الفصل الثامن: في ذكر نبذ من فضائله
قال ابن قتيبة وأبو عمر وغيرهما: شهد طلحة أحدا وما بعدها. وقال الزبير بن بكار وغيره: أبلى طلحة يوم أحد بلاء حسنا، وثبت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووقاه بيده فشلت، وشهد الحديبية والمشاهد1 كلها، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة, وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الستة الذين جعل عمر فيهم الشورى2 وأخبر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توفي وهو عنهم راضٍ, وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر.
ذكر إثبات سهمه من غنيمة بدر وأجره, ولم يحضر:
عن ابن شهاب قال: لم يشهد طلحة بدرا، وقدم من الشام بعد مرجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بدر، فكلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سهمه3، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لك سهمك" قال: وأجري يا رسول الله? قال: "وأجرك" فلذلك كان معدودا في البدريين. أخرجه ابن إسحاق وابن الضحاك, وحكاه أبو عمر عن موسى بن عقبة قال الزبير بن بكار: كان طلحة بن عبيد الله بالشام في تجارة حين كانت وقعة بدر وكان من المهاجرين الأولين, فضرب له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسهمه، فلما قدم قال: وأجري يا رسول الله? قال: "وأجرك" أخرجه أبو عمر.
وقال الوقدي: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يخرج من المدينة إلى بدر طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد إلى طريق الشام يتجسسان4 الأخبار, ثم رجعا إلى المدينة فقدماها يوم وقعة بدر.
__________
1 مشاهد القتال في سبيل الله تعالى.
2 لاختيار الخليفة بعده، وكان من الستة الذين جعل عمر فيهم الشورى عثمان بن عفان -رضي الله عنه- الذي اختير خليفة كما هو مشهور، وكان ابن عمر مع أهل الشورى في الرأي فقط، ولم يرض عمر رضي الله عنه له أن يكون خليفة لتبعات الخلافة الثقيلة، فما أرحم عمر بابنه، وهكذا يكون الآباء الرحماء حقا.
3 السهم: النصيب.
4 وتجسسهما الأخبار عون على كسب المعركة، فهو ضرب من الجهاد، فلا عجب أن عُدَّا في البدريين.(4/256)
ذكر شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالشهادة 1:
تقدم في باب ما دون العشرة حديث: "تحرك حراء 2 " وقوله -صلى الله عليه وسلم: "اثبت حراء؛ فما عليك إلا نبي أو صديق 3 أو شهيد" وكان طلحة ممن كان معه -صلى الله عليه وسلم.
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض, فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله" أخرجه الترمذي وقال: غريب.
ذكر شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له أنه ممن قضى نحبه:
عن موسى بن معاوية قال: دخلت على معاوية فقال: ألا أبشرك? سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "طلحة ممن قضى نحبه" أخرجه الترمذي وقال: غريب.
وعن طلحة: أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا لأعرابي جاهل: سله عمن قضى نحبه من هو? وكانوا لا يجترئون على مسألته يوقرونه ويهابونه, فسأله الأعرابي فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض, ثم إني طلعت من باب المسجد وعلي ثياب خضر، فلما رآني النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أين السائل عمن قضى نحبه?" قال الأعرابي: أنا يا رسول الله. قال: "هذا ممن قضى نحبه" أخرجه الترمذي، وقال: حسن غريب.
وعنه قال: لما رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أحد صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قرأ هذه الآية: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ
__________
1 الشهادة: الموت في سبيل الله تعالى.
2 حراء وزان كتاب: جبل بمكة, يذكر ويؤنث, قاله الجوهري.
3 ملازم للصدق، وذلك الوصف من أوصاف سيدنا أبي بكر -رضي الله عنه.(4/257)
مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} 1 الآية، فقام إليه رجل, فقال: "أيها السائل, هذا منهم" أخرجه في الصفوة.
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: نظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى طلحة فقال: "من أحب أن ينظر إلى رجل يمشي على وجه الأرض وقد قضى نحبه, فلينظر إلى وجه طلحة بن عبيد الله" أخرجه الملاء.
"شرح" نحبه: نذره، كأنه ألزم نفسه أن يموت على وصف فوفى به، هذا أصله؛ لأن النحب النذر، تقول: نحبت أنحب بالضم، والنحب: الوقت والمدة، يقال: فلان قضى نحبه أي: مدته فمات، والمعنى: أن طلحة التزم أن يصدق الله في الحرب لأعدائه فوفى له ولم يفسخ، وتناحب القوم: إذا تواعدوا للقتال أو غيره، وناحبت الرجل: فاخرته أيضًا، ومنه حديث طلحة أنه قال لابن عباس: هل لك أن أناحبك ونرفع النبي -صلى الله عليه وسلم? أي: أفاخرك ونرفع النبي -صلى الله عليه وسلم- من رأس الأمر، لا تذكره في فضائلك وقرابتك منه. ذكره الهروي.
ذكر شهادته -صلى الله عليه وسلم- بالمغفرة له, وإثبات اسمه في ديوان المقربين:
عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لطلحة بن عبيد الله: "أبشر يا أبا محمد، إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، وقد أثبت اسمك في ديوان المقربين" أخرجه الملاء.
ذكر أنه في حفظ الله -عز وجل- وفي نظره:
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لطلحة: "أنت في حفظ الله, ونظره إلى أن تلحق به" أخرجه الملاء.
__________
1 سورة الأحزاب الآية 23.(4/258)
ذكر أنه سلف 1 النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة:
عن علي -عليه السلام- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لطلحة بن عبيد الله: "أنت سلفي في الدنيا، وأنت سلفي في الآخرة" أخرجه الملاء في سيرته، وذلك أن طلحة تزوج حمنة بنت جحش أخت زينب بنت جحش زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمهما أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي -صلى الله عليه وسلم.
ذكر أنه حواري النبي -صلى الله عليه وسلم:
عن زيد بن أبي أوفى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لطلحة والزبير: "أنتما حوارياي كحواريي عيسى ابن مريم" أخرجه الحافظ الدمشقي والبغوي في معجمه.
"شرح" الحواري: الناصر، والحواريون: أنصار عيسى -عليه السلام- ومنه قول الأعور الكلابي:
ولكنه ألقى زمام قلوصه2 ... ليحيي كريمًا أو يموت حواريا
قال يونس بن حبيب: الحواري: الخالصة، وقيل: إن أصحاب عيسى إنما سموا حواريين؛ لأنهم كانوا يغسلون الثياب ويخلصونها من الأوساخ، ويحورونها أي: يبيضونها، والتحوير: التبييض، والحور: البياض، وقال محمد بن السائب: الحواري: الخليل، وقال معمر عن قتادة: الحواريون كلهم من قريش: أبو بكر وعمر وعلي وعثمان وحمزة وجعفر وأبو عبيدة بن الجراح وعثمان بن مظعون وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة والزبير. وعن قتادة أيضًا أنه قال: الحواريون الذين تصلح
__________
1 السلف: هو المعروف بالعديل الآن.
2 ناقته.(4/259)
لهم الخلافة. ذكره جميعه أبو بكر، وذكر الهروي طائفة منهم، وكذلك الجوهري.
ذكر إثبات الرجاء بأنه ممن قال الله تعالى فيه: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} :
عن علي -عليه السلام- أنه قال: إني والله لأرجو1 أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير ممن قال الله تعالى فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} 1 أخرجه أبو عمر.
وعن أبي حبيبة عن مولى طلحة قال: دخلت على علي مع عمران بن طلحة بعدما فرغ من أصحاب الجمل، فرحب به وأدناه، وقال: إني لأرجو أن يجعلني وأباك من الذين قال الله تعالى فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ... } الآية وقال: يابن أخي كيف فلان? وكيف فلان? وسأله عن أمهات أولاد ابنه، ثم قال: لم نقبض أرضكم هذه إلا مخافة أن ينهبها الناس. يا فلان، انطلق به إلى ابن قرطة مرة فليعطه غلته وليدفع إليه أرضه، فقال رجلان جالسان ناحية أحدهما الحارث الأعور: الله أعدل من ذلك أن يقتلهم ويكونوا إخواننا في الجنة. فقال: قوما، وأبعدهما وأسحقهما، فمن هو إذا لم أكن أنا وطلحة أخوين? يابن أخي إذا كان لك حاجة فأتنا. أخرجه الفضائلي الرازي.
"شرح" أسحقهما: أبعدهما، ومنه: {فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} أي: بعيد، وكرر لاختلاف اللفظ، والسحق بالضم: البعد، تقول: سحقًا له، ومنه
__________
1 ومن أراد أن يكون ممن قال الله تعالى فيهم هذا القول الكريم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} فليقتد بأولئك المذكورين في سيرهم وسلوكهم, وروى ابن ماجه بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قيل: يا رسول الله, أي الناس أفضل؟ قال: "كل مخموم القلب, صدوق اللسان" قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: "التقي النقي, لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد".(4/260)
الحديث: "فأقول: سحقًا سحقًا" والسحق بضم الحاء لغة فيه، نحو: عسر وعسر، وسحق الشيء: بعده وأسحقه الله: أبعده.
ذكر جوده 1 وسماحة نفسه, وكثرة عطائه وصلة رحمه:
عن سعدى بنت عوف امرأة طلحة قالت: لقد تصدق طلحة يومًا بمائة ألف.
وعنها قالت: دخل علي طلحة فرأيته مغمومًا، فقلت: ما شأنك? قال: المال الذي عندي قد كثر وأكربني، فقلت: وما عليك? اقسمه، فقسمه حتى ما بقي منه درهم؛ قال طلحة بن يحيى: فقلت لخازن طلحة: كم كان المال? قال: أربعمائة ألف.
وعن الحسن قال: باع طلحة أرضًا له بسبعمائة ألف، فبات أرقًا من مخافة ذلك المال، حتى أصبح ففرقه.
"شرح" الأرق: السهر، وأرقت بالكسر: سهرت، وكذلك ايترقت على افتعلت فأنا أرق؛ وأرقني كذا تأريقا أي: أسهرني.
وعنه أن طلحة باع أرضًا من عثمان بسبعمائة ألف فحملها إليه، فلما جاء بها قال: إن رجلا تبيت هذه عنده في بيته -لا يدري ما يطرقه من أمر الله- لغرير بالله, فبات ورسله تختلف في سكك المدينة حتى أسحر وما عنده منها درهم. أخرجهن صاحب الصفوة.
"شرح" غرير أي: مغرور؛ فعيل بمعنى مفعول كقتيل وطريح، وأسحر أي: دخل في السحر.
__________
1 وبالنظر إلى ما تضمنه هذا الباب، قلت في ختام مدح له -رضي الله عنه وأرضاه:
عليك رضا الرحمن يا طلحة الندي ... ولا زلت بين الأكرمين إماما(4/261)
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: صحبت طلحة، فما رأيت رجلًا أعطى لجزيل مال عن غير مسألة منه.
وعن علي بن زيد قال: جاء أعرابي إلى طلحة يسأله ويتقرب إليه برحم فقال: إن هذه لرحم ما سألني بها أحد قبلك، إن لي أرضًا أعطاني بها عثمان ثلاثمائة ألف؛ فإن شئت فاغدُ فاقبضها، وإن شئت بعتها من عثمان، ودفعت إليك الثمن فقال الأعرابي: الثمن. فباعها من عثمان, ودفع إليه الثمن.
وعن بعض ولد طلحة قال: لبس طلحة رداءً نفيسًا، فبينا هو يسير إذا رجل قد استله، فقام الناس فأخذوه منه، فقال طلحة: ردوه عليه، فلما رآه الرجل خجل ورمى به إلى طلحة، فقال طلحة: خذه بارك الله لك فيه؛ إني لأستحي من الله أن يؤمل في أحد أملا فأخيب أمله.
وعن محمد بن إبراهيم قال: كان طلحة يغل بالعراق ما بين أربعمائة ألف إلى خمسمائة ألف، ويغل بالشراة عشرة آلاف دينار أو أكثر أو أقل، وكان لا يدع أحدًا من بني تيم عائلًا إلا كفى مئونة عياله، ويزوج أياماهم ويخدم عائلهم ويقضي دين غارمهم, وكان يرسل إلى عائشة إذا جاءت غلته كل سنة عشرة آلاف، ولقد قضى عن صبيحة ثلاثين ألف درهم. أخرج الأربعة الفضائلي.
"شرح" العائل: الفقير ومنه: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} أي: فقرًا والأيامى: جمع أيم وهي التي لا زوج لها بكرًا كانت أو ثيبًا، ويقال للذي لا زوجة له: أيم أيضا. قال أبو عبيد: يقال: رجل أيم وامرأة أيم؛ ولا يقال: أيمة، والغارم: المديون1.
وعن الزبير بن بكار أنه سمع سفيان بن عيينة يقول: كانت غلة طلحة
__________
1 يقال في المقترض: مديون، ومدين.(4/262)
ابن عبيد الله كل يوم ألفًا وافيًا، قال: والوافي وزنه وزن الدينار وقال: وعلى ذلك وزن دراهم فارس التي تعرف بالبغلية.
وسمع علي -عليه السلام- رجلًا ينشد:
فتى كان يدنيه الغنى من صديقه ... إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر
قال: ذلك أبو محمد طلحة.
ذكر أنه كان من خطباء الصحابة:
عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن عمر شاور الناس في الزحف إلى قتال ملوك فارس التي اجتمعت بنهاوند، فقام طلحة بن عبيد الله وكان من خطباء الصحابة، فتشهد ثم قال: أما بعد يا أمير المؤمنين، فقد أحكمتك الأمور، وعجنتك البلايا، وأحنكتك التجارب، فأنت وشأنك، وأنت ورأيك، إليك هذا الأمر، فمرنا نطع، وادعُنا نُجِب، واحملنا نركب، وقدنا ننقد، فإنك ولي هذه الأمور، وقد بلوت واختبرت فلم ينكشف لك عن شيء من عواقب قضاء الله -عز وجل- إلا عن خيار, ثم جلس. أخرجه في فضائل عمر.
ذكر ثناء ابن عباس عليه, وعلى الزبير:
عن ابن عباس -وقد سئل عن طلحة والزبير- فقال: رحمة الله عليهما، كانا والله مسلمين مؤمنين بارين، تقيين خيرين فاضلين طاهرين, زلالتين والله غافر لهما؛ للصحبة القديمة والعشرة الكريمة والأفعال الجميلة، فأعقب الله من يبغضهما بسوء الغفلة إلى يوم الحشر. أخرجه الأصبهاني.
وقد تقدم في مناقب علي عليه السلام عن سعد بن أبي وقاص وعن سعيد بن المسيب ما يدل على الحث على محبتهما, والزجر عن بغضهما.(4/263)
الفصل التاسع: في مقتله وما يتعلق بذلك, ذكر كيفية قتله وسببه ومن قتله
كان رضي الله عنه حربا لعلي -رضى الله عنه- وزعم بعضهم أن عليا دعاه فذكره أشياء من سوابقه وفضله، فخرج طلحة عن قتله واعتزل في بعض الصفوف، فجاءه سهم عزب، فقطع من رجله عرق النسا، فلم يزل دمه ينزف منه حتى مات. ويقال: إن السهم أصاب ثغرة نحره، فقال: بسم الله: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} 1.
"شرح" سهم عزب بفتح الزاي: هو الذي لا يعرف راميه، قاله الأزهري. وعن أبي زيد: يقال: أصابه سهم عزب، بإسكانها إذا أتاه من حيث لا يدري، وبفتحها إذا رمى غيره فأصابه, والنسا بالفتح والقصر: عرق يخرج من الورك فيستبطن الفخذين ثم يمر بالعروق حتى يبلغ الحافر، فإذا سمنت الدابة انفلت فخذاها بلحمتين عظيمتين ويجري النسا بينهما ويستبين، وإذا هزلت الدابة اضطرب الفخذان وخفي النسا, وثغرة النحر بالضم: النقرة التي بين الترقوتين.
قال الأحنف بن قيس: لما التقوا كان أول قتيل طلحة، والمشهور أن مروان بن الحكم هو الذي قتله، رماه بسهم؛ وقال: لا أطلب بثأري بعد اليوم؛ وذلك أن طلحة زعموا أنه كان ممن حاصر عثمان واشتد عليه.
وعن يحيى بن سعيد قال: قال طلحة يوم الجمل:
ندمت ندامة الكسعي لما ... شريت رضى بني حزم برغمي
__________
1 سورة الأحزاب الآية 38.(4/264)
اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى؛ فرماه مروان بن الحكم بسهم في ركبته فجعل الدم يسيل، فإذا أمسكوا فم الجرح انتفخت ركبته، فقال: دعوه فإنما هو سهم أرسله الله تعالى. قال: فمات، فدفناه على شاطئ الكلأ فرأى بعض أهله أنه أتاه في المنام فقال: ألا تريحونني من هذا الماء, فإني قد غرقت? ثلاث مرات يقولها، قال: فنبشوه، فإذا هو أخضر كأنه السلق فنزحوا عنه الماء، ثم استخرجوه فإذا ما يلي الأرض من لحيته ووجهه قد أكله الأرض، فاشتروا له دارا من دور بني بكرة بعشرة آلاف، فدفنوه فيها. أخرجه أبو عمر؛ وأخرج بعضه ابن قتيبة وصاحب الصفوة.
وذكر أبو عمر من طريق آخر أن مروان بن الحكم رماه بسهم في فخذه، فشكه بسرجه، فانتزع السهم، وكان إذا أمسك الجرح انتفخ الفخذ وإذا أرسلوه سال. فقال طلحة: دعوه, فإنه سهم من سهام الله أرسله، فمات ودفن، فرآه مولى له ثلاث ليال في المنام كأنه يشكو إليه البرد، فنبش عنه فوجد ما يلي الأرض من جسده مخضرا وقد تحاص شعره، فاشتروا له دارا, وذكر ما تقدم.
وعن المثنى بن سعد قال: لما قدمت عائشة بنت طلحة أتاها رجل، فقال: أنت عائشة بنت طلحة? قالت: نعم قال: إني رأيت طلحة في المنام, فقال: قل لعائشة حتى تحولني من هذا المكان فإن البرد قد آذاني, فركبت في مواليها وحشمها فضربوا عليه بيتا، واستثاروه فلم يتغير منه إلا شعرات في أحد شقي لحيته -أو قال: رأسه- حتى حول إلى هذا الموضع, وكان بينهما بضع وثلاثون سنة. أخرجه ابن قتيبة والفضائلي.
"شرح" قوله: ندمت ندامة الكسعي: البيت، هكذا رواه أبو عمر والمشهور:(4/265)
ندمت ندامة الكسعي1 لما ... رأت عيناه ما صنعت يداه
وهو رجل كان ربى نبعة، وهو شجر ينبت في الصخر، واتخذ منها قوسا فرمى به الوحش ليلا فأصاب وظن أنه أخطأ، فكسر القوس، فلما أصبح رأى ما أصمى من الصيد، فندم، فقال الشاعر:
ندمت ندامة الكسعي ... البيت
وقوله: برغمي: في الرغم ثلاث لغات ضم الراء وفتحها وكسرها، تقول: رغم أنفي لله بكسر الغين وفتحها رغمًا ورغمًا، إذا انقدت على كره من نفسك، وفعلت ذلك على الرغم من أنفه ورغم فلان بالفتح: إذا لم يقدر على الانتصاف, وأصله من الرغام بالفتح وهو التراب، يقال: أرغم الله أنفه أي: ألصقه بالرغام، فكأن الفاعل للشيء على كره ملصق أنفه بالرغام لما اتصف به من إذلال نفسه, والشاطئ: الجانب وكذلك الشطء, وتحاص شعره أي: سقط, ورجل أحص بين الحصص: قليل الشعر.
ذكر تاريخ مقتله:
قتل رضي الله عنه يوم الجمل، وكان يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين.
ذكر سنه يوم قتل:
وكان له يوم قتل ستون سنة، وقيل: اثنتان وستون، وقيل: أربع
__________
1 رجل يضرب به المثل عند الندم، واسمه كما ذكر صاحب القاموس: غامد بن الحارث الكسعي، الذي اتخذ قوسا وخمسة أسهم، وكمن في فترة -في ناحية- فمر قطيع, فرمى عيرًا أي حمارًا، وغلب على الوحشي, فأمخطه -أي أنفذه- السهم، وصدم الجبل، فأورى نارا، فظن أنه أخطأ، فرمى ثانيا، وثالثا إلى آخرها، وهو يظن خطأه، فعمد إلى قوسه فكسرها ثم بات، فلما أصبح نظر، فإذا الحمر مطرحة مصرعة وأسهمه بالدم مضرجة، فندم فقطع إبهامه، وأنشد:
ندمت ندامة لو أن نفسي ... تطاوعني إذًا لقطعت خمسي
تبين لي سفاه الرأي مني ... لعمر أبيك حين كسرت قوسي(4/266)
وستون، وقيل غير ذلك. أخرجه ابن قتيبة وأبو عمر وغيرهما.
ذكر ما روي عن علي -عليه السلام- من القول عند موت طلحة:
عن طلحة بن معروف أن عليا انتهى إلى طلحة وقد مات، فنزل عن دابته وأجلسه، وجعل يمسح الغبار عن وجهه ولحيته وهو يترحم عليه ويقول: ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة. أخرجه الفضائلي.(4/267)
الفصل العاشر: في ذكر ولده
وكان له أربعة عشر ولدا؛ عشرة بنين وأربع بنات.
ذكر البنين:
"محمد" وهو السجاد, سمي بذلك لكثرة عبادته, ولد في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسموه محمدًا وكنوه أبا القاسم، فقيل: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- سماه محمدًا وكناه أبا سليمان، وقال: "لا أجمع له بين اسمي وكنيتي" أخرجه الدارقطني, قتل مع أبيه يوم الجمل، وله عقب؛ وكان علي ينهى عنه ويقول: إياكم وصاحب البرنس، فقتله رجل وأنشأ يقول:
وأشعث قوام بآيات ربه ... قليل الأذى فيما ترى العين مسلم
أمكنه بالرمح حضني مقبلًا ... فخر صريعًا لليدين وللفم
على غير شيء غير أن ليس تابعًا ... عليا ومن لا يتبع الحق يظلم
يناشدني حم والرمح شاجر ... فهلا تلاحم قبل التقدم
"شرح" الحضن: ما دون الإبط إلى الكشح، وحضنا الشيء: جانباه ونواحي كل شيء: أحضانه, شاجر أي: ملابس له، وتشاجر القوم: تطاعنوا، وتشاجروا: تنازعوا، وشجر الأمر بينهم: اختلف.(4/267)
وروي أن عليا مر به قتيلا فقال: هذا السجاد، قتله1 بره بأبيه, ذكره الدارقطني. وهو وعمران بن طلحة: أمهما حمنة بنت جحش, أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا عقب له، وأختهما لأمهما زينب بنت مصعب بن عمير العبدري. قاله الدارقطني، وذكر أن عمران هذا هو الذي قدم على علي بعد الجمل، وسأله أن يرد عليه أموال أبيه، فقربه وترحم على أبيه، وقال: لم نقبض أموالكم إلا لتحفظ عليكم, ثم أمر بتسليمها وتسليم جميع ما استغل منها إليه و"عيسى بن طلحة" وكان ناسكا له عقب، ويحيى وكان من خيار ولده، وله عقب، أمهما سعدى بنت عوف المرية، أخوهما لأمهما المغيرة بن عبد الرحمن بن هشام بن عبد الله بن المغيرة؛ وإسماعيل، وإسحاق, وله عقب, ويعقوب وكان جوادا ممدحا قاله الدارقطني. قتل يوم الحرة، وله عقب، أمهم أم أبان بنت عتبة بن ربيعة وهم بنو خالة معاوية بن أبي سفيان قاله الدارقطني، وموسى: من خيارهم أيضًا، وله نبل وقدر، ووجهه عبد الملك بن مروان إلى شبيب فقتله شبيب بالكوفة, وله عقب, أمه خولة بنت القعقاع بن معبد بن زرارة, أخوه لأمه محمد بن أبي جهم بن حذيفة العدوي قاله الدارقطني؛ وزكريا، ويوسف أمهما: أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، وإخوتهما لأمهما عمار وإبراهيم وموسى بنو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي؛ وصالح, أمه الفرعة التغلبية.
ذكر الإناث:
"عائشة" شقيقة زكريا ويوسف, وتزوجها مصعب بن الزبير بن العوام بعد أن كانت حلفت2: إن تزوجته فهو عليَّ كظهر أمي، فأمرت
__________
1 ويا له من مثل أعلى تحيا به في النفس عاطفة البر بالأب, وبر الأم أعظم.
2 ذكر الإمام ابن العربي في أحكام القرآن أن التحليل والتحريم في النكاح بيد الرجل وأن هذا إجماع, فالظهار بيد الرجل، وليس للمرأة ظهار كما أنها ليس لها طلاق, فإنه لمن أخذ بالساق.(4/268)
بكفارة الظهار، فكفرت ثم تزوجته، وأم إسحاق تزوجها الحسن بن علي و"الصعبة" أمها أم ولد وذكر الدارقطني أن أم أم إسحاق أم الحارث الجرباء بنت قسامة بن حنظلة الطائية، و"مريم" أمها أم ولد. وذكر ذلك كله ابن قتيبة وصاحب الصفوة، وذكره الدارقطني، غير أنه ذكر في أولاده "صالحا" و"عثمان" ولم يثبت ذلك.(4/269)
الباب السادس: في مناقب الزبير بن العوام
الفصل الأول: في نسبه
...
الباب السادس: في مناقب الزبير بن العوام
وفيه عشرة فصول على نحو من فصول طلحة
الفصل الأول: في نسبه
وقد تقدم ذكر آبائه في باب العشرة في ذكر الشجرة، يجتمع نسبه ونسب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قصي بن كلاب، وينسب إلى أسد بن عبد العزى بن قصي, فيقال: القرشي الأسدي, أمه صفية بنت عبد المطلب، عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسلمت وهاجرت، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ابن خاله.
وعن عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه قال له: يا بني، كانت عندي أمك1 وعند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خالتك عائشة، وبيني وبينه من الرحم والقرابة ما قد علمت، وعمة أبي أم حبيبة بنت أسد جدته وأمي عمته، وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف، وجدتي هالة بنت وهب بن عبد مناف، وزوجته خديجة بنت خويلد عمتي. أخرجه البغوي في معجمه.
__________
1 أسماء بنت أبي بكر.(4/271)
الفصل الثاني: في اسمه
ولم يزل اسمه في الجاهلية والإسلام الزبير، ويكنى أبا عبد الله.(4/272)
الفصل الثالث: في صفته
قال الواقدي: كان الزبير ليس بالطويل ولا بالقصير، إلى الخفة, ما هو خفيف اللحية، أسمر اللون، أشعر، وكان لا يغير1 شيبه.
وعن هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير كان طويلا، تخط رجلاه في الأرض إذا ركب الدابة، أزرق, أشعر، وربما أخذت وأنا غلام شعر كنفيه حين أقوم. ذكره ابن قتيبة والبغوي في معجمه وصاحب الصفوة.
__________
1 ارتياحًا منه لنور الشيب.(4/272)
الفصل الرابع: في إسلامه, وسنه يوم أسلم
عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن أنه بلغه أن عليا والزبير أسلما, وهما ابنا ثماني سنين.
وعن عروة قال: أسلم الزبير وهو ابن ست عشرة سنة. أخرجه أبو عمر والبغوي.
قال أبو عمر: وقول عروة أصح من قول أبي الأسود.
وقد روي من طريق آخر عن عروة أن الزبير أسلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة. أخرجه أبو عمر.
وعن أبي الأسود قال: أسلم الزبير بعد أبي بكر رابعا أو خامسا،
وعنه لما أسلم الزبير كان عمه يعلقه في حصير ويدخن عليه بالنار، ويقول له: ارجع إلى الكفر، فيقول الزبير: لا أكفر أبدًا. أخرجهما في الصفوة.
وأسلم أخواه1 شقيقاه السائب وأم حبيب ابنا العوام وأمهما صفية، وأسلم أخواه لأبيه عبد الرحمن وزينب ابنا العوام: أمهما أم الخير أميمة بنت مالك بن عميلة بن السباق بن عبد الدار بن قصي ولهم إخوة عدد لهم يوقف على إسلامهم وهم: مالك والحارث وصفوان وعبيد الله وبعكل وملك وأصرم وأسد الله وبجير والأسود ومرة وبلال، ومنهم من قتل كافرًا ذكر ذلك الدارقطني, وذكر أن السائب جاهد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- واستعمله أبو بكر وقتل يوم اليمامة شهيدًا ولا عقب له ولا رواية، وأن عبد الرحمن بن العوام كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة، فسماه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبد الرحمن؛ وحسن إسلامه، واستشهد يوم اليرموك ولم يسند شيئا، وأم حبيب تزوجها خالد بن حزام أخو حكيم بن حزام فولدت له أم حسين بنت خالد, وزينب بنت العوام تزوجها حكيم بن حزام، فولدت له عبد الله وخالدًا ويحيى وأم شيبة وفاختة بنت حكيم بن حزام، ولا رواية لها ولا لأختها.
__________
1 أخوه وأخته, ففي التثنية تغليب الذكر على الأنثى.(4/273)
الفصل الخامس: في هجرته
عن أبي الأسود قال: أسلم الزبير وهو ابن ثماني سنين وهاجر وهو ابن ثماني عشرة سنة. ذكره صاحب الصفوة وذكر الدارقطني أنه هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وأنه من المهاجرين الأولين.(4/274)
الفصل السادس: في خصائصه
ذكر اختصاصه بأنه أول من سل سيفًا في سبيل الله -عز وجل- ودعا النبي -صلى الله عليه وسلم- لسيفه:
عن سعيد بن المسيب قال: كان الزبير أول من سل سيفا في سبيل الله -عز وجل- فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم- له بخير.
وعن هشام بن عروة عن أبيه: أن أول رجل سل سيفه في سبيل الله -عز وجل- الزبير، وذلك أنه نفحت نفحة من الشيطان وأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأقبل الزبير يشق الناس بسيفه والنبي -صلى الله عليه وسلم- بأعلى مكة فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ما لك يا زبير?" فقال: أخبرت بأنك أخذت. قال: فصلى عليه ودعا لسيفه. أخرجه أبو عمر، وأخرج الفضائلي معناه عن سعيد بن المسيب، ولفظه: بينا الزبير بمكة إذ سمع نغمة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أخذ, فخرج عريانا ما عليه شيء، بيده السيف مصلتا، فتلقاه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما لك يا زبير?" قال: سمعت أنك قد قتلت قال: "فما كنت صانعا?" قال: أردت والله أن أستعرض أهل مكة, فدعا له النبي -صلى الله عليه وسلم. وأخرجه صاحب الصفوة كذلك وأخرجه الملاء وزاد بعد قوله "أستعرض أهل مكة": وأجري دماءهم كالنهر, لا أترك أحدًا منهم إلا قتلته حتى أقتلهم عن آخرهم. قال: فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلع رداءه وألبسه، فنزل جبريل وقال: "إن الله يقرئك السلام، ويقول لك: أقرئ مني على الزبير السلام، وبشره أن الله أعطاه ثواب كل من سل سيفا في سبيل الله منذ بعثت إلى أن تقوم الساعة، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا؛ لأنه أول من سل سيفا في سبيل الله عز وجل".(4/274)
"شرح" نفحت نفحة: يجوز أن يكون من نفحت الريح إذا هبت, أو من نفح العرق ينفح إذا نزل منه الدم، أو من نفحت الناقة: ضربت برجلها، ونفحه بالسيف: تناوله من بعيد كل هذا يناسبه نفحة الشيطان؛ ويقال: نفح الطيب ينفح إذا فاح، وله نفحة طيبة، ولا يزال لفلان نفحات من المعروف, ونفحة من العذاب: قطعة منه، ونغمة: كلام خفي، يقال منه: نغم ينغم وينغم نغما، وفلان حسن النغمة إذا كان حسن الصوت, مصلتًا: مجردًا وأصلت سيفه: إذا جرده من غمده فهو مصلت بفتح اللام, أستعرض أهل مكة أي: أقتل من جانب، ولا أسأل عن واحد من العرض الجانب, يقال للخارجي: إنه يستعرض الناس أي: يقتلهم ولا يسأل عن مسلم ولا كافر.
ذكر اختصاصه بأنه حواري النبي -صلى الله عليه وسلم:
عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن لكل نبي حواريًّا، وحواريي الزبير" أخرجه البخاري والترمذي ومسلم بزيادة ولفظه: ندب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس يوم الخندق فندب الزبير ثم ندبهم, فانتدب الزبير فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي حواري, وحواريي الزبير" وأخرجه الترمذي عن علي بن أبي طالب وقال: حسن صحيح. وأخرجه أحمد عن عبد الله بن الزبير بزيادة ولفظه: "لكل نبي حواري والزبير حواريي وابن عمتي" وأخرجه أبو معاوية ولفظه: "الزبير ابن عمتي, وحواريي من أمتي".
وسمع ابن عمر رجلا يقول: أنا ابن الحواري، فقال: إن كنت ابن الزبير وإلا فلا. أخرجه أبو عمر.
"شرح" الحواري تقدم شرحه في فضائل طلحة, وندب أي: دعا، فانتدب أي: أجاب.(4/275)
ذكر اختصاصه بنزول الملائكة يوم بدر, عليها عمائم على لون عمامة الزبير:
عن هشام بن عروة عن عبادة بن حمزة بن الزبير قال: كانت على الزبير عمامة صفراء، معتجرًا بها يوم بدر، ونزلت الملائكة عليها عمائم صفراء يوم بدر. أخرجه أبو عمر.
وروي أنه كان يوم بدر على الميمنة وعليه ريطة صفراء، فنزلت الملائكة على سيماه. أخرجه أبو الفرج في مشكل الصحيحين.
"شرح" الاعتجار: لفّ العمامة على الرأس، والمعجر: ما تشده المرأة على رأسها، يقال: اعتجرت المرأة بالمعجر، والمعجرة بالكسر: نوع من العمة، يقال: فلان حسن المعجرة. والريطة: الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ولم تكن لفقين, والسيما: العلامة. ويجوز أن يكون والله أعلم إنما نزلت على سيماه؛ لأنه أول حربها فنزلت على سيما أول محارب لله -عز وجل- وفي سبيله، وقد تقدم ذلك في هذا الفصل.
ذكر اختصاصه بالقتال بعنزة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر:
عن الزبير -رضي الله عنه- قال: لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص وهو مدجج لا يرى منه إلا عيناه، وكان يكنى أبا ذات الكرش، فقال: أنا أبو ذات الكرش، فحملت عليه بالعنزة، فطعنته في عينه فمات، قال هشام بن عروة: فأخبرت أن الزبير قال: لقد وضعت رجلي عليه، ثم تمطيت، وكان الجهد أن نزعتها وقد انثنى طرفها، قال عروة: فسأله إياها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأعطاه إياها، فلما قبض صلى الله عليه وسلم أخذها، فطلبها أبو بكر فأعطاه إياها، فلما قبض أخذها، ثم سألها عمر فأعطاه إياها، فلما قبض عمر أخذها، ثم سألها عثمان فأعطاه إياها، فلما قتل وقعت(4/276)
إلى آل علي فطلبها عبد الله بن الزبير, فكانت عنده حتى قتل. أخرجه البخاري.
"شرح" قوله: مدجج: يروى بكسر الجيم وفتحها أي: عليه سلاح تامّ, فسمي به لأنه يدج أي: يمشي رويدًا لثقله بالسلاح، وقيل: لأنه يتغطى به من دججت السماء: إذا تغيمت. وقوله: تمطيت أي: تمددت, ومددت مطاي, المطا: الظهر.
ذكر اختصاصه بجمع النبي -صلى الله عليه وسلم- له أبويه يفديه بهما يوم الأحزاب:
عن عبد الله بن الزبير قال: كنت عند الأحزاب أنا وعمر بن أبي سلمة مع النساء في أطم حسان، فنظرت فإذا الزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثا، فلما رجعت قلت: يا أبة، رأيتك تختلف، فقال: رأيتني يا بني? قلت: نعم، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من يأتي بني قريظة فيأتيني بخبرهم?" فانطلقت، فلما رجعت جمع لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبويه فقال: "فداك أبي وأمي" أخرجاه وأخرجه الترمذي وقال: حديث حسن.
وهذا القول لم ينقل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قاله يوم الأحزاب لغيره.
وأخرج أحمد عنه قال: جمع لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبويه يوم أحد. والمشهور في ذلك يوم أحد أنه كان لسعد، وسيأتي في خصائصه، ويحتمل أن يكون جمعهما لهما، واشتهر في سعد لكثرة ترديد القول له بذلك.
وقد روي عنه أنه قال: جمع لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبويه مرتين، في أحد وفي قريظة.
"شرح" أطم حسان أي: حصنه، تضم وتسكن؛ والجمع آطام، والأجم مثله.(4/277)
ذكر اختصاصه بالقتال مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن اثنتي عشرة سنة:
عن عمر بن مصعب بن الزبير قال: قاتل الزبير مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وكان يحمل على القوم ويقول له: ههنا بأبي أنت وأمي، ههنا بأبي أنت وأمي. أخرجه البغوي في معجمه، وصاحب الصفوة ولم يقل: بأبي وأمي.
ذكر اختصاصه بمرافقة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى وفد الجن:
عن الزبير بن العوام قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصبح في مسجد المدينة، فلما انصرف قال: "أيكم يتبعني إلى وافد الجن الليلة?" فأسكت القوم فلم يتكلم منهم أحد، قال ذلك ثلاثًا، فلم يتكلم منهم أحد، فمر بي يمشي وأخذ بيدي, فجعلت أمشي معه وما أجد من مس، حتى خنس عنا نخل المدينة كله وأفضينا إلى أرض بوار, فإذ رجال طوال كأنهم رماح مستثفرو ثيابهم بين أرجلهم فلما رأيتهم غشيتني رعدة شديدة حتى ما تمسكني رجلاي من الفرق، فلما دنونا منهم خط لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برجله في الأرض خطا وقال لي: "اقعد في وسطها" فلما جلست فيها ذهب كل شيء كنت أجده، ومضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتلا عليهم القرآن حتى طلع الفجر، ثم أقبل حتى مر بي، فقال: "الحق" فجعلت أمشي معه، فمضينا غير بعيد فقال لي: "التفت فانظر هل ترى حيث كان أولئك من أحد?" فقلت: يا رسول الله أرى سوادًا كثيرًا، قال: فخفض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده الأرض، وأخذ بروثة ثم رمى بها إليهم، وقال: "رشد أولئك من وفد قوم" أخرجه ابن الضحاك في الآحاد والمثاني.(4/278)
ذكر اختصاصه بكسوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طريق الهجرة:
عن عروة بن الزبير أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما هاجر لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارًا قافلين من الشام، فكسا الزبير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر ثيابًا بيضاء. أخرجه الحميدي في جامعه من الصحيحين.
ذكر اختصاصه بنزول قرآن بسببه:
عن عبد الله بن الزبير أن رجلًا خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون بها النخل، فقال للأنصاري: سرح الماء يمر, فأبى عليه فاحتكموا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- للزبير: "اسق يا زبير، ثم أرسل إلى جارك" فغضب الأنصاري فقال: يا رسول الله, أن كان ابن عمتك? فتلون وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: "يا زبير, اسق ثم احبس الماء حتى يبلغ الجدر" فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه نزلت في ذلك: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم} 1 الآية, أخرجاه, وعند البخاري: فاستوعى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للزبير حينئذ حقه.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} 2 الآية, وذلك أن خبيبًا أخرجه المشركون ليقتلوه فقال: دعوني حتى أصلي ركعتين، فتركوه حتى صلى ركعتين، ثم قال: لولا أن يقولوا: جزع لزدت، وأنشأ يقول:
ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي جنب كان في الله مصرعي
فصلبوه حيا، فقال: اللهم إنك تعلم أنه ليس حوالي أحد يبلغ رسولك مقامي، فأبلغه سلامي، ثم رموه بسهم وطعنوه برمح، فبلغ
__________
1 سورة النساء الآية 65.
2 سورة البقرة الآية 207.(4/279)
النبي -صلى الله عليه وسلم- خبره فقال: "أيكم يحتمل خبيبًا من خشبته وله الجنة?" فقال الزبير: أنا وصاحبي المقداد. فخرجا يسيران الليل والنهار حتى وافيا المكان، فإذا حول الخشبة أربعون رجلا نياما، وإذا هو رطب لم يتغير منه شيء بعد أربعين يوما، فحمله الزبير على فرسه وسار فلحقه سبعون منهم، فقذف خبيبًا فابتلعته الأرض، وقال: ما جرأكم علينا يا معشر قريش? ثم رفع العمامة عن رأسه، وقال: أنا الزبير بن العوام، وأمي صفية بنت عبد المطلب، وصاحبي المقداد الأسود، أسدان رابضان، إن شئتم ناضلتم وإن شئتم نازلتم، وإن شئتم انصرفتم فانصرفوا، فقدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعنده جبريل فقال: يا محمد إن الملائكة لتباهي بهذين من أصحابك، ونزل قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} هذا أحد خمسة أقوال في سبب نزولها، وهو قول ابن عباس والضحاك. الثاني: نزلت في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وروي عن علي وعمر. الثالث: في صهيب الرومي. الرابع: في المهاجرين والأنصار، قاله قتادة. الخامس: في المهاجرين خاصة, قاله الحسن.
وقوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} نزلت في سبعين منهم أبو بكر والزبير, وقد سبق ذكر ذلك. أخرجه أبو الفرج في أسباب النزول.(4/280)
الفصل السابع: في شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالجنة
وقد تقدم ذلك في باب العشرة من حديث عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد, وتقدم في فصل الشهادة لطلحة بالجنة قوله -صلى الله عليه وسلم: "طلحة والزبير جاران في الجنة".(4/280)
الفصل الثامن: في ذكر نبذ من فضائله
قال أبو عمر وغيره: شهد الزبير بدرًا والحديبية والمشاهد كلها، لم يتخلف عن غزوة غزاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أهل الشورى الذين قال عمر فيهم: توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راض، وهاجر الهجرتين1، وفيه يقول حسان بن ثابت:
أقام على عهد النبي وهديه ... حواريه والقول بالفعل يعدل
أقام على منهاجه وطريقه ... يوالي ولي الحق والحق أعدل
هو الفارس المشهور والبطل الذي ... يصول إذا ما كان يوم محجل
له من رسول الله قربى قريبة ... ومن نصرة الإسلام مجد مؤثل
فكم كربة ذب الزبير بسيفه ... عن المصطفى والله يعطي ويجزل
إذا كشفت عن ساقها الحرب هشَّها ... بأبيض سباق إلى الموت يرقل
فما مثله فيهم ولا كان قبله ... وليس يكون الدهر ما دام يذبل
ثناؤك خير من فعال معاشر ... وفعلك يابن الهاشمية أفضل
"شرح" الهدي بفتح الهاء وإسكان الدال: السيرة، يقول: ما أحسن هديه أي: سيرته, والحواري: تقدم تفسيره, مؤثل أي: مؤصل والتأثيل والتأصيل بمعنًى، يقال: مجد أثيل أي: أصيل, وكشفت الحرب عن ساقها أي: اشتدت, ومنه: {يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} أي: عن شدة، وكذلك قامت على ساق, هشها لعله من الهش: الجمع والكسب، والهياشة مثل الحياشة، وهو ما جمع من المال واللباس فكأنه يجمع الناس ويكشفهم بسيفه, والأبيض: السيف والجمع: البيض, والإرقال: ضرب من السير نحو الخبب, ويذبل: اسم جبل.
ذكر شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالشهادة:
تقدم حديث هذا الذكر بطرقه في باب ما دون العشرة وهو حديث
__________
1 الهجرة إلى الحبشة، والهجرة إلى المدينة المنورة.(4/281)
تحرك حراء, وقوله -صلى الله عليه وسلم: "اثبت؛ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد" خرجه مسلم.
وخرج صاحب الكوكب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض, فلينظر إلى الزبير" وعلم عليه بعلامة ابن أبي شيبة.
ذكر شهادة عمر أنه ركن من أركان الإسلام:
عن سطيع بن الأسود قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: الزبير ركن من أركان الإسلام. أخرجه ابن السري.
ورفعه ابن عمر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ولفظه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "الزبير بن العوام ركن من أركان المسلمين" أخرجه الملاء في سيرته.
ذكر شهادة عثمان بأنه خيرهم, وأحبهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
عن مروان بن الحكم قال: أصاب عثمان رعاف شديد حتى حبسه عن الحج وأوصى, فدخل رجل من قريش فقال: استخلف، فقال: نعم, قال: ومن؟ قال: فسكت، فدخل عليه رجل أحسبه الحارث فقال: استخلف، فقال عثمان: وقالوا? قال: نعم قال: فمن هو? قال: فسكت، قال: فلعلهم قالوا الزبير؟ قال: نعم قال: أما والذي نفسي بيده إنه لخيرهم ما علمت, وإن كان لأحبهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية أنه قال: والله إنكم لتعلمون أنه خيركم. أخرجه البخاري والبغوي وقال: أما والذي نفسي بيده ... إلى آخره، وزاد ثلاث مرات.(4/282)
ذكر ما جاء عن سعد بن مالك وسعيد بن المسيب في الحث على محبته والزجر عن بغضه, تقدم حديثهما في نظيره من فصل فضائل عثمان, ذكر ثناء ابن عباس عليه:
تقدم في فضائل طلحة؛ لأن الثناء كان عليهما جميعا، والله أعلم.
ذكر إبلائه يوم اليرموك:
عن عروة أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا للزبير يوم اليرموك: ألا تشد فنشد معك? فحمل عليهم فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها يوم بدر، قال عروة: فكنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير قال عروة: وكان معه عبد الله وهو ابن خمس سنين, فحمله على فرس ووكل به. أخرجه البخاري.
واليرموك: موضع بناحية الشام.
ذكر أنه من الذين استجابوا لله والرسول:
عن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت لي: أبوك -والله- من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح. أخرجه مسلم، وزاد في رواية: تعني أبا بكر والزبير.
وعنها قالت: يابن أختي، كان أبوك -تعني أبا بكر- والزبير من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح.
قالت: لما انصرف المشركون من أحد، وأصاب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أصابهم فخاف صلى الله عليه وسلم أن يرجعوا، فقال: "من ينتدب لهؤلاء في آثارهم حتى يعلموا أن بنا قوة" فانتدب أبو بكر والزبير في سبعين, فخرجوا في آثار القوم، فسمعوا بهم فانصرفوا, قالت: فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يقاتلوا عدوا. أخرجه البخاري.(4/283)
ذكر ما كان في جسده من الجراح:
عن عروة قال: أوصى الزبير إلى ابنه عبد الله صبيحة الجمل، فقال: يا بني ما من عضو إلا وقد جرح مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى انتهى ذلك إلى فرجه. أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب.
وعن علي بن زيد قال: أخبرني من رأى الزبير, وإن في صدره لأمثال العيون من الطعن والرمي. أخرجه صاحب الصفوة والفضائلي.
وعن بعض التابعين قال: صحبت الزبير في بعض أسفاره، فأصابته جنابة وكنا بأرض قفر، فقال لي: استرني حتى أغتسل، قال: فسترته، فحانت مني التفاتة فرأيته مجدعا بالسيوف, فقلت له: والله لقد رأيت بك آثارا ما رأيتها بأحد قط، قال: أوقد رأيتها? قلت: نعم, قال: أما والله ما فيها جراحة إلا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي سبيل الله. أخرجه الملاء في سيرته.
ذكر ذَبِّه عن وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو نائم, وما ترتب على ذلك:
عن عمر بن الخطاب قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد نام، فجلس الزبير يذب عن وجهه حتى استيقظ، فقال له: "يا أبا عبد الله لم تزل?" قال: لم أزل، أنت بأبي وأمي قال: "هذا جبريل يقرئك السلام ويقول: أنا معك يوم القيامة حتى أذب عن وجهك شرر جهنم" أخرجه الحافظ الدمشقي في الأربعين الطوال.
ذكر قوله -صلى الله عليه وسلم- لابن الزبير: "يابن أخي" فأثبت له وصف الأخوة:
عن سليمان قال: دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعنده عبد الله بن الزبير, ومعه طشت يشرب ما فيه فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم: "ما شأنك يابن(4/284)
أخي?" ثم ذكر باقي الحديث, وسيأتي في مناقبه من حديث ابن الغطريف.
ذكر ورعه:
عن عبد الله بن الزبير قال: قلت للزبير: ما يمنعك أن تحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما يحدث عنه أصحابه? قال: أما والله لم أفارقه منذ أسلمت، ولكني سمعته يقول: "من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" أخرجه البخاري.
وفي رواية: والله لقد كان لي منه منزلة ووجهة، ولكني سمعته يقول, وذكر الحديث.
وفي رواية: لقد نلت من صحابته أفضل ما نال أحد، ولكني سمعته يقول: "من قال عليَّ ما لم أقل تبوأ مقعده من النار" فلا أحب أن أحدث عنه. أخرجهما البغوي في معجمه.
"شرح" الوجهة: الجاه والعز, "فليتبوأ مقعده من النار" أي: لينزل منزلته منها, قال: بوأه الله منزلا أي: أسكنه إياه, والمباءة: المنزل.
ذكر صلته وصدقته:
وعن أم درة قالت: بعث الزبير إلى عائشة بغرارتين, تبلغ الواحدة منهما ثمانين ومائة ألف درهم.
وعن كعب قال: كان للزبير ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، فما كان يدخل منها بيته درهم واحد؛ كان يتصدق بذلك كله. أخرجه أبو عمر وأخرجه الفضائلي وقال: فكان يتصدق بقسمه كل ليلة، ويقوم إلى منزله ليس معه منه شيء.
وأخرج الطائي عن سعيد بن عبد العزيز أنه قال: كان للزبير(4/285)
وذكره. وعن جويرية قالت: باع الزبير دارًا له بستمائة ألف، قال: فقيل له: يا أبا عبد الله غبنت قال: كلا، والله لتعلمن أني لم أغبن؛ هي في سبيل الله. أخرجه في الصفوة.
ذكر أنه كان من أكرم الناس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
عن ابن إسحاق السبيعي قال: سألت مجلسا فيه أكثر من عشرين رجلا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم: من كان أكرم الناس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم? قالوا: الزبير وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما. أخرجه الفضائلي.
ذكر سماحته في بيعه:
قال أبو عمر: كان الزبير تاجرًا مجدودًا في التجارة، فقيل: بم أدركت في التجارة? قال: لأني لم أشتر معيبا, ولم أرد ربحا, والله يبارك لمن يشاء.
"شرح" مجدودا أي: محظوظًا، والجد: الحظ، والجديد: الحظيظ، فعيل بمعنى مفعول.
ذكر شهادة الحسن بن علي بكفاءة نسبه لنسبهم:
عن هشام بن عروة عن أبيه أن حسن بن علي أوصى في وصيته: أن تزوجوا إلى آل الزبير وزوجوهم، فإنهم أكفاؤكم من قريش. أخرجه أبو معاوية.
وفيه دليل على اعتبار الكفاءة في النسب، وأن قريشا ليسوا أكفاء لبني هاشم، وإلا لما كان في التخصيص فائدة.
ذكر إثبات رخصة عامة للمسلمين بسببه:
عن أنس -رضي الله عنه- أن الزبير وعبد الرحمن بن عوف شكيا إلى(4/286)
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القمل في غزاة لهما؛ فرخص لهما في قميص الحرير، فرأيت على كل واحد منهما قميص حرير.
وعنه رخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعبد الرحمن بن عوف والزبير في قميص الحرير في السفر؛ لحكة كانت بهما. أخرجهما مسلم, ويشبه أن تكون الرخصة للحكة والقمل جمعًا بين الحديثين.
ذكر من أوصى إلى الزبير من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
عن عروة بن الزبير أن ابن مسعود وعثمان والمقداد بن الأسود وعبد الرحمن بن عوف ومطيع بن الأسود أوصوا إلى الزبير بن العوام. أخرجه ابن الضحاك.(4/287)
الفصل التاسع: في مقتله وما يتعلق به, ذكر كيفية قتله ومن قتله وأين قتل
قال أبو عمر: شهد الزبير يوم الجمل فقاتل فيه ساعة، فناداه علي وانفرد به فذكره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له وقد وجدهما يضحكان بعضهما إلى بعض: "أما إنك ستقاتل عليا وأنت له ظالم" فذكر الزبير ذلك وانصرف عن القتال راجعًا إلى المدينة, قادمًا مفارقا للجماعة التي خرج فيها، فأتبعه ابن جرموز عبد الله ويقال: عمير ويقال: عمر ويقال: عميرة السعدي فقتله بموضع يعرف بوادي السباع، وجاء برأسه إلى علي، فقال علي رضى الله عنه: بشر قاتل ابن صفية بالنار.
وعن أبي الأسود الدؤلي قال: لما دنا علي وأصحابه من طلحة والزبير، ودنت الصفوف بعضها من بعض، خرج علي على بغلة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنادى: ادعوا الزبير, فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابهما، فقال علي: يا(4/287)
زبير نشدتك بالله, أتذكر يوم مر بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكان كذا وكذا وقال: "يا زبير أتحب عليا?" قلت: ألا أحب ابن خالي وعلى ديني؟! فقال: "يا علي، أتحبه?" قلت: يا رسول الله ألا أحب ابن عمتي وعلى ديني?! فقال: "يا زبير لتقاتلنه, وإنك له ظالم"؟ قال: نعم، والله لقد أنسيته منذ سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم ذكرته الآن، والله لا أقاتلك. فرجع الزبير على دابته يشق الصفوف، فعرض له ابنه عبد الله وقال: ما لك? قال: قد ذكرني علي حديثًا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لتقاتلنه وأنت له ظالم" ولا أقاتله، ثم رجع منصرفا إلى المدينة، فرأى عبد الله بن جرموز، فقال: أي ها تورش بين الناس ثم تتركهم? والله لا نتركه، فلما لحق بالزبير ورأى أنه يريده، أقبل عليه الزبير فقال له ابن جرموز: اذكر الله، فكف عنه الزبير حتى فعل ذلك مرارًا، فقال الزبير: قاتله الله، يذكر بالله وينساه، ثم غافصه ابن جرموز فقتله. أخرجه الفضائلي وغيره.
"شرح" أي ها بمعنى كيف, والتوريش: التحريش، تقول: ورشت بين القوم وأرشت, وغافصه أي: أخذه على غرة.
قال أبو عمر: ويروى أن الزبير لما انصرف لقيه النغر -رجل من بني مجاشع- فقال: أين تذهب يا حواري رسول الله -صلى الله عليه وسلم? إليَّ فأنت في ذمتي لا يوصل إليك، فأقبل معه، فلحقه عميرة بن جرموز وفضالة بن حابس ونفيع في غزاة من غزاة بني تميم، فلقوه مع الثغر، فأتاه عمير بن جرموز من خلفه وهو على فرس له ضعيفة، فطعنه طعنة خفيفة وحمل عليه الزبير وهو على فرس يقال له: ذو الخمار، حتى ظن أنه قاتله, نادى صاحبيه: يا نفيع، يا فضالة فحملوا عليه حتى قتلوه. قال أبو عمر: وهذا أصح مما تقدم.(4/288)
وعن عبد العزيز السلمي قال: لما انصرف الزبير يوم الجمل سمعته يقول:
ولقد علمت لو أن علمي نافعي ... أن الحياة من الممات قريب
فلم ينشب أن قتله ابن جرموز. أخرجه الملاء في سيرته.
ذكر تاريخ مقتله, وسنه يوم قتل:
قيل: كان قتله يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، وفي ذلك اليوم كانت وقعة الجمل، وسنه يومئذ سبع وستون سنة، وقيل: ست وستون, ذكره أبو عمر. وقيل: أربع وستون، وقيل: ستون، وقيل: إحدى وستون, ذكره البغوي في معجمه. وقيل: خمس وسبعون، وقيل: بضع وخمسون, ذكره صاحب الصفوة والرازي.
ذكر ما قاله علي -عليه السلام- لقاتل الزبير:
تقدم في كيفية قتله طرف منه.
قال أبو عمر: روي أنه لما جاء قاتل الزبير عليًّا برأس الزبير، لم يأذن له وقال للآذن: بشره بالنار.
وعن زر قال: استأذن ابن جرموز على علي وأنا عنده، فقال: بشر قاتل ابن صفية بالنار. أخرجه صاحب الصفوة.
ذكر وصيته:
عن عبد الله بن الزبير قال: جعل الزبير يوم الجمل يوصيني بدينه ويقول: إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه بمولاي. قال: فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت: يا أبة من مولاك? قال: الله تعالى، فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقض عنه، فيقضيه, وإنما كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال يستودعه إياه فيقول(4/289)
الزبير: لا ولكنه سلف، فإني أخشى عليه الضيعة قال عبد الله: فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائة ألف؛ فقتل ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين بعتهما وقضيت دينه، فقال بنو الزبير: ميراثنا؛ قلت: والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه. فجعل كل سنة ينادي؛ فلما انقضت أربع سنين قسم بينهم، وكان للزبير أربع نسوة، فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف، فجمع مال الزبير خمسون ألف ألف ومائتا ألف.
وعن عبد الله أنه لقيه حكيم بن حزام فقال: يابن أخي، كم على أخي? فكتمه، وقلت: مائة ألف. فقال حكيم: والله ما أرى أموالكم تسع هذا، قال: فقال عبد الله: أرأيت إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف? قال: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي، وكان الزبير قد اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف، فباعها عبد الله بألف ألف وستمائة ألف، ثم قال: من كان له على الزبير شيء فليوافنا على الغابة. قال: فأتاه عبد الله بن جعفر وكان له على الزبير أربعمائة ألف؛ قال لعبد الله: إن شئتم تركتها لكم. قال عبد الله: لا قال: إن شئتم جعلتموها فيما تؤخرون إن أخرتم؛ قال عبد الله: لا، قال: فاقطعوا لي قطعة، قال عبد الله: من ههنا إلى ههنا، قال: فباع عبد الله منها فقضى دينه وأوفاه، وبقي منها أربعة أسهم ونصف قال: فقدم على معاوية, وعنده عمر بن عثمان والمنذر بن الزبير وابن ربيعة, قال: فقال له معاوية: كم قومت الغابة? قال: كل سهم بمائة ألف، قال: كم بقي منه? قال: أربعة أسهم ونصف، قال المنذر بن الزبير: أخذت منها سهما بمائة ألف، وقال عمر بن عثمان: أخذت منها سهما بمائة ألف؛ وقال ابن ربيعة: أخذت منها سهما بمائة ألف, فقال معاوية: كم بقي؟ قال: سهم ونصف، قال: قد أخذته بخمسين ومائة ألف، قال: فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه قال بنو الزبير: اقسم بيننا، قال: لا والله، ثم ذكر معنى ما تقدم. أخرجهما البخاري, وذكر القلعي أن تركته بعد قضاء دينه سبعة وخمسون ألف ألف وستمائة ألف.
وعن عروة بن الزبير أن الزبير أوصى بثلث ماله ولم يدع دينارا ولا درهما. أخرجه البغوي في معجمه.(4/290)
الفصل العاشر: في ذكر ولده
وكان له عشرون ولدًا، أحد عشر ذكرًا وتسع إناث.
ذكر الذكور:
عبد الله، وكان يكنى أبا بكر، ويكنى أيضًا أبا خبيب بابنه خبيب.
عن عائشة -رضى الله عنها- قالت: أول مولود ولد في الإسلام عبد الله بن الزبير، أتوا به النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- تمرة فلاكها ثم أدخلها في فيه, فأول ما دخل بطنه ريق رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
وعن فاطمة بنت المنذر وهشام بن عروة بن الزبير قالا: خرجت أسماء بنت أبي بكر حين هاجرت وهي حبلى بعبد الله بن الزبير فقدمت قباء فنفست عبد الله بقباء، ثم خرجت حتى أتت به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليحنكه, فأخذه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها فوضعه في حجره، قالا: قالت عائشة: فمكثنا ساعة نلتمسها -يعني تمرة- قبل أن نجدها، فمضغها1 ثم بصقها في فيه؛ فإن أول شيء دخل بطنه ريق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت أسماء: ثم مسحه وصلى2 عليه، وسماه عبد الله، ثم جاء وهو ابن سبع سنين أو ثمانٍ ليبايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمره بذلك الزبير, فتبسم
__________
1 وهذا هو التحنيك.
2 المراد: دعا له بالبركة.(4/291)
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين رآه مقبلًا، ثم بايعه. أخرجهما البخاري.
وقال أبو عمر: كناه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكنية جده أبي أمه، وسماه باسمه ودعا له، وبارك عليه، وشهد1 الجمل مع أبيه وخالته، وكان فصيحًا ذا أنفة، أطلس، لا لحية له، ولا شعر في وجهه، وكان كثير الصوم والصلاة, شديد البأس، كريم الجدات والأمهات والخالات, وبويع له بالخلافة سنة أربع وستين، وقتل سنة خمس وستين بعد موت معاوية بن يزيد، واجتمع على طاعته أهل الحجاز واليمن والعراق وخراسان، وحج بالناس ثماني حجج؛ وذكر صاحب الصفوة في صفته أنه كان إذا صلى كأنه عود من الخشوع. قال مجاهد: وكان إذا سجد يطول حتى تنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلا جذما, قاله يحيى بن ثابت.
"شرح" الجذم: أصل الشيء، والجذمة: القطعة من الجبل ونحوه.
وقال ابن المنكدر: لو رأيت ابن الزبير يصلي كأنه غصن شجرة, تصفقه الريح.
وعن عمر بن قيس عن أمه قالت: دخلت على ابن الزبير بيته وهو يصلي فسقطت حية من السقف على ابنه، ثم تطوقت على بطنه وهو نائم فصاح أهل البيت، ولم يزالوا بها حتى قتلوها، وابن الزبير يصلي ما التفت ولا عجل، ثم فرغ بعدما قتلت الحية فقال: ما بالكم? فقالت زوجته: رحمك الله أرأيت إن كنا هُنَّا عليك, يهون عليك ابنك?!
وعن محمد بن حميد قال: كان عبد الله بن الزبير يحيي الدهر أجمع
__________
1 وقعة الجمل المشهورة في التاريخ بين طلحة والزبير ومن كان معهما، وبين علي -كرم الله وجهه.(4/292)
ليلة قائمًا حتى يصبح، وليلة راكعًا حتى يصبح، وليلة ساجدًا حتى يصبح.
وعن مسلم بن يناق المكي قال: ركع ابن الزبير يومًا ركعة, فقرأت البقرة وآل عمران والنساء والمائدة وما رفع رأسه.
وعن محمد بن الضحاك وعبد الملك بن عبد العزيز: كان ابن الزبير يصوم يوم الجمعة، فلا يفطر إلا ليلة الجمعة الأخرى، ويصوم بالمدينة فلا يفطر إلا بمكة، ويصوم بمكة فلا يفطر إلا في المدينة, وأول ما يفطر عليه لبن لقحه بسمن بقر.
وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: كان ابن الزبير صواما بالنهار قواما بالليل, وكان يسمى خادم المسجد.
وعن ابن أبي مليكة قال: كان ابن الزبير يواصل سبعة أيام.
وعن وهب بن كيسان قال: ما رأيت ابن الزبير يعطي كلمة قط -لرغبة ولا لرهبة- سلطانا ولا غيره. أخرجه أبو معاوية الضرير.
وعن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- وإذا عبد الله بن الزبير معه طشت يشرب ما فيه, فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "ما شأنك يابن أخي?" قال: إني أحببت أن يكون من دم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جوفي، فقال: "ويل لك من الناس، وويل للناس منك، لا تمسك النار؛ إلا قسم اليمين" أخرجه ابن الغطريف.
وعن عروة قال: عبد الله بن الزبير أحب البشر إلى عائشة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد أبي بكر, وكان أبر الناس بها. أخرجه البخاري.
وعنه, وعن وهب بن كيسان قال أهل الشام يعيرون الزبير، يقولون: يابن ذات النطاقين، فقالت أسماء: يا بني، يعيرونك بالنطاقين!! هل تدري ما النطاقين? إنما كان نطاقي شققته نصفين فأكيت قربة رسول الله(4/293)
-صلى الله عليه وسلم- بأحدهما وجعلت في سفرته آخر. قال: وكان أهل الشام إذا عيروه بالنطاقين يقول: إيها والإله؛ تلك شكاة ظاهر عنك عارها. أخرجه البخاري.
قال الدارقطني: روى عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن أبيه الزبير، وروى عنه أخوه عروة وبنوه، والجم الغفير.
ذكر مقتله:
قتل في أيام عبد الملك بن مروان سنة ثلاث وسبعين، وعمره ثلاث وسبعون سنة, صلب بعد قتله بمكة وبدأ الحجاج في حصاره من أول ذي الحجة، وحج الحجاج بالناس ذلك العام، ووقف بعرفة وعليه درع، ولم يطوفوا بالبيت في تلك الحجة، وحاصروه ستة أشهر وسبعة عشر يومًا.
وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: لما كان قبل قتل ابن الزبير بعشرة أيام, دخل على أمه أسماء وهي شاكية فقال لها: كيف تجدينك يا أماه? قالت: ما أجدني إلا شاكية؛ فقال لها: إن هم الموت راحة؛ فقالت: لعلك تمنيته لي! ما أحب أن أموت حتى تأتي على أحد طرفيك إما قتلت فأحتسبك, وإما ظفرت بعدوك فقرت عيني، وقال عروة: فالتفت إلى عبد الله وضحك قال: فلما كان في اليوم الذي قتل فيه، دخل عليها في المسجد، فقالت: يا بني لا تقبل منهم خطة تخاف منها على نفسك الذل مخافة القتل؛ فوالله لضربة سيف في عز خير من ضربة سوط في مذلة، فأتاه رجل من قريش فقال: ألا نفتح لك الكعبة فتدخلها؟ فقال عبد الله: من كل شيء تحفظ أخاك إلا من حتفه، والله لو وجدوكم تحت أستار الكعبة لقتلوكم، وهل حرمة المسجد إلا كحرمة البيت? قال: ثم شد عليه أصحاب الحجاج؛ فقال: أين أهل مصر? فقالوا: هم هؤلاء(4/294)
من هذا الباب -لأحد أبواب المسجد- فقال لأصحابه: اكسروا غماد سيوفكم ولا تميلوا عني؛ قال: فأقبل الرعيل الأول، فحمل عليهم وحملوا معه وكان يضرب بسيفين فلحق رجلا فضربه فقطع يده، وانهزموا وجعل يضربهم حتى أخرجهم من باب المسجد. قال: ثم دخل عليه أهل حمص، فشد عليهم وجعل يضربهم حتى أخرجهم من باب المسجد، ثم دخل عليه أهل الأردن من باب آخر، فقال: من هؤلاء? فقيل: من أهل الأردن فجعل يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من المسجد، ثم انصرف؛ قال: فأقبل عليه حجر من ناحية الصف، فوقع بين عينيه، فنكس رأسه، قال: ثم اجتمعوا عليه فلم يزالوا يضربونه, حتى قتلوه ومواليه جميعا.
ولما قتل كبر عليه أهل الشام، فقال عبد الله بن عمر: المكبرون عليه يوم ولد خير من المكبرين عليه يوم قتل, وقال يعلى بن حرملة: دخلت مكة بعدما قتل عبد الله بن الزبير بثلاثة أيام، فإذا هو مصلوب؛ فجاءت أمه -امرأة عجوز كبيرة طويلة مكفوفة البصر- تقاد، فقالت للحجاج: أما آن لهذا الراكب أن ينزل? فقال لها الحجاج: المنافق? قالت: والله ما كان منافقا، ولكنه كان صواما قواما، فقال: انصرفي، فإنك عجوز قد خرفت, قالت: لا, والله ما خرفت، ولقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يخرج من ثقيف كذاب ومبير" أما الكذاب فقد رأيناه وأما المبير فأنت المبير. قال أبو عمر: الكذاب فيما يقولون: المختار بن عبيد الثقفي.
وعن ابن أبي مليكة قال: لما نزل عبد الله دعت أسماء بمركن؛ وأمرتني بغسله فكنا لا نتناول عضوا إلا جاء معنا، فكنا نغسل العضو ونضعه في الأكفان ثم نتناول الذي يليه فنغسله ونضعه في أكفانه، حتى فرغنا منه؛ ثم قامت فصلت عليه، وكانت تقول قبل ذلك: اللهم لا(4/295)
تمتني حتى تقر عيني بجثته, فما أتت عليها جمعة حتى ماتت. أخرج ذلك كله أبو عمر.
وعن ابن نوفل معاوية بن مسلم بن أبي عقرب قال: رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة مكة قال: فجعلت قريش تمر عليه الناس، حتى مر عليه عبد الله بن عمر، فوقف عليه، فقال: السلام عليك أبا خبيب -ثلاثا- أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، والله إن كنت -ما علمت- صواما قواما وصولا للرحم. ثم نفد عبد الله بن عمر فبلغ ذلك الحجاج فأرسل إليه فأنزل عن جذعه، فألقي في قبور الشهود. ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر، فأبت أن تأتيه فأعاد عليها الرسول: إما أن تأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك، قال: فأبت وقالت: والله لا آتينك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني. قال: فقالت: أروني سبتيتي، فأخذ نعليه، ثم انطلق حتى دخل عليها فقال: كيف رأيتني صنعت بعدو الله? قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك، بلغني أنك تقول له: يابن ذات النطاقين، أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وطعام أبي بكر من الدواب، وأما الآخر فنطاق المرأة الذي لا تستغني عنه، أما إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا, فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا أياه, قال: فقام عنها ولم يراجعها. أخرجه مسلم.
وعن مجاهد قال: كنت مع ابن عمر فمر على ابن الزبير، فوقف عليه فقال: رحمك الله، فإنك كنت صواما وصولا للرحم؛ وإني أرجو أن لا يعذبك الله -عز وجل.
قال الواقدي: حصر ابن الزبير ليلة هلال ذي القعدة سنة اثنتين وسبعين ستة أشهر وسبع عشرة ليلة؛ ونصب الحجاج عليه المنجنيق، وألح عليه بالقتال من كل جهة، وحبس عنهم المير، وحصرهم أشد(4/296)
الحصار فقامت أسماء يوما فصلت ودعت فقالت: اللهم لا تخيب عبد الله بن الزبير، اللهم ارحم ذلك السجود والنحيب والظمأ في تلك الهواجر. وقتل يوم الثلاث لست عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. أخرجه صاحب الصفوة.
عودة إلى ولد الزبير: "والمنذر بن الزبير" وكان يكنى أبا عثمان، وكان سيدا حليما؛ قتل مع عبد الله بمكة قتله أهل الشام، ويقال: إنه قتل وله أربعون سنة، وله عقب، وعروة كان فقيها فاضلا يكنى أبا عبد الله وأصابته الأكلة في رجله بالشام فقطعت رجله وعاش بعد ذلك ثماني سنين؛ توفي في ضيعة له بقرب المدينة وله عقب, وهو أحد الفقهاء السبعة المدنيين، وكان حين قتل عثمان بن عفان غلاما لم يبلغ الحلم؛ قال الدارقطني: وروى عن أبيه الزبير، وأمه أسماء، وخالته عائشة، وأخيه عبد الله، وروى عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو، وحكيم بن حزام وعبد الله بن عباس، وسعيد بن زيد، وسعد بن أبي وقاص، وأبي حميد الساعدي، وسفيان بن عبد الله الثقفي، وزيد بن ثابت, وغيرهم, وروى عن عمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف مرسلا. و"المهاجر" أمهم أسماء بنت أبي بكر و"مصعب" كان يكنى أبا عبد الله وقيل: أبا عيسى، وكان أجود العرب، وكان أسمح الناس كفا، وأحسنهم وجها، كريما، شجاعا، جوادا، ممدحا وجمع بين أربع عقائل لم يكن في زمانه أجمل منهن فيما يقال. روي عن عبد الملك بن مروان أنه قال يوما لجلسائه: من أشجع العرب؟ قالوا: ابن فلان شبيب فلان. فقال عبد الملك: إن أشجع العرب لرجل جمع بين سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة وأمة الحميد بنت عبد الله بن عامر بن كريز وابنة زيان بن أنيف الكلبي سيد ضاحية العرب, ذكره الدارقطني. وولاه أخوه عبد الله العراقين، فسار إليه، وقام به خمس سنين فأصاب ألف ألف وألف ألف وألف ألف وأعطي الأمان فأبى، ومشى بسيفه حتى مات. ذلك مصعب بن الزبير، وقتل مصعب(4/297)
سنة اثنتين وسبعين. سار إليه عبد الملك بن مروان من الشام وكاتب أصحابه فخذلهم عنه، فأسلموه ووجه إليه أخاه محمد بن مروان في مقدمته، فلقيه مصعب فقاتله فقتل مصعب وله عقب، وكان الذي تولى قتله عبيد الله بن زياد بن ظبيان، وجاء برأسه إلى عبد الملك فخر عبد الملك ساجدا، قتل وهو ابن خمس وأربعين سنة، وقيل: ست وأربعين، وقيل: اثنتين وأربعين، وقيل: خمس وثلاثين, حكاه الدارقطني. و"حمزة" قتل مع عبد الله بمكة, أمهما الرباب بنت أنيف بن عبيد الكلبية و"عبيدة" له عقب و"جعفر" أمهما زينب بنت بشر من بني قيس بن تغلب وكان عبيدة يشبه بأبيه, وشهد جعفر مع أخيه حروبه واستعمله على المدينة وقاتل يوم قتل أخوه قتالا شديدا, حتى جمد الدم على سيفه في يده، وله شعر كثير في كل فن وروى عن أبيه. و"عمر" وكان يكنى أبا الزبير، وكان له قدر كبير, وكان من أجمل أهل زمانه وقتل أيضًا وله عقب. و"خالد" له عقب أيضًا, وكان استعمله أخوه عبد الله على اليمن, أمهما أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص.
ذكر الإناث:
"خديجة الكبرى" وأم الحسن و"عائشة" أمهن أسماء, و"حبيبة" و"سودة" و"هند" أمهن أم خالد و"رملة" أمها الرباب و"زينب" أمها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وإخوتها لأمها محمد وإبراهيم وحميد وإسماعيل بنو عبد الرحمن بن عوف. و"خديجة الصغرى" أمها الجلال بنت قيس من بني أسد بن خزيمة وأخواها لأمها الزبير بن مطيع بن الأسود وعبد الرحمن بن الأسود بن أبي البختري بن هشام بن أسد بن عبد العزى بن قصي, ذكره الدارقطني. فأما خديجة الكبرى فتزوجها عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي ثم خلف عليها جبير بن مطعم, ثم خلف عليها السائب بن أبي حبيش بن المطلب بن أسد بن عبد العزى. وأما أم الحسن فتزوجها عبد الرحمن بن الحارث بن هشام, فولدت له أولادا ذكورًا وإناثًا.(4/298)
وأما عائشة بنت الزبير فتزوجها الوليد بن عثمان بن عفان فولدت له عبد الله بن الوليد. وأما حبيبة فتزوجها يعلى بن أمية السهمي, ثم خلف عليها عبد الله بن عباس بن علقمة من بني عامر بن لؤي. وأما سودة فتزوجها الأشدق عمرو بن سعيد بن العاص, ثم خلف عليها عبد الرحمن بن الأسود بن البختري. وأما هند فتزوجها عبد الملك بن عبد الله بن عامر بن كريز فولدت له رجلين وهلكا, ثم خلف عليها عباس بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب فولدت له عون بن العباس. وأما رملة فتزوجها عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام فولدت له, ثم خلف عليها خالد بن زيد بن معاوية بن أبي معاوية. وأما زينب فتزوجها عتبة بن أبي سفيان بن حرب فولدت له أولادا. وأما خديجة الصغرى فتزوجها أبو يسار عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن شيبة بن ربيعة، فولدت له الزبير ومصعبا ابني أبي يسار, وليس لبنات الزبير رواية. ذكر ذلك الدارقطني، وذكر منهن "حفصة" قال: وماتت بعد أبيها ولم تتزوج.(4/299)
الباب السابع: في مناقب أبي محمد عبد الرحمن بن عوف
الفصل الأول: في نسبه
...
الباب السابع: في مناقب أبي محمد عبد الرحمن بن عوف
وفيه عشرة فصول على ترتيب ما تقدم في طلحة
الفصل الأول: في نسبه
وقد تقدم ذكر آبائه في باب العشرة, يجتمع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كلاب بن مرة وينسب إلى زهرة بن كلاب، ويقال: القرشي الزهري. أمه الشفاء1 بنت عوف بن عبد الحارث الزهرية، أسلمت وهاجرت. ذكره ابن الضحاك وذكره الدارقطني قال: وأسلمت أختها الضيزنة بنت أبي قيس بن عبد مناف بن زهرة.
__________
1 حضرت مولد رسول الله -صلى الله عليه وسلم. قال الإمام البوصيري في الهزيمة:
شممته الأملاك إذ وضمته ... وشفتنا بقولها الشفاء(4/301)
الفصل الثاني: في اسمه
كان اسمه في الجاهلية عبد عمرو؛ وقيل: عبد الحارث؛ وقيل:
عبد الكعبة؛ فسماه النبي -صلى الله عليه وسلم- عبد الرحمن، ويكنى أبا محمد وسماه النبي -صلى الله عليه وسلم- الصادق البار. ذكره الدارقطني.(4/301)
الفصل الثالث: في صفته
قال الواقدي: كان رجلا طويلا، حسن الوجه رقيق البشرة, أبيض اللون مشربا بحمرة لا يغير لحيته ولا رأسه، ضخم الكفين، غليظ الأصابع، أقنى، جعدا له جمة من أسفل أذنيه، أعنق، ساقط الثنيتين أعرج, أصيب يوم أحد فهتم وجرح عشرين جراحة أو أكثر, أصاب بعضها رجله فعرج.
"شرح" ضخم الكفين: عظيمهما, أقنى: القنا: احديداب في الأنف يقال: رجل أقنى الأنف وامرأة قنواء بينة القنا, جعد الشعر ضد السبط, أعنق: طويل العنق؛ والمرأة بينة العنق, والهتم: كسر الثنايا من أصلها، يقول: ضربه فهتم فاه إذا ألقى مقدم أسنانه, ورجل أهتم بين الهتم, والثرم بالتحريك: سقوط الثنيتين أيضا، يقول منه: ثرم الرجل بالكسر ثرما وثرمته أنا بالفتح.(4/302)
الفصل الرابع: في إسلامه
أسلم قديما قبل أن يدخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دار الأرقم، وقد تقدم أنه من جملة من أسلم على يد أبي بكر، ذكرناه في مناقب أبي بكر، وأسلم معه أخوه الأسود بن عوف -وهاجر قبل الفتح- وأخواه لأبيه عبد الله بن عوف وحمن بن عوف ولم يهاجرا وأقاما بمكة، وعاش حمن في الجاهلية ستين سنة وفي الإسلام ستين سنة, وأوصيا إلى الزبير بن العوام.(4/302)
الفصل الخامس: في هجرته
وهاجر عبد الرحمن بن عوف إلى المدينة. ذكره ابن قتيبة وأبو عمر وغيرهما، وقال ابن الضحاك: هاجر الهجرتين. ذكره في كتاب "الآحاد والمثاني".(4/303)
الفصل السادس: في خصائصه
ذكر اختصاصه بصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- خلفه في بعض الأحوال
عن المغيرة بن شعبة قال: تخلفت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك فتبرز وذكر وضوءه، ثم عمد الناس وعبد الرحمن يصلي بهم فصلى مع الناس الركعة الأخيرة؛ فلما سلم عبد الرحمن قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتم صلاته، فلما قضاها أقبل عليهم وقال: "قد أصبتم وأحسنتم" يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها. أخرجاه.
وفي رواية: فأراد أن يتأخر، فأومى1 إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يمضي, فصليت أنا والنبي -صلى الله عليه وسلم- خلفه.
وفي رواية: قال المغيرة: فأردت تأخير عبد الرحمن، فقال لي النبي -صلى الله عليه وسلم: "دعه" أخرجه الشافعي في مسنده.
وفي رواية: فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وعبد الرحمن قد صلى بهم, فصلى خلفه وأتم الذي فاته، وقال: "ما قبض نبي حتى يصلي خلف رجل صالح من أمته" أخرجه صاحب الصفوة.
__________
1 فأشار.(4/303)
ذكر اختصاصه بالأمانة على نساء النبي -صلى الله عليه وسلم:
عن الزبير بن بكار قال: كان عبد الرحمن بن عوف أمين النبي -صلى الله عليه وسلم- على نسائه. أخرجه أبو عمر.
ذكر إثبات أمانته في السماء والأرض:
عن عبد الله بن عمر أن عبد الرحمن بن عوف قال لأصحاب الشورى: هل لكم أن أختار لكم وأنتفي منها? قال علي: أنا أول من يرضى، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أنت أمين في أهل الأرض" أخرجه أبو عمر، وأخرجه الحضرمي عن علي مختصرا؛ ولفظه: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "عبد الرحمن بن عوف أمين في الأرض, وأمين في السماء".
ذكر اختصاصه بأنه وكيل الله في الأرض:
عن علي -عليه السلام- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "عبد الرحمن بن عوف وكيل الله في الأرض" أخرجه الملاء في سيرته.
ذكر اختصاصه وعثمان بآي نزلت فيهما:
عن السائب في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا ... } 1 الآية: نزلت في عثمان وعبد الرحمن بن عوف، فأما عثمان فقد تقدم ذكره، وأما عبد الرحمن فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بأربعة آلاف درهم صدقة وقال: كان عندي ثمانية آلاف، فأمسكت أربعة آلاف لنفسي وعيالي وأربعة آلاف أقرضها ربي -عز وجل- فقال صلى الله عليه وسلم: "بارك الله لك فيما أمسكت, وفيما أعطيت" ونزلت الآية. أخرجه الواحدي وأبو الفرج.
__________
1 سورة البقرة الآية 262.(4/304)
الفصل السابع: في شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالجنة
سبق في نظيره من مناقب أبي بكر حديثه, وحديث سعيد بن زيد في الشهادة للعشرة.
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: بينما عائشة في بيتها إذ سمعت رجة في المدينة فقالت: ما هذا? قالوا: عير لعبد الرحمن بن عوف من الشام تحمل من كل شيء وكانت سبعمائة بعير، فارتجت المدينة من الصوت؛ فقالت عائشة: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "رأيت عبد الرحمن يدخل الجنة حبوًا" فبلغ ذلك عبد الرحمن فقال: إن استطعت لأدخلها قائما, فجعلها بأقتابها وأحمالها في سبيل الله -عز وجل. أخرجه أحمد.
وفي رواية: أنه لما بلغه قول عائشة أتاها فسألها عما بلغه، فحدثته؛ فقال: إني أشهدك أنها بأحمالها وأقتابها وأحلاسها في سبيل الله -عز وجل. أخرجه صاحب الصفوة.
ذكر تسليم الله -عز وجل- عليه, وتبشيره بالجنة:
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: وردت قافلة من تجار الشام لعبد الرحمن بن عوف فحملها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدعا له النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجنة، فنزل جبريل وقال: "إن الله يقرئك السلام, ويقول: أقرئ عبد الرحمن السلام وبشره بالجنة" أخرجه الملاء، وسيأتي في ذكر صدقته أتم من هذا إن شاء الله تعالى. وهذه القافلة غير القافلة المتقدم ذكرها في الفصل قبله، فإن الظاهر أن تلك كانت بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي تلك أري عبد الرحمن داخلا الجنة حبوا وفي هذه دعا له بها.(4/305)
الفصل الثامن: في ذكر نبذ من فضائله
قال أبو عمر وغيره: شهد عبد الرحمن بدرا والمشاهد كلها وثبت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة, وأحد الثمانية الذين سبقوا بالإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين شهد عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توفي وهو عنهم راضٍ، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر وبعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى دومة الجندل وعممه بيده, وسد لها بين كتفيه وقال له: "سر باسم الله" ووصاه بوصايا وقال له: "إن فتح الله عليك فتزوج بنت شريفهم" أو قال: "بنت مليكهم" وقال: شريفهم الأصبغ بن ثعلبة الكلبي، فتزوج ابنته تماضر وهي أم ابنة أبي سلمة.
وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "عبد الرحمن بن عوف سيد من سادات المسلمين" ذكر ذلك كله أبو عمر وغيره.
ذكر دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- له:
عن عمر بن الخطاب قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في منزل فاطمة والحسن والحسين يبكيان جوعا ويتضوران، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "من يصلنا بشيء?" فطلع عبد الرحمن بن عوف بصحفة فيها حيس ورغيفان بينهما إهالة فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "كفاك الله أمر دنياك، وأما آخرتك فأنا لها ضامن" أخرجه الحافظ أبو القاسم في الأربعين الطوال.
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لعبد الرحمن بن عوف: "بارك 1 الله في مالك, وخفف عليك حسابك يوم القيامة" أخرجه الملاء.
وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة" أخرجه الدارقطني في كتاب الأخوة.
__________
1 يا لها من دعوة في قبولها راحة البال في الدنيا والآخرة، ولا شك في قبولها من خير خلق الله, وإنه -رضي الله عنه- لجدير بتلك الدعوة. قال الزهري: تصدق على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- بأربعة آلاف، ثم بأربعين، ثم حمل على خمسمائة فرس، ثم على خمسمائة مائة راحلة، وأوصى لنساء النبي -صلى الله عليه وسلم- بحديقة قومت بأربعمائة ألف، وسيأتي هنا ما يؤيد ذلك.(4/306)
ذكر ثقة النبي -صلى الله عليه وسلم- بإيمانه:
عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعطى رهطا منهم عبد الرحمن بن عوف ولم يعطه معهم، فخرج عبد الرحمن يبكي، فلقيه عمر بن الخطاب فقال: ما يبكيك? قال: أعطى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رهطا وأنا معهم وتركني فلم يعطني شيئا، فأخشى أن يكون إنما منع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لموجدة وجدها علي، قال: فدخل عمر على النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بخبر عبد الرحمن وما قال، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ليس بي سخط عليه, ولكني وكلته إلى إيمانه" أخرجه عبد الرزاق.
ذكر أنه ولي النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة:
عن أويس بن أبي أويس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لعبد الرحمن بن عوف: "أنت وليي 1 في الدنيا والآخرة" أخرجه الملاء في سيرته.
ذكر أنه ممن سبقت له السعادة, وهو في بطن أمه:
عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: أغمي على عبد الرحمن ثم أفاق فقال: إنه أتاني ملكان فظان غليظان فقالا لي: انطلق نخاصمك إلى العزيز الأمين؛ قال: فلقيهما ملك فقال: إلى أين تذهبان به؟ فقالا: نخاصمه إلى العزيز الأمين. قال: فخليا عنه, فإنه ممن سبقت له السعادة وهو في بطن أمه. أخرجه الملاء في سيرته وأخرجه الواحدي في أوسطه مسندا في سورة هود عند قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا} .
ذكر إثبات الشهادة له:
تقدم في باب العشرة حديث: "اثبت حرا 2 " وفيه ما يدل على ذلك في مناقب سعيد بن زيد؛ ووجه الشهادة مع كونه مات على فراشه
__________
1 حبيبي.
2 مقصور حراء: حبل بمكة, يذكر ويؤنث.(4/307)
أنه غريب وموت الغريب شهادة على ما تضمنه الحديث، فإنه مات بالمدينة -على ما سيأتي بيانه في باب ذكر وفاته- وليس ببلده، أو لعله كان مبطونا أو مطعونا، على أنني لم أقف على ذلك، لكنه يعلم -بالقطع- أن ثم سببا تثبت له به شهادة لسان النبوة له بذلك, والله أعلم.
ذكر تزكية عثمان له:
عن عروة بن الزبير أن الزبير جاء إلى عثمان وقال: إن عبد الرحمن بن عوف زعم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقطعه وعمر بن الخطاب أرض كذا وكذا، وإني اشتريت نصيب آل عمر، فقال عثمان: عبد الرحمن بن عوف جائز الشهادة له وعليه. أخرجه أحمد.
ذكر علمه:
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن عمر خرج إلى الشام فلما بلغ سرغ أخبر أن الوباء قد نزل بالشام، فجمع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستشارهم فاختلفوا، فوافق رأيه رأي الرجوع، فرجع فجاء عبد الرحمن بن عوف -وكان متغيبا في بعض حاجته- فقال: إن عندي من هذا علما, سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا وقع بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه" أخرجاه، وقد تقدم مستوعبًا في نظيره من مناقب عمر.
ذكر رجوع عمر إلى رأيه:
عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جلد في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر أربعين, فلما أن ولي عمر قال: إن الناس قد دنوا من الريف، فما ترون في حد الخمر؟ فقال له عبد الرحمن بن عوف: نرى أن نجعله كأخف الحدود؛ فجلد فيه ثمانين. أخرجاه.(4/308)
ذكر إثبات رخصة للمسلمين بسببه, وقد تقدم ذكر ذلك في فضائل الزبير لاشتراكهما في سببه, ذكر خوفه من الله -عز وجل:
عن سعيد بن إبراهيم عن أبيه أن عبد الرحمن أتي بطعام -وكان صائما- فقال: قتل مصعب بن عمير وهو خير مني, فكفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه وإن غطي رجلاه بدا رأسه، وقتل حمزة وهو خير مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط -أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا- قد خشينا أن تكون حسناتنا قد عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام. أخرجه البخاري.
وفي بعض طرق هذا الحديث: أتي بطعام وكان صائما، فجعل يبكي وقال: قتل حمزة فلم يوجد ما يكفن فيه إلا ثوب واحد وكان خيرًا مني, وقتل مصعب بن عمير, وذكر معنى ما تقدم. وعن نوفل بن إياس الهذلي قال: كان عبد الرحمن لنا جليسا وكان نعم الجليس، وإنه انقلب يوما حتى دخل بيته ودخلنا، فاغتسل ثم خرج فجلس معنا, وأتي بصحفة فيها خبز ولحم, فلما وضعت بكى عبد الرحمن بن عوف، فقلنا له: يا أبا محمد ما يبكيك? قال: ملك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشعير، ولا أرانا أخرنا لما هو خير لنا. أخرجه صاحب الصفوة.
وعن الحضرمي قال: قرأ رجل عند النبي -صلى الله عليه وسلم- لين الصوت أو لين القراءة, فما بقي أحد من القوم إلا فاضت عينه إلا عبد الرحمن بن عوف, فقال صلى الله عليه وسلم: "إن لم يكن عبد الرحمن فاضت عينه, فقد فاض قلبه" أخرجه الفضائلي.
ذكر تواضعه:
عن سعيد بن جبير قال: كان عبد الرحمن بن عوف لا يعرف من بين(4/309)
عبيده. أخرجه صاحب الصفوة.
وعن عبد الرحمن بن عوف قال: نظرت يوم بدر عن يميني وشمالي فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما, فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: أي عم, هل تعرف أبا جهل? قلت: نعم، فما حاجتك إليه يابن أخي? قال: أخبرت أنه يسب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، قال: فتعجبت لذلك، قال: وغمزني الآخر فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت: ألا تريان? هذا صاحبكما الذي تسألان عنه, فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبراه فقال: "أيكما قتله?" قال كل واحد منهما: أنا قتلته فقال: "هل مسحتما سيفيكما?" قالا: لا, فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى السيفين فقال: "كلاكما قتله" وقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح؛ الرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء. أخرجاه, وموضع تواضعه -رضي الله عنه- تمنيه أن يكون بين أضلعهما وقدره أكثر من ذلك.
ذكر تعففه, واستغنائه حتى أغناه الله -عز وجل:
عن عبد الرحمن بن عوف قال: لما قدمت المدينة آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيني وبين سعد بن الربيع، فقال سعد بن الربيع: إني أكثر الأنصار مالا، فأقسم لك نصف مالي، وانظر أي زوجتي هويت فأنزل لك عنها فإذا حلت تزوجتها؛ فقال له عبد الرحمن: لا حاجة لي في ذلك؛ هل من سوق فيه تجارة? قال: سوق بني قينقاع. قال: فغدا إليه عبد الرحمن، فأتى بأقط وسمن قال: ثم تابع الغدو، فما لبث أن جاء عليه أثر صفرة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "تزوجت?" قال: نعم. قال: "من؟ " قال: امرأة من الأنصار. قال: "فكم سقت?" قال: زنة نواة من ذهب, فقال صلى الله عليه وسلم:(4/310)
"أولم ولو بشاة" أخرجه البخاري.
ذكر صلته أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم:
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "إن أمركن لمما يهمني بعدي، ولن يصبر عليكن إلا الصابرون" قال: ثم تقول عائشة: سقى الله أباك من سلسبيل الجنة, تريد عبد الرحمن بن عوف، وقد كان وصل أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بما بيع بأربعين ألفا. أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن1 صحيح، وأبو حاتم.
وعنه أن عبد الرحمن أوصى بحديقة لأمهات المؤمنين, بيعت بأربعمائة ألف. أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب2.
ذكر صلته رحمه:
عن المسور بن مخرمة قال: باع عبد الرحمن بن عوف أرضا من عثمان بأربعين ألف دينار، فقسم ذلك المال في بني زهرة وفقراء المسلمين وأمهات المؤمنين، وبعث إلى عائشة معي من ذلك المال، فقالت عائشة: سقى الله ابن عوف سلسبيل الجنة. أخرجه في الصفوة.
ذكر صدقته, وبره أهل المدينة:
عن الزهري قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشطر ماله أربعة آلاف, ثم تصدق بألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله -عز وجل- ثم حمل على ألف وخمسمائة راحلة في سبيل الله؛ وكان عامة ماله من التجارة. أخرجه صاحب الصفوة, وأخرجه الملاء عن ابن عباس وقال: تصدق بشطر ماله -أربعة آلاف درهم- ثم
__________
1 حسن من طريق, صحيح من طريق آخر.
2 روه راوٍ فقط.(4/311)
بأربعين ألف درهم ثم بأربعين ألف دينار ثم خمسمائة فرس في سبيل الله، ثم وردت له قافلة من تجارة الشام فحملها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدعا له النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجنة, فنزل جبريل وقال: "إن الله يقرئك السلام، ويقول: أقرئ عبد الرحمن السلام، وبشره بالجنة".
وقد تقدم في خصائصه أن قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُون ... } 1 الآية, نزلت في ذلك.
وعن طلحة بن عبد الرحمن بن عوف قال: كان أهل المدينة عيالًا على عبد الرحمن بن عوف، ثلث يقرضهم ماله، وثلث يقضي دينهم بماله، وثلث يصلهم.
وعن عروة بن الزبير أنه قال: أوصى عبد الرحمن بن عوف بخمسين ألف دينار في سبيل الله تعالى. أخرجهما الفضائلي.
ذكر خروجه عن جميع ماله, وتسليم الله عليه وإخباره بقبول صدقته:
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: مرض عبد الرحمن بن عوف فأوصى بثلث ماله، فصح فتصدق بذلك بيد نفسه, ثم قال: يا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كل من كان من أهل بدر له علي أربعمائة دينار، فقام عثمان وذهب مع الناس فقيل له: يا أبا عمر ألست غنيا? قال: هذه وصلة من عبد الرحمن لا صدقة وهو من مال حلال, فتصدق عليهم في ذلك اليوم بمائة وخمسين ألف دينار، فلما جن عليه الليل جلس في بيته وكتب جريدة بتفريق جميع المال على المهاجرين والأنصار حتى كتب أن قميصه الذي على بدنه لفلان وعمامته لفلان، ولم يترك شيئا من ماله إلا كتبه للفقراء، فلما صلى الصبح خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هبط جبريل وقال: "يا محمد, إن الله يقول لك: أقرئ مني على عبد الرحمن السلام واقبل منه
__________
1 سورة البقرة الآية 262.(4/312)
الجريدة ثم ردها عليه، وقل له: قد قبل الله صدقتك وهو وكيل الله ووكيل رسوله، يصنع في ماله ما شاء، وليتصرف فيه كما كان يتصرف قبل، ولا حساب عليه، وبشره" أخرجه الملاء في سيرته.
ذكر تبرره 1 بالعتق:
عن جعفر بن برقان قال: بلغني أن عبد الرحمن بن عوف أعتق ثلاثين ألفا. أخرجه صاحب الصفوة.
وقال أبو عمر: وقد روي أنه أعتق في يوم واحد ثلاثين عبدًا.
ذكر أمر جبريل له بإضافة الضيف وإطعام المسكين, حتى أراد الخروج عن جميع ماله:
عن إبراهيم بن عبد الرحمن عن أبيه أن رسول الله قال له: "يابن عوف إنك من الأغنياء، وإنك لن تدخل الجنة إلا زحفا -وفي رواية: حبوا- فأقرض الله -عز وجل- يطلق لك قدمك" قال ابن عوف: ما الذي أقرض الله? قال: "مما أمسيت فيه" قال: من كله أجمع يا رسول الله? قال: "نعم" فخرج ابن عوف وهو يهم بذلك, فأتى جبريل فقال: "مر ابن عوف فليضف الضيف وليطعم المسكين وليعط السائل؛ فإذا فعل ذلك كان كفارة لما هو فيه" أخرجه الفضائلي.
ذكر ما فضل به عبد الرحمن وغيره من السابقين على غيرهم ممن شاركهم في أعمالهم, أو زاد عليهم:
عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أن رجلا من أهل المدينة قال: والله لأقدمن المدينة ولأحدثن عهدا بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقدم المدينة قال: فلقي المهاجرين إلا عبد الرحمن بن عوف، فأخبر أنه بالجرف في أرضه، فأقبل يسير حتى إذا جاء عبد الرحمن وهو يحول الماء بمسحاة في يده
__________
1 إطاعته لله تعالى بالعتق.(4/313)
واضعا رداءه, فلما رآه عبد الرحمن استحى فألقى المسحاة وأخذ رداءه، فوقف الرجل عليه فسلم عليه ثم قال: جئتك لأمر ثم رأيت أعجب منه، هل جاءكم إلا ما جاءنا? وهل علمتم إلا ما علمنا? قال عبد الرحمن: ما جاءنا إلا ما جاءكم وما علمنا إلا من علمتم, فقال الرجل: فما لنا نزهد في الدنيا وترغبون فيها, ونخف في الجهاد وتتثاقلون عنه وأنتم خيارنا وسلفنا وأصحاب نبينا -صلى الله عليه وسلم? فقال له عبد الرحمن: إنه لم يأتنا إلا ما جاءكم, ولم نعلم إلا ما قد علمتم, ولكنا ابتلينا بالضراء فصبرنا, وابتلينا بالسراء فلم نصبر. أخرجه ابن حويصا.
ذكر شهادة عمر بن الخطاب بصلاحيته للخلافة, لولا ضعف فيه:
عن ابن عمر قال: خدمت عمر وكنت له هائبًا معظمًا، فدخلت عليه ذات يوم في بيته وقد خلا بنفسه، فتنفس تنفسا ظننت أن نفسه خرجت، ثم رفع رأسه إلى السماء فقلت له: والله ما أخرج هذا منك إلا هم يا أمير المؤمنين قال: هم والله، هم شديد، إن هذا الأمر لم أجد له موضعًا -يعني الخلافة- قال: فذكرت له عليا وطلحة والزبير وسعدا وعثمان فذكر في كل واحد منهم معارضًا, فذكرت له عبد الرحمن بن عوف فقال: أوه! نعم المرء! ذكرت رجلا صالحا إلا أنه ضعيف، وهذا الأمر لا يصلح له إلا الشديد من غير عنف، اللين من غير ضعف، الجواد من غير سرف، الممسك من غير بخل. أخرجه القاسم بن سلام في مصنفه.(4/314)
الفصل التاسع: في ذكر وفاته, وما يتعلق بها
توفي رضي الله عنه سنة إحدى وثلاثين، وقيل: اثنتين وثلاثين وهو ابن خمس وسبعين، وقيل: اثنتين وسبعين، ودفن بالبقيع، وصلى عليه عثمان وكان أوصى بذلك.
وروى ابن النجار في كتاب أخبار المدينة بسنده عن عبد الرحمن بن حميد عن أبيه قال: أرسلت عائشة إلى عبد الرحمن بن عوف حين نزل به الموت أن هلم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإلى أخويك، فقال: ما كنت مضيقًا عليك بيتك، إني كنت عاهدت ابن مظعون أينا مات دفن إلى جنب صاحبه, فيكون على هذا قبر عثمان بن مظعون وقبر عبد الرحمن بن عوف في قبة إبراهيم ابن النبي -صلى الله عليه وسلم- فينبغي أن يزار هناك.
ذكر ما روي عنه عند الموت:
قال أبو عمر: لما حضرته الوفاة بكى بكاء شديدا، فسئل عن بكائه فقال: إن مصعب بن عمير كان خيرًا مني، توفي على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن له ما يكفن فيه، وإن حمزة بن عبد المطلب كان خيرًا مني، توفي على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يجد له كفنا؛ وإني أخشى أن أكون ممن عجلت له طيباته في حياته الدنيا، وأخاف أن أحبس عن أصحابي لكثرة مالي.
وقد تقدم في ذكر خوفه صدور هذا القول عنه وهو صائم, ولعله تكرر منه وهو الأظهر؛ أو كان صائما وقد حضرته الوفاة، وقد تقدم أيضا في ذكر صدقته أنه أوصى أن يتصدق من ماله بخمسين ألف دينار، وفي ذكر صلته لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أوصى لهن بحديقة فبيعت بأربعمائة ألف.
ذكر ما خلفه:
عن محمد أن عبد الرحمن بن عوف توفي, وكان فيما خلفه ذهب قطع بالفئوس حتى مجلت أيدي الرجال منه، وترك أربع نسوة فأصاب كل امرأة ثمانون ألفا. أخرجه في الصفوة.
وقال أبو عمر: كان تاجرًا مجدودًا1 في التجارة، فكسب مالا كثيرا وخلف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة ومائة فرس ترعى بالبقيع، وكان يزرع
__________
1 محظوظًا.(4/315)
بالجرف على عشرين ناضحًا، فكان يدخل من ذلك قوت أهله سنة.
وعن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن قال: صالحنا امرأة عبد الرحمن التي طلقها في مرضه من ثلث الثمن بثلاثة وثمانين ألفا, وفي رواية: من ربع الثمن. أخرجه أبو عمر.
وقال الطائي: قسم ميراثه على ستة عشر سهما, فبلغ نصيب كل امرأة ثمانين ألف درهم.(4/316)
الفصل العاشر: في ولده
وكان له ثمانية وعشرون ذكرًا وثماني بنات.
ذكر الذكور:
"محمد" وبه كان يكنى، ولد في الإسلام، و"سالم الأكبر" مات قبل الإسلام، أمهما أم كلثوم بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس, قاله أبو عمر وذكر ابن قتيبة وصاحب الصفوة أن محمدًا أخو حميد لأمه، وسيأتي؛ و"أبو سلمة الفقيه" واسمه عبد الله الأصغر، أمه تماضر بنت الأصبغ، ذكره ابن قتيبة وغيره "وإبراهيم" و"إسماعيل" و"حميد" أمهم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ذكره في الصفوة و"زيد" قال ابن قتيبة: أمه أم إبراهيم، وقال في الصفوة: أمه أم معن، وسيأتي ذكره و"معن" و"عمر" أمهما سهلة بنت عاصم بن عدي، و"عروة الأكبر" أمه بحرية بنت هانئ و"سالم الأصغر" أمه سهلة بنت سهيل بن عمر، و"أبو بكر" أمه أم حكيم بنت قارظ، و"عبد الله" أمه بنت أبي الخشخاش؛ و"عبد الرحمن" أمه أسماء بنت سلامة؛ و"مصعب" أمه أم حريث من سبي بهراء، و"سهيل" أبو الأبيض أمه مجد بنت يزيد؛ و"عثمان" أمه عراك بنت كسرى، أم ولد، و"عروة" و"يحيى" و"بلال" لأمهات أولاد.(4/316)
ذكر البنات:
"أم القسم" ولدت في الجاهلية، أمها أم سالم الأكبر، وقال في الصفوة: أمها بنت شيبة بنت ربيعة و"حميدة" و"أمة الرحمن الكبرى" أمهما أم حميد؛ و"أمة الرحمن الصغرى" شقيقة معن، و"أم يحيى" أمها زينب بنت الصباح؛ و"جويرية" أمها بادنة بنت غيلان؛ و"أمية" و"مريم" شقيقتا مصعب.(4/317)
الباب الثامن: في مناقب سعد بن مالك
الفصل الأول: في نسبه
...
الباب الثامن: في مناقب سعد بن مالك
وفيه عشرة فصول على ترتيب فصول طلحة
الفصل الأول: في نسبه
وقد تقدم ذكر آبائه في باب العشرة في ذكر الشجرة، يجتمع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كلاب بن مرة، وينسب إلى زهرة بن كلاب، فيقال: الفرشي الزهري، ويجتمع هو وعبد الرحمن في زهرة.
عن سعد بن أبي وقاص أنه قال للنبي -صلى الله عليه وسلم: من أنا يا رسول الله? قال: "أنت سعد بن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة؛ من قال غير ذلك فعليه لعنة الله" أخرجه الضحاك, أمه: حمنة بنت سفيان بن أبي أمية بن عبد شمس, قاله ابن قتيبة والدارقطني وغيرهما.(4/319)
الفصل الثاني: في اسمه
ولم يزل اسمه في الجاهلية والإسلام سعدا, ويكنى أبا إسحاق.(4/320)
الفصل الثاني: في اسمه
...
No pages(4/)
الفصل الثالث: في صفته
وكان رجلا قصيرًا غليظًا، ذا هامة، شثن الأصابع، آدم، جعد الشعر، أشعر الجسد، يخضب بالسواد، ذهب بصره في آخره عمره؛ وقيل: إنه كان طويلا. ذكر ذلك كله ابن قتيبة وصاحب الصفوة.(4/320)
الفصل الرابع: في إسلامه
قال أبو عمر: أسلم قديمًا بعد ستة هو سابعهم, وهو ابن تسع عشرة سنة قبل أن تفرض الصلاة، وهو ممن أسلم على يد أبي بكر, وقد تقدم ذكر ذلك.
وعن سعيد بن المسيب قال: سمعت سعدًا يقول: ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيام, وإني لثلث الإسلام. أخرجه البخاري والبغوي في معجمه وقال: ما أسلم أحد قبلي؛ وقال: ستة أيام.
وعن جابر بن سعد عن أبيه قال: لقد رأيتني وأنا ثلث الإسلام. أخرجه البخاري.
وعن عائشة بنت سعد قالت: لقد مكث أبي يومًا إلى الليل, وإنه لثلث الإسلام. أخرجه البغوي في المعجم.
وعنها قالت: لقد سمعت أبي يقول: رأيت في المنام قبل أن أسلم بثلاث كأني في ظلمة لا أبصر شيئًا, إذ أضاء لي قمر فاتبعته، فكأني أنظر من سبقني إلى ذلك القمر, فأنظر إلى زيد بن حارثة وإلى علي بن أبي طالب وإلى أبي بكر، وكأني أسألهم: متى انتهيتم إلى ههنا? وبلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو للإسلام مستخفيًا، فلقيته في شعب أجياد قد صلى العصر،(4/320)
فقلت له: إلامَ تدعو? قال: "تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله" قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله؛ فما تقدمني إلا هم. أخرجه الفضائلي؛ وهذا يرد ما خرجه البغوي إذ قال: ما أسلم أحد قبلي, ولعله يريد: ما أسلم أحد قبلي، أي: في اليوم الذي أسلمت فيه.
وكذلك رواه صاحب الصفوة عن سعيد بن المسيب قال: كان سعد يقول: ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه ... ثم ذكر حديث البخاري المتقدم.
وكذلك أخرجه ابن الضحاك، ولكنه قال: سبع الإسلام، ولفظه: عن سعيد عن سعد أنه قال: ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه, ولقد مكثت تسعة أيام وإني لسبع الإسلام.
وأسلم أخواه لأبويه عامر وعمير ابنا أبي وقاص, وأخواه لأبيه عتبة بن أبي وقاص وخالدة بنت أبي وقاص.
فأما عامر فكان من مهاجرة الحبشة ثم هاجر إلى المدينة، وكان فاضلا، روى سعد بن أبي وقاص أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال يومًا: "يطلع عليكم رجل من أهل الجنة" فطلع أخي عامر.
وأما عمير فشهد بدرًا وهو ابن ست عشرة سنة -فيما يقال- وأراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرده فبكى، فخرج به معه فاستشهد يومئذ.
عن سعد قال: كان يوم بدر قتل أخي عمير، وقتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكتيبة، فأتيت به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ذاهب فاطرحه في القبض" قال: فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي، فما مكثت إلا قليلا حتى أنزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سورة الأنفال، فقال صلى الله عليه وسلم: "اذهب فخذ سيفك".
وأما عتبة بن أبي وقاص فشهد أحدًا مع المشركين، ويقال: هو الذي رمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكسر رباعيته، ورمى وجهه.
وأما خالدة فتزوجها سمرة بن جنادة السواي، وولدت له. ذكره الدارقطني.(4/321)
الفصل الخامس: في هجرته
ولم أظفر بشيء يخصها ولا شك فيها، ووقائعه في بدر وأحد وغيرهما تدل عليها، ولم يزل ملازمًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أن توفي وهو عنه راضٍ.(4/322)
الفصل السادس: في خصائصه
ذكر اختصاصه بأنه أول العرب رمى بسهم في سبيل الله:
عن سعد بن مالك قال: إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله. أخرجاه، وأخرجه أبو عمر وزاد: وذلك في سرية عبيدة بن الحارث، وكان معه يومئذ المقداد بن عمرو وعتبة بن غزوان. أخرجه صاحب الصفوة أيضًا.
ذكر اختصاصه بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يستجاب دعاؤه, فكان ذا دعوة مجابة:
عن سعد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم استجب لسعد إذا دعاك" أخرجه الترمذي، وأخرجه أيضًا عن قيس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ... الحديث.
وعن جبير بن مطعم بن المقداد أن سعدًا قال: يا رسول الله، ادع الله أن يستجيب دعائي؛ قال: "يا سعد، إن الله لا يستجيب دعاء عبد(4/322)
حتى يطيب طعمته" قال: يا رسول الله، ادع الله أن يطيب طعمتي، فإني لا أقوى إلا بدعائك؛ قال: "اللهم أطب طعمة سعد" فإن كان سعد ليرى السنبلة من القمح في حشيش دوابه فيقول: ردوها من حيث حصدتموها. أخرجه الفضائلي.
وعن يحيى بن عبد الرحمن بن لبيبة عن جده قال: قال سعد: يا رب, إن لي بنين صغارًا فأخر عني الموت حتى يبلغوا، فأخر عنه الموت عشرين سنة. أخرجه في الصفوة.
وعن جابر بن سمرة قال: شكا أهل الكوفة سعد بن مالك إلى عمر فقالوا: لا يحسن الصلاة. فقال سعد: أما أنا فكنت أصلي بهم صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أركد في الأوليين، وأخفف في الأخريين؛ فقال عمر: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق, قال: فبعث رجالا يسألون عنه في مساجد الكوفة؛ قال: فلا يأتون مسجدًا من مساجد الكوفة إلا أثنوا عليه خيرًا وقالوا معروفًا، حتى أتوا مسجدًا من مسجد بني عبس، قال: قال رجل يقال له أبو سعدة: اللهم إنه كان لا يسير بالسرية، ولا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية؛ قال: فقال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان كاذبًا فأطل عمره وأطل فقره وعرضه للفتن؛ فكان بعد ذلك يقول إذا سئل: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد. قال جابر بن سمرة: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر, وإنه ليتعرض للجواري في الطرق فيعهرهن.
وفي رواية: أما أنا فأركد في الأوليين وأحذف في الأخريين، ولا آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: صدقت؛ ذلك الظن بك -أو ظني بك- أبا إسحاق. أخرجه البخاري؛ وأخرجه البرقاني على شرطهما بنحوه، وقال: فقال عبد الملك بن عمير الراوي عن جابر: فأنا رأيته يتعرض للإماء في السكك، وإذا قيل له: كيف أنت يا أبا سعدة? قال:(4/323)
كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد.
وعنده: اللهم إن كان كاذبا فأعم بصره، وأطل عمره ... ثم ذكر ما بعده.
وروي أن ابنته كانت تشرف عليه عند وضوئه، فنهاها عن ذلك فلم تنته فدعا عليها، وقال: شاه وجهك، فلم تزل شوهاء.
ودخل عليه مولى لابنه عمير يشتكي إليه وقد ضربه عمير حتى أدماه، فنهاه عن ضربه وأمره فيه بمعروف، فأغلظ له في القول فقال: أجرى الله دمك على عقبيك، فقتله المختار بن أبي عبيد. أخرجهما الملاء.
قال أبو عمر: وكان سعد مشتهرًا بإجابة الدعوة؛ تخاف دعوته وترجى؛ لاشتهار إجابتها عندهم.
ذكر اختصاصه بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- له بتسديد السهم:
عن سعد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم سدد سهمه، وأجب دعوته" أخرجه أبو عمر وأبو الفرج في الصفوة.
ذكر اختصاصه بجمع النبي -صلى الله عليه وسلم- له أبويه يوم أحد:
عن علي عليه السلام قال: ما جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبويه لأحد غير سعد بن مالك، فإنه جعل يقول له يوم أحد: "ارم، فداك أبي وأمي" أخرجه مسلم والترمذي, وقال: حسن صحيح.
وأخرجه من طريق آخر ولفظه: ما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفدي أحدًا بأبويه ... الحديث، وقال: حسن صحيح.
وعنه قال: ما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدى رجلًا غير سعد؛ فإنه قال(4/324)
يوم حنين ويوم أحد: "ارم، فداك أبي وأمي" أخرجه الملاء.
وعنه قال: ما جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أبويه لأحد إلا لسعد بن مالك قال: "ارم، فداك أبي وأمي، وأنت الغلام الحسن" أخرجه أبو بكر يوسف بن يعقوب بن البهلول.
وعن سعد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع له أبويه يوم أحد؛ قال: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم: "ارم، فداك أبي وأمي" قال: فنزعت له بسهم ليس فيه نصل، فأصبت جبينه، فسقط وانكشفت عورته، فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى رأيت نواجذه. أخرجاه.
وأخرج الترمذي منه: جمع أبويه يوم أحد.
وفي بعض طرقه: نثر لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنانته يوم أحد، وقال: "ارم، فداك أبي وأمي" أخرجاه.
قال أبو عمر: لم يقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "فداك أبي وأمي" فيما بلغنا إلا لسعد والزبير، فإنه قال لكل واحد منهما ذلك؛ وقد تقدم أين قال ذلك للزبير في خصائصه.
ذكر اختصاصه بموافقته تمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلا صالحًا يحرسه عند قدومه المدينة, وقد أرق ليلة:
عن عائشة قالت: أرق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة، فقال: "ليت رجلًا صالحًا من أصحابي يحرسني الليلة" فقالت: فسمعنا صوت السلاح، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من هذا?" قال: سعد بن أبي وقاص يا رسول الله، جئت أحرسك. قالت عائشة: فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى سمعنا غطيطه.
وعنها قالت: سهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقدمه المدينة ليلة، فقال: "ليت(4/325)
رجلًا صالحًا من أصحابي يحرسني الليلة" قالت: فبينا نحن كذلك إذ سمعنا خشخشة السلاح، فقال: "من هذا؟ " قال: سعد بن أبي وقاص؛ قال: "ما جاء بك؟ " قال: وقع في نفسي خوف على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجئت أحرسه؛ فدعا له رسول الله -صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم والترمذي.
ذكر اختصاصه برؤية جبريل وميكائيل عن يمين النبي -صلى الله عليه وسلم- ويساره يوم أحد:
عن سعد قال: رأيت عن يمين النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن شماله يوم أحد رجلين, عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه أشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد, يعني جبريل وميكائيل. أخرجاه وأبو حاتم.
ذكر اختصاصه بقوله -صلى الله عليه وسلم: "هذا خالي, فليرني المرء خاله":
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: أقبل سعد فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "هذا خالي، فليرني امرؤ خاله" أخرجه الترمذي، وقال: غريب. قال: وكان سعد من بني زهرة؛ وأم النبي -صلى الله عليه وسلم- من بني زهرة؛ فلذلك قال: "خالي".
ذكر اختصاص عمر إياه من بين أهل الشورى بالأمر بالاستعانة, إن لم يصبه الأمر:
عن عمرو بن ميمون ... الحديث، تقدم في فصل خلافة عثمان، وفيه: "فإن أصاب الأمر سعدًا فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة" أخرجه البخاري وأبو حاتم.
ذكر اختصاصه بآيات نزلت فيه:
عن سعد أنه قال: نزلت فيَّ آيات من القرآن، قال: حلفت أم(4/326)
سعد لا تكلمه أبدًا حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب؛ قال: قالت: زعمت أن الله أوصاك بوالديك، فأنا أمك، وأنا آمرك بهذا؛ قال: فمكثت ثلاثًا حتى غشي عليها من الجهد، فقام ابن لها يقال له: عمارة، فسقاها فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي ... } 1 إلى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} .
قال: وأصاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غنيمة عظيمة فإذا فيها سيف، فأخذته فأتيت به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: نفلني هذا السيف، فأنا من قد علمت حاله؛ فقال: "رده من حيث أخذته" فانطلقت حتى إذا أردت أن ألقيه في القبض لامتني نفسي، فرجعت إليه فقلت: أعطنيه؛ قال: فشد بي صوته: "رده من حيث أخذته" فأنزل الله -عز وجل: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} 2.
قال: مرضت، فأرسلت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتاني فقلت: دعني أقسم مالي حيث شئت. قال: فأبى؛ قلت: فالنصف؛ فأبى؛ قلت: فالثلث، فسكت، فكان يعد الثلث جائزًا.
قال: وأتيت على نفر من الأنصار والمهاجرين، فقالوا: تعال نطعمك ونسقك خمرًا، وذلك قبل أن تحرم الخمر، قال: فأتيتهم في حش -والحش البستان- فإذا رأس جزور مشوي عندهم وزق من خمر؛ قال: فأكلت وشربت معهم، قال: فذكرت الأنصار والمهاجرين عندهم، فقلت: المهاجرون خير من الأنصار, فأخذ رجل أحد لحيي الرأس فضربني به، فجرح أنفي، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته، فأنزل الله -عز وجل- فيَّ يعني نفسه شأن الخمر: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
__________
1 سورة لقمان الآية 15.
2 سورة الأنفال الآية 1.(4/327)
وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} 1 أخرجه مسلم.
"شرح" الجهد بفتح الجيم: المشقة، يقال: جهد دابته وأجهدها إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها، والجهد بضمها وفتحها: الطاقة, ومنه: "والذين لا يجدون إلا أجهدهم" قرئ بهما، وقال الفراء: هو بالضم الطاقة وبالفتح من قولك: اجهد جهدك في هذا الأمر، أي: ابلغ غايتك، ولا يقال: أجهد جهدك بالضم, والقبض بالتحريك: هو ما قبض من أموال الناس، وبالإسكان: خلاف البسط.
وعن سعد قال: نزلت {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} 2 في ستة أنا وابن مسعود منهم، وكان المشركون قالوا: لا يدنى هؤلاء.
وعنه قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ستة نفر، فقال المشركون: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا؛ قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما؛ فوقع في نفس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما شاء أن يقع، فحدث نفسه، فأنزل الله: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} 3 أخرجهما مسلم.
__________
1 سورة المائدة الآية 90.
2 سورة الأنعام الآية 52.
3 سورة الأنعام الآية 52.(4/328)
الفصل السابع: في شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالجنة
تقدم في باب العشرة عبد الرحمن بن عوف, وسعيد بن زيد في العشرة وهو منهم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أول من يدخل من هذا الباب رجل من أهل الجنة" فدخل سعد بن أبي وقاص. أخرجه أحمد.
وأخرج الفضائلي معناه عن أنس، ولفظه: بينا نحن جلوس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" فطلع سعد بن أبي وقاص؛ حتى إذا كان الغد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك، فطلع سعد.
وأخرجه ابن المثنى في معجمه عن ابن عمر, ولفظه قال: كنا جلوسًا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يدخل عليكم من ذا الباب رجل من أهل الجنة" فليس منا أحد إلا وهو يتمنى أن يكون من أهل بيته؛ فإذا سعد قد طلع.(4/328)
الفصل الثامن: في ذكر نبذ من فضائله
قال أبو عمر وغيره: شهد سعد بدرًا والحديبية والمشاهد كلها، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أهل الشورى الذين أخبر عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توفي وهو عنهم راضٍ، وأحد من كان على حراء حين تحركت بهم الصخرة فقال صلى الله عليه وسلم: "اثبت حرا؛ فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد" فكانت شهادة من النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشهادة.
وقد تقدم الحديث مستوفى في باب ما دون العشرة, وكان سابع سبعة في الإسلام على ما تقدم في فصل إسلامه، وأحد الفرسان الشجعان، وأحد من كان يحرس النبي -صلى الله عليه وسلم- في مغازيه، وهو الذي كوف الكوفة، ونفى الأعاجم، وتولى قتال فارس، وكان على يديه فتح القادسية وغيرها، وولاه عمر الكوفة فشكاه أهلها ورموه بالبهتان، فدعا على الذي واجهه بالكذب دعوة ظهرت فيها إجابته، وعزله عمر لما شكاه أهل الكوفة،(4/329)
وولى عمار بن ياسر الصلاة وعبد الله بن مسعود بيت المال وعثمان بن حنيف مساحة الأرضين، ثم عزل عمارًا وأعاد سعدًا على الكوفة ثانيًا، ثم عزله وولى جبير بن مطعم، ثم عزله قبل أن يخرج إليها وولى المغيرة بن شعبة، وقيل: إن عمر لما ولى سعدًا بعد أن عزله أبى عليه، وقال: لا أعود لقوم يزعمون أني لا أحسن أصلي فتركه؛ ورام منه ابنه عمر وابن أخيه هاشم أن يدعو إلى نفسه بعد قتل عثمان فأبى، فصار هاشم إلى علي، وكان سعد ممن لزم بيته في الفتنة، وأمر أهله أن لا يخبروه من أخبار الناس بشيء حتى تجتمع الأمة على إمام.
وقد تقدم ثناء الله عليه بأنه من: {الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} وفي ذكر اختصاصه بنزول آيات فيه.
ذكر دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالشفاء من مرضه, فشفي:
عن سعد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عاده عام حجة الوداع بمكة من مرض أشفى فيه فقال سعد: يا رسول الله، قد خفت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "اللهم اشف سعدًا" ثلاث مرات وفيه ذكر الوصية وقوله: "والثلث كثير" وفيه: "إن صدقتك من مالك صدقة, وإن نفقتك على عيالك صدقة، وإن ما تأكل امرأتك من مال صدقة" أخرجاه.
ذكر إثبات الشهادة له:
تقدم حديث هذا الذكر في مثله من باب العشرة، وسيأتي في مناقب سعد, ووجه شهادته فيما تقدم نظيره من مناقب عبد الرحمن بن عوف.
ذكر أنه ناصر الدين:
عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا سعد, أنت ناصر الدين(4/330)
حيث كنت" أخرجه الملاء في سيرته.
ذكر اتباعه للسنة:
تقدم في خصائصه في الأولى منها قوله في صلاته: ولا آلو ما اقتديت من صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخاري.
وعن عامر بن سعد أن سعدًا ركب إلى قصره بالعقيق، فوجد عبدًا يقطع شجرًا أو يخبطه فسلبه، فلما رجع سعد جاء أهله فكلموه أن يرد على غلامهم أو عليهم فقال: معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبى أن يرد عليهم. أخرجه مسلم.
ذكر شجاعته:
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "سعد بن أبي وقاص يعد بألف فارس" أخرجه الملاء في سيرته.
وقد تقدم في خصائص طلحة من حديث مسلم أنه لم يبق مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض تلك الأيام التي قاتل فيها غير طلحة وسعد.
ذكر صبره مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع ضيق العيش:
عن سعد قال: إني لأول العرب رمى سهما في سبيل الله، ولقد كنا نغزو مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لنا طعام إلا ورق الحبلة وهذا السمر، حتى إن كان أحدنا ليضع كما تضع الشاة, ما له خلط. أخرجاه.
ذكر شدته في دين الله:
عن سعد قال: أعطى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رهطًا وأنا جالس، فترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منهم رجلًا هو أعجبهم إلي، فقلت: ما لك عن فلان? والله إني لأراه مؤمنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أو مسلمًا" ذكر ذلك سعد ثلاثا، وأجابه بمثل ذلك، ثم قال: "إني لأعطي الرجل العطاء وغيره(4/331)
إلي أحب منه؛ خشية أن يكبه الله -عز وجل- على وجهه في النار".
قال الزهري: فرأى أن الإسلام الكلمة, الإيمان العمل الصالح. أخرجاه.
ذكر زهده:
تقدم في النثر في أول الفصل طرف منه.
وعن عامر بن سعد قال: بينا سعد في إبله فجاءه ابنه عمر، فلما رآه سعد قال: أعوذ بالله من شر الراكب، فقال له: نزلت في إبلك وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم، فضرب سعد صدره وقال: اسكت، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله يحب العبد التقي العيي الخفي" أخرجه مسلم.
ذكر تواضعه وعدله وشفقته على رعيته وحيائه:
عن أبي المنهال أن عمر بن الخطاب سأل عمرو بن معد يكرب عن سعد فقال: متواضع في جبايته، عربي في نمرته، أسد في تاموره، يعدل في القضية، ويقسم بالسوية، ويبعد في السرية، ويعطف عليها عطف البرة، وينقل إلينا خفيا نقل الذرة. أخرجه الفضائلي.
وفي رواية بعد قوله "ويقسم بالسوية": وهو لنا كالأب البر والأم المتحننة، وإذا صاح الصائح أسد في تاموره، هو مع ذلك عاتق في حجلتها من الحياء، لم أر مثله. قال عمر: لم أر كاليوم ثناء أحسن منه.
ذكر صدقه:
عن ابن عمر أن سعدًا حدثه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه مسح على الخفين, وإن ابن عمر سأل عن ذلك عمر فقال: نعم, إذا حدث سعد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا تسأل عنه غيره. أخرجه البخاري.(4/332)
ذكر حرصه على البر والصدقة:
عن سعد قال: عادني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت: يا رسول الله إني قد بلغ بي من الوجع ما ترى ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بكل مالي? قال: "لا" قلت: فالشطر يا رسول الله? قال: "لا" قلت: فالثلث? قال: "الثلث، والثلث كثير أو كبير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس" أخرجاه.(4/333)
الفصل التاسع: في ذكر وفاته, وما يتعلق بها
قال أبو عمر وغيره: مات سعد بن أبي وقاص في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة، وحمل على أعناق الرجال إلى المدينة، ودفن بالبقيع، وصلى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ والي المدينة، ثم صلى عليه أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجرهن. ذكره أبو عمر وصاحب الصفوة.
وقال الفضائلي: أدخل المسجد ووضع عند بيوت النبي -صلى الله عليه وسلم- بفناء الحجر, فصلى الإمام عليه وصلى أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بصلاة الإمام.
وعن موسى بن عقبة عن عبد الواحد بن حمزة قال: لما توفي سعد أرسل أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن مروا بجنازته في المسجد، ففعلوا فوقف به على حجرهن فصلين عليه، فبلغهن أن الناس عابوا ذلك وقالوا: ما كانت الجنائز يدخل بها المسجد، فقالت عائشة: ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به، عابوا علينا أن يمر بجنازة في المسجد! ما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على سهل بن بيضاء إلا في جوف المسجد. أخرجه مسلم.
قال في الصفوة: وكان سعد أوصى أن يكفن في جبة صوف له كان لقي المشركين فيها يوم بدر، فقال: أخبأها لهذا، فكفن فيها. وذكره(4/333)
الفضائلي والقلعي.
قال ابن قتيبة: كان آخر العشرة موتًا. وقال الفضائلي: كان آخر المهاجرين وفاة.
قال الواقدي: وكان ذلك سنة خمس وخمسين، وقيل: أربع وخمسين وقيل: ثمان وخمسين, حكاه أبو عمر. وله بضع وستون سنة، وقيل: بضع وسبعون، وقيل: بضع وثمانون، وقيل: بضع وتسعون، ذكره ابن قتيبة وأبو عمر وغيرهما.(4/334)
الفصل العاشر: في ذكر ولده
وكان له من الولد أربعة وثلاثون ولدا؛ سبعة عشر ذكرًا وسبع عشرة أنثى.
ذكر الذكور:
"إسحاق الأكبر" وبه كان يكنى، أمه ابنة شهاب، و"عمر" قتله المختار و"محمد" قتله الحجاج، أمهما بنت قيس بن معدي كرب و"عامر" وكان يروي عنه الحديث، و"إسحاق الأصغر" و"إسماعيل" أمهم أم عامر بنت عمرو، و"إبراهيم" و"موسى" أمهما زبد، و"عبد الله" أمه خولة بنت عمرو، و"عبد الله الأصغر" و"بجير" واسمه عبد الرحمن، أمهما أم هلال بنت ربيع بن مري، و"عمير الأكبر" أمه أم حكيم بنت قارظ، و"عمير الأصغر" و"عمرو" و"عمران" أمهم سلمى بنت حفص و"صالح" أمه ظبية بنت عامر، و"عثمان" أمه أم حجير.
ذكر الإناث:
"أم الحكم الكبرى" شقيقة إسحاق الأكبر، و"حفصة" و"أم القسم" و"كلثوم" شقائق عمر ومحمد، و"أم عمران" شقيقة إسحاق الأصغر، و"أم الحكم الصغرى" و"أم عمرو" و"هند" و"أم الزبير" و"أم موسى" أمهن زبد، و"حمنة" أخت بجير، و"حمنة" أخت عمير الأكبر، و"أم عمر" و"أم أبونا" و"أم إسحاق" أمهن سلمى، و"رملة" أخت عثمان، و"عمرة" وهي العمياء أمها من سبي العرب و"عائشة" ذكر ذلك كله ابن قتيبة وصاحب الصفوة.(4/335)
الباب التاسع: في مناقب أبي الأعور سعيد بن زيد
الفصل الأول: في نسبه
...
الباب التاسع: في مناقب أبي الأعور سعيد بن زيد
وفيه عشرة فصول
الفصل الأول: في نسبه
وقد تقدم ذكره في ذكر الشجرة من باب العشرة، يجتمع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كعب بن لؤي، وينسب إلى عدي بن كعب فيقال: القرشي العدوي وعمر بن الخطاب ابن عم أبيه. كان أبوه زيد يطلب دين الحنفية دين إبراهيم قبل أن يبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان لا يذبح للأنصاب ولا يأكل الميتة ولا الدم، وخرج يطلب الدين هو وورقة بن نوفل فتنصر ورقة وأبى هو التنصر، فيقول له الراهب: إنك تطلب دينا ما هو على الأرض اليوم، قال: وما هو? قال: دين إبراهيم، كان يعبد الله لا يشرك به شيئًا، ويصلي إلى الكعبة، وكان زيد على ذلك حتى مات.
وعن سعيد بن زيد قال: خرج ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو يطلبان الدين حتى مرا بالشام، فأما ورقة فتنصر وأما زيد فقيل له: إن الذي تطلب أمامك. قال: فانطلق حتى أتى الموصل فإذا هو براهب، فقال: من أين أقبل صاحب الراحلة? قال: من بيت إبراهيم قال: ما(4/337)
يطلب? قال: الدين. فعرض عليه النصرانية، فقال: لا حاجة لي فيها وأبى أن يقبل, فقال: إن الذي تطلب سيظهر بأرضك، فأقبل وهو يقول:
لبيك حقا حقا ... تعبدًا ورقا
مهما تجشمني فإني جاشم ... عذت بما عاذ به إبراهم1
قال: ومر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ومعه أبو سفيان بن الحارث يأكلان من سفرة لهما، فدعواه إلى الغداء، فقال: "يابن أخي, إني لا آكل مما ذبح على النصب" قال: فما رئي النبي -صلى الله عليه وسلم- من يومه ذلك يأكل مما ذبح على النصب حتى بعث -صلى الله عليه وسلم- قال: فأتاه سعيد بن زيد فقال: إن زيدًا كان كما قد رأيت وبلغك، استغفر له قال: "نعم" فاستغفر له، وقال: "إنه يبعث يوم القيامة أمة وحده" أخرجه أبو عمر.
"شرح" تجشمني أي: تحملني تقول: جشمت الأمر بالكسر جشما وتجشمته إذا تكلفته على مشقة، وأجشمته إذا كلفته إياه.
وعن أسماء قالت: رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مسندًا ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش, والله ما منكم على دين إبراهيم غيري. وكان يحيي الموءودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: لا تقتلها وأنا أكفيك مؤنتها، فيأخذها فإذا ترعرعت قال لأبيها: إن شئت دفعتها إليك, وإن شئت كفيتك مؤنتها. أخرجه البخاري.
وعن ابن زيد عن أبيه قال في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا} 2 نزلت في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يوحدون الله عز وجل: زيد بن عمرو بن نفيل، وأبي ذر، وسلمان، أولئك الذين هداهم الله بغير كتاب ولا نبي. أخرجه الواحدي وأبو الفرج في أسباب النزول.
أمه فاطمة بنت بعجة بن مليح الخزاعية, ذكره أبو عمر.
__________
1 لغة في إبراهيم.
2 سورة الزمر الآية 17.(4/338)
الفصل الثاني: في اسمه
ولم يزل اسمه في الجاهلية ثم في الإسلام سعيدًا، وكان كذلك لفظا ومعنى، ويكنى أبا الأعور.(4/339)
الفصل الثالث والرابع: في صفته وإسلامه
كان آدم طوالا أشعر, قاله الواقدي.
أسلم هو وزوجته أم جميل بنت الخطاب أخت عمر قديما، وكان إسلامه قبل إسلام عمر، وبسبب زوجته كان إسلام عمر، وقد تقدم ذكر ذلك في فصل إسلام عمر.
عن قيس قال: سمعت سعيد بن زيد في مسجد الكوفة يقول: والله لقد رأيتني وإن عمر لموثقي على الإسلام أنا وأخته, قبل أن يسلم عمر. أخرجه رزين.
وأسلمت أخته عاتكة بنت زيد وكانت حسناء جميلة بارعة الجمال فيما يقال، تزوجها عبد الله بن أبي بكر فشغلته عن الغزو، فأمره أبوه بطلاقها وقال: قد شغلتك عن المغازي فطلقها، فمر به يوما وهو يقول:
ولم أر مثلي طلق اليوم مثلها ... ولا مثلها من غير جرم تطلق(4/339)
لها خلق جزل ورأي ومنصب ... وخلق سوي في الحياة ومصدق
فرق له أبوه فأذن له في مراجعتها، فراجعها وقتل عنها, فقالت ترثيه:
رُزئت بخير الناس بعد نبيهم ... وبعد أبي بكر وما كان قصرا
فآليت لا تنفكّ عيني حزينة ... عليك ولا ينفك جنبي أغبرا
في أبيات. ثم خلف عليها عمر بن الخطاب، فلم تزل عنده حتى قتل عنها فرثته بأبيات؛ ثم خلف عليها الزبير بن العوام، وكانت تخرج إلى المسجد ليلا وكان يكره مخرجها ويتحرج من منعها، فخرجت ليلة إلى المسجد وخرج الزبير فسبقها إلى مظلم من طريقها فوضع يده على بعض جسدها فرجعت تسبح, ثم لم تخرج بعد ذلك فقال لها الزبير: ما لك لا تخرجين إلى المسجد? قالت: يا أبا عبد الله فسد الناس؛ فقال: أنا فعلت ذلك؛ فقالت: أليس يقدر غيرك يفعل مثله? فلم تخرج حتى قتل عنها الزبير، فرثته بأبيات فقالت:
غدر ابن جرموز بفارس بهمة ... يوم اللقاء وكان غير مفدد
يا عمرو لو نبهته لوجدته ... لا طائشًا رعش الجنان ولا اليد
كم غمرة قد خاضها لم يثنه ... عنها طراؤك يابن فقع القردد
والله ربك إن قتلت لمسلما ... حلت عليك عقوبة المتعمد
ويقال: إن عبد الله بن الزبير صالحها على ميراثها من الزبير على ثمانين ألفًا فقبلتها؛ ثم خطبها علي بن أبي طالب، فقالت: إني أضن بك يابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن القتل، ويقال: خطبها عمرو بن العاص ومحمد بن أبي بكر فامتنعت عليهما.(4/340)
الفصل الخامس، والسادس، والسابع: في هجرته وخصائصه وفي شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالجنة:
قال أبو عمر: وهاجر هو وزوجته أم جميل فاطمة بنت الخطاب.
في خصائصه:
لم ينقل له من الخصائص غير ما ثبت لأبيه, فإنه لم ينقل في فضل أحد من آباء العشرة ما نقل في فضل زيد بن عمرو، كما تقدم.
في شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالجنة
تقدمت أحاديث هذا الفصل في نظيره من باب العشرة.(4/341)
الفصل الثامن: في ذكر نبذ من فضائله
قال أبو عمر وغيره: شهد سعيد المشاهد كلها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا بدرًا.
قال الواقدي: بعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وطلحة إلى الشام يتجسسان الأخبار، ثم رجعا فقدما إلى المدينة يوم وقعة بدر. وقد تقدم الحديث في فصل فضائل طلحة؛ فلذلك كانا معدودين من البدريين.
قال البغوي في معجمه: فضرب له النبي -صلى الله عليه وسلم- بسهمه، قال: وأجري? قال: "وأجرك" وأخرجه ابن الضحاك أيضًا.
وكانت له بنت عند الحسن بن الحسن بن علي, ذكره الطائي.
ذكر شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالشهادة:
عن عبد الله بن سالم عن سعيد بن زيد قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحرا فقال: "اثبت حرا؛ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد" قيل: ومن هم? قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة(4/341)
والزبير وسعد بن مالك وعبد الرحمن بن عوف؛ قال: قيل: فمن العاشر? فقال: أنا. أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح, وقد تقدم الحديث مختصرًا في باب العشرة.
وسيأتي في ذكر وفاته أنه مات بالمدينة على فراشه, فوجه شهادته ما تقدم في نظيره من مناقب عبد الرحمن بن عوف، فإن سعدًا وسعيدًا وعبد الرحمن ماتوا على فرشهم بمقبرة المدينة, فحكمهم واحد.
ذكر أنه ذو دعوة مجابة:
عن سعيد بن زيد أن أروى خاصمته في بعض داره فقال: دعوها وإياها، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من أخذ شبرًا من الأرض بغير حق طوقه في سبع أرضين يوم القيامة" اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واجعل قبرها في دارها. قال محمد بن زيد: فرأيتها عمياء تلتمس الجدر، وتقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيد؛ فبينما هي تمشي في الدار إذ مرت على بئر في الدار فوقعت فيها فكانت قبرها. أخرجه مسلم، وأخرجه أبو عمر وقال: اللهم إن كانت كاذبة فلا تمتها حتى تعمي بصرها, وتجعل قبرها في بئر.
ذكر زهده:
روي أن عمر أرسل إلى أبي عبيدة يقول: أخبرني عن حال الناس، وأخبرني عن خالد بن الوليد أي رجل هو، وأخبرني عن يزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص كيف هما وحالهما ونصيحتهما للمسلمين؛ فقال: خالد خير رجل وأنصحه للمسلمين وأشده على عدوهم، وعمرو ويزيد نصحهما وجدهما كما تحب؛ قال: عن أخويك سعد بن يزيد ومعاذ بن جبل? قال: كما عهدت، إلا أن السواد زادهما في الدنيا زهدًا وفي الآخرة رغبة. أخرجه أبو حذيفة وإسحاق بن بشر في فتوح الشام.(4/342)
وأخرج أيضًا أن أبا عبيدة ولى سعيدًا دمشق، ثم خرج حتى أتى الأردن فنزلها فعسكر، وبعث عليهم خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان، فلما بلغ ذلك سعيد بن زيد كتب إلى أبي عبيدة: "سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإني ما كنت لأوثرك وأصحابك بالجهاد على نفسي وعلى ما يدنيني من مرضاة ربي، فإذا أتاك كتابي هذا فابعث إلى عملك من هو أرغب إليه مني، فإني قادم عليك وشيكا إن شاء الله تعالى. والسلام عليك" فلما بلغ الكتاب أبا عبيدة قال: ليتركنها, ثم دعا يزيد بن أبي سفيان فقال: اكفني دمشق.
"شرح" وشيكا: سريعا، تقول منه: وشك بالضم يوشك وشكا أي: يسرع.
ذكر احترام الولاة له, ووصية أم المؤمنين حين وفاتها أن يصلي عليها:
عن ابن سعيد بن زيد قال: كتب معاوية بن أبي سفيان إلى مروان بن الحكم بالمدينة يبايع الناس لابنه يزيد، فقال رجل من الشام: ما يحبسك? قال: حتى يجيء سعيد بن زيد فيبايع، فإنه سيد أهل البلد؛ فإذا بايع بايع الناس. قال: أفلا أذهب آتيك به? فجاء الشامي وأنا مع أبي في الدار، فقال: انطلق فبايع، فقال: انطلق، فسأجيء فأبايع؛ فقال: تنطلق أو لأضربن عنقك؛ قال: أتضرب عنقي? والله إنك لتدعوني إلى أقوام أنا قاتلتهم على الإسلام. قال: فرجع إلى مروان وأخبره، فقال له مروان: اسكت. قال: فماتت أم المؤمنين أظنها زينب، فأوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد، فقال الشامي لمروان: ما يحبسك أن تصلي على أم المؤمنين? قال: أنتظر الرجل الذي أردت أن تضرب عنقه، فإنها أوصت أن يصلي عليها، فقال الشامي: أستغفر الله. أخرجه البغوي في معجمه والفضائلي؛ وخرج ابن الضحاك منه قصة البيعة، وقال: سأل أهل المدينة ... إلخ ولم يذكر قصة الصلاة على الجنازة.(4/343)
الفصل التاسع: في وفاته, وما يتعلق بها
توفي بأرضه بالعقيق وحمل إلى المدينة, ودفن بها سنة خمسين أو إحدى وخمسين في أيام معاوية وهو ابن بضع وسبعين سنة، ونزل في قبره سعد وابن عمر. ذكره في الصفوة وأبو عمر والفضائلي.(4/344)
الفصل العاشر: في ذكر ولده
وكان له واحد وثلاثون ولدًا؛ ثلاثة عشر ذكرًا وثماني عشرة أنثى.
ذكر الذكور:
"عبد الله الأكبر" و"عبد الله الأصغر" و"عبد الرحمن الأكبر" و"عبد الرحمن الأصغر" و"إبراهيم الأكبر" و"إبراهيم الأصغر" و"عمر الأكبر" و"عمر الأصغر" و"الأسود" و"طلحة" و"محمد" و"خالد" و"زيد".
ذكر الإناث:
"أم الحسن الكبرى" و"أم الحسن الصغرى" و"أم حبيب الكبرى" و"أم حبيب الصغرى" و"أم زيد الكبرى" و"أم زيد الصغرى" و"عائشة" و"عاتكة" و"حفصة" و"زينب" و"أم سلمة" و"أم موسى" و"أم سعيد" و"أم النعمان" و"أم خالد" و"أم صالح" و"أم عبد الحولا" و"رجلة".(4/344)
الباب العاشر: في مناقب أبي عبيدة بن الجراح
الفصل الأول والثاني والثالث: في نسبه وأسمه وصفته
...
الباب العاشر: في مناقب أبي عبيدة بن الجراح
وفيه عشرة فصول
الفصل الأول والثاني والثالث: في نسبه واسمه وصفته
وقد تقدم ذكره في ذكر الشجرة من باب العشرة، يجتمع هو ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في فهر بن مالك، وينسب إلى فهر فيقال: القرشي الفهري، أمه من بني الحارث بن فهر أسلمت، قاله ابن قتيبة.
في اسمه
ولم يزل اسمه في الجاهلية والإسلام عامرًا، وكنيته أبا عبيدة وبها اشتهر، لقبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأمين هذه الأمة؛ وسيأتي في خصائصه.
في صفته
وكان رضي الله عنه رجلا طويلا نحيفا، معروق الوجه، أثرم(4/345)
الثنيتين، خفيف اللحية، وكان يخضب بالحناء والكتم. ذكره ابن الضحاك، وسبب ثرمه أنه كان قد انتزع سهمين من جبهة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد بثنيتيه فسقطتا، وسيأتي ذكر ذلك. ويروى أنه المنتزع حلقتي الدرع، ويجوز أن يكون السهمان أثبتا حلقتي الدرع فانتزع الجميع، فسقطتا لذلك, فما رئي أهتم كان أحسن من أبي عبيدة. ذكره ابن قتيبة وأبو عمر وغيرهما.
"شرح" الأثرم: الساقط الثنية، وكذلك الأهتم، وقد سبق ذكرهما في نظيره من مناقب عبد الرحمن بن عوف, والمعروق الوجه تقدم شرحه في صفة أبي بكر.(4/346)
الفصل الرابع والخامس: في إسلامه وهجرته
في إسلامه:
أسلم قديمًا مع عثمان بن مظعون، وهو ممن أسلم على يدي أبي بكر على ما تقدم بيانه.
في هجرته:
قال الواقدي: هاجر أبو عبيدة إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، ولم يحك ذلك ابن عقبة ولا غيره، ثم هاجر إلى المدينة.(4/346)
الفصل السادس: في خصائصه
ذكر اختصاصه بأنه أمين هذه الأمة
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن لكل أمة أمينًا، وإن أميننا -أيتها الأمة- أبو عبيدة بن الجراح" أخرجه البخاري ومسلم، وأخرجه الترمذي وأبو حاتم ولفظهما: "لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة ... " الحديث. وأخرجه ابن نجيد وزاد: وطعن في خاصرته، وقال: هذه خاصرة مؤمنة.
وعن حذيفة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأهل نجران: "لأبعثن حق أمين" فأشرف أصحابه، فبعث أبا عبيدة. أخرجه البخاري.
وعنه قال: جاء السيد والعاقب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالا: يا رسول الله ابعث معنا أمينك؛ فقال: "سأبعث معكم أمينًا، حق أمين" فتشرف لها الناس؛ فبعث أبا عبيدة. أخرجاه.
وعن أبي مسعود قال: لما جاء العاقب والسيد صاحبا نجران أراد أن يلاعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما لصاحبه: لا تلاعنه، فوالله لئن كان نبيا فلاعناه لا نفلح نحن ولا عقبنا أبدًا؛ قال: فأتياه فقالا: لا نلاعنك، ولكن نعطيك ما سألت، فابعث معنا رجلا أمينا. فقال صلى الله عليه وسلم: "لأبعثن رجلًا أمينًا حق أمين" قال: فاستشرف لها أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "قم يا أبا عبيدة بن الجراح" قال: فلما قفا1 قال: "هذا أمين هذه الأمة" أخرجه أحمد وأخرجه الترمذي وقال: "فبعث أبا عبيدة" مكان "قم يا أبا عبيدة" ولم يذكر ما بعده. وأخرج ابن إسحاق معناه عن محمد بن جعفر قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ائتوني العشية أبعث معكم القوي الأمين" قال: فكان عمر بن الخطاب يقول: ما أحببت الإمارة قط حبي إياها يومئذ رجاء أن أكون صاحبها، فرحت إلى الظهر مهجرًا فلما صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نظر عن يمينه ويساره، فجعلت أتطاول له ليراني، فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح فدعاه، فقال: "اخرج معهم, فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه" قال عمر: فذهب بها أبو عبيدة.
وعن أنس بن مالك أن أهل اليمن قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا:
__________
1 تبع الأمر، وقام.(4/347)
ابعث معنا برجل يعلمنا؛ فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيد أبي عبيدة وقال: "هذا أمين هذه الأمة" أخرجه أبو عمر، وأخرجه صاحب الصفوة وقال: إن أهل اليمن لما قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سألوه أن يبعث معهم رجلًا يعلمهم السنة والإسلام ... وذكر بقية الحديث.
ذكر اختصاصه بالإمرة في بعض الأحيان:
عن جابر بن عبد الله قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرية وأمر عليها أبا عبيدة بن الجراح نتلقى عيرًا لقريش، وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره، وكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة، فقيل له: فكيف كنتم تصنعون بها؟ قال: نمصها كما يمص الصبي، ثم نشرب عليها الماء فتكفينا يومنا إلى الليل، فكنا نضرب بعصينا الخبط ثم نله بالماء فنأكله، قال: وانطلقنا على ساحل البحر فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم، فأتيناه فإذا هي دابة تدعى العنبر، قال أبو عبيدة: ميتة، ثم قال: لا بل نحن رسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي سبيل الله، وقد اضطررتم، فكلوا؛ قال: فأقمنا عليه شهرًا ونحن ثلاثمائة حتى سمنا، ولو رأيتنا نغترف من وقب عينه بالقلال الدهن ونقتطع منه القدر كالثور -أو كقدر الثور- ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينه، وأخذ ضلعا من أضلاعه فأقامها، ثم رحل أعظم بعير معنا فمر من تحتها، وتزودنا من لحمه وشائق. فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرنا ذلك له، فقال: "هو رزق الله أخرجه لكم، فهل معكم من لحمه شيء فتطعموننا?" قال: فأرسلنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منه فأكله. أخرجه مسلم.
وفي رواية: فأخذ أبو عبيدة ضلعًا من أضلاعه فنصبه, ونظر إلى أطول بعير في الجيش وأطول رجل فحمله عليه، فجاز تحته، وأخرجه بهذه الزيادة الخلعي.(4/348)
"شرح" العير بالكسر: الإبل تحمل الميرة، ويجوز أن تجمع على عيرات، والكثيب: الرمل المجتمع، وقد تقدم في فصل هجرة أبي بكر، ووقب العين: نقرتها، ووقبت عيناه: غارتا, وشائق جمع: وشيق ووشيقة، وهو اللحم يغلي إغلاء ثم يقدد ويحمل في الأسفار، وهو أبقى قديد يكون.
قال أبو عبيدة: وزعم بعضهم أنه بمنزلة القدر لا تمسه النار، يقول: وشقت اللحم أشقه وشقا وأشقته مثله, الفدر: جمع فدرة، وهي القطعة.
ذكر اختصاص عمر إياه بالخلافة إن مات وهو حي:
عن عمر أنه لما بلغ سرغ وحدث أن بالشام وباء شديدًا فقال: إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته، فإن سألني ربي -عز وجل- لم استخلفته على أمة محمد? قلت: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن لكل نبي أمينا، وأميني أبو عبيدة بن الجراح" وإن أدركني أجلي وقد توفي أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل, فإن سألني ربي لم استخلفته? قلت: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنه يحشر يوم القيامة بين يدي العلماء نبذة".
"شرح" سرغ بفتح الراء وسكونها: قرية بوادي تبوك من طريق الشام، وقيل: على ثلاث عشرة مرحلة من المدينة, نبذة بفتح النون وضمها: ناحية، وقد تقدم في فصل خلافة أبي بكر أن عمر بادر إلى مبايعة أبي عبيدة لما مات النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: "أنت أمين هذه الأمة" فامتنع معتذرًا بأولوية أبي بكر، ولما سئلت عائشة: من كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مستخلفًا لو استخلف? قالت: أبا بكر، قيل: ثم من? قالت: عمر، قيل: ثم من? قالت: أبا عبيدة. وقد تقدم ذلك في فصل خلافة أبي بكر.(4/349)
ذكر اختصاص أبي بكر إياه بالكون معه:
وروى أبو حذيفة إسحاق بن بشر في كتابه "فتوح الشام" أن طوائف من أحياء العرب كانت تأتي من عامة الآفاق إلى أبي بكر إمدادًا للمسلمين، فيستعمل عليهم الرجل منهم، ويخبرهم أن يمضوا إلى أي أمرائه أحبوا، فإذا قالوا: اختر لنا يا خليفة رسول الله، قال: عليكم بالهين اللين الذي إذا ظلم لم يظلم، وإذا أسيء إليه غفر، وإذا قطع وصل، رحيم بالمؤمنين، شديد على الكافرين. عليكم بأبي عبيدة بن الجراح.
"شرح" هين: لين مخفف ومشدد، وقوم هينون: لينون.
وقد تقدم في فصل خلافة أبي بكر أنه قال يوم السقيفة: وقد رضيت لكم أحد الرجلين عمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح, أما أبو عبيدة فسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة" وأما عمر فسمعته يقول: "اللهم أيد الدين بعمر, أو بأبي جهل".
الحديث. وقد تقدم في فصل إسلام عمر.(4/350)
الفصل السابع: في شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالجنة
وأحاديث هذا الفصل تقدمت في نظيره من باب العشرة, من حديث عبد الرحمن وسعيد بن زيد.(4/350)
الفصل الثامن: في ذكر نبذ من فضائله
شهد أبو عبيدة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بدرًا وهو ابن إحدى وأربعين سنة وما بعدها من المشاهد كلها، وشهد بيعة الرضوان، وثبت معه يوم أحد، وقتل أباه يوم بدر كافرًا فأنزل الله -جل وعلا: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُم} 1 الآية، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، كان رضي الله عنه يسير في العسكر ويقول: ألا ربَّ مبيض لثيابه ومدنس لدينه، ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين، بادروا السيئات القديمات بالحسنات الحادثات، فلو أن أحدكم عمل في السيئات ما بينه وبين السماء ثم عمل حسنة, لعلت فوق سيئاته حتى تقهرها.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح" أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن.
ذكر أحبية النبي -صلى الله عليه وسلم- له:
عن عائشة وقد سئلت: أي أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أحب إليه? قالت: أبو بكر، قيل: ثم من? قالت: أبو عبيدة بن الجراح. وقد تقدم ذلك في باب ما دون العشرة.
ذكر ثناء أبي بكر وعمر وغيرهما عليه:
تقدم ثناء أبي بكر في فصل الخصائص, وطرف من ثناء عمر.
وعن عمر أنه قال لأصحابه يومًا: تمنوا، فقال رجل: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهبًا أنفقه في سبيل الله -عز وجل- فقال: تمنوا, فقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤًا وزبرجدًا وجوهرًا أنفقه في سبيل الله -عز وجل- وأتصدق به، ثم قال: تمنوا, قالوا: ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين? قال عمر: لكني أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح. أخرجه صاحب الصفوة، وأخرجه الفضائلي وزاد: فقال رجل: ما آلوت الإسلام، قال: ذلك الذي أردت.
__________
1 سورة المجادلة الآية 22.(4/351)
"شرح" آلوت: قصرت عنه.
وعن عمرو بن العاص قال: ثلاثة من قريش أصبح الناس وجوهًا وأحسنهم أخلاقًا وأشدهم حياء، إن حدثوك لم يكذبوك، وإن حدثتهم لم يكذبوك: أبو بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وأبو عبيدة بن الجراح. أخرجه الفضائلي.
ذكر كراهية عمر خلاف أبي عبيدة:
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن عمر لما خرج إلى الشام وأخبر أن الوباء قد وقع به فجمع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واستشارهم فاختلفوا، فرأى عمر رأي من رأى الرجوع فرجع، فقال له أبو عبيدة: أفرارًا من قدر الله? فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة? وكان عمر يكره خلافه, نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله, أرأيت لو كان لك إبل فنزلت واديا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله? أخرجاه.
"شرح" العدوة بضم العين وكسرها: شاطئ الوادي أي: جانبه.
ذكر زهده:
عن عروة بن الزبير قال: لما قدم عمر بن الخطاب من الشام تلقاه أمراء الأجناد وعظماء أهل الأرض، فقال عمر: أين أخي? قالوا: من? قال: أبو عبيدة، قالوا: يأتيك الآن، فلما أتاه نزل فاعتنقه، ثم دخل عليه بيته فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله، فقال له عمر: ألا اتخذت ما اتخذ صاحبك? فقال: يا أمير المؤمنين هذا يبلغني المقيل. أخرجه في الصفوة والفضائلي وزاد بعد قوله "يأتيك الآن": "فجاء على ناقة مخطومة بحبل".
وفي رواية: أن عمر قال له: اذهب بنا إلى منزلك، قال: وما(4/352)
تصنع? ما تريد إلا أن تعصر عينيك علي? قال: فدخل منزله فلم ير شيئًا، قال: أين متاعك? ما أرى إلا لبدًا وصحفة وشنا، وأنت أمير عندك طعام، فقام أبو عبيدة إلى جونة فأخذ منها كسيرات، فبكى عمر، فقال أبو عبيدة: قد قلت لك: ستعصر عينيك علي يا أمير المؤمنين، يكفيك ما يبلغك المقيل، فقال عمر: غرتنا الدنيا، كلنا غيرك يا أبا عبيدة. وأخرج جميع ذلك بتغيير بعض ألفاظه صاحب "فتوح الشام" وأخرج أيضًا أبو حذيفة في فتوح الشام أن أبا بكر لما توفي وخالد على الشام واليًا واستخلف عمر, كتب إلى أبي عبيدة بالولاية على الجماعة وعزل خالدًا، فكتم أبو عبيدة الكتاب من خالد وغيره حتى انقضت الحرب وكتب خالد الأمان لأهل دمشق وأبو عبيدة الأمير وهم لا يدرون, ثم لما علم خالد بذلك بعدما مضى نحو من عشرين ليلة دخل على أبي عبيدة فقال: يغفر الله لك، جاءك كتاب أمير المؤمنين بالولاية فلم تعلمني وأنت تصلي خلفي والسلطان سلطانك? فقال له أبو عبيدة: ويغفر الله لك، ما كنت لأعلمك حتى تعلمه من غيري, وما كنت لأكسر عليك حربك حتى ينقضي ذلك كله وقد كنت أعلمك إن شاء الله تعالى، وما سلطان الدنيا أريد، وما للدنيا أعمل، وإن ما نرى سيصير إلى زوال وانقطاع، وإنما نحن إخوان وقوام بأمر الله -عز وجل- وما يضر الرجل أن يلي عليه أخوه في دينه ولا دنياه بل يعلم الوالي أنه يكاد أن يكون أدناهما إلى الفتنة وأوقعهما في الخطيئة لما يعرض من الهلكة إلا من عصم الله -عز وجل- وقليل ما هم, فدفع أبو عبيدة عند ذلك الكتاب إلى خالد.
ذكر خوفه من الله -عز وجل:
روى أحمد في مسنده أن أبا عبيدة دخل عليه إنسان وهو يبكي فقال: ما يبكيك يا أبا عبيدة? فقال: يبكيني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر يومًا ما يفتح الله على المسلمين، حتى ذكر الشام فقال: "إن ينسأ من أجلك يا أبا عبيدة فحسبك من الخدم ثلاثة: خادم يخدمك، وخادم يسافر معك، وخادم(4/353)
يخدم أهلك ويرد عليهم، وحسبك من الدواب ثلاث: دابة لرحلك، ودابة لثقلك، ودابة لغلامك" ثم أنا أنظر إلى بيتي قد امتلأ رقيقا، وأنظر إلى مربطي قد امتلأ خيلا ودواب؛ وكيف ألقى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد هذا, وقد أوصانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن أحبكم إلي وأقربكم مني من لقيني على الحال التي فارقني عليها"؟
ذكر تواضعه, وإنصافه لرعيته, ومساواته لهم:
روى أبو حذيفة في "فتوح الشام" أن أبا بكر قد بعث عمرو بن العاص في نفر وقال له: يا عمرو؛ هؤلاء أشراف قومك يخرجون مجاهدين في سبيل الله، بائعين أنفسهم لله، فاخرج فعسكر حتى أندب الناس معك، فقال عمرو: يا خليفة رسول الله, ألست أنا الوالي على الناس? قال: بلى أنت الوالي على من أبعثه معك من ههنا؛ فقال: بل على من أقدم عليه من المسلمين؛ قال: فقال: لا، ولكن أحد الأمراء فإن جمعتكم حرب فأبو عبيدة أميركم؛ فسكت عمرو، ثم لما حضر شخوصه جاء إلى عمر فقال: يا أبا حفص، قد علمت نصرتي في الحرب ومناقبي في العدو؛ وقد رأيت منزلتي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد أرى أبا بكر ليس يعصيك، فأشر عليه رحمك الله أن يوليني أمر هذه الجنود بالشام، فإني أرجو أن يفتح الله على يدي البلاد، وأن يريكم الله والمسلمون ما تسرون به؛ فقال عمر: ما كنت لأكذبك، ما كنت لأكلمك في ذلك, وما يوافقني أن يبعثك على أبي عبيدة وأبو عبيدة أفضل عندنا منزلة منك، قال: فإنه لا ينقص أبا عبيدة شيئًا من فضله إن ولاني عليه؛ قال: فلما قدم عمرو على أبي عبيدة قال له أبو عبيدة: مرحبًا بك يا أبا عبد الله, رب يوم قد شهدته مبارك للمسلمين فيه برأيك ومحضرك، وإنما أنا رجل منكم، لست -وإن كنت الوالي عليكم- بقاطع أمرًا دونكم فاحضرني برأيك في كل يوم بما ترى، فإنه ليس لي عنك غنى، قال: فقال عمرو: أفعل، وفقك الله لما يصلح للمسلمين ونكبت به العدو.(4/354)
وروى أيضًا أبو حذيفة في "فتوح الشام" أن الروم بعثوا إلى أبي عبيدة: إنا نريد أن نبعث إليك رجلا منا يعرض عليك الصلح ويدعوك إلى النصف، فإن قبلت منه فلعل ذلك أن يكون خيرًا لك لنا, وإن أبيت فما نراه إلا شرا لك, فقال لهم: ابعثوا من شئتم. فبعثوا رجلا طويلا أحمر أزرق، فجاء، فلما دنا من المسلمين لم يعرف أبا عبيدة من القوم، ولم يدر أهو فيهم أم لا, ولم يرهبه مكان أمير من الأمراء. فقال: يا معشر العرب، أين أميركم? فقالوا له: ها هو ذا، فنظر فإذا هو بأبي عبيدة جالسًا عليه الدرع، وهو ممسك الفرس، وبيده أسهم يقلبها وهو جالس على أرض، فقال له: أنت أمير هؤلاء? قال: نعم، قال: ما يجلسك على الأرض? أرأيت إن كنت جالسًا على وسادة أو كان تحتك بساط أكان ذلك واضعك عند الله، أو هل يبعدك من الإحسان? قال له أبو عبيدة: إن الله لا يستحي من الحق، لأصدقنك: ما أصبحت أملك إلا سيفي وفرسي وسلاحي، ولقد احتجت أمس إلى نفقة فاقترضت من أخي هذا شيئًا -يعني معاذ بن جبل- وكان عنده شيء فاقترضت، ولو كان عندي بساط أو وسادة ما كنت لأجلس عليه وأجلس أخي المسلم -الذي لا أدري لعله خير مني منزلة عند الله عز وجل- على الأرض، ونحن عباد الله، نمشي على الأرض ونجلس عليها ونأكل عليها ونضطجع عليها، وليس ذلك بناقصنا عند الله شيئًا، بل تعظم به أجورنا وترفع درجاتنا، فهلم حاجتك التي جئت لها.
وأخرج أيضًا أبو حذيفة أن أبا عبيدة لما وجهه عمر إلى الشام تلقاه في جنوده وهو على قلوص مكتنفها بعباءة خطامها من شعر، لابس سلاحه, متنكب قوسه.
وعن أبي موسى -رضي الله عنه- أن عمر كتب إلى أبي عبيدة في الطاعون الذي وقع بالشام أنه: قد عرضت حاجة عندنا ولا غنى فيها عنك، فإذا أتاك كتابي هذا فإني أعزم عليك إن أتاك كتابي ليلا أن لا(4/355)
تصبح حتى تركب، وإن أتاك نهارا أن لا تمسي حتى تركب إليَّ. فلما قرأ الكتاب قال: قد عرفت حاجة أمير المؤمنين، إنه يريد أن يستبقي من ليس بباق، ثم كتب: إني قد عرفت حاجتك التي لك، فخلني من عزمتك يا أمير المؤمنين، فإني في جند من أجناد المسلمين لا أرغب بنفسي عنهم. فلما قرأ عمر الكتاب بكى، فقيل له: مات أبو عبيدة? قال: لا. وكان قد كتب إليه عمر أن الأردن أرض غمقة، وأن الجابية أرض نزهة، فاظهر بالمسلمين إلى الجابية. فلما قرأ أبو عبيدة الكتاب قال: هذا نسمع فيه أمير المؤمنين ونطيعه. أخرجه أبو حذيفة والفضائلي.
"شرح" الطاعون: الموت من الوباء وهو المرض العام لفساد الهواء, فتفسد لذلك الأمزجة والأبدان، يقال: طعن الرجل فهو مطعون وطعين. والأردن بضم الهمزة وتشديد النون: نهر وكورة بأعلى الشام والجابية: قرية بدمشق، وغمقة -بالغين المعجمة- أي: قريبة من الماء والنزور والحضر، والغمق: فساد الريح "وغموقها من كثرة الأنداء" فيحصل منها الوباء، والغمق أيضًا: ركوب الندى الأرض, وأرض غمقة: ذات ندى, وقال الأصمعي: الغمق: الندى. نزهة أي: بعيدة من الماء فهي أقل وباء، قال ابن السكيت: ومما يضعه الناس في غير موضعه قولهم: خرجنا نتنزه إذا خرجوا إلى البساتين، قال: وأما التنزه التباعد عن المياه والأرياف، ومنه قولهم: فلان يتنزه عن الأقذار أي: يتباعد عنها.
وعن عروة بن الزبير أن طاعون عمواس كان معافى منه أبو عبيدة بن الجراح وأهله، فقال: اللهم نصيبه في آل أبي عبيدة، فخرجت بثرة في خنصر أبي عبيدة، فجعل ينظر إليها، فقيل له: إنها ليست بشيء، فقال: إني أرجو أن يبارك الله فيها, إنه إذا بارك في القليل كان كثيرًا. أخرجه الفضائلي وأبو حذيفة.(4/356)
"شرح" طاعون عمواس: قال الجوهري: هو أول طاعون كان في الإسلام بالشام، والبثرة: خراج صغير، وجمعها بثور، وفي هذا إشعار بأن الطاعون مفسر بغير ما فسر به آنفًا، وأن أوله خراج في البدن, ولا يبعد أن يقال: كل مرض عام من خراج أو غيره يسمى طاعونًا، وكان ذلك الطاعون على ذلك النحو، والله أعلم.
ذكر اهتمامه حين استنهضه عمر عام القحط:
روي أن الناس قحطوا في خلافة عمر، فكتب إلى أبي عبيدة بن الجراح وهو يومئذ بالشام: الغوث الغوث، أدرك المسلمين. فكتب إليه أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين، كتبت إلي: "الغوث الغوث" وقد أتتك العير, أولها عندك وآخرها بالشام.(4/357)
الفصل التاسع: في ذكر وفاته, وما يتعلق بها
مات رضي الله عنه في طاعون عمواس بالأردن من الشام -وفيها قبره- سنة ثماني عشرة، في خلافة عمر، وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وصلى عليه معاذ بن جبل، ونزل في قبره معاذ وعمرو بن العاص والضحاك بن قيس. ذكره أبو عمر وصاحب الصفوة.
وذكر المدائني عن العجلاني عن سعيد بن عبد الرحمن بن حسان قال: مات في طاعون عمواس خمسة وعشرون ألفًا، وقيل: لما وقع الطاعون قال عمرو بن العاص: إنه رجز فتفرقوا عنه، فبلغ شرحبيل بن حسنة فقال: صحبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعمرو أضل من بعير أهله، إنه دعوة نبيكم ورحمة من ربكم وموت الصالحين قبلكم، فاجتمعوا له ولا تتفرقوا عنه, فبلغ ذلك عمرو، فقال: صدق. وروي أن عمرو بن العاص قال: تفرقوا عن هذا الرجز في الشعاب(4/357)
والأودية ورءوس الجبال، قال معاذ بن جبل: بل هو شهادة ورحمة ودعوة نبيكم, اللهم أعط معاذا وأهله نصيبه من رحمتك, فطعن فمات.
وقال أبو قلابة: قد عرفت الشهادة والرحمة، وبها عرفت ما دعوة نبيكم، فسألت عنها فقيل: دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يجعل فناء أمته بالطعن والطاعون حين دعا أن لا يجعل بأسهم بينهم، فمنعها فدعا بهذا. قال أهل العلم: إنما يكون شهادة لمن صبر عليه محتسبًا عالمًا بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه, وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فأما من فر منه فأصابه فليس بشهيد. أخرج من قول المدائني إلى هنا القلعي.
ذكر وصيته -رضي الله عنه:
عن سعيد بن المسيب قال: لما طعن أبو عبيدة بالأردن دعا من حضره من المسلمين وقال: إني موصيكم بوصية إن قبلتموها لن تزالوا بخير: أقيموا الصلاة، وصوموا شهر رمضان، وتصدقوا, وحجوا واعتمروا, وتواصوا، وأنصحوا لأمرائكم ولا تغشوهم، ولا تلهكم الدنيا فإن امرأ لو عمر ألف حول ما كان له بد من أن يصير إلى مصرعي هذا الذي ترون. إن الله تعالى كتب الموت على بني آدم فهم ميتون، فأكيسهم أطوعهم لربه وأعملهم ليوم معاده، والسلام عليكم ورحمة الله، يا معاذ بن جبل صل بالناس.
ومات رحمه الله فقام معاذ في الناس، فقال: يا أيها الناس, توبوا إلى الله من ذنوبكم، فأيما عبد يلقى الله تعالى تائبًا من ذنبه إلا كان على الله حقا أن يغفر له، من كان عليه دين فليقضه، فإن العبد مرتهن بدينه، ومن أصبح منكم مهاجرًا أخاه فليلقه فليصالحه، ولا ينبغي لمسلم أن يهجر أخاه أكثر من ثلاثة أيام، أيها المسلمون قد فجعتم برجل ما أزعم أني رأيت عبدًا أبر صدرًا ولا أبعد من الغائلة ولا أشد حبا للعامة ولا أنصح منه، فترحموا عليه واحضروا الصلاة عليه.(4/358)
الفصل العاشر: في ذكر ولده
وكان له من الولد "يزيد" و"عمير" أمهما هند بنت جابر, ودرجا ولم يبق له عقب، والله أعلم.(4/359)
الفهارس
فهرس الجزء الثالث من الكتاب
...
فهرس الجزء الثالث من الكتاب:
5 الباب الثالث من كتاب الرياض النضرة في مناقب أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه-
5 الفصل الأول: في نسبة
5 الفصل الثاني: في اسمه وكنيته
6 الفصل الثالث: في صفته
7 الفصل الرابع: في إسلامه
9 الفصل الخامس: في هجرته
10 الفصل السادس: في خصائه
10 ذكر اختصاصه ... بعظيم الشرف. وشرف المنقبة بتزوج ابنتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم
12 ذكر اختصاص. بأنه من أشبه اصحابه خلقًا بالنبي -صلى الله عليه وسلم
12 ذكر اختاصه ... بكثيرة الحياء، وبأنه أصدق لأمة حياة
13 ذكر اختصاصه.. باستحياء الملائكة منه
14 ذكر اختصاصه بالتوصية إليه ألا يخلع قميصًا ألبسه الله أياه
15 ذكر اختصاصه: بتمنيه -صلى الله عليه وسلم- محادثته رضي الله عنه في بعض الأحوال
15 ذكر اختصاصه بقوله -صلى الله عليه وسلم- ادعوا إلى أخي
15 ذكر اختصاصه بمساررة النبي -صلى الله عليه وسلم- له في مرضه، والعهد إليه في أمر بينه وبينه
16 ذكر اختصاصه بتجهيز جيش العشرة(4/361)
18 ذكر اختصاصه بتسبيل بئر رومة
19 ذكر اختصاصه بإجابة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى توسيع مسجده -صلى الله عليه وسلم
21 ذكر اختصاصه بتشييد مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقصيصه
21 ذكر اختصاصه بإجابة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى توسيع مسجد الكعبة
23 ذكر اختصاصه بإقامة يد النبي -صلى الله عليه وسلم- الكريمة -مقام يد عثمان: لما بايع الصحابة عثمان- غائب
23 ذكر اختصاصه بتبليغ رسالة رسول الله -صلى الله عليه وسلم إلى من بمكة: أسيرًا من المسلمين
24 ذكر شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- لعثمان بموافقته: في ترك الطواف لما أرسله في تلك الرسالة
24 ذكر اختصاصه بسهم رجل ممن شهد بدرًا، وأجره -ولم يحضره
25 ذكر اختصاصه بكتابه الوحي حال الوحي 25
26 ذكر اختصاصه بكتابة سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم
26 ذكر اختصاصه بمرافقة رسول الله في الجنة
27 ذكر اختصاصه: بكونه أوصل الصحابة للرحم
27 ذكر اختصاصه بدعاء من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يدع به لأحد قبله ولا بعده
28 ذكر اختصاصه بترك الصلاة على مبغضه 30
30 ذكر اختصاصه بصلاة الملائكة عليه يوم يموت
31 ذكر اختصاصه باعتناق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض الأحوال، وقوله له: أنت وليي: في الدنيا والآخرة
31 ذكر اختصاصه بأنه لا يحاسب أو يحاسب سرا
32 ذكر اختصاصه بصبره نفسه على القتل وجمعه القرآن(4/362)
33 ذكر اختصاصه بخلال عشر اختبارها عند الله عز وجل
33 ذكر اختصاصه بآي من القر آن نزلت فيه
34 الفصل السابع: في افضليته بعد عمر -رضي الله عنما-
35 الفصل الثامن في شهادة النبي: بالجنة
36 ذكر وصف حورية عثمان في الجنة
36 ذكر فعله أشياء موجبة لجنة طمعًا فيها
36 الفصل التاسع: ذكر نبذ من فضائله
37 ذكر شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه على الحق
37 ذكر أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- باتباعه عند ثوران الفتنة
37 ذكر وصفه بالأمين والحث على الكون معه
38 ذكر أنه له شأنا في أهل السماء
38 ذكر استجابته لله ولرسوله في فضائل أخر
39 ذكر تبشيره -صلى الله عليه وسلم- عثمان بثبوت الإيمان
40 ذكر إشادته -صلى الله عليه وسلم- الشفاعة يوم القيامة
40 ذكر تشبيهه -صلى الله عليه وسلم- عثمان بإبراهيم عليه السلام
40 ذكر فراسته -رضي الله عنه
41 ذكر كراماته -رضي الله عنه
41 ذكر متابعته للسنة
42 ذكر تعبده
43 ذكر كثرة إعتاقه
43 ذكر صدقاته
44 ذكر زهده
45 ذكر خوفه
46 ذكر تواضعه(4/363)
46 ذكر شفقته على رعيته
46 ذكر حسن صبته لأهله وخدمه
47 ذكر كثرة الخير فلي زمن ولايته
47 ذكر ما جاء في الحث على حبه والتحذير من بغضه
48 ذكر ثناء علي -رضي الله عنه- على عثمان: رضي الله عنه
50 ذكر رؤية الحسن حق عثمان
50 ذكر ما كان بين أولاد علي وعثمان من الصلة بالمصاهرة كما كان بينه وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم
50 ذكر ثناء ابن عمر على عثمان
51 ذكر ثناء البراء على عثمان
51 ذكر ثناء خارجة بن زيد عليه بعد موته
51 الفصل العاشر في خلافته وما يتعلق بها ذكر ما تضمن الدلالة على خلافته بعد عمر
52 ذكر بيعته
53 ذكر حديث الشورى
56 ذكر اختيار كل واحد من أهل الشورى عثمان -رضي الله عنهم
الفصل الحادي عشر في مقتله وما يتعلق به:
57 ذكر شهادة النبي له -صلى الله عليه وسلم- بأنه يقتل مظلومًا
57 ذكر ما رويى عن الصحابة أنه مظلوما
ذكر ما روي عن الصحابة أنه مظلوم
58 عثمان وأخباره بما ترتب على ذلك
58 ذكر استشعار ابن عمر منهم قتل عثمان
58 ذكر دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالصبر وصبره على عهده -صلى الله عليه وسلم
59 ذكر إخباره -صلى الله عليه وسلم أنه يرد على الحوض وأوداجه تشخب دما(4/364)
59 ذكر قدوم أهل مصر وغيرهم ممن تمالأ على قتله
63 طيرف آخر في مقتله، وفيه بيان الأسباب التي نقمت عليه على سبيل الإجمال
66 ذكرنا ما قال لهم حينبلغه تتعدهم له بالقتل
67 ذكر طلبنهم منه أن يخلع نفسه فأبى
67 ذكر رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- وسقيه إياه بالماء، وتخييره إياه بين النصر والفطر عنده، فاختار الفطر عنده، واستعد لذلك بالصوم وبالعتق وغير ذلك
68 ذكر عرض على -رضي الله عنه، وغيره- على عثمان قتال من قصده ودفعهم عنه
70 ذكر خير عن علي -رضي الله عنه يوهم ظاهره- أنه مضاد لم تقدم عنه
71 ذكر من كان معه في الدار ومن دفع عنه
71 ذكر زجر عبد الله بن سلام عن قتله، وإخبارهم بما يترتب علي ذلك
72 ذكر من قتله
72 ذكر ما روى عنه من القول حين ضرب
73 ذكر تاريخ مقتله
73 ذكر دفنه واين دفن
74 ذكر شهود الملائكة عثمان
75 ذكر وصيته
75 ذكر مدة ولايته وقدر سنه
76 ذكر بكاء الجن عليه
76 ذكر محور ابن الزبير نفسه في الديوان لموت عثمان
76 ذكر رؤيا ابن عباس النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد قتل عثمان مخبرًا له بحاله
77 ذكر رؤيا الحسن بن علي حال عثمان بعد قتله، وأن الله يطلب بدمه
77 ذكر ما قال علي لما بلغه قتل عثمان(4/365)
78 ذكر تبري علي من دم عثمان وشهادته له بالإيمان
78 ذكر أولوية علي بعثمان
79 ذكر لعن قتله عثمان، دعائه عليهم
80 ذكر لعن الحسن بن علي، وغيره من الصحابة -قتلة عثمان
80 ذكر بكاء بعض أهل البيت عل عثمان
80 ذكر تبري حذيفة من عثمان
80 ذكر شهادته بأن قتلة عثمان في النار
80 ذكر أن أول الفتن قتل عثمان وأن من كان في قلبه حبة من حب قتل عثمان -تبع الدجال
81 ذكر عدهم النجاة من قتل عثمان عافية
81 ذكر استعظامهم قتله
81 ذكر استعظامهم جرأة قاتله
81 ذكر اقتتال قتلة عثمان
82 ذكر ما نقم على عثمان مفصلًا والاعتذار عنه بحسب الإمكان، وهذا الباب تهم مراجعته: لكثرة فوائده
103 الفصل الثاني عشر في ذكر ولده
103 ذكر الذكور من ولده
103 ذكر الإناث
103 الباب الرابع في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفيه اثنا عشر فصلا
104 الفصل الأول: في ذكر نسبه
107 الفصل الثاني: في اسمه وكنيته
109 الفصل الثالث في صفته
الفصل الرابع: في إسلامه، -ذكر سنه يوم أسلم-(4/366)
109 ذكر أنه أول من أسلم
111 ذكر أنه أول من صلى
113 الفصل الخامس في هجرته
113 الفصل السادس في خصائصه
114 ذكر أنه أول من يجشو للخصوبة يوم القيامة
114 ذكر أنه أول من يقرع باب الجنة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم
114 ذكر اختصاصه بأحبية الله تعالى له
115 ذكر اخصاصه بأحبيه النبي -صلى الله عليه وسلم
117 ذكر اختصاصه بأنه من النبي -صلى الله عليه وسلم- بمنزلة الرأس من الجسد
117 ذكر اختصاصه بأنه من النبي -صلى الله عليه وسلم- بمنزلة هارون من موسى
118 ذكر اختصاصه بأنه من النبي -صلى الله عليه وسلم- كمنزلة النبي -صلى الله عليه وسلم- من الله عز وجل
119 ذكر اختصاصه بأنه أقرب الناس في قرابة من النبي -صلى الله عليه وسلم
119 ذكر إخبار جبريل عن الله بأن عليا من النبي -صلى الله عليه وسلم- بمنزلة هارون من موسى
119 ذكر اختصاصه بأن له من الأجر ومن المغنم مثل ما للنبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، ولم يحضرها
119 ذكر اختصاصه باعتبار النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه مثل نفسه
120 ذكر اختصاصه علي بأنه قسيم النبي -صلى الله عليه وسلم- في نور كان عليه قبل خلق الخلق
120 ذكر اختصاصه بصلاة الملائكة على النبي -صلى الله عليه وسلم وعليه لكونهما كان يصليان قبل اناس
121 ذكر اختصاصه بأنه والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقبض أرواحهما بمشيئة الله دون ملك الموت
121 ذكر اختصاصه بأن من آذاه -فقد آذى النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن أبغضه فقد ابعضه -صلى الله عليه وسلم(4/367)
124 ذكر اختصاصه بإخاء النبي -صلى الله عليه وسلم
126 ذكر اختصاصه بأن الله جعل ذرية نبيه في صلبه
130 ذكر حق علي على المسلمين
131 ذكر اختصاصه بأن جبريل منه
131 ذكر اختصاصه بتأييد الله نبيه -صلى الله عليه وسلم
131 ذكر اختصاصه بالتبليغ عن النبي -صلى الله عليه وسلم
136 ذكر اختصاصه بإقامة النبي -صلى الله عليه وسلم إياه مقامه في تحريقية بدنه، وإشراكطه إياه في هديه -صلى الله عليه وسلم
136 ذكر اختصاصه بأنه لا يجوز أحد الصراط إلا ن كتب له على الجواز
137 ذكر اختصاصه بمغفرة الله يوم عرفة
137 ذكر اختصاصه بسيادة العرب وحث الأنصار على حبه
137 ذكر اختصاصه بسيادة العرب وحث الأنصار على حبه
137 ذكر اختاصه بسيادة المسلمين وولاية المتقين، وقيادة الغر المحجلين
138 ذكر سيادته في الدنيا والآخرة
138 ذكر اختصاصه بالولاية والإرث
140 ذكر اختصاصه بغسل النبي -صلى الله عليه وسلم- لما توفي
140 ذكر اختصاصه بالرخصة في تسمية ولده باسم النبي -صلى الله عليه وسلم- وتكنيته بكنيته
140 ذكر اختصاصه برد الشمس عليه
141 ذكر اختصاصه بإدخال النبي -صلى الله عليه وسلم- إياه معه في ثوبه يوم توفي، واحتضاه إياه إلى أن قبض
141 ذكر اختصاصه بأقربية العهد به يوم مات
142 ذكر اختصاصه بتزويج فاطمة عليهما السلام
146 ذكر أن الله زوج فاطمة عليا بمشهد من الملائكة(4/368)
147 ذكر اختصاصه بإعطائه الراية يوم خيبر وبفتحها
152 ذكر اختصاصه بأنه وزوجته وابنيه أهل البيت
153 ذكر أن بيوته -أوسط بيوت رسول الله -صلى الله عليه وسلم
154 ذكر اختصاصه وزوجه وبنيه بأنه -صلى الله عليه وسلم- حرب لمن حاربهم سلم لمن سالمهم
154 ذكر اختصاصه بانتفاء الرم عن عينه أبدا بسبب تفل ز -صلى الله عليه وسلم- فيهما
154 ذكر اختصاصه بلبس لباس الشتاء في الصيف، ولبس لباس الصيف في الشتاء: لعدم وجدان الحر والبرد
155ذكر اختصاصه بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعطيه الراية، فلا ينصرف حتى يفتح عليه
155 ذكر اختصاصه بتنويه الملك باسمه يوم بدر
156 ذكر اختصاصه بحملة راية النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر، وفي المشاهد كلها
156 ذكر اختصاصه بكتابة كتاب الصلح يوم الحديبية
156 ذكر اختصاصه يوم الحديبية بتهديد قريش بعثه عليهم
157 ذكر اختصاصه بالقتال على تأويل القرآن كما قالت النبي -صلى الله عليه وسلم- على تنزيه
158 ذكر اختصاصه بسد الأبواب الشارعة في المسجد إلا بابه
159 ذكر اختصاصه بالمرور في المسجد جنبا
159 ذكر اختصاصه بأنه حجة النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته
159 ذكر اختصاصه بأنه دار الحكمة
159 ذكر اختصاصه بأنه دار العلم وباب مدينة العلم
159 ذكر اختصاصه بأنه أعلم الناس بالسنة
160 ذكر اختصاصه بأنه أكثر الأمةى علمًا، وأعظمهم حلمًا
162 ذكر اختصاصه بإحالة جمع من الصحابة: عند سؤاله عليه
166 ذكر اختصاه بأنه لم يكن أحد أصحاب - النبي صلى الله عليه وسلم- يقول سلوني غيره
167 ذكر اختصاصه بأنه أقضى الأمة(4/369)
168 ذكر بعض أقضيته
170 ذكر اختصاصه بالعمل بآية في كتاب الله عز وجل
170 ذكر اختصاصه بنجوى النبي -صلى الله عليه وسلم- الطائف
170 ذكر اختصاصه بالرقى على منكى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض الأحوال
171 ذكر اختصاصه بحمل لواء الحمد يوم القيامة، والوقوف في ظل العرش بين إبراهيم والنبي -صلى الله عليه وسلم وأنه يكسى إذا كسى النبي -صلى الله عليه وسلم
172 ذكر اختصاصه بثلاث بسبب النبي -صلى الله عليه وسلم، ولم يؤت النبي -صلى الله عليه وسلم- مثلهن
173 ذكر اختصاصه بأربعة ليت لأحد غيره
173 ذكر اختصاصه بخمس أعطيها النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه: كانت أحب إليه من الدنيا وما فيها
174 ذكر اختصاصه بعشر
176 ذكر قصة لبس على ثوب النبي -صلى الله عليه وسلم- ونومه ومكانة على ما ذكره ابن عباس.. الخ
178 ذكر اختصاصة بما نزل فيه من الآي
180 الفصل السابع في أفضليته
182 الفصل الثامن في شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالجنة
183 ذكر ماله في الجنة
185 ذكر أنه يزوج بأهل الجنة
185 ذكر قصره وقبته في الجنة
186 ذكر ناقته يوم القيامة
186 الفصل التاسع في ذكر نبذ من فضائله
188 ذكر محبة الله عز وجل له(4/370)
189 ذكر فضائل منزلته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
189 ذكر أنه ما اكتسب مثل فضله
189 ذكر الحث على محبته والرحز عن بغضه
192 ذكر شفقته -صلى الله عليه وسلم- عليا ليلًا: يأمره بصلاة الليل
193 ذكر كسوة النبي -صلى الله عليه وسلم- عليا ثوب حرير
194 ذكر تعميمه إياه -صلى الله عليه وسلم- بيده
194 ذكر الزجر عن الغلو فيه
194 ذكر إحراق علي قومًا اتخذوه إلها دون الله عز وجل
195 ذكر شبهه بخمسة من الأنبياء عليهم السلام: في مناقب لهم
196 ذكر رؤيته جبريل عند النبي -صلى الله عليه وسلم، وكلام جبريل لهما عليهما السلام
196 ذكر أن النظر إليه عبادة
198 ذكر اشتياق أهل السماء والأنبياء الذين في السماء إليه
198 ذكر انه من خير البشر
198 ذكر مباهاة الله عز وجل به حملة العرش
196 ذكر إخبار المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بأنه مغفور له
199 ذكر علمه وفقهه
201 ذكر كراماته
202 ذكر اتباعه للسنة
203 ذكر تفاؤل النبي -صلى الله عليه وسلم- بكلمة سمعها من علي وتيمن بها، وعمل عيها
204 ذكر شجاعته
205 ذكر شتدته في دين الله عز وجل
206 ذكر رسوخ قدمه في الإيمان
206 ذكر تعبده(4/371)
207 ذكر أذكاره. وأدعيته
207 ذكر صدقته
209 ذكر فكه رهان ميت بتحمل دين عنه
210 ذكر أنه كان من أكرم الناس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم
210 ذكر زهده
217 ذكر تواضعه
218 ذكر حيائه من النبي -صلى الله عليه وسلم
218 ذكر غيرته على النبي -صلى الله عليه وسلم
219 ذكر خوفه من الله عز وجل
219 ذكر ورعه
221 ذكر عدله في رعيته
222 ذكر تفقده أحوالهم
223 ذكر إسلام همدان على يديه
223 ذكر إثبات أفضليته بقتل الخوارج
228 الفصل العاشر في خلاقته: ذكر ما جاء في صحة خلافته والتنبيه عليها
229 ذكر بيعته ومن تخلف عنها
231 ذكر حاجبه ونقش خاتمه
231 ذكر ابتداء شخوصه من المدينة وأنه لم يقم فيما قام فيه إلا محتسبا لله تعالى
232 ذكر ما رواه أبو بكر في فضل علي وروي عنه
232 ذكر ما وراه عمر في علي، وروى عنه مختصرًا
الفصل الحادي عشر: في مقتله وما يتعلق به:
233 ذكر إخباره عن نفسه أنه يقتل
234 ذكر رؤياه في نومه ليلة قتله(4/372)
237 ذكر تاريخ مقتله
237 ذكر ما ظهر من الآية في بيت المقدس لموت علي
237 ذكر وصف قاتله بأشقى الآخري
238 ذكر وصيته
239 ذكر سنه يوم مات ومدة خلافته
239 الفصل الثاني عشر في ذكر ولده(4/373)
فهرس الجزء الرابع من الكتاب:
245 الباب الخامس في مناقب أبي محمد طلحة بن عبد الله رضي الله عنه وارضاه
245 الفصل الأول: في ذكر نسبه
245 الفصل الثاني: في اسمه وكنيه
249 الفص الثالث: في صفة طلحة
250 الفصل الرابع في إسلامه
251 الفصل الخامس في ذكر هجرته
251 الفصل السادس في خصائصه
252 ذكر اختصاصه برفع النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد حتى استوى قائمًا
252 ذكر اختصاصه بحمل النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم احد والقتال دون
252 ذكر اختاصه بيوم أحد
ذكر اختصاصه بمسح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جسده
254 بيده الكريم يوم أحد فقام صحيحًا
254 ذكر اختصاصه بالمبادرة إلى تسوية رحل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين دعا إلى ذلك
255 الفصل السابع في شهادة النبي -صلى الله له بالجنة
255 الفصل الثامن في ذكر نبذ من فضائله
256 ذكر إثبات سهمه من غنيمة بدر وأجره ولم يحضر
258 ذكر شهادته -صلى الله عليه وسلم- بالمفغرة له وإثبات اسمه في ديون المقربين(4/375)
258 ذكر أنه في حفظ الله عز وجل وفي نظره
259 ذكر أنه سلف النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة
259 ذكر أنه حواري النبي -صلى الله عليه وسلم
260 ذكر إثبات الرجاء بأنه ممن قال الله تعالى فيهم: {ونزعنا ما في صدورهم من غل}
261 ذكر جوده وسماحة نفسه وكثرة عطائة وصلة رحمه
263 ذكر أنه كان من خطباء الصحابة
263 ذكر ثناء ابن العباس عليه وعلى الزبير
264 الفصل التاسع في مقتله وما يتعلق بذلك
266 ذكر تاريخ مقتل طلحة
266 ذكر سنه يوم قتل
267 الفصل العاشر في ذكره ولده
الفصل العاشر في ذكر
و271 الباب السادس: ف ي مناقب الزبير بن العوام
271 الفصل الأول في نسبه
272 الفصل الثاني في اسمه
272 الفصل الثالث في صفته
272 الفصل الرابع في إسلامه وسنه يوم أسلم
273 الفصل الخامس في هجته
274 الفصل السادس في خصائصه
275 ذكر اختصاصه بأنه حواري النبي -صلى الله عليه وسلم
ذكر اختصاصه بنزول الملائكة يوم بدر
276 عليها عمائم على لون الزبير
276 ذكر اختصاصه بالقتال بعنزة رسول الله -صلى الله عليه وسلم(4/376)
277 ذكر اختصاصه بجمع النبي -صلى الله عليه وسلم- له أبويه يفيده بهما يوم الأحزاب
278 ذكر اختصاصه بالقتال مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن اثنتي عشرة سنة
278 ذكر اختصاصه بمرافقة النبي -صلى الله عليه وسلم-إلى وفد الجن
279 ذكر اختصاصه بكسوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طريق الهجرة
279 ذكر اختصاصه بنزول القرآن بسببه
280 الفصل السابع في شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له الجنة
280 الفصل الثامن في ذكر نبذ من فضائله
281 ذكر شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالشهادة
282 ذكر شهادة عمر -رضي الله عنه- أنه ركن من أركان الإم
282 ذكر شهادة عثمان بأنه خيرهم، وأحبهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
283 ذكر ما جاء عن سعد بن مالك وسعيد بن المسيب في الحث على محبته والزجر عن بغضه
283 ذكر إبلائه يوم اليرموك
283 ذكر أنه من الذين استجابوا لله والرسول
284 ذكر ما كان في جسده: من الجراح
284 ذكر ذبه عن وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو نائم وما ترتب على ذلك
284 ذكر قوله: صلى الله عليه وسلم- لابن الزبير: يا ابن أخي
285 ذكر ورعه
285 ذكر صلته وصدقته
286 ذكر أنه كان من أكرم الناس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم
286 ذكر سماحته في بيعه
286 ذكر إثبات رخصة عامة المسلمين بسببه
287 ذكر من أوصى إلى الزبير من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم
287 الفصل التاسع في مقتله وما يتعلق به(4/377)
289 ذكر تاريخ مقتله وسنه يوم قتل
289 ذكر ما قاله علي عليه السلام لقاتل الزبير
289 ذكر وصية الزبير لولده عبد الله يوم الجمل
291 الفصل العاشر في ذكر ولده
294 ذكر مقتله
294 الباب السابع في مناقب أبي محمد بن عبد الرحمن بن عوف
301 الفصل الأول في نسبه
301 الفصل الثاني في اسمه
302 الفصل الثالث في صفته
302 الفصل الرابع في إسلامه
303 الفصل الخامس في هجرته
303 الفصل السادس في خصائصه
303 ذكر اختصاصه بصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- خلفه في بعض الأحوال
304 ذكر اختصاصه بالأمانة على نساء النبي -صلى الله عليه وسلم
304 ذكر إثبات أمانته في السماء والأرض
304 ذكر اختصاصه بأنه وكيل الله في الأرض
304 ذكر اختصاصه وعثمان بآي نزلت فيهما
305 الفصل السابع في شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة
305 ذكر تسليم الله عز وجل عليه وتبشيره بالجنة
305 الفصل الثامن في ذكر نبذ من فضائله
306 ذكر دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- له
307 ذكر ثقة النبي -صلى الله عليه وسلم- بإيمانه
307 ذكر أنه ولي النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة
307 ذكر أنه ممن سبقت له السعادة وهو في بطن أمه(4/378)
307 ذكر إ ثبات الشهادة له
308 ذكر تزكية عثمان له
308 ذكر علمه
308 ذكر رجوع عمر إلى رأيه
309 ذكر إثبات رخصه للمسلمين بسببه
309 ذكر خوفه من الله عز وجل
309 ذكر توا ضعه
310 ذكر تعففه واستغنائه حتى أغناه الله عز وجل
311 ذكر صلته أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم
311 ذكر صلة رحمه
311 ذكر صدقته وبره أهل المدينة
313 ذكر تبرره بالعتق
313 ذكر أمر جبريل له بإضافة الضيف وإطعام المسكين حتى أراد الخروج عن جميع ماله
313 ذكر ما فضل به عبد الرحمن وغيره من السابقين على غيرهم ممن شاركهم في اعمالهم أو زاد عليهم
314 ذكر شهادة عمر بن الخطاب بصلاحيته للخلافة لولا ضعف فيه
314 الفصل التاسع في ذكر وفاته وما يتعلق بها
315 ذكر ما روي عنه عند الموت
315 ذكر ما خلفه
316 الفصل العاشر في ولده
316 الباب الثامن في ولده
319 الباب الثامن في مناقب سعد بن مالك
319 الفصل الأول في نسبه(4/379)
319 الفصل الثاني في اسمه
320 الفصل الثالث في صفته
320 الرابع في إسلامه
322 الفصل الخامس في هجرته
322 الفصل السادس في خصائصه
322 ذكر اختصاصه بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يستجاب دعاؤه، فكان ذا دعوة مجابة
324 ذكر اختصاصه بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بتسديد السلهم
324 ذكر اختصاصه بجمع النبي -صلى الله عليه وسلم- أبويه له يوم أحد
325 ذكر اختصاصه بموافقته تمنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلًا صالحًا يحرسه عند قدومه للمدينة ووقد أرق ليلة
326 ذكر اختصاصه برؤية جبريل وميكائيل عن يمين النبي -صلى الله عليه وسلم- ويساره يوم احد
326 ذكر اختصاصه بقوله -صلى الله عليه وسلم- هذا خالي، قليرني المرء خاله
326 ذكر اختصاص عمر إياه من بين أهل الشروى بالأمر بالاستعانة إن لم يصبه الأمر
326 ذكر اختصاصه بآيات نزلت فيه
328 الفصل السابع في شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالجنة
329 الفصل الثامن في ذكر نبذ من قضائله
330 ذكر دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالشفاس من مرضه، فشفي
330 ذكر إثبات الشهادة له
330 ذكر أنه ناصر الدين
331 ذكر اتباعه للسنة
331 ذكر شجاعته(4/380)
331 ذكر صبره مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع ضيق العيش
331 ذكر شدته في دين الله
332 ذكر زهده
332 ذكر تواضعه وعدله وشفقته على رعيته وحياته
332 ذكر صدقة
333 ذكر حرصه على البر والصدقة
333 الفصل التاسع في ذكر وفاته وما يتعلق بها
334 الفصل العاشر في ذكر ولده
337 الباب التاسع: في مناقب أبي الأعور: سعيد بن زيد
337 الفصل الأول في نسبه
339 الفصل الثاني في اسمه
339 الفصل الثالث في صفته
339 الفصل الرابع في إسلامه
340 الفصل الخامس في هجرته
341 الفصل السادس في خصائصه
341 الفصل السابع في شهادة النبي
342 ذكر أنه ذو دعوة مجابة
342 ذكر زهده
344 الفصل التاسع في وفته وما يتعلق بها
344 الفصل اعاشر في ذكر ولده
344 الباب العاشر في مناقب أبي عبيدة بن الجراح
345 الفصل الأول في نسبه
345 الفصل الثاني في اسمه
345 الفصل الثالث في صفته(4/381)
346 الفصل الرابع في إسلامه
346 الفصل الخامس في هجرته
346 الفصل السادس في خصائصه
346 الفصل السادس في ذكر اختصاصه بأنه أمين هذه الأمة
348 ذكر اختصاصه بالإمرة في بعض الأحيان
349 ذكر اختصاص عمر إياه بالخلافة إن مات وهو حي
350 ذكر اختصاص أبي بكر إياه بالكون معه
350 الفصل السابع في شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالجنة
350 الفصل الثامن في ذكر نبذ من فضائله
351 ذكر أحبيه النبي -صلى الله عليه وسلم- له
351 ذكر ثناء أبي بكر وعمر وغيرهما عليه
352 ذكر كراهية عمر خلاف أبي عبيدة
352 ذكر زهده
353 ذكر خوفه من الله عز وجل
354 ذكر تواضعه وإنصافه لرعيته ومساوته لهم
357 ذكر اهتمامه حيت استنهضه عمر عام القحط
357 الفصل التاسع في ذكر وفاته وما يتعلق بها
358 ذكر وصيته: رضي الله عنه
359 الفصل العاشر في ذكر ولده كلمة ختامية(4/382)