562 - إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن جَابِر التّنُوخيّ، الحَمَويّ، الشّافعيّ، [المتوفى: 649 هـ]
مدرّس الصّهيونيّة بحماه.
أجاز لَهُ: أَبُو الخير القَزْوينيّ، وسمع من: أبيه. روى عنه: الدمياطي، ومات في رمضان في عشر الثمانين رحمه الله.(14/615)
563 - إِسْمَاعِيل بْن يحيى بْن أَبِي الوليد أَبُو الوليد الأَزْديّ الغَرْناطيّ، العطّار. [المتوفى: 649 هـ]
سَمِعَ من: عَبْد المنعم الخزرجي، وأبي بكر بن أبي زمنين، وَأَبِي بَكْر بْن حَسْنُون وأخذ عَنْهُ القراءات، وأجاز لبعض الفُضلاء فِي هذه السّنة [ص:616]
وانقطع خبره.
وقال لي ابن عمران السّبْتي: قرأ عَلَيْهِ شيخنا ابن الزُّبَير القراءات السّبع.(14/615)
564 - الأَعَزُّ بْنُ فَضَائل بْن أَبِي نصر بْن عباسوه بْن العُلِّيق. أَبُو نصر البغداديّ البابَصْريّ، ويُعرف أيضًا بابن بُنْدُقَة. [المتوفى: 649 هـ]
سَمِعَ من: شُهْدة، وَعَبْد الحقّ اليُوسُفيّ، وَأَبِي المظفّر أَحْمَد بْن حمدي، والمبارك بْن مُحَمَّد الزّبيديّ، وَعَبْد الرَّحْمَن بْن يَعِيش القواريريّ، وأجاز لَهُ: أَبُو طاهر السِّلَفيّ.
وكان شيخًا صالحًا متيقّظًا، حَسَن الطّريقة، كثير التلاوة، عالي الرواية. تفرد بـ " موطأ القعنبي " عن شهدة، وبـ " القناعة " لابن أبي الدنيا، وبـ " كرامات الأولياء " للخلّال.
روى عَنْهُ: ابن الحُلْوانيّة، ومجد الدّين العديميّ، وشَرَف الدّين الدّمياطيّ، وجمال الدّين الشَّرَيْشيّ، وجمال الدّين سُلَيْمَان بْن رطلين، وآخرون، وحدث عنه بالإجازة القاضي ابن الخويي، وأبو المعالي ابن البالسي، ومحمد البجدي، وعبد الملك ابن تيمية، وابن عمه، وعلي ابن السّكاكريّ، وبِنْت مؤمن، وزينب بِنْت الكمال، وجماعة.
وتوفي في سادس عشر رجب.(14/616)
565 - بركة بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عمّارة الحريميّ. [المتوفى: 649 هـ]
روى عن: فارس ابن المشاهر، وأفضل بْن أَبِي الْحَسَن الخباز. روى عنه: الدمياطي، وغيره.(14/616)
566 - جعفر بن عبد الرحمن أبو الفضل الحلبي، الزاهد، المعروف بالسراج. [المتوفى: 649 هـ]
سمع من: الافتخار الهاشمي، وجماعة، ومات في شعبان.(14/616)
567 - حمدان بن شبيب بن حمدان أبو الثناء الحراني العطار، [المتوفى: 649 هـ]
والد العلامة نجم الدين.
روى عن: أَبِي ياسر بْن أَبِي حبّة، وعنه: الدّمياطيّ، وابن الظاهري، وطائفة. ومات في صفر سنة تسع وأربعين بحران.(14/617)
568 - الخضِر بْن الْحَسَن بْن عامر، شمسُ الدّين، أَبُو القاسم الحلبيّ، ابن قاضي الباب، ويُدعى بعبد المجيد. [المتوفى: 649 هـ]
سمع: يحيى الثققي، وعنه: ابن الظّاهريّ، والدّمياطيّ، وإسحاق النّحّاس، وجماعة.
مات في ذي القعدة.(14/617)
569 - سالم بن ثمال بن عنان بن وافد بن مستفاد. أبو المرجى السنبسي العُرْضيّ، ثُمَّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 649 هـ]
وُلِدَ سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة، وطلب الحديث وأكثر من السّماع إلى الغاية لا سيّما عن المتأخّرين، وكان شيخًا صالحًا.
حدّث عن: التّاج الكِنْديّ، وابن الحَرَسْتانيّ، وسمع ببغداد من سليمان الموصلي، وأخيه علي.
روى عَنْهُ: الدِّمياطيّ، والفارقيّ، وَمُحَمَّد بْن مُحَمَّد الكنجي، وابن الخلال، وغيرهم.
وتوفي في سلخ شعبان بدمشق.(14/617)
570 - صديق بْن إِسْمَاعِيل الأَسَديّ، الدّمشقيّ الرّام. [المتوفى: 649 هـ]
وُلِدَ فِي سنة أربع وستين وخمسمائة بالعُقِّيبة، وحدَّث عن: حنبل، وابن طَبَرْزَد. روى عَنْهُ: الدّمياطيّ، وَتُوُفّي بقلعة دمشق فِي ذي القعدة.(14/617)
571 - عَبْد اللَّه بْن أَبِي المكارم عَبْد المنعم بْن أَبِي الفضائل أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن فضائل بْن عشائر. أَبُو حامد السُّلَميّ، الحنفيّ، الحلبيّ. [المتوفى: 649 هـ]
شيخ صالح، معمّر، وُلِدَ فِي شهر جمادى الأولى سنة إحدى وستين وخمسمائة بحلب، وسمع من: أَبِيهِ ومن الْحَسَن بْن عَلِيّ البطليوسيّ، وَأَبِي الفَتْح عُمَر بْن عَلِيّ الْجُوَيْنيّ.
روى عَنْهُ: الدّمياطيّ، وابن الظّاهريّ، وجماعة، ومن القدماء: مجد الدين ابن العديم، وغيره.
وتوفي في رابع عشر شعبان.
قرأ عَلَيْهِ الدّمياطيّ " رسالة القُشَيْريّ " عن الْجُويْنيّ، عن الشّاذياخي.(14/618)
572 - عَبْد الجليل بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن تغري بْن القاسم. أَبُو مُحَمَّد الْقُرَشِيّ، المصريّ، الطّحاويّ، المالكيّ، الرّجل الصّالح. [المتوفى: 649 هـ]
وُلِدَ سنة سبْعٍ وستّين بطحا، وسمع بمنْية بني خصيب من عَلِيّ بْن خَلَف الكوميّ.
ونسخ كثيرًا بخطّه من الحديث، وكان صحيح النَّقْل، ثقة، فاضلًا، محدّثًا، وُليّ خطابة الجامع الطُّولونيّ، وسمع من: المتأخّرين، وله إجازة من البُوصيريّ وطبقته؛ ولم يزل يطلب الحديث إلى حين وفاته.
روى عَنْهُ: الدّمياطيّ، والأَبَرْقُوهيّ، وجماعة.
وَتُوُفّي بالشّارع فِي رابع رمضان.(14/618)
573 - عَبْد الخالق بْن الأنجب بْن المعمّر بْن الحَسَن. الفقيه الملقّب بالحافظ أَبُو مُحَمَّد ضياء الدّين العراقيّ، النَّشْتِبْرِيّ الماردينيّ، [المتوفى: 649 هـ]
نزيل دُنَيْسَر، وماردين.
سَمِعَ ببغداد من أبي الفتح بن شاتيل، والحافظ أبي بكر الحازمي، وابن كليب، وأبي الفرج ابن الْجَوْزيّ، وسمع بمصر من إِسْمَاعِيل بْن ياسين. [ص:619]
وبدمشق من إِسْمَاعِيل الْجَنْزويّ، وبركات الخُشُوعيّ.
قَالَ عمر ابن الحاجب: سَأَلت الحافظ الضياء عَنْهُ، فقال: صحِبَنَا فِي السَّماع ببغداد، وما رأينا منه إلّا الخير، وبَلَغَنَا أَنَّهُ فقيهٌ حافظ.
وقال غيره: كَانَ فقيهًا مُناظِرًا متفنّنًا، كثير الموادّ.
وقال الشّريف عزّ الدّين الحافظ: كَانَ يذكر أنه ولد في سنة سبع وثلاثين وخمسمائة، وَأَنَّهُ أجاز لَهُ: جماعة منهم أَبُو الفتح الكَرُوخيّ.
قلت: أحضر لنا الأمير أَبُو عَبْد الله محمد ابن التِّيتي إجازةً عتيقة قد أجاز فيها لعبد الخالق ابن الأنجب النِّشْتِبْريّ ولغيره فِي سنة إحدى وأربعين جماعة من شيوخ نيسابور كعبد الله ابن الفُرَاويّ، وَعَبْد الخالق بْن زاهر الشّحّاميّ، لكنّها لعلّها لأخٍ لصاحب التّرجمة اسمه باسمه فيما أُرى، وقد رحل ابن الحاجب وغيره بعد العشرين ولم يعرفوا بهذه الإجازة، ولو عرف بِهَا فِي ذَلِكَ الزّمان لكانت من أعلى ما يُروى، فكيف فِي هذا الوقت؟ وكذا شيخنا الدّمياطيّ لم يعبأْ بهذه الإجازة ولا سَمِعَ عَلَيْهِ بِهَا، وأمّا السّرّاج بْن شُحَانَة فقرأ عَلَيْهِ بِهَا " الأربعين " لعبد الخالق الشّحّاميّ فِي سنة إحدى وأربعين وستّمائة بجامع آمِد.
وقال الدّمياطيّ: مات فِي الثاني والعشرين من ذي الحجّة، وقد جاوز المائة، وكان فقيهًا عالمًا. ثُمَّ قيّد النِّشْتِبْري بكسر أوّله وثالثه.
وقول الدّمياطيّ: " إنّه جاوز المائة " فيه نزاع، فإن الحافظ ابن النّجّار قَالَ: بَلَغَني أَنَّهُ ادّعى الإجازة من موهوب ابن الجواليقيّ، والكَرُوخيّ وجماعة، وروى عَنْهُمْ وما أظنّ سِنَّة يحتمل ذَلِكَ.
قلت: الإجازة صحيحة إنْ شاء اللَّه مَعَ إقراره بأنّها لَهُ وبأنّه ولد في حدود سنة أربعين وخمسمائة.
روى عنه: الدمياطي، ومجد الدين ابن العديم، وجمال الدين ابن الظاهري، وشمس الدين عبد الرحمن ابن الزَّين، وابن التّيْتيّ المذكور، ومن [ص:620]
القدماء: الحافظ أَبُو عَبْد اللَّه البِرْزاليّ، وغيره، وبالإجازة: أبو المعالي ابن البالسي، وشيخنا أبو عبد الله ابن الدّباهيّ، وجماعة بقيد الحياة.(14/618)
574 - عَبْد الدَائم بْن عَبْد المحسن بْن إِبْرَاهِيم. الشَّيْخ عماد الدّين ابن الدّجاجيّ، الأَنْصَارِيّ، المصريّ. [المتوفى: 649 هـ]
وُلِدَ سنة أربعٍ وسبعين وخمسمائة، وسمع من: إِسْمَاعِيل الزّيّات، وَمُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن المسعوديّ، وَأَبِي الجيوش عساكر بْن عَلِيّ. روى عَنْهُ: الدّمياطيّ، وَعُبَيْد الإسعِرْديّ، وإبراهيم بْن عيسى الزّيّات، وَمُحَمَّد بْن عَبْد القويّ بْن عزون، وجماعة، ومات فِي شهر ربيع الأوّل.
وختم أصحابه بيوسف بْن عُمَر الختنيّ.(14/620)
575 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد السّلام بْن إِسْمَاعِيل. القاضي العلّامة أَبُو الفضل اللَّمْغانيّ، ثُمَّ البغداديّ، الحنفيّ، [المتوفى: 649 هـ]
مدرّس المستنصريّة.
كَانَ شيخ المذهب فِي زمانه. أخذ عَنْهُ أئمّة وفُضَلاء، وروى عن: أَبِيهِ القاضي أَبِي مُحَمَّد. روى عَنْهُ: الدّمياطيّ فَقَالَ: أَخْبَرَنَا قاضي القضاة شرقًا وغربًا كمال الدّين: قال أخبرنا أَبِي، فذكر حديثًا.
تُوُفّي فِي حادي عشر رجب عن خمسٍ وثمانين سنة.(14/620)
576 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن. الأستاذ أَبُو القاسم ابن رحمون المصمودي، النحوي. [المتوفى: 649 هـ]
أخذ العربية عن ابن خروف، وكان ذا لسن وفصاحة. كان يُقِرئ " كتاب سِيبَوَيْه "، وله صِيت وشُهرة ومشاركة فِي فنون، ومعرفة جيّدة بالنّحو.
مات بسَبْتة فِي صفر سنة تسعٍ، ورّخه ابن الزُّبَيْر.(14/620)
577 - عَبْد الظّاهر بْن نشوان بْن عَبْد الظّاهر بن نجدة. الأمام رشيد الدّين أَبُو مُحَمَّد الْجُذَاميّ، المصريّ، المقرئ، النَّحْويّ الضّرير. [المتوفى: 649 هـ]
من ذرّيّة رَوْح بْن زنْباع، رحمه اللَّه.
قرأ القراءات عَلَى أَبِي الْجُود وغيره، والنّحْو عَلَى. . . .
وسمع من: أَبِي القاسم البُوصيريّ، وأَبِي عَبْد اللَّه الأرتاحيّ. [ص:621]
وتصدّر للإقراء مدّة، وتخرَّج بِهِ جماعة، وكان مُقرِئ الدّيار المصريّة فِي زمانه. قرأ عَلَيْهِ شيخنا النّظام التِّبْريزيّ ختمة، وأخذ عَنْهُ القراءات عدّة أئمّة، وازدحموا عَلَيْهِ.
وكان وجيهًا عند الخاصة والعامة.
روى عنه: الدمياطي، والحفاظ.
ومات فِي جُمادى الأولى.
وهو والد الكاتب البليغ محيي الدّين.(14/620)
578 - عَبْد العزيز بْن يَحْيَى بْن أَبِي بَكْر المبارك بْن مُحَمَّد بن يحيى. أبو نصر ابن الزَّبِيديّ، الرَّبَعِيّ، الفَرَسِيّ، [المتوفى: 649 هـ]
من ربيعة الفَرَس.
كَانَ أسْنَد من بقي ببغداد، وُلِدَ سنة ستّين وخمسمائة، وسمع من: أَبِي عَلِيّ أَحْمَد بْن مُحَمَّد الرحبي، وأبي المكارم محمد بن أحمد الطاهري، وسمع من: شُهْدَة، والحسين بْن عَلِيّ السّمّاك، وأبي نصر يحيى ابن السَّدَنْك.
ومن مَرْوِيّاته عشرة أجزاء من أوّل " مَصَارع العُشّاق " عَلَى شُهْدَة.
روى عَنْهُ: الحافظ شَرَفُ الدّين الدّمياطيّ، وقال: تُوُفّي فِي سلْخ جمادى الأولى.
وأجاز لابن الشيرازي، ومحمد بن أحمد البجدي، وعلي ابن السكاكري، وعبد الملك ابن تَيْمِيّة، وابن عمّه، وستّ الخُطَباء بِنْت البالِسيّ، وطائفة.(14/621)
579 - عَبْد اللّطيف بْن عَلِيّ بْن النّفيس بْن بورنداز. الحافظ المفيد نورُ الدّين، أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي الْحَسَن البغداديّ. [المتوفى: 649 هـ]
وُلِدَ سنة تسع وثمانين وخمسمائة. أجاز لَهُ: ذاكر بْن كامل، وغيره، وسمع من: أبيه، وجعفر بن آموسان، وَعَبْد العزيز بْن منينا، فمَن بَعدهم.
وحدّث وكتب الكثير، وأفاد. أخذ عَنْهُ: الدّمياطيّ، وغيره. [ص:622]
وتوفي في. . . .، والعشِرين من ربيع الآخر عن ستّين سنة.(14/621)
580 - عبد الملك بن عبد الكافي بن علي بْن موسى بْن حَجّاج رضيُّ الدّين أَبُو مُحَمَّد الرَّبَعيّ الشّاهد، الصّقِلّيّ، ثُمَّ الدّمشقيّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 649 هـ]
وُلِدَ سنة ستٍّ وثمانين، وسمع من: الخُشُوعيّ، ومحمد ابن الخصيب، والعماد الكاتب.
روى عَنْهُ: مجدُ الدّين ابن الحُلْوانيّة، وابنه الخطيب جمال الدّين عَبْد الكافي، وغيرهما.
تُوُفّي فِي خامس شوّال.(14/622)
581 - عُبَيْد اللَّه بْن عاصم بْن عيسى بْن أَحْمَد، الخطيب أبو الحسين الأَسَديّ، الرُّنْديّ، [المتوفى: 649 هـ]
خطيب رُنْدَة وعالمها، ومُسْنِد الأندلس فِي وقته.
وُلِدَ فِي جمادى الأولى سنة اثنتين وستين وخمسمائة وسمع من الحافظين: أبي بكر ابن الجد، وَأَبِي عَبْد اللَّه بْن زرْقون، والخطيب أَبِي القاسم بْن حُبَيْش، وَأَبِي عَبْد اللَّه بْن حُمَيْد، وَأَبِي الْحَسَن نَجَبَة بْن يحيى، وَأَبِي زيد السُّهَيْليّ.
وكان من أهل العناية بالرّواية.
قَالَ الشّريف عزّ الدّين: تُوُفّي فِي ذي الحجة برندة.(14/622)
582 - علي بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن يحيى الصدر الحافظ، أبو الحسن الغافقي، السبتي الشاري، [المتوفى: 649 هـ]
نزيل مالقة والشارة: بشرق الأندلس.
ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة وسمع الكثيرَ من أَبِي مُحَمَّد بْن [ص:623]
عُبَيْد اللَّه وسمع من: مُحَمَّد بْن غازي السبتي، وأبي الحسن بْن خير وأخَذَ العربيّة عن أَبِي ذرَّ الخُشَنيّ، وأَبِي الْحَسَن بْن خَرُوف وأجاز لَهُ: الإِمَام أَبُو زيد السُّهَيْليّ وسمع بفاس من أَبِي عَبْد اللَّه الفَنْدلَاويّ وأخذ القراءات عن أَبِي زكريّا الهوزنيّ.
وشارك فِي عدّة فنون مع الشرف والحشمة والمروءة الظاهرة، واقتنى من الكتب شيئا كثيرا، وحصل الأصول العتيقة، وروى الكثير وكان محدث تلك الناحية.
توفي في رمضان بمالقة.
وحكى لي ابن عمران السَّبْتيّ عن سبب إخراج أبي الحسن الشاري من سبتة أن ابن خلاص، وكبراء أهل سَبْتَة عزموا عَلَى تمليك سَبْتَة ليحيى بْن عَبْد الواحد صاحب إفريقيّة، فَقَالَ الشّاريُّ: يا قوم خير إفريقية بعيد عنّا وشّرها بعيد، والرأي مُداراة ملك مَرّاكش. فلم يهنْ عَلَى ابن خَلاص - وكان مُطاعًا - فهيّأ مركبًا وأنزل فِيهِ أَبَا الْحَسَن وغرّبه عن سَبْتة إلى مالقة، وترك أهله وماله بسَبْتة، وله بِهَا مدرسة مليحة كبيرة.
روى عَنْهُ: أَبُو جَعْفَر بْن الزُّبَيْر وأثنى عَلَيْهِ، وسمع منه شيئًا كثيرًا.(14/622)
583 - عَلِيّ بْن هبة اللَّه بْن سلامة بْن المسلّم بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ الإِمَام العلّامة مُسْنِد الدّيار المصريّة، بهاء الدّين أَبُو الْحَسَن اللَّخْميّ، المصريّ، الشّافعيّ، [المتوفى: 649 هـ]
الخطيب، المدرّس، ابن بِنْت أَبِي الفوارس الْجُمَّيْزيّ.
وُلِدَ يوم عيد الأضحى سنة تسع وخمسين وخمسمائة بمصر، وحفظ القرآن وهو ابن عَشْر سِنين أو أقلّ، ورحل بِهِ أَبُوهُ فسمع بدمشق من أبي القاسم ابن عساكر الحافظ فِي سنة ثمانٍ وستّين " صحيح الْبُخَارِيّ " بفَوْتٍ قليل ورحل مَعَ أَبِيهِ إلى بغداد فقرأ بِهَا القراءات العَشْر عَلَى أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن عساكر البطائحيّ بكتابه الَّذِي صنّفه فِي القراءات، وسمع منه الكتاب أيضًا، وهو آخر من قرأ القراءات فِي الدّنيا عَلَى البطائحيّ، بل وآخر من روى عَنْهُ: بالسماع. وقرأ [ص:624]
أيضًا بالقراءات العَشْر عَلَى الإِمَام قاضي القُضاة أبي سعد بن أبي عصرون بما تضمّنه كتاب " الإيجاز " تأليف أَبِي ياسر مُحَمَّد بْن عَلِيّ المقرئ الحمّاميّ، وهو من جملة تلامذته في الفقه.
فأخبرنا أَبُو الْحُسَيْن اليُونينيّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الحسن ابن الْجُمَّيْزيّ يَقْولُ: قرأت عَلَيْهِ - يعني عَلَى ابن عصرون - كتاب " المهذّب " لأبي إِسْحَاق الشّيرازيّ، وكان قد قرأه عَلَى القاضي أَبِي عَلِيّ الفارِقيّ عن المصنِّف، وذلك فِي سنة خمسٍ وسبعين وبعدها، وألبسني فِي هذا التّاريخ شيخنا أَبُو سعد الطَّيْلسان وشّرفني بِهِ عَلَى الأقران، وكتب لي: " لما ثبت عندي عِلْم الولد الفقيه الإِمَام بهاء الدين أبي الحسن علي بْن أَبِي الفضائل - وفّقه اللَّه - ودينه وعدالته، رَأَيْت تمييزه من بين أبناء جنسه وتشريفه بالطَّيْلَسان، والله يرزقه القيام بحقّه، وكتب عَبْد الله بن محمد بن أبي عصرون " وسمعت عَلَيْهِ كتاب " الوسيط " للواحديّ، وكتاب " الوجيز " لَهُ أيضًا، وكتاب " الوقف والابتداء " لابن الأنباريّ، وكتاب " الإيجاز " فِي القراءات لأبي ياسر، أخبرني بِهِ عن أبي بكر المزرفي، وكتاب " معالم السُّنَن " للخطّابيّ، وغير ذَلِكَ من الأجزاء.
قلت: وهو آخر تلامذة أَبِي سعد فِي الدّنيا، والعَجَبُ من القراء كيف لم يزدحموا عَلَيْهِ ولا تنافسوا فِي الأخْذ عَنْهُ؟ فإنّه كَانَ أعلى إسنادًا من كلّ أحدٍ فِي زمانه، فلعلّه كَانَ تاركًا للفنّ.
وسمع ببغداد من شُهْدَة الكاتبة، وَعَبْد الحقّ اليُوسُفيّ، وَأَبِي شاكر يحيى السَّقْلَاطُونيّ، وَمُحَمَّد بْن نسيم العَيْشُونيّ وسمع بالإسكندرية من أَبِي طاهر السِّلَفيّ، وتفرّد عَنْهُ بأشياء، وعن غيره وسمع من: أَبِي الطّاهر بْن عَوْف، وَأَبِي طَالِب أحمدَ بْن المُسلَّم التّنُوخيّ وسمع بمصر من: عَبْد اللَّه بْن بَرِّيّ النَّحْويّ، وَأَبِي القاسم بْن فِيُّره الشّاطبيّ، وقرأ عَلَيْهِ عدة ختمات ببعض الرّوايات، وسمع منه: " الموطّأ " وعدّة كتب وتفقّه بمصر عَلَى: أَبِي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن منصور العراقيّ، والشّهاب مُحَمَّد بْن محمود الطُّوسيّ.
ودرّس وأفتى دهرًا، وخطب مدّةً بجامع القاهرة، وكان رئيس العلماء فِي وقته، معظَّمًا عند الخاصّة والعامّة، كبير القدر، وافر الحرمة، ولا نعلم أحدًا سَمِعَ من: السِّلَفيّ وابن عساكر وشُهْدة سواه إلّا الحافظ عَبْد القادر بْن عَبْد الله. [ص:625]
روى عَنْهُ: خلْق من أهل دمشق وأهل مكّة وأهل مصر منهم: الزّكيّان المنذريّ والبِرْزاليّ، وابن النّجّار، والدّمياطيّ، وابن دقيق العيد، وشَرَف الدّين أَبُو الْحُسَيْن اليُونَينيّ، وضياء الدّين عيسى السّبتي، وفخر الدّين عثمان التّوزريّ، وشهاب بْن عَلِيّ، وَمُحَمَّد بْن عَبْد الحميد المؤدّب، ورضيّ الدين إبراهيم الطبري، وأخوه الصَّفِيّ أَحْمَد، والقاضي تقيّ الدّين سُلَيْمَان، وَعَبْد الرَّحْمَن ويحيى ابنا مُحَمَّد بْن عَلِيّ المكي، والأمين محمد ابن النّحّاس، والشَّرَف مُحَمَّد بْن عَبْد الرّحيم الْقُرَشِيّ، والمحيي مُحَمَّد بْن يوسف النَّحْويّ، وجماعة أحياء.
تُوُفّي فِي الرّابع والعشرين من ذي الحجةِ، وقد كمل التسعين.(14/623)
584 - علي بن أبي الفتح ابن الوزير الكبير أَبِي الفَرَج ابن رئيس الرؤساء. [المتوفى: 649 هـ]
كَانَ مفسِدًا مِقْدامًا، تبِع يهوديًّا معه مالٌ فهجم دارَه فقتله وأخذ المال، فصاحت الزّوجة فقتلها وخرج فتبِعَه الجيران، فأُخِذ ووُسِّطَ عَلَى باب النوبي.(14/625)
585 - عُمَر بْن مُحَمَّد بْن عُمَر، أَبُو الفتح الأَبِيوَرْديّ، ثُمَّ الحلبي الصُّوفيّ الخيّاط. [المتوفى: 649 هـ]
وُلِدَ بحلب سنة ست أو سبع وخمسين وخمسمائة، وعمر اثنتين وتسعين سنة وحدث عن: يحيى الثقفي.
وكان خيرا متصونا ً.
روى عَنْهُ: الحلبيّون.
مات فِي الثّاني والعشرين من ذي القعدة.(14/625)
586 - عيسى بْن أَبِي الحرم مكّيّ بْن الْحُسَيْن بْن يقظان بْن أَبِي الْحَسَن بْن فتيان بْن راجح بْن عامر بْن عَجْلان الشَّيْخُ سديدُ الدّين، أَبُو القاسم العامريّ، المصريّ، الشّافعيّ، المقرئ، الحاكم، [المتوفى: 649 هـ]
إمام جامع الحاكم. [ص:626]
ولد قبل السبعين وخمسمائة، وقرأ القراءات عَلَى أَبِي القاسم الشّاطبيّ، وسمع منه " الشّاطبيّة " عرْضًا من صدره وتصدّر للإقراء، فتلا عليه جماعة منهم شيخنا الموفق ابن أَبِي العلاء النَّصِيبيّ، ونور الدّين عَلِيّ بْن ظهير الكفْتي.
وممّن روى عَنْهُ: القاضي مجد الدّين العديميّ، وتقيّ الدّين يعقوب بْن بدران الجرائديّ، وشيخنا مُحَمَّد بْن رضوان السِّمْسار، والقاضي دانيال الكَرَكيّ يروي عَنْهُ " الشّاطبيّة " وعن السّخاويّ قرأها عليه علي بن جودي المهراني وروى عنه: الحافظ عبد العظيم في " معجمه " أربعة أبيات من أوّل " الشّاطبيّة " قَالَ: أنشدنا الشّاطبيّ من حفظي.
تُوُفّي فِي الحادي والعشرين من شوال.(14/625)
587 - قيصر بْن أَبِي القاسم بْن عَبْد الغنيّ بْن مسافر، الرّئيس عَلَمُ الدّين تَعَاسِيف السُّلَميّ، الدّمشقيّ، الحنفيّ، الكاتب. [المتوفى: 649 هـ]
وُلِدَ سنة خمسٍ وسبعين وخمسمائة وسمع بالقاهرة من الأثير بن بنان، وَأَبِي الفضل مُحَمَّد بْن يوسف الغَزْنَوِيّ، ونشأ بالقاهرة.
روى عَنْهُ: الدِّمْياطيّ، وغيره.
وكان ماهرًا فِي عِلْم الرّياضيّ، بارعًا فِي الهندسة والحساب، وليّ نظر الدّواوين المصريّة فلم تُشْكَر سيرتُه، وكثُرَ عَسفه وظُلْمه، وقد وليّ ولايات ببلاد الشّرق.
ومات بدمشق فِي رجب.
سافر واشتغل على الكمال ابن يونس.(14/626)
588 - مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز بْن أَبِي القاسم عَبْد الرحيم بْن عَمْرو بْن سُلَيْمَان بْن الْحَسَن بْن إدريس ابْن أمير الأندلس المعتلي بالله يحيى بْن عَلِيّ بْن حمّود، المحدّث أَبُو جَعْفَر الهاشميّ العَلَويّ، الحَسَنيّ، الإدريسيّ، المصريّ. [المتوفى: 649 هـ][ص:627]
ولد سنة ثمان وستين وخمسمائة بالصّعيد الأعلى، واشتغل، وحصّل الأدب والتّاريخ، وعُنِي بالحديث، وسمع الكثير من أَبِي القاسم البُوصِيريّ، وَأَبِي الطّاهر إِسْمَاعِيل بْن ياسين، وبنت سعد الخير، وأبي الفضل الغزنوي، فمَنْ بَعْدَهم، وخرَّج لجماعة.
روى عَنْهُ: الدِّمياطيّ.
وَتُوُفّي فِي الحادي والعشرين من صفر.(14/626)
589 - مُحَمَّد بْن عَبْد الكافي بْن عَلِيّ بْن موسى، القاضي شمسُ الدّين أَبُو عَبْد اللَّه وَأَبُو بَكْر الرَّبَعيّ الصّقِلّيّ ثُمَّ الدّمشقيّ الفقيه الشّافعيّ، [المتوفى: 649 هـ]
مدرّس الأمينيّة.
قَالَ الشّريف: تُوُفّي فِي تاسع عشر ذي الحجّة، وقد ناب فِي القضاء مدةً بدمشق، وولد في سنة سبعين وخمسمائة، وسمع من: الأمير أُسامة بْن مُنْقِذ، وقد تقدّم ذِكر أخَوَيْه: النّجم عَلِيّ، والرّضَى عَبْد الملك.
قلت: روى عَنْهُ: ابن الحُلْوانيّة، ومجد الدين ابن العديم، والحافظ الدّمياطيّ، وَأَبُو الفضل إِسْحَاق الأسَدَيّ، وجماعة.
وقد وُليّ قضاء حمص أيضًا، ومن أعيان الشافعية كان، رحمه اللَّه.(14/627)
590 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي عَلِيّ بْن أَبِي سعد بْن عَمْرُون، الشَّيْخ أَبُو عَبْد اللَّه الحلبيّ، النَّحْويّ، جمال الدّين. [المتوفى: 649 هـ]
وُلِدَ سنة ست وتسعين وخمسمائة تقديرًا، وسمع من: ابن طَبَرْزَد، وأخذ النَّحْو عن الموفّق يعيش، وغيره، وبرع فِي العربيّة وتصدّر لإقرائها، وتخرَّج بِهِ جماعة وقد جالسه الإمام جمال الدين ابن مالك، وأخذ عنه شيخنا بهاء الدين ابن النحاس، وغيره، وحدَّث عَنْهُ: الحافظ عَبْد المؤمن.
وَتُوُفّي فِي ثالث ربيع الأوّل.(14/627)
591 - مُحَمَّد بْن أَبِي البدر، مقبل بْن فتيان بْن مطر، العلّامة المفتي سيف الدين أبو المظفر ابن المَنّيّ النّهروانيّ، ثُمَّ البغداديّ، الحنبليّ. [المتوفى: 649 هـ][ص:628]
وُلِدَ سنة سبع وستين وخمسمائة، وتفقّه عَلَى عمّه ناصح الإِسْلَام أَبِي الفتح بعض التفقُّه، وسمع من: أَبِي الفوارس سعد ابن الصّفيّ الشّاعر المعروف بالحَيص بَيْص، وأسعد بْن يلدرك، وشهدة، وأبي الحسين عبد الحقّ، وغيرهم.
وكان فقيهًا مُفْتيًا حَسَن الكلام في مسائل الخلاف، عدْلًا، متميّزًا، محمود السّيرة، سَمِعَ منه أئمّة وفُضَلاء وطال عُمُره وعلا سَنَدُه.
وقد رحل إلى واسط وقرأ بالعشرة عَلَى أَبِي بَكْر ابن الباقِلّانيّ.
وقد أَمّ بمسجد المأمونيّة مسجد عمّه، وخدم فِي ديوان التّشريفات، ثُمَّ شهد عَلَى القُضاة، وأعاد بالمستنصرية، وكان يَخْضِب بالسّواد، ثُمَّ تركه. قاله ابن النجار.
روى عَنْهُ: ابن الحُلْوانيّة، وجمال الدّين الشَّرِيشيّ، وشَرَف الدّين الدّمياطيّ، وَمُحَمَّد بْن بركة الشّمْعيّ، وَالشَّيْخ مُحَمَّد القزّاز، وجماعة.
تُوُفّي فِي سابع جمادى الآخرة.
وأجاز لمحمد البجدي، وعلي ابن السّكاكريّ، وبنت مؤمن، وطائفة.(14/627)
592 - مُحَمَّد بْن المؤيَّد الشيخ سعد الدين ابن حمويه الجويني. [المتوفى: 649 هـ]
قيل: توفي فيها، وقيل سنة خمسين، وسيأتي.(14/628)
593 - نفيس بْن سَعِيد بْن نجم بْن مُحَمَّد، أَبُو مُحَمَّد الدّارقَزّيّ، الصُّوفيّ، الحنبليّ، [المتوفى: 649 هـ]
من صوفيّة رباط البسطامي.
ولد سنة ثلاث وستين وخمسمائة، وسمع من: عُبَيْد اللَّه بْن شاتيل، وَأَحْمَد بْن المبارك بْن دَرَك.
روى عَنْهُ: الدّمياطيّ، وقال: تُوُفّي فِي سابع ذي القعدة.
وروى عنه: محمد ابن الظهير الكازروني.(14/628)
594 - يحيى بْن عيسى، بْن إِبْرَاهِيم بْن مطروح، الأمير الصّاحب جمال الدّين، أَبُو الْحُسَيْن، الأديب الشاعر. [المتوفى: 649 هـ]
ولد بأسيوط سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وسمع بقوص من أبي الحسن علي ابن البناء، وحدَّث، وقال الشِّعْر الرّائق، وقد أبدع فِي هذين البيتين:
إذا ما سقاني ريقُه وهو باسمٌ ... تذكّرتُ ما بين العُذيب وبارق
ويذكرني من قدّه ومَدَامِعي ... مجرى عوالينا ومجرى السّوابق
وخدم الملك الصّالح نجمَ الدّين فِي مدّة نيابته بالدّيار المصريّة عن والده الملك الكامل سنة خمسٍ وعشرين، ولمّا توجّه الصّالح إلى حصن كيفا وتلك البلاد، كَانَ ابن مطروح فِي خدمته وأقام معه مدّة، وبعده، ثُمَّ قدِم عَلَيْهِ فِي سنة تسعٍ وثلاثين إلى مصر فرتّبه ناظر الخزانة، فلمّا تملّك دمشقَ فِي سنة ثلاثٍ وأربعين رتبه كالوزير للبلد، ولبس زِيّ الأمراء، وارتفعت منزلته، فلمّا قدِم الصّالح دمشق سنة ستٍّ وأربعين عزله، وتنكّر لَهُ لأمورٍ نَقَمَها عَلَيْهِ. ثُمَّ بقي ملازمًا لخدمته وهو مُعْرِضٌ عَنْهُ. فلمّا تُوُفّي الصّالح لزِم بيته.
ومن شِعره:
علّقته من آل يَعْرُب لحظةً ... أمضى وأفْتَكَ من سيوف عُريبه
أسكنتُهُ فِي المُنْحَنَى من أضْلُعي ... شوقًا لبارق ثغره وعذيبه
يا عاتبا ذاك الفُتُور بطَرْفه ... خلّوه لي أَنَا قد رضيت بعَيْبه
لدنٌ وما مر النّسيم بعطْفِهِ ... أرجٌ وما نفح العبير بجيبه
وله من قصيدة:
من لي بغُصْن بالجمال مُمنطقٌ ... حُلْو المعاني واللَّمى والمنطِقِ
مُثرى الرّوادف مُملقٌ من خصِرْهِ ... أسمعت في الدّنيا بمثرّ مُملق [ص:630]
منها:
وأقول: يا أخت الغزال ملاحةً ... فتقول لا عاش الغزال ولا بقي
وقد ادعى ابن شمس الخلافة أنّ هذا البيت الثّالث لَهُ، وعمل كلٌّ منهما محضرًا بأنّ البيت لَهُ، وشهد لكلّ واحدٍ جماعة، قَالَ ابن خَلَكان: حلف لي ابن مطروح أنّ البيت لَهُ، وكان محترزًا في أقواله لم تعرف منه الدّعوى بما لَيْسَ لَهُ.
وله:
تَثَنَّى كما هزّ الرُّدينيّ حامله ... وقد عبقت بالطِّيب منه غلائلُه
فَعَانَقَتْ غُصْنًا لا يراه أخو تُقىً ... فيمكن إلّا أن تهيج بلابله
من التُّرك أضحى فِي الصّميم وخالُه ... من الزَّنْج من ذا في الملاحة يماثله
وما خلته إلا حسامي أضمه ... وفي عاتقي من ضفرتيه حمائله
فطافت بنا السرّاء من كلّ جانبٍ ... ورقَّتْ حواشي ليلنا وشمائلُه
وله وأوصى أن تكتب على قبره:
أصبحت بقَعْر حفرةٍ مُرْتَهِنا ... لا أملك من دنياي إلا كَفَنا
يا مَن وسِعَتْ عبادَه رحمتُه ... من بعض عبادك المساكين أَنَا
تُوُفّي بمصر فِي مُسْتَهَلّ شعبان.
روى عَنْهُ: الشّهاب القوصي، وأبو المجد العديمي، وأبو العباس ابن خَلِّكان.(14/629)
595 - يوسف بْن عَلِيّ أَبُو الحَجّاج البغداديّ، المعدل. [المتوفى: 649 هـ]
روى عن: عَبْد اللَّه بْن دَهْبَل بْن كارِه، وعنه: شيخنا الدّمياطيّ، ومات فِي المحرَّم.(14/630)
596 - يوسف بْن أَبِي مُحَمَّد بْن مكّي بْن سلامة الحكيم أَبُو العِزّ السَّنْجاريّ، ثُمَّ الدّمشقيّ الطّبيب، الملقّب بالْجُنَيْد. [المتوفى: 649 هـ]
من مشاهير الأطبّاء.
سَمِعَ من: الخشوعي، والقاسم ابن عساكر، والمسلم بْن حمّاد بْن مَيْسَرة.
روى عَنْهُ: الحافظان أَبُو عَبْد اللَّه البِرْزاليّ، وَأَبُو محمد الدمياطي، وأبو علي ابن [ص:631]
الخلال، وأبو المعالي ابن البالِسيّ، وجماعة، وَتُوُفّي فِي ثامن عشر جمادى الآخرة، وله أربع وسبعون سنة.(14/630)
597 - أَبُو بَكْر بْن سُلَيْمَان بْن عَلِيّ بْن سالم، حسامُ الدّين الحَمَويّ، ثُمَّ الدّمشقيّ، الواعظ فِي الأَعْزِيَة، الحنفيّ. [المتوفى: 649 هـ]
وُلِدَ سنة بضعٍ وخمسين وخمسمائة، وسمع من: الأمير أُسامة بْن مُنْقِذ، والخُشُوعيّ، والقاسم ابن عساكر، وحنبل، وابن طَبَرْزَد.
وأخذ الوعظ عن: والده، ووعظ بمسجد أَبِي اليُمْن أكثر من خمسين سنة.
روى عَنْهُ: الدّمياطيّ، وَأَبُو عَلِيّ ابن الخلّال، وَأَبُو مُحَمَّد الفارِقيّ الفقيه، وَمُحَمَّد بْن محمد الكنجي، وأبو المعالي ابن البالِسيّ، وجماعة سواهم لا أستحضرهم.
وكان صالحًا خيرًّا معدّلًا.
تُوُفّي فِي سابع عشر ذي القعدة.(14/631)
598 - أَبُو القاسم بْن خليفة، بْن يُونُس بْن أَبِي الْقَاسِم بْن خليفة، الحكيم سديدُ الدّين الأَنْصَارِيّ، الخَزْرَجيّ السّعديّ العباديّ، الكحّال، المعروف بابن أَبِي أُصَيْبَعَة، [المتوفى: 649 هـ]
والد صاحب " تاريخ الأطبّاء " موفَّق الدّين.
وُلِدَ بالقاهرة سنة خمسٍ وسبعين وخمسمائة، واشتغل بِهَا هُوَ وأخوه الطّبيب رشيدُ الدّين، وبرع السديد في الكحل ورزق فيه حَظْوة، وكان فِي المارستان النُّوريّ، وقلعة دمشق، ومات في ربيع الآخر بدمشق.(14/631)
-وفيها وُلِدَ:
نجمُ الدّين عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن هلال الأزْديّ، والقاضي نجمُ الدّين أَحْمَد بْن عَبْد المحسن الدّمشقيّ، والقاضي بدرُ الدّين عَبْد اللّطيف ابن قاضي القُضاة تقيُّ الدِّين مُحَمَّد بْن رزين، والشَّرَفُ مُحَمَّدُ بن إسماعيل ابن النشو الْقُرَشِيّ، والشّمسُ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن يوسف بْن عَبْد المنعم النابُلُسيّ، وعزيزُ الدّين يحيى ابن الفخر الكُرْجيّ، وفتحُ الدّين عَمْرو بْن مُحَمَّد بن أحمد [ص:632]
ابن البقّال، وَعَبْدُ المحسن بْن عَبْد القدوس الشّقْراويّ، الصالحي، والشَّمسُ أَحْمَدُ بْن يعقوب الطّيبيّ، الكاتب الشّاعر، وإبراهيم بن علي ابن الخِيَميّ المصريّ، وعزُّ الدّين عَبْد العزيز بْن إدريس بن مزيز، وأمين الدين هبة الله ابن مخلص الدّين محمود بْن هبة اللَّه بْن قرناص، وعبد الرحمن ابن شيخنا العز ابن الفراء بخلف، والصاحب عز الدين حمزة ابن المؤيد التميمي ابن القلانِسيّ، والشّهابُ أَحْمَد بْن عَبْد الكريم بْن الكوشت الحنفي الشاعر.(14/631)
599 - سليمان شاه ابن سعد الدين شاهنشاه ابن الملك المظفَّر تقيُّ الدِّين عُمَر بْن شاهنشاه بْن أيّوب بْن شاذي الأيّوبيّ الحَمَويّ. [المتوفى: 649 هـ]
تَمَفْقَرَ فِي شبيبته وصحِب الفُقراء وحمل الرَّكْوَة وحجّ. ثُمَّ إنه كاتب والدة الملك الناصر ابن سيف الإسلام صاحب اليمن، وكانت قد تغلّبت عَلَى زَبيد وضبطت الأموال وبقيت متلفّتةً إلى مجيء رجلٍ من بني أيّوب ليقوم في الملك وتنقاد له الأمراء وذلك في حدود نيف وست مائه، فبعثت إلى مكّة من يكشف لَهَا الأمور، فوقع مملوكها بسليمان شاه، فسأله عن اسمه ونَسَبه، فأخبره، فكتب إليها، فطلَبَتْه فسار إلى اليمن، وقدم على أم الناصر، فتزوجته وملكته، وعظم شأنه إلا أنه ملأ البلاد ظلما وجورا واطرح زوجته وأعرض عنها وتزوج عليها، وكاتب السلطان الملك العادلَ فجعل أوّل كتابه (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فاستقلّ السّلطان عقْلَه وعلم أَنَّهُ لا بُدَّ لَهُ مِن قصد اليمن وإقامة ملك بها. فلمّا تفرّغ جهَّز سِبْطَه الملكَ المسعودَ أقسيس ابن الملك الكامل ابن العادل فِي جيشٍ فدخل اليمن واستولى عَلَى مدائنها وحصونها، وقبض على سليمان شاه هذا، وبعث بِهِ وبزوجته بِنْت سيف الإِسْلَام إلى مصر، فأجرى له الكامل ما يقوم بمصالحه، فلم يزل مقيما بالديار المصرية إلى سنة سبْعٍ وأربعين فخرج إلى الغَزَاة فاستشهد بالمنصورة، سامحه الله.(14/632)
-خمسين وستمائة.(14/633)
600 - أَحْمَد بْن سَعْد بْن عَبْد اللَّه بْن سَعْد بن مفلح بن هبة الله بن نُمَيْر، أَبُو الْعَبَّاس الأَنْصَارِيّ، المقدسيّ، الصّالحيّ، الحنبليّ، المؤدّب. [المتوفى: 650 هـ]
روى عن: الخُشُوعيّ، وابن طَبَرْزَد، روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد الدّمياطيّ، وسعد الدّين يحيى ابن أخيه.
وأُقِعد بأَخَرَة، وكان إنسانًا مباركًا.
تُوُفّي فِي نصف ذي القعدة بعد أخيه محمد بشهر.(14/633)
601 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الملك الْجُذاميّ القُرْطُبيّ، [المتوفى: 650 هـ]
نزيل سَبْتَة.
كَانَ محدّثًا، أديبًا، بارعا في الطب، بصيرا به.
روى عن: أبي محمد بن عُبَيْد الله وغيره.
أقام بمَرّاكِش، وبها مات.
وله إجازة من أَبِي عَبْد اللَّه بْن زَرْقون، ونَجَبَة، وجماعة.
روى عَنْهُ: ابن الزُّبَيْر، وقال يُعْرف بالبطبيط. عاش تسعين سنة.(14/633)
602 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن هبة اللَّه، بْن عثمان بْن أَبِي الفتح، الفقيه أبو العباس ابن عروسة الواسطيّ، ثُمَّ المَوْصِليّ، الحنفيّ. [المتوفى: 650 هـ]
روى عن: عَبْد اللَّه بْن أَبِي المجد، وابن طَبَرْزَد، روى عَنْهُ: الدّمياطيّ، وغيره، ومات فِي رمضان عن سبعين سنة.
وكان مدرّسًا متميّزًا، ترسّل عن صاحب المَوْصِل إلى العراق والشّام غير مرّة ونزل الرّقّة ودرّس بِهَا.
روى عَنْهُ: بالإجازة: البهاء ابن عساكر، وغيره.(14/633)
603 - أَحْمَد بْن المفرّج بْن عَلِيّ بْن عَبْد العزيز بْن مَسْلَمَة، المعمّر المُسْنِد، رشيد الدّين، أَبُو الْعَبَّاس الدّمشقيّ، [المتوفى: 650 هـ][ص:634]
ناظر الأيتام.
وُلِدَ فِي ربيع الآخر سنة خمسٍ وخمسين وخمسمائة بدمشق، وسمع من: الحافظ أبي القاسم ابن عساكر، وَعَبْد الرَّحْمَن بْن الْحُسَيْن بْن عبدان، وَأَبِي اليُسْر شاكر التَّنْوخيّ الكاتب، وأجاز لَهُ: الشَّيْخ عَبْد القادر الجيليُّ، وابنُ البطّيّ، وأبو الحسن ابن تاج القُرّاء، وهبة اللَّه بْن هلال الدّقّاق، وأحمد ابن المقرب، ويحيى بن ثابت، وأبو بكر ابن النقور، وأبو محمد ابن الخشّاب، ومَعْمَر بْن الفاخر، وَأَحْمَد بْن مُبَادِر، وحَيْدَرة بْن عُمَر العَلَويّ، والمبارك بْن الْمُبَارَك السِّمسار، وَأَحْمَد بْن عَبْد الغنيّ الباجِسْرائيّ، ونفيسة البزازة، وَمُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الْعَبَّاس الحرّانيّ، وَعَبْد الرَّحْمَن بْن يحيى الزُّهْريّ، سمعا مِن هبة اللَّه الأَنْصَارِيّ، وأبو الْحَسَن مُحَمَّد بْن إسحاق الصابي، وخزيفة بن سعد بن الهاطرا، وعبد الواحد بن الحسين البارزي، وخلْق سواهم.
وعُمِّر دهْرًا، وروى الكثير، وتفرّد عَن أكثر هَؤُلَاءِ بالرّواية، وكان عدْلًا، ساكنًا، وَقُورًا، مَهيبًا، محمود السّيرة.
روى عَنْهُ: الدِّمياطيّ، والفارقي، وابن الخلال، وكمال الدين ابن العطار، والعماد ابن البالِسيّ، ورشيد بْن كامل الأديب، والشّمس مُحَمَّد ابن التاج، والشمس محمد ابن الصّلاح، وابن ابن أخيه عَبْد الرحيم بْن يحيى، ومحمد أخو المحب، والبهاء ابن نوح المقدسي، ومحمود ابن المراتبي الأصم، وبَيْبَرْس العديميّ، وخلْق غيرهم.
وإجازته رخيصة بعد.
تُوُفّي فِي ثامن عشر ذي القعدة.(14/633)
604 - أَحْمَد بْن نصر اللَّه، ويسمّى عَبَّاس بْن نصر اللَّه، بْن أَبِي بَكْر بْن نصر بْن صغير، أبو الفضل شمس الدين ابن القَيْسَرانيّ، المخزوميّ، الدّمشقيّ، [المتوفى: 650 هـ]
ناظر السّبع الكبير.
وُلِدَ سنة تسع وستين وخمسمائة، وسمع من: أبي الحسين أحمد ابن الموازيني، أخذ عنه: الجمال ابن الصابوني، والمجد ابن الحلوانية، [ص:635]
والضياء ابن البالِسيّ، وابناه العماد وَعَبْد اللَّه.
تُوُفّي فِي شوال.
وفي صفرها توفي نسيبه أبو المكارم سعيد بن خالد.(14/634)
605 - إِسْحَاق بْن أَحْمَد الشَّيْخ المفتي الفقيه، الإِمَام كمال الدين المعري، الشّافعيّ، [المتوفى: 650 هـ]
أحد الفُقهاء الكبار المشهورين بالعلم والعمل.
قَالَ أَبُو شامة: تُوُفّي بالرّواحيّة، وكان عالمًا زاهدًا متواضعًا مُؤْثِرًا، دُفِن عند شيخه ابن الصّلاح.
قلت: كَانَ معيدًا عند ابن الصّلاح بالرواحية، نحوًا مِن عشرين سنة، وكان مُتَصدِّيًا للإفادة والفتوى، تفقّه بِهِ أئمّة، وكان كبير القدْر فِي الخير والصّلاح، متين الورع، عُرِضت عَلَيْهِ مناصب فامتنع، ثمّ ترك الفتوى وقال: فِي البلد مِن يقوم مُقامي، وكان يسرد الصّوم، ويُؤْثِر بثُلث جامكيّته، ويَقْنَع باليسير، ويَصِلُ رَحِمَه بما فضل عنده، وكان فِي كلّ رمضان ينسخ ختْمة ويُوقِفُها، وله أورادٌ كثيرة، ومحاسن جمّة، مرض بالإسهال أربعين يومًا، وانتقل إلى اللَّه عَن نيِّفٍ وستّين سنة، وكان أسمر، تامّ القامةِ، شيّعه خلائق فِي ثامن وعشرين ذي القعدة سنة خمسين.
وكان شيخنا أَبُو إِسْحَاق الإسكندريّ يُعظّمه ويصف شمائله، رحمه اللَّه.
ووقت وفاته مات الشريف ابن عدلان من أكابر الشرفاء بدمشق ومن رؤوس الشّيعة، ودُفِن عند قومه، فرآه بعضُ الأخيار فِي النَّوم فَقَالَ: ما فعل اللَّه بك؟ قَالَ: غُفِر لي ولمن مات فِي ذَلِكَ اليوم ببركة الكمال إِسْحَاق المَعَرّيّ.
رَأَيْت هذا كله في كراس فيه وفيات جماعة، ولا أعلم مَن جَمَعَه.(14/635)
606 - إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن عامر أَبُو إِبْرَاهِيم الهَمَدانيّ الطَّوْسيّ - بفتح الطّاء - الأندلُسيّ. [المتوفى: 650 هـ]
سَمِعَ: أَبَا عَبْد اللَّه بْن زرْقون، وأجاز لَهُ: مُسْنِد المغرب مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن خليل القَيْسي، وانفرد فِي الدّنيا عَنْهُ، وسَمِعَ من: أبي مُحَمَّد بْن عُبَيْد الله، وتلا بالسَّبْع عَلَى أَبِي الْحَسَن بْن هشام، وعاش خمسًا وثمانين سنة.
روى عنه: أبو جعفر ابن الزُّبَيْر، وغيره.
مات فِي جمادى الأولى بالأندلس.(14/636)
607 - إياس بْن عَبْد اللَّه الرُّوميّ [المتوفى: 650 هـ]
مولى أَبِي الْعَبَّاس أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الحمصيّ.
حدَّث عَن: الخُشُوعيّ،
وعنه: الدمياطي.
توفي في المحرم.(14/636)
608 - الْحَسَن بْن عَبْد الرَّحْمَن، بْن الْحسن بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد، أَبُو مُحَمَّد، [المتوفى: 650 هـ]
ابن عم القاضي نجم الدين عبد الله ابن البادرائي وزوج ابنته.
روى عن: عَبْد الوهّاب بْن سُكَيْنَة، وعنه: الدّمياطيّ أيضًا.
تُوُفّي فِي رجب.(14/636)
609 - الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن، بْن حيدر بْن عَلِيّ، العلّامة رضيّ الدّين، أَبُو الفضائل الْقُرَشِيّ، العَدَويّ، العُمَريّ، الصَّغَانيّ الأصل، الهندي اللهوري المولد، البغداديّ الوفاة، المكّيّ المَلْحَد، المحدّث الفقيه الحنفيّ اللُّغَوِيّ، [المتوفى: 650 هـ]
صاحب التّصانيف.
وُلِدَ بمدينة لوْهَوْر في عاشر صفر سنة سبع وسبعين وخمسمائة، ونشأ بغَزْنَة، ودخل بغداد سنة خمس عشرة وستمائة، وذهب منها بالرّسالة الشّريفة إلى صاحب الهند سنة سبْع عشرة، فبقي مدّةً، وقدِم سنة أربعٍ وعشرين. ثُمَّ أُعيد إليها رسولًا عامَئِذٍ، فما رجع إلى بغداد إلى سنة سبْعٍ وثلاثين. [ص:637]
وقد سَمِعَ بمكّة مِن أَبِي الفتوح نصر ابن الحُصريّ، وسمع باليمن مِن القاضي إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد بْن أَبِي سالم القريضيّ، وسمع بالهند مِن القاضي سعد الدّين خَلَف بْن مُحَمَّد الحسناباذي، والنظام محمد بن الحسن المَرْغِينانيّ، وببغداد مِن أَبِي منصور سَعِيد بْن محمد ابن الرّزّاز.
وكان إِلَيْهِ المُنْتَهى فِي معرفة اللّسان العربيّ، صنَّف كتاب " مَجْمَع البحرين " فِي اللُّغة، اثنا عشر مجلَّدًا؛ وكتاب " العُبابَ الزّاخر" فِي اللُّغة عشرون مجلّدًا ولم يُتمّه؛ وكتاب " الشّوارد في اللغات " مجلد، وكتاب " توشيح الدريدية "، وكتاب " التراكيب "، وكتاب " فعال "، وكتاب " فعلان "، وكتاب " الانفعال "، وكتاب " يفعول "، وكتاب " الأضداد "، وكتاب " العَرُوض "، وكتاب " أسماء العادة "، وكتاب " أسماء الأسد "، وكتاب " أسماء الذّئب "، وكتاب " تعزيز بيتي الحريري "، و" كتابا " في علم الحديث، وسائر هذه تصانيف لطاف.
قال شيخنا الدمياطي، وجميعها لي بها نسخ.
وله مِن المصنّفات أيضًا، كتاب "مشارق الأنوار " فِي الجمع بين الصّحيحين، وكتاب " مصباح الدُّجَى "، وكتاب " الشّمس المنيرة "، وكتاب " شرح الْبُخَارِيّ " فِي مجلّد، وكتاب " دَرّ السَّحابة فِي وَفَيَات الصّحابة "، وكتاب " الضُّعفاء "، وكتاب " الفرائض "، وكتاب " تذييل العزيزيّ "، وكتاب " شرح أبيات المفصّل "، وغير ذَلِكَ.
قَالَ الدّمياطيّ: وكان شيخًا صالحًا صدوقًا صَمُوتًا عَن فضول الكلام، إمامًا فِي اللّغة والفِقْه والحديث. قرأتُ عَلَيْهِ يوم الأربعاء، وتُوُفّي ليلة الجمعة تاسع عشر شعبان، وحضرتُ دفْنه بداره بالحريم الطاهري. ثُمَّ نُقِل، بعد خروجي مِن بغداد، إلى مكة فدفن بها، وكان أوصى بذلك، وأعدّ خمسين دينارًا لمن يحمله إلى مكّة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَلَفٍ الْحَافِظُ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى أَبِي الْفَضَائِلِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيِّ وَغَيْرِهِ بِبَغْدَادَ: أَخْبَرَكُمْ أَبُو الفتوح النهاوندي بمكة، قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد العلوي، قال: أخبرنا علي بن أحمد التستري، قال: أخبرنا أبو عمر القاسم بن جعفر، قال: أخبرنا أبو علي [ص:638]
اللؤلؤي، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: " حَبَسُونَا عَنْ صَلاةِ الْوُسْطَى، صَلاةِ الْعَصْرِ، مَلأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نارا ".(14/636)
610 - الدويدار الكبير، هو الملك علاء الدين ألطبرس الظاهري، [المتوفى: 650 هـ]
مولى الخليفة الظاهر.
وكان حظيا لديه، وعالي الرتبة عند المستنصر. زوّجه بابنة بدر الدّين صاحب الموصل، ووهبه ليلة عُرسه مائة ألف دينار، وكان دخْلُه فِي العام مِن ملكه وإقطاعه ثلاثمائة ألف دينار.
وكان كريمًا حَسَن السّيرة. دُفن فِي مشهد مُوسَى الكاظم، ورثته الشّعراء.
أرّخه ابن الساعي.(14/638)
611 - سَعِيد بْن خالد بْن أَبِي عَبْد اللَّه، مُحَمَّد بْن نصر بْن صغير، أَبُو المكارم المخزوميّ، الخالديّ، الحلبيّ، ابن القَيْسَرانيّ، نجم الدّين. [المتوفى: 650 هـ]
ولد سنة سبع وثمانين وخمسمائة، وسمع بحلب مِن عُمَر بْن طبرزد، وحدَّث.
وقد وَزَرَ أَبُوهُ الصّاحب موفَّق الدّين أَبُو البقاء لنور الدّين محمود بْن زنكي، وسيّره رسولًا إلى مصر، فسمع بها مِن عَبْد اللَّه بْن رفاعة السّعديّ، وكان يكتب عَلَى طريقة ابن البّواب.
وأمّا أَبُو عَبْد اللَّه، فهو الشّاعر المشهور، ذَكَره ابن عساكر فِي " تاريخه " وروى عَنْهُ.
تُوُفّي النجم بدمشق فِي صفر. [ص:639]
وهو عمّ شيخنا فتح الدّين.(14/638)
612 - سُلَيْمَان بْن مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن عَلِيّ بْن شُبَيْل العلّامة البارع جمال الدّين، أَبُو الربيع المَذْحجيّ، اليمنيّ النَّحْويّ. [المتوفى: 650 هـ]
وُلِدَ بخَلّة، وهي قرية مِن قبلي عدن، في سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، وتُوُفّي فِي المحرَّم بمدينة الفَيُّوم، وكان مِن كِبار النُّحَاة. تخرَّج بِهِ جماعة. قاله الشّريف عز الدين.(14/639)
613 - عَبْد القادر بْن حسّان بْن رافع بْن سُمَيْر بْن ثَابت، الخطيب شَرَفُ الدّين أَبُو مُحَمَّد العامريّ، الدّمشقيّ، الشّافعيّ، العدْل، [المتوفى: 650 هـ]
خطيب المُصَلَّى.
وُلِدَ سنة ثلاثٍ وثمانين، وسمع مِن: الخُشُوعيّ، والقاسم ابن عساكر، ومحمد ابن الخصيب، وابن طَبَرْزَد، وجماعة.
روى عَنْهُ: زين الدين الفارقي، وشرف الدين الدمياطي، والبدر ابن الخلال، والعماد ابن البالِسيّ، وجماعة.
وكان عَدْلًا ديِّنًا فصيحًا. خطب بالمُصَلَّى مدّةً.
وقيل: مات مسقوط العدالة لأمرٍ حدث منه، فالله أعلم.
ومات فِي أوّل رجب.(14/639)
614 - عَبْد الواحد ابن خطيب زَمْلَكا، العلّامة البارع كمال الدّين. [المتوفى: 650 هـ]
قِيلَ: مات فِي سادس عشر ذي الحجّة مِن السَّنة، وورّخه أَبُو شامة فِي الآتية فِي المحرَّم.
وعاش نيِّفًا عَن ستّين سنة.
وكان طويلًا كبير اللّحية، يلبس قصيرًا.(14/639)
615 - عَبْد الوهّاب بْن يوسف بْن مُحَمَّد بْن خَلَف الفقيه أَبُو مُحَمَّد ابن الفقيه أَبِي الحَجَّاج، الأَنْصَارِيّ، القَصْريّ، المغربيّ، المالكيّ الفقيه القُدْوة، المعروف بابن رُشَيّق، بالتّصْغير. [المتوفى: 650 هـ][ص:640]
شيخٌ عالِم، صالح، خيّر، ذو مُروءة وفُتُوَّة وتعفُّف وفَقْر.
حمل عَن أَبِيهِ الرّاوي عَن عياض، وأبي بكر ابن العربيّ، وعن عَبْد الجليل القَصْريّ مصنِّف " شُعَب الإِيمَان "، وتصدّر بالجامع العتيق بمصر.
كتب عَنْهُ الرشيد العطار حكاية.
ومات ليلة عيد الفطر عَن ثلاثٍ وستّين سنة.
وأمّا مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر بْن رُشَيق - بالضمّ والخِفَّة - وأخوه حسين، فسمع منهما الدّمياطيّ "أربعيّ القُشَيْريّ " بسماعهما مِن ابن أَبِي المجد الحربيّ.
وحَدَّثَنِي أَبُو عَبْد اللَّه سبْط ابْن رُشَيّق أنّ جَدّه الزّاهد عَبْد الوهّاب بقي أيّامًا عديدة عَلَى وضوءٍ واحدٍ واشتهر هذا.
وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّه عَن أُمّه أنّ أباها قَالَ لهم ليلة عيد الفِطْر: أَنَا مثل اللّيلة أموت، قَالَتْ: فصام رمضان كلَّه فِي العام الآتي، وجلس اليوم الأخير منه يسبّح ويذكر اللَّه، ثم بقي فى آخر النهار يقول لي: انظري هَل غابت الشّمس. فكنت أخرج وأعود فأقول: لا، ما غابت. فلمّا غابت تُوُفّي فِي الحال، رحمه اللَّه ورضي عَنْهُ.(14/639)
616 - عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الجهْم، الفقيه أَبُو الْحُسَيْن القُرَشيّ، الجعفريّ، البُصْرَويّ، [المتوفى: 650 هـ]
نزيل القاهرة.
تُوُفّي فِي شعبان، وقد شاخ وكمّل التّسعين.
سَمِعَ مِن: العلّامة عَبْد اللَّه بْن بَرِّيّ، وأبي الفضل الغَزْنَويّ.(14/640)
617 - مُحَمَّد بْن جبريل بْن أَبِي الفوارس بْن جبريل. أبو عَبْد اللَّه الدَّرْبَنْدِيّ، الصُّوفيّ، عماد الدين المصري. [المتوفى: 650 هـ]
روى عَن: عَبْد الخالق بْن فيروز، وعنه: الدمياطي، وغيره. [ص:641]
تُوُفّي فِي ذي القعدة.(14/640)
618 - مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن ظَفَر، القاضي شمس الدّين، أَبُو عَبْد اللَّه العَلَويّ، الحُسَينيّ، الأُرْمَوِيّ، ثُمَّ المصريّ، الشّافعيّ، المعروف بقاضي العسكر. [المتوفى: 650 هـ]
ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، وتفقّه عَلَى شيخ الشّيوخ صدرِ الدّين أَبِي الْحَسَن بْن حَمُّوَيْه وصَحِبَه مدّةً. وسمع مِن: فاطمة بنت سعد الخير.
ودرس بمدرسة ابن زين التُّجّار بمصر. وولي نقابة السّادة، وقضاء العسكر. وذهب فِي الرِّسْليّة إلى العراق.
وكان مِن كبار الأئمّة، وصُدُور الدّيار المصريّة، وله يدٌ طُولَى فِي الأُصُول والنَّظَر.
تُوُفّي فِي ثالث عشر شوال.
وكان مولده بأرمية.
روى عَنْهُ: الدِّمياطيّ، وغيره.(14/641)
619 - مُحَمَّد بْن سَعْد بْن عَبْد اللَّه بْن سَعْد بن مفلح بْن هبة اللَّه بْن نُمَيْر، المَوْلَى العالم شمس الدّين أَبُو عَبْد اللَّه الأَنْصَارِيّ، المقدسيّ، ثُمَّ الدّمشقيّ، الصّالحيّ، الحنبليّ، الكاتب الأديب. [المتوفى: 650 هـ]
وُلِدَ سنة إحدى وسبعين وخمسمائة. وسمع من: أبي الحسين أحمد ابن المَوَازِينيّ، ويحيى الثَّقَفيّ، وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَلِيّ الخِرَقيّ، وابن صَدَقَة الحرّانيّ، وإسماعيل الْجَنْزَويّ، وجماعة. وأجاز لَهُ: عُبَيْدُ اللَّه بْنُ شاتيل، وَأَحْمَد بن ينال الترك، والحافظ أبو موسى المَدِينيّ، وأبو السّعادات نصر اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن القزّاز، وآخرون.
وكان أديبًا بليغًا، وشاعرًا محسِنًا، وكاتبًا مُنشِئًا، يرجع إلى دينٍ وصلاحٍ وصيانة ورياسة. كتب الإنشاء للملك الصّالح عماد الدّين. [ص:642]
وطال عُمُرُه، وروى الكثير، وكتب عَنْهُ القُدماء كالحافظ ضياء الدين، وأبي الفتح ابن الحاجب.
وروى عنه: مجد الدين ابن العديم، وشَرَف الدّين الدّمياطيّ، والقاضي تقيّ الدّين سليمان، والفخر ابن عساكر، والشَّرَف ابن خطيب بيت الآبار، والعفيف إِسْحَاق الآمِديّ، والفقيه عَلِيّ بْن عَبْد الحميد الفندقي، وسعد الدّين يحيى بْن مُحَمَّد ولده، وطائفة سواهم.
وتوفي بسفح قاسيون في ثاني شوّال.(14/641)
620 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْد الله بن أَبِي السَّهْل أَبُو الفضل الواسطيّ، ثُمَّ البغداديّ، المقرئ، الخيّاط. [المتوفى: 650 هـ]
شيخ صالح، خيّر. وُلِدَ سنة تسع وستين وخمسمائة، وسمع: أَبَا الفتح مُحَمَّد بْن يحيى بْن مواهب البَردانيّ، وَعُبَيْد اللَّه بْن شاتيل، والفقيه أَبَا الخير أَحْمَد بْن إِسْمَاعِيل القَزْوينيّ، وغيرهم.
روى عنه: قطب الدين محمد ابن القسطلّانيّ، وشَرَف الدّين الدِّمياطيّ، وَالشَّيْخ مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الكَنْجيّ، وَدَاوُد بْن أَبِي نصر البغداديّ، وبَيْبَرْس العديميّ، وآخرون، وأجاز لجماعةٍ فِي الأحياء، وتُوُفّي فِي منتصف المحرَّم.
قَالَ الدّمياطيّ: قرأت عَلَيْهِ كتاب " أسباب النُّزول " للواحديّ، وكتاب " غريب الحديث " لأبي عُبَيْد.(14/642)
621 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن محمود ابن حسام الدّين طريف بْن رسلان، جمال الدّين أبو عبد الله ابن العسقلّانيّ، المصريّ ثُمَّ الدّمشقيّ، الحنفيّ الضّرير. [المتوفى: 650 هـ]
وُلِدَ بمصر في سنة نيف وسبعين وخمسمائة، وسمع بنَيْسابور مِن منصور الفَرَاويّ، والمؤيَّد الطُّوسيّ، وزينب الشِّعْرية.
وحجّ غير مرّة، ودخل إلى ما وراء النّهر فِي طلب الفِقْه والرّواية، وكان فقيهًا فاضلًا، ديِّنًا، خيّرًا.
روى عَنْهُ: الشَّيْخ تاج الدّين عَبْد الرَّحْمَن، وأخوه، وزين الدين الفارقي، [ص:643]
وشرف الدين الدمياطي، والفخر ابن عساكر، وَمُحَمَّد بْن مُحَمَّد الكَنْجيّ، وَمُحَمَّد ابن خطيب بيت الآبار، وجماعة كثيرة.
وتوفي فِي ثالث شعبان.(14/642)
622 - مُحَمَّد بْن غَلْبُون، بْن مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز بْن غلْبُون، أَبُو بَكْر الأَنْصَارِيّ، المُرْسي. [المتوفى: 650 هـ]
سَمِعَ مِن: أَبِيهِ، وجماعة، وأجاز له: أبو عبد الله بن زرقون، وأبو القاسم بْن حُبَيْش، ومن المشرق: المحدّث عَبْد الرّزَّاق ابن الشَّيْخ عَبْد القادر الْجِيليِّ، وَعَبْد الواحد بْن سلطان المقرئ.
ذكره الأبّار فَقَالَ: كَانَ ذا عنايةٍ بالرّواية والفقه، مشاركًا فِي فنون. واختل قبل وفاته، وبيعت أكثر أصوله وهو لا يشعر، وتُوُفّي فِي شعبان. وقد أخذتُ عَنْهُ سنة ستٍّ وثلاثين، يعني: وهو فِي العافية.(14/643)
623 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن سَعْد اللَّه بْن رمضان بْن إِبْرَاهِيم، الفقيه تاج الدّين، أَبُو عبد الله ابن الوزّان الحلبيّ، ثُمَّ الدّمشقيّ، الحنفيّ. [المتوفى: 650 هـ]
وُلِدَ بحلب سنة ثمان وستين وخمسمائة، وسمع بمصر مِن أَبِي القاسم البُوصِيريّ، وفاطمة بِنْت سعد الخير، وَأَبِي الْحَسَن بْن نجا الواعظ، والأرتاحيّ، وجماعة، وبالإسكندريّة مِن عَبْد الرَّحْمَن بن موقى، وبدمشق مِن حنبل، وغيره.
ودرّس بالمدرسة الأَسَديّة بظاهر دمشق عَلَى الشّرف القِبْليّ، وولي نظر المارستان مرّةً، وكان عدْلًا متميّزًا فاضلًا.
روى عَنْهُ: الدّمياطيّ، والكنجي، وبهاء الدين محمد ابن سَنِيّ الدّولة الشّاهد، وأخوه أَحْمَد الجنديّ، وأبو المعالي ابن البالسي، وجماعة.
وتوفي فِي ثامن عشر المحرَّم.(14/643)
624 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن الْحَسَن بْن حكيم، أَبُو الْحَسَن الحَرّانيّ، ثُمَّ الحلبيّ. [المتوفى: 650 هـ][ص:644]
ولد سنة ست وستين وخمسمائة ببغداد، وسمع مِن: لاحق بْن قندرة، وَأَبِي القاسم بْن شدّقينيّ، وَعَبْد اللَّه بْن دَهْبل، وابن طبرزد، وغيرهم.
روى عَنْهُ: القاضي مجد الدّين العديميّ، والحافظ شَرَف الدين التوني، وغيرهما.
وكان شيخًا صالحًا زاهدًا. سَمِعَ جميع " المُسْنَد " للإمام أَحْمَد عَلَى ابن قندرة.
ويُقال: إنه من ولد ثابت بن قرة الصابي.
تُوُفّي فِي المحرّم بحلب.(14/643)
625 - مُحَمَّد بْن محمود بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن يوسف أبو عبد الله ابن الملثم المصري، العادلي. [المتوفى: 650 هـ]
ولد سنة تسع وسبعين. وكان مِن أولاد طلبة العِلم، فسمّعه أَبُوهُ الكثير مِن البُوصِيريّ، والأرْتاحيّ، وَعَبْد الخالق بْن فيروز، وفاطمة بِنْت سعد الخير، وجماعة، روى عَنْهُ: الدِّمياطيّ، وابن الحُلْوانيّة، وتُوُفّي ليلة عيد النَّحْر.
وهو أخو فاطمة.(14/644)
626 - مُحَمَّد بْن المؤيَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن حَمُّوَيْه الشَّيْخ سعد الدّين أَبُو إِبْرَاهِيم الجوَيْنيّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 650 هـ]
كَانَ صاحب رياضات وأحوال، وله كلام فِي التصوُّف عَلَى طريقة أهل الوحدة، وكان قد حجّ وأقام بقاسيون يتألّه ويتعبّد مدةً في زاوية لهم ومعه جماعة مِن الصُّوفيّة، ولهم سمْت وجلالة وتعفُّف. فلمّا ضاق بِهِ الحال رجع إلى بلاد خُراسان، واجتمع بِهِ جماعةٌ مِن أمراء التّتار، وأسلم عَلَى يده غير واحدٍ منهم. وبنى بآمُل خانكاه، ورُزِق القَبُولَ التّامّ. ثُمَّ زار قبر جدّهم القُدْوة الكبير مُحَمَّد بْن حَمُّوَيْه الجويني ببحير آباد مِن أعمال جُوَيْن فأقام عنده أسبوعًا وعبر إلى اللَّه تعالى. [ص:645]
وهو والد شيخنا صدر الدّين إِبْرَاهِيم الَّذِي أسلم على يده قازان.
وقد توفي والده الشَّيْخ معين الدّين أَبُو المفاخر المؤيَّد سنة خمس وستمائة.(14/644)
627 - مُحَمَّد بْن أَبِي المعالي بْن جَعْفَر بْن عَلِيّ، أَبُو عَبْد اللَّه الأَنْصَارِيّ، البَعْلَبَكّيّ، ثُمَّ الدّمشقيّ الحنبليّ التّاجر. [المتوفى: 650 هـ]
وُلِدَ سنة أربعٍ وثمانين، وسمع مِن: الخُشُوعيّ، وحنبل. روى عَنْهُ: الدِّمياطيّ، وابن الحُلْوانيّة، والقاضي جلال الدّين عَبْد المنعم، والفخر عبد الله ابن المراكشي، وغيرهم. وتوفي فِي نصف ربيع الأوّل.
لَقَبُهُ عماد الدّين، ويقال له: ابن معالي أيضًا.(14/645)
628 - مُوسَى بْن زكريّا بْن إِبْرَاهِيم، صدرُ الدّين أَبُو عمران الحَصْكَفِيّ، الفقيه الحنفيّ، قاضي آمِد. [المتوفى: 650 هـ]
قدِم حلبَ رسولًا. وحدَّث بالقاهرة وبها تُوُفّي فِي صفر وله سبعون سنة.
روى شيئًا عن الافتخار الهاشمي، وعنه الدّمياطيّ.(14/645)
629 - مُوسَى بْن أَبِي الفتح محمود بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد، سعد الدّين ابن الصّابونيّ، المحموديّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 650 هـ]
وُلِدَ لأبيه بديار مصر قبل الثمانين وخمسمائة، وروى شيئًا بالإجازة عن والده، وتوفي في رمضان، وقد جاوز السبعين.(14/645)
630 - نصر اللَّه بْن أَبِي العزّ هبة اللَّه بْن أَبِي مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي، فخرُ القضاة أبو الفتح ابن بُصَاقَة الغِفارِيّ المصريّ الحنفيّ الكاتب النّاصريّ الأديب. [المتوفى: 650 هـ]
شاعر مُفْلِق بديع النَّظْم. [ص:646]
ذكره ابن النّجّار فَقَالَ: كَانَ خِصِّيصًا بالملك المعظَّم ثُمَّ بابنه دَاوُد، وقدِم معه بغدادَ. وكتبنا عَنْهُ مِن شِعره، وُلِدَ بقوص سنة تسع وسبعين وخمسمائة.
قلت: روى عَنْهُ الشّهاب القُوصيّ فِي " معجمه " شيئًا كثيرًا مِن شِعره.
ومات فِي ثامن جمادى الآخرة بدمشق.
ومن شعره لغزًا:
وحاملة محمولة غير أنّها ... إذا حملت أَلْقت ليوم جنينها
منعّمة لم ترضَ خدمةَ نفسِها ... فغلمانُها من حولها يخدمونها
لها جسد ما بين روحين يغتدي ... ولولاهما كَانَ التَّرَهُّب دينها
وقد شُبِّهت بالعرش في أنّ تحتها ... ثمانية من فوقهم يحملونها(14/645)
631 - هبة اللَّه بْن أَبِي الْجُود حاتم بْن عَبْد الجليل بْن عَبْد الجبّار بْن حَسَن سديدُ الدّين، أَبُو القاسم الأَنْصَارِيّ المصريّ الكاتب الأديب. [المتوفى: 650 هـ]
ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وسمع مِن: البُوصِيريّ، وإسماعيل بْن ياسين، والقاسم ابن عساكر، والعماد الكاتب، وجماعة، وتقلّب فِي الخِدَم الدّيوانيّة.
روى عَنْهُ الدّمياطيّ وغيره.
تُوُفّي فِي جمادى الآخرة.(14/646)
632 - هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن مُفَرِّج بْن حاتم بْن حَسَن بْن جَعْفَر، جمالُ الدّين أَبُو البركات، المقدِسيّ الأصل، الإسكندرانيّ الشّافعيّ المعروف بابن الواعظ. [المتوفى: 650 هـ]
شيخ فاضل جليل من عدول الثغر، ولد سنة تسع وستين وخمسمائة، وروى عَن: السِّلَفيّ، وعن عَبْد الرَّحْمَن بْن موقى. روى عَنْهُ: الحافظان عَبْد العظيم المنذريّ، وَعَبْد المؤمن الدّمياطي، وقالا: مات فِي ثامن صفر، وقال المنذري: سماعه حضور. [ص:647]
قلت: وروى عنه بالإجازة: أبو المعالي ابن البالسي، وغيره، وبالسماع أيضًا: مجد الدين ابن العديم، وقبله التّقيّ اليَلْدانيّ، وَأَحْمَد بْن عَبْد الكريم ابن الأغلاقي.(14/646)
633 - يحيى بْن أَبِي السُّعُود نصر بْن أَبِي القاسم بْن أَبِي الْحَسَن بْن قُمَيْرَة، مؤتَمَنُ الدّين أَبُو القاسم التّميميّ الحنْظليّ اليَرْبُوعيّ الأَزَجيّ التّاجر السّفّار. [المتوفى: 650 هـ]
أسندُ مَن بقي فِي العراق، ولد سنة خمس وستين وخمسمائة، وسمع مِن: شُهْدَة، وتَجَنِّي الوهْبانيّة، وَعَبْد الحق اليُوسُفي، وَمُحَمَّد بْن بدر الشِّيحيّ، والحسن بْن شِيرُوَيْه، وحدَّث ببغداد ودمشق ومصر وحلب فِي تجارته، وأكثر عَنْهُ الخلْق. وهو آخر مِن سَمِعَ فِي الدّنيا مِن هَؤُلَاءِ الخمسة.
روى عنه: الحافظ محب الدين ابن النجار، ومجد الدين ابن الحلوانية، والحافظان ابن الظّاهريّ والدّمياطيّ، والقاضي تقيّ الدّين سُلَيْمَان، وأبو بكر الدشتي، والبهاء أيوب ابن النحاس، وأخوه إسحاق، وبيبرس العديمي، والعماد ابن البالسي، وإبراهيم ابن التّقيّ بْن أَبِي اليُسْر، وعليّ بْن جَعْفَر المؤذن، والشيخ عبد الرحمن ابن المقير، وعبد الله ابن الشيخ شمس الدين، ومحمد ابن الصّلاح مُوسَى، والتّقيّ عَبْد اللَّه بْن تمام، وخلْق سواهم.
تُوُفّي فِي السّابع والعشرين مِن جُمادى الأولى ببغداد، وله خمسٌ وثمانون سنة.(14/647)
634 - أَبُو بَكْر بْن سعد اللَّه بْن جماعة بن حازم بن صخر الكناني الحَمَويّ الشّافعيّ. [المتوفى: 650 هـ]
شيخ صالح خيِّر، روى عَن عمّه أَبِي الفتح نصر اللَّه بْن جماعة.
وهو مِن بيت الدّين والصّلاح.
تُوُفّي فِي شعبان بحماة.
وهو عمّ قاضي القُضاة بدر الدين.(14/647)
-وفيها ولد:
الشيخ القدوة محمد بن عمر ابن الزّاهد أَبِي بَكْر بْن قِوام البالِسيّ، ومُعِينُ الدين أبو بكر بن عبد اللطيف ابن المغيزل، خطيب حماة، وعفيف الدين محمد ابن المجد عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن الإربليّ، يوم عاشوراء بحلب، وشاكر ابن تقيّ الدّين بْن أَبِي اليُسْر، وعُمَرُ بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مؤمن، وقِوامُ الدين حسن بن محمد ابن الطراح، وشهاب الدين أحمد بن محمد بن سلمان بن حمائل الكاتب ابن غانم، والشيخ محمد بن نصير بْن صالح المصريّ المقرئ، تقريبًا، وشمس الدّين مُحَمَّد بْن عُمَر بْن أَحْمَد بْن عَبْد الدائم، المقرئ الضرير، والمعلم محمد بن مظفر الصالحي المهندس، والشيخ محمد ابن المحب عبد الله، في ثاني عشر ربيع الأوّل، والشّهاب أَحْمَد بْن كِنْديّ بْن عُمَر، وُلِدَ فِي جمادى، وناصر الدّين مُحَمَّد ابن الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بْن معْضاد الْجَعْبَرِيّ، والزين عَلِيّ بْن مرزوق السُّلامي، بها، وَمُحَمَّد بْن يوسف بن عبد الله بن رجاء البوّاب، وأقوش مولى شِبْل الدّولة، بماردين، وَعَبْد العزيز ابن التاج، وَمُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بوّاب الزّكاة، وَالشَّيْخ إِبْرَاهِيم ابن القرشية، وعلي بن يونس المؤدب، والشيخ محمد بن عيسى المجلد، والتقي حمزة ابن المجدلي، وإسحاق بن إبراهيم ابن الوزيري.(14/648)
-ذكر شيوخ كانوا فِي حدود الأربعين وبعدها(14/649)
635 - إلياس بْن الأنجب بْن يحيى بْن عبّاس، أبو عبد الله البغدادي ابن الكيْلانيّ الغرّاد ثُمَّ التّاجر. [الوفاة: 641 - 650 هـ]
قَالَ ابن النّجّار: شيخ صالح، وجدْنا سماعَه فِي أجزاء مِن " الحلْية " عَلَى ابن البطّيّ، مولده فِي سنة ثمان وخمسين وخمسمائة.
قلت: أجاز لابن الشّيرازيّ، وَلِمُحَمَّد البجدّيّ، وبنت مؤمن وجماعة، أجاز لهم فِي سنة أربعين وستمائة.(14/649)
636 - بَرَكة بْن الأعزّ بْن أَبِي الْحَسَن بْن بركة أَبُو الْحَسَن البغداديّ، الرّفّاء، المؤذّن. [الوفاة: 641 - 650 هـ]
سَمِعَ بإفادة مؤدبه شيئًا من المبارك بن خضير، وهو شيخ صالح أجاز لابن الشّيرازيّ، وسعد الدين والبجدي، وفقهاء بنت الواسطي، وجماعة.(14/649)
637 - حرة بنت عبد الوهاب بن بزغش، أمَةُ الوهّاب. [الوفاة: 641 - 650 هـ]
سمّعها أبوها مِن: عَبْد اللَّه بن أحمد السراج، وخمارتاش الرؤسائي.
ومن مَرْوِيّاتها كتاب: " يومٌ وليلةٌ " لابن شبيب المعمري، سَمِعَتْه مِن السّرّاج سنة سبْعٍ وسبعين، وهو مجلد.
أجازت لابن الشيرازي، والمطعم، والبجدي، وبنت مؤمن، وجماعة.(14/649)
638 - ست النعم بِنْت عَبْد المحسن بْن بُريك بْن عَبْد المحسن الأَزَجِيَّة. [الوفاة: 641 - 650 هـ]
سَمِعْتُ سنة سبعين مِن أبيها جزءًا عَن أُبي النَّرْسيّ. أجازت للمُطْعِم، وسعد الدين، والبجدي، وبنت الواسطي، وجماعة.(14/649)
639 - صَلَفُ بنتُ قاضي القُضاة جَعْفَر بْن عَبْد الواحد ابن الثّقفيّ. [الوفاة: 641 - 650 هـ]
سَمِعْتُ مِن ابن شاتيل، أجازت: لسعد، والبجدي، وبنت الواسطي، وبنت مؤمن، وطائفة.(14/649)
640 - طلعة بِنْت راشد بْن عَبْد اللَّه بْن سُلَيْمَان البقّال الأَزَجيّ. [الوفاة: 641 - 650 هـ][ص:650]
سَمِعْتُ حضورًا سنة سبعين مِن عَبْد الحقّ اليُوسُفيّ. أجازت لابن الشّيرازيّ، والمُطْعِم، والبجدّيّ، وهديّة بنت مؤمن، وَجَمَاعَةٌ.(14/649)
641 - عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْمَلِكِ بْن مُظَفَّر بن غالب أَبُو مُحَمَّد الحربي. [الوفاة: 641 - 650 هـ]
سمَّعه أَبُوه فِي سنة تسعٍ وسبعين مِن ابن شاتيل كتاب " الشكر" لابن أبي الدنيا. أجاز لسعد، والبجدّيّ، وبنت الواسطيّ، وجماعة.
قَالَ ابن النجار: هو صالح لا بأس بِهِ.(14/650)
642 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن بختيار بْن عَلِيّ، أَبُو مُحَمَّد الهمامي، الصوفي. [الوفاة: 641 - 650 هـ]
والهمامية مِن أعمال واسط.
سكن بغداد، وسمع مِن أَبِي الْحُسَيْن عَبْد الحقّ.
قَالَ ابن النّجّار: شيخ صالح حَسَن الطّريقة، وهو الآن حيّ، وقد قارب الثّمانين.
قلت: أجاز لابن الشّيرازيّ، ومحمد البجدي، وجماعة.(14/650)
643 - عبد اللطيف بن أحمد بن مكي، أبو طالب التميمي البغدادي. [الوفاة: 641 - 650 هـ]
سَمِعَ بعض " مشيخة الفَسَويّ " من أَبِي السعاداتِ القزاز. أجاز للمطعم، وسعد، والبجدي، وبنت المحب، وجماعة.(14/650)
644 - عَبْد الملك بْن المبارك بْن أَبِي القاسم بْن قيبا، أَبُو منصور السّقلاطونيّ. [الوفاة: 641 - 650 هـ]
شيخ لا بأس بِهِ، مقلّ. وُلِدَ سَنَة سبْعٍ وخمسين. وسَمِعَ مِن يحيى بْن ثابت، وغيره.
أجاز لابن عساكر، وابن الشّيرازيّ، والبجدّيّ، وبنت الواسطي، وطائفة.(14/650)
645 - عَقِيل بْن مُحَمَّد بْن يحيى بْن مواهب بن إسرائيل، أبو الفتوح البرداني الخباز. [الوفاة: 641 - 650 هـ]
سمع: أباه، وابن شاتيل، والقزاز، وأبا محمد ابن السّرّاج.
قَالَ ابن النّجّار: صحيح السّماع، لا بأس بِهِ.
أجاز لابن الشّيرازيّ، وَمُحَمَّد البجدّيّ، وجماعة.(14/650)
646 - مُحَمَّد بْن محمود بْن أَبِي طاهر بْن معالي، أبو عبد الله ابن النّجّاد البغداديّ. [الوفاة: 641 - 650 هـ]
سَمِعَ " جزء الجراديّ " مِن أَبِي شاكر السقلاطوني، أجاز للمطعم، وسعد، والبجدّيّ، وبنت مؤمن، وجماعة.
فمن حديثه: أخبرنا أبو شاكر، قال: أخبرنا محمد بن المختار، قال: أخبرنا علي بن عمر البرمكي، قال: حدثنا عبيد الله بن محمد بن علي ابن الجرادي الكاتب، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عيسى، قال: حدثنا مُحَمَّد بْن شجاع، فذكر حديثًا.
قَالَ ابن النّجّار: هذا الشَّيْخ هُوَ ممّن لا يُفرح بمثله.(14/651)
647 - المباركُ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن هبة اللَّه بن المظفر بن علي بن الحسن ابن المسلمة، الصاحب أبو الفتوح ابن الوزير، [الوفاة: 641 - 650 هـ]
وجدهم علي هو رئيس الرؤساء.
كان أبو الفتوح بقية بيته، ولي أعمالا جليلة، وبنى رباطا للصوفية، وله صدقات وبر. وكان لازما لبيته، مشتغلا بنفسه.
سمع من: يحيى بن ثابت، وتجني الوهبانية.
قال ابن النجار: وذكر لي أنه ولد في تاسع رجب سنة ستين وخمسمائة.
قلت: وقد أجاز في سنة أربعين، وقبل ذلك، لابن الشيرازي، ولمحمد البجدي، وأبي بكر بن عبد الدائم.
مات سنة خمس.(14/651)
648 - يحيى بْن عَلِيّ بْن عَلِيّ بْن عنان، أبو الحسن الغنوي البغدادي، ويعرف بابن البقّال، الحنبليّ الفَرَضيّ، [الوفاة: 641 - 650 هـ]
أحد الأئمّة.
سَمِعَ أبا الفتح بن شاتيل، ومن بعده فأكثر. ثم ترك العلم وعالج الديوان.
ولد سنة إحدى وسبعين.
أجاز لابن الشيرازي، وابن سعد، والبجدي، وبنت مؤمن، وبنت الواسطي، وجماعة.(14/651)
649 - أبو محمد بن أبي القاسم ابن الأشرف العباسي المتوكلي. [الوفاة: 641 - 650 هـ]
سمع من أبي شاكر السقلاطوني، سمع منه ابن النجار، وأجاز لابن سعد، وللبجدي، وجماعة.(14/652)
650 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْد الصّمد بْن الهنيّ بْن أَحْمَد الإِمَام أَبُو منصور البغداديّ المقرئ الخيّاط البوّاب، [الوفاة: 641 - 650 هـ]
مِن كبار القُرّاء ببغداد.
سمع من: ابن طَبَرْزَد، وابن مَنِينا، وابن الأخضر، ورحل فأخذ عَن الكِنْديّ، وابن الحَرَسْتانيّ، وعدّة. وقرأ عَلَى أصحاب أَبِي الكَرَم الشَّهْرزوريّ، فتلا بطُرق " المصباح " على الشيخ عبد العزيز ابن الناقد. وتلا على أبي الكرم.
وقرأ عَلَيْهِ بالسّبع الموفق عَبْد اللَّه بْن مظفّر البعقوبي، وغيره. روى عَنْهُ: ابن الحُلْوانيّة، والدّمياطيّ، وعليّ بْن ممدود البندنيجي، وغيرهم.
ولد سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، وبقي إلى قريب الخمسين بل إلى سنة خمس وخمسين، وحدَّث فيها.(14/652)
651 - المبارك بْن مُحَمَّد بْن مَزْيَد الخواص أبو الحسن البغدادي، الحنفي. [الوفاة: 641 - 650 هـ]
سَمِعَ بعض " مشيخة الفَسَويّ " مِن أَبِي السعاداتِ القزّاز، وسمع مِن: ابن كليب، وَعَبْد الغنيّ بْن أَبِي العلاء الهَمَذَانيّ. سَمِعَ مِن: عَبْد الغنيّ جميع " مُسْنَد العدنيّ "، قال: أخبرنا سَعِيد بْن أَبِي الرجاء الصَّيْرفيّ.
روى عَنْهُ: الدّمياطيّ، وَمُحَمَّد بْن مُحَمَّد الكَنْجيّ، وجماعة، وأجاز لطائفةٍ مِن كُهُول شيوخنا.
ولم أظفر بوفاته.(14/652)
652 - يحيى بْن عَبَّاس أَبُو زكريا القَيْسيّ، القَسَنْطِينيّ المحدّث. [الوفاة: 641 - 650 هـ]
لَهُ رحلة إلى الأَنْدَلُس، فأخذ عَن أَبِي عَبْد اللَّه بْن نُوح، وَأَبِي الخطّاب بْن واجب، والحسين بْن زلال، وطائفة.
أجاز لأبي جَعْفَر بْن الزُّبَيْر " برنامجه " فِي سنة تسع وأربعين.(14/652)
-الطبقة السادسة والستون 651 - 660 هـ(14/653)
بسم الله الرحمن الرحيم
- (الحوادث)(14/655)
-فصل
وقد انقرض في هذه الطَّبَقة السّادسة والسّتّين خلْقٌ من العلماء والأعيان ورواة الآثار، منهم طائفة بالأندلس والمغرب لم تبلغنا أخبارهم، وطائفة بالمشرق وخراسان، وخلقٌ ببغداد ذهبوا تحت السّيف في سنة ستِّ وخمسين، كالخليفة وأُمرائه وحَشَمه، وطائفة من شيوخ الدّمياطيّ وابن القسطلاني منهم أربعة أو أكثر من أصحاب أبي الفتح ابن شاتيل، وأبي السّعادات القزّاز، وعدّة من أصحاب ابن كُليب، وابن الجَوْزيّ. وكذا راح في أخذ حلب جماعةٌ من شَرْطِنا تحت السّيف كَتَبنا أكثرهم، رحم الله الجميع.
وهذه نُبذة ممّا جرى في هذه الطّبقة من الحوادث.(14/655)
-حوادث سنة إحدى وخمسين وستمائة
استهلَّّت وسلطان مصر الملك الأشرف ابن صلاح الدّين ابن أقْسِيس وأتابكه الملك المُعِزّ أيْبَك، وسلطان الشَّام إلا اليسير الملك النّاصر يوسف.
وفيها رجع الباذرائي ونظامُ الدين ابن المَوْلى من القاهرة بخلاص الذين أسرتهم البحرية فِي وقعة الصَّالحية بآخر الرمل فِي سنة ثمانٍ وأربعين. وهم الملك المعظَّم تورانشاه ابن السُّلطان صلاح الدين، وأخوه النُّصرة، والملك الأشرف ابن صاحب حمص، وأولاد الملك الصالح إِسْمَاعِيل، وشهاب الدّين القَيمُري.
وفي آخرها، وقيل فِي الآتية، قدِمتْ ابنة السُّلطان علاء الدين من الروم على زوجها السلطان الملك الناصر، وفي خدمتها شوباشيّ معه خمسمائة [ص:656]
فارس، وجهازها وثَقْلها على ألف جَمَل، ومحفّتُها بأطلس مُكلّلة بالجوهر والذَّهب، فبُسِط البُسُط بين يدي دابتها، وكان يومًا مشهودًا، وعُمل لها عرسٌ لم يُسمع بِمِثْلِهِ من الأعمار بدمشق. وهي بنت ابنة السلطان العادل.
وفيها تقرّر الصُّلح بين المصريين والملك النّاصر على أن تكون للمصريين غزَّة، والقدس، وحلفوا على ذلك. وقُطع بمصر خُبز الأمير حسام الدين بن أَبِي علي، فاستأذن فِي المُضيّ إلى الشَّام، فأُذن له، فقدِم على النّاصر فأحترمه وأعطاه خبزًا جليلًا.
وعظُم الفارس أقطاي الجَمدار بمصر، وصار يركب بشاويش وعَظَمة، والتفَّت عليه البحرية والجَمْداريَّة، وكانوا فِي نيَّة سلطنته. ونزل رُكْن الدين بيْبرس البُندقداري ببعض دار الوزارة، وصار من كبار أمراء الدولة، وكذلك سيف الدين بَلبَان الرَّشِيديّ، وشمس الدين سُنْقر الرُّومي، وشمس الدين سُنْقُر الأشقر، وعز الدّين الأفرم، وهم من حزب الفارس. والملك المعز خائف من ثورتهم، وكانت النّاصرية والعزيزية من حزبه، فأخذوا فِي الحيلة على إهلاك الفارس، وكانت الوقعة الجمعة.
وخرج من دمشق ركْب عظيم وسبيل كبير، ولكن كان الغلاء بمكّة شديدًا، أبيع شربة الماء بدرهم، والشاة بأربعين درهمًا. ومضوا وردوا على تيماء.
وفيها جَهْز طاغية المغْل إلى بلاد ما وراء النهر أخاه هولاكو، فسار من قُراقرم فِي جيشٍ كثيف، فبادر أرغوان إلى خدمته فأقره على خُراسان.
وفيها سار طائفةٌ من عسكر الملك النّاصر فنزلوا على عكا، ثم ملكوا كرْدانة وأحرقوا الطواحين، وساقوا إلى صيدا فأخذوها بالسيف فهرب أهلُها إلى قلعتها.
وفيها خرّبوا قلعة الجيزة.
وفيها منعوا الوُعاظ بالقاهرة من الوعظ لكون العماد الواعظ قال على المِنبر: خلق الله آدم بيده. وأشار إلى يده، فعزروه وعزموا على عقد مجلس له فلم يتّفق.
وفيها نزح خلْقٌ من الْجُنْد من بغداد إلى الشّام لقطع أرزاقهم.(14/655)
-سنة اثنتين وخمسين وستمائة
وفيها أقطع الملك المعز لأَيْدغْدي العزيزي دمياط فوق خبزه.
وفيها جاءت الأخبار أنْ نارًا ظهرت فِي أرض عَدَن بجبالها، وكان يطير شررُها فِي الليل إلى البحر ويصعد منها دُخان عظيم فِي النهار. وخاف أهل اليمن وتاب بعضُهم.
وفيها ظهر بالمغرب خارجي وتسمَّى المستنصر بالله، وأظهر العدل، واستولى على إفريقية، وبنى برجًا وكان يجلس فيه، وكان يجلس تحته القاضي، والوزير، والمحتسب، والوالي، يقضون أمور النّاس بحيث يراهم ويسمعهم.
وفيها رجع الشريف المُرتضى الحلبي من الروم، وأحضر معه ابنة ملك الروم علاء الدين كيقُباذ، وأمها ابنة السُّلطان الملك العادل، وقد تزوجها الملك النّاصر، فعمل عُرسه عليها بدمشق، وعُملت القِباب، ولعب الجيش، واحتفلوا للعُرس احتفالًا عظيمًا.
وفيها توجه الفارس أقطايا إلى الصعيد ثانيًا فقَتل ونهب وعَسَف، ولما رجع قُتل بقلعة الجبل، وهرب حزبه من البحرية، ومَن قعد منهم قَبض عليه المُعزّ وأودعهم السجن. وركبت العزيزيَّة ونهبوا دُور البحرية. وأبطل المُعزّ يومئذٍ اسم الملك الأشرف، وأنزله إلى عماته القُطبيات. وركب الملك المُعزّ فِي دست السلطنة.
وقدِم البحرية على صاحب الشّام ورأسهم سيف الدين بَلبَان الرشيدي، ورُكن الدين بيبرس البُندقداري، فبالغ فِي إكرامهم بالعطاء والخِلع، فلزوه فِي التَّوجه إلى مصر لكونها مخَبَّطة. فقدم على الجيش الملك المعظَّّم عم أَبِيهِ، فدهمهم الشتاء بالغوْر، وزادت الشريعة، ووقع فِي حوافر خيلهم مرض. وبقوا بالغور مدة، ثم نزلوا غزة، فبذل الملك المُعزّ الأموال، ونزل العبّاسة، وخاف [ص:658]
من العزيزية الذين قفزوا إلى مصر سنة ثمانٍ وأربعين، لأنه بلغه أن الملك النّاصر كاتبهم، فقبض على كبارهم، ونهب خِيمَهم. فبلغ ذلك الملك الناصر ففتر وضعُفت همّته.
وكان الفارس أقطايا قد طغى وتجبَّر بحيث إنه إذا ركب إلى القلعة يدوس موكبُه الناس ويضربونهم، ولا يلتفت على المُعزّ ولا على غيره، والخزائن بحُكمه. ثم أراد أن يسكن في القلعة وأن تُخْلَى له دار السلطنة، وطاش وأسرف، فقتله المُعزّ، وهربت مماليكه.
قال شمس الدين الجَزَري فِي " تاريخه ": فحدثني عزُّ الدين أَيْبك الفارسي فِي سنة تسع وسبعين قال: طلع أستاذنا إلى القلعة فِي شَعْبان على عادته، فرتب له المُعزّ عشرةً مِنهم مملوكه قُطُز، الَّذِي تسلطن، فقتلوه، فركبت البحرية وغلمان الفارس فبلغوا سبعمائة وأتوا القلعة، فرمى برأس الفارس إليهم، فهرب طائفة إلى الكَرَك إلى الملك المغيث، وطائفة إلى الشام، وطائفة طلبوا الأمان. وكنت أنا وخُشْداشي فِي اثنى عشر مملوكًا قد أخذنا كل واحدٍ فرسًا وَجَنبيًا وهجينًا، وطلعنا من القاهرة فِي الليل، وَقَصَدْنا البرِّية، فوقعنا فِي تيه بني إسرائيل، فبقينا خمسة أيام فِي البرية، ونَحَرْنا بعض الهجَن فأكلناه، ثم سِرنا يومًا وليلةً، فلاح لنا فِي اليوم السابع عمارةٌُ فقصدناها، فلقينا صورة مدينةٍ بأسوارٍ وأبواب جميعها زجاج أخضر، فدخلناها فوجدنا الرمل ينبعُ فِي أماكن منْهَا، وبعضه قد وصل إلى السُّقُوف، وأكثر الأسواق ما فيها رمل بل الدكاكين على حالها، وفيها قماش، فكنّا نمَسُّه فيصير هَبَاءً، وكذلك أخشاب السُّقوف حتى النُّحاس قد تفتتِ. ووجدنا صينية نُحاس فيها ميزان، فحين رفعناها تفتتت، ووجدنا فيها تسعة دنانير عليها صورة غزال وعليها حروف عبراني. فبقينا يومنا ندور فِي تلك المدينة إلى أن وجدْنا أثر رشَحٍ، فحفَرْنا نحو ذراعين، فظهرت بلاطة فقلعناها، فإذا صهريج ماء، فشربنا وسقينا الدواب، ونَحرنا فرسًا وهجينًا، وشوينا اللهم على الشيح، ثم تزوَّدنا من الماء ونحن [ص:659]
لا ندري إلى أَيْنَ نتوجَّه، فسِرنا يومًا وليلة، فوقعنا على قبيلة عرب من بني مهدي، فوصَّلُونا إلى الكَرَك، فأكْرمنا المغيث ثم قصدنا يهوديَّا لنصرف الدنانير وحكينا له، فصاح وغُشي عليه، ثم قال: هذا ضُرب فِي زمان مُوسَى عليه السلام، وهذه المدينة بُنيت لما كان مُوسَى فِي التِّيه بالزجاج الأخضر عِوَض الحجارة، وقد حصل لها طوفان رملي، فتارةً ينقُص الرمل فتظهر جدرانها، وتارةً يغطيها الرمل، فبعناه الدينار بمائة دِرهم، وأضافَنَا وأعلَمَ يهودَ الكَرَك بنا، فكانوا يأتوننا ويسألونا ويقولون: هذه المدينة الخضراء التي بناها مُوسَى.
قال الجَزَري: ثم حَجَجْت أَنَا فاكتريتُ من معَان مع شخص من بني مهدي إلى القدس فسألته، فقال: نحن بحذاء التيه، وأنا ما رَأَيْت شيئًا، ولكنْ أخبرني أَبِي أنه تصيَّد فِي التِّيه فوقع بمدينة خضراء ورأى حيطانها زجاجًا أخضرَ.
قال: فلما رجعتُ أعلمتُ قومي، فأخذوا جمالًا وأوسقوها زادًا وماءً، ثم قصدنا تلك الأرض فلم نرها وغُيِّبت عنا. وبعد كل مدة يراها واحدْ مصادفة. ويقصد لها عرب تلك الناحية باليهود ليزوروها فقلَّ من يراها.
وفيها حارب صاحب المَوْصِل العدوية، وقتل خلقًا، وأسر عدّة فصلب منهم مائة نفُس، وذبح مائة، وقُتل كبيرهم وعُلِّق. وبعث من نبش الشَّيْخ عديا وأحرق عظامه. أنبأني بذلك الظهير ابن الكازروني فِي " مجموع ".
ووثب غانم بن راجح بن قتادة الحَسَنيّ فِي مكة بأبيه فقيَّده وزعم أنه جُنَّ، فسأله أن يُخلّي سبيله، فأعطاه جَمَلًا فركبه وهرب، وتمكن غانم بمكّة.(14/657)
-سنة ثلاث وخمسين وستمائة
دخلتْ وعسكرُ الملك النّاصر نازلٌ على العوجاء، والملك المُعزّ نازلٌ على العباسة، وطال مُقام الفريقين، وكان النّاصر قد أقطع البحرية أخبازًا جليلة. [ص:660]
قال ابن واصل: وفي رمضان عزمت العزيزية على القبض على المُعزّ، وكاتبوا النّاصر، ولم يوافقْهم جمال الدّين أيْدُغْدي العزيزي، واستشعر الملك المُعزّ منهم وعرف الخبر، وعلموا هُمْ فهربوا على حميَّة، وكبيرهم شمس الدين آقوش البرليّ، ولم يهرب أيْدُغْدي وأقام بمخيَّمه، فجاء المُعزّ راكبا إلى قرب مُخيَّمه فخرج إليه أيْدُغْديّ، فأمر المُعزّ فحُمل على دابة، وقبض أيضًا على الأمير الأتابكي فحُبسا، ونُهبت خيام العزيزية كلهم يومئذٍ بالعباسة، ثم اصطلح الملكان على أن من الورادة ورايح للمُعزّ.
ذكر أسماء أعيان البحرية
سيف الدين الرَشيدي، عز الدين أزْدُمر السَّيفيّ، رُكنُ الدين البندُقْداريّ، شمسُ الدين سُنْقُر الأشقر، سيف الدين قلاوون الألْفّي، بدر الدين بيْسَرِيّ، شمس الدين سُنقُر الرومي، سيف الدين بَلَبان المُسْتعربيّ.
وفيها جاء بدمشق سيْلٌ عرِمٌ أخْرب عدة دورٍ بظاهر البلد وبلغ ارتفاعه ستة أذْرع وزيادة.
وفيها وُلد الملكُ علاء الدين للسلطان الملك النّاصر من ابْنَة صاحب الروم، واحتفلوا لذلك إلى الغاية.
وفيها جرت فتنةٌ بمِنَى ونُهب الوفد، وقُتل جماعة وجُرح خلْق، فأرسل أمير مكة إدريس وأبو نمَيّ إلى أمير العراقيين يعتذران.(14/659)
-سنة أربع وخمسين وستمائة
خليفةُ الوقت المستعصم بالله، وصاحب الشّام الملك النّاصر، وصاحب مصر المُعزّ، وصاحب الكَرَك والشَّوْبك المغيث عمر ابن العادل أبي بكر ابن الملك الكامل، وصاحب المَوْصل الملك الرحيم لؤلؤ، وصاحب ميَّافارقين الكامل محمد بن غازي ابن الملك العادل، ونائب إرْبل تاجُ الدين ابِن صلايا العَلَويّ، ونائب حصون الإسماعيلية الثمانية، رضي الدين أَبُو المعالي، [ص:661]
وصاحبُ صِهيون، وبرزبه مظفَّر الدين عثمان بن منكورس، وصاحب حماه الملك المنصور، وصاحب تل باشِر والرَّحبة وتدْمر وزلوبيا الأشرف موسى ابن الملك المجاهد إِبْرَاهِيم ابن صاحب حمص، وصاحب مكّة قتادة الحسني، وصاحب ماردين الملك السعيد إيل غازي الأُرْتُقيّ، وصاحب اليمن الملك المظفَّر يوسف بن عُمَر، وصاحب الرومُ رُكن الدين وأخوه عز الدين، وصاحب خُراسان وما وراء النهر والخطا القاءآن ملك التّتار.
ظهور النار بالمدينة
قال أَبُو شامة: جاء إلى دمشق كُتُبٌ من المدينة بخروج نارٍ عندهم فِي خامس جُمادى الآخرة، وكُتِبت الكُتب فِي خامس رجب، والنار بحالها بعدُ، ووصلت إلينا الكُتُب فِي شعبان، فاخبرني مَن أثق به ممن شاهدها بالمدينة أنه بلغة أنه كُتب بتَيماء على ضوئها الكُتُب، قال: وكنا فِي بيوتنا بالمدينة تلك الليالي، وكأنَّ فِي دار كلّ واحدٍ سراجًا. ولم يكن لها حَرَّ ولا لفحٌ على عِظَمها، إنما كانت آية.
قال أَبُو شامة: وهذه صورة ما وقفتُ عليه من الكُتُب: لما كانت ليلة الأربعاء ثالث جمادي الآخرة ظهر بالمدينة دَوِيٌّ عظيم ثم زلزلةٌ عظيمة فكانت ساعةً بعد ساعه إلى خامس الشَّهر، فظهرت نارٌ عظيمة فِي الحَرّة قريبًا من قُريظة نبصرها من دُورنا من داخل المدينة كأنها عندنا، وسالت أودية منها إلى وادي شظا مسيل الماء، وقد سدّت مسيل شظا وما عاد يسيل، والله لقد طلعنا جماعةٌ نُبصرها فإذا الجبال تسيل نيرانا، وقد سَدّت الحرَّة طريق الحاج العراقي، فسارت إلى أنْ وصلت إلى الحرَّة، فوقفت ورجعت تسير فِي الشرق يخرج من وسطها مُهود وجبال نار تأكل الحجارة، فيها أُنموذج ما أخبر الله: " إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ ". وقد أكلت الأرض. ولها الآن شهر وهي فِي زيادة، وقد عادت إلى الحرار فِي قُريظة طريق الحاج إلى بُحيرة العراقي كلها نيران تشتعل نبصرها فِي الليل من المدينة كأنها [ص:662]
مشاعل، وأما أمُّ النيران الكبيرة فهي جبال نيران حُمر، وما أقدر أصف هذه النار.
ومن كتاب آخر: ظهر فِي شرقي المدينة نارٌ عظيمة بينها وبين المدينة نصف يوم انفجرت من الأرض، وسال منها وادٍ من نار حتى حاذت جبل أُحُد، ثم وقفت. ولا ندري ماذا نفعل. ووقت ظهورها دخل أهلُ المدينة إلى نبيهم صلى الله عليه وسلم مستغفرين تائبين إلى ربّهم.
وفي كتاب آخر: في أول جُمادى الآخرة ظهر بالمدينة صوت كالرعد البعيد، فبقي يومين، وفي ثالث الشهر تعقبه زلزال فتقيم ثلاثة أيّام، يقع فِي اليوم والليلة أربع عشرة زلزلة. فلما كان يوم خامسة انبجست الأرض من الحرَّة بنارٍ عظيمة يكون قدرها مثل مَسْجِدَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي برأي العين من المدينة تُشاهد، وهي ترمي بشَرَر كالقصر. وهي بموضع يقال له أحلين، وقد سال من هذه النار وادٍ يكون مِقداره أربعة فراسخ، وعرضه أربعة أميال، وعُمقه قامةٌ ونصف، وهو يجري على وجه الأرض وتخرج منه أمهاد وجبال صغار، ويسير على وجه الأرض، وهو صخر يذوب حتّى يبقى مثل الآنك، فإذا خمد صار أسود، وقبْل الخمود لونه أحمر، وقد حصل إقلاعٌ عن المعاصي وتقرُّبٌ بالطاعات. وخرج أمير المدينة عن مظالم كثيرة.
ومن كتاب قاضي المدينة سِنان الحُسينيّ يقول فِي التاريخ: لقد واللهِ زُلزِلت مرة ونحن حول الحُجْرة النَّبوية، فاضطرب بها المِنبر والقناديل. ثم طلع في رأس أحلين نارٌ عظيمة مثل المدينة العظّيَمة، وما بانت لنا إلا ليلة السبت وأشفقنا منها، وطلعتُ إلى الأمير وكلمته وقلت: قد أحاط بنا العذاب، ارجعْ إلى الله. فأعتقَ كل مماليكه وردّ على جماعةٍ أموالهم. فلما فعل ذلك قلت: اهبط معنا إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فهبط وبتنا ليلة السّبت، النّاسُ جميعُهم [ص:663]
والنّسوانُ وأولادُهم، وما بقي أحدٌ لا فِي النَّخل ولا فِي المدينة إلا عند النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وأشفقنا منها، وظهر ضؤوها إلى أن أُبصرت من مكة، ومن الفَلاة جميعها. ثم سال منها نهرٌ من نارٍ، وأخذ في وادي أُحلين وسد الطريق، ثم طلع إلى بحرة الحاج، وهو بحرُ نارٍ يجري وفوقه حرَّة تسير إلى أن قطعت وادي الشَّظاة، وما عاد يجيء فِي الوادي سيْلٌ قط لأنَّها حرة، تجيء قامتين وثلث عُلُوُّها. واللهِ يا أخي إن عيشتنا اليوم مكدَّرة، والمدينة قد تاب أهلُها ولا بقي يُسمع فيها ربابٌ ولا دُف ولا شُرْب. وتمّت تسير إلى أن سدت بعض طريق الحاج، وكان في الودي إلينا منها قَتِير، وخفنا أن تجيئنا، واجتمع الناس وباتوا عند النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة وقد طُفِئ قَتِيُرها الَّذِي يلِينا بقُدرة الله، وإلى الساعة ما نقَصَتْ بل ترمي مثل الجمال حجارةً من نار، ولها دوِيّ، ما تدعنا نرقد ولا نأكل ولا نشرب، وما أقدِر أصِف لك عظَمَها ولا ما فيها من الأهوال. وأبصرها أهلُ ينبُع، ونَدَبوا قاضيهم ابنَ أسعد، وجاء وغدا إليها، وما أصبح يقدر يصفُها من عِظمها، وكتب يوم خامس رجب، والشمس والقمر من يوم طلعت ما يطلعان إلا كاسِفين.
ومن كتاب آخر من بعض بني الفاشاني يقول: جرى عندنا أمرٌ عظيم. إلى أن قال في النّار: ظهر دخان عظيم في السماء ينعقد حتى يبقى كالسحاب الأبيض إلى آخر النهار ظهر للنّار ألسُنٌ تصَّعَّد فِي الهواء حمراء كأنها العَلَقة، وعظُمت ففزع الناس إلى المسجد، وابتهلوا إلى الله، وغطَّت حُمرةُ النار السماءَ كلَّها حتى بقي الناس فِي مثل ضوء القمر، وأيقنا بالعذاب. وصعِد القاضي والفقيه إلى الأمير يعِظُونه فطرح المكس، وأعتق رقيقه كلَّهم، ورد علينا كلَّ ما لنا تحت يده، وعلى غيرنا، وبقيت كذلك أيّامًا، ثمّ سالت في وادي أُحلين تتحدر مع الوادي إلى الشَّظاة، حتى لحِق سَيَلانُها ببَحْرة الحاج، والحجارةُ معها تتحرَّك وتسير حتى كادت تقارب حرَّة العِراض، ثمَّ سَكَنتْ ووقفت أيامًا، ثم عاد يخرج منها ترمي بحجارة من خلفها وأمامها حتى بَنَتْ جبلين خلفَها وأمامها، وما بقي يخرج منها من بين الجبلين، لسانٌ لها أيامًا. [ص:664]
ثمّ إنّها عظُمت الآن وشبَاها إلى الآن، وهي تتقد كأعظم ما يكون، ولها كل يوم صوتٌ عظيمٌ من آخر الليل إلى ضَحْوِة، والشمس والقمر كأنهما منكسفان إلى الآن، وكتب هذا ولها شهر.
قلت: أمر هذه النار متواتر، وهي مما أخبر به المصطفى صلوات الله عليه وسلامه حيث يقول: " لا تقوم الساعة حتى تخرج نارٌ من أرض الحجاز تُضيء لها أعناق الإبل بِبُصرى " وقد حكى غيرُ واحدٍ ممن كان بِبُصْرى فِي الليل ورأى أعناق الإبل فِي ضوئها.
وقال أَبُو شامة: وفي ليلة السادس عشر، كذا قال، من جُمادى الآخرة خُسف القمر أول الليل، وكسفت الشمس في غده، كذا قال، وقال احمرَّت وقت طلوعها وغروبها. وبقيت كذلك أيامًا متغيرة ضعيفة النور، واتضح بذلك ما صوره الشّافعيّ من اجتماع الكسوف والعيد.
قلت: هذا الكلام فيه بعض ما فيه، وقوله: " كُسفت الشّمس في الغد " دعوى ما علِمتُ أحدًا وافقه عليها ولا ورَّخها غيره، ثم بيَّن مسْتنده باحمرار الشمس وضعف نورها، وهذا لا يُسمى كسوفًا أبدًا، ولقد كنتُ فِي رحلتي إلى الإسكندرية وأنا فِي المركب أنظر إلى الشمس قبل غروبها بساعة، وهي كأنها نحاسةٌ حمراء ما لها من النور شيء أصلًا إلى أن تتوارى، وذلك لكثافة الأبخرة الأرضية، ومثل هذا إذا وقع لا تُصلى له صلاةَ الكسوف، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ نَسْمَعْهُ سَمَّى ذَلِكَ كُسُوفًا فِي وَصْفِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِالآيَةِ الَّتِي ميَّزها بِهَا فَقَالَ: " إِنَّ الشَّمْسَ تطلُع مِنْ صَبِيحَتِهَا وَلا شُعاع لَهَا " وَأَمَّا كُسُوفُ الشّمس والقمر فشيءٌ ظاهر يبدو قليلًا قَلِيلا فِي القُرص إِلَى أَنْ يَذْهَبَ نُورُهُمَا وَلَوْنُهُمَا، وَتَظْهَرُ الْكَوَاكِبُ بالنَّهار. وَقَدْ يَكُونُ كُسُوفًا نَاقِصًا فَيَبْقَى شَطْرٌ مِنَ الشَّمْسِ كَاسِفًا، وشطرٌ نَيِّرًا.
وَأَمَّا حِسَابُ أَهْلِ الْهَيْئَةِ لِذَلِكَ فَشَيْءٌ ما علمْتُه يخرم أَبَدًا، وَهُوَ عِنْدَهُمْ [ص:665]
حِسَابٌ قَطْعِيٌّ، وَمَنْ نَظَرَ فِي مُسْتَنَدِهِمْ جَزَمَ بِهِ، بخلاف قَوْلُهُمْ فِي تَأْثِيرِ الْكُسُوفِ فِي الأَرْضِ مِنْ مَوْتٍ عَظِيمٍ، أَوْ حَادِثٍ كَبِيرٍ، فَإِنَّ هَذَا مِنَ الإِفْكِ والزُّور والهذَيان الَّذِي لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَهُ، وَذَلِكَ التَّأْثِيرُ عند المنجّمين ظنٌُّ وحدْس؛ والظّن أكذب الحديث، وَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لا يُكْسفان لِمَوْتِ أحدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، ولكنَّهما آيَتَانِ يُخَوِّفُ اللهٌ بِهِمَا عِبَادَهُ ".
غرق بغداد
زادت دجلة زيادة مهولة إلى الغاية لم يُعهد مثلها إلا من زمان، فغرق خلْقٌ كثيرٌ من أهل بغداد، ومات خلقٌ تحت الهدْم، وركب الناس في المراكب واستغاثوا بالله تعالى وعاينوا التَّلف، فنقل أَبُو شامة قال: جاء كتاب من المدينة النبوية من بعض بني الفاشاني يقول فِيهِ: وصل إلينا من العراق نجَّابةٌ في جُمادى الآخرة، وأخبروا عن بغداد أنه أصابها غرَقٌ عظيم حتَّى دخل الماءُ من أسوار بغداد، وغرق كثيرٌ من البلد، وانهدمت دار الوزير، وثلاثمائة وثمانون دارًا، وانهدم مخزن الخليفة، وهلك شيء كثير من خزانة السلاح، وأشرف الناس على الهلاك، وعادت السُّفُن تدخل إلى وسط البلد وتتخرق أزِقّة بغداد.
وقد وقع مثل هذا الغرق ببغداد في سنة أربع وخمسين وخمسمائة أيضًا، وبعد ذلك غير مرة، فقد غرقت بغداد عدّة مرّات.
وفيها كانت فتنة الكرْخ فِي ذي الحجة، قتل أهل الكرْخ رجلًا من قطَفْتا فحمله أهلُه إلى باب النُّوبيّ، ودخل جماعة إلى الخليفة وعظموا ذلك، ونسبوا أهل الكرْخ إلى كل فساد، فأمر بردعهم، فركب الجُند إليهم وتبعَهم الغوغاء فنُهب الكرْخ وأُحرقت عدّة مواضع، وسبوْا العلويّات وقتل عدّة، واشتدّ الخَطْبُ ثم أُخْمِدت الفتنة بعد بلاء كبير، وصُلب قاتل الأوّل.
ونُسب إلى مجاهد الدين الدُّوَيْدار الصغير أنَّه عاملَ على خلْع المستعصم وتوليه ولده، فأسرع مجاهد الدين وحَلَف وسأل أن يواقف القائل عنه، ولبس [ص:666]
الّلأمَة جُنْدُه واستوحش من الوزير، فهاشت العامَّة وعظُم الأمر، وقُتل جماعةٌ كثيرة وجُرح خلْق، ثم كتب المستعصم أمانًا بخطة للدُّويْدار فرضي.
حريق المسجد
وفي ليلة الجمعة مستَهَلّ رمضان احترق مسجد الرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ابتداء حريقه من زاويته الغربيَّة بشمال، دخل بعض القوام إلى خزانة ومعه مُسْرجة فعلقت فِي الآلات، ثم اتصلت بالسَّقف سريعًا، ثم دبَّت فِي السقوف آخذةً نحو القِبْلة، وعجز الناس عن إطفائها، فما كان إلا ساعة حتى احترقت سقوف المسجد كلها، ووقعت بعض أساطينه وذاب رصَاصُها، وكل ذلك قبل أن ينام الناس، واحترق سقْف الحُجْرة النبوية، ووقع ما وقع منه فِي الحُجْرة، وترك على حاله لما شرعوا فِي عمارة سقْفها وسقْف المسجد، نقل هذا أَبُو شامة وغيره.
ومما قيل فِي ذلك:
لم يحترق حرَمُ الرسول لحادثٍ ... نخشى عليه ولا دهاه العار
لكنّما أيدي الرّوافض لا مَسَتْ ... ذاك الجناب فطهّرته النار
وفيها كان خروج الطاغية هولاكو بن تولي بن جنكزخان، فسار فِي المغول من الأردو فملَكَ الألَموت وقلاع الإسماعيلية التي بنواحي الرّيّ.
قال ابن الساعي: بعث هولاكو إلى مقدمة الباطنيّة رُكن الدّين فبعث أخاه في ثلاثمائة فقتلهم هولاكو وتهدد رُكن الدين، فنزل إليه بأمان، ثم قتله وخرب قلعته، ثم خرب الألَموت وسائر قلاع الباطنية، ثم ترحل قاصدًا العراق وسيَّر باجونُويْن إلى الروم فانهزم صاحبُها إلى بلاد الأشكري فملكت التّتار سائر الروم، ونهبوا وقتلوا وفعلوا الأفاعيل.
وتوجّه الملك الكامل محمد ابن شهاب الدين غازي صاحب ميَّافارقين إلى خدمة هولاكو، فأكرمه وأمنه وأعطاه فَرَمَانًا ورجع إلى بلده.
وفيها فُتحت المدرسة النّاصرية بدمشق عند الفراغ من بنائها، وحضر الدرس يومئذ السّلطان.
وفيها شرعوا فِي بناء الرباط النّاصري، واحتفلوا له، وجابوا له الحجر [ص:667]
الأصفر من بلد حلب.
وفيها تواترت الأخبار بوصول هولاكو بجيشه إلى أذْربَيْجان يقصدون العراق، فوردت قُصّاد الديوان العزيز على نجم الدّين الباذرائيّ بدمشق بأن يتقدم إلى الملك النّاصر بمصالحة الملك المُعزّ، وأن يتفقا على حرب التّتار، فأجاب النّاصر إلى ذلك، ورد عسكره من غزّة فدخلوا دمشق.
وفيها عُزل بدرُ الدّين السَّنْجاري عن قضاء ديار مصر، ووُلّي تاجُ الدّين ابن بنت الأعزّ.
وكانت للملك النّاصر داود ابن المعظَّم وديعة عند الخليفة، فتوقَّف فِي ردِّها واحتجّ بحُجج باردة، وجَرَت أمورٌ قبيحة لم يُعهد مثلها من أميرٍ فضلًا عن أمير المؤمنين، وكان النّاصر دَاوُد قد حجّ، وعاد على العراق بسببها فأُنزل بالحلة وأُجريَ عليه راتبٌ ضعيف، فعمل قصيدةً تلطف فيها وعدَّد خِدمه وخدم آبائه فما نفع، بل سيروا إليه من حاسبه على جميع ما اتصل إليه من النفقات والمأكول وما حملوه إليه من الهدايا فِي تردُّده، ثُم أوصلوا إليه شيئًا يسيرًا وقالوا: قد وصل إليك قيمة وديعتك فهاتِ خطَّك بوصوله، وأنَّك لم يبق لك شيء، فكتب كارهًا، ولم يصل إليه من قيمتها العُشْر، وسافر فاجتمع عليه جماعةٌ من الأعراب وخدموه وأرادوا به التوصُّل إلى العيث والفساد فأبى عليهم، وأقام عندهم، فخاف من ذلك صاحب الشّام الملك الناصر فأحضر الملك الظاهر شاذي بن دَاوُد، وحلف له أنه لا يؤذي والده، فسار شاذي إلى أَبِيهِ وعرَّفه، فقدِم دمشق فوجد الملك النّاصر قد أوغر صدره عليه فنزل بتُربة والده بقاسيون، وشَرَط عليه أن لا يركب فرَسًا، ثمّ أذن له في ركوب الخيل بشرط أن لا يدخل البلد ولا يركب في الموكب، واستمرَّ ذلك إلى آخر السّنة.
وفيها انهدمت خانقاه الطاحون بظاهر دمشق، فمات تحت الهدم شيخها بدر الدين المراغي وآخر.(14/660)
-سنة خمس وخمسين وستمائة
فِي ربيع الأول مات الملك المُعزّ أيْبك التُّركمانيّ صاحب مصر، قَتَلتْه زوجتْه شجر الُّدّر، وسلطنوا بعده ولده الملك المنصوري عليّ بن أيْبك. [ص:668]
وفيها تردَّدت رُسُل التّتار إلى بغداد، وكانت الفرامين منهم واصلة إلى ناس بعد ناس من غير تَحَاش منهم فِي ذلك ولا خيفة، والخليفة والناس فِي غفلةٍ عما يُراد بهم ليقضيَ الله أمرًا كان مفعولًا.
وفي رمضان توجَّه الملك العزيز ابن السُّلطان الملك النّاصر يوسف، وهو صبيٌّ مع الأمير الزَّيْن الحافظي وجماعة بهدايا وتُحف إلى هولاكو.
وأما المصريون فاختلفوا وقُبض على جماعةٍ منهم وقُتِل آخرون، ووُلي الوزارة القاضي تاج الدين ابن بِنْت الأعز.
وفيها كانت فتنةٌ هائلة ببغداد بين السُنَّة والشيعة أدت إلى خرابٍ ونهب، وقُتل جماعة من الفريقين، واشتد الأمر، ثم بعث الخليفة من سكَّن الفتنة.
وفي هذا الوقت ظهر بالشّام طائفة الحيْدريّة، يقصون لحِاهم ويلبسون فراجي من اللباد وعليهم طراطير، وفي رقابهم حِلَقٌ كبار من حديد. زعموا أن الملاحدة أمسكوا شيخهم حيْدَر وقصوا ذَقْنه، وهم يُصلون ويصومون، ولكنهم قوم منحرفون، وكان أمر الدّين ضعيفًا في أيام النّاصر بدَوران الخمر والزنا وكثْرة الظُّلم وعدم العدل، وظهور البدع، وغير ذلك.
وفيها وقعت وحْشةٌ فِي نفس الملك النّاصر من البحرية، وبَلَغَة أنهم عزموا على الفتْك به، فأمرهم بالانتزاح عن دمشق، ففارقوه مُغاضِبين له ونزلوا غزَّة، ثم انتموا إلى الملك المغيث صاحب الكَرَك، وخطبوا له بالقُدس، وأخذوا حواصل غزة والقدس. ثم حصل الانتصار عليهم فانهزموا إلى البَلْقاء، ثم طمعوا المغيث فِي أخْذ مصر له، وأنفق فيهم الأموال، وساروا، فَجَرَت لهم وقعة مع المصريين فانكسروا وزينت مصر.
قال ابن واصل: انقاد المغيث للبحرية وأنزل إليهم بعض عسكره مع أتابكه الطواشي بدر الدين الصوابي الَّذِي ملكه الكَرَك عند قتلة الملك المعظم ابن الصالح، وكان الصالح لما تملكها فِي آخر أيامه استناب بها الصوابي، وسيَّر إليها خزانة عظيمة من المال، فضيعه المغيث على البحرية طمعًا فِي الديار المصرية، ثم سار جيش المغيث إلى مصر فبرز لحربهم جُندها فكثروهم، وجُرح سيف الدين الرشيدي وأُسر، فانهزم الصوابي وركن الدّين [ص:669]
البُنْدُقْداريّ وطائفة، ودخل جماعةٌ منهم القاهرة مستأمنين، وكان قد جاء قبلهم عز الدّين الأفرم فأُكْرم.
وفيها قدِم الشَّيْخ نجم الدين الباذرائي بالخِلْعة الخليفتيّة للملك النّاصر بالسلطنة فركب بها، وكان يومًا مشهودًا، فلما رجع توجَّه معه إلى العراق النّاصر دَاوُد فِي جماعةٍ من أولاده، وكان قد أباعه النّاصر داره المعروفة بدار سامة فصيَّرها مدرسة، فلما وصلوا إلى قرقيسيا أشار الباذرائي عليه بالإقامة حتى يستأذن له، فأقام ولم يجئْه إذْنٌ، فردَّ إلى الشّام، وتوجَّه فِي البريَّة إلى أن وصل إلى تِيه بني إسرائيل واجتمع إليه العُرْبان.
وفيها أغارت التّتار على بلاد المَوْصل وفتكوا.
وفيها بَطَل سعد الدين خضر بن حَمُّويه وترك الجُنْديّة وزالت سعادته والتجأ إلى التَّصوُّف، قال فِي " تاريخه ": ولما عاندني الدَّهر فِي أموري، وباعَدَ سُروري، وكدَّر مشاربي، وعسَّر مآربي، وانقطعت الأرزاق، وانحل كيس الإنفاق، خرجتُ من مصر، فلما حلَلْتُ بدمشق، مسقط رأسي، فوجدتُها وقد صوَّح واديها، وخلا من الأنيس ناديها، وارتفعت منها البركات، وأحيط بها الظُّلم والظُّلُمات، والأسواق كاسدة، والرعايا فاسدة، عدم الحياء، وظهرت الجنايات، وسفل المعروف، وعَلَت المُنْكرات، وأُحدّث من الرسوم ما لم يُعْهَد، وحُمِّلوا أثقالًا مع أثقالهم، إنِ استغاثوا بالملك أجابهم بالضَّرب والرد، وإنِ استنجدوا بالوزير عاملهم بالإعراض والصد، وإن سألوا الحاجب طلب الرِّشا بلا حمد.
إلى أن قال: لا يحضر لهم أحدٌ على مائدة، ولا يرجع من عندهم بفائدة، قومٌ إذا أكلوا أخفوا كلامهم واستوثقوا من رِتاج الباب والدّار، يكذبون ويحلِفون، ويعدون ويُخْلِفون، وعلى حريم أصحابهم بالفاحشة يخلفون، قد قنع كل منهم بلؤمه، ولفَّ ذنبه على خيشومه، قيل لوزيرهم: إنا نُطيل الجلوس، فلو جعلتَ علامةً لقيامنا. قال: إذا قلت يا غلام هاتِ الغداء فانصرِفوا، وقال صاحب ديوانهم لغُلامه: هات غدائي وأغلِقِ الباب. فقال: بل أُغْلق الباب وأجيء بالطعام. قال: أنت أحذق منّي، فأنت حرٌّ لوجه الله. [ص:670]
وحضر شاعر مائِدةً أكبرٍ أُمرائهم فرمَى لُقمةً للهر، فقال الأمير: لا تُطعمها فإنها هرَّة جيراننا.
ومن غرائب الظُّلم أن رجلًا جاء بحِمْل عَسَلٍ، فأُخِذ للخوشخاناه، فطولب بمكس العسل، فقال: خذوا من تحت أيديكم. قَالُوا: ما نعرف ما تقول، فذهب بالبغل يبيعه، فأخذه أمير الإصطبل، وطولب بحقه فِي السوق فقال: ادفعوا لي ثمنه وخُذوا حقكم. قَالُوا: ما نعلم ما تقول، وحبسوه على مكْسه، فكتب إلى أهله، نفِّذوا لي دراهم حتى أستفِكَّ روحي، فقد راح العسل والبغل، وأنا محبوس على الحق، ومما يناسب هذه الحكاية أن امرأةًَ ذهب منها حُلِيٌّ بخمسة آلاف فوجده منادي بسوق الرحبة فردَّه عليها، فوهبته خمسمائة درهم فتمنَّع وقال: إنما ردَدْته للهِ، فألزمته فأخذ الدراهم، فسمع به الوالي فأحضره وأخذ منه الدّراهم وضربه وقال: ليش ما جبت الحُليِّ إلى عندنا؟ ثم ذكر علاكًا طويلًا في هذا النحو.
وفي سنة خمس سار هولاكو من هَمَذان قاصدًا بغداد، فأشار ابن العلْقَميّ الوزير على الخليفة ببذل الأموال والتُّحف النفيسة إليه، فثناه عن ذلك الدُّوّيْدار وغيره، وقالوا: غرضُ الوزير إصلاح حاله مع هولاكو. فأصغى إليهم وبعث هديّة قليلة مع عبد الله ابن الجوزي، فتنمّر هولاكو وبعث يطلب الدُّوَيْدار وابن الدُّوَيْدار وسليمان شاه فما راحوا، وأقبلت المُغُل كاللّيل المظلم، وكان الخليفة قد أهمل حال الجُند وتعثروا وافتقروا، وقُطعت أخبازهم، ونُظِم الشِّعْر في ذلك.(14/667)
-سنة ست وخمسين وستمائة
دخَلَتْ والملك النّاصر والبحرية، والملك المغيث متفقون على قصْد الديار المصرية وطمعوا فيها لأن سلطانها صبيّ، فنزل الملك المغيث على غزة فخرج الأمير سيف الدّين قطز بعسكر مصر، ونزل بالعباسة لقتال الشّاميين، ثم [ص:671]
سار المغيث بالعساكر الشّامية، فضرب مع المصريين رأسًا بالرمل، فانكسر وأُسر طائفة من أمرائه، وهم أيْبَك الرومي، وأيْبَك الحمويّ، وركن الدين الصَّيرفيّ، وابن أطلس خان الخُوَارَزْميّ، فضُربت أعناقهم صبرًا بين يدي قُطُز، ودخلوا بالرّؤوس إلى القاهرة، وهرب المغيث وأتابكه الصّوابيّ والبُنْدُقْداري فِي أسوأ حالٍ وأنحسه إلى الكَرَك.
كائنة بغداد
كان هولاكو قد قصد الألَموت، وهو مَعْقل الباطنية الأعظم وبها المقدَّم علاء الدين محمد ابن جلال الدّين حسن المنتسب إلى نِزار ابن المستنصر ابن الظّاهر ابن الحاكم العُبَيْدي الباطني، فتُوفّي علاءُ الدين وقام بعده ابنُه شمسُ الشُّموس، فنزل إلى هولاكو بإشارة النصير الطُّوسي عليه، وكان النصير عنده وعند أبيه من قبله، فقتل هولاكو شمس الشُّموس وأخذ بلاده وأخذ الروم، وأبقى بها ركن الدّين ابن غياث الدين كيْخُسْرو صورةً بلا معنى، والحُكْم والتصرف لغيره.
وكان وزير العراق مؤيد الدين ابن العَلْقمي رافضيًا جَلْدًا خبيثًا داهية، والفتن فِي استعارٍ بين السُّنَّة والرافضة حتى تجالدوا بالسيوف، وقُتل جماعة من الرافضة ونُهِبوا، وشكا أهل باب البصرة إلى الأمير ركن الدين الدُّوَيْدار والأمير أبي بكر ابن الخليفة فتقدّما إلى الجند بنهْب الكرْخ، فهجموه ونهبوا وقتلوا، وارتكبوا من الشّنعة العظائم، فحنق الوزير ونوى الشّرّ، وأمر أهل الكرْخ بالصبْر والكف.
وكان المستنصر بالله قد استكثر من الجُنْد حتى بلغ عدد عسكره مائة ألف فيما بَلَغَنَا، وكان مع ذلك يصانع التّتار ويُهاديهم ويُرْضيهم. فلما استخلف المستعصم كان خليًا من الرأي والتدبير، فأُشير عليه بقطع أكثر الْجُنْد، وأن مصانعة التّتار وإكرامهم يحصل بها المقصود، ففعل ذلك.
وأما ابن العلْقمي فكاتَبَ التتار وأطمعهم فِي البلاد، وأرسل إليهم غلامه وأخاه، وسهل عليهم فتْحَ العراق، وطلب أن يكون نائبَهم، فوعدوه بذلك وتأهبوا لقصد بغداد، وكاتبوا صاحب المَوْصِل لؤلؤ فِي تهيئة الإقامات والسلاح، فأخذ يكاتب الخليفة سرًا ويهيِّئ لهم الآلات والإقامات، فكان [ص:672]
الوزير هُوَ الكل، وكان لا يوصل مكاتبات صاحب الموصل ولا غيره إلى الخليفة، وإنْ وصلت سرًّا إلى الخليفة أَطْلع عليها ابنَ العلْقميّ وردّ الأمر إليه.
وكان تاج الدين ابن صَلايا نائب إرْبل يحذر الخليفة ويحرك عزْمه، والخليفة لا يتحرَّك ولا يستيقظ، فلما تحقق حركة التّتار نحوه سيَّر إليهم شرفَ الدّين ابن محيي الدّين ابن الْجَوْزي رسولًا يعِدُهم بأموالٍ عظيمة، ثم سيَّر مائة رَجُل إلى الدّرْبَنْد يكونون فِيهِ ويطالعون بالأخبار، فمضوا فلم يطلع لهم خبرٌ لأن الأكراد الذين كانوا هناك دلوا التّتار عليهم فقتلوهم أجمعين فيما قيل.
وركب هولاكو إلى العراق، وكان على تقدمته باجُو نُوِين وفي جيشه خلْق من الكرْج ومن عسكر بركة ابن عم هولاكو، ومدد من صاحب الموصل مع ولده الملك الصالح رُكن الدين إِسْمَاعِيل، وأقبلوا من جهة البر الغربي عن دجلة، فخرج عسكر بغداد وعليهم رُكن الدّين الدويدار، فالتقوا يوم تاسوعاء على نحو مرحلتين من بغداد، فانكسر البغداديون بعد أن قتلوا عددًا كثيرًا من العدو، وأخذتهم السيوف وغرق بعضهم فِي الماء، وهرب الباقون.
ثمّ ساق بايجو نُويْن فنزل القرية مقابل دار الخلافة وبينه وبينها دجلة، وقصد هولاكو بغداد من جهة البر الشرقي، ثم إنه ضرب سورًا على عسكره وأحاط ببغداد، فأشار الوزير على المستعصم بالله بمصانعتهم وقال: أخرج أليهم أَنَا فِي تقرير الصُّلح. فخرج وتوثّق لنفسه من التّتر ورد إلى الخليفة وقال: إن الملك قد رغب فِي أن يزوج بنته بابنك الأمير أَبِي بَكْر ويُبقيك فِي منصب الخلافة كما أبقى صاحبَ الروم فِي سلطنته، ولا يؤثر إلا أن تكون الطاعة له كما كان أجدادك مع السّلاطين السَّلْجوقيّة، وينصرف عنك بجيوشه فيجيبه مولانا إلى هذا فإنّ فيه حقْنَ دماء المسلمين، ويمكن بعد ذلك أن تفعل ما تريد. والرأي أن تخرج إليه، فخرج في جمع من الأعيان إلى هولاكو فأُنزل فِي خيمة. ثم دخل الوزير فاستدعى الفقهاء والأماثل، ليحضروا العقد يعني. فخرجوا من بغداد فضُربتْ أعناقهم، وصار كذلك يخرج طائفةٌ بعد طائفة فتُضْرب أعناقهم. ثمّ مدّ الجسر وبكّر بايجو ومَن معه فبذلوا السيف فِي بغداد، [ص:673]
واستمرّ القتل والسَّبْي في بغداد بضعة وثلاثين يومًا، فلم يَنْج إلا من اختفى، فبلَغَنَا أنْ هولاكو أمر بعد ذلك بعد القَتْلى فبلغوا ألف ألف وثمانمائة ألف وكسْر، والأصح أنّهم بلغوا ثمانمائة ألف، ثمّ نودي بعد ذلك بالأمان، فظهر من كان قد تخبأ وهم قليل من كثير.
فممن هلك فِي وقعة بغداد الخليفة، وابناه أَحْمَد وأبو بَكْر، وابن الجوزي وأولاده الثلاثة، والرُّكْن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سُكَيْنة كهْلًا، وكبير الشافعية شهاب الدين محمود بن أَحْمَد الزِّنْجانيّ، والقُدْوة الشَّيْخ علي الخباز، والأديب نحوي النظامية جمال الدين عَبْد الله بن خنفر، وشيخ الخليفة صدر الدين علي بن النيار، وقريبه عَبْد الله بن عُبَيْد الله، والعدل عبيد الله بن عسكر البَعْقُوبيّ، والشَّرَف مُحَمَّد بن سُكينة أخو الركْن، والعدل عبد الوهّاب ابن الصدر عَبْد الرحيم بن عَبْد الوهاب بن سُكينة واخوه عَبْد الرَّحْمَن، ويحيى بن سعد اليزديّ العدل، ووالد الرشيد بن أَبِي القاسم، وعَبْد القاهر بن محمد ابن الفُوطي كاتب ديوان العرض.
وفيها مات: علي بن الأخضر، والشاعر علي الرُّصافيّ، وحسين بن داود الواسطيّ المحدّث، وعمر بن دهجان المحدّث قتْلًا، وأحمد بن مسعود البَعْليّ الحنبليّ، والعدل عبد الله بن ياسر البَعْلي، ووالد الشَّيْخ علي البَنْدنِيجيّ العدل، ومحمد ابن الهيتيّ، والعدل علي بن أَبِي البدر.
وأما الوزير ابن العلقَمِي فلم يتم له ما أراد، وما اعتقد أن التتر يبذلون السيف مطلقًا، فإنه راح تحت السيف الرافضة والسُّنَّة وأُمم لا يُحصوْن، وذاق الهوان والذُّل من التّتار، ولم تطُلْ أيامه بعد ذلك. ثم ضرب هولاكو عنق بايجُو نُويْن لأنه بَلَغه عَنْهُ أنه كاتبَ الخليفة وهو فِي الجانب الغربي.
وأمَّا الخليفة فقُتل خَنْقًا، وقيل: غُمَّ فِي بساط، وقيل: رفسوه حتى مات. وقتل الأمير مجاهد الدين الدُّوَيْدار، والشَّرابيّ، والأستاذ الدار محيي الدّين ابن الْجَوّزِي وولداه، وسائر الأمراء والحُجّاب والكبار. وقالت الشُّعراء قصائد فِي مراثي بغداد وأهلها وتمثل بقول سِبْط التعاويذي:
بادت وأهلوها معًا فبيوتُهُمْ ... ببقاء مولانا الوزير خراب
وكانت كسْرةُ عسكر الخليفة يوم عاشوراء، ونزل هولاكو بظاهر بغداد في [ص:674]
الرابع عشر من المحرَّم، وبقي السيف يعمل فيها أربعة وثلاثين يومًا.
وبَلَغَنَا أنْ آخر جُمعة خطب فيها الخطيب ببغداد كانت الخطبة: " الحمد لله الَّذِي هدم بالموت مُشيّد الأعمار، وحكم بالفناء على أهل هذه الدار ". وكان السيف يعمل فِي الجمعة الأخرى، فإنَّا لله وإنا إليه راجعون. اللهُم آجِرنا فِي مُصيبتنا التي لم يُصب الإسلامُ وأهلُه بمثلها.
ولتقي الدين إِسْمَاعِيل بن أَبِي اليُسر قصيدة مشهورة فِي بغداد وهي:
لسائل الدَّمع عن بغداد أخبارُ ... فما وقوفُك والأحباب قد ساروا
يا زائرين إلى الزَّوراء لا تفدوا ... فما بذاك الحمى والدار ديّارُ
تاجُ الخلافة والربع الَّذِي شرُفَتْ ... به المعالم قد عفّاه إقفارُ
أضحى لعطف البِلَى فِي ربْعه أثر ... وللدُّموع على الآثار آثارُ
يا نار قلبي من نارٍ لحربِ وَغى ... شبَّت عليه ووافى الرَّبْع إعصارُ
علا الصّليبُ على أعلى منابرها ... وقام بالأمر من يحويه زنّارُ
وكم حريم سَبَتْه التُّرْكُ غاصبةٌ ... وكان من دون ذاك الستْر أستارُ
وكم بُدُور على البدرية انخسفت ... ولم يعد لبُدور منه إبدارُ
وكم ذخائر أضحَت وهي شائعةٌ ... من النُّهاب وقد حازته كفَّارُ
وكم حدود أقيمت من سيوفهم ... على الرقاب وحُطّت فِيهِ أوزارُ
ناديت والسَّبيُ مهتوكٌ تجرّهم ... إلى السِّفاح من الأعداء ذعّارُ
وهم يساقون للموت الَّذِي شهدوا ... النار يا رب من هذا ولا العارُ
والله يعلم أن القوم أغفلهم ... ما كان من نِعم فيهن إكثارُ
فأهملوا جانب الجبار إذ غفلوا ... فجاءهم من جنود الكُفْر جبّارُ
يا للرجال بأحداث تحدّثنا ... بما غدا فيه إعذار وإنذارُ
من بعد أسْرِ بني الْعَبَّاس كلّهم ... فلا أنار لوجه الصُّبح إسفارُ
ما راق لي قطُّ شيءٌ بعد بَيْنهم ... إلا أحاديث أرْويها وآثارُ
لم يبق للدّين والدّنيا وقد ذهبوا ... سوقٌ لمجدٍ وقد بانوا وقد باروا
إن القيامة في بغدادَ قد وُجِدتْ ... وحدها حين للإقبال إدبار
آل النّبيّ وأهل العلم قد سُبيوا ... فمن ترى بعدهم تحويه أمصارُ
ما كنتُ آمُلُ أن أبقى وقد ذهبوا ... لكن أتى دون ما اختار أقدارُ [ص:675]
فِي أبيات أخَر، وجمْلتها ستةٌ وستون بيتًا.
قال ابن الكازروني وغيره: ما زالوا فِي قتلٍ وسبْي وتعذيب عظيم لاستخراج الأموال مدة أربعين يومًا، فقتلوا النساء والرجال والأطفال أهل البلد وأهل سائر القرى ما عدا النصارى، عُيّن لهم شحاني حرسُوهُمْ، وانضم إليهم خلقٌ مسلمون سلِموا. وكان ببغداد عدةٌ من التُّجار سلِموا بفرمانات والتجأ إليهم خلق، وسلم مَن بدار ابن العَلْقَمي، ودار ابن الدّامَغَانيّ صاحب الديوان ودار ابن الدّواميّ الحاجب، وما عدا ذلك ما سلِم إلا من اختفى فِي بئرٍِ أو قناة، وأحرق مُعظم البلد، وكانت القتلى فِي الطُّرق كالتُّلول. ومن سلِم وظهر خرجوا كالموتى من القبور خوفًا وجوعًا وبردًا، وسلِم أهل الحلّة والكوفة، أمنهم القان، وبعث إليهم شحاني، وسلمت البصرة وبعضُ واسط، ووقع الوباء فيمن تخلف.
وفيها كانت وقعة الملك المغيث مع المصريين فانكسر كما ذكرنا، وهرب هُوَ وبدر الدين الصوابي والبُنْدقْداريّ الَّذِي تسلطن، فوصلوا إلى أسوأ حال.
وأما مصر فزيَّنت فِي ربيع الآخر للنّصر، وعاثت البحرية بعد الكسرة وأفسدوا، فجهز لحربهم الملك الناصر مجير الدّين ابن أَبِي زكري، ونور الدين علي بن الأكتع فالتقوا على غزة، فانتصرت البحرية وأسروا الأميرين وحملوهما إلى الكَرَك، وقويت شوكتهُم، فبرز دهليز الملك النّاصر، وعزم على قتالهم بنفسه، فقرُبت البحرية من دمشق، فهجم رُكن الدين البُنْدُقداري في بعض الأيام على الدِّهليز وهو عند الجسورة، وقطع أطناب الدِّهليز.
وولى هولاكو على العراق نوابه، وعزم ابن العلْقَمي على أن يحسِّن لهولاكو أن يقيم ببغداد خليفة علويًا فلم يتهيأ ذلك له، واطَّرَحَتْه التّتار، وبقي معهم على صورة بعض الغلمان، ثمّ مات كمدًا، قولوا: لا رحمه الله.
وسار هولاكو قاصدًا إلى أذَرْبيجان فنزل إليه بدر الدين صاحب الموصل فأكرمه ورده إلى الموصل، ونزل إليه تاج الدين ابن صَلايا فقتله، فقيل: إن صاحب الموصل كان فِي نفسه من ابن صَلايا، فقال لهولاكو: هذا شريف علويّ، فربّما تطاول إلى الخلافة، ويقوم معه خلق، فلهذا قتله [ص:676]
هولاكو، ولم تطُل لصاحب الموصل بعد ذلك حياة.
وفيها جاءت فرقة من التّتار فنازلت ميَّافارقين فحصروها.
وفيها جاءت رُسُل قاءان من بلاد ما وراء النَّهر ورُسُل هولاكو إلى صاحب الشّام، فصورة كتاب هولاكو: " يعلم سلطان ملك ناصر طال بقاؤه إنه لما توجَّهنا إلى العراق وخرج إلينا جنودهم، فقتلناهم بسيف الله تعالى، ثم خرج إلينا رؤساء البلد ومقدَّموها، فكان قُصارى كلامهم سببًا لهلاك نفوس تستحقّ الإذلال، فأعدمناهم أجمعين، ذلك بما قدمت أيديهم وبما كانوا يكسبون، وأما ما كان من صاحب البلدة، فإنه خرج إلى خدمتنا، ودخل تحت عبوديتنا، فسألناه عن أشياء كذبَنَا فيها، فاستحق الإعدام، وكان كذبُه ظاهرًا، ووجدوا ما عملوا حاضرًا، أجِبْ ملك البسيطة، ولا تقولن: قِلاعي المانعات ورجالي المقاتلات، ولقد بلغَنَا أن شَذَراتٍ من العسكر التجأت إليك هاربة، وإلى جنابك لائذة.
أين المفرُّ ولا مفرَّ لهاربٍ ... ولنا البسيطان الثَّرى والماءُ
فساعَةَ وقوفِك على كتابنا تجعل قلاع الشّام سماءها أرضًا، وطولها عرضًا، والسلامُ.
ومن كتابٍ ثانٍ: " خدمة ملك ناصر طال عُمرُه، أما بعد، فإنّا فتحنا بغدادً واستأصلنا ملْكها وملِكها، وكان ظنَّ وَقد ضنَّ بالأموال، ولم ينافس فِي الرجال أن مُلكه يبقى على ذلك الحال، وقد علا ذِكره، ونما قَدْرُه، فخُسِفَ فِي الكمال بدْره.
إذا تم أمرٌ بدا نقْصُهُ ... توقَّعْ زوالًا إذا قيل تم
ونحن فِي طلب الازدياد، على ممر الآباد، فلا تكن كالذين نَسُوا الله فأنساهم أنفسهم، وأبْدِ ما فِي نفسِك، إما إمساكٌ بمعروفٍِ أو تسريحٌ بإحسان، أجبْ دعوة ملك البسيطة تأمَنْ شرّه، وتنل بِرَّه، وَاسْع إليه برجالك وأموالك، ولا تعوِّقْ رسولَنا، والسّلام ".
وفي صفر قدِم دمشق الملكُ الكامل ابن المظفَّر ابن العادل يستنجد الإسلام على التّتار، فتباشر النّاس شيئًا، ودخل البلد وزار قبر جَدّه، ثمَّ رد إلى بلاده، ولم ينفر أحدٌ لتَيَقُّن الناس بأخْذ بغداد. [ص:677]
ووصل نحو خمسمائة فارس من عسكر العراق، ذكروا أن التّتار حالوا بينهم وبين بغداد، ثم جاء بعدهم نحو الثلاثمائة إلى دمشق.
وفي أثناء السنة اشتد الوباء بالشّام ومات خلْقٌ بحيث أنه قيل: إنه خرج من حلب فِي يومٍ واحدٍ ألفٌ ومائتا جنازة، وأما دمشق فكان فيها من المرض ما لا يحَد ولا يوصف، واستغنى العطارون، ونفدت الأدوية، وعز الأطِباء إلى الغاية، وأبيع الفرُّوج بدمشق بثلاثة دراهم، وبحلب بعشرة دراهم، ومبدأ الوباء فِي جُمادى الأولى لفساد الهواء بملحمة بغداد.(14/670)
-سنة سبع وخمسين وستمائة
فِي أولها سار الملك النّاصر متَّبِعًا آثار البحريَّة، فاندفعوا بين يديه إلى الكَرَك، فنزل بركة زيزا، وعزم على حصار الكَرَك وفي خدمته صاحب حماه الملك المنصور، فجاءت إليه رُسُل المغيث مع الدار القُطْبيّة، وهي ابنة الملك الأفضل قُطُب الدين ابن العادل يضرعون إليه في الرّضا عن المغيث، فَشَرطَ عليه أنْ يقبض على مَن عنده من البحرية، فأجاب ونفَّذهم إليه على الجِمال، فبعثهم إلى قلعة حلب فحُبِسوا بها، وأما رُكْن الدين البُنْدقْداري فهرب من الكَرَك فِي جماعةٍ، وقدِم على الملك النّاصر، فاحسن إليهم وصَفَح عنهم، ورجع وفي خدمته البُنْدُقْداري.
وفيها نزل هولاكو على آمِد، وبعث رُسُلَه إلى صاحب ماردين الملك السعيد نجم الدين يطلبه، فسيَّر إليه ولده الملك المظفَّر فِي خدمته سابق الدين بَلَبَان، والقاضي مهذب الدين مُحَمَّد بن مجلي، ومعهم تقادُم، واعتذر بالمرض فوافق وصولهم إليه أخْذه لقلعة اليمانيَّة وإنزاله منها حريمَ الملك الكامل صاحب ميَّافارقين، وولدَه الملك النّاصر يوسف ابن الكامل، والملكَ السعيد عُمَر، وابن أخيه الملك الأشرف أحمد، والملك الصّالح أيّوب ابن الملك المشمّر ابن تاج الملوك عليّ ابن العادل، فلما رآهم ابن صاحب ماردين جزع وأدى الرسالة فقيل له: ليس مرضه بصحيح وإنما هُوَ متمارض محافظة للملك النّاصر صاحب الشّام، فإن انتصرتُ عليه اعتذَرَ إليَّ بزيادة المرض، وإن انتصر عليَّ بقيتْ له يدٌ بيضاء عند النّاصر، فلو كان [ص:678]
للناصر قوةٌ يدفعني لما مكنني من دخول هذه البلاد، وقد بَلَغَنِي أنه بعث حريمه وحريم أُمرائه وكُبراء رعَّيته إلى مصر، ولو نزل صاحبكم إليَّ رعيتُ له ذلك، ثم أمر بردّ القاضي وحده، فعاد واخبر مخدومه بصورة الحال، فتألم على إرساله ولده، وبعث رسولًا إلى الملك النّاصر يستحثه على الحركة، ويعرفه أنه مَتَى وصل إلى حلب قدِم إليه برجاله وأمواله، وسيَّر فِي الظاهر إلى هولاكو بهديَّة، وفي الباطن إلى ولده يحرضه على الهروب، وسير إلى صاحبي الروم عز الدين ورُكْن الدين يُنكر عليهما كونهما فِي خدمة هولاكو، ويقول: إنْ بَقَّى عليكما فإنما ذلك ليُغْر الملك النّاصر، فأعمِلا الحيلة فِي الانفصال عَنْهُ، والحذر منه.
وفي أواخر السنة وقعت الأراجيف بحركة التّتار نحو الشّام فانجفل الخلق.
وفي آخرها قبض الأمير سيف الدين قُطُز المُعِزيّ على ابن أستاذه الملك المنصور على ابن المُعزّ، وتسلطن ولُقِّب بالملك المظفر، وسبب ذلك قدوم الصاحب كمال الدين ابن العديم رسولًا يطلب النجدة على التّتار، فجمع قُطُز الأمراءَ والأعيان، فحضر الشَّيخ عزّ الدّين ابن عَبْد السلام والقاضي بدر الدين السَّنّجاريّ، وجلس الملك المنصور فِي دسْت السلطنة، فاعتمدوا على ما يقوله الشَّيْخ عز الدين، فكان خُلاصته: إذا طرق العدو البلادَ وَجَبَ على العالم كلهم قتالُهُم، وجاز أن يؤخذ من الرّعيَّة ما يُستعان به على جهادهم، بشرط أن لا يبقى فِي بيت المال شيء، وأن تبيعوا ما لكم من الحوائص والآلات، ويقتصر كلٌّ منكم على فَرَسه وسلاحه، ويتساووا فِي ذلك هُمْ والعامَّة. وأما أخْذ أموال العامة مع بقاء ما فِي أيدي الجُنْد من الأموال والآلات الفاخرة فلا، ثمّ بعد أيام يسيرة قبض على المنصور وقال: هذا صبي والوقْتُ صعْب، ولا بد من أن يقوم رجلٌ شجاع ينتصب للجهاد.
وكان الأميران عَلَم الدين الغتمي وسيف الدين بهادر المُعزّيَّيْن حين جرى هذا المجلس غائبين لرمي البُنْدق، فاغتنم قُطُز غيبتهما وتسلطن، فلما حضرا قبض عليهما، وسيَّر القاضي برهان الدين السَّنْجاريّ مع ابن العديم إلى الشام يعِد النّاصر بالنّجدة. [ص:679]
وبرز الملك النّاصر والعساكر فنزلوا على بَرْزَة شمالي دمشق، واجتمع له عسكر كبير وتُركمان وأتراك وعجم ومطوعة، ثم رَأَى تخاذُل عسكره وأنَّه لا طاقة له بالتّتار لكثرتهم فخاف وجبُن، وكان قد صادر الناس وجبى الأموال وما نفع.
وفيها عبر هولاكو بجيشٍ عظيم الفُرات بعد أن استولى على حران، والرُّها، والجزيرة، وأول من عدّى الفرات أشموط بن هولاكو فِي ذي الحجة، فجاء الخبر من البيرة إلى حلب والنائب بها الملك المعظّم تورانشاه، فجفل الناس منها، وعظُم الخَطْب، وعم البلاء، وكانت حلب فِي غاية الحصانة وحُسْن الأسوار المنيعة وقلعتها كذلك وأبلغ، فلما كان فِي العَشْر الأخير من ذي الحجة قصدت التّتار حلب ونزلوا على حيلان وتلك النّاحية، ثم بعثوا طائفة من عسكرهم فأشرفوا على المدينة، فخرج إليهم عسكر حلب ومعهم خَلْقٌ من المطوعة، فساروا فرأوا التّتار، فلما تحققوا كثْرتهم كروا راجعين، وأمر نائب حلب أن لا يخرج بعد ذلك أحد، وكتب يستحث الملك النّاصر فِي الكشف عَنْهُمْ، فلما كان من الغد رحل التّتار عن منزلتهم ونازلوا حلب، واجتمع عسكر البلد بالبواشير وإلى ميدان الحصا، وأخذوا فِي إجالة الرأي، فأشار عليهم نائب السلطنة أن لا يخرجوا، فلم يوافقه العسكر، وخرجوا ومعهم العوام والشُّطّار، واجتمعوا بجبل بانقوسا، ووصل جمع التّتر إلى ذيل الجبل، فحمل عليهم جماعة من العسكر فانهزم التّتر مكيدة، فتبعوهم ساعة، ثمّ كرت التّتار عليهم، فهربوا إلى إصحابهم، ثم انهزم الجميع لما رأوا التّتار مُقبلين، فركبت التّتار ظهورهم يقتلون فيهم. وقُتل يومئذٍ الأمير عَلَم الدّين زُرَيق العزيزيّ ونازلت التّتار البلد ذلك اليوم، ثم رحلوا عَنْهَا طالبين إعزاز، فتسلَّموها بالأمان.
وخرجت السنة والناسَ فِي أمرٍ عظيم من الخوف والجلاء والحيْرة.(14/677)
-سنة ثمان وخمسين وستمائة
استهلَّتْ والوقت خالٍ من إمامٍ أعظم، وعلى الشّام النّاصر يوسف، فزال ملكه بعد أيام يسيرة، وصاحب مصر المظفر قُطُز تملك فِي أوائلها، وصاحب [ص:680]
اليمن المظفَّر يوسف بن عُمَر، وصاحب ظفار مُوسَى بن إدريس، وصاحب دلَّه وبعض الهند ناصر الدين مُحَمَّد بن أيْتمُش وصاحب كرمان خاتون زَوْجَة الحاجب بُراق، وصاحب شيراز أَبُو بَكْر بن أتابك سعد، وصاحب الموصل ابن بدر الدين، وصاحب ماردين السعيد غازي، وصاحب الرّوم قلج رسْلان وكيْكاوس ابنا الملك كَيْخُسْروا من تحت أوامر التَّتر، وصاحب الكَرَك المغيث عُمَر، وصاحب مكة أَبُو نُميّ مُحَمَّد بن أَبِي سعد وعمه إدريس، وصاحب المدينة جمّاز، وصاحب حماه الملك المنصور مُحَمَّد، وصاحب حمص الأشرف موسى ابن المنصور إبرهيم، وصاحب تونس مُحَمَّد بن يحيى، وصاحب العراق وأَََذْرَبِيجان وخُراسان هولاكو بن تولي بن جنكزخان.
في المحرَّم قطع هولاكو الفُراتَ فنزل النَّيْرب والملاحة وتلك النواحي، وأرسل إلى أهل حلب: إنكم تضعفون عن لقائنا ونحن نقصد سلطانكم، فاجعلوا لنا عندكم شِحْنةً بالقلعة وشِحْنةً بالبلد، فإن انتصر علينا الملك النّاصر فالأمر إليكم، إن شئتم أبقيتم على الشَّحنَتين، وإن شئتم قتلتموهما، وإنْ كانت النُّصرة لنا فحلب وغيرها لنا، وتكونون آمنين. فلم يُجِبْه الملكُ المعظَّم تورانشاه إلى ذلك، وقال: ما له عندنا إلا السيف.
وكان الرَّسُول بذلك صاحب أرْزُن، فما أعجبه جوابه وتألّم للمسلمين، فلله الأمر. فنازل هولاكو حلب بجيوشه فِي ثاني صَفَر، وهجمت التّتار البواشير وقتلوا أكثر من فيها، وقُتل يومئذٍ أسد الدين ابن الزاهر دَاوُد ابن صلاح الدين، ولم يُصبح عليهم ثالث صَفَر إلا وقد حفروا خندقًا فِي طول قامة، وفي عرض أربعة أذْرع، وبنوا حائطًا ارتفاع خمسة أذْرع كالسور عليهم وعملوا فِيهِ أبوابًا، ونصبوا على باب العراق الذي للبلد أكثر من عشرين منجنيقًا، والحوا بالرمي بها ليلا ونهارًا، وأخذوا فِي نقْب السور، فلم يزالوا إلى أن ظهروا أولًا من حمام حمدان فِي ذيل قلعة الشريف، وركبوا الأسوار من كل ناحيةٍ فِي اليوم التاسع من صَفَر، فهرب المسلمون إلى جهة القلعة، ورمى خلْقٌ نفوسهم فِي الخندق، وبذلت التّتار السيف فِي العالم، ودخل خلْقٌ إلى القلعة، وذاك يوم الأحد، وأصبحوا يوم الاثنين وهم على ما أمسوا من القتْل والسَّبي، وامتلأت الطُّرقات بالقتلى، وأحمي فِي البلد أماكن لِفَرماناتٍ كانت بأيديهم، فمن ذلك دار شهاب الدين بن عمرون، ودار نجم الدين ابن أخي مردكين، ودار البازيار، ودار عَلم الدين [ص:681]
قيصر المَوْصلي، والخانقاه التي فيها زين الدين الصوفي، وكنيسة اليهود، فنجا من القتل في هذه الأماكن أكثُر من خمسين ألفًا، واستتر أيضًا جمْعٌ كثير، وقُتل أممٌ لا يحصيهم إلا الله. وبقي القتل والأسر والحريق والبلاء إلى يوم الجمعة الرابع عشر من صفر، ثم نودي برفع السيف، وأذن المؤذنون يومئذ بالجامع، وأُقيمت الخطبة والصلاة، ثمّ أحاطوا بالقلعة وحاصروها، وبها الملك المعظم.
ووصل الخبر بأخذ حلب إلى دمشق يوم السبت فهرب الملك النّاصر من دمشق وزال ملكه، وكانت رسُلُ التّتار يومئذٍ بحرسْتا فدخلوا دمشق، وقُرئ فرمان الملك بأمان أهل دمشق وما حولها، ووصل نائب هولاكو على دمشق فِي ربيع الأول فلقيه كبراء البلد بأحسن ملْقى، وقُرئ الفَرَمان، وجاءت التّتار من جهة الغوطة مارّين من شرقها إلى الكسْوة، وبعد أيام وصل منشور من هلاوون للقاضي كمال الدّين عمر التَّفْليسيّ بقضاء الشّام، وماردين، والموصل، وبنظر الأوقاف والجامع، وكان نائبًا للقاضي صدر الدّين ابن سنيّ الدّولة.
وأما حماه فكان صاحبها المنصور قد تقهقر إلى دمشق فنزل بَرزة، فجاء إلى حماه بطاقة برواح حلب، فوقع فِي البلد خَبْطةٌ عظيمة، وخرج أهلها على وجوههم، وسافر بهم الطواشي مرشد، ثم بقي بها آحاد من الأعيان، فتوجهوا إلى حلب بمفاتيح البلد، وطلبوا عطف هولاكو عليهم وأن يُنْفذ إليهم شِحنة، فسيَّر إليهم خُسْرُوشاه، رجلٌ أعجمي، فقدِمَها وآمن الرعية، وكان بقلعتها الأمير مجاهد الدين قيْماز، فدخل في طاعته، وسار الملك النّاصر ومعه صاحب حماه والأمراء إلى نحو غزة، ثم سار إلى قَطية، فتقدم صاحب حماه بجمهرة العساكر والجُفّال ودخل مصر، وبقي النّاصر فِي عسكر قليل، منهم أخوه الملك الظاهر، والملك الصالح ابن صاحب حمص، والأمير شهاب الدين القَيْمُريّ، فتوجهوا إلى تيه بني إسرائيل، وخاف من المصريّين.
ووصلت عساكر التّتار إلى غزة واستولوا على الشّام إلا المعاقل والحصون، فإن بعضها لم يستولوا عليه. وحاصروا قلعة حلب أيامًا، واستعانوا بمن بقي من أهل البلد يتترسون بهم، ثم تسلموها بالأمان.
وأما قلعة دمشق فشرعوا فِي حصارها وبها الأمير بدر الدّين محمد بن [ص:682]
قريحا، وأحاط بها خلْقٌ من التّتار، وقطعوا الأخشاب، وأتوا بالمجانيق معهم، ونصبوا عليها أكثر من عشرين منجنيقًا، وأصبحوا يُلحّون بها على برج الطارمة، فطلب أهلها الأمان فِي آخر النهار لما تشقَّق البُرج، وخرجوا من الغد. ثم أخذت التّتار جميع ما فيها، وسكنها النائب كَتْبُغا، وخربوا شُرُفاتها ثم ساروا إلى بعلبك فتسلموها وحاصروا قلعتها فأخذوها أيضا، ثم ساروا إلى بانياس.
وأما الفِرقة التي طلبت حوْران أولًا فامتدوا إلى نابلس وتلك النواحي، فاهلكوا الحرْث والنَّسل، وبذلوا السيف فِي نابلس، وقدِموا إلى دمشق بالسَّبي، فكان الناس يشترونهم ويستفكونهم منهم بالدراهم المعدودة لكثرة من فِي أيديهم من السَّبي. ثم ظفروا بالملك الناصر، وسلّم نفسه إليهم بالأمان، فمروا به على دمشق، ثم ساروا به إلى هولاكو، فأحسن إليه وأكرمه، ورعى له مجيئه إليه، وبقي فِي خدمته هُوَ وجماعة من آله.
وفي جُمادى الأولى طافوا بدمشق برأس الشهيد الملك الكامل صاحب ميَّافارقين الَّذِي حاصره التّتار سنة ونصفًا، وما زال ظاهرًا عليهم إلى أن فني أهل البلد لفناء الأقوات. وأما القاضيان محيي الدّين يحيى ابن مجير الدين ابن الزكي، وصدر الدين ابن سنِيّ الدولة فذهبا إلى هولاكو ثم رجعا، وانقطع الصَّدر ببعْلَبَكّ مريضًا ومات. ودخل ابن الزكي فقُرئ فرمانه بدمشق فِي جمادي الآخرة تحت النَّسْر بقضاء القضاة، وأن يكون نائبه أخوه لأمه شهابُ الدين إِسْمَاعِيل بن حبش. وحضر قراءة الفرمان إيسبان نائب التّتار وزوجته تحت النِسْر على طرَّاحة وُضعت لها، وهي بين زوجها وبين ابن الزكي.
قال قُطْب الدين فِي " تاريخه ": توجَّه محيي الدين وأولاده وأخوه لأمه شهاب الدين وابن سنِيّ الدولة إلى هولاكو فادركوه قبل أن يقطع الفُرات، ثم عادوا إلى بعلبَكّ، ودخل محيي الدين فِي محفَّة وهو فِي تجمُّل عظيم، ومعه من الحَشَم والغلمان ما لا مزيد عليه، وصلى الجمعة فِي شُباك الأمينية، واحضر مِنْبَرًا قبالة الشُّبّاك فقُرئ تقليده، وهو تقليد عظيم جدا قد بالغوا في تفخيمه بحيث لا يُخاطب فِيهِ إلا بمولانا، وفيه أنه يشارك النواب فِي الأمور، [ص:683]
وعليه الخِلْعة فَرجِية سوداء منسوجة بالذَّهب، قيل: إنّها خِلْعة الخليفة على صاحب حلب، أُخذت من حلب. وعلى رأسه بقْيار صوف بلا طيْلسان.
قال أَبُو شامة: ثم شرع ابن الزكي فِي جرّ الأشياء إليه وإلى أولاده مع عدم الأهلية، فأضاف إلى نفسه وأقاربه العَذْراويّة، والنّاصرية، والفلكية، والركْنيّة، والقَيْمُرية، والكلاسة. وانتزع الصالحية وسلّّمها إلى العماد ابن العربي، وانتزع الأمينية من عَلَم الدين القاسم وسلمها إلى ولده عيسى، وانتزع الشومانية من الفخر النَّقْشُوانيّ وسلّمها إلى الكمال ابن النجار، وانتزع الرَّبْوة من مُحَمَّد اليمني وسلمها إلى الشهاب محمود بن مُحَمَّد بن عَبْد الله ابن زين القُضاة، وولي ابنه عيسى مشيخة الشيوخ. وكان مع الشهاب أخيه لأمه تدريس الرواحية، والشّامية البرانية. وبقي على الأمور إلى أن زالت دولة الطاغية هولاكو عن الشّام، وجاء الإِسْلَام فبذل أموالًا كثيرة على أن يقر القضاء والمدارس فِي يده فأقر على ذلك شهرًا، ثم سافر مع السُّلطان إلى مصر معزولًا، ووُليّ القضاء فِي ذي القعدة نجم الدّين أبو بكر ابن صدر الدّين ابن سَنيّ الدّولة.
وفي جمادى الأولى أو نحوه استولت التّتار على عجلون، والصَّلت، وصَرْخد، وبُصرى، والصّبيبة، وخرّبت شُرُفات هذه القلاع، ونُهب ما فيها من الذّخائر. وأرسلوا كمال الدين عُمَر التَّفْليسي إلى الكَرَك يأمرون المغيث بتسليمها، فأرسل إليهم ولده مع التَّفْليسي، والملك القاهر ابن المعظَّم، والمنصور ابن الصالح إِسْمَاعِيل. فسار الجميع صُحبة المقدم كتْبُغا وقد ظفر بالملك النّاصر وهو على عجْلُون، فهرب الملك القاهر ورد إلى الكَرَك. وقال للمغيث: ما القوم شيء، فقوِّ نفسَك واحفظ بلدك. ثم سار إلى مصر، فحرَّض الجيش على الخروج، وهوَّن شأن التّتار، فشرعوا فِي الخروج.
وسار كَتْبُغا بمن معه إلى صفد، وهي للفرنج، فأنزلوا الإقامات، ونُصبَت لكَتْبغا خيمةٌ عظيمة، ووصل إليه الزَّين الحافظي والقاضي محيي الدّين وعليه الخِلْعة [ص:684]
السّوداء. ثمّ إنهم دخلوا دمشق في رجب. ثمّ سار طائفةٍ بالنّاصر وابنه وأخيه الظاهر إلى هولاكو.
وفي شعبان أحضر والي دمشق بدرَ الدّين محمد بن قُربجا، ونقيب القلعة الجمال الحلبي المعروف بابن الصَّيْرفيّ، ووالي قلعة بعْلبكّ، فضُربتْ أعناقهم. ووصل الملك الأشرف ابن منصور ابن المجاهد صاحب حمص فنزل فِي داره، وقُرئ فَرَمانُه بتسليم نظَره فِي البلاد، وأن يكون نائبًا للملك على الشّام جميعه. وسُلِّمت إليه حمص، وتدْمر والرَّحبة.
وفي رمضان وصل الخبر باستيلاء التّتار على صيدا من بلاد الفرنج ونهبها.
وأما هولاكو فإنه عدى الفُرات بأكثر الجيش ومعهم من السَّبيُ والأموال والخيرات والدواب ما لا يوصف، " إنَّما نُمْلي لَهُمْ ليزدادُوا إِثْمًا ".
ومرض الملك السّعيد صاحب ماردين مرضًا شديدًا، ثم عُوفي، وبعث إلى هولاكو يطلب منه سابق الدين بَلَبَان، فبعثه إليه، وقد استماله هولاكو فِي مدة مُقامه عنده. فلما اجتمع بمخدومه أخبره بما تم على أهل حلب. ثم أرسل السعيد إليه بهدية سنِيّة، وأخبروه بعافية السعيد. فسأل عن قلعة ماردين، فأخبروه أن فيها من الأموال والذخائر والأقوات كفاية أربعين سنة. فكتب إليه يعفيه من الحضور، وأرسل إليه ولده الملك المظفّر ليطمئنّ قلبه. وعاد سابق الدّين إلى هولاكو يردّ الجواب، ثم قصد أستاذه الملك السعيد أن يرده من دُنَيْسر ويُمسكه، فلم يتفق، واتصل بهولاكو ولم يرجع. وعلم السعيد أن التّتار لا بُد لهم منه ومن حصاره، فنقل ما فِي البلد من الذخائر إلى القلعة.
ثم بعد أربعة أيّام وَصَلتْه رُسُل هولاكو بهدية، ووصل عقيب ذلك طائفةٌ من التّتار فنازلت ماردين فِي ثالث جمادى الأولى، فلم يقاتلوا. وبقوا سته عشر [ص:685]
يومًا. وقيل: إن هولاكو كان معهم. ثم التمسوا فتْح أبواب البلد ليدخلوا لشراء الأقوات وغيرها ويرحلون. ففتح لهم، فترددوا فِي الدخول والخروج ثلاثة أيام، ثم صعدوا على سور ماردين، ودقوا الطَّبْل، وهجموا البلد بالسيف، فقاتلهم أهله ودرَّبُوا الشوارع وطردوهم، فدام القتال شهرين إلى أن فتح لهم بعض مقدمي البلد درْبًا فملكوه، ودخلوا منه إلى الجامع، وصعدوا المنائر، ورموا منها بالنشاب، فضعُف الناس، واحتموا بالكنائس، وصعِد بعضهم إلى القلعة، وملكت التّتار البلد، ونصبوا المجانيق على القلعة، وهي ستة، فلم يصل إلى القلعة منها إلاّ ثلاثة أحجار. واستمر الحصار إلى آخر السنة، ووقع الوباء في القلعة، فمات الملك السعيد فيمن مات، وهلك الخلْق. ورمي رجلٌ نفسَه من القلعة وأخبر التّتار بموت السُّلطان، فبعثوا إلى ابنه الملك المظفر وطلبوا منه الدخول في الطّاعة.
وفي وسط العام قُرئ بدمشق كتابُ هولاكو بسبب النّاصر، وذلك قبل أن يصل إليه. وهو: " أما بعدُ، فنحن جنود الله، بنا ينتقم ممّن عتا وتجبّر، وطغى وتكبَّر، وبأمر الله ما ائتمر. إن عوتب تنمر، وإن روجع استمر. ونحن قد أهلكنا البلاد، وأبدْنا العباد، وقتلنا النسوان والأولاد. فأيُّها الباقون، أنتم بمن مضى لاحقون، ويا أيها الغافلون أنتم إليهم تُساقون. ونحن جيوش الهلكة، لا جيوش الملكة، مقصودنا الانتقام، وملكنا لا يُرام، ونزيلنا لا يُضام، وعدْلُنا فِي مُلْكنا قد اشتهر، ومن سيوفنا أين المفر؟
أين المَفَر ولا مَفَر لهاربٍ ... ولنا البسيطان الثرَى والماءُ
ذلت لهيبتنا الأسودُ وأصبحتْ ... فِي قبضتي الأمراء والخلفاءُ
ونحن إليكم صائرون، ولكم الهرب، وعلينا الطلَّب.
ستعلم ليلى أيَّ دين تديَنَتْ ... وأي غريم بالتَّقاضي غريمُها
دمرنا البلاد وأيتمنا الأولاد، وأهلكنا العباد، وأذقْناهم العذاب، وجعلنا عظيمهم صغيرًا، وأميرهم أسيرًا. تحسبون أنكم منا ناجون أو متخلصون، وعن قليلٍ سوف تعلمون على ما تقدمون، وقد أعذر من أنذر ".
وأما رُكن الدين بيْبَرس البُنْدُقْداري فإنه فارق الملك النّاصر من الرمل، واتفق هُوَ والشَّهرزُوريَّة بغزَّة، وتزوَّج ببنت بركة خان أحد ملوكهم، ثمّ بعث [ص:686]
علاء الدين طيْبرس الوزيري إلى صاحب مصر ليحلف له على ما اقترحه عليه. فأجابه فسَاق ودخل مصر فِي الثاني والعشرين من ربيع الأول، فأكرمه الملك المظفر واحترمه، وقوى هُوَ جَنان المظفر على حرب التّتار. ثم جاء بعدُ الملكُ القاهرُ من الكَرَك فهون أمر التّتار. وكان شروع المصريين فِي الخروج إلى التّتار في نصف شعبان.
قلت: وكان الناس فِي دمشق آمنين من أذية التّتار بالنسبة، وذلك لهيبة هولاكو، لأنه بَلَغنَا أن مفاتيح دمشق لما أتته على حلب وهو فرحان بفتوح البلاد رمى بسراقوجه وقال للمُغل: دوسوا عليه. فضربوا جوك وقالوا: العفو. فقال: هذا دمشق، من آذى دمشق أو أهلها يموت. فلقد كان التتري يغمس مقرعته فِي القنبريس أو الدِّبس ويمصها، فيسبّه الفامي ويصيح فيه وهو لا ينطق. ونحو هذا. لكن انتُهِكت الحُرُمات، وظهرت الفواحش والخمور، ورفعت النّصارى رؤوسها. وكان التّتار بين كافرٍ أونصْرانيّ أو مَجُوسي، وما فيهم من يتلفظ بالشهادة إلا أن يكون نادرًا.
قال ابن الجزَرِي: حدثني أَبِي قال: خرجْتُ من الصلاة فِي الجمعة الثانية من رمضان، فوجدت دكاكين الخضراء وفيها النصارى يبيعون الخمر، وبعض الفُسّاق معهم وهم يشربون ويرشُّون على المُصلين من الخمر، فبكيت بُكاءً كثيرًا إلى أن وصلتُ إلى دُكاني بالرماحين.
وقال أَبُو شامة: كانت النصارى بدمشق قد شمخوا بدولة التّتار، وتردد إيسبان المقدَّم إلى كنيستهم، وذهب بعضهم إلى هولاكو فجاء بفَرَمان بأن يرفع دينهم، فخرجت النصارى يتلقونه، ودخلوا رافعي أصواتهم ومعهم الصليب مرفوع، وهم يرشُّون الخمرَ على الناس، وفي أبواب المساجد، ودخلوا من باب توما، ووقفوا عند رباط البيانية، ونادوا بشعارهم، ورشُّوا الخمر في باب الرِّباط، وباب مسجد درب الحجر، وألزموا الناس من الدكاكين بالقيام للصليب، ومن لم يفعل ذلك أخرقوا به وأقاموه غصْبًا، وشقُّوا القصبة إلى عند القنطرة فِي آخر سُوَيقة كنيسة مريم، فقام بعضهم على الدكان الوسطى [ص:687]
وخطب، وفضل دين النَّصارى وصغر من دين الإسلام، ثم عطفوا من خلْف السّوق إلى الكنيسة التي أخربها الله.
قلت: قيل: إنهم كانوا ينادون: ظهر الدين الصحيح دين المسيح. وذلك فِي الثاني والعشرين من رمضان.
فصعد المسلمون مع القُضاة والعُلماء إلى إيل سبان بالقلعة فِي ذلك، فأهانوهم، ورفعوا قِسيس النصارى عليهم، وأخرجوهم من القلعة بالضَّرْب والإهانة. ثم نزل إيل سبان من الغد إلى الكنيسة.
وأقبل الملك المظفَّر بالجيوش حتى أتى الأُرْدُن. وسار كَتْبُغا بالمغول، فنزل على عين جالوت من أرض بيسان. وكان شاليش المسلمين رُكن الدين بيْبَرس البُنْدُقْداريّ، فحين طلع من التل أشرف على التّتار نازلين، ووقعت العين في العين، وكان بينه وبين السُّلطان مرحلة. فجهز البريدية فِي طلب السُّلطان وقلق وقال: إنْ ولّينا كسرْنا الإسلام. فجعلوا يقهقرون رؤوس خيلهم حتى نزلوا عن التل إلى خَلَف. وضربت التّتار حلقة على التل وتحيز البُنْدُقْداري بعسكره فلم تمضِ ساعةٌ حتّى جاءته خمسمائة ملْبسة من أبطال الإِسْلَام، ثم بعد ساعة أخرى لحِقَتها خمسمائة أخرى. وأما التّتار فاشتغلوا أيضًا بأخذ أُهْبَتهم للمصاف. وتلاحَقَ الجيشُ ثم وقع المَصافّ.
قال أَبُو شامة: لما كان ليلة سبْع وعشرين من رمضان جاءنا الخبرُ بأن عسكر المسلمين وقع على عسكر التّتار يوم الجمعة الخامس والعشرين من الشهر عند عين جالوت، وهزموهم وقتلوا فيهم، وقتلوا ملكهم كتْبُغا، وأُسر ابْنُه، فانهزم من دمشق النائب إيل سبان ومنْ عنده من التّتار، فتبَعَهُم أهلُ الضياع يتخطفونهم.
وقال الشيخ قطب الدّين: خرج الملك المظفَّر بجيش مصر والشّام إلى لقاء التَّتر، وكان كَتْبُغا بالبقاع، فبلغه الخبر، فطلب الملك الأشرف، يعني الَّذِي استنابه هولاكو على الشّام والقاضي محيي الدين، واستشارهم، فمنهم من أشار بعدم الملتَقَى، وبأن يندفع بين يدَيِ المظفَّر إلى أن يجيئه المَدَد من [ص:688]
هولاكو، ومنهم من أشار بغير ذلك وتفرقت الآراء، فاقتضى رأيه هُوَ الملتقى، وسار من فوره فالتقوا يوم الجمعة، فانكسرت ميسرة المسلمين كسرةً شنيعة، فحمل الملك المظفَّر فِي التّتار، وحمل معه خَلْقٌ فكان النصر. قُتِل كَتْبُغا ومُعظم أعيان التّتار، وقتِل منهم مقتلة عظيمة، وهرب من هرب. وقيل: إن الَّذِي قتل كَتْبُغا الأمير آقُش الشمسي، وولْت التَّتر الأدبار، وطمع الناس فيهم يتخطفونهم وينهبونهم. وعند الفراغ من المَصَافّ حضر الملك السعيد بن عثمان ابن العادل صاحب الصُّبَيْبة إلى بين يدي السُّلطان فلم يقبله وضرب عنقه. وجاء كتاب المظفَّر بالنَّصر، فطار الناس فرحًا، وثار بعضهم بالفخر الكَنْجيّ فقتلوه بالجامع، لكونه خالَطَ الشمس القُميّ، ودخل معه فِي أخْذ أموال الجُفال، وقُتل الشمس ابن الماكسِينيّ، وابن البُغَيْل، وغيرهم من الأعوان. وكان المسلمون يجرعون الثكل على النَّصارى لعنهم الله من أول أمس، لرفعهم الصَّليب وغير ذلك، فأسرعوا إلى دُورهم ينهبونها ويخربونها، وأخربوا فِي كنيسة اليعاقبة، وأحرقوا كنيستهم الكبرى، كنيسة مريم، حتى بقيت كوْمًا، وبقيت النار تعمل فِي أخشابها أيَّامًا. وقُتل منهم جماعة، واختفى سائرُهم. ونُهب قليل من اليهود، ثم كفوا عَنْهُمْ لأنهم لم يصدُرْ منهم ما صدر من النصارى. وعيَّد المسلمون على خيرٍ عظيم، ولله الحمد.
ودخل السُّلطان الملك المظفر القلعة مؤيدًا منصورًا، وأحبه الخلْق غاية المحبَّة. وعبر قبله البُنْدُقْداري على دمشق، وساق وراء التتر إلى بلاد حلب، وطردهم عن البلاد. ووعده السُّلطان بحلب، ثم رجع عن ذلك فتأثر رُكْن الدين البُنْدُقْداريّ من ذلك. وكان ذلك مبدأ الوحشة. وسير الملك الأشرف ابن صاحب حمص يطلب من السُّلطان أمانًا على نفسه وبلاده، وكان قد هرب مع التّتار من دمشق، ثم انملَسَ منهم وقصد قلعة تدْمر، فأمنه وأعطاه بلاده، فحضر إلى الخدمة، ثم توجَّه إلى حمص وتوجَّه صاحب حماه إلى حماة. واستعمل السُّلطان على حلب علاء الدين ابن صاحب الموصل. واستعمل على دمشق الأمير علم الدين سنجر الحلبي والأمير مجير الدين ابن حبرون ورتب أمور الشام وشنق حسينًا الكردي طبردار الملك النّاصر الَّذِي خدعه وأوقعه فِي أسْر التّتار، وعزل عن خطابة دمشق ابن الحَرَسْتانيّ، ووليها أصيل الدين الإسْعرديّ إمام السّلطان قُطُز، وقُرئ تقليده، ثم عُزِل بعد شهر وأعيد [ص:689]
عمادُ الدّين ابن الحَرَسْتاني. وأقام المظفر نحو الشهر، وسار إلى الديار المصريّة.
ونقل الصّاحب عزّ الدّين ابن شداد أن المظفَّر لما ملك دمشق عَزَم على التَّوجُّه إلى حلب لينظف أثارَ التّتار من البلاد، فوشى إليه واشٍ أن رُكْن الدين البندُقْداري قد تنكر له وتغير عليه، وأنّه عاملٌ عليك. فصرف وجهه عن قصْده، وعَزَم على التَّوجُّه إلى مصر وقد أضمر الشر للبُنْدُقْداريّ. وأسرَّ ذلك إلى بعض خواصه، فاطَّلع على ذلك البندُقْداري. ثم ساروا والحُقُود ظاهرة فِي العيون والخُدود، وكلّ منهما متحِّرس من صاحبه. إلى أن أجمع رُكْن الدين البُنْدُقْداريّ على قتل المظفَّر. واتفق معه سيف الدين بَلَبَان الرشيدي، وبهادر المُعِزّيّ، وبيدغان الرُكُنيّ، وبكتوت الجوكنْدار، وبَلَبَان الهاروني، وأنَس الأصبهاني، الأمراء. فلمّا قارب القصير الَّذِي بالرمل عرج للصَّيْد، ثم رجع، فسايره البُنْدُقْداري وأصحابه، وحادَثَه، وطلب منه امْرَأَة من سبْي التّتار، فأنعم له بها، فاخذ يده ليُقبلها، وكانت تلك إشارة بينه وبين أولئك، فبادره بدر الدين بكتوت الجوكنْدار المُعِزّيّ، فضربه بالسيف على عاتقه فأبانه، ثم رماه بهادر المُعِزّيّ بسهْم قضى عليه، وذلك يوم سادس عشر ذي القعدة.
ثم ساروا إلى الدِّهليز وضربوا مشورة فيمن يملكوه عليهم، فاتفقوا على رُكن الدين البُنْدُقْداريّ. وتقدم الأمير فارس الدين أقطاي المعروف بالأتابَك فبايعه، ثم تلاه الرشيدي، ولُقِّب بالملك القاهر.
ثم ساق هُوَ والأتابك، وقلاوون الَّذِي تسلطن، والبيْسَريّ، وجماعة، وقصد قلعة مصر، ورتَّب أقوش النّجيبيّ أستاذ داره، وعزّ الدّين الأفرم أمير جنْدار. فخرج نائب الملك المظفَّر على القاهرة للقائه، وهو الأمير عز الدين الحلي، فصادف هؤلاء فاخبروه بما وقع، فحلف لرُكن الدين، ورد إلى القلعة ووقف على بابها ينتظره.
وكانت القاهرة قد زينت لقدوم المظفَّر وهم فِي فرحة، فلما طلع الضوء لم يشعورا إلا والمنادي يقول: مَعْشَر الناسَ، ادعُوا لسلطانكم الملك القاهر رُكنْ الدنيا والدين. ووعدهم بالإحسان وإزالة المؤن لأنّ الملك المظفَّر رحمه الله كان قد أحدث على المصريين حوادث كثيرة، منها تصقيع الأملاك [ص:690]
وتقويمها وزكاتها، وأخْذ ثُلث الزكاة، وثلث التَّرِكات، وعن كلّ إنسان دينار واحد مضاعف الزّكاة، فمبلغ ذلك في العام ستمائة ألف دينار، فأطلق ذلك لهم. وجلس على تخت المُلْك يوم الأحد، وذلك اليوم الثّاني من قتْله المظفَّر، فأشار عليه الوزير زين الدين ابن الزُّبير وكان مُنْشئًا بليغًا، بأن يغير هذا اللقَب وقال: ما لُقِّب به أحد فأفلح. لُقِّب به القاهر ابن المعتضد فسُمل بعد قليل وخُلع، ولُقِّب به الملك القاهر ابن صاحب الموصل فسُمّ. فأبطل السّلطان هذا الّلقب وتلقَّب بالملك الظّاهر.
وأما نائب دمشق الحلبي فبلغه قتْل المظفَّر، فحلف الأمراء بدمشق لنفسه، ودخل القلعة وجدد عمارتها، وتسلطن، وتلقَّب بالملك المجاهد، وخُطِب له بدمشق فِي سادس ذي الحجة مع الملك الظاهر. وأمر بضرب الدّراهم باسميهما. وغلت الأسعار وبقي الخبز رِطْلٌ بدرهمين، ووقيه الجُبْن بدرهم ونصف. وأما اللحم فكاد يُعدم، وبلغ الرطْل بخمسة عشر درهما.
ولما استقر الملك الظاهر فِي السلطنة أبعد عَنْهُ الملك المنصور علي بن المُعز أيْبَك وأُمّه وأخاه قاءان إلى بلاد الأشكري، وكانوا معتَقَلين بالقلعة.
وفي ذي القعدة أمر الأمير عَلم الدين الحلبي بعمارة قلعة دمشق وإصلاحها، وركب بالغاشية والسيوف المجرَّدة، وحمل له الغاشية ابن الملك العادل والزاهر ابن صاحب حمص والقُضاة والمدرسون حوله. ففرح النّاس وعملوا في بنائها.
وكان المظفَّر قد استناب على حلب الملك السعيد علاء الدين ابن صاحب الموصل، وقصد بذلك استعلام أخبار العدوّ، لأنّ أخاه الصالح كان بالموصل، وأخاه المجاهد كان بالجزيرة، فتوجه السعيد إلى حلب بأمرائها وعسكرها، فأساء إليهم، وأراد مصادرة الرعيَّة، فاجتمعت الأمراء على قبْضه، وعوّضوا عنه بالأمير حسام الدين الجوكنْدار العزيزي، ثم بلغهم أن التّتار قد قاربوا البيرة، وكانت أسوار حلب وأبراجها قد هُدمت وهي سائبة كما هي الآن، فانجفل النّاس منها، ثم جاءت التتار فاندفع الجوكندار بالعسكر نحو دمشق، ودخلت التتار حلب، فأخرجوا من فيها من الناس بعيالهم إلى قرنبيا وداروا حولهم ووضعوا فيهم السيف، ثم ساقوا إلى حماة ونازلوها فأخرجوا [ص:691]
إليهم إقامة ومأكولا فرحلوا عنهم وطلبوا العسكر.
وفي شوّال درّس ناصر الدّين محمد ابن المقدسي بالتُّربة الصالحية بعد والده، ولاه المنصور ابن الواقف.
وقُرئ تقليد قاضي القضاة محيي الدين بولايته القضاء والمدارس من جهة المظفَّر. ثم عُزل بعد أيام بنجم الدين ابن سَنِيّ الدولة.
ودرّس بالأمينية قَطْبُ الدّين ابن عصْرُون.
وشرعوا فِي عمارة ما وَهى من قلعة دمشق.
وعمل أهل البلد وأهل الأسواق، وعظم السرور، وعُلمت المغاني والدّبادب لذلك، بلغ اللحم فِي ذي القعدة الرطْل بتسعة دراهم، ورطل الخبز بدرهمين، ورطل الجُبْن باثني عشر درهمًا. وأسعار الأقوات من نسبة ذلك بدمشق. وبلغ صرْف الدينار إلى خمسةٍ وسبعين درهمًا. وأبيع في عيد النَّحر رأس الأَُضحية بستمائة درهم. وتزايد الأمر؛ نقل ذلك التاج ابن عساكر.
وفيها رافع بهادُر الشِّحنة، والعماد القزْوينيّ صاحب الديوان علاء الدين، فأمر هولاكو بقتْله، فطلب العفْو فعفا عَنْهُ، وأمر بحلْق لحيته فحُلقت، فكان يجلس في الدّيوان ملثََّمًا. ثمّ عظُم بعد، وقدم أخوه الوزير شمس الدين وظهرت براءته، وقال لبهادر: الشَّعْر إذا حُلِق ينْبُت، والرأس إذا قُطع لم ينبت. ثمّ دبّر فِي قتْله وقتل العماد القزويني.(14/679)
-سنة تسع وخمسين وستمائة
استهلت وما للناس خليفة، وصاحب مكة الشريف أبو نميّ الحَسَنيّ وعمّه، وصاحب المدينة عزّ الدّين جماز بن شِيحَة الحَسَينيّ، وصاحب مصر الملك الظاهر رُكن الدين بيْبَرس الصّالحي، وصاحب دمشق الملك المجاهد عَلَم الدين سنْجَر الحلبي، وصاحب الموصل الملك الصالح إِسْمَاعِيل بن لؤلؤ، وصاحب الجزيرة أخوه المجاهد إِسْحَاق، وصاحب ماردين المظفَّر قُرا [ص:692]
رسلان ابن السعيد، وصاحب الرُّوم رُكْن الدين قليج رسلان ابن غياث الدّين كيخسْرُوا ابن علاء الدين وأخوه عز الدين كيكاوس، وصاحب الكَرَك والشَّوبَك المغيث عمر ابن العادل ابن الكامل، وصاحب حماة المنصور محمد ابن المظفَّر، وصاحب حمص والرَّحبة وتدْمُر الأشرف مُوسَى بن إِبْرَاهِيم بن شيركوه، والمستولي على حصون الإسماعيليّة الثمانية رضيّ الدّين أبو المعالي ابن نجم الدّين إسماعيل ابن الشْعرانيّ، وصاحب مَرّاكُش المرتَضَى عُمَر بن إِبْرَاهِيم بن يوسف، وصاحب تونس أَبُو عَبْد الله مُحَمَّد بن يحيى بن أبي محمد ابن الشَّيْخ أَبِي حفص عُمَر بن يحيى، وصاحب اليمن الملك المظفَّر يوسف ابن الملك المنصور، وصاحب ظَفَار مُوسَى بن إدريس الحضْرميّ وصاحب دلة ناصر الدّين محمود ابن شمس الدين أيتمش، وصاحب كرْمان تُرْكان خاتون زَوْجَة الحاجب بُراق وابنا أخي بُراق، وصاحب شِيراز وفارس أبو بكر ابن أتابك سعد، وصاحب خُراسان، والعراق، وأذْربيْجان، وغير ذلك: هولاكو بن قاءان بن جنكزخان، وصاحب دشت القفجاق وتلك الدّيار بركة ابن عمّ هولاكو.
وقعة حمص
وكانت فِي خامس المحرم. اجتمع عددُ من التّتار الذين نجوْا من عين جالوت، والذين كانوا بِحَرّان والجزيرة. وكانوا قد هلكوا من القَحْط فأغاروا على حلب، وقتلوا أهلها بقرنبيا، ثم ساقوا إلى حمص لما علِموا بقتْلة الملك المظفَّر، وأن العساكر مختلفة، فوجدوا على حمص الأمير حسامَ الدين الجوكنْدار ومعه العسكر الذين كانوا بحلب، والملك المنصور صاحب حماه، والملك الأشرف صاحب حمص، وعدّتهم ألف وأربعمائة، فحملوا على التّتار وهم فِي ستة آلاف فارس حملة صادقةً فكسروهم وركبوا أقفِيَتهم قتْلًا حتى أتى القتل على مُعظَمهم، وهرب مقدمهم بيْدرا فِي نفرٍ يسير بأسوأ حال.
وكانت الوقعة عند تُربة خَالِد بن الوليد رضي الله عَنْهُ. وتُسمَّى وقعة [ص:693]
حمص " القيقان "، لأن غير واحد حدث أنه رَأَى قِيقانًا عظيمة قد نزلتْ وقت المصاف على التّتار تضرب فِي وجوههم، وحكى بدر الدّين محمد ابن عز الدين حَسَن القيْمُرِيّ، وكان صدوقًا، قال: كنت مع صاحب حماه فوالله لقد رَأَيْت بعيني طيورًا بيضاء وهي تضرب فِي وجوه التّتار يومئذٍ. نقله عَنْهُ الجَزَريّ فِي " تاريخه ".
وقال أَبُو شامة: جاء الخبر بأن التّتار كُسِروا بأرض حمص كسرةً عظيمة وضُربت البشائر، وكانت الوقعة عند قبر خَالِد إلى قريب الرَّسْتَن، وذلك يوم الجمعة خامس المحرَّم، وقُتل منهم فوق الألف، ولم يُقتَل من المسلمين سوى رجلٍِ واحد. ثُم جاءت رؤوسهم إلى دمشق.
قلت: حكى أَبِي أنهم جابوها في شرائج، وكنّا نتعجّب من كبر تلك الرؤوس لأنّها رؤوس المُغْل.
قال أَبُو شامة: وجاء الخبر بنزول التّتار على حماه فِي نصف الشهر، فقدِم صاحب حماه وصاحب حمص فِي طلب النَّجدة والاجتماع على قتالهم، فنزل الملك المجاهد عَلَم الدين عن سلطنة دمشق.
قلت: بل اتفقوا على خلْع الحلبي، وحصروه بالقلعة، وجرى بينهم شيءٌ من قتال، وخرج إليهم وقاتلهم، ثم رجع إلى القلعة. فلما رَأَى الغَلَبة خرج فِي الليل بعد أيام من دمشق من باب سرٍّ قريبٍ من باب توما، وقصد بعْلَبَكّ، فعصى فِي قلعتها، وبقي قليلًا، فقدِم علاء الدين طيْبرس الوزيري وأمسك الحلبيّ في قلعة بعلبك، وقيّده وسيّره إلى مصر.
وفيها، فِي أواخر المحرَّم، وقع على دمشق ثلج عظيم لم يُعهَد، فبقي يومين وليلتين، وبقي على الأسطحة أعلى من ذراع، ثم رُمي وبقي كأنه جبال فِي الأزِقّة وتضرر الخلقُ به. وذلك فِي أوّل كانون الأصمّ.
وأما التّتار فقال قُطْبُ الدين أبقاه الله: ولما عاد مَنْ نجا مِن التّتار إلى [ص:694]
حلب أخرجوا من فيها، ثم نادوا: كل من كان من أهل البلد فلْيعتزل. فاختلط على الناس أمرهم ولم يفهموا المُراد، فاعتزل بعضُ الغُرباء مع أهل حلب، فلما تميز الفريقان أخذوا الغُرباء وذهبوا بهم إلى ناحية بابلا فضربوا رقابهم، وكان فيهم جماعة من أقارب الملك النّاصر رحمهم الله. ثم عدوا من بقي، وسلموا كل طائفة إلى رجلٍ كبيرٍ ضمَّنوه إيَّاهم. ثُم أحاطوا بالبلد أربعة أشهر، فلم يدخلها أحدٌ ولا خرج منها أحدٌ، فَغَلتْ الأسعار وهلكوا، وتعثروا، وبلغ رِطْل اللحم سبعةَ عشَرَ درهمًا، ورطْل السَّمك ثلاثين درهمًا، ورطل اللبَن خمسة عشر درهمًا، ورطل السكر خمسين درهما، وأُكِلَت الميتات.
وأمّا الجوكنْدار فدخل مصر ثمّ عاد إلى حلب.
وفي سابع صَفَر ركب السُّلطان الملك الظاهر في دسْت السّلطنة من قعلة الجبلَ وهو أوّل ركوبه. قال قُطْبُ الدين: وكتب إلى الأمراء يحرضهم على القبض على الحلبي، فخرجوا عن دمشق ونابَذُوه وفيهم علاء الدين البُنْدُقْدار، يعني أستاذ الملك الظاهر، وبهاء الدين بُغدي فتبعهم الحلبيُّ وحاربهم، فحملوا عليه فهزموه، ودخل القلعة فأغلقها فِي حادي عشر صَفَر. ثُم خرج من القلعة تلك الليلة، وأتى بعْلَبَكّ فِي عشرين مملوكًا. واستولى البُنْدُقْدار على دمشق، وناب فيها عن الملك الظاهر، وجهز لمحاصرة بعْلبَكّ بدر الدين ابن رحال، فحال وصوله دخل بعْلبَكّ وراسل الحلبي، ثم تقرر نزوله ورواحه إلى خدمة الملك الظاهر، فخرج من القلعة على بغْلة، وسار فأدخِل على الملك الظاهر ليلًا، فقام إليه واعتنقه وأكرمه، وعاتبه عتابًا لطيفًا، ثمّ خلع عليه ورسمَ له بخيْل ورخت.
قلت: ثم حبسه.
وقال أَبُو شامة: ثم رجعت التّتار، فنزل صاحب صهيون وتخطَّف [ص:695]
منهم جماعة، وقتلت الفداويّة الخشِيشيّة صاحبَ سِيس، لَعَنَه الله. ووقع السيف بين التّتر وبين ابن صاحب سيس.
وفيها درس القاضي نجم الدين ابن سِني الدولة بالعادلية وعُزِل الكمال التَّفْليسيّ، واعتقل بسبب الحياصة النّاصرية التي تسلّمها التّتار. وكانت رهنًا بمخزن للأيتام على المال الذي اقترضه الملك النّاصر.
قال: وفيه، يعني ربيع الأول، خرج الفِرَنج في تسعمائة قنطاريّة، وخمسمائة تركُبُليّ، ونحو ثلاثة آلاف رَاجِل، فأُخذ الجميع قتْلًا وأسْرًا، ولم يفْلت منهم سوى واحدٍ.
قلت: انتدب لقتالهم الغاجريّة التُّركُمان، فأخْلَوا لهم بيوتهم وهربوا، وكمنوا لهم، ثم نزلوا عليهم وبيتوهم، وأراح الله منهم. وكان خروجهم من عكّا وصيدا.
وفي جمادي الأولى عُقِد العزاء بجامع دمشق للملك النّاصر. جاء الخبر بأنّه ضُربت رَقَبتُه مع جماعةٍ لما بلغهم أن المصريّين كسروهم على عين جالوت.
وفيه ورد دمشق أولاد صاحب الموصل، وهما صاحب الجزيرة يومئذٍ وصاحب الموصل بعيالهم وأموالهم، ومعه طائفة من أهل البلاد، فمضوا إلى مصر. ثُم رجعوا فِي أواخر السنة مع السّلطان، ومضوا إلى بلادهم.
وفي رجب أقيم فِي الخلافة بمصر المستنصر بالله أَحْمَد، ثم قدِم دمشقَ هُوَ والسُّلطان، فعمِلت لقدومها القِباب، واحتفل الناس لزينتها. وعُدِم فِي الشرق فِي آخر العام كما فِي ترجمته.
وفي ذي الحجة عُزِل عن قضاء الشّام نجم الدين ابن سَنيّ الدولة، ووُليّ شمس الدين ابن خلِّكان الَّذِي كان نائب الحُكْم بالقاهرة، ثم وكل بالمعزول وأُلزم السَفر إلى مصر. قال أبو شامة: كان جائرًا، فاجرًا، ظالمًا، وشاع عَنْهُ أنه أُودع كيسًا فِيهِ ألف دينار، فرد بدله كيسًا فِيهِ فلوس. وفُوِّضَ إلى ابن خلِّكان [ص:696]
نظر الأوقاف وتدريس سبع مدارس كانت بيد المعزول: العادلية، والعذْراويّة، والنّاصرية، والفَلَكيّة، والرُّكْنيّة، والإقباليّة، والبَهنَسيّة.
وفي نصف ذي الحجة رجع السُّلطان إلى مصر.
وفيها أقام الأمير شمس الدين أقوش البرلي المُسمَّى برلو بحلب خليفةً، ولَقَّبه بالحاكم بأمر الله، وخطب له، ونقش اسمه على الدراهم، فلما قدِم السُّلطان الشّام تزلزل أمرُه، وطلب العراق، ثم اجتمع بالإمام المستنصر بالله، ودخل في طاعة المستنصر.
وفي آخرها وقع المصافُّ بين المستنصر وبين التّتار بالعراق، فعُدِم المستنصر، وقُتِل عددٌ من أصحابه وهرب الحاكم فِي جماعةٍ وسلِم. وممن عُدِم فيها كمال الدّين ابن السّنجاريّ، ويحيى ابن العُمريّ، وعبد الملك ابن عساكر. وقد ذكرنا الوقعة فِي ترجمة المستنصر.
واستعمل السُّلطان على حلب الأمير عَلَم الدين سنْجّر الحلبيّ، وبعث معه عسكرًا لمحاربة برلو، وكان قد غلب على حلب. فلما قرُب الحلبي قصد البرلي الرَّقّة، ودخل الحلبي حلب، وجهز عسكرًا وراء البرلي، فادركوه بالبرية فقال: أَنَا مملوك السُّلطان. وخدعهم. ثم وصل إلى حَران، ثم أتى البيرة فتسلمها، وقوي أمره، وقصد حلب. فقفز إليه جماعة من عسكر حلب، فخاف الحلبي وهرب، فدخل البرلي حلب. فلما بلغ السُّلطان خرج من مصر بالجيش، ثم جهز علاء الدين أيْدكين البُنْدُقْدار نائبًا على حلب ومُحاربًا للبرلي، فسَار من دمشق فِي نصف ذي القعدة، فخرج البرلي عن حلب، وقصد قلعة القرادي وحاصرها، وأخذها من التّتار ونهبها.
وفيها كاتَبَ الملك المغيث صاحب الكَرَك الملك الظّاهر يستعطفه فرضيَ عنه.
وفي شوال وُلّي قضاء مصر برهان الدين السَّنجاريّ، وعُزل تاج الدين ابن بِنْت الأعز.
وفي شوّال تزوّج بيليك الخَزْندار الظاهري ببنت صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ، فأعطاه السّلطان الصُّبيْبَة، وبانياس. [ص:697]
وقدِم على السُّلطان وهو بدمشق الملك الأشرف صاحب حمص، فخلع عليه وأعطاه ثمانين ألف درهم، وزاده تلَّ باشر.
وفي ذي الحجة سار الرشيدي فِي عسكرٍ إلى أرض أنطاكية فأغار عليها.
قال قُطْب الدّين: وفي رمضان وقع الصُّلح بين التّتار وبين الملك المظفَّر ابن السعيد صاحب ماردين، فتوجه إليهم ومعه هدية سَنِيّة من جُملتها باطية مجوهرة قيمتها أربعة وثمانون ألف دينار، فأكرموه، ثم قتلوا أصحابه، وكانوا سبعين نفسا بلا ذَنْب ولا جُرْم، بل أرادوا قص جناحه.
وفي رمضان وقع المصافّ بين الأخوين رُكْن الدين صاحب الروم، وأخيه عز الدين بقُرب قُونية، فانتصر رُكْن الدين لأنه كان معه نجدة من التتر، وقُتِل من عسكر عز الدين خلْق، وأُسِر جماعة فشُنقوا. وأقام عزّ الدّين بأنطاكية.(14/691)
-سنة ستين وستمائة
في أولها دخل البرلي إلى حلب مرةً أخرى، فخرج البُنْدُقْدار عَنْهَا، وأظهر البرلي طاعةَ السُّلطان، وكان شجاعًا مذكورًا لا يُصطلى بناره.
وقال ابن خلِّكان، رحمه الله: فِي أثنائها توجه عسكر الشّام إلى أنطاكية، فأقاموا قليلًا عليها، ثم رجعوا، فأخبرني بعضهم بغريبةٍ، وهي أنهم نزلوا على جَرُود وهي بين دمشق وحمص فاصطادوا حُمْر وحشٍ كثيرة، فذبح رجلُ حمارًا وطبخ لحمه، فبقي يومًا يوقد لا ينضُجُ لحمُه ولا يتغيَّر ولا قارب النُّضج، فقام جُنْدي فأخذ الرأس فوجد على أذنه وسمًا، فقرأه، فإذا هُوَ بهرام جور. فلما أتوا أحضروا تلك الأذن إليَّ، فوجدت الوسم ظاهرًا وقد رقّ شعْر الأذُن، وموضع الوسْم أسود، وهو بالقلم الكوفي. وبهرام جور من ملوك الفُرس كان إذا كثُر عليه الوحش وسَمَه وأطْلقه. وحُمر الوحشْ من الحيوانات [ص:698]
المعمّرة، وهذا لعلَّه عاش ثمانمائة سنة أو أكثر. انتهى قوله.
وفي ربيع الآخر قدِم القاهرةَ الحاكمُ بأمر الله ومعه ولدُه وجماعة، فأكرمه الملك الظاهر وأنزله بالبُرج الكبير، وهو أحمد بن أبي عليّ القُبّي ابن عليّ ابن أَبِي بَكْر ابن أمير المؤمنين المسترشد بالله ابن المستظهر.
وفيها عزل النجيبي عن الأستاذ دارية ووليها عز الدين أيدمر الظاهري الهاشمي العباسي. اختفى وقتَ أخْذِ بغداد ونجا، ثم خرج منها وفي صُحبته زين الدين صالح بن محمد ابن البنّاء الحاكمي، وأخوه محمد، ونجم الدّين ابن المُشّاء، فقصد حسين بن فلاح أمير بني خفاجة، فأقام عنده مدَّةً، ثم توصل مع العرب إلى دمشق، وأقام عند الأمير عيسى بن مُهنّا والد مُهنّا مدة، فطالع به السُّلطان الملك النّاصر، فأرسل يطلبه، فبغته مجيء التّتار. فلما ملك الملك المظفَّر دمشق سيّر أمير قِلِيج البغدادي إلى ناحية العراق وأمره بتطلُّب الحاكم، فاجتمع به وبايعه على الخلافة، وتوجه فِي خدمته الأمير عيسى والأمير علي بن صقر ابن مخلول، وعمر بن مخلول، وسائر آل فضل، سوى أولاد حُذيفة. فافتتح الحاكم بالعرب عانَةَ، والحديثة، وهيت، والأنبار، وضرب مع القراوول رأسًا بقرب بغداد فِي أواخر سنة ثمانٍ وخمسين، فانتصر عليهم، وقُتل من التّتار خلْقٌ، ولم يُقتل من أصحابه غير ستة، فيقال، والله أعلم: قُتِل من التّتار نحو ألفٍ وخمسمائة فارس، منهم ثمانية أمراء. فجاء جيش للتتار عليهم قرابُغا، فرد المسلمون على حَمِية، فتبِعهم قُرابُغا إلى هيت ورد. وأقام الحاكم عند ابن مُهنَّا، فكاتَبه علاءُ الدين طيْبرس نائب دمشق يومئذٍ للملك الظاهر يستدعيه، فقدِم دمشقَ فِي صَفَر فبعثه إلى السُّلطان، فِي خدمته الثلاثة الذين خرجوا معه من بغداد.
وكان المستنصر بالله قد تقدمه بثلاثة أيام إلى القاهرة، فما رَأَى أن يدخل على إثره خَوفًا من أن يُمسك، فهرب راجلًا وصُحْبته الزَّين صالح البناّء، وقصدا دمشق، ودلهما بدويٌّ من عرب غَزِية، فاختفيا بالعُقَيبة، وحصّلا ما يركبان، وقصدا سَلَمِية، وصحبَهما جماعةٌ أتراك، فوجدوا أهل سَلَمِيَة [ص:699]
متحصنين خوفًا من الأمير آقُش البرلي، فوقع بينهم مناوشة من حرب، ونجا الحاكم وصاحبه، وقصد البرلي فقبل البرلي يده، وبايعه هُوَ وكل من بحلب، وتوجهوا إلى حَران، فبايعه الشَّيْخ شهاب الدين عَبْد الحليم ابن تيْميّة والد شيخنا وأهل حَران. وجمع البرلي للحاكم جمعًا كثيرًا نحو الألف فارس من التُّركمان، وقصدوا عانَةَ، فوافاهم الخليفةُ المستنصر، فأعمل الحيلة، وأفسد التُّركمان على الحاكم، ودخل الحاكم فِي طاعته وانقاد له، ووقع الاتفاق. فلما عُدم المستنصر فِي الوقعة المذكورة فِي ترجمته قصد الحاكم الرَّحبة، وجاء إلى عيسى بن مُهنّا، فكاتَبَ الملك الظاهر فِيهِ، فطلبه، فقدِم إلى القاهرة، فبايعوه وامتدت أيامه، وكانت خلافته نيِّفاّ وأربعين سنة.
قال أَبُو شامة: وفيها جاء الخبر بالتقاء التَّتر الذين بالموصل بعسكر البرلي، وجرت بينهم وقعةٌ قُتل فيها مقتلة عظيمة، وقُتِل عَلَمُ الدّين سنْجر المعروف بجكم الأشرفيّ، وابنه، وبكتوت الحّرانيّ.
قال: وفيها وُلّي ولاية دمشق ونظر الجامع والمساجد الأمير الافتخار الحراني؛ وكان شيخًا كبيرًا خيرًا، ألزم أهل الأسواق بالصلاة وعاقب عليها، ومنع جماعة من الأئمة الاستنابة، ورجع على بعضهم بما تناولهم منهم التاج الشحرور، والجمال الموقاني، والشمس ابن غانم، والشمس ابن عَبْد السلام. ونقَّص كثيرًا من جامكياتهم المقرَّرة.
وأما أولاد صاحب الموصل فلما فارقوا المستنصر فِي العام الماضي أقاموا بسَنْجار، وكتب كبيرهم الملك الصالح إلى الموصل يستشير أهلَها، فأشاروا عليه بالمجيء، فقدِم عليهم فِي العشرين من ذي الحجّة ومعه ثلاثمائة فارس، وكان في الموصل أربعمائة فارس، فدخلها، وترك إخوته بسَنْجار. فلما بلغهم قتْل المستنصر ونزول التّتار على الموصل لحصار أخيهم رجعوا، فأعطاهم الملك الظاهر أخبازًا، وأعطى الملك المجاهد إِسْحَاق مبلغًا من المال لخاصه، ولعلاء الدّين مبلغًا لخاصّه. [ص:700]
وأما التّتار فنازلوا الموصل ومعهم صاحب ماردين، ونصبوا عليها المجانيق وضايقوها، ولم يكن بها سلاح ولا قوُتٌ كثير، فَغَلا السِّعر، واستنجد الملك الصالح بالبرلي، فَنَجَده من حلب، فسار إلى سنْجار، فعزمت التّتار على الهرب، فوصل إليهم الكلب الزَّين الحافظي وأخبرهم بأن البرلي في طائفةٍ قليلة، وشجّعهم، فسارت إليه التّتار وهم فِي عشرة آلاف، والبرلي فِي ألفٍ من التّركمان والعرب، فتوقّف في لقائهم، ثمّ برز إليهم فِي رابع عشر جُمادى الآخرة، فكسروه وقُتل جماعةٌ من وجوه أصحابه، وانهزم جريحًا، وأُسر طائفة من أصحابه بعد أنْ أبْلوا بلاءً حسنًا. ووصل البرلي إلى البيرة، ففارقه أكثر من معه، وقصدوا الدّيار المصريّة.
وجاءت رُسُل من هولاكو إلى البرلي يطلبه إليه، فلم يُجِبه إلى ذلك، وكاتب الملك الظاهر فأمنه، فسار إلى مصر، فأعطاه السُّلطان إمريَّة سبعين فارسًا، وخلع عليه.
وأمّا التّتار فأخذوا الأسرى فأدخلوهم من النقوب إلى الموصل ليُعرِّفوهم بكسرة البرلي. واستمرَّ الحصار إلى شعبان من سنة ستين، ثم طلبوا ولد الملك الصالح، فأخرجه إليهم، ثم خلوه أيامًا، وكاتبوه بأن يسلم الموصل وهددوه، فجمع الأكابر وشاورهم، فأشاروا عليه بالخروج فقال: تُقْتلون لا محالة. فصمموا على الخروج، فخرج إليهم يوم نصف شعبان وقد ودع الناس، ولبس البياض، فلما وصل إليهم رسَّموا عليه.
وكان الحصار قد طال جدًا، وعلى سور البلد ثلاثون منجنيقًا ترمي العدو وعلى المغول سنداغو، وقد خندقوا على نفوسهم، وبالغوا فِي الحصار، حتى كلَّ الفريقان. ثم سلمت الموصل، ونوديَ فِي الموصل بالأمان فأطمأن الناس، فشرع التّتار فِي خراب السور. فلما طمنوا الناس دخلوا البلد وبذلوا السيف تسعة أيام إلى أوائل رمضان. ووسّطوا علاء الملك ولد الملك الصالح، وعلَّقوه على باب الجسر، ثم رحلوا فِي آخر شوال بالصالح فقتلوه في الطّريق رحمه الله.
وأما علاء الدين والملك المجاهد فاستقلوا أمراء بمصر.
وأما ابن صاحب الروم عز الدين فإنه اختل أمره وضايقته التَّتر، فقصد الأشكري وسأله العوْن فقال: إن تنصَّرتَ أعنْتُك. فهمَّ أن يفعل لينال غرضه من [ص:701]
النصر على أخيه بالتَّنصُّر، فلامه أصحابه وقالوا: هذا ينفر عنك قلوبَ العسكر. فأمسك، وتغير خاطرُ الأشكري عليه وحَبَسه بقلعة فأغارت طائفة من عسكر بركة على بعض بلاد الأشكري، وحاصروا تلك القلعة، فوقع الاتفاق على أنه إنْ سلَّم إليهم السُّلطان عز الدين رحلوا. فسلمه إليهم، فانطلقوا به إلى الملك بركة.
ووقع الخُلْف بين هولاكو وبركة، وأظهر بركة عداوته، وبعث الرُّسُل إلى الملك الظاهر بالمواددة واجتماع الكلمة، ويحرضه على حرب هولاكو، ثم جرى بينهما مصاف، كما يأتي إن شاء الله تعالى.
وفي شوال قدِم الدمياطي الأمير والرُّكني علاء الدين الأعمى الَّذِي صار بالقدس، فقبضا على نائب دمشق طيبرس الوزيري، وحُمل إلى مصر، وباشر الرُّكنيّ النيابة إلى أن قدِم النجيبي.
وفي ذي الحجة وصل إلى دمشق من التّتار نحو المائتين هاربين إلى المسلمين، فأُعْطوا أخبازًا. وهم أوَّل من قفز من التّتار ودخل في الإسلام.
وقُتل العماد القزويني، أحدُ الحكام بالعراق، لخيانته. وأُخذ متولي واسط مجد الدين صالح بن هُذَيْل وعذِّب وصودِر، وسُلِّمتْ واسط إلى الملك منوجهر ابن صاحب همذان، فسار واستصحب معه فخر الدّين مظفَّر ابن الطّرّاح فجعله نائبه في تدبيرها.
وقُتل فِي العام الآتي شِحْنة بغداد بهادر. وكان مسلمًا سائسًا لا بأس بسيرته. وكان يُصلِّي التّراويح، ووُلّي بعده قرابوقا شِحْنة.
وفي " تاريخ المؤيَّد " قال: وفيها فِي ربيع الآخر، أعني سنة تسع وخمسين وستمائة، وردت الأخبار أنّ سبْع جزائر فِي البحر خُسف بها وبأهلها، ولبس أهل عكّا السّواد وبكوا وتابوا.
وفي آخر يوم من سنة ستين أثبتوا نَسَبَ الحاكم العباسي، وبويع بالخلافة بعد جمعة. [ص:702]
وفي سنة ستين تحزبت نصارى الروم وحشدوا، وأخذوا مدينة القُسْطنطينية من الفرنج. وكان الفرنج قد استولوا عليها من سنة ستمائة. أرّخ ذلك الملك المؤيّد.(14/697)
بسم الله الرحمن الرحيم
- (الوفيات)(14/703)
-سنة إحدى وخمسين وستمائة(14/703)
1 - أَحْمَد بن الْحَسَن بن عُمَر، أَبُو المجد المُراديّ، الخطيب. [المتوفى: 651 هـ]
من كِبار علماء الأندلس. كان عارفًا بالكلام روى عن: أبي خالد يزيد بن رفاعة بالإجازة. مات فِي شوال.(14/703)
2 - أَحْمَد بن سُلَيْمَان بن أَحْمَد بن علي، أَبُو الْعَبَّاس ابن المغربل، السَّعديّ، المصريّ، الشّارعيّ. [المتوفى: 651 هـ]
وُلد سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة، وسمع من: القاسم بن إِبْرَاهِيم المقدسي روى عنه: الدّمياطيّ، والمصريّون، وبالإجازة: أبو المعالي ابن البالِسيّ، وغيره.
تُوُفّي فِي خامس ربيع الأول.(14/703)
3 - أَحْمَد بن غازي بن يوسف بن أيوب، الملك الصّالح، صلاح الدّين ابن السلطان الملك الظّاهر ابن السُّلطان الكبير صلاح الدين الأيوبي، [المتوفى: 651 هـ]
صاحب عيْن تاب، وعم السُّلطان الملك النّاصر صاحب الشّام.
وُلد في صفر سنة ستمائة، وكان أكبر من أخيه الملك العزيز، وإنما أخّروه عن سلطنة حلب لأنّه ابن جارية، ولأنّ العزيز ابن الصاحبة بِنْت السُّلطان الملك العادل. وقد تزوَّج هذا بعد موت أخيه بامرأته فاطمة بِنْت السُّلطان الملك الكامل مُحَمَّد.
وكان مهِيبًا، وقُورًا، متجمِّلًا، وافر الحُرْمة، حدث عن: الافتخار الهاشمي، روى عَنْهُ: الدمياطي قولة، وذكر انه امتنع من الرواية وقال: ما أنا [ص:704]
أهلٌ لذلك، بل أَنَا أسمع عليك. ثم سمع منه ووصله.
تُوُفّي فِي شعبان ببلد عيْن تاب، وعمل ابن أخيه السُّلطان له العزاء بدار السعادة، ورَثَتْه الشعراء. وخلف ولدًا ذَكَرًا.(14/703)
4 - أَحْمَد بن يوسف بن أَحْمَد، أَبُو الفضل المغربي القَفْصِيّ، [المتوفى: 651 هـ]
وقَفْصَة من بلاد إفريقية.
وُلد بها سنة ثمانين وخمسمائة، وقرأ الأدب، وعلوم الأوائل، والفلسفة وقدِم دمشقَ، وسمع من: التاج الكنْدي واشتغل عليه، وأخذ قبل ذلك بمصر عن الموفَّق عَبْد اللطيف وله نظْمٌ ونثْر ومصنَّفات.
رجع إلى بلاده ووُلّي قضاء قَفْصة، ثم رجع بعد ذلك إلى مصر وبها مات في المحرَّم.
هذا يُنعت بالشَّرف التِّيفاشيّ.(14/704)
5 - إِبْرَاهِيم بن سُلَيْمَان بن حمزة بن خليفة، الكاتب، جمالُ الدين ابن النَّجار القُرشيّ، الدمشقي المجود. [المتوفى: 651 هـ]
وُلِد بدمشق سنة تسعين وخمسمائة، وسمع من: التاج الكنْديّ، وغيره، وحدث وكتب فِي الإجازات. وكتب عليه أبناء البلد، وكان الشهاب غازي المجود من أصحابه. وله شِعر وأدب. وقد سافر إلى حلب وبغداد.
تُوُفّي بدمشق فِي ربيع الآخر.
وذكره ابن العديم رحمه الله فِي " تاريخه " فقال: كتب للأمجد صاحب بعْلَبَكّ، وأقام فِي خدمته مدة، ثم سافر إلى الديار المصرية وتولى الإشراف بالإسكندرية، ثم عاد إلى دمشق اجتمعت به وأنشدني شيئًا من نظْمه. وقد قرأ الأدب على الكِنْدي، وفتيان الشاغوري.(14/704)
6 - إبراهيم ابن الخطيب أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بن جميل، أبو إسحاق المَعَافِريَّ المالقيّ، ثمّ المقدِسيّ. [المتوفى: 651 هـ][ص:705]
وُلد بالأرض المقدسة فِي سنة ثمانٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع بدمشق من: عَبْد اللطيف بن أَبِي سعد، والقاسم ابن عساكر، والعماد الكاتب، وحنبل، وست الكَتَبَة، وسمع بالقدس أيضًا من طائفة، وحدث بها. وأخذ عَنْهُ غيرُ واحد.(14/704)
7 - إِبْرَاهِيم بن علي بن أَحْمَد، أَبُو إِسْحَاق الأندلسي الشَّريْشيّ، المعروف بالْبُوْنُسيّ، [المتوفى: 651 هـ]
من قرية بُوْنُس - بباءٍ موحدة - وذلك مُستفاد مع التُّونُسَيّ واليونسي.
قال الأَبّار: روى عن: أَبِي الْحَسَن بن هشام، وأبي عمْرو بن غياث. وأخذ عَنْهُ غيرُ واحد، وتُوُفيّ فِي وسط السَّنة. وله ثمانٍ وسبعون سنة، وله مصنَّف في " غرائب الفصيح ".
قلت: روى عَنْهُ: مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن يربوع السَّبْتِيّ في حدود سبعمائة.(14/705)
8 - إِبْرَاهِيم بن مرتفع بن رسلان، أَبُو إِسْحَاق الْمَصْرِيّ، الذَهَبِي، الناسخ، المعروف بابن الساعاتي. [المتوفى: 651 هـ]
سمع من: هبة الله ابن سناء المُلك بعض " ديوانه "، وكان مليح الإذهاب والنَّسْخ. وله شعر، كتبوا عَنْهُ منه.(14/705)
9 - إِبْرَاهِيم بن يوسف بن بركة، أَبُو إِسْحَاق المَوْصليّ، الخطيب، الشافعي، الكُتُبيّ، المعروف بابن ختَّة. [المتوفى: 651 هـ]
شيخٌ مُعَمَّر، فاته السَّماع من الكبار، فإنه وُلد سنة أربعٍ وخمسين، وقد روى بالإجازة عن: خطيب المَوْصل أبي الفضل عَبْد اللّه بْن أَحْمَد، روى عَنْهُ: الدمياطي، وغيره، ومات فِي أول السنة.(14/705)
10 - إِسْمَاعِيل بن الفضل بن أَبِي الفضل بن خَلَف بن عَبْد الله بن يعقوب، الحكيم أَبُو الفضل مهذَّب الدين التّنُوخيّ الحَمَويّ، الطبيب، [المتوفى: 651 هـ]
من كبار الأطباء بالقاهرة. [ص:706]
وُلد سنة ثلاثٍ وثمانين وخمسمائة، ومات في صَفَر.(14/705)
11 - جُنْدُي بن عَبْد الله، ضياء الدين الحَمَويّ. [المتوفى: 651 هـ]
تُوُفيّ بحماة فِي هذه السنة أو فِي الماضية، له شعرٌ منه:
ومشرفٌ ناظرُه عامل ... يعمل فينا عمَل المشْرَفيّ
أسرفَ إذْ أشرفَ في حُكمه ... واكلفي بالمشرَف المسرف(14/706)
12 - الْحَسَن بْن عَليّ بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بن صَدَقَة، الحكيم البارع، أَبُو مُحَمَّد الواسطي، المعروف بابن ميجال - بياء آخر الحروف ثم جيم - الطبيب المجاور بمكّة. [المتوفى: 651 هـ]
وُلد سنة ثمانين وخمسمائة بواسط.
وسمع: أَبَا الفتح ابن المَنْدائيّ، وابن الأخضر، وغيرهما. روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد الدمياطي، وغيره، وتُوُفيّ في ذي القعدة بمكّة.(14/706)
13 - حمْد بن مُحَمَّد، الجَزَريّ، الأديب الشاعر. [المتوفى: 651 هـ]
صالحٌ ديِّن، متعفف. كان يعمل المكاكي ويتصدق، وكان أهل الجزيرة أكراداً، ويقول خطيبهم: الّلهمّ وارْضَ عن معاوية الخال، ويزيدَ المِفْضال. وكان حمدُ شيعيًا غاليًا، فكان الأكراد يمقتونه ويكفرونه. وله قصيدة يقول فيها:
نارُ غرامي فيكَ ما تنطفي ... ووجْدُ قلبي بك ما يشتفي
والجسمُ فِي حُبِّك أضحى وقد ... أذابه السُّقْم فلم يُعْرَف
يا رشا تفعل ألحاظُهُ ... فِي القلبِ فِعْلَ الصّارِمِ المُرْهفِ
وهي طويلة فيها أنواع من الرَّفْض.(14/706)
14 - الشجاع داود بن ظافر، العسقلاني، [المتوفى: 651 هـ]
والد شيخنا الفاضلي.
مات فِي ذي الحجّة.(14/706)
15 - ذاكر، واسمه مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن المؤيّد، المحدّث، قُطْبُ الدّين، أبو الفضل الهَمَذَانيّ، الأبَرْقُوهيّ، ثم الْمَصْرِيّ. [المتوفى: 651 هـ][ص:707]
وُلد بأبَرْقُوه سنة سَبْع وستمائة، وسمع بها حضورًا من: أَبِي سهل عَبْد السّلام السَّرفوليّ.
وبهَمَذان من: إِسْمَاعِيل بن الْحَسَن الحمامي، ومحمد بْن أَحْمَد بْن هبة اللَّه الرُّوذَرَاوَريّ. وبأصبهان من: عَبْد اللطيف بن مُحَمَّد بن ثابت الخُوَارزْميّ. وسمع ببغداد من: الفتح بن عَبْد السلام، والمبارك بن أَبِي الجود. وبحران من: فخر الدين ابن تيمية. وبدمشق من: ابن أَبِي لُقْمَةَ، وجماعة. وعُني بالحديث بعد موت والده. وسمع الكثير. وكتب وخرج لنفسه " ثُمانيّات ".
روى عَنْهُ: أخوه شيخنا أَبُو المعالي أحمد، وابن بَلَبَان، والدّمياطيّ، وغيرهم. ومات كهلاً في خامس ربيع الأوّل بمصر.(14/706)
16 - الرِّضيّ الهندي، [المتوفى: 651 هـ]
من كبار الحنفية.
وُلي تدريس الصّادريّة بدمشق مدّة بعد العِزّ عَرَفة، ومات فِي جمادي الأولى، وكان موصوفاً بالعِلم والصّلاح، ودرّس بعده بالصّادريّة الفقيه أبو الهول. قاله التّاج ابن عساكر.(14/707)
17 - سارة بنت محمد ابن المحدّث أبي الفضل إِسْمَاعِيل بن علي الجَنْزَويّ، أم عَبْد الرَّحيم الدّمشقيّة. [المتوفى: 651 هـ]
روت عن جدّها، روى عنها:. . .
وتُوُفّيت فِي تاسع جُمادى الآخرة بقاسيون.(14/707)
18 - سعد الله بن أَبِي الفتح بن يَعْلَى، أَبُو نصر المَنْبِجيّ. [المتوفى: 651 هـ]
سمع بَهَرَاةَ من: أَبِي روْح عَبْد المعز، ودخل خُوارزْم وأقام بها مدة. وكان أديبًا شاعرًا، فاضلًا، صوفيًا.
روى عَنْهُ: الشَّيْخ زين الدين الفارقي، والحافظ عَبْد المؤمن الدمياطي، ومحمد بن محمد الكنْجيّ، والعماد ابن البالِسيّ، وجماعة، وتُوُفّي فِي [ص:708]
السّادس والعشرين من ذي الحجّة.(14/707)
19 - صالح بن شجاع بْن مُحَمَّد بْن سيدهم بْن عَمْرو، أبو التقى الكِنانيّ، المُدلجيّ، المصري، المالكي، الخياط. [المتوفى: 651 هـ]
وُلد بمكّة فِي شوال سنة أربعٍ وستّين وخمسمائة، وسمع بالقاهرة " صحيح مُسْلِم " من أَبِي المفاخر المأموني، وأجاز له: أَبُو طاهر السلَفي، وأبو مُحَمَّد بن بري النَّحويّ، وعثمان بن فَرَج العَبْدريّ، ومُنْجب بن عَبْد الله المُرْشديّ، وجماعة. روى عنه: الحافظان المنذري، والدمياطي، وأبو عَبْد الله مُحَمَّد بن أَحْمَد القزاز، وطائفة من أهل بلده من شيوخنا، وحدث " بصحيح مُسْلِم " مرّاتٍ متعددة.
وكان خياطًا صالحًا، خيرًا، قانعًا. وكان أَبُوهُ أَبُو الحسن من كبار القرّاء، أخذ عن جماعة.
تُوُفيّ صالح فِي سادس عشر المحرَّم. وآخر أصحابه البدر يوسف الخَتَنيّ.(14/708)
20 - صدَقة بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عَلِيّ بن وزير، أبو الحسن الواسطيّ، ثم ّ البغدادي. [المتوفى: 651 هـ]
روى عن: ابن كُليْب، وعنه: الدمياطي، وقُطُب الدين ابن القسطلاني، ومحمد بن مُحَمَّد الكنْجيّ، ومات في ذي الحجّة.(14/708)
21 - عَبْد الرَّحْمَن بن مكي بن عَبْد الرَّحْمَن بن أَبِي سَعِيد بن عتيق، جمال الدين، أَبُو القاسم، ابن الحاسب الطَّرابُلُسيّ، المغربي، ثم الإسكندرانيّ، السِّبْط. [المتوفى: 651 هـ]
وُلد بالإسكندرية سنة سبعين وخمسمائة، وسمع من: جدّه أبي طاهر السلفي قطعة صالحة من مَرْوياته، وهو آخر من سمع منه، وسمع من: ابن موقا جزءًا، ومن: بدر الخُدَاداذيّ، وعبد المجيد بن دليل، وأبي القاسم [ص:709]
البوصِيريّ، وجماعة، وأجاز له: جده، وشُهْدة الكاتبة، وعبد الحقّ اليُوسُفيّ، والمبارك بن عليّ ابن الطباخ، وأبو الْحَسَن علي بن حُمَيْد بن عمّار، راوى " صحيح الْبُخَارِيّ " عن عيسى بن أَبِي ذَر الهَرَويّ، وخطيب المَوْصِل أبو الفضل الطُّوسيّ، والقاضي العلاّمة أبو سعد بن أبي عَصْرُون، والحافظ أبو القاسم خَلَف بن بشْكُوال الأندلُسيّ، ومنوجهر بن تُرْكانْشاه، وَعَبْد اللَّه بن بَرِّي، وعَليِّ بن هبة الله الكاملي، وطائفة سواهم.
وتفرد فِي زمانه، ورحل إليه الطَّلَبة، وروى الكثير. ورحل هُوَ فِي آخر عُمره إلى القاهرة فبث بها حديثه، وبها مات.
روى عَنْهُ: أئمةٌ وحفاظ منهم: زكي الدين المُنْذريّ، وشَرَفُ الدين الدْمياطي، وقاضي القُضاة تقي الدين القُشَيْريّ، وتقي الدين عُبيد الإسْعِرْديّ، وضياء الدين عيسى السّبْتِيّ، وشَرَفُ الدين حَسَن بن علي اللَّخْميّ، وضياء الدين جَعْفَر بن عَبْد الرحيم الحُسَيْنيّ، وجلال الدين عَبْد الله بن هشام، ومَنْكُبَرْس العزيزي نائب غزة، والكمال أَبُو مُحَمَّد عَبْد الرحيم بن عَبْد المحسن الحنبلي، ومثقال الأشرفي، والركْن عُمَر بن مُحَمَّد العُتْبيّ، وأبو بَكْر بن عبد الباري الصعيدي، والأديب عَبْد المحسن بن هبة الله الفُوّيّ، وعبد المعطي ابن الباشق، وناصر الدين محمد بن عطاء الله ابن الخطيب، وفخر الدِّين علي بن عَبْد الرَّحْمَن النابلسي، وأخوه شهاب الدين أَحْمَد العابر، والعماد محمد بن يعقوب ابن الجرائدي، والشهاب أَحْمَد بن أَبِي بَكْر القرافي، والنُّور علي بن مُحَمَّد بن شخيان، والتاج مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سليم الوزير، والفخر أحمد بن إسماعيل ابن الجباب، والعماد محمد بن عليّ ابن القسطلاني، وولده مُحَمَّد، وناصر الدين مُحَمَّد بن أحمد ابن الدماغ، وناصر الدين مُحَمَّد بن عُمَر بن ظافر البصْريّ، ونور الدين علي بن عَبْد العظيم الرسي الشريف، ونور الدين علي بن عُمَر الواني، وخرَّج له المحدث أَبُو المظفَّر منصور بن سُليْم " مشيخة " فِي أربعة أجزاء.
وكان شيخًا ناقص الفضيلة، لا بأس فِيهِ، تُوُفّي فِي ليلة رابع شوال بدار الشَّيْخ أبي العبّاس ابن القسطلاني بالفُسْطاط. وكان نازلًا عندهم. [ص:710]
وقد سمعنا أيضًا بإجازته من جماعةٍ منهم: خطيب حماة مُعين الدّين أبو بكر ابن المُغَيْزِل، والنَّجم محمود ابن النُّمَيْريّ، وست القُضاة بِنْت مُحَمَّد النُّمَيْريّة، والعماد محمد ابن البالِسيّ، وغيرهم، وانفردت بِنْت الكمال بإجازته لما مات ابن الرضِيّ، وابن عنتر سنة ثمانٍ وثلاثين.(14/708)
22 - عَبْد القادر بن الحُسَيْن بن مُحَمَّد بن جَمِيل، أَبُو مُحَمَّد البغدادي، البَنْدنِيْجيّ البواب. [المتوفى: 651 هـ]
سمع من: أَبِي الْحُسَيْن عَبْد الحق اليُوسُفيّ، وعُبيْد الله بن شاتيل، والقزاز، وأحسبه آخر من روى عن: عَبْد الحق، روى عَنْهُ: الدمياطي، والكَنْجيّ، والبغداديُّون، ومات فِي سابع ذي القعدة.(14/710)
23 - عَبْد القادر بن أَبِي نصر عَبْد الجبار بن عَبْد القادر، أَبُو منصور ابن القزويني البغدادي، الحربي. [المتوفى: 651 هـ]
وُلد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، وسمع من: أَبِي الفتح بْن شاتيل، وعبد المُغيث بْن زُهير، ويعقوب الحربي المقرِئ روى عَنْهُ: الدمياطي، ومحمد بن مُحَمَّد الكنْجيّ.
وكان مؤدبًا يُعرف بابن المَدِينيّ، تُوُفّي فِي خامس جُمادى الأولى.(14/710)
24 - عَبْد الكريم بن مظفَّر بن سعد بن عمر ابن الصفار، شمس الدين أَبُو الْحُسَيْن التاجر، الأصَم. [المتوفى: 651 هـ]
كان من ذوي الثروة، حدث بمصر والشّام وبغداد عن ابن كُلَيْب، " بجزء ابن عَرَفَة "، روى عَنْهُ: الدمياطي، والبدر مُحَمَّد ابن السُّويْديّ المستوفي، وعبد الحافظ الشُّرُوطيّ، وغيرهم، وبالإجازة: قاضي القضاة ابن الخُوييّ، والعماد ابن البالِسيّ.
وكان حيًا فِي هذه السنة، ولم تُضبط وفاتُه فيما أعلم.(14/710)
25 - عَبْد الكريم بن منصور بن أبي بَكْر، أَبُو مُحَمَّد المَوْصليّ المحدث، الرجل الصالح، المعروف بالأثريّ الشافعيّ. [المتوفى: 651 هـ][ص:711]
سمع الكثير، وحدث عن: مسمار بن العُوَيْس، وجماعة. ومات كهلاً في أواخر السّنة، حدّث عَنْهُ: الدمياطي، والشيخ مُحَمَّد الكَنْجيّ، وله شعْرٌ جيّد.
سمع منه: الدّمياطيّ بزاويته بقرية الحديثة من ضواحي بغداد، ونُسِبَ إلى الأثر لاعتنائه به، وقد سمع بالمَوْصل من عَبْد المحسن ابن الخطيب، وبدمشق من الشَّيْخ الموفَّق. وبحلب وبغداد فأكثر.
تُوُفّي فِي رمضان.(14/710)
26 - عَبْد الواحد بن عَبْد الكريم بن خَلَف، العلامة كمال الدين، أَبُو المكارم ابن خطيب زمْلَكَََا الأَنْصَارِيّ، السّماكيّ، الزَّمْلَكانيّ، الفقيه الشّافعيّ. [المتوفى: 651 هـ]
كان من كِبار الفُضَلاء، له معرفة تامة بالمعاني والبيان والأدب، ومشاركة جيدة فِي كثير من العلوم.
ذكره الإِمَام أَبُو شامة فقال: كان عالمًا خيرًا متميزًا فِي علومِ متعددة، ولي القضاء بصرخَد، ودرس ببَعْلَبَكّ، ثم تُوُفّي بدمشق فِي المحرَّم.
قلت: وهو جدُّ شيخنا العلامة كمال الدّين محمد بن علي الشَافعيّ، وله شِعر فائق.
كتب عَنْهُ: رشيد الدّين محمد ابن الحافظ عبد العظيم، وناصر الدّين محمد ابن عَربْشاه، وناصر الدّين محمد ابن المِهْتَار.(14/711)
27 - عثمان بن محمَّد بن عَبْد الحميد، التنوخي، البَعْلَبَكيّ، العَدَويّ، الزاهد الكبير، شيخ ديْر ناعِس. [المتوفى: 651 هـ]
كان كبير القدر، صاحب أحوال وكرامات وعبادة ومجاهدات، ذكره خطيب زَمْلكا عبد الله ابن العز عُمر فقال: أخبرني إِسْمَاعِيل بن رضوان قال: كان الشَّيْخ عثمان يخرج مع إخوته إلى الحصاد فيأخذ معه إبريقًا ليتوضأ منه، فقال إخوته مرةً: كم تُبْطِلَنا بِصلاتك. وقام أحدهم برد الإبريق. فلما جاء وقت الصلاة قام إلى الإبريق وأخذه وتوضأ. فلما رأوه يتوضّأ قالوا له: لا تَعُدْ تحصد، قال: وحدثني أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بن عَبْد الله بن عزيز اليُونينيّ قال: شاهدت الشَّيْخ عثمان وقد ورد عليه فُقراء، فأخرج إليهم فِي مِئْزَرٍ خبزًا فأكلوا، فرأيت الَّذِي فضل أكثر من الَّذِي جاء به. [ص:712]
وقال عَبْد الدائم بن أَحْمَد بن عَبْد الدائم: وأخبرني العماد محمد بن عوضة، قال: عرض للشيخ الفقيه مَغَصٌ فقال لي: امضِ إلى الشَّيْخ عثمان وقُلْ له: قال لك الفقيه: لئن لم يسكُنْ وَجَعُ جَوْفه ليضربنك مائةَ عَصَاةٍ. فقلت: يا سيدي، وكيف تضربُه؟ فقال: الشَّيْخ عثمان أكرم على الله من أنْ أضربه. قال: وأخبرني ولده القُدوة الشَّيْخ مُحَمَّد، عن أبيه قال: صلينا بعض الأيام الضُّحى، وإذا بالمسجد قد امتلأ جنًا بحيث أني ما كنت أستطيع القيام، قال: فصحْتُ صيحة ظهر النور من تحت المسجد واستوحيت بالمشايخ، قال: فجاؤوا واستحييت من الخليل عليه السلام كون أنه جاء فِي نُصرتنا وما ودَّعته.
وأخبرني الشَّيْخ محمد قال: كنت بعض الليالي جالس وإذا رَجُل قد أقبل وبيده حرْبةٌ تلمع، ويخرج منها نارٌ يظهر لَهَبُها شرقًا وغربًا، فخرج إليه والدي وأخذ بيده فمَشَيا، فلما كان بعد الثلاثين ليلة رأيت ثلاثةَ رجالٍ على خيل، فقام والدي إليهم فاخذ بمعْرفَة فَرَس أحدهم، ووقف مكبوب الرأس. فلما كان من الغد رَأَيْت عند والدي رَجُل يحدثه ولا أرى شخصه، وهو يقول: جاء إلينا الشَّيْخ عَبْد الله اليُونينيّ ومعه حرْبةٌ، والشيخ عَبْد القادر، والشيخ عَدِيّ وسمى الآخر، وهمُ رُكّاب خيل، وأخبرونا أن المسلمين منتصرون على العدو. فلما كان تلك الليلة رَأَيْت والدي وهو يسير على السَّطح وهو يهدر كهدْر الأسد. فلما كان آخر الليل صفق صَفْقَتَيْن. فورخ بعضُ الجماعة تلك الليلة وإذا هِيَ ليلة كسروا الفرنج على المنصورة. أو ما هذا معناه.
قال: وأخبرني القُدوة إِبْرَاهِيم ابن الشَّيْخ عثمان قال: رأيت عند أَبِي رجالًا من لُبنان، فسمعتهم يتحدّثون، فذكروا شخصاً، فقال أحدهم: ما أعطى الفرقان، فسُئل عن الفُرقان قال: يفرق بين الحلال والحرام.
قال: وأخبرني أَبِي قال: كنت بين الفُرْزُل ونيحا وإذا بطيور في الهواء وهم يقولون: هذا قبر النبي آلية. [ص:713]
قال: وأخبرني شيخنا أبو العبّاس أحمد ابن العماد إِبْرَاهِيم المقدسي قال: أَمَرَنِي رَسُول اللَّه صَلّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلّمَ فِي النَّوم بوداع الشَّيْخ عثمان، فلما جئت لأودعه قام إلى وقال: جئت تودّعني مثلما ودعتَ الشيخَ إِبْرَاهِيم؟ قلت: نعم.
قال: وأخبرني إِبْرَاهِيم أن أَبَاهُ لبِس من الشَّيْخ عَبْد الله اليُونينيّ، وأنه اجتمع بالشيخ أَبِي الْحَسَن الشعراني الَّذِي بجبل لبنان.
قلت: وللشيخ عثمان ذِكر فِي ترجمة الشَّيْخ الفقيه. وكان عديم النّظير في زمانه - رحمة الله عليه - وفيه خيرٌ وعِبادة، وله أوراد، وتُوُفّي فِي سادس شعبان من العام.(14/711)
28 - عَليّ بن عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بن يوسف بن يوسف بن أَحْمَد، القاضي أَبُو الْحَسَن بن قَطْرالّ الأَنْصَارِيّ، الأندلسي، القُرْطُبيّ. [المتوفى: 651 هـ]
ذكره الأبار فقال: سمع أَبَا عَبْد الله بن حفص، وأَبَا القاسم ابن الشراط، وأبا العباس بن مضاء - وناظر على ابن مضاء في أصول الفقه - وأَبَا القاسم بن رشد وغيرهم، وأخذ قراءة نافع وعِلْم العربية عن أَبِي جَعْفَر بن يحيى الخطيب، وسمع بغَرْناطة: أَبَا خَالِد بن رفاعة، وأبا الْحَسَن بن كوثر، وسمع بالمنكب: عَبْد الحق بن بُونه، وبمالقَة: أَبَا عَبْد الله ابن الفخار، وبسَبْتَة: أَبَا مُحَمَّد بن عُبَيْد الله. وأجاز له: أَبُو عَبْد الله بن زرقون، وأبو بكر ابن الجدّ، وجماعة. وولي قضاء أُبَّدَة فأسره العدو بها إذ تغلبوا عليها سنة تسع وستمائة، ثم تخلص. ووُلّي قضاء شاطبة مدة، ثم وُلّي قضاء شَرِيش، ثم قضاء قُرْطُبِة. ثم أعيد إلى قضاء شاطبة وخطابتها. ثم نزح عنها في آخر سنة ستٍّ وثلاثين وستمائة لتغلُّب العدو فِي صدر هذا العام على بَلَنْسِيَة، ووُلّي قضاء سَبْتَةَ ثم قضاء فاس. وكان من رجال الكمال، عِلماً وعملًا، يشارك فِي عدة فنون، ويتميَّز بالبلاغة، أُخذتْ عَنْهُ بشاطبة جُملة من روايته، وُلد سنة ثلاثٍ وستّين وخمسمائة، وتُوُفّي بمرّاكُش فِي ربيع الأول بعد ولايته قضاء أَغْمات.(14/713)
29 - علي بن عَبْد الرَّحْمَن، الإِمَام موفق الدين، أبو الحسن البغدادي البابصْريّ الحنبلي. [المتوفى: 651 هـ]
سمع من: أَحْمَد بن صرْما، وزيد بن يحيى البيِّع، وأعاد بالمدرسة المستنصريّة، وتُوُفّي شابًا فِي شعبان.(14/714)
30 - علي بن عَبْد الوهاب بن مُحَمَّد بن طاهر، القُرشيّ، الدمشقي، [المتوفى: 651 هـ]
أخو أبي حفص عمر ابن البراذعيّ.
سمع من: ابن طَبَرْزَد، والكِنْديّ، وحدث، ومات فِي شوال.(14/714)
31 - عُمَر بن مكي بن سرجا بن مُحَمَّد، أَبُو حفص الحلبيُّ المحدّث، شهاب الدّين. [المتوفى: 651 هـ]
وُلد بعد التّسعين وخمسمائة، وسمع من: الافتخار عَبْد المطَّلب الهاشمي، وأبي مُحَمَّد بن علوان، وجماعة، وعُني بالحديث، وسمع الكثير من المتأخرين، وله شِعْر حسن.
روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد الدمياطي، والعفيف إِسْحَاق الآمِديّ، والكمال إِسْحَاق الحلبي، وتُوُفي فِي أواخر هذه السّنة.(14/714)
32 - غالب بن حَسَن بن أَحْمَد بن سيد بُونه، الإِمَام القاضي أَبُو تمام الخُزاعيّ الداني. [المتوفى: 651 هـ]
صحِبَ قرابَتَهُ القُدْوةَ أبا أَحْمَد بن سيد بُونه، وروى عَنْ: أبيه، وأبي عَبْد اللَّه بْن مزين.
وكان فيما قال ابن الزُّبير: مُقرِئاً صالحًا، قاضيًا، قيل: كان له كل يوم ختْمة، رَأَيْته بغَرْناطة، تُوفّي سنة إحدى وخمسين وستمائة.(14/714)
33 - محمَّد بن سُنْقُر الحلبي، أَبُو الفضل. [المتوفى: 651 هـ]
دمشقي، روى عن: الخُشُوعيّ. روى عَنْهُ: الدمياطي، وغيره، ومات في صفر.(14/714)
34 - مُحَمَّد بن عَبْدان بن غريب، أَبُو عَبْد الله الحَرّانيّ، الصَّيْدلاني، الملقَّب بغريب. [المتوفى: 651 هـ]
حدث عن: عَبْد الوهاب بن أَبِي حبة. روى عَنْهُ: الدمياطي، وقال: تُوفّي فِي حدود سنة إحدى وخمسين وستمائة.(14/715)
35 - محمد ابن الشّيخ القُدوة عبد الله بن عثمان بن جعفر، الشيخ أبو عَبْد الله اليُونينيّ الزاهد. [المتوفى: 651 هـ]
ذكره خطيب زَمْلكا، فقال: كان صاحب كرامات ورياضات، زاهدا ورِعاً متواضعا، لا يمكِّن أحدًا من تقبيل يده حتى يقبل أيضًا يد ذلك الرجل. حدثني الْحَسَن بن مظفَّر قال: طلعنا إلى زاوية الشَّيْخ فتلقانا الشَّيْخ مُحَمَّد، فقال فيما حَدَّثَنَا: يا فُقراء، كان سيدي الشَّيْخ قد جهزني إلى الحجاز، فلما كانت الليلة التي تُوُفّي فيها رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلّمَ في النّوم وهو يُعزّيني فِي الشَّيْخ فورّخْنا تلكَ الليله، فلما وصلْنا وجدناه قد تُوُفّي فيها.
قال خطيلب زمْلَكا: وقد اختلفوا على ما قيل فيمن يكون شيخًا بعد الشَّيْخ عَبْد الله، فقال بعضهم: الشَّيْخ الفقيه، وقال آخرون: يكون الشَّيْخ توبة، وقال بعضهم: الشَّيْخ عَبْد الله بن عَبْد العزيز. فحدثني الشَّيْخ إسرائيل قال: فرأى الشَّيْخ الفقيه فِي النوم الشَّيْخ عَبْد الله وهو يقول: أنت والشيخ توْبة أصحابي، والشيخ عَبْد الله مُريدي، وولدي مُحَمَّد ما هُوَ صغير. فلما أصبح أخبر الفُقراء بما رَأَى، فلما قدِم الشَّيْخ مُحَمَّد من الحج بسطوا له السّجّادة وقاموا حوله.
تُوُفي إلى رحمة الله في رجب.(14/715)
36 - محمد ولد الشّيخ الكبير علي الحريريّ. [المتوفى: 651 هـ]
رجل صالح، ديِّن، خيّر، ومن محاسنه أنه كان يُنْكر على أصحاب والده ويأمرهم باتباع الشريعة، ولما مات أَبُوهُ طلبوا منه الجلوس فِي المشيخة فشرط شروطًا لم يقدر أصحابه على التزامها، فتركهم وانعزل عَنْهُمْ، وأقام بدمشق وبها تُوُفّي، ودُفِن عند الشَّيْخ رسلان، رحمه الله. وعاش سبْعاً وأربعين سنة.(14/715)
37 - مُحَمَّد بن عيسى، أَبُو بَكْر الأَنْصَارِيّ، الخَزْرَجيّ، المالقي، الزاهد [المتوفى: 651 هـ]
نزيل مصر.
أحد الأولياء والعُبّاد، كان يأكل من كسْبه ولا يقبل من أحدٍ شيئًا.
ذكره الحافظ عز الدين الحُسينيّ، فقال: كان أحد الزُّهاد الورعين، وعُبّاد الله المنقطعِين، مشتغلًا بنفسه، يأكل من كسْب يده مع جِدٍّ وعملٍ وفضلٍ وأدب. ولم يكن فِي زمانه من اجتمع فِيهِ ما جُمع له. تُوُفّي في الثّامن والعشرين من ر بيع الآخر، ودُفِن بسفح المقطم. وكان له مشهدٌ عظيم جدًا، وقبره معروف يُزار ويتبرَّك به، رحمه الله.(14/716)
38 - مُحَمَّد بن يوسف الإِمَام المحدث أَبُو عبد الله الهاشمي، الطَّنْجاليّ. [المتوفى: 651 هـ]
قال ابن الزُّبير: محدث فاضل، نحوي، ورع، زاهد. لازَمَ المحدث أَبَا مُحَمَّد عَبْد الله بنَ عطية، وسمع عليه، وأكثر عن: أَبِي الْحَسَن علي بن مُحَمَّد الغافِقي، وقرأ على أَبِي القاسم ابن الطَّيْلسان، وعلى أبي سليمان ابن حَوْط الله، وطائفة وأجاز له في صِغَره: أَبُو الخطاب بن واجب وعدة، وكان من أبرع أهل زمانه خطّاً وأتقنهم، لا يُجارى فِي ذلك، وكان يتكلم بجامع مالقة على " صحيح الْبُخَارِيّ " غدْوةً، وكان كثير الورع. عاش نحوًا من خمسين سنة، صَحِبْتُهُ وسمعت منه.
وقيل: مات سنة ثلاثٍ كما سيأتي.(14/716)
39 - مُحَمَّد بن أَبِي المكارم مفضَّل بْن مُحَمَّد بْن حسان بْن جواد بْن علي بن خزْرج، زَينُ الدين أَبُو الْعَبَّاس الأَنْصَارِيّ، الأسْوانيّ، الْمَصْرِيّ، الشافعي، العدل. [المتوفى: 651 هـ]
وُلد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة. وسمع من: عمه أَبِي الطاهر إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد، وإِسْمَاعِيل بن ياسين، وفاطمة بِنْت سعد الخير، والعماد الكاتب. وأجاز له: منُوجهر بن تركانْشاه، ومحمد بن نصر ابن الشعار، وغيرهما، وتقلب فِي الخِدَم الديوانية، وكان رئيساً نبيلاً من بيت حشمة. [ص:717]
روى عند الدمياطي، وقال: تُوُفّي فِي ذي الحجَّة.(14/716)
40 - مُحَمَّد بْن أَبِي الفتح بن أَبِي الْحَسَن بن أحمد بن أبي الدّينة، أَبُو عَبْد الله البغدادي. [المتوفى: 651 هـ]
وُلد سنة ثلاثٍ وسبعين وخمسمائة. وحدث عن: عَبْد الله بن شاتيل، وأبي شجاع محمد ابن المقرون. روى عنه: الدمياطي، ومحمد بن محمد الكنْجيّ، وغيرهما. ومات فِي المحرم.(14/717)
41 - مُحَمَّد. . .، الواعظ الشاعر. [المتوفى: 651 هـ]
من أعيان أدباء البغادِدَة. ورّخه ابن أنْجب.(14/717)
42 - مظفَّر بن مُحَمَّد بن مظفَّر بن شجاع بن مظفَّر ابن البوّاب، أبو منصور. [المتوفى: 651 هـ]
روى عن: ابن بَوْش، وابن كُليْب. روى عَنْهُ: قطب الدين ابن القسطلاني، وشَرَفُ الدين التُّونيّ، ومحمد بن مُحَمَّد الكنْجيّ. ومات فِي جمادي الأولى.(14/717)
43 - منصور بن سرار بن عيسى بن سَليم، أَبُو علي الأَنْصَارِيّ، الإسكندراني، المالكي، المقرئ المؤدب المعروف بالمُسَدّيّ. [المتوفى: 651 هـ]
وُلد سنة سبعين وخمسمائة، وسَمع من: عَبْد الرَّحْمَن بن موقا، ومحمد بن مُحَمَّد الكِرْكَنْتيّ، ومنصور بن خميس وغيرهم. وكان من حُذّاق المقرئين، نَظَم " أرجوزة فِي القراءات ".
وسرار: مُشدَّد، وسَلِيم: بفتح أوله.
وقيل: إنه صنَّف تفسيرًا. [ص:718]
روى عَنْهُ: الدمياطي، والوجيه منصور بن سَليم.
تُوُفي فِي رجب عن ثمانين سنة.(14/717)
44 - مُوسَى بن مُحَمَّد بن موسى بن أَحْمَد، الفقيه، نجم الدّين، أبو عمران الكِنانيّ القُمراويّ، [المتوفى: 651 هـ]
وقمرا: قرية من نواحي صرْخد.
كان شاعرًا محسِنًا. تُوُفي وله ستون سنة.
وهذه الأبيات له:
قد ملَّ مريضك عُوَّدُه ... ورثى لأسيرك حُسّدُه
لم يُبقِ جفاك سوى نَفَسٍ ... زَفَراتُ الشوقِ تُصعدُه
هاروتُ يُعنعن فنَّ السِّحـ ... ـر إلى عينيك ويسنده
وإذا أغمدْتَ اللّحظَ فتكْـ ... ـتَ، فكيف وأنت تجرّده(14/718)
45 - نفيس بن محمود بن أَبِي القاسم بن محمد بن عُبد الله، فخرُ الدين، أَبُو المظفِّر البعقوبي، ثم الدمشقي المقرئ، الشافعي العدل. [المتوفى: 651 هـ]
وُلد بالعراق سنة ثمانٍ وسبعين وخمسمائة، وقدِم دمشق واستوطنها وسمع بها من: عمر بن طَبَرْزَد، وحنبل الرَصافيّ. وقرأ القراءات على السخاوي، وغيره، وحدث وأقرأ. روى عَنْهُ: أَبُو عَبْد الله مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز الدمياطي، وأبو مُحَمَّد بن خلف الدّمياطيّ، ومحمد بن محمد الكنْجيّ. وتوفي في ثامن عشر ربيع الآخر.(14/718)
46 - وهبُ بن أَحْمَد بن أَبِي العِز شهابُ الدين أبو العز القُرَشيّ، الدمشقي الحنفي، ويُعرف بابن أَبِي العَيْش. [المتوفى: 651 هـ]
حدث عن: حنبل، وابن طَبَرْزد. روى عنه: الدمياطي، وغيره.(14/718)
47 - يحيى بن خالد ابن الأديب أَبِي عَبْد الله مُحَمَّد بن نصر بن صغير، الصّدرُ الكبير، شهابُ الدين، أَبُو جَعْفَر القُرَشيّ المخزومي الحلبي الكاتب المعروف بابن القَيْسَرانيّ. [المتوفى: 651 هـ][ص:719]
ولد سنة سبع وثمانين وخمسمائة. وسمع بحلب من: عُمَر بن طَبَرْزد. روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد الدّمياطيّ، وغيره، وكان من كُبَراء حلب. ولي الوزارة. هُوَ وأبوه من بيت حشمة وتقدم.
تُوُفي فِي ربيع الآخر.
وتوفّي أبوه سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وتُوُفي أخوه أَبُو المكارم سَعِيد قبله سنة خمسين.
وعمل الصاحب عزُّ الدّين ابن القَيْسرانيّ عزاء عمّه يحيى بدمشق، وتكلم الوعاظ وكان له ثروةٌ عظيمة ونعمة جسيمة، حتى قيل: إن بذاره فِي العام ثلاثة آلاف مَكّوك بالحلبي.(14/718)
-وفيها وُلِد:
الشَّيْخ مُحَمَّد بن أَحْمَد بن تمام الصالحي الخيّاط الزّاهد، ونجم الدّين أحمد ابنُ الشيخُ شمس الدِّين عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي عُمَر المقدسي قاضي الحنابلة، وكمال الدين مُوسَى ابن قاضي دمشق شمس الدين أَحْمَد بن مُحَمَّد ابن خلِّكان الشافعي خطيب كَفَرْبَطْنا فِي صَفَر، وعلاء الدّين عليّ بن محمد بن سلمان بن غانم الكاتب، ومحمد بن بكتمر العزي التُّرَيْكَيّ، ويوسف بن مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن أَبِي العِزّ بْن وُهَيْب الحنفي فِي رجب، بالعَذْراويّة، وعبد الملك بن عُمَر الطُّوسيّ، بقلعة دمشق، والمُحيي يحيى ابن السَّكَاكِريّ، ويحيى بن يحيى بن عمران الجَزَريّ، الملقَّب بالقاضي، وعلي بن أَبِي المعالي المَعَريّ بالمَعَرّة، وعبد الله بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أبي القاسم ابن القزويني بحلب، وقيل: وُلِد سنة اثنتين؛ ومحمد بن محمد بن عبد المنعم ابن الخيمي الْمَصْرِيّ الشاعر أَبُوهُ، ومحمد بن مُحَمَّد بن عبد البارئ بن حمزة الْمَصْرِيّ، وفخر الدين عَبْد الرَّحْمَن بن عَبْد الله بن محبوب فِي ثاني المحرَّم، وإبراهيم بن أَحْمَد بن سُلَيْمَان بن مروان ابن البَعْلَبَكيّ فِي شعبان، وأبو بَكْر بن مُحَمَّد ابن الرِّضي القطّان بالصالحيَّة.(14/719)
-سنة اثنتين وخمسين وستمائة(14/720)
48 - أَحْمَد بن أسعد بن حلوان، الحكيم البارع نجمُ الدين، أَبُو الْعَبَّاس، ولد الحكيم موفَّقُ الدين، المعروف بابن المنفاخ، وهو لَقَبُ الموفَّق. ويُعرف بابن العالِمة دُهْن اللوز التي كانت عالمة دمشق. [المتوفى: 652 هـ]
وهو دمشقي أصله من المَعَرّة. وُلد سنة ثلاثٍ وتسعين بدمشق. وكان أسمر، نحيفاً، فصيحاً، بليغاً، مُفْرط الذّكاء. أخذ الطّبّ عن المهذّب الدّخوار، وبرع فيه وفي المنطق والأدب. وخدم بالطِّبّ الملك المسعود صاحب آمِد. ثم وَزَر له. ثم غضب عليه وصادره، فأتى دمشقَ وأقرأ بها الطب، وكان رئيسًا متميزًا، ثم خدم الملك الأشرفَ الحمصي بتل باشر، وأقام عنده قليلًا. ومات فِي ثالث عشر ذي القعدة. قاله ابن أَبِي أُصَيْبَعة.
وقال: حكى لي أخوه القاضي شهابُ الدّين ابن العالِمة، أخوه لأمه، أنه تُوُفي مسمومًا. وله كتاب " التدقيق فِي الجَمْع بين الأمراض والتفريق "، وكتاب: " هتْكُ الأستار عن تمويه الدخوار "، وكتاب " المدخل فِي الطِّبّ " وكتاب: " العِلَل والأمراض "، وشرح أحاديث نبَوية.(14/720)
49 - أَحْمَد بن عَبْد الواسع بن أميركاه بن شافع، أَبُو الْعَبَّاس الجِيليّ، ثم البغدادي. [المتوفى: 652 هـ]
سمع من: عبد المنعم بن كُليْب، وبزغش عتيق ابن حمدي، والشّيخ عبد الوهّاب ابن الشّيخ عبد القادر، ولامعة بنت المبارك بن كامل، وجماعة. روى عنه: الدمياطي، وغيره. وأجاز لجماعة.
تُوُفي فِي ثاني رمضان.(14/720)
50 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر، أَبُو المكارم الْمَصْرِيّ الشافعي المعروف بابن نقاش السكة. [المتوفى: 652 هـ][ص:721]
وُلد سنة ثمانٍ وستّين وخمسمائة. وسمع من: البُوصِيريّ، وإسماعيل بن ياسين، ومحمد بن حَمْد الأَرتاحيّ، وكان لدَيه فضل، وله نظْمٌ حَسَن. روى عَنْهُ: الدمياطي، والمصريون، ومجد الدّين ابن الحُلْوانيّة. وبالإجازة: أبو الفضل ابن البِرْزاليّ، وأبو المعالي ابن البالِسيّ، وآخرون. ومات فِي جُمادى الأولى.(14/720)
51 - أَحْمَد، الواعظ البليغ، عِمادُ الدين الواسطي. [المتوفى: 652 هـ]
أنبأنا سعدُ الدّين ابن حَمُّوَيْه، قال: فِي ذي الحجة سنة إحدى وخمسين منعوا العمادَ الواسطي من الوعْظ وجميع الوعاظ، يعني بمصر، لأنه قال على المنْبر: خلق الله آدم بيده. وأشار إلى يديه، فعزروه وأرادوا عقْد مجلسٍ له فلم يتفق. قال: وكان حافظًا، حَسَن الإيراد، فصيحًا، موزون الحركات. تُوُفي فِي رجب.(14/721)
52 - إِبْرَاهِيم بن أَحْمَد، أبو إسحاق ابن السَّبْتيّ، البغدادي، العابر. [المتوفى: 652 هـ]
سمع: عليَّ بنَ مُحَمَّد ابن السّقّاء. وعنه: الدمياطي.(14/721)
53 - إِبْرَاهِيم بْنُ مُحَمَّد بْن عُبيد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بن يوسف، الخطيب أَبُو إِسْحَاق الأوْسيّ الأندلُسيّ، القُرْطُبيّ، المعدل، [المتوفى: 652 هـ]
نزيل مالقة.
سمع من: أبي محمد بن حَوْط الله، وأخيه أبي داود، وأبي محمد ابن القُرْطُبيّ، وأبي القاسم الملاحي. وأجازوا له. وحدث، وكان فاضلًا ثقة.
مات فِي جُمادى الآخرة.(14/721)
54 - إِسْمَاعِيل بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن أحمد، رشيد الدّين، أبو الفضل ابن الشَّيْخ الفقيه أَبِي الْعَبَّاس العراقي، الأَوانيّ، ثم الدمشقي الحنبلي [المتوفى: 652 هـ]
الجابي بدار الطعم.
وُلد بُعيْد السّبعين وخمسمائة، وسمع من: أَبِيهِ. وكانت له إجازات عالية فروى عن: السِّلَفيّ، وشُهْدَة، وعبد الحق، وخطيب المَوْصل، وأبي طَالِب مُحَمَّد بن علي الكتاني الواسطي، وأبي الْعَبَّاس التُّرْك، وأبي الفتح عَبْد الله بن أحمد الخِرقيّ، وأبي المحاسن عَبْد الرَّزَّاق بن إسْمَاعِيل القُومسانيّ، وابن عمه المُطهَّر بن عَبْد الكريم، والحافظ أَبِي مُوسَى المَدينيّ. [ص:722]
روى عَنْهُ: زكيَّ الدين البِرْزاليّ مع تقدُّمه، وشَرَف الدين الدمياطي، وعبد الله بن عَبْد الرحمن المَقْدِسيّ، وشمس الدّين محمد ابن التاج، وابن عمه محمد بن عبد الله، والجمال عَبْد الرَّحْمَن بن أَحْمَد بن شُكْر، والعماد محمد ابن البالسيّ، والعزّ إبراهيم ابن الملك الحافظ، وطائفة سواهم. وكان فاضلا، حافظاً للقرآن، فصيح العبارة.
وأَوَانا من قُرى بغداد.
تُوُفي في منتصف جمادى الأولى، وقد نيّف على الثمانين.(14/721)
55 - أقْطاي بن عَبْد الله الجَمْدار، الصالحي، النجمي، الأمير الكبير، فارس الدين التُّركيّ، [المتوفى: 652 هـ]
من كبار مماليك الملك الصالح.
كان شجاعًا، جوادًا كريمًا، نهابًا، وهَابًا.
ذكر المولى شمسُ الدين الجَزَريّ فِي " تاريخه " أنه كان مملوكًا للزكي إِبْرَاهِيم الجَزَريّ المعروف بالجُبَيْليّ، اشتراه بدمشق ورباه، ثم باعه بألف دينار، فلما صار أميرًا وأقطعوه الإسكندرية طلب من الملك النّاصر إطلاق أستاذه المذكور، وكان محبوسًا بحمص، فأطلقه وأرسله إليه، فبالغ فِي إكرامه، وخلع عليه، وبعثه إلى الإسكندرية، وأعطاه ألفَي دينار.
قلت: وكان طائشًا، عاملًا على السَّلْطنة، وانضاف إليه البحرية كالرشيدي ورُكن الدين بيْبرس البُنْدُقْداريّ الَّذِي صار سلطانًا. وجرت له أمورٌ ذكرنا منها فِي الحوادث. وسار مرتين إلى الصعيد فَظَلم وعَسَف وقتل وتجبر، وكان يركب فِي دَسْتٍ يضاهي دسْت السَّلطنة ولا يلتفت على الملك المُعز أيْبك ولا يعده، بل يدخل إلى الخزائن ويأخذ ما أراد. ثم إنه تزوَّج بابنة صاحب حماة، وبُعثت العروس فِي تجمُّل زائد، فطلب الفارس أقْطايا القلعة من الملك المُعِز ليسكن فيها وصمم على ذلك، فقالت أمُّ خليل شَجَر الدُّرّ لزوجها المُعزّ: هذا ما يجيء منه خير. فتعاملا على قتله.
قال شمس الدين الجَزَريّ: فحدثني عزُّ الدين أيْبك أحد مماليك [ص:723]
الفارس، قال: طلع أستاذنا إلى القلعة على عادته ليأخذ أموالًا للبحرية، فقال له المُعزّ: ما بقي فِي الخزائن شيء، فامضِ بنا إليها لنعرضها. وكان قد رتَّب له فِي طريق الخزانة مملوكه قُطُز الَّذِي تسلطن ومعه عشرة مماليك فِي مَضِيق، فخرجوا على أقطايا فقتلوه، وأُغلقت القلعة. فركبت البحرية ومماليكه وكانوا نحوا من سبعمائة فارس وقصدوا القلعة، فرمى برأسه إليهم فهربوا، وذهب طائفة منهم إلى الشّام، وكان قتْله في شعبان.(14/722)
56 - بدرة بِنْت الإِمَام فخر الدين مُحَمَّد بن أبي القاسم ابن تيْميّة، أم البدْر، [المتوفى: 652 هـ]
زَوْجَة العلامة المفتي مجد الدّين أبي البركات عبد السلام بن عبد الله ابن أبي القاسم ابن تَيْميّة، وجدّة شيخنا أبي العبّاس أحمد بن عبد الحليم.
تُوُفّيت قبل زوجها بليلة، وقد روت بالإجازة عن بعض أصحاب أَبِي علي الحداد.
سَمِعَ مِنْهَا: الدمياطي بإجازتها من أَبِي المكارم اللبان.(14/723)
57 - البرهان المَوْصليّ الزّاهد، [المتوفى: 652 هـ]
خال التّاج ابن عساكر.
كان مُسِنّاً عالماً، كثير الأوراد، صاحب كشْف وحال، قدِم من مصرَ فنزل في دار القاضي محيي الدّين ابن الزَّكي.
مات فِي ذي القعدة، ودُفِن عند صُهيْب الرُّوميّ.(14/723)
58 - بكْبِرْس بن يَلتقلح، أَبُو شُجاع التُّركيّ، مولى الإِمَام النّاصر لدين الله، ويُعرف بنجم الدين الزاهد، وبالحاجي. [المتوفى: 652 هـ]
كان فقيهًا عارفًا بمذهب أَبِي حنيفة، حدث عن: عبد العزيز بن منينا. روى عنه: أبو محمد الدّمياطيّ، والقُطْب ابن القسطلاني، ومحمد بن مُحَمَّد الكَنْجيّ. وكان أيضًا عارفًا بالأصُول.
قال الدمياطي: كان مقدمًا على مماليك المستعصم بالله. وتُوُفيّ فِي منتصف صَفَر.
وقال ابن النّجّار في تراجم أناس: فقيهٌ جليل القْدْر، مُفْتٍِ، له مصنفات. وهو صالح ديِّن، قرأ الكثير بنفسه على أصحاب أبي الوقت.(14/723)
59 - الْحَسَن بن عَبْد القاهر بن الحَسَن بن علي بن القاسم بن المُظَفَّر بن علي، القاضي أَبُو علي ابن الشَّهْرَزُوريّ، شهاب الدين المَوْصليّ. [المتوفى: 652 هـ]
سمع من: يحيى الثَّقفيّ، ومن: ابن عمه أَبِي البركات عَبْد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد، وغيرهما. ووُلّي قضاء المَوْصل. روى عَنْهُ: الدمياطي، ومحمد بن مُحَمَّد الكنْجيّ، وغيرهما. وتُوفي فِي ثالث شعبان، وله ثمانٍ وثمانون سنة.
وكان يمكنه السماع من أَبِي الفضل خطيب المَوْصل فما اتّفق له.(14/724)
60 - الحسن بن بدر بن الحسن، فخرُ الدين النابلسي، [المتوفى: 652 هـ]
والد الحافظ شَرَف الدين يوسف وحمو الزّين خَالِد.
تُوُفي بدمشق عن أربعٍ وتسعين سنة.
أرّخه التّاج ابن عساكر.(14/724)
61 - الحسن بن علي بن أَبِي جَعْفَر مُحَمَّد بن عدنان بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْنِ أَبِي العلاء المسلم بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عليّ بن أَبِي جَعْفَر الباقر، الشّريفُ النقيب، أَبُو علي الهاشمي، العَلَويّ، الحُسيْنيّ، البغدادي، المعروف بابن المختار. [المتوفى: 652 هـ]
روى عن: أَبِي منصور عبد الله بن محمد بن حَمدية، وولي نقابة العراق. وهو من بيت جلالة وسُؤْدُد. والمختار لَقَبُ جدهم عُمَر.
روى عَنْهُ: الدّمياطيّ، وغيره. ومات في رمضان.(14/724)
62 - حُمَيْد القُرْطُبيّ، هو المحدث البارع، الزاهد القُدْوة أبو بكر أحمد بن أبي محمد بن الحسن الأنصاري، الأندلسي. [المتوفى: 652 هـ]
ذكره ابن الزُّبير في " برنامجه " فقال: قرأت عليه، وسمع بقراءتي.
وروى عَنْ: أَبِي مُحَمَّد بن حَوْط الله، وابن واجب، وأبي زيد بن جميل، وأجاز له: عَبْد الصمد بن أَبِي القاسم بن رجاء، ويعيش بن القديم، وأَبُو مُحَمَّد الزُّهْريّ، وأبو الفُتُوح نصر ابن الحُصريّ، وخلْق. وقل من رَأَيْت فِي الورع مثله. اقتضى نظرُهُ الرّحلَة عن هذه البلاد فِراراً بدينه، وتُوُفّي في مصر سنة [ص:725]
اثنتين. وكان بارع الخطّ، حَسَن الضَّبط، بديع النَّظْم.(14/724)
63 - دَاوُد بن شجاع بن لؤلؤ، أَبُو الفضل البواب، البغدادي. [المتوفى: 652 هـ]
وُلِد سنة خمسٍ وثمانين. وسمع من: ذاكر بن كامل، وابن كُليْب، ويحيى بن بوش، وعبد الوهاب ابن سُكيْنة، وضياء ابن الخريف. روى عَنْهُ: ابن الخير، والدمياطي. ومات في شعبان.(14/725)
64 - شُليْل بن مُهلهل بن أَبِي طَالِب بن عدنان، أَبُو الْحَسَن اللَّخْميّ، الإسكندراني، المالكي، التاجر. [المتوفى: 652 هـ]
سمع من: أبي القاسم مخلوف بن جارة، والحافظ ابن المفضل المَقْدسيّ. وبدمشق من: أَبِي اليُمْن الكِنْديّ، وغيره. روى عَنْهُ: الدمياطي، وغيره. ومات في صفر.(14/725)
65 - عَائِشَة بِنْت المحدث أَبِي الميمون عَبْد الوَهَّاب بن عَتِيق بن هِبَة الله بن أبي البركات بن وردان، أم الحسن المصرية. [المتوفى: 652 هـ]
سمعها أبوها من: هبة الله البُوصِيريّ، وعبد اللطيف بن أَبِي سعد، وعبد المجيب بن زهير، وغيرهم. وقد تقدمت أختها خديجة.
روى عَنْهَا: غير واحد من المصريين. وماتت فِي سادس رمضان.(14/725)
66 - عَبَّاس بن بزوان بن طرخان بن بزوان بن أَحْمَد، المحدث المفيد، أَبُو الفضل الشّيْبانيّ، المَوْصليّ كمال الدين، [المتوفى: 652 هـ]
نزيل القاهرة.
سمع من: الحكيم أبي الحسن علي بن هبل، ومسمار بن العويس، وأحمد بن سلمان ابن الأصفر، ثم عُنِي بالحديث، وسمع الكثير بإربِل، وحلب، ودمشق، ومصر. وكان حريصًا على الطلب، مُكْثِراً. روى عَنْهُ: الدمياطي، ومات فِي شوال.(14/725)
67 - عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الله، المحدث الصالح، المعمَّر الهكاري. [المتوفى: 652 هـ]
ولد بنواحي العمادية، من أعمال المَوْصل؛ وحدث عن: حنبل؛ سمع منه شيخنا الدمياطي " صحيح الْبُخَارِيّ " بإجازته العامة من أَبِي الوقت، وقال: وُلِد في سنة سبْع وأربعين وخمسمائة. وتُوُفي بحلب فِي أواخر العام، وله مائةٌ وخمس سنين.(14/726)
68 - عَبْد الحميد بن عيسى بن عَمُّوَيْه بن يونس بن خليل، العلامة شمسُ الدين، أَبُو مُحَمَّد الخُسْروشاهيّ، التِّبْريزيّ، لأن خُسْروشاه قرية بقُرب تبريز، المتكلّم. [المتوفى: 652 هـ]
وُلد سنة ثمانين وخمسمائة بخُسْرُوشاه، واشتغل بالعقليات على الشَّيْخ فَخر الدين الرازي ابن الخطيب. وسمع من: المؤيد الطُّوسي. وبرع فِي عِلم الكلام، وتفنن فِي العلوم، ودرّس وأقرأ وأفاد، اشتغل عليه: زين الدين ابن المرحل خطيب دمشق، وغيره. وأقام مدة بالكَرَك عند صاحبها الملك النّاصر، وأخذ عَنْهُ أشياء من عِلم الكلام. روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد الدمياطي، وغيره. ومات فِي الخامس والعشرين من شوال، ودُفِن بجبل قاسيون.
ذكره ابن أَبِي أُصَيْبعَة، فقال: تميز فِي العلوم الحكمية وحرر الأصول الطّبية، وأتقن العلوم الشرعية. رثاه العز الضرير بقصيدةٍ لامية، وله من الكتب " مختصر المهذَّب " لأبي إِسْحَاق، " مختصر الشفاء " لابن سينا، " تتمة الآيات البيّنات "، وغير ذلك.(14/726)
69 - عبد الحي بن أَحْمَد بن محمود بن بدل، أَبُو عَبْد الرَّحْمَن البَيْلَقانيّ. [المتوفى: 652 هـ]
وُلد بالمدينة النبوية فِي سنة تسعٍ وثمانين وخمسمائة، وقدِم دمشقَ فِي صِغَره، وسمع من: أَبِي طاهر الخُشُوعيّ. وبدمشق تُوُفي فِي الثاني والعشرين من شعبان. [ص:727]
ذكره الشريف عز الدين. ولم أعرفه بعد.(14/726)
70 - عَبْد الرَّحْمَن بن أَحْمَد بن عَبْد الواحد بن عَبْد السلام بن عَبْد العزيز، أَبُو القاسم الأُمَويّ، الإسكندراني، الكاتب العدْل، المعروف بابن النَّحْوِيّ. [المتوفى: 652 هـ]
تُوُفي بالقاهرة فِي شوال وله اثنتان وثمانون سنة. روى عن: عبد الرحمن ابن موقى. وتقلب فِي الخِدَم، وولي نظر الأحباس بمصر مدة.
روى عَنْهُ: الدمياطي، وغيره.(14/727)
71 - عَبْد الرَّحْمَن بن الحارث بن محاسن بن مبارك، أَبُو عَبْد الله البغدادي، الحربي. [المتوفى: 652 هـ]
روى عن: عَبْد الله بن أَبِي المجد الحربي. ومات فِي رمضان.(14/727)
72 - عَبْد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن رستم، أَبُو القاسم المَوْصليّ، الشَّيْخ برهان الدين الزاهد. [المتوفى: 652 هـ]
وُلد سنة سبْع وسبعين وخمسمائة بالعمادية، من أعمال المَوْصِل؛ وحدث بدمشق عن: عبد العزيز ابن الأخضر. وكان فاضلًا فِي فنونٍ من العِلم، منقبضًا عن الناس زاهدًا عابدًا، قانعًا. روى عنه: الدمياطي وغيره. ومات في ذي القعدة.(14/727)
73 - عَبْد الرَّحْمَن بن مخلوف بن جماعة بن عليّ بن رجاء، أبو القاسم الربعي الإسكندرانيّ، المعدل. [المتوفى: 652 هـ]
ثقة، صالح، حدث عن: عَبْد الرَّحْمَن بن موقى. روى عَنْهُ: حفيده أَبُو القاسم عَبْد الرَّحْمَن ابن مخلوف، وأبو مُحَمَّد الدمياطي. وتُوُفي فِي ربيع الآخر.(14/727)
74 - عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخَضِرُ بن مُحَمَّد بن علي، الإِمَام، شيخ الإِسْلَام، مجدُ الدين أَبُو البركات ابن تيميَّة الحراني، الحنبلي، [المتوفى: 652 هـ]
جدُ شيخنا تقي الدين.
ولد في حدود التّسعين وخمسمائة، وتفقه فِي صغَره على عمه الخطيب فخر الدين. ورحل إلى بغداد وهُوَ ابن بِضع عشرة سنة في صحابة ابن عمّه السّيف فسمع من: أبي أحمد عبد الوهاب ابن سُكيْنة، وعمر بن طَبَرْزد، وضياء ابن الخُريف، ويوسف بن كامل، وعبد العزيز ابن الأخضر، وعبد العزيز بن منينا، وأحمد بن الحسن العاقولي، وعبد المولى ابن أَبِي تمام، ودُرّة بِنْت عثمان، وجماعة. وقرأ القراءات على عَبْد الواحد بن سلطان صاحب سبط الخياط. وسمع بحران من: حنبل المكبر، والحافظ عَبْد القادر، وغير واحد.
روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد الدمياطي، والإمام شهاب الدين عَبْد الحليم ولده، وأمين الدين عَبْد الله بن شقير، والزاهد مُحَمَّد بن عُمَر بن زباطر، والجمال عَبْد الغني بن منصور المؤذن، ومحمد بن محمد الكنجي، ومحمد بن أحمد ابن القزاز، وآخرون. وتفقه عليه ابنه، والشيخ نجم الدين أحمد بن حمدان، وجماعة.
وكان إمامًا حجَّة بارعًا فِي الفقه والحديث، وله يد طولى فِي التفسير، ومعرفة تامة بالأصول، وأطلاع على مذاهب الناس. وله ذكاء مفرط؛ ولم يكن فِي زمانه أحد مثله في مذهبه.
وله المصنَّفات النافعة التي انتشرت فِي الآفاق " كالأحكام "، و " شرح الهداية "، وقد بيَّض منه رُبْعه الأوّل؛ وصنَّف " أرْجوزة فِي القراءات "، وكتابًا " فِي أصول الفقه ".
وحدثني شيخنا تقيُّ الدين قال: كان الشَّيْخ جمال الدّين ابن مالك يقول: أُلِين للشيخ مجد الدين الفقه كما أُلين لداودَ الحديد.
وحدثني أيضا أن الصّاحب محيي الدّين يوسف ابن الجَوْزي اجتمع بالشيخ المجد فانبهر له وقال: هذا ما عندنا ببغداد مثله. ولما حج التمسوا منه أن يقيم ببغداد فامتنع واعتل بالأهل والوطن.
قال شيخنا: وكانت فِي جدنا حدة. وقد قرأ عليه القراءات غيرُ واحدٍ، منهم الَّذِي كان بحلب فُلان القَيْروانيّ. وحج سنة إحدى وخمسين. وفيها حجَّ [ص:729]
من دمشق الشَّيْخ شمس الدين ابن أَبِي عُمَر، فلم يُقْض لهما اجتماع.
قال شيخنا: وحكى البرهان المَرَاغيّ أنّه اجتمع بالشّيخ المجد فأورد نُكْتة عليه، فقال المجد: الجواب عَنْهَا من ستين وجهًا، الأول كذا، والثاني كذا، وسردها إلى آخرها. ثمّ قال للبرهان: وقد رضينا منك بإعادة الأجوبة. فخضع وانبهر.
قال: وكان الشّيخ نجم الدّين ابن حمدان مع براعته فِي المذهب وتوسُّعه فِيهِ يقول: كنت أطالع على الدرس وما أبقي ممكنًا، فإذا أصبحت وحضرتُ عند الشَّيْخ ينقل أشياء كثيرة لم أعرفها ولم أطَّلع عليها.
قال شيخنا: وكان جدنا عجبًا فِي حفْظ الأحاديث وسرْدها وحفْظ مذاهب الناس وإيرادها بلا كُلْفة.
وحدّثني شيخنا أبو محمد ابن تيمية أن جده ربي بتَيْماء، وأنه سافر مع ابن عمه إلى العراق ليخدمه ويشتغل وله ثلاث عشرة سنة، فكان يبيت عنده فيسمعه يكرر على مسائل الخلاف فيحفظ المسألة. فقال الفخر إسماعيل: أيْش حفظ هذا الننين، يعني الصبي، فبدر وقال: حفظت يا سيدي الدَّرس. وعرضه فِي الحال. فبُهِتَ منه الفخر وقال لابن عمه: هذا يجيء منه شيء، وحرضه على الاشتغال. فشيخه فِي الخلاف الفخر إِسْمَاعِيل. وعرض عليه مصنَّفه " جنَّة الناظر ". وكتب له عليه في سنة ستٍّ وستمائة: عرض عليَّ الفقيه الإِمَام العالِم أوحد الفُضلاء، أو مثل هذه العبارة، وأخرى نحوها، وهو ابن ستّة عشر عاما. وشيخه فِي الفرائض والعربية أَبُو البقاء العُكْبرِيّ، وشيخه فِي القراءات عَبْد الواحد المذكور؛ وشيخه فِي الفِقْه أَبُو بَكْر بن غنيمة صاحب ابن المَنّيّ. وأقام ببغداد ست سِنين يشتغل، ثم قدِم حَرانَ واشتغل بها أيضًا على الشَّيْخ الفخر. ثم رحل إلى بغداد سنة بضع عشرة، فازداد بها من العلوم، وصنَّف التصانيف.
تُوُفّي إلى رحمة الله فِي يوم عَيْد الفِطْر بحَران.(14/728)
75 - عَبْد العزيز بن أَبِي بكر بن علي بن محفوظ، أبو محمد البغدادي البناء. [المتوفى: 652 هـ]
روى عن: عبد المنعم بن كليب، وغيره. روى عنه: الدمياطي.(14/729)
76 - عبد النصير بن المختار بن علي بن نجا بن أَبِي القاسم، عزُّ الدّين، أبو محمد ابن الميلق الإسكندراني، الكاتب. [المتوفى: 652 هـ]
سمع بمكّة من: أَبِي الفتوح نصر ابن الحُصريّ، وعليّ ابن البنّاء، وله شعرٌ وأدب. سمع منه: الدمياطي، وغيره. ومات في رجب.(14/730)
77 - عثمان بن برنقش المعظَّميّ. [المتوفى: 652 هـ]
روى عن: جنبل، وابن طبرْزَدْ. ومات فِي ذي الحجة بدمشق.(14/730)
78 - عليّ بن أبي نصر فاتح بن عَبْد الله، أَبُو الْحَسَن البِجائيّ. [المتوفى: 652 هـ]
وأبوه روميّ أسلم.
حجَّ عليّ، وسمع من: يونس الهاشميّ بمكّة، وأبا القاسم ابن الحَرَسْتانيّ بدمشق، وجماعة. وعاد إلى بجاية. وكان إمامًا متقِناً، زاهدًا، خيرًا، عدلًا.
تُوُفي فِي جُمادى الآخرة.
كتب عَنْهُ أَبُو عَبْد الله الأبار، وعاش ستا وثمانين سنة، وأبو الْعَبَّاس بن الغمّاز وقال: سمعت بعض " صحيح مُسْلِم ".(14/730)
79 - عيسى بن سلامة بن سالم بن ثابت، أَبُو العزائم، وأبو الفضل الحَراني، الخياط، المعمر. [المتوفى: 652 هـ]
وُلِد فِي آخر شوال سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، وسمع من: أَبِي الفتح أَحْمَد بْن أَبِي الوفاء، وحماد الحراني. وأجاز له: أَبُو الفتح مُحَمَّد بن عبد الباقي ابن البطّيّ، وأخوه أحمد، ومحمد بن محمد ابن السَّكن، وأبو بكر عبد الله ابن النَّقُّور، وأبو محمد ابن الخشّاب، وأبو عليّ أحمد ابن الرَّحبيّ، ويحيى بن ثابت، وسعد الله ابن الدّجاجيّ، والمبارك بن محمد الباذرائيّ، وأحمد بن علي بن المعمَّر العَلَويّ، وشُهْدة، وخديجة بِنْت النَّهروانيّ، وجماعة.
وروى الكثير؛ وقد حدث بدمشق قديمًا؛ روى عَنْهُ: شيخنا الدمياطي، والجمال عبد الغنيّ المؤذّن، ومحمد بن زباطر الزّاهد، وأمين الدّين ابن شُقَيْر، [ص:731]
ومحمد بن درباس الجاكي، والشَّرف عبد الأحد ابن تيميّة، وجمال الدّين أحمد ابن الظاهري، وأحمد بن مُحَمَّد الدَّشْتيّ، وطائفة سواهم. وهو من جملة من جاوز المائة.
تُوُفي فِي أواخر هذه السنة بحران، وكان آخر من روى عن المذكورين بالإجازة سوى شُهْدة. وخاتم أصحابه قاسم بن علي ابن الحبشيّ، نزيل حلب.(14/730)
80 - فَخَراور بن عثمان بن مُحَمَّد، أَبُو الفخر الدوني، ثم الْمَصْرِيّ، الصُّوفيّ، تقيُّ الدين الشافعي. [المتوفى: 652 هـ]
وُلِد بالقاهرة قبل السّبعين وخمسمائة، وقرأ القراءات على أَبِي الجود اللّخْميّ، وسمع من: أَبِي القاسم البُوصيريّ، والأرتاحي، وفاطمة بِنْت سعد الخير. وحدث؛ روى عَنْهُ: ابن الحُلْوانيّة، والدمياطي، والمصريون، وكان موصوفًا بالزُّهد والصَّلاح.
تُوُفي في آخر صَفَر.(14/731)
81 - فَرَجُ بنُ عَبْد الله، ناصحُ الدين، أَبُو المغيث الحبشي، القُرْطُبيّ، الخادم، [المتوفى: 652 هـ]
مولى أَبِي جَعْفَر القُرْطُبيّ، وعتيق المجد البَهْنَسيّ.
وُلِد سنة بضع وسبعين وخمسمائة. وسمع الكثير من أَبِي طاهر الخُشُوعيّ، والقاسم ابن عساكر، وعبد اللطيف بن أَبِي سعد الصوفي، وعبد الرَّحْمَن بن سلطان القُرَشيّ، وحنبل، وابن طَبَرْزَد، ومولاه أَبِي جَعْفَر. وسمع بحلب من الافتخار الهاشمي، وغيره. وكان شيخًا صالحًا، عفيفًا، كيِّساً، متيقظًا. سمع وحصل وروى الكثير. ووقف كتُبَه على المحدثين.
روى عنه: ابن الحُلْوانيّة، والكَنْجيّ محمد بن محمد، وعبد الغفار المقدسي، والعماد ابن البالِسيّ، والبرهان أبو إسحاق الإسكندرانيّ، وأبو الحسن عليّ ابن الشاطبي، وطائفة سواهم. [ص:732]
توفّي في رابع شوّال.(14/731)
82 - القاسم بن إبراهيم بن هبة الله بن إسماعيل بن نبهان، القاضي عماد الدين، أبو القاسم الحَمَويّ، الشافعي، المعروف بابن المقنشع، قاضي حماة. [المتوفى: 652 هـ]
ترسَّل عن صاحب حماة مِراراً، ودخل الديار المصرية، ووُلّي القضاء بها. ودرس بحماة بالنُّوريَّة، وبحلب بالأسديَّة. ورجع من مصر فأدركه الأجَل بدمشق بالمدرسة الزّنجيليّة. ودُفِن بسفح قاسيون في المحرَّم.(14/732)
83 - محمد بن أحمد بن خليل بن إسماعيل، القاضي أَبُو الخطاب السّكُونيّ، الأندلُسيّ، الكاتب. [المتوفى: 652 هـ]
من شيوخ ابن الزُّبيْر. ذكره فقال: كان روضة معارف، متقدمًا فِي الكتابة والعلوم الأدبية، لم ألْقَ مثله في ذلك، يخطب على البديه، ويكتب من غير تكلُّف. قُيِّد عَنْهُ من كلامه عند السلاطين بإشبيلية وغيرها. وكان مشاركًا فِي العلوم، وقد كثُر انتفاعي به. وكان عالي الرواية، ثبْتاً، وله معرفة بالرجال. لازمتهُ سِنين. وأجاز له: أَبُو عَبْد الله بن زرقون، وأبو القاسم السُّهيليّ، والحافظ أبو طاهر السِّلفيّ، فكان آخر من حدّث بتلك الديار عَنْهُ. وسمع من: أَبِي الحَكَم ابن حجاج، وأبي الْعَبَّاس بن مقدام. وكان من الأسخياء الأجواد، وهذا طُرفة فِي المغاربة.(14/732)
84 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الزَّمّال، أَبُو عَبْد الله الجَيَّانيّ. [المتوفى: 652 هـ]
سمع بمكّة من: يونس بن يحيى الهاشمي، وغيره. وحدث بالإسكندرية. ومات فِي جُمادى الآخرة.(14/732)
85 - محمد بن خطلخ الدمشقي البزاز. [المتوفى: 652 هـ]
روى عن: حنبل. ومات فِي ذي القعدة. من شيوخ الدمياطي.(14/732)
86 - مُحَمَّد بن طلحة بن مُحَمَّد بن الْحَسَن، الشَّيْخ كمالُ الدين، أَبُو سالم القُرشيّ، العَدَويّ، النَّصِيبيّ، الشافعي، المفتي. [المتوفى: 652 هـ]
وُلد بالعَمْريّة، من قُرى نصيبين، سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة. وتفقه، وبرع فِي المذهب. وسمع بنيْسابور من: المؤيَّد الطوسي، وزينب الشِّعْريّة. وحدث بحلب، ودمشق. وكان صدْراً معظمًا، محتشمًا، عارفًا بالمذهب والأُصول والخلاف. ترسَّل عن الملوك، ووُلّي الوزارة بدمشق يومين ثم تركها، وتزهد وخرج عن ملبوسه، وانكمش عن الناس. وكان ذَهابه إلى خُراسان فِي طلب العِلْم، وناظَر بها.
روى عَنْهُ: الدّمياطيّ، وابن الحُلْوانيّة، ومجد الدّين ابن العديم، وجمال الدّين ابن الجُوخيّ، وشهاب الدين الكَفْريّ المقرئ، وجماعة.
وفي سنة ثمانٍ وأربعين قال التاج ابن عساكر: خرج ابن طلحة عن جميع ما له من موجودٍ ومماليك ودواب وملبوسٍ، ولبس ثوبًا قُطْنيّاً وتخفيفة. وكان يسكن الأمينية فخرج منها واختفى، ولم يُعْلم بمكانه. وسبب ذلك أن النّاصر عينه للوزارة وكتب تقليده، فكتب هُوَ إلى النّاصر يعتذر.
قلت: وقد دخل فِي شيءٍ من الهَذَيَان والضّلال، وعمل دائرةً للحروف ادّعى أنه يستخرج منْها علِْم الغيب وعلْم الساعة، نسأل الله السلامة فِي الدين. ولعله إن شاء الله رجع عن ذلك.
تُوُفي فِي السابع والعشرين من رجب بحلب، وقد جاوز السبعين.(14/733)
87 - مُحَمَّد بن علي بن بقاء، أَبُو البقاء ابن السَّبّاك البغدادي. [المتوفى: 652 هـ]
سمع من: أَبِي الفتح بن شاتيل، وأبي السعادات القزاز، وذاكر بن كامل، ويحيى بن بوْش، وابن كليْب. وروى الكثير؛ روى عَنْهُ: ابن القسطلاني، والدمياطي، ومحمد بن محمد الكَنْجيّ، وغيرهم. وأجاز لجماعة. وتوفيّ في السّابع والعشرين من شعبان.(14/733)
88 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن هبة اللَّه بْن عَبْد الصمد بْن الْحُسَيْن بْن أحمد بْن تميم، الرئيس كمالُ الدين، أَبُو حامد التميمي، الدمشقي، الكاتب العدل. [المتوفى: 652 هـ]
وُلد سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة. وحدث عن: أبي طاهر الخُشُوعيّ. روى عنه: مجد الدّين ابن الحُلْوانيّة، والدمياطي، والكّنْجيّ، وجماعة. وتُوُفي فِي الرابع والعشرين من رجب بدمشق، ودُفن بتُربتهم بسفح قاسيون.(14/734)
89 - مُحَمَّد بن أَبِي المعالي هبة اللَّه بْن الْحَسَن بْن هبة اللَّه ابن الدوامي، أَبُو الْحَسَن البغدادي. [المتوفى: 652 هـ]
وُلد سنة ستِّ وثمانين وخمسمائة. وكان ظريفًا نديمًا، صاحب نوادر وسُرعة فهْم، لا تُملّ مُجالسته، مع وقارٍ وأدب. وله نظْمٌ رائق. حدث عن: أَبِي الفَرَج بن كُليْب. روى عَنْهُ: الدّمياطيّ، وغيره.
توفّي في شهر رمضان. وأبوه راوٍ عن تجنّي الوهبانيّة.(14/734)
90 - مقلّد بن أحمد ابن الخُرْداديّ. [المتوفى: 652 هـ]
تاجر كبير متموّل، ورث من أَبِيهِ أموالًا جزيلة. فمات أَبُوهُ أَحْمَد فِي هذه السنة. وكان له مداخلة للمغول، وتحدث مع القان في الصُّلح مع أمير المؤمنين. ثم قدِمَ مع رسول القان. ومن أعجب شيء أن ولده مقلدًا هذا كتب كتابه على بِنْت عمه على صَداقٍ مبلغُهُ مائة ألف دينار. وهذا ما لم يُسمع بِمِثْلِهِ قط إلا لخليفة أو نحوه.(14/734)
91 - مكي بنُ أَبِي الغنائِم المُسلَّم بْن مكي بْن خَلَف بْن المسلَّم بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بن حصن بن صَقْر بن عبد الواحد بن علي بن عُلاّن العدل المُسند، سديدُ الدين، أَبُو مُحَمَّد القَيْسيّ، الدمشقي، الطيبي. [المتوفى: 652 هـ]
أسند مَن بقي بالشّام فِي زمانه. وُلد فِي أول رجب سنة ثلاثٍ وستّين وخمسمائة، وتفرّد بالدُّنيا بالرّواية سماعا عن: أبي القاسم ابن عساكر، وأبي الفَهْم عَبْد الرَّحْمَن بن أَبِي العجائز، وأبي المعالي ابن خلدون. وروى أيضًا عن [ص:735]
أبي المجد ابن البانياسي، وأجاز له: أَبُو طاهر السِّلفيّ، ومحمد بن عليّ الرَّحبيّ، المصريّ.
وروى الكثير مرات؛ روى عَنْهُ: ابن الحُلْوانيّة، والدمياطي، وابن الظاهري، وزين الدّين الفارقيّ، وسبطاه أمين الدّين سالم بن صَصَرى، وأخته أسماء، وأُمّهما، والعماد ابن البالِسيّ، وأخوه عَبْد الله، وطلحة القُرشيّ، ومحيي الدين يحيى بن أَحْمَد المقدسي، وتاج الدين أحمد بن مُزيز الحَمَويّ، وإسماعيل وعبد الله ابنا ابن أَبِي التّائب، والشَّرف عبد الله ابن الشَّرف الحنبلي، وخلْق سواهم.
وكان شيخًا حَسَناً، متوددًا، صحيح السماع، من بيت رواية وتقدُّم ورياسة. وهو أخو أسعد ومحمد، وقد سمعا أيضاً من الحافظ ابن عساكر.
تُوُفي فِي العشرين من صَفَر بدمشق.(14/734)
92 - ناصر بن ناهض بن أَحْمَد بن مُحَمَّد، الأديب، أَبُو الفُتُوح اللَّخميّ الْمَصْرِيّ، المعروف بالأديب الحُصريّ. [المتوفى: 652 هـ]
شاعرٌ مُحْسن مشهور. كتبوا عَنْهُ من نَظْمه. وكان يذكر أنّه سمع من: الحافظ السِّلَفيّ، وأنّه وُلد سنة ثمانٍ وخمسين وخمسمائة تقديراً.
أنبأنا أبو حامد ابن الصابوني، أن الأديب أَبَا الفُتُوح الحُصْري أخبره وأنشده لنفسه. وقد أعطاه رئيس قمحًا رديئًا فقال:
يُباع شعْري بلا نقدٍ لمنتقد ... إلا بقمح خفيف الرُّوح والجسدِ
قمح إذا رَمَقتْه العين تؤلمه ... وهما فيقتص منها السُّوس بالرَّمد
ما ذاك إلا لأحقاب له سَلَفَتْ ... وآدمٌ لم يكن فِي الخُلْد فِي خَلدِ
فأسودُ مثلُ حظي فِي عيونِهِمُ ... وفارغ مثل آمالي بهم ويدي
إذا خبزناه أبدى فوق صفحَته ... حزنًا على موت أهل الشِّعر بالكمدِ
تُوُفي فِي سادس عشر ذي القعدة.(14/735)
93 - نصر الله ابن القاضي علي بْن عَبْد الرشيد بْن علي بْن بُنَيْمان، القاضي فخر الدّين، أبو منصور الهَمَذانيّ. [المتوفى: 652 هـ]
ولد بَهَمَذان سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، وقدِم مع أَبِيهِ صغيرًا إلى بغداد، فسمع حضورًا من: عَبْد المنعم بن كُليْب، والمبارك ابن المعطوش؛ سمع منه ومن: عَبْد الله بن أَبِي المجد الحربي، وجماعة. وتفقه وأحكم المذهب، وولي القضاء بالجانب الغربي وحدث؛ روى عَنْهُ: الدمياطي، ومحمد بن مُحَمَّد الكنْجيّ، وغيرهما. وتُوُفّي فِي نصف شعبان.
أجاز لزينب خالة المحب، وللبجديّ، والتقي ابن العز، وطائفة.(14/736)
94 - نصر الله بن مُحَمَّد بن إلياسَ بن عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ بْن أَحْمَد بْن فارس، الأجل، جمال الدين، أَبُو الفتح بن أَبِي بَكْر الأَنْصَارِيّ، الدمشقي، الكاتب المعروف بابن الشّيْرجيّ، [المتوفى: 652 هـ]
أخو نجم الدّين المظفَّر.
وُلد سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وسمع من: الخُشُوعيّ، وعبد اللطيف الصوفي، وحنبل، وجماعة. وتفقه واشتغل وحصل. روى عَنْهُ: زين الدين الفارقي، وشَرَف الدين عَبْد المؤمن، وأبو عليّ ابن الخلاّل، والعماد ابن البالِسيّ.
توفّي في صفر.(14/736)
95 - نصر بن مُوسَى بن عياش بن عَبْد الله، أَبُو الفتح الْمَصْرِيّ، الحَوْفيّ الحنبلي. [المتوفى: 652 هـ]
قدِم دمشقَ فِي صِباه فسمع من: حنبل، وابن طَبَرْزد، وجماعة.
وجدّه بشين معجمة.
روى عَنْهُ: الدمياطي ومحمد الكَنْجيّ فِي مُعجميهما. وتُوُفي فِي سادس عشر رمضان وقد شاخ وجاوز التسعين.(14/736)
96 - النُّصْرَة، أَبُو الفتح ابن السُّلطان صلاح الدِّين يوسُف بن أيوب ابن شاذي. [المتوفى: 652 هـ][ص:737]
تُوُفي بحلب وقد قارب السبعين أو جاوزها.(14/736)
97 - يحيى بن محمد بن موسى أبو زكريا التُّجيْبيّ، التلمِساني. [المتوفى: 652 هـ]
حج وجاورَ، وسمع بمكّة من: أبي الحسن ابن البناء، وسكن الإسكندرية، وجلس للوعظ فِي مسجده. وصنَّف في التّفسير والرّقائق، وتوفّي فِي تاسع شوال.(14/737)
98 - يوسف بْن عَبْد الكافي بْن عَبْد الوهّاب بْن رفاعة، عِماد الدين، أَبُو الحَجاج الإسكندراني، المحتسب، المعروف بابن الكهف. [المتوفى: 652 هـ]
روى عن: أبي روْح المطهَّر بْن أبي بَكْر البيْهقيّ، ومات فِي شعبان.(14/737)
99 - يوسف بن علي بن الْحَسَن بن شروان، أبو المظفَّر البغداديّ، المقرئ. [المتوفى: 652 هـ]
سمع: من ذاكر بن كامل، وابن كُليْب، وابن بَوْش، وغيرهم. وعنه: الدمياطي، وغيره. وكان شيخًا صالحًا، خيِّراً.
تُوُفي فِي سابع جُمادى الآخرة.(14/737)
-وفيها وُلد:
بدر الدين مُحَمَّد بن منصور الحلبي ابن الجوهريّ، في صفر؛ ونظام الدّين حسن ابن مؤيّد الدّين أسعد ابن القلانِسِيّ؛ وناصر الدّين أبو بكر بن عمر ابن السّلاّر؛ والشّمس محمد ابن الفخر عليّ ابن الْبُخَارِيّ المقدسي؛ والشمس مُحَمَّد بن بَلَبَان الجَوْزيّ القطان؛ والكمال مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد بْن عثمان ابْن القوّاس؛ والمخلص عَبْد الواحد بن عَبْد الحميد بن هلال الأَزْدِيّ؛ وعلاء الدين علي بن يحيى بن تمّام ابن الجُمَّيْزيّ؛ وأبو الْعَبَّاس أَحْمَد بن يوسف بن مُوسَى التلي المصري، الشافعي؛ وأبو الْحَسَن علي بن إِسْمَاعِيل بن قريش المخزومي، الْمَصْرِيّ؛ ومحمد بن إِبْرَاهِيم بن سلامة القُرشيّ، سمعا من النّجيب الحرّانيّ؛ ومحمد ابن المحدث أَبِي الْحَسَن بن عَبْد العظيم الحصْنيّ، روى عن: الرشيد؛ والشمس يوسف بن مُحَمَّد الكردي، سِبْط ابن أَبِي اليُسْر؛ [ص:738]
والحاج أَحْمَد بن حمود الحراني بها يوم عاشوراء، وأحمد بن مُحَمَّد بن أَحْمَد بن عمر ابن الشَّيْخ أَبِي عُمَر، وُلد بجماعيل؛ وشهاب الدين أحمد بن أبي بكر ابن حِرْز الله؛ والمجاهد سِلْمان بن لاحق الصَّرْخَديّ المؤذن بدمشق؛ والقاضي جلال الدين أَحْمَد بن حَسَن، بالروم؛ ومحمد بن كنْديّ بن عُمر بن كنْديّ؛ وعبد العزيز بن عَبْد الحق بن شعبان الصّالحيّ.(14/737)
-سنة ثلاث وخمسين وستمائة(14/739)
100 - أَحْمَد بن عطاء بن حَسَن بن عطاء بن جُبيْر بن جَابِر، أَبُو الْعَبَّاس الأذرعي، الصحراوي. فلاح الفاتكية. [المتوفى: 653 هـ]
روى عن: عُمر بن طبرْزد وكتب عنه: الزَّين الأبِيوَرْديّ، والدّمياطيّ، وغيرهما. وتُوُفي فِي ذي القعدة عن سبعين سنة، ودفن بجبل الصالحية.
وهو والد الصاحب شهاب الدين الحنفي، ووالد شيخنا أَبِي مُحَمَّد الْحَسَن بن أَحْمَد الشُّرُوطيّ الَّذِي روى لنا عن ابن الزُّبيْديّ. وكان حاجا صَدُوقاً، تزوَّج الدمياطي بعده بامرأته أمّ شهاب الدّين.(14/739)
101 - أحمد ابن الكمال عَبْد الرَّحِيم بن عَبْد الواحد بن أَحْمَد، الفقيه، كمال الدين المقدسي، [المتوفى: 653 هـ]
أخو شمس الدين.
كتب أكثر تصانيف عمه الضياء، وقرأ عليه الكثير وسمع من: جماعة كأخيه. وروى اليسير لأنه مات قبل أوان الرواية، رحمه الله.
توفّي في ثامن جُمادى الآخرة بالبقاع. وهو والد الضياء مُحَمَّد، وزينب.(14/739)
102 - إِسْمَاعِيل بن حامد بن أَبِي القاسم عبد الرحمن بن المُرَجّى بن المؤمل بن مُحَمَّد بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن يعيش، الأجل، الرئيس، الفقيه، شهاب الدين، أَبُو المحامد، وأبو الطاهر، وأبو العرب الأَنْصَارِيّ، الخَزْرجيّ، القُوصيّ، الشافعي، [المتوفى: 653 هـ]
وكيل بيت المال بالشّام.
وُلِد فِي المحرم سنة أربع وسبعين وخمسمائة بقوص. وقدِم القاهرة فِي سنة تسعين فلم يطول بها. وقدِم الشّام سنة إحدى وتسعين فاستوطنها، وقد سمع بقوص كتاب " التَّيْسير " على أبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن إقبال المَريني، وقرأ عليه القرآن. وذكر محمد أنّه وُلد بالمَريّة سنة تسع وتسعين وأربعمائة، وأنه تلميذُ أَبِي عمْرو الخَضِر بْن عَبْد الرَّحْمَن القيْسيّ المقرئ. [ص:740]
قلت: ومولد الخضر فِي سنة ثلاثٍ وسبعين وأربعمائة، وكان يروي عن أَبِي دَاوُد وأبي الْحَسَن بن شفيع.
وقال القُوصيّ: قدِمتُ مصرَ بعد موت الشّاطبيّ بأشهُر، ولم أسمع من: القاضي الفاضل غير بيتين. وسمعت من إِسْمَاعِيل بن صالح بن ياسين مقطَّعات، ومن أَبِي عَبْد الله الأرْتاحيّ، وغيرهما.
وسمع بالمنية من الفقيه علي بن خَلَف بن معزوز التلِمساني. وسمع بقوص سنة تسع وثمانين من الحافظ ابن المفضَّل لما حج. وسمع بدمشق من الخُشُوعيّ فأكثر، ومن القاسم ابن عساكر، والعماد الكاتب، وأحمد بن حيّوس الغَنَويّ، وأحمد بن تزمش، وأحمد ابن الزنف، وأبي جَعْفَر القُرْطبيّ، وأسماء بِنْت الران، وأختها آمنه، وابنها القاضي محيي الدين مُحَمَّد ابن الزّكيّ، وعبد اللّطيف بن أَبِي سعد، ومحمود بن أسد، ومنصور بن علي الطبري، وعبد الملك بن ياسين الدَّوْلعيّ، وحنبل، وابن طبرْزَد، ومحمد بن سيدهم الهراس، ومحمد ابن الخصيب، وخلق كثير.
وعُني بالرواية، وأكثَرَ من المسموعات. وخرَّج لنفسه " معجماً " هائلاً في أربعة مجلدات ضِخام ما قصر فِيهِ، وفيه غَلَطٌ كثير مع ذلك وأوهام وعجائب. وكان فقيهًا فاضلاً، مدرّساً، أديباً، أخبارياً، حفظة للأشعار، فصيحًا مفوَّهاً.
اتَّصل بالصاحب صفي الدين ابن شُكْر، وقال فِي ترجمته: هُوَ الذي كَانَ السببَ فيما وليتُه وأوليته فِي الدَّولة الأيوبية من الأنعام، وهُوَ الَّذِي أنشأني وأنساني الأوطان.
قلت: سيَّره ابن شُكْر رسولًا عن الملك العادل إلى البلاد، وولي وكالة بيت المال، وتقدم عند الملوك ودرَّس بحلقته بجامع دمشق التّي الآن مدرّسها الشَّيْخ علاء الدين ابن العطار. وكان يلازم لبْس الطَّيْلسان المحنَّك والبِزة الجميلة والبغْلة. وقد مدحه جماعة من الأدباء وأخذوا جوائزه.
روى عَنْهُ: الدمياطي، وابن الحُلْوانيّة، والكنْجيّ، والزَّين الأبِيوَرْديّ، والبدر ابن الخلاّل، والرّشيد الرَّقّيّ، والعماد ابن البالِسيّ، والشّمس محمد ابن الزّرّاد، وخلْق. [ص:741]
وتوفّي في سابع عشر ربيع الأول.(14/739)
103 - أمَة اللطيف بِنْت الناصح عَبْد الرحمن بن نجم ابن الحنبلي، العالمة. [المتوفى: 653 هـ]
خدمت أختَ العادل ربيعة خاتون زوجة صاحب إربل مدّةً فأحبّتها، وحصل لَهَا من جهتها أموال عظيمة، ولاقت بعدها شدائد وحبْساً ومصادرة، وحُبِست بقلعة دمشق نحو ثلاث سنين، ثم أُطلِقت وتزَّوجت الأشرف ابن صاحب حمص، وسافر بها إلى الرحبة وتل باشر، وماتت سنة ثلاثٍ وخمسين وستمائة غريبة. وظهر لها بدمشق من الأموال والذخائر واليواقيت ما يساوي ستمائة ألف درهم غير الأوقاف والأملاك، وكانت فاضلة صالحة عفيفة، لها تصانيف ومجموعات.
ترجمها ابن الجَوْزيّ.(14/741)
104 - إياس بن عبد الله عتيق القاضي، أبي منصور المظفَّر بن عَبْد القاهر الشُّهرَزُوريّ، أَبُو الخير، المَوْصليّ الدار. [المتوفى: 653 هـ]
سمع من: خطيب المَوْصل في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة أحاديث نسطور الموضوعة. روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد الدمياطي، وغيره.
قال الشريف عز الدين: تُوُفي في هذه السّنة.(14/741)
105 - التّاج الأُرْمويّ محمد بن حسن الشّافعي، [المتوفى: 653 هـ]
مدرّس الشّرفيّة ببغداد.
تُوُفي عن نيِّفٍ وثمانين سنة، وكان قد صَحِب فخْر الدين الرازي، وبرع فِي العقليات. وله جاهٌ وحشمة بوجود إقبال الشرابي. وله عدة مماليك تُرْك [ص:742]
مُلاح وسراري. وفيه تواضُع ورياسة.(14/741)
106 - الحسين بن عُمَر بن طاهر، الفقيه، نورُ الدين، أَبُو عَبْد الله الفارسي، [المتوفى: 653 هـ]
إمام الحنفية بمحراب المدرسة الصّالحيّة بالقَاهرة.
سمع من: حماد الحراني، وكان شيخًا حسنًا عفيفًا فاضلًا، له معرفة تامة بالطب.
تُوُفي فِي المحرم بالقاهرة.(14/742)
107 - حليمة بِنْت علي بن أبي بكر محمد ابن جمال الإِسلام أَبِي الحَسَن علي بْن المسلِّم السُّلميّ، أم الخير الدمشقية. [المتوفى: 653 هـ]
روت عن: الخُشُوعيّ، روى عَنْهَا: أَبُو مُحَمَّد الدمياطي، وأبو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن أَحْمَد العلوي الغَرَافيّ.
توفيت فِي ثالث شوّال.(14/742)
108 - الخضِر بن مُحَمَّد بن أَبِي بَكْر بن الخضِر بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمَد، أَبُو الْعَبَّاس الهكاري الأُمويّ العُتْبيّ، [المتوفى: 653 هـ]
من ولد الوليد بن عُتْبة بن أَبِي سُفيان.
وُلِد بمصر، فِي سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وسمع بدمشق من الخُشُوعيّ. وحدث. وتُوُفي فِي نصف شعبان.(14/742)
109 - رَيْحان الطُّوَاشيّ، شهاب الدين الحَبَشيّ، [المتوفى: 653 هـ]
خادم بني سُكيْنة.
حدث عن: أبي محمد ابن الأخضر، وأحمد ابن الدُّبَيْقيّ، روى عنه: الدّمياطيّ، وغيره.(14/742)
110 - سعيد بن مُدرك بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن سُلَيْمَان، أَبُو المشكور التنوخي، المَعَرّيّ. [المتوفى: 653 هـ]
وُلِد بالمَعَرة سنة ستٍّ وسبعين وخمسمائة، وقدِم دمشق، وحمل عن الخُشُوعيّ. روى عَنْهُ: الدمياطي، ومحمد بن محمد الكنْجيّ، وأبو العبّاس ابن [ص:743]
الظاهري، وأخوه إِبْرَاهِيم، ومات فِي المحرَّم. وهو أخو القاضي أَحْمَد.(14/742)
111 - سيف الدين القَيْمُريّ، [المتوفى: 653 هـ]
صاحب المارسْتان الَّذِي بجبل قاسيون. يقال: إنه ابن صاحب قَيْمُر.
كان أميرًا كبيرًا، محتشمًا، بطَلاً، شجاعًا من الأبطال المذكورين بالفُرُوسيّة. وكان كريمًا جوادًا. بنى له تُربة كبيرة بقُبّة، وهي أقرب شيء إلى المارستان.
توفّي بنابلس، وحمِل فدُفن بتُرْبته.(14/743)
112 - شبليّ بن الجُنيد بن إِبْرَاهِيم بن أَبِي بَكْر بن خلِّكان، القاضي العالِم، أَبُو بَكْر الزَّرزَاريّ الإربِلي، الشافعي. [المتوفى: 653 هـ]
وُلِد بإربل فِي سنة ستٍّ وسبعين وخمسمائة. وروى بالإجازة عن: يحيى بن بَوْش، وابن كليْب وولّي القضاء ببلد إخميم، وبها مات، رحمه الله.(14/743)
113 - صقر بن يحيى بن سالم بن يحيى بن عيسى بن صقر، الإِمَام، المفتي، المُعمَّر، ضياء الدين، أَبُو المظفَّر، وأبو مُحَمَّد الكلبي، الحلبي، الشافعي. [المتوفى: 653 هـ]
وُلِد سنة تسعٍ وخمسين ظنًا. وتفقَّه فِي المذهب وجوَّده، وسمع من: يحيى بن محمود الثقفي، والخُشُوعيّ، وحنبل، وابن طَبَرزَد. ودرس مدة بحلب، وأفتى وأفاد.
روى عَنْهُ: الدمياطي، وابن الظاهري، وأخوه أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم، وسُنْقُر القضائي، وتاج الدين الجعْبريّ، وبدر الدين مُحَمَّد ابن التُوزيّ، والكمال إِسْحَاق، والعفيف إِسْحَاق، وجماعة سواهم.
وكان موصوفًا بالديانة والعِلْم. أضَر بأخرة، وتُوُفي فِي سابع عشر صَفَر. [ص:744]
وتأخر من أصحابة راوٍ إلى سنة ثلاثين وسبعمائة.(14/743)
114 - عَبْد الرَّحْمَن بن أبي العز بن شواش بن عامر بن حميد، أَبُو القاسم القيْسيّ، البعْلبكيّ، ثم الميماسي، الإسكندراني، البُرْجيّ، الناسخ. [المتوفى: 653 هـ]
سمع من: عبد الرحمن بن مُوقى.
والبُرج: من ثغر الإسكندرية على البحر.
روى عَنْهُ: الدمياطي.(14/744)
115 - عَبْد العزيز بن عَبْد المجيد بن سُلطان بن أَحْمَد، الفقيه، بُرهان الدين، أَبُو مُحَمَّد الْمَصْرِيّ، الشافعي. عُرف بابن قراقيش. [المتوفى: 653 هـ]
ولد سنة تسعٍ وستّين وخمسمائة. وسمع من: عشير بن عليّ الجبليّ، والعماد الكاتب ووُلي قضاء الجيزة، وعقود الأنكحة بمصر. وكان إمامًا متقِناً، مُفْتياً.
روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد بن خَلَف الحافظ. ومات فِي ربيع الأول.(14/744)
116 - عَبْد الكريم بن عَبْد القادر بن أبي الحسن بن عبد البارئ، أبو محمد الأنصاريّ، المصريّ، الشافعي، القصار. [المتوفى: 653 هـ]
حدث عن: البُوصِيريّ، وطال عُمُرُهُ، وتُوُفي فِي ثاني عشر ربيع الآخر عن إحدى وتسعين سنة، كتبوا عَنْهُ.(14/744)
117 - عثمان بن رسلان بن فتيان بن كامل، أَبُو عَمرو الأَنْصَارِيّ، البَعْلَبَكي، ثم الدمشقي التَاجر، الحنبلي. [المتوفى: 653 هـ]
سمع من: عَبْد الرَّحْمَن بن علي الخِراقي، والخُشُوعيّ، وحدث بدمشق، ومصر؛ روى عَنْهُ: الدمياطي، وإبراهيم بن عليّ ابن الحُبُوبيّ. وتوفّي في رمضان عن ثلاثٍ وسبعين سنة.(14/744)
118 - عثمان بن نصر الله بن مُحَمَّد بن محفوظ بن الْحَسَن بن صَصْرى، فخرُ الدين، أَبُو عمْرو التَّغلبيّ، تغْلب بن وائل، الدمشقي. [المتوفى: 653 هـ][ص:745]
من بيتٍ مشهور، روى عن: أَبِي اليُمْن الكنْدي، وغيره. وسمع من: عَبْد الكريم بن شجاع القيْسيّ. كتب عَنْهُ القُدماء. ومات فِي ثالث ذي الحجة، وهو أخو عُمَر.(14/744)
119 - علي بن معالي بن أَبِي عَبْد الله بن غانم، أَبُو الْحَسَن الرصافي، المقرئ على تُرب الخلفاء بالرُّصافة. [المتوفى: 653 هـ]
ولد سنة ثمانٍ وستّين وخمسمائة، وسمع من: ذاكر بن كامل، وطاعن الزُّبيْريّ، ويحيى بن بَوْش، وابن كُليْب، فَمَنْ بعدهم. وعُني بالحديث وأكْثر عن أصحاب ابن الحُصيْن والقاضي أَبِي بَكْر، وكان يرجع إلى دين وورع وخير. وله أُصُولٌ حِسان.
روى عَنْهُ: المُحبّ عَبْد الله، والقُطُبْ القسطلاني، والدمياطي، ومحمد بن مُحَمَّد الكنْجيّ، وآخرون، وأجاز لجماعة من الكهول الأحياء، وتُوُفي في ذي الحجّة، وقيل في شوّال.(14/745)
120 - مُحَمَّد بن أَحْمَد بن حِصْن، الصالحي، العطار. [المتوفى: 653 هـ]
روى عن: ابن طَبَرْزَد. حدث عَنْهُ: الدمياطي، وغيره.
توفّي في هذه السّنة.(14/745)
121 - محمّد ابن الأمير خاص بك بن بزْغش الأجل، أَبُو عبد الله ابن الشُّوباشيّ، الْمَصْرِيّ. [المتوفى: 653 هـ]
وُلِد سنة أربعٍ وسبعين، وسمع من: أَبِي الطاهرِ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن بنان، وأبي الفضل الغزْنويّ، وجماعة. روى عَنْهُ: الشّريف عزّ الدّين، وغيره وكان أبوه والي القاهرة مدّة، وتولاّها هذا بعد أَبِيهِ قليلًا وعُزل.
روى عَنْهُ: عليّ بن عمر الوانيّ سنة ثماني عشرة وسبعمائة جزء " مسْند صُهيب " للزَّعْفرانيّ.
مات فِي ذي الحجّة. [ص:746]
وحدث عَنْهُ الدمياطي بحديثٍ رَوَاهُ عن يوسف بن الطُّفيل.(14/745)
122 - مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن إِبْرَاهِيم بن مزيبل بن نصر، أَبُو عَبْد الله القُرشيّ المخزُوميّ، المصريّ. [المتوفى: 653 هـ]
روى عن: قاسم بن إِبْرَاهِيم المقدسي، وأبي نِزار ربيعة اليَمَنيّ، ومات في جمادى الأولى.(14/746)
123 - محمد ابن المحدث أَبِي صادق عَبْد الحق بْن هبة اللَّه بْن ظافر بن حمزة، أَبُو الفتح القُضاعيّ، الْمَصْرِيّ، المؤذن الصُّوفيّ، المعروف بالزَّنبُوريّ. [المتوفى: 653 هـ]
وُلِد سنة ستٍّ وثمانين وخمسمائة.
وسمع بإفادة أبيه من: البُوصِيريّ، والقاسم ابن عساكر، وإسماعيل بن ياسين، وعبد الخالق بن فيروز، والعماد الكاتب، وأبي الْحَسَن بن نجا الواعظ، وجماعة. وطلب بنفسه وأكْثر وأفاد، وخرّج للشيوخ. روى عَنْهُ: الدمياطي، والتقي الإسْعرْديّ، والطلبة.
وكان يقيم بمسجد زنبور، فلهذا قيل له: الزَّنْبُوريّ.
تُوُفي فِي منتصف ربيع الآخر، وآخر من حدث عَنْهُ يوسف الخَتَنيّ.(14/746)
124 - مُحَمَّد بن أبي المعالي عبد العزيز ابن الواعظ أَبِي الْحَسَن علي بن هبة الله بن خلدون، العدل، أَبُو عَبْد الله الدمشقي، الشّافعيّ. [المتوفى: 653 هـ]
روى عن: حنبل، وابن طَبَرْزَد. وعنه. . . .
تُوُفي فِي شوال.(14/746)
125 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عثمان، النظام، أَبُو عَبْد الله البَلْخيّ، ثم البغدادي، الحنفي، [المتوفى: 653 هـ]
نزيل حلب.
وُلِد ببغداد سنة ثلاثٍ وسبعين وخمسمائة، وسافر إلى خُراسان فتفقه بها. وسمع من: المؤيد الطُّوسيّ، ومحمد بن عَبْد الرحيم الفامي، وغيرهما. [ص:747]
روى عَنْهُ: الدمياطي، وابن الظاهري، وولده عَبْد الوهّاب ابن البلْخيّ، ومحمد بن محمد الكنحي، وتاج الدين صالح الجعْبريّ، وبدر الدين محمد ابن التّوّزيّ، وغيرهم. وحدّث " بصحيح مسلم " عن المؤيد.
وكان فقيهًا بارعًا، مُفْتِياً، بصيرًا بالمذهب. دخل بُخارى، وسَمَرقنْد، وسمع من: أَبِي بَكْر عُمَر بن أَبِي الفتح البُخاريّ، ومحمد بن أحمد ابن أَبِي الخطاب السَّمرْقنْديّ. وسمع بخُوارزْم من عَبْد الجليل بن إسماعيل. وبالرّيّ من مسعود ابن موجود الحنفي، وبحلب من أَبِي عَبْد الله ابن الزَّبِيديّ.
ذكره الشّريف في " الوفيات "، وقال: توفّي ليلة التّاسع والعشرين من جُمادى الآخرة.(14/746)
126 - مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بن علوان بن عبد الله بن علوان بن عبد الله الأجلّ، نجم الدّين، أبو المكارم ابن الأستاذ الأسدي، الحلبي. [المتوفى: 653 هـ]
وُلِد سنة ثمانٍ وثمانين وخمسمائة. وحدث عن: ابن طَبَرْزد " بالغيلانيات". وكان أديبًا، فاضلًا شاعرًا. روى عَنْهُ: الدمياطي، وغيره.
تُوُفي فِي الخامس والعشرين من شوال.(14/747)
127 - مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر بْن أَحْمَد بْن خَلَف، نور الدّين، أبو عبد الله ابن النور البلخي، ثم الدمشقي، المقرئ بالألحان. [المتوفى: 653 هـ]
وُلِد بدمشق في سنة تسْعٍ وخمسين، وسمع فِي القاهرة من: التاج مُحَمَّد بن عبد الرحمن المسعوديّ، والقاسم ابن عساكر. وسمع بالإسكندرية فِي حياة السِّلفيّ من المطهَّر بن خَلَف الشحامي جزءًا فِي ذي القعدة سنة خمسٍ وسبعين عن وجيه الشحامي، وغيره.
وسمع بالقاهرة بخانقاه سَعِيد السُّعداء فِي سنة اثنتين وسبعين من منصور بن طاهر الدمشقي " أربعي ابن وَدْعان " الموضوعة، حدثه بها عن ابن المؤمل، عَنْهُ. وسمع بدمشق من: حنبل الرصافي، وأبي القاسم ابن الحَرَسْتانيّ. واجتمع بأبي طاهر السِّلفيّ وأجاز له: مروياته، وذكر أنه سمع منه - وهو صدوق مقبول القول - ولكن لم يوجد له عَنْهُ شيء. وروى [ص:748]
عَنْهُ الكثير بالإجازة. وخرج له جمال الدين محمد ابن الصابوني جزءًا عن مشايخه.
روى عَنْهُ: الدمياطي، وابن الظاهري، وأخوه إِبْرَاهِيم، وجوزه مولاه البلْخيّ، والشّمس ابن الزّرّاد، والمُحيي ابن المقدِسيّ إمام المشهد، والبدر محمد ابن التُّوَّزِيّ، والعماد محمد ابن البالِسيّ، والجمال عليّ ابن الشاطبي، وآخرون. وروى عَنْهُ: الحافظ عَبْد العظيم مع تقدمه.
تُوُفّي فِي الرابع والعشرين من ربيع الآخر، وله ستٌّ وتسعون سنة.
قال أَبُو مُحَمَّد الدمياطي: كان صالحًا قديم السَّماع، وُلِد بدرب العجم.(14/747)
128 - مُحَمَّد بن يوسف بن أَحْمَد، المحدث العالِم، أَبُو عَبْد الله الهاشمي، المالقي، المشهور بالطنجالي. [المتوفى: 653 هـ]
حمل عَنْهُ أَبُو جَعْفَر بن الزُّبير، وسمع بقراءته كثيرًا على أَبِي الْحَسَن الشاري. وله إجازة من أَبِي الخطاب بن واجب، وأبي عَبْد الله مُحَمَّد بن أحمد ابن يوسف الغَرْناطيّ ابن صاحب الأحكام، وكان رفيقًا فِي الطَّلب لحُميد القُرْطبيّ.
قال ابن الزُّبير: كَانَا على سمْتٍ متقارب وصلاح تام وَوَرَع وزُهد.
مات الطَّنجاليّ فِي صَفَر سنة ثلاثٍ. ومات حُمَيْد قبله بعام.(14/748)
129 - المبارك بن مزْيد البغدادي، الخواص. [المتوفى: 653 هـ]
سمع ابن شاتيل وتفرّد بآخر من روى عنه بالإجازة أبي أحمد الجَزَريّ.(14/748)
130 - مبارك الحَبَشيّ عتيق علي بن منصور الدمياطي الخراط. [المتوفى: 653 هـ]
حدث بمصر عن: عَبْد المنعم بن كُليْب، وسماعه منه بقراءة ابن مُعْتِقِه عَبْد السلام بن علي فِي سنة أربعٍ وتسعين.
روى عنه: الدّمياطيّ، والمصريّون.
توفّي في الخامس والعشرين من رجب، وقد جاوز التسعين.(14/748)
131 - المُرْتضى الشّريف، أبو الفُتُوح، عزّ الدّين ابن أَبِي طَالِب أَحْمَد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن زيد بن جَعْفَر بن أَبِي إِبْرَاهِيم مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بن إسحاق بن جعفر الصادق بن محمد الباقِر العَلَويّ، الحُسَيْنِيّ، الإسحاقي، الحلبي، [المتوفى: 653 هـ]
نقيب الأشراف بحلب.
ولد سنة تسع وسبعين وخمسمائة. وسمع من: النَّسّابَة أَبِي عَلِيّ مُحَمَّد بْن أسعدَ الْجَوانيّ، والافتخار الهاشمي، وأبي مُحَمَّد بن علوان، وأجاز له: يحيى الثقفي. وحدث بدمشق وحلب. وكان صدرًا رئيسًا وافر الحُرْمة. وهو الَّذِي شهَّر ابنَ العُود على حمارٍ بحلب لما سب الصحابة.
روى عَنْهُ: الدمياطي، وغيره. وروى عنه: بالثّغر: البُرهان الغَرَافيّ.
توفّي فجاءة فِي شوال بحلب.(14/749)
132 - مُسْلِم بن بركات بن المسلم، أَبُو البركات الحراني، المعروف بابن الرُّزيْز الشُّروطيَّ الشاهد. [المتوفى: 653 هـ]
سمع من: أَبِي ياسر عَبْد الوهاب بن أبي حبّة، وغيره. سمع منه جماعة.
وروى عن: أَبِي مُوسَى المَدِيني بالإجازة. روى عَنْهُ: الدمياطي، وست النِّعم بنت نجم الدين ابن حمدان.(14/749)
133 - مظفَّر بن محمود بن أحمد بن محمد ابن عساكر، أبو غالب الدمشقي، [المتوفى: 653 هـ]
والد الحكيم بهاء الدّين القاسم.
حدث عن: أَبِي القاسم ابن الحَرَسْتانيّ. ومات كهلًا فِي يوم عرفَة بعَرَفَة. وتُوُفيت زوجتُه بعده وهي بنت ابن أبي الخوف، ودُفِنت بمقبرة مكّة.(14/749)
134 - ياقوت، مولي سلام بن عَبْد الوهاب بن سلام؛ أبو الدُّرّ الأرمنيّ ثم الدمشقي. [المتوفى: 653 هـ]
سمع بالقاهرة مع مولاه من أَبِي يعقوب بن الطُّفيْل. وحدث بدمشق.(14/749)
135 - يوسف بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، أَبُو الحَجاج الأَنْصَارِيّ البياسي، الأديب. [المتوفى: 653 هـ]
كان علامة إخباريًا، لُغويّاً بارعًا فِي العربية وضُروبها. وكان يحفظ " الحماسة " و " ديوان أبي تمّام " و " ديوان المتنبّي " و " ديوان سقط الزّنْد " للمعرّي، و " السّبعْ المعلَّقات ". وله تاريخ على الحوادث فِي مجلدتين سمّاه " كتاب الإعلام بالحروب الواقعة فِي صدر الإِسْلَام إلى أيام الرشيد "، وكتاب صنفه فِي مجلّّدتيْن قليل المِثْل سماه " الحماسة " صنفه بتونس وجوده، ونقل فِيهِ أشعارًا فائقة، فمن ذلك قول الوأواء:
بالله بالله عوجًا لي على سَكني ... وعاتباه لعل العتْب يعطفُه
وعرضا بي وقُولا فِي حديثكما ... ما بال عبدك بالهجران تتلفه
فإنْ تبسم قولا فِي ملاطفةٍ ... ما ضر لو بوصالٍ منكِ تُسعفُه
وإنْ بدا لكما من مالكي غضب ... فغالِطاه وقُولا ليس نَعرفُه
تُوُفي البياسي بتونس فِي ذي القعدة، وقد جاوز الثمانين بيسير.
وبياسة من الأندلس.(14/750)
136 - يوسف بن أَبِي الْحَسَن بن بركات، أَبُو العِزّ المَوْصلي المعروف بابن الأعرج. [المتوفى: 653 هـ]
تُوُفي بَسنْجار فِي رمضان.
يروي عن عَبْد الله بن أَبِي المجد الحربيّ.(14/750)
137 - أبو بكر بن يوسف بن أبي بكر بن أَبِي الفَرَج بن يوسف بن هلال، المحدث المقرئ، ناصحُ الدين الحراني، الحنبلي، المعروف بابن الزراد. [المتوفى: 653 هـ]
وُلِدَ بحران سنة أربع عشرة وستمائة تقديرًا، وقرأ القراءات، وتفقه. وسمع بدمشق من: أبي عمرو ابن الصلاح، وأبي الحَسَن السخاوي؛ وبحلب من: ابن خليل، وابن رواحة، والطبقة. وأخذ القراءات عن: الشَّيْخ أَبِي عَبْد الله الفاسي، وغيره. وكتب الكثير، وخطُّه معروف، وكان دينًا فاضلًا روى عنه: [ص:751]
الدمياطي فِي " مُعْجمه "، وكان رفيقه فِي الطَّلب.
تُوُفي بحلب فِي التاسع والعشرين من جُمادى الأولى.(14/750)
138 - أبو بكر بن أبي الفوارس ابن الأمير عضُد الدولة مُرْهف ابن الأمير مؤيد الدولة أسامة بن مُنقذ الكِنانيّ الكلبي، حسامُ الدين. [المتوفى: 653 هـ]
من بيت الإمرة والفضيلة، وُلد بالقاهرة سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ومات في رمضان. وروى عن: جدّه العَضُد من شِعره.(14/751)
139 - أبو المجد بن علي بن عَبْد الرَّحْمَن الخطيب مجدُ الدين الإخميمي، [المتوفى: 653 هـ]
خطيب جامع مصر.
صحِب أَبَا الْحَسَن مُرْتضى بن أَبِي الجود، وأبا الْعَبَّاس ابن القسطلاني. وكان صالحًا، عالمًا، مشهورًا بالديانة، وله القَبول التام من الناس. وكان حَسَن السَّمْت، كريم الأخلاق، ساعيًا فِي حوائج الناس، تام المروءة، كثير النفع للمسلمين، وقبره يُزار بالقرافة، رحمه الله.
تُوُفي فِي ذي القعدة.(14/751)
140 - الأمين أَبُو سعد التَّفليسيّ التاجر. [المتوفى: 653 هـ]
أحد المتمولين، تُوُفي غريبًا بعكا. وكان قد استفك بها خمسين أسيراً فجاؤوا حول تابوته إلى دمشق، ودُفن بتُربته بالجبل، رحمه الله.(14/751)
-وفيها وُلد:
العلامّة كمال الدّين أحمد ابن الشَّيْخ جمال الدين أَبِي بَكْر مُحَمَّد بن أَحْمَد البكري، الشريشي فِي رمضان بسَنْجار؛ والقاضي شمس الدّين محمد بن عثمان ابن الحريري فِي صَفَر؛ والقاضي إمام الدين عُمَر بن عَبْد الرَّحْمَن بن عُمَر القزويني بتبريز، وشرف الدّين أحمد ابن فخر الدّين سليمان ابن عماد الدين ابن الشّيْرجيّ؛ وتقي الدين أَبُو بكر ابن شَرَف الصّالحيّ الصّوفيّ؛ وأبو العبّاس أحمد ابن المُحبّ عَبْد الله بن أَحْمَد فِي ربيع الأول؛ وأبو المجد عَبْد السلام بْن عَبْد العزيز ابْن الشَّيْخ مجد الدِّين ابن تيميّة بحرّان؛ وأبو الهُدى أحمد ابن الشّيخ [ص:752]
شهاب الدين أَبِي شامة؛ وبهاء الدين علي ابن عزّ الدّين عيسى ابن الشّيرجيّ؛ وإبراهيم ابن الشمس إِبْرَاهِيم بن أَبِي بَكْر الجَزَريّ ثم الدّمشقيّ التّاجر، ابن الفاشوشة؛ والتّاج فائد الكاتب، والأمين أحمد بن محمد ابن تاج الدّين عليّ ابن القسطلانيّ، بمصر؛ ومحمد بن مقلّد بن علي الغساني بغسانة من أعمال مصر؛ وصدر الدين محمد بن أبي بكر بن محمد ابن البُوريّ القُرشيّ بمصر، سمع هُوَ والذي قبله من النجيب، والملك الكامل مُحَمَّد بن عَبْد الملك بن إِسْمَاعِيل الأيوبي بطريق الحج؛ والشيخ كمال الدّين عبد الوهّاب ابن قاضي شهْبَة فِي شوال؛ وقاضي صَرْخد شهابُ الدّين أحمد ابن القاضي فخر الدين عثمان بن أَحْمَد الزُّرَعيّ؛ وأحمد بن منصور بن صارم الدمياطي؛ والشيخ زين الدين عُمَر بن أَبِي الخير الكِنانيّ الشافعي؛ والشمس مُحَمَّد بن عُمَر بن الياس الرُّهاويّ في صفر؛ والشّهاب أحمد بن عمر بن زُهير الزُّرَعيّ، سمع من: جَدّه؛ ورُكن الدين محمد ابن المجد عَبْد الله الإربلي بحلب فِي ربيع الآخر؛ وإسحاق بن مُحَمَّد بن أَبِي العجائز الزّجّاج.(14/751)
-سنة أربع وخمسين وستمائة(14/753)
141 - أحمد بن محمد بن عبد الوهاب بن عُمَر، أَبُو الْعَبَّاس القُرشيّ، الإسكندراني، المؤدب. [المتوفى: 654 هـ]
قرأ القراءات على أبي على منصور بن خميس. وسمع من: مُحَمَّد بن مُحَمَّد الكِرْكنْتيّ، وحدث.
تُوُفي فِي المحرَّم.(14/753)
142 - إبراهيم بن أونبا، الأميرُ مجاهدُ الدين الصوابي، أمير جانْدار الملك الصالح نجم الدين أيوب. [المتوفى: 654 هـ]
كان من كبار الأمراء، وقد ولي ولاية دمشق. وله شِعرٌ وَسَطَ.(14/753)
143 - إِبْرَاهِيم بن الأمير عز الدين أيْبك، الأمير مظفَّر الدين، [المتوفى: 654 هـ]
ابن صاحب صرخد المعظَّمي.
تُوُفي فيها، ودُفن بتُربة أَبِيهِ التي على الشرف.(14/753)
144 - إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحمن بْن مُحَمَّد بن وَثيق، أَبُو إِسْحَاق الأمَوي، الإشبيلي، المقرئ المجوّد. [المتوفى: 654 هـ]
وُلد سنة سبع وستين وخمسمائة بإشبيلية. وذكر أنه قرأ بالروايات السَّبع على جماعةٍ سنة بضعٍ وتسعين بالأندلس. ورأيت له مصنَّفاً فِي التجويد والمخارج يدل على تبحّره. وقال: قرأت كتاب " الكافي " لابن شُريْح سنة ستٍّ وسبع وتسعين على مشايخي بإشبيلية: أَبِي الْحُسَيْن حبيب بن مُحَمَّد بن حبيب الحِمْيَريّ، والخطيب أَبِي الحَكَم عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عمْرو بْن أَحْمَد بن مُحَمَّد بن حَجاج اللَّخْميّ، وأبي الْعَبَّاس أَحْمَد بن مقدام الرُّعَيْنيّ. وتلوْت عليهم بالرّوايات، وعلى: أبي الحسن خالص ابن التَّرَّاب، وهو أول من قرأت [ص:754]
عليه. قَالُوا: قرأنا على شُريح بن مُحَمَّد بن شُريح الرُّعينيّ، عن أَبِيهِ، رحمه الله. وقال ابن وثيق: حبيب هو سبط شريح بن محمد.
وقال ابن وثيق: أخبرنا بكتاب " التَّيسير " أَبُو عَبْد الله بن زرقون إجازة عن أَحْمَد بن مُحَمَّد الخَولانيّ إجازةً، يعني عن المصنف، كذلك.
وكان ابن وثيق ينتقل فِي البلاد، قد أقرأ بالموصل، والشّام، ومصر؛ أخذ عنه القراءات: الأستاذ عِماد الدّين ابن أَبِي زهران المَوْصلي، وأبو الْحَسَن علي بن ظهير الكفتيّ، وغيرهما. وروى عَنْهُ: الشَّيْخ مُحَمَّد بن جوهر التَّلعَفرِيّ، والنفيس إِسْمَاعِيل بن صَدَقة، وأبو عَبْد الله مُحَمَّد بن علي بن زُبيْر الجيلي، وغيرهم.
وبقي إلى هذا الوقت، تُوُفي فِي هذه السنة أو قبلها أو بعدها بيسير. وممّن قرأ عليه شيخُنا الفخر عثمان التوزرَيّ، نزيل مكّة، وكان عالي الإسناد فِي القراءات.
وُلد بإشبيلية وتُوُفي بديار مصر بالإسكندرية فِي رابع ربيع الآخر.
وتلا ابن وثيق أيضًا بالروايات على أَبِي الْعَبَّاس أَحْمَد بن منذر بن جهْوَر، وأخبره أنه قرأ على أَبِي عَبْد الله مُحَمَّد بن خَلَف بن صاف، وابن صاف أجلٌ أصحاب شُريح.(14/753)
145 - إِسْمَاعِيل بن عبد المجيد بن علاّس، الفقيه أَبُو الطاهر المالكي، المتكلم. [المتوفى: 654 هـ]
قال الشريف: تُوُفي فِي ثامن عشر شوال بالإسكندرية، وكان أحد المتصدرين بها، سمع كثيرًا من: أَبِي عَبْد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن محارب.(14/754)
146 - بدر الدين المراغي، شيخ خانقاه الطاحون بدمشق. [المتوفى: 654 هـ]
وقع به السُّلَّم من أعلى الخانقاه إلى الوادي فهلك في ذي الحجّة.
قال أبو شامة: وكان فقيهًا صالحًا، تولي العقود مدة، ثم قضاء وادي بَرَدَى، ثم لزم الخانقاه، رحمه الله.(14/754)
147 - بشارة الشِّبليّ، الحُساميّ، الكاتب. [المتوفى: 654 هـ]
مولى شِبْل الدولة، صاحب المدرسة والخانكاه عند ثورا.
سمع بشارة مع مولاه من: حنبل، وعمر بن طَبَرْزَد، وغيرهما. روى عَنْهُ: الدمياطي، والأبِيوَرْديّ، وجماعة. وهو رومي الجنس، وهو جد صاحبنا شَرَف الدين.
تُوُفّي في نصف رمضان رحمه الله.(14/755)
148 - سُنْقُر، أَبُو المكارم التُّركيّ، عتيق القاضي الأشرف أحمد ابن القاضي الفاضل. [المتوفى: 654 هـ]
سمع الكثير ببغداد من: أَبِي عليّ ابن الجواليقي، وعبد السلام الداهري، وبدمشق من: أَبِي القاسم بن صَصْرَى، وبمصر من جماعة، وحدث بمصر.(14/755)
149 - عامر بن حسان بن عامر بن فتيان بن حمود، المحدث أَبُو السرايا القيْسيّ الأجدابي، الإسكندراني المالكي، الصواف، المعروف بابن الوتار. [المتوفى: 654 هـ]
ولِد في حدود التِّسعين وخمسمائة. وسمع من: عَبْد المجيب بن عَبْد الله بن زُهير، والمطهر بن أَبِي بَكْر البَيْهقِيّ، وعلي بن المفضَّل الحافظ، فَمَنْ بعدهم. وكتب الكثير وعُني بالحديث. وكان مفيد الإسكندرية فِي وقته. وكان ثقة، صالحًا فاضلًا. روى عَنْهُ: الدّمياطيّ، وجماعة. ومات في ذي القعدة كهلاً. ودُفن بين المُنْياويْن.(14/755)
150 - عَبْد الله بن أَبِي المجد الحسن بن أَبِي السعادات الحَسَن بن علي بن عَبْد الباقي بن محاسن، الشَّيْخ عماد الدين، أَبُو بَكْر الأَنْصَارِيّ، الدمشقي الأصم، المعروف بابن النّحّاس. [المتوفى: 654 هـ][ص:756]
ولد في المحرَّم سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بمصر، ونشأ بدمشق فسمع بها من القاضي أَبِي سعد بن أَبِي عصْرُون، وهو آخر من حدث عَنْهُ، ومن: ابن صَدَقة الحراني، والفضل بن الْحُسَيْن البانياسي، ويحيى بن محمود الثَّقفيّ، وإسماعيل الجَنْزَويّ، وأحمد بن حمزة ابن الموازيني، وعبد الرَّحْمَن بن الْحُسَيْن بن عبدان، وست الكَتبَة. وسمع بإصبهان من: أَحْمَد بن أبي نصر ابن الصَّبَّاغ، وعلي بن منصور الثقفي، ومحمد بن مكي الحنبلي. وبنيْسابور من: المؤيَّد الطوسي، ومنصور الفُرَاويّ، وغيرهما. وبحلب من: الافتخار الهاشمي.
روى عَنْهُ: الزكي البِرزاليّ مع تقدُّمه، وأبو محمد الدّمياطيّ، والشّمس ابن الزّرّاد، والكمال محمد ابن النّحّاس الكاتب، والجمال عليّ ابن الشّاطبيّ، والبدر محمد ابن التوزي.
وكان ثقة، صالحًا، فاضلًا، جليلَ القدْر، حدث له صَمَمٌ مفرط، فكان يحدث من لفْظه. وخرج له أَبُو حامد ابن الصابوني جزءًا. ومات فِي الثاني والعشرين من صَفَر. وكان فاضلًا عالمًا صالحًا، له ملْك يكفيه.(14/755)
151 - عبد الله بن محمد بن شاهاوَرْ بن أنوشروان بن أَبِي النجيب، الأسَدي، الرازي، نجم الدين، أَبُو بَكْر، [المتوفى: 654 هـ]
شيخ الطريقة والحقيقة.
كان كبير الشأن، من أصحاب الأحوال والمقامات. أكثر الترحال إلى الحجاز، ومصر والشّام، والعراق، والروم، وأذْربيجان، وأران، وخُراسان، وخُوارزْم.
وُلِد سنة ثلاثٍ وسبعين وخمسمائة. وأول رحلته سنة تسع وتسعين. وسمع: عَبْد المُعزّ الهَرَويّ، ومنصور ابن الفُراويّ، وأبا الجنّاب أحمد بن عمر الخيوقيّ، والمؤيّد الطُّوسيّ، وابن السمعاني، وعبد الوهاب ابن سكينة، وزينب الشعرية، وعبد المحسن ابن الطوسي، ومسمار بن العُوَيْس، وأَبَا رشيد مُحَمَّد بن أَبِي بَكْر الغزال، وأَبَا بَكْر عَبْد الله بن إبراهيم بن عبد الملك الشّحاذيّ، وجماعة سواهم. [ص:757]
روى عَنْهُ: دَاوُد بن شهملك الليري، ومحيي الدين مُحَمَّد شاه الغزالي، وشمس الدين مُحَمَّد بن حسين الساوجي، وكهف الدين إِسْمَاعِيل بن عثمان القصْريّ، وإمام الدين عَبْد الله بن دَاوُد بن معمر ابن الفاخر، والحافظ شَرَف الدين الدمياطي، والشيخ مُحَمَّد بن مُحَمَّد الكنْجيّ، وقُطب الدين ابن القسطلاني.
وتُوُفي ببغداد فِي سادس شوال سنة أربع وخمسين وستمائة، ودُفن بالشُّونيزيّة.
أنبأني بأكثر هذا الفَرَضيّ، وأما الدّمياطيّ فقال: توفّي في أوّل عام ستّة وخمسين، فيُحرّر هذا.(14/756)
152 - عَبْد الباقي بن حَسَن بْن عَبْد الباقي بْن أَبِي القاسم، أَبُو ذرِّ الصقليّ ثم الْمَصْرِيّ، المعروف بابن الباجي. [المتوفى: 654 هـ]
سمع من: العماد الكاتب، وغيره، وحضر إِسْمَاعِيل بنَ ياسين، وحدث.
وكان أَبُوهُ من الطلبة المشهورين.(14/757)
153 - عَبْد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم بن هبة الله بن إِسْمَاعِيل بن نبهان، الفقيه، أَبُو البركات الحمويّ الشافعيّ المعروف بابن المقنشع. [المتوفى: 654 هـ]
وُلد سنة أربع وسبعين وخمسمائة. ورحل إلى بغداد، وتفقه بها. وسمع من: أبي أحمد عَبْد الوهّاب ابن سُكيْنة، ويحيى بْن الربيع الفقيه، وسمع بالمَوْصل من أَحْمَد بن عَبْد الله ابن الطوسي. وأجاز له: أَبُو طاهر السِّلفيّ، وحدث بدمشق ومصر، وهو أخو القاضي أَبِي القاسم قاضي حماة.
تُوُفي بحمص فِي جُمادى الأولى.(14/757)
154 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بن حَفّاظ، الشَّيْخ زكيُّ الدين أَبُو مُحَمَّد السُّلميّ الدمشقي، المعروف بابن الفُوَيْره. [المتوفى: 654 هـ][ص:758]
وُلد سنة إحدى وتسعين وخمسمائة تقريبًا. وحدث عن: أَبِي اليُمْن الكِنْديّ. وكان من المعدّلين بدمشق.
توفّي فجاءةً ليلة منتصف ربيع الآخر. وكان ابنه بدرُ الدين من أعيان الحَنفِيَّة.(14/757)
155 - عَبْد الرَّحْمَن بن نوح بن مُحَمَّد، الإِمَام شمس الدين التُّركمانيّ المقدسيّ الشافعيّ المفتي، [المتوفى: 654 هـ]
صاحب الشَّيْخ تقي الدين ابن الصلاح.
كان فقيهاُ مجودًا بصيرًا بالمذهب، مدرسًا. ولي تدريس الرواحية.
وتفقه عليه جماعة. وسمع من: الْحُسَيْن ابن الزبيديّ، والمتأخرين. وروى شيئًا يسيرًا. وهو والد ناصر الدين ابن المقدسي الَّذِي شنقوه فِي الدولة المنصورية، ووالد شيخنا بهاء الدين.
تُوُفي فِي ربيع الآخر عن نحو سبعين سنة. ونزل فِي آخر وقتٍ عن نَظَر الرّواحيّة وتدريسها لابنه، ولم يكن بأهلٍ.(14/758)
156 - عَبْد الرَّحْيمَ بن أحمد بن الحسن بن كتائب، أَبُو المعالي ابن القَنّاريّ، القُرشيّ البَعْلبَكيّ العدل. [المتوفى: 654 هـ]
وُلد بدمشق سنة تسعين وخمسمائة. وسمع من: الخُشُوعيّ، وحنبل، وابن طبرْزد. وحدّث؛ روى عَنْهُ: الدمياطيّ، والفخر إِسْمَاعِيل ابن عساكر، والبدر محمد ابن التّوزيّ، والعماد ابن البالِسيّ، وجماعة. وكان من عدُول بعْلبك. وكان أَبُوهُ من عُدُول دمشق. والقَنّاريّ بالفتح.
تُوُفي فِي سادس رمضان.(14/758)
157 - عَبْد الصمد بن عَبْد القادر بن أَبِي الْحَسَن، أَبُو مُحَمَّد الأَنْصَارِيّ الْمَصْرِيّ الدقاق. [المتوفى: 654 هـ]
وُلد سنة أربعٍ وسبعين بمصر.
وسمع بدمشق من الخُشُوعيّ. وحدث.
تُوُفّي فِي جُمَادَى الأولى.(14/758)
158 - عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن هبة اللَّه بْن أَحْمَد، أَبُو بكر ابن قِرْناص الحمويّ. [المتوفى: 654 هـ]
تُوُفي بحماة فِي ذي القعدة. وقد حدث بشيءٍ منَ شِعْره. وهو من بيتٍ مشهور.(14/759)
159 - عَبْد العزيز بن عَبْد الغفار بن أَبِي التمام هبة الله، أَبُو مُحَمَّد ابن الحُبُوبيّ، الدّمشقيّ. [المتوفى: 654 هـ]
حدث عن: عبد العزيز ابن الأخضر. وتُوُفي فِي ذي الحجة.
ولم يروِ عَنْهُم الدمياطي.(14/759)
160 - عَبْد العظيم بن عَبْد الواحد بن ظافر بن عَبْد الله بن مُحَمَّد، الأديب أَبُو مُحَمَّد بن أَبِي الإصْبَع العدْوانيّ الْمَصْرِيّ. [المتوفى: 654 هـ]
الشاعر المشهور، الإِمَام فِي الأدب. له تصانيف حسَنَة فِي الأدب، وشِعر رائق. وعاش نيِّفاً وستين سنة.
وتُوُفي بمصر فِي الثالث والعشرين من شوال.
ومن شِعره ورواه عَنْهُ الدمياطي:.
تصدَّقْ بوصلٍ إنَّ دمعيَ سائلُ ... وزوَّدْ فؤادي نظرةً فهْو راحلُ
أيا قمراً من شمس وجنته لنا ... وبخط عِذَاريْه الضُّحى والأصائلُ
تنقلت من طرف إلى القلب في النوى ... وهاتيك للبدر التمام منازلُ
إذا ذكرت عيناك للصب درسها ... من السّحر قامت بالدلال الدلائلُ
جعلتُك بالتّمييزُ نصْباً لناظري ... فلم لا رفعتَ الهجرَ والهجرُ فاعِلُ
غدا القَدُّ غصنًا منك يعطفهُ الصّبا ... فلا غَرْوَ إنْ صاحت عليه بلابلُ(14/759)
161 - عليّ بن محمد بن حلويه، الزاهد القُدوة، [المتوفى: 654 هـ]
نزيل المحمَّديّة من أعمال الصّلْح بواسط. [ص:760]
له كرامات.(14/759)
162 - علي بن يوسف بن أَبِي الْحَسَن بن أَبِي المعالي أَبُو الْحَسَن الصُّوريّ، الدّمشقيّ. [المتوفى: 654 هـ]
وُلد سنة سبْعٍ وسبعين وخمسمائة. ورحل للتجارة فسمع بنيْسابور من: المؤيد بن محمد الطّوسيّ، وزينب الشِّعريّة، والقاسم ابن الصفار، وحدث بمصر ودمشق. وكان شيخًا حَسَناً، له صَدَقَة ومعروف.
روى عَنْهُ: القاضي تقي الدين سُلَيْمَان، والفخر ابن عساكر، وحمزة بن عبد الله المقدسيّ، والشَّرف عبد الله ابن الشَّيْخ، وعليّ بن إِبْرَاهِيم المَعَرّيّ، وآخرون. وتُوُفي فِي الثامن والعشرين من المحرَّم.(14/760)
163 - عُمَر سراج الدين النهر فضلي، [المتوفى: 654 هـ]
قاضي القضاة بالعراق.
ذكره ابن أنْجب.(14/760)
164 - عُمَر بن مُحَمَّد بن أَبِي القاسم الْحُسَيْن بن أَبِي يعْلى حمزة بن الْحُسَيْن، أَبُو حفص القُضاعيّ، البهْرانيّ، الحَمَويّ، الشافعيّ. [المتوفى: 654 هـ]
سمع من: جَدّه لأمه العدل أَبِي مُحَمَّد عَبْد الوهاب بن علي القُرشيّ وهو ابن صفية، روى عَنْهُ: الدمياطي. وتُوُفي بحماة فِي ثاني شوال، وقد قارب الثمانين.(14/760)
165 - عيسى بن أَحْمَد بن إلياس بن أَحْمَد، اليُونينيّ الزاهد، [المتوفى: 654 هـ]
صاحب الشَّيْخ عَبْد الله اليُونينيّ.
كان زاهدًا، عابدًا، صوامًا، قوامًا، قانتًا لله حنيفًا، متواضعًا، لطيفًا، كبير القدر، منقطع القرين. صحِب الشّيخَ مدةً طويلة. وكان من أجل أصحابه. لم يشتغل بشيء سائر عمره إلا بالعبادة ومطالعة كتب الرقائق، ولم يتزوج قط، لكنه عقد عقدًا على عجوزٍ كانت تخدمه. وكان يعامل الأكابر إذا زاروه بما يعامل به آحاد النّاس. وقد زاره الباذرائيّ رسولُ الخليفة فوصل إلى يُونين وأتى [ص:761]
الزاوية، فلما صلى الشَّيْخ المغرب قام ليدخل إلى خلوته على عادته فعارضه بعضُ أصحابه وقال: يا سيدي هذا الرجل مجتازٌ وقد قصد زيارتك. فجاء الباذرائيّ وسلم عليه وسأله الدعاء، وأخذ فِي محادثته، فقال الشَّيْخ: رحِم الله من زار وخفَّف. وتركه ودخل.
وكان يستحضر كثيرًا من مطالعته لكُتُب الرقائق، وكان يكتب أوراقًا بشفاعات فيُسارع أولو الأمر إلى امتثالها. وكان مع لُطف أخلاقه ذا هيْبَةٍ شديدة. وقد سرد الصَّوم أكثر من أربعين سنة. وكان لا يمشي إلى أحدٍ أبدًا. وكان يقال له: سلاب الأحوال، لأنه ما ورد عليه أحدٌ من أرباب القلوب فسلك غير الأدب إلا سلبه حاله.
قال الشيخ قُطْبُ الدّين موسى ابن الفقيه فِي " تاريخه ": له كرامات ظاهرة، ولقد سلب جماعة من الفقراء أحوالهم. وكان والدي - رحمه الله - إذا خرج إلى يونين طلع إلى زاويته من بكرةٍ، ويدخلان إلى الخلْوة، فلا يزالان كذلك إلى الظُّهر. وكان بينهما ودادٌ عظيم واتحاد ومُحاببة فِي الله، وفي هذه السنة كان والدي يأمرني فِي كل وقت بقصد زيارته، فكنت بعد كل أيام أتردد إليه.
قال: وأخبر الشَّيْخ عيسى قبل موته بمدةٍ أن مُلك بني أيوب يزول ويملك بعدهم التُّرْك ويفتحون الساحل بأسْره.
قال: وحكى بعضهم أنه توجه إلى طرابلُس فوجد أسيرًا فعرفه فقال له: لا تتخلى عني واشترِني وأنا أعطيك ثمني حال وصولي إلى قريتي قرية رُعْبان. قال: فاشتريتُه بستين دينارًا وجئت معه، فلم يكن له ولا لأولاده تلك الليلة عَشاء، فندمت، فقال لي أهل القرية: نَحْنُ أيام البَيْدر نجمع لك ثمنه، فضاق صدري. فاتفق أني جئت إلى يُونين فرأيت الشَّيْخ عيسى ولم أكن رَأَيْته قبل ذلك، فحين رآني قال: أنت الذي اشتريت سهلا؟ قلت: نعم. فأعطاني شيئًا، فإذا ورقة ثقيلة، قال: ففتحتها فوجدت فيها الستين دينارًا التي وزنتُها بعينها، فتحيَّرت وأخذتها وانصرفت. [ص:762]
قال قُطْبُ الدين: وشكوا إليه التفاح وأمر الدُّودة، وسألوه كتابة حِرْزٍ، فأعطاهم ورقةً فشمعوها وعلقوها على شجرةٍ، فزالت الدُّودة عن الوادي بأسره، وأخصبت أشجار التفاح بعد يبسها وحملت. وبقوا على ذلك سنين فِي حياة الشَّيْخ وبعد موته. ثم خشوا من ضياع الحِرْز ففتحوه لينسخوه، فوجدوه قطعة من كتابٍ ورد على الشَّيْخ من حماة، فندِموا على فتحه، ثم شمعوه وعلقوه فما نفع، وركبت الدُّودةُ الأشجار.
قال: وأراد بعض الناس بناء حمام بُيونين وحصل الاهتمام بذلك، فقال الشَّيْخ: هذا لا تفعلوه. فما وسِعَهم خلافُه، فلما خرجوا قال بعضهم: كيف نعمل بالآلات؟ فقال رفيقه: نصبر حتى يموت الشَّيْخ. فطلبهما إليه وقال: قلتم كذا وكذا، وهذا ما يصير وما يعّمر فِي هذه القرية حمام، وقد أراد نائبا الشّام التُّجِيبيّ وعز الدين أيْدُمُر بناء حمام بيُونين فلم يقَّدر لهما.
وقال خطيب زمْلَكا فِي ترجمة الشَّيْخ عيسى: سمعت شيخنا شمس الدِّين عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي عُمَر يقول: كان الشَّيْخ عيسى صاحب مطالعة فِي الكُتُب. قال: وحدّثني الشيخ ناصر بن أحمد قال: ما رأيت رجلا أكثر هيبة من الشيخ عيسى ولا قريبا منه. قال: وحدثني عَبْد الرَّحْمَن بن إِسْمَاعِيل قال: كان الشّيخ عيسى يكون فطره على خبزٍ يابس، وما عاب طعامًا، وما لبس طول عُمره سوى ثوبٍ وعباءةٍ وقَلَنسُوةٍ ما زاد عليها، وورد إلى زيارته الباذرائي فخرج إليه وصافحه، ودخل وأغلق الباب، فنادى فلم يردّ عليه، فقال: ما رَأَيْت شيخًا مثل هذا، أو قال: هذا هُوَ الشَّيْخ.
وأخبرني الشَّيْخ إسرائيل بن إِبْرَاهِيم قال: كنت أخدم الشيخ عَبْد الله بن عَبْد العزيز فِي يُونين، وكان المشايخ والفقراء يزورونه من كل مكان، والشيخ عيسى ما يجيء إليه أحد، فخطر ببالي هذا، فبينا أَنَا عند الشَّيْخ عَبْد الله وما عندنا أحد وقد خطر لي هذا إذ أخذ بأُذُني وقال: يا إسرائيل تأدَّب، الشَّيْخ عيسى قد حصل له الحق أيش يعمل بي أَنَا؟! قال: فبادرت وطلعتُ إلى الشَّيْخ [ص:763]
عيسى، فلمّا رآني دق بإصبعه على أنفي، وكان إذا مزح مع أحدٍ دق بإصبعه على أنفه، أو ما هذا معناه.
وأخبرني محمد ابن الشَّيْخ عثمان بدَيْر ناعس، قال: خرجت صُحبةَ والدي إلى زيارة الفقيه إلى بَعْلَبَكّ، وكان يومئذٍ بيُونين، فأتيناها وسلمنا عليه، وجلس والدي، فقال له الشَّيْخ الفقيه: ما تزور الشَّيْخ عيسى وعليَّ الضمان. فقام والدي وأنا معه. فلما رآه الشَّيْخ عيسى وقف ووقف والدي من بعد الظُّهر إلى قريب العصر، ثم خطا الشَّيْخ عيسى وجاء إلى والدي فتعانقا وجلساً. قال: فلما رجع والدي إلى عند الشَّيْخ الفقيه قال له: ما أوفيتَ بالضَّمان، قال: فسأل الفقراء والدي عن هذا فقال: كان لي ثلاثةٌ وعشرون سنة حَرْدانٌ على الشَّيْخ عيسى لكوْنه إذا جاء إليه صاحب حالٍ يسلبه حالَه، فلما رَأَيْته وقف طويلًا ورجع عمّا كان عليه.
قال: وأخبرني الفقيه عَبْد الولي بن عَبْد الرَّحْمَن الخطيب قال: لما دخل الخُوارزميّة جاء والٍ لهم إلى يونين، وطلب من الفلاحين شيئًا ما لهم به قوة، فشكا الفلاحون إلى الشَّيْخ عيسى. فاتفق أن الوالي طلع إلى عند الشَّيْخ فقال له: ارفِقْ فهؤلاء فقُراء. فقال: ما إلى هذا سبيل، قال: وبقى الشَّيْخ يردد عليه ويقول: ما إلى هذا سبيل، فنظر إليه وأطال النظر، وإذا به قد خبط الأرض وأزْبَدَ، فلمّا أفاق انكبّ على رجلي الشَّيْخ واعتذر ونزل، فقال للخُوارزميّة: من أراد أن يموت يطلع إلى القرية. أو ما هذا معناه.
قال: وأخبرني الشَّيْخ إسرائيل بن إبراهيم، قال: حدثنا الشَّيْخ عيسى اليُونينيّ، قال: طلعتُ صُحْبة عمي الشَّيْخ عَبْد الخالق اليُونينيّ- قلت: وقد تُوُفي عبد الخالق سنة سبْع عشرة وستمائة- إلى جبل لُبنان، وكان ثمَّ بِرْكة كبيرة، فجلسنا عندها وبقربها حَشيش له قرمية حُلْوة، فقال لي عمي: اجلس ههنا، وإذا جُعْت كلْ من هذه الحشيش. قال: فإذا بأسدٍ كبير قد استقبله، فخفتُ عليه وبقيتُ أقول: يا عمي يا عمي، وكان هُناك قَرمية شجرةٍ فصعِد عليها عمي وركب الأسد ثم سار به حتى غاب عني، فبقيتُ هناك يومين، فلما [ص:764]
كان اليوم الثالث إذا بعمي قد أقبل راكبًا الأسد، فنزل على تلك القرمية ومضى الأسد.
وقال الشَّيْخ قُطبُ الدين مُوسَى: مرض الشَّيْخ عيسى فِي أواخر شوال، وبقي أيامًا وأهل بعْلبَكّ يترددون إلى زيارته ويغتنمون بَرَكته، ولما وصل خبرُ موته إلى بعْلبكّ لم يبق فِي البلد إلا القليل خرجوا ليشهدوه، فكانوا منتشرين من البلد إلى يُونين، والمسافة فوق فرسخين. وحصل لوالدي من الحُزْن والوجوم لموته ما لا رَأَيْته حصل له بموت غيره، ودُفِن إلى جانب عمّه الشيخ عَبْد الخالق.
وتُوُفي فِي رابع ذي القعدة ودُفِن بزاويته.(14/760)
166 - عيسى بن طاهر بن نصر الله بن جهبل، أَبُو القاسم الحلبيّ، العدل، الحاسب. [المتوفى: 654 هـ]
حدث عن: القاسم ابن عساكر، وكان بارعاً في فن الحساب والفرائض.
روى عنه: الدّمياطيّ، وغيره، وتوفّي في غُرّة رمضان.(14/764)
167 - عيسى بن مُوسَى بن أَبِي بَكْر أَبُو الرَّوْح الصقليّ، ثُمّ الدمشقيّ، المقرئ الحنفي. [المتوفى: 654 هـ]
حدث عن: الكِنْديّ، ومات فِي تاسع ذي القعدة.(14/764)
168 - قلاون، أَبُو سَعِيد التُّركيّ، المُعظَّميّ. [المتوفى: 654 هـ]
حدث عن: حنبل، ومات في شوّال.(14/764)
169 - كافور الحبشيّ الطُّواشيّ، [المتوفى: 654 هـ]
مولى الملك الأمجد ابن الملك العزيز عثمان ابن صلاح الدين.
روى عن: حنبل، وابن طَبَرْزد، وهو من شيوخ الدّمياطيّ.(14/764)
170 - مُحَمَّد بن أَبِي المكارم أَحْمَد بن عَبْد الواحد بن عَبْد السلام الأُمَويّ، الإسكندراني، المؤدب، المعروف بابن النَّحويّ. [المتوفى: 654 هـ][ص:765]
روى عن: عبد الرحمن بن موقى، وعنه: الدمياطي، وغيره.(14/764)
171 - مُحَمَّد بن الْحَسَن بن عَبْد السلام بن عتيق بن مُحَمَّد، العدل، شَرَفُ الدين، أَبُو بَكْر التميمي، السَّفاقُسيّ ثم الإسكندراني، المالكي، المعروف بابن المَقْدسيّة [المتوفى: 654 هـ]
لأنه ابن أخت الحافظ أَبِي الْحَسَن بن المفضَّل المقدسي.
وُلد في المحرَّم سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. وحضر عند أَبِي طاهر السِّلفيّ سماع " المسلسَل بالأولية "، ولم يظهر له عَنْهُ سواه. وحضوره له وهو فِي أوائل السنة الثالثة. وأجاز له: هُوَ، وبدر الخُداداذيّ، وظافر بن عطية النحاس، وأبو الطاهر إِسْمَاعِيل بن عوْف الفقيه، وأبو طَالِب أَحْمَد بن المسلِّم التنوخي. وسمع من: أَبِي الفضل أَحْمَد بن عَبْد الرَّحْمَن الحضْرميّ فِي سنة أربع وثمانين. وسمع بمصر من: البُوصيريّ؛ وبمكة من: القاسم ابن عساكر، وخرج له منصور بن سَليم الحافظ " مشيخة ".
روى عَنْهُ: عَبْد الرحيم بن عثمان بن عَوْف، والشرف مُحَمَّد والوجيه عَبْد الوهاب ابنا عَبْد الرَّحْمَن الشُّقَيْريُّ، والفخر مُحَمَّد والجلال يحيى ابنا مُحَمَّد بن الحُسَيْن بن عَبْد السلام السَّفَاقُسيّ، والحافظ الدمياطي، وآخرون.
وقد ناب فِي القضاء بالإسكندرية مدة. قاله الشريف عز الدين، وقال غيره: لا نعرف ذلك.
تُوُفيّ فِي ثالث جُمَادَى الْأولى؛ وَهُوَ آخر من روى حضورًا عن السِّلَفِيّ.(14/765)
172 - مُحَمَّد بن الفضل بن عَقِيل بْن عُثمان بْن عَبْد القاهر بْن الربيع بن سُلَيْمَان بن حمزة، أَبُو طَالِب الهاشميّ، الْعَبَّاسيّ الصّالحيّ، [المتوفى: 654 هـ]
من وُلِدَ الأمير صالح بن علي.
حدث عن: الخُشُوعيّ، وأبي جَعْفَر القُرْطُبيّ، وعبد الخالق بن فيروز، وغيرهم. روى عنه: الدّمياطيّ، والشّمس الكنْجيّ، والعماد ابن البالِسِيّ، وغيرهم. وكان من شُهُود تحت السّاعات. حج غير مرة، ومات فِي سادس عشر [ص:766]
جمادى الآخرة.(14/765)
173 - مُحَمَّد بن يونُس بن بَدْران بن فَيْروز بن صاعد بن غالي، القاضي أَبُو حامد ابن قاضي القُضاة جمال الدين أَبِي الفضائل القُرَشيّ الشيبيّ الْمَصْرِيّ، ثم الدمشقي الشافعي. [المتوفى: 654 هـ]
وُلِد سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وسمع حضوراً من الخُشُوعيّ. وسمع من: حنبل، والكِنْديّ، وتفقه ودرس، وحكم بدمشق نيابة عن أَبِيهِ الجمال الْمَصْرِيّ، ودرس بالشّامية.
روى عَنْهُ: الدمياطي، وغيره، وتُوُفيّ فِي نصف رجب.(14/766)
174 - المبارك بن أَبِي بَكْر بن حَمْدان بن أَحْمَد بن علوان، واسم أَبِي بَكْر أَحْمَد، المؤرخ الأديب كمال الدين أَبُو البَرَكات ابن الشعار المَوْصِليّ، [المتوفى: 654 هـ]
مصنِّف كتاب " عقود الجُمَان فِي شِعراء هذا الزمان ".
سمع من: يعقوب بن صابر المَنْجَنِيقيّ؛ ومن غيره، وهو من شيوخ الدّمياطيّ. وتاريخه موجود بالسَّمَيْساطيّة.
تُوُفيّ في سابع جمادى الآخرة بحلب، وله إحدى وستون سنة.(14/766)
175 - ياقوت الطُّوَاشيّ، افتخارُ الدين الحَبَشيّ، العِزيّ المسعوديّ، أَبُو الدُّرّ الخادم. [المتوفى: 654 هـ]
سمع الكثير بالشّام، والحجاز، ومصر، واجتهد وحصّل الأموال والكُتُب ووقفها. وسمع من: القاضي بهاء الدين يوسف بن شداد، وأبي الحسن ابن الرّمّاح، وجماعة. وتُوُفيّ بالمدينة النبوية.(14/766)
176 - يعقوب، الأمير مُجِيرُ الدّين ابن السُّلطان الملك العادل أَبِي بَكْر بن أيوب الأيُّوبيّ، ويلقَّب بالملك المُعِزّ. وهو بمُجِير الدين أشْهَر. [المتوفى: 654 هـ][ص:767]
سمع من: عُمَر بن أَبي السعادات بن صرْما. وأجاز له: أَبُو رَوْح عبدِ المُعِزّ الهَرَوِيّ والمؤيَّد الطُّوسيّ، روى عَنْهُ: الدمياطي وقال: خرّجت له مشيخةً لأنّه طلب ذلك منّي، وتُوُفيّ فِي ذي القعدة بدمشق.
قلت: صلى عليه نجمَ الدّين الباذرائي، ودُفِن عند والده بالتُّرْبة، وعمل السُّلطان عزاءه.(14/766)
177 - يوسف بن قُزُغْلي بن عَبْد الله، الإِمَام، الواعظ، المؤرخ، شمس الدين أَبُو المظفَّر التُّركيّ، ثمَّ البغدادي العوني، الحنفي. [المتوفى: 654 هـ]
سِبْط الإِمَام جمال الدين أَبِي الفَرَج ابن الجوزي؛
نزيل دمشق.
وُلِد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. وسمع من: جَدّه، وعبد المنعم بن كُلَيْب، وعبد الله بن أَبِي المجد الحربي. وبالمَوْصِل من: أَبِي طاهر أَحْمَد وعبد المحسن ابني الخطيب عَبْد الله بن أَحْمَد الطُّوسيّ. وبدمشق من: عمر بن طَبَرْزَد، وأبي اليُمْن الكِنْديّ، وأبي عُمَر بن قُدامة، وغيرهم.
روى عَنْهُ: العزّ عَبْد الحافظ الشُروطيّ، والزَّين عَبْد الرَّحْمَن بن عُبَيْد، والنَّجم مُوسَى الشقراوي، والعِز أَبُو بَكْر بن عبّاس ابن الشُّايب، والشّمس محمد ابن الزّرّاد، والعماد محمد ابن البالِسيّ، وجماعة.
وكان إمامًا، فقيهًا، واعظًا، وحيدًا فِي الوعظ، علامة فِي التاريخ والسِّير، وافِر الحُرمة، مُحببًا إلى الناس، حُلْو الوعظ، لطيف الشمائل، صاحب قبُول تام. قدِم دمشقَ وهو ابن نيّفٍ وعشرين سنة، فأقام بها ونَفَقَ على أهلها، وأقبل عليه أولاد الملك العادل. وصنف فِي الوعظ والتاريخ وغير ذلك. وكان والده من موالي الوزير عَون الدين يحيى بن هُبيْرة.
وقد روى عَنْهُ: الدمياطي، عن عَبْد الرَّحْمَن بن أَبِي حامد بن عصية، وقال: تُوُفي فِي الحادي والعشرين من ذي الحجّة.
قال أبو شامة: توفّي بمنزله بالجبل، وحضر جنازته خلقٌ؛ السُّلطان [ص:768]
فَمَنْ دونَه. وكنتُ مريضًا، قال: ودرس بالشّبْليّة مدة، وبالمدرسة البَدْريّة التي قِبالة الشبلية. وكان فاضلًا عالمًا، ظريفًا، منقطِعًا، مُنكراً على أرباب الدول ما هُم عليه من المنكرَات، متواضعًا. كان يركب الحمار وينزل إلى مدرسته العِزية. وكان مقتصدا في لباسه، مواظباً للتّصنيف والإشغال، منصفاً لأهل الفضل، مبايناً لأولي الجبريّة والجهل، يأتي إليه الملوك زائرين وقاصدين. وفي طول زمانه فِي جاهٍ عريضٍ عند الملوك والعامة. وكان مجلسه مُطرباً، وصوته طيبًا، رحمه الله.
قلت: وحدثونا أن ابن الصلاح رحمه الله، أراد أن يَعِظ، فقال له الملك الأشرف: لا تفعل، فإنك لا تقدر أن تكون مثل شمس الدين ابن الجَوزيّ، ودونه فما يُرضى لك. فترك الوعظ بعد أن كان قد تهيّأ له.
وقال عمر ابن الحاجب: كان بارعًا فِي الوعظ، كيِّس الإيراد، له صِيت فِي البلاد، وله يدٌ فِي الفقه واللّغة والعربيّة. وكان حُلو الشّمائل، كثير المحفوظ، فصيحًا، حسَن الصوت، يُنشئ الخُطب ويحب الصالحين والعزْلة، وفيه مروءة ودِين. وكان يجلس يوم السّبت ويبسط الناس لهم من بُكرة الجمعة حتى يحصل للشّخص موضع، ويحضره الأئمّة والأُمراء. ويقع كلامُه فِي القلوب، قرأ الأدب على أَبِي البقاء، والفقه على الحصيري، ولبس الخِرقة من عَبْد الوهاب ابن سُكينة، وحظِيَ عند الملك المعظَّم إلى غاية. وكان حنبليًا فانتقل حنفيِّا للدّنيا، ودرس وبرع وأفتى. وصنَّف " مناقب أبي حنيفة " في مجلّد، و" معادن الإبريز في التّفسير " تسعة وعشرين مجلّداً، و" شرح الجامع الكبير " فِي مجلدين.
قلت: ويُقال فِي أَبِيهِ زُغْلي بحذف القاف. وقد اختصر شيخنا قطب الدّين اليونينيّ تاريخه المسمّى " بمرآة الزّمان "، وذيَّل عليه إلى وقتنا هذا.(14/767)
178 - أَبُو الْحَسَن بن يوسف بن أَبِي الفوارس، القَيْمُريّ الأمير. [المتوفى: 654 هـ]
تقدَّم فِي حرف السين من السنة الماضية، وعرفناه بلَقَبه وهو الأمير الكبير سيف الدين الَّذِي وقفَ المارستان بالجبل والتُّربة التي هِيَ شمالية. [ص:769]
تُوُفي فِي شعبان من هذه السنة، كذا ذكره بعضُ المؤرخين، فالله أعلم.(14/768)
-وفيها وُلد:
الحافظ جمال الدّين أبو الحجّاج يوسف ابن الزّكي عبد الرحمن الكلبي المُزّي بحلب في ربيع الآخر؛ والعلامة أَبُو حيان مُحَمَّد بن يوسف الأندلسي النَّحوي، فِي شوال؛ والفقيه الصالح أَبُو الْحَسَن علي بن إِبْرَاهِيم الدمشقي ابن العطار فِي ذي القعدة؛ والقاضي عِز الدين عَبْد العزيز ابن القاضي مُحيي الدّين ابن الزَّكي القُرشي؛ والقاضي زين الدين عَبْد الله بن مُحَمَّد الأَنْصَارِيّ ابن قاضي الخليل الشافعي قاضي حلب؛ وأحمد بن يوسف الدمانيسي، ثم الدمشقي بدرب العجم؛ وعلي بن يحيى بن تمّام الحِمْيري في شعبان؛ ومحمد ابن شيخنا عزّ الدّين ابن الفرّاء بالجبل؛ وعلاء الدين علي بن عثمان بن حسان الخراط؛ والضياء عَبْد الله بن عُمر الطُّوسي؛ والشرَف أَبُو القاسم بن عَبْد السلام المصلّي؛ والشّيخ حُسام الدين سليمان بن حسن بن موسى ابن الشَّيْخ غانم بالقُدس؛ وبدر الدين مُحَمَّد بن محمد ابن القواس الشاهد؛ وأبو بَكْر ابن شيخنا العز أَحْمَد بن عَبْد الحميد؛ وثابت بن أَحْمَد ابن الرشيد العطار، القُرشي، يروي عن جَدّه؛ وعلاء الدّين علي بن إبراهيم بن قرناص بحماة؛ وفاطمة، وحبيبة، وست العرب: بنات الشَّيْخ العزّ بالجبل؛ وفخر الدّين أحمد ابن عزّ الدّين محمد بن محمد ابن النّطّاع الأنصاري المصري، يروي عن النجيب؛ والشيخ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر بْن أَبِي طَالِب بن عبدان الدمشقي الَّذِي كان إمام الرّبْوة؛ ويعقوب بن إِسْحَاق العاملي الكفتي؛ وعبد الرَّحيم بن عَبْد العزيز بن إِبْرَاهِيم ابن الرُّقُوقي الصالحي؛ فِي رجب.(14/769)
-سنة خمس وخمسين وستمائة.(14/770)
179 - أَحْمَد بن عَبْد الله بن مُوسَى بن نصر بن مقْدام، أبو العباس المقُدسي، ثم الصالحي، العطار، الحنبلي. [المتوفى: 655 هـ]
روى عن: حنبل، وابن طبرْزد. وعنه: الدّمياطي، والنَّجم إسماعيل ابن الخبّاز، ومحمد ابن الزراد، وغيرهم.
تُوفّي فِي تاسع عشر المحرَّم.(14/770)
180 - أَحْمَد بن علي بن زيد بن معروف، أَبُو الْعَبَّاس الكِناني، العسقلاني، [المتوفى: 655 هـ]
أخو فِراس.
سمع من: الخُشُوعي. روى عَنْهُ: الدمياطي، وغيره.
تُوُفي في السّابع والعشرين من شوال بدمشق.(14/770)
181 - أَحْمَد بن قَرَاطاي، الأميرُ رُكن الدين، أَبُو شجاع التُّركي، الإربلي، [المتوفى: 655 هـ]
مولى السّلطان مظفَّر الدّين، صاحب إربل.
وُلد سنة ثمانٍ وتسعين وخمسمائة. وحدث عن: مسمار ابن العُويْس. وله شعْر جيد. روى عَنْهُ: الدمياطي، وغيره. وقدم دمشقَ فِي الرّسليَّة من الديوان العزيز.
توفّي في ثامن عشر جُمادى الآخرة ببغداد. وكان أَبُوهُ من أمراء إربل ثم غضب عليه أستاذه مظفَّر الدين وسجنه حتى مات. فلما تُوُفي مظفَّر الدين قدِم رُكن الدين أَحْمَد وإخوته إلى حلب، وخدم عند الملك العزيز، وتقدم هُوَ وأخوه مُحَمَّد عنده، فلما تُوُفي العزيز سار رُكن الدين إلى بغداد وخدم بها، وزادت حُرمته، ومات فجاءة، عفا الله عنه.(14/770)
182 - أحمد بن مُحَمَّد بن المؤيِّد بن علي بن إِسْمَاعِيل بن أَبِي طَالِب، أَبُو الْعَبَّاس الهَمَذاني، أخو القاضي المحدث رفيع الدين إِسْحَاق. الأبرْقُوهي، ثمّ المصري. [المتوفى: 655 هـ][ص:771]
ولد سنة ثمانٍ وسبعين وخمسمائة. وسمع من: عَبْد الخالق بن فيروز، وفاطمة بِنْت سعد الخير، وغيرهما. وهو من بيت الحديث والرواية. روى عَنْهُ: الدمياطي، وبنت أخيه زاهدة الأبرْقُوهيّة، والمصريون. وكتب عَنْهُ الزَّيْن الأبِيوَردي. ومات فِي السابع والعشرين من ذي القعدة.(14/770)
183 - أحمد ابن السديد مكي بن المسلَّم بن مكي بن خَلَف، الأجل، أَبُو المظفر بن علان القيْسي، الدمشقي. [المتوفى: 655 هـ]
روى عن: حنبل، وغيره. ومات فِي المحرَّم، وقد جاوز السّتّين. وهو من شيوخ الدمياطي، والكنْجي.(14/771)
184 - أَحْمَد بن يوسف بن زْيري بن عَبْد الله، أَبُو الْعَبَّاس التّلْمساني المقرئ. [المتوفى: 655 هـ]
قدِم دمشقَ شابًا، وسمع من: الخُشُوعي، وغيره. روى عَنْهُ: الدمياطيّ، والفخر إِسْمَاعِيل ابن عساكر، والمفتي علاء الدين علي بن مُحَمَّد الباجيّ، وكمال الدّين أحمد ابن العطّار، والبدر أحمد ابن الصواف، والعماد ابن البالِسي. وتُوُفي فِي سادس عشر جُمادى الآخرة، وله بضعٌ وثمانون سنة.
قال أَبُو شامة: كان مقيمًا بالمنارة الشرقية بجامع دمشق. وكان شيخًا معمَّراً، مُنقطعاً عن الناس، مُحباً للعُزْلة. روى " الأحكام الصُّغرى " التي لعبد الحق، عن البُرهان بن علوش المالكي نزيل دمشق، عن المصنف.(14/771)
185 - إِبْرَاهِيم بن أَبِي الطاهر عَبْد المنعم بن إِبْرَاهِيم بن عَبْد الله بن علي الأَنْصَارِيّ، الخَزَرجي الْمَصْرِيّ التاجر، المعروف بابن الدجاجي، الشارعي. [المتوفى: 655 هـ]
وُلِد سنة نيفٍ وثمانين وخمسمائة. وسمع من: عَبْد الخالق بن فيروز، وإسماعيل بن ياسين، والأرتاحي، والعماد الكاتب. وهو من بيت الرواية كتب عَنْهُ: الدمياطي، وجماعة. وسمعنا بإجازته من أبي المعالي ابن البالِسي. [ص:772]
تُوُفي فِي تاسع عشر ربيع الآخر.(14/771)
186 - إِسْمَاعِيل بن أَبِي البركات هبة الله بن أَبِي الرضا سَعِيد بن هبة الله بن مُحَمَّد، الإمام عمادُ الدّين، أبو المجد ابن باطيش المَوْصلي، الفقيه الشافعي. [المتوفى: 655 هـ]
وُلِدَ سَنةَ خمسٍ وسبعين وخمسمائة. وسمع ببغداد من: جمال الدين ابن الجوْزي، وأبي أَحْمَد ابن سُكينة، وأبي شجاع ابن المقرون، وأبي حامد عَبْد الله بن جوالق، وعبد الواحد بن سلطان، ويحيى بن الْحَسَن الأواني، وجماعة. وبحلب من: حنبل، وبدمشق من: الكِنْدي، وابن الحَرَسْتَاني، ومحمد بن وهْب بن الزنف، والخضِر بن كامل. وبحران من: عَبْد القادر الحافظ. ودرس وأفتى وصنف. وكان من أعيان الأئمة، وله معرفة بالحديث، ومجاميع فِي أسماء الرجال، وغير ذلك. وله كتاب " طبقات أصحاب الشافعي "، وكتاب " مشتبه النِّسبة "، وكتاب " المغني فِي شرح غريب المهذب ولُغته وأسماء رجالة ". وكان عارفًا بالأصُول، حَسَن المشاركة فِي العلوم.
روى عنه: الدّمياطي، والبدر ابن التوزي، والتاج صالح الحاكم، وابن الظاهري، وطائفة سواهم. وكان واصلًا عند الأمير شمس الدين لؤلؤ نائب المملكة، وبينهما صُحبة من الموصل، ودرس بالنُّوريّة بحلب وبغيرها، وتخرج به جماعة. وقد انتقى لنفسه جزءًا عن شيوخه. ودخل حلب أوّلاً في سنة اثنتين وستمائة، ثمّ قدمها سنة عشرين، وبها توفّي في الرابع عشر من جمادى الآخرة، وقد جاوز الثمانين.(14/772)
187 - إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن عامر، الشَّيْخ أَبُو إِبْرَاهِيم الغَرْناطي الطَّوْسي، بفتح الطاء. [المتوفى: 655 هـ]
قرأ بمَرّاكُش وتأدب. أخذ بها القراءات عن علي بن هشام الجذامي، وسمع من: خال أمه أَبِي عَبْد الله بن زرقون بعض " مسلم " ومن أَبِي مُحَمَّد بن عُبيد الله، قال: وأجاز لي شيخُ والدي أَبُو عبد الله بن خليل القيْسي سنة سبعين، ولي ستُّ سنين، وكان قد تفرد عن أَبِي علي الغساني، وكان الطوْسي أديباً، [ص:773]
شاعراً، عالماً، زَمِن. وكان يتلو كلّ يوم ختمتين. وهو آخر من حدث عن: ابن خليل.
عاشِ تسعين سنة، أرخه ابن الزُّبير، وقال: روى عَنْهُ جماعة من جِلة أصحابنا، واختلفتُ إليه كثيرًا.(14/772)
188 - إقبال الحَبَشي ثم الْمَصْرِيّ، [المتوفى: 655 هـ]
عتيق أَبِي الجُود ندي الحنفي.
سمع من: العماد الكاتب والأرْتاحي، روى عَنْهُ: الدمياطي، والمصريون، وتُوُفي فِي ثالث المحرَّم.(14/773)
189 - أيْبك بن عَبْد الله التُّركُماني، السُّلطان الملك المُعزّ عز الدين، [المتوفى: 655 هـ]
صاحب مصر.
كان أكبر مماليك الملك الصالح نجم الدين، خدمه ببلاد الشرق، وكان جهاشَنْكيره، فلما قُتل الملك المعظَّم ابن الصالح اتفقوا على أيْبك التُّرْكُماني هذا، ثم سلْطنُوه. ولم يكن من كبار الأمراء، لكنه كان معروفًا بالعقْل والسداد والدين وترْك المُسْكر، وفيه كرمٌ وسُكون. فسلطنوه فِي أواخر ربيع الآخر سنة ثمانِ وأربعين، فقام الفارس أقْطايا وسيفُ الدين الرِّشيدي ورُكن الدين البُنْدُقْداري وجماعة من الأمراء فِي سلطنة واحدٍ من بيت المملكة، وأنِفوا من سلطنة غلام، فأقاموا الأشرف يوسف ابن ُ النّاصر يوسف ابن المسعود أقسيس صاحب اليمن ابن السُّلطان الملك الكامل، وكان صبيًا له عشْر سِنين، وجعلوا أيْبك التُّركماني أتابكه، وأخروه عن السلطنة، وذلك بعد خمسة أيام من سلطنته. ثم كان التوقيع يخرج وصورته: " رسم بالأمر العالي السّلطاني الأشرفي والملكي المُعُزّي "، واستمر الحال والمُعزّ هُوَ الكُلّ، والصبي صورة. وجَرَت أمورٌ ذكرنا منها فِي الحوادث.
وكان طائفة من الجيش الْمَصْرِيّ كاتبوا بعد هذا بمدة الملكَ المغيث الَّذِي بالكَرَك وخطبوا له بالصّالحية، فأمر الملك المُعزّ بالنداء بالقاهرة أن الديار المصرية لأمير المؤمنين، وأن الملك المُعزّ نائبُه. ثم جُدِّدت الأيْمان للملك الأشرف بالسلطنة، وللمُعزّ بالأتابكية. [ص:774]
وقد جرى للمُعزّ مصافٌّ مع النّاصر صاحب الشّام، وانكسر المُعزّ، ودخلت الناصرية مصر وخطبوا لأستاذهم، ثم انتصر المُعزّ وانهزم الناصر إلى الشام. ووقع بعد ذلك الصُّلح بين الملكين.
وكان على كتف المُعزّ خُشداشه الفارس أقطايا الجَمْدار، فعظُم شأنه، والتفّت عليه البحريّة. وكان يركب بالشّاويش وتطلع إلى السلطنة، ولقبوه سرا بالملك الجواد، فقتله المُعزّ، وتمكن من السلطنة. وتزوج في سنة ثلاث وخمسين بشجر الدُّر أم خليل صاحبة السُّلطان الملك الصالح.
وكان كريمًا جوادًا، كثير العطاء، حسن المُداراة، لا يرى الجور ولا العسف، بنى بمصر مدرسة كبيرة.
واتفق أنه خطب بنتَ السُّلطان بدر الدين صاحب الموصل وراسله، فغارت شجرُ الدُّرّ وعزمت على الفتْك به وإقامة غيره، قال الشَّيْخ قطْب الدين: فطلبت صفي الدين ابنَ مرزوق، وكان بمصر، فاستشارته ووعدته بالوزارة، فأنكر عليها ونهاها عَنْهُ، فلم تُصْغ إلى قوله، وطلبت مملوكًا للطُّواشي مُحسن الصّالحي وعرّفته أمرها ووعدته ومنَّته إنْ قَتَل المُعزّ، ثم استدعتْ جماعة من الخُدَّام واتفقت معهم، فلما كان يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من ربيع الأول لعب المُعزّ أيْبك بالكُرة، وصعِد إلى القلعة آخر النّهار، وأتى الحمّام ليقلب ماءً، فلما قلع ثيابه وثب عليه سنْجر الجوجري والخُدّام فرموْه وخنقوه. وطلبت شجرُ الدر ابنَ مرزوق على لسان الملك المُعزّ فركب حماره وبادر ودخل القلعة من باب السر، فرآها جالسة والمُعزّ بين يديها ميتًا، فأخبرته بالأمر فعُظم عليه جدًا، واستشارته فقال: ما أعرف ما أقول، وقد وقعتِ فِي أمر عظيم ما لكِ منه مخلص، ثم طلبتْ الأمير جمالَ الدين أيْدُغْدي، العزيزي، وعز الدين أيْبك الحلبي الكبير، وعرضتْ عليهما السلطنة؛ فلما ارتفع النهار شاع الخبر واضطرب الناس ثم اتفقوا على سلطنة الملك المنصور علي ابن الملك المُعزّ وعُمرُه يومئذٍ خمس عشرة سنة، وجعلوا أتابكه الأمير عَلَم الدين سنْجر الحلبي المُشدّ. وأُخرجت هِيَ من دار السلطنة بعد أن امتنعت بها أيامًا. وجُعلت فِي البرج الأحمر، وقبضوا على الجواري والخدّام وسنْجر الجوجري، [ص:775]
ثم صُلِب هُوَ وأستاذه وجماعة من الخدام، وفي ثاني ربيع الآخر ركب الملك المنصور بأبهة السلطنة.
وقال غيره: غارت شجرُ الدر ورتبت للمُعزّ سنْجر الجوجري مملوك الفارس أقطايا، فدخل عليه الحمام لَكَمَه فرماه، ولزِم الخدام بمعاريه، وبقيت هي تضربه بالقُبقاب وهو يستغيث ويضرع إليها إلى أن مات، رحمه الله.
مات في عشْر السّتّين، وخُنقت هي بعدُ.(14/773)
190 - أْيبك، الأمير الكبير عز الدين الحلبي. [المتوفى: 655 هـ]
كان من أعيان أمراء الدولة الصالحية، وفي مماليكه عدّة أمراء. وقد عيِّن للسّلطنة عند قتل المُعِزّ التُّركماني، واتفق أنه فِي عاشر ربيع الآخر تقَنْطر به فرسُه بظاهر القاهرة، فمات من ذلك. ويومئذٍ قبضوا على نائب السلطنة الجديد، وهو علمُ الدين سنْجر الحلبي الصّغير وسجنوه، واضّطربت القاهرة، وهرب جماعة من الأمراء والجُند إلى الشّام.
قال ابن واصل: فِي عاشر ربيع الآخر قبض مماليك المُعزّ وهم: قُطُز، وسنْجر الغُتْمي، وبهادر على أتابك الجيش الَّذِي نُصِّب بعد قتل المُعزّ الأمير عَلَم الدين سنْجر الحلبي الصغير، لأنهم تخيلوا منه طمعًا فِي المُلك، وأنزلوه إلى الجُبّ، فوقع فِي البلد اضطرابٌ شديد، وهرب أكثرُ الصالحية إلى جهة الشّام، وتقنطر بالأمير عز الدين الحلبي الكبير فَرَسه، وكذلك الأمير رُكن الدين خاص تُرك الصغير. فهلكا خارج القاهرة. وتبع العسكرُ المنهزمين فقبضوا على أكثرهم، وقُبض على الوزير الفائزي، وفُوضت الوزارة إلى قاضي قُضاة القاهرة بدر الدين السِّنْجاري. وأخُذت جميع أموال الفائزي ثم خُنق.(14/775)
191 - بغدي، الأمير الكبير، بهاء الدين الأشرفي، ثم الصالحي، الْمَصْرِيّ، مُقدَّم الحلقة المنصورة. [المتوفى: 655 هـ]
وقعت خبطةٌ فِي القاهرة فاجتمع أكثر الأمراء فِي دار بغدي الأشرفي بين القصرين بسبب تغير خاطر السّلطان الملك المنصور ابن المُعزّ على سيف [ص:776]
الدين قُطُز، ثم رضي عليه المنصور وخلع عليه، وسكنت الفتنة، فلما كان فِي رابع رمضان ركب مقدَّم العسكر بغدي الأشرفي والأمير بدر الدين بلغان الأشرفي فِي جماعة من العسكر، وأتوا قلعة مصر لحرب من بها من المُعزّيّة. فتفلل جمعُهما وأسلمهما جنْدهما، وقُبِض عليهما بعد أن جرح بغدي. ووثبت المعزية على الأمراء الأشرفية كأيْبك الأسمر وأرز الرُّومي، والسابق الصَّيْرَمي فمسكوهم ونُهبت حواصلهم.(14/775)
192 - بهية، ستُّ البهاء بنت أبي الفتح بن إِبْرَاهِيم بن بدر العطار. [المتوفى: 655 هـ]
سمعتْ من: الكنْدي. وحدّثت، وماتت في ربيع الآخر.(14/776)
193 - خاص تُرْك، رُكن الدين الصالحي. [المتوفى: 655 هـ]
من كبار الأمراء، تقنطر به فرسُه هُوَ وعز الدين الحلبي المذكور، يوم القبض على عَلَم الدين الحلبي، فمات أيضاً.(14/776)
194 - خُسْرو، شمس الشموس المُلك رُكن الدّين ابن علاء الدين مُحَمَّد بن الحَسَن بن الصباح الباطني، النِّزاري، [المتوفى: 655 هـ]
صاحب قلعة الألْموت، ورئيس الإسماعيلية ببلاد العجم، وصاحب الدّعوة الملعونة النزارية.
دامت الرّياسة فِيهِ وفي أَبِيهِ وجده دهرًا طويلًا، وكان سٍنانُ كبير الإسماعيلية بالشّام فِي دولة السُّلطان صلاح الدين من دُعاة الْحَسَن بن الصباح. ودينهُم كُفْر وزندقةٌ، والسلام.
قدِم هولاكو ونازَل قلعة الألْموت مدة فِي سنة خمس وخمسين إلى أن أخذها وظفَّر برُكْن الدين هذا فقتله، وقتل معه طائفة من الملاحدة.(14/776)
195 - خليل بن أَحْمَد بن خليل بن بادار بن عُمَر، أَبُو الصَّفا التَبْريزي، الصوفي. [المتوفى: 655 هـ]
قدِم دمشقَ شابًا، وسمع بها من عُمَر بن طبرْزَد، وغيره. روى عَنْهُ: الدمياطي وجماعة. وتُوُفي فِي شوال، وقد أسن وجاوز التسعين.(14/776)
196 - شجرُ الدُّرّ، جارية السُّلطان الملك الصالح، وأم ولده خليل. [المتوفى: 655 هـ]
كانت بارعة الجمال، ذات رأي ودهاء وعقل. ونالت من السعادة ما لم ينلها أحدٌ من نساء زمانها، وكان الملك الصّالح يحبّها ويعتمد عليها، ولما توفّي على دِمياط أخفت موته، وكانت تعلم بخطها مثل علامته وتقول: السُّلطان ما هُوَ طيّبٌ. وتمنعهم من الدخول إليه، وكانت الأمراء والخاصكية يحترمونها ويُطيعونها، وملكوها عليهم أيامًا. وتسلطنت وخُطب لها على المنابر إثر قتْل السُّلطان الملك المعظَّم ابن الصّالح. ثم إنها عزلت نفسها، وأقيم في السلطنة الملك الأشرف ومعه المعز أيبك، ثم تزوج بها المُعزّ، واستولت عليه، وأشارت عليه بقتل الفارس أقطايا فقتله. ثم غارت منه لما خطب بِنْت لؤلؤ صاحب الموْصل فقتلتْهُ فِي الحمام، وقتلت وزيرها القاضي الأسعد.
قال شيخنا قُطْبُ الدين: كان الصالح يحبها كثيرًا، وكانت فِي صُحبته لما اعتُقل بالكَرَك، وولدت له هناك الأمير خليلا، ومات صبيّاً. ولمّا قُتل المعظَّم ملّكت الديار المصرية وخُطب لها على المنابر. وكانت تعلّم على المناشير وتكتب: " والدة خليل ". وبقيت على ذلك ثلاثة أشهر، ثمَّ استقرت السلطنة للأشرف. ثم تزوجها المُعزّ، فكانت مستولية عليه ليس له معها كلام، وكانت تُركية، ذات شهامة وقوة نفس، وقيل: إن المُعزّ مل من احتجارها عليه واستطالِتها، ورُبّما عزم على إهلاكها، فقتلته. فأخذها مماليكه بعد أن أمنوها فاعتقلوها فِي برج، والملك المنصور ابن المُعزّ التركماني وأمه يحرضان على قتلها. فلما كانت بُكْرة يوم السبت حادي عشر ربيع الآخر ألقِيَت تحت قلعة مصر مقتولة مسلوبةً، ثمّ حُملت إلى تُربة بَنَتْها لها بقرب تُربة السيدة نفيسة. وكان الصاحب بهاء الدين ابن حِنّا قد وَزَرَ لها. ولما قتلت المُعزّ وتيقنت أنها مقتولة أودعت جملةً من المال فذهب، وأعدمت جواهر نفيسة كسرتها فِي الهاون. [ص:778]
قال ابن واصل: كانت حَسَنة السيرة، لكن الغيْرة حمَلَتها على ما فعلت.
قال ابن أنْجب: نُقش اسمُها على الدينار والدرهم. وكان الخُطباء يقولون بعد الدعاء للخليفة: " واحفَظِ اللهم الجِهةَ الصالحة، ملكة المسلمين، عصْمة الدنيا والدين، أم خليل المستعصمية، صاحبة السُّلطان الملك الصالح ".(14/777)
197 - عَبْد الله بن أَبِي القاسم عُمَر بن عبد الرحيم بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الحَسَن بْن عَبْد الرحمن بن طاهر بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن عليّ الكرابيسي، أَبُو حامد ابن العجمي، الحلبي. [المتوفى: 655 هـ]
تُوُفي بين دمشق وحلب، وهو راجع من دمشق فِي سلْخ ذي القعدة، وله إحدى وخمسون سنة، سمع من: أَبِيهِ، والافتخار الهاشمي، وجماعة.(14/778)
198 - عَبْد الله بن عَبْد الحميد بن مُحَمَّد بن أَبِي بَكْر بن ماضي، أَبُو مُحَمَّد المقدِسي الحنبلي، المؤدب. [المتوفى: 655 هـ]
سمع من: حنبل، وابن طبرْزد، والكِندي. وتُوُفي فِي النصف من رمضان وله ثمانٍ وخمسون سنة. روى عَنْهُ: الدمياطي، وابن الخباز، وجماعة.(14/778)
199 - عَبْد الله بن أَبِي الوفاء مُحَمَّد بْن الحَسَن بْن عَبْد اللَّه بْن عثمان، الإمام نجم الدّين أبو محمد الباذرائي البغدادي، الشافعي الفَرَضي. [المتوفى: 655 هـ]
وُلِد سنة أربع وتسعين وخمسمائة. وسمع من: عَبْد العزيز بن منِينا، وأبي منصور سَعِيد بن مُحَمَّد الرزاز، وسعيد بن هبة الله الصباغ، وجماعة. وتفقه وبرع فِي المذهب، ودرس بالمدرسة النظامية، وترسل عن الديوان العزيز غير مرة. وحدث بحلب، ودمشق، ومصر، وبغداد. وبنى بدمشق المدرسة الكبيرة المشهورة به. وكان صدرًا محتشمًا، جليل القدر، وافر الحُرمة.
قال شيخنا الدمياطي: أحسن إلى ولقيت منه أثرة وبرًا فِي السفَر والحَضَر [ص:779]
ببغداد، ودمشق، والموصل، ومصر، وحلب. وصَحبتُه تِسع سِنين، وقد وُلي قضاء القُضاة ببغداد خمسة عشر يوما.
قال أَبُو شامة: ويوم ثامن عشر ذي الحجة عُمل بدمشق عزاء الشَّيْخ نجم الدين الباذرائي بمدرسته، رأيته بدمشق.
قلت: وكان فقيهًا، عالِمًا، دينًا، مُتواضعاً، دمِثَ الأخلاق، منبسِطاً، وقد اشتهر أن الزَّين خَالِد بن يوسف الحافظ قال للباذرّائي: تذكر ونحن بالنظامية والفُقهاء يلقبونني " حولتا " ويلقِّبونك " الدَّعشوش ". فتبسم وحملها. وكان يركب بالطرحة، ويُسلّم على من يمرّ به. وعافاه الله من فتنة التّتار الكائنة على بغداد، وتوفاه فِي أول ذي القعدة.
وروى عَنْهُ أيضًا: رُكْن الدين أَحْمَد القزويني، وتاجُ الدين صالح الجعْبري، وبدر الدّين محمد ابن التوزي الحلبي، ومحمد بن مُحَمَّد الكنْجي، وجماعة. وقد ولي القضاء على كُرْهٍ ما وعاجلته المَنِية.(14/778)
200 - عَبْد الحق بْن أَبِي مَنْصُور بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن، أَبُو التُّقى المنْبجي التاجر. [المتوفى: 655 هـ]
حدث عن: المؤيد الطوسي، وزينب الشّعْريّة، وإسماعيل بن عثمان القارئ، روى عَنْهُ: الدمياطي، والبدر ابن التوزي، والكمال إِسْحَاق الأسدي.
وُلد سنة ثمانٍ وثمانين وخمسمائة، وتوفّي في ثامن ذي القعدة بمدينة منْبج.(14/779)
201 - عَبْد الحميد بن هِبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الحديد، عزُّ الدين، أَبُو حامد المدائني، المُعتزلي، الفقيه الشاعر، الأديب، [المتوفى: 655 هـ]
أخو الموفَّق.
وُلِد سنة ستّ وثمانين وخمسمائة، روى بالإجازة عن: عَبْد الله بن أَبِي [ص:780]
المجد الحربي، وهو معدود فِي أعيان الشعراء كأخيه. وله ديوان مشهور، وهو من شيوخ الدمياطي، وغيره.
بل الصواب موت الأخويْن فِي سنة ستٍّ وخمسين.(14/779)
202 - عَبْد الرَّحْمَن بن عثمان بن حبيب، أَبُو مُحَمَّد الزّرْزاري، قاضي عَزاز. [المتوفى: 655 هـ]
تُوُفي بعَزَاز فِي رجب، وحدث عن: الافتخار الهاشمي.(14/780)
203 - عَبْد الرَّحْمَن بن محمود، أَبُو مُحَمَّد العُكْبري، الحنبلي. [المتوفى: 655 هـ]
حدث عن: أَبِي القاسم ابن الحرَسْتاني، ومات فِي شعبان. ودُفن بجبل قاسيون.(14/780)
204 - عَبْد الرَّحْمَن بن أَبِي الفهم عَبْد المنعم بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد المنعم بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد، المحدث المعمر، تقي الدين، أَبُو مُحَمَّد اليلْداني، الدمشقي، الشافعي. [المتوفى: 655 هـ]
ولد بيلْدا في أوّل سنة ثمانٍ وستّين وخمسمائة، وطلب الحديث على كِبَر، ورحل فسمع من: ابن كليْب، وابن بوْش، والمبارك ابن المعطوش، وهبة الله ابن الحسن السبط، وغياث بن الحسن ابن البنّاء، وأعزّ بن علي الظّهيري، ودُلف بن قُوْفا، والحسن بن أُشنانَة، وعبد اللطيف بن أَبِي سعد، وبقاء بن جنَّد، وأبي علي ابن الخُريف، وعبد الله بن جوالق، وعبد الرَّحْمَن بن أَحْمَد العمري، وخلقٌ كثير، وسمع بالموْصل: أَبَا منصور مُسلّم بن علي السَّيْحي. [ص:781]
وبدمشق: أَبَا الحجاج يوسف بن معالي الكِناني، والخُشُوعي، والبهاء ابن عساكر، ونصر الله بن يوسف الحارثي، وعبد الخالق بن فيروز، وحنْبلا المكبر، وجماعة. وكتب الكثير بخطه. وكان ثقة، صالحًا، مفيدًا.
روى عَنْهُ: سبْطُه عَبْد الرَّحْمَن، وأبو عبد الله محمد ابن الزّرّاد، والبدر ابن التُّوزِي، والجمال علي ابن الشاطبي، والشَّرف مُحَمَّد ابن رُقيّة، وأبو عَبْد الله مُحَمَّد بن زباطر، ومحمد بن أَحْمَد القصّاص، وأبو المعالي ابن البالِسي، وأبو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن محمود العقْرباني، ويحيى بن مكي العقرباني، والفقيه عَبْد الله بن مُحَمَّد المراكُشي، وزينب بِنْت عَبْد الله ابن الرّضِي، وخلْق سواهم.
وتوفّي بيْلدْا، وكان خطيبًا بها، فِي ثامن ربيع الأول، وانقطع بموته شيءُ كثير.
قال أَبُو شامة: دُفن بقريته، وكان شيخًا صالحًا، مشتغلًا بالحديث سماعًا وإسماعًا ونسخًا إلى أن تُوُفي. أخبرني أنه كان مراهقًا حين طهر نور الدين محمود بن زنكي ولده. وأنه حضر الطُّهور، ولعب الأمراء بالميدان، وأنه أتى من القرية مع الصُبيان للفُرْجة.
قلت: هذا بخلاف ما تقدم، والذي تقدم هُوَ الَّذِي ذكره الشريف فِي " الوَفَيَات "، والدمياطي، وغيرهما. وكتب هُوَ بخطه فِي إجازةٍ كتب فيها سنة إحدى وأربعين: ومولدي فِي مُستهلّ المحرم سنة ثمانٍ وستين.
قلت: هذا أصح والوهْم من اليَلْداني، فإن الإِمَام شهابَ الدين ثقة مُتقن.
ثم قال شهابُ الدين: وأخبرني أَنَّهُ رَأَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النوم فقال له: يا رسول الله، ما أَنَا رجلٌ جيد؟ فقال: بلى، أنت رجلٌ جيد.(14/780)
205 - عَبْد الرحيم بْن أَبِي جعْفَر أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن طلحة، المحدث الحافظ، أَبُو القاسم الأَنْصَارِيّ، الخزْرجي، الشاطبي، ثُم السّبْتي، المعروف بابن عُليم، لَقبُهُ أمين الدّين. [المتوفى: 655 هـ][ص:782]
وُلد سنة خمسٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع بقُرْطبة: أَبَا مُحَمَّد بن حوط الله؛ وبمراكش: أبا القاسم أحمد بن يزيد بن بقي. وحجّ سنة ثلاث عشرة وستمائة، فسمع بمصر، ودمشق، وبغداد؛ فسمع: مُحَمَّد بن عماد، والفخر الفارسي، وعبد القوي ابن الجبّاب، وعلي بن أبي الكَرَم ابن البناء الْمَكِّيّ، والشهاب السُّهْرَوْرّدي، وابن روزبة، والقَطِيعي، وأبا صادق بن صباح، وابن الزَّبيدي، وعز الدين أَبَا الْحَسَن بن الأثير، وطائفة. ورجع إلى المغرب.
قال الأبار: قدِم تونُس سنة اثنتين وأربعين فسمعتُ عليه جُملةً.
وقال عز الدين الحُسَيْني: رجع إلى المغرب وقد حصل جملة كثيرةُ من الحديث مصنَّفات وأجزاء، واستوطن تُونُس، وروى بها الكثير حتى كان يُعرف فِيها بالمحدث. وكان صَدوقًا، صحيح السماع، مُحبّاً فِي هذا الشأن. قال: وامتنع فِي آخر أيّامه من التّحديث، وقال: قد اختلطت، وكان كذلك. تُوُفّي فِي الحادي والعشرين من ربيع الأول.
سمع الوادياشي من جماعةٍ من أصحابه بتُونُس.(14/781)
206 - عَبْد الصمد بن خليل بن مقلد بن جابر، أبو محمد الأنصاري الدّمشقي، الصّائغ، المعروف بسبْط ابن جُهيْم. [المتوفى: 655 هـ]
وُلِد بعد الستين وخمسمائة بدمشق. وحدث عن: الأمير مؤيد الدولة أسامة بن مُنْقِذ بشيء من شِعره، وهو من آخر من روى فِي الدنيا عَنْهُ.
تُوُفِّي في السادس والعشرين من ربيع الْأَوَّل؛ ورّخه الشريف.(14/782)
207 - عَبْد العزيز بن مروان بن أَحْمَد بن المفضَّل بن عقيل بن حيْدرة البجَلي، الدمشقي. [المتوفى: 655 هـ]
روى عن: حنبل. وهو من شيوخ الدمياطي.
مات فِي ذي الحجة.(14/782)
208 - عَبْد الكريم بن نصر اللَّه بْن مُحَمَّد بْن المسلَّم بْن المعلى بن علي بن أَبِي سُراقة، أَبُو القاسم الهمْداني، الدمشقي. [المتوفى: 655 هـ]
وُلد في صفر سنة سبْعٍ وستّين وخمسمائة. وسمع من: المبارك بن فارس الماوَرْدي، والأمير أَبِي المظفر أُسامة بن منقذ، وغيرهما.
وهو أخو أبي بكر المفضل الَّذِي روى عن: حنبل، ولم أعرفهما بعد. وأما أبوهما فمن شيوخ ابن خليل، يروي عن نصر الله المصيصي.
تُوُفي أَبُو القاسم فِي سابع شعبان.(14/783)
209 - عَبْد المُعطي بن عليّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الملك بن محارب، أَبُو مُحَمَّد القَيْسي، الأندلُسي، ثم الإسكندراني. [المتوفى: 655 هـ]
سمعه عمه أَبُو عَبْد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد من أَبِي القاسم البُوصِيري. ورحل معه إلى دمشق وبغداد فسمع وحدث. وتُوُفي بالصَّعيد فِي هذه السنة.(14/783)
210 - عَبْد الوهاب بن عَبْد الخالق بن عَبْد الله بن علي بن صدقَة، الفقيه الإِمَام، زين الدين، أَبُو مُحَمَّد الأزْدي الإسكندراني، المالكي، المعروف بابن السباك. [المتوفى: 655 هـ]
وُلد سنة تسعٍ وثمانين. وسمع من: عَبْد المجيب بن زُهير، وابن المفضَّل الحافظ. وحدث، وكان مدرسًا بالثّغْر.
مات فِي ربيع الآخر.(14/783)
211 - علي بن محمد بن علي بن شُريح، أَبُو الْحَسَن الإسكندراني. [المتوفى: 655 هـ]
روى عن: عَبْد الرَّحْمَن بن موقى. وعنه: الدمياطي. ومات فِي ثالث صَفَر.(14/783)
212 - علي بن محمد بن الرّضا بن محمد بن حمزة بن أميركا، الشريف أَبُو الْحَسَن الحُسيْني المُوسوي، الطُّوسي، الأديب، الشاعر، المعروف بابن دفترخُوان. [المتوفى: 655 هـ][ص:784]
وُلِد بحماه، وبها تُوُفي فِي ربيع الآخر وله ستٌّ وستون سنة.
كان فاضلًا، شاعرًا، محسِناً، له مصنَّفات أدبية. وقد امتدح المستنصر بالله وغيره.(14/783)
213 - عُمَر بن سَعِيد بن عَبْد الواحد بن عبد الصّمد بن بخمش، أَبُو القاسم الحلبي. [المتوفى: 655 هـ]
روى حضورًا عن: يحيى الثقفي. وسمع من: ابن طبرْزد، وجماعة. روى عنه: الفخر علي ابن الْبُخَارِيّ، وأبو مُحَمَّد الدمياطي، والتاج الجعْبري، والبدر ابن التُّوزي، وجماعة. وتُوُفي فِي سادس ربيع الأول بحلب.(14/784)
214 - غازية بنت السّلطان الملك الكامل محمد ابن العادل أبي بكر ابن أيوب، [المتوفى: 655 هـ]
زَوْجَة المظفر صاحب حماة، وأم الملك المنصور صاحب حماة والملك الأفضل أمير علي.
لما مات زوجها كانت هِيَ مدبرة دولةِ حماة؛ وكانت دينة صالحة، محتشمة. ولَدَتْ المنصورَ سنة اثنتين وثلاثين، والأفضلَ سنة خمسٍ وثلاثين. وتوفيت فِي تاسع عشر ذي القعدة. ويقال لها: الصاحبة.
ولمكان أبيها وأخيها السُّلطان الملك الصالح أيوب بقي مُلك حماة فِي ولدها.
وربَّتْ عندها أختَها، ثمّ زوّجتها بالسّعيد عبد الملك ابن الصالح إِسْمَاعِيل، فقدمتْ من حماة، وبنى بها فِي آخر سنة اثنتين وخمسين فولدت له الملك الكامل. ثم ماتت وللولد سنتان، فتوفيت بعد أختها صاحبة حماة بليالٍ من شهر ذي القعدة بدمشق، فدفنوها بتُربةِ والدها الملك الكامل، وشهد دفْنَها السُّلطان الملك النّاصر يوسف.
والعجب أن فِي الشهر ماتت الأخت الثالثة، وهي بنت الملك الكامل ابن العادل زَوْجَة الملك العزيز صاحب حلب. توفيت بالرَّسْتَن، وكانت قد توجهت من دمشق إلى حماة. مات الثّلاث في أسبوع.(14/784)
215 - محمد بن إبراهيم بن جَوبر، المحدث أَبُو عَبْد الله الأَنْصَارِيّ، المقرئ، البَلَنْسي. [المتوفى: 655 هـ]
سمع كتاب " التَّيْسير " من أَبِي بَكْر بن أبي حمزة. وسمع " الموطأ " و " الشّفا " لعِياض، وأشياء. يروي عَنْهُ: أَبُو إِسْحَاق الغافقي، وأبو جَعْفَر بن الزُّبير، وطائفة.
وجوْبَر: بجيم مشُوبة بشين.
وقد قرأ بالروايات على أَبِي جعفر ابن الحصار، وغيره.
ثم وقفتُ على ترجمته لتلميذه ابن الزُّبير، فقال: مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم ابن جوْبَر العدل، أَبُو عَبْد الله الأَنْصَارِيّ، البزاز. روى عن: أَبِي حمزة، وأبي عمر بن عات، وأبي الخطّاب بن واجب، ومحمد بن خلف بن يسع، وله سماعٌ كثيرٌ على ابن واجب، وله اعتناء بالرواية، ورحلة فِي الأندلس وغرب العُدْوة. وألف " برنامجًا ". وكان بزازًا، كثير السُّكوت، دائم الوقار، عدْلاً، ضابطًا. قرأ القرآن على أَبِي بَكْر الطَّرْطُوشي، عن ابن هُذيْل. وقد أخذ عَنْهُ: أَبُو عَبْد الله الطَّنْجالي، وأبو إِسْحَاق البلفيقي ووفاته فِي ذي القعدة.(14/785)
216 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَبْد الله، العلامة الكبير، تاجُ الدين أَبُو الفضائل الأُرْموي، المتكلم الأُصولي، [المتوفى: 655 هـ]
صاحب " المحصول "، وتلميذ الإِمَام فخر الدين الرازي.
روى عَنْهُ: شيخنا الدمياطي شِعْراً سمعه من الفخْر، وقال: مات قبل وقعة بغداد.
قلت: عاش قريبًا من ثمانين سنة. وكان من فُرسان المناظرين.(14/785)
217 - مُحَمَّد بن سيف اليُونيني، الزاهد. [المتوفى: 655 هـ]
كان صالحًا ورِعاً، كريمًا، كبير القدْر، من أصحاب الشيخ عَبْد الله. وله زاوية بيُونين. [ص:786]
توفّي في هذه السنة، وخَلَفَه فِي الزاوية ابنُ أخيه الشَّيْخ الصالح سليمان بن علي بن سيف، رضى الله عنه.(14/785)
218 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الفضل، الإِمَام الأوحد، شَرَفُ الدين، أَبُو عَبْد الله السَّلمي، الأندلسي المُرْسي، المحدث، المفسر، النَّحوي. [المتوفى: 655 هـ]
وُلد بمُرْسِية فِي ذي الحجة سنة تسعٍ وستين، وقيل: سنة سبعين وخمسمائة. وعُني بالعِلم، وسمع " الموطأ " بالمغرب بعُلُوٍّ من الحافظ أَبِي مُحَمَّد عَبْد الله بن مُحَمَّد بن عُبيد الله الحجري. وسمع من: عَبْد المنعم بن الفَرَس. وحجّ، ودخل إلى العراق، وخُراسان، والشّام، ومصر. وكان كثير الأسفار قديماً وحديثاً. سمع مِن: منصور الفُراوي، والمؤيَّد الطُّوسي، وزينب الشِّعْريّة، وأبي روْح الهَرَوي. وببغداد من أصحاب قاضي المَرِسْتان، وخلْق.
روى عَنْهُ: الحافظ أَبُو عَبْد الله ابن النجار، مع تقدُّمه، والدمياطي، ومحب الدين الطَّبري، والقاضيان تقي الدين الحنبلي، وجمالُ الدين مُحَمَّد بن سومر المالكي، والخطيب شرفُ الدين الفَزَاري، وعماد الدّين ابن البالِسي، ومحمد بن يوسف الذَّهبي، ومحمد بن يوسف بن المهتار، وبهاء الدّين إبراهيم ابن المقُدسي، والشّرف عبد الله ابن الشّيخ، والشّمسُ محمد ابن التاج، وسعدُ الدين يحيى بن سعد، ومحمود ابن المَرَاتبي، ومحمد بن نِعمَة، وعلي القُصيْري، ومحمود الأعسر، وخلق كثير من أهل مكة، ودمشق، ومصر.
ذكره ابن النجار فقال: حج وقدِم طالباً سنة خمسٍ وستمائة، فسمع الكثير، وقرأ الفقه والأُصول. ثم سافر إلى خُراسان. وسمع بنيْسابور، ومَرْو، وهَرَاة، وعاد مجتازًا إلى الشّام، ثم حج وقدِم بغدادَ فِي سنة أربع وثلاثين، ونزل بالمدرسة النظامية، وحدّث " بالسُّنن الكبير " للبيْهقي، و " بغريب الحديث " للخطابي، عن منصور الفُرَاوي، وعلقتُ عَنْهُ من شِعْره. وهو من الأئمة الفُضلاء فِي جميع فنون العِلم. له فهْمٌ ثاقِب وتدقيق فِي المعاني. وله مصنَّفات عديدة، وله النَّظْمُ والنَّثْرَ المليح. وهو زاهدٌ متورع، كثيرُ العبادة، فقير، مجرِّدٌ، [ص:787]
متعفِّف، نزِهُ النفس، قليل المخالطة، حافظٌ لأوقاته، طيّب الأخلاق، كريم، متودّد. ما رأيت في فنّه مثلَه. أنشدنا لنفسه:
مَن كان يرغب فِي النجاة فما له ... غير أتباع المصطفَى فيما أتى
ذاك السّبيل المستقيم وغيره ... سُبُل الضّلالة والغواية والرّدى
فاتبِعْ كتابَ الله والسُّنن التي
صحَّت فذاك إذا اتّبعت هو الهُدى ... ودَعِ السّؤال بِلم وكيفَ فإنَّهُ
باب يجُرّ ذوي البصيرةِ للعَمَى ... الدينُ ما قال الرَسول وصَحْبُهُ
والتابعونَ ومن مناهجهم قفا
وقال عمر ابن الحاجب: سألت الحافظَ ابن عبد الواحد عن المُرَسي فقال: فقيهٌ، مناظِر نحْوي، من أهل السنة، صحِبنا فِي الرحلة، وما رأينا منه إلا خيرًا.
وقال أَبُو شامة: كان متفنناً، محقق البحْث، كثير الحج، مقتصِدًا فِي أموره، كثيرالكتب، مُعْتنياً بالتفتيش عَنْهَا محصلًا لها. وكان قد أعطِي قبولًا فِي البلاد.
وقال الشريف: تُوُفي في ربيع الأوّل في منتصفه بعريش مصر فيما بينه وبين الزَّعقَة وهو متوجّهٌ إلى دمشق، ودُفن ليومه بتل الزَّعْقة. وكان من أعيان العلماء وأئمة الفُضلاء، ذا معارف متعددة، بارعًا فِي عِلم العربية وتفسير القرآن، وله مصنَّفات مفيدة، ونظْمٌ حَسَن. وهو مع ذلك متزهِّد، تارك للرّياسة، حَسَن الطريقة، قليل المخالطة للناس.
تأخر من أصحابه أيّوب الكحّال ويوسف الخَتَني. وخلف كُتُباً عظيمة.
قرأت بخط العلاء الكِنْدي: إن كُتُب المُرْسي كانت مودَعَةً بدمشق، فرسم السُّلطان ببيْعها، فكانوا فِي كل ثلاثاء يحملون منها جملةً إلى دار السّعادة لأجل الباذرائي، ويحضر العُلماء، فاشترى الباذرائي منها جُملة كثيرة، وبيعت فِي نحوٍ من سنة. وكان فيها نفائس، وأحرزت كُتُبُه ثمنًا عظيماً، وصنَّف تفسيراً كبيراً لم يُتمّه.(14/786)
219 - مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم، أَبُو عَبْد الله التُّجِيْبي البَلَنْسِي، المحدث. [المتوفى: 655 هـ]
وُلِد سنة ثمانٍ وسبعين وخمسمائة. وسمع الكثير، وعُني بهذا الشأن. وجمع لنفسه " فهرسة " ذكر فيها جماعةً من شيوخه منهم: أبو بكر بن أبي جمرة، وابن نوح الغافِقي، وابن زُلال، والحصار، وأبو بَكْر عتيق قاضي بَلَنْسِيَة. ولزِم أَبَا الخطاب بن واجب فأكثَرَ عَنْهُ. وهو ثقة مَرْضِي.
تُوُفّي فِي ذي القعدة بسَبْتَة.(14/788)
220 - مُحَمَّد بن عَبْد السلام بن أَبِي المعالي بن أَبِي الخير بن ذاكر بن أحمد بن الحسن بن شَهْرَيار، أَبُو عَبْد الله الكازرُوني، ثم الْمَكِّيّ المؤذن. [المتوفى: 655 هـ]
سمع من: يحيى بن ياقوت البغدادي، وزاهر بن رستم. وحدث بحلب. روى عَنْهُ: الدمياطي، وأبو نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد الشيرازي. ومات بمكّة فِي الثامن والعشرين من ذي الحجة عن بضعٍ وثمانين سنة.(14/788)
221 - مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن إِسْمَاعِيل بْن سلامة بن علي بن صَدَقَة الحراني، ثم الدمشقي، التاجر. [المتوفى: 655 هـ]
تُوُفّي فِي ربيع الأول. وقد روى بالإجازة عَنْ: أبي الفَرَج ابن الجَوْزي.(14/788)
222 - مُحَمَّد بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه، عماد الدّين أبو جعفر ابن الشيخ شهاب الدين، السُّهْروَرْدي، ثمّ البغدادي، الصُّوفي. [المتوفى: 655 هـ]
وُلِد سنة سبْعٍ وثمانين وخمسمائة. وسمع من: أبي الفَرَج ابن الجَوْزي، وعبد الوهاب ابن سُكَيْنَة. وسمع بدمشق من: بهاء الدّين القاسم ابن الحافظ. روى عنه: الدّمياطي، وحفيده أبو القاسم عبد المحمود بن عبد الرحمن بن محمد ابن السُّهْروَرْدي، وغيرهما. [ص:789]
تُوُفّي في عاشر جمادى الآخرة. وحدثنا عنه إسحاق ابن النحاس. وكان كبير القدر.(14/788)
223 - مُحَمَّد بن عُمَر بن مُحَمَّد بن جَعْفَر، أَبُو عَبْد الله الهمذاني، المقرئ، الحنبلي. [المتوفى: 655 هـ]
حدث عن: أَبِي الفُتُوح البكْري. وكان رجلًا صالحًا، زاهدًا، عالمًا. كتب عَنْهُ: الدمياطي، وغيره. وحكى عَنْهُ الحافظ أَبُو عَبْد الله. ومات فِي خامس جُمادى الآخرة.(14/789)
224 - مُحَمَّد بن عِياض بن مُحَمَّد بن عِياض بن موسى بن عياض، القاضي أَبُو عَبْد الله اليَحْصبي، السَّبْتي. [المتوفى: 655 هـ]
روى عن: أيوب بن عَبْد الله الفِهْري، وجماعة. وأجاز له: أبو جعفر الصَّيْدلاني، وخَلَق. وكان كبير القَدْر، من قُضاة العدل. وُلِد سنة ثمانين وخمسمائة، وهو نافلة صاحب التّصانيف.(14/789)
225 - محمد ابن الإمام أبي القاسم القاسم بن فِيْرُّه بن خَلَف، أَبُو عَبْد الله الرُّعَيْني، الشاطبي، ثم الْمَصْرِيّ، المعدل. [المتوفى: 655 هـ]
وُلِد بمصر فِي سنة ستٍّ أوْ سبْعٍ وسبعين وخمسمائة. وسمع من: أَبِيهِ " حرز الأماني فِي القراءات "، ومن: البُوصِيري، والأرْتاحي، وفاطمة بِنْت سعد الخير، وغيرهم. روى عَنْهُ: الفخر التوزري، ويوسف الخَتَني، والعماد محمد ابن الجرائدي بقوله. وبالإجازة أبو المعالي ابن البالِسي. وتُوُفي فِي شوال.(14/789)
226 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الخضِر، مهذَّب الدين، أَبُو نصر ابن البرهان المنجم الحلبي، الحاسب، الشاعر، الآملي الأصل. [المتوفى: 655 هـ][ص:790]
وُلِد بحلب سنة ثمانٍ وثمانين وخمسمائة. وتُوُفي بصَرْخَد في آخر السنة. له ديوان شِعْر، ومقدمة فِي الحساب.(14/789)
227 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن سُلَيْمَان، أَبُو بَكْر الزُّهْري، البَلَنْسي، ويُعرف بابن محرز. [المتوفى: 655 هـ]
سمع من: أَبِيهِ؛ ومن: خالَيْه أَبِي بَكْر وأبي عامر ابني الإِمَام أَبِي الْحَسَن بن هُذَيْل، وأبي مُحَمَّد بن عُبَيْد الله الحجري، وأبي العطاء وهْب بن نذير، وجماعة. وأجاز له: أَبُو بَكْر بن خيرة، وأبو القاسم عبد الرحمن بن حبيش، وأبو الحسن ابن النقرات، وأبو القاسم هبة الله البُوصِيري، وأبو الفضل مُحَمَّد بن يوسف الغَزْنوي.
ذكره أَبُو عَبْد الله الأبار فقال: كان أحد رجال الكمال عِلْماَ وإدراكًا وفصاحة، مع الحِفْظ للفِقْه والتَّفَنُّن فِي العلوم وحِفْظ اللُّغات. وله شِعْرُ رائق بديع. سمعت منه كثيرًا، وتُوُفّي ببجاية فِي ثامن عشر شوال. ووُلِد فِي سنة تسعٍ وستّين وخمسمائة.
قلت: روى عَنْهُ: ابن الزُّبيْر أيضًا، وابن الغماز.(14/790)
228 - مُحَمَّد بن محمود بن مُحَمَّد بن حَسَن، الإِمَام أَبُو المؤَيَّد الخُوارزْمي، الحنفي، الخطيب. [المتوفى: 655 هـ]
وُلِد سنة ثلاثٍ وتسعين وخمسمائة. وتفقه على نجم الدين طاهر بن مُحَمَّد الحفْصي، وغيره. وسمع بخُوارزْم من الشَّيْخ نجم الدين الكبري. وولي قضاء خُوارزْم وخَطَابتها بعد أخْذ التّتار لها. ثم تركها وقدِم بغدادَ وسمع بها، ثم حج وجاور، ورجع على مصر؛ وقدِم دمشقَ، ثم عاد إلى بغداد ودرّس بها. وحدّث بدمشق. ومات في ذي القعدة ببغداد.(14/790)
229 - مُحَمَّد بن مُسْلِم بن سُلَيْمَان بن هلال، أَبُو عَبْد الله الرَّقّي. [المتوفى: 655 هـ][ص:791]
وُلِد سنة سبعين وخمسمائة بالرَّقّة. ورحل فسمع من: هبة الله بن الْحَسَن بن السِّبْط، وأبي حامد عَبْد الله بن مُسْلِم بن جوالق، وجماعة. وبدمشق من: حنبل المكبر، وأبي مُحَمَّد عَبْد الوهاب بن هبة الله الجلالي؛ وبهَمَذَان من: محمد بن محمد بن أبي بكر الكرابيسي. وحدث بالرَّقّة. وتُوُفّي فِي هذا العام. وكان شيخاً صالحا.(14/790)
230 - مُحَمَّد بن يحيى، أَبُو الفضل المَوْصلي، الطبيب، المعروف بابن السِّيْحي. [المتوفى: 655 هـ]
سمع من: عمه أَبِي منصور مُسَلَّم بن علي. روى عَنْهُ: الدمياطي، وقال: مات فِي ربيع الآخر.(14/791)
231 - ماجد بن سُلَيْمَان بن عُمَر، القاضي أَبُو العلاء القُرَشي، الفِهْري، الْمَكِّيّ، [المتوفى: 655 هـ]
قاضي مكة.
حدث عن: يونس الهاشمي. وعاش إحدى وتسعين سنة.(14/791)
232 - منصور بن عَبَّاس، الصاحب الإِمَام عميد الدين الحنبلي ببغداد. [المتوفى: 655 هـ]
رتّب " جامع المسانيد " على الأبواب. تُوُفّي يوم الأحد سلْخ ذي القعدة.(14/791)
233 - هبة الله بن صاعد، الوزير شَرَفُ الدين، القاضي الأسعد الفائزي. [المتوفى: 655 هـ]
خدم الملك الفائز إِبْرَاهِيم ابن الملك العادل. وكان نصرانيًا فأسلم. وكان رئيسًا، كريمًا، خبيرًا، متصرفًا. ثم خدم الملك الكامل، ثم ابنَه الملك الصالح. ووَزَرَ للملك المُعِزّ التُّركُماني، وتمكن منه إلى أَنْ ولاه أمورَ الجيش. وقد كاتَبَه الملك المعزُِّ مرة المملوك أَيْبَك. وهذا لم يفعله ملكٌ بمملوكه. ثم بعده وَزَرَ لولده الملك المنصور أيامًا. ثم قبض عليه سيفُ الدين قُطُز وصادره.
قال قُطْب الدين فِي " تاريخه ": قال القاضي برهان الدّين السَّنْجاري: [ص:792]
دخلتُ عليه الحبْس فسألني أنْ أتحدّث له فِي إطلاقه، على أنْ يحمل فِي كل يومٍ ألف دينار. فقلت له: كيف تقدر على هذا؟ قال: أقدر عليه إلى تمام سَّنة. وإلى سنة يفرج الله. فلم تلتفت مماليك المُعِزّ إلى ذلك وبادروا بهلاكه وخُنِق.
وقيل: بل أطعموه بِطّيخاً كثيرًا، وربطوا إحليله حتى هلك بالحصْر.
وقد زوّج بنته بالصّاحب فخر الدّين ابن حِنّا فأولدها الصاحب تاج الدين مُحَمَّد بن مُحَمَّد وأخاه زين الدين أَحْمَد.
وله من الولد: بهاء الدّين ابن القاضي الأسعد، كان فِيهِ زُهْد ودِين، فاحتاج وطلب أن يخدم فِي بعض الفروع.
وللبهاء زهير الكاتب فِيهِ قبل أن يُسلِم:
لعن الله صاعدا
ً
وأباه فصاعدا ... وبنيه فنازلًا
واحدًا ثم واحدا(14/791)
234 - يحيى بن أسعد بن يحيى ابن عساكر، أبو المنصور الإسكندراني، نجم الدين الشُّرُوطي، الموقع. [المتوفى: 655 هـ]
حدث عن: الحافظ أَبِي الْحَسَن بن المفضَّل، وجعفر بن رزيك. روى عَنْهُ: الدمياطي، وقال: كان موقع الحُكْم.
تُوُفّي فِي صَفَر بالإسكندرية.(14/792)
235 - يحيى بن يليمان بن هادي السَّبْتي الرّجل الصّالح، [المتوفى: 655 هـ]
نزيل القرافة.
كان صاحب زاوية، وله أتباع ومريدون. وحصل له قَبُول تام من الخاصة والعامة. وشُهر بالصَّلاح والدّين.
وقيل: إنه كان لا يأكل الخبز، وهذا شيء يدل على قِلّة الإخلاص، نسأل الله السلامة في الدّين. [ص:793]
تُوُفّي في نصف شوّال.(14/792)
236 - يوسف بن الحسين بن محمد ابن الجَبّاب السَّعْدي، موفَّق الدين، أَبُو الحَجّاج الْمَصْرِيّ. [المتوفى: 655 هـ]
روى عن: البَوصِيري، والأَرْتاحي. وقد حدث من بيته جماعة. تُوُفّي فِي ثاني عشر ذي القعدة.(14/793)
237 - يوسف بن أَبِي بَكْر، جمال الدين الجَزَري التاجر السفار، [المتوفى: 655 هـ]
عم صاحبنا شمس الدين مُحَمَّد المؤرخ.
ذكر فِي " تاريخه " أنه تُوُفّي ببغداد، وأنه أعتق فِي عُمره نحوًا من ثلاثين نَسَمة، وأنه أوصى بُثُلث مالِه صَدَقةً، وخلّفَ أربعة آلافِ دينار وكسْرا، وولدين وبنتا، رحمه الله.(14/793)
-وفيها وُلد:
قاضي القضاة نجم الدين أَحْمَد بن مُحَمَّد بن صَصْرى؛ وشمس الدين مُحَمَّد بن أَبِي بَكْر بن طرخان الصالحي؛ والزاهد أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن علي بْن مُحَمَّد بن قطرال الأنصاري بمرّاكُش؛ والشَّرف صالح بن مُحَمَّد بن عربْشاه المقرئ؛ والشمس مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر بْن أبي طَالِب، إمام الرّبوْة، بخلْف؛ والشيخ مُحَمَّد بن أَبِي الزهر بن سالم الغسُولي؛ وعبد الصّمد ابن العفيف عثمان بن عَبْد الصمد الذَهَبِي؛ وأحمد بن عبد الله ابن الرضى المقدسي كُحيْل؛ والفخر إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن عَبْد ربه الْمَصْرِيّ، الخياط؛ وعلي بن منصور بن مُحَمَّد اليَمَني الصوفي ثم الْمَصْرِيّ؛ والكمال محمد بن محمد بن علي ابن القسطلاني؛ والشّمس مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سُراقة الأَنْصَارِيّ، رويا عن ابن البرهان؛ ومحمد ابن الشيخ أبي الزهر بن سالم الصالحي، وعزيز الدّين حسن بن علي بن محمد ابن العماد الكاتب فِي [ص:794]
أواخرها؛ ونصير الدين عَبْد الله بن مُحَمَّد بن سويد، فِي نصف شوال؛ ومحمد بن عُمَر بن عَبْد الله ابن خطيب بيت الأبار بها؛ والبهاء يوسف بن أحمد ابن العجمي؛ والصدر علي بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابن الأَبْزاري، يروي عن النجيب، والفخر مُحَمَّد بن محمد بن محمد ابن النطاع، بمصر، سمع النجيب؛ والمعظم عيسى بن دَاوُد بن شيركوه؛ والشهاب أَحْمَد بن عَبْد الرحمن الفراء الواني، سمع ابن عَبْد الدائمَ.(14/793)
-سنة ست وخمسين وستمائة(14/795)
238 - أَحْمَد بن إِبْرَاهِيم بن عيسى المجير، الْقُرَشِيّ، الدّمشقي، الكُتُبي، [المتوفى: 656 هـ]
والد المحدّث محمد ابن المُجير.
توفّي في هذه السنة.(14/795)
239 - أَحْمَد بن أسعد بن حلوان، الطبيب نُجم الدّين، المعروف بابن المنفاخ. [المتوفى: 656 هـ]
قرأ على صَدَقة السامري. ومَهَرَ فِي الطِّبّ، وصنَّف فِيهِ مصنَّفات. وخدم صاحبَ آمِد الملكَ المسعود، وصاحب صهْيون. وأَقام ببعْلبكّ مدّة.
وتوفّي بدمشق فِي عشْر السبعين. وقد مر سنة اثنتين.(14/795)
240 - أَحْمَد بن عُمَر بن إِبْرَاهِيم بن عُمَر، الإِمَام أَبُو الْعَبَّاس الأَنْصَارِيّ، القُرْطبي، المالكي، الفقيه، المحدث، المدرس، الشاهد، [المتوفى: 656 هـ]
نزيل الإسكندرية.
وُلد بقرطبة سنة ثمانٍ وسبعين وخمسمائة، وسمع بها من علي بن مُحَمَّد بن حفص اليحْصبي، ولا أعرفه؛ وبتلْمِسان من مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن التُّجيْبي؛ وبسبْتة من القاضي أَبِي مُحَمَّد بن حوْط الله. وقدِم ديارَ مصر، وحدث بها. واختصر الصّحيحيْن، ثم شرح " مختصر مسلم " بكتاب سمّاه " المُفهم " وأتى فيه بأشياء مفيدة. وكان بارعا في الفقْه والعربية، عارفا بالحديث.
توفي بالإسكندرية في رابع عشر ذي القعدة، ويُعرف في بلاده بابن المزين.
حمل عنه القاضي جمالُ الدين المالكي، وجماعة.
وقال الدمياطي: أخذتُ عنه، وأجاز لي مصنَّفاته. وله كتاب " كشف [ص:796]
القناع عن الوجد والسِّماع " أجاد فيها وأحسن، وقد سمع أكثر " الموطأ " فِي سنة ستمائة من عبدُ الحق بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الحقّ الخزْرجي، أخبرنا أبي قال: أخبرنا ابن الطّلاّع بسنده.
وقرأت بخط أَبِي حَيان أنه أَحْمَد بن إِبْرَاهِيم بن عُمَر بن أَحْمَد نزيل الإسكندرية، يُعرف بابن المزين، صنعة لأبيه؛ وُلد بقُرطُبة بعد الثمانين.
سمع من: عَبْد الحق، وأبي جَعْفَر بن يحيى، وأبي عَبْد الله التُّجِيْبي؛ وأخذ نفسه بعِلم الكلام، وأن الجوهر الفرْد لا يقبل الانقسام، وتغلغل فِي تلك الشعاب. ثم نزع إلى عِلم الحديث وفقههُ على تعصُّب. ولم يكن فِي الحديث بذاك البارع. وله اقتدارٌ على توجيه المعاني بالاحتمال. وهي طريقة زلّ فيها كثيرٌ من العلماء.
ذكر هذا ابن مَسدي فِي " مُعجَمه ".(14/795)
241 - أَحْمَد بن مُحَمَّد بن أَبِي الوفاء بن أَبِي الخطاب بن مُحَمَّد بن الهزِبْر، الأديب الكبير، شرَفُ الدين، أَبُو الطيب ابن الحُلاوي الرَّبعي، الشاعر، الموْصلي، الجندي. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد سنة ثلاثٍ وستمائة، وقال الشِّعْر الفائق. ومدح الخلفاء والملوك. وكان فِي خدمة بدر الدين صاحب الموْصل، روى عَنْهُ: الدمياطي، وغيره.
وكان من مُلاح الموصل، وفيه لطف وظُرْفٌ وحُسْنُ عِشرة وخفة روح. وله فِي الملك النّاصر دَاوُد قصيدة بديعة، منها:
أحيا بموعده قتيلَ وعيده ... رشا يشوب وصاله بصدوده
قمرٌ يفوق على الغزالة وجهه ... وعلى الغزال بمقلتيه وجيده
وله القصيدة الطنانة التي رواها الدمياطي فِي " معجمه " عَنْهُ، وهي:
حكاهُ من الغُصن الرّطِيب وريقُه ... وما الخمرُ إلا وجنتاهُ وريقُهُ
هلالٌ ولكنْ أفْقَ قلبي محلُّهُ ... غزالٌ ولكنْ سفْح عيني عقيقهُ [ص:797]
أقرَّ لهُ من كل حُسْن جليلهُ ... ووافَقه من كل معنى دقيقُهُ
بديُع التثني راح قلبي أسيرهُ ... على أن دمعيَ فِي الغرام طليقُهُ
على سالِفَيْه للعِذار جديده ... وفي شَفتيْه للسُّلافِ عتيقُهُ
يهدّدُ منه الطَّرف مَن ليس يضمه ... ويُسكر منه الرَيق من لا يذوقُهُ
على مثله يستحسنُ الصَّبُّ قتله ... وفي حبه يجفو الصديقَ صديقُهُ
من التُرك لا يصيبه وجدٌ إلى الحِمى ... ولا ذِكرُ باناتِ الغُويْر تشوقُهُ
له مبْسمٌ يُنسى المُدام بريقِهِ ... ويُخجلُ نوّار الأقاحي بَريقُهُ
تداويتُ من حَر الغرام ببرْدِهِ ... فأُضرم من ذاك الرحيق حريقُهُ
حكى وجهُه بدرَ السّماء فلو بدا ... مع البدْر قال الناس: هذا شقيقُهُ
وأشبه زهْر الرّوْض حُسْناً وقد بدا ... على عارِضيْه آسُه وشقيقُهُ
وأشبهت منه الخصْر سُقْماً فقد غدا ... يحمّلني كالخصرُ ما لا أطيقُهُ
فِي أبياتٍ أخَر تركتُها.
سار مع لؤلؤ فمات بتبريز فِي جُمادى الأولى كهلًا.
وهو القائل:
جاء غلامي فشكا ... أمر كميتي وبكى
وقال لي لا شك ... برْذونك قد تشبكا
قد سُقْتُهُ اليوم فما ... مشى ولا تحركا
قلت: تخادعني فدعْ ... حديثك المعلَّكا
لو انه مٍُسيّر
ٌ
لما غدا مشبّكا ... فَمُذْ رأى حلاوةُ الـ
ألفاظ منى ضَحِكا(14/796)
242 - أَحْمَد بن مدرك بن سعيد بن مدرك بن علي بن محمد، القاضي أَبُو المعالي التّنُوخي، المعري، [المتوفى: 656 هـ]
قاضي المعرَّة، أخو سَعِيد وابن عمُ مظفر.
وُلِد سنة أربع وسبعين وخمسمائة بالمعرَّة، وقدم دمشقَ فسمع من: الخُشُوعي، والخطيب أَبِي القاسم الدَّوْلعي، وغيرهما، روى عَنْهُ: الدمياطي،4 - [798]-
والبدر ابن التّوزي، والعفيف إسحاق، وجماعة.
وجدّه محمد هو أَبُو المجد أخو الشَّيْخ أَبِي العلاء بن سُليمان المعرِّي.
مات بالمعرَّة فِي ربيع الأول، وهو من بيت قضاءٍ وتقدُّم.(14/797)
243 - أَحْمَد بن مودود بن أَبِي القاسم، أَبُو الْعَبَّاس الخِلاطي، ثمّ المكي، الصُّوفي. [المتوفى: 656 هـ]
يروي عن يحيى بن ياقوت. وعنه: الدّمياطي والمصريون.
تُوُفي بالقاهرة فِي ذي القعدة.(14/798)
244 - إِبْرَاهِيم بن أبي بكر بن إِسْمَاعِيل بن علي الزعبي، أَبُو إِسْحَاق البغدادي المراتِبي الحمامي. [المتوفى: 656 هـ]
سمع من: ابن شاتيل كتاب " الشُّكر " لابن أَبِي الدنيا، وغير ذلك. روى عَنْهُ: الدمياطي، وقُطبُ الدين ابن القسطلاني، وعفيف الدّين ابن مزروع، ومحمد بن مُحَمَّد الكنْجي. وتفرد فِي وقته.
مات فِي المحرَّم أيام الحصار. وقد أجاز عامّاً.(14/798)
245 - إبراهيم الزّعبي الأسود. [المتوفى: 656 هـ]
من أعيان الفُقراء بدمشق، مات فِي جُمادى الأولى، ودُفن بالقُبَّة إلى جانب الشَّيْخ رسْلان.(14/798)
246 - إِبْرَاهِيم بن هبة الله، أَبُو إِسْحَاق ابن باطيش الموْصِلي. [المتوفى: 656 هـ]
روى عن: ابن طبرْزد، وغيره، وعنه: الدمياطي، وإسحاق الأسدي.
قُتل بحلب.(14/798)
247 - إِبْرَاهِيم بن يحيى بن أَبِي المجد، الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الأميوطي، الشافعي. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد فِي حدود السّبعين وخمسمائة. وتفقه على جماعةٍ. وولُي القضاء بالأعمال، ودرس بالجامع الظّافري مدة، وأفتى، وكان من كِبار الأئمة مع ما فِيهِ من الدين والتواضع، والإيثار مع الإقتار، والإفضال مع الإقلال. وكان لطيف الشمائل، مطبوعًا؛ له شِعرٌ رائق.
كتب عَنْهُ الشريف عزُّ الدّين وقال: توفّي فِي سابع ذي القعدة.(14/799)
248 - إِسْحَاق بن عَبْد المحسن بن صَدَقة، أبو يعقوب البصْري، الحنبلي، التّاجر. [المتوفى: 656 هـ]
راوي " جزء ابن نُجَيْد " عن المؤيد الطُّوسي، سمعه سنة خمس عشرة، روى عنه: الدّمياطي، والعماد ابن البلِسي، وابن الظاهري، ومحمد بن إِبْرَاهِيم ابن القواس، ويحيى بن يحيى بن بكران الجزري حُصراً، وحدث فِي سنة خمسٍ. وكأنه مات فِي سنة ستٍّ.(14/799)
249 - أسعد بن إِبْرَاهِيم بن حَسَن، الأجَل مجدُ الدين النشابي، الكاتب، الإربلي. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد بإربِل سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة. وكان فِي صِباه نشابيًا. وتنقل فِي الجزيرة والشّام، ثم وُلّي كتابة الإنشاء لصاحب إرْبل قبل العشرين وستمائة، ونفَّذه رسولًا إلى الخليفة. ثم كان فِي صُحبته لما وفد إلى الخليفة الإِمَام المستنصر بالله فِي سنة ثمانٍ وعشرين، وحضر مع مخدومه بين يدي المستنصر فأنشد مجدُ الدين فِي الحال:
جلالةُ هيبةِ هذا المقام ... تحيّرُ عالِمَ علْم الكلامْ
كأن المناجي به قائما
ً
يناجي النَّبِيّ عليه السلام
ثم فِي سنة تسعٍ وعشرين غضب عليه صاحب إرْبل وحَبَسه. ثم خدم بعد موت صاحب إربل ببغداد.
ومن شعره: [ص:800]
ولمّا رأى بالتّرك هتْكي ورام أنْ ... يكتم منه بهجة لم تكتم
تشبه بالأعراب عند التثامة ... بعارضه يا طِيب لثْم الملثم
شكا خصره من ردفه فتراضيا ... بفصلهما بند القباء المكرم
ورد جيوش العاشقين لأنه ... أتاهم بخط العارض المتحكم
اختفى مجدُ الدين النشابي أيام التّتار ببغداد، وسَلِم. ثم مات فِي أثناء السَّنة.(14/799)
250 - إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن يوسف، برهان الدين أَبُو إِبْرَاهِيم الأنصاري، الأندلسي، الأبَّذي. [المتوفى: 656 هـ]
سمع بدمشق من: عُمَر بن طبرْزد؛ وبمكة من جماعة، وأمَّ بالصخرة مدة. وكان فاضلًا، صالحاً، شاعراً.
وأبّذة، بالباء المشدَّدة، بُليْدة بالأندلس.
تُوُفي فِي الثالث والعشرين من المحرم بالقدس.(14/800)
251 - إياس، أَبُو الجود، وأَبُو الفتح، [المتوفى: 656 هـ]
مولي التاج الكِنْدي، مشرف الجامع الأُموي، والمتكلم فِي بسْطه وحُصْره وزيْته.
وكان حنفيًا،
حدث عن: مُعْتقِه الكِنْدي، وكان مولده بأنطاكية فِي حدود الثّمانين وخمسمائة،
روى عنه: الدمياطي، وزين الدين الفارقي، وأبو علي ابن الخلاّل.
توفّي في جمادى الأولى.(14/800)
252 - بكُتوت العزيزي، الأمير الكبير، سيف الدين، [المتوفى: 656 هـ]
أستاذ دار السُّلطان الملك النّاصر.
كان ذا حُرمة وافرة، ورُتبة عالية، ومهابة شديدة، ويدٍ مبسوطة، وبيده الإقطاعات الضَّخمة. وله الأموال الجمَّة. وكان شجاعًا جيد السياسة. [ص:801]
تُوُفي مجردًا بالنواحي القِبْليّة، ودخل غلمانه وأعلامه مُنَكسة والسُّرُوج مقلبة. ويقال: إن ابن وداعة سمَّه في بِطّيخة، ومنذ تُوُفي وقع الخَللُ وتغيَّرت أحوال الملك النّاصر يوسف.(14/800)
253 - حاضر بن محمد بن حاضر، أَبُو العلاء البلنْسي، الحكيم، المحدث. [المتوفى: 656 هـ]
سمع ببلنْسيَة من: الحافظ أَبِي الربيع بن سالم الكَلاعي؛ وبتونُس من جماعة، وبالإسكندرية وديار مصر من أصحاب السِّلفي، ومن: ابن المقير، وحدث. ومات في هذه السنة.(14/801)
254 - الْحَسَن بن أَبِي الْعَبَّاس أَحْمَد بن أَبِي طاهر الْحَسَن بن عَبْد الله بن الْحُسَيْن، شرفُ الدين، أَبُو طاهر التميمي، المعري، ثم الدمشقي، الطبيب. [المتوفى: 656 هـ]
سمع من: أَبِي سَعْد عَبْد الواحد بن علي بن مُحَمَّد بن حمويه، وأبي طاهر الخُشُوعي، روى عَنْهُ: الدمياطي، والعفيف إِسْحَاق، والشمس ابن الزّرّاد، ومحمد ابن المُحبّ، وغيرهم، وحدث بدمشق ومصر، ومات فِي ثامن عشر ربيع الآخر وله ثمانون سنة، ودُفن بقاسيون.
يروى " مشيخة وجيه ".(14/801)
255 - الْحَسَن بن كُرّ، الأمير الكبير فتحُ الدين البغدادي. [المتوفى: 656 هـ]
من أكبر الزُّعماء. كان موصوفًا بالشجاعة والكَرَم وأصالة الرّأي، قيل: إنّه ما أكل شيئاً إلاّ وتصدَّق بِمِثْلِهِ. وكان يحب الفقراء.
استشهد فِي مُلْتقَى هولاكو. نقله الظَّهير الكازروُني.(14/801)
256 - الْحَسَن بن مُحَمَّد بن أَبِي الفتوح مُحَمَّد بْن أَبِي سَعْد مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عمْرُوك بْنُ مُحَمَّد بْنُ عَبْد اللَّهِ بْنِ حَسَن بْن القاسم بْن علْقمة بْن النّضْر بْن مُعاذ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن القاسم بْن محمد ابن الصديق أَبِي بَكْر رضى الله عنه، الشريف الحافظ، صدر الدين أَبُو علي القُرشي، التَّيْمي، البكري، النَّيْسابوري، ثم الدمشقي، الصوفي. [المتوفى: 656 هـ]
وُلِد بدمشق في سنة أربعٍ وسبعين وخمسمائة، وسمع بمكّة من: جَدّه، [ص:802]
ومن: أَبِي حفص عُمَر بن عَبْد المجيد المَيَانِشِي؛ وبدمشق من: ابن طبرْزد، وحنبل، وجماعة، وبنيْسابور من: المؤيّد الطُّوسي، وزينب، والقاسم ابن الصفار؛ وبهَرَاة من: أَبِي روْح، وجماعة؛ وبمرْو من: أبي المظفَّر ابن السمعاني؛ وبإصبهان من: أَبِي الفُتُوح مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الجُنيد، ومُحَمَّد بن أَبِي طَالِب بن شهْرَيَار، وعين الشمس الثقفية، وحفصة بِنْت حمَْكا، ومحمد بن أَبِي طاهر بن غانم، وداود بن معْمر، وجماعة، وبهمَذَان من: أَبِي عَبْد الله مُحَمَّد بن أَحْمَد الرُّوذْرَاوري، وببغداد من: عبد العزيز ابن الأخضر، ومن: الْحُسَيْن بن شُنيْف، وأحمد بن الْحَسَن العاقولي، وجماعة. وبإربل من: عَبْد اللطيف بن أَبِي النجيب السُّهْروَرْدي؛ وبالموصل من: مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن الواسطي وبحلب من: الافتخار عَبْد المطلب، وبالقدس من: أَبِي الْحَسَن علي بن مُحَمَّد المَعَافِري، وبالقاهرة من: أَبِي القاسم عَبْد الرَّحْمَن مولي ابن باقا، وطائفة من أصحاب ابن رفاعة، والسِّلفي.
وعُني بهذا الشان أتم عناية، وكتب العالِي والنازل، وخرَّج وصنف، وشرع فِي جمع تاريخ ذيلًا " لتاريخ دمشق "، وحصل منه أشياء حسنة، وعُدم بعد موته، وروى الكتب الكبار " كالأنواع " لابن حبّان، و " الصحيح " لأبي عوانه، " والصحيح " لمسلم، وخرج " الأربعين البلدية "، وسمع منه الشَّيْخ تقي الدين ابن الصلاح بخُراسان أحاديث عن أبي روْح، وحمل عنه خلْقٌ كثير منهم: الدمياطي، والقُطْب القسطلاني، والمُحبّ عَبْد الله بن أَحْمَد، وأخوه مُحَمَّد بن أحمد، والشّرف عبد الله ابن الشّيخ، والضّياء محمد ابن الكمال أحمد، والشّمس محمد ابن الزراد وهو راويته، والتاج أَحْمَد بن مزيز، وأبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عَبْد الواحد ابن الدّقّاق، والجمال علي ابن الشاطبي، والعماد ابن البالِسي، واخوه عَبْد الله، والزَّيْن أَبُو بَكْر بن يوسف المقرئ، والبدر محمد ابن التوزي، وعبد العزيز بن يعقوب الدمياطي، وأبو الفتح القُرشي، ووُلّي مشيخة الشيوخ بدمشق وحِسْبتها. ونفق سوقُه في دولة المعظَّم.
وكان جدهم عمروك بن مُحَمَّد من أهل مدينة طيبة فدخل نيْسابور وسكنها.
وأصاب الفالج أَبَا علي قبل موته بسنين. وانتقل فِي أواخر عُمُره إلى مصر فتوفي بها فِي حادي عشر ذي الحجة. [ص:803]
وليس هو بالقوي. ضعّفه عمر ابن الحاجب فقال: كان إمامًا، عالِماً، لَسِناً، فصيحًا، مليح الشَّكل، احد الرحالين فِي الحديث، إلا أنّه كان كثير البهت، كثير الدّعاوى، عنده مداعبةٌ ومجُون، داخلَ الأمراء وولي الحسْبة، ثم ولاه المعظَّم مشيخة الشيوخ، وقُرئ منشوره بالسُّميْساطيّة، ودام على ذلك مدة. ولم يكن محمودًا جدد مظالم. وكان عنده بذاذة لسان، سَأَلت الحافظَ ابنَ عَبْد الواحد عَنْهُ فقال: بَلَغني أنه كان يقرأ على الشيوخ، فإذا أتى إلى كلمة مُشْكلة تركها ولم يبينها، وسألتُ البِرزالي عَنْهُ فقال: كان كثير التخليط.(14/801)
257 - الْحُسَيْن بن إِبْرَاهِيم بن الحسين بن يوسف، الإِمَام شرفُ الدين، أَبُو عَبْد الله الهَذباني، الإربِلي، الشافعي، اللُّغوي. [المتوفى: 656 هـ]
وُلِد سنة ثمانٍ وستّين وخمسمائة بإربل. وقدِم الشّام، فسمع من: الخُشُوعي، وعبد اللطيف بن أَبِي سعد، وحنبل، وابن طبرْزَد، ومحمد ابن الزَّنف، والكِندي، وطائفة، ورحل وهو كهل، فسمع ببغداد من: أبي علي ابن الجوَاليقي، والفتح ابن عَبْد السلام، وعبد السلام الداهري، وقد عُني عنايةً وافرةً بالأدب، وحفظ " ديوان المتنبّي " و " الخُطَب النُّبَاتيّة " و " مقامات الحريري ". وكان يعرف هذه الكُتُب ويحل مُشْكِلها ويُقْرئها، وتخرج به جماعة من الفُضلاء. وكان دينًا، ثقةً، جليلًا.
روى عَنْهُ: الدمياطي، والخطيب شرف الدّين، والمخرَّمي، ومحمد ابن الزّرّاد، وعبد الرحيم بن قاسم المؤذن، وأبو الْحُسَيْن اليُونيني، وأخوه قُطْب الدين، وأبو علي ابن الخلال، وجماعة.
وتُوُفي فِي ثاني ذي القعدة بدمشق.(14/803)
258 - الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن علوان، المولي الكبير، عز الدين، [المتوفى: 656 هـ]
أخو شيخ الشيوخ صدر الدين ابن النيار.
كان وكيل أولاد المستعصم بالله، وكان يدري الجَبْر والمقابلة.
قال لنا الظهير الكازرُوني فِي " تاريخه ": لما شاهد القتل فدى نفسَه بعشرة آلاف دينار فأطلِق، وأوى إلى مدرسة مجد الدين. ثم أدركتْهُ المّنيَّة فِي [ص:804]
ربيع الأول، يعني بعد شهرٍ، رحمه الله.(14/803)
259 - حمزة بن علي بن حمزة بن علي بن حمزة بن أحمد بن أبي الجحجّاح، أَبُو يعْلى العَدَوي، الدمشقي، المعدَّل. [المتوفى: 656 هـ]
حدث عن: الخُشُوعي. روى عنه: الدّمياطي، والأبِيوَرْدي، وتوفّي في صفر بدمشق.(14/804)
260 - دَاوُد بن عُمَر بن يوسف بن يَحْيَى بن عُمَر بن كامل، الخطيب، عماد الدين، أبو المعالي، وأبو سُلَيْمَان الزُّبيْدي، المقدِسي، ثم الدمشقي، الشافعي، [المتوفى: 656 هـ]
خطيب بيت الأبار، وابن خطيبها.
وبها وُلد في سنة ستٍّ وثمانين وخمسمائة. وسمع من: الخُشُوعي، وعبد الخالق بن فيروز الجوهري، وعمر بن طبرْزَد، وحنبل، والقاسم ابن عساكر، وجماعة. روى عَنْهُ: الدمياطي، وزين الدين الفارقي، والعماد ابن البالِسي، والشمس نقيب المالكي، والخطيب شرَف الدّين، والفخر ابن عساكر، وولده الشَّرف مُحَمَّد بن دَاوُد، وطائفة من أهل القرية.
وكان ديّناً، مهذَّباً، فصيحاً، مليح الخطابة، لا يكاد أن يسمع موعظته أحدٌ إلاّ ويبكي. خطب بدمشق ودرس بالزاوية الغزالية فِي سنة ثمانٍ وثلاثين بعد الشّيخ عزّ الدّين ابن عَبْد السلام لما انفصل عن دمشق. ثم عُزل العماد بعد ست سنِين ورجع إلى خطابة القرية.
تُوُفي فِي حادي عشر شعبان، ودُفن ببيت الآبار، وحضره خلْقٌ من المدينة، رحمه الله.(14/804)
261 - دَاوُد، السُّلطان الملك النّاصر صلاح الدين، أَبُو المفاخر، وأبو المظفَّر ابن السّلطان الملك المعظّم شرف الدّين عيسى ابن العادل محمد بن أيّوب بن شاذي بن مروان. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد بدمشق فِي جُمادى الآخرة في سنة ثلاثٍ وستّمائة. وسمع ببغداد من: أبي الْحَسَن القَطِيعي، وغيره. وبالكَرَك من: ابن اللَّتّي. وأجاز له: المؤيد الطُّوسي، وأبو روْح عَبْد المعزّ. وكان حنفي المذهب، عالِماً، فاضلًا، مُناظراً، [ص:805]
ذكيًا، له اليد البيضاء فِي الشعر والأدب، لأنه حصَّل طَرَفًا جيدًا من العلوم فِي دولة أَبِيهِ.
وولي السلطنة فِي سنة أربع وعشرين بعد والده، وأحبه أهل دمشق. ثم سار عمه الملك الكامل من الديار المصرية لأخذ المُلك منه، فاستنجد بعمه الأشرف فجاء لنُصرته ونزل بالدَّهشة، ثم تغيَّر عليه ومال إلى أخيه الكامل، وأوهم النّاصر أنه يُصْلح قضيته، فسار إلى الكامل، واتفقا على النّاصر وحاصراه، كما ذكرنا فِي الحوادث، أربعة أشهر، وأخذا منه دمشق، وسار إلى الكَرَك، وكانت لوالده، وأُعطي معها الصَّلْتَ ونابلس وعجلون وأعمال القُدس. وعقد نكاحه على بِنْت عمه الكامل سنة تسعٍ وعشرين. ثم تغير عليه الكامل تغيُّراً زائدًا، ففارق ابنته قبل الدخول.
ثم إن النّاصر بعد الثلاثين قصد الإِمَام المستنصر بالله وقدم له تُحَفًا ونفائس، وسار إليه على البرية، والتمس الحضورَ بين يديه كما فعل بصاحب إربِل، فامتنعوا عليه، فنَظَمَ هذه:
ودانٍ ألمّت بالكثيب ذوائبُهُ ... وجنحُ الدُّجى وجف تجولُ غياهِبُه
تقهقهُ فِي تلك الرُّبُوع رُعودُهُ ... وتبكي على تلك الطُّلُول سحائبُهْ
أرْقْتُ له لما توالتْ بروقُهُ ... وحُلَّت عزاليه، وأُسبل ساكبُهْ
إلى أن بدا من أشقر الصُّبح قادمٌ ... يُراع له من أُدْهم اللَّيل هاربُهْ
وأصبح ثغرُ الأُقحُوانة ضاحكاً ... تدغدغهُ ريح الصّبا وتُلاعبُهُ
وهي قصيدة طويلة طنّانة يقول فيها:
ألا يا أمير المؤمنين، ومن غدَتْ ... على كاهل الجوْزاء تعْلو مراتبُهْ
أيَحْسنُ فِي شرْع المعالي ودينِها ... وأنت الَّذِي تُعْزى إليه مذاهبُهْ
بأني أخوض الدّوّ والدّوُّ مُقْفر ... سباريته مُغْبرَّةٌ وسباسِبُهْ
وقد رصد الأعداء لي كلَّ مرصدٍ ... فكُلُّهم نحوي تدُبّ عقاربُهْ
وآتيك والعضْبُ المُهنَّد مُصلَتٌ ... طريرٌ شباهُ، قانياتٌ ذوائبُهْ
وأُنزل آمالي ببابك راجياً ... بواهر جاهٍ يبهرُ النَّجْم ثاقبُهْ [ص:806]
فتقبلُ مني عبدَ رقٍّ فيغتدي ... له الدهر عبدًا طائعًا لا يغالبُهْ
وتُنعم فِي حقي بما أنت أهلُهُ ... وتُعْلي محلي فالسُّها لا يقاربُهْ
وتُلبسني من نسْج ظِلّك حلة ... يُِشرِّف قدرَ النَّيِّرَيْن جلائبُهْ
وتُركبني نُعمى أياديك مركبًا ... على الفَلَكِ الأعلى تسير مراكبهْ
وتسمحُ لي بالمال، والجاهُ بُغْيتي ... وما الجاهُ إلا بعضُ ما أنتَ واهبُهْ
ويأتيك غيري من بلادٍ قريبةٍ ... له الأمنُ فيها صاحبٌ لا يجانبُهْ
فيلقى دُنُوّاً منك لم ألق مثلهُ ... ويحظى ولا أحظى بما أَنَا طالبُهْ
وينظر من لألاءِ قُدْسك نظرةً ... فيرجع والنّورُ الإماميُّ صاحبُهْ
ولو كان يعلوني بنفسٍ ورُتبةٍ ... وصدقِ وَلاءٍ لستُ فِيهِ أصاقبُهْ
لكُنْتُ أُسلِّي النَّفس عما ترومُهُ ... وكنتُ أذودُ العيْن عما تراقبهْ
ولكنّه مثلي ولو قلت: إنني ... أزيدُ عليه لم يعبْ ذاك عائبُهْ
وما أَنَا ممّن يملأ المالُ عينَهُ ... ولا بِسوى التّقريب تُقضَى مآربُهْ
ولا بالّذي يرضيه دون نظيرهِ ... ولو أنعلت بالنَّيِّرات مراكبُهْ
وبي ظمأٌ رُؤياك منْهلُ رّيهِ ... ولا غرو أن تصفو لي مشاربُهْ
ومن عجبٍ أني لدى البحر واقفٌ ... وأشكو الظَّمأ، والبحر جمٌّ عجائبُهْ
وغيرُ ملُومٍ مَن يؤمُّك قاصدًا ... إذا عَظُمتْ أغراضُه ومذاهبُهْ
فوقعت هذه القصيدة من المستنصر بموقع، وأدخله عليه ليلًا، وتكلَّم معه في أشياء من العلوم والأدب، ثم خرج سرًا. وقصد المستنصر بذلك رعاية الملك الكامل.
ثم حضر النّاصر بالمدرسة المستنصرية، وبحث واعترض واستدل، والخليفة فِي رَوْشن بحيث يسمع، وقام يومئذٍ الوجيه القيرواني ومدح الخليفة فمن ذلك:
لو كنت فِي يوم السقيفة حاضرًا ... كنت المقدَّم والإمام الأورعا
فقال النّاصر: أخطأت، قد كان حاضرًا الْعَبَّاس جدُّ أمير المؤمنين، ولم يكن المقدَّم إلا أَبُو بَكْر، رضى الله عنه، فخرج الأمر بنفْي الوجيه، فذهب إلى مصر، ووُلّي بها تدريس مدرسة ابن شكَّر. ثمَّ إنّ الخليفة خلع على النّاصر [ص:807]
داود خلعة مذهبة وخلع على أصحابه، وأعطاه جملة من المال وبعث معه رسولا إلى الكامل يشفع إليه في إخلاص نيته للناصر وإبقاء بلاده عليه، فقدما دمشق وبها الكامل، فخرج لتلقيهما إلى القابون، وأقبل على الناصر، ثم سافر الناصر إلى الكرك ومعه رسول الخليفة، فألبسه الخِلْعة بالكَرَك، وركب بالأعلام الخليفتِيّة وزِيد في ألقابه: " الولي المهاجر ".
ثم وقع بين الكامل والأشرف، وطلب كلٌّ منهما من النّاصر أن يكون معه، فرجح جانب الكامل، وجاءه من الكامل فِي الرّسْليّة القاضي الأشرف ابن الفاضل. ثم سار النّاصر إلى الكامل، فبالغ الكامل فِي تعظيمه وأعطاه الأموال والتُّحف.
ثم اتفق موتُ الملك الأشرف وموت الكامل، وكان النّاصر بدمشق في دار أُسامة، فتشوف إلى السلطنة، ولم يكن حينئذٍ أحد أمْيزَ منه، ولو بذل المال لحلفوا له. ثم سلطنوا الملك الجوادَ، فخرج النّاصر عن البلد إلى القابون، ثم سار إلى عجلون وندِم، فجمع وحشد ونزل على السواحل فاستولى عليها. فخرج الجواد بالعساكر، فوقع المَصَافُّ بين نابلس وجينين، فانكسر النّاصر واحتوى الجواد على خزائنه وأمواله، وكان ثقَلُ النّاصر على سبعمائة جملٍ، فافتقر ولجأ إلى الكرك، ونزل الجواد على نابلس، وأخذ ما فيها للناصر.
وقد طول شيخُنا قطْبُ الدين ترجمة النّاصر وجودها، وهذا مختارٌ منها.
ولما مَلَك الصالح نجمُ الدين أيوب دمشقَ وسار لقصد الديار المصرية جاء عمه الصالح إِسْمَاعِيل وهجم على دمشق فتملكها. فتسحب جيش نجم الدين عَنْهُ، وبقي بنابلس فِي عسكرٍ قليل، فنفذ النّاصر من الكَرَك عسكرًا قبضوا على نجم الدين وأطْلعوه إلى الكَرَك، فبقي معتَقَلًا عنده فِي كرامة. وكان الكامل قد سلَّم القدس إلى الفرنج، فعمّروا في غربيّه قلعة عند موت الكامل واضطراب الأمور واختلاف الملوك، فنزل النّاصر من الكَرَك وحاصرها، ونصب عليها المجانيق فأخذها بالأمان وهدمها، وتملك القدس، وطرد من به من الفرنج إلى بلادهم، فعمل جمال الدّين ابن مطروح: [ص:808]
المسجد الأقصى له عادةٌ ... سارت فصارت مَثَلًا سائرا
إذا غدا بالكُفْر مُسْتوطناً ... أن يبعث الله له ناصرا
فناصرٌ طهَّرهُ أولًا ... وناصرٌ طهَّره آخِرا
ثم إنه كلَّم الصالح نجمَ الدين وقال له: إنْ اخرجتك وملكتك الديار المصرية، ما تفعل معي؟ قال: أَنَا غلامك وفي أسْرك، قلْ ما شئت. فاشترط عليه أنْ يعطيه دمشق ويعينه على أخذها وأن يمكنه من الأموال، وذكر شروطًا يتعذَّر الوفاء بها. ثم أَخْرَجَهُ وسار معه وقد كاتَبَه أمراءُ أَبِيهِ الكامل من مصر، وكرهوا سلطنة أخيه العادل. فلمّا ملّك الديار المصرية وقع التسويف من الصالح والمغالطة، فغضب النّاصر ورجع، وقد وقعت الوحشة بينهما. وزعم الصالح أنه إنما حلف له مكرَهاً وقال: كنت فِي قبضته.
وحكى ابن واصل عن صاحب حماه المنصور أن الملك الصالح لما استقر بمصر قال لبعض أصحابه: امض إلى النّاصر وخوِّفه مني بالقبض عليه لعله يرحل عنا. فجاء ذلك وأوهمه، فسارَعَ الخروجَ إلى الكَرَك.
ثم إن الصالح أساء العِشرة فِي حق النّاصر وبعث عسكرًا فاستولوا على بلاد النّاصر، ولم يزل كل وقت يُضايقه ويأخذ أطراف بلاده حتى لم يبق له إلا الكَرَك. ثم فِي سنة أربعٍ وأربعين نازَلَه فخر الدين ابن الشَّيْخ. وحاصره أيامًا ورحل.
وأما النّاصر فقلَّ ما عنده من المال والذخائر، واشتد عليه الأمر، فعمل هذه يعاتب فيها ابنَ عمه الملكَ الصالح:
عمي أبوك، ووالدي عمٌّ، به ... يعلو انتسابك كلَّ ملكِ أصْيدِ
دعْ سيفَ مِقْولي البليغ يذب عن ... أعراضِكم بفِرِنْدِهِ المتوقدِ
فهو الَّذِي قد صاغ تاج فخاركم ... بمفصل من لؤلؤ وزبرجد
لولا مقالُ الهجر منك لما بدا ... مني افتخارٌ بالقريضِ المُنْشَدِ
ثمّ أخذ يفتخر ويذكر جُوده وجلالته، ويعرض باعتقاله للصالح وإخراجه. [ص:809]
وفي سنة ستٍّ وأربعين قدِم العلامةُ شمسُ الدين الخُسْروشاهي على الملك الصالح نجم الدين أيوب وهو بدمشق رسولًا من النّاصر، ومعه وُلِد النّاصر الأمجد حَسَن، ومضمون الرسالة: إن تتسلم الكَرَك وتعوضني عَنْهَا الشَّوْبك وخبزًا بمصر. فأجابه ثم رحل إلى مصر مريضًا. ثم انثنى عزْم النّاصر عن ذلك لما بلغه مرضُ الصالح وخروج الفرنج.
ثم دخلت سنة سبْع، وضاقت يدُ النّاصر وعليه كُلَف السّلطنة، فاستناب ابنه الملك المعظَّم عيسى بالكرك، وأخذ ما يعز عليه من الجواهر، ومضى إلى حلب مستجيرًا بصاحبها كما فعل عمُّه الصالح إِسْمَاعِيل، فأكرمه. وسار من حلب إلى بغداد، فأودع ما معه من الجواهر عند الخليفة، وكانت قيمتها أكثر من مائة ألف دينار، ولم يصل بعد ذلك إليها.
وأمّا ولداه الظاهر والأمجد، فإنهما تألما لكونه استناب عليهما المعظَّم، وهو ابن جارية، وهما ابنا بِنْت الملك الأمجد ابن الملك العادل، فأمُّهما بِنْت عمه وبنت عم الصالح، وكانت محسنة إلى الصالح لما كان معتقلًا بالكرك غاية الإحسان، وكان ولداها يأنسان به ويلازمانه، فاتفقا مع أمهما على القبض على الملك المعظَّم فقبضا عليه، واستوليا على الكَرَك، ثم سار الأمجد إلى المنصورة فأكرمه الصالح وبالغ، فكلمه فِي الكَرَك، وتوثَّق منه لنفسه وإخوته، وأن يعطيه خُبزًا بمصر، فأجابه، وسيَّر إلى الكَرَك الطُّواشي بدر الدين الصوابي نائبًا له. فجاء إلى السُّلطان أولاد النّاصر وبيته فأقطعهم إقطاعات جليلة، وفرح بالكرك غاية الفرح مع ما هُوَ فِيهِ من المرض المخوف، وزينت مصر لذلك. وبلغ النّاصر داودَ ذلك وهو بحلب، فعظُم ذلك عليه. ثم لم يلبث الصالح أنْ مات، وتملك بعده ابنه تورانشاه قليلاً، وقُتل، فعمد الصوابي فأخرج الملك المغيث عُمرَ ابن الملك العادل ابن السُّلطان الملك الكامل من حبْس الكَرَك، وملكه الكَرَك والشَّوْبَك.
وجاء صاحب حلب فتملك دمشق، ثم مرض بها مرضًا شديدًا، ومعه الصالح إِسْمَاعِيل والنّاصر دَاوُد. فقيل: إن دَاوُد سعى فِي تلك الأيام فِي السلطنة. فلما عُوفي السُّلطان بَلَغَه ذلك، فقبض عليه وحبسه بحمص، ثمّ أفرج عَنْهُ بعد مدةٍ بشفاعة الخليفة، فتوجه إلى العراق فلم يؤذَنْ له فِي دخول بغداد، فطلب وديعته فلم تحصل له. ثم رد إلى دمشق. ثم سار إلى بغداد في [ص:810]
سنة ثلاثٍ وخمسين بسبب الوديعة وليحجَ، وكتب معه النّاصر صاحب الشّام كتابًا إلى الخليفة يشفع فِيهِ فِي رد وديعته، ويخبر برضاه عَنْهُ، فسافَرَ ونزل بمشهد الْحُسَيْن بكربلاء، وسيَّر إلى الخليفة قصيدةً يمدحه ويتلطفه، فلم ينفع ذلك، وهذه القصيدة:
مقامُك أعلى فِي الصدور وأعظمُ ... وحلمُكَ أرجَى فِي النُّفوٍس وأكرمُ
فلا عجبٌ إنْ غُصَّ بالشِّعر شاعر
ٌ
وفُوّهَ مصطكُّ اللهاتِين مُفحمُ ... إليكَ أميرَ المؤمنين توجُّهي
بوجهِ رجاءٍ عنده منكَ أنعُمُ ... إلى ماجدٍ يرجوه كل مُمَجّدٍ
عظيم ولا يرجوه إلا معظَّمُ ... ركبتُ إليه ظهْرَ شماء قفرةٍ
بها تُسرِجُ الأعداءُ خيلاً وتُلجِمُ ... وأشجارها ينعٌ، وأحجارها ظبى
وأعشابُها نبلٌ، وأمواهُها دمُ ... رميتُ فَيَافيها بكل نجيبةٍ
بنسبتها تعلُو الجذِيلُ وشَدْقَمُ ... تُجَاذِبنا فضلَ الأزِمّة بعدما
براهُنَّ موصولٌٌ من السَّيْر مبرمُ ... تساقيْنَ من خمر الدّلال مُدامةً
فلا هنَّ أيقاظٌ، ولا هنّ نوّمُ ... يطسن الحصى فِي جمْرة الَقْيظ بعدما
غدا يتبعُ الجبّار كلبٌ ومِرْزَمُ ... تلوح سباريت الفلا مُسطّراً
بأخفافها منه فصيحٌ وأعجمُ ... تخالُ ابيضاض القاعِ تحتَ احمرارها
قراطيسَ أوراق علاهنَّ عَنْدمُ ... فلما توسّطْن السماوةَ واغْتدَتْ
تلفّتُ نحو الدارِ شوْقاً وتُرزِمُ ... وأصبحَ أصحابي نَشَاوى من السُّرى
تدورُ عليهم كرمه وهو مفحمُ ... تنكَّر للخرّيت بالبِيد عُرْفُهُ
فلا عَلَمٌ يَعْلُو ولا النَّجم ينْجُمُ ... فظلَّ لإِفراط الأسَى متندمًا
وإنْ كان لا يُجدي الأسى والتَّنَدُّمُ ... يشوف الرُّغام ضلّة لهدايةٍ
ومن بالرُّغامِ يهتدي فهو يُرْغَِمُ ... يُناجي فِجاجَ الدّوِّ، والدّوِّ صامتٌ
فلا يسمعُ النَّجْوى، ولا يتكلّمُ ... على حين قال الظّبيُ، والظّلُّ قالصٌ
وإذ مدت الغبراء، فهي جهنَّمُ ... ووسع ميدانُ المنايا لخيلِهِ
وضاقَ مجالُ الريقِ والتحمَ الفمُ ... فوحشُ الرزايا بالرزية حُضّرٌ
وطيرُ المنايا بالمَنيَّةِ حُوَّمُ [ص:811]
فلما تبدَّت كربلاء وتبيَّنت ... قِبابٌ بها السِّبْط الشّهيد المكرَّمُ
ولذتُ به مستشفعاً مُتحرماً ... كما يفعل المستشفعُ المتحرِّمُ
فأصبح لي دون البرية شافعًا ... إلى مَن به مُعوجُّ أمري مُقوّم
أنخْتُ ركابي حيث أيقنت أنني ... بباب أميرِ المؤمنين مُخيّمُ
بحيث الأماني للأمان قسيمةٌ ... وحيثُ العطايا بالعواطفِ تقسَّمُ
منها:
عليك أمير المؤمنين تهجُّمي ... بنفسٍ على الجوْزاء لا تتهجَّمُ
تلوم أنْ تغشى الملوك لحاجةٍ ... ولكنها بي عنكَ لا تتلوَّمُ
فصُنْ ماءَ وجهي عن سِواك فإنّه ... مَصُونٌ يصوناه الحياءُ والتكرُّمُ
ألست بعبدٍ حُزْتني عن وراثةٍ ... له عندكم عهدٌ تقادَمَ مُحكمُ
ومثلي يُخب للفُتُوق ورِتقها ... إذا هز خطي، وجُرَّدَ مِخْذّمُ
فلا زلت للآمال تبقى مسلّماً ... وتنتابك الأملاك وهي تُسلّمُ
فحجّ وأتى المدينة وقام بين يدي الحجرة منشداً قصيدة بديعة يقول فيها:
إليك انتطينا اليعملات رواسمًا ... يجُبْنَ الفلا ما بين رضْوى ويذبُلِ
إلى خير من أطْرَتْهُ بالمدح ألسنٌ ... فصدَقها نصُّ الكتاب المُنَزَّلِ
إليك - رسول الله - قمتُ مُجمجماً ... وقد كل عن نقل البلاغةِ مِقولي
وأدهشني نورٌ تألقَ مشرقًا ... يلوحُ على سامي ضريحكَ من علِ
ثَنَتني عن مدحي لمجدك هيبة ... يراع لها قلبي ويرعد مفصلي
وعِلمي بأن الله أعطاك مِدحة ... مفصّلُها فِي مُجملاتِ المُفصّلٍ
ثم أحضر شيخ الحرم والخدّام، ووقف بين يدي الضّريح متمسكاً بسجف الحُجْرة، وقال: اشهدوا أن هذا مقامي مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد دخلتُ عليه متشفعاً به إلى ابن عمه أمير المؤمنين فِي رد وديعتي. فأعظم الناس هذا وبكوا، وكُتب بصورة ما جرى إلى الخليفة.
ولما كان الرَّكب فِي الطريق خرج عليهم أَحْمَد بن حجي بن بُريد من آل مُرِّي يريد نهب الرَّكْب، فوقع القتال وكادوا يظفرون بأمير الحاجّ، فجاء [ص:812]
النّاصر يشق الصفوف، وكلَّم أَحْمَد بن حجي، وكان أَبُوهُ حجي صاحبًا للناصر وله عليه أيادٍ، فانقاد له. ثم جاء النّاصر ونزل بالحلة، وقُرِّر له راتبٌ يسير، ولم يحصل له مقصود. فجاء إلى قرقسياء ومنها إلى تِيه بني إسرائيل، وانضم إليه عربان، وذلك فِي أوائل سنة ستٍّ هذه، أو قُبيل ذلك، فخاف المغيث منه فراسله وأظهر له المَوَدّة، وخدعه المغيث إلى أن قبض عليه وعلى من معه من أولاده، وحبسه بطور هارون، فبقي به ثلاث ليالٍ. واتفق أن المستعصم بالله دهمه أمرُ التّتار فنفَّذ إلى صاحب الشّام يستمدُّه، ويطلب منه جيشًا يكون عليهم النّاصر دَاوُد، فبعث صاحب الشّام الملك النّاصر يطلب النّاصر من المغيث، فاخرجه المغيث، فقدِم دمشقَ ونزل بقرية البُويْضا بقرب البلد، وأخذ يتجهَّز للمسير، فلم ينْشب أنْ جاءت الأخبار بما جرى على بغداد، فلا قوة إلا بالله. وعرض طاعونٌ بالشّام عقيب ما تم على العراق، فطُعن النّاصر في جنْبه.
قال ابن وصل: وكثُر الطاعون بالشّام مع بُعْد مسافة بغداد، حكى جالينوس أنه وقعت ملحمة فِي بلاد اليونان فوقع الوباء بسببها فِي بلاد النوبة مع بُعد المسافة.
قال ابن واصل: حكى لي عَبْد الله بن فضل أحد ألزام النّاصر داود قال: اشتدّ الوباء فتسخّطنا به، فقال لنا النّاصر: لا تفعلوا، فإنه لما وقع بعَمَواس زمن عُمَر رضي الله عَنْهُ قال بعض الناس: هذا رجز. فذكر الخبر بطوله، وأن مُعاذًا قال: اللهم أدْخل على آل مُعاذ منه أوْفى نصيب. فمات مُعاذ وابنُه. ثم ابتهل النّاصر وقال: اللهم اجعلنا منهم وارزُقنا ما رزقتهم. ثم أصبح من الغد أو بعده مطعونًا. قال عَبْد الله: وكنت غائبًا فجئت إليه وهو يشكو ألمًا مثل طعن السِّيف فِي جنْبه الأيسر.
قال ابن واصل: وحُكى لي ولدهُ المظفَّر غازي أن أَبَاهُ سكن جنبه الأيسر فنام، ثم أنتبه فقال: رَأَيْت جنْبي الأيسر يقول للأيمن: أَنَا صبرت لنوبتي، والليلة نوبتك، فاصبِر كما صبرْت. فلما كان عشيةً شكا ألَمًا تحت جنْبه الأيمن، وأخذ يتزايد، فبينما أَنَا عنده بين الصلاتين وقد سقطت قواه، إذْ أخذته سنةٌ فانتبه وفرائصُه ترعد، فقال لي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم والخِضر عليه السلام، فدخلا إلي، وجلسا عندي، ثم انصرفا. فلما كان فِي آخر النهار قال: ما بقي فِي رجاء، فتهيأ فِي تجهيزي. فبكيتُ وبكى الحاضرون، فقال: لا تكن [ص:813]
إلا رجلًا. لا تعمل عمل النساء. وأوصاني بأهله وأولاده، ثم قمت فِي الليلة فِي حاجة، فحدّثني بعضُ من تركتُه عنده من أهله أنه أفاق مرعوبًا فقال: بالله تقدَّموا إلى فإني أجد وحشةً. فسُئل: ممَّ ذلك؟ فقال: أرى صفًا عن يميني فيهم أَبُو بَكْر وسعد وصُورهم جميلة، وثيابهم بيض، وصفًا عن يساري صُورهم قبيحة فيهم أبدان بلا رؤوس، وهؤلاء يطلبوني، وهؤلاء يطلبوني، وأنا أريد أروح إلى أهل اليمين. وكلما قال لي أهل الشمال مقالتهم قلت: والله ما أجيء إليكم، خلوني، ثمّ أغفى عنه إغفاءةً، ثم استيقظ وقال: الحمد لله خلصت منهم.
قلت: وذكر أَنَّهُ رَأَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد جاء وجلس عنده. ثم قال: ما بقي في رجاء، وقال لابنه شهاب الدين غازي: تهيأ فِي تجهيزي، فبكى فثبته وقال: لا تغيِّر هيئتك.
وتُوُفّي ليلة الثامن والعشرين من جُمادى الأولى. وركب السُّلطان إلى البُوَيْضا، وأظهر التّأسُّف عليه والحُزْن، وقال: هذا كبيرنا وشيخنا. ثم حُمِل إلى تُربة والده بسفح قاسيون. وكانت أمه خُوارزميّة عاشت بعده مدة.
وكان جوادًا مُمَدَّحاً. ولم يزل فِي نَكَدٍ وتعب لأنه كان ضعيف الرّأي فيما يتعلق بالمملكة. وكان مُعْتنياً بتحصيل الكُتُب النفيسة، وتفرَّقت بعد موته، وقد وفد عليه راجح الحِلّي الشاعر وأمتدحه، فوصل إليه منه ما يزيد على أربعين ألف درهم، أعطاه على قصيدةٍ واحدةٍ ألفَ دينار. وأقام عنده الخُسْروشاهي، فوصله بأموالٍ جمَّة.
قال أَبُو شامة: تملك النّاصر دمشق بعد أَبِيهِ نحوًا من سنة، ثم اقتصر له على الكَرَك وأعماله. ثم سُلِبَ ذلك كله - كما سُلِبه الإسكندر بن فيلبس - وصار متنقلًا فِي البلاد، موكَّلاً عليه، وتارة فِي البراري إلى أن مات موكَّلاً عليه بالبُوَيْضا قِبْلِي دمشق، وكانت لعمه مُجير الدين ابن العادل. صُلِّي عليه عند باب النصر، ودُفِن عند أَبِيهِ بدَيْر مُرَّان.
قلت: وقد روى عَنْهُ الدمياطي حديثًا وقصيدة، فقال: أخبرنا العلاّمة الفاضل الملك الناّصر. [ص:814]
وقال ابن واصل: عُمُرُهُ نحو ثلاثٍ وخمسين سنة، وكان قد استولى عليه الشَّيْب استيلاء كثيراً.(14/804)
262 - رُكْن الدين ابن الدُّوَيْدار الكبير، من كبار دّولة المستعصم، واسمه عبد الله بن ألطَّبرس. [المتوفى: 656 هـ]
كان شابًا مليحًا، شجاعًا، كريما. استشهد فِي ملتقى جيش هولاكو في المحرَّم.(14/814)
263 - زُهير بن مُحَمَّد بن علي بن يحيى بن الْحَسَن بن جَعْفَر الأديب البارع، الصاحب، بهاء الدين، أَبُو الفضل، وأبو العلاء الأَزْدِيّ، المُهلَّبي، الْمَكِّيّ، ثم القُوصي، الْمَصْرِيّ، الشاعر، الكاتب. [المتوفى: 656 هـ]
وُلِد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة بمكّة. وسمع من: علي بن أَبِي الكرم البناء، وغيره. له " ديوان " مشهور. تقدَّم عند الملك الصالح نجم الدين وكتب له الإنشاء.
ذكره قُطْبُ الدين فقال: وُلد بوادي نخله بالقُرب من مكة، ورُبّي بالصعيد، وأحكم الأدب. وكان كريمًا فاضلًا، حَسَن الأخلاق، جميل الأوصاف. خدم الصالح، وسافر معه إلى الشرق، فلما مَلَك الصالح ديارَ مصر بلغه أرفع المراتب، ونفذه رسولًا إلى الملك النّاصر صاحب حلب يطلب منه أن يسلم إليه عمه الصالح إِسْمَاعِيل، فقال: كيف أُسَيِّرهُ إليه وقد استجار بي وهو خال أَبِي ليقتله؟ فرجع البهاء زُهير بذلك، فعظُم على الصالح نجم الدين، وسكت على حنق.
ولما كان مريضًا على المنصورة تغيَّر على البهاء زُهير وأبعده، لأنه كان كثير التّخيُّل والغضب والمعاقبة على الوهْم، ولا يقيل عثْرة، والسيئة عنده لا تغفَر.
واتصل البهاءُ بعده بخدمة النّاصر بالشّام، وله فِيه مدائح، ثم رجع إلى القاهرة ولزِم بيته يبيع كُتُبه وموجوده. ثم انكشف حاله بالكُليّة، ومرض أيّام الوباء ومات. وكان ذا مروءة وعصبيّةٍ ومَكارم.
قلت: روى عَنْهُ الشهاب القُوصي عدة قصائد، والدّمياطي، وغيرهما. [ص:815]
وقد استعمل الأغاني شِعْره. وهذه الأبيات له:
أغُصْنَ النِّقا لولا القوامُ المُهفْهفُ ... لما كان يهواك المُعَنَّى المُعنَّفُ
ويا ظبي لولا أنّ فيك محاسِنًا ... حَكَيْن الَّذِي أهوى لما كنتَ تُوصف
وله:
يا من لعبت به شمول ... ما أحسن هذه الشمائل
وهي أبيات سائرة.
ومن شعره:
كيفَ خَلاصي من هَوّى ... مازَجَ روحي فاختلطْ
وتائه أقبض فِي ... حُبّي له وما انبسطْ
يا بدرُ إنْ رُمْت تشبُّهاً ... به رُمتْ شطط
ودعْه يا غصنَ النَّقا ... ما أنتَ من ذاك النَّمطْ
لله أي قلم ... لواو ذاك الصُّدْغ خَطْ
ويا لهُ من عجبٍ ... فِي خدّه كيف نقطْ
يمرُّ بي مُلتفِتاً ... فهل رأيت الظَّبي قطّ
ما فيه من عيب سوى ... فُتُور عينيْه فقَطْ
يا قَمَرَ السَّعدِ الذي ... نجمي لديه قد هبط
ومانعي حلو الرضا ... ومانحي مُرَّ السَّخطْ
حاشاك أنْ ترضى بأنْ ... أموتَ فِي الحب غَلَطْ
ومن شعره:
رُويدك قد أفنيتَ يا بيْنُ أدْمعي ... وحَسْبُك قد أحرقتَ يا شوقُ أضْلُعي
إلى كم أقاسي فرقه بعد فرقةٍ ... وحتى متى يا بين أنت مَعِي مَعِي
لقد ظلمتَني واستطالت يدُ النَّوى ... وقد طمعت في جانبي كل مطمعِ
فيا راحلًا لم أدرٍ كيف رحيلُهُ ... لما راعني من خطْبه المتسرّعِ
يلاطفُني في القول عند وداعِهِ ... ليُذْهِب عني لوعتي وتفجُّعي
ولما قضى التوديعُ فينا قضاءُه ... رجعتُ ولكنْ لا تسلْ كيف مرجعي [ص:816]
جزى الله ذاك الوجه خير جزائه ... وحيته عنّي الشمس في كل مطْلع
لحى الله قلبي هكذا هُوَ لم يزلْ ... يحنُّ ويَصْبُو ولا يفيق ولا يعي
وله:
قل الثقات فلا تركن إلى أحدٍ ... فأسعد الناس من لا يعرف الناسا
لم ألقَ لي صاحبًا في الله صحبتُهُ ... وقد رأيت وقد جربت أجناسا
توفي البهاء زهير فِي خامس ذي القعدة بالقاهرة، وكان أسودَ صافيا.
ومن شعره:
تعالَوا بنا نطْوي الحديثَ الَّذِي جرى ... فلا سمع الواشي بذاك ولا دَرَى
ولا تذكروا الذَّنْب الَّذِي كان فِي الهوى ... على أنه ما كان ذنبًا فيُذكرا
لقد طال شرحُ القيلِ والقالِ بيننا ... وما طال ذاك الشُّرْحُ إلا ليقْصُرا
من اليوم تاريخ المودة بيننا ... عفا الله عن ذاك العتاب الَّذِي جرى
فكم ليلة بتْنا وكم بات بيننا ... من الأنس ما يُنسى بهِ طيبُ الكَرَى
أحاديث أحلى فِي النفوس من المُنَى ... وألطف من مرّ النّسيم إذا سرى
وقال: ذهبت فِي الرسلية عن الصالح إلى الموصل، فجاء إلي شرف الدّين أحمد ابن الحُلاوي ومدحني بقصيدةٍ، فأجاد ومنها:
تجيزُها وتجيز المادحيك بها ... فقُلْ لنا: أزُهير أنتَ أمْ هرِمُ
عنى زُهير بن أَبِي سُلْمى وممدوحه هَرِم بن سِنان المُزَني، ولزهير فيه مدائح سائرة، وكان أحد الأشراف.(14/814)
264 - سعد، ويقال: مُحَمَّد، بن عَبْد الوهاب بن عبد الكافي ابن شَرَف الإِسْلَام عَبْد الوَهَّاب ابن الشَّيْخ أَبِي الفَرَج عبد الواحد بن محمد ابن الحنبلي، أَبُو المعالي الأَنْصَارِيّ، الشيرازي الأصل، الدمشقي، الحنبلي، الواعظ، الأطروش. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد فِي صَفَر سنة ثمانٍ وسبعين وخمسمائة بدمشق، وسمع من: يحيى الثُّقفي، وأجاز له: أَبُو الْعَبَّاس الترك، والحافظ أَبُو مُوسَى المَديني، وجماعة، وخرج له: جمال الدّين ابن الصّابوني جزءاً عنهم.
روى عَنْهُ القُدماء، ولا أعلم أحدًا روى لي عنه. وكان عالي الإسناد، [ص:817]
لكنّه يُغْرِب. وتُوُفي بِبلْبيِس فِي ثاني عشر ذي الحجة، ويكني أيضًا أَبَا اليُمْن.(14/816)
265 - سُلَيْمَان بن عَبْد المجيد بن الْحَسَن بن أَبِي غالب عَبْد الله بن الحسن بن عبد الرحمن، الأديب البارع، عونُ الدين ابن العجمي، الحلبي، الكاتب. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد سنة ستِّ وستمائة، وسمع من: الافتخار الهاشمي، وجماعة.
روى عَنْهُ: الدمياطي، وفتحُ الدين ابن القيْسراني، ومجد الدين العقيلي الحاكم.
وكان كاتبًا مترسلًا، وشاعرًا محسِناً، ولي الإوقاف بحلب، ثم تقدَّم عند الملك النّاصر، وحظي عنده، وصار من خواصه. وولي بدمشق نظر الجيش، وكان متأهلاً للوزارة، كامل الرياسة، لطيف الشمائل.
ومن شِعره:
يا سائقًا يقطعُ البيْداء معتسفًا ... بضامرٍ لم يكن فِي السير بالواني
إنْ جزْتَ بالشّام شِمْ تلك البُرُوق ولا ... تعدلْ، بلغتَ المُنى، عن ديرِ مُرّانٍ
واقصد عوالي قَصور فِيهِ تلْق بها ... ما تشتهي النَّفْسُ من حُورٍ ووِلْدانِ
من كل بيضاءَ هيْفاءَ القوام إذا ... ماستْ فوا خَجلة الخطي والبانِ
وكل أسمرٍ قد دان الجمالُ لهُ ... وكمّلَ الحُسْنُ فِيهِ فرْطَ إحسانِ
ورُبَّ صُدْغ بدا فِي الخد مُرسله ... فِي فترة فَتَنَتْ من سِحر أجفانِ
يا ليت وجنته وردي وريقته ... وَردي ومِن صُدغه آسي وريحاني
مات فِي نصف ربيع الأول بدمشق، وشيعه السُّلطان والأعيان، وكان فِيهِ سوء سيرة.(14/817)
266 - سيفُ الدين ابن صبْرة، والي دمشق. [المتوفى: 656 هـ]
مات في جمادى الأولى.(14/817)
267 - عَبَّاس بن أَبِي سالم بن عَبْد الملك، الفقيه، أَبُو الفضل الدمشقي الحنفي. [المتوفى: 656 هـ]
سمع من: حنبل، والافتخار الهاشمي. روى عَنْهُ: الدمياطي، وغيره.
ومات فِي جمادي الأولى بدمشق. ويروى عَنْهُ: علاء الدين علي ابن الشّاطبي، ورفيقه علي المعرّي، عاش ثمانين سنة.(14/818)
268 - عَبْد اللَّه ابْن الرَّضَى عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الجبار، أبو محمد المقدسي الحنبلي، [المتوفى: 656 هـ]
والد شيختنا زينب.
روى عن: دَاوُد بن ملاعب، وغيره. ومات كهْلاً فِي ربيع الأول.(14/818)
269 - عَبْد الله ابن قاضي القُضاة زين الدين علي بن يوسف بن عبد الله ابن بُنْدار، كمال الدين، أَبُو بَكْر الدمشقي، ثم الْمَصْرِيّ، الشافعي. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد سنة سبْع وتسعين بالقاهرة. وروى شيئًا يسيرًا.
وهو أخو المعين أَحْمَد، والشَّرف يوسف، تُوُفي فِي ثالث عشر شوال.(14/818)
270 - عَبْد الله المستعصم بالله، أَبُو أَحْمَد، أمير المؤمنين، الشهيد، ابن المستنصر بالله أَبِي جَعْفَر منصور ابن الظّاهر بأمر الله أبي نصر محمد ابن النّاصر لدين الله أَحْمَد الهاشمي العباسي، البغدادي، [المتوفى: 656 هـ]
رحمه الله تعالى.
آخر الخلفاء العراقيين.
وكان ملكهم من سنة اثنتين وثلاثين ومائة إلى هذا الوقت.
وُلد أبو أحمد سنة تسعٍ وستمائة، وبُويع بالخلافة فِي العشرين مِنْ جمادى الأولى سنة أربعين، والأصح أَنَّهُ بويع بعد موت والده في عاشر شهر جمادى الآخرة.
وكان مليح الخطّ، قرأ القرآن عَلَى الشَّيْخ عليّ ابن النيار الشّافعيّ، وعُمِلت دعوةٌ عظيمةٌ وقْت ختْمه، وخُلع عَلَى الشَّيْخ، وأُعطي مِن الذهب العِين ستة آلاف دينار. ويوم خلافته بلغت الخِلع ثلاثة عشر ألف خِلْعة وسبعمائة [ص:819]
وخمسين خِلْعة. وأجاز له: على يد ابن النّجّار: المؤيد الطُّوسي، وأبو روْح الهَرَوي، وجماعة.
سَمِعَ منه شيخه الَّذِي لقنه القرآن أبو الحسن علي ابن النيار، وحدَّث عَنْهُ. وروى عَنْهُ الإجازة فِي خلافته: محيي الدين يوسف ابن الجوْزي، ونجم الدّين عبد الله الباذرائي. وروى عَنْهُ بمَرَاغَة: ولدهُ الأميرُ مبارك.
وكان كريمًا حليمًا، سُلَيْم الباطن، حَسَن الديانة.
قَالَ الشَّيْخ قطْب الدين: كَانَ متدينًا متمسكًا بالسُّنَّة كأبيه وجده، ولكنه لم يكن عَلَى ما كَانَ عليه أبوه وجده النّاصر مِن التّيقُّظ والحزْم وعُلُوّ الهمة. فإن المستنصر بالله كَانَ ذا همّةٍ عالية، وشجاعةٍ وافرة، ونفْسِ أبيَّة، وعنده إقدام عظيم. استخدم مِن الجيوش ما يزيد عَلَى مائة ألف. وكان لَهُ أخ يُعرف بالخَفَاجي يزيد عَلَيْهِ فِي الشهامة والشجاعة، وكان يَقُولُ: إنْ ملّكني الله الأمر لأعبُرَنَّ بالجيوش نهر جيْحُون وانتزع البلاد مِن التّتار واستأصلهم.
فلمّا تُوُفي المستنصر لم يرَ الدّويْدار والشرابي والكبار تقليدَ الخَفَاجي الأمر، وخافوا منه، وآثروا المستعصم لما يعلمون من لينه وانقياده وضعْف رأيه، ليكون الأمر إليهم. فأقاموا المستعصم، ثُمَّ رَكَن إلى وزيره ابن العلقمي، فأهلك الحرْث والنَّسل، وحسَّن لَهُ جمْع الأموال، والاقتصار عَلَى بعض العساكر، وقطْع الأكثر. فوافقه عَلَى ذَلِكَ. وكان فيه شحٌّ، وقلة معرفة، وعدم تدبير، وحبٌّ للمال، وإهمال للأمور. وكان يتكل عَلَى غيره، ويُقدم عَلَى ما لَا يليق وعلى ما يُستقبح. ولو لم يكن إلّا ما فعله مَعَ النّاصر دَاوُد فِي أمر الوديعة.
قلت: وكان يلعب بالحَمَام، ويُهمل أمر الإسلام، وابنُ العَلْقَمي يلعب بِهِ كيف أراد، ولا يُطلعه عَلَى الأخبار. وإذا جاءته نصيحةٌ فِي السر أطلع عليها ابن العَلْقَمِي ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.
فحكى جمال الدين سليمان بْن عَبْد الله بْن رطلين قَالَ: جاء هولاوو فِي نحو مائتي ألف، ثُمَّ طلب الخليفة، فطلع ومعه القُضاة والمدرسون والأعيان في نحو سبعمائة نفس، فلمّا وصلوا إلى الحربية جاء الأمر بحضور الخليفة ومعه [ص:820]
سبعة عشر نفْساً، فاتفق أن أَبِي كَانَ أحدهم، فحدثني أنهم ساقوا مَعَ الخليفة، وأنزلوا مِنْ بقي عَنْ خيْلهم، وضربوا رقابهم. ووقع السيف فِي بغداد، فعمل القتْلُ أربعين يومًا. وأنزلوا الخليفة فِي خيمةٍ صغيرة، والسبعة عشر فِي خيمة. قَالَ أبي: فكان الخليفة يجيء إلى عندنا كل ليلةٍ ويقول: ادعوا لي. قال: فاتفق أَنَّهُ نزل عَلَى خيمته طائرٌ، فطلبه هولاوو وقال: أيش عملُ هذا الطائر؟ وأيْش قَالَ لك؟
ثُمَّ جرت لَهُ محاوراتٌ معه ومع ابن الخليفة أبي بَكْر. ثُمَّ أمر بهما فأُخرجا، ورفسوهما حتّى ماتا، وأطلقوا السَّبعة عشر، وأعطوهم نشابة، فقُتل منهم رجلان وطلب الباقون بيوتهم فوجدوها بلاقع. فأتوا المدرسة المُغيثيَّة، وقد كنتُ ظهرتُ فبقيتُ أسأل عَنْ أَبِي، فدُللت عَلَيْهِ، فأتيتُه وهو ورفاقه، فسلمت عليهم، فلم يعرفني أحدٌ منهم، وقالوا: ما تريد؟ قلت: أريد فخْر الدين ابن رطلين. وقد عرفتُه، فالتفت إلى وقال: ما تريد منه؟ قلت: أَنَا ولده. فنظر إلى وتحقَّقني، فلمّا عَرَفني بكى، وكان معي قليل سمْسِم فتركته بينهم. وأقمنا هناك إلى صفَر، إلى أن رُفع السّيف، فأتيا دار فخر الدّين أحمد ابن الدّامَغَانيّ صاحب الديوان، وقد أراد ابن العلْقمي أن يضرّه فنفعه، فقال لهولاكو: هذا يعرف أموال الخليفة وذخائره وأموره، وهذا كَانَ يتولاها. فقال: إذا كَانَ الخليفة اختاره لنفسه فأنا أوْلى أن أوليه. وكتب لَهُ الفَرَمان، وقال للوزير: لَا تفعل شيئًا إلّا بموافقته. ثُمَّ إن ابن العَلْقَمِيّ عمل على أن لا يخطب بالجوامع، ولا تصلّى الجماعة، وأن يبني مدرسة عَلَى مذهب الشيعة فلم يحصل له أملُه، وفُتحت الجوامع، وأقيمت الجماعات. وحدثني أَبِي فخر الدين قَالَ: كَانَ قد مشى حال الخليفة بأن يكون للتتار نصف دخْل البلاد، وَمَا بقي شيء أن يتم ذَلِكَ، وإنما الوزير ابن العلْقمي، قَالَ: ما هذا مصلحة، والمصلحة قتْله، وإلاّ ما يتمّ لكم ملْك العراق.
قلت: تُوُفّي الخليفة فِي أواخر المحرَّم أوْ فِي صَفَر، وَمَا أظنه دفن، فإنا لله وإنا إِليْهِ راجعون. وكان الأمر أعظم مِنْ أن يوجد مؤرّخٌ لموته، أوْ مُوارٍ لجسده. وراح تحت السيف أممٌ لَا يحصيهم أحد إلّا الله، فيقال: إنهم أكثر مِنْ ألف ألف، واستغْنت التّتار إلى الأبد، وسبوا مِن النساء والولدان ما ضاق بِهِ الفضاء. وقد بينا ذَلِكَ فِي الحوادث. وقتلوا الخليفة خنْقاً، وقيل: غمّوه فِي [ص:821]
بساطٍ حتى مات. والأشهر أَنَّهُ رُفس حتى خرجتْ روحه.
وحكى جمال الدين ابن رِطلين، عن أبيه، قَالَ: أخذوا الخليفة ليقتلوه، وكان معه خادم يقال لَهُ قُرُنْفُل، فألقى عَلَيْهِ نفسه يَقِيه مِن القتْل، فقتلوا الخادم، وعادوا إلى رفْس الخليفة حتى مات. وكانوا يسمونه: الأبْلَه.
وحدثني شيخنا ابن الدباهي قَالَ: لمّا بقي بين التّتار وبين بغداد يومين أعلم الخليفة حينئذ فقال: عدْلين يروحون يُبْصرون إنْ كَانَ هذا الخبر صحيح. ثُمَّ طلب والدي، فحضر إلى بين يديه وطلب منه الرأيَ: وقال: كيف نعمل؟ فصاح والدي وقال: فات الأمر كنتم صبرتم زاده.
وفي " تاريخ " الظهير الكازروني أن المستعصم دخل بغداد بعد أن خرج إلى هولاكو، فاخرج لهم الأموال، ثمّ خرج في رابع صفر، وشرع السيف في البلد في خامس صفر، وقتل الخليفة يوم الأربعاء رابع عشر صفر. قيل: جُعِل في غرارة ورُفِس إلى أن مات. ثُمَّ دُفن وعُفي أثَرُه. وقد بلغ ستًا وأربعين سنة وأربعة أشهر.
وقُتِل ابناه أحمد وعبد الرَّحْمَن، وبقي ابنه الصغير مبارك، وأخَواته فاطمه، وخديجة، ومريم، فِي أسْر التّتار.
ورأيت فِي " تاريخ ابن الكازروني " أن الخليفة بقي أربعة أيام عند التّتار، ثُمَّ دخل بغداد ومعه أمراء مِن المُغْل والنصير الطُّوسي، فأخرج إليهم مِن الأموال والجواهر والزَّركش والثياب والذخائر جُملةً عظيمة، ورجع ليومه، وقُتل فِي غِرارة، وقُتل ابنُهُ أحمد وعُمُرُه خمسٌ وعشرون سنة، وعُمر أخيه عَبْد الرحمن ثلاثٌ وعشرون سنة، ولكلِّ منهما أولاد أُسِروا، وقُتل عددٌ مِنْ أعمام الخليفة وأقاربه.(14/818)
271 - عَبْد الباري بْن عَبْد الرَّحْمَن، أبُو محمد الصَّعِيدي، المقرئ المجود. [المتوفى: 656 هـ]
قرأ بالروايات عَلَى: أبي القاسم بْن عيسى، وغيره. وصنف فِي القراءات، [ص:822]
وتصدَّر بالمدرسة الحافظيَّة بالإسكندرية، وأخذ عَنْهُ الطَّلبة. وكان مُقرئًا، صالحًا.
تُوُفّي فِي خامس ذي الحجّة. وقد روى لنا ولده أبُو بَكْر عَنْ سِبْط السِّلفي.(14/821)
272 - عَبْد الحق بْن مكّيّ بْن صالح بْن عليّ بْن سلطان، المحدث عَلَمُ الدين، أبو محمد القُرشي، الْمَصْرِيّ، الشّافعيّ، المعروف بابن الرصاص. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة، وسمع الكثير من: أبي عبد الله محمد بن البنّاء الصُّوفيّ، وعبد الرَّحْمَن بْن عَبْد الله، وابن المفضَّل الحافظ، وعبد الله العثماني، ومن بعدهم. وكتب بخطه. وعُني بالحديث وحصل الأُصُول، وحدَّث باليسير.(14/822)
273 - عَبْد الرَّحْمَن بْن رَزِين بْن عَبْد الله بْن نصر، الإمام سيفُ الدين، أبو الفرج الغسّاني، الحوْراني، الحَنْبليّ، [المتوفى: 656 هـ]
نزيل بغداد.
أخذ المُذْهب عَنْ: محيي الدين ابن الجوْزي. واختصر " الهداية " لأبي الخطاب وحرره.
قُتل في كائنة بغداد في صفر.(14/822)
274 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد المنعم بْن نِعمة بن سُلطان بن سُرور بن رافع، الفقيه، الإمام، جمال الدين، أبو الفَرَج النابلسي الحنبلي. [المتوفى: 656 هـ]
والد شيخنا شهاب الدين العابر، وفخر الدين علي.
وُلد سنة أربع وتسعين وخمسمائة. وسمع بالقدس مِنْ: أبي عَبْد الله محمد بن البنّاء، وبنابلس مِن البهاء. وبدمشق مِنْ الكنْدي، والموفَّق. وحضر ابن طبرْزد.
روى لنا عَنْهُ: أحمد بن ياقوت المقرئ. وكان فقيهًا دينًا، لَهُ شعرٌ حَسَن، وتُوُفّي فِي ذي القِعْدة.(14/822)
275 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن إبراهيم بْن إسماعيل بْن منصور، الشَّيخ زين الدين، أبو الفَرَج السَّعْدي، المقدسي، النابلسي، الحَنْبليّ. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد سنة ثمانٍ وتسعين ظنًا. وحدث عن: ابن طبرْزد، وأبي اليُمْن الكِنْدي. روى عَنْهُ: ابن الخباز، والدمياطي، وجماعة. ومات فِي ثالث جمادى الأولى.
سمعنا مِنْ بناته.(14/823)
276 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُهنّا بْن سُلَيْم بْن مخلوف، أبو القاسم القُرشي، الإسكندراني، المالكي، المؤدّب. [المتوفى: 656 هـ]
سمع: عبد الرحمن بن موقى، وأبا الفتوح البكْري.
وسَليم: بفتح أوله.
تُوُفّي في ذي القعدة.(14/823)
277 - عبد الرحمن ابن الصّاحب محيي الدّين يوسف ابن الإمام أبي الفَرَج عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ، الصَّدْرُ جمال الدّين، أبو الفرج ابن الجوْزي، [المتوفى: 656 هـ]
محتسب بغداد.
وُلد سنة ستٍّ وستمائة، وسمع مِنْ: عَبْد العزيز بْن منينا. وترسَّل عن الخليفة إلى مصر. ووعظ وحدّث.
قُتل مَعَ والده فِي صَفَر. وكان مِنْ كُبراء بغداد وأعيانها.(14/823)
278 - عَبْد الرحيم بْن الخَضِر بْن المُسلّّم، أبو محمد الدّمشقيّ العطار. [المتوفى: 656 هـ]
حدَّث عَنْ: حنبل المكبر، وتُوُفّي فِي جمادى الأولى.
كتب عنه: الجمال ابن الصّابوني، والقُدماء.(14/823)
279 - عَبْد الرحيم بْن نصر بْن يوسف، الإمام، الزّاهد، المحدّث، صدرُ الدين أبو محمد البعْلبكي الشَّافعي، قاضي بعلْبكّ. [المتوفى: 656 هـ]
قَالَ الشَّيْخ قطْبُ الدين: كَانَ فقيهًا عالِمًا، زاهدًا، جوادًا، كثير البِرّ، مقتصدًا فِي ملْبسه، ولم يقْتنِ دابة. وكان رحمه الله يقوم اللَّيْلَ، ويُكثر الصوم، ويحمل العجين إلى الفُرن ويشتري حاجته، وله حُرْمة وافِرة. وكان يخلع عَلَيْهِ بطيْلسان دون مَن تقدمه مِنْ قُضاة بَعْلَبَكّ. وكان ورِعاً مُتحريّاً، شديد التَّقوى، سريع الدّمعة. لَهُ يدٌ فِي النَّظْم والنَّثْر. تفقّه بدمشق على الشّيخ تقي الدّين ابن الصّلاح. وسمع مِنْ: التاج الكِنْدي، والشيخ الموفَّق، وجماعة. ومات فِي تاسع ذي القِعْدة.
وقال الصّاحب أبو القاسم ابن العديم فِي " تاريخه ": عَبْد الرحيم بْن نصر بْن يوسف بْن مبارك أبو محمد الخالدي البعْلبكي قاضي بعْلبكّ، رَجُل ورع، فقيه. صحِب الشَّيْخ عَبْد الله اليُونيني، وتخرج بِهِ، وتفقه. وسمع من: شيخنا ابن رواحة، ومن غيره. وحدّثنا بحديثٍ واحد بمنزله ببعْلبكّ، قال: أخبرنا ابن رواحة، قال: أخبرنا السِّلفي، فذكر ابن العديم حديثًا.
وقال الْفَقِيهُ عَبْد المُلْك المَعَرّي: ما رَأَيْت قاضيًا مكاشفًا إلّا القاضي صدر الدين، وذكر حكاية.
وقال خطيب زمْلكا: تُوُفّي صدر الدين وهو فِي السَّجدة الثانية مِن الرَّكعة الثالثة مِن الظُّهر. سجدها وكان يصلي بالمدرسة إمامًا، فانتظره منْ خلْفه أن يرفع رأسه، ثمّ رفعوا رؤوسهم وحركوه فوجدوه قد مات؛ هكذا ذكره ابن العديم.
وقد رثاه القاضي شرفُ الدّين ابن المقدسي بقوله:
لفقدك صدر الدّين أضْحتْ صُدُورُنا ... تضيق، وجاز الوجْدُ غايةَ قدرِهِ
ومن كَانَ ذا قلْبٍ عَلَى الدين مُنْطَوٍ ... تفتَّت أشجانًا عَلَى فقْد صدرِه(14/824)
280 - عَبْد الرَّحيم بْن أبي القاسم بن يوسف بن موقى الدّمشقي، الحنفي. [المتوفى: 656 هـ][ص:825]
حدَّث عَنْ: أبي اليُمْن الكِنْدي، وتُوُفّي فِي المحرَّم.(14/824)
281 - عَبْد الرشيد بْن محمد بْن أبي بكر، الشّيخ المعمَّر، رشيدُ الدّين النّهاوَنْدي، الصّوفي، ويُسمّى مسعوداً. [المتوفى: 656 هـ]
روى عَنْ: ثابت بْن تاوان شِعراً، وتُوُفّي فِي رمضان عَنْ مائةٍ وأربع عشرة سنة فيما ذُكر.(14/825)
282 - عَبْد العزيز بْن عَبْد الوهّاب بْن بيان بْن سالم بْن الخَضِر، الأستاذ أبو الفَضْلِ الكفْرطابي، ثُمَّ الدّمشقيّ، القواس، الرامي. [المتوفى: 656 هـ]
وُلِد ليلة عيد الفِطْر سنة سبْع وسبعين وخمسمائة. وسمع مِنْ: يحيى الثَّقَفيّ عدة أجزاء، وطال عُمُرُه وكاد أن ينفرد.
روى عَنْهُ: أبو علي ابن الخلاّل، والنَّجم ابن الخباز، وأحمد بْن عُبادة الأنصاريّ، والشيخ عليّ الغزّاوي، ومحمد ابن الزّرّاد، وأبو الحسن عليّ الكِنْدي، وأبو الفداء ابن عساكر، والخطيب شرف الدّين الفَزَاري، وجماعة سواهم.
ومات في الحادي والعشرين من شوّال، ودُفن بقاسيون.(14/825)
283 - عَبْد العزيز بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن صُدَيْق، أبو العِز الحراني، المؤدب، وهو بكنيته أشهر. ومن ثمَّ سُمّي أيضًا ثابتًا. [المتوفى: 656 هـ]
سَمِعَ مِنْ: أبي ياسر عَبْد الوهاب بن أبي حبّة.
روى عنه: الشيخ شمس الدين عبد الرحمن مع جلالته وتقدُّمه، والدّمياطي، والتّقي أحمد ابن العِز إبراهيم، والقاضي تقي الدين سليمان، وابن أخيه حمزة، والشّرف محمد ابن رُقيّة، والنَّجم إسماعيل ابن الخباز، والشمس محمد بْن الزراد، والنَّجم محمود ابن النُّميْري الكفْربَطْناني، ومحمد ابن الزَّين إبراهيم بن القوّاس. [ص:826]
توفّي فِي حادي عشر جُمَادَى الأولى. ودُفن بقاسيون. ومولده وسماعه بحران.(14/825)
284 - عَبْد العزيز بْن محمد، الشّيخ المحدّث، تقي الدّين القحيطي، القهرمي البغدادي. [المتوفى: 656 هـ]
سمع من: ابن الجازر، والكاشْغري، وابن الخير، وعجيبة، وعدد كبير. وكتب وعلَّق فِي السُّنّة. وكان مِنْ فُضلاء بغداد.
قُتل ببغداد سنة ستٍّ رحمه الله. سمع منه: علي ابن البنْدنيجي شيخنا فِي " مُسند ابن راهَويْه ".(14/826)
285 - عَبْد العظيم بْن عَبْد القويّ بْن عَبْد اللَّه بْن سلامة بْن سَعْد بْن سَعِيد، الحافظ الإمام، زكي الدين، أبُو محمد المُنْذِري، الشّامي، ثمّ الْمَصْرِيّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 656 هـ]
وُلِد فِي غُرّة شَعْبان سنة إحدى وثمانين وخمسمائة بمصر. وقرأ القرأن عَلَى حامد بْن أحمد الأرْتاحي. وتَفَقَّه عَلَى أَبِي القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن محمد القُرشي. وتأدَّب عَلَى: أَبِي الحُسَيْن يحيى النَّحْوي. وسمع مِنْ: أبي عَبْد الله الأرْتاحي، وعبد المُجيب بْن زُهير، وإبراهيم بْن البتيت، ومحمد بن سعيد المأموني، والمطهر بن أبي بكر البيهقي وربيعة اليمني الحافظ، وأبي القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللّه، وأبي الجود غياث بن فارس، والحافظ ابن المفضَّل وبه تخرَّج وهو شيخه. وبمكة مِنْ يونس الهاشمي، وأبي عبد الله ابن البنّاء. وبطيبة مِنْ: جعفر بْن محمد بْن آموسان، ويحيى بْن عقيل بْن رفاعة. وبدمشق مِنْ: عمر بن طبرْزَد، ومحمد بن وَهْب بن الزنف، والخضِر بن كامل، وأبي اليُمْن الكنْدي، وعبد الجليل بْن منْدويْه، وخلْق. وسمع بحران، والرُّها، والإسكندرية، وأماكن. وخرج لنفسه " معجمًا " كبيرًا مفيدًا، سمعناه.
روى عَنْهُ: الدمياطي، والشريف عزَّ الدين، وأبو الحُسَيْن ابن اليُونيني، والشّيخ محمد القزّاز، والفخر إسماعيل ابن عساكر، وعلمُ الدين سنْجر الدواداري، وقاضي القُضاة تقي الدّين ابن دقيق العِيد، وإسحاق ابن الوزيري، والأمين عبد القادر الصَّعبي، والعماد محمد ابن الجرائدي، والشهاب أحمد بْن [ص:827]
الدّفُوفي، ويوسف الختني، وطائفة سواهم.
ودرس بالجامع الظافري بالقاهرة مدةً، ثُمَّ وُلّي مشيخة الدار الكاملية، وانقطع بها نحْواً مِنْ عشرين سنة، مُكبّاً عَلَى التصنيف والتخريج والإفادة والرواية.
ذكره الشريف عزَّ الدين فقال: كَانَ عديمَ النظير فِي معرفة عِلْم الحديث عَلَى اختلاف فنونه، عالماً بصحيحه وسقيمه، ومعلوله وطُرُقه، متبحِّراً فِي معرفة أحكامه ومعانيه ومُشكله، قيمًا بمعرفة غريبه وإعرابه واختلاف ألفاظه، إمامًا، حجَّة، ثبْتاً ورِعاً مُتحرّياً فيما يقوله، مُتثبّتاً فيما يرويه. قرأت عَلَيْهِ قطعة حَسَنَة مِنْ حديثه، وانتفعت به انتفاعاً كثيراً.
قلت: وقد قرأ القراءات فِي شبيبته، وأتقن الفِقْه والعربية، ولم يكن فِي زمانه أحدٌ أحفظ منه. وأول سماعه فِي سنة إحدى وتسعين، ولو استمر يسمع لأدرك إسناداًُ عاليًا. ولكنه فَتَر نحوًا مِنْ عشر سنين. سَمِعَ مِن: الحافظ عَبْد الغني ولم يُظفر بسماعه منه. وأجاز لَهُ وسمع شيئاً من أبي الحسن بْن نجا الأنصاريّ. وله رحلة إلى الإسكندرية أكثر فيها عَنْ أصحاب السِّلفي. وكان صالحًا زاهداً، متنسّكاً.
قال شيخنا الدّمياطي: هو شيخي ومُخْرجي، أتيته مبتدِئًا وفارقتُه مُعيداً لَهُ فِي الحديث. وقال: تُوُفّي فِي رابع ذي القعدة، وشيّعه خلقٌ كثير رحمه الله. ورثاه غيرُ واحدٍ بقصائد حسنة.(14/826)
286 - عَبْد المنعم بْن محمود بْن مفرِّج، أبو محمد الكِناني، الْمَصْرِيّ، المجبِّر. [المتوفى: 656 هـ]
حدَّث عَنْ: أبي نزار ربيعة اليمني. روى عنه: الشّريف عزّ الدّين، وغيره.
ومات في ذي القعدة، والمجبِّر: هو الجرائحي.(14/827)
• - عَبْد المحسن بْن زين، الكِناني، الْمَصْرِيّ. [المتوفى: 656 هـ][ص:828]
مر فِي سنة ثمانٍ وأربعين.(14/827)
287 - عَبْد المحسن بْن مرتفع بْن حسن، أبو محمد الخثْعَمِي، المصري، الشّافعي، الأثري، السَّرَّاج. [المتوفى: 656 هـ]
شيخ صالح، معمَّر، طاعنٌ فِي السِّنّ.
وُلد بجيزة مصر سنة اثنتين وستّين وخمسمائة. وسَمِعَ من: أَبِي القاسم عَبْد الرَّحْمَن بن محمد السّبيي، وأبي الفَضْلِ الغزْنوِي، وابن نجا الواعظ. روى عنه: عمر بن الحاجب، والقُدماء، ومجد الدين ابن الحُلْوانيّة، والشريف عز الدين، وطائفة.
ولم يتفق لي السَّماع عَلَى أصحابه. وسمعنا بإجازته مِنْ أبي المعالي ابن البالِسي. وهو آخر من حدث عن: السِّبيي. تُوُفّي فِي تاسع عشر شَعْبان. وممن روى عَنْهُ: النَّجم محمد بْن أبي بَكْر المؤدب، شيخ مصري لقيه الواني، وشيخُنا عَبْد الرحيم المِنْشاوي.(14/828)
288 - عَبْد المحسن بْن مصطفى بْن أَبِي الفُتُوح، أبو محمد الأنصاريّ، الْمَصْرِيّ، المؤدب. [المتوفى: 656 هـ]
قرأ القراءات، وسمع مِنْ: مُكْرم بْن أبي الصَّقْر، وغيره. وروى شيئًا من شعْره. وكان صالحًا، ساكنًا، عفيفًا، تُوُفّي فِي جُمَادَى الأولى، وهو فِي آخر الكهولة.(14/828)
289 - عثمان بْن عليّ بْن عَبْد الواحد بْن الحُسَيْن، أبُو عمْرو القُرشي، الأسَدي، الدّمشقيّ، الناسخ. أخو المحدث مفضَّل، ويُعرف بابن خطيب القرافة. [المتوفى: 656 هـ]
ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، وأجاز لَهُ: السِّلفي. وروى بها الكثير. حدَّث عَنْهُ: الحافظ أبو عَبْد الله البرْزالي مَعَ تقدُّمه، والدّمياطي، والعماد ابن البالِسي، وناصر الدين بْن المِهْتار الشُّرُوطي، والمعين خطاب، والقاضي أحمد بْن عَبْد الغني الذهبي، والضّياء ابن الحَمَوي، والجمال علي ابن [ص:829]
الشاطبي، والشمس محمد بْن أيّوب النّقيب، وآخرون.
وتُوُفّي فِي ثالث ربيع الآخر، ودُفن بمقبرة باب الصغير، وكان ينْسخ بالأُجرة.(14/828)
290 - عثمان بْن عُمَر بْن مسعود، تاجُ الدين الأسداباذي، ثُمَّ الدّمشقيّ، المعروف بابن الفراش. [المتوفى: 656 هـ]
حدث عن: عَبْد اللّطيف بن أبي سعد، وابن طبرْزد. كتب عَنْهُ الدمياطي، وجماعة.
ومات فِي ذي الحجّة، وله سبْعٌ وسبعون سنة وأشْهُر.(14/829)
291 - عزيّة بنت مُحَمَّد بن أَبِي بَكْر بن عَبْد الواسع الهَرَوي، أمُّ الخير الصالحية. [المتوفى: 656 هـ]
روت عَنْ: عُمَر بْن طبرْزد. روى عَنْهَا: ابن الخباز، وابن الزراد.
وماتت فِي رمضان.(14/829)
292 - عليّ بْن الحَسَن بن زُهرة بن الحَسَن بن زُهرة بْن عليّ بْن محمد الشريف، أبو الحَسَن العَلَوي، الحسيني، الإسحاقي، الحلَبي، النّقيب. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة بحلب. وسمع مَعَ أبيه مِنَ: الافتخار الهاشمي. روى عَنْهُ: الدمياطي، وغيره. ومات فِي صَفَر.
وهو مِنْ بيت تشيُّع. وكان أَبُوهُ كاتبًا مُنشئاً، إخباريًا، علامة، وُلّي أيضًا نقابة الأشراف، وترسل عَنْ صاحب حلب إلى بغداد وغيرها، ومات سنة عشرين.(14/829)
293 - عليّ بْن عَبْد الله بْن عَبْد الجبّار بْن تميم بْن هُرْمُز بْن حاتم بن قُصي بْن يوسف، أبُو الحَسَن الشاذلي، المغربي، الزّاهد، [المتوفى: 656 هـ]
نزيل الإسكندرية، وشيخ الطائفة الشاذلية.
وقد انتسب فِي بعض مؤلفاته فِي التّصوُّف إلى عليّ بْن أبي طَالِب، فقال [ص:830]
بعد يوسف المذكور: ابن يوشع بن درد بن بطّال بن أحمد بن محمد بن عيسى بن إدريس بن عمر بن إدريس بن إدريس بن عبد الله ابن المعروف بالمثنى، وهو الحسن بن الحسن بن علي، رضي الله عنهما. وهذا نسبٌ كان الأوْلَى بِهِ ترْكه وترْك كثير مما قاله في تواليفه من الحقيقة، وهو رَجُل كبير القدر، كثير الكلام، عالي المقام. لَهُ شِعر ونثْر فيه مُتشابهات وعبارات، يتكلف لَهُ فِي الاعتذار عَنْهَا.
ورأيت شيخَنا عمادَ الدين قد فَتَرَ عَنْهُ فِي الآخر، وبقي واقفًا فِي هذه العبارات، حائرًا فِي الرجل، لأنه كَانَ قد تصوف عَلَى طريقته، وصحِب الشَّيْخ نجم الدين الإصبهانيّ نزيل الحَرَم، ونجم الدّين فصحب الشَّيْخ أبا العبّاس المُرْسي صاحب الشاذلي، وكان الشّاذلي ضريراً، ولخلْق فيه اعتقاد كبير، وكان مالكيا.
وشاذلة: قرية بإفريقيّة قدِم منها، فسكن الإسكندرية مدة، وسار إلى الحجّ وحج مرات، وكانت وفاته بصحراء عيذاب وهو قاصد الحج، فدُفن هناك فِي أوائل ذي القِعْدة. وكان القباري يتكلم فيه، رحمهما الله.(14/829)
294 - عليّ بْن عَبْد الوَهَّاب بْن عَتِيق بْن هِبَة الله بْن أبي البركات الميمون بْن عتيق بن هبة الله بن محمد بن يحيى بْن عتيق بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عيسى بن وردان، معين الدين أبو الحسن ابن المحدث أبي الميمون بن وردان، القُرشي، العامري، مولاهم الْمَصْرِيّ، الكُتُبي، السَّمسار. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد سنة اثنتين وستمائة. وسمعه أبوه الكثير مِنْ أصحاب ابن رفاعة، وغيره. وأجاز لَهُ: ابن طبرْزد وكتب عَنْهُ الشريف عزَّ الدين، وغيره.
وهو أخو عائشة وخديجة. توفّي في ذي القعدة.(14/830)
295 - عليّ بْن عُمَر بْن قَزِل بن جلْدكْ التُّرْكُماني، اليارُوقي، الأمير سيف الدين المُشدّ، الشاعر، [المتوفى: 656 هـ]
صاحب " الديوان " المشهور. [ص:831]
وُلد بمصر في سنة اثنتين وستمائة، واشتغل فِي صِباه وقال الشعْر الرائق، وولي شد الدواوين مدة. وكان ظريفًا، طيب العِشْرة، تام المروءة، وهو ابن أخي الأمير فخر الدين عثمان أستاذ دار السُّلطان المُلْك الكامل، ونسيب الأمير جمال الدين بْن يغمور، روى عنه: الدّمياطي، والفخر إسماعيل ابن عساكر. تُوُفّي فِي تاسع المحرَّم بدمشق.
قَالَ الدمياطي: أنْشَدَنا سيف الدين المُشدّ لنفسه:
أيا من حُسْنُه الأقصى ... ويا من قلبُه الصّخْرَهْ
أما ترثي لمُشْتاق ... يقضي بالمُنَى عُمُرُهْ
إذا ما زمزم الحادي ... رمى فِي قلبه جمرَهْ
وظبي مِنْ بني الأتراك ... فِي أخلاقه نفرهْ
بدا فِي الدرع مثل الرُّمْح ... فِي الأعطاف والسمرهْ
فيا لله من بدر ... يروق الطّرف في النثرهْ
أنشدني الفخر إسماعيل، قال: أنْشَدَنا الأمير سيف الدين المُشَدّ بالساحل لنفسه:
لعبتُ بالشطرنج مَعَ أهْيفٍ ... رشاقةُ الأغصان مِنْ قدّهِ
أحلٌّ عقدَ البنْد مِنْ خصْره ... وألثُمُ الشامات من خدّهِ
وله:
ورُبَّ ساقٍ كالبدرِ طلعتُهُ ... يحمل شمسًا أفدِيه مِنْ ساقٍ
شمَّر عَن ساقه غلائله ... فقلت: قصّر واكففْ عن الباقي
لمّا رآني وقد فُتنتُ بِهِ ... مِنْ فرْط وجْدٍ وعِظَمِ أشواقِ
غنى وكأسُ المُدام فِي يدهِ ... قامت حروبُ الورى على ساق
ومن شعره:
وكأنما الفانوسِ فِي غَسَق الدُّجى ... صبٌّ براهُ سُقْمه وسهادُه
حنت أضالِعُه، ورَق أديمُه ... وجَرَت مدامعُه، وذاب فؤادهُ [ص:832]
ومن شعره:
وفت دموعي، وخانني جِلدي ... ما كَانَ هذا الحساب فِي خَلَدي
لله أيدي النوى وَمَا صنعتْ ... أجْرت دموعي وأحرقتْ كبِدي
يا مَن هُوَ النور غاب عَنْ بَصَري ... ومن هو الرّوح فارقتْ جسدي
حتّى متى ذا الجفا بلا سبب ... أما لهذا الدلال من أمد؟(14/830)
296 - علي بن القاسم بن مسعود، أبو الحسن الحلبي الذهبي الشاعر. [المتوفى: 656 هـ]
توفي في جمادى الآخرة وله ثلاثون سنة. كتبوا عنه من شعره.(14/832)
297 - علي بن محمد بن الحسين، شيخ الشيوخ، أبو الحسن ابن النيار البغدادي، المقرئ، صدر الدين. [المتوفى: 656 هـ]
وهو الذي لقن المستعصم بالله القرآن فنال في خلافته الحشمة والجاه والحُرمة الزّائدة. حدث عن: عمر ابن طبرْزد، وعن المستعصم بالله. روى عنه: الدمياطي، وغيره.
ذُبح بدار الخلافة في صفَر في جملة الخلْق. وكان بارع الخط، كثير المحاسن، كبير القدْر. نُدب للوزارة فأباها. ولما سحبه التَّتري للقتل ناوله شيئا وقال: هذا ثمن قميصي فلا تهتكني. فوفى له. ثم عُرفت جثُّته وحملت بعدُ إلى تربته، رحمه الله.(14/832)
298 - عليّ بْن المظفَّر بْن القاسم بْن محمد بْن إسماعيل، المحدث، شمس الدين أبو الحَسَن الرَّبعي النُّشْبي الدّمشقيّ، الشّافعيّ، العدل. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد سنة خمسٍ وستّين وخمسمائة ظنا. وطلب الحديث عَلَى كِبَر. فسمع الكثير مِنْ: الخُشُوعي، والقاسم ابن عساكر، وحنبل، وابن طبرْزد، وطائفة. وقرأ بنفسه الكثير. وكان فصيحًا طيب الصوت، حَسَن الإعراب، وكان يؤدب، ثُمَّ صار شاهدًا. وسمع أخاه نصر الله وأولاده. [ص:833]
روى عنه الدّمياطيّ، وأبو العبّاس أحمد ابن الحُلْوانيّة، ومحمد بن داود الآباريّ، وأبو عليّ ابن الخلّال، وأبو العبّاس أحمد بْن إبراهيم الخطيب، وآخرون.
تُوُفّي فِي سلْخ ربيع الأوّل، وقد جاوز التسعين.
وقال الدمياطي فِي " معجمه ": هُوَ عليّ بْن المظفَّر الذبياني النُّشْبيّ، نُشْبَة بْن غيظ بْن مُرّة بْن عوف بْن سَعْد بْن ذِبْيان الدّمشقيّ، الشُّرُوطيّ. وكان نائب الحِسْبة.(14/832)
299 - عليّ بن هبة الله بن جعفر بْن حسن الشَّيْخ الزّاهد، نبيه الدين، أبو الحسن ابن السِّمْسار، الْمَصْرِيّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد سنة ثمانين وخمس مائة، وسمع من إسماعيل بْن ياسين، وهبة الله البُوصيريّ. وكان فقيهًا صالحًا، لَهُ ميعادٌ يقرأ فيه بالجامع العتيق.(14/833)
300 - عَلِيّ بْن أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بن جعفر ابن البلاهي، أبو الحَسَن الدّمشقيّ. [المتوفى: 656 هـ]
سَمِعَ: عُمَر بْن طبرْزد، والكِنديّ، وجماعة وحدَّث. وتُوُفّي فِي ربيع الآخر.(14/833)
301 - عليّ الخباز الزّاهد. [المتوفى: 656 هـ]
شيخ صالح، كبير القدْر، مشهور. له زاوية ومريدون وله أحوال وكرامات؛ كان شيخنا الدباهي يعظمه ويصِفُه استشهد فِي كائنة بغداد فِي صَفَر.
وهو علي بْن سلمان بْن أبي العِزّ، أبو الحَسَن البغداديّ. صحِب الشَّيْخ عليّ بْن إدريس البعْقُوبيّ وسمع منه. روى عَنْهُ شيخنا عَبْد المؤمن الحافظ فِي " مُعجمه " حديثًا.(14/833)
302 - عُمَر بْن أَبِي نصر بْن أَبِي الفتح بْن أَبِي نصر بْن محمد، أبو حفص الجَزَريّ، التّاجر، السّفّار، المعروف بابن عوّة. [المتوفى: 656 هـ][ص:834]
كَانَ دينًا صالحًا صدوقًا. روى " جزء ابن فيل " عَنِ: البُوصِيريّ بدمشق، وبها تُوُفّي فِي الخامس والعشرين مِنْ ذي الحجَّة. وله بضعٌ وسبعون سنة. فإن مولده بجزيرة ابن عُمر فِي سنة ثلاثٍ وثمانين. وسمع وهو صبي، مع والده فيما أرى.
روى عَنْهُ الدمياطي، والعماد ابن البالِسيّ، والشّيخ محمد بن تمّام، المحيي إمام المشهد، وآخرون.
وكان نحّاساً أيضاً.(14/833)
303 - فتح الدّين ابن العدل السُّلّميّ، محتسب دمشق. [المتوفى: 656 هـ]
قَالَ الدمياطي: تُوُفّي يوم موت شيخنا سَعْد الدين محمد بْن العربي، يعني فِي جمادى الآخرة.
وفي تعاليق الفخر إسماعيل شيخنا أَنَّهُ دُفن بتُربة أَبِيهِ بالجبل، قَالَ: وكان دينًا، حَسَن السَّمْت، أتعب من بعده.(14/834)
304 - القاسم بْن هِبة الله بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن أَبِي الحديد، الأديب البليغ، موفق الدين، أبُو المعالي المَدَائنيّ، الكاتب الشّاعر، الأُصُوليّ، الأَشْعريّ، المتكلم. ويُسمَّى أيضًا أحمد. [المتوفى: 656 هـ]
كتب الإنشاء بالدّيوان المستعصميّ مدّةً وروى عن عَبْد الله بْن أبي المجد بالإجازة روى عَنْهُ الدمياطي، وغيره وله شعرٌ جيد.
تُوُفّي فِي هذه السَّنَة بعد كائنة بغداد بقليل ببغداد فِي رجب. وعاش بعد الوزير ابن العلْقَميّ يسيراً.
وله:
يا ساكني دير ميخائيل بي قمر ... لكنه بشَرٌ فِي زِي تمثالِ [ص:835]
قريب دارِ بعيدٍ فِي مطالبه ... غريبُ حُسْن وألحانِ وأقوال
سكرْتُ مِنْ صوته عند السماع له ... ما لست أسكر من صهباء جريال
ما رُمت إمساكَ نفسي عند رؤيته ... إلّا تغيَّرت مِنْ حالٍ إلى حالٍ
لو اشتريتُ بعُمري ساعةً سلفتْ ... مِنْ عيشتي معه ما كان بالغال(14/834)
305 - مجاهد الدين الدُّويْدار، المُلْك، مُقَدَّم جيوش العراق. [المتوفى: 656 هـ]
كَانَ بطلًا شجاعًا موصوفًا بالرأي والإقدام. كَانَ يَقُولُ: لو مكنني أمير المؤمنين المستعصم لقهرت هولاوو. قُتل وقت غلبة العدو عَلَى بغداد صبْراً.
وكان مغْرىً بالكيمياء، لَهُ دار فِي داره فيها عدة رجال يعملون هذه الصناعة، ولا تصح. فقرأت بخط كاتبه ابن وداعة قَالَ: حدّثني الصّاحب مُجير الدّين ابن النحاس قَالَ: ذهبت فِي الرسلية إلى المستعصم، فدخلت دار المُلْك مجاهد الدين، وشاهدت دار الكيمياء. فقال لي: بينا أنا راكبٌ لقيني صوفيّ وقال: يا ملك خُذ هذا المثْقال وألقه عَلَى مائة مثْقال فضة. وألق المائة عَلَى عشرة آلاف تصير ذَهَبًا خالصًا ففعلتُ ذَلِكَ، فكان كما قَالَ. ثُمَّ إني لقيتهُ بعدُ فقلت: علّمْني هذه الصّناعة. فقال: ما أعرفها، لكنْ أعطاني رجلٌ صالحُ خمسَة مثاقيل أعطيتُك مثْقالاً، ولملك الهند مثْقالاً، ولشخصين مثقالين، وبقي معي مثْقال أعيش بِهِ. ثُمَّ حدَّثني مجاهد الدين قَالَ: عندي مِنْ يدعي هذا العِلم، وكنت أخْليت لَهُ دارًا عَلَى الشط، وكان مُغْرىً بصيد السَّمك، فاحضرت إِليْهِ مِنْ ذَلِكَ الذهب، وحكيت لَهُ الصورة، فقال: هذا الَّذِي قد أعجبك؟! وكان فِي يده شبكة يصطاد بها، فاخذ منها بلاعة فولاذ، ووضع طرفها فِي نار، ثمّ أخرجها، وأخرج من فمه شياً، وذرَّه عَلَى النصف المُحمّى، فصار ذهبًا خالصًا، وبقي النصف الآخر فولاذا ثُمَّ أراني مجاهد الدّين تلك البلاّعة، إلاّ أنّ النصف الفولاذ قد خالطهُ الذهَب شيئًا يسيرًا.
أنبأنا الظّهير الكازرونيّ قال: وقتل صبرًا الخليفة. وسمى جماعة منهم مجاهد الدين أيْبك الدويدار الصغير زوج بِنْت بدر الدين صاحب المَوْصِل. وقُتل ابنا الخليفة وأعمامه عليّ وحسن وسليمان ويوسف وحبيب أولاد الظّاهر وابنا عمّهم حسين ويحيى ابنا عليّ ابن النّاصر، وأمير الحاجّ فلك محمد ابن [ص:836]
الدويدار الكبير، والملك سليمان شاه ابن ترجم وله ثمانون سنة، وحُمل رأسُه ورأسُ أمير الحاج والدّويْدار فنُصبوا بالموصل.(14/835)
306 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن خَالِد بْن مُحَمَّد بْن نصر بْن صغير، المولي مَعِين الدين أبو بَكْر ابن القيْسرانيّ، القُرشيّ، المخزومي، الحلبي، الكاتب، [المتوفى: 656 هـ]
والد شيخنا الصاحب فتح الدين عَبْد الله.
روى عَنْ أبي محمد بن علوان الأسديّ، وغيره. أخبرنا عَنْهُ: أبو محمد الدمياطي، وذكر أنه سَمِعَ منه بعين تاب، وورخ وفاته فِي هذه السَّنَة.
وفيها تُوُفّي ابن عمّه:(14/836)
307 - عزّ الدّين محمد بن محمد بن خالد [المتوفى: 656 هـ]
بدمشق.(14/836)
308 - محمد بن أحمد بن محمد بن الخضر، العدل نجم الدين ابن طاوس الدمشقي، [المتوفى: 656 هـ]
نقيب قاضي القضاة نجم الدين ابن سني الدولة.
توفي في جمادي الآخرة.(14/836)
309 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الحسين، الإمام أبو عُبد الله الموْصليّ، المقرئ، الحَنْبليّ، الملقب بشُعلة. [المتوفى: 656 هـ]
ناظمٌ: " الشمعة فِي القراءات السبعة ".
كَانَ شابًا فاضلًا، ومقرِئًا محققًا، يتوقد ذكاء قرأ القراءات عَلَى أَبِي الْحَسَن عليّ بْن عَبْد العزيز الإربلي. وصنف فِي القراءات والفِقْه والتاريخ؛ ونظْمه فِي غاية الجوْدة ونهاية الاختصار. وعاش ثلاثًا وثلاثين سنة، ومات بالموْصل.
وكان مَعَ ما آتاه الله مِن الحفْظ والذكاء وكثْرة العِلمِ صالحًا، متواضعًا، خيرًا، متعففًا، جميل السيرة، بارعًا فِي العربية، بصيرًا بعلَل القراءات.
سَمِعَ شيخنا أبو بكر المقصاتيّ بحثه، وكان يصفُه لي ويبالغ فِي الثناء عليه رحمه الله، وقال لي: تُوُفّي فِي صَفَر. وحدثني أَنَّهُ دخل إِليْهِ مَعَ شيخه الَّذِي لقنه القرآن. وحدّثني قال: سمعت شيخنا أبا الحسين علي بْن عَبْد العزيز الإربلي، وهو شيخ شُعْلة، قَالَ: كَانَ نائمًا بجنْبي فاستيقظ فقال لي: رأيت [ص:837]
النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السّاعةَ، وطلبت منه العِلْمَ، فأطعمني تمرات. قَالَ الإربلي: فُتِح عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الوقت.(14/836)
310 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن هِبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن يحيى، الصدر الجليل، محيي الدين، أبو عَبْد الله ابن العديم العُقيْليّ، الحلبي، الحنفي. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد سنة تسعين وخمسمائة. وسمع مِنْ أَبِيهِ، وعمه أبي غانم، وعمر بْن طبرْزد، والافتخار الهاشمي، وثابت بْن مُشرّف، وأبي اليُمْن الكِندي، وأبي القاسم ابن الحرسْتانيّ، وجماعة. وكان رئيسًا محتشمًا مِنْ وجوه الحلبيين، مِنْ بيت القضاء والجلالة.
وهو أخو الصاحب كمال الدين، ووالد قاضي حماة عزَّ الدين عَبْد العزيز وأخيه عَبْد المحسن.
قَالَ الدمياطي: قرأت عَلَيْهِ جميع " الغيلانيات "، وتُوُفّي بحلب فِي ثاني عشر جُمَادَى الآخرة.(14/837)
311 - مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن أَبِي منصور أبو عَبْد الله الزَّنْجانيّ الأصل، الدّمشقيّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد بدمشق سنة أربعٍ وتسعين. وحدَّث عَنْ: حنبل، وأبن طبرْزد. روى عنه الدّمياطيّ، وغيره. توفّي فِي ثامن ربيع الآخر.(14/837)
312 - مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن محمد، أبو عَبْد الله ابن الشَّرِش، ويقال الجرج، الأنصاريّ، التّلْمِسانيّ، المالكي، [المتوفى: 656 هـ]
نزيل الإسكندرية.
شيخ صالح، عالِم، فقيه، قديم السَّماع، كبير السِّنِّ. وُلد سنة أربع وستّين وخمسمائة وسمع بسبْتَة مِنْ أَبِي مُحَمَّد بْن عُبيد الله الحَجَريّ الحافظ كتاب " الموطأ " سنة تسع وسبعين وخمسمائة. وحجّ بعد الستمائة وسمع من زاهر بن رستم، وأحمد ابن الحافظ أبي العلاء، ويونس بْن يحيى [ص:838]
الهاشميّ، ومحمد بن عبد الله الإشكيذبانيّ، وعليّ بن الحسن الريحانيّ، ومحمد بْن علوان التكريتي، وغيرهم. روى عَنْهُ الدمياطي، ومعين الدين عليّ بْن أبي العبّاس، وغيرهما وبالإجازة: أبو المعالي ابن البالِسيّ.
قَالَ لنا الدمياطي: كَانَ ثقةً عدْلاً، مُتَحرّياً، ذا أصول. مولده بتلْمَسان، ومات فِي ثالث عشر ذي القِعْدة.(14/837)
313 - محمد بْن إسماعيل بْن أحمد بْن أبي الفتح الْفَقِيهُ أبو عَبْد الله المقدسي، النابلسي، [المتوفى: 656 هـ]
خطيب مَرَدا.
وُلد بمردا سنة ستٍّ وستّين وخمسمائة تقريبًا. وكان أسن مِن الشَّيْخ الضياء. قِدم دمشق للاشتغال فِي صِباه، فتفقه عَلَى مذهب أحمد، وحفظ القرآن وسَمِعَ مِنْ يحيى الثّقَفيّ، وابن صَدَقَة الحرّانيّ، وأحمد بن حمزة ابن المَوَازينيّ، وجماعة. ورحل إلى مصر فسمع مِنْ البُوصيريّ، وإسماعيل بن ياسين، وعلي بن حمزة الكاتب، وفاطمة بِنْت سَعْد الخير. وطال عُمُرُه واشتهر اسمُه. كتب عَنْهُ القُدماء.
وقال ابن الحاجب: سَأَلت الحافظ الضياء عَنْهُ فقال: ديِّن، خيِّر، ثقة، كثير المروءة، تفقَّه عَلَى شيخنا الموفق.
وقال الدمياطي: كَانَ صالحًا، صحيح السَّماع.
قلت: وخطب بَمَرَدا مدة طويلة. وقدِم دمشقَ سنة ثلاثٍ وخمسين فروى بالبلد والجبل. وحدَّث بكتُب كبار كـ " صحيح مُسْلِم " " والسيرة " لابن [ص:839]
إسحاق، " والمُسند " لأبي يعْلى، والأجزاء الّتي لم يحدث بها أحدٌ بعده بدمشق.
روى لنا عَنْهُ: ابن ابن أخته محمد بْن أحمد بْن منصور الوكيل، وأبو إِسْحَاق إبراهيم بْن محمد ابن سَني الدّولة، وأبو بَكْر بْن يوسف المقرئ، وعبد الله ومحمد ابنا الشَّيْخ شمس الدين، وتقي الدين سليمان بْن حمزة، وأخوه محمد، وعمه الجمال عُبيْد الله بْن أحمد، والشمس محمد ابن التاج، وابن عمه محمد بن عبد الله، وأبو بَكْر بْن أحمد بْن أبي الطاهر، وأحمد بْن عليّ عمي، وأبو العبّاس أحمد بْن جبارة، ومحمد بْن عليّ البابْشَرْقيّ، ويعقوب بْن أحمد الحنفي، وأحمد بْن الفخر البعْلبكّيّ، وأحمد بن جوْشَن المزيّ، وأبو العبّاس أحمد ابن الحلبية، وأبو العبّاس أحمد بْن إبراهيم الفَزَاري، وإبراهيم بْن حاتم الزّاهد، ومحمد بْن عليّ الشُّرُوطيّ، وخلْق سواهم. ومن الأحياء فِي وقتنا نحوًا مِنْ ستين نفْساً مِنْ أصحابه.
ثُمَّ رجع إلى مَرَدا فِي العام المذكور وبقي بها حيًا إلى هذا الوقت وتُوُفّي فِي أوائل ذي الحجّة وقد كمل التسعين.(14/838)
314 - محمد بْن حسن بْن محمد بْن يوسف أبو عَبْد الله الفاسي، المغربي، المقرئ، العلّامة جمال الدين، [المتوفى: 656 هـ]
نزيل حلب.
وُلد بفاس بعد الثّمانين وخمسمائة، وقدِم ديارَ مصر، فقرأ بها القراءات عَلَى: أبي موسى عيسى بْن يوسف بْن إسماعيل المقدِسيّ، وأبي القاسم عَبْد الواحد بْن سَعِيد الشّافعيّ. وعرض عليهما " الشّاطبيّة " عن أخذهما، عَنْ أبي القاسم الشاطبي. وعرض " الرائية فِي رسم المُصحف " عَلَى الجمال عليّ بْن أبي بَكْر الشاطبي بروايته عَن المصنف وقدم الشّام فاستوطن حلب، وروى بها القراءات، والعربيّة، والحديث. وروى أيضًا عَنْ: أَبِي القاسم عيسى بْن عَبْد العزيز بْن عيسى، وعبد العزيز بْن زيدان النَّحويّ، ومحمد بْن أحمد بْن خَلُوص المُراديّ، وأبي ذر بْن أبي ركب الخشنيّ النحوي، والقاضي بهاء الدين [ص:840]
يوسف بْن شداد، وقرأ عَلَيْهِ أكثر " صحيح مُسْلِم " من حفْظه. وتفقه بحلب عَلَى مذهب أبي حنيفة.
وكان بصيرًا بالقراءات ووجوهها وعِلَلها، حاذقًا بالعربية، عارفًا باللغة، مليح الخطّ إلى الغاية عَلَى طريقة المغاربة، كثير الفضائل، موطَّأ الأكناف، وافر الديانة، ثقة فيما ينقله. تصدَّر للإقراء بحلب، وأخذ عَنْهُ خلْقٌ، منهم: بدر الدين محمد بْن أيّوب التادفي، وبهاء الدين محمد بن إبراهيم ابن النّحّاس النّحويّ، وجمال الدّين أحمد ابن الظاهري، والشيخ يحيى المَنْبِجيّ، والناصح أبو بَكْر بْن يوسف الحراني، والشريف أبو محمد الحُسَيْن بْن قَتَادَة الْمَدَنِيّ، وعبد الله بْن إبراهيم بْن رفيعا الْجَزَري وكان يتكلم فِي الأصول على طريقة الأشعريّة. وقد شرح " حرْز الأماني " شرحًا فِي غاية الجودة، أبان فيه عَنْ تضلُّع مِن العلوم وتبحُّر فِي القراءات وإسناده فِي القراءات نازل كما ترى، فلهذا لم أنشط للأخْذ عَنْ أصحابه.
سَمِعْتُ أبا عَبْد الله محمد بْن أيّوب المقرئ يَقُولُ: سَمِعْتُ شيخنا أبا عَبْد الله الفاسيّ يقول: مررت ببلد مِنْ أعمال الديار المصرية وبها طائفة يمتحنون الشخص، فكل مِنْ لم يقُل إن الله تكلم بحرفِ وصوت آذوه وضربوه. فأتاني جماعة وقالوا: يا فقيه أيْش تَقُولُ فِي الحرف والصوت؟ فألهِمت أنْ قلت: كلَّم الله مَوسى بحرفٍ وصوتٍ عَلَى طور سَيناء. قَالَ: فأكرموني تِلْكَ الليلة وأحضروا قصَب السُّكَّر ونحوه. وبكرت بالغُدُوّ خوفًا أن يشعروا بي فِي جعل موسى الفاعل.
قلت: الّذي أعتقده ما صرحّ بِهِ النص، وهو أن الله كلَّم موسى تكليما، وسمع موسى كلامَ الله حقيقةً بأذنه، وَمَا عدا هذا لَا أخوض فيه، ولا أكفر مِنْ خاض فيه مِن الطرفين.
قَالَ أبُو شامه: فِي ربيع الآخر جاءنا الخبر مِنْ حلب بموت الشَّيْخ أبي عَبْد الله الفاسي، وكان عالِمًا فاضلًا، شرح قصيدةً الشاطبي شرحًا حَسَنًا.(14/839)
315 - مُحَمَّد بْن عَبْد الصَّمد بْن عَبْد اللَّه بْن حيْدرة، فتحُ الدين السُّلميّ، الزَّبَدَانيّ، المعروف بابن العدل. [المتوفى: 656 هـ][ص:841]
وُلّي حسْبة دمشق مدة، إلى أن تُوُفّي وكان مَهِيبًا، جليلًا، مشكورًا، فيه عفة.
تُوُفّي فِي أول جمادى الآخرة.
وقد روى لنا ولده يحيى عن ابن الزّبيْديّ، والعدل هو لقبُ جَدّه نجيب الدين عَبْد الله الَّذِي عمل المدرسة بالزَّبدانيّ. كَانَ ذا مكانةٍ عند السُّلطان صلاح الدين.(14/840)
316 - محمد بْن عَبْد العزيز بْن عَبْد الرحيم بْن رستم الأديب العالِم، نور الدين الإسعردي الشّاعر. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد سنة تسعٍ عشرة وستمائة، وقال الشِّعر الرائق. وكان من كبار شُعراء المُلْك النّاصر يوسف، وله بِهِ اختصاص. وديوانه مشهور.
وكان شابًا خليعًا، أجلسه نجمُ الدين ابن سَنِيّ الدّولة تحت الساعات.
واتفق أَنَّهُ حضر عند المُلْك النّاصر فاصطفاه لمنادمته لمّا رَأَى مِنْ ظُرفه ولُطْف عشْرته. وخلع عَلَيْهِ قباء وعمامة بطرف ذَهَب، فأتى بها مِن الغد وجلس تحت الساعات، وعمل ما رواه عَنْهُ شيخنا شمس الدين محمد بْن عَبْد العزيز الدّمياطيّ:
ولقد بُليت بشادنٍ إن لُمْتُهُ ... فِي قُبْحُ ما يأتيه لَيْسَ بسامع
مُتبذّلاً فِي خِسَّة وجهالةٍ ... ومجاعةٍ كشُهُود باب الجامعِ
وله:
سَأَلت الوزير: أتهْوى النساء
أمِ المُرْدَ جاروا عَلَى مُهجتك ... فقال وأبدى انخلاعًا: معي
كذا وكذا. قلت: من زوجتك
توفّي فِي سادس عشر ربيع الأوّل بدمشق، وله سبْعٌ وثلاثون سنة.(14/841)
317 - محمد بْن مُحَمَّد بْن عَليّ بْن أَبِي طَالِب الوزير الكبير، الخنزير، المُدْبر، المُبِير، مؤيَّد الدين ابن العَلْقَمِيّ، البغداديّ، الشيعي، الرافضي، [المتوفى: 656 هـ]
وزير الخليفة الإمام المستعصم بالله. [ص:842]
وُلّي وزارة العراق أربع عشرة سنة، فأظهر الرَّفْض قليلًا.
ذكره بهاء الدين ابن الفخْر عيسى الموقع يومًا، فقال: كَانَ وزيراً كافياً، قادراً على النَّظْم والنثر، خبيرًا بتدبير المُلك، ولم يزل ناصحًا لمخدومه حتى وقع بينه وبين حاشية الخليفة وخَوَاصه مُنازعة فيما يتعلق بالأموال والاستبداد بالأمر دونه، وقويتْ المنافسةُ بينه وبين الدُّويْدار الكبير، وضعُف جانبهُ حتى قَالَ عَنْ نفسه:
وزير رضي مِنْ بأسه وانتقامه ... بطيّ رقاع حشْوُها النَّظمُ والنّثْر
كما تسجعُ الورقاء وهي حمامة ... وليس لها نهي يُطاع ولا أمرُ
فلمّا فعل ما فعل كَانَ كثيرًا ما يَقُولُ: وجرى القضاء بضدّ ما أمّلتُهُ.
قلت: وكان فِي قلبه غلٌّ عَلَى الإسلام وأهله، فأخذ يكاتب التّتار، ويتخذ عندهم يدًا ليتمكن مِنْ أغراضه الملعونة. وهو الَّذِي جرأ هولاكو وقوى عزمه عَلَى المجيء، وقرر معه لنفسه أموراً انعكست عليه، وندم حيث لا ينفعه النّدم، وبقي يركب أكديشاً، فرأته امرأتُه فصاحب بِهِ: يا ابن العلْقميّ أهكذا كنتَ تركب فِي أيام أمير المؤمنين؟ وولي الوزارة للتتار عَلَى بغداد مشاركًا لغيره، ثُمَّ مرض ولم تطُلْ مدّتُه، ومات غمًا وغبنًا، فواغبْناه كونه مات موتًا حتْف أنفه، وَمَا ذاك إلّا ليدخر لَهُ النكال فِي الآخرة.
وكان الَّذِي حمله عَلَى مكاتبة العدو عداوةُ الدّوَيْدار الصغير وأبي بَكْر ابن الخليفة، وَمَا اعتمداه مِنْ نهْب الكَرْخ، وأذِية الروافض، وفيهم أقارب الوزير وأصدقاؤه وجماعة علويين فكتب إلى نائب إربِل تاج الدين محمد بْن صَلايا العَلَويّ الرسالة الّتي يَقُولُ فيها: كتب بها الخادم مِن النيل إلى سامي مجدك الأثيل. ويقول فيها: نُهب الكرْخُ المكرَّم والعتْرة العلوية. وحسن التمثل بقول الشّاعر:.
أمورٌ يضحكُ السفهاءُ منها ... ويبكي مِنْ عواقبها اللبيب
فلهم أسوةٌ بالحسين حيث نُهب حُرَمُه وأُريق دمُه ولم يعثر فمه:
أمرتهم أمري بمنعرج اللِّوى ... فلم يستبينوا النُّصح إلّا ضُحى الغد
وقد عزموا- لَا أتم الله عزمهم، ولا أنفذ أمرهم- عَلَى نهْب الحِلّة [ص:843]
والنيل، بل سولت لهم أنفسُهم أمرًا، فصبرٌ جميل. وإن الخادم قد أسلف الإنذار، وعَجل لهمُ الأعذار.
أرى تحت الرمادِ ومِيضَ نارٍ
ٍ
ويوشك أنْ يكون له ضرامُ ... وإنْ لَمْ يُطْفِها عقلاءُ قومٍ
يَكُونُ وقُودُها جثَثٌ وهامُ ... فقلتُ مِن التّعجُّب: ليتَ شعرْي
أيْقاظان أميةٌ أم نيامُ
فكان جوابي بعد خطابي: لَا بُدّ مِن الشنيعة ومن قتْل جميع الشّيعة، ومن إحراق كتابّي " الوسيلة " و " الذّريعة "، فكنْ لِما نقول سميعًا، وإلا جرَعناك الحِمام تجريعًا، فكلامك كلام، وجوابك سَلَّام، ولتتركن فِي بغداد أخمل من الحناء عند الأصلع، والخاتم عند الأقطع، ولتُنْبذَن نبْذ الفلاسفة محظورات الشّرائع، وتلقى إلقاء أهل القرى أسرار الطّبائع، فلأفعلن بلبي كما قال المتنبّيّ:
قومٌ إذا أخذّوا الأقلام مِنْ غضبٍ ... ثُمَّ استمدوا بها ماءَ المَنِيّات
نالوا بها مِنْ أعاديهم وإنْ بعُدُوا ... ما لَا يُنال بحد المَشْرفيّات
ولآتِينّهُمْ بجنُود لاَ قبل لهم بها ... ولأُخرجنّهم مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغرُون
ووديعة مِنْ سر آلِ محمدٍ ... أودعتُها إذْ كنتُ مِنْ أمنَائها
فإذا رأيت الكوكبين تقارنا ... في الجَدْي عند صاحبها ومسائها
فهناك يؤخذ ثأرُ آلِ محمدٍ ... لطلابها بالتَّرْك مِنْ أعدائها
فكُن لهذا الأمر بالمرصاد، وترقب أول النَّحْل وأخرَ صاد، والخير يكون إن شاء الله.
ومات بعد ابن العلْقميّ بقليل ولدُه(14/841)
318 - أبو الفَضْلِ محمد بْن محمد [بْن مُحَمَّد بْن عَليّ بْن أَبِي طَالِب] [المتوفى: 656 هـ]
وكان أبُو الفَضْلِ كاتبًا مُنْشئاً بليغًا، معظمًا فِي دولة أَبِيهِ. تُوُفّي عزَّ الدين فِي ذي الحجّة عَنْ ستٍّ وستين سنة.
وقال الكازروني: بل مات فِي أول جمادى الآخرة، ومات قبله فِي ربيع [ص:844]
الأوّل أخوه الصّاحب عَلَمُ الدّين أحمد ابن العلْقميّ، والصّدر تاج الدّين عليّ ابن الدوامي الحاجب.(14/843)
319 - محمد بْن محمد بْن إبراهيم بْن الخضِر الشيخ مهذَّب الدين، أبو نصر الطَّبريّ، الآمُليّ، ثُمَّ الحلبي، الشّاعر، الحاسب. [المتوفى: 656 هـ]
روى عَنْهُ الدمياطي مِنْ شِعره، وقَالَ: مات بصرْخَد رحمه الله، تُوُفِّي في المحرَّم.(14/844)
320 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد المجيد الأجل نظامُ الدين، ابن المولى الحلبي، البغداديّ الأصل. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد سنة خمسٍ وتسعين وخمسمائة وتُوُفّي بدمشق فِي خامس جمادى الآخرة، ودُفن بقاسيون، وكان صاحب ديوان الإنشاء الَّذِي للملك الناصر، والمقدم عَلَى جماعة الكُتّاب.
وكان فاضلًا رئيسًا محتشمًا، مليح الخطّ والتَّرَسُّل، سافر إلى مصر رسولًا مِنْ مخدومه روى عَنْهُ الدمياطي مِنْ شعْره.(14/844)
321 - محمد ابن الشَّيْخ محيي الدين مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد ابن العربي الأديب البارع، سعدُ الدين. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد بملطْيَة سنة ثمان عشرة وستمائة فِي رمضان وكان شاعرًا محسِناً، لَهُ ديوان. وتُوُفّي بدمشق فِي جمادى الآخرة، وقبروه عند أَبِيهِ، وله ثمان وثلاثون سنة.
ومن شِعْره:
أدمشق طال إلى رُبَاك تشوُّقي ... وحننت منكِ إلى المقر المُونقِ
وإذا ذكرتك أي قلبٍ لم يطر ... طربًا، وأي جوانح لم تخْفُق؟
أعلمت أن القلب ظل مقيدًا ... شغفًا بذياك الجمال المُطْلقِ
واهًا لمنظرك البهيج وروْضك ... العبِق الأريج وعرْفك المستنشقِ
حكت الشحارير الّتي بغصونها ... خُطباء فِي دَرَج المنابر ترتقي
حدَّث- فديْتُك- عَنْ مشيِّد قصورها ... لَا عَنْ سديرٍ دارسٍ وخَوَرْنقِ [ص:845]
قلت:
وإذا رَأَيْت مشبِّهاً بلدًا بها ... فارفِقْ فخصمك في جنونٍ مُطْبقِ
ومن شِعْره:
عفا الله عَنْ عينيك كم سفَكَتْ دماً
وكم فوَّقت نحو الجوانج أسهما ... أكُلّ حبيبٍ حاز رِق مُحِبِّهِ
حرامٌ عَلَيْهِ أن يرق ويرحما ... هنيئًا لطرْف بات فيك مُسهّدا
وطُوبى لقلبٍ ظل فيك متيَّما ... أما القد من ماء الشبيبة مرتو
فيا خضرة الممشوق كم تشتكي الظما ... حمى ثغْرُهُ عني بصارم لحظِهِ
فلو رُمْتُ تقبيلاً لذاك اللما لمّا
وقد درس سَعْد الدين وسمع الحديث، ومات قبل الكهولة.(14/844)
322 - محمد بْن محمد بْن حسين، مُخِلص الدين، أبو البركات الحُسيْنيّ، الدّمشقيّ. [المتوفى: 656 هـ]
سَمِعَ مِنَ الخُشُوعيّ روى عَنْهُ الدمياطي، وقال: تُوُفّي فِي ربيع الأوَّل.(14/845)
323 - محمد بْن محمد بْن رستم النور، الإسْعرديّ، الشّاعر، المشهور. [المتوفى: 656 هـ]
روى عَنْهُ الدمياطي مِنْ نظْمه، وقال: تُوُفّي شابًا.
وسماه غيره محمد بْن عَبْد العزيز كما مر.(14/845)
324 - محمد بْن محمد بْن خَالِد بْن محمد بْن نصر ابن القيْسرانيّ الصّدرُ الكبير الوزير، عزَّ الدين الحلبي، الكاتب. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد سنة إحدى وتسعين وخمسمائة بحلب. وسمع من ابن طبرْزد كتب عَنْهُ: الدمياطي، وغيره، وكان رئيسًا مبجَّلاً لَهُ حُرمة وافرة وتقدُّم عند الملك النّاصر ابن العزيز وتوزَّر له، وفي بيته جماعة فُضلاء وأكابر.
تُوُفّي فِي رمضان بدمشق.(14/845)
325 - محمد بن محمد ابن الشَّيْخ عَبْد الوهّاب بْن سُكيْنة الإمام شرفُ الدين [المتوفى: 656 هـ]
شيخ رباط جَدّه شيخ الشيوخ. [ص:846]
قاتل حتّى قتل، رحمه الله في صَفَر.(14/845)
326 - محمد بْن مظفَّر بْن مختار الجُذاميّ، أبو عبد الله وجيهُ الدين الإسكندراني، المعدل، المعروف بابن المنير. [المتوفى: 656 هـ]
سمع من أبي القاسم ابن الحَرَسْتانيّ روى عنه الدّمياطيّ وقال: توفّي فِي شوّال.(14/846)
327 - مُحَمَّد بْن مَنْصُور بْن أبي القَاسِم بْن مختار القاضي الجليل، وجيهُ الدين أبو المعالي ابن المنيّر الجُذاميّ، الجَرَوي، الإسكندرانيّ المعدّل. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد سنة ثمانٍ وسبعين وخمسمائة وسمع ببغداد مِنْ: أبي الفتح أحمد بْن عليّ الغَزْنويّ وبدمشق مِنْ: أبي القاسم عَبْد الصّمد ابن الحرسْتانيّ، وابن ملاعب وأجاز لَهُ: الخليفه النّاصر. كتب عَنْهُ الطلبة، ومات فِي شوّال بالثَّغْر.
وهو والد زيْن الدين وناصر الدين.(14/846)
328 - محمد بن نصر بن عبد الرزاق ابن الشَّيْخ عَبْد القادر، الإمام محيي الدين، [المتوفى: 656 هـ]
مدرس مدرسة جدهم.
وكان صالحًا ورِعاً. ناب فِي القضاء عَنْ والده يومًا واحدًا وعَزَل نفسه. وعاش أشهُراً بعد أخذ بغداد.(14/846)
329 - محمد بْن نصر بْن يحيى الصاحب تاج الدين، أبُو المكارم بْن صلايا، نائب إربل الهاشمي، العَلَويّ، الشيعي. [المتوفى: 656 هـ]
كَانَ نائب الخليفة بإربل، وكان مِنْ رجال العالم عقلًا ورأيًا وحزْماً وصرامة وكان سمْحاً، جوادًا، ماجدًا. بَلَغَنَا أن صدقاته وهِباته كانت تبلغ فِي السَّنَة ثلاثين ألف دينار، وكان بينه وبين صاحب الموْصل لؤلؤ منافسة، فلمّا استولى هولاوو عَلَى العراق أحضرهما عنده، فيقال إن لؤلؤ قال لهولاوو: هذا شريف علوي، ونفْسه تحدثه بالخلافه، ولو قام لتبعه النّاس واستفحل أمرُه. [ص:847]
فقتله هولاوو فِي شهر ربيع الأوّل، أوْ فِي ربيع الآخر، بقُرب تبريز، وله أربعٌ وستون سنة عَلَى الأصح.
وكان ذا فضيلةٍ تامة، وأدبٍ وشِعر. وكان يشدد العقوبة عَلَى شارب الخمر بأنْ يقلع أضراسه، ولقد دارى التّتار حتى انقادوا لَهُ، وكان مِنْ دخل منهم إلى حدود إربل بددوا ما معهم مِن الخمور رعاية لَهُ.(14/846)
330 - محمد بْن هارون بْن محمد بْن هارون بْن عليّ بْن حُميْد الْفَقِيهُ الصالح، موفق الدين، أبُو عَبْد الله الثعلبي، السبعيّ، الدّمشقيّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد بقرية أرزونا سنة تسعٍ وثمانين وخمسمائة وسمع الكثير بنفسه، وأسمع أولاده، وهو أخو المحدّث عبد الرحمن، ووالد الشّيخ عليّ القارئ نزيل القاهرة، سَمِعَ: الخُشُوعيّ، والقاسم بْن عليّ الحافظ، وحنبلًا المكبر، وجماعة.
روى عَنْهُ ابنه أبُو الحسن، وأبو العبّاس ابن الظاهري، وأخوه إبراهيم، والتقي عُبيْد، ومحمد بْن محمد الكنْجيّ، وتاج الدّين عَبْد الرَّحْمَن الشّافعيّ، وأخوه شرف الدين الخطيب، وجماعة.
وكان مِنْ أهل العِلْم والصلاح، تُوُفّي فِي ثالث عشر رمضان بدمشق.(14/847)
331 - محمد بْن أبي عَبْد الله بْن جبريل بْن عزاز، المحدث المفيد، رشيدُ الدين الأنصاريّ، الْمَصْرِيّ، الشّافعيّ، المؤدّب. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد سنة تسعٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع الكثير مِنْ: عَبْد العزيز بْن باقا، ومُكْرم، ومحمد بْن عماد، وطائفة. وكتب الكثير، وصحِب الحافظ عَبْد العظيم مدة. ورافق ولده فِي السَّماع وعُني بالحديث. ومات فِي ذي القعدة.(14/847)
332 - محمود بْن أحمد بْن محمود بْن بختيار، الْفَقِيهُ الإمام، أبو الثناء الزَّنْجانيّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد سنة ثلاثٍ وسبعين وخمسمائة، وسمع عُبيْد الله بْن محمد الساوي، ودرس وأفتى. واستشهد ببغداد بسيف التّتار الكُفّار. وكان مِنْ بُحور العِلم، لَهُ تصانيف، وقد وُلّي قضاء القُضاة بعد أبي صالح الجيلي مدة، وعُزِل. وهو والد قاضي العراق عزَّ الدين أحمد بْن محمود.
روى عَنْهُ الدمياطي، وقال: وُلد بزَنْجان، ودرس بالمستنصرية.(14/848)
333 - المُرَجَّى بْن الحَسَن بْن عليّ بن هبة الله بن غزال بن شُقُيْرا، الشَّيْخ، المقرِئ، المعمَّر، عفيف الدين، أبو الفَضْلِ الواسطي، البزّاز، التّاجر السفار. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد يوم عَرَفَة بواسط سنة إحدى وستّين وخمسمائة، وسمع مِنْ أبي طَالِب محمد بْن عليّ الكتّانيّ، وهو آخر مِنْ روى عَنْهُ، ومن ابن نَغُوبا. وقرأ القرآن بالروايات عَلَى أبي بكر ابن الباقِلاّنيّ. وتفقّه للشّافعيّ على يحيى بْن الربيع الْفَقِيهُ.
وحدَّث وأقرأ، وسافر فِي التجارة. وكان صحيح الرواية مقبولًا.
روى عنه أبو محمد الدّمياطيّ، وأبو عليّ ابن الخلال، وأبو المحاسن بْن الخِرَقي، ومحمد بْن يوسف الذهبي، والإمام عزَّ الدين الفاروثي، وأبو المعالي ابن البالِسيّ، ومحمد ابن خطيب بيت الأبار، ومحمد بْن المهتار، وآخرون. ولا أعلم مَتَى مات، لكن عزَّ الدين الفاروثي ذكر أَنَّهُ عاش إلى هذه السَّنَة أوْ نحوها.(14/848)
334 - مظفر بْن عليّ بْن رافع، أبُو المنصور الزُّهريّ، الإسكندراني، الكاتب. [المتوفى: 656 هـ]
قدِم دمشق، وسمع مِنْ الكِنْديّ، وابن الحرسْتانيّ، وحدَّث؛
رَوَى عَنْهُ جماعة كالدمياطي، ومات في المحرّم.(14/848)
335 - مكّيّ بن عبد العزيز بن عبد الوهّاب بن إسماعيل بْن مكّيّ، الإمام، المفتي، المصنف، أبُو الحرم ابن الإمام أبي الفضل ابن الفقيه أبي محمد ابن العلّامة أبي الطاهر بْن عوْف، الزُّهريّ، الإسكندراني، المالكي، العدل. [المتوفى: 656 هـ]
لَهُ حلقه إشغال وإفادة، تُوُفّي يوم النَّحْر بالإسكندرية.(14/849)
336 - منصور بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَلي، أبو عليّ الأنصاري الإسكندراني، المعروف بابن النحاس. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد سنة ستٍّ وثمانين وخمسمائة، وسمع من عبد الرحمن بن موقى، ومنصور بْن خميس اللَّخْميّ، ومات فِي رجب.
روى عنه الدّمياطيّ.(14/849)
337 - نبهان بْن محمود بْن عثمان بْن نبهان صدْرُ الدين الإربلِيّ، [المتوفى: 656 هـ]
التّاجر السفار، ابن أخي التّاجر الكبير أصيل الدين عَبَّاس.
صدرٌ، رئيسٌ، عالِمٌ لَهُ شعْر. وكان مولده سنة ثمانٍ وثمانين وخمسمائة. وقُتل ببغداد وتُوُفّي عمُّهُ الأصيلُ بدمشق سنة تسعٍ وثلاثين.(14/849)
338 - نصر الله بْن أبي العز مظفر بْن أبي طَالِب عقيل بْن حمزة، نجيب الدين، أبو الفتح الشَّيْبانيّ، الدّمشقيّ، الصفار، المعروف بابن الشُّقَيْشِقَة المحدّث، الشّاهد. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد سنة نيّفٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع بعد الستمائة الكثير، وعُني بالحديث وحصل الأُصول. وسمع مِنْ حنبل " المُسْند " ومن: ابن طبرْزد، والخضِر بْن كامل، ومحمد بْن الزنف، والتاج الكنْديّ، وابن منْدُويْه، وخلْق بعدهم.
روى عَنْهُ الدمياطي، والقاضي تقي الدين الحَنْبليّ، والنَّجم ابن الخبّاز، [ص:850]
والشّمس ابن الزراد، وابن البالِسيّ، والنَّجم محمود النُّميْريّ، وعلاء الدين الكنْديّ، وآخرون. وحدَّث فِي آخر عُمُره بالمُسنَد.
وكان أديبًا، فاضلًا، ظريفًا، مليح البِزّة، مقبولًا عند القُضاة. وكان يَعرف شيوخ دمشق ومرْويّاتهم، ويسمع العالي والنازل، وخطُّه وحِشٌ معروف. ولم يكن بالعدْل فِي دينه.
قَالَ أبُو شامة: لم يمكن بحال أنْ يؤخذ عَنْهُ. كَانَ مشتهرًا بالكذِب ورقة الدين، مقدوحًا فِي شهادته. وكان قاضي القُضاة نجم الدين ابن سني الدّولة مُراعياً لذوي الجاهات، فاستشهده لذلك، وميزه بأنْ جعله عاقدًا للأنكحة تحت الساعات، فعجب النّاس، وأنكروا ما فعل. قال: وأنشدني البهاء ابن الحفظ لنفسه فيه:
جلس الشُّقيْشِقَةُ الشّقيُّ ليشهدا ... بأبيكما ماذا عدا مما بدا
هَلْ زلزل الزّلزالُ أم قد أخرج الدّ
جّال، أمْ عُدِم الرجال ذوُو الهُدى ... عجبًا لمحلول العقيدةِ جاهلٍ
بالشرع قد أذنوا لَهُ أن يعقدا
ورأيت أوراقاً في مثالب هذا بخط عَبْد الرحيم بْن مسْلمة فيها كذبُه وترْكه للصّلاة.
تُوُفّي فِي عشية السادس مِنْ جمادى الآخرة، وقد جاوز السبعين. ووقف قاعتَه الّتي بدرب البانياسي دارَ حديث. والآن فيها شيخنا المِزّيّ.(14/849)
339 - مَعِين الدين هبة الله بْن حشيش. [المتوفى: 656 هـ]
كاتب الدَّرْج. وزَرَ بمصر للمعظَّم تورانشاه ابن الصالح، وكان استصحبه معه مِنْ حصن كيفا، وهو عَلَى دين النَّصرانيّة، ثُمَّ أسلم لمّا استعاد المسلمون دِمياط. ثُمَّ قِدم دمشقَ، وخدم موقِّعاً في الدّولة النّاصريّة.
وكان رئيسًا نبيلًا، حَسَن السيرة، مات فِي رجب سنة ستٍّ وخمسين.
وهو جد المولى القاضي مُعِين الدّين أبقاه الله.(14/850)
340 - يحيى بْن عَبْد العزيز بْن عَبْد السلام الخطيبُ، بدرُ الدين، أبو الفَضْلِ ابن شيخ الإسلام عزَّ الدين أبي محمد السُّلَميّ، الدّمشقيّ. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد بعد الستمائة، وسمع وهو كبير مِنَ ابن اللتي، وطلب الحديث بنفسه، وكان لَهُ فهمٌ ومعرفةٌ جيدة، وتعاليق مفيدة، وكتب عَنْهُ بعض الطَّلبة. وكان خطيب العُقَيبة.
تُوُفّي فِي ليلة ثاني عشر ربيع الأوّل فِي حياة والده. وهو والد الخطيب ناصر الدين.(14/851)
341 - يحيى بْن أبي غانم مُحَمَّد بْن هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أبي الفَضْلِ هبة الله بْن أحمد، الصّدْرُ تاج الدين، أبو الفتح بْن أبي جرادة العُقَيْليّ، الحلبي، الحنفي المعروف بابن العديم. [المتوفى: 656 هـ]
وُلد سنة ثمانين وخمسمائة وسمع مِنْ أَبِيهِ، وعمه أبي الحَسَن أحمد، والافتخار عبد المطلب، وأبي محمد ابن الأستاذ، وبالحجاز من يحيى بن عقيل ابن شريف، وبدمشق مِنْ أَبِي اليُمْن الكنْديّ. وأجاز له: يحيى الثّقفيّ، وغيره. روى عَنْهُ الدمياطي، والكمال إسحاق الأسَديّ.
تُوُفّي فِي منتصف صَفَر ببلده، ودُفن بالمقام.(14/851)
342 - يحيى بْن يوسف بْن يحيى بْن منصور بْن المُعمَّر بْن عَبْد السلام، الشَّيْخ العلّامة، الزّاهد، جمال الدين، أبو زكريّا الصَّرْصريّ، ثُمَّ البغداديّ، الحَنْبليّ، الضرير، اللُّغويّ، الأديب، الشّاعر، [المتوفى: 656 هـ]
صاحب المدائح النبوية السائرة في الآفاق.
ولُد سنة ثمانٍ وثمانين وخمسمائة، وصحِب الشَّيْخ عليّ بْن إدريس صاحب الشَّيْخ عَبْد القادر. وسمع مِنْ جماعة، وروى الحديث.
حكى لنا عَنْهُ شيخنا ابن الدباهي، وكان خال أُمّه، بَلَغَنَا أَنَّهُ دخلتْ عَلَيْهِ التّتار، وكان ضريرًا، فطَعَن بعُكّازه بطْن واحدٍ منهم قتله ثُمَّ قُتل شهيدًا.
ومن شِعْره هذه القصيدة العديمة النظير الّتي جمع كلُّ بيتٍ منها حروف المُعْجم وهي هذه: [ص:852]
أبت غير ثج الدمع مُقْلة ذي حَزَن ... كسَتْه الضنى الأوطان فِي مشخص الظّعنِ
بثثْتُ خليلًا ذا حمى صادقاً رضى ... شجى كظنّي سطواً فزاغ به عني
تثبت وخُذْ فِي المصطفَى نظْم قارضٍ ... غزير الحِجَى يُسْمعك مُدهشة الأُذن
ثوت جمع الحُسْنى بغرّ خِلاله ... صفاً من قَذَى شطْو زكا مُدْحض الظن
جَزَى المصطفي ذُو العرشِ خيرًا فقد محَى ... ضلالًا كثيفَ البغْي مُسْتَبهظ الوهنِ
حوى المجد ثبت خص بالشرَف الَّذِي ... علا زادَ قُدْساً طاهرًا كاظم الضَّغنِ
خبتْ نارُ طغْوى حزب ذي الغيث إذ مضى ... سحابُ ظلامِ الشِّركِ بالصدق كالعِهْن
دجتْ ظُلمُة الأوثانِ أعشتْ بزَيْغها ... فأطلق مِنْ حصر الخِنا الضّنْك ذا سحنِ
ذوى غُصْنُ خطِّ الشِّرْك فِي بعثِ أحمد ... الرَّسُول الرضى الأحظى اجتباه فقل زدْني
رضًى غير فظ ذو حجى زاد قُربه ... فأخلص مُطيعاً لَا تشكّ فتستثني
زكا رُشْدُهُ فاختص بالسَّعْد ثُمرُهُ ... حلا طاب ذوقا ظلٌّ غضا لمن يجنى
سطا بجنود الإثْم والزَّيْغ فاتِكًا ... وظل مهيضَ الخلْق بالشرع ذا حصنِ
شفى زَيغ سوُء مخبث الصُّدْر مُعْضلاً ... بحجة ذكْرٍ قاطعِ اللفظ مفتنِ [ص:853]
صفوحٌ غزيرُ العقل ثبتٌ خَلا أَذَى ... لظى سوء خطْب شائك داؤه مضني
ضفا ظلّ ثاوٍ عُذْ بقَصدك تُربة ... غدَا تجشم الأخطار فِي السهل والحزن
طوى شِقّه المعراج إذ جاز بسْطة ... كفت لا فظاً يرضى غدًا مخلصًا يثني
ظِباهُ سَطَتْ بالشِّرك فاجتاح غصنه ... وأخزى ذوي الإثْم الوضيع فقل قدْني
عَفَتْ سوقَ حزْب الشرك بعْثةُ مصطفى ... رضى خاتم جلا دجى الظّلم ذي الغبنِ
غزا الخصم ذا التَّحنيث والإفْك بالظبا ... وأقصدْ سُوس الجهْل بالضرب والطّعنِ
فشاد ذُرى الإسلام بالحق مخلصًا ... وجثت طُغاة العضة بالكظْم والزّبنِ
قضى بامتثال سنَّة الشَّرع موجزاً ... لاكوه ذو حفْظ غدا أخْمص البطنِ
كثير سجايا الفضل لا وصْم عنده ... لنُطْقٍ مغيظٍ بتْ خزيان ذي شجنِ
لقد كَانَ ثبتًا فِي اضطرام لَظَى الوَغَى ... شجاعًا بسهم الحْزم يخصم بالأذنِ
مقف، شكورٌ، ثابت الجد ضابط ... خلا عَنْ غميز ذو صفاً ظاهر الحسن
نجيدٌ، قثوم، ذو اصطفاء باهر غزا ... عظيمٌ خلا عَنْ شامتٍ ضاحك السّنِ
وكم حاز فضلًا ثابتًا شامخ الذُّرى ... جسيمًا، عظيم القدْر مِنْ طبعه المُغني [ص:854]
هيا خاتم الأمجادِ صلْ حفْظ ذي ثنا ... قفا فيك شِعراً سائغًا ضابط الوزنِ
لأنْت إذا خطْبٌ دجى رث ضِيقةٍ ... وكاشف أسْر الظلم مَعَ صورة الحُزْنِ
يُبثك وقتاً حاجز الرَّضخ شاخصًا ... فذُدْ عَنْهُ طغْوى ظالم الإنس والجنِّ
فيا سيّد الأشراف يا مَن بفضلِهِ ... ليشْهدُ بيتُ اللهِ ذو الحجر والرُّكن
يظل فؤُادي عند ذكرك خافقًا ... ويهْمي إذا ما اشتقتك الدمع مِنْ جَفْني
فسَل لي ربَّ العرش نحوك عودة ... أُجدّد عهدًا لَا يخيب بِهِ ظني
فيا سائلًا كُنْ قائلًا هذه الّتي ... بمدحته أضحت معظَّمةَ الشأن
ومن سره أني لعشر نظمتُ ما ... يقصر عَنْهُ فِي السّنين ذوو الذهن
تضم حروفَ الخطّ جمْعاً بيوتُها ... وأسألُ عُذْراً إنْ بدتْ كلفةً مني(14/851)
343 - يوسف بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن علي بْن عُبيْد الله، الصاحب العلّامة محيي الدين، أبو المحاسن ابن الإمام جمال الدين أبي الفرَج ابن الجوزي، البكْريّ، البغداديّ، الحَنْبليّ، [المتوفى: 656 هـ]
أستاذ دار المستعصم بالله.
ولد في ذي القعدة سنة ثمانين وخمسمائة. وتفقه، وسمع الكثير مِنْ أَبِيهِ، ويحيى بْن بوْش، وذاكر بْن كامل، وأبي منصور عَبْد الله بْن عَبْد السلام، وعبد المنعم بْن كُليب، والمبارك ابن المعطوش، وعلي بْن محمد بْن يعيش، وقرأ القرآن مَعَ أَبِيهِ بواسط عَلَى أبي بَكْر ابن الباقِلاني صاحب أبي العِزّ القلانِسيّ. [ص:855]
روى عَنْهُ أبو محمد الدمياطي، والرشيد محمد بْن أبي القاسم، وجماعة، وتفقه عَلَيْهِ جماعة مِن البغداديين وغيرهم.
وكان إمامًا كبيرًا وصدْراً معظَّماً، عارفًا بالمذهب، كثير المحفوظ، حَسَن المشاركة فِي العلوم، مليح الوعْظ، حُلْو العبارة، ذا سمْتٍ ووقارٍ وجلالةٍ وحُرمةٍ وافرة، درس وأفتى وصنَّف، وروسل بِهِ إلى الأطراف، ورأى مِن العز والاحترام والإكرام شيئًا كثيرًا مِن الملوك والأكابر، وكان محمودَ السِّيرة، مُحبَّباً إلى الرّعيَّة. وُلّي الأستاذ دارية بضع عشرة سنة.
قَالَ الدمياطي: قرأت عَلَيْهِ كتاب " الوفا فِي فضائل المصطفي " لأبيه وغيره مِن الأجزاء. وانشدني لنفسه، وأجازني بجائزةٍ جليلة مِن الذهب.
قَالَ شمس الدّين ابن الفخر الحنبليّ: أمّا رياسته وعقلُه فيُنْقل بالتواتر، حتى أن المُلْك الكامل مع عظَمَة سلطانه قال: كلَّ أحدٍ يعوز زيادةَ عقْل سوى محيي الدين ابن الجوْزيّ فإنّه يعوز نقص عقْل. وذلك لشدة مسكته وتصميمه وقوة نفسه. يُحكى عنه في ذلك عجائب منها أنّه مرَّ فِي سُويقة باب البريد والناس بين يديه، وهو راكب البغلة، فسقط حانوت، فضج النّاس وصاحوا. وسقطت خَشَبَةٌ فأصابت كفل البغلة. فلم يلتفت ولا تغيّر عن هيئته.
حكى لي شيخنا مجدُ الدين الرُّوْذراوَريّ أنّه كان يُناظر ولا تحرّك لَهُ جارحة.
وقد أنشأ بدمشق مدرسة كبيرة. وقدِم رسولًا مرات.
قلت: ضُرِبت عُنُقه بمخيم ملك التّتار هُوَ وأولادهُ تاجُ الدين عَبْد الكريم، وجمال الدين المحتسب، وشرفُ الدين عَبْد الله فِي صَفَر.(14/854)
344 - يوسف الكُرديّ، الزّاهد. [المتوفى: 656 هـ]
ذكره أبو شامة فقال: تُوُفّي فِي صَفَر، وكان شيخًا صالحًا جليلًا، أكثر مُقامه بمسجد الرَّبْوة. وكان دائم الذَّكْر والصلاة. وقد ألبسه الله الهيبة والوقار.(14/855)
• - أبو العزّ بن صُدَيق. سمّيناه عبد العزيز، [المتوفى: 656 هـ][ص:856]
وقد مر.
وأنبأني الظهير الكازرُونيّ فِي " تاريخه " قَالَ: ذكْر مِنْ قُتِل صبرًا، فسمى الخليفة وطائفة ذكرتهم، ثُمَّ قَالَ:
و(14/855)
345 - فُلك الدين محمد بْن قيران الظاهري، [المتوفى: 656 هـ]
أحد الأُمراء.
و(14/856)
346 - شِحْنةُ بغداد الأمير قُطْبُ الدّين سنْجر البكلكيّ [المتوفى: 656 هـ]
الَّذِي حج بالناس مرات.
و(14/856)
347 - شِحْنة بغداد عزَّ الدين ألْب قُرا الظاهري. [المتوفى: 656 هـ]
و(14/856)
348 - الأمير بَلَبَان المستنصري. [المتوفى: 656 هـ]
و(14/856)
349 - أيْدغُمُش الشّرفيّ [المتوفى: 656 هـ]
ناظر الحَلْة، وكان شاعرًا.
و(14/856)
350 - عماد الدين طُغْرُل النّاصري، [المتوفى: 656 هـ]
شحْنة بغداد زمن المستنصر.
و(14/856)
351 - الأمير محمد بْن أَبِي فراس. [المتوفى: 656 هـ]
و(14/856)
352 - كمال الدين عليّ بْن عسكر [المتوفى: 656 هـ]
عارض الجيش.
و(14/856)
353 - السيد شَرف الدين المراغي. [المتوفى: 656 هـ]
وابنه(14/856)
354 - صدر الدين محمد. [المتوفى: 656 هـ]
و(14/856)
355 - نقيب الطالبيين عَلَى ابن النَّسّابة. [المتوفى: 656 هـ]
و(14/856)
356 - شرف الدّين عبد الله ابن النيار [المتوفى: 656 هـ]
ابن أخي صدر الدين المذكور.
و(14/856)
357 - مهذب الدين عليّ بْن عسكر البعقوبي. [المتوفى: 656 هـ]
و(14/856)
358 - الشيخ عَبْد الوهّاب بن سُكيْنة المعدل. [المتوفى: 656 هـ]
و(14/856)
359 - شيخ رباط الخِلاطيّة العدل يحيى بْن سعْد التبريزي. [المتوفى: 656 هـ]
و(14/856)
360 - القاضي برهان الدين التبريزي. [المتوفى: 656 هـ]
و(14/856)
361 - القاضي برهان الدّين النهرفضلي. [المتوفى: 656 هـ]
و(14/856)
362 - المدرس صدر الدين أبُو معْشر الشّافعيّ. [المتوفى: 656 هـ]
و(14/856)
363 - خطيب جامع الخليفة عَبْد الله بْن العبّاس الرشيدي. [المتوفى: 656 هـ]
و(14/856)
364 - المجود الكاتب شمس الدين عليّ بْن يوسف ابن الكُتُبيّ، [المتوفى: 656 هـ]
خازن المستنصرية.
و(14/856)
365 - النقيب الطاهر عليّ بْن حَسَن. [المتوفى: 656 هـ][ص:857]
و(14/856)
366 - الحاجب محمد ابن البُوقيّ. [المتوفى: 656 هـ]
و(14/857)
367 - عُمر ابن الخلّال. [المتوفى: 656 هـ]
ونقيب مشهد الكاظم(14/857)
368 - تقي الدين المُوسَويّ. [المتوفى: 656 هـ]
و(14/857)
369 - شرف الدين محمد بْن طاوس العَلَويّ. [المتوفى: 656 هـ]
و(14/857)
370 - جمال الدّين ابن خنفر الفَرضيّ الناسخ. [المتوفى: 656 هـ]
و(14/857)
371 - الجمال القَزْوينيّ [المتوفى: 656 هـ]
مُشرف وقْف المستنصرية.
و(14/857)
372 - الموفق عَبْد القاهر ابن الفوطي [المتوفى: 656 هـ]
شيخ الأدب.
و(14/857)
373 - القاضي تقيّ الدّين عليّ ابن النَّعْمانيّ [المتوفى: 656 هـ]
كاتب الجيش.
و(14/857)
374 - نجم الدين علي ابن الزبيدي. [المتوفى: 656 هـ]
و(14/857)
375 - تقي الدّين عبد الرحمن ابن الطبال [المتوفى: 656 هـ]
وكيل الخدمة.
كل هَؤلَاءِ راحوا تحت السيف.(14/857)
-وفيها وُلِد:
زكي الدين زكري بْن يوسف النخلي المُرْجي، الفقيه الشّافعيّ، تقريبا ببيت نائمَ من المرج، وتاج الدّين أحمد بن محمد ابن القاضي شمس الدّين أبي نصر ابن الشّيرازيّ، والقاضي شهاب الدّين أحمد ابن الشَّرف حسن بن عبد الله ابن الحافظ فِي صَفَر، وعز الدين عَبْد الرَّحْمَن ابن الشَّيْخ العز إبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي عُمَر، وعز الدين يوسف بْن حَسَن الزّرنْديّ بزرنْد، ولؤلؤ بْن سُنْقُر مولي بني تيْميّة، وشمس الدين محمد بْن أحمد بْن إبراهيم ابن القمّاح القُرشيّ المصريّ، يروي عن الرّضي ابن البرهان، وبدر الدين محمد بن زكريا بن يحيى السُّويْداويّ المصري، يروي عَن الرضى أيضًا، ومحمد بن أبي الحرم بن نبهان النيريافيّ ثم الصالحي، وأبو بَكْر بْن مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر بْن عَبْد الواسع الهَرَوي العجمي الكاتب، والبدر محمد بن أحمد بن محمد ابن النّجيب، سبْط إمام الكلاّسة المحدّث، ومحمود ابن العفيف محمد بْن عليّ البابْشرْقيّ، وعلي بْن عَبْد المؤمن بْن عَبْد، والحاج عَبْد الحميد بْن منصور الصائغ، وصفي الدِّين مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن العتال الحنفي، والبدر محمد بْن عَبْد المؤمن بْن حَسَن النَّصيبيّ التّاجر، وشيخ المستنصريّة المُحبّ عليّ ابن الشَّيْخ عَبْد الصّمد بْن أَبِي الجيش.(14/857)
-سنة سبع وخمسين وستمائة(14/858)
376 - أحمد بْن عُثْمَان بْن هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن عقيل، فتحُ الدين، أبو الفتح المعروف بابن أبي الحوافر القيْسيّ، الدّمشقيّ الأصل، المصريّ، الطّبيب العدل. [المتوفى: 657 هـ]
وُلد سنة ستمائة، وسمع مِنْ أَبِيهِ. وبرع فِي الطب. وصار رئيس الأطبّاء بالدّيار المصريّة. وقد أكثر من السَّماع فِي الكهولة، وعُني بالحديث، وكان صدرًا رئيسًا، متميزًا، بصيرًا بالعلاج.
تُوُفّي فِي رابع عشر رمضان بالقاهرة.(14/858)
377 - أحمد بْن محمد بْن حَسَن بْن عليّ بْن تامتيت، المحدث الصالح، المعمَّر، أبو العبّاس اللواتي، الفاسِيّ المغربي، [المتوفى: 657 هـ]
نزيل القاهرة.
كَانَ شيخًا مبارَكًا، فاضلًا، عالمًا. جاور بالقرافة مدة. وحدَّث عَن الزّاهد أبي الحُسَيْن يحيى بْن محمد الأنصاريّ، المعروف بابن الصائغ، وحدَّث عَنْ أبي الوقت بالإجازة العامة.
قَالَ الشريف عزَّ الدين: مولده فيما بَلَغَنَا فِي المحرَّم سنة ثمانٍ وأربعين وخمسمائة.
قلت: إنْ صح هذا فكان يمكنه السّماعُ من أبي الوقت أيضًا، فإنه أدرك مِنْ حياة أبي الوقت ستَّ سِنين.
قَالَ: وكان أحد المشايخ المشهورين بالعِلم والزُّهْد والصّلاح، المقصودين للزّيارة والتّبرّك بدعائهم. وله تصانيف عدة.
قلت: روى عَنْهُ الأمير عَلَم الدين الدواداري، عَنْ أبي الوقت، وتُوُفّي فِي رابع المحرَّم.(14/858)
378 - أحمد بْن محمد بْن عَبْد الرَّحْمَن، المُعَمَّر، أبو القاسم البَلَوي، القُرْطُبيّ. [المتوفى: 657 هـ]
آخر مِنْ روى بالإجازة عَنْ أبي عَبْد الله بْن زرقون، وخَلَف بْن بشْكُوال، وأبي العبّاس بْن مضاء. مولده سنة خمس وسبعين وخمسمائة، ومات بمرّاكُش سنة سبْعٍ وخمسين.(14/859)
379 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بن قاسم المحدّث، المعمَّر، مُسْنِد المغرب، أبو الحسين ابن السَّرّاج، الأنصاريّ، الإشبيلي. [المتوفى: 657 هـ]
قَالَ الشريف عزَّ الدين: وُلد فِي الثامن والعشرين مِنْ رجب سنة ستّين وخمسمائة وسمع مِنْ خاله أبي بَكْر محمد بْن خير، والحافظ خَلَف بْن بشْكُوال، وعبد الحق بْن بونه، والحافظ أبي عَبْد الله محمد بْن سَعِيد بْن زرقون، وحدَّث عَنْهُمْ. وعن أبي بكر ابن الجد، وأبي محمد بْن عُبيْد الله، وأبي القاسم الشراط، وأبي زيد السُّهيْليّ، وحدَّث بالكثير مدة، وتفرد عَنْ جماعةٍ مِنْ شيوخه بأشياء لم تكن عند غيره. وكانت الرحلة إِليْهِ بالمغرب. وأخذ عَنْهُ جماعة مِن الحُفّاظ والنبلاء.
مِنْ آخرهم أبو الحُسَيْن يحيى ابن الحاج المَعَافِريّ؛ روى عَنْهُ " الروض الأُنْف " سماعًا بتونُس سنة ثماني عشرة وسبعمائة قَالَ: أخبرنا المؤلف سماعًا لجميعة بإشبيلية. نقلته من ثبت الوادياشي.
وكان ثقة صحيح السَّماع، توفى فِي سابع صَفَر ببِجَاية.
ونقلت مِنْ أسماء شيوخ ابن السَّرَّاج، قَالَ: لقيت ابن بشْكُوال بقُرطُبة ولزِمتُه. فذكر أَنَّهُ سَمِعَ منه عدة دواوين، منها " تفسير القرآن " للنسائي، بسماعه مِن ابن عَتاب، بسماعه مِنْ حاتم بْن محمد، عَن القابِسيّ، عن حمزة الكِنانيّ، عنه، و " خصائص علي " بهذا الإسناد، وكتاب " الصّلة " له، وأشياء. وسمع من السُّهيليّ " الروض الأُنْف ".(14/859)
380 - أَحْمَد بْن أَبِي عَلِيّ بْن أبي غالب، الشَّيْخ مجدُ الدين أبو العبّاس الإربلي، النّحْويّ، الحَنْبليّ، العدل، [المتوفى: 657 هـ]
نزيل دمشق.
حدَّث عَنْ محمد بْن هبة الله بْن المُكرَّم، وبدمشق تُوُفّي فِي نصف صَفَر.
وكان يشهد تحت الساعات، ويَؤم بالمسجد الَّذِي تجاه المسمارية وإليه نظر السبع المجاهدي، وكان إمامًا في الفقه والعربيّة، بصيراً بحل " المفصَّل "، وعنه أخذ النّحْو شيخُنا شرفُ الدّين أحمد الفزاريّ.(14/860)
381 - إبراهيم ابن العلّامة ضياء الدين محاسن بْن عَبْد المُلْك بْن عليّ بْن نجا، أبو طاهر التّنُوخيّ، الحموي، ثُمَّ الدّمشقيّ، الحَنْبليّ، الكاتب نجم الدين. [المتوفى: 657 هـ]
تُوُفّي بتل باشر، مِنْ أعمال حلب، وسمعه أبوه مِنْ ابن طبرْزد حضورًا، ومن الكِنْديّ، وله شعرٌ وأدب.
روى عَنْهُ لنا ابن الزراد، وغيره، ومات فِي المحرَّم.(14/860)
382 - أسعد بْن عثمان ابن القاضي وجيه الدين أسعد بْن المُنَجّى بْن بركات بْن المؤمَّل، الرئيس صدْرُ الدين، أبو الفتح التنُّوخيّ، الدّمشقيّ، الحَنْبليّ، المعدل. [المتوفى: 657 هـ]
وُلد سنة ثمانٍ وتسعين وخمسمائة، وسمع مِنْ عُمر بْن طبرْزد، وحنبل، روى عَنْهُ الدمياطي، وابن الخباز، وآحاد الطلبة.
وكان رئيسًا محتشمًا، متمولًا. وقف داره مدرسة عَلَى الحنابلة، ووقف عليها، واندفن بها فِي تاسع عشر رمضان.
وهو أخو شيخَْنا زين الدّين ووجيه الدّين.(14/860)
383 - سليمان بن عياد بْن خَفَاجة، أبو أحمد الْجَزَري، الصّحْراويّ، الحَنْبليّ، البُسْتانيّ، النساج، الصالحي. [المتوفى: 657 هـ][ص:861]
سَمِعَ مِنْ حنبل، وغيره، روى عَنْهُ النجم ابن الخبّاز، والشّمس ابن الزّرّاد، وغيرهما.
ومات في شعبان.(14/860)
384 - صالح بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن موسى، أبو التُّقى الزَّناتيّ، المغربيّ، المؤدّب. [المتوفى: 657 هـ]
سمع من عليّ ابن البنّاء، وعاش سبعين سنة، وتُوُفّي فِي ثامن ربيع الأوّل بالقاهرة.(14/861)
385 - عَبَّاس بْن الفَضْلِ بْن عَقِيل بْن عُثمان بْن عَبْد القاهر، الشريف، أبو المفاخر الهاشمي، العبّاسيّ، الدّمشقيّ. [المتوفى: 657 هـ]
سمع من القاسم ابن عساكر، وهو أخو أبي طَالِب محمد، وابن عمّ هاشم بن عبد القاهر، وقد ذُكرا.(14/861)
386 - عَبْد الله بْن لب بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن خِيَرَة، أبو محمد الشاطبي، المالكي. [المتوفى: 657 هـ]
حدَّث بمكة عَنْ أبي الْخَطَّاب أحمد بْن واجب وتُوُفّي بالقاهرة فِي صَفَر، وله ثلاثٌ وسبعون سنة. وكان مقرئا مجودا، فقيها، عالما.
روى عنه الدمياطي، وأبو محمد الدلاصي.(14/861)
387 - عبد الله بن يوسف بن محمد بن عبد الله، شمسُ الدين، أبو محمد بن اللمط الجُذّاميّ. [المتوفى: 657 هـ]
رافق ابن دحية في الرحلة. وسمع بأصبهان من أبي جعفر الصيدلاني. وببغداد من عبد الوهّاب ابن سُكينة، وبالمَوْصل من أحمد ابن الخطيب الطُّوسيّ، وكان مولده في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة.
روى عنه المجد ابن الحُلوانية، والدمياطي، وعلم الدين الدواداري، وجماعة.
وتوفي في ربيع الآخر بالمنْشيَّة بظاهر القاهرة.(14/861)
388 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الواحد بْن عَبْد الرحمن بن أبي المكارم عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد بْن هلال، الأجل، فخرُ الدين، أبو عليّ الأزْديّ، الدّمشقيّ، المعدل. [المتوفى: 657 هـ]
سَمِعَ حنبل بْن عَبْد الله، وعمر بْن طبرْزد، يروى عَنْهُ بهاء الدّين إبراهيم ابن المقدسي، وناصر الدين محمد بْن المهتار، وغيرهما، وتُوُفّي فِي ثالث عشر شوّال، وقد جاوز الستين.(14/862)
389 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد المؤمن بْن أبي الفتح بن وثّاب، أبو محمد المقُدسيّ، الصُّوريّ، الحَنْبليّ، النّجّار، شهاب الدين. [المتوفى: 657 هـ]
حدَّث عَنْ عمر بن طبرْزد، وحنبل، روى عنه الدمياطي، وابن الخباز، وابن الزراد، وجماعة، ووُجد مقتولًا بالهامة مِنْ وادي بَرَدا فِي ثاني رجب، وعاش ثلاثًا وستين سنة.
وهو أبو شيخنا التقي.(14/862)
390 - عَبْد الرَّحْيم بْن إسماعيل بْن أبي محمد أبو الحُسَيْن ابن أمين الدّولة الأنصاريّ، المصريّ، السّمّسار. [المتوفى: 657 هـ]
سَمِعَ بالمدينة النَّبويّة مِنْ جعفر بْن آموسان، وحدَّث بالقاهرة، وتُوُفّي فِي ربيع الأوّل، روى عَنْهُ عَبْد القادر الصّعْبيّ.(14/862)
391 - عَبْد السلام بْن الحُسَيْن بْن عَبْد السلام بْن عتيق بْن محمد بْن محمد، أبو محمَّد السَّفاقُسيّ، ثُمَّ الإسكندراني العدل. [المتوفى: 657 هـ]
سَمِعَ مِنْ جَدّه لأمه أبي الحَسَن مكّيّ بْن إسماعيل بْن عوف، وحدَّث عَنْهُ. وعن عُمَر بْن عَبْد المجيد المَيَانشيّ، وتفرد بالرواية عَن المَيَانِشيّ، وهو مِنْ بيت العِلم والرواية.
روى عَنْهُ الدمياطي، وقال: سَمِعَ كتاب " المعلم فِي شرح مُسْلِم " للمازري، كله بمكة مِن الميانشي، ووُلد سنة سبْعٍ وستّين وخمسمائة، وتوفّي [ص:863]
فِي العشرين مِنْ شَعْبان عَنْ تسعين سنة.
وللميانشي إجازةٌ مِن المازري.(14/862)
392 - عَبْد العزيز بْن عَبْد الجبّار بْن يوسف الدّمشقيّ، القلانِسيّ. [المتوفى: 657 هـ]
سَمِعَ مِنْ حنبل، والحافظ عَبْد الغني، وغيرهما، روى عَنْهُ الدمياطي، وابن الخباز، وجماعة.
مات فِي شهر رمضان.(14/863)
393 - عبد العزيز بْن هبة الله بْن عساكر بْن سلطان، الشّيخ المعمَّر، أبو محمد العسقلانيّ، ثُمَّ الْمَصْرِيّ. [المتوفى: 657 هـ]
وُلد فِي صَفَر سنة ثمانٍ وخمسين. وذكر أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أبي طاهر السِّلَفيّ، وقد حدَّث عَنْ أبي يعقوب يوسف بْن الطُّفيْل، وتُوُفّي فِي ذي القِعْدة وعُمُرُه مائة سنة إلّا ثلاثة أشهر.(14/863)
394 - عثمان بْن يوسف، الدّمشقيّ، الجمال، الرسام. [المتوفى: 657 هـ]
تُوُفّي فِي شوّال بدمشق.(14/863)
395 - عليّ بْن الحَسَن بْن محمد بْن إسماعيل بْن أبي العز، نجمُ الدين أبو الحسن العراقيّ، النّيليّ، القيلوييّ. [المتوفى: 657 هـ]
وُلد سنة تسعٍ وسبعين ببغداد، وسمع مِنْ ابن طبرْزد، والكِنْديّ، روى عَنْهُ الدمياطي، وعلاء الدّين عليّ ابن الشاطبي، وطائفة سواهما.
تُوُفّي فِي جُمَادَى الآخرة.(14/863)
396 - عليّ بْن مجلي، الصاحب سِراج الدين. [المتوفى: 657 هـ]
صدر للأعمال الواسطيّة. وقد ولي زمن الخليفة صدر ديوان العَرْض. [ص:864]
قاتلته المغل على أمورٍ وضُربت عُنُقُه فِي رجب.
وكان أديبًا، مترسلًا، كريمًا.(14/863)
397 - عليّ بْن يوسف بْن موهوب بْن يحيى الجَزَريّ، ثُمَّ الصالحي، الحَنْبليّ. [المتوفى: 657 هـ]
وُلد سنة ثمانٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع مِنْ عُمر بْن طبرْزد، وحنبل بْن عَبْد الله، وأجاز لَهُ: أبو الفَرَج ابن الجوْزيّ، وجماعة، روى عَنْهُ الدمياطي، وابن الخباز، ومحمّد ابن الزراد، وآخرون، ومات فِي الثالث والعشرين مِنْ ربيع الأوّل.(14/864)
398 - فاطمة بِنْت أبي منصور يونس بْن محمد بْن محمد الفارقي، أم جمال الدين محمد ابن الصّابونيّ. [المتوفى: 657 هـ]
روت بالإجازة عَنْ يحيى الثَّقَفيّ. كتب عَنْهَا ولدها، والدمياطي، وجماعة. وتوفيت بمصر فِي سادس ربيع الأوّل، وقد قاربت الثمانين.(14/864)
399 - الفخر ابن البديع، البنْدَيهيّ، الخُراسانيّ، الْفَقِيهُ. [المتوفى: 657 هـ]
قَالَ الإمام أبُو شامة: وتُوُفّي شخص زنْديق ينظر فِي علوم الأوائل ويسكن المدارس. أفسد عقائد جماعةٍ مِن الشباب، وكان يتجاهر باستنقاص الأنبياء، لَا رحمهُ الله، ويُعرف بالفخر ابن البديع. وكان أبوه يزعم أنّه من تلامذة الفخْر الرّازيّ، مات في حياة والده.(14/864)
400 - كيْقُباذ بْن كيْخُسْرو، السّلجُوقيّ، السُّلطان علاء الدين [المتوفى: 657 هـ]
صاحب الروم.
قَالَ الظهير الكازرُونيّ: فيها تُوُفّي، يعني سنة سبْع.(14/864)
401 - لؤلؤ، السُّلطان المُلْك الرحيم، بدرُ الدين، صاحب المَوْصِل، أبو الفضائل الأرمني الأتابكي، النُّوريّ، [المتوفى: 657 هـ]
مولى المُلْك نور الدين أرسلان شاه ابن السُّلطان عزَّ الدين مسعود. [ص:865]
كَانَ القائم بتدبير دولة أستاذه وأعطاه الإمرية، فلمّا تُوُفّي نور الدين قام بتدبير ولده السّلطان الملك القاهر عزّ الدّين مسعود ابن نور الدّين، فلمّا توفّي سنة خمس عشرة أقام بدر الدين أخوين صبيين وَلَدي القاهر، وهما ابنا بِنْت مظفَّر الدين صاحب إربل، واحدًا بعد واحد. ثُمَّ استبد بملك الموْصل أربعين سنة، والأصح أَنَّهُ تسلطن في أواخر رمضان سنة ثلاثين وستمائة.
وكان حازمًا شجاعًا، مدبرًا، ذا حزم ورأي، وَفِيهِ كَرَم وسُؤْدُد وتجمُّل، وله هيبة وسطْوة وسياسة. كَانَ يغْرم عَلَى القُصّاد أموالًا وافرة، ويحترز ويداري الخليفة مِنْ وجهٍ، والتّتار مِنْ وجهٍ، وملوك الأطراف مِنْ وجهٍ، فلم ينخرم نظام مُلْكه، ولم تطْرُقه آفةٌ. وكان مَعَ ظُلمه وجوده محبَّباً إلى رعيَّته لأنه كَانَ يعاملهم بالرّغْبة والرَّهبة.
ذكره الشَّيْخ قطْبُ الدين فقال: كَانَ ملكًا جليل القدْر، عالي الهمة، عظيم السَّطْوة والسياسة، قاهرًا لأمرائه. قُتِل وشنق وقطع ما لَا نهاية لَهُ حتى هذَّب البلاد. ومع هذا فكان محبوبًا إلى رعيته، يحلفون بحياته، ويتغالون فيه، ويلقبونه قضيب الذهَب. وكان كثير البحث عَنْ أخبار رعيته، تُوُفّي فِي عشْر التسعين وفي وجهه النضارة، وقامتُه حسنَة، يخيَّل إلى مِنْ يراه أَنَّهُ كهل.
قلت: ولما رَأَى أن جاره مظفَّر الدين صاحب إربل يتغالى فِي أمر المولد النّبويّ ويغْرم عَلَيْهِ فِي العام أموالًا عظيمة، ويُظْهر الفَرَح والزينة، عمد هُوَ إلى يوم فِي السَّنَة، وهو عيد الشعانين الَّذِي للنصارى، لعنهم الله، فعمل فيه مِن اللهو والخمور والمغاني ما يضاهي المولد، فكان يمد سِماطاً طويلًا إلى الغاية بظاهر البلد، ويجمع مغاني البلاد، ويكون السّماط خونْجاً وباطيةَ خمرٍ عَلَى هذا الترتيب، ويحضره خلائق، وينثر عَلَى النّاس الذهب مِن القلعة، يسفي الذهب بالصينية الذَّهَب، ويرميه عليهم، وهم يقتتلون ويتخاطفون الدنانير الخفيفة، ثُمَّ يعمد إلى الصّينيّة في الآخر فتقصّ لَهُ بالكازن مِنْ أقطارها إلى المركز، وتخلي معلَّقةً بحيث أَنَّهُ إذا تجاذبوها طلع فِي يد كل واحدٍ منها قطعة. فحدثونا أَنَّهُ كَانَ بالموصل رجلٌ يقال لَهُ عثمان القصاب، كَانَ طُوالاً ضخْماً، شديد الأيْد والبطْش، بحيث أنّه جاء إلى مخاضةٍ ومعه خمس شِياه ليدخل البلد ويقصبها، فأخذ تحت ذا الإبط رأسين، وتحت الإبط الآخر رأسين، وفيه فمه رأسًا، وخاض الماء بهم إلى الناحية الأخرى. فإذا رمى [ص:866]
بدر الدين الصينية إلى النّاس تضاربوا عليها ساعة، ثُمَّ لَا تكاد تطلع إلّا مَعَ عثمان القصاب، ومقتهُ أهلُ العِلْم والدين عَلَى تعظيمه أعياد الكُفْر، وعلى أمورٍ أخر، فقال فيه الشاعر:
يعظِّم أعيادَ النصارى تَلَهِيًا ... ويزعُم أن الله عيسى ابن مريمْ
إذا نبَّهته نخوةُ أريحيّةٍ ... إلى المجد قالت أرمنيتّه: نمْ
وذكروا لنا أَنَّهُ سار إلى خدمة هولاوو، وقدَّم لَهُ تُحفاً سِنية، منها دُرّةٌ يتيمة، والتمس أنْ يضعها هُوَ فِي أُذُن المُلْك هولاوو، فانكفًا عَلَى رُكبته فمعك أذُنه، وأدخلها فِي الخُرم. فلمّا خرج فاق عَلَى نفسه وقال: هذا مَعَك أذُني، أوْ قِيلَ ذَلِكَ لهولاوو، فغضب وطلبه، فإذا هُوَ قد ساق فِي الحال. والله أعلم بصحة هذا، فإني أستبعدُه. ولكنه ذهب إلى هولاوو، ودخل فِي طاعته، وأعانه عَلَى مُراده، فأقره عَلَى بلده، وقرر عَلَيْهِ ذَهَبًا كثيرًا فِي السَّنَة.
فلمّا مات انخرم النّظام، ونازلت التّتار الموْصل، وعصى أهلها، فحوصرت عشرة أشهُر، ثُمّ أُخِذت، ولا حول ولا قوة إلّا بالله.
تُوُفّي صاحب الموْصل يوم الجمعة ثالث شعبان، وقد كمّل الثّمانين، سامحه الله.(14/864)
402 - محمد ابن القاضي الأشرف أحمد ابن القاضي الفاضل أبي عليّ عَبْد الرحيم بْن عليّ، القاضي الرئيس، عزُّ الدين، أَبُو عَبْد اللَّه اللَّخْميّ، البيْسانيّ الأصل، الْمَصْرِيّ. [المتوفى: 657 هـ]
سَمِعَ بإفادة أَبِيهِ، وبنفسه الكثير. وخرج عَلَى الشيوخ، وكتب الكثير، وصار لَهُ أنسَه جيدة بالفن، سَمِعَ مِنْ أبي القاسم بن صصْرى، والبهاء المقدسيّ، وأبي محمد ابن البن، فمنْ بعدهم وتُوُفّي بدمشق فِي عاشر شوّال.(14/866)
403 - مُحَمَّد بن علي بن موسى الإمام المقرئ، شمس الدين، أبو الفتح الأنصاريّ، الدّمشقيّ، [المتوفى: 657 هـ]
شيخ الإقراء بتُربة أم الصالح.
قرأ القراءات عَلَى الشَّيْخ عَلَم الدين السخاوي، وكان مِنْ جِلّة أصحابه، فولي الإقراء بالتُّربة بعد السَّخاويّ، مَعَ وجود الإمام شهاب الدين أبي شامة. [ص:867]
فَبَلَغَنَا أَنَّهُ وقع نزاعٌ فِي أي الرّجُلين أوْلى بالمكان، لأن شرطه أن يكون أقرأ من في البلد، فتكلّموا فيمن يحكم بينهما، فأُرشدوا إلى الشيخ عَلَم الدّين القاسم بن أحمد الأندُلسيّ، فسأل كلَّ واحدٍ مِن الرجلين مسألة مِن الفن وأجابه، فقالوا لَهُ: من رأيت يصلُح؟ فقال عَنْ أبي شامة: هذا إمام. وقال عَنْ شمس الدين أبي الفتح: هذا رَجُل يعرف القراءات كما ينبغي. فوقعت العناية بأبي الفتح وأُعطيها. فقرأ عَلَيْهِ جماعةٌ منهم: شيخنا برهان الدين الإسكندري، وشيخنا شَرَفُ الدين الفَزَاري.
وكان من أهل دار الحديث الأشرفية، سَمِعَ بها من ابن الزُّبَيْديّ، وغيره.
وقد وُلّي التُّربة قبله فخر الدين ابن المالكي أيامًا ومات.
قَالَ أبو شامة: وفي صَفَر تُوُفّي الشمس أبو الفتح الَّذِي كَانَ يُقرئ بالتُّربة الصالحية بعد الفخر ابن المالكي، ثُمَّ قَالَ: وكان إماماً في القراءات.(14/866)
404 - محمد بن المفضّل بن الحسن بن عبد الصّمد بن محمد بن مرهوب، الشّيخ جمالُ الدّين، أبو محمد الحمويّ، الحنفيّ، الشُّروطيّ المعروف بابن الإمام. [المتوفى: 657 هـ]
وُلد بحماة سنة تسعٍ وستيّن وخمسمائة، وروى بالإجازة عن السِّلفيّ في سنة ثمانٍ وأربعين بدمشق، فسمع منه أبو المعالي ابن البالِسيّ، وجماعة، وله ديوان خُطبٍ وشعْرٍ وأدب.
توفّي في هذه السّنة بحماة.(14/867)
405 - محمد ابن وزير العراق مؤيّد الدين ابن العلْقميّ، الرّئيس عزّ الدّين. [المتوفى: 657 هـ][ص:868]
قال الظّهير الكازروُنيّ: مات في ذي الحجّة سنة سبْعٍ. وقد عمل الوزارة للتّتار، عاش أربعين سنة، ولّاه هولاكو بعد أبيه الوزارة، فأقبل على قاعدة الوزاء في فاخر الملبوس، وعلى فرسه كنبوش حرير، وفي عُنقه مشدَّة، فأُخبر بهادر الشِّحنة، فقام من الدّيوان فعاينها، فبال وهو واقف على الدّكّة على الكنبوش، وغضب وطرد الفَرَس.
فانظُر إلى وزير العراق في هذه الدّولة القآنية. وقسْ على ذلك.(14/867)
406 - محمد بن مكّيّ بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن عَبْد اللَّه، أبو عبد الله القُرشيّ، الدّمشقيّ، العدل، الأديب المعروف بابن الدّجاجيّة. ويُلقّب بالبهاء ابن الحفظ. [المتوفى: 657 هـ]
وُلد سنة إحدى وتسعين وخمسمائة. وهو الّذي هجا النّجيب الصّفّار لمّا جلس يشهد؛ وكان يُجيد النَّظْم، فمِن شعْره:
إلى سَلَم الجرعاء أهدَى سلامَه ... فماذا على مَنْ قد لحاه ولامهُ
تجلّد حتّى لم يدعْ معْظم الْجَوَى ... لرائيه إلّا جلْده وعظامهُ
وكان والده قد درس ببُصرى ونظم " المهذب ".
تُوفّي البهاء في ثاني المحرَّم، وكان شاهدًا، روى عنه الدّمياطيّ من شعْره.(14/868)
• - المجد الإربليّ، النّحويّ. [المتوفى: 657 هـ]
تقدّم في أحمد.(14/868)
407 - مظَّفر بن أبي بكر مُحَمَّد بن إلياس بن عَبْد الرَّحْمَن بن علي بن أحمد، الرّئيس نجمُ الدّين، أبو غالب ابن الشّيْرجيّ، الأنصاريّ، الدّمشقيّ، الشّافعيّ، العدل. [المتوفى: 657 هـ]
وُلّي تدريس العَصْرُونيَّة ووكالة بيت المال. وكان يرجع إلى دينٍ وأمانةٍ وعلم. [ص:869]
وُلد سنة سبْعٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع من الخُشُوعيّ، وعبد اللطيف ابن أبي سعد، والقاسم ابن الحافظ، وحنبل، وابن طبرْزد، روى عنه الدّمياطيّ، وزيْن الدين الفارقِيّ، وابن الخبّاز، والزّرّاد، ومُحيي الدّين يحيى إمام المشهد، وآخرون.
توفّي في آخر يوم من السّنة. وقد وُلّي أيضًا حسْبة دمشق، ونَظَرَ الجامع كابنه عزَّ الدين عيسى، وابن ابنه شَرَف الدين أحمد.(14/868)
408 - المعين العادلي، المؤذّن. [المتوفى: 657 هـ]
أذن للسُّلطان صلاح الدين فمنْ بعده، وطال عمُره، قَالَ أبُو شامة: جاوز المائة، وزَمِن قبل موته بسِنين.(14/869)
409 - منهال بْن محمد بْن منصور بْن خليفة بْن منهال، شَرَفُ الدين، أبو الغيث العسقلاني الأصل، الْمَصْرِيّ، المعدل. [المتوفى: 657 هـ]
كتب الحُكْم لغير واحدٍ من قضاة مصر، وسمع بإفادة أَبِيهِ من عَبْد الله بْن محمد بْن مجلي، وعبد الله بْن عَبْد الجبّار العثماني، وطائفة، وأجاز لَهُ أبو اليُمن الكِنْديّ، وكان مولده فِي سنة أربعٍ وستمائة، وكان بصيرًا بالشُّروط.
مات فِي ذي الحجّة.(14/869)
410 - يحيى بْن عَبْد الوهّاب بْن محمد بْن عطيّة، الْفَقِيهُ تاجُ الدين، أبُو الحُسَيْن التَّنُوخيّ، الإسكندراني، المعدل الأُصُوليّ. [المتوفى: 657 هـ]
تُوُفّي فِي جمادى الآخرة بالثُّغْر. وكان يعرف الأصول، وسمع الكثير من أبي القاسم الصَّفْراويّ، وأبي الفضل الهمدانيّ، ولم يحدث.(14/869)
411 - يوسف القُمَّينيّ. [المتوفى: 657 هـ]
شيخ مشهور بدمشق. للناس فيه حُسن اعتقاد. وكان يأوي إلى القمامين والمزابل الّتي هي مأوى الشياطين، ويلبس ثيابًا تكنس الأرض، وتتنجس ببوْله، ويمشي حافيًا، ويترنح فِي مشْيته. وله أكمامٌ، طوال، ورأسه مكشوف، وكان طويل السكوت، ذا مَهابةٍ وولهٍ ما، ويُحكى عَنْهُ عجائب وكشوفات. [ص:870]
وكان يأوي إلى قمين حمام نور الدين، ولما تُوُفّي شيعة خلْقٌ لَا يُحْصون من العامّة.
وقد بصّرنا الله تعالى وله الحمد وعرفنا هذا النموذج، وأن لهم شياطين تطمع فيهم لنقْص عقولهم، وتجري فيهم مجرى الدم، وتتكلم عَلَى ألسِنتهم بالمُغيَّبات، فيضل النّاس، ويتألّهونهم، ويعتقدون أنّهم أولياء لله، فإنا لله وإنا إِليْهِ راجعون. فقد عم البلاء فِي الخلق بهذا الضرب، ولكن الله يثيب النّاس عَلَى حُسن قصدهم، وإن جِهلوا وأخطؤوا، ويغفر لهم بلا شك إذا كَانَ قصدُهم ابتغاء وجهه الكريم.
وهذا زماننا فيه وأحد اسمه إبراهيم بظاهر باب شرقي، لَهُ كشوفات كالشّمس، وما أكثرها. أقام أربع سنين في دُكّان برّا الْبَابُ، ثُمَّ تحول إلى قمين حمام الفواخير، وهو زُطّيٌّ، سفيه، نجِس، قد أحرقته السوداء، وله شيطان ينطق عَلَى لسانه، فما اجهل من يعتقد فِي هذا وشبهه أَنَّهُ وُلّي لله، والله يقول في أوليائه: {الّذين آمنوا وكانوا يتقون}، وقد كَانَ فِي الجاهلية خلْقٌ من الكُهّان يخبرون بالمغيِّبات، والرُّهبان لهم كشْفٌ وإخبار بالمغيبات، والساحر يخبر بالمغيبات. وفي زماننا نساءٌ ورجالٌ بمهم مسٌّ من الجِنّ يخبرون بالمغيبات عَلَى عدد الأنفاس.
وقد صنَّف شيخُنا ابن تيْميّة غير مسألةٍ فِي أن أحوال هَؤلَاءِ وأشباههم شيطانية، ومن هذه الأحوال الشيطانية الّتي تضل العامة أكْلُ الحيات، ودخول النَّارَ، والمشْي فِي الهواء، ممن يتعانى المعاصي، ويخل بالواجبات. فنسأل الله العون على اتّباع صراطه المستقيم، وأن يَكْتُبَ الإيمانَ فِي قُلُوبِنَا، وَأَنْ يُؤَيِّدَنَا بروحٍ منه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقد يجيء الجاهل فيقول: اسكُتْ لَا تتكلم فِي أولياء الله. ولم يشعر أَنَّهُ هُوَ الَّذِي تكلم فِي أولياء الله وأهانهم، إذْ أدخل فيهم هَؤلَاءِ الأوباش المجانين أولياء الشياطين، قَالَ الله تعالى: {وإن الشياطين ليُوحُون إلى أوليائهم لِيُجادلوكم} ثمّ قال: {وإنْ أطعْتموهم إنّكم لمُشركون}، وَمَا اتبع النّاس الأسود العَنْسي ومُسيلمة الكذاب إلّا لإخبارهما بالمغيبات، ولا عُبدت الأوثان [ص:871]
إلاّ لذلك، ولا ارتبط خلقٌ بالمنجّمين إلّا لشيءٍ من ذَلِكَ، مَعَ أن تسعة أعشار ما يُحْكى من كذِب الناقلين. وبعض الفُضلاء تراه يخضع للمولهين والفُقراء النصابين لمّا يرى منهم. وَمَا يأتي بِهِ هَؤلَاءِ يأتي بمثله الرُّهبان، فلهم كشوفات وعجائب، ومع هذا فهم ضُلاّلٌ من عَبَدة الصُّلبان، فأين يُذْهب بك؟! ثبّتنا الله بالقول الثّابت وإيّاك.(14/869)
412 - أبو بكر ابن الملك الأشرف أبي الفتح محمد ابن السُّلطان الكبير صلاح الدين يوسف. [المتوفى: 657 هـ]
وُلد بمصر فِي سنة سبْعٍ وتسعين، ونشأ بحلب، وسمع بها من عُمَر بْن طبرْزد، وحنبل، ودخل بغداد في الأيّام المستنصرية، وسمع بها من أصحاب أبي بَكْر ابن الزّاغُونيّ، وأبي الوقت السّجْزيّ، وكان أميرًا جليلًا، لَهُ حُرمة وافرة.
تُوُفّي بحلب فِي ذي الحجّة، وله ستون سنة.(14/871)
-وفيها وُلِد:
شيخنا العارف عماد الدّين أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الواسطيّ ابن شيخ الحزاميّة، بواسط فِي ذي الحجّة، وخطيب النَّيْرب تقي الدّين صالح ابن مجد الدّين بن سحنون، والشّرفُ عليّ ابن قاضي القضاة شمس الدّين أحمد ابن خلِّكان، والعلاء عليّ ابن المهذب التّنُوخيّ الشُّروطيّ، وشيخُنا مجدُ الدين أبو بكر بن محمد بن القاسم التُّونسيّ المقرئ النحوي بتونس، أو سنة ستٍّ، ومحمد ابن أحمد بن محمد بن محمود المرداوي بالنَّيرب، والبدر أحمد ابن ناصر الدين ابن المقدسي ابن نوح، والتقي محمد بْن إبراهيم بْن دَاوُد بْن ظافر الفاضلي، ورُقيّة بِنْت موسى بْن إبراهيم الشقراوي، وعلي بْن أبي الحَرَم السَّنْبوسكيّ، كلاهما تقريبًا، والشَّرف يعقوب بْن إسحاق الكفتي جابي الأمينية، ومحيي الدين يحيى بْن محمد بْن عليّ بْن القباقِبيّ، وأحمد بْن عليّ الكَلْوتانيّ، مصري يروي عن النّجيب، وزين الدّين أحمد ابن قاضي القُضاة [ص:872]
تقي الدين محمد بن رزين، سَمِعَ من ابن علاّق. وأبوالعبّاس أحمد ابن شيخنا عَبْد الرحيم بْن عَبْد المحسن الحَنْبليّ، سمع من النّجيب وكذا اللّذان بعده، وعبد المحسن بن أحمد ابن الجمال محمد ابن الصّابونيّ، وعليّ بن إسحاق ابن السّلطان بدر الدّين صاحب المَوْصِل، وتاج الدين محمد بْن عَبْد الرّزّاق بْن عَبْد الكريم العسقلاني، يروي عَنْهُ الرشيد العطار؛ وأحمد بْن محمد بْن عليّ بْن ملاعب القباني، وإبراهيم بْن أبي بَكْر بن أحمد الكهفيّ، وسعد الدّين محمد ابن محمد بْن محمد بْن سُنْقُر العادلي، سَمِعَ النّجيب، وصاحب حماة الملك المظفّر محمود ابن المنصور.(14/871)
-سنة ثمان وخمسين وستمائة.(14/873)
413 - أحمد بن محمد بن يوسف بن الخضر أبو الطَّيّب الحلبي، الحنفي، الْفَقِيهُ. [المتوفى: 658 هـ]
روى عَنْ عمر بن طبرْزد. ودرَّس وأشغل.
تُوُفّي بحلب بعد أخذها بالسيف وقتْل أكثر أهلها بأيّام.(14/873)
414 - أحمد بن يحي بْن هبة اللَّه بْن الْحَسَن بْن يحيى بن محمد بن عليّ بن صدقة ابن الخياط، قاضي القُضاة، صدرُ الدين، أبو العبّاس، ابن قاضي القُضاة شمس الدين أبي البركات التَّغْلِبيّ، الدّمشقيّ، الشّافعيّ، ابن سَنِيّ الدّولة. [المتوفى: 658 هـ]
وُلد سنة تسعين وخمسمائة وسمع من الخُشُوعيّ، وعبد اللطيف بن أبي سَعْد، وابن طبرْزد، وحنبل، وست الكتبة، والكِنديّ، وأبي المعالي محمد بْن عليّ القُرَشيّ، والقاسم ابن عساكر، والخطيب عَبْد المُلْك الدَّوْلعيّ، وجماعة.
روى عنه الدمياطي، وابن الخباز، والقاضي تقي الدين سليمان، وشرف الدين الفَزَاري الخطيب، ومُحيي الدين يحيى إمام المشهد، ومحمد ابن الزَّين القواس، وعلاء الدين الكِنْديّ، والشمس محمد ابن الزّرّاد، ومحمد ابن المُحبّ عَبْد الله، وآخرون.
وتفقه وبرع فِي المُذْهب عَلَى أَبِيهِ، وعلى الإمام فخر الدين ابن عساكر، وقرأ الخلاف عَلَى الصدر البغداديّ. ولم يُر أحدٌ نشأ فِي صيانته وديانته واشتغاله. ناب فِي القضاء عَنْ أبيه فِي سنة ستٍّ وعشرين. وأول ما درس فِي سنة خمس عشرة وستمائة، وأفتى بعد ذَلِكَ.
وكان سَنيّ الدّولة الحَسَن بْن يحيى من كُتّاب الإنشاء لصاحب دمشق قبل نور الدين لَهُ ثروةٌ وحشمة، وقف عَلَى ذُرّيته أوقافًا فِي سنة ثمانٍ وعشرين وخمسمائة، وهو ابن أخي أحمد بن محمد ابن الخياط الشّاعر المشهور.
وكان صدر الدين مشكوَر السيرة فِي القضاء، لين الجانب، حَسَن [ص:874]
المداراة والاحتمال، وُلّي وكالة بيت المال، ثُمَّ ناب فِي القضاء، ثُمَّ استقل بِهِ مدة. ودرس مدة بالإقبالية والجاروخية. ولما أخذ هولاوو الشّام هذه السُّنَّة سافر ابن سَنِي الدّولة ومحيي الدّين ابن الزكي إلى حلب، فكان ابن الزكي أفْره منه وأحْذَق بالدخول عَلَى التّتار، فولوه قضاء القُضاة، ورجع ابن سَنيّ الدّولة بخُفَّي حُنين، فلمّا وصل إلى حماة مرض وركب فِي محفّة إلى بعْلبكّ، فبقي ببعْلبكّ يومين، ومات بها فِي عاشر جمادى الآخرة، وله ثمانٍ وستون سنة. وغسله الزكي ابن المعرّيّ بحضور الشَّيْخ الْفَقِيهُ.
قَالَ الدمياطي: خرجت لَهُ " معْجماً " فأجازني بملبوسٍ نفيس ثُمَّ بملبوسٍ حَسَن لمّا عدلت. وكان يتعاهدني بالصِّلة ويُحسن إليَّ.
قَالَ الشَّيْخ قطْبُ الدين: وكان المُلْك النّاصر يوسف يحبه ويُثني عَلَيْهِ.(14/873)
415 - إبراهيم بْن خليل بْن عَبْد الله، نجيب الدين الدّمشقيّ، الأدمي، أبو إسحاق، [المتوفى: 658 هـ]
أخو الشَّيْخ شمس الدين يوسف بْن خليل.
وُلد يوم عيد الفِطْر سنة خمسٍ وسبعين، وسمع من عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلِيّ الخِرقيّ، وإسماعيل الجنْزويّ، ويحيى الثَّقَفيّ، ومنصور الطَّبريّ، ويوسف بْن معالي الكتّانيّ، وعبد اللطيف بْن أبي سَعْد، وعمر بْن يوسف الحموي، وأبي طَالِب محمد بْن الحُسَيْن بْن عَبْدان، وأبي المحاسن محمد بن كامل التّنوخيّ، والخُشُوعيّ، وجماعة، وحدَّث بدمشق وحلب. وطال عُمُره، واشتهر اسمُه. وكان لَهُ أجزاء ومنها يحدث، حصلها لَهُ أخوه. وكان سماعه صحيحًا. وكان يعمل المداسات.
حمل عَنْهُ خلْقٌ كثير وحُفَّاظ، وحدَّث عَنْهُ الشَّيْخ تاج الدين عَبْد الرَّحْمَن، وأخوه شرفٌ الدين، وتاج الدين صالح الجعْبريّ، وبدر الدّين محمد ابن الجوهريّ الحلبيّ، والشّيخ نصر المنْبِجيّ، والعماد ابن البالِسيّ، وصفية بِنْت الحُلوانيّة، ومحمد بْن أحمد البجدي، وأبو الفداء ابن الخباز، وزينب خالة ابن [ص:875]
المُحبّ، والجمال عليّ ابن الشّاطبيّ، والشّمس محمد ابن الفخر عليّ ابن البخاريّ، والتّقيّ أحمد ابن العِزّ إبراهيم، وآخرون.
قَالَ لنا الدمياطي: بعثته إلى حلب لينوب عني فِي التسميع فِي وظيفتي، فعُدم فِي وقعة التّتار فِي صَفَر، رحمه الله.(14/874)
• - إبراهيم بْن سهَّل، [المتوفى: 658 هـ]
شاعر الأندلس.
يأتي.(14/875)
416 - إبراهيم بن هبة الله بن سعيد بن باطيش، أبو إسحاق الموْصليّ. [المتوفى: 658 هـ]
سمع ابن طبرْزد، روى عَنْهُ الدمياطي، وإسحاق الأَسَديّ، وغيرهما.
يُلقَّب شمس الدين. استُشهد فِي أخْذ حلب.(14/875)
417 - إِبْرَاهِيم بْن يوسف بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الواحد بْن موسى بْن أحمد، الوزير مؤيد الدين، أبُو إسحاق الشَّيْبانيّ، المقدسي، ثُمَّ الْمَصْرِيّ، المعروف بابن القِفْطيّ، [المتوفى: 658 هـ]
أخو الصاحب جمال الدين عليّ بْن يوسف المؤرخ.
وُلد ببيت المقدس سنة أربعٍ وتسعين وخمسمائة، وسمع بحلب في سنة نيّفٍ عشرة من الافتخار عَبْد المطَّلب الهاشمي. ووَزَرَ بحلب بعد أخيه الأكرم مدة.
روى عَنْهُ الدمياطي، وهلك بحلب بعد أخذها بيسير فِي أحد الرّبيعيْن.(14/875)
418 - إبراهيم بْن أبي بَكْر بْن أبي زَكْري، الأمير الكبير مُجير الدين. [المتوفى: 658 هـ][ص:876]
قُتل شهيداً بنابلس لمّا دخلتها التّتار بالسيف، فشهر سيفه وقتل جماعة وقُتل فِي سبيل الله فِي ربيع الآخر.
وكان محتشمًا، كبير القدْر. خدم الملكَ الصالح نجم الدّين أيّوب بالشّرق وقدِم معه، ثُمَّ بعده اتصل بخدمة المُلْك النّاصر يوسف. وحجَّ بالناس من دمشق سنة ثلاثٍ وخمسين. وكان مُتولِّياً نابلس ونواحيها. وكان عنده فضيلةٌ وأدبٌ ومكارم. وهو من بيتٍ كبير من الأكراد.(14/875)
419 - إِسْحَاق بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الحَسَن، أبو المكارم ابن العجمي، الحلبي. [المتوفى: 658 هـ]
حدَّث عَنِ الافتخار الهاشمي، وسمع من جَدّه أبي حامد عَبْد الله، ومن القاضي ابن شدّاد، ومات في رمضان بحلب، وكان(14/876)
420 - إسماعيل بْن هاشم، أبو نصر الحلبي، الخطيب. [المتوفى: 658 هـ]
عُدِم فِي الواقعة الحلبية هُوَ وأمم لَا يُحصيهم إلا الله، وقد سَمِعَ ببغداد من عَبْد الوهّاب ابن سُكينة، ويحيى بْن الربيع الْفَقِيهُ، أخذ عَنْهُ جماعة.(14/876)
421 - إيل غازي، السُّلطان المُلْك السعيد، نجمُ الدين أبو الفتح، صاحب ماردين وابن صاحبها أرتق بن إيل غازي بْن ألبي بْن تمُرْتاش بْن أيل غازي بْن أُرْتُق الأرتقي. [المتوفى: 658 هـ]
مات فِي آخر السَّنَة فِي الحصار والوباء بقلعة ماردين، وكان حازمًا بطلاً، عالي الهمّة، جوادًا، ممدَّحاً. ملك مدة ديار بَكْر.
وقيل: مات فِي صَفَر من سنة تسع، فالله أعلم.(14/876)
422 - تمام بْن أبي بَكْر بْن أبي طَالِب بْن أبي الزمام بْن أبي غالب، أبو طالب ابن السُّرُوريّ، الدّمشقيّ. [المتوفى: 658 هـ]
وُلد سنة سبْعٍ وسبعين، وسمع من يحيى بْن محمود الثَّقَفيّ، وكان جُندياً. وُلّي عدة ولايات بالشّام، روى عَنْهُ الدمياطي، والزّاهد محمد بن تمّام [ص:877]
الخيّاط، ومحمد ابن المُحبّ، والنّجم ابن الخبّاز.
توفّي في رجب.(14/876)
423 - تورانشاه، المُلْك المعظَّم أبو المفاخر ابن السُّلطان المُلْك النّاصر صلاح الدين يوسف بْن أيّوب. [المتوفى: 658 هـ]
آخر من بقي من إخوته.
وُلد سنة سبْع وسبعين وخمسمائة، وسمع بدمشق من: يحيى الثَّقَفيّ، وابن صَدَقة الحراني، وأجاز لَهُ: عَبْد اللَّه بْن بري النَّحْويّ، وغيره وانتقى لَهُ الدمياطي " جزءًا ". وحدَّث بحلب ودمشق، روى عَنْهُ الدمياطي، وسُنقُر القضائي، وغيرهما، وفي قَيد الحياة من الرُّواة عَنْهُ: أحمد وعبد الرحيم ابنا محمد بْن عَبْد الرحمن ابن العجمي، والتاج محمد بْن أحمد بْن محمد ابن النَّصِيبيّ بحلب، والقاضي أحمد بْن عَبْد الله القُرشيّ شُقيْر، وغيرهم.
وكان كبير البيت الأيوبي. وكان السّلطان الملك النّاصر، وهو ابن ابن أخيه، يحترمه ويُجلّه، ويثق بِهِ، ويتأدب معه. فكان يتصرف فِي الخزائن والأموال والغلمان.
وقد حضر غير مصافٍّ، وكان ذا شجاعة وعقْل وغور. وكان مُقَدَّم الجيش الحلبي من زمانٍ طويل، وهو كَانَ المقدم لمّا التَقَوا هُمْ والخوارزمية سنة ثمانٍ وثلاثين بقرب الفُرات، فأسر يومئذ وهو مُثْخنٌ بالجراح، وانهزم عسكرهُ هزيمة قبيحة، وقُتل منهم خلْق. وقُتل في هذه الكائنة الصّالح ولد الملك الأفضل عليّ بْن يوسف، وأغارت الخُوارزميّة عَلَى بلاد حلب، وفعلوا كل قبيح، فلا حول ولا قوة إلّا بالله.
ولما استولى التّتار، خَذَلَهم الله، عَلَى حلب وبذلوا فيها السيف اعتصم بقلعتها وحماها، ثُمَّ سلمها بالأمان، وأدركه الأجَل عَلَى إثْر ذَلِكَ.
ولم يكن عدْلاً، وربما تعاطى المُحرَّم، فإن الدمياطي يَقُولُ: أَخْبَرَنَا فِي حال الاستقامة.
تُوُفّي- سامحه الله- فِي السّابع العشرين من ربيع الأوّل بحلب، ودُفن بدهْليز داره وله ثمانون سنة.(14/877)
424 - جعفر بْن أبي عليّ حَسَن بْن أبي الفُتُوح بن عليّ بن حسين ابن دوّاس، أبو الفَضْلِ الكُتاميّ، الْمَصْرِيّ، الكاتب المعروف بابن سِنان الدّولة. [المتوفى: 658 هـ]
وُلد سنة أربع وسبعين وخمسمائة بمصر، وسمع من البُوصيريّ وغيره، روى عَنْهُ الدمياطي، وجماعة، وأبو حامد ابن الصّابونيّ وقال: في أجداده جاير بالياء وتوفّي في نصف رمضان.(14/878)
425 - جعفر بْن حمود بْن المحسن بْن عليّ أبو الفَضْلِ التّنُوخيّ، الحلبي. [المتوفى: 658 هـ]
استُشهد فِي أخْذ حلب. وهو أخو الأمين عَبْد المحسن، يروى عن الكِنديّ، وابن الحرسْتانيّ، وما علمته حدّث.(14/878)
426 - حبيبة بِنْت أحمد بْن نصر، الحَرَانية، [المتوفى: 658 هـ]
نزيلة حلب.
أجاز لها أبو العبّاس أحمد بْن أبي منصور الترك، والحافظ أبو موسى المَدينيّ، وحدثت. لَا أعلم أحدًا روى لنا عَنْهَا.
توفيت فِي رمضان بحلب.(14/878)
427 - حَسَن، المُلْك السعيد ابن المُلْك العزيز عثمان ابن السُّلطان المُلْك العادل، [المتوفى: 658 هـ]
صاحب الصُّبيْبَة وبانياس.
تُوُفّي أبوه سنة ثلاثين، فقام بعده ابنه المُلْك الظاهر، ثُمَّ مات سنة إحدى وثلاثين، فتملّك بعده حسن هذا، فبقي إلى أن انتزع الصبيبة منه الملك الصالح نجم الدين أيوب وأعطاه خبزا بالقاهرة، فلما قتل الملك المعظّم هرب إلى غزة وأخذ ما فيها، وقصد قلعة الصُّبيْبة فتسلمها. فلمّا تملك المُلْك النّاصر الشّام أخذ المُلْك السعيد واعتقله بقلعة البيرة. فلمّا دخل هولاوو الشّام وأخذت التّتار البِيرة، أخرجوه من الحبْس، وأحضر عند المُلْك بقيوده، فأطلقه وخلع عَلَيْهِ بسراقوج، وصار من جملتهم، ومال إليهم بكليتّه. وكان يقع في الملك النّاصر عندهم، ويحرض عَلَى هلاكه، فسلموا إِليْهِ الصّبيْبة وبانياس. وبقي في [ص:879]
خدمة نائب دمشق كتْبُغانُوين لَا يُفارقه. ثُمَّ حضر معه مصافٌ عين جالوت، وقاتل مَعَ التّتار قتالًا شديدا. وكان بطلًا شجاعًا، فلمّا انكسروا، ولله الحمد، حضر إلى بين يدي السُّلطان قُطُز فقال: هذا ما يجيء منه خير. وأمر بِهِ فضُربت عُنقه، ولم يُقل عثْرته، فلا قوة إلا بالله.(14/878)
428 - الحسن بن أحمد بن هبة الله ابن أمين الدّولة، الفقيه، أبو محمد الحلبي، الحنفي، المحدث. [المتوفى: 658 هـ]
أحد الطلبة المشهورين بحلب، سَمِعَ من ابن روزبة، ومُكرم، وابن شداد، وابن خليل، وابن رواحة، ورحل فسمع ببغداد من: أبي إسحاق الكاشْغريّ، وأبي بَكْر ابن الخازن، وطائفة وحدَّث بمصر والشّام، وعُدم فِي الوقعة بحلب، رحمه الله. وله شعرٌ جيد.(14/879)
429 - الحَسَن بْن عليّ بْن طاهر، الكُرْجيّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 658 هـ]
حدَّث عَنْ حنبل، وابن طبرْزد، ومات فِي ذي القِعْدة بالقرافة.
روى عَنْهُ الدمياطي، وغيره.(14/879)
430 - الحسين ابن الحافظ أبي القاسم عليّ بْن القاسم ابن الحافظ الكبير أبي القاسم ابن عساكر، عمادُ الدين، أبو حامد الدّمشقيّ، الملقَّب بالحافظ. [المتوفى: 658 هـ]
وُلد سنة عشرٍ وستّمائة. وأجاز لَهُ المؤيِّد الطُّوسيّ، وأبو رَوْح وخلق عَلَى يد والده، وسمعه أبوه من جماعةٍ حضورًا، وتُوُفّي بنابلس وهو متوجّهٌ إلى مصر في شعبان عَنْ ستٍّ وأربعين سنة.
وقيل: مات فِي رمضان، وحُمل فدُفن بسفح قاسيون.(14/879)
431 - خليل بْن إسماعيل بْن إبراهيم الماردِيني، المقرئ. [المتوفى: 658 هـ][ص:880]
سمع من أبي القاسم ابن الحرستانيّ، وحدّث. ومات في جمادى الآخرة.(14/879)
432 - رسلان شاه، الأمير أسد الدين ابن المُلْك الزّاهر مُجير الدّين داود ابن السُّلطان صلاح الدِّين يوسُف بن أيوب. [المتوفى: 658 هـ]
كَانَ شجاعًا شهْماً، حَسَن الشكل، كريمًا. وكان أبوه أشبهَ النّاس بأبيه، وشقيق المُلْك الظاهر غازي، وسلطان البِيرة. فتوفي بها فِي سنة اثنتين وثلاثين، وتملك البيرةَ بعده الملكُ العزيزُ صاحب حلب، وأقام نساؤه وأولاده بحلب عند ابن عمهم.
وقُتل أسدُ الدين هذا ببواشير حلب فِي أول دخول التّتار.(14/880)
433 - رشيد بْن محمد بْن عَبْد المُلْك، أبو محمد الهَمَذَانيّ، الصّوفيّ، السّرّاجي. [المتوفى: 658 هـ]
شيخ معمّر من صوفيّة دمشق، حدث عن المحدث إبراهيم بْن عثمان بْن درباس الماراني، لقيه بإربل.(14/880)
434 - زينب بنت أبي الجود نديّ بْن عَبْد الغني بْن عليّ، أم الكِرام الأنصارية، المصرية. [المتوفى: 658 هـ]
سَمِعْتُ من أبيها، ومن البوُصيريّ، والأرتاحي. وتوفيت فِي جُمَادَى الآخرة.
أخذ عَنْهَا المصريون، ولم يحدثنا أحدٌ عَنْهَا. ولعل فِي مصر من يروي عنها.(14/880)
435 - طُغريل بْن عَبْد الله، أبو محمد التُّركيّ، المُحسنيّ، الطواشي. [المتوفى: 658 هـ]
سَمِعَ من حنبل، وابن طبرْزد، وستِّ الكَتَبَة بِنْت الطراح مَعَ مولاه المُلْك المحسن. روى عَنْهُ الدمياطي، وإسحاق الأَسَديّ. ومات بحارم بعد الوقعة بأيام فِي ربيع الأوّل. [ص:881]
وعنه أيضاً: البدر ابن التّوزيّ، والتّاج الجعْبريّ.(14/880)
436 - عَبَّاس بْن محمد بْن أحمد الماكسيني، شمسُ الدّين الدّمشقيّ. [المتوفى: 658 هـ]
روى عن حنبل. وغيره. روى عَنْهُ الدمياطي، وناصر الدين محمد بْن المهتار، وغيرهما. ظهر منه قيامٌ مَعَ التّتار بدمشق، فلمّا انكسروا قتله المسلمون.
ولأبيه رواية عن الحافظ أبي القاسم ابن عساكر.(14/881)
437 - عَبَّاس - ويقال: أبو العبّاس، ويسمى الخَضِر - ابن أبي طَالِب نصر بْن محمد بْن نصر، أبو الفَضْلِ شهاب الدين الحَمَويّ، ثُمَّ الدّمشقيّ، الكاتب. [المتوفى: 658 هـ]
سَمِعَ من الخُشُوعيّ. وتُوُفّي فِي ربيع الآخر بدمشق، وله إحدى وسبعون سنة.
روى عنه الدّمياطيّ، ومحمد ابن الخطيب بيت الأبَّار.(14/881)
438 - عبدُ الله بْن أَحْمَد بْن أبي بَكْر مُحَمَّد بْن إبراهيم بْن عَبْد الرَّحْمَن، المحدث المفيد، مُحبّ الدين، أبو محمد السّعْديّ، المقدسيّ، الصّالحيّ، الحنبليّ. [المتوفى: 658 هـ]
روى عن الشّيخ موفّق الدّين ابن قُدامة، وأبي محمد ابن البن، وأبي القاسم بن صصْرى، وابن الزبيدي، وطائفة. ورحل سنة تسعٍ وثلاثين فسمع الكثير من ابن القُبيطيّ، وأبي إسحاق الكاشْغريّ، وعلي بن أبي الفخار، وابن الخازن، وطائفة كبيرة. وعُني بالحديث أتم عناية، وكتب العالي والنازل، وحصل الأُصُول. وبقي في الرحلة مدّة سنين، ثمّ قد دمشق وتأهل، وجاءه ابنان، فقرأ لهما الكثير حضورًا وسماعًا، والصغير منهما هُوَ الزّاهد العابد أبُو العبّاس أحمد والد رفيقنا وشيخنا المُحبّ، محدّث الصالحية فِي وقته ومُفيدها.
روى عن المذكور الدّمياطيّ، والنّجم إسماعيل ابن الخبّاز، والنّجم محمود ابن النُّميْريّ، وولده محمد ابن المُحبّ، وآخرون. [ص:882]
تُوُفّي في الثاني والعشرين من جُمَادَى الآخرة، وله من العُمر أربعون سنة.(14/881)
439 - عَبْد الله بنُ بركات بْن إِبْرَاهِيم بْن طاهر بْن بركات، أبو محمد ابن الخُشُوعيّ، الدّمشقيّ، الرّفّاء. [المتوفى: 658 هـ]
وُلد سنة ثلاثٍ وسبعين وخمسمائة. وسمع من أبيه، ويحيى الثّقفيّ، والقاسم ابن عساكر، وعبد الرّزّاق بْن نصر النّجّار، وإسماعيل الجنزويّ، وجماعة، وأجاز لَهُ: أبو طاهر السِّلفيّ، وأبو موسى المدينيّ، وأحمد بْن ينال التُّرْكَ، وآخرون.
روى عَنْهُ الدّمياطيّ، وابن الخبّاز، وأبو المعالي ابن البالِسيّ، وأبو الفداء ابن عساكر، وأبو الحَسَن الكِنديّ، وأبو عَبْد الله ابن الزّرّاد، وأبو عبد الله ابن التّوّزيّ، وحفيده عليّ بن محمد ابن الخُشُوعيّ، ومحمد ابن المُحبّ، ومحمد ابن المهتار، وآخرون.
وهو من بيت الحديث والرواية، توفّي في الثّامن والعشرين من صفر بدمشق.(14/882)
440 - عَبْد الله بْن عُمَر بْن عوض المقدسي، [المتوفى: 658 هـ]
والد شيخينا القاضي عزّ الدّين عُمر وشرف الدين ابن رُقيّة.
حدَّث عَنِ: الشَّيْخ الموفق. وعنه ابن الخباز، وغيره.
تُوُفّي فِي المحرَّم بقاسيون كهلًا.(14/882)
441 - عَبْد الحميد بْن عَبْد الهادي بْن يُوسُف بْن مُحَمَّد بْن قُدامة بْن مِقْدام بْن نصر، عماد الدين المقدِسي الجماعيلي، ثُمَّ الصالحي، المقرئ الحَنْبليّ المؤدِّب. [المتوفى: 658 هـ]
وُلد بجماعيل فِي سنة ثلاثٍ وسبعين ظنًا، وقدِم دمشق صبيّاً. فسمع من يحيى الثّقفيّ، وأحمد ابن الموازينيّ، وعبد الرَّحْمَن بْن عَلِيّ الخِرقيّ، وإِسْمَاعِيل الجنْزويّ، ويوسف بن معالي الكِتانيّ، وبركات الخُشُوعيّ، [ص:883]
وجماعة. وروى الكثير، وطال عُمُرُه. وكان شيخًا حَسَنًا، فاضلًا، صحيح الَّسماع، لَهُ مكتب بالقصاعين. وهو والد شيخنا العِز.
روى عَنْهُ الحافظ أبو عَبْد الله البِرْزاليّ، ومات قبله باثنتين وعشرين سنة، والمجد ابن الحُلوانيّة، والدمياطي، والشيخ مُحَمَّد الكنْجيّ، وَالشَّيْخ تاج الدّين عَبْد الرَّحْمَن، وأخوه، وتاج الدين صالح، وابن التوزي، وابن الخباز، وأبو عَبْد الله بْن زباطر، وأبو محمد عبد الله ابن الشَّرف حسن، وأبو عبد الله ابن التّاج، وأبو عبد الله ابن المُحبّ، وأبو عبد الله ابن الصّلاح، وأبو عبد الله ابن المهتار، وآخرون.
تُوُفّي فِي ربيع الأوّل.(14/882)
442 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الرحيم بْن أبي طَالِب عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَسَن بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن طاهر بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن عليّ الكرابيسي، الْفَقِيهُ العالم، أبو طَالِب ابن العجمي، الحلبي، الشّافعيّ. [المتوفى: 658 هـ]
كَانَ رئيسًا محتشمًا، ومُفْتياً محترمًا. سَمِعَ من يحيى بْن محمود الثَّقَفيّ، وعُمر بْن طبرْزد، وجماعة. روى عَنْهُ الدمياطي، والكمال إسحاق الأَسَديّ، ومحمد بْن محمد الكنْجيّ، والبدر محمد ابن التوزي، وحفيداه أحمد وعبد الرحيم ابنا محمد بْن عَبْد الرَّحْمَن، وآخرون.
عذبه التّتار وضربوه عَلَى المال، وصبوا عَلَيْهِ ماءً باردًا، فتشنَّج ومات إلى رحمة الله فِي الرابع والعشرين من صَفَر بعد الوقعة بنحوٍ من عشرة أيام، وله تسعٌ وثمانون سنة. وقد كتب عَنْهُ ابن الحاجب، والقُدماء.(14/883)
443 - عَبْد العزيز ابن القاضي الأسعد عَبْد القوي ابن القاضي الجليس عَبْد العزيز بْن الحُسَيْن ابن الجباب، القاضي محيي الدين، أبو المعالي التّميميّ، السَّعْديّ، الْمَصْرِيّ. [المتوفى: 658 هـ]
وُلد سنة خمسٍ وتسعين وخمسمائة. وسمع من أبيه، وجماعة. ونسخ بخطه، وحصل جملة من الكتُب. وحدث ومات بمُنْية بني خصيب في ذي [ص:884]
القعدة.(14/883)
444 - عبد المحسن بن عبد العزيز بْن عليّ بْن عَبْد الْعَزِيز، أبو مُحَمَّد ابن الصَّيْرفيّ، المخزوميّ الوكيل. [المتوفى: 658 هـ]
وُلد سنة تسعٍ وسبعين وخمسمائة بمصر. وسمع من البُوصيريّ، وإسماعيل بن ياسين، وقاسم بن إبراهيم المقدسي، والأرْتاحيّ، وفاطمة بنت سعد الخير. وأجاز له: خليل الراراني، وأبو المكارم اللبان، وجماعة. وروى عنه الدمياطي، والمصريون. ومات في الثاني والعشرين من جمادى الأول.
وهو أخو عبد الرحمن ومحمد.(14/884)
445 - عبد الواحد بن أبي بكر بن سليمان بن علي، أبو مُحَمَّد الحموي، الدِّمَشْقِيُّ، الشاهد. [المتوفى: 658 هـ]
أخو أحمد بن أبي بكر.
وُلد في سنة خمسٍ وثمانين. وسمع من محمد ابن الخصيب، وحنبل، وابن طبرْزد. روى عنه الدمياطي، وابن الحُلْوانيّة، وغيرهما.
توفي في جمادى الآخرة. وقد حدث بدمشق ومصر. وأبوه من شيوخ الدمياطي أيضا.(14/884)
446 - عُبيْد الله بن شبل بن جميل بن محفوظ، الإمام نجمُ الدين، أبو فراس التّغْلبيّ الهيتي، الزاهد. ويعرف بابن الجُبّيّ. [المتوفى: 658 هـ]
من قرية جُبَّة من سقْي الفُرات.
سمع من خليل الجوْسقيّ. وصنف كتاب " فضائل القرآن "، وكتاب " الشفاء من الداء "، وكتاب " شمائل النبي الكريم ". وقد ولي أعمالًا جليلة، وانقطع بعد أخْذ بغداد في رباطٍ له. ثمّ مات في آخر السّنة.
قال ابن الفُوطيّ: أجاز لي في سنة خمسين وستمائة. وابنه شيخ رباط العميد شهاب الدين عبد الرحمن، مات سنة إحدى وسبعين وستمائة.(14/884)
447 - عثمان بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن هبة اللَّه بْن علي بن المطهر بن أبي عصرون، الصّدرُ الرئيس، شرفُ الدّين، أبو عمْرو ابن القاضي أبي حامد ابن قاضي القُضاة أبي سعد التميمي، الدِّمَشْقِيُّ الشافعي، [المتوفى: 658 هـ]
أخو محيي الدين عمر.
وُلد بدمشق سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، ولم نر له شيئًا من الرواية عن جده. وقد دخل الإسكندرية في صغره، وسمع من عبد الرحمن بن موقى، وعبد العزيز بن عيسى اللخمي. وسمع بمصر من أبي الفضل الغزْنويّ. روى عنه النجم ابن الخباز، وآحاد الطلبة. ولم يكن سماعه كثيرًا. وقد حدث عنه الزين أحمد بن عبد الدائم وهو أكبر منه.
وكان رئيسًا، نبيلًا، جوادًا، مفضَّلاً. أنفق أموالًا عظيمة إلى أن بقي فقيرًا.
قال الشيخ قُطْب الدين: حَدَّثَني الجمال نصر الله، وكان في خدمته، أن أباه أبا حامد خَلف لَهُ من الأموال والقماش والخيل والخَدَم والأملاك شيئًا كثيرًا، من ذَلِكَ سطْل بلَّوْر بقدّ المُدّ أو أكبر بطوْق ذَهَب، وهو مَلان جواهر نفيسة، فأذهَب الجميع.
قال: كان المذكور شرف الدين قد اجتمع ولده الْجُنَيْد بمصر فِي هذه السَّنَة بالملك المظفَّر، وأراه كتابًا فيه أن بمصر دفائن، وأنها لَا تحصل إلّا بخراب أماكن كثيرة. فأصغى إِليْهِ السُّلطان. وكان بعض من خاف خراب ملْكه اغتاله، فعُدم، أوْ قُتل في أواخر صفر.
ذكر الشريف عزَّ الدين أَنَّهُ تُوُفّي بدمشق، فالله أعلم.(14/885)
448 - عثمان بن يوسف بن حيْدرة، الطّبيب، التّاجر جمال الدّين ابن الطّبيب العلّامة رضي الدين الرحبي ثُمَّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 658 هـ]
برع فِي عِلْم الطب عَلَى والده، وخدم فِي المارستان النُّوريّ زمانًا. وكان [ص:886]
يسافر فِي التجارة إلى مصر، فتوجه فِي الْجَفَل إلى مصر ومات هناك فِي ربيع الآخر.(14/885)
449 - عليّ بْن إبراهيم بْن خُشْنام بْن أحمد، الْفَقِيهُ، أبو الحَسَن الحُميْديّ الكردي الحلبي، الحنفيّ. [المتوفى: 658 هـ]
كان من كبار الحنفيّة. روى عن دَاوُد بْن معمَّر؛ سَمِعَ منه بإصبهان.
روى عنه الدّمياطيّ، والبدر محمد ابن التوزي، وغيرهما. وعُدم بحلب فِي دخول التّتار فِي صَفَر.(14/886)
450 - عليّ بْن فايد بْن ماجد الخزْرجيّ. الشَّيْخ الصالح الزّاهد. [المتوفى: 658 هـ]
سَمِعَ من مسمار بن العُويْس، وإبراهيم ابن البرني. وحدَّث. وعُدم شهيدًا بحلب.(14/886)
451 - عليّ بْن يوسف بْن شيْبان، جلال الدين النُّميْريّ، المارديني، المعروف بابن الصَّفّار، الشّاعر. [المتوفى: 658 هـ]
تُوُفّي فِي ربيع الآخر عَنْ ثلاثٍ وستين سنة.(14/886)
452 - عُمَر بْن عَبْد المنعم ابن أمين الدّولة الْفَقِيهُ، أبو حفص الحلبي، الحنفي. [المتوفى: 658 هـ]
حدَّث عَنْ: الافتخار الهاشمي، وغيره. وراح إلى رحمة الله فِي كائنة حلب.(14/886)
453 - عيسى بْن موسى بْن أبي بَكْر بْن خضر بْن إبراهيم أخي شيخ الإسلام عليّ بن أحمد بْن يوسف بْن جعفر بْن عَرَفَة بْن مأمون بْن المؤمَّل بْن قاسم بْن الوليد بن عتْبة بن أبي سُفيان، الأمير الأجل، شهابُ الدين القُرشيّ، الأُمَويّ، الكُرديّ، الهكاري، ويُعرف بابن شيخ الإسلام. [المتوفى: 658 هـ]
كَانَ فقيهًا، زاهدًا، شجاعًا، فارسًا. درس مدة بدمشق بالمدرسة [ص:887]
الجاروخية. وتُوُفّي بمصر فِي ثامن وعشرين جمادى الأولى، رحمه الله.(14/886)
454 - فاطمة، الست النبوية ابْنَة الشهيد المستعصم بالله. [المتوفى: 658 هـ]
ماتت غريبة أسيرة ببُخارى فِي دار الشَّيْخ شرف الدّين الباخرْزيّ، استنقذها من العدوّ. شيّعها الخلق. وبُنيت عليها قبة بكلاباذ.(14/887)
455 - فاطمة بِنْت المحدث أبي الفَضْلِ نعمة بْن سالم بْن نعمة ابن الحزام، أم الخير. [المتوفى: 658 هـ]
سَمِعْتُ من البُوصيري، وإسماعيل بْن ياسين، وبنت سَعْد الخير. روى عنه الحافظان زكيُّ الدين عَبْد العظيم مَعَ تقدُّمه، وشيخُنا الدمياطي، والمصريون، وتوفيت فِي السابع والعشرين من ذي الحجّة.(14/887)
456 - قُطز بْن عَبْد الله، السُّلطان الشهيد المُلْك المظفَّر، سيف الدين المُعزّيّ. [المتوفى: 658 هـ]
كَانَ أكبر مماليك الملك المُعزّ أيْبك التركماني. وكان بطلًا شجاعًا، مِقْداماً، حازمًا، حَسَن التدبير، يرجع إلى دينٍ وإسلام وخير. وله اليد البيضاء فِي جهاد التّتار، فعوّض الله شبابه بالجنّة ورضي عنه.
حكى شمس الدين ابن الْجَزَريّ فِي " تاريخه "، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ قُطُز فِي رِق ابن الزعيم بدمشق فِي القصاعين، فضربه أستاذُه فبكى، ولم يأكل شيئًا يومَه. ثُمَّ ركب أستاذُه للخدمة، وأمر الفراش أن يترضاه ويُطْعمه. قَالَ: فحدثني الحاج عليّ الفراش قَالَ: جئتُه فقلت: ما هذا البكاء من لطْشة؟ فقال: إنما بُكائي من لعنته أبي وجدي، وهم خيرٌ منه. فقلت: مَن أبوك واحد كافر. فقال: والله ما أَنَا إلّا مُسْلِم ابن مسلم، أنا محمود بن ممدود ابن أخت خُوارزم شاه من أولاد الملوك. فسكت وترضيتهِ. وتنقلت بِهِ الأحوال إلى أن تملك. ولما تملك الشّام أحسن إلى الحاج علي الفرّاش، وأعطاه خمسمائة دينار، وعمل لَهُ راتبًا.
قلت: وكان مدبر دولة ابن أستاذه الملك المنصور عليّ ابن المُعزّ، فلمّا [ص:888]
دهم العدو الشّام رَأَى أن الوقت يحتاج إلى سلطانٍ مَهِيب كامل الرُّجُوليّة، فعزل الصبي من المُلك وتسلطن، وتم لَهُ ذَلِكَ فِي أواخر سنة سبْعٍ وخمسين. ثُمَّ لم يبلعْ ريقه، ولا تهنى بالسلطنة حتى امتلأت الشّامات المباركة بالتّتار، فتجهز للجهاد، وشرع فِي أُهْبة الغزو، والتف إليه عسكر الشّام وبايعوه، فسار بالجيوش فِي أوائل رمضان لقصد الشّام، ونصر الإسلام، فعمل المَصَاف مَعَ التّتار، وعليهم كتْبُغا عَلَى عين جالوت، فنصره الله، وقتل مقدَّم التّتار.
قَالَ الشَّيْخ قُطْب الدين: حكى عَنْهُ أَنَّهُ قُتل جوادُه يومئذ، ولم يصادف أحدًا من الوشاقية، فبقي راجلًا، فرآه بعض الأمراء الشُّجعان، فترجل وقدم لَهُ حصانه، فامتنع وقال: ما كنت لأمنع المسلمين الانتفاع بك فِي هذا الوقت. ثُمَّ تلاحقت الوشاقية إليه.
وحدّثني أبي أحمد ان المُلْك قُطُزْ لمّا رأي انكشافًا فِي ميْسرته رمى الخوْذة عَنْ رأسه وحمل وقال: وَادِين محمد. فكان النصر. قَالَ: وكان شابًا أشقر، كبير اللحية.
قلت: ثُمَّ جهز الأمير رُكن الدين بيْبرس، أعني المُلْك الظّاهر، في أقْفاء التّتار، ووعده بنيابة حلب، فساق وراءهم إلى أن طردهم عَن الشّام.
ثُمَّ إنه انثنى عزْمُهُ عَلَى إعطائه حلب، وولاها لعلاء الدين ابن صاحب المَوْصِل، فتأثر رُكن الدين من ذَلِكَ.
ودخل المُلْك المظفَّر دمشق، فأحسن إلى الرعية، وأحبوه حبًا زائدًا، ثُمَّ استناب عَلَى البلد عَلَمَ الدين سنْجر الحلبي، ورجع بعد شهر إلى الديار المصرية، فقُتل بين الغرابي والصالحية فِي آخر الرمل، ودُفن بالقُصيْر.
وقال ابن الجزْريّ فِي " تاريخه ": حدّثني أبي قال: حدّثني أبو بكر ابن الدُّريْهم الإسْعرديّ والزّكيّ إبراهيم الجبيلي أستاذ الفارس أقطايا، قالا: كُنَّا عند سيف الدين قُطُزْ لمّا تسلطن استاذُه المُعزّ، وقد حضر عنده منجّمٌ مغربي، فصرف أكثر غلمانه، فأردنا القيام، فأمَرَنَا بالقُعود، ثُمَّ أمر المنجم فضرب الرمل. ثُمَّ قَالَ: أضرب لمن يملك بعد أستاذي، ومن يكسر التّتار. فضرب، [ص:889]
وبقي زماناً يحسب وقال: ياخونْد يطلع معي خمسُ حروف بلا نُقط ابن خمس حروف بلا نقط. فقال: لمَ لَا تَقُولُ محمود بْن ممدود. فقال: يا خَونْد لَا يقع غير هذا الاسم. فقال: أَنَا هُوَ، وأنا أكسرهم وآخذ بثأر خالي خُوارزم شاه. فتعجبنا من كلامه وقلنا: إن شاء الله يكون هذا يا خونْد. فقال: اكتُمُوا هذا. وأعطى المنجم ثلاث مائة درهم.
قلت: تولى قتْله رُكن الدين البُنْدقداريّ المذكور الَّذِي قُتِل المُلْك المعظم بالمنصورة، وأعانه جماعة أمراء. وبقي مُلْقى، فدفنه بعضُ غلمانه، وصار قبره يُقصد بالزّيارة، ويُترحّم عَلَيْهِ، ويُسبّ من قَتَله، فلمّا كثُر ذلك بعث السّلطان من نبشه، ونقله إلى مكانٍ لَا يُعرف، وعفَّى أثرَه.
قُتل في سادس عشر ذي القعدة.(14/887)
457 - كتبُغا المغلي، النُّويْن. [المتوفى: 658 هـ]
قتل إلى لعنة الله يوم وقعة عين جالوت.
قَالَ قُطْبُ الدين: قتله الأمير جمال الدين آقوش الشَّمْسيّ ولم يعرفه.
وكان عظيمًا عند التّتار يعتمدون عَلَيْهِ لرأيه وشجاعته وصرامته وعقله. وكان من الأبطال المذكورين، لَهُ خبرة بالحصارات والحروب وافتتاح الحصون. وكان هولاوو لَا يخالفه ويتيمَّن برأيه. وله فِي الحروب والحصارات عجائب. وكان شيخًا مُسِنًّا يميل إلى النصرانية. قاتل يومئذٍ إلى أن قُتِل، وأسِر ولدُه، فأُحضر بين يدي المُلْك المظفَّر، فسألوه عَنْ أَبِيهِ فقال: أبي ما يهرب، فأبصرُوه فِي القتلى. فاحضروا عدة رؤوس، فلما رآه بكى، وقال للملك المظفّر: ياخوند نم طيبًا، ما بقي لك عدوٌّ تخاف منه، كَانَ هذا سَعْد التتر، وبه يهزمون الجيوش، وبه يفتحون الحصون.(14/889)
458 - محمد بن أبي الحسين أحمد بْن عَبْد الله بْن عيسى بْن أبي الرجال أحمد بْن عليّ الشَّيْخ الْفَقِيهُ، أبو عَبْد الله اليونيني، شيخ الإسلام الحَنْبليّ، الحافظ. [المتوفى: 658 هـ]
ذكره ولده الشَّيْخ قُطْبُ الدين فِي " تاريخه " فرفع نَسَبَه إلى عَلي رَضِيَ اللَّهُ [ص:890]
عَنْهُ، فقال: ابن أبي الرجال أحمد بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن محمد بن الحسين بن إسحاق بن جعفر الصّادق بْن محمد الباقر بْن عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيِّ بْن أبي طالب رضي الله عنهما.
وحدَّث شيخنا الإمام الثّقة أبو الحُسَيْن أن والده الشَّيْخ الْفَقِيهُ ذكر لَهُ قبل أن يموت بقليل أننا من ذرية الحُسَيْن بْن عليّ، وساق لَهُ هذا النسب.
وُلِد فِي رجب سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بيُونين، ولبس الخِرقَة من الشَّيْخ عَبْد الله البطائحي صاحب الشَّيْخ عَبْد القادر؛ ولزِم الشَّيْخ عَبْد الله اليونيني، وكان يشفق عَلَيْهِ ويربيه، فإنه رُبّي يتيماً، وتعلم الخطَّ المنسوب، واشتغل بدمشق عَلَى الشَّيْخ الموفَّق في المُذْهب، وعلى الحافظ عَبْد الغني فِي الحديث، وسمع منهما. ومن أبي طاهر الخُشُوعيّ، وحنبل الرَّصافيّ، وأبي اليمن الكِنْديّ، وأبي التمام القلانسي، وجماعة. وروى الكثير بدمشق وبَعْلَبَكّ. وكان والده مرخمًا ببَعْلَبَكّ وبدمشق، ثُمَّ سافر وترك محمدًا عند أمه بدمشق بناحية الكشك، وكان فِي جوارهم أولاد أمير، فتردد محمد معهم إلى الجامع، فتلقن أحزابًا، ثُمَّ طلع الصبيان إلى بستانٍ، فأسلَمَتْه أمُه نشابيًا، فصار لَهُ فِي الشهر خمسة دراهم، فكان يرتفق بها. ثُمَّ ذهب يومًا إلى المقرئ يسلم عَلَيْهِ، فقال له: لم لَا تلازم القرآن يا ولدي، فإنك يجيء منك شيء. فاعتذر بأنه فِي دكان، فقال: كم يُعطيك المعلم؟ قَالَ: خمسة دراهم فِي الشهر. فأخرج لَهُ خمسة دنانير وقال: أَنَا أعطيك كل شهر هكذا. فاجتمع بأمه وكلمَها. فلازَمه فختم عَلَيْهِ القرآن فِي مدةٍ يسيرة، ثُمَّ طلب لَهُ الشَّيْخ عَبْد الله اليُونيني مجوداً، وقال له: إن كتب محمد مثلك أعطيتك ثلاثمائة. فتعلم الخطّ وبرع فيه، وشارطه المجود عَلَى نسخ كتاب قصص بثلاثمائة، فكتب من أوله ورقة، وأعطاه لمحمد فَنَسَخَه بخطه، ثُمَّ قَالَ: يا بُنَيَّ قد برئت ذمة الشيخ من الثلاثمائة.
ثُمَّ لازم الحفظ حتى حفظ " الجمع بين الصحيحين ". وكان ربما يجوع. وقد سَمِعَ مُرَّة من الكندي إذ ذاك فكتب الطبقة، فنظر فيها الكِنْديّ فأعجبه خطه، فقال: هذا خطك وهذا حظك. [ص:891]
روى عَنْهُ أولاده أبو الحُسَيْن وأبو الخير وآمنة وأمه الرحيم، وأبو عَبْد الله بْن أبي الفتح، وموسى بْن عَبْد العزيز، وإبراهيم بْن أحمد بْن حاتم، وأبو الحَسَن بْن حصن، ومحمد وإبراهيم ابنا بركات ابن القُرَيْشَة، ومحمد ابن المحب، والمحييّ إمام المشهد، وعليّ ابن الشاطبيّ، ومحمد ابن الزراد، وعبد الرحيم ابن الحبال، وعلي بْن المظفَّر الكاتب، وطائفة سواهم فِي الأحياء. وكان يكرر عَلَى " الجمع بين الصحيحين " للحميديّ.
ذكره عمر ابن الحاجب الحافظ فِي " مُعْجَمه " فِي سنة بضْع وعشرين وستمائة، فأطنب فِي نعته وأسهب، وأرغب فِي وصفه وأغرب، فقال: اشتغل بالفقه والحديث إلى أن صار إمامًا حافظًا، وصار مقدم الطائفة، لم ير فِي زمانه مثْلَ نفسه فِي كماله وبراعته. جمع بين عِلمَيِ الشريعة والحقيقة. وكان حُمَيْد المساعي والآثار، حَسَن الخَلق والخُلُق، نفاعًا للخلق، مطرحاً للتكلف. من جملة محفوظاته " الجمع بين الصحيحين " للحُمَيْديّ. وحدثني أَنَّهُ حفظ " صحيح مُسْلِم " جميعه، وكرر عَلَيْهِ فِي أربعة أشهر. وكان يكرر عَلَى أكثر " مُسْنَد أحمد " من حفظه، وأنه كَانَ يحفظ فِي الجلسة الواحدة ما يزيد عَلَى سبعين حديثًا.
وقال قُطْبُ الدين: كَانَ: رحمه الله، يصلي بالشيخ عَبْد الله، وحفظ " الجمع بين الصحيحين " وأكثر " المسند "، وحفظ " صحيح مُسْلِم " فِي أربعة أشهر. وحفظ سَوْرَة الأنعام فِي يوم، وحفظ من " المقامات " ثلاثة إلى نصف نهار الظهر. وتزوج ستٌّ زوجات، وخلف خمسة أولاد: عليا وخديجة وآمنة وأمهم تركمانية، وموسى- يعني نفسه - وأمه الرحيم، وأمُّهما زينُ العرب بِنْت نصر الله أخي قاضي القضاة شمس الدّين يحيى ابن سَنِي الدّولة.
ثُمَّ قَالَ: والنسب الَّذِي ذكرناه رواه عَنْهُ ولده أبو الحُسَيْن عليّ. قَالَ: أظهره لي قبل وفاته لأعلم بأن الصَدَقَة تحرم علينا. وكان المُلْك الأشرف موسى يحترمه ويعظمه ويعتقد فيه، وكذلك أخوه المُلْك الصالح. [ص:892]
قَالَ: ولما قِدم المُلْك الكامل إلى دمشق طلب من أخيه الأشرف أن يُحِضر لَهُ الشيخ الفقيه ليراه، فاحضره من بَعْلَبَكّ. فلمّا رآه عظُم فِي عينه وأرسل إِليْهِ مالًا فلم يقبله. ولما مَلَكَ الصالح نجمُ الدين البلادَ قَالُوا لَهُ عَنْهُ: إنه يميل إلى عمه الصالح إسماعيل، فبقي فِي نفسه منه، فلمّا اجتمع بِهِ بالغ فِي إكرامه، ولم يشتغل عَنْهُ بغيره، فلمّا فارقه بالَغَ فِي الثناء عَلَيْهِ، فقيل لَهُ: إلّا أَنَّهُ يحب عمك الصالح إسماعيل. فقال: حاشى ذاك الوجه المليح.
وقدِم فِي أواخر عُمُرُه دمشقَ سنة خمسٍ وخمسين، فخرج المُلْك النّاصر إلى زيارته بزاوية الفرنثي، وتأدب معه، وعظمه، واستعرض حوائجه. وكان يكره الاجتماع بالملوك ولا يؤثره، ولا يقبل إلّا هدية من مأكول ونحوه.
قلت: وقد خدمه مدةً شيخُنا عليّ بْن أحمد بْن عَبْد الدائم، فقال: كَانَ للشيخ الْفَقِيهُ أوراد، لو جاء ملكٌ من الملوك ما أخرها عَنْ وقتها. وكنت أخدمه، فورد الشَّيْخ عثمان شيخُ ديْر ناعِس، فجلس ينتظر الشَّيْخ، فقال: أشتهي أن يكشف الشيخ الفقيه صدره فأعانقه، ويُعطيني ثوبه. فلمّا جاء الشَّيْخ وأكلوا، قال: قم يا شيخ عثمان. ثم كشف عَنْ صدره وعانقه، وأعطاه ثوبه، وقال: كلما تقطع ثوبٌ أعطيتُك غيره.
وكان ما يرى إظهار الكرامات، ويقول: كما أوجب الله على الأنبياء إظهار المعجزات، أوجب عَلَى الأولياء إخفاء الكرامات. قال: وذكروا عنده الكرامات فقال: والكم أيش الكرامات. كنت عند الشَّيْخ عَبْد الله وأنا صغير، وكان عنده بَغَادِدَة يعملون مجاهدات، فكنت أرى من يخرج من باب دمشق، وأرى الدنيا قدامي مثل الوردة فكنت أقول للشيخ: يا سيدي بيجي إلى عندك من دمشق أناسٌ ومعم كذا وكذا، وأناس من حمص ومن مصر، فإذا جاء ما أقول يقولون: يا سيدي، نَحْنُ نعمل مجاهدات وَمَا نرى، وهذا يرى. فيقول: هذا ما هُوَ بالمجاهدات، هذا موهبةٌ من الله.
وقال خطيب زَمْلَكا ابن العز عُمَر: حدَّثني العارف إسرائيل بْن إبراهيم قَالَ: طلب الشَّيْخ الْفَقِيهُ من الشَّيْخ عثمان شيخ دير ناعِس قضية، قَالَ: فقضيت [ص:893]
الحاجة، فقال الشَّيْخ الْفَقِيهُ: أحسنْتَ يا شيخ عثمان. فقال بعض الفُقراء: يا سيدي أنت ما عندك أحدٌ مثل الْفَقِيهُ لِمَ لَا قام هُوَ فِي هذا بنفسه؟ فقال: الخليفة إذا أراد شغلًا يأمر بعض مَن عنده يقوم فيه.
وحدثني إسرائيل أن الوزير أمين الدّولة دعا الشَّيْخ الْفَقِيهُ والشيخ عثمان والفقراء، وكنت فيهم، فلما قِدم الشَّيْخ الْفَقِيهُ قام ابن البغيلة النّقيب وتلقى الشَّيْخ وتكلم، فلمّا شرعوا فِي الأكْل شمر الشَّيْخ الْفَقِيهُ سواعده وأكل، ولم يأكل الشَّيْخ عثمان، فقال أمين الدّولة: يا سيدي، لِمَ لَا تأكل؟ فقال الفقيه: خليه فقد حصلت لك البركة. فلمّا خرجوا قِيلَ للشيخ عثمان: أنت تحب الشَّيْخ محمد وَمَا تشتهي تفارقه، وأكل وأنت لم تأكل. فقال: نظرت إلى الطعام فوجدته نارًا، ورأيته إذا مد يده إلى اللقمة وأخذها تصير نورًا، وأنا هذا الحال ما أقدر عَلَيْهِ.
وأخبرني الإمام فخر الدين عَبْد الرَّحْمَن بْن يوسف البَعْلَبَكِّيّ قَالَ: أخبرني الشَّيْخ عثمان، قَالَ: كَانَ فِي خاطري ثلاث مسائل أريد أن أسأل عَنْهَا الشَّيْخ الْفَقِيهُ. قَالَ: فأجابني عَنْهَا قبل أن أسأله.
وأخبرني شيخنا شمس الدين حسين بْن دَاوُد قَالَ: كَانَ الشَّيْخ الْفَقِيهُ حَسَن المحاورة، ما كنت أشتهي أن أفارقه من فصاحته.
وأخبرني إبراهيم ابن الشيخ عثمان بدير ناعس، قال: أخبرني أبي، قال: قُطْبُ الشَّيْخ الْفَقِيهُ ثمان عشرة سنة.
أخبرني الشيخ تقي الدّين إبراهيم ابن الواسطيّ، قال: رأيت للشيخ الفقيه رؤيا تدلُ عَلَى أَنَّهُ أعطي ولاية، أوْ كما قَالَ.
وسمعت قاضي القُضاة أبا المفاخر - يعني ابن الصائغ - يَقُولُ: سَأَلَ المُلْك الأشرف الشَّيْخ الْفَقِيهُ فقال: يا سيدي أشتهي أبصِر شيئًا من كراماتك. فقال الشَّيْخ: أيش يكون هذا. فلمّا أراد الشَّيْخ الخروج بادر الأشرف إلى مداسة وقدَّمه، فقال لَهُ الشَّيْخ: هذا الَّذِي كنتَ تطلُبُه قد رأيتَه. أنت المُلْك الأشرف ابن المُلْك العادل، وأنا ابن واحدٍ من يُونين تقدَّم مداسي. فأطرق الأشرف. [ص:894]
قلت: وحدثني الشَّيْخ أبو الحُسَيْن شيخنا أن أَبَاهُ توضأ بقلعة دمشق عَلَى البركة، فلمّا فرغ نقض لَهُ السُّلطان المُلْك الأشرف بعض عمامته، وقدمها لَهُ تنشَّف بها.
وقال ابن الحاجب: وكان، رحمه الله، مليح الشَّيْبة، حَسَن الشَّكْلِ والصورة، زاهداً وقوراً، ظريف الشمائل، مليح الحركات، حُمَيْد المساعي، بَشُوش الوجه، لَهُ الصيت المشهور، والإفضال عَلَى المنتابين. وكان من المقبولين المعظمين عند الملوك.
قلت: هذا كله قاله ابن الحاجب والشيخ الْفَقِيهُ كهل. وعاش بعد ذَلِكَ ثلاثين سنة فِي ازدياد. وكان الشَّيْخ بهيًا، نورانيًا، عَلَيْهِ جلالة وهيبة، لَا يشبع الشخص من النظر إِليْهِ، فرحمه الله عَلَيْهِ.
تُوُفّي فِي تاسع عشر رمضان ببَعْلَبَكّ، ودُفِن عند شيخه عبد الله اليُونيني.(14/889)
459 - محمد بْن أحمد بْن أبي بَكْر بْن عاصم بْن عثمان بْن عيسى، الْفَقِيهُ أبُو عَبْد الله العَدَويّ، الحلبي، الشّافعيّ. [المتوفى: 658 هـ]
ممن راح تحت السيف بحلب. روى عَنْ عُمَر بن طبرزد. حدثنا عنه إسحاق ابن النحاس.(14/894)
460 - محمد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن التابلان المنبجي. [المتوفى: 658 هـ]
روى بالإجازة عَنْ أبي الفرج ابن الجوزي. حدثنا عَنْهُ التاج صالح القاضي.(14/894)
461 - محمد بْن حامد بْن أبي العميد بْن أميري، الْفَقِيهُ، أبو الفَضْلِ القَزْوينيّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 658 هـ]
سَمِعَ بإصبهان من محمد بْن محمد بْن الْجُنَيْد الصُّوفيّ. وحدَّث بمدينة حلب، وبها عُدِم فِي الوقعة.
ولَقبُهُ: عماد الدّين. [ص:895]
روى عَنْهُ الشَّيْخ محمد بْن أبي الفَضْلِ الْجَعْبَريّ الخطيب.(14/894)
462 - محمد بْن خليل بْن عَبْد الوهّاب بْن بدر الحوراني ثُمَّ الدّمشقيّ. هُوَ الشيخ محمد الأكّال. [المتوفى: 658 هـ]
أصله من جَبَل بني هلال، ومولده بقصر حجاج سنة ستمائة.
ذكره قطب الدين في " تاريخه " فقال: كان رجلًا صالحًا، كثير الإيثار.
وحكاياته مشهورة فِي أخْذه الأجرة عَلَى الأكْل. ولم يسبقه إلى ذَلِكَ أحد، ولا اقتفى أثره من بعده أحد. ولا شك أَنَّهُ كَانَ لَهُ حالٌ ينفعل لَهُ بها النّاس. وكان جميع ما يفتح عليه به على كثرته يصرفه في القرب والأرامل والمحبَّسين. وكان بعض الناسُ ينكر عَلَى من يعامله هذه المعاملة، وينسبه إلى التهور فِي فِعله، فإذا اتفق اجتماعه بِهِ انفعل لَهُ انفعالًا كليًا، ولا يستطيع الامتناع من إعطائه كل ما يروم.
وكان حَسَن الشكل، مليح العبارة، حلو المحادثة. لَهُ قبول تام من سائر النّاس. وكان كثير المحبة فِي الشَّيْخ الْفَقِيهُ، وله ترددٌ إِليْهِ، ويأكل عنده بلا أجره.
تُوُفّي إلى رحمة الله فِي خامس رمضان.
قلت: كَانَ يطلب الأجرة عَلَى مقدار قيمة الأكل ومقدار المعطي. وبَلَغَنَا أَنَّهُ قَالَ: ما غلبني إلا واحدٌ دق عَلَى الْبَابُ فوجده مفتوحًا ومعه رأس غنم، فأدَخل الرأس ورد الباب وسكره، وبقيت أصيح، وخلا وهرب ولم أعرفه، وراح علي أجرة أخذ للرأس الغنم.(14/895)
463 - محمد بْن زكريّا بْن رحمة بْن أبي الغيث، العفيف، أبُو بَكْر الدّمشقيّ، الخياط. [المتوفى: 658 هـ]
ولد سنة ثمانين وخمسمائة. وأجاز لَهُ: الخُشُوعيّ، والبهاء ابن عساكر، وجماعة وخرجوا لَهُ " مشيخة " بالإجازة. روى عَنْهُ الدمياطي، وابن الخباز، والبرهان رئيس المؤذنين، ومحيي الدين إمام المشهد، وآخرون. وتُوُفّي فِي [ص:896]
سابع عشر ذي الحجّة. وقيل: بل تُوُفّي سنة تسعٍ فالله أعلم.(14/895)
464 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن أبي بَكْر، الحافظ العلّامة أبُو عَبْد الله القضاعي، البلنسي الكاتب الأديب، المعروف بالأبار وبابن الأبار. [المتوفى: 658 هـ]
وُلِد سنة خمسٍ وتسعين وخمسمائة. وسمع من أبيه الشَّيْخ أبي محمد الأبار، وأبي عَبْد الله محمد بْن أيّوب بْن نوح الغافقي، وأبي الْخَطَّاب أحمد بْن واجب، وأبي سليمان دَاوُد بْن سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه، وأَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز بْن سعادة، وأبي عليّ الحُسَيْن بْن يوسف بْن زلال، وأبي الربيع سليمان بْن موسى بن سالم الكلاعي الحافظ وبه تخرج. وعنِي بالحديث، وتجول في الأندلس، وكتب العالي والنازل. وكان بصيرًا بالرجال، عارفًا بالتاريخ، إمامًا فِي العربية، فقيهًا، مُقرِئًا، إخباريًا، فصيحًا، مفوَّهاً، لَهُ يدٌ فِي البلاغة والإنشاء، والنظم، والنثر، كامل الرياسة، ذا جلالة وأبَّهةٍ وتجمُّلٍ وافر. وله مصنفات كثيرة فِي الحديث، والتاريخ، والآداب. كمل " الصلة " البَشْكُوالية بكتابِ فِي ثلاثة أسفار، اختصرتُه فِي مجلد. ومن رَأَى كلام الرجل علِم محله من الحديث والبلاغة. وكان لَهُ إجازةٌ من أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي جمرة، روى عَنْهُ بها.
وقّتِل مظلومًا بتونُس عَلَى يد صاحبها فِي العشرين من المحرَّم، فإنه تخيَّل منه الخروجَ، وشق العصا، ولم يكن ذَلِكَ من شِيمته، رحمه الله. وبَلَغني أيضًا أن بعض أعدائه ذكر عند صاحب تونس أَنَّهُ ألف تاريخًا، وأنه تكلم فيه فِي جماعة. وقيل: هذا فُضُولي يتكلم فِي الكِبار. فطُلِبَ وأحس بالهلاك، فقال لغلامه: خُذ البغلة وأمض بها إلى حيث شئتَ، فهي لك. فلمّا دخل قتلوه، فنعوذ بالله من شر التاريخ، ومن شر كل ذي شر.
ثم رأيت لَهُ جزءًا سماه " دُرَر السِّمط فِي خبر السِّبط عَلَيْهِ السلام " ينال فيه من بني أُمَّية، ويصف علياً عليه السلام بالوصي، وهذا تشيع ظاهر، لكنه [ص:897]
إنشاءٌ بديع، ونثرٌ بليغ.(14/896)
465 - محمد بْن عَبْد الكريم بْن عُمَر، الزّاهد الكبير أبو عَبْد الله الأندلسيّ الجرشيّ، الشهير بالعطار. [المتوفى: 658 هـ]
حج من الأندلس مرتين، فسمع فِي الثانية من يونس الهاشمي " صحيح الْبُخَارِيّ "، ومن أبي الفتوح ابن الحُصْري " السُّنَن"، ومن أصحاب الكروخي " جامع أبي عيسى " وروى الكثير؛ أكثَرَ عَنْهُ أبو جعفر بْن الزُّبير، وقال: مات فِي المحرَّم، وعاش بضعا وتسعين سنة.
قلت: مات سنة ثمانٍ وخمسين.(14/897)
466 - محمد بْن عَبْد الهادي بْن يُوسُف بْن مُحَمَّد بْن قُدامة، المسند شمس الدين أبو عَبْد الله المقدسي، [المتوفى: 658 هـ]
أخو العماد.
سَمِعَ من: مُحَمَّد بْن حمزة بْن أَبِي الصَّقْر، ويحيى الثَّقَفيّ، وعبد الرّزّاق بْن نصر النجار، وابن صدقة الحرانيّ، وغيرهم، وأجاز له: أبو طاهر السلفي، وشهدة الكاتبة، وهو آخر من روى بالإجازة عنها.
وكان شيخًا معمرًا، دينًا، حافظًا لكتاب الله، قليل الخلطة بالناس، صالحًا متعففًا.
أثنى عَلَيْهِ الحافظ الضياء، وغيره.
وقال الشريف عزَّ الدين: استشهد بساوية من عمل نابلس، وكان إمامها، عَلَى يد التّتار فِي جُمَادَى الأولى، وقد نيف على المائة.
قال الذهبي: ما أحسبه جاوز التسعين، وقد روى عَنْهُ: ابن الحلوانية، والدمياطي، والقاضي تقي الدين، وشرف الدين عَبْد الله ابن الحافظ، ومحمد بْن أحمد البجدي الزّاهد، ومحمد بن أحمد أخو المحب، ومحمد ابن الصلاح، ومحمد ابن الزراد، وآخرون، وحدَّث " بصحيح مُسْلِم " بالجبل فِي سنة اثنتين وخمسين عَن ابن صَدَقة.(14/897)
467 - محمد بْن عَبْد الواحد بْن عَبْد الجليل بْن عليّ، القاضي الْفَقِيهُ، زكي الدين أبو بَكْر المخزومي، اللبني، الشّافعيّ. [المتوفى: 658 هـ]
أعاد بدمشق بالمدرسة النّاصرية أول ما فتحت، ودرس بمدرسة الفتحية، وولي قضاء بانياس وقضاء بصرى، ثُمَّ وُلّي قضاء بَعْلَبَكّ بعد قاضيها صدر الدين عَبْد الرحيم، وكان محمودًا فِي أحكامه، لَهُ فضائل ومُشاركات جيدة.
ذكر أَنَّهُ من ذرية خَالِد بْن الوليد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وقد عاش ولده مَعِين الدين إلى سنة نيفٌ عشرة وسبع مائة.
تُوُفّي زكي الدين ببَعْلَبَكّ فِي ذي القعدة وهو فِي عَشْر السّبعين، وله شعرٌ حَسَن.(14/898)
468 - محمد بْن غازي بْن محمد بن أيوب بن شاذي، السُّلطان المُلْك الكامل ناصرُ الدين أَبُو المعالي ابن الملك المظفر ابن العادل [المتوفى: 658 هـ]
صاحب ميافارقين.
تملك البلدَ بعد وفاة أبيه سنة خمسٍ وأربعين وستمائة.
ذكره الشَّيْخ قُطْبُ الدين، فقال: كَانَ ملكًا جليلًا دينًا، خيرًا، عالِمًا، عادلًا، مَهيبًا، شجاعًا، مُحسِنًا إلى رعيته، كثير التعبد والخشوع، لم يكن فِي بيته من يضاهيه فِي الدين وحُسْن الطريقة، استشهد بأيدي التّتار بعد أخذ ميافارقين منه، وقطع رأسُه، وطيف بِهِ فِي البلاد بالمغاني والطبول، ثُمَّ عُلْق بسور باب الفراديس، فلمّا انكسروا دفنه المسلمون بمسجد الرأس الَّذِي داخل باب الفراديس، وكان رحمه الله أولا يداري التّتار، فلمّا خَبِرَهم انقبض منهم، ولما رآهم عَلَى قصده قِدم دمشق مستنجدًا بالسلطان الملك النّاصر، فاكرمه غاية الإكرام، وقدم لَهُ تقادم جليلة، ووعده بالنجدة، فرجع إلى ميافارقين، ولم يمكن الناصر أن ينجده، ثم إن هولاكو سير ابنه أشموط لمحاصرته، فنازله نحوًا من عشرين شهرًا، وصابَرَ الكاملُ القتالَ حتى فني أكثرُ أهل البلد، وعمهم القتلُ والوباء والغلاء المفرط والعدم. [ص:899]
قلت: حدّثني شيخنا تاج الدّين محمود بْن عَبْد الكريم الفارقي، قَالَ: سار الملك الكامل ابن غازي إلى قلاع بنواحي آمد فافتتحها، ثُمَّ سير إليها أولاده وأهله، وكان أَبِي فِي خدمته، فرحل بنا إلى حصن من تِلْكَ الحصون، فعبر علينا التّتار فاستنزلوا أولاد الكامل بالأمان، ومروا بهم علينا، وعُمري يومئذٍ سبْعُ سنين، ثُمَّ إنهم حاصروا ميافارقين، فبقوا نحو ثمانية أشهُر، فنزل عليهم الثلج والبرد حتى هلك بعضهم، وكان المُلْك الكامل يخرج إليهم ويحاربهم وينكي فيهم، فهابوه، ثُمَّ إنهم بنَوا عليهم مدينة بإزاء البلد بسورٍ وأبرجة، وأما أهل ميافارقين فنفدت أقواتُهم وجاعوا، حتى كَانَ الرجل يموت فِي البيت فيأكلون لحمه، ثُمَّ وقع فيه موتان، وفتر التّتر عن قتالهم وصابروهم، وفني أهل البلد، وفي آخر الأمر خرج بعض الغلمان إلى التّتار، فأخبروهم بجِلية الأمر، فما صدقوه وقالوا: هذه خديعة، ثُمَّ تقربوا إلى السور فبقوا عنده شهرا لَا يجسرون عَلَى الهجوم، فدلى إليهم مملوك الكامل حبالا، فطلعوا إلى السور، فبقوا أسبوعًا لَا يجسرون عَلَى النزول إلى البلد، وكان قد بقي فيها نحو سبعين نفسًا بعد ألوفٍ من النّاس، ثُمَّ دخلت التّتار عَلَى الكامل دارَه وأمنوه، وعذبوا أربعين رجلًا عَلَى المال كانوا قد اشتروا أمتعةُ كثيرة وذخائرَ ونفائسَ من الغلاء، فاستصفوهم ثُمَّ قتلوهم، وقدموا بالكامل عَلَى هولاكو، وهو بالرها، وهو قاصدٌ حلب، فإذا هُوَ يشرب، فناول الكاملَ كأسًا من الخمر، فامتنع وقال: هذا حرام، فقال هولاكو لامرأته: ناوليه أنتِ، والتّتار أمرُ نسائهم فوق أمرهم، فناولَتْه فأبى، وسب هولاكو وبصق في وجهه، وكان قبل ذَلِكَ قد سار إلى التّتار، ورأى القان الكبير، وعندهم فِي اصطلاحهم أن من رأي وجه القان لَا يموت، فلمّا واجه هولاكو بهذا الفِعل استشاط غضبًا وقتله.
وكان الكامل شديد البأس، قويّ النَّفْس، آلت بِهِ الحال إلى ما آلت ولم ينقهر للتّتار، بحيث إنهم أتوه بأولاده وحريمه إلى تحت السور، وكلّموه فِي أن ينزل بالأمان، فقال: ما لكم عندي إلّا السيفَ.(14/898)
469 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّدِ بْن عَبْد الصّمد بْن أحمد، أبو المعالي ابن الطَّرَسُوسيّ، الحلبي الشّافعيّ. [المتوفى: 658 هـ][ص:900]
ولد سنة تسعٍ وثمانين وخمسمائة، وحدث عن: عُمَر بْن طَبَرْزَد، واستُشْهِد بحلب.(14/899)
470 - محمد بْن يحيى بْن مُحَمَّد بْن هبة اللَّه بن محمد، الْفَقِيهُ، أبو المفاخر بْن أبي الفتح بن أبي غانم بن أبي جرادة العُقَيْليّ الحلبي الحنفي ابن العديم. [المتوفى: 658 هـ]
روى عَنْ: ثابت بْن مُشرف، وأجاز لَهُ: التاج الكِنْديّ، وجماعة، كتب عَنْهُ الدمياطي بنصِيبين، واستشهد بحلب كهْلًا.(14/900)
471 - محمد بْن يوسف بْن محمد، الفَخْرُ الكنجي، [المتوفى: 658 هـ]
نزيل دمشق.
عُنِي بالحديث، وسمع الكثير، ورحل وحصل، ثُمَّ إنه بدا منه فضول فِي أيام التّتار بدمشق.
قَالَ الإمام أبو شامة: قُتِل بجامع دمشق يوم التاسع والعشرين من رمضان، وكان فقيهًا محدثًا، لكنه كَانَ كثير الكلام، يميل إلى الرَّفْض، جمع كُتُبًا فِي التشيع وداخل التّتار، فانتدب لَهُ من تأذي منه فبقر بطْنَه بالجامع، قُتِل كما قُتِل غيره من أعوان التّتار مثل الشمس محمد بْن عَبَّاس الماكسِيني، وابن البغيل الَّذِي كَانَ يسخر الدواب.(14/900)
472 - مُحَمَّد بْن أَبِي القَاسِم بْن مُحَمَّد بْن أبي بَكْر بْن عُمَر، الضياء، أبو عَبْد الله القَزْوينيّ الأصل، الحلبي المولد، الصُّوفيّ. [المتوفى: 658 هـ]
وُلِد سنة اثنتين وسبعين، وسمع من: يحيى الثَّقَفيّ، روى عَنْهُ: الدمياطي، والقاضي عزَّ الدين العديمي، وأخوه عَبْد المحسن، والعماد ابن البالِسي، وأخوه عَبْد الله، والكمال إسحاق الأَسَديّ، وحفيده عَبْد الله بْن إبراهيم بْن محمد الصُّوفيّ نزيل القاهرة، وغيرهم؛ وتاج الدّين صالح الْجَعْبَريّ، وحدَّث بدمشق وحلب.
تُوُفّي بحلب فِي أوائل ربيع الآخر بعد رحيل التّتار، خذلهم الله.(14/900)
473 - مبارك بْن يحيى بْن مبارك بْن مقبل، الأديب مخلص الدين، أبو الخير الحمصي. [المتوفى: 658 هـ]
انجفل من حمص ولجأ إلى جَبَل لبنان، فتوفي بقريةٍ هناك.
قَالَ الشَّيْخ قُطْبُ الدين: كَانَ فاضلًا، عارفًا بالأدب والنسب، سَنِي المُذْهب، قد اختصر كتاب " الجمهرة " لابن الكلبي فِي الأنساب؛ وله شعرٌ حَسَن، تُوُفّي فِي المُعْتَرَك.(14/901)
474 - مختار بْن محمود بْن محمد الزاهدي، الغزميني، وغزمينة من قَصَبات خُوارزْم، الشَّيْخ العلّامة نجم الدين أبو الرجاء. [المتوفى: 658 هـ]
لَهُ التصانيف المشهورة المقبولة، منها: " شرح القدوري " و " الجامع في الحيض "، و" الفرائض "، وزاد الأئمة " و " المجتنيّ " فِي الأصول " والصفوة " فِي الأصول.
قرأ بالروايات عَلَى العلّامة رشيد الدين يوسف بْن محمد القيدي، وتفقه عَلَى علاء الدين سديد بْن محمد الخياطي المحتسب، وفخر الأئمة صاحب " البحر المحيط "، وأخذ الأدب عن شرف الأفاضل الجغمينيّ، وقرأ الكلام عَلَى سِراج الدين يوسف بْن أبي بَكْر السكاكي الخُوارزْمي، وسمع الحديث من شيخ الشيوخ أبي الجناب أحمد بْن عُمَر الخيوقيّ، وبرهان الأئمة محمد بْن عَبْد الكريم الرُّكني، وأحمد بْن مؤيد الْمَكيّ الخُوارزْميين، تفقَّه عَلَيْهِ وسمع منه خلق كثير، وحدثنا عَنْهُ محمد بْن أبي القاسم المَعَريّ.
تُوُفّي بجرجانية خوارزم سنة ثمانٍ وخمسين وستمائة، زُرْتُ قبره، قَالَ لي ذَلِكَ الفَرَضي فِي كتابه.(14/901)
475 - يحيى بْن أحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن، القاضي العادل، أبُو زكريّا الغَرناطي ابن المرابط، [المتوفى: 658 هـ]
من سَرَوات أهل الأندلس.
قَالَ ابن الزُّبَيْر: لقيته بمالقة، وكان خاتمة القُضاة العُدُول بالأندلس، لَهُ عقل وفضل ودين، وحظ من الكتابة والنَّظم، أخذ عَنْ أبي بَكْر بْن أبي جمرة، وأبي عَبْد الله بْن نوح، وأبي جعفر بْن حكم، وطائفة، وأجاز له: ابن موقى من الإسكندرية، وأبو أحمد ابن سُكَيْنَة من بغداد، ولد سنة ثنتين وثمانين وخمس [ص:902]
مائة، ومات فِي شهر المحرَّم سنة ثمانٍ.(14/901)
476 - يوسف بْن أحمد بْن يوسف بْن عَبْد الواحد، أبو الفَضْلِ الأنصاريّ، الحلبي، الحنفي، الْفَقِيهُ. [المتوفى: 658 هـ]
كَانَ إمامًا فاضلًا متميزًا، من المشهورين بحلب، سَمِعَ من: ابن اللتي، والقاضي بهاء الدين يوسف بن رافع بن شداد، وجماعة، وببغداد من ابن بهروز، وأبي طالب ابن القُبيطيّ، وبدمشق من: مُكْرَم، وجماعة، وحدَّث، وراح في الوقعة.(14/902)
477 - أبو بَكْر بْن قوام بْن عليّ بْن قوام بْن منصور بْن مُعلَّى البالِسي الزّاهد، [المتوفى: 658 هـ]
أحد مشايخ الشّام، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وجد شيخنا أبي عبد الله ابن قوام.
كَانَ شيخًا زاهدًا عابدًا، قانتًا لله، عارفًا بالله، عديم النظير، كثير المحاسن، وافر النصيب من العِلم والعمل، صاحب أحوال وكرامات.
وقد جمع حفيده شيخنا أبو عَبْد الله محمد بْن عُمَر مناقبه فِي جزءٍ ضخْم، وصحِبَه، وحفظ عَنْهُ، وذكر فِي مناقبة أَنَّهُ وُلِد بمشهد صفين فِي سنة أربعٍ وثمانين وخمسمائة، ونشأ ببالِس، وقال: كَانَ إمامًا عالمًا عامِلًا، لَهُ كرامات وأحوال، وكان حَسَن الأخلاق، لطيف الصفات، وافر الأدب والعقل، دائم البِشر، كثير التواضع، شديد الحياء، متمسكًا بالآداب الشرعية، كثير المتابعة للسنة مَعَ دوام المجاهدة، ولُزُوم المراقبة، تخرج بصُحبته غيرُ واحدٍ من العلماء والمشايخ، وقُصِد بالزيارة، وتلمذ لَهُ خلْق كثير.
قلت: هذه صفات الأولياء والأبدال.
ثُمَّ قَالَ: ذِكْرُ بدايته: قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كانت الأحوال تطرقني، فكنت أُخبر بها شيخي، فَينْهاني عَن الكلام فيها، وكان عنده سوطٌ، يَقُولُ: مَتَى تكلمتَ فِي شيءٍ من هذا ضربتك بهذا السوط، ويأمرني بالعقل، ويقول: لَا تلتفت إلى شيءٍ من هذه الأحوال، إلى أن قَالَ لي ليلة: إنه سيحدث لك فِي هذه الليلة أمرٌ عجيب، فلا تجزع، فذهبتُ إلى أمي، وكانت ضريرة، فسمعتُ [ص:903]
صوتًا من فوقي، فرفعتُ رأسي، فإذا نور كأنه سلسلة متداخلٌ بعضه في بعض، فالتفت على ظهري حتى أحسست بتردده فِي ظهري، فرجعت إلى الشَّيْخ فاخبرته، فحمد الله وقبلني بين عيني وقال: الآن تمت عليك النعمة يا بُنَيّ، أتعلم ما هذه السلسة؟ قلت: لَا، فقال: هذه سُنَّةِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأذِن لي فِي الكلام حينئذٍ.
قَالَ: وسمعت غير واحدٍ ممن صحِبه يَقُولُ: لو لم يؤذن لي فِي الكلام ما تكلمت.
قَالَ: وسَمِعْتُهُ يومًا، وأنا ابن ستٌّ سنين وهو يَقُولُ لزوجته: ولدك قد أخذه قطاع الطريق فِي هذه الساعة، وهم يريدون قتله وقتل رفاقه، فراعها ذلك، فسمعته يقول لها: لا بأس عليك، فإني قد حجبتهم عن أذاه وأذى رفاقه، غير أن مالهم يذهب، وغدًا إن شاء يصل هُوَ ورفاقه، فلمّا كَانَ من الغد وصلوا، وكنت فيمن تلقاهم، وذلك فِي سنة ست وخمسين وستمائة.
قَالَ: وحدثني الشَّيْخ شمس الدين الخابوري قَالَ: وقع فِي نفسي أن أسأل الشَّيْخ - وكان الخابوري من مُريدي الشَّيْخ أبي بَكْر - عَن الروح، فلمّا دخلتُ عَلَيْهِ قَالَ لي من غير أن أسأله: يا أحمد ما تقرأ القرآن؟ قلت: بلى يا سيدي، قَالَ: اقرأ يا بني: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتيتم مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} يا بُني شيءٌ لم يتكلم فِيهِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف يجوز لنا أن نتكلم فيه.
وحدثني الشَّيْخ إبراهيم ابن الشيخ أبي طالب البطائحي رضي الله عنه قَالَ: كَانَ الشَّيْخ يقف عَلَى حلب ونحن معه ويقول: والله إني لأعرف أهل اليمين من أهل الشمال منها، ولو شئت لسمّيتهم، ولكن لم نؤمر بذلك، ولا نكشف سر الحق فِي الخلق.
وحدثني الشَّيْخ الإمام شمس الدين الخابوري، قَالَ: سَأَلت الشَّيْخ عَنْ قوله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}، فقد عُبد عيسى وعَزَير، فقال: تفسيرُها: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهمْ مِنَّا الحُسْنَى أُولئِكَ عَنْهَا مُبْعدُونَ} فقلت: يا سيدي أنت لَا تعرف تكتب ولا تقرأ، فمن [ص:904]
أَيْنَ لك هذا؟ قَالَ: يا أحمد، وعِزة المعبودِ لقد سَمِعْتُ الجواب فيها كما سَمِعْتُ سؤالك.
وحدثني شمس الدين الخابوري خطيب حلب، قَالَ: كُنَّا نمر مَعَ الشَّيْخ، فلا يمر عَلَى حجر ولا شيءٍ إلّا سَلْم عَلَيْهِ، فكان فِي نفسي أن أسأل الشَّيْخ عَنْ خطاب هذه الأشياء لَهُ، هَلْ يخلق الله لها فِي الوقت لسانًا تخاطبه بِهِ، أوْ يقيم الله إلى جانبها مَن يُخاطبه عَنْهَا، ففاتني ولم أسأله عَنْ ذَلِكَ.
وحدثني الإمام الصاحب محيي الدّين ابن النحاس قال: كان الشَّيْخ يتردد إلى قرية تُرَيذم، وكان لها مسجدٌ صغير لَا يَسَع أهلَها، فخطر لي أن أبني مسجدا أكبر منه من شمالي القرية، فقال لي الشَّيْخ ونحن جلوس في المسجد: يا محمد، لِمَ لَا تبني مسجدًا يكون أكبر من هذا؟ فقلت: قد خطر لي هذا، فقال: لَا تَبنه حتى توقفني عَلَى المكان، قلت: نعم، فلمّا أردت أن أبني جئت إِليْهِ، فقام معي، وجئنا إلى المكان الذي خطر لي فقلت: هنا، فرد كمه عَلَى أنفه وجعل يَقُولُ: أف أف، لَا ينبغي أن يبني هنا مسجد فإن هذا المكان مسخوطٌ على أهله، ومخسوفٌ بهم، فتركته ولم أبنه، فلمّا كَانَ بعد مدةٍ احتجنا إلى استعمال لبن من ذاك المكان، فلمّا كشفناه وجدناه نواويس مقلَّبة عَلَى وجوهها.
حدَّثني الشَّيْخ الصالح محمد بْن ناصر المشهدي قَالَ: كنت عند الشَّيْخ وقد صلى صلاة العصر، وصلى معه خلقٌ، فقال لَهُ رَجُل: يا سيدي ما علامة الرجل المتمكن؟ فقال: علامة الرجل المتمكن أن يُشير إلى هذه السارية فتشتعل نورًا، قَالَ: فنظر النّاس إلى السارية، فإذا هِيَ تشتعل نورًا، أوْ كما قَالَ.
سَمِعْتُ الأمير الكبير المعروف بالأخضري، وكان قد أسَن، يحكي لوالدي قَالَ: كنت مَعَ المُلْك الكامل لمّا توجه إلى الشرق، فلمّا نزلنا بالِس قصدنا زيارة الشَّيْخ مَعَ الأمير فخر الدين عثمان، وكنا جماعة من الأمراء، فبينما نحن عنده إذ دخل جُندي فقال: يا سيدي، كَانَ لي بغلٌ وعليه خمسةٌ آلاف درهم، فذهب مني، وقد دُلِيتُ عليك، فقال لَهُ الشَّيْخ: اجلس، وعِزة المعبود قد حصرت على آخذه الأرض، حتى ما بقي له مسلك إلا باب هذا [ص:905]
المكان، وهو الآن يدخل، فإذا دخل وجلس أشرتُ إليك، فلمّا سمعنا كلام الشَّيْخ قُلْنَا لَا نقوم حتى يدخل هذا الرجل، فبينما نَحْنُ جلوس إذ دخل رَجُل، فأشار الشَّيْخ إِليْهِ، فقام الْجُنْديّ، وقمنا معه، فوجدنا البغل والمال بالباب، فلمّا حضرنا عند السُّلطان أخبرناه بما رأينا، فقال: أحب أن أزوره، فقال فخر الدّين عثمان: البلد لَا يحمل دخول مولانا السُّلطان، فسير إِليْهِ فخر الدين فقال: إن السُّلطان يحب أن يزورك، وإن البلد لَا يحمل دخوله، فهل يرى سيدي أن يخرج أليه؟ فقال: يا فخر الدين، إذا رحتَ أنتَ إلى عند صاحب الروم يطيب للملك الكامل؟ فقال: لَا، قَالَ: فكذلك أَنَا إذا رحتُ إلى عند المُلْك الكامل لَا يطيب لأستاذي، ولم يخرج إِليْهِ.
قَالَ الشَّيْخ أبو عَبْد الله: وبعث إِليْهِ المُلْك الكامل عَلَى يد فخر الدين عثمان خمسة عشر ألف درهم، فلم يقبلها، وقال: لَا حاجة لنا بها، أنفقها فِي جُند المسلمين.
وسمعت والدي يَقُولُ: لمّا كَانَ فِي سنة ثمانٍ وخمسين، وكان الشَّيْخ فِي حلب، وقد حصل فيها ما حصل من فتنة التّتار، وكان نازلًا فِي المدرسة الأسدية، فقال لي: يا بني اذهب إلى بيتنا، فلعلك تجد ما نأكل، فذهبت إلى الدار، فوجدت الشَّيْخ عيسى الرصافي - وكان من أصحابه - مقتولًا فِي الدار، وعليه دَلَقُ الشَّيْخ، وقد حُِرق، ولم يحترق الدلق ولم تمسه النَّارَ، فأخذته وخرجت به، فوجدني بعض بني جهبل، فسألني فأخبرته بخبر الدلق، فحلف عليّ بالطلاق، وأخذه مني.
قال: وحدّثني الشيخ شمس الدّين الدباهيّ قال: حدّثني فلك الدّين ابن الحريميّ قَالَ: كنت بالشّام فِي سنة أخْذ بغداد، فضاق صدري، فسافرت وزُرت ببالِسَ الشيخَ أبا بَكْر فقال لي: أهلك سلِموا، إلّا أخاك مات، وأهلك فِي مكان كذا وكذا، والناظر عليهم رجلٌ صفته كذا، وقبالة الدرب الَّذِي هم فيه دارٌ فيها شجر، فلمّا قدِمتُ بغداد وجدت الأمر كما أخبرني.
قلت: ثُمَّ ساق لَهُ كراماتٍ كثيرة من هذا النمط، إلى أن قَالَ: ذِكرُ ما كَانَ عَلَيْهِ من العمل الدائم: كَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كثير العمل، دائم المجاهدة ويأمر أصحابة بذلك، ويُلْزِمُهم بقيام اللَّيْلِ، وتلاوة القرآن والذكر، دأبه ذلك لا يفتر [ص:906]
عنهم، في كل ليلة جمعة يجعل لكل إنسانٍ منهم وظيفة من الجمعة إلى الجمعة، وكان يحثهم عَلَى الاكتساب وأكْل الحلال، ويقول: أصل العبادة أكل الحلال، والعمل لله فِي سنته، وكان شديد الإنكار عَلَى أهل البِدَع، لَا تأخذه فِي الله لومة لائم، رجع بِهِ خلقٌ كثير فِي بلدنا من الرافضة وصحِبُوه.
وأخبرني الشَّيْخ إبراهيم بْن أبي طَالِب قَالَ: أتيت الشَّيْخ وهو يعمل فِي النَّهر الَّذِي استخرجه لأهل بالِس، ووجدت عنده خلقًا كثيرًا يعملون معه، فقال: يا إبراهيم، أنت لَا تُطيق العمل معنا، ولا أحب أن تقعد بلا عمل، فاذهب إلى الزاوية، وصل ما قدر لك، فهو خيرٌ من قعودك عندنا بلا عمل، فإني لَا أحب أن أرى الفقير بطالًا.
وكان يحث أصحابه عَلَى التمسك بالسنة ويقول: ما أفلح من أفلح إلّا بالمتابعة، فإن الله يَقُولُ: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُوني يُحبِبْكُمُ اللهُ}، وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُول ُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}.
وكان لَا يمر عَلَى أحدٍ إلّا بادأة بالسلام حتى عَلَى الصبيان وهم يلعبون، ويداعبهم، ويتنازل إليهم ويحدّثهم، وكنت أكون فيهم، ولقد جاءته امرَأَة يومًا فقالت: عندي دابةٌ قد ماتت، وَمَا لي من يجرها عني، فقال: امض وحصِّلي حبلًا حتى أبعث من يجرها، فمضَتَ وفَعَلتْ، فجاء بنفسه وربط الحبل فِي الدابة، وجرها إلى باب البلد، فجروها عَنْهُ.
وكان متواضعًا لَا يركب فَرَسًا ولا بغلة، بل لمّا كبُر كَانَ يركب حمارًا ويمنع من أن يوطأ عَقِبه، وكان دابه جبْرَ قلوبِ الضعَفاء من النّاس، وكان فِي الزاوية شيخ كبير بِهِ قطار البَوْل، فكان يبدد الصاغرة من تحته.
وكان لَا يمكن أحدًا من تقبيل يده، ويقول: مَن مكن أحدًا من تقبيل يده نقص من حاله شيء، وكان لَا يقبل إلّا ممن يعرف أَنَّهُ طيب الكسب.
وحدثني الإمام شمس الدين الدباهي قَالَ: حدَّثني الشيخ عبد الله كتيلة، قَالَ: قدِمتُ عَلَى الشَّيْخ أبي بَكْر بمنزله ببالِس، فلمّا رَأَيْته هِبْتُه، وعلمت أَنَّهُ وُلّي لله، ورأيته يحضر السَّماع بالدف، وكنت أنكِره، غير أني كُنت أحضر السَّماع بغير الدف، وقلت فِي نفسي: إن حضرت مَعَ هذا الولي وحصل مني إنكار عَلَيْهِ حصل لي أذى، وخشيت من قلبه، فغبت ولم أحضر. [ص:907]
تُوُفّي الشَّيْخ فِي سلخ رجب سنة ثمانٍ وخمسين بقرية عَلَم ودُفِن بها.
فأخبرني والدي أن أَبَاهُ أوصى أن يُدفن فِي تابوت وقال: يا بُنَيّ أَنَا لَا بد أن أُنقل إلى الأرض المقدسة، فنقل بعد اثنتي عشرة سنة، وسرت معه إلى دمشق، وشهدتُ دفنه، وذلك فِي تاسع المحرَّم سنة سبعين، ورأيت فِي سَفَري معه عجائب، منها أَنَا كُنَّا لا نستطيع غالب الليل أن نجلس عنده لكثرة تراكم الجن عَلَيْهِ وزيارتهم لَهُ.
قلت: وقبره ظاهر يُزار بزاوية ابن ابنه الشَّيْخ القُدوة العارف شيخنا أبي عَبْد الله محمد بْن عُمَر، نفع الله ببركته.(14/902)
478 - أبو علي بن محمد ابن الأمير أبي علي بن باساك، الأمير الكبير، حُسام الدين الهذَبَاني، المعروف بابن أبي عليّ. [المتوفى: 658 هـ]
كَانَ رئيسًا مدبرًا، خبيرًا، قوي النَّفْس.
قَالَ قُطْبُ الدين: طلبه المُلْك النّاصر يومًا فقال: وددت الموت الساعَة، فإن ناصر الدين القيمري عَنْ يساره، وابن يغمور عَنْ يمينه، والموت أهون من القعود تحت أحدهما، وأما ناصر الدين القَيْمُريّ فإنه سَمِح لَهُ بالقعود فوقه، وفهم ذلك قبل وصوله، فتهلل وجهه ودخل، فأكرموه كرامةً عظيمة، وجلس إلى جانب السُّلطان.
وكان لَهُ اختصاص بالملك الصالح نجم الدّين أيّوب، فلمّا تملك الصالح إسماعيل حبسه وضيق عليه، ثم أفرج عَنْهُ: وتوجه إلى مصر، وقد ناب فِي السلطنة بدمشق لنجم الدين أيّوب عقيب الخوارزمية، وجاء فحاصر بَعْلَبَكّ سنة أربع وأربعين، وبها أولاد الصالح إسماعيل، فسلموها بالأمان، ثُمَّ ناب في السلطنة بمصر.
وتوفي أبوه عنده، فبنى عَلَى قبره قُبة.
وكان عَلَى نيابة السلطنة عند موت الصالح نجم الدين، فجهز القُصّاد إلى حصن كيفا إلى المُلْك المعظم ليُسرع.
ثُمَّ حج الأمير حسام الدين سنة تسعٍ وأربعين، وأصابه فِي أواخر عمره [ص:908]
صرعٌ وتزايد بِهِ وكثُر، فكان سبب موته، وكان مولده بحلب سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وأصله من إربل، وله شعرٌ جيد وأدَب.(14/907)
479 - أبُو الكرم بْن عَبْد المنعم بْن قاسم بْن أَحْمَد بْن حَمْد بْن حامد بْن مُفَرج بْن غياث الأنصاريّ، الأرتاحي الأصل، الْمَصْرِيّ، الحريريّ، اللبان، الحَنْبليّ، واسمه: لأحق. [المتوفى: 658 هـ]
وُلِد فِي حدود سنة ثلاثٍ وسبعين، وسمع من: عم جَدّه أَبِي عَبْد الله الأرتاحي، وتفرد بالإجازة من المبارك بن علي ابن الطباخ، فروى بها كتاب " دلائل النبوة " للبيهقي، وغير ذَلِكَ.
وكان شيخًا متعففًا، صالحًا، أجاز لَهُ أيضًا: أبُو الفَضْلِ الغَزْنَويّ، وابن نجا الواعظ، وغير واحد.
روى عَنْهُ الحفاظ: أبُو محمد المنذري، وأبو الحُسَيْن الْقُرَشِيّ، وأبو محمد التوني، وعَلَم الدين الدواداري، ويوسف بْن عُمَر الختني، والمصريون.
وتُوُفّي ليلة السادس عشر من جمادى الآخرة بمصر.(14/908)
480 - أبو المعالي بْن عَبْد الله بْن عليّ المازريّ، الضرير. [المتوفى: 658 هـ]
حدث عن: المطهر بْن أبي بَكْر البَيْهَقيّ، ومات فِي ربيع الأوّل بالإسكندرية.(14/908)
-وفيها وُلِد:
علاء الدين عليّ بْن يحيى الشّافعيّ بْن نحلة بدمشق، والنجمُ عُمَر بْن بَلَبَان الجوزي، والصفي عَبْد المؤمن ابن الخطيب عَبْد الحق البغداديّ، والفتح محمد بْن أحمد بْن هاشم التفْلِيسيّ ثُمَّ الْمَصْرِيّ، وأمين الدين محفوظ بن علي ابن المَوْصِليّ، وعبد الرَّحْمَن ابن شيخنا التقي بْن مؤمن، وأحمد ابن الشيخ محمد البجديّ، وعلي ابن التقي يحيى الذهبي الفقير، ومحمد ابن شيخنا أبي بَكْر بْن أحمد بْن عَبْد الدائم، ومحمد ابن الْفَقِيهُ أحمد المرداوي، وأحمد بْن [ص:909]
إبراهيم بْن يحيى الكناني، الْمَصْرِيّ، الحَنْبليّ، يروي عَن المعين بْن زين الدين، وعبد الله بْن إبراهيم بْن درع الْمَصْرِيّ الشّافعيّ، يروي عَن النجيب، والمؤرخ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن أَبِي بَكْر الجزري، ثم الدمشقي العدل، وعيسى بْن عَبْد الكريم بْن مكتوم، فِي نصف شَعْبان، وشرف الدين حسين بْن علي بن محمد بن محمد ابن العماد الكاتب، وعبد الغالب بْن محمد الماكسيني، وأحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن الواني الفرّاء، وأبو بَكْر بْن عُمَر بْن أبي بَكْر الشقراوي، وعلي بن عبد العزيز بن حواري الحنفي، ويوسف بْن ندى الزرعي ثُمَّ الدّمشقيّ، والتَّقيّ سليمان بن عبد الرّحيم بن أبي عَبَّاس العطار، والشرف أبو بَكْر بْن أحمد بن محمد ابن النجيب الخلاطيّ، وأحمد بن رضوان ابن الزنهار، وخالي الحاج عليّ بْن سَنْجَر الذهبي، وخطيب بَعْلَبَكّ محيي الدين محمد بْن عَبْد الرحيم السلمي.(14/908)
-سنة تسع وخمسين وستمائة(14/910)
481 - أحمد بْن حامد بْن أَحْمَد بْن حَمْدُ بْن حامد بْن مُفَرج، أبو العبّاس الأنصاريّ، الأرتاحي، ثُمَّ الْمَصْرِيّ، المقرئ، الحَنْبليّ. [المتوفى: 659 هـ]
وُلِد سنة أربعٍ وسبعين وخمسمائة، وقرأ القراءات عَلَى والده، وسمع من جَدّه لأمه أبي عَبْد الله الأرتاحي، والبوصيري، وإسماعيل بْن ياسين، وابن نجا، والحافظ عَبْد الغني، وغيرهم، وأجاز له التاج المسعودي، وجماعة، ولازَمَ الحافظَ عبدَ الغني وكتب من تصانيفه، وتصدَّر وأقرأ القرآن، وكان صالحًا متعففًا، من بيت الرواية والدين، حمل عَنْهُ المصريون، وحدَّث عَنْهُ الدمياطي، وابن الحلوانية، وعلم الدّين الدواداريّ، والشيخ شَعْبان، وآخرون.
تُوُفّي فِي رابع عشر رجب.
وتأخر من أصحابه يوسف بْن عُمَر، وأبو بَكْر محمد بْن عَبْد الغني بْن محمد الصَّعبيّ.(14/910)
482 - أحمد بْن سليمان بْن أحمد بْن سليمان، قاضي الإسكندرية، شَرَفُ الدين، أبو العبّاس ابن المرجاني، المقرئ، المالكي. [المتوفى: 659 هـ]
سَمِعَ من: علي ابن البنّاء المكي، وعبد الرحمن عتيق ابن باقا، وقرأ القراءات عَلَى. .، وتفقه، ودرس وأفتى، وناب فِي القضاء، ثُمَّ استقل بِهِ، وكان من أعيان فُضَلاء الثغر.
روى عَنْهُ: الدمياطي، وقال: تُوُفّي فِي السادس والعشرين من ذي القِعْدة، وشعبان، وطائفة.(14/910)
483 - أحمد بْن كتائب بْن مهديّ بْن عليّ، أبو العبّاس المقدسي، البانياسي الحنبليّ. [المتوفى: 659 هـ][ص:911]
حدث عن: حنبل، وابن طبرزد، روى عنه: الدمياطي، وابن الخباز، والشمس ابن الزراد، ومحمد ابن المحب وآخرون، ومات في عاشر ذي القعدة.(14/910)
484 - إبراهيم بن سهل اليهودي، الأندلسي الإشبيلي، الشّاعر المشهور. [المتوفى: 659 هـ]
دون شِعْره فِي مجلدٍ فيما قِيلَ، ويُقال: إنه أسلم، وله قصيدة مدح بها النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان حامل لواء الشعْر بالمغرب فِي عصره، فمن شِعْره:
مضى الوصلُ إلّا منيةٌ تبعثُ الأسَى ... أُداري بها هَمي إذا الليلُ عَسْعَسا
أتاني حديثُ الوصْل زَوْرا عَلَى النوى ... أعِد ذلك الزور اللذيذَ المؤنسا
ويَا أُيها الشوقُ الَّذِي جاء زائرًا
أصَبْتَ الأماني خُذْ قلوبًا وأنفُسا ... كساني موسى من سِقامٍ جُفُونهِ
رداء وسَقاني من الحب أكؤسا
توفي غريقا في هذا العام، أو في سنة ثمان وخمسين.(14/911)
485 - إبراهيم بْن طرخان بْن حسين بْن مغيث، أبو إسحاق الأموي، السخاويّ، الإسكندارنيّ، الحريريّ. [المتوفى: 659 هـ]
سمع من: عبد الرحمن بن موقى، وحماد الحراني، روى عَنْهُ: آحاد الطلبة.(14/911)
486 - إبراهيم بْن عَبْد اللَّه بْن هبة اللَّه بْن أحمد بْن عليّ بْن مرزوق، الصاحب صفي الدين العسقلاني، التّاجر، الكاتب. [المتوفى: 659 هـ]
وُلِد سنة سبعٍ وسبعين وخمسمائة، وسمع من: عَبْد الله بْن مُجَلي، وأجاز لَهُ: جماعة، وحدَّث، وكان محتشمًا، كثيرَ الأموال، وافِرَ الحُرْمة، وُلّي الوزارة فِي بعض الدول، وكان فيه عقلٌ ودين، ويركب الحمار ويتواضع.
تُوُفّي بمصر فِي ذي القِعْدة.(14/911)
487 - إسحاق ابن العلّامة موفق الدين يعيش بْن عليّ بْن يعيش، أبو إبراهيم الحلبي الكاتب. [المتوفى: 659 هـ]
ولد سنة إحدى وستمائة، وتُوُفّي بالقاهرة فِي ربيع الآخر.(14/912)
488 - إسماعيل، المُلْك الصالح نور الدّين ابن الملك المجاهد أسد الدين شِيركُوه بْن مُحَمَّد بْن شيركوه بن شاذي بْن مروان، [المتوفى: 659 هـ]
ابن صاحب حمص.
نشأ بحمص وانتقل عَنْهَا، وخدم مَعَ المُلْك النّاصر يوسف، وكان عاقلا حازما سائسا، فلمّا أخذ هولاكو بلاد الشّام داخل التّتار، وأخذ فَرَمانا، ولم يدخل الديار المصرية، وحسن للملك النّاصر التوجُّه إلى هولاكو، وتوجه فِي صُحبته، فلمّا قدِموا عَلَى هولاكو أحسن إليهم وأكرمهم، فلمّا بلغه كسرة كتبغا عَلَى عَين جالوت غضب وقتلهم فِي أوائل السَّنَة كلهم!.(14/912)
489 - إسماعيل بْن عُمَر بْن قرناص، مُخلِص الدين الحَمَويّ. [المتوفى: 659 هـ]
من بيتٍ مشهور، وُلِد سنة اثنتين وستمائة، وكان فقيهًا نحويًا، كثير الفضائل، درس وأقرأ بجامع حماة، وله شعرٌ جيد، تُوُفّي بحماة فِي جُمَادَى الآخرة، قاله اليُونيني فِي " تاريخه ".(14/912)
490 - الحسن بن عبد الله ابن الحافظ عَبْد الغني بْن عَبْد الواحد، الإِمَام شرف الدّين أبو محمد ابن الجمال أبي موسى المقدسي الحَنْبليّ. [المتوفى: 659 هـ]
وُلِد سنة خمسٍ وستمائة، وسمع الكثير من أبي اليمن الكِنْديّ، وابن الحَرَسْتاني، وابن ملاعب، وموسى بْن عَبْد القادر، وابن راجح، والشيخ الموفق، وتفقه عَلَى الشَّيْخ الموفق، وعلى غيره من بعده، وأتقن المُذْهب، وأفتى ودرس، ورحل فِي الحديث، ودرس بالجوزية، كتب عنه الأبيورديّ، والدّمياطيّ، والحفاظ، وروى عَنْهُ: ابن الخباز، وابن الزراد، والقاضي تقي الدين سليمان، وجماعة. [ص:913]
وقد وُلّي القضاء ولدُه شهاب الدين، وناب عَنْهُ أخوه شَرَفُ الدين عَبْد الله بْن حسن.
توفي في ثامن محرم.(14/912)
491 - سيدهم بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن سيدهم، أبُو الموالي ابن الخشاب الإسكندراني التّاجر. [المتوفى: 659 هـ]
حدث عن: أبي الفتوح محمد بْن محمد البكري، وتُوُفّي فِي المحرَّم عَنْ سبعٍ وسبعين سنة.(14/913)
492 - سَعِيد بْن المطهر، الإمام القدوة المحدث سيف الدين أبو المعالي الباخَرزي. [المتوفى: 659 هـ]
شيخ زاهد، عارف، كبير القدر، إمام فِي السُّنَّة والتصوف، عُنِي بالحديث وسمعه، وكتب الأجزاء ورحل فيه، وصحِب الشَّيْخ نجم الدين الكبري وسمع منه، ومن أبي رشيد محمد بْن أبي بَكْر الغزال ببخاري؛ ومن عليّ بْن محمد المَوْصِليّ، وجماعة ببغداد.
وخرج لنفسه " أربعين حديثًا " رواها لنا عَنْهُ مولاه نافع الهندي.
وحدثني أبو الحسن الختني أَنَّهُ تُوُفّي فِي هذا العام.
وكان شيخ ما وراء النَّهر، وله جلالةٌ عجيبة، وعلى يده أسلم سلطان التّتار بركة.
له ترجمة طولى في " سير النبلاء ".(14/913)
493 - الطاهر بْن محمد بْن عليّ، العلّامة الرئيس محيي الدين أبو محمد الْجَزَريّ. [المتوفى: 659 هـ]
كَانَ رئيسًا كبير القدر، يكاتب الديوان العزيز، وله ديوان شعر.(14/913)
494 - عَبْد الله بْن أبي بَكْر بْن دَاوُد المالكي، المعروف بابن الزماخ. [المتوفى: 659 هـ]
حدَّث عَنْ: الفخر الفارسي، الصُّوفيّ، وكان إمام رباط الزاهد ابن حباسة، توفي بالقاهرة رحمه الله.
روى عَنْهُ: الدمياطي.(14/914)
495 - عَبْد الله بْن عَبْد المؤمن بْن أبي الفتح بْن وثاب، أبو محمد البانياسي الصالحي. [المتوفى: 659 هـ]
حضر عَلَى ابن طَبَرْزَد؛ وسمع من: الكِنْديّ، وهو أخو عَبْد الرَّحْمَن، ومحمد، روى عَنْهُ: الدمياطي، وابن الخباز، وابن الزراد، وجماعة.
وَتُوُفِّي فِي رابع عشر ذي الحجّة.(14/914)
496 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عثمان بْن عَبْد الواحد بْن عَبْد الرَّحمن بْن سلطان الْقُرَشِيّ الدّمشقيّ، زين القضاة. [المتوفى: 659 هـ]
ذُبح بالجبل فِي هذه السَّنَة.(14/914)
497 - عَبْد الرَّحْمَن بْن محمد بْن عَبْد القاهر بْن مرهوب، الخطيب الصالح الدين، أبو البركات الحَمَويّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 659 هـ]
حدَّث عَنْ: عمه أبي اليُسْر، وكان من وجوه الحمويين وصُلحائهم وأعيانهم، بني مدرسة بحماة ووقف عليها الأوقاف، ودُفِن بها في الثامن والعشرين من ربيع الأوّل، وكان خطيب الجامع الأعلى بحماة، وعاش تسعًا وسبعين سنة.(14/914)
498 - عثمان بْن أَبِي الحَرَم مكّيّ بْن عُثْمَان بْن إسماعيل بن إبراهيم ابن شبيب، الإمام الواعظ جمال الدين أبو عَمْرو السعدي الشارعي الشّافعيّ المذكر. [المتوفى: 659 هـ]
وُلِد سنة ثلاثٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع الكثير من أَبِيهِ، وقاسم بْن [ص:915]
إبراهيم المقدسي، وإسماعيل بْن ياسين، والبوصيري، والأرتاحي، وفاطمة، وابن نجا الواعظ، والعماد الكاتب، وأبي يعقوب بْن الطفيل، والحافظ عَبْد الغني، وعبد الله بْن خَلَف المسكي، وعثمان بْن أبي بَكْر بْن جَلْدَك، وخلف بْن عَبْد الله الدانقيّ، وخلق سواهم، وعني بالحديث والعِلْم والاشتغال.
روى عَنْهُ: الدمياطي، وابن الظاهري، وأخوه إبراهيم، والشيخ شَعْبان الإربلي، والأمين الصعبي، ويوسف الختني، ونافلته الموفَّق أحمد بْن أحمد بْن محمد، والمصريون.
وقد رحل إلى دمشق وسمع بها من عُمَر بْن طَبَرْزَد، وحدَّث بالكثير.
قَالَ الحافظ عزَّ الدين الحُسَيْني: سَمِعْتُ منه، وكان شيخًا فاضلًا، مشهورًا بالدين والصلاح، وكان يجلس للوعظ، وكان حَسَن الإيراد، كثير المحفوظ، لَهُ اليد الطُّولى فِي معرفة المواقيت وعمل الساعات، حدَّث هُوَ وأبوه وجده وإخوته، وتُوُفّي فِي الخامس والعشرين من ربيع الآخر.(14/914)
499 - عثمان بْن منكورس بْن خُمَرْتكِين، الأمير مظفر الدين، [المتوفى: 659 هـ]
صاحب صهيون.
كَانَ خُمَرْتكِين عتيق الأمير مجاهد الدين صاحب صرخد؛ وتملك مظَّفر الدين صهيون بعد والده سنة ستٌّ وعشرين، وكان حازمًا يَقِظًا سائسًا مهيبًا، طالت أيامه وعُمّر تسعين سنة أو أكثر، ومات فِي ربيع الأوّل، ودُفِن بقلعة صهيون، وولي بعده ابنه سيف الدين محمد.(14/915)
500 - عليّ بْن عبد الرزاق بن الحَسَن بْن مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن نصر الله بْن حجاج، الشَّيْخ علاء الدين أبو الفضائل العامري المقدسي، ثُمَّ الْمَصْرِيّ، المعروف بابن القطّان. [المتوفى: 659 هـ]
وُلِد سنة إحدى وثمانين تقريبًا، وسمع من: البوصيري، والعماد الكاتب، ومحمد بْن عَبْد الله ابن اللبني، وولي نظر الأوقاف بمصر وعدة ولايات، وهو من بيت حشمة وتقدم. [ص:916]
روى عنه: الدّمياطيّ، وتوفي، فِي مستهل المحرَّم.(14/915)
501 - عماد الدين، أبو الفَضْلِ القَزْوينيّ، الوزير الكبير، [المتوفى: 659 هـ]
صاحب الديوان ببغداد.
وُلّي لهولاكو العراق بعد ابن العَلْقَمِيّ، وكان ظالمًا فقُتل بسيف المُغْل، وولي بعده علاء الدين صاحب الديوان.(14/916)
502 - غازي، الملك الظاهر ابن السلطان الملك العزيز محمد ابن السلطان الملك الظاهر غازي ابن صلاح الدين الأيوبي الصلاحي سيف الدين، [المتوفى: 659 هـ]
شقيق السلطان المُلْك النّاصر، وأُمُّهُما تركية.
كَانَ مليح الصورة، شجاعا، جوادا، كريم الأخلاق، وكان أخوه يحبه محبة زائدة، وقد أراد جماعة من العزيزية القبضَ عَلَى النّاصر وتمليك هذا، فشعر بهم، ووقعت الوحشَةُ، وفارق غازي أخاه فِي أوائل سنة ثمانٍ وخمسين عند زوال دولته، فتوجه بحريمه إلى الصَّلت، وكانت لَهُ، ثُمَّ قصد غزة، فاجتمع عَلَى طاعته البحرية وجماعة وسلطنوه، ودهمت التّتار البلاد وتقهقر المُلْك النّاصر إلى غزة، وجاء ما أشغلهم، فتوجها معًا إلى قطية ثُمَّ رجعا.
وقد خلّف غازي ولدا اسمه زبالة، كَانَ بديع الحَسَن، وأُمَّه جارية وهَبَها النّاصر لأخيه، اسمها وجه القمر، اتصلت بعده بالأمير جمال الدين أيدغدي العزيزي، ثُمَّ بعده بالبيسري.
ومات زبالة بالقاهرة، وقُتل غازي مع أخيه صبرا.(14/916)
503 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن محمد بن يحيى ابن سيد النّاس، الحافظ، الخطيب، أبو بَكْر اليعمري، الأندلسي، الإشبيلي. [المتوفى: 659 هـ]
وُلِد فِي صَفَر سنة سبعٍ وتسعين وخمسمائة، وسمع الحديث، وعُنِي بهذا الشأن وأكثَر منه، وحصل الأصُول والكُتُب النفيسة، وحدَّث، وصنف، وجمع.
ذكره عزَّ الدين الشريف فِي " الوفيات " فقال: كان أحد حفاظ المحدثين المشهورين، وفُضَلائهم المذكورين، وبه خُتِم هذا الشأن بالمغرب، [ص:917]
وُلّي منه إجازة كتبها إلى من تونس، وبها تُوُفّي فِي الرابع والعشرين من رجب، قلت: وتُوُفّي أَبُوهُ سنة ثمان عشرة، وهو جد صاحبنا الحافظ الأوحد فتح الدين محمد بْن محمد، أحسن الله إِليْهِ.
رَأَيْت لَهُ كتاب " جواز بيع أمهات الأولاد "، دلني على سعة علمه، وسيلان ذهنه، وبراعة حفظه، وأعلى ما عنده سماع " البخاري "، من أبي محمد الزهري صاحب شُرَيْح.
وتلا لنافع عليّ أبي نصر بْن عظيمة، عَنْ شُرَيْح، وسمع من: أبي الصَّبرِ أيّوب الفهري، وأجاز لَهُ: القاضي أبو حفص عُمَر الَّذِي يروي عَن القاضي عَبْد الله بْن عليّ سبط ابن عَبْد البَرّ، وأجاز لَهُ: من المشرق ثابت بْن مشرف، والقاضي أبو القاسم ابن الحَرَسْتاني، وهذه الطبقة؛ ذكر ذَلِكَ ابن الزُّبَيْر فِي " برنامجه "، وكان خطيب تونُس.(14/916)
504 - محمد بْن الأنجب بْن أَبِي عَبْد الله بْن عَبْد الرَّحْمَن، الشَّيْخ صائنُ الدين، أبو الحَسَن البغداديّ، الصُّوفيّ، المعروف بالنعال. [المتوفى: 659 هـ]
وُلِد ببغداد فِي سلخ شعبان سنة خمسٍ وسبعين وخمسمائة، وسَمِعَ من: جَدّه لأمه هِبَة الله بْن رمضان بن شبيبا، وظاعن بن محمد الزبيريّ، وأجاز لَهُ: وفاء ابن البَهي، ومحمد بْن جعفر بْن عقيل، وعبد المنعم بْن عَبْد الله الفراوي، ومحمود بْن نصر الشّعّار، وأبو المحاسن محمد بن عبد الملك الهمذانيّ، وعبيد الله بْن شاتيل، وأبو السعادات القزاز، وطائفة، وخرج لَهُ رشيد الدين أبو بَكْر محمد ابن الحافظ عَبْد العظيم " مشيخة "، وكان مشهورًا بالصلاح [ص:918]
والخير، من أعيان الصُّوفيّة.
روى عَنْهُ: العلّامة تقي الدين محمد بْن عليّ الحاكم، وأبو محمد الدمياطي، وأبو الفتح محمد بْن عَبْد الرحيم الْقُرَشِيّ، والشيخ شَعْبان الإربلي، والمصريون.
وكان أعلى من بقي إسنادًا بالديار المصرية، تُوُفّي فِي رابع عشر رجب.(14/917)
505 - محمد بْن صالح بْن محمد بْن حمزة بْن محارب، الصدر تاج الدّين أبو عبد الله المحلي. [المتوفى: 659 هـ]
سَمِعَ من: عَبْد الرَّحْمَن مولي ابن باقا، وأجاز لَهُ: أبو اليمن الكِنْديّ، وابن طَبَرْزَد، وجماعة، وحدَّث، وله شعرٌ وفضائل، وُلّي نظر الإسكندرية مدة، ومات فِي خامس صَفَر.
وكان شافعيًا، عالمًا، مفتيًا، فيه دين وخير.(14/918)
506 - مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن إِبْرَاهِيم بن عيسى بْن مغنين، ضياء الدين، أبو عَبْد الله المتيجي الإسكندراني المالكي العدل. [المتوفى: 659 هـ]
وُلِد سنة ثمانٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع من: عبد الرحمن بن موقى، وخلقٍ بعده، وكتب بخطه كثيرًا، وعني بالحديث ومعرفته، كتب عَنْهُ غيرُ واحد؛ وحدَّث عَنْهُ: الدمياطي، وغيره، وحدثنا عَنْهُ: الشَّيْخ شَعْبان، ومات فِي جمادى الآخرة، وكان أيضا صالحا دينا خيرا.
مر أبوه سنة ست وثلاثين.(14/918)
507 - محمد بْن عَبْد الله بْن موسى، الشَّيْخ شَرَفُ الدين الحوراني، المتاني. [المتوفى: 659 هـ]
قَالَ قُطْبُ الدين: توفي في هذه السَّنَة بحماه عَنْ نحوٍ من سبعين سنة، وكان فاضلًا متفننًا، لَهُ رياضات وخلوات.(14/918)
508 - محمد بْن عَبْد الدائم بْن محمد بْن عليّ، أبو المكارم القضاعي، الْمَصْرِيّ، المعروف بابن حمدان. [المتوفى: 659 هـ]
ولد سنة ثلاثٍ وسبعين وخمسمائة بقُوص، وقدِم مصر فسمع من: البوصيري، والأرتاحي، روى عنه: الدّمياطيّ، والشريف عز الدّين.
توفي في نصف رمضان.(14/919)
509 - مُحَمَّد ابْن قاضي القُضاة صَدْر الدّين عَبْد المُلْك بْن عيسى بْن دِرباس بْن فيْر بْن جهم بْن عَبْدُوس القاضي العالم، كمال الدين، أبو حامد ابن درباس الماراني، الْمَصْرِيّ، الشّافعيّ، العدل، الضرير. [المتوفى: 659 هـ]
وُلِد في ربيع الأول سنة ست وسبعين وخمسمائة، وسمع أباه، والبوصيريّ، والقاسم ابن عساكر، والأرتاحي، وأبا الجود المقرئ، وجماعة.
وأجاز لَهُ: أبو طاهر السلَفيّ، روى عَنْهُ: الشريف عز الدّين، ومجد الدّين ابن الحلوانية، وعَلَم الدين الدواداري، والشيخ شَعْبان، وإبراهيم ابن الظاهري، والمصريون، وقد درس بالمدرسة السيفية مدة، وأفتى وأشغل، وقال الشعْر، وجالس الملوك، وكان من سروات الشيوخ.
توفي في شوال في خامسه بالقاهرة.(14/919)
510 - محمد بن علي بن سعيد، أبو حامد ابن العديم العُقيليّ، الحلبي الكاتب شرف الدين. [المتوفى: 659 هـ]
له شعرٌ وفضل، روى عنه: الدمياطي، وقال: استشهد بالعراق مَعَ الخليفة المستنصر.(14/919)
511 - محمد بْن أبي المكارم محمد بْن الحُسَيْن بْن محمد بْن عليّ بْن عُمَر بْن عَبْد الله بْن حسين بْن يحيى بْن الحُسَيْن بْن أحْمَد بْن يحيى بْن الْحُسَيْن بْن زَيْد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِب، الشريف، مُخْلصُ الدين، أبو البَرَكات الحُسَيْني، الزيدي، الدّمشقيّ، المعروف بابن المبلغ. [المتوفى: 659 هـ]
سَمِعَ من: الخُشُوعيّ، روى عَنْهُ: الدمياطي، وابن الحلوانية، وغيرهما. [ص:920]
وسمعنا بإجازته من أبي المعالي ابن البالسي.
تُوُفّي فِي الرابع والعشرين من ربيع الأوّل، ورخه الشريف.
وفي " معجم الدمياطي ": سنة ستٌّ وخمسين تُوُفّي، فيكشف ويحرر، ثُمَّ وجدت الإمام أبا شامة قَالَ: فِي ربيع الأوّل من سنة تسعٍ توفي المخلص بن أبي الجن الحُسَيْني التّاجر بقيسارية الفَرْش، وكان شيخًا كبيرًا عدْلًا، فلعل ما فِي "معجم الدمياطي " وهمٌ من الناسخ.(14/919)
512 - محمد بْن أبي الحُسَين يحيى بْن عَبْد الله بْن عليّ، أبو عَبْد الله الأنصاري المصري الوراق الشرُوطي. [المتوفى: 659 هـ]
سَمِعَ من: ابن المفضل الحافظ، وحدَّث، ومات فِي ربيع الأوّل، وكان أَبُوهُ من كبار النحويين بمصر.(14/920)
513 - مَعَالي بْن يعيش بن معالي بن كاشو، أبو الفَضْلِ الحراني. [المتوفى: 659 هـ]
سَمِعَ بنيسابور من: زينب الشعرية، وحدَّث بحران، ولم يحدثنا أحدٌ عَنْهُ فيسأل أصحابنا إن كان ابن الظاهري سمع منه.
عُدم بحران فِي شَعْبان، قاله الشريف.(14/920)
514 - مفضل بْن أبي الفتح نصر اللَّه بْن مُحَمَّد بْن المسلَّم بْن المعلَّى بْن أبي سُرَاقة، عمادُ الدين أبو بَكْر الهمَدانيّ، الدّمشقيّ. [المتوفى: 659 هـ]
ولد سنة ثمانٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع من: عُمَر بْن طَبَرْزَد، وحنبل، وحدَّث بدمشق ومصر، وكان متجندًا فِي زيه، سَمِعَ منه بهاء الدّين إبراهيم ابن المقدسي، وغيره، ومات بمصر فِي ربيع الأوّل، ويسمى محمدًا.(14/920)
515 - مكّيّ بْن عَبْد الرّزّاق بْن يحيى بْن عُمَر بْن كامل، زكي الدين، أبو الحَرَم الزُّبَيْديّ، المقدسي، ثُمَّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 659 هـ][ص:921]
ولد سنة ثمانٍ وسبعين وخمسمائة بعَقرَبا، وسمع من: الخُشُوعيّ، وعبد الخالق بْن فيروز، وأجاز لَهُ: عَبْد الرّزّاق النّجّار، وغيره، وكان متجندًا أيضًا، وهو أخو يحيى وسالم، وقد تقدما.
روى عَنْهُ: الدمياطي، والجمال ابن الصابونيّ، وعبد الرحيم بن مسلمة، والعماد ابن البالِسي، وأخوه عَبْد الله، ومات فِي سلخ شوال، وابنه يحيى حي، روى لنا عن اليلدانيّ، وعن أبيه.(14/920)
516 - يحيى بن عبد الملك بن أبي الغصن، القاضي، المحدث البارع، أبو زكريّا التجيبي الأندلُسي. [المتوفى: 659 هـ]
حج وسمع " صحيح البخاري " من يونُس الهاشمي بمكة، وسمع من: الحافظ علي ابن المفضل، وطائفة، وكان ذكيًا فِطنًا، لَهُ اعتناءٌ تامٌّ بالرجال والطرق، روى الكثير بالأندلس.
وأكثر عَنْهُ أبُو جعفر بْن الزُّبَيْر، وأرخ موته فِي سنة ثمانٍ وخمسين، ورحلته فِي سنة ثمان وستمائة.(14/921)
517 - يوسف، السلطان الملك الناصر صلاح الدّين ابن السلطان الملك العزيز محمد ابن الظاهر غازي ابْن السلطانِ المُلْك الناصرِ صلاحِ الدين يوسف ابن الأمير نجم الدين أيّوب الأيوبي، [المتوفى: 659 هـ]
صاحب حلب ثُمَّ صاحب الشّام.
وُلِد بقلعة حلب فِي رمضان سنة سبعٍ وعشرين، وسلطنوه عند موت أَبِيهِ سنة أربعٍ وثلاثين، وقام بتدبير دولته الأمير شمس الدين لؤلؤ الأمِيني، وعز الدين ابن مُجلي، والوزير الأكرم جمال الدين القفْطي، والطواشي جمال الدّولة إقبال الخاتوني، والأمر كله راجعٌ إلى جدته ضيفة خاتون بِنْت المُلْك العادل.
ثُمَّ توجه قاضي القُضاة زَين الدين عَبْد الله ابن الأستاذ إلى الديار المصرية ومعه عدة المُلْك العزيز، وكان قد مات شابًا ابن أربعٍ وعشرين سنة، فلمّا رآها السُّلطان المُلْك الكامل أظهر الحُزنَ لموته، وحلف للملك النّاصر لمكان الصاحبة أخته، فلمّا توفيت الصاحبة سنة أربعين أشتد النّاصر وأمر ونهى، فلمّا [ص:922]
كانت سنة ستٌّ وأربعين سار من جهته نائبه شمسُ الدين لؤلؤ وحاصر حمص، وطلب النجدة من الصالح نجم الدّين أيوب، فلم ينجده، وغضب وجرت أمور، ثُمَّ استقرت حمص بيد المُلْك النّاصر.
وفي ربيع الآخر سنة ثمانٍ وأربعين قدِم إلى دمشق وأخذها من غير كلفة لاشتغال غلمان الصالح بأنفسهم، ثُمَّ فِي أثناء السَّنَة قصد الديارَ المصرية ليمتلكها فما تم لَهُ.
وفي سنة اثنتين وخمسين دخل عَلَى بِنْت السُّلطان علاء الدين صاحب الروم، فولدت لَهُ علاء الدين فِي سنة ثلاثٍ، وأم هذه هي أخت جدته الصاحبة.
وكان سمْحًا، جوادًا، حليمًا، حَسَن الأخلاق، محببًا إلى الرعية، فيه عدلٌ فِي الجملة، وصفح ومحبة للفضيلة والأدب، وكان سوق الشعْر نافقًا فِي أيامه، وكان يذبح فِي مطبخه كل يومٍ أربعمائة رأس، سوى الدجاج والطيور والأجديّة، وكان يبيع الغلمان منِ سماطه أشياء كثيرة مفتَخَرَة عند باب القلعة بأرخص ثمن، حكى علاءُ الدين ابن نصر الله أن المُلْك النّاصر جاء إلى داره بغتة، قال: فمددت له فِي الوقت سِماطًا بالدجاج المحشي بالسكر والفُسْتُق وغيره، فتعجب وقال: كيف تهيأ لك هذا؟ فقلت: هُوَ من نعمتك، اشتريتُه من عند باب القلعة.
وكانت نفقة مطابخه وَمَا يتعلق بها فِي كل يومٍ أكثر من عشرين ألف درهم. وكان يحاضر الفُضَلاء والأُدباء، وعلى ذهنه كثير من الشعْر والأدب، وله نوادر وأجوبة ونَظْم، وله حُسْنُ ظنٍّ فِي الصالحين، بنى بدمشق مدرسة وبالجبل رباطًا وتُربة، وبنى الخان عند المدرسة الزنجيلية.
وقال أبو شامة: وفي منتصف صَفَر ورد الخبر إلى دمشق باستيلاء التّتار عَلَى حلب بالسيف، فهرب صاحبها من دمشق بأُمرائه الموافقين لَهُ عَلَى سوء تدبيره، وزال مُلْكه عَن البلاد، ودخلت رسُل التّتار بعده بيومٍ إلى دمشق، وقُرئ فَرَمَان المَلِك بأمان دمشق وَمَا حولها، ووصل النّاصر إلى غزة، ثُمَّ إلى قطية، فتفرَّق عَنْهُ عسكره، فتوجه فِي خواصه إلى وادي موسى، ثُمَّ جاء إلى [ص:923]
بركة زيزا، فكبسه كتبغا، فهرب، ثُمَّ أتى التّتار بالأمان، فكان معهم فِي ذُل وهوان، وكان قد هرب إلى البراري، فساقوا خلفه، فأخذوه وقد بلغت عنده الشربة الماء نحو مائة دينار، فأتوا بِهِ إلى مُقَدَّم التّتار كتبغا وهو يحاصر عجلون، فوعده وكَذَبَه، وسقاه خمرًا صِرْفًا، فسكِر، وطلبوا منه تسليم قلعة عجلون، فجاء إلى نائبها، وأمره بتسليمها ففعل، ودخلها التّتار، فنهبوا جميع ما فيها، ثُمَّ ساروا بالنّاصر وأخيه إلى هولاكو.
قَالَ قُطْبُ الدين: فأكرمه وأحسن إِليْهِ، فلمّا بلغه كسْرُ عسكره بعين جالوت غضب، وأمر بقتله، فاعتذر إِليْهِ، فأمسك عَنْ قتله، لكن أعرض عَنْهُ، فلمّا بلغه كسرةُ بيدره عَلَى حمص استشاط غضبًا، وقتله ومن معه، سوى ولدِه المُلْك العزيز.
وقيل: إن قتل الناصر عَقِيب عين جالوت فِي الخامس والعشرين من شوال سنة ثمانٍ، وعاش إحدى وثلاثين سنة وأشهرًا، فيُقال: قُتل بالسيف، وقيل: إنه خُص بعذابٍ دون أصحابه.
قلت: وكان مليح الشكل، أحول، وله شعر، فروى شيخُنا الدمياطي عَنْ عليّ بْن أبي الفَرَج النَّحْويّ، قَالَ: أنْشَدَنا السُّلطان المُلْك النّاصر يوسف لنفسه:
البدرُ يَجْنَحُ للغُروب ومُهجَتي ... أسفًا لأجل غروبه تتقطع
والشرْب قد خاط النعاسُ جُفُونَهم ... والصبح في جِلْبابه يتطلع
وقد اشتهر عَنْهُ أنه لمّا مر بِهِ التّتار عَلَى حلب وهي خاويةٌ على عروشها، قد هدت أسوارها، وهدمت قلتعها، وأحرقت دُورها الفاخرة، وبادَ أهلُها، وأصبحت عبرةً للناظرين، انهل ناظره بالعبرة وقال:
يعز علينا أن نرى رَبْعَكْم يبلى ... وكانت بِهِ آيات حُسْنكم تتلى
وقد أورد لَهُ ابن واصل عدة قصائد، ووصفه بالذكاء والفضيلة والكَرَم، إلى أن قال: وفي سابع جمادى الأولى عُقِد عزاؤه بدمشق بالجامع لمّا ورد الخبر بمقتله، قَالَ: وصورته عَلَى ما ثبت بالتواتر أن هولاكو لمّا بَلَغَه مقتل كتبغا، ثم كسرة أصحابه بحمص، أحضر النّاصر وأخاه وقال للترجمان: قلَّ لَهُ أنت [ص:924]
زعمت أن البلاد ما فيها أحدٌ، وأن من فيها في طاعتك حتى غررت بي وقتلت المغل، فقال النّاصر: أما إنهم فِي طاعتي لو كنتُ فِي الشّام ما ضرب أحدٌ فِي وجه غلمانك بسيف، ومَن يكون ببلاد توريز كيف يحكم عَلَى من فِي الشّام؟ فرماه هولاكو بالنشاب فأصابه، فقال: الصنيعة يا خَوَنْد، فقال أخوه المُلْك الظاهر: اسكُتْ، تَقُولُ لهذا الكلب هذا القول وقد حضرت، فرماه هولاكو بفردةٍ ثانية قتله، ثُمَّ أخرج المُلْك الظاهر وبقية أصحابهم فضربت أعناقهم.(14/921)
518 - أبو بَكْر بْن عُمَر بْن حَسَن بْن خواجا إمام، شهابُ الدين الفارسي، ثُمَّ الدّمشقيّ، [المتوفى: 659 هـ]
أخو ضياء الدين.
سَمِعَ من: عُمَر بْن طَبَرْزَد، وغيره، ومن الطلبة من سماه: شاكر الله.
قال أبو شامة: كَانَ صالحًا سُلَيْم الصدر، بِهِ نوع اختلال، وكان أحد فقهاء الشّامية.
قلت: روى عَنْهُ: ابن الخباز، وآحاد الطلبة.
وتُوُفّي فِي خامس رمضان.(14/924)
-وفيها وُلِد:
خطيب بَعْلَبَكّ - بل سنة ثمانٍ - محيي الدين محمد بْن عَبْد الرحيم السلمي، وأبو نعيم أحمد ابن التقي عبيد الإسعرديّ، ثم المصري، الحداد، يروي عَن النجيب، ومحمد بْن شَعْبان الخِلاطي، سَمِعَ النجيب، ومحمد بْن كشتغدي الصَّيْرفيّ، سَمِعَ النجيب، والنور نصر الله بْن أبي بَكْر الدّمشقيّ ابن خال ركن الدين ابن أفتكين، وعلاء الدّين علي ابن مجد الدّين ابن المهتار، ومحمد ابن الشَّيْخ عُمَر السلاوي اليُونيني، والتقي عَبْد الله بن عبد الرحمن ابن خطيب مَردَا، وزينب بِنْت الشيخُ شمس الدِّين عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي عُمَر، وعبد الرَّحْمَن بْن محمد ابن العماد عبد الحميد.(14/924)
-سنة ستين وستمائة(14/925)
519 - أحمد بْن الحُسَيْن بْن الحَسَن بْن إبراهيم بْن نبهان، الأجل، أبو العبّاس الداري، التّميميّ، الخليلي، ابن الأجل أمين الدين أبي عليّ. [المتوفى: 660 هـ]
ولد سنة ثمانٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع ببغداد من الحافظ عبد العزيز ابن الأخضر، وعاتكة بِنْت الحافظ أبي العلاء، كتب عَنْهُ الشريف عزَّ الدين، والمصريون، ومات فِي تاسع ربيع الآخر، وهو جد الوزير فخر الدين عُمَر بْن عَبْد العزيز ابن الخليلي.(14/925)
520 - أحمد بن الحسين بن محمد ابن الدّامَغَانيّ، الصاحب الكبير فخُر الدين. [المتوفى: 660 هـ]
كَانَ من عُظماء الدّولة ببغداد كأجداده القُضاة.
مات فِي المحرم بالأردو، الله يسامحه ويرحمه.
عاش خمسًا وستين سنة.(14/925)
521 - أحمد بن عَبْد المحسن بن مُحَمَّد بن منصور بْن خَلَف، أبُو العبّاس الأنصاريّ، الأوسي، الحَمَويّ [المتوفى: 660 هـ]
أخو شيخ الشيوخ عَبْد العزيز.
وُلِد سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، وسمع ببغداد فِي صِغَره بإفادة أَبِيهِ من عَبْد اللَّه بْن أَبِي المجد الحَرْبِيّ، روى عَنْهُ: أبو محمد الدمياطي، وابن مزيز، وآخرون، وأجاز لجماعة، ولا أكاد أعرفه.
وتُوُفّي بالرمل بالقصير وهو قاصدٌ إلى مصر، ودُفِن هناك في حادي عشر ذي القعدة.(14/925)
522 - أحمد، المستنصر بالله أمير المؤمنين، أبو القاسم ابن الظاهر بأمر الله أبي نصر محمد ابن الناصر لدين الله أحمد ابن المستضيء بالله الهاشميّ العبّاسي، البغداديّ، الأسود. [المتوفى: 660 هـ][ص:926]
وُلّي الخلافة بعد قتْل ابن أخيه المستعصم بالله ابن المستنصر بالله منصور بثلاث سنين، فخلا الوقت فيها من خليفة.
قَالَ الإمام أبو شامة: فِي رجب قرئ بالعادلية كتاب السُّلطان إلى قاضي القضاة نجم الدين ابن سَنِي الدّولة بأنه قِدم عليهم مصر أبو القاسم أحمد ابن الظاهر ابن النّاصر، وهو أخو المستنصر بالله، وأنه جمع لَهُ النّاس من الأمراء والعُلماء والتجار، وأثبت نَسَبَه عند قاضي القضاة فِي ذَلِكَ المجلس، فلمّا ثبت بايعه النّاس، وبدأ بالبيعة السُّلطان الملك الظاهر، ثم الكبار على مراتبهم، ونقش اسمه عَلَى السكة، وخطب لَهُ ولقب بلَقب أخيه، وفرح النّاس.
وقال الشَّيْخ قُطْبُ الدين: كَانَ المستنصر أبو القاسم محبوسًا ببغداد، فلمّا أخذت التّتار بغداد أُطلق، فصار إلى عرب العراق، واختلط بهم، فلمّا تسلطن المُلْك الظاهر وَفَدَ عليه فِي رجب ومعه عشرةٌ من بني مهارش، فركب السُّلطان للقائه ومعه القُضاة والدولة، فشق القاهرة، ثُمَّ أثبت نسبه عَلَى الحاكم، وبويع بالخلافة، وركب يوم الجمعة من البُرج الَّذِي كَانَ بالقلعة، وعليه السواد إلى جامع القلعة، فصعِد المنبرَ، وخطب خُطْبة ذكر فيها شَرَفُ بني العبّاس، ودعا فيها للسلطان وللمسلمين، ثُمَّ صلى بالناس.
قَالَ: وفي شَعْبان رُسِم بعمل خِلْعة خليفتية للسلطان، وبكتابة تقليدٍ لَهُ.
ثُمَّ نُصِبت خَيْمة بظاهر القاهرة، وركب المستنصر بالله والسُّلطان يوم الإثنين رابع شَعْبان إلى الخيمة، وحضر القُضاة والأمراء والوزير، فألبس الخليفةُ السُّلطان الخِلْعة بيده، وطوقه وقيده، ونصب منبرٌ فصعد عليه فخر الدّين ابن لُقمان، فقرأ التقليد، وهو من إنشاء ابن لُقمان، ثُمَّ ركب السُّلطان بالخِلعة، ودخل من باب النصر، وزُينت القاهرة، وحمَل الصاحب التقليدَ عَلَى رأسه راكبًا، والأمراء مُشَاة، وهذا هُوَ الثامن والثلاثون من خلفاء بني العبّاس، وكانت بَيْعته بقلعة الجبل، فِي ثالث عشر رجب.
قَالَ: وأول من بايعه قاضي القُضاة تاج الدين، ثُمَّ السُّلطان، ثُمَّ الشَّيْخ [ص:927]
عز الدّين ابن عَبْد السلام، وكان شديد السمرة، جسيمًا، عالي الهِمّة، شجاعًا، وَمَا بويع أحدٌ بالخلافة بعد ابن أخيه إلّا هُوَ، والمقتفي ابن المستظهر، بويع بعد الراشد ابن المسترشد ابن المستظهر، وقد وُلّي الأمر ثلاثة إخوة: الراضي، والمتقي، والمطيع بنو المقتدر، وولي قبلهم: المكتفي، والمقتدر، والقاهر بنو المعتضد، وولي من قبلهم: المنتصر، والمعتز، والمعتمد بنو المتوكل، ووليها: الأمين، والمأمون، والمعتصم بنو الرشيد، وولي من بنى أُمَيَّة الإخوة الأربعة: الوليد، وسليمان، ويزيد، وهشام بنو عَبْد المُلْك بْن مروان.
قَالَ: ورتب لَهُ السُّلطان أتابكًا، وأستاذ دار، وشرابيا، وخزندارا، وحاجبًا، وكاتبًا، وعين لَهُ خزانة وجملة مماليك، ومائة فَرَس، وثلاثين بغلًا، وعشرة قطارات جمال، إلى أمثال ذَلِكَ.
قرأت بخط العلاء الكِنْديّ: حدثنا قاضي القُضاة جمال الدين محمد بن سليمان المالكي، قال: حدّثني شيخنا عز الدّين ابن عَبْد السلام، قَالَ: لمّا أخذْنا فِي بيعة المستنصر قلت للملك الظاهر: بايعه، فقال: ما أُحسِن، لكن بايعه أنت أولًا وأنا بعدك، فلمّا فرغنا البيعة حضرنا عند السُّلطان من الغد، فمدح الخليفة وقال: من جملة بركته إنني دخلت أمس الدار فقصدت مسجدًا فيها للصلاة، فرأيت فيه مصطبةٌ نافرة، فقلت للغلمان: أخربوا هذه، فلمّا هدموها انفتح تحتها سربٌ، فنزلوا، فإذا فيه صناديق كثيرة مملوءة ذَهَب وفضة من ذخائر الملك الكامل، ثم إنه عزم عَلَى التوجه إلى العراق.
قلت: وحسن لَهُ السُّلطان ذَلِكَ وأعانه.
قَالَ قُطْبُ الدين: فأقطع إقطاعاتٍ هناك لمن قصده أوْ وفد عَلَيْهِ.
وسار من مصر هُوَ والسُّلطان فِي تاسع عشر رمضان فدخلوا دمشق فِي سابع ذي القِعْدة، ثُمَّ جهز السُّلطان الخليفة وأولاد صاحب الموصل، وغرِم عَلَيْهِ وعليهم من الذَّهَب فوق الألف ألف دينار، فسار الخليفة ومعه ملوك الشرق، صاحب المَوْصِل، وصاحب سنجار والجزيرة من دمشق في الحادي والعشرين من ذي القعدة. [ص:928]
وذكر ابن عبد الظاهر في " السيرة الظاهرية ": قَالَ لي مولانا السُّلطان: إن الَّذِي أنفقه عَلَى الخليفة والملوك المَوَاصِلة ألف ألف دينار وستين ألف دينار عينًا.
قَالَ أبو شامة: نزل الخليفة بالتربة النّاصرية بقاسيون، ودخل يوم الجمعة إلى جامع دمشق إلى المقصورة، وجاء إليها بعده السُّلطان المُلْك الظاهر ثُمَّ خرجا ومشيا إلى جهة مركوب الخليفة بباب البريد، ثُمَّ رجع السُّلطان إلى باب الزيادة.
قَالَ قُطْبُ الدين: سافر الخليفة وصاحب المَوْصِل إلى الرحبة، ففارق صاحب المَوْصِل وأخوه الخليفة، ثُمَّ نزل الخليفة بمن معه مشهدَ عَلَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ولما وصلوا إلى عانَةَ وجدوا بها الحاكم بأمر الله أحمد، ومعه نحو من سبعمائة نفس فاستمالهم الخليفة المستنصر، وأنزل الحاكم معه فِي دهليزه، وتسلم الخليفة عانَة، وحمل إِليْهِ واليها وناظرُها الإقامةَ فأقطعها، ثُمَّ وصل إلى الحديثة ففتحها أهلُها لَهُ، فلمّا اتصل ذَلِكَ بمقدم المُغْل بالعراق وبشِحْنة بغداد خرج المقدم بخمسة آلاف وقصد الأنبار فدخلها، وقتل جميع من فيها، ثُمَّ لحِقَه الشحنة، ووصل الخليفة إلى هيت، فأغلق أهلها الأبواب، فحصرها ثُمَّ دخلها فِي التاسع والعشرين من ذي الحجّة، ونهب من بها من أهل الذمة، ثُمَّ نزل الدور، وبعث طليعة، فوصلت إلى الأنبار فِي الثالث من المحرَّم سنة ستين، فعبرت التّتار ليلًا فِي المخائض والمراكب، فلمّا أسفر الصبح التقي عسكر الخليفة والتّتار فانكسر أولًا الشحنة، ووقع مُعظَم أصحابه فِي الفُرات، ثُمَّ خرج كمينٌ للتتار، فهرَب التركمان والعرب، وأحاط الكمين بعسكر الخليفة، فصدقوا الحملة، فأفرج لهم التّتار، فنجا جماعةٌ من المسلمين، منهم الحاكم ونحو خمسين نفسًا، وقُتِل جماعة، وأما الخليفة فالظاهر أنه قتل، وقيل سلِم وأضمرته البلاد، وعن بعضهم أن الخليفة قُتِل يومئذٍ ثلاثةً ثُمَّ قُتِل.(14/925)
523 - أحمد بْن يوسف بْن أحمد بْن فرتون، المحدث، أبو العبّاس السُّلَميّ، الفاسي، محدّث المغرب. [المتوفى: 660 هـ]
روى عَنْ: أبي ذر الخشني، وأبي القاسم ابن الملجوم، وأجاز له: أبو الحجاج ابن الشَّيْخ، وغيره، وكان من أشد الطلبة عناية بالرواية، ولم يكن لَهُ كبير عِلْم سواها، ألف كتابًا ذيل بِهِ صلة ابن بَشْكُوال، فلم يجوده.
أكثر عَنْهُ أبُو جعفر بْن الزُّبَيْر، وقال: مات بسبتة فِي شَعْبان، وكان فقيرًا متعففًا خيرًا.
قَالَ ابن الزُّبَيْر: تأملت تذييله عَلَى " الصلة " فوجدتُه كثير الأوهام والخَلَل، فاستَخَرْتُ الله فِي استئناف ذَلِكَ العمل، ووصلت " الصلة "، بكتابٍ.(14/929)
524 - إبراهيم ابن الكماد، الحافظ أبو إسحاق الإشبيلي. [المتوفى: 660 هـ]
عاش نحوا من ثمانين سنة، وبلغنا أنه كان يحفظ كتاب " السنن " لأبي داود، سمع الكثير من المحدث أبي عبد الله التجيبي نزيل تلمسان، ومن أبي ذر الخشني، وخلق، ورحل في الحديث، روى عنه: ابن الزبير، وأبو إسحاق الغافقي، أرخه لنا ابن عمران السبتي، والصواب سنة ثلاث، فيعاد.(14/929)
525 - إبراهيم بْن يحيى بْن إبراهيم بْن عليّ بْن جعفر بْن عُبَيْد الله بْن حَسَن ابن المحدث المسند عُبَيْد الله بْن عَبْد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ، البغداديّ الأصل، النابلسي. [المتوفى: 660 هـ]
حدَّث بدمشق ومصر عن محمد بن عبد الله البنّاء، وتوفي بنابلس فِي رجب، ولقبه: عفيفُ الدين أبو الطاهر، روى عَنْهُ: الدمياطي، وغيره.(14/929)
526 - إسماعيل بْن لؤلؤ، هُوَ المُلْك الصالح، رُكْن الدين، [المتوفى: 660 هـ]
ابن صاحب المَوْصِل.
قِدم الديار المصرية فِي السَّنَة الماضية، وردّ، ثم وقع في مخاليب التّتار، فقُتل فِي هذه السَّنَة فِي ذي القِعْدة، وكان عادلًا، لين الجانب [ص:930]
يحرر أمره وكيف عاد إلى المَوْصِل فوقع فِي حصارها وأسره التّتار.
نعم، قصد الظاهر ليمده بجيش فأمده، ورجع ودخل المَوْصِل، فأقبلت التّتار، فالتقاهم عند نصيبين فهزمهم، وقتل النوين أيلكا، فتنمر هولاكو، وجهز سنداغو فنازَل المَوْصِل كما فِي الحوادث.(14/929)
527 - الإصبهانيّ، أحد أمراء دمشق. [المتوفى: 660 هـ]
تُوُفّي مخمورًا فِي ذي القِعْدة بدمشق.(14/930)
528 - البدر المَرَاغي الخلافي، المعروف بالطويل. [المتوفى: 660 هـ]
قَالَ أبو شامة: كَانَ قليل الدين، تاركًا للصلاة، تُوُفّي في جمادى الآخرة.(14/930)
529 - بَلَبَان، الأمير الكبير، سيفُ الدين الزردكاش. [المتوفى: 660 هـ]
من أمراء دمشق الأعيان، وكان دينًا مشكورًا، تُوُفّي في ذي الحجّة.(14/930)
530 - الحَسَن بْن محمد بْن أحمد بْن نجا الإربلي، الرافضي، المتكلم، الفيلسوف، العِزّ الضرير. [المتوفى: 660 هـ]
كَانَ بارعًا فِي العربية والأدب، رأسًا فِي علوم الأوائل، كَانَ بدمشق منقطعًا فِي منزله يُقرئ المسلمين وأهل الكتاب والفلاسفة، وله حرُمة وافرة وهيْبة، وكان يهين الرُّؤساء وأولادهم بالقول: إلّا أَنَّهُ كَانَ مجرمًا، تاركًا للصلاة، فاسد العقيدة، يبدو منه ما يُشعِر بانحلاله؛ قَالَ شيخنا قُطْبُ الدين فيه مثل هذا، وقال: كَانَ قذرا، زريّ الشكل، قبيح المنظر، لَا يتوقى النجاسات، ابتُلى مَعَ العَمَى بقُرُوح وطُلُوعات، وكان ذكيًا، جيد الذهن، حَسَن المحاضرة، جيد النظم، وكان يصرح بتفضيل عَلِيّ عَلَى أبي بَكْر رَضِيَ اللهُ عنهما، ولما قِدم القاضي شمس الدين ابن خلكان ذهب إِليْهِ، فلم يحتفل بِهِ، فأهمله القاضي وتركه. [ص:931]
قَالَ: وله قصيدةٌ فِي العز ابن معقِل الحمصي يمدحه، وله هجوٌ خبيث.
وذكر عزَّ الدّين ابن أبي الهيجا، قَالَ: لازَمْتُ العز الضرير يوم موته فقال: هذه البنية قد تحللت، وَمَا بقي يرجى بقاؤها، وأشتهي رزا بلَبَن، فعمل لَهُ وأكل منه، فلمّا أحس بشروع خروج الروح قَالَ: خرجت الروح من رجلي، ثم قال: قد وصلت إلى صدري، فلما أراد المفارقة بالكلية تلا هذه الآية: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ}، ثم قال: صدق الله العظيم، وكَذَبَ ابنُ سينا.
ثُمَّ مات فِي ربيع الآخر، ودُفِن بسفح قاسيون، وولد بنَصِيبين سنة ست وثمانين وخمسمائة.
قلت: روى عَنْهُ من شِعْره وأدبه: الدمياطي، وابن أبي الهَيْجا، وشمس الدين محمد بْن عَبْد القوي الحَنْبليّ، وغيرهم، وحكى ابن عَبْد القوي أَنَّهُ سمعه يَقُولُ: أَنَا عَلَى عقيدة علماء الحنابلة.(14/930)
531 - الحُسَيْن بْن أبي حامد عَبْد الله بْن أبي طَالِب عَبْد الرَّحْمَن بْن الحسن ابن العجمي، أبو عَبْد الله الحلبي. [المتوفى: 660 هـ]
وُلِد سنة أربعٍ وستمائة، وسمع من: الافتخار الهاشمي وغيره، روى عَنْهُ: الدمياطي، والأبيوردي، وآحاد الطلبة، ومات كهلًا.
تُوُفّي في ذي الحجة.(14/931)
532 - الخَضِر بْن أبي بَكْر بْن أحمد، القاضي كمال الدين الكردي، [المتوفى: 660 هـ]
قاضي المقس.
قَالَ قُطْبُ الدين: كَانَ محتَرمَا عند المُلْك المُعِزّ، فعلق به حب الرياسة، فصنع خاتما وجعل تحت فصه وريقة فيها أسماء جماعة عندهم - فيما زعم - ودائع للوزير الفائزي، وأظهر أن الخاتم للفائزي، وأن تِلْكَ الوريقة تذكِرة، ثُمَّ أظهر بذلك التقرب إلى السُّلطان، ودخل فِي أذِية النّاس، وجرت لَهُ [ص:932]
خطوبٌ بمصر ثُمَّ وَضَح أمرُه، فصُفِع وحُبِس، وكان فِي الحبْس شخص يدعي أَنَّهُ من أولاد الخلفاء، وكانت الأمراء والأجناد الشَّهْرَزُورية أرادت مبايعته بغزة، فلم يتم ذلك، فلما جمعهما الحبْس تكلم معه فِي تمام أمره، فمات العباسي فِي الحبْس وله وُلِد، فخرج الكمال الكُردي، فأخذ فِي السعي لولده وتحدث مَعَ جماعةٍ من الأعيان، وكتب مناشِير وتواقيع بأمور، واتخذ بُنُودًا، فبلغ ذَلِكَ السُّلطان، وألب عَلَيْهِ الوزير وغيرهُ، فشُنِق، وعُلقت البنود والتواقيع فِي حلقة، شنقوه بمصر في جُمادي الآخرة.(14/931)
533 - عَبْد اللَّه بن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن الحُسَيْن بْن عَبْد المجيد بْن أَحْمَد بْن الحَسَن بْن حديد، أبو الفَضْلِ بن أبي طَالِب الكناني، الإسكندراني. [المتوفى: 660 هـ]
وُلِد سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة، وسمع من: عبد الرحمن بن موقى، وعبد الرحمن عتيق ابن باقا، وقد حدَّث من بيته جماعة، روى عَنْهُ: الدمياطي، وشعبان الإربلي، وهو أخو الحُسَيْن.
تُوُفّي فِي رمضان بالإسكندرية.(14/932)
534 - عَبْد اللَّه بْن عَبْد المُلْك بْن عُثْمَان بْن عَبْد اللَّه بْن سَعْد، الجمال، أبو أحمد المقدسي، الصالحي، الحَنْبليّ. [المتوفى: 660 هـ]
سَمِعَ من: محمود بْن عَبْد المنعم القلانسي، وعمر بْن طَبَرْزَد، وعبد المجيب بْن زُهير، وجماعة، روى عَنْهُ: ابن الحُلْوانية، والدمياطي، وابن الخباز، وابن الزراد، وآخرون، ومات فِي جُمَادَى الأولى.
قَالَ أبُو شامة: يُعرف بعَفْلَق.(14/932)
535 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الباقي بْن الخَضِر، تاج الدين ابن النّجّار، الحنفي. [المتوفى: 660 هـ]
فقيه بارع، مدرس، وكان يشهد تحت الساعات.
مات فِي جُمَادَى الأولى.(14/932)
536 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الواحد بْن إِسْمَاعِيل بْن سلامة بْن صَدَقة، الرئيس شَرَفُ الدين الحراني، ثُمَّ الدّمشقيّ، المعدل، التّاجر. [المتوفى: 660 هـ]
كَانَ ذا دِين وتجُّمل ومعروف، وُلِد سنة ثمانٍ وتسعين وخمسمائة بدمشق، وسمع من: حنبل، وغيره، روى عَنْهُ: النجم إسماعيل ابن الخباز، وغيره، ومات فِي رجب.(14/933)
537 - عَبْد العزيز بْن عَبْد السلام بْن أبي القاسم بْن الحسن، شيخ الإسلام، وبقية الأئمة الأعلام، عز الدين، أبو محمد السُّلَميّ، الدّمشقيّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 660 هـ]
وُلِد سنة سبع أو ثمانٍ وسبعين وخمسمائة، وحضر: أبا الحسين أحمد بن حمزة ابن الموازيني، والخُشُوعيّ، وسمع عَبْد اللطيف بْن إسماعيل الصوفي، والقاسم بن علي ابن عساكر، وعمر بن طبرزد، وحنبلا المكبر، وأبا القاسم عبد الصمد ابن الحرستانيّ، وغيرهم، وخرج لَهُ شيخنا الدمياطي أربعين حديثًا عوالي.
روى عنه: شيوخنا العلامة أبو الفتح ابن دقيق العيد، وأبو محمد الدمياطي، وأبو الحُسَيْن اليُونيني، وأبو العبّاس أحمد بْن فرح، والقاضي جمال الدين محمد المالكي، وأبو موسى الدُّويْداري، وأبو عَبْد الله بْن بهرام الشّافعيّ، والمصريون.
وتفقه على الإمام فخر الدّين ابن عساكر؛ وقرأ الأصول والعربية، ودرس وأفتى وصنف، وبرع فِي المُذْهب، وبلغ رتبة الاجتهاد، وقصده الطلبة من البلاد، وانتهت إِليْهِ معرفة المُذْهب ودقائقه، وتخرج بِهِ أئمة، وله التصانيف المفيدة، والفتاوى السديدة، وكان إمامًا، ناسكًا، ورِعًا، عابدًا، أمارًا بالمعروف، نهَّاء عَن المنكر، لَا يخاف فِي الله لومة لائم.
ذكره الشريف عزَّ الدين، فقال: حدَّث، ودرس، وأفتى، وصنف، وتولى الحُكم بمصر مدة والخطابة بجامعها العتيق، وكان علم عصره فِي العِلْم، جامعًا لفنونٍ متعددة، عارِفًا بالأصول والفروع والعربية، مُضافًا إلى ما [ص:934]
جبل عليه من ترك التكلف، والصلابة فِي الدين، وشُهرتُه تُغني عَن الإطناب فِي وصفه.
قلت: وولي خطابة دمشق بعد الدولعي، فلمّا تسلطن الصالح إسماعيل وأعطى الفِرَنْجَ الشقيف وصَفَدَ نال منه ابنُ عَبْد السلام عَلَى المِنْبَر، وترك الدعاء لَهُ، فعزله الصالح وحبسه، ثُمَّ اطلقه، فنزح إلى مصر، فلمّا قدِمها تلقاه الملك الصالح نجمُ الدين أيّوب، وبالغ في احترامه إلى الغاية، واتفق موت قاضي القاهرة شرف الدّين ابن عين الدولة، فولى السلطان مكانه قاضي القُضاة بدر الدين السنجاري، وولي قضاء مصر نفسها والوجه القِبلي للشيخ عزَّ الدين، مَعَ خطابة جامع مصر، ثُمَّ إن بعض غلمان وزير الصالح المولي مُعِين الدين ابن الشيخ بنى بنيانا على سطح مسجد بمصر، وجعل فيه طَبْلَ خاناه مُعِين الدين، فأنكر الشَّيْخ عزَّ الدين ذَلِكَ، ومضى بجماعته وهدم البناء، وعَلَم أن السُّلطان والوزير يغضب من ذَلِكَ، فأشهد عَلَيْهِ بإسقاط عدالة الوزير، وعزل نفسه عَن القضاء، فعظُم ذَلِكَ عَلَى السُّلطان، وقيل لَهُ: أعزله عَن الخطابة وإلا شنع عَلَى المِنْبر كما فعل بدمشق، فعزله فأقام فِي بيته يشغل النّاس.
وكانت عند الأمير حسام الدين بْن أَبِي عليّ شهادة تتعلق بالسُّلطان، فجاء لأدائها عنده، فنفذ يَقُولُ للسلطان: هذا ما أقبلُ شهادته، فتأخرت القضية، ثُمَّ أُثبتت عَلَى بدر الدين السنجاري، وله من هذا الجنس أفعالٌ محمودة.
وقد رحل إلى بغداد سنة سبعٍ وتسعين وخمسمائة، وأقام بها أشهرا.
وذكر عبد الملك ابن عساكر فِي جزء، ومن خطه نقلتُ، أن الشَّيْخ عزَّ الدين لمّا وُلّي خطابة دمشق فرح بِهِ المسلمون، إذ لم يصعد هذا المنبر من مدةٍ مديدةٍ مثله فِي عِلْمه وفتياه، كَانَ لَا يخاف فِي الله لومة لائم لقوة نفسه وشدة تقواه، فأمات من البِدَع ما أمكنه، فغير ما ابتدعه الخُطباء وهو لبس الطيلسان للخطبة والضرب بالسيف ثلاث مرات، فإذا قعد لم يؤذَّن إلّا إنسانٌ واحد، وترك الثناء ولزِم الدعاء، وكانوا يقيمون للمغرب عند فراغ الأذان، فأمرهم أن لا يقيموا حتى يفرغ الأذان فِي سائر المساجد، وكانوا دُبُر الصَّلَاةُ يقولون: إن الله وملائكته " فأمرهم أن يقولوا: " لَا إله إلا الله وحده لا شريك له " الحديث. [ص:935]
وقد أرسل - لمّا مرض - إِليْهِ السُّلطان الملكُ الظاهر يَقُولُ لَهُ: عين مناصِبَك لمن تريد من أولادك، فقال: ما فيهم مَن يَصْلُح، وهذه المدرسة الصالحية تصلُح للقاضي تاج الدين، ففوضت إِليْهِ بعده.
قَالَ الشَّيْخ قُطْبُ الدين: كان رحمه الله تعالى، مَعَ شدته، فيه حُسْن محاضرة بالنوادر والأشعار، وكان يحضر السماع ويرقص ويتواجد.
مات فِي عاشر جُمَادَى الأولى سنة ستين، وشهد جنازته الملك الظاهر والخلائق.
وقال الإمام أبو شامة: شيعه الخاص والعام، ونزل السُّلطان، وعُمِل عزاؤه فِي الخامس والعشرين من الشهر بجامع العقيبة، رحمه الله.(14/933)
538 - عَبْد العزيز بْن عطاء بْن عمّار بْن محمد، الهاشمي، الإسكندراني. [المتوفى: 660 هـ]
كَانَ أمّارا بالمعروف، نهاءا عن المنكر، وله في ذلك محنٌ.(14/935)
539 - عَبْد العزيز ابن الشَّيْخ الواعظ المؤرخ شمس الدّين يوسف بن زغليّ ابن الجوزي، الْفَقِيهُ عزَّ الدين الحنفي. [المتوفى: 660 هـ]
درس بعد أَبِيهِ ووعظ، وكانت فيه أهلية فِي الجملة، مات في شوال.(14/935)
540 - عبد الوهاب ابن زين الأُمناء أبي البركات الحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الْحسن بْن هِبَة اللَّه، تاج الدين، أبو الحسن ابن عساكر الدمشقيّ، الشافعيّ، [المتوفى: 660 هـ]
والد الشيخ أمين الدّين عبد الصمد.
ولد سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، وسمع الكثير من: الخشوعيّ، والقاسم ابن الحافظ، وعبد اللطيف بْن أبي سَعْد، وجعفر بْن محمد العباسي الحافظ، وأبي جعفر القُرْطُبيّ، وابن ياسين الدولعي، وحنبل، وابن طَبَرْزَد، ومحمد بن سيدهم، والكنديّ، وطائفة، وولي مشيخة دار الحديث النورية بعد والده، وحضره لمّا جلس الأكابرُ والحفاظ.
روى عَنْهُ: العلّامة تاجُ الدين، وأخوه الخطيب شَرَفُ الدين، والعلامة تقي [ص:936]
الدين ابن دقيق العيد، والحافظ أبو محمد التوليّ، وابن الزراد، ومحمد ابن المُحِبّ، ومحمد ابن خطيب بيت الآبار، وجماعة، وحدَّث بمصر، ورحل منها للحج ولزَيارة ولده، فحج وجاوَرَ قليلًا، وكان دينًا، صالحًا، فاضلًا، من بيت الحديث والعِلم.
تُوُفّي بمكة فِي حادي عشر جُمَادَى الأولى.(14/935)
541 - عُبَيْد بْن هارون بْن عُبَيْد الله، أبو محمد العوفي، ثُمَّ الصالحي، الحَنْبليّ، المقرئ، الرجل الصالح. [المتوفى: 660 هـ]
سَمِعَ من: أبي القاسم ابن الحَرَسْتاني، وهبة الله بْن طاوس، وحمزة بْن أبي لقمة، والشيخ الموفق، وجماعة، حدّث عنه: ابن الخباز، والعماد ابن البالسيّ، والشمس ابن الزراد، وآخرون، ومات فِي السادس والعشرين من رمضان.(14/936)
542 - عثمان بْن إبراهيم بْن خَالِد بْن محمد بْن سَلْم، أبو عَمْرو النابلسي الأصل، المصريّ، الكاتب. [المتوفى: 660 هـ]
ولد سنة ثمانٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع بدمشق من حنبل، وغيره، وتقلب فِي الخِدَم الديوانية، روى عَنْهُ: الدمياطي، ولقبه بعلاء الدين.
تُوُفّي فِي جُمَادَى الأولى.(14/936)
543 - عليُّ بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن إسماعيل بْن العبّاس بْن الحَسَن بْن العباس بْن الحَسَن بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن علي بْن إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر الصادق بْن مُحَمَّد الباقر، الشريف، السّيّد بهاءُ الدين، أبو الحَسَن العَلَويّ، الحسيني، الدّمشقيّ، النّقيب، المعروف بابن أبي الْجِنّ. [المتوفى: 660 هـ]
وُلِد في شعبان سنة تسعٍ وسبعين وخمسمائة، وسمع حضورًا من ابن صَدَقة الحراني، ويحيى الثَّقَفيّ، وأبي الفوارس بْن شافع.
روى عَنْهُ: ابن الحُلْوانية، والدمياطي، وابن الخباز، وأبو الحَسَن [ص:937]
الكندي، وأبو الحسن ابن الشاطبي، وعبد الرَّحْيم بْن مَسْلَمة الجنائزي، وطائفة، وكان رئيسًا نبيلًا، سريًا سنيًا.
تُوُفّي فِي الثَّانِي والعشرين من رجب، ودُفِن بتربته الّتي بالديماس بدمشق.(14/936)
544 - عُمَر بْن أحمد بْن أبي الفَضْلِ هبة الله بْن أبي غانم محمد بن هبة الله ابن قاضي حلب أبي الحَسَن أحمد بْن يحيى بْن زهير بْن هارون بْن موسى بْن عِيسَى بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَبِي جرادة عامر بْن ربيعة بْن خُوَيْلد بْن عَوْف بْن عامر بْن عقيل، الصاحب العلّامة رئيس الشام كمال الدّين أبو القاسم القَيْسي، الهوازني، العُقَيْليّ، الحلبي، المعروف بابن العديم، [المتوفى: 660 هـ]
ولَدُ القاضي العالِم أبي الحَسَن ابن القاضي أبي الفَضْلِ خطيب حلب.
وُلِد سنة ثمانٍ، أو ست أو ثلاثٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع من: أَبِيهِ، ومن عمه أبي غانم محمد، وعمر بْن طَبَرْزَد، والافتخار الهاشمي، وأبي اليمن الكندي، وأبي القاسم ابن الحَرَسْتاني، وهبة الله بْن طاوس، والشمس أحمد بْن عَبد الله العطار، وأبي عَبْد الله ابن البناء، وثابت بْن مشرف، وأبي منصور ابن عساكر الْفَقِيهُ، وبهرام الأتابكي، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وأحمد بن أبي اليسر، وأبي محمد ابن البن، وابن صَصْرَى، وابن راجح، والشيخ العماد إبراهيم بْن عَبْد الواحد، والشيخ فخر الدين محمد ابن تيمية، وعبد العزيز بن هلالة، ومحمد بْن عُمَر العثماني، وأبي عَلَى الأوقي، وأبي محمد بْن علوان، وخلق كثير بحلب، ودمشق، والقدس، والحجاز، والعراق، وأجاز لَهُ: أبُو رَوْح الهَروي، والمؤيد الطّوسيّ، وطائفة.
وكان عديمَ النظير فضلا ونبلا وذكاء وزكاء ورأيا ودهاء ومنظرا ورواء وجلالة وبهاء، وكان محدثا حافظًا، ومؤرخًا صادقًا، وفقيهًا مفتيًا، ومُنشِئًا بليغًا، وكاتبًا مجودًا؛ درس وأفتى وصنف وترسَّل عَن الملوك، وكان رأسًا فِي كتابة الخطّ المنسوب، وبه عرَّض الصاحبُ فتح الدّين عبد الله بن محمد ابن القيسراني حيث يَقُولُ، وقد سمعتُه منه: [ص:938]
بوجه معذبي آياتُ حسنٍ ... فقُل ما شئتَ فيه ولا تحاشي
ونسخة حسنه قرئت فصحت ... وها خطُّ الكمالِ عَلَى الحواشي
ذكره شيخُنا الدمياطي فاطنب فِي وصفه، وقال: وُلّي قضاءَ حلب خمسةٌ من آبائه مُتتالية، وله الخطّ البديع والحظ الرفيع والتصانيف الرائقة، منها " تاريخ حلب "، أدركَتْه المَنِية قبل إكمال تبييضه، وكان بارًا بي، حفيا محسنا إلي، وفيا يؤثرني على أقراني، وصحبته بضعة عشر عامًا مقامًا وسفرًا وانتقالًا، ورافقتُه كرتين من بغداد إلى دمشق، وأخذت عَنْهُ فِي البلاد من عِلمه ونظْمه، وأخذ عني بِسُر مَن رَأَى، وكان غزير العِلم، خطير القدْر والأصل، وقد عدلني تعديلًا ما عدله أحدٌ من أمثالي، وذلك أن قاضي دمشق التمسني منه ليعدلني، فامتنع لسببٍ جرى من القاضي، فطفِق الرَّسُول يتضرع إِليْهِ ويسأله حتى أذِن، فغدوت معه فأخرج لي القاضي ملبوسًا فاخرًا من ملابسه، فلبِسْتُه وأشهدني عَلَيْهِ وعدلني، ورجعت راكبًا عَلَى بغلته إلى منزلي، قدس الله روحه.
وقال الشريف عزَّ الدين: كَانَ - كمال الدّين ابن العديم يعني - جامعًا لفنونٍ من العِلْم، معظمًا عند الخاصة والعامة، وله الوجاهة التامة عند الملوك، وجمع لحلب تاريخا كبيرا أحسن فيه ما شاء، ومات وبعضُه مُسودة لم يبيضه، ولو كمل تبييضه لكان أكثر من أربعين مجلدًا، سمعتُ منه واستفدْتُ بِهِ.
قلت: من نظر فِي " تاريخه " علِم جلالة الرجل وسَعَة اطلاعه، وكان قد ناب فِي السلطنة، وعلم عَن المُلْك النّاصر فِي غيبته عَنْ دمشق، وذكر فِي " تاريخه " أَنَّهُ دخل مَعَ والده عَلَى المُلْك الظاهر غازي، وأنه هُوَ الَّذِي حَسَن لَهُ جمْع " تاريخ لحلب ".
روى عَنْهُ: ابنه الصاحب مجد الدين عَبْد الرَّحْمَن، والدمياطي، والبدر محمد بن أيوب التاذفيّ، وعَلَم الدين الدُّويْداري، وأبو الفَضْلِ إسحاق الأَسَديّ، وجماعة. [ص:939]
وتُوُفّي إلى رحمة الله فِي العشرين من جُمَادَى الأولى بالقاهرة، بظاهرها، ودُفِن بسفح المقطم.(14/937)
545 - عُمَر بْن عليّ بْن المظفَّر بْن القاسم، أبو العبّاس النُّشبيّ، الرَّبَعيّ، الدّمشقيّ، الصائغ. [المتوفى: 660 هـ]
تُوُفّي قبل عمه نصر الله بأشهُر.
وُلِد سنة إحدى وستمائة، وسمع من: الكِنْديّ، وابن الحَرَسْتاني؛ وحضر: عُمَر بن طبرزد، وستّ الكتبة، روى عنه: أبو الفدا ابن الخباز، وتُوُفّي بمصر فِي العام.(14/939)
546 - عيسى بن سليمان بن رمضان بن أبي الكرم بْن إبراهيم بْن عَبْد الخالق، الرئيس ضياءُ الدين أبو الرَّوح الثَّعلبي - بثاء مثلَّثة - الْمَصْرِيّ، القَرافي، الشّافعيّ. [المتوفى: 660 هـ]
عاش تسعين سَنَةً، وهُوَ آخِرُ من حدَّث عَنْ: أبي المعالي منجب المرشدي، روى عَنْهُ: " صحيح الْبُخَارِيّ " عَنْ مولاه أبي صادق مرشد المَدِينيّ، وسماعة منه فِي سنة ثمانٍ وسبعين، وولد فِي أول يوم من سنة إحدى وسبعين وخمسمائة.
كتب عَنْهُ: المصريون كالتقي الإسعردي، والعِزّ الشريف، وعبد القادر الصعبي، وأبي محمد الدمياطي، وروى لنا عنه الشيخ شعبان، وغيره.
ومات فِي رابع عشر رمضان، وهو والد شيخنا المعمر بهاء الدّين علي ابن القيم الكاتب.(14/939)
547 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن الحُسَيْن بْن سُرَاقة، المحدث، المفيد، العالِم، شَرَفُ الدين أبو القاسم الأنصاريّ الشاطبي، [المتوفى: 660 هـ]
ابن أخي محيي الدين.
طلب وكتب وعُنِي بالحديث، وسمع بالمغرب، ومصر، وكان فاضلًا متيقظًا، ذكيًا، حريصًا، لازمًا للأَثر، كتب عَنْ سِبْط السلَفيّ، ومن بعده. [ص:940]
تُوُفّي فِي ربيع الأوّل، وقد روى شيئًا يسيرًا.(14/939)
548 - محمد بْن إبراهيم، الْفَقِيهُ شَمسُ الدين الكُردي الشّافعيّ، [المتوفى: 660 هـ]
والد البدْر يوسف سِبْط ابن أبي اليُسْر.
كَانَ من فُضلاء الشافعية، درس بالكلاسة، وكان يَصْحَبُ الأميرَ حُسام الدين ابن أبي علي، ورخه أبو شامة، وابنه فمن عُدُول القاهرة.(14/940)
549 - محمد بْن الحَسَن بْن عُمَر القاضي أبو عَبْد الله ابن المحلي الأديب. [المتوفى: 660 هـ]
عاش ثمانين سنة؛ وله شعرٌ فائق، أنشدت لَهُ أبياتًا جيدة، وتُوُفّي بالمغرب.
أخذ عَنْهُ أبو إسحاق الغافقي، وغيره.(14/940)
550 - محمد بْن دَاوُد بْن ياقوت الصارمي، ناصرُ الدين أبُو عَبْد الله، المحدث [المتوفى: 660 هـ]
أحد الطلبة.
سَمِعَ الكثير، وعني بالحديث، ونسخ الأجزاء، وخطُّه مليحٌ صحيح.
مات كهْلًا،
وقد سَمِعَ من: كريمة، والسخاوي، وهذه الطبقة، وَمَا أعلمه حدّث.
توفي في جمادى الآخرة، وكان رجلًا جيدًا، رحمه الله.(14/940)
551 - محمد بْن سليمان بْن أبي الفَضْلِ بْن أبي الفُتُوح بْن يوسف بْن يونس، الشمُس السديد، أبو عَبْد الله الأنصاريّ، الصَّقَلّيّ، ثُمَّ الدّمشقيّ، الدّلّال فِي الأملاك. [المتوفى: 660 هـ]
شيخ مَعْمَر عالي الإسناد، محمود الطريقة، صحيح الرواية، سَمِعَ من: ابن صَدَقة الحراني، وحنبل الرصافي، والخُشُوعيّ، وإسماعيل الجنزوي، وسمع بواسط من أبي الفتح المندائي؛ وببغداد من ابن الأخضر، وقرأ القرآن بمصر عَلَى أبي الْجُود غياث بْن فارس. [ص:941]
روى عنه: الدمياطي، وابن الخباز، وابن الزراد، وأبو الحَسَن عليّ بْن المظفَّر الأديب، والبهاء إبراهيم ابن المقدسيّ، ومحمد ابن المُحِبّ، وآخرون.
وُلِد فِي ليلة عيد الفِطْر سنة ثلاثٍ وسبعين وخمسمائة، وتُوُفّي فِي الخامس والعشرين من صَفَر.
وقد كتب عَنْهُ ابن الحاجب وأساء الثناء عَلَيْهِ، لكنه عاش بعد ذَلِكَ دهرًا وانصلح حالُه.(14/940)
552 - محمد بْن عَبْد الله بْن عليّ، الْفَقِيهُ أبو عَبْد الله الأزْديّ، القُرْطُبيّ، شيخ أهل الحديث بسبتة. [المتوفى: 660 هـ]
وُلِد فِي سنة ثمانٍ أوْ تسعٍ وستين وخمسمائة، ونشأ بسبتة فسمع كثيرًا من: المُعَمَّر أبي محمد بن عبيد الله الحجريّ، وأبي زكريّا الهَوْزَنيّ، والمحدث أبي عَبْد الله محمد بْن حَسَن بْن غازي الجابري، من وُلِد جَابِر بْن عَبْد الله، وسمع من: الجابري تواليف كثيرة لِعياض، وأجاز لَهُ: الخُشُوعيّ، وجماعة من المشارقة.
وكان صالحا ثقة خيارا، توفي في أواخر رمضان.
روى عَنْهُ: أبو جعفر بْن الزُّبَيْر، وأبو إسحاق الغافقي، وخلق.(14/941)
553 - محمد بْن عَبْد الحق بْن خَلَف بْن عَبْد الحق، الجمال أبو عَبْد الله الدّمشقيّ، الصالحي، الحَنْبليّ، المحتسب بالصالحية. [المتوفى: 660 هـ]
وُلِد سنة تسعٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع من: الخُشُوعيّ، وعمر بْن طَبَرْزَد، وجماعة، روى عَنْهُ: الدمياطي، وابن الخباز، والقاضي تقي الدّين سليمان، والعماد ابن البالسيّ، والشمس ابن الزراد، ومحمد ابن المحب، ومحمد ابن الصّلاح.
تُوُفِّي فِي السادس والعشرين من جُمَادَى الآخرة، وكان يشهد بالصالحيّة وفيه ظرف.(14/941)
554 - محمد بن عُبَيْد الله بْن عليّ، زينُ الدين السميري، الإصبهانيّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 660 هـ]
سَمِعَ بمكة من أبي الفُتُوح نصر ابن الحُصْريّ، وحدَّث بمكة ومصر.
ومات ببلد الفيوم فِي أول رمضان.(14/942)
555 - محمد بْن عثمان بْن محمد، ابن العلامة أبي سعد بْن أبي عصرون الدّمشقيّ، الملقب بالْجُنَيْد. [المتوفى: 660 هـ]
عاش ثمانيًا وخمسين سنة، وحدَّث عَنْ: أبي الحَسَن بْن روزبة، وأجاز لَهُ: طائفة، روى عَنْهُ: ابن الخباز.
وقد تقدَّم لَهُ ذكرٌ فِي ترجمة أَبِيهِ.(14/942)
556 - محمد بْن عسكر بْن زيد بن محمد، الطبيب، نفيس الدّين، أبو بكر الدمشقي، ويعرف بابن الإسكاف. [المتوفى: 660 هـ]
طبيب فاضل معروف، سمع ببغداد من أبي أحمد عبد الوهاب ابن سكينة، وحدّث بدمشق وبمصر؛ روى عنه: الدّمياطيّ، ومجد الدّين ابن الحلوانيّة، وجماعة.
توفي النفيس الطبيب بالقاهرة في الخامس والعشرين من صفر، لم يذكره ابن أبي أُصيبعة، وقد سَمِعَ منه علاء الدين الكِندي جزءًا، والشيخ شَعْبان.(14/942)
557 - محمد بْن عليّ بْن الحُسَيْن، أبو عَبْد الله الطَّبَريّ، الْمَكيّ، المعروف بابن النّجّار. [المتوفى: 660 هـ]
حدَّث عَنْ: محمد بْن علوان بْن مهاجر، وهو والد شيخنا يحيى، وأخيه الْفَقِيهُ عَبْد الرحمن.
مات بمكة في ثاني رجب.(14/942)
558 - محمد بْن أبي نصر فتوح بْن خلوف بْن يَخْلَف بْن مصال، الشَّيْخ المُعَمَّر المسند أبو بكر الهمدانيّ الإسكندراني، عُرِف بابن عَرَق الموت. [المتوفى: 660 هـ]
سَمِعَ من: التاج محمد بن عبد الرحمن المسعودي، وعبد الرحمن بن موقى، وأجاز له: أبو الضياء بدر الخداداذيّ، والعلامة أبو سَعْد بْن أبي عصرون، وأبو المجد البانياسي، ومحمد بْن أبي الصَّقْر، والقطب مسعود بْن محمد النَّيْسابوريّ، وأبو الحُسَيْن ابن الموازيني، وعبد المجيد بْن دُليل، وابن كُليْب، وطائفة، وخرج لَهُ المحدث أبو المظفَّر منصور بْن سَلِيم " مشيخة "، ومات فِي جمادى الأولى، وكان من أبناء التسعين، وقد تفرد بالرواية عَنْ غير واحدٍ.
سَمِعَ منه شيخنا أبُو العباس ابن الظاهري، وحدثنا عَنْهُ الشَّيْخ شَعْبان.(14/943)
559 - محمد بْن محمود بْن أبي زيد، الحكيم الطبيب أبو عَبْد الله الرازي الرّصاصي. [المتوفى: 660 هـ]
شيخ فاضل مسن، تُوُفّي فِي شوّال بالقاهرة، وله أربعٌ وثمانون سنة.
لم يذكره ابن أبي أُصيبعة.(14/943)
560 - الصاحب عمادُ الدّين مهدي ابن الوزير نصير الدين بن ناصر ابن مهديّ العَلَوي، الحَسَني. [المتوفى: 660 هـ]
مات وله خمسٌ وستون سنة، وكان شيعيًا؛ مات بالحلة فِي رمضان، ودفن بمشهد علي، عليه السلام.(14/943)
561 - نصر الله بْن مظفر بْن القاسم بْن محمد، أبو الفتح النُّشبيّ، الدّمشقيّ، الصائغ، [المتوفى: 660 هـ]
أخو المحدث عليّ.
سمعه أخوه من الخُشُوعيّ، وغيره، وحدَّث، وعاش خمسًا وسبعين سنة.
روى عَنْهُ: ابن الحلوانية، وابن الخباز، وإسحاق الأَسَديّ، وابن الزراد، ومحمد ابن المُحِبّ، وجماعة كثيرة، وحدَّث بدمشق وحلب ومصر. [ص:944]
تُوُفّي بدمشق.(14/943)
562 - نصير بْن نَبا بْن سليمان، أبُو محمد الْمَصْرِيّ، الزفتاوي، الدُّفوفيّ، [المتوفى: 660 هـ]
والد شيخنا الشهاب أحمد، وعلي.
وُلِد فِي حدود سنة ثمانين وخمسمائة بمنية زفتا، وسمع من: أبي الحَسَن عليّ ابن الساعاتي شيئا من " ديوانه "، كتب عَنْهُ الشريف عز الدّين، وابنه الشهاب ابن الدُّفوفيّ، وغيرهما، وتُوُفّي فِي ربيع الأوّل بالقاهرة.(14/944)
563 - يحيى بْن عبدُ المُلْك بْن عَبْد المُلْك بْن يوسُف بْن مُحَمَّد بْن قُدامَة، الشَّيْخ شهاب الدين أبو زكريّا المقدسي الحَنْبليّ [المتوفى: 660 هـ]
أخو عَبْد الرحيم، وهو الأصغر.
وُلِد سنة إحدى وستمائة ظنًا، وسمع من: التاج الكِنْديّ، وحضر عَلَى ابن طَبَرْزَد، كتب عَنْهُ الدمياطي، وابن الخباز؛ وهو من أسباط الشَّيْخ أبي عُمَر.
مات في تاسع صفر.(14/944)
564 - يوسف ابن الحكيم موفق الدين عَبْد اللطيف بْن يوسف شَرَفُ الدين أبُو الفَضْلِ، البغداديّ الأصل، الْمَصْرِيّ الوفاة. [المتوفى: 660 هـ]
سَمِعَ أَبَاهُ، وابن اللتي، وجماعة، وحدَّث بالقاهرة، وكان متوسط الفضيلة، من أولاد الشيوخ.
مات فِي خامس ذي القِعْدة بالقاهرة كهلًا.(14/944)
565 - يوسف بْن المظفَّر بْن عليّ بْن رافع، أبُو الحَّجاج الزُّهري، الإسكندراني المقرئ العدل. [المتوفى: 660 هـ]
وُلِد سنة ثمانٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع من: عَبْد الله بْن عَبْد الجبّار [ص:945]
العثماني، وعبد الرحمن بن عبد الله المقرئ، وابن عماد، ولأبيه ذكرٌ ورواية.(14/944)
566 - يوسف بن يوسف بْن يوسف بْن سلامة بْن عَبْد الله، الصدر محيي الدّين ابن زبلاق، الهاشميّ، العبّاسيّ، الموصلي، الكاتب، الشّاعر. [المتوفى: 660 هـ]
عاش سبْعًا وخمسين سنة، وكان شاعرًا محسِنًا، مشهورًا، سائر القول، قتلته التّتار حين أخذوا المَوْصِل فِي شَعْبان.
روى عَنْهُ: الدمياطي، وغيره.(14/945)
567 - أبو بَكْر بْن عليّ بْن مكارم بْن فتيان، الشَّيْخ نجم الدين ابن الإمام الخطيب أبي الحَسَن الأنصاريّ، الدّمشقيّ، ثُمَّ الْمَصْرِيّ. [المتوفى: 660 هـ]
وُلِد سنة تسعٍ وسبعين وخمسمائة، وسمع من: البوصيري، والأرتاحي، وفاطمة بنتِ سَعْد الخير، وزوِجها ابنِ نجا الواعظِ، وسمع بدمشق من: دَاوُد بْن ملاعب، وغيره، روى عَنْهُ: الدمياطي، والشريف عز الدين، وعلم الدين الدواداري، والشيخ شَعْبان، ويوسف الخَتَني، والمصريون، ومات فِي ثامن المحرم.
ولكن يلقب بالقبة.(14/945)
568 - أبو العز بْن مشرف بْن بيان، عزَّ الدّين التاجر الدمشقي، الملقب بالجرذان، [المتوفى: 660 هـ]
والد شيخنا الشهاب، محمد.
مات فِي ذي الحجّة.(14/945)
-وفيها وُلِد:
شيخنا برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم ابن الشَّيْخ تاج الدين عَبْد الرَّحْمَن شيخ الشافعية، وخطيب حمص علاء الدّين علي بْن عَبْد الله بْن مكتوم، والبدر حَسَن بْن عَبْد الرَّحْمَن المراكشي، وناصر الدين محمد بْن أيّوب بْن مكارم الشاهد، والشرف عَبْد الحميد بن محمد ابن الشّيرازيّ، والفخر محمود بْن عليّ بْن سيما، والكمال أحمد بْن محمد بْن حياة الرَّقيّ، وزينب بنت المحدّث [ص:946]
إسماعيل ابن الخباز، والشهاب أحمد بن منصور ابن الجوهري، الحلبي، ثم المصري، وقطب الدّين إبراهيم ابن الملك المجاهد إسحاق ابن صاحب الموصل، والحسن بْن عَبْد الرّزّاق العسقلاني، ثم المصري، سَمِعَ الثلاثة من النجيب ومحمد بْن بكتوت الغرزي، سَمِعَ من: ابن علاق، ومحمد بْن عثمان المُدْلِجي، سَمِعَ ابن عزُّون.
وفي سنة ستين ولد علاء الدين علي بن إسماعيل بن أبي العلاء بن راشد بن محسن الوتار، وفخر الدّين محمد بن محمد بن عثمان بن عمر القرشي ابن المعلم الشافعي في شوال، وعلي ابن العز عمر في رجب منها، وعبد الرَّحْمَن بْن عَبْد العزيز بْن مُحَمَّد بْن عبد القادر ابن الصائغ في جمادى الآخرة، ومحمد بن نجيب بن محمد الخلاطي، وأحمد بن زكري بن أبي علي الرسعني في ربيع الأول بالقاهرة، وسليمان بن عبد الرحيم الصالحي العطار، وحسن بن عبد الرحمن المراكشي، ووديعة الله بن علي بن سيما، ومحمد بن عمر بن أبي القاسم السلاوي بالزاوية، وعبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن محمود المرداوي بالنيرب.
وفيها ولد نفيسُ الدين سلامة بن عَبْد اللَّه بْن عبِد الأحدِ بْن شُقَير الحراني التاجر، في رجب بحرَّان، وسيأتي في سنة إحدى في شعبان، كلاهما بخط علم الدّين.(14/945)
تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام
لمؤرخ الإسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
المتوفى 748 هـ - 1374 م
المجلد الخامس عشر
661 - 700 هـ
حَقّقه، وَضَبَطَ نَصَّه، وَعلَّق عَلَيْه
الدكتور بشار عوّاد معروف
دار الغرب الإسلامي(15/1)
-الطبقة السابعة والستون 661 - 670 هـ(15/5)
بسم اللَّه الرَّحْمَن الرحيم
-ذكر الحوادث الكائنة في هذه السّنين العشر(15/7)
-سنة إحدى وستّين وستمائة
في المحرَّم قال أبو شامة: درّست بالرُّكْنيّة الملاصقة للفلكية.
قال: وفي صفر دخل دمشق الخليفة الحاكم بأمر الله الّذي بايعه بُرْلُو بحلب، ثمّ سافر إلى مصر.
وفي رجب جرى على الشّمس محمد بن مؤمن الحنبليّ أمرٌ بتعصُّب جماعةٍ عليه وحُمِل إلى والي دمشق وهم بتجريصه.
قال قُطْبُ الدّين: في يوم الخميس ثامن المحرَّم جلس السُّلطان مجلسًا عامًّا وحضر الحاكم بأمر الله راكبًا إلى الإيوان الكبير بقلعة الجبل، وجلس مع السّلطان، بسطوا له إلى جانبه، وذلك بعد ثُبُوت نَسَبه، فأقبل عليه السّلطان وبايعه بإمرة المؤمنين، ثمّ أقبل هو على السّلطان الملك الظّاهر وقلّده الأمور، ثمّ أخذ النّاس يُبايعون الخليفة على طبقاتهم، فلمّا كان من الغد خطب يوم الجمعة خطبةً ذكر فيها الجهاد والإمامة وتعرَّض إلى ما جرى من هتّك حَرَم الخلافة، ثمّ قال: وهذا السّلطان الملك الظّاهر قد قام بنصر الإمامة عند قلّة الأنصار وشرَّد جيوش الكُفْر بعد أن جاسوا خلال الدّيار، فبادِروا إلى شُكْر هذه النّعمة ولا يَرُوعَنّكم ما جرى، فالحرب سِجال.
وأوّل الخطبة: " الحمد لله الّذي أقام لآل العبّاس رُكنًا وظهيرًا، قال: ثمّ كتب بدعوته إلى الآفاق، ثمّ [ص:8]
خَطَبَ الحاكم جمعةً أخرى بعد مدّة، وهو التّاسع والثّلاثون من خُلفاء بني العبّاس، وبقي في الخلافة أربعين سنة وأشهراً.
قال: وفي صفر جمع صاحب سيس تكفُور جَمْعًا وأغار على الفُوعَة وسرمين، وَمَعَرَة مِصْرين، وأسر من الفوعة ثلاثمائة وثمانين نفسًا، فساق وراءه جماعةٌ كانوا مجرَّدين بسرمين فهزموه وتخلص بعض الأسرى.
وفي ربيع الآخر خرج الملك الظّاهر من القاهرة، فلمّا قدِم غزَّة نَزَلَت إليه أُمُّ المغيث صاحب الكَرَك تشفع في ولدها فأكرمها، ثمّ رحل إلى الطُّور وغلت الأسعار ولحِق الجيشَ مشقةٌ عظيمة والرُّسُل تتردّد إلى صاحب الكَرَك تطلبه، وهو يسوِّف خوفًا من القبض عليه، ثمّ إنّه نزل، فلمّا وصل تلقّاه السّلطان وأكرمه ومنعه من التَّرجُّل له، ثمّ أرسل تحت الحوطة إلى قلعة مصر وكان آخر العهد به، ثمّ توجّه السّلطان إلى الكَرَك، وكَاتَبَ مَن فيه بتسليمه، فوقع الاتفاق على أن يؤمَّر الملك العزيز عثمان ابن المغيث، فأعطاه خُبْزَ مَائةِ فارسٍ بمصر، ثمّ دخل السطان إلى الكَرَك في جُمَادى الآخرة، ثمّ سار إلى مصر.
وفي رجب أمسِك ثلاثة أمراء لكونهم حطّوا على السّلطان في إعدامه الملك المغيث، وهم الأمير شمس الدّين أقوش البُرليّ والأمير سيف الدّين بلَبَان الرّشيديّ، والأمير عزّ الدّين أيْبَك الدّمياطيّ.
وفي رجب جاءتْ رُسُل بَرَكة ملك التّتار يخبرون أنه محب للإسلام ويشكو من ابن عمّه هولاكو، فأرسل إليه الملك الظاهر هدية وصوب رأيه.
وفيه وصلت طائفة من التّتار مستأمنين مسلمين، ثمّ وصلت طائفة كبيرة مقدَّمُهم الأمير كرمون، فتلقاهم السلطان وأنعم عليهم.
وفي شعبان وُليّ الأستاذ دارية جمال الدّين ابن يغمور.
وفي شوّال سافر السّلطان إلى الإسكندريّة فأقام بها نحوًا من شهر، ثمّ [ص:9]
عزل ناصر الدّين ابن المنير من قضائها بالبُرهان إبراهيم بن محمد البوشي.
وجَرَت وقعةٌ هائلة بين هولاكو وبركة، وكانت الدّائرة على هولاكو، وقُتِل خلْقٌ من أصحابه وغرق آخرون ونجا هو بنفسه.
وقال أبو شامة: في صَفَر سُمِّر شابٌّ، وخُنِقت امرأتُه فعُلِّقت في جَوْلَقٍ تحته، كانت تتحيَّل على النّساء وتودّيهم إلى الأفراح متلبّسات، فتأتي بالمرأة إلى بيتها فيخنقها زوجها، ويأخذ ما عليها، ويرميها في بئر، فعل ذلك بجماعةٍ من النّساء، فبقي مُسمَّرًا يومين ثمّ خنق، وذلك بدمشق.(15/7)
-سنة اثنين وستين وستمائة
في شهر جُمَادى الأولى وُلّي الإمام شهابُ الدّين أبو شامة مشيخة دار الحديث الأشرفية بعد ابن الحرستاني.
وفي أوّلها فرغت المدرسة الظّاهرية بين القصرين، فدرس بها للشافعية الإمام تقيّ الدّين ابن رزين وللحنفية الصاحب مجد الدّين ابن العديم، ووُلّي مشيخة الحديث الحافظ شَرف الدّين الدّمياطيّ، ووُلّي مشيخة الإقراء الشّيخ كمال الدّين المحلي.
وفيها بعث السلطان نائباً له على حمص عقيب موتِ صاحبها الملك الأشرف.
وفي ربيع الآخر زُلْزلت مصرُ زلزلةً عظيمة.
وعُزِل الشّهابيّ عن نيابة حلب بالأمير نور الدّين علي بن مجلي.
وفيها كان الغلاء بمصر وبلغ الإرْدَبُّ مائةً وخمسة دراهم.
وفيها أحضر بمصر إلى السّلطان طفلٌ ميِّتٌ وله رأسان، وأربعة أعيُنٌ، وأربعة أيدي، وأربعة أرجل.
وفيها كان خبر الخنّاقة بمصر، قال شمس الدّين الْجَزريّ في " تاريخه ": فيها ظهرت قتلى في خليج مصر، وفُقِد جماعة، ودام ذلك أشهراً [ص:10]
حتّى عُرِف أنّ صبيةً مليحةً اسمُها غازيّة كانت تتبرج بالزَّينة، وتُطْمع من يراها، ومعها عجوز، فَتُشَاكِلُ الرّجُلَ وتقول: هذه ما يُمكنها ما تريد منها إلّا في منزلها، فإذا انطلق معها، واستقرّ في دارها، خرج إليه رجلان جَلَدان فيقتلانه ويأخذان ما عليه، وكانوا يتنقلون من موضع إلى موضع، إلى أن سكنوا على الخليج، وجاءت العجوز مرّةً إلى ماشطة مشهورة لها حلي تخرج به العرائس، فقالت لها: عندي بنتٌ ونريد أن تُصْلحي من شأنها، فجاءت بالحُليّ تحمله الجارية، ورجعت الجارية من الباب فدمّسوا الماشطة، ولمّا أبطأ خبرُها على جاريتها مضت إلى الوالي فأخبرته، فركب إلى الدّار وهجمها، فوجد غازيّة والعجوز، فأخذهما وتهددهما، فأقرَّتا، فحبسهما فجاء إلى الحبْس أحدُ الرّجُلين، فشعر به الأعوان، فأُخِذ وقُرِّر وضُرِب، فاعترف ودلّ على رفيقه وكان لهما رفيقٌ آخر له قمّين للطُّوب، كان يُلْقي فيه من يقتلانه في اللّيل فيحترق، وأظهروا أيضًا من الدّار حفيرةً مملوءةً بالقتلى، فأُنهي أمرُهُم إلى السّلطان فسُمِّروا خمستهم وبعد يومين شفع أميرٌ في الصبيّة فأُنزِلت وماتت بعد أيام.
قال: وفيها اتّفق أنّ ليلة الإثنين كانت ليلة ثاني عشر ربيع الأوّل وفيها أحضرت إلى قلعة مصر فلوسٌ كثيرة من جهة قُوص وُجِدت مطمورةً، كان على الفِلْس صورةُ ملك، وفي يده ميزان وفي يده الأخرى سيفٌ، وعلى الوجه الآخر رأس بآذان كبار وحوله أسطُر، فحضر جماعةٌ من الرُّهبان فيهم حكيم يونانيّ روميّ لا يعرف العربيّة فقرأ الأسطر، فكان تاريخ الفلس من ألفين وثلاثمائة سنة، وفيه مكتوب: أنا غلياث المُلْك، ميزان العدل والكَرَم في يميني لمن أطاع، والسّيف في شمالي لمن عصى، وفي الوجه الآخر: أنا غلياث الملك أُذُني مفتوحة للمظلوم وعيني أنظر بها مصالح ملكي.
وفيها قدِم بغدادَ النّصيرُ الطُّوسيّ للنظر في الوقوف وجمْع الكُتُب، وانحدر إلى واسط، وجمع شيئاً كثيراً لأجل الرصد.
وقتلوا ببغداد النّجم أحمد بن عِمران الباجسرائيّ، وأخذ مرارته جلال الدّين ابن الملك مجاهد الدّين الدُّوَيْدار، وكان ناظرًا على السواد، جيد [ص:11]
التّصرُّف، وعظُم في دولة هولاكو، ولقَّبه بالملك، فعادى علاءَ الدّين فعقره، ثمّ إنّ ابن الدويدار بيع ما له من الغَنَم والجواميس وغير ذلك، واقترض أموالًا واستعار خيولًا، وأظهر أنّه يتصيّد ويزور المشهد وأخذ أمّه، ثمّ تسحّب إلى الشام، فانقطع عنه ضعفاء الْجُنْد ورجعوا، فقتلهم الشِّحْنة قرابوقا، وقتل كلّ من ظفر به من آحاد الأجناد.
وفيها عُزِل قرابوقا عن بغداد لكونه رافَعَ الصاحب علاء الدّين بالكذب، وولي توكال شحنة.
وسار عزّ الدّين كيكاوس ابن صاحب الرُّوم إلى قسطنطينة، إلى صاحبها الأشْكُريّ، لكونه وقع بينه وبين أخيه رُكْن الدّين قِلِج أرسلان في أمر سلطنة الروم، فاستظهر عليه الركن ففر هو في حاشيته إلى قسطنطينية، فأحسن إليه الأشكري وإلى أمرائه، وداموا في عافية، فعزموا على قتل الأشكُريّ وأن يأخذوا قسطنطينيته، ففهم فأعماهم وسجن عزّ الدّين، ثمّ طلبه بركة وذهب إليه.(15/9)
-سنة ثلاث وستين وستمائة
قال أبو شامة رحمه الله: فيها جاء إلى القاهرة كتابٌ يتضمّن نصر المسلمين على النّصارى في بَرّ الأندلس، وسُلطان المسلمين أبو عبد الله ابن الأحمر، وكان الفُنْش ملك النّصارى قد طلب من ابن الأحمر السّاحل من مالقة إلى المَرِيّة، فاجتمع المسلمون والتقوهم، فكسروهم مرارًا وأُخِذ الفُنْش أسيرًا، ثمّ اجتمع العدوّ المخذول في جمْع كبير، ونازلوا غَرْناطة، فانتصر عليهم المسلمون، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وجمع من رؤوسهم نحو خمسةٍ وأربعين ألف رأس، فعملوها كَوْمًا وأذّن المسلمون فوقه، وأسروا منهم عشرة آلاف أسير، وكان ذلك في رمضان سنة اثنتين، وانهزم الفنش إلى إشبيلية وهي له، وكان قد دفن أباه بها بالجامع، فأخرجه من قبره خوفًا من استيلاء المسلمين، وحمله إلى طليطلة.
قال: ورجع إلى المسلمين اثنان وثلاثون بلدًا، من جملتها إشبيليّة [ص:12]
ومُرْسِية، كذا قال، والله ينصر المسلمين حيث كانوا.
قال قُطْبُ الدّين: وفي أوّلها بلغ السّلطان أنّ جماعة أمراء وأجناد اجتمعوا في دار ططماج، فتكلّموا في الدّولة، وزاد في الكلام ثلاثةُ أنفُس، فسمَّر أحدهم وكحَّل الآخر، وقُطِعت رِجلا الثالث، فانحسمت مادة الاجتماعات.
قال: وفي ربيع الآخر قُطِعت أيدي ثلاثةٍ وأربعين نفسًا من نُقباء والي القاهرة، ومن الخَفَر والمقدَّمين، فمات بعضُهم، وسبب ذلك ظهور شلوح ومناسر بالقاهرة وضواحيها.
وفيها نازلت التّتّر البيرة، فَسَاق المحمّديّ وسُمّ الموت للكشف، وأغار عيسى بن مُهَنّا على أطراف بلادهم فرحلوا عن البيرة.
قال: وفي ربيع الآخر توجّه السّلطان بالعساكر إلى قيساريّة فحاصرها وافتتحها عَنْوةً في ثامن جُمَادى الأولى، وامتنعت القلعة عشرة أيّام وأُخِذت وهرب من فيها إلى عكّا، فخرَّبها السّلطان وأقطع قُراها.
ثمّ سار فنازل أرسُوف ونصب عليها المجانيق إلى أن تداعى بُرْجٌ تجاه الأمير ببليك الخَزْنَدَار، فهجم البلد بأصحابه على غَفْلةٍ، ووقع القتْل والأسر وذلك في ثاني عشر رجب، ثم هدمت وعاد السلطان وزينب القاهرة.
وفيها أُحِرق بحارة الباطنيّة بالقاهرة حريقٌ كبير، ذهب فيه ثلاثةٌ وستّون دارًا، ثمّ كثُر بعد ذلك الحريق بالقاهرة، واحترق رَبْع العادل وغير ذلك، فكانت توجد لفائف مشاق فيها النّار والكِبريت على الأسطحة، وعظُم ذلك على النّاس واتّهموا بذلك النّصارى وقدِم السّلطان فَهَمَّ باستئصال النّصارى واليهود، وأمر بجْمع الأحطاب والحلْفا في حفِيرةٍ ليُحرقوا فيها، ثمّ كُتِّفُوا ليُرموا في الحَفِيرة، فشفع فيهم الأمراء وأمروهم أن يشتروا أنفسهم، فقرروا عليهم خمسمائة ألف دينار يقومون منها في العام بخمسين ألف دينار [ص:13]
وضَمِنهم الحبيس وكان كاتبًا ثمّ ترهَّب، وأقام بجبل حُلوان، فيقال: إنّه وُجِد في مغارةٍ من الجبل دفينًا للحاكم العُبَيْديّ، فلمّا ظفر بالمال واسَى به الفقراءَ والصّعاليك من كلّ مِلّةٍ، فاتّصل خبرُه بالسّلطان، فطلبه وطلب منه المال، فقال: لا سبيل إلى أن أعطيك من يدي إلى يدك، ولكن يَصل إليك من جهة من تصادره ولا يقدر على تطلّبه منه، فلا تعْجَل عليّ، فلمّا جَرَت هذه الواقعة للنّصارى ضَمِنهم، وقد ذكرنا وفاتَه في سنة ستٍّ وستّين، وكانت قد وصلت الفتاوى بقتْله خوفًا من الفتنة على ضُعفاء الإيمان من المسلمين، من علماء الإسكندريّة، فقيل إنّ مبلغ ما وصل إلى بيت المال من طريقه في مدّة سنتين ستّمائة ألف دينار، وقد ضُبط ذلك بقلم الصّيارفة الّذين كان يجعل عندهم المال ويكتب إليهم أوراقه، وذلك خارجًا عمّا كان يُعْطيه بيده سرًّا، وكان لا يأكل من هذا المال ولا يلبس، بل النّصارى يتصدّقون عليه بما يأكل ويلبس، ولم يظهر له بعد موته ولا دينارٌ واحد، وكان يقول: من لم يكن معه شيء أدّيتُ عنه في المصادرة، فكان يدخل الحبْس ويُطلق من عليه دَيْنٌ ومن وجده ذا هيئةٍ رثَّةٍ واساه، ومن شكى إليه ضرورةً أزاحها عنه، وقد سافر إلى الإسكندريّة وأدّى جُملةً عن أهل الذّمّة، وكذا سافر إلى الصّعيد وأدّى المقرَّر على أهل الذّمّة، وكان عجيب الحال، لعنه الله، ومن لُطْف الله أنّه غير مسلم وإلّا لو كان مسلمًا لتألّهه النّاس، وادّعوا فيه النُّبُوّة أو القُطْبيّة، نسأل الله العافية.
وفي شوّال شرع السّلطان في حفر بحر أشموم وفرّقه على الأمراء وعمل معهم بنفسه، فلمّا فرغ ركب في الحرّاقة، وأخذ معه زاد أيّامٍ يسيرة، وسار ليسُدّ فَمَ جسْر على بُحَيرة تنّيس انفتح منه مكان، وخرج الماء فغرق الطريق بين الواردة والعريش، فأقام هناك يومين، وحصل له وَعَكٌ، فعاد إلى مصر.
وفيه طلع من الشّرق كوكب الذَّنب، وهو كوكبٌ له ذُؤابة، فبقي نحو أربعين يومًا.
وفيها شنق قاضي البيرة؛ لأنه كاتب صاحبَ سِيس ليبيعه قلعة البيرَة، فهتكه الله وأهلكه. [ص:14]
وفي أولاها وصل رسولُ صاحبِ سِيس يُبشِّرُ السّلطان بموت هولاكو ثمّ ورد الخبر بأنّ التّتار ملّكوا أَبْغَا بن هولاكو، وأنّ برَكَة قصده فكسره، فعزم الملك الظّاهر على التَّوجُّه إلى العراق ليغتنم الفرصة، فلم يتكمن لتفرق العساكر في الإقطاعات.
وفي شوّال سَلْطَن السّلطان ولَدَه الملَك السّعيد وركّبه بأُبَّهة المُلْك في قلعة الجبل، وحمل الغاشية بنفسه بين يدي ولده من باب السّرّ إلى السّلسلة، ثمّ عاد، وكان صبيًّا ابن أربع أو خمس سنين، ثمّ ركب الملك السّعيد وسيّر ودخل من باب النّصر، وخرج من باب زَوِيلة وسائر الأمراء مُشاة والأمير عزّ الدّين الحِليّ راكبٌ إلى جانبه والوزير بهاء الدّين وقاضي القُضاة تاج الدّين راكبان أمامه والبيْسريّ حامل الْجَتْر على رأسه، وعليهم الخلع، ثمّ بعد عشرين يومًا خُتِن الملك السّعيد، وختن معه جماعة من أولاد الأمراء.
وفيها جُدِّد بالدّيار المصريّة القُضاة الأربعة، من كلّ مذهب قاضٍ وسبب ذلك توقُّف القاضي تاج الدّين ابن بنت الأعزّ عن تنفيذ كثير من الأحكام وكثُر توقُّفه، فكثُرت الشّكاوى منه وتعطّلت الأمور، فوقع الكلام في ذي الحجّة بين يدي السّلطان وكان الأمير جمال الدّين أَيْدغّديّ العزيزيّ يكره القاضي تاجَ الدّين، فقال له: نترك لك مذهب الشّافعيّ، ويُولَّى معك من كلّ مذهبٍ قاض، فمال السّلطان إلى هذا، وكان لأيْدغديّ العزيزيّ محلٌّ عظيمٌ عند السّلطان، فولي قضاء الحنفية الصّدر سليمان، وقضاء المالكيّة شَرف الدّين عمر السُّبْكيّ، وقضاء الحنبليّة شمس الدّين محمد ابن العماد، واستنابوا النُّواب، وأبقى على الشّافعيّ النَّظَر في أموال الأيتام، وأمور بيت المال، ثمّ فُعِل ذلك بدمشق.
وفيها أُحضِر بين يدي السّلطان خَرُوفٌ وُلِد على صورة الفيل، له خرطوم وأنياب.
وفيها وقع الاهتمام بعمارة مسجد الرّسول صلى الله عليه وسلّم، فوجَّه إليه الصُّنّاعَ والأخشاب والآلات والمال، فبقيت الصُّنّاع فيه أربع سِنين.
وفي رمضان حجبَ الملك الظّاهر الخليفة وجعله في بُرْج بقلعة مصر، لكون أصحابه كانوا يخرجون إلى البلد ويتكلَّمون في أمر الدّولة [ص:15]
وفيها ولي أمورَ الموصل رضيّ الدّين البانيّ، فعذّب الّذي كان قبله زكيّ الدّين الإربليّ وصادره ثم قتله.
وفيها قبض ببغداد مرمكيخا الجاثليق على نصرانيّ قد أسلم وسجنه بداره الّتي كانت للدُّوَيْدار الكبير، وعزم على تغريقه، فهاجت العامّة وحاصروا البيت وأحرقوا باب داره، وقتلوا أصحابه، ثمّ ركب الشِّحْنة، وقتل طائفةً وسكنت الفتنة، وذهب الكلب إلى هولاكو وبنى بيعةً بقلعة أرسن.
ووصل شخصٌ إلى بغداد بفيلَين، ثمّ سار ليُقدَّما للملك.(15/11)
-سنة أربع وستّين وستّمائة
فيها ظهر للناس موت الطاغية هولاكو.
وفيها سُمِّر على الْجِمال أحدٌ وعشرون نفسًا من مُقدَّمي العُربان بالشّرقيّة من ديار مصر، وسيروا مسمرين إلى بلادهم فماتوا.
وفي أوّل شعبان برز السّلطان من مصر لقصد صفَد، فنزل عين جالوت بعد أن زار الخليل عليه السّلام، وجلس على سِماطه وأكل من العَدْس حتّى شبِع وفرَّق مالًا جليلًا في أهل بلد الخليل وفي الفقراء، وتوجَّه إلى القُدس الشَّريف وبَلَغه أنّ العادةَ جاريةٌ بأنّ يؤخذ من اليهود والنّصارى حقوقٌ على زيارة مغارة الخليل عليه السّلام، فأنكر ذلك وكتب به توقيعًا قاطعًا، واستمرّ منْعُهم وإلى الآن، فلله الحمد، وجهزّ الأمير سيف الدّين قلاوون الألْفيّ والأمير جمال الدّين أيْدغْديّ العزيزيّ للإغارة على بلاد السّاحل، فأغاروا على بلاد عكّا، وصور، وطرابُلُس، وحصن الأكراد، فغَنِمُوا وسبوا ما لا يَنْحصر.
ثمّ نزل السّلطان على صفد في ثامن رمضان، ونُصِبت المجانيق وآلات الحصار، ووقع الجدّ والحصار والقتال، ونُصِبت السّلالم على القلعة وسُلِّطت النصوب على الأساس واشتد المراس، وصبر الفريقان على الباس، والسّلطان مباشرٌ ذلك بنفسه، فذلّ أهل الحصن وطلبوا الأمان والإيمان، فأَجْلَسَ السّلطانُ في دَسْت المملكة الأمير سيف الدّين كرمون، وكان يشبه الملك الظّاهر، فنزلت رُسُلهم فاستحلفوه، فحلف لهم وهم لا يشكّون أنّه السّلطان، وكان في قلب الملك الظاهر منهم لما فعلوا بالمسلمين، فلمّا كان في يوم [ص:16]
الجمعة ثامن عشر شوّال طلعت أعلام السّلطان على صفد، وأنزل من بها من الدّيويّة وغيرهم، وكان قد وقع الشّرط على أنّهم لا يأخذون شيئًا من أموالهم، فاطّلع عليهم أنّهم أخذوا شيئًا كثيرًا، فأمر السّلطان بضرب أعناقهم عَلَى تلٍّ هناك وكانوا نحو مائتين أقيالًا أبطالًا فيهم أولاد ملوك، ثمّ حصّنها وعمّرها وشَحَنَها بالرّجال والأسلحة والعساكر، واستناب عليها علاء الدّين الكُبَكيّ.
قال سعْد الدّين في " تاريخه ": الّذي قيل إنّه قُتِل من العسكر نحو ألف نفْس عليها، ومن الغُزاة والرّعيّة كثير، والجرحى فكثير، وقاسوا عليها شدّة.
وحكى العَلَم سَنْجَر الحَمَويّ أنه قتل على صفد قريب ثمانمائة فارس ممن نعرف، منهم أمراء وخاصكية.
ووصلت رُسُل صاحب سِيس فلم يلتفت عليهم السّلطان، وجهّز لها عسكرًا فأغاروا وسبوا وأسروا خلْقًا، منهم ابن صاحب سِيس وابن أخته، وكان مقدَّم العسكر صاحب حماة وشمس الدّين الفارقاني، وخرج السّلطان لتَلَقّيهم، فمرّ بقارَه، في ذي الحجّة فأمر بنهْبها واستباحتها وأسر منها أكثر من ألف نفْس ووسّط الرُّهْبان وصُيِّرت كنيستُها جامعاً وأنزلها التركمان وغيرهم ومن سلم منهم، وذلك لأنّهم كانوا يسرقون المسلمين ويبيعونهم ببلاد الفرنج بالسّاحل، ثمّ رجع السّلطان والأسْرى والغنائم الّتي من سِيس وقارَه بين يديه، وسارَ إلى الكَرَك في أوّل سنة خمسٍ.
وكان قد استناب على الدّيار المصريّة الأمير عزّ الدّين الحِلّيّ، فجلس في ذي الحجّة بدار العدل، فجاء إنسانٌ ومعه قَصَّةٌ، وتقدَّم بها إلى الحلي، ثم وثب عليه بسِكّين معه فجرحه، فقام إليه والي القاهرة الصّارم المسعوديّ ليدفعه عنه، فضربه بتلك السّكين فقتله، وقام الحلي جريحا والوزير وقاضي القُضاة تاج الدّين وقَتَلت الْجُنْداريّة ذلك الرجل ولم يتحقق له خبر.
وفيها أمر السّلطان بعمل جسْر على الشّريعة بقُرب دامية، فلمّا تكامل بنيانه اضطّرب بعض أركانه ثم أصلح.
وفيها أخرج السّلطان من مصر سبيلًا إلى مكة.
وفيها توجّه صاحب الرّوم رُكْن الدّين كَيْقُباذ والبرواناه بهديّةٍ وتُحَفٍ وهنَّوا أَبْغَا بالمُلْك، ثمّ عاد رُكْن الدّين وتخلَّف مُعين الدين البرواناه، فتكلم مع [ص:17]
أبغا وقال: هؤلاء بنو سلجوق أصحاب الرّوم ما يؤمَنوا، وربّما لرُكْن الدّين باطنٌ مع صاحب مصر، فقال أبغا: قد ولّيْتُك نيابةَ الرُّوم، فإنْ تحقّقت أحدًا يُخالف طاعتي فَاقْتُله، ثمّ إنّ البرواناه افتتح قلعةً لأبْغا، فعظُم بذلك عنده، وتخوف منه ركن الدّين كيقباذ.(15/15)
-سنة خمس وستين وستمائة
في أوّلها توجّه السّلطان جريدةً إلى الكَرَك، وتصيَّد بنواحي زيزَى، فتقنطر به الفَرَسُ فانكسرت فخِذُه، فأقام يداويها حتّى تصْلُح بعض الشّيء، وسار في محفَّةٍ إلى غَزَّة وحصل له عرج منها.
وفيها سافر صاحب حماة الملك المنصور إلى مصر، فاحتفل له السلطان وأكرمه، ثمّ سافر إلى الإسكندريّة متفرِّجًا، فرسم السّلطان لمتولّيها أن يحمل إليه كلّ يوم مائة دينار برسم النَّفَقَة وأن ينسج له في دار الطراز ما يقترحه.
وفيها أمر السّلطان بعمل الجامع بالحُسينيّة، وتمّت عمارتُه في شوّال سنة سبعٍ وستّين، وجاء في غاية الحُسن، وبُني في ميدان قراقوش، وأُحْكِر ما بقي من الميدان، وقُرِّر لمصالح الجامع، ورتب به خطيب حنفي.
وفي جُمَادى الآخرة توجّه السّلطان إلى الشّام وصُحْبته صاحب حماة، فنزل على صفد، واهتمّ بعمارتها وتحسينها وتحصينها، ثمّ قدِم دمشق، ثمّ سار إلى الكرك.
وفي شعبان ولي قضاء القضاة بالقاهرة والوجه الشرقي الإمام تقيّ الدّين ابن رَزِين الحَمَويّ، وولي قضاء مصر والوجه القبليّ محيي الدّين عبد الله ابن القاضي شرف الدّين ابن عين الدّولة، وولي نظر الأحباس الشّيخ تاج الدّين علي ابن القسطلاني، وولي تدريس الشّافعيّة بالصالحية صدر الدّين ابن القاضي تاج الدّين، وفُوّض نَظَر الخانقاه السّعيديّة إلى قاضي الحنابلة وولي نظر مدرسة الشّافعيّ بهاء الدّين عليّ بن عيسى بن رمضان نيابة عن الصاحب فخر الدّين ابن حنى، وهذه المناصب كلّها كانت بيد القاضي تاج الدّين. [ص:18]
وفيها توجّه الأمير عزّ الدّين الحلّيّ إلى الحجّ، وناب في السّلطنة بدر الدّين بيليك الظاهر بن الخزندار.
ودخل السّلطان مصر في ذي الحجّة، فأمر بتسمير جماعة، منهم الملك الأشرف ابن صاحب ميّافارقين شهاب الدّين غازيّ، والأمير أقوش القفجاقيّ الصّالحيّ الّذي ادَّعى النُّبُوّة من نحو ثلاثة أشهر.
ومنهم النّاصح ضامن بلاد واحات، وكان بإخميم، فأنهى إلى السّلطان ما هو فيه من الأمر المُطاع، وأنّه يُخاف من خروجه بأرضه، وأُنهِيَ إليه أنّه اتّفق مع رجلٍ نصرانيّ ومع الملك الأشرف وهم بخزانة البُنُود محبوسين، على أن ينقبوا خزانة البُنُود ويخرجوا إلى واحات، فيسلطن فيها الملك الأشرف ابن غازي، ويكون النّاصح وزيرَه، والنّصرانيّ كاتِبَه، فسُمِّروا.
وفيها ورد كتاب قاضي القدس إلى السّلطان يخبر بظهور الماء ببيت المقدس؛ وسبب ذلك أنّ الماء انتزح من بئر السّقاية وبقي الوحْل، وعظُمت مَشَقَّة النّاس لأجل الوضوء، وأنّ القاضي حضر بنفسه إلى البئر، ثمّ نزل فأخبر أنّه شاهد قناةً مسدودة بالرّدم من عهد بُخْتَ نَصَّر الّذي هدم بيت المقدس، قال: فدخلتُ الصّخرة وأنا مهمومٌ بسبب إعواز الماء، فاجتمعت بالأمير علاء الدّين الرّكْنيّ الأعمى، فجرى الحديث واتّفق الرّأي على إحضار بنّائين من غزَّة، وكشف القناة السليمانية، فحضروا فكشفوا الردم أولاً فأولاً ومشوا في القناة، وكلما مشوا في السرب علقوه بالعمد والبلاط، إلى أن وصلوا إلى الجبل الّذي تحت الصّخرة المباركة، فوجدوا بابًا مُقَنْطَرًا، ففتحوا رَدْمَه وإذا هم بالماء، ففار على جماعة بقوّة كاد أن يغرقهم، فهربوا وصعدوا في الحبال، وذلك في ذي الحجّة من السّنة، نقل هذا الكتاب محيي الدّين ابن عبد الظّاهر في " سيرة الملك الظّاهر "، ثمّ قال: وجدتُ في كتاب " دير يامين " من تواريخ النّصارى أنّ ملك المَوْصِل لمّا قصد أوراشلم - يعني بيت المقدس - في جيوشه اتّفق حزقيا هو وجماعتُه على دفْن المياه الّتي ببيت [ص:19]
المقدس، فدفنوا جميعَ الينابيع الّتي بها وعَفّوا أثَرَها لئلّا يتقوّى عليهم ملك المَوْصِل سنْحاريب بتلك المياه.
قال ابن عبد الظّاهر: وقرأت في نُبُوة زكريّا أنّه يخرج ماء عذبٌ فيه حياةٌ من أوراشلم، نصفه إلى البحر الشّرقيّ، ونصفه إلى البحر الغربيّ، ويكون ذلك عند اعتدال الصّيف والشّتاء، قال: فوقْت ظهور الماء نزلت الشّمس برجَ الميزان، وهو برج الاعتدال، في يوم نزولها بعينه، ثمّ وصل كتاب الأمير علاء الدّين الرُّكْنيّ يذكر أنّه دخل الصُّنّاع فوجدوا سُدًّا معمولًا بالشّيد والحجر، فنقب فيه الحجارون مدة أحد وعشرين يومًا، فوجدوا سقفًا بالشّيد والكتّان مُقَلْفَطًا، فنقب فيه طول مائة وعشرين ذراعًا، فخرج الماء، فلمّا قوي خروجُه بحيث أنّه ملأ القناةَ تركوه.
وفيها عبر جيحون يراق بنُ جغْتاي بن القان قبلاي، فسار لحربه أباقا، فكان المصافُّ بناحية هَرَاة، فانتصر أباقا، وغَنِم جُنْدُه أشياء كثيرة، وغرق خلْقٌ من جيش يراق.
وفيها أنشأ صاحب الدّيوان ببغداد قصرًا كبيرًا وبستانًا عظيمًا زرع فيه حتّى الفُسّتُق، وأنشأ رِباطًا، وجهّز وفدًا من بغداد غرِم عليه أموالاً، فحجوا وسلموا، وأمر بقتل ابن الخشكريّ الشّاعر لكونه فضَّل شِعره على القرآن، وقد كان مدح الصّاحب بقصيدة فأنشده، فأذن المؤذن، فأنصت الصاحب، فقال: ابن الخشكريّ: يا مولانا اسمع الجديد ودَع العتيق، فقتله في سنة ستٍّ وستّين.(15/17)
-سنة ست وستين وستمائة
في صَفَر عُقِد مجلسٌ بين يدي السّلطان للضياء ابن الفُقّاعيّ وجرى فيه ما اقتضى ضربُه والحَوْطةُ عليه، وأُخِذ خطّه بجملةٍ عظيمة، ثمّ لم يزل يضرب [ص:20]
إلى أن مات، قال قُطْبُ الدّين: أُحصيت السّياط الّتي ضُرِبها فكانت سبعة عشر ألفًا ونيف.
وفيها وصل رسولُ صاحب اليمن الملك المظفّر شمس الدّين يوسف بن عمر بتقادم، منها: فِيل، وحمار وحْش، وخيول، ومِسْك، وعنْبر، وصينيّ، وأشياء، وطلب معاضدة السّلطان له وأنّه يخطب له في بلاده، فبعث إليه الأمير فخر الدّين إياز المقرئ ومعه خِلْعة وسَنْجَق وتقليدٌ بالسلطنة.
وفي جمادى الآخرة خرج السلطان إلى الشّام واستناب بيليك الخَزْنَدَار، فأتته رُسُل صاحب يافا فاعتقلهم وأمر العسكر بلبْس السّلاح ليلًا، وسار فصبَّح يافا، فهربوا إلى القلعة، ومُلكت المدينة بلا كلْفة، وطلب أهل القلعة الأمان، فأمَّنَهم وعوَّضهم عمّا نهب لهم أربعين ألف درهم، وركبوا في البحر إلى عكّا، ثمّ هدمت يافا وقلعتها، ثمّ سار طالبًا الشَّقِيف فنازلها وظفر بكتابٍ من عكّا إلى الشَّقِيف استفاد منه أشياءَ كَتَبَها إليهم كانت سبب الخُلْف بينهم، واشتدّ الحصار والزَّحْف والمجانيق، فطلبوا الأمان، فتسلَّم السّلطان الحصن، وكان فيه نحو خمسمائة رجل، فساروا إلى صور، وكان الحصار عشرة أيام، ثمّ سار السّلطان جريدةً فأغار على طرابُلُس، وخرَّب قُراها، وقطّع أشجارها، وغوَّر أنهارها، ورحل، فنزل على حصْن الأكراد بالمَرْج الّذي تحت الحصْن، فنزل إليه رسولٌ بإقامةٍ وضيافة، فردّها وطلب منهم دِيَة رجلٍ من أجناده قتلوه مائة ألف دينار، ثمّ رحل إلى حمص وحماة، ثم إلى فامية، ثمّ رحل ليلًا وأمر العسكر بلبْس العدّة فنزل على أنطاكيّة في أوّل رمضان، فخرجوا إليه يطلبون الأمان، وشرطوا أشياء لم يُجَبْهم إليها، وزحف عليها فافتتحها في رابع رمضان، وصمَّد غنائمها، ثمّ قسّمها على الجيش بحسب مراتبهم، وحصروا من قُتل فيها من النّصارى، فكانوا فوق الأربعين ألفًا.
وأمّا ابن عبد الظّاهر فقال: ما رُفع السيف عَن رَجُل بمدينة أنطاكية قطّ حتى لو حلف الحالف ما سلم منها أحدٌ لصدق، ثُمَّ قَالَ: وكان بها على ما يقال مائة ألف وثمانية آلاف من الذّكور، وذلك حسبما عَدَّه نائب التّتار الّذي [ص:21]
ورد إليها شِحْنة واستخرج على الرّأس دينارًا، هذا سوى من دخل إليها عند هجوم العساكر من الفلاحين، وأما قلعتها فلجؤوا إليها وتحاشروا بها، فكانوا ثمانية آلاف رجل، غير الحريم والأولاد، فمات بها عالمٌ كثير في زحمة الباب، وأمّا الوزير والوالي وغيرهما فلمّا شاهدوا الحال هربوا في اللّيل في الجبال رَجّالةً، فأصبح النّاس فطلبوا الأمان من القتل وأن يؤسروا، ثمّ خرجوا في أحسن زيِّ وزينةٍ كأنّهم الزَّهْر، وصاحوا بين يدي السّلطان وسجدوا، وقالوا بصوت واحد: العفْو، ارحمْنا يرحَمَك الله، فرقَّ قلبُه ورحمهم، ورفع عنهم القتل.
قلت: هذه مجازفة متناقضة.
وكان بها طائفة من الأسرى فخلّصهم الله، وكانت أنطاكية للبَرّنس صاحب طرابُلُس، وهي مدينةٌ عظيمة، مسافةُ سُورها اثنا عشر ميلًا، وعددُ أبراجها مائةٌ وستةٌ وثلاثون بِرجًا، وشُرُفاتها أربعٌ وعشرون ألفًا وفي داخلها جبلٌ وأشجار ووحوش، وماء يجري، وفواكه مختلفة، وكان لها في يد النّصارى أكثر من مائةٍ وسبعين سنة أو نحوها.
ثمّ إنّه تسلَّم بغراس بالأمان، وكان قد هرب أكثر أهلها وتسلَّم دركوش، وصالح أهلَ القُصَير على مناصفته ومناصفة القلاع المجاورة له، ودخل دمشق في السّابع والعشرين من رمضان، وكان يوماً مشهوداً.
وفيها كانت الصَّعْقة الكبرى الكائنة على غوطة دمشق في ثالث نيسان أحرقت الشّجر والثّمر والزَّرْع والكَرْم، وهلك للنّاس ما لا يُوصف، وكان السّلطان قد احتاط على الغوطة وأراد أن يتملكها، وتعثرّ النّاس بالظُّلم والمصادرة وضجُّوا واستغاثوا بالله، فلمّا شدّدوا على المسلمين وألزموهم بوزن ضمانِ بساتينهم حتّى تطرّقوا إلى الأوقاف، أحرق الله الجميع، وجاء الفلاحون والضمان بالثمر والورق والكَرم، وهو أسودٌ محروق، ورفعوا الأمر إلى نوّاب السّلطنة، فلم يلتفتوا عليهم وأهانوهم، وأُلزموا بضمان أملاكهم، والله المستعان.
قال قُطْب الدّين: احتاط السّلطان على البساتين وعلى القُرى، وهو [ص:22]
نازلٌ على الشَّقِيف. وكان قد تحدَّث في ذلك مع العلماء، فقال له القاضي شمس الدّين ابن عطاء الحنفيّ: هذا لا يجوز لأحدٍ أن يتحدث فيه، وقام مغضباً وتوقف الحال، ولما وقعت الحوطة على البساتين صقعت بحيث عُدِمت الثّمار بالكُلّيّة، وظنّ النّاس أنّه يرِقّ لهم، فلمّا أراد التَّوجُّه إلى مصر عقد بدار العدل مجلسًا، وأحضر العلماء، وأخرج فتاوى الحنفيّة بأنّه يستحقها بحُكم أنّ عمر رضي الله عنه فتح دمشق عَنْوةً، ثمّ قال: من كان معه عتيقٍ أمضيناه، وإلّا فنحن فتحنا البلاد بسيوفنا، ثمّ قرر عليهم ألف ألفِ درهم عن الغُوطة، فسألوه أن يقسّطها عليهم، فأبى، وتمادى الحال إلى أنْ خرج متوجّهًا إلى مصر في ذي القعدة، فلمّا وصل إلى اللّجون عاوده الأتابك وفخر الدّين ابن حنى وزير الصُّحبة، فاستقرّ الحال إنّ يعجّلوا منها أربعمائة ألفِ دِرهم، ويُعاد إليهم ما قبضه الدّيوان من المُغَلّ ويسقط ما بقي كلّ سنة مائتي ألف درهم، وكُتِب بذلك توقيع.
قلت: جاء على كلّ مُدْي بضعة عشر درهمًا وباع النّاس أملاكهم بالهوان وعجزوا، فإنّ بعض الأمداء لا يغلّ في السّنة ستّة دراهم.
أعجوبة اللَّهُمّ أعْلَمُ بصحّتها، قد خلّدها ابن عبد الظّاهر في " السّيرة الظّاهرية "، فقال: بُعِثْتُ رسولًا إلى عكّا في الصُّلح، فبالغوا في إكرامنا ونزلنا دارًا على بابها أعلام وصُلْبان وجرص كبير كالكنائس، فحرّكوا الأجراس ومعنا رِكابيّ اسمه ريّان، فنادى: يا لله يا الله كسِّر هذه الأعلام واقْطع هذه الأجراس وملِّك السّلطان الملكَ الظّاهرَ عكّا، فما استتمّ حديثَه إلا والجرص قد انقطع والأعلام قد وقعت وتكسَّرت الرّماح.
قال قُطْب الدّين: وبعث صاحب سِيس يستفكّ ولَدَه من الأسر، فطُلِب منه من جملة الفِداء أن يسعى في خلاص الأمير شمس الدّين سُنْقُر الأشقر من التّتار، فبعث صاحبُ سِيس إليهم متوسِّلًا بطاعته وبذل أموالًا فلم يُجِيبوه، فلمّا استولى السّلطان على أنطاكية بعث إليه صاحب سِيس يبذل القِلاع الّتي كان أخذها من التّتار عند استيلائهم على حلب وهي دَرْبساك وبهَسْنا، [ص:23]
ورعْبان، فأبى عليه إلّا أنْ يحضر سُنقر الأشقر، فسار صاحب سِيس إلى التّتار، واستغاث بهم على الملك الظّاهر، واستصحب معه أحد البحريّة عَلَم الدّين سلطان، فكان يجتمع بسُنْقُر الأشقر سرًّا وعليه زِيّ الأرمَن، والأشقر يخاف أن يكون دسيسة عليه فلا يُصغي إلى قوله فيقول: ما أعرف صاحب مصر، ولا أخرج عن هؤلاء القوم، فلم يزل عَلَم الدّين يذكر له أماراتٍ وعلامات عرف منها صحّة قصده، فأذعن للهرب، فلمّا خرج صاحب سِيس لبس سُنقُر الأشقر زيِّهم واختفى معهم، فلمّا وصل به صاحب سِيس إلى بلاده جاء عَلَم الدّين وعرّف السّلطانَ بوصوله، فطلب ابن صاحب سِيس من مصر، فأُحضِر إليه وهو على أنطاكية، ثمّ سيّره مع جماعة إلى سِيس، فوقفوا على النّهر به بالقُرب من حدّ دَرْبساك ووصل سُنْقُر الأشقر مع جماعةٍ من سِيس، فوقفوا على جانب النّهر، ثمّ أطلق كلٌّ من الفريقين أسيرهم، وتسلَّم نوّاب السّلطان درْبساك ورعبان وبقيت بهَسْنا، سأل صاحب سِيس من سُنْقُر الأشقر أن يشفع له عند السّلطان في إبقائها له على سبيل الإقطاع، فوعده بذلك، ولمّا وصل الخبر خرج السّلطان من دمشق لتلقّيه، فلمّا رآه ترجَّل واعتنقا طويلًا وسارا حتّى نزلا في المُخيّم، فلمّا أصبحا خرجا منه جميعًا، وشفع في بهَسْنا، فامتنع السّلطان فقال: " إني قد رهنتُ لساني معه، وأحسن إليَّ بما لا أقدر على مكافأته "، فقبِل شفاعته، وأجاب طلْبته.
وكان هولاكو قد أخذ سُنْقُر الأشقر من حبْس الملك النّاصر يوسف لمّا افتتح حلب، وعزل البابا حاكم المَوْصِل بالنّصرانيّ الفلّاح مسعود ومعه أشموط شحنة.(15/19)
-سنة سبع وستين وستمائة
في صَفَر حلّف السّلطان الأمراء، للملك السّعيد، وقرئ تقليده.
وفي جُمَادى الآخرة توجّه السّلطان والأمراء إلى الشّام جرائدَ، وناب ابنه عنه، وعلّم على التواقيع، وكاتبه نواب البلاد.
وفيها وصلت رُسُل أبْغا ومعهم جماعة من جهة صاحب سِيس وأحضرهم السّلطان فأدّوا الرّسالة، مضمُونها طَلَب الصُّلح بقوّة نفْس، وإنّا خرجنا فملكنا جميع العَالَم، وأنت لو صعدْتَ إلى السّماء ما تخلَّصت منّا [ص:24]
وأنت مملوك أُبعت في سِيواس، فكيف تُشَاقّ ملك الأرض؟ فأجاب: إنّي في طلب جميع ما استوليتم عليه من العراق والجزيرة والرّوم، ثم جهزهم.
وفيها وصل إليه صاحب صَهْيُون الأمير سيف الدّين محمد ابن مظفر الدّين عثمان بن منكورس، وقدَّم مفاتح صَهْيُون فخلع عليه، وأبقاها بيده.
وفي أواخر رجب خرج السّلطان فنزل على الخرْبة، ثمّ ركب منها على البريد سرًّا إلى القاهرة، بعْد أن عرَّف الفارقانيّ أنّه يغيب، وقرّر مع الفارقانيّ أنْ يحضر الأطبّاء كلّ يومٍ، ويستوصف منهم للسّلطان، يوهم أنّه مريض، فيعمل ما يصِفُونَه، ويدخل به إلى الدِّهليز، ودخل السّلطان مصر في اليوم الرّابع، وأقام بها أربعة أيّام ثمّ ردّ على البريد إلى المخيّم الشّريف، فكانت الغيبة أحد عشر يومًا، وكان غرَضُه كشْف حال ولده، وكيف دسته.
وفي رمضان تسلَّم نوّاب السّلطان قلعة بلاطُنُس وقلعة بكسرابيل من عزّ الدّين أحمد بن مظفَّر الدّين عثمان بن منكورس الصَّهْيُونيّ، وعوِّض عنهما قرية من عمل شيزر، وتوجَّه السّلطان إلى صفد، فأقام بها يومين، وأغار على أعمال صور، وعيّد بالجابية، ثمّ انتقل إلى الفوّار، ثمّ سار إلى الكَرَك، ومنها إلى الحجّ فحجّ معه الأمير بدر الدّين بيليك الخَزْنَدَار، والقاضي صدر الدّين سليمان، وفخر الدين بن لقمان، وتاج الدّين ابن الأثير، ونحو ثلاثمائة مملوك، وجماعة من أعيان الحلْقة، فقدِم المدينة في أواخر ذي القعدة.
وكان جمّاز قد طرد ابن أخيه مالكًا عن المدينة، واستقلّ بإمرتها، فهرب من السّلطان، فقال السّلطان: لو كان جمّاز يستحق القتلَ ما قتلتُه لأنّه في حَرَم رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم تصدَّق بصَدَقَاتٍ، وحجّ، فتلقّاه أبو نمي وعمّه إدريس فخلع عليهما، ووقف بعَرَفَة يوم الجمعة، ثمّ أفاض، وغسّل الكعبة بماء الورد، وطيَّبها بيده، وأقام إلى ثالث عشر ذي الحجّة، وزار المدينة ووصل الكَرَك يوم التّاسع والعشرين من الشّهر، فصلّى بها يوم الجمعة، ثمّ ساق منه على البريد، فوصل دمشق بكرة الأحد يوم ثاني المحرَّم من سنة ثمانٍ، فخرج النَّجيبيّ فصادفه في سوق الخيل، فنزل وقبّل الأرض. [ص:25]
ثمّ ساق إلى حلب فدخلها في سادس المحرَّم، فأقام بها أربعة أيّام، ثمّ ردّ إلى حماة، ثم إلى دمشق، ثمّ إنّه دخل القاهرة يوم ثالث صفر، وصادف وصول الركب المصري.
وفيها تقدَّم السّلطان بالحوطة على بلاد حلب وأملاكها، وأنّ لا يُفْرَج عن شيءٍ منها إلّا بكتاب عتيق.
وفي ذي الحجّة هبّت ريح عظيمة بمصر غرّقت في النّيل نحو مائتي مركب وهلك كثير من الناس وأمطرت قليوب مطراً غزيراً.
وفيها عصى تاكوذر على الملك أبغْا وحاربه، فانتصر أبْغا، ثمّ إن برق ابن عم تاكوذر انتصر له، وقصد يبشير أخا أبغا فكسره.
وفي رجب احترق سوق جبل الصّالحيّة، وراح أكثر ما فيه من قماشٍ ومتاعٍ، وكان حريقًا كبيرًا، قال بعض الفُضَلاء: ما رأيت في عُمري حريقًا أكبر منه، احترق السّوق من أوّله إلى آخره من الجهتين، واحترق فيه دُكّانان للعِطْر لم يكن في دمشق أحسن منهما ولا أكبر، من الصّينيّ والمُطعَّم بالفضّة وغير ذلك، وهلك لتاجرٍ شيءٌ بخمسة عشر ألف درهم.
وفي رجب أُزيلت القِباب الّتي عُمِلت، وكانت قد اعتنوا بها لأجل مجيء السّلطان، وكانت مُحْكَمَةً، ضخمةَ الأخشاب، كلّ واحدةٍ طبقات، وكان عملها بالدّبادب والمغاني واللّهو، وبقيت دون شهر مجَرَّدَة، فلمّا همُّوا بزينتها جاء الأمر بإبطالها، فأصبح النّاس وقد أُزيلت ليلًا كأنْ لم تكن، فهرجوا ومرجوا، ثمّ عُمِلت له القِباب عند مجيئه من فتح أنطاكية.
وفيها شتا أباقا ببغداد.(15/23)
-سنة ثمان وستين وستمائة
دخل السّلطان القاهرة في صَفَر، ثمّ بعد أيّام توجّه إلى الإسكندريّة، ومعه ولده الملك السّعيد، فتصيّد وعاد إلى مصر، وخلع على الأمراء، وفرق [ص:26]
فيهم الخيل والمال.
وتوجه إلى الشام في الحادي والعشرين من ربيع الأوّل في طائفةٍ يسيرة من الأمراء، وقاسوا مَشَقَّةً من البرد، بلغه أنّ ابن أخت زيتون الملك خرج من عكّا في عسكر، يقصد عسكر صفد، فسار السّلطان واجتمع بعسكر صفد بمكانٍ عيَّنه، ثمّ سار إلى عكّا فصادف ابن أخت زيتون قد خرج فكسره وأسَرَه في جماعةٍ من أصحابه، وقتل من عسكره مقتلة، ثمّ أغار على المَرقب فصادف أمطارًا وثلوجًا، فرجع إلى حمص، وأقام بها نحْوًا من عشرين يوماً.
ثمّ سار إلى تحت حصن الأكراد وأقام يسير كلّ يوم نحوها، ويعود من غير قتال، فبلغه أنّ مراكب الفرنج وصلت إلى ميناء الإسكندريّة، وأخذت مركبين للمسلمين، فرحل لوقته وساق فدخل القاهرة في ثاني عشر شعبان.
وفيها قدِم صارم الدّين مبارك بن الرَّضي مقدَّم الإسماعيليّة بهديّةٍ إلى السّلطان، وشفع فيه صاحب حماة، فكتب له السّلطان بالنّيابة على حصون الإسماعيليّة، على أنْ تكون مِصْياف وبلدها خاصًّا للملك الظّاهر، وبعث السّلطان معه نائبًا من جهته على مِصْياف وهو عزّ الدّين العديميّ، فلمّا وصلوا امتنع أهل مِصْياف، وقالوا لا نسلّمها للصّارم فإنّه كاتَبَ الفرنج ونحن نسلّمها للعديميّ؛ وقالوا له: تعال إلينا من الباب الشّرقيّ، فلمّا فتحوا له هجم معه الصّارم وبذل السّيف وقتل منهم خلْقًا وتسلَّم هو والعديميّ القلعة، ثمّ غلب الصّارم على البلد، وأزال عنه يد العديمي.
واتفق مجيء نجم الدّين حسن ابن الشّعرانيّ إلى السّلطان، ومعه تقدمه سنِيّه، فقدّمها عند حصن الأكراد، فكتب له السّلطان بالقلاع وهي: الكهف، والخوابي، والعُلّيقة، والرصافة، والقَدْمُوس، والمَيْنَقَة، ونصف جبل السُّمّاق، وقرَّر عليه أن يحمل في كلّ سنة مائة وعشرين ألف درهم، ثمّ أخرج الصّارم من مصياف نائب السّلطان وعصى، فسار إليه صاحب حماة فنزل الصّارم وذلّ، ثمّ عاد إليها العديميّ وحُمِل الصّارم إلى مصر فحبس بها. [ص:27]
وفيها أُبْطِلت الخمور وأُريقت بدمشق، وشدّد في ذلك الشّيخ خضر الكُرديّ شيخ السّلطان، وسعى في إعدامها بالكُلّيّة، وكَبَس دُور النّصارى واليهود، وكتبوا على أنفسهم بعد القسامة أنّه لم يبق عندهم منها شيء.
وفيها جاء جرادٌ عظيم إلى الغاية بالشّام وإلى الديار المصرية وإلى الحجاز.
وفيها ولي الصاحب تاج الدّين ابن فخر الدّين ابن حنى وزارة الصُّحْبة على ما كان عليه والده.
وفي ذي الحجّة أمر السّلطان بعمل جسرَين بسلاسل ومراكب على النّيل إلى الجيزة لمّا بلغه حركة الفرنج ليجوز الجيش عليهما إلى الإسكندرية إن دهم عدو، ثمّ تواترت الأخبار بنزول الفرنج على تونس.
وفيها سار أبغا لينصر أخاه على بُرَق بعد أن جمع الجيوش، وسار بهم نحو شهرين، والتقوا على النّهر الأسود، فكُسر عسكر بُرَق كسرةً عظيمة، وساقوا خلفهم ولزّوهم إلى الجسر، فازدحموا وتساقطوا في البحر، وردّ أبْغا إلى أرضه، ووقع في عسكره الوباء فمات منهم خلق.(15/25)
-سنة تسع وستين وستمائة
في صفر توجّه السّلطان من مصر في بعض العسكر إلى عسقلان، فهدم بقيّة سُورها المهمل من الأيام الصّلاحيّة.
وورد عليه الخبر بأنّ عسكر ابن أخي بركة كسر عسكر أبغا.
ثمّ بلغه أنّ أهل عكّا ضربوا رقاب جماعةٍ من الأسارى، فأخذ أعيان من عنده مِن الأسرى فغرَّقهم في النّيل، وكانوا مائة.
وفيها قبض السلطان على الملك العزيز ابن صاحب الكرك الملك المغيث.
وكان من كبار الأمراء بالقاهرة، فقبض عليه وعلى جماعة عزموا على سلطنته.
وفي جُمَادى الأولى ورد الخبر أنّ أبا نمي محمد بن أبي سعْد بن عليّ بن قَتَادة أمير مكّة تواقع هو وعمّه إدريس، فاستظهر إدريس عليه وتفرد بإمرة مكة. [ص:28]
فذهب أبو نمي إلى ينُبع، فاستنجد بصاحبها، وجمع وقصد مكّة، فالتقيا، فحمل أبو نمي على عمّه فطعنه رماه، ونزل فذبحه واستبدّ بإمرة مكة.
وفي جُمَادى الآخرة خرج السّلطان بالجيش لقصْد حصن الأكراد، فبدأ بالإغارة على اللّاذقيّة، والمَرْقَب، ومرقية، وتلك النواحي، وافتتح في ذلك صافيثا، والمجدل، ثمّ نزل عَلَى حصْن الأكراد في تاسع عشر رجب، ونُصِبت المجانيق والسّتائر، وللحصن ثلاثة أسوار فأُخذت الباشورة بعد يومين وأُخذت الباشورة الثّانية في سابع شعبان، وفُتِحت الثّالثة الملاصقة للقلعة في نصف شعبان، وكان المحاصِر لها الملك السّعيد، وبيليك الخَزْنَدَار، وبَيْسَريّ الصّالحيّ، ودخلوا البلد بالسّيف، فأسروا مَن فيه من الجبليّة والفلّاحين، ثمّ أطلقهم السّلطان وتسلَّم القلعة في الخامس والعشرين من شعبان بالأمان وترحّل أهلها إلى طرابُلُس، ثمّ رتّب الأفرم لعمارة الحصن، وصيِّرت الكنيسة جامعاً.
وطلب صاحب أنطرسوس المهادنة، وبعث بمفاتيحها إلى السّلطان، فصالحه على نصف ما يُتَحَصَّل منها، وجعل عندهم نائباً وجاءت رُسُل صاحب المَرْقَب، فصالحهم على النِّصف أيضًا، وقُرِّرت الهُدنةُ عشر سِنين، وعشرة أشهر، وعشرة أيام.
ثمّ نزل السّلطان على حصن ابن عكّار، ونُصِبت المجانيق، ثمّ تسلَّمها بالأمان، وهي قلعة في واد بين جبال.
ثمّ خيَّم في رابع شوّال على طرابلس، فسيرَّ إليه صاحُبها يسأل عن سبب قصْده، فقال: لأرعى زرْعَكم وأُخرِّب بلادكم، ثمّ أعود لحصاركم، فبعث إليه يستعطفه، ثمّ هادنه عشر سنين.
وفي شوّال جاء دمشقَ سيلٌ عظيم مهُول هدم البيوت، وأخذ النُّزّال من الحجّاج الرّوميّين بين النّهرين وجِمالهم، وغرق جماعة، وذهب للنّاس شيءٌ كثير، وكان ذلك بالنّهار والشّمس طالعة، والمشمش قد شرع، فغُلقِّت أبوابُ المدينة، وطغَى الماء وارتفع حتّى بلغ أحد عشر ذراعًا، وارتفع عند باب الفَرَج ثمانية أذرُع، وكادت دمشق أنّ تغرق، وسدّت الزّيادة الأنهار بطين أصفر، ودخل الماء إلى البلد، وخرَّب خَان ابن المقدَّم، وطلع الماء فوق أسطحةٍ كثيرة [ص:29]
عند جسر باب تُوما، حتّى بلغني أنّه وُجِد فوق سطحٍ سمكةٌ ميّتة، واصطادوا السّمك من رواء العادليّة عند دار ابن يغمور، وتحدَّثت العَوَامّ أنّ الّذين هلكوا بالزيّادة والرّدْم فوق الألفين، ووُجِد في بساتين مرتفعة سمكٌ في النّقع إذا رأى الشّخصُ ارتفاعَ تلك الأماكن زاد تعجُّبُه، وحدَّثني رجلٌ أن أهل الوادي الشّرقيّ وجدوا جملًا ميّتًا فوق أصل سَفَرْجَل، وضجّ الخلْق بالبكاء والاستغاثة بالله، وكان يومًا مشهودًا وأشرفَ النّاس على التَّلف، ثمّ لَطَفَ اللهُ ورحم النّاس وتَنَاقَصَ الماء، ولو ثبت ساعةً أخرى أو ارتفع ذراعًا آخر لغرِقت نصفُ دمشق.
ولبعضهم:
لقد أظهر الجبّار بعضَ اقتدارِه ... فأرسل بحرًا طاميًا من بحارِه
وأرعدها حتّى توافَتْ مياهُها ... مطنَّبة محفوفة بازدجَارِه
وأهلك فيه خَلْقَه وعبيدَه ... فأضحوا وهم غَرَقَى بأقصى قرارِه
فكَمْ مِن شبابٍ مع نساءٍ وصبيةٍ ... وكم من دوابّ قد صليْن بنارِه
فسُبْحان من أبدَى عجائبَ صُنْعِه ... وأزعج كلَّ الخلقِ عند ابتدارِه
وعاد بلُطْفٍ منه عفْوًا ومنَّةً ... فنسأله الزلفى غداً في جواره
وفي شوّال قبل يوم الزِّيادة الموصوفة جاء الشّيخ خضر شيخ السّلطان إلى كنيسة اليهود، ومعه أمراء وأعيان والوالي، وأخرجوا اليهود منها يوم سَبْتهم وآذوهم، وقرأ القرآن بها غيرُ واحدٍ، ثمّ غنّى المغنّون، ورقص النّاس بحضرة الشّيخ خضر، وكان يومًا عجيبًا، ونُهِب كلُّ ما فيها، وعمل الشّيخ ثاني يوم بسيسةً عظيمة بالسّمن والعسل، وازدحم الخلْق حتّى دِيسَت بالرجلين في الكنيسة، وفضلت ورُمِيت في نهر قلوط. واتّخذ الشّيخ خضر الكنيسة زاوية له، وكان صاحب كشْفٍ وأحوالٍ شيطانيّة، وجرى ما لا ينبغي، وسيأتي ذكر خضر في سنة ست وسبعين.
وجاء السّلطان بالجيش في نصف شوّال بعد الزّيادة بيومين إلى دمشق، ولَطَفَ اللهُ بهم إذ تأخّروا عن الزّيادة، وإلّا كانت غرّقتْ نصفَ الجيش وأكثر، فعزل السّلطان ابن خَلِّكان من القضاء بابن الصائغ، ثمّ سار بعد عشرة أيّام، فنزل على القُرَين، ونصب عليها المجانيق، وصدق أهلها في القتال، ودام [ص:30]
الحصار جمعتين، ثمّ أُخذت بالأمان وهُدِمت، وكانت من أمنع الحصون.
ثمّ سار السّلطان بالجيش حتّى أشرف على عكّا، ورجع ودخل مصر في ثالث عشر ذي الحجّة، ونابَه في هذه السّفْرة فوق ثمانمائة ألف دينار، فلمّا دخل قبض على هؤلاء الأمراء الكبار: الحلبيّ، والمحمّديّ، وإيدُغدي الحاجبيّ، والمساح، وبيدغان، وطرطح؛ لأنّه بلغه عنهم أنّهم همّوا بالفتْك به.
ومن عجيب الاتّفاق أنّ مكّة جاء بها زيادةٌ وسيلٌ عَرَمْرم، بحيث أنّ الماء بلغ إلى فوق الحجر الأسود.
ومن العجائب أن مياه دمشق والعاصي والفُرات قلّت ونقصت نقصًا مجحِفًا، حتّى هلك شيءٌ من الأشجار وبَطَلَت الطّواحين، وعُمِلت طواحين بمدارات، وكانت الفواكة في هذه السنة قليلة.
وممّا جرى في هذه السّنة وقبلها وبعدها تولي القاضي نجم الدّين ابن سَنِيّ الدّولة تدريس الأمينيّة، والقاضي عزّ الدّين ابن الصّائغ تدريس العادليّة، وأخوه عماد الدّين تدريس العَذْراويّة، ورشيد الدّين الفارقيّ النّاصريّة، والبُرهان المَرَاغيّ الركُّنية، والعزّ بن عبد الحقّ الأَسَديّة، وتاج الدّين عبد الرحمن المجاهدية، وأخوه شرف الدّين الصارمية، والبهاء ابن النّحّاس القليجيّة، وابن عمّه مُجير الدّين الرَّيحانية، والوجيه ابن منجى المسماريَّة، والتقيّ الترُّكماني المعظَّمية، والشمس ابن الكمال الضّيائيّة، والعزّ عمر الأربِليّ الجاروخيّة، وشَرف الدّين ابن المقدسيّ العادلية الصغيرة.
وجهز السلطان وهو منازل حصن الأكراد سبعة عشر شينياً في البحر، عليها الرئيّس ناصر الدّين رئيّس مصر، والهواري رئيّس الإسكندرية، وعلوي رئيّس دِمياط، والجمال بن حَسُّون مقدَّم على الجميع، لكونه بَلَغَه أنّ صاحب قبرس قدِم عكّا، فاغتنم السّلطان الفُرصةَ وبعث هؤلاء إلى قبرس، فوصلوها ليلًا، فهاجت عليهم ريحٌ طردتهم عن المَرْسى وألقت بعض الشّوانيّ على بعض، فتحطّمت وتكسّر منها أحَدَ عَشَرَ شينيًّا، وأُسر من فيها من المقاتِلَة والبحّارة، وكانوا نحوًا من ألفٍ وثمانمائة، وسلِم ناصر الدّين وابن حسّون في الشّواني السّالمة. [ص:31]
قال الشّيخ قُطْب الدّين: وفي ذي الحجّة أمر السّلطان بإراقة الخمور في بلاده، والوعيد على من يعصرها بالقتل، فأُرِيق ما لا يُحصر، وكان ضمانُ ذلك في ديار مصر خاصة ألف دينار في كل يوم.
قال: وفيها نزلت الفرنج على تُونس انتصارًا لأهل جَنَوَة بسبب ما أُخِذ من أموالهم، فنازلها الفرنسيس في أربعمائة ألف منها: ستّة وعشرون ألف فارس، وفيهم جماعة ملوك، ومجموع عدّه مراكبهم أربعمائة مركب، وقاتلتهم البربر والعربان والعوامّ فقُتل وَلَد الفرنسيس.
وقيل إنّ الفرنسيس مات ولم يبق عندهم ملك يحكم عليهم، وطلبت الفرنج الصُّلح، فوقع الصُّلح على ردّ مال أهل جنوة.(15/27)
-سنة سبعين وستمائة
في المحَّرم ركب السّلطان من الصّناعة في الشّواني ومعه نائب السَّلْطنة بيليك الخَزْنَدَار، فلمّا صار في الشّيني مال فوقع الخزندار في البحر، فنزل خلفه من أطلعه بشعره، وقد كاد.
ثمّ خرج السّلطان إلى الكَرَك وأخذ معه النّائب عزّ الدّين أَيْدَمُر، وقدِم به دمشقَ، فجعله نائبًا عليها وعزل النّجيبيّ، ثمّ سار إلى حماة ورجع، ثمّ مضي إلى حلب، وسببُه أنّ صَمْغَرا ومعين الدّين البرواناه والتّتر لمّا عادوا من عند أبْغا في السّنة الخالية جاءهم أمرٌ بقصْد الشّام فحشدوا، وجاء صمغرا في عشرة آلاف إلى البُلُسْتَين، ثمّ إلى مَرْعَش، وبَلَغَهم إنّ السلطان بدمشق، فبعثوا من المغل ألفاً وخمسمائة للإغارة وتجسُّس الأخبار، فوصلوا إلى عين تاب ثمّ إلى قسطون، ووقعوا على التُّركُمان هناك بين حارم وأنطاكية فاستأصلوهم، فأمر السّلطان بتجفيل البلاد حتّى أهل دمشق ليُطْمع التّتار فيتوغّلون في البلاد ويتمكّن منهم، وطلب جيشَ مصر فقدموا ومقدَّمهم الأمير بدر الدّين بَيْسَريّ، فوصلتهم الأخبار فأسرعوا الرَّجعة، وساق الفارقانيّ وراء التّتر فلم يدركهم. [ص:32]
وأغارت الفرنج من عثليث إلى قاقون، وأُخذت التركمان، وساق الأمير علاء الدّين طَيْبَرس الوزيريّ، وعيسى بن مُهنى، فخاضوا الفُرات إلى حرّان، فخرج إليهم مَن بها مِن التّتار، فطاردهم ابن مُهنَّى، فخرج عليهم طَيْبَرس، فلمّا رأوا الجيشَ نزلوا وقبّلوا الأرض وألقوا سلاحهم، فأخذوهم وكانوا ستّين نفْسًا، وسار طَيْبَرس فغلّقوا أبواب حَرّان سِوى بابٍ واحد، وخرج إليه الشّيخ محاسن وهو من أصحاب الشّيخ حيوة وجماعة من الأعيان، ومعهم أطعمة، فأكرمهم طيبرس، ونزل عن فرسه وأتوه بمفاتيح حَرّان، وقالوا: البلد للسّلطان أيَّده الله، ثمّ عاد طيبرس.
قال شمس الدّين محمد ابن الفخر، رحمه الله: من أعجب ما يؤرّخ أن امرأة أمشاطي في جوار دار بني هلال بباب النّاطفيّين في جُمَادى الأولى في مدّة سبعة أيّام وضعت طُروحًا أحد عشر ولدًا ذكورًا وإناثًا، وبعضهم قد كملت خلقته وبعضهم قد تبين بعضها لأربعة أشهُرٍ ونصف، وهذا غريبٌ نادر، واشتهر ذلك في دمشق، واستثبته قاضي القُضاة عز الدّين وأرّخه.
وفي جُمَادى الآخرة عبر السّلطان إلى بَرّ الجيزة، فأُخبِر أنّ ببُوصِير مغارةٌ فيها مطلب، فجمع لها خلّقًا وحفروا مدًّا طويلًا، فوجدوا كلابًا ميّتة وقِطاطًا وطُيُورًا، والكلُّ ملفوفٌ في عصائب وخرقٍ، فإذا حُلت اللّفائف ولاقي ذلك الحيوانَ الهواءُ صار هباءً، وأقاموا ينقلون من ذلك شيئاً كثيراً ولا ينفد فتركوه.
وفي شعبان احتيط على دار القاضي شمس الدّين محمد ابن العماد، وحمل ما فيه من الودائع إلى قلعة الجبل؛ وذلك لأنّ ابن العماد عزل نجم الدّين ابن حمْدان عن نيابة الحُكم لأمرٍ، فحمل أخاه التّقيَّ شبيبًا الكحّال التّعُّصبُ على أنْ كتب ورقةً إلى السلطان أن عند ابن العماد ودائع كثيرة لتُجَّارٍ من حَرّان وبغداد والشّام وقد مات أهلُها، فاستدعاه السّلطان وسأله عن الودائع فأنكر، فحلف متأوّلًا، فكُبس بيتُه، فوُجِد فيه كثيرٌ ممّا قيل، لكنّ أصحابها أحياء ومنهم من مات وله وارث، فأخذ من ذلك زكاته مدة سنتين وحنق عليه السّلطان وحبسه، فتسلَّط عليه شبيب، وادَّعى أنّه حَشَويّ، وأنّه يقدح في الدّولة وكتب بذلك محضرًا، وسافر السّلطان إلى الشّام، ثمّ عُقِد مجلسٌ بحضرة الأمير بدر الدّين بيليك الخزندار، فاستدعي بالشهود الذين [ص:33]
في المحضر، فرجع بعضهم في الشَّهادة وشهِد الباقون، فأخرِق بهم وجرّحهم، وتبيّن للخَزْنَدَار تحامُل شبيب فحبَسَه، واحتاط على موجوده، وأُعيد الشّيخ شمس الدّين إلى الحبّس بالقلعة، فأقام بها سنتين إلى أنْ أُفْرِج عنه في نصف شعبان من سنة اثنتين وسبعين، ولولا عناية الخزندار به ومحبته له لكان شيئاً آخر.
وأمّا السّلطان فسار إلى الشّام وشنّ الغارات على بلاد عكّا فراسلوه، وطلبوا الصُّلْح، فصالحهم عشر سنين، ثم دخل دمشق.
وفي رمضان جاءت طائفة من التّتار، فأخربوا شرفات سور حرّان وبعض أسوقها، ونقلوا كثيرًا من أخشابها واستاقوا معهم أهلَها وأخليت ودثرت بالكلية.
وفيها وصلت رسل صمغرا والبَرَوَاناه فقالوا للسّلطان: إنّ صَمْغَرًا يقول لك: منذ جاورك في البلاد لم يصِلْه من جهتك رسول، وقد رأى من المصلحة أنْ تبعث إلى أبْغا رسولًا بما تُحبّ حتّى نُساعدك ونتوسّط، فأكرم السّلطان الرُّسُل، ثمْ بعث في الرسلية الأمير فخر الدّين إياز المقري، والأمير مبارز الدّين الطُّوريّ إلى أبْغا، وبعث له جيوشنا، وبعث لصمغرا قوسًا، فوصلا قُونية، فسار بهما البرواناه إلى أبْغا، فقال: ما شأنكما؟ قالا: إنّ سلطاننا أرسلنا يقول لك: إنْ أردت أن أكونَ مطاوِعًا لك فرُدّ ما في يدك من بلاد المسلمين، فغضب وأغلظ لهما وقال: ما يرضى رأسًا برأس، وانفصلا من غير اتّفاق.
وعندي في وقوع ذلك نَظَرٌ، لكنْ لعلّه سأله ردّ ما بيده من العراق والجزيرة، وإلّا فجميع ما بيده بلاد المسلمين.
وفيها وصلت رسل بيت بركة من عند منكوتمر بن طُغان يطلبون من السلطان الإعانة على استئصال شأفة أبغا.
وفي ذي الحجّة سار السّلطان إلى حصْن الأكراد وحصن عكّار، فأشرف عليهما، ورجع إلى دمشق.
وفيها تزوج الصاحب شرف الدّين هارون ابن الوزير شمس الدّين الجوينيّ ببغداد برابعة بنت أحمد بن أمير المؤمنين المستعصم، على صداقٍ [ص:34]
مَبلغُهُ مائة ألف دينار مصريّ، وعقده قاضي القُضاة سِراجُ الدّين محمد بن أبي فِراس في دار صاحب الدّيوان علاء الدّين، بإنشاء بهاءَ الدّين عليّ بن عيسى الإربليّ، وشرطت عليه والدةُ العروس بأنْ لا يشرب الخمر، فأجاب.
واحترق ببغداد سوق النّظاميّة كلّه، واحترق فيه خلقٌ كانوا في الغرف.(15/31)
بسم الله الرحمن الرحيم
- (الوفيات)(15/35)
-سنة إحدى وستّين وستّمائة
ومَن تُوُفّي فيها:(15/35)
1 - أحمد بن عبد الله، الشّيخ الصّالح، أبو العبّاس المقدّسيّ الحنبليّ [المتوفى: 661 هـ]
تربية البدويّ.
سمع من: شيخه عبد الله بن عبد الجبار البدوي، وحنبل، وابن طَبْرَزَد، وحدَّث بدمشق والقدس. روى عنه: الدّمياطيّ، وابن الخبّاز، والشّيخ شعبان، وحدَّث بدمشق.
وكان موته بقرية أبي ثور بظاهر القدس في نصف المحرم.(15/35)
2 - أحمد بن محمد بن إبراهيم بن رُزْمان بن عليّ بن بشارة، الفقيه فخر الدّين أبو العبّاس الدّمشقيّ الحنفيّ. [المتوفى: 661 هـ]
فقيهٌ، إمامٌ، مدرّس، عدلٌ، متميزٌ من أعيان الحنفيّة. روى عن الخُشوعيّ " نسخة وكيع " وغيرهما. روى عنه: ابن الحلوانية، والدمياطي، وابن الخباز، وطائفة، ومحمد ابن المُحِبّ.
تُوُفّي في أوائل شوّال، ودُفِن بسفح قاسيون.(15/35)
3 - إبراهيم بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهيم بْن مُحَمَّد بْن خَلَف بن محمد بن سليمان بن سوار بن أحمد بن حزب الله بن عامر بن سعْد الخير بن عيّاش، وهو أبو عَيْشُون بن محمود الدّاخل إلى الأندلس ابن عنْبَسَة بن حارثة بن العبّاس بن مرداس السُّلمي، الإمام المحدّث أبو إسحاق ابن الشيخ أبي عبد الله الأندلسيّ، البِلّفيقيّ، المعروف بابن الحاجّ، [المتوفى: 661 هـ][ص:36]
نزيل دمشق.
وُلِد بالمَرِيّة سنة ستّ عشرة وستمائة وكان محدِّثًا، فاضلًا، مُفيدًا، عارفًا.
وبِلّفِيق: بباءٍ موحدةٍ ولامٍ مشدَّدة، حصن عند المَرِيّة.
ذكره الشريف عز الدّين، فقال: سمعت منه، وحصّل الأُصُول الحَسَنَة الكثيرة، وسمع بمصر من جماعة وحجّ وعاد، ثمّ سافر إلى دمشق فتُوُفّي بها في المحرَّم.
قلت: هذا كتبته ولا أعرفه.(15/35)
4 - إلياس بن عيسى الإربّليّ. [المتوفى: 661 هـ]
شيخٌ فقيرٌ مشهور بالدِّين والخير، كان يجلس أكثر نهاره برِواق الحنابلة، ويجلس إليه أعيان ورؤساء لدِينه وعلى ذِهنه عجائب ونوادر.
وكان ظريفًا، مليح الشّكل.
مات في شعبان.(15/36)
5 - أيّوب بن محمود بن أبي القاسم عبد اللّطيف بن أبي المجد بن سيما بن عامر، السُّلَميّ، محتسب دمشق، تاج الدّين أبو المجد. [المتوفى: 661 هـ]
تُوُفّي في سلْخ شعبان وله تسعٌ وستّون سنة، حدَّث عن: عمر بن طبرزد.(15/36)
6 - بدر الخُشَنيّ الشّهابيّ الطُّوَاشيّ، أبو الضّياء. [المتوفى: 661 هـ]
تُوُفّي بالمدينة النَّبويّة، وروى عن عبد الوهّاب بن رواج، كتب عنه الشّريف عزّ الدّين وغيره.(15/36)
7 - بَهَادُر الخوارزميّ الأمير. [المتوفى: 661 هـ][ص:37]
أوّل من ولي العراق لهولاكو، وكان على ظُلْمه له ميلٌ إلى الإسلام وعلَّم أولاده القرآن، وكان ربما صلى، ويعرف بالعربيّ، وفيه دهاءٌ ومَكْر، قتَلَتْهُ التّتار لأُمورٍ نقموها.(15/36)
8 - الحسن بن عليّ بن منتصر بن زكريّا، أبو عليّ الفاسيّ، ثمّ الإسكندرانيّ الكُتبي. [المتوفى: 661 هـ]
شيخ مُعمّر فاضل، وُلِد سنة أربع وسبعين، وسمع سنة أربعٍ وثمانين من عبد المجيد بن دُلَيل الكِنْديّ، وسمع من عبد الرحمن بن موقى وتفرَّد بالرّواية عن ابن دُلَيل، روى عنه الدّمياطيّ والشّيخ شعبان الإربِليّ، وجماعة.
مات في ثامن وعشرين ربيع الآخر بالإسكندرية.(15/37)
9 - زكريّا بن عبد السّيّد بن ناهض، أبو يحيى الأنصاريّ المصريّ النوُّيري، المالكيّ المؤدّب. [المتوفى: 661 هـ]
روى عن عليّ بن المفضل الحافظ، سمع منه: الشريف، وجماعة.
ومات في رابع صفر.(15/37)
10 - ستّ الدّار بنت مكّيّ بن عليّ بن كامل الحَرّانيّ، [المتوفى: 661 هـ]
أخت زينب.
سمعت من: داود بن ملاعب، وموسى بن عبد القادر، وماتت في ربيع الأوّل.(15/37)
11 - سليمان بْن خليل بْن إِبْرَاهِيم بْن يحيى بْن فارس، الخطيب الإمام أبو الربيع الكناني العسْقلانيّ الأصل المكّيّ الفقيه الشّافعيّ. [المتوفى: 661 هـ]
سمع من: زاهر بن رستم، ويحيى الفرّاش. روى عَنْهُ: الدّمياطيّ، والرِّضى الطَّبريّ، وجماعة، وخطب مدّةً بمكّة، وكان مشهورًا بالعِلْم والدّين والعبادة.
وُلِد قبل موت جدّه لأمّه عمر المَيَانِشيّ قبل الثّمانين وخمسمائة.
وكُفَّ بَصره في آخر أيّامه، ومات في رابع عشر المحرَّم بمكّة.
وحدَّث " بالنّسَائيّ " عن ابن الحصري.(15/37)
• - الشهاب، أجير البهاء الشُّرُوطيّ، هو محمد بن عبد الرحيم. [المتوفى: 661 هـ]
يأتي.(15/38)
12 - صلاح بن جعفر بن ضرغام بن نزار، أبو عمر العجلانيّ الفيُّوميّ المؤدّب. [المتوفى: 661 هـ]
تُوُفّي في جماى الأولى بالقاهرة، وقد سمع في الكهولة من: مكرَّم، وابن المقيّر. وحدَّث، أخذ عنه الطَّلَبة.(15/38)
13 - عبد الله بن محمد بن رضوان بن عَبْدك، أبو محمد العجميّ. [المتوفى: 661 هـ]
شيخ معمَّر، حدَّث عن السِّلفيّ بالإجازة العامّة، قاله الشّريف عزّ الدّين.(15/38)
14 - عبد الخالق بن جعفر بن محمد، الإمام عزّ الدّين، أبو محمد البليناويّ المصريّ الشّافعيّ الفقيه. [المتوفى: 661 هـ]
سمع وحصّل، وعُني بالحديث وأكثر بعد الخمسين وستمائة، وحدَّث عن ابن باقا، ومات في ذي الحجّة كهلًا.(15/38)
15 - عبد الرّازق بن رزق الله بن أبي بكر بن خَلَف، الإمام الحافظ المفسّر عزّ الدّين أبو محمد الرَّسْعنيّ المحدِّث الحنبليّ. [المتوفى: 661 هـ]
وُلِد برأس عين سنة تسعٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع " تاريخ بغداد " كلّه من أبي اليُمن الكِنْديّ، وسمع ببغداد من عبد العزيز بن منينا، وطبقته، وبحلب من الافتخار الهاشمي، وقدم دمشق مرة رسولاً، فقرأ عليه أبو حامد ابن الصّابونيّ جزءًا، فسمعه جماعة، وله شعرٌ رائق، وولي مشيخة دار الحديث بالمَوْصِل، وسمع برأس عين من أبي المجد القزوينيّ وغير واحد، وصنف تفسيراً حسناً يروي فيه بأسانيده، وله كتاب مقتل الحسين، وغير ذلك. [ص:39]
وكان إمامًا، محدِّثًا، فقيهًا، أديبًا، شاعرًا، ديِّناً، صالحًا، وافر الحُرْمة، وله مكانة عند صاحب الموصل لؤلؤ لجلالته وفضله، روى عنه الأبْرقُوهيّ في " مُعْجَمه "، وروى عنه الدِّمياطيّ وغيره، ومات في ثاني عشر ربيع الآخر.
وقرأت بخط سيف الدّين ابن المجد في ذكر عبد الرازق الرسعني قال: حفظ " المقنع "، وسمع بدمشق سنة خمسٍ، وسنة ست، وسبع من الكندي، والخضر بن كامل، وابن الحرستاني، وابن الجلاجلي، وابن قُدَامَة، وببغداد من الدّاهريّ، وعُمر بن كَرَم.(15/38)
16 - عبد الرحمن بن سالم بن يحيى بن خميس بن يحيى بن هبة الله، الإمام المفتي جمال الدّين أبو محمد الأنصاريّ الأنباريّ الأصل البغداديّ ثمّ الدّمشقيّ الفقيه الحنبليّ. [المتوفى: 661 هـ]
سمع من: التّاج الكِنْديّ، وابن الحَرَستانيّ، وابن ملاعب، وبحَرّان من الحافظ عبد القادر، وتفقّه على الشّيخ الموفَّق ونسخ بخطّه كثيرًا من كُتُب العِلم، وكان صحيح النَّقْل، جيّد الشِّعْر، ديِّناً، صالحًا.
كتب عنه عمر بن الحاجب، والقُدماء. وروى عنه: ابن الخلّال، والدِّمياطيّ، والشّيخ تاج الدين عبد الرحمن، وأخوه الخطيب شرف الدّين، وابن الخبّاز، والبُرهان الذَّهبيّ، وآخرون. ومات في سلْخ ربيع الآخر، ودُفِن بسفح قاسيون، وكان يسكن بالجامع، بالمنارة الغربيّة.
قال أبو شامة: كان يُصلّي الصُّبْح إمامًا بالمتأخّرين، فيُطيل إطالةً مُفْرِطةً خارجةً عن المعتاد بكثير، إلى أن تكاد الشّمس تطْلُع ولا يترك ذلك.
قلت: سمع البرهان والكمال ابن النخاس منه جميع كتاب " الأربعين " للرهاوي، بقراءة شرف الدّين.(15/39)
17 - عبد الرحمن بن محمد ابن الحافظ الكبير عبد الغنيّ بن عبد الواحد، الإمام المحدِّث عزّ الدّين ابن العزّ، أخو التقيّ ابن العِزّ، المقدسيّ الحنبليّ. [المتوفى: 661 هـ]
وُلِد سنة تسعٍ وتسعين، أو سنة ستمائة، وسمع حضورًا من عمر بن [ص:40]
طَبْرَزَد وحفظ القرآن على الشّيخ العماد، وتفقّه على الشّيخ الموفَّق، وسمع من: التّاج الكِنْديّ، وابن الحَرَستانيّ، وابن ملاعب، وطبقتهم، ورحل فسمع ببغداد من: الفتح بن عبد السّلام، وعليّ بن بوزندار، وابن الجواليقيّ، وطبقتهم، وسمع بحلب من: أبي محمد ابن الأستاذ، وبمصر والإسكندريّة من جماعة من أصحاب السِّلَفيّ، وكتب الكثير، وحصّل، وكان حَسَن الفَهْم، له معرفة بالرّجال، مِن أفضل مَن بقي بالجبل.
بالَغ في الثّناء عليه تلميذه نجمُ الدّين ابن الخبّاز، وقال: كان ضابطًا، متقِنًا ورِعًا، حافظًا لأسماء الرّجال، مجتهدًا على فعل الخير، مُفِيدًا للطَّلَبة، يمشي إلى الطّالب ويفيده ويعارض معه، انتفعتُ به جدًّا، وأحسنَ إليَّ ونَصَحني في دِيني ودُنياي، وما رأت عيناي بعد شيخنا ضياء الدين مثله، وسمعتُ بقراءته في سنة تسعٍ وثلاثين على عبد الحقّ بن خَلَف، وغيره، وأسمع الحديث مدّةً بدار الحديث الأشرفيّة الّتي بالجبل، وكان ورِعًا ديَّناً، عاملًا، قليل الرغبة في الدنيا، كثر التّعفُّف.
قلت: روى عنه هو، والدِّمياطيّ، والقاضيّ تقيّ الدّين، وابن الزرّاد، وآخرون.
ثمّ ظفرتُ بمولده في ربيع الآخر سنة اثنين وستّمائة، ومات في النّصف من ذي الحجّة، ولم يستكمل السِّتّين.
وفي كنْيته أقوال، وهي: أبو الفَرَج، وقيل: أبو محمد، وأبو القاسم.(15/39)
18 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مرهف بْن عَبْد اللَّه بْن يحيى بْن عَبْد المجيد، الإمام البارع، تقيّ الدّين، أبو القاسم المصريّ الشّافعيّ النّاشِريّ المقرئ. [المتوفى: 661 هـ]
ولد سنة ثمانين وخمسمائة، وقرأ القراءات على أبي الْجُود المقرئ، وسمع الحديث من عليّ بن المفضَّل الحافظ، وجماعة، وانتصب للإقراء مدّةً بجامع مصر، واشتهر اسمه وبعُد صِيتُه.
ذكره الشّريف عزّ الدّين، فقال: سمعت منه، وسألته عن مولده، فقال: [ص:41]
بمصر سنة ثمانين وانتفع به جماعة كثيرة، وكان شيخاً صالحًا، عارفًا بالقراءات فاضلًا فيها، وإليه انتهت رياسة الإقراء بجامع مصر، تُوُفّي ليلة السّابع والعشرين من شوّال بمصر.(15/40)
19 - عبد الغنيّ بن سليمان بن بَنِين بن خَلَف، الشّيخ المُسْنِد أثيرُ الدّين أبو القاسم وأبو محمد المصريّ الشّافعيّ القبّانيّ النّاسخ. [المتوفى: 661 هـ]
وُلِد بمصر سنة خمسٍ وسبعين، وسمع الكثير بإفادة والده أبي الربيع، فسمع من: أبي القبائل عشير الجبلي، وقاسم بن إبراهيم المقدسيّ، والقاسم ابن عساكر، وهبة الله البُوصيريّ، وإسماعيل بن ياسين، ومحمد بن عبد المولى، وابن نجا الواعظ، والأرتاحيّ، وغيرهم، وأجاز لَهُ: عَبْد اللَّه بْن بري النَّحْويّ، وأبو القاسم عبد الرحمن السبيي، والتّاج محمد بن عبد الرحمن المسعوديّ، وحدَّث بالشيء مرّات، وتفرَّد في وقته، وهو آخر من روى عن: عشير، والسبيي، وابن بَرّي.
ذكره الشّريف فأثنى عليه وقال: كان شيخاً صالحاً، ساكناً، من أولا المشايخ الفضلاء، كان أبوه مشهورًا بالأدب، صَحِب أبا محمد بن بَرّي وأخذ عنه، وسمع، وحدَّث، وصنَّف، تُوُفّي أبو القاسم في ثالث ربيع الأوّل.
وقد سمع منه الحافظ عبد العظيم وذكره في " مُعْجمه ".
قلت: وروى عنه: شيخنا الدّمياطيّ، والدواداري، والشيخ شعبان، وإبراهيم ابن الظّاهريّ، والأمين الصَّعْبيّ، وجماعة، ويوسف الخَتَنيّ، والتّقيّ محمد، ويحيى، ولدا المفتي ضياء الدّين ابن عبد الرّحيم.(15/41)
20 - عبد المنعم بن عبد الوهّاب بن محمد بن رحمة، أبو محمد القُضاعيّ، الخَوْلانيّ، المصريّ، المؤذّن، ويُعرف بابن سمعون. [المتوفى: 661 هـ]
روى عن علي بن نصر ابن البنّاء المكّيّ، وتُوُفّي في ربيع الأوّل عن أربعٍ وسبعين سنة، كتب عنه المصريون.(15/41)
21 - عبد الوهّاب بن ضرغام بن سعيد، أبو محمد المصريّ. [المتوفى: 661 هـ][ص:42]
روى عن المحدث أبي الفتوح نصر ابن الحُصْرِيّ، وعاش ستًّا وثمانين سنة.
تُوُفّي في رجب.(15/41)
22 - عزّية بنت محمد بن أحمد بن مفلح، أمّ أحمد الصّالحيّة. [المتوفى: 661 هـ]
روت عن عمر بْن طَبَرْزَد، روى عَنْهَا: ابن الخباز، وابن الزّرّاد، وابنها الشّيخ محمد البجّديّ، وغيرهم، وماتت في الثّامن والعشرين من ذي الحجّة.(15/42)
23 - عتيق بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بن رَشيق، أبو بكر التَّغْلبيّ، البيّاسيّ. [المتوفى: 661 هـ]
أخذ عن: أبيه، وأبي الخطاب بن واجب، وأبي بكر بن حسنون، وأبي محمد بن حَوْط الله، وقرأ عليهم.
أخذ عنه ابن الزُّبَيْر بمُرْسِية، وقال: مات في ذي الحجّة سنة إحدى وستّين.(15/42)
24 - عليّ بن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الله بن طلحة، أبو الحَسَن المقدِسيّ الأصل، الدّمشقيّ الحنبليّ. [المتوفى: 661 هـ]
روى عن: أبي طاهر الخُشوعيّ، وحَنْبَل المكبّر، وكان إنساناً مباركاً، خيرا ً، روى عنه: الدمياطي، وابن الخباز، وابن الزراد، محمد ابن المحبّ، وأبو بكر القطّان، وآخرون، ومات في أوائل رجب ودُفِن بالصّالحيّة.(15/42)
25 - عليّ بن شُجاع بن سالم بن علي بن موسى بن حسّان بن طوق بن سَنَد بن عليّ بن الفضل بْن عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ بْن موسى بْن عِيسَى بْنُ مُوسَى بْن مُحَمَّد بْن عَلِيٍّ بْن عَبْد اللَّه بن عبّاس، الشّيخ الإمام كمال الدّين أبو الحسن بن أبي الفوارس الهاشمي العباسي المصري المقرئ الشّافعيّ الضّرير. [المتوفى: 661 هـ]
مُسْند الآفاق في القراءات، فإنّه قرأ القراءات السّبعة مفردًا لكل رُوَاة [ص:43]
الأئمَّة سوى رواية اللّيْث عن الكِسائيّ، وجامعًا لهم إلى سورة " الأحقاف "، على حميِّه الإمام أبي محمد بن فيرُّه الشّاطبيّ، ومات الشّاطبيّ رحمه الله وللكمال الضّرير ثمانية عشر عامًا، وتزوَّج من بعد موته بابنته، ثمّ قرأ القراءات على أبي الْجُود بالطُّرُق السّبعة , ويعقوب، وغير ذلك، وقرأ قبل وفاة الشّاطبيّ للسّبعة على أبي الحسن شجاع بن محمد بن سيّدهُم المُدلجي صاحب ابن الحُطَيْئَة.
وتفقّه على أبي القاسم عبد الرحمن ابن الورّاق، وغيره، وقرأ النَّحْو على أبي الحُسَين يحيى بن عبد الله النَّحْويّ، وسمع الكثير ولاسيما في أثناء عُمُره من: الشّاطبيّ، وشجاع المُدْلجِيّ، وهبة الله بن عليّ البُوصيريّ، وأبي الفضل الغَزْنَويّ، وأبي عبد الله الأَرْتَاحيّ، والمطهّر بن أبي بكر البَيْهَقيّ، وأبي نزار ربيعة بن الحسن، وعبد الرحمن مولى ابن باقا، ومحمد بن عبد المولى ابن اللبنيّ، وأبي الحسين محمد بن أحمد بن جُبَيْر الكِنانيّ البَلَنْسيّ، وقد سمع من ابن جُبَيْر " التَّيْسير " عن عليّ بن أبي العَيْشِ، عن ابن الدُّش، عن المصنِّف، وسمعه أيضًا من الشّاطبيّ، وسمع " الشّاطبيّة " وصحّحها دروسًا عليه، وروى بالإجازة العامّة عن السِّلَفيّ كتاب " المستنير "، بسماعه لمُعْظَمِه عن مُصَنِّفه ابن سوار، وإجازته لباقِيه، وروى " التَّجْريد " لابن الفحّام تلاوة وسماعًا عن سماع، وسمعه من القاضي أبي المحاسن يوسف بن شداد، بروايته سماعًا عن يحيى بن سعدون القُرْطُبيّ، عن المصنِّف، وروى " التّذكار " لابن شِيطا، عن أبي بكر عبد الرحمن بن أحمد بن باقا، قدم عليهم قال: أخبرنا علي بن أبي سعد الخباز قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد الباقرحي قال: أخبرنا المصنِّف.
وله سماعاتُ كُتُبٍ كثيرة وفضائل، تصدَّر للإقراء بجامع مصر وبمسجد ابن موسك بالقاهرة، وقرأ عليه خلقٌ كثير، وطارَ ذِكره ورحل إليه من النّواحي، وتفرَّد في عصره وإليه انتهت رياسة الإقراء وعلوُّ إسنادها، وكان أحد الأئمّة المشاركين في فُنُون العِلْم، مع ما جُبِل عليه من حُسن الأخلاق والتّواضع ولِين الجانب، والتَّوَدُّد، والصَّبر على الطَّلَبة، والسّعْي التَّامّ في مصالحهم بكلّ ممكن.
قرأ عليه القراءات: الإمام أبو عبد الله محمد بن إسرائيل القصّاع، والشّيخ [ص:44]
حسن بن عبد الله الرّاشديّ، وشمس الدّين محمد بن منصور الحاضريّ، والشّيخ نصر المَنْبِجيّ، والحافظ شرف الدّين الدّمياطيّ، وبرهان الدّين إبراهيم الوزيريّ، وطائفة سواهم. وروى عنه: الشّيخ داود الحريري، والعماد محمد ابن الجرائديّ، والشّيخ شعبان والزَّين عبد الرّحيم البغداديّ، وعلم الدّين سنجر الدواداري، وإسحاق ابن الوزيريّ، والشّرف محمد بن عبد الرحيم بن مسكين، وخلقٌ في الأحياء.
تُوُفّي في سابع ذي الحجّة، وكان مولده في سابع شعبان من سنة اثنتين وسبعين بالمعتمديّة، قرية من أعمال الجيزة.(15/42)
26 - عمر بن عبد الغنيّ بن فتيان الجدياني المؤذن. [المتوفى: 661 هـ]
سمع: ابن الزبيدي، وابن اللّتّيّ، ومات في ربيع الآخر، لم يُكْمِل الأربعين، كتب عنه ابن الخبّاز وغيره.(15/44)
27 - القاسم بن أحمد ابن الموفَّق بن جعفر، الإمام العلّامة ذو الفنون، عَلَمُ الدّين أبو محمد المُرسيّ اللّورَقيّ المقرئ النَّحْويّ، ومنهم من سمّاه: أبو القاسم محمد، والأول أصح. [المتوفى: 661 هـ]
ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وقرأ القراءات سنة ثمانٍ وتسعين وبعدها على أبي جعفر أحمدُ بْن عليّ بْن يَحْيَى بْن عَون الله الحصّار، وأبي عبد الله محمد بن سعيد المُراديّ المُرسيّ، والقاضي أبي عبد الله محمد بن نوح الغَافِقيّ البَلَنْسيّ، عن قراءتهم على ابن هُذَيْل، وقرأ بمصر القراءات على أبي الْجُود، وبدمشق على الكِنْديّ وابن باسويه، وأحكم العربيّة وبرع فيها، واجتمع بالْجَزُولي وسأله عن مسألة من مقدّمته، وسمع ببغداد من أبي محمد بن الأخضر، وبحلب من الافتخار الهاشميّ، وبدمشق من الكِنْديّ، وقرأ عليه " كتاب سِيبَوَيْه " بكماله، واشتغل ببغداد أيضًا على الشّيخ أبي البقاء، وقرأ علم الكلام والأصلين والفلسفة، وكان خبيرًا بهذه العلوم، قائمًا عليها، مقصودًا بإقرائها.
ولي مشيخة التُّربة العادليّة الّتي شرْطها القراءات والنَّحْو، ودرّس بالعزيزيّة نيابة، وصنَّف شرحًا مختصرًا " للشّاطبيّة " وشرح " المفصّل " [ص:45]
للزَّمَخْشَريّ في عدّة مجلدّات وما قصّر فيه. " وشرحًا " للجَزُوليّة وغير ذلك.
وكان مليح الشّكل، حسن البزة، إماماً كبيراً، مهيباً، متفنناً. وقد عزم على الرحلة إلى الفخر ابن الخطيب فبلغه موته، وكان له حلقة إشغال.
وهو كان الحكم بين أبي شامة والشّمس أبي الفتح في أيُّهما أوْلى بمشيخة التُّربة الصّالحيّة، والقصّة معروفة، فرجّح أبا الفتح بعض الشّيء، وقيل: لم يرجحه، بل قال: هذا رجلٌ يدري القراءات، وقال عن أبي شامة: هذا إمام، فوقعت العناية بأبي الفتح.
وقد ذكره أبو شامة في " تاريخه " وما أنصفه، فقال: في سابع رجب تُوُفّي العلم أبو محمد القاسم بن أحمد بن أبي السّداد المغربيّ النَّحْويّ، وكان معمّرًا، مشتغلًا بأنواع من العلوم على خَلَلٍ في ذهنه.
قلت: قرأ عليه القراءات: سبطه بهاء الدّين محمد ابن البِرزاليّ، والشّيخ أبو عبد الله القصّاع، وبرهان الدّين الإسكندرانيّ، وشهاب الدّين حسين الكفْريّ، وعلاء الدّين عليّ الكِنْديّ لكنّه نسي - أعني الكِنْديّ - وحدَّث عنه العماد ابن البالسيّ، وغيره.(15/44)
28 - قاسم بن بركات بن أبي القاسم، أبو محمد ابن القَيْسرانيّ، المصريّ البزّاز العدْل، ويُعرف بعزّ القُضاة. [المتوفى: 661 هـ]
روى عن أبي عبد الله بن عبدون البنّاء، ومات بالقاهرة في تاسع صَفَر، وله تسعٌ وسبعون سنة.(15/45)
29 - محمد بن أحمد بن عنتر، الصَّدر شَرَفُ الدّين الدّمشقيّ. [المتوفى: 661 هـ]
ولي حسْبة دمشق في أيّام هولاوو، فطُلب لذلك إلى مصر وهُدِّد.
تُوُفّي في صفر، وهو والد شيخنا المعمر أبي بكر.(15/45)
30 - محمد ابن القدوة الإمام شيخ خراسان سيف الدّين سعيد بن المطهَّر الباخَرْزيّ، الإمام جلال الدّين [المتوفى: 661 هـ]
نزيل بخارى. [ص:46]
مات في جمادى الأولى، ودُفِن بجنْب أبيه، وله ستٌّ وثلاثون سنة.(15/45)
31 - محمد بن عبد الرّحيم الدّمشقيّ الشُّرُوطيّ العدْل، شهاب الدّين ابن الضّياء، المعروف بأجير البهاء، الشّريف. [المتوفى: 661 هـ]
كان بارعًا في كتابة الشُّرُوط، انتهت إليه معرفة ذلك، ولم يكن يشهد على القضاة لاستغنائه بصناعته، وكان صاحب حظْوة.
تُوُفّي عَشْر السّتّين في رجب بدمشق.(15/46)
32 - محمد بن نصر الله بن المظفَّر بن أسعد بن حمزة بن أسد، الصّدر جمال الدّين أبو الفضل التّميميّ الدّمشقيّ ابن القلانسيّ، [المتوفى: 661 هـ]
ابن أخي مؤيّد الدّين.
وُلِد سنة ستٍّ وستّمائة،
وَحَدَّثَ عَنْ: الكِنْديّ، وابن الحَرَستانيّ، وغيرهما.(15/46)
33 - مظفر بن علي بن الحسن ابن سنيّ الدولة، العدل عماد الدّين ابن بهاء الدّين ابن عم قاضي القُضاة صدر الدّين، الدّمشقيّ الشُّرُوطيّ. [المتوفى: 661 هـ]
تُوُفّي في رجب.(15/46)
34 - يحيى بن فضل الله، الشّيخ شَرَفُ الدّين ابن السّيسيّ، [المتوفى: 661 هـ]
إمام المدرسة الصّالحيّة النَّجْميّة بالقاهرة.
كان من أصحاب الشّيخ عَلَم الدّين السَّخَاويّ، وهو أوّل من أمَّ بالدَّار الأشْرفيّة، ثمّ سكن مصر.(15/46)
35 - يحيى بن أبي حامد محمد ابن قاضي القضاة أبي القاسم عبد الملك عيسى بن درباس، المارانيّ المصريّ الشّافعيّ. [المتوفى: 661 هـ]
سمع من عبد العزيز بن باقا، ومات في المحرَّم.(15/46)
36 - يعقوب بن عبد الله، المقدسيّ، [المتوفى: 661 هـ]
تربية البدويّ، أخو أحمد بن عبد الله. [ص:47]
روى عن: شيخه عبد الله بن عبد الجبار البدوي، وحنبل، وابن طبرزد.
مات في رجب بالقاهرة، وكتب عنه الطلبة.(15/46)
37 - أبو بكر الدَّيْنَوَريّ، الرجل الصّالح صلاح الدّين صاحب الشّيخ عزيز الدّين عمر الدينوري. [المتوفى: 661 هـ]
وهو الّذي بنى له الزّاوية بالصّالحيّة، وصار هو وجماعته يذكرون فيه عقِب الصُّبْح بأصواتٍ طيّبة، فلمّا مات الشّيخ رحمه الله بقي الصّلاح يقوم بعْدَه بهذه الوظيفة، وعاش إلى هذا الوقت، ومات في ذي القعدة.(15/47)
38 - أبو الهيجاء بن عيسى بن خشترين، الأمير الكبير مجير الدّين ابن الأمير الكبير حسام الدّين الكردي. [المتوفى: 661 هـ]
كان أحد الشجعان وله اليدُ البَيْضاء يوم عين جالوت، ثمّ رتّبه الملك المظفّر قُطُز مُشارِكًا للحلبيّ في نيابة دمشق في الرّأي والتّدبير، وكان أبوه أكبر أمير عند الملك الظّاهر صاحب حلب.
تُوُفّي مُجِير الدّين في شعبان بدمشق.(15/47)
39 - ملك الفرنج الفَرَنْسيس، [المتوفى: 661 هـ]
الّذي قصد دمياط نَوْبَة المنصورة.
كان مُتَّسع الممالك، كثير الجيوش والبلاد، عالي الهِمَّة، ذا رأي ودهاء وأموالٍ وحَشَم، أسره المسلمون يوم المنصورة فقِّيد وحُبِس في دارٍ كان ينزلها فخر الدّين ابن لُقْمان الكاتب، ورسّم عليه الطّواشيّ صبيح المعظَّميّ، ثمّ استفَكّ نفسَه بأموالٍ عظيمة، وفي ذلك يقول ابن مطروح:
وقل لهم إنْ أضمروا عَوْدةً ... لأخذ ثأرٍ أو لقصدٍ صحيح
دارُ ابن لقمان على حالها ... والقيد باقٍ والطواشي صبيح
وكان هذا الملعون في همّته أن يستعيد القدس، وكان هلاكه بظاهر مدينة تونس، فإنّه قصدها وبها المستنصر بالله محمد بن يحيى بن عبد الواحد، وكاد أن يملكها، فأوقع الله الوباء في جيشه فهلك هو وجماعةٌ من ملوك الفرنج [ص:48]
ورجع الباقون خائبين، وقيل: إن أهل تونس تحيّلوا حتّى سمّوه، وأراح الله الإسلام منه.
ولقد كاد أن يستولي على إقليم مصر، فإنّه نَازَل دِمياط، فهرب منه العسكر الّذي تجاهها لحِفْظها، فلمّا رأى المقاتلة الّذين بها وأهلها هروب العسكر تبِعُوهم هاربين تحت اللّيل، بحيث أنّ دمياط أصبحت وما بها أحد، وتسلَّمتها الفرنج بلا ضربةٍ ولا طعنةٍ ولا امتناع لحظةٍ بذخائرها وعدّتها وخيرها، وكان ما قد ذكرناه من الحوادث، فبقيت في أيديهم نحواً من سنةٍ ونصف، والفرنسيس ويُدعى ريذافرنس، نازل بجموعه يحامي عنها والمسلمون منازلوه مدَّةً طويلة، يستظهر عليهم ويستظهرون عليه، إلى أن كان الظَّفر للإسلام آخر شيء وقُتِل خلائق من الفرنج لا يحصون، ووقع هو في أسر المسلمين، ثم استفك نفسه بدمياط وبجملةٍ من الذهب.
قال ابن واصل: دخل إليه حسام الدّين ابن أبي علي وهو مقيد بالمنصورة فحاوره طويلاً حتى وقع الاتفاق على تسليم دمياط، ويُطلق هو ومن معه من كبراء الفرنج، فحكى لي حسام الدّين، قال: كان فَطِنًا عاقلًا، قلت له: كيف خطر للملك مع ما رأى من عقله وفضله وصحّة ذِهنه أن يُقْدِم على خشب، ويركب في هذا البحر، ويأتي هذه البلاد المملوءة من عساكر الإسلام، ويعتقد أنّه يحصل له تملُّكها، وفيما فعل غاية الغَرر؟ فضحك ولم يُحِرْ جوابًا، وقلت: ذهب بعض فُقهائنا أنّ من ركب البحر مرّةً بعد أخرى مغرّرًا بنفسه أنّه لا تُقْبَل شهادته؛ لأنّه يستدلّ بذلك على ضعف عقله، قال: فضحك، وقال: لقد صدق هذا القائل وما قصّر فيما حكم به.
ولما أفرج عن ريذافرنس وأصحابه أقلعوا إلى عكّا، وأقام بالسّاحل مدّةً وعمّر قَيْسَاريّة، ثمّ رجع إلى بلاده وأخذ يجمع ويحشد إلى هذا الزّمان، وأراد قصد بلاد الإسلام ثانيًا، ثمّ فتر عن قصْد مصر وقصد بلد إفريقية؛ ذلك أنّه مَن مَلَك بلاد المغرب تمكّن من قصد مصر في البرّ والبحر، ويسهُل عليه [ص:49]
تملُّكها، فنازل تونس إلى أن كاد يملكها، ولكنّ وقع الوباء في جيشه فهلك هو وجماعةٌ من ملوكهم، كما ذكرنا.(15/47)
-وفيها وُلِد:
شيخنا تقيّ الدّين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم ابن تَيْميَّة الفقيه بحَرّان يوم الإثنين عاشر ربيع الأوّل، ومجد الدّين محمد بن محمد سِبْط ابن الحُبوبي في رجب، والنَّجم محمد بن إبراهيم بن عبد الغنيّ بن سليمان بن بَنِين المصريّ؛ يروي عن النَّجِيب، والزَّين عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن ابن القيراط، والنفيس سلامة ابن أمين الدّين ابن شُقَيْر في شعبان، والتَّقيّ سليمان بن عبد الرّحيم بن أبي عبّاس الصّالحيّ العطّار، وعبد الرحمن محمد بن عبد الحميد المقدسيّ.(15/49)
-سنة اثنتين وستين وستمائة(15/50)
40 - أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن علوان بن عبد اللَّه بْن عُلْوان بْن رافع، قاضي حلب كمال الدّين أبو العبّاس وأبو بكر وُلِدَ الإمام قاضي القضاة بحلب زين الدّين ابن المحدث الإمام الزاهد أبي محمد ابن الأستاذ الحلبيّ الشّافعيّ. [المتوفى: 662 هـ]
وُلِد سنة إحدى عشرة وستّمائة، وسمع حضورًا من الافتخار الهاشميّ، وسمع من: ثابت بن مشَّرف، وجدّه أبي محمد بن علْوان، وابن رُوزبة، وطائفة.
وحدَّث وأفتى ودرّس وأقام بمصر بعد أخْذ حلب، ودرّس بالمدرسة المعِّزية بمصر وبالهكّارية بالقاهرة.
وكان صدرًا مُعظَّمًا وافر الحرمة، مجموع الفضائل، صاحب رياسة ومكارم وأفضال وسُؤدُد وتواضُع، ولي القضاء مدّةً فحُمدت سيرتُه.
روى عنه أبو محمد الدّمياطيّ، وكان يدعوا له، لِمَا أوْلاه مِنَ الإحسان.
وسمع منه الطَّلَبة المصريّون، وولي قضاء حلب بعد موت والده، وكان ذا مكانةٍ عظيمة عند الملك الناصر وكلمته نافذة، فلمّا خرِبت حلب أُصيب بأهله وماله، واللهُ يعظّم أجْرَه، وسَلِمت نفْسُه، فأتى مصر ودرّس بها إلى أن ولي قضاء حلب، فأتاها في صدر هذا العام.
تُوُفّي ليلة نصف شوّال.(15/50)
41 - أحمد بن عِمران، الرّئيس نجمُ الدين الباجَسرْائيّ، [المتوفى: 662 هـ]
ناظر سواد العراق للمُغْل.
قتلوه في جُمَادى الآخرة، وكان نُصَيْرِيًّا ظاهر الفِسْق.(15/50)
42 - أحمد بن محمد بن صابر بن محمد بن صابر بن منذر، الحافظ المُتْقِن، ضياء الدّين أبو جعفر القَيّسيّ الأندلُسيّ المالقيّ. [المتوفى: 662 هـ]
وُلِد بمالقة سنة خمسٍ وعشرين وستّمائة.
وسمع الكثير ببلاد المغرب، [ص:51]
وحجّ، وسمع بمصر، وقدِم دمشق فسمع من أصحاب يحيى الثّقفيّ، وكتب بخطّه الكثير، وكان سريع الكتابة والقراءة، شديد العناية بالطّلب، كثير الفوائد، ديِّنًا، فاضلًا، جيّد المشاركة في العلوم.
كتب عنه الشّريف عزّ الدّين، وآحاد الطَّلَبَة، ومات شابًّا في ثامن شعبان بالقاهرة.(15/50)
43 - إبراهيم بن مكّيّ بن عمر بن نوح، الرّئيس الصّدر ضياء الدّين، أبو إسحاق المخزوميّ الدّمامينيّ الكاتب. [المتوفى: 662 هـ]
تقلّب في الخِدَم الدّيوانيّة، وحدَّث عن: أبي الحسن علي ابن البنّاء.
وُلِد بدمامين من الصَّعيد سنة أربعٍ وثمانين، ومات ببُلْبَيس سنة اثنتين في ذي الحجّة.(15/51)
44 - إبراهيم بن محمود بن موسى بن أبي القاسم، أبو إسحاق الكُرْدِيّ، الضّرير، الهذبانيّ. [المتوفى: 662 هـ]
وُلِد سنة أربع وسبعين تقديرًا، وسمع من عبد الخالق بن فيروز الجوهريّ، وحدَّث بالقاهرة ودمشق، وهو من شيوخ الدِّمياطيّ.
تُوُفّي ببعض قُرى القاهرة في الحادي والعشرين من رجب.
روى عنه يوسف بن عمر الخَتَنيّ.(15/51)
45 - إسماعيل بن صارم بن عليّ بن عزّ بن تميم، أبو الطّاهر الكِنانيّ، العسقلانيّ ثمّ المصريّ الخيّاط. [المتوفى: 662 هـ]
روى عنه جماعة المصريّين، وكان عالي الإسناد، حدث عن: البُوصيريّ، وإسماعيل بن ياسين، وفاطمة بنت سعد الخير. روى عنه: الدمياطي، وشعبان الإربلي، وقطب الدّين ابن اليونيني، وعلم الدّين الدوادري، والأمين عبد القادر الصعبي، ومحمد بن محمد ابن القواس، وطائفة سواهم.
وبلغني أنّه شَنَق نفْسَه. [ص:52]
تُوُفّي في تاسع جُمَادى الأولى.(15/51)
46 - أيّوب بن محمود بن سيما، المحتسب، تاج الدّين الدّمشقيّ. [المتوفى: 662 هـ]
قد ذكرناه في السّنة الماضية على ما ورّخه الدّمياطيّ، والشّريف.
وقال الإمام أبو شامة، وغيره: تُوُفّي سنة اثنتين وستين في شعبان، فالله أعلم.(15/52)
47 - بهرام، أبو الفضل، عتيق مؤيد الدّين ابن عساكر. [المتوفى: 662 هـ]
روى عن عمر بن طَبَرْزَد، ومات في العشرين من صفر، ودُفِن بسفْح قاسيون، قاله الشريف في " الوفيات "، ولا أعرفه.(15/52)
48 - حُسين بن محمد بن أبي عَمْرو، أبو علي الإسكندرانيّ المالكيّ الفقيه. [المتوفى: 662 هـ]
درّس وأفتى، وحدَّث عن: أبي الحسن بن المفضَّل، ومات في رمضان بالثغر.(15/52)
49 - خَضِر بن غزّيّ بن عامر، أبو العبّاس الأنصاريّ الشّارعيّ المؤدّب. [المتوفى: 662 هـ]
وُلِد ببُلْبَيس سنة أربع وثمانين وسمع في كهولته من مكرَّم القُرشيّ.
كتب عنه الشّريف عزّ الدّين وغيره، ومات في ربيع الآخر.(15/52)
50 - السّديد، شيخ الرّافضة بالحِلَّة وفقيهُهُم، واسمه أبو عليّ بن خَشْرَم الحِليّ. [المتوفى: 662 هـ]
مات في هذه السّنة وقد جاوز الثّمانين، ودفنوه بمشهد عليّ رضي الله عنه.(15/52)
51 - سليمان بن أحمد بن يوسف، أبو الربيع المُرَاكشيّ. [المتوفى: 662 هـ][ص:53]
سمع بمكة من السهروردي. وحدَّث بالقاهرة، ومات بالإسكندريّة في جُمَادى الآخرة.(15/52)
52 - سليمان بن المؤيَّد بن عامر المقدِسيّ العَقْربائيّ الطّبيب، الزَّين الحافظيّ. [المتوفى: 662 هـ]
رئيس فاضل، حَسَن المشاركة في الأدب والعِلْم، زِنْدِيق، خدم المَلك الحافظَ صاحبَ جَعْبَر بالطّبّ، وإليه يُنْسَب، ثمّ خدم الملك النّاصر يوسف، وارتفعت منزلته، وأُعطي إمْرةً وطبلخاناه من التّتار.
حدَّثني الرّشيد الرّقيّ الأديب، قال: كنت أقابل معه في " صحاح الجوهريّ " فلمّا أمّروه قلت، وأنشدته:
قيل لي: الحافظيّ قد أمّروه ... قلت: ما زال بالعلاءِ جديرا
وسُلَيمان من خصائصه المُلْـ ... ـكُ فلا غَرْوَ أن يكونَ أميرا
وقال قُطْب الدّين: فيها قُتِل الزَّين الحافظيّ بين يدي هولاكو في أواخرها بعْد أنْ أحضره وقال: قد ثبت عندي خيانتُك وتلاعُبُك بالدُّول خدمتُ صاحبَ بَعْلَبَكّ طبيبًا، وصاحبَ قلعة جَعْبَر الحافظ، والملكَ النّاصرَ، فخُنْتَ الجميع، ثمّ انتقلتَ إليَّ، فأحسنتُ إليك، فشَرَعْتَ تُكَاتِبُ صاحبَ مصر وعدَّدَ ذُنُوبَه ثمّ قتله وقتل أولاده وأقاربه، وكانوا نحوًا من خمسين، ضُرِبت أعناقُهم.
وكان من أسباب قتله كتبٌ سعى الملك الظّاهر في إرسالها إليه من مصر بحيث وقعت في يد هولاكو، وأمّا خيانته في الأموال وأخْذه البرطيل وجناياته في الإسلام فكثيرة، يعني أيّام التّتار بدمشق، قال: ولم تكن الإمرة لائقة به.
وللموفَّق أحمد بن أبي أُصيبعة فيه:
وما زال زَيْنُ الدّين في كُلِّ منصبٍ له ... في سماء المجد أعلى المراتبِ
أميرٌ حَوَى في العِلْم كلَّ فضيلةٍ ... وفاقَ الوَرَى في رأيِهِ والتّجاربِ
إذا كان في طب فصَدْرُ مجالسٍ ... وإنْ كان في حربٍ فقلبُ الكتائبِ
ففي السَّلْمِ كم أحْيى وليًّا بطبِّه ... وفي الحربِ كم أفنى العِدَى بالقواضبِ [ص:54]
قال الموفَّق: وما زال في خدمة الملك النّاصر، فلمّا جاءت التّتار بعثه رسولًا إلى هولاوو فأحسن إليه، واستمالوه حتّى صار جهتهم ومازجهم، وتردَّد في المراسلة، وطمَّع التّتار في البلاد، وصار يهِّول على الناصر أمرهم ويفخم مملكتهم، فلمّا ملكوا دمشق جعلوه بها أميرًا وكانوا يدعونه الملك زَيْن الدّين.
ومات في عَشْر السّبعين وهو ممّن قرأ على الدّخوار.
فمن تحيُّل الملك الظّاهر عليه أنّه استدعى أخاه العماد أحمد الأشتر من دمشق ثمّ أنعم عليه، وقرَّر له في الشهر خمسمائة دِرْهم، وأمره أن يكتب إلى أخيه كتابًا يعرّفه فيه نيّة السّلطان له، وأنّه ما له عنده ذَنْب، وأنّه كارهٌ لإقامته عند التّتار، ويلتمس أن يكون مِناصحًا له، فلمّا وصلت إليه الكُتُب حملها إلى هولاكو وقال: إنّما قصد الظّاهر أن يغيّرك عليّ: فتأذَن لي أنْ أكاتب أمراءه لأكيده، فلم يرَ هولاكو ذلك، ثم تخيل منه.(15/53)
53 - صالح بن أبي بكر بن أبي الشّبل بن سلامة بن شبل، القاضي الإمام أبو التُّقَى المقدِسيّ، ثمّ المصريّ السَّمنُّوديّ الشافعيّ [المتوفى: 662 هـ]
قاضي حمص.
شيخ، عالمٌ، دين، خيِّر، مؤثر، مشكور، مُسِنّ، معمّر، حَسَن السّيرة.
وُلِد سنة سبعين وخمسمائة بمصر، وسمع ببغداد: من الحسين بن سعيد بن شنيف، وبدمشق من: الكِنْديّ، وابن الحَرَستانيّ، وابن ملاعب.
وكتب عنه ابن الحاجب سنة اثنتين وعشرين، وبقي مدّة طويلة في قضاء حمص، روى عنه: الدّمياطيّ، ومحمد بن محمد الكنجي، والمجد ابن الحُلْوانيّة، والتّاج الْجَعْبَريّ الحاكم، وغيرهم.
ومات في صفر، وقيل: في المحرم.(15/54)
54 - عبد العزيز ابن القاضي أبي عبد الله مُحَمَّد بن عَبْد المحسن بن مُحَمَّد بن منصور بن خلف، الإمام العلّامة شيخ الشّيوخ شرف الدّين أبو محمد الأنصاريّ الأَوْسيّ الدّمشقيّ ثمّ الحمويّ الشافعيّ الأديب الصّاحب ابن قاضي حماة ويُعرف بابن الرّفّاء. [المتوفى: 662 هـ][ص:55]
ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة بدمشق، ورحل به والده وهو صبيّ، فسمّعه " جزء ابن عرفة، من ابن كليب، و " المسند " كلَّه من عَبْد اللَّه بن أَبِي المجد الحَرْبِيّ، وحدَّث بالْجُزء نحوًا من ستّين مرّة بدمشق، وحماة، وبَعْلَبَكّ، ومصر، وروى " المُسْنَد " غير مرّة، قرأه عليه الشّيخ شَرَفُ الدّين الفَزَاريّ وغيره، وقرأ الكثير من كُتُب الأدب على أبي اليُمن الكِنْديّ، وسمع منه أيضًا، ومن: أبيه، وأبي الحسن عليّ بن محمد بن يعيش الأنباريّ، وأبي أحمد بن سُكَيْنَة، ويحيى بن الرّبيع الفقيه، وتفقّه وبرع في العِلْم والأدب والشّعر، وكان من أذكياء بني آدم المعدودين، وله محفوظات كثيرة، وسكن بَعْلَبَكّ مدّة، وسمع بها من البهاء عبد الرحمن، وحدَّث معه، وسكن دمشق مدّةً، ثمّ سكن حماة.
وكان صدرًا محتشمًا، نبيلًا، معظَّمًا، وافر الحُرْمَة، كبير القدر. روى عنه: الدّمياطيّ، وأبو الحسين ابن اليونيني، وأبو العباس ابن الظّاهريّ، وقاضي القُضاة أبو عبد الله بن جماعة، وأبو عبد الله ابن الفخر البَعْلَبَكّيّ، وأبو محمد عبد الخالق بن سعيد، وأبو محمد صالح بن ثامر قاضيا بَعْلَبَكّ، وأبو العبّاس الفَزَاريّ خطيب دمشق، وأبو المظفر موسى ابن اليونيني، وأبو الفضل الأسَديّ الصّفّار، وأبو الخير محمد ابن المجد عبد الله، وأخوه محمد، وأبو محمد إبراهيم بن داود المقرئ، وأبو العبّاس أحمد بن فرج اللَّخْميّ، وأبو الفتح نصر بن سليمان المنبجي، وأبو عبد الله ابن الزّرّاد، وأبو المظفّر يوسف ابن قاضي حرّان، وخلْق سواهم.
وقد قرأتُ له عدّة قصائد على تاج الدّين عبد الخالق، قرأها عليه، ومن شعره:
شرحت لوجدي في محبتكم صدراً ... وصبرني صحبي فلم أسْتَطِع صَبْرا
وقلتُ لعُذّالي: أَلَمْ تَعْرِفُوا الهَوَى ... لقد جئتم شيئًا بعذْلِكُم نُكْرا
لَعَمْري لقد طاوعتُ رائدَ لَوْعَتي ... عليكم وما طاوعتُ زيدًا ولا عَمْرا
خليليَّ ها سقط اللَّوَى قد بدا لنا ... فلا تقطعاه بل قِفَا نَبْكِ من ذِكْرى
فيا يوسُف الحُسْنِ الّذي مُذْ علقته ... بسيْارة من فكرتي قلت: يا بُشْرى [ص:56]
بدا فاسْتَرقّ العالمينَ جمالُه ... فمن أجلِ هذا جل بالبخ أنّ يُشْرى
لقد حَلَّ من سرّي بوادٍ مقدِّسٍ ... ليقبس من قلبي الكليمِ به جَمْرا
وأَذْكَرَ آيات الخليلِ عِذَارُهُ ... بجنّتِه الخضراء في ناره الحمرا
وأجَّج كَرْبي فترةٌ من لِحاظِه ... فأرسلت دمعاً حرم النوم والصبرا
فلا تعجبوا للسَّيفِ والسَّيل واعجبوا ... لأجفانه الوَسْنَى ومُقْلَتي العَبْرا
وتُوُفّي في ثامن رمضان.(15/54)
55 - عبد الكريم بن عَبْد الصَّمَد بن مُحَمَّد بن أَبِي الفضل بن عليّ الإمام القاضي الخطيب عماد الدّين أبو الفضائل الأنصاريّ الخَزْرجيّ الدّمشقيّ الشّافعيّ ابن الحَرَستانيّ. [المتوفى: 662 هـ]
وُلِد في سابع عشر رجب سنة سبعٍ وسبعين وخمسمائة بدمشق، وسمع من أبيه قاضي القُضاة جمال الدّين، ومن: الخُشوعيّ، والبهاء ابن عساكر، وحنْبل، وابن طَبَرْزَد، وغيرهم، وتهاوَن أبوه وفوَّته السّماع من يحيى الثّقفيّ وطبقته، والسّماع رزْق، وتفقّه على والده وبَرَع في المذهب، ودرّس وأفتى وناظَرَ.
وولي قضاء القُضاة بعد والده من جهة السّلطان الملك العادل، وقد ناب عن والده في القضاء ثمّ عُزِل؛ ودرّس بالغزاليّة مدّةً وولي الخطابة مدّة، وكان من كبار الأئمّة وشيوخ العِلْم، مع التّواضع والدّيانة وحُسْن السَّمْت والتَّجمُّل، وولي مشيخة الأشرفيّة بعد ابن الصّلاح.
روى عنه: الدِّمياطيّ، وبرهان الدّين الإسكندرانيّ، وابن الخباز، وابن الزراد، وناصر الدّين ابن المهتار، ومحمد ابن المُحِبّ، ومُحيي الدّين إمام المشهد، والكمال محمد بن نصر الله الكاتب ابن النّحّاس، وآخرون.
ومات في التّاسع والعشرين من جُمَادى الأولى.(15/56)
56 - عبد الملك بن نصر بن عبد الملك بن عتيق بن مكّيّ، الشّيخ الإمام شَرَفُ الدّين، أبو المجد القُرَشيّ الفِهّريّ المقرئ النَّحْويّ. [المتوفى: 662 هـ]
وُلِد بالإسكندريّة سنة تسعٍ وسبعين وخمسمائة، وسمع من أبي الحسن [ص:57]
الحافظ، واشتغل بالأدب وبرع فيه، وأقرأ مدّةً، واشتهر باللُّغَة والنَّحْو، وانتفع النّاس به، وحدَّث، كتب عنه الشّريف، وقال: تُوُفّي في رابع عشر ربيع الأوّل بمصر.(15/56)
57 - عَبْد المنعم بْن أبي بَكْر بْن أَحْمَد، القاضي أبو الفضل الدّمشقيّ الدّقّاق. [المتوفى: 662 هـ]
حدَّث عن: حنبل، ومات في صفر، قاله الشّريف.(15/57)
58 - عبد الوهاب بن عبد العزيز بن عبد الوهّاب بن مَهّدِيّ، العدْل أبو محمد الدَّمَراويّ. [المتوفى: 662 هـ]
روى عن حمّاد الحَرّانيّ، ومات بالإسكندريّة في ثاني عشر جُمَادى الأولى.
لا أعرفه، ثمّ وجدت أنّ الشّيخ شعبان روى لنا عنه.(15/57)
59 - عثمان الفخر المصريّ، المعروف بعَيْن غَيْن. [المتوفى: 662 هـ]
قال أبو شامة: جاءنا الخبر من مصر بوفاته.
قلت: وكان لنا صاحبٌ فقيهٌ حجَّ عام حَجَجْتُ وكان كثير التّحصيل، واسمه الفخر عثمان المصريّ، لقّبه ابن الوكيل عَيْن غَيْن لصِغَر عينه الواحدة، مات في حدود السبعمائة.(15/57)
60 - عفيف الدّين ابن أبي الفوارس. [المتوفى: 662 هـ]
شابٌ فاضل متميز في الكتابة، حاذقٌ بالحساب، مطبوعٌ، ماهر.
ولي عمالة الجامع، وعمالة الأيتام معًا، فعَاجَلَتْه المَنِيّة، ودفنه أبوه المسكين بالتُّربة الّتي أنشأها لنفسه في حائط بستانه المجاور للشِّبْليَّة الخانكاه، ثمّ صار البستان والتُّربة إلى عز الدّين ابن السُّوَيديّ فدُفِن بالتُّربة أيضًا.
تُوُفّي العفيف في رجب، وهو أخو نجم الدّين عامل الصّدقات الآن.(15/57)
61 - علي بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عليّ بن منصور بن مؤمّل، المحدِّث العالم ضياء الدّين أبو الحسن ابن البالِسيّ المعدّل الخطيب. [المتوفى: 662 هـ]
وُلِد سنة خمسٍ وستّمائة بدمشق، وأُسْمِع من: حمزة بن أبي لُقْمة، وأبي محمد ابن البنّ وغيرهما، وأجاز له التّاج الكِنْديّ، وغيره، وطلب الحديث، وسمع من: زين الأُمَناء، وأبي القاسم بن صَصْرى، وابن الزُّبَيْديّ، ومكَرَّم، وخلْق بعدهم، وحجَّ سنة ثمانٍ وعشرين فسمع بمكّة من أبي الحسن القطيعي، وأبي علي الحسن ابن الزُّبيديّ، ونَسَخ بخطّه المنسوبَ الكثير، وعُنِي بالطَّلَب وحرِص وأسمع أولاده شيوخنا، وارتزق بالشّهادة وتميّز فيها.
روى لنا عنه ولده أبو المعالي، وروى عنه الدّمياطيّ في " معجمه ".
وذهب هو وابنه إلى مصر في شهادةٍ فأدْرَكَه أجَلُهُ في رابع صَفَر بالقاهرة.(15/58)
62 - عمر، الملك المغيث فتح الدّين ابن السّلطان الملك العادل سيف الدّين أَبِي بَكْر ابن السّلطان الملك الكامل محمد ابن العادل. [المتوفى: 662 هـ]
تملك الكرك مدةً، قُتل أبوه وهذا صغير، فأُنْزِل إلى عمَّة أبيه فنشأ عندها، ولمّا مات عمّه الملك الصّالح أيّوب أراد شيخ الشيوخ ابن حمُّوَيْه أن يُسلطنه فلم يتمّ ذلك، ثمّ حُبِس بقلعة الجبل، ثمّ نقله ابن عمّه الملك المعظم لما قدم فبعث به إلى الشَّوْبَك فاعتقل بها، وكان الملك الصّالح نجم الدّين أيّوب لمّا أخذ الكَرَك من أولاد النّاصر داود استناب عليها وعلى الشَّوْبَك الطُّواشيّ بدر الدين بدر الصّوابيّ، فلمّا بلغ الصوابي قتل المعظم ابن الصّالح أخرج الملك المغيث من قلعة الشَّوْبَك وسلْطَنَه بالكَرَك والشَّوْبَك، وصار أتابكه.
وكان المغيث ملكًا كريمًا، جوادًا، شجاعًا، محسن السّيرة في الرّعيّة، غير أنّه كان ما له حزْم ولا حُسْن تدبير، ضيَّع الأموال والذّخائر الّتي كانت بالكَرَك من ذخائر الملك الصّالح، فلمّا قَلّ ما عنده ألْجَأتْهُ الضّرورةُ إلى الخروج من الكَرَك، وذلك لأنّ الملك الظّاهر نزل على غزة في ربيع الآخر سنة إحدى وستّين وهو على قصْد الكَرَك، فنزلت إليه والدة المغيث فأكرمها، [ص:59]
وبقيت الرُّسُل تتردَّد إلى المغيث وهو يقدِّم رِجلًا ويؤخّر أخرى خوفًا من القبض عليه، ثمّ إنّه خرج منها، فلمّا وصل إلى خدمة الملك الظّاهر تلقّاه، وأراد أن ينزل له فمنعه، وسايره إلى باب الدِّهْليز، ثمّ أُنزِل المغيث في خِرْكاه واحتيط عليه، وبعث به إلى قلعة مصر مع الفارقانيّ، فكان آخر العهد به.
قال قُطْب الدّين: أمر الملك الظّاهر بخنْقه، وأعطى لمن خنقه ألف دينار، فأفشى الّذي خَنَقَه السِّرّ، فأُخذ منه الذَّهب وقُتِل، وكان قتل المغيث في أوائل سنة اثنتين، وكان مولد أبيه في سنة خمس عشرة وستّمائة، وخُنِق أيضًا في سنة خمسٍ وأربعين أو سنة ستِّ، وعاش المغيث نحو ثلاثين سنة كأبيه، وكان للمغيث ولدٌ صبٌي أعطاه السلطان إمرة مائة فارس.(15/58)
63 - فاطمة بنت أبي الثّناء محمود بن عبد الله بن محمد ابن الملثَّم العادليّ، أمّ شهاب. [المتوفى: 662 هـ]
سمعت من البُوصيريّ والأَرْتاحيّ، وعاشت اثنتين وثمانين سنة، روى عنها الدّمياطيّ، وغير واحد.
وماتت في رابع رجب.(15/59)
64 - قُرَيش بن حجّاج، أبو هاشم القُرَشيّ المصريّ المقرئ الضّرير. [المتوفى: 662 هـ]
سمع: أبا المجد القَزْوينيّ، وابن باقا، كتب عنه: الدّمياطيّ، والشّريف عزّ الدّين، والدّوَاداريّ، وغيرهم. ومات في تاسع عشر شوّال عن ثلاث وسبعين سنة.(15/59)
65 - محمد بن إبراهيم بن عليّ بن إبراهيم بن معروف، أبو عبد الله الأنصاريّ، الدّمشقيّ، البزّاز بجَيّرُون، المعروف بالبابُشَرقيّ. [المتوفى: 662 هـ]
وُلِد سنة أربعٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع من: الخشوفي، وأحمد بن حيوس الغَنَويّ، وعبد اللّطيف بن أبي سعْد، والعماد الكاتب، وحنبل المكبر، [ص:60]
وابن طَبَرْزَد، وجماعة.
روى عنه: الدّمياطيّ، وابن الخباز، ومحمد ابن المحب، وأبو عبد الله ابن الزّرّاد، وفاطمة بنت الرُّهاويّ، وغيرهم.
وقد كتب عنه ابن الحاجب، وقال: لم يكن محمود السّيرة، كان يلي جباية الخراج.
تُوُفّي البابْشَرقيّ في الثّامن والعشرين من ربيع الأوّل.(15/59)
66 - محمد بن الحسين بن إسحاق العلويّ الحسينيّ. [المتوفى: 662 هـ]
حدَّث عن ابن جُبَيْر الكِنانيّ، وعنه الدّمياطيّ، وقال: قُتِل سنة اثنتين وستّين.(15/60)
67 - محمد بن حمدان بن جرّاح، الفقيه العالم شَرَف الدّين أبو أحمد النُّمَيْريّ الجزَريّ الحَرّانيّ الشّافعيّ الأديب [المتوفى: 662 هـ]
إمام مسجد تُربة القُضاة بكَفْر بَطْنا.
شيخ فاضل من طَلَبَة ابن الصّلاح، سمع من ابن اللّتّيّ، وجماعة، وسكن كَفْر بَطْنا، وجاءته الأولاد، وكان يدخل ويحضر المدارس، ويقول الشِّعر، وينبسط ويقول: أنا زعيم بني نُمَيْر.
روى عنه الدّمياطيّ مِن نظْمه، وقال: وُلِد بعد التّسعين وخمسمائة، ومات في رمضان، وذكر أنّه كان خطيبًا بكَفْر بَطْنا، فسألت ولدَه النَّجْمَ محمود، فقال: لم يخطب بها قط.(15/60)
68 - محمد ابن الإمام الفقيه عبد القادر بن أبي عبد الله، البغداديّ الأصل المصريّ، أبو عبد الله. [المتوفى: 662 هـ]
روى عن: أبيه، والحافظ ابن المفضّل، وعاش تسْعًا وسبعين سنة، تُوُفّي فِي ربيع الآخر.(15/60)
69 - مُحَمَّد بْن عليّ البكْريّ المرّاكشيّ، [المتوفى: 662 هـ]
والد الأجلّ أبي الحسن عليّ وأبي الفَرَج عبد الرحمن. [ص:61]
مات بدمشق فِي ذِي القِعْدَة.(15/60)
70 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْد الوهاب بْن مُحَمَّد بْن أبي الفَرَج، القاضي الإمام زين الدّين ابن القاضي موفَّق الدّين الإسكندرانيّ، [المتوفى: 662 هـ]
قاضي الإسكندريّة وخطيبها.
روى عن: علي ابن البناء، والحافظ ابن المفضَّل، روى عنه الدّمياطيّ، وغيره، وكان صدرًا، محتشمًا، وافِر الجلالة، ولأهله الآثار الجميلة والأوقاف والخير بالإسكندريّة.
تُوُفّي في عاشر رجب.(15/61)
71 - محمد بن محمد بن إبراهيم بن الحسين بن سُراقة، الإمام محيي الدّين أبو بكر الأنصاريّ الشاطبي. [المتوفى: 662 هـ]
ولد سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وسمع من أبي القاسم أحمد بن يزيد بن بقيّ القاضي، ثمّ حجّ ورحل إلى العراق، فسمع من عبد السلام الداهري، وعمر بن كرم، وأبي علي ابن الجواليقيّ، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي حرب النَّرسيّ، وشرف النساء بنت الآبنوسي، وأبي المنجى ابن اللّتّيّ، وجماعة كثيرة. وولي مشيخة دار الحديث البهائيّة بحلب، ثمّ دخل ديار مصر وولي مشيخة دار الحديث الكامليّة إلى حين وفاته.
روى عنه: الدّمياطيّ، وعَلَم الدّين الدّوَاداريّ، وشَرَفُ الدّين محمد بن النَّشْو القُرَشيّ، وغيرهم.
وكان فاضلًا متفنِّنًا، كثير المعارف، ذا تصوفٍ ولطفٍ، وكَرَم أخلاق، ولَين جانب، وله مصنَّفات في التصوف.
توفي في العشرين من شعبان بالقاهرة.
وقد روى عنه الفخر التوزري بمكّة " الموطّأ " بسماعه من ابن بَقِيّ.(15/61)
72 - محمد بن أبي بكر بن سيف، الفقيه شمس الدّين التّنوخيّ الموصلي ابن الوتّار، [المتوفى: 662 هـ]
خطيب المِزّة. [ص:62]
تُوُفّي بالمِزّة في ذي الحجّة، وله نيِّفٌ وثمانون سنة، له شِعْرٌ حَسَنٌ، وكان مولده بالموصل سنة تسع وسبعين وخمسمائة.(15/61)
73 - محمد ابن الأمير أبي العلاء بن أبي بكر بن مبارك، مجد الدّين أبو عبد الله النّجميّ المَوْصِليّ الأصل المصريّ، [المتوفى: 662 هـ]
المعروف بابن أخي المِهْتر.
ولد بالقاهرة سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة، وسمع وهو كهل من: مُكرم، وعبد القادر بْن أبي عَبْد اللَّه البغداديّ، وكان فاضلًا رئيسًا، من بيت تقدُّم، تولَّى عدَّة ولايات، وحدَّث.
والمِهْتر: بكسر الميم وتاء، مُستفاد مع المُهير بضم الميم وياء.
تُوُفّي في ثاني جُمَادى الآخرة بالقاهرة.(15/62)
74 - محمود بن محمد بن حسن، أبو الثّناء البِسْطاميّ الصّوفيّ. [المتوفى: 662 هـ]
وُلِد سنة ثمانٍ وسبعين بالقاهرة، وسمع من عبد اللّطيف بن إسماعيل الصُّوفيّ.
قال الدّمياطيّ: قرأت عليه قبل الاختلاط، وتوفي في ثاني عشر جُمَادى الأولى، وكان مولده يوم موت الشّيخ رُوزْبهان.(15/62)
75 - موسى السّلطان الملك الأشرف، مُظفَّر الدّين ابن السّلطان الملك المنصور إبراهيم ابن الملك المجاهد شيرَكوه ابن الأمير ناصر الدّين مُحَمَّد ابْن الملك أسد الدِّين شيركوه بْن شاذي الحمصيّ. [المتوفى: 662 هـ]
ولد سنة سبعٍ وعشرين وستمائة، وتملك حمص بعد موت أبيه سنة أربعٍ وأربعين، وَوَزَرَ له الصَّدْر مخلص الدّين إبراهيم بن إسماعيل بن قرناص، واعتضد بالملك الصّالح صاحب مصر، فعَظُم ذلك على صاحب حلب وأخذ منه حمص، وجرت له أمور، ثم سار مع صاحب الشّام الملك النّاصر لقصْد الدّيار المصريّة، فأسر في وقعة العباسة سنة ثمانٍ وأربعين، وبقي محبوسًا في قلعة الجبل إلى أن وقع الصُّلْح في سنة إحدى وخمسين، وأُطلق فيمن أُطلق، [ص:63]
وعاد إلى معاداة الملك النّاصر، وكان له مكاتبات إلى التّتار وله قصادٌ، لِما بقي بالرَّحْبة وتلك البلاد المتطرِّفة، فلمّا ملك هولاوو قصده فأقبل عليه وأكرمه، واستعان به في تسلُّم القلاع، ثمّ ولّاه نيابة الشّام، وأعاد إليه مدينة حمص، ولمّا مرّ به الملك النّاصر تحت حَوْطة التّتر نزل به، فلم يلتفت عليه ووبَّخه وعنَّفه، ثمّ إنّ الملك المظفَّر قُطُز بعث إليه يستميله ويلُومه على ميْله إلى العدوّ المخذول، ويَعِدُهُ بأمور، فأجاب، فلمّا طلبه النُّوين كَتْبُغَا لحضور المصاف تمرض واعتل بالمرض، وكان إذ ذاك بدمشق، فلمّا انكسرت التّتار هرب هو والزَّيْن الحافظيّ والتّتار، ثمّ انفصل عنهم الملك الأشرف من أرض قارا وسار إلى تَدْمُر، وراسل السّلطانَ، فَوفَى لَه، فقدِم عليه دمشق، فأكرمه وأقرَّه على مملكة حمص، فتوجَّه إليها.
ثمّ غَسَل فعائله بالوقعة الكائنة على حمص سنة تسعٍ وخمسين، وثبت وكسر التّتار، فنبُل قدْرُهُ، ورأى له الملك الظّاهر وأعاد إليه تل باشر، فلما قبض الظّاهر على المغيث عمر المذكور في هذه السّنة تخيّل الأشرف من الملك الظّاهر، وشرع في إظهار أمورٍ كامنة في نفسه، وعزم الملك الظّاهر على الوثوب عليه، فقدّر الله مرضه ووفاته، ويُقال إنّه سُقِي.
ذكره قُطْبُ الدّين، فقال: كان ملكًا حازمًا، كبير القدْر، يقِظًا، خبيرًا، شجاعًا، كبير النّفس، له غَوْر ودهاء، وكان وافر العقل، قليل البسْط والحديث، يُقيّد ألفاظه ويلازم النّاموس حتّى في خلواته، ويحّذُو حُذو الصّالح نجم الدّين أيّوب، وخلف أموالًا عظيمة من الجواهر والذّهب والذّخائر، وتسلَّم الملك الظّاهر بلاده وحواصله، تُوُفّي في صفر بحمص وله خمسٌ وثلاثون سنة، ودُفِن بتربة جده الملك المجاهد.
وقال أبو شامة: كان شاباً عفيفًا، له صلاتٌ إلى مَن يقصده، وكسر التّتار بحمص.
وقال ابن شدّاد: ملك الرَّحْبة، وحمص، وتدمُر، وزلوبية بعد أبيه، وخرج من دمشق مع النّاصر في نصف صفر، ففارقه من الصَّفَّين، وسار إلى [ص:64]
تَدْمُر وسار إلى هولاكو، وهو على قلعة حلب، فتوسّط بينه وبين أهلها حتّى سلَّموها في ربيع الأوّل، وبقي عنده يسفر بينه وبين مَن في القلاع، فلمّا ردّ هولاكو، ولّاه على الشّام بأسره نيابةً عنه، وردّ إليه بلاده.(15/62)
76 - نصر بن تروس بن قسطة، أبو محمد الإفرنجي القضائي الزَّكَويّ. [المتوفى: 662 هـ]
سمع من أبي اليُمْن الكِنْديّ، روى عنه: الدّمياطيّ وكنّاه أبا الفتح، وكان تاجرًا بقَيْسَاريّة الفَرْش بدمشق، ومات في جُمَادى الأولى.(15/64)
77 - نُصَيْر بن نبأ بن صالح، بدرُ الدّين أبو الفتح التّميميّ المصريّ الكُتُبيّ المحدِّث. [المتوفى: 662 هـ]
عُني بالحديث والسَّماع وتحصيل الأُصُول، وسمع الكثير، ومات شاباً.(15/64)
78 - لاجين، الأمير، حسام الدّين، الجوكنْدار، العزيزيّ، [المتوفى: 662 هـ]
من كبار الأمراء بدمشق.
كان فارسًا شجاعًا حازمًا، له في الحروب آثارٌ جميلة خصوصًا في وقعة حمص الكائنة في سنة تسعٍ وخمسين، وكان مُحِبًّا للفُقَراء وأخلاقهم، كثير البِرّ بهم، يجمعهم على السّماعات الّتي يُضْرب بها المثل.
قال قُطْبُ الدّين: كان يَغرَم على السّماع الواحد ثمانية آلاف دِرهم، تُوُفّي في المحرَّم، وخلَّف ترِكةً عظيمة، ودُفِن بجوار الشّيخ عبد الله البطائحيّ، وقد ناهَزَ الخمسين، وقيل: إنّه سُقِي، وإنّ مملوكًا له وَاطَأَ عليه، طلبني ليلةً فحضرتُ السّماع بدارِه بالعُقيبة، فرأيت من الشُّموع الكبار الكافوريّ والأتوار الفضّة والمطعّمة ما يقصرُ عنه الوصف، ثمّ مدّ بعد المغرب سِماطًا نحو مائة زبديّة عادليّة، في الزَّبديّة خروفٌ صحيح رضعيّ، وقريب ثلاثمائة زبديّة، في كلّ زبديّة ثلاثة طيور دجاج، وغير ذلك من الأطعمة، قال: وبعد العشاء [ص:65]
شرعوا في الرَّقْص، فرقص بين الفقراء سالكًا من الأدب معهم ما لا مزيد عليه. فلمّا فرغت النَّوبة مدّ صحون الحلْواء والقطائف السُكَّريّة، فأكلوا بعضه وأخذ عامّة ذلك الفقراء في خِرَقِهم، ثمّ رقص هو وغلمانه والمشايخ، فلمّا فرغوا مدّ فواكه في غاية الكثرة والحُسن. وكان ذلك في آخر الشتاء. وكان يدخرها من كفربطنا وزيدين وغير ذلك، فإنّها كانت إقطاعه. ثمّ غنّوا ثالث نَوْبَة ومدّ مكسّرات، فرفع الفقراء عامّة ذلك. وكان الماء بالثّلج والسُّكَّر والمِسك والمبَاخر بالنّدّ والعنبر طول اللّيل، فلمّا كان وقت السَّحر أدخل الفقراء إلى حمّام ابن السَّرْهنك المجاور لداره، فدخل كثيرٌ من الجماعة ولم أدخل أنا، فخدمهم بنفسه وغلمانه وكسَا جماعةً لمّا خرجوا ثيابًا وسقاهم السُّكَّر ومد لهم طُطْماجًا وخلع على المغاني عدّة أقْبِيَة فاخرة، وكان هذا السّماع في آخر سنة تسعٍ وخمسين واللحم بسبعة دراهم والغرارة بثلاثمائة درهم.(15/64)
79 - يحيى بن بكران الْجَزَريّ، زَيْن الدّين الْجَزَريّ، التّاجر. [المتوفى: 662 هـ]
سكن دمشق، وصار من عُدُولها، وولي ديوان الحَشْر وغيره، ومات في شعبان.
روى لنا ولده عن البكْريّ حضورًا.(15/65)
80 - يحيى بْن علي بْن عَبْد اللَّه بْن علي بن مفرَّج بن أبي الفتح، الإمام، الحافظ، المحدِّث، رشيدُ الدّين، أبو الحُسَين القُرَشيّ، الأُمَويّ، النّابلسيّ، ثمّ المصريّ المالكيّ، العطّار. [المتوفى: 662 هـ]
وُلِد سنة أربعٍ وثمانين وخمسمائة وسمع من أبيه أبي الحسن وعمّه أبي القاسم عبد الرحمن، وأبي القاسم البّوصيريّ، وإسماعيل بن ياسين، وعليّ بن حمزة الكاتب، والأثير أبي الظاهر بن بنان، وعبد اللطيف ابن أبي سعْد ومحمد بن عبد المولي، ومحمد بن يوسف الغَزْنَويّ، والعماد الكاتب، وابن نجا الواعظ وزوجته فاطمة، وحمّاد الحَرّانيّ، وعليّ بن خَلَف الكوميّ، ومحمد بن يوسف الآمُليّ، وابن المفضّل الحافظ وعنه أخذ عِلْم الحديث. [ص:66]
وسمع بدمشق من الكِنْديّ وابن الحَرَستانيّ وابن ملاعب؛ وبمكّة والمدينة من جماعة. وخرَّج عنهم " معجمًا ".
وروى الكثير وأفاد وانتخب. وكان ثقة، ثبْتًا، عارِفًا بفنّ الحديث، مليح الخطّ، حَسَن التَّخريج.
قال الشّريف عزّ الدّين: كان حافظًا ثبتاً وإليه انتهت رياسة الحديث بالديار المصرية , ووقف جملة كُتُبه. وسمعت منه وصحِبْتُه مدّة.
قلت: وروى عنه الدّمياطيّ وأبو الحُسين اليُونينيّ وقاضي القُضاة أبو العبّاس بن صَصْرى وأبو محمد شعبان الإربِليّ وعبد الرّحيم السّاعاتيّ وأبو المعاليّ ابن البالسي، وعبد القادر الصَعْبيّ، وأبو بكر بن أبي الحسن بن الحصين، والتّاج أبو بكر بن عبد الرّزّاق العسقلانيّ، وأحمد بن محمد بن الأخوة، والكمال عبد الرحمن بن يعيش السّبْتيّ، وداود بن يحيى الفقير، ويوسف الكفيريّ الفرّاء، وأبو الفتح إبراهيم بن علي ابن الخَيْميّ، وخلْق كثير.
ومات في ثاني جُمَادى الأولى بمصر، وقد ولي مشيخة الكامليّة ستّ سِنين.(15/65)
81 - يوسف بن يعقوب بن عثمان بن أبي طاهر بن مفضل، جمال الدّين، أبو المظفّر الإربِليّ، ثمّ الدّمشقيّ الذهبي. [المتوفى: 662 هـ]
ولد ظناً سنة تسعين وخمسمائة. وسمع بإفادة عمّه عزّ الدّين عبد العزيز من أبي طاهر الخُشوعيّ، وحنبل، وابن طَبَرْزَد، والكِنْدي، وجماعة، ولكن لم يظهر سماعُه من الخُشوعيّ إلّا بعد موته، وكان رجلًا جيّدًا خيِّرًا. وكان خيرًا من ابنه أبي الفضل محمد بكثير.
روى عنه الدّمياطيّ، زين الدّين الفارقي، وأبو علي ابن الخلّال، والبُرهان الذَّهبيّ، وابن الخبّاز، وعلاء الدّين الكندي، وأبو الفضل الإربلي ولده، حدثنا عنه، عن عبد المجيب بن زُهير، ومات في ثالث ذي الحجّة، ودفن بسفح قاسيون.(15/66)
82 - أبو بكر بن مهلّب بن يوسف، أبو يحيى المُراديّ، الألْشيّ. [المتوفى: 662 هـ][ص:67]
أخذ القراءات عن أبي جعفر بن عَوْن الله الحصّار تلاوةً في سنة ستّمائة، وروى عن جماعة. وولي قضاء بلده، روى عنه النّاس، ومات سنة اثنتين، وستّين. قاله ابن الزُّبَيْر.(15/66)
83 - أبو القاسم بن منصور، القبّاريّ الزّاهد، وسمّاه الإمام أبو شامة محمداً. [المتوفى: 662 هـ]
وكان شيخًا صالحًا، عابدًا، قانتًا، خائفًا من الله، مُنْقَطِع القَرِين في الورع، والإخلاص، وكان مقيمًا ببستانٍ له بجبل الصَّيْقَل بظاهر الإسكندريّة، وبه مات، وبه دُفِن بوصيةٍ منه.
قال أبو شامة: كان مشهورًا بالورع والزُّهد، وكان في غيطٍ له هو فلّاحه يخدمه، ويأكل من ثماره وزرعه، ويتورَّع في تحصيل بذره حتّى بلغني أنّه كان إذا رأى ثمرةً ساقطة تحت أشجاره لم يأكلْها خوفًا من أن يكون حَمَلها طائرٌ من بستان آخر، وكنتُ اجتمعتُ به سنة ثمانٍ، وعشرين مع جماعة، فصادفناه يستقي على حماره، ويسقي غيطه من الخليج، فقدم لنا من ثمر غيطه، وحدثني القاضي شمس الدّين ابن خلكان، عن المجد ابن الخليليّ أنّ الأثاث المخلَّف عنه، كان له أو كان لغيره، قيمته نحو خمسين درهمًا، فبِيعَ بنحو عشرين ألف دِرهمٍ للبَرَكة.
وَقَالَ الشَّرِيفُ: تُوُفِّيَ فِي سَادِسِ شَعْبَانَ. وَكَانَ أَحَدُ الْمَشَايِخِ الْمَشْهُورِينَ بِكَثْرَةِ الْوَرَعِ، وَالتَّحَرِّي، وَالْمَعْرُوفِينَ بِالانْقِطَاعِ وَالتَّخَلِّي، وَتَرْكِ الاجْتِمَاعِ بِأَبْنَاءِ الدُّنْيَا، وَالإِقْبَالِ عَلَى مَا يَعْنِيهِ، وَطَرِيقُهُ قَلَّ أَنْ يَقْدِرَ أحدٌ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ عَلَيْهَا، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا فِي وَقْتِهِ، وَصَلَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ خُشُونَةِ الْعَيْشِ وَالْجِدِّ وَالْعَمَلِ، وَتَرْكِ الاجْتِمَاعِ بِالنَّاسِ، وَالتَّحَرُّزِ مِنَ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ. كَانَ تَزُورُهُ الْمُلُوكُ فَمَنْ دُونَهُمْ، فَلَا يَكَادُ يَجْتَمِعُ بأحدٍ مِنْهُمْ، قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَلَمْ يَتْرُكْ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، رحمه الله.
قلت: وبعض العلماء أَنْكَرَ غُلُوَّهُ فِي الْوَرَعِ، وَقَالَ: هَذَا نَوْعٌ من [ص:68]
الْوَسْوَاسِ فِي الطَّهَارَةِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ ".
قُلْتُ: وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ مأمورٌ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْوَسْوَسَةِ فِي الْوَرَعِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: " دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لا يُرِيبُكَ ". وَلَوْلا ارْتِيَابُهُ لَمَا بَالَغَ فِي شَيْءٍ، وَغَلَبَةُ الْحَالِ حَاكِمَةٌ عَلَى الْعِلْمِ مِنْ بَعْضِ الصَّالِحِينَ، وأيضًا فمن الذي قال: إنّه كان يتورّع عن الحرام فقط. بل قد يتورَّع الإنسان عن الحرام، والمشتبهة، والمباح، ولا يُوجب ذلك على غيره، بل، ولا على نفسه. وهذا الرّجل فكان كبير القدْر، له أجران على موافقة السُّنَّة، وأجرٌ واحدٌ على ما خالف ذلك، لأنّه حريصٌ على ابتغاء مرضاة الله، مجتهدٌ في خلاص نفسه. و {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}، والله لا يسأل العبد لِمَ لا أكلتَ كلّ مباحٍ، بل يسأله لِمَ أكلتَ الحرام، ويسأله لماذا حرَّمت على نفسك ما أبَحْتُ لك مع علمك بإباحتي له، لا مع جهلك بالإباحة. هذا مع التَّسليم بأنّ الورع بالعِلم أفضل، وأرفع، وذلك حال الأنبياء صلوات الله عليهم، مع أنّ لهم فيه شرائع، وطرائق كطريقة سليمان عليه السلام في الملك، والإكثار من مباحات الدنيا، وطريقة عيسى عليه السّلام في السّياحة، والإعراض عن الدّنيا بكلّ وجه، وكطريقة داود في أمورٍ، وطريقة إبراهيم الخليل في قِرَى الضَّيف، وأشرفُ طُرُقِهم، وأفضلها طريقة نبيّنا صلّى الله عليه وسلم، فإنها حنيفية إبراهيمية، سمحة، سهلة، برئية من الغُلُوّ والتّعمُّق والتَّنَطُّع. اللّهمّ استعملْنا بها، وأمِتْنا على محبّتها، واكْفِنا الوقيعةَ في عبادك الصّالحين.
فمن مناقب القبّاريّ رحمة الله عليه:
قال العلّامة ناصر الدّين أبو العبّاس أحمد ابن المُنَيّر الإسكندرانيّ في " مناقب القبّاريّ " رحمة الله عليه، وهي نحوٌ من خمس كراريس، قال: كان الشيخ في مبدئه قد حُبِّب إليه سماع العِلم، وبُغض إليه تناول غير ميراثه من أبيه، فلا يذكر منذ عَقَلَ أمرَه أنّه قَبِل من أحدٍ لُقْمةً ولا ثمرَة. حتّى كان له جارٌ [ص:69]
في الكَرْم، وقف به يومًا، وهو يبيع الرُّطَب، فعرض عليه رُطْبةً استحسَنَها، وسأله أن يأكلها، فقال: لا. فألحّ عليه، وحلف عليه جارُه يمينًا: لا آكُلُ لك شيئًا. فكان بعد يتأسّفُ ويتندَّم على يمينه.
قال: وكان يحضر مجالسَ العِلم على ثِقَل سمْعِه، فإذا انقضى الدّرس سأل من أترابه أن يعيدوا له بصوتٍ عالٍ كلامَ المدرّس.
قال: وكان قَلّ أنْ يدعو لأحدٍ، بل يطلب منه الدّعاء، فيقول للطّالب: ما تحتاج. ويقول لآخر: ما أشتهي لأحدٍ من الأُمّة إلّا خيرًا. ويقول لآخر: أودّ لو كان النّاس كلهم على الخير. ويقول لآخر: أُحبّ لكلّ أحدٍ ما أحبّه لنفسي.
قال ابن المُنَيّر: وقال لي مرّةً: يطلب أحدهم منّي الدّعاء بلسانه، ويظهر لي من قرائن أحواله أنّ قلبه غافل، وأنّ نفسه قاسية على نفسه، فكيف أرقّ أنا عليه، وكيف أدعو له بلا رقّة؟
قال: وحضر عندي بعض أصحاب الكامل، وهو في غاية البذخ، عليه الملبوس الفاخر، وعلى الباب المراكب الثّمينة، وبين يديه المماليك، وهو يتحدث مع رفيقه، ويتضاحكان، ثمّ سألني الدّعاء، فأجريته على العادة، فناقشني، وقال: ما النّاس إلّا يتحدَّثون بأنّك لا تدعو لأحدٍ معيّن، وينتقدون ذلك، فقلت: ألست تعلم أنّ الدّعاء طلب العبد الضّعيف من الرّب الرّحيم؟ قال: بلى، فقلت: أيطلب منه برقّة أمْ بقسوة؟ قال: برِقّة، فقلت: ما أجدها عليك، لأنّي ما وجدُتها منك، فبأيّ لسانٍ أدعو، وإنّ شئتم الدُّعاء باللّسان فهو البيدق الفارغ بلا قلب.
وقال لي: أقمت زمانًا أصافح تمسُّكًا بالحديث، ثمّ وجدت النفس عند المصافحة تتصرَّف في الإنسان فرُبّ، ودودٍ تبسِط الكَفَّ له بسرعةٍ، ورُبّ آخر تتكلّف له، فقلت: العدل خيرٌ من المصافحة، فتركتها. وقد قال مالك: ليست من عمل النّاس، وربمّا قال: الأمر فيها، واسع.
وكان رحمه الله لا يأذن لأحدٍ من أرباب الدّنيا، والولايات في الدّخول عليه متى شاء.
قال لي: فتحت الباب فرأيت جُنْديًا فقلت: من أنتَ؟ قال: أنا الّذي تولّيت الإسكندريّة. وكان ثاني يوم قدم فقلت: وما حاجتك؟ قال: أن تأذن لي كلّما أردت أن أجيء ليكون حضوري بدستورٍ منك عامّ. فأجرى الله [ص:70]
على لساني أنّ قلتُ له: لا آذَنُ لك لأنّكم عندي كالمرض لا آذَنُ له إذا استأذن، ولكن إذا دخل بقضاء الله صبرت عليه، وانفصل عن ولاية الثَّغْر هذا الأميرُ من خمسٍ وعشرين سنة، فَوَالله ما أتمّ الشّيخ لي الحكاية حتى أقبل هذا الأمير بعينه فقلت: سبحان الله، فقال الشّيخ: اسأله عن هذه الحكاية لعلّه يذكرها فسألته فقال: أذكرها، وكنت أحكيها دائمًا في مصر، والشّام.
وكان رحمه الله يقول: لو علمتُ أنّ الملوك والأمراء لا يأخذهم الغرور بإقبالي عليهم لأقبلت، ولكنّهم يظنُّون أنّهم لمجرد الزّيارة ينتفعون، وأن الإقبال عليهم دليل الرّضى عن أفعالهم. ولو علمتُ قابلًا للنَّصيحة لدَخَلتُ إليه أنصحه. لمّا جاء الملك الكامل، وخطر له أن يخرج إلى عندي جاءت له مقدّمات من مماليك، وحُجّاب، وصادفوني أسلق الفُول لعشَائي، وكنتُ حينئذٍ لا أحبّ داخلًا، فقلت لرجلٍ كان عندي: السّلامة، والكرامة في أن يُحال بيني، وبينه.
فلمّا جاء إلى بابي قيّضَ الله له بعض نُصحائه فقال له: المملكة عظيمة، وقد صَحِبَك العسكرُ بجملته، وأنت بين أمرين: إمّا أن يأذن لك، أو يحجبك. وإذا إذِن لك صَّرفك كالآحاد، ونصحَك بما لا تطيق فِعْله، فإنْ فعلت تغيَّرتْ عليك قواعد كثيرة، وإن تركتَ قامت الحُجّة. والمصلحة عندي الاقتصار على الوصول إلى الباب، فبلغني أنه قال: خار الله، وقد حصلت النِّيَّة. فانصرف راجعًا. فقلت للشّيخ: إنّ النّاس يقولون إنّك حجبته. فقال: ما حجبه إلّا الله.
قال المؤلّف: عرضتُ على الشّيخ كثيرًا من حكايات مشايخ الرّسالة إلى أنْ أتيت على أكثر ما في " رسالة القشيري " فقال لي يوماً: ما أحب أن أسمع شيئًا خارجًا عن الكتاب، والسُّنَّة، وكلام الفُقهاء.
وكان يمكّن الأطفال من دخول بُستانه، فإذا ميّز الطفْل حجبه، ويقول: من ادّعى أنّه معصومٌ فقد ادّعى ما ليس له في الغيب.
وكان يقول: سبق إلى ذِهني في مبدأ العُمر اختيار بستان في الرّمل من متروك أبي أنقطع فيه، لأجل أنّ ماءه نبعٌ، وأستريح من شية ماء النّيل، وإجرائه في الخليج بعمل. فمنعني من ذلك أنّ الحريم يكثّرْن هناك، ولا يستتر بعضهنّ، ولا يَسْلَم المقيمُ من النَّظرة , فلمّا كثُر الفساد صار النّاس يقصدونه في [ص:71]
الرّبيع للنِّيرة، والخُضرة، فما زالوا حتّى انتزح هذا الماء عنه بالكُلّيّة، وبقي صَفْصَفًا مُوحِشًا.
وكان أنشأ فيه تينًا، ورُمّانًا، وزرْجونًا، كان النّاظر يقضي منه العجب، إلّا أنه ما باع منه ثمرة، فكان يقدّد التّين، ويتَّخِذ من الرُّمّان عسلًا يستغني به عن العَسَل، ويتّخذ من العنب خلًّا وزبيبًا، فعزم بعد على قطْع الكَرْم لئلّا ينتقل إلى من يبيعه للذّمّة عصيرًا، فقيل له: قطْعُهُ إضاعةُ مالٍ مُتَيَقَّن لأجل مفْسدة موهومة. فتوقّف وفي نفسه حَسَكة. فاتّفق أن النّيل تأخّر عنه فيبس فقلعة، قال لي: وعوَّضني الله عن تلك الثّمار بالشّعير، والفول.
ومن نوادره أنّه وجد في قمحٍ اشتراه من الفرنج حبّات تُشْبه الشّعير، نحو حَفْنة، فازْدَرَعها، وأقام يقتات منها مدّة عشرين سنة. وكان يُعجبه أنّها متميّزة في نباتها، وفي سُنْبُلها. وكان إذا حصدها نقّاها سُنْبُلةً سُنْبُلة، فإنْ وجد غريبة تركها، وكذا كان شأنه فيما سقط من الثّمار لا يتناوله، لاحتمال أنّ الطّير نقلته. وأمَّا النَّخْل الملاصِق لجيرانه فكان يبيحه لهم. وكذا لمّا بنى بينهما حائطاً احتاط، واخرج من أرضه قطعة لهم.
وقال: طبخت يومًا فكان الهواء يسوق الدُّخان إلى جاري، فحوّلت القدْر في الحال، وأبعدتها عنهم.
وقطع نخلة فوقع سَعْفُها عَلَى حائط الجار فقال: علِم الله أنّها لم تضرُّهم إلّا أنّها نفضت الغُبار على الجدار. فعدّ الشّيخ ذلك تصرُّفًا في مُلك الغير. وكان لجماعةٍ فيهم أطفال، وغيب، وأوجب على نفسه لهم شيئًا، وأعطاهم.
وكان يقول: إنْ كان هذا، واجبًا فقد خلصت منه، وإن كان غير واجبٍ فهو صدقة مستورة باسم الحقّ، وكذلك كان يقول في ترجيحه في الوزن وأخذه ناقصًا.
قال المؤلّف: حدَّثني ثقة قال: خرجت يومًا إلى الشّيخ ومعي " الموطّأ " فقال لي: فيه حديث عائشة أنّ النّبيّ عليه السّلام كان يُدني إليها رأسه وترجله وهو معتكف، فهل كان ترجُّله بمشطٍ أو بغيره؟ فبدرت، وقلت: ما يكون التَّرجيل إلّا بالمُشْط.
فقال: ويكون بالأصابع أو بعُود، كما ورد في الحديث [ص:72]
الآخر أنّ رجلًا اطّلع على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وبيده مِدرى يحكّ بها رأسه. والمِدرى العُود المحدّدة بخِلال فكان الشّيخ لا يستعمل المُشْط، لأنّه ما وجده في الخبر صريحًا فقيل له: أما هو مباح؟ قال: الاستكثار من المُباح ذريعةٌ إلى الوقوع في المكروه.
وكان إذا ذبح دجاجة نتفها ويقول: السّمْط يجمد الدم. وقد جاء مَا أَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سميطًا.
وكان لا يكربل الدّقيق الشّعير للحديث الوارد في ذلك، بل كان ينفخه، ويقول: بلغني عن الأطبّاء أنّه أحمد عاقبة، وكان يُعجبه الطب إذا اقتضى خشونة أو تركاً بالكُلّيّة. ويكره المِلْعقة، وكان ينبسط، ويقول: أكلت لونًا غريبًا. فأقول: ما هو؟ فيقول: صببت في القصعة ماءً قُراحًا، وصبغت به الكسْرة. وكان لونًا نظيفًا.
وكان يقال له: أليس المِسْك طاهرًا؟ فيقول: هو طاهر للطِّيب، فهل تجدون أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أكله!.
وقال: لو فتّشوا على الملح ما وجدوه يخلص، إمّا من تَقَدُّم المُلْك على الملّاحات، وإما من رسْم ضمان، وإمّا من تغالب بين الملّاحين، ولو لم يكن إلّا جمل الْجِمال، وكان يكره استعمال الْجِمال، وهو ما يقتنيها إلا العرب. وقد شاهدتم أحوالهم ونَهْبهم، وصُف لي ملح بالمصليات فسافرتُ إليه، وأخذت منه حاجتي طول عُمري.
وَقَالَ فِي تَرْكِهِ الثِّمَارَ تَحْتَ الشَّجَرِ: هَبْ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ، أَنَا تَرَكْتُ هَذَا الْمُبَاحَ. وَتَذَكَّرْ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: " دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لا يُرِيبُكَ ". وَقَوْلَهُ: " الْحَلالُ بَيِّنٌ ". وَقَوْلَهُ: " لَوْلا أني أخشى أنها من تمر الصدقة لأكلتها ". [ص:73]
وَكَانَ قَدْ لَقِيَهَا عَلَى فِرَاشِهِ. أَفَلَيْسَ مِنَ النادر المستبعد أن يكون من تمر الصدقة، فإن تمر الصَّدَقَةِ كَانَ لا يَدْخُلُ بَيْتَهُ.
وكان إذا سمع النّاس ينسبونه إلى الورع يُنكر ذلك، ويقول: إن الورع الذي يسيرون إليه أن يترك الإنسان الحلال المحض تقللاً. وأين الحلال؟ علِم الله أنّني ما وجدتُه قطّ. أيكون أكثر من أنّ أمدّ يدي فآخذ من البحر حوتاً بلا آلة. فما نفسي بذلك طيّبة لأنّ القوّة الّتي بسطت بها يدي، إنّما نشأت من هذه الأقوات المشتبهات.
وكان يقول: إذا كان لا بد من اللّقاء فالتّواني من علامات الشّقاء، فاعمل لدار البقاء، وليوم ينادى عليك: عبدٌ أطاع، أو عبدٌ طغى.
وكان يقول: لا آكل شيئًا بشهوة، وإنّما آكُلُه ضرورةً. ولو جاز لي لَتَرَكْتُه.
قال المؤلّف: والظّاهر أنّ الشّهوات كانت قد خملت عنه بالكلية.
كان يقول: هذا الشِّواء عندي كالجِيفة، وما أنا به جاهل، كنت آكله في الصبا، فسبحان مقلب القلوب، وربما سأل خادمه: ماذا أكلتَ؟ فربّما قال: مَضِيرة. فيقول: يا بطن الْجِيفة، أَمَا تُبْصِر ما يقاسي أربابُ الكُرُوم من رُعاة الماعز.
وكان يقول: سمعت عن حُذَيْفَة رضي الله عنه أنّه قال: أدركتُ زمانًا يقال لي فيه: عامِل مَن شئت. ثمّ أدركتُ زمانًا يقال فيه: عامِل مَن شئت إلّا فلانًا وفلانًا، ثمّ أدركتُ زمانًا يقال لي فيه: لا تُعامِل أحدًا إلّا فلانًا وفلانًا، ثمّ أنا في زمانٍ ما أدري مَن أعامِل، ثمّ يقول الشّيخ: إذا كان هذا حُذَيْفَة وزمانه فكيف بزماننا ً؟.
أمر السّلطان بأن يكون نصيب بيت المال من موجود الشّيخ صَدَقة عن الشّيخ، ونزل الوارث، والموصَى له عن نصيبهما من الأثاث لله، فصار الكلُّ لله، فاجتمعوا لشرائه، فتزايدوا حتّى بيع منه شيءٌ يُساوي دِرهمًا بنحو الألف.
وما زال النّاس يتنافسون في آثار الصالحين، وهذه تركة ابن الزبير ما ظنوا أنّها تبلغ مائة ألف، فأبيعت وبورك فيها، فبلغ الدرهم أكثر من خمسمائة.
وكان رحمه الله قد اختار زراعة الفُول الرُّوميّ، لأنّ زريعته من بلاد الفرنج، ولا تستطيع العصافير نقله، فأقام يقتات الفُول، وحده أربعين سنة.
وقلَّ أن يكون صندوق عند أحدٍ من التجّار، والمعتَبَرين إلّا وفيه من ذلك الفول. [ص:74]
لأنّه أخذ منه بعضهم عشر فولات. وكانت له إحدى عشرة شَدّة، فوضع في كلّ شدّة فوله، وبقيت شدة لم يضع فيه، فاتّفقت له جائحة في الطّريق أصابت الشّدّة، وحدها، وحمى الله البَوَاقي. فلمّا أكثر النّاسُ الحكاية عنه تركه واقتات بالشعير. وقد تجذَّم في أكل الفُول، وتفتّت جسمه، وكان صديده يغلب الماء، وبقي مدّةً. وقيل: ما عليه أضرّ من الفول فإنه يولد السّوداء. فقال: إنّ الّذي جعله داءً قادر على جعله دواء. ولم يزل يستعمله حتّى عوفَى. فكان يحكي ذلك، ويقلب بدنه ويقول لي: هل ترك له أثرًا أو شرًّا؟ فلا أرى شيئًا.
وكان لا يشرب من صهاريج السّبيل، وقال لي: هذه الأمور صدقات، والصدقات أوساخ النّاس، واجتنابُها مأثور.
وقال لي: أقمت أربعة أيّام لا أجد ما أشتريه فطويتها، ولم أجد جوعًا سوى تغيرُّ يسير في الصّوت.
وكان لا يخرج بحماره إلّا مكمّمًا. وقال لي: دخلت البلد زمن الصّبا فوقفت عند حدّاد، والمِقْود بيدي، فلم أشعر إلّا ورجلٌ أراني طرف ردائه قد مضغه الحمار فقرض منه، فأعطيته قيمة ما أفْسَد فقال: تصدَّق بها عليّ. فقلت: لا. ومذهبنا أنّ المِدْيان إذا قال له ربُّ الدَّيْن: لا أجده، وأنا أُسقطه عنك، فقال: لا أجد شيئًا اجبر ربّ الدَّيْن على القبض، وللمِدْيان حقًّا في خلاص ذمّته بلا مِنّة.
وكان يقول مع ذلك: لا أحرّم غير الحرام، لكنْ لي أن أترك ما شئتُ تركه من المباحات عندهم، والمشتبهات عندي، فنحن على وفاق.
قال المؤلّف: وكان في مبدأ أمره بمكّة، وقد نهب العراقيّ في بعض السِنين، فامتنع حينئذٍ من معامل أهل مكّة مطلقًا، وبقي يقتات الأرز مصلوقاً من الأرُزّ المجلوب، حتّى قرّحت أشداقه، وإلى أن أُقعد ومرض.
وكان إذا تصرف له، وكيله ناوشه الأسولة، وناقشه، وكان إذا سأل عن مسألةٍ فذكر له فيها نصُّ مالك سأل عن دليله، إلى أن يُمْعِن في الكشف، فيقف [ص:75]
على موضع حُجّته من الكتاب والسُّنّة. فإذا قيل له: مُسْتَنَده القياس فكَّر، فربَّما استنبطه من النَّص. لقد رأيته يدقِّق على الأذكياء، فإن لم يقدر رجع إلى الاحتياط بالترك أو بالتشديد على النفس. وإن كان لا يحتمل الاحتياط لتعارُض المحظور من الجانبين كشف عنه المذاهب وحججها، وفي الآخر يرجع إلى التّقليد بعد أن يستحضر الكُتُب الّتي فيها المسألة، ويشترط على من يحضرها أن لا تكون عاريةً ولا حبسا، وأن يكون الكتاب ملكًا نظيفًا للمُحضِر، فإذا وقف على المسألة أعطى المُحضِر بحسب الحال، إمّا فضّة وإمّا مأكولًا وقال له: هذه مكافأة لا أجرة، لأنّ العِلْم لا يؤخذ عليه أُجرة، وكان كثيرًا ما يطلب مذهب أحمد ويقول: كان صاحب حديث، ويذكر أنّه سمع " مُسْنَدَه " بمكّة، فيقال له: أفلا نسمعه منك؟ فيقول: هذا ما تقلّدتُهُ، ولا سمعتُه إلّا لنفسي خاصّة.
وكان عجِز عن الطّواف والتَّعبُّد، فجعل عِوَضَ ذلك الجلوسَ للسّماع.
قال: فجعلت مجلسي إلى جنْب القارئ لِثَقل سمعي، فسمعت منه جملةً.
قال المؤلّف: كان عُجْبًا فيما يسمعه ما أظنّه سمع شيئًا فنسِيَه.
وكان يحفظ " الجمع بين الصّحيحين " من زمن الصبا، استكتبه ودرسه، وكان يحفظه باختلاف الطُّرُق والألفاظ، وبالفاء والواو إلى مُنتهى العبادات، وكثيرًا من أحاديث القَدَر.
وكان يأخذ ارتفاع الشّمس بالميزان. وكان قل أن يتكلم إلا متبسماً منشرحًا. فإذا أقبل على مقدّمات الصّلاة كان كأنّه مُصاب بولد أو محتضر، ويتوضّأ لكل فريضة.
وقال: كنت يومًا في هذه الغرفة، فإذا ثُعبان عظيم مطوَّق، فأخذت آلةً لقتْله، وقلت له: حتى أنذرك ثبت هذه الأولى. فثبت على حاله، فقلت: انصرف وإلّا قتلتُك هذه الثّانية. فامتدّ، فرأيت هَوْلًا مَهُولًا، فقلت له: الثّالثة ما بقي سواها. فتحرّك، واستدار، وصفّر، وأخرج يدين على صورة الحِرْذَوْن، فقلت: ما أنت ثُعبانًا، ولا حِرْذَونًا. وعرفت أنّه جانّ.
وقال: كنت أربط الحطب، فإذا بي قد أحسست ألمًا في عَقِبي، فظننتها شكة دخلت فيه، فلما أكملت ربْط الحَزْمة نظرتُ فإذا حَنَش قد التف على [ص:76]
ساقي، وقد نهشني، ونشبت أنيابُه، فأُلهمت أنْ قبضتُ على حَنكه وخنقته ففتح فاه وتخلَّص نابه، وانبعث الدّم، قال: فطرحت الحَنَش ومسحت الدّم، وما زدْتُ على أنّ توضّأت، وغسّلت مكان النَّهْشة، وأحسست بالسُّم إلى أن صعد إلى وسَطِي فوقف، فلمّا كان بعد سنةٍ صار مكان اللّسْعة بثرة، فقرضتها بالمقراض، فخرج منها ماءٌ أصفر، فقدّرت أنّه السُّمّ دارَ في بدني، ثمّ عاد إلى موضعه، وكفى الله.
وكان في جبهته ثؤْلُول تزايَدَ حتّى صار سَلَعَةً، فكنت أراه وقت السُّجود يجتهد في تمكينه من التُّراب. ثمّ تفاقم أمره. وكان يُهاب أنّ يُكلَّم في مثل هذا. فدخلت يومًا فوجدت تلك السّلَعَة قد ذهبت بقدرة الله، ومكانها كأنْ لم يكن فيه شيء غير أثرٍ يسير جدًّا. فقلت له حينئذٍ: الحمد لله على العافية. فقال: كانت تشوّش عليَّ في السُّجود، وما كان لها دواء إلّا تمكينها من التُّراب، فلم أشعر بها إلّا وقد انفقأت.
وقد تزوَّج بصبيَّة في شبيبته، ولم يدخل بها. وطلّقها لمّا تجذّم.
وقد ضَعُف بَصره في الآخر، فأصبح يومًا قلقًا وقال: دعوتُ البارحة: إن ابتَليتَني بشيءٍ فلا تبتليني بالعمى، وإنْ كان ولا بُدّ فَلا تُمهلني بعد بصري. ودمعتْ عيناه عند الحكاية، فأحسستُ أنّه لا بُدّ له من العمى. وعمي قبل وفاته بخسمة عشر يومًا. انفقأت عيناه إلى داخل، فكان ماؤهما يسيل من أنفه.
واحتاج في الآخر إلى زوجةٍ فباع الدّابة، واستعان بما يصرفه لعلفها في حق الزوجة. واتفق أن أباه، وجد الْجَرّة الّتي يشرب منها الشّيخ قد وصلتها الشّمس، فحوّلها إلى الظّل، وكانت طريقة الشّيخ تقتضي أنّ هذا القدْر يمنعه من الانتفاع لأنه يرى بها منفعة لم يعاوض عليها. فلمّا استدعى الماء قالت له الزّوجة: ما هاهنا ماءٌ تشربه. فسألها عن القضيّة فأخبرته، فأعجبه نُصحها، وبات وأصبح صائمًا وطوى حتّى جاء الّذي كان يستقي له.
سألته كم لك ما أوقدت عليك سِراجًا؟ فقال: نحوٌ من ستّين سنة، ما تركته عن عِلْمٍ بما، ورد في الحديث، والبيوت ليس فيها مصابيح. ولكن بَلَغني بَعْدُ. وإنّني لمّا انقطعتُ عن الناس اتفق ليلة ً أنّ السّراج انطفأ لعارضٍ، فوجدت نفسي قد استوحَشَت لِفَقْدِه فقلت لها: تَرَى هذا شغلًا معبراً، وأُنْسًا منقطعًا، لا [ص:77]
حاجة لي فيه. وكنتُ بمكّة شابًّا، وإلى جانبي جُنْديّ، فلمّا كان اللّيل سمعته يقدح، وبيننا كُوة، فأغمضت عينيّ ليلتي كلَّها.
وكان يقول: الدّنيا دارُ أسبابٍ، من زعم أنّ التّوكُّل إسقاط السبب بالكلية فهو غالط.
وقال: قال لي صُوفيّ: نحن ما نرى الأسباب، فقلت له: ما صدقت لو صفع الأبعدَ إنسانٌ أكُنتَ لا تراه البتَّة ولا يؤثّر فعله فيكَ؟ فسَكت، فقال: أمّا أنا فأرى الأسباب لكنّ ما أقف عندها.
خرج إلى الشّيخ وزير والسّاقية تدور بالدّولاب، فأراد أن يبسط المجلس فقال: يا سيّدي أيْش ترى في بغلتي ندوّرها في السّاقية؟ فقال له: ولا أنت ما أرى أن أدوَّرك فيها. فانبسط الرّجل؛ ثمّ قال الشّيخ على عادته: ارحلوا. فقال الوزير: لماذا تطردنا؟ قال: لأنّ القعود معكم ضَياع.
وخرج إليه أكابر فقال، واحدٌ منهم: هذا طبيب السّلطان، يعني الكامل، فقال الطّبيب: ما نحن أطبّاء بل نحن أعِلاء، إنّما الأطبّاء الأولياء. قال الشّيخ: وأشار إليَّ. فلم أقِره فقلت: اعلم أنّ مثل المشار إليه بالولاية كمثل الطّبيب، كم علَّل من عليلٍ فما أفاد. أما داويتَ أحدًا فمات، ولم ينجع فيه الدّواء؟ فقال: كثير. فقلت: وكذا الجانب الآخر.
وكان يرى أنّ ترك التّسبُّب والاعتماد على الفُتُوح غلط، ويقول: انتقل من سببٍ نظيفٍ إلى سببٍ وسخ. وذلك لأنّ الاحتراف سببٌ شرعيّ، والكديّة سببٌ مذموم، وليته يبسط يده خاصّة، ولكنّه يقول: أنا صالح فأعطوني. ترى ماذا يبيعهم إنْ باعهم عمله فبَيْع الدِّين بالدّنيا كبيع الثّمرة قبل بُدُوّ صلاحها، لعلّه عند الخاتمة يُوجد مفلِسًا، فالحبْس أَوْلَى به. وصدق الشّيخ، قال بعض المشايخ: من قعد في خانقاه فقد سأل، ومن لبس مرقعة ً فقد سأل، ومن بسط سَجَّادةً فقد سأل.
وقال: هممت بمكّة بالتَّجَرُّد وبَيْع الأملاك وإنفاقها، ثم التحول إلى الشام، والاقتناع بمباح الجبال، فسألت فصحَّ عندي أنّه ليس في الجبال ما يقيم البنْيَة دائمًا، فقلت: ما بيدي أنظف من الحاجة إلى النّاس. أردتُ أنّ أعيش فقيرًا ذليلًا، وأراد الله لي أنْ أعيش غنيًّا عزيزًا، فله الحمد. وعزمتُ على [ص:78]
الإقامة بالبرلس لأستريح من شُبهة ماء النّيل الجاري في الخليج. فإذا أكثر عَيْش أهلها السّمك، وهو بضمان. فقلت: شبهة ماء النّيل أخفّ. وكان يستحسن طريقة سَلْمان الفارسي، ويحصل قوت كل سنة، وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يستعد من خيبر قُوت عياله سنة. وله في ورعه حكايات، ذكرها المؤلف منها أنّ بعضهم رآه يحصد في بُستانه، ويترك أماكن، فسأل الشّيخ، وألحَّ عليه فقال: إنّ ظلال نخيل الجار السّاعة ممتدّة، وأنا أتحرّى أن لا أستظل بظله. فإذا زال الظّل حصدتها، وكان إذا انفلتت له دجاجةٌ إلى الطّريق تركها بالكُلّيّة، لأنّه يجوِّز أن تكون التَقَطَتْ شيئًا، وكان يشترط على الفرنج فيما يشتريه منهم من الحيوان أنْ لا يكون قد شرب من ماء الثَّغْر، ويحلّفهم، وأن لا يكون مشتركًا ولا غصْبًا. ومهما لاحت له شُبهة تركه، وكانوا يتنافسون في معاملته ويغتبطون، وقال: خرج رسولهم إليَّ مع الوالي، فأردتُ أن يعلم الحال فقلت للتُّرْجُمان: أَعْلِمه أنّني ما أعاملهم إلّا لأنّهم عندنا غير مخاطبين بالحلال والحرام، فهم كالبهائم، وأمّا المسلمون فإنّهم قاموا بالوظيفة العُظْمى، فخوطبوا بالحلال والحرام. فالمسلمون هُمُ النّاس. فأنا كمختار السّياحة بين الوحوش، ومزاحمتها في أرزاقها. وما ذاك لفضل الوحوش على الإنس، بل لطلب السّلامة.
وكان يقول: لا ينالني من مصر إلّا الماء، وليته كان صافيًا. يُشير إلى ما يُنفق في عمل الخليج.
وكان يقول: من ادَّعى أنّ المحسن والمسيء يستويان فقد ادَّعى عظيمًا، وقال: لولا الطّباع لكان المحسن هو المسيء والمسيء هو المحسن.
وبعث إليه الملك العادل ألف دينار فشدّد في النُّفور والنَّكير.
وحجّ مرّةً إلى دمشق على حمار، ومنها إلى مكّة على جَمَل. وتزوَّد إلى دمشق خرج خرنوب، ونزل بظاهرها على حافّة النّهر، قال: ونفد منّي الخرنوب فسألت فإذا كلّ ما بدمشق مضمّنًا حتّى الملح، فدُلِلت على حوارنة يجلبون تينًا يابسًا، فجلب لي رجل خرجًا من تين فكان زادي إلى المدينة [ص:79]
فاحتجت إلى الزاد بها فاشتريت تمرًا زوّدني إلى مكّة.
وكان يقول: أنا القبّاري ولي أكثر من ستّين سنة ما قدرت أن آكل قبارة ً لأجل الشّركة.
وكان من الشُّجعان المعدودين. كان في أوائل شبابه قد لقي أربعة عشر نفساً من الشلوح بمطرق كان معه فأجلاهم باللّيل حتّى بلغوا باب القنطرة، وبلغني أنّه قال: إذا أخذت مطْرقًا لقيت ثلاثين لا أبالي بهم، وبلغ من قوّته في صباه أنه كان يرفع المواهي مُتْرعةً بحيث لو اجتمع عليها أربعة لكاعوا في رفعها، فيرفعها بإحدى يديه إلى ظهر الدّابّة، وحكى عن نفسه أنّه كان يطلع النّخلة ثمّ يلقي البطاسيّة، ويسبقها إلى الأرض.
وحدَّث أنّه كان بالجانب الغربيّ من أهل العرامة والذّعارة قُطَّاع طريق يسفكون الدِّماء، فتفاقم أمرهم، وعجزت الولاة عنهم سِنين، فقدّر الله أنّهم امتدّوا إلى بُستانه، فأصبح فوجد آثارهم فقال: كأنّهم، وقعوا عندي، وقعوا وربّ الكعبة , فأصبح، ففي ذلك اليوم بعينه أُمسكوا وصُلبوا، وقبل موته نشأتْ صفقة من جنْس هؤلاء فعاثوا نحو السنة، فنزلوا قصرًا قريبًا من الباب، وقتلوا على باب الشّيخ رجلًا، فقال الشّيخ: كأنّهم دبُّوا إلينا، يقعون إن شاء الله. فأخذوا بعد قيل. وكانوا ثلاثة.
وكان له في الجمع بين الطّريقة والشّريعة عجائب. كان يقول لي: قوله {: كلٌ من عند الله}، هذه حقيقة. ثم ينتهي إلى قوله: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حسنةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ من سيئةٍ فمن نفسك} هذه شريعة، ويقول: الحجَّة في الشّريعة، ولا حجّة لنا بالحقيقة، ويقول: أكثر ما تؤتي المتصوّفة مِن ملاحظة الحقيقة مع الإعراض عن الشّريعة، وهذه ضلالة.
اتّفق أنّ بعض الملوك قدِم الإسكندريّة قبل أن يتسلطن، فخرج بعض الخربنْديَّة لأخذ حطب النّاس، فأخذوا من غَيْط الشّيخ جَمَلين جريدًا، فجاء جاره فخوّفهم، فلم يفكّروا وراحوا. فجاء الأميران المحمّدي وشمسُ الدّين سُنْقُر، فذكر لهما الجار القصّة، فساقا على آثار الجمال، فهرب الخربنْديّة، واستاقا الْجَمَلين إلى الغَيْط، فدخل إليه جارُه، وعرّفه القصّة فقال: أمّا أنا فما [ص:80]
بقيت أنتفع بهذا، لأنّه شيءٌ، قد عُصِي اللهُ فيه، وقد صار لك فيه حقّ، ولهذين الأميرين ولأصحاب الأرض التي سلكها الغاصب. فأخذه المعرّف، وكافأ الشيخ الأميرين بشيء.
وقال مرّة لرجل: إمّا أنا فما أعلّق قلبي منه لا بطعامٍ، ولا بشراب، أأكون بهيمة هنا وبهيمةً هناك همه بطنه؟ إنما أطلب منه الرِّضى، وما عداه فُضْلة.
قال المؤلف: لأنّ غاية نعيم المؤمنين أنْ يحلّ الله عليهم رِضْوانه، فلا يسخط عليهم أبدًا، وهو أفخر العطايا.
وقال لي بعض الأكابر بعد وفاة الشّيخ رحمه الله: هل عاينتَ منه خارقًا أو تكلَّم معك على خاطِر؟ فقلت: لا، إلّا شيئًا خَفِيًّا مِن جنْس الفِراسة، هذا على أنّني سمعت في حياته وبعد وفاته ممّن صَحِبه أنّه كان يحدِّثهم بما صنعوا في بيوتهم ممّا فيه نصيحة أو في ذِكِره فائدة. قال لي ابن القفّاص الفقيه: تزوَّجت وأعرست، فأرقتُ ليلةً، ولم أدخل إلى فراشي، فانقبضت العروس لانقباضي، فلمّا خرجت إليه قال لي الشّيخ: ويْلَكَ أخطأت في المعاشرة، شوّشت اللّيلة على أهلك بانقباضك، واستنادك إلى الخزانة. وكان فكري يضيق بي فناولني الشّيخ عشرة دراهم، وقال: خذ بهذه شيئًا يصلُح لغداء العرائس.
وذكر ابن القفّاص عدّة كراماتٍ أوردها المؤلف. وذكر حكاية في ذاك المعنى عن الصّاحب بهاء الدّين، عن الشّيخ خضِر الكُرديّ شيخ الملك الظّاهر، عن الشّيخ.
ثم قال: ولما جاء الصاحب بها الدّين إلى البلد عزم أنْ لا يدخلها حتّى يزور الشّيخ. وكنتُ معه، فلمّا وصلنا إلى قصر الشّيخ، نزل الصّاحب من بعيد، وقالوا للشّيخ، فقال: الفقيه معه؟ قالوا، نعم. فقال: وما تريد؟ قال: البركة. فسكت ونحن وقوف. فقلت للصّاحب: اجلِس. فقال: لا. وغلبت عليه الهيبة وتجلّد. وطال وقوفه، فقلت للصّاحب. اطلب منه شيئًا خاصًّا. فقال: الموعظة، فقلت للشّيخ: هو يطلب الموعظة. فقال: هو يحفظ القرآن؟ قلت: نعم. قال: اقرأ معه سورة {اقرأ باسم ربك}. فقرأنا إلى قوله: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يرى} فقال: إذا علمت فإنّه يراك، اعرف كيف تكون والسّلام. فانصرف على ذلك. [ص:81]
وكان يقول لطالب الدّعاء، والزّيارة: الّذي علِم نيّتك يكافئك عليها.
وحدَّثني من لا أتمارى فيه خيرًا ونُبْلًا قال: وصلت مع أخي في حياة الملك الصّالح، فتحادثنا في الزّيارات، وعزمت على زيارة الشّيخ، وحملت أخي على ذلك، فعارضني من أصحابنا فلان، وفلان بكلام فيه غضاضة في حقّ الشّيخ، فأنكرت عليهما، وبكّرت إلى الشّيخ، واستغرقت في النَّظر إليه وهو عند السّاقية ووقفت وإذا بحسّ البِغال في خلفي، فقلت في نفسي: هذا فلان وفلان وهما على نيةٍ رديئة، وهذا رجلٌ مُكَاشَف، فما أتممت الخاطر إلّا وغاب الشّيخ عن بصري، فهجمت الغَيْط ممّا غلب على الحال، وقلت: لعلّ تحت رِجْلَيه غار دخل فيه. فلم أجد شيئًا إلّا البطاميّة، فظننت أنه انبطح فيها، فتأملتها فلم أر شيئًا. فخرجت إلى أولئك وخاصمتهما، وحكيت لهما القصّة.
قال المؤلّف: وسِنُّ الشّيخ نيفٌ وسبعون سنة. وكان بعضهم يظن أنّه في عَشْر المائة، وذلك لأنّه من صِغره كان يُسمّى بالشّيخ.
آخر ما اخترته من مناقب القبّاريّ، ويكون خمسة كراريس، ما ذكر فيها اسم الشّيخ، ولا وفاته، ولا حلْيته، فرحمه الله ورضي عنه آمين.(15/67)
-وفيها ولد:
الشيخ شهاب الدّين محمد ابن المجد عبد الله بدمشق، وأحمد ابن شيخنا علي بن محمد بن هارون الثعلبي، وفتح الدّين محمد بن عثمان بن أحمد بن عثمان، وأحمد بن عليّ بن أيّوب بن علويّ العلّاميّ؛ وُلِدوا بمصر وسمعوا من النّجيب، وكمال بن محمد بن كمال الصّالحيّ، سمع الكرْمانيّ والزّين عبد الرحمن بن عليّ بن حُسين بن منّاع التّكْريتيّ، والمحدّث شمس الدّين محمد بن عبد الرحمن بن سامة، والقاضي شمس الدّين محمد بن أبي بكر ابن النّقيب، والشَّرف عبد الله ابن الشّيخ العزّ الحنبليّ، والقاضي شمس الدّين محمد بن مسلّم، وكمال الدّين إبراهيم ابن الوجيه بن مُنجى، وأحمد بن القاضي تقيّ الدّين سليمان، ورحمون المؤذن.(15/81)
-سنة ثلاث وستين وستمائة(15/82)
84 - إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ بْن عَبْد الْعَزِيزِ بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ، وعليّ هو القاضي الزّكي ابن القاضي المنتَجَب أبي المعالي محمد بن يَحْيَى بن عَليّ بن عَبْد العزيز، المحدِّث، العالِم، مُعِين الدّين أبو إسحاق القُرَشيّ، الدّمشقيّ. [المتوفى: 663 هـ]
له سماع من أبي صادق بن صبّاح، وأبي المنجى ابن اللّتّيّ، وأكثر عن كريمة والمتأخّرين، وعُنِي بالحديث، وكتب الكثير بخطّه المنسوب، ولم يزل يُسْمِع إلى أنْ مات، وروى اليسير، سمع منه المعين ابن الجنيد جزأين عن ابن اللّتّيّ.
وكان حَسَن الفهْم، قويّ المعرفة. عاش ستّين سنة إلّا أشهُرًا، تُوُفّي في ثامن ربيع الأول فجاءةً، وهو سبط القاضي محيي الدّين محمد ابن الزّكيّ.(15/82)
85 - إبراهيم بن محمد بن أحمد بن هارون، الحافظ، الحجة، الواعظ، أبو إسحاق ابن الكمّاد السَّبْتيّ. [المتوفى: 663 هـ]
يروي عن أبي عبد الله التُّجيبيّ نزيل تلمسان، وأبي الحَجّاج ابنَ الشّيخ، وأبي ذَرّ الخُشَنيّ، ومولده في حدود الثّمانين، وخمسمائة.
وقد ذكرت موته في عام ستّين على ما حدَّثني به ابن عِمران السَّبْتيّ، ثمّ قرأتُ في " برنامج أبي جعفر بن زُبَيْر" قال: وأبو إسحاق أحفظ من لقِيتُه لَحَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولقد ذَكَر لي شيخنا أبو الخطّاب بن خليل على جلالته، وسِنّه أنّه لم يلْق أحفَظَ من ابن الكمّاد. كان في حِفْظ الحديث أيةً من الآيات.
قلت: يعني للمُتُون.
قال: ولمّا قدِم الأندَلُسَ أبو النّعيم الواعظ المعروف بابن راضية قافلًا من المشرق، مُرتكبًا في وعْظه طرائق تلحينيّة يُركّبها على أبياتٍ أرقّ من النّسيم، ويقرأ بين يديه قرّاء قد أحكم تدريبهم، فاستجابت لذلك العامّة، فلمّا فعل ذلك بإشبيليّة وبها ابن الكمّاد إذ ذاك، أنكر ذلك كلّ الإنكار، وأبدأ في ذلك وأعاد، وحمله ذلك على أنْ جلس على المنبر للوعظ على سُنَن السّلَف. ففعله [ص:83]
إلى أن مات، فحضرتُ مجالسه فسمعته يسرُدُ أحاديث، ويُتْبِعُها بفقهٍ وبيانٍ ما يعرض فيها، ويورد من الخلاف ما يلائم الحال، وكانت معيشته من تفقُّدات الإخوان وهداياهم. وربّما نبّه في مجلسه إذا صمّت ضرورة. تُوُفّي في سنة ثلاثٍ وستّين، رحمه الله.
وقد تقدَّم في سنة ستّين أنّه كان من جملة محفوظاته " سُنَن أبي داود ".(15/82)
86 - إبراهيم بن يحيى بن محمد بن موسى، العلّامة، أبو إسحاق التُّجيبيّ، التّلْمِسانيّ، الفقيه المالكيّ، المعدّل. [المتوفى: 663 هـ]
كان فاضلًا صالحًا، ورِعًا، بارعًا في العلوم. صنَّف في شرح الخِلاف كتابًا نفيسًا في عدّة مجلّدات، أحسن فيه ما شاء. ودرّس، وأعاد، وأفتى، وحدث عن: أبي الحسن علي ابن البنّاء.(15/83)
87 - أَيْبَك، أبو سعيد، وأبو محمد عزُّ الدّين، عتيق القاضي جمال الدّين المصريّ. [المتوفى: 663 هـ]
حدَّث بالمدينة والجبل عن: الخُشوعيّ، وصار وكيلًا عند القُضاة مدّةً، ووُلِد بقُبْرس سنة خمسٍ وثمانين تقريباً، روى عنه الدّمياطيّ، ومحمد ابن المحب، وابن الزراد، وابن الخباز، والبدر ابن صبيح المؤذّن، وآخرون.
تُوُفّي في ثالث جُمَادى الآخرة.(15/83)
88 - التّاج الإسكندرانيّ، المعروف بالشحرور. [المتوفى: 663 هـ]
تُوُفّي بدمشق.
وهو أبو بكر عبد الله. يأتي.(15/83)
89 - حمزة بن محمد بن الحُسين بن حمزة، القاضي أبو يَعْلَى البَهْرانيّ، الحَمَويّ، الشّافعيّ، محيي الدّين قاضي حماة. [المتوفى: 663 هـ]
ولي القضاء سنة اثنتين وأربعين وستّمائة، فبقي عشر سِنين ثمّ عُزل. [ص:84]
سمع من أُمّه صفيَّة بنت عبد الوهاب، وخالته كريمة، روى عنه الدّمياطيّ، وغيره.(15/83)
90 - خالد بن يوسف بن سَعْد بن الحسن بن مفرّج بن بكّار، الحافظ المفيد، زينُ الدّين، أبو البقاء النّابلسيّ ثمّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 663 هـ]
وُلِد بنابُلس سنة خمسٍ وثمانين وخمسمائة، وقدِم دمشقَ فنشأ بها، وسمع من بهاء الدّين القاسم ابن عساكر، ومحمد بن الخصيب، وحنبل وابن طَبَرْزَد وطائفة، ورحل فسمع ببغداد من الحُسَين بن شنيف، وأبي محمد بن الأخضر، وابن مَنِينا، وطبقتهم، وكتب وحصّل الأُصُول النّفيسة، ونظر في اللُّغة والعربيّة، وكان إمامًا متقِنًا ذكيًّا فطِنًا، ظريفًا، حُلْو النّادرة، صاحب مزاحٍ ونوادر، وكان يعرف قطعةً كبيرةً من الغريب والأسماء، والمختلِف والمؤتلِف، وله صورة كبيرة، وله حكايات مُتدَاوَلة بين الفُضَلاء، وكان الملك النّاصر يُحِبّه، ويُكرمه.
روى عنه الشّيخ محيي الدّين النّواويّ، والشّيخ تاجُ الدّين الفَزَاريّ، وأخوه الخطيبُ شرفُ الدّين، والشيخ تقيّ الدّين ابن دقيق العيد، والشيخ أبو عبد الله الملقن، والبرهان الذهبي، والكمال محمد ابن النحاس، والشَّرف صالح بن عربْشاه، ومحيي الدّين إمام مشهد عليّ، وطائفة سواهم.
وتُوُفّي في سلْخ جمادى الأولى.
ومن أخباره المشهورة أنّ بعض جيران التُّربة العِزّية اعترض الزّين، رحمه الله، وكان شيخَ الحديث بها، فقال: أأنت تقول إنّ الإمام عليّ ما هو معصوم؟ فقال: ما أخفيك شي، وكان رحمه الله يلهج بها كثيرًا، أبو بكر الصّديق عندنا أفضل من عليّ، وما هو معصومًا، وكان الزَّين خالد، رحمه الله، يَجْبَهُ النّاس بالحقّ وبالمزح، ولا يهاب أحدًا، وله في ذلك أخبار، وكان ضعيف الكتابة جدًّا مع إتقانها. وكان يعرج من رِجْله، وولي أيضًا مشيخة النّوريّة. وكان قصيرًا، شديد السُّمرة، يلبس قصيرًا.
حدَّث الشَّرف النَّاسخُ أنّه كان يحضر الملك الناصر ابن العزيز، فقام [ص:85]
شاعر وأنشد مِدْحةً في النّاصر، فقام الزّين خالد فقلع سراويله، وخلعه على الشّاعر، فضحِك السلطان كثيراً، وقال: يا زين الدّين، ما حَمَلَك على هذا؟ قال: ما وجدت مَغْرَمًا لا أحتاج إليه إلّا اللّباس. فتعجّب السلطان ووصله.(15/84)
91 - ضياء بن جبريل بن زُوين، أبو بكر المصريّ الأزياريّ، المنادي. [المتوفى: 663 هـ]
روى عن الفخر الفارسيّ، كتب عنه الشّريف عزّ الدّين، وغيره ومات في ذي القعدة.(15/85)
92 - ظافر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الْعَزِيز بْن عيسى بن عبد الواحد، أبو المنصور اللَّخْميّ، الإسكندرانيّ. [المتوفى: 663 هـ]
روى بالإجازة عن أبي اليُمْن الكندي، والمؤيد الطوسي، ومات في شوال.(15/85)
93 - عبد الله بن يحيى ابن الشَّيْخ أَبِي المجد الفَضْل بن الحُسَيْن، العدْل، الفقيه، نظامُ الدّين، أبو محمد ابن البانياسيّ. [المتوفى: 663 هـ]
وُلِد سنة تسعٍ وسبعين، وسمع من الخُشوعيّ، وحنبل، والقاسم ابن عساكر، وعبد اللّطيف ابن شيخ الشّيوخ، ومنصور الطَّبريّ، وجماعة ورحل فسمع ببغداد من عبد الوهّاب ابن سُكَيْنَة، ويحيى بْن الربيع الْفَقِيهُ، وهو من بيت الحديث والعدالة والرياسة. وعنده فضيلة تامّة، وفيه دِين وتعبُّد، واطّراح للتَّكلُّف.
روى عنه ابن الحُلْوانيّة، والدّمياطيّ، وابن الخباز، ومحمد ابن المُحِبّ، ومُحيي الدّين يحيى بن أحمد المَقْدِسيّ، وجمال الدّين علي ابن الشاطبي، وشمس الدّين ابن الزّرّاد، وآخرون.
وتُوُفّي في سابع صفر ببستانه عند بركة الحِمْيَريّين. ومرض بالفالج مدّة.(15/85)
94 - عبد الله بن أبي طالب بن مهنا، الفقيه، المفتي، تاجُ الدّين، أبو بكر الإسكندرانيّ، ثم الدّمشقيّ. [المتوفى: 663 هـ]
صحب الإمام فخر الدّين ابن عساكر، وتفقَّه عليه، وسمع من أبي الفضل سَعْد بن طاهر المَزْدَقانيّ، وحنبل المكبّر، وبرع في مذهب الشّافعيّ، ودرّس، وحدَّث، وتُوُفّي في سابعٍ ذي الحجّة بدمشق.
روى عنه الشّيخ تاج الدين عبد الرحمن، وأخوه الخطيب شرف الدّين، وغيرهما، وكُنْيَته أشهر.(15/86)
95 - عبد الرحمن بن أحمد بن ناصر بن طعّان، سَراجُ الدّين، أبو عُمَر البُصرويّ، ثمّ الدّمشقيّ، الطّريفيّ، الصّفّار، الفاميّ، [المتوفى: 663 هـ]
أخو عبد الله.
وُلِد سنة سبعٍ وثمانين وخمسمائة تقريبًا، وسمع من الخُشوعيّ، وعبد اللّطيف الصُّوفيّ، روى عنه أبو المعالي ابن البالسي، والبدر محمد ابن التوزي، والنجم ابن الخباز، والشمس ابن الزراد، والبهاء ابن المقدسيّ، وجماعة كثيرة، ومات فجاءة في أوّل ذي القعدة بدمشق.(15/86)
96 - عبد الرحمن بن عَبْد المنعم بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحيم بن محمد ابن الفرس، الوزير الحافظ، اللغوي، أبو يحيى ابن القاضي النَّحْويّ أبي محمد الخَزْرَجِيّ، الأَنْدَلُسيّ، [المتوفى: 663 هـ]
أحد الأعلام.
ذكره ابن الزُّبَيْر في " برنامجه " فَقَالَ: أخذ عن أَبِيهِ فأكثر، وعن: أبي الحَسَن بْن كَوْثر، وَعَبْد الحقّ بن بُونه، وابن عبيد الله الحَجْريّ، وابن رفاعة.
وانفرد بالرّواية عنهم، وأجاز له من المشرق الأرتاحيّ، والبُوصِيريّ، وجماعة. وكان ذاكرًا لِمَا يقع في الإسناد من مُشْكِل الأسماء، ويدري كثيرًا من مُشكل الحديث، وغريبه، صنَّف كتابًا في " غريب القرآن ". وأسمع الحديث طول [ص:87]
حياته، وكانت فيه غفلة قصرت به عن فضائله، وخطبته حتّى استحكمت به بأخرة. وله أملاك تقوم به، مولده في سنة أربعٍ وسبعين.
قلت: أظنُّه مات بغَرْناطة.
وذكره أيضًا في " صلة الصّلة " فأثنى عليه، وقال: هو وأبوه وجده وجدّ أبيه مذكورون في هذا الكتاب، وكلّهم مشاورٌ جليل، وله أُصُولٌ وأُمّهات يُرجع إليها.
أخذ عنه الأستاذ أبو عبد الله ابن الطراز، وجماعة، لقد وقفت على إجازته لأبي عمر بن حَوْط الله في سنة سبعٍ وتسعين. وما زال يروي حتّى هذا الوقت، روى عنه المحدِّث أبو عبد الله بن سعْد، وأبو عبد الله الطَّنْجاليّ، وأبو عبد الله الأبّار، وأبو العبّاس بن فرتون، وجمال الدّين ابن مُسْدي نزيل مكّة، وأبو إسحاق البلفيقيّ، والقاضي أبو عليّ بن أبي الأحوص، لازمتُه، وأكثرتُ عنه.(15/86)
97 - عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الله، أبو القاسم المنبجي ثم المصريّ الصُّوفيّ. [المتوفى: 663 هـ]
شيخ صالح. سمع من أبي القاسم البُوصِيريّ، كتب عنه الشّريف عزّ الدّين والطّلَبة، ومات في سابع شعبان.
وروى عنه الدّمياطيّ، والشّيخ شعبان، والدُّوَيْداريّ، وعبد المحسن الصّابونيّ، ويوسف بن عمر الخَتَنيّ.
أخوه أبو عبد الله محمد بن يوسف: روى عن البُوصِيريّ، ومات سنة ثمانٍ وثلاثين، وستّمائة.(15/87)
98 - عبد العزيز بن عبد الباقي بن منجى بن خلف بن منجى. [المتوفى: 663 هـ]
أبو محمد الإسكندرانيّ، المعروف بالورّاق.
شيخ صالح. روى بالإجازة عن الخُشوعيّ، والقاسم ابن عساكر، ومات في جُمَادى الأولى.(15/87)
99 - عثمان بن عبد الوهّاب بن يوسف بن معالي، العدل، الجليل، شرف الدّين أبو عمرو ابن السايق التّغْلبيّ، الدّمشقيّ، [المتوفى: 663 هـ]
كاتب الحُكْم بدمشق.
كان مليح الخطّ، خبيرًا بالشُّرُوط يجلس تحت السّاعات، وله صَدَقَات، ومعروف، وحدَّث عن الكِنْديّ. وعاش ثمانين سنة.(15/88)
100 - عثمان بن محمد بن عبد الله، أبو عَمْرو العَبْدَريُّ، الأندلُسيّ، المحدِّث. [المتوفى: 663 هـ]
مكثرٌ عن يونس ابن العديم. وكان إمام مسجد بسَبْتة، سمع في سنة أربع وتسعين كتاب " التّقصّي " من عليّ بن موسى بن النقرات. وبقي إلى هذا الوقت.(15/88)
101 - عليْ بن أبي الربيع سليمان بن أحمد بن عليّ، أبو الحسن السَّعْديّ، الشَّارِعيّ، الشّافعيّ، المعروف بابن المغربل. [المتوفى: 663 هـ]
حدَّث عن: قاسم بن إبراهيم المقدسيّ، روى عنه الدّمياطيّ، والدُّوَاداريّ، وشعبان، وجماعة.
تُوُفّي في شوّال.(15/88)
102 - عليّ بْن مُحَمَّد بْن محمد بن عبد الكريم، الرّئيس، جمالُ الدّين، ابن القُمّيّ، البغداديّ، [المتوفى: 663 هـ]
ابن أخي الوزير. [ابن أميران]
كان ذا سُؤدُد، وفضل وجلالة، شيّعه الخلْقُ ببغداد إلى تُربة عمّه، ويُعرف بابن أميران.(15/88)
103 - عليّ ابن خطيب نابلس يحيى بن إبراهيم بن عليّ، الخطيبُ ضياءُ الدّين، أبو الحسن الزُّهْريّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 663 هـ]
كان فقيهًا، إمامًا، ديِّنًا، مَهِيبًا، بهيًّا. ولي قضاء الكَرَك مدّةً، وحدَّث عن: أبي عبد الله بن عبدون البناء، وغيره.
تُوُفّي يوم الأضحى بالقدس، ورّخه أبو شامة. وهو من شيوخ [ص:89]
الدّمياطيّ.(15/88)
104 - الفتح بن موسى بن حمّاد بن عبد الله بن عليّ، الفقيهُ نجمُ الدّين، أبو نصر الْجَزِيريّ الأصل، القَصْريّ المَربَى، الشّافعيّ الأُصُوليّ. وقصر عبد الكريم بالمغرب. [المتوفى: 663 هـ]
وُلِد بالجزيرة الخضراء في رجب سنة ثمانٍ وثمانين وخمسمائة، ونشأ بقصر كُتَامة. واشتغل بالنَّحْو. وسمع " مقدِّمة " الجزوليّ عليه. وقدِم دمشقَ سنة عشْر. وسمع من الكِنْديّ. واشتغل بحماة في الكلام على السّيف الآمِديّ. ودرّس برأس عين بمدرسة ابن المشطوب، ونَظَم " المفصَّل " للزَّمَخْشَريّ، ونَظَم كتاب " الإشارات " لابن سِينا، ونَظَم " السّيرة " لابن هشام على قافية رائيّة في اثني عشر ألف بيت. وله عدّة مصنَّفات، وكان من فُضَلاء زمانه.
ثم دخل مصر، ودرس بالفائزية بسيوط، ثم ولي قضاء سيوط، وبها تُوُفّي في رابع جُمَادى الأولى، وله نظمٌ جيّدٌ.
روى عنه ابن خَلِّكان، وعظَّمه.(15/89)
105 - فِراس بن عليّ بن زيد بن معروف، العدْل، نجيبُ الدّين، أبو العشائر الكِنانيّ، العسقلانيّ الأصل، الدّمشقيّ، التّاجر. [المتوفى: 663 هـ]
عاش ثمانين سنة، ومات ليلة الخامس والعشرين من شعبان، وروى عن الخُشوعيّ، وعبد اللطيف بن إسماعيل، والقاسم ابن عساكر، والكِنْديّ، وحدَّث بدمشق ومصر. وكان من أعيان العُدُول.
روى عنه الدّمياطيّ، وأبو العبّاس بن فرح، والشّيخ تاج الدّين، وأخوه، والدُّوَاداريّ، وابن الخبّاز، وابن الزراد، ومحمد ابن المحب، وآخرون.(15/89)
106 - محمد بن أحمد بن كامل بن عمر، عفيفُ الدّين المقدِسيّ، المؤدّب. [المتوفى: 663 هـ][ص:90]
تُوُفّي كهلًا، وكان صالحًا ديِّناً، روى عن ابن مُلاعب، والشّيخ الموفّق، وجماعة.(15/89)
107 - محمد بن حسين بن علي ابن زوجة الزاهد القدوة الشيخ علي الفرنثي، [المتوفى: 663 هـ]
والد علي، وموسى وأحمد.
ولد سنة بضعٍ وثمانين وخمسمائة. وجلس في المشيخة، وخدم الفقراء بالزاوية الفرنثية بالجبل، وكان رجلا مباركا.
مات في ربيع الأول، سمع أولاده من ابن اللتي.(15/90)
108 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن المسلم بْن مُحَمَّد بن الحسين بن إسماعيل، الشيخ أبو عبد الله ابن مراجل الكِنْديّ الحَمَويّ. [المتوفى: 663 هـ]
وُلِد سنة ثمانٍ وسبعين، وخمسمائة بحماة، وتُوُفّي بالقاهرة في صفر.
قال الشّريف: حدثنا عن أحمد بن مسعود بن شدّاد المَوْصِليّ.(15/90)
109 - محمد بن أبي البركات عمر بن محمد بن عمر بن الحسن ابن القسطلانيّ، الفقيه، إمام الحطيم، أبو عبد الله التّوزريّ المالكيّ، المكّيّ. [المتوفى: 663 هـ]
وُلِد سنة ثمانٍ وتسعين، وخمسمائة بتوزر، وسمع بمكّة من أبي الحسن عليّ ابن البناء، وأبي حفص السُّهْرَوَرْديّ، وكان شيخًا فاضلًا فقيهًا، أديبًا. له شَعْر، روى عنه الدّمياطيّ، وغيرُ واحد.
ويجتمع هو والشيخ تاج الدّين ابن القسطلانيّ في جدّهم الأعلى الحسن بن عبد الله بن أحمد بن ميمون القَيْسيّ.(15/90)
110 - محمد بن الحسن بن الزُّبَيْر، العاصميّ، الخطيب، أبو عبد الله الأندلسيّ. [المتوفى: 663 هـ]
لازَمَ الحسين بن هشام القَلْعيّ زمانًا. وقرأ عليه بما في " التّيسير "، وسمعه منه. وهو من أصحابه، أخذ عنه قراءته أبو جعفر بن الزُّبَيْر، وورْخه.(15/90)
111 - مُحَمَّد بْن عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن ظافر، الإمام أبو العلاء ابن المرابط المُراديّ. [المتوفى: 663 هـ]
حمل عن أبي جعفر بن عَوْن الله، وأبي جعفر بن حَكَم، وأبي بكر بن أبي جمرة. ولي القضاء، وعقْد الوثائق، وأُسِر في أخْذ أُوريولة ثم افتُك، مات بمرسية سنة ثلاث وستين قاله ابن الزبير.(15/91)
112 - محمد بْنُ يوسف بْن موسى بْن يوسف بْن مُسْدِي، الحافظ أبو بكر الأندلسيّ، الغَرْناطيّ الأزْديّ المُهلّبيّ. [المتوفى: 663 هـ]
سمع الكثيرَ بالمغرب، وديار مصر. وصنَّف، وانتقى على المشايخ، وظهرت فضائله، وروى عن أبي محمد عبد الرحمن ابن الأستاذ الحلبي، ومحمد بن عماد الحراني، وبلغني أنّه خرَّج " مُعْجَمًا " لنفسه، روى عنه عَلَمُ الدّين الدّواداريّ، وغيره، وجاور بمكّة، ومات في شوّال بها.
وقد ذكر أنّه لبس الخِرْقَة من جدّه موسى سنة اثنتين، وستّمائة، ومن الأمين عبد اللطيف ابن النّرسيّ، قدِم عليهم غَرْنَاطة، ولبّسهم عن الشّيخ عبد القادر.
وسمع سنة ثمان، وبعدها بالأندلس، ومن الفخر الفارسيّ بمصر. وقد تكلم فيه فكان يدلس الإجازة. وحكى أبو محمد الدلاصي أنه غضُّ من عائشة، حكى لي العفيف ابن المطري قال: سمعت التقيّ العمري المحدِّث قال: سألت عنه أبا عبد الله بن النعمان المزالي فقال: ما نقمنا عليه، غير أنّه يتكلّم في عائشة، رضي الله عنها، ثم حدَّثني العفيف أنّه يصاحب الزَّيْديّة، ويُدَاخَلُهم، وقدَّموه لخطابة الحرم. وأكثر كتبه بأيدي الزيدية. وكان خطيباً، ربما ينشئ الخطب في الحال ببلاغةٍ وفصاحة. وفضائله كثيرة، ومعجمه في ثلاثة مجلّدات.
وله مصنَّفات كثيرة، منها مَنْسَك كبير في مجلدٍ ضخْم ذكر فيه المذاهب، وحججها، وأدلّتها، يدلّ على تبحُّره في الحديث، والعِلم.
ومن الرُّواة عنه أمين الدّين عبد الصّمد، والعفيف ابن مزروع، والرضى محمد بن خليل الفقيه، والشيخ رضيّ الدّين إمام المقام.
قلت: تورّع الإمام في الرّواية عنه. ورأيت له قصيدةً طويلة تدل على [ص:92]
تشيُّعٍ، ورأيت له " مناقب الصِّديق " في مجلَّد، وطالعت " معجمه " بخطه، وفيه عجائب، وتواريخ ثلاثة أسفار ضخام.(15/91)
113 - ممدود بن عيسى بن إسماعيل بن محمد بن سعيد، الأمير الكبير، الحاجب، عزُّ الدّين الكُرْديّ، الزّرْزاريّ، الإربِليّ. [المتوفى: 663 هـ]
وُلِد بأعمال إربِل، وروى بالإجازة عن: يحيى بن بوش، وابن كليب، ومات بمصر في أوّل ربيع الأوّل عن ثمانين سنة.
سمع منه: الدّمياطيّ، والشّريف عزّ الدّين، والشّيخ شعبان، وعلم الدّين الدّوَاداريّ، وجماعة.
وكنيته أبو المكارم، وكان من بقايا الدّولة.(15/92)
114 - موسى بن يغمور بن جلدك، الأمير الكبير، جمال الدّين الياروقيّ. [المتوفى: 663 هـ]
وُلِد بالصّعيد سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وتُوُفْي بقُرب الغُرابيّ، ونُقل إلى مصر فدُفِن بسَفْح المُقَطّم.
ذكره قُطْبُ الدّين فقال: كان من أعيان الأمراء، جليل المقدار، رئيسًا، خبيرًا، عالِمًا، حازمًا، جوادًا، ممدَّحاً، حَنَّكته التَّجارب. ونابَ الدّيار المصريّة للملك الصّالح مُدّةً، ثمّ استنابه على دمشق. فلمّا تسلطن الملك المُعِزّ راسَلَه في موافقته فلم يُجِبْه. فلمّا قدِم الملك النّاصر، وتملّك دمشقَ دخل في طاعته، فاعتمد النّاصر عليه في سائر أموره، وكان هو أميرَ الدّولة، ومُشِيرَها، ولم يكن له نظيرٌ إلّا الأمير ناصر الدّين القَيْمُرِيّ. وكان مُحْسِنًا إذ ذاك إلى رُكْن الدّين بَيْبَرس الملك الظّاهر. فلمّا تسلطن رُكن الدّين أعرض عنه قليلًا، ثمّ أقبل عليه، ورعى له سالفَ خدمته، وجعله أستاذ داره بالدّيار المصريّة، وكان من رجال الدهر عقلاً وحزماً، ورأياً صائباً، وفراسة ً، وحِشْمةً، وكان إنعامه واصلًا إلى الفُقراء والرّؤساء. تُوُفّي في شعبان في أوّله. [ص:93]
وقد سمع الحديث من الفخر الفارسيّ، والحسن بن دينار، وابن المُقَيّر، وجماعة، وحدَّث باليسير.
فائدة عجيبة:
كان ابن يغمور أستاذ أستاذ الملك الظّاهر ركن الدّين، قال ابن واصل: كان الأمير علاء الدّين البندقدار الصّالحيّ أيدكين من كِبار أمراء أستاذه الملك الصّالح، ثمّ قبض عليه، وحبسه، واستولى على غلمانه، وكان منهم ركن الدّين بيبرس، فصار من أعيان حاشية الملك الصالح، وكان يقال له بَيْبَرس البُنْدُقْدَاريّ نسبةً إلى علاء الدّين المذكور، ثمّ عاش علاء الدّين، وكان من جملة أمراء الملك الظّاهر إلى أنْ مات، قال: وكان علاء الدّين مملوكًا قبل الملك الصّالح للأمير جمال الدّين ابن يغمور.(15/92)
115 - هبة الله بن عبد الله بن أبي البركات هبة الله بن زوين بن أبي بكر بن حفاظ، الشّيخ الصّالح، الفاضل، أبو البركات الأنصاريّ الإسكندرانيّ. [المتوفى: 663 هـ]
سمع: عبد الرحمن بن موقى، وزينب بنت أبي الطّاهر بن عوف، روى عنه الدّمياطيّ، وابن الظّاهريّ، والشّيخ شعبان، وغيرهم، مات في مستهل جُمَادى الآخرة.(15/93)
116 - هولاكو، طاغية التّتار. [المتوفى: 663 هـ]
هلك فيها، وقيل: في سنة أربعٍ كما سيأتي.(15/93)
117 - يوسف بن الحسن بن عليّ، قاضي القُضاة، بدرُ الدّين أبو المحاسن السِّنْجاريّ، الشّافعيّ، الزّرزاريّ. [المتوفى: 663 هـ]
كان صدرًا محتشمًا، وجوادًا مُمَدَّحًا. تقدَّم بسنْجار، وتلك البلاد في شُبُوبيّته عند الملك الأشرف. فلمّا تملّك دمشقَ ولّاه قضاء البقاع، وبَعْلَبَكّ، والزَّبَدانيّ، وكان له نوابٌ في بعضها. وكتبوا له في إسجالاته: قاضي القُضاة. [ص:94]
قال قُطْبُ الدّين: كان يسلك من الخيل والمماليك والتجمل ما لا يسلكه الوزراء الكبار، ثمّ عاد إلى سِنْجار، فلمّا مات الملك الكامل، وخرجت الخُوَارزْميّة عن طاعة ولده الصّالح، راح الصالح إلى سنجار، فطمع فيه صاحب المَوْصِل، ونازله بسِنْجار، ولم يبق إلا أن يسلّمها. وبدر الدّين قاضٍ بها، فأرسله الصالح تلك الليالي من السور، فنزل وذهب إلى الخوارزمية، وخاطر بنفسه، وركب الأهوال، واجتمع بهم، واستمالهم ومناهم، وساروا معه، ووافاهم الملك المغيث ولد الصالح من حران، وأقبلوا إلى سنجار، فترحل صاحب المَوْصِل عنها هاربًا، واحتوت الخُوَارزْميّة على أثقاله، وعظُمَتْ منزلةُ القاضي بدر الدّين عند الصّالح، فلمّا تملّك البلاد، وفد إليه بدرُ الدّين ففرِح به، وأكرمه، وكان شَرَفُ الدّين ابن عين الدّولة قاضي الإقليم بكماله، فأفرد عنه مصر والوجه القِبْلِيّ، وفوَّضه إلى بدر الدّين. فلمّا مات ابن عين الدّولة ولّاه الصّالح قضاءَ القُضاة بالقاهرة والوجه البحريّ، وكان عنده في أعلى المراتب.
وكان الشّيخ الأمير فخر الدّين ابن الشّيخ يكره القاضي بدر الدّين، فكتب فيه مرّةً إلى الصّالح يغضُّ منه، وينسبه إلى أخْذ الرُّشا من العُدُول، وقُضاة البرّ، فلمّا وقف على كتابه كتب إليه بخطّه على رأس كتابه: يا أخي فخر الدّين للقاضي بدر الدّين عليَّ حقوقٌ عظيمة لا أقوم بشُكرها، والّذي تولّاه قليلٌ في حقّه، فلمّا وقف على ذلك لم يعاوده.
تولى بدرُ الدّين أيضًا تدريس الصّالحيّة، وباشر وزارة مصر مدةً، ولم يزل ينتقل في المناصب إلى أوائل دولة الظّاهر، فصرفه عن ذلك، ولزم بيته، وبقي الرؤساء يترددون إليه. وحرمته وافرةٌ، ومحله كبير، وكان كثير الصَّفْح عن الزّلّات، راعيًا للحقوق، مَقْصدًا لمن يرِد عليه، سخيًّا كريمًا. حجّ على البحر، وصام بمكّة.
وقال أبو شامة: وفي رجب تُوُفّي قاضي سِنْجار بدرُ الدّين الكردي الذي تولى قضاء ديار مصر مِرارًا، وكانت له سيرةٌ معروفة من أخذ الرُّشا من قُضاة الأطراف والشّهود والمتحاكمين. وحصل له ولأتباعه تشتُّتٌ في البلاد ومصادرات. [ص:95]
وقال غيره: ولد سنة ثمانٍ وسبعين وخمسمائة بجبال إربِل وسمع وحدَّث، ومات في رابع عشر رجب.
ومن نوّابه في قضاء القاهرة القاضي شمس الدّين ابن خلكان الإربلي.
وقال أبو الحسن عليّ بن عبد الرّحيم الحمويّ: ولمّا كنت مع جدّي الصّاحب شيخ الشّيوخ حضر إليه القاضي بدر الدّين السنجاري، وسأل من جدي أن يشرِّف منزله، فأتيناه، وهو عند باب البحر بمصر، فرأينا منزله وفيه من حُسْن الآثار، وعُلُوّ همّة القاضي، وشَرَف نفسه، وكثرة مماليكه وآلاته وخُدّامه ما يعجز كثيرٌ من المُلوك عن مُضاهاته. فأقمنا عنده سبعة أيامٍ، وقدم تقادم وخلع على جماعة.(15/93)
118 - أبو العزّ بن صالح بن وُهَيب، عزّ الدّين الحنفيّ الفقيه، [المتوفى: 663 هـ]
مدرّس الشِّبْليّة ابن أخي الإمام صدر الدّين سليمان القاضي الحنفيّ.
كان فقيهًا عارفًا بمذهبه، ديِّنًا، مشكور السّيرة، تُوُفّي في جُمَادى الآخرة.(15/95)
119 - أبو القاسم العَوْفيّ، الحواريّ، الزّاهد، [المتوفى: 663 هـ]
شيخ تلك النّاحية.
له أصحاب ومُرِيدون وزاوية بقرية حوّارى من عمل السّواد.
تُوُفّي في ذي الحجّة، وكان فيه تعبُّد وصلاح، وحُسن عقيدة، وفيه سخاء وكرم، وقرى للضّيف، والله يرحمه ويرضى عنه.(15/95)
120 - أبو القاسم بن أحمد ابن القاضي عليّ بن عبد الله بن ميمون بن غانم بن عُصْفُور، الهوّاريّ البَلَنْسيّ. [المتوفى: 663 هـ]
قرأت بخطّ أبي حيّان أنّ هذا آخر من روى عن أبي محمد بن عُبَيْد الله الحجري بالسماع، وبالإجازة، وأنّه تُوُفّي في التّاسع والعشرين من صفر سنة ثلاثٍ وستّين.(15/95)
-وفيها وُلِد:
الحافظ قُطْبُ الدّين عبد الكّريم بن عبد النّور بن منير الحلبيّ، وزينُ الدّين عمر بن حبيب الدّمشقيّ، وأبو بكر بن عليّ بن حسام الكلوتاتيّ، يروي عن أحمد ابن النّحّاس الإسكندرانيّ، وزينُ الدّين عبد الرحمن بن عبد الحليم بن عبد السّلام بن تَيْمية، والزَّينُ عبد الرحمن بن أحمد بن أبي راجح عبد الله بن راجح في صفر، ومعين الدّين حسين ابن العماد محمد بن عمر بن هلال الأزْديّ، وعز الدّين محمد ابن العز إبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي عُمَر، وعمر بن عبد الله ابن الجمال أبي حمزة، والضّياء أحمد ابن شيخنا برهان الدّين الإسكندري، ويوسف ابن شيخنا الزين إبراهيم ابن القواس في شوال، والشرف محمد ابن الوجيه محمد بن المنجى، ومحمد بن أيّوب السّلاويّ، والفخر عبد الرحمن بن عبد العزيز بن هلال، ونفيسة أخت النجم ابن الخباز، وعبد الرحمن ابن ناصر الدّين ابن المقدسيّ.(15/96)
-سنة أربع وستين وستمائة(15/97)
121 - أحمد بن سالم المصريّ النَّحْويّ. [المتوفى: 664 هـ]
فقيهٌ زاهد، مجرَّد، ماهرٌ بالعربيّة، محققٌ لها، سكن دمشق، وتصدر للإشغال بالنّاصريّة، وبمقصورة الحنفيّة الشّرقيّة الّتي فيها الفقراء. وتزوج ببنت إمامها زين الدّين إبراهيم ابن السّديد الحنفيّ. وكان مع دِينه متواضعًا، حَسَن العِشْرَة، تخرَّج به جماعة، ومات في شوّال.
وخلَّف ولدين في كَفَالة جدّهما. وتأسّف جدّهما عليه، وكان مُحِبًّا له، فقال البدر يوسف بن لؤلؤ الحنفيّ:
عزاؤك زين الدّين في الذّاهب الّذي ... بكَتْهُ بنو الآداب مثنى وموحدا
هم فارقوا منه الخليلَ بنَ أحمد ... وأنت ففارقت الخليلَ وأحمدا
وقد رثاه نجم الدّين بن إسرائيل بقصيدة نيفٍ وثلاثين بيتًا، رحمه الله، وعاشت بنته أسماء إلى سنة ست وثلاثين وسبعمائة، وروت عن ابن عبد الدّائم.(15/97)
122 - أحمد بن سلامة بن رَيْحان المَوْصِليّ، ثمّ الصّالحيّ. [المتوفى: 664 هـ]
روى عن جَعْفَر الهمْدانيّ، وهو والد الشّيخ محمد القفاص، وزوج شيختنا زينب بنت شُكر.(15/97)
123 - أحمد بن عبد الله بْن شُعيب بن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه، الإمامُ، جمال الدين، أبو العبّاس التّميميّ، الصّقلّيّ الأصل، الدّمشقيّ، المقرئ، الذّهبيّ، الكُتُبيّ. [المتوفى: 664 هـ]
ولد سنة تسعين وخمسمائة. وقرأ القراءات على السّخاويّ، ولزِمَه مدّةً طويلة. وكان قارئ مجلسه، وقد سمع من أبي محمد القاسم ابن عساكر، وأبي اليُمْن الكِنْديّ، وأبي الفُتُوح البكْريّ، وأبي الفضل الهمذاني، وكان إمامًا فاضلًا فصيحًا، أديبًا، لُغَويًّا، شاعرًا، حَسَن المشاركة، سمع النّاس بقراءته كثيرًا، وصَحِب أبا عمرو ابن الصلاح مدةً. [ص:98]
روى عنه الدّمياطيّ حديثًا ممّا سمعه على القاسم سنة خمسٍ وتسعين وخمسمائة، وروى عنه القاضي تقيُّ الدّين الحنبليّ، ومحمد بن عبد العزيز الدّمياطيّ، وأبو الفداء ابن الخبّاز.
وكان يسكن بالعزيزيّة، وبها مات في جُمَادى الأولى ليلة خامسه، وكان قد تزوَّج ببنت شيخه السَّخاويّ، وخلَّف كُتُبًا جيّدة، وثروة، ووقف دارَه على فُقهاء المالكيّة.
وقد أنكروا على ابن سَنِيّ الدّولة لمّا عدّله. وكان يميل إلى الصُّور. ويُرابي، ويخلُّ بالصّلاة، لا حول ولا قوّة إلا باللَّه العليّ العظيم.
خلَّف دراهمَ، وكُتُبًا، ووثائق بنحو المائة ألف، وورثه بيتُ المال.(15/97)
124 - أحمد بن المبارك بن نَوْفَل، الإمام تقيُّ الدّين، أبو العبّاس النّصِيبيّ الخُرْفيّ، [المتوفى: 664 هـ]
وخُرْفة: بخاءٍ مُعْجَمَة ثمّ راء ساكنة، ثمّ فاء مفتوحة. اسم قريةٍ قريبة من نصيبين.
أنبأني بذلك، وبترجمته هذه أبو العلاء الفرضي، قال: كان إماماً عالماً. قدم الموصل بعد الستمائة، وقرأ بها العربية على أبي حفص عمر بن أحمد السِفْنيّ - بالكسر -، وسمع " الصحيح " من محمد بن محمد بن سرايا، عن أبي الوقت، وبرع في العِلم، قرأ عليه الملك المظفّر إبراهيم، والملك الصّالح رُكن الدّين إسماعيل ابنا صاحب المَوْصِل، وصنَّف كتابًا في " الأحكام "، "، وشرح الدُّرَيْديّة "، وألّفَ كتابًا في " العَرُوض "، وكتابًا في " الخُطَب ". "، وشرح المُلْحَة ". وله " منظومة في الفرائض "، و " منظومة في المسائل الملقّبات "، وسكن سِنْجار، ودرّس بها مذهب الشّافعيّ. ثمّ نقله سيفُ الدّين إسحاق ابن صاحب المَوْصِل إلى الجزيرة. وكان له القَبُول التَّامّ، ثمّ حجّ معه، وعاد إلى الجزيرة، وبقي بها إلى سنة اثنتين وستّين، ثمّ خرج إلى سِنْجار. ثمّ عاد إلى الجزيرة، وتُوُفّي في رجب سنة أربعٍ.
قلت: قرأ عليه القراءات أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن أحمد بن موسى الْجَزَريّ، وأجاز له. وسمعنا بإجازته على تقيّ الدّين المقاصاتي، وكان قد قرأ القراءات على ابن حَرَسْتَةِ البوازيجيّ تلميذ ابن سعْدون القُرْطُبيّ.(15/98)
125 - أحمد بن محمد بن خليل، أبو العبّاس الطُّوسيّ، ثمّ المصريّ. [المتوفى: 664 هـ]
أحد القُرّاء المتصدّرين بالجامع العتيق بمصر، قرأ بالسّبع على أبي القاسم الصّفراويّ، وأبي الفضل الهَمْدانيّ، سمع منه أبو عبد الله القَصّاع كتاب " تلخيص العبارات " لابن بلّيمة، وقال: مات في شَعبان سنة أربعٍ وستين، رحمه الله.(15/99)
126 - إبراهيم بن عمر بن مُضِرَ بن محمد بن فارس بن إبراهيم، العَدْلُ، الرّئيس، المُسْنِد، رضيُّ الدّين ابن البُرهان المُضَريّ، البُرْزيّ الواسطيّ، السفّار. [المتوفى: 664 هـ]
ولد بواسط سنة ثلاثٍ وتسعين وخمسمائة. وسمع " صحيح مسلم " من منصور الفُرَاويّ، وحدَّث به مِرارًا بدمشق، ومصر، واليمن، وذكر أنّه سمع أيضًا من المؤيَّد الطُّوسيّ، وزينب الشِّعْريّة، روى عنه خلق كثير منهم: الفقيه أحمد بن محمد بن أنس، والبرهان رئيس المؤذنين، وعلي بن محمد الإربلي التاجر، وإمام الدين محمد ابن الشرف، وبدر الدّين محمد بن محمد ابن القوّاس، والفقيه يحيى بن يحيى الزّواويّ، ومحمد ابن المحب، والكمال محمد ابن النحاس، والعماد أحمد ابن اللّهيب الأزْديّ المصريّ، والأمين أحمد بن محمد ابن تاج الدّين القسطلانيّ، وأخوه الكمال محمد، وإبراهيم بن علي ابن الخيميّ، والبدر محمد بن زكريّا السُّويْداويّ، والمفتي محيي الدّين محمد بن عليّ التّنوخيّ المَعَرّيّ ثمّ المصريّ، والضّياء محمد بن محمد ابن الأخوة المصريّ.
وكان شيخًا متميّزًا، حَسَن الهيئة، من أكابر التّجّار، ومُتَمَوِّليهم. وكانت له صَدَقَات، وبِرّ كثير، وفيه سكونٌ ودِين.
وبُرزا: قرية من عمل واسط.
تُوُفّي بالإسكندريّة في حادي عشر رجب.(15/99)
127 - إبراهيم بن مصطفى بن شجاع بن فارس المصريّ القصّار، نصيرُ الدّين. [المتوفى: 664 هـ]
روى عن مُكْرَم وغيره، وعاش أربعًا وستّين سنة.(15/100)
128 - إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى بن علوي بن حُسَين، الشّيخ الفقيه، صفيُّ الدّين، أبو الفضل القُرَشيّ، المقدِسيّ، ثمّ الدّمشقيّ الحنفيّ، المعروف بابن الدّرجيّ. [المتوفى: 664 هـ]
ولد في شعبان سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة. وسمع من عبد الرحمن بن علي الخرقي، ومنصور بن أبي الحسن الطَّبريّ، وأسماء بنت الرّان، وجماعة. وسمع بالمَوْصِل من أبي الحسن علي بن هبل الطبيب، وعبد المحسن بن ابن خطيب المَوْصِل، وخرَّج له الحافظ زكيُّ الدّين البرزالي " مشيخة "، وحدَّث بها مرّات.
روى عنه تاج الدّين صالح القاضي، والبدر ابن التوزي، والنجم ابن الخباز، والشمس ابن الزراد، وصفية بنت الحلوانية، ومحمد ابن المُحِبّ، وجماعة.
تُوُفِّي في السّادس والعشرين من ربيع الْأَوَّل.
، وهو والد البرهان ابن الدّرجيّ.(15/100)
129 - أيْدغْدي العزيزيّ، الأمير الكبير، جمال الدّين. [المتوفى: 664 هـ]
كان كبير القدْر، شجاعًا، مِقْدامًا، كريمًا، محتشمًا، كثير البِرّ، والصَّدقات، والمعروف , يُخرج في السّنة أكثَرَ من مائة ألفٍ في أنواع القُرُبات، ويُطْلِق، ويتطلّب معالي الأخلاق، وكان مقتصدّا في ملبسه لا يتعدّى القِباء النّصافيّ. وكان كثير الأدب مع الفقراء، مُحْسِنًا إليهم إلى الغاية. حضر مرّةً سماعًا، فحصل للمغاني منه، ومن حاشيته نحو ستّة آلاف درهم، وقد حبسه الملك المُعزّ سنة ثلاثٍ، وخمسين فبقي مدّةً، وأشاع المُعِزّ موتَه لأنّ الرّسول نَجْم الدّين الباذرائيّ طلب منه إطلاق أيْدغْديّ فقال: فات الأمر فيه، وما بقي [ص:101]
مولانا يراه إلّا في عَرَصَات القيامة، ولم يكن كذلك. بل كان مُعْتَقَلًا مُكَرَّمًا مُنَعَّمًا في قاعةٍ من دُور السّلطنة.
قال ابن واصل: بلغني أنّ المُعِزّ كان يدخل إليه، ويلعب معه بالشّطرنج، فبقي حتّى أخرجه الملك المظفّر نَوْبة عين جالوت، واجتمع به البُنْدُقْداريّ فأطْلعه على ما عزم عليه من الفَتْك بالمظفَّر، فنهاه، ولم يوافقه فلمّا تملّك عظُم عنده، ووثق بدينه، وكان عنده في أعلى المراتب، يرجع إلى رأيه، ومشورته لا سيّما في الأمور الدّينيّة، وجهّزه في هذه السّنة إلى بلد سِيس فأغار وغنم، وعاد في رمضان ثمّ توجّه إلى صفد، وكان يبذل جَهْده، ويتعرّض للشّهادة، فجُرح، فبقي مدّةً وألم الجراحة يتزايد فحُمل إلى دمشق، وتمرَّضَ إلى أنّ تُوُفّي ليلة عَرَفَة، ودفن بمقبرة الرباط الناصري.(15/100)
130 - التّاج الشّحرور، الشّافعيّ المدرّس. [المتوفى: 664 هـ]
مات بدمشق في ربيع الأوّل عن نحو تسعين سنة، وكان مبرزاً.(15/101)
131 - جلدك الرُّوميّ، الفائزيّ الأمير. [المتوفى: 664 هـ]
تُوُفّي في شوّال بالقاهرة، وقد ولي عدّة ولايات، وكان فاضلًا، له شعر جيد، وسيرةٌ مشكورة.(15/101)
132 - الحسن بْن سالم بْن الحسنِ بْن هبة اللَّه بن محفوظِ بن صَصْرى، الصَّدرُ الجليل، بهاءُ الدّين، أبو المواهب ابن العدل أمين الدّين أبي الغنائم ابن الإمام الحافظ أبي المواهب التغلبي، الدّمشقيّ. [المتوفى: 664 هـ]
من بيت رياسة وحشمة وحديث، كان شيخًا نبيلًا، مليح الشّكل، مَهِيبًا، ديِّنًا، عاقلًا، لم يدخل في المناصب.
ولد سنة ثمانٍ وتسعين وخمسمائة تخمينًا، وسمع من عمر بن طَبَرْزَد، ويحيى بن عبد الملك ابن الكيّا، وأبي اليُمْن الكِنْديّ، ومحمود بن هبة الله البغداديّ، روى عنه الدّمياطيّ، والشّيخ زين الدّين الفارقيّ، وقاضي القُضاة نجمُ الدّين أحمد بن صصرى، وأبو علي ابن الخلال، وأبو المعالي ابن [ص:102]
البالسي، وأبو الفداء ابن الخبّاز، وآخرون، ومات في رابع صفر قبل أخيه بأشهر.(15/101)
133 - عبد الرحمن بن أبي الغنائم سالم بن الحسن بن صَصْرى، الصّدرُ، الرّئيس، شَرَفُ الدّين، أبو محمد التّغْلبيّ، الدّمشقيّ. [المتوفى: 664 هـ]
وُلِد سنة خمسٍ وتسعين ظنًّا، وسمع من حَنْبل، وابن طَبَرْزَد، والكِنْديّ، ويحيى بن عبد الملك، ومحمود بن هبة الله، وجماعة، كان صدرًا معظّمًا، نبيلًا، ولي الوزارة، والمناصب السّنّية، وله برٌ وصدقة.
روى عنه البدر ابن الخلال، والعماد ابن البالسي، والنجم ابن الخبّاز، وجماعة سواهم في الأحياء منهم: الإمام قاضي القُضاة نجم الدّين ابن أخيه عماد الدّين، وهو والد الصّاحب جمال الدّين إبراهيم.
تُوُفّي إلى رحمة الله وعفْوه ومسامحته في حادي عشر شعبان. ودفن بترتُبهم بسفح قاسيون.(15/102)
134 - عبد الرحمن بن معالي بن حمْد، بهاءُ الدّين، أبو عيسى المقدِسيّ، النّابلسيّ، ثمّ الصّالحيّ، المُطعِم. [المتوفى: 664 هـ]
وُلِد سنة ثلاثٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع من محمود بن عبد المنعم الكِنْديّ، وابن مُلاعِب، وعنه الدّمياطيّ. وابن الخبّاز، وولده عيسى المُطْعِم، وآخرون.(15/102)
135 - عبد العزيز بن ناصر بن إبراهيم بن أبي الرّوس، أبو محمد القُرَشيّ الزُّهْريّ، الإسكندرانيّ، السمسار. [المتوفى: 664 هـ]
ولد سنة أربعٍ وسبعين وخمسمائة، وسمع من أبي القاسم البُوصِيريّ، وعبد الرحمن بن موقى، وحدَّث بمصر والإسكندريّة روى عنه الشّيخ شعبان وغيره، ومات في ذي القعدة بالإسكندريّة.(15/102)
136 - عبد الكريم بن عطاء الله بن عبد الرحمن، الفقيه العدْل، أبو محمد الإسكندرانيّ، المالكيّ، المفتي. [المتوفى: 664 هـ]
روى عن جعفر الهمداني، وغيره، تُوُفّي في رمضان.(15/103)
137 - عليّ بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن زيد، الشّريف النّقيب، أبو الحسن العلويّ، الحُسَينيّ، الأُرْمَوِيّ، ثمّ المصريّ. [المتوفى: 664 هـ]
صدرٌ محتشِم، سيّد، حسيب، روى عن شيخ الشيوخ أبي الحسن عليّ بن عمر بن حمُّوَيْه، وتُوُفّي في الحادي والعشرين من صفر عن إحدى وستّين سنة.(15/103)
138 - عليّ بن موسى بن جعفر بن طاوس، العَلَويّ، الحَسَنيّ، النّقيب، [المتوفى: 664 هـ]
نقيب الطّالبيّين.
مات في ذي القعدة، وله ستٌّ وسبعون سنة. ونقل فدفن بمشهد عليّ رضي الله عنه.
قال الكازرونيّ: لم يوجد بعده مثله، ولا رأينا أحدًا على قاعدته في دِينه، ونُسُكه، وعبادته، وخُلُقه، ورثاه بعض الشُّعراء.(15/103)
139 - عليّ بن أبي الحسن النَّشَاوريّ، الصُّوفيّ، سديدُ الدّين. [المتوفى: 664 هـ]
تُوُفّي في ذي الحِجَّة عن بضعٍ وثمانين سَنَة بالقاهرة، وحدَّث عن إبراهيم بن خلف السنهوري.(15/103)
140 - المبارك بن يحيى بن المبارك، الإمام فخر الدّين، أبو سعد ابن المخرمي، شيخ رباط الحريم. [المتوفى: 664 هـ]
كتب بيده عدّة رَبْعات، شيّعه خلقٌ كثير.(15/103)
141 - محمد بن أبي الحُسين عَبْد اللَّه بْن أَبِي الفخر مُحَمَّد بْن عبد الوارث، الشّيخ صدر الدّين ابن الأزرق الأنصاريّ، الأوْسيّ، المصريّ، الصّوفيّ، المغسّل. [المتوفى: 664 هـ]
وُلِد سنة اثنتي عشرة، وستّمائة، وسمع من مُكْرَم بْن أبي الصَّقْر، وأكثر [ص:104]
عن المتأخّرين، وكتب، وفهِم، وعُرِف بالحديث. وروى اليسير.
تُوُفّي في نصف جُمَادى الآخرة.(15/103)
142 - محمد بن عبدُ الجليل بْن عَبْد الكريم بْن عُثْمَان، المحدِّث العالِم، جمالُ الدّين، أبو عبد الله المُوقانيّ، ثمّ المقدسيّ، [المتوفى: 664 هـ]
نزيل دمشق.
يروي عن أبي القاسم ابن الحَرَستانيّ، والشّيخ الموفَّق، وأبي علي الأوقي، والشهاب فتيان الشاغوري، وجعفر الهمداني، وطائفة، وعني بالحديث، وكتب بخطه الكثير من الحديث، والآداب، كتب عنه الدّمياطيّ، وجماعة.
ومات فجاءة في حادي عشر ذي القعدة، وله أربعٌ وسبعون سنة. وله مجاميع مفيدة.(15/104)
143 - محمد بن مرتضى بن محمود، المقدسي، ثم المصري. الرجل الصالح. [المتوفى: 664 هـ]
توفي في عشر الثمانين، وقد روى عن مُكْرَم شيئًا يسيرًا.(15/104)
144 - محمد بن منصور بن أبي الفضل أحمد بن عَبْد الرَّحْمَن بن أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن مَنْصُور بْن مُحَمَّد بْن الفضل، أبو عبد الله ابن الحضرميّ، الصّقلّيّ الأصل، الإسكندرانيّ، المالكيّ. [المتوفى: 664 هـ]
حدَّث عن: علي ابن البناء الخلّال، وروى هو وأبوه، وجدّه، وجدّ أبيه، وجدّ جدّه. ومات بالإسكندريّة في العشرين من جُمَادى الأولى، وكان من عُدُول الثَّغْر.
وساق الشريف نسبه إلى العلاء ابن الحضْرميّ، رضي الله عنه. وهو من شيوخ الدّمياطي.(15/104)
145 - معين الدّين الأنصاريّ المصريّ، المعروف بابن فار اللَّبَن. واسمه أبو الفضل عبد الله بن محمد بن عبد الوارث. [المتوفى: 664 هـ]
شيخٌ متميّز مسن. حدثني شيخنا بدر الدّين التاذفي أنّه قرأ عليه " الشّاطبيّة " في القراءات، وأخبره أنّه قرأها على ناظمها. [ص:105]
قلت: هو آخر من روى عن الشاطبي، ولا أتيقن متى توفي، لكن في ذهني أنه بقي إلى سنة أربعٍ هذه.
وممّن روى عنه القصيد الشّيخ حسن الرّاشديّ، وقاضي القُضاة ابن جماعة، وبدر الدّين ابن الجوهريّ، روى القصيد في شعبان من السّنة.(15/104)
146 - الناهض، معالي بن أبي الزهر ابن الخَيْسيّ. [المتوفى: 664 هـ]
رجلٌ جليل له ثروة، تُوُفّي بدمشق في جمادى الأولى.(15/105)
147 - هولاكو بن تولي قان ابن الملك جنكزخان، ملك التّتار، ومقدَّمهم. [المتوفى: 664 هـ]
ذكره الشّيخ قُطْبُ الدّين فقال: كان من أعظم ملوك التتر. وكان شجاعًا حازمًا مدبّرًا، ذا همّةٍ عالية، وسطوة ومَهَابة، ونهضة تامَّة، وخبرة بالحروب، ومحبّة في العلوم العقليّة من غير أن يتعقل منها شيئًا، اجتمع له جماعةٌ من فُضَلاء العالم، وجمع حكماء مملكته، وأمرهم أن يرصدوا الكواكب. وكان يُطْلِق الكثيرَ من الأموال والبلاد. وهو على قاعدة المغل في عدم التَّقَيُّد بدِين، لكنَّ زوجته تنصَّرت، وكان سعيدًا في حروبه وحصاراته. طوى البلاد، واستولى على الممالك في أيْسَر مدّة، ففتح بلاد خُراسان، وفارس، وأَذْرَبيجان، وعراق العجم، وعراق العرب، والشّام، والجزيرة، والرُّوم، وديار بكر.
كذا قال الشّيخ قُطْبُ الدّين، والّذي افتتح خُراسان، وعراق العجم غيرُه، وهو جنكزخان وأولاده، وهذا الطّاغية فافتتح العراق، والجزيرة، والشّام، وهزم الجيوش، وأباد الملوك، وقتل الخليفة، وأمراء العراق، وصاحب الشّام، وصاحب مَيَّافارقين.
قال لي الظّهير الكازرونيّ: حكى لي النجم أحمد ابن البوّاب النّقّاش نزيل مَرَاغة قال: عزم هولاكو على زواج بنت ملك الكُرْج، قالت: حتّى تُسْلِم، فقال: عرّفوني ما أقول. فعرضوا عليه الشهادتين فأقر بهما، وشهد عليه بذلك خواجا نصير الطُّوسيّ، وفخر الدّين المنجّم. فلمّا بلغها ذلك أجابت. فحضر القاضي فخر الدّين الخِلاطيّ، فتوكّل لها النّصير، وللسّلطان الفخر [ص:106]
المنجّم، وعقدوا العقْد باسم تامار خاتون بنت الملك داود بن إيواني على ثلاثين ألف دينار، قال لي ابن البوّاب: وأنا كتبت الكتاب في ثوبٍ أطلس أبيض، فعجبت من إسلامه.
قلت: إن صحّ هذا فلعلّه قالها بفمه لعدم تقيُّده بدِين، ولم يدخل الإسلام إلى قلبه، فالله أعلم.
قال قُطْبُ الدّين: كان هلاكه بعلّة الصَّرع، فإنه حصل له الصَّرع منذ قتل الملك الكامل صاحبَ مَيّافارقين، فكان يعتريه في اليوم المرّة والمرّتين. ولمّا عاد من كسرة برَكة له أقام يجمع العساكر، وعزم على العَوْد لقتال بركة، فزاد به الصَّرعُ، ومرض نحوًا من شهرين، وهلك، فأخفوا موته، وصبّروه، وجعلوه في تابوت، ثمّ أظهروا موته. وكان ابنه أبْغا غائبًا فطلبوه ثمّ ملّكوه، وهلك هولاكو، وله ستّون سنة أو نحوها. وقد أباد أُمماً لا يحصيهم إلّا الله، ومات في هذه السّنة. وقيل: في سابع ربيع الآخر سنة ثلاثٍ وستّين ببلد مَرَاغة، ونُقِل إلى قلعة تلا، وبنوا عليه قُبّة. وخلَّف من الأولاد سبعة عشر ابنًا سوى البنات، وهم: أبغا، وأشموط، وتمشين، وتكشي - وكان تكشي فاتكًا جبّارًا - وأجاي، ويَستَز، ومنكوتمر الّذي التقى هو والملك المنصور على حمص، وانهزم جريحًا، وباكودر، وأرغون، ونُغابي دمر، والملك أحمد.
قلت: وكان القاءان الكبير قد جعل أخاه هولاكو نائبًا على خُراسان، وأَذَرْبَيْجَان، فأخذ العراق، والشّام وغير ذلك، واستقلّ بالأمر مع الانقياد للقاءان، والطّاعة له، والبُردُ واصلةٌ إليه منه في الأوقات. وتفاصيل الأمور لم تبلغنا كما ينبغي، وقد جمع صاحب الدّيوان كتابًا في أخبارهم في مجلدتين.
ووالد هولاكو هو تولي خان الّذي عمل معه السّلطان جلال الدّين مَصَافًا في سنة ثماني عشرة، فنصر جلال الدّين، وقتل في الوقعة تولي إلى لعنة الله.
وكان القاءان الأعظم في أيام هولاكو أخاه موْنكوقا بن تولي بن جنكزخان، فلمّا هلك جلس على التّخْت بعده أخوهما قُبْلاي، فامتدّت دولته، وطالت أيّامه، ومات سنة خمسٍ وتسعين بخان بالق أم بلاد الخطا، وكرسيّ [ص:107]
مملكة التّتار، وكانت دولة قبلاي نحوًا من أربعين سنة. في آخر أيّامه أسلم قازان على يد شيخنا صدر الدّين ابن حمُّوَيه الْجُوينيّ.
وقال الظّهير الكازروني: عاش هولاكو نحو خمسين سنة. وكان عارفًا بغوامض الأمور، وتدبير المُلْك، فاق على مَن تقدَّمه. وكان يحبّ العلماء، ويعظّمهم، ويُشْفق على رعيّته، ويأمر بالإحسان إليهم.
قلت: وهل يسع مؤرّخًا في وسط بلاد سلطانٍ عادلٍ أو ظالٍم أو كافرٍ إلا أن يُثني عليه، ويكذب، فالله المستعان؛ فلو أُثني على هولاكو بكل لسانٍ لاعترف المثني بأنه مات على ملة آبائه، وبأنه سفك دم ألف ألفٍ أو يزيدون، فإن كان الله مع هذا قد وفقه للإسلام فيا سعادته، لكن حتى يصح ذلك.(15/105)
148 - يحيى بن شجاع بن ضرغام، أبو زكريا القرشي، المصري. [المتوفى: 664 هـ]
سمع الكثير من الحافظ ابن المفضل، وحدث، ومات في ذي القعدة.(15/107)
149 - يوسف بن صالح بن صارم بن مخلوف، نور الدين الأنصاري، القوصي. [المتوفى: 664 هـ]
شيخٌ صالح زاهد خيرٌ منقطع بالقرافة، حدث عن: الحافظ ابن المفضّل، ومات في وسط ربيع الأول.(15/107)
150 - أبو بكر بن إبراهيم بن مسعود بن أحمد، الشّيخ المعمَّر، الصّالح، أبو بكر الشَّيْبانيّ، العراقيّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 664 هـ]
قال الشّريف عزّ الدّين: ذكر أنه ولد سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، وكان شيخاً صالحاً، وصوفياً حَسَنًا من أكابرهم المعروفين.
تُوُفّي في ذي القعدة، رحمه الله.(15/107)
-وفيها وُلِد:
قاضي القُضاة عَلَمُ الدّين محمد بن أبي بكر ابن الإخنائيّ الشّافعيّ، والشّيخ عبد الرحمن ابن أمين الدين عبد القادر الصَّعْبيّ، ومحمد النّاسخ ولد الشَّرف محمد بن إبراهيم الميدوميّ، سمعا من النّجيب، وطبقته، وعزُّ الدّين [ص:108]
عبد العزيز بن عَبْد اللّطيف بْن عبد العزيز ابْن الشَّيْخ مجد الدّين ابن تَيْميَّة، وصلاح الدّين محمد بن عبد الله ابن الشّيخ شمس الدّين، والشّمس عمر بن شَرَف الدّين عَبدُ العزيز بن عَبْد الرَّحْمَن بن هلال، ونور الدّين عبد الله ابن ضياء الدّين عبد الرحمن بن عبد الكافي بن عبد الملك الرَّبَعيّ، وعليّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الرحيم بن صَفْوان الكِنْديّ، والقاضي تقيّ الدّين عبد الكريم ابن القاضي محيي الدّين يحيى ابن الزكي، وعبد الرحيم ابن تقيّ الدّين إسماعيل بن أبي اليسر القواس، ومحمد بن يوسف بن أبي العزّ الحرّانيّ، والشّيخ قُطْبُ الدّين عبد الكريم بن عبد النّور بحلب في رجب.(15/107)
-سنة خمس وستين وستمائة(15/109)
151 - أَحْمَد بْن جميل بْن حمْد بْن أَحْمَد بن أبي عطّاف، زَيْن الدّين، أبو العبّاس المقدسيّ الصحرواي، المُطْعِم، الحنبليّ. [المتوفى: 665 هـ]
روى عن حَنْبل، وعمر بن طَبَرْزَد، سمع منه: المعين عليّ بن وردان بمصر، والسيف ابن المجد، وأثنى عليه ووثّقه، وروى عنه الدّمياطيّ، وابن الخبّاز، والقاضي تقيُّ الدّين سليمان، وأبو عبد الله ابن الزّرّاد، وآخرون.
ومات في ثاني عشر جُمَادى الأولى.(15/109)
152 - أحمد بن نعمة بن أحمد بن جعفر بن الحسين بن حمّاد، الإمام كمال الدّين، أبو العبّاس المقدِسيّ، النّابلسيّ، الشّافعيّ، [المتوفى: 665 هـ]
خطيب بيت المقدس.
ولد سنة تسعٍ وسبعين وخمسمائة، وقدِم دمشق شابًّا فاشتغل بها، وسمع من بهاء الدّين القاسم ابن عساكر، وحنبل، وعمر بن طبرزد، وغيرهم.
روى عنه ولداه العلامة شرف الدّين، والقفيه محيي الدّين إمامُ المشهد، وأبو محمد الدّمياطيّ، وابن الخبّاز، والدّوَاداريّ، وجماعة، وحدَّث بدمشق والقاهرة.
وكان فقيهًا فاضلًا، ديِّنًا، صالحًا، كثير التّعبُّد، حسن القناعة، منقبض النفس عن أبناء الدنيا، وعن التّردُّد إليهم.
توفي بدمشق في الثالث والعشرين من ذي القعدة، ودفن بمقبرة باب كيسان عن ستٍّ وثمانين سنة، رحمه الله.(15/109)
153 - إبراهيم بن نجيب بن بشارة بن محرز، أبو إسحاق السَّعْديّ، المصريّ، الفاضليّ. [المتوفى: 665 هـ]
شيخٌ مُسِنّ معمرٌ، من أولاد الشّيوخ. وُلِد في ربيع الأوّل سنة أربعٍ وسبعين وخمسمائة بالقاهرة، وسمع من أبي محمد القاسم ابن عساكر لمّا قدِم مصر، وكان أبوه يروي عن الشريف الخطيب، ويؤدب أولاد القاضي الفاضل. [ص:110]
روى عن إبراهيم: شيخنا الدّمياطيّ، وعَلَمُ الدّين الدّوَاداريّ في " مُعْجَمَيهما "، ومات في نصف جُمَادى الأولى.(15/109)
154 - إسحاق بن خليل بن فارس بن سعادة، القاضي كمالُ الدّين أبو محمد الشَّيْبَانيّ، الدّمشقيّ، الشّافعيّ، قاضي زُرَع، ويُعرف بالسَّقَطيّ. [المتوفى: 665 هـ]
وُلِد بدمشق سنة ثمانٍ وثمانين، وسمع من أبي عبد الله ابن البنّاء الصُّوفيّ. وحدَّث، وهو والد محيي الدّين يحيى قاضي زُرَع، وأُخْتَيه عائشة، وخديجة، اللَّتين روتا لنا بالإجازة عن مكرم، والناصح ابن الحنبليّ.
تُوُفّي بدمشق في العشرين من رجب، ودفن بجبل قاسيون، حدثنا عنه ولده.(15/110)
155 - إسماعيل بن محمد بن أبي بكر بن خُسْرُو، أبو محمد الكورانيّ الزّاهد، القّدْوة. [المتوفى: 665 هـ]
كان أحد المشايخ المشهورين بالزُّهد، والورع، والإخلاص. وكان كثير التّحرّي والتّفتيش عن أمر دِينه. صاحب معاملة وخشْية، يقصد بالزيارة، ويطلب من جهته الدعاء، وقل أنْ يوجد في زمانه مثله، رضي الله عنه.
أدركه الأَجَل بغَزّة وهو قافلٌ من مصر إلى بيت المقدس في الثّاني والعشرين من رجب.(15/110)
156 - أقوش القفجاقيّ، الصّالحيّ النّجميّ. [المتوفى: 665 هـ]
أُخْرِج من خزانة البُنُود، وسمّروه هو وجماعةٌ في ذي الحجّة. وكان قد ادّعى النُّبوَّة في رمضان من السّنة. فلمّا رجع السّلطان من الشّام استحضره السّلطان، وسمع كلامه، ورسم بتسميره. ومن الّذين سُمِّروا النّاصح ضامن بلاد واحات.(15/110)
157 - أيّوب بن بدر بن منصور بن بدران، أبو الكَرَم الأنصاريّ، القاهريّ، ثمّ الدّمشقيّ، المعروف بالجرائديّ، أخو تقيّ الدّين يعقوب المقرئ. [المتوفى: 665 هـ][ص:111]
قرأ أيّوب القراءات علي السَّخاويّ وغيره، وسمع من داود بن مُلاعِب، والشّيخ أبي الفُتُوح البكْريّ، وعبد الله بن عمر قاضي اليمن، وجماعة.
وكتب الأجزاء. وأكثر عن الضّياء المقدِسيّ، والسّخاويّ، وهؤلاء، وأجزاؤه موقوفة بدار الحديث الأشْرفيّة، وكتابته معروفة.
وقد حدَّث واقرأ، ومات بدمشق في شعبان، وأضرّ بأخَرَة. وكان صوفياً، وإمام مسجدٍ. غوي بكتب ابن العربيّ، وكتب كثيرًا منها، نسأل الله السلامة.(15/110)
158 - بركة بن توشي بن جنكزخان، المُغْليّ، [المتوفى: 665 هـ]
ملك القَفْجاق، وصحراء سوداق.
وهي مملكة متّسعة مسيرة أربعة أشهر، وأكثرها براري ومُرُوج، وبينها وبين أذربيجان باب الحديد في الدربند المعروف. وهو بابٌ عظيم مغلوقٌ بين المملكتين مسلَّم إلى أمير كبير.
وبركة هو ابن عمّ هولاكو. تُوُفّي في هذه السّنة، وكان قد أسلم، وكاتب الملك الظّاهر، وبعث رسوله في البحر فسار إلى أن وصل إلى الإسكندريّة وطلع منها.
تملّك بعده منكوتمر بن طُغان بن سرطق بن توشي بن جنكزخان، فجمع عساكره، وبعثها مع مقدَّم لقصْد أبْغا، فجمع أبغا جيشه أيضًا، وسار إلى أن نزل على نهر كور، وأحضر المراكب والسّلاسل، وعمل جسْرين على النهر ثم عدى إلى جهة منكوتمر، وسار حتى نزل على النّهر الأبيض. فعدّى منكوتمر، وساق إلى النّهر الأبيض، ونزل من جانبه الشّرقيّ، ونزل أبغا في الجانب الغربيّ، ثمّ لبسوا السّلاح وتراسلوا، ثمّ بعد ثلاث ساعات حرّك أبغا كوساته، وقطع النهر، وحمل على منكوتمر فكسره، وساق وراءه، والسّيف يعمل في عسكر منكوتمر. ثم تناخى عسكر منكوتمر، ورجعوا عليهم فثبت أبغا في عسكره، ودام الحرب إلى العشاء الآخرة، ثمّ انهزم منكوتمر، واستظهر أبغا، وغنِم جيشُه شيئًا كثيرًا، وعدى على الْجُسُورة المنصوبة، ونزل على نهر كور. ثمّ جمع كُبَراء دولته، وشاورهم في عمل سورٍ من خشب على هذا النهر، فأشاروا بذلك، فقام وقاس [ص:112]
النهر من حد تفليس، فكان جزء كل مقدم مائة: عشرين ذراعًا. فشرعوا في عمله. ففرغ السُّور في سبعة أيّام. ثمّ ارتحل فنزل المقدَّم دُغان، وشتّى هناك.
قال قُطْبُ الدّين: كان بركة يميل إلى المسلمين، وله عساكر عظيمة، ومملكته تفوق مملكة هولاكو من بعض الوجوه. وكان يعظّم العلماء، ويعتقد في الصّالحين، ولهُم حُرمة عنده. ومن أعظم الأسباب لوقوع الحرب بينه، وبين هولاكو كونه قتل الخليفة. وكان يميل إلى صاحب مصر، ويعظّم رُسُلَه، ويحترمهم، وتوجّه إليه طائفةٌ من أهل الحجاز فوصلهم، وبالغ في احترامهم، وأسلم هو وكثيرٌ من جيشه. وكانت المساجد الّتي من الخِيَم تُحْمل معه، ولها أئمّة ومؤذْنون، وتُقام فيها الصّلوات الخمس.
قال: وكان شجاعًا، جوادًا، حازمًا، عادلًا، حَسَن السّيرة، يكره الإكثار من سفْك الدّماء، والإفراطَ في خراب البلاد. وعنده حلْم، ورأفة، وصفح، تُوُفّي بأرضه في عَشْر السّتّين من عُمُره.
قلت: تُوُفّي في ربيع الآخر. وقد سافر من سقسين سنة نيفٍ وأربعين إلى بخارى لزيارة الشّيخ سيف الدّين الباخَرْزِيّ، فقام على باب الزّاوية إلى الصّباح، ثمّ دخل وقبّل رِجْل الشّيخ. وأسلم معه جماعة من أمرائه، وهذا في ترجمة الباخَرْزِيّ، نقله ابن الفوطي.(15/111)
159 - الْجُنَيْد بن عيسى بن إبراهيم بن أبي بكر بن خَلِّكان، العدْلُ، أبو القاسم الزرزاريّ، الإربِليّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 665 هـ]
سمع بإربِل من عمر بن طَبَرْزَد، وحنبل المكبّر، وحدَّث بالقاهرة. وكان مولده بإربل سنة ثلاثٍ وتسعين وخمسمائة، وتُوُفّي بدمشق في الرّابع والعشرين من شوّال.
كتب عنه الدّمياطيّ، وابن الخباز، وجماعة.(15/112)
160 - حسين بن عزيز بن أبي الفوارس، الأمير الكبير، ناصرُ الدّين، أبو المعالي القَيْمُريّ، [المتوفى: 665 هـ]
صاحب المدرسة القَيْمُريّة الكبرى الّتي بسوق الخُريميّين.
كان من أعظم الأمراء، وأجلّهم قدْرًا، وأكبرهم محلاَّ. له الوجاهة التَّامَّة، والكلمة النّافذة، والإقطاعات الجليلة.
وكان بطلًا شجاعًا، كريمًا، عادلًا، حازمًا، رئيسًا، كثير البِرّ. وهو الّذي ملّك الملك النّاصر دمشق، وكان أبوه شمس الدّين من أجلّاء الأمراء.
تُوُفّي ناصر الدّين في ربيع الأوّل بالساحل مرابطاً قبالة الفرنج.(15/113)
161 - صالح بن إبراهيم بن أحمد بن نصر بن قريش، الإمام النَّحْويّ الكبير، ضياءُ الدّين أبو العبّاس الإسْعِرديّ، ثمّ الفارقيّ، المقرئ. [المتوفى: 665 هـ]
وُلِد سنة خمس عشرة وستّمائة بمَيّافارقين، وقرأ القراءات، وأتقن العربيّة، وسمع من ابن الصّلاح، وجماعة، وتصدر للإقراء، وتعليم النحو، وانتفع به جماعة، وكان ساكنًا، خيِّرًا، فاضلًا.
تُوُفّي بالقاهرة في العشرين من ربيع الآخر، وكتب عنه آحاد المحدثين.(15/113)
162 - طاهر بن أبي الفضل محمد بن أبي الفَرَج طاهر بن أبي عبد الله بن الخضر الحكيم، العالم محيي الدين، أبو الفَرَج، الكحّال، الأنصاريّ، الصُّوريّ الأصل، الدّمشقيّ. [المتوفى: 665 هـ]
ولد سنة سبعٍ وتسعين وخمسمائة بدمشق، وسمع من عمر بن طَبَرْزَد، ومحمود بن هبة الله الجلاليّ، وأبي اليُمن الكِنْديّ، وجماعة كثيرة.
روى عنه الدّمياطيّ، وأبو محمد الفارقيّ، وأبو علي ابن الخلال، والصدر الأرموي، والعماد ابن البالسي، والشّرف صالح بن عربْشاه، والبهاء بن المقدِسيّ، وآخرون، وكان حانوته باللّبّادين.
تُوُفّي في الثّاني والعشرين من ذي القعدة.(15/113)
163 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن يوسف، الحلبي، أبو محمد ابن الأبيض. [المتوفى: 665 هـ]
سمع من ثابت بن مشرّف، روى عنه الدّمياطيّ، وغيره.(15/114)
164 - عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان، الإمام، العلّامةُ، ذو الفُنُون، شهابُ الدّين، أبو القاسم، المقدِسيّ الأصل، الدمشقي، الشّافعي، الفقيه، المقرئ، النَّحْويّ، أبو شامة. [المتوفى: 665 هـ]
وُلِد في أحد الرّبيعين سنة تسعٍ وتسعين وخمسمائة بدمشق، وقرأ القرآن، وله دون العَشْر. وقرأ القراءات، وأكملها سنة ستّ عشرة على الشّيخ علم الدّين، وسمع " الصحيح " من عبد الجليل بن مندويه، وداود بْن ملاعب، وَأَحْمَد بْن عَبْد اللَّه العطار، وسمع " مسند الشّافعيّ "، و " الدعاء " للمحاملي من الإمام الموفق ابن قُدَامة، وسمع بالإسكندرية: من أبي القاسم عيسى بن عبد العزيز بن عيسى، وغيره.
وحصل له سنة بضعٍ وثلاثين عنايةٌ بالحديث، وسمّع أولاده، وقرأ بنفسه، وكتب الكثير من العلوم، وأتقن الفِقْه، ودرّس، وأفتى، وبرع في فنّ العربيّة.
، وصنَّف في القراءات شرحًا نفيسًا للشّاطبيّة، واختصر " تاريخ دمشق " مرّتين، الأولى في خمسة عشر مجلداً كباراً، والثّانية في خمسة مجلّدات، وشرح " القصائد النّبويّة " للسّخاويّ في مجلّد، وله كتاب " الرَّوْضَتَين في أخبار الدّولتين النُّورية، والصّلاحيّة "، وكتاب " الذَّيْل " عليهما، وكتاب " شرح الحديث المقْتَفَى في مبعث المصطفى "، وكتاب " ضوء السّاري إلى معرفة رؤية البّاري "، وكتاب " المحقّق مِن عِلم الأُصُول فيما يتعلق بأفعال الرّسُول "، وكتاب " البَسْمَلَة " الأكبر في مجلَّد، كتاب " الباعث على إنكار البدع، والحوادث "، كتاب " السواك "، كتاب " كشف حال بني عبيد "، كتاب " الأصول من الأصول "، " مفردات القراء، " مقدّمة نحو "، "نظم المفصل " للزمخشري، " شيوخ البَيْهَقيّ "، وله تصانيف كثيرة سوى ما ذكرت، وأكثرها لم يفرغْها.
وذكر أنّه حصل له الشَّيْب، وهو ابن خمسٍ وعشرين سنة. وولي مشيخة [ص:115]
القراءة بالتُّربة الأشرفيّة، ومشيخة الحديث بالدّار الأشرفيّة، وكان مع كثرة فضائله متواضعًا مُطَّرِحًا للتّكلُّف، ربما ركب الحمار بين المداوير.
أخذ عنه القراءات: الشّيخ شهاب الدّين حسين الكفْريّ، والشّيخ أحمد اللّبّان، وزين الدّين أبو بكر بن يوسف المِزّيّ، وجماعة، وقرأ عليه " شرح الشّاطبية " الشّيخ بُرهان الدّين الإسكندرانيّ، والخطيب شرف الدّين الفَزَاريّ.
وفي جُمَادى الآخرة من هذه السّنة جاءه اثنان جَبَليّة إلى بيته الّذي بآخر المعمور من حكر طواحين الأشنان، فدخلا عليه في صورة صاحب فُتْيا فضرباه ضربًا مُبْرَحًا كاد أن يتلف منه وراحا، ولم يدْرِ بهما أحدٌ، ولا أغاثَه أحدٌ.
قال رحمه الله: في سابع جُمَادى الآخرة جرت لي محنة بداري بطواحين الأُشْنان، فألهمَ الله الصَّبر ولَطَف، وقيل لي: اجتَمِعْ بوُلاةِ الأمر. فقلت: أنا قد فوّضت أمري إلى الله، وهو يكفينا، وقلت في ذلك:
قلتُ لمن قال: أما تشتكي ... ما قد جرى فهو عظيمٌ جليلْ
يُقيّض الله تعالى لنا من يأخُذُ ... الحقّ، ويشفي الغليل
إذا توكلنا عليه كفى ... فحسبنا الله ونِعْمَ الوكيلْ
تُوُفّي أبو شامة، رحمه الله، في تاسع عشر رمضان، ودُفِن بباب الفراديس، وكان فوق حاجبه الأيسر شامة كبيرة.(15/114)
165 - عبد العزيز بن إبراهيم بن عليّ بن عليّ بن أبي حرب بن مهاجر، الأجلّ تاج الدّين المَوْصِليّ، المعروف بابن الوالي. [المتوفى: 665 هـ]
، وأصلهم أجناد، ووَزَرَ والده شَرَفُ الدّين لصاحب إربِل مظفّر الدّين. فناب هذا عنه، وكان ذا مكارم وعفّة، وحُسْن سِيرة. وآخر ما ولي وزارة الشّام بعد الصاحب عز الدّين ابن وداعة. وقدِم وباشر المنصب قليلًا ومات، وقد نيِّف على السّتّين.(15/115)
166 - عبد الغفّار بن عبد الكريم بن عبد الغفّار، العلّامة الأوحد، نجم الدّين القَزْوينيّ الشّافعيّ، [المتوفى: 665 هـ]
صاحب " الحاوي الصغير ".
كان أحد الأئمّة الأعلام. ألّف " الحاوي " لولده جلال الدّين محمد، وأجازت له عفيفة الفارفانية من أصبهان.
روى لنا الإمام صدرُ الدّين ابن حمُّوَيْه بإجازته له، وحدَّثني الفقيه شهابُ الدّين الواسطيّ بوفاته في ثامن المحرَّم.(15/116)
167 - عبد القادر بن عبد الوهّاب، الخطيب أبو محمد البدريّ، الطوخي، الشّافعيّ. [المتوفى: 665 هـ]
وُلِد سنة سبعٍ وستّمائة، وروى عن جعفر الهَمْدانيّ، وولي الخطابة، والإمامة بالجامع العتيق بمصر، ومات في شعبان.(15/116)
168 - عبد المحسن بن عليّ بن أبي الفُتُوح نصر بن جبريل، الشّيخ الصّالح، المُسْنِد، أبو محمد الأنصاريّ، الخَزْرَجيّ، المصريّ، الشّافعيّ، المعروف بابن الزهر. [المتوفى: 665 هـ]
ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة تخمينًا بمصر، وسمع من أبي الفضل الغَزْنَويّ، وأبي عبد الله الأرتاحيّ، وأبي الحسن بن نجا الأنصاريّ، وفاطمة بنت سعْد الخير، روى عنه الدّمياطيّ، والمصريّون، ومات في العشرين من رجب.(15/116)
169 - عبد المحسن بن يونس، أبو محمد القضاعي الخولاني، المصري، المؤدب، المعروف بابن شمعون. [المتوفى: 665 هـ]
شيخ صالح، معمَّر، عاش تسعين سنة، وحدَّث عن: أَبِي مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن عبد الجبّار العثمانيّ، وتُوُفّي في جُمَادى الآخرة.(15/116)
170 - عبد الوهّاب بن خَلَف بن بدر، العلاميّ، قاضي القُضاة، تاجُ الدّين أبو محمد ابن بنت الأعز، الشّافعيّ. [المتوفى: 665 هـ][ص:117]
وُلِد سنة أربع عشرة، وستّمائة، وقيل: سنة أربعٍ، وستّمائة، وروى عن جعفر الهَمْدانيّ، وغيره.
قال قُطْبُ الدين: كان إمامًا فاضلًا، متبحّرًا، ولي المناصب الجليلة كنظر الدّواوين، والوزارة، والقضاء. ودرّس بالصّالحيّة، ودرّس بمدرسة الشّافعيّ بالقرافة. وتقدَّم في الدّولة. وكانت له الحُرْمة الوافرة عند الملك الظّاهر، وكان ذا ذهنٍ ثاقب، وحدسٍ صائب، وجدّ، وسَعْد، وحزْم، وعزْم، مع النزاهة المفرطة، وحسن الطريقة، والصلابة في الدين، والتثبت في الأحكام، وتولية الأكفاء. لا يُراعي أحدًا، ولا يُداهنه. ولا يقبل شهادة مُريب، وكان قويّ النّفس بحيث يترفّع على الصّاحب بهاء الدّين، ولا يحفل بأمره. فكان ذلك يعظُم على الصّاحب، ويقصد نكايته فلا يقدر، فكان يوهم السّلطان أنّ للقاضي متاجر، وأموالاً، وأن بعض التجار ورد وقام بما عليه ثم وجد معه ألف دينار، فأُنكر عليه فقال: هي وديعة للقاضي. فسأل السّلطانُ القاضي فأنكر لئلّا يحصل غرض الوزير منه، ولم يصرّح بالإنكار بل قال: النّاس يقصدون التَّجوُّه بالنّاس، وإن كانت لي فقد خرجت عنها لبيت المال. فأخذت وذهبت وهان ذلك على القاضي مع كَثْرة شُحّه لئلّا يبلغ الوزيرُ مقصودَه منه، وكان الوزير بهاء الدّين يختار أن يحضر القاضي تاج الدّين إلى داره فتغيّر مزاجه، وعادَه النّاسُ فعادَه القاضي، فلمّا دخل على الوزير وثب من الفراش، ونزل له من الإيوان، فلمّا رآه كذلك قال: بلغني أنّك في مرضٍ شديدٍ، وأنت قائمٌ. سلام عليكم. ثمّ ردّ، ولم يزد على ذلك، تُوُفّي في السّابع والعشرين من رجب، وكانت جنازته مشهودة، رحمه الله.
وهو، والد القاضي الكبير صدر الدّين عمر قاضي الدّيار المصريّة، ووالد قاضي القُضاة تقيّ الدّين عبد الرحمن الّذي وَزَرَ أيضًا، ووالد القاضي العلّامة، علاء الدّين أحمد الّذي دخل اليمن، والشام.(15/116)
171 - علي ابن الزّاهد أبي العبّاس أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن عَبْد اللَّه بْن أحمد بن ميمون، الإمام الفقيه المفتي، تاج الدّين ابن القَسْطَلانيّ، القَيْسيّ، المصريّ، المالكيّ، المعدَّل. [المتوفى: 665 هـ][ص:118]
سمع بمكّة من يحيى بن ياقوت، وزاهر بن رستم، ويونس بن يحيى الهاشميّ، وأبي الفُتُوح نصر ابن الحصري، وأبي عبد الله ابن البنّاء، وبمصر من المطهَّر بن أبي بكر البَيْهَقيّ، وعلي بن خلف الكومي، وابن المفضل الحافظ، وجماعة، ودرّس بالمدرسة المالكيّة المجاورة للجامع العتيق. وولي مشيخة دار الحديث الكامليّة بعد الرّشيد العطّار.
وكان من أعلام الأئمّة المشهورين بالفضيلة والدّين، وحُسن الأخلاق، والصّلاح، ولِين الجانب، ومحبَّة الحديث، وأهله.
روى عنه الدّمياطيّ، وقاضي القُضاة بدر الدّين ابن جماعة، وعَلَم الدّين الدّوَاداريّ، وعبد المحسن الصّابونيّ، وعبد الله بن عليّ الصّنْهاجيّ، وزُهْرة بنت الخَتَنيّ، والمصريّون.
وتُوُفّي إلى رحمة الله في سابع عشر شوّال، وله سبعٌ وسبعون سنة وأشهُر. وهو أخو الشّيخ قُطْبُ الدّين.(15/117)
172 - عليّ، الصّدر علاءُ الدّين علي ابن جمال الدّين ابن مُقْبل الدّمشقيّ. [المتوفى: 665 هـ]
تُوُفّي فيها.(15/118)
173 - عليّ بن موسى بن يوسف، الإمام المقرئ، الزّاهد، أبو الحسن السّعْديّ، المصريّ، الدّهّان. [المتوفى: 665 هـ]
وُلِد بالقاهرة سنة سبعٍ وتسعين وخمسمائة، وقرأ القراءات على أبي الفضل جعفر الهَمْدانيّ، وقرأ على أبي القاسم الصَّفْراويّ جمعًا إلى آخر الأعراف، وسمع من جماعة.
وتصدَّر للإقراء في المدرسة الفاضليّة، وقصده القرّاء. وكان عارفًا بالقراءات، ووجوهها، محقِّقًا لها، ديِّناً، صالحًا، متعفّفًا، قانعًا، حَسَن الصُّحْبة، تامّ المروءة، ساعيًا في حوائج أصحابه، صاحب قبولٍ عند النّاس.
قرأ عليه القراءات: شيخنا الّشمس الحاضريّ، وأبو عبد الله محمد بن إسرائيل [ص:119]
القصّاع، والبرهان أبو إسحاق الوزيريّ، وجماعة. وتُوُفّي فجاءة في الرّابع والعشرين من رجب. وشيّعه الخلْق.
وكان شيخنا الحاضريّ يصف دِينه، ومروءته، وتَوَاضعه، وفضائله.(15/118)
174 - عمر، الأمير خليفة المغرب المُرتَضَى، أبو حفص ابن الأمير أبي إبراهيم بن يوسف القَيْسيّ المؤمنيّ. [المتوفى: 665 هـ]
ولي الأمر بعد المعتضد بالله عليّ بن إدريس سنة ستٍّ وأربعين وستّمائة، وامتدّت دولته. وكان ملكًا مستَضْعفًا، وادعًا، فلمّا كان في المحرم من هذه السنة دخل ابن عمّه الواثق بالله إدريس بن أبي عبد الله يعقوب بْن يوسف بْن عَبْد المؤمن، الملقَّب بأبي دبّوس، مدينة مَرّاكِش فهرب المرتضى إلى بلد آزمور، فظفر به عاملُه فخانه وأمسكه، وكتب إلى أبي دبّوس، فكتب إليه يأمره بقتله، فقتله في ربيع الآخر. وأقام أبو دبّوس في الأمر بالمغرب ثلاث سِنين، وبهلاكه زالت دولة بني عبد المؤمن، وقامت دولة بني مرين، والله أعلم.(15/119)
175 - محمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عبد العزيز، أبو عبد الله الرُّعَيْنيّ، المالقيّ، العبد الصّالح. [المتوفى: 665 هـ]
سمع من أبي محمّد القُرْطُبيّ الكُتُب الخمسة. وأجاز له أبو جعفر بن عبد المجيد الجيار، وأبو إسحاق بن عُبيديس.
قال ابن الزُّبَيْر: غَلَبَتْ عليه العبادة، مات في آخر العام عن نحو الثّمانين.(15/119)
176 - محمّد بن عبد الله بن علياث بن فضالة بن هاشم، أبو عبد الله القُرَشيّ، العثمانيّ، الأُمَويّ المكّيّ. [المتوفى: 665 هـ]
عاش تسعين سنة، وروى عن أبي الفتوح ابن الحُصْريّ، ومات في صفر بمكّة. وهو خادم الشّيخ عبد الرحمن المغربي، ووالد الشّيخ محمد بن محمد الخادم.(15/119)
177 - محمد بن عمر بن حَسَن بن عبد الله، الشّيخ ضياءُ الدّين ابن خواجا إمام الفارسيّ، ثمّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 665 هـ][ص:120]
ولد سنة تسعٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع محمد ابن الخصيب، وحنبل، وابن طَبَرْزَد، وعنه الدّمياطيّ، والشّيخ عليّ المَوْصِليّ، وابن الخبّاز.
وكتب عنه من القُدماء: زكيُّ الدّين البِرْزاليّ، وغيره.
وكان رجلًا صالحًا منقطعًا، يؤمّ بمسجد مثقال الْجَمْدار على نهر يزيد.
وهو والد شيخنا الشَّرف النّاسخ.
تُوُفّي في سادس ربيع الأوّل.(15/119)
178 - محمَّد بن أبي الفضل عمر بن أبي القاسم، الشّريف أبو عبد الله ابن الدّاعيّ الرّشيديّ، الواسطيّ، الهاشمي، المقرئ. [المتوفى: 665 هـ]
شيخ القراء بالعراق، ومُسْنِد الآفاق.
كان أحد من عُنِي بهذا الشّأن، قرأ بالعشرة على: أبي بكر الباقِلّانيّ، وأبي جعفر المبارك بن المبارك بن أحمد بن زُريق الحدّاد، ومحمد بن محمد بن الكال الحلي، وعُمِّر دهرًا، وجلس للإقراء ببغداد، قرأ عليه القراءات: الموفَّق عبد الله بن مظفَّر بن علان البعقوبي، والشيخ علي خريم الواسطيّ، والجمال المصريّ، وسمع منه القراءات: الشّيخ عبد الصّمد بن أبي الْجَيْش، وغيره.
بقي إلى سنة خمسٍ وستّين وستّمائة بواسط، وأجاز فيها لابن خروف بخطِّ شديد الاضطراب.
وروى عنه إذناً البرهان الجعبري ببلد الخليل.(15/120)
179 - محمد بن محمد بن أبي الفتوح مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عِمْروك، الشّريف شَرَفُ الدّين، أبو الفضل القُرَشيّ، التَّيْميّ، البكْريّ. [المتوفى: 665 هـ]
ولد سنة تسعين وخمسمائة بالقاهرة، وسمع من جده، ومن حنبل، وعمر بن طبرزد، وأبي اليمن الكندي، وستّ الكَتَبة بنت الطّرّاح، وجماعة، روى عنه ابن الحُلْوانيّة، والدّمياطيّ، ومحمد بن محمد الكنْجيّ، وأبو عبد الله بن الزّرّاد، وأبو الحسن ابن الشاطبيّ، وطائفة، وقد روى من بيته جماعةٌ. [ص:121]
توفي بالقاهرة في رابع المحرم.(15/120)
180 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر، أَبُو عبد الله الرّازيّ الأصل، المكّيّ، الصّوفيّ. [المتوفى: 665 هـ]
روى عن علي ابن البناء، وتُوُفّي بقوص في رجب.(15/121)
181 - محمد بن مفرّج بن وليد، الأمير القائد المجاهد، أبو الشّوائل السَّيّاريّ، الغرناطيّ. [المتوفى: 665 هـ]
كان كثير الأموال، وأكثرها من الغنائم. وله برٌ ومعروف وصدقات وافرة جدًّا. وأمّا جهاده فَقَلَّ مَن يصل إلى رُتْبته فيه. لم يكن فيه عضوٌ إلّا وفيه طعنة برُمح فيما أقبل من جسده. ولم يولد له قط. وقد أوصى بثلث أمواله للمساكين، وأعتق عبيده أجمعين. وأعطاهم لكلّ واحدٍ خمسين دينارًا، وقد بلغ تسعين سنة، رحمه الله.
مات في محرَّم سنة خمسٍ. قرأت هذا بخط أبي الوليد ابن الحاج يقول فيه: توفي سيدنا ورابُّنا الشّيخ القائد المجاهد في سبيل الله الّذي أبلى بلاءً حَسَنًا مدى عُمُره في ذات الله أبو عبد الله، الشّهير بأبي الشّوائل.
قلت: كان رئيس غَرْنَاطة، وعميدَها.(15/121)
182 - محمود بن أبي القاسم إسفنديار بن بدران بن أيّان، الزاهد، العالم، أبو محمد الآنمي الدَّشْتيّ الإربِليّ. [المتوفى: 665 هـ]
سمع الكثير من جعفر الهَمْدانيّ، وأبي الحسن ابن المقير، وأبي القاسم ابن رواحة، والضّياء المقدِسيّ، وابن خليل، وابن يعيش، وطبقتهم، وعني بالحديث، ونسخ الأجزاء، وخطه رديءٌ، معروف. [ص:122]
وكان قانعًا، متعفّفًا، صَبُورًا على الفقر. يلبس قُبْع دلْك، وفروة حمراء، وثوب خام. وكان أمّارًا بالمعروف نهّاءً عن المُنكَر، داعيةً إلى السُّنّة مجانِبًا للبِدْعة، يبالغ في الرّدّ على نُفاة الصّفات الخبريّة. وينال منهم سَبًّا وتبديعًا، وهم يرمونه بالتّجسيم. وكان بريئًا من ذلك رحمه الله، لكنّه ناقص الفضيلة قاصِر عن إفحام الخصوم. وقد دخل مرّةً على السّلطان الملك النّاصر فأنكر عليه بعض هناته، فَلَكَمَه السّلطان، وأُخْرِج.
وله تعاليق وتواليف، روى عنه ابن أخيه شهاب الدّين أحمد، وغيره، وتُوُفّي في الحادي والعشرين من رجب. وقد نيّف على السّتّين، ودُفِن بسَفْح المُقَطّم، وممّن روى عنه الدّمياطيّ في " مُعْجَمه ".
ولمّا أهانه الملك الناصر ندم، وبعث إليه يستعطفه فقال: ودي أنّني أدخل إليه، وأخاطبه بما خاطبتُه، ويعود يضربني، وقد ضربه مرّةً نائب السّلطنة لؤلؤ بحلب لأنّه قرأ مناقب الصّحابة، وقصد إسماعه ذلك يوم الجمعة. وكان يتشيّع، ولهذا ضربه، وأنكر على البادرائيّ القيامَ عند الدعاء للخليفة بدار السّعادة.
وكان كثير الصّوم، فإذا أفطر أفطر على أربع عشرة لقمة أو نحوها. ويأثر أن عمر رضي الله عنه كان يقتصر على ذلك، وكان ينكر على الأمراء والكبار، ويُغْلِظ لهم في المحافل. ولا يقبل من أحدٍ شيئًا، ويتقنّع باليسير، رحمه الله تعالى.(15/121)
183 - ملكشاه، القاضي شمس الدّين الحنفيّ، قاضي بَيْسان. [المتوفى: 665 هـ]
ولي نيابة الحُكم مدّةً بدمشق، ودرّس بالمَعِينيّة.
وكان من كبار الحنفيّة، تُوُفّي في صفر.(15/122)
184 - موهوب بن عمر بن موهوب بن إبراهيم، القاضي الإمام، صدرُ الدّين، أبو منصور الْجَزَريّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 665 هـ]
وُلِد سنة تسعين بالجزيرة. وتفقّه، وبرع في المذهب والأُصُول والنَّحْو. [ص:123]
ودرّس وأفتى، وتخرَّج به جماعة، وكان من فُضَلاء زمانه. ولي القضاء بمصر، وأعمالها دون القاهرة مدةً.
وتوفي فجاءة بمصر في تاسع رجب.(15/122)
• - ناصر الدّين القَيْمُريّ، ملك الأمراء. اسمه الحسين. [المتوفى: 665 هـ]
تقدَّم ذَكْرُه.(15/123)
185 - نبا بن سعد الله بن راهب بن مروان بن عبد الله، الإمام الفقيه، موفَّقُ الدّين، أبو البَيَان البَهْرانيّ، الحَمَويّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 665 هـ]
ولد بحماة سنة سبعٍ وسبعين وخمسمائة، وسمع جزءًا من الحافظ الشّابّ جعفر العبّاسيّ. وحدَّث بدمشق، ومصر. وأعاد بمصر بالشّافعيّ مدّةً، ويُسمّى محمدًا أيضًا.
وكان فقيهًا صالحًا، أضَرَّ في آخر عُمُره، وَزَمِنَ، ومات في تاسع جمادى الآخرة، روى عنه الدواداري، وغيره.(15/123)
186 - يعقوب بن عبد الرحمن ابن الإمام الكبير أبي سعد بن أبي عَصْرُون، الشّيخ سعْد الدّين أبو يوسف التّميميّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 665 هـ]
روى بالإجازة عن الإمام أبي الفرج ابن الجوزي، ودرس بالمدرسة القطبية التي بالقاهرة مدّةً وكان فقيهًا، فاضلًا، رئيسًا، نبيلًا.
تُوُفّي بالمحلّة في الثّالث والعشرين من رمضان.
وولي أبوه قضاء حماة. وتأخّر أخوه محمود وحدَّث.(15/123)
187 - يعقوب بن نصر الله بْن هبة اللَّه بْن الْحَسَن بْن يحيى، الرّئيس تاجُ الدّين، المعروف بابن سَنِيّ الدّولة الدّمشقيّ. [المتوفى: 665 هـ]
حدَّث عن: حنبل بن عبد الله، وتُوُفّي في ذي الحجّة عن سبعين سنة، وكان خبيرًا بالكتابة الدّيوانية. وُلّي نَظَرَ بَعْلَبَكّ، وغيرَ ذلك.(15/123)
188 - يعقوب بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم، أبو أحمد الطّبريّ، المكّيّ. [المتوفى: 665 هـ]
روى عن يونس بْن يحيى الهاشميِّ، وزاهر بْن رُسْتُم الأصبهاني، وغيرهما.
روى عنه الدّمياطيّ، ورضيُّ الدّين الطّبريّ ابن أخيه، وقاضي مكّة نجمّ الدّين.
تُوُفّي في سلْخ شَعبان. فكانوا سبعة إخوة قدِم أبوهم، وجَاوَرَ.(15/124)
189 - يوسف بن عُمَر بن يوسف بن يَحْيَى بن عُمَر بن كامل، العدْلُ، ضياءُ الدّين، أبو الطّاهر الزُّبَيْديّ، المقدِسيّ، الأبّاريّ، الكاتب، [المتوفى: 665 هـ]
ابن خطيب بيت الأبار.
وُلِد سنة إحدى وثمانين، وسمع من أبي الفضل إسماعيل الجنزوي، وأبي طاهر الخُشوعيّ، والقاسم ابن عساكر، وحنبل، وابن طَبَرْزَد، وغيرهم.
روى عنه الشّيخ زين الدّين الفارقيّ، والدّمياطيّ، وأبو عليّ ابن الخلّال، وجماعة في الأحياء.
وناب أبوه في خطابة دمشق في أيّام الملك العادل لمّا ذهب الدَّوْلعيّ في الرّسْليّة. وهو أخو الخطيب أبي المعالي داود، وأبي حامد عبد الله.
تُوُفّي يوم الجمعة يوم عيد النّحْر.(15/124)
190 - يوسف بن أبي السّرّ مكتومُ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن سُلَيْم. الشّيخ شمسُ الدّين، أبو الحجّاج القَيْسيّ، السُّوَيْديّ، الحَوْرانيّ، ثمّ الدّمشقيّ، المقرئ الحبّال، [المتوفى: 665 هـ]
والد شيخنا المعمَّر صدر الدّين إسماعيل.
ولد سنة أربعٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع من الخُشوعيّ، وعبد اللّطيف ابن شيخ الشيوخ، والقاسم ابن عساكر، وحنبل، وجماعة، روى عنه الحافظ زكيُّ الدّين البِرْزاليّ، ومات قبله بتسعٍ وعشرين سنة.
وبقي حتّى سمع منه: شَرَف الدّين منيف القاضي، وشرف الدّين ابن عربشاه، وأخوه داود، ومحمد [ص:125]
ابن المُحِبّ، وهذه الطّبقة، وولده الصَّدر.
وتُوُفّي في حادي عشر ربيع الأول.(15/124)
-وفيها ولد:
الشيخ علم الدّين القاسم ابن البرزالي، والشيخ صدر الدّين محمد ابن زَين الدّين عمر بن مكّيّ الشّافعيّ، وبهاء الدّين أبو بكر ابن شمس الدّين محمد بن غانم، والقاضي عزّ الدّين محمد ابن القاضي تقيّ الدين سليمان، والتّقيّ أَحْمَد بْن أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن طرخان، والشَّرَف عبد الله بن أحمد ابن القيراط المقدسيّ، وأبو بكر بن قاسم الرحبي العابر في ربيع الأول، وجمال الدّين داود بن إبراهيم ابن العطار، وعلاء الدّين علي بن عثمان ابن قاضي بالس، ومحيي الدّين يحيى ابن القاضي الفخر عثمان الزَّرْعيّ، وخطيب المِزَّة شهابُ الدّين أحمد بن عبد الرحمن المَنْبِجيّ، ومحمد بن أحمد ابن النّاصح عبد الرحمن بن محمد بن عيّاش الصالحي، وشمس الدّين يوسف بن يحيى ابن الناصح ابن الحنبليّ، وأبو نعيم أحمد ابن التّقيّ عُبَيْد الإسْعِرْديّ، وقاضي القُضاة شَرفُ الدّين محمد ابن أبي بكر بن ظافر الهَمْدانيّ المالكيّ، والزّين محمد بن محمود بن عليّ بن مخلص القَزْوينيّ المؤذّن، والتّقيُّ عبد الرحمن بن أحمد ابن شيخنا إبراهيم ابن القواس، ومحيي الدّين بن الخَضِر العبّاسي، وعلاء الدّين عليّ بن علي بن إبراهيم ابن الصّيرفيّ، ويوسف بن عبد القادر الخليليّ، وشمس الدّين محمد بن إبراهيم ابن المهندس تقريبًا بخطّه.(15/125)
-سنة ست وستين وستمائة(15/126)
191 - أحمد بن عبد الله بن أبي الغنائم المُسَلّم بْن حمّاد بْن محفوظ بْن ميسرة، المحدّث الرّئيس، مجدُ الدّين، أبو العبّاس الأزديّ الدّمشقيّ الشّافعيّ، التّاجر، المعروف بابن الحُلْوانيّة. [المتوفى: 666 هـ]
وُلِد في نصف ربيع الأوّل سنة أربعٍ وستّمائة، وسمع من أبي القاسم ابن الحَرَستانيّ، والشّمس أحمد بن عبد الله العطّار، والشّيخ العماد إبراهيم بن عبد الواحد، والقاضي أبي الفضل إسماعيل بن إبراهيم الشَّيْبانيّ الحنفيّ ابن المَوْصِليّ، وسماعه منه في سنة عشر وستّمائة لكنه نازلٌ، والمسلم بن أحمد المازني، وابن صباح، وابن الزبيدي، والشيخ الموفق ابن قدامة، وابن اللتي، والناصح ابن الحنبليّ، وخلق بدمشق، وأبي علي أحمد ابن المُعِزّ الحَرّانيّ، وأحمد بن يعقوب المارِستانيّ، وإبراهيم بن عثمان الكاشْغَريّ، وجماعة ببغداد، وعبد الرّحيم بن الطفيل، وعلي بن مختار، والعلم ابن الصّابونيّ، وجماعة بمصر، وعبد الحليم بن دخان الهَمْدانيّ، وظافر بْن شحْم، وعليّ بْن زيد التسَارَسِي، والوجيه محمد بن عليّ ابن تاجر عينه، وجماعة بالإسكندريّة، وعُنِي بالحديث والسّماع، وكتب بخطّه الكثير، وحصل الأصول، وصار له أنسة جيدة بالفن. وخرَّج لنفسه مُعْجَمًا كبيرًا ومُعْجَمًا صغيرًا.
روى عنه الدّمياطيّ، والأَبِيَورْديّ، وابن الخبّاز، وزينب بنت ابن الخبّاز، وابنته صَفِيّة بنت الحُلْوانيّة، والدة شمس الدّين محمد ابن السّرّاج، وآخرون، وكان عَدْلًا رئيسًا، حَسَن البِزّة، كيس المجالسة، له دكان بالخواتميين.
تُوُفّي في حادي عشر ربيع الأوّل، ودُفِن بمقبرة باب الصّغير.(15/126)
192 - أَحْمَد بْن عَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد بْن عبد الرحيم ابن العجميّ الصّدر، كمالُ الدّين، [المتوفى: 666 هـ]
والد المولى الإمام بهاء الدّين.
كان رئيسًا محتشمًا، جيّد الإنشاء، بارع الكتابة، حَسَن الدّيانة، ذا مروءة، وحُسْن عِشْرة، وكَثْرة محاسن، كتب الإنشاء في الأيّام الناصرية، والأيام [ص:127]
الظاهرية، وتوفي إلى رحمة الله في ذي الحجّة بظاهر مدينة صور، ونُقِل إلى دمشق فدُفن بمقبرة الصّوفيّة.(15/126)
193 - أحمد بن عبد المحسن بن أحمد بن محمد بن علي بن حَسَن بن عليّ بن محمد بن جعفر بن إبراهيم بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق الشريف نورُ الدّين، أبو العبّاس العَلَويّ، الحُسَيْنيّ، المُوسَويّ، الواسطيّ، الغرّافيّ، التّاجر، السّفّار. [المتوفى: 666 هـ]
وُلِد سنة بضعٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع بمَرْو من أبي المظفَّر عبد الرّحيم ابن السمعاني، وبالإسكندرية من محمد بن عماد، وغيره، وببغداد من أبي الحسن ابن القطيعي مع ولده شيخنا تاج الدّين.
والغراف: من أعمال واسط.
روى عنه ولداه أبو الحسن عليّ، وأبو إسحاق إبراهيم، والدِّمياطيّ، وجماعة.
وتوفي في خامس صفر بثغر الإسكندريّة، رحمه الله تعالى.(15/127)
194 - أحمد بن عبد النّاصر بن عبد الله، أبو العبّاس اليمنيّ. [المتوفى: 666 هـ]
روى عن أبي الفتوح ابن الحصري، وسمع منه أهل مصر.
ومات في ربيع الأول.(15/127)
195 - أحمد ابن القاضي شمس الدّين عمر بن أسعد بن المنجى، الإمام الفقيه، الصّالح، عمادُ الدّين التّنوخيّ، الحنبليّ، [المتوفى: 666 هـ]
أخو شيختنا ستّ الوزراء.
ذكر وفاته شمس الدّين ابن الفخر في جُمَادى الآخرة، وكانت جنازته حَفِلَةً كبيرة، وعُمُرُهُ أربعون سنة إلّا شهران.
قلت: سمع مع أخته -، وهي أكبر منه - " صحيح البخاريّ ". ولم يرْوِ [ص:128]
وهو واقفُ حلقةِ العماد برواق الحنابلة.(15/127)
196 - إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن مُحَمَّد بْن قُدَامة بْن مِقْدام بْن نصر، الإمام الزّاهد، القُدْوة الخطيبُ، عزّ الدّين، أبو إسحاق ابن الخطيب شَرَف الدّين أبي محمد ابن الزّاهد الكبير الإمام القُدْوة أبي عمر المقدِسيّ، الجمّاعيليّ الأصل، الدّمشقي الصّالحي الحنبلي. [المتوفى: 666 هـ]
وُلِد في رمضان سنة ست وستمائة، وسمع من عمّ أبِيهِ، الشّيْخ موفَّق الدّين، والشيخ العماد، والشيخ الشهاب ابن راجح، والقاضي أبي القاسم ابن الحرستاني، وداود بن ملاعب، وأبي عبد الله بن عبدون البناء، وأبي اليُمْن الكِنْديّ، وأبي القاسم أحمد بن عبد الله العطّار، وموسى ابن الشّيخ عبد القادر، وأبي المحاسن بن أبي لُقْمة، وأبي الفتوح محمد بن الجلاجلي، وأبي محمد بن البنّ، وأبي الفتح محمد بن عبد الغنيّ، وأبي المجد القَزْوينيّ، وطائفة سواهم، وسماعه من الكِنْديّ حضور، روى عنه الدمياطي، والقاضي تقي الدين سليمان، وابن الخباز، وابن الزّرّاد، وجماعة، وأجاز له عمر بن طَبَرْزَد، والمؤيّد الطُّوسيّ، وجماعة.
وكان فقيهًا، عارفًا بالمذهب، صاحب عبادة وتهجدٍ وإخلاصٍ وابتهالٍ وأورادٍ ومراقبةٍ وخشيةٍ. وله أحوالٌ، وكراماتٌ، ودعواتٌ مُجَاباتٌ.
قال ابن الخبّاز: كان إِذَا دَعَا كَانَ الْقَلْبُ يَشْهَدُ بِإِجَابَةِ دُعَائِهِ من كثرة ابتهاله، وإخلاصه، وتذلُّله، وانكساره. وله أدعيةٌ تُحفظ عنه. وكان أماراً بالمعروف نهاءً عن المنكر، يروح إلى الأماكن البعيدة، ومعه جماعة فينكر، ويبدّد الخمر، ويكسر الأواني. رأيتُ ذلك منه غير مرّة، وقال: كان ليس بالأبيض، ولا بالآدم، معتدل القامة، واسع الجبهة، أشقر اللّحية، أشهل العينين بزُرْقة، مقرون الحاجبين، أقنى العُرَنَين.
قال: وسمعت الشَّرَفَ أحمد بن أحمد بن عُبَيْد الله يقول: أنا من عُمري أعرف الشّيخ العِزّ ما له صَبْوة. وسمعت العزّ أحمد بن يونس يقول: ما كان الشّيخ العِزّ إلّا سيِّدَ وقْته معدوم الِمثل.
وقال أبو بكر الدّقّاق: مَن يكون مثل الشّيخ العِزّ، كان إذا جاء إليه أقلّ الخلْق ضحك في، وجهه، وبشَّ به وتلطف به. [ص:129]
وقال سالم بن علي الْجَزَريّ: كان كثير التَّواضُع للصّغير والكبير، كثير الصَّدَقَة والمعروف. ما رأتْ عيني مثْلَه، ولا رأيت أحدًا على صِفته.
قال ابن الخبّاز: وكان رحمه الله يتألّف النّاس ويلطف بالغُرباء والمساكين ويُحسن إليهم ويواسيهم ويودّهم ويتفقّدهم ويسألهم عن حالهم ويأخذهم إلى بيته كلّ ليلةٍ وفي كلّ وقت، فيُطْعمهم ما أمكنه. وكان يذمّ نفسه ذمًا كثيرًا ويحقرها ويقول: أيش يجيء مني. أيش أنا؟ وكان كثير التّواضع. وحدَّثني الشّيخ الصّالح أحمد بن محمد بن أبي الفضل قال: كنتُ أعالج الشّيخَ العِزّ في مرضه الّذي قُبِض فيه، فكنت إذا جئتُه بشيءٍ أسقيه يقول: يا حيائي من الله، يا حيائي من الله.
قال: وحدَّثني الزّاهد أبو إسحاق إبراهيم بن الأرمنيّ قال: رأيت في المنام قبل وفاة الشيخ العز بأربع ليالٍ كأنّني في وادي الرَّبْوة وشخصان جاءا إليَّ وقالا: إنّ الله قد إذِن لإبراهيم أن يدخلَ عليه، فأصبحت وبقيت مفكّرًا، فجاءني رجلٌ , وقال: الشيخ العِزّ مريض. فقلت: هذه الرّؤية له وخفت عليه من يومئذٍ. ثمّ قال: وهذه عنايةٌ عظيمة في حقه، تدلُّ على أنّه من أولياء الله تعالى.
قال ابن الخبّاز: وجدتُ بخطِّ البدر عليّ بن أحمد بن عمر المقدسيّ وقرأته عليه: كان الشّيخ عزّ الدّين كثير الخير والمعروف والإحسان والصَّدَقَة وطيّب الكلمة وحَسَن الملتقى واللّطف بالناس. ويؤثر كثيرًا ويطعم الفقير. لم يكن في جماعتنا أكثر منه صَدَقَةً. ويَزُور المنقطعين والأرامل ويلطف بهم. وكان مجتهدًا في طلب العِلم وتحصيله، حريصًا على دِينه مفتّشًا عنه كثير الأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنكَر. وحجّ مرّتين، الأولى سنة اثنتين وعشرين مع والده، والثّانية سنة ثلاثٍ وخمسين، أحسن إلى النّاس في هذه المرّة إحسانًا كثيرًا بماله وروحه وكان كثير الزّيارة إلى القدس، والخليل، وكان يلطُف بالنّساء والصِّغار والكبار ويفرّح الصّبيان في المواضع ويوجدهم راحةً ويسلِّم عليهم ويُسلِّم على الصّغير والكبير.
ثمّ ذكر منامات عديدةً حَسَنةً رآها غيرُ واحدٍ للشّيخ العِزّ. وذكر عن جماعةٍ ثناءهم عليه ووصفهم إيّاه بالسّخاء والكَرَم والمروءة والإحسان الكثير [ص:130]
إلى الفقراء وإيثارهم وقضاء حوائجهم، والتّواضع لهم وطلاقة الوجه، والبشاشة، والورع، والخوف، والعبادة، والأخلاق الجميلة ونحو ذلك.
توفي في تاسع عشر ربيع الأوّل عن ستّين سنة، رحمة الله عليه، وقد جمع ابن الخبّاز فضائله وسيرته في بِضعة عشر كرّاسًا وله أولادٌ فُقهاء صُلحاء.(15/128)
197 - إبراهيم بن يحيى بن أبي حفاظ مهدي، الإمام، أبو إسحاق المكناسيّ، النَّحْويّ، [المتوفى: 666 هـ]
أحد الفُضَلاء والرحالين.
وُلِد سنة ستّمائة، وسمع من أبي الحسين محمد بن محمد بن زَرْقون وطائفة بإشبيليّة؛ وارتحل إلى الشّام، والعراق، أخذ عنه الدّمياطيّ ببغداد. وخطه معرب مليح.
مات بالفيوم سنة ستٍّ. وله شعرٌ وفضائل.(15/130)
198 - إسحاق بن إبراهيم بن أبي اليُسر شاكر بن عبد الله، بدر الدّين، [المتوفى: 666 هـ]
أخو الشّيخ تقيّ الدّين.
وُلِد سنة إحدى عشرة ومات في سادس صفر بدمشق.(15/130)
199 - إسحاق بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن عَبْد اللَّه، أبو إبراهيم الدّمشقيّ الشافعي، [المتوفى: 666 هـ]
ابن قاضي اليمن.
وُلِد سنة بضعٍ وثمانين وخمسمائة وحدَّث عن: عبد اللّطيف بن أبي سعد وستّ الكَتَبة بنت الطّرّاح، كتب عنه الأَبِيَورْديّ والطَّلَبة ومات في شَعبان. وهو أخو إسماعيل الآتي.(15/130)
200 - إسماعيل بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن عَبْد اللَّه، أبو الطّاهر، [المتوفى: 666 هـ]
ويُعرف أبوه بقاضي اليمن.
حدَّث عن: عبد اللّطيف بن أبي سعْد الصّوفيّ وحدَّث بالقاهرة ودمشق، روى عنه الدمياطي وغيره. ومات في ذي القعدة بجوبر.(15/130)
201 - أيّوب بن عمر بن عليّ بن مقلّد، أبو الصَّبْر الحمّاميّ، الدّمشقيّ، المعروف بابن الفقّاعيّ. [المتوفى: 666 هـ]
روى " تاريخ داريًّا " عن الخُشوعيّ، روى عنه الدّمياطيّ، وابن الخبّاز وتقيّ الدّين أبو بكر الموصلي، والفخر عثمان الأعزازي، والشرف صالح بن عربشاه وجماعة.
وتوفي يوم عاشوراء.(15/131)
202 - الحبيس بولص. ويقال: ميخائيل. [المتوفى: 666 هـ]
أحضره الملك الظّاهر وعذّبه حتّى مات في العذاب وصار إلى العذاب ورُميت جيفته تحت القلعة على باب القرافة وذكرنا في سنة ثلاثٍ وستين من أخباره وإنفاقه للأموال. فيقال: إنّه ظفر بكنزٍ مدفون فوَاسى به الصّعاليك والمحاويج من المِلَل وأدّى عن المصَادرين جملةً عظيمة. واشتهر أمره. فلمّا كان في هذه السّنة أحضره السّلطان وطلب منه المالَ والكنز، فأبى أن يعرّفه وجعل يراوغه ويُغالطه ولا يُفصح له بشيءٍ. وأدخله إلى عنده ولاطَفَه بكلّ ممكن، فلمّا أعياه حنق عليه وعذّبه، فمات ولم يُقِرّ بشيءٍ.(15/131)
203 - الحسن بن الحسين بن أبي البركات، الشّيخ الرّئيس عِزّ الدّين، أبو محمد بن المُهَيْر البغداديّ الحنبليّ، التّاجر. [المتوفى: 666 هـ]
وُلِد سنة أربعٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع " جزءًا " من يحيى بن بَوْش تفرَّد به، روى عنه الدّمياطيّ، وابن الخبّاز، وشمس الدّين بن أبي الفتح , والقاضي تقيّ الدّين سليمان، والعماد بن الكتاني، وأحمد بن المُحِبّ وزينب بنت الخبّاز وجماعة. وتُوُفّي بدمشق في السّابع والعشرين من رجب.
وذكر الشّيخ شمس الدّين بن الفخر أنّه كان ناظر المدرسة الجوزية.(15/131)
204 - الخَضِر بن أسد بن عبد الله بن سلامة، أبو العبّاس الصّنْهاجيّ، ابن السَّقَطيّ. [المتوفى: 666 هـ][ص:132]
شيخ مصري يروي عن الحافظ ابن المفضل.
توفي في رجب.(15/131)
205 - عبد الله بن أحمد بن ناصر بن طعان، أبو بكر الدّمشقيّ، الطّريفيّ، النّحّاس. [المتوفى: 666 هـ]
وُلِد سنة أربعٍ وثمانين وخمسمائة. وروى عن الخُشوعيّ، وعبد اللّطيف الصّوفيّ وجماعة وهو أخو عبد الرحمن.
روى عنه الدِّمياطيّ، والبدر بن التّوزيّ، ومحمد بن محمد الكِنْجيّ، ومحمد بن المُحِبّ، وابن الخبّاز، والعماد بن البالسي وآخرون.
والطّريفيّ نسبة إلى طريف، جَدّ لهم.
تُوُفّي في السّادس والعشرين من شوّال. ولَقَبُه زين الدّين، رحمه اللَّه.(15/132)
206 - عَبْد اللَّه بْن عليّ بْن محمد، الشّريف أبو جعفر الحُسَيْنيّ الحجازيّ. [المتوفى: 666 هـ]
وُلِد بدمشق سنة خمسٍ وستّمائة، وسمع من أبي القَاسِم بْن الحَرَستانيّ وكان صالحًا، متعفّفًا، قانعًا.
تُوُفّي بدمشق في جُمَادى الآخرة.(15/132)
207 - عبد الله بن يحيى بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرحمن بن ربيع، أبو القاسم الأشْعريّ نَسَبًا، القُرْطُبيّ. [المتوفى: 666 هـ]
قاضي الجماعة بغَرْنَاطة.
روى عن الخطيب أبي جعفر بن يحيى وتفرَّد بالرّواية عنه وعن: أبي الحسن عليّ الشّقُوريّ، وأبي القاسم بن بقيّ القاضي، وأبي الحسن بن خروف النّحويّ وعدّة.
روى عنه أبو جعفر بن الزُّبَيْر وأثنى عليه وولي القضاء أيضًا بشَريش ومالقة. وولي خطابة مالقة. وتصدَّر للإشغال. وانتفع به فقهاء غرناطة. [ص:133]
قال أبو حيان: شيخنا كان رطب المناظرة، مسدَّد النَّظر، منصفًا، أديبًا، نحْويًّا، فقيهًا، مشاركًا في الأُصُول وغيرها. وأجاز عامًا لأهل غرناطة. توفي في شوال بغرناطة، رحمه الله.
وقال ابن الزُّبَيْر: كان أشْعريّ النَّسَب والمذهب، مصمّمًا على مذهب الأشْعريّة.(15/132)
208 - عبد الخالق بن عليّ، تاج الدّين، الكاتب المعروف بأحمر عينه لحمرة في عينه. [المتوفى: 666 هـ]
كان كاتبًا بارعًا في صناعة الحساب. ولي عدة جهات وولي أبوه القاضي مهذِّب الدّين عليّ بن محمد الإسْعِرْديّ قضاءَ بَعْلَبَكّ قبل السّتّمائة فحُمدت سيرتُه ومات التّاج ببعلبك في ذي القعدة وهو في عُشْر الثمانين.(15/133)
209 - عبد العزيز بن منصور بن محمد بن محمد بن وداعة، الصّاحب، عزُّ الدّين الحلبيّ. [المتوفى: 666 هـ]
ولي خطابة جَبلَة في أوائل أمره فيما يُقال. وولي للملك النّاصر شدَّ الدّواوين بدمشق. وكان يعتمد عليه. وكان يُظْهِر النُّسك والدّين ويقتصد في ملبسه وأموره. فلمّا تسلطن الملك الظّاهر ولّاه وزارة الشّام. فلمّا ولي النجيبي نيابة الشّام حصل بينه وبين ابن وداعة وحشة، فإن النجيبي كان سنيًا وكان ابن وداعة شيعيًا خبيثًا فكان النجيبي يسمعه ما يؤلمه ويهينه، فكتب ابن وداعة إلى السّلطان يطلب منه مشدًّا تُركيًّا وظنّ أنّه يكون بحكمه ويستريح من النجيبي، فرتّب السّلطان الأمير عزّ الدّين كشتغدي الشُّقَيريّ، فوقع بينه وبينه، فكان الشُّقَيريّ يُهينه أيضًا. ثمّ كاتب فيه الشُّقَيريّ، فجاء الأمر بمصادرته، فرُسِم عليه وصُودِر وأُخِذ خطّه بجملةٍ كبيرة. ثمّ عَصَره الشُّقيريّ وضربه وعلّقه في قاعة الشّدّ وجرى عليه ما لا يوصف وباع موجوده وأملاكه الّتي كان قد وقفها وحمل ثمنها. ثمّ طُلب إلى الديار المصريّة فمرض في الطّريق ودخل القاهرة مُثْقَلًا فمات في آخر يومٍ من السّنة بالقاهرة وهو في عَشْر [ص:134]
الثّمانين. وله مسجدٌ وتُربة بسَفْح قاسيون ولم يُعقب. وله وقفٌ على البِرّ، ذكر ذلك قُطْبُ الدّين موسى.(15/133)
210 - عبد العظيم بن عبد الله بن أبي الحَجَّاج ابن الشّيخ البَلَويّ، الخطيب، العلّامة، أبو محمد، [المتوفى: 666 هـ]
شيخ مالقة.
أدرك جدَّه، وسمع منه قليلًا. وصنّف تصانيف. وله اختيارات لا يُقلِّد فيها أحدًا وكان عاكفًا على إقراء " المستصفى "، و " الجواهر الثّمينة ".
لازمه أبو جعفر بن الزُّبَيْر سنتين يشتغل عليه وأثنى عليه، قال: توفي في جُمَادى الآخرة سنة ستٍّ وستّين وستّمائة. وكان قد حفر قبرَه وأعدّ كفنَه وهيّأ دريهماتٍ برسم مؤونة الدفن.(15/134)
211 - عثمان بن عبد الرحمن بن عتيق بْن الْحُسَيْن بْن عتيق بْن الْحُسَيْن بن عبد الله بن رشيق، نظام الدّين، أبو عَمْرو الرَّبَعيّ، المصريّ، المالكيّ. [المتوفى: 666 هـ]
وُلِد سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة، وسمع من أَبِي القاسم البُوصيريّ، وأَبِي عَبْد اللَّه الأرتاحيّ، وروى " صحيح البُخَاريّ " عنهما. وهو من بيت العِلم والدّين والرّواية، روى عنه الدّمياطيّ وقاضي القُضاة ابن جماعة والمصريّون.
وكان رجلًا صالحًا خيِّرًا، وكان جدّه أبو الفضائل عتيق من كبار العلماء.
توفي النظام في الحادي والعشرين من جُمَادى الأولى بالقاهرة.(15/134)
212 - عليُّ بن عدْلان بن حمّاد، الإمامُ، العلّامة، عفيفُ الدّين، أبو الحسن الرَّبعي، المَوْصِليّ، النَّحْويّ، المترجِم. [المتوفى: 666 هـ]
وُلِد سنة ثلاثٍ وثمانين أو قبلها بالموصل، وسمع ببغداد. وأخذ العربية عن أبي البقاء العُكْبَريّ وغيره.
وسمع من الحافظ عبد العزيز بن الأخضر، وعبد العزيز بن منينا ويحيى بن ياقوت وعليّ بن محمد المَوْصِليّ وبزغش عتيق بن حمدي، وعبد الله بن عثمان بن قُديرة , وأبي تُراب يحيى بن إبراهيم [ص:135]
الكَرْخيّ، ولامعة بنت المبارك بن كامل وجماعة.
وسمع منه: ابن الظاهري، والأبيوردي، والدّمياطيّ، والشريف عز الدّين، والدواداري وشعبان الإربِليّ، ويوسف الخَتَنيّ، وعبد الله بن عليّ الصنهاجي وأختاه عائشة وخديجة وطائفة كبيرة.
وأقرأ العربية زمانا وتصدّر بجامع الملك الصّالح مدّةً وانتفع به جماعةٌ من الفُضَلاء؛ وكان علّامةً في الأدب، من أذكياء بني آدم. ويْنفرد بالبراعة في حلّ المترجَم والألغاز. وله في ذلك تواليف.
تُوُفّي في تاسع شوّال بالقاهرة.(15/134)
213 - علي بن مُحَمَّد بن علي بن عبد الرحمن، الإمام أبو الحسن الرُّعيني، الإشبيليّ. [المتوفى: 666 هـ]
مشهور بنسبته، روى عن أبي بكر محمد بن عبد الله القرطبي، أخذ عنه السَّبع ولازمه وتلا للحرميين على أبي بكر بن عبد النّور؛ وأكثر عنه، وعن: يحيى بن أحمد بن مرزوق وهو أكبر شيخ له وعتيق بن خَلَف، وعدّة، كتب وقيَّد وألف , وكتب الإنشاء للملوك، واعتنى بالرواية، والقراءات.
مات بمَرّاكِش في سنة ستٍّ هذه عن أربعٍ وسبعين سنة. وكان ممن ختم به الكتابة.
وشيخه ابن عبد النّور مات سنة أربع عشرة وستمائة من أصحاب أبي عبد الله بن زرقون. وأمّا القُرْطُبيّ فلم أعرفه.(15/135)
214 - عمر بن إسحاق بن هبة الله، الأمير عِمادُ الدّين، الخِلاطيّ. [المتوفى: 666 هـ]
ولد بخلاط سنة ثمانٍ وتسعين وخمسمائة وكان عالمًا فاضلًا، حازمًا خبيرًا، حسن التأتي، لطيف الحركات، له حرمةٌ وافرة عند الملوك.
وكان الملك الصّالح أبو الجيش لا يقدّم عليه أحدًا ويُكرِمه ويُحبّه وله شعرٌ جيّد.
تُوُفّي بحماة في أوّل السّنة وكان أبوه أُصوليًا واعظًا، أديبًا، مصنِّفًا. [ص:136]
ولّي قضاء خِلاط. تُوُفّي بإربِل سنة ستّ عشرة وستّمائة.(15/135)
215 - عمر بن الحسين بن إبراهيم. [المتوفى: 666 هـ]
عزُّ الدّين، أبو حفص الإربِليّ.
وُلِد سنة أربعٍ وستّمائة.
وسمع من أبي القَاسِم بْن الحَرَستانيّ وداود بن مُلاعِب.
روى عنه ابن الحبّاب وأرّخه بالسنة.(15/136)
216 - غازي بن يوسف، أبو المظفَّر القُرَشيّ، مولاهم المصري. [المتوفى: 666 هـ]
روى " التيسير " عن أبي الحسن بن المقيّر، وسمع الكثير بنفسه. وعني بالحديث. وكان حسن الفهم، حافظا للمواليد والوفيات. وتوفي في ربيع الأول وقد قارب الخمسين.(15/136)
217 - كيقباذ، السلطان ركن الدين ولد السلطان غياث الدين كيخسرو ابن السلطان علاء الدين كَيْقُباذ بْن كَيْخُسْرُو بْن قَلِيج أرسلان بْن مسعود بن قليج رسلان بن سليمان بن قطلمش بن أتش بن سلجوق بن دقاق. [المتوفى: 666 هـ]
صاحب الرّوم، وابن ملوكها.
كان كريمًا، جوادًا، شجاعًا، لكنه مقهورٌ تحت أوامر التّتار وقتلوه في هذه السّنة. خَنَقَتْه المُغْل بوتر وله ثمانٍ وعشرون سنة. وذلك لأن البرواناه عمل عليه وأوقع عند التتر أنّه يكاتب صاحبَ مصر. وكان كَيّقُبَاذ قد فوَّض جميع الأمور إلى البرواناه واشتغل بِلَهْوِه ولَعِبِه وتَرَك الحَزْم فاستفحل أمر البرواناه وعجز كيقباذ عنه قتلوه غيلة وجعلوه في محفّة وساروا به إلى أن قدموا قونية به، فأظهروا أنه وقع من فرسه فمات. ثمّ أجلسوا ولَدَه غياثَ الدّين كيخسرو في المُلك وله عشْر سِنين. ثمّ توجّه نائب السّلطنة البرواناه إلى أبْغا ومعه فَرَس كَيْقُبَاذ وسلاحه وتقادم، فوجد عنده صاحب سِيس، فتكلَّم كلٌ منهما في الآخر بأنّه يكاتب المسلمين. ثمّ عاد البرواناه ومعه أجاي أخو أبغا.(15/136)
218 - محمد بن إبراهيم بن شِبْل بن أبي بكر بن خَلِّكان، القاضي بدرُ الدّين، أبو عبد الله الإربِليّ، الشّافعيّ، قاضي تل باشِر. [المتوفى: 666 هـ]
وليها مدّةً وحدَّث عن بدل التّبريزيّ وعن أخيه حسين بن إبراهيم.
روى عنه الدّمياطيّ وورَّخ موته.(15/136)
219 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عُبَيْد اللَّه بْن العاص، أبو بكر التُّجيبيّ، الإشبيليّ، المقرئ. [المتوفى: 666 هـ]
قرأ " الكافي " على أبي العبّاس بن مِقدام. وتلا بالسَّبْع على: أبي الحُسَين بن عظيمة وعاش سبْعًا وثمانين سنة.
تلا عليه بالسَّبْع ختْمةً أبو جعفر بن الزُّبَيْر.(15/137)
220 - محمد بن أبي القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن محمد بن القاسم بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهيم بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن عُبَيْد اللَّه بن علي بْنِ عُبَيْد اللَّهِ بْنِ الحُسَيْن بْن عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ، الشّريف الحسيب، الإمام، أبو عبد الله الحُسَيْنيّ، الكوفيّ الأصل، المصريّ الدّار، [المتوفى: 666 هـ]
المعروف والده بالحلبيّ.
وُلِد سنة ثلاثٍ وسبعين وخمسمائة وقرأ القرآن على أبي الحسن الإسكندرانيّ.
وبرع في الأُصُول، والعربيّة، وسمع " السّيرة " من أَبِي الطاهرِ مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن بُنَان الأنبَاريّ، عن أبيه، عن الحبّال، وسَمِعَ من أبي مُحَمَّد عبد الله بن عبد الجبّار العثمانيّ، وأبي الطّاهر إسماعيل بن عبد الرحمن الأنصاريّ وحامد بن رُوزبة، وعبد القويّ بن أبي الحسن القَيْسرانيّ، والأمير مُرْهَف بن أُسامة بن مُنْقِذ.
وحدَّث وأقرأ النَّحْو مدّةً. وكان جيّد المشاركة في العلوم، مؤثرًا للانقطاع، والعُزْلة حَسَن الدّيانة.
قال ابنه عزّ الدين: كان ذا جِدٍّ وعمل مُؤثرًا للانفراد والتّخلّي. وكان أبوه من الفُضَلاء المشهورين، له تصانيف حَسَنة. أقرأ الأُصُول، والعربيّة مدّةً. تُوُفّي أبو عبد الله في سادس صفر وله ثلاثٌ وتسعون سنة.
قلت: فاتَه السَّماع من عبد الله بن برّي وطبقته، على أنّه تفرّد بالرّواية عن الأثير بن بُنَان وغيره وكان رئيسًا محتشمًا يصلُح للنّقابة.
روى عنه الدّمياطيّ، والشّيخ شعبان وعَلَم الدّين الدّواداريّ، والمصريّون وعليّ بن قريش، وعبد الله بن علي الصّنْهاجيّ، وشمس الدّين محمد بن أحمد بن القمّاح.(15/137)
-وفيها وُلِد:
الإمام شَرفُ الدّين أبو محمد عبد الله بن عبد الحليم بن عبد السّلام بن تَيْمية بحَرّان يوم عاشوراء وقُطْبُ الدين محمد بن عبد الوهاب بن مرتضى الأنصاريّ الزّينبيّ بمصر وبهاء الدّين عليّ بن عثمان بن أحمد بن عثمان بن أبي الحوافر، سمِعا من النّجيب وجلال الدّين محمد بن عبد الرحمن بن عمر القَزْوينيّ خطيب دمشق، وشمس الدّين محمد ابن القاضي بهاء الدّين بن الزّكيّ مدرّس العزيزيّة، والمحدث محمد بن أحمد بن أمين الآقشهري نزيل مكّة، والفقيه عبد المنعم بن أحمد بن سعد، ابن البوريّ، بغدادي، ومحمد ابن شيخنا عليّ بن يحيى، ابن الشاطبي، وعبد الرحمن بن إبراهيم بن التقي بن أبي اليُسْر، والتقيّ محمد بن عبد الملك ابن عساكر البعلي المؤذّن، والمحدَّث شمس الدّين محمد بن محمد بن نِباتة، والشّيخ شمس الدّين محمد بن عبد الأحد بن يوسف بن الرزيز بآمِد، والقاضي شمسُ الدّين محمد بن المجد عيسى البعلبكي، والقاضي محيي الدّين إسماعيل بن يحيى بن جَهْبَل الدّمشقيّ وتقيُّ الدّين عمر بن عبد الله بن شُقَيْر الحرانيّ، والشّيخ أبو بكر بن قاسم الرَّحبيّ بدمشق في ربيع الأوّل، ويوسف بن هارون القاياتيّ، وأحمد ابن المقرئ محمد بن إسماعيل السّلميّ القصّاع.(15/138)
-سنة سبع وستين وستمائة(15/139)
221 - أحمد بن عبد الواحد بن مرّيّ بن عبد الواحد، الشّيخ الزّاهد، تقيُّ الدّين، أبو العبّاس المقدِسيّ، الحَوْرانيّ. [المتوفى: 667 هـ]
وُلِد سنة ثلاثٍ وثمانين وخمسمائة. وسمع بحلب من الافتخار عبد المطَّلِب الهاشميّ وحدَّث. سمع منه: الدّمياطيّ، والشّريف عزّ الدّين، وعَلَم الدّين الدّواداريّ، ورضيُّ الدّين الطّبريّ وهذه الطّبقة.
وكان فقيهًا شافعيًّا، عارفًا بالفرائض، جامعًا بين العِلْم والعمل. صاحبَ عزْمٍ وجدّ وقوّة نفس، وتجردٍ وانقطاع وعبادةٍ وأوراد. وقد درّس وأفاد وولي الإعادة بالمستنصريّة ببغداد. ثمّ تزهَّد وأقبل على شأنه.
تُوُفّي في رجب بالمدينة النّبويّة، وقد جاور بمكّة أيضًا وكان يحطّ على ابن سَبعين وينكِرُ طريقه، وابن سَبعين يسبُّه ويرميه بالتّجسيم ويَفْتري عليه.(15/139)
222 - أحمد بن محمد بن أحمد بن داود، أرشدُ الدّين، أبو العبّاس الهواري التونسي. [المتوفى: 667 هـ]
وُلِد بدمشق سنة أربعٍ وستّمائة. وسمّعه أبوه حضورًا من الكِنْديّ، وابن الحَرَسْتانيّ، وسمع من الشيخ الموفق وغيره. وحدَّث، كتب عنه الشّريف، وقال: تُوُفّي بالقاهرة في خامس صَفَر.(15/139)
223 - إبراهيم بن عيسى بن يوسف بن أبي بكر، المحدّث الإمام، ضياءُ الدّين، أبو إسحاق المُراديّ، الأندلُسيّ. [المتوفى: 667 هـ]
سمع الكثير من أصحاب السِّلفي وطبقتهم بعد الأربعين. وكتب الكثير بخطّه المتقَن المليح. وكان صالحًا عالِمًا ورعًا دينًا. وكان إمامًا بالباذرائية. وقف كُتُبَه وفوَّض نظرها إلى الشّيخ علاء الدين ابن الصّائغ. وروى اليسير.
مات في رابع ذي الحجّة بالقاهرة، رحمه الله تعالى.
وذكره الشّيخ محيي الدّين النّوويّ فأطنب فقال: كان بارعًا في معرفة الحديث وعلومه وتحقيق ألفاظه، لا سيّما " الصّحيحين ". لم ترَ عيني في وقته [ص:140]
مثلَه. وكان ذا عنايةٍ باللُّغة والعربيّة والفقه ومعارف الصّوفية، من كبار المسلكين. صحِبته نحوًا من عشر سِنين لم أرَ منه شيئًا يُكْرَه. وكان من السّماحة بمحلّ عالٍ على قدْر وجْدِه. وأمّا الشّفقة على المسلمين ونُصْحهم فقلّ نظيرُه. تُوُفّي بمصر في أوائل سنة ثمانٍ.
قلت: بل ما تقدَّم هو الصّحيح في وفاته. وخطه من أحسن كتابة المغاربة وأتقنها.(15/139)
224 - إبراهيم، الشّيخ أبو زهير المباحيّ. [المتوفى: 667 هـ]
كان يجمع المُبَاح من جبل لبنان ويتقوَّت به. وأُقعد في آخر عُمُرِه وشاخ وانحطّ. وقيل: إنّه نيّف على المائة وكان صالحًا عابدًا سليم الصّدر إلى الغاية.
ووفي بمغارته ببلد بعلبك في جُمَادى الأولى. وكان مقصودًا بالزّيارة.(15/140)
225 - إسماعيل بن أبي محمد عبد القويّ بن عَزُّون بن دَاوُد بن عَزُّون بن اللَّيْث، زَيْنُ الدّين، أبو الطّاهر الأنصاريّ، الغَزّيّ، ثمّ المصريّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 667 هـ]
ولد قبل التسعين وخمسمائة. وسمع الكثير بإفادة أبيه من هبةِ اللَّه البُوصيريّ، وإِسْمَاعِيل بن ياسين، وعبد اللّطيف بن أبي سعد، والعماد الكاتب، وأبي يعقوب بن الطُّفَيْل، وحمّاد الحَرّانيّ، والحافظ عبد الغنيّ، وعبد المُجيب بن زُهير، وفاطمة بنت سعد الخير , وجماعة.
وروى الكثير. وكان ديِّنًا صالحًا ساكنًا، روى عنه الدّمياطيّ، والشّيخ شعبان، والدّواداريّ، وقاضي القُضاة بدر الدّين، والطُّواشيّ عنبر العزيزيّ، وفاطمة بنت محمد الدَّرْبَنْديّ، وصدرُ الدّين محمد بن علّاق، وآخرون.
تُوُفّي في ثاني عشر المحرَّم.(15/140)
226 - أيْدمُر، الأمير عزّ الدّين الحلّيّ، الصّالحيّ، النّجميّ. [المتوفى: 667 هـ][ص:141]
تُوُفّي بقلعة دمشق ودُفِن بجنب مسجد ابن يَغْمُور وقد نيَّف على السّتّين.
قال قُطْبُ الدّين: كان من أكبر أمراء الدّولة الظّاهريّة وأعظمهم محلًّا. وكان ينوب في السَّلْطَنَة بمصر إذا غاب السّلطان لوُثُوقه به واعتماده عليه. وكان قليل الخبرة، لكنّه قدّمته السّعادة. وكان كثير الأموال، والمتاجر، والخيول، والأملاك، تُوُفّي في شعبان.(15/140)
227 - بكتُوت الصّغير، الأمير بدر الدّين. [المتوفى: 667 هـ]
من أمراء دمشق.
مات في ربيع الأول.(15/141)
228 - الحسن بن علي بن أبي نصر ابن النّحّاس، الصّدرُ الجليل، شهابُ الدّين ابن عَمْرون الحلبيّ. [المتوفى: 667 هـ]
وابن عمرون جدّه لأمّه.
تُوُفّي بالإسكندريّة في شعبان من السّنة وله ثلاثٌ وثمانون سنة، وكان تاجرًا مشهورًا وافر الحُرْمة، ظاهر الحشْمة، ذا أموالٍ ومَتَاجر. ولمّا استولى العدوّ على حلب حموا دارَهُ وما جاورَها فآوى إلى دارهِ خلقٌ كثير وسلِموا بأموالهم. وقام للتّتار بما التزم لهم من ماله دون أولئك، فكانت له مكرُمة بذلك. وتمزّقت أمواله. ثمّ توجّه إلى مصر في أوائل الدّولة الظّاهريّة وسكن بالثّغر المحروس إلى أن مات، وله ذرّيّة عالجوا الكتابة والتصرف.(15/141)
229 - الحسين بن أبي عبد الله محمد بن الحسين بن محمد بن حسين، الشيخ مجد الدين أبو علي الأنصاري المصري الشافعي المعدل. [المتوفى: 667 هـ]
توفي في رمضان. وقد ولد سنة ستمائة، وسمع بدمشق من أبي القاسم بن الحرستاني. وحدث. وكان شيخا صالحا خيرا ذا سمت ووقار. كتب عنه الشريف وغيره.(15/141)
230 - ربيع بن يحيى بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرحمن بن ربيع، أبو الزَّهْر الأشْعريّ القُرْطُبيّ، [المتوفى: 667 هـ]
من بيتٍ كبير شهير بالأندلس.
روى عن أبيه أبي عامر المتوفَّى سنة تسعٍ وثلاثين، وعن: أبي الحسن الشَّقُّوريّ بقُرْطُبة، وأكثر بمالقة عن: أبي الحسن عليّ بن محمد الشّاريّ، وعن: [ص:142]
أبي القاسم ابن الطيلسان، وعبد الله بن عطيّة اللُّغَويّ، وولي قضاءَ بعض الأندلس، توفي بحصن بلبش.
وقد مرّ أخوه في العام الماضي. ومات أخوه أبو الحسين محمد سنة ثلاث وسبعين وستمائة.(15/141)
231 - سليمان بن داود بن مُوسك، الأجلّ، أسدّ الدّين ابن الأمير عِماد الدّين ابن الأمير الكبير عزّ الدّين الهذبانيّ. [المتوفى: 667 هـ]
وُلِد في حدود السّتّمائة بالقدس، وكان له يدٌ في النَّظْم وعنده فضيلة، ترك الخدم وتزهَّد ولبس الخَشِن وجالس العُلماء. وأذهب مُعْظَم نعمته واقتنع.
وكان أبوه أخصّ الأمراء بالملك الأشرف ابن العادل، ومُوسَك كان من أمراء صلاح الدّين.
تُوُفّي هذا في جُمَادى الأولى ودُفِن بقاسيون.(15/142)
232 - شَرَف الدّولة ابن العسْقلانيّ. [المتوفى: 667 هـ]
تُوُفّي بدمشق في ربيع الأوّل وكانت له جنازة مشهودة. وخلّف ثروةً وأموالًا، وطلع صداق زوجته ثمانين ألف درهم وخمسة آلاف دينار، قرأت ذلك بخطِّ ابن الفخر.
وهو عليّ بن فراس بن علي بن زيد.(15/142)
233 - عبد الله بْن عَبْد المنعم بْن خَلَف بْن عَبْد المنعم بن أبي يَعْلَى. [المتوفى: 667 هـ]
زينُ الدّين، أبو محمد ابن الدُّميري، الكاتب المصري، وقد نيف على الستين.
يروي عن أصحاب السلفي.(15/142)
234 - عبد الرحمن بن عَبْد اللَّه بن سُلَيْمَان بن دَاوُد بن حَوْطِ الله، المحدَّث، أبو عمر الأنصاريّ الأندلُسيّ، المالقيّ. [المتوفى: 667 هـ][ص:143]
روى الكثير، وسمع من أبي العبّاس بن مقدام، وتفرد عن جماعة.
توفي في آخر سنة سبعٍ وستين عن سبعٍ وسبعين سنة.(15/142)
235 - عبد الكريم بن عبد الله بن بدران، أبو محمد الأنصاري البَهْنَسيّ الصّالح الخيّر. [المتوفى: 667 هـ]
سمع من مُكْرَم، وعبد الصّمد الغضاريّ. وحدَّث.
تُوُفِّي في ربيع الآخر.(15/143)
236 - عَبْد المجيد بن أبي الفَرَج بن محمد، الشّيخ العلّامة، مجدُ الدّين، أبو محمد الرُّوذْرَاوريّ. [المتوفى: 667 هـ]
شيخ، إمام، مشهور، بارع في اللُّغَة، كثير المحفوظ من أشعار العرب، فصيح العبارة، مليح الخطّ، جيّد المشاركة، مليح الشّكل والبِزّة، نفَّذه الملك الظّاهر رسولًا إلى الملك بَرَكَة فمرض في الطّريق فرجع. وكان له حلقة إشغال بالحائط الشمالي. وله شعرٌ جيد.
توفي في صفر وهو في عَشْر السّبعين.(15/143)
237 - عبد المنعم بن كامل، قاضي القُضاة بالجانب الشّرقيّ، نظام الدّين البندنيجي. [المتوفى: 667 هـ]
شيّعه الخلق، فدفن بدكّة الْجُنَيْد وله ستٌّ وسبعون سنة، وكان مُفْتيًا، علّامة، ورِعًا، تقيًّا، شافعيًّا، كبير الشّأن.
ولي القضاء بعد نجم الدّين الباذرائي، ثمّ بعد أيّامٍ أُخِذت بغداد فأقرّه على القضاء هولاكو. وقد أعاد مدّةً بالمستنصريّة. ثمّ ولي قضاء الجانب الغربيّ واستمرّ مدّةً. وقيل له عند الموت: مَن يصلُح بعدَك؟ فقال: تقلَّدتُ حيًّا فلا أتقلَّدُ ميّتًا. ثمّ أشار بسراج الدّين محمد بن أبي فِراس الهُنايسيّ الشّافعيّ مدرّس البشيريّة، فولّي بعده قضاء العراق.(15/143)
238 - عبد الوهاب بن محمد بن عطية بن المسلم بن رجاء، الإمام، أبو محمد الإسكندرانيّ، المعدّل. [المتوفى: 667 هـ][ص:144]
حدَّث عن: عبد الرحمن مولى ابن باقا. وناب في القضاء ببلده. ومات في المحرَّم.(15/143)
239 - عليّ بن أقسيس بن أبي الفتح بن إبراهيم، الصّدرُ، محيي الدّين البَعْلَبَكّيّ، [المتوفى: 667 هـ]
ناظرُ الزّكاة بدمشق.
كان رئيسًا عاقلًا، أنيق الملبس والمأكل، ظريفَ المسكن، مليح الحركات، كثير الصّدَقَة والتّلاوة. له حكاياتٌ في المكارم.
تُوُفّي في ربيع الآخر بدمشق وقد جاوز السّتّين، وأظنّه روى عن البهاء عبد الرحمن المقدِسيّ.(15/144)
240 - عليّ بن داود بن عليّ بن أبي بكر، فخرُ الدّين، أبو الحسن الخِلاطيّ، الوكيل. [المتوفى: 667 هـ]
سمع من عمر بن طبرزد، وأبي اليمن الكندي، وحدث بدمشق والقاهرة. وقدِم من خِلاط بعد السّتّمائة وتوفي بالقاهرة في المحرَّم.(15/144)
241 - عليّ بن عبد الواحد بن أبي الفضل بن حازم، أبو الحسن الأنصاريّ، الدّمشقيّ، البزّاز. [المتوفى: 667 هـ]
وُلِد سنة تسعٍ وثمانين وخمسمائة، وروى عن الخُشوعيّ، روى عنه ابن الخبّاز، وأبو العبّاس بن فَرَج، وأبو الحسن عليّ بن مسعود، وعليّ بن مكتوم الخطيب، وصالح بن عربْشاه، وطبقتهم، وتُوُفّي في رابعٍ شعبان بدمشق.(15/144)
242 - عليّ بن وهْب بن مطيع بن أبي الطّاعة، الإمام العلّامة، مجدُ الدّين، أبو الحسن والد شيخ الإسلام قاضي القضاة أبي الفتح ابن دقيق العِيد القُشَيْريّ، البهْزيّ، بهْز بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ , المَنْفَلُوطيّ المالكيّ، [المتوفى: 667 هـ]
نزيل قوص.
ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. وتفقّه على أبي الحسن بن المفضّل الحافظ، وسمع منه ومن غيره ودرّس وأفتى وصنَّف في المذهب وانتفع به أهل الصّعيد وكان شيخ تلك الدّيار، تفقّه عليه ولدُه وغيرُ واحد. [ص:145]
ذكره الشّريف عزّ الدّين، فقال: كان أحد العُلماء المشهورين والأئمّة المذكورين، جامعًا لفنون من العِلم، معروفًا بالصّلاح والدّين، معظَّمًا عند الخاصَّة والعامَّة، مُطَّرِحًا للتَّكَلُّف، كثير السَّعي في قضاء حوائج النّاس على سَمْت السَّلَف الصّالح، تُوُفّي في ثالث عشر المحرَّم بقُوص.(15/144)
243 - عليّ ابن شيخ الأطباء رضيّ الدّين يوسف بن حيدرة، الرَّحبيّ، ثمّ الدّمشقيّ، الحكيم شَرَفُ الدّين. [المتوفى: 667 هـ]
وُلِد سنة ثلاثٍ وثمانين وخمسمائة. وقرأ الطِّبّ على والده وبرع فيه وأتقنه وصنَّف، وأخذ أيضًا عن الموفَّق عبد اللّطيف، وحرّر عليه كثيرًا من العلوم وقرأ العربيّة على السّخاويّ. ولمّا احتضر المهذَّب عبد الرّحيم الدّخوار جعله مدرّسَ مدرسته. وكان منْهمِكًا على عِلم النّجوم، زائغًا عن الطّريق، مُعْثِرًا، نسأل الله السّلامة.
ومن جَهْله أنّه قال للمشتغلين: بعدَ قليلٍ أموتُ وذلك عند قِران الكوكبين. ثمّ يقول: قولوا للنّاس هذا حتّى يعرفوا مقدار علمي في حياتي وعلمي بوقت موتي.
إلّا أنّه كان محقّقًا للطّبّ، صنَّف فيه كتاب " خلق الإنسان وهيئة أعضائه ومنفعتها " أحسَنَ فيه ما شاء.
ومات في المحرَّم عن أربعٍ وثمانين سنة.(15/145)
244 - غازي بن حسن التُّرْكُمانيّ، الرّجل الصّالح. [المتوفى: 667 هـ]
قال الشّيخ قُطْبُ الدّين: كان متعبّدًا، صالحًا، صوّامًا، منعزلًا عن النّاس. يدخل بَعْلَبَكّ أيّام الْجُمَع. وكان سليم الصّدر. تُوُفّي في الزّاوية الّتي له بدَوْرَس. وقيل: إنّه جاوز مائة سنة، رحمه الله.(15/145)
245 - كمش التُّرْكيّة، جارية ابن الدّوْلَعيّ. [المتوفى: 667 هـ]
روت عن زينب بنت إبراهيم القَيْسيّة وماتت في شوّال.(15/145)
246 - محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي، قِوام الدّين، أبو عبد الله الرّازيّ، الصُّوفيّ، المقرئ. [المتوفى: 667 هـ]
قرأ القرآن، وسمع من أبي القاسم عيسى بن عبد العزيز اللَّخْميّ وتُوُفّي في جُمَادى الآخرة عن اثنتين وسبعين سنة.(15/146)
247 - محمد بن سكران بن أبي السّعادات بن معمَّر، القُدْوة، بقيّةُ السَّلَف، شيخ العراق، أبو الفقراء. [المتوفى: 667 هـ]
مات في تاسع شعبان سنة سبْع، فدُفن برباطه بناحية الخالص وبُني عليه قُبّة عالية.
وكان زاهدًا عابدًا، قانعًا باليسير، ممدود السِّماط للواردين، رفيع المحل، كثير التواضع، فارغًا عن نفسه. وله أتباعٌ كثيرون ومحبون رحمه الله.
وقيل: كان يجوع ولا يطلب شيئًا من الفقراء وهم ينسونه وهو يصبر. ولامَهم مرّةً، فاعتذروا بكثرة الواردين.
قيل: إن النصير الطوسي زاره وقال: ما حدُّ الفقراء؟ فقال: الّذي أعرفه أنّ زيق الفقْر ضيّق ما يدخله رأسٌ كبير.(15/146)
248 - محمد بن صَدَقَة، الشّيخ شمس الدّين الحرّانيّ، [المتوفى: 667 هـ]
سِبْط الشّيخ حياة.
تُوُفّي في المحرَّم.(15/146)
249 - مُحَمَّد بْن عبد العزيز بْن أَحْمَد بْن عمر بن سالم بن محمد بن باقا، شمس الدّين البغدادي. [المتوفى: 667 هـ]
ولد سنة ستِّ وتسعين، وسمع من أبي الفتوح محمد بن الجلاجلي. [ص:147]
وحدَّث ومات في الثاني والعشرين من شعبان.(15/146)
250 - محمد ابن الحافظ أبي الخطاب عمرُ بْن حسن بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد - ولقبه: الجميل - ابن فَرْح بْن قُومِس بْن مَزْلال بْن مَلَّال بْن أَحْمَد بْن بدر بْن دِحْيَة بْن خليفة، أبو الطاهر الكلبي، شرف الدين. [المتوفى: 667 هـ]
ساق نسبه الشّريف عزّ الدّين، وفي النَّفس من صحّة ذلك. وقد تكلَّم غيرُ واحدٍ من العلماء في أبي الخطاب في انتسابه إلى دِحْية، والله المستعان.
وُلِد محمد بالقاهرة سنة عشر، وسمع من أبيه. وتولّى مشيخة دار الحديث الكامليّة مُدَيْدةً وكان يحفظ جملةً من كلام والده ويورده إيرادًا جيّدًا.
تُوُفّي في رمضان.(15/147)
251 - محمد بن محمد بن أبي بكر، المحدَّث المفيدُ زينُ الدّين، أبو الفتح الأَبِيوَرْديّ، الكُوفَنيّ، الصّوفيّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 667 هـ]
وُلِد سنة ستّمائة أو سنة إحدى. وقدِم دمشق، وسمع سنة أربعين من: كريمة، والضّياء المقدِسيّ، والتّقيّ أحمد بن العِزّ، والمؤتمن بن قُميرة، والرّشيد بن مَسْلَمة، وأبي النُّعْمَان بشير بن حامد الفقيه، وجماعةٍ بدمشق ومصر من أصحاب السِّلَفيّ، وابن عساكر، وسمع خلقًا كثيرًا من أصحاب البُوصِيريّ والخُشوعيّ. ثمّ نزل إلى أصحاب ابن طبرزد، والكندي، وابن ملاعب، ثم نزل إلى أصحاب ابن عماد الحَرّانيّ، وابن باقا، وزين الأُمَناء.
وكتب الكثير وحصّل جملةً صالحة وحَرِص. وكلف بالحديث وبالغ في الإكثار وخرّج " المُعْجم " وروى اليسير ولم يعمَّر ولا أفاق من الطَّلب إلّا والمنيَّةُ قد نزلت به، رحمه الله. وأيضًا فلم يطلب الفنّ إلّا وهو ابن أربعين سنة. فالله يعوضه بالمغفرة.
ذكره الشّريف فقال: كان حريصًا على التّحصيل، صابرًا على كَلَف الاستفادة. حدَّث وسمعتُ منه. وكان من أهل الدّين والصّلاح والخير والعفاف. وله فهمٌ ومعرفة وفيه تَيقُّظ ونباهة وخرّج لنفسه " مُعْجَمًا " عن [ص:148]
مشايخه الّذين سمع منهم. ووقفَ كُتُبَه وأجزاءه. وكان حَسَن الطّريقة مشغولًا. وكوفَن: بلدة قريبة من أبيورد.
تُوُفّي فِي حادي عشر جُمَادَى الأولى بالقاهرة.
قلت: وله شعرٌ يسير، روى عنه أبو محمد الدّمياطيّ بيتين، وقال: توفي بخانكاه سعيد السُّعداء.(15/147)
252 - محمد بن محمد بن عليّ، ابن العربيّ، عمادُ الدّين [المتوفى: 667 هـ]
وَلَد الشّيخ محيي الدّين.
تُوُفّي في ربيع الأوّل بدمشق وقد حدَّث عن ابن الزُّبَيْديّ.(15/148)
253 - محمد بن أبي الفُتُوح نصر بن غازي بن هلال، أبو الفضائل الأنصاري، المصري، المقرئ، المحدث، الحريري. [المتوفى: 667 هـ]
ولد سنة ثمانٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع من القاضي زين الدِّين عليّ بْن يُوسُف الدّمشقيّ، وعبد العزيز بن باقا، وسمع بالثّغر من أبي القاسم بن عيسى، وأبي الفضل جعفر الهَمْدانيّ، وسمع كثيرًا من أصحاب البُوصِيريّ وكان يُمكنه السّماع منه فما يُسِّر له.
توفي في ثالث محرم بالقاهرة. وقد روى اليسير.(15/148)
254 - محمد بن وثاب، القاضي تاج الدّين النخيلي الحنفيّ. [المتوفى: 667 هـ]
درّس وأفتى ونابَ في القضاء بدمشق وحُمِدت أحكامه ومات في ربيع الآخر وهو في عَشْر السّبعين.(15/148)
255 - المبارك بن يحيى بن أبي الحسن، الإمام، العلّامة، نصيرُ الدّين، أبو البركات بن الطباخ، المصري، الشّافعيّ، الصوفي. [المتوفى: 667 هـ]
تُوُفِّي في حادي عشر جُمَادَى الآخرة وَلَهُ ثمانون سنة وكان من كِبار أئمّة المذهب. درس وأفتى وأشغل وصنَّف. وتخرَّج به جماعة.
تُوُفّي بالقاهرة.(15/148)
256 - المظفَّر بن عبد الكريم بن نجم بن عبد الوهّاب ابن الشّيخ أبي الفَرَج، الفقيه، المدرس، الإمام، تاج الدّين، أبو منصور، ابن الحنبليّ، الأنصاريّ، الخَزْرَجيّ، السَّعْديّ، الدّمشقيّ، [المتوفى: 667 هـ]
مدرّس المدرسة الحنبليّة التي لجدهم شرف الإسلام عبد الوهاب.
ولد سنة تسعٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع من الخُشوعيّ، وحنبل، وعمر بن طَبَرْزَد، وحدث، وكان متوسطا في الفقه، من بيت العلم والفقه.
روى عنه: الدّمياطيّ، وابن الخبّاز، والشَّرف بن عَرَبْشاه، والقاضي تاج الدّين الْجَعْبَريّ وأبو العبّاس بن فرح. توفي فجاءة بدمشق ثالث صفر.(15/149)
257 - يحيى بن نجيب بن بشارة بن محرز، أبو زكريّا السّعديّ، المصريّ. [المتوفى: 667 هـ]
وُلِد سنة خمسٍ وثمانين وخمسمائة. وروى عن القاسم ابن عساكر بالإجازة.
تُوُفّي في ذي القعدة.(15/149)
258 - يوسف بن الصّارم عبد الله بن إبراهيم، الفقيه وجيهُ الدّين، أبو الحَجَّاج الدّمشقيّ، الشّافعيّ، الصّوفيّ، نزيل القاهرة. ويُعرف بالوجيزيّ. [المتوفى: 667 هـ]
نسبة إلى حِفْظ كتاب " الوجيز ".
ولد بدمشق سنة ثمانين وخمسمائة، وسمع من أبي الحسن بن المفضّل، وأبي المجد القزوينيّ وجماعة. وأجاز له منصور الفُرَاويّ. وحدَّث. وكان من فُضَلاء الشّافعيّة.
تُوُفّي في الثامن والعشرين من رجب.(15/149)
259 - أبو الفضل الشّاغوريّ، العابد. [المتوفى: 667 هـ][ص:150]
شيخٌ، صالح، عارف، معروف. كثير الرّؤية للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، تُوُفّي إلى رحمة الله في جُمَادى الأولى.(15/149)
260 - أبو محمد وَلَدُ الشّيخ القُدْوة سلطان بن محمود البَعْلَبَكّيّ. [المتوفى: 667 هـ]
كان صالحًا عابدًا قانعًا، كثير الانقطاع، تُوُفّي في رمضان ببَعْلَبَكّ في المعترك.(15/150)
-وفيها وُلِد:
الشّيخُ كمالُ الدّين محمدُ بنُ عليّ بن عبد الواحد الأنصاري، ابن الزملكاني شيخ الشّافعيّة، وتقيّ الدّين محمد بن عثمان بن السكاكيني رحمه الله، وبدر الدّين يوسف ابن القاضي دانيال بالشَّوْبَك، وجمال الدّين يحيى بن محمد بن الفُوَيْرة السُّلَميّ، والشّيخ المقرئ رافع بن هجرس الصُّمَيْديّ، ومحمد بن عمر بن الرّشيد البَعْليّ، والشّيخ شمس الدّين محمد بن أحمد بن عليّ الرّقيّ في حدودها، والشّيخ علاء الدّين علي بن أيوب المقدسيّ تقريبًا، ومحمد بن إسماعيل، ابن الخبّاز في شعبان، والشَّرف عيسى بن عليّ المحدّث في المحرَّم، وقاضي القُضاة برهان الدّين إبراهيم بن عليّ بن عبد الحقّ الحنفيّ.(15/150)
-سنة ثمان وستين وستمائة(15/151)
261 - أَحْمَد بْن عَبْد الدّائم بْن نعمة بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن أحمد بن بُكَيْر، المُعَمّر، العالِم، مُسْنِدُ الوقت، زينُ الدّين، أبو العبّاس المقدِسيّ، الفُنْدُقيّ، الحنبليّ، النَّاسخ. [المتوفى: 668 هـ]
وُلِد بفندق الشّيوخ من جبل نابلس سنة خمسٍ وسبعين، وأدرك الإجازة الّتي من السِّلفي لمن أدرك حياتَه. وأدرك الإجازة الخاصّة من خطيب المَوْصِل أبي الفضل الطُّوسيّ، وأبي الفَتْح بن شاتِيل، ونصرِ الله القَزّاز، وعبدِ المنعم بن الفراوي، وخلْقٌ سواهم.
وسمع من: يحيى الثَّقفيّ، وأَبِي الْحُسَيْن أَحْمَد بْن المَوازينيِّ، ومحمد بن عليّ بن صَدَقَة، وإسماعيل الْجَنْزَوِيّ، والمكرَّم بن هبة الله الصّوفيّ، وعبد الخالق بن فيروز، ويوسف بن معالي الكتاني، وعبد الرحمن بن عليّ الخِرَقيّ، وبركات الخُشوعيّ، ومحمد بن الخصيب، وعمر بن طَبَرْزَد، والحافظ عبد الغنيّ، وأسماء بنت الرّان، وطائفة سواهم.
ورحل إلى بغداد، فسمع من عبد المنعم بن كليب بقراءته، ومن: أبي طاهر المبارك بن المَعْطُوش، وعبد اللَّه بن أَبِي المجد، وعبد الخالق بن البُنْدَار، وعبد الوهّاب بن سُكَيْنَة، وعليّ بن يعيش الأنباريّ، وعبد الله بن دَهْبَل، والمبارك بن إبراهيم السيبيّ، وعبد الله بن الطّويلة، وضياء بن الخُريف، وعمر بن عليّ الواعظ، وأبي الفتح المنْدائيّ، ومحمد بن أبي محمد بن المقرون، وطائفة. وقرأ القرآن على الشّيخ العِماد، وتفقّه على الشّيخ الموفَّق.
وكتب بخطّه المليح السّريع ما لا يوصف لنفسه وبالأجرة، حتى كان يكتب في اليوم إذا تفرغ تسعة كراريس أو أكثر، ويكتب الكراسين والثلاثة مع اشتغاله بمصالحه، وكتب " الخرقي " في يومٍ وليلة، ولازم النسخ خمسين سنة أو أكثر. وكان تام القامة، مليح الشكل، حسن الأخلاق، ساكنا، عاقلا، لطيفا، متواضعا، فاضلا، نبيها، يقظا. خرج لنفسه مشيخة، وخرج له ابن الظاهري، وابن الخباز، وغير واحد. فذكر ابن الخباز أنّه سمع ابن عبد الدّائم يقول: كتبتُ بخطّي أَلْفَيْ جُزء , وذكر أنّه كتب بخطّه " تاريخ دمشق " مرّتين.
قلت: الواحدة في وقف أبي المواهب بن صَصْرى. [ص:152]
وكتب من التصانيف الكبار شيئًا كثيرًا وولي خطابة كفربطنا بضع عشرة سنة، ثم تحول منها. وقد وُلِد له ابنه الشّيخ أبو بكر بها.
وأنشأ خُطَبًا عديدة. وحدَّث سِنين كثيرة وقرأ بنفسه كثيرًا. وكان على ذهنه أشياء مليحةٌ من الحديث والأخبار والشِّعر.
روى عنه الشيخُ شمس الدِّين عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي عمر، والشيخ محيي الدّين يحيى النواوي، والشّيخ تقيّ الدّين محمد بن دقيق العِيد والدّمياطيّ، وابن الظّاهريّ، وابن جَعْوان، وابن تَيْميّة شيخنا وأخوه أبو القاسم والقاضيان تقيّ الدّين سليمان ونجم الدّين بن صَصْرى وشهاب الدّين بن فرح، وشمس الدّين بن أبي الفتح وشَرَفُ الدّين أبو الحُسَين اليُونينيّ وشَرَفُ الدّين الفَزَاريّ الخطيب وأخوه الشّيخ تاج الدّين وولده الشّيخ بُرهان الدّين والخطيب شمس الدّين إمام الكلّاسة وشَرَفُ الدّين منيف قاضي القدس، والشّيخ عليّ المَوْصِليّ وعلاء الدّين بن العطّار، والقاضي شهاب الدّين أحمد بن الشَّرف حسن، والقاضي نجم الدّين أحمد الدّمشقيّ وخلْقٌ كثير في الأحياء بمصر والشّام ورحل إليه غيرُ واحدٍ وتفرّد بالكثير. وذهب بصرُه في أواخر عُمُرِه.
قال ابن الخبّاز: حدَّثني يومَ موته الشّيخُ حسنُ بنُ أبي عبد الله الأزْديّ الصّقلّيّ أنّ الشّيخ محمد بن عبد الله المغربيّ قال: رأيت البارحة كأنّ الناس في الجامع وإذا ضجةٌ فسألت عنها، فقيل لي: مات هذه اللّيلة مالك بن أنس رحمه الله. فلمّا أصبحت جئت إلى الجامع وأنا مفكرٌ، فإذا إنسانٌ ينادي: رحم الله من صلّى أو حضر جنازة زَيْن الدّين بن عبد الدّائم.
وحدّثنا أبو بكر بن أحمد في سنة ثلاثٍ وسبعمائة قال: رأيتُ أبي - رحمه الله - في اللّيلة الّتي دفنّاه فيها، فأقسمت عليه: أخبِرْني ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي وأدخلني الجنة.
توفي لتسعٍ خَلَون من رجب. [ص:153]
وقد أخبرنا أحمد بن العماد قال: أخبرنا ابن عبد الدّائم سنة سبْع عشرة وستّمائة، فذكر حديثًا.(15/151)
262 - أحمد بن عمر بن محمد بن كاكا، أبو العبّاس الزَّنْجانيّ، ثمّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 668 هـ]
حدث عن حنبل المكبر، كتب عنه الطَّلَبَة، ومات في المحرَّم.(15/153)
263 - إِبْرَاهِيم بن أَحْمَد بن عليّ بن حسين، تاج الدّين أبو البركات، إمام جامع قليوب الأنصاريّ، المصريّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 668 هـ]
وُلِد سنة ستّمائة، وسمع من أبي الحسين محمد بن أحمد بن جُبَيْر البَلَنْسيّ وغيره، وحدَّث.
وتُوُفّي في شوّال بمصر.(15/153)
264 - إبراهيم بن محمد بن صالح، القَطِيعيّ، الدّقّاق. [المتوفى: 668 هـ]
سمع: أحمد بن صرما، وحدَّث. أجاز للبُرهان الْجَعْبَريّ.
توفي يوم عاشوراء.(15/153)
265 - إدريس بن أبي عبد الله بن أبي حفص بن عبد المؤمن، الملك أبو العلاء الواثق بالله، أبو دبّوس. صاحب المغرب القَيْسيّ المؤمنيّ، [المتوفى: 668 هـ]
آخر ملوك بني عبد المؤمن.
تغلب على الأمر وتوثب على ابن عمّه عمر، وقتله في سنة خمسٍ وستّين وكان شهمًا شجاعًا مِقْدامًا. خرج عليه أبو يوسف يعقوب بن عبد الحقّ سيّد آل مَرين وصاحب تلمسان، فجرت بينهم حروب إلى أن قُتِل أبو دبّوس في المحرَّم بظاهر مَرّاكِش في المَصَافّ. واستولى المَرِينيّ على مملكة [ص:154]
المغرب وانقضت دولةُ آل عبد المؤمن.(15/153)
266 - إسماعيل بن يحيى بن أبي الوليد، الإمام، أبو الوليد الأزْديّ، الغَرْنَاطيّ، العطّار، المقرئ. [المتوفى: 668 هـ]
تلا بالسَّبْع على الخطيب أبي بكر بن حسنون الحِمْيَريّ صاحب شُرَيْح وانفرد بالإجازة من أبي بكر بن عطيّة المُحَاربيّ. وأسمع في صِغَره وروى أيضًا عن الحافظ عبد الرّحيم بن الفَرَس، وأبي جعفر بن حكم. وله فلاحة وعقار، قرأ عليه بالسَّبْع: أبو جعفر بن الزُّبَيّر وأضرّ بأخَرة وهرِم.
ورّخه ابن الزُّبَيْر وعاش أربعًا وثمانين سنة.(15/154)
267 - أيبك، الأميرُ عزّ الدّين الظّاهريّ، [المتوفى: 668 هـ]
نائب حمص.
تُوُفّي بها في صفر.
وكان غَشُومًا ظَلُومًا.(15/154)
268 - أيبك، الأمير عزّ الدّين الصّالحيّ، الزّرّاد، [المتوفى: 668 هـ]
متولي قلعة دمشق.
تُوُفّي في ذي القعدة وكان مَهِيبًا محتشمًا، حَسَن السّيرة.(15/154)
269 - أيّوب بن محمود بن نصر الله، صفِيُّ الدّين بن البَعْلَبَكّيّ، الدّمشقيّ. [المتوفى: 668 هـ]
رحل، وسمع من عبد السّلام الداهري، وابن روزبة، وأبي الحسن القَطِيعيّ والأنْجب بن أبي السّعادات وجماعة، كتب عنه ابن الخبّاز، وابن نفيس والطلبة. ومات بصفد في ربيع الآخر.(15/154)
270 - الحَسَن بن أبي البركات عليّ بن عبد الله بن الحَسَن بن الحُسَين بن أبي الفتح بن أبي السِّنان، الشّيخ عِمادُ الدّين أبو محمد ويُسمّى عبد الرّحيم أيضًا ويُعرف بابن الحدّوس المَوْصِليّ. [المتوفى: 668 هـ]
وُلِد سنة إحدى عشرة، وسمع ببغداد من عبد السّلام بن سُكَيْنَة وغيره وحدَّث. ومات بمصر.(15/154)
271 - داود بن سليمان بن عليّ بن سالم، أبو سليمان بن الحَمَويّ، الدّمشقيّ، الشّافعيّ، العدْل. [المتوفى: 668 هـ]
ولد سنة سبعٍ وثمانين وخمسمائة، وحدث عن: حنبل، وهو من بيت العدالة والرّواية.
توفي فجاءة في سادس ذي الحجة بدمشق.(15/155)
272 - رَيْحان الحَبَشيّ، مولى التّقيّ صالح بن الخَضِر، المقرئ. [المتوفى: 668 هـ]
روى عن مُكَرَّم وغيره. ومات بالقاهرة في شعبان.(15/155)
273 - سعد الله بن أبي الفضل بن سعد الله بن أحمد بن سلطان، أبو محمد التنوخي، الدّمشقيّ، الشّافعيّ، البزاز. [المتوفى: 668 هـ]
ولد في أول سنة تسعٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع من عبد اللّطيف بن إسماعيل، وحنبل بن عبد الله.
روى عنه: الدّمياطيّ، وابن الخبّاز، وأبو عبد الله بن الزّرّاد، وجماعة.
ومات في رابع شوال.(15/155)
274 - صالح بن الحُسَين بن طلْحة بن الحُسَين بن محمد، القاضي الجليل، الإمام، تقيّ الدّين، أبو التقى الهاشميّ، الجعفريّ، الزَّيْنَبيّ. [المتوفى: 668 هـ]
وُلِد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة.
وسمع من علي بن البناء، وغيره، وحدَّث. وكان رئيسًا نبيلًا، عارفًا بالأدب. ولي قضاءَ قُوص مدّةً وله خُطِبٌ ونظمٌ ونثْر وتصانيف. وأنحسَ نفسَه بولاية نَظَر قُوص، وفاعل ذلك منقوص، حدث عنه الدمياطي.(15/155)
275 - صالح بن الخضِر بن حاتم، تقيّ الدّين، أبو البقاء بن قمر الدّولة الأنصاريّ، المصريّ، المقرئ، الشّافعيّ، الضّرير. [المتوفى: 668 هـ]
سمع الكثير وحدَّث عن: مُكَرَّم بن أبي الصقر، ومات بقليوب في رمضان.(15/155)
276 - عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن سَلامة بن نصر بن مِقْدام بن نصر، أبو محمد الحنبليّ، المقدسي، السّرّاج. [المتوفى: 668 هـ][ص:156]
وُلِد سنة أربعٍ وتسعين وخمسمائة وحدث عن: حنبل وولي حسْبة قاسيون، روى عنه الدمياطي، وابن الخباز، وابن الزراد وجماعة.
ومات في تاسع ذي القعدة.(15/155)
277 - عبد الصّمد بن يوسف بن منصور بن يوسف، سديدُ الدّين أبو محمد السَّعْديّ، الشّاميّ، ثمّ المصريّ. [المتوفى: 668 هـ]
تُوُفّي عن إحدى وثمانين سنة بالقاهرة وروى شيئًا عن علي بن محمد، ابن رحّال.(15/156)
278 - عبد الرحمن ابن الحافظ أَبِي مُحَمَّد عَبْد اللَّه بن سُلَيْمَان بن حَوْطِ الله، الفقيه أبو عمر الأنصاريّ، الأنْديّ، الأندلُسيّ. [المتوفى: 668 هـ]
سمع " صحيح البخاريّ " من أبي العبّاس بن مِقْدام صاحب شُرَيح وأجاز له خلقٌ بإفادة أبيه وعمّه، وسمع من طائفة.
مات في المحرم وقد قارب السّبعين.(15/156)
279 - عبد المغيث بن عبد الكريم بن أبي الفضائل، محيي الدّين، أبو الفَرَج الأنصاريّ، الدلاصي، الصعيدي. [المتوفى: 668 هـ]
ولد سنة إحدى وستمائة، وسمع من الحافظ ابن المفضّل وتُوُفّي في الثّالث والعشرين من ربيع الأول.(15/156)
280 - عثمان عز الدّين ابن الشيخ الوجيه ابن منجى، [المتوفى: 668 هـ]
أكبر أولاد أبيه.
تُوُفّي شابًّا طريًّا إلى رحمه الله في جُمَادى الآخرة وشيّعه الأعيان ورّخه شمس الدّين بن الفخر فقال: تُوُفّي صاحبي عزّ الدّين وعُمِل عزاؤه بالمسماريَّة.(15/156)
281 - عليّ بن الحَسَن بن الفَرَج بن النُّعْمان بن محبوب، تقيُّ الدّين. المعرّي الأصل، البَعْلَبَكّيّ، الفقيه الشّافعيّ. [المتوفى: 668 هـ][ص:157]
كان فاضلًا، حَسَن الأخلاق والعِشْرة.
تُوُفّي بدمشق في ربيع الآخر وقد ناهز السّتّين.(15/156)
282 - عليّ بن أبي طالب بن محمد، الشّريف علاء الدّين الحَسَيْنيّ، المُوسَويّ، الدّمشقيّ. [المتوفى: 668 هـ]
وُلِد سنة ثمانٍ وتسعين، وسمع من أبي اليُمْن الكِنْديّ، وكان عدْلًا حَسَن الشّكل.
تُوُفّي في ذي القعدة. وهو والد المُسْنِد موسى بن عليّ الشّاهد شيخنا، وكان شيخًا بالمُقَدَّميّة للإقراء.(15/157)
283 - عمر بن محمد بن أبي سعْد بن أحمد، الواعظ العالِم، بدرُ الدّين، أبو حفص الكرْمانيّ الأصل، النَّيْسابوريّ، التّاجر. [المتوفى: 668 هـ]
وُلِد بشاذياخ نَيْسابور في تاسع المحرَّم سنة سبعين وخمسمائة. وكان يُمكنه أن يسمع من عبد المنعم بن الفراوي وطبقته، وإنّما سمع في الكهولة من القاسم بن عبد الله الصّفّار. سمع منه الشَّطْر الأوّل من " مُسْنَد أبي عَوَانة "، وسمع منه ثلاثة مجالس المخلدي، و " الأربعين " لعبد الخالق بن زاهر.
وحدَّث بدمشق ومصر. وعُمِّر دهرًا طويلًا.
قرأتُ بخطّ العلاء الكِنْديّ: حدَّثني الواعظ بدرُ الدّين النَّيْسابوريّ قال: حفظت " مقامات الحريريّ "، وكان أبي يُغلق عليَّ باب غُرفة كلّ ليلةٍ حتّى أكرر على كلّ الكتاب.
ولا نعلم أحدًا روى بالسماع بعده عن الصفار.
روى عنه الدّمياطيّ، وابن فرح، وإمام الحنابلة، وابن الخبّاز، وابن الزّرّاد، ونبيه الحلبيّ، وعزّ الدّين محمد بن العِزّ، وعليّ بن محمد بن المهتار، وخلْق من هذه الطّبقة.
وقد روى عنه الشّيخ شمس الدّين عبد الرحمن مع تقدُّمه.
وتُوُفّي بدمشق في ليلة الحادي والعشرين من شعبان، وقد قارب المائة. وسماعه صحيح مع الشيخ الضياء.(15/157)
284 - كريم بنُ أبي المُنَى بن سعد بن الحسن، النّجيب النّابلسيّ. [المتوفى: 668 هـ]
وُلِد سنة اثنتين وتسعين وروى بالأرض المقدّسة وغيرها عن أبي جعفر الصَّيْدلانيّ بالإجازة. سمع منه: ابن الخباز.(15/158)
285 - محمد بن إبراهيم بن عيّاش، أبو عبد الله السّلاويّ. [المتوفى: 668 هـ]
سمع: ابن البُنّ، وابن صَصْرى وعاش سبعين سنة، روى عنه شيخنا الدّمياطيّ.(15/158)
286 - محمد بن أحمد بن عمر، العلّامة جلالُ الدّين العِيديّ، البخاريّ، الحنفيّ. [المتوفى: 668 هـ]
أحد شيوخ أبي العلاء الفَرَضيّ.
تفقّه على حسام الدّين محمد بن محمد الأخسيكثي وحميد الدّين عليّ الرّامشيّ وعليّ حافظ الدّين. وحَّصل المذهب. وكان ذا معرفة تامّة بالفِقه والأصلين ودرس وأفتى.
مات، قال الفرضي: أظنّه في رمضان سنة ثمانٍ بكلاباذ.(15/158)
287 - محمد بن أبي الفتح الحسن ابن الحافظ الكبير ثقة الدّين أبي القاسم عليّ بن هبة الله ابن عساكر، شمسُ الدّين، أبو عبد الله الدّمشقيّ. [المتوفى: 668 هـ]
وُلِد سنة ثلاثٍ وتسعين؛ وسمع من عمّه القاسم فيما أحسب، وسمع من حنبل، وابن طَبَرْزَد، ومحمد بن الزّنف والكِنْديّ وستّ الكتَبَة بنت الطّرّاح وحدَّث بدمشق وبمصر مدّة، أكثر عنه الشَّريف عزّ الدّين والمصريّون. ومات بدمشق في سابع صفر.
روى عنه الدّمياطيّ، وابن الخبّاز وجماعة.(15/158)
288 - محمد بن داود بن أبي العبّاس خُمار بن محمود بن غازي، الشّيخُ شهابُ الدّين، أبو بكر الأنصاريّ، المصريّ، المقرئ. [المتوفى: 668 هـ]
وُلِد سنة ستّمائة. وقرأ القرآن بالرّوايات وأتقنها وتصدَّر بجامع مصر [ص:159]
لإقرائها، وكان ديِّنًا، خيِّرًا، ساكنًا، لا أعلم على مَن قرأ. وقد روى اليسير عن مُكَرَّم. ومات في رابع شوّال.(15/158)
289 - محمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي، الشّيخ شمسّ الدّين بن العماد، [المتوفى: 668 هـ]
أخو شيخنا العِزّ.
وُلِد سنة سبعٍ وستّمائة، وسمع من ابن مُلاعِب والموفّق، وابن راجح، وموسى بن عبد القادر، وابن البن، والعز محمد ابن الحافظ، وابن أبي لُقْمة، وجماعة. وهو والد صاحبنا الفقيه عبد الحميد.
سمع منه: ابن الخبّاز، وابن نفيس، وابنه عبد الحميد. وكان فقيهًا، إمامًا، زاهدًا، قدوة، قوّالًا بالحق، كثير الخير.
توفي في رمضان.(15/159)
290 - محمد الوزير، فخرُ الدّين، أبو عبد الله ابن الصّاحب الوزير بهاء الدّين علي ابن القاضي السّديد محمد بن سَلِيم المصريّ، الشّافعيّ، ابن حِنَّى. [المتوفى: 668 هـ]
سمع من أبي الحسن بن المُقير، وحدَّث، ودرّس بمدرسة والدِه؛ وعمّر رِباطًا كبيرًا بالقرافة ووقفَ عليه ما يقوم بالفقراء، وكان ديِّنًا فاضلًا، مُحِبًّا لأهل الخير، مُؤثِرًا لهم.
تُوُفّي في شعبان. وهو أبو الصّاحب تاج الدّين محمد. شيّعه خلْقٌ كثير.
وقد روى عنه الدّمياطيّ شيئًا من نَظْمه.(15/159)
291 - محمد بن عمر بْن أَبِي القاسم أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أحمد بن محمد، الشّريفُ، شيخُ القُرّاء، أبو البدر العبّاسيّ، الرّشيديّ، الواسطيّ، المعروف بابن الدّاعيّ. [المتوفى: 668 هـ]
قرأ بالرّوايات على: ابن الباقِلّانيّ، وابن الكال، وأبي جعفر بن زريق، وأبي طالب بن عبد السّميع. وحدَّث عن ابن الْجَوْزيّ بكتاب " جامع المسانيد " وغير ذلك، وسمع " الغيلانيات " من المندائيّ. وحدَّث "بجزء ابن عرفة " عن [ص:160]
ابن كُلَيْب وأجاز له ذاكرِ بْن كامل، وابنِ بَوْش، وابن كُلَيب وعدّة.
وتصدّر للإقراء وحمل عنه جماعةٌ القراءات، كالشّيخ عليّ خريم، وابن غزال، وابن المحروق وبالإجازة شيخنا البرهان الْجَعْبريّ.
وُلِد في المحرَّم سنة سبعٍ وسبعين وتُوُفّي في ثامن عشر جُمَادى الآخرة سنة ثمانٍ وستّين وستّمائة.(15/159)
292 - محسّن، الحبشيّ، الصّالحيّ، الطّواشيّ. [المتوفى: 668 هـ]
سمع الكثير من أصحاب السلفي كابن رواج، وابن الجميزي وحصّل الأُصول وتقدَّم عند الملك الصّالح نجم الدّين أيّوب وبعده، ثمّ سافر إلى المدينة النبوية فجاور وتقدَّم على الخدّام. ثمّ رجع إلى مصر وحدث وتوفي في العشرين من شعبان.(15/160)
293 - منصور بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن علي بن منصور، أبو محمد القُرَشيّ، البالِسيّ، ثمّ الدّمشقيّ، الكاتب. [المتوفى: 668 هـ]
قال الشّريف عزّ الدّين: وُلِد سنة ستّمائة. وسمع من الكِنْديّ وحضر حنبل بن عبد الله. ومات في مُسْتَهلّ ربيع الأوّل بالشّقيف.
روى عنه الدّمياطيّ، وابن الخبّاز وغيرهما، وكان أديبًا شاعرًا.(15/160)
294 - يحيى بن تمّام بن يحيى بن عبّاس بن يحيى بن أبي الفُتُوح بن تميم، الشّيخ عماد الدّين، أبو زكريّا الحِمْيَريّ، الدّمشقيّ. [المتوفى: 668 هـ]
وُلِد سنة ست وستمائة، وسمع من داود بن ملاعب، والشّيخ الموفّق وحدَّث بدمشق ومصر ومات في شعبان، وكان رئيسًا سَمْحًا جوادًا.(15/160)
295 - يحيى بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن يحيى بن علي بن عبد العزيز بن عليّ بن الحُسَيْن بن محمد بن عبد الرحمن بن الوليد بن القاسم بن الوليد، قاضي القُضاة، أوحدُ الحكّام، محيي الدّين، أبو المفضل ابن قاضي القضاة محيي الدِّين أَبِي المعالي ابن قاضي القضاة زكي الدِّين أَبِي الحَسَن ابن قاضي القضاة منتجب الدّين أبي المعالي ابن القاضي أبي المفضل، القُرَشيّ، الدّمشقيّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 668 هـ][ص:161]
وُلِد في الخامس والعشرين من شعبان سنة ست وتسعين وخمسمائة، وسمع من حنبل، وابن طَبَرْزَد، وأبي اليُمْن الكِنْديّ، وابن الحَرَسْتانيّ وجماعة، وتفقّه على فخر الدّين ابن عساكر وغيره، وولي قضاء دمشق غير مرّة ولم تطُل ولايته. وكان صدرًا، رئيسًا، محتشمًا، نبيلًا، جليلًا، مُعْرِقًا في القضاء، وحدَّث بدمشق ومصر وكتب عنه غيرُ واحد.
روى عنه الدّمياطيّ في " معجمه " وساقَ نسَبَه إلى عثمان رضي الله عنه ولا أعلم لذلك صحّة. فإنّي رأيت الحافظ ابن عساكر قد ذكر جدّه لأمّه القاضي أبا المفضّل يحيى بن علي المذكور وذكر ابنه المنتجب وغيرهما ولم يتجاوز القاسم بن الوليد. وقال في جدّه المعروف بابن الصّائغ: القُرَشيّ قاضي دمشق. ولم يَقُلْ لا الأُمويّ ولا العُثْمانيّ، ثم إني رأيت كتاب وقفٍ لبني الزكي وهو وقفٌ من جدهم عبد الرحمن بن الوليد بن القاسم بن الوليد القرشي. وقد وقفه في سنة نيفٍ وسبعين ومائتين ولم يزد في نسبه ولا في نسبته على هذا، ولا سمى للوليد أبا ولا ذكر أنّه أُمويّ والّذي زعم أنّه عثمانيّ قال فيه: الوليد بن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبَانٍ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عفان رضي الله عنه والله أعلم بحقيقة ذلك. فإنّ المعروف من ذلك أنّ المتقدمين يحفظون أنسابهم ويرفعونها. فإذا طالت السّنُون والأحقاب على الأعقاب نُسِيَت وأُهملت واجتزئ بالنسبة إلى القبيلة، فقِيل: القُرَشيّ والقَيْسيّ والهَمْدانيّ. وأمّا بالعكس فلا، فإنّا لم نرَ هذا الواقف القديم الّذي كان بعد السّبعين ومائتين رفع في نسبه فوق ما ذكر في كتاب وقفِه. ولا رأينا أحدًا من أولاده وهلُمَّ جرًّا إلى زمان قاضي القُضاة زكيّ الدّين أبي الحسن يذكرون أنهم - والله يرحمهم - أُمويون ولا عثمانيّون. وإنّما هو أمرٌ لم يُنْقل عن أهلِ هذا البيت الطّيب، فينبغي أن يصان من الزّيادة والانتساب إلى غير جدّهم إلّا بيقينٍ، ولو ثبت ذلك لكان فيه مفخرٌ وشرف. [ص:162]
روى عنه ابن الخباز، وشمس الدّين بن أبي الفتح، وشمسّ الدّين بن الزّرّاد وجماعة.
وقال الشّيخ قُطْبُ الدّين: كان له في الفقراء عقيدة. وصحِب الشّيخَ محيي الدّين بن العربيّ وله فيه عقيدةٌ تُجَاوِزُ الوصفَ، قال: وحُكِيَ لي عنه أنّه كان يُفضّل عليًّا على عثمان رضي الله عنهما، كأنّه كان يقتدي في ذلك بابن العربيّ وله قصيدةٌ في مدْح عليٍّ - رضي الله عنه - منها:
أدينُ بما دان الوصيُّ ولا أرى ... سواهُ وإنْ كانت أُميَّةُ محتِدي
ولو شهدتْ صِفّين خيلي لأَعذرت ... وساء بني حربٍ هنالك مشهدي
قلت: وقد سار أيضا إلى هولاكو فولّاه قضاء الشّام وغيرها وخلع عليه خِلْعَةً سوداء مذّهبة خليفتيّة وبَدَت منه أمور. والله يسامحه. وكان لَهِجًا بالنّجوم وأشياء لا أقولها، بحيث إنّه دخل ببنت سناء المُلْك لأجل الطّالع وقت الظُّهر ولم نسْمع بعرسٍ في هذه السّاعة، ثمّ بعد ليالٍ ماتت هذه العروس، فنقل التّاج ابن عساكر أنها ماتت فجاءة. سقوها دواء يزيل العقل ليقتضّها الزوج فتلفت، فيا شؤمه اقتضاضًا عليها.
وقد أمره السلطان بالسكنى بديار مصر وتُوُفّي بمصر في رابع عشر رجب سنة ثمانٍ ودُفِن بسَفْح المُقَطّم عن أحد عشر ولدًا، وهم: علاء الدّين أبو العبّاس أحمد وقاضي القُضاة بهاء الدّين يوسف وزكيّ الدّين حُسَين وشَرَفُ الدّين إبراهيم وعزّ الدّين عبد العزيز وتقيّ الدّين عبد الكريم وكمال الدّين عبد الرحمن إمام محراب الصّحابة وزينب شيختنا وست الحسن وعائشة وفاطمة. فأوَّلهم وفاةً زكيُّ الدّين بعد أبيه بقليل.(15/160)
296 - يعقوب بن عبد الرّفيع بن زيد بن مالك، الصّاحبُ، زَين الدّين الأسَديّ، الزُّبَيْريّ، [المتوفى: 668 هـ]
من ولد عبد الله بن الزُّبَيْر، رضي الله عنهما.
ولد سنة بضعٍ وثمانين وخمسمائة ومات في ربيع الآخر.
ذكره قُطْبُ الدّين، فقال: كان إمامًا فاضلًا، ممدحًا، كثير الرياسة. [ص:163]
وَزَرَ للملك المظفَّر قُطُز، ثمّ وزَرَ للملك الظّاهر في أوائل دولته، ثمّ عُزِل بابن حِنّا فلزِم بيته. وله نظمٌ جيّد.(15/162)
-وفيها وُلِد:
بدرُ الدّين محمد بن أحمد بن بصخان، ابن السراج الدّمشقيّ المقرئ، وكمال الدّين عبد الرحمن ابن القاضي محيي الدّين يحيى، ابن الزّكيّ القُرَشيّ في رجب، وعلاء الدّين عليّ بن إسماعيل بن المِقداد، وشمس الدّين عبد الأحد بن سعد الله بن بخيخ الشّافعيّ، ومحمد ابن شيخنا الزَّين أبي بكر والفخر عثمان بن عمر الحَرَسْتانيّ المؤذّن وصلاح الدّين يوسف بن محمد، ابن المُغَيْزِل، وفخر الدّين عثمان بن محمد ابن قاضي حماة ابن البارزيّ، ونجم الدّين عليّ بن داود القحفازيّ، وقاضي القُضاة علاء الدّين القُونويّ، وقاضي الحنابلة تقيّ الدّين عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أبي بَكْر الزريراني، والناصح النقيب محمد بن عبد الرحيم، وعلي بن أحمد بن محمد، ابن النّجيب الخِلاطيّ، والشّيخ أحمد بن جملة في رجب، وإبراهيم بن محمد أخو المقريزيّ، وقاضي العراق قُطْبُ الدّين محمد بن عمر الفضليّ الشّافعيّ، المعروف بأخوين، والشّيخ صدر الدّين سليمان بن يحيى بن إسرائيل البُصْرويّ مدرّس الخاتونيّة، والقاضي فخر الدّين محمد بن محمد بن مسكين المصريّ، في شوال منها.(15/163)
-سنة تسع وستين وستمائة(15/164)
297 - أحمد بن عبد الله بن عزَّاز بن كامل، العلّامةُ زَيْن الدّين، أبو العبّاس المصريّ، النَّحْويّ، المعروف بابن قُطْنَة. [المتوفى: 669 هـ]
كان من أئمّة العربية المنتصبين لإقرائها بمصر.
تُوُفّي فِي ربيع الآخر وقد نيّف عَلَى السبعين، انتفع به جماعة.(15/164)
298 - أحمد ابن القاضي الأعزّ أبي الفوارس مِقْدام بن أحمد بن شُكْر، القاضي الأجلّ، كمال الدّين أبو السّعادات المصريّ، [المتوفى: 669 هـ]
أحد كُبراء البلد.
له عقلٌ ودهاء ورأي وفيه حشمة وسُؤدُد وعُيّن للوزارة. وله نظمٌ حَسَن.
تُوُفّي ليلة السّادس والعشرين من رمضان.(15/164)
299 - إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان بن عبّاس، أبو إسحاق المقدِسيّ، المقرئ. [المتوفى: 669 هـ]
وُلِد سنة إحدى وتسعين، وسمع من أبي المفضل محمد بن الخصيب وداود بن مُلاعِب وغيرهما وكتب عنه الطَّلَبَة ومات بالصّنَمَين في أوّل صفر راجعًا من الحجّ.
وهو أخو الشّيخ شهاب الدّين أبي شامة.(15/164)
300 - إبراهيم بن المسلم بن هبة الله، ابن البارزيّ، الحَمَويّ، القاضي شمس الدّين. [المتوفى: 669 هـ]
أحد الأئمّة والفضلاء ببلده.
ولد سنة ثمانين وخمسمائة. وكان فيه دِين ووَرَع. قرأ على أبي اليُمْن الكِنْديّ وصحِب الفخرَ ابنَ عساكر وتفقّه به وأعادَ له. ودرّس بالرّواحيّة بدمشق، ثمّ درّس بحماة وولي قضاءها إلى أن مات وقد درّس أيضًا بالمعرَّة، وكان محمود السّيرة في القضاء وله شعرٌ وفضائل، وولي قضاءَ حماة بضْع عشرة سنة، تُوُفّي في شعبان. [ص:165]
حدث عن أبي إسحاق إبراهيم بن البرني. روى عنه حفيده قاضي القُضاة شَرَفُ الدّين هبةُ الله شيخنا وقاضي القُضاة ابن جماعة، وحدثنا أنّه قرأ عليه " التّنبيه " دروسًا، وأنّه حفظ ثلث " النّهاية " لإمام الحَرَمين، وغير ذلك، وأنّه كان يصوم الدَّهر ويقوم اللّيل، رحمه الله تعالى.(15/164)
301 - إسحاق بن محمود بن بلكُوَيْه بن أبي الفيَّاض، الشّيخ شمسُ الدّين، أبو إبراهيم البُرُوجِرْديّ، الصّوفيّ، المُشْرِف. [المتوفى: 669 هـ]
من أكابر مشايخ الصُّوفيّة وقدمائهم؛ ولد سنة سبعٍ وسبعين وخمسمائة ببروجرد، وسمع ببغداد من أبي طاهر لاحق بن قَنْدَرة، وعمر بن طَبَرْزَد، وعبد الرّزّاق ابن الشّيخ عبد القادر، وأبي تُراب يحيى بن إبراهيم الكَرْخيّ، وعبد الباقي بن عبد الجبّار الهروي، وسمع بالقاهرة من أبي الحسن بن المفضَّل الحافظ، ومحمد بن الحسن اللُّرّسْتانيّ وجماعة، وكان يكتب خطًّا جيّدًا، ونَسَخ الكثير، وصَحِب شيخ الشّيوخ أبا الحسن محمد بن حمُّوَيْه، خرَّج له أبو بكر محمد بن عبد العظيم المُنْذِريّ " مشيخةً " في جُزء.
روى عنه الدّمياطيّ، والشّيخ شعبان، والأمير عَلَم الدّين الدواداري، ومحمد بن غالي الدّمياطيّ، وأحمد بن عبد المحسن بن رفعة، والمصريّون.
ومات في خامس المحرَّم بالقاهرة.
وقال جمال الدّين بن الصّابونيّ: سمعتُ منه، وهو ثقة نبيل، لديه فضل ٌ، ولي إشراف الخانكاه مدة.(15/165)
302 - إسرائيل بن أحمد بن أبي الحسين بن عليّ بن غالب، القُرَشيّ، العُرْضيّ، الدّمشقيّ، التّاجر، الطّبيب. [المتوفى: 669 هـ]
سمع من الحافظ عبد العزيز بن الأخضر، وحدَّث بدمشق ومصر.
وتُوُفّي في سابع رمضان بدمشق.
روى عنه الدّمياطيّ.(15/165)
303 - حَسَن بن أبي عبد الله بن صَدَقَة بن أبي الفُتُوح، الإمام، المقرئ، الزّاهد، أبو علي الأزدي، الصقلي. [المتوفى: 669 هـ]
ولد سنة تسعين وخمسمائة. وقرأ القراءات على أبي الحسن السّخاويّ. واستوطن دمشق وروى بالإجازة عن: المؤيِّد الطُّوسيّ، وأبي رَوْح الهَرَويّ وزينب الشَّعْريَّة، وكان من السّادة العُبَّاد، صاحبُ أورادٍ وإخلاصٍ ومشاركةٍ في العلوم، وكان صديقًا للشّيخ زَيْن الدّين الزّواويّ. وسمع من جماعةٍ من أصحاب الحافظ ابن عساكر كأبي إسحاق بن الخُشوعيّ وأقرانه.
وأقرأ وأفاد، روى عنه ابن الخباز وأبو الحسن بن العطّار وغيرهما وتُوُفّي إلى رضوان الله في ليلة الثاني والعشرين من ربيع الآخر.
ذكره الشيخ قطب الدين فقال: كان من السّادات في تعبُّده وزُهده وتَقَلُّله من الدّنيا وافِر الحُرْمة، ساعيًا في قضاء الحوائج والحقوق، له مهابةٌ وقبولٌ تامّ.(15/166)
304 - حُسَين، القاضي زكيّ الدّين ابن قاضي القُضاة محيي الدّين يحيى، الزَّكَويّ. [المتوفى: 669 هـ]
كان فاضلًا نبيلًا، إمامًا، مُفّتيًا، مات شابًّا عن سبعٍ وعشرين سنة في صفر. وله شعر.(15/166)
305 - ساعد بن سعد الله بن ثلاج، أبو سعْد المحجيّ، الصّالحيّ. [المتوفى: 669 هـ]
حدَّث عن: ابن الزَّبيديّ والفخر الإربِليّ ومات في ذي القعدة.
روى لنا عَنْهُ أبو الْحَسَن بْن العَطَّار.(15/166)
306 - سامة بن كوكب السّواديّ [المتوفى: 669 هـ]
والد الشّهاب أحمد وجدّ المحدّث شمس الدّين.
فقيرٌ متعفّف قنوع، من سُكّان جبل الصّالحيّة، يروي عن ابن اللّتّيّ.
كتب عنه ابنه، وابن الخبّاز.(15/166)
307 - سَنْجَر الصَّيْرَفيّ، الأمير عَلَم الدّين. [المتوفى: 669 هـ]
من كبار الأمراء بمصر. ثمّ نُقِل إلى الشّام، تُوُفّي في صفر كهلًا ببعلبك.(15/167)
308 - سَنْجَر، الأمير قُطْب الدّين، المستنصريّ البغداديّ، المعروف بالياغز، [المتوفى: 669 هـ]
أحد مماليك المستنصر بالله.
فلمّا أخذ هولاكو بغداد هرب إلى الشّام. وكان محتَرَمًا في الدّولة الظّاهريّة وعنده نباهةٌ وفضل، مات في صفر.(15/167)
309 - عائشة بنت المحدِّث محمد بن جبريل بن عزّاز، أمّ عبد الرحمن الأنصاريّة، الشّارعيّة. [المتوفى: 669 هـ]
روت عن مُكْرَم وماتت في سلْخ جُمَادى الأولى.(15/167)
310 - عبّاس، الملك الأمجد تقيّ الدّين، ولَدُ السّلطان الملك العادل سيف الدين أَبِي بَكْر بن أيّوب. [المتوفى: 669 هـ]
كان آخر إخوته وفاةٌ. وكان جليل القدْر محترمًا عند الملوك لا سيّما عند الملك الظّاهر، لا يترفّع عليه أحدٌ في المجلس ولا في الموكب.
وكان دَمِث الأخلاق حَسَن العِشْرة حُلْو المجالسة، رئيسًا سرِيًّا، تُوُفّي في جمادى الآخرة ودفن بقاسيون بالتربة التي له.
وقد حدَّث عن: التّاج الكِنْديّ والبكْريّ، روى عَنْهُ الدمياطي، وابن الخباز وجماعة.(15/167)
311 - عَبْد الله بن أَحْمَد بْن عَبْد الواحد بْن الْحُسَيْن بْن أبي المضاء، شمس الدّين أبو بكر البَعْلَبَكّيّ، محتسب بَعْلَبَكّ. [المتوفى: 669 هـ]
عاش ثمانين سنة أو أكثر، وأصابه خلطٌ وصَرَع كان يعتريه. ومات في جُمَادى الآخرة.(15/167)
312 - عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر، المفتي العلّامة، سراجُ الدّين الشرمساحي، المصري، الفقيه المالكيّ، [المتوفى: 669 هـ]
مدرّس المستنصريّة. [ص:168]
من كبار أئمة المذهب، وكان ذا زهد وصلاح وتصوّف، مات في جُمَادى الآخرة وله سبعون سنة.
وقد روى الحديث. سمع منه: ابن خَرُوف المَوْصِليّ وغيره ودرّس بعده بالمستنصريّة أخوه عَلَمُ الدّين.(15/167)
313 - عبد الله بن عليّ بن عبد الحفيظ، الشّريف أبو محمد الحُسَيْنيّ، الكلثميّ، المصريّ. [المتوفى: 669 هـ]
ولد سنة اثنتين وتسعين وحدث عن: علي بن البناء المكّيّ.
تُوُفّي في ربيع الأوّل.(15/168)
314 - عبد الحقّ بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن محمد بن نصر بن محمد بن سبعين، القُرَشيّ، المخزوميّ، الشّيخ قُطْبُ الدّين، أبو محمد المُرْسيّ، الرُّقُوطيّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 669 هـ]
كان صوفيًّا على قاعدة زُهد الفلاسفة وتَصَوُّفهم. وله كلامٌ كثير في العِرفان على طريق الاتّحاد والزَّنْدقة، نسأل الله السّلامة في الدّين.
وقد ذكرنا محطّ هؤلاء الجنس في ترجمة " ابن الفارض "، و " ابن العربيّ " وغيرهما. فيا حسرةً على العباد كيف لا يغضبون لله تعالى ولا يقومون في الذب عن معبودهم، تبارك اسمه وتقدست في ذاتُه، عن أن يمتزج بخَلْقه أو يحلّ فيهم. وتعالى الله عن أن يكون هو عين السماوات والأرض وما بينهما. فإنّ هذا الكلام شرٌ من مقالة من قال بقِدَم العالم ومن عرفَ هؤلاء الباطنيّة عَذَرني، أو هو زنديقٌ مبطنٌ للاتحاد يذب عن الاتّحاديّة والحُلُوليّة ومن لم يعرفهم فالله يثيبه على حُسْن قصْده. وينبغي للمرء أن يكون غضَبُه لربّه إذا انتُهِكت حُرُماته أكثر من غضبه لفقير غير معصومٍ من الزّلل. فكيف بفقير يحتمل أن يكون في الباطن كافرًا، مع أنَّا لا نشْهد على أعيان هؤلاء بإيمانٍ ولا كفرٍ لجواز توبتهم قبل الموت. وأمرهم مُشْكِل وحسابهم على الله.
وأمّا مقالاتهم فلا رَيْبَ في أنّها شرٌّ من الشِّرْك، فيا أخي ويا حبيبي اعطِ [ص:169]
القوسَ باريها ودعني ومعرفتي بذلك، فإنّني أخاف الله أن يُعذّبني على سكوتي كما أخاف أن يعذّبني على الكلام في أوليائه. وأنا لو قلت لرجلٍ مسلم: يا كافر، لقد بؤت بالكفر، فكيف لو قلته لرجلٍ صالح أو ولٍّي لله تعالى؟
ذكر شيخنا قاضي القُضاة تقيّ الدّين بن دقيق العِيد قال: جلستُ مع ابن سبعين من ضحوةٍ إلى قريب الظُّهر وهو يَسْرُد كلامًا تُعْقل مفرداته ولا تُعْقل مُركبّاته.
قلت: واشتهر عنه أنّه قال: لقد تحجّر ابن آمنةٍ واسعًا بقوله: لا نبيَّ بعدي. وجاء من وجهٍ آخر عنه أنّه قال: لقد زربَ ابن آمنةٍ حيث قال: لا نبيَّ بعدي.
فإنْ كان ابن سبعين قال هذا فقد خرج به من الإسلام، مع أنّ هذا الكلام في الكُفْر دون قوله في ربّ العالمين أنه حقيقة الموجودات، تعالى الله عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا.
وذكره الشّريف عزّ الدّين فقال: له تصانيف عِدّة ومكانة مكينة عند جماعةٍ من النّاس. وأقام بمكّة سنين عديدة.
قلت: وحدَّثني فقيرٌ صالح أنه صحب فقراء من السبعينية فكانوا يهوّنون له ترك الصّلاة وغير ذلك. اللّهمّ احفظ علينا إيماننا واجعلنا هداةً مهديين.
وحصن رقوطة: من أعمال مُرّسِية.
وسمعت أنّ ابن سبعين فَصَدَ يديه وترك الدَّم يخرج حتّى تصفّى ومات، والله أعلم بصحّة ذلك. وكان موته بمكّة في الثامن والعشرين من شوّال وله خمسٌ وخمسون سنة، فإنّه وُلِد في سنة أربع عشرة.
اللّهمّ يا ربّنا وربّ كلّ شيءٍ، إنْ كان هذا الشّخص وأضرابُه يعتقدون أنّك عين مخلوقاتك وأنّ ذاتك المقدّسة البائنة من الخلْق هي حقيقة ما أبدَعْتَ وأوجدتَ من العدم، فلا ترحمهم ولا ترضَ عنهم. وإنْ كانوا يؤمنون بأنّك ربّ العالمين وخالق كلّ شيء وأنّ مخلوقاتك غيرك بكلّ حال وعلى كل تقدير، فاغفر لهم وارحمهم. فإن هؤلاء يقولون: ما ثَمَّ غير وما في الكون سوى الله، وما أنتَ غير الكون بل أنت عينه.
تعاليتَ يا إلهنا عن ذلك، بل وما أنت عين [ص:170]
الكون بل أنت غيرُه، ويفهم هذا كلّ مَن هو مُسّلمٌ. ويقولون: إنّ الله تعالى هو روح الأشياء وإنه في الموجودات سارٍ كالحياة في الجسم، بل يقولون: إن الموجودات مظاهر له وإنّه يظهر فيها. كما قال رمضان التوزي المعثر عرف بالجوبان القواس:
مظاهر الحق لا تعدّ ... والحق فيها فلا يحد
فباطن لا يكاد يخفى ... وظاهر لا يكاد يبدو
تشهده بين ذا وهذا ... بأعين منه تستمدُّ
إنْ بَطَن العبدُ فهو ربٌ ... أو ظَهَرَ الرَّبُّ فهو عبدُ
فعين كُنْ عين زُلْ وُجودًا ... قبضٌ وبسطٌ أخذ وردُّ
مراتب الكون ثابتاتٌ ... وهو إلى حكمها المردُّ
وقال الشّيخ صفيُّ الدّين الأُرْمَويّ الهنديّ: حججتُ في حدود سنة ستِّ وستّين، وبحثت مع ابن سبعين في الفلسفة، فقال لي: لا ينبغي لك الإقامة بمكّة. فقلت: كيف تقيم أنت بها؟ فقال: انحصرت القسمة في قعودي بها، فإنّ الملك الظّاهر يطلبني بسبب انتمائي إلى أشراف مكّة واليمن صاحبها له فيَّ عقيدة ولكنّ وزيره حَشَويّ يكرهني.
قال صفيّ الدّين: وكان داوى صاحب مكّة فصارت له عنده مكانة بذلك، ويُقال: إنّه نُفي من المغرب بسبب كلمة كفرٍ صدرت منه وهي أنّه قال: لقد تحجَّر ابن آمنةٍ في قوله: لا نبيَّ بعدي.
قلت: وإنّ فتحنا باب الاعتذار عن المقالات وسلكنا طريقة التّأويلات المستحيلات لم يبقَ في العالم كفرٌ ولا ضلال وبَطَلَت كُتُبُ المِلَل والنِّحل واختلاف الفِرَق. وقد ذكر الغزاليّ رحمه الله في كتاب " مشكاة الأنوار " فصلًا في حال الحلّاج فأخذ يعتذر عمّا صدر منه مثل قوله: أنا الحق. وقوله: ما في الجنة إلّا الله. وهذه الإطلاقات الّتي ظاهرها كُفْر وحَمَلها على محامل سائغة وأوّلها وقال: هذا من فرط المحبّة وشدّة الوجد، وإنّ ذلك كقول القائل: أنا من أهوى ومن أهوى أنا. [ص:171]
قلت: بتقدير صحّة العقيدة فلا كلام وإنّما الكلام فيمن يقول: العالم هو الله.
ومَن طَالَع كُتُبَ هؤلاء عَلِم عِلمًا ضروريًّا أنهم اتحاديةٌ مارقةٌ من الدّين، وأنّهم يقولون: الوجود الواجب القديم الخالق هو الممكن المخلوق ما ثَمّ غير ولا سوى. ولكن لمّا رأوا تعدد المخلوقات قالوا: مظاهر وتجالي. فإذا قيل لهم: فإنْ كانت المظاهر أمرًا وجوديًّا تعدَّد الوجود، وإلّا لم يكن لها حينئذٍ حقيقة. وما كان هكذا تبيّن أنّ الموجود نوعان خالق ومخلوق، قالوا: نحن ثبت عندنا بالكشف ما يناقض صريح العقل. ومن أراد أن يكون عارفًا محقّقًا فلا بُدّ أن يلتزم الجمع بين النقيضين وأن الجسم الواحد يكون في وقتٍ واحدٍ في موضعين.(15/168)
315 - عبد الحميد بن رضوان بن عبد الله، أبو محمد المصريّ، الشّافعيّ، الجراحيّ. [المتوفى: 669 هـ]
وُلِد سنة ثمانين وخمسمائة في مُسْتَهَلّ صَفَر بالقاهرة، وذكر أنّه قرأ القرآن على أبي الْجُود، وأنّه سمع على أبي القاسم البُوصِيريّ، وقد روى عن ابن اللتي يسيرًا.
وتوفي في المحرم ودفن بجبل قاسيون، وكان أديبًا فاضلًا يُلقَّبُ مجد الدّين.
روى عنه ابن الخبّاز وغيره، وقرأ عليه ابن فرح كتاب " شرح السُّنّة " بروايته عن القَزْوينيّ.(15/171)
316 - عبد الكريم بن ناصر، أبو الكَرَم الدعجانيّ، المصريّ، المؤذّن، المعروف بكُرَيْم. [المتوفى: 669 هـ]
وُلِد في حدود الثمانين وخمسمائة، وروى عن أبي نزار ربيعة اليمنيّ، وتُوُفّي في رجب. [ص:172]
حدثني الحافظ أبو العباس الحلبي قال: ذكر الطَّلَبَة لعبد الكريم فقالوا: قد سمّاك الحافظ عبد العظيم كُرَيْم وذلك لأجل الكاف فإنّها عزيزة فقال: أيطيب له أنْ يسمّيه أحدٌ عُظَيْم.(15/171)
317 - عبد الوهّاب ابن القاضي أبي الفضل أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عبد العزيز بْن الحسين، زينُ القُضاة، أبو المكارم بن الجبَّاب السَّعْديّ، المصريّ، العدْل. [المتوفى: 669 هـ]
وُلِد في أوّل سنة تسعٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع من محمد بن أحمد بن جُبَيْر الكِنانيّ، وابن باقا وحدَّث.
تُوُفّي في جُمَادى الأولى.(15/172)
318 - عليّ بن مؤمن بن محمد بن عليّ، المعروف بابن عُصْفور. العلّامة، أبو الحسن الحضرمي، الإشبيلي، حامل لواء العربية بالأندلس. [المتوفى: 669 هـ]
أخذ عن الأستاذ أبي الحسن الدّبّاج، ثمّ عن الأستاذ أبي عليّ الشّلوبين. وتصدَّر للإشغال مدّة.
ذكر أبو عبد الله محمد بن حيّان الشّاطبيّ في " تاريخه " قال: لازم ابن عُصْفور أبا عليّ نحوًا من عشرة أعوام إلى أن ختم عليه " كتاب " سِيبَوَيْه في نحو السّبعين طالبًا.
قال الإمام أبو حيّان: الّذي نعرفه أنّه ما أكمل عليه الكتاب أصلًا.
وكان أصبر النّاس على المطالعة لا يملّ من ذلك. وله تواليف، منها:
" المقرب " الذي سارت به الركبان , وكتاب " الممتع "، و " المفتاح "، و " الهلالي "، و " الأزهار "، و " إنارة الدياجي "، و " مختصر الغرّة "، و " مختصر المحتسب "، و " مفاخرة السّالف والعِذار " وممّا شرحه ولم يكمله: " شرح المقرب "، " شرح الأشعار الستة "، "شرح الحماسة "، "شرح المتنبي "، " سرقات الشعراء "، " شرح الجزولية "، " البديع " وغير ذلك. وكان إماما في [ص:173]
النحو لا يُشَقُّ غُباره ولا يُجارى. أقرأ بإشبيليّة وشريش ومالقة ولورقة ومرسية.
وولد سنة سبعٍ وتسعين وخمسمائة بإشبيليّة ومات بتونس في الرَّابع والعشرين من ذي القعدة ولم يكن بذلك الورع في دينه، فممّا قاله ارتجالًا:
لمّا تدنّسْتُ بالتّفريط في كِبَري ... وصِرتُ مُغرًى بشُرب الرّاح واللَّعَسِ
رأيتُ أنَّ خِضاب الشَّيْبِ أسْتر لي ... إنَّ البياض قليل الحمل للدَّنَسِ
ولابن عصفور من قصيدةٍ في فرسٍ كُمَيْت:
هنيئًا بطرفٍ إذا ما جرى ... ترى البرق يتعب في أثره
مصغَّرُ لفظٍ ولكنَّه ... يجلّ ويعظُمُ في قدرِهِ
قلت: كان بحرًا في العربيّة يُقرِئ الكُتُب الكبار فيها ولا يطالع عليها، وكان في خدمة أميٍر، أقرأ بعدّة مدائن.
قال ابن الزُّبَيْر: لم يكن عنده ما يؤخذ عنه سوى ما ذكر - يعني العربية - ولا تأهل بغير ذلك، رحمه الله وعفا عنه.
قلت: ولا تعلُّق له بعِلم القراءات ولا الفقه ولا رواية الحديث. وكان يخدم الأمير أبا عبد الله محمد بن أبي زكريا الهنتاتي صاحب تونس.(15/172)
319 - عمر بن حامد بن عبد الرحمن بن المرجى بن المؤمّل، أبو حفص الأنصاريّ، القُوصيّ، ثمّ الدّمشقيّ، الشّافعيّ، العدْل. [المتوفى: 669 هـ]
سمع من عمر بن طَبَرْزَد وحنبل وجماعة بإفادة أخيه شهاب الدّين إسماعيل.
روى عنه: الدّمياطيّ، وابن الخبّاز، وعَلَم الدّين الدّواداريّ، وجماعة. وكان أحد الشُّهود.
وُلِد سنة خمسٍ وتسعين وخمسمائة، ومات في ثالث عشر ربيع الآخر.(15/173)
320 - عمر بن عبد الله بن صالح بن عيسى، الإمام، أبو حفص السُّبْكيّ، المالكي، قاضي القُضاة شرف الدّين. [المتوفى: 669 هـ][ص:174]
ولد سنة خمسٍ وثمانين وخمسمائة.
وتَفَقّه على الإمام أبي الحسن المقدِسيّ الحافظ. وصحِبه مدّةً، وسمع منه ومن القاضي عبد الله بن محمد بن مجلي.
وولي الحسْبة مدّةً بالقاهرة، ثمّ ولي القضاء حين جُعِلت أربعة قضاة.
ودرس للمالكية بالصالحية. وأشغل وأفتى وانتهت إليه معرفة المذهب مع الدّين والخير والأمانة.
روى عنه الدّمياطيّ وقاضي القُضاة بدر الدّين بن جماعة وعَلَم الدّين الدّواداريّ وغيرهم.
وسُبْك العَبيد بلدٌ من أعمال الدّيار المصريّة.
تُوُفّي بالقاهرة في الخامس والعشرين من ذي القعدة وله أربعٌ وثمانون سنة.(15/173)
321 - عمر بن عَلِيّ بن أَبِي بَكْر بن مُحَمَّد بن بركة، الإمام العلّامة، رضِيّ الدّين، أبو الرّضا المصريّ، الحنفيّ، المعروف بابن المَوْصِليّ. [المتوفى: 669 هـ]
وُلِد بميَّافارقين سنة أربع عشرة وستّمائة , ودرّس وأفتى وبرع في المذهب. وشارك في الشِّعر والأدب وكتب الخط المليح، وكان ذا رياسة وتجمل ونبل، توفي في ثاني عشر رمضان بالقاهرة.(15/174)
322 - عيسى بْن مُحَمَّد بْن أَبِي القَاسِم بْن مُحَمَّد بن أحمد بن إبراهيم، الأمير شَرَفُ الدّين، أبو محمد ابن الأمير أبي عبد الله الهكّاريّ، الكُرديّ. [المتوفى: 669 هـ]
سمع بالقدس كتاب " الأحكام " لعبد الحقّ، من أبي الحسن عليّ بن محمد بن جميل المَعَافِريّ الخطيب، عن المصنف. وأجاز له عمر بن طَبَرْزَد وغيره.
روى عنه شيخنا بُرهان الدّين الإسكندرانيّ وغيرُ واحدٍ سمعوا منه الأحكام.
وكان أحد الأبطال المشهورين بالشّجاعة والإقدام. وله مواقف مشهودة ووقائع مع الفرنج، مع الدّين والكرم والمروءة والأوصاف الجميلة والرياسة والحشمة. [ص:175]
تُوُفّي في الثّامن والعشرين من ربيع الآخر وآخر من سمع منه " الأحكام " قاضي القُضاة ابن جماعة. وكان مولده في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة.(15/174)
323 - محمد بن أسعد بن عبد الرحمن، الشّيخ الزاهد الصالح أبو عبد الله الهمذاني، [المتوفى: 669 هـ]
المجاوِر بمشهد عُرْوة.
كان كبير القدْر، صاحب أوراد وعبادة وزُهد وإقبال على الآخرة، حدَّث " بالبخاريّ " عن ابن الزَّبيديّ، قرأه عليه الخطيب شَرَف الدّين الفَزَاريّ، وسمع منه: قاضي القُضاة نجم الدّين بن صَصْرى، وجماعة.
وتُوُفّي في صفر، وشيّعه خلقٌ كثير.(15/175)
324 - محمد بن إسماعيل بن عثمان بن المظفَّر بْن هبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن الحسين، الشّيخ مجدُ الدّين، أبو عبد الله ابن عساكر، الدّمشقيّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 669 هـ]
وُلِد في حدود سنة سبعٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع من الخُشوعيّ والقاسم ابن عساكر، وعبد اللّطيف بن أبي سعد، وأبي جعفر القُرْطُبيّ، وحنبل، وابن طَبَرْزَد، والتّاج الكِنْديّ، وغيرهم.
وحدَّث بدمشق ومصر.
روى عَنْهُ: ابن الخبّاز، وبرهان الدّين الإسكندرانيّ، والشّيخ عبد الرحمن القرامزيّ، وعلاء الدّين بن العطار، ونعمون الحراني المؤذّن، وجماعة.
وكان عدلًا جليلًا من بيت الرواية والرياسة.
وجده عثمان هو ابن عم الحافظ ابن عساكر. وهو آخر من روى كتاب " التّجريد " لابن الفحّام عاليًا.
توفي في ثامن ذي القعدة بدمشق.(15/175)
325 - محمد بن تمّام بن يحيى بن عبّاس، أبو بكر الحِمْيَريّ، الدّمشقيّ فخرُ الدّين. [المتوفى: 669 هـ][ص:176]
وُلِد سنة ثلاثٍ وستّمائة، وسمع من داود بن ملاعب، والشّيخ الموفّق.
وقد تقدَّم أخوه يحيى.
تُوُفّي محمد في رابع رجب. وكان عدْلًا رئيسًا، روى عنه الدّواداريّ وقاضي القُضاة نجم الدّين، وابن العطّار.(15/175)
326 - محمد بن عبد المنعم بن نصر الله بن جعفر بن أحمد بن حواري، الشّيخ تاج الدّين، أبو المكارم التّنُوخيّ، المَعَرّيّ الأصل، الدّمشقيّ، الحنفيّ. ويُعرف بابن شُقَيْر. الأديب الشَّاعر. [المتوفى: 669 هـ]
وُلِد سنة ستٍّ وستمائة وروى " الأربعين " التي لهبة الرحمن القُشَيْريّ، عن أبي الفُتُوح البكّريّ وروى عن ابن الحَرَسْتانيّ وغيره وهو أخو المحدِّث الأديب نصر الله، سمع منهما الدّمياطيّ، تُوُفّي تاجُ الدّين في صفر.
ذكره قُطْبُ الدّين فقال: كان أديبًا رئيسًا، دمِث الأخلاق. وهو من شعراء الملك الناصر يوسف وله فيه مدائح جمَّة. وكان يحبُّه ويقدّمه على غيره من الشُّعراء الّذين في خدمته.
فمن شِعره:
ما ضرَّ قاضي الهوى العُذْريّ حين وَلي ... لو كان في حكمه يقضي عليَّ ولي
وما عليه وقد صِرنا رعيتهُ ... لو أنّه مغمدٌ عنّا ظُبا المقلِ
يا حاكم الحبّ لا تحكُمْ بسَفْكِ دمي ... إلّا بفتوى فتور الأعْين النجلِ
ويا غريم الأسى الخصمُ الألدُّ هوًى ... رِفقًا عليَّ فجسمي في هواك بَلي
أخذتَ قلبي رَهنًا يوم كاظمةٍ ... على بقايا دعاوٍ للهوى قِبَلي
ورُمْتَ منّي كفيلًا بالأسى عبثًا ... وأنت تعلم أنّي بالغرام ملي
وقد قضى حاكم التبريح مجتهدًا ... عليّ بالوجدِ حتّى ينقضي أجلي
لذا قذفتُ شُهُود الدّمع فيك عسى ... أنّ الوصال بجُرْح الجفْن يثبتُ لي
لا تسطونِّ بعسّالٍ القوام على ... ضعفْي فما أفتي إلّا من الأسلِ [ص:177]
هدَّدتني بالقِلى حسْبي الْجِوى ... وكفَى " أنا الغريقُ فما خَوفي من البللِ "(15/176)
327 - محمود بن حيدر. [المتوفى: 669 هـ]
شيخ زاهد صالح، صاحب تهجُّد وأوراد وأذكار. وهو ربيب الشّيخ الكبير عبد الله اليُونينيّ.
تُوُفّي ببَعْلَبَكّ في جُمَادى الأولى. وقد جاوز السبعين.(15/177)
328 - مُرشِد الطُّواشيّ الكبير شجاع الدّين الحَبَشيّ، المظفّريّ، الحمويّ، [المتوفى: 669 هـ]
عتيق المظفّر صاحب حماة.
كان أحد الأبطال الشّجعان، وكان الملك الظّاهر يحبّه لذلك. وله مواقف مشهودة. وكان يتصرّف في مملكة حماة كتصرُّف ابن أستاذه. وله هيبةٌ وحُرْمة.
مات في عَشْر السبعين بحماة.(15/177)
329 - هيثوم بن قسطنطين، الكلب، الملك المجير، [المتوفى: 669 هـ]
صاحب سيس.
توفي إلى لعنة الله في هذه السنة، وتملك بعده ولده.(15/177)
330 - يحيى بن عبد الله، فخرُ الدين البغداديّ. [المتوفى: 669 هـ]
وُلِد سنة ثلاثٍ وسبعين، روى المقامات الحريريّة، سمعها منه الشّيخ ظهير الدّين الكازرونيّ، وقال: كان أديبًا منقطعًا له سماعات عالية، مات فِي ربيع الأوّل. قلت: روى عَنْهُ ابن الشّيخ عبد القادر الّذي انتخب عليه البِرزاليّ.(15/177)
331 - يحيى بن عبد العزيز، الشّيخ نجمُ الدّين الناسخ، فاضل ورع تقي. ناصَحَ المسلمين وكاتَبهم فأُخِذ ببغداد وقُرِّر، فاعترف فقتلوه، رحمه الله. [المتوفى: 669 هـ][ص:178]
فائدة(15/177)
332 - الملك الموحد عبد الله ابن المعظم تورانشاه ابن السّلطان الملك الصّالح نجم الدّين أيّوب بْن الكامل بن العادل. [المتوفى: 669 هـ]
وُلِد بآمِد إذْ أبوه متولّيها، فقصد غياث الدّين صاحب الرّوم وعسكر حلب آمِد وحاصروها، ثمّ أخذوها من المعظّم وأبقوا له حصْن كيفا، فتحوّل إليه، فلمّا مات أبوه بالدّيار المصريّة وطُلب المعظّم وقدِم وتملَّك مصرَ والشّام في سنة سبعٍ وأربعين، خلَّف الملك الموحّد هذا بحصن كيفا فتملّكه.
قال ابن واصل في " تاريخه " وقد ألّفه في حدود السّبعين وستّمائة: الملك الموحّد باق إلى الآن مستول على حصن كيفا تحت أوامر التتر وله عدّة أولاد على ما بلغني، قال: وكان عمره لما مضى والده إلى مصر عشر سنين.
سألتُ الشّيخ تاج الدّين الفارقي عن الموحد هذا، فقال: رأيته، وكان شجاعًا قصيرًا، عاش إلى بعد الثّمانين وستّمائة وابنه إلى الآن باقٍ بيده الحصن من تحت أوامر التّتار.
قلت: لقّب ابنه الملك الكامل. قتله التتار في حدود سنة سبعمائة وأقاموا بعده ولده الملك الصّالح صورةً بلا أمر، ورتبته كجندي كبير.(15/178)
-وفيها وُلِد:
القاضي جمالُ الدِّين أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن نصر الله، ابن القلانِسيّ التّميميّ والشّهاب أحمد بن صِفيّ الدّين أبي بكر السّلاميّ بالبصرة وتاج الدّين عليّ بن مجد الدّين إسماعيل بن كُسَيْرات المخزوميّ الخالديّ وجمال الدّين يوسف بن محمد بن حمّاد خطيب حماة، في جُمَادى الآخرة وقاضي القضاة عماد الدّين علي بن أحمد، ابن الطَّرَسُوسيّ الحلبيّ في رجب بمُنْية بني خصيب.(15/178)
-سنة سبعين وستمائة(15/179)
333 - أحمد بن سعيد بن أحمد بن أبي بكر بن الحُسَيْن، الشّيخُ القُدْوة الزّاهد، صفيُّ الدّين، أبو العبّاس النَّيْسابوريّ الأصل اللّهاوريّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 670 هـ]
ولد بلهاور سنة إحدى وتسعين وخمسمائة. ولقيَ الكبار والزُّهاد. وكان أحد المشهورين بالزُّهد والعبادة والانقطاع، وله كلام على طريق الصُّوفيّة مع ما كان عليه من لِين الجانب ولُطْف الأخلاق وحُسْن الملقى.
ذكره الشّريف عزّ الدّين وقال: تُوُفّي في حادي عشر رمضان، وقد روى عن أبي القاسم سِبْط السِّلَفيّ.(15/179)
334 - أَحْمَد بْن عَبْد الْعَزِيزِ بْن عَبْد اللَّه بْن عليّ بن عبد الباقي، الإمام أبو الفضل بن الصّوّاف. [المتوفى: 670 هـ]
وُلِد سنة ثمانٍ وثمانين وخمسمائة في ثاني رجب بالإسكندرية، وقرأ القراءات على أَبِي القَاسِم بْن الصّفراوي أو غيره، وسمع من محمد بن عماد، ومن والده، وحدَّث وأسمع ولده يحيى شيخنا.
وكان معروفًا بالعلم والدّين والصّلاح والورع وكَرَم الخلائق وحُسْن الطّرائق، تُوُفّي في ثامن رجب بالإسكندريّة.(15/179)
335 - أحمد بن عليّ بن يوسُف بن عبد الله بن بُنْدَار، المُسْنِد، العالِم، مُعين الدّين، أبو العبّاس، ابن قاضي القُضاة زين الدّين أبي الحسن ابن العلّامة أبي المحاسن. الدّمشقيّ الأصل، المصري، الشّافعيّ. [المتوفى: 670 هـ]
ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة، وسمع من: أبيه، ومن عمّه أبي حفص عمر، والبُوصِيريّ، وإسماعيل بن ياسين، وأبي الفضل الغَزْنَويّ، والعماد الكاتب، وغيرهم.
وروى الكثير مدّة، روى عنه: الدّمياطيّ، وقاضي القُضاة بدر الدّين بن جماعة، والشّيخ شعبان، وقاضي القُضاة سعد الدّين الحنبليّ، والشّهاب أحمد [ص:180]
الزُّبَيْريّ، والأمين عبد القادر الصَّعْبيّ، وأحمد بن إبراهيم الكِنانيّ الحنبليّ، وأحمد بن يوسف التلي، وعلم الدّين الدواداري، ومحمد بن غالي الدّمياطيّ، والجمال محمد بن محمد العثمانيّ المهْدويّ، وطائفة سواهم.
وكان آخر مَن روى " صحيح البخاري " عن هبة الله البُوصِيريّ، تُوُفّي في ثامن عشر رجب بالقاهرة.(15/179)
336 - أحمد بن عمر، الزّاهد، العابد، القُدوة. خطيب باجسرا، أبو العبّاس. [المتوفى: 670 هـ]
مات بناحيته. أرّخه الكازرونيّ.(15/180)
337 - أحمد بن أبي السّرّ مكتومُ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن سُلَيْم، تاج الدّين أبو العبّاس القَيْسيّ، الدّمشقيّ، العدْل. [المتوفى: 670 هـ]
عمّ شيخنا الصّدر إسماعيل.
سمع من النّفيس أبي محمد ابن البُنّ، وابن الزَّبيديّ وجماعة، وحدَّث ومات بمصر في شوال.(15/180)
338 - جَوْشَنُ بنُ دَغْفَل بن عالي، أبو محمَّد واسمه أيضًا محمد، التّميميّ، المِزّيّ. [المتوفى: 670 هـ]
وُلِد سنة اثنتين وستّمائة، وسمع من ابن أبي لُقْمة، روى لنا عَنْهُ أبو الْحَسَن بْن العَطَّار.(15/180)
339 - الحسن، الملك الأمجد أبو محمد ابن الملك الناصر داود ابن الملك المعظم عيسى ابن العادل. [المتوفى: 670 هـ]
وُلِد سنة نيفٍ وعشرين وستّمائة، واشتغل في الفقه والأدب، وشارك في العلوم، وأتقن الأدب، وتنقّلت به الأحوال، وتزهّد وصحب المشايخ، وكان كثير المعروف عالي الهمّة، عنده شجاعة وإقدام وصبر وثبات، وكان إخوته يتأدّبون معه ويقدّمونه، وكذلك أمراء الدّولة. [ص:181]
وله شِعرٌ ويدٌ طُولَى في الترسُّل وخطّ منسوب. أنفق أكثر أمواله في الطّاعة. وكان مقتصدًا في ملبسه ومركبه. وتزوَّج بابنة الملك العزيز عثمان ابن الملك العادل، ثمّ تزوَّج بأخت السّلطان الملك النّاصر يوسف الحلبيّ فجاءه منها المولى صلاح الدّين. وكان عنده من الكُتُب النّفيسة شيءٌ كثير فوهب مُعْظَمَها، وكان ذا مروءة تامّة، يقوم بنفسه وماله مع مَن يقصده.
وأُمُّه هي بنت الملك الأمجد حسن ابن العادل.
وقد رثاه شهابُ الدّين محمود الكاتب - أبقاه الله - بقصيدةٍ أوّلها:
هو الرّبع ما أقوى وأضحت ملاعبه ... مشرعةً إلا وقد لان جانبه
عهدتُ به من آل أيّوب ماجدًا ... كريم المُحَيّا زاكيات مناسبه
يزيد على وزن الجبال وقاره ... وتكثر ذرات الرمال مناقبه
توفي بدمشق في جمادى الأولى وهو في عَشْر الخمسين.
وقد روى عن ابن اللّتّيّ وغيره.(15/180)
340 - الحسن بن عثمان بن عليّ، الإمام، القاضي، محتسِب الثّغر، رُكنُ الدّين أبو عليّ التّميميّ، القابسيّ، المالكيّ، المعدّل. [المتوفى: 670 هـ]
قدم الثَّغر شابّا، فسمع من ابن موقى، وابن المفضَّل وجماعة، وتلا بالسَّبْع على منصور بن خميس الأندلسيّ، تلا عليه عبد المجيد بن خلف الصواف، وروى عنه جماعة منهم ولده شيخنا يوسف.
مات في المحرَّم.(15/181)
341 - الحسين بْن عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ بن محمد، ابن الْجَوْزِيّ، أبو المظفَّر بن أبي القاسم ابن الشّيخ الإمام أبي الفَرَج. [المتوفى: 670 هـ]
تُوُفّي في شعبان.(15/181)
342 - خليل بن عليّ بن خليل، كمال الدّين، أبو الصّفا العجميّ الأصل الدّمشقيّ. [المتوفى: 670 هـ][ص:182]
ولد سنة ست وستمائة، وسمع: أبا المنجى ابن اللّتّيّ، وكريمة، وسمع من المتأخّرين كثيرًا بدمشق ومصر.
توفي بالقاهرة في المحرم.(15/181)
343 - سلّار بن الحسن بن عمر بن سعيد، الإمام، العلّامة، المفتي، كمال الدّين أبو الفضائل الإربِليّ، الشّافعيّ، [المتوفى: 670 هـ]
صاحب الإمام تقيّ الدّين أبي عمرو ابن الصّلاح.
قال الشّريف عزّ الدين: تُوُفّي ليلة خامس جُمَادى الآخرة، ودُفِن بمقبرة باب الصّغير، قال: وكان عليه مدار الفتوى بالشّام في وقته، ولم يترك بعده في بلاد الشّام مثله. أفتى مدّةً، وانتفع به جماعة.
قلت: وكان الشّيخ نجم الدّين الباذرائيّ قد جعله مُعيدًا بمدرسته، فلم يَزَلْ على ذلك إلى أن مات لم يتزيّد منصبًا آخر، ومات في عَشْر السّبعين، وقد تفقّه عليه جماعة. وقيل: إنه نيَّف على السبعين، والله أعلم.(15/182)
344 - سُنقُر، الأمير شمسُ الدّين، أبو سعيد الأقرع، [المتوفى: 670 هـ]
أحد مماليك الملك المظفَّر غازي صاحب مَيَّافارقين ابن العادل.
كان من كبار الأمراء بالدّيار المصريّة فأمسكه الملك الظّاهر وحبسَه.
وتُوُفي فِي ربيع الآخر.(15/182)
345 - عَبْد الرَّحْمَن بْن سَلْمَان بن سعيد بن سلمان، الإمام، الفقيه، جمال الدّين البُغَيداديّ، ثمّ الحَرّانيّ، الحنبلي. [المتوفى: 670 هـ]
وُلِد بحَرّان سنة خمسٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع من حمّاد الحرّانيّ، وعمر بن طَبَرْزَد، وحنبل بن عبد الله، وعبد القادر الحافظ، وأبي اليمن الكندي، وأبي القاسم ابن الحرستاني، والشيخ الموفق، والشيخ الفخر ابن تَيْميّة، وغيرهم.
روى عنه الدّمياطيّ، والقاضي تقيّ الدّين سليمان، وابن الخبّاز، وأبو الحسن بن العطّار، وأبو عَبْد اللَّه بْن أبي الفتح، وأبو بكر بن عبد الحليم [ص:183]
العسْقلانيّ المقرئ، والبُرهان الذَّهبيّ، وجماعة سواهم.
وكان إمامًا، صالحًا، فقيهًا، عارفًا بالمذهب، خبيرًا بالفُتيا، حَسَن التّعليم، متواضعًا، تُوُفّي بالبيمارستان بدمشق في الرّابع والعشرين من شعبان.(15/182)
346 - عبد الرّحيم بن عبد الرحيم بن عبد الرحيم بن عبد الرّحمن، القاضي عماد الدّين أبو الحسين الحلبيّ، ابن العجميّ. [المتوفى: 670 هـ]
وُلِد سنة خمسٍ وستّمائة، وسمع من الافتخار الهاشميّ، وثابت بن مشرّف، وحدَّث ودرّس وأفتى وولي القضاء ببلد الفيّوم مدّةً. وكان مشكورًا في القضاء.
تُوُفّي في رابع رمضان بحلب.
روى عنه الدّمياطيّ، وابن جماعة. وقد ناب في الحكم بدمشق.(15/183)
347 - عبد الوهّاب بن محمد بن إبراهيم بن سعد، الشّيخ أبو محمد المقدسيّ، الصّحراويّ، القُنْبيطيّ، الحنبليّ. [المتوفى: 670 هـ]
وُلِد سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، وسمع من الخُشوعيّ، وعمر بن طَبَرْزَد، ومحمد بن الخصيب، وحنبل، وجماعة، روى عنه ابن الخباز، وأبو الحسن الموصلي، وأبو الحسن ابن العطّار، وأبو الحسن الكِنْديّ، وأبو عبد الله بن أبي الفتح البَعْلَبَكّيّ، وأبو عبد الله ابن الزّرّاد، ومحمد بن بدر النّسّاج، وطائفة سواهم.
وكان من بقايا المُسْنِدين. تُوُفّي في تاسع عشر رمضان عن ثمانين سنة.(15/183)
348 - عليّ بن عبد الله بن إبراهيم، أبو الحسن الباهليّ، المالقي، الأديب، الشاعر. [المتوفى: 670 هـ][ص:184]
روى عن محمد بن عبد الحقّ بن سليمان، لقِيَه بتلمسان وقرأ عليه برنامجه، فيه خِفّة لا تُخِلّ بمروءته، تُوُفّي بمالقة سنة سبعين. قاله ابن الزُّبَيْر.(15/183)
349 - عليّ بن عبد الخالق بن عليّ، عزُّ الدّين الأسْعَرْديّ، [المتوفى: 670 هـ]
ناظرُ ديوان بَعْلَبَكّ.
تُوُفّي في ذي القعدة كَهْلًا.(15/184)
350 - الشيخ علي البكّاء، رحمة الله عليه. [المتوفى: 670 هـ]
من كبار أولياء الله تعالى، أقام مدّةً ببلد الخليل، وكان مقصودًا بالزّيارة والتَّبرُّك، ورد خبر موته إلى دمشق في يوم عاشر رجب سنة سبعين. ويُقال: إنّه قارب مائة سنة. وقبره ظاهر يُزار.(15/184)
351 - عليّ بن عثمان بن عليّ بن سليمان، أمينُ الدّين السّليمانيّ، الإربِليّ، الصّوفيّ، الشّاعر، [المتوفى: 670 هـ]
من أعيان شعراء الملك النّاصر.
كان جُنْديًّا فتصوَّف وصار فقيرًا.
تُوُفّي في جُمَادى الأولى بالفَيُّوم وهو في مُعْتَرَك المنايا.(15/184)
352 - عليّ بن عمر بن نَبَا، نور الدّولة اليُونينيّ، [المتوفى: 670 هـ]
تربية الشّيخ الفقيه أبي عبد الله اليُونينيّ.
ربّاه الشّيخ الفقيه وزوّجه ببناته الثّلاث واحدةً بعد واحدة، وأسمعه الحديث من البهاء عبد الرحمن، والعز ابن رواحة.
وكان غزير المروءة شجاعًا مِقْدامًا، له حكايات في الشّجاعة وفي قتْل الوحوش.
تُوُفّي فِي جُمَادَى الآخرة وقد نيَّفٍ عَلَى السّتّين.(15/184)
353 - عليّ بن محمد بن محمد بن الفضل بن جعفر بن الفضل، الشّريف، الصَّدر المعمَّر، زَيْنُ الدّين، أبو الحسن الهاشميّ، العبّاسيّ، الصّالحيّ، المصريّ، المالكيّ. [المتوفى: 670 هـ][ص:185]
وُلِد في التّاسع عشر من ربيع الأوّل سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، وذكر أنّ السِّلفي أجاز له إجازةً خاصّة. وكان موصوفًا بالخير والفضل والعفاف. فسُمع عليه بالإجازة المطلَقَة من السِّلَفيّ.
قال الشّريف عزّ الدّين: تُوُفّي في الرَّابع والعشرين من رجب.(15/184)
354 - عليّ أبو الحسن المتّيويّ المغربيّ، السَّبْتيّ، المالكيّ، الزّاهد. [المتوفى: 670 هـ]
أحد الأئمّة الأعلام، كان يحفظ " المدوّنة "، و " التفريع " لابن الجلاب، و " رسالة ابن أبي زيد " وألف كتابا شرح فيه " الرّسالة " ولم يتمّه، بل وصل إلى باب الحدود، وكان مع براعته في الفقه عجبًا في الزُّهد والورع ملازِمًا لبيته، ويخرج إلى الجمعة مُغَطّى الوجه لئلّا تقع عينه على مكروه. وكان لا يأكل إلّا ما سيق إليه من متيوة من مواضع يعرف أصولها.
تُوُفّي في حدود عام سبعين. وقبره بظاهر سَبْتَة يُزار ويُتَبَرَّك به.
قال لي ابن عمران الحضرميّ: لم يكن في زمانه أحفظ منه لمذهب مالك، أخذ النّاس عنه.(15/185)
355 - عمر بن أيّوب بن عمر بن أرسلان بن جاولى، المحدِّث، أبو حفص شهاب الدّين التُّركُمانيّ، الدّمرداشيّ، الدّمشقيّ، الحنفيّ، المعروف بابن طغريل السّيّاف. [المتوفى: 670 هـ]
وُلِد سنة خمسٍ وعشرين وستّمائة تقريبًا بدمشق، وطلب بنفسه بمصر، وأكثر عن أصحاب البُوصِيريّ، وعُني بالحديث وحصّل وفهِم وجمع، وخرّج لنفسه معجمًا. وكتب العالي والنّازل، وكان ثقة صالحًا، نبيهًا، مفيدًا.
تُوُفّي بمصر في السّابع والعشرين من جُمَادى الأولى. ولا أعلمه حدّث.(15/185)
356 - محمد بن أبي الغنائم سالمُ ابن الحافظ أَبِي المَوَاهبِ الحسنِ بْن هبة اللَّه بْن محفوظ بْن الْحَسَن بْن صَصْرى، القاضي، العدْل الكبير، عمادُ الدّين أبو عبد الله الرَّبعي، التّغلبيّ، البَلَديّ الأصل، الدّمشقيّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 670 هـ]
وُلِد بعد الستّمائة، وسمع من أبيه، وأبي اليُمْن الكِنْديّ، وهبة الله بن [ص:186]
طاوس، وابن أبي لُقْمة، وأبي المجد القزوينيّ، وجماعة، روى عنه ابنه قاضي القُضاة نجم الدّين أبو العباس، والشيخ علاء الدّين ابن العطّار، والحافظ الكبير شَرَف الدّين الدّمياطيّ، والإمام زين الدّين الفارِقيّ، وبدر الدّين بن الخلّال، ونجم الدّين ابن الخبّاز، وجماعة بقَيد الحياة.
وكان صدرًا رئيسًا وافِر الحُرْمة، ظاهر الحشْمة، كبير الثّروة والنّعمة ولي غير مرةٍ في المناصب الدّينيّة فحُمدت سيرته وكان ينطوي على دِين وعبادة وحُسْن خُلقٍ ومروءة وكان مُحبًّا للحديث ذا عناية به. رحل إلى مصر، وسمع من أصحاب السِّلَفي. وكتب بخطّه وحصّل. واعتنى بولده وأسمعه الكثير. وقد روى الحديث من بيته جماعة كثيرة ذكرناهم في هذا التّاريخ.
تُوُفّي في العشرين من ذي القعدة بدمشق ودُفن بتُربتهم بسفح قاسيون.(15/185)
357 - مُحَمَّد بن عليّ بن أبي طالب بن سُوَيْد، الرّئيس وجيهُ الدّين التكريتيّ، التّاجر. [المتوفى: 670 هـ]
كان نافذ الكلمة وافر الحُرْمة كثير الأموال والتّجارات واسع الجاه وكان من خواصّ الملك النّاصر ويده مبسوطة في دولته.
ذكره قُطْبُ الدّين فقال: لمّا توجّه إلى مصر في الْجَفل من التّتار غَرِم ألفَ ألف درهم. فلمّا تسلطن الملك الظّاهر قرّبه وأدناه وأوصى إليه وجعله ناظر أوقافه. وكان له من التمكين ما لا مزيد عليه ولم يبلغ أحدٌ من أمثاله من الحُرْمة ونفاذ الكلمة ما بلغ، كانت متاجره لا يَتعرَّض له متعرِّض، وكتبه عند سائر الملوك، حتّى ملوك الفرنج - نافذة. وكلّ مَن يُنسَب إليه مَرْعِيّ الجانب. ولمّا مات ولده التّاج محمد في صفر سنة ستِّ وخمسين مشي الملك النّاصر في جنازته، ثمّ ركب إلى الجبل وكانت جنازة مشهودة وتأسَّف أبوه وامتنع من سُكنى داره بالزّلّاقة، فأمر السّلطان بإن تُخلى له دار السّعادة وفُرشت ليسكنها، ثمّ خرج إليه السّلطان وحلف عليه فنزل البلد ومن إكرامه أنّ ولده نصير الدّين عبد الله حجّ مع والدته عام حجّ الملك الظّاهر، فحضر عنده يوم عَرَفَة مسلّمًا، فحيث وطِئ البساط قام له السّلطان وبالغ في إكرامه وسأله عن حوائجه فقال: حاجة المملوك أن يكون مَعَنا أميرٌ يعيّنه السّلطان. فقال: مَن اخترت من الأمراء أرسلته في خدمتك. فطلب منه جمال الدّين بن نهار. فقال [ص:187]
له السّلطان: هذا المولى نصير الدّين قد اختارك على جميع مَن معي فتروح معهم إلى الشّام وتخدمه مثل ما تخدمني. وهذا عظيم من مثل الملك الظّاهر وكان وجيه الدّين كثير المكاتبة للأمراء والوزراء وفيه مكارم وعنده بِرٌ وصَدَقَة ودماثة أخلاق ورِقّة حاشية، تُوُفّي بدمشق في ذي القعدة ودُفِن بتُربته بقاسيون وكان من أبناء السّبعين.
قلت: وُلِد سنة تسعٍ وستّمائة. وسمع من المؤتَمَن بن قُميرة ولم يروِ، بل روى عنه الدّمياطيّ من شِعره.(15/186)
358 - محمد بن عليّ بن محمد، الصّالح الزّاهد، أبو عبد الله بن الطّبّاخ المَوْصِليّ، ثمّ المصريّ. [المتوفى: 670 هـ]
روى عن الشّيخ مُرَهف شيئًا من شِعْره وله زاوية بالقرافة الصُّغرى ويُقصد بالزِّيارة والتبرُّك لصلاحه ودينه.
عاش ثلاثًا وسبعين سنة وتُوُفّي فِي جُمَادَى الآخرَة.(15/187)
359 - مُحَمَّد بْنُ عليّ بن المظفَّر بن القاسم، أبو بكر النُشْبيّ المؤذّن بجامع دمشق. [المتوفى: 670 هـ]
وُلِد في سلْخ المحرم سنة إحدى وتسعين وخمسمائة وسمع من الخُشوعيّ وبهاء الدّين القاسم ابن عساكر وستّ الكَتَبة بنت الطّرّاح وعمر بن طَبَرْزَد وحنبل والكِنْديّ وجماعة. وروى الكثير وتفرَّد بأجزاء. وكان يقرأ على الجنائز.
روى عنه الدّمياطيّ وأبو محمد الفارقيّ وأبو عليّ بن الخلّال وأبو الفداء بن الخبّاز وأبو الحسن بْن العطّار وأبو عَبْد اللّه بْن الزّرَاد ومجد الدّين بن الصّيْرَفيّ وجماعة في الأحياء وتبطّأ بعض المحدّثين عن الأخذ عنه لكونه جنائزيًا. وقد سمع منه الشهاب المقرئ.
وكانت وفاته في سادس ذي الحجّة.(15/187)
360 - محمد بن عمر بن محمد بن عليّ، زين الدّين، أبو عبد الله بن الزَّقْزوق الأنصاريّ، الفاسيّ الأصل، المصريّ، الصُّوفيّ الكُتبي. [المتوفى: 670 هـ][ص:188]
ولد سنة سبعٍ وثمانين وخمسمائة بمصر، وسمع بدمشق من حنبل الرّصافيّ، وأبي القاسم بن الحَرَسْتانيّ، سمع منه المصريّون. وروى عنه الدّمياطيّ وغيره، ومات بالقاهرة في نصف رجب.(15/187)
361 - محمد بن محمد بن أحمد، أبو بكر بن مُشليون الأنصاريّ، البَلَنْسيّ، المقرئ، المحدّث. [المتوفى: 670 هـ]
كان عالي الإسناد في القراءات. أخذها عن أبي جعفر بن عون الله الحصّار، فكان آخر أصحابه واستوطن سبْتة وأقرأ بها إلى أن تحوّل في أواخر عُمُره إلى تُونس فتُوُفّي بها سنة سبعين أو بعدها بقليل، قرأ عليه القراءات الشّيخ أبو إسحاق الغافقيّ المُتَوَفَّى سنة ست عشرة وسبعمائة بسبتة.(15/188)
362 - محمد بن ملكداذ الموقاني، الفقيه نجم الدّين، معيد الباذرائية. [المتوفى: 670 هـ](15/188)
363 - محمد بن أبي فِراس، قاضي القُضاة سِراجُ الدّين الهُنايسيّ. [المتوفى: 670 هـ]
مات في رمضان ودُفن عند معروف الكَرْخيّ، سمع من علي بن إدريس ودرّس بالبشيرية. وكان ديِّنًا، متحريًا، بصيرًا بمذهب الشّافعيّ، رحمه الله.(15/188)
364 - مُدللة بنت مُحَمَّد بن إلياس بن عَبْد الرَّحْمَن بن الشَّيرجيّ، أمُّ محمد الدّمشقيّة. [المتوفى: 670 هـ]
خرّج لها جمال الدّين بن الصّابونيّ أربعين حديثًا بالإجازات من شيوخها، أجاز لها: عبد اللّطيف بن أبي سعد والخُشوعيّ والقاسم ابن عساكر، والحافظ عبد الغنيّ، روى عنها ابن الخباز وأبو الحسن بن العطار وغيرهما.
وتوفيت في ثاني شعبان عن ثمانين سنة.(15/188)
365 - مظفَّر ابن القاضي مجد الدّين عبد الرحمن بن رمضان بن إبراهيم، الحكيم بدرُ الدّين الطّبيب، شيخ الطّبّ، المعروف بابن قاضي بَعْلَبَكّ. [المتوفى: 670 هـ][ص:189]
قرأت بخطّ الإمام شمس الدّين محمد بن الفخر أنه توفي في يوم الثّلاثاء ثاني وعشرين صفر سنة سبعين، قال: وكان رئيس الأطبّاء شرقًا وغربًا، فيلسوف زمانه، لم نعلم في وقته مثله. انهدم بعده ركنٌ من الحكمة. وله مصنفاتٌ عظيمة النّفع في الطّبّ. ووقع له من حُسْن العلاج في زماننا ما لم يقع إلّا للأكابر، فمنه أنّ الملك المنصور صاحب حماة نزل به خوانيق أشرف منها على الموت، فأنفذ إلى دمشق يطلب البدر المذكور والموفَّق السامريّ فذهبا إليه فكوياه في وسط رأسه بميل من ذَهَب، فبرأ وأعطاهما شيئًا عظيمًا. وكان ذلك بإشارة البدر.
قال ابن أبي أُصيبَعة: نشأ بدمشق وقد جمع الله فيه من العِلم الغزير والذّكاء المُفْرِط والمروءة ما تعجز الألسُن عن وصفه، قرأ الطّبّ على الدخوار وأتقنه في أوسع وقت وحفظ كثيرًا من الكُتُب. وكان ملازِمًا له. عرض عليه مقالته في الاستفراغ وسافر معه إلى الشّرق. وخدم بمارستان الرَّقّة. وصنَّف مقالةً في مِزاج الرقَّة. واشتغل بها على الزَّيْن الأعمى الفيلسوف، ثمّ قدِم دمشق، فلمّا تسلطن الجواد بدمشق استخدمه وحظي عنده وتمكّن. وولاه رياسة الأطباء والكحالين والجراحية وكتب له منشورًا في صفر سنة سبعٍ وثلاثين وقد اشترى دُورًا إلى جانب مارستان نور الدّين وغرِم عليها مبلغًا وكبّر بها قاعات للمرضى وبناها أحسن بناء. وشكروه على ذلك وخدم الملك الصّالح وغيره. ثمّ تجرّد لحفظ مذهب أبي حنيفة. وسكن بيتًا في القليجية. وحرر حفظ القرآن، ثمّ القراءات وأخذها عن الإمام أبي شامة على كِبَر واتقنها.
وفيه عبادة ودِين وقد مدحه ابن أبي أُصيبعة بقصائد في " تاريخه ". وله كتاب " مُفرج النّفس " استوفى فيه الأدوية القلبيّة وكتاب " المُلَح " في الطّبّ.(15/188)
366 - مظفَّر بن لؤلؤ، أبو غالب الدّمشقيّ الضّرير، ابن الشَّربْدار. [المتوفى: 670 هـ]
يروي عن عمر بن طَبَرْزَد، تُوُفّي في جُمَادى الأولى.
وقال ابن الخبّاز فيه: مظفر بن ياقوت زين الدّين الشربدار العادلي. روى عن ابن طَبَرْزَد. ووُلِد سنة ثلاثٍ وتسعين وخمسمائة.(15/189)
367 - النّصير بن تمّام بن معالي، أبو الذِّكْر المقدسيّ، رئيس المؤذّنين بجامع دمشق. [المتوفى: 670 هـ]
وُلِد سنة سبعٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع في كهولته من ابن اللّتّيّ وحدَّث. وذكر أنّه سمع من الكِنْديّ وكان طيّب الصّوت، مليح الشّكل.
تُوُفّي في المحرَّم ودُفن بمقبرة باب الفراديس.(15/190)
368 - يحيى بن عَبْد الرَّحِيم بن المفرّج بن عَليّ بن المفرّج بن مَسْلَمة، المحدِّث أبو زكريّا. [المتوفى: 670 هـ]
سمع بدمشق من أبي القاسم الحسين بن صَصْرى وجماعة وبمصر من عبد العزيز بن باقا، وعبد الصمد الغضاري وجماعة وكتب الأجزاء وأسمع ولَده عبد الرّحيم. ثمّ خدم بالكتابة. وتُوُفّي بالغُور في تاسع جُمَادى الأولى. وكان مولده في سنة أربعٍ وستّمائة.
روى عنه ابن الخبّاز وزاد أنّه سمع من أبي المجد القزوينيّ وزين الأُمَناء وقال: لقبه محيي الدّين وحدثنا عنه عليُّ بن الموفّق.(15/190)
369 - يحيى بن محمد بن عبد الواحد بن عبدة، الصّدرُ نجمُ الدّين بن اللّبُوديّ، الدّمشقيّ، الطّبيب. [المتوفى: 670 هـ]
ترقّى بالطّبّ عند صاحب حمص ووزر له، ثم اتصل بصاحب الشام الملك النّاصر فجعله ناظر الدّواوين. ثمّ ولي ذلك في الدّولة الظّاهريّة.
وكان محتشمًا، نبيلًا، جليلًا. اختصر " الإشارات " والمعالمين في الأصلين؛ واختصر " الكلّيّات " في الطّبّ وتُوُفّي في ذي الحجّة ودُفِن بتُربته الّتي بقُرب بركة الحِمْيَريّين وجعل تُربته دار طبِّ وهندسةٍ وقرَّر لها شيخًا وقُرّاءً.
وكان والده شمسُ الدّين محمد بن اللبُودي من كبار الأطبّاء. تُوُفّي سنة إحدى وعشرين وستّمائة، وعُمُر نجمِ الدّين يومئذٍ أربع عشرة سنة.(15/190)
370 - يعقوب بن المعتمد والي دمشق مبارز الدّين أبي إسحاق إبراهيم بن موسى، العادلي، الدّمشقيّ، الأمير شَرَفُ الدّين أبو يوسف الحنفيّ. [المتوفى: 670 هـ][ص:191]
روى عن حنبل بدمشق والقاهرة، وسمع من أبي القاسم أحمد بن عبد الله العطار، روى عَنْهُ الدّمياطيّ، وابن الخبّاز، وابن العطّار والدويداري وجماعة.
وتوفي في ثالث عشر رجب عن ثلاثٍ وثمانين سنة.(15/190)
371 - يوسف بن عبد الله بن عثمان، الشيخ التقيّ المقدسيّ. عرف بالكيزاني. [المتوفى: 670 هـ]
روى عن ابن اللّتّيّ، روى عنه ابن الخبّاز، والشّيخ عليّ بن العطّار.
ونزل بكفر بطْنا ولقّن بها وعلّم وأمَّ بمسجدٍ بها ومات بها.(15/191)
372 - الرشيد أبو حليقة، الطبيب المصري المشهور النصراني. واسمه أبو الوحش ابن الفارس أبي الخير ابن الطبيب دواد بن أبي المُنى. [المتوفى: 670 هـ]
كان أستاذ هذه الصّناعة في عصره وفيه لطفٌ وتودُّد ورأفة بالمرضى، اشتغل على عمّه المهذَّب أبي سعيد بدمشق، ثمّ اشتغل بمصر وقرأ أيضًا على المهذّب الدّخْوار.
وُلِد بجَعْبَر سنة إحدى وتسعين وخمسمائة ونشأ بالرُّها وبعثه أبوه قبل السّتّمائة إلى دمشق فتعلَّم عند عمّه قليلًا. ودخل القاهرة وسكنها؛ وخدم الملك الكامل وكان له إقطاع وافر. ثم خدم الصّالح نجم الدّين بن الكامل وغيره. وخدم الملك الظّاهر رُكن الدّين.
وطال عُمُرُه واشتهر ذِكره. وله نوادر في أعمال الطّبّ تميّز بها. وكان في شبيبته يُعرف بابن الفارس فطلبه الكامل يومًا وقال: اطلبوا لنا أبو حُلَيقة. فغلب ذلك عليه.
قال ابن أبي أُصيبعة: وقد أحكم نبضَ الملك الكامل حتّى إنّه أخرج إليه من خلف السّتارة مع الآدُر المريضات، فرأى نبضَ الجميع ووصف لهُنّ، فلما وصل إلى نبضه عَرَفَه فقال: هذا نبض مولانا السّلطان وهو صحيح بحمد الله. فتعجّب منه غاية العجب وزاد تمكُّنُه عنده.
وقد عمل الترياق الفاروق وتعب عليه وسهر ليالي حتّى عمله، فحصل للسلطان نزلةٌ في أسنانه ففُصِد بسببها وداواه الأسعد لاشتغال الرّشيد بعمل الترياق، فلم ينجع وزاد الألم، فطلب الرشيد وتضور، فقال: تسوّك من [ص:192]
الترياق الّذي عمله المملوك في البرنيَّة الفضّة وترى العجب، قال: وخرج إلى الباب فلم يشعر إلا بورقة بخطّ السّلطان: يا حكيم استعملتُ ما قلتَ فزال جميع ما بي لوقته، ثمّ بعث إليه خِلعًا وذهبًا وقد سقى من ترياقه مفلوجًا عند السّور فقام بعد ساعتين. وسَقى منه مَن به حصاة ففتّتها وأراق الماء لساعته.
وله أخبار كثيرة ذكرها ابن أبي أُصَيْبَعة وقال: سُمّيَ بأبي حُلَيقة لحلقة فضّة كانت في أُذُنه عَمِلتْها أُمُّه من الصِّغر وعاهدته أُمّه أن لا ينزعها، فبقيت لأنّها كان لا يعيش لها ولد، فقيل لها: اعملي لمولودك حُلَيقة فضّة، فإذا وُلِد اعمليها في أُذُنه، فعملتها وعاش اتفاقًا، له شعر جيد ومقالة في حِفْظ الصّحّة ومقالة في أنّ الملاذ الروحانية ألذ من الجسمانية، كتاب الأدوية المفردة سمّاه " المختار في ألف عقار "، " مقالة في ضرورة الموت ".(15/191)
373 - أبو القاسم بن سالم الزَّمْلَكانيّ. [المتوفى: 670 هـ]
حدَّث عن ابن اللتي وغيره ومات في جمادي الآخرة.(15/192)
-وفيها ولد:
فخر الدين عثمان ابن شيخنا جمال الدين أحمد بن الظاهري، وشمس الدّين محمد، ابن الشهاب أحمد بن محمد بن صالح العرضي، إمام مسجد الرحبة في صفر، وشهاب الدين أحمد بن إبراهيم بن الجزري، وشمس الدين محمد بن عبد الواحد المراكشي النحوي وبدر الدين محمد ابن شيخنا كمال الدين أحمد بن العطار في جمادى الأولى والصارم إبراهيم بن محمد الجندي بن الغزال، وشمس الدّين محمد ابن القاضي سالم بن أبي الهيجاء الأذرعي، والشيخ علي بن محمد الختني تقريبا، والتقي عبد الملك بن أبي بكر بن مشِّرف نزيل طرابلس، والقاضي كمال الدين أحمد بن العماد بن الشيرازي، والشيخ شهاب الدين أحمد بن يحيى بن جهبل في المحرم، والشيخ محمد بن أحمد البالسي، وعزيز الدّين إبراهيم بن الخطيب جمال الدّين الدّينوري بكفر بطنا،(15/192)
-الطبقة الثامنة والستون 671 - 680 هـ(15/193)
بسم الله الرحمن الرحيم
-ومن الحوادث في هذه العشر سنين على الترتيب(15/195)
-سنة إحدى وسبعين وستمائة
ففي المحرم سار السلطان من دمشق إلى مصر على البريد وَفِي صُحبته البَيْسَريّ، وجرمك النّاصريّ، وأقوش الرُّوميّ، فوصلوا فِي ستّة أيّام، وأقام خمسة ورجع فوصل دمشق في خمسة.
وَفِي المحرَّم قدِم الكافر صاحب النُّوبة فنهب عيْذاب وقتل خلْقًا، منهم واليها وقاضيها، فسار مُتَوَليّ قُوص وقصد بلادَ النّوبة، فدخل بلد الجون وقتل مَن فِيهِ وأحرقه وكذا فعل بحمص إبريم وأرميا، وغير ذلك. وهو علاء الدّين أيْدغديّ الحرب دار.
وَفِي جُمَادَى الأولى بلغ السّلطانَ وهو بدمشق أنّ فرقةً من التّتار نازلوا البيرَة، فسار إِلَى حمص، ثُمَّ إِلَى بزاعَة، فأُخبر أنّ التتار ثلاثة آلاف على الفرات، فرحل إِلَى الفُرات وأمر الجيش بخَوْضها، فخاض الأمير سيف الدّين قلاوون وبدر الدين بَيْسَريّ فِي أوّل النّاس، ثُمَّ تبِعَهُما هُوَ ووقعوا على التّتار، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا نحو المائتين، وساق وراءهم البَيْسريّ إِلَى سَرُوج. أمّا الّذين نازلوا البِيرَة فإنّهم سمِعوا بِذَلِك، فترحلوا عن البيرة منهزمين وأتاها السّلطان فخلع على الكبار وفرَّق فِي أهلها مائة ألف درهم.
وللشّهاب محمود، أبقاه اللّه، في ذلك:
سر حيث شئت لك المُهَيْمنُ جارُ ... واحكُمْ فطَوْعُ مُرادك الأقدارُ
حَمَلْتكَ أمواجُ الفُرات ومَن رَأَى ... بحْرًا سِواك تُقِلُّه الأنهارُ
وتقطَّعت فرقًا ولم يكُ طَوْدَها ... إذ ذاك إلا جيشك الجرار [ص:196]
وَفِي جُمَادَى الآخرة أفرج عن عزّ الدّين الدمياطي الأمير عن تسع سنين حبسها.
وَفِي رجب خُلع على الأمراء وفُرِّق فيهم نحو ثلاثمائة ألف دينار.
وَفِي شعبان أُطِلقَ عَلَمُ الدّين سِنْجَر الغتْميّ المعزي واشتراه السلطان.
وبعث السلطان رسل منكوتمر ابن أخي بَرَكة ومعهم رسولًا بتُحَفٍ وتقادم.
وفي شوال استدعى السلطان الشيخ خضرا شيخَه إِلَى القلعة فِي جماعةٍ حاققوه على أشياء ورموه بفواحش، فأمر باعتقاله. وكان السّلطان ينزل إليه ويحبه ويمازحه ويستصحبه فِي سائر أسفاره ويُمدّه بالعطاء ولا يرد شفاعاته وامتدت يده ودخل إِلَى كنيسة قُمامة فذبح قِسّيسها بيده ونهب أصحابُه ما فيها، ثُمَّ هجم كنيسة اليهود ونهبها وبدّع فيها. ودخل كنيسة الإسكندرية ونهب ما فيها وصيّرها مسجدًا وبنى له السّلطان مسجدًا وزاوية بالحُسَيْنيّة ومن أجْله بنى الجامع بالحُسَيْنيّة وماتا فِي شهر.(15/195)
-سنة اثنتين وسبعين وستمائة
فِي المحرَّم توجَّه السّلطان إِلَى الشّام فِي طائفةٍ، منهم سُنْقُر الأشقر، وبَيْسَريّ وأيْتِمش السَّعْديّ، فَلَمَّا وصل إِلَى عسقلان بلغه أن أبْغا قدِم بغداد، فنفّذ السّلطان وراء الجيش، فقدِموا فِي الشّتاء ولم يكن بأس.
قصَّة ملك الكُرْج
وكان قد أتى من بلاده ليزور بيت المقدس والقُمامة متنكّرًا فِي زيّ الرُّهْبان هُوَ وطائفة، فسلك أرضّ الرّوم إِلَى سيس، ثُمَّ ركب فِي البحر وطلع من عكّا وأتى القدس، فاطَّلعَ الأمير بدر الدين بيليك الخَزْنَدَار على أمره وهو على يافا، فأرسل من قبض عليه، ثُمَّ سيَّره مع الأمير منكورس إِلَى السّلطان وهو بدمشق، فسأله السّلطان وقرّره بلُطْفٍ حَتَّى اعترف، فحبسه وأمره أن يكتب إِلَى بلاده بأسره ودخل السّلطان إِلَى القاهرة فِي رجب. [ص:197]
وَفِي يوم العيد خُتِن خضِر ولدُ السّلطان في عدة صبيان من أولاد الأمراء.
وفي رمضان توجه الملك السعيد فِي صحبته الفارقانيّ وأربعون نفسًا إِلَى دمشق على البريد، ثم رد ثاني يوم.
وَفِي ذي القعدة حضر والي القرافة إِلَى والي القاهرة وأخبر أن شخصًا دخل إِلَى تُرْبة الملك المُعِزّ وجلس عند القبر باكيًا، فسئل عن بكائه، فذكر أنه قليج قان ابن الملك المُعِزّ. وقد كان السّلطان نفى آل المعزّ هَذَا والملك المنصور عليّ إِلَى بلاد الأشكري، فطُلب وقُيِّد وطولع به السّلطان، فأحضره وسأله عن أمره، فذكر أنّ له في البلاد نحو ست سنين يتوكل لأجناد، فحُبس بمصر وحنا عليه بعض مماليك أَبِيهِ فأجرى عليه نفقة.
قلت: رَأَيْت قليج قان هَذَا فِي سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، فحكى لنا أخباره وأنّه وُلِدَ سنة ثمانٍ وأربعين وستّمائة وأنّه نجا من بلاد الأشكريّ وأنّ أخاه الملك المنصور عليّ تنصّر هناك وبقي إلى سنة سبعمائة أو نحوها وله أولاد هناك نصارى وأنّه هُوَ الَّذِي باع للملك الأشرف مملوكه لاجين الَّذِي تملك بخمسة آلاف درهم.
وفيها ذكر محيي الدّين ابن عَبْد الظاهر أنّه وصل كتاب صاحب الحبشة إِلَى السّلطان فِي طيّ كتاب صاحب اليمن وفيه: " أقلّ المماليك أمحرا ملاك يقبّل الأرض ويُنْهي بين يدي السّلطان الملك الظّاهر، خلّد اللّه مُلكه، أن رسولا وصل من والي قوص بسبب الراهب الذي جاءنا، فنحن ما جاءنا مُطْران وبلادُنا بلادُ السّلطان ونحن عبيده، فيأمر الأب البترك يعمل لنا مطرانا رجلًا عالمًا لا يحبُّ ذهبًا ولا فضّةً ويسيره إلى مدينة عوان والمملوك يسيّر إِلَى أبواب الملك المظفَّر ما يلزمه ليُسَيّره إِلَى ديار مصر. وقد مات الملك دَاوُد وتملَّك ابنه وعندي فِي عسكري مائة ألف فارس مسلمين، وأمّا النّصارى فكثير وكلُّهم غِلمانُك ويدعون لك ".
فكتب جوابه: " ورد كتاب الملك الجليل الهُمام، العادل فِي رعيّته حطي ملك أمحرة، أكبر ملوك الحُبشان، نجاشيّ عصره، سيف المِلّة المسيحية [ص:198]
حرسَ اللّه نفسَه، ففهِمْناه؛ فأمّا المُطْران فلم يحضر من جهة الملوك رسولٌ حَتَّى كنّا نعرف الغَرَض ". فِي كلام نحو هَذَا.
وأمحرا: إقليم كبير، صاحبه يحكم على أكثر الحبشة ويُلقَّب حَطّي وهو الخليفة.
ومدينة عوان: هِيَ ساحل بلاد الحبشة وأوّل الحبشة. وكان قد نفَّذ هديّةً من جُملتها سباع، فأخذ صاحب سحرت الهدية ونهبها.
وفيها وعظ بدمشق العز عَبْد السّلام بْن أَحْمَد بْن غانم، فأعجب الناس جدا.(15/196)
-سنة ثلاث وسبعين وستمائة
فِي صفر توجّه السّلطان إِلَى الكَرَك على الهُجْن وكان قد وقع بها بُرْج أحبّ أن يُصَلّح بحضوره.
غزوة سِيس
دخل السّلطان ـ عَزَّ نصْرُهُ ـ دمشق فِي آخر شعبان، ثُمَّ سار إِلَى سِيس وعبر إليها من الدّربَنْد، فافتتحها وأخذ أياس وأذَنَة والمصّيصَة فِي العشْر الأخير من رمضان وبقي الجيش بها شهرًا وقتلوا وأسروا وسبوا خلائق وغنموا. وبقي السّلطان بجسر الحديد إِلَى أواخر ذي القعدة.
ذكر استيلاء بيت لاون على سيس والثغور
قَالَ العماد الكاتب: كَانَتْ هَذِهِ البلاد يحميها متملّك الرّوم ويحفظها، فاستولى عليها مليح بْن لاون النَّصْرانيّ، قَالَ: وذلك لأنّ السّلطان نور الدّين محمود بن زنكي كان يشدّ منه ويقوّي جأشه وكان كما يُقَالُ: قد سلَّط الكَفَرَة على الفجرة. فَلَمَّا تقوّى مليح بْن لاون وجّه صاحب الرّوم جيشًا، فكسرهم ابن لاون وأسر من مُقَدَّميهم ثلاثين نفسًا. وذلك فِي ربيع الآخر سنة ثمانٍ وستّين [ص:199]
وخمسمائة. فبلغ ذلك نورَ الدّين، فأرسل خَلَعَ عليه وكتب إِلَى الخليفة يعظّم أمره ويقول: إنّ مليح بْن لاون الأرمنّيّ من جُملة غلمانه وأنّه كسر الرّوم ويمتّ على الدّيوان بهذا. ومن هَذَا الوقت تملّك هذا التكْفُور هَذِهِ البلاد نيابةً عن نور الدّين لا غير واستمرّ على ذلك.
وبلاد سيس هَذِهِ تُعرف بالدروب وتعرف بالعواصم وبها كان الرباط والمثاغرة وكان أمرها مضافًا إِلَى مملكة مصر.
وقد افتتح أحمد بن طولون هذه البلاد فأخذها من سيما الطويل وفي أيام كافور الإخشيذي حصل التهاون فِي أمر الثّغور، فقصدها الملك تكفور ويقال: تقفور الرّوميّ، لعنه اللّه، فَعَصَتْ عليه، فحرّق قُراها وقطّع أشجارها، فبعث كافور نجدةً لها.
والشّرح فِي ذلك يطول وليس هَذَا موضعه وللمولى محيي الدين ابن عَبْد الظاهر فِي هَذِهِ النَّوبة:
يا ملكَ الأرض الَّذِي جيشُهُ ... يملأ من سِيسَ إِلَى قوص
مصيصة التكفور قالت لما ... بالله إفرادي وتخصيصي
كم بدن فصله سيفك الـ ... ـفراء والأكثر مصيصي
وفي شعبان وقع رمل عظيم بالموصل وظهر من القِبْلة وانتشر يمينًا وشمالًا حَتَّى ملأ الُأفُق وعُمِّيت الطُّرُق، فخرج الخلْق إِلَى ظاهر البلد وابتهلوا إلى الله واستغاثوا إلى أن كشف ذلك عنهم.
وَفِي ربيع الآخر قُتِلَ بغَرْنَاطَة الزِّنديق الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الصّفّار، قتلوه رجْمًا بالحجارة بأمر السّلطان محمد ابن السّلطان مُحَمَّد بْن يوسف بْن نصْر صاحب الأندلس، وكتب بذلك إلى المَريَّة يُعْلمِهُمُ بكُفْره ويُحذّرهم من سلوك سبيله. وَفِي الكتاب: " إنّه كان يفضّل إِبْرَاهِيم وعيسى على نبيّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّهُ كان يفضّل الوليّ على النّبيّ ويستحل المحرّمات " وَفِي الكتاب: " وإنّ هَؤُلَاء الكفرة، يعني أصحاب إِبْرَاهِيم الصّفّار، تلاعبوا بالدّين واعتقدوا الولايةَ فِي كثير من الفُسّاق المكِبّين على الكبائر، كالمشَوْرب المشهور وأبي زيدان [ص:200]
وأشباههما من سخفاء المجانين أو المجان ". وهذا فِي مجلّد بخط أبي الْوَلِيد المالكيّ.
وفيها كان القحط المُفْرِط باليمن، حَتَّى أكلوا الميتات.(15/198)
-سنة أربع وسبعين وستمائة
فِي شهر جُمَادَى الآخرة نزلت التّتار على الْبِيرة فِي ثلاثين ألفًا وأكثرهم من عسكر الروم وماردين، فَبيّتهم أَهْل الْبِيرة وأحرقوا المجانيق ونهبوا وعادوا، فجدّ التَّتار فِي الحصار والقلعة بحمد اللّه عاصية، ثُمَّ رحلوا عَنْهَا وسلّم الله وأقاموا عليها تسعة أيّام. ولما بلغ السّلطان ذلك أنفق فِي الجيش ستّمائة ألف دينار وأكثر وسار، فبلغه وهو بالقطيفة رحيل التّتار، فوصل إلى حمص ورجع إلى القاهرة.
ولمّا رحلت التّتار اتّفقوا مع البَرَوَاناه على منابذة ملكهم أبغا، فخلف البرواناه الأمير حسام الدّين بيجار وولده بهاءُ الدّين وشَرَفُ الدين مسعود ابن الخطير وأخاه ضياء الدّين والأمير ميكال، على أن يكونوا مع الملك الظاهر، ثُمَّ كتب إِلَى الظاهر بِذَلِك على أن يرسل إليهم جيشًا ويحمل إلى الظاهر ما يحمل إلى التتر، ويكون غياث الدّين على ما هُوَ عليه من السلطنة.
غزوة النُّوبة ودُنْقُلَة
توجّه من مصر جيش عليهم عزّ الدّين أَيْبَك الأفرم وشمس الدين الفارقاني إلى النوبة في ثلاثمائة فارس، فوصلوا دُنْقُلَة، فخرج إليهم ملكها دَاوُد على النُّجُب، بأيديهم الحِراب وليس عليهم لَامَة، فَرَمَوْهُم بالنُّشّاب، فانهزموا وقُتِل منهم خلْق وأسِر خلْق وبِيع الرّأسُ من السَّبْي بثلاثة دراهم، ومرّ دَاوُد فِي هروبه بملكٍ من ملوك النوبة، فقبض عليه وأرسل به إِلَى الملك الظاهر ووُضِعت الجزية على أَهْل دُنْقُلَة ولله الحمد.
وأوّل ما غُزِيَت النُّوبة فِي سنة إحدى وثلاثين، غزاها عبدُ اللّه بن سعد ابن أبي سرح فِي خمسة آلاف فارس، وأصيبت في هذه الغزوة عين حديج ابن [ص:201]
مُعَاوِيَة وعين أبرهة بْن الصباح. ثُمَّ هادنهم عَبْد اللّه وردّ. ثُمَّ غُزِيَت فِي زمن هشام ولم تفتح، ثم غزيت زمن المنصور، ثُمَّ غزاها تكِين الترّكيّ، ثُمَّ غزاها كافور صاحب مصر، ثُمَّ غزاها ناصر الدّولة ابن حمدان، فبيّتوه وردّ مهزومًا. وغزاها تورانشاه أخو السّلطان صلاح الدّين فِي سنة ثمان وستين وخمسمائة ووصل إلى أبريم ولم تفتح إلى الآن كما قَالَ ابن عَبْد الظاهر:
هَذَا هُوَ الفتح لا شيء سمِعْتُ بهِ ... فِي شاهد العين لا ما في الأسانيد
وفي ذي الحجة عقد للملك السعيد على ابنة الأمير الكبير سيف الدين قلاوون الألفي على صداق خمسة آلاف دينار، وكتب الكتاب محيي الدين ابن عبد الظاهر وقرأه، فخلع عليه وأعطي مائة دينار وأوله: الحمد لله موفق الآمال لأسعد حركة، ومصدق المقال لمن جعل عنده أعظم بركة، ومحقق الإقبال لمن أصبح نسيبه سلطانه وصهره ملكه؛ إلى أن قال: وبعد فلو كان إيصال كل شيء بحسب المتصل به لما استصلح البدر شيئا من المنازل لنزوله ولا الغيث شيئا من الرياض لهطوله، ولا الذكر الحكيم لسانا من الألسنة لترتيله، ولا الجوهر الثمين شيئا من التيجان لحلوله .. ومنه: فخطب إليه أسعد البرية، وأمنع من تحميها السيوف المشرفية، وأعز من تسبل عليها ستور الصون الخفية، وتضرب دونها خدور الجلالة الرضية، وتتجمل بنعوتها العقود كيف لا وهي الدرة الألفية.
وفي ذي الحجة سار السلطان إلى الكرك وجعل فيه الطواشي شمس الدين صواب السهيلي ثم قدم دمشق.
الزلزلة
وفيها كانت زلزلة عظيمة بخلاط أخربت كثيرا من دورها، وهلك جماعة تحت الردم واتصلت بأرجيش فأخربتها وخسفت منها مواضع، وأما ماردين وميافارقين فشعثت فيها. [ص:202]
وفيها افتتح حصن القصير، وهو بين حارم وأنطاكية وكان فيه قسيس عظيم يقصد من البلاد فحاصرته العسكر الحلبي مع بلبان الرومي الدويدار، فنزل القسيس وسلمه بالأمان في جمادى الأولى. وهذا الحصن لم يفتحه صلاح الدين فيما فتح، وكان أهله أهل شر وأذية.
وفيها سير السلطان رسلا إلى الفنش صاحب إشبيلية لكونه كان بعث رسولا بتقدمة سنية، فسير السلطان الأميرين سيف الدين الجلدكي وعز الدين الكبكبي، والعدل ابن البيع، ومعهم هدية، فركبوا في البحر وتوصلوا إلى بلنسية، ثم إلى الفنش، فاحتفل لالتقائهم وبالغ في إكرامهم ثم سفرهم فقدموا مصر في صفر من سنة خمس وسبعين.
وفيها أخذ رجل وامرأة في رمضان في بغداد في حمام على الفاحشة، فأفتى الفقهاء برجمهما فحصبا بظاهر بغداد، وما رجم ببغداد أحد قبل هذين فكأنهما اعترفا.(15/200)
-سنة خمس وسبعين وستمائة
فِي أوّلها دخل السّلطان دمشق من الكرك، فبعث بدر الدّين الأتابكيّ فِي ألفٍ إِلَى الروم، فوصلوا إِلَى البُلُسْتَيْن، فصادفوا بها جماعة من عسكر الروم، فبعثوا إِلَى بدْر الدّين بإقامات وخدموه وسألوه أن يقتل التّتر الّذين بالُبلُسْتَيْن، ويصيروا معه إِلَى السّلطان، فأخذهم معه، ووافوا السّلطان على حارم، فأكرم مَوْردهم، ثُمَّ بعث الأمير حسام الدّين بيجار إِلَى مصر، فخرج الملك السعيد لتلقَّيه، ثُمَّ قدِم على السّلطان ضياءُ الدّين ابن الخطير، ورجع السّلطان إلى مصر بعد ذلك.
وحضر إِلَى الرّوم طائفةٌ كبيرة من المغول، وقتلوا شرف الدّين ابن الخطير، وبعثوا برأسه إِلَى قُونية، وقُتِل معه جماعةٌ من الأمراء والتُّركُمان؛ وذلك لأنّ ابن الخطير شرع يفرّق العساكر وأذِن لهم فِي نهْب مَن يجدونه من التّتار وقتلهم.
وانحاز الأمير مُحَمَّد بْن قرمان وإخوتُه وأصحابه التُّركُمان إِلَى سواحل الرّوم وأغاروا على التتار، وكاتب الملك الظاهر. فطلب الملك غياث [ص:203]
الدّين صاحب الروم وابن البرواناه الأمير شرف الدّين ابن الخطير، فقِدم عليهما، فجمعوا من حواليهم من المغول، فخرج تاج الدّين كيوي إِلَى ابن الخطير وعنّفه ابن الخطير وأمر به فقُتِل وقُتِل معه سِنَان الدّين والي قُونية، ثُمَّ نِدم وخاف من البَرَوَاناه، فأتى إِلَى باب الملك غياث الدّين فِي يوم الجمعة ثالث عشر صفر فِي أُهْبة وطائفة. وتخبّط البلد ولم يُصلّوا جُمُعه. ثُمَّ نودي فِي البلد بشِعار الملك الظاهر وراسلوا الملك الظاهر يستوثقون منه باليمين لأنفسهم ولغياث الدّين، فاستأذنهم ابن البَرَوَاناه فِي أن يدخل قيصريّة ويحمل حواصله ويخرج إليهم ودخل وحمل حُرمَهَ وأمواله وخرج ليلًا وسار إِلَى دوقات. فَلَمَّا تحقّق شرف الدّين ابن الخطير مسيرَه إِلَى دوقات بعث أخاه ضياء الدّين وسيف الدّين طرمطاي وولده سِنَان الدّين فِي جماعة نحو الخمسين إِلَى الملك الظاهر يحثه على المجيء، فوافوه على حمص وحرّضوه فقال: أنتم استعجلتم فِي المنابذة وأنا وعدت معينَ الدّين البَرَوَاناه قبل توجُّهه إِلَى الأردو أنّي أطأ البلاد فِي آخر هَذِهِ السّنة. وأنا الآن فعساكري بمصر. وأمّا ذهاب مهذب الدّين ابن البَرَوَاناه إِلَى دوقات فنِعمْ ما فعل. ثُمَّ أكرمهم. فقال ضياء الدّين: يا خَوَنْد مَتَى لم تقصد البلاد الآن لم نأمَنْ على أخي أن يُقتل هُوَ والأمراء الّذين حلفوا لمولانا السّلطان وإنْ كان ولا بُدّ فتبعث عسكرًا يكونون رِدْءًا له. فقال: المصلحة أنْ ترجعوا إِلَى بلادكم وتحصّنوها وتحتموا بالقِلاع إِلَى أنْ أمضي إلى مصر ونربع الخيل ونعود.
ثم جهز الأمير سيف الدّين بَلَبان الزَّيْنيّ إِلَى الروم ليُحضر من خُلّف بها من الأمراء والملك غياث الدين، فلما كان بالطريق جاءه الخبر بعَوْد البَرَوَاناه إِلَى الروم فِي خدمة منكوتمر وإخوته فِي ثلاثين ألفًا، فردّ.
وأمّا شرف الدّين ابن الخطير فعزم على حرب منكوتمر، فسفّه الأمراءُ رأيَه وقالوا: كيف نلتقيه ونحن فِي أربعة آلاف؟ فعلم أنّه مقتول، فقصد قلعة لؤلؤة ليحتمي بها، فَمَا مكَّنَه واليها من دخولها إلّا وحده ومعه مملوك، فَلَمَّا دخل قبض عليه وبعث به إِلَى البَرَوَاناه، فَلَمَّا دخل عليه شَتَمَه وبَصَق فِي وجهه ورسّم عليه. ولما قدِمَ البَرَوَاناه جلس هو والتوامين: تتاون [ص:204]
وكريه وتقو، مجلسًا عامًّا وأحضروا الملك غياث الدّين وأمراءه، فقالوا: ما حملك على ما فعلت من خلْع أبْغا ومَيْلك إِلَى صاحب مصر؟ فقال: أنا صبيّ وما علِمتُ المصلحة. ورأيت الأمراء قد فعلوا شيئًا، فخفْتُ إنْ خالفتهم أن يمسكوني، فقام البرواناه إلى الطواشي شجاع الدين قانبا لالا السّلطان فذبحه بيده. ثُمَّ إنّ الأمراء اعتذروا بأن ابن الخطير هُوَ الَّذِي فعل هَذَا كلّه وخفنا أن يفعل بنا كما فعل بتاج الدّين كيوي. فسألوا شرف الدّين ابن الخطير فقال للبرواناه: أنت حرّضتني على ذلك وأنت كاتبت صاحب مصر وفعلت وفعلت. فأنكر البَرَوَاناه ذلك. وكتب المقدَّمون بصورة ما جرى إِلَى أَبْغا ثُمَّ أمروا بضرب ابن الخطير بالسِّياط ويقرّروه بمن كان معه، فأقرّ على نور الدين ابن جيجا وسيف الدين قلاوز وعَلَم الدّين سنْجر الْجَمْدار، وغيرهم. فَلَمَّا تَحقّقّ البَرَوَاناه أنّه يقتل بإقرار ابن الخطير عليه، أوحى إليه يقول: مَتَى قتلوني لم يُبْقوك بعدي، فاعملْ على خلاصي وخلاصك بحيث أنّك تصرّ على الأنكار واعتذر بأنّ اعترافك كان من ألم الضَّرْب.
ثُمَّ جاء الجواب بقتل ابن الخطير، فقُتل فِي جُمَادَى الأولى وبُعِث برأسه إِلَى قُونية وبإحدى يديه إِلَى أنكورية وبالأخرى إِلَى أرزنكان. وقتلوا معه سيف الدّين قلاوز، والجمدار وجماعة كبيرة. وأثبتوا ذنبا على طرمطاي، ففدى نفسه بأربعمائة ألف درهم وبمائتي فرس وعلى أن يقيم بألف من المغل في الشتاء.
وفيها قتل مرخسيا النّصرانيّ القِسّيس، لا رحِم اللّه فِيهِ عُضْوا وكان واصلًا عند أبغا، متمكنًا منه وله عليه دالّةٌ زائدة. وكان يُغريه بأذِيّة المسلمين. قتله مُعين الدّين محمود والي أرْزَنْكان بأمر البَرَوَاناه وقتل نيِّفًا وثلاثين نفسًا معه من أهله وأتباعه، فالحمد لله.
وفيها تواقع أَبُو نُميّ صاحب مكّة وجمّاز صاحب المدينة، فالتقوا على مَرّ الظَّهْران وسببها أنّ إدريس بْن حسن بْن قَتَادَة صاحب اليَنْبُع وهو ابن عم أبي نُمَيّ اتفق هو وجماز على أبي نمي وسارا لقصده، فخرج وكسرهما وأسر إدريس وهرب جماز. [ص:205]
وَفِي شوّال قدِم السّلطان دمشق ودخل حلب فِي أول ذي القعدة. وسار ابن مجلّي بعسكر حلب فنزل على الفرات وسار السّلطان بالجيوش فقطع الدَّرْبَنْد الرومي ووقع سُنْقُر الأشقر بثلاثة آلاف من التّتار، فالتقاهم فكسرهم وأسر منهم وصعِد العسكر الْجِبَال وأشرفوا على صحراء البُلُسْتَيْن، فشاهدوا التّتار، قد رتّبوا عسكرهم أحد عشر طُلُبًا، الطُّلُب ألف ومقدَّم الكُلّ النوين تتاون وعزلوا عَنْهُمْ عسكر الروم خوفًا من مخامرتهم، فَلَمَّا التقى الجمعان حملت ميسرة التّتار فصدمت سناجق السّلطان ودخلت طائفةٌ منهم وحملوا على الميمنة، فَلَمَّا رَأَى ذلك السّلطان ردَفهم بنفسه وخاصكيّته، ثُمَّ رَأَى ميسرَته قد اضطّربت، فردَفَها بطائفة، ثُمَّ حمل بالجيش حملة واحدة عليّ التّتار، فترجّلوا وقاتلوا أشدّ قتال وقتل منهم مقتلة عظيمة وانهزم الباقون فِي الجبال والوعر، فأحاطت بهم العساكر المنصورة، فقاتلوا حَتَّى قُتِلَ أكثرهم وقتل من المسلمين جماعة، منهم الأمراء: ضياء الدّين ابن الخطير وشرف الدّين قيران العلّانيّ وعزّ الدّين أخو المحمديّ وسيف الدّين قلنجق الشّشنْكِير وعزّ الدّين أَيْبَك الشَّقِيفيّ وأُسِر خلقٌ من التّتار، فمنهم على ما ذكر المؤيَّدُ: سيف الدّين سلّار وسيف الدّين قبجق، وسنذكر من أخبارهما ونجا البَرَواناه وساق إِلَى قيصريّة وذلك فِي ذي القعدة. واجتمع بصاحب الروم غياث الدّين وأعيان الدولة وأخبرهم بكسرة التّتار، فاجتمع رأيهم على الانتقال إِلَى دوقات خوفا من مرور التتار بهم وأذيتهم.
وأمّا السّلطان فبعث سُنْقُرَ الأشقر إِلَى قيصرية بأمان أهلها وإخراج السُّوقيّة، ثُمَّ رحل السّلطان، عَزّ نصرُه، إِلَى قيصريّة، فمر بقلاع ونزل ولاتها إلى خدمته ودخلوا في الطاعة وقدِم قيصريّة وطلع الأعيان والأمراء والكبار والفضلاء على طبقاتهم وتلقوه وفرح به المسلمون وكان يومًا مشهودًا. وركب يوم الجمعة للصلاة، فدخل إِلَى مدينة قيصرية ونزل بدار السلطنة وجلس على سرير المملكة وجلس بين يديه القضاة والعلماء على [ص:206]
قاعدة مملكة الروم ومدّوا سِماطًا عظيمًا وخطبوا له وضُرِبت السكة باسمه، ثُمَّ بلغ السّلطان أن البَرَوَاناه كتب إِلَى أبغا يحرّضه على إدراك السّلطان الملك الظاهر بالرّوم. وبلغه أيضًا الغلاء الَّذِي بالبلد، فرحل عَنْهُ إِلَى الشّام.
وممّن أسر المسلمون فِي وقعة البُلُسْتَين من الكبار: مهذب الدين ابن البرواناه، وابن أُخته والأمير نور الدّين جبريل والأمير قُطْب الدّين محمود والأمير سِراج الدّين إِسْمَاعِيل بْن جاجا والأمير سيف الدّين سُنْقُر شاه الزُّوباشيّ ونُصْرة الدّين بَهْمَن وكمال الدّين إسماعيل عارض الجيش وحسام الدين كياوك والأمير سيف الدّين الجاويش وشهاب الدّين غازي التُّركُمانيّ ومن أمراء التّتار: زيِرك صهر أبْغا، وسرطق، وجركر، وتماديه وسركدة.
وأمّا صاحب الروم فتحول إِلَى دوقات وهي حصينة، على أربعة أيام من قيصرية ورجع الملك الظاهر على المعركة، فسأل عن عدّة القتلى كم بلغت؟ فقيل: إن عدة القتلى المغل ستة آلاف وسبعمائة وسبعون نفسًا. وتعِب الجيش وقاسوا مشقَّةً عظيمة وكان على يَزَك الجيش عزّ الدّين أَيْبك الشَّيْخيّ، وكان قد ضربه السّلطان بسبب تقدُّمه، فتسحّب إِلَى التّتار.
وجاء إِلَى السّلطان رسول البرواناه يستوقفه عن الحركة، فكان جوابه: إنّا قد عرفنا طُرُق الروم وبلاده، وما كان جلوسنا على تخت المُلْك رغبةً فِيهِ إلّا لنُعْلِمَكُمْ أنّه لا عائق لنا عن شيءٍ نريده بحول اللّه وقوته، ثُمَّ قطع السّلطان الدَّربَنْد وعبر النهر الأزرق وقدم الشام في آخر العام.
ولما بلغ شمس الدّين ابن قرمان وقعةُ البُلُسْتَيْن جمع وحشد وقصد أقْصرا ونازلها، ثُمَّ قصد قُونية ومعه ثلاثة آلاف فارس فنازلها ورفع السّناجق الظاهريّة وأحرق بابها ودخلها يوم عَرَفَه، فنهب دُور الأمراء والنّائب، ثُمَّ ظفر بنائبها، فعذّبه وقتله وعلّق رأسه. وأقام بقُونية سبعة وثلاثين يوما.
وأمّا الملك أبغا فإنّه أسرع إِلَى الروم فوافى البلستين على أثر رجوع الملك الظاهر، فشاهد القتلى وبكى وأنكر على البرواناه كوْنه لم يعرفه بجَلِية الأمر، فقال: لم أعرف. فلم يقبل قوله وحنق عليه وبعث أكثر جيشه إِلَى جهة الشّام وكان معه أيْبك الشَّيْخيّ، فقال له: أرني مكان ميمنتكم [ص:207]
وميسرتكم، فأراه، فقال: ما هَذَا عسكرٌ يكفيه هَذِهِ الثّلاثون ألفًا التي معي. ثُمَّ بعث يجمع العساكر. وكان قد هلك لهم خيلٌ كثيرة. ثُمَّ عطف، لعنه اللّه، على قيصرية فخرج إليه القضاة والعلماء وقال: كم للملك الظاهر عنكم؟ قَالُوا: خمسة وعشرون يومًا. وعزم على قتْل أَهْل قيصريّة فلاطَفُوه وقالوا: هَؤُلَاء رعيّة لا طاقة لهم بدفع جيش، فلم يقبل هَذَا العُذر وقتل جماعةً من الأعيان صبْرًا. ثُمَّ أمر عسكره بالقتل والنَّهْب فِي البلد.
قَالَ قُطْبُ الدّين فِي "تاريخه": فيقال إنّه قُتِلَ من الرّعية ما يزيد على مائتي ألف، وقيل خمسمائة ألف من قيصريّة إِلَى أرزن الروم. وممّن قُتِلَ: القاضي جلال الدّين حبيب. فَمَا قوّم دخول السّلطان وحُكمه على الروم أسبوعًا بما جرى على أهلها. فلا قوة إلا بالله.(15/202)
-سنة ست وسبعين وستمائة
دخل السّلطان دمشق فِي سابع المحرَّم، فدخل القلعة، ثم نزل إلى قصره.
وتواترت الأخبار بوصول أبغا إِلَى البُلُسْتَيْن، فضرب السّلطان مشورة ووقع الاتفاق على الخروج من دمشق بالعساكر المنصورة وملتقى أبغا حيث كان. وأمر بالدِّهليز فضُرب على القصر. ثُمَّ بلغه رجوع أبغا، فأمر برد الدهليز.
وجلس فِي رابع عشر المحرَّم بالقصر فرِحًا مسرورا لشرب القُمز، فتوعّك عقيب ذلك اليوم وتقيأ، فعسُر عليه القيء، ثُمَّ ركب لكي ينشط فقوي به الألم ومرض واشتكى فِي اليوم الثالث حرارة في باطنِه، ثُمَّ أجمعت الأطباء على استفراغه، فسَقَوْه دواءً، فلم ينجع، فحرّكوه بدواءٍ آخر كان سببًا لإفراط إسهاله وضعُف والحمَّى تتضاعف، فتخيّل خواصُّه أنّ كبده تتقطع وأنّه سُمّ، فسقوه جواهر فِي اليوم السادس. وكانت المرضة ثلاثة عشر يومًا. ومات رحمه اللّه وعفا عَنْهُ، كما هُوَ مؤرَّخ فِي ترجمته فِي المحرَّم.
وَفِي سادس عشر ربيع الأوّل ركب السّلطان الملك السعيد بأُبَّهة الملك، [ص:208]
وخلع على الأمراء وله نحو ثمان عشرة سنة.
وَفِي الخامس والعشرين من ربيع الأول قبض الملك السعيد على سُنْقُر الأشقر والبَيْسَريّ وسجنهما وكان قبل ذلك بأيّام قد مات نائب السّلطنة بيليك الخَزْنَدَار، فولّى مكانه شمس الدّين آقسنقر الفارقاني.
وفيه قدِمتْ رُسُل بركة فِي البحر وطلعوا من الإسكندرية.
وَفِي ربيع الآخر قبض السّلطان على نائبه الفارقانيّ فِي جماعةٍ من الأمراء وحُبِسوا، وولّي نيابةَ السلطنة الأمير شمس الدّين سُنْقُر الألفيّ.
وفيه أفرج السّلطان عن سُنْقُر الأشقر وبَيْسَريّ وخلع عليهما ورضي عنهما.
وَفِي جُمَادَى الآخرة قبض السّلطان على خاله بدْر الدّين بركة خان لأمرٍ نَقَمَه عليه، ثُمَّ أطلقه بعد عشرة أيّام. وبقيت الآراء مختلفةً وكلُّ واحدٍ يشير على السّلطان بما يوافق هواه والسلطان شاب غر بالأمور.
وعُمِلت التُّرْبة الظاهرية بدمشق وبالَغُوا فِي الإسراع فِي إنشائها ونُقِل تابوت المرحوم الملك الظاهر من قلعة دمشق إلى تربته في رجب ليلًا ومعه نائب السلطنة عزّ الدّين أَيْدمر ومن الخواص دون العشرة.
وَفِي ذي القعدة عُزل القاضي محيي الدّين عَبْد اللّه ابن قاضي القضاة شرف الدّين ابن عين الدولة عن قضاء مصر وأعمالها، ثُمَّ أضيف ذلك إِلَى قاضي القضاة تقيّ الدين ابن رزين ولم يُفْرَد بعد ذلك قضاء مصر عن قضاء القاهرة.
وَفِي ذي الحجّة وُلّي قضاء الشّام ابن خَلِّكان وصُرِف ابن الصائغ، رحمهما اللّه.(15/207)
-سنة سبع وسبعين وستمائة
فدخل قاضي القضاة ابن خَلِّكان دمشق فِي أول العام وتلقّاه نائب السّلطان والدولة والأعيان، وفرح الأكابر بمَقْدَمِه ومدحه غيرُ واحدٍ من الشعراء، وتكلم نور الدين ابن مُصْعَب وأنشأ هَذِهِ الأبيات: [ص:209]
رأيت أَهْل الشّام طُرًّا ... ما فيهم قَطُّ غيرُ راضِ
نالهم الخيرُ بعد شَرّ ... فالوقتُ بسْطٌ بلا انقباضِ
وعُوِّضوا فرحةً بحُزْنِ ... قد أنصف الدّهرُ فِي التّقاضي
وسَرَّهم بعد طول غمٍّ ... قدومُ قاضٍ وعَزْلُ قاض
فكُّلهُم شاكرٌ وشاك ... كحال مستقبل وماضي
وَفِي صفر أُديرت المدرسة الظاهرية بدمشق ولم تكن تكملت عمارتُها، وكانت قبل ذلك دار إمرة وتُعرف بدار العقيقيّ، فاشتُريت، فدّرس للشّافعية الشّيخ رشيد الدّين الفارقيّ، ودرّس للحنفية الشّيخ صدر الدّين سليمان.
وَفِي جُمَادَى الأولى ولي قضاء الحنفيّة بدمشق الشّيخ صدر الدّين سُلَيْمَان، بعد وفاة ابن العديم، فتُوفّي بعد ثلاثة أشهر، ووُلّي بعده القاضي حسام الدين الرومي قاضي ملطية.
وفي ذي القعدة أديرت المدرسة النجيبية وهي صغيرة، إِلَى جانب المدرسة النُّوريّة فدرّس بها قاضي القضاة ابن خلكان مديدة، ثم نزل عنها لولده. وفتحت أيضًا الخانكاه النّجيبيّة وكان سبب تأخر فتح المكانين عن تاريخ وفاة النُّجِيبيّ شُمُول الحَوْطة التركة والوقف.
وَفِي خامس ذي الحجّة كان عبور السّلطان الملك السعيد إلى قلعة دمشق وكان يومًا مشهودًا، وعُمِلت القباب، وفرح النّاس ودعوا له دعاءً كثيرًا وسُرّوا به سرورا زائدا لجودته ولينه.
وَفِي يوم عَرَفَه باشر الوزارة بمصر القاضي برهانُ الدّين الخَضِرُ بْن الْحَسَن السّنْجاريُّ بحُكم وفاة الوزير بهاء الدين ابن حنى بمقتضى مرسوم سلطاني.
وَفِي هَذَا الشهر وُلّي الوزارة بالشام الصّاحبُ فتْح الدّين ابن القَيْسرانيّ، وبسط يده وأمر القضاة بالركوب معه أول مباشرته.
وبعث السّلطان شطر الجيش للإغارة على بلاد سِيس وعليهم الأمير الكبير سيف الدّين قلاوون.
وبقي السلطان يتردد إلى المرج والزنبقية للفُرْجة، وجلس بدار العدل، [ص:210]
وأسقط ما قرره أبوه على الأمداد، فسُرَّ النّاس ودعوا له على هَذِهِ الحَسَنَة العظيمة ولعل الله قد رحمه بها.
وفيها عُزِل عن الشّدّ بكتوت الأقرعيّ وأرسل إلى حلب على خبز الأمير علم الدّين الدّواداريّ، ثُمَّ أُحضر الدّواداريّ وأعطي شد الشام، فباشر في أواخر ذي الحجّة.(15/208)
-سنة ثمان وسبعين وستّمائة
فِي المحرَّم ولي قضاء المالكية بدمشق الَّذِي كان ينوب عن الشَّيْخ زين الدّين الزَّواويّ، وهو جمال الدين أبو يعقوب الزواوي.
وفيه ولي ولاية دمشق عزّ الدّين ابن أبي الهيجا، وعزل الأمير ناصر الدين الحراني.
وَفِي ربيع الأول وقع الخُلْف بين الخاصكية بدمشق وعجز السّلطان عن تلافي ذلك، وخرج عن طاعته نائبه الأمير سيف الدّين كَوُنْدُك وتقدَّم بالّذين التفّوا عليه نحو القُطَيِّفة ومعه نحو أربعمائة من الظاهرية، وفيهم فرسان وشجعان، فنزل بالقُطَيِّفة ينتظر الجيش الّذين فِي سِيس، فقِدموا واتّصل بهم كوندك وأصحابه ونزل الكل بعذرا، وراسلوا السّلطان فِي معنى الخُلْف الَّذِي حصل. وكان كَوُنْدُك مائلًا إِلَى البيسريّ، ولمّا اجتمع به وبالأمير سيف الدّين قلاوون وغيرهما من الكبار أوحى إليهم ما وَغَر صُدُورَهم وخوّفهم من خواصّ الملك السعيد، وأنّ نِيَّتهم نَحْسة، وأنّ السّلطان موافق لمّا يختارونه وكثُر القول ونفّر الخواطر. فاقترح الأمراء على السعيد إبعادّ الخاصكية عنه وتفريقهم، فلم يُجِب إِلَى ذلك عجزًا عَنْهُمْ وخوفًا من العاقبة، وحار فِي أمره وصار وحيدًا، فرحل الجيش من عذرا وساروا على المرج إِلَى الكسْوة، وتردّدت الرُّسُل بينهم. ثُمَّ ساروا إِلَى مرج الصُّفَّر، ففارقهم نائب دمشق عزّ الدّين أَيْدمر ومعه أكثر عسكر دمشق، ودخلوا البلد، فبعث السّلطان أمّه بِنْت بركة خان فِي محفَّة، وَفِي خدمتها سُنْقُر الأشقر، فإنّه كان مقيمًا بدمشق عند السّلطان، فتلقَّتْها الأمراء وقبلوا الأرض أمام المحفّة، فكلمتهم فِي الصُّلح وحلفت لهم على بطلان ما نُقِل إليهم، وأنّ السّلطان يعرف [ص:211]
حقهم، فاشترطوا شروطًا كثيرة التزمت لهم بها، وعادت إِلَى ولدها وعرّفته الصورة، فمنعه من حوله من الخاصكية من الدخول تحت تلك الشروط وقالوا: قصْدُهم إبعادنا ليتمكنوا منك ويعزلوك. ولم يتّفق أمرٌ، وترحل العسكر طالبين الديار المصرية، فساق السّلطان جريدةً فِي طلبهم، فبلغ رأس الماء، فوجدهم قد أبعدوا، فعاد من آخر النهار، ودخل القلعة ليلًا، وأصبح فِي غرّة ربيع الآخر، فسافر بمن بقي معه من الجيش المصريّ والشّاميّ فِي طلبهم، وسيّر والدته وخزائنه إِلَى الكرك. ووصل إِلَى بلبيس فِي خمسة عشر يومًا. وقد دخل أولئك القاهرة، ورجع نائب دمشق وأكثر الأمراء إِلَى الشّام. وساق هُوَ إِلَى قلعة مصر، فوجد العساكر محدقةً بالقلعة وكان بها نائبه الأمير عز الدّين الأفرم، فحصل بينهم مقاتلة يسيرة، وحمل به الأمير علم الدّين سنْجر الحلبيّ، وشقَّ الأطلاب، وفتح له الأفرم وطلع إِلَى القلعة، وقتل جماعة يسيرة، وبقي جماعة مِمَّنْ كان مع السّلطان برًّا، فاحتاجوا أن ينضموا إِلَى سائر العسكر.
وأما سُنْقُر الأشقر فإنّه انعزل بالمَطَرِيّة بطُلُبهِ، وحاصروا القلعة، وقطعوا عَنْهَا الماء الَّذِي يطْلُع فِي المدارات وزحفوا عليها، وجدّوا فِي ذلك. فرأى السّلطان تخلّي من يرجو نصره عَنْهُ، وتخاذُلّ من بقي معه وأنه عاجز، وكان مُقَدَّم الجيش الَّذِي قام على الملك السعيد حموُه الأمير سيف الدّين قلاوون، فجرت المراسلات على أنه يخلع نفسه ويسلطنوا أخاه سلامش، وأن يُعْطوا للسعيد الكَرَك، ويُعطوا أخاه الشَّوْبَك - يعني نجم الدّين خضِر - فبعث عَلَم الدّين الحلبيّ وتاج الدين ابن الأثير الكاتب إليهم، وحلفوا له على ذلك، ونزل من القلعة، وكان الحصار يومين، فعقدوا له مجلسا لخلعه من الملك، وأحضروا القضاة والعُلماء والأمراء، وعملوا محضرًا بخلعه، وكتبوا به نُسخًا، ورتّبوا فِي السلطنة أخاه بدْر الدّين سلامش، وهو ابن سبْع سنين، وجعلوا أتابكه الأمير سيف الدّين قلاوون، وحلفت الأمراء له ولأتابكه، وضُرْبت السّكَة باسمه على وجهٍ، وباسم أتابكه على وجهٍ، ودُعي لهما معًا فِي الخطْبة، وتوجه السعيد إِلَى الكرك، وقد زال مُلْكه وعليه صورة ترسيم. ثُمَّ أعيد إِلَى [ص:212]
القلعة من الغد لأمرٍ أرادوه، ثُمَّ سيروه ليلا؛ وجاء سُنْقر الأشقر واجتمع بالأتابك سيف الدّين، وصار معه.
وجاءت الأخبار إِلَى دمشق قبل وصول نائبها أيْدمر، فقدِم دمشق فِي أوّل جُمَادَى الأولى، فخرج يتلقّاه الأمير جمال الدّين أقوش الشّمسيّ، فقبض هُوَ وجماعة من الأمراء على نائب السلطنة عزّ الدّين أيْدمر عند المصلّى، وفصلوه عن الموكب، ودخلوا به من باب الجابية، ورسّموا عليه بدارٍ عند مأذنه فيروز إِلَى العشيّ، وحبسوه بالقلعة، وكان بها الأمير علم الدّين الدُّوَيْداريّ، أعني بدمشق والقلعة، قد استنابه السلطان الملك السعيد عليها مدة غيبة نائبها عز الدين.
وفيه عزل قضاة مصر الثلاثة معًا، تقيّ الدّين بْن رزين الشافعيّ، ونفيس الدّين بْن شكر المالكي، ومعز الدين النعمان الحنفي.
وَفِي ثالث جُمَادَى الآخرة قدِم سُنْقر الأشقر نائبًا على دمشق، وقُرِّر الدَّواداريَّ مُشِدًّا كما كان.
سلطنة السلطان الملك المنصور
في الحادي والعشرين من رجب شالوا سلامش من السلطنة من غير نزاع، وبايعوا المولى السّلطان سيف الدّين قلاوون الصالحي التُّركيّ المعروف بالألْفيّ، ولُقِّب بالملك المنصور، وحلف له الأمراء: البيسريّ والحلبي، ولم يختلف عليه اثنان.
وَفِي رجب قُبض على الصاحب فتح الدّين ابن القيسراني، ثُمَّ وصل أمير يُحلّف أمراء الشّام فحلفوا. وقيل: إنّ سُنْقر الأشقر لمّا حلف الأمراء لم يحلف هُوَ وكاسر، ولم يُرْضِه ما جرى، ودُقّت البشائر بدمشق يوم السابع والعشرين من رجب وزين البلد.
وَفِي شعبان عُزِل برهان الدّين السّنْجاريّ عن وزارة مصر بالصّاحب فخر الدّين إِبْرَاهِيم بْن لقمان صاحب ديوان الإنشاء.
وفيه سُيِّر الأمير عزّ الدّين أيْدمر الظاهريّ من قلعة دمشق فِي محفّة متمرِّضًا إِلَى مصر، فحبس بقلعتها. [ص:213]
وَفِي شوّال خرج الرَّكْب الشّاميّ وأميرهم عماد الدّين يوسف ابن الشّقاريّ، وحجّ الشَّيْخ شمس الدّين شيخ الجبل وطائفة من الحنابلة، وحجّ أبي وخالي، وحدَّثني أبي أنّهم رأوا الملك السعيد يسير بظاهر الكرك في أواخر شوال.
قلت: ثُمَّ مات فِي منتصف ذي القعدة أو فِي عاشره، وعُمِل عزاؤه بمصر؛ وحضر السلطان وهو لابس البياض.
وَفِي الرابع والعشرين من ذي الحجّة ركب نائب السلطنة شمس الدّين سُنْقر الأشقر الصّالحيّ بعد العصر من دار السعادة وبين يديه جماعةٌ من الأمراء والْجُنْد ودخل البلد، فأتى باب القلعة فهجمها راكبًا، ودخل وجلس على تخت المُلْك، وحلفوا له، وتلقّب بالملك الكامل. ودُقّت البشائر بعد ساعة، ونوديّ فِي البلد بسلطنته، وكان محبَّبًا إِلَى النّاس، وحلف له القضاة والأكابر، وقبض على الوزير تقي الدين البيع، وكان له فِي الوزارة شهرًا ونصفًا، واستوزر مجد الدين ابن كُسَيْرات. ولم يحلف له الأمير رُكْن الدّين الجالق، فقبض عليه وحبسه. وقبض على نائب القلعة حسام الدين لاجين المنصوريّ الَّذِي تسلطن. وولّى فِي المدينة علم الدين سلطان.
وأما الكرك فرُتَب فِي السلطنة بها الملك خضِر بعد أَخِيهِ، وسار طائفة إِلَى الشَّوْبَك فتسلموها بالأمان بعد محاصرة أيّام. وكان الّذين بها قد عصوا على الملك المنصور لمّا نزح عنها الملك خضر ابن الملك الظاهر إلى عند أخيه الملك السعيد. ثم أخربت أسوار الشَّوْبَك وأُذْهِبت حصانةُ قلعتها.(15/210)
-سنة تسع وسبعين وستمائة
فِي مستهلها ركب السّلطان سُنْقر الأشقر من القلعة بأُبَّهة المُلْك، ودخل الميدان وبين يديه الأمراء بالخِلَع، وسيّر لحظةً، وعاد إِلَى القلعة، وجهّز عسكرًا، فنزلوا عند غزّة، وكان عسكر المصريّين بغزّة، فأظهروا الهرب، ثُمَّ كرّوا على الشاميّين، فكبسوهم ونالوا منهم، وهزموهم إِلَى الرَّملة.
وَفِي خامس المحرَّم وصل أمير العرب عِيسَى بْن مُهَنّا، ودخل فِي طاعة الملك الكامل سُنْقر الأشقر، فبالغ فِي إكرامه، وأجلسه على السماط إلى [ص:214]
جانبه، ثُمَّ قدِم أمير آل مرّيّ أَحْمَد بن حجي على الكامل فأكرمه.
وفيه ولي قاضي القضاة ابن خَلِّكان تدريس الأمينية، وعزل نجم الدين ابن سني الدولة.
وَفِي أواخر المحرَّم جهّز السّلطان الملك المنصور من مصر جيشًا، عليهم الأمير علم الدّين سنجر الحلبي لحرب الملك الكامل فتقهقر يزكه إلى أطراف دمشق، وفي ثاني عشر صفر خرج الملك الكامل سُنْقر الأشقر، فنزل على الجسورة واستخدم وأنفق، وجمع خلْقًا من البلاد، وحضر معه ابن مُهَنّا وابن حجّي بعرب الشّام، وجاءته نجدة حماة وحلب، وتصمّد معه جيشُ كثيف، لكن لم يكونوا كلهم في الباطن معه، بل كان كثير منهم عليه، وبعضهم فارغين. وأقبل الحلبيّ بالمصريّين، فالتقوا بُكْرَةً عند الجسورة، والْتحم الحرب، واستمر المَصافّ إِلَى الرابعة، وقاتل سُنْقر الأشقر بنفسه وحمل عليهم، وبيّن، لكنْ خامَرَ عليه أكثَرُ عسكره، فانهزم بعضُهم وتحيّز بعضهم إِلَى المصريّين، وانهزم صاحب حماة من أوّل ما وقعت العينُ فِي العين، وبقي في فل من النّاس، فولّى وسلك الدّرب الكبير إِلَى القطيفة، ولم يتبعه أحد، وتجمع المنهزمون على القصب من أعمال حمص، ثُمَّ عاد أكثر الأمراء ولم يُعاقبوا.
وأما المصريّون فأحاطوا بدمشق ونزلوا فِي خِيَم المنهزمين، وراسلوا نائب سُنْقر الأشقر الَّذِي بالقلعة، ففتح لهم باب الفَرَج وفُتِحت القلعة بالأمان. ثُمَّ جهز الأمير علم الدّين الحلبيّ ثلاثة آلاف في طلب سنقر الأشقر.
وركب قاضي القضاة ابن خَلِّكان للسّلام على الحلبي فحبسه بعلو الخانكاه النَّجِيبيّة، وعزله، ووُلّي القضاء القاضي نجم الدّين ابن سَنِيّ الدولة، وكان يحترمه لأنّه لمّا تسلطن بدمشق فِي آخر سنة ثمانٍ وخمسين كان نجم الدّين هُوَ قاضي دمشق حينئذٍ. وحكم الحلبيّ فِي البلد. وحضر إليه الأمير أحمد بن حجي، ودخل في الطاعة.
وأما ابن مهنا فإنه توجه في صُحبَة سُنْقر الأشقر ولازَم خدمته، ونزل به وبمن معه من العسكر فِي برّيّة الرَّحبَة وأقام بهم.
وأخرج الحلبيّ من حبس القلعة رُكْن الدّين الجالق وحسام الدّين [ص:215]
لاجين وتقيّ الدّين الصاحب، وحبس ابن كُسَيْرات وابن صَصْرَى. وبقي ابن خَلِّكان فِي الاعتقال نيّفًا وعشرين يومًا. وضُرِب زين الدّين وكيل بيت المال، لأنّهم تسرّعوا إِلَى مبايعة سُنْقر الأشقر. وطلب ابن الصائغ فأكرمه، فشفع فِي القاضي ابن خَلِّكان وَفِي زين الدّين الوكيل. وعرض عليه الحلبيّ القضاء فعيّن نجم الدّين ابن سَنِيّ الدولة، وعلم أنّها ولايةٌ مُقَلْقَلَة لكونها من غير السّلطان.
ثُمَّ ورد البريد فِي الثامن والعشرين من مصر بأنّا قد عَفَوْنا عن جميع النّاس من الخاصّ والعامّ، ولم نؤاخِذْ أحدًا، وأن يقر كل أحد على منصبه.
وباشر نيابة السلطنة الأمير بدر الدّين بكتوت العلائيّ أيّامًا إِلَى أوائل ربيع الأوّل. ثُمَّ جاء تقليدٌ بالنيابة لملك الأمراء حسّام الدّين لاجين المنصوريّ الَّذِي حبسه سُنْقر الأشقر، فباشر يوم الأربعاء الحادي عشر من ربيع الأول، وقُرِئ تقليده بدار السّعادة. وكان شابًّا عاقلًا، شجاعًا، دينًا، من سلَحْداريّة السّلطان الملك المنصور أيّام إمرته. ودخل معه دار السّعادة الأميرُ علم الدّين الحلبيّ، ورتّبه فِي النّيابة، ومشى فِي خدمته الأمراء.
وصَرَفَ الحلبيّ ابن خَلِّكان إِلَى منزله بالمدرسة العادليّة، وبقي ابن سَنِيّ الدولة يتردّد إِلَى المدرسة ويحكم بها. وأمره الحلبيّ بأن يتحوّل من العادليّة ويسلمها إِلَى ابن سَنِيّ الدّولة، فشُقّ ذلك عليه، وتكرّر إليه القول بسُرعة التحول، فبينا هو في ذلك وقد أحضر جمالًا لنقْل حوائجه إِلَى جبل الصالحية، وإذا بكتاب سلطاني بالإكرام، والإقرار له على منصبه، وإعادته إِلَى القضاء، فباشر الحكم يومئذ الظهر، ولبس الخلعة، وأعيد إلى ولاية المدينة ابن الحراني.
وَفِي أوائل ربيع الآخر توجّه من دمشق الأميرُ عز الدّين الأفرم نجدةً للجيش المصريّ الّذين توجّهوا لمضايقة سُنْقر الأشقر، فاجتمعوا بحمص، ثم ساروا في طلب سنقر الأشقر، ففارق ابن مُهَنّا وتوجَّه إِلَى الحصون الّتي بيد نوّابه، وطلع إليها، وهي صهيُون - وكان سير إليها أهله وخزائنه - وبلاطُنُس، وبرزية، وعكّار، وجَبَلة، واللّاذقيّة، وشَيْزَر، والشغر، وبكاس. [ص:216]
وكان قد انهزم يوم الوقعة الأمير الحاج أزدمر إلى جبل الخرديين، وأقام عندهم واحتمى بهم، ثُمَّ مضى إِلَى خدمة سُنْقر الأشقر فِي طائفة من الجبلّيين، فأنزله بشيزر يحفظها.
وَفِي جُمَادَى الآخرة وُلّي نظر الدّواوين الصّاحب محيي الدين ابن النحاس.
وفيه وصل الْجُفّال من البلاد الحلبيّة من التّتار وتقهقر عسكرها. وسبب حركتهم ما بلغهم من اختلاف الكلمة.
وتوجّه فِي جُمَادَى الأولى عسكر المصريّين ونازلوا شَيْزَر وضايقوها بلا محاصرة، وتردّدت الرُّسُل بينهم وبين سنقر الأشقر في تسلمها. فبينا هُمْ فِي ذلك وصلَت الأخبارُ فِي جُمَادَى الآخرة بأنّ التّتار قد دهموا البلاد، فخرج من بدمشق من العساكر، وعليهم الرُّكْن أباجو، وانضم إِلَى العساكر الّتي على شَيْزر، ثُمَّ نزل الكُلُّ على حماة؛ وقدِم من مصر بكتاش النجمي في ألف، فلحق بهم، وأرسل هَؤُلَاء إِلَى سُنْقر الأشقر يقولون: هَذَا العدو قد دهَمَنا وما سببه إلّا الخلف الَّذِي بيننا، وما ينبغي أن تهلك الرّعيّة فِي الوسط، والمصلحةُ أنّنا نجتمع على دفْعه. فنزل عسكر سُنْقر الأشقر من صهيون والحاجّ أزْدمر من شَيْزَر، وخيّمت كلُّ طائفةٍ تحت حصنها، واتّفقوا على المُلْتَقَى وقتال التّتار، وجاءت طائفةٌ عظيمةٌ من التّتار، فقتلوا من تَبَقَّى بحلب وسبوا ونهبوا وأحرقوا منبر الجامع والمدارس ودور الأمراء، وعملوا كل قبيح كعاداتهم الجميلة، وأقاموا بحلب يومين، واستاقوا المواشي والغنائم.
وقيل: إنّ بعض من كان استتر بحلب يئس من الحياة ووقف على رأس منارة حلب، وكبّر بأعلى صوته على التّتار وقال: اللّه أكبر جاء النصر من عند اللّه؛ ولوّح بثوبه، وبقي يقول: أمسِكُوهم من البيوت مثل النساء يا عساكر الإِسْلَام. فخرج التّتار على وجوههم يظنّون أن المسلمين جاءوا. وكانوا قد بلغهم اجتماع العسكر على حماة، وسلِم ذلك الرجل. نقل ذلك الشيخ قطب الدين. [ص:217]
وَفِي هَذِهِ الأيام تسحّب جماعةٌ من الأمراء الّذين عند سُنْقر الأشقر إِلَى السّلطان. وكان السّلطان قد سار ببقية الجيش فنزل غَزَّة.
وَفِي هَذِهِ المدّة خُطِب على المنابر بولاية العهد للملك الصالح عليّ ابن السّلطان الملك المنصور.
وفيها أعيد السنجاريّ إِلَى الوزارة، ورُدّ ابن لقمان إلى ديوان الإنشاء.
ورجع السّلطان من غزّة لمّا بلغه رجوع التتار وأمن البلاد.
وَفِي رمضان أعيد تقي الدّين ابن رزين إِلَى قضاء الدِّيار المصريّة، وعُزِل صدر الدّين ابن بِنْت الأعزّ. وأعيد قبل ذلك إِلَى القضاء القاضيان نفيس الدّين ابن شُكْر، ومُعِّز الدّين النُّعمان. ورُتّب قاضٍ حنبليّ وهو الشَّيْخ عزُّ الدّين عُمَر بْن عَبْد اللَّه بْن عوض المقدسي صهر الشيخ شمس الدين ابن العماد. أما معز الدين الحنفي فهو أيضا رتب ولم تتقدم له ولاية إلا عند ترتيب القاضي الحنبلي المذكور.
وَفِي ذي القعدة كان طائفة من الشاميّين نُزّالٌ بمرج المَرْقَب، فداخلهم طمعٌ فركبوا من الليل، وصبحوا المَرْقَب للغارة، فخرج الفِرَنْج وقد جاءتهم نجدةٌ فِي البحر، وحملوا على المسلمين، فهزموهم ومزّقوهم في أودية وعرة، فنالوا منهم نَيْلًا عظيمًا وقتلوا وأسروا. فَمَا شاء الله كان.
وَفِي أوّل ذي الحجّة خرج السّلطان إِلَى الشام وخلفه ولده الملك الصالح.
ويوم عرفة وقع بديار مصر بردٌ كِبار، فأهلك بعض الزَّرْع وبدّع فِي الوجه القِبْليّ. ووقع تحت الجبل الأحمر صاعقة على حجر، فأخذت وسبكت وجاء منها نحو الأوقية، ووقعت يومئذ صاعقة بالإسكندرية.
وَفِي سابع عشر ذي الحجّة نزل السّلطان على الرَّوْحاء قُبالة عكّا، فراسله أهلها فِي الهدنة. وأقام هناك أياما وقدِم عليه عِيسَى بْن مُهنّا طائعًا، فبالغ السلطان في إكرامه واحترامه، وصفح عنه قيامه مع سنقر الأشقر.
وفيها وَزَرَ بدمشق الشَّرَف ابن مُزْهر، ومدّ يده، ثُمَّ أعيد التقيّ البيّع.(15/213)
-سنة ثمانين وستمائة
فِي أوائل المحرَّم هادن السّلطان أَهْل عكا ونزل اللَّجُون وقبض على الأمير سيف الدّين كَوُنْدُك الظاهري وعدّة أمراء بحمراء بيسان. فَقِيل: إنّ كَوُنْدُك وأيْتِمش السَّعْديّ وسيف الدّين الهارونيّ وطائفة اتّفقوا على الفتْك بالسّلطان، وعرف ذلك البَيْسَريّ، فأعلمه، فقبض على كَوُنْدُك وغيره وهرب الباقون؛ الهاروني والسعدي ونحو ثلاثمائة فارس على حَمِيّةٍ إِلَى عند سُنْقر الأشقر. وأهلك كَوُنْدُك، فَقِيل: إنّه غُرِّق ببُحَيْرة طبريّة. وساق طقصُو فِي عسكر وراء أيْتمِش السَّعْديّ، فجرح ورد.
ويوم سابع عشر المحرَّم وصل المحمَّديّ مقدَّم البحريّة إِلَى دمشق ومعه جماعةُ أمراء ممسوكين، فحبسهم بقلعة دمشق ودخل السّلطان دمشق يوم تاسع عشر المحرَّم وحمل الْجَتَر البَيْسريُّ يومئذٍ، فعزل ابن خَلِّكان عن القضاء بابن الصّائغ وولي قضاء الحنابلة نجم الدين أحمد ابن الشَّيْخ شمس الدّين، وذلك بعد خُلُوّ الشّام من قاض حنبلي مدة.
ثُمَّ جهزت المجانيق وطائفةٌ لحصار شَيْزَر، فنازلوها وتسلّموها وذلك أنّ الرُّسُل ترددت فِي الصلح بين السّلطان وبين سُنْقر الأشقر ووصل من جهته الأمير علم الدّين الدَّواداريّ والأمير خَزْنَدَار سنقر الأشقر. فحلف له السلطان ونودي من دمشق باجتماع الكلمة ودُقّت البشائر لذلك، وسيّر إليه فخر الدّين المقري الأمير ليحلّفه وحينئذٍ سلّم سُنْقر الأشقر قلعةَ شَيزر للسّلطان، فعوّضه عنها كفر طاب وفامية وأنطاكية والسُّوَيْديّة وشَغَرَ وبَكّاس ودركوش، بضياعها، على أن يقيم ستمائة فارس على جميع ما تحت يده من البلاد وذلك ما ذكرناه، وصهيون وبلاطُنُس وجَبَلَة وبرزية واللّاذقية؛ وخوطب فِي ذلك بالمقرّ العالي، المولوي، السيدي، العالمي، العادِليّ، الشّمسيّ، ولم يصرَّح له فِي ذلك بالملك ولا بالأمير.
وَفِي ربيع الأول أُديرت الجهة الملعونة والخمور بدمشق وكانت بطّالةً من خمس عشرة سنة، وأديرت بالديار المصريّة أيضًا قبل هَذَا التاريخ بمدّة، فلا قوّة إلّا بالله، وبقيت دائرةً بدمشق أياما، ولطف الله وبطلت وأريقت [ص:219]
الخمور. وطُهِّر البلد من ذلك. ولله الحمد.
ووقع الصُّلح بين صاحب الكَرَك الملك خضِر وبين السلطان، ثُمَّ جاءت امْرَأَة الملك الظاهر بِنْت بركة خان ومعها تابوت ولدها الملك السعيد، ثُمَّ استبقوا التّابوت باللّيل من الصّور ودُفن إِلَى جانب والده. وأدخله القبر قاضي القضاة عزُّ الدّين ابن الصائغ، ونزلت أمّه بدار صاحب حمص وعُقِد العزاء من الغد بالمدرسة الظاهرية، وحضره السّلطان والأمراء والأعيان والوعاظ.
وعُزِل تقيّ الدّين البيِّع من الوزارة وباشر عوضه تاج الدين ابن السنهوري.
وَفِي جُمَادَى الأولى جاءت الأخبار بأن التّتار على عزْم المجيء.
وقعة حمص
انجفل أَهْل البلاد الشّماليّة وقويت الأخبار واهتّم السّلطان بدمشق للعَرْض، وجاء أَحْمَد بْن حجّي بخلقٍ من العربان وكثُرت الأراجيف وكثُرت الْجُفّال، وعدّى التّتار الفُرات من ناحية حلب، ونازل الرّحبَةَ منهم ثلاثة آلاف، منهم القان أبْغا، فخرج السّلطان بسائر الجيوش، وقَنت الأئمّةُ فِي الصَّلوات، وحضر سُنْقر الأشقر وأيْتمش السَّعْديّ، والحاجّ أزْدمر، وبالغَ السّلطان في احترام سُنْقر الأشقر، وأقبل منكوتمر يطوي البلاد، فالتقى الجمعان ووقع المَصَافّ ما بين مشهد خَالِد بْن الْوَلِيد إِلَى قريب الرَّسْتن، وذلك بشمالي حمص، فِي يوم الخميس رابع عشر رجب. ويوم الأربعاء قلق العالم بدمشق وأحسّوا بقرب اللّقاء، وفزِعوا كافّةً إِلَى جامع دمشق بالشّيوخ والأطفال واستغاثوا إِلَى الله، ثُمَّ خرج الخطيب بالمُصْحَف العثمانيّ إِلَى المُصَلّى ومعه خلائق يتضرعون إلى الله، وكان يوما مشهودا، شهده مع السلطان ممالكيه، مثل طرنطية وبيدرا، وكتبغا، ولاجين، وقبجق، وقراسنقر، وسنْجر الشِّجاعيّ، والطّبّاخيّ، وسَنْدَمُر، وعدّةٌ كلهم أمراء، وفيهم من تَسَلْطَن، وسُنْقُر الأشقر، والحاجّ أزْدَمر الَّذِي قيل إنّه طعن طاغية العدو، وعلم الدّين الدّواداريّ، والمنصور صاحب حماة فِي أَمرائه، فكان رأس الميمنة ويليه [ص:220]
البَيْسَريّ، ثُمَّ طَيْبَرس الوزيريّ وعزّ الدّين الأفرم ونائب دمشق لاجين المذكور فِي عسكر دمشق. وكان رأس الميسرة سُنْقر الأشقر المذكور، ثُمَّ الأيْدمريّ، ثُمَّ بكتاش أمير سلاح. وكان فِي طرف الميمنة العرب، وفي طرف الميسرة التركمان، وشاليش القلب طرنطية، وكانت المُغْلُ خمسين ألفًا، والمجمَّعة ثلاثين ألفًا.
قلت: وكان الملتقى يوم الخميس، كما ذكرنا، طلوع الشمس. وكان عدد التّتار على ما قيل مائة ألف أو يزيدون. وكان المسلمون على النّصف من ذلك أو أقل.
وكانت ملحمة عظيمة، واستظهر التّتار فِي أول الأمر واضطّربت ميمنة المسلمين، ثُمَّ حملت التّتار على الميسرة فكسروها وهزموها مع طرف القلب. وثبت السّلطان بمن معه من أبطال الإِسْلَام، وكان القتال يعمل من ضحوةٍ إِلَى المغيب. وساق طُلُبٌ من التّتار وراء الميسرة إِلَى بُحَيْرة حمص، وقتلوا خلقًا من المطّوّعة والغلمان وأشرف الإِسْلَام على خطّهِ صَعْبة. ثُمَّ إنّ الكبار مثل البَيْسريّ وسُنْقُر الأشقر وعلاء الدّين طيبرس وأيْتمِش السَّعْديّ وبكتاش أمير سلاح وطرنطيه ولاجين وسنْجر الدّواداريّ لمّا رأوا ثبات السّلطان حملوا على التّتار عدّة حملات، ثُمَّ كان الفتح ونزل النصر وجُرح مقدَّم التّتار منكوتمر بْن هولاكو، وجاءهم الأمير عِيسَى بْن مُهَنّا عَرْضًا، فتمّت هزيمتهم واشتغلوا بما دَهَمُهم من جرح مقدَّمهم. وركب المسلمون أقفيتهم وقتلوا منهم مقتلة هائلة، وساقوا وراءهم حَتَّى بقي السّلطان فِي نفرٍ قليل من الخاصكيّة ونائبه طرنطاي قُدّامه بالصناجق. وردّت ميمنة التّتار الّتي كسرت ميسرة المسلمين، فمرّوا بالسلطان وهو تحت العصائب والكوسات تضرب وحوله من المقاتلة أقلّ من ألف، فَلَمَّا جاوزوه ساق وراءهم، فانهزموا لا يلوون على شيء، وتمّ النّصر بعد العصر، وانهزموا عن آخرهم قبل الغروب وافترقوا، فأخذت فرقة على سَلَمية والبرّيّة، وأخرى على ناحية حلب. وعاد السلطان إلى منزلته بليل، وجهز من الغد وراءهم الأيْدمريّ فِي طائفةٍ كبيرة وجاءت يوم الجمعة بطاقة بالنّصر، فضُربت البشائر وزُيّنت دمشق، فلما كان [ص:221]
نصف اللّيل وصل إِلَى ظاهر دمشق المنهزمون من الميسرة أمراء وأجناد، ولم يعلموا بما تجدّد من النّصر، فقلق الخلْق، وماج البلد وشرع خلْقٌ فِي الهروب. ثُمَّ وصل وقت الفجر بريدي بالبشارة بعد أن قاسى الخلْق ليلةً شديدة وتودّعوا من أولادهم واستسلموا للموت، فإنّ أولئك التّتار كانوا يبذلون السّيف من غير تردُّد. ورأسهم كافر وأكثرهم على الكُفر، فللّه الحمدُ على السلامة. وكان للصبيان والنسوان فِي تلك الليلة فِي الأسطحة ضجيجٌ عظيمٌ وبُكاء والتجاء إلى الله تعالى لا يعبر عنه.
وكان رُكْنُ الدّين الجالق من جملة المنهزمين ولم يعنّفْه السّلطان لأنّه رَأَى ما لا قِبَل له به. فَلَمَّا صُليّت الصُّبْح قُرِئ الكتاب السلطاني بكسرة التّتار وأنّهم كانوا مائة ألفٍ أو يزيدون. ثُمَّ جاء كتاب آخر قبل الظُّهْر فِي المعنى وزُيّنت دمشق. واستشهد نحو مائتي فارس منهم الحاجّ أزْدمر، وسيف الدّين الرُّوميّ، وشهاب الدّين توتل الشَّهْرَزُوريّ، وناصر الدّين ابن جمال الدّين الكامليّ، وعزّ الدين ابن النصرة المشهور بالقوة المفرطة والعرامة.
ودخل السّلطان دمشق يوم الجمعة المقبلة وبين يدي موكبه أسرى التتار يحملون رماحا على شعف القتلى، وقدِم فِي خدمته مِمَّنْ كان انضم إِلَى سُنْقر الأشقر أيْتمش السَّعْديّ، وسيفُ الدّين بلبان الهارونيَ، وعلم الدّين الدّواداريّ وودّعه سُنْقر الأشقر من حمص وعاد إِلَى صهيون، وترحّل أولئك الّذين نازلوا الرَّحبَة.
ثُمَّ قدِم بعد جمعة بدر الدين الأيدمري وقد أنكى في التّتار، وتبعهم إِلَى قريب الفرات، وهلك منهم خلقٌ عند تَعْدِيتهم الفرات، ونزل إليهم أَهْل البيرة، فقتلوا فيهم وأسروا، وتمزقوا وتعثروا، وتوصّلوا إِلَى بلادهم فِي أسوأ حال، فلله الحمد على كل حال.
ودخل السلطان إلى القاهرة يوم الأحد ثاني شعبان، فوصل فِي عشرين يوما إلى القاهرة.
وترتب في شد دمشق علم الدين الدواداري. [ص:222]
ومات بين العيدين ملك التتار أبغا.
وفي شعبان قبض بمصر على الأميرين: رُكن الدّين أباجو الحاجب وبهاء الدّين يعقوبا.
وَفِي رمضان فُتِحت المدرسة الجوهريّة ودّرس بها القاضي حسامُ الدّين الحنفيّ بحضرة واقفها الصَّدر نجم الدين.
وجاء فِي رمضان ثلجٌ مُفْرِط، وطال بقاؤه، واشتدّ البرد وجلّد ببْعلَبَكّ الفُقّاع وذلك غير منكر بها.
وفي جمادى الآخرة من هذه السُّنّة رسم الملك المنصور بعرض الدّواوين من أَهْل الذِّمة على السّيف أو يُسْلِمون، فأبّوا، فأخرجوهم بدمشق إِلَى سوق الخيل، وجُعلت الحبال فِي أعناقهم للشَّنْق، فأسلموا حينئذٍ وأُحضِروا إِلَى الحاكم فأسلموا على يده، فَلَمَّا كان فِي شوّال من السّنة فكّروا فِي أنفسهم واستفتوا الفقهاء. ثُمَّ عُقِد لهم مجلسٌ ورُسم للقاضي المالكيّ أن يسمع كلامهم ويحكم بما يوافق مذهبهم، فأثبتوا ذلك، وعاد أكثرهم إِلَى دِينهم وغرموا مبلغا من المال على ذلك.
وَفِي ثاني عشر آذار فِي شهر ذي القعدة خرج النّاس ونائب السلطنة إِلَى الصحراء بدمشق يستسقون.
وفيه بعث السّلطان الملك المنصور بنات الملك الظاهر وسلامش وخدمهم إلى قلعة الكرك.
وَفِي هَذِهِ السّنة تُرِّبَتْ جزيرةٌ هائلة تجاه بولاق وبَعُدَ البحرُ عن القاهرة وغلا سعر الماء.
ويوم عَرَفَه أُفرِج عن البُرهان السّنْجاريّ الوزير ولزم بيته بعد مشاق شديدة.
وفي رجب درس بالأمينية الشيخ علاء الدين ابن الزَّمْلَكَانيّ، شدّ منه الشّمسيّ، وتعجّب الفُضلاء، فإنّه كان قليل الفقه، مليح الشَّكْل، ثُمَّ أُخذت منه، ثمْ وليها.(15/218)
بسم الله الرحمن الرحيم
-الوفيات(15/223)
-المتوفون سنة إحدى وسبعين وستمائة(15/223)
1 - أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن أبي نصر بْن سَعِيد بْن طاجيك، أبو الْعَبَّاس الماردينيّ. [المتوفى: 671 هـ]
شيخ مُعَمَّر، قارب المائة وحدَّث بالقاهرة عن: زين الأُمَناء وغيره، وتُوُفِّي فِي نصف شعبان.(15/223)
2 - أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَلِيِّ، المُسْنِد الجليل، أبو البركات ابن النحاس الأَنْصَارِيّ، الإسكندرانيَّ المالكيّ، [المتوفى: 671 هـ]
أخو مَنْصُور.
وكانا تَوْأمين وُلِدَا فِي حدود سنة خمسٍ وثمانين وسمعا من عبد الرحمن بن موقى، ومحمد بْن مُحَمَّد الكِرْكِنْتيّ؛ وأجاز لهما: أبو جَعْفَر الصَّيْدلانيّ، وحمّاد بْن هبة اللّه الحَرّانيّ، وأبو الْحَسَن بْن نجا الواعظ ومكّيّ بْن عوف الزُّهْرِيّ وجماعة.
وحدَّث بمصر والإسكندرية، روى عنه الدّمياطيّ والشّريف عز الدّين، والشّيخ شعبان، وعلاء الدين ابن عمرون الكاتب وعلم الدّين الدّواداريّ والشريف يعقوب ابن الصّابونيّ وسعد الدّين الحارثيّ قاضي الحنابلة وطائفة؛ وتُوُفِّي فِي أواخر جُمَادَى الأولى بالإسكندرية.(15/223)
3 - أَحْمَد بْن عَبْد الواحد، الْبَصْرِيّ. [المتوفى: 671 هـ]
عن: أبي الْحَسَن القَطِيعيّ ونصر الحنبليّ.(15/223)
4 - أَحْمَد بْن عُثْمَان بْن سياوش، الْمُقْرِئ الزّاهد، تقيُّ الدّين، أبو الْعَبَّاس الإخلاطيّ، [المتوفى: 671 هـ]
إمام الكلّاسة.
قرأ القراءات على أصحاب أبي الجود، وحدث عن شيخه السّخاويّ وأقرأ ببعض الرّوايات. وكان مشهورًا بالصّلاح والخير، روى عَنْهُ ابن الخبّاز، وأبو الحسن ابن العطار؛ وهو والد الخطيب شمس الدّين مُحَمَّد إمام الكلّاسة.
تُوُفِّيَ فِي خامس رمضان، وقد نيَّف على السبّعين، لقّن مدّةً الصّبيان.(15/224)
5 - أَحْمَد بْن عليّ بْن حِمْيَر، البَعْلَبَكّيّ، ابن أخت العزّ ابن مَعْقَل، صفيّ الدّين. [المتوفى: 671 هـ]
رئيس متميّز، رافضي مُتَغالٍ، معروف كخاله، تُوُفِّيَ فِي شعبان كهْلًا.(15/224)
6 - أَحْمَد بْن هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن عَبْد الواحد بْن عَبْد الوهاب، السُّلَميّ، أبو الْعَبَّاس الكهْفيّ. [المتوفى: 671 هـ]
وُلِدَ سنة خمسٍ وتسعين وخمسمائة تقريبًا بكهف جبل قاسيون؛ وسمع من عُمَر بْن طَبْرَزد، وحنبل والكِنْديّ، وابن ملاعب، روى عَنْهُ ابن الخباز وابن العطّار وجماعة. ومات في ثالث رجب بالجبل؛ ولأبيه أبي الغنائم رواية عن عَبْد الواحد بْن هلال.(15/224)
7 - أَحْمَد بْن أبي الفضائل بْن أبي المجد بْن أبي المعالي، المحدث، الرئيس، كمال الدين، أبو العباس ابن الدُّخْمَيْسيّ، الحمويّ، ثُمَّ الدّمشقيّ، التّاجر. [المتوفى: 671 هـ]
صدْرٌ محتشم، متموّل، سمع الكثير وعُنِي بالحديث وكتب بخطّه الكثير ورحل فِي الحديث وحصَّل وفهم. وُلِدَ في حدود الستمائة.
وحدث بالإجازة عن حنبل المكبّر، وأقبل على الطَّلَب سنة نيِّفٍ وعشرين وستّمائة. وسمع من أبي القاسم بن صصرى، والناصح ابن الحنبليّ، وابن صباح [ص:225]
وابن اللّتّيّ والهَمْدَانيّ وأبي عليّ الأوقيّ وخلق كثير؛ وسمع ببغداد من عمر بْن كرم وعبد السلام الدّاهريّ وطائفة.
وكان له مماليك مِلاح أتراك قد سمعوا معه. ثُمَّ إنّه دخل الهند واستوطنها دهرًا. وخطُّهُ طريقةٌ معروفة بين المحدّثين.
وعاش إِلَى هَذَا الوقت ولا أتحقّق مَتَى مات، بل سمع منه الفقيه أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عليّ المقدشاويّ فِي سنة سبعين. وروى لنا عَنْهُ.(15/224)
8 - إِبْرَاهِيم بْن بركات بْن فضائل، الْمصريّ، الحدّاد. [المتوفى: 671 هـ]
شيخ زاهد، عابد، قانت، مُقبِلٌ على شأنه، مُتَّبِع للسُّنّة، صحب الحافظ زكي الدّين المنذريّ مدةً وسمع منه.
تُوُفِّيَ فِي أوّل صفر وشيّعه خلْقٌ كثير.(15/225)
9 - إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن هبة اللّه بْن قُرْناص، الأديب، مُخْلِصُ الدّين الحَمَويّ، الشّاعر. [المتوفى: 671 هـ]
تُوُفِّيَ فِي شوّال.(15/225)
10 - أسد بْن أبي الطّاهر، أبو الوحش الدّمياطيّ، اللَّخميّ. [المتوفى: 671 هـ]
تُوُفِّيَ فِي ربيع الآخر وله بِضْعٌ وسبعون سنة، روى عن جلدك التَّقَويّ، سمع منه الدّمياطيّ، والشّريف عزّ الدّين وغيرهما.
أَخْبَرَنِي مَحْمُودٌ الْعَقِيلِيُّ، عَنِ الدِّمْيَاطِيِّ، عَنْ أَسَدٍ اللَّخْمِيِّ، عَنْ نِعْمَةَ ابن سَالِمٍ، عَنْ قَاسِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْحَسَنِ التِّكَكِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَوْفِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الأُدْفُوِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرِ ابن النَّحَّاسِ، عَنِ النَّسَائِيِّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ وعليه المغفر»، رواه مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، فَوَافَقْنَاهُ بِنُزُولِ أَرْبَعِ دَرَجَاتٍ.(15/225)
11 - إسماعيل ابن الصفي أحمد بن عبد الله بن موسى العطار. [المتوفى: 671 هـ]
يروي عن جعفر.(15/226)
12 - جعفر بن علي، الإربلي. [المتوفى: 671 هـ]
خطيب منين.(15/226)
13 - رسلان بْن مُحَمَّد، أبو مُحَمَّد الْمصريّ، الفاكهيّ. [المتوفى: 671 هـ]
حدَّث عن مُكْرَم؛ ومات فِي جُمَادَى الأولى بمصر.(15/226)
14 - ستُّ العجَمَ بِنْت مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر بْن عَبْد الواسع الهَرَوي. [المتوفى: 671 هـ]
شيخه مُسْنِده، من أَهْل الصّالحية، تروى عن: عُمَر بْن طَبَرْزَد، كتب عنها الطلبة؛ وحدث عنها ابن الخباز، والدمياطي وجماعة.
توفيت فِي صفر.(15/226)
15 - سُلَيْمَان بْن عَبْد الغنيّ، أبو الرَّبِيع الغَمْريّ، الدّمياطيّ. [المتوفى: 671 هـ]
وُلِدَ بمُنْية غَمْر سنة خمسٍ وستّمائة، وحدَّث عن ابن المُقَيّر، ومات في المحرم.(15/226)
16 - شرف الدين ابن السُّكَّريّ. [المتوفى: 671 هـ]
عدْلٌ، رئيس، مشهور. وقف دارَه بالقصاعين لأهل العلم والحديث، وهي الّتي يسكنها شيخنا ابن تيمية.(15/226)
17 - عَبْد اللّه بْن جَعْفَر بْن عَبْد الجليل بْن عليّ، الإِمَام، أبو الفتح القموديّ، اللَّخْميّ، الإسكندراني، المالكي، الفقيه. [المتوفى: 671 هـ]
ولد في حدود الثمانين وخمسمائة، وسمع من أبي القاسم عَبْد الرَّحْمَن مَوْلَى ابن باقا؛ وحدَّث ودرّس، روى عَنْهُ الدّمياطيّ وغيره.
وقمودة: بُلَيدة على يومين من القيروان.
مات فِي ثالث المحرَّم.(15/226)
18 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عُمَر بْن خليل، أَسَد الدّين، أبو القاسم الُأرْمَوِيّ، ثُمَّ الْمَوْصِلِيّ. [المتوفى: 671 هـ]
وُلِدَ سنة بضعٍ وتسعين، وروى بالإجازة عن عَبْد العزيز ابن الأخضر، وهو ابن أخت الإِمَام عليّ بْن عدلان النَّحْويّ.
مات بالقاهرة فِي أوّل رمضان.(15/227)
19 - عبد الرحيم ابن الرضي محمد ابن الإمام عماد الدين محمد ابن يُونُس بْن مُحَمَّد بْن منْعة، العلّامة، تاجُ الدّين، أبو القاسم الْمَوْصِلِيّ، [المتوفى: 671 هـ]
مصنّف " التّعجيز ".
وُلِدَ سنة ثمان وتسعين وخمسمائة؛ وله أيضا: " مختصر المحصول " للرازي و" مختصر طريقة الطّاوسيّ " فِي الخِلاف.
قَالَ قُطْبُ الدّين: تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأولى ببغداد. وكان قد قدِمَها من قريب وولي بها قضاء الجانب الغربي وتدريس البشيرية، وخُلِع عليه؛ وله: " التطريز فِي شرح الوجيز "، و " مختصر درة الغواص "، و " جوامع الكِلم الشّريفة فِي مذهب أبي حنيفة ". وألفّ تصانيف عدّة لم يُكملها.
وممّن أَخَذَ عَنْهُ الفقه شيخنا البرهان الجعبري.(15/227)
20 - عبد القاهر ابن الخطيب سيف الدين عبد الغني ابن الإمام فخر الدين محمد بن أبي القاسم ابن تيمية، الشَّيْخ فخرُ الدّين، أبو الفرج الحرّانيّ. [المتوفى: 671 هـ]
وُلِدَ سنة اثنتي عشرة وستّمائة بَحرّان، وسمع من جدّه ومن ابن اللّتّيّ وغيرهما، وخطب بجامع حَرّان. وكان ديِّنًا، عالمًا، فاضلًا، جليلًا.
تُوُفِّيَ بدمشق فِي حادي عشر شوّال بخانكاه القصر.(15/227)
21 - عَبْد الهادي بْن عَبْد الكريم بْن عليّ بْن عِيسَى بْن تميم، الخطيب، المقرئ، المعمر، أبو الفتح القَيْسيّ، الْمصريّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 671 هـ]
وُلِدَ سنة سبع وسبعين وخمسمائة. وقرأ بالرّوايات على أبي الجود، وهو والمليجيّ آخر من قرأ عليه، وسمع من قاسم بْن إِبْرَاهِيم المَقْدِسيّ، وأبي عَبْد اللّه الأرتاحيّ، وأبي نزار ربيعة اليمنيّ وأبي القاسم عَبْد الرحمن ابن عَبْد اللّه الْمُقْرِئ، وأبي عَبْد اللّه مُحَمَّد بْن الْحَسَن اللُّرّسْتَانيّ، وابن المفضّل الحافظ وغيرهم، وأجاز له أبو طالب أحمد بن المسلم اللَّخْميّ، ومُقاتل بْن عَبْد الْعَزِيز البَرْقيّ، وأبو الطاهر إِسْمَاعِيل بْن عوف الزُّهْرِيّ، وأبو الفضل أَحْمَد وأبو عَبْد اللّه مُحَمَّد ابنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْحَضْرَمِيّ، وعبد المجيد بن دُليل، ومخلوف بْن جاره الفقيه، وخلْق.
وتفرد فِي عصره عن جماعةٍ. وروى الكثير، قرأ عليه الشيخ أبو بكر الجعبري نزيل دمشق للسبعة، وعلى المليجي، فسألته: أي الرجلين أعرف بالفن؟ قَالَ: لا ذا يعرف ولا ذا.
قلت: وكان الخطيب عَبْد الهادي صالحًا خيِّرًا، كثير التلاوة. خطب بجامع المقياس مدة، حدث عنه الدّمياطيّ والدّواداريّ وجماعة. ومات فِي الرابع والعشرين من شعبان رحمه الله.(15/228)
22 - عبيد الله ابن الفقيه الإِمَام كمال الدّين أبي حَفْص عُمَر بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الْحَسَن، المحدّث، الرّئيس، شهاب الدّين، أبو صالح ابن العجميّ، الحلبيّ. [المتوفى: 671 هـ]
وُلِدَ سنة تسعٍ وستّمائة؛ وروى عن الافتخار الهاشميّ، وسمع الكثير بنفسه من ابن رواحة، وابن خليل وابن يعيش وطائفة، وكتب بخطّه الكثير عن المتأخرين. وحرِص كلّ الحرص وحدَّث باليسير، سمع منه: الدّمياطيّ والشريف عزّ الدين وغيرهما، ومات بحلب فجاءة في تاسع عشر جمادى الأولى.(15/228)
23 - عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن يوسف، أَبُو الْحَسَن القُرْطُبيّ، ثُمَّ الدّمشقيّ، الضّرير. [المتوفى: 671 هـ]
وُلِدَ سنة أربعٍ وثمانين وخمسمائة؛ وسمع من أبي القاسم ابن الحرستاني وأبي عبد الله ابن البناء وابن ملاعب، حدثنا عنه أبو الحسن ابن العطار والنجم ابن الخبّاز. وتُوُفِّي فِي ذي القعدة.(15/229)
24 - عليّ، العلّامة، أبو الْحَسَن المتيويّ، المغربيّ. [المتوفى: 671 هـ]
أحد أئمّة العِلم والعمل ومن انتهى إليه معرفة مذهب مالك، كان يحفظ " المدونة " و " تفريع ابن الجلاب "، و " رسالة ابن أبي زَيْد " وغير ذلك؛ ومع قوّة حِفْظه وذكائه لم يزل يلازم درْسَ الفِقْه إِلَى أن مات.
قَالَ لي أبو القاسم ابن عِمْرَانَ: لم يكن فِي زمانه أحفظ منه لمذهب مالك ولا أشدّ ورعًا. كان معتكفًا فِي بيته وفيه يُقِرئ، لم يخرج إلّا إِلَى الجمعة. ويخرج مُغَطَّى الوجه على حمارٍ لئلّا يرى مكروهًا. ولا يأكل إلّا ما سُيِّر إليه من بلده من مواضع يعرف أصولها.
مات في حدود السبعين وقبره يتبرك به ويُزار.(15/229)
25 - عُمَر الملك المغيث، فتْحُ الدّين، أبو الفتح وَلَدُ الملك الفائز سابق الدّين إبراهيم ابن السّلطان الملك العادل سيف الدّين أَبِي بَكْر بْن أيوب. [المتوفى: 671 هـ]
روى بالإجازة عن: عَبْد المُعزّ بْن مُحَمَّد الهروي، كتب عَنْهُ طلبة المصريّين. ومات فِي ذي الحجّة مسجونًا بخزانة البُنُود، ودُفِن بتُربتهم بجوار ضريح الشّافعيّ رحمه اللّه وله ستٌّ وستون سنة.(15/229)
26 - عُمَر بْن مُحَمَّد، العدل، شرف الدّين السُّلَميّ السُّكّريّ. [المتوفى: 671 هـ]
دمشقيّ جليل. تُوُفّي في جُمادي الأولى.(15/229)
27 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن أبي بكر بن فَرْح، الإِمَام، العلّامة، أبو عَبْد اللّه الأَنْصَارِيّ، الخَزْرجَيّ، القُرْطُبيّ. [المتوفى: 671 هـ]
إمام متفنّن متبحِّر فِي العلم، له تصانيف مفيده تدلّ على كثرة اطّلاعه [ص:230]
ووُفُور فضْله، تُوُفِّيَ فِي أوائل هَذِهِ السّنة بمُنْية بني خصيب من الصّعيد الأدنى. وقد سارت بتفسيره العظيم الشّأن الرُّكْبان؛ وهو كامل فِي معناه.
وله كتاب " الأسْنَى فِي الأسماء الحُسْنى "، وكتاب " التذكرة "، وأشياء تدلّ على إمامته وذكائه وكثْرة اطّلاعه.(15/229)
28 - مُحَمَّد بْن رضوان، السيد شرف الدّين العلويّ، الحُسَينيّ، الدّمشقيّ، النّاسخ. [المتوفى: 671 هـ]
تُوُفِّيَ فِي ربيع الآخر عن تسعٍ وستّين سنة، كان يكتب خطًّا مُتَوَحدّ الحُسْن، منسوبًا. وله يدٌ فِي النَّظْم والنَّثْر والأخبار، وعنده مشاركة فِي العلوم.(15/230)
29 - مُحَمَّد بْن عَبْد المحسن بْن عَوَض، الصدر، عِمادُ الدّين، ابن النّحّاس الأَنْصَارِيّ، الْمصريّ، العدل. [المتوفى: 671 هـ]
روى عن ابن الُمَقيِّر، وتقلَّب فِي الدّواوين، ونسخ الكثير بخطّه لنفسه. وكان رئيسًا متميّزًا.(15/230)
30 - مُحَمَّد بْن شِبْل، تقيُّ الدّين، الْمُقْرِئ، الضرير ببغداد. [المتوفى: 671 هـ]
روى عن عَبْد الرَّحْمَن ابن الخبّازة.(15/230)
31 - مُحَمَّد بْن عَبْد المنعم بْن عمار بن هامل، المحدّث، العالِم، شمسُ الدّين، أبو عَبْد اللّه الحراني. [المتوفى: 671 هـ]
سمع: أبا عبد الله ابن الزُّبَيْديّ، وابن الّلتّيّ، والإربليّ، وأبا الفضل الهَمْدَاني وابن رواحة، والسَّخَاويّ، وطائفة من الشّاميّين؛ وأبا الْحَسَن القَطِيعيّ، وعُمَر بْن كرم ونصر بْن عَبْد الرّزّاق الجيليّ وطائفة ببغداد؛ ومرتضى بْن حاتم، وعلي ابن الصابوني وابن رواج وجماعة بديار مصر.
وعُني بالحديث عنايةً كلّيّة وكتب الكثير وتعِب وحصَّل، وكان يسمع الحديث، ويتألّف النّاس على روايته. وفيه دِين وحُسْن عِشْرة، ولديه فضيلةٌ ومُذاكرة جيّدة وإتقان، أقام بدمشق. [ص:231]
روى عَنْهُ ابن الخبّاز والدّمياطيّ وابن أبي الفتح وابن العطّار وجماعة.
وتُوُفِّي فِي ثامن رمضان وله ثمانٍ وستّون سنة ووقف أجزاءه بالضّيائيّة. وكان شيخ الحديث بالعالِمِيَّة، ومعلومه فيها يسير.(15/230)
32 - مُحَمَّد بْن عُثْمَان بْن منكورس بْن خمردكين، الأمير، سيف الدين ابن الأمير مظفر الدين، [المتوفى: 671 هـ]
صاحب صهيون.
ملك صهيون وبَرْزِيَة بعد والده سنة تسعٍ وخمسين. ومات بصهيون فِي عَشْر السّبعين. ثُمَّ طلب السّلطان وَلَدَه سابق الدّين فأخذ منه الحصنين، وأعطاه إمريّة أربعين فارسًا بدمشق وأقطع عَمَّيْه مجاهد الدّين وجلال الدّين، وبعث السّلطان نوّابه إِلَى البلدين.(15/231)
33 - مُحَمَّد بْن عُمَر بْن يوسف بْن يحيى، الخطيب مُوَفَّق الدين، أبو عبد الله ابن الخطيب أبي حَفْص الزُّبَيْديّ، المقدسيّ، ثُمَّ الدّمشقيّ، الشّافعيّ، [المتوفى: 671 هـ]
خطيب بيت الأبار وابن خطيبها.
وُلِدَ سنة خمس وتسعين وخمسمائة، وسمع من حنبل وابن طَبَرْزَد والكِنديّ وغيرهم؛ وأجاز له الخُشُوعيّ وغيره، وهو من بيت الحديث والعدالة والخطابة، روى عَنْهُ الدّمياطيّ، وابن الخبّاز وابن العطّار وجماعة سواهم؛ وتُوُفِّي فِي سابع عشر صفر.(15/231)
34 - مُحَمَّد بْن عِيسَى بْن مُحَمَّد بْن مهديّ، الإسكندرانيّ، الْمُقْرِئ. [المتوفى: 671 هـ]
نزيل دمشق.
وعاش ثمانين سنة، روى عن ابن طَبَرْزَد وأجازه.
مات فِي ذي الحجة.(15/231)
35 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد، العلّامة بُرهان الدّين المطرّزيّ، المتكلّم. [المتوفى: 671 هـ]
مات فِي العام بتبريز؛ قاله الكازرُونيّ.(15/231)
36 - محمود بْن مُحَمَّد بْن دَاوُد، الإِمَام الفقيه، أبو المحامد الأفْشَنجيّ، الْبُخَارِيّ، الحنفيّ، الواعظ. [المتوفى: 671 هـ]
وُلِدَ سنة سبْعٍ وعشرين وستّمائة، وتفقّه على أبي عبد الله محمد بن أحمد القربني، وسمع من مُحَمَّد بْن أبي جَعْفَر التّرمِذيّ، وكان إمامًا مُفْتيًا، مدرّسًا واعظًا، مفسرًا.
قَالَ أبو العلاء الفَرَضيّ: فيها كَانَت الكائنة على أَهْل بُخَارى من التّتار الكَفَرَة، لعنهم اللّه، فقتل أبو المحامد بظاهر بُخَارى.
قلت: وقُتِل خلْقٌ عظيم من أَهْل البلد، ونُهب وأُحرق فِيهِ أماكن. وهذه ثالث محنة نالت البلد من التتار، نسأل الله الستر.(15/232)
37 - يحيى بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن حَمْزَة بْن عليّ بْن هبة اللّه، المحتسب، الرّئيس، تاج الدّين، أبو المفضّل الثَّعْلبيّ، الدّمشقيّ، المعدّل، ابن الحُبُوبيّ. [المتوفى: 671 هـ]
وُلِدَ سنة عشر وستّمائة، وسمع حُضُورًا من أبي الفُتُوح البكريّ وأبي القاسم ابن الحرستاني، ثم سمع من محمد بن غسان وابن المقير، والعلم ابن الصّابونيّ، ويونس بْن مُحَمَّد الفارقيّ؛ وأجاز له: المؤيَّد الطُّوسيّ وعبد المُعِزّ الهَرَويّ وجماعة كثيرة؛ وخرّج له ابن بَلَبان مشيخةٌ كبيرةٌ فِي ثلاث مجلَّدات، فحضرها جماعة بقراءة الشَّيْخ شرف الدّين الفَزَاريّ.
روى عَنْهُ سِبْطُه مجدُ الدّين ابن الصَّيْرفيّ، وقال: كان صدْرًا جليلًا، عدْلًا، كبيرًا وقُورًا، مَهِيبًا، محبوبًا إِلَى النّاس، عفيفًا عن أموالهم، عزيزَ النَّفْس، كثير البِرّ والصّيام، ذا هيئة حسنة وحُرْمة وافرة؛ وُلّي نظر الأيتام مدّةً، ثُمَّ الحِسْبَةً، ثُمَّ وكالةَ بيت المال إِلَى أن تُوُفّي فِي الرابع والعشرين من ربيع الآخر.(15/232)
38 - يوسف بْن الْحَسَن بْن بدْر بْن الْحَسَن بْن المفرّج بْن بكّار، الحافظ، المفيد، الإمامُ، المُسْنِد، شرف الدّين، أبو المظفَّر النّابلسيّ الأصل، الدّمشقيّ الشّافعيّ. [المتوفى: 671 هـ]
وُلِدَ سنة ثلاثٍ وستّمائة، وأجاز له على يد نسيبه الزّين خَالِد أبو الفتح المندائي وأبو حفص الدارقزي وجماعة؛ وسمع من أبي محمد ابن البنّ، وأبي القَاسِم بْن صَصْرَى وأبي المجد القزوينيّ وزين الأمناء البهاء، وابن صباح وطبقتهم فأكثر، وكتب عامّة مسموعاته ورحل؛ وسمع من عَبْد السلام الدّاهريّ وعُمَر بْن كرم وعبد اللّطيف بْن أبي جَعْفَر الطبري ومحمد بن أحمد القطيعي والحسن ابن الزُّبَيْديّ وطبقتهم ببغداد.
وسمع من يحيى ابن الدّامغانيّ والموفَّق يعيش النَّحْويّ وجماعة بحلب؛ وقرأ الكثير، ونسَخ لنفسه وبالُأجرة، وعُنِي بهذا الشأن، وخطُّه طريقةٌ مشهورة حُلْوة. وخرّج لنفسه " الموافقات " فِي خمسة أجزاء.
وحدَّث بدمشق والقاهرة والإسكندرية، روى عَنْهُ الدّمياطيّ وابن الخبّاز وابن العطّار وأبو الحسن الكندي وأبو الحسن ابن النّصير وخلْق سواهم.
وكان ثقةً، حافظًا، متيقِّظًا، جيّد المذاكرة، مشهورًا بالحديث والطَّلَب، جيّد النَّظْم، حَسَن الدّيانة، ذا عقل ووقار وأخلاق رضيَّة. وُلّي مشيخة دار الحديث النُّوريّة. وروى الكثير؛ وتُوُفِّي إِلَى رحمة اللّه فِي حادى عشر المحرم. وله شعر رائق.(15/233)
39 - أبو القاسم بْن أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بْن أبي العلاء ابن الحمصيّ، الأَزْدِيّ. [المتوفى: 671 هـ]
سمع من ابن الحَرَسْتانيّ كتاب " مكارم الأخلاق "؛ وتُوُفِّي فِي رجب وله ثمان وستّون سنة.(15/233)
-وفيها وُلِدَ
زين الدّين عُبَادة بْن عَبْد الغنيّ الحرّانيّ، المؤذّن، الفقيه وفتْحُ الدّين أبو الفتح مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن سيّد النّاس اليَعْمُريّ، المحدث [ص:234]
الأديب في ذي الحجة بالقاهرة، وشهاب الدين عبد الله ابن نجم الدين علي ابن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن هلال الأَزْدِيّ فِي المحرم، والنجم إسحاق بن أبي بكر ابن أكمى التُّركيّ، ثُمَّ المصريّ، الحسينيّ، الحنبليّ، الشّاعر، ووالي دمشق الأمير شهاب الدين أحمد ابن سيف الدّين أبي بَكْر بْن بَرْق السنْبسيّ، والبدر حسن ابن عبد الواحد بن أحمد ابن المجد ابن عساكر كاتب الحكم، والعماد محمد ابن محمد بن المسلم بن علان الشاهد، وعماد الدين إسماعيل بن محمد ابن القَيْسرانيّ، فِي ذي الحجّة والد القاضي شهاب الدين.(15/233)
-سنة اثنتين وسبعين وستمائة(15/235)
40 - أَحْمَد بْن عليّ بْن إِبْرَاهِيم، الإِمَام كمالُ الدّين المحلّيّ، الْمُقْرِئ، الضّرير، أبو الْعَبَّاس، [المتوفى: 672 هـ]
شيخ الإقراء بالقاهرة.
كان معه عدّة جهات. وكان أستاذا في القراءات ووجوهها، أخذ عن أصحاب أبي الجود والشّاطبيّ، ولم يدرك أخْذًا عن الصَّفراويّ وطبقته، قرأ عليه جماعة منهم الشَّيْخ مُحَمَّد الضرير المعروف بالمزراب، وشمس الدّين محمد بن أبي تغلب القلانسيّ.
وعاش اثنتين وخمسين سنة، وتُوُفِّي فِي ثامن عشر ربيع الآخر بالقاهرة، وكان مولده بالمَحَلّة.(15/235)
41 - أَحْمَد بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن سَليم، الصاحب محيي الدّين، أبو الْعَبَّاس ابن الوزير الكبير بهاء الدّين أبي الْحَسَن ابن القاضي السّديد المصريّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 672 هـ]
سمع من جماعةٍ، وروى اليسير. وكان منقطعا عن المناصب، مُنْعَزِلًا منفردًا كثير المعروف والدّيانة. بنى رِباطًا حسنًا بمصر، ودرَّس بمدرسة والده إلى أن مات، وهي بزقاق القناديل. ووجد عليه أَبُوهُ وجْدًا كثيرًا وعُملت له الأعزِية والتّلاوة والخِتَمُ فِي البلاد المعتبرة، مات في ثامن شعبان رحمه الله.(15/235)
42 - أحمد ابن الإمام الْمُقْرِئ أبي عَبْد اللّه مُحَمَّد بْن عُمَر بْن يوسف، الشَّيْخ العالِم، ضياء الدّين، أبو الْعَبَّاس الأَنْصَارِيّ، [المتوفى: 672 هـ]
القُرْطُبيّ والده.
وُلِدَ سنة اثنتين وستّمائة، وسمع من زاهر بْن رُسْتُم، وأبي عبد الله بن عبدون البناء وجماعة. وكان أديبًا فاضلًا له النَّظْم والنَّثْر، وفيه كَرَم زائد ومروءة وإحسان إِلَى من يرد عليه.
تُوُفِّيَ بقِنا من الصِّعيد فِي نصف شوّال. وأبوه تلميذ الشاطبيّ. [ص:236]
ذكر ضياء الدّين هَذَا أبو جَعْفَر بْن الزُّبَيْر فِي "تاريخه" فقال: ويُعرف بابن المزيّن؛ كذا قَالَ فَوَهِم، بل إنّ ابن المزّين أبو الْعَبَّاس القُرْطُبيّ نزيل الثَّغْر ومختصر " مُسْلِم ".
ثم قال: سمعه أبوه بمكّة والمدينة ومصر والقدس، فسمع من زاهر بْن رستم وله سبعة أعوام. أجازني وأخذ الناس عنه.(15/235)
43 - إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن هبة اللّه بْن حمدان، الواعظ، تقيُّ الدّين القُضَاعيّ، الْمصريّ. [المتوفى: 672 هـ]
مشهور بحُسْن الوعظ وتنميق التّذكير، وكَثْرة المحفوظ. وله قَبُولٌ تامٌ وسُوقٌ نافقة بمصر.
تُوُفِّيَ فِي ربيع الأول بالقرافة عن اثنتين وأربعين سنة.(15/236)
44 - إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم بْن مُزَيبل، أبو إِسْحَاق الْقُرَشِيّ، المخزوميّ، الْمصريّ. [المتوفى: 672 هـ]
روى عن ابن باقا ومُكرم؛ وحدَّث من بيته جماعة.
تُوُفِّيَ فِي ثامن شوّال عن اثنتين وستّين سنة.(15/236)
45 - الأتابك المستعرب، هُوَ الأمير الكبير فارسُ الدّين أقطايّ الصّالحيّ، النَّجميّ. [المتوفى: 672 هـ]
ولّاه الإمرةَ أستاذُه الملك الصّالح نجم الدّين ورفع الملك المظفَّر قُطُز رُتبته، وجعله أتابك الجيش. فَلَمَّا قُتِلَ قُطُز، رحمه اللّه، تطلّع إِلَى السّلطنة كبار الأمراء، فقدّم هُوَ الملك الظاهر وسَلْطَنه وحَلَف له فِي الحال وتابعه أكابر الدولة، فكان الظّاهر يتأدَّب معه ويَرْعَى له ذلك.
قَالَ قطب الدّين فِي " تاريخه ": كان من رجال الدّهر حَزْمًا ورأيًا وتدبيرًا ومَهَابة؛ ولمّا نشأ الأمير بدر الدّين بيليك أمره السّلطان بملازمة الأتابك والتّخلُّق بأخلاقه، ثُمَّ جعله مشاركًا له فِي أمر الجيش، ثُمَّ قُطِعت رواتبُ كَانَتْ للأتابك فوق خُبزه، فجمع نفسه وتبع مُراد السّلطان. ثُمَّ قبْل موته بمدة عرض [ص:237]
له شيءٌ يسير من جُذام، فأمره السّلطان أن يقيم فِي داره ويتداوى، فلزِمَ بيتَه ومات مغبونا؛ وعاده السلطان غير مرة، فعاتبه الأتابك بُلْطف ومَتَّ بخدمته وبكى وأبكى السّلطان، ثم إنه مات في جُمَادَى الأولى بالقاهرة، وقد نَيَّف عَلَى السبعين.(15/236)
46 - إِسْحَاق بْن خليل بْن غازي، الشَّيْخ عفيفُ الدّين الحَمَوِيّ. [المتوفى: 672 هـ]
قَالَ قطب الدّين: كان فاضلًا فِي الفِقْه والقراءات والنَّحْو، درَّس بحماة وخَطَب بقلعتها. وكان له حلقة إشغال، ومات فِي ذي الحجّة عن خمسٍ وثمانين سنة.(15/237)
47 - إِسْرَائِيل بْن مُحَمَّد بْن ماضي بْن إِبْرَاهِيم، الأجل، بدر الدين، ابن العدل رضي الدين الأَنْصَارِيّ، الدمشقيّ، [المتوفى: 672 هـ]
خال المولى شمس الدّين مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الجزريّ.
قال شمس الدين: توفي في شوال. وكان سمحا، كريما، منقطعا عن النّاس، يعيش من ملكه، ويركب البَغْلَة، دفن بتربتهم بقاسيون، وقد جاوز السبعين.(15/237)
48 - أسعد بْن المظفَّر بْن أسعد بْن حَمْزَة بْن أسد بْن عليّ، الصّاحب الرّئيس، مؤيَّد الدّين، أبو المعالي التّميميّ، الدّمشقيّ، ابن القلانسيّ. [المتوفى: 672 هـ]
والد الصّاحب عزّ الدّين حَمْزَة.
وُلِدَ سنة ثمانٍ وتسعين ظنًّا، وسمع حضورًا من حَنْبَل المُكَبِّر، وسَمِعَ من عُمَر بْن طَبَرْزَد وأبي اليُمْن الكِنْديّ، وحدَّث بدمشق ومصر. روى عَنْهُ ابن الخبّاز وابن العطّار وجماعة فِي الأحياء.
وكان صدْرًا جليلًا، مُعظَّمًا وافر الحُرْمة، كثير الأملاك، تام الخبرة، ذا عقلٍ ورأي وحزْم. وكان أهلًا للوزارة ولكنّه لم يدخل فِي هَذِهِ الأشياء عقلًا وحشمة. ولمّا تُوُفِّيَ ابن سُوَيْد أُلْزِم بمباشرة خاصّ الملك الظاهر، فباشره متكلفًا بلا معلوم. وبيته مشهور بالتّقَدُّم والجلالة. [ص:238]
تُوُفِّيَ ببُستانه فِي ثالث عشر المحرَّم.(15/237)
49 - إِسْمَاعِيل بن إبراهيم بن أبي اليُسر شاكر بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ الله بْن أبي المجد، مُسْنِد الشّام، تقيّ الدّين، شرف الفضلاء، أبو مُحَمَّد التَّنُوخيّ، المَعَرّيّ الأصل، الدّمشقيّ. [المتوفى: 672 هـ]
وُلِدَ فِي سابع عشر المحرَّم سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وسمع، فأكثر من الخُشُوعيّ وعبد اللّطيف ابن شيخ الشّيوخ والقاسم ابن عساكر وابن ياسين الدولعي الخطيب، وحنبل، وابن طَبَرْزَد وأبى الفَرَج جَابِر بْن اللّحية الحمويّ، وأبي اليمن الكندي وطائفة. وأجاز له خليل الراراني، وأبو المكارم اللبان، ويحيى بن بوش وطائفة؛ وروى الكثير، واشتهر ذكره وبَعُد صيته وتفرّد بأشياء كثيرة.
وكان رئيسًا متميّزًا فِي كتابة الإنشاء، جيّد النَّظْم، حَسَن القول، دِينًا، متصوِّنًا، صحيح السَّماع، قويّ المشاركة فِي الفضائل، من بيت كتابةٍ وجلالة. وكان جدّه كاتب الإنشاء للسلطان نور الدّين.
روى عن تقيّ الدّين: الشَّيْخ عليّ الْمَوْصِلِيّ وابن تَيْميّة وأَخَواه وابن أبي الفتح، وابن العطّار، وقاضي القُضاة نجم الدّين ابن صَصْرى، وبُرهان الدّين ابن الشَّيْخ تاج الدّين، ومجد الدّين ابن الصَّيْرفيّ، وعلاء الدّين ابن النَّصير وخلْقٌ من كُهُول وقتنا.
وتُوُفِّي فِي السّادس والعشرين من صفر رحمه الله. وقد أجاز لوالدي وكتب الإنشاء للملك النّاصر دَاوُد ووُلّي بدمشق نظر البيمارستان النُّوريّ؛ وقد سمع ببغداد من عَبْد السلام الدّاهريّ وأبي القاسم أَحْمَد بْن السّمّذيّ وأبي عليّ ابن الزُّبَيْديّ؛ ووُلّي مشيخة تُربة أُمّ الصّالح، ومشيخة الرواية بدار الحديث الأشرفية.(15/238)
50 - أقوش، الأمير الكبير، مبارز الدين المنصوري، الحموي، التركي. [المتوفى: 672 هـ]
أستاذ دار صاحب حماة.
كان أجَلَّ أمراء حماة، وكان متحكِّمًا فِي دولة أستاذه إِلَى الغاية. وكان [ص:239]
موصوفًا بالشجاعة والكرم ولِين الجانب.
ولمّا تُوُفِّيَ فِي ذي الحجّة أقرّ الملك المنصور خُبزَه على أولاده وكانوا صغارًا، تُوُفِّيَ وقد جاوز الأربعين بقليل، وحزن عليه أستاذه حزنا كثيرا.(15/238)
51 - إسماعيل بن أبي المجد اللحام. [المتوفى: 672 هـ]
سمع الشيخ الموفق.(15/239)
52 - إياز الرُّوميّ، عتيق ابن جامع التّميميّ. [المتوفى: 672 هـ]
روى عن ابن البن وزين الأمناء وجماعة، حدثنا عنه ابن العطار.
توفي في المحرم.(15/239)
53 - بيليك، الأمير الكبير بدر الدّين الفائزيّ [المتوفى: 672 هـ]
من أعيان أمراء دمشق.
تُوُفِّيَ فِي شوّال، ودُفِن بالصالحية.(15/239)
54 - جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد، الأديب، العلّامة، المترسّل، تاج الدّين العَلَويّ، الحَسَنيّ. ويُعَرَف بابن مُعيّة. [المتوفى: 672 هـ]
كُفَّ بأَخَرَة. تُوُفِّيَ فِي ربيع الأول ببغداد.(15/239)
55 - الْحُسَيْن بْن بدران، المولى نجم الدّين ابن شيخ السّلاميّة، [المتوفى: 672 هـ]
مُشارِف بَعْلَبَكّ.
وُليّ مشارفَةَ القلعة والبلدة مدةً طويلة. وكان موصوفًا بالمروءة والخير، وعاش نيفا وثمانين سنة.
توفي في شعبان ببعلبك.(15/239)
56 - سليمان بن داود بْن موسك بْن جكو، الأمير أسد الدّين الهَذَبانيّ. [المتوفى: 672 هـ]
مات فِي عشر السبعين فِي جُمَادَى الآخرة. حدث عن: ابن اللّتّيّ، أَخَذَ عَنْهُ أَحْمَد الإربليّ.(15/239)
57 - سنْجر، الأمير علمُ الدّين الافتخاريّ، الحرّانيّ. [المتوفى: 672 هـ]
تُوُفِّيَ بدمشق فِي شوال بعد بدر الدين الفائزي بيوم.(15/239)
58 - الصدر القونوي، هو الشيخ الكبير، الشهير، الزّاهد، أبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن مُحَمَّد بْن يوسف الرُّوميّ، الصُّوفيّ [المتوفى: 672 هـ]
على مذهب أَهْل الوحدة. شيخ الاتّحادية بقُونية.
صحب الشيخ محيي الدين ابن العربي. وقرأ كتاب " جامع الأصول " على الأمير العالم شرف الدّين يعقوب الهَذَبانيّ. ورواه عَنْهُ قراءةً عليه الشَّيْخ قُطْبُ الدّين الشّيرازيّ، وله تصانيف فِي السّلوك على مذهبه نسأل اللّه العافيةَ، فَمَنْ ذلك كتاب " النفحات "، وكتاب " تحفة الشكور "، وكتاب " التجليات "، وكتاب " تفسير الفاتحة " عمله في مجلد.
تُوُفِّيَ فِي هَذَا العام بقُونية، وأوصى أن يُحمَل تابوتُه إِلَى دمشق وأنْ يُدفَنَ مع شيخه ابن العربيّ، فلم يتهيّأ ذلك؛ ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة تقريبا، فيما بلغني.(15/240)
59 - ضياء الدين بن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن حرب، شمس الدّين، أبو بَكْر [المتوفى: 672 هـ]
وهو بكُنْيته أشهر.
روى عن ثابت بْن مشرّف؛ ومات فِي شعبان.(15/240)
60 - عَبْد اللّه بْن جبريل بْن عَبْد الجليل، جمال الدين ابن الخطيب الصُّوفيّ، الأبْهريّ، أبو بَكْر. [المتوفى: 672 هـ]
وُلِدَ بأَبْهَر سنة سبعٍ وتسعين؛ وروى شيئًا يسيرًا عن: أبي عَمْرو بْن الصّلاح، وكان شيخًا حَسَنًا.
تُوُفِّيَ بالقاهرة فِي رجب.(15/240)
61 - عَبْد اللّه بْن عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن عَلّاق بْن خلف بْن طلائع، المُسْنِد المعمر، أبو عيسى الأنصاري، النجاري، المصري الرزاز، المعروف بابن الحجاج. [المتوفى: 672 هـ][ص:241]
ولد سنة ست وثمانين تخمينًا، وسمع من هبةِ اللَّه البُوصيريّ وإِسْمَاعِيل بن ياسين وفاطمة بنت سعد الخير، ويونس بْن يحيى الهاشمي، والحافظ عَبْد الغنيّ وغيرهم، وهو آخر من روى بالسماع عن البُوصيريّ، وابن ياسين، وكان شيخًا حَسَنًا، صحيح السماع، عالي الإسناد.
روى عَنْهُ الدّمياطيّ، والشيخ عليّ المَوْصِليّ، والشيخ شعبان وبدر الدّين محمد التاذفي، وعلم الدين الدواداري، وقاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة، والقاضي سعد الدّين الحارثيّ، وأحمد بْن حسن بْن شمس الخلافة، وزين الدّين أَحْمَد ابن القاضي تقيّ الدّين بْن رزين، وبدر الدّين مُحَمَّد بْن الجوهريّ، وأخوه شهاب الدّين أَحْمَد، والأمين عَبْد القادر الصَّعْبيّ، وابنه عَبْد الرَّحْمَن، وتقيّ الدّين عتيق العُمريّ، والفخر مُحَمَّد بْن محمد بن خادم الخليل، وخلْق لا يمكنني إحصاؤهم.
تُوُفِّيَ فِي مُسْتَهلّ ربيع الأوّل بمصر.(15/240)
62 - عَبْد اللّه بْن عُمَر بْن يوسف، الزّاهد، العارف، أبو مُحَمَّد الصّنْهاجيّ، الحُمَيْديّ، القَصْريّ. [المتوفى: 672 هـ]
ذكره الشريف عزُّ الدّين، فقال: تُوُفِّيَ ليلة رابع ربيع الآخر بظاهر القاهرة، وقد قارب المائة. صحِبَ جماعةً من المشايخ وكان مشهورا بالعلم والدين، مذكورا بالصلاح والخير، مقصودا للزيارة والتبرك به، حدث عن شيخه أبي زيد عبد الرحمن ابن العلم الرّهونيّ بفوائد، كتبتُ عَنْهُ، وانتفع به جماعة، رحمه الله.(15/241)
63 - عَبْد اللّه بْن غانم بْن عليّ، القُدْوة الزّاهد، أبو مُحَمَّد ابن الشَّيْخ الكبير العارف أبي عَبْد اللّه النّابلسيّ، رحمة اللّه عليهما. [المتوفى: 672 هـ]
تُوُفِّيَ بنابلس فِي سابع عشر شعبان. وبها وُلِدَ فِي سنة ثمانٍ وستّمائة. ولعلّه سمع بها من البهاء عَبْد الرَّحْمَن، فإنّه روى بها الكثير فِي سنة تسع عشرة، [ص:242]
وقد سمع بدمشق من الحافظ ضياء الدّين المقدسيّ، وكان شيخ الأرض المقدسة فِي وقته زُهْدًا وصلاحًا وشُهْرة وجَلالة، ولمّا تُوُفِّيَ صُلِّيَ عليه صلاة الغائب بجامع دمشق.
حدَّث عَنْهُ النجم ابن الخبّاز فِي " مشيخته " وابن جعوان.(15/241)
64 - عَبْد الحليم بْن سُلَيْمَان بْن أَحْمَد، المَقْدِسيّ، الحرّانيّ. [المتوفى: 672 هـ]
حدَّث عن: حنبل والقزويني والفخر ابن تيميَّة وطائفة، يلقَّب زين الدّين.
مات فِي شوّال بقاسيون وله ثمانون سنة، أَخَذَ عَنْهُ ابن الخبّاز والطَّلَبَة.(15/242)
65 - عَبْد الغنيّ بْن عَبْد الرحمن بن مكي، البغدادي، البزاز. [المتوفى: 672 هـ]
روى عن ابن سُكَيْنة، تُوُفّي فِي شوَّال وله ثمان وسبعون سنة.(15/242)
66 - عَبْد اللّطيف بْن سالم، الشَّيْخ الصالح، القُدْوة، أبو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، [المتوفى: 672 هـ]
تلميذ الشَّيْخ عليّ بْن إدريس.
كان متعبّدًا، مشتغلًا. ذَكَرَه الظّهيرُ الكازرُونيّ فأثنى عليه وأرّخه وقال: كنت أزوره وأتبرّك به. كاشفني مرّةً، رحمه اللّه.(15/242)
67 - عليّ بْن عُثْمَان بْن عَبْد القادر بْن محمود بْن يوسف، الإِمَام، شمسُ الدّين، أبو الحسن ابن الوجوهيّ، الْبَغْدَادِيّ، الحنبليّ، [المتوفى: 672 هـ]
شيخ القُرّاء وشيخ رِباط ابن الأثير.
ولد سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة. وقرأ بالسَّبْع على الفخر المَوْصِليّ وسمع منه، ومن: الشَّيْخ شهاب الدّين السُّهْرَوَرْديّ وأبي الْحَسَن ابن روزبة، ولو بكّر بالسماع للَحِقَ يحيى بْن بَوْش وأكبرَ منه، تلا عليه بالرّوايات: برهان الدّين الجعْبريّ.
قَالَ الظهير الكازرونيّ: كان من الأخيار الأبرار، أجاد قراءة القرآن وروى الحديث، مات فِي ثالث جُمَادَى الأولى.(15/242)
68 - عَبْد الغنيّ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن مكّيّ بْن يوسف، الصالح، العدْل، عماد الدّين الْبَغْدَادِيّ، [المتوفى: 672 هـ]
شيخ رباط البسْطاميّ. [ص:243]
مات فِي شوّال. وكان ورعًا، كثير التّلاوة. كُفَّ بَصَرُهُ فصبر وشكر.
عدّل سنة ثلاثٍ وعشرين. وقارب الثمانين.(15/242)
69 - عبد العزيز بْن عَبْد المنعم ابن الخطيب أَبِي البركات الخضر بن شبل بن الحسين بن علي بْن عَبْد الواحد، المُسْنِد الجليل، كمالُ الدّين، أبو نصر الحارثيّ، الدّمشقيّ، العدْل، المعروف بابن عَبْد. [المتوفى: 672 هـ]
وُلِدَ فِي جُمَادَى الآخرة سنة تسعٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع من الخشوعي والقاسم ابن عساكر، وعبد اللطيف الصُّوفيّ، وأبي جَعْفَر القُرْطُبيّ، وكاد ينفرد بالرّواية عَنْهُم، روى عَنْهُ الدّمياطيّ وابن الخبّاز وابن العطّار وقاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة، وقاضي القضاة نجم الدين ابن صصرى وخلق سواهم.
وتوفي فِي ثاني شعبان.(15/243)
70 - عَبْد الْعَزِيز بْن جَعْفَر بْن ليث، النَّيْسابوريّ، الملك عزّ الدّين، [المتوفى: 672 هـ]
متولّي واسط وشِحْنتَها للتّتار.
كان مشكورًا محمودًا جوادًا معطاءً، مات فِي ذي القعدة.(15/243)
71 - عَبْد اللّطيف بْن عَبْد المنعم بْن عليّ بْن نصر بْن مَنْصُور بْن هبة اللّه، الشَّيْخ الجليل، مُسْنِد الدِّيار المصريّة، نجيب الدّين، أبو الفَرَج، ابن الإِمَام الواعظ أبي مُحَمَّد بْن الصَّيْقَل النُّمَيْريّ، الحرّانيّ، الحنبليّ، التّاجر، السّفّار. [المتوفى: 672 هـ]
وُلِدَ سنة سبع وثمانين وخمسمائة بحران، وأسمعه أبوه ببغداد من عَبْد المنعم بْن كُلَيْب، وأبي طاهر المبارك ابن المعطوش، وأبي الفرج ابن الجوزيّ وأبي القاسم هبة الله ابن السِّبْط، وأبي الْحَسَن عَبْد الرَّحْمَن العُمريّ وعبد الله بن أبي المجد، وأبي الفرج ابن ملاح الشط، وعبد الوهاب ابن سكينة، والحسن بن إبراهيم بن قحطبة ابن أشنانة وعبد الله ابن مُسْلِم بْن جُوَالِق، وعبد الملك بْن مواهب الورّاق، وعُمَر بْن مُحَمَّد القطّان، والمبارك بْن إبراهيم ابن السبيي، وعبد اللّه بْن أبي بَكْر ابن الطويلة أصحاب ابن الحُصَين وطائفة [ص:244]
سواهم وأجاز له من إصبهان: أبو جَعْفَر الطَّرَسُوسيّ ومسعود الجمّال وخليل الرّارانيّ وأبو المكارم اللّبّان.
وروى الكثير ببغداد ودمشق ومصر؛ وانتهى إليه عُلُوّ الإسناد، ورُحِل إليه من البلاد، وازدحم عليه الطلبة والنُّقَاد، وألحق الأحفاد بالأجداد؛ وكان يجهز البَزّ ويتكسّب بالمَتَاجر. وله وجاهةٌ وحُرْمة وافرة عند الدّولة، ثُمَّ انقطع إِلَى رواية الحديث، ووُليّ مشيخة دار الحديث الكامليّة إِلَى أن مات فِي مستهل صفر.
وقد خرّج له الشريف عزّ الدّين "مشيخةً" فِي خمسة أجزاء، وخرّج له "ثُمانيات" فِي أربعة أجزاء. وخرّج له شيخُنا ابن الظاهريّ " الموافقات " في ثلاثة عشر جزءا، "والأبدال العوالي " في أربعة أجزاء، و" المصافحات " في جزأين وغير ذلك.
وكان شيخًا متميّزًا، حسن البِزّة، ديِّنًا، صيِّنًا، صدوقًا، صحيح السماعات. وجرت عليه محنةٌ من الدّولة ولَطَفَ اللّه به.
روى عَنْهُ ابن الظّاهريّ والدّمياطيّ - وحضّرا ولديهما عليه - وقاضي القضاة بدر الدّين، وقاضي القضاة نجم الدّين، وقاضي القضاة سعد الدين، والشيخ كمال الدين ابن الشَريشيّ، والشيخ نصر المَنْبِجيّ، والعفيف أبو بَكْر الصوفي الهنداسة، ومحمد ابن الشَّرَف الميدوميّ، والصّفيّ محمود الُأرْمَوِيّ، والشيخ عليّ الْمَوْصِلِيّ، ومحمد بْن عَبْد اللّه بْن محمود الحراني، وبهاء الدين يوسف ابن العجمي، وهارون الكنجي، وأحمد ابن الشيخ علي القارئ، وأبو نعيم ابن التّقيّ الإسْعِرْديّ، وعزّ الدّين عَبْد الْعَزِيز بْن غازي الحموي، والعفيف عبد الخالق ابن الفارغ، ومحمد وأحمد ابنا المُحِبّ والتّقيّ أَحْمَد بْن العِزّ، ومحمد بْن عُمَر اللّاوي، وعلاء الدّين الكِنْديّ، والجمال يوسف بْن إِبْرَاهِيم القاضي، والشَّرَف يعقوب بْن أَحْمَد الحلبيّ، وأحمد بْن عليّ العلاميّ، وأحمد بْن على الكَلْوَتاتيّ وأحمد بْن عَبْد الرحيم المِنْشاويّ، وفخر الدّين أَحْمَد بن محمد ابن النّطّاع الأَنْصَارِيّ، وبدر الدّين مُحَمَّد بْن مَنْصُور ابن الجوهريّ، وأخوه شِهاب الدّين أَحْمَد، والقُطْب إِبْرَاهِيم ابن الملك المجاهد إِسْحَاق ابْن صاحب المَوْصِل، وشمس الدين حسين بن أسد ابن الأثير، وأخوه بهاء الدّين [ص:245]
سُلَيْمَان وكمال الدّين عَبْد الرَّحْمَن البسطاميّ، الحنفيّ وبهاء الدّين عليّ بْن عُثْمَان بْن أبي الحوافر، والنجّم مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن بنين، ومحمد بْن سعد الصّفّار، ومحمد بْن شعبان الخلاطيّ، وفتح الدّين مُحَمَّد بْن عُثْمَان الشّارعيّ، وقطب الدين محمد بن عبد الوهاب بن مرتضى، وصدر الدين محمد بن أبي بكر ابن البوريّ، وعالَمٌ كثير بمصر والشام من كهول زماننا، عمرهم الله فِي طاعته.(15/243)
72 - عليّ بْن عَبْد الكافي بْن عَبْد الملك بْن عَبْد الكافي، الفقيه الحافظ، المفيد، نجم الدين، أبو الحسن ابن الخطيب الإِمَام جمال الدّين الرَّبعيّ، الدمشقي، الشّافعيّ. [المتوفى: 672 هـ]
سمع: ابن عَبْد الدائم والكرْمانيّ وابن أبي اليسر وأصحاب الخُشُوعيُّ، وابن طَبَرْزَد، ثُمَّ أصحاب ابن مُلاعب وابن أبي لُقْمة، ثُمَّ أصحاب ابن اللّتّيّ ومُكرَم؛ وكتب العالي والنّازل. وكان شابا ذكيًّا، فَهْمًا، كثير الإفادة، جيّد التّحصيل، من نجباء الطلبة وحذاقهم ومتقنيهم. وكان صحيح القراءة، مليح الكتابة، سريع القلم. حدث باليسير، ومات شابا طريا في وسط طلبه. وكان يتلهف على الرحلة إلى مصر ليلحق حديث البُوصيريّ، فيمنعه أَبُوهُ.
تُوُفِّيَ فِي ربيع الآخر وله ستٌّ وعشرون سنة، وحزن عليه أبوه والأصحاب والله يعوضه بالجنة. وأجزاؤه موقوفة بالنّوريّة. وكان من تلامذة الشَّيْخ تاج الدّين.(15/245)
73 - عليّ بْن رمضان، الصّدر، النّقيب، تاج الدين ابن الطَقْطقيّ، العَلَويّ. [المتوفى: 672 هـ]
قتلته العراقلة بظاهر بغداد غِيلةً، وكان متوليا أعمال الحِلَّة والكوفة، مليح الشَّكل.(15/245)
74 - عليّ بْن عُثْمَان بْن عَبْد القادر بْن محمود بْن يوسف، شيخ القراء الإمام شمس الدين الوجوهي الحنبلي المقرئ الزاهد. [المتوفى: 672 هـ][ص:246]
مات في جمادى الأولى وله تسعون سنة.
ذكرت ترجمته في " طبقات القراء ".(15/245)
75 - علي بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن وضاح، الشيخ كمال الدين الشهراباني، الفقيه، الحنبلي، المحدث. [المتوفى: 672 هـ]
توفي في ثاني صفر، يقال فيها، ويقال: سنة إحدى؛ وقد مر في العام الماضي، والصواب هنا. وكذا قَالَ الكازرونيّ: إنّه مات في ثالث صفر يوم الجمعة؛ وقال: فاجتمع عَالمٌ لا يُحَصْون للصلاة عليه. وكان منوَّر الوجه، عالمًا بالمذهب، له تصانيف، إِلَى أن قال: وبَلَغني أنّه وُلِدَ فِي رجب سنة تسعين وخمسمائة، لقي الشَّيْخ عليّ بْن إدريس. وكان حنبليًّا، نحْويًّا، كاتبًا، شيخًا، صالحًا، محدّثًا، مجموع الفضائل.
روى عَنْهُ الشَّيْخ عَلِيّ بْن إدريس الزّاهد وعُمَر بْن كرم الدِّيَنَورِيّ وجماعة، روى عَنْهُ الدمياطي وغيره.
وكان مولده بشهرابان، وهي من سواد العراق سنة نيف وتسعين وخمسمائة. واشتغل ببغداد، وبرع فِي العربية، وشارك فِي فنون من العلم. وسمع الكثير. وكان صديقًا للشيخ يحيى الصرصري.
توفي ببغداد.(15/246)
76 - عُمَر بْن بُنْدار بْن عُمَر، القاضي العلّامة، كمال الدّين، أبو حَفْص التّفْلِيسيّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 672 هـ]
وُلِدَ بتفْلِيس سنة اثنتين وستّمائة تقريبًا. وتفقّه وبرع فِي المذهب والأصلين وغير ذلك. ودرّس وأفتى. وسمع من أبي المنجى ابن اللتي، وجالس أبا عمرو ابن الصّلاح. وولي القضاء بدمشق نيابة.
وكان محمود السّيرة، حَسَن الدّيانة، صحيح العقيدة. ولمّا تملّكت التّتار جاءه التقليد من هولاكو بقضاء الشّام والجزيرة والمَوْصل، فباشر مدّةً يسيرة وأحسن إِلَى النّاس بكلّ ممكِن، وذَبَّ عن الرّعيَّة. وكان نافِذَ الكلمة، عزيز [ص:247]
المنزِلة عند التّتار، لا يُخالفونه فِي شيء.
قَالَ قُطْبُ الدّين: فبالَغَ فِي الإحسان وسعَى فِي حقْن الدّماء ولم يتدنّس فِي تلك المدّة بشيءٍ من الدُّنيا مع فَقْره وكثرة عائلته، ولا استصفى لنفسه مدرسةً ولا استأثر بشيء. وكان مدرس المدرسة العادليّة، وقد تعصّبوا عليه، ونُسِب إليه أشياء برّأه اللّه منها، وسار محيي الدّين ابن الزَكيّ، فجاء بالقضاء على الشّام من جهة هولاكو، وتوجّه كمال الدّين إِلَى قضاء حلب وأعمالها، وقد عَصَمَه اللّه مِمَّنْ أراد ضرره، وكان نهاية ما نالوا منه أنّهم ألزموه بالسَّفَر إِلَى الدِّيار المصريّة، فسافر وأفاد أهلَ مصر واشتغلوا عليه.
قَالَ الشريف عزُّ الدّين: كان مشكور الطريقة، أقام بالقاهرة مدّةً يشغل الطَّلبَة، بعلوم عِدّة فِي غالب أوقاته، فوجد به النّاس فِي ذلك نفْعًا كثيرًا، ولازمتُهُ مدّةً، وقرأت عليه شيئًا من أصول الفِقْه وانتفعت به، وكان أحد العلماء المشهورين والأئمّة المذكورين، تُوُفِّيَ ليلة رابع عشر ربيع الأول بالقاهرة.(15/246)
77 - كي. [المتوفى: 672 هـ]
شاب ذكي فقيه ادَّعَى النُّبُوَّة بتُسْتَر، وزعم أنّه عِيسَى ابن مريم، وأسقط عن أتباعه العصر والعشاء، أمر بقتله صاحب الدّيوان.(15/247)
78 - كيكاوس، السّلطان عزّ الدّين ابن السّلطان كيخسرو بْن قِليج رسلان، [المتوفى: 672 هـ]
أخو السّلطان رُكْن الدّين كَيْقُباذ.
تُوُفِّيَ بسوداق، من بلاد الترك، وله ست وثلاثون سنة. اقتسم هُوَ وأخوه مُلْك الرّوم بعد أبيهما، ثُمَّ إنّ رُكْن الدّين غَلَبَ على الأمر، فهرب عزّ الدّين بأهله وخواصّه إِلَى ملك القُسطنطينيّة، فلم يركن إليه بل حبسه.
ثُمَّ إنّ ملك التّتار بَرَكَة جهز عشرين ألفًا، فأغاروا على أعمال القُسطنطينيّة، ثُمَّ هادَنَهم ملكُها على أن يسلّم إليهم عزَّ الدّين، وذلك فِي سنة ستّين، فسلمه إليهم، فأكرمه بَرَكَةُ، وصيَّره من كبار أمرائه، ثُمَّ كان في خدمة [ص:248]
منكوتَمِر بعده، وخلْف ولده الملك المسعود وهو في خدمة منكوتمر.(15/247)
79 - لؤلؤ بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللّه، نجيبَ الدّين، الدمشقي، الحنفيّ، الضّرير، الْمُقْرِئ. [المتوفى: 672 هـ]
وُلِدَ سنة ستّمائة، وحدّث عن ابن الحَرَسْتانيّ والشّمس العطّار، وتصدّر للإقراء بجامع الحاكم، وحدّث، ومات فِي رجب بالقاهرة.
أجاز للبرزالي.(15/248)
80 - محمد بن إياس، أبو عبد الله الأثيري. [المتوفى: 672 هـ]
وُلِدَ سنة خمسٍ وعشرين وستّمائة بالقاهرة، وسمع من ابن الُمَقَيرِّ، وأصحاب السَّلَفي، وكتب وحصّل وعُني بالحديث، وكان عنده فَهْمٌ ومعرفة. وحدَّث بشيءٍ قليل، وكان أَبُوهُ مَوْلَى لابن الأثير.
تُوُفِّيَ بالنُّوَيْرة من الصّعيد فِي أوّل صفر، رحمه الله.(15/248)
81 - مُحَمَّد بْن زياد، شمس الدّين الحَرّانيّ، [المتوفى: 672 هـ]
أخو البهاء، خطيب بيت لِهْيا.
تُوُفِّيَ فِي ربيع الأول، ودفن بقاسيون.(15/248)
82 - مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك بْن عليّ، أبو عَبْد اللّه المعافِريّ، الشاطبي، الزّاهد. [المتوفى: 672 هـ]
نزيل الإسكندرية.
كان من كبار مشايخ الثَغَر المشهورين بالعبادة والصّلاح والانقطاع، وكان كبير القدر، رفيع الذكر، يقصد للتبرك والزّيارة ويُعَدّ فِي طبقة القبّاريّ، تُوُفِّيَ فِي العشرين من رمضان، وله سبْعٌ وثمانون سنة. ودُفن بمرج سوار.
ولا أعلمه روى شيئًا إلّا عن أبي القاسم بْن صَصْرى، روى عنه أبو محمد الدمياطي وغيره، وقد لبس الخرقة من جعفر الهمداني.
ثم وجدت أربعين حديثًا قد خرّجها ابن عَبْد الباري له، وإذا به قد سمع [ص:249]
في دمشق من ابن صصرى ومن مُوسَى بْن عَبْد القادر وأحمد بْن الخضِر بْن طاوس وزين الُأمَناء وغيرهم. وأنّه قرأ بالسَّبْع بالأندلس. وله تفسير صغير. وله كتاب " المنهج المفيد فيما يلزم الشَّيْخ والمريد ".
سمع منه: شيخنا التّاج الغرافيّ هَذِهِ الأربعين، والوجيه عَبْد الرَّحْمَن السّبتيّ، وكتب الطّبقة الغرافيّ، فكتب له: " قدوة الطّوائف، شيخ الإِسْلَام ".(15/248)
83 - مُحَمَّد بْن سليمان بْن عَبْد اللَّه بْن يوسف، الشَّيْخ جمالُ الدّين، أبو عَبْد اللّه الهوّاريّ، الجلوليّ، التُّونِسيّ، المالكيّ. [المتوفى: 672 هـ]
وُلِدَ سنة ستّمائة بالقاهرة. وسمع من أبي الْحَسَن عليّ بْن المفضَّل الحافظ وعبد الْعَزِيز بْن باقا، وكان صالحًا، فاضلًا، خيّرًا، له شِعْرٌ حَسَن.
تُوُفِّيَ فِي السادس والعشرين من رمضان.
روى عنه الدمياطي من شعره.(15/249)
84 - محمد بن صالح بْن أبي عليّ، البَهْنسِيّ. [المتوفى: 672 هـ]
روى عن علي ابن البناء، وحدث بمصر، ومات فِي شوّال. وهو أخو تاج الدّين البَهْنَسِيّ إمام المقام بمكّة.(15/249)
85 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن جعفر، العلامة القاضي عزّ الدّين البصْريّ، الشّافعيّ، [المتوفى: 672 هـ]
نائب الحُكْم ببغداد ومدّرس النّظاميّة.
كان متبحّرًا فِي العِلم، صاحب تصانيف، مات فِي ذي الحجّة ودُفِن خلْف الْجُنَيْد، ورَثَتْه الشُّعراء، ووُلِد فِي أوّل سنة ستٍّ وستّمائة، روى عن جَدّه.(15/249)
86 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن مالك، العلّامة الأوحد، جمال الدّين، أبو عَبْد اللّه الطّائيّ، الْجَيَّانيّ، الشّافعيّ، النَّحْويّ، [المتوفى: 672 هـ]
نزيل دمشق.
وُلِدَ سنة ستّمائة أو سنة إحدى وستّمائة، وسمع بدمشق من مُكْرَم وأبي صادق الْحَسَن بْن صبّاح وأبي الْحَسَن السَّخاويّ وغيرهم؛ وأخذ العربية عن غير واحد؛ وجالس بحلب ابن عمرون وغيره. وتصدّر بحلب [ص:250]
لإقراء العربيّة وصرف همّته إِلَى إتقان لسان العرب حَتَّى بلغ فِيهِ الغاية، وحاز قَصَب السَّبْق، وأربى على المتقدِّمين.
وكان إمامًا فِي القراءات وعِللها؛ صنَّف فيها قصيدةً داليّةً مرموزة في مقدار " الشاطبية "، وأما اللغة فكان إليه المْنَتَهى فِي الإكثار من نقل غريبها والإطّلاع على وحشِيّها، وأمّا النّحْو والتّصريف فكان فِيهِ بحرا لا يُجارى وحَبْرًا لا يُبارى، وأمَا أشعار العرب الّتي يُستشهَد بها على اللّغة والنّحْو فكانت الأئمّة الأعلام يتحيّرون فِيهِ ويتعجبّون من أَيْنَ يأتي بها، وكان نظْم الشِّعر سهلًا عليه، رجْزه وطويله وبسيطه وغير ذلك، هَذَا مع ما هُوَ عليه من الدّين المتين وصِدْق اللّهجة وكثرة النّوافل، وحُسْن السَّمْت، ورقّة القلب وكمال العقل والوقار والتُّؤَدَة.
أقام بدمشق مدّةً يصنّف ويُشغِل. وتصدَّر بالتُّربة العادليّة وبالجامع المعمور وتخرّج به جماعة كثيرة.
وصنَّف كتاب " تسهيل الفوائد فِي النَّحْو " وكتاب " سبْك المنظوم وفكّ المختوم "، وكتاب " الشّافية الكافية "، وكتاب " الخُلاصة " وشرحها، وكتاب " إكمال الإعلام بتثليث الكلام "، و" المقصور والممدود "، و" فعل وأفعل "، و" النظم الأوجز فيما يهمز "، و" الاعتقاد فِي الطّاء والضّاد " وتصانيف أُخر مشهورة لا يحضُرُني ذِكرُها.
روى عَنْهُ ولده الإِمَام بدْر الدين محمد، والإمام شمس الدين ابن جعوان، والإمام شمس الدين ابن أبي الفتح، وعلاء الدين ابن العطّار، وزين الدّين أبو بَكْر المِزّيّ، وشيخنا أبو الْحُسَيْن اليُونِينيّ، وأبو عَبْد اللّه الصَّيْرفيّ، وقاضي القُضاة ابن جماعة وطائفة سواهم.
أنشدنا أبو عبد الله بن أبي الفتح، قال: أنشدنا العلامة جمال الدين ابن مالك لنفسه فِي تذكير الأعضاء وتأنيثها:
يمين شمال كف القلب خنصر ... سه بنصر سن رحم ضلع كبد
كرش عين الأذن القلت فخذ قدم ... ورك وكتف وعقب ساق الرجل ثم يد
لسان ذراع عاتق عنق قفا ... كراع وضرس ثم إبهام العضد [ص:251]
ونفس وروح فرسن ذفرى إصبع ... معا بطن إبط عجز الدبر لا تزد
ففي يد التأنيث حتما وما تلت ... ووجهان فيما قد تلاها فلا تحد
وأنشدنا ابن أبي الفتح، قال: أنشدنا ابن مالك لنفسه فِي أسماء الذَّهَب:
نضر نضير نضار زبرج سيراء ... زُخرف عسجد عقيانٌ الذَّهَبُ
والِّتبرُ ما لم يُذَبْ وأشركوا ذَهَبًا ... وفضّةً فِي نَسِيكِ هكِذا العرب
وأنشدنا ابن أبي الفتح، قال: أنشدنا ابن مالك لنفسه فِي خيل السّباق العشرة على الولاء:
خَيْلُ السّباقِ المُجَلّي يقتفيه مُصَلٍّ ... والمُسَلّي وتالٍ قبل مُرْتاحِ
وعاطِفٌ وحَظِيٌّ والمؤمل واللطيم ... والنسكل السُّكَيْتُ يا صاحِ
تُوُفِّيَ ابن مالك رحمه اللّه فِي ثاني عشر شعبان، وقد نيَّفٍ عَلَى السّبعين.(15/249)
87 - مُحَمَّد بْن عَبْد القادر بْن ناصر بْن الخضِر بْن عليّ، القاضيّ شهابُ الدّين الأَنْصَارِيّ الشّافعيّ. قاضي بلد الخليل ويُعرف بابن العالمة. [المتوفى: 672 هـ]
ولد سنة ستمائة بدمشق.
قَالَ قُطْب الدّين: كان من الفُضلاء الُأدباء؛ سافر فِي طلب العِلم إِلَى البلاد وحصل وبرع.
وكانت أُمُّه عالمة فاضلة تحفظ القرآن وشيئًا من الفقه والخطب والمواعظ. وتكلّمت فِي عزاء السّلطان الملك العادل. وتعُرف بدُهْن اللَّوْز. كَانَتْ عالمَة وقْتِها، وقد ضبط أبو شامة وفاتَها. روى عَنْهُ ولده قاضي القضاة زين الدّين عَبْد اللّه قاضي حلب شيئًا من نظْمه، فمنه:
أَتُرَى أعيشُ أرى العريشَ وشامَة ... فبِمِصْرَ قد سَئِم المحبُّ مقامَه
أم هَلْ تبلّغُ عَنْهُ أنفاسُ الصّبا ... يومًا إِلَى دار الحبيب سلامَة
يا سادةً خلْفت قلبي عندهم ... هَلْ تحفظون عهوده وذِمامَه
أسعرتُم نارَ الغرامِ بمهجتي ... وسلبتم طرْف الكئيب منامه [ص:252]
إن لم يجد قطْرٌ على مَغناكم ... أغناكم دمعي يقوم مقامَه
يا هل يعيد اللّه أيّام الحِمَى ... من قبل أن يلقى المحبّ حِمامه
وهو أخو العلّامة الحكيم نجم الدين ابن المنفاخ الطّبيب لأمّه. وقد مرّ سنة اثنتين وخمسين.(15/251)
88 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ الزّاهد أبي مُحَمَّد عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن عَلْوان، القاضي الجليل، محيي الدّين أبو المكارم ابْن القاضي الأوحد جمال الدّين ابْن الأستاذ الأسديّ، الحلبيّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 672 هـ]
وُلِدَ سنة اثنتي عشرة وستّمائة؛ وروى عن جدّه وبهاء الدّين ابن شداد، ودرس بالقاهرة بالمسرورية، ثم ولي قضاء حلب إلى حين وفاته بها في ثالث عشر جمادى الأولى. وسمع منه المصريّون.(15/252)
89 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن حسن، الشَّيْخ نصيرُ الدّين، أبو عَبْد اللّه الطُّوسيّ، الفَيْلَسُوف. [المتوفى: 672 هـ]
كان رأسًا فِي عِلم الأوائل، لا سيما معرفة الرّياضيّ وصَنْعة الأرصاد، فإنّه فاق بِذَلِك على الكبار، قرأ على المعين سالم بْن بدران الْمصريّ المعتزليّ، الرافضيّ وغيره، وكان ذا حُرْمةٍ وافره ومنزلةٍ عالية عند هولاكو. وكان يطيعه فيما يشير به والأموال في تصريفه. فابتنى بمدينة مَرَاغَة قُبّةً وَرَصَدًا عظيمًا واتّخذ فِي ذلك خزانةً عظيمةً عاليةً، فسيحةَ الأرجاء ومَلَأها بالكُتُب الّتي نُهِبَت من بغداد والشام والجزيرة، حتى تجمع فيها زيادة على أربعمائة ألف مجلد. وقرر بالرصد المنجّمين والفلاسفة والفُضَلاء وجعل لهم الجامكيّة.
وكان سمحا، كريما، حليمًا، حَسَن العِشْرة، غزير الفضائل، جليل القدْر، لكنّه على مذهب الأوائل فِي كثير من الُأصول، نسأل اللّه الهُدّى والسَّداد. [ص:253]
تُوُفِّيَ فِي ذي الحجّة ببغداد وقد نيَّف على الثّمانين. ويُعرف بخواجا نصير.
قَالَ الظَّهير الكازرُونيّ: مات المخدوم خواجا نصير الدّين أبو جعفر الطوسي في سابع عشر ذي الحجّة، وشيّعه خلائقُ وصاحب الديوان والكُبَراء. ودُفِن بمشهد الكاظم. وكان مليح الصّورة، جميل الأفعال، مهيبا، عالما، متفننا، سهل الأخلاق، متواضعا، كريم الطباع، محتملا، يشغل إِلَى قريب الظُّهْر، ثُمَّ طوَّل الكازرُونيّ ترجمتَه وفيها تواضعه وحلمه وفنونه.
ثم رأيت في " تاريخ تاج الدّين الفَزَاريّ ": حَدَّثَنِي شمس الدّين الأيكيّ انّ النّصير تمكّن إِلَى الغاية والنّاس كلُّهم من تحت تصرّفه. وكان حسن الشّكْل، فصيحًا، خبيرًا بجميع العلوم، كان يقول: اتّفق المحقّقون على أن علم الكلام قليل الفائدة، وأجل المصنّفات فِيهِ فائدة كُتُب فخر الدّين، وأكثرها تخليطًا كتاب " المحصّل "، قَالَ: وأقمت مع شيخنا النصير سبع سنين. وصنف كتبا عدة، ولادة خواجا نصير الدين الطوسي بطُوس يوم الأحد حادي عشر جُمَادَى الأولى سنة سبع وتسعين وخمسمائة.
وتوفي ببغداد في ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين وستمائة ودفن في مشهد موسى والجواد عليهما السلام.(15/252)
90 - مُحَمَّد بْن يوسف بْن نصر، السّلطان، أبو عبد الله ابن الأحمر الأرجونيّ، [المتوفى: 672 هـ]
صاحب الأندلس.
بويع سنة تسعٍ وعشرين بأَرْجُونَة، وهي بُلَيْدةٌ بالقُرب من قُرْطُبَة وكان سعيدًا مؤيَّدًا، مدبرا، حازمًا، بطلًا، شجاعًا، ذا دِينٍ وعفاف، هزم ابن هود ثلاث مرات ولم تُكْسَر له راية قطّ، وقد جاء أذفونش فحاصر جيّان عامين وأخذها بالصُّلْح، وعُقدت بينهما الهدنة عام اثنتين وأربعين، فدامت عشرين سنة، فعُمّرت البلاد.
وأخبار ابن الأحمر علَّقْتُها فِي ورقتين، مات فِي رجب وتملّك بعده ابنه مُحَمَّد.(15/253)
91 - مُحَمَّد بْن أَبِي بكر بن أبي الَّليْث، الداوري، من رمنداور وهي من أقصى خُراسان، العلّامة شهاب الدّين، أبو منصور. [المتوفى: 672 هـ]
سمع ببلده من مخلص الدّين الوخي. وفصيح الدّين الدّاوريّ، ورحل إِلَى بُخَارى فتفقّه على شمس الأئمّة أبي الوحدة مُحَمَّد بْن عَبْد السّتّار، وجمال الدّين عُبَيْد اللّه بْن إِبْرَاهِيم المحبوبيّ، وقرأ الأدب وسمع من أبي رشيد محمد بن أبي بكر ابن الغزّال، وقِوام الدّين محمود بْن أَحْمَد ابن مازة، قرأ عليه الأدبَ جماعةٌ من أصحابنا.
ولد في حدود سنة ست وثمانين وخمسمائة، وتوفي بسرخس في سنة اثنتين وسبعين وستمائة.
قَالَ فِيهِ الفَرَضيّ: شيخنا شِهابّ الدّين.(15/254)
92 - مُحَمَّد بن أبي الرّجاء بْن أبي الزهر بْن أبي القاسم، الحكيم شمس الدّين، أبو عَبْد اللّه التَّنُوخيّ، الدمشقي، الطّبيب، المعروف بابن السَّلعُوس. [المتوفى: 672 هـ]
وُلِدَ سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وسمع من أبي القاسم ابن الحَرَسْتانيّ، وحدَّث بالقاهرة، ومات بها فِي شعبان.(15/254)
93 - مجاهد بْن سُلَيْمَان بْن مرهف الْمصريّ الأديب المعروف بالخيّاط، ويُعرف بابن الرّبيع. [المتوفى: 672 هـ]
تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخرة وقد ناهز السّبعين، وله أشياء حَسَنَة، ومعانٍ مُبَتَكَرَة، وكان من كبار أدباء العوامّ. وقد قرأ النَّحْو وفهِم. فَمَنْ رائق قوله:
أعِدْ يا برقُ ذِكْرَ أهيل نجد ... فإنّ لك اليد البيضاء عندي
أشيمك بارقًا فيضل عقلي ... فوا عجبا تُضِلّ وأنت تَهْديّ
ويبكيك السحاب وليس مِمَّنْ ... تحمل بعض أشواقي ووجْديّ
بعثت مع النّسيم لهم سلاما ... فما عنوا عليّ له بردِّ
وله يهجو أَبَا الْحُسَيْن الجزار وأجاد: [ص:255]
إن تاه جزاركم عليكم ... بفطنة عنده وَكَيْسِ
فَلَيْس يرجوه غير كلبٍ ... وليس يخشاه غير تَيْسٍ(15/254)
94 - محمود بْن أبي سَعِيد بْن محمود بْن مُحَمَّد، الشَّيْخ ناصحُ الدّين، أبو الثنّاء الطّاوسيّ القَزْوينيّ. [المتوفى: 672 هـ]
وُلِدَ سنة ثمانٍ وثمانين وخمسمائة تقريبا وسمع بحلب من أَبِي مُحَمَّد ابن الأستاذ وأبي المحاسن بْن شدّاد وغيرهما؛ وهو ابن أخت الإِمَام أبي القاسم الرّافعيّ صاحب " الشَّرْح ".
تُوُفِّيَ بالقاهرة فِي ربيع الأول. روى عن خاله بالإجازة أربعين حديثًا له، سمعها منه البرهان رئيس المؤذّنين.(15/255)
95 - مكرَّم بْن مظفَّر بْن أبي مُحَمَّد، العين زَربيّ. [المتوفى: 672 هـ]
وُلِدَ سنة ثلاثٍ وثمانين وخمسمائة، وسمع من الحافظ أبي نزار ربيع اليَمَنيّ وحدَّث. وكان شيخًا صالحًا، منقطعًا بالقرافة بزاوية رزبهان، وتوفي في شوال.(15/255)
96 - لاجين، الأمير الكبير، حسامُ الدّين الأيْدمريّ، الداوادار، الملقَّب بالدّرفيل. [المتوفى: 672 هـ]
سمع من سِبْط السِّلَفيّ، وكان مُحِبًّا للعلماء، مُقَرِّبًا لهم، مؤْثِرًا للفُقراء، خاضعًا لهم. له معرفة وفضيلة ومشاركة وذكاء مُفْرِط وهِمّة عالية وَنَفْس شريفة، وكان السّلطان يحبّه ويعتمد عليه فِي المهمّات والمكاتبات وأمر القُصّاد.
توفي في رمضان ولم يكمل الأربعين سنة.(15/255)
97 - يحيى ابن النّاصح عَبْد الرَّحْمَن بْن نجم بْن عَبْد الوهاب ابن الشَّيْخ أَبِي الفَرَج عَبْد الواحد بن محمد الّشيرازيّ، الفقيه، المُسْنِد الكبير، سيفُ الدّين، أبو زكريا ابن الحنبليّ، الأَنْصَارِيّ، الدمشقي، الحنبليّ. [المتوفى: 672 هـ][ص:256]
ولد سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وسمع من الخُشُوعيّ فِي الخامسة وبه ختم حديثه بالسّماع، وسمع من حنبل وابن طَبَرْزَد وأبي اليُمْن الكِنْديّ وجماعة، وسمع بالمَوْصِل من عَبْد المحسن بْن عَبْد اللّه الخطيب، وليس هُوَ بالمُكْثِر عن الخُشُوعيّ.
روى عَنْهُ الدمياطيّ وابن الخباز وأبو الحسن ابن العطار وأبو عبد الله ابن الزراد ومحمد ابن المُحِبّ، وأبو عَبْد اللّه بْن أبي الفتح، وطائفة سواهم.
وتوفي في سابع عشر شوّال.(15/255)
98 - يوسف بْن عَبْد اللّه بْن عَبْد الباقي بن نهار، الإمام فخر الدّين، أبو المحاسن البكريّ، الْمصريّ، المالكيّ، [المتوفى: 672 هـ]
خطيب جامع ابن طولون.
وُلِدَ سنة ثلاثٍ وستّمائة. وسمع ببغداد من أبي الْحَسَن بْن روزبة وغيره وحدَّث. وتُوُفِّي بمصر فِي رابع وعشرين ربيع الآخر.(15/256)
99 - أبو بكر بن أحمد بن عمر ابن الحبّال، البَعْلَبكّيّ. [المتوفى: 672 هـ]
تُوُفِّيَ ببَعْلَبَكّ فِي عَشْر السّبعين وخلَّف ترِكةً، قيل: إنّها تقارب مائة ألف دينار، فاحتاط السّلطان عليها، واصطفى منها نحو أربعمائة ألف درهم، وأفرج عن الأملاك والوثائق، فتمحق أكثر ذلك، وله وقف جيد على البر. وكان يشح على نفسه باليسير وكان فقيرا لا مال له، فاكتسب ذلك بالمعاملة.(15/256)
100 - أبو بَكْر بْن فتيان، الشّطّيّ، الزّاهد، العارف ابن الزاهد القدوة، رحمهما الله. [المتوفى: 672 هـ]
سكن بسفح قاسيون. وكان زاهدًا صالحًا، له أحوال وكرامات ومقامات، وله أتباعٌ ومُحبّون ومريدون وله شِعْرٌ كثير رَأَيْته فِي ديوان مُفْرَد، وهو شِعرٌ طيّب يقع على القلب، ويحرّك السّاكن ويُثير العزم وإن كان ملحونا. فمنه:
يا سعد احذَرْ تجهلْ وإيّاك تَصْحَب مُبتدع ... ولا تُداني باطل تلعب بك الآفاتُ [ص:257]
احذر تخلي التقوى حول اتكالك على النسب ... بوجهل وابن المغيرة خذوا وهم سادات
احذر أفاعي الدّعاوي السُّمُّ فِي أنيابها ... سمومهن قواتل ما تنفع الرّقيات
تُوُفِّيَ الشَّيْخ أبو بَكْر فِي جُمَادَى الأولى. وكان أَبُوهُ من كبار المشايخ، رحمهما الله.(15/256)
101 - أبو بَكْر بْن محمود بْن عُمَر بْن محمود، الفَرْغانيّ، الحنفيّ. [المتوفى: 672 هـ]
وُلِدَ سنة ستٍّ وثمانين وخمسمائة. وسمع حنبلا وابن صباح وحدَّث. مات فِي جُمَادَى الأولى سنه اثنتين. نقلتُه من ابن الدّمياطيّ.(15/257)
-وفيها وُلِدَ:
أبو عَمْرو أَحْمَد بْن أبي الْوَلِيد محمد بن أحمد ابن الحاجّ القُرْطُبيّ، المالكيّ بغَرْناطّة وشَرَفُ الدّين أَحْمَد ابن الرِّضَى عَبْد الرَّحْمَن بْن أبي بَكْر السّنْجاريّ الحنفيّ، فِي ربيع الأول وصاحب حماة المؤيَّد عماد الدين إسماعيل بن علي ابن المظفَّر محمود بدمشق فِي جُمَادَى الأولى.(15/257)
-سنة ثلاث وسبعين وستمائة(15/258)
102 - أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عُمَر، العلّامة علم الدّين الشِّرْمساحيّ، المالكيّ. [المتوفى: 673 هـ]
أخو الشَّيْخ سِراج الدّين عَبْد اللّه.
درّس بالمستنصريّة بعد أَخِيهِ وعاش بعده أربع سنين ومات فِي المحرَّم.(15/258)
103 - أَحْمَد بْن عَبْد القادر بْن حسّان، الدّمشقيّ، العامريّ؛ بالمِزَّة. [المتوفى: 673 هـ]
سمع من ابن الحَرَسْتانيّ وأجاز لي.(15/258)
104 - أَحْمَد بْن مُوسَى بْن يغمور، الأمير شهابُ الدّين، أبو الْعَبَّاس ابن الأمير الكبير جمال الدّين. [المتوفى: 673 هـ]
أديب فاضل، له شِعْر ولي الأعمال الغربيّة فهذّبها وقطع وشنق ووسَّطَ وأفرط فِي ذلك وأسرف وراح البريء بجريرة المفسِد وقد قطع أيدي خلق كثير وأرجُلهم، إلّا أنّه هذّب تلك النّاحية.
مات بالمحلة فِي جُمَادَى الأولى.(15/258)
105 - إِبْرَاهِيم بْن شروة بْن عليّ، الأمير سيف الدّين الكُرديّ، الجاكي، الزهيري. [المتوفى: 673 هـ]
توفي في رجب ببَعْلَبَكّ وقد نيَّف على السبعين.
حَدَّثَنَا عَنْهُ قُطْبُ الدّين اليُونينيّ حكايةً وقال: كان أمينًا، شريف النّفس. وكان أمير جُنْدار الملك الْعَزِيز بحلب. وأخذ خُبْزَه بعده الأميرُ علاء الدين أحمد ابن الجاكي.(15/258)
106 - إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الغنيّ، المحدث المفيد: أبو إسحاق ابن النشو القرشي، الدمشقي، الْمصريّ. [المتوفى: 673 هـ]
وُلِدَ سنة ثمانٍ وستّمائة وسمع من مُكْرَم بْن أبي الصَّقْر وعبد الوهّاب ابن رواج والسّاوي وابن الْجُمَّيْزيّ والسِّبْط وخلْق كثير، وعُني بالطَّلَب ونسخ الأجزاء وأفاد وتعب، ثُمَّ سمع أولاده من إبراهيم ابن خليل وطبقته. [ص:259]
روى عَنْهُ ابن الخبّاز وابن العطّار وغيرهما وتُوُفِّي فِي ذي الحجّة بدمشق.(15/258)
107 - إِبْرَاهِيم البراذعيّ، [المتوفى: 673 هـ]
الشيخ الموله بدمشق، مريد الشيخ يوسف القيمني.
له كشْفٌ وحالٌ على طريقة المُولَّهِين.
تُوُفِّيَ فيها.(15/259)
108 - إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد بْن بَلْدَق، الحرّانيّ. [المتوفى: 673 هـ]
حدَّث عن: الشَّيْخ الموفَّق، ذكره ابن الدمياطي.(15/259)
109 - إِسْمَاعِيل بْن أبي سعد أَحْمَد بْن عليّ، الصاحب، العالِم، شرف الدّين، أبو الفداء الشَّيْبانيّ، الآمِديّ، الحنبليّ، المعروف بابن التِّيتيّ. [المتوفى: 673 هـ]
صدْرُ، فاضل صاحب أدبٍ وفنون ومعرفة بالحديث والتّاريخ والأيّام والشِّعر، مع الدين والعقل والرياسة والحشمة. جمع تاريخا لآمد وترسل عن صاحب ماردين إِلَى الدّيوان الْعَزِيز.
وسمع بالقاهرة مع ولده شمس الدين من أبي الحسن ابن المقير وابن الجميزي وسمع بالشام وماردين.
توفي في رجب بماردين وسمع من كريمة وجماعة بدمشق، روى عنه الدمياطي وابنه يوسف. وعاش أربعًا وسبعين سنة.(15/259)
110 - إلياس بْن عَلوان بْن ممدود، الْمُقْرِئ، الزّاهد، رُكن الدّين الإربليّ، الملقّن، [المتوفى: 673 هـ]
نزيل دمشق.
قرأ بالعراق وديار بَكْر وقرأ بدمشق على أبي الْحَسَن السَّخَاويّ وسمع من الشَّيْخ شهاب الدّين السُّهْرَوَرْديّ وغيره وحدَّث. وعاش خمسًا وسبعين سنة. وتصدّر للإقراء بجامع دمشق. ولقّن خلْقًا وكان موصوفًا بتعليم الرّاء. ويقال: ختم عليه أربعة آلاف نفس وأكثر. كذا قَالَ شمس الدّين مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الْجَزَريّ. وذكر أنّه قرأ عليه القرآن. وما كان يطلب من أحدٍ شيئًا ولا يردّ شيئا وتوفي بمسجده مسجد طوغان الَّذِي بالفسقار وهو على قدر [ص:260]
سعة الكعبة. وأوصى به لتلميذه الشَّيْخ عليّ الخباز.
توفي فِي ربيع الآخر.(15/259)
111 - أيوب بْن عَبْد الرحيم بن أبي حامد مُحَمَّد ابْن قاضي القُضاة صَدْر الدين عَبْد الملك بن عيسى بن درباس، قُطْبُ الدّين المارانيّ، الْمصريّ. [المتوفى: 673 هـ]
وُلِدَ سنة إحدى وعشرين وستّمائة وسمع من عَبْد الْعَزِيز بْن باقا وحدَّث ومات فِي جُمَادَى الأولى.(15/260)
112 - بردويل بْن إِسْمَاعِيل بْن بردويل ويُسَمَّى أيضًا عَبْد الْعَزِيز، أبو العِزّ الدمشقي، الحنفيّ. [المتوفى: 673 هـ]
يروي عن ابن ملاعب وابن راجح وجماعة، روى لنا عَنْهُ ابن العطّار وغيره.(15/260)
113 - بلك، المؤذّن بمنارة الكجك. [المتوفى: 673 هـ]
كان يؤذّن فِي الثُلُث الأخير. وكان جهوريّ الصّوت بالمرّة، بحيث يُسمِع سائرَ أهلِ البلد. ويقولون: قد أذّن بلك. وكان في شبيبته جمالا على الخشب. وكان من أطول الرّجال، رحمه الله.(15/260)
114 - بيليك الجلاليّ، الأمير بدْر الدّين، [المتوفى: 673 هـ]
من أُمراء دمشق.
دفن بالجبل.(15/260)
115 - بيمند الإفرنجيّ، [المتوفى: 673 هـ]
صاحب طَرَابلس.
تُوُفِّيَ فيها وتملك بعده ولده، لعنهما الله.(15/260)
116 - حاتم بن أبي طالب الرحبي ثم الحمصي. [المتوفى: 673 هـ]
حدث عن البخاري أحمد بن عبد الواحد.(15/260)
117 - الخضِر بْن خليل، أبو الْعَبَّاس الهكّاريّ، الصُّوفيّ، المؤذّن. [المتوفى: 673 هـ]
تُوُفِّيَ بالقاهرة فِي رجب. [ص:261]
قَالَ الشريف: سمعت منْهُ، روى عن إِبْرَاهِيم السّنْهوريّ.(15/260)
118 - خلف بْن عليّ بْن أبي بَكْر بْن عليّ، أبو القاسم العسقلانيّ، ثُمَّ التّونيّ، الدّمياطيّ. [المتوفى: 673 هـ]
عاش نيَّفًا وسبعين سنة. وكان راغبًا فِي الحديث وطلبه، روى عَنِ ابن المقيّر ومات في شوال.(15/261)
119 - داود ابن الشيخ مجد الدين نصر الله ابن البعلبكي، الجليل العالم فتح الدين، [المتوفى: 673 هـ]
أحد عدول دمشق.
روى عن أبي اليمن الكندي وغيره، توفي في ذي الحجة.(15/261)
120 - الرشيد بْن أبي الدُرّ، المكينيّ، الْمُقْرِئ. واسمه: أبو بَكْر. [المتوفى: 673 هـ]
قرأ القراءات بدمشق على: السَّخَاويّ والزَّيْن الكرديّ وبالإسكندرية عليّ: ابن عِيسَى وجعفر الهَمْدانيّ وبمصر على: أبي مَنْصُور عَبْد اللّه بْن جامع وقرأ للكسائي ختمةً على أبي القاسم الصَّفْراويّ، وقرأ بالقراءات العَشْر على: التّقيّ ابن باسويه والمرجّى بْن شُقَيْرة، وقرأ ليعقوب على العفيف بْن الرّمّاح وكان خبيرًا بالقراءات، بصيرًا بالتّجويد والأداء مشهورا.
قرأ عليه: رضي الدين ابن دَبُوقا القراءات، ثُمَّ عرضها على السَّخاويّ وكان يُقرئ فِي أيّام السّخاويّ وقرأ عليه القراءات الشيخ محمد المصري وغير واحد.(15/261)
121 - زُهَير بْن عُمَر بْن زُهَير، الزُّرَعيّ، الفقيه الحنبلي. [المتوفى: 673 هـ]
ولد بزرع سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. وقدم دمشق ليشتغل، فسمع من عمر بن طبرزد ومحمد بن وهب ابن الزنف وشيخه الشَّيْخ الموفَّق وحدَّث بدمشق وزُرَع. وكان إنسانًا مباركًا، فقيهًا، فاضلًا، سمع منه جماعة كبيرة منهم: ابن الخباز وأبو الحسن ابن العطار وحفيده الشهاب أحمد بْن عُمَر والبرهان الذّهبيّ، وتُوُفِّي فِي ذي القعدة.(15/261)
122 - زينب بِنْت نصر بْن عَبْد الرّزّاق الجيليّ. [المتوفى: 673 هـ]
روت عن زَيْد بْن هبة اللّه ببغداد.(15/261)
123 - سعد اللّه بْن سعد اللّه بْن سالم بْن واصل، زين الدّين الحَمَويّ، الطبيب. [المتوفى: 673 هـ]
كان بصيرًا بالعلاج، ماهرًا بالفنّ، ديِّنًا، تُوُفِّيَ فِي شوّال.(15/262)
124 - سُلَيْمَان بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم، أبو الرَّبِيع الهَذَبانيّ، الإربِليّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 673 هـ]
تُوُفِّيَ فِي رمضان عن بضْع وسبعين سنة. وكان فقيهًا فاضلًا، منقطعًا بمدرسة الشّافعيّ بالقرافة. وحدَّث عن مكرم.(15/262)
125 - سليمان الملك المغيث ابن الملك السعيد عبد الملك ابن الصّالح إِسْمَاعِيل. [المتوفى: 673 هـ]
وُلِدَ سنة خمسين وستّمائة، ومات فِي صفر شابًّا ودُفِن بتُربة أمّ الصالح، وشيعه الأمراء وبكوا عليه.(15/262)
126 - شجاع بْن هبة اللّه بْن شجاع، زينُ الدّين ابْن الهليس الأَنْصَارِيّ، الْمصريّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 673 هـ]
وُلِدَ سنة ست وستّمائة وحدَّث عن: عَبْد الْعَزِيز بْن باقا ومكرم. ومات في أول المحرم.(15/262)
127 - الصَّفِيّ، المؤذن بجامع دمشق. [المتوفى: 673 هـ]
شيخ مُعمَّر، صالح، مشهور. شيَّعه خلْقٌ وأذَّن فِي الجامع نحوًا من ستّين سنة، وقيل: إنّه جاوز المائة.(15/262)
128 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عطاء بْن حسن بْن عطاء، قاضي القضاة، شمس الدّين، أبو محمد الأذرعي، الحنفي. [المتوفى: 673 هـ]
ولد سنة خمس وتسعين وخمسمائة. وسمع من حنبل وعُمَر بْن طَبَرْزَد وأبي اليُمْن الكِنْديّ وداود بْن ملاعب والشيخ الموفَّق. وتفقّه ودرّس وأفتى، وصار المشار إليه فِي المذهب. وولي عدة مدارس، وناب في القضاء عن صدر الدين ابن سَنِيّ الدولة وغيره، ثُمَّ ولي قضاء الحنفيّة لما [ص:263]
جددت القُضاة الأربعة. وكان إمامًا فاضلًا، ديِّنًا، متواضعًا، محمود السيرة، حسن العشرة، قانعًا باليسير، قليل الرَّغْبة فِي الدُّنيا، تاركًا للتكلُّف، تفقَّه عليه جماعة.
ولقد صدع بالحقّ لمّا حصلت الحَوْطة على البساتين، فجرى الكلام فِي دار العدل بدمشق بحضور السّلطان، فكلُّ أَلان القولَ ودارى الحدَّة من الدولة وخشي سطْوةَ الملك إلّا هُوَ، فإنّه قَالَ: ما يحلّ لمسلمٍ أن يتعرض لهذه الأملاك ولا إِلَى هَذِهِ البساتين، فإنّها بيد أصحابها ويَدُهم عليها ثابتة، فغضب السّلطان الملك الظاهر وقام وقال: إذا كنّا ما نَحْنُ مسلمين أيش قُعُودنا؟ فأخذ الأمراء فِي التَّلطُّف وقالوا: لم يقل عن مولانا السّلطان.
ولمّا سكن غضبه قَالَ: أثبتوا كتبنا الّتي تخصُّنا عند الحنفيّ. وتحقَّق صلابتَه فِي الدّين ونَبُلَ فِي عينه.
روى عَنْهُ قاضي القضاة شمس الدين ابن الحريريّ وأبو الْحَسَن بْن العطّار وجماعة.
ومات فِي جُمَادَى الأولى بمنزله بسفح قاسيون، وشيّعه خلائق ولم يخلف بعده مثله.(15/262)
129 - عَبْد الرَّحْمَن بن أحمد ابن القاضي شمس الدّين أَبِي نصر مُحَمَّد بْن هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن يحيى بن مميل، الصدر، نجم الدين، أبو بكر ابن القاضي تاج الدين ابن الشيرازي، الدمشقي. [المتوفى: 673 هـ]
من بيت الرواية والعلم والرياسة والنبل.
روى عن عُمَر بْن طَبَرْزَد وزيد بْن الْحَسَن الكِنْديّ وداود بْن ملاعب وابن الحَرَسْتانيّ وغيرهم.
روى عَنْهُ الدّمياطيّ وابن الخبّاز وابن العطّار والمجد ابن الصيرفي وجماعة.
وكان من أعيان الشّهود. وهو والد شيخنا الزَّيْن إِبْرَاهِيم.
تُوُفّي فِي الثاني والعشرين من جُمَادَى الآخرة بدمشق وقد سمع جميع "المُسْنَد" من حنبل.
مولده تقريبًا سنة ثمانٍ وتسعين.(15/263)
130 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أبي عليّ بْن المخلص إبراهيم بْن قرناص، جمال الدّين الحَمَويّ. [المتوفى: 673 هـ][ص:264]
صدرٌ كبير محتشم، كثير الأموال وافر الدّيانة، من أعيان بلده، تُوُفِّيَ بحماة فِي ربيع الأوّل وهو فِي عَشْر السبعين.(15/263)
131 - عُثْمَان بْن محمد ابن الحاجب مَنْصُور بْن عَبْد اللّه بْن سرور، فخرُ الدّين، أبو عَمْرو الأمينيّ، الدّمشقيّ، [المتوفى: 673 هـ]
نزيل القاهرة، أخو الحافظ أبي الفتح عمر ابن الحاجب.
وُلِدَ سنة اثنتين وستّمائة وسمع من هبة اللّه بْن طاوس والشيخ المُوفَّق وابن أبي لُقمة وابنُ البُنّ وهذه الطبقة مع أَخِيهِ، كتب عَنْهُ الطَّلَبَة المصريّون ومات فِي رابع ربيع الآخر.
والأميني نسبة إِلَى أمين الدّولة صاحب صَرْخَد.
وممّن روى عَنْهُ الأمير عَلَمُ الدّين الدّواداريّ.(15/264)
132 - عُثْمَان بْن أبي الرجاء، فخر الدّين ابْن السَّلعُوس التَّنُوخيّ، الدّمشقيّ، التاجر [المتوفى: 673 هـ]
والد الصّاحب شمس الدّين.
وكان عدْلًا، مسموع القول.(15/264)
133 - عزيزة بِنْت عُثْمَان بْن طرخان بْن بزوان، أم المعالي الشيبانية الموصلية. [المتوفى: 673 هـ]
وُلِدَت بإِرْبِل فِي حدود سنة أربعِ وتسعين وخمسمائة وسمعت من مسمار بْن العُوَيسَ النّيّار مع ابن عمها زوجها أبي الفضل عَبَّاس بْن بزوان. وحدّثت بالقاهرة. وبها تُوُفِّيَت فِي المحرَّم.(15/264)
134 - أبو الحسن علي بن سعيد المغربي الأديب المتفنن [المتوفى: 673 هـ]
صاحب الرحلة والتواليف.(15/264)
135 - عليّ بْن الفضل بْن عقيل بْن عُثْمَان، النَّظّام، أبو الْحَسَن الهاشميّ، العبّاسيّ، الدّمشقيّ، المعدّل. [المتوفى: 673 هـ]
تُوُفِّيَ بدمشق فِي ثالث عشر رجب وله ثمانون سنة. [ص:265]
أجاز لشيخنا ابن تيمية وإخوته.
وسمع منه: ابن الخبّاز. روى عن أَبِيهِ. وأجاز له الخشوعي والقاسم ابن عساكر وغيرهما.(15/264)
136 - عليّ بْن مُحَمَّد بْن هِبة اللَّه بْن مُحَمَّد، الرّئيسُ، العدْل، علاءُ الدّين ابن القاضي أبي نصر ابْن الشَيرازيّ، الدّمشقيّ. [المتوفى: 673 هـ]
أخو القاضي تاج الدّين أَحْمَد وعِماد الدّين مُحَمَّد.
سمع من الكِنْديّ وابن الحَرَسْتانيّ وداود بْن ملاعب وكتب عَنْهُ الطَّلَبة. وتُوُفّي فِي جُمَادَى الآخرة.(15/265)
137 - عُمَر بْن مُحَمَّد بْن حُسَيْن، مجيرُ الدّين، الطّحان، الدّمشقيّ. [المتوفى: 673 هـ]
شابٌّ مليح، بارعُ الحُسْن. قرأ القراءات على الشَّيْخ زين الدّين الزواوي والعماد الموصلي وحفظ "التنبيه" و"الجرجانية" و"الشاطبية". وقال الشِّعْر وتُوُفِّي شابًّا فِي شوّال.(15/265)
138 - عُمَر بن يعقوب بن عثمان بن أبي طاهر، الشَّيْخ تقيُّ الدّين، أبو الفتح الإربليّ، الذَّهبيّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 673 هـ]
وُلِدَ سنة ثمانٍ وتسعين بإربِل وسمع بدمشق من أبي القاسم بْن صَصْرَى وزين الأمناء والمسلم المازني وابن الزُّبَيْديّ وابن صباح وطبقتهم وأجاز له: أبو جَعْفَر الصَّيْدلانيّ والمؤيَّد الطُّوسيّ وزينب الشّعريّة وجماعة وحدَّث بمصر والشام. وكان صُوفيًّا خيِّرًا، ساكنا. وهو أخو يوسف والد شيخنا محمد الذّهبيّ.
تُوُفِّيَ يوم عيد الأضحى بدمشق.
روى عَنْهُ الدّمياطيّ وابن الخبّاز وابن العطّار والدّواداريّ والمجد الصَّيْرفيّ وجماعة وكان مُحِبًّا للرّواية ومن صوفية الخانقاه السميساطية، حدث بالقاهرة بقراءة الشيخ قطب الدين ابن القسطلانيّ وبقراءة الشَّيْخ شَرَف الدّين حسن بْن علي ابن الصيرفي.(15/265)
139 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرحيم، الصَّدْرُ، عزُّ الدّين ابن المولى كمال الدين ابن العجميّ، الحلبيّ، الكاتب، [المتوفى: 673 هـ]
أخو الرّئيس بهاء الدّين.
رُتِّبّ فِي كتابة الإنشاء بعد والده بدمشق وتُوُفِّي شابًّا، رحمه اللّه.(15/266)
140 - مُحَمَّد بْن إِسْحَاق، الزّاهد، شيخُ أَهْل الوحدة، صدرُ الدّين القُونويّ، [المتوفى: 673 هـ]
صاحب التّصانيف.
قَالَ الكازرُونيّ: بلغني أنّه تُوُفِّيَ فِي سابع عشر المحرَّم سنة ثلاثٍ.
قلت: مرّ بلَقَبِه سنة اثنتين.(15/266)
141 - مُحَمَّد بْن عَبْد الغني بْن عَبْد الكريم بن نِعمة، الإِمَام، زكي الدين، أبو عبد الله المضري الخندفي، الثَّوْريّ، الْمصريّ، الْمُقْرِئ، المعروف بابن المهذَّب. [المتوفى: 673 هـ]
وُلِدَ سنة خمسٍ وستّمائة. وقرأ القراءات وتصدّر لإقرائها بجامع مصر وكان صالحًا، ساكنًا، فاضلًا.
تُوُفِّيَ فِي رمضان.(15/266)
142 - مُحَمَّد بْن عليّ بْن مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن، الشَّيْخ أمينُ الدّين، أبو بكر الأنصاري، المحلي، النحوي. [المتوفى: 673 هـ]
أحد أئمة العربية بالقاهرة.
تصدر لإقراء النحو وانتفع به النّاس وله شِعْرٌ حسن ومات فِي ذي القعدة عن ثلاثٍ وسبعين سنة وله تصانيف حسنة، منها أُرْجُوزة فِي العَرُوض.(15/266)
143 - مُحَمَّد بْن مُرْتَضى بْن أَبِي الجودِ حاتِم بْن المُسَلَّم، أبو الطاهر الحارثي. [المتوفى: 673 هـ]
شيخ، صالح دين ولد سنة تسعين وخمسمائة وسَمِعَ من أَبِي القاسم [ص:267]
عَبْد الرَّحْمَن بْن عبد الله مولى ابن باقا وعلي بن المفضل الحافظ وأبي عبد الله ابن البناء.
وحدث. روى عنه الدواداري وغيره ومات في جمادى الأولى.(15/266)
144 - مُحَمَّد بن أبي الغنائم المسلم بن مُحَمَّد بن المسلم، أبو عَبْد اللّه ابن علّان القَيْسيّ، الدّمشقيّ. [المتوفى: 673 هـ]
سمع من الزُّبَيْديّ وابن اللّتّيّ وجماعة وتُوُفِّي فِي ذي الحجّة وله إحدى وستون سنة، مات فجاءة.
روى لنا عَنْهُ ابن العطّار.(15/267)
145 - مُحَمَّد بن يحيى بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرحمن ابن ربيع، العلّامة القاضي، أبو الْحُسَيْن ابْن العلّامة المصنّف المتكلّم، قاضي غَرْناطة أبي عامر الأَشْعَرِيّ، اليَمَانيّ؛ القُرْطُبيّ المحتد، الغَرْناطيُّ الدّار والمَلْحَد، [المتوفى: 673 هـ]
أحد فُرسان الكلام.
روى عن أَبِيهِ وعمّه أبي جعفر أحمد وأبي القاسم أحمد بن بقي وأبي الحسن علي بن محمد التجيبي وأحمد بن إسحاق بن كوزانة المخزومي وله إجازة من أبي الحسن الشقوري.
قال الإمام أبو حيان: أجاز لي ونقلتُ أسماء شيوخه. وعمل برنامجًا، إِلَى أن قَالَ: وهو كان المشار إليه بالأندلس فِي العلوم العقلية من أُصول الفِقه وعِلْم الكلام والحساب والهندسة. وله معرفة بالطّبّ ووجاهة عند السّلطان أبي عبد الله محمد ابن السّلطان أبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن يُوسُف بْن نصر الخزرجيّ بْن الأحمر وكان يعظِّمه ويقدّمه وكان أشعري النَّسَب والمذهب، متجنّيًا على أَهْل البِدَع وعلى الفلاسفة وكان يستطيل على أبي عَبْد اللّه مُحَمَّد بْن عصام الرّقوطيّ بحضرة السّلطان بسبب البحث، إذ كان يُقَالُ إن الرقوطي كان يميل لنصر الفلاسفة، ولأبي الحسين تصانيف فِي المعقولات.
قَالَ: وسمعت قاضي القضاة أبا الفتح ابن دقيق العيد يقول: ما وقفنا على كلام أحدٍ من متأخري المغاربة مشبه لكلام العجم مثل كلام هَذَا، يعني أَبَا الحسين، وقال لنا أبو جَعْفَر بْن الزُّبَيْر: ما بقي بالمغرب مثل أبي الحسين في فنونه. [ص:268]
قلت: وهو أخو أبي القاسم عَبْد اللّه بن يحيى الراوي عن الخطيب أبي جَعْفَر بْن يحيى وأبي الْحَسَن عليّ بْن مُحَمَّد الشّقوريّ وأبي الْحَسَن بْن خَرُوف. وقد مرّ سنة ستٍّ وستين وستمائة. وأخو أبي الزهر ربيع بْن يحيى المُتَوفَّى سنة سبْعٍ وستّين وأخو أبي عَبْد اللّه مُحَمَّد بْن يحيى نزيل مالقة وكان شُرُوطيًّا وهو آخر من حدَّث عن أَبِيهِ بالسّماع وعُمِّر دهرًا طويلًا. بقي إلى سنة تسع عشرة وسبعمائة.
فأما العلّامة أبو الْحُسَيْن فتُوُفّي بغَرْناطة فِي ثالث جُمَادَى الأولى سنة ثلاثٍ وسبعين ولم يُعْقِب إلّا ولدًا صغيرًا وبنتًا. فالولد كبر وقدِم دمشق سنة خمسٍ وتسعين وسمع معنا من الشَّرَف ابن عساكر وطائفة. وهو أبو الْعَبَّاس أَحْمَد بْن مُحَمَّد الصُّوفيّ. ثُمَّ دخل بلاد العراق والعجم ورجع ومات كهْلًا.(15/267)
146 - مُحَمَّد بْن يحيى بْن الفضل بْن يحيى بْن عَبْد اللَّه بْن القاسم، القاضي محيي الدّين ابن القاضي تاج الدين ابن الشهرزوري، الموصلي. [المتوفى: 673 هـ]
ولد سنة تسعين وخمسمائة، له شِعْرٌ وأدب. ترك زِيّ بيته ولبس زيّ الأجناد وكان أَبُوهُ قاضي الجزيرة.
تُوُفِّيَ محمد بمصر في ربيع الآخر، روى عَنْهُ الدّمياطيّ من نظْمه.(15/268)
147 - مُسْلِم البدويّ، البَرْقيّ، الزاهد، [المتوفى: 673 هـ]
شيخ الفقراء.
له رباط بالقرافة الصُّغْرى وأصحابٌ ومُرِيدون وكان مقصودًا بالزّيارة والتّبرُّك، تُوُفِّيَ فِي ربيع الأوّل.(15/268)
148 - مَنْصُور بْن سُلَيم بْن مَنْصُور بْن فتوح، الإِمَام، المحدّث وجيه الدين، أبو المظفر الهمداني، الإسكندراني، الشّافعيّ، محتسب الثَّغْر. [المتوفى: 673 هـ]
وُلِدَ فِي ثامن صفر سنة سبْعٍ وستّمائة وسمع من مُحَمَّد بْن عماد [ص:269]
الحرّانيّ وجعفر الهَمْدانيّ وابن رَوَاج وجماعة من أصحاب السِّلَفيّ وسمع ببغداد من ابن روزبة والقَطِيعيّ وأبي إِسْحَاق الكاشْغريّ وأبي بَكْر بْن الخازن وجماعة من أصحاب شُهْدَة وبمصر من مرتضى بْن أبي الْجُود وعليّ بْن مختار وطبقتهما وبدمشق من الناصح ابن الحنبليّ وابن اللّتّيّ ومُكَرَم وجماعة وبَحَرّان من حمد بن صديق وغيره وبحماة من أبي القاسم بْن رواحة. وبحلب من الموفَّق يعيش وابنُ خليل وجماعة وبمكّة من أبي النُّعمان بشير بْن سُلَيْمَان.
وصنَّف وخرّج وعُنِي بالحديث والرّجال والتّاريخ والفِقْه وغير ذلك ودرّس بالإسكندرية وجمع " المعجم " لنفسه. وخرّج " أربعين حديثًا فِي أربعين بلدًا " ولكن بعض بُلدانه قُرَى ومَحَالّ. وصنَّف " تاريخًا للإسكندرية " فِي مجلَّدتين. وكان ديِّنًا، خيرًّا، حميد الطريقة، كثير المروءة، مُحِسنًا إِلَى الرّحّالة، ليّن الجانب.
كتب عَنْهُ الدمياطي والشّريف عز الدين والطلبة ولم يخلّف بعده ببلده مثلَه. ويُعرف بالوجيه ابن العمادية.
سمعتُ من أَخَوَيْه لأمّه أبي القاسم الهواريّ وأخته وجيهية.
تُوُفِّيَ ليلة الحادي والعشرين من شوال.(15/268)
149 - نصر اللّه بْن عَبْد المنعم بْن نصر الله بْن أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن حواري بْن الشَّيْخ شَرَف الدّين، أبو الفتح التَّنُوخيّ، الدّمشقيّ، الحنفيّ، الأديب. ويُعرف بابن شُقَيْر أيضًا. [المتوفى: 673 هـ]
وُلِدَ سنة أربع وستّمائة وسمع " الأربعين " من أبي الفتوح البكْريّ، وسمع من دَاوُد بْن ملاعب وغيرهما، روى عنه الدمياطي وابن الخباز وعلم الدين الدواداري وقاضي القضاة نجم الدين ابن صصرى وآخرون من كهول شيوخنا وخطه أسبوب غريب. وكتب بخطّه نُسَخًا كثيرةً بالأربعين القُشَيْريّة الأسْعديّة. وكانَ من سمع منه وَهَبَة نُسخةً.
وكان أديبا فاضلا، حسن المحاضرة، حفظة للأخبار والنّوادر، حَسَن البِزّةَ، كريمًا، متجملًا. عمّر فِي آخر عُمُره مسجدًا عند طواحين الأشنان على [ص:270]
النّهر وتأنّق فِي عمارته. وكان يدعو إليه الأصحاب ويبالغ فِي الاحتفال.
تُوُفِّيَ رحمه اللّه فِي ربيع الآخر ودُفن بمغارة الجوع. وهو أخو محمد.(15/269)
150 - يوسف بْن أَحْمَد بْن محمود بْن أَحْمَد، المحدّث، الملقَّب بالحافظ اليَغْمُوريّ، جمال الدّين، أبو المحاسن الأسديّ، الدّمشقيّ. [المتوفى: 673 هـ]
وُلِدَ فِي حدود السّتّمائة. وسمع الكثير بدمشق والمَوْصِل ومصر والإسكندريّة، وعُني بالحديث وتعِب فِيهِ وحصّل وكتب الكثير. وكان له فَهْمٌ ومعرفة وإتقان ومشاركة فِي الآداب والتّواريخ. وله جُموعٌ حسنة لم أرها، بل أثنى على فضائله الشريف عزُّ الدّين وقال: تُوُفِّيَ فِي ليلة الحادي والعشرين من ربيع الآخر. وسمعت منه. وكان حَسَن الأخلاق، لطيف الشمائل، مشغولًا بنفسه.
وقال الدّمياطيّ: يوسف بْن أَحْمَد أبو العز أخو محمود ابن الطّحّان التكريتيّ الجدّ، الْمَوْصِلِيّ الأب، الدّمشقيّ المولد، المحلي الوفاة رفيقنا، أخبرنا قال: أخبرنا أَحْمَد بْن الأصفر سنة ستّ عشرة.
قلت: وروى عَنْهُ الدّواداريّ أيضًا وجماعة.
تُوُفِّيَ عند شهاب الدين ابن يغمور. وتُوُفِّي ابن يغمور بعده بشهر، وكان يصحب والده جمال الدّين نائب السّلطنة، فعُرف به.(15/270)
151 - أبو غالب بْن أبي طَالِب بْن مفضَّل ابن سَنِيّ الدّولة، زين الدّين الدّمشقيّ، [المتوفى: 673 هـ]
أخو مفضّل الآتي سنة سبْعٍ.
سمعا من حنبل، كتب عن هَذَا: ابن جعْوان وابن العطّار.
وتُوُفِّي فِي هَذَه السّنة.(15/270)
-وفيها وُلِدَ:
شمس الدّين مُحَمَّد بْن يوسف بْن أبي الفرج العسقلانيّ المقرئ، الفقيه [ص:271]
صاحبي رحمة اللّه، فِي شعبان ووُلِدتُ أَنَا فِي ربيع الآخر، وَفِي شوّال وُلِدَ قاضي القضاة تقيّ الدّين أَحْمَد بْن عُمَر بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن عِوَض الحنبليّ، بمصر.(15/270)
-وفيها وُلِدَ:
المفتي شرف الدّين حُسَيْن بن علي بن إسحاق بن سلام الشّافعيّ، وأبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بْن جَابِر الوادياشيّ التُّونسيّ الْمُقْرِئ، والمولى علاء الدّين عليّ بْن مُحَمَّد القلانِسيّ، وقاضي حلب كمال الدّين عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز بْن العديم، وإبراهيم ابن قاضي حماة شرف الدين ابن البارزيّ، وعلاء الدّين عليّ ابن شيخنا البرهان الإسكندريّ، والفقيه الزّاهد نور الدّين عليّ بْن يعقوب البكْريّ الْمصريّ، والشيخ صدر الدّين سُلَيْمَان المالكي الغماري.(15/271)
-سنة أربع وسبعين وستمائة(15/272)
152 - أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الأحد بْن عَبْد الْعَزِيز، تقيُّ الدّين، أبو الْعَبَّاس ابن العُنَّيقة الحرّانيّ، الحنبليّ، العطّار، [المتوفى: 674 هـ]
أخو شيخنا عَبْد الملك.
شيخ جليل فاضل. سمع من الموفَّق بْن يعيش وابن رواحة وابن خليل وجماعة بحلب، ورحل إِلَى بغداد وكتب عن الشَّيْخ يحيى الصَّرصريّ ديوانَه ونقله إِلَى دمشق. روى عَنْهُ ابن الخبّاز وأبو عَبْد اللَّه بْن أبي الفتح وأبو الحسن ابن العطار وجماعة.
وتوفي في صفر بدمشق وله ثلاث وستون سنة.(15/272)
153 - أحمد ابن الحافظ عَبْد العظيم بْن عَبْد القويّ بْن عَبْد اللّه، علم الدّين، أبو الْحُسَيْن المُنْذِرِيّ، الْمصريّ. [المتوفى: 674 هـ]
وُلِدَ سنة خمسٍ وعشرين وستّمائة، وسمع من عَبْد الْعَزِيز بْن باقا وأبي الْحَسَن ابن المقير وأصحاب السِّلَفيّ. وأضرّ قبل موته، وكان يحفظ أشياء مفيده ويذاكر بها، كتب عَنْهُ جماعة ومات فِي ربيع الأول.(15/272)
154 - إِبْرَاهِيم بْن عبد الرحيم بن علي بن شيث، كمال الدّين، أبو إِسْحَاق الْقُرَشِيّ، الكاتب، الأمير. [المتوفى: 674 هـ]
خدم النّاصَر دَاوُد مدّةً وترسَّل عَنْهُ، ثُمَّ خدم النّاصر يوسف، فأعطاه خُبزًا واعتمد عليه وقرَّبه. ثُمَّ وُلّي الرَّحبَةَ للملك الظّاهر، ثُمَّ ولّاه بَعْلَبَكّ.
وله أدبٌ وتَرَسُّل ونَظْمُ ومعرِفة بالتّاريخ والأخبار. وكان يحفظ متُونَ " الموطّأ "، وله اعتناء بالحديث. وقد روى عن القاضي أبي القاسم ابن الحرستاني. وحدثنا عَنْهُ أبو الْحُسَيْن اليُونِينيّ، وكان أَبُوهُ جمال الدّين من كبراء دولة المعظَّم.
تُوُفِّيَ الكمال فِي صفر بالسّاحل وقد نيَّف على السّتّين، وحُمِل فدُفن بمقابر بَعْلَبَكّ.(15/272)
155 - إِبْرَاهِيم بْن يحيى بْن غنّام، النُّمَيْريّ، الحرّانيّ، أبو إِسْحَاق العابر، ناظم كتاب " درّة الأحلام " فِي عِلم التّعبير. [المتوفى: 674 هـ]
وله قصيدة لأميّة فِي التّعبير. وقد سكن بمصر وكان رأسًا فِي التّعبير، مات فِي جُمَادَى الأولى بالقاهرة.(15/273)
156 - إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم بْن نصر اللّه بْن حرب، الفارقيّ. [المتوفى: 674 هـ]
عدلٌ، له ملْك جيّد، حدَّث " بصحيح الْبُخَارِيّ " عن ابن الزّبيديّ، حَدَّثَنَا عَنْهُ إِسْحَاق الآمِديّ.
تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخرة.(15/273)
157 - إِسْمَاعِيل بْن سُلَيْمَان بْن بدْر، أبو الطاهر الأَنْصَارِيّ، الجيتيّ، الْمصريّ. [المتوفى: 674 هـ]
يروي عن ابن عماد، روى عَنْهُ الدّواداريّ وغيره ومات فِي شعبان.(15/273)
158 - إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم بْن نصر، الفارقي، بدْر الدّين. [المتوفى: 674 هـ]
سمع: ابن الزُّبَيْديّ.(15/273)
159 - أيبك، الأمير عز الدّين الإسكندرانيّ، الصالحي. [المتوفى: 674 هـ]
تولى الشوبك لأستاذه الملك الصالح ثم كان من خواص الملك المُعِزّ، ثُمَّ وُلّي بَعْلَبَكّ مدة للظاهر، ثم ولاه الرّحبة. وقد تزوج بابنه الشَّيْخ الفقيه مُحَمَّد اليُونينيّ وكان فِيهِ كَرَم وديانة.
تُوُفِّيَ بالرّحبة في رمضان وهو من أبناء الستين.(15/273)
160 - حَبيبة بِنْت الشَّيْخ أَبِي عُمَر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن قُدَامة. [المتوفى: 674 هـ]
أمُّ أَحْمَد، زَوْجَة الإِمَام تقيّ الدّين مُحَمَّد بْن محمود المراتبيّ وأمّ أولاده.
روت عن حنبل وابن طَبَرْزَد وأجاز لها: عَبْد الوهاب بْن سُكَيْنَة وعائشة [ص:274]
بِنْت معمَّر وجماعة وكانت صالحة، عابدة، قوّامة تاليةً لكتاب اللّه. تلقّن نساء الدّير وكانت تنكر على أخيها الشَّيْخ شمس الدّين دخوله فِي القضاء وَفِي التّوسُّع من الدُّنيا وكثْرة الأواني والقماش. رَضِيَ اللَّهُ عَنْها.
روى عَنْهَا الدّمياطيّ وابن الخبّاز وابن الزّرّاد وابن العطّار وغير واحد، وتُوُفِّيت فِي ثاني عشر ذي القعدة وهي فِي عَشْر الثّمانين.(15/273)
161 - الْحَسَن بْن عليّ بْن الْحَسَن، السيد فخر الدّين ابْن أبي الْجِنّ العلويّ، الحُسَينيّ، الدّمشقيّ، [المتوفى: 674 هـ]
نقيب الأشراف.
توفي في ربيع الأول عن نيف وستين سنة.(15/274)
162 - خاصّ تُرْك، الأميرُ رُكنُ الدّين الكبير. [المتوفى: 674 هـ]
من أعيان الدولة.
تُوُفِّيَ بدمشق ودُفن بقاسيون، وكان عالي الرُّتْبة عند الملك الظّاهر، تُوُفِّيَ فِي ربيع الأول.(15/274)
163 - الخَضِر ويُسَمَّى مَسْعُود بْن عَبْد السّلام ويُسمَّى أَبُوهُ عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن علي بْن محمد بن حمويه. [المتوفى: 674 هـ]
الشيخ الكبير سعد الدين أبو سعد ابن شيخ الشّيوخ تاج الدّين، أخو شيخ الشّيوخ شرف الدين.
ولد سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وسمع من عمر بن طبرزد وأبي اليمن الكِنْديّ وجماعة.
وأجاز له: عَبْد المنعم بْن كليب وأبو الفرج بن الجوزي والمبارك ابن المعطوش وعبد الله بن أبي المجد الحربي وجماعة. وخدم فِي شبيبته وتعانى الْجُنْدية مع بني عمّه الأمراء الأربعة، ثُمَّ تصوّف ولبس البقيار. وأُمُّه من ذُريّة أبي القاسم القُشَيْريّ وقد جمع تاريخًا فِي مجلَّدتين. وكان لديه فضيلة وله شعر حَسَن. ومرض فِي أواخر عُمُره وقَلَّ بَصَرُه.
روى عَنْهُ ابن الخبّاز وابن العطّار وعَلَم الدّين الدّواداريّ وجماعة وأجاز لي مَرْويَاته. وكتب عَنْهُ بِذَلِك الشَّيْخ أبو الْحَسَن الْمَوْصِلِيّ.
وتُوُفِّي فِي ذي الحجّة، رحمه اللّه. وكان مشاركًا لأخيه فِي المشيخة. [ص:275]
نقلتُ من خط سعد الدّين وأجازه لي. قَالَ: رَأَيْت عند خطيب القاهرة فخر الدّين القاضي السُّكّريّ قِشْر حيّة أُهدي لوالده من الهند، عرضه ثلاثة أشبار، قال: ورأيت بقرية من أعمال الزَّبدانيّ سنة ثلاثٍ وخمسين وستّمائة شجرة جَوْز دَوْرها اثني عشر ذراعًا وحَمْلها مائة ألف وعشرون ألف جوزة، قَالَ: ورأيت بقرب مَيَّافارِقين شجرةَ بلُّوط، قسْت دَوْرها اثنين وعشرين شبرا. ونزلت عند الملك المظفر غازي ابن العادل، فأحضروا بين يديه جَدْيَيْن تَوْأَم وجهُ أحدِهما قريبٌ من وجه الآدميّ وله خُرْطُوم كالخنزير، وتحت الخُرطوم عينان، وَفِي جبهته عينان أيضًا، وله فمٌ كفم الآدميّ ولسان عريض. ورأيت أيضًا جدْيًا بفَرْد عين فِي وسط جبهته وله إلْيه مثل الضأن.(15/274)
164 - الرَّبِيع بْن سلمان بْن مُحَمَّد بْن سالم، شمس الدّين، أبو الفضل الْقُرَشِيّ. [المتوفى: 674 هـ]
سمع " الصّحيح " من ابن الزُّبَيْديّ وحدَّث. وكان رجلًا فاضلًا من أبناء السبعين.
توفي بحمص.(15/275)
165 - سنجر، الأمير عَلَمُ الدّين الحِصْنيّ. [المتوفى: 674 هـ]
تُوُفِّيَ بدمشق فِي جُمَادَى الأولى. وكان من أمراء الُألُوف. وقد ناب في سلطنة دمشق وقتا.(15/275)
166 - سيف الدين الجحافي، الأمير. [المتوفى: 674 هـ]
تُوُفِّيَ أيضًا فِي جُمَادَى الأولى بدمشق.(15/275)
167 - صُبَيْح، عتيق الحافظ عَبْد العظيم. [المتوفى: 674 هـ]
سمع الكثير وحدَّث عن مُكرَّم. ومات فِي صفر بمصر.(15/275)
168 - طرخان بْن إِسْحَاق بْن طرخان، الشّاغوريّ. [المتوفى: 674 هـ]
روى عن أَبِيهِ، له خُطَب وأدب.(15/275)
169 - طُغْريل، الأمير سيف الدين والي البر بدمشق. [المتوفى: 674 هـ][ص:276]
لعله الحجافي.(15/275)
170 - عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الوهاب بْن إلياس، الصّدرُ الصالح، بدر الدّين، أبو مُحَمَّد الأَنْصَارِيّ، ابن الشَّيْرجيّ. [المتوفى: 674 هـ]
أخو القاضي عماد الدّين مُحَمَّد.
روى عَنِ الْحُسَيْن ابن الزُّبَيْديّ، روى عَنْهُ ابن الخبّاز وابن العطّار وجماعة، وتُوُفِّي فِي المحرَّم. وكان يلبس بِزيّ الفقراء، وسمع من القزوينيّ ومن جدّه. وأجاز لي مَرْوِيّاته.(15/276)
171 - عَبْد اللّه بْن أبي القَاسِم بْن عليّ بْن مكّيّ بْن ورخز، أبو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 674 هـ]
وُلِدَ سنة ستٍّ وستّمائة، وسمع من ابن الأخضر وعمر بن الحسين ابن المِعْوَجّ وأحمد بْن عليّ الغَزْنويّ وعدّة، روى القلانسيّ وابن عَبْد الصّمد والدَّقُوقيّ والصّدر بْن حمُّوَيْه، وخلْقٌ عَنْهُ.(15/276)
172 - عَبْد اللّه بْن إِسْمَاعِيل بن محمد بن أيوب، الملك المسعود ابن الملك الصالح. [المتوفى: 674 هـ]
رئيس جليل. وهو أخو الملك المنصور محمود والملك السعيد أبي الكامل، تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأولى بدمشق.(15/276)
173 - عَبْد اللّه بْن شُكر بْن عليّ، اليُونينيّ. [المتوفى: 674 هـ]
شيخٌ، صالح، عابد، قانع، متعفّف، صحِب المشايخّ وسمع الكثير فِي كهولته، روى عَنْهُ ابن الخبّاز.
قَالَ قُطْبُ الدّين: كان قانعًا باليسير، متحرِّيًا فِي مَطْعَمه وملبسه ويتقوَّت من مُغَلّ أرضٍ له، لعلّ مغلّها خمسون درهمًا. وحصل له من الجوع [ص:277]
يَبَسٌ أورثه تخيُّلات فاسدة، وتُوُفِّي بدمشق فِي رمضان وقد جاوز السّبعين.
حدَّث عن الحافظ الضياء.
روى عَنْهُ ابن تمّام وابن الخبّاز.(15/276)
174 - عَبْد الرَّحْمَن بْن دَاوُد بْن رسلان، الشَّيْخ عمادُ الدّين، أبو القاسم الْقُرَشِيّ، المخزوميّ، الْمصريّ، السَّمَربائيّ. [المتوفى: 674 هـ]
وسَمَرْبيه من أعمال الغربيّة.
عاش ثمانين سنة وكان دينا، عالما، خيرا، مشهورا، له فضل وأدب، وتوفي في رجب.(15/277)
175 - عبد الرحمن ابن الشَّيْخ الْمُقْرِئ أبي القاسم عِيسَى بْن عَبْد الْعَزِيز بْن عِيسَى، أبو المعالي اللَّخْميّ، الإسكندرانيّ. [المتوفى: 674 هـ]
قرأ القرآن على أَبِيهِ. وتصدّر للإقراء. وحدَّث ولقبه: عز الدين وقد أجاز له: الكندي وزاهر بْن رُسْتُم وخلْق وقرأ أيضًا بالسَّبْع على جَعْفَر الهَمْدانيّ. وسمع " جامع التّرمِذيّ " سنة إحدى عشرة من ابن البناء.
ومولده تخمينًا سنة أربع وستّمائة ومات فِي عاشر ربيع الأول بالإسكندرية وله سبعون سنة.(15/277)
176 - عبد الرحمن ابن العلّامة أبي العِزّ مظفَّر بْن عَبْد اللّه، شَرَف الدّين، أبو القاسم الأَنْصَارِيّ، الخزرجيّ، الْمصْرِيّ، المعروف أَبُوهُ بالمقترح. [المتوفى: 674 هـ]
وُلِدَ بالإسكندرية سنة سبْعٍ وستّمائة وسمع من عَبْد اللّه بْن مُحَمَّد بْن مجلّي وحدَّث ومات فِي رجب.(15/277)
177 - عَبْد الملك بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَسَن، العجميّ، زينُ الدّين، أبو المظفَّر المعدل، العاقد بالقاهرة. [المتوفى: 674 هـ]
ولد سنة إحدى وتسعين وخمسمائة وسمع من الافتخار وثابت بْن مشرّف، روى عنه الدمياطي من نظمه، توفي فِي ذي القعدة بالقاهرة.(15/277)
178 - عُثْمَان بْن عَبْد الكريم، سديدُ الدّين الصَّنْهاجيّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 674 هـ][ص:278]
تُوُفِّيَ فِي ذي القعدة عن تسعٍ وستّين سنة.
وقد درس وأشغل وناب فِي قضاء القاهرة.(15/277)
179 - عُثْمَان بْن مُوسَى بْن عَبْد اللّه، الفقيه الزّاهد، أبو عَمْرو الإربليُّ، ثُمَّ الآمِديّ. [المتوفى: 674 هـ]
إمام الحنابلة بمكّة.
يروي عن يعقوب بْن عليّ الحكّاك ومحمد بْن أبي البركات، روى عَنْهُ الدّمياطيّ وابن العطّار وكتب إِلَيَّ بالإجازة.
تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأولى وصُلّيّ عليه يوم جمعة بدمشق صلاة الغائب. وكان من الزهاد.(15/278)
180 - عُثْمَان بْن هبة اللّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بن مكي ابن الإِمَام أبي الطّاهر إِسْمَاعِيل بْن عَوْف، أبو الفتح الْقُرَشِيّ، الزُّهْرِيّ، العَوْفيّ، الإسكندرانيّ، المالكيّ، الشّمّاع. [المتوفى: 674 هـ]
آخر أصحاب عبد الرحمن بن موقى بالسماع، ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة وتُوُفِّي فِي سلْخ ربيع الأول بالإسكندرية.
روى عَنْهُ الدّمياطيّ والشيخ شعبان الإربلِيّ وَعَلَم الدّين الدّواداريّ والقاضي سعد الدّين الحارثيّ وجماعة كثيرة.
وعاش خمسًا وثمانين سنة. وكانت جنازته مشهودة.(15/278)
181 - علي بن أحمد ابن العُقيب، الشَّيْخ نورٌ الدّولة العامريّ، البَعْلَبَكيّ، النَّحْويّ. [المتوفى: 674 هـ]
أَخَذَ العربية عن: ابن معقل الحمصيّ وله شعر جيد. وفيه دين وشرف نفس، تُوُفِّيَ ببَعْلَبَكّ فِي ربيع الأول.(15/278)
182 - عليّ بْن أنجب بن عُثْمَان بْن عُبَيْد اللّه، الشَّيْخ تاج الدين، أبو الحسن وأبو طالب ابن الساعي البغدادي، المؤرخ، خازن كُتُب المستنصريّة. [المتوفى: 674 هـ][ص:279]
تُوُفِّيَ فِي رمضان وقد قارب الثمانين أو جازها وكان أديبًا فاضلًا، إخباريًّا، عمل تاريخًا وما زال يجمع فِيهِ إِلَى أن مات، وعمل تاريخًا لشُعراء زمانه وذيّل على " الكامل " لابن الأثير. وله كتاب " غَزَل الظُّرّاف " فِي مجلَّدين فأجازه عليه المستنصر بالله بمائة دينار وله كتاب " التاريخ المعلّم الأتابكيّ "؛ التَمَسَ منه تأليفَه صاحب شهرزور نور الدين أرسلان شاه ابن زنكي بن أرسلان شاه ابن السُّلطان عزَّ الدين مسعود ابن السّلطان قُطب الدّين مودود بْن زنكي بن آقسُنْقُر التُّركيّ، وَفِي أخبار بيتهم وأجازه عليه بمائة دينار وله كتاب " نُزْهة الأبصار " فِي ختان ابنّي المستعصم الشّهيد وما أنفق عليهما من الأموال وتفاصيل ما عُمِل من المآكل والملبوس وما عُمِل من المدائح، فأُعطي عليه مائة دينار وكان إقبال الشرابي ينفذ إليه بالذَّهَب ويحترمه. وله فِي إقبال مدائح وَفِي غيره.
ولقد أورد الكازرُونيّ فِي ترجمة ابن السّاعي أسماء التّصانيف الّتي صنّفها وهي كبيرة جدًّا، لعلَّها وِقْر بعير، منها " مشيخته " بالسّماع والإجازة فِي عَشْر مجلَّدات، فروى بالإجازة عن أبي سعد الصّفّار، فأحسبها العامّة وعن: عَبْد الوهاب بْن سُكَيْنة والكِنْديّ وابن الأخضر وأحمد ابن الدّبيقيّ، وسمع من أصحاب أبي الوقْت وقرأ على ابن النّجار " تاريخه الكبير لبغداد " وقد تكلّم فِيهِ، فالله أعلم. وله أوهام.
قَالَ ابن أنجب: وَفِي رجب سنة أربعٍ وثلاثين وستّمائة، برز إِلَيَّ من البرّ المستنصريّ مائة دينار فِي مقابلة كتاب وسَمْتُهُ بكتاب " الإيناس فِي مناقب خلفاء بني الْعَبَّاس ".
وله كتاب " الحثّ على طلب الولد " ألّفه باسم مجاهد الدّين أَيْبك الدُّوَيدار الصغير، فقدّمه له يوم عُرْسه على ابْنَة صاحب المَوْصِل لؤلؤ.
وحكى ابن أنجب أنّه اشترى مملوكًا بخمسة عشر دينَارًا. قَالَ: ثُمَّ بعْتُهُ بمائة دينار على الأمير بكلك، فوهبه لفتاه سُنْقر شاه، فظهرت منه نهضة تامة وكفاءة وكثرت أمواله، إلى أن نقم عليه أستاذُه واخذ من أمواله ما قيمته [ص:280]
أَزْيد من مائة ألف دينار، فَلَمَّا انتهى أمره إِلَى الديوان أحضر من خُوزستان وكان سُنْقر جاء زعيمها، فساعة وصوله واسمه أدرج وخلع عليه وأُلحِق بالزُّعماء. فلم تطُلْ أيّامه حَتَّى تُوُفِّيَ. وكان ينفِّذ إِلَيَّ فِي كل سنةٍ بمائة دينار من ابتداء سعادته إِلَى أن مات.
قلت: وله من التّواليف: " تاريخ الوزراء " و" تاريخ نساء الخلفاء من الحرائر والإماء "، ومنهنّ سمر أمّ أولاد المستعصم الأمراء: أَحْمَد وعبد الرَّحْمَن ومبارك.
وله مصنَّف فِي " سيرة المستنصر " وآخر فِي " سيرة النّاصر ". ومصنَّف فِي " أخبار أَهْل البيت ". وله عدّة تواليف وعاش اثنتين وثمانين سنة، رحمه الله.
وقد ذكر الظّهير الكازرُونيّ له ترجمةً طويلة وأثنى عليه بالديانة.(15/278)
183 - عليّ بْن عَبْد الرحيم بن عليّ بْن إِسْحَاق بْن شيث، أخو كمال الدّين إِبْرَاهِيم، الْقُرَشِيّ، علاءُ الدّين. [المتوفى: 674 هـ]
وُلِدَ سنة إحدى وستّمائة. وكان الأكبر وحدَّث بالقاهرة، أظنّ عن ابن الحرستاني.
ومات فِي رجب.(15/280)
184 - عليّ بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز، الْقُرَشِيّ، كمالُ الدّين، العدل، [المتوفى: 674 هـ]
أخو المعين المحدّث.
تُوُفِّيَ بدمشق فِي جُمَادَى الأولى، سمع من الكِنْديّ وابن الحَرَسْتانيّ. وحدَّث.(15/280)
185 - عليّ بْن مُحَمَّد بْن عليّ، الآمديّ، الرّئيس، موفَّق الدّين الكاتب. [المتوفى: 674 هـ]
كان متعيّنًا لنظر الدّواوين الكبار. وطال عُمُره وتقلّب فِي الخِدَم. ثُمَّ صار إِلَى نظر الكَرَك والشَّوْبَك ومات هناك فِي ذِي الحجَّة وَلَهُ خمسٌ وثمانون [ص:281]
سنة وقدِم الشّام هُوَ وأخوه فِي أيّام الملك الكامل.(15/280)
186 - عليّ بْن مُحَمَّد بْن نصر اللّه، الصّاحبُ علاءُ الدّين ابن منتجب الدّين الحلبيّ [المتوفى: 674 هـ]
وزير صاحب حماة.
وزَرَ إِلَى أن مات في الكهولة في صفر بحماة.(15/281)
187 - الفارقاني، الأمير بدر الدّين. [المتوفى: 674 هـ]
تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخرة.(15/281)
188 - محمد ابن الجمال أبي صالح عَبْد اللّه بْن أبي أسامة، الشيخ الضال، مفيد الدين ابن الأحواضيّ، [المتوفى: 674 هـ]
رأس الشّيعة الغُلاة وقُدوتهم.
مات فِي جمادى الأولى بقرية حراجل من جبل الْجُرْد وقد قارب الأربعين.
وكان كثير الفنون والفضائل، عُرْيًا من علم الكتاب والسُّنّة. ولكنّهُ محكِمٌ للمنطق والفلسفة ومذهب الأوائل.(15/281)
189 - محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق بْن خليل بْن مقلّد ويُسَمَّى أيضًا: عَبْد الْعَزِيز، العدْلُ، عمادُ الدّين، أبو عَبْد اللّه بْن الصّائغ الأنصاريّ، الدّمشقيّ [المتوفى: 674 هـ]
أخو قاضي القُضاة عزّ الدّين.
وُلِدَ سنة إحدى عشرة وستّمائة وسمع من ابن الزُّبَيْديّ وابن اللّتّيّ وابن صباح ومُكَرَّم بْن أبي الصَّقْر، ولازم ابن العربي وكتب جُملةً من تصانيفه. نسأل اللّه السّلامة ولكن ما أظنُّ فهِمَ مَغْزاه وقد درّس بالعَذْراويّة.
وكان بصيرًا بالأدب، بارعًا فِي معرفة المساحة والقِسْمة. وكان من شُهُود الخزانة. كتب عنه جماعة وأجاز لي مروياته ومات فِي رجب.(15/281)
190 - مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللّه بْن جبريل، الصّدرُ زَيْنُ الدّين الْمصْرِيّ. [المتوفى: 674 هـ]
شاعر كاتب. وهو القائل: [ص:282]
أيا بديعَ الجمال رقّ لِمَنْ ... ستْرُ هواه عليكَ مَهْتُوكُ
دموعُهُ فِي هَوَاكَ جارِيةٌ ... وقلْبُهُ فِي يديك مملوك(15/281)
191 - مُحَمَّد بْن مَزْيَد بْن مبشّر، أبو عَبْد اللّه الخُويّيّ. [المتوفى: 674 هـ]
صالحٌ خيِّر، له رواية، تُوُفِّيَ فِي شوّال.(15/282)
192 - مُحَمَّد بْن أبي بكر، أبو منصور ابن النّعّال، عُرِف بابن الكرك. [المتوفى: 674 هـ]
من شيوخ الحديث ببغداد، مات فِي شوّال.(15/282)
193 - مبارك بْن حامد بن أبي الفَرَج، تقيُّ الدّين الحدّاد. رأس الرّافضة. [المتوفى: 674 هـ]
تُوُفِّيَ فِي عَشْر السّبعين وله صِيت فِي الحِلّة والكوفة ومات ببعلبك ورثاه الجمال ابن مقبل الحمصي بقصيدة أوّلُها:
لو أنّ البكاء يُجْدي على أثر هالِكٍ ... بكينا على الزَّهر التّقّي مبارك
يرى ودّ آل المصطفى خير مَتْجرٍ ... وإنْ صُدّ عَنْهُ بالظِّبا والنَّيازك(15/282)
194 - محمود بْن عابد بْن حُسَيْن بْن مُحَمَّد، الشَّيْخ تاجُ الدّين، أبو الثّناء التّميميّ، الصَّرْخَديّ، النَّحْويّ، الشّاعر المشهور، الحنفيّ. [المتوفى: 674 هـ]
وُلِدَ بصَرْخَد فِي سنة ثمانٍ وتسعين وخمسمائة. وكان فقيهًا فاضلًا، نحْويًا، بارعًا، شاعرًا، مُحسِنًا، زاهدًا، متعفّفًا، خيِّرًا، متواضعًا، قانعًا، فقيرًا، كبير القدر، دَمِث الأخلاق وافر الحُرمة، تُوُفِّيَ بالمدرسة النّوريّة فِي ربيع الآخر.
كتب عَنْهُ الدّمياطيّ والأمير شمس الدين محمد ابن التيتي وجمال الدين ابن الصابونيّ.
ومن شعره:
لَمعت بين حاجر والمُصَلَّى ... نارُهُم فانجلى الظَّلَامُ وولّى
لا تعيدوا لنا حديثًا قديمًا ... حدّثَتْناهُ عنكُمُ الرّيحُ نقْلا [ص:283]
مُذْ تناءوا فالعَيْنُ تحسدُ القلْبَ ... عليهم وتبعثُ الدَّمع رُسْلا
وهي معذورةٌ على مثل ليلى ... بقتل المستهام نفسا وأهلا
وله:
خليلي ما لي لا أرى بان حَاجِر ... يلوح ولا نشْر الأراك يفوح
يعزّ علينا أنْ تشطّ بنا النَّوَى ... ولي عندكم قلبٌ يذوبُ ورُوحُ
إذا نفحت من جانب الرَّمل نفحةٌ ... وفيها عَرار للغُوَيْر وشِيحُ
تذكّرتُكُم والدَّمعُ يستر مُقْلتي ... وقلبي بأسباب البعاد جريحُ
وله:
بدا كقضيب البان والظَّبي إذ يعطو ... يرنج عِطْفَيْه من الظَلْم أسفطُ
له من عبير النَّدّ فِي الخدّ نُقْطةٌ ... ينم بها من نبْت عارضه خطُّ
على خصره جال الوشاح كما غدا ... على جيده من عجبه يمرح القرط
ومن عَجَبٍ أنّ الظّباء إذا رنا ... تغار وأن الأسد من لحظه تسطو
وأعجب من ذا أن سلسال ريقه ... فرات وأن الدر في ثغره صمت
إذا ما تجلَّى في غياهِب شَعْرِهِ ... فللبدر من أنوار طلْعته مِرْطُ
خُذا لي أمانًا من لحاظٍ جُفْونِهِ ... فَمَا أحدٌ من لحْظه سالمًا قطُّ(15/282)
195 - محمود بْن عُبَيْد الله بْن أَحْمَد بْن عَبْد الله، الإِمَام، المفتي، ظهير الدّين، أبو المحامد الزَّنْجانيّ، الشّافعيّ الصُّوفيّ، الزّاهد. [المتوفى: 674 هـ]
ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة ظنًّا وسمع: الإِمَام شهابَ الدّين السُّهْرَوَرْديّ وصِحبَه مدّةً وعبد السّلام الدّاهريّ وأبا المعالي صاعد بْن عليّ الواعظ والمحدّث أَبَا المُعَمَّر بدلًا التّبريزيّ.
وكان فقيهًا، إمامًا، صالحًا، زاهدًا، كبير الشأن. اشتغل عليه جماعة وروى عَنْهُ أبو الحسن ابن العطّار وأبو الفدا بْن الخبّاز، وأبو عَبْد الله بن إمام الكلّاسة الخطيب وجماعة وأجاز لي مَرْوِيّاته.
وكان إماما بالتقوية وأكثر نهاره بها ومَبِيته بالسُّمَيْساطيّة، حدَّث بكتاب " العوارف " عن المصنّف ومات في رمضان.(15/283)
196 - مسعود بن عبد الله بن عمر، الجويني. ويسمى الخضر، [المتوفى: 674 هـ]
قد ذكر.(15/284)
197 - مُوسَى بْن عِيسَى بْن نجاد بْن عِيسَى، أبو عِمران الْمَوْصِلِيّ، الفقيه، الصّالح، [المتوفى: 674 هـ]
خطيب بيت لِهيا.
روى عن ابن اللّتّيّ وجعفر الهَمْدانيّ، روى عنه ابن العطار ومات في عشر الثمانين.(15/284)
198 - نصر الله بن أَحْمَد بْنُ أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بْن أسد، بهاء الدين ابن سيده العدل. [المتوفى: 674 هـ]
روى عن ابن الزُّبَيْديّ والإرِبليّ وابن اللّتّيّ وجعفر الهَمْدانيّ وعاش اثنتين وخمسين سنة. وهو والد صاحبنا شرف الدين أحمد.(15/284)
199 - يحيى بن أبي بكر بن عمر، السلاوي. [المتوفى: 674 هـ]
صالح، زاهد، خير، مقرئ، معروف، توفي بدمشق في رمضان، رحمه الله، عن سبْعٍ وثمانين سنة وكان إمام مسجد الزّلّاقة.(15/284)
200 - يوسف بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ، أبو المفاخر القُرَشيّ، المغيريّ. [المتوفى: 674 هـ]
تُوُفِّيَ فِي ذي القعدة.(15/284)
201 - يحيى بْن إِسْمَاعِيل بْن جَهْبَل، محيي الدّين الحلبيّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 674 هـ]
مات فِي ربيع الآخر. حدث عن ابن الصلاح.(15/284)
202 - أبو بَكْر بْن إِبْرَاهِيم، الخِلاطيّ. [المتوفى: 674 هـ]
إمام مغارة الدّم.
إنسانٌ مبارَك.(15/284)
203 - أبو بَكْر بْن عليّ بْن أبي بَكْر، تقيُّ الدّين الصُّوفيّ. [المتوفى: 674 هـ]
من قُدماء الصُّوفيّة بالسَّمَيْساطيّة، سمع من تاج الدّين ابن حمّوَيْه شيخ الشّيوخ. وحدَّث، تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخرة.(15/284)
204 - أبو بَكْر بْن عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن هلال، قُطْبُ الدّين. [المتوفى: 674 هـ][ص:285]
روى " الأربعين البلدية " لابن عساكر، سمع منه: ابن عبد الكافي ومات فِي رمضان، رحمه اللّه تعالى.(15/284)
205 - أبو الْحَسَن بْن عَبْد العظيم بْن أبي الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن إِسْمَاعِيل، المحدّث، العالم، مَكِين الدين ابن الحصني، المصري. [المتوفى: 674 هـ]
ولد بمصر في أحد الجماديين سنة ستمائة وسمع الكثير من الْجَمّ الغفير. وكتب وتعب وحصّل وفهِم وأكثر عن أصحاب السِّلَفيّ.
ذكره الشّريف عزّ الدّين فقال: تُوُفِّيَ فِي تاسع عشر رجب وقال: كتب وقرأ ولم يزل يسمع ويفيد ويقرأ للطلبة إِلَى حين وفاته وكان حَسَن القراءة، فاضلًا، متميزا، ثقة، جميل السيرة، سمعت منه ورافقتُه مدّةُ وسمعت بقراءته جُملة من الكُتُب الكبار والأجزاء المنثورة. وكان حَسَن الأخلاق، مأمون الصُّحْبة، كثير الإفادة. وقد سمّاه بعض الطَّلَبة: ثابتًا وبعضُهم: عَلِيًّا.
قلت: وله ولدان حَيّان شُهْدَة ومحمد قد حدّثا، مات مُحَمَّد قديما وشهدة سنة إحدى وعشرين فِي المحرَّم.(15/285)
206 - أبو القاسم بْن إسماعيل بن الحسن، الكلابي، ابن العصيفير. [المتوفى: 674 هـ]
روى عن ابن الحَرَسْتانيّ.(15/285)
-وفيها وُلِدَ
فخر الدِّين مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد القادر ابن الصّائغ، وعلاء الدّين عليّ بْن أبي بَكْر بن يوسف بن خضر الحراني، وتقيّ الدّين عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد المحسن بْن عُمَر الواسطيّ، الشّافعيّ، المحدّث فِي ذي الحجّة وجمال الدّين دَاوُد بْن أبي الفرج الدّمشقيّ، الصُّوفيّ، الطّبيب وعزُّ الدّين عَبْد المؤمن بن عبد الرحمن ابن العجميّ، الحلبيّ، الزّاهد، صاحب الخطّ المنسوب وبرهان الدّين إِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل الزُّرَعيّ، الشّافعيّ، رحمه اللّه وجمال الدّين إِبْرَاهِيم بْن نصر اللّه بْن إِبْرَاهِيم بْن سعد اللّه بْن جماعة الحمويّ، رحمه اللّه وشهاب الدّين أَحْمَد بْن محمد ابن المهذَّب كاتب الحُكْم وهمّام بْن منبّه الصُّمَيْديّ،(15/285)
-سنة خمس وسبعين وستمائة(15/286)
207 - أَحْمَد بْن تمّام بْن حسّان، الحاجّ الصّالح، أبو الْعَبَّاس التّلّي، الصَّحراويّ. [المتوفى: 675 هـ]
والد الشَّيْخ الزّاهد محمد.
كان يضمن البساتين ويستغلها، روى عن الشَّيْخ الموفَّق وغيره وتُوُفِّي في جمادى الأولى بالصالحية وسمع القزويني.(15/286)
208 - أحمد بن عبد الرحمن بن حسن، الشيخ شهاب المقدسي القيراط [المتوفى: 675 هـ]
والد زين الدين.
توفي في ذي القعدة، روى عن ابن قميرة.(15/286)
209 - أَحْمَد بْن عَبْد السّلام بْن المطهّر بْن أبي سَعْد عبد الله بن مُحَمَّد ابن أبي عَصْرُون، الرّئيس، العالِم، القاضيّ، قُطْبُ الدّين، أبو المعالي ابن أبي مُحَمَّد التّميميّ، الحلبيّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 675 هـ]
وُلِدَ فِي رجب سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وختم القرآن فِي أواخر سنة تسعٍ وتسعين وأجاز له: عَبْد المنعم بْن كُلَيب وأبو الفرج ابن الجوزي والمبارك ابن المعطوش وجماعة من العراق وأبو طاهر الخُشُوعيّ من دمشق وسمع من عمر بن طبرزد وأبي اليمن الكندي وعبد الجليل بن مندويه وأبي القاسم ابن الحَرَسْتانيّ وداود بْن ملاعب وغيرهم وتفقَّه مدّةً ولم يبرع فِي الفِقْه، لكنْ له محفوظات وبيت وجلالة، فدرس بالأمينية وبالعصرونية بدمشق وطال عُمُرُه وعَلَتْ رواياتُه وأكثَرَ عَنْهُ الطَّلَبة.
روى عَنْهُ الدّمياطيّ وابن تَيْميّة وابن العطّار وابن الخبّاز والدّواداريّ وجماعة وتُوُفِّي فِي جُمَادَى الآخرة، وقد أجاز لي جميع مَرْوِيّاته وهو من أكبر شيوخي واسمه فِي إجازة ابن عَبْدان المؤرَّخة بالمحرَّم سنة خمسٍ وتسعين وخمسمائة.
وأجاز ابن كُلَيْب له بخطّه فِي المحرَّم سنة ست.(15/286)
210 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أبي بَكْر، المحدّث، المُتْقِن، شَرَفُ الدّين، أبو الْعَبَّاس الْمَوْصِلِيّ، النّاسخ، [المتوفى: 675 هـ]
نزيل دمشق.
وُلِدَ سنة اثنتين وستّمائة، وسمع من أبي عَبْد اللّه ابن الزبيدي وجماعة. وصحب أبا عمرو ابن الصّلاح مدّةً وكتب الكثير بخطّه.
روى عَنْهُ ابن الخبّاز وعَلَم الدّين الدّواداريّ وجماعة.
وتُوُفِّي فِي رجب بالأشرفيّة.(15/287)
211 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مكيال، الأمير، الأديب، العلّامة، شهاب الدّين الرَّبَعيّ، الكَركَيّ. [المتوفى: 675 هـ]
له تصانيف ونظْم ونثْر ويد طُولى فِي العربية. مِن أعيان الْجُنْد.(15/287)
212 - إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد بْن أبي المفاخر، الَأزَجيّ. [المتوفى: 675 هـ]
سمع: ابن رُوزَبَة والقَطِيعيّ، وابن اللّتّيّ، روى عَنْهُ بالإجازة: شرف الدّين ابن الكازرُونيّ.
مات فِي المحرَّم.(15/287)
213 - إِبْرَاهِيم بْن سعد اللّه بْن جماعة بْن عليّ بن جماعة بن حازم بْن صخر، الزّاهد، العابد، أبو إِسْحَاق الكِنانيّ، الحمويّ [المتوفى: 675 هـ]
شيخ البيانيّة بحماة.
كان صالحًا، خيّرًا، كثير الذِّكرْ، دائم المراقبة، سَلَفيّ المعتَقَد وُلِدَ بحماة سنة ست وتسعين وخمسمائة.
وسمع من المفتى أبي منصور ابن عساكر وغيره، روى عَنْهُ ولده قاضي القُضاة بدْر الدّين أبو عَبْد اللّه، وخرج فِي آخر أيّامه من حماة، وودَّع أصحابه وقال: أذهبُ فأموت بالبيت المقدس، فسار وزار وأدركة الأجَل كما أنطق اللّه به لسانه فِي بُكرة يوم النحر بالقدس، فرحمه الله ورضي عَنْهُ.(15/287)
214 - إِبْرَاهِيم بْن مهلهل، نبيهُ الدّين الأجهُوريّ، الْمصْرِيّ. [المتوفى: 675 هـ]
تُوُفِّيَ فِي المحرَّم بالقرافة.(15/287)
215 - أَسَدُ بْن الْمُبَارَك بْن الأثير، أبو أسامة الْمصْرِيّ، الدلال. [المتوفى: 675 هـ][ص:288]
تُوُفِّيَ فِي ذي الحجّة وهو والد شمس الدّين حُسَيْن وبهاء الدّين سُلَيْمَان. وهما باقيان فِي وقتنا سنة أربع عشرة. ورويا "جزء ابن عَرَفَة".
ومنهم من كنّاه: أَبَا الفوارس، روى عن ابن المقيّر وغيره.(15/287)
216 - إِسْمَاعِيل بْن عُمَر، الأمير شُجاعُ الدّين الطُّوريّ، المبارز. [المتوفى: 675 هـ]
متولّي قلعة دمشق.
كان دينا، عاقلًا وافر الحُرْمة عند السّلطان، له آثار حَسَنة فِي عمارة أبرجة القلعة.
تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأولى.(15/288)
217 - إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد، الفقيه أبو الطاهر المغربيّ، القَيْروانيّ، المالكيّ. [المتوفى: 675 هـ]
تُوُفِّيَ بمصر فِي شعبان. وكان من أعيان المالكية وأئمة المذهب، درّس بمدرسة الصّاحب بْن شُكْر.
وقيل: مات فِي رمضان، لَقَبُه: وجيهُ الدّين.(15/288)
218 - أيدكِين الصّالحيّ، الأمير علاءُ الدّين الخزْنَدَار، [المتوفى: 675 هـ]
نائب قوص.
بَطَلٌ شجاع مشهور، من كبار الأمراء المصريّين، ضابط لأعماله، له غزو ونكاية في النوبة. وخلف أموالا عظيمة ومات فِي ذي القعدة. وكان من مماليك الصّالح نجم الدّين أيّوب.
وأمّا أيدكين الصّالحيّ الَّذِي ناب فِي صفد فمنسوبٌ إِلَى الصالح عماد الدين إسماعيل ابن العادل وسيأتي.(15/288)
219 - بريد بن منصور، الحوراني، الفقيه، [المتوفى: 675 هـ]
خطيب قرية جوبر.
ولد سنة ستمائة. وحدث بـ " الدارمي "، عن ابن اللّتّيّ، روى عنه ابن الخبّاز وغيره ومات فِي شعبان.(15/288)
220 - بكتمر، الأمير سيفُ الدين النجيبي. [المتوفى: 675 هـ][ص:289]
تُوُفِّيَ بدمشق فِي ربيع الآخر. وهو. . . .(15/288)
221 - بلبان، الأمير سيف الدّين المعظَّميّ. [المتوفى: 675 هـ](15/289)
222 - بهاء الدّين التِّرمِذيّ، الحنفيّ، [المتوفى: 675 هـ]
قاضي حصن الأكراد.
مات فِي ربيع الآخر.(15/289)
223 - تامر بن سعد، المزي، [المتوفى: 675 هـ]
خادم الشَّيْخ عُثْمَان.
تُوُفِّيَ بالمِزّة. وقد روى وكتب في الإجازات.(15/289)
224 - جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن عليّ، الصّاحب بدر الدّين، أبو الفضل الآمِديّ. [المتوفى: 675 هـ]
أخو موفَّق الدّين علي.
ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة بحصن كيفا. وكان من بيت حشمة وكتابة. قدِم هُوَ وأخوه الشّام فِي الدّولة الكامليّة فعُرفا بالبراعة فِي الكتابة الدّيوانية والأمانة فِي التصرف وولي بدر الدين نظر الشام. وكان حَسَن البِشْر، ليّن الكلمة، يُضرب به المُثَل فِي الأمانة.
تُوُفِّيَ فِي شوّال بدمشق. ومع هَذَا فَنَظُر الدّواوين وظيفةُ مكسٍ، نسأل الله العفو.
وقد ولي نظر الديوان الكبير بدمشق بدر الدين الآمدي، رئيس آخر تُوُفِّيَ سنة سبْعٍ وثمانين كما يأتي. ذكرت ذلك ليعرف أنهما اثنان.(15/289)
225 - حسن بْن عتيق بْن رمْليّ، العدلُ، نبيهُ الدّين الأَنْصَارِيّ، الإسكندريّ. [المتوفى: 675 هـ]
سمع كتاب " الشّفا " من ابن جُبَيْر.
مات فِي شوّال عن ثلاثٍ وتسعين سنة بالثغر.(15/289)
226 - رمضان بن حسين بن خطلخ، الحنفيّ، العلّامة، صائنُ الدّين التُّركيّ، [المتوفى: 675 هـ]
مدرّس السّيوفيّة بالقاهرة. [ص:290]
حدَّث بمصر عن: يوسف بْن خليل، روى عنه الأمير علم الدين الدواداري، ومات فِي شعبان.(15/289)
227 - ريَحان الطّواشيّ، عزيزُ الدّولة الخاتونيّ، الأشرف، الأقطغاني، النُّوبيّ الجنْس. [المتوفى: 675 هـ]
حدَّث عن: ابن اللّتّيّ، ومات في رمضان.
روى " جزء بيبى ".(15/290)
228 - ستُّ العرب بِنْت عَبْد المجيد بْن الْحَسَن بْن عَبْد اللّه بْن الْحَسَن بْن عَبْد الرحمن، [المتوفى: 675 هـ]
أخت الصدر عون الدين سليمان ابن العجميّ، والدة الصّاحب مجد الدّين عَبْد الرَّحْمَن ابن الصاحب كمال الدين ابن العديم وأخواته.
روت عن الركن إبراهيم الحنفيّ هِيَ وبناتها، وتُوُفِّيت فِي ربيع الآخر بدمشق. ولها إجازات من أبي الفتوح البكريّ وابن ملاعب وجماعة، خرّج لها جزءًا عَنْهُم ابن الظّاهريّ، فحدّثت به هِيَ وابنُها، فسمع التقي عبيد وبدر الدين ابن الجوهريّ والشّريف عزّ الدّين.(15/290)
229 - سُلَيْمَان بن دَاوُد بن عمر ابن خطيب بيت الآبار، فخر الدّين الكاتب، [المتوفى: 675 هـ]
أخو شيخنا الشَّرَف مُحَمَّد.
وُلِدَ سنة اثنتي عشرة وستمائة، وروى عن ابن اللتي وغيره، ومات فِي صفر.(15/290)
230 - سُلَيْمَان بْن سلمان بْن مُحَمَّد الدّمشقيّ. [المتوفى: 675 هـ]
كتب فِي الإجازات. وعاش ثلاثًا وثمانين سنة.(15/290)
231 - سُمُّ الموت، الأمير الكبير عزّ الدّين إيغان الرُّكْنيّ، ثُمَّ الظّاهريّ. [المتوفى: 675 هـ]
وقيل: اسمُه ولادمر بْن عَبْد اللّه، مَوْلَى الأمير رُكن الدّين بَيْبَرس، الَّذِي كسر الفرنج بغزّة.
كان أحد الموصوفين بالشّجاعة والإقدام. وله الكلمة النّافذة والرُّتْبة العالية. ثُمَّ غضب عليه السّلطان، ورماه فِي الجب إلى أن مات في جمادى [ص:291]
الآخرة بقلعة الجبل.(15/290)
232 - شرف الدين الأردويلي الصوفي. [المتوفى: 675 هـ]
زاهد، صالح، جليل، من كبار أهل السُّمَيْساطيّة.
قَالَ قُطْبُ الدّين: صاحب خلوات ومجاهدات وتربية للمريدين.
تُوُفِّيَ فِي المحرَّم وقد جاوز السبعين.(15/291)
233 - طاهر الملك عزّ الدّين، نائب خُراسان. [المتوفى: 675 هـ]
مات في هذا العام ورَثَتْه الشُّعراء، وعُمِل له عزاء حفِل ببغداد، رحمه الله.(15/291)
234 - عبد الله ابن المحدث مجد الدين أحمد ابن الحلوانية، شمس الدين أبو سعد. [المتوفى: 675 هـ]
سمع من جماعة وما أحسبه حدث وهو الذي وقف أجزاء والده بالدار النورية، وهو خال صاحبنا شمس الدين محمد ابن السّرّاج، تُوُفِّيَ فِي رجب ولم يتكهَّل، بل مات شابا رحمه الله.(15/291)
235 - عبد الله ابن العلّامة اللُّغويّ أبي عَمْرو عُثْمَان بْن دحْية المغربيّ. [المتوفى: 675 هـ]
وُلِدَ سنة أربع عشرة، وحدث عن أَبِيهِ وغيره بالمَوْصِل.(15/291)
236 - عَبْد الرحيم بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللّه بن مُوسَى المقدسيّ. [المتوفى: 675 هـ]
فُقد هُوَ وجماعة بدرب الحجاز الشّاميّ. وكأنه حدَّث عن ابن اللّتّيّ وغيره، وسماعُهُ حضورٌ.(15/291)
237 - عُثْمَان بن سليمان بن رمضان بن أبي الكرم، أبو عَمْرو، رشيد الدّين الثعّلبيّ الْمصْرِيّ ويُعرف بالرّشيد بُصَيْلَة. [المتوفى: 675 هـ]
ويوصف بالصّلاح والزُّهد، حدَّث بمصر ودمشق، وعاش بِضعًا وثمانين سنة.
تُوُفّي فِي ذي القعدة.
سمع من الحكيم أبي الْحَسَن ابن هُبَل بالمَوْصِل. وهو عمّ شيخنا أبي [ص:292]
الحسن علي ابن القيّم المعمَّر، سمع منه: الضّياء الزّرزاريّ وابنه والمكيَن الحصنيّ والتّقيّ عُبَيْد وشرف الدّين المَقْدِسيّ وأخوه محيي الدّين.(15/291)
238 - عليّ بْن إِبْرَاهِيم بْن سوار الصّنهاجيّ، الشَّيْخ زين الدّين البُوصِيريّ المحدّث. [المتوفى: 675 هـ]
سمع وأكثر عن أصحاب السِّلَفيّ وكتب الكثير، مات راجعًا فِي طريق الحج فِي عَشْر السّبعين.(15/292)
239 - عليّ بن عمر بن علي، العلامة الفيلسوف نجم الدين القزويني، الكاتبي، الدبيراني المنطقي [المتوفى: 675 هـ]
صاحب التصانيف.
مولده في رجب سنة ستمائة، أرخه الكازروني. وكان على دين الحكماء يصرح بقدم العالم، وكان من الأذكياء، فلم يؤت هدى.
مات في شهر رمضان، وقيل في شوال.(15/292)
240 - عليّ بْن محمود بن عليّ، القاضي، الإِمَام شمس الدين أبو الحسن الشهرزوري، الكردي، الشافعي، [المتوفى: 675 هـ]
مدرّس القَيْمُريّة وأبو مدرّسها الصّلاح وجدّ مدرّسها القاضي شمس الدّين عليّ.
شيخ، فقيه، إمام، عارف بالمذهب، موصوف بجودة النَّقْل، حَسَن الدّيانة، قويّ النّفسْ، ذو هَيْبةٍ ووقار.
بنى الأمير ناصر الدين القيمري مدرسة بالخريميين وفوَّض تدريسَها إليه وإلى أُولي الأهليّة من ذُرْيته.
وقد ناب فِي القضاء عن القاضي شمس الدين ابن خَلِّكان، وتكلَّم بدار العدل بحضرة الملك الظّاهر عندما احتاط على الغوطة، فقال: الماء والكلأ والمرعى لله لا يُملَك، وكلّ من بيده ملْك فهو لَهُ. فَبُهِت السّلطان لكلامه وانفصل الموعد على هَذَا المعنى.
وقد سمع القاضي شمس الدّين ببغداد من جماعة مع ابن العديم، ولم يَرْوِ. وتُوُفِّي فِي شوّال - رحمه اللّه - بالقَيْمُرّية.(15/292)
241 - عُمَر بْن أسعد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن كنفي، الهمذاني، الزّاهد، العابد، [المتوفى: 675 هـ]
أخو الزّاهد مُحَمَّد.
مقرئ صالح، يلقّن بحلقة الحنابلة ويخيط ويتصدّق بأجرته، وله وِرْدٌ وتهجُّد وصيام، وفيه مروءة وقضاء للحاجة وإغاثة للملهوف.
روى عن أبي إِسْحَاق الكاشغريّ وأبي المجد القزوينيّ، روى لنا عَنْهُ أبو الحسن ابن العطّار وغيره.
ومات بالمدرسة الجوْزية فِي ذي القعدة.(15/293)
242 - عمر بن أسعد بن أبي غالب، القاضي عز الدين أبو حفص الإربلي، الشافعي، الفقيه، [المتوفى: 675 هـ]
صاحب الشيخ تقي الدين ابن الصلاح.
سمع من ابن الزبيدي وابن اللتي، وكان دينا فاضلا بارعا في المذهب، ناب في القضاء عن ابن الصائغ ودرس وأشغل، روى لنا عنه ابن العطار، ومات في رمضان، وكان معيد الرواحية.(15/293)
243 - عُمَر بْن أَحْمَد بْن عُمَر بْن أَبِي بَكْر بْن عَبْد اللّه بْن سعد، الإِمَام العدْل الكبير، عزّ الدّين، أبو حَفْص المَقْدِسيّ، الحنبليّ، [المتوفى: 675 هـ]
كاتب الحُكم.
سمع من الشَّيْخ الموفَّق، وموسى بْن عَبْد القادر، وابن أبي لقمة، وابن الزبيدي، وجماعة، روى عَنْهُ ابن الخبّاز، والطَّلَبة. وقد روى " الثّلاثيات " بجمّاعيل فِي سنة خمسٍ وستّين، فسمعها منه: الخطيب أيوب بْن يوسف وأولاده: يوسف وعليّ وعبد اللّه، وطائفة من الصِّغار بجامع القرية.
وكان بارعًا فِي كتابة الشّروط، تُوُفِّيَ فِي رمضان.(15/293)
244 - عمر بن محمد بن الحسن ابن الحافظ الكبير أبي القاسم ابن عساكر، أبو حَفْص. [المتوفى: 675 هـ]
يروي عن ابن اللّتّيّ وغيره، ومات فِي جُمَادَى الآخرة.(15/293)
245 - عِيسَى بْن عُبَيْد الدّمشقيّ. [المتوفى: 675 هـ]
شيخ معمّر، تُوُفِّيَ فِي ربيع الأول. وكان يذكر أنّ مولده سنة أربعٍ وستين وخمسمائة. فإنْ صَدَقَ فقد فاته السّماع من أبي الفهم عبد الرحمن ابن أبي العجائز والحافظ أبي القاسم ابن عساكر.(15/293)
246 - فريدون، شهاب الدين الدمشقي. [المتوفى: 675 هـ](15/293)
247 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد السّخيّ بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللّه، العدّلُ، شَرَف الدّين، أبو عَبْد اللّه العُمريّ، الْمَوْصِلِيّ، ثُمَّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 675 هـ]
ولد سنة إحدى وستمائة، وسمع من أبي القاسم ابن الحَرَسْتانيّ، وأبي اليُمْن الكِنْدي، وداود بْن ملاعب. وحدَّث وشهد مدّةً وأَمَّ بمسجد الزَّيْنبيّ بداخل باب توما، روى عَنْهُ ابن الخبّاز، وابن العطّار، وجماعة.
وتُوُفِّي فِي جُمَادَى الآخرة.(15/294)
248 - مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن أبي المحاسن بْن رسلان، الشَّيْخ شمس الدّين الدّمشقيّ، الطبيب، المعروف بالكُلّيّ، لاشتغاله " بالكليات " في الطب. [المتوفى: 675 هـ]
وكان حاذقًا بالطّبّ، بصيرًا بالعلاج، له معرفة جيدة بالتاريخ، روى عن أبي القاسم ابن الحَرَسْتانيّ وغيره.
وتُوُفِّي بالقاهرة فِي المحرَّم وله ثمان وسبعون سنة.
قَالَ ابن أبي أُصَيْبعة: كان والده أندلُسِيًّا فقدِم دمشق وبها تُوُفِّيَ. ونشأ ولدُه هَذَا فقرأ الطّبّ على شيخنا مهذَّب الدّين عَبْد الرحيم، يعني الدّخوار ولازَمه حقّ الملازمة، حَتَّى إنّه حفظ الكتاب الأول من القانون وهو " الكُلّيات " جميعها حفظًا متقَنًا، واستقصى فهم معانيه، وقرأ كثيرًا من الكتب العمليّة وباشر الصناعة. وهو جيد الفهم لا يُخلي وقْتًا من الاشتغال، وقد خدم بالطّبّ الملك الأشرف مُوسَى، ثُمَّ خدم بمارستان نور الدّين.
وقد ذكر صاحب " تاريخ مصر " الكُلّيَّ، وأنّه سمع من ابن الحَرَسْتانيّ، وداود بن ملاعب، وعبد الجليل بْن منْدُوَيْه، وأبي القاسم العطّار، ثُمَّ روى عَنْهُ أوّل حديث فِي " مُعْجَم ابن جُمَيْع ".(15/294)
249 - مُحَمَّد بْن بدْر بْن مُحَمَّد بْن يعيش، أبو عَبْد اللّه الْجَزَريّ النّسّاج. [المتوفى: 675 هـ]
رَجُل صالح من أَهْل جبل قاسيون. حدَّث عن: عُمَر بْن طَبَرْزَد، والشيخ [ص:295]
أبي عمر.
روى عَنْهُ القاضي تقيّ الدّين سُلَيْمَان، والدمياطيّ، والنجم ابن الخباز، والشمس ابن الزّرّاد، وغيرهم.
وتُوُفِّي فِي ثامن عشر شعبان.(15/294)
250 - مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الطّحّان، شمسُ الدين الدّمشقيّ. [المتوفى: 675 هـ]
رجل صالح، خير، أمين، متموِّل، كثير الصدقات، تُوُفِّيَ فِي ذي القعدة.(15/295)
251 - مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن مُحَمَّد بْن هشام ابن الجنان، الشيخ فخر الدين، أبو الوليد الكناني، الشاطبي، الحنفي. [المتوفى: 675 هـ]
ولد سنة خمس عشرة وستّمائة بشاطِبة. وقدم الشّامَ وصحِب الصاحب كمال الدين ابن العديم وولده، فاجتذبوه بالإحسان، وصار حنفيًّا. وقد درّس بالإقباليّة وكان أديبًا فاضلًا وشاعرًا مُحسِنًا. وكان مُخالِطًا للأكابر، حسن العِشْرة والمُزَاح. وهو القائل:
للهِ قومٌ يعشقون ذوي اللِّحَى ... لا يسألون عن السّواد المقبل
وبمُهجتي نفرٌ وإنّي منهم ... جُبِلوا على حُبّ الطِّراز الأوّلِ
وقع فِي النهر ببستان ابن الصّائغ فغرق فِي ربيع الآخر.(15/295)
252 - مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن حفّاظ، الصَّدرُ بدر الدّين السُّلَميّ، الدّمشقيّ، الحنفيّ، المعروف بابن الفُوَيْرة. [المتوفى: 675 هـ]
تفقَّه على الصدر سُلَيْمَان، وبرَع فِي المذهب، وأفتى ودرّس وناظرَ ووليّ غير مدرسة. وأخذ العربية عن الشيخ جمال الدين ابن مالك. ونظر فِي الُأصول. وقال الشِّعْر الفائق وكان ذا مُرُوءة ودِين وبِرّ ومعروف ومكارم، وهو والد المولى جمال الدّين. فَمَنْ شِعره:
عاينتُ حَبَّة خالِهِ ... فِي روِضةُ من جلنار
فغدا فؤادي طائرا ... فاصطاده شرك العذار
وله: [ص:296]
وشاعر يسحرني طرفة ... ورقة الألفاظ من شعره
أنشدني نظْمًا بديعًا فَمَا ... أحسنَ ذاك النَّظْم من ثغرهِ
تُوُفِّيَ الإِمَام بدْر الدّين فِي جُمَادَى الأولى. وقد حدَّث عن العَلَم السّخاويّ وغيره. روى عنه الدّمياطيّ فِي " معجمه ".(15/295)
253 - مُحَمَّد بْن عَبْد الوهّاب بْن مَنْصُور، العلَّامة شمسُ الدّين أَبُو عَبْد اللّه الحرّانيّ، الحنبليّ. [المتوفى: 675 هـ]
كان شيخًا إمامًا، بارعًا، أُصُوليًّا، من كبار الأئمة فِي الفِقْه والُأصول والخلاف، تفقَّه على القاضي نجم الدّين بْن راجح الحنبليّ ثُمَّ الشّافعيّ، والشّيخ مجد الدّين ابن تَيْميّة وناظَرَه مرّات وقدِم دمشق فقرأ الُأصُول والعربية على الشَّيْخ عَلَم الدّين القاسم. ودخل الدِّيار المصريّة ولازم دروس الشَّيْخ عزّ الدّين بْن عَبْد السّلام. وناب فِي القضاء عن تاج الدّين ابن بِنْت الأعزّ، فَلَمَّا جُعلت القُضاة أربعةً ناب فِي القضاء عن الشَّيْخ شمس الدين محمد ابن العماد.
ثُمَّ قدم دمشق وانتصب للإشغال والإفادة، تفقه عليه: شمس الدين محمد ابن الفخر وشمس الدين ابن أبي الفتح ومجد الدّين إِسْمَاعِيل.
وكانت له حلقة للتّدريس والفتوى وكان حسن العبارة، طويل النَّفَسَ فِي البحث، وأعاد بالْجَوزِيّة مدّةً. وناب فِي إمامة محراب الحنابلة مدّةً. ثُمَّ ابُتلي بالفالج وبَطَل شقّه الأيسر وثقُل لسانُه، حَتَّى كان لا يُفصح ولا يُفهم منه إلّا اليسير، فبقي على ذلك أربعة أشهر ومات.
وكان من أذكياء الناس، روى عن ابن اللّتّيّ والموفَّق عَبْد اللّطيف بْن يوسف وجماعة. ومات فِي عَشْر السّبعين، روى عَنْهُ ابن أبي الفتح وابن العطّار.
ومن شِعره:
طار قلبي يوم ساروا فَرَقا ... وسواءٌ فاضَ دمعي أو رقا
حار فِي سقَمي من بُعْدهم ... كلُّ من فِي الحي داوى أو رقى
بعدهم لا ظلّ وادي الُمْنَحَنا ... وكذا بان الحمى لا أورقا [ص:297]
كان يحضر حلقة شمس الدين ابن عَبْد الوهاب جماعة من المذاهب، وكان يُقرِئ قصيدة ابن الفارض التّائيّة الملقَّبة " بنظم السّلوك " ويشرحها، فيبكيّ بكاءً كثيرًا.
وكان رقيق القلب، صحِب الفقراء مدّةً. وقد ترجمه صاحبُه شمسُ الدين ابن أبي الفتح بهذا وأكثر.
وحدَّثني ابن تَيْميّة شيخُنا، عن ناصر الدّين إمام النّاصرية، أنّه كان يحضر فِي حلقة ابن عَبْد الوهاب، فرآه يشرح فِي "التّائيّة" لابن الفارض، قَالَ: فَلَمَّا رُحتْ أخذني ما قدّم وما حدّث وانحرجت، وقلت: لُأنكِرنّ غدًا عليه وأحُطّ على هَذَا الكلام.
قَالَ: فَلَمَّا حضرتُ وسمعتُ الشّرح لَذَّ لي وحلا، فَلَمَّا رحتُ فكّرت فِي الكلام الَّذِي شرحه وَفِي الأبيات، فثارت نفسي وعزمتُ على الإنكار، فَلَمَّا حضرتُ لذَّ لي أيضًا واستغرقني. أصابني ذلك مرتين أو ثلاثًا.
قلت: ما أملح ما مثل به شيخنا الشيخ إِبْرَاهِيم الرّقّيّ كلام ابن العربيّ وابن الفارض، قال: مثله مثل عسل أذيف فيه سُمّ، فيستعمله الشّخص ويستلذّ بالعسل وحلاوته ولا يشعر بالسُّمّ فيسري فِيهِ وهو لا يشعر فلا يزال حَتَّى يُهلكه.
تُوُفِّيَ الشَّيْخ شمس الدّين ليلة الجمعة سادس جُمَادَى الأولى، وصُلّيَ عليه بجامع دمشق بعد الصّلاة، وصلَّى عليه خارج البلد الشيخ زين الدين ابن المنجى، ودُفِن بمقابر باب الصّغير، رحمه اللّه.
وما كان الرّجل يدري أيش هُوَ الاتحاد ولا يعرف مَحَطَّ هَؤُلَاء، وهذا الظّنّ به وبكثيرٍ من أتباعهم.(15/296)
254 - مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللّه، الواعظ، الأديب، خطيب جامع السّلطان ببغداد، شمس الدّين الكوفيّ، الهاشميّ، الشاعر، [المتوفى: 675 هـ]
مدرس التتشية.
مات في الكهولة. له نظم كثير جيد، منها مرثية بغداد.(15/297)
255 - محمد بن علي بن محمد بن أبي القاسم، العدل بدر الدين العدوي ابن السّكاكريّ، الشُّرُوطيّ. [المتوفى: 675 هـ]
كان عدلًا كبيرًا، صَدُوقًا، مُتَحَرِيًّا، خبيرًا بعقد الوثائق والسِّجِلّات وفيه [ص:298]
دِين ومُرُوءة وحُسْن عِشْرة وبسْط ونوادر، سمع من الشَّيْخ الموفَّق "مُسْنَد الشّافعيّ" وعاش ثمانين سنة أو دونها.
روى عَنْهُ ابن الخبّاز و ... وأجاز لي مَرْوِيّاته. ومات فِي ربيع الآخر بدمشق.(15/297)
256 - مُحَمَّد بْن عليّ بْن أبي الطّاهر بْن مقلّد، الشَّيْخ مُعِين الدّين الْجَزَريّ، التّاجر، السّفّار، [المتوفى: 675 هـ]
من أعيان التّجّار.
عاش تسعين سنة. وذكر ولده أحمد أن أباه دخل إلى ثلاثمائة بلد للتّجارة، ثُمَّ سكن دمشق وتُوُفِّي يوم الأضحى.(15/298)
257 - مُحَمَّد بْن عليّ بْن حُسَيْن، الفقيه، أبو الفضل البدْلِيسيّ، الأخلاطيّ. [المتوفى: 675 هـ]
تُوُفِّيَ فِي رمضان بدمشق.(15/298)
258 - مُحَمَّد بْن عِوَضَة بْن عليّ بْن عوضة، الشَّيْخ عماد الدّين العُرْضيّ، ثُمَّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 675 هـ]
جليل، متميّز، نبيل، يرجع إِلَى فضل وديانة وزهد وخير، حدث عن أبي القاسم ابن الحرستاني. وكان معروفا بالمروءة وقضاء حوائج النّاس، تُوُفِّيَ ببستانه بالمِزَّة فِي منتصف المحرَّم ودُفِن بجبل قاسيون وشيّعه طائفة من الأعيان وكان للأمراء فِيهِ حُسْن ظَنّ.(15/298)
259 - مُحَمَّد بْن مشكور، شرف الدّين الْمصْرِيّ، [المتوفى: 675 هـ]
ناظر الجيوش بالديار المصريّة وصهْر الوزير بهاء الدّين ابن حنى.
تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأولى عن خمس وستّين سنة.(15/298)
260 - مُحَمَّد بْن يحيى بْن عَبْد الواحد بْن عمر إينتي، الأمير أبو عبد الله ابن الأمير أبي زكريا الهنتاتي، البربريّ، الموحّديّ، [المتوفى: 675 هـ][ص:299]
صاحب تونُس وأجَلُّ ملوك المغرب في زمانه.
كان جده الشيخ عمر الهنتاتي من العَشَرة خواصّ ابن تومرت. وولي أبو زكريا الملك مدة ومات في سنة سبْعٍ وأربعين وستّمائة. وكان قد عهد إِلَى ولده أبي عَبْد اللّه هَذَا. فذكر الشَّيْخ قُطْبُ الدّين أنّ ابن شدّاد نقل فِي "سيرة الملك الظاهر" أنّ الأمير أَبَا عَبْد اللّه كان ملكًا مدبّرًا، عالي الهمّة، شجاعًا، سائسًا، متحيّلًا على بلوغ مقاصده، مقتحمًا للأخطار، كريما، جوادا، ذا غرام بالعمارات واللّذّات، تُزَفّ إليه كلّ ليلة جارية وكان وليّ عهد أَبِيهِ واتفق موت أَبِيهِ وهو غائب عن تونس، يعني أَبَا عَبْد اللّه، فساق إليها على بغْلٍ فِي خمسة أيّام ومات البغل وأسرع خوفًا من عمَّيْه، ثُمَّ لمّا تمكّن قُتِلَ عمّيه وأنفق فِي العرب الأموال واستخدمهم وأباد جماعةً من الخوارج عليه وظفر بجماعةٍ من أعيانهم وسجنهم، ثُمَّ أهلكهم ببناء قُبّةٍ عمل أساسَها من ملح وحبسهم بها، ثُمَّ أرسل الماء على أساسها، فانردمت عليهم وكانت أسلحة الجيش كلّها فِي خزائنه، فإذا وقع أمرٌ أخرجها وفرّقها عليهم وَإِذَا فرغ الحرب أعادها إِلَى الخزائن. ولم يكن لجُنْده إقطاع، بل يجمع ارتفاع البلاد، فيأخذ لنفسه الربع والثمن وينفق ما بقي فيهم في كلّ عام أربع نفقات، تُوُفِّيَ فِي أواخر هذه السنة وهو في عَشْر الستّين وتملّك بعده ابنه أبو زكريّا يحيى.
وكتب إِلَيَّ أبو حيّان وحدَّثني عَنْهُ أبو الصفاء الصّفديّ أنّ المستنصر بالله كان شجاعًا هُمامًا، سائسًا، عالمًا بفنون، جميل الصّورة، استدعى العلماء ووصلهم. وكان يُقْدِم على قتل الأسد. وله حظٌّ من الأدب. يميل فِي الفِقْه إِلَى طريقة أَهْل الحديث.
قلت: روى عَنْهُ الخطيب أَبُو بَكْر بْن سيّد النّاس.(15/298)