحيح عن معاوية بن أبى سفيان، وقاله الجمهور، وقيل: كان له خمس وستون سنة، والصحيح أن سن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وسن أبى بكر، وعمر، وعلى، وعائشة ثلاث وستون.
قالوا: وكان عمر، رضى الله عنه، طوالاً جدًا، أصلع، أعسر يسر وهو الذى يعمل بيديه جميعًا، وكان أبيض يعلوه حمرة، وإنما صار فى لونه سمرة فى عام الرمادة؛ لأنه أكثر أكل الزيت، وترك السمن للغلاء الذى وقع بالناس، فامتنع من أكل اللبن والسمن حتى لا يتميز على الضعفة.
وقال زر بن حبيش: كان عمر آدم. قال الواقدى: لا يعرف عندنا أن عمر كان آدم إلا أن يكون رآه عام الرمادة. قال ابن عبد البر: وصفه زر بن حبيش وغيره أنه كان آدم شديد الأدمة. قال: وهو الأكثر عند أهل العلم. وقال ابن قتيبة فى المعارف: قال الكوفيون: كان آدم شديد الأدمة. وقال بعض الحجازيين: كان أبيض أمهق. وقال أنس: كان عمر يخضب بالحناء بحتًا. قالوا: وهو أول من اتخذ الدرة.
قال ابن قتيبة: فتح الله تعالى فى ولايته بيت المقدس، ودمشق، وميسان، ودستميسان،(2/13)
وإيرزناد، واليرموك، ثم كانت وقعة الجابية، والأهواز وكورها على يد أبى موسى الأشعرى، وجلولاء سنة تسع عشرة، أميرها سعد بن أبى وقاص، وقيسارية وأميرها معاوية، ثم وقعة باب اليوى سنة عشرين، وأميرها عمرو بن العاص، ثم وقعة نهاوند سنة إحدى وعشرين، وأميرها النعمان بن مقرن المزنى، ثم فتح الرجان من الأهواز سنة اثنتين وعشرين، وأميرها المغيرة بن شعبة، وكانت اصطخر الأولى وهمذان سنة ثلاث وعشرين، وأما الرمادة وطاعون عمواس فكان سنة ثمان عشرة.
قال: وحج عمر، رضى الله عنه، بالناس عشر سنين متوالية. قال: وأولاد عمر: عبد الله، وحفصة، أمهما زينب بنت مظعون، وعبيد الله أمه مليكة بنت جرول الخزاعية، وعاصم أمه جميلة بنت عاصم بن ثابت حمى النحل، وفاطمة وزيد أمهما أم كلثوم بنت على بن أبى طالب من فاطمة، رضى الله عنهم، ومجبر واسمه عبد الرحمن، وأبو شمحة واسمه أيضًا عبد الرحمن، وفاطمة، وبنات أخر.
وأما موالى عمر، فمنهم أسلم، وهانىء، وأبو أمية جد المبارك بن فضالة بن أبى أمية، ومهجع مولى عمر، استشهد يوم بدر، ومالك الدار، وذكوان وهو الذى سار من مكة إلى المدينة فى يوم وليلة. وأحوال عمر غير منحصرة، وقد أشرنا إلى أطرافها، رضى الله عنه وأرضاه.
437 - عمر بن أبى ربيعة الشاعر:
مذكور فى المهذب فى أول كتاب السير، هو منسوب إلى جده، وهو أبو حفص عمر ابن عبد الله بن أبى ربيعة، واسم أبى ربيعة عمرو بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم. كان أبوه عبد الله بن أبى ربيعة، وعمه عياش، بالشين المعجمة، صحابيين، وكان عبد الله من أشراف قريش فى الجاهلية، ومن أحسن الناس وجهًا، وهو الذى بعثته قريش مع عمرو بن العاص إلى النجاشى، وولاه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجَنَد، بفتح الجيم والنون، بلدًا باليمن ومخاليفها، فلم يزل عليها حتى قُتل عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، ثم ولاه عثمان، فلما حصر عثمان جاء ينصره فوقع عن راحلته فتوفى بقرب مكة. كنية عبد الله أبو عبد الرحمن. وأما ابنه عمر صاحب الترجمة، فهو الشاعر المشهور، وهو القائل:
عمرك الله كيف يلتقيان(2/15)
أيها المنكح الثريا سهيلا
قالوا: الثريا هذه هى الثريا بنت عبد الله بن الحارث بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشية الأموية المكية، وسهيل هو سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهرى.
438 - عمر بن سعد:
مذكور فى المهذب فى باب التعزير، هكذا هو فى نسخ المهذب: عمر بن سعد، وهو تصحيف فى الاسمين جميعًا، وصوابه: عمير بن سعيد، بزيادة الياء فى الاسمين، وسنوضحه فى النوع الثامن فى الأوهام إن شاء الله تعالى، وهو عمير بن سعيد أبو يحيى الكوفى التابعى.
روى عن على، وسعد بن أبى وقاص، وابن مسعود، وعمار، وأبى موسى، رضى الله عنهم. روى عنه السبيعى، والأعمش، وأبو حَصين، بفتح الحاء، ومسعر، وغيرهم. واتفقوا على توثيقه وجلالته. قال الحكم: حسبك به. روى له البخارى ومسلم. توفى سنة خمس عشرة ومائة.
439 - عمر بن أبى سلمة الصحابى (1) :
ابن أم سلمة، تكرر ذكره فى المهذب، وهو المذكور فى المهذب فى باب ستر العورة، وإنما نبهت على هذا الموضع؛ لأنه تصحف فيه. هو أبو حفص عمر بن أبى سلمة، واسم أبى سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشى المخزومى الصحابى ابن الصحابيين ربيب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ولد بأرض الحبشة مع أبويه وهما مهاجران فى أواخر السنة الثانية من هجرة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثنا عشر حديثًا، روى البخارى ومسلم منها حديثين. روى عنه ابن المسيب، وعروة، ووهب بن كيسان، وغيرهم. توفى سنة ثلاث وثمانين.
440 - عمر بن شبة - بشين معجمة مفتوحة ثم موحدة مشددة - ابن عبيدة - بفتح العين - ابن زيد بن رابطة النميرى البصرى النحوى (2) :
أبو زيد، سكن بغداد. روى عن يحيى القطان، وغندر، وعلى بن عاصم، ويزيد بن هارون، وخلق سواهم.
_________
(1) انظر: الإصابة (2/519) ، والتاريخ الكبير (9/139) ، والثقات لابن حبان (3/263) ، والجرح والتعديل (6/117) ، والاستيعاب (2/474، 475) ، وتاريخ بغداد (1/194) ، وأسد الغابة (4/79) ، والبداية والنهاية (8/323) ، والوافى بالوفيات (22/501) ، وسير أعلام النبلاء (3/406 - 408) برقم (63) ، والعقد الثمين (6/307) ، وتهذيب التهذيب (7/455، 456) ..
(2) الجرح والتعديل (6/624) ، وسير أعلام النبلاء (12/369) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/460، 461) . تقريب التهذيب (4918) ، وقال: “ابن شبة بفتح المعجمة وتشديد الموحدة النميري بالنون مصغر صدوق له تصانيف من كبار الحادية عشرة مات سنة اثنتين وستين وقد جاوز التسعين ق”..(2/16)
روى عنه ابن ماجة، وأبو العباس الثقفى، وأبو نعيم، وعبد الملك بن محمد الجرجانى، وابن أبى الدنيا، وأبو شعيب الحرانى، وأبو القسم البغوى، ويحيى بن محمد بن صاعد، والقاضى المحاملى، وآخرون.
قال ابن أبى حاتم: كتبت عنه مع أبى، وهو صدوق صاحب عربية وأدب. قال الخطيب البغدادى: كان ثقة، عالمًا بالسير وأيام الناس، وله مصنفات كثيرة. قال: واسم أبيه زيد، وشبة لقب له. توفى عمر بسر من رأى فى جمادى الآخرة سنة ثنتين وستين ومائتين وعمره سبع وثمانون سنة إلا أربعة أيام.
441 - عمر بن صالح:
مذكور فى المختصر فى أول صدفة النخل والعنب [......] (1) .
442 - عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد والإمام العادل (2) :
تكرر فى المختصر والمهذب. هو أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم ابن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس القرشى الأموى التابعى بإحسان. سمع أنس بن مالك، والسائب بن يزيد، ويوسف بن عبد الله بن سلام. واستوهب من سهل بن سعد قدحًا شرب فيه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوهبه له. وروى عن خولة بنت حكيم، وسمع جماعات من التابعين، منهم سعيد بن المسيب، وعروة، وأبو بكر بن عبد الرحمن، والربيع بن سبرة، وعبد الله بن إبراهيم، وعامر بن سعد، والزهرى. روى عنه خلائق من التابعين منهم أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، ومحمد بن المنكدر، والزهرى، ويحيى الأنصارى، وحميد الطويل، وآخرون.
وأجمعوا على جلالته، وفضله، ووفور علمه، وصلاحه، وزهده، وورعه، وعدله، وشفقته على المسلمين، وحُسن سيرته فيهم، وبذل وسعه فى الاجتهاد فى طاعة الله، وحرصه على اتباع آثار رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والاقتداء بسنته وسنة الخلفاء الراشدين، وهو أحد الخلفاء الراشدين، ومناقبه أكثر من أن تحصر.
وقد جمع ابن عبد الحكم فى مناقب عمر بن عبد العزيز مجلدًا مشتملاً على جميل سيرته وحُسن طريقته، وفيه من النفائس ما لا يستغنى عن معرفته والتأدب به. وذكر ابن سعد وغيره من
_________
(1) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
(2) انظر: الجرح والتعديل (6/122) ، وسير أعلام النبلاء (5/114 - 148) برقم (148) ، وطبقات ابن سعد (5/330 - 408) ، والتاريخ الكبير (6/174، 175) ، وتاريخ ابن معين (2/432) ، وتاريخ اليعقوبى (2/301، 302) ، والأغانى (9/254 - 268) ، وصفة الصفوة (2/113 - 127) ، ونهاية الأرب (21/355 - 365) ، وتذكرة الحفاظ (1/118 - 121) ، وفوات الوفيات (3/133 - 135) ، والبداية والنهاية (9/192 - 219) ، ومرآة الجنان (1/208 - 211) ، والعقد الثمين (6/331) ، وغاية النهاية (1/593) ، وتاريخ الخميس (2/354، 355) ، والنجوم الزاهرة (1/246) ، والتاريخ الكبير (7/475 - 478) ، وتقريب التهذيب (2/59، 60) .(2/17)
المتقدمين أيضًا له أشياء نفيسة، وأجمعوا أن أمه أم عاصم حفصة بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، واسمها ليلى، سكنت دمشق.
ولى الخلافة بعد ابن عمه سليمان بن عبد الملك، وبويع عمر بن عبد العزيز بالخلافة حين مات سليمان بن عبد الملك، ومات سليمان لعشر خلون من صفر سنة تسع وتسعين، وكانت خلافة عمر سنتين وخمسة أشهر نحو خلافة أبى بكر الصديق، رضى الله عنهما، فملأ الأرض قسطًا وعدلاً، وسن السنن الحسنة، وأمات الطرائق السيئة، وصلى أنس بن مالك خلفه قبل خلافته، ثم قال: ما رأيت أحدًا أشبه صلاة برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من هذا الفتى. وقال أيوب السختيانى: لا أعلم أحدًا ممن أدركنا كان آخذًا عن نبى الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منه.
وقال سفيان الثورى: الخلفاء خمسة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، وعمر بن عبد العزيز. وقال مالك بن دينار: لما ولى عمر بن عبد العزيز، قالت رعاء الشاة فى رءوس الجبال: من هذا الخليفة الصالح الذى قام على الناس؟ فقيل لهم: وما علمكم بذلك؟ قالوا: إنه إذا قام خليفة صالح كفت الذئاب والأسد عن شاءينا. وقال رجاء بن حيوة: كان عمر بن عبد العزيز قبل خلافته من أعطر الناس وألبسهم، فلما استخلف قَوَّموا ثيابه باثنى عشر درهمًا.
وقال حميد بن زنجويه: قال أحمد بن حنبل: يروى فى الحديث أن الله تعالى يبعث على رأس كل مائة عام من يصحح لهذه الأمة دينها، فنظرنا فى المائة الأولى، فإذا هو عمر بن عبد العزيز. وهذا الحديث الذى ذكره أحمد رواه أبو داود فى سننه من رواية أبى هريرة، عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحمله العلماء فى المائة الأولى على عمر، والثانية على الشافعى، والثالثة على أبى العباس بن سريج. وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: عندى أنه يحمل على أبى الحسن الأشعرى، والمشهور أنه ابن سريج. رواه الحاكم أبو عبد الله، وأنشدوا فيه شعرًا. وفى الرابعة قيل: أبو سهل الصعلوكى، وقيل: القاضى ابن الباقلانى، وقيل: أبو حامد الإسفراينى، وفى الخامسة الإمام أبو حامد الغزالى، رحمه الله، والله أعلم.
توفى عمر(2/18)
وهو بدير سمعان قرية قريبة من حمص، وقبره هناك مشهور يُزار ويتبرك به، كان نازلاً هناك فمرض ومات. ولد عمر بمصر سنة إحدى وستين، وتوفى يوم الجمعة لخمس بقين من رجب سنة إحدى ومائة وعمره تسع وثلاثون سنة وستة أشهر. وكان عمر أشج، يقال له: أشج بنى أمية، ضربته دابة فى وجهه، وكان عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، يقول: من ولدى رجل بوجهه شجة يملأ الأرض عدلاً.
قال ابن قتيبة: كان لعمر بن عبد العزيز أربعة عشر ابنًا، منهم عبد الملك الولد الصالح ابن الصالح، كان من أعبد الناس، توفى فى خلافة أبيه وهو ابن سبع عشرة سنة وستة أشهر، وكان أحد المشيرين على عمر بمصالح الرعية، والمعينين له على الاهتمام بمصالح الناس، وكان وزيرًا صالحًا، وبطانة خير، رحمه الله، وكان أبر أهل عصره بوالده أو من أبرهم، وله مناقب مشهورة.
قال البخارى فى تاريخه: أصل عمر بن عبد العزيز مدنى. وفى الطبقات لمحمد بن سعد: قالوا: ولد عمر بن عبد العزيز سنة ثلاث وستين. وبإسناده أن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، قال: ليت شعرى من ذى الشين من ولدى الذى يملؤها عدلاً كما ملئت جورًا، وأراد بالشين الشجة التى كانت فى وجهه.
وبإسناده المتفق على صحته عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، قال: إنا كنا نتحدث أن هذا الأمر لا ينقضى حتى بلى هذه الأمة رجل من ولد عمر يسير فيها بسيرة عمر، بوجهه شامة. قال: فكنا نقول: هو بلال بن عبد الله بن عمر، وكانت بوجهه شامة، حتى جاء الله بعمر بن عبد العزيز.
وبإسناده عن ابن شوذب، قال: لما أراد عبد العزيز بن مروان أن يتزوج أن عمر بن عبد العزيز، قال لقيمه: اجمع لى أربع مائة دينار من طيب مالى، فإنى أريد أن أتزوج أهل بيت لهم صلاح، فتزوج أم عمر.
وبإسناده عن حجاج الصواف قال: أمرنى عمر بن عبد العزيز وهو وال على(2/19)
المدينة أن أشترى له ثيابًا، فاشتريت له ثيابًا، فكان ثوب بأربع مائة، فقطعه قميصًا، ثم لمسه بيده، فقال: ما أخشنه وأغلظه، ثم أمر بشراء ثوب له وهو خليفة، فاشتروه بأربعة عشر درهمًا، فلمسه فقال: سبحان الله ما ألينه وأرقه.
وبإسناده أن سليمان بن عبد الملك عهد بالخلافة لعمر بن العزيز، فلما توفى سليمان وانصرف عمر من قبره، إذا دواب سليمان قد عرضت له، فأشار إلى بغيلة شهيباء فأتى بها، فركبها وانصرف، وإذا فرش فقال: لقد عجلتم، ثم تناول وسادة أرمنية فطرحها بينه وبين الأرض، ثم قال: أما والله لولا أنى فى حوائج المسلمين ما جلست عليك.
وعن عبد الحميد بن سهيل، قال: رأيت عمر بن عبد العزيز بدأنا بأهل بيته، فرد ما كان بأيديهم من المظالم، ثم فعل ذلك بالناس بعد، فقال عمر بن الوليد: جئتم برجل من ولد عمر بن الخطاب فوليتموه عليكم ففعل هذا بكم.
وعن أبى الزناد، قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز بالعراق فى رد المظالم إلى أهلها، فرددناها حتى أنفدنا ما فى بيت مال العراق، وحتى حمل إلينا عمر المال من الشام. قال أبو الزنا: وكان عمر يرد المظالم إلى أهلها بغير البينة القاطعة، وكان يكتفى بأيسر ذلك إذا عرف وجهًا من مظلمة الرجل ردها عليه، ولم يكلفه تحقيق البينة، لما كان يعرفه من غشم الولاة قبله.
وعن إبراهيم بن جعفر، عن أبيه، قال: ما كان يقدم على أبى بكر بن محمد كتاب من عمر إلا فيه ردّ مظلمة، أو إحياء سنة، أو إطفاء بدعة، أو قسم، أو تقدير عطاء، أو خير حتى خرج من الدنيا.
وعن أبى بكر بن محمد، قال: كتب إلىَّ عمر أن أستبرأ الدواوين، فأنظر إلى كل جور جلده من قبلى من حق مسلم أو معاهد فأرده إليه، فإن كان أهل المظلمة ماتوا فادفعه إلى ورثتهم.
وعن أبى موسى بن عبيدة، قال: سمعت كتاب عمر بن عبد العزيز إلى أبى بكر بن محمد: وإياك والجلوس فى بيتك، أخرج إلى الناس أس بينهم فى المجلس والمنظر، ولا يكن أحد من الناس آثر عندك من أحد، ولا تقولن هؤلاء من أهل بيت أمير المؤمنين، فإن أهل بيت أمير المؤمنين وغيرهم عندى اليوم سواء، بل أنا أحرى أن أظن(2/20)
بأهل بيت أمير المؤمنين أنهم يقهرون من نازعهم، وإذا أشكل عليك شىء فاكتب إلىَّ فيه.
وعن حازم بن أبى حازم، قال: قال عمر فى كلام له: فلو كان بكل بدعة يميتها الله على يدى وبكل سنة ينعشها على يدى بضعة من لحمى حتى يأتى آخر ذلك على نفسى كان فى الله يسيرًا.
وعن حماد بن أبى سليمان، قال: قام عمر بن عبد العزيز فى جامع دمشق، فقال بأعلى صوته: لا طاعة لنا فى معصية الله.
وعن عبد الله بن واقد، قال: آخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز، حمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس، والله لولا أن أنعش سُنَّة أو أشير بحث ما أحببت أن أعيش فواقًا. الفواق: ما بين الحلبتين.
وعن سالم بن عبد الله، وخارجة بن زيد، قالا: إنا لنرجوا لسليمان بن عبد الملك فى استخلافه عمر بن عبد العزيز. وبإسناده أن عمر بن عبد العزيز لما استخلف باع كل ما كان يملكه من الفضول من عبد، ولباس، وعطر، وكل ما يستغنى عنه، فبلغ ثلاثة وعشرين ألف دينار، فجعله فى السبيل.
وبإسناده عن خادم عمر بن عبد العزيز أنه لم يمتلأ من طعام من يوم ولى حتى مات، وأنه وضع المكث عن كل أرض، وأنه أمر بعمل الخانات بطريق خراسان، وأنه كتب إلى أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وكان يأتيه: أن افرض للناس، يعنى العطاء، إلا لتاجر، وأنه كتب إلى الناس: أن ارفعوا إلىَّ كل منفوس يفرض له، يعنى المولود، فإنما هو مالكم نرده عليكم، وأن أبا بكر بن محمد كان يعمل بالليل كعمله بالنهار لاستحثاث عمر إياه.
وعن محمد بن قيس، قال: رأيت عمر بن عبد العزيز إذا صلى العشاء دعى بشمعة فيكتب فى أمر المسلمين وفى رد المظالم، فإذا أصبح جلس فى رد المظالم، وأمر بالصدقات أن تقسم لأهلها، فلقد رأيت من يتصدق عليه له فى العام القابل إبل فيها صدقة.
وعن مهاجر بن يزيد قال: بعثنا عمر بن عبد العزيز فقسمنا الصدقة، فلقد رأيتنا وإنا لنأخذ الزكاة فى العام القابل ممن يتصدق عليه فى العام الماضى، ولقد كنت أراه يغسل ثيابه فما يخرج إلينا، ما له غيرها، وما أحدث بناء، ولقد رأيت عتبة له خربت فاكلم فى إصلاحها، ثم قال: يا مزاحم، هل لك فى تركها(2/21)
فنخرج من الدنيا ولم نحدث شيئًا. قال: وحرم الطلاء فى كل أرض. الطلاء نوع من الأنبذة كان أهل العراق يستبيحونه.
وعن عاصم بن كليب، قال: فدى عمر بن عبد العزيز رجلاً من العدو ردَّه بمائة ألف درهم. وبإسناده أن سيف عمر كان محلى بفضة فنزعها وحلاه بحديد. وبإسناد ضعيف أنه كان له ثلاثة عشر مؤذنًا. وبإسناد ضعيف أنه يمسح وجهه إذا توضأ، وكان يتوضأ من مس الذكر، ومن أكل ما مست النار حتى من السكر، ويقنع رأسه إذا دخل الخلاء، ويقول: الشفق البياض بعد الحمرة. وبإسناده أن عمر بن عبد العزيز عزل كاتبًا له كتب: بم، ولم يجعل السين. وأنه كان يأمر الناس إذا أخذ المؤذن فى الإقامة أن يستقبلوا القبلة.
وعن ميمون بن مهران، قال: كان عمر بن عبد العزيز معلم العلماء. وعن روح بن عبادة، قال: أخرج مسك من الخزائن، فلما وضع بين يدى عمر أمسك بأنفه مخافة أن يجد رائحته، فقيل له فى ذلك، فقال: وهل يبتغى من هذا إلا ريحه.
وعن نعيم بن عبد الله، قال: قال عمر: إنى لأدع كثيرًا من الكلام مخافة المباهات. وبإسناده أن عمر كتب فى المحبوسين: لا يقيد أحد بقيد يمنع من تمام الصلاة. وأنه قال: لا ينبغى أن يكون قاضيًا إلا مَن هو عفيف حليم عالم بما كان قبله، يستشير ذوى الرأى، لا يخاف ملامة الناس.
وأن محمد بن كعب القرظى دخل على عمر، وكان عمر قبل الخلافة حسن الجسم، فجعل ينظر إليه لا يطرف، فقال: ما لك؟ قال: يا أمير المؤمنين، عهدى بك حُسن الجسم، وأراك قد اصفر لونك، ونحل جسمك، وذهب شعرك، فقال: كيف لو رأيتنى فى قبرى بعد ثلاث، وقد ابتدرت الحدقتان على وجنتى، وسال منخراى وفمى صديدًا ودودًا لكنت أشد لى نكرة.
وبإسناده أن عمر خطب، فقال: يا أيها الناس اتقوا الله، فإن تقوى الله خلفًا من كل شىء، وليس لتقوى الله خلف. وأنه قال: معول المؤمنين الصبر. وبإسناده الصحيح أن رجلاً سأل عمر عن شىء من الأهواء، فقال: الزم دين الصبى والأعرابى واله عما سوى ذلك.
وبإسناده الصحيح عن عمر بن ميمون، قال: كانت العلماء مع عمر بن عبد العزيز تلامذة. وبإسناده أن رجلاً(2/22)
نال من عمر، فقيل له: ما يمنعك منه؟ فقال: إن المتقى ملجم. وأن عمر كتب إلى الأمراء: لا تركبوا فى الغزو إلا أضعف دابة فى الجيش سيرًا. وأنه قال: إقامة الحدود عندى كإقامة الصلاة. وأنه كتب إلى عامله باليمن: أما بعد، فإنى أكتب إليك أن ترد على المسلمين مظالمهم فتراجعنى، ولا تعلم بعد المسافة بينى وبينك، ولا تعرف حدث الموت حتى لو كتبت إليك برد شاة رجل كتبت أردها عفراء أم سوداء، فرد على المسلمين مظالمهم ولا تراجعنى.
وأن رجلاً قال له: أبقاك الله، فقال: هذا قد فرغ منه، ادع لى بالصلاح. وأنه كان ينهى بناته أن ينمن مستلقيات، وقال: لا يزال الشيطان مطلاً على إحداكن إذا استلقت يطمع فيها. وأنه سُئل عن الجمل وصفين، وما كان فيهما، فقال: تلك دماء كف الله يدى عنها، فأنا أكره أن أغمس لسانى فيها.
وأن رجلاً قال لعمر: لو تفرغت لنا، فقال: وأين الفراغ؟ ذهب الفراغ فلا فراغ إلا عند الله. وأنه قيل له أن يتحفظ فى طعامه وشرابه من السم، وفى خروجه بحرس كعادت من قبله، فقال: وأين هم، فلما أكثر عليه، قال: اللهم إن كنت تعلم أن أخاف يومًا دون يوم القيامة فلا تؤمن خوفى.
وعن مجاهد، قال: أتينا عمر بن عبد العزيز ونحن نرى أنه سيحتاج إلينا، فما خرجنا من عنده حتى احتجنا إليه. وبإسناده أن عمر كان إذا سمر فى أمر العامة أسرج من بيت المال، وإذا سمر فى أمر نفسه أسرج من مال نفسه، فبينما هو ذات ليلة إذ نعس السراج، فقام فأصلحه، فقيل: إنا نكفيك، قال: أنا عمر حين قمت، وأنا عمر حين جلست.
وأنه قال: ما كذبت منذ علمت أن الكذب شين. وأنه احتبس غلامًا له يحتطب له، فقال له الغلام: الناس كلهم بخير غيرى وغيرك، قال: اذهب فأنت حر. وأنه قال: والله لوددت لو عدلت يومًا واحدًا، وأن الله تعالى قبضنى.
وعن ميمون بن مهران، قال: أقمت عند عمر ستة أشهر، ما رأيته غير ردائه إلا أنه كان يغلسه بنفسه من الجمعة إلى الجمعة. وعن سعيد بن سويد، أن عمر صلى بهم الجمعة وعليه قميص مرقوع الجيب من بين يديه ومن خلفه، فلما فرغ جلس وجلسنا معه، قال: فقال له رجل من القوم: يا أمير المؤمنين، إن الله قد أعطاك، فلو لبست وصنعت، فنكس مليًا حتى(2/23)
عرفنا أن ذلك قد سائه، ثم رفع رأسه، ثم قال: إن أفضل القصد عند الجدة، وأفضل العفو عند القدرة.
وأحوال عمر بن عبد العزيز وفضائله غير منحصرة، وفيما أشرنا إليه كفاية. وكان مرضه الذى توفى فيه عشرين يومًا، وقيل له: مَن توصى بأهلك؟ فقال: أن ولى فيهم الله الذى نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين. وأوصى أن يُدفن معه شىء كان عنده من شعر النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأظفار من أظفاره، وقال: إذا مت فاجعلوه فى كفنى، ففعلوا ذلك.
وعن يوسف بن ماهك، قال: بينما نحن نحثو التراب على قبر عمر بن عبد العزيز، سقط علينا رق من السماء مكتوب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار.
* * *
باب عمرو
اتفقو على أن اسم عمرو يكتب فى حالتى الرفع والجر بالواو، ولا يكتب فى النصب واو، قالوا: وكتبت الواو للفرق بينه وبين عمر، وحذفت فى النصب لحصول الفرق بالألف، وجعلت الواو فيه دون عمر لخفت عمرو بثلاث أشياء: فتح أوله، وسكون ثانيه، وصرفه، فلا يجحف به الزيادة بخلاف عمر.
443 - عمرو بن أمية الضمرى الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى مواضع من نكاح المختصر، وفى وكالت المهذب. هو أبو أمية عمرو بن أمية بن خويلد بن عبد الله بن إياس بن عبيد الله بن ناشرة بن كعب بن جدى، بضم الجيم وفتح الدال المهملة المخففة، ابن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة الكنانى الضمرى الصحابى الحجازى.
أسلم قديمًا، وهاجر إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، وأول مشاهده بئر معونة، بالنون، وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يبعثه فى أموره، وبعثه عينًا إلى قريش وحده، فحمل خبيب، بضم الخاء، ابن عدى من الخشبة التى صلبوه عليها، وأرسله رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى النجاشى وكيلاً، لتزوج له أم حبيبة بنت أبى سفيان، وكان
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (4/248) ، والتاريخ الكبير للبخارى (6/2485) ، والجرح والتعديل (6/1216) ، والاستيعاب (3/1162) ، وأسد الغابة (4/86) ، وسير أعلام النبلاء (3/179) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (8/6) . تقريب التهذيب (4990) ، وقال: "صحابي مشهور أول مشاهده بئر معونة بالنون مات في خلافة معاوية ع"..(2/24)
من أنجاد العرب ورجالها.
وقال ابن عبد البر: إنه إنما أسلم بعد غزوة أُحُد، والمشهور الأول. قالوا: وأسرته بنو عامر يوم بئر معونة، فأعتقوه عن رقبة كانت عليهم. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشرون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم على حديث وللبخارى آخر. روى عنه بنوه الثلاثة: جعفر، والفضل، وعبد الله، وآخرون. توفى بالمدينة قبيل وفاة معاوية.
444 - عمرو بن تغلب الصحابى (1) :
بفتح المثناة من فوق، وإسكان الغين المعجمة، وكسر اللام. هو عمرو بن تغلب العبدى، من عبد القيس، وقيل: هو من بكر بن وائل، وقيل: من النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جذيلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. وجميع المذكور فى نسبه يرجع إلى أسد بن ربيعة، فهو ربعى بالاتفاق، صحب النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم سكن البصرة.
روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديثين رواهما البخارى. روى عنه الحسن البصرى، لم يرو عنه غيره. ثبت فى صحيح البخارى، عن عمرو بن تغلب، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى بمال أو شىء فقسمه، فأعطى رجالاً وترك رجالاً، فبلغه أن الذين ترك عتبوا، فحمد الله تعالى، ثم أثنى عليه، ثم قال: “أما بعد، فوالله إنى لأعطى الرجل وأدع الرجل، والذى أدع أحب إلىَّ من الذى أعطى، ولكنى أعطى أقوامًا لما أرى فى قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقوامًا إلى ما جعل الله فى قلوبهم من الغنى والخير، منهم عمرو بن تغلب”، فوالله ما أحب أن لى بكلمة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُمر النعم.
445 - عمرو بن الجموح - بفتح الجيم - ابن زيد بن حرام - بالحاء - ابن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة - بكسر اللام - الأنصارى السلمى:
من بنى جشم بن الحزرج، شهد العقبة، واختلفوا فى شهوده بدرًا، واستشهد يوم أُحُد، ودفن هو وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر فى قبر واحد، وكانا صهرين، ورووا أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لنفر من بنى سلمة: “سيدكم عمرو بن الجموح”، وكان عمرو سيدًا من سادات بنى سلمة، وشريفًا من أشرافهم، وكان له أربعة بنين يقاتلون مع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/67) ، والتاريخ الكبير للبخارى (6/2477) ، والجرح والتعديل (6/1235) ، والاستيعاب (3/1166) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (8/8، 9) ، والإصابة (2/5783) . تقريب التهذيب (4994) ، وقال: “ابن تغلب بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام ثم موحدة النمري بفتح النون والميم صحابي تأخر إلى بعد الأربعين خ س ق”..(2/25)
ورووا أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال فيه حين استشهد: “لقد رأيته فى الجنة”.
446 - عمرو بن الحارث بن أبى ضرار بن عايذ بن مالك بن جذيمة - بفتح الجيم وكسر الذال المعجمة - ابن سعد بن كعب بن عمرو الخزاعى المصطلقى الكوفى (1) :
أخو جويرية بنت الحارث أم المؤمنين، رضى الله عنها، والمصطلق الذى نسب إليه هو جذيمة، وعمرو هذا صحابى. روى له البخارى حديثًا عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وروى له غيره. روى عنه السبيعى وغيره.
447 - عمرو بن حريث الصحابى (2) :
هو أبو سعيد عمرو بن حريث، آخره ثاء مثلثة، ابن عمرو بن عمرو بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشى المخزومى، سكن الكوفة، وهو أول قرشى اتخذ بالكوفة دارًا. روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحاديث، ومسح النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأسه ودعا له بالبركة فى صفقته وبيعته، فكسب مالاً عظيمًا، فكان من أغنى أهل الكوفة، وولى لبنى أمية بالكوفة، وشهد القادسية وأبلى فيها، توفى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وله اثنا عشرة سنة، وقيل: حملت به أمه عام بدر، توفى سنة خمس وثمانين وله عقب بالكوفة. روى عنه ابنه جعفر وجماعة من التابعين.
448 - عمرو بن حَزْم الصحابى (3) :
تكرر فى المهذب فى صلاة العيد، وفى القصاص والديات. هو أبو الضحاك، ويقال: أبو محمد عمرو بن حزم بن زيد بن لوزان، بفتح اللام وإسكان الواو بذال معجمة، ابن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصارى الخزرجى النجارى المدنى، وقيل فى نسبه غير هذا، أول مشاهده مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الخندق.
واستعمله رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على نجران باليمن وهو ابن سبع عشرة سنة، وبعث معه كتابًا فيه الفرائض، والسنن، والصدقات، والجروح، والديات، وكتابه هذا مشهور فى كتب السنن، رواه أبو داود، والنسائى، وغيرهما مفرقًا، وأكملهم له رواية النسائى فى الديات، ولم يستوفه أحد منهم فى موضع. روى عنه ابنه محمد، والنضر بن عبد الله السلمى، وزناد بن نعيم الحضرمى. توفى بالمدينة سنة إحدى، وقيل: ثلاث، وقيل: أربع وخمسين.
449 -
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/196) ، والتاريخ الكبير للبخارى (6/2486) ، والجرح والتعديل (6/1249) ، والاستيعاب (3/1171) ، وتاريخ الإسلام (3/54) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (8/14) ، والإصابة (2/5800) . تقريب التهذيب (5002) ، وقال: “صحابي قليل الحديث بقي إلى بعد الخمسين ع”..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/23) ، والتاريخ الكبير للبخارى (6/2479) ، والجرح والتعديل (6/254) ، والاستيعاب (3/1172) ، وأسد الغابة (4/97) ، وسير أعلام النبلاء (3/417) ، وتاريخ الإسلام (3/289) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (8/17، 18) ، والإصابة (2/5808) . تقريب التهذيب (5008) ، وقال: “صحابي صغير مات سنة خمس وثمانين ع”..
(3) التاريخ الكبير للبخارى (6/2478) ، والجرح والتعديل (6/1247) ، والاستيعاب (3/1172) ، وأسد الغابة (4/98) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (8/20، 21) ، والإصابة (2/5810) . تقريب التهذيب (5011) ، وقال: “صحابي مشهور شهد الخندق فما بعدها وكان عامل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على نجران مات بعد الخمسين وقيل في خلافة عمر وهو وهم مد س ق”..(2/26)
عمرو بن دينار التابعى (1) :
تكرر فى المختصر، وذكره فى المهذب فى مواضع منها مسألة عدة امرأة المفقود، وفى وسط باب استيفاء القصاص، وفى عدد الشهور. هو أبو محمد عمرو بن دينار المكى المكى الجمحى مولاهم. سمع ابن عمر، وابن عباس، وابن عمرو، وجابرًا، والمسور، وآخرين من الصحابة، وخلائق من أئمة التابعين كسعيد بن المسيب، وطاووس، وعطاء بن أبى رباح، وأروى، ومحمد بن على، وسالم بن عبد الله، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وابن أبى مليكة، وسليمان بن يسار، ووهب بن عتبة، والزهرى، وأشباههم.
روى عنه جعفر الصادق، وأيوب، وقتادة، ومسعر، وابن أبى نجيح، والسفيانان، والحمادان، وخلائق من الأئمة، وأجمعوا على جلالته، وإمامته، وتوثيقه، وهو أحد أئمة التابعين، وأحد المجتهدين أصحاب المذاهب. قال سفيان بن عيينة: هو ثقة، ثقة، ثقة، ثقة، أربع مرات. قال: وحديث أسمعه من عمرو أحب إلىَّ من عشرين من غيره. وكان شعبة لا يقدم عليه أحدًا، وكان مولى ولكن شرفه بالعلم. وقال ابن أبى نجيح: ما رأيت أفقه من عمرو بن دينار، لا طاووس، ولا عطاء، ولا مجاهد. توفى سنة ست وعشرين ومائة، وقيل: سنة خمس، وقيل: تسع، وهو ابن ثمانين سنة.
450 - عمرو بن سلمة (2) :
بكسر اللام، مذكور فى المهذب فى أول باب صفة الأئمة. هو أبو بريد، بموحدة مضمومة، وراء، وقيل: أبو يزيد، بمثناة وزاى، والصحيح المشهور الأول، عمرو بن سلمة بن نقيع، وقيل: ابن قيس الجرمى البصرى. ثبت فى صحيح البخارى
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/479، 480) ، والتاريخ الكبير للبخارى (6/2544) ، والجرح والتعديل (6/1280) ، وسير أعلام النبلاء (5/300) ، وتاريخ الإسلام (5/74) ، وميزان الاعتدال (3/6367) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (8/28 - 30) . تقريب التهذيب (5024) ، وقال: “ثقة ثبت من الرابعة مات سنة ست وعشرين ومائة ع”..
(2) التاريخ الكبير للبخارى (6/2497) ، والجرح والتعديل (6/1301) ، والاستيعاب (3/1179) ، وأسد الغابة (4/111) ، وسير أعلام النبلاء (3/523) ، وتاريخ الإسلام (3/290) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (8/42، 43) ، والإصابة (2/5857) . تقريب التهذيب (5042) ، وقال: “أبو بريد بالموحدة والراء ويقال بالتحتانية والزاي صحابي صغير خ د س”..(2/27)
أنه كان يؤم قومه وهو صبى فى زمن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه كان أكثرهم قرآنًا، قالوا: ولم ير النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقيل: رآه وليس بشىء، وأبوه صحابى. روى عن عمر، وأبو قلابة، وعاصم الأحول، وأبو الزبير المكى، وغيرهم.
451 - عمرو بن الشريد (1) :
مذكور فى المختصر والمهذب فى الشهادات فى سماع الشعر، وهو تابعى، وأبوه صحابى سبق بيانه فى ترجمته، وهو أبو الوليد عمرو بن الشريد بن شريد الثقفى الطائفى. روى عن أبيه، وابن عباس، وأبى رافع. روى عنه الزهرى، وإبراهيم بن ميسرة، وآخرون، وهو ثقة. روى له البخارى ومسلم.
452 - عمرو بن شعيب (2) :
تكرر فى المختصر والمهذب تكريرًا كثيرًا. هو أبو إبراهيم عمرو بن شعيب بن محمد ابن عبد الله بن عمرو بن العاص القرشى السهمى المدنى، ويقال: المكى، ويقال: الطائفى. سمع أباه، ومعظم رواياته عنه، وسعيد بن المسيب، وطاووسًا، وعروة، ومجاهدًا، وسليمان بن يسار، وغيرهما. روى عنه عطاء بن أبى رباح، وعمرو بن دينار، والزهرى، ويحيى الأنصارى، وثابت البنانى، وأبو إسحاق الشيبانى، وأيوب السختيانى، وأبو حازم، وداود بن أبى هند، وقتادة، والحكم، ووهب بن منبه، والزبير بن عدى، ومحمد بن إسحاق بن بشار، ومكحول، وحميد الطويل، وهشام بن عروة، ويزيد بن أبى حبيب، ويحيى بن أبى كثير، وحريز بن عثمان، بالحاء وبالزاى فى آخره، وعبد العزيز ابن رفيع، وداود بن قيس، وغيرهم، وكل هؤلاء المذكورين تابعيون، وهذا مما استدلوا به على جلالته، فإنه ليس بتابعى، بل هو من تابعى التابعين، روى عنه نيف وعشرون من التابعين، وفيهم عطاء وشبهه من الأعلام.
قال الأوزاعى: ما رأيت قرشيًا أكمل من عمرو بن شعيب. وقال البخارى: رأيت أحمد بن حنبل، وعلى بن المدينى، وإسحاق بن راهويه يحتجون بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. قال البخارى: من الناس عدهم. قال ابن أبى حاتم: سُئل يحيى بن معين عنه، فغضب فقال: ما شأنه روى عنه الأئمة.
وروى مالك، عن رجل عنه، وفى رواية عن ابن
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/518) ، والتاريخ الكبير للبخارى (6/2579) ، والجرح والتعديل (6/1322) ، وتاريخ الإسلام (4/40) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (8/47، 48) . تقريب التهذيب (5049) ، وقال: “ثقة من الثالثة خ م د تم س ق”..
(2) التاريخ الكبير للبخارى (6/2578) ، والجرح والتعديل (6/1323) ، وسير أعلام النبلاء (5/165) ، وتاريخ الإسلام (4/285) ، وميزان الاعتدال (3/6383) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (8/48، 55) . تقريب التهذيب (5050) ، وقال: “صدوق من الخامسة مات سنة ثماني عشرة ومائة ر 4”..(2/28)
معين قال: إذا حدث عن أبيه عن جده فهو كتاب. قال: فمن هاهنا جاء ضعفه. وسُئل أبو حاتم الرازى: أيما أحب إليك عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أو بهز بن حكيم عن أبيه عن جده؟ فقال: عمرو أحب إلىَّ.
وقال أبو زرعة: روى عنه الثقات، وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبيه، عن جده، وإنما سمع أحاديث كثيرة وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها. وقال أبو زرعة أيضًا: هو ثقة يُحتج به. وفى رواية عنه قال: هو واهى الحديث. وقال الدارمى: هو ثقة روى عنه الذين نظروا فى أحوال الرجال كايوب، والزهرى، والحكم، قال: واحتج أصحابنا بحديثه. وقال جرير: كان مغيرة لا يعبأ بصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وقال سفيان بن عيينة: حديثه عن أبيه عن جده عند الناس فيه شىء.
وقال ابن عدى: قال أبو داود: قال أحمد بن حنبل: أصحاب الحديث إذا شاءوا احتجوا بحديثه عن أبيه عن جده، وإذا شاءوا تركوه. وقال إسحاق بن راهويه: عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده كأيوب عن نافع عن ابن عمر. وقال ابن عدى: روى عنه أئمة الناس وثقاتهم، ولكن أحاديثه عن أبيه عن جده مع احتمالهم إياه لم يدخلوها فى الصحاح. وأنكر بعضهم سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو، وقال: إنما سمع أباه محمد بن عبد الله بن عمرو، فتكون رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلة، وهذا إنكار ضعيف، وأثبت الدارقطنى وغيره من الأئمة سماع شعيب من عبد الله، وقال أبو بكر النيسابورى: صح سماع شعيب من جده عبد الله.
واعلم أن الشيخ أبا إسحاق الشيرازى صاحب التنبيه والمهذب قال فى كتاب اللمع فى الأصول: لا يجوز الاحتجاج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ لاحتمال أن المراد جده الأدنى، وهو محمد، فيكون مرسلاً، وكذا قال غيره من أصحابنا: لا يجوز الاحتجاج به، وقد أكثر صاحب المهذب فى المهذب من الاحتجاج به، وهذا مما يُنكر عليه، وجوابه أن الصحيح المختار صحة(2/29)
الاحتجاج به عن أبيه عن جده كما قاله الأكثرون كما سبق، فاختار فى المهذب هذا المذهب المختار، والله أعلم.
453 - عمرو بن العاصى الصحابى (1) :
تكرر فيها كثيرًا، والجمهور على كتابة العاصى بالياء، وهو الفصيح عند أهل العربية، ويقع فى كثير من كتب الحديث والفقه أو أكثرها بحذف الياء، وهى لغة، وقد قرىء فى السبع نحوه كالكبير المتعالى والداع ونحوهما.
هو أبو عبد الله، ويقال: أبو محمد عمرو بن العاصى بن وائل بن هاشم بن سعيد، بضم السين وفتح العين، ابن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى بن غالب القرشى السهمى. أسلم عام خيبر أول سنة سبع، وقيل: أسلم فى صفر سنة ثمان قبل الفتح بستة أشهر، وقيل غير ذلك، وقدم على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو وخالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة فأسلموا، ثم أمره رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى غزوة ذات السلاسل على جيش هم ثلاثمائة، فلما دخل بلادهم استمده فأمده بجيش من المهاجرين الأولين فيهم أبو بكر، وعمر، وأميرهم أبو عبيدة بن الجراح، رضى الله عنهم، وقال لأبى عبيدة: “لا تختلفا”.
واستعمله رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على عمان، فلم يزل عليها حتى توفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثم أرسله أبو بكر، رضى الله عنه، أميرًا إلى الشام، فشهد فتوحه، وولى فلسطين لعمرو بن الخطاب، رضى الله عنه. ثم أرسله عمر فى جيش إلى مصر ففتحها، ولم يزل واليًا عليها حتى توفى عمر، ثم أقره عثمان عليها أربع سنين ثم عزله، فاعتزل عمرو بفلسطين، وكان يأتى المدينة أحيانًا، ثم استعمله معاوية على مصر، فبقى عليها حتى توفى واليًا عليها، ودفن بها، وكانت وفاته ليلة عيد الفطر سنة ثلاث وأربعين، وقيل: ثنتين، وقيل: أربع، وقيل: ثمان، وقيل: إحدى وخمسين، والأول أصح، وكان عمره سبعين سنة، وصلى عليه ابنه عبد الله، وكان من أبطال العرب ودهاتهم، وكان قصيرًا، وذا رأى.
ولما حضرته الوفاة قال: اللهم أمرتنى فلم أأتمر، ونهيتنى فلم أنزجر، ولست قويًا فأنتصر، ولا برئيًا فأعتذر، ولا مستكبرًا، بل مستغفرًا، لا إله إلا أنت، فلم يرل يرددها حتى توفى.
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (4/254، 7/493) ، والتاريخ الكبير للبخارى (6/2475) ، والجرح والتعديل (6/1342) ، والاستيعاب (3/1184) ، وأسد الغابة (4/115) ، وسير أعلام النبلاء (3/54) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (8/56، 57) ، والإصابة (3/5882) . تقريب التهذيب (5053) ، وقال: “الصحابي المشهور أسلم عام الحديبية وولي إمرة مصر مرتين وهو الذي فتحها مات بمصر سنة نيف وأربعين وقيل بعد الخمسين ع”..(2/30)
وفى وفاته حديث مليح فى كتاب الإيمان من صحيح مسلم. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبعة وثلاثون حديثًا، اتفقا على ثلاثة ولمسلم حديثان، وللبخارى بعض حديث.
روى عنه أبو عثمان النهدى، وقيس بن أبى حازم، وعروة بن الزبير، وعبد الرحمن ابن شماسة، بفتح الشين وضمها. وأما حديث عقبة بن عامر أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “أسلم الناس، وآمن عمرو بن العاصى” (1) ، فضعيف رواه الترمذى من رواية ابن لهيعة، وقال: لا يُعرف إلا من حديث ابن لهيعة، وإسناده ليس بالقوى.
454 - عمرو بن عبسة الصحابى، رضى الله عنه (2) :
ذكره فى المهذب فى أول صفة
_________
(1) أخرجه أحمد (4/155، رقم 17449) ، والترمذى (5/687، رقم 3844) وقال: غريب وليس إسناده بالقوى. والرويانى (1/171، رقم 212) ، والطبرانى (17/306، رقم 845) . وأخرجه أيضا: ابن عساكر (46/134) .
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (4/214) ، والتاريخ الكبير للبخارى (6/2474) ، والجرح والتعديل (6/1339) ، والاستيعاب (3/1192) ، وأسد الغابة (4/120) ، وسير أعلام النبلاء (2/456) ، وتاريخ الإسلام (3/57) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (8/69) ، والإصابة (3/5903) . تقريب التهذيب (5070) ، وقال: “صحابي مشهور أسلم قديما وهاجر بعد أحد ثم نزل الشام م 4”..(2/31)
الوضوء، وفى باب الهدنة، لا ذكر له فى هذه الكتب فى غيرها. هو أبو نجيح، وقيل: أبو شعيب عمرو بن عبسة، بعين مهملة ثم باء موحدة مفتوحتين، ثم سين مهملة على وزن عدسة، وهذا الضبط لا خلاف فيه بين أهل الحديث، والأسماء، والتواريخ، والسير، والمؤتلف، وغيرهم من أهل الفنون، ورأيت جماعة ممن صنف فى ألفاظ المهذب يزيدون فيه نونًا، وهذا غلط فاحش، ومنكر ظاهر، وإنما ذكرته نتبيهًا عليه لئلا يغتر به.
وهو عمرو بن عبسة بن عامر بن خالد بن غاضرة بن عتاب، ويقال: خفاف بن امرىء القيس بن بهثة، بموحدة مضمومة ثم هاء ساكنة ثم مثلثة، ابن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة، بفتح الخاء المعجمة والصاد المهملة، ابن قيس عيلان، بالعين المهملة، ابن مصر بن نذار السلمى الصحابى الصالح.
أسلمن قديمًا، وثبت فى صحيح مسلم أنه كان رابع أربعة فى الإسلام، وأنه قدم على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكة فأسلم رابع أربعة، وطلب من النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الإقامة معه بمكة، فقال: “إنك لا تقدر على ذلك الأن، ولكن ارجع إلى قومك، فإذا سمعت بخروجى فأتنى”، وأنه أتى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد ذلك إلى المدينة مهاجرًا، وحديث هجرته طويل مشتمل على جمل من أنواع العلم والأصول والقواعد، وهو بطوله فى صحيح مسلم قبيل صلاة الخوف، وكان أخا أبى ذر لأمه، وقد المدينة بعد الخندق فسكنها ثم نزل الشام.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثمانية وثلاثون حديثًا، روى مسلم منها الحديث المذكور. روى عنه جماعة من الصحابة، منهم ابن مسعود، وأبو إمامة، وسهل بن سعد، وجماعة من التابعين، سكن حمص، وتوفى بها.
455 - عمرو بن أبى عمرو (1) :
مذكور فى المهذب فى آخر باب حد الزنا. هو أبو عثمان عمرو بن أبى عمرو، واسم أبى عمرو ميسرة، مولى المطلب بن عبد الله القرشى المخزومى. سمع أنس بن مالك، ومولاه المطلب، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والمقبرى. روى عنه مالك بن أنس، ويزيد بن الهاد، وسليمان بن بلال، والدراوردى، وآخرون. قال أحمد بن حنبل: ليس به بأس. وقال ابن معين: هو ضعيف، ليس بالقوى. وقال أبو زرعة: ثقة.
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (6/2633) ، والجرح والتعديل (6/1398) ، وميزان الاعتدال (3/6414) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (8/82 - 84) . تقريب التهذيب (5083) ، وقال: “ثقة ربما وهم من الخامسة مات بعد الخمسين ع”..(2/32)
وقال: لا بأس به. وقال ابن عدى: لا بأس به؛ لأن مالكًا روى عنه، ولا يروى مالك إلا عن صدوق ثقة. وروى له البخارى ومسلم. توفى فى أول خلافة المنصور.
456 - عمرو بن عوف (1) :
جد كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف. ذكره فى المهذب فى صفة صلاة العيد كثير ابن عبد الله، عن أبيه، عن جده. هو أبو عبد الله عمرو بن عوف بن زيد بن مليحة، بضم الميم، وقيل: ملحة، بضمها أيضًا، ابن عمرو بن بكر بن أفرك بن عثمان بن عمرو ابن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر المزنى.
كان قديم الإسلام، يقال: هاجر مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويقال: أول مشاهده الخندق، وكان أحد البكائين فى غزوة تبوك الذين نزل فيهم قوله تعالى: {تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [التوبة: 92] . توفى فى آخر خلافة معاوية. له عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحاديث. ومزينة التى ينسبون إليها هى أم أولاد عثمان بن عمرو.
457 - عمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة بن خنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم ابن مازن بن النجارى الأنصارى الخزرجى المازنى المدنى الصحابى:
شهد العقبة، وبدرًا، وهو والد الحجاج بن عمرو بن غزية، وأخوته الحارث، وعبد الرحمن، وزيد، وسعيد، وأكبرهم الحارث له صحبة، واختلف فى صحبة الحجاج، ولم يصح لغيرهما من ولده صحبة، قاله ابن عبد البر. قالوا: وعمرو هو الذى أصاب من امرأة أجنبية كل شىء سوى الجماع، ثم أتى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تائبًا فصلى العصر، فأنزل الله تعالى توبته: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] ، والحديث مشهور فى الصحيحين، لكن لم يعين اسمه فيهما.
458 - عمرو بن معد يكرب بن عبد الله بن عمرو بن خضم - بضم الخاء وإسكان الضاد المعجمتين - ابن عمرو بن زبيد الأصغر:
وهو منبه بن ربيعة بن سلمة بن مارن بن ربيعة بن منبه بن زبيد الأكبر بن الحارث ابن صعب بن سعد العشيرة بن مدحج المدحجى التربيدى الصحابى أبو ثور. كذا نسبه ابن عبد البر. وقال ابن الكلبى: عصم بدل: خضم.
وفد على النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى وفد مراد؛ لأنه كان فارق قومه
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (6/2484) ، والجرح والتعديل (6/1341) ، والاستيعاب (3/1196) ، وأسد الغابة (4/124) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (8/85) ، والإصابة (3/5924) . تقريب التهذيب (5086) ، وقال: “صحابي مات في ولاية معاوية خت د ت ق”..(2/33)
سعد العشيرة، ونزل فى مراد ووفد معهم فأسلم، وقيل: قدم فى وفد زبيد، وأسلم سنة تسع، وقيل: سنة عشر، قاله الواقدى، ورجع إلى بلاده، فلما توفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ارتد مع الأسود العنسى، فسار إليه خالد بن سعيد بن العاصى، فقاتله فضربه خالد على عاتقه فانهزم، فأخذ خالد سيفه، فلما رأى عمرو الإمداد من أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، إلى اليمن أسلم، ودخل على المهاجر بن أبى أمية بغير أمان، فأوثقه وبعثه إلى أبى بكر.
فقال له أبو بكر، رضى الله عنه: أما تستحى كل يوم مأسورًا ومهزومًا، لو نصرت هذا الدين لرفعك الله تعالى، قال: لا جرم، لا أقيلن ولا أعود، فأطلقه وعاد إلى قومه، ثم عاد إلى المدينة، فبعثه أبو بكر، رضى الله عنه، إلى الشام، فشهد اليرموك، ثم بعثه عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، إلى العراق، وكتب إلى سعد بن أبى وقاص أن يصدر عن مشورته فى الحرب، فشهد القادسية، وله فيها بلاء حسن، واستشهد يوم القادسية، وقيل: بل مات سنة إحدى وعشرين بعد أن شهد وقعة نهاوند مع النعمان بن مقرن، وكان يقول الشعر الحسن.
459 - عمرو بن ميمون (1) :
أبو عبد الله، وقيل: أبو يحيى الأودى الكوفى، من أود بن صعب بن سعد العشيرة. وهو معدود فى كبار التابعين، أدرك زمن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يلقه، وسمع عمر بن الخطاب، وسعد بن أبى وقاص، وابن مسعود، ومعاذًا، وأبا أيوب، وأبا مسعود، وابن عباس، وابن عمرو بن العاص، وأبا هريرة، وغيرهم من الصحابة، وخلقًا من التابعين.
قال أبو إسحاق السبيعى: كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرضون عمرو بن ميمون. وقال ابن معين: هو ثقة. روى له البخارى ومسلم. قالوا: وأسلم عمرو بن ميمون فى زمن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحج مائة حجة، وقيل: سبعين، وأدى صدقته إلى عمال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال عمرو بن ميمون: قدم علينا معاذ بن جبل اليمن رسولاً من عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع السَّحَر رافعًا صوته بالتكبير، وكان حسن الصوت، فألقيت عليه مجنى، فما فارقته حتى جعلت عليه التراب، ثم صحب ابن مسعود، وتوفى سنة
_________
(1) انظر: الإصابة (3/118) ، وطبقات ابن سعد (6/117، 118) ، والتاريخ الكبير (6/367) ، والثقات لابن حبان (5/166) ، والجرح والتعديل (6/258) ، وحلية الأولياء (4/148 - 154) ، والاستيعاب (2/542 - 554) ، وأسد الغابة (4/134) ، وسير أعلام النبلاء (4/158 - 161) برقم (58) ، وتذكرة الحفاظ (1/61) ، ومرآة الجنان (1/156) ، والعقد الثمين (6/417) ، وغاية النهاية (1/603) ، وتهذيب التهذيب (8/109، 110) ، والنجوم الزاهرة (1/195) ..(2/34)
خمس وسبعين، وقيل: سنة أربع وسبعين، وهو الذى روى البخارى فى صحيحه عنه أنه رأى قردة زنت فى الجاهلية، فاجتمعت القرود فرجموها.
460 - عمرو بن يحيى المازنى (1) :
مذكور فى المختصر. هو عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبى حسن الأنصارى المازنى المدنى التابعى. روى عن أبيه، وعباد بن تميم، ومحمد بن يحيى، وعباس بن سهل، وغيرهم. روى عنه يحيى الأنصارى، وأيوب، ويحيى بن أبى كثير، وابن جريج، ومالك، والثورى، وشعبة، وابن عيينة، وغيرهم من الأئمة. قال أبو حاتم: هو ثقة. روى له البخارى ومسلم.
* * *
باب عمارة، وعمران، وعمار، وعمير
461 - عمارة الجرمى:
مذكور فى المختصر فى أول الحضانة، هو بضم العين، وهو عمارة بن ربيعة الجرمى. روى عن على بن أبى طالب، وعبسة بن سعيد. روى عنه يونس الجرمى. ذكره ابن أبى حاتم، عن أبيه.
462 - عمارة بن حمزة بن عبد المطلب:
الصحابى ابن الصحابى، ابن عم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ذكره ابن عبد البر فى الصحابة. قال: وبه كان حمزة يكنى. قال: وقيل: كان يكنى بابنه يعلى. قال: ولا عقب لحمزة. قال: توفى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولعمارة ويعلى ابنى حمزة أعوام، ولا أحفظ لهما رواية.
463 - عمران بن الحصين الصحابى، رضى الله تعالى عنه (2) :
متكرر، وهو أبو نجيم، بضم النون وفتح الجيم، عمران بن الحصين بن عبيد بن خلف بن عبد شهم بن
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (6/2705) ، والجرح والتعديل (6/1485) ، وميزان الاعتدال (3/6476) ، وتاريخ الإسلام (5/290) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (8/118، 119) . تقريب التهذيب (5139) ، وقال: "ثقة من السادسة مات بعد الثلاثين ع"..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/9) ، و (4/287) ، والتاريخ الكبير للبخارى (6/2804) ، والجرح والتعديل (6/1641) ، والاستيعاب (3/1208) ، وأسد الغابة (4/136) ، وسير أعلام النبلاء (2/508) ، وتهذيب التهذيب (8/125، 126) ، والإصابة (3/6010) . تقريب التهذيب (5150) ، وقال: "أبو نجيد بنون وجيم مصغر أسلم عام خيبر وصحب وكان فاضلا وقضى بالكوفة مات سنة اثنتين وخمسين بالبصرة ع"..(2/35)
سالم بن غاضرة، بمعجمتين، ابن سلول بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة، وهو لحى بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان الخزاعى البصرى، وقيل فى نسبه غير هذا.
أسلم هو وأبو هريرة عام خيبر سنة سبع من الهجرة. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة وثمانون حديثًا، اتفقا منها على ثمانية، وانفرد البخارى بأربعة، ومسلم بتسعة. روى عنه أبو رجاء العطاردى واسمه تيم، ومطرف بن عبد الله، وزرارة بن أوفى، وزهدم، وعبد الله بن بريدة، وابن سيرين، والحسن، والشعبى، وأبو الأسود الدؤلى، وآخرون.
نزل البصرة، وكان قاضيها، استقضاه عبد الله بن عامر أيامًا، ثم استعفاه فأعفاه، توفى بها سنة ثنتين وخمسين، وكان الحسن البصرى يحلف بالله تعالى ما قدم البصرة راكب خير لهم من عمران. وغزا مع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غزوات، وبعثه عمر بن الخطاب، رضى الله تعالى عنه، إلى البصرة ليفقه أهلها، وكان من فضلاء الصحابة، وكان مجاب الدعوة، ولم يشهد تلك الحروب، وكان أبيض الرأس واللحية، وله عقب بالبصرة.
وفى صحيح مسلم، عن عمران، قال: قد كان يسلم علىَّ حتى اكتويت، فتركت ثم تركت الكى، فعاد يعنى كانت الملائكة تسلم عليه ويراهم عيانًا كما جاء مصرحًا به فى غير صحيح مسلم.
واختلف العلماء فى حصين والد عمران، هل أسلم وله صحبة أم لا؟ قال ابن الجوزى فى التلقيح الصحيح: إنه أسلم، ويؤيد ما قاله أن الترمذى روى فى كتابه فى باب جامع الدعوات بإسناده عن عمران بن الحصين، قال: قال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبى: “يا حصين، كم تعبد اليوم آلهًا؟ ”، قال: سبعة، ستة فى الأرض وواحدًا فى السماء، قال: “فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك؟ ”، قال: الذى فى السماء، قال: “يا حصين، أما أنك لو أسلمت علمتك كلمتين تنفعانك”، فلما أسلم قال: يا رسول الله، علمنى الكلمتين اللتين وعدتنى، قال: “قل: اللهم ألهمنى رشدى، وأعذنى من شر نفسى”، قال الترمذى: هذا حديث حسن غريب.
464 - عمار بن أبى عمار التابعى (1) :
مذكور فى المهذب فى صلاة الجنازة. هو أبو
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (7/108) ، والجرح والتعديل (6/2167) ، وتاريخ الإسلام (5/122) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/404) . تقريب التهذيب (4829) ، وقال: “صدوق ربما أخطأ من الثالثة مات بعد العشرين م 4”. .(2/36)
عمرو، ويقال: أبو عمر، ويقال: أبو عبد الله، عمار بن أبى عمار الهاشمى مولاهم. سمع أبا قتادة، وأبا هريرة، وعمران بن الحصين، وابن عباس، وغيرهم من الصحابة. روى عنه عطاء، ويونس بن عبيد، وخالد الحذاء، وحميد الطويل، وآخرون. واتفقوا على توثيقه. روى له البخارى ومسلم.
465 - عمار بن ياسر الصحابى، رضى الله تعالى عنهما (1) :
تكرر فيها. هو أبو اليقضان، عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوذيم، بكسر الذال المعجمة، ابن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر ابن يام، بالمثناة تحت، ابن عنس، بالنون، ابن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب العنسى، بالنون، الشامى الدمشقى.
كان من السابقين إلى الإسلام، وكان هو وأبوه وأمه سمية ممن أسلم أولاً، وكان إسلام عمار وصهيب فى وقت واحد حين كان النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى دار الأرقم بن أبى الأرقم، وأسلم بعد بضعة وثلاثين رجلاً، ونقلوا عن مجاهد قال: أوَّل من أظهر إسلامه أبو بكر، وبلال، وخباب، وصهيب، وعمار، وأمه سمية، وكان عمار وأبوه وأمه يعذبون فى الله تعالى على إسلامهم، ويمر بهم النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيقول: “صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة” (2) ، وقتل أبو جهل سمية، فهى أول شهيدة فى الإسلام.
وأبوه ياسر عربى كما ذكرنا نسبه، وأمه سمية أمة لأبى حذيفة بن أبى حذيفة بن المغيرة المخزومى، فحالف ياسرًا وزوَّجه إياها، فولدت له عمارًا، فأعتقه أبو حذيفة، فهو مولاه. وفى عمار نزل قوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] . وهاجر مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة، وشهد معه بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، وجميع المشاهد، واختلفوا فى هجرته إلى الحبشة.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثنان وستون حديثًا، اتفقا على حديثين منها، وانفرد البخارى بثلاثة، ومسلم بحديث. روى عنه على بن أبى طالب، وابن عباس، وأبو موسى، وأبو أمامة، وجابر، وعبد الله بن جعفر، وغيرهم من الصحابة، رضى الله عنهم، وابن المسيب، وابن الحنفية، وأبو وائل، وابنه محمد بن عمار، وآخرون من التابعين.
قُتل بصفين مع على، رضى الله عنه، فى شهر ربيع الأول، وقيل: الآخر
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/246، 6/14) ، والتاريخ الكبير للبخارى (7/107) ، والجرح والتعديل (6/2165) ، والاستيعاب (3/1135) ، وأسد الغابة (4/43) ، وسير أعلام النبلاء (1/406) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/408، 410) . تقريب التهذيب (4836) ، وقال: “العنسي بنون ساكنة بين مهملتين ومهملة صحابي جليل مشهور من السابقين الأولين بدري قتل مع علي بصفين سنة سبع وثلاثين ع”..
(2) حديث عثمان: أخرجه الطبرانى (24/303، رقم 769) . قال الهيثمى (9/293) : رجاله ثقات. والخطيب (11/343) ، وابن عساكر من طريق ابن منده (43/368) ، وأبو نعيم فى المعرفة من طريق الطبرانى (6/3361، رقم 7690) وأورده الدارقطنى فى العلل (3/39، رقم 272) .(2/37)
سنة سبع وثلاثين، وهو ابن ثلاث، وقيل: أربع وتسعين سنة. وأوصى أن يدفن بثيابه، فدفنه على، رضى الله عنه، فى ثيابه ولم يغسله. وكان آدم، طوالاً، لا يغير شيبه. وقال قبل أن يقتل: ائتونى بشربة لبن، فإنى سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: “آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن” (1) .
وثبت فى الصحيحين أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “ويح عمار تقتله الفئة الباغية” (2) . وكانت الصحابة يوم صفين يتبعونه حيث توجه؛ لعلمهم بأنه مع الفئة العادلة لهذا الحديث. قالوا: وكان عمارًا أول من بنى مسجدًا لله تعالى فى الإسلام، بنى مسجد قباء، وشهد قتال اليمامة فى زمن أبى بكر، رضى الله عنه، فأشرف على صخرة ونادى: يا معشر المسلمين، أمن الجنة تفرون؟ إلىَّ إلىَّ أنا عمار بن ياسر، وقطعت أذنه وهو يقاتل أشد القتال.
واستعمله عمر، رضى الله عنه، على الكوفة. روينا بالإسناد الصحيح فى مسند الإمام أحمد بن حنبل، وكتاب الترمذى وغيرهما، عن على، رضى الله عنه، قال: جاء عمار يستأذن على النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: “ائذنوا له، مرحبًا بالطيب المطيب”. قال الترمذى: حديث حسن صحيح.
وعن عائشة، رضى الله عنها، قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما” (3) . رواه الترمذى بإسناد صحيح على شرط مسلم.
وعن حذيفة، رضى الله عنه، قال: كنا جلوسًا عند النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: “إنى لا أدرى ما قدر بقائى فيكم، فاقتدوا بالذين من بعد”، وأشار إلى أبى بكر، وعمر، “واهتدوا بهدى عمار، وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه”. رواه الترمذى، وقال: حديث حسن.
وروينا فى مسند الإمام أحمد، عن علقمة، عن خالد بن الوليد، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “من عادى عمارًا عاداه الله، ومن أبغض عمارًا أبغضه الله” (4) ، هذا منقطع لم يدرك علقمة خالدًا.
466 - عمير مولى آبى اللحم الصحابى، رضى الله عنه (5) :
مذكور فى المهذب فى قسم الغنيمة فى الرضخ للعبد، وآبى اللحم بهمزة ممدودة وكسر الباء، واسم آبى اللحم عبد الله، وقيل: خلف بن عبد الملك، وقيل: خلف بن مالك بن عبد الله الغفارى، قيل له: آبى اللحم؛ لأنه كان لا يأكل اللحم، وقيل: كان لا يأكل ما ذبح للأصنام،
_________
(1) أخرجه أحمد (4/319، رقم 18900) عن أبى البخترى قال قال عمار يوم صفين: ائتونى بشربة لبن فإن رسول الله (قال ... ) . قال الهيثمى (7/243) : رواه أحمد والطبرانى، وبيَّن أن الذى سقاه أبو المخارق، ورجال أحمد رجال الصحيح إلا أنه منقطع. وأخرجه أيضًا: ابن أبى شيبة (7/552، رقم 37877) ، وأبو يعلى (3/188، رقم 1613) ، والحاكم (3/439، رقم 5669) وقال: صحيح على شرط الشيخين. وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه.
(2) حديث أبى هريرة: أخرجه الترمذى (5/669، رقم 3800) وقال: حسن صحيح غريب.
حديث إسماعيل بن عبد الرحمن الأنصارى: عزاه الحافظ فى الإصابة (1/234، ترجمة 530) للباوردى مرسلاً، وقال: وفى الإسناد ضرار بن صرد وهو ضعيف.
وللحديث أطراف أخرى منها: “بؤسًا لك يا ابن سمية”، “تقتلك الفئة الباغية”، “ويحك يا ابن سمية”.
(3) حديث عائشة: أخرجه الترمذى (5/668، رقم 3799) وقال: حسن غريب. والحاكم (3/438، رقم 5665) .
حديث ابن مسعود: أخرجه ابن عساكر (43/404) .
(4) أخرجه أحمد (4/89، رقم16860) ، والنسائى فى السنن الكبرى (5/73، رقم 8269) ، وابن حبان (15/556، رقم 7081) ، والحاكم (3/ 441، رقم 5674) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين. وأخرجه أيضًا: ابن أبى شيبة (6/386، رقم 32252) ، والخطيب (1/152) . قال الهيثمى (9/293) : رواه أحمد والطبرانى ورجاله رجال الصحيح.
(5) الجرح والتعديل (6/2102) ، والاستيعاب (3/1212) ، وتاريخ الإسلام (3/199) ، وتهذيب التهذيب (8/151) ، والإصابة (3/6064) . تقريب التهذيب (5191) ، وقال: “صحابي شهد خيبر وعاش إلى نحو السبعين م 4”..(2/38)
وآبى اللحم ومولاه عمير صحابيان، وشهد عمير خيبر وهو عبد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فرضخ له وأعطاه شيفًا. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسعة أحاديث، روى مسلم أحدها. روى عنه يزيد بن أبى عبيد، ومحمد بن زيد بن المهاجر، ومحمد بن إبراهيم.
467 - عمير بن الحمام - بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم - ابن الجموح بن زيد ابن حزام الأنصارى الصحابى:
شهد بدرًا واستشهد بها، وهو أوَّل قتيل من الأنصار، وكان النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخا بينه وبين عبيدة بن الحارث المطلبى، فاستشهدا فى وقعة بدر.
468 - عمير بن سلمة الضمرى الصحابى (1) :
مذكور فى المهذب فى أول باب الهبة، ويقال فيه: الضمرى، والبهرى، والزهرى، والصحيح الضمرى، كذا رواه النسائى فى سننه فى حديثه، وكذا ذكره البخارى فى تاريخه، قال: ويقال فيه: الزهرى. وقال ابن أبى حاتم: الأصح فيه الزهرى، ويقال: البهزى، وحديثه المذكور فى المهذب صحيح رواه النسائى بإسناد صحيح.
469 - عمير بن أبى وقاص:
أخو سعد بن أبى وقاص. سبق تمام نسبه فى ترجمة سعد، وكان عمير صحابيًا قديم الإسلام من المهاجرين، شهد بدرًا واستشهد بها، وكان عمره ست عشرة سنة، استصغره رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أراد المسير إلى بدر فرده فبكى، فأجازه، وكان سيفه طويلاً، فعقد عليه حمائله، وكان يقول: أحب الخروج لعل الله يرزقنى الشهادة، فرزقه الله إياها.
470 - عمير بن وهب بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح القرشى الجمحى الصحابى:
يكنى أبا أمية، وهو ابن عم صفوان بن أمية. كان لعمير قدر وشرف فى قريش، وشهد بدرًا مع المشركين، وهو الذى حرش بين القوم وأنشب الحرب وأسر المسلمون ابنه وهبًا، فجاء إلى المدينة بمعاقده بينه وبين صفوان بن أمية ليقتل النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقدم المدينة وزعم أنه قدم لفك ابنه، فقال له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فما الذى شرطت لصفوان؟ "، فأسلم عمير وحسن إسلامه ورجع إلى مكة، فأسلم على يده ناس كثير، رضى الله عنه.
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (6/3229) ، والجرح والتعديل (6/2081) ، والاستيعاب (3/1217) ، وتهذيب التهذيب (8/147، 148) ، والإصابة (3/6038) . تقريب التهذيب (5183) ، وقال: “الضمري بفتح المعجمة وسكون الميم مدني له صحبة وحديث س”..(2/39)
* * *
باب العين والواو
471 - عوف الأعرابى (1) :
وهو عوف بن أبى جميلة العبدى الهجرى البصرى، أبو سهل، عرف بالأعرابى. قال السمعانى: ولم يكن أعرابيًا. روى عن أبى عثمان النهدى، وأبى العالية، والحسن البصرى، وابن سيرين، وأبى رجاء، وأبى نضرة، وزرارة بن أبى أوفى، وآخرين من التابعين. روى عنه الثورى، وشعبة، ومعتمر، ويحيى القطان، وابن المبارك، والنضر بن شميل، ويزيد بن هارون، وآخرون من الأئمة، واتفقوا على توثيقه. روى له البخارى ومسلم. ولد سنة تسع وخمسين، وتوفى سنة ست، وقيل: سبع وأربعين ومائة.
472 - عوف بن مالك الأشجعى الصحابى (2) :
مذكور فى المهذب فى أول العاقلة، وفى كتاب السير فى مسألة السلب. هو أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو حماد، ويقال: أبو عمرو عوف بن مالك بن أبى عوف الأشجعى الغطفانى. أول مشاهده مع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيبر، وشهد معه فتح مكة، وكانت معه راية أشجع، نزل الشام، وسكن دمشق، وكانت داره عند سوق الغزل العتيق. روى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبعة وستون حديثًا، روى البخارى منها واحدًا ومسلم خمسة.
روى عنه أبو أيوب الأنصارى، والمقدام بن معدى كرب، وأبو هريرة. وروى عنه من التابعين جماعات منهم أبو مسلم، وأبو إدريس الخولانيان، وجبير بن نفير، ومسلم ابن قرضة، وشداد أبو عمار، وراشد بن سعد، ويزيد بن الأصم، وسليم بن عامر، وسالم أبو النضر، وأبو بردة بن أبى موسى، وشرح بن عبيدة، وضمرة بن حبيب، وكثير ابن مرة، وخلق سواهم، واتفقوا على أنه توفى بدمشق سنة ثلاث وسبعين فى خلافة عبد الملك بن مروان.
وأما قول صاحب المهذب فى أول باب العاقلة: ابن عوف بن مالك، رجع عليه سيفه يوم خيبر فقتله، فغلط صريح، بل الذى
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/258) ، الجرح والتعديل (7/71) ، تاريخ الإسلام (6/111) ، ميزان الاعتدال (3/6530) ، تهذيب التهذيب (8/166، 167) ، تقريب التهذيب (5215) ، وقال: "ثقة رمي بالقدر وبالتشيع من السادسة مات سنة ست أو سبع وأربعين وله ست وثمانون ع"..
(2) الجرح والتعديل (7/61) . تقريب التهذيب (5217) ، وقال: "صحابي مشهور ومات سنة ثلاث وسبعين ع".(2/40)
رجع عليه سيفه فقتله عامر بن الأكوع عم سلمة بن عمرو بن الأكوع، وحديثه فى الصحيحين مشهور، وسأوضح هذا فى النوع الثامن فى الأوهام إن شاء الله تعالى.
473 - عون بن عبد الله (1) :
الراوى عن ابن مسعود. مذكور فى المختصر. هو عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهزلى الكوفى، أخو عبيد الله بن عبد الله أحد الفقهاء السبعة. سمع ابن عمر، وأبا هريرة، ويوسف بن عبد الله بن سلام، وعائشة، رضى الله عنهم. وسمع من التابعين أخاه، وأبا بردة، وغيرهما. وروى عن ابن مسعود، وابن عباس مرسلاً لم يسمعهما. روى عنه الزهرى، وأبو الزبير، وأبو إسحاق الشيبانى، ومحمد بن عجلان، وآخرون من التابعين. قال يحيى بن معين وغيره: هو ثقة. روى له مسلم.
474 - عويم بن ساعدة بن عايش - بالشين المعجمة - ابن قيس بن النعمان بن زيد بن أمية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصارى الأوسى الصحابى، رضى الله عنه (2) :
أسلم قديمًا، وشهد العقبتين، وبدرًا، وأُحُدًا، والخندق، وسائر المشاهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، توفى فى خلافة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وهو ابن خمس أو ست وستين سنة، ووقف عمر على قبره، وقال: لا يستطيع أحد أن يقول: أنا خير من صاحب هذا القبر، ما نصبت لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - راية إلا وعويم تحت ظلها، رضى الله عنه.
475 - عويمر العجلانى الصحابى:
مذكور فى اللعان فى هذه الكتب، وأيضًا فى طلاق المهذب. هو عويمر بن أبيض الأنصارى العجلانى. وقال الطبرى: هو عويمر بن الحارث بن زيد بن حارثة بن الجد بن العجلان، وهو صاحب اللعان الذى رمى زوجته بشريك بن السحماء، وكان لعانهما فى شعبان سنة تسع من الهجرة حين قدم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من تبوك.
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/313) ، الجرح والتعديل (6/2138) ، سير أعلام النبلاء (5/103) ، تاريخ الإسلام (4/287) ، تهذيب التهذيب (8/171، 173) ، تقريب التهذيب (5223) ، وقال: "ثقة عابد من الرابعة مات قبل سنة عشرين ومائة م 4"..
(2) انظر: الإصابة (3/44) ، وأسد الغابة (4/158) ، والاستيعاب (3/171) ، وسير أعلام النبلاء (1/503) (90) ، وطبقات ابن سعد (3/459) ، وحلية الأولياء (2/11) ..(2/41)
* * *
باب العين والياء
476 - عياش بن أبى ربيعة الصحابى، رضى الله عنه (1) :
الذى كان من المستضعفين بمكة، وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعو لهم فى القنوت، وهو أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو عبد الله عياش بن أبى ربيعة عمرو بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشى المخزومى المكى، أخو عبد الله بن أبى ربيعة، وأخو أبو جهل لأمه وابن عمه.
كان إسلام عياش قديمًا فى أول الأمر قبل أن يدخل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة، وولد له بها ابنه عبد الله، ثم عاد إلى مكة، وهاجر إلى المدينة هو وعمر بن الخطاب، فقدم إليه أخواه لأمه أبو جهل والحارث ابنا هشام، فقالا: إن أمك حلفت لا يدخل رأسها دهن، ولا تستظل حتى تراك، فرجع معهما فحبساه بمكة وأوثقاه، فكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعو له ولجماعة من المستضعفين يسميهم بأسمائهم فى القنوت، واستشد عياش يوم اليرموك. وقال الطبرى: توفى بمكة. روى عنه ابناه عبد الله، والحارث، وروى عنه نافع مولى ابن عمر مرسلاً.
477 - عياض بن حمار الصحابى، رضى الله عنه (2) :
مذكور فى المهذب فى أول اللقطة. هو عياض بن حمار، على لفظ الحمار الدابة المعروفة، ابن أبى حمار بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنضلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمى المجاشعى، وقيل فى نسبه غير هذا، وصحف ابن مندة محمد بن سفيان هذا، فقال: مخمد، بالخاء المعجمة، وأسقط من نسبه جماعة، فغلطوه فيهما، نزل عياض البصرة وهو معدود فى أهلها. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثون حديثًا، روى مسلم منها حديثًا. روى عنه مطرف، ويزيد ابنا عبد الله، والحسن البصرى، وغيرهم.
478 - عياض الأشعرى، رضى الله عنه (3) :
مذكور فى المهذب فى عقد الذمة فى دخول
_________
(1) الجرح والتعديل (7/17) . تقريب التهذيب (5268) ، وقال: "أسلم قديما وهاجر الهجرتين، واستشهد باليمامة وقيل باليرموك وقيل مات سنة خمس عشرة ق"..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/36) ، الجرح والتعديل (6/2274) ، الاستيعاب (3/1232) ، تهذيب التهذيب (8/200) ، الإصابة (3/6128) ، تقريب التهذيب (5274) ، وقال: "عياض بكسر أوله وتخفيف التحتانية وآخره معجمة ابن حمار بكسر المهملة وتخفيف الميم صحابي سكن البصرة وعاش إلى حدود الخمسين بخ م 4"..
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/36) ، الجرح والتعديل (6/2274) ، الاستيعاب (3/1232) ، تهذيب التهذيب (8/200) ، الإصابة (3/6128) ، تقريب التهذيب (5274) ، وقال: "عياض بكسر أوله وتخفيف التحتانية وآخره معجمة ابن حمار بكسر المهملة وتخفيف الميم صحابي سكن البصرة وعاش إلى حدود الخمسين بخ م 4".(2/42)
المشرك المسجد. هو عياض بن عمرو الأشعرى، سكن الكوفة. ذكره ابن عبد البر، وابن مندة، وأبو نعيم، وغيرهم فى الصحابة. وقال ابن أبى حاتم: هو تابعى. روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعن جماعة من الصحابة. روى عنه الشعبى، وسماك بن حرب، وحصين.
479 - عياض بن غنم بن زهير بن أبى شداد بن ربيعة بن هلال بن وهيب بن ضبة ابن الحارث بن فهر القرشى (1) :
أبو سعد، وقيل: أبو سعيد الصحابى، رضى الله عنه. أسلم قبل الحديبية وشهدها، وكان بالشام مع ابن عمه أبى عبيدة بن الجراح، فلما توفى أبو عبيدة استخلفه بالشام فأقره عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وقال: لا أغير أميرًا أمره أبو عبيدة، وهو الذى فتح بلاد الجزيرة، وصالحه أهلها. قال الزبير بن بكار: وهو أول من أجاز الدروب، وكان صالحًا، فاضلاً، جوادًا، وكان يسمى زاد الركب، يطعم الناس زاده، فإذا نفذ نحر لهم بعيره، ولم يزل واليًا لعمر على حمص حتى توفى عياض بالشام سنة عشرين وهو ابن ستين سنة.
480 - عياض القاضى الإمام المالكى:
مذكور فى الروضة فى كتاب الردة. هو أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبى السبتى المالكى، من أهل سبتة مدينة معروفة بالمغرب، وهو إمام بارع، متفنن، متمكن فى علم الحديث والأصولين، والفقه، والعربية، وله مصنفات فى كل نوع من العلوم المهمة، وكان من أصحاب الأفهام الثاقبة.
قال الإمام أبو القاسم خلف عبد الملك بن مسعود بن موسى بن بشكوال الأنصارى المغربى فى كتابه المعروف بالصلة، قدم القاضى عياض الأندلس طالبًا للعلم، وعنى بلقاء الشيوخ والأخذ عنهم، وجمع من الحديث كثيرًا، له عناية كثيرة به، واهتمام بجمعه وتقييده، وهو من أهل اليقين فى العلم والذكاء واليقظة والفهم، واستقضى ببلده مدة طويلة، حُمدت سيرته فيها، ثم نقل عنها إلى قضاء غرناطة، فلم يطل أمره بها، وقدم علينا قرطبة فى شهر ربيع الآخر سنة إحدى وثلاثين
_________
(1) انظر: الإصابة (2/50) ، والاستيعاب (3/128) ، وأسد الغابة (4/327) ، وسير أعلام النبلاء (2/254) ، والتاريخ الكبير (7/18) ..(2/43)
وخمسمائة، وأخذنا عنه بعض ما عنده. ولد نصف شعبان سنة ست وتسعين وأربعمائة، وتوفى بمراكش سنة أربع وأربعين وخمسمائة، رحمه الله.
481 - العيزار بن سالف عاقر ناقة الله تعالى:
مذكور فى المهذب فى باب الهدية، هكذا هو فى نسخ المهذب: العيزار، وهو تصحيف بلا خلاف، وإنما هو قُدار، بقاف مضمومة، ثم دال مهملة مخففة، ثم ألف، ثم راء، هكذا ذكره جميع أهل التواريخ، والقصص، والأسماء، والجوهرى من أهل اللغة وغيرهم، وسأوضحه فى النوع الثامن فى الأوهام إن شاء الله تعالى، وسالف بكسر اللام وبعدها فاء.
482 - عيسى بن أبان الحنفى:
مذكور فى الروضة فى ميراث ذوى الأرحام. هو أبو موسى عيسى بن أبان بن صدقة. قال الشيخ أبو إسحاق فى الطبقات، كان من أصحاب الحديث، ثم غلب عليه الرأى. قال: وتفقه على محمد بن الحسن صاحب أبى حنيفة. قال أبو حازم القاضى: ما رأيت لأهل بغداد حدثًا أزكى من عيسى بن أبان، وبشر بن الوليد.
483 - عيسى ابن مريم، عليه السلام:
تكرر فى هذه الكتب. هو عبد الله، ورسوله، وكلمته، وروح منه. قال الله تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِى الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 45، 46] .
وقال تعالى: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَرَسُولاً إِلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنِّى قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّى أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِى الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ التَّوْرَاةِ} [آل عمران: 48 - 50] الآية.
وقال تعالى: {إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّى مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [آل عمران: 55] .
وقال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ} [آل عمران: 59، 60] الآية.
وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِى دِينِكُمْ وَلاَ(2/44)
تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} إلى قوله تعالى: {لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلّهِ} [النساء: 171، 172] .
وقال تعالى: {إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِى عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [المائدة: 110] إلى آخر السورة.
وقال تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَمًا زَكِيًّا} [مريم: 19] إلى آخر الآيات. والآيات فى فضله كثيرة مشهورة.
وثبت فى الصحيحين عن أبى هريرة، عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من بنى آدم من مولود إلا نخسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخًا من نخسه إياه، إلا مريم وابنها" (1) . وروياه من طرق بألفاظ متقاربة، وفى بعضها: ثم قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: {وِإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36] .
وعنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أنا أولى الناس بابن مريم فى الدنيا والآخرة، ليس بينى وبينه نبى، الأنبياء أخوة أبناء علات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد" (2) . رواه البخارى ومسلم.
وفى الصحيحين فى حديث الأسرى، عن أنس، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
_________
(1) أخرجه أحمد (2/233، رقم 7182) ، وابن أبى شيبة (6/288، رقم 31496) ، ومسلم (4/1838، رقم 2366) .
(2) أخرجه البزار كما فى مجمع الزوائد (8/214) قال الهيثمى: قال البزار رواه الثورى عن سالم بن سعيد بن جبير مرسلاً.(2/45)
رأى فى السماء الثانية ابنى الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا.
وفى الصحيحين عن أبى هريرة، أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين أسرى به، قال: "ولقيت عيسى"، فنعته النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، "فإذا ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس" (1) ، يعنى حمامًا.
وفى الصحيحين عنه، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "رأى عيسى ابن مريم رجلاً يسرق، فقال له: أسرقت؟ قال: كلا والذى لا إله إلا هو، فقال عيسى: آمنت بالله وكذبت عينى" (2) .
وفى الصحيحين عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "والذى نفسى بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلاً فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى يكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها" (3) ، ثم يقول أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء: 159] .
وفى الصحيحين عن عبادة بن الصامت، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل" (4) .
وفى صحيح مسلم أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ينزل عيسى على المنارة البيضاء شرثى دمشق" (5) .
قال الإمام أبو إسحاق الثعلبى فى كتابه العرائس: اختلف العلماء فى مدة حمل مريم بعيسى، فقيل: تسعة أشهر، وقيل: ثمانية، وقيل: ستة، وقيل: ساعة، وقيل: ثلاث ساعات، ووضعته عند الزوال، وهى بنت عشر سنين، وكانت حاضت قبله حيضتين، وقيل: كانت بنت خمس عشرة سنة، وقيل: ثلاث عشرة، وأنه كلم الناس وهو ابن أربعين يومًا، ثم لم يتكلم بعدها حتى بلغ زمن كلام الصبيان.
وكان زاهدًا لم يتخذ بيتًا ولا متاعًا، وكان قوته يومًا بيوم، وكان سياحًا فى الأرض، وكان يمشى على الماء، ويبرىء الأكمه والأبرص، ويحيى الموتى بإذن الله، ويخبرهم بما يأكلون ويدخرون فى بيوتهم، وكان له الحواريون الذين ذكرهم الله تعالى فى كتابه، وهم الأنصار، وكانوا اثنى عشر رجلاً، وكانوا أصفيائه وأنصاره ووزرائه، قيل: كانوا أولاد صيادين، وقيل: قصارين، وقيل: ملاحين.
ومما أكرمه الله تعالى به تأييده بروح القدس. قال الله تعالى: {وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة: 87] ، قيل: هو الروح الذى نفخ فيه. وقيل: جبريل الذى كان يأتيه ويسير معه، وقيل: هو اسم الله الأعظم، وبه كان يحيى الموتى، ويرى الناس تلك العجائب، ومنها علمه التوراة والإنجيل، وكان يقرئهما حفضًا، ومنها أنه يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله.
قال الثعلبى: قالوا: وإنما كان يخلق الخفاش خاصة؛ لأنه أكمل الطير خلقة، له ثدى، وأسنان، ويلد، ويحيض، ويطير. قال: وقال وهب بن منبه: كان يطير حتى يغيب عن الناس، ثم يقع ميتًا حتى يتميز فعل الله تعالى من فعل غيره. ومنها إبرائه الأكمه والأبرص، والأكمه الذى ولد أعمى، وإنما خص هذين لأنهما لا يرجا زوالهما، ولا حيلة للمخلوقين فيهما، وكان زمن الأطباء، فظهرت بهما المعجزة.
ومنها إحيائه الموتى، قالوا: فأحيا جماعة منهم: العاذر أحياه بعد موته ودفنه بثلاثة أيام، فقام وعاش مدة، وولد له بعد ذلك، ومنهم ابن العجوز، وقصته مشهورة، أحياه وهو محمول على نعشه فى أكفانه، فعاش وولد له، ومنهم بنت العاشر، أحياها وولدت بعد ذلك، ومنهم سام بن نوح، عليه السلام، وعزير، وقصتهما مشهورة.
_________
(1) أخرجه البخارى (3/1243، رقم 3214) ، ومسلم (1/154، رقم 168) ، والترمذى (5/300، رقم 3130) وقال: حسن صحيح.
(2) أخرجه أحمد (2/314، رقم 8139) ، والبخارى (3/1271، رقم 3260) ، ومسلم (4/1838، رقم 2368) ، والنسائى (8/249، رقم 5427) ، وابن ماجه (1/679، رقم 2102) .
(3) أخرجه أحمد (2/538، رقم 10957) ، والبخارى (3/1272، رقم 3264) ، ومسلم (1/135، رقم 155) ، والترمذى (4/506، رقم 2233) وقال: حسن صحيح. وابن ماجه (2/1363، رقم 4078) . وأخرجه أيضا: أبو عوانة (1/98، رقم 311) ، والبيهقى (9/180، رقم 18395) .
(4) أخرجه أحمد (5/313، رقم 22727) ، والبخاري (3/1267، رقم 3252) ، ومسلم (1/57، رقم 29) ، وابن حبان (1/431، رقم 202) . وأخرجه أيضا: النسائي (6/331، رقم 11132) .
(5) حديث أوس بن أوس: أخرجه الطبراني (1 / 217، رقم 590) ، قال الهيثمي (8/205) : رواه الطبراني ورجاله ثقات. وابن عساكر (1/ 227) ، وأورده ابن أبي حاتم في العلل= = (2/422، رقم 2271) وقال: قال أبي: إنما هو عن أوس بن أوس عن كعب قوله كذا يرويه الثقات.
حديث كيسان: أخرجه الطبراني (19 / 196، رقم 440) ، وابن عساكر (1 / 228) ، وأخرجه أيضًا: البخاري في التاريخ (7 / 233، ترجمة 1002 كيسان) .
حديث النواس: أخرجه عساكر (53 / 46) ، وأخرجه أيضًا: ابن قانع (3 / 163، ترجمة 1138) .(2/46)
ومنها إخباره بالمغيبات، قال الله تعالى إخبارًا عنه: {وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ} [آل عمران: 49] . ومنها مشيه على الماء. ومنها نزول المائدة عليه من السماء بنص القرآن. ومنها رفعه إلى السماء، هذا مختصر ما ذكره الثعلبى.
وثبت فى الصحيحين أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ينزل عيسى ابن مريم من السماء، ويقتل الدجال بباب لد" (1) . وأحاديثه فى قصة الدجال مشهورة فى الصحيح، وينزل عيسى حكمًا عدلاً كما سبق فى الحديث الصحيح لا رسولاً، وأنه يصلى وراء الإمام منا تكرمة من الله تعالى لهذه الأمة. وجاء أنه يتزوج بعد نزوله، ويُولد له، ويدفن عند النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فصل
قال الجوهرى فى صحاحه: عيسى اسم عبرانى أو سريانى، وجمعه عيسَون، بفتح السين، ومررت بالعيسين، ورأيت العيسين. قال: وأجاز الكوفيون ضم السين قبل الواو وكسرها قبل الياء، ولم يجزه البصريون، قالوا: لأن الألف إنما سقطت لاجتماع الساكنين، فوجب أن تبقى السين مفتوحة كما كانت، سواء كانت الألف أصلية أم غيرها. وكان الكسائى يفرق بينهما ويفتح فى الأصلية، فيقول: معطون، ويضم فى غيرها فيقول: عيسون، والنسبة إليه عيسوى، بقلب الياء واوًا، وإن شئت حذفتها، فقلت: عيسى وموسى بكسر السين، والله أعلم.
484 - عيسى بن يونس بن أبى إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعى الهمدانى - بإسكان الميم وبدال مهملة - الكوفى (2) :
أخو إسرائيل بن يونس، رأى جده أبا إسحاق ولم يسمعه، وسمع إسماعيل بن أبى خالد، وعبيد الله العمرى، وهشام بن عروة، والأعمش، وعوفًا الأعرابى، ومالك بن أنس، والأوزاعى، وشعبة، وخلائق من الأئمة. روى عنه أبو يونس، والقعنبى، وابن وهب، وحماد بن سلمة، وإسحاق بن راهويه، وداود بن عمرو، والوليد
_________
(1) أخرجه: الترمذي (4 / 515، رقم 2244) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والطبراني (19/443، رقم 1075) ، وأخرجه أيضا: الطيالسي (ص 170، رقم 1227) ، وأحمد (3/420، رقم 15505) ، وابن حبان (15/221، رقم 6811) .
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/488) والتاريخ الكبير للبخارى (6/2798) والجرح والتعديل (6/1618) وتاريخ بغداد للخطيب (11/152 - 156) وسير أعلام النبلاء (8/430) وتهذيب التهذيب (8/237 – 240) . تقريب التهذيب (5341) ، وقال: “السبيعي بفتح المهملة وكسر الموحدة ثقة مأمون من الثامنة مات سنة سبع وثمانين وقيل سنة إحدى وتسعين ع”..(2/47)
بن مسلم، ومروان بن محمد، وأبو مسهر، وهشام بن عمار، وعلى بن المدينى، وأبو بكر أبى شيبة، ويحيى بن حسان، وأحمد بن حنبل، والوليد بن شجاع، وغيرهم من الأئمة. وأجمعوا على جلالته، وتوثيقه، وارتفاع مرتبته، وكان يسكن الشام، سُئل عنه ابن المدينى، فقال: بخ بخ، ثقة مأمون.
وسُئل أحمد بن حنبل عنه، فقال: عيسى يسئل عنه. وأقوالهم بنحو هذا كثيرة مشهورة. روينا عن محمد بن المنذر، قال: حج الرشيد ومعه ابناه الأمين والمأمون، فدخل الكوفة، وقال لأبى يوسف: قل للمحدثين يأتونا فيحدثونا، فلم يتخلف عنه من شيوخ الكوفة إلا عبد الله بن إدريس وعيسى بن يونس، فركب الأمين والمأمون إلى عبد الله بن إدريس، فحدثهما بمائة حديث، فقال المأمون لابن إدريس: يا عم، أتأذن لى أن أعيدها عليك من حفظى، فأعادها كما سمعها. وكان ابن إدريس من أهل الحفظ، فعجب من حفظ المأمون، وقال المأمون: يا عم، إلى جانب مسجدك دار، إن أذنت اشتريناها ووسعنا بها المسجد، فقال: ما بى إلى هذه حاجة، قد أجزء من كان قبلى وهو يجيزنى.
فنظر إلى قرح فى يد الشيخ، فقال: إن معنا متطببين وأدوية، أفتأذن لى أن أعالجك؟ قال: لا، هذا قد ظهر بى مثله وبرء، فأمر له بجائزة، وصدرا إلى عيسى بن يونس، فحدثهما، فأمر له المأمون بعشرة آلاف، فأبى أن يقبلها، فظن أنه استقلها، فأمر له بعشرين ألفًا، فقال عيسى: لا ولا أهليلجة ولا شربة ماء على حديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولو ملئت لى هذا المسجد إلى السقف، فانصرف من عنده. ومناقبه كثيرة.
قال أحمد بن حباب: غزا عيسى بن يونس خمسًا وأربعين غزوة، وحج خمسًا وأربعين حجة. قال ابن سعد: توفى بالحدث أول سنة إحدى وتسعين ومائة. وقال البخارى: سنة سبع وثمانين. وقال أبو داود: سنة ثمان وثمانين.
485 - عيينة بن حصين الصحابى المؤلف:
مذكور فى المختصر فى قسم الفىء، ثم فى خراج السواد، وفى المهذب فى قسم الصدقات، وقال فى المختصر فى خراج السواد: عيينة بن بدر، وهما صحيحان، نسب إلى جد جده، هو أبو مالك عيينة بن حصين(2/48)
بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جويرية بن لوزان بن ثعلبة بن عدى بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان، بالمهملة، الفزارى.
أسلم بعد الفتح، وقيل: قبله، وشهد حنينًا والطائف، وكان من المؤلفة والأعراب الجفات، ارتد وتبع طليحة الأسدى، وقاتل معه، فأسرته الصحابة، وحملوه إلى أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، فأسلم فأطلقه، وهو عم الحر بن القيس، وكان الحر رجلاً صالحًا من أهل القرآن له منزلة رفيعة عند عمر بن الخطاب، رضى الله عنه.
* * *
حرف الغين المعجمة
486 - غيلان بن سلمة الصحابى (1) :
مذكور فى النكاح من هذه الكتب، لكن صحفه فى الوسيط، فقال: سلمة بن غيلان، والصواب غيلان، وسنوضح غلطه فى نوع الأوهام إن شاء الله تعالى. هو غيلان بن سلمة بن معيب، بفتح العين المهملة، وكسر المثناة تحت المشددة، ابن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن. أسلم بعد فتح الطائف، وكان تحته عشر نسوة فأسلمن معه، فأمره النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يختار أربعًا منهن، ويفارق باقيهن، وكان أحد أشراف ثقيف ومقدميهم، ووفد على كسرى وله معه خبر عجيب، وكان شاعرًا محسنًا. توفى فى آخر خلافة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه.
* * *
حرف الفاء
487 - الفرافصة أبو حسان التابعى:
مذكور فى المهذب فى أوائل الصيد والذبائح، هو بضم الفاء بلا خلاف.
488 - فرعون عدو الله:
مذكور فى الروضة فى الوصية. قال العلماء بالتواريخ: هو فرعون موسى، عمّر أربع ومائة سنة، وكان اسمه وليد بن مصعب، وقيل غير ذلك، وليس فى الفراعنة أعتى منه، وليس هو فرعون يوسف، عليه السلام؛ لأن فرعون يوسف أسلم على يديه، والله أعلم.
_________
(1) انظر: الإصابة (3/189) ، وأسد الغابة (4/172) ، والاستيعاب (3/189) ، والبداية والنهاية (7/143) . .(2/49)
489 - فروة بن عامر:
وقيل: ابن عمرو، وقيل: ابن نفاثة، بضم النون وبعدها فاء ثم ألف ثم مثلثة، وقيل: ابن نباتة، وقيل: ابن نعامة الجذامى. ذكر هذه الأقوال فيه ابن الأثير. أهدى للنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بغلته البيضاء. سكن عَمَّان، بفتح العين وتشديد الميم، من أرض البلقاء بالشام. وقال ابن إسحاق: منزله عمان ومان حولها. وكان عاملاً للروم على من يليهم من العرب، فأسلم وبعث إلى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بغسلامه، وأهدى إليه البغلة، فلما سمعت الروم بإسلامه طلبوه فصلبوه على ذلك، رضى الله عنه.
490 - فضالة بن عبيد الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب فى الربا، وفى آخر السرقة، وهو بفتح الفاء. وهو أبو محمد فضالة بن عبيد بن نافذ، بالمعجمة، ابن قيس بن صهيب بن الأحرم بن جحجبا، بجيمين مفتوحتين بينهما حاء ساكنة وبباء موحدة، ابن لفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصارى الأوسى العمرى. أول مشاهده أُحُد، شهدها وما بعدها من المشاهد، ومنها بيعة الرضوان، وشهد فتح مصر. وسكن دمشق، وولى قضاءها لمعاوية، وأمره على غزو الروم فى البحر.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمسون حديثًا، روى مسلم منها حديثين. روى عنه ثمامة بن سعد، وعلى بن رباح، بضم العين، وقيل: بفتحها، وحنش الصنعانى، وسلمة ابن صالح، وعمرو بن مالك، وعبد الله بن محيرز، وآخرون. توفى بدمشق ودفن بباب الصغير سنة ثلاث وخمسين، وقيل: سنة تسع وستين، والصحيح الأول، فقد نقلوا أن معاوية حمل نعشه، وقال لابنه: أَعِنِّى يا بنى، فإنك لا تحمل بعده مثله. وتوفى معاوية سنة ستين، وكان لفضالة عقب بدمشق.
491 - الفضل بن العباس بن عبد المطلب الهاشمى الصحابى (2) :
ابن عم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. تكرر فى المختصر والمهذب، كنيته أبو عبد الله، وقيل: أبو محمد، وقيل: أبو العباس، أمه وأم أخواته أم الفضل لبابة بنت الحارث الكبرى، وبه كانت هى والعباس يكنيان، شهد مع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الفتح وحنينًا، وثبت معه يوم حنين حين انهزم الناس، وشهد معه حجة الوداع.
وثبت فى الصحيحين أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أردفه وراءه ليلة
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/401) والتاريخ الكبير للبخارى (7/556) والجرح والتعديل (7/433) وسير أعلام النبلاء (3/113) وأسد الغابة (4/182) والإستيعاب (3/1262) وتهذيب التهذيب (8/267، 268) والإصابة (3/6992) . تقريب التهذيب (5395) ، وقال: “أول ما شهد شهد أحدا ثم نزل دمشق وولي قضاءها ومات سنة ثمان وخمسين وقيل قبلها بخ م 4”..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (4/54، 7/399) والتاريخ الكبير للبخارى (7/502) والجرح والتعديل (7/363) وسير أعلام النبلاء (3/444) وأسد الغابة (4/183) والإستيعاب (3/1269) وتهذيب التهذيب (8/280) والإصابة (3/7003) . تقريب التهذيب (5407) ، وقال: “وأكبر ولد العباس استشهد في خلافة عمر ع”..(2/50)
المزدلفة، وكان من أجمل الناس، وحضر غسل النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان يصب الماء على علىّ، رضى الله عنه. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعة وعشرون حديثًا، اتفقا منها على حديثين. روى عنه أخوه عبد الله، وأبو هريرة، وربيعة بن الحارث.
توفى بالشام فى طاعون عمواس سنة ثمان عشرة، هذا هو الأصح، وقيل: استشهد يوم أجنادين، وقيل: يوم مرج الصفر، وكلاهما سنة ثلاث عشرة، وقيل: يوم اليرموك سنة أربع عشرة أو خمس عشرة، ولم يترك ولدًا إلا أم كلثوم، تزوجها الحسن بن على ثم فارقها فتزوجها أبو موسى الأشعرى.
492 - فضل بن يزيد الرقاشى:
مذكور فى المهذب فى كتاب السير فى الأمان، هكذا هو فى النسخ: فضل بن يزيد، وهو تصحيف بلا خلاف، وصوابه: فُضَيل، بضم الفاء وزيادة ياء فى فضل وحذفها من يزيد، هكذا ذكره أئمة هذا الفن: أبو عبد الله البخارى فى تاريخه، وابن أبى خيثمة فى تاريخه، وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل، وخلائق لا يحصون. قال البخارى: وهو فضيل بن زيد أبو حسان الرقاشى، يُعد فى البصريين. وقال ابن أبى حاتم: هو فضيل بن زيد الرقاشى أبو حسان، روى عن عمر، يعنى ابن الخطاب، وعبد الله بن مغفل. روى عنه عامر الأحول. قال يحيى بن معين: هو صدوق بصرى ثقة، والرقاشى بفتح الراء وتخفيف القاف، منسوب إلى رقاش قبيلة معروفة من ربيعة.
493 - فضيل بن عياض بن مسعود بن بشر (1) :
أبو على التميمى اليربوعى الزاهد، ولد بسمرقند، ونشأ بأبيود، وكتب الحديث بالكوفة، ثم تحول إلى مكة فاستوطنها حتى توفى بها أول سنة تسع وثمانين ومائة. سمع سليمان التيمى، وحصين بن عبد الرحمن، ومنصور بن المعتمر، والأعمش، وحميد الطويل، ويحيى الأنصارى، وعبد الله بن عمر العمرى، والعلى بن المسيب، ومحمد بن إسحاق، وجعفر الصادق، وعطاء بن السائب، وزياد بن سعد، ومسلمًا الأعور، وأشعث بن سوار، وأبا هارون العبدى، وعوف الأعرابى، ومجالد بن سعيد، وبيان بن بشر، وأبا إسحاق الشيبانى، وعبد العزيز بن رفيع، ومحمد بن عجلان،
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/500) والتاريخ الكبير للبخارى (7/550) والجرح والتعديل (7/416) وسير أعلام النبلاء (8/372) وميزان الاعتدال (3/6768) وتهذيب التهذيب (8/294 - 297) . تقريب التهذيب (5431) ، وقال: “ثقة عابد إمام من الثامنة مات سنة سبع وثمانين ومائة وقيل قبلها خ م د ت س”..(2/51)
ومحمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى، وأبان بن أبى عياش، ونظر بن خليفة، وليث بن أبى سليم، وسفيان الثورى، ويحيى بن عبيد الله، وهشام بن حسان، وغيرهم من الأئمة.
روى عنه خلائق من الأئمة، منهم الثورى، وابن عيينة، ويحيى القطان، وحسين بن على الجعفى، وابن المبارك، والشافعى، والحميدى، والقعنبى، وابن مهدى، ويحيى بن يحيى، ويحيى بن صالح، ومسدد، وقتيبة، ويحيى الحمانى، ومؤمل بن إسماعيل، وإسحاق بن منصور، وآخرون. وأجمعوا على توثيقه، والاحتجاج به، وصلاحه، وزهده، وورعه، ونحوها من طرائق الأخرة.
قال أحمد بن عبد الله العجلى: هو ثقة، كوفى، متعبد، رجل صالح. وقال ابن سعد: كان ثقة، ثبتًا، فاضلاً، عابدًا، ورعًا، كثير الحديث. قيل للفضيل: لما تحدث جعفر بن يحيى؟ قال: أنا أجلّ حديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أُحَدِّث به جعفر بن يحيى. وروينا عن إسحاق بن إبراهيم الطبرى، قال: ما رأيت أحدًا أخوف على نفسه وارجا للناس من الفضيل، وكان صحيح الحديث، صدوق اللسان، شديد الهيبة للحديث، وكان يثقل عليه الحديث جدًا.
وقال الفضيل: مَن عرف الناس استراح، يعنى أنهم لا يضرون ولا ينفعون. وقال: ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة صلاة ولا صيام، ولكن بسخاء الأنفس، وسلامة الصدور، والنصح للأمة. وقال: ترك العمل بسبب الناس رياء، والعمل بسببهم شرك، والإخلاص يعافيك الله منهما. وحكمه ومناقبه كثيرة مشهورة.
494 - فيروز الديلمى الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى نكاح المشرك من المختصر والمهذب، هو أبو عبد الله، وقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو الضحاك فيروز الديلمى. قال محمد بن سعد: من أهل الحديث من يقول: فيروز الديلمى، ومنهم من يقول: فيروز بن الديلمى، وهو واحد، ويقال له: الحميرى؛ لنزوله فى حمير، وهو من أبناء الفرس الذين بعثهم كسرى إلى سيف بن ذى يزن إلى اليمن فنفوا الحبشة عنها واستولوا عليها.
وفد فيروز على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأسلم، وهو قاتل الأسود العنسى الكذاب الذى كان ادعى النبوة باليمن، قتله فى آخر حياة النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ووصل خبر قتله إياه فى مرض رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/533) والتاريخ الكبير للبخارى (7/616) والكنى للدولابى (1/75) والجرح والتعديل (7/521) وأسد الغابة (4/186) والإستيعاب (3/1286) وتهذيب التهذيب (8/305) والإصابة (3/7010) . تقريب التهذيب (5444) ، وقال: “صحابي له أحاديث وهو الذي قتل الأسود الذي ادعى النبوة في زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومات في زمن عثمان وقيل بل في زمن معاوية بعد الخمسين 4”..(2/52)
الذى توفى فيه، فقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قتله الرجل الصالح فيروز الديلمى". وفى رواية: "قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين". هذا قول كثيرين أو الأكثرين أن فيروز قتل الأسود فى حياة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال خليفة بن الخياط، والواقدى وآخرون من أهل المغازى، إنما قتله فى خلافة أبى بكر، رضى الله عنه، سنة إحدى عشرة.
وروى أنه قتل فى زمن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحمل إليه رأسه، وأنكر الحاكم أبو أحمد هذا، وأطنب فى إنكاره والاستدلال على بطلانه، وقال: الصواب قول خليفة أنه قُتل فى زمن أبى بكر، ذكره فى ترجمة أبى عبد الرحمن. قال ابن مندة: يقال أن فيروز ابن أخت النجاشى. روى عنه ابناه الضحاك، وعبد الله، وغيرهما. توفى فى خلافة عثمان، رضى الله عنه.
* * *
حرف القاف
495 - القاسم بن ربيعة الغطفانى الجوشنى (1) :
مذكور فى المختصر فى الديات فى باب أسنان الإبل. هو القاسم بن ربيعة بن جوشن الجوشنى، منسوب إلى جده، وهو تابعى. روى عن عمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، وابن عمر، وغيرهم، رضى الله عنهم. روى عنه على بن زيد بن جدعان، وخالد الحذاء، وحميد الطويل، وأيوب، وقتادة، وغيرهم. قال على بن المدينى: هو ثقة، وكان الحسن إذا سُئل عن شىء من النسب يقول: عليكم بالقاسم بن ربيعة.
496 - القاسم بن عبد الله بن عمر (2) :
مذكور فى المختصر. هو القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر ابن الخطاب القرشى العدوى المدنى. روى عن محمد بن المنكدر، وعبد الله بن دينار. روى عنه هشام بن عمار، وابن وهب، وقتيبة، وابن المدينى. قال أحمد بن حنبل: هو كذاب، كان يضع الحديث،
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/152) والتاريخ الكبير للبخارى (7/719) والجرح والتعديل (7/632) وتهذيب التهذيب (8/312، 313) . تقريب التهذيب (5457) ، وقال: "جوشن بجيم ومعجمة وزن جعفر الغطفاني بفتح المعجمة ثم المهملة وبالفاء ثقة عارف بالنسب من الثالثة د س ق"..
(2) التاريخ الكبير للبخارى (7/730) والجرح والتعديل (7/643) والمجروحين لابن حبان (2/212) وميزان الاعتدال (3/6812) وتهذيب التهذيب (8/320، 321) . تقريب التهذيب (5468) ، وقال: “متروك رماه أحمد بالكذب مات بعد الستين من الثامنة ق”..(2/53)
ترك الناس حديثه. وقال ابن معين: هو ضعيف، ليس بشىء. وقال أبو حاتم: هو متروك. وقال أبو زرعة: هو ضعيف، متروك الحديث، منكر الحديث.
497 - القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلى (1) :
أبو عبد الرحمن الكوفى، قاضيها. روى عن أبيه، وأبى ذر، وعبد الله بن عمر، وجابر ابن سمرة. روى عنه الأعمش، والمسعودى، ومسعر، وآخرون. قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. وقال يحيى بن معين: هو ثقة. وقال أحمد بن عبد الله: هو ثقة، رجل صالح، وكان لا يأخذ على القضاء والفتيا أجرًا، واتفقوا على توثيقه. قال على بن المدينى: لم يلق القاسم أحدًا من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير جابر بن سمرة، قيل له: فلقى ابن عمر؟ فقال: كان يحدث عنه حديثين، ولم يسمع منه شيئًا.
498 - القاسم بن عبد الرحمن الشامى (2) :
مذكور فى المهذب فى آخر باب ما يجب به القصاص. هو أبو عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن الشامى الدمشقى، مولى خالد بن يزيد بن معاوية، ويقال: عبد الرحمن بن خالد بن يزيد، ويقال: مولى جويرية بنت أبى سفيان. وقال الطبرانى: مولى معاوية بن أبى سفيان.
روى عن على بن أبى طالب، وعبد الله بن مسعود، وسلمان الفارسى، وأبى أيوب، وعقبة بن عامر، وأبى هريرة، وعائشة مرسلاً، وسمع أبا أمامة الباهلى. روى عنه العلاء ابن الحارث، وعبد الله بن العلاء بن زيد، وخلائق من التابعين وغيرهم.
قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: ما رأيت أحدًا أفضل من القاسم بن أبى عبد الرحمن. قالوا: وكان من فقهاء دمشق، وأدرك أربعين من المهاجرين. وقال يعقوب بن سفيان: عن كثير بن الحارث، عن القاسم، وكان قد أدرك أربعين بدريًا. وقال أحمد بن حنبل: تروى عنه أعاجيب، وتكلم فيه. وقال: ما أرى هذا إلا من قِبَل القاسم. وروى يحيى بن الحارث، عن القاسم، قال: لقيت مائة من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقال يحيى بن معين: القاسم بن عبد الرحمن الشامى مولى معاوية، ويقال: مولى يزيد، ليس فى الدنيا القاسم بن عبد
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/303) والتاريخ الكبير للبخارى (7/710) والجرح والتعديل (7/647) وسير أعلام النبلاء (5/195) وتاريخ الإسلام (6/269) وميزان الاعتدال (3/6818) وتهذيب التهذيب (8/321، 322) . تقريب التهذيب (5469) ، وقال: “ثقة عابد من الرابعة مات سنة عشرين أو قبلها خ 4”. .
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/449، 450) والتاريخ الكبير للبخارى (7/712) والجرح والتعديل (7/649) والمجروحين لابن حبان (2/211) وسير أعلام النبلاء (5/195) وميزان الاعتدال (3/6817) وتهذيب التهذيب (8/322 - 324) . تقريب التهذيب (5470) ، وقال: “صدوق يغرب كثيرا من الثالثة مات سنة اثنتي عشرة بخ 4”..(2/54)
الرحمن شامى سواه. وقال الجوزجانى: كان حبارًا فاضلاً. وقال يعقوب بن سفيان: هو ثقة. وقال يحيى والترمذى: هو ثقة. وقال يعقوب ابن شيبة: هو ثقة. توفى سنة ثنتى عشرة، ويقال: ثمان عشرة ومائة.
499 - القاسم بن محمد التابعى الجليل (1) :
أحد الفقهاء السبعة فقهاء المدينة، تكرر فى المختصر والمهذب، فذكره فى المهذب فى غسل الميت، وفى دفنه، وفى الأرحام، وفى الخيار فى النكاح، وفى الأقضية. هو أبو محمد، وقيل: أبو عبد الرحمن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق، رضى الله عنهم. روى عن ابن عمر، وابن عباس، وأبى هريرة، ومعاوية، وعائشة، وآخرين من الصحابة وخلائق من التابعين. روى عنه جماعات من التابعين، منهم نافع مولى ابن عمر، وابن أبى مليكة، والزهرى، ويحيى الأنصارى، وأيوب، وربيعة، وآخرون، وأجمعوا على جلالته، وتوثيقه، وإمامته.
روينا عن ابن عيينة، قال: كان القاسم بن محمد أفضل أهل زمانه. وقال ابن شوذب: ما أدركنا بالمدينة أحدًا نفضله على القاسم بن محمد. وقال أبو الزناد: ما رأيت أعلم من القاسم بن محمد. وقال ابن عيينة: كان أعلم الناس بحديث عائشة: القاسم، وعروة، وعمرة. وقال ابن معين: عبيد الله بن عمر، عن القاسم، عن عائشة، مسبك الذهب. وقال القاسم: استقلت عائشة بالفتوى خلافة أبى بكر وعمر وعثمان إلى أن ماتت، وكنت ملازمًا لها، وكنت أجالس البحر ابن عباس، وجلست مع ابن عمر، وأبى هريرة فأكثرت، وكان هناك، يعنى مع ابن عمر، علم جم، وورع، ووقوف عما لا يعلم.
وقال أحمد بن عبد الله: كان القاسم من خيار التابعين وفقهائهم، ثقة، نزهًا، رجلاً، صالحًا. ولما حضرته الوفاة قال: أنت ربى وحسبى وسيدى. قال محمد بن سعد: توفى سنة ثنتى عشرة ومائة، وقيل: سنة ثمان ومائة، وهو ابن سبعين أو اثنتين وسبعين، وقد ذهب بصره، وكان ثقة، عالمًا، رفيعًا، فقيهًا، إمامًا، كثير الحديث، ورعًا. وقال غيره: توفى سنة إحدى أو ثنتين ومائة.
500 - قبيصة بن جابر الأسدى (2) :
مذكور فى المهذب فى جزاء الصيد. هو
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/187) والتاريخ الكبير للبخارى (7/705) والجرح والتعديل (7/675) وسير أعلام النبلاء (5/53) وتاريخ الإسلام (4/182) وتهذيب التهذيب (8/333 - 335) . تقريب التهذيب (5489) ، وقال: “ثقة أحد الفقهاء بالمدينة قال أيوب ما رأيت أفضل منه من كبار الثالثة مات سنة ست ومائة على الصحيح ع”..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/145) والتاريخ الكبير للبخارى (7/785) والجرح والتعديل (7/712) وتاريخ الإسلام (3/60) وتهذيب التهذيب (8/344، 345) . تقريب التهذيب (5510) ، وقال: “ثقة من الثانية مخضرم مات سنة تسع وستين بخ س”..(2/55)
أبو العلاء قبيصة بن جابر بن وهب بن مالك بن عميرة بن حدان بن مرة بن الحارث بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدى الكوفى التابعى. سمع عمر بن الخطاب، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، ومعاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة، وغيرهم. روى عنه الشعبى، وعبد الملك بن عمير، وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة، مات قبل سنة ثلاث وثمانين.
501 - قبيصة بن ذؤيب التابعى (1) :
مذكور فى المهذب فى ميراث الجدة، وفى دية الهاشمية. هو أبو سعيد، ويقال: أبو إسحاق قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة بن عمرو بن كليب بن أصرم الخزاعى المدنى. ولد عام الفتح، وقيل: عام الهجرة، والمشهور عام الفتح. وهو تابعى، سمع زيد بن ثابت، وأبا الدرداء، وأبا هريرة. روى عن أبى بكر الصديق، وعمر، وعبد الرحمن بن عوف، وعبادة بن الصامت، وجابر، وعمرو بن العاص، وابن عباس، وتميم الدارى، وعائشة، وأم سلمة، رضى الله عنهم، مرسلاً. روى عنه رجاء بن حيوة، والزهرى، ومكحول، وخلائق من التابعين وغيرهم، وأجمعوا على توثيقه وجلالته.
قال الشعبى: قبيصة من أعلم الناس بقضاء زيد بن ثابت. وقال محمد بن سعد: سمع من عثمان بن عفان، وكان آثر الناس عند عبد الملك بن مروان، وكان على خاتمه. وكان البريد إليه، وكان يقرأ الكتب إذا وردت، ثم يدخلها إلى عبد الملك، فيخبره بما فيها، وكان ثقة مأمونًا، كثير الحديث. وقال مكحول: ما رأيت أعلم من قبيصة. وقال أبو الزناد فيما رواه عنه الأعمش: كان فقهاء المدينة سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وقبيصة بن ذؤيب، وعبد الملك بن مروان قبل أن يدخل فى الإمارة. توفى فى خلافة عبد الملك سنة ست أو سبع وثمانين.
502 - قبيصة بن المخارق الصحابى، رضى الله عنه (2) :
مذكور فى المختصر فى قسم الصدقات. هو أبو بشر قبيصة بن المخارق بن عبد الله ابن شداد بن أبى ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر بن صعصعة العامرى الهلالى البصرى. وفد
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/176، 7/447) والتاريخ الكبير للبخارى (7/784) والكنى للدولابى (1/99) والجرح والتعديل (7/713) والإستيعاب (3/1272) وأسد الغابة (4/191) وتاريخ الإسلام (3/290) وسير أعلام النبلاء (4/282، 283) وتهذيب التهذيب (8/346، 347) . تقريب التهذيب (5512) ، وقال: “من أولاد الصحابة وله رؤية مات سنة بضع وثمانين ع”..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/35) والتاريخ الكبير للبخارى (7/782) والكنى للدولابى (1/86) والجرح والتعديل (7/709) والإستيعاب (3/273) وأسد الغابة (4/192) والإصابة (3/7061) وتهذيب التهذيب (8/350) . تقريب التهذيب (5515) ، وقال: “صحابي سكن البصرة م د س”..(2/56)
على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأسلم، وروى عنه ستة أحاديث، روى مسلم أحدها. روى عنه أبو عثمان النهدى، وأبو قلابة، وكنانة بن نعيم، وابنه قطن بن قبيصة.
503 - قتادة بن دعامة (1) :
بكسر الدال المهملة، التابعى. تكرر فى المهذب، فذكره فى أول الخلع، وأول العفو عن القصاص، وفى خراج السواد. هو أبو الخطاب قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز، بفتح العين والزاى المكررة، ابن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن على بن بكر بن وائل السدوسى البصرى التابعى. ولد أعمى.
سمع أنس بن مالك، وعبد الله بن سرجس، وأبا الطفيل، وابن المسيب، وأبا عثمان النهدى، والحسن، وابن سيرين، وعكرمة، وزرارة بن أوفى، والشعبى، وخلائق غيرهم من التابعين. روى عنه جماعة من التابعين، منهم سليمان التيمى، وحميد الطويل، والأعمش، وأيوب، وخلائق من تابعى التابعين، منهم مطر الوراق، وجرير بن حازم، وشعبة، والأوزاعى، وغيرهم. وأجمعوا على جلالته، وتوثيقه، وحفظه، وإتقانه، وفضله.
قال أبو بكر بن عبد الله: مَن سره أن ينظر إلى أحفظ رجل أدركنا وأحرى أن يؤدى الحديث كما سمعه فلينظر إلى قتادة. وقال سعيد بن المسيب: ما أتانا عراقى أحفظ من قتادة. وقال شعبة: قال لى سفيان: وكان فى الدنيا مثل قتادة؟.
روينا عن معمر، قال: جاء رجل إلى ابن سيرين، فقال: رأيت حمامة التقمت لؤلؤة فخرجت منها أعظم مما دخلت، ورأيت حمامة أخرى التقمت لؤلؤة، فخرجت أصغر مما دخلت، ورأيت حمامة أخرى التقمت لؤلة فخرجت كما دخلت سواء، فقال ابن سيرين: الحمامة الأولى الحسن، يسمع الحديث فيجوده بمنطقه، ثم يصل فيه من مواعظه، والثانية ابن سيرين يشك فيه فينقص منه، والثالثة قتادة، فهو أحفظ الناس.
وروينا عن المدائنى، قال: سُئل أعرابى على باب قتادة وانصرف، ففقدوا قدحًا، فحج قتادة بعد عشر سنين، فوقف أعرابى فسأله، فسمع قتادة كلامه، فقال: هذا صاحب القدح، فسألوه فأقر.
وقال ابن سعد: كان قتادة ثقة، مأمونًا، حجة فى الحديث. وقال قتادة: جالست الحسن ثنتى عشرة
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/229) والتاريخ الكبير للبخارى (7/827) والكنى للدولابى (1/166) والجرح والتعديل (7/756) وتاريخ الإسلام (4/295) وسير أعلام النبلاء (5/269) وميزان الاعتدال (3/6864) وتهذيب التهذيب (8/351 - 357) . تقريب التهذيب (5518) ، وقال: “ثقة ثبت يقال ولد أكمه وهو رأس الطبقة الرابعة مات سنة بضع عشرة ع”..(2/57)
سنة، وما قلت برأيى منذ أربعين سنة. وقدم قتاد على ابن المسيب فسأله أيامًا فأكثر، فقال: تحفظ كل ما سئلتنى عنه؟ قال: نعم، سألتك عن كذا فقلت فيه كذا، وسألتك عن كذا فقلت فيه كذا، وقال فيه الحسن كذا، فذكر حديثًا كثيرًا، فقال ابن المسيب: ما كنت أظن الله خلق مثلك.
وذكره أحمد بن حنبل، فأطنب فى الثناء عليه، ونشر من علمه، وفقهه، ومعرفته بالتفسير والاختلاف وغير ذلك، وقلّ من يتقدمه. قال: وكان أحفظ أهل البصرة ولا يسمع شيئًا إلا حفظه. وقرأت عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها. وكان من العلماء.
وقال عبد الرحمن بن مهدى: قتادة أحفظ من خمسين مثل حميد. وقال أبو حاتم: أكبر أصحاب الحسن: قتادة، وأثبت أصحاب أنس: الزهرى، ثم قتادة. توفى قتادة سنة سبع عشرة، وقيل: ثمان عشرة ومائة، وهو ابن ست وخمسين، وقيل: سنة خمس وخمسين، رضى الله عنه.
504 - قتادة بن النعمان الصحابى، رضى الله عنه (1) :
هو أبو عمرو، وقيل: أبو عمر، وقيل: أبو عبد الله، وقيل: أبو عثمان، قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد بن ظفر بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن ألأوس الأنصارى الأوسى الظفرى المدنى، وهو أخو أبى سعيد الخدرى لأمه.
شهد قتادة مع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العقبة، وأُحُدًا، وبدرًا، والخندق، وسائر المشاهد، وقلعت عينه يوم أُحُد، وقيل: يوم بدر، وقيل: يوم الخندق. قال ابن عبد البر: الأصح يوم أُحُد، فردَّها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكانت أحسن عينيه. وروينا أيضًا أنها صارت لا تُعرف، ولا يدرى أيهما التى كانت ذهبت، وكانت قد سالت على خده، وقيل: صارت فى يده. وروى الأصمعى، عن أبى معشر، قال: قدم عمر بن عبد العزيز رجل من ولد قتادة بن النعمان، فقال: ممن الرجل؟ فقال:
فردت بكف المصطفى أحسن الرد
فيا حسن ما عين ويا حسن ما رد
أنا ابن الذى سالت على الخد عينه
فعادت كما كانت لأول أمرها
فقال عمر، رضى الله عنه:
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/452) والتاريخ الكبير للبخارى (7/823) والجرح والتعديل (7/753) والاستيعاب (3/1274) وأسد الغابة (4/195) وسير أعلام النبلاء (2/331) والإصابة (3/7076) وتهذيب التهذيب (8/638) . تقريب التهذيب (5521) ، وقال: “الظفري بمعجمة وفاء مفتوحتين صحابي شهد بدرا وهو أخو أبي سعيد لأمه مات سنة ثلاث وعشرين على الصحيح خ ت س ق”..(2/58)
شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
تلك المكارم لا قعبان من لبن
وأما قول أبى نعيم الأصبهانى: سالت عيناه، فغلطوه فيه، وإنما سالت إحداهما. وكان قتادة من فضلاء الصحابة، وكانت معه راية بنى ظفر يوم الفتح. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبعة أحاديث، روى البخارى أحدها. روى عنه أبو سعيد الخدرى، ومحمود بن لبيد، وابنه عمرو بن قتادة، وعبيد بن حنين، وعياض بن عبد الله. توفى بالمدينة سنة ثلاث وعشرين، وصلى عليه عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وهو ابن خمس وستين سنة، ونزل فى قبره محمد بن مسلمة، والحارث بن خزيمة.
505 - قثم بن العباس بن عبد المطلب الهاشمى (1) :
ابن عم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أمه أم الفضل، وهو صحابى، وقد غلط بعضهم فذكره فى التابعين، والصواب أنه صحابى، فكان قثم آخر الناس عهدًا برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. روينا فى مسند أحمد بإسناد حسن عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث، قال: اعتمرت مع على ابن أبى طالب، رضى الله عنه، فلما فرغ من عمرته سأله نفر من أهل العراق: أظن المغيرة بن شعبة يحدثكم أنه كان آخر الناس عهدًا برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقالوا: أجل عن هذا جئنا نسألك، قال: أحدث الناس عهدًا به قثم بن العباس، ولما ولى على الخلافة ولى قثم مكة، فلم يزل عليها حتى قُتل على، رضى الله عنه، قاله خليفة بن الخياط.
وقال الزبير: استعمله على المدينة، ثم سار أيام معاوية إلى سمرقند مع سعيد بن عثمان بن عفان، فاستشهد بها ولم يعقب قثم، وكان يشبه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وفى صحيح البخارى عن ابن عباس، أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حمل قثم بين يديه، أى على مركوبه. قال الحاكم أبو عبد الله فى تاريخ نيسابور: الصحيح أن قثم توفى بسمرقند وقبره بها، وقيل: بمرو. قال: وكان آخر الناس عهدًا برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحديث أم الفضل ناطق بذلك، ثم رواه بأسانيد كثيرة، وقال: وكان أخا الحسين بن على من الرضاعة.
506 - قَحْذَم (2) :
مذكور فى المهذب فى خراج السواج، هو بقاف مفتوحة، ثم
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/452) والتاريخ الكبير للبخارى (7/823) والجرح والتعديل (7/753) والاستيعاب (3/1274) وأسد الغابة (4/195) وسير أعلام النبلاء (2/331) والإصابة (3/7076) وتهذيب التهذيب (8/638) . تقريب التهذيب (5521) ، وقال: “الظفري بمعجمة وفاء مفتوحتين صحابي شهد بدرا وهو أخو أبي سعيد لأمه مات سنة ثلاث وعشرين على الصحيح خ ت س ق”..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/452) والتاريخ الكبير للبخارى (7/823) والجرح والتعديل (7/753) والاستيعاب (3/1274) وأسد الغابة (4/195) وسير أعلام النبلاء (2/331) والإصابة (3/7076) وتهذيب التهذيب (8/638) . تقريب التهذيب (5521) ، وقال: “الظفري بمعجمة وفاء مفتوحتين صحابي شهد بدرا وهو أخو أبي سعيد لأمه مات سنة ثلاث وعشرين على الصحيح خ ت س ق”..(2/59)
حاء مهملة ساكنة، ثم ذال معجمة مفتوحة، ثم ميم. قال البخارى فى تاريخه: هو قحذم بن أبى قحذم الجرمى الأسدى البصرى. قال قتيبة: هو قحذم بن نصر بن معبد. سمع أباه، وسالم بن عبد الله، ومكحولاً، هذا كلام البخارى. وذكر ابن أبى حاتم مثله، وزاد: روى عنه قتيبة، وإبراهيم بن مهدى.
507 - قدامة بن عبد الله بن عمار بن معاوية العامرى الكلابى الصحابى (1) :
من بنى كلاب بن ربيعة، كنيته أبو عبد الله، أسلم قديمًا، وسكن مكة، وشهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حجة الوداع وروى عنه. روى عنه أيمن بن نائل، وحميد بن كلاب.
508 - قدامة بن مظعون الصحابى، رضى الله عنه (2) :
مذكور فى المهذب فى أول الوصية، ومظعون بالظاء المعجمة، هو أبو عمرو، وقيل: أبو عمر قدامة بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القرشى الجمحى، وهو أخو عثمان بن مظعون، وخال ابن عمر. وكان تحته صفية بنت الخطاب، وهو من السابقين إلى الإسلام، هاجر إلى الحبشة مع أخويه عثمان وعبد الله، ثم هاجروا إلى المدينة، وشهد بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، وسائر المشاهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واستعمله عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، فى خلافته على البحرين. توفى سنة ست وثلاثين، وهو ابن ثمان وستين سنة.
509 - قرة بن إياس بن هلال بن رباب بن عبيد بن سارية بن ذبيان بن ثعلبة بن سليمان بن أوس بن عمرو المزنى الصحابى (3) :
هو جد إياس بن معاوية بن قرة، قاضى البصرة الموصوف بالذكاء، وكان قرة يسكن البصرة. روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحاديث. روى عنه ابنه معاوية، وبه كان يكنى.
510 - القعقاع بن حكيم (4) :
مذكور فى المختصر، هو كنانى مدنى تابعى. روى عن ابن عمر، وجابر، وأبى صالح السماك، وغيرهم. روى عنه سعيد المقبرى، وسهيل بن أبى صالح، ومحمد بن عجلان، وغيرهم، واتفقوا على توثيقه.
511 - قنبر:
خادم على بن أبى طالب، رضى الله عنه. مذكور فى المهذب فى مسألة لا يحتجب القاضى، هو بفتح القاف والباء. قال ابن أبى حاتم: روى عن على.
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (7/795) والجرح والتعديل (7/724) والاستيعاب (3/1279) وأسد الغابة (4/198) وسير أعلام النبلاء (3/451) والإصابة (3/7984) وتهذيب التهذيب (8/364، 365) . تقريب التهذيب (5528) ، وقال: “صحابي قليل الحديث ت س ق”..
(2) انظر: الإصابة (3/228) ، وسير أعلام النبلاء (1/161) (10) ، وأسد الغابة (4/394) ، والاستيعاب (3/258) ، والتاريخ الكبير (7/178) ..
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/32) والتاريخ الكبير للبخارى (7/809) والجرح والتعديل (7/738) والاستيعاب (3/1280) وأسد الغابة (4/202) والإصابة (3/7101) وتهذيب التهذيب (8/370) . تقريب التهذيب (5537) ، وقال: “صحابي نزل البصرة وهو جد إياس القاضي مات سنة أربع وستين بخ 4”..
(4) التاريخ الكبير للبخارى (7/835) والجرح والتعديل (7/763) وتاريخ الإسلام (4/186) وتهذيب التهذيب (8/383) . تقريب التهذيب (5558) ، وقال: “ثقة من الرابعة بخ م 4”. .(2/60)
512 - قيس بن أبى حازم (1) :
مذكور فى المختصر، والمهذب فى خراج السواد. هو أبو عبد الله قيس بن أبى حازم، واسمه عبد عوف بن الحارث، وقيل: اسمه عوف الأحمسى، بالحاء والسين المهملتين، البجلى، الكوفى، التابعى، الجليل، المخضرم. أدرك الجاهلية، وجاء ليبايع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتوفى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو فى الطريق، وأبوه صحابى.
روى قيس عن جماعات من الصحابة. روى عنه جماعات من التابعين. قال جماعة من الحفاظ: روى قيس عن العشرة أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هكذا رويناه عن الحافظ عبد الرحمن بن يوسف بن خراش، والحاكم أبى عبد الله، وغيرهما. قال ابن خراش وغيره: وليس فى التابعين من روى عن العشرة غير قيس.
وقال أبو داود السجستانى: روى عن تسعة منهم، ولم يرو عن عبد الرحمن بن عوف. قال أبو داود: أجود الناس إسنادًا قيس بن أبى حازم. توفى سنة أربع وثمانين، وقيل: سبع وثمانين، وقيل: ثمان وسبعين، رحمه الله.
513 - قيس بن سعد بن عبادة (2) :
الصحابى ابن الصحابى. مذكور فى المهذب فى آخر صفة الوضوء. هو أبو الفضل، وقيل: أبو عبد الله، وقيل: أبو عبد الملك قيس بن سعد بن عبادة بن دليم، وسبق باقى نسبه فى ترجمة أبيه. وهو أنصارى، ساعدى، مدنى، صحابى ابن صحابى، جواد ابن جواد، وهم أربعة مشهورون بالكرم.
روى عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ستة عشر حديثًا. روى عنه الشعبى، وابن أبى ليلى، وعمرو بن شرحبيل، وغيرهم. وكان من فضلاء الصحابة، وأحد دهاة العرب وذوى الرأى الصائب والمكيدة فى الحرب والنجدة، وكان شريف قومه غير مدافع، ومن بيت سيادتهم.
قال الزهرى: كان قيس يحمل راية الأنصار مع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وله فى جوده أخبار كثيرة مشهورة، ورووا أنه كان فى سرية فيها أبو بكر، وعمر، رضى الله عنهما، فكان يستدين ويطعم الناس، فقالا: إن تركناه أهلك مال أبيه، فَهَمَّا يمنعه، فسمع سعد، فقال للنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من يعذرنى منهما، يبخلان على ابنى.
وصحب قيس بعد ذلك عليًا فى خلافته، وكان معه فى حروبه، واستعمله على مصر. توفى سنة ستين،
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/67) ، والتاريخ الكبير للبخارى (7/648) ، والجرح والتعديل (7/579) ، والاستيعاب (3/1285) ، وسير أعلام النبلاء (4/198) ، وتاريخ الإسلام (4/64) ، وميزان الاعتدال (3/6908) ، وتهذيب التهذيب (8/386) ، والإصابة (3/7274) . تقريب التهذيب (5566) ، وقال: “ثقة من الثانية مخضرم ويقال له رؤية، وقد جاز المائة وتغير ع”..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/52) ، والتاريخ الكبير للبخارى (7/636) ، والجرح والتعديل (7/560) ، والاستيعاب (3/1289) ، وسير أعلام النبلاء (3/102) ، وأسد الغابة (4/215) ، وتهذيب التهذيب (8/395، 396) ، والإصابة (3/7177) . تقريب التهذيب (5576) ، وقال: “صحابي جليل مات سنة ستين تقريبا وقيل بعد ذلك ع”..(2/61)
وقيل: تسع وخمسين، ولم يكن فى وجهه لحية ولا شعر، وكانت الأنصار تقول: وددنا أن نشترى لقيس لحية بأموالنا. وكان جميلاً. قال ابن عبد البر: وخبره فى السراويل عند معاوية باطل لا أصل له. روينا فى صحيح البخارى، عن أنس، قال: كان قيس بن سعد بين يدى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمنزلة الشرطى من الأمير. قال الأنصارى: يعنى يلى أموره. وفى كتاب الترمذى، عن قيس، أن أباه دفعه إلى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليخدمه.
514 - قيس بن سعد (1) :
أبو عبد الملك. مذكور فى المختصر فى اليمين مع الشاهد. هو أبو عبد الملك، وقيل: أبو عبد الله الحبشى المكى، مولى نافع بن علقمة، ويقال: مولى أم علقمة. روى عن طاووس، وعطاء بن أبى رباح، ومجاهد، وعمرو بن دينار. روى عنه هشام بن حسان، وجرير بن حازم، والحمادان، واتفقوا على توثيقه. قال ابن سعد: كان قد خلف عطاء فى مجلسه، وكان يعنى بقوله، واستقل بذلك لكنه لم يعمر، وكان ثقة، قليل الحديث. توفى سنة تسع عشرة ومائة.
515 - قيس بن السكن بن قيس بن زعوراء بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم ابن عدى بن النجار الأنصارى النجارى الصحابى (2) :
أبو زيد، غلبت عليه كنيته. شهد بدرًا، وقيل: اسمه سعد، وقيل: ثابت، ولا عقب له، وهو أحد الصحابة الذين جمعوا القرآن، أى حفظوا جميعه فى زمن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
516 - قيس بن عاصم الصحابى (3) :
مذكور فى المهذب فى باب ما يوجب الغسل، وحديثه المذكور فى المهذب هناك حديث حسن، هو أبو على، وقيل: أبو طلحة، وقيل: أبو قبيصة قيس بن عاصم بن خالد بن منقر، بكسر الميم وفتح القاف، ابن عبيد بن مقاعس، واسم مقاعس الحارث ابن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تيم التميمى المنقرى.
وفد على النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى وفد بنى تميم سنة تسع من الهجرة فأسلم، وقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما رآه: “هذا سيد أهل الوبر”. وكان قيس عاقلاً، حليمًا، مشهورًا بالحلم. وقيل للأحنف ابن قيس: ممن تعلمت الحلم؟ فقال: من قيس بن عاصم، رأيته يومًا قاعدًا بفناء داره محتبيًا بحمائل سيفه يحدث قومه، فأتى برجل مكتوف وآخر
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/483) ، والتاريخ الكبير للبخارى (7/689) ، والجرح والتعديل (7/562) ، وتاريخ الإسلام (4/297) ، وميزان الاعتدال (3/6915) ، وتهذيب التهذيب (8/397) . تقريب التهذيب (5577) ، وقال: “ثقة من السادسة مات سنة بضع عشرة خت م د س ق”..
(2) انظر: الإصابة (3/250) ، وطبقات ابن سعد (3/513) ، والاستيعاب (3/223) ، وأسد الغابة (4/216) ، وطبقات ابن سعد (3/513) ، والتاريخ الكبير (7/145) ..
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/36) ، والتاريخ الكبير للبخارى (7/635) ، والجرح والتعديل (7/576) ، والاستيعاب (3/1294) ، وأسد الغابة (4/219) ، وتهذيب التهذيب (8/399، 400) ، والإصابة (3/7194) . تقريب التهذيب (5581) ، وقال: “المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف صحابي مشهور بالحلم نزل البصرة بخ د ت س”..(2/62)
مقتول، فقيل له: هذا ابن أخيك قتل ابنك، قال: فوالله ما حل حبوته ولا قطع كلامه، فلما أتمه التفت إلى ابن أخيه وقال: يا ابن أخى، بئس ما فعلت، أثمت عند ربك، فقطعت رحمك، وقتلت ابن عمك، ورميت نفسك بسهمك، وقللت عددك، ثم قال لابن له آخر: قم يا بنى إلى ابن عمك فحل كتافه، ووارى أخاك، وسق إلى أمك مائة ناقة من الإبل دية ابنها فإنها غريبة.
وكان قيس حرم الخمر فى الجاهلية، وكان جوادًا، وخلف اثنين وثلاثين ابنًا. روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحاديث. روى عنه الأحنف بن قيس، والحسن البصرى، وابنه حكيم بن قيس، وآخرون. نزل قيس البصرة، وقال عند موته: لا تنوحوا علىَّ، فإن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم ينح عليه.
517 - قيس بن قهد (1) :
بفتح القاف وإسكان الهاء، الصحابى. مذكور فى المهذب والوسيط فى الساعات المنهى عن الصلاة فيها، هكذا رواه صاحب المهذب والوسيط وغيرهما من الفقهاء وبعض المحدثين: قيس بن قهد، ورواه أكثر المحدثين: قيس بن عمرو، ولم يذكر أبو داود وآخرون من أهل السنن فيه إلا قيس بن عمرو. وذكر الترمذى الروايتين: ابن قهد، وابن عمرو، وقال: الصحيح ابن عمرو، وهذا هو الصحيح عند جميع حفاظ الحديث.
وذكروا حديثه فى الركعتين بعد الصبح، وهو حديث ضعيف، قالوا: وهو جد يحيى ابن سعيد الأنصارى. قال أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والأكثرون: قيس بن عمرو، هو جد يحيى بن سعيد بن قيس الأنصارى. وقال مصعب الزبيرى: جد يحيى هو قيس ابن قهد. قال ابن أبى خيثمة: غلط مصعب فى هذا،
_________
(1) انظر: الإصابة (3/257) ، وأسد الغابة (4/224) ، والاستيعاب (3/236) ، والبداية والنهاية (7/221) ، والتاريخ الكبير (7/142) ..(2/63)
والقول ما قاله أحمد ويحيى.
قال: وقيس بن عمرو، وقيس بن قهد كلاهما من بنى النجار. قال: وقيس بن قهد جد أبى مريم عبد الغفار بن القاسم الكوفى. قال ابن عبد البر: هو كما قال ابن أبى خيثمة، وقد أخطأ فيه مصعب، قال: وكلهم خطأه فيه. وقال ابن ماكولا: قيس بن قهد صحابى شهد بدرًا وما بعدها، توفى فى خلافة عثمان.
روى عنه قيس بن أبى حازم، وابنه سليمان بن قيس، وأما المزنى فى المختصر، فقال فيه: قيس، ولم ينسبه للاختلاف فيه، واتفقوا على ضعف حديثه المذكور فى الركعتين بعد الصبح، رواه أبو داود، والترمذى، وغيرهما، وضعفوه.
518 - قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف بن قصى القرشى المطلبى الصحابى (1) :
أبو محمد، وقيل: أبو السائب. ولد هو ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عام الفيل، وكان من المؤلفة، ثم حسن إسلامه. روى عنه ابناه عبد الله ومحمد.
519 - قيس بن مكشوح:
بضم الميم وضم الشين المعجمة. مذكور فى المهذب فى آخر باب ما على القاضى فى الخصوم. ومكشوح لقب لأنه كوى، وقيل: ضرب على كشحه، أى جنبه، واسم مكشوح هبيرة بن هلال، وقيل: عبد يغوث بن هبيرة بن هلال، والأول أشهر وأكثر. وقال الكلبى: هبيرة بن عبد يغوث، وقيس هذا يكنى أبا شداد، وهو بجلى حليف لبنى مراد.
قيل: هو صحابى، وقيل: تابعى. قال الطبرى: هو صحابى. وقال غيره: تابعى أسلم زمن أبى بكر، وقيل: زمن عمر، رضى الله عنهما. حكى هذا كله ابن عبد البر. وقول من قال: أسلم فى زمن عمر، ضعيف أو باطل؛ لأنه أحد الجماعة الذين قتلوا الأسود العنسى، أو أعان على قتله. وكان قتله فى خلافة أبى بكر. وقيل: فى زمن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد سبق بيان هذا فى ترجمة فيروز.
وكان قيس هذا أحد شجعان الإسلام وأبطالهم، وأهل النجدة، وله آثار صالحات فى الفتوحات فى زمن عمر وعثمان فى القادسية وغيرها، سار إلى العراق على مقدمة سعد بن أبى وقاص، وشهد قتال نهاوند، وقُتل مع على بصفين، وهو ابن أخت عمرو ابن معد يكرب.
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (7/645) ، والجرح والتعديل (7/586) ، والاستيعاب (3/1299) ، وأسد الغابة (4/226) ، وتهذيب التهذيب (8/402، 403) ، والإصابة (3/7235) . تقريب التهذيب (5588) ، وقال: “صحابي كان أحد المؤلفة ثم حسن إسلامه ت”..(2/64)
520 - قيصر عظيم الروم فى الشام:
مذكور فى المختصر فى آخر كتاب السير، وقيصر لقب لكل من ملك الروم، ويقال لكل من ملك الفرس: كسرى، والترك: خاقان، والحبشة: النجاشى، والقبط: فرعون، ومصر: العزيز، وحمير: تبع. وكان اسم قيصر الذى كان بالشام وكتب إليه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتابه: هِرَقل، بكسر الهاء وفتح الراء، هذا هو المشهور. وقال الجوهرى: يقال أيضًا: هرْقل، بإسكان الراء، ولا ينصرف للعجمة والعلمية.
وتنازع ابنا عبد الحكم فى أنه هل كان يقال له: هرقل أم قيصر؟ وترافعا إلى الشافعى، رحمه الله تعالى، فقال: هو هرقل، وهو قيصر، فهرقل اسم علم له، وقيصر لقب. وفى الصحيح أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده بالعراق” (1)
) .
قال: وسبب الحديث أن قريشًا كانت تأتى الشام والعراق كثيرًا للتجارات فى الجاهلية، فلما أسلموا خافوا انقطاع سفرهم إليهما لمخالفتهم أهل الشام والعراق بالإسلام، فأجابهم النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على حسب حاجتهم، فقال: لا قيصر ولا كسرى بعدهما فى هذين الإقليمين، فلا ضرر عليكم، وكان كما قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلم يكن قيصر بعده فى الشام إلى الأن، ولا يكون، ولا كسرى بعده فى العراق، ولا يكون، وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "والذى نفسى بيده، لتنفقن كنوزهما فى سبيل الله" (2) ، فكان كذلك، ففتحت الصحابة الإقليمين فى زمن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه.
* * *
حرف الكاف
521 - كثير بن عبد الله (3) :
مذكور فى المهذب فى صلاة العيد. هو كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، وتقدم باقى نسبه فى ترجمة أبيه، ومحمد بن كعب القرظى، وغيرهما. روى عنه مروان بن معاوية، وإسماعيل بن أبى أوس، وأم وهب، والقعنبى، وخلق سواهم، واتفقوا على ضعفه.
قال الشافعى: كثير بن عبد الله المزنى، أحد الكذابين. وفى رواية: أحد أركان الكذب. وقال أحمد بن حنبل: مُنكر الحديث، ليس بشىء.
_________
(1) حديث جابر بن سمرة: أخرجه أحمد (5/92، رقم 20901) ، والبخارى (3/1135، رقم 2953) ، ومسلم (4/2237، رقم 2919) ، وابن حبان (15/85، رقم 6690) .
حديث أبى هريرة: أخرجه أحمد (2/233، رقم 7184) ، والبخارى (3/1135، رقم 2952) ، ومسلم (4/2237، رقم 2918) ، والترمذى (4/497، رقم 2216) ، وقال: حسن صحيح. وأخرجه أيضًا: ابن حبان (15/83، رقم 6689) .
حديث أبى سعيد: أخرجه الطبرانى فى الأوسط (5/103، رقم 4798) ، وفى الصغير (2/11، رقم 689) ، قال الهيثمى (8/289) : فيه عبيد بن كثير التمار، وهو متروك. والخطيب (5/35) .
(2) حديث جابر بن سمرة: أخرجه أحمد (5/92، رقم 20901) ، والبخارى (3/1135، رقم 2953) ، ومسلم (4/2237، رقم 2919) ، وابن حبان (15/85، رقم 6690) .
حديث أبى هريرة: أخرجه أحمد (2/233، رقم 7184) ، والبخارى (3/1135، رقم 2952) ، ومسلم (4/2237، رقم 2918) ، والترمذى (4/497، رقم 2216) ، وقال: حسن صحيح. وأخرجه أيضًا: ابن حبان (15/83، رقم 6689) .
حديث أبى سعيد: أخرجه الطبرانى فى الأوسط (5/103، رقم 4798) ، وفى الصغير (2/11، رقم 689) ، قال الهيثمى (8/289) : فيه عبيد بن كثير التمار، وهو متروك. والخطيب (5/35) .
(3) التاريخ الكبير للبخارى (7/945) ، والجرح والتعديل (7/858) ، وميزان الاعتدال (3/6943) ، وتهذيب التهذيب (8/421) . تقريب التهذيب (5617) ، وقال: "ضعيف أفرط من نسبه إلى الكذب من السابعة ر د ت ق"..(2/65)
وقال لابن أبى خيثمة: لا تحدث عن كثير. وقال: كثير لا يساوى شيئًا. وقال عبد الله بن أحمد: ضرب أبى على أحاديث كثير فى المسند، ولم يحدث عنه. وقال يحيى بن معين: كثير ليس بشىء. وقال أبو زرعة: هو واهى الحديث. وقال النسائى: هو متروك الحديث. وقال ابن عدى: عامة ما يرويه لا يتابع عليه.
522 - كثير بن مرة (1) :
مذكور فى المهذب فى الجزية، هو أبو شجرة، ويقال: أبو القاسم كثير بن مرة الحضرمى الرهاوى، بفتح الراء، الحمصى التابعى. سمع معاذ بن جبل، وابن عمرو، وعمر بن عبسة، وعقبة بن عامر، وأبا الدرداء، وعوف بن مالك، وغيرهم من الصحابة. روى عنه خالد بن معدان، ويزيد بن أبى حبيب، وشريح بن عبيد، وصالح بن أبى عريب، ومكحول، وآخرون، واتفقوا على جلالته وتوثيقه. قال البخارى، عن الليث، عن يزيد بن أبى حبيب: إن كثير بن مرة أدرك سبعين بدريًا. قال ابن سعد: ثقة. وقال أحمد بن عبد الله: شامى ثقة.
523 - كريب مولى ابن عباس (2) :
مذكور فى المهذب فى رؤية هلال رمضان. هو أبو رشدين، بكسر الراء والدال، كريب بن أبى مسلم القرشى الهاشمى مولى ابن عباس. أدرك عثمان بن عفان، وزيد بن ثابت، وسمع ابن عباس، وأسامة، ومعاوية، والمسور، وعائشة، وأم سلمة، وميمونة، وأم الفضل، وغيرهم من الصحابة، رضى الله عنهم.
روى عنه ابناه محمد، ورشدين، وعمرو بن دينار، وسالم بن أبى الجعد، والزهرى، وموسى بن عقبة، وغيرهم من التابعين. واتفقوا على توثيقه. روى له البخارى، ومسلم. قال البخارى وغيره: مات بالمدينة سنة ثمان وتسعين.
524 - كِسرى بن هرمز الكافر:
عظيم الفرس فى العراق وحواليها، مذكور فى المختصر فى باب تفريق الخمس، ثم فى آخر كتاب السير فى باب إظهار دين الله تعالى، وهو بكسر الكاف وفتحها. قال ابن الجواليقى: الكسر أفصح، وهو فارسى معرب. قال: وجمعه: أكاسرة، وكسور، والنسبة إليه كَسروى، بفتح الكاف، وسبق فى ترجمة قيصر أن كل من ملك الروم يقال له: قيصر، ومن ملك الفرس يقال له: كسرى،
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/448) ، والتاريخ الكبير للبخارى (7/907) ، والجرح والتعديل (7/872) ، وسير أعلام النبلاء (4/46، 47) ، وتهذيب التهذيب (8/428، 429) . تقريب التهذيب (5631) ، وقال: “ثقة من الثانية ووهم من عده في الصحابة ر 4”..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/293) ، والتاريخ الكبير للبخارى (7/994) ، والجرح والتعديل (7/956) ، وسير أعلام النبلاء (4/479، 480) ، وتاريخ الإسلام (4/48) ، وتهذيب التهذيب (8/433) . تقريب التهذيب (5638) ، وقال: “ثقة من الثالثة مات [قبل المائة] سنة ثمان وتسعين ع”..(2/66)
وسبق هناك أيضًا بيان معنى قول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده”.
قال ابن قتيبة فى المعارف: هو كسرى أنوشروان بن قباز بن فيروز، وهو الذى ملك المنذر على العرب، وهو الذى قصده سيف بن ذى يزن يستنصره على الحبشة، فبعث معه قائدًا من قواده فى جند من الديلم، فافتتحوا اليمن، ونفوا السودان منها، وأقاموا هناك. قال: وكان ملك كسرى سبعًا وأربعين سنة وستة أشهر.
525 - كعب بن زهير الشاعر الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المهذب فى الشهادات فى إنشاد الشعر. هو كعب بن زهير بن أبى سلمى، بضم السين، واسم أبى سلمى: ربيعة بن رباح، بكسر الراء، ابن قرط بن الحارث بن مازن بن خلاوة، بالخاء المعجمة، ابن ثعلبة بن ثور بن هزمة بن لاطم بن عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر المزنى.
كان قد خرج هو وأخوه بُجَير، بضم الباء وفتح الجيم، إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فتقدم بجير ليكشف أمر النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويأتى كعبًا فيخبره، فلما جاء بجير عرض عليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الإسلام فأسلم، فبلغ ذلك كعبًا، فأنشد أبياتًا ينكر فيها على أخيه إسلامه ويتعرض لغيره، فأهدر النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دمه، وقال: “من لقيه فليقتله”.
فبعث إليه أخوه يعلمه بذلك ويقول: إنك لن تفلت من المسلمين، وأن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يأتيه أحد فيسلم إلا قبل منه، وأسقط ما كان قبله، فإذا أتاك كتابى هذا فأقبل وأسلم، فجاء كعب إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأسلم، وأنشد قصيدته المشهورة بانت سعاد. وكان قدومه وإسلامه بعد انصراف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الطائف، وكان لكعب ابنان: عقبة، والعوام، وكان كعب وابناه وأخوه وأبو زهير شعراء، أشعرهم زهير، ثم كعب.
526 - كعب بن سليم القرظى:
معدود فى الصحابة. كان من سبى بنى قريظة الذين استحيوا حين وجدوهم لم يثبتوا، وهو والد محمد بن كعب القرظى، ولا يُعرف لكعب رواية، وغلطوا ابن مندة فى روايته حديثًا له. قالوا: اشتبه عليه بغيره.(2/67)
527 - كعب بن عجرة الصحابى، رضى الله عنه (1) :
تكرر فى المهذب والوسيط فى كتاب الحج، وفى صفة الصلاة من المهذب، وعجرة بضم العين، هو أبو محمد، وقيل: أبو عبد الله، وقيل: أبو إسحاق كعب بن عجرة بن أمية بن عدى بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن عوف بن غنم بن سواد بن مرى بن أراشة بن عامر بن عبيلة بن قسميل بن قران بن بلى حليف الأنصار.
تأخر إسلامه، وشهد بيعة الرضوان وغيرها. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبعة وأربعون حديثًا، اتفقا منها على حديثين، وانفرد مسلم بآخرين. روى عنه ابن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وطارق بن شهاب، وأبو وائل، وابن أبى ليلى، وبنوه إسحاق، وعبد الملك، ومحمد، والربيع أولاد كعب، وزيد بن وهب، والشعبى، وغيرهم، وفيه نزل قوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 197] . سكن الكوفة، وتوفى بالمدينة سنة إحدى، وقيل: ثنتين، وقيل: ثلاث وخمسين، وله سبع وسبعون، وقيل: خمس وسبعون سنة.
528 - كعب بن عمرو (2) :
ويقال: عمرو بن كعب الهمدانى اليامى، ويام بطن من همدان. وكعب هذا صحابى، وهو جد طلحة بن مصرف المذكور فى المهذب فى صفة المضمضة، عن أبيه، عن جده. سكن كعب الكوفة.
529 - كعب بن ماتع (3) :
بالتاء المثناة فوق، هو كعب الأحبار التابعى المشهور. مذكور فى المختصر فى جزاء الصيد، وفى المهذب فى آخر الاستسقاء. هو أبو إسحاق كعب بن ماتع بن هينوع، ويقال: هيسوع، ويقال: عمرو بن قيس بن معن بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن عوف بن جمهر بن قطن بن عوف بن زهير بن أيمن بن حمير بن سبأ الحميرى المعروف بكعب الأحبار.
أدرك زمن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يره، وأسلم فى خلافة أبى بكر، وقيل: فى خلافة عمر، رضى الله عنهما، وصحب عمر وأكثر الرواية عنه. روى أيضًا عن صهيب. روى عنه جماعة من الصحابة، منهم ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وأبو هريرة، وخلائق من التابعين، منهم ابن المسيب. وكان يسكن حمص. ذكره أبو الدرداء فقال: إن عنده علمًا كثيرًا. واتفقوا على كثرة
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (7/954) ، والجرح والتعديل (7/897) ، والاستيعاب (3/1321) ، وأسد الغابة (4/243) ، وسير أعلام النبلاء (3/52) ، وتهذيب التهذيب (8/435، 436) ، والإصابة (3/7419) . تقريب التهذيب (5643) ، وقال: “صحابي مشهور مات بعد الخمسين وله نيف وسبعون ع”..
(2) الجرح والتعديل (7/905) ، والاستيعاب (3/1322) ، وأسد الغابة (4/245) ، وتهذيب التهذيب (8/436، 437) ، والإصابة (3/7424) . تقريب التهذيب (5645) ، وقال: “صحابي يقال إنه جد طلحة ابن مصرف وقيل هو عمرو ابن كعب د”..
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/445) ، والتاريخ الكبير للبخارى (7/962) ، والجرح والتعديل (7/906) ، وسير أعلام النبلاء (3/489) ، وتهذيب التهذيب (8/438، 440) . تقريب التهذيب (5648) ، وقال: “ثقة من الثانية مخضرم خ م د ت س فق”..(2/68)
علمه وتوثيقه. وكان قبل إسلامه على دين اليهود، وكان يسكن اليمن.
توفى فى خلافة عثمان سنة ثنتين وثلاثين، ودفن بحمص متوجهًا إلى الغزو، ويقال له: كعب الأحبار، وكعب الحبر، بكسر الحاء وفتحها؛ لكثرة علمه. ومناقبه وأحواله وحكمه كثيرة مشهورة.
530 - كعب بن مالك الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب فى الصيد، والذبائح، والتفليس، والشهادات. هو أبو عبد الله، وقيل: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو محمد، وقيل: أبو بشير كعب بن مالك بن عمرو بن القين بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة، بكسر اللام، ابن سعد بن على الأنصارى الخزرجى السلمى، بفتح السين واللام.
شهد العقبة، وأُحُدًا، وسائر المشاهد إلا بدرًا، وتبوك، وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم وأنزل فيهم: {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} [التوبة: 118] ، والثلاثة: كعب بن مالك، ومرارة بن ربيعة، وهلال بن أمية، وحديث قصتهم طويل مشهور فى الصحيحين.
رُوى لكعب عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثمانون حديثًا اتفقا على ثلاثة، وللبخارى حديث، ولمسلم حديثان. روى عنه بنوه عبد الله، وعبد الرحمن، ومحمد، وعبيد الله بنو كعب، وابن عباس، وجابر، وأبو أمامة الباهلى، ومحمد بن على بن الحسين، رضى الله عنهم، وآخرون.
جرح كعب يوم أُحُد أحد عشر جرحًا فى سبيل الله، وهو أحد شعراء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكانوا ثلاثة: حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، وكان حسان يقبل على الأنساب، وابن رواحة يعيرهم بالكفر، وكعب يخوفهم الحرب. توفى بالمدينة فى زمن معاوية سنة ثلاث وخمسين، وقيل: سنة خمسين، رضى الله عنه.
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (7/953) ، والجرح والتعديل (7/902) ، والاستيعاب (3/1323) ، وأسد الغابة (4/247) ، وسير أعلام النبلاء (2/523) ، وتهذيب التهذيب (8/440، 441) ، والإصابة (3/7433) . تقريب التهذيب (5649) ، وقال: “صحابي مشهور وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا مات في خلافة علي ع”..(2/69)
* * *
حرف اللام
531 - لاحق بن حميد (1) :
مذكور فى المهذب فى خراج السواد. هو أبو مجلز لاحق بن حميد بن سعيد بن خالد ابن كثير بن جيش بن عبد الله بن سدوس السدوسى البصرى التابعى، ومجلز بكسر الميم وفتح اللام. قال صاحب المطالع: وكان حماد يقوله بفتح الميم، والمشهور كسرها. وقال ابن السكيت: هو مشتق من جلز السوط، وهو مقبضه.
سمع لاحق هذا جماعات من الصحابة، منهم ابن عمر، وابن عباس، وأنس بن مالك، وأبو موسى الأشعرى، وعمران بن الحصين، وسمرة بن جندب، وجندب بن عبد الله، وحفصة أم المؤمنين، رضى الله تعالى عنهم، وجماعة من التابعين. روى عنه جماعات من التابعين، منهم أبو التياح، وأنس بن سيرين، وأيوب السختيانى، وقتادة، وسليمان التيمى، وجماعات من غيرهم. وذكر بعضهم أنه سمع حذيفة بن اليمان، وأنكره الأكثرون، وقالوا: لم يدركه، وممن أنكره شعبة، وابن معين، وابن خراش، واتفقوا على توثيقه. وقال خليفة بن خياط: توفى سنة ست ومائة. وقال ابن سعد: فى خلافة عمر بن عبد العزيز.
532 - لبيد الشاعر الصحابى، رضى الله تعالى عنه (2) :
مذكور فى المهذب فى باب الربا. هو أبو عَقيل، بفتح العين، لبيد بن ربيعة بن مالك ابن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان العامرى. هكذا ذكر نسبه أبو بكر محمد بن أبى خيثمة فى تاريخه.
وفد على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأسلم وحسن إسلامه، وكان من فحول شعراء الجاهلية، وهو الذى ثبت فى الصحيح أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “أصدق كلمة قالها الشاعر:
ألا كل شىء ما خلا الله باطل”
وكان لبيد من المعمرين، عاش مائة وأربعًا وخمسين سنة، وقيل: مائة وسبعًا وخمسين. وقال السمعانى: مات أول
_________
(1) الطبقات الكبرى ابن سعد (7/216، 368) ، والتاريخ الكبير للبخارى (8/2911) ، والجرح والتعديل (9/526) ، وميزان الاعتدال (4/9439) ، وتاريخ الإسلام (4/225) ، وتهذيب التهذيب (11/171) . تقريب التهذيب (7490) ، وقال: "أبو مجلز بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي ثقة من كبار الثالثة مات سنة ست وقيل تسع ومائة وقيل قبل ذلك ع"..
(2) انظر: أسد الغابة (4/260) ، والاستيعاب (3/324) ، والبداية والنهاية (7/222) ، والأغانى (15/361) ، والتاريخ الكبير (7/349) ..(2/70)
خلافة معاوية، وله مائة وأربعون سنة. قالوا: ولم يقل شعرًا بعد إسلامه، وكان يقول: أبدلنى الله تعالى به القرآن. وقيل: قال بيتًا واحدًا، وهو:
والمرء يصلحه القرين الصالح
ما عاتب المرء الكريم كنفسه
وقال جمهور أهل الأخبار والسير: لم يقل شعرًا منذ أسلم، وكان شريفًا فى الجاهلية والإسلام. وكان نذر أن لا تَهبّ الصبا إلا نحر وأطعم، ثم نزل الكوفة وكان المغيرة بن شعبة يقول: إذا هبت الصبا أعينوا أبا عقيل على مرءوته، وهبَّت الصبا يومًا وهو بالكوفة، ولبيد مقتر مملق، فعلم بذلك الوليد بن عقبة بن أبى معيط، وكان أميرًا عليها، فخطب الناس وقال: إنكم قد عرفتم نذر أبى عقيل، وما وكد على نفسه، فأعينوا أخاكم، ثم نزل فبعث بمائة ناقة، وبعث الناس إليه فقضى نذره.
وقال عمر بن الخطاب، رضى الله تعالى عنه، يومًا للبيد: أنشدنى شيئًا من شعرك، فقال: ما كنت لأقول شعرًا بعد أن علمنى الله تعالى البقرة وآل عمران، فزاده عمر فى عطائه خمسمائة. وكان اعتزل الفتن، وتوفى فى خلافة عثمان، رضى الله عنه، وقيل: فى أول خلافة معاوية، والأول أصح.
533 - لقمان الحيكم، عليه السلام:
مذكور فى المهذب فى باب الاستطابة. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [لقمان: 12] الآيات. قال الإمام أبو إسحاق الثعلبى فى كتاب العرائس فى القصص: كان لقمان مملوكًا، وكان أهون مملوكى سيده عليه.
قال: وأول ما ظهر من حكمته أنه كان مع مولاه، فدخل مولاه الخلاء، فأطال الجلوس، فناداه لقمان: إن طول الجلوس على الحاجة تنجع منه الكبد، ويورث الباسور، ويصعد الحرارة إلى الرأس، فأقعد هوينًا وقم، فخرج مولاه وكتب حكمته على باب الخلاء.
وروى أنه كان عبدًا حبشيًا نجارًا. قال: وقال أبو هريرة، رضى الله عنه: مر رجل بلقمان والناس مجتمعون عليه، فقال: ألست العبد الأسود الذى كنت تراعينا بموضع كذا؟ قال: بلى، قال: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: صدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك ما لا يعنينى.
قال: وعن لقمان أنه قال: ضرب الوالد ولده كالسماد للزرع. وقال لقمان لابنه: من يقارن قرين السوء لا يسلم. قال: ومن لا يملك لسانه يذم، يا بنى كن عبدًا للأخيار، يا بنى كن(2/71)
أمينًا تكن غنيًا، جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ولا تجادلهم، خذ منهم إذا ناولوك، والطف بهم فى السؤال ولا تفجرهم، إن ما تأذيت به صغيرًا انتفعت به كبيرًا، كن لأصحابك موافقًا فى غير معصية، ولا تحقرن من الأمور صغارها، فإن الصغار غدًا تصير كبارًا، إياك وسوء الخلق والضجر وقلة الصبر، إن أردت غنى الدنيا فاقطع طمعك مما فى أيدى الناس. وحكمه كثيرة مشهورة.
534 - لقيط بن صبرة الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى صفة الوضوء من المختصر والمهذب، وصبرة بفتح الصاد وكسر الباء، ويجوز إسكان الباء مع فتح الصاد وكسرها، وهو أبو رزين، ويقال: أبو عاصم لقيط بن عامر بن صبرة بن عبد الله بن المنتفق بن عامر بن عقيل العقيلى الحجازى الطائفى، هكذا نسبه الجمهور.
وقال بعضهم: لقيط بن عامر غير لقيط بن صبرة. قال ابن عبد البر وغيره: وليس هذا بشىء. قال عبد الغنى بن سعيد المصرى: أبو رزين العقيلى لقيط بن عامر هو لقيط ابن صبرة، وقيل: هو غيره، وليس بصحيح.
وقال ابن عبد البر: يقال فيه: لقيط بن صبرة، ولقيط بن عامر، ولقيط بن المنتفق. وقال الترمذى فى كتاب العلل: سمعت البخارى يقول: أبو رزين العقيلى لقيط بن عامر، هو عندى لقيط بن صبرة.
قال الترمذى: قلت له: أبو رزين العقيلى أهو لقيط بن صبرة؟ قال: نعم، قلت: فحديث أبى هاشم، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه، هو عن أبى رزين العقيلى؟ قال: نعم. قال الترمذى: قال أكثر أهل الحديث: لقيط بن صبرة هو لقيط بن عامر.
قال: وسألت عبد الله بن عبد الرحمن الدارمى عن هذا، فأنكر أن يكون لقيط بن صبرة هو لقيط بن عامر، وجعلهما مسلم بن الحجاج أيضًا فى كتاب الطبقات اثنين. روى عنه ابن أخيه وكيع بن عدس، ويقال: ابن حدس، وابنه عاصم بن لقيط، وعمرو ابن أوس، وغيرهم، قالوا: وكان النيى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكره المسائل، فإذا سأله أبو رزين أعجبته مسألته.
535 - لوط النبى، عليه السلام:
مذكور فى المهذب فى الاستثناء فى الطلاق، وفى القذف. هو لوط بن هارون بن تارح، وهو آزر، ولوط ابن أخى إبراهيم الخليل، عليهما السلام. قال الثعلبى: كان إبراهيم يحبه حبًا شديدًا، والآيات فى أحوال لوط،
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/461) ، والتاريخ الكبير للبخارى (7/1058) ، والاستيعاب (3/1340، 4/1657) ، وأسد الغابة (4/226) ، وتهذيب التهذيب (8/456، 457) ، والإصابة (3/7554) . تقريب التهذيب (5680) ، وقال: “صحابي مشهور وهو أبو رزين العقيلي والأكثر على أنهما اثنان بخ 4”..(2/72)
عليه السلام، مشهورة، وهو أحد رسل الله عز وجل الذين انتصر لهم بإهلاك مكذبيهم، وقصته فى القرآن العزيز فى مواضع.
قال الثعلبى: قال وهب بن منبه: خرج لوط من أرض بابل فى العراق مع عمه إبراهيم تابعًا له على دينه، مهاجرًا معه إلى الشام ومعهما سارة امرأة إبراهيم، وخرج معهما آزر أبو إبراهيم مخالفًا لإبراهيم فى دينه مقيمًا على كفره، حتى وصلوا حران، فمات آزر، فمضى إبراهيم ولوط وسارة إلى الشام، ثم مضوا إلى مصر، ثم عادوا إلى الشام، فنزل إبراهيم فلسطين، ونزل لوط الأردن، فأرسله الله تعالى إلى أهل سدوم وما يليها، وكانوا كفارًا يأتون الفواحش، ومنها إتيان الذكران، ما سبقهم بها من أحد من العالمين، ويتضارطون فى مجالسهم.
فلما طال تماديهم فى غيهم ولم ينزجروا، دعا عليهم لوط، عليه السلام، قال الله تعالى: {قَالَ رَبِّ انصُرْنِى عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ} [العنكبوت: 30] ، فأجاب الله تعالى دعاءه، وبعث جبريل وميكائيل وإسرافيل، عليهم السلام، إهلاكهم وبشارة إبراهيم بالولد، فأقبلوا مشاة فى صفة رجال مُردٍ حِسَان، فنزلوا على إبراهيم ضيفانًا، فبشروه بإسحاق، ويعقوب.
ولما جاء آل لوط العذاب فى السَّحَر اقتلع جبريل، عليه السلام، قريات قوم لوط الأربع فى كل قرية مائة ألف، ورفعهن على جناحه بين السماء والأرض حتى سمع أهل سماء الدنيا نباح كلابهم وصياح ديكتهم، ثم قلبهن فجعل عاليها سافلها، فذلك قول الله تعالى: {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ} [هود: 82، 83] .
قالوا: أمطرت الحجارة على شذهم ومسافرهم، وأهلكت امرأة لوط مع الهالكين واسمها واغلة. قال أبو بكر بن عياش، عن أبى جعفر: استغنت رجال قوم لوط بوطء رجالهم، واستغنت نساؤهم بنسائهم، والله أعلم.
536 - الليث بن سعد الإمام (1) :
المذكور فى المهذب، مذكور فى المختصر فى الطهارة. هو أبو الحارث الليث بن سعد ابن عبد الرحمن الفهمى، مولاهم المصرى الإمام البارع، هو من تابعى التابعين. سمع عطاء بن أبى رباح، وعبد الله بن أبى مليكة، ونافعًا مولى ابن عمر، وسعيد المقبرى، والزهرى، ويحيى الأنصارى، وأبا الزبير، وخلائق غيرهم من التابعين، وآخرين من تابعيهم.
روى عنه محمد بن عجلان، وهشام بن سعد،
_________
(1) انظر: طبقات ابن سعد (7/517) ، وتاريخ ابن معين (2/501) ، والتاريخ الكبير (7/246، 247) ، والجرح والتعديل (7/179، 180) ، والثقات لابن حبان (7/360) ، وميزان الاعتدال (3/423) ، وتهذيب التهذيب (8/459 - 465) ، وتقريب التهذيب (2/138) ..(2/73)
وهما من شيوخه، وقيس بن الربيع، وابن المبارك، وابن وهب، وابن لهيعة، وعبد الله بن صالح كاتبه، وخلائق لا يحصون من الأئمة وغيرهم. وأجمع العلماء على جلالته، وإمامته، وعلو مرتبته فى الفقه والحديث. وهو إمام أهل مصر فى زمانه.
نقل أبو حاتم بن حبان، عن الشافعى، رضى الله عنه، أنه قال: كان الليث بن سعد أفقه من مالك، إلا أنه ضيعه أصحابه. وقال ابن وهب: ما كان فى كتب مالك وأخبرنى من أرضى من أهل العلم، فهو الليث بن سعد. وقال محمد بن سعد: كان الليث مولى لقريش، ولد سنة ثلاث أو أربع وتسعين، وكان ثقة، كثير الحديث وصحيحه، وكان استقل بالفتوى فى زمانه بمصر، وكان سريًا، نبيلاً، سخيًا.
وقال أحمد بن حنبل: الليث كثير العلم، صحيح الحديث، ليس فى هؤلاء المصريين أثبت منه، ما أصح حديثه، فقال أحمد: رأيت من رأيت، فلم أر مثل الليث، كان فقيه البدن، عربى اللسان، يحسن القرآن والنحو، ويحفظ الحديث والشعر، حسن الذاكرة، وعد خصالاً جميلة عنه حتى بلغ عشرًا. وأقوال العلماء فى فضله كثيرة مشهورة.
وقال قتيبة بن سعيد: لما قدم الليث المدينة، أهدى له مالك بن أنس من طرف المدينة، فبعث إليه الليث ألف دينار. وقال محمد بن رمح صاحب الليث: كان دخل الليث ثمانين ألف دينار، يعنى فى السنة، وما وجبت عليه زكاة قط. توفى الليث فى شعبان. قال ابن بكير: توفى الليث سنة خمس وسبعين ومائة. وقال ابن حبان: سنة ست أو سبع وسبعين. وقال ابن سعد: سنة خمس وستين، رضى الله عنه.
537 - ليث بن أبى سليم بن أبى زنيم (1) :
مذكور فى المختصر فى باب إمامة المرأة. هو أبو بكر، ويقال: أبو بكير ليث بن أبى سليم بن أبى ذنيم الكوفى القرشى، مولاهم مولى عتبة أو عنبسة بن أبى سفيان، واسم أبى سليم أيمن، ويقال: أنس. روى ليث عن مجاهد، وطاووس، وعطاء بن أبى رباح، وابن الزبير، وابن أبى مليكة، والشعبى، وطلحة بن مصرف، وأبى بردة، وآخرين. روى عنه الثورى، وشعبة، وزائدة، وشريك، وزهير بن معاوية، والحسن بن صالح، وإسماعيل بن علية، وأبو إسحاق الفزارى،
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (7/1051) ، والجرح والتعديل (7/1014) ، وسير أعلام النبلاء (6/179) ، وتاريخ الإسلام (6/116) ، وميزان الاعتدال (3/6997) ، وتهذيب التهذيب (8/465 - 468) . تقريب التهذيب (5685) ، وقال: “ابن زنيم بالزاي والنون مصغر صدوق اختلط جدا ولم يتميز حديثه فترك من السادسة مات سنة ثمان وأربعين خت م 4”..(2/74)
وآخرون. واتفق العلماء على ضعفه، واضطراب حديثه، واختلال ضبطه. توفى سنة ثلاث وأربعين ومائة، رحمه الله تعالى.
* * *
حرف الميم
538 - ماعز الأسلمى الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المهذب فى الحدود وفى الإقرار. هو ماعز بن مالك الأسلمى، المعترف بالزنا المرجوم. قال ابن عبد البر: هو معدود فى المدنيين، كتب له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتابًا بإسلام قومه. روى عنه ابنه عبد الله حديثًا واحدًا، رحمه الله.
539 - مالك بن أنس الإمام، رحمه الله (1) :
تكرر فى هذه الكتب. هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبى عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان، بالغين المعجمة والياء المثناة تحت، ابن خثيل، بالخاء المعجمة المضمومة وفتح الثاء المثلثة، ابن عمرو بن الحارث، وهو ذو أصبح الأصبحى المدنى، إمام دار الهجرة، وأحد أئمة المذاهب المتبوعة، وهو من تابعى التابعين. سمع نافعًا مولى ابن عمر، ومحمد بن المنكدر، وأبا الزبير، والزهرى، وعبد الله بن دينار، وأبا حازم، وخلائق آخرين من التابعين.
روى عنه يحيى الأنصارى، والزهرى، وهما من شيوخه، وابن جريج، ويزيد بن عبد الله بن الهادى، والأوزاعى، والثورى، وابن عيينة، وشعبة، والليث بن سعد، وابن المبارك، وابن علية، والشافعى، وابن وهب، وإبراهيم بن هيمان، والقعنبى، وعبد الله ابن يوسف، وعبد الله بن نافع، ويحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدى، ومعن بن عيسى، وعبد الرحمن بن القاسم العتقى الضمرى، وأبو عاصم النبيل، وروح بن عبادة، والوليد بن مسلم، وأبو عامر العقدى، ويحيى بن يحيى، ويحيى بن عبد الله بن بكير، وعبد العزيز الأوسى، وقتيبة، وسعيد بن أبى مريم، وسعيد بن كثير بن عفير، ومطرف ابن عبد الله السيارى، وورقاء بن عمرو، وخلائق آخرون. وأجمعت طوائف العلماء
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (7/1323) ، الجرح والتعديل (8/902) ، سير أعلام النبلاء (8/43، 121) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (10/5- 9) ، تقريب التهذيب (6425) ، وقال: "الفقيه إمام دار الهجرة رأس المتقنين وكبير المتثبتين حتى قال البخاري: أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن ابن عمر من السابعة، مات سنة تسع وسبعين وكان مولده سنة ثلاث وتسعين وقال الواقدي بلغ تسعين سنة ع"..(2/75)
على إمامته، وجلالته، وعظم سيادته، وتبجيله، وتوقيره، والإذعان له فى الحفظ والتثبيت، وتعيظم حديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال البخارى: أصح الأسانيد مالك، عن نافع، عن ابن عمر. وفى هذه المسألة خلاف، وسبق مرات، فعلى هذا المذهب قال الإمام أبو منصور التميمى: أصحها الشافعى، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال سفيان: ما كان أشد انتقاد مالك للرجال. وقال ابن المدينى: لا أعلم مالكًا ترك إنسانًا إلا من فى حديثه شىء.
قال أحمد بن حنبل، وابن معين، وابن المدينى: أثبت أصحاب الزهرى مالك. وقال أبو حاتم: مالك ثقة، وهو إمام أهل الحجاز، وهو أثبت أصحاب الزهرى. وقال الشافعى: إذا جاء الأثر، فمالك النجم. وقال الشافعى أيضًا: لولا مالك وسفيان، يعنى ابن عيينة، لذهب علم الحجاز، وكان مالك إذا شك فى شىء من الحديث تركه كله. وقال أيضًا: مالك معلمى، وعنه أخذنا العلم.
وقال حرملة: لم يكن الشافعى يقدم على مالك أحدًا فى الحديث. وقال وهب بن خالد: ما بين المشرق والغرب رجل آمن على حديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من مالك.
وروينا بالإسناد الصحيح فى الترمذى وغيره، عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “يوشك أن تضرب الناس أباط المطى فى طلب العلم، فلا يجدون عالمًا أعلم من عالم المدينة” (1) . قال الترمذى: حديث حسن. قال: وقد روى عن سفيان بن عيينة، قال: هو مالك بن أنس.
وروينا عن أبى سلمة الخزاعى، قال: كان مالك إذا أراد أن يخرج يُحَدِّث توضأ وضوءه للصلاة، ولبس أحسن ثيابه، ومشط لحيته، فقيل له فى ذلك، فقال: أوقر به حديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وروينا عن معن بن عيسى، قال: كان مالك إذا أراد أن يجلس للحديث اغتسل وتبخر وتطيب، فإن رفع أحد صوته فى مجلسه، قال: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ} [الحجرات: 2] ، فمن رفع صوته عند حديث النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وروينا عن حبيب الوراق، قال: دخلت على مالك فسألته عن ثلاثة رجال: لِم لَم ترو عنهم؟ قال: فأطرق، ثم رفع رأسه، وقال: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، وكان كثيرًا
_________
(1) أخرجه الترمذي (5 / 47، رقم 2680) وقال: هذا حديث حسن. والحاكم (1 / 168، رقم 307) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وأخرجه أيضًا: البيهقي (1 / 385، رقم 1681) وقال: رواه الشافعي في القديم عن سفيان بن عيينة.(2/76)
ما يقولها، فقال: يا حبيب، أدركت هذا المسجد وفيه سبعون شيخًا ممن أدرك أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وروى عن التابعين، ولم نحمل الحديث إلا عن أهله.
وقال بشر بن عمر: سألت مالكًا عن رجل، فقال: رأيته فى كتبى؟ قلت: لا، قال: لو كان ثقة لرأيته فى كتبى.
وروينا عن عبد الله بن يوسف، عن خلف بن عمر، قال: كنت عند مالك، فأتاه ابن كثير قارىء المدينة، فناوله رقعة، فنظر فيها مالك، ثم جعلها تحت مصلاه، فلما قام من عنده ذهبت أقوم، فقال: اجلس يا خلف وناولنى الرقعة، فإذا فيها: رأيت الليلة فى منامى كأنه يقال لى: هذا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالس والناس حوله يقولون له: يا رسول الله، اعطنا يا رسول الله، مر لنا، فقال لهم: إنى قد كنزت تحت المنبر كنزًا كبيرًا، وقد أمرت مالكًا أن يقسمه فيكم، فاذهبوا إلى مالك، رضى الله عنه، فانصرف الناس وبعضهم يقول لبعض: ما ترون مالكًا فاعلاً، فقال بعضهم: ينفذ ما أمره به رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فرق مالك وبكى، ثم خرجت من عنده وتركته على تلك الحالة.
وروى ابن أبى حاتم، عن عبد الرحمن بن مهدى، قال: أئمة الناس فى زمانهم أربعة: سفيان الثورى بالكوفة، ومالك بالحجاز، والأوزاعى بالشام، وحماد بن زيد بالبصرة.
وبإسناده الصحيح عن الشافعى، رضى الله عنه، قال: ما فى الأرض كتاب من العلم أكثر صوابًا من موطأ مالك. قال العلماء: إنما قال الشافعى هذه قبل وجود صحيحى البخارى ومسلم، وهما أصح من الموطأ باتفاق العلماء.
وعن أيوب بن سويد الرملى، قال: ما رأيت أحدًا قط أجود حديثًا من مالك بن أنس. وعن القعنبى قال: كنا عند حماد بن زيد، وجاءه نعى مالك بن أنس، فقال: رحم الله أبا عبد الله، ما خلف مثله.
وعن عبد الرحمن بن مهدى، قال: ما أقدم على مالك فى صحة الحديث أحدًا. وعن يحيى بن سعيد القطان، قال: ما فى القوم أصح حديثًا من مالك. وعن أحمد بن حنبل، قال: مالك أثبت أصحاب الزهرى فى كل شىء. وكذا قال يحيى بن معين، وعمرو بن على: أثبت أصحاب الزهرى مالك.
وقيل لأحمد بن حنبل: الرجل يحب أن يحفظ حديث رجل بعينه، قال: يحفظ حديث مالك، قيل: فالرأى؟ قال: رأى مالك. وقال أبو حاتم الرازى: مالك ثقة، إمام أهل الحجاز، وهو أثبت أصحاب الزهرى،(2/77)
وإذا اختلفوا فالحكم لمالك، ومالك تقى الرجال نقى الحديث، وهو أتقن حديثًا من الثورى والأوزاعى.
قال: وحدثنا أحمد بن سنان، قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدى يقول: كنا عند مالك، فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الله، جئتك من مسيرة ستة أشهر، حملنى أهل بلدى مسألة أسألك عنها، فقال: سل، فسأله فقال: لا أحسن، فقطع بالرجل كأنه قد جاء إلى من يعلم كل شىء، قال: وأى شىء أقول لأهل بلدى إذا رجعت إليهم؟ فقال: قل: قال لى مالك بن أنس: لا أحسن.
وعن خالد بن نزار الأبلى، قال: ما رأيت أحدًا أقرأ لكتاب الله تعالى من مالك. وعن ابن وهب، قال: قيل لأخت مالك: ما كان شغله فى بيته؟ قالت: المصحف والتلاوة. وعن على بن المدينى، قال: لم يكن بالمدينة أعلم بمذهب تابعيهم من مالك بن أنس. وعن شعبة، قال: دخلت المدينة ونافع حى ولمالك حلقة.
وعن أبى مصعب، قال: رأيت معن بن عيسى جالسًا على العتبة وما ينطلق مالك بشىء إلا كتبه. وعن أبى مصعب أيضًا قال: كانوا يزدحمون على باب مالك بن أنس، فيقتتلون على الباب من الزحام، وكنا نكون عند مالك فلا يكلم هذا هذا، ولا يلتفت ذا إلى ذا، والناس قائلون برءوسهم هكذا، وكانت السلاطين تهابه وهم قائلون ومستمعون، وكان يقول فى المسألة: لا، أو نعم، فلا يقال له: من أين قلت هذا؟.
وعن محمد بن رمح، قال: رأيت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أربعين سنة فى المنام، فقلت له: يا رسول الله، مالك والليث يختلفان فى مسألة، فقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مالك، مالك، مالك، ورث جدى، يعنى إبراهيم، عليه السلام.
وعن بكر قال: رأيت فى النوم أنى دخلت فى الجنة، فرأيت الأوزاعى وسفيان الثورى، ولم أر مالكًا، فقلت: وأين مالك؟ قالوا: وأين مالك، وأين مالك، رفع مالك، فما زال يقول: وأين مالك رفع مالك، حتى سقطت قلنسوته.
وقال الإمام أبو القاسم عبد الملك بن زيد بن ياسين الدولقى فى كتابه الرسالة المصنفة فى بيان سبل السنة المشرفة: أخذ مالك على تسعمائة شيخ، منهم ثلاثمائة من التابعين، وستمائة من تابيعهم ممن اختاره، وارتضى دينه، وفقهه، وقيامه بحق الرواية وشروطها، وخلصت الثقة به، وترك الرواية عن أهل دين(2/78)
وصلاح لا يعرفون الرواية. وأحوال مالك، رضى الله عنه، ومناقبه كثيرة مشهورة.
توفى بالمدينة فى صفر سنة تسع وسبعين ومائة، قاله محمد بن سعد. وقال إسماعيل بن عبد الله بن أويس: مرض مالك أيامًا يسيرة، ثم توفى فى صبيحة أربع عشرة من شهر ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة، وصلى عليه عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس، وهو يومئذ والٍ على المدينة، ودفن بالبقيع، وقبره بباب البقيع، وعليه قبة. وولد مالك سنة ثلاث وتسعين من الهجرة، وقيل: سنة إحدى وتسعين، وقيل: سنة أربع، وقيل: سنة سبع. قالوا: وحمل به فى البطن ثلاث سنين. وقال عند وفاته: لله الأمر من قبل ومن بعد.
540 - مالك بن أوس بن الحدثان التابعى (1) :
مذكور فى المختصر فى الربا، ثم فى باب تفريق أربعة أخماس الفىء، وفى المهذب فى قسم الفىء. هو أبو سعد، ويقال: أبو سعيد مالك بن أوس بن الحدثان، بفتح الحاء والدال المهملتين وبالثاء المثلثة، ابن الحارث بن عوف بن ربيعة بن يربوع بن وائلة بن دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن النصرى، بالنون، المدنى التابعى.
سمع عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعليًا، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبى وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، والعباس. وقيل: إنه رأى أبا بكر الصديق، رضى الله عنهم. أدرك زمن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقيل: إنه رأى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ذكره أحمد بن صالح المصرى، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة فى الصحابة، وجمهور العلماء على أنه تابعى.
قالوا: وركب الخيل فى الجاهلية. روى عنه محمد بن جبير بن مطعم، ومحمد بن المنكدر، ومحمد بن عمرو بن عطاء، ومحمد بن عمر بن خلخلة، ومحمد بن شهاب الزهرى، ومحمد بن مسلم أبو الزبير، وآخرون. واتفقوا على توثيقه. توفى سنة إحدى وتسعين بالمدينة، رضى الله عنه.
541 - مالك بن التيهان الصحابى، رضى الله عنه:
هو أبو الهيثم مالك بن التيهان، بفتح المثناة فوق وكسر المثناة تحت المشددة، ابن مالك ابن عبيد بن عمرو بن عبد الأعلى بن زعور بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو، وهو النبيث بن مالك بن الأوس الأنصارى الأوسى، وقيل: أنه بلوى من بلى ابن
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/56) ، التاريخ الكبير للبخارى (7/1296) ، الجرح والتعديل (8/896) ، الإستيعاب (3/1346) ، أسد الغابة (4/272) ، سير أعلام النبلاء (4/171) ، تاريخ الإسلام (4/69) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (10/10- 11) ، الإصابة (3/7595) ، تقريب التهذيب (6426) ، وقال: “الحدثان بفتح المهملتين والمثلثة، له رؤية، وروى عن عمر مات سنة اثنتين وتسعين وقيل سنة إحدى ع”..(2/79)
عمرو بن الحاف بن قضاعة.
وكان أحد الستة الذين لقوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أول ما لقيته الأنصار، وشهد العقبة الأولى والثانية، وهو أول من بايعه ليلة العقبة فى قول بنى عبد الأشهل. وقال بنو النجار: أول من بايعه أسعد بن زرارة. وقال بنو سلمة: أولهم كعب بن مالك. وقيل: البراء بن معرور، وكان مالك نقيب بنى عبد الأشهل هو والسيد بن حضير، شهد بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، وسائر المشاهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وتوفى بالمدينة فى خلافة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، سنة عشرين، وقيل: إحدى وعشرين، وقيل: قتل مع على، رضى الله عنه، بصفين سنة سبع وثلاثين، وقيل: مات بعد صفين بقليل. وقال الأصمعى أنه مات فى حياة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. واتفقوا على تغليط الأصمعى فى هذا.
542 - مالك بن الحويرث الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب فى مواضع من صفة الصلاة، وصفة الأئمة. هو أبو سليمان مالك بن الحويرث، ويقال: مالك بن الحارث. وقال شعبة: مالك بن حويرثة، وهو ليثى، ويختلفون فى كيفية نسبه إلى بنى ليث، واتفقوا على أنه من بنى ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة، وهو معدود فى البصريين.
توفى بالبصرة سنة أربع وسبعين. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمسة عشر حديثًا، اتفقا على حديثين، وانفرد البخارى بحديث. روى عنه أبو قلابة، ونصر بن عاصم، وغيرهما. وثبت فى الصحيحين أنه قدم على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى شببة متقاربين، فأقاموا عند النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشرين ليلة، ثم أذن لهم فى الرجوع إلى أهلهم، وأمرهم أن يعلموهم.
543 - مالك بن دينار الزاهد (2) :
وهو أبو يحيى مالك بن دينار البصرى الزاهد التابعى الناجى، بالنون والجيم، مولى امرأة من بنى ناجية بن سلمة بن لؤى بن غالب بن فهر. سمع مالك بن أنس، والحسن البصرى، ومحمد بن سيرين، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وسعيد بن جبير، وآخرين من الأئمة. روى عنه أبان بن يزيد، والسرى بن يحيى، وعبد الله بن شوذب، وجفر بن سليمان، وعبد العزيز بن
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/44) ، التاريخ الكبير للبخارى (7/1284) ، الجرح والتعديل (8/908) ، الاستيعاب (3/1349) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (10/13- 14) ، الإصابة (3/7617) ، تقريب التهذيب (6433) ، وقال: “صحابي نزل البصرة مات سنة أربع وسبعين ع”..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/243) ، التاريخ الكبير للبخارى (7/1320) ، الجرح والتعديل (8/916) ، سير أعلام النبلاء (5/362) ، تاريخ الإسلام (5/128) ، ميزان الإعتدال (3/7016) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (10/14- 15) ، تقريب التهذيب (6435) ، وقال: “صدوق عابد من الخامسة مات سنة ثلاثين أو نحوها خت 4”..(2/80)
عبد الصمد، وعبد السلام بن حرب، وأخوه عثمان ابن دينار. قال النسائى: هو ثقة. توفى سنة ثلاث وعشرين ومائة، وقيل: سنة تسع وعشرين.
544 - مالك بن الدخشم بن مالك بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف الصحابى:
وقيل فى نسبه غير هذا، والدخشم بالدال المهملة المضمومة، ثم خاء معجمة ساكنة، ثم شين معجمة مضمومة، ثم ميم، ويقال: الدخيشم، بالتصغير، ويقال: الدخشن، والدخيشن، بالنون مكبرًا ومصغرًا.
شهد بدرًا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باتفاق أهل المغازى والسير، واختلفوا فى شهوده العقبة، فقال ابن عقبة وابن إسحاق: شهدها. وقال أبو معشر: لم يشهدها. وعن الواقدى روايتان فى شهوده، وهو الذى أسر سهيل بن عمرو يوم بدر، وهو الذى أرسله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليحرق مسجد الضرار هو ومعن بن عدى فأحرقاه، رحمهما الله تعالى.
545 - مالك بن ربيعة السلولى الصحابى (1) :
كنيته أبو مريم، من بنى سلول من ولد مرة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن أخى عامر بن صعصعة، نسبت أولاد مرة إلى أمهم سلول بنت ذهل بن شيبان ابن ثعلبة، وهو والد بريد، بالموحدة، ابن أبى مريم، شهد الحديبية وبايع تحت الشجرة، وهو كوفى. روى عنه ابنه بريد أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعا له أن يبارك فى ولده، فولد له ثمانون ذكرًا.
546 - مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر:
بالجيم، والأبجر هو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصارى الخدرى الصحابى، وهو والد أبو سعيد الخدرى سعد بن مالك بن سنان، قُتل مالك يوم أُحُد شهيدًا.
547 - مالك بن صعصعة الأنصارى الخزرجى ثم المازنى (2) :
من بنى مازن بن النجار الصحابى المدنى. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمسة أحاديث، اتفق البخارى ومسلم على أحدها، وهو حديث الإسراء والمعراج، وهو أحسن أحاديث الإسراء.
548 - مالك بن عبد الله بن سنان بن سرح بن عمرو (3) :
أبو حكيم الخثعمى، من
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/37، 7/54) ، التاريخ الكبير للبخارى (7/1280) ، الإستيعاب (3/1352) ، أسد الغابة (4/279) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (10/16) ، الإصابة (3/7631) ، تقريب التهذيب (6437) ..
(2) التاريخ الكبير للبخارى (7/1281) ، الجرح والتعديل (8/930) ، الإستيعاب (3/1352) ، أسد الغابة (4/281) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (10/17- 18) ، الإصابة (3/7639) ، تقريب التهذيب (6442) ..
(3) انظر: الإصابة (3/347) ، والتاريخ الكبير (7/303) ، والاستيعاب (3/375) ، وأسد الغابة (4/283) ..(2/81)
أهل فلسطين، وهو صحابى، وقيل: تابعى، وكان صالحًا كثير الصلاة بالليل، وكان أمير الجيوش فى غزو الروم أربعين سنة أيام معاوية وقبلها وبعدها أيام يزيد وأيام عبد الملك.
549 - مالك بن عوف الصحابى:
مذكور فى المهذب فى كتاب السير فى مسألة قتل الشيخ الذى له رأى. هو أبو على مالك بن عوف بن سعد بن ربيعة بن يربوع بن وايلة، بالياء، ابن دهمان، بضم الدال، ابن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن النصرى، بالنون.
وهو الذى كان رئيس المشركين يوم حنين حين انهزم المسلمون وعادت الهزيمة على المشركين، فلما انهزموا لحق مالك بالطائف، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “لو أتانى مالك مسلمًا لرددت عليه أهله وماله”، فبلغه ذلك فلحق برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد خرج من الجعرانة فأسلم، فأعطاه أهله وماله وأعطاه مائة من الإبل كما أعطى سائر المؤلفة، وكان معدودًا فيهم، ثم حسن إسلامه. واستعمله رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على من أسلم من قومه ومن قبائل قيس عيلان، وأنشد فى مدح النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم شهد فتح دمشق والقادسية.
550 - مالك بن مرارة الرهاوى:
بفتح الراء، الصحابى، وقيل: ابن مرة، وقيل: ابن قرارة، والصحيح مرارة. قال عبد الغنى بن سعيد: هو منسوب إلى رها بن يزيد بن حرب بن علية بن جلد، بالجيم، ابن مالك بن أدد، قبيلة من مذحج.
551 - مالك بن هبيرة الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب فى أقل الصلاة على الميت، وحديثه المذكور هناك صحيح رواه أبو داود، والترمذى، وابن ماجة، وغيرهم. قال الترمذى: حديث حسن. قال الحاكم: حديث صحيح، وهو مالك بن هبيرة بن خالد بن مسلم الكندى السلولى المصرى، كان أميرًا لمعاوية على الجيوش.
552 - المثنى بن أنس التابعى (2) :
مذكور فى المختصر. هو مجالد بن سعيد، مذكور فى المهذب فى خراج السواد. هو أبو عمير، ويقال: أبو عمرو، ويقال: أبو سعيد مجالد، بالجيم وكسر اللام، ابن سعيد بن عمير الهمدانى الكوفى، وهو من تابعى التابعين. روى عن قيس بن أبى حازم، والشعبى، ومرة الهمدانى،
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/420) ، الجرح والتعديل (8/968) ، الإستيعاب (3/1361) ، أسد الغابة (4/296) ، تاريخ الإسلام (3/69) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (10/24) ، تقريب التهذيب (6455) ..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/349) ، التاريخ الكبير للبخارى (8/1950) ، ضعفاء النسائى (552) ، الجرح والتعديل (8/1653) ، المجروحين لابن حبان (3/10) ، تاريخ الإسلام (6/129) ، ميزان الإعتدال (3/7070) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (10/39، 41) ، تقريب التهذيب (6478) ، وقال: مجالد بضم أوله وتخفيف الجيم، ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره من صغار السادسة مات سنة أربع وأربعين م 4”..(2/82)
وجبير بن نوف، وغيرهم.
روى عنه إسماعيل بن أبى خالد، والسفيانان، ويحيى القطان، وعبد الله بن نمير، وأبو أسامة، وحفص بن غياث، وحماد بن زيد، وعيسى بن يونس، وابنه إسماعيل بن مجالد، وغيرهم، واتفقوا على تضعيفه. توفى سنة أربع وأربعين ومائة.
553 - مجاهد بن جبر الإمام المشهور (1) :
تكرر ذكره فى المختصر والمهذب. هو أبو الحجاج مجاهد بن جبر، ويقال: ابن جبير، بالتصغير، المكى المخزومى، مولاهم مولى عبد الله بن أبى السائب، ويقال: مولى السائب ابن أبى السائب، ويقال: مولى قيس بن الحارث، وهو تابعى، إمام، متفق على جلالته وإمامته. سمع ابن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وابن عمرو بن العاص، وأبا سعيد، وأبا هريرة، وعائشة، وغيرهم من الصحابة، رضى الله عنهم. وسمع من التابعين طاووسًا، وابن أبى ليلى، ومصعب بن سعد، وآخرين.
روى عنه طاووس، وعكرمة، وعمرو بن دينار، وأبو الزبير، والحكم، وابن عون، والأعمش، ومنصور، وحماد بن أبى سليمان، وطلحة بن مصرف، وأيوب السختيانى، وعبد الله بن أبى نجيح، وخلائق لا يحصون. واتفق العلماء على إمامته، وجلالته، وتوثيقه، وهو إمام فى الفقه، والتفسير، والحديث.
قال مجاهد: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة. وقال خصيف: كان أعلمهم بالتفسير مجاهد. وقال أبو حاتم: لم يسمع مجاهد عائشة. ومناقبه كثيرة مشهورة. وقال ابن بكير: توفى مجاهد سنة إحدى ومائة، وهو ابن ثلاث وثمانين سنة، وقيل: توفى سنة مائة، وقيل: سنة ثنتين ومائة، وقيل: سنة ثلاث ومائة.
554 - مجزز المدلجى الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المختصر فى باب القافة، وفى المهذب فى اللقيط والقافة، وهو مجزز، بضم الميم وفتح الجيم وبزائين معجمتين، الأولى مكسورة مشددة. وحكى صاحب المطالع، قاله ابن ماكولا وغيره بكسر الزاى. قال: وذكر الدارقطنى، وعبد الغنى، عن ابن جريج أنه قاله بفتحها، كذا نقله عنه أبو عمر بن عبد البر، وأبو على الغسانى. قال عبد الغنى: الكسر الصواب؛ لأنه يجز نواصى أسارى من العرب، وهو مجزز بن الأعور ابن جعدة بن
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/466) ، التاريخ الكبير للبخارى (7/1805) ، الجرح والتعديل (8/1469) ، سير أعلام النبلاء (4/449 - 457) ، تاريخ الإسلام (4/190) ، تاريخ الإسلام (3/7072) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (10/42 - 44) ، تقريب التهذيب (6481) ، وقال: “ثقة إمام في التفسير وفي العلم من الثالثة مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومائة وله ثلاث وثمانون ع”..(2/83)
معاذ بن عتوارة بن عمرو بن مدلج الكنانى المدلجى، وحديثه فى الصحيح مشهور.
555 - محارب بن دثار (1) :
مذكور فى المهذب فى طلاق البدعة، وفى الأقضية، وفى شهادة الزور، وهو بضم الميم وبحاء مهملة وبكسر الراء وبباء موحدة، ودثار بكسر الدال المهملة وبثاء مثلثة. وهو أبو دثار، ويقال: أبو مطرف، ويقال: أبو النصر، ويقال: أبو كردوس محارب بن دثار بن كردوس بن قرواش بن جعونة بن سلمة بن صخر بن ثعلبة بن سدوس الأوسى الكوفى، قاضيها، التابعى.
سمع ابن عمر، وعبد الله، وجابر بن عبد الله بن يزيد الصحابيين، وجماعة من التابعين. روى عنه الأعمش، ومسعر، وشريك، والثورى، وابن عيينة، وشعبة، وخلائق من الأئمة. واتفقوا على توثيقه. قال ابن سعد: توفى فى ولاية خالد بن عبد الله.
556 - محمود بن الربيع الصحابى، رضى الله عنه (2) :
هو أبو نعيم، ويقال: أبو محمد محمود بن الربيع بن سراقة بن عمرو بن زيد بن عبدة ابن عامر بن عدى بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن خزرج الأنصارى الخزرجى المدنى. ثبت عنه فى الصحيح أنه قال: عقلت عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مجة مجها فى وجهى من دلو من بئر فى دارنا، وأنا ابن خمس سنين.
وروى عنه أنس بن مالك، وابنه أبو بكر بن أنس، ورجاء بن حيوة، والزهرى، ومكحول. قال الواقدى: توفى سنة تسع وتسعين، وهو ابن ثلاث وتسعين. وقال غيره: سنة ست وتسعين.
557 - محمود بن لبيد الصحابى، رضى الله عنه (3) :
مذكور [......] (4) . هو أبو نعيم محمود بن لبيد بن عقبة بن رافع بن امرىء القيس ابن زيد بن عبد الأشهل الأنصارى الأشهلى المدنى. ولد فى حياة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يصح له سماع ولا رواية عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقد روى عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحاديث مرسلة، واختلفوا فى صحبته، فقال ابن أبى حاتم: قال البخارى: له صحبة. وقال أبى: لا نعرف له صحبة. قال ابن عبد البر: قول البخارى أولى.
قال: والأحاديث التى رواها تشهد بصحبته. قال: وهو أولى بأن لا يذكر فى الصحابة من محمود بن الربيع، فإنه أسن منه، وذكره مسلم فى الطبقة
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/307) ، التاريخ الكبير للبخارى (8/2040) ، الجرح والتعديل (8/1899) ، سير أعلام النبلاء (5/217) ، تاريخ الإسلام (4/297) ، ميزان الإعتدال (3/7078) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (10/49- 50) ، 6492) ، وقال: محارب بضم أوله وكسر الراء، ابن دثار بكسر المهملة وتخفيف المثلثة، ثقة إمام زاهد من الرابعة مات سنة ست عشرة ع”..
(2) التاريخ الكبير للبخارى (7/1761) ، الجرح والتعديل (8/1328) ، الإستيعاب (3/1378) ، أسد الغابة (4/332) ، سير أعلام النبلاء (3/519) ، تاريخ الإسلام (4/52) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (10/63) ، الإصابة (3/7818) ، تقريب التهذيب (6512) ..
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/77) ، التاريخ الكبير للبخارى (7/1762) ، الجرح والتعديل (8/1329) ، الإستيعاب (3/1378) ، أسد الغابة (4/333) ، سير أعلام النبلاء (3/5417) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (10/65- 66) ، الإصابة (3/7821) ، تقريب التهذيب (6517) ، وقال: صحابي صغير، وجل روايته عن الصحابة مات سنة ست وتسعين، وقيل: سنة سبع وله تسع وتسعون سنة بخ م 4”..
(4) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل قدر كلمتين.(2/84)
الثانية من التابعين، ولم يصنع شيئًا ولا علم منه ما علم من غيره. قال محمد بن سعد: وفى أبيه لبيد نزلت رخصة الإطعام لمن لا يقدر على الصوم. قال: وسمع عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وكان له عقب فانقرضوا، فلم يبق منهم أحد. وتوفى محمود بالمدينة سنة ست وتسعين. قال: وكان ثقة، قليل الحديث. روى عنه عاصم بن عمرو بن قتادة. وروى محمود أيضًا عن عثمان بن عفان، وجابر.
558 - محمية بن جزء الصحابى، رضى الله عنه:
هو محمية، بفتح الميم، وإسكان الحاء المهملة، وكسر الميم الثانية، ثم ياء مثناة تحت، ابن جزء، بفتح الجيم، وإسكان الزارى بعدها همزة، ابن عبد يغوث بن عويج بن عمرو ابن زبيد الأصغر الزبيدى. قال أبو نعيم: هو عم عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدى، وكان محمية قديم الإسلام، وهو من مهاجرة الحبشة، وتأخر رجوعه منها، وأول مشاهده المريسيع، وثبت فى الصحيحين أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استعمله على الأخماس، رضى الله عنه.
559 - محيصة بن مسعود الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المختصر والمهذب فى القسامة، هو بضم الميم وفتح الحاء وكسر الياء المشددة، ويقال: بإسكان الياء، وهو أخو حويصة، وقد سبق فى ترجمة حويصة بيان نسبهما وحالهما، وهو أنصارى أوسى حارثى مدنى، كنيته أبو سعد، بعثه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أهل فدك يدعوهم إلى الإسلام، وشهد أُحُدًا، والخندق، وما بعدهما من المشاهد، وهو أصغر من حويصة، وأسلم قبل حويصة، وكان إسلامه قبل الهجرة، وأسلم على يده أخوه حويصة، وكان محيصة أفضل منه. روى عنه ابنه سعد بن محيصة، وابن ابنه حرام بن سعد بن محيصة، ومحمد بن سهل بن أبى حثمة، وغيرهم.
560 - مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة القرشى الزهرى (2) :
أبو صفوان، وقيل: أبو المسور، وقيل: أبو الأسود، والأول أصح، وهو والد المسور ابن مخرمة، وهو ابن عم سعد بن أبى وقاص بن أهيب. أسلم يوم الفتح، وكان من المؤلفة قلوبهم، وحسن إسلامه، وكان له سن وعلم بأيام الناس وبقريش خاصة، وكان يؤخذ عنه النسب، وشهد حنينًا مع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأعطاه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
_________
(1) انظر: الإصابة (3/388) ، والاستيعاب (3/498) ، والتاريخ الكبير (8/53) ، وتهذيب التهذيب (10/67) ، والجرح والتعديل (8/426) ، وأسد الغابة (4/334) ..
(2) انظر: الإصابة (3/390) ، والاستيعاب (3/415) ، والتاريخ الكبير (8/15) ، والجرح والتعديل (8/362) ، وأسد الغابة (4/337) ، وسير أعلام النبلاء (2/542 - 544) برقم (113) ..(2/85)
خمسين بعيرًا، وهو أحد من أقام أنصاب الحرم فى خلافة عمر بن الخطاب، أرسله عمر، رضى الله عنه، وأزهر ابن عبد عوف، وسعيد بن يربوع، وحويطب بن عبد العزى فحددوها. توفى بالمدينة سنة أربع وخمسين، وهو ابن مائة وخمس عشرة سنة، وعُمى فى آخر عمره، وكان النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتقى لسانه.
561 - مخلد بن خفاف (1) :
مذكور فى المختصر فى مسألة الخراج بالضمان، وهو بفتح الميم، وإسكان الخاء، وخفاف بضم الخاء المعجمة وتخفيف الخاء، وهو مخلد بن خفاف بن إيماء بن رحضة، بفتح الراء والحاء المهملتين والضاد المعجمة، الغفارى. قال ابن أبى حاتم: يقال: إن لخفاف ولأبيه ولجده صحبة، وكانوا ينزلون غبقة، ويأتون المدينة كثيرًا.
روى عن عروة. روى عنه ابن أبى ذؤيب. قال ابن أبى حاتم: لم يرو عنه غير ابن أبى ذؤيب، وليس هذا إسنادًا تقوم بمثله الحجة، يعنى الحديث المروى عن مخلد، عن عروة، عن عائشة، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن الخراج بالضمان، غير أنى أقول به؛ لأنه أصلح من أراء الرجال.
562 - مرارة بن الربيع:
ويقال: ابن ربيعة الأنصارى العمرى الصحابى، من بنى عمرو بن عوف، شهد بدرًا، وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم.
563 - مرثد بن أبى مرثد الغنوى (2) :
الصحابى ابن الصحابى، واسم أبى مرثد كناز بن الحصين، وسيأتى نسبه وحاله فى ترجمته من الكنى، شهد أبو مرثد وابنه مرثد بدرًا مع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واستشهد مرثد فى غزوة الرجيع مع عاصم بن ثابت فى صفر سنة ثلاث من الهجرة، وآخى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينه وبين أوس بن الصامت، وكان يحمل الأسارى من مكة إلى المدينة لشدته وقوته.
564 - مرحب اليهودى:
مذكور فى المختصر فى باب الأنفال، وهو بفتح الميم والحاء، قُتل كافرًا يوم خيبر، واختلفوا فى قاتله، فقيل: على بن أبى طالب، وقيل: محمد بن مسلمة الأنصارى، رضى الله عنهما. قال ابن عبد البر فى كتابه الدرر فى مختصر السيرة: قال محمد بن إسحاق: إن محمد بن مسلمة هو الذى قتل مرحبًا اليهودى بخيبر.
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (7/1908) ، الجرح والتعديل (8/1590) ، ميزان الإعتدال (4/8389) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (10/74- 75) ، تقريب التهذيب (6536) ، وقال: “خفاف بضم المعجمة وفاءين الأولى خفيفة، مقبول من الثالثة 4”..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/48) ، الجرح والتعديل (8/1377) ، الإستيعاب (3/1383) ، أسد الغابة (4/344) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (10/82) ، الإصابة (3/7878) ، تقريب التهذيب (6548) ، وقال: الغنوي بفتح المعجمة والنون، صحابي استشهد في عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سنة أربع د ت س”..(2/86)
قال: وخالفه غيره، فقال: بل قتله على بن أبى طالب. قال ابن عبد البر: هذا هو الصحيح عندنا. ثم روى ذلك بإسناده عن بريدة، وسلمة بن الأكوع.
وقال الشافعى فى المختصر: نفل النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم خيبر محمد بن مسلمة سلب مرحب، ذكره فى أول باب جامع السير، وهذا تصريح منه بأن قاتله محمد بن مسلمة. وقال ابن الأثير: الصحيح الذى عليه أكثر أهل السير والحديث أن عليًا هو قاتله. قال المصنف، رحمه الله: قلت: وفى صحيح مسلم بإسناده عن سلمة بن الأكوع التصريح بأن عليًا هو الذى قتله.
565 - مروان بن الحكم (1) :
تكرر فى المختصر والمهذب. هو أبو عبد الملك، يكنى بابنه عبد الملك بن مروان، وقيل: أبو القاسم، وقيل: أبو الحكم مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القريشى الأموى، وهو ابن عم عثمان بن عفان بن أبى العاص، ولد مروان على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة، وقيل: بالطائف سنة ثنتين من الهجرة.
وقال مالك: ولد يوم أُحُد، وقيل: يوم الخندق، ولم يسمع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا رآه؛ لأنه خرج إلى الطائف طفلاً لا يعقل حين نفى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أباه الحكم، فكان مع أبيه بالطائف حتى استخلف عثمان، رضى الله عنه، فردهما، واستكتب عثمان مروان، ثم استعمله معاوية على المدينة، ومكة، والطائف، ثم عزله عن المدينة سنة ثمان وأربعين، واستعمل عليها سعيد بن العاص، وبقى عليها أميرًا إلى سنة أربع وخمسين، ثم عزله واستعمل الوليد بن عتبة بن أبى سفيان، ولم يزل عليها حتى مات معاوية، ولما مات معاوية بن يزيد بن معاوية ولم يعهد إلى أحد، بايع بعض الناس بالشام مروان بن الحكم بالخلافة، وبايع الضحاك بن قيس الفهرى بالشام لعبد الله بن زبير، فالتقيا واقتتلا بمرج راهط عند دمشق، فقتل الضحاك واستقام الأمر لمروان بالشام ومصر.
قال ابن قتيبة: بويع بالجابية. قال: وكان أبوه الحكم أسلم يوم فتح مكة، وطرده رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى وج الطائف؛ لأنه كان يفشى سره. وتوفى فى خلافة عثمان. قال: وكان للحكم أحد وعشرون
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/35) ، التاريخ الكبير للبخارى (7/1579) ، الجرح والتعديل (8/1238) ، الإستيعاب (3/1387) ، أسد الغابة (4/348) ، تاريخ الإسلام (3/70) ، ميزان الإعتدال (4/8422) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (10/91- 92) ، الإصابة (3/7914) ، تقريب التهذيب (6567) ، وقال: “لا تثبت له صحبة من الثانية، قال عروة بن الزبير: مروان لا يتهم في الحديث خ 4”..(2/87)
ابنًا وثمان بنات. قال: وكان ولايته عشرة أشهر، وتوفى بالشام سنة خمس وستين، وكان له من الأولاد: عبد الملك، ومعاوية، وعبيد الله، وعبد الله، وأبان، وداود، وعبد العزيز، وعبد الرحمن، وبشر، ومحمد، وأم عمرو، وأم عثمان، وعمرة.
566 - المستورد بن شداد الصحابى، رضى الله عنه (1) :
هو المستورد بن شداد بن عمرو بن حسل بن اللاحب بن حبيب بن عمرو بن شيبان ابن محارب بن فهر القريشى الفهرى، سمع من النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبعة أحاديث، روى مسلم منها حديثين. سكن الكوفة ثم مصر، وروى عنه أهلهما.
567 - مسروق التابعى (2) :
هو أبو عائشة مسروق بن الأجدع، بالجيم ودال مهملة، ابن مالك بن أمية بن عبد الله الهمدانى الكوفى التابعى المخضرم. روى عن أبى بكر الصديق، وعثمان، وعلى. وسمع عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وخباب بن الأرت، وزيد بن ثابت، وابن عمرو، والمغيرة، وعائشة، رضى الله عنهم. روى عنه أبو وائل، وهو أكبر منه، وسليم ابن أسود، وابن الضحى، والشعبى، والنخعى، والسبيعى، وعبد الله بن مرة، وعبيد الله ابن عبد الله بن عقبة، وآخرون. واتفقوا على جلالته، وتوثيقه، وفضيلته، وإمامته.
قال الشعبى: ما علمت أحدًا كان أطلب للعلم من مسروق. وقال مرة: ما ولدت همدانية مثل مسروق. وقال على بن المدينى: لا أقدم على مسروق أحدًا من أصحاب ابن مسعود، وصلى خلف أبى بكر، ولقى عمر وعليًا، ولم يرو عن عثمان شيئًا. وقال أبو داود: كان أبو مسروق أفرس فارس باليمن، وهو ابن أخت عمرو بن معدى كرب.
وقال عمر بن الخطاب لمسروق: ما اسمك؟ قال: مسروق بن الأجدع، فقال: سمعت النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: “الأجدع شيطان”، أنت مسروق بن عبد الرحمن. قال الشعبى: فرأيته فى الديوان مسروق بن عبد الرحمن، وكان مسروق يصلى حتى تورمت قدماه. قال أبو سعد السمعانى: كان مسروق سُرِقَ فى صغره، فغلب عليه ذلك. توفى سنة ثنتين، وقيل: سنة ثلاث وستين، رحمه الله تعالى.
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/61) ، التاريخ الكبير للبخارى (8/1986) ، الجرح والتعديل (8/1661) ، الإستيعاب (4/1471) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (10/106- 107) ، الإصابة (3/7928) ، تقريب التهذيب (6596) ..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/76- 84) ، التاريخ الكبير للبخارى (8/2065) ، الجرح والتعديل (8/1820) ، تاريخ بغداد للخطيب (13/232) ، سير أعلام النبلاء (4/63- 69) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (10/109- 111) ، تقريب التهذيب (6601) ، وقال: “ثقة فقيه عابد مخضرم من الثانية مات سنة اثنتين، ويقال: سنة ثلاث وستين ع”..(2/88)
568 - مسطح بن أثاثة (1) :
هو بكسر الميم وإسكان السين، وأثاثة بهمزة مضمومة، ثم ثاء مثلثة مكررة. وهو أبو عباد، وقيل: أبو عبد الله مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصى القرشى المطلبى، ويقال: اسمه عوف، ومسطح لقب له، واسم أم مسطح سلمى بنت أبى رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها رائطة بنت صخر بن عامر بن كعب خالة أبى بكر الصديق، رضى الله عنه. شهد مسطح بدرًا، وقيل: شهد صفين مع على، وقيل: توفى قبلها سنة أربع وثلاثين، والأول أكثر، فعلى هذا قالوا: مات سنة سبع وثلاثين.
569 - مسعر بن كدام - بكسر الكاف - ابن ظهير بن عبيدة - بضم العين - ابن الحارث بن هلال (2) :
أبو سلمة العامرى الهلالى الكوفى. روى عن عمر بن سعيد النخعى، وأبى إسحاق السبيعى، وعبد الملك بن عمير، والأعمش، وخلائق، وغيرهم من التابعين. روى عنه سليمان التيمى، ومحمد بن إسحاق، والثورى، وشعبة، ومالك بن مغول، وابن عيينة، وابن المبارك، ويحيى القطان، ووكيع، ويزيد بن هارون، وخلائق، وغيرهم. واتفقوا على جلالته.
قال هشام بن عروة: ما قدم علينا من العراق أفضل من أيوب السختيانى ومسعر. وقال يحيى بن سعيد: ما رأيت مثل مسعر، كان من أثبت الناس. وقال سفيان الثورى: كنا إذا شككنا فى شىء سألنا مسعرًا عنه. وقال شعبة: كنا نسمى مسعرًا المصحف. وقال أبو حاتم: مسعر أتقن وأجود حديثًا وأعلى إسنادًا من سفيان، وأتقن من حماد بن زيد. وقال إبراهيم بن سعد: كان شعبة وسفيان إذا اختلفا فى شىء قال: اذهب بنا إلى الميزان مسعر. توفى سنة خمس وخمسين ومائة.
570 - مسلم بن الحجاج (3) :
الإمام صاحب الصحيح. تكرر ذكره فى الروضة، وذكره فى المهذب فى موضع واحد فى باب قسم الفىء، ولا ذكر له فى المهذب فى غير هذا الموضع، ولا ذكر له فى الوسيط وباقى هذه الكتب الستة. هو الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيرى، من بنى قشير، قبيلة من العرب معروفة، النيسابورى، إمام أهل
_________
(1) انظر: الإصابة (3/408) ، وأسد الغابة (4/354) ، والاستيعاب (3/494) ، وحلية الأولياء (2/20) ، وسير أعلام النبلاء (1/187) (20) ، وطبقات ابن سعد (3/53) ، والعقد الثمين (6/443) ..
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/364) ، التاريخ الكبير للبخارى (8/1971) ، الجرح والتعديل (8/1685) ، سير أعلام النبلاء (7/163) ، تاريخ الإسلام (6/287) ، ميزان الإعتدال (4/8470) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (10/113- 115) ، تقريب التهذيب (6605) ، وقال: “ثقة ثبت فاضل من السابعة مات سنة ثلاث أو خمس وخمسين ع”..
(3) الجرح والتعديل (8/797) ، تاريخ بغداد للخطيب (13/100) ، سير أعلام النبلاء (12/557) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (10/226) ، تقريب التهذيب (6623) ، وقال: “ثقة حافظ إمام مصنف عالم بالفقه مات سنة إحدى وستين وله سبع وخمسون سنة ت”..(2/89)
الحديث.
سمع قتيبة بن سعيد، والقعنبى، وأحمد بن حنبل، وإسماعيل بن أبى أويس، ويحيى ابن يحيى، وأبا بكر وعثمان ابنى أبى شيبة، وعبد الله بن أسماء، وشيبان بن فروخ، وحرملة بن يحيى صاحب الشافعى، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن يسار، ومحمد بن مهران، ومحمد بن يحيى بن أبى عمر، ومحمد بن سلمة المرادى، ومحمد بن عمر، وربيحًا، ومحمد بن رمح، وخلائق من الأئمة وغيرهم.
روى عنه أبو عيسى الترمذى، ويحيى بن صاعد، ومحمد بن مخلد، وإبراهيم بن محمد ابن سفيان الفقيه الزاهد، وهو راوية صحيح مسلم، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، ومحمد بن عبد الوهاب الفراء، وعلى بن الحسين، ومكى بن عبدان، وأبو حامد أحمد بن محمد الشرقى، وأخوه عبد الله، وحاتم بن أحمد الكندى، والحسين بن محمد بن زياد القبانى، وإبراهيم بن أبى طالب، وأبو بكر محمد بن النضر الجارودى، وأحمد بن سلمة، وأبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفرائنى، وأبو عمر، وأحمد بن المبارك المستملى، وأبو حامد أحمد بن حمدون الأعمش، وأبو العباس محمد بن إسحاق بن السراج، وزكريا بن داود الخفاف، ونصر بن أحمد الحافظ يُعرف بنصرك، وخلائق.
وأجمعوا على جلالته، وإمامته، وعلو مرتبته، وحذقه فى هذه الصنعة، وتقدمه فيها، وتضلعه منها، ومن أكبر الدلائل على جلالته، وإمامته، وورعه، وحذقه، وقعوده فى علوم الحديث، واضطلاعه منها، وتفننه فيها، كتابه الصحيح الذى لم يوجد فى كتاب قبله ولا بعده من حُسن الترتيب، وتلخيص طرق الحديث بغير زيادة ولا نقصان، والاحتراز من التحويل فى الأسانيد عند اتفاقها من غير زيادة، وتنبيهه على ما فى ألفاظ الرواة من اختلاف فى متن أو إسناد ولو فى حرف، واعتنائه بالنتبيه على الروايات المصرحة بسماع المدلسين وغير ذلك مما هو معروف فى كتابه، وقد ذكرت فى مقدمة شرحى لصحيح مسلم جُملاً من التنبيه على هذه الأشياء وشبهها مبسوطة ووضحته، ثم نبهت على تلك الدقائق والمحاسن فى أثنار الشرح فى مواطنها، وعلى الجملة فلا نظير لكتابه فى هذه الدقائق وسنعة الإسناد، وهذا عندنا من المحققات التى لا شك فيها للدلائل المتظاهرة عليها.
ومع هذا فصحيح البخارى أصح وأكثر فوائد، هذا هو مذهب(2/90)
جمهور العلماء، وهو الصحيح المختار، لكن كتاب مسلم فى دقيق الأسانيد ونحوها أجود كما ذكرناه، وينبغى لكل راغب فى علم الحديث أن يعتنى به ويتفطن فى تلك الدقائق، فيرى فيها العجائب من المحاسن، وإن ضعف عن الاستقلال باستخراجها استعان بالشرح المذكور، وبالله التوفيق.
وقد ذكرت فى مقدمة شرح صحيح مسلم جُملاً من المهمات المتعلقة به، التى لابد للراغب فيه من معرفتها مع بيان جملة من أحوال مسلم وأحوال رواة الكتاب عنه.
واعلم أن مسلمًا، رحمه الله، أحد أعلام أئمة هذا الشأن، وكبار المبرزين فيه، وأهل الحفظ والإتقان والرحالين فى طلبه إلى أئمة الأقطار والبلدان، والمعترف له بالتقدم فيه بلا خلاف عند أهل الحذق والعرفان، والمرجوع إلى كتابه، والمعتمد عليه فى كل الأزمان.
سمع بخراسان يحيى بن يحيى، وإسحاق بن راهوية، وآخرين، وبالرى محمد بن مهران، وأبا غسان، وآخرين، وبالعراق ابن حنبل، وعبد الله بن مسلمة، وآخرين، وبالحجاز سعيد بن منصور، وأبا مصعب، وآخرين، وبمصر عمرو بن سواد، وحرملة بن يحيى، وآخرين، وخلائق كثيرين. روى عنه جماعة من كبار أئمة عصره وحفاظه كما قدمنا، وفيهم جماعات فى درجته، منهم أبو حاتم الرازى، وموسى بن هارون، وأحمد بن سلمة، والترمذى، وغيرهم.
وصَنَّف مسلم، رحمه الله، فى علم الحديث كُتبًا كثيرة، منها هذا الكتاب الصحيح الذى مَنّ الله الكريم وله الحمد والنعمة والفضل والمنة به على المسلمين، أبقى لمسلم به ذكرًا جميلاً، وثناءً حسنًا إلى يوم الدين، مع ما أعد له من الأجر الجزيل فى دار القرار، وعم نفعه المسلمين قاطبة. ومنها الكتاب المسند الكبير على أسماء الرجال، وكتاب الجامع الكبير على الأبواب، وكتاب العلل، وكتاب أوهام المحدثين، وكتاب التمييز، وكتاب من ليس له إلا راوٍ واحد، وكتاب طبقات التابعين، وكتاب المخضرمين، وغير ذلك.
قال الحاكم أبو عبد الله: حدثنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم، قال: سمعت أحمد بن سلمة يقول: رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج فى معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما. وفى رواية: فى معرفة الحديث، ومن حقق نظره فى صحيح مسلم،(2/91)
رحمه الله، واطلع على ما أودعه فى إسناده وترتيبه، وحُسن سياقه، وبديع طريقه من نفائس التحقيق وجواهر التدقيق، وأنواع الورع والاحتياط والتحرى فى الروايات، وتلخيص الطرق واختصارها، وضبط متفرقها وانتشارها، وكثرة اطلاعه واتساع روايته، وغير ذلك مما فيه من المحاسن والأعجوبات واللطائف الظاهرت والخفيات، علم أنه إمام لا يلحقه من بعد عصره، وقل من يساويه، بل يدانيه من أهل دهره، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
وقد اقتصرت من أخباره، رضى الله عنه، على هذا القدر، فإن أحواله، رضى الله عنه، ومناقبه ومناقب كتابه لا تستقصى؛ لبعدها عن أن تُحصى، وقد دللت بما ذكرت من الإشارة إلى حالته على ما أهملت من جميل طريقته، والله الكريم أسأل أن يجزل فى مثوبته، ويجمع بيننا وبينه مع أحبابنا فى دار كرامته بفضله وجوده ورحمته.
توفى مسلم، رحمه الله تعالى، بنيسابور سنة إحدى وستين ومائتين. قال الحاكم أبو عبد الله فى كتاب المزكيين: سمعت أبا عبد الله بن الأخرم الحافظ، رحمه الله، يقول: توفى مسلم، رحمه الله، عشية الأحد، ودفن يوم الاثنين لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين، وهو ابن خمس وخمسين سنة، رضى الله عنه.
571 - مسلم بن خالد الزنجى (1) :
شيخ الشافعى، مذكور فى المختصر فى الأقضية، وفى أوائل الدعوى والبينات، وهو بفتح الزاى وكسرها، وهو الإمام أبو خالد مسلم بن خالد بن قرقرة. وقال ابن أبى حاتم: ابن جرجة. وقال الخطيب: هو مسلم بن خالد بن سعيد بن جرجة الزنجى المكى القرشى المخزومى، مولى أبى سفيان بن عبد الله بن عبد الأسد، وهو من تابعى التابعين.
سمع ابن أبى مليكة، والزهرى، وعمرو بن دينار، وزيد بن أسلم، وهشام بن عروة، وعبيد الله العمرى، والعلاء بن عبد الرحمن، وابن أبى ذؤيب، وعمرو بن يحيى، وابن جريج. روى عنه الشافعى، والحميدى، وابن وهب، والقعنبى، وعبد الله بن محمد بن نفيل، وأحمد بن عبد الله بن يونس، وآدم بن أبى إياس، ومسدد، وهشام بن عمار، وأبو نعيم، وعبد الملك بن عبد العزيز الماجشون،
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/499) ، التاريخ الكبير للبخارى (7/1097) ، ضعفاء النسائى (569) ، الجرح والتعديل (8/800) ، سير أعلام النبلاء (8/158) ، ميزان الإعتدال (4/8485) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (10/128- 130) ، تقريب التهذيب (6625) ، وقال: “صدوق كثير الأوهام من الثامنة مات سنة تسع وسبعين أو بعدها د ق”. .(2/92)
وعبد الأعلى بن حماد، ويحيى بن زكريا بن أبى زائدة، والأسود بن عامر، وعلى بن الجعد، وخلائق آخرون.
وقال ابن أبى حاتم: مسلم الزنجى إمام فى الفقه والعلم، وكان أبيض مشربًا بحمرة، مليحًا، وإنما لقب بالزنجى لمحبته التمر. قالت له جاريته يومًا: ما أنت إلا زنجى؛ لأكله التمر، فبقى عليه هذا اللقب. وقال سويد بن سعيد: سُمى زنجيًا؛ لأنه كان شديد السواد. وقال إبراهيم الحربى: سُمى زنجيًا؛ لأنه كان أشقر.
واختلفوا فى توثيقه وجرحه. قال ابن معين: هو ثقة. وفى رواية: ليس به بأس. وقال على بن المدينى: ليس هو بشىء. وقال البخارى: مُنكر الحديث. وقال أبو حاتم: ليس بذلك القوى، مُنكر الحديث، لا يُكتب حديثه ولا يُحتج به، يُعرف وينكر. وقال أحمد بن محمد بن الوليد: كان فقيهًا، عابدًا، يصوم الدهر، توفى بمكة سنة ثمانين ومائة، وكان كثير الغلط فى حديثه، وكان فى هديه نِعم الرجل.
وقال ابن عدى: هو حسن الحديث، وأرجوا أن لا بأس به. وقال الشيخ أبو إسحاق فى الطبقات: كان مسلم بن خالد مفتى مكة بعد ابن جريج، وتوفى سنة تسع وسبعين ومائة، وقيل: سنة ثمانين ومائة. قال: وأخذ عنه الشافعى، رضى الله عنه، الفقه. قلت: ومسلم، رضى الله عنه، أحد أجدادنا فى سلسلة الفقه المتصلة منا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما سبق بيانها فى أول هذا الكتاب، وبالله التوفيق.
572 - مسلم بن يسار التابعى (1) :
مذكور فى المختصر فى الزنا. هو أبو عبد الله مسلم بن يسار البصرى الفقيه، قيل: هو مولى عثمان بن عفان، وقيل: مولى طلحة بن عبيد الله، وقيل: مزنى. روى عن أبيه، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وابن عباس، وأبى الأشعث الصنعانى. روى عنه ابنه عبد الله، وأبو قلابة، وابن سيرين، وثابت البنانى، وأيوب، وغيرهم.
قال خليفة بن خياط: كان مسلم يُعد خامس خمسة من فقهاء البصرة. وقال محمد بن سعد: كان ثقة، فاضلاً، ورعًا، عابدًا. وقال ابن عون: كان لا يفضل أحد فى ذلك الزمان. وقال ابن معين: هو ثقة،
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/168) ، التاريخ الكبير للبخارى (7/1166) ، الجرح والتعديل (8/868) ، سير أعلام النبلاء (4/510- 514) ، تاريخ الإسلام (4/54) ، ميزان الإعتدال (4/8510) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (10/140- 141) ، تقريب التهذيب (6652) ، وقال: “ثقة عابد من الرابعة مات سنة مائة أو بعدها بقليل د س ق”..(2/93)
رجل صالح. وقال أحمد بن حنبل، وأحمد بن عبد الله: هو ثقة. وقال ابن سعد: توفى سنة مائة أو سنة إحدى ومائة. وقال خليفة: سنة مائة.
573 - المسور بن مخرمة الصحابى، رضى الله عنه (1) :
تكرر فى المهذب فى الحج والطلاق، هو بكسر الميم وإسكان السين وفتح الواو، وهو أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو عثمان المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة القرشى الزهرى، أمه عاتكة بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف، قيل: اسمها الشفاء.
ولد بمكة بعد الهجرة بسنتين، وكان من فقهاء الصحابة وأهل الدين، ولم يزل مع خاله عبد الرحمن بن عوف فى أمر الشورى، وأقام بالمدينة إلى أن قُتل عثمان، ثم سار إلى مكة، فلم يزل بها حتى توفى معاوية، وأقام مع ابن الزبير بمكة، فقُتل فى حصار ابن الزبير، أصابه حجر المنجنيق وهو يصلى فى الحجر فقتله مستهل شهر ربيع الأول سنة أربع وستين، وقيل: سنة ثلاث وسبعين، ودفن بالحجون، وصلى عليه ابن الزبير.
وللمسور ولأبيه صحة، وصح سماع المسور من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثنان وعشرون حديثًا، اتفقا على حديثين، وانفرد البخارى بأربعة، ومسلم بحديث. روى عنه أبو أمامة بن سهل بن حنيف وهو صحابى، وعلى بن حسين، رضى الله عنهما، وسعيد بن المسيب، وعبيد الله بن أبى رافع، وسليمان بن يسار، وجهم بن أبى الجهم، وابن أبى مليكة، وعروة بن الزبير، وابنته أم بكر، وغيرهم.
وأما أبوه مخرمة، فكنيته أبو صفوان، وقيل: أبو المسور، وقيل: أبو الأسود، والأول أكثر، وهو ابن عم سعد بن أبى وقاص بن أهيب، وكان م مُسلمة الفتح والمؤلفة قلوبهم، ثم حسن إسلامه، وكان له سن وعلم بأيام الناس وبقريش خاصة، وكان يؤخذ عن النسب، وشهد حنينا مع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو أحد من أقام أنصاب الحرم فى خلافة عمر ابن الخطاب، أرسله عمر، رضى الله عنه، وأرسل معه أزهر بن عبد عوف، وسعيد بن يربوع، وحويطب بن عبد العزى فحددوها. توفى بالمدينة سنة أربع وخمسين وعُمره مائة سنة وخمس عشر سنة، وعُمى فى آخر عُمره.
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (7/1798) ، الجرح والتعديل (8/1366) ، الاستيعاب (3/1399) ، أسد الغابة (4/365) ، سير أعلام النبلاء (3/360) ، تاريخ الإسلام (3/79) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (10/150 - 152) ، الإصابة (3/8993) ، تقريب التهذيب (6671) ، وقال: “مقبول من السابعة حديثه في الطهارة من السنن، ولم يذكره المزي د”..(2/94)
574 - مسيلمة الكذاب عدو الله:
ذكره فى المهذب فى باب الضمان، ثم فى كتاب السير. هو مسيلمة بن حبيب، وهو من بنى حنيفة. قال ابن قتيبة: كنيته أبو ثمامة، وكان صاحب نيرنجات، وهو أول مَن أدخل البيضة فى قارورة. قال: وله عقب، وجمع جموعًا كثيرة من بنى حنيفة وغيرهم من سفهاء العرب وغوغائهم، وقصد قتال الصحابة فى أثر وفاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجهز عليه أبو بكر الصديق، رضى الله عنه، الجيوش وأميرهم خالد بن الوليد، رضى الله عنه، سنة إحدى عشرة من الهجرة، فقاتلوه فظهروا على مسيلمة فقتلوه كافرًا. قيل: قتله وحشى ابن حرب، وقيل غيره، وقتل خلائق من أتباعه، وانهزم مَن أفلت منهم، وطفئت آثارهم.
575 - المسيب (1) :
والد سعيد بن المسيب، والمسيب صحابى، رضى الله عنه، وهو بفتح الياء على المشهور، وقيل: بكسرها، وهو قول أهل المدينة، وكان سعيد يكره فتحها. وهو أبو سعيد المسيب بن حزن، بفتح الحاء المهملة، وإسكان الزاى، ابن أبى وهب بن عمرو بن عايذ بن عمران بن مخزوم القرشى المخزومى الكوفى.
وهو وأبوه حزن صحابيان، هاجرا إلى المدينة، وكان المسيب ممن بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة فى قول. وقال مصعب: لا يختلف أصحابنا فى أن المسيب وأباه من مسلمة الفتح. قال أبو أحمد العسكرى: أحسب مصعبًا وهم؛ لأن المسيب حضر فى بيعة الرضوان وشهد اليرموك. روى عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبعة أحاديث، اتفقا على حديثين، وانفرد البخارى بحديث، وهو راوى حديث وفاة أبى طالب. قالوا: ولم يرو عنه غير ابنه سعيد.
576 - مصرف:
والد طلحة بن مصرف. مذكور فى المهذب فى صفة الوضوء. هو أبو طلحة مصرف ابن عمرو، ويقال: ابن كعب بن عمرو اليامى الكوفى التابعى. روى عن أبيه. روى عنه ابنه طلحة. وحديثه المذكور فى المهذب ضعيف، رحمه الله.
577 - مُصعب - بضم الميم - ابن سعد بن أبى وقاص (2) :
مذكور فى المهذب فى صفة الصلاة، وهو تابعى، وهو مُصعب بن سعد بن أبى وقاص الزهرى، وقد
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (7/1782) ، الجرح والتعديل (8/1345) ، الاستيعاب (3/1400) ، أسد الغابة (4/366) ، تهذيب التهذيب لابن حجر (10/152) ، الإصابة (3/7996) ، تقريب التهذيب (6674) ، وقال: “حزن بفتح المهملة وسكون الزاي، له ولأبيه صحبة عاش إلى خلافة عثمان خ م د س”..
(2) انظر: الجرح والتعديل (8/303) ، والمعرفة والتاريخ (2/159) ، وطبقات ابن سعد (7/350، 351) ، وتهذيب التهذيب (10/160) ، وتقريب التهذيب (2/251) ..(2/95)
سبق تمام نسبه فى ترجمة أبيه، وهو مدنى سمع أباه، وعلى بن أبى طالب، وابن عمر. روى عنه مجاهد، وأبو إسحاق السبيعى، وعبد الملك بن عمير، وآخرون. واتفقوا على توثيقه. قال ابن سعد: كان ثقة، كثير الحديث. توفى سنة ثلاث ومائة.
578 - مصعب بن عمير الصحابى، رضى الله عنه:
مذكور فى المهذب فى الكفن، وأول الفرائض، هو أبو عبد الله مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى بن كلاب بن مرة القرشى العبدرى. كان من فضلاء الصحابة وخيارهم، ومن السابقين إلى الإسلام، أسلم ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى دار الأرقم، وكتم إسلامه خوفًا من أمه وقومه، وكان يختلف إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سرًا، فبصر به عثمان بن طلحة العبدرى يصلى، فأعلم به أمه وأهله فحبسوه، فلم يزل محبوسًا إلى أن هاجر إلى الحبشة، ثم عاد إلى مكة، ثم هاجر إلى المدينة بعد العقبة الأولى ليعلم الناس القرآن ويصلى بهم، بعثه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع الاثنى عشر أهل العقبة الثانية ليفقه أهل المدينة ويقرئهم القرآن، فنزل على أسعد بن زرارة، وكان يسمى بالمدينة المقرى.
قالوا: وهو أول من جمع الجمعة بالمدينة، وأسلم على يديه سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وكفى بذلك فضلاً وأثرًا فى الإسلام. قال البراء بن عازب: أول مَن قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير، ثم عمرو بن أم مكتوم، ثم عمار بن ياسر، وسعيد بن أبى وقاص، وابن مسعود، وبلال، ثم عمر بن الخطاب، رضى الله عنهم.
وشهد بدرًا، وأُحُدًا، واستشهد بأحد ومعه لواء المسلمين، قيل: كان عمره أربعين سنة أو أكثر قليلاً، ويقال: نزل فيه وفى أصحابه قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ} [الأحزاب: 23] الآية، وكان قبل إسلامه أنعم فتى بمكة، وأجوده خلة، وأكمله شبابًا وجمالاً وجودًا، وكان أبواه يحبانه حبًا كثيرًا، وكانت أمه تكسوه أحسن ما يكون من الثياب بمكة، وكان أعطر أهل مكة، ثم انتهى به الحال فى الإسلام إلى أن كان عليه بردة مرقوعة بفروة.
وثبت فى الصحيحين عن خباب بن الأرت، رضى الله عنه، قال: هاجرنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نلتمس وجه الله تعالى، فوقع(2/96)
أجرنا على الله تعالى، فمنا من مات ولم يأكل من عمله شيئًا، منهم مصعب بن عمير، قُتل يوم أُحُد، ولم نجد له ما نكفنه به إلا بردته، إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه، فأمرنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نغطى رأسه، وأن نجعل على رجليه الأذخر، ومنا من أينعت له ثمرته، فهو يهديها.
ومعنى أينعت: نضجت، وقوله: يهديها، بفتح أوله وكسر الدال وضمها، أى يجتنيها، وهو إشارة إلى ما فتح الله عليهم من الدنيا بعد وفاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وكان مصعب زوج حمنة بنت جحش، رحمه الله.
579 - مطرف (1) :
المذكور فى المهذب فى أواخر باب الدعاوى والبينات. هو بضم الميم، وفتح الطاء، وكسر الراء المشددة، وهو أبو أيوب مطرف بن مازن الكنانى. قال ابن أبى حاتم فى كتابه الجرح والتعديل: هو أبو أيوب مطرف بن مازن الكنانى مولاهم، ولى القضاء بصنعاء، وتوفى بالرقة، ويقال: بمنيج. روى عن معمر، ويعلى بن مقسم. روى عنه بقية ابن الوليد، وإبراهيم بن موسى، وأيوب بن محمد الوزان.
قال يحيى بن معين: مطرف هذا كَذَّاب. هذا آخر كلام ابن أبى حاتم، وهذا الذى ذكرته من أن المذكور فى المهذب هو مطرف بن مازن، هو الصواب. وقد ذكر بعض المصنفين على المهذب أنه مطرف بن عبد الله بن الشخير، وهذا غلط فاحش وجهالة عظيمة، فإنه قال فى المهذب: قال الشافعى: رأيت مطرفًا يحلف الناس بصنعاء بالمصحف، ومعلوم أن الشافعى ولد سنة خمسين ومائة من الهجرة، وتوفى مطرف بن عبد الله سنة خمس ومائة من الهجرة.
580 - المطعم بن عدى الكافر:
مذكور فى المهذب فى السير، هكذا ذكره فى المهذب أنه المطعم بن عدى، قتله النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم بدر كافرًا فى الأسر، وهذا غلط فاحش، فإن مطعم بن عدى كان مات قبل يوم بدر بلا خلاف بين أهل التواريخ والسير وغيرهم. وفى الحديث أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال يوم بدر فى أسارى بدر: “لو كان المطعم بن عدى حيًا فكلمنى فى هؤلاء السبى لأطلقتهم” (2) ، قالوا: وإنما الذى قُتل يوم بدر طعيمة
_________
(1) انظر: طبقات ابن سعد (5/548) ، وتاريخ ابن معين (2/570) ، والتاريخ الكبير (7/398) ، والجرح والتعديل (8/314) ، وميزان الاعتدال (4/125، 126) ، ولسان الميزان (6/47، 48) ..
(2) أخرجه أحمد (4/80، رقم 16779) ، والبخارى (4/1475، رقم 3799) ، وأبو داود (3/61، رقم 2689) ، وابن الجارود (ص 274، رقم 1091) .(2/97)
بن عدى، لكنه قُتل فى حال القتال لا فى الأسر، ولا يصح ذكر واحد منهما فى هذا الموضع.
581 - المطلب بن عبد الله بن حنطب (1) :
مذكور فى المختصر فى مواضع من باب ما يقع به الطلاق، وحنطب بفتح الخاء المهملة، وإسكان النون، وفتح الطاء المهملة. هو أبو الحكم المطلب بن عبد الله بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمرو بن مخزوم القريشى المخزومى المدنى. قال ابن سعد: روى عن أبيه، وعمر بن الخطاب، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وأبى موسى الأشعرى، وأبى هريرة، وأبى رافع، وعائشة، وأم سلمة. روى عنه ابنه عبد العزيز، ومحمد بن عباد بن جعفر، وابن جريج، والأوزاعى.
قال ابن سعد: كان كثير الحديث، لا يُحتج به، فإنه يرسل عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كثيرًا، وليس له لقى، وعامة أصحابه يدلسون. وقال ابن أبى حاتم: روى عن هؤلاء مرسلاً، وعن جابر يشبه أن يكون أدركه، وعامة أحاديثه مرسلة. وقال يعقوب بن سفيان والدارقطنى: هو ثقة. وسُئل أبو زرعة عنه، فقال: ثقة، قيل: أسمع عائشة؟ فقال: أرجوا أن يكون سمعها.
582 - معاذ بن جبل الصحابى، رضى الله عنه (2) :
تكرر فى هذه الكتب، هو بالذال المعجمة. هو أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ، بالمعجمة، ابن عدى بن كعب بن عمرو بن أدى بن سعد بن على بن أسد بن ساردة بن تزيد، بالمثناة فوق، ابن جشم بن الخزرج الأنصارى الخزرجى الجشمى المدنى الفقيه، الفاضل، الصالح.
أسلم معاذ وهو ابن ثمانى عشرة سنة، وشهد العقبة الثانية مع السبعين من الأنصار، ثم شهد بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، والمشاهد كلها مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وآخى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينه وبين عبد الله بن مسعود. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة حديث وسبعة وخمسون حديثًا، اتفقا على حديثين، وانفرد البخارى بثلاثة، ومسلم بحديث.
روى عنه ابن عمر، وابن عباس، وابن عمرو بن العاص، وأبو قتادة، وجابر، وأنس، وأبو أمامة، وأبو ثعلبة، وعبد الرحمن بن سمرة، وآخرون من الصحابة، رضى الله عنهم، وخلائق من التابعين.
توفى فى طاعون عمواس بالشام سنة ثمانى عشرة، وقيل: سبعة عشر، والصحيح الأول، وقبره فى مشاق غور بيان، وعمواس التى نسب إليها الطاعون
_________
(1) انظر: الجرح والتعديل (8/359) ، والتاريخ الكبير (8/7) ، وتاريخ ابن معين (2/570، 571) ، وسير أعلام النبلاء (5/317) برقم (154) ، وتهذيب التهذيب (10/178، 179) ، وتقريب التهذيب (2/254) ..
(2) انظر: الإصابة (3/246) ، والاستيعاب (3/355) ، وأسد الغابة (5/194) ، والتاريخ الكبير (7/359) ، وحلية الأولياء (1/228) ، وسير أعلام النبلاء (1/443) (86) ..(2/98)
بالرملة وبيت المقدس، نُسب الطاعون إليها لأنه بدأ بها، هو بفتح العين والميم. وتوفى شهيدًا فى الطاعون، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وقيل: أربع وثلاثين، وقيل: ثمان وثلاثين.
روينا بالإسناد الصحيح فى سنن أبى داود، والنسائى، عن معاذ، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ بيده، وقال: “يا معاذ، والله إنى لأحبك”، وقال: “أوصيك يا معاذ لا تدعن فى دبر كل صلاة تقول: اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك” (1) .
وروينا عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “يأتى معاذ يوم القيامة رتوة بين العلماء”، والرتوة رمية بسهم، وقيل: بحجر.
وعن ابن مسعود قال: إن معاذًا كان أمة قانتًا لله حنيفًا، ولم يك من المشركين، قالوا: يا أبا عبد الرحمن، إن إبراهيم كان أمة، فقال: إنا كنا نشبه معاذًا بإبراهيم.
وعن أنس، قال: جمع القرآن على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعة كلهم من الأنصار: أُبىّ ابن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. رواه البخارى ومسلم.
وعن ابن عمرو بن العاص، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: “خذو القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبى حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأُبىّ بن كعب” (2) . رواه البخارى ومسلم.
وعن أنس، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “أرحم أمتى لأمتى أبو بكر، وأشدهم فى أمر الله عمر، وأشدهم حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرأهم أُبىّ، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح” (3) . رواه الترمذى، والنسائى، وابن ماجة بأسانيد صحيحة حسنة، وقال الترمذى: هو حديث حسن صحيح.
وعن أبى هريرة، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “نِعم الرجل أبو بكر، نِعم الرجل عمر، نِعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نِعم الرجل أسيد بن حضير، نِعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نِعم الرجل معاذ بن جبل، نِعم الرجل معاذ بن عمرو ابن الجموح”. رواه الترمذى، والنسائى بإسناد صحيح. قال الترمذى: حديث حسن.
وعن معاذ، رضى الله عنه، قال: كنت ردف النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليس بينى وبينه إلا مؤخرة الرحل، فقال: “يا معاذ بن جبل”، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، فذكر حديثًا: “هل تدرى ما حق الله على
_________
(1) أخرجه أحمد (5/244، رقم 22172) ، وأبو داود (2/86، رقم 1522) ، والنسائى فى الكبرى (6/32، رقم 9937) ، والحاكم (1/407، رقم1010) ، وقال: صحيح الإسناد على شرط الشيخين. والطبرانى (20/60، رقم 110) ، وابن حبان (5/365، رقم 2021) . وأخرجه أيضا: عبد بن حميد (ص 71، رقم120) .
(2) أخرجه البخارى (3/1372، رقم 3548) واللفظ له، ومسلم (4/1914، رقم 2464) ، وابن حبان (16/70، رقم 7128) . وأخرجه أيضًا: أحمد (2/189، رقم 6767) ، والنسائى فى الكبرى (5/9، رقم 8001) ، وأبو نعيم (1/176) ، والخطيب (8/160) . عن مسروق قال ذكر عبد الله عند عبد الله بن عمرو فقال ذاك رجل لا أزال أحبه بعد ما سمعت رسول الله (يقول ... فذكره.
(3) أخرجه الطيالسى (ص 281، رقم 2096) ، وأحمد (3/281، رقم 14022) ، والترمذى (5/665، رقم 3791) وقال: حسن صحيح. والنسائى فى الكبرى (5/67، رقم 8242) ، وابن ماجه (1/55، رقم 154) ، وابن حبان (16/85، رقم 7137) ، والحاكم (3/477، رقم 5784) ، وقال: صحيح على شرط الشيخين. وأبو نعيم فى الحلية (3/122) ، والبيهقى (6/210، رقم 11966) ، والضياء (6/225، رقم 2240) .(2/99)
العباد؟ وما حق العباد على الله؟ ” إلى آخره (1) ، رواه البخارى ومسلم. وثبت فى الصحيحين أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرسله إلى اليمن يدعوه إلى الإسلام وشرائعه.
ومعاذ، رضى الله تعالى عنه، أحد الذين كانوا يفتون على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهم ثلاثة من المهاجرين: عمر، وعثمان، وعلى، وثلاثة من الأنصار: أُبىّ بن كعب، ومعاذ ابن جبل، وزيد بن ثابت.
وعن جابر بن عبد الله، قال: كان معاذ من أحسن الناس وجهًا وخلقًا، وأسمحهم كفًا، ولما وقع الطاعون بالشام قال معاذ: اللهم أدخل على آمعاذ نصيبهم من هذا، فطُعنت له امرأتان فماتتا، ثم طعن ابنه عبد الرحمن فمات، ثم طعن معاذ فجعل يغشى عليه، فإذا أفاق قال: رب غمنى غمك، فوعزتك أنك لتعلم أنى أحبك، ثم يغشى عليه، فإذا أفاق قال مثله، ولما حضرته الوفاة قال: مرحبًا بالموت، مرحبًا زائر حبيب جاء على فاقة، اللهم أنك تعلم أنى كنت أخافك، وأنا اليوم أرجوك إنى لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لكرى الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لظماء الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر.
وفى الحديث أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “معاذ إمام العلماء يوم القيامة برتوة أو رتوتين” (2) ، الرتوة رمية الحجر.
وقال ابن مسعود: إن معاذًا كان أمة قانتًا لله حنيفًا ولم يك من المشركين، فقيل له: إنما قال الله تعالى هذا فى إبراهيم، فأعاد ابن مسعود قوله، ثم قال: الأمة الذى يعلم الخير ويؤتم، والقانت المطيع لله عز وجل، وكذلك كان معاذ معلمًا للخير، مُطعيًا لله عز وجل ولرسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وأحوال معاذ ومناقبه غير منحصرة، رضى الله عنه.
583 - معاذ القارىء (3) :
المذكور فى المختصر فى باب صلاة التطوع من المختصر. قال البيهقى فى هذا الباب من السنن الكبير: هو أبو حليمة معاذ بن الحارث، شهد الجسر مع أبى عبيد الثقفى فى خلافة عمر بن الخطاب، رضى الله تعالى عنه، قال: وقيل: له صحبة، هذا كلام البيهقى.
وقال ابن أبى حاتم فى كتابه: معاذ بن الحارث أبو حليمة الأنصارى القارىء، شهد الجسر. روى عن نافع، وسعيد المقبرى، وعبد الله بن الحارث، يقال: إنه قُتل يوم الحرة سنة ثلاث وستين بالمدينة. قال: وهو الذى أقامه عمر بن
_________
(1) أخرجه أحمد (5/242، رقم 22149) ، والبخارى (5/2224، رقم 5622) ، ومسلم (1/58، رقم 30) ، والترمذى (5/26، رقم 2643) وقال: حسن صحيح. وابن ماجه (2/1435، رقم 4296) ، وابن حبان (2/82، رقم 362) . وأخرجه أيضا: النسائى فى الكبرى (6/55، رقم 10014) .
(2) أخرجه أبو نعيم (1/229) . قال الهيثمى (9/311) : رواه الطبرانى مرسلا وفيه محمد بن عبد الله بن أزهر الأنصارى ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح.
(3) انظر: أسد الغابة (4/378) ، والتاريخ الكبير (7/361) ، وتهذيب التهذيب (10/188) .(2/100)
الخطاب، رضى الله عنه، ليصلى بهم التراويح فى رمضان.
وفى تاريخ البخارى أنه مدنى. ذكره ابن عبد البر، وابن مندة، وأبو نعيم الأصبهانى فى الصحابى، وذكروا خلافًا فى شهوده الخندق، وقيل: شهدها مع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقيل: لم يشهدها، ولم يدرك من زمنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا ست سنين، ومن حديثه عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: “منبرى على ترعة من ترع الجنة”. قال ابن مندة، وأبو نعيم: توفى قبل زيد بن ثابت. وقال ابن عبد البر: قُتل يوم الحرة سنة ثلاث وستين.
584 - معاذ بن الحارث بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك ابن النجار الأنصارى النجارى الصحابى:
ويُعرف بابن عفراء، وهى أمه بنت عبيد بن ثعلبة من بنى غنم بن مالك بن النجار. شهد معاذ وأخواه عوف ومعوذ بنو عفراء بدرًا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقُتل عوف ومعوذ، وأسلم معاذ فشهد أُحُدًا، والخندق، وسائر المشاهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وذكر ابن إسحاق فيمن شهد بدرًا من الأنصار من بنى سواد بن مالك عوفًا، ومعوذًا، ومعاذًا، ورفاعة بنى الحارث، وهم بنو عفراء، وقيل: إن معاذًا بقى إلى زمن عثمان، وقيل: جرح ببدر وعاد إلى المدينة، فتوفى بها.
وقال خليفة بن خياط: عاش معاذ إلى زمن على. وذكر الواقدى أن معاذ بن الحارث ورافع بن مالك الزرقى أول من أسلم من الأنصار بمكة، وأن معاذًا هذا من اليمانية الذين أسلموا أول من أسلم من الأنصار بمكة. قال: وآخى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينه وبين معمر بن الحارث. قال: وتوفى معاذ فى زمن على، رضى الله عنه، سنة صفين، وأما قول ابن مندة أنه قتل ببدر، فاتفقوا على تغليطه فيه، وفى كلامه ما يرد على نفسه، ومعاذ هذا الذى شارك فى قتل أبى جهل.
ثبت فى صحيح البخارى وغيره، عن أنس، قال: قال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم بدر: “من ينظر ما صنع أبو جهل؟ ”، فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه أبناء عفراء حتى برد، فقال: أنت أبو جهل، وذكر تمام الحديث.
585 - معاوية بن حديج بن أبى حنيفة الكوفى الكندى التجيبى الصحابى (1) :
كنيته أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو نعيم، معدود فى المصريين، غزا إفريقية أميرًا ثلاث مرات، وأصيبت عينه فيها، وقيل: غزا الحبشة مع ابن أبى سرح، وتوفى قبل ابن عمر بيسير.
586 - معاوية بن الحكم الصحابى، رضى الله تعالى عنه (2) :
مذكور فى المهذب فى باب ما يفسد الصلاة، وباب سجود السهو، وهو معاوية بن الحكم السُلمى، بضم السين، سكن المدينة، وحديثه المذكور فى المهذب فى هذين البابين رواه مسلم فى صحيحه، وقد روى معاوية عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثة عشر حديثًا.
587 - معاوية بن حيدة - بفتج الحاء المهملة وإسكان المثناة تحت - ابن معاوية بن قيس بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة القشيرى البصرى الصحابى (3) :
وهو جد بهز بن حكيم بن معاوية الراوى عن أبيه، عن جده، مذكور فى المهذب فى الزكاة، وغزا خراسان ومات بها، سُئل يحيى بن معين، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، فقال: إسناد صحيح إذا كان من دونهم ثقة.
588 - معاوية بن أبى سفيان (4) :
الصحابى ابن الصحابى. تكرر فى هذه الكتب، هو أبو عبد الرحمن معاوية بن أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى القرشى الأموى، وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، يجتمع أبوه وأمه فى عبد شمس، أسلم هو وأبوه أبو سفيان وأخوه يزيد بن أبى سفيان، وأمه هند فى فتح مكة، وكان معاوية يقول: إنه أسلم يوم الحديبية وكتم إسلامه من أبيه وأمه، وشهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حنينًا، فأعطاه من غنائم هوازن مائة بعير وأربعين أوقية، وكان هو وأبوه من المؤلفة قلوبهم، ثم حسن إسلامهما.
وكان أحد الكُتاب لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولما بعث أبو بكر، رضى الله تعالى عنه، الجيوش إلى الشام سار معاوية مع أخيه يزيد، فلما مات يزيد استخلفه على عمله بالشام، وهو دمشق، فأقره عمر، رضى الله عنه، مكانه. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة حديث وثلاثة وستون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم على أربعة منها، وانفرد
_________
(1) انظر: الإصابة (3/431) ، والنجوم الزاهرة (1/151) ، وطبقات ابن سعد (7/503) ، والتاريخ الكبير (7/328) ، والجرح والتعديل (8/377) ، والاستيعاب (3/406) ، ووفيات الأعيان (3/130) ، وأسد الغابة (4/383) ، وسير أعلام النبلاء (3/37) ، والبداية والنهاية (8/60) ، وتهذيب التهذيب (10/203) ..
(2) انظر: الإصابة (3/432) ، وتهذيب التهذيب (10/205) ، والتاريخ الكبير (7/328) ، والجرح والتعديل (8/376) ، والاستيعاب (3/403) ، وأسد الغابة (4/384) .
(3) انظر: الإصابة (3/432) ، والثقات لابن حبان (3/374) ، والجرح والتعديل (8/376) ، وطبقات ابن سعد (7/35) ، وتهذيب التهذيب (10/205، 206) ، والتاريخ الكبير (7/329) ، وأسد الغابة (8/376) .
(4) انظر: والإصابة (3/433 - 435) ، والتاريخ الكبير (7/326 - 328) ، والجرح والتعديل (8/377) ، ومشاهير علماء الأمصار (50) برقم (326) ، والاستيعاب (3/395) ، وأسد الغابة (4/385 - 388) ، والكاشف (3/138، 139) ، وسير أعلام النبلاء (3/119 - 162) برقم (25) ، وتهذيب التهذيب (10/207) ، والشعر والشعراء (2/809) ، والطبقات الكبرى (3/32، 7/406) ، وتاريخ بغداد (1/207 - 210) ، والجمع بين رجال الصحيحين (2/489) ، ونهاية الأرب (20/543، 544) ، والبداية والنهاية (8/20، 117) ، والعقد الثمين (7/227) ، وشذرات الذهب (1/65) ..(2/101)
البخارى بأربعة، ومسلم بخمسة.
روى عنه من الصحابة ابن عباس، وأبو الدرداء، وجرير بن عبد الله، والنعمان بن بشير، وابن عمر، وابن الزبير، وأبو سعيد الخدرى، والسائب بن يزيد، وأبو أمامة بن سهل. ومن التابعين ابن المسيب، وحميد بن عبد الرحمن، وغيرهما. ولما ولاه عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، الشام مكان أخيه يزيد بقى أميرًا خلافة عمر، ثم أقره عثمان، وولى الخلافة بعد ذلك عشرين سنة.
قال محمد بن سعيد: بقى معاوية أميرًا عشرين سنة، وخليفة عشرين سنة. وقال الوليد بن مسلم: كان خلافته تسع عشرة سنة ونصفًا، وقيل: تسع عشرة سنة وثمانية أشهر وعشرين يومًا. وولى دمشق أربع سنين من خلافة عمر، واثنتى عشرة من خلافة عثمان، مع ما أضاف إليه من باقى الشام، وأربع سنين تقريبًا أيام خلافة على، وستة أشهر خلافة الحسن، وسلم إليه الخلافة سنة إحدى وأربعين، وقيل: سنة أربعين، والأول أصح.
واتفقوا على أنه توفى بدمشق، ثم المشهور أنه توفى يوم الخميس لثمان بقين من رجب، وقيل: لنصف رجب سنة ستين من الهجرة، وقيل: سنة تسع وخمسين وهو ابن اثنين وثمانين سنة، وقيل: ثمان وسبعين سنة، وقيل: ست وثمانين، وهو من الموصوفين بالدهاء والحلم، وذكروا أن عمر بن الخطاب لما دخل الشام فرأى معاوية قال: هذا كسرى العرب. ولما حضرته الوفاة أوصى أن يكفن فى قميص كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كساه إياه، وأن يجعل مما يلى جسده، وكان عنده قلامة أظفار رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأوصى أن تسحق وتجعل فى عينيه وفمه، وقال: افعلوا ذلك بى، وخلوا بينى وبين أرحم الراحمين. ولما نزل به الموت قال: يا ليتنى كنت رجلاً من قريش بذى طوى، وإنى لم أل من هذا الأمر شيئًا. وكان ابنه يزيد غائبًا بحوران وقت وفاة معاوية، فأرسل إليه البريد، فلم يدركه.
وكان معاوية أبيض جميلاً يخضب، وروى عنه قال: مازلت أطمع بالخلافة منذ قال لى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إن وليت فأحسن”. قال ابن قتيبة فى المعارف: لم يولد لمعاوية فى زمن خلافته ولد؛ لأنه ضرب على إليته فانقطع عنه الولد، ولد له قبلها عبد الرحمن لأم ولد، ويزيد أمه ميسورة بنت مجدل الكلبية، وعبد الله، وهند، ورملة، وصفية.
روينا عن عبد الرحمن بن أبى عميرة الصحابى، رضى الله عنه، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال(2/103)
لمعاوية: “اللهم اجعله هاديًا مهديًا”. رواه الترمذى، وقال: حديث حسن.
وفى صحيح البخارى فى كتاب المناقب عن ابن أبى مليكة، قال: قيل لابن عباس: هل لك فى أمير المؤمنين معاوية ما أوتر إلا واحدة؟ قال: أصاب إنه فقيه.
وفى الصحيحين عن فاطمة بنت قيس أنها قالت: يا رسول الله، إن معاوية وأبا جهم خطبانى ... إلى آخره. ذكره فى المهذب فى النكاح المراد بمعاوية معاوية بن أبى سفيان هذا، هو الصواب المشهور، وحكى أبو القاسم الرافعى فى كتاب النكاح من شرح الوجيز عن بعض العلماء أنه معاوية آخر. قال: والمشهور أنه ابن أبى سفيان.
قلت: وقول من قال أنه غير ابن أبى سفيان غلط صريح، ففى صحيح مسلم عن فاطمة بنت قيس قالت: لما حللت ذكرت للنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن معاوية بن أبى سفيان وأبا الجهم خطبانى، وذكرت تمام الحديث.
589 - معاوية بن معاوية المزنى:
ويقال: الليثى، ويقال: معاوية بن مقرن المزنى. قال ابن عبد البر: هذا أولى بالصواب، وهو صحابى توفى فى حياة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وروينا فى دلائل النبوة للبيهقى وغيره، عن أنس، قال: نزل جبريل على النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو بتبوك، فقال: يا محمد، مات معاوية بن معاوية المزنى بالمدينة، فيجب أن تصلى عليه، قال: “نعم”، فضرب بجناحه الأرض، فلم تبق شجرة ولا أكمة إلا تضعضت، ورفع له حتى نظر إليه، فصلى عليه وخلفه صفان من الملائكة، فى كل صف ألف ملك، فقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “يا جبريل، بم نال هذه المنزلة؟ ”، قال بحبه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، وقراءته إياها جائيًا وذاهبًا، وقائمًا وقاعدًا، وعلى كل حال. قال ابن عبد البر: ليس إسناده بقوى.
590 - معتمر بن سليمان بن طرخان (1) :
أبو محمد التيمى البصرى. لم يكن من بنى تيم، وإنما نسب إليهم؛ لأنه نزل فيهم، وهو مولى لبنى مرة، وهو من تابعى التابعين. سمع أباه، وعبد الملك بن عمير، وإسماعيل بن أبى خالد، وعاصمًا الأحول، وأيوب السختيانى، ومنصور بن المعتمر، وخلائق. روى عنه ابن المبارك، وابن مهدى، وعبد الرزاق، وعفان، والحسن بن عرفة، وأحمد بن حنبل، وابن المدينى، وخلائق من
_________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/290) ، والتاريخ الكبير للبخارى (8/2110) ، والجرح والتعديل (8/1845) ، وسير أعلام النبلاء (8/420) ، وميزان الاعتدال (4/8648) ، وتهذيب التهذيب لابن حجر (10/227 - 228) ، تقريب التهذيب (6785) ، وقال: “ثقة من كبار التاسعة مات سنة سبع وثمانين ومائة، وقد جاوز الثمانين ع”..(2/104)
الأئمة، وأجمعوا على توثيقه، وجلالته، ووصفه بالعبادة، ولد سنة ست ومائة، وتوفى سنة سبع وثمانين ومائة بالبصرة.
591 - معقل بن سنان الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب والوسيط فى الصداق فى حديث يربوع بنت واشق، هو بفتح الميم، وإسكان العين المهملة، وهو أبو محمد، ويقال: أبو عبد الرحمن، وأبو يزيد، وأبو عيسى، وأبو سنان معقل بن سنان بن مظهر، بضم الميم وفتح الظاء المعجمة وكسر الهاء، ابن عركى بن فتيان بن سبيع، بضم السين، ابن بكر بن أشجع الأشجعى.
شهد فتح مكة، ثم سكن الكوفة، ثم تحول إلى المدينة. قال الحاكم أبو أحمد فى كتابه الكنى: أنه قُتل يوم الحرة صبرًا، وكانت الحرة بالمدينة سنة ثلاث وستين، وكان فاضلاً تقيًا. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديث يربوع بنت واشق، وهو حديث صحيح، رواه أبو داود، والترمذى، والنسائى، وابن ماجة، وغيرهم، وإسناده إسناد صحيح. قال الترمذى: هو حديث حسن صحيح.
وخالفهم أبو بكر بن أبى خيثمة، فقال فى تاريخه فى ترجمة معقل هذا: حديث مختلف فيه. قال أبو سعيد الدرامى: ما خلق الله معقل بن سنان قط ولا كانت يربوع بنت واشق قط، وهذا الذى قاله الدارمى غلط منه وجهالة؛ لما علمه الحفاظ وغيرهم، والصواب ما قدمناه، وإنما ذكرت هذا لأنبه على بطلانه؛ لئلا يراه من لا يعرف حاله فيتوهمه صحيحًا.
592 - معقل بن مقرن الصحابى، رضى الله عنه:
بفتح القاف، وكسر الراء المشددة، المزنى، وهو أخو سويد والنعمان بن مقرن، وكانوا سبعة أخوة: معقل، وسويد، والنعمان، وعقيل، وسنان، وعبد الرحمن، وسابع لم يسم، بنو مقرن، هاجروا وصحبوا النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقيل: شهدوا الخندق.
قال ابن عبد البر: قال الواقدى: قال ابن نمير: لا يُعرف فى أحد من الناس سبعة صحابيون مهاجرون غيرهم.
وقد أنكر هذا، فقد ذكر ابن عبد البر فى الاستيعاب أيضًا أن بنى حارثة بن هند الأسلميين كانوا ثمانية، أسلموا كلهم وشهدوا بيعة الرضوان، ذكر ذلك فى ترجمة هند بنت حارثة، فقال: وشهد
_________
(1) الطبقات الكبرى ابن سعد (4/282، 6/55) ، والتاريخ الكبير للبخارى (7/1704) ، والجرح والتعديل (8/1305) ، والاستيعاب (3/1431) ، وأسد الغابة (4/398) ، وسير أعلام النبلاء (2/576) ، وتاريخ الإسلام (3/83) ، وتهذيب التهذيب (10/233 - 234) ، والإصابة (3/8136) . تقريب التهذيب (6796) ، وقال: “صحابي نزل المدينة ثم الكوفة واستشهد بالحرة سنة ثلاث وستين 4”..(2/105)
هند بن حارثة بيعة الرضوان مع أخوة له سبعة، وهم: هند، وأسماء، وخراش، وذؤيب، وفضالة، وسلمة، ومالك، وحمران.
قال: ولم يشهدها أخوة فى عددهم غيرهم. قال: ولزم منهم النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثنان: أسماء وهند، حتى ظنهما أبو هريرة خادمين له لطول لزومهما إياه، وكانا من أهل الصفة، وقد ذكرناهم فى ترجمة هند بن حارثة أيضًا من هذا الكتاب، فليعلم.
593 - معقل بن يسار (1) :
بياء ثم سين مهملة، الصحابى، رضى الله عنه. مذكور فى المهذب فى أول الجنائز حديثه: “اقرؤا على موتاكم يس” (2) . رواه أبو داود، وابن ماجة بإسناد ضعيف. وهو أبو عبد الله، ويقال: أبو يسار، وأبو على معقل بن يسار بن معبر بن حراق بن لأى بن كعب بن عبيد بن ثور بن هذمة بن لاطم بن عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة بن إلياس ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان المزنى البصرى.
ومعبر بضم الميم، وفتح العين المهملة، وكسر الموحدة المشددة، وقيل: معير بكسر الميم، وإسكان العين، وفتح المثناة تحت، وحراق بضم الحاء المهملة، وقيل: حسان بدل حراق، ويقال لأولاد عثمان وأوس ابنى عمرو: بنو مزينة، نسبوا إلى أمهم مزينة بنت كلب بن وبرة.
وكان معقل هذا من مشهورى الصحابة، شهد بيعة الرضوان، ونزل البصرة، وبها توفى فى آخر خلافة معاوية، وقيل: توفى أيام يزيد. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعة وثلاثون حديثًا، اتفقا على حديث، وانفرد البخارى بحديث، ومسلم بحديثين. روى عنه عمرو بن ميمون، وأبو عثمان النهدى، والحسن البصرى.
قال أحمد بن عبد الله العجلى: ليس فى الصحابة من يكنى أبا على غير معقل بن يسار هذا، وهذا الذى قال مردود، فقد سبق أن طلق بن على كنيته أبو على. وذكر الحاكم أبو أحمد وغيره أن قيس بن عاصم كنيته أبو على، وقيل: أبو قبيصة، وكان لمعقل دار بالبصرة، وإليه يُنسب نهر معقل الذى فى البصرة، وإليه أيضًا يُنسب التمر المعقلى الذى بالبصرة.
وروينا فى صحيح مسلم، عن معقل بن يسار هذا، قال: لقد رأيتنى يوم الشجرة والنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يبايع الناس، وأنا رافع غصنًا من أغصانها عن رأسه، ونحن أربع عشر مائة، ولم نبايعه على الموت، ولكن بايعناه على أن لا نفر.
_________
(1) الطبقات الكبرى ابن سعد (7/14) ، والتاريخ الكبير للبخارى (7/1705) ، والجرح والتعديل (8/1306) ، والاستيعاب (3/1432) ، وأسد الغابة (4/398) ، وسير أعلام النبلاء (2/576) ، وتهذيب التهذيب (10/235 - 236) ، والإصابة (3/8142) . تقريب التهذيب (6800) ، وقال: “صحابي ممن بايع تحت الشجرة وكنيته أبو علي على المشهور وهو الذي ينسب إليه نهر معقل بالبصرة مات بعد الستين ع”..
(2) أخرجه أحمد (5/26، رقم 20316) ، وأبو داود (3/191، رقم 3121) ، وابن ماجه (1/466، رقم 1448) ، وابن حبان (7/269، رقم 3002) ، والطبرانى (20/219، رقم 510) ، والحاكم (1/753، رقم 2074) ، والبيهقى (3/383، رقم 6392) . وأخرجه أيضاً: الطيالسى (ص 126، رقم 931) ، وابن أبى شيبة (2/445، رقم 10853) ، والنسائى فى الكبرى (6/265، رقم 10913) .(2/106)
594 - معمر بن راشد (1) :
الإمام المحدث المشهور، مذكور فى مواضع من المختصر منها نكاح المشرك، ثم أجل العنين، ثم الأشربة، وهو صاحب الزهرى، وشيخ عبد الرزاق، وهو أبو عروة مَعْمَر، بفتح الميم وإسكان العين، ابن راشد بن أبى عمرو البصرى، مولى عبد السلام بن صالح، وعبد السلام مولى عبد الرحمن بن قيس أخو المهلب بن أبى صفرة؛ لأنه سكن اليمن، أدرك الحسن، وشهد جنازته.
وسمع عمرو بن دينار، والزهرى، وثابتًا البنانى، وسليمان التيمى، وزياد بن علاقة، والسبيعى، وقتادة السختيانى، وهمام بن منبه، ومحمد بن المنكدر، وزيد بن أسلم، وعبيد الله العمرى، وعاصمًا الأحول، وعاصم بن أبى النجود، وهشام بن عروة، ومنصور بن المعتمر، وإسماعيل بن أمية، وخالد الحذاء، وسهيل بن أبى صالح، وخلائق من الأئمة.
روى عنه عمرو بن دينار، والسبيعى، وأيوب السختيانى، ويحيى بن أبى كثير، وهم من شيوخه، وابن جريج، وسعيد بن أبى عروبة، والثورى، وابن عيينة، وشعبة، وحماد ابن زيد، وابن المبارك، وابن علية، ومروان بن معاوية، ووهب بن خالد، ويزيد بن زريع، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وعبد الواحد بن زياد، وغندر، وعيسى بن يونس، وعبد الرزاق بن همام، وخلائق من الأئمة وغيرهم.
قال معمر: جلست إلى قتادة وأنا ابن أربع عشرة سنة، فما سمعت منه حديث إلا كأنه ينقش فى صدرى. وقال أحمد بن حنبل: لا يضم معمر إلى أحد إلا ومعمرًا أطلب للعلم منه، وهو أول من رحل إلى اليمن. وقال ابن معين: معمر أثبت فى الزهرى من ابن عيينة. قال: أثبت الناس فى الزهرى: مالك، ومعمر، ويونس. وقال ابن جريج: إن معمرًا شرب من العلم ما نقع.
وقال أحمد بن عبد الله: سكن معمر صنعاء اليمن وتزوج بها، رحل إليه سفيان، وسمع منه هناك، وسمع هو من سفيان، ولما دخل معمر صنعاء كرهوا خروجه من عندهم، فقال رجل: نقيده، فزوجوه. واتفقوا على توثيقه، وجلالته. روى له البخارى ومسلم. توفى سنة ثلاث، وقيل: أربع وخمسين ومائة، وهو ابن ثمان وخمسين سنة.
595 - معمر العدوى الصحابى (2) :
مذكور فى المهذب فى باب الزنا، وفى آخر
_________
(1) الطبقات الكبرى ابن سعد (5/546) ، والتاريخ الكبير للبخارى (7/1631) ، والجرح والتعديل (8/1165) ، وسير أعلام النبلاء (7/5) ، وتاريخ الإسلام (6/294) ، وميزان الاعتدال (4/8682) ، وتهذيب التهذيب (10/243 - 246) . تقريب التهذيب (6809) ، وقال: “ثقة ثبت فاضل إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش [وعاصم بن أبي النجود] وهشام ابن عروة شيئا وكذا فيما حدث به بالبصرة من كبار السابعة مات سنة أربع وخمسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة ع”..
(2) الطبقات الكبرى ابن سعد (4/139) ، والتاريخ الكبير للبخارى (7/1621) ، والجرح والتعديل (8/1158) ، والاستيعاب (3/1434) ، وأسد الغابة (4/400) ، وتهذيب التهذيب (10/246) ، والإصابة (3/8151) . تقريب التهذيب (6811) ، وقال: “صحابي كبير من مهاجرة الحبشة م ت ق”..(2/107)
باب النجش، وهو معمر بن عبد الله بن نضلة بن عبد العزى بن حرثان، بضم الحاء المهملة وإسكان الراء المهملة والثاء المثلثة، ابن عوف بن عبيد، بفتح العين وكسر الباء، ابن عويج، بفتح العين وكسر الواو وبالجيم، ابن عدى بن كعب بن لؤى بن غالب القريشى العدوى.
يلتقى مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى كعب، ويقال له: معمر بن أبى معمر، معدود فى أهل المدينة، أسلم رضى الله عنه قديمًا، وهاجر الهجرة الثانية إلى الحبشة، وقدم المدينة عام خيبر مع أصحاب السفينتين، وعاش عمرًا طويلاً، قيل: إنه الذى حلق شعر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى حجة الوداع، وهذه منقبة عظيمة لم يصل إليها غيره، وسيأتى بيانه إن شاء الله تعالى فى النوع السابع فى المبهمات.
رُوى لمعمر عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبعة أحاديث، روى مسلم فى صحيحه منها واحدًا، وهو الحديث المذكور فى المهذب: “لا يحتكر إلا خاطىء”. روى عنه سعيد بن المسيب، وبُسر بن سعيد، بضم الموحدة، ووقع فى نسخ المهذب فى باب النجش: معمر العذرى، بضم العين وإسكان الذال المعجمة وبالراء، وهو خطاء وتصحيف، وصوابه: العدوى، بفتح العين والدال المهملة وبالواو، نسبة إلى جده عدى بن كعب.
596 - معيقيب الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب فى آخر باب ما يفسد الصلاة، وهو بميم مضمومة ثم عين مهملة مفتوحة مصغرًا، وهو معيقيب بن أبى فاطمة الدوسى، أسلم قديمًا بمكة، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، ثم هاجر إلى المدينة، شهد بدرًا، وكان على خاتم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واستعمله أبو بكر وعمر، رضى الله عنهما، على بيت المال.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبعة أحاديث، اتفقا على حديث واحد، وهو المذكور فى المهذب، وهو النهى عن مس الخصى، ولمسلم آخر وهو الذى سقط من يده خاتم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى بئر أريس فى المدينة فى خلاف عثمان، ومن حين سقط اختلفت الكلمة بين المسلمين، وكان الخاتم كالأمان. توفى معيقيب فى آخر خلافة عثمان، وقيل: فى سنة أربعين فى خلافة على، رضى الله عنه، وله عقب.
597 - مغفل الصحابى، رضى الله عنه:
بضم الميم، وفتح الغين المعجمة، والفاء
_________
(1) الطبقات الكبرى ابن سعد (4/116) ، والتاريخ الكبير للبخارى (8/2123) ، والجرح والتعديل (8/1938) ، والاستيعاب (4/1478) ، وأسد الغابة (4/402) ، وسير أعلام النبلاء (2/491) ، وتهذيب التهذيب (10/254 - 255) ، والإصابة (3/8164) . تقريب التهذيب (6825) ، وقال: “معيقيب بقاف وآخره موحدة مصغر، من السابقين الأولين هاجر الهجرتين وشهد المشاهد وولي بيت المال لعمر ومات في خلافة عثمان أو علي ع”..(2/108)
المشددة. تكرر فى المهذب. هو والد عبد الله ابن مغفل المزنى الصحابى، ذكره ابن عبد البر فى الصحابة قال: قال أبو جعفر الطبرى: مغفل هذا هو أخو ذى النجادين المزنى. توفى مغفل بطريق مكة قبل أن يدخلها قبل فتح مكة بقليل سنة ثمان، رحمه الله.
598 - مغيث:
بضم الميم، وكسر الغين المعجمة، زوجد بريرة. مذكور فى المختصر فى خيار الأمة باسمه، وذكره فى المهذب: زوج بريرة. قال ابن مندة، وأبو نعيم: هو مولى أبى أحمد بن جحش. وقال ابن عبد البر: هو مولى بنى مطيع، وقيل: كان مولى لبنى مخزوم، فهو قريشى بالولاء على قول من يقول: هو مولى بنى مخزوم، أو مولى بنى مطيع؛ لأنهم من عدى قريش. وأما أبو أحمد، فمن أشد خزيمة، ثم الصحيح المشهور أن مغيثًا كان عبدًا حال عتق بريرة، ثبت ذلك فى الصحيح عن عائشة، وقيل: كان حُرًا، وجاء ذلك فى رواية لمسلم، والمشهور أنه كان عبدًا.
وفى صحيح البخارى، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن زوج بريرة كان عبدًا يقال له: مغيث، كأنى أنظر إليه يطوف خلفها يبكى ودموعه تسيل على لحيته، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “ألا تعجبون من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثًا” (1) ، فقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “لو راجعتيه”، قالت: يا رسول الله، تأمرنى؟ قال: “إنما أنا أشفع”، قالت: لا حاجة لى فيه.
599 - المغيرة بن شعبة الصحابى، رضى الله تعالى عنه (2) :
تكرر فى هذه الكتب. قال ابن السكيت وآخرون من أهل اللغة: يقال: المغيرة، بضم الميم وكسرها، والضم أشهر. وهو أبو عبد الله، ويقال: أبو عيسى، ويقال: أبو محمد المغيرة بن شعبة بن أبى عامر بن مسعود بن معتب، بالعين المهملة المفتوحة، ابن مالك ابن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسى بن منبه، وهو ثقيف بن بكر بن هوازن ابن منصور بن عكرمة بن خصفة، بفتح الخاء المعجمة والصاد المهملة، ابن قيس عيلان، بالعين المهملة، ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الثقفى الكوفى الصحابى.
أسلم عام الخندق. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة وستة وثلاثون حديثًا، اتفقا منها على تسعة، وانفرد البخارى
_________
(1) أخرجه البخارى (5/2023، رقم 4979) ، وأبوداود (2/270، رقم 2231) ، والنسائى (8/245، رقم 5417) ، وابن ماجه (1/671، رقم 2075) . وأخرجه أيضا: ابن حبان (10/96، رقم 4273) .
(2) الطبقات الكبرى ابن سعد (4/284، 6/20) ، والتاريخ الكبير للبخارى (7/1347) ، والجرح والتعديل (8/1005) ، والاستيعاب (4/1445) ، وأسد الغابة (4/406) ، وسير أعلام النبلاء (3/21) ، وتهذيب التهذيب (10/262 - 263) ، والإصابة (3/8179) . تقريب التهذيب (6840) ، وقال: “صحابي مشهور أسلم قبل الحديبية وولي إمرة البصرة ثم الكوفة مات سنة خمسين على الصحيح ع”..(2/109)
بحديث، ولمسلم حديثان. روى عنه أبو أمامة الباهلى، والمسور بن مخرمة، وقرة المزنى الصحابيون، ومن التابعين جماعات منهم بنوه الثلاثة: عروة، حمزة، وعقار، بتشديد القاف وبعد الألف راء، وقيس بن أبى حازم، ومسروق، وأبو وائل، وأبو إدريس الخولانى، وعروة بن الزبير، والشعبى، ووراد كاتب المغيرة، ومولاه، وآخرون. وكان المغيرة موصوفًا بالدهاء والحلم.
قال ابن الأثير: قيل: إن المغيرة أحصن ثلاثمائة امرأة فى الإسلام، وقيل: ألف، وشهد المغيرة الحديبية مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وله فى صلحها كلام مع عروة بن مسعود معروف، وولاه عمر بن الخطاب البصرة مدة، ثم نقله عنها فولاه الكوفة، فلم يزل عليها حتى قُتل عمر، فأقره عليها عثمان، ثم عزله.
وشهد اليمامة، وفتح الشام، وذهبت عينه يوم اليرموك، وشهد القادسية، وشهد فتح نهاوند، وكان على ميسرة النعمان بن مقرن، وشهد فتح همدان وغيرها، واعتزل الفتنة بعد قتل عثمان، وشهد الحكمين، ثم استعمله معاوية على الكوفة، فلم يزل عليها حتى توفى بها سنة خمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين. قالوا: وهو أول من وضع ديوان البصرة.
600 - مقاتل بن حبان المفسر (1) :
هو أبو بسطام مقاتل بن حبان البلخى الخراز، بالخاء المعجمة وراء، وهو مولى بكر ابن وائل، وهو من تابعى التابعين. روى عن سالم بن عبد الله بن عمر، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبى رباح، وأبى بردة بن أبى موسى، وعمر بن عبد العزيز، ومجاهد، والحسن البصرى، وأبى الصديق الناجى، وشهر بن حوشب، وعبد الله بن بريدة، والضحاك بن مزاحم، وغيرهم. روى عنه علقمة بن مرثد، وعتاب بن محمد، وأبو جعفر الرازى، وعبد الله بن المبارك، وخلائق غيرهم. واتفقوا على توثيقه والثناء عليه.
قال مروان بن محمد، ويحيى بن معين: هو ثقة. قال عبد الرحمن بن الحكم: ذاك مرتفع مرتفع. وقال الدارقطنى: صالح الحديث. وقال أحمد بن يسار: هم أربعة إخوة: مقاتل، والحسن، وبريدة، ومصعب بنو حبان، وكان مقاتل ناسكًا، فاضلاً، وكان هرب إلى كابل، ودعا خلقًا إلى الإسلام
_________
(1) انظر: تقريب التهذيب (2/272) ، والجرح والتعديل (8/353) ، وتهذيب التهذيب (10/277) ، وميزان الاعتدال (4/171) ، وتاريخ ابن معين (2/583) ، والتاريخ الكبير (8/13) ، وسير أعلام النبلاء (6/340) برقم (144) ، وتذكرة الحفاظ (1/174) ، وطبقات المفسرين (2/329) ..(2/110)
فأسلموا، وذلك أيام أبى مسلم حين هربوا منه. وتوفى بكابل فتسلب عليه ملكها، فقيل: إنه ليس على دينك، فقال: إنه كان رجلاً صالحًا.
601 - مقاتل بن سليمان المفسر (1) :
قال ابن أبى حاتم: هو مقاتل بن سليمان صاحب التفسير والمناكير. روى عن الضحاك، ومجاهد، والزهرى، وابن بريدة. روى عنه عبد الرزاق، وحرمى بن عمارة، وعلى بن الجعد، وعيسى بن أبى فاطمة.
حدثنا أبو سعيد الأشج، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، قال: والله لقد مات الضحاك، وإن مقاتل بن سليمان له قرطان وهو فى الكتاب. وسُئل وكيع عن تفسير مقاتل، فقال: لا تنظروا فيه، فقال: ما أصنع به؟ قال: ادفنه، يعنى التفسير. وقال وكيع أيضًا: كان مقاتل بن سليمان كذابًا.
وروى أن مقاتل بن سليمان جلس فى مسجد بيروت، فقال: لا تسألونى عن شىء دون العرش إلا أنبأتكم عنه، فقال الأوزاعى لرجل: قم إليه فاسأله ما ميراثه من جدتيه؟ فحار ولم يكن عنده جواب، فما بات فيها إلا ليلة واحدة، ثم خرج بالغداة. وقال أحمد بن حنبل: لا يعجبنى أن أروى عن مقاتل بن سليمان شيئًا. وقال عبد الرحمن ابن الحكم: ترك الناس حديثه. وقال يحيى بن معين: حديثه ليس بشىء. وقال أبو حاتم: هو متروك الحديث.
602 - مقداد بن الأسود (2) :
تكرر فى المهذب، هو أبو الأسود، وقيل: أبو عمرو، وقيل: أبو معبد الصحابى، المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن تمامة بن مطرود بن عمرو بن سعد بن دهير، بفتح الدال المهملة وكسر الهاء، ابن لؤى بن ثعلبة بن مالك بن الشريد، بفتح الشين المعجمة، ابن هون، ويقال: ابن أبى هون بن فابس، ويقال: فارس، ويقال: قاس ابن دريم بن القين بن أهود بن بهر بن عمرو بن الحاف بن قضاعة البهرانى الكندى الصحابى، وهو المقداد بن عمرو حقيقة.
واشتهر بالمقداد بن الأسود؛ لأنه كان فى حِجر الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب الزهرى فتبناه، فنُسب إليه، ويقال له: المقداد الكندى؛ لأنه أصاب دمًا فى بهراء، فهرب منهم إلى كندة، فحالفهم، ثم
_________
(1) الطبقات الكبرى ابن سعد (7/373) ، والتاريخ الكبير للبخارى (8/1976) ، والجرح والتعديل (8/1630) ، وسير أعلام النبلاء (7/201) ، وتاريخ الإسلام (6/132) ، وميزان الاعتدال (4/8741) ، وتهذيب التهذيب (10/279 - 285) . تقريب التهذيب (6868) ، وقال: “كذبوه وهجروه ورمى بالتجسيم من السابعة مات سنة خمسين ومائة ل”..
(2) انظر: الاستيعاب (3/472) ، وأسد الغابة (4/409) ، وحلية الأولياء (1/172) ، والتاريخ الكبير (8/54) ، وطبقات ابن سعد (3/161) ، والإصابة (3/454) ، والعقد الثمين (7/268) ، وسير أعلام النبلاء (1/385) (81) ، ونهاية الأرب (19/461) ..(2/111)
أصاب دمًا فيهم، فهرب منهم إلى مكة، فحالف الأسود بن عبد يغوث فهو بهرانى، ويقال: الكندى، ويقال: زهرى، وهو قديم الإسلام والصحبة من السابقين إلى الإسلام.
قال ابن مسعود: أول من أظهر إسلامه بمكة سبعة، منهم المقداد بن الأسود، وهاجر إلى الحبشة، ثم عاد إلى مكة، ثم هاجر إلى المدينة، وشهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدرًا وسائر المشاهد، ولم يثبت أنه شهد بدرًا فارس مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير المقداد، وقيل: كان الزبير فارسًا أيضًا.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثنان وأربعون حديثًا، اتفقا على حديث واحد، ولمسلم ثلاثة، روى عنه من الصحابة على بن أبى طالب، وابن مسعود، وابن عباس، والسائب ابن يزيد، وسعيد بن العاص، والمستورد بن شداد، وطارق بن شهاب. وروى عنه خلائق من التابعين، منهم عبيد الله بن عدى، وهمام بن الحارث، وعبد الرحمن بن أبى ليلى، وسليم بن عامر، وميمون بن أبى شبيب، وجبير بن نفير، وأبو ظبية، بالظاء المعجمة، وغيرهم.
توفى بالحرف على عشرة أميال من المدينة، وحمل على رقاب الرجال إلى المدينة، وقيل: توفى بالمدينة فى خلافة عثمان بن عفان سنة ثلاث وثلاثين، وهو ابن سبعين سنة، وصلى عليه عثمان، وأوصى إلى الزبير، وشهد فتح مصر، ومناقبه كثيرة.
وفى صحيح البخارى، عن ابن مسعود، قال: شهدت من المقداد بن الأسود مشهدًا لأن أكون أنا صاحبه أحب إلىَّ مما عدله به، أتى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يدعو على المشركين يوم بدر، فقال: يا رسول الله، إنا لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى، عليه السلام: {اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24] ، ولكن امضى ونحن معك، فكأنه سرى عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وفى الترمذى عن بريدة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إن الله عز وجل أمرنى بحب أربعة، وأخبرنى أنه يحبهم”، قيل: يا رسول الله، سمهم لنا، فقال: “على منهم”، يقول ذلك ثلاثًا، “وأبو ذر، والمقداد، وسلمان” (1) ، قال الترمذى: حديث حسن.
603 - المقدام بن معدى كَرِب الصحابى، رضى الله عنه (2) :
آخره ميم، مذكور فى مسح الأذنين فقط، وكرب بفتح الكاف وكسر الراء، أما الباء فيجوز كسرها مع
_________
(1) أخرجه الترمذى (5/636، رقم 3718) ، وقال: حسن. وابن ماجه (1/53، رقم 149، والحاكم (3/141، رقم 4649) ، وتعقبه الذهبى فى التلخيص قائلا: ما خرج مسلم لأبى ربيعة الإيادى. وأبو نعيم فى الحلية (1/172) .
(2) الطبقات الكبرى ابن سعد (7/415) ، والتاريخ الكبير للبخارى (7/1882) ، والجرح والتعديل (8/1393) ، والاستيعاب (4/1482) ، وسير أعلام النبلاء (3/427) ، وتاريخ الإسلام (3/306) ، وتهذيب التهذيب (10/287) ، والإصابة (3/8184) . تقريب التهذيب (6871) ، وقال: “صحابي مشهور نزل الشام ومات سنة سبع وثمانين على الصحيح وله إحدى وتسعون سنة خ 4”..(2/112)
التنوين على الإضافة، ويجوز فتحها على البناء، وهما وجهان مشهوران فى العربية، وهو أبو كريمة، وقيل: أبو صالح، وأبو يحيى، وأبو بشر، والأول أشهر، المقدام بن معدى كرب بن عمرو بن يزيد بن معدى كرب الكندى. وفد على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى وفد كندة، عداده فى أهل الشام، سكن حمص. رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبعة وأربعون حديثًا. روى عنه خالد بن معدان، وشريح بن عبيد، وراشد بن سعد جبير بن نفير، وعبد الرحمن بن أبى عوف، والشعبى، وسليم بن عامر، وأبو عامر الهوزنى، وغيرهم. توفى بالشام سنة سبع وثمانين، وهو ابن إحدى وتسعين سنة.
604 - المقوقس:
صاحب الإسكندرية الكافر، الذى أهدى لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مارية أم إبراهيم، وأختها سيرين، والبغلة. ذكره ابن مندة، وأبو نعيم فى كتاب الصحابة، وغلطا فى ذلك، فإنه لم يسلم ومازال نصرانيًا، ومنه فتح المسلمون مصر فى خلافة عمر، رضى الله تعالى عنه. قال ابن ماكولا: اسم المقوقس جريج، يعنى بجيمين، أولهما مضمومة.
605 - مكحول (1) :
الفقيه التابعى. مذكور فى التحلل من الحج. هو أبو عبد الله مكحول بن زيد، ويقال: ابن أبى مسلم بن شاذل بن سند بن شروان بن يردك بن يغوث بن كسرى الكابلى الدمشقى، يقال: كابلى، ويقال: هذلى، فالكابلى من سبى كابل، والهذيلى قيل لأنه كان مولى لامرأة من هذيل، وقيل: كان مولى لسعيد بن العاص، فوهبه لامرأة من قريش فأعتقته، وكان يسكن دمشق، وداره عند طرف سوق الأحد.
سمع أنس بن مالك، وأبا هند الدارى، ووائلة بن الأسقع، وأبا أمامة، وعبد الرحمن ابن غنم، وأبا جندل بن سهيل، وأم أيمن، وغيرهم من الصحابة. وسمع جماعات من التابعين منهم ابن المسيب، ووراد كاتب المغيرة، ومسروق، وأبو سلمة، وجبير بن نفير، وكريب، وأبو مسلم، وأبو إدريس الخولانيان، وعروة بن الزبير، وعبد الله بن محيريز، وعنبسة بن أبى سفيان، وخالد بن اللجلاج، وكثير بن مرة، وأم الدرداء
_________
(1) الطبقات الكبرى ابن سعد (7/453) ، والتاريخ الكبير للبخارى (8/2008) ، والجرح والتعديل (8/1867) ، وسير أعلام النبلاء (5/155) ، وتاريخ الإسلام (5/3) ، وميزان الاعتدال (4/8749) ، وتهذيب التهذيب (10/289 - 293) . تقريب التهذيب (6875) ، وقال: “ثقة فقيه كثير الإرسال مشهور من الخامسة مات سنة بضع عشرة ومائة ر م 4”..(2/113)
الصغرى، وخلق سواهم.
روى عنه الزهرى، وحميد الطويل، ومحمد بن عجلان، ومحمد بن إسحاق، وعبد الله ابن العلاء بن زيد، وسالم بن عبد الله المحاربى، وموسى بن يسار، والأوزاعى، وسعيد ابن عبد العزيز، والعلاء بن الحارث، وثور بن يزيد، وأيوب بن موسى، ومحمد بن راشد المكحولى، ومحمد بن الوليد الزبيدى، وبرد بن سنان، وعبد الله بن عوف، ويحيى بن سعيد الأنصارى، وأسامة بن زيد الليثى، وبجير بن سعد، وصفوان بن عمرو، وثابت بن ثوبان، وخلائق لا يحصون.
وقال أبو مسهر: لم يسمع مكحول عنبسة بن أبى سفيان، ولا أدرى أدركه أم لا. وقال ابن إسحاق: سمعت مكحولاً يقول: طفت الأرض فى طلب العلم. وقال أبو وهيب، عن مكحول: عقبت بمصر فلم أدع بها علمًا إلا احتويت عليه فيما أرى، ثم أتيت العراق فلم أدع بها علمًا إلا احتويت عليه فيما أرى، ثم أتيت الشام فغربلتها. وقال أبو حاتم: ما أعلم بالشام أفقه من مكحول. وقال ابن يونس: كان فقيهًا، عالمًا. واتفقوا على توثيقه، سكن دمشق. توفى بها سنة ثمانى عشرة ومائة.
606 - منصور بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة (1) :
بضم الراء، وتشديد الباء المفتوحة، أبو عتاب السلمى الكوفى. وهو من كبار تابعى التابعين. سمع زيد بن وهب، وأبا وائل، وربعى بن حراش، وأبا حازم الأشجعى، وأبا الضحى النخعى، والشعبى، والزهرى، وسالم بن أبى الجعد، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وخلائق.
روى عنه سليمان التيمى، وأيوب، وحصين، والأعمش، ومسعد، والثورى، وهو أثبت الناس فيه، وشعبة، وابن عيينة، وزهير، وإسرائيل، وزايدة، ووهيب بن خالد، وفضيل بن عياض، وخلائق. واتفقوا على توثيقه، وجلالته، وإتقانه، وزهده، وعبادته.
قال ابن مهدى: منصور أثبت أهل الكوفة. وقال ابن المدينى: إذا حدثك عن منصور ابن المعتمر ثقة فقد ملأت يديك لا تريد غيره. وقال الثورى: ما خلفت بالكوفة آمن على الحديث من منصور.
روينا عن زايدة، قال: أقام منصور بن المعتمر أربعين سنة، صام نهارها، وقام ليلها، وكان يبكى الليل، فإذا أصبح اكتحل، وأهن، وبرق
_________
(1) الطبقات الكبرى ابن سعد (6/337) ، والتاريخ الكبير للبخارى (7/1491) ، والجرح والتعديل (8/778) ، وسير أعلام النبلاء (5/402) ، وتاريخ الإسلام (5/305) ، وتهذيب التهذيب (10/312 - 315) . تقريب التهذيب (6908) ، وقال: “أبو عتاب بمثناة ثقيلة ثم موحدة ثقة ثبت وكان لا يدلس من طبقة الأعمش مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة ع”..(2/114)
شفتيه. قال: وكان منصور إذا رأيته قلت: رجل قد أصيب بمصيبة، ولقد قالت له أمه: ما هذا الذى تصنع بنفسك، تبكى الليل عامته لا تكاد تسكت، لعلك يا بنى قتلت نفسًا، قال: يا أمت، أنا أعلم بما صنعت بنفسى.
وقال أبو يزيد الواسطى: كان أول ما يبلى من ثياب منصور ما يلى ركبتيه من كثرة السجود. قال أحمد بن عبد الله: منصور بن المعتمر كوفى، ثبت فى الحديث، ثقة، كان أثبت أهل الكوفة، وكان مثل القدح لا يختلف فيه أحد، متعبدًا، رجلاً صالحًا، أكره على القضاء، وكان قد عمش من كثرة البكاء، وصام ستين سنة وقامها.
وقال زايدة: أُكره على القضاء فامتنع. وقالت فتاة لأبيها: يا أبت، الأسطوانة التى كانت فى دار منصور ما فعلت؟ فقال: يا بنية، ذاك منصور كان يصلى الليل فمات. توفى سنة ثنتين وثلاثين ومائة.
607 - منصور الفقيه:
من أصحابنا، مذكور فى [......] (1) . هو أبو الحسن منصور بن إسماعيل بن عمرو التيمى الضرير الإمام.
608 - منقذ بن عمرو الصحابى، رضى الله عنه (2) :
والد حبان بن منقذ، بفتح الحاء، مذكور فى المهذب والوسيط فى خيار الشرط، هو جد محمد بن يحيى بن حبان بن منقذ جده الأعلى، وهو منقذ، بكسر القاف، وبالذال المعجمة، ابن عمرو بن عطية بن خنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار الأنصارى النجارى المازنى الصحابى المدنى.
ذكره البخارى فى تاريخه، وبسط ترجمته بالنسبة إلى باقى تراجم تاريخه، فقال: هو صحابى. قال البخارى: قال ابن عياش بن الوليد: حدثنا عبد الأعلى، قال: ثنا ابن إسحاق، قال: ثنا محمد بن يحيى بن حبان، قال: كان جدى منقذ بن عمرو أصابته آمة فى رأسة فكسرت لسانه، ونازعت عقله، وكان لا يدع التجارة ولا يزال يغبن، فذكر ذلك للنبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: “إذا بعت فقل: لا خلابة، وأنت فى كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال” (3) .
وعاش ثلاثين ومائة سنة، وكان فى زمن عثمان حين كثر الناس يبتاع فى السوق، فيصير إلى أهله فيلومونه فيرده، ويقول: إن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعلنى
_________
(1) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
(2) انظر: الإصابة (3/464) ، وأسد الغابة (4/420) ، والاستيعاب (3/444) ، والتاريخ الكبير (8/17) ، والبداية والنهاية (7/222) ..
(3) حديث ابن عمر: أخرجه مالك (2/685، رقم 1368) ، والطيالسى (ص 256، رقم 1881) ، وأحمد (2/61، رقم 5271) ، والبخارى (2/745، رقم 2011) ، ومسلم (3/1165، رقم 1533) ، وأبو داود (3/282، رقم 3500) ، والترمذى (3/552، رقم 1250) وقال: حسن صحيح. والنسائى (7/252، رقم 4484) ، وابن حبان (11/432، رقم 5051) ، والحاكم (2/26، رقم 2201) . وأخرجه أيضًا: أبو عوانة (3/271، رقم 4934) ، والبيهقى (5/273، رقم 10239) .
حديث أنس: أخرجه أبو داود (3/282، رقم 3501) ، والترمذى (3/552، رقم 1250) وقال: حسن صحيح غريب. والنسائى (7/252، رقم 4485) ، وابن ماجه (2/788، رقم 2354) ، والحاكم (4/113، رقم 7061) ، وقال: صحيح على شرط الشيخين.(2/115)
بالخيار ثلاثًا. وهذا الحديث هو الذى اعتمده أصحابنا فى جواز شرط الخيار ثلاثة أيام، وإسناده جيد، إلا أنه مرسل؛ لأن محمد بن يحيى لم يدرك منقذًا.
609 - المهاجر بن أبى أمية الصحابى، رضى الله تعالى عنه:
مذكور فى المهذب فى آخر باب ما على القاضى فى الخصوم، لكنه وقع فى المهذب: المهاجر بن أمية، وهو غلط، وصوابه: المهاجر بن أبى أمية، وهو أخو أم سلمة أم المؤمنين، واسمها هند بنت أبى أمية، واسم أبى أمية حذيفة، ويقال: سهيل، ويقال: هشام، والصحيح المشهور حذيفة، والمهاجر أخو أم سلمة لأبويها.
وهو المهاجر بن أبى أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القريشى المخزومى الصحابى، كان اسمه الوليد فكرهه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسماه المهاجر، وأرسله إلى الحارث بن عبد كلال الحميرى باليمن، ثم استعمله على صدقات كندة، والصدف، فتوفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يسر إليها، فبعثه أبو بكر الصديق، رضى الله عنه، إلى قتال من باليمن من المرتدين، فإذا فرغ سار إلى عمله، فسار إلى ما أمره به أبو بكر، رضى الله عنه، وهو الذى فتح حصن النجير بحضرموت مع زياد بن لبيد الأنصارى، وله فى قتال المرتدين باليمن آثار كثيرة.
610 - المهاجر بن قنفذ الصحابى، رضى الله عنه (1) :
هو المهاجر بن قنفذ بن عمير بن جدهان بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ابن كعب بن لؤى القريشى التيمى، وكان عبد الله بن جدعان المشهور بالكرم فى الجاهلية عم أبيه، وهو جد محمد بن يزيد بن مهاجر، وقيل: إن اسم المهاجر عمرو، واسم قنفذ خلف، وأن مهاجرًا وقنفذًا لقبان، إنما قيل له: المهاجر؛ لأنه لما أراد الهجرة أخذه المشركون فعذبوه، ثم هرب منهم، وقدم على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسلمًا، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “هذا المهاجر حقًا”، وقيل: إنه أسلم يوم فتح مكة، وسكن البصرة وتوفى بها. روى عنه أبو ساسان، وأما رواية الحسن البصرى عنه، فمرسلة بينهما أبو ساسان. وولى الشرطة لعثمان، وفرض له أربعة آلاف.
611 - المهاجر بن مخلد (2) :
أبو مخلد البصرى، مولى البكرات، بفتح الباء والكاف.
_________
(1) الطبقات الكبرى ابن سعد (5/452) ، والتاريخ الكبير للبخارى (7/1635) ، والجرح والتعديل (8/1177) ، والاستيعاب (4/1454) ، وأسد الغابة (4/416) ، وتهذيب التهذيب (10/322 - 323) ، والإصابة (3/8256) . تقريب التهذيب (6923) ، وقال: “قنفذ بضم القاف والفاء بينهما نون ساكنة “جدعان بضم الجيم وسكون المعجمة صحابي أسلم يوم الفتح وولاه عثمان شرطته مات بالبصرة د س ق”..
(2) التاريخ الكبير للبخارى (7/1648) ، والجرح والتعديل (8/1191) ، وميزان الاعتدال (4/8815) ، وتهذيب التهذيب (10/322) . تقريب التهذيب (6924) ، وقال: “البكرات بفتح الموحدة والكاف مقبول من السادسة ت س ق”..(2/116)
مذكور فى المختصر فى أول باب مسح الخف، وهو من تابعى التابعين. روى عنه عبد الرحمن بن أبى بكرة، وأبو العالية، وأبو مسلم. روى عنه أيوب السختيانى، فقال: عن مولى لآل أبى بكرة، وعبد الوهاب بن عبد المجيد، وعوف بن أبى جميلة، فقال: عن أبى خالد. قال ابن معين: هو أبو مخلد، وخالد الحذاء، وحماد بن زيد، ووهيب. قال ابن أبى حاتم: سألت أبى عنه، فقال: لين الحديث، ليس بذاك، وليس بالمتقن، شيخ يُكتب حديثه.
612 - مهجع:
بكسر الميم، وفتح الجيم، الصحابى، رضى الله عنه. هو مولى عمر بن الخطاب، رضى الله تعالى عنه، وهو أول قتيل من المسلمين يوم بدر، أتاه سهم غرب وهو بين الصفين فقتله، وهو من أهل اليمن. ونقلوا عن ابن عباس أنه قال: نزل فيه، وفى بلال، وصهيب، وخباب، وعمار، وعتبة بن غزوان، وأوس بن خولى، وعامر بن أبى فهيرة، قوله تعالى: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52] .
613 - المهلب بن أبى صفرة (1) :
واسم أبى صفرة ظالم بن سارق، ويقال: سراق بن صبح، أبو سعيد الأسدى، وهو تابعى، سمع ابن عمر، وابن عمرو، وسمرة، والبراء. وروى عنه السبيعى، وعمر بن سيف، وسماك بن حرب. قال أبو إسحاق السبيعى: ما رأيت أميرًا أفضل من المهلب. وقال ابن سعد: أدرك المهلب عمر بن الخطاب، رضى الله تعالى عنه، ولم يرو عنه شيئًا، وولى خراسان، ومات بمرو الروذ سنة ثلاث وثمانين فى خلافة عبد الملك بن مروان، واستخلف على خراسان ابنه يزيد بن المهلب، وذكر ابن أبى خيثمة أن مولده عام فتح مكة. وقال ابن قتيبة فى المعارف: كان المهلب أشجع الناس، وحمى البصرة من الشُّراة بعد إجلاء أهلها عنها، إلا مَن كانت به قوة، فهى تُسمى بَصرة المهلب. قال: ولم يكن يُعاب إلا بالكذب، وبقى والى خراسان خمس سنين، ثم مات.
614 - موسى بن عقبة (2) :
إمام المغازى. تكرر فى المختصر. هو أبو محمد موسى
_________
(1) انظر: الإصابة (3/535، 536) ، وسير أعلام النبلاء (4/383 - 385) برقم (155) ، وطبقات ابن سعد (7/129، 130) ، والجرح والتعديل (8/369) ، والثقات لابن حبان (5/451) ، والبدء والتاريخ (6/37) ، والتاريخ الكبير (8/25) ، وربيع الأبرار (1/684) ، ووفيات الأعيان (1/272، 2/33، 34، 36، 127، 305، 323، 5/350 - 359) ، ونهاية الأرب (21/259، 260) ، والبداية والنهاية (9/42، 43) ، ومرآة الجنان (1/165، 166) ، وفوات الوفيات (1/353، 396، 2/31) ، وتهذيب التهذيب (10/329، 330) ، وتقريب التهذيب (2/280) ، والنجوم الزاهرة (1/206) ..
(2) التاريخ الكبير للبخارى (7/1247) والجرح والتعديل (8/693) وسير أعلام النبلاء (6/114) وتاريخ الإسلام (6/133) وتهذيب التهذيب (10/360 - 362) . تقريب التهذيب (6992) ، وقال: “ابن أبي عياش بتحتانية ومعجمة ثقة فقيه إمام في المغازي من الخامسة لم يصح أن ابن معين لينه مات سنة إحدى وأربعين وقيل بعد ذلك ع”..(2/117)
بن عقبة بن أبى عياش الأسدى المدنى، مولى آل الزبير بن العوام. وهو تابعى، أدرك ابن عمر، وأنس بن مالك، وسهل بن سعد، وسمع أم خالد بنت خالد الصحابية، وعلقمة بن وقاص، وأبا الزبير، وكريبًا، ونافعًا، وعبد الله بن دينار، وسالمًا، وحمزة بنى ابن عمر، وآخرين. روى عنه يحيى الأنصارى، وابن جريج، ومالك، والسفيانان، وشعبة، وإبراهيم بن طهمان، وزهير ابن معاوية، وابن أبى الزناد، والدراوردى، وابن المبارك، وخلائق. واتفقوا على توثيقه. روى له البخارى ومسلم.
قيل لمالك: عمن نأخذ المغازى؟ فقال: عليكم بمغازى الشيخ الصالح موسى بن عقبة، فإنها أصح المغازى عندنا. وفى رواية: فإنه ثقة. قال خليفة: مات ابن عقبة سنة إحدى وأربعين ومائة.
615 - موسى بن عمران النبى، عليه السلام:
تكرر فى هذه الكتاب، هو نبى الله ورسوله، وصفيه، وكليمه. قال الله تعالى: {يَا مُوسَى إِنِّى اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِى وَبِكَلاَمِى فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ وَكَتَبْنَا لَهُ فِى الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَىْءٍ} [الأعراف: 144، 145] الآيات.
وقال تعالى: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33] .
وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ} [الأنبياء: 48] .
وقال تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّى آنَسْتُ نَارًا} [طه: 9، 10] الآية.
وقال تعالى: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَىالأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا} [القصص: 29] الآيات وما قبلها من أول السورة.
وقال تعالى: {لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: 69] ، والآيات فى فضله وتكريم الله تعالى والثناء عليه وأنواع مكارمه معلومة.
وأما الأحاديث الصحيحة فى فضله فكثيرة مشهورة، ففى الصحيحين أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “يرحم الله موسى، قد أوذى بأكثر من هذا فصبر” (1) .
وفى الصحيحين عن أبى هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “لا تخيرونى على موسى، فإن الناس يصعقون، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدرى أكان فيمن صعق فأفاق أم كان ممن استثنى الله تعالى”، وهذا الحديث متأول؛ لأن نبينا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفضل المخلوقين، فيحتمل أن
_________
(1) أخرجه أحمد (1/380، رقم 3608) ، والبخارى (3/1148، رقم 2981) ، ومسلم (2/739، رقم 1062) . وأخرجه أيضًا: ابن حبان (11/160، رقم 4829) .(2/118)
هذا الكلام قبل أن يعلم أنه أفضل، فلما علم قال: “أنا سيد ولد آدم” (1) ، ويحتمل أن يكون قاله تواضعًا، ويحتمل أن يكون نهى عن تخيير يؤدى إلى الخصومة والفتنة، ويحتمل أن النهى عن تخيير يؤدى إلى الإزراء ببعضهم، ويحتمل لا تخيرونى فى نفس النبوة، فإنها لا تتفاوت، وإنما الفضائل بأمور أخرى معها، وهذه الأوجه الخمسة مقولة فى قوله: “لا تخيروا” بين الأنبياء، وفى الصحيحين مثله أو نحوه عن أبى سعيد الخدرى.
وفى الصحيحين عن ابن عباس، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “عُرِضَتْ علىَّ الأمم، فرأيت سوادًا كبيرًا سد الأفق، فقيل: هذا موسى فى قومه” (2) .
وفى الصحيحين أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرَّ ليلة أسرى به على موسى فى السماء السادسة، وأنه قال لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين فرض الله تعالى عليه وعلى أمته خمسين صلاة كل يوم وليلة: “أما ترجع فتسأل الله التخفيف” (3) ، فمازال يقول له حتى جعلها خمسًا.
وفى الصحيحين أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصف موسى، فقال: “هو آدم، طوال، جعد كأنه من رجال شنؤة” (4) .
وفى الصحيحين أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين مرَّ بوادى الأزرق، وهو موضع بين مكة والمدينة، قال: “كأنى أنظر إلى موسى هابطًا من الثنية وله جؤار إلى الله تعالى بالتلبية”. وفى رواية: “واضعًا أصبعيه فى أذنيه له جؤار إلى الله تعالى بالتلبية”. وفى رواية: “على جمل أحمر مخطوم بخلبة” (5) ، والخلبة بضم الخاء المعجمة، الليف.
قال أبو إسحاق الثعلبى فى كتابه العرائس: هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهت بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، عليه السلام. وكان عُمر عمران حين توفى مائة وسبعًا وثلاثين سنة. قال: قال أهل التاريخ: لما مات الريان بن الوليد، وهو فرعون مصر الأول، صاحب يوسف الذى ولاه خزائن الأرض وأسلم على يديه، ملك بعده جبار وأبى أن يُسلم، ثم مات فملك بعده جبار آخر، وتوفى يوسف، وأقامت بنو إسرائيل بمصر، وقد كثروا ونشأ لهم ذرية وهم تحت أيدى العمالقة، وهم على بقايا من دينهم الذى كان يوسف ويعقوب وإسحاق وإبراهيم، عليهم السلام، شرعوه لهم متمسكين، حتى كان فرعون موسى الذى بعثه الله تعالى إليه، ولم يكن فى الفراعنة أعتا منه، ولا أقسى قلبًا منه، ولا أطول عمرًا فى الملك منه، ولا أسوأ ملكة لبنى إسرائيل، وكان يعذبهم ويستعبدهم، وجعلهم خدمًا وخولا، وعاش فيهم أربع ومائة سنة.
ولما ولد موسى جرى له مع فرعون
_________
(1) أخرجه ابن أبى شيبة (6/317، رقم 31728) ، ومسلم (4/1782، رقم 2278) ، وأبو داود (4/218، رقم 4673) . وأخرجه أيضًا: أحمد (2/540، رقم 10985) .
(2) حديث ابن عباس: أخرجه أحمد (1/271، رقم 2448) ، والبخارى (5/2170، رقم 5420) ، ومسلم (1/199، رقم 220) . وأخرجه أيضًا: الترمذى (4/631، رقم 2446) وقال: حسن صحيح. والنسائى فى الكبرى (4/378، رقم 7604) ، وابن حبان (14/339، رقم 6430) .
حديث عمران بن حصين: أخرجه الطبرانى (18/241، رقم 605) . وأخرجه أيضًا: ابن حبان (13/454، رقم 6089) .
(3) أخرجه أحمد (3/148، رقم 12527) ، ومسلم (1/145، رقم 162) ، وأبو يعلى (6/109، رقم 3375) ، وفى (6/216، رقم 3499) . وأخرجه أيضًا: ابن أبى شيبة (7/333، رقم 36570) ، وأبو عوانة (1/113، رقم 344) .
(4) أخرجه أحمد (1/342، رقم 3179) ، والبخارى (3/1182، رقم 3067) ، ومسلم (1/151، رقم 165) .
(5) أخرجه أحمد (1/215، رقم 1854) ، ومسلم (1/152، رقم 166) .
أخرجه أحمد (1/276، رقم2501) ، والبخارى (3/1224، رقم 3177) ، ومسلم (1/153، رقم 166) . وأخرجه أيضًا: البيهقى (5/176، رقم 9615) .(2/119)
ما أخبر الله تعالى به فى كتابه، فلما كبر قتل القبطى، ثم خرج خائفًا يترقب، فلما ورد ماء مدين جرى له هناك مع شعيب ما جرى، وتزوج بنته كما أخبر الله تعالى به، فلما قضى موسى الأجل وهو أكمل الأجلين عشر سنين، ثبت ذلك فى الصحيح عن ابن عباس، سار بأهله فآنس من جانب الطور نارًا، فجرى له ما أخبر الله به فى كتابه.
قال بعض المفسرين: لم يقرب موسى امرأة للاستمتاع من حين سمع كلام رب العالمين. وقال المفسرون فى قول الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء: 101] ، قالوا: وهى: العصا، واليد البيضاء، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والطمسة، وفلق البحر. قال الثعلبى: وكان عُمر موسى، عليه السلام، حين توفى مائة وعشرين سنة.
616 - موسى بن أبى الجارود (1) :
بالجيم، أحد أصحاب الشافعى والآخذين عنه والرواة عنه، تكرر ذكره فى الروضة. قال الشيخ أبو إسحاق: كنيته أبو الوليد. قال: وكان مكيًا. روى عن الشافعى الحديث، وكتاب الأمالى وغيره من الكتب. قال: وكان يفتى بمكة على مذهب الشافعى، رحمه الله.
617 - الموفق بن طاهر:
من أصحابنا المصنفين، تكرر ذكره فى الروضة [......] (2) .
* * *
حرف النون
618 - النابغة الجعدى الصحابى، رضى الله تعالى عنه (3) :
مذكور فى المهذب فى باب زكاة الثمار، واسمه قيس بن عبد الله، وقيل: عبد الله بن قيس، وقيل: حبان بن قيس بن عمرو بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة العامرى الجعدى، هذا هو الأشهر فى نسبه، وقيل فيه غير ذلك، وهو من الشعراء المشهورين، وفى الشعراء جماعة يقال لكل واحد منهم: النابغة، وهذا الذى فى المهذب هو الجعدى الصحابى، وكان من المعمرين، عاش فى الجاهلية والإسلام عمرًا طويلاً، قيل: عاش مائة وثمانين سنة.
وقال ابن قتيبة فى المعارف: عاش مائتين وأربعين سنة، ومات
_________
(1) تهذيب التهذيب (10/339) . تقريب التهذيب (6953) ، وقال: “صدوق من صغار العاشرة ت”..
(2) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
(3) انظر: الاستيعاب (3/581 - 593) ، وسيرة ابن هشام (3/198) ، والشعر والشعراء (1/208 - 214) ، وتجريد أسماء الصحابة (2/100) ، والبرصان والعرجان (284) ، والأغانى (5/1 - 34) ، وأسد الغابة (5/2 - 4) ، ووفيات الأعيان (2/50، 177، 214، 5/193) ، ورسائل الجاحظ (1/364) ، وخزانة الأدب (1/512) ، وذكر أخبار أصبهان (1/73) ..(2/120)
بأصبهان. قالوا: وعاش إلى أيام ابن الزبير، وتوفى ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين. قال ابن عبد البر وغيره: إنما قيل له: النابغة؛ لأنه قال الشعر فى الجاهلية، ثم تركه نحو ثلاثين سنة، ثم نبغ فيه بعد فقاله، فقيل له: النابغة. قالوا: وفى شعره فى الجاهلية ضروب من التوحيد، وإثبات البعث، والجزاء، والجنة، والنار، وله قصيدة أولها:
مَن لم يقلها فنفسه ظلما
الحمد لله لا شريك له
وفيه ضروب من دلائل التوحيد، والإقرار بالبعث، والجزاء، والجنة، والنار. وقيل: إن هذا الشعر لأمية بن الصلت. قالوا: وقد صححه يونس بن حبيب، وحماد الراوية، ومحمد بن سلام، وعلى بن سليمان الأخفش للنابغة الجعدى. وفد على النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأسلم، وأنشده قصيدته الرائية، وفيها:
ويتلو كتابًا كالمجرة نيرا
أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى
وروى النابغة عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا النابغة الجعدى أسن من النابغة الذبيانى، ومات الذبيانى، ثم عَمر الجعدى بعده طويلاً.
619 - ناجية الصحابى، رضى الله عنه (1) :
بالنون والجيم، وهو ناجية بن جندب بن كعب، وقيل: ناجية بن كعب بن جندب، وقيل: ناجية بن جندب بن عمير بن يعمر بن دارم بن عمرو بن واثلة بن سهم بن مازن ابن سلامان بن أسلم الأسلمى، صاحب بدن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، معدود فى أهل المدينة، وشهد الحديبية، وبيعة الرضوان، قيل: كان اسمه ذكوان، فسماه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناجية، إذ نجا من قريش. توفى فى خلافة معاوية، وجعل أحمد بن حنبل فى مسنده صاحب البدن ناجية بن الحارث الخزاعى المصطلقى، والأول هو المشهور.
620 - ناصر العمرى:
بضم العين، من أصحابنا أصحاب الوجوه، مذكور فى الروضة فى مسألة الدور فى الطلاق، واشتهر بالشريف ناصر العمرى، هو [......] (2) .
621 - نافع بن جبير التابعى (3) :
مذكور فى المهذب فى أول الديات، هو أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله نافع بن جبير ابن مطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف بن
_________
(1) انظر: الإصابة (3/541) ، والتاريخ الكبير (8/106) ، وتهذيب التهذيب (10/399) ، والطبقات الكبرى (4/314) ، والاستيعاب (3/571) ، وأسد الغابة (5/4، 5) ..
(2) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
(3) الطبقات الكبرى ابن سعد (5/205) والتاريخ الكبير للبخارى (8/2257) والجرح والتعديل (8/2069) وسير أعلام النبلاء (4/541) وتاريخ الإسلام (4/62) وتهذيب التهذيب (10/404، 405) . تقريب التهذيب (7072) ، وقال: “ثقة فاضل من الثالثة مات سنة تسع وتسعين ع”..(2/121)
قصى القريشى النوفلى المدنى التابعى الإمام الفاضل. سمع على بن أبى طالب، والزبير بن العوام، والعباس بن عبد المطلب، وابن عباس، وأبا هريرة، وعثمان بن أبى العاص، وأبا شريح، وسهل بن سعد، وجرير ابن عبد الله، ورافع بن خديج، وغيرهم من الصحابة، وجماعة من التابعين.
روى عنه عروة بن الزبير، وعمرو بن دينار، والزهرى، وسعيد المقبرى، وصالح بن كيسان، وعبد الله بن بريدة، وخلائق آخرون من التابعين، واتفقوا على توثيقه وجلالته، توفى سنة تسع وتسعين.
622 - نافع بن الحارث بن كلدة:
بفتح الكاف واللام، الصحابى، أبو عبد الله الثقفى، أخو أبى بكرة لأمه، وأمهما سمية، وسنستوفى الكلام فى نسبه فى ترجمة أخيه نفيع أبى بكرة، ونافع هذا هو أحد الأربعة الشهود بالزنا على المغيرة، وهم: نافع، وأبو بكرة، وهما أخوان لأبوين، وزياد ابن أبيه، وهو أخوهما لأمهما، والرابع شبل بن معبد، لكن زياد لم يجزم بالشهادة بحقيقة الزنا، فلم يثبت، ولم يحد المغيرة، وجَلَد عمر، رضى الله تعالى عنه، الثلاثة.
وكان نافع هذا بالطائف حين حاصره النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأمر النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مناديًا فنادى: “من أتانا من عبيدهم فهو حر”، فخرج إليه نافع وأخوه أبو بكرة فأعتقهما، وسكن نافع البصرة، وبنى بها دارًا، وأقطعه عمر عشرة أجربة، وهو أول من اقتنى الخيل بالبصرة.
623 - نافع بن عبد الحارث الصحابى (1) :
مذكور فى المختصر فى الحج فى باب جزاء الطائر، وفى المهذب فى آخر باب ما يجوز بيعه. هو نافع بن عبد الحارث بن جبالة، بفتح الجيم وكسرها، ابن عمير الخزاعى. كان من فضلاء الصحابة، قيل: أسلم يوم الفتح، وأقام بمكة، واستعمله عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، على مكة، والطائف، وفيهما سادات قريش وثقيف، وله رواية عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
روى عنه أبو الطفيل، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وخميل، بضم الخاء المعجمة وباللام، وأنكر الواقدى صحبته، وقال: هو تابعى، والمشهور أنه صحابى. وقوله فى المهذب: إن عمر أمر نافعًا
_________
(1) الجرح والتعديل (8/2067) والإستيعاب (4/1490) وتهذيب التهذيب (10/406، 407) . تقريب التهذيب (7076) ، وقال: “صحابي فتحي وأمره عمر على مكة قأقام بها إلى أن مات بخ م د س ق”..(2/122)
بشراء دار بمكة للسجن، يعنى أمره بذلك حين كان عاملاً له عليها، ذكره الأزرقى وغيره.
624 - نافع بن عبد الرحمن (1) :
أحد القراء السبعة، مذكور فى الروضة فى الإجازة على القراءة. هو أبو رؤيم، وقيل: أبو الحسن، وقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو عبد الله نافع بن عبد الرحمن بن أبى نعيم الليثى، مولاهم المدنى، أصله من أصبهان، واستوطن المدينة، وتوفى بها سنة تسع وستين ومائة.
قال ابن أبى حاتم: روى نافع هذا عن عامر بن عبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن القاسم، ونافع مولى ابن عمر. روى عنه إسماعيل بن جعفر، وعيسى بن مثنى قالون، والأصمعى، والقعنبى، وابن أبى مريم. قال أحمد بن حنبل: كان يؤخذ عنه القرآن، وليس فى الحديث بشىء. وقال يحيى بن معين: هو ثقة. وقال أبو حاتم: هو صدوق صالح الحديث.
625 - نافع بن أبى نافع (2) :
مذكور فى المختصر فى أول المسابقة. هو نافع بن أبى نافع البزاز، بالزاى المكررة، مولى أبى أحمد، وهو تابعى. روى عن أبى هريرة، ومعقل بن يسار. روى عنه ابن أبى ذؤيب. قال يحيى بن معين: هو ثقة.
626 - نافع مولى ابن عمر (3) :
تكرر فى المختصر والمهذب. هو أبو عبد الله نافع بن هرمز، ويقال: ابن كاوس، ذكر القولين الحاكم أبو عبد الله فى تاريخ نيسابور. قال الحاكم: قال البخارى، والحسن بن الوليد: هو من سبى نيسابور. وقال عبد العيزيز بن أبى رواد: هو من سبى خراسان، سُبِىَ وهو صغير، فاشتراه ابن عمر، وقيل: من سبى كابل، وقيل: من سبى إيران شهر وهى نيسابور، كذا ذكرها الحاكم أبو عبد الله فى مواضع من أول تاريخه، وقيل: من سبى العرب، وقيل: من سبى جبال الطالقان.
وهو تابعى جليل، سمع سيده ابن عمر، وأبا هريرة، وأبا سعيد الخدرى، وأبا لبابة، ورافع بن خديج، وعائشة، والربيع بنت معوذ، رضى الله تعالى عنهم، وسمع خلائق من التابعين، منهم القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، ويزيد بن عبد الله، وأسلم مولى عمر، وإبراهيم بن عبد الله بن حسين، وعبد الله بن محمد بن أبى بكر الصديق، وغيرهم.
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (8/2281) والجرح والتعديل (8/2089) وتهذيب التهذيب (10/407، 408) . تقريب التهذيب (7077) ، وقال: “صدوق ثبت في القراءة من كبار السابعة مات سنة تسع وستين فق”..
(2) التاريخ الكبير للبخارى (8/2260، 2261) والجرح والتعديل (8/2074) وميزان الاعتدال (4/8999) وتهذيب التهذيب (10/410، 411) . تقريب التهذيب (7083) ، وقال: “ثقة من الثالثة د ت س”..
(3) التاريخ الكبير للبخارى (8/2270) والجرح والتعديل (8/2070) وسير أعلام النبلاء (5/95) وتاريخ الإسلام (5/10) وتهذيب التهذيب (10/412، 413) . تقريب التهذيب (7086) ، وقال: “ثقة ثبت فقيه مشهور من الثالثة مات سنة سبع عشره ومائة أو بعد ذلك ع”..(2/123)
روى عنه أبو إسحاق السبيعى، والحكم بن عيينة، ومحمد بن عجلان، وبكير بن عبد الله بن الأشج، ويحيى الأنصارى، والزهرى، وصالح بن كيسان، وأيوب، وعبيد الله بن عمر، وأخوه عبد الله، وحميد الطويل، وميمون بن مهران، وموسى بن عقبة، وابن عون، والأعمش، وهؤلاء كلهم تابعيون، ومن غيرهم ابن جريج، والأوزاعى، ومالك، والليث، ويونس بن عبيد، وابن أبى ذؤيب، وبنوه عبد الله، وعمر، وأبو بكر بنو نافع، وابن أبى ليلى، والضحاك بن عثمان، وخلائق لا يحصون، وأجمعوا على توثيقه وجلالته.
قال البخارى: أصح الأسانيد مالك، عن نافع، عن ابن عمر. وقال مالك: إذا سمعت من نافع حديثًا عن ابن عمر لا أبالى أن لا أسمعه من غيره. وقال عبيد الله بن عمر: لقد مَنَّ الله علينا بنافع. وقال ابن عيينة: أى حديث أوثق من حديث نافع. قال ابن سعد: بعث عمر بن عبد العزيز نافعًا إلى مصر يعلمهم السنن. قال: وكان ثقة، كثير الحديث، مات بالمدينة سنة سبع عشرة ومائة. وقال الهيثم، وأحمد بن حنبل: مات سنة عشرين.
وقال النسائى: أثبت أصحاب نافع: مالك، ثم أيوب، ثم عبيد الله بن عمر، ثم عمر ابن نافع، ثم يحيى بن سعيد، ثم ابن عون، ثم صالح بن كيسان، وموسى بن عقبة، ثم أصحابه على طباقتهم. وقوله فى المهذب فى كتاب السير: روى نافع أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أغار على بنى المصطلق، هذا مما ينكر على صاحب المهذب، فإنه ذكره مرسلاً كما ترى، وهو صحيح متصل عن نافع، عن ابن عمر، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هكذا رواه متصلاً البخارى ومسلم فى صحيحيهما.
627 - نبيه بن وهب (1) :
مذكور فى المختصر فى النكاح فى نكاح المحرم، وهو نبيه بن وهب بن عثمان بن أبى طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصى القريشى العبدرى الحجبى، سمع أبان بن عثمان، ومحمد بن الحنفية، وكعبًا مولى سعيد بن أبى العاص. روى عنه نافع مولى ابن عمر، وبنوه عبد الأعلى، وعبد الجبار، وعبد العزيز بنو نبيه، وأيوب بن موسى، وسعيد بن أبى هلال، وأبو الزناد. قال ابن سعد: توفى
_________
(1) التاريخ الكبير للبخارى (8/2433) والجرح والتعديل (8/2250) وتاريخ الإسلام (5/167) وتهذيب التهذيب (10/418، 419) . تقريب التهذيب (7097) ، وقال: “نبيه بالتصغير ثقة من صغار الثالثة روى عنه نافع ومات قبله مات هو سنة ست وعشرين م 4”..(2/124)
فى فتنة الوليد بن يزيد. قال: وكان ثقة، قليل الحديث، أحاديثه حسان. روى له مسلم فى صحيحه.
628 - نجدة الحرورى (1) :
مذكور فى المهذب فى قسم الغنيمة. هو بفتح النون، وهو نجدة بن عامر الحنفى الحرورى الخارجى من رءوس الخوارج.
629 - نزار بن معد بن عدنان:
أحد أجداد النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مذكور فى المهذب والروضة فى نسب النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هو بكسر النون، ثم زاى معجمة.
630 - نصر المقدسى الزاهد:
تكرر فى الروضة. هو أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسى، ثم الدمشقى، الإمام الزاهد، المجمع على جلالته وفضيلته. قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر، رحمه الله: تأخرت وفاة الشيخ نصر، أدركنا جماعة ممن أدركه وتفقه به، وكان قد تفقه عند أبى عبد الله محمد بن بيان الكازرونى الفقيه، وسمع الحديث بدمشق وغيرها، ودرس العلم ببيت المقدس مدة، ثم أتى صور فأقام بها عشر سنين ينشر العلم بها، مع كثرة المخالفين له بها من الرافضة، ثم انتقل إلى دمشق فأقام بها سبع سنين يحدث، ويدرس الفقه، ويفتى على طريقة واحدة من الزهد فى الدنيا، والتنزه من الدنايا، والجرى على منهاج السلف من التقشف، وتجنب السلاطين، ورفض الطمع، والاجتزاء باليسير مما يصل إليه من غلة أرض له كانت بنابلس، يأتيه منها ما يقتاته، ولا يقبل من أحد شيئًا، وكانت أوقاته كلها مستغرقة فى عمل الخير، إما فى نشر علم، وإما فى صلاح عمل.
قال الحافظ: وحكى عن بعض أهل العلم، قال: صحبت إمام الحرمين أبا المعالى بخراسان، ثم قدمت العراق، فصحبت الشيخ أبا إسحاق الشيرازى، وكانت طريقته عندى أفضل من طريقة أبى المعالى، ثم قدمت الشام، فرأيت الفقيه أبا الفتح نصر المقدسى، فكانت طريقته أحسن من طريقتهما جميعًا.
توفى يوم الثلاثاء التاسع من المحرم سنة تسعين وأربعمائة بدمشق. قال الراوى: فخرجنا بجنازته بعد صلاة الظهر، فلم يمكنا دفنه إلى قرب المغرب؛ لأن الناس حالوا بيننا بينه، وكان الخلق متوافرين، ذكر الدمشقيون أنهم لم يروا جنازة مثلها. قال:
_________
(1) انظر: المواعظ والاعتبار للمقريزى (2/354) ، وشذرات الذهب (1/74 - 76) ، والكامل للمبرد (2/251) ..(2/125)
وأقمنا على قبره سبع ليال نقرأ كل ليلة عشرين ختمة. وذكر الحافظ من كراماته وزهده جُملاً نفيسة.
قلت: وقبره بباب الصغير بجنب قبر معاوية وأبى الدرداء، رضى الله عنهم، يُكثر الناس زيارته والدعاء عنده، وسمعنا الشيوخ يقولون: يستجاب الدعاء عنده يوم السبت، رضى الله عنه.
وله مصنفات كثيرة فى المذهب وغيره، فعندى من مصنفاته كتاب الحجة على تارك المحجة، سمعته عن ابن الأنبارى، عن القاضى الحرستانى، عن أبى الفتح نصر الله بن محمد بن عبد القوى، عن الشيخ نصر المصنف، وكتاب الانتخاب الدمشقى فى المذهب، نحو بضعة عشر مجلدًا، وهو على هيئة تعليق القاضى أبى الطيب الطبرى، ويحذو حذوه، وينقل منه كثيرًا، وكتاب التهذيب فى المذهب نحو عشر مجلدات، وكتاب الكافى مجلد مختصر، وفيه حذو شيخه أبى الفتح سليم الرازى فى كتابه الكفاية، ولا يذكر فيه قولين ولا وجيهن، بل يخرج بالراجح عنده، وفيه نفائس، وله غير ذلك من الكتب، وله الأمالى والأجزاء الكثيرة. وصحبه الغزالى متبركًا به حين قدم الغزالى دمشق متزهدًا، وله حكايات عجيبة فى الورع يطول الكتاب بذكرها.
631 - النضر بن الحارث:
بالضاد المعجمة، الذى قُتل يوم بدر كافرًا، مذكور فى كتاب السير من المختصر والمهذب. هو النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة، بفتح الكاف، ابن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى القريشى العبدرى، أُسر يوم بدر، وقُتل كافرًا، قَتله على بن أبى طالب بأمر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأجمع أهل المغازى والسير على أنه قُتل يوم بدر كافرًا، وإنما قتل لأنه كان شديد الأذى للإسلام والمسلمين، ولما قُتل قالت أخته قتيلة فيه أبياتًا مشهورة من جملتها:
من قومها والفحل فحل معرق
من الفتى وهو المغيظ المحنق
أمحمد ولانت صنو نجيبة
ما كان ضرك لو مننت وربما
وهذا الذى ذكرته من قتله يوم بدر كافرًا هو الصواب، وأما ابن مندة، وأبو نعيم الأصفهانى، فغلطا فيه غلطين فاحشين:
أحدهما: إنما قالا فى نسبه: كلدة بن علقمة،(2/126)
وإنما هو علقمة بن كلدة، هكذا ذكره الزبير بن بكار، وابن الكلبى، وخلائق لا يحصون من أهل هذا الفن.
والثانى: أنهما قالا: شهد النضر بن الحارث حنينًا مع النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأعطاه مائة من الإبل، وكان مسلمًا من المؤلفة، وعزوا ذلك إلى ابن إسحاق، وهذا غلط بإجماع أهل السير والمغازى، فقد أجمعوا على ما ذكرناه أولاً أنه قُتل يوم بدر كافرًا، وقد أطنب الإمام ابن الأثير فى تغليطهما والرد عليهما.
632 - النضر بن شميل (1) :
بضم الشين المعجمة، مذكور فى المختصر فى باب السلف والرهن. هو الإمام أبو الحسن النضر بن شميل بن خرشة بن يزيد بن كلثوم بن عميرة بن عروة بن جاهمة بن مجدر بن خزاعى بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم بن مرة بن أد بن طابخة بن إلياس ابن مضر بن نزار المازنى البصرى، الإمام فى العربية واللغة، سكن مرو، وهو من تابعى التابعين.
سمع إسماعيل بن أبى خالد، وحميد الطويل، وهشام بن عروة، وابن عون، وعيسى ابن سويد، وحماد بن سلمة، وعوف بن أبى جميلة، وسعيد بن أبى عروبة، وشعبة، وسليمان بن المغيرة، والخليل بن أحمد، وهشامًا الدستوائى، وهشام بن حسان، وابن جريج، وآخرين.
روى عنه على بن المدينى، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن معين، وأبو قدامة، وعبدة ابن عبد الرحيم، وإسحاق بن منصور، والحسين بن حريث، ويحيى بن يحيى، ومحمد بن رافع، والليث بن خالد البلخى، وخلائف آخرون. واتفقوا على توثيقه، وفضيلته. روى له البخارى ومسلم فى صحيحيهما.
قال ابن المبارك: لم يكن أحد فى أصحاب الخليل يدانيه. وقال أيضًا: هو درة ضائعة بين مروين، يعنى كورة مرو، ومرو الروز. وقال العباس بن مصعب: كان النضر إمامًا فى العربية والحديث، وهو أول من أظهر السنة بمرو وجميع خراسان، وكان أروى الناس عن شعبة، وأخرج كُتبًا كثيرة لم يسبق إليها، وولى قضاء مرو.
وقال أبو حاتم: هو ثقة، صاحب سنة. وقال ابن منجويه: كان النضر من فصحاء الناس وعلمائهم بالأدب وأيام الناس، ولد سنة ثلاث أو ثنتين وعشرين ومائة، وتوفى سنة أربع، وقيل: ثلاث ومائتين.
أخبرنا شيخنا الحافظ أبو البقاء خالد،
_________
(1) انظر: طبقات ابن سعد (7/373) ، والتاريخ الكبير (8/90) ، والجرح والتعديل (8/477، 478) ، والثقات لابن حبان (9/212) ، وميزان الاعتدال (4/258) ، وتهذيب التهذيب (10/437، 438) ، وتقريب التهذيب (2/301) ..(2/127)
رحمه الله، قال: أخبرنا أبو اليمن الكندى، أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن أبى محمد القاسم بن على بن محمد بن عثمان البصرى، قال: أخبرنا أبى، عن أبى على بن أبى أحمد التسترى، عن القاضى أبى القاسم عبد العزيز بن محمد العسكرى اللغوى، عن أبيه، عن إبراهيم بن حامد، عن محمد بن ناصح الأهوازى، قال: حدثنا النضر بن شميل، قال: كنت أدخل على المأمون فى سمرة، فدخلت ليلة وعلىَّ قميص مرقوع، فقال: يا نضر، ما هذا التقشف حتى تدخل على أمير المؤمنين فى هذه الخلقان؟ قلت: يا أمير المؤمنين، أنا شيخ ضعيف، وحر مرو شديد، فأتبرد بهذه الخلقان، قال: لا، ولكنك قَشِف.
ثم أجرينا وأجرى هو ذكر النساء، فقال: حدثنا هشيم، عن مجالد، عن الشعبى، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيها سَداد من عوز” (1) ، فأورده بفتح السين، فقلت: صدق يا أمير المؤمنين هشيم، حدثنا عوف بن أبى جميلة، عن الحسن بن على بن أبى طالب، رضى الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيها سِداد من عوز”.
وكان المأمون متكئًا فاستوى جالسًا وقال: يا نضر، كيف قلت سِداد؟ قلت: لأن السَداد هنا لحن، فقال: وتلحنى؟ فقلت: إنما لحن هشيم، وكان لحانة فتبع أمير المؤمنين لفظه، فقال: فما الفرق بينهما؟ قلت: السَداد بالفتح القصد فى الدين والسبيل، والسِداد بالكسر البلغة، وكلما سددت به شيئًا فهو سداد، قال: وتعرف العرب ذلك؟ قلت: نعم، هذا العرجى يقول:
ليوم كريهة وسداد ثغر
أضاعونى وأى فتى أضاعوا
فقال المأمون: قبح الله من لا أدب له، ثم أطرق مليًا، ثم قال: ما مالك يا نضر؟ قلت: أريضة لى بمرو أتصابها وأتمززها، قال: أفلا نفيدك مالاً معها؟ قلت: إنى إلى ذلك لمحتاج، فأخذ القرطاس ولا أدرى ما يكتب، ثم قال: كيف تقول إذا أمرت أن يترب؟ قلت: أتربه، قال: فهو ماذا؟ قلت: مترب، قال: فمن الطين، قلت: طنه، قال: فهو ماذا؟ قلت: مطين، فقال: هذه أحسن من الأولى.
ثم قال: يا غلام، أتربه وطنه، ثم صلى بنا العشاء،
_________
(1) حديث ابن عباس: أخرجه الديلمى (1/1/156) كما فى الضعيفة (5/423، رقم 2401) ، قال المناوى (1/317) : وفيه هيثم بن بشير أورده الذهبى فى الضعفاء وقال حجة حافظ يدلس، وهو فى الزهرى لين. وحكم ابن الجوزى بوضعه.(2/128)
وقال لخادمه: تبلغ معه إلى الفضل ابن سهل، قال: فلما قرأ الكتاب، قال: يا نضر، إن أمير المؤمنين قد أمر لك بخمسين ألف درهم، فما كان السبب فيه؟ فأخبرته ولم أكذبه، فقال: ألحنت أمير المؤمنين؟ فقلت: كلا، إنما لحن هشيم، وكان لحانة، فتبع أمير المؤمنين لفظه، وقد يتبع ألفاظ الفقهاء ورواة الآثار، ثم أمر لى الفضل من خاصته بثلاثين ألف درهم، فأخذت ثمانين ألف درهم بحرف أستفيد منى.
633 - النعمان بن بشير (1) :
الصحابى ابن الصحابة والصحابية، رضى الله تعالى عنهم. تكرر ذكره فى المختصر والمهذب، وذكره فى الوسيط فى باب الهبة، لكنه وقع فيه غلط فى الوسيط سيأتى بيانه فى النوع الثامن من الأوهام إن شاء الله تعالى.
هو أبو عبد الله النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس، بضم الجيم وتخفيف اللام، كذا قيده الحافظ عبد الغنى المقدسى وغيره. وقال ابن ماكولا: هو خلاس، بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام، ابن زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصارى، وهو وأبوه وأمه حصابيون.
اسم أمه عمرة بنت رواحة، شهد بشير العقبة الثانية، وبدرًا، وأُحُدًا، والمشاهد كلها مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو أول أنصارى بايع أبا بكر الصديق، رضى الله تعالى عنهما، واستشهد مع خالد بن الوليد بعين التمر سنة اثنتى عشرة من الهجرة بعد انصرافه من اليمامة.
روى عنه ابنه النعمان، وجابر بن عبد الله، وروى عنه أيضًا عروة، والشعبى مرسلاً، فإنهما لم يدركاه، وولد النعمان على رأس أربعة عشر شهرًا من الهجرة، وهو أول مولود من الأنصار بعد الهجرة، وقيل فى مولده غير ما ذكرنا، لكن ما ذكرناه هو الأصح الأشهر.
رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة وأربعة عشر حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على خمسة، وانفرد البخارى بحديث ومسلم بأربعة. روى عنه ابناه بشير ومحمد، وعروة ابن الزبير، والشعبى، وآخرون. قُتل بالشام بقرية من قرى حمص فى ذى الحجة سنة أربع وستين. وقال ابن أبى خيثمة: سنة ستين، استعمله معاوية على
_________
(1) الطبقات الكبرى ابن سعد (6/53) والتاريخ الكبير للبخارى (8/2223) والجرح والتعديل (8/2033) وسير أعلام النبلاء (3/411) وأسد الغابة (5/22) والإستيعاب (4/1496) وتاريخ الإسلام (3/88) وتهذيب التهذيب (10/447 - 449) . تقريب التهذيب (7152) ، وقال: “له ولأبويه صحبة ثم سكن الشام ثم ولي إمرة الكوفة ثم قتل بحمص سنة خمس وستين وله أربع وستون سنة ع”..(2/129)
حمص، ثم على الكوفة، واستعمله عليها بعده يزيد بن معاوية، وكان كريمًا، جوادًا، شاعرًا، رضى الله تعالى عنه.
634 - النعمان بن عمرو بن رفاعة بن سواد:
وقيل: رفاعة بن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار الصحابى، وهو الذى يقال له: نعيمان. شهد العقبة الثانية فى السبعين، وبدرًا، والمشاهد كلها مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال الواقدى: بقى نعيمان حتى توفى فى أيام معاوية، كذا نقله ابن عبد البر، وكان كثير المزاح يَضحك النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من مزاحه، وهو صاحب سويبط بن حرملة، وقصتهما مشهورة، وأن نعيمان باع سويبطًا بالشام، وقال للذين اشتروه: هو ذو لسان، وسيقول أنه حر، فلا تعتبروا بقوله، وله أشياء كثيرة فى المزاح مشهورة.
635 - النعمان بن قوقل:
بفتح القافين بينهما واو ساكنة، الصحابى، رضى الله عنه. هو النعمان بن مالك بن ثعلبة بن أحرم بن فهر بن ثعلبة بن قوقل، واسمه غنم بن عوف بن عمرو بن عوف، وقوقل لقب لثعلبة بن أحرم، فنسب النعمان إلى جده، شهد النعمان بدرًا، قاله موسى ابن عقبة. روى عنه جابر، وأبو صالح، ورواية أبى صالح عنه مرسلة، لم يدركه، استشهد يوم أُحُد.
636 - نعيم بن عبد الله النحام الصحابى، رضى الله عنه (1) :
مذكور فى المهذب فى باب ما يجوز بيعه، وفى المختصر فى باب التدبير، وهو نعيم، بضم النون، والنحام بفتح النون وتشديد الحاء المهملة، وهو نعيم بن عبد الله بن سيد ابن عوف بن عبيد بن عويج، بفتح العين فيهما، ابن عدى بن كعب بن لؤى القريشى العدوى.
والنحام وصف لنعيم لا لأبيه، وقيل له: النحام، للحديث المشهور أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “دخلت الجنة، فسمعت نحمة نعيم فيها” (2) ، والنحمة بفتح النون السعلة بفتح السين، وقيل: النحنحة الممدود آخرها، هذا هو الصواب أن نعيمًا هو النحام، ويقع فى كثير من كُتب الحديث: نعيم بن النحام، وكذا وقع فى بعض نسخ المهذب، وهو غلط؛ لأن النحام وصف لنعيم لا لأبيه.
قالوا: وأسلم نعيم قديمًا فى أول الإسلام، قيل: أسلم بعد
_________
(1) انظر: الإصابة (3/567) ، وأسد الغابة (5/32) ، والاستيعاب (3/555) ، وطبقات ابن سعد (4/138) ..
(2) أخرجه ابن سعد (4/138) .(2/130)
عشرة أنفس، وقيل: بعد ثمانية وثلاثين قبل إسلام عمر بن الخطاب، وكان يكتم إسلامه، وأقام بمكة فلم يهاجر إلا قبيل الفتح، ومنعه قومه لشرفه فيهم من الهجرة؛ لأنه كان ينفق على أرامل بنى عدى وأيتامهم ويمونهم، فقالوا: أقم عندنا على أى دين شئت، فوالله لا يتعرض إليك أحد إلا ذهبت أنفسنا جميعًا دونك، ثم هاجر عام الحديبية وشهد ما بعدها من المشاهد، فلما قدم المدينة كان معه أربعون من أهل بيته. قالوا: وأعتقه النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقبله حين قدم، وقال له: “قومك خير لك من قومى”.
روى عنه نافع، ومحمد بن إبراهيم التيمى، ولم يدركاه، فهو مرسل، واستشهد يوم اليرموك سنة خمس عشرة فى خلافة عمر، وقيل: استشهد يوم أجنادين سنة ثلاث عشرة فى خلافة أبى بكر الصديق، رضى الله عنه.
637 - نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيس بن ثعلبة بن قنفذ بن خلادة بن سبيع بن بكر بن أشجع بن ريث - آخره مثلثة - ابن غطفان الغطفانى الأشجعى الصحابى (1) :
أبو سلمة، أسلم فى وقعة الخندق، وهو الذى أوقع الخلفة بين قريظة وغطفان وقريش يوم الخندق، وخذل بعضهم عن بعض، وأرسل الله تعالى عليهم الريح والجنود، وكان نعيم يسكن المدينة وولده من بعده، وهو والد سلمة بن نعيم. توفى نعيم فى آخر خلافة عثمان، وقيل: أول خلافة على، رضى الله تعالى عنهم.
638 - النمر بن تولب - بفتح المثناة فوق واللام - ابن زهير بن قيس بن عبد كعب بن عوف بن الحارث بن عوف بن وائل بن قيس بن عوف بن عبد مناة بن أد العكلى (2) :
ويقال لولد عوف بن وائل: عكل؛ لأنهم حضنتهم أمة اسمها عكل، فغلب عليهم، وكان النمر شاعرًا، مشهورًا، فصيحًا، جوادًا، ذكره ابن عبد البر، وابن مندة، وأبو نعيم الأصبهانى فى الصحابة، ورووا له حديثًا فى التصريح بسماعه من النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال الأصمعى: هو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، يعنى فهو تابعى، والله أعلم.
639 - نوح النبى عليه السلام:
ذكروه فى هذه الكتب فى صلاة الاستسقاء، وقد سبق أنه اسم أعجمى، والمشهور صرفه، وقيل: يجوز صرفه، وترك صرفه.
قال
_________
(1) الطبقات الكبرى ابن سعد (4/477) والتاريخ الكبير للبخارى (8/2306) والجرح والتعديل (8/2103) وأسد الغابة (5/33) والإستيعاب (4/1508) والإصابة (3/8779) وتهذيب التهذيب (10/466) . تقريب التهذيب (7174) ، وقال: “ابن أنيف بنون وفاء مصغر الأشجعي صحابي مشهور مات في أول خلافة علي د”..
(2) الطبقات الكبرى ابن سعد (7/39) ، والاستيعاب (4/1531) ، وأسد الغابة (5/39) ، وتهذيب التهذيب (10/474، 475) . تقريب التهذيب (7186) ، وقال: “صحابي له حديث في السنن لم يسم فيه وسماه فيه محمد ابن سلام في طبقات الشعراء وهو غير النمر ابن تولب الشاعر المشهور على الصحيح د س”. .(2/131)