3 - أَحْمَد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، أَبُو جَعْفَر الخُشَنيّ القُرْطُبيّ، المعروف بالآجُرِّيّ، وآجُرّ حصن بالْأندلس بقرب قُرْطُبَة. [المتوفى: 611 هـ]
أخذ القراءات عن أَبِي خَالِد المروانيّ، وحج فسمع من أبي الطاهر إسماعيل بن عوف، وأبي عبد الله الحضرمي، وأقرأ، وحدَّث.(13/310)
4 - أَحْمَد بن مُحَمَّد بن حسن بن عَبْد الملك، أَبُو جَعْفَر الفِهْريّ المُرْسي القُرطاجنيّ. [المتوفى: 611 هـ]
أخذ قراءَتَيْ نافع وابن كَثِير عن أَبِي الحَسَن بن هُذيل. وأقرأ القراءات؛ وتُوُفّي في ربيع الأوّل.(13/310)
5 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَبِي المطرف بن سعيد بن جرج، أبو القاسم القرطبي. [المتوفى: 611 هـ]
سمع مصنف النسائي على أبي جعفر البطروجي، وَسَمِعَ " صحيح " مُسْلِم من أَبِي إِسْحَاق بن ثَبَات.
حَدَّثَ عَنْهُ ابن الطَّيْلسان، وَقَالَ: تُوُفِّي في رجب وَلَهُ تسعون سنة وأشهُر.
قلتُ: هَذَا من كبار الرُّواة بقُرْطُبَة. أجاز لابن مُسْدي.(13/310)
6 - أَحْمَد بن هبة اللَّه بن العلاء، أَبُو العَبَّاس المَخْزُومِيّ البَغْدَادِيّ ابن الزاهد أَبِي المَعالي. [المتوفى: 611 هـ]
أديبُ بارعٌ، وشاعرٌ مُحسن. تأدّب عَلَى ابن الخشاب، وسمع من [ص:311] عَبْد الوهاب الأَنْمَاطِي، وجماعة. رَوَى عَنْهُ العمادُ الكاتب من شِعره، وابنُ الدُّبَيْثِي، وابنُ النَّجَّار.
نَيّفَ عَلَى الثمانين، وَتُوُفِّي في رجب.(13/310)
7 - إِبْرَاهِيم ابن الفقيه عَليّ بن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بن المبارك بن أحمد ابن بَكْروس، الفقيه أَبُو مُحَمَّد الحَنْبَلِيّ المُعَدَّل. [المتوفى: 611 هـ]
تفقّه عَلَى أَبِيهِ وعمه أَبِي العَبَّاس أَحْمَد، وَسَمِعَ منهما، ومن أبي الفتح ابن البطِّي، وحدّث، وَتُوُفِّي في عشْر الستين.
وقد درَّسَ، وأفتى، وناظر، وكتب الكثير، وعُني بالحديث أتمّ عناية ثُمَّ إِنَّهُ انخلعَ من ذَلِكَ، وصارَ صاحب خبرٍ بباب النُّوبي، ولبس الثوب المُزَنَّد، وتقلَّد السَّيف، وظلمَ وفتكَ، وَكَانَ آخر أمره أن ضُربَ حَتَّى مات، ورُمي في دجلة.(13/311)
8 - إِبْرَاهِيم بن يوسف بن مُحَمَّد بن دِهاق، أَبُو إِسْحَاق الْأوسي المالقيّ، المعروف بابن المرأة. [المتوفى: 611 هـ]
رَوَى " الموطّأ " عَن أَبِي الحَسَن بن حُنين، وعَليَّ بن إسْمَاعِيل بن حِرْزهم.
قَالَ الْأبّار: وَكَانَ فقيهًا، حافظَا للرأي، أديبًا، غلب عَلَيْهِ علمُ الكلام فرأس فيه. وشرح كتاب " الإرشاد " لأبي المعالي الْجُوينيّ، وصنّف كتابًا في الإجماع. وكانت العامة حزبهُ. وأقرأ علم الكلام بمرسية.(13/311)
9 - بدر بن جَعْفَر بن عُثْمَان، أَبُو النَّجم النُّمَيريّ الواسطيّ الضّرير الشاعر. [المتوفى: 611 هـ]
كَانَ من كبار الشعراء بالعراق. [ص:312]
تُوُفِّي في رمضان عن أربعٍ وسبعين سنة.(13/311)
10 - تاجُ النساء، أخت زاهر بن رُسْتُم الإصبهاني. [المتوفى: 611 هـ]
سكنت مَكَّة، وكانت مُقدّمة الصوفيات. وعاشت بضعًا وتسعين سنة. وروت بالإجازة عن أبي المنصور عَبْد الرَّحْمَن بن زُرَيْق القزّاز، وَأَبِي الحَسَن بن عَبْد السَّلَام.
رَوَى عَنْهَا ابنُ خليل، وتوفيت بمكة.(13/312)
11 - الحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عُبَيْد اللَّه بن الحُسَيْن، أَبُو الفضل الآمدي ثُمَّ الواسطي العَدْل. [المتوفى: 611 هـ]
سَمِعَ من جَدّه أَبِي مُحَمَّد أَحْمَد بن عُبَيْد اللَّه، وحدّث ببَغْدَاد وَالمَوْصِل.(13/312)
12 - حمزة بن إِبْرَاهِيم بن عَبْد اللَّه، أَبُو يَعْلَى الدِّمَشْقِيّ الْجَوْهَرِيّ الخَيّاط بالمِزَّة الزّاهد. [المتوفى: 611 هـ]
حَدَّثَ عن أَبِي يَعْلَى حمزة بن كروَّس، وَأَبِي الْقَاسِم بن عساكر، وَعَبْد الرَّحْمَن بن أَبِي الحَسَن الدَّارانيّ. رَوَى عَنْهُ الضّياءُ المَقْدِسِيّ، وَتُوُفِّي في ربيع الأول.(13/312)
13 - دُلْدُرم، الْأمير الكبير بدر الدين اليارُوقيّ [المتوفى: 611 هـ]
صاحبُ تل باشر.
ورَّخه أَبُو شامة. وعُمِل عزاؤه بحلب. وكان مقدم الجيوش الحلبية مدة.(13/312)
14 - زيد بن ثابت بن مُقلَّد بنُ هدّاب، أَبُو عَبْد اللَّه البَغْدَادِيّ الوَرَّاق. [المتوفى: 611 هـ]
سَمِعَ من المبارك بن كامل بن حُبَيْش، وعَليِّ بن المبارك الجصاص، وتوفي في شعبان.(13/312)
15 - سالم بن أَحْمَد بن سالم بن أَبِي الصّقْر، أَبُو المُرَجى البَغْدَادِيّ النَّحْوِيّ العَرُوضيّ. [المتوفى: 611 هـ][ص:313]
أخذَ الْأدب عن جماعةٍ، ومدحَ بالشعر غيرَ واحدٍ، وَتُوُفِّي في ذي القِعْدَة.(13/312)
16 - سعد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن سعد اللَّه بْن عَبْد الباقي بن مُجالد، أَبُو مُحَمَّد البَجَلِيّ الكُوفِيّ. [المتوفى: 611 هـ]
سَمِعَ من عمِّه يَحْيَى بن سعد اللَّه الكوفي.
وحدث من بيته جماعة.(13/313)
17 - صالح بن سَعِيد بن إسْمَاعِيل بن الحُسَيْن، [أَبُو] التُّقَى الفِهْري القُرَشِيّ العياضيّ المَصْرِيّ، المعروف بابن قادوس. [المتوفى: 611 هـ]
ولد سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، وأجاز لَهُ عَبْد اللَّه بن رفاعة، وجماعةٌ، ووَليَ الخطابةَ بالجامع الَّذِي بسَفْح المُقَطَّم مدَّةً، وَتُوُفِّي في رمضان.
رَوَى عَنْهُ الزكيّ المُنْذري.(13/313)
18 - صَلَف بنت أَبِي البركات بن أَبِي حرب الواسطيّ، أُمّ الخير الواعظة. [المتوفى: 611 هـ]
صحبت الشَّيْخ أَبَا النجيب السُّهْرَوَرْدي، وسمِعت معه من أَبِي الوَقْت، وحدّثت.(13/313)
19 - عَبْد اللَّه بن إِبْرَاهِيم بن الحَسَن بن مَنْتال، أَبُو مُحَمَّد الْأنْدَلُسِيّ المُرْبيطريّ الوراق. [المتوفى: 611 هـ]
سَمِعَ من أَبِي العطاء بن نَذير، وجماعة، وحجّ فسمع ببِجاية من أَبِي مُحَمَّد عَبْد الحق الإشبيليّ، وبالإسكندرية من أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن الحَضْرَمِيّ. [ص:314]
قَالَ الْأبَّار: وكتب عِلمًا كثيرًا بخطّه عَلَى رداءته. وَكَانَ يتّجر في الكُتب. وُلد قبل الخمسين وخمسمائة، وَتُوُفِّي في ذي القِعْدَة، وأجازّ لي.(13/313)
20 - عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن يَحْيَى، أبو بكر ابن القرطبي، الأنصاري الأندلس المالقيّ. [المتوفى: 611 هـ]
سَمِعَ أَبَاه أَبَا عَليّ، وأبا بَكْر ابن الجد، وأبا عبد الله بن زرقون، وأبا الْقَاسِم بن حُبَيْش، وخلْقًا نحوهم. وأجاز لَهُ أَبُو مروان بن قُزْمان، وابن هُذَيْل، وجماعة.
وعُنيَ بالحديث، وَرَوَى العاليَ والنّازل.
قَالَ الْأبَّار: وَكَانَ من أهل المعرفة التَّامة بصناعة الحديث والبَصَر بها، والإتقان والحِفظ لأسماء الرِّجال، والتَّقَدُّم في ذَلِكَ، مَعَ المعرفة بالقراءات، والمشاركة في العربية، وقد نُوظرَ عَلَيْهِ في " كتاب " سِيبَوَيْه. ورثَ براعة الحديث عن أَبِيهِ، ولم يكن أحدٌ يدانيه في الحِفْظ والجرح والتّعديل إِلَّا أفراد من عصره. قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حَوْط اللَّه: المحدّثون بالْأنْدَلُس ثلاثة: أَبُو محمد ابن القرطبي، وأبو الربيع بن سالم، وسكت عن الثّالث. فيرونه عنى نفسه. قُلْتُ: ولم يكن أَبُو الْقَاسِم المَلّاحي بدونهم. وَكَانَ ابن القُرْطُبيّ كريمَ الخلال، مُحبّبًا إلى النَّاس، مُعَظّمًا في نفوس الخاصة والعامَّة. أخذَ الناسُ عَنْهُ وانتفعوا بِهِ، وفاتني أن ألقاه. تُوُفِّي بمالقة في ربيع الآخر. ووُلد سنة ستٍّ أَوْ ثمان وخمسين وخمسمائة، رحمه اللَّه.
قُلْتُ: وقد اختصّ بأبي الْقَاسِم السُّهيليّ ولازمَه، وولي خطابة مالّقة.(13/314)
21 - عَبْد اللَّه بن المبارك بن عُبَيْد اللَّه بن الحَسَن، أَبُو الْقَاسِم الصُّوفِيّ البَغْدَادِيّ البَزَّاز. [المتوفى: 611 هـ]
سَمِعَ من نصر بن نصر العكبري، وأبي الوقت السجزي، وغيرهما، وحدَّث، وَتُوُفِّي في ثالث شعبان.(13/314)
22 - عَبْد السَّلَام ابن الفقيه عَبْد الوهاب ابن الشَّيْخ عَبْد القادر الجِّيلي، ركنُ الدين أَبُو منصور [المتوفى: 611 هـ]
الَّذِي أُحرقت كتبهُ وتكلَّموا فيه.
وَكَانَ صديقاً لعلي ابن جمال الدين ابن الْجَوْزيّ، والجامع بينهما قِلَّة الدِّين.
قَالَ شمسُ الدين أَبُو المُظَفَّر الواعظ: قَالَ لي خالي أَبُو الْقَاسِم عَليّ يومًا بعد موت جدّي بيسير: لي صديقٌ يشتهي أن يراك، ولم يُعرِّفني من هُوَ، فمَشيت معه، فأدخَلني دارًا فشممتُ رائحة الخَمْر، وَإِذَا الرُّكن عَبْد السَّلَام وعنده مُرْدان، وَهُوَ في حالة قبيحة، فلم أقعد، وخرجتُ، فصاح خالي والرُّكن، فلم ألتفت، فتبعني خالي وَقَالَ: خَجَّلتني من الرجل!! فَقُلْتُ: لَا جزاك اللَّه خيرًا! وأغلظتُ لَهُ.
وُلد الرَّكن في سنة ثمانٍ وأربعين. وَسَمِعَ من جَدّه، وابن البَطِّيّ، وجماعة. وقرأ بنفسه، وكتب، وأُنكر عَلَيْهِ نظرهُ في علم النجوم، ثُمَّ درّس بمدرسة جَدّه وغيرها. وولي عدَّة ولايات، وَتُوُفِّي في ثالث رجب.
قَالَ ابن النَّجَّار: ظهر عَلَيْهِ أشياء بخطّه من العزائم وتبخير الكواكب ومخاطبتها بالإلهيَّة، وأنّها المُدبّرة للخلْق، فأحضر وأُوقف عَلَى ذلكَ، فأقَرّ أَنَّهُ كتبهُ مُعجباً لَا مُعْتقدًا، فأُحرق ذَلِكَ مَعَ كتبٍ بخطّه في الفَلْسفة، وَكَانَ يومًا مشهودًا وَذَلِكَ في سنة ثمان وثمانين. وسُلّم ما كَانَ بيديه في المدرستين إلى ابن الْجَوْزيّ. ثُمَّ بعد مدة أعيدتا إليه. ثم بعد الستمائة رُتِّب عميدًا ببَغْدَاد مستوفيًا للمكْس وللضّرائب، ومُكنت يده، وشرعَ في الظُّلم والعَسْف. ثُمَّ بعد مدَّةٍ حُبس وغُرّم وخمل. سَمِعَ من أَحْمَد ابن المُقَرَّب، ومن جَدّه. ولم يُحدّث [ص:316] بشيءٍ. وَكَانَ لطيف الْأخلاق، ظريفًا، إلا أَنَّهُ فاسد العقيدة. عاش ثلاثًا وستين سنة.(13/315)
23 - عَبْد العزيز بن أَبِي نصر محمود بن المبارك بن محمود، الحافظ أبو محمد ابن الْأخضر الْجُنابَذِيّ الْأصل البَغْدَادِيّ التّاجر البَزَّاز. [المتوفى: 611 هـ]
وُلد سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وسمع سنة ثلاثين وخمسمائة وبعدها وهلُمّ جرّا. وكتب الكثير، وعُنيَ بالفنِّ أتمَّ عناية.
سَمِعَ من أَبِي بَكْر قاضي المارستان، وأبي القاسم ابن السمرقندي، ويحيى ابن الطّرّاح، وَعَبْد الوهاب الْأَنْمَاطِي، وَعَبْد الجبار بن تَوْبة، وَأَبِي منصور بن خيرون، وأبي الْحَسَن بْن عَبْد السَّلَام، وَأَبِي سعد البَغْدَادِيّ، وَأَبِي الفضل الْأُرْمَوي، وابن ناصر، وخلقٍ كثير. وحصَّل الْأُصول، وغالى في أثمانها.
وحدّث نحوًا من ستين سنة، وصنّف تصانيف مفيدة. وَكَانَ حافظ العراق في زمانه، وكانت لَهُ حلقة بجامع القصر للحديث. وتخاريجه تدلّ عَلَى حِفْظه وتبَحّرِه. وَكَانَ ثقة صالحًا ديّنًا عفيفًا.
وَكَانَ والده قد سَمِعَ من إسْمَاعِيل بن مَلَّة، وحجّ سنة خمس وثلاثين وخمسمائة وَلَهُ أربعون سنة، فلم يرْجع وعُدِمَ.
قَالَ الدُّبَيْثِي: لم أرَ في شيوخنا أوفرَ شيوخًا منه، ولا أغْزَر سماعًا، وحدّث بجامع القصر سنين كثيرة.
وَقَالَ ابن نُقْطة: كَانَ ثَبْتًا، ثقة، مأمونًا، كثير السَّماع، واسع الرواية، صحيح الْأصول؛ منه تعلّمنا واستفدنا، وما رأينا مثله.
قلتُ: روى عنه الحُفّاظ: ابنُ نُقْطة، والدبيثي، وابنُ النَّجَّار، والضّياء، والبِرْزاليّ، وابن خليل، والزِّين خَالِد، وَأَحْمَد بن محمد بن بنيمان الهمذاني، [ص:317] وَمُحَمَّد بن نصر بن عَبْد الرزاق الجِّيلي، وعَليُّ بن ميران سبط العاقُوليّ، والعفيف عَليّ بن عَدْلان المَوْصِليّ النَّحْوِيّ، وعَليُّ بن مُحَمَّد بن زُرَيْق، وَأَحْمَد بن الحُسَيْن الدَّاريّ الخليليّ، ومحمد بن سعيد بن النشف الواسطي، والجمال يحيى ابن الصَّيْرَفِيّ، والنجيب عَبْد اللطيف وأخوه العزّ عَبْد العزيز، والنّجيب مِقْداد بن أَبِي الْقَاسِم القَيْسيّ، والعَلَم أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم بن أَحْمَد الْأنْدَلُسِيّ، وإسرائيل بن أَحْمَد القُرَشِيّ، وابنه عَليّ بنُ الْأخضر، وخلقٌ سواهم.
وَتُوُفِّي في سادس شوال.
قَالَ ابنُ النَّجَّار: سمَّعهُ أَبُوه من جماعة، وَأَوَّل طلبه من الْأُرْمَوي وابن ناصر، وما زال يسمع حَتَّى قرأ عَلَى شيوخنا. كتب كثيرًا لنفسه، وتوريقًا للناس في شبابه. قرأت عَلَيْهِ كثيرًا في حلقته وفي حانوته للبَزِّ بخان الخليفة. وَكَانَ ثقةً، حُجة، نبيلًا. ما رأيتُ في شيوخنا مثلهُ في كثرةٍ مسمُوعاته، وحُسْن أُصوله، وحِفْظه، وإتقانه. وَكَانَ أمينًا، ثخين الستر، متديناً، ظريفًا.
قُلْتُ: وأجاز للكمال عَبْد الرَّحْمَن المُكَبِّر.(13/316)
24 - عَبْد الكريم بن أَحْمَد بن مُحَمَّد، الإِمَام أَبُو الفضل القُرَشِيّ البَوَازِيجِيّ الضرير المقرئ، [المتوفى: 611 هـ]
نزيل المَوْصِل.
قرأ بها القراءات عَلَى يَحْيَى بن سَعْدُون. وتَفَقَّه عَلَى يونس بن مَنَعة الإربلي. وَسَمِعَ " المقامات " من أَبِي سعد مُحَمَّد بن عَليّ الحِلّيّ صاحب الحريريّ. وَسَمِعَ من تاج الإسلام ابن خميس.
قرأ عليه بالروايات تقيّ الدين أَحْمَد بن نَوْفل النَّصيبيّ. وَرَوَى عنه ولده [ص:318] عزّ الدين مُحَمَّد بن عَبْد الكريم ويُعرف بابن حزميَّة.
مات في هَذَا العام بالموصل؛ أرَّخه الفَرَضيّ.(13/317)
25 - عَبْد اللطيف بن مُحَمَّد بن ثابت، الخطيب أَبُو الْقَاسِم الخُوَارِزْمِي، ثُمَّ الإصبهانيّ. [المتوفى: 611 هـ]
ولد في سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وَسَمِعَ حُضُورًا من زاهر الشَّحَّامِيّ، وَسَمِعَ من فاطمة بنت البَغْدَادِيّ. رَوَى عَنْهُ الضياء، وابنُ خليل، وجماعة، والزكي البِرْزالي. وأجاز للشيخ الفخر، وللشيخ شمس الدين عَبْد الرَّحْمَن، والشمس عَبْد الرحمن ابن الزَّين، وجماعة.
ورَّخه الضّياء.(13/318)
26 - عَليّ بن عَبْد اللَّه بن أَبِي البركات فَضْل اللَّه بن محمد بن محمد ابن مخلد، القاضي الأجل أبو المكارم الْأَزْدِيّ المَخْلَديّ الواسطيّ المُعَدَّل، المعروف بابن الْجَلَخْت. [المتوفى: 611 هـ]
ولد سنة ثلاثين وخمسمائة، وَسَمِعَ بواسط من عمِّ أَبِيهِ أَبِي الكرم نصر اللَّه بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد، وَأَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَلِيّ الْجُلابيّ.
وحدَّث ببَغْدَاد، وواسط، وَكَانَ من بقايا الرُّواة المُسْندين، ووليَ نيابةَ الحُكْم بواسط، وَسَمِعَ منه يوسف بن مُحَمَّد بن بَخْتِيَار، وَمُحَمَّد بن أَحْمَد الزُّهْرِيّ، وَأَبُو عَبْد اللَّه الدُّبَيْثِي، وجماعة.
تُوُفِّي في ثاني شوال، وقد نيّفَ عَلَى الثمانين.(13/318)
27 - عَليّ بن عَليّ بن أَبِي السعادات المبارك بن الحسين ابن نَغُوبا، أَبُو المُظَفَّر الواسطيّ العَدْل. [المتوفى: 611 هـ]
وُلد سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، وسمع من جده أبي السعادات، وعلي ابن البسري، ومن أبي الكرم نصر الله ابن الجلخت، وأبي عبد الله الجلابي. [ص:319]
وَكَانَ شيخًا جليلًا مُسْنِدًا، سَمِعَ أَيْضًا ببَغْدَاد من أَبِي الفضل الْأُرْمَوي، وابن ناصر، وأنوشتكين الرّضوانيّ، وَعَبْد الباقي بن أَحْمَد النَّرسيّ.
وَهُوَ أخو أَبِي بَكْر عَبْد اللَّه، وَأَبِي المعالي عُبَيْد اللَّه.
سَمِع منه أَحْمَد بْن طارق، وجعفر بن محمد العباسي، وتميم البندنيجي، وَأَبُو عَبْد اللَّه الدُّبَيْثِي، وجماعةٌ. وَتُوُفِّي بمارستان واسط في سادس عشر رمضان.(13/318)
28 - عَليّ بن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُوسَى، الفقيه أَبُو الحَسَن الخَزْرَجِي الإشبيليّ ثُمَّ الفاسيّ المعروف بالحصار. [المتوفى: 611 هـ]
أخذ عن أَبِي القاسم بْن حُبيش، وَأَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن حُمَيْد.
وَكَانَ إمامًا فاضلًا، كثير التصانيف، بارعًا في أصول الفقه. حجّ، وجاور، وصنفّ في أصول الفقه وصنّف كتابًا في النّاسخ والمَنْسوخ، وكتاب " البيان في تنقيح البُرْهان ". وَلَهُ أرجوزةٌ في أصول الدين شرحها في أربع مجلدات. وَلَهُ شعر حسن.
رَوَى عَنْهُ زكي الدين المُنذِريّ، وَقَالَ: تُوُفِّي بالمدينة النبوية في شعبان.
وأجاز لابن مسدي، وَقَالَ: وقفت لَهُ عَلَى كتابٍ سمّاه: " تقريب المدارك في رفع الموقوف ووصل المقطوع من حديث مالك "، اختصر فيه بعض معاني كتاب " التّمهيد " لابن عَبْد البّرّ.(13/319)
29 - عَليّ بن مُحَمَّد بن أَبِي تَمّام، أَبُو الحَسَن القُرْطُبيّ الطّائيّ. [المتوفى: 611 هـ]
قرأ عَلَى أَبِيهِ " الموطّأ " بروايته عَن أَبِي عبد الله ابن الطلاع، وأبي الوليد بن رشد. وأخذ القراءات والعربية عن أَبِي مُحَمَّد بن دَحْمان.
وَكَانَ إمامًا فاضلاً ورعاً. [ص:320]
تُوُفِّي في ذي القِعْدَة.(13/319)
30 - عَليّ بْن محمود بْن الْحَسَن بْن هبة اللَّه ابن النجار، أبو الحسن [المتوفى: 611 هـ]
أخو الحافظ محب الدين محمد ابن النجار البغدادي.
قتل في ليلة خامس عشر رمضان عن سبعٍ وأربعين سنة، وَكَانَ قد سَمِعَ من ابن الْجَوْزيّ، وجماعة، ووليَ النَّظر عَلَى الأيتام، وكان بارعاً في الحساب والفرائض.(13/320)
31 - عَليّ بن المُفَضَّل بن عَليّ بن أَبِي الغَيْث مُفَرّج بن حاتم بن الحَسَن بن جَعْفَر، العلّامة الحَافِظ شرفُ الدين أَبُو الحَسَن ابن القاضي الْأنجب أَبِي المكارم اللَّخْمي المَقْدِسِيّ الْأصل الإسكندراني الفقيه المالكيّ القاضي. [المتوفى: 611 هـ]
وُلد في ذي القِعْدَة سنة أربعٍ وأربعين وخمسمائة، وتَفَقَّه بالثَّغر عَلَى الإِمَام أَبِي طَالِب صالح بْن إِسْمَاعِيل ابن بِنْت مُعافى، وَالإِمَام أَبِي الطاهر بن عوْف، وأبي مُحَمَّد عَبْد السَّلَام بن عَتِيق السَّفاقُسِيّ، وَأَبِي طَالِب أَحْمَد بن المُسلّم اللَّخْميّ التَّنُوخِيّ. وَسَمِعَ منهم، ومن السِّلَفيّ فأكثر عنه وانقطع إليه وتخرج به، ومن أبي عبيد نعمة الله بن زيادة الله الغفاري، وهو من قدماء شيوخه، حدَّثَه عن عيسى بن أَبِي ذَرٍّ الهَرَويّ. وَسَمِعَ أَيْضًا من أَبِي الضّياء بدر الخُداداذي، وسالم بن إِبْرَاهِيم الْأُموي، وَمُحَمَّد بن عَليّ بن خلف، وَعَبْد الرَّحْمَن بن خلف اللَّه المقرئ، وطائفة.
وقدِمَ مصر سنة أربعٍ وسبعين فشهِدَ بها عند قاضي القُضاة أَبِي الْقَاسِم عَبْد الملك بن دِرْباس. وَسَمِعَ من العلّامة عَبْد الله بن بَرِّي، وعَليِّ بن هبة اللَّه بن عبد الصمد الكاملي، وهبة الله ابن الطُّوَيْر، وَمُحَمَّد بن عَليّ الرَّحبيّ، وطائفة.
وجاور بمكة، وسمع بالحجاز من أحمد ابن الحَافِظ أَبِي العلاء العَطَّار، وَأَبِي سعد عَبْد الواحد بن عَليّ الْجُوَيْنِيّ، وجماعة.
وحدَّث بالحرمين، ومصر، والثَّغر. وناب في القضاء بالإسكندرية [ص:321] مدَّةً، ودرَّس بالمدرسة المعروفة بِهِ، ودرَّس بالقاهرة بالمدرسة الصَّاحبية إلى حين وفاته.
وَكَانَ إمامًا بارعًا في المذهب، مُفتيًا، مُحدّثًا حافظًا، لَهُ تصانيف مفيدة في الحديث، وغيره. وَكَانَ وَرِعًا خيّرًا، حسن الْأخلاق، كثير الإغضاء مُتفنِّنًا في العلم، كبير القدر، عديم النَّظير.
رَوَى عَنْهُ الزكيّ البِرْزالي، والزكيّ المُنذريّ، والرشيد العَطَّار، والعَلَم عبد الحق بن مكي ابن الرَّصاص، والشرف عَبْد الملك بن نصر الفِهْري الفوي اللغوي، والمجد علي بن وهب ابن دقيق العيد المالكي، وَإِسْحَاق بن ملكويه الصُّوفِيّ، ومحتسب الإسكندرية الحَسَن بن عُثْمَان القابسي، والجمال مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الهواريّ التونسيّ، وَمُحَمَّد بن مُرتضى بن أَبِي الجود، والشهاب إسْمَاعِيل القُوصِيّ، والشَّرف عُمَر بن عَبْد اللَّه السُّبْكيّ القاضي، وَمُحَمَّد بن عَبْد الخالق بن طَرْخان، والنّجيب أَحْمَد بن مُحَمَّد بن الحَسَن السَّفاقُسِيّ، والمحُيي عَبْد الرَّحِيم بن عبد المنعم ابن الدميري، وخلقٌ سواهم.
قَالَ الحَافِظ المنذريّ: وَكَانَ - رحمه اللَّه - جامعًا لفنون من العلم حَتَّى قَالَ بعض الفُضلاء لَمَّا مُرّ بِهِ محمولًا عَلَى السرير ليُدفن: " رحمك اللَّه يا أَبَا الحَسَن، فقد كنت أسقطتَ عن النَّاس فُروضًا ".
قَالَ: وَتُوُفِّي في مستهل شعبان بالقاهرة، ودُفن من يومه بسفح المقطم.
وَلَهُ - رحمه اللَّه - مقاطيع مليحة منها:
ولمياء تحيي من تحيي بريقها ... كَأَنَّ مِزاج الرّاح بالمسك من فيها
وما ذقتُ فاها غير أنّي رويتهُ ... عن الثقةِ المِسْواك وَهُوَ موافيها
وَلَهُ: [ص:322]
أيا نفسُ بالمأثورِ عن خير مرسلٍ ... وأصحابه والتَّابعينَ تمسَّكي
عساكِ إِذَا بالغْتِ في نشر دينهِ ... بما طابَ من نشرٍ لَهُ أن تُمسّكي
وخافي غدًا يومَ الحساب جهنمًا ... إِذَا لفحت نيرانُها أن تمسكي
قلتُ: ليت نفسهُ قبلت منه، وتمسَّكت بإمرار الصِّفات من غير تأويل!.(13/320)
32 - عَليّ بن أَبِي بَكْر الهَرَويّ الزاهد السَّائِحُ، تقيّ الدين [المتوفى: 611 هـ]
الَّذِي طوف الْأقاليم.
وَكَانَ يكتب عَلَى الحيطان، فقلّ ما تجد موضعًا مشهورًا في بلدٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ خطّه.
وُلد بالموصل، واستوطن في آخر عُمره حلب، وَلَهُ بها رباط. وَلَهُ تواليف حسنة. وَكَانَ يعرف سحر السيمياء، وبه تقدم عند الظاهر صاحب حلب، وبنى لَهُ مدرسة بظاهر حلب، فدرس بها. وصنف خطبًا، ودفن في قُبة المدرسة في رمضان.
قَالَ فيه القاضي ابن خلكان: كاد يطبق الأرض بالدَّوران، ولم يترك برًّا ولا بحرًا ولا سهلًا، ولا جبلًا ممّا يمكن رؤيته إِلَّا رآه وكتب خطّه في حائط ذَلِكَ الموضع، وبه ضربَ المثل ابنُ شمس الخلافة فَقَالَ في رجل يستجدي بالْأوراق:
أوراقُ كُدْيته في بيتِ كلِّ فتًى ... عَلَى اتِّفاق معانٍ واختلاف روي
قد طبَّقَ الْأرض من سهلٍ إلى جبلٍ ... كَأَنَّهُ خطُّ ذاك السائح الهَرَويّ
قَالَ جمال الدين ابن واصل: كَانَ عارفًا بأنواع الحيل والشَّعْبَذَة، صنَّف خُطبًا وقدَّمها للناصر لدين اللَّه، فَوَقَّع لَهُ بالحسبة في سائر البلاد، وإحياء ما شاء من الموات والخطابة بحلب. وَكَانَ هَذَا التوقيع بيده لَهُ بِهِ شرف، ولم يباشر شيئًا من ذَلِكَ.
قلتُ: سَمِعَ من عَبْد المنعم الفُرَاويّ تِلْكَ " الْأربعين السُّباعية ".
رَوَى عَنْهُ الصَّدْر البَكْري، وغيره. وَرَأَيْت لَهُ كتاب " المزارات [ص:323] والمشاهد " التي عاينها في الدُّنْيَا فرأيته حاطب ليلٍ وعنده عامية، لكنه دور الدينا، ودخل إلى جزائر الفرنج، وَرَأَى العجائب.(13/322)
33 - عُمَر بن يوسف بن مُحَمَّد بن نَيْروز، أَبُو حفص البَغْدَادِيّ المقرئ. [المتوفى: 611 هـ]
وُلد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وقرأ القراءات عَلَى أَبِي الْحَسَن عَليّ بْن عساكر البطائحيّ، وغيره. وَسَمِعَ من أَبِي الفتح ابن البَطِّيّ، وَيَحْيَى بن ثابت، وجماعة.
ويُعرف بصاحب ابن الشَعّار.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، وَقَالَ: كَانَ خيّرًا ثقةً، تُوُفِّي في تاسع جُمادى الْأولى. وَكَانَ ختنَ شيخنا محمود بن نصر الشَعّار.(13/323)
34 - مُحَمَّد بن أَحْمَد بن الحَسَن، أَبُو عَبْد اللَّه الدُّوريّ. [المتوفى: 611 هـ]
قرأ القراءات الكثيرة عَلَى بدل بن أَبِي طاهر الجِّيلي، وَيَعْقُوب بن يوسف الحربي ونصر الله بن علي ابن الكيّال، وَتُوُفِّي في جُمَادَى الْأولى.(13/323)
35 - مُحَمَّد بن خلف بن إِبْرَاهِيم بن أيوب بن إِبْرَاهِيم بن عُبادة بن بالغ، أَبُو بَكْر وَأَبُو عَبْد اللَّه القُرَشِيّ الهاشمي الْأنْدَلُسِيّ، [المتوفى: 611 هـ]
من أهل بسْطة، وخطيبها.
رَوَى عن أَبِي عَبْد اللَّه ابن الفرَس، وَإِبْرَاهِيم بن مُنبّه، وَعَبْد الرَّحْمَن بن القصير، وعَليِّ بن عَبْد العزيز بن مسعود.
ووليّ قضاء بسْطة فحُمِدت سيرته. وأقرأ القرآن، وحدّث. وَكَانَ ورعًا مُتقنًا.
رَوَى عَنْهُ أَبُو الْقَاسِم الملّاحيّ، وغيره، وعاش ستًّا وثمانين سنة.(13/323)
36 - مُحَمَّد بن دَاوُد بن عُثْمَان الدَّرْبَنْدِيّ الصُّوفِيّ الصالح. [المتوفى: 611 هـ]
سَمِعَ أَبَا طاهر السِّلَفيّ.
حَدَّثَ بدمشق، وبالخليل، وأقام بِهِ يخدم بمعلوم لَهُ، وبه تُوُفِّي في ربيع الْأَوَّل.
رَوَى عَنْهُ الزكيّان البرزالي والمنذري، وابن خليل، والشهاب القوصي، وقال: ولد بدربند سنة ثلاثين وخمسمائة، ولقيته بالخليل سنة إحدى وتسعين وخمسمائة.(13/324)
37 - مُحَمَّد بن العَبَّاس بن يَحْيَى بن أَبِي تمام محمد ابن نور الهُدى الحُسين بن مُحَمَّد، الشريفُ الزاهد أَبُو تمام الزَّيْنَبي الهاشمي البَغْدَادِيّ. [المتوفى: 611 هـ]
وُلد سنة ثلاثٍ وثلاثين، وَسَمِعَ من أَبِي المعالي اللّحّاس، ولم يسمع في صغره، وَكَانَ زاهدًا عابدًا، كبير الشأن، كثير المُجاهدة، انقطع إلى العبادة في مسجد جَدّه نور الهُدى.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي.(13/324)
38 - مُحَمَّد بن عَبْد الغني بن إِبْرَاهِيم، القاضي أَبُو عَبْد اللَّه ابن المنجم الرَّبَعيّ الشافعي الصواف المَصْرِيّ. [المتوفى: 611 هـ]
سَمِعَ أَبَا طاهر السِّلَفيّ، وأبا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن ثَابِت ابن الكِيزانيّ.
رَوَى عَنْهُ الحَافِظ عَبْد العظيم المُنذري، وغيره، وَتُوُفِّي في عاشر رمضان.(13/324)
39 - مُحَمَّد بن عَليّ، أَبُو العشائر ابن التُّلُولي اللَّبّان الحَنْبَلِيّ. [المتوفى: 611 هـ]
قرأ القراءات والفقه. وَسَمِعَ من ابن البطّيّ، وجماعة. رَوَى عَنْهُ ابن النَّجَّار، ومات في السجن بواسط في شوال.(13/324)
40 - مُحَمَّد بن عَليّ بن نصر ابن البَلّ، أَبُو المُظَفَّر الدُّوري الواعظ ابن الحَنْبَلِيّ. [المتوفى: 611 هـ][ص:325]
ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة، وكان يمكنه السماع من هبة الله بن الحُصين. ولكنه إنما قدِم بَغْدَاد شابًا فسمع من أحمد ابن الطّلايَّة، وابن ناصر، والوزير أَبِي نصر المُظَفَّر بن عبد الله بن جهير، وجماعة.
وكان يتكلّم في الوعظِ، شاخ وعجز عن الحركة، وَكَانَ شيخًا صالحًا متُعبدًا.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي وَقَالَ: تُوُفِّي في شعبان.
وَقَالَ أَبُو شامة: كان ابن البل يضاهي أبا الفرج ابن الْجَوْزيّ حَتَّى قِيلَ لَهُ: أيُّما أعلم أَنْتَ أم أَبُو الفَرَج؟ فَقَالَ: ما أرضاه يقرأ عَليّ الفاتحة! فبلغ ذَلِكَ ابن الْجَوْزيّ، فَقَالَ: ما أقرأ عَلَيْهِ الفاتحة بل أقرأ عَلَيْهِ: " {قل هو الله أحد} ". وَكَانَ يتعصّب لَهُ حاكة قَطُفْتا، ويحضره خلق كثير، إلى أن جرت لولده خصومة مَعَ بعض غلمان الجهة أمّ الخليفة، فاستطال عَلَيْهِ، وأعانه والده فمنع من الوعظ، وإلى أن مات.
وأنشد عَنْهُ ابن النَّجَّار لنفسه:
يتوبُ عَليّ يدي قوْمٌ عصاةٌ ... أخافتهم مِنَ البارِي ذنوبُ
وقَلبي مُظلمٌ من طُول ما قدْ ... جنى فأنا عَلَى يدِ منْ أتوبُ؟
كأني شمعةٌ ما بَيْنَ قومٍ ... تُضيءُ لهم ويحرقها اللهيب [ص:326]
وهو والد عائشة بنت محمد ابن البَلّ.(13/324)
41 - مُحَمَّد بن عَبْد الجبار، أَبُو عَبْد اللَّه القيسي الدّانيّ، [المتوفى: 611 هـ]
نزيلُ بلَنْسِية.
أخذ القراءات عن أَبِي جَعْفَر بن طارق. وَسَمِعَ كثيرًا من ابن النِّعمة، وَكَانَ مُجوّدًا مُحقَّقًا وَرِعًا.
مات في رمضان.(13/326)
42 - مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن بن معالي القَزْوِينِيّ الوَارينيّ، [المتوفى: 611 هـ]
ووارين قبيلةٌ بقزوين.
أجاز لَهُ مُحَمَّد الفُرَاويّ. وَسَمِعَ " سنن ابن ماجه " من ملكداد العَمركيّ، بسماعه من البَغَوِيّ.
مات بقزوين في ذي الحِجَّة.(13/326)
43 - مُحَمَّد بن عيسى بن بركة الجصاص، أَبُو الفتح. [المتوفى: 611 هـ]
بغدادي، طالبُ حديث، سَمِعَ من يَحْيَى بن ثابت، وأبي علي أحمد بن محمد الرحبي، وأبي محمد ابن الخشاب، وطائفة.
وحدّث بالموصل، وإربل، والجزيرة. وَتُوُفِّي برأس عين، أَوْ بغيرها، في جُمَادَى الْأولى.
قَالَ ابن النَّجَّار: كَانَ صدوقًا، متعفّفًا، ديِّنًا.(13/326)
44 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سرايا بن عَليّ، أَبُو عَبْد اللَّه المَوْصِليّ البَلَديّ العدل الكاتب. [المتوفى: 611 هـ]
ولد سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وَسَمِعَ من أَبِي الوقت السِّجْزِي، وَأَبِي زُرْعَة بن طاهر، وحدّث بالمَوْصِل، وَتُوُفِّي في جُمَادَى الأولى. [ص:327]
رَوَى عَنْهُ البرزالي، والضياء مُحَمَّد، واليلدانيّ، والقوصي، وَقَالَ: باشر الديوان بالمَوْصِل، وَكَانَ أحد الفُضلاء المذكورين بالبيان، ثُمَّ لازم بيتهُ، سمعتُ منه بدمشق " مُسْنَد " عَبْد بن حُمَيْد.(13/326)
45 - مُحَمَّد بن أَبِي حامد مُحَمَّد ابن الحَافِظ أَبِي مَسْعُود عَبْد الجليل بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد، أَبُو بَكْر الإصبهاني الْجُوباريّ، المعروف بابن كُوتاه. [المتوفى: 611 هـ]
سَمِعَ من جَدّه، ومن أبي عَبْد اللَّه الرُّسْتُميّ، ومسعودٍ الثَّقَفِيّ، وقبلهم من إسْمَاعِيل بن عَليّ الحمّاميّ.
رَوَى عَنْهُ الحَافِظ عَبْد العظيم، لقيه بمَكَّة، وَقَالَ: سَأَلْتُهُ عن مولده فَقَالَ: سنة أربعٍ وأربعين وخمسمائة، وَتُوُفِّي في العَشْر الوُسِط من رمضان بنواحي إصبهان.
قلتُ: وَرَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، والبِرْزالي، والضّياء. وأجاز لجماعةٍ من شيوخي.
وجُوبار: محلَّة.(13/327)
46 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد، القاضي أَبُو عَبْد اللَّه المَخْزُومِيّ المَصْرِيّ، المعروف بالعاقد. [المتوفى: 611 هـ]
قَالَ الحَافِظ عَبْد العظيم: تُوُفِّي في عاشر رمضان، وَلَهُ خمسٌ وثمانون سنة. حدث بكتاب " العنوان " في القراءات. ورأيته ولم يتّفق لي السّماع منه.(13/327)
47 - مُحَمَّد بن معالي بن غَنِيمة، أَبُو بَكْر البَغْدَادِيّ المأمُونيّ المُقرئ الفقيه، المعروف بابن الحَلاويّ، الحَنْبَلِيّ. [المتوفى: 611 هـ]
من كبار أصحاب أبي الفتح ابن المَنِّي، كَانَ إمامًا، مُفْتيًا، متعبدًا، ورِعًا، صالحًا، خيرًا، عارفًا بالمذهب.
ولد بعد الثلاثين وخمسمائة، وَسَمِعَ من أَبِي الفتح الكَرُوخي، وابن [ص:328] ناصر، وأبي القاسم ابن البناء، وأبي بكر ابن الزاغونيّ، وحدّث، وأقرأ، وأمَّ بمسجد المأمونية؛ رَوَى عَنْهُ أبو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، وابن النجار، والضّياء، وغيرهم، وَتُوُفِّي في الثامن والعشرين من رمضان.
وعليه تفقه مجد الدين ابن تيمية. وأجاز للفخر ابن البُخاري، وللشيخ شمس الدين عَبْد الرَّحْمَن، وللكمال عَبْد الرَّحِيم بن عَبْد الملك، وَأَبِي الفَرَج عَبْد الرحمن المُكَبِّر، وأبي مُحَمَّد بن اللّمش بماردين. وعاش ثمانين سنة، رحمه اللَّه.(13/327)
48 - مُحَمَّد بن أَبِي الْقَاسِم بن أَبِي شجاع، الفقيه أَبُو المُظَفَّر الرَّاشديّ الهمذانيّ الحنفيّ الْأُصوليّ. [المتوفى: 611 هـ]
صدْرُ محتشم، واصلٌ عند صاحب بلده. ولي القضاء وغير القضاء وترقت به الأحوال إلى أن حُسِدَ وعُمل عَلَيْهِ وجرت لَهُ أمور، فهرب وأُخذ في هذه السنة وقُتل.
وَكَانَ أَبُوه متكلّمًا فيلسوفًا لَهُ تصانيف في عِلم الْأوائل.(13/328)
49 - مَزْيَد بن عَليّ بن مَزْيَد، الْأديب أَبُو عَليّ النعماني. [المتوفى: 611 هـ]
شاعرٌ مُحسنٌ، قديمٌ، شاخَ وأسنَّ، وسمعوا منه شيئًا من نظمه. وعاش تسعين سنة، وَكَانَ ببَغْدَاد.(13/328)
50 - المُظَفَّر بن عُبَيْد الله ابن الوزير أَبِي الفَرَج مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه ابن رئيس الرؤساء، أَبُو مُحَمَّد. [المتوفى: 611 هـ]
من بيت وِزارةٍ وحشمةٍ، سَمِعَ من أَبِي الحُسَيْن عَبْد الحق.(13/328)
51 - منصور بن عَليّ، أَبُو عَليّ الجيزي الصُّوفِيّ الوَرَّاق، المعروف بابن الصَّيْرَفِيّ. [المتوفى: 611 هـ][ص:329]
حَدَّث عن السِّلَفيّ، وغيره؛ رَوَى عَنْهُ الحَافِظ عَبْد العظيم، وغيره.(13/328)
52 - مؤيد المُلْك وزير السُّلْطَان شهاب الدين الغُوريّ، [المتوفى: 611 هـ]
ثُمَّ وزير تاج الدين ألدُز.
كَانَ صَدْرًا مُعظمًا، حسن السيرة، مُحسنًا إلى العُلَمَاء. كرهه بعض خواصّ الملك ألدُز فقتلوه في هذه السنة.(13/329)
53 - نفيس بن هلال بن بَدْر البَغْدَادِيّ الصُّوفِيّ. [المتوفى: 611 هـ]
صحبَ الكبارَ، وحَجَّ مرّات.
وَكَانَ شيخ رباط شَهدة الكاتبة والنّاظر في أمْرِه.
تُوُفِّي في رجب.(13/329)
54 - يَحْيَى بن الحُسَيْن بن مُحَمَّد بن محمد بن أَبِي زَنْبَقة، أَبُو الغنائم الوَاسِطِيّ. [المتوفى: 611 هـ]
سَمِعَ من أَبِي طَالِب الكَتّانيّ. وَسَمِعَ ببَغْدَاد ودمشق، وحَدَّث.
مات في ذي القِعْدَة.(13/329)
55 - يَحْيَى ابن الصاحب صفيّ الدين عَبْد اللَّه بن عَليّ بن الحُسين بن شُكر الشّيبيّ، عَلَمُ الدين. [المتوفى: 611 هـ]
تُوُفِّي كَهْلًا في ذي القِعْدَة.(13/329)
56 - يوسف بن الْقَاسِم بن مُفَرِّج التَّكريتيّ. [المتوفى: 611 هـ]
حَدَّثَ بتكريت عن أَبِي زُرْعَة المَقْدِسِيّ، وَتُوُفِّي في رجب.(13/329)
-وفيها وُلد:
فخر الدّين عَبْد الرَّحْمَن بْن يوسف البَعْلَبَكِّيّ الحَنْبَلِيّ، والْجَمَال مُحَمَّد بن سُلَيْمَان ابن النقيب المَقْدِسِيّ الحنفي المُفَسِّر، والمكين الْأسْمَر عَبْد الله بن [ص:330] منصور الإسكندري المُقْرِئ، وقاضي حلب الكمال أَحْمَد بن عَبْد اللَّه ابن الْأستاذ، والبهاءُ عبدُ الوليّ بْن أَبِي مُحَمَّد بْن خَوْلان البَعْلَبَكِّيّ، والعز عمر بن أحمد بن عمر الشروطي، وجعفر بن محمد الحسني الإدريسي، شيخنا، وَأَبُو الفهم بن أَحْمَد السُّلميّ، شيخُنا، والجمال أَحْمَد بن أَبِي مُحَمَّد الصّالحيّ، العَطَّار، والمؤيَّد أحمد ابن المجد مُحَمَّد بن إسْمَاعِيل بن عساكر، وَأَبُو الفَرَج نصر اللَّه بن أَبِي الْقَاسِم، أخو سعد الخير الشّاهد، وَأَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن عمر ابن المريخ النجار البغدادي.(13/329)
-سنة اثنتي عشرة وستمائة(13/331)
57 - أَحْمَد بْن أزْهر بْن عَبْد الوَهَّاب بْن أَحْمَد بن حمزة بن ساكن، أَبُو مُحَمَّد البَغْدَادِيّ الصُّوفِيّ السَّبَّاك. [المتوفى: 612 هـ]
من صوفية رِباط المأمونية، سمَّعه أبوهُ من عَبْد الوَهَّاب الْأَنْمَاطِي الحَافِظ، وَأَحْمَد بن مُحَمَّد المَذاريّ، وَأَحْمَد بن قَفَرْجَل. وأجاز لَهُ قاضي المارستان، وَأَبُو منصور القزاز.
قَالَ الدُّبَيْثِي: وَكَانَ عَسِرًا في الرواية لِقِلَّة معرفته، قَالَ لي: وُلدتُ في المحرَّم سنة إحدى وثلاثين. قَالَ: وباتَ معافًى، فأصبح مَيّتًا في ثامن شوال.
قلتُ: رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، والزكيّ البرْزالي، والضّياء.
ومات أخوه عَبْد العزيز في سنة ثمان وتسعين، سَمِعَ من قاضي المارستان.
ومات أبوهما في سنة أربع وستين وخمسمائة، وَهُوَ أَبُو جَعْفَر، يروي عن ابن الحُصَين وطبقته، ثقةٌ مفيدٌ، صحب عبد الوهاب الأنماطي.(13/331)
58 - أحمد بن عمر بن حامية البغدادي النساج. [المتوفى: 612 هـ]
ولد سنة إحدى وثلاثين، وسمع بالإسكندرية من السلفي. وروى بالإجازة عن خالِهِ عَبْد اللَّه بْن عَبْد الصَّمد السُّلَمي العَطَّار، وَتُوُفِّي في رجب بالقاهرة.(13/331)
59 - أَحْمَد بن مُحَمَّد بن سعد، أَبُو عَبْد اللَّه البُرُوجِرْديّ الفقيه الشَّافِعِيّ. [المتوفى: 612 هـ]
تَفَقَّه بالنِّظامية ببَغْدَاد، وَسَمِعَ، عَلَى ما ذكر، من أَبِي منصور بن خَيْرون، وابن الطِّلاية، وابن ناصر، وحدّث ببُرُوجرْد، وبها مات في ربيع الآخر.(13/331)
60 - أحمد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن خطّاب، أَبُو بَكْر البَغْدَادِيّ الخازن بالبيمارستان، العَضُديّ. [المتوفى: 612 هـ]
حَدَّثَ عن أَبِي الوَقْت، وَتُوُفِّي في ثامن عشر رمضان.(13/332)
61 - أحمد ابن الإِمَام أَبِي الحَسَن مُحَمَّد بن أَبِي البركات أحمد بن علي بن عبد الله، أبو الْقَاسِم ابن الْأَبْراديّ التاجر. [المتوفى: 612 هـ]
وُلد سنة سبعٍ وثلاثين، وَسَمِعَ من أَبِي الوَقْت، وهبة اللَّه ابن الشِّبْلِي، وَتُوُفِّي بدمشق في المحرَّم.
رَوَى عَنْهُ ابن النَّجَّار، وَقَالَ: كَانَ شيخًا مُتيقِّظًا، وابن نُقطة. وَأَبُوه من تلامذة ابن عقيل، مات سنة أربعٍ وخمسين.(13/332)
62 - أَحْمَد بن مكي، القاضي جمال الدين أَبُو المجد الإسكندرانيّ المُعَدَّل الفقيه المالكي. [المتوفى: 612 هـ]
كَانَ فقيهًا عالمًا، وقوُرًا، نزهًا، عارفًا بالكلام والمُناظرة، ووليّ ديوان الصَّعيد مُدَّة. وَلَهُ سماعٌ من السِّلَفيّ.
قَالَ الزكيّ المُنذريّ: اجتمعتُ بِهِ مرّات وما علمته حَدَّثَ. وَتُوُفِّي بالقاهرة في سابع عشر رجب.(13/332)
63 - أَحْمَد بن يَحْيَى بن بركة بن محفوظ، أَبُو العَبَّاس ابن الدّبيقيّ البَغْدَادِيّ البَزَّاز الصُّوفِيّ. [المتوفى: 612 هـ]
وُلد سنة ثمانٍ وعشرين وخمسمائة، وَسَمِعَ من القاضي أَبِي بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وَأَبِي منصور الشَّيْبَانِيّ، والحافظ عَبْد الوَهَّاب الْأَنْمَاطِي، وَأَبِي الفتح الكَرُوخيّ، وَأَحْمَد بن عَليّ بن الْأشقر، وجماعة. [ص:333]
قَالَ الدُّبَيْثِي: وأفْسَدَ أكثرَ سماعاته بإدخاله فيها ما لم يسمعه، وألحق اسمهُ في مواضع.
وَقَالَ المُنذري: كَانَ لَهُ سماعٌ كثيرٌ صحيح بخطّ الحُفّاظ، ثُمَّ أظهر أشياء غير مَرْضية، واشتهر ذَلِكَ عَنْهُ.
قَالَ ابن النَّجَّار: أثبتَ لنفسه شيوخًا مجاهيل، وركَّب أسانيد باطلة مختلطة بجَهلٍ، ورُوجع في ذَلِكَ، فأصرّ إلى آخر عُمُره وافتُضح.
قَالَ ابن نُقطة: الدَّبيقية من قرى نهر عيسى. سَمِعَ من عَبْد الوَهَّاب الْأَنْمَاطِي جميعَ " الجَعْديات "، وَسَمِعَ من القاضي أَبِي بَكْر كتاب " الآباء عن الْأبناء " للخطيب.
قَالَ: وَكَانَ كذّابًا ألحقَ اسمهُ في أجزاء من " سُنن " سَعِيد بن منصور وكَشَطَ اسم غيره، وَكَانَ مُكثرًا لو اقتصر عَلَى ما سَمِعَ، وَسَمِعَ أَيْضًا من القاضي أَبِي بَكْر " رفْع اليدين " للبُخاري، وجزءًا من حديث الكَتّاني، و" وفاة الصِّدّيق "، هَذَا ما وُجد لَهُ عَنْهُ. وَسَمِعَ من القزاز " مشيخته "، وكتاب " الخائفين ". وَسَمِعَ من سعْد الخَيْر كتاب " دلائل النُبوّة " لأبي نُعَيْم، بسماعه من أَبِي سعد المُطرِّز، عَنْهُ. وَسَمِعَ من هبة الله ابن الشَّجَري بعض " مغازي " الْأموي.
قُلْتُ: وَكَانَ عامل رباط الزَّوْزَني؛ رَوَى عَنْهُ الضياء المَقْدِسِيّ، والزّكيّ البِرزالي، والجمال يحيى ابن الصَّيْرَفِيّ، وابن خليل، وجماعةٌ، وَرَوَى عَنْهُ بالإجازة جماعةٌ منهم الكمال عبد الرَّحْمَن الفُوَيْرِه، وَتُوُفِّي في عاشر ربيع الآخر.(13/332)
64 - إبراهيم بن عُمَر بن سَماقا، القاضي أَبُو إِسْحَاق الإسعَردي الفقيه الشَّافِعِيّ، سديدُ الدين. [المتوفى: 612 هـ][ص:334]
سَمِعَ ببَغْدَاد من أَبِي زُرعة المَقْدِسِيّ، وَأَبِي بَكْر الحازميّ، وحدَّث بمصر، والإسكندرية، ووليّ قضاءَ دِمْيَاط وقضاء بِلْبِيس، وَكَانَ صالحًا، ورعًا ديّنًا، عالمًا. سمع منه أبو الطاهر ابن الْأَنْمَاطِي " مسنَد " الشافعي، وحدّث بِهِ أَبُو الطّاهر عنه. وروى عنه أيضًا الشهاب القوصي، وإبراهيم بن علي الدمياطي، وغيرهما. وقد سمع منه أبو جعفر القرطبي مع تقدمه.
وكانت وفاته بمدينة خلاط، وكان مدرسا بها بمدرسة السلطان شاه أرمن، وهناك سمع منه القُوصي، وَقَالَ: كَانَ ورعًا، تقيا، عابدا.
قال المنذري: توفي في شوال.(13/333)
65 - إبراهيم بن هبة الله بن إسماعيل بن نَبْهان بن محمد، أبو إسحاق الحَمَوي الفقيه. [المتوفى: 612 هـ]
روى عن السِّلفي، وَتُوُفِّي في تاسع عشر مُحرم، ووُلد سنة خمسٍ وأربعين؛ قَالَه الضياء.(13/334)
66 - إِبْرَاهِيم بن يوسف بن محمد ابن البُونيّ المَعَافريّ، الإِمَام أَبُو الفرَج المُقْرِئ، [المتوفى: 612 هـ]
إمام الحنفية بجامع دمشق.
قَالَ أَبُو شامة: هُوَ أحدُ مشايخ القُرّاء المعتَبرين، كَانَ يُقرئ في مكان حلقة ابن طاوس شمالي حلقة جمال الإسلام أبي الحسن ابن الشَّهْرَزوري، وَكَانَ فاضلًا خيّرًا متواضعًا. لقبُه وجيه الدين.
قلت: سمع أبا القاسم ابن عساكر، وجماعةً بعده. سَمِعَ منه العماد عَليّ بن القاسم ابن عساكر، والشهاب القُوصيّ.
تُوُفِّي في الثاني والعشرين من شوال.(13/334)
67 - إِبْرَاهِيم بن أَبِي الحَسَن، الشريف مجد الدّولة أَبُو إِسْحَاق الحُسَينيّ الدِّمَشْقِيّ. [المتوفى: 612 هـ][ص:335]
توفي فيها؛ قاله أبو شامة.(13/334)
68 - حامد بْن أَحْمَد بْن حَمْد بْن حامد بن مُفَرّج، أَبُو الثناء الْأَنْصَارِيّ الأرْتاحي ثُمَّ المَصْرِيّ المُقْرِئ. [المتوفى: 612 هـ]
قرأ القراءات عَلَى أَبِي الْجُود، وقرأ عَلَى الشريف أَبِي الفتوح الخطيب، ولم يُكمِّل عَلَيْهِ، وَسَمِعَ من مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن حُسين البَرْمكي بمصر، ومن المبارك بن عَليّ الطَّبَّاخ بمَكَّة. وتصدّر للإقراء بمصر، وحدَّث، وأفاد.
قَالَ الحَافِظ عَبْد العظيم قرأتُ عَلَيْهِ للسبعة، وَسَمِعْتُ منه. ووُلد سنة ثلاثٍ وثلاثين وخمسمائة، وَكَانَ يسمع معنا عَلَى عَمِّه. وَهُوَ من بيت صلاحٍ ورواية. تُوُفِّي في الخامس والعشرين من صفر.(13/335)
69 - حامد بن أَبِي الْقَاسِم بن رُوزبة، أَبُو الْقَاسِم الْأهوازيّ الحَنَفِيّ. [المتوفى: 612 هـ]
سَمِعَ أَبَا طاهر السِّلفي، وَسَمِعَ بدمشق من إسْمَاعِيل الجَنْزَوي، وجماعةٍ، وبمصرَ، وعدَنَ. وكتب بخطّه الكثير.
رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ المُنْذِريّ وأثنى عَلَيْهِ.
تُوُفِّي في رمضان.(13/335)
70 - الحُرَّة بنت يلك التُّرْكِيّ. [المتوفى: 612 هـ]
حدَّثت عن أَبِي الوَقْت السِّجْزي.(13/335)
71 - الحَسَن بن عَبْد الوَهَّاب ابن صَدْر الإسلام أبي الطاهر إسماعيل ابن مكي بن عوف، القاضي أَبُو عَليّ نجيبُ الدين القُرشي الزُّهري الإسكندراني المالكي العَدْل. [المتوفى: 612 هـ]
وُلد سنة ثلاثٍ وخمسين، وَسَمِعَ من جَدّه، ومن السِّلَفيّ، وَكَانَ من أعيان أهل بلده رياسةً وعقلًا ورأيًا. [ص:336]
روى عنه الزكي المنذري، وقال: توفي في سَلْخ شوال.(13/335)
72 - حفصة بنت أَحْمَد بن مُحَمَّد بن مُلاعب، أمُّ الحياء، [المتوفى: 612 هـ]
أخت دَاوُد الوكيل.
روت عن أَبِي الفضل الأُرْموي، رَوَى عَنْهَا الدبيثي، وجماعة، وتوفيت في المحرم.(13/336)
73 - حمامة بن عبد الرحمن، الفقيه أبو الهدى الغماري المالكي. [المتوفى: 612 هـ]
توفي بدمشق كهلًا في شعبان. وكان ممن لزم أبا الحسن بن المُفضَّل وتفقّه عليه، وسمع الكثير.(13/336)
74 - سالم، صاحب المدينة العَلَوي الحُسَيْنيّ. [المتوفى: 612 هـ]
قدِمَ الشَّام في صُحبة الملك المعظَّم، ثُمَّ سارَ في شعبان من السنة بمن استخدمه من التُّركمان والرجّالة ليقاتل قَتادة صاحب مَكَّة. فمات سالم في الطّريق، وقامَ بعده ابن أخيه جمّاز، فمضى بذلك الجَمْع وقصد قَتادة، فجمعَ قَتَادَة، وَكَانَ الملتقى بوادي الصَّفْراء فكُسر قَتَادةُ، وانهزم إلى يَنبُع، فتبعوه وحصروه بقلعتها.(13/336)
75 - سَعِيد بن أَبِي الفتوح المبارك بن بركة بن عَليّ، أَبُو الْقَاسِم البَغْدَادِيّ اللَّبَّان، المعروف بابن كَمُّونة النَّخاس. [المتوفى: 612 هـ]
وُلد في سنة إحدى وثلاثين، وَسَمِعَ من أَبِيهِ، وأبي منصور مُحَمَّد بن عَبْد الملك بن خَيرون، وَأَبِي البركات إسْمَاعِيل بن أَبِي سعْد، وَأَبِي سَعد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، وابن الطَلّاية، وجماعةٍ.
والنَّخاس: بخاء معجمة.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، والزكي البِرزالي، وجماعةٌ، وَتُوُفِّي في صفر. [ص:337]
وآخر من سَمِعَ منه عَليّ بن أنْجب الحَافِظ.(13/336)
76 - سُلَيْمَان بن عَبْد اللَّه بن يوسف، أَبُو الربيع الهَوَّارِيّ الجَلَولي الضرير المُقْرِئ الصالح. [المتوفى: 612 هـ]
كَانَ عارفًا بالقراءات والنَّحو والتَّفْسير، وَسَمِعَ من العَلّامة عَبْد اللَّه بن بَرّي، وأقرأ، وأمَّ بالمدرسة الصاحبيَّة مدَّة، وَكَانَ دَيّنًا، عفيفًا، قانعًا، مؤثِرًا.
تُوُفِّي في سابع عشر شعبان.(13/337)
77 - سُلَيْمَان بن محمد بن علي بن أبي سعد، الفقيه أَبُو الفضل المَوْصلي ثُمَّ البَغْدَادِيّ الصُّوفِيّ، ويُعرف بابن اللَّبَّاد. [المتوفى: 612 هـ]
سَمِعَ بإفادة أخيه والد الموفق عَبْد اللطيف بن يوسف من جماعة، وولد في صفر سنة ثمانٍ وعشرين وخمسمائة.
وسمع من أبي القاسم إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْدِيّ، وَيَحْيَى بن الطَّرَّاح، وأبي منصور بن خَيْرون، وأبي الحَسَن بن عَبْد السَّلَام، وَالحُسَيْن بن عَليّ سِبط الخَيَّاط، وَأَبِي البدر إِبْرَاهِيم الكَرْخي، وأبي بَكْر مُحَمَّد بن جَعْفر بن مِهران الإصبهاني، وأبي المعالي عَبْد الخالق بن البَدِن، وطائفةٍ. وصحبَ أَبَا النَّجيب السُّهْرَوَردي، وتَفَقَّه عَلَيْهِ.
وَكَانَ صحيحَ السَّماع، عالي الإسناد، سهْل القِياد، حَدَّثَ بالكثير، وطال عُمرُه، وتفرَّد، وَكَانَ صدُوقًا ديّنًا.
روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وابنُ النَّجَّار، وابنُ خليل، والضِّياء، والنَّجيبُ الحَرّاني، وطائفةٌ. وَرَوَى عَنْهُ بالإجازة ابن البُخاري، وسيدة بنت ابن دِرباس. وآخر من رَوَى عَنْهُ بالإجازة عَبْد الرَّحْمَن المُكبِّر ببَغْدَاد.
تُوُفِّي في الثالث والعشرين من ربيع الأول.(13/337)
78 - عَبْد اللَّه بن سُلَيْمَان بن دَاوُد بن عبد الرحمن بن سليمان بن عمر ابن حَوْط اللَّه، أَبُو مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ الحارثيّ الْأنْدَلُسِيّ الأُنْدي الحَافِظ. [المتوفى: 612 هـ]
وُلد بأُندة سنة تسعٍ وأربعين وخمسمائة، وقرأ القراءات عَلَى والده. وقدِمَ بَلَنسية فسمع النِّصف الْأَوَّل من " إيجاز البيان " للدّانيّ في قراءة وَرش من أَبِي الحسن بن هُذيل، لم يسمع منه غير ذَلِكَ ولا أجاز لَهُ.
ورحل إلى مُرسية فسمع من أَبِي الْقَاسِم عبد الرحمن بْن حُبيش، وَأَبِي عَبْد اللَّه بْن حَميد، وأخذَ عَنْهُمَا القراءات. وناظر في العربية على ابن حَميد، وقيّد عَنْهُ اللغة، وَسَمِعَ بمالقة من أَبِي الْقَاسِم عَبْد الرَّحْمَن السُّهيلي، وبغَرناطة من أبي محمد عبد المنعم ابن الفَرَس، وَأَبِي بَكْر بن أَبِي زَمَنين، وبإشبيلية من أَبِي بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه ابن الجدّ، وأبي عبد الله بن زَرقون، وَبقُرْطُبَة من أَبِي الْقَاسِم بن بَشكُوال، وجماعة، وبسبْتة من أَبِي مُحَمَّد بن عُبَيْد اللَّه، وبمَرّاكُش من أَبِي العَبَّاس أَحْمَد بن مَضَاء، وأجازَ لَهُ خلق، منهم أَبُو الطاهر إسْمَاعِيل بن عَوْف من الإسكندرية، وَأَبُو طاهر الخُشوعي من دمشق.
قَالَ الْأبَّار: واعتنى بالطَّلب من صغره إلى كِبره، وَرَوَى العالي والنَّازل، وَكَانَ إمامًا في هَذَا الشأن، بصيرًا بِهِ، معْرُوفًا بالإتقان، حافظًا لأسماء الرِّجال، ألّف كتابًا في تسمية شيوخ البخاري ومسلم وأبي داود والنَّسَائِي والترمذي نزعَ فيه منْزع أَبِي نصر الكلاباذيّ لكنْ لم يُكمله. وَكَانَ كثير الْأسفار فتفرّقت أصوله، ولو قعد للتَّصنيف لعظُم الانتفاع بِهِ، ولم يكن في زمانه أكثر سماعًا منه ومن أخيه أبي سُلَيْمَان، وَكَانَ لَهُ عَلَى أخيه الشُّفوف الواضح في عِلْم العربية، والتَّفنن في غير ذَلِكَ، والتميُّز بإنشاء الخُطُب، وتَحْبير الرسائل، والمشاركة في قرض الشعر. أقرأ بقُرْطُبَة القرآن والنحو، واستأدبه المنصور صاحب المغرب لبنيه فأقرأهم بمرّاكش، وحظي لديه، ونال من جهتهم وَجاهة مُتَّصلة ودُنيا عريضةً، وتصرّف في الخطط النَّبيهة، ووليَ قضاء إشبيلية وقرطبة ومُرسية، وكان حميد السيرة، مُحبّبًا إلى النَّاس، جَزْلًا، صَليبًا في الحقّ مَهيبًا، [ص:339] عَلَى حِدّةٍ فيه، ربّما أوقعته فيما يكره، وَكَانَ عالمًا مقدَّمًا، خطيبًا مُفوَّهًا، أخذ عَنْهُ النَّاس، وَتُوُفِّي بغَرناطة وَهُوَ يقصد مُرسية واليًا قضاءها ثانيًا في ثاني ربيع الْأَوَّل، رحمه اللَّه.(13/338)
79 - عَبْد اللَّه بن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن حسن، أبو بكر ابن قُديرة، البغدادي الدقاق، ويعرف أيضًا بسِبط ابن هدية. [المتوفى: 612 هـ]
ولد سنة تسعٍ وعشرين وخمسمائة، وَسَمِعَ من أَبِي البَدْر إِبْرَاهِيم الكَرْخيّ، وَأَحْمَد بن علي ابن الْأشقر، وَسَعْد الخير الْأنْدَلُسِيّ، والمبارك بن أَحْمَد الكِندي، وجماعةٍ.
وَهُوَ أخو يوسف.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، والضياء مُحَمَّد، وجماعةٌ، وتُوُفّي فِي شعبان.(13/339)
80 - عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر بن أَحْمَد بن طُلَيب، أَبُو عَليّ الحَرْبي، المعروف بالسِّندان. [المتوفى: 612 هـ]
سمع عبد الله بن أحمد بن يوسف، وَهُوَ آخر من حَدَّثَ عَنْهُ بالعراق؛ رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، ويوسف بن خليل، وَأَبُو الفتح محمد بن عبد الغني وأخوه أبو موسى، وَإسْمَاعِيل بن ظَفَر، والضياء مُحَمَّد، وآخرون.
تُوُفِّي في ثالث عشر ذي الحجَّة.(13/339)
81 - عَبْد الرَّحْمَن بن سَعْد اللَّه بن إِبْرَاهِيم، أَبُو عَليّ الْأزجيّ القطيعي البيّع، ويعرف بابن دَبّوس. [المتوفى: 612 هـ]
ولد سنة سبعٍ وثلاثين وخمسمائة، وَسَمِعَ من ابن ناصر، وَأَبِي الوَقْت. رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، وَالزَّكيّ البِرزالي، وَتُوُفِّي في رجب.(13/339)
82 - عَبْد الرَّحِيم بن عَبْد الواحد بن أَحْمَد، الفقيه كمال الدين المقدسي الحنبلي، [المتوفى: 612 هـ]
أخو الحافظ الضياء.
ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، ورحل إلى بَغْدَاد قبل أخيه، فسمع من ابن كُليب، وابن الجَوزي، وَسَمِعَ بدمشق من يَحْيَى الثَّقَفِيّ، وجماعةٍ.
سَمِعَ منه أخوه " جزء " ابن عَرفة، وَقَالَ: مَرِض خمس ليالٍ، وصلّى العَصْر، وَتُوُفِّي في يوم الجُمُعة ثاني عشر رجب.
قَالَ أخوه الضياء: كَانَ مرضه يشبه الطاعون، اشتغل مُدَّة ببَغْدَاد عَلَى الفخر إسْمَاعِيل، ثُمَّ سافر إلى هَمَذان واشتغل بالخلاف عَلَى الطّاوسيّ، وسافر إلى إصبهان وَسَمِعَ بها، وَكَانَ إمامًا وَرِعًا، ذا مروءة، محبوبا إلى الناس، أقام مدة يُلقّن القرآن، ويُلقي الدرس من " الكافي ". قَالَ: وَكَانَ جوادًا شجاعًا قويًّا، لَا تأخذه في اللَّه لومة لائم، لَا يكاد يترك قيام الليل.
قُلْتُ: وأمُّ أولاده هِيَ فاطمة بنت الحَافِظ عَبْد الغني. وَهُوَ والد الْأخوين شمس الدين مُحَمَّد، وكمال الدين أَحْمَد ابنَي الكمال.(13/340)
83 - عَبْد السَّلَام ابن الإِمَام أَبِي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن إسْمَاعِيل بن سَعِيد، أَبُو مُحَمَّد القُرَشِيّ الهاشِمِيّ، [المتوفى: 612 هـ]
إمامُ مسجد الزُّبير بن العَوّام رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بمصر.
سَمِعَ بدمشق من الحَافِظ أَبِي الْقَاسِم الدِّمَشْقِيّ، وحدّث، وَتُوُفِّي في جُمَادَى الْأولى.(13/340)
84 - عَبْد العزيز بن معالي بن غَنيمة بن الحَسَن، أَبُو مُحَمَّد البَغْدَادِيّ الْأشناني، المعروف بابن مَنِينا. [المتوفى: 612 هـ]
وُلِدَ سنة خمسٍ وعشرين وخمسمائة، وَسَمِعَ من القاضي أَبِي بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وَعَبْد الوَهَّاب الْأَنْمَاطِي، وَأَبِي البَدْر الكَرْخيّ، وَأَبِي مُحَمَّد سِبط الخَيَّاط، وجماعة، وَهُوَ آخر من حَدَّثَ بالعراق عن القاضي أَبِي بَكْر.
قَالَ الدُّبَيْثِي: كَانَ خيّرًا، صحيحَ السَّماع. [ص:341]
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ هُوَ، والضياء، وَالزَّكيّ البِرزالي، وابن النجار، والجمال يحيى ابن الصيرفي، وأبو عبد الله ابن البُنّ الفقيه، وآخرون، وآخر من رَوَى عَنْهُ بالإجازة الكمال عَبْد الرَّحْمَن الفُويره، وَتُوُفِّي في الثامن والعشرين من ذي الحجَّة.(13/340)
85 - عَبْد القادر بن عبد اللَّه، الحَافِظ الكبير أَبُو مُحَمَّد الرُّهاويّ الحنبلي. [المتوفى: 612 هـ]
وُلِدَ بالرُّها في جُمَادَى الآخرة سنة ست وثلاثين وخمسمائة، ونشأ بالمَوصل.
كَانَ مملوكًا لبعض المَواصلة فأعتقه، فطلب العِلم وَهُوَ ابن نيّفٍ وعشرين سنة، ورحل إلى البلاد النائية، ولقيَ الكبارَ، وعُني بالحديث أتمَّ عناية؛ فسمع بإصبهان من مسعود بن الحَسَن الثَّقَفِيّ، وَالحَسَن بن العَبَّاس الرُّستُمي، وَأَبِي المُطهَّر الْقَاسِم بن الفَضْل الصَّيْدَلَانِي، وَأَبِي جَعْفَر مُحَمَّد بن الحَسَن الصَّيْدَلَانِي، ورجاء بن حامد المَعْداني، ومحمود بن عَبْد الكريم فُورجة، وإسماعيل بن شَهريار، ومعمَر بن الفاخر، وَعَبْد الرَّحِيم بن أَبِي الوَفاء، وعَليَّ بن عَبْد الصَّمَد بن مَرْدويه، والحافظ أَبِي موسى المَديني، وطائفة، وبهمذان من الحَافِظ أَبِي العلاء العَطَّار، وَأَبِي زُرعة المَقْدِسِيّ، وأبي الفضل مُحَمَّد بن بُنَيمان، وجماعة، وبهَراة من عَبْد الجليل بن أَبِي سعْد آخر أصحاب بِيْبى الهَرْثمية، ونصر بن سيّار بن صاعد، وَأَبِي الفتح مُحَمَّد بن عُمر الحازمي، وبمَرو من أَبِي الفتح مسعود بن مُحَمَّد المَرْوَزي، وغيره، ولم يُكثر المُقام بها، وبنيسابور من أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَليّ بْن مُحَمَّد الطُّوسِيّ، وغيره، وبسِجِسْتان من أَبِي عَرُوبة عَبْد الهادي بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الزاهد، وببغداد من أَبِي عَلِيّ أَحْمَد بْن مُحَمَّد الرّحَبيّ، وأبي محمد ابن الخشاب، وشُهْدة، وهذه الطبقة، وبواسط من هبة اللَّه بن مخلَد الْأَزْدِيّ، وأبي طالب ابن الكتّاني، وبالموصل من خطيبها، وَيَحْيَى بن سَعْدُون، وبدمشق من الحافظ أبي القاسم ابن عساكر، وَمُحَمَّد بن بركة الصِّلحي، وأبي المعالي بن صابر، وجماعة، وبمصر من مُحَمَّد بن عَليّ الرَّحَبيّ، وَعَبْد اللَّه بن بَرّي، وجماعة، وبالإسكندرية [ص:342] من السِّلَفيّ فأكثر عَنْهُ، ومن عَبْد الرَّحْمَن بن خلف الله المقرئ، وعبد الواحد ابن عسْكر، وَأَبِي مُحَمَّد العُثمانيّ، وأخيه أَبِي الطّاهر إسْمَاعِيل.
وَحَدَّثَ بالإسكندرية في حياة السِّلَفيّ، وَحَدَّثَ بالمَوْصِل مُدَّة. وَوُلِّيَ مشيخة دار الحديث المُظفرية بالمَوْصل، ثُمَّ سكن حرّان.
وجمع وصنَّف، وعمل " الْأربعين المتباينة الإسناد والبُلدان " وَهَذَا شيء لم يسبقه إِلَيْهِ أحد ولا يرجوه بعده أحد، وَهُوَ كتاب كبير في مجلد ضخم من نظَرَ فيه عَلِمَ سَعَة الرّجل في الحديث وحِفظه، لكنه تكرّر عَلَيْهِ ذكر أَبِي إِسْحَاق السبيعي وذِكر سَعِيد بن مُحَمَّد البَحيريّ؛ نَبّه عَلَى ذَلِكَ شيخنا المِزي.
قَالَ ابن نُقطة: كَانَ عالمًا، صالحًا، مأمونًا، ثقةً، إلّا أَنَّهُ كَانَ عسِرًا في الحديث لَا يُكثر عَنْهُ إِلَّا من أقامَ عنده.
وَقَالَ ابنُ خليل: كَانَ حافظًا ثَبْتًا، كثيرَ السّماع، كثيرَ التصنيف، مُتقِنًا، خُتم بِهِ علمُ الحديث.
وَقَالَ الزَّكيّ المُنْذِريّ: كَانَ حافظًا، ثقةً، راغبًا في الانفراد عن أرباب الدُّنْيَا.
وَقَالَ أَبُو شامة: كَانَ صالحًا، مَهيبًا، زاهدًا ناسكًا، خَشن العَيْش، وَرِعًا.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ ابنُ نُقطة، وَالزَّكيّ البِرزالي، والضّياء، وابنُ خليل، والصريفيني، وابنُ ظَفَر، والشهاب القُّوصيّ، وَعَبْد الرَّحْمَن بن سالم الْأنباري، والزين ابن عبد الدائم، والجمال يحيى ابن الصيرفي، وعامر القلعي، والعزّ عبد العزيز ابن الصيقَل، ونجم الدين أَحْمَد بن حَمدان الفقيه، وآخرون، وَسَمِعَ منه الحَافِظ عَبْد الغني، وَالشَّيْخ الموفَّق، وآخر من حَدَّثَ عَنْهُ بالإجازة والسَّماع ابن حَمدان.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بن أَبِي منصور إجازة، قال: أخبرنا عبد القادر الحافظ سنة تسع وستمائة، قال: أخبرنا مسعود الثقفي، قال: أخبرنا إبراهيم الطيّان، [ص:343] قال: أخبرنا إبراهيم التاجر، قال: حدثنا المَحاملي، قال: حدثنا خلاّد بن أسلم، قال: أخبرنا النضْر، قال: حدثنا هشام، عن حَفْصة، قَالَت: قَالَ لِي أَبُو الْعَالِيَةِ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ثلاث مرارٍ.
تُوُفِّي الرُّهاوي في ثاني جُمَادَى الْأولى.(13/341)
86 - عَبْد الكريم بن عطايا بن عَبْد الكريم بن عَليّ، أَبُو الفضل القُرشي الزُّهري الإسكندري، [المتوفى: 612 هـ]
نزيل القَرافة الكُبرى.
سَمِعَ من أَبِي العَبَّاس أَحْمَد بن الحُطيئة، وَكَانَ عارفًا بالعربية واللغة والشعر، صنّف كتابًا في شرح أبيات " الجمل "، وصنّف كتابًا في زيارة قبور الصّالحين بمصر.
وَسَمِعَ منه غير واحدٍ، وَتُوُفِّي في رمضان.(13/343)
87 - عَبْد المجيد بن الحَسَن بن الحُسَيْن بن العلاء، أَبُو الفضل النُّهاوَندي ثُمَّ البَغْدَادِيّ. [المتوفى: 612 هـ]
وُلِدَ سنة إحدى وثلاثين، وَسَمِعَ من أَبِي البَدْر الكرخي، وعلي بن عبد السيد ابن الصَّبَّاغ، وَأَبِي غالب ابن الدَّاية. رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ البِرزالي، وَتُوُفِّي في رمضان أَيْضًا.(13/343)
88 - عَبْد الملك بن أَبِي مُحَمَّد بن أَبِي الغنائم البَرَداني، ثُمَّ البغدادي. [المتوفى: 612 هـ][ص:344]
سمع من أبي الفتح ابن البَطِّيّ، وَحَدَّثَ، ومات في شوال وقد جاوز السَّبعين.
رَوَى عَنْهُ ابنُ النَّجَّار.(13/343)
89 - عَبْد المنعم بن أَبِي نصر مُحَمَّد بن الحُسَيْن بن سُليمان، الفقيه أَبُو مُحَمَّد الباجِسْرائي الحَنْبَلِيّ المعدَّل. [المتوفى: 612 هـ]
وُلِدَ في حدود الخمسين، وتَفَقَّه عَلَى أَبِي الفتح نصر ابن المَنّي، وسمع من شُهدة وغيرها. ودرّس في مسجد شيخه بعد وفاته، وَكَانَ من كبار الحنابلة.
وبين باجسرا وبَغْدَاد عشرة فراسخ.
تُوُفِّي في سابع عشر جُمَادَى الْأولى.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي.(13/344)
90 - عَبْد الوَهَّاب بن بُزغُش، أَبُو الفتح البَغْدَادِيّ العِيَبي، المعروف بقُطينة المُقْرِئ. [المتوفى: 612 هـ]
قرأ بالروايات عَلَى أَبِي الحَسَن عَليّ بن عساكر، وأبي الفتح عَبْد الوَهَّاب بن مُحَمَّد المالكيّ، وَأَبِي الفضل أَحْمَد بن مُحَمَّد بن شُنيف، وَإسْمَاعِيل بن عَليّ الغَسَّاني الدِّمَشْقِيّ، وَسَمِعَ من أَبِي الوَقْت السِّجْزِي، وابن البَطِّيّ، وأبي زُرعة، وجماعةٍ.
وأقرأ القراءات، وَكَانَ أحد الموصوفين بالتَّجويد والمعرفة والإتقان.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي وأثنى عَلَيْهِ، وَقَالَ: هو خَتَنُ أبي الفَرَج ابن [ص:345] الْجَوْزيّ، تُوُفِّي في خامس ذي القِعْدَة.(13/344)
91 - عُبَيْد اللَّه بن أَحْمَد بْن أَبِي الْقَاسِم هبة اللَّه بْن عَبْد القادر بن الحُسَيْن، الشريف الخطيب أَبُو الفضل الهاشِمِيّ المَنصوري البَغْدَادِيّ المعدَّل. [المتوفى: 612 هـ]
سَمِعَ من أَبِي منصور موهوب بن أَحْمَد ابن الجَواليقي، وَأَحْمَد ابن الطَّلّاية، وَمُحَمَّد بن أَحْمَد الطَّرائفي، وَإسْمَاعِيل بن أَبِي سعْد، وابن ناصر، وجماعة.
خطبَ بجامع القصْر مُدَّة إلى أن عَجَز، وَهُوَ آخر من حَدَّثَ ببَغْدَاد عن ابن الجواليقي، رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، وَالزَّكيّ البِرزالي، والضياء المَقْدِسِيّ، والمِقْداد القيسيّ، وآخرون.
تُوُفِّي في سابع عشر رجب.(13/345)
92 - عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن، أَبُو الحُسَيْن المَذحِجِي، الْأنْدَلُسِيّ. [المتوفى: 612 هـ]
من أهل باغةَ، نزل قرطبة، وأخذ عن أبيه القراءات والأدب والطب، وأخذ أيضًا عَن عَيَّاش بن فَرَج، وَأَبِي عَبْد اللَّه بن صاف، وجماعة، وَسَمِعَ " الموطّأ " من مغيث بن يُونُس، ومن مُحَمَّد بن أَحْمَد بن هِلال صاحب ابن الطَّلّاع. وأخذ الطب عَن أَبِي مروان عَبْد الملك البَلَنسي، وأبي نصر فتح بن مُحَمَّد، وعُني بلقاء الشيوخ المقرئين والمحدّثين والْأطباء.
قَالَ الْأبَّار: كَانَ ناظمًا ناثرًا، ماهرًا في الطب وَعَلَيْهِ عَوَّل؛ وَكَانَ أَبُوه وأجداده أطباء، تُوُفِّي في ربيع الآخر وَلَهُ أربعٌ وثمانون سنة.(13/345)
93 - عتيق بن عَليّ بن خَلَف بن أَحْمَد، أَبُو بَكْر القُرشي الْأُمَوِيّ المَرواني الْأنْدَلُسِيّ المُربَيطري، المعروف بابن قَنَترال، [المتوفى: 612 هـ]
نزيلُ مالقة. [ص:346]
أخذ القراءات والعربية عن أبي الحسن ابن النِّعمة، وَسَمِعَ منه ومن أَبِي عَبْد اللَّه بن سعادة. وَسَمِعَ بمُرسية من أَبِي الْقَاسِم بن حُبيش، وبإشبيلية من أَبِي عَبْد اللَّه بْن زَرقون، وأبي بكر ابن الْجَدّ، وأخذ بمالقة القراءات عن أَبِي مُحَمَّد بن دحمان، وحجّ سنة اثنتين وستين، فسمع بمَكَّة من عَليّ بن عَبْد اللَّه المِكناسي، وبالإسكندرية من أبي طاهر السِّلَفيّ، ثُمَّ قَفَل وتَصَدَّر للإقراء والإسماع بمالَقة، وَحَدَّثَ ببلَنسية.
قَالَ الْأبَّار: وَكَانَ مقرئًا، صالحًا، ورِعًا، حدَّث عَنْهُ أَبُو سُلَيْمَان بْن حَوط اللَّه، وأبو عبد الله بن أبي البقاء، وأبو القاسم ابن الطَّيلسان، ووالدي عَبْد اللَّه بن أَبِي بَكْر، وجماعةٌ. وَتُوُفِّي في رجب وَلَهُ بضعٌ وثمانون سنة.(13/345)
94 - عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ، أَبُو الحسن ابن بَطوشا الْأزَجيّ. [المتوفى: 612 هـ]
حَدَّثَ عن ابن ناصر. وعاش ثمانين سنة.(13/346)
95 - عَليّ، الملك المعظَّم أَبُو الحَسَن، وليّ العهد، ابن الإِمَام النّاصر لدين اللَّه أبي العباس أحمد ابن المستضيء بأمر اللَّه الحَسَن. [المتوفى: 612 هـ]
كَانَ أَبُوه يُحبه، حَتَّى إِنَّهُ خلع أخاه أَبَا نصر مُحَمَّدًا، وجعل هَذَا وليَّ العهد، وَكَانَ شابًّا فلم يُمتَّع، ومات في ذي القِعْدَة.
ومن غريب الاتفاق ما ذكر أبو المظفر ابن الجَوزي، قَالَ: دخل يوم الْجُمُعة رأس منكلي مملوك السُّلْطَان أُزبك الَّذِي كَانَ قد عصى عَلَى أُستاذه وَعَلَى الخليفة وقطع الطّريق وقتل ونهب، ثُمَّ جُهّزت إِلَيْهِ العساكر فظفروا بِهِ بقُرب همذان، فانكسر وقُتلت أصحابه، ونُهبت أثقاله وهرب ليلًا، ثُمَّ قُتل وحُمل رأسه إلى أُزبك، فبعث بِهِ إلى الخليفة، فأُدخل بَغْدَاد، وزُيّنت بغداد، [ص:347] فَلَمَّا مرُّوا بِهِ عَلَى باب درب حَبيب، وافق تِلْكَ الساعة وفاة عَليّ هَذَا، فوقع الصُّراخ والنُّوح، وانقلب الفرح مأتمًا، وأمرَ الخليفة بالنِّياحة عَلَيْهِ في نواحي بَغْدَاد، وفرشوا البواري والرماد، ولطم النسوان، غُلّقت الْأسواق والحمامات. وخلّف ولدين صغيرين الحُسَيْن وَيَحْيَى.
قُلْتُ: وجَزِع النّاصر لموته وَسَمِعَ النَّاس بكاءه وصُراخه عَلَيْهِ، وعُمل لَهُ مأتم ببَغْدَاد لم يُسمع بِمِثْلِهِ من الْأعمار، وأقامت لَهُ الملوك الْأعْزية في بُلدانهم، ورثَتْه الشعراء.(13/346)
96 - عَليّ بن حُميد، الزاهد العارفُ القُدوة الكبير، أَبُو الحَسَن ابن الصَّبَّاغ. [المتوفى: 612 هـ]
تُوُفِّي بقَنا من صعيد مصر، ودُفن برباطه. وَكَانَ قد لقي المشايخ والصلحاء، وانتفع به خلق، وظهرت بركاته على الذين صَحبوه، وهدّى اللَّه بِهِ خلْقًا كثيرًا، وَكَانَ حسن التَّربية للمُريدين، يتفقّد مصالحهم الدّينية، وَلَهُ أحوالٌ ومقامات.
تُوُفِّي في النّصف من شعبان.
قَالَ الحَافِظ عَبْد العظيم: اجتمعت بِهِ بِقَنا سنة ست وستمائة.(13/347)
97 - عَليّ بن فضائل بن عَليّ التَّكْريتي ثُمَّ البَغْدَادِيّ الأزَجي المَلّاحُ. [المتوفى: 612 هـ]
حَدَّثَ عن مُحَمَّد بن أَبِي حامد عَبْد العزيز بن عَليّ البيِّع. رَوَى عَنْهُ الضياء، والدبيثي، وَالزَّكيّ البِرْزَاليّ، وجماعة، وَتُوُفِّي في ربيع الْأَوَّل.(13/347)
98 - عَليّ بن مكي بن الحَسَن، القاضي الْأشرف أَبُو الحَسَن الإسكندراني. [المتوفى: 612 هـ]
عَدْلٌ صالحٌ ديّنٌ خيّرٌ، سَمِعَ من السِّلَفيّ، وَتُوُفِّي في ذي القِعْدَة.(13/347)
99 - عُمَر بن الحُسَيْن بن يَحْيَى، أَبُو حفص البَغْدَادِيّ الحَرِيميّ القَزَّاز الكبّاب، المعروف بابن المُعوَّج. [المتوفى: 612 هـ][ص:348]
شيخٌ مسندٌ، سَمِعَ من أَبِي منصور عَبْد الرَّحْمَن القَزَّاز، وأبي البدر إِبْرَاهِيم الكَرخي، وَأَحْمَد بن علي ابن الْأشقر، وجماعة. وَكَانَ فقيرًا قانعًا يطلبُ. رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، والبِرزالي، والضياء، وآخرون، وَتُوُفِّي في سابع ذي الحجة.(13/347)
100 - فِتيان بن أَحْمَد بن مُحَمَّد بن فضائل، أَبُو المكارم ابن سَمْنيّة. [المتوفى: 612 هـ]
وُلِدَ سنة خمس وعشرين وخمسمائة، وَحَدَّثَ عن أَبِي عَبْد اللَّه الحُسَيْن بن مُحَمَّد بن خَميس المَوصلي، وَتُوُفِّي في ربيع الآخر.
رَوَى عَنْهُ الضياء المَقْدِسِيّ، والتّقيّ اليَلْداني، وغيرهما، وأجاز للزَّكيّ المُنْذِريّ.
وسَمْنيّة مُستفاد مَعَ سَمينة.(13/348)
101 - كفاية بنت أَبِي الفتوح بن أَبِي البركات ابن الحُصْري، [المتوفى: 612 هـ]
زَوْجَة الحَافِظ عُمَر بن عَليّ القُرشي.
سَمِعْتُ من أَبِي الفتح مُحَمَّد بن الحَسَن ابن الخطيب الأنباري، وأبي الفتح ابن البطّي، وتوفيت في شّوال.(13/348)
102 - مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، أَبُو عَبْد اللَّه المَهْري البِجائي المَغْربيّ. [المتوفى: 612 هـ]
رحل ولقيّ جماعةً، وَسَمِعَ بمصر ووليّ قضاء بِجاية. ودخل الْأنْدَلُس، ووليَ قضاء مُرسية، ونابَ في قضاء مَرّاكش.
قَالَ الْأبَّار: كَانَ عَلَم وقْته عِلمًا وكمالًا وتَفَنّنًا، يتحقق بعلم الكلام وأُصول الفِقه، حَتَّى إِنَّهُ شُهر بالْأصولي. اعتنى بإصلاح " المستصفى " للغَزَالِيّ. وامتُحن بقُرْطُبَة سنة ثلاث وتسعين هو وأبو الوليد ابن رُشد محنتهما المشهورة من أجل نظرهما في عِلْم الْأوائل، فتحدّث النَّاس بصَبره في [ص:349] ذَلِكَ المقام وبجَلَده وثُبوت جأشه. وكُفّ بصره بأخَرَةٍ. أخذ عنه أبو محمد ابن حَوْط اللَّه، وغيرُه. وَتُوُفِّي في أحد العيدين.
قُلْتُ: لم يُذكر لَهُ سماعٌ من أحد ولا متى وُلد.(13/348)
103 - محمد بن الحسن بن عيسى، الْأجلّ أَبُو عَبْد اللَّه اللُّرستاني الصُّوفِيّ، تقيّ الدين. [المتوفى: 612 هـ]
سَمِعَ بدمشق من أَبِي الْقَاسِم عَليّ بن الحَسَن الكِلابي الماسح، والخَضِر بن عبدٍ الحارثيّ، والوزير أَبِي المُظَفَّر الفلكيّ. وبالإسكندرية من السِّلَفيّ.
وَكَانَ شيخًا معمَّرًا، وُلِدَ قبل العشرين وخمسمائة بسنةٍ أَوْ نحوها.
قَالَ المُنْذِريّ: سَمِعَ مَعَ كِبر سنّه عَلَى بعض شيوخنا. وَكَانَ شيخًا صالحًا عَلَى سَمْت أهل الخير. سافرَ مَعَ شمس الدولة تورانشاه بن أيوب إلى اليمن، وحصلت لَهُ دُنيا مُتَّسعة، وحصّل أملاكًا. وَكَانَ أكثر مقامه بخانقاه الصُّوفِيَّة. ولُرستان عمل بين إصبهان وخُوزستان.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ المُنْذِريّ، وإسحاق بن محمود بن بلكوَيه الصُّوفِيّ، والكمال عَليّ بن شُجاع الضَّرير، وَعَبْد الهادي بن عَبْد الكريم القَيْسِيّ الخطيب، وجماعة. وَتُوُفِّي في الثاني والعشرين من المحرّم، وَلَهُ نيّف وتسعون سنة.(13/349)
104 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَلِيِّ بْن أَحْمَد بن الفرَج، أَبُو نصر البَغْدَادِيّ، الدَّبّاس، المعروف بابن أخي نصر العُكبري. [المتوفى: 612 هـ]
وُلِدَ سنة خمسين، وَسَمِعَ من أَبِي الفتح ابن البَطِّيّ، وابن المُقرَّب، وجماعة، وَتُوُفِّي في نصف ربيع الْأَوَّل.(13/349)
105 - مُحَمَّد بن أَبِي المعالي عَبْد اللَّه بن موهوب بن جامع بن عَبدون، نور الدين، أبو عبد الله ابن البَنَّاء، البَغْدَادِيّ الصُّوفِيّ. [المتوفى: 612 هـ][ص:350]
صحِب أَبَا النّجيب السُّهرَوَرْدي وسافرَ معه، وأخذ عَنْهُ التصوف. وَسَمِعَ من ابن ناصر، وَأَبِي بكر ابن الزاغوني، وأبي الكرم الشَّهررزوري، ونصر بن نصر العُكبري، وأبي الفتوح مُحَمَّد بن محمد الطائي، وجماعة.
وحدّث بمكة، ومصر، وبَغْدَاد، ودمشق؛ رَوَى عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، وابنُ خليل، والضياء، والشهاب القُوصيّ، وَإِسْحَاق بن بلكوَيْه الصوفي، والجمال يحيى ابن الصيْرفي، وَيَحْيَى بن شُجاع بن ضِرغام القُرشي المَصْرِيّ، والقُطْب عَبْد المُنعم بن يَحْيَى الزُّهْرِيّ، وَأَبُو الفرَج عَبْد الرَّحْمَن بن أَبِي عُمر، وأبو الحسن علي ابن البُخاري، وآخرون. وأجاز لجماعة آخرهم موتًا شيخنا أبو حفص ابن القوّاس.
قَالَ الدُّبَيْثِي: شيخُ حسن كيِّسٌ، صحبَ الصُّوفِيَّة، وتأدب بهم. وَسَمِعَ بإفادة أَبِيهِ وبنفسه كثيرًا وَقَالَ لي: وُلدت سنة ستٍّ وثلاثين وخمسمائة. وجاور بمَكَّة زمانًا، ثُمَّ توجّه إلى مصر، ثُمَّ إلى دمشق فأقام بها.
قُلْتُ: كَانَ مقيمًا بالسُّمَيْساطية إلى أن تُوُفِّي في منتصف ذي القِعْدَة. وقد كتب بخطّه عدَّة أجزاء من مسموعاته.
وَقَالَ ابن النَّجَّار: كَانَ من أعيان الصُّوفِيَّة وأحسنهم شَيبة وشَكلًا، صحِبتُهُ من مَكَّة إلى المدينة، وكنتُ أجتمعُ بِهِ كثيرًا بجامع دمشق. وَكَانَ من أظْرف المشايخ، وأحسَنهم خُلقًا وألطَفَهم؛ لَا يَمَلُّ جَلِيسُه منه. وَكَانَ لمحبته للرواية رُبّما حَدَّثَ من فروع، وكنتُ أنهاه فلا ينتهي.
وَرَوَى عَنْهُ ابن مُسدي بالإجازة، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفتح الكُرُوخِيّ ببَغْدَاد، فذكر حديثًا من " الجامع ".(13/349)
106 - مُحَمَّد بْنُ عَبْد الوَهَّاب بْنِ مُحَمَّد بْنِ عَبْد الوَهَّاب بن هبة اللَّه السِّيبِيّ البَغْدَادِيّ، أَبُو عَبْد اللَّه. [المتوفى: 612 هـ]
سَمِعَ أَبَا الوَقْت السِّجزي، وأبا المظفَّر ابن التُّريكي.
رَوَى عَنْهُ: [ص:351] الدُّبَيْثِي، وابنُ النَّجَّار، وَقَالَ: مات في شوال.(13/350)
107 - مُحَمَّد بن عَليّ، محيي الدين أَبُو عَبْد اللَّه الشَّقّانيّ الروميّ. [المتوفى: 612 هـ]
قدِم مصر، وَسَمِعَ من العلّامة عَبْد اللَّه بن بَرّي، وعَشير بن عَليّ، وجماعةٍ. وَكَانَ إمامًا فاضلًا، وَلي قضاء المَوصل، ثُمَّ وليَ قضاءَ مدينة أقصرا من الرّوم، وَتُوُفِّي بسيواس.
وشَقّان - بالفتح، وَقِيلَ: بالكسر - قِيلَ: إن بتلك النّاحية جبلين في كلّ واحدٍ منهما شقّ يخرج منه الماء، فَقِيلَ لهما: شِقّان.
تُوُفِّي فِي ربيع الْأَوَّل.(13/351)
108 - مُحَمَّد بْن عَليّ بْن المبارك بن مُحَمَّد، كمال الدين أَبُو الفتوح التّاجر، المعروف بابن الجَلاجُلي. [المتوفى: 612 هـ]
شيخٌ بغداديٌّ متميزٌ صاحب مالٍ، وُلِدَ سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وَسَمِعَ من هبة اللَّه بن أَبِي شَريك الحاسب، والمبارك بن عَليّ الوكيل الشُّرُوطي، وأبي الفتح ابن البَطِّيّ، وجماعة. وقرأ ببعض القراءات عَلَى أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن عساكر البطائحيّ. وقرأ القرآن عَلَى أَبِي السعادات الوكيل المذكور عن قراءته عَلَى أَبِي البركات مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الوكيل صاحب أَبِي العلاء الوَاسِطِيّ. وَسَمِعَ بالإسكندرية من السِّلَفيّ.
وَحَدَّثَ في أسفاره، وطافَ ما بين العراق إلى الشَّام إلى اليمن، ومصر، وخُراسان، وما وراء النَّهْر، والهند.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، وابن النَّجَّار، وَالزَّكيّ المُنْذِريّ، والشّهاب القُوصيّ، والفَخْر عليٌّ، والشيخ شمس الدين، والتقي إبراهيم ابن الواسطي، والشمس عبد الرحمن ابن الزّين، وَمُحَمَّد بن مؤمن، وطائفة سواهم. وآخر من حدّث عنه بالإجازة عمر ابن القوَّاس.
قَالَ ابن النَّجَّار: صَحِبته في السَّفر، وسمعتُ منه ببلاد، وَكَانَ تاجرًا مُحتشِمًا، صدُوقًا، مليحَ المُجاورة، كيِّسًا، حُفَظَةً للحكايات والْأشعار، [ص:352] ظريفًا. تُوُفِّي ببيت المَقْدِس في رابع عشر رمضان.(13/351)
109 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الجليل بْن مُحَمَّد، أَبُو بَكْر بن أَبِي حامد ابن المُحدّث أَبِي مسعود كُوتاه الإصبهانيّ. [المتوفى: 612 هـ]
سَمِعَ من جَدّه، وَإسْمَاعِيل الحَمّاميّ المعمَّر، وَأَبِي الوَقْت.
وَكَانَ فاضلًا، لَهُ معرفة، أثنى عَلَيْهِ ابن النَّجَّار، وَحَدَّثَ عَنْهُ، وَقَالَ: كَانَ يعِظُ في رَساتيق إصبهان. تُوُفِّي في عاشر رمضان.(13/352)
110 - مُحَمَّد بن أَبِي جَعْفَر مُحَمَّد بن عدنان بن عَبْد اللَّه بن عُمَر، الشريف النقيب أَبُو الحُسَيْن العلَوي الحُسَيْنيّ الكُوفِيّ، المعروف بابن المُخْتار، وَهُوَ لقبُ عُمَر جدِّهم. [المتوفى: 612 هـ]
وُلِدَ سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، وتولَّى نقابةَ العَلَويين ببَغْدَاد. وَسَمِعَ من أَبِي محمد ابن الخَشَّاب، وَحَدَّثَ، وَتُوُفِّي في ربيع الْأَوَّل.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي.(13/352)
111 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَبِي الْقَاسِم الإصبهاني المِلَنْجيُّ القَطَّان المؤدِّب. [المتوفى: 612 هـ]
وُلِدَ سنة أربعين ظنًّا، وَسَمِعَ من أَبِي الْقَاسِم إسْمَاعِيل الحمّامي، ومحمد ابن أَبِي نصر بن هاجر، وَحَدَّثَ ببَغْدَاد، وَمَكَّة؛ رَوَى عَنْهُ الحَافِظ عَليّ بن المفضَّل ومات قبله، والحافظ الضياء، وابن خليل. وأجاز للفخر عَليّ، وغيره.
وَكَانَ محدِّثًا مُكثرًا، حافظًا متودّدًا مُكرِمًا للطلبة، ذا مروءةٍ سَهْلًا في إعادة أُصوله، مُحبًّا للرواية، واسع الصدر.
تُوُفِّي في جُمَادَى الْأولى.
ومِلَنجة: من محالّ إصبهان أَوْ من قراها، بكسر الميم وبالنون.(13/352)
112 - مُحَمَّد بن منصور بن عَبْد الواحد بن إلياس، أبو المحاسن التميمي البالِسي ثم البغدادي. [المتوفى: 612 هـ]
حدّث عَن نصر بن نصر العُكبري، وغيره، ومات في رجب.
رَوَى عَنْهُ ابن النَّجَّار.(13/353)
113 - المبارك بن المبارك بن أَبِي الْأزْهر سَعِيد ابن الدهّان، أبو بكر ابن أَبِي طَالِب، الوَاسِطِيّ النحْوي الْأديب الضرير، وجيه الدين. [المتوفى: 612 هـ]
ولد بواسط سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، وقرأ القرآن عَلَى الشيوخ، واشتغلَ. وسمع بواسط من نصر بن مُحَمَّد الْأديب، والعلاء بن عليّ السَّوادِيّ. وَسَمِعَ ببَغْدَاد من أَبِي زُرعة، وغيره. ولزِم الكمال عَبْد الرَّحْمَن الْأنباريّ مُدَّة، وبَرَع في النَّحو، وصنَّف فيه، وأقرأه، وتخرّجَ بِهِ جماعةٌ ببَغْدَاد.
وَلَهُ:
زارني والليلُ داجٍ بسَحَرْ ... وبلُطْف اللَّفْظِ للقلبِ سَحَرْ
رامَ يستخْفي مِنَ الواشي بِهِ ... فأتى ليلًا، وهل يَخفى القمرْ؟
جسمهُ ماءٌ ولكنْ قلبه ... عندَ شكوايَ إِلَيْهِ مِن حَجَرْ
وقد ترجمه ابن النَّجَّار فأطنب ووصفه وبالغ، وذكر أَنَّهُ اشتغل عَلَيْهِ وانتفع بِهِ، وَأَنَّهُ كان يُكرّر عَلَى درسِ كل يوم فيحفظه.
وقرأ النحو أَيْضًا عَلَى أبي محمد ابن الخَشَّاب. ودرّس النحو بالنّظامية، وتَفَقَّه عَلَى مذهب أَبِي حنيفة، وَكَانَ حنبليًا، وَقِيلَ: انتقل إلى مذهب الشَّافِعِيّ. وفيه يَقُولُ المؤيَّد أَبُو البركات ابن التكريتي الشاعر: [ص:354]
ومَن مُبلغٌ عني الوجيهَ رسالةً ... وإنْ كَانَ لَا تُجدي لدَيْهِ الرسائلُ
تمذْهبتَ للنُّعمان بعدَ ابن حنبلٍ ... وَذَلِكَ لَمَّا أعوزَتْكَ المآكلُ
وما اخترتَ رأي الشّافِعيّ ديانةً ... ولكنَّما تهوى الَّذِي هُوَ حاصلُ
وعمَّا قليلٍ أنتَ لَا شكَّ صائرٌ ... إِلَى مالكٍ فافْطن لِما أَنَا قائلُ
قَالَ الدُّبَيْثِي: تخرَّج بالوجيه جماعة في النَّحْو. وَكَانَ يَقُولُ الشعر. وَكَانَ هُذَرة، كتبتُ عَنْهُ أناشيد. وتوفي في السادس والعشرين من شعبان.
قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهُ الزَّكيّ البِرزالي، وغيره. وأجاز لأحمد بن أَبِي الخَيْر.(13/353)
114 - محمود بن الحَسَن بن نَبْهان بن الحَسَن بن سَنَد، الْأمير نجم الدين الحِلّيُّ. [المتوفى: 612 هـ]
شاعرٌ محسِنٌ مُجيدٌ، رئيسٌ نبيلٌ، مدحَ الملكَ العادل. رَوَى عَنْهُ من شِعره الشهاب القُوصيّ، وغيره.
وَهُوَ والد عَليّ المنجّم الَّذِي سَمِعَ من ابن طَبَرْزَد.
وُلِدَ بالحِلّة السيفية سنة ست عشرة وخمسمائة، وعُمِّر دهرًا طويلًا.
تُوُفِّي في رجب.(13/354)
115 - مريم بنت أبي بكر بن عبد الله بن سَعد المَقْدِسِيّ، أمّ عيسى، امْرَأَة الشيخ موفّق الدين ابن قُدامة. [المتوفى: 612 هـ]
كانت خَيّرةً صالحةً. روت بالإجازة عَن يَحْيَى بن ثابت، وغيره. رَوَى عَنْهَا الضياء، وَالشَّيْخ شمس الدين عَبْد الرَّحْمَن، وَتُوُفِّيت في جُمَادَى الْأولى.(13/354)
116 - مَزْيد بن عَليّ بن مَزْيد، أَبُو عَليّ الطّائي الشّاعر المعروف بابن الخَشْكَري. [المتوفى: 612 هـ]
قدِم بَغْدَاد، ومدحَ الناصر لدين اللَّه والكِبار. وَكَانَ نُصَيريًا؛ سافرَ إلى [ص:355] سِنان وصحبه، وانحلّ من الدين، وَكَانَ داعيةً، وعُمِّر دهرًا، مات في رمضان.(13/354)
117 - مُظَفَّر بن عَبْد اللَّه بن عَليّ بن الحُسَيْن، الإِمَام الفقيه تقيّ الدين المِصري الشَّافِعِيّ، المعروف بالمُقترَح. [المتوفى: 612 هـ]
ولد في حدود الستين وخمسمائة، وتَفَقَّه، وبرع في أصولِ الدين والخلاف والفقه، وصنَّف التّصانيف، وتخرَّجَ بِهِ جماعةٌ كثيرةٌ.
قَالَ الحَافِظ عَبْد العظيم: سَمِعَ بالإسكندرية من أَبِي الطّاهر بن عَوْف الفقيه، وَسَمِعْتُ منه؛ وَحَدَّثَ بمَكَّة ومِصر. وَكَانَ كثير الإفادة مُنتصبًا لمن يقرأ عَلَيْهِ، كثير التواضُع، حسن الْأخلاق، جميلَ العِشرة، ديّنًا مُتورعًا. وليَ التدريس بالمدرسة المعروفة بالسلفي بالإسكندرية مُدَّة، وتوجّه إلى مَكَّة فأُشَيْعَت وفاته وأُخذت المدرسة فعادَ ولم يتفق عوده إليها، فأقام بجامع مصر يُقرئ، واجتمع عَلَيْهِ جماعةٌ كثيرةٌ، ودرَس بمدرسة الشريف ابن ثَعْلب، وَتُوُفِّي في شعبان.(13/355)
118 - منصور بن أَحْمَد بن أَبِي العزّ بن سعْد، أَبُو بَكْر الْمَكِّيّ الحُميلي الضرير المُقْرِئ، [المتوفى: 612 هـ]
نزيل بَغْدَاد.
قرأ القرآن عَلَى دَعوان بن عَليّ الجُبّائي، وَعَلَى أحمد بن عُمَر بن لَبيدة. وَسَمِعَ من دَعوان، وعلي بن عبد العزيز ابن السَّمَّاك.
والحُميلي: نسبة إلى قرية من أعمال نهر الملك.
توفي في رجب.
كتب عَنْهُ ابنُ نُقطة، والطّلبة.(13/355)
119 - مودود بن فُلان الشاغوري الفقيه، كمال الدين الشَّافِعِيّ. [المتوفى: 612 هـ]
قَالَ الإِمَام أَبُو شامة: كَانَ فقيهًا زاهدًا، خيّرًا، يُقرئ الفقه قُبالة مقصورة الخطابة بجامع دمشق، ويشرح " التنبيه ". تُوُفِّي في السنة.(13/356)
120 - موسى بن سَعِيد بن هبة اللَّه، الشريف أَبُو الْقَاسِم بن أَبِي الفتْح الهاشِمِيّ البَغْدَادِيّ، ابن الصيقَل. [المتوفى: 612 هـ]
ولد سنة سبع وعشرين وخمسمائة، سمع من أبي القاسم إسماعيل السَّمَرْقَنْدِيّ، وَمُحَمَّد بن أَحْمَد الطرائفي، وأبي الفضل الأُرْمَوي، وَمُحَمَّد بن منصور القصْري. رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، وَالزَّكيّ البِرزالي، والمقداد القَيْسِيّ، وطائفةٌ من أهل بَغْدَاد.
وَكَانَ صَدرًا مُحتشمًا، وليَ حِجابة باب النُّوبي مُدَّة. وَكَانَ عالي الإسناد. وليَ نقابة العَبَّاسيّين بالكُوفة أَيْضًا، وَتُوُفِّي في سادس عشر جمادى الأولى.(13/356)
121 - ناز خاتون بنت أَحْمَد بْن أَبِي غالب مُحَمَّد بْن مُحَمَّد ابن السَّكَن، أمُّ مُظفَّر البَغْدَادِيَّة. [المتوفى: 612 هـ]
سمعتْ من جدِّها، ومن سعيد ابن البنّاء، وعبد الباقي ابن النَّرسي المُحتسِب، وحدَّثت؛ رَوَى عَنْهَا الدُّبَيْثِي، وغيره، وتوفيت في جمادى الآخرة.(13/356)
122 - يَحْيَى بن دَاوُد، أَبُو زكريا التادَلي الفقيه، [المتوفى: 612 هـ]
نزيل فاس.
سَمِعَ من أَبِي عَبْد اللَّه ابن الرَّمّامة، وَأَبِي الحَسَن بن حُنين.
قَالَ الْأبَّار: تَفَقَّه على مشيختنا، وَكَانَ لَهُ حظُّ من الفقه والْأصول والعربية، ولَسَنٌ وبَلاغَةٌ. وليَ قضاء جزيرة شُقر مُدَّة طويلةً. سَمِعْتُ منه [ص:357] كتاب " الشِّهاب " للقُضاعي، بسماعه من ابن حُنين، عن العَبْسي، عن مؤلِّفه. وَتُوُفِّي ببَلَنسية.(13/356)
123 - يَحْيَى بن ياقوت، أَبُو الفَرج البَغْدَادِيّ الفرَّاش، مملوك العَتَبة الشَّريفة. [المتوفى: 612 هـ]
سَمِعَ من أَبِي الْقَاسِم إسْمَاعِيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وَعَبْد الجبار بْن أَحْمَد بْن تَوْبة، ويحيى ابن الطَّرَّاح، وعَليِّ بن عَبْد السَّلَام الكاتب، وعمر بن ظَفَر المَغازِليّ.
وَحَدَّثَ ببَغْدَاد، وبمكة وجاور بها ورُتِّب شيخًا بالحرم ومِعمارًا. رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، وابن خليل، وَأَحْمَد بنُ مودودَ المَدَني نزيل القاهرة، وعَليُّ بن مُحَمَّد بن عَليّ الْمَكِّيّ، وَيَحْيَى بن مُحَمَّد بن أَبِي الفتح سِبط الواعظ؛ شيوخ الدِّمياطي، وآخرون. وعاد إلى بَغْدَاد وبها مات في الثامن والعشرين من جُمَادَى الآخرة.(13/357)
124 - يوسف بن عُثمان بن مُحَمَّد بن حسن البَغْدَادِيّ، أَبُو مُحَمَّد الدَّقاق، المعروف بابن قُدَيرة. [المتوفى: 612 هـ]
سمع سعيد بن أحمد ابن البَنَّاء، وأبا الوَقْت، وَعَنْهُ البِرزالي، والدبيثي.(13/357)
125 - يوسف بن أَبِي حامد مُحَمَّد ابن القاضي أَبِي الفضل مُحَمَّد بن عُمَر بن يوسف، أَبُو إِسْحَاق الأُرْمَوي ثُمَّ البَغْدَادِيّ الْأقْفالي الإبَري. [المتوفى: 612 هـ]
وُلِدَ سنة ستٍّ وعشرين وخمسمائة، وَسَمِعَ من جَدّه، وَأَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن هبة اللَّه بْن عَبْد السَّلَام، وَأَبِي عُمَر صافي السَّاويّ، وَكَانَ صحيح السّماع، رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، والبِرزالي، والضِّياء، والنَّجِيب عَبْد اللطيف. وجماعةٌ، وتُوُفّي في التاسع والعشرين من ربيع الأَوَّل.(13/357)
-وفيها وُلِدَ:
جمال الدِّين عَبْد الكافي بْن عَبْد الملك بْن عَبْد الكافي خطيب دمشق، والمحدّث عَليّ بن بَلَبان، والعفيف عَبْد الرَّحِيم بن محمد ابن الزَّجّاج، والعماد مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن بن سُلطان الحَنَفِيّ، والزّين أَحْمَد بن عَبْد الباري الإسكندري، وإبراهيم ابن النّاصح مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سَعد، والصفي مُحَمَّد بن مُظَفَّر الزَّرْزائي، والنّجم يَحْيَى بن عَليّ الشاطبي، وُلِدَ بدمشق، والشُّجاع نقيب عسكر دمشق، وعاش مائة إِلَّا سنة، والفخْر عَبْد القاهر ابن السيف عبد الغني ابن تَيْمِيَّة خطيب حرّان، وعَليّ بن محمود ابن قاضي باعشيقا بها من المَوْصل، والموفق مُحَمَّد بن عَبْد المنعم بن جماعة الحَمَوي، سَمِعَ ابن باقا، وَعَبْد اللَّه بن عَليّ بن محمود بن عُمَر بن زُقيقة، بحاني، وَالشَّيْخ أَبُو بَكْر بن مسعود المَقْدِسِيّ الرُّويس الشاعر، وقاضي تَدْمر زين الدين مُحَمَّد بن الحَسَن بن عَليّ بن إسْمَاعِيل الغَسَّانِيّ.(13/358)
-سنة ثلاث عشرة وستمائة(13/359)
126 - أَحْمَد بْن عُبيد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن قُدامة بن مِقدام، الفقيه شرف الدين أَبُو الحَسَن. [المتوفى: 613 هـ]
وُلِدَ سنة ثلاثٍ وسبعين وخمسمائة، وَسَمِعَ من يَحْيَى الثَّقَفِيّ، والخَضِر بن طاوس، وابن صَدَقة الحرّاني، وإسماعيل الجَنْزوي، وجماعة. وببغداد عَبْد المنعم بن كُليب، وجماعةٍ.
رَوَى عَنْهُ الحَافِظ الضِّيَاء وعَمِل لَهُ ترجمةً طويلة، فَقَالَ فيه: إمامٌ فاضلٌ، ثقةٌ، ديّنٌ، عاقلٌ، جمع اللَّه لَهُ بين الخُلْق والخُلُق، والدين والْأمانة، وقضاء حوائج الإخوان، والكرَم والتعطُّف عَلَى المرضى والتطلُّع إلى حوائجهم، كفى الجماعة في أشغال كثيرة بعد سفر أخي إلى حِمص.
أَخْبَرَنَا الإِمَام أَحْمَد ابن خالي عُبيد الله ببغداد، قال: أَخْبَرَنَا ابن كُليب - فذكر من جزء ابن عَرَفة - ثُمّ قَالَ: بلغني عن أهل بيته أَنَّهُم قَالُوا: ما ترك قطُّ قيامَ الليل، وَكَانَ يَقُولُ الحقَّ، لَا يخاف من أحدٍ، ولا يُحابي أحدًا.
سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاس أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن خَلَف بْن راجح بعد موت أَحْمَد بأيّام، قَالَ: رأيته في النّوم فَقُلْتُ لَهُ: ما لقيتَ من ربك؟ فَقَالَ: كلَّ خير. فَقُلْتُ لَهُ: زِدني. قَالَ: ما أظنّ أحدًا رُفع فوق منزلتي.
سَمِعْتُ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن إسْمَاعِيل يَقُولُ: رَأَيْت الشرف أَحْمَد في النوم بعد موته بأيام فَقُلْتُ: كيف أَنْتَ؟ أظنّه قَالَ: بخير. قُلْتُ: فما متُّ ودفنّاك؟ قَالَ: أفما يُحيي اللَّه الموتى؟ فَقُلْتُ: بلى. ثُمَّ ذكر لَهُ مناماتٍ أُخَر من هَذَا النّوع.
وَقَالَ: أنشدنا شيخُنا موفَّق الدين لنفسه:
مات المُحِبُّ وماتَ العِزُّ والشَّرفُ ... أئمَّةٌ سادةٌ ما منهمُ خَلَفُ [ص:360]
كانوا أئمة عِلْمٍ يُستَضاء بهم ... لَهْفي عَلَى فقدهم لو يَنفع اللَّهْفُ
ما ودّعوني غداةَ البَيْن إِذْ رَحَلوا ... بل أوْدَعوا قلبي للأحزانِ وانصرفوا
شيَّعتهم ودُموعُ العينِ واكِفَةٌ ... لِبَيْنهم وفؤادي حَشْوه أسَفُ
أُكفكف الدَّمعَ من عيني فيغْلِبُني ... وأحْصُرُ الصَّبر في قلبي فلا يقفُ
وَقُلْتُ: رُدّوا سلامي أوقِفوا نَفَسًا ... رِفقًا بقلبي فمَا ردّوا ولا وَقَفوا
ولم يَعُوجوا عَلَى صبٍّ بهم دَنِفٌ ... يَخْشى عَلَيْهِ لِما قد مسَّه التلَف
أحْبابَ قلبي ما هَذَا بعادَتِكم ... ما كنتُ أعهدُ هَذَا منك يا شَرَف
بل كُنت تُعظِم تبْجيلي ومنزلتي ... وكُنتُ تُكرِمُني فوقَ الَّذِي أصِفُ
وكنتَ عَوْنًا لنا في كُلِّ نازلةٍ ... تَظَلّ أحشاؤُنا من همِّها تجفُ
وكنتَ ترعى حقوقَ النَّاس كلِّهم ... من كنت تَعرفُ أَوْ مَن لست تَعترفُ
وَكَانَ جودُك مَبْذولًا لِطالبه ... جُنْحَ اللَّيالي إِذَا ما أظلم السّدَفُ
ولِلْغَريبِ الَّذِي قد مسَّه سَغَبٌ ... وللمريض الَّذِي أشفى بِهِ الدَّنْفُ
وكنتَ عَونًا لمسكينٍ وأرملةٍ ... وطالبٍ حاجةً قد جاءَ يَلتهف
وقَالَ الصلاح مُوسَى بْن مُحَمَّد بْن خَلَف:
عَزّ العزاءُ وبانَ الصبرُ والجَلَد ... لما نَأتْ دارُ من تَهوى وقد بَعُدوا
والعينُ واللَّه هَذَا وقْتُ عَبْرَتها ... فإنَّ أحبَابها كانوا وقد فُقدوا
ساروا وما ودَّعوني يَومَ بينهم ... يا ليتهم لِغَرامي بعدهم شهدُوا
أبكيهمُ بدّموعٍ قد بَخِلتُ بها ... عَلَى سِواهم فقد أودى بي الكَمَدُ
ومنها:
وَأَنْتَ يا شرفٌ للدين ليسَ لنا ... مِنْ بعدِك اليومَ لَا جَمعٌ ولا عَدَدُ
قد كُنتَ واسِطة العِقد الَّذِي انتُظمت ... بِهِ المعالي إن حلُّوا وإن عَقَدوا
وكنتَ ذا خشيةٍ لله متَّقيًا ... تقوم بالليل والنُّوّام قد رَقَدوا
في أبيات أُخر.
وخَلَّفَ من الولد: شرف الدين أَحْمَد، وأبا عَبْد اللَّه مُحَمَّدًا.(13/359)
127 - أَحْمَد بن عُبيد اللَّه بن مُحَمَّد بن عُبيد اللَّه، الفقيه الإِمَام أَبُو بَكْر الّلنْجاني، مفتي إصبهان، ويُعرف بالْأفضل. [المتوفى: 613 هـ]
قَالَ الضِّيَاء: كان من العُلماء الأخيار. قلت: روى عن أحمد بن ظَفَر الثقفي. وسماعاته في حدود الخمسين وخمسمائة. رَوَى عَنْهُ الضِّيَاء، وَالزَّكيّ البِرزالي.
قرأتُ وفاتُه بخطّ الضِّيَاء في رمضان.(13/361)
128 - أَحْمَد بن عَليّ بن أَبِي زُنْبُور، الإِمَام الْأديب أَبُو الرّضا النِّيلي اللُّغويُّ المُقْرِئ الشَّاعِر. [المتوفى: 613 هـ]
قرأ عَلَى يَحْيَى بن سَعدون القُرطبي. وتأدّب على سعيد ابن الدَّهَّان، وقد امتدح السُّلْطَان صلاح الدين بحلب بأُرجوزة طويلة، فَوَصَله عليها بخمسمائة دينار، وَكَانَ من غُلاة الرّافضة.
عُمِّر دهرًا، ومات بالموصل في العام.(13/361)
129 - أحمد ابن الحَافِظ عَليّ بن المفضَّل بن عَليّ، الفقيه الصالح أَبُو الحُسَيْن المَقْدِسِيّ، ثُمَّ الإسكندراني المالكيّ العَدْل. [المتوفى: 613 هـ]
وُلد سنة ثمانٍ وسبعين وخمسمائة، وَسَمِعَ، وتَفَقَّه، ونشأ عَلَى غايةٍ من الدِّين والوَرَع. ودَرَّس بالصَّاحبيَّة بالقاهرة بعد والده.
قَالَ الزَّكيّ المُنْذِريّ: أَخْبَرَنَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد المنعم بن يَحْيَى بن الخلوف إجازةً. وَتُوُفِّي في صفر.(13/361)
130 - أَحْمَد بن عَليّ بْن أَبِي الْقَاسِم الْمُبَارَك بْن عَليّ بْن أَبِي الجود العَتَّابِيّ الكاغَدي، أبو العباس. [المتوفى: 613 هـ]
سمع من أحمد ابن الطَّلّاية، وَأَبِي الوَقْت، وَحَدَّثَ.
كَانَ من محلَّة العتّابيين بأعلى غَرْبيّ بَغْدَاد، وَكَانَ ابن الطَّلّاية خال أبيه، [ص:362] وَهُوَ أخو المبارك شيخ الأبَرْقوهي.
رَوَى عن أحمد أبو عبد الله ابن الدُّبَيْثِي، وغيره، وَتُوُفِّي في ثالث ربيع الآخر.(13/361)
131 - أَحْمَد بن عَليّ بن مسعود بن عَبْد اللَّه بن الحَسَن بن عطّاف، الْأجلّ أَبُو عَبْد اللَّه الدارقَزّي المُقْرِئ الوَرَّاق، المعروف بابن السقّاء. [المتوفى: 613 هـ]
ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة، قرأ القرآن على أبي الفضل أحمد بن مُحَمَّد بن شُنَيف، وغيره، والنَّحْو عَلَى أَبِي محمد ابن الخَشَّاب، وَالحَسَن بن عبيدة، وغيرهما، وَسَمِعَ من أبي الوقت، وسعيد ابن البَنَّاء، وجماعة.
ويُقال لَهُ: الخطّابيّ، لِأَنَّهُ سكن قرية تُعرف بالخطابيَّة، ولم يزل خطيبًا بها. رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، وَقَالَ: تُوُفِّي في رجب.(13/362)
132 - أحمد بن عمر بن أَحْمَد القُطْرُبُلِّي، ثُمَّ الحرْبي المُقْرِئ، المعروف بالخاخيّ - بخاءين معجمتين -، أَبُو العَبَّاس. [المتوفى: 613 هـ]
سَمِعَ من الزاهد أحمد ابن الطَّلّاية، وغيره، وَتُوُفِّي في جُمَادَى الآخرة.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، ووصفه بالصَّلاح والخَيْر.(13/362)
133 - أَحْمَد بن عمر بن إبراهيم ابن الدَّردانة، أَبُو بَكْر الحرْبي. [المتوفى: 613 هـ]
سَمِعَ من ابن كُليب، وابن الجَوزي، وطبقتهما فأكْثر، وَحَدَّثَ بيسير.
تُوُفِّي وقد جاوز أربعين سنة في ذي القعدة، رحمه الله.(13/362)
134 - إسحاق ابْن قاضي القُضاة صدْر الدّين عَبْد الملك بن عيسى بن دِرْباس، فخرُ الدين أَبُو طاهر الماراني الشافعي. [المتوفى: 613 هـ]
ولد سنة تسع وستين وخمسمائة، وتفقه، وَسَمِعَ الحديث، ونابَ في القضاء عن والده مُدَّة، ودرّس بالنّاصرية بمصر ثُمَّ بالسَّيفية بالقاهرة، وتوفي [ص:363] ليلة السابع والعشرين من رمضان.(13/362)
135 - أسعد ابن الفقيه مُحَمَّد بن عَليّ ابن الوزير أَبِي نصر أَحْمَد ابن الوزير نظام المُلك الحَسَن بن عَليّ، الطُّوسِيّ الْأصل البَغْدَادِيّ. [المتوفى: 613 هـ]
وُلِدَ بُعيد الأربعين وخمسمائة، وَسَمِعَ من أَبِي الوَقْت، وَحَدَّثَ. وقد درّس أَبُوه بالنّظامية، وَتُوُفِّي شابًّا، وَكَانَ هَذَا خُلْوًا من فضيلة.
تُوُفِّي في رجب.(13/363)
136 - أسعد بن هبة اللَّه بن وَهبان الحديثيّ ثُمَّ البَغْدَادِيّ البُزُوري. [المتوفى: 613 هـ]
رَوَى عن أَبِي الوَقْت، وَعَنْهُ الدُّبَيْثِي، وَتُوُفِّي في رمضان.(13/363)
137 - إسْمَاعِيل بن عَبْد الرَّحْمَن بن أَحْمَد، نبيهُ الدين أَبُو الطّاهر الأنصاري المَصْرِيّ الكاتبُ. [المتوفى: 613 هـ]
سَمِعَ من الشريف أَبِي الفُتوح الخطيب، وعُمارة اليَمَنيّ الشَّاعِر، وَسَمِعَ بالإسكندرية من السِّلَفيّ، وجماعةٍ، ووليَ استيفاء ديوان الْأوقاف مُدَّة، وولد سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، وكتبَ بخطّه الكثير، وَكَانَ مليحَ الكتابة. وعلّق عن السِّلَفيّ فوائد جمَّةً وسؤالات.
رَوَى عَنْهُ الحَافِظ عَبْد العظيم، وَتُوُفِّي في ليلة العشرين من شعبان.(13/363)
138 - إسْمَاعِيل بن عُمر بن أَبِي بَكْر، الفقيه محِبّ الدين المَقْدِسِيّ الحَنْبَلِيّ، [المتوفى: 613 هـ]
المذكور في قصيدة الشَّيْخ الموفَّق المذكورة من قريب.
سَمِعَ بمصر من أَبِي الْقَاسِم البُوصيري، والحافظ عبد الغني، وبدمشق من جماعة. رَوَى عَنْهُ الضِّيَاء المَقْدِسِيّ، وتوفي في شوّال.(13/363)
139 - تاجُ النِّساء بنت فضائل بن عَليّ التَّكْرِيتيّ. [المتوفى: 613 هـ]
تروي عن الشَّيْخ الزّاهد عَبْد القادر الجِّيلي. رَوَى عنه ابنُها قاضي القضاة [ص:364] أَبُو صالح نَصْر بن عَبْد الرَّزَّاق الجِّيليّ، وسمعتْ أَيْضًا من ابن البَطِّيّ، وَتُوُفِّيت في رجب.(13/363)
140 - جَعْفَر بن أَحْمَد بن جَعْفَر، أَبُو الفضل اللخْمي الإسكندراني النَّحْوِيّ الشَّاعِر، المعروف بالوَرَّاق. [المتوفى: 613 هـ]
شاعرٌ مُحسن، كَتَبَ عَنْهُ الزَّكيّ المُنْذِريّ.(13/364)
141 - جَعْفَر بن جَعْفَر بن نَبْهان، وجيه الدين أَبُو الفضل الحموي الفقيه الْأديب. [المتوفى: 613 هـ]
كتب عَنْهُ الزكي المنذري، وتوفي بمصر بمسجده في ذي القعدة.(13/364)
142 - الحُسَيْن بن يوسف بن أَحْمَد بن يوسف بن فتوح، أَبُو عَليّ الْأَنْصَارِيّ الْأنْدَلُسِيّ البَلَنسي الضّرير المُقْرِئ، المعروف بابن زُلاَّل. [المتوفى: 613 هـ]
قرأ القراءات عَلَى أَبِي الْحَسَن بْن هُذيل، وسَمِع منه، ومن الخطيب أبي الحسن علي ابن النّعمة، وَأَبِي عَبْد اللَّه بن سَعادة، وَعَبْد الرحمن بْن حُبيش، وَأَبِي عَبْد اللَّه بْن حَميد. وقرأ القراءات أَيْضًا عَلَى طارق بن موسى. وأجاز لَهُ أَبُو طاهر السِّلَفيّ، وجماعة.
وتصدّر للإقراء ببلده، وأخذَ عَنْهُ النَّاس، وَكَانَ حسَنَ الإلقاء والْأداء، مجوِّدًا، مُحققًِّا، مشارِكًا في فنون، آيةً من آيات اللَّه في الفِطنة والحَدْس على عمى بَصره، قال الأبّار فيه ذَلِكَ، وَقَالَ: سمعتُ منه جملةً، وانتقل بأخرةٍ إلى مُرسية، وأقرأ بها إِلَى أن تُوُفِّي فِي الثاني والعشرين من المحرم، ووُلد سنة سبعٍ وأربعين وخمسمائة.(13/364)
143 - زَيد بن الحسَن بن زيد بن الحسن بن زيد بن الحَسَن بن سَعِيد بن عصمة بن حِمْيَر، العلامة تاجُ الدين أَبُو اليُمن الكِندي البَغْدَادِيّ المُقْرئ النَّحْوِيّ اللُّغَويّ. [المتوفى: 613 هـ][ص:365]
ولد في شعبان سنة عشرين وخمسمائة، وحَفِظ القرآن وهو ابن سبع سنين، وكمّل القراءات العَشْر وَلَهُ عشر سنين.
وَكَانَ أعلى أهلِ الْأرض إسنادًا في القراءات؛ فإني لَا أعلمُ أحدًا من الأُمة عاشَ بعدما قرأ القراءات ثلاثًا وثمانين سنة غيره. هَذَا مَعَ أَنَّهُ قرأ عَلَى أسْند شيوخ العصر بالعراق، ولم يبقَ أحدُ ممّن قرأ عَلَيْهِ مثل بقائه ولا قريبًا منه، بل آخر مَن قرأ عليه الكمال ابن فارس وعاش بعده نيّفًا وستين سنة. ثُمَّ إِنَّهُ سَمِعَ الحديث عَلَى الكبار، وبقي مُسند الزمان في القراءات والحديث.
قرأ القراءات المشهورة والغريبة فأكثر عَلَى شيخه ومعلِّمه وأُستاذه الإِمَام أَبِي مُحَمَّد سِبط أَبِي منصور الخَيَّاط، وأفادهُ، وحَرَص عَلَيْهِ في الصِّغر، وأسمعهُ الحديث، وأرسلهُ إلى الشيوخ الكبار؛ فقرأ " بالكفاية في القراءات السِّت " عَلَى الإِمَام المُعمَّر أَبِي الْقَاسِم هبة الله بن أحمد ابن الطَّبَر الحريري. وقرأ " بالموضح في القراءات العَشْر " على مؤلفه أَبِي منصور مُحَمَّد بن عَبْد الملك بن خَيرون. وقرأ للسبعة عَلَى أَبِي بَكْر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم خطيب المُحوَّل، وَعَلَى أبي الفضْل محمد ابن المُهْتدي باللَّه.
ثُمَّ سَمِعَ الحديث من القاضي أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي، وأبي القاسم هبة الله ابن الطَّبر، وأبي منصور القَزَّاز، وَمُحَمَّد بن أَحْمَد بن تَوْبة وأخيه عَبْد الجبار، وَأَبِي الْقَاسِم ابن السمرقندي، وأبي الفتْح ابن البيضاويّ، وطَلْحة بن عَبْد السَّلَام الرُّمّاني، وَيَحْيَى بن علي ابن الطَّرّاح، وَأَبِي الْحَسَن بْن عَبْد السَّلَام، وَأَبِي الْقَاسِم عَبْد اللَّه بن أَحْمَد بن يوسف، وَالحُسَيْن بن عَليّ سِبط الخَيَّاط، والمبارك بن نَغُوبا، وعلي بن عبد السيد ابن الصبّاغ، وعبد الملك بن أبي القاسم الكَرُوخي، وَسَعْد الخير الْأَنْصَارِيّ، وطائفة سواهم.
وَلَهُ " مشيخة " في أربعة أجزاء خرّجها أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن القاسم ابن عساكر. [ص:366]
وقرأ النحْو عَلَى أَبِي السعادات هبة اللَّه ابن الشَّجريّ، وأبي محمد ابن الخَشَّاب، وشيخه أَبِي مُحَمَّد سِبط الخَيَّاط، وأخذ اللُّغات عن أبي منصور موهوب ابن الجواليقيّ.
وَقَدِمَ دمشق في شبيبته، وَسَمِعَ بها من أَبِي الحُسَيْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي الحديد، وتفرَّد بالرواية عَنْهُ، وعن أكثر شيوخه. ثُمَّ قَدِمَ الشَّام ومصْر، وسكنَ دمشق ونالَ الحِشمة الوافرة والتّقدّم، وازدحم عَلَيْهِ الطّلبة.
وَكَانَ حنبلي المذهب فانتقل حنفيًّا لأجل الدُّنْيَا، وتقدَّم في مذهب أَبِي حنيفة، وأفتى، ودرّس، وصنّف، وأقرأ القراءات، والنَّحْو واللغة والشعر، وَكَانَ صحيحَ السَّماع، ثقةً في النقْل، ظريفًا، حسن العِشرة، طيِّب المزاج، مليح النَّظم.
قرأ عَلَيْهِ القراءات علَم الدين السَّخاوي ولم يُسندها عَنْهُ، وعَلَم الدين الْقَاسِم بن أَحْمَد الْأنْدَلُسِيّ، وكمالُ الدين إِسْحَاق بن فارس، وجماعةٌ.
وحدَّث عَنْهُ الحَافِظ عَبْد الغني، وَالشَّيْخ المُوفق، والحافظ عبد القادر، وابن نُقطة، وابن النجار، وأبو الطاهر ابن الْأَنْمَاطِي، والبِرزالي، والضياء، وَالزَّكيّ عَبْد العظيم، والزين خالد، والتقيّ بن أبي اليُسر، والجمال ابن الصَّيْرَفِيّ، وأحمد بن سلامة الحدَّاد، والقاضي أَبُو الفَرَج عَبْد الرَّحْمَن بن أَبِي عُمَر، والقاضي أبو عبد الله محمد ابن العماد إِبْرَاهِيم، وَأَبُو الغنائم المُسلَّم بن علان، والمؤمَّل بن مُحَمَّد البالِسي، وَأَبُو القاسم عُمر بن أحمد ابن العديم، وَأَبُو حفص عُمَر بن مُحَمَّد بن أَبِي عَصْرون، وَأَبُو الحَسَن عَليّ بن أَحْمَد ابن البخاري، وأبو عبد الله محمد ابن الكمال، ومحمد بن مؤمن، ويوسف ابن المُجاور، وستّ العرب بنت يَحْيَى الكِندي، وَإسْمَاعِيل ابن العفيف أَحْمَد بن إِبْرَاهِيم بن يعيش المالكيّ، ومحمد بن عبد المنعم ابن القواس.
وآخر من رَوَى عَنْهُ بالإجازة أَبُو حفص ابن القواس، ثُمَّ أَبُو حفص عُمَر بن إِبْرَاهِيم العقيمي الْأديبُ، وَتُوُفِّي هَذَا في شوال سنة تسع وتسعين وستمائة. [ص:367]
قَالَ ابن النَّجَّار: أسلمه أَبُوه في صغره إلى سِبط الخَيَّاط، فلقّنه القرآن وجوّد عَلَيْهِ، ثُمَّ حفّظه القرآن وَلَهُ عشر سنين. إلى أن قَالَ: تفرّد بأكثر مَرْويّاته، سافر عن بَغْدَاد سنة ثلاثٍ وأربعين، ودخل همذان فأقام بها سنين يتفقه عَلَى مذهب أَبِي حنيفة عَلَى سعْد الرَّازِيّ بمدرسة السُّلْطَان طُغرل. ثُمَّ إن أَبَاه حجّ سنة أربعٍ وأربعين فمات في الطريق، فعاد أَبُو اليُمن إلى بَغْدَاد، ثم توجّه إلى الشام، واستوزره فرخ شاه، ثُمَّ بعده اتصل بناحية تقيّ الدين عُمَر صاحب حماة، واختص بِهِ وكثُرت أمواله. وَكَانَ المعظَّم يقرأ عَلَيْهِ الْأدب، ويقصده في منزله، ويعظّمه. قرأتُ عَلَيْهِ كثيرًا، وَكَانَ يصلني بالنفقة. ما رَأَيْت شيخًا أكمل منه فضلًا ولا أتم منه عقلًا ونُبلًا وثقةً وصِدقًا وتحقيقًا ورزانة، مَعَ دماثة أخلاقه. وَكَانَ مَهيبًا، وقورًا، أشبه بالوزراء من العُلَمَاء بجلالته وعلوّ منزلته. وَكَانَ أعلم أهل زمانه بالنحو؛ أظنه يحفظ " كتاب " سيبوَيْه. ما دخلت عَلَيْهِ قط إلا وهو في يده يطالعه، في مجلدٍ واحدٍ رفيع، فَكَانَ يقرأها بلا كُلفة وقد بلغ التسعين. وَكَانَ قد مُتّع بسمعه وبصره وقوته. وَكَانَ مليح الصّورة، ظريفًا، إِذَا تكلم ازداد حلاوةً، وَلَهُ النّظم والنّثر والبلاغة الكاملة. إلى أن قَالَ: حضرت الصَّلَاة عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو شامة: ورد الكِندي ديار مِصْر، يعني في سنة بضعٍ وستين وخمسمائة، قَالَ: وَكَانَ أوحد الدَّهْر، فريد العصر، فاشتمل عَلَيْهِ عزّ الدين فرُّوخ شاه بن شاهنشاه بن أيوب، ثُمَّ ابنه الْأمجد صاحب بَعلبكّ، ثُمَّ تردد إِلَيْهِ بدمشق الملك الْأفضل عَليّ ابن صلاح الدين، وأخوه الملك المُحسن، وابنُ عمّه الملك المعظَّم عيسى ابن العادل. وقال ضياء الدين ابن أَبِي الحجاج الكاتب [ص:368] عَنْهُ: كنتُ في مجلس القاضي الفاضل، فدخل فرُّوخ شاه، فجرى ذكر شرح بيت من " ديوان " المتنبي، فذكرت شيئًا فأعجبه، فسأل القاضي عني، فَقَالَ: هَذَا العلّامة تاج الدين الكِنْدِيّ، فنهض فرُّوخ شاه، وأخذ بيدي، وأخرجني معه إلى منزله، ودام اتصالي بِهِ. قَالَ: وَكَانَ الملك المعظَّم يقرأ عَلَيْهِ دائمًا؛ قرأ عَلَيْهِ " كتاب " سِيبَوَيْه نصًا وشَرحًا، وكتاب " الحماسة "، وكتاب " الإيضاح " وشيئًا كثيرًا، وَكَانَ يأتي من القلعة ماشيًا إلى دار تاج الدين بدرب العَجَم والمجلَّد تحت إبطه.
وحكى ابن خَلِّكان أَنَّ الكِندي قَالَ: كنتُ قاعدًا عَلَى باب أَبِي محمد ابن الخَشَّاب النَّحْوِيّ؛ وقد خرجَ من عنده أَبُو الْقَاسِم الزَّمخشري وَهُوَ يمشي في جاون خَشَب لأن إحدى رجليه كانت سقطت من الثلج.
ومن شعر الكِندي:
دعِ المُنّجمَ يكبو في ضَلالته ... إن ادّعى عِلم ما يجري بِهِ الفَلَكُ
تفرّد الله بالعِلم القديم فلا ال ... إنسان يشركُه فيهِ ولا الملَكُ
أعدّ للرزقِ من إشراكه شركًا ... وبئستِ العُدّتان: الشِّرك والشَّرْكُ
وَلَهُ:
أرى المرءَ يهوى أنْ تَطول حياتُهُ ... وفي طولها إرهاقُ ذُلٍّ وإزهاقُ
تمنيتُ في عصر الشَّبيبة أنّني ... أُعمَّر والْأعمارُ لَا شك أرزاقُ
فَلَمَّا أتى ما قد تمنَّيت ساءني ... من العُمْر ما قد كنتُ أهوى وأشتاقُ
يُخيِّل لي فِكري إِذَا كنتُ خاليًا ... رُكوبي عَلَى الْأعناق والسّيرُ إعناقُ
ويُذكِرني مَرّ النسيم ورَوْحه ... حفائرَ يعلُوها من الترب أطباقُ
وها أَنَا في إحدى وتسعينَ حجَّةً ... لها فيَّ إرعادٌ مَخوفٌ وإبراقُ
يقولون: تِرياقٌ لمثلك نافعٌ ... وما ليَ إِلَّا رحمةَ اللَّه تِرياق
وَلَهُ: [ص:369]
لبست من الْأعمارِ تسعين حجَّةً ... وعندي رجاءٌ بالزيادةِ مولَعُ
وقد أقبلتْ إحدى وتسعون بعدها ... ونفسي إلى خمسٍ وستّ تطلّعُ
ولا غَرْو أن آتي هُنيدة سالمًا ... فقد يُدرك الإِنْسَان ما يتوقعُ
وقد كَانَ في عصري رجالٌ عرفتهم ... حُبُوها وبالآمال فيها تمتعوا
وما عافَ قبلي عاقلٌ طول عُمره ... ولا لامه مَنْ فيه للعَقْل مَوْضعُ
وقال الحافظ ابن نُقطة: كَانَ الكِندي مُكرِمًا للغرباء، حسن الْأخلاق، فيه مزاح، وَكَانَ من أبناء الدُّنْيَا المشتغلين بها وبإيثار مُجالسة أهلها. وَكَانَ ثقةً في الحديث والقراءات، صحيح السّماع، سامحه اللَّه!.
وَقَالَ الإِمَام موفّق الدين: كَانَ الكِندي إمامًا في القراءة والعربية، انتهى إِلَيْهِ عُلُوّ الإسناد في الحديث. وانتقل إلى مذهب أَبِي حنيفة من أجل الدُّنْيَا إلا أَنَّهُ كَانَ عَلَى السُّنّة، وصّى إليَّ بالصلاة عَلَيْهِ والوقوف عَلَى دفنه، ففعلت ذَلِكَ.
وللسخاوي فيه:
لم يكن في عصر عمرٍو مثلُه ... وكذا الكِندي في آخر عصْرِ
فهما زيدٌ وَعَمْرو إنما ... بُني النَّحْو على زَيْدٍ وعَمرِو
ولأبي شجاع ابن الدَّهَّان الفرضي فيه:
يا زيدُ زادكَ ربي مِنْ مواهبِهِ ... نُعمى يُقصِّر عن إدراكها الأملُ
لَا بدّل اللَّه حالًا قد حَباك بها ... ما دار بينَ النُّحاة الحالُ والبَدَلُ
النحْو أَنْتَ أحقُّ العالمين بِهِ ... أليس باسمك فيه يُضرَب المثلُ؟
وَقَالَ جمال الدين القِفطي: أَبُو اليُمن الكِندي آخر ما كَانَ ببَغْدَاد سنة [ص:370] ثلاثٍ وستين وخمسمائة، واستوطن حلب مُدَّة، وصحب بها الْأمير بدر الدين حسَن ابن الدَّاية النُّوري واليها. وَكَانَ يبتاع الخَليع من الملبوس ويتَّجر بِهِ إلى بَلَد الرُّوم. ثُمَّ نزل دمشق، وصحِب عزّ الدين فرُّوخ شاه، واختص بِهِ، وسافر معه إلى مِصْر، واقتنى من كُتُب خزائنها عندما أُبيعت. ثُمَّ استوطن دمشق وقصده الناسُ. وَكَانَ ليِّنًا في الرواية معجَبًا بنفسه فيما يذكره ويرويه، وَإِذَا نوظر جَبّه بالقَبيح، ولم يكن موفّق القلم، رَأَيْت لَهُ أشياء باردة. قَالَ: واشتهر عَنْهُ أَنَّهُ لم يكن صحيح العقيدة.
قُلْتُ: قوله: لم يكن صحيح العقيدة، فيه نظر إِلَّا أن يكون أراد أَنَّهُ عَلَى عقيدة الحنابلة، فاللَّه أعلم.
وَقَالَ الموفّق عَبْد اللطيف: اجتمعتُ بالكِندي النَّحْوِيّ، وجرى بيننا مباحثات. وَكَانَ شيخًا بهيًّا، ذكيًا، مُثريًا، لَهُ جانب من السُّلْطَان، لكنّه كَانَ معجبًا بنفسه، مؤذيًا لجليسه.
قُلْتُ: لِأَنَّهُ آذاه ولقبه بالمطحن.
قَالَ: وجرت بيننا مباحثات فأظهرني اللَّه عَلَيْهِ في مسائل كثيرة، ثُمَّ إني أهملت جانبه!
وَقَالَ أَبُو الطاهر الْأَنْمَاطِي: تُوُفِّي الكِندي في خامس ساعة من يوم الإثنين سادس شوال، وصلّى عَلَيْهِ بجامع دمشق بعد صلاة العصر القاضي ابن الحَرَستاني، وبظاهر باب الفراديس الحُصْري الحَنَفِيّ، وبالجبل الشَّيْخ الموفَّق، ودُفن بتُربة لَهُ، وعُقد العزاء لَهُ تحت النَّسر يومين، وانقطع بموته إسناد عظيم وكُتُب كثيرة.(13/364)
144 - سَعِيد بن حمزة بن أَحْمَد بن الحَسَن، أَبُو الغنائم النِّيلي الكاتب. [المتوفى: 613 هـ]
وُلِدَ بالنيل من العراق سنة ثماني عشرة وخمسمائة، وسمع بحكم الاتّفاق من هبة اللَّه بن أَحْمَد الشّبليّ، وَمُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن الحَرَّاني. [ص:371]
وَلَهُ شعرٌ كثيرٌ؛ مدح الْأمراء والوُلاة، ودخل الرومَ وَالشَّام؛ رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، وغيره. وأنشد الدُّبَيْثِي من شِعره:
يا شائمَ البرقِ مِنْ شَرقي كاظِمةٍ ... يبدو مِرارًا وتُخفيه الدياجيرُ
سلَّم عَلَى الدّوحة الغنَاء مِنْ سَلَمٍ ... وعَفِّر الخدّ إنْ لاح اليعافيرُ
واستخبر الجؤذُر الساجي اللَّحاظ أخا الـ ... ـتعذير هَلْ عاقه عنّا معاذيرُ؟
تُوُفِّي ببَغْدَاد في رمضان.(13/370)
145 - شجاع بن مُفَرّج بن قُصّة، أَبُو مُحَمَّد المَقْدِسِيّ الجَبَلي، [المتوفى: 613 هـ]
من أهل جبل قاسيون.
سَمِعَ من أبي المعالي بن صابر، وغيره. روى عَنْهُ الحَافِظ الضِّيَاء، والفخر عَليّ، وَالشَّيْخ شمس الدين عَبْد الرَّحْمَن، وَتُوُفِّي في شوال بقاسيون.(13/371)
146 - شاكر بن أَبِي بَكْر أَحْمَد بن مُحَمَّد الحَرِيميّ الخَيَّاط، ابن صُدَيقات. [المتوفى: 613 هـ]
حَدَّثَ عن أَبِي عَليّ أَحْمَد بن أَحْمَد الخرَّاز، وَتُوُفِّي في رمضان.(13/371)
147 - صَدَقة بن عَليّ بن مسعود، أَبُو المواهب ابن الْأوسي الضرير المُقْرِئ ببَغْدَاد. [المتوفى: 613 هـ]
سَمِعَ من ابن البطي. وذكَرَ أنه سمع من أحمد ابن الطَّلّاية، وأنه قرأ القرآن عَلَى أَبِي الْحَسَن عَليّ بْن أَحْمَد اليَزدِي.
مات في آخر المُحرّم.
رَوَى عَنْهُ ابن النَّجَّار.(13/371)
148 - صدقة بن المبارك بن سَعِيد بن ثابت، أَبُو الفضل الهُمامي التَّاجر العَدْل. [المتوفى: 613 هـ]
حَدَّثَ عَن يَحْيَى بن ثابت، وغيره، وَتُوُفِّي في المحرم.(13/372)
149 - ضوء الصباح بنت المحدِّث أَبِي بَكْر المبارك بن كامل الخفاف، واسمها: لامعة، وَقِيلَ: نور العين. [المتوفى: 613 هـ]
ولدت سنة ثلاثٍ وثلاثين، وسمّعها أبوها من عُمَر بن حَمد البَنْدَنِيجِيّ، وأبي سَعْد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، وأبي غالب مُحَمَّد ابن الدّاية، والأُرْموي، وجماعةٍ. رَوَى عَنْهَا الدُّبَيْثِي، وابنُ خليل، وغيرهما، وَتُوُفِّيت في ذي الحجة.
وعُمر بن حَمْد، هذا، روى عن أبي القاسم ابن البُسْري.(13/372)
150 - ظاعن بن مُحَمَّد بن حسن، عفيف الدين أبو الحسن، أبو الرحّال. [المتوفى: 613 هـ]
روى عن السِّلَفيّ. رَوَى عَنْهُ القوصيّ، لقيه بمِنى، وَقَالَ: تُوُفِّي بمصر عن ثلاثٍ وستين سنة.(13/372)
151 - عَبْد اللَّه بن جَعْفَر بن هبة اللَّه بن مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه، الشريف أَبُو طاهر العَلَوي الحُسَيْني الكُوفِيّ. [المتوفى: 613 هـ]
سَمِعَ أَحْمَد بن يحيى بن ناقة، وَيَحْيَى بن ثابت، وَحَدَّثَ؛ رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ المُنْذِريّ، وَتُوُفِّي بالقاهرة في رمضان.
وَكَانَ كثير الْأسفار والتطواف. لَهُ شعر، وخالطَ رؤساء مِصْر، ومدحَ جماعةً، ونال دُنيا، وعاش ثمانين سنة.(13/372)
152 - عَبْد اللَّه بن الحُسَيْن بن صَدَقة، أَبُو الْقَاسِم البَغْدَادِيّ الوزّان، المعروف بعَسامة. [المتوفى: 613 هـ][ص:373]
حَدَّث عن ابن ناصر، وَتُوُفِّي في شعبان.(13/372)
153 - عَبْد اللَّه بن عَمْرو بن مُحَمَّد بن يوسف، أَبُو مُحَمَّد الخَزْرَجي القُرْطُبيّ ثُمَّ التِّلِمْساني. [المتوفى: 613 هـ]
قال الأبار: سمع من أبي عبد الله بن خليل القَيْسِيّ، وأبي مُحَمَّد بن وهْب القُضاعي، بسَبْتة، وأخذ عَنْهُ القراءات، والعربية. وَكَانَ أديبًا بليغًا، كاتبًا. تُوُفِّي في رمضان.(13/373)
154 - عَبْد اللَّه بْنِ مُحَمَّد بْنِ عَليّ بْنِ إِبْرَاهِيم بن مَحفوظ، أَبُو بَكْر السُّلمي الآمدي ثُمَّ البَغْدَادِيّ، المعروف بابن الفَرَّاء. [المتوفى: 613 هـ]
سَمِعَ مَعَ عمّه إبراهيم من أبي الوقت، وأبي بكر ابن الزاغواني، وَمُحَمَّد بن عُبيد اللَّه الرُّطَبي، وَأَبِي جَعْفَر العَبَّاسيّ، وَتُوُفِّي في شوال.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، وَالزَّكيّ البِرزالي، وابن النَّجَّار.
ورِث ثلاثين ألف دينار فنذرها، وارتكب محظورات حَتَّى انكشف حاله وسَأَلَ، ثُمَّ انقطع مَعَ الفُقراء بالجامع، وحسُنت طريقته؛ قَالَه ابن النَّجَّار.(13/373)
155 - عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن مُجَلَّي بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن الْحَارِث، القاضي ثقةُ المُلك أَبُو مُحَمَّد ابن القاضي أَبِي الحَسَن، الرَّملي الْأصل المَصْرِيّ الشَّافِعِيّ الخطيب، [المتوفى: 613 هـ]
الحاكم بمصر.
سَمِعَ من عَبْد اللَّه بن رِفاعة، والشريف ناصر ابن الخطيب.
ونابَ في القضاء عن صدر الدين عَبْد الملك بن دِرباس بمصر، ونابَ أَيْضًا عن قاضي القضاة أَبِي الْقَاسِم عَبْد الرَّحْمَن بن عَبْد العلي. ووليَ خطابة الجِيزة.
قَالَ الزَّكيّ المُنْذِريّ: سمعتُ منه، وَسَمِعَ منه جماعة من شيوخنا ورفقائنا، وَأَخْبَرَنِي أن مولده سنة إحدى وأربعين وخمسمائة. وَكَانَ جدّهم أَبُو المعالي المُجَلّي عاقد الْأنكحة بالرَّملة.
قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا الزَّكيّ البِرزالي، وَالزَّكيّ عَبْد العظيم، وَمُحَمَّد بن عَبْد المنعم الخِيمي الشاعر، والشّرف عُمَر بن صالح السُّبْكي الحاكم، والشرف [ص:374] عَبْد الرَّحْمَن بْن المظفَّر بن عبد الله المعروف والده بالمُقترَح، وآخرون، وتوفي في ثامن عشر ذي الحجة، بمصر.(13/373)
156 - عَبْد الحَكَم بن إِبْرَاهِيم بن منصور بن المُسَلَّم، الفقيه الخطيب أَبُو مُحَمَّد ابن الإِمَام أَبِي إِسْحَاق، [المتوفى: 613 هـ]
المعروف والده بالعراقيّ.
اشتغل عَلَى والده بمصر، وقرأ الْأدب، وَقَالَ الشعر الجيّد، وأنشأ الخُطب الكثيرة الحسنة، ونابَ عن والده في الخطابة والإمامة بجامع مِصْر، واستقلّ بعده بِهِ.
رَوَى عَنْهُ من نظْمِه الحَافِظ عَبْد العظيم، وَقَالَ: تُوُفِّي في شعبان، وَلَهُ خمسون سنة.(13/374)
157 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عَليّ بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن، أَبُو مُحَمَّد الزُّهري الإشبيليّ، [المتوفى: 613 هـ]
مسند الْأنْدَلُس في زمانه.
سَمِعَ من أبيه القاضي أَبِي الحَسَن. وَسَمِعَ " صحيح " البُخَارِي في سنة أربع وثلاثين وخمسمائة من أَبِي الحَسَن شُريح بن مُحَمَّد، وطالَ عمره حَتَّى انفرد بالسّماع في الدُّنْيَا عن شُريح.
قَالَ الْأبَّار: كثيرًا ما كَانَ شيخنا أَبُو الخطّاب بن واجب يحرضني عَلَى الرّحلة إلى لقائه، فلم يُقدَّر ذَلِكَ، سَمِعَ منه جماعة من أصحابنا، وتنافسوا في الأخْذ عَنْهُ، وَتُوُفِّي في آخر سنة ثلاث عشرة.
قَالَ ابن مُسْدي: سَمِعَ بإفادة أَبِيهِ، ومولده قبل الثلاثين وخمسمائة، وأجاز لي غير مرة، وَتُوُفِّي سنة خمس عشرة، كذا قَالَ ابن مُسْدي.
وأما شُريح فروى " البُخَارِي " عن أَبِيهِ وابن منظور بسماعهما من أبي ذر.(13/374)
158 - عبد السلام بن عبد الناصر بن عبد المحسن، أبو محمد التِّنِّيسي السعدي المقرئ، المعروف بابن عُديسة، [المتوفى: 613 هـ]
نزيل دمياط. [ص:375]
قال المنذري: قرأ القرآن بالقراءات عَلَى الشريف أَبِي الفتوح ناصر بن الحَسَن الخطيب بمصر. وأقرأ بدمياط مُدَّة، قرأ عَلَيْهِ غير واحد من الفُضلاء، تُوُفِّي في هذه السنة.(13/374)
159 - عَبْد المجيد ابن الفقيه عَبْد الدائم بن عُمَر بن حُسين، الشَّيْخ الزاهد أَبُو الفضل الكِنَاني العَسْقلاني. [المتوفى: 613 هـ]
ولد بعَسْقلان سنة سبع وأربعين وخمسمائة في صفر، وجاور بمَكَّة أكثر زمانه، وحج خمسين حَجة، ثُمَّ قدم مِصْر، وبها تُوُفِّي في شعبان.
رَوَى عن عُمَر الميانشي، وَعَنْهُ الحَافِظ عَبْد العظيم.(13/375)
160 - عَبْد المُحسن بن أَبِي الْقَاسِم بن عَبْد المنعم بن إِبْرَاهِيم بن يَحْيَى، رشيد الدين أَبُو مُحَمَّد ابن النقار المِصري الصُّوفِيّ. [المتوفى: 613 هـ]
وُلد سنة بضعٍ وأربعين، وَسَمِعَ من أبي طاهر السِّلَفيّ.
رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ عَبْد العظيم، وَقَالَ: كَانَ شيخًا حسنًا، مشهورًا بالتصوُّف، صحب جماعةً من الصالحين، وَهُوَ أخو عَبْد العزيز. تُوُفِّي في سَلْخ رجب.(13/375)
161 - عَبْد الواحد بن إسْمَاعِيل بن ظافر، الإِمَام صائن الدين، أَبُو مُحَمَّد الدمياطي الشَّافِعِيّ المتكلم. [المتوفى: 613 هـ]
نزل دمشق، ودرّس بها، بالْأمينية، وأعاد، وأفاد.
سَمِعَ من السِّلَفيّ، وأحمد وَمُحَمَّد ابني عَبْد الرَّحْمَن الحَضْرَمي، وَعَبْد اللَّه بن بَرّي النَّحْوِيّ. ورحل إلى إصبهان وَسَمِعَ من أَحْمَد بن أَبِي منصور التُّرك، وغيره، رَوَى عَنْهُ الضِّيَاء، وَالزَّكيّ البِرزالي، وَالزَّكيّ المُنْذِريّ، والشهاب القوصي، وجماعةٌ آخرهم الفخر عَليّ المَقْدِسِيّ.
وَتُوُفِّي في السابع والعشرين من ربيع الْأَوَّل بدمشق. وذكر أَنَّ مولده ظنًّا في سنة ست وخمسين وخمسمائة.(13/375)
162 - عبد الوهاب بن عبد الله بن علي، الوزير جمال الدين أَبُو مُحَمَّد ابن الصاحب الوزير صفي الدين ابن شُكر. [المتوفى: 613 هـ]
سَمِعَ من حَنْبَل، وابن طَبَرْزَد، وجماعة، ووَزَرَ للملك المعظَّم عيسى، وَكَانَ كثير الصّدَقات.
تُوُفِّي في ربيع الآخر شابًّا.(13/376)
163 - عَليّ بن ظافر بن حُسين، الفقيه جمال الدين أَبُو الحَسَن الْأَزْدِيّ المَصْرِيّ المالكي، ابن العلّامة أَبِي المنصور. [المتوفى: 613 هـ]
وُلِدَ سنة سبعٍ وستين، وتَفَقَّه عَلَى والده، وقرأ عَلَيْهِ الْأصول، وقرأ الْأدب، وبَرَع مَعَ هذه الفضائل في معرفة التاريخ، وأخبار الملوك، وحفِظ من ذَلِكَ جملةً وافرةً. ودرَّس بمدرسة المالكية بمصر بعد أَبِيهِ، وتَرَسّل إلى الديوان العزيز، وولي وزارة المَلِك الْأشرف، ثُمَّ انفصل عَنْهُ، وَقَدِمَ مِصْر، وولي وكالة السلطنة مُدّةً.
قَالَ الزَّكيّ المُنْذِريّ: كَانَ متوقّد الخاطر، طَلْق العبارة. وَكَانَ مَعَ تعلّقهِ بالدنيا لَهُ ميلٌ كثيرٌ إلى أهل الآخرة، محبًا لأهل الدين والصَّلاح، وَلَهُ مصنفات حسنة منها كتاب " الدول المُنقَطِعة "، وَهُوَ كتاب مفيد في بابه جدًّا، ومنها كتاب " بدائع البدائه "، وأقبل في آخر عُمره عَلَى السُّنة النبوية، ومطالعتها، وإدمان النظر فيها. وَحَدَّثَ بشيء من شعره. سمعتُ منه.
قُلْتُ: وأخذَ عَنْه من شعره الشهاب القوصيّ، وغيره. عاش ثمانيًا وأربعين سنة.
ومن تواليفه كتاب " أخبار الشجعان "، وكتاب " أخبار الملوك السلجوقية " وكتاب " أساس السياسة "، رحمه اللَّه.(13/376)
164 - عُمر بن أَحْمَد بن مِهران، العلامة أَبُو حفص الضرير النَّحْوِيّ العراقيّ السَّوادي، وَيُقَال لَهُ أَيْضًا: العَسْفَني، [المتوفى: 613 هـ][ص:377]
نسبة إلى عَيْن سفنة، قرية بنواحي المَوْصل.
نشأ بالمَوْصل، وحفظ بها القرآن، وتأدبّ عَلَى مكي بن ريان، وصار أنحى أهل عصره، وأتقن العَروض والشعر واللغة، وتصدّر للإفادة بعد شيخه، وتخرّج بِهِ أئمة. وَكَانَ مُفرِط الذكاء، وَكَانَ يدرّس مذهب الشَّافِعِيّ.
تُوُفِّي يوم عيد الفِطر من السَّنة.(13/376)
165 - عُمَر بن أَبِي المجد محمد بن عُمر البغدادي، أبو حفص ابن المُزارع. [المتوفى: 613 هـ]
روى عن أبي الفَتْح ابن البطّي، ومات في رجب.(13/377)
166 - عيسى ين يوسف بن إسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، الشَّيْخ المُقْرِئ الزاهد أَبُو موسى، وَأَبُو الفضل المَقْدِسِيّ ثُمَّ البِلْبِيسي. [المتوفى: 613 هـ]
صحبَ جماعةً من الصالحين منهم الشَّيْخ ربيع، وقرأ القراءات عَلَى الإِمَام أَبِي الْقَاسِم بن فِيرُّه الشاطبيّ. قرأ عَلَيْهِ الإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه الفاسيّ، نزيل حلب ومقرئها.
سكن مِصْر مُدَّة، وأقرأ بها، ثُمَّ سافر إلى الإسكندرية فتوفي بها في شعبان. وَرَوَى عَنْهُ الزكي عبد العظيم، وهو من شيوخه.(13/377)
167 - غازي بن يوسُف بن أيوبَ بن شاذي ابن الْأمير يعقوب، السُّلْطَان الملك الظاهر غياثُ الدين أَبُو منصور ابن السُّلْطَان صلاح الدين التَّكْرِيتيّ ثُمَّ المَصْرِيّ، [المتوفى: 613 هـ]
صاحبُ حلب.
وُلِدَ بمصر في رمضان سنة ثمان وستين وخمسمائة، وسمع بالإسكندرية [ص:378] من الفقيه أَبِي الطاهر بن عَوْف. وبمصر من عَبْد اللَّه بن برّي النَّحْوِيّ. وبدمشق من الفضل بن الحُسَيْن البانياسيّ، وَحَدَّثَ بحلب. ووليَ سلطنتها ثلاثين سنة.
قَالَ الموفّق عَبْد اللطيف: كَانَ جميل الصُّورة، رائع الملاحة، موصوفًا بالجَمال في صِغره وفي كِبَره، وَكَانَ لَهُ غَورٌ ودهاءٌ ومكرٌ؛ وأعظم دليل عَلَى دهائه مقاومته لعمّه الملك العادل، وَكَانَ لَا يُخْليه يومًا من خوفٍ، وشغْل قلبٍ. وَكَانَ يصادق ملوك الْأطراف ويباطنهم ويلاطفهم، ويوهمهم أَنَّهُ لولا هُوَ لقد كَانَ العادل يَقصدهم، ويُوهِم عمّه أَنَّهُ لولا هُوَ لم يُطعه أحدٌ من المُلوك ولكاشفوه بالشِّقاق، فَكَانَ بهذا التدبير يستولي عَلَى الجهتين، ويستعبد الفريقين، ويشغل بعضهم ببعض. وَكَانَ كريمًا مِعطاءً، يَغْمر الملوك بالتُّحف، والرّسل بالنُّحْل، والشُّعراء والقُصّاد بالصلات. وتزوج بابنة العادل وماتت معه، ثُمَّ تزوّج بأختها، فَكَانَ لَهُ عَرسٌ مشهودٌ، وجاءت منه بالملك العزيز في أَوَّل سنة عشرٍ، وأظهر السُّرور بولادته، وبقيت حلب مُزيَّنة شهرين، وَالنَّاس في أكلٍ وشُربٍ، ولم يُبق صِنفًا من أصناف النَّاس إِلَّا أفاض عليهم النّعم، ووصلهم بالإحسان، وسيَّر إلى المدارس والخوانك الغَنَم وَالذَّهَب، وأمرهم أن يعملوا الولائم، ثُمَّ فعل ذَلِكَ مَعَ الْأجناد والغِلمان والخدم، وعمل للنساء دعوةً مشهودةً أُغلقت لها المدينة. وأما داره بالقلعة فزّينها بالجواهر وأواني الذَّهَب الكثيرة، وَكَانَ حين أمر بحفر الخراب حول القلعة وجد عشرين لَبِنة ذهب فيها قنطار بالحلبي، فعمِل منها أربعين قَشْوةً بحُقاقِها، وخَتَن ولده الْأكبر أَحْمَد، وختنَ معه جماعة من أولاد المدينة، وقُدِّم لَهُ تقادم جليلة فلم يقبل منها شيئًا رِفقًا بهم، لكن قبِل قطعةَ سمندل طول ذراعين في ذراع، فغمّسوها في الزّيت وأوقدوها حَتَّى نفد الزّيت، وَهِيَ ترجع بيضاء فالتهوا بها عن جميع ما حضر.
وَكَانَ عنده من أولاد أَبِيهِ وأولاد أولادهم مائة وخمسة وعشرون نفْسًا، وزوّج الذكور منهم بالإناث، وعقد في يومٍ واحدٍ خمسة وعشرين عَقدًا بينهم، ثُمَّ صار كل ليلةٍ يعمل عُرسًا ويحتفل لَهُ، وبقي عَلَى ذَلِكَ مُدَّة رجب وشعبان ورمضان. وَكَانَ بينه وبين سُلطان الروم عزّ الدين كيكاوس بن كَيْخُسرو صداقةً [ص:379] مؤكدة ومراسلات، ومرض نيّفًا وعشرين يومًا، وأوصى أن يكون الخادم طغريل دِزْدار القلعة، وأن يكون شمس الدين ابن أَبِي يَعْلَى المَوْصِليّ وزيرًا كما كَانَ، ولا يخرج أحد عن أمره، وسيف الدين ابن جَنْدر أتابَك الجيش. وَكَانَ القاضي بهاء الدين ابن شدّاد مُسافرًا إلى العادل بمصر، فقدِم بعد ثلاثٍ، فحلّ جميع ذَلِكَ بالتدريج والخِفْية، وأعانه مرض الوزير، فَلَمَّا عُوفيَ وجد الْأمور مختلفة، فسافر إلى الروم ثُمَّ انتكس ومرض، ومات في السنة.
وأما ابن جَنْدَر فنزل عن الْأتابكية، وجعلوها للملك المنصور؛ يعني الَّذِي كَانَ تَسَلْطَن بمصر بعد والده العزيز.
قَالَ: فبقي أيامًا وعزلوه، ثُمَّ ولّوه، ثُمَّ عزلوه غير مرة. وتلاعبت بهم الآراء، وَكَانَ قصدهم أن يكون الطّواشيّ شهاب الدين طُغريل هُوَ الْأتابك، فسعوا إلى أن تمّ ذَلِكَ، ثُمَّ اتفقوا أن يحكم عليهم خادم، فاختلفت نياتهم. ورأوا أن يملّكوا الملك الْأفضل عَليّ ابن صلاح الدين، وعزم الْأمراء عَلَى التَّوثّب بحلب، ثُمَّ قوي أمر طُغريل وثبت، وقد همّوا بقتله مرات ووقاه اللَّه، ولو ساق الْأفضل لمَلَكَ حلب ولَما اختلف عَلَيْهِ اثنان؛ لكنه كاتَبَ عزّ الدين صاحب الرّوم وحسّن لَهُ أن يقصد حلب، فحشد وقصدها، ونازل تلّ باشِر، فأخذها، وأخذ عَيْن تاب، ورَعْبان، ومنبج، وكاتبه أكثر رؤساء حلب والْأمراء. فَلَمَّا رَأَى طُغريل والخواصّ ذَلِكَ، طلبوا الملك الْأشرف، فجاء ونزل بظاهر حلب، مَعَ شدَّة خوف. وجاءت طائفة من العرب ومعهم عسْكر يتولعون بعسكر الروم، فسيَّر إليهم عزٌّ الدين كُبراء دولته، فساقوا بجَهْل، وأمعنوا إلى بُزاعة في تِلْكَ البرِّيّة، فخارت قواهم وذبلت خيلهم، واختطفتهم العرب سبايا كما تُؤخذ النّساء، فخار قلب عَزَّ الدين، ورجع إلى تل باشِر، ثُمَّ إلى بلاده، ولحِقه غَبَنٌ وأسفٌ حَتَّى مرض ومات. وأما الملك الْأشرف فَإِنَّهُ تمكن من أموال حلب ورجالها وقَوِي بذلك عَلَى المَوْصل وسِنجار، وعظُم عند ملوك الشرق.
قُلْتُ: قد ذكرت في الحوادث أَنَّ الظاهر قَدِمَ دمشق وحاصرها غير مرة [ص:380] مَعَ أخيه الْأفضل، وحاصر مَنْبج وأخذها، وكذلك قلعة نُعْم، ثُمَّ حاصر حماة، وغير ذَلِكَ.
وَكَانَ ذا شجاعة وإقدام. وَكَانَ سفّاكًا للدماء في أوائل أمره، ثُمَّ قصر عن ذَلِكَ وأحسن إلى الرّعية. وَكَانَ ذكيًا فطِنًا، حسَن النادرة؛ قَالَ لَهُ الحِلِّيّ الشَّاعِر مرةُ في المنادمة وَهُوَ يعبث بِهِ ورادٌّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: انظم؟! يتهدّده بالهَجْو، فَقَالَ السُّلْطَان: أنثُر؛ وأشار إلى السيف.
وقال أبو المظفّر سِبط ابن الْجَوْزيّ: كَانَ الظاهر مَهيبًا، لَهُ سياسة وفِطنة، ودولته معمورة بالعُلماء والفُضلاء، مزيّنةٌ بالملوك والْأمراء. وَكَانَ مُحسنًا إلى الرعية وإلى الوافدين عَلَيْهِ، حضر مُعظم غزوات أَبِيهِ، وانضم إِلَيْهِ إخوته وأقاربه، وكان يزور الصالحين ويفتقدهم. وَكَانَ يتوقد ذكاءً وفطنة. تُوُفِّي في العشرين من جُمَادَى الآخرة بعلَّة الّذرب، وقام بأمر ابنه طُغريل أتابك العَسْكَر أحسن قيام.
وَقَالَ أَبُو شامة: أوصى في مرضه بالسلطنة لابنه مُحَمَّد؛ لِأَنَّهُ كَانَ من بنت عمّه الملك العادل، وطلب بذلك استمرار الْأمر لَهُ لأجل جَدّه وأخواله، وجعل الْأمر من بعده لولده الْأكبر أَحْمَد، ثُمَّ من بعده الملك المنصور مُحَمَّد ابن الملك العزيز عُثْمَان، أخيه، وفوّض القلعة إلى طُغريل خادم روميٍّ أبيض، وَكَانَ مشتهرًا بالزهد، فصار لَهُ عنده مكانة. وعاش الظاهر خمسًا وأربعين سنة، ونُقل فدفن بمدرسته التي أنشأها بحلب.
قَالَ ابن واصل: لَمَّا اشتد بِهِ المرض، قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يفيق ويتشَّهد وَيَقُولُ: " مَا أَغْنَى عَنِّي مالِيَه هَلَكَ عَنِّي سُلطانِيَه " اللَّهمَّ بك أستجير، وبرحمتك أثق. وَلَمَّا مات كُتم خبره حَتَّى دُفن بالقلعة، وسكن النَّاس. ثُمَّ أخرج الْأتابك طُغريل ولديه من باب القلعة وعليهما السواد، فَلَمَّا رآهما الْأمراء وقعوا عن خيولهم وكشفوا رؤوسهم، وقُطعت الشعور، وضجّوا ضجَّةً واحدة، وفعل ذَلِكَ مماليكه، وَكَانَ منظرًا فظيعًا. ثُمَّ ركب الْأخوان الملك العزيز [ص:381] والملك الصالح بأُبّهة المُلْك، وحمل الْأمير ابن جَنْدر بين أيديهما الغاشية، وأقبل الْأمراء وأولاد الملوك يقبّلون أيديهما، ثُمَّ ردّا إلى القلعة، وكثر النوح والبكاء.(13/377)
168 - غَلْبون بْن مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز بْن فَتْحون بن غَلْبون، أَبُو مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ المُرسي. [المتوفى: 613 هـ]
سَمِعَ من أَبِي الْحَسَن بْن هُذيل، وَأَبِي عَليّ بن عَريب، وأخذ عنهما القراءات. وسمع أَيْضًا من أَبِي عَبْد اللَّه بْن سَعادة، وأبي مُحَمَّد بْن عاشر، وجماعة.
وتصدّر للإقراء، وشُهر بذلك، وأخذَ عَنْهُ النَّاس. وشارك في العربية والآداب. وَكَانَ من أهل الفضل والجلالة والإتقان، حمل عَنْهُ جماعةٌ.
وُلِدَ سنة ستٍّ وأربعين وخمسمائة، وَتُوُفِّي في رابع عشر ربيع الآخر.
قَالَ الأبّار: أجاز لنا ما رواه.(13/381)
169 - فاطمة بنت الإِمَام أَبِي الْقَاسِم عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن غالب القُرطبي الشَّرّاط، أمّ الفتح. [المتوفى: 613 هـ]
قَالَ الْأبَّار: ختمتْ عَلَى أبيها قراءة نافع، وحفظت عليه " الشهاب " للقُضاعي، و" التنبيه " لمكي، و" مختصر " الطليطلي، وقابلت معه " صحيح " مسلم، و" السيرة " لابن إسحاق، و" الكامل " للمُبرِّد، و" النوادر " لأبي عَليّ، وسمِعَتْ منه كثيرًا، وقرأت القرآن أَيْضًا عَلَى أَبِي عَبْد الله الْأندوجري الزاهد، وَأَبِي عَبْد اللَّه بن المفضَّل الضرير. سَمِعَ منها ابنها الإمام أبو القاسم ابن الطَّيْلَسَان، وقرأ عليها لِوَرْش.(13/381)
170 - فضل اللَّه بن أَبِي الرشيد بن أَحْمَد، جمال الإِسْلَام أَبوْ نَجيح الجوزداني الإصبهاني. [المتوفى: 613 هـ]
وُلِدَ سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، وَسَمِعَ حُضورًا في سنة اثنتين وثلاثين من الحَافِظ إسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الطَّلْحي. رَوَى عَنْهُ الضياء، وبالإجازة الفَخْر عليٌّ، وَأَحْمَد بن شَيْبَان، وجماعة، ومات بشيراز.(13/381)
171 - مُحَمَّد بن أَحْمَد بن عَليّ بن خَالِد، الفقيه أَبُو عَبْد اللَّه البُخَارِي الْأوشي الحَنَفي. [المتوفى: 613 هـ]
سَمِعَ من أَبِي حفص عُمَر بن مُحَمَّد الزَّرَنْجَري الفقيه؛ وَحَدَّثَ ببَغْدَاد عَنْهُ.
وَكَانَ من كبار حنفية بُخارى.
وأُوْش: بُلَيدة من أعمال فَرْغانة، وزَرَنْجَرى: من قرى بُخَارَى.
تُوُفِّي هَذَا في أوائل صفر.(13/382)
172 - مُحَمَّد بن أَبِي جَعْفَر أَحْمَد بن مُحَمَّد بن أَحْمَد بن فُطَيس، الطبيب الْأديب اللُّغَويّ أَبُو عَبْد اللَّه الغافقيّ الْألبيريّ ثُمَّ الغَرناطي المعمَّر. [المتوفى: 613 هـ]
ذكره ابن مُسدي في " معجمه " وَقَالَ: جَدّه الْأعلى كَانَ شيخ المالكية.
وألبيرة كانت مدينة عظيمة، غَرناطة من قُراها، فصارت غَرناطة هي أم الناحية.
قال: كان شيخنا هَذَا رأسًا في علم الطب، وكانت عنده رواية عالية. سَمِعَ من أَحْمَد بن عَليّ بن زَرقون الباجي المُرسي المُقْرِئ، وَهُوَ آخر من رَوَى عَنْهُ، ومن أَبِي بَكْر ابن العربي، والقاضي عِياض، وَهُوَ آخر من رَوَى عَنْهُ بالسماع، ومن جماعة، لكنه كَانَ بخيلًا بالسّماع. وأخذ القراءات عن أَبِي عَبْد اللَّه بن أيمن السَّعْدي. مولده عَلَى رأس العَشْر وخمسمائة، وعاش مائة وثلاث سنين ممتَّعًا بحواسّه، مسموع القول إلى حين وفاته. عَرضْت عَلَيْهِ كثيرًا من محفوظاتي.(13/382)
173 - مُحَمَّد بن أَبِي حامد بن عيسى الحريميّ الرُّصافي المُقْرِئ، المعروف بابن الفقيه. [المتوفى: 613 هـ]
روى عن أبي الفتح ابن البطي، وغيره، ومات فِي جُمَادَى الآخرة.(13/382)
174 - مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن أَبِي الفضل، الإِمَام معين الدين أَبُو حامد السهلي الجاجَرْمي الشَّافِعِيّ. [المتوفى: 613 هـ]
كَانَ إمامًا مُفتيًا مصنِّفًا مشهورًا؛ صنّف في الفقه كتاب " الكِفاية "، وكتاب " إيضاح الوَجيز ". وَلَهُ طريقة في الخِلاف والقواعد، مشهور به.
وجاجَرْم بَلْدة بين نَيْسَابُور وجُرجان.
سكن هَذَا نَيْسَابُور ودرّس بها، وتوفي في حادي عشري رجب، وَتُوُفِّي في الكهولة.
وقد حَدَّثَ عن عَبْد المنعم بن عَبْد اللَّه الفُرَاوي؛ رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ البِرزالي، وغيره.(13/383)
175 - مُحَمَّد بن الحَسَن بن مُحَمَّد بن عَبْد الله، القاضي الأسعد، أبو عبيد اللَّه ابن القاضي رضيّ الدولة العامريّ المَقْدِسِيّ ثُمَّ المَصْرِيّ المالكي المعدَّل، المعروف بابن القَطَّان. [المتوفى: 613 هـ]
سَمِعَ من عَبْد اللَّه بن رفاعة، والشريف ناصر بن الحَسَن الخطيب، وأحمد بن الحُطيئة، وأبي طاهر السلفي، وأبي القاسم ابن عساكر الحَافِظ. ووليَ الْأوقاف بمصر.
رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ المُنْذِريّ، وغيره، وَتُوُفِّي في سادس شعبان عن سبع وسبعين سنة.(13/383)
176 - محمد ابن الحَافِظ عَبْد الغَنِيّ بْن عَبْد الواحد بْن عَليّ بن سرور، الحَافِظ المفيد عزّ الدين أَبُو الفتح المَقْدِسِيّ الْجَمّاعيليُّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيّ. [المتوفى: 613 هـ]
وُلِدَ بدير المقادسة في سنة ست وستين وخمسمائة، في أحد الربيعين، وارتحل إلى بَغْدَاد وَلَهُ أربع عشرة سنة، فسمع بها من أَبِي الفتح بن شاتيل، وَأَبِي السعادات القَزَّاز، ويوسف العاقولي، وطبقتهم. وتفقه على أبي الفتح ابن المَنّي، وَسَمِعَ بدمشق من أَبِي المعالي بْن صابر، وَمُحَمَّد بْن حمزة القُرشي، والخَضِر بن طاوس، والفضل بن الحُسين البانياسي، وجماعة. وَأَوَّل شيخ [ص:384] سَمِعَ منه أَبُو الفَهْم عَبْد الرَّحْمَن بن أَبِي العجائز الْأَزْدِيّ.
قَالَ ابن النَّجَّار: سمعنا معه وبقراءته كثيرًا، وكتب بخطّه كثيرًا، وحصَّل كثيرًا من الْأصول، واستنسخ كثيرًا من الكُتب، وَكَانَ في رحلتي الْأولى يُعِيرُني الْأصول ويفيدني عن الشيوخ، ويتفضل إذا زُرته. وَكَانَ من أئمة المُسلمين، حافظًا للحديث مَتْنًا وإسنادًا، عارفًا بمعانيه وغَريبه، مُتقنًا لأسامي المحدِّثين وتراجمهم، مَعَ ثقة وعدالة وأمانة وديانة وتودد وكَيْس ومروءة ظاهرة، ومساعدة للغُرباء.
وذكره الحَافِظ الضِّيَاء، فَقَالَ: كَانَ، رحمه الله، حافظًا فقيهًا ذا فنون، وَكَانَ أحسن النَّاس قراءةً وأسرعها، وَكَانَ غزير الدَمْعة عند القراءة، وَكَانَ مُتقِنًا ثقةً سَمْحًا جوادًا.
قُلْتُ: وارتحل إلى إصبهان ومعه أخوه أَبُو موسى، فسمعا الكثير من أصحاب أَبِي عَليّ الحداد، ومن بعده سَمعا من أَبِي الفضل عَبْد الرّحيم بن مُحَمَّد الكاغدي، ومسعود بن أبي منصور الجمال الخَيَّاط، وأبي المكارم أَحْمَد بْن مُحَمَّد اللَّبَّان، ومحمد بْن أبي زيد الكراني، وأبي جعفر الصَّيْدَلَانِي، وجماعةٍ.
قَالَ الضِّيَاء: وسافر العزّ إلى بَغْدَاد مَعَ عمِّه الإِمَام عماد الدّين إِبْرَاهِيم، وأقامَ ببَغْدَاد عشر سنين، واشتغل بالفقه والنحْو والخِلاف، ورجَعَ وَكَانَ يتكلَّم في مسائل الخِلاف كلامًا حسنًا، ثُمَّ سافر بعد مُدَّة إلى إصبهان في طلب الحديث، ولقوا شدَّة من الغَلاء والْجُوع. ثُمَّ رجع إلى بَغْدَاد وأقام بها يقرأ شيئًا من الفقه واللغة عَلَى الشَّيْخ أَبِي البقاء. ثُمَّ عاد إلى دمشق، وَكَانَ يقرأ الحديث للناس كلّ ليلة جُمُعة في مسجد دار البِطِّيخ بدمشق، يعني مسجد السلاليين، وانتفع النَّاس بمُجالسته. ثُمَّ أَنَّهُ انتقل إلى الجامع، إلى موضع والده فَكَانَ يقرأ يوم الجُمُعة بعد الصَّلَاة في حلقتنا؛ وسبب حصول ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا جاء حَنْبَل من بَغْدَاد، أرادَ الملكُ المُعظَّم يسمع " المُسند " عَلَيْهِ، فقرأ لَهُ بعض المحدّثين، وَكَانَ " المُسنَد " يُقرأ عندنا وفي المدينة، وكان العز، رحمه اللَّه، يقرأ ويحضر عندنا جماعة من أهل المدينة، منهم العَلَم الرَّقِّيّ إمام الملك، فمضى إِلَيْهِ [ص:385] وَقَالَ: إن كنتَ تريد قراءة مَليحة عاجِلة فما يقرأ أحد مثل هَذَا الَّذِي في الجَبَل. فَقَالَ: تجيء بِهِ. فجاء الإِمَام إلى العِزّ، فَقَالَ لَهُ: ما لي في هَذَا رغبة وَأَنَا رجل خامل الذّكر، وما بيني وبين أحد عداوة وأخاف من المخالفين. فَقَالَ: هَذَا لَا نخاف منه، ما يحضر إِلَّا الملك وَالشَّيْخ وَأَنْتَ وَأَنَا. فاستشار المشايخ، فَقَالَ لَهُ شيخنا مُوفّق الدين: إن كُنْت تمضي لله فامضِ، وإن كُنْت تمضي لطمع الدُّنْيَا فلا تفعل.
فاستخار اللَّه ومَضَى. فَلَمَّا سَمِعَ المَلِك قراءته أعجبته كثيرًا، وخلعَ عَلَيْهِ، وأحبّه، وسأله عن أشياء من الحديث فأجابه، وَرَأَى منه ما لم يرَ من غيره. وَكَانَ بعد ذَلِكَ مهما طلب منه لَا يكاد يردّه، فطلب منه الجلوس مكان أَبِيهِ فأذِن لَهُ، وطلب منه مكانًا في القُدس لأصحابنا يصلُّون فيه فأعطاه مهد عيسى.
وكنّا نسمع " المُسند "، فَقَالَ بعض الحضور من المدينة: ما رَأَيْت مثل هذه القراءة، مثل الماء، أَوْ قَالَ: مثل السيف. وَلَمَّا أراد الملك المُحسن سماع " تاريخ بَغْدَاد " من الكِندي، قال: إنْ كان العِزّ ابن الحافظ يقرؤه فنَعَم، فقرأه عَلَيْهِ. وَكَانَ لَهُ هِمة عظيمة؛ لَمَّا جاء حَنْبَل أراد أهل المدينة أن يمنعوه من الصّعود إلينا، فما زال العزّ بهمّته حَتَّى سَهّل اللَّه قراءة " المُسْنَد " في الجبل.
وَكَانَ يُسارع إلى الخيرات وإلى مصالح الجماعة؛ لَمَّا عزمت عَلَى التزويج قامَ في ذَلِكَ، وحَصَّلَ لي ما تزوّجت بِهِ، وما أحوجني إلى تكلّف شيء. وَكَانَ بيته لَا يكاد يخلو من الضُّيوف، سَمِعْتُهُ يَقُولُ، أَوْ سَمِعْتُ من يحدِّث عَنْهُ، قَالَ: كنّا ببَغْدَاد، فقلّ ما بأيدينا، فجاء إلى عندنا إِنْسَان فَقَالَ لي: لو مضيتم إلى بعض القرايا حصَّلنا لكم شيئًا. قَالَ: فمضينا معه، فاتفق أنّا عبرنا عَلَى الشَّيْخ حسن الفارسيّ، رحمة اللَّه عَلَيْهِ، فزرناه، فابتدأنا وَقَالَ: مَتَى جرت عادة المقادسة أن يخرجوا إلى الكدْية؟ قَالَ: فرجعنا ولم نمضِ.
سمعتُ إِبْرَاهِيم بن أَبِي بَكْر بن باخل المُؤذّن، وَكَانَ من أهل الخير والصلاح يَقُولُ: بعد موت العزّ بثلاثة أيام، توضّأت بالليل، وخرجت فرأيت عَلَى الموضع الَّذِي فيه قبر العزّ عمودَ نُور من السماء إلى الْأرض أخضر مثل السِّلق. [ص:386]
وَسَمِعْتُ الفقيه إِسْحَاق بن خَضِر بن كامل يَقُولُ: رَأَيْت العزّ في النّوم، فَقُلْتُ لَهُ: باللَّه عليك ماذا لقيت من ربك؟ فَقَالَ: كل خير جميل.
وسمعتُ أَحْمَد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمَد يَقُولُ: كنّا نقرأ عند العزّ ليلة تُوُفِّي، فرأيت نورًا عَلَى بطنه مثل السِّراج، فكنتُ أقول: ترى يراه أحد غيري أم لَا.
سألتُ أمّ أَحْمَد آمنة بنت الشَّيْخ أَبِي عُمر، وَهِيَ ما علمتُ من أصلح أهل زمانها، فَقَالَت: رَأَيْت يوم موت العزّ عَلَى الدُّنْيَا كُلّها عَلَى الْأرض، وَعَلَى النَّاس خُضرة ما شبهته إِلَّا بالشمس؛ إِذَا خرجت من طاقة زجاج خضراء، حَتَّى كُنْت أقول: أيش هَذَا؟ ما لبصري! وأمسحُ عينيّ، وما دريت أيش هَذَا حَتَّى جاءت أمُّ دَاوُد، فَقَالَتْ: قد رَأَيْت الخُضرة عَلَى الجنازة.
سَمِعْتُ مسعود بن أَبِي بَكْر بن شُكر المقدسي، قال: رأيت العز ابن الحَافِظ بعد موته في النّوم، وكأن وجهه البدر، ما رَأَيْت في الدُّنْيَا أحدًا عَلَى صورته، وَلَهُ شَعر بائن من تحت عمامته، لم أرَ شَعراً مثل سواده، فَقُلْتُ لَهُ: يا عزّ الدين، كيف أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا وَأَنْتَ من أهل الجنة. ثُمَّ انتبهت.
سَمِعْتُ الْإِمَام أَبَا العَبَّاس أَحْمَد بْن مُحَمَّد بن خَلَف يَقُولُ: رَأَيْت العزّ في النوم فَقَالَ: جَاءَ إليَّ النبيُّ صَلّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلّمَ، فقضى لي كلَّ حاجة.
سَمِعْتُ شيخ الإِسْلَام موفَّق الدين يحدّث عن بنته صفية زَوْجَة العز أنها رأته بعد موته قد جاء إليهم بقطف من عِنَب أبيض لم تر أحسن منه قطّ، وَقَالَ: هَذَا من الجنة.
سمعتُ إسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الإصبهاني يَقُولُ: رَأَيْت العزّ في النوم وَعَلَيْهِ ثياب بيض وَهُوَ حيٌّ، وَهُوَ يَقُولُ: ما متُّ قد بقي من عُمري وسألني عن نفسه هَذَا، فَقَلَتْ: إن شاء اللَّه يكون شهيدًا. فَإِنَّهُ مات بالبَطن.
سَمِعْتُ الفقيه بَدْران بن شِبل بن طَرخان، قَالَ: رَأَيْت كأننا جماعة، والعزّ أرفع منّا فَقُلْتُ لَهُ: بم ارتفعت؟ قَالَ: بهذا؛ وأومأ بجزء حديث في يده.
قُلْتُ: وذكر لَهُ الضِّيَاء منامات أُخر مليحة. وقد رثاه الشيخ الموفّق، [ص:387] وغيره. وَحَدَّثَ عَنْهُ الضِّيَاء، والشِّهاب القوصيّ، وشمس الدين عبد الرحمن بن أبي عمر، والفخر عليّ، وجماعة.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ، قال: أنبأنا محمد بن عبد الغني الحافظ، قال: أخبرنا ابن صابر، قال: أخبرنا علي بن إبراهيم النسيب، قال: أخبرنا سُليم بن أيوب، قال: حدثنا أبو أحمد الفَرَضي، قال: حدثنا الصُّوليّ، قال: حدّثنا الغَلاّبي، عن عُبيد الله بن عَائِشَةَ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَامِلٍ لَهُ: اتقِ اللَّهَ، فَإِنَّ التَّقْوَى هِيَ الَّتِي لَا يُقبل غَيْرُهَا، وَلا يُرحَم إِلَّا أَهْلُهَا، وَلا يُثاب إِلَّا عَلَيْهَا، فَإِنَّ الْوَاعِظِينَ بِهَا كَثِيرٌ، وَالْعَامِلِينَ بِهَا قَلِيلٌ.
وَقَالَ لنا رشيد بن كامل: أَخْبَرَنَا أَبُو العرب القُوصي، قال: أخبرنا العز ابن الحافظ بجامع خَيْبر سنة عشر وستمائة. فذكر حديثًا.
تُوُفِّي العزّ في تاسع عشر شوال، وشَيَّعه الخَلْق.(13/383)
177 - مُحَمَّد بن عَليّ بن أحمد ابن الناقد، أَبُو السَّعَادَات. [المتوفى: 613 هـ]
شيخٌ تاجرٌ بغداديٌ جليل، سَمِعَ من أَبِي الوَقْت، وابن البَطِّيّ، وسافر في التجارة كثيرًا إلى النّواحي البَعيدة، وتولَّى خِدَماً، وَتُوُفِّي في جُمَادَى الْأولى، ولم يحدّث، وَكَانَ عَسِراً مُمْتنِعاً.(13/387)
178 - مُحَمَّد بن عُمَر المَصْرِيّ، الكاتب المجوِّد، المنعوت بالجمال. [المتوفى: 613 هـ]
كَانَ بارعَ الخطّ، حسن التّوقيف، انتفع بِهِ جماعةٌ كثيرة، وَلَهُ شِعر.
تُوُفِّي فِي ذي القِعْدَة.(13/387)
179 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن محمود بن الفضل، أَبُو شجاع الحداد الإصبهاني. [المتوفى: 613 هـ]
وُلد سنة ثلاثٍ وأربعين، وَتُوُفِّي في ذي الحجَّة.
وَهُوَ من شيوخ الحَافِظ الضِّيَاء. وأجاز للفَخْر.(13/387)
180 - مُحَمَّد بن وهْب بن لُبّ بن عَبْد الملك - أَوْ عَبْد اللَّه - بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن وَهْب، أَبُو عَبْد اللَّه القُرشي الفِهْري الشَّنْتَمري الأصل البّلَنْسي الخطيبُ. [المتوفى: 613 هـ]
سَمِعَ من والده، وَأَبِي الحسن بن هُذيل، وأبي الْقَاسِم بن حُبيش الحَافِظ، وأبي عَبْد اللَّه بن حَميد، وجماعة، وَحَدَّثَ.
قَالَ الْأبَّار: أخذتُ عَنْهُ جُملة من أَوَّل " المُلَخَّص ". وَتُوُفِّي في شوال، ووُلد بعد سنة خمسين بقليل.
وَتُوُفِّي أَبُوه سنة خمس وتسعين وخمسمائة.(13/388)
181 - مُحَمَّد بن يَحْيَى بْن هبة اللَّه بْن فَضْل اللَّه بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد، أَبُو نصر ابن القاضي أبي الحسن ابن النخاس الوَاسِطِيّ المُعدَّل. [المتوفى: 613 هـ]
وُلد سنة أربعٍ وثلاثين، وَسَمِعَ بواسط من جَدّه هبة اللَّه بن يحيى ابن البوُقي، وبالبصرة من إمام جامعها إِبْرَاهِيم بن عَطِيَّة، وعَليَّ بن عَبْد اللَّه الواعظ، وَحَدَّثَ بواسط.
والنَّخَّاس: بخاء معجمة.(13/388)
182 - المبارك بن يَحْيَى ابن البيطار، أَبُو جَعْفَر الدَّبّاس. [المتوفى: 613 هـ]
سَمِعَ من ابن ناصر، وَحَدَّثَ؛ رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، وغيره.(13/388)
183 - مُرْهف بن أُسَامَة بْن مُرشِد بْن عَلِيّ بْن مُقلّد بن نصر بن مُنقِذ، الْأمير العالم مُقدَّم الْأمراء جمال الرؤساء عَضُد الدّولة أَبُو الفوارس ابن الْأمير الكبير الْأديب مؤيد الدولة أَبِي المُظَفَّر، الكِناني الكَلْبي الشَّيْزَرِي، [المتوفى: 613 هـ]
أحد الْأمراء المصريين.
ولد بشَيْزَر في سنة عشرين وخمسمائة، وَسَمِعَ من أبيه. رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ المُنْذِريّ، والشهاب القُوصي. [ص:389]
وَكَانَ مُسِناً، معمَّراً، شاعرًا كوالده، وقد جمع من الكتب شيئًا كثيرًا، وَكَانَ مليحَ المحاضرة.
تُوُفِّي في ثاني صفر.(13/388)
184 - مَسْعُود بن أَبِي الفضل بن أَبِي الحَسَن بن كامل، الْأديب أَبُو الفَتْح الحلبيّ، الشَّاعِر المشهور بالنَّقَّاش. [المتوفى: 613 هـ]
مات بحلب عن أربعٍ وسبعين سنة، في شهر شوال.
من فحول الشعراء، سائر القول، مختصّ بالظاهر غازي، وهو القائل:
ما لي سوى حُبِّكم مذهبُ ... ولا إلى غيركُمُ مَذْهَبُ
تذكّرتُمُ شملي فيا هَلْ تُرى ... يجمعني يومًا بكم مَذْهَبُ
وساحَ دمعي في هواكمْ دَمًا ... وصِرتُ فيكم مثلًا يُضرَبُ(13/389)
185 - مَعْن، الْأمير ناصر الدين أَبُو الْجُود ابن الملك العادل طيّ ابن الوزير أمير الجيوش شاوَر بْن مُجير السَّعدي الْمَصْرِيّ. [المتوفى: 613 هـ]
سَمِعَ من السِّلَفيّ، وأبي الحَسَن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن المُسلَّم المعروف بابن بنت أَبِي سعْد، وَحَدَّثَ.
تُوُفِّي في صَفَر أَيْضًا.(13/389)
186 - مكي بن عُثْمَان بن إسْمَاعِيل، أَبُو الحرَم ابن الإِمَام أَبِي عَمْرو السَّعْديّ المصري الشارعي. [المتوفى: 613 هـ]
ولد سنة ستٍّ وثلاثين وخمسمائة، وَسَمِعَ من الشريف أَبِي الفتوح الخطيب، وَعَبْد المنعم بن موهوب الواعظ، وَأَبِي عَبْد اللَّه محمد بن إبراهيم ابن الكِيزاني، وفارس الدَّمِيري، وعبد الله بن مُحَمَّد بن فَتْحون الْأنْدَلُسِيّ بمصر، وأبي الطاهر السلفي بالثَّغْر، والمبارك بن علي ابن الطَّبَّاخ بمَكَّة.
وَحَدَّثَ بدمشق وَمِصْر؛ رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ المُنْذِريّ، وقبِله الزَّكيّ البِرزالي، وغيرُ واحدٍ.
وفي ذُرّيته فُضلاء ورُواة، وَتُوُفِّي في صَفَر أيضاً.(13/389)
187 - نجيب بن بشارة بن مُحْرِز بن رَحْمَة، أَبُو مُحَمَّد السَّعدي الفاضليّ المَصْرِيّ الشَّافِعِيّ المُقْرِئ. [المتوفى: 613 هـ]
علَّم وُلِدَ القاضي الفاضل، ثُمَّ عَلَّم وُلِدَ الصاحب ابن شُكر، وَكَانَ شيخًا حسنًا.
سَمِعَ كتاب " العُنوان " من الشريف أَبِي الفتوح الخطيب. رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ المُنْذِريّ، وابنُهُ إِبْرَاهِيم بن نجيب، وجماعةٌ، وَتُوُفِّي في مُستهلّ جُمَادَى الْأولى.(13/390)
188 - النّفيس بن محبوب بن الحَسَن بن أَحْمَد بن محبوب القَزَّاز. [المتوفى: 613 هـ]
سَمِعَ من جَدّه صاحب طِراد، وَعَنْهُ الدُّبَيْثِي، وغيره، ومات في رمضان، وقد شاخ.(13/390)
189 - هبة اللَّه بن عَلِيّ بْن هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن رَزين، أَبُو الفَتْح البَغْدَادِيّ. [المتوفى: 613 هـ]
سَمِعَ من أَبِي الوقْت السِّجْزي، وابن البَطِّيّ، ولم يروِ، وتقلَّب في خِدمة الدّيوان، ووليَ أستاذ داريَّة الخِلافة، ومات في جُمَادَى الآخرة.(13/390)
190 - هبة اللَّه بن أَبِي المعالي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَبِي الحَديد، القاضي أَبُو الحسين الفقيه الشَّافِعِيّ، [المتوفى: 613 هـ]
قاضي المدائن وخطيبها.
ذكر أَنَّهُ سَمِعَ من أَبِي الوقْت، وَكَانَ يمكنه السماع من قاضي المَرستان، وطبقته، وَحَدَّثَ بأناشيد.
تُوُفِّي في رمضان.(13/390)
191 - يَحْيَى بن سالم بن مُفرِّج بن حَصينة، القاضي رضيّ الدين السُّلمي المَصْرِيّ الشَّاعِر الْأديب. [المتوفى: 613 هـ]
من أعيان الشعراء في الدَّوْلَة الصَّلاحية، تُوُفِّي وَلَهُ إحدى وسبعون سنة. [ص:391]
رَوَى عَنْهُ من شِعره الزَّكيّ المُنْذِريّ، والشِّهَاب القُوصِيّ.
تُوُفِّي في الحادي والعشرين من شعبان.(13/390)
192 - يَحْيَى ابن الشريف النقيب أَبِي طَالِب مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بن عَليّ بن أَبِي زيد، السَّيِّد النقيب أَبُو جَعْفَر العَلَوي الحسَني البَصري الشَّاعِر. [المتوفى: 613 هـ]
سَمِعَ من أبيه، وَحَدَّثَ، وعاش بضعًا وستين سنة، وَكَانَ ذا معرفة بالنَّسب، والْأدب، وأيام العرب، وَلَهُ شِعر رائق.
تُوُفِّي في رمضان. رَوَى شِعراً.(13/391)
193 - يَحْيَى بن موسى بن عوض العَلياتي المَصْرِيّ الخبّاز. [المتوفى: 613 هـ]
أديبٌ مشهور، جيّد الشِعر، تُوُفِّي في شوال.
ذكره الحَافِظ عَبْد العظيم، وَقَالَ: حضر معنا عند بعض شيوخنا.(13/391)
194 - يوسف بن المبارك بن أَبِي السَّعَادَات المبارك بن عُبيد اللَّه، أَبُو البركات الْأزجيّ البيِّع المُحتَسِب. [المتوفى: 613 هـ]
وُلِدَ سنة خمسين وخمسمائة، وسمع من أبي محمد ابن المادح، وأبي المعالي ابن اللحّاس، وابن البَطِّيّ، وَحَدَّثَ، ومات في ربيع الآخر.(13/391)
195 - أَبُو شاكر، هُوَ الحكيم الموفّق المَصْرِيّ، الطبيب ابن الطبيب أَبِي سُلَيْمَان دَاوُد بن أَبِي المُنى. [المتوفى: 613 هـ]
كَانَ نصرانيًّا، بارعًا في الطب والعلاج، متميِّزاً، مكينًا في الدَّوْلَة. قرأ عَلَى أخيه المهذَّب أَبِي سَعِيد طبيب العادل والمعظَّم. ومَهَر في الصناعة، [ص:392] وخَدَمَ الملك الكامل، ونال من جهته دُنيا واسعة، وإكرامًا زائدًا. وَلَهُ أخوان آخران طبيبان.(13/391)
-وفيها وُلِدَ:
الجمال مُحَمَّد بن عُمَر الدِّيْنوري، خطيب كفربَطنا، والزاهد عَبْد الدائم بن أَحْمَد بن عَبْد الدائم، والعماد مُحَمَّد بن أَحْمَد بن الفخر ابن الشَّيرجي، وقاضي الإسكندرية أَبُو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بن عَليّ الْأبياري، وَإسْمَاعِيل بن عَبْد المنعم ابن الخِيَمي، خطيب القَرافة، والمحيي يَحْيَى بن أَحْمَد بن مُحَمَّد بن تَميم، والشِّهَاب أَحْمَد بن محمد بن عيسى ابن الخَرَزي.
وشيوخنا السّتَّة؛ الحَافِظ عَبْد المؤمن الدِّمْيَاطِيّ، في آخرها، والشَّرَف عُمَر بن خواجا إمام، والزاهد عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ المُلَقّن، والبهاء علي بن عيسى ابن القيّم الكاتب، والضياء عيسى بن يَحْيَى السَّبتيّ، المحدِّث، والقمر مُحَمَّد بن بلغزا بَعْلبكّي، ومجد الدين إسْمَاعِيل بن كُسيرات، بالمَوْصل، وشمس الدين مُحَمَّد بن مُظَفَّر بن سَعِيد المَصْرِيّ، والنّجم أحمد ابن شهاب الدين القُوصِيّ بمُنْيَة ابن وَلد.(13/392)
-سنة أربع عشرة وستمائة(13/393)
196 - أَحْمَد بن صدقة بن عَليّ بن كليزَا، أَبُو بَكْر الوَاسِطِيّ المُقْرِئ الغَرَّافي الخَيَّاط. [المتوفى: 614 هـ]
وُلِدَ قبل الثلاثين وخمسمائة، وسمع من أبي عبد الله محمد بن علي الجلاّبي قِطعةً من " مُسْنَد " أَحْمَد بن سِنان القَطَّان، وَحَدَّثَ بها ببَغْدَاد؛ رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، وَالزَّكيّ البِرزالي، وغيرهما، وَتُوُفِّي في صفر.(13/393)
197 - أَحْمَد بن أَبِي الفضائل عَبْد المُنعم بْن أَبِي البركات مُحَمَّد بْن طاهر بن سَعِيد ابن الشَّيْخ أَبِي سَعِيد فضل اللَّه بن سَعِيد بن أَبِي الخَيْر المِيْهَني الْأصل البَغْدَادِيّ، أَبُو الفضل. [المتوفى: 614 هـ]
سَمِعَ من أَبِيهِ، وَأَبِي عَليّ أَحْمَد بن مُحَمَّد الرَّحبي، وشُهدة الكاتبة، ووليَ خدمة الصُّوفِيَّة برباط الخليفة، وَهُوَ من بيت كبير في التصوف، والرواية، والخير.
تُوُفِّي في رجب.
قَالَ ابن النَّجَّار: وكتبتُ عنه عَلَى كِبرٍ وحُمق فيه، وسوء عقيدة.(13/393)
198 - أَحْمَد بن مُحَمَّد بْن عُمر بْن مُحَمَّد بْن واجب بن عُمَر بن واجب، الإِمَام أَبُو الخطّاب بن واجب القَيْسِيّ الْأنْدَلُسِيّ البَلَنسي. [المتوفى: 614 هـ]
وُلِدَ سنة سَبْع وثلاثين وخمسمائة، وَسَمِعَ من جَدّه أَبِي حفص، وأكثر عن ابن هُذيل، وأبي الحسن علي ابن النِّعمة، وأبي عَبْد اللَّه بْن سَعادة، وَأَبِي عبد الله بن عبد الرحيم ابن الفَرَس، وَأَبِي بكر عبد الرحمن بن احمد بن أبي ليلي. وَسَمِعَ بأشبُونة من أَبِي مروان عَبْد الرَّحْمَن بْن قَزْمان، وبقُرطبة من أبي [ص:394] القاسم بن بُشُكوال، وبإشبيلية من أَبِي الحَسَن عَليّ بن أَحْمَد الزُّهري، وَإِبْرَاهِيم بن خَلَف بن فَرْقَد، وَمُحَمَّد بن أَحْمَد بن مُحرِز الْأديب، وأكثَرَ عن أَبِي مُحَمَّد بن خَيْر. وأخَذَ عن أَبِي عَبْد اللَّه بن زَرْقون كتاب " التقصيّ " لابن عَبْد البَرّ.
وأعلى شيوخه ابن قزمان، فإنه من أصحاب أبي علي الغسّاني، ومحمد ابن الطّلاّع.
وقد أجاز لأبي الخطّاب القاضي أبو بكر محمد ابن العربي، وأبو الوليد يوسف ابن الدبّاغ، وجماعة، والسلفي.
قرأت في فهرسته وخطّه عليه: قرأت التفسير، وتلوت بما فيه سوى " الإدغام الكبير " لأبي عَمرو على ابن هُذيل، وقرأت عليه " إيجاز البيان "، و " التلخيص "، و " المحتوى "، وسمّى عِدَّة كُتب في القراءات للدّانيّ، قَالَ: وَسَمِعْتُ عَلَيْهِ كتاب " جامع البيان " وكتاب " الطبقات " وغير ذَلِكَ، وَكَانَ يمتنع من الإقراء " بالإدغام الكبير " وقت تلاوتي عَلَيْهِ.
قَالَ الْأبَّار: هُوَ حامل راية الرواية بشرق الْأنْدَلُس. حصَّلَ علم العربية عَلَى ابن النّعمة. ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ متقنًا، ضابطًا، متقلّلًا من الدُّنْيَا، عالي الإسناد، ورعًا، قانتًا تعلوه الخَشْية للمواعظ، مَعَ عناية كاملة بصناعة الحديث، وتبصُّرٍ بِهِ، وذِكرٍ لرجاله، ومحافظةٍ عَلَى نشرِهِ، وكانت الرّحلة إِلَيْهِ. وليَ القضاء ببَلَنسية، وشاطبة غير مرَّة، وجَمَعَ من كتب الحديث والْأجزاء شيئًا كثيرًا، ورُزقت منه قبولًا، وبه اختصاصًا، فمعظم روايتي عَنْهُ قديمًا، وَتُوُفِّي بمرّاكُش في رحلته إليها لاستدرار جارٍ لَهُ من بيت المال انقطع، فتوفي في سادس رجب، رحمه اللَّه. [ص:395]
قلت: أكثر عنه ابن مشليون، وابن جوبر، وابن عُميرة المَخْزُومِيّ، وابن مُسْدي الحَافِظ، وغيرُهم.(13/393)
199 - إِبْرَاهِيم بن دُلف بن أَبِي العزّ البغدادي البوّاب. [المتوفى: 614 هـ]
روى عن أبي الفتح ابن البطي وغيره، ومات في صَفَر.(13/395)
200 - إِبْرَاهِيم ابن الشَّيْخ البهاء عَبْد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم المَقْدِسِيّ الحَنْبَلِيّ، الفقيه أبو إسحاق. [المتوفى: 614 هـ]
ولد سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، وحَصَّل طَرَفاً صالحًا من الفقه والفرائض والنَّحْو، وَقَالَ الشِّعر، وتزوّجَ، ووُلِد لَهُ، وَتُوُفِّي بحمص عن ثلاثٍ وعشرين سنة، وفُجع بِهِ أَبُوه.
وَهُوَ ابن أخت الحَافِظ الضِّيَاء.(13/395)
201 - إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الواحد بْن عَليّ بْن سُرور، الشَّيْخ العِماد المَقْدِسِيّ الحَنْبَلِيّ الزاهد القدوة أَبُو إِسْحَاق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، [المتوفى: 614 هـ]
أخو الحَافِظ عَبْد الغنيّ.
ولد بجمّاعيل في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، فهو أصغر من الحافظ بسنتين، وهاجر إلى دمشق في سنة إحدى وخمسين، والبلاد حينئذٍ للفرنج، لعنهم اللَّه، فيمن هاجر من المقادسة.
وَسَمِعَ من أَبِي المكارم عَبْد الواحد بن هِلال، وأبي تميم سَلمان بن علي الرحبي، وَأَبِي نصر عَبْد الرَّحِيم بن يوسف البَغْدَادِيّ، وأبي المعالي بن صابر، وجماعةٍ، وببغداد صالح بن المبارك ابن الرِّخْلة، وأبي محمد ابن الخَشَّاب النَّحْوِيّ، وَعَبْد اللَّه بن عَبْد الصَّمَد السُّلمي، وشُهدة الكاتبة، وَأَبِي الحُسَيْن عَبْد الحقّ اليُوسُفيّ، وجماعةٍ. وبالمَوْصل من أَبِي الفضل عَبْد اللَّه بن أَحْمَد الخطيب.
رَوَى عَنْهُ الضِّيَاء المَقْدِسِيّ، وابنُ خليل، والبِرزالي، وَالقُوصِيّ، وَالزَّكيّ المُنْذِريّ، وابنُ عَبْد الدّائم، وَالشَّيْخ شمس الدين عَبْد الرَّحْمَن، وابنه الشَّيْخ [ص:396] شمس الدين محمد، والفخر ابن البخاري، والشمس محمد ابن الكَمال، والتّاج عَبْد الوَهَّاب ابن زين الأُمناء، وآخرون.
قَالَ الضِّيَاء: كَانَ لَيْسَ بالآدَم كثيرًا، ولا بالطويل، ولا بالقصير، واسع الجَبهة، مفروق الحاجبين، أشْهل العينين، فيهما اتّساع، قائم الْأنف، يجزُّ شَعره من عند أذنيه، وَكَانَ في بصره ضَعف. سافر إلى بَغْدَاد مرَّتين؛ الْأولى في سنة سبعٍ وستين صُحبة الموفَّق، بعد أنْ حَفِظ القرآن، وغيره، وَقِيلَ: إِنَّهُ حفظ " الغريب " للعُزيري، وحفظ " الخِرقي "، وألقى الدّروس من تفسير القرآن، ومن " الهداية ". واشتغل بالخِلاف عَلَى ناصح الإِسْلَام ابن المنِّي، وقد شاهدتُهُ يُناظر غير مرة. وسافر سنة إحدى وثمانين في صُحبة ابن أخيه العزّ ابن الحَافِظ.
وَكَانَ عالمًا بالقراءات، والنَّحْو، والفرائض. وقرأ القراءات عَلَى أَبِي الْحَسَن عَليّ بْن عساكر البَطائحي، وأقرأ بها، وصنّف الفروق في المسائل الفقهية، وصنّف كتابًا في الْأحكام لم يتمَّه. وَكَانَ من كثرة اشتغاله وأشغاله لَا يتفرّغ للتّصنيف، وَكَانَ لَا يكاد يفتر من الإشغال إمّا بإقراء القرآن، أَو الْأحاديث، أَوْ بإقراء الفقه، والفرائض. وأقام بحَرَّان مُدَّة، فانتفعوا بِهِ. وَكَانَ يشغل بالجبل إِذَا كَانَ الإِمَام موفّق الدين في المدينة، فَإِذَا صعِد الموفّق نزل هُوَ، فأشغل في المدينة. وَسَمِعْتُ الموفّق يَقُولُ: ما نقدر نعمل مثل العماد. كَانَ يتألف النَّاس ويُقرّبهم، حَتَّى أَنَّهُ ربّما كرَّرَ عَلَى إِنْسَان كلمات يسيرة من سَحَرٍ إلى الفجر.
قَالَ الضِّيَاء: وَكَانَ يكون في جامع دمشق من الفجْر إلى العِشاء لَا يخرج إِلَّا لِما لَا بُدّ لَهُ منه، يقرئ النَّاس القرآن، والعِلم، فَإِذَا لم يتفق لَهُ من يشتغل عَلَيْهِ، اشتغل بالصلاة. فسألت مُوَفَّق الدين عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ من خيار أصحابنا، وأعظمهم نفعًا، وأشدّهم وَرَعاً، وأكثرهم صَبراً عَلَى تعليم القرآن، والفقه. وَكَانَ داعيةً إلى السُّنة وتعلُّم العلم والدين. وأقام بدمشق مُدَّة يعلّم [ص:397] الفُقراء ويطعمهم، ويبذل لهم نفسه، ويتواضع لهم. وكان من أكثر الناس تواضعاً واحتقاراً لنفسه، وخوْفًا من اللَّه، وما أعلم أنني رَأَيْت أشدّ خوفًا منه. وَكَانَ كثير الدُّعاء والسؤال لله، وَكَانَ يطيل الرُّكوع والسجود بقصد أن يقتدي بِصَلاةِ رَسُول اللَّه صَلّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَلا يقبل من أحد يعذله في ذَلِكَ. ونُقلت لَهُ كرامات كثيرة؛ هَذَا كتبه بخطّه مُوَفَّق الدين.
قَالَ الضِّيَاءُ: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا أَحْسَنَ صَلَاةً مِنْهُ، وَلَا أَتَمَّ منها بخشوع وخُضوع، وحُسن قيام وقعودٍ؛ قيل: إِنَّهُ كَانَ يُسبّح فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ عَشَراً، يَتَأَنَّى فِي ذَلِكَ، وَرُبَّمَا كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ قَدْ أَمَرَ بِالتَّخْفِيفِ، وَقَالَ: " أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعاذ "؟! فَلَا يَرجع، وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِمْ بِأَحَادِيثَ مِنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكُونُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى حَتَّى يَمْضِي أَحَدُنَا إِلَى الْبَقِيعِ وَيَقْضِي حَاجَتَهُ وَيَأْتِي، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْكَعْ. وَرُبَّمَا رَوَى أَنَّ أَنَسًا قال: لم أرَ أحداً أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ مِنْ هَذَا الْفَتَى، يَعْنِي عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: فَحَزَرْنَا فِي سُجُودِهِ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ. وَرَوَى ثابت أَنَّ أنسًا قَالَ: أَلَا أصلي بكم صلاة رَسُول اللَّه؟ قَالَ ثابت: وَكَانَ يصنع شيئًا لَا أراكم تصْنعونه، كَانَ إِذَا رفع رأسه من الركوع، انتصب قائمًا حَتَّى يَقُولُ القائل: قد نُسَيّ.
وأمّا صلاته، فَكَانَ يقضي صلوات، فربما قضى في اليوم والليلة صلوات أيّام عديدة. وسمعت الإمام عبد المحسن بن عبد الكريم المَصْرِيّ يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّيْخ العماد يَقُولُ: فاتتني صلاة العصْر قبل أن أبلغ وقد أعدتها مائة مرة، وأنا أريد أن أعيدها أَيْضًا. وأمّا صيامه فَكَانَ يصوم يومًا ويفطر يومًا. [ص:398]
وَكَانَ كَثِيرَ الدُّعَاءِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، إِذَا دَعَا كَانَ الْقَلْبُ يَشْهَدُ بِإِجَابَةِ دُعَائِهِ مِنْ كَثْرَةِ ابْتِهَالِهِ وَإِخْلَاصِهِ، وَقَدْ رُوي أَنَّ اللَّهِ يُحِبُّ المُلحّين فِي الدُّعَاءِ. وَكَانَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ يَمْضِي إِلَى مَقَابِرِ الشُّهَدَاءِ بِبَابِ الصَّغِيرِ، فَيَدْعُو وَيَجْتَهِدُ لَهُ وَلِلْمُسْلِمِينَ إِلَى قُرْبِ الْعَصْرِ، لَا يَكَادُ يَفُوتُهُ ذَلِكَ؛ لِمَا رُوي عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ دَعَا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ بَيْنَ الظُّهر وَالْعَصْرِ استُجيب لَهُ، قَالَ جَابِرٌ: فَمَا أَصَابَنِي أَمْرٌ غَائِظٌ، فَتَوَخَّيْتُ ذَلِكَ الْوَقْتَ، فَدَعَوْتُ إِلَّا رَجَوْتُ الْإِجَابَةَ. قَالَ: وَكَانَ يُفتح عَلَيْهِ من الْأدعية شيء ما سَمِعْتُهُ من غيره قطّ، وجرى بيننا ذِكر إجابة الدعاء، فَقَالَ: ما رَأَيْت مثل هَذَا الدعاء، أَوْ قَالَ: أسرع إجابة: " يا اللَّه يا اللَّه أَنْتَ اللَّه، بلى، واللَّه أَنْتَ، لَا إله إِلَّا أَنْتَ، اللَّه اللَّه اللَّه اللَّه إِنَّهُ لَا إله إِلَّا اللَّه ". ومن دعائه المشهور: " اللَّهمَّ اغفر لأقسانا قلبًا، وأكبرنا ذنبًا، وأثقلنا ظهرًا، وأعظمنا جُرماً، وأقلنا حياءً منك، ووفاءً بعهدك، وأكثرنا تخليطًا وتفريطًا، وتقصيرًا، وتعثيرًا، وتسويفًا، وطول أمل مَعَ قُرب أجل، وسوء عمل ".
وَكَانَ يدعو: " يا دليل الحيارى دلّنا عَلَى طريق الصَّادقين، وأجعلنا من عبادك الصَّالحين، واجذبنا إليك جَذبة حَتَّى نموتَ عليها، وأصلح ما بيننا وبينك، ولا تمقُتنا، وإن كُنْت مَقَتَّنا، فاغفر لنا، ولا تُسقِطنا من عينك، يا كريم ".
ومن ورعه، كَانَ إذا أفتى في مسألة يحترز فيها احترازًا كثيرًا. وَسَمِعْتُ عن بعض الشَّافِعِيَّة أَنَّهُ كَانَ يتعجب من فتاويه ومن كثرة احترازه فيها. وَكَانَ إِذَا أخذ من لحيته شَعرةً، أَوْ برى قلمًا، احتفظ بذلك، ولا يدعه في المسجد ويُخرجه. سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّزَّاق بْن هبة اللَّه قَالَ: سَمِعْتُ الشَّيْخ عَبْد اللَّه البطائحي يَقُولُ: أشكلت عَليّ مسألة في الوَرَع، فما [ص:399] وجدت من أفتاني فيها إِلَّا العِماد. وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ إِذَا دخل الخَلاء فنَسِيَ أن يُسمّي، خرج فسمّى ثُمَّ دخل.
وأمّا زُهده، فما أعلم أَنَّهُ قطّ أدخل نفسه في شيء من أمر الدُّنْيَا، ولا تعرَّض لها، ولا نافس فيها. وقد كَانَ يُفتح لأصحابنا بعض الْأوقات بشيء فما أعلم أَنَّهُ حضر يومًا قطُّ عندهم في شيء من ذَلِكَ، وما علمتُ أَنَّهُ دخل إلى عند سلطان ولا والٍ، ولا تعرّف بأحدٍ منهم، ولا كانت لَهُ رغبة في ذَلِكَ.
وَكَانَ قويًا في أمر اللَّه، ضعيفًا في بَدَنه، لَا تأخذه في اللَّه لومة لائم. وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لرجل: كيف وَلَدك؟ قَالَ: يُقبِّل يدك. فَقَالَ: لَا تكذب! وَكَانَ كثير الْأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. لَا يرى أحدًا يسيء صلاته إِلَّا قَالَ لَهُ وعلّمَهُ. وبلغني أَنَّهُ خرج مرَّةً إلى فُسّاق، فكسر ما معهم، فضربوه، ونالوا منه، حَتَّى غُشي عَلَيْهِ، فأراد الوالي ضربهم، فَقَالَ: إن تابوا ولزِموا الصَّلَاة فلا تؤذهم، وهم في حِلٍّ. فتابوا، ورجعوا عمّا كانوا عَلَيْهِ.
سمعتُ شيخنا مُوَفَّق الدين قَالَ: من عُمري أعرفه - يعني العماد - وَكَانَ بيتنا قريبًا من بيتهم - يعني في أرض القدس - ولمّا جئنا إلى هنا فما افترقنا إِلَّا أن يسافر، ما عرفت أَنَّهُ عصى اللَّه معصية.
سَمِعْتُ والدي يَقُولُ: أَنَا أعرف العماد من صِغره، وما أعرف لَهُ صَبوةً ولا جهلة.
وذكر شيخُنا أَبُو مُحَمَّد عَبْد الرَّحْمَن بن عيسى البُزُورِيّ الواعظُ شيخَنَا عمادَ الدين في طبقات أصحاب ابن المّنِّي، فَقَالَ: فَقهَ، وبَرَع، وكَملَ، وجمعَ بين العلم والعمل، أحد الورِعين الزُّهّاد، وصاحبُ ليلٍ واجتهادٍ، متواضعٌ، صَلِفٌ، ظريفٌ. قرأ القرآن بالقراءات، وَلَهُ المعرفة الحسنة بالحديث، مَعَ كثرة السَّماع، واليد الباسطة في الفرائض، والنَّحْو، إلى غير ذَلِكَ من الفضائل، لَهُ الخطُّ المليح المشرق بنور التقوى.
ولَيْسَ لله بمستَنكَرٍ ... أنْ يَجمعَ العالم في واحدِ
هَذَا مَعَ طيب الْأخلاق، وحُسن العِشرة، فما ذاق فم المودَّة أعذب من أخلاقه، فسبحان من صبَّرني عَلَى فِراقه. [ص:400]
سمعتُ الإِمَام أَبَا إِبْرَاهِيم محاسن بن عَبْد الملك التَّنُوخِيّ يَقُولُ: كَانَ الشَّيْخ العماد جوهرة العَصر.
قَالَ الضِّيَاء: أعرف وَأَنَا صغيرٌ أَنَّ جميعَ مَنْ كَانَ في الجبل يتعلَّم القرآن كَانَ يقرأ عَلَيْهِ، وخَتَّمَ جماعةً من أصحابنا، وَكَانَ لَهُ صبر عظيم عَلَى من يقرأ عَلَيْهِ. سَمِعْتُ بعضهم يَقُولُ: إِنَّ مَنْ قرأ عَلَى الشَّيْخ العِماد لَا ينسى الختمة أبدًا. وَكَانَ يتألّف النَّاس، ويلطُف بالغُرباء والمساكين، حَتَّى صار من تلاميذه جماعةٌ من الْأكراد والعرب والعجَم، وكان يتفقّدهم ويطعمهم ما أمكنه. ولقد صحبه جماعةٌ من أنواع المذاهب، فرجعوا عن مذاهبهم لِما شاهدوا منه. وَكَانَ سخيًا جوادًا، بيته مأوى النَّاس، وَكَانَ ينصرف كل ليلة إلى بيته من الفقراء جماعة كبيرة. وَكَانَ يتفقد النَّاس ويسألُ عن أحوالهم كثيرًا، ويلقاهم بالبِشر الدائم. وَكَانَ من إكرامه لأصحابه يظنّ كلُّ أحدٍ أَنَّ ما عنده مثله، من كثرة ما يُكرمه، ويأخذ بقلبه. وَكَانَ يبعث بالنّفقة سرًّا إلى النَّاس، فعل ذَلِكَ كثيرًا.
سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّد عَبْد اللَّه بن حسن بن مُحَمَّد الهَكّارِيّ المُقْرِئ بحَرّان يَقُولُ: رأيتُ في النّوم قائلًا يَقُولُ لي: العماد - يعني إِبْرَاهِيم بن عَبْد الواحد - من الْأبدال. فرأيته خمس ليالٍ كذلك.
قَالَ الضِّيَاء: وقد سمعتُ خلْقًا من النَّاس يمدحونه بالصلاح، والزُّهد، والوَرَع، ولا يشكُّون أَنَّهُ من أولياء اللَّه وخاصّته، ومن الداعين إلى محبته وطاعته.
سَمِعْتُ الزاهد أَحْمَد بْن سلامة بْن أَحْمَد بْن سَلمان الحرّاني، قال: حَدَّثَنِي الشَّيْخ خليفة بن شُقير الحَرَّانيّ - وَكَانَ من أعبد أهل زمانه؛ كَانَ يصلي من بُكرة إلى العَصْر، وَكَانَ يقوم طول الليل - قَالَ: مضيت مرَّةً إلى زيارة القُدس عَلَى رِجليَّ، فوصلت وَأَنَا جائع، فنمت، فَإِذَا رجل يوقظني، فَإِذَا رجل ومعه طبيخ، فَقَالَ: اقعد كلْ! فَقُلْتُ: كيف آكل، وَأَنَا لَا أعلم من أَيْنَ هُوَ؟ فَقَالَ: هُوَ حلال، وما عملته إِلَّا لأجلك. فأكلتُ، ثُمَّ جاءني مرَّةً ثانية فَقَالَ: جاءني أربعة رجال فقالوا: جزاك اللَّه خيرًا، حيث أوصلت المعروف إلى أهله، [ص:401] أَوْ ما هَذَا معناه. فَقُلْتُ: ومن أنتم؟ قَالُوا: نَحْنُ أقطاب الْأرض، فَقُلْتُ: فمن سيِّدكم؟ قَالُوا: الشَّيْخ العماد المَقْدِسِيّ.
حَدَّثَنِي أَبُو الربيع سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم بن رَحمة، قَالَ: كُنْت عند الشَّيْخ العماد في المسجد، فَكَانَ يوم يُفتح لي بشيء لَا يطعمني شيئًا، ويوم لَا يُفتح لي بشيء يرسل إليَّ بشيء. وَقَالَ: جرى لي هَذَا كثيرًا.
وَسَمِعْتُ أَبَا موسى عبد الله ابن الحَافِظ عَبْد الغني، قَالَ: حَدَّثَنِي مكي الشاغوري المؤذِّن، قَالَ: كنتُ يومًا أمشي خلف العِماد في سوق الكبير، فَإِذَا صوت طُنبور، فَلَمَّا وصلنا إلى عند صاحبه، قَالَ الشَّيْخ: لَا حول ولا قوة إِلَّا باللَّه، ونفض كُمّه، فرأيت صاحب الطنبور قد وقع وانكسر الطنبور، فَقِيلَ لصاحبه: أيش بك أيش جرى عليك؟ فَقَالَ: ما أدري.
سمعتُ عَبَّاس بن عَبْد الدائم الكَتّاني يَقُولُ: كنتُ يومًا مَعَ العماد في مقابر الشُّهداء، فرجعنا وَأَنَا خلفه، فَقُلْتُ في نفسي: اللَّهمَّ إني أحبه فيكَ، فاجعلني رفيقه في الجنَّة. قَالَ: فالتفتَ إليَّ وَقَالَ: إِذَا لم تكن المحبَّة للَّه فما تنفع شيئًا، أَوْ كما قَالَ.
تُوُفِّي العماد - رحمة اللَّه عَلَيْهِ - عشاء الآخرة ليلة الخميس السادس عشر من ذي القِعْدَة، وَكَانَ صلّى تِلْكَ الليلة المغرب بالجامع، ثُمَّ مضى إلى البيت، وَكَانَ صائمًا، فأفطر عَلَى شيءٍ يسير. وَلَمَّا أُخرجت جنازته اجتمع خلقٌ، فما رَأَيْت الجامع إلا كأنه يوم الْجُمُعة من كثرة الخَلْق، وصلّى عليه شيخُنا مُوَفَّق الدين. وكان المُعتمِد يطرد النَّاسَ عَنْه، وإلا كانوا من كَثرة مَن يتبرك بِهِ يخرقون الكَفَن، وازدحموا حَتَّى كادَ بعض النَّاس أن يهلك، وخرجَ إلى الجبل خلقٌ كثيرٌ، وما رَأَيْت جنازة قطُّ أكثر خلْقًا منها، خرج القُضاة والعُدول، ومن لَا نعرفُهم. وحُكي عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا جاءه الموت جعل يَقُولُ: " يا حيُّ يا قَيومُ لَا إله إلَّا أَنْتَ، برحمتك أستغيث فأغِثني "، واستقبل القبلة، وتشهّد، ومات.
قال: وتزوّج أربع نِسوة، واحدة بعد واحدة، منهنّ خديجة بنت الشَّيْخ أَبِي عُمَر، وآخرهن عزيَّة بنت عَبْد الباقي بن عَليّ الدِّمَشْقِيّ، فولدت لَهُ القاضي [ص:402] شمس الدين مُحَمَّدًا قاضي مِصْر، والعماد أَحْمَد ابن العماد.
وسمعتُ التَّقيّ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الغني، قَالَ: رَأَيْت الشَّيْخ العماد في النّوم عَلَى حِصان، فَقُلْتُ لَهُ: يا سيدي، إلى أَيْنَ؟ قَالَ: أزورُ الْجَبّار.
وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ الحَسَن بن جَعْفَر الإصبهاني يَقُولُ: رَأَيْت العماد فِي النوم، فَقُلْتُ: ما فعل اللَّه بك؟ فَقَالَ: " يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وجعلني من المُكرَمين ".
وَسَمِعْتُ الإِمَام الواعظ أَبَا المظفَّر يوسف سِبط الْجَوْزيّ يَقُولُ: لَمَّا كانت الليلة التي دُفن فيها العماد، رأيته في مكان مُتّسع، وَهُوَ يرقى في دَرَج عرفات، فَقُلْتُ: كيف بت؟ فإني بت أحمل همّك؟ فأنشدني:
رَأَيْت إلهي حينَ أُنزلْتُ حُفرتي ... وفارَقْتُ أصحابي وأهلي وجِيرتي
فَقَالَ: جُزيتَ الخيرَ عنّي فإنّني ... رضيتُ، فها عَفوي لديكَ ورحمتي
رَأَيْت زمانًا تأمَلُ الفوزَ والرِّضا ... فوُقِّيت نيراني ولُقِّيت جَنّتي
قَالَ الضِّيَاء: وسمعتُ الإِمَام أَبَا مُحَمَّد عُبيد بن هَارُون السَّوادي، صاحب الشَّيْخ العماد وخادمه يَقُولُ: رَأَيْت الشَّيْخ في النوم وَهُوَ ينشد هذه الْأبيات وأنشدنيها.
وَسَمِعْتُ الإِمَام أَبَا مُحَمَّد عُثْمَان بن حامد بن حسن المَقْدِسِيّ يَقُولُ: رَأَيْت الحقَّ عزَّ وجل في النوم والشيخ العماد عن يمينه، ووجهه مثل البدْر، وَعَلَيْهِ لباسٌ ما رأيتُ مثله. أَوْ ما هَذَا معناه.
وَقَالَ أَبُو شامة: شاهدتُ الشَّيْخ العماد مُصلّياً في حلقة الحنابلة مرارًا، وَكَانَ مُطيلاً لأركان الصَّلَاة، قيامًا، وركوعًا، وسجودًا، وَكَانَ يصلّي إلى خزانتين مجتمعتين موضع المحراب، وجُدّد المحراب سنة سبع عشرة وستمائة.
قُلْتُ: ثُمَّ جُدّد هَذَا المحراب في سنة ستٍّ وستين.
وَقَالَ أَبُو المُظَفَّر في " مرآته ": كَانَ الشَّيْخ العماد يحضر مجلسي دائمًا [ص:403] وَيَقُولُ: صلاح الدين يوسف فتح السَّاحل، وأظهر الإِسْلَام، وَأَنْتَ يوسف أحييت السُّنّة بالشام.
قَالَ أَبُو شامة: يشير إلى أَنَّهُ كَانَ يورد كثيرًا من كلام جَدّه أَبِي الفرَج، ومن خُطبه ما يتضمن إمرار آيات الصفات، وما صح في الْأحاديث عَلَى ما ورد من غير ميلٍ إلى تأويل ولا تشبيه ولا تعطيل، ومشايخ الحنابلة العُلَمَاء هَذَا مختارهم، وَهُوَ جيّد.
قُلْتُ: وَقَالَ الزَّكيّ المُنْذِريّ: إِنَّهُ تُوُفِّي ليلة السابع عشر من ذي القِعْدَة فُجاءةً. ثُمَّ وجدت في " وفيات " الضِّيَاء بخطّه أَنَّهُ تُوُفِّي ليلة السابع عشر، وبخطّه في ترجمة العماد أَنَّهُ تُوُفِّي في السادس عشر، واللَّه أعلم.(13/395)
202 - أسعد بن مُحَمَّد بن أَبِي الحارث أعزّ بن عُمَر بن مُحَمَّد، أَبُو الحَسَن البَكري التَّيْمي السُّهرَوَرْديّ الصُّوفِيّ. [المتوفى: 614 هـ]
حَدَّثَ عن أَبِي الوقت، ومولده سنة سبع وأربعين وخمسمائة، وَتُوُفِّي في الثاني والعشرين من رجب.(13/403)
203 - إسْمَاعِيل بن إبراهيم بن فارس بن مُقلَّد، أبو مُحَمَّد السَّيبي البَغْدَادِيّ الخباز، [المتوفى: 614 هـ]
نزيل دُنَيْسَر.
شيخٌ مسنِد، سَمِعَ من أَحْمَد بن عَليّ الْأشقر، وَعَبْد اللَّه بن عَليّ سِبط الخَيَّاط، وَسَعْد الخير بن مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ، وَأَبِي الفضل الأرمَوي وغيرهم، [ص:404] وَسَمِعَ منه جماعة بدُنيسر؛ رَوَى عَنْهُ مُحَمَّد بن خَالِد بن عَمَّار، وَعَبْد الرَّحْمَن بن عُمر اللمش القاضي، وغيرهما.
وأجاز للزَّكيّ المُنْذِريّ، وَقَالَ: تُوُفِّي في سادس شوال بدُنَيْسر، وقد بلغ الثمانين أَوْ جازها. وَكَانَ حافظًا للقرآن، كثير التلاوة، كثير الصَّلَاة والصيام، رحمه اللَّه.
أخبرنا أحمد بن إسحاق بمصر، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ بنَصيبين، سَنَةَ عِشْرِينَ وستمائة، قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الخبّاز، قال: أخبرنا أحمد بن عليّ الدلاّل، قال: حدّثنا محمد بن عليّ العبّاسي، قال: حدّثنا علي بن عمر السكريّ، قال: حدّثنا الحسن بن الطيّب البَلخي، قال: حدّثنا قُتيبة، قال: حَدَّثَنَا بَكْرٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ بُحينة: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ يَدَيه حَتَّى يبدو بَياض إبطيه ". البخاري والنسائي كِلَاهُمَا عَنْ قُتَيْبَةَ.(13/403)
204 - إسْمَاعِيل بن أَبِي البركات سَعْد اللَّه بن مُحَمَّد بن عَليّ بن حَمدي، أَبُو مُحَمَّد البَغْدَادِيّ البَزَّاز الخِرَقيُّ. [المتوفى: 614 هـ]
سَمِعَ من أَبِيهِ، وَأَبِي الفضل الأرمويَّ، وَأَبِي الفتح الكُرُوخِيّ، والفضل بن سهل الإسفرايينيّ، وابن ناصر، وجماعةٍ، وَرَوَى الكثير، وأضَر بأخرةٍ.
رَوَى عَنْهُ الدُّبيثيُّ المؤرخ، والزّكيُّ البرزاليُّ، وَالضِّيَاء المَقْدِسِيّ، وجماعةٌ. وآخر من رَوَى عَنْهُ بالإجازة الكمال الفُوَيْره ببَغْدَاد.
وعاش أربعًا وثمانين سنة، وَهُوَ من بيت عدالة ورواية، وَتُوُفِّي في جُمَادَى الآخرة، في الرابع والعشرين منه.
وَأَبُوه كَانَ زاهدًا، عابدًا، صوَّاماً، حدَّث عَن النِّعالي، وابن البِطر، مات سنة سبعٍ وخمسين.(13/404)
205 - أميري بن بَخْتِيَار، الفقيه الزّاهد، أَبُو مُحَمَّد الْأُشْنُهيّ الشَّافِعِيّ قطبُ الدين، [المتوفى: 614 هـ]
نزيل إربل. [ص:405]
إمامٌ زاهدٌ، ورعٌ، عالمٌ، عاملٌ، تُوُفِّي في جمادى الآخرة، وله سبعون سنة.
حدَّث عن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بن مُحَمَّد المَوْصِليّ.
وأُشنُه: قرية بِأَذْرَبِيجَان - إن شاء الله - مضمومة الهمزة والنون.(13/404)
206 - بهرام بن محمود بن بَخْتِيَار، السّلار أَبُو مُحَمَّد الْأتابكيّ، عمادُ الدين. [المتوفى: 614 هـ]
شيخٌ، جليلٌ، دمشقيٌّ، معمَّر، ولد سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة، وَكَانَ يمكنه السَّماع من جمال الإِسْلَام السُّلمي، وطبقِتِه، وإنّما سَمِعَ من أَبِي المُظَفَّر سَعِيد الفَلَكيّ، وعَليِّ بن أَحْمَد الحَرَسْتَاني.
رَوَى عَنْهُ الزّكيّ البرزاليُّ، والشِّهاب القوصيُّ، وجماعة.(13/405)
207 - تُرْك بن مُحَمَّد بن بَرَكة بن عُمَر، أَبُو بَكْر الحريميُّ العطَّار، [المتوفى: 614 هـ]
المعروف والده بسوادَا الحلّاج.
شيخٌ مسندٌ، وُلِدَ سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، وسمع من مُفْلِح بن أَحْمَد الدُّومي، وأبي البدر الكرخي، وأحمد بن الأشقر، وأحمد ابن الطَّلاّية، وجماعةٍ. رَوَى عَنْهُ الدُّبيثي، وَالضِّيَاء، والنَّجِيب الحَرَّانيّ، وآخرون. وأجاز للفخر عَليّ وجماعةٍ، ومات في عاشر ربيع الْأَوَّل.
قَالَ ابن النَّجَّار: طلب بنفسه، وكَتَبَ. وَكَانَ متيقّظًا، حافظًا لأسماء شيوخه، متودِّداً، صدوقاً، حفظة للأخبار.(13/405)
208 - دُهْن اللوز، العالِمة، شيخةُ العُلَمَاء بدمشق. [المتوفى: 614 هـ]
وكانت لها حظوة، وَهِيَ جدَّة زين الدين قاضي حلب الآن.(13/405)
209 - ذَيّال بن أَبِي المعالي بن راشد بن نبهان بن مرجَّى، أبو عبد الملك العراقي، الزاهد العارف. [المتوفى: 614 هـ]
أفرد الحَافِظ جزءًا في كراماته، فَقَالَ: سكن بيت المَقْدِس مُدَّة.
قَالَ: وَقِيلَ: إِنَّهُ بلغ مائة وعشرين سنة، ولم نسمع في زماننا من سلك طريقته سوى ولده الإمام عبد الملك، كان يتقوت من لقاط الزَّرع، ولا يأكل لأحدٍ شيئًا إِلَّا لآحاد النَّاس، وانتفع بِهِ الخلق، وعلّمهم القرآن والفقه، وأمر النَّاس بالصلاة، وصار علمًا في تِلْكَ الناحية. اجتهدت عَلَى السَّفر إلى زيارته فلم يُقدَّر.
وَسَمِعْتُ الحَافِظ أَبَا إِسْحَاق الصَّريفيني يذكره ويفخِّم أمره، ويذكره كثيرًا، وَقَالَ: دخلت إلى بيته فلم أر فيه غير دلو وحبل ومنجل ومقدحة، وَلَيْسَ للبيت باب سوى حزمة حطب، وَقَالَ: قَالَ لي أهل القرية التي هُوَ فيها: لَا يأخذ من عندنا نارًا، ولا يملأ بحبلنا، ولا دلونا، ولا يأكل لنا شيئًا، وما رأينا مثله.
وَكَانَ شيخُنا العماد يُطنب في مدحه، ومدح زيارته، وفي خبزه، حَتَّى لقد حَدَّثَنِي الحَافِظ الصَّريفيني، قَالَ: قَالَ الشَّيْخ العماد: المشي إلى زيارة الشَّيْخ ذَيّال أفضل من زيارة بيت المَقْدِس. فَلَمَّا لقيت الشَّيْخ العماد حكيت لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: قد قلته، وما أدري يصح هذا أم لَا؟ وإنما قُلْتُ ذَلِكَ لأنّ زيارة الإخوان تجوز شدّ الرِّحال إليهم أينما كانوا، وشدّ الرحال لَا تجوز إِلَّا إلى ثلاثة مساجد، فكانت زيارة الإخوان أبلغ من زيارة المساجد، أَوْ ما هَذَا معناه.
وَسَمِعْتُ مَسْعُود بن أَبِي بَكْر بن شُكر يَقُولُ: أتيتُ الشَّيْخ العماد بلُقمة من خبز الشَّيْخ ذيّال، ففرح بها، فأتاه رجل فَقَالَ: يا سيدي ولدي مريض، فأشتهي أن تدعو لَهُ، فأعطاه من تِلْكَ اللقمة قليلًا، وَقَالَ: خُذ هذه، فاجعلها في ماء، واسقه إياها. قَالَ: فلقيت الرجل بعد ذَلِكَ، فَقَالَ: عوفي بإذن اللَّه.
وَسَمِعْتُ أَنَّ الشَّيْخ العماد كَانَ يخبئ خبزه للمرض، وَقَالَ: ما هُوَ إلا [ص:407] مجرَّب، وكان مخلوطاً: القمح والشعير والعَدَس.
سَمِعْتُ مكارم بن حسن الباجَبّاريّ فَقَالَ: أَنَا صحِبت الشَّيْخ ذيال، وقرأت عَلَيْهِ، وما رَأَيْت مثله.
وَسَمِعْتُ القاضي الإِمَام أَبَا حفص عُمَر بن عَليّ الهَكّاريّ يصفُ الشَّيْخ ذيال بمعرفة العلم، والنَّحْو، واللغة.
سَمِعْتُ الشَّيْخ قُصَّة بن عَليّ المَقْدِسِيّ قَالَ: قال لي الشَّيْخ ذيّال يومًا: خرجت البارحة والجبال تسبِّح. ومرض مرَّة، فخفنا عَلَيْهِ، فَقَالَ: في مرضتي هذه ما يصيبني شيء. قَالَ: فعُوفي من تِلْكَ المرضة. وَلَمَّا جاء الفرنج وهرب النَّاس، قَالَ لنا الشَّيْخ ذيّال: لَا تبرحوا، فما يصلوا إلى هنا، فقعدنا وسَلِمنا.
تُوُفِّي في يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من ذي القِعْدَة، بدير أَبِي القرطام، قريبًا من البيرة التي بقرب القدس، وقبره يزار، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.(13/406)
210 - رزق اللَّه بْن هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن هبة اللَّه بن حمزة، الفقيه أَبُو البركات النُّعْمَانيّ الإصبهاني. [المتوفى: 614 هـ]
سَمِعَ الحَسَن بن العَبَّاس الرُّستمي. رَوَى عَنْهُ البِرْزَاليّ في " معجمه "، وغيره، وعاش بضعاً وسبعين سنة.(13/407)
211 - سَعْد بن جَعْفَر بن سلام - بالتخفيف - أَبُو الخير السَّيِّديُّ البَغْدَادِيّ الصُّوفي. [المتوفى: 614 هـ]
شيخٌ صالحٌ. سَمِعَ من ابن البطِّي، ومَعمر بن الفاخر، وَيَحْيَى بن ثابت، وحدَّث، وَتُوُفِّي في ثاني جُمَادَى الآخرة.(13/407)
212 - سَعِيد بْن هبة اللَّه بْن عَليّ بْن نصر بن عَبْد الواحد، أَبُو البركات ابن الصَّباغ البَغْدَادِيّ الشَّافِعِيّ الفقيه. [المتوفى: 614 هـ]
وُلِدَ سنة ثمانٍ وثلاثين وخمسمائة، وتَفَقَّه بالنظامية عَلَى الإِمَام أَبِي المحاسن يوسف بْن بُنْدار، وَسَمِعَ من عُثْمَان بن أَبِي نصر المؤدب، وحدث.(13/407)
213 - سُلَيْمَان بن بَنين بن خلف، أَبُو عَبْد الغني المَصْرِيّ الدَّقيقي النحوي الْأديب. [المتوفى: 614 هـ]
سَمِعَ من إسماعيل الزَّيات، وعبد الله بن برَّي، وعشير بن عَليّ، وخلْق من طبقتهم. ولِزم ابن برِّي مُدَّة في النَّحْو. وصنّف في النَّحْو، والعَرُوض، والرَّقائق، وغير ذَلِكَ.
رَوَى عَنْهُ الزَّكي عَبْد العظيم، ومات في سابع عشر رمضان.(13/408)
214 - عَائِشَة بنت إسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن المسلَّم الزَّبيدي. [المتوفى: 614 هـ]
روت عن أحمد ابن المقرَّب، وأحمد ويحيى ابني موهوب ابن السَّدنك.
وهي من بيت مشهور ببغداد. وسيأتي ذكر أخيها عبد الرحيم.(13/408)
215 - عبد الله بن أبي جعفر أحمد بن محمد بن سليمان ابن الطيلسان، أبو محمد الأوسي الأنصاري الأندلسي، عم الحافظ أبي القاسم. [المتوفى: 614 هـ]
أخذ القراءات عَن أَبِيهِ، وجماعة.(13/408)
216 - عَبْد اللَّه بن عَبْد الجبار بن عَبْد اللَّه، أَبُو مُحَمَّد الْأُمَوِيّ العثماني الشاطبي الْأصل الإسكندراني التاجر البَزَّاز الكارمي. [المتوفى: 614 هـ]
مكثرٌ عن السِّلفي، وَسَمِعَ من بدر الخُداداذي، وبمصر من مُحَمَّد بن عَليّ الرَّحَبيّ، ومنجب بن عَبْد الله المرشدي.
وَكَانَ لَهُ أنس بالحديث؛ كَانَ الحَافِظ عَليّ بن المُفَضَّل يثني عَلَيْهِ ويُعظّمه. [ص:409]
وحدَّث بمصر، وقوص، واليمن، وأدركه أجله بمَكَّة في السابع والعشرين من ذي الحجَّة، وَلَهُ سبعون سنة.
رَوَى عنه الضِّيَاء، وابن خليل، وَالزَّكيّ البِرْزَاليّ، وَالزَّكيّ المُنْذِريّ، والشرف عَبْد اللَّه بن أَبِي عُمَر، وَمُحَمَّد بن عَبْد الخالق بن طَرْخان الْأُمَوِيّ، وجماعةٌ.(13/408)
217 - عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن، أَبُو مُحَمَّد القُرْطُبيّ. [المتوفى: 614 هـ]
رَوَى عَنْ أَبِي مَرْوَان بْن مَسَرَّة، وَأَبِي بكر بن سمحون، وابن بَشْكُوال.
مات في شعبان.(13/409)
218 - عَبْد الجبّار بن عَبْد المعز بن عَبْد الجبار، أَبُو الفتوح المسمعي الهروي ثم البخاري. [المتوفى: 614 هـ]
ولد بهراة سنة سبعٍ وثلاثين وخمسمائة، وَسَمِعَ من عَليّ بن حمزة العَلَويّ، وَأَبِي الوَقْت السِّجْزِي، وَعَبْد الجليل بن أَبِي سَعْد. وَحَدَّثَ بمرو، وَنَيْسَابُور، وبَغْدَاد؛ رَوَى عَنْهُ الدُّبيثي، وَتُوُفِّي راجعًا من الحجّ، بوادي العَرُوس من الدَّرب العِرَاقيّ، في خامس المحرّم.
وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا ابن النَّجَّار.(13/409)
219 - عَبْد الخالق بن صالح بن عَليّ بن رَيْدان بن أَحْمَد، الشَّيْخ الإِمَام أَبُو مُحَمَّد بن أَبِي التُّقَى القُرَشِيّ الْأُمَوِيّ المِسْكِيّ الْأصل المَصْرِيّ الشَّافِعِيّ النَّحْوِيّ اللُّغَويّ. [المتوفى: 614 هـ]
سَمِعَ من عَليّ بن نصر الْأرتاحي، وَأَبِي طاهر السِّلَفيّ، وَأَبِي الضِّيَاء بدر الخادم، وَمُحَمَّد بن عَليّ الرَّحَبيّ، وخَلْقٍ من المصريين بقراءته، وقراءة غيره.
ولزم ابن برِّي مُدَّة، وبرعَ في اللُّغَة، وكتب الكثير بخطّه. وَكَانَ مُفيد القاهرة.
وَهُوَ من مِسْكة: قرية بقرب عَسْقَلان.
روى عنه الزكي المنذري، والزكي البرزالي، وغيرهما، وتوفي في [ص:410] سادس شوال.
ورَيْدان قَيّده ابن نُقْطَة، وأخذَ عَنْهُ، ووثَّقه.(13/409)
220 - عَبْد الرَّحْمَن بن عَبْد اللَّه ابن الشَّيْخ عَبْد القادر الجِّيليّ، أَبُو مُحَمَّد. [المتوفى: 614 هـ]
ولد سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وحدَّث عن نصر ابن العكبري، وسعيد ابن البَنَّاء. ولم يكن لَهُ إقبال عَلَى الحديث ولا عَلَى أهله.
مات في المُحرّم.(13/410)
221 - عَبْد الرَّحْمَن بن عَبْد الجبار ابن الشَّيْخ عَبْد الخالق بن أَبِي الْقَاسِم زاهر بن طاهر الشَّحَّامي، أَبُو الخير. [المتوفى: 614 هـ]
سَمِعَ بنَيْسَابُور من عَبْد الله ابن الفُرَاويّ، وَعُمَر بن أَحْمَد الصَّفَّار، وَجَدّه، وهبة الرَّحْمَن القُشَيْريّ، وحدَّث بنَيْسَابُور، وبَغْدَاد.
وَهُوَ من بيت العدالة والرواية. حجّ ورجع فأدركه أجله ببَغْدَاد في صفر عن بضعٍ وسبعين سنة.
رَوَى عَنْهُ الدُّبيثي، وَالضِّيَاء، وابن النَّجَّار، وغيرهم.
وثَّقه ابن نُقْطَة.(13/410)
222 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عبد الغني بن مُحَمَّد بن سَعْد، أَبُو الْقَاسِم ابن الغسَّال البَغْدَادِيّ الحَنْبَلِيّ. [المتوفى: 614 هـ]
وُلِدَ سنة أربعين، وَسَمِعَ من أَبِي الفضل الْأُرْمَوي، وَأَبِي الوَقْت، وابن ناصر، وسعيد ابن البَنَّاء، وجماعة سواهم، وَعَنْهُ الدُّبيثي، وغيره.
تُوُفِّي في شعبان. [ص:411]
وسماعه من الْأُرْمَوي حضور، ولأبيه سمَاع من أَبِي طَالِب بن يوسف، ولجدّه مُحَمَّد سماع من أَبِي نصر الزَّينبي وطبقته، وَكَانَ من القرّاء، مات سنة تسعٍ وخمسمائة.(13/410)
223 - عَبْد السَّلَام بن عُثْمَان بن أَبِي نصر بن الْأسود، أَبُو الفضل الحَرْبِيّ الحَرِيمِيّ. [المتوفى: 614 هـ]
شيخ معمَّر نزل المَوْصِل، وَكَانَ يمكنه السَّماع من طبقة أبي القاسم بن الحصين، وقد سمع اتفاقاً من أحمد ابن الطَّلاية، ووُلد في حدود سنة خمس عشر وخمسمائة، وَكَاد أن يكمل المائة.
رَوَى عَنْهُ الدُّبيثي، والزَّكي البِرْزَاليّ، وجماعة، وآخر من رَوَى عَنْهُ بالإجازة الكمال الفُوَيْره.
تُوُفِّي في ربيع الْأَوَّل بالمَوْصِل.
وَرَوَى عَنْهُ ابن النَّجَّار، وَقَالَ: كَانَ شيخًا صالحًا.(13/411)
224 - عَبْد الصَّمَد بن مُحَمَّد بن أَبِي الفضل بن عَليّ بن عَبْد الواحد، قاضي القضاة أبو القاسم جمال الدين ابن الحَرَسْتَاني الْأَنْصَارِيّ الخَزْرَجِي العُباديّ السَّعْديّ الدِّمَشْقِيّ الفقيه الشافعي. [المتوفى: 614 هـ]
ولد سنة عشرين وخمسمائة في أحد الربيعين، وَسَمِعَ من عَبْد الكريم بْن حَمْزَة، وطاهر بن سهل بن بِشْر الإسفرايينيّ، وجمال الإِسْلَام أَبِي الحَسَن عَليّ بن المُسَلِّم، وعَليّ بن أَحْمَد بن منصور بن قُبيس، ونصر اللَّه المصِّيصي الفقيه، وهبة اللَّه بن أَحْمَد بن طاوس، ومعالي بن هبة الله ابن الحُبُوبيّ، وَأَبِي الْقَاسِم الحُسين بن البُن، وَأَبِي الحَسَن عَليّ بن سُلَيْمَان المُراديّ، وجماعة.
وتَفَرَّدَ بالرواية عن أكثر شيوخه، وحدَّث بالإجازة عَن أَبِي عَبْد اللَّه الفُرَاويّ، وهبة اللَّه السَّيِّدي، وزاهر الشَّحامي، وعبد المنعم ابن القُشَيْريّ، وَإسْمَاعِيل القارئ، وغيرهم؛ استجازهم لَهُ الحَافِظ أبو القاسم. [ص:412]
وحدَّث بـ " صحيح " مسلم، وبـ " دلائل النبوة " للبيهقي، وبأشياء كثيرة من الكتب والْأجزاء.
وَأَوَّل سماعه في سنة خمسٍ وعشرين.
وتَفَقَّه في شبيبته، وبرعَ في المذهب، ودرَّس، وأفتى، وطال عمره، وتفرَّد عن أقرانه.
سَمِعَ منه أَبُو المواهب بن صصرى، والقُدماء؛ وَرَوَى عَنْهُ البِرْزَاليّ، وابن النَّجَّار، وَالضِّيَاء، وابنُ خليل، وَالقُوصِيّ، والزكي عبد العظيم، وابن عبد الدائم، والصاحب أبو القاسم ابن العديم، والشرف عَبْد الواحد بن أَبِي بَكْر الحَمَوي؛ وأخوه أَحْمَد، والنجم إِبْرَاهِيم بن محاسن التَّنُوخِيّ، والنَّجِيب نصر اللَّه الشَّيْبَانِيّ، ونصر بن تروس، والجمال عَبْد الرَّحْمَن بن سالم الْأنباري، والزين خَالِد، وَأَبُو غالب مُظَفَّر بن عُمَر الْجَزَريّ، والزين عَليّ بن أَحْمَد القُرْطُبيّ، وَأَبُو الغنائم بن علاّن، وأبو حامد محمد ابن الصَّابوني، وأبو بكر محمد ابن الْأَنْمَاطِي، وأبوه، ويوسف بن تمّام السُّلمي، وَمُحَمَّد بن عبد المنعم ابن القواس، وأخوه شيخُنا عُمَر، وَمُحَمَّد بن أَبِي بَكْر العامري، ونسيبه أَحْمَد بن عَبْد القادر العامريّ، وَأَبُو بَكْر بن مُحَمَّد بن طَرْخان، والقاضيان ٍشمس الدين ابن أبي عمر وشمس الدين ابن العماد، والفخر علي ابن البخاري، والبرهان إبراهيم ابن الدَّرجي، وَعَبْد الرَّحْمَن بن أَحْمَد الفاقُوسيّ، والشمس عبد الرحمن ابن الزين، والشمس محمد ابن الكمال، وأبو بَكْر بْن عُمَر بْن يُونُس المِزّيّ، وتقي الدين إبراهيم ابن الوَاسِطِيّ، وخلقٌ سواهم.
وَرَوَى عَنْهُ من القدُماء الحافظان عَبْد الغني وَعَبْد القادر الرُّهاوي، وَرَوَى عَنْهُ بالإجازة شيخُنا العماد عَبْد الحَافِظ، وَعَائِشَة بنت المَجْد، وجماعة.
وَكَانَ إمامًا فقيهًا، عارفًا بالمذهب، ورعاً، صالحًا، محمود الْأحكام، حسنَ السيرة، كبيرَ القدر. رحل إلى حلب وتَفَقَّه بها عَلَى المحدِّث الفقيه أَبِي الحَسَن المُراديّ. وولي القضاء بدمشق نيابةً عن أَبِي سَعِد بن أَبِي عصرون، ثم ولي قضاء الشام في آخر عمره في سنة اثنتي عشرة. [ص:413]
قال ابن نقطة: هو أسند شيخ لقينا من أهل دمشق، حسن الإنصات، صحيح السماع.
وقال أبو شامة: دخل أبوه من حرستا فنزل بباب توما، وأمَّ بمسجد الزَّينبي، ثُمّ أمَّ فيه جمال الدين ابنه، ثُمَّ سكن جمال الدين بداره بالحُويْرة، وَكَانَ يلازم الجماعة بمقصورة الخَضَر، ويحدِّث هناك، ويجتمع خلق، مَعَ حُسن سَمْته وسكونه وهيبته. حدَّثني الفقيه عزّ الدّين عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد السَّلَام أَنَّهُ لم ير أفقه منه، وَعَلَيْهِ كَانَ ابتداء اشتغاله، ثُمَّ صحِب فخر الدين ابن عساكر، فسألته عَنْهُمَا، فرجّح ابن الحَرَسْتَاني وَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ يحفظ كتاب " الوسيط " للغزاليّ.
قَالَ أَبُو شامة: لَمَّا ولي القضاء محيي الدين ابن الزَّكي لم يُنِبْ عَنْهُ، وبقي إلى (أن) ولّاه الملك العادل القضاء، وعزَلَ قاضي القضاة زكيّ الدين الطّاهر، وأخذ منه مدرستيه العزيزية، والتَّقوية. فأعطى العزيزية مَعَ القضاء لابن الحَرَسْتَاني، واعتنى بِهِ العادل وأقبل عليه، وأعطى التقوية لفخر الدين ابن عساكر.
وَكَانَ جمال الدين يجلس للحكم بالمُجاهدية، ونابَ عَنْهُ ولدُه عمادُ الدين، ثُمَّ شمس الدين أبو نصر ابن الشيرازي، وشمس الدين ابن سَنيّ الدَّوْلَة. وبقي في القضاء سنتين وسبعة أشهر، وَتُوُفِّي، فكانت لَهُ جنازة عظيمة، عَلَى أَنَّهُ امتنع من الولاية لَمَّا طُلب إليها حَتَّى ألحّوا عَلَيْهِ فيها.
وَكَانَ صارمًا، عادلًا عَلَى طريقة السَّلف في لباسه وعفَّته؛ ولقد بلغني - يَقُولُ أَبُو شامة - أَنَّ ابنَ الحَرَسْتَاني ثبت عنده حقّ لامرأة عَلَى بيت المال، فأحضر وكيل بيت المال الجمال المَصْرِيّ، فأمره أن يسلّم إليها ما ثبت لها، وَكَانَ بُستانًا، فاعتذر بالمساء، وَقَالَ: في غد أسلمه إليها. فَقَالَ: ربّما أموت [ص:414] أَنَا الليلة ويتعوّق حقُّها، فما برح حَتَّى تسلّمت حقّها، وكتب لها محضرًا بذلك وحكم به.
وقال أبو المظفَّر سبط ابن الْجَوْزيّ: كَانَ زاهدًا، عفيفًا عابدًا، ورعًا، نزهًا، لَا تأخذه في اللَّه لومة لائم. اتفق أهل دمشق عَلَى أَنَّهُ ما فاتته صلاة بجامع دمشق في جماعة إِلَّا إِذَا كَانَ مريضًا. ثُمَّ ذكر حكايات من مناقبه، وَقَالَ: حكى لي ولدُه، قَالَ: كَانَ أحد بني قوام يتّجر للمعظَّم عيسى في السُّكّر وغيره، فمات، فوضع ديوان المُعَظَّم يدهم عَلَى التركة، وبعث المعظم إلى أبي يقول: هذا كَانَ تاجرًا لي، والتركة لي، وأريد تسليمها، فأبى عَلَيْهِ إِلَّا بثبوت شرعيّ أَوْ يحلف، فقال المعظم: والله ما أحقق ما لي عنده، ولم يثبت شيئًا.
قَالَ أَبُو المُظَفَّر: وحكى لي جماعة أَنَّ الملك العادل كتب إِلَيْهِ يوصيه في حكومة، فأحضر الخصم وفي يده الكتاب لم يفتحه وظهر الخصم عَلَى حامل الكتاب إلى القاضي، فقضى عَلَيْهِ، ثُمَّ قرأ الكتاب، ورمى بِهِ إِلَيْهِ، وَقَالَ: كتاب اللَّه قد حكم عَلَى هَذَا الكتاب. فبلغ العادل قوله فَقَالَ: صدَقَ كتاب اللَّه أولى من كتابي. وَكَانَ يَقُولُ للعادل: أَنَا ما أحكم إِلَّا بالشرع وإلّا فما سألتك القضاء، فإنْ شئت، وإلا فأبصر غيري. وحكى لي الشمس ابن خلدون قَالَ: أحضر القاضي عماد الدين بين يدي أَبِيهِ صحن حلوى وَقَالَ: كُل. فاستراب، وَقَالَ: من أَيْنَ هَذَا؟ تريد أن تُدخلني النّار؟ ولم يذُقْه.
قَالَ أَبُو شامة: هُوَ الَّذِي ألحّ عَلَى أَبِيهِ حَتَّى تولى القضاء. وَحَدَّثَنِي عماد الدين قَالَ: جاء إِلَيْهِ شرف الدين ابن عُنين، فَقَالَ: السُّلْطَان يُسلّم عليك ويوصي بفلان فإنّ لَهُ محاكمة، فغضب، وَقَالَ: الشرع ما يكون فيه وصية، لَا فرق بين السُّلْطَان وغيره في الحق.
وَقَالَ المُنْذِريّ: سَمِعْتُ منه، وَكَانَ مهيبًا، حسنَ السمت، مجلسُهُ [ص:415] مجلس وقار وسكينة، يبالغ في الإنصات إلى من يقرأ عَلَيْهِ. تُوُفِّي في رابع ذي الحجَّة، وَهُوَ في خمس وتسعين سنة.(13/411)
225 - عَبْد العزيز بن مكي بن أَبِي العرب بن حسن بن عَمَّار، أَبُو مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ الطَّرَابُلُسِيّ المغربيّ التَّاجر. [المتوفى: 614 هـ]
سافر الكثير شرقًا وغربًا، وسكنَ بَغْدَاد، وَسَمِعَ من دُلَف بن كرم؛ وحدَّث، وَكَانَ ذا مالٍ وبرّ، ومعروف، وديانةٍ.
تُوُفِّي في ذي القِعْدَة.(13/415)
226 - عَبْد اللطيف بن أَحْمَد بن عبد الله بن القاسم ابن الشَّهْرَزُوري، القاضي أَبُو الحُسَيْن المَوْصِليّ الشَّافِعِيّ. [المتوفى: 614 هـ]
عاش اثنتين وسبعين سنة، وتَفَقَّه عَلَى عَمِّه أَبِي الرِّضا سَعِيد بن عَبْد اللَّه، وأبي الفتح عَبْد الرَّحْمَن بن خِداش.
وَسَمِعَ من أَبِيهِ، ومن مُحَمَّد بن أسعد العَطَّاري، وجماعة؛ وحدَّث، وولي قضاء المَوْصِل مرات، وَتُوُفِّي في ثاني جُمَادَى الْأولى، وَهُوَ من بيت القَضاء والفَضِيلة.(13/415)
227 - عَليّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَليّ، أَبُو الحسن ابن البنَّاد الشَّاطبي الفقيه. [المتوفى: 614 هـ]
رَوَى عن أَبِي عَبْد اللَّه بن سعادة، وأبي عبد الله بن عبد الرحيم، واختص بأبي بكر بن أبي جمرة وَكَانَ فقيهًا، مشاورًا، ذا ثروة، وفضائل، وتصانيف؛ قاله الْأبَّار.(13/415)
228 - عَليّ بن مُحَمَّد بن سَعيد، أبو الحسن ابن الفَحّام الْأَنْصَارِيّ الْأنْدَلُسِيّ. [المتوفى: 614 هـ]
أخذ القراءات عَن أَبِي بكر بن سمحون، وأبي الْقَاسِم بن غالب، وَسَمِعَ من ابن بشكوال. [ص:416]
قَالَ الْأبَّار: كَانَ ناسكًا، عابدًا، يعيش من الخياطة، رحمه اللَّه.(13/415)
229 - عَليّ بْن أَبِي نصر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن ضمَّة، أَبُو الحَسَن الوَاسِطِيّ. [المتوفى: 614 هـ]
حدَّث عن المبارك بن الحُسَيْن بن نَغُوبا، ومات في ذي القِعْدَة بواسط.(13/416)
230 - عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي سَعْد، أَبُو الحَسَن المَوْصِليّ، [المتوفى: 614 هـ]
أخو سُلَيْمَان المَوْصِليّ.
سمِعا بإفادة أخيهما يوسف من عَبْد الوَهَّاب الْأَنْمَاطِي، وَإسْمَاعِيل بن أَبِي سَعْد الصُّوفِيّ، وَالحُسَيْن بن عَليّ سِبط الخَيَّاط، وَأَبِي البدْر الكَرْخِيّ، وَأَبِي منصور بن خَيْرون، وأبي الحسن بن عبد السلام، ومحمد ابن السَّلال، وجماعة.
وَرَوَى الكثير، سَمِعَ منه أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبيثي وَقَالَ: كَانَ صحيح السَّماع. تُوُفِّي في سادس عشر جُمَادَى الآخرة.(13/416)
231 - عَليّ بن المبارك بن عَليّ بن بشير الشَّيْبَانِيّ البَغْدَادِيّ المُطَرِّز المُقْرِئ المأمونيّ، أَبُو الحَسَن. [المتوفى: 614 هـ]
وُلِدَ سنة ستٍّ وخمسين، وَسَمِعَ من أَبِي المعالي ابن البقلي، وذاكر بن كامل، وجماعة، وحدَّث، وكتب الكثير بخطّه. وَكَانَ كثير التّلاوة.(13/416)
232 - عَليّ بن أَبِي بَكْر بن أَبِي السَّعَادَات بن مواهب الحَمّاميّ، عُرف بابن الهُنيد. [المتوفى: 614 هـ]
وُلِدَ سنة ثمانٍ وثلاثين، وحدَّث عن عَبْد الملك بن عَليّ الهمذاني.(13/416)
233 - فاطمة بنت أَبِي المعالي مُبارك بن مُحَمَّد بْن أَبِي مَنْصُور أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد السَّلَام بن قيداس، أم عَبْد الرَّحْمَن البَغْدَادِيَّة الحَرِيمِيَّة. [المتوفى: 614 هـ]
ولدت سنة إحدى أَو اثنتين وعشرين وخمسمائة، وروت عن أَحْمَد بن عَليّ بن الْأشقر.
رَوَى عَنْهَا الدُّبيثي وَقَالَ: تُوُفِّيت في شعبان، وكانت شيخة صالحة، ثقُل سمعها.(13/417)
234 - فاطمة بنت يونس بن أَحْمَد، ستٍّ النِّعم، [المتوفى: 614 هـ]
أخت الوزير عُبَيْد اللَّه.
أجاز لها أَبُو الوَقْت كتب عنها القطيعي.(13/417)
235 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الْعَزِيز بْن سعادة، أَبُو عَبْد اللَّه الشَّاطبي المُقْرِئ. [المتوفى: 614 هـ]
أخذَ القراءة عن أَبِي الحَسَن بن هُذَيْل، وَأَبِي بَكْر بن نمارة، وجماعة، وَسَمِعَ من أَبِي عَبْد اللَّه بْن سعادة، وأبي مُحَمَّد بْن عاشر. وأخذ العربية عن أبي الحسن ابن النِّعمة، وأبي عَبْد اللَّه بن حُمَيْد، وجماعة.
قَالَ الْأبَّار: وكان مقرئًا متصدرًا، نحويًا، لُغويًا، محقّقًا، لقيته وقد زار أَبِي، وَسَمِعْتُ منه مسألة في " الْجُمَل ". وأجاز لي بعد سماعي من عَمِّه أَبِي عَبْد اللَّه بن سَعادة المعمَّر. وقد أخذ عَنْهُ جماعة.(13/417)
236 - مُحَمَّد بن أَحْمَد بن جُبير بن مُحَمَّد بن جُبير، الإِمَام أَبُو الحُسَيْن ابن الْأجلّ أَبِي جَعْفَر الكِنانيّ البَلَنْسِيّ، [المتوفى: 614 هـ]
نزيل شاطبة.
إمامٌ صالحٌ، جليلٌ، كاتب، أديب، بليغ، ولد سنة أربعين وخمسمائة في عاشر ربيع الْأَوَّل ببَلَنْسِية، وَسَمِعَ من أَبِيهِ، وَأَبِي عَبْد اللَّه الْأصيليّ، وَأَبِي الحَسَن بن عَليّ بن أَبِي العَيْش المُقْرِئ، وأخذ عَنْهُ القراءات، وحدَّث بالإجازة عَن الحَافِظ أَبِي الوليد ابن الدَّباغ، وَمُحَمَّد بن عَبْد اللَّه التَّميمي السَّبْتيّ. ونزل غَرْنَاطَة مُدَّة، وسافر إلى الإسكندرية، والقدس، والحج. [ص:418]
قَالَ الْأبَّار: عُني بالآداب، فبلغ فيها الغاية، وتقدّم في صناعة النَّظْم والنَّثْر، ونال بذلك دنيا عريضة وتقدّم. ثُمَّ رفض ذَلِكَ، وزَهدَ، وصحب أَبَا جَعْفَر بن حسّان، وحجَّ، وَسَمِعَ من عُمَر الميَّانشي، وَعَبْد الوَهَّاب بن سُكينة الصُّوفِيّ. ودخل دمشق، فسمع من الخُشوعيّ، وطائفة. ورجع فحدَّث بالْأنْدَلُس، وكُتبَ عَنْهُ شِعره ودوِّن، وأخذ عَنْهُ جماعة. ثُمَّ رجع ثانية إلى المَشْرق، وعادَ إلى المغرب، ثُمَّ رحل ثالثة إلى المشرق، وحدَّث هناك، ودُفن بالإسكندرية وبها مات في السابع والعشرين من شعبان.
رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ المُنْذِريّ، والكمال ابن شُجاع الضَّرير، وعبد الرحيم بن يوسف ابن المخيلي، وأبو الطاهر إسماعيل بن هبة الله المليحي، وآخرون.
قَالَ شيخُنا الدِّمْيَاطِيّ: أنشدني أسد بن أبي الطاهر بدمشق، قال: أنشدنا أَبُو الحُسَين مُحَمَّد بن أَحْمَد بن جبير لنفسه بدِمْيَاط:
نَفَذَ القضاءُ بأخذِ كلِّ مُرَهّق ... مُتفلسف في دينهِ مُتَزَنْدقِ
بالمنطقِ اشتغَلُوا فقيلَ حقيقةٌ ... إِنَّ البَلاءَ موكَّل بالمنطقِ
تُوُفِّي بالثَّغر، ودُفن بكوم عمرو بن العاص.(13/417)
237 - محمد ابن الإِمَام العلّامة أَبِي الخير أَحْمَد بن إسْمَاعِيل القَزْوِينِيّ الواعظُ، أَبُو بَكْر الفقيه. [المتوفى: 614 هـ]
وُلِدَ سنة أربعٍ وخمسين، وَقَدِمَ بَغْدَاد مَعَ أَبِيهِ، وَسَمِعَ بها من شُهْدَة، وَأَبِي الْأزهر مُحَمَّد بن مُحَمَّد الوَاسِطِيّ. وتَفَقَّه عَلَى والده، وتكلَّم في المسائل والوعظ، وَحَدَّثَ، وَتُوُفِّي في عاشر ربيع الآخر بقيصريَّة من الرَّوم.
رَوَى عَنْهُ القُوصِيّ.
وَهُوَ أخو أَبِي المناقب مُحَمَّد.(13/418)
238 - مُحَمَّد ابن الزَّاهد أَبِي عَبْد الرَّحْمَن أَحْمَد بن أَبِي سَعْد بن حمُّويه الْجُوَيْنِيّ، أَبُو سَعْد الصُّوفِيّ، الشافعي. [المتوفى: 614 هـ][ص:419]
ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وَسَمِعَ من السِّلَفيّ، وغيره. وأجاز لَهُ ابن البَطِّيّ، وجماعة.
وسكن القاهرة بخانقاه سَعِيد السّعداء، وَكَانَ عَلَى سَدَادٍ وأمر جميل، وخير.
روى عنه الزكي المنذري وغيره، وتوفي في ربيع الآخر.(13/418)
239 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد العزيز، الإمام أبو عبد الله المعروف بابن الفتوت؛ بفاء ثم مثناتين. [المتوفى: 614 هـ]
شيخ القراء بمدينة فاس، كانت الرحلة إليه لسنِّه، وإسناده، وعدالته، تلا بالسَّبع على محمد بن محمد بن معاذ الفلنقي، والقاسم ابن الزقاق، وجماعة، وسمع من أبي الحسن بن حنين، وابن الرَّمامة.
روى عنه بالإجازة ابن مسدي، وقال: توفي سنة أربع عشرة وستمائة.(13/419)
240 - مُحَمَّد بن أَحْمَد بن عَليّ، أَبُو سَعِيد السراجيّ النَّيْسَابُوري الصُّوفِيّ، [المتوفى: 614 هـ]
من صوفية السُّمَيْساطية.
حدَّث عن الحافظَين السِّلفي، وابن عساكر، وَتُوُفِّي في ذي القِعْدَة.(13/419)
241 - مُحَمَّد بن أَحْمَد بن يوسف، أَبُو عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ الغَرْنَاطَيّ، المعروف بابن صاحب الْأحكام. [المتوفى: 614 هـ]
قَالَ الْأبَّار: وُلِدَ سنة ثمانٍ وعشرين. وَرَوَى عَن أَبِي الحَسَن شُرَيْح وَأَبِي الحكم بن غشليان، وأبي القاسم بن رضا. يعني بالإجازة لا السماع.
قلت: أجاز للشيخ أبي حيان النحوي، (و) أبي جَعْفَر أَحْمَد بن يوسف الطِّنجالي، وَسَمِعَ منه ابن مسدي وَقَالَ: هُوَ أحد المشايخ الْأعلام ببلاده، قرأ [ص:420] القرآن عَلَى عَبْد اللَّه بن خَلَف، وابن بقيّ القَيْسِيّ. وَسَمِعَ من جماعةٍ، وتفرَّد بالرواية عن ابن غَشَلْيان، وأجاز لَهُ أَبُو بَكْر ابن العربي. سَمِعْتُ منه أجزاء، وفوائد.
أخذ علم الوثائق عن خاله مُحَمَّد بن يَحْيَى البَكْرِي، قال: أخبرنا سماعاً بغرناطة سنة إحدى عشرة، قال: أخبرنا عبد الله بن خلف، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر بن عَبْد الجليل الغَسَّانِيّ بالقيروان، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَن عَليّ بن مُحَمَّد بن خلف القابسي، قال: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بن أَبِي هاشم التُّجيبي، قال: أَخْبَرَنَا عيسى بن مسكين، وغيره، قَالَا: حَدَّثَنَا سُحنون، قال: حَدَّثَنَا ابن الْقَاسِم بحديثٍ ذكره ابن مسدي في " معجمه ". وما أحسب الغَسَّانِيّ لقيَ القابسيّ، لعلّ سَقَط بينهما رجل، لكن قَالَ ابن مسدي: هذا أعلى ما كَانَ من الْأسانيد إلى القابسيّ. ثُمَّ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد سماعًا، قال: أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن بن عبد الملك بن غَشَلْيان كتابًا، قَالَ: كتب إليَّ القاضي الخِلعي، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ ابن سكَّرة، فذكر حديثًا.
تُوُفِّي فُجاءة في رجب؛ قَاله الْأبَّار.(13/419)
242 - مُحَمَّد بن صالح بن سلطان، أَبُو البدر المَوْصِليّ الحَنَفِيّ. [المتوفى: 614 هـ]
حَدَّثَ عن أَبِي طاهر السِّلَفيّ.(13/420)
243 - مُحَمَّد بن طَالِب بن أَبِي الرجاء بن شَهْريار، أَبُو الغنائم الأصبهاني. [المتوفى: 614 هـ]
من شيوخ الضياء، تُوُفِّي عن ثلاثٍ وثمانين سنة.(13/420)
244 - مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَليّ، أَبُو عبد الله ابن الحلوائي البَغْدَادِيّ. [المتوفى: 614 هـ]
سمَّعه أَبُوه من أَبِي المعالي أَحْمَد بن عَليّ بن السَّمين، وغيره.(13/420)
245 - مُحَمَّد بن عَبْد العزيز بن سَعادة، الشَّيْخ المعمَّر، مُسْند الْأنْدَلُس، أَبُو عَبْد اللَّه الشَّاطِبيّ المُقْرِئ. [المتوفى: 614 هـ]
أخذ القراءاتِ عَنْ أَبِي الحَسَن بْن هُذيل، وأبي بَكْر بن نمارة، وبعض [ص:421] القراءات عن أبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن الحَسَن بن سَعِيد الدّانيّ، أخذ عَنْهُ قراءة نافع، وأخذ القراءات ببلنسية عن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بن أَحْمَد بن عمران، وسمع من أبي الحسن ابن النِّعمة، وأبي عَبْد الله مُحَمَّد بْن يوسف بن سعادة وأبي محمد بن عاشر.
قال الأبّار: تصدّر للإقراء ببلده. وكان من أهل الصلاح، والمعرفة بالقراءات والإتقان لها، وطال عمره، وأخذ الناس عنه. وقدِم بَلَنسية سنة عشر، فأخذت عنه، وسمعتُ منه. وَكَانَ شيخُنا أَبُو الخَطَّاب بن واجب يثني عَلَيْهِ، ويوثقه. وَتُوُفِّي بشاطبة في تاسع شوال سنة أربع عشرة عن سنّ عالية أربت عَلَى المائة يسيرًا. وَهُوَ ممتَّع بجوارحه كلها. مولده سنة أربع عشرة وخمسمائة، وَقِيلَ: سنة ستٍّ عشرة.(13/420)
246 - مُحَمَّد بن عَبْد النّور بن أَحْمَد، أَبُو بَكْر الشَّيْبَانِيّ الإشبيلي. [المتوفى: 614 هـ]
سَمِعَ أَبَا بَكْر بن صاف، وأبا الحَسَن نَجَبة، وأبا عَبْد اللَّه بن زَرقون، وجماعة.
وَكَانَ مُعتنيًا بالرواية، كثيرَ السّماع، صالحًا، متواضعًا، زاهدًا. حَدَّثَ عَنْهُ جماعة. واستشهد في وَقْعَة قَصْر أَبِي دانِس بغرب الْأنْدَلُس، في أوائل السنة، رحمه اللَّه.(13/421)
247 - مُحَمَّد ابن القاضي مُحَمَّد بن أيوب بن مُحَمَّد بن نوح الغافقيّ، أَبُو الْقَاسِم. [المتوفى: 614 هـ]
سَمِعَ أَبَاه، وأبا الْقَاسِم بن حُبَيْش. وأجاز لَهُ أَبُو مروان بن قزمان.
قَالَ الْأبَّار: وَكَانَ فقيهًا، ماهرًا بالشُّرُوط، شاعرًا، وَلِيَ قضاء المريَّة، ثُمَّ قضاء بَلَنْسِية فلم تُحْمد سيرته، فعُزل، وماتَ بمَرّاكش في جُمَادَى الْأولى، عن نحو ستين سنة.(13/421)
248 - مُحَمَّد ابن الإِمَام الكبير أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بن هُذيل، أَبُو عامر البَلَنْسِيّ المقرئ. [المتوفى: 614 هـ][ص:422]
أخذَ القراءات عَن والده، وَسَمِعَ منه كثيرًا، ومن طارق بن يَعيش، وَأَبِي عَبْد اللَّه بْن سعادة. وأجاز لَهُ أَبُو طاهر السِّلفي.
قَالَ الْأبَّار: وَكَانَ من أهل الصَّلاح، والوَرَع، شديدَ الانقباض عن النَّاس، مقتصرًا عَلَى باديته، معروفًا بالعبادة، والزُّهد. وَرَوَى اليسير. لقيته وَهِبْتُ أن أستجيزه لَمَّا كنتُ أعرف من نُفوره، وعُسر انقياده، واستجازه لي أَبِي. ولم يكن لَهُ علم بالحديث. تُوُفِّي في ذي القِعْدَة، وقد نيّف عَلَى السبعين، وازدحمت العامة عَلَى نَعْشه. وشهده السُّلْطَان.(13/421)
249 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَيْشون بن عُمَر بن صَبَّاح، أَبُو عَمْرو اللَّخْميّ الأندلسي البَكّيّ. [المتوفى: 614 هـ]
وبكَّة: من عمل مُرسية.
قَالَ الْأبَّار: سَمِعَ أَبَا العَبَّاس بن إدريس، وأبا عَبْد اللَّه بن سعادة، وأبا عَبْد الله بن عبد الرحيم. وأجاز له أبو الحَسَن بن هُذَيْل، وجماعة. وَكَانَ يَعقِد الشُّرُوط. وَلَهُ تقييد مُفيد في " الوفيات " اعتمدت عَلَيْهِ، وَحَدَّثَنِي بِهِ عَنْهُ ابنه عَيْشُون. وَتُوُفِّي في ذي القِعْدَة، عن ستٍّ وسبعين سنة.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ ابن مَسْدي.(13/422)
250 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يبقى بن جَبَلة، أَبُو بَكْر الْأَنْصَارِيّ الخَزْرَجِي الْأورْيُوليّ. [المتوفى: 614 هـ]
حجَّ، وَسَمِعَ من السِّلَفيّ، وسكن مِصْر. وأجاز في هَذَا العام.(13/422)
251 - مُحَمَّد بن مظفر بن شجاع، أبو عبد الله ابن البواب. [المتوفى: 614 هـ]
حدث عن أَبِي الوَقْت السِّجزي وغيره، ومات فِي ربيع الآخر.(13/422)
252 - مُحَمَّد بْن يوسف بْن أَحْمَد بن مَعْن، أَبُو بَكْر الْأَزْدِيّ الشَّريشيّ. [المتوفى: 614 هـ]
رَوَى عَنْ أَبِيهِ، وحجَّ فسمع من السِّلفي، وأبي مُحَمَّد العُثْمانيّ، وجماعةٍ، وَكَانَ عدْلًا، شُرُوطيًا. ولي القضاء ببعض الْأعمال، وَحَدَّثَ، وَتُوُفِّي [ص:423] في ذي القِعْدَة، ومات في عشر السبعين.(13/422)
253 - مُحَمَّد بن أَبِي الْقَاسِم بن مُحَمَّد، الْأمير بدر الدين الهَكَّارِيّ. [المتوفى: 614 هـ]
أحد فُرسان المسلمين، لَهُ المواقف المشهودة في قتال الفرنج. وَكَانَ من أكابر أمراء المعظَّم، يستشيره ويثق بِهِ لصلاحه. وَكَانَ سمحًا، لطيفًا، وَرِعًا، خيِّرًا، بارًا بأهله وبالفقراء. بنى بالقُدس مدرسة للشافعية. وَكَانَ يتمنّى الشهادة وَيَقُولُ: ما أحسن وَقْع سيوف الكُفَّار عَلَى وجهي وأنفي، فمنَّ اللَّه عَلَيْهِ بالشهادة عَلَى الطُّور، وَكَانَ بها لَمَّا حاصرها العدوّ. واستشهد يومئذ سيف الدين ابن المَرْزُبان. وحُمل الْأمير بدر الدين إلى القُدس، فدُفن بتربته.(13/423)
254 - المبارك بْن أَحْمَد بْن هبة اللَّه، الشّريف أَبُو المُظَفَّر الهاشِمِيّ، المعروف بابن المكشوط. [المتوفى: 614 هـ]
ولد سنة أربعين وخمسمائة، وقرأ القراءات عَلَى أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن خَالِد الرَّزَّاز الضّرير، صاحب أَبِي عَبْد اللَّه البارع، وَسَمِعَ من عَنْبَر مولى القاضي أَبِي مُحَمَّد العَلَويّ، وذكر أَنَّهُ سَمِعَ من أَبِي الوقت، وولي الخطابة بجامع المنصور مُدَّة، وبغيره من الجوامع.
قَالَ الدُّبيثي: أَخْبَرَنَا ابن المكشوط، قال: أخبرنا عنبر، قال: أخبرنا يحيى ابن البَنَّاء، فذكر حديثًا. مات في خامس شَوَّال.(13/423)
255 - محمود، شجاع الدين الدِّمَشْقِيّ، الدِّماغ. [المتوفى: 614 هـ]
من رؤساء البلد. كَانَ ذا ثروة عظيمة. ودارُهُ بجَنْب المدرسة العِمادية، جَعَلَتها زوجته عَائِشَة مدرسةً للشافعية والحَنَفِيَّة.
تُوُفِّي في ذي القِعْدَة.(13/423)
256 - معروف بن مَسْعُود بن عَليّ بن بركة، أَبُو محفوظ البغدادي المقرئ. [المتوفى: 614 هـ]
سمع من أبي الفتح ابن البطي، وحدث. وذكر أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الوَقْت. [ص:424]
تُوُفِّي في ربيع الْأَوَّل.(13/423)
257 - مكي بن أَبِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَبِيهِ الدِّمَشْقِيّ، عَرف بابن الدَّجاجية. [المتوفى: 614 هـ]
فقيه، فاضل، قادر عَلَى النّظم.
قرأت بخط الضِّيَاء وفاته في ذي الحجَّة، وأنه نظم كتاب " المُهَذَّب " في المَذْهب قصيدة عَلَى رَوِيِّ الراء، سمّاها " البديعة في أحكام الشريعة ".
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ من شِعره الشِّهَاب القُوصِيّ، وَقَالَ: هُوَ الإِمَام حِفْظ الدين أَبُو الحَرَم الصَّالحيّ، مدحَ الملك العادل، والصّاحب ابن شُكر، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: تُوُفِّي كهلًا في آخر سنة خمس عشرة. ولم يذكره المُنْذِريّ في " الوفيات ".(13/424)
258 - هاني بن الْحَسَن بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحسن بْن قاسم، أَبُو يَحْيَى اللَّخْميّ الْأنْدَلُسِيّ الغَرْنَاطَيّ. [المتوفى: 614 هـ]
رَوَى عن أبيه وعمّه أبي الحسن محمد.
قال الأبار: كان حافظا للغة، ذاكرا للخلاف، مشاركا في علم الأصول. ولي قضاء شلب، وبها توفي. قال: وفيها كانت وقعة القصر.(13/424)
259 - هبة اللّه بْن أَحْمَد بْن عَبْد الواحد بن عبد الوهاب، أبو الغنائم السلمي الدمشقي الكهفي، [المتوفى: 614 هـ]
كان مقيما بالكهف الذي بسفح قاسيون.
حدث عن أَبِي المغارم عَبْد الواحد بن هلال. روى عنه الضِّيَاء، وشمس الدين بْن أَبِي عُمَر، والفَخْر عليّ، والشمس محمد ابن الكمال، وجماعةٌ.
ومنهم من سمّاه: أَبَا مُحَمَّد غنائم بن أَحْمَد. [ص:425]
تُوُفِّي في سادس جُمَادَى الْأولى بالكَهف، وَلَهُ نيف وستون سنة.(13/424)
260 - ياقوت الخَليفيّ النَّاصريّ، الْأمير أَبُو الحَسَن. [المتوفى: 614 هـ]
وليَ إمرة الحاج، وولي تستر، وخوزستان، وبها تُوُفِّي في جُمَادَى الْأولى.(13/425)
261 - يَحْيَى بن إِبْرَاهِيم بن أَبِي تُراب مُحَمَّد، الفقيه أَبُو تُراب الكَرْخِيّ اللوزي الشَّافِعِيّ. [المتوفى: 614 هـ]
وُلِدَ سنة ستٍّ وعشرين وخمسمائة، وتفقّه على الإمام أبي الحسن محمد ابن الخلّ، وَسَمِعَ منه، ومن أَبِي الفضل الْأُرْمَوي، وَأَبِي الفتح الكُرُوخِيّ، وأبي الفرج عَبْد الخالق اليوسفي، وأبي الوَقْت، وجماعة، وَحَدَّثَ بدمشق، وبَغْدَاد.
وَهُوَ منسوب إلى محلة اللَّوزيَّة. وأقام بدمشق مُدَّة.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، وابنُ خليل.
وَقَالَ الشهاب القوصي: يحيى بن إبراهيم المفتي، قوام الدين، معيد العماد الكاتب. أخبرنا بالمجاهدية سنة ست وتسعين، قال: أَخْبَرَنَا ابن الزَّاغُونيّ، فذكر حديثًا.
وَقَالَ ابن نقطة: دخلت عليه سنة سبع وستمائة، فرأيته مُخْتلًا، ذكر لي أن الملائكة تنزل عَلَيْهِ من كَنيسة داره بالثياب الخُضر في هذيان طويل. ثُمَّ قُرئ عَلَيْهِ بعد ذَلِكَ كتاب " التِّرْمِذِي ". قَالَ: فحدَّثني بعض أصحابنا: أَنَّهُ كَانَ إِذَا طال عَلَيْهِ المجلس شتمهم بفحش، ودوَّر عَلَى شيء ليضربهم بِهِ. وَحَدَّثَنِي عَبْد العزيز بن هِلالة قَالَ: دخلت عَلَى أَبِي تُراب يومًا، فَقَالَ لي: من أَيْنَ أَنْتَ؟ فقلت: من المغرب، فبكى، وَقَالَ: لَا رضي اللَّه عن صلاح الدين، ذاك فساد الدين، أخرج الخلفاء من مِصْر! وجعل يسبّه، فقمتُ وخرجت. [ص:426]
قَالَ ابن نُقْطَة: سَمِعَ " الجامع " لأبي عيسى من الكُرُوخِيّ، ومات في ثالث عشر شعبان، وقد حدث قديماً بدمشق بـ " مسند " الدارمي.(13/425)
262 - يَحْيَى بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمَد، أَبُو زكريا البَغْدَادِيّ البَزَّاز، عُرف بابن حَسَّان. [المتوفى: 614 هـ]
حَدَّثَ عن أبي الفتح ابن البَطِّيّ، وَتُوُفِّي في شَوَّال.(13/426)
263 - يَحْيَى بن أَحْمَد بن مَسْعُود، أَبُو بَكْر الْأَنْصَارِيّ القُرْطُبيّ. [المتوفى: 614 هـ]
أخذَ القراءات عن أَبِي الْقَاسِم بن غالب؛ وَسَمِعَ منه، ومن أَبِي الْقَاسِم خَلَف بن بَشْكُوال، وَأَبِي مُحَمَّد بن مغيث، وحجَّ فسمع بمَكَّة من عَليّ بن عَبْد اللَّه بن حمود المِكناسيّ.
وولي خطة الشُّوري بقُرْطُبَة، وَكَانَ حسنَ الصوت، يستدعيه الأمير لصلاة التراويح.(13/426)
264 - يَحْيَى بن عَبْد الملك ابن العلّامة إلِكيا أَبِي الْحَسَن عَليّ بْن مُحَمَّد الهَرَّاسِيّ الطَّبَرِيّ الْأصل البَغْدَادِيّ، أَبُو الفتوح الشَّافِعِيّ. [المتوفى: 614 هـ]
وُلِدَ بعد الأربعين وخمسمائة، وَسَمِعَ من أَبِيهِ، وأبي الوَقْت، وَحَدَّثَ ببَغْدَاد ودمشق؛ رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، والشِّهَاب القُوصِيّ، وَالزَّكيّ المُنْذِريّ، وجماعةٌ.
قَالَ القُوصِيّ: هُوَ الرئيس بدر الدين، حدثنا بدمشق سنة اثنتين وستمائة، وتوَّلى ديوان الْأوقاف مُدَّة طويلة بدمشق. وَكَانَ ناهضًا، أمينًا، وَلَهُ شِعر مليح.
قُلْتُ: تُوُفِّي في ذي القِعْدَة.(13/426)
265 - يوسف بن عَبْد الصَّمَد بن يوسف بن عَليّ، الفقيه أَبُو الحَجّاج الفاسيّ الْأصُوليّ، المعروف بابن نَمِر. [المتوفى: 614 هـ][ص:427]
قَالَ الْأبَّار: حَدَّثَ عن عُثْمَان بن عَبْد اللَّه السّلالقيّ الفاسيّ، وَمُحَمَّد بن عَبْد الكريم الفَنْدلاويّ. وأخذ عن أَبِي العَبَّاس بن مضاء.
قَالَ الْأبَّار: وَكَانَ إمامًا في علم الكلام، والأصول، متحققاً به، متقدماً في الحفظ، والذكاء، مع المشاركة في فنون أُخر. دخل إشبيلية، وأقرأ بها، ونوظر عليه، وعاد إلى بلده. وحدث. وتوفي في شهر رجب، وقد قارب الستين.(13/426)
266 - يوسف بن أَبِي الحَسَن بن ياسين، الشَّيْخ أَبُو الحجاج ابن زين الدّار الصُّوفِيّ الزّاهد. [المتوفى: 614 هـ]
من شيوخ المصريّين، مشهور بالصَّلاح، والعزلة، والخير، وسمع من أَبِي طاهر السِّلَفيّ.
وَتُوُفِّي في ربيع الآخر.
رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ عَبْد العظيم.(13/427)
267 - يوسف ابن الشَّيْخ الزّاهد الكبير أَبِي الحَسَن المَقْدِسِيّ، الإِمَام الصّالح أَبُو الحَجّاج. [المتوفى: 614 هـ]
رَوَى عن أَبِي المعالي بن صابر. رَوَى عَنْهُ الضِّيَاء، وابن أخيه الفخر، وابن أخيه الشمس ابن الكمال، وَمُحَمَّد بن مؤمن، وغيرهم.
وَكَانَ صالحًا، خيِّراً، زاهدًا، فقيهًا.
تُوُفِّي يوم الْجُمُعة سابع عشر ذي القِعْدَة بدمشق، ودُفن من الغد بباب الصغير، وشيَّعه خلق كثير، مَعَ كونه يومًا مَطِيرًا. واستكمل ثلاثًا وثمانين سنة، رحمه اللَّه.(13/427)
-وفيها وُلِدَ:
الشَّيْخ عزّ الدين أَحْمَد بن إِبْرَاهِيم الفاروثيّ، والصّاحب مجد الدّين عَبْد الرحمن ابن العديم، ومحيي الدين يحيى بن علي ابن القلانسي، وقطب [ص:428] الدين محمد بن أحمد ابن القَسْطلانيّ، وَالشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عَبْد العزيز اللوزي، والخطيب محيي الدين محمد ابن عماد الدين ابن الحَرَسْتَاني، والشَّرَف أَبُو العَبَّاس أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن عُبَيْد اللَّه المَقْدِسِيّ الفَرَضيّ، ومحيي الدين محمد بن يعقوب ابن النحاس، وأمين الدّين عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الوهّاب ابن عساكر، وابن عمه الشرف أحمد بن هبة اللَّه بن أَحْمَد، وتاج الدين إسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن قُريش المَخْزُومِيّ، وضياء الدّين عَبْد الرَّحْمَن بن عَبْد الوَهَّاب، خطيب بعلبك، ومحيي الدين محمد ابن الكمال الضرير العَبَّاسيّ، ونجم الدين عَليّ بن علي بن إسمنديار الواعظ، وأبو الغنائم ابن محاسن الكفرابي، والزين مُحَمَّد بن الحُسَيْن الفُوّيّ، راوي " الخِلعيات "، والسيف داود بن مسعود ابن القيني، ومجد الدين عبد الرحمن ابن العديم، في جُمَادَى الْأولى، وَأَحْمَد بن يوسف بن مكتوم، في شَوَّال.(13/427)
-سنة خمس عشرة وستمائة(13/429)
268 - أَحْمَد بن أَحْمَد بن أَبِي السَّعَادَات أَحْمَد بن كَرَم بن غالب، الحَافِظ أَبُو العَبَّاس البَنْدَنِيجِيّ ثُمَّ البَغْدَادِيّ الْأزَجيّ العدل. [المتوفى: 615 هـ]
وُلِدَ سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وقرأ القرآن عَلَى أَبِي حكيم النَّهروانيّ تَلْقِينًا. وقرأ القراءات عَلَى أَبِي الحَسَن عَليّ بن عساكر، وغيره، وسمع من أبي بكر ابن الزاغوني، وأبي الوقت السجزي، وأبي محمد ابن المادح، وأبي المظفر هبة الله ابن الشِّبْلِي، وابن البَطِّيّ، وَالشَّيْخ عَبْد القادر، وخلقٍ كثير بعدهم.
وحَصَّل الْأصول، وكتب الكثير، وعُني بالرِّواية أتمَّ عناية، وبالغ في الطَّلب، وحصَّل الْأصول، وعُني بالفَهْم، وضَبْط الْأسماء، وتحقيق الْألفاظ، والمختلف والمُؤتلف، وحَصَّل طرفًا من العربية. وكانت قراءته صحيحة، فصيحة، مُنَقّحة، بنغمة مُطْربة، وأداء عَذْب.
وُجد خطّه عَلَى سجلٍّ باطل، فطُولب بأصله، فذكر أَنَّ قاضي القضاة مُحَمَّد بن جَعْفَر العَبَّاسيّ قَالَ لَهُ: أَنَا شاهدتُ الْأصل، فاكتبه، فركن إلى قوله. فأُحضر إلى دار الخِلافة، ورُفع طَيْلسانه، وكُشف رأسه، وأُركب جملًا، وطيف بِهِ وبشاهدين آخرين، وصُفعوا، ونُودي عليهم: " هذا جزاء من يشهد بالزور "، وحُبسوا مُدَّة، وَذَلِكَ في سنة ثمانٍ وثمانين.
ولم يزل أَحْمَد البَنْدَنِيجِيّ خاملًا إلى أن ظهرت الإجازة للخليفة الناصر. وَكَانَ أخوه تميم قد تَوَلَّى أخْذها، فذكرَ حاله للنّاصر، وأنه لم يشهد بزُورٍ محض، بل ركنَ إلى قول القاضي، وَأَنَّ أستاذ الدّار ابن يونس، كَانَ لَهُ غَرَض في تعزيره. فأمر الخليفة النّاصر فأُعيد إلى العدالة، فَشِهد سنة سبع وستمائة عند قاضي القضاة أَبِي الْقَاسِم عَبْد اللَّه ابن الدامغانيّ، فقبله من غير تزكية؛ حكى ابن النَّجَّار هَذَا، وَقَالَ: قرأت عَلَيْهِ كثيرًا، وكنتُ أراه كثير التحري، لَا يتسامح في حَرْف، وَمَعَ هَذَا أصوله كانت مُظْلمة، وكذلك خَطُّه وطباقه. وكان [ص:430] ساقطَ المُروءة، دنيء النَّفْس، وَسِخَ الهيئة، تدلُّ أحوالُه عَلَى تهاونه بالْأمور الدينية، وتُحْكَى عَنْهُ أشياءٌ قبيحة. وسألت شيخنا ابن الْأخضر عَنْهُ وعن أخيه تميم، فضَعَّفهما، وصرَّح بكذبهما.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، وَالزَّكيّ البِرْزَاليّ، والتقي اليَلْدَانِيّ، والمحبّ ابن النَّجَّار، وجماعةٌ.
وفيه ضعْف.
وَهُوَ أخو تميم المذكور.
تُوُفِّي أَحْمَد في رابع عشر رمضان، ببَغْدَاد.(13/429)
269 - أَحْمَد بن أَبِي المعالي أسعد بن أَحْمَد بن عَبْد الرَّزَّاق، أَبُو الفضل المزدقاني الأصل الدمشقي الأصم، صفي الدين ابن كريم الملك. [المتوفى: 615 هـ]
ولد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة، وَسَمِعَ من الصائن هبة اللَّه، وأخيه أَبِي الْقَاسِم الحَافِظ. رَوَى عَنْهُ الشِّهَاب القُوصِيّ، وغيره، وَتُوُفِّي ببَعْلَبَكّ في المحرّم.
وَجَدّه أَحْمَد هُوَ القادم من مَزْدقان.(13/430)
270 - أَحْمَد بن دفتر خُوان، الْأجلّ الرئيس منتجب الدين الكاتب. [المتوفى: 615 هـ]
كَانَ بدمشق، وَكَانَ يقرأ الكتب عَلَى السُّلْطَان. وَهُوَ واسطة خير، قرأ العربية عَلَى الكِنْدِيّ؛ وَسَمِعَ من البهاء ابن عساكر، وغيره، وَلَهُ شِعر قليل.
تُوُفِّي في جُمَادَى الآخرة.
رَوَى عَنْهُ القُوصِيّ من نظْمه، وسمّاه أَحْمَد بن عَبْد الكريم بن أَبِي الْقَاسِم بن دفترخان.(13/430)
271 - أَحْمَد بن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الرَّزَّاق السُّلَمِيّ البَغْدَادِيّ العَطَّار الصَّيْدَلَانِي، شمس الدين أَبُو الْقَاسِم، [المتوفى: 615 هـ]
نزيل دمشق. [ص:431]
ولد سنة ست وأربعين وخمسمائة، وَسَمِعَ من أَبِيهِ، وأبي الوَقْت، وابن البَطِّيّ، وحدث غير مرة بـ " البخاري "، وحدث بـ " الدارمي "، و " عبد بن حميد "، وكان يذكر أَنَّهُ من وُلِدَ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَميّ.
رَوَى عَنْهُ أَبُو بَكْر بن نُقْطَة وَقَالَ: شيخٌ صالحٌ ثقةٌ صدوقٌ، وَالضِّيَاء المَقْدِسِيّ، والشِّهَاب القُوصِيّ، وَالزَّكيّ المُنْذِريّ، والزين خَالِد، وَأَبُو بَكْر مُحَمَّد بن عَليّ النُّشْبِيّ، والرَّشيد مُحَمَّد بن أَبِي بَكْر العامريّ، وَأَبُو مُحَمَّد عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن هبة الله ابن الشِّيرَازِيّ، والمُحيي عُمَر بن أَبِي عَصرون، والجمال محمد بن علي ابن الصابوني، وَأَبُو بَكْر بْن عُمَر بْن يُونُس المِزّيّ، والفخر علي ابن البخاري، والشمس محمد ابن الكمال، والتقي إبراهيم ابن الوَاسِطِيّ، والعلاء عَليّ بن أَبِي بَكْر بن صَصْرَى، وطائفة سواهم.
وظهر لشيخنا العزّ أَحْمَد ابن العماد بعض " الدَّارِمِيّ " سمعه منه حضورًا، وإنّما رأيناه بعد موته.
وَرَوَى عَنْهُ بالإجازة عُمَر ابن القوّاس.
قَالَ ابن النَّجَّار: كَانَ لَهُ دُكّان بظاهر باب الفراديس للعِطر. وَكَانَ صدوقًا، متدينًا، مَرْضيّ الطريقة.
تُوُفِّي في سابع عشر شعبان، ودفن بسَفْح قاسيون.(13/430)
272 - أَحْمَد بْن عَليّ بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن كُردي، القاضي الأجل أبو البقاء البغدادي. [المتوفى: 615 هـ]
روى عنه أبي الفتح ابن البَطِّيّ، وماتَ في ذي القِعْدَة.(13/431)
273 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد اللخمي الزَّاهد، المعروف بالرأس. [المتوفى: 615 هـ]
كَانَ بظاهر الإسكندرية عَلَى شاطئ البَحْر، في الموضع المعروف بالرأس، ولهذا قِيلَ لَهُ: الشَّيْخ أَحْمَد الرأس.
صالحٌ، زاهدٌ، مشهور بالصّلاح، وَلَهُ القبول التّام، انتفع بِهِ جماعة. [ص:432]
تُوُفِّي في خامس ربيع الْأَوَّل، رحِمَه اللَّه تَعَالَى.(13/431)
274 - أَحْمَد بْن يوسف بْن عَبْد اللَّه بن سَعِيد بن أَبِي زيد، الإِمَام أَبُو جَعْفَر بن عيّاد البَلَنْسيّ الْمُقْرِئ. [المتوفى: 615 هـ]
أَخَذَ القراءات عن أَبِي بَكْر بن نمارة، وَسَمِعَ من والده، ومن أبي الحسن ابن هُذَيْل. وأجاز لَهُ أَبُو حفص بن واجب، وجماعة.
قَالَ الْأبَّار: كَانَ صالحًا، عارفًا بالرُّواة، صَدُوقًا. تُوُفِّي في شَوَّال، وَلَهُ سبعون سنة.(13/432)
275 - إِبْرَاهِيم بن عَبْد اللَّه ابن القاضي أَبِي العَبَّاس أَحْمَد بْن سلامة بْن عُبَيْد اللَّه بْن مَخْلَد، القاضي الْأجلّ، شرف القضاة أَبُو المُظَفَّر الكَرْخِيّ الْأصل - كَرْخ جُدّان لَا كرْخ بَغْدَاد - الشَّافِعِيّ المحتسب، المعروف بابن الرُّطبي. [المتوفى: 615 هـ]
وُلِدَ سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، وتفقَّه عَلَى أَبِي طَالِب المبارك الكَرْخِيّ، وَسَمِعَ من أَبِي الحُسَيْن عَبْد الحق، وجماعة.
وَهُوَ من بيت العِلم والرواية. ولي القضاء بباب الْأزَج. وولي حِسْبة الجانبين، ومات في رمضان، ولم يحدّث.(13/432)
276 - إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن هُمَام، أَبُو إِسْحَاق الْأنْدَلُسِيّ الإشبيليّ. [المتوفى: 615 هـ]
رحل، وَسَمِعَ ببَغْدَاد من عَبْد اللَّه بن أَبِي المجد الحربي، وبواسط من أبي الفتح ابن المَنْدَائِيّ، وبإصبهان من أَبِي جَعْفَر الصَّيْدَلَانِي، وبنَيْسَابُور من أَبِي سَعْد الصَّفار، ومنصور الفُرَاويّ، والمؤيد الطُّوسِيّ، وجماعة.
وسكنَ هرَاة مُدَّة، وَحَدَّثَ ببَغْدَاد. وعدم بين تكريت والموصل، رحمه الله، في ربيع الآخر.
وَكَانَ من أهل الدِّين، والصّلاح، والسُّنَّة عَلَى مَذْهب ابن حَزْم. وَلَهُ صَبْر عَلَى الفَاقة، وتعفَف زائد، إِلَّا أَنَّهُ كان سيئ الْأخلاق، سريعَ النَّفْرَة، كثيرَ [ص:433] القُطوب، لَا يسامح في هَفْوة، ولا يقبل مَعْذرة، نسأل اللَّه السلامة!
وَكَانَ قد استولى عَلَى أكثر أصول أَبِي رَوْح، وغيره بهَرَاة، فمَن الَّذِي يجسر أن يسأله جزءًا منها؟ وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمَّا فارق هَرَاة في هذه السنة، دَفَن تِلْكَ الْأجزاء لئلا ينتفع بها أحد بعده، فما نفعه اللَّه بها.(13/432)
277 - أرْسَلان شاه، الملك نور الدِّين ابن السُّلْطَان المُلْك القاهر عزَّ الدِّين مَسْعُود بْن أرْسلان بن مسعود بن مودود ابن الْأتابك زنكي بن آقسنقر. [المتوفى: 615 هـ]
قَالَ الحَافِظ عَبْد العظيم: وَليَ المَوْصِل بعهد من أَبِيهِ، وقد قَارب إِذْ ذاك عشر سنين. وَكَانَ قد سُمّي عليًّا في حياة جَدّه، فَلَمَّا توفي جَدّه سُمِّي أرْسلان شاه.
قُلْتُ: ولم تُطل أيّامُه، بل بقي بعض سنة؛ تُوُفِّي أَبُوه في ربيع الآخر من السنة، وَتُوُفِّي هُوَ في هذه السنة.(13/433)
278 - إسْمَاعِيل بن المُظَفَّر بن هبة الله، أبو محمد ابن الْأقْفَاصي الدَّبَّاس. [المتوفى: 615 هـ]
وُلِدَ سنة إحدى وأربعين، وَسَمِعَ من أَبِي الفضل مُحَمَّد بْن ناصر، وأبي الفَضْل الْأُرْمَوي، رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ البِرْزَاليّ، والدُبيثي، وتوفي في ثامن رجب.(13/433)
279 - جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَبْد الخالق بن عَبْد السَّلَام، مُوَفَّق الدِّين أَبُو الفضل المَصْرِيّ المُقْرئ النَّحْوِيّ. [المتوفى: 615 هـ]
قرأ القراءات عَلَى أَبِي الجود، وتصدَّر بالجامع العتيق بمصر مُدَّة طويلة.
قَالَ المُنْذِريّ: اجتمعتُ معه مرّاتٍ، وانتفع بِهِ جماعة كبيرة، وَكَانَ من أعيان القُرّاء، مقصُودًا للأخذ عَنْهُ؛ لفضله، ودينه وأدبه. تُوُفِّي في ثاني عشر صفر.(13/433)
280 - حمزة بْن عَلِيّ بْن عُثْمَان بْن يوسف بْن إِبْرَاهِيم، القاضي الْأجلّ الْأشرف أَبُو الْقَاسِم بن أَبِي الحَسَن القُرَشِيّ المَخْزُومِيّ المَصْرِيّ الشَّافِعِيّ الكاتب. [المتوفى: 615 هـ]
رحلَ، وَسَمِعَ من السِّلفي، وَأَبِي مُحَمَّد العثماني، وأبي الطاهر بن عوف، ويحيى ابن الرَّازِيّ، صاحب " السُّداسيات ". وَسَمِعَ بمصر من مُحَمَّد بن علي الرحبي، وعبد الله بن بري، وعَليِّ بن هبة الله الكاملي، وجماعة كبيرة، وَسَمِعَ بدمشق، وَحَدَّثَ بها، وبمصر، وبَغْدَاد، وحَصَّل الْأصول، وكتب الكثيرَ، وأكثرَ عن السِّلَفيّ.
وَكَانَ لَهُ أنَس جيّد بالحديث، وَلَهُ شِعرٌ حَسَن، وَليَ الْأوقاف بالدَيار المصرية.
ووُلد في سنة سبع وأربعين وخمسمائة.
وَحَدَّثَ من بيته جماعةٌ، وسيأتي ذِكر أخيه المكرّم عَبْد الرَّحْمَن، وذكر ابن أخيه.
رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ المُنْذِريّ، وَالزَّكيّ البرزالي، وجماعةٌ.
تُوُفِّي في آخر يومٍ من السنة.
وآخر من رَوَى عَنْهُ الْأخَوان عيسى وَعَبْد اللَّه ابنا القاهري، والحارث بن مسكين المصري.(13/434)
281 - دَاوُد بن أَحْمَد بن يَحْيَى، أَبُو سُلَيْمَان العُبّاديّ الدَّاوديّ الضّرير المُقْرِئ الفقيه عَلَى مذهب دَاوُد. [المتوفى: 615 هـ]
أخذ ذَلِكَ من كُتُب الظَّاهرية، وقرأ القراءات عَلَى أَبِي الحَسَن عَليّ بن عساكر وغيره، وقرأ العربية عَلَى الحَسَن بن عَليّ بن عبيدة، وغيره. وَرَوَى أناشيد، وَتُوُفِّي في المحرم أو صفر، على قولين، ببغداد.(13/434)
• - الركن العميدي: محمد. [المتوفى: 615 هـ](13/434)
282 - زينب أُمَّ المُؤيَّد، المَدعوَّة بِحُرة ناز، ابْنَة الشَّيْخ أَبِي الْقَاسِم عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَسَن بْن أحمد بن سهل بن أحمد بن سهل بن أَحْمَد بن عَبْدوس الْجُرْجَانِيّ الْأصل النَّيْسَابُوري الشَّعْريّ الصُّوفِيّ. [المتوفى: 615 هـ]
وُلدت في سنة أربعٍ وعشرين وخمسمائة، وسمعتْ من إسْمَاعِيل بن أَبِي الْقَاسِم بن أبي بكر القارئ، وعبد المنعم ابن القُشَيْريّ، وزاهر ووجيه ابني طاهر الشَّحامي، وَأَبِي الفتوح عَبْد الوَهَّاب بن شاه، وَأَبِي المعالي مُحَمَّد بن إسْمَاعِيل الفارسيّ، وفاطمة بنت عَليّ بن زعبل، وفاطمة بنت خلف الشَّحَّامِيّ، وَعَبْد الجبار بن مُحَمَّد بن أَحْمَد الخُواريّ، وأبي البركات عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد الفُرَاويّ، وَأَبِي المحاسن عَبْد الرَّزَّاق بن مُحَمَّد الطَّبَسِيّ، وجماعةٍ.
وأجاز لها أَبُو الحَسَن عبد الغافر بن إسْمَاعِيل الفارسيّ الحَافِظ، وَأَبُو الْقَاسِم محمود بن عُمَر الزَّمَخْشَرِي النَّحْوِيّ، وجماعةٌ.
وَسَمِعْتُ " صحيح " البُخَارِي من وجيه وَعَبْد الوَهَّاب بن شاه، عن الحفصي، ومن أبي المعالي الفارسي، عن العيار.
وحدَّثت أكثر من ستين سنة؛ رَوَى عَنْهَا عَبْد العزيز بن هِلالة، وابنُ نُقْطَة، والبِرْزَاليّ، وَالضِّيَاء، وابنُ الصلاح، والشَّرف المُرسيّ، والصَّرِيفينيّ، والصَّدْر البكري، ومحمد بن سعد الهاشمي، والمحب ابن النَّجَّار، وجماعةٌ كثيرة.
وَسَمِعْتُ بإجازتها عَلَى التّاج ابن عصرون، والشرف ابن عساكر، وزَيْنَب الكِنْدِيَّة.
وكانت شيخةً صالحةً، عاليةَ الإسناد مُعَمَّرة، مشهورة، انقطع بموتها إسنادٌ عالٍ.
قرأتُ بخطّ الحَافِظ الضِّيَاء: أنها تُوُفِّيت في جُمَادَى الآخرة بنَيْسَابُور.
وقد تَقَدَّم أخوها عَبْد الرحيم.(13/435)
283 - سُلَيْمَان ابن الشَّيْخ أَبِي المجد الفَضْل بن الحُسَيْن بن إِبْرَاهِيم البانياسيّ، الرئيس أَبُو المحاسن الحِمْيريّ الدِّمَشْقِيّ المُعَدَّل. [المتوفى: 615 هـ]
حَدَّث عن أبيه، وَأَبِي الْقَاسِم الحَافِظ. رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ البِرْزَاليّ، [ص:436] والشِّهَاب القُوصِيّ، وَقَالَ: لقبُه شهابُ الدِّين، وُلِدَ سنة خمسين. وَتُوُفِّي في مُستهلّ جُمَادَى الْأولى.(13/435)
284 - عَائِشَة بنت صالح بن كامل الخَفّاف. [المتوفى: 615 هـ]
استجازَ لها عمُّها من أَحْمَد بن عَبْد اللَّه ابن الْأبنوسيّ، وَأَبِي الفضل الْأُرْمَوي. وحدَّثت، وماتت في شَوَّال.(13/436)
285 - العَبَّاس بن مُحَمَّد بن حسن، أَبُو الفضل الهاشِمِيّ البَغْدَادِيّ الزَّاهد الصّالح. [المتوفى: 615 هـ]
كَانَ عنده في رباطه جماعة منقطعين صلحاء. حدث عن أبي الفتح ابن البَطِّيّ، وَكَانَ عَلَى طريقة حسنة.
تُوُفِّي فِي شعبان.(13/436)
286 - عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بن شبيب، أَبُو حَصِين المَقْدِسِيّ، المؤذن بالْجَبَل. [المتوفى: 615 هـ]
رَوَى عن أَبِي نصر عَبْد الرَّحِيم بن يوسف. روى عنه الضياء المقدسي، وغيره. وتُوُفّي فِي شعبان.(13/436)
287 - عَبْد اللَّه بْن أَبِي المظفر الحُسَيْن بْن أَحْمَد بْن عَليّ بْن مُحَمَّد بْن علي، قاضي القضاة أبو القاسم ابن الدامغاني، الشافعي البغدادي. [المتوفى: 615 هـ]
ولد في رجب سنة أربع وستين وخمسمائة. وسمع من عمه قاضي القضاة أَبِي الْحَسَن علي بْن أَحْمَد، ومن تجني الوهبانية، وَحَدَّثَ.
قَالَ الدُّبيثي: كَانَ عالمًا بالحُكم والفرائض والْأدب، عفيفًا حسن الطريقة. وليَ قضاء القضاة شرقاً وغرباً في رمضان سنة ثلاث وستمائة، وبقي كذلك إلى سنة إحدى عشرة، ثُمَّ عزل. [ص:437]
وصفه الزَّكيّ المُنْذِريّ بأنه شافعي. وَقَالَ أَبُو شامة فيه: الحَنَفِيّ. تُوُفِّي فِي التّاسع والعشرين من ذي القِعْدَة.
ولَقَبُه عماد الدِّين.(13/436)
288 - عَبْد اللَّه ابن زين القضاة أَبِي بَكْر عَبْد الرَّحْمَن بْن سلطان بْن يحيى بْن عَلِيّ بْن عَبْد العزيز، القاضي شرفُ الدِّين أَبُو طَالِب القُرَشِيّ الدِّمَشْقِيّ الشافعي. [المتوفى: 615 هـ]
نابَ في القضاء عن ابن عمهم القاضي محيي الدِّين، وعن ابنه زكيّ الدِّين الطّاهر، ودَرَّسَ بالرَّواحية، فَكَانَ أَوَّل من دَرَّسَ بها، ودَرَّسَ بالشامية البَرَّانية.
قَالَ أَبُو المُظَفَّر سِبط الْجَوْزيّ: كَانَ فقيهًا، نزهًا، لطيفًا، عفيفًا.
قَالَ الشِّهَاب القُوصِيّ: أَخْبَرَنَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن مهديّ الهْلاليّ، فذكر حديثًا. قَالَ القُوصِيّ: كَانَ ممّن زاده اللَّه بَسْطة في العِلم والجسم.
قُلْتُ: وَهُوَ أخو ظهير الدِّين أَبِي المكارم عَبْد الواحد.
وَقَالَ الضِّيَاء: دُفن بمقبرتهم بمسجد القَدَم، وَكَانَ الجمع متوفّرًا، وكَثُر بُكاء النَّاس عَلَيْهِ. تُوُفِّي في ثالث شعبان.(13/437)
289 - عَبْد اللَّه بن محاسن بْن أَبِي بَكْر بْن سَلْمان بْن أَبِي شريك، أَبُو بَكْر الحَرِيمِيّ. [المتوفى: 615 هـ]
سَمِعَ من أحمد ابن الطلاية الزاهد، وسعيد ابن البَنَّاء. وَكَانَ يُعرف بابن الباشِق، وَهُوَ ابنُ عَمِّ أَحْمَد بن سَلْمان السُّكَّر. رَوَى عَنْهُ الضِّيَاء، والدُّبَيْثِي، وجماعةٌ. وَتُوُفِّي في رمضان.(13/437)
290 - عَبْد الحقّ بْن أَبِي شجاع مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد بن أبي المعالي، أبو محمد ابن المَقْرون، البَغْدَادِيّ المُقْرِئ المُلَقِّن الصَّالح الخَيَّاط. [المتوفى: 615 هـ][ص:438]
قرأ على والده، وقد وُلِدَ سنة خمسين. وَسَمِعَ من ابن المادح حضوراً، ومن هبة الله بن أحمد ابن الشِّبْلِي، وابن البَطِّيّ، وجماعة. وَحَدَّثَ ببَغْدَاد، ودمشق.
وقد مَرَّ أخوه عَبْد الرَّزَّاق.(13/437)
291 - عَبْد الخالق بن الحَسَن بن هَيّاج، أَبُو مُحَمَّد الدِّمَشْقِيّ. [المتوفى: 615 هـ]
حَدَّثَ عن أَبِي طاهر السِّلفي.
تُوُفِّي في ذي القَعدة.(13/438)
292 - عَبْد الخالق بن صَدقة بن مؤنس الإسكندريّ، [المتوفى: 615 هـ]
إمام مسجد فُلوس بميدان الحَصا.
كَانَ مقرئًا مُجيدًا. حَدَّثَ عن السِّلفي. رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ البِرزالي، والشِّهَاب القُوصِيّ، وغيرهما. ومات في خامس وعشرين جُمادى الآخرة، رحمه اللَّه.(13/438)
293 - عَبْد الخالق بن أَبِي هشام، الشَّيْخ الصالح القُرشيَ البَزَّاز الدِّمَشْقِيّ. [المتوفى: 615 هـ]
قَالَ الضِّيَاء: تُوُفِّي في بكرة الْأربعاء الخامس والعشرين من ذي القِعْدَة. قَالَ: وَكَانَ قد سَمِعَ الحديث، وورَّق كثيرًا، وما أظنه حدَّث بشيءٍ.(13/438)
294 - عَبْد الرَّحْمَن بن سعد الله بن المبارك بن بركة، أبو الفضل الوَاسِطِيّ ثُمَّ البَغْدَادِيّ الطَّحَّان الدَّقاق. [المتوفى: 615 هـ]
وُلِدَ سنة خمسٍ وثلاثين، وَسَمِعَ من ابن ناصر، وَعَبْد الملك بْن عَليّ الهَمَذَانيّ. وأجازَ لَهُ أبو القاسم إسماعيل ابن السَّمرقندي، وجماعةٌ. رَوَى عَنْهُ الدُّبيثي، وَالزَّكيّ البِرْزَاليّ، وغيرهما.
ومات في ثالث ربيع الْأَوَّل.(13/438)
295 - عَبْد الرَّحْمَن بن عُمَر بن أَبِي نصر بن عَليّ بن عَبْد الدائم، أَبُو مُحَمَّد ابن الغزَّاليّ البَغْدَادِيّ الواعظ. [المتوفى: 615 هـ]
وُلِدَ سنة أربعٍ وأربعين. وسمع من ابن ناصر، وسعيد ابن البَنَّاء، وابن الزَّاغوني، ونصر بْن نصر العُكْبَريّ، وَمُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه الرُّطبي، وابن المادح، وأبي الوَقْت، وطائفة كبيرة.
وطَلَب بنفسه مُدَّة، وقرأ، ونَسَخَ، ووعظَ. وأكثر سماعاته بخطِّه. رَوَى عَنْهُ الدُّبيثي، وَالزَّكيّ البِرْزَاليّ، وَالضِّيَاء، وآخرون. وأجاز لجماعة تأخروا.
توفي ليلة النصف شعبان.
ويُلقب بالمَوْش.(13/439)
296 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الحَرَم مكّيّ بْن عُثْمَان بْن إسْمَاعِيل، الفقيه مُوَفَّق الدِّين أَبُو الْقَاسِم السَّعْديّ المَصْرِيّ الشَّارعيّ الشافعي. [المتوفى: 615 هـ]
تَفَقَّه عَلَى الفقيه أَبِي عَمْرو عُثْمَان بن دِرْباس، وَسَمِعَ من إسْمَاعِيل بن ياسين، والقاسم بن إبراهيم المقدسي، والأرتاجي، وطبقتهم.
وأقبل عَلَى الوعظ، والتفسير. وَلَهُ شِعر ومجاميع. وَتُوُفِّي شابًا قبل أن يتكهَّل في رجب.(13/439)
297 - عَبْد الرَّحْمَن بن أَبِي سَعْد بن أَحْمَد، أَبُو مُحَمَّد الحَرْبِيّ، ابن تُميرة. [المتوفى: 615 هـ]
حدَّث عن أحمد ابن الطَّلاية، وغيره. رَوَى عَنْهُ الدُّبيثي. وَكَانَ ضريرًا.
ويعرف جَدّه بابن السَّوادية.
وآخر من رَوَى عنه بالإجازة الكمال عبد الرحمن المكبِّر شيخ المُسْتنصرية.
تُوُفِّي في تاسع ربيع الآخر.(13/439)
298 - عَبْد الرَّحِيم بن أَبِي الفوارس بن إِبْرَاهِيم القَيْسِيّ الدِّمَشْقِيّ، [المتوفى: 615 هـ]
ابن أخت بركات الخُشُوعي.
سَمِعَ بدمشق من ابن عساكر، وبالثَّغْر من السِّلفي. وَتُوُفِّي في صفر.(13/440)
299 - عَبْد القوي بن أَبِي الحَسَن بن ياسين، أَبُو مُحَمَّد القَيْسَرَانيّ الْأصل المَصْرِيّ الكُتُبيّ. [المتوفى: 615 هـ]
وُلِدَ سنة إحدى وخمسين. وَسَمِعَ من علي بْن هبة اللَّه الكاملي، ومحمد بن علي الرَّحبي، وإسماعيل الزَّيّات، وابن بَرِّي، وخلْقٍ من طبقتهم، وبعدهم.
وكتب الكثير، وعُني بالسَّماع، وحدَّث. وَكَانَ يفهم، ويذاكر، جمع كتابًا في أخبار ذي النون ولم يُتمّه. وَكَانَ يتأسف عَلَى انشغاله بالكَسْبِ عن الحديث.
تُوُفِّي في صفر.(13/440)
300 - عَبْد الكافي بن بدر بن حَسَّان، أَبُو مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ المَصْرِيّ. [المتوفى: 615 هـ]
سَمِعَ البوُصيريّ، والْأرتاحيّ، وجماعةً. وَكَانَ صالحًا عابداً.
كتب عَنْهُ الزّكي المنذري، وغيره، وقَالَ: تُوُفّي فِي رمضان، وَهُوَ من أبناء الستين.(13/440)
301 - عَبْد الكريم بن إِبْرَاهِيم، أَبُو البركات الحَرِيمِيّ الدَّباس. [المتوفى: 615 هـ]
رَوَى عن أحمد وعمر ابني بنيمان، ودهبل ولاحق ابني كاره.
توفي في جمادى الآخرة.(13/440)
302 - عبد اللطيف بن أحمد بن محمد بن هبة الله، أبو محمد الهاشمي النرسي البغدادي الصوفي. [المتوفى: 615 هـ]
دخل الأندلس، قَالَ الْأبَّار: زعم أَنَّهُ يروي عن أبي الوقت، وأبي [ص:441] الفرج ابن الجوزي. وله تصنيف في التَّصوف، حدَّث بِهِ. ذكره مُحَمَّد بن سَعِيد الطَّرَّاز، وضعّفه. وَقَالَ فيه أَبُو الْقَاسِم بن فَرْقد: عَبْد اللطيف الهاشِمِيّ النَّرْسيّ، سَمِعَ " صحيح " البُخَارِي عَلَى أَبِي الوَقْت، وَلَهُ تواليف في التَّصوّف. وقرأتُ عَلَيْهِ " عوالي " النَّقيب - يعني طراد بن مُحَمَّد - بإشبيلية عام خمس عشرة.
قلت: وَسَمِعَ منه الحَافِظ أَبُو بَكْر بن مَسْدي، وقال: مات سنة ثلاث وعشرين وستمائة.(13/440)
303 - عبد اللطيف بن يحيى بن علي بن خَطّاب، أَبُو منصور الدِّينوري ثُمَّ البَغْدَادِيّ ابن الخِيَميّ. [المتوفى: 615 هـ]
سَمِعَ من أبيه، وعمِّه أَبِي شجاع محمد، وأبي الوقت السِّجزي، وأبي الفتح ابن البَطِّيّ، وجماعة. وحدَّث. وَتُوُفِّي في شَوَّال.(13/441)
304 - عَبْد الواحد بن محمود، أبو الفتح ابن صَعْترة، البَغْدَادِيّ البيِّع. [المتوفى: 615 هـ]
وُلِدَ سنة ثلاثين. وَسَمِعَ من ابن البَطِّيّ، وأبي زُرْعَة. وحدَّث. ومات فِي ذي الحجّة.(13/441)
305 - عَبْد الوَهَّاب بْن مُظَفَّر بن أَحْمَد أَبُو الغنائم البَغْدَادِيّ. [المتوفى: 615 هـ]
حدَّث عن أَبِي المُظَفَّر هبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن أحمد ابن السَّمَرْقَنْدِيّ. وَكَانَ يتقلَّب في الخِدَم الدّيوانية.
وعاش بضعا وثمانين سنة. ومات في ربيع الْأَوَّل.(13/441)
306 - عَبْد الوَهَّاب بن المُنجَّى بن بركات بن المؤمَّل، أَبُو مُحَمَّد التَّنُوخِيّ المَعَرِّيّ ثُمَّ الدمشقي، [المتوفى: 615 هـ]
أخو القاضي أَبِي المعالي أسعد.
رَوَى عن نصر بن أَحْمَد بن مُقاتل. رَوَى عَنْه الفَخْر عَليّ، وغيرُه، وبالإجازة عُمر ابن القوَّاس. وَتُوُفِّي في رابع عشر جُمَادَى الْأولى. ولم يعقب.(13/441)
307 - عَبْد الوَهَّاب بن أَبِي الفَهم بن أَبِي الْقَاسِم السُّلمي الكَفْرطابيّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيّ العَطَّار، أَبُو محمد، ويعرف بابن ملوك. [المتوفى: 615 هـ]
حدَّث عن أبي القاسم ابن عساكر. وولد سنة خمسين وخمسمائة. وذكر أَنَّهُ رحل، وَسَمِعَ من السِّلَفيّ.
مات في شعبان.(13/442)
308 - عُبَيْد اللَّه بن المبارك بن الحسن بن طراد الأزجي، ابنُ القابِلَة. [المتوفى: 615 هـ]
حدَّث عَن يَحْيَى بن ثابت، وغيره.(13/442)
309 - عَليّ بن إسْمَاعِيل بن الطُّوير، أَبُو الحَسَن المَصْرِيّ الكاتب. [المتوفى: 615 هـ]
خدم طيّ بن شاوَر الْأمير. وكتبَ الإنشاء لبهاء الدِّين قَراقُوش، وعمِّر مائة سنة. وله شِعر ومعرفة بالتّواريخ والآداب.
مات في صفر.(13/442)
310 - عَليّ بن رَوْح بن أَحْمَد بن حسن، القاضي أَبُو الحَسَن النَّهرواني الفقيه الشَّافِعِيّ، المعروف بابن الغُبيري. [المتوفى: 615 هـ]
وُلِدَ سنة بضع وثلاثين. وتفقّه على الإمام أبي النَّحيب السُّهْرَوَرْدي. وقرأ العربية عَلَى أَبِي الحَسَن عَليّ ابن العصار.
وسمع من أبي النحيب، وخديجة بنت النَّهرواني.
وَكَانَ فاضلًا، دَيْنًا، قويّ العربية، ثِقةً.
رَوَى عَنْهُ الدُّبيثي وَقَالَ: مات في رمضان.(13/442)
311 - عَليّ بن عَبْد اللَّه بن عَليّ بن مُفَرّج، أَبُو الحَسَن القُرَشِيّ الْأُمَوِيّ النّابلسيّ ثُمَّ المَصْرِيّ المالكيّ العطَّار، المعروف بابن النَّطاع. [المتوفى: 615 هـ]
ولد سنة تسع وعشرين وخمسمائة. وَسَمِعَ من عَبْد الرَّحْمَن بن الحُسَيْن بن الْجَبّاب، وَأَحْمَد بن عَبْد اللَّه بن الحُطَيْئَة، وَأَبِي بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد الملك [ص:443] النَّحْوِيّ، وَأَبِي الْوَلِيد مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن خيرة، وَعَبْد المنعم بن موهوب الواعظ، وغيرهم.
وَهُوَ والد الحَافِظ رشيد الدِّين. رَوَى عَنْهُ ابنه، وَالزَّكيّ المُنْذِريّ، وجماعةٌ.
قَالَ المُنْذِريّ: تُوُفّي فِي الثاني والعشرين من شَوَّال. وَكَانَ شيخًا صالحًا، متحريًا، متيقظًا، حسنَ الْأداء، يمسك أصله مَعَ كِبر سِنّه بيده، وينظر فيه مَعَ القارئ عَلَيْهِ. وَكَانَ مواظبًا عَلَى الجماعات، كثير التَّسبيح، طارحًا للتّكلّف، مُقبلًا عَلَى ما يعنيه رحمه اللَّه.(13/442)
• - عَليّ بن عَبْد اللَّه الوَهْراني، أَبُو بَكْر النَّحْوِيّ. [المتوفى: 615 هـ]
يأتي بكنيته.(13/443)
312 - عَليّ بن عَبْد الكريم بن الحَسَن بن حَفّاظ، نور الدَّوْلَة أَبُو الحَسَن العامريّ الدِّمَشْقِيّ البيِّع، المعروف بابن الكُوَيس. [المتوفى: 615 هـ]
سَمِعَ من أَبِي طاهر إبراهيم بن الحسن الحصني، وأبي القاسم ابن عساكر، وحدَّث ومات في ذي القِعْدَة. رَوَى عنه القوصي، ومحمد بن محمد ابن مناقب العَلَويّ المنقذيّ.(13/443)
313 - عَليّ بن نصر بن هَارُون، أَبُو الحَسَن الحِلِّيّ المُقْرِئ النَّحْوِيّ. [المتوفى: 615 هـ]
قرأ الأدب على أبي محمد ابن الخشَّاب، والكمال عَبْد الرَّحْمَن الْأنباري، وعَليَّ ابن العَصّار. وَسَمِعَ من أَبِي المُظَفَّر مُحَمَّد بن أحمد التُّريكِيّ، ومحمود فُورَجة، وابن البطِّي. ووعظ.
ووُلد في حدود سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة. رَوَى عَنْهُ الدُّبيثي. ومات في حادي عشر شَوَّال.(13/443)
314 - عَليّ بن المبارك بن عَبْد الواحد الأزجي الصَّائغ. [المتوفى: 615 هـ]
روى عن سعيد ابن البنَّاء. [ص:444]
روى عنه الدُّبيثي، وقال: هو من بيت رياسة. تُوُفي فِي ذي الحجَّة.(13/443)
315 - عُمَر بْن عَبْد العزيز بن حَسَن بْن عَليّ بْن مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن عَليّ القُرَشِيّ، الفقيه أَبُو الخطّاب الدِّمَشْقِيّ الشَّافِعِيّ. [المتوفى: 615 هـ]
وليَ قضاء حِمْص مُدَّة، ثُمَّ استعفى، وردَّ إلى دمشق، ودَرَّسَ بالمدرسة التي عَلَى المَيْدان، وتُعرف.
ومات قبل الكهولة. وقد سَمِعَ من الخُشُوعي، وجماعة. وَهُوَ والد المُعين المُحدِّث.
تُوُفِّي في ثامن عشر جُمَادَى الآخرة.(13/444)
316 - عُمَر بن أَبِي العزّ بن عُمَر، أَبُو حفص الحَرْبِيّ، المعروف بابن البَحْريّ. [المتوفى: 615 هـ]
حدَّث عن أَبِي الوَقْت، وابن البَطِّيّ. ومات في ذي القِعْدَة.(13/444)
317 - عُمَر بن أَبِي الْقَاسِم بن بُنْدَار، أَبُو حفص التِّبْرِيزِي الكاتب. [المتوفى: 615 هـ]
سَمِعَ من مُحَمَّد بن أسعد العَطَّاري، وتصوَّف، وأكثرَ الْأسفار، وحدَّث. ومات ببَغْدَاد.(13/444)
318 - عيسى ابن العلّامة مُوَفَّق الدِّين عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن قُدامة المَقْدِسِيّ الحَنْبَلِيّ الصَّالحيّ، مجدُ الدِّين أَبُو المجد، [المتوفى: 615 هـ]
والد الحَافِظ سيف الدِّين أَحْمَد.
ولد سنة ثمانٍ وسبعين وخمسمائة، في أوّلها. وَسَمِعَ من يَحْيَى الثَّقَفِيّ وغيره، وبمصر من إسْمَاعِيل بن ياسين، والبُوصيريّ، وببغداد من ابن الْجَوْزيّ، وابن المَعْطوش، وجماعة من أصحاب ابن الحُصَيْن.
قَالَ الضِّيَاء: وَكَانَ فقيهًا، إمامًا، خطيبًا، عفيفًا، متورعًا، محبوبًا إلى [ص:445] النَّاس، ذا بشاشةٍ، وحُسن خُلُق. وَكَانَ مليح الكتابة. خطب مُدَّة بالجامع المُظَفَّريّ، وسعى في مصالحه. وَكَانَ لَا يتناول من وَقْفِهِ إِلَّا شيئًا يسيرًا. سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِذَا مضيت في حاجة من أمر الجامع ربما اشتريتُ لي شيئًا آكل، حسْب.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ والده، والحافظ الضياء، والشمس محمد ابن الكمال. وآخر من رَوَى عَنْهُ بنته عَائِشَة، شيختنا.
وتوفي في خامس جمادى الآخرة.(13/444)
319 - غُبيس بن مُقْبل بن غُبيس - بغين معجمة - أَبُو الفضل البَغْدَادِيّ الضرير المُقْرِئ. [المتوفى: 615 هـ]
سَمِعَ من شُهْدة، وَأَبِي الحَسَن البطائحي، وقرأ عَلَيْهِ القرآن، وامتنعَ من الرواية. ومات في ذي الحجَّة.(13/445)
320 - فِتيان بن عَليّ بن فتيان، الْأديب الكبير شهاب الدِّين الشاغوري الدِّمَشْقِيّ الشَّاعِر المشهور. [المتوفى: 615 هـ]
حدَّث عن أبي القاسم ابن عساكر. رَوَى عَنْهُ الشِّهَاب القُوصِيّ، والتقي اليلداني، وغيرهما. وروى لنا عنه عمر بن عبد المنعم القواس بالإجازة منه.
وكان حنفيا، أدَّب بعض أولاد الملوك. وله ديوان شِعر، فمنه:
أنا بالغزلان وبالغزل ... عن عذل العاذِلِ في شُغُلِ
ما تفعلُ بيضُ الهِنْد بنا ... ما تفعلُه سُودُ المُقلِ
بأبي، وسنانُ كحيل الطر ... ف أغنُّ، غنيّ عن كحلِ
يمشي فيكادُ يقدُّ الخصـ ... ـر لدقّتِهِ ثِقَلُ الكفلِ
يا جائرُ حينَ عليَّ وَليْ ... هَلّا أصبحتَ عليَّ ولِي
وَلَهُ هذه القصيدة الطنّانة: [ص:446]
في عُنفُوان الصِّبا ما كنتُ بالغزلِ ... فكيفَ أصبو وسنِّي سنُّ مكتهلِ
كأنني بمشي وهو مُشتعل ... بياضه في سوادِ الفاحِمٍ الزَّجلِ
من يهوَ يهو إلى قَعْر الهوانِ عمى ... شتَّان بينَ شجٍ عانٍ وبينَ خَلِي
وخيرُ ما نلتَ من دُنياك مُقتبسًا ... عِلمٌ ولكن إِذَا ما زينَ بالعملِ
واهًا لمستيقظٍ من نوم غَفلتهِ ... لِفَهْمِ آدابِ أهل الْأعصُرِ الْأُوَلِ
قَالُوا امتدِحْ عُظماءَ النَّاسِ قُلْتُ لهم ... خوف الزّنابيرِ يُثنيني عنِ العسلِ
إلى أن قَالَ:
يا رُبّ بيضٍ سللنَ البيضَ من حدقٍ ... سودٍ ومشيٍ كأعطافِ القنا الذُّبلِ
هيفُ الخُصورِ نقيَّاتُ الثغُورِ أثيـ ... ـثات الشُّعور هَجَرْنَ الكُحْلَ للكحلِ
مثلُ الشموس انجلى عَنْهَا الغَمامُ إِذَا ... غازلننا من وراءِ السُّجف والكللِ
ومنها:
وما تركت مقال الشعر عن خورٍ ... ولا انتجاعَ كِرام النَّاس من كسلِ
لكن أروني كريمًا في الزمانِ وما ... شئتم منَ المدح فاستملوه من قِبلي
لَا تأسفنَّ عَلَى ما لم تنله من الـ ... ـدنيا فليس يُنال الرِّزق بالحيلِ
وَهِيَ نيّف وتسعون بيتًا، وقد مدح ملوكًا، وأكابر.
تُوُفِّي في المحرم بالشاغور.(13/445)
321 - كَيْكَاوِس بن كَيْخُسْرُو بن قِلج رسْلان، السُّلْطَان الملك الغالب عزّ الدِّين [المتوفى: 615 هـ]
صاحب الرُّوم: قونية، ومَلَطية، وأقصرا، وأخو السُّلْطَان علاء الدِّين كَيْقُباذ.
قال أبو المظفر ابن الْجَوْزيّ: كَانَ جبارًا، ظالمًا، سفّاكًا للدماء. وَكَانَ لَمَّا عاد إلى بلده من كَسْرَة الملك الْأشرف لَهُ بحلب، عند مجيئه ليأخذ حلب؛ إِذْ مات سلطانها الملك الظاهر، اتّهم جماعةً من أمراء دولته أَنَّهُم قصَّروا في القتال، وكذا كَانَ، فسلق بعضهم في القُدُور، وجعلَ آخرين في بيت وأحرقهم. فأخذه اللَّه بغتةً، فمات فُجاءة وَهُوَ سكران. وَقِيلَ: بل ابتُلي في بدنه فتقطَّع. وَكَانَ أخوه كَيْقُباذ محبوسًا، وقد همّ بقتله، فبادروا وأخرجوه [ص:447] وسلطنوه. وَكَانَ موته في شَوَّال. وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي أطمع الفرنج في دِمْيَاط.
قَالَ ابن واصل: قصد كَيْكَاوِس حلب، وقالوا لَهُ: المصلحة أنك تستعين في أخذها بالملك الْأفضل ابن السُّلْطَان صلاح الدِّين، صاحب سُميْساط، فَإِنَّهُ في طاعتك، ويخطب لك، وَالنَّاس تميل إِلَيْهِ. فاستدعاه من سميساط، فقدم عَلَيْهِ، فبالغ في إكرامه، وتقرّر بينهما أَنَّ ما يفتحانه من حلب ومن أعمالها يكون للأفضل، وتكون السِّكة فيه والخُطبة لكِيكاوس، ثُمَّ يقصدون بلاد حرّان والرُّها، وغيرها، ويكون ذَلِكَ لكيكاوس، وتحالفا عَلَى ذَلِكَ.
وسارا فملكا قلعة رَعْبان، وسلَّمها للأفضل، ومال النَّاس حينئذ إلى كَيْكَاوِس لمَيله إلى الْأفضل، ثُمَّ سارا إلى تل باشِر وبها ابن دلدرم، فنازلوه إلى أن أخذوها، ولم يسلّمها كَيْكَاوِس للأفضل، فنفر منه، وخاف أن يعامله كذلك في حلب، ونفرَ أَيْضًا منه أهل النّاحية. واستصرخ الْأتابك طُغريل بالْأشرف، فنَجدَ الحلبيين، ومعه عرب طيئ. وكاتب كَيْكَاوِس أمراء حلب واستمالهم. فعسكر الْأشرف بظاهر حلب، وخرج إلى خدمته الْأمراء، فخلع عليهم. وَقَدِمَ عَلَيْهِ أمير العرب مانع في جمعٍ كبير. ثُمَّ سار كَيْكَاوِس فأخذ مَنْبج صُلْحًا، ثُمَّ وقعت العرب عَلَى مقدّمة كَيْكَاوِس فكسلاتهم، واستبيحت أموال الروميين، وقُتل منهم جماعة، وأسر طائفة. فَلَمَّا سَمِعَ بذلك كَيْكَاوِس طار عقله وانهزم، وتبعه الْأشرف يتخطّف أطراف عسكره، ثُمَّ أحاط بتلِّ باشر وأخذها من نوّاب كَيْكَاوِس وأطلقهم، ثُمَّ أخذ رَعْبان أَيْضًا، وردَّ الجميع إلى ابن أخيه الملك العزيز الصّبيّ.
وَكَانَ هلاك كيكاوس بالخوانيق بعد هزيمته بقليل.(13/446)
322 - مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الخطيب، أَبُو عَبْد اللَّه الغَسَّانِيّ الحَمَوِيُّ، ويعرف بابن الجاموس، الشافعي. [المتوفى: 615 هـ]
تَفَقَّه بحماة،
وَحَدَّثَ بالبيت المقدس بـ " المقامات " عَنْ: أبي بكر ابن النَّقور، عن الحريري.
وولي خطابة الجامع العتيق بمصر، والتدريس بمشهد [ص:448] الحسين مدة. وكان من أكابر الشافعية. لقبه شهاب الدين.
وتوفي في العشر الأوسط من ربيع الأول، وقد شاخ.(13/447)
323 - مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز، العلامة أبو جعفر الرازي الحنفي، [المتوفى: 615 هـ]
شيخ الحنفية ومدرسهم بالموصل.
مات بالموصل. وكان من كبار الأئمة، صاحب فنون. وَلَهُ مصنَّف في المَذْهب.
تُوُفِّي فِي رجب.(13/448)
324 - مُحَمَّد بْن إسْمَاعِيل بْن حَمْدَان، أَبُو بَكْر الحِيزَانِيّ، [المتوفى: 615 هـ]
نزيل بلد الجزيرة.
كَانَ فقيهًا شافعيًا، أديبًا، شاعرًا.
امتدح السُّلْطَان الملك النّاصر صلاح الدين، وهو على الموصل، فأجازه بثلاثمائة دينار، وفرسٍ، وخِلعةٍ. وولي قضاء القُدس، ثُمَّ عاد إلى الجزيرة؛ وصار مُحتسبها.(13/448)
325 - مُحَمَّد بن إلياس بن عبد الرحمن ابن الشَّيْرَجيّ، أَبُو بَكْر الْأَنْصَارِيّ الدِّمَشْقِيّ المعدَّل. [المتوفى: 615 هـ]
حدَّث بالإجازة عن السِّلَفيّ.(13/448)
• - مُحَمَّد بن أيوب، أَبُو بَكْر الملك العادل. [المتوفى: 615 هـ]
إنما يُعرف بكنيته فأخّرته.(13/448)
326 - مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن محمد ابن الدَّامغاني، أَبُو عَبْد اللَّه. [المتوفى: 615 هـ]
نابَ في القضاء عن أخيه قاضي القضاة أَبِي الْقَاسِم عَبْد اللَّه. ومات في [ص:449] شعبان قبل أخيه بثلاثة أشهر، ببَغْدَاد.(13/448)
327 - مُحَمَّد بن عَلْوان بن مُهاجر بن عَليّ بن مُهاجر، الإِمَام شرفُ الدِّين أَبُو المُظَفَّر المَوْصِليّ الشافعي. [المتوفى: 615 هـ]
ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة. وتَفَقَّه ببَغْدَاد بالنِّظامية عَلَى العلّامة أَبِي المحاسن يوسف بن بُنْدَار. وَسَمِعَ الحديث من جماعة منهم الحُسَيْن بن المُؤَمِّل، وَمُحَمَّد بن عَليّ بن ياسر الجيّانيّ، وتَفَقَّه بالمَوْصِل عَلَى الفقيه أبي البركات عبد الله بن الخضر ابن الشَّيْرَجيّ حَتَّى برع.
ودرَّس بالمدرسة التي أنشأها أَبُوه عَلْوان. ودرَّس بمدارس أُخر. وَلَهُ " تعليقة " في الفقه. وحدَّث عن الحُسَيْن بن مُحَمَّد بن سُليم المَوْصِليّ.
ومات بالمَوْصِل، في ثالث المحرّم. وَهُوَ من بيت حِشْمة، وثَروة.
رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ البِرْزَاليّ، والتّقيّ اليَلْدَانِيّ، وبالإجازة الشِّهَاب القُوصِيّ.(13/449)
328 - مُحَمَّد بْن عَليّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الملك، أَبُو بَكْر اللَّخْميّ الإشبيلي، المعروف بابن المُرْخي. [المتوفى: 615 هـ]
أخذ عَن أَبِيهِ أَبِي الحكم، وغيره.
قَالَ الْأبَّار: كَانَ كاتبًا، أديبًا، بليغًا، حافظًا، ناظمًا، ناثرًا. وَلَهُ " كتاب في الخَيْل "، وكتاب " حلية الأدب في اختصار المصنّف الغريب ". وَكَانَ أَبُوه وَجَدّه من الكُتّاب.(13/449)
329 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عِمْروك، الشريف الصالح فخر الدِّين أَبُو الفتوح القُرَشِيّ التَّيْمِيّ البَكْرِي النَّيْسَابُوري الصُّوفِيّ. [المتوفى: 615 هـ]
وُلِدَ في أول سنة ثمان عشرة وخمسمائة، بنَيْسَابُور. ولو سَمِعَ عَلَى مقدار عمره لكان مُسْند عصره، ولكنّه سمع في كِبَره من أَبِي الْأسعد هبة الرَّحْمَن القُشَيْريّ. وَسَمِعَ ببَغْدَاد من الحُسَيْن بن نصر بن خميس، وبالإسكندرية مع ابنه [ص:450] مُحَمَّد من السِّلَفيّ. ولقي جماعةً من الصُّوفِيَّة.
وحدَّث بمَكَّة، وَمِصْر، وَالشَّام، وبَغْدَاد. وجاور مُدَّة، وَتُوُفِّي هُوَ ورفيقه أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن عَبْد الغفار الهَمَذَانِيّ الصُّوفِيّ المعروف بالمُكبس، وقد سَمِعَ معه من السِّلَفيّ، ووُلد بهمذان سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة.
رَوَى عن أَبِي الفتوح أَبُو الحجّاج يوسف بن خليل، وَأَبُو عَبْد اللَّه البِرْزَاليّ، وَأَبُو مُحَمَّد المُنْذِريّ، وحفيدُه الصَّدْر أَبُو عَليّ، والبُرهان إبراهيم ابن الدَّرجي، وَالشَّيْخ شمس الدِّين عَبْد الرَّحْمَن، والفخر علي، والشهاب القوصي، والشمس ابن الكمال، وآخرون.
توفيا في حادي عشر جُمَادَى الآخرة.
وَلَهُ ثمان وتسعون سنة.(13/449)
330 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد، وَقِيلَ: اسمه أَحْمَد، أَبُو حامد، الفقيه السَّمَرْقَنْدِيّ الحَنَفِيّ. [المتوفى: 615 هـ]
العلّامة ركن الدِّين العميدي، صاحب " الجُست " والطّريقة.
كَانَ بارعًا في الجُست والخلاف. اشتغل عَلَى الرَّضيّ النَّيْسَابُوري، وَكَانَ أحد الْأربعة الَّذِين برزوا على الرضي؛ هو، والركن الطاووسي، والركن زادا، وآخر لقبُه الركن.
وصنّف العميدي طريقته المشهورة، وصنَّف " الإرشاد " واعتنى بشَرْحِهِ جماعةٌ منهم قاضي دمشق شمس الدِّين أَحْمَد الخُوَبي، وأوحد الدِّين الدوني، قاضي منبج، ونجم الدين ابن المِرَنديّ، وبدر الدِّين المَراغيّ الطّويل. وصنَّف العميديّ أشياء أُخر. واشتغل عَلَيْهِ خلقٌ، منهم نظام الدِّين أَحْمَد ابن العلّامة جمال الدِّين محمود الحَصيريّ.
وَكَانَ كثير التَّواضع، طيِّب المُعاشرة، حسنَ الْأخلاق. تُوُفِّي في جُمَادَى الآخرة، ببُخَارَى. [ص:451]
وَلَيْسَ عِلْمه مما يُرشد إلى اللَّه والدَّار الآخرة، ولا هُوَ من عُدَّة القبر، فاللَّه المستعان!(13/450)
331 - مُحَمَّد بن أَبِي جَعْفَر مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ ابن الصَّبَّاغ، أَبُو غالب البَغْدَادِيّ المعدَّل. [المتوفى: 615 هـ]
وُلِدَ في حدود الأربعين وخمسمائة. وَسَمِعَ من القاضي أَبِي الفَضْل الْأُرْمَوي، وابن الزَّاغوني، وأبي الوَقْت. وَهُوَ من بيت القضاء والرواية، حدَّث من بيته جماعة. وَرَوَى عَنْهُ الدُّبيثي. ومات في شعبان.
وقد اغترَّ بقول قاضي العراق مُحَمَّد بن جَعْفَر العَبَّاسيّ، ووضع خطَّه في كتاب مُزَوَّر، كُتب عَلَيْهِ " عُورِضَ بأصله "، ولم يكن لَهُ أصل، وكتب قبله أَحْمَد بن أَحْمَد البَنْدَنِيجِيّ المحدِّث فاطمأن إليه، فَلَمَّا ظهرَ الحال عُزل القاضي، وشهِّر هذان ببَغْدَاد عَلَى جَملين. نسأل اللَّه العافية!(13/451)
332 - مُحَمَّد بن نِزار البَغْدَادِيّ القَصْريّ، أَبُو بَكْر، المعروف بابن أَبِي البِير. [المتوفى: 615 هـ]
قرأ القرآن عَلَى سَعْد الله بن نصر ابن الدَّجاجي، وسمع من أحمد ابن المقرَّب. وحدَّث؛ رَوَى عَنْهُ ابن النَّجَّار.(13/451)
333 - مَسْعُود، السُّلْطَان الملك القاهر عزّ الدِّين أَبُو الفَتْح بن أرسلان شاه بن مَسْعُود بن مودود بن زنكي، [المتوفى: 615 هـ]
صاحب المَوْصِل.
وُلِدَ سنة تسعين وخمسمائة. وولي السلطنة بعد أبيه سنة سبع وستمائة.
قَالَ الحَافِظ عَبْد العظيم: كَانَ موصوفًا بالحِلْم، والكرم والعَدْل، وأوصى بالمُلك إلى ولده نور الدِّين أرْسَلان شاه.
وَقِيلَ: إِنَّهُ مات في ربيع الآخر مسمومًا. وعاش خمسًا وعشرين سنة. [ص:452]
قال أبو شامة: بلغني أَنَّ لؤلؤًا - يعني بدر الدِّين صاحب المَوْصِل - سقى القاهر، قَالَ: ثُمَّ أدخل ابنه محمودًا - يعني أرْسَلان شاه - بعد ذَلِكَ حمّامًا، وأغلقه عَلَيْهِ، فتَلف. وَكَانَ من المِلاح.
وَقَالَ ابن الْأثير: كانت ولاية القاهر سبع سنين وتسعة أشهر. وَكَانَ سبب موته أَنَّهُ أخذته حُمّى، ثُمَّ فارقته الغد، وبقي يومين موعوكًا، ثُمَّ عاودته الحُمّى مَعَ قيءٍ كثير، وكرْبٍ شديد، وقلقٍ متتابع. ثُمَّ برد بدنه وعرق، وبقي كذلك إلى وسط الليل، ثُمَّ تُوُفِّي. وَكَانَ حليمًا، كريمًا، قليل الطّمع، كافًّا عن الْأذى، مُقْبلًا عَلَى لذّاته. وَكَانَ محبوبًا إلى رعيّته، فأُصيبوا بموته، وعظُمَ عليهم فقدُه. أوصى بالمُلك إلى ولده نور الدِّين أرْسَلان شاه، وَلَهُ عَشْر سنين، والمُدَبِّر لدولته بدر الدِّين لؤلؤ، فضبط المملكة لَهُ مَعَ صغر السُّلْطَان، وكثرة الطّامعين؛ فَإِنَّهُ كَانَ في البلد أعمام أَبِيهِ. ولكنه كَانَ لَا يزال مريضًا بعدَّة أمراض؛ فمات بعد قليل من السنة. فرتبَ بدر الدِّين لؤلؤ أخاه ناصر الدِّين، صبيٌّ لَهُ ثلاث سنين، صورةً.(13/451)
334 - مسعود الحَبَشي الفرّاش، [المتوفى: 615 هـ]
مولى المستنجد بالله يوسف ابن المُقْتَفيّ.
سَمِعَ من أَبِي المعالي الباجسْرائيّ، وأبي الخير عَبْد الرَّحِيم بن موسى الإصبهاني. وحدَّث. ومات في ربيع الْأَوَّل.(13/452)
335 - مُظَفَّر بن أَبِي مُحَمَّد بن أَبِي البركات بن غَيْلان، أَبُو الفَتْح الْأزَجِيّ الطَّحان. [المتوفى: 615 هـ]
سَمِعَ من أَبِي الفضل الْأُرْمَوي. وحدَّث؛ رَوَى عَنْهُ البِرْزَاليّ، والدُّبيثي. ومات في شعبان، وقد قاربَ الثمانين.
قَالَ ابن النَّجَّار: سَمِعَ الكثير، وَكَانَ لَا بأس بِهِ.(13/452)
336 - نجاح الشَّرابيّ، الْأمير نجم الدَّوْلَة، [المتوفى: 615 هـ]
مولى الناصر لدين اللَّه.
كَانَ كبير القدر معظَّماً، مُلازمًا لأمير المؤمنين النّاصر، لَا يكاد يغيب [ص:453] عَنْهُ، ويعتمد عَلَيْهِ، وَهُوَ الكّل. وَكَانَ ديّنًا، سمْحًا، جوادًا، عاقلًا، رئيسًا، يحبّ المساكين ويؤثرهم، ويأخذ للضّعيف من القويّ. وَكَانَ يُسمي سلمان دار الخلافة. وَكَانَ أسمر اللون.
وَقَالَ المُنْذِريّ: هُوَ أَبُو اليُمن، ولقبه العزّ. تُوُفِّي في رابع رمضان.
وَقَالَ غيره: حَزِنَ عَلَيْهِ الخليفةُ حُزنًا عظيمًا، وتصدَّق عَنْهُ من ماله بعشرة آلاف دينار. وكانت لَهُ جنازة مشهودة، كَانَ بين يديها ألف شاة، ومائة بقرة، ومائة حمل خبز، ومائة قوصرة تَمْر، وعشرون حمل ماء ورد. ومماليكه يضجّون بالبكاء. صلّى عَلَيْهِ الخليفة تحت التّاج.(13/452)
337 - نجم بن أَبِي اللَّيْث أرْسلان بن عَليّ بن غُرلو التُّرْكِيّ الْأصل الحَنَفِيّ، نجم الدِّين الواعظ، المعروف بابن الفصيح. [المتوفى: 615 هـ]
سمع من السلفي، وحدث.(13/453)
338 - هبة اللَّه بن عَبْد اللَّه، أَبُو الفوارس الوَاسِطِيّ، عُرِف بابن شَباب. [المتوفى: 615 هـ]
حدَّث بواسط عن أبي المحاسن عبد الرزاق بن إِسْمَاعِيل القُومساني، وابن عمّه المطهّر بن عَبْد الكريم. وَتُوُفِّي في رجب، بباكسايا.(13/453)
339 - يوسف بن مَسْعُود بن بركة، أَبُو المحاسن الشيباني الشاعر الشيعي، [المتوفى: 615 هـ]
والد الشهاب التلغفري الشاعر.
ولد سنة ستين وخمسمائة. وَلَهُ مدائح في أهل البيت، ومن شعره:
من مجيري من ظبيةٍ ذات دلٍّ ... تَتَثَنَّى غُصناً وترنو غزالا
ذاتِ شكلٍ لو كوِّن الحُسْنُ ثوبًا ... وارتدته لَمَّا استزادت كمالا(13/453)
340 - أَبُو بَكْر السُّلْطَان الملكُ العادل، سيفُ الدُّنْيَا والدين، ابن الْأمير نجم الدِّين أيوب بْن شاذي بْن يَعْقُوب بن مروان الدُّويني ثُمَّ التَّكْرِيتيّ ثُمَّ الدمشقي. [المتوفى: 615 هـ]
وُلِدَ ببَعْلَبَكّ في سنة أربعٍ وثلاثين، إِذْ أَبُوه نائبٌ عليها للأتابك زنكي والد [ص:454] نور الدِّين محمود. وَهُوَ أصغر من أخيه السُّلْطَان صلاح الدِّين بسنتين. وَقِيلَ: مولده سنة ثمانٍ وثلاثين. وَقِيلَ: وُلِدَ في أَوَّل سنة أربعين.
قَالَ أَبُو شامة: تُوُفِّي الملك العادل، سيف الدِّين أَبُو بَكْر مُحَمَّد بن أيوب، وهو بكنيته أشهر، وولده ببعلبك، وعاش ستاً وسبعين سنة. ونشأ في خدمته نور الدِّين مَعَ أَبِيهِ، وإخوته. وحضر مَعَ أخيه صلاح الدِّين فتوحاته. وقامَ أحسن قيام في الهدنة مع الإنكليز ملك الفرنج بعد أخذهم عَكَّا. وَكَانَ صلاح الدِّين يعوِّل عَلَيْهِ كثيرًا، واستنابه بمصر مُدَّة، ثُمَّ أعطاه حلب، ثُمَّ أخذها منه لولده الظّاهر، وأعطاه الكَرَك عِوَضَها، ثُمَّ حَرّان.
وَقَالَ غيرُه: كَانَ أقعد الملوك بالمُلك، ومَلَك من بلاد الكرج إلى قريب همذان، وَالشَّام، والجزيرة، وَمِصْر، والحجاز، واليمن، إلى حضرموت. وقد أبطل كثيرًا من الظلم والمُكُوس.
وَقَالَ أَبُو المُظَفَّر سبط ابن الْجَوْزيّ: امتدَّ ملكه من الكرج إلى همذان، والجزيرة، وَالشَّام وَمِصْر، واليمن. وَكَانَ خليقًا بالمُلك، حسن التدبير، حليماً، صَفوحاً، مُجاهدًا عفيفًا، ديّنًا، متصدّقًا، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر طهَّر جميع ولايته من الخُمور والخواطئ والمُكوس والمظالم. كذا قَالَ أَبُو المُظَفَّر والعهدة في هذه المجازفة عَلَيْهِ.
قَالَ: وَكَانَ الحاصل من جهة ذَلِكَ بدمشق خصوصًا مائة ألف دينار، فأبطل الجميع لله، وأعانه عَلَى ذَلِكَ وإليه المعتمِد. وفعل في غلاء مِصْر عُقيب موت العزيز ما لم يفعله غيره. كان يخرج بالليل ومعه الْأموال فيفرّقها، ولولاه لمات النَّاس كلّهم. وكفَّى في تلك السنة ثلاثمائة ألف نفس من الغُرباء.
قُلْتُ: هَذَا خسف من لَا يتقي اللَّه فيما يقوله!.
قَالَ ابن خلِّكان: وَلَمَّا ملك صلاح الدِّين حلب في صفر سنة تسع وسبعين، أعطاها للعادل، فانتقل إليها في رمضان، ثُمَّ نزل عَنْهَا في سنة اثنتين [ص:455] وثمانين للملك الظّاهر، فأعطاه صلاح الدِّين الكَرَك، وقضاياه مشهورة مَعَ الْأفضل والعزيز. وآخر الْأمر استقلّ بمملكة الدّيار المصرية. ودخل القاهرة في ربيع الآخر سنة ستٍّ وتسعين، وملك معها البلاد الشامية والشرقية، وصَفَت لَهُ الدُّنْيَا. ثُمَّ ملك اليمن سنة اثنتي عشرة وستمائة، وسيّر إليها وُلِدَ ولده الملك المسعود صلاح الدين يوسف المنعوت بأقسيس ابن الكامل. وَكَانَ ولده نجم الدِّين - الملك الْأوحد - ينوب عَنْهُ بميّافارقين، فاستولى عَلَى خِلاط، وبلاد أرمينية في سنة أربع وستمائة. وَلَمَّا تمهدت لَهُ البلاد، قسّمها بين أولاده الكامل، والمعظَّم، والْأشرف. وَكَانَ عِظمُ ملكه، وجميل سيرته، وحُسن عقيدته، ووفور دينه، وحزمه، وميله إلى العُلَمَاء مشهورًا؛ حَتَّى صنَّف لَهُ فخرُ الدِّين الرَّازِيّ كتاب " تأسيس التّقديس " وسيَّره إليه من خُرَاسَان. وَلَمَّا قسّم الممالك بين أولاده كَانَ يتردّد بينهم، وينتقل من مملكة إلى أخرى، وكان في الغالب يصيف بالشام، ويُشتي بالدّيار المصرية.
قَالَ: وحاصل الْأمر أَنَّهُ تمتع من الدُّنْيَا، ونال منها ما لم ينله غيره. قَالَ: وولد بدمشق في المحرّم سنة أربعين، وَقِيلَ: سنة ثمانٍ وثلاثين.
قُلْتُ: وَلَمَّا افتتح ولدّه إقليم أرمينية فَرِحَ العادل فرحاً عظيماً، وسير أستاذ داره ألْدُكْز، وقاضي العَسْكَر نجم الدِّين خليل إلى الخليفة يطلب التقليد بمصر وَالشَّام وخِلاط وبلاد الجزيرة، فأُكرما، وأُرسل إليه الشَّيْخ شهاب الدِّين السُّهْرَوَرْدي بالتشريف، ومرّ بحلب ووعظ بها، واحترمه الظاهر، وبعث معه بهاء الدين ابن شدَّاد بثلاثة آلاف دينار ينثرها إِذَا لبس العادل الخِلعة. وتلقّاه العادل إلى القَصْر، وَكَانَ يومًا مشهودًا ثُمَّ من الغدّ أُفيضت عَلَيْهِ الخِلَع، وَهِيَ جُبَّة سوداء بطراز ذهب، وعمامة سوداء بطراز ذهب، وطوق ذهب فيه جوهر. وقلِّد بسيف محلّى جميع قرابه بذهب، وحصان أشهب بمركب ذهب، وعَلَم أسود مكتوب فيه بالبياض ألقاب الناصر لدين اللَّه.
ثُمَّ خَلَعَ السُّهْرَوَرْدي عَلَى المُعَظَّم والْأشرف، لكلّ واحد عمامة سوداء، وثوب أسود واسع الكُمّ. وخلع عَلَى الصاحب ابن شُكر كذلك، ونُثر الذَّهَب [ص:456] من رُسل صاحب حلب وحماة وَحِمْص، وغيرهم. وركب الْأربعة بالخلع، ثُمَّ عادوا إلى القلعة. وقرأ ابن شُكر التّقليد عَلَى كُرسي وخُوطب العادل فيه بـ " شاه أرمن ملك الملوك خليل أمير المؤمنين ". ثُمَّ توجّه السُّهْرَوَرْدي إلى مصر، وخلع عَلَى الكامل.
وفيها أمر السُّلْطَان بعمارة قلعة دمشق، وألزمَ كلَّ واحد من ملوك أهل بيته بعمارة برج. أعني في سنة أربع وستمائة.
وَقَالَ الموفَّق عَبْد اللطيف في سيرة العادل: كَانَ أصغر الإخوة، وأطولهم عمرًا، وأعمقهم فكرًا، وأنظرهم في العواقب، وأشدَّهم إمساكًا، وأحبَّهم للدِّرهم. وَكَانَ فيه حلم، وأناة، وصبر عَلَى الشدائد، وَكَانَ سَعِيد الجدّ، عالي الكَعب، مُظَفَّرًا بالْأعداء من قبل السماء.
وَكَانَ أكولًا نَهِمًا، يحبّ الطعام واختلاف ألوانه. وَكَانَ أكثر أكله في الليل، كالخيل، وله عندما ينام آخر الأكل رضيع، ويأكل رِطلاً بالدمشقي خبيص السُّكَّر يجعل هَذَا كالجواشِن.
وَكَانَ كثير الصَّلَاة، ويصوم الخميس، وَلَهُ صدقات في كثير من الْأوقات؛ وخاصة عندما تنزل بِهِ الآفات. وَكَانَ كريمًا عَلَى الطعام يحبّ من يؤاكله.
وَكَانَ قليل الْأمراض، قَالَ لي طبيبه بمصر: إني آكل خُبز هَذَا السُّلْطَان سنين كثيرة، ولم يحتج إليَّ سوى يوم واحد؛ أُحضر إِلَيْهِ من البطّيخ أربعون حملًا، فكسَرَ الجميع بيده، وبالغ في الْأكل منه، ومن الفواكه والْأطعمة، فعرض لَهُ تخمة، فأصبح، فأشرت عليه بشرب الماء الحار، وأن يركب طويلًا، ففعل، وآخر النهار تعشَّى، وعاد إلى صحتّه.
وَكَانَ نكّاحًا، يكثر من اقتناء السَّراري. وَكَانَ غيورًا؛ لَا يدخل داره خصيّ إِلَّا دون البلوغ. وَكَانَ يحبّ أن يطبخ لنفسه، مَعَ أَنَّ في كلّ دار من دور حظاياه مطبخا دائرا. وَكَانَ عفيف الفَرْج لَا يُعرف لَهُ نظر إلى غير حلائله.
نجب لَهُ أولاد من الذّكور والإناث؛ سَلْطَن الذكور وزوّج البنات بملوك [ص:457] الْأطراف. آخر ما جرى من ذَلِكَ بعد وفاته أَنَّ ملك الروم كَيْقُباذ خطب إلى الملك الكامل أخته، واحتفل احتفالًا شديدًا، واجتمع في العرس ملوك وملكات.
وَكَانَ العادل قد أوقع اللَّه بُغضته في قلوب رعاياه، والمخامرة عَلَيْهِ في قلوب جُنده، وعملوا في قَتْله أصنافًا من الحِيلَ الدَّقيقة مرّات كثيرة. وعندما يُقَال: إِنَّ الحيلة قد تمّت، تنفسخ، وتنكشف، وتحسم موادّها. ولولا أولاده يتولون بلاده لَمَا ثبت ملكه بخلاف أخيه صلاح الدِّين فَإِنَّهُ إنّما حفظ ملكه بالمحبَّة لَهُ، وحُسن الطّاعة، ولم يكن - رحمه اللَّه - بالمنزلة المكروهة؛ وإنّما كَانَ النَّاس قد ألفوا دولة صلاح الدِّين وأولاده. فتغيّرت عليهم العادة دفعة واحدة، ثُمَّ إن وزيره ابن شُكر بالغ في الظُّلم وتفنَّن.
ومن نيّاته الجميلة أَنَّهُ كَانَ يعرف حقَّ الصُّحبة، ولا يتغيّر عَلَى أصحابه، ولا يضْجر منهم، وهم عنده في حَظْوة. وَكَانَ يواظب عَلَى خِدمة أخيه صلاح الدِّين؛ يكون أَوَّل داخل وآخر خارج؛ وبهذا جَلَبَهُ، فَكَانَ يشاوره في أمور الدَّوْلَة لِما جرَّب من نفوذ رأيه.
وَلَمَّا تسلطن الْأفضل بدمشق، والعزيز بمصر، قَصَد العزيز دمشق، وذاقَ جندهُ عليها شدائد، فرحل عَنْهَا، ثُمَّ حاصرها نَوْبة ثانية ومعه عمُّه العادل فأخذها، وعُوِّض الْأفضل بصرخد، ولم يزل العادل يَفْتل في الذّروة والسنام، حتى أقطعه العزيز دمشق وَهِيَ السبب في أنْ تملَّك البلاد كُلّهَا. وأعطى ابن أَبِي الحجّاج - يعني كاتب الجيش - لَمَّا جاءه بمنشورها ألف دينار. ثُمَّ أخذ يدقّق الحيلة حَتَّى يستنيبه العزيز عَلَى مِصْر، ويقيم هُوَ بدمشق يتمتع في بساتينها بعضُ أصحابه فرمى قُلُنسوته بين يديه، وَقَالَ: ألم يكفِك أنك أعطيته دمشق، حَتَّى تُعطيه مِصْر؟ فنهض العزيز لوقته عَلَى غرة ولحق بمصر. ثُمَّ شغّب الْجُند، وجرت أمور إلى أن اجتمع الْأفضل والعادل، وقصدا مصر، وخامر جميع الأجناد عَلَى الملك العزيز، وصاروا إلى الأفضل والعادل، حَتَّى خلت مِصْر والقاهرة منهم، وتهدَّمت دولة العزيز، ثُمَّ أصبحت، وقد عادت أحسن ممّا كانت، وصار معه كلّ من كَانَ عَلَيْهِ، ورجع الملك العادل في خدمته، وردَّ الْأفضل إلى الشَّام. [ص:458]
ثُمَّ إن العادل توجّه إلى الشَّام، وحَشَد وعبر الفُرات، ونازل قلعة ماردين يحاصرها، وبذل الْأموال، وأخذ الرَّبض. ثُمَّ إِنَّ الملك الْأفضل وجد فُرصة ونزلَ هُوَ وأخوه الملك الظّاهر صاحبُ حلب عَلَى دمشق يوم الثلاثاء فأصبح الملك العادل خارجًا من أبواب دمشق، فانقطعت قلوبُهم، وتعجّبوا مَتَى وصل؟ وَكَانَ لَمَّا سَمِعَ بنزولهم استناب ابنه الكامل، وسارَ عَلَى النجائب في البرية فلحق دمشق قبل نزولهم بليلة، وَمَعَ هَذَا فضايقوه. وَكَانَ أكثر أهل المدينة معهم عَلَيْهِ إلى أن اختلف الإخوان أيّهما يملكها؛ وتنافسا فتقاعسا. ورحلَ الملكُ الظاهر فضعُف الأفضل، ورحلَ. وبلغت نفقة العادل عليها وَعَلَى ماردين ألف ألف دينار.
وَسَعْد العادل بأولاده، فمن ذَلِكَ أمر خِلاط فإنّ ملكها شاه أرمن ملّك مملوكه بكتُمر، ومات بعد صلاح الدِّين بنحو شهرين؛ قتلته الملاحدة. وملك بعده هزار ديناري مملوكه وبقي قليلًا، ومات. وتملّك بعده وُلِدَ بكتُمر، وَكَانَ جميل الصورة، حديث السن، فاجتمع إِلَيْهِ الْأراذل والمُفسدون، وحسّنوا لَهُ طرقهم؛ فغار الْأخيار، وملَّكوا عليهم بلبان مملوك شاه أرمن، وقَتَلَ ولد بكتمر أَوْ حبسه. وكانت أخته بنت بكتُمر مزوَّجة بالملك المُغيث طُغْريل بن قِلِج أرسلان صاحب أرْزَن الروم، وبين بلبان والمُغيث معاقدة ومُعاضدة، ولابن بكتُمر جماعة يهوونه، فكاتبوا الملك الْأوحد ابن العادل صاحب ميافارقين، فقصد خِلاط، فسار المُغيث لينصر بلبان، فانكف الْأوحد، وطَمِع المُغيث في خلاط، فاغتال بلبان، قتله ابن حُق باز. وتسلَّم المغيث خِلاط، فحصلَ لأهلها غبن؛ إِذْ غدر بمَلكهم فمنعوه. ثُمَّ إِنَّهُ قبض يده عن الإحسان المُنْسي الضَّغائن، وَقَالَ لَهُ بعض الْأمراء: ابذل قدر ألف دينار، وأنا الضَّامن بحصول البلد. قَالَ: أخاف أن لَا يحصل ويضيع مالي. فعلموا أَنَّهُ صغير الهمة؛ فتفرّقوا عَنْهُ، وكاتبوا الْأوحد فجاء وملكها، ثُمَّ اختلفوا عَلَيْهِ؛ ونكثوا، فبذل فيهم السِّيف، وانهزم طائفةٌ.
قَالَ الموفق: فَقَالَ لي بعض خواصّه: إِنَّهُ قتل في مُدَّة يسيرة ثمانية عشر ألف نفسٍ من الخواصّ. وَكَانَ يقتلهم ليلًا بين يديه، ويُلقون في الآبار. وما لبثَ إِلَّا قليلًا واختل عقله؛ ومات، وتوهَّم أَبُوه أَنَّهُ جُنّ، فسيَّر إِلَيْهِ ابن زيد المعزِّم وصدقة الطبيب من دمشق. [ص:459]
وتملَّك خِلاط بعده أخوه الْأشرف. ومات الظاهر قبله بسنتين، فلم يتهنَّ بالمُلك بعده. وَكَانَ كلُّ واحدٍ منهما ينتظر موتَ الآخر، فلم يصف له العَيْش لأمراض لزمته بعد طُول الصحة، والخوف من الفرنج بعد طول الْأمن. وخرجوا إلى عَكَّا وتجمّعوا عَلَى الغور، فنزل العادل قبالتهم عَلَى بَيْسان، وخفيَ عَلَيْهِ أن ينزل عَلَى عُقْبَة فَيْق، وكانوا قد هدموا قلعة كوكب وكانت ظهرهم. ولم يقبل من الجواسيس ما أخبروه بما عزم عَلَيْهِ الفرنج من الغارة، فاغترّ بما عوّدته المقادير من طول السّلامة، فغشيت الفرنج عسكره عَلَى غرَّة. وَكَانَ قد أوى إليهم خلقٌ من أهل البلاد يعتصمون بِهِ. فركب مُجدّاً ورماح الفرنج في أثره حَتَّى وصل دمشق عَلَى شفا، وهمَّ بدخولها، فمنعه المُعْتَمد وشجَّعه، وَقَالَ: المصلحة أن تقيم بظاهر دمشق. وأمّا الفرنج فاعتقدوا أَنَّ هزيمته مَكِيدة، فرجعوا من قريب دمشق بعدما عاثوا في البلاد قَتْلًا وأسرًا، وعادوا إلى بلادهم وقصدوا دِمْيَاط في البَحْر فنازلوها.
وَكَانَ قد عرض لَهُ قبل ذَلِكَ ضعفٌ، ورَعْشة، وصارَ يعتريه ورم الْأنثيين، فَلَمَّا هزّته الخيل عَلَى خلاف العادة، ودخله الرعب، لم يبق إِلَّا مُدَّة يسيرة، ومات بظاهر دمشق.
وَكَانَ مَعَ حرصه يهين المال عند الشدائد غاية الإهانة، ويبذله. وشرع في بناء قلعة دمشق، فقسّم أبرجتها عَلَى أُمرائه وأولاده، وَكَانَ الحفّارون يحفرون الخندق، ويقطعون الحجارة، فخرج من تحته خرزة بئر فيها ماء معين.
ومن نوادره أَنَّ عنتر العاقد بلغه أَنَّ شاهدَا شهد عَلَى القاضي زكيّ الدِّين الطّاهر بقضية مزوّرة فتكلَّم عنتر في الشاهد وجرحه، فبلغ العادل، فَقَالَ: من عادة عنتر الْجَرْح. وتوضّأ مرة، فَقَالَ: اللَّهمَّ حاسبني حسابًا يسيرًا. فَقَالَ رجل ماجنٌ لَهُ: يا مولانا إِنَّ الله قد يسَّر حسابك. قَالَ: ويلك وكيف ذَلِكَ؟ قَالَ: إِذَا حاسَبَك فقل لَهُ: المال كلُّه في قلعة جَعْبَر لم أفرط منه في قليل ولا كثير! وقد كانت خزائنه بالكرك ثُمَّ نقلها إلى قلعة جَعْبَر وبها ولده الملك الحَافِظ، فسوَّل لَهُ بعض أصحابه الطَّمع فيها، فأتاها الملك العادل ونقلها إلى قلعة دمشق، فحصلت في قبضة المعظَّم فلم ينازعه فيها إخوته. وَقِيلَ: إِنَّ المعظَّم هُوَ الَّذِي سوَّل لأخيه الحَافِظ الطّمع والعصيان، ففعل، ولم يفطن بأنّها مكيدة لترجع [ص:460] الْأموال إِلَيْهِ. ثُمَّ إِنَّهُ أخرج سراري أَبِيهِ من دمشق واستصفى أموالهم وحُليهم، وشرَعَ يضع عَلَى أملاك دمشق القطائع والخراجات الثَّقيلة، والخُمْس عَلَى البساتين، والثُّمن عَلَى المزروعات.
قرأت بخط الكندي في " تذكرته ": حدثنا شرف الدين ابن فضل الله سنة اثنتي عشرة بدمشق، قال: حَدَّثَنَا والدي أَنَّ القاضي بهاء الدِّين إِبْرَاهِيم بن أَبِي اليُسر، حدَّثه، قَالَ: بعثني الملك العادل رسولًا إلى علاء الدِّين سلطان الروم، فبالغ في إكرامي، فجرى ذِكر الكيمياء، فأنكرتها، فَقَالَ: ما أحدّثك إِلَّا ما تمَّ لي؛ وقفَ لي رجل مغربي، فسلَّم عَليّ، وكلَّمني في هَذَا، فأخذته، وطلب منّي أصنافًا عيَّنها، فشرع يعمل لي ذهبًا كثيرًا حَتَّى أذهلني. ثُمَّ بعد مُدَّة طلب منّي إذنًا في السّفر، فأبيت، فألحّ حَتَّى غضبت، وكدت أقتله، وهدّدته، وجذبت السيف، فَقَالَ: ولا بدَّ، ثُمَّ صفَّق بيديه وطار، وخرج من هَذَا الشبّاك. فهذا رجل صحّ معه الكيمياء والسيمياء.
قُلْتُ: وقد سمع من أبي الطاهر السلفي، وغيره. وحدَّث؛ رَوَى عَنْهُ ابنه الملك الصالح إسماعيل، والشهاب القوصي، وأبو بكر ابن النُّشبي.
وَكَانَ لَهُ سبعة عشر ولدًا، وهم شمس الدِّين ممدود، والد الملك الجواد، والملك الكامل مُحَمَّد، والملك المُعَظَّم عيسى، والملك الْأشرف موسى، والملك الْأوحد أيوب، والملك الفائز إِبْرَاهِيم، والملك شهَاب الدِّين غازي، والملك العزيز عُثْمَان، والملك الْأمجد حسن، والملك الحَافِظ رسلان، والملك الصالح إسْمَاعِيل، والملك المُغيث عُمَر، والملك القاهر إِسْحَاق، ومُجير الدِّين يَعْقُوب، وتقيّ الدِّين عَبَّاس، وقُطب الدِّين أَحْمَد، وخليل، وَكَانَ لَهُ عدَّة بنات.
فمات في أيامه شمس الدِّين ممدود، وَيُقَال: مودود، والمغيث عُمَر، وخلّف ولدَا لقّب باسم أَبِيهِ، وَهُوَ المُغيث محمود بن عُمَر، وَكَانَ من أحسن أهل زمانه ربّاه عمُّه المعظم، ومات سنة ثلاثين وستمائة. ومات منهم في حياته الملك الْأمجد، ودُفن بالقُدس، ثُمَّ نُقل فدفن جوار الشهداء بمُؤتة من عمل الكَرَك. وآخر أولاده وفاةً عَبَّاس، وَهُوَ أصغر الْأولاد، بقي إلى سنة [ص:461] تسع وستين وستمائة، وكان مولده في سنة ثلاث وستمائة، وقد رَوَى الحديث.
وَكَانَ العادل من أفراد العالم، وَتُوُفِّي في سابع جُمَادَى الآخرة بعالقين؛ منزلة بقرب دمشق. فكتبوا إلى الملك المُعَظَّم ابنه، وَكَانَ بنابُلُس، فساقَ في ليلة، وأتى فصبَّره وصيَّره في محفَّة، وجعل عنده خادمًا يروّح عَلَيْهِ، ودخلوا بِهِ قلعة دمشق، والدَّوْلَة يأتون إلى المِحفَّة، وسُجفها مرفوعة، يعني أَنَّهُ مريض، فيقبّلون الْأرض. فلمّا صار بالقلعة أظهروا موته، ودُفن بالقلعة، ثُمَّ نُقل إلى تُربته ومدرسته في سنة تسع عشرة، رحمه اللَّه.
قال أبو المظفر ابن الْجَوْزيّ: دخلوا بِهِ القلعة ولم يجدوا لَهُ كَفنًا في تِلْكَ الحال، فأخذوا عمامة وزيره النَّجِيب بن فارس، فكفنوه بها، وأخرجوا قطنًا من مِخَدَّة، ولم يقدروا عَلَى فأس، فسرقَ كريمُ الدِّين فأسًا من الخَنْدق، فحفروا لَهُ في القلعة سرَّا، وصلى عَلَيْهِ ابن فارس.
قَالَ: وكنت قاعدًا بجنب المُعَظَّم وَهُوَ واجم، ولم أعلم بحاله. فَلَمَّا دُفن أَبُوه قام قائمًا وشقَّ ثيابه، ولطمَ عَلَى وجهه، وعَملَ العزاء. وَلَمَّا دخل رجب ردَّ المُعَظَّم المُكُوس والخمور وما كَانَ أبطله أَبُوه، فَقُلْتُ لَهُ: قد خلّفت سيف الدِّين غازيًا ابن أخي نور الدِّين؛ فَإِنَّهُ كذا فعل لَمَّا مات نور الدِّين، فاعتذر بقِلَّة المال وبالفرنج. ثُمَّ سار إلى بانياس، وراسل الصّارم وَهُوَ بتبنين أن يُسلّم الحصون، فأجابه، وخرَّب بانياس وتبنين وكانت قُفلاً للبلاد، وأعطى جميع البلاد التي كانت لسركس لأخيه الملك العزيز عُثْمَان، وزوَّجه بابنة سركس.(13/453)
341 - أَبُو بَكْر الوَهْرانيّ، وَهُوَ عَليّ بن عَبْد اللَّه بن المبارك الوَهْرَانِيّ المُفسر، [المتوفى: 615 هـ]
خطيب داريّا.
إمامُ فاضل، صنَّف تفسيرًا، وشرح أبيات " الْجُمل ". وَلَهُ شِعر جيّد. مات في نصف ذي القِعْدَة.
وقد مرّ الوَهْرَانِيّ الكبير.(13/461)
-وفيها وُلِدَ:
الكمال عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بن قوام الرُّصَافِيّ، والْأمين أَحْمَد بن عَبْد الله ابن الأشتري، وأبو جعفر محمد بن علي ابن الموازينيّ، بخُلْفٍ فيه، فَقِيلَ: وُلِدَ سنة أربع عشرة، والتّقي أَحْمَد بن أَبِي الطّاهر الحميريّ، والقُطب عَليّ ابن قاضي القضاة زكيّ الدِّين الطاهر بن مُحَمَّد بن عَليّ، والعماد مُحَمَّد بن عُثْمَان بن سلامة البَزَّاز، والقاضي نجم الدين أبو بكر أحمد بن يحيى ابن سنيّ الدَّوْلَة، وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن جَوْهر التَّلَعْفريّ المقرئ، والزّاهد عُمَر بن نُصير القُوصِيّ.
والشِّهَاب أَحْمَد بن إِسْحَاق الْأبرقوهيّ، والمُحب أَحْمَد بن عَبْد اللَّه الطَّبَرِيّ، والشِّهَاب مُحَمَّد بن عَبْد الخالق بن مُزهر المُقْرِئ، والشيخ إِبْرَاهِيم ابن العارف عَبْد اللَّه الْأُرْمَوي، والعزّ عَبْد اللَّه بن أَبِي الزهر الصَّرَفَنْديّ، وَأَحْمَد ابن السيف سُلَيْمَان بن أَحْمَد الحَرَّانيّ الحَنْبَلِيّ.(13/462)
-سنة ست عشرة وستمائة(13/463)
342 - أَحْمَد بن أَبِي يَعْلَى حمزة بن عَليّ بن هبة الله ابن الحُبُوبيّ، أَبُو العَبَّاس الثَّعْلَبِيّ الدِّمَشْقِيّ. [المتوفى: 616 هـ]
حدَّث عن أبيه؛ رَوَى عَنْهُ الزّكيان البِرْزَاليّ والمنذري، والشِّهَاب القُوصِيّ، وَقَالَ: لَقَبُه شمس الدِّين، والحافظ الضِّيَاء، والحافظ ابن الخليل، وابن البُخَارِي، وآخرون. وَتُوُفِّي في غرَّة شَوَّال.(13/463)
343 - أحمد بن سليمان بن أَبِي بَكْر بن سلامة، أَبُو العَبَّاس ابن الْأصَفر، الحَرِيمِيّ المُسْتَعْمل. [المتوفى: 616 هـ]
وُلِدَ يوم عاشوراء سنة خمسٍ وثلاثين. وَسَمِعَ من أَحْمَد بن عَليّ ابن الأشقر، وأحمد ابن الطلاية، وسعيد ابن البَنَّاء. وحدَّث ببَغْدَاد، وَالمَوْصِل؛ رَوَى عَنْهُ الدُّبيثي، وَالزَّكيّ البِرْزَاليّ، وَالضِّيَاء، وآخرون. وَكَانَ يَعْمل في العَتَّابِيّ.
تُوُفّي فِي الخامس والعشرين من ذي الحجَّة.(13/463)
344 - أَحْمَد بن عُمَر بن أَحْمَد بن عَبْد الرَّحْمَن، أَبُو الْقَاسِم الخَزْرَجِي القُرْطُبيّ التاجر. [المتوفى: 616 هـ]
كان عالي الإسناد، يعالج التجارة. وقد أخذ عن أَبِي عَبْد اللَّه الحَمْزيّ، والزّاهد أَبِي العَبَّاس ابن العريف، والخطيب أَبِي مُحَمَّد النَّفزيّ. وأجازَ لَهُ القاضي أبو بكر ابن العربيّ، وجماعة. واحتاج الناس إِلَيْهِ لعُلُوّ سنده. وَتُوُفِّي في جُمَادَى الْأولى، وله خمسٌ وثمانون سنة؛ قاله الْأبَّار.
وَقَالَ ابن مسدي: كتب إلينا أَحْمَد بن عُمَر الخَزْرَجِي، عن أَبِي الحَسَن بن موْهَب الْجُذاميّ، وَهُوَ آخر من رَوَى عَلَى وجه الْأرض عن ابن مَوْهب. ثُمّ قَالَ ابن مسدي: كَانَ شيخنا عنده آداب حسنة، وروايات مستحسنة. من ذوي الثَّروة [ص:464] واليسار. وقرأ القرآن عَلَى ابن رضي بقُرْطُبَة. وأجاز لَهُ أربعون رجلًا تفرَّد بأكثرهم.(13/463)
345 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن خلف بْن اليُسر، الإِمَام أَبُو جَعْفَر القُشَيْريّ الغَرْنَاطيّ المُقْرِئ الزَّاهد العابد. [المتوفى: 616 هـ]
أخذ القراءات عَن أَبِيهِ أَبِي عَبْد اللَّه وأكثر عَنْهُ. ووالده من أصحاب أَبِي الوليد بن نقوة، وأبي الحَسَن بن ثابت، وأبي عَبْد اللَّه النّوالشيّ.
قَالَ ابن مسدي: قرأت عَلَى أَبِي جَعْفَر لوَرْش وقالون تجويدًا غير مرَّة، وَسَمِعْتُ منه صدور كُتب. مات في عشر السبعين، وازدحموا عَلَى نعشه، وتأسفوا عَلَيْهِ.(13/464)
346 - أَحْمَد بن مُحَمَّد بْن سيّدهم بْن هبة اللَّه بْن سرايا، أَبُو الفضل الْأَنْصَارِيّ الدِّمَشْقِيّ، الوكيل الجابيّ، المعروف بابن الهرَّاس. [المتوفى: 616 هـ]
وُلِدَ سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة. وسمَّعه أَبُوه من الإِمَام أَبِي الفتح نصر اللَّه المِصِّيصِيّ - وقد تقدَّم ذكر أَبِيهِ -، وَسَمِعَ أَيْضًا من نصر بن مقاتل السُّوسيّ، وغيره. رَوَى عَنْهُ الضِّيَاء، وَالزَّكيّ المُنْذِريّ، والتّقيّ اليَلْدَانِيّ، والفَخْر عَليّ، وشمس الدِّين عَبْد الرَّحْمَن بن أبي عمر، وآخرون. وأجاز لأبي حفص ابن القَوَّاس.
وَكَانَ من بقايا الشيوخ المُسندين. تُوُفِّي في ثالث عشر شعبان.(13/464)
347 - أَحْمَد بن محمود بن أَحْمَد بن عَبْد اللَّه، القاضي الْأجلّ أَبُو العَبَّاس الوَاسِطِيّ ثُمَّ البَغْدَادِيّ الشَّافِعِيّ. [المتوفى: 616 هـ]
وُلِدَ سنة تسعٍ وخمسين. وتَفَقَّه عَلَى عمِّه أَبِي عَليّ الحَسَن، وأبي الْقَاسِم يَحْيَى بن فَضْلان. وسمع من هبة الله بن يحيى ابن البُوقي، وجماعة. وببغداد من وفاء بن البَهِيّ، وابن شاتيل. وولي القضاء بالجانب الغربيّ.
قَالَ ابن النَّجَّار: ما رَأَيْت أجمل طريقةً منه مَعَ ديانة تامَّة، وزُهد. وَكَانَ من ألطف الناس خُلُقًا، ثقةً، نبيلًا، حافظًا للمذهب. قرأ بالروايات عَلَى ابن الباقلّاني، وعَليِّ بن عَبَّاس الخطيب. وتَفَقَّه، وقرأ الْأصول. كتبتُ عَنْهُ وَكَانَ [ص:465] يقرأ سَريعًا صحيحًا. ومات في ربيع الآخر.(13/464)
348 - أَحْمَد بن أَبِي بَكْر، أَبُو العَبَّاس التُّجيبي المَصْرِيّ الزّاهد الحرَّار؛ [المتوفى: 616 هـ]
نسبةً إلى عمل الحرير.
حَكَى عَنْهُ الزَّكيّ المُنْذِريّ، وَقَالَ: كَانَ أحد الصّالحين المذكورين، والعُبّاد المشهورين، انتفع بصحبته جماعة. وَتُوُفِّي في مُنتصف جُمَادَى الآخرة.(13/465)
349 - إِبْرَاهِيم بْن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بن أغْلَب الخَولانيّ الْأديب الْأنْدَلُسِيّ، المعروف بالزّواليّ. [المتوفى: 616 هـ]
سَمِعَ من أَبِي مروان بن قذمان الكثير، ومن أَبِي إِسْحَاق بن قُرَّة. وَسَمِعَ من أَبِي عَبْد اللَّه بن عَبْد الرَّزَّاق كتاب " الكامل " لابن عدي.
ذكره الأبار، فقال: عني بالآداب، وشهر بها، وتجول كثيراً، وَقَالَ الشعر، وَهُوَ من أهل أشطبة عمل قُرْطُبَة. وَتُوُفِّي بمَرّاكش في آخر سنة ستّ عشرة. وله ستة وسبعون سنة. وَرَوَى أَيْضًا عن أَبِي الحَسَن بن هُذَيْل، وابن النعمة.(13/465)
350 - إبراهيم بن مُحَمَّد بن خلف بن سوار، أَبُو إِسْحَاق العَبَّاسيّ السُّلَمِيّ الْأنْدَلُسِيّ، من أهل حصن بلفيق، يُعرف بابن الحاجّ. [المتوفى: 616 هـ]
أخذ القراءات عَن أَبِي مُحَمَّد البسطي، وَأَبِي الْقَاسِم بن البراق. وَرَوَى الحديث عن أَبِي الحَسَن بن كوثر، وابن عروس، وَعَبْد المنعم الخَزْرَجِي، وجماعة.
قال الأبار: وكان عالما مشاركا سُنّيا، غلب عليه التصوف، وكثر من أهل التصوف الازدحام عليه، فغرَّبه السلطان عن وطنه. وَتُوُفِّي بمَرّاكُش في جُمَادَى الْأولى. وكانت جنازته مشهودة. وعاش ثلاثًا وستين سنة.(13/465)
351 - إِسْحَاق بن هبة اللَّه بن صِدّيق، القاضي أَبُو البشائر، قاضي خِلاط. [المتوفى: 616 هـ]
فقيه شافعيّ، أصُولي، شاعر، أديب، واعظ. لَهُ مصنَّف في عِلم الكلام.(13/466)
352 - بارَسْطُغان بن محمود بن أَبِي الفتوح، الفقيه أَبُو طَالِب الحِمْيَرِيّ الغَزّيّ الشَّافِعِيّ. [المتوفى: 616 هـ]
سَمِعَ بالإسكندرية من أَبِي الطاهر بن عوف. وبدمشق من أحمد بن حمزة ابن الموازيني. ووليَ قضاء غَزَّة. رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ المُنْذِريّ، وغيره. ومات بإربل في ربيع الْأَوَّل.(13/466)
353 - بُزْغُش الرُّوميّ، أَبُو منصور، عتيق أَبِي جَعْفَر أَحْمَد بن مُحَمَّد بن حمدي البَغْدَادِيّ. [المتوفى: 616 هـ]
سَمِعَ من أَحْمَد بن الطَّلّاية، وأبي الفضل الْأرموي، والفضل بن سَهْل الإسفرايينيّ، وَأَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن هبة اللَّه بْن عَبْد السَّلَام. رَوَى عَنْهُ ابن خليل، والدُّبيثي، وَالضِّيَاء. وتُوُفّي فِي صَفَر.
قَالَ ابن النَّجَّار: كَانَ صالحًا، صحيح السَّماع؛ لكنّه خرف وتغيّر في آخر عمره.(13/466)
354 - الحَسَن بن عَقِيل بن أَبِي المعالي شَرِيف بن رفاعة بن غدير، أَبُو عَليّ السَّعْديّ المَصْرِيّ الشافعي. [المتوفى: 616 هـ]
شيخٌ صالح، مُنْقَطع بمعبد ذي النون لخدمته. وأمَّ بالناس بالمسجد الذي بالحجارين بمصر مُدَّة.
وُلِدَ سنة أربع وثلاثين، وَسَمِعَ جَدّه لأمِّه عَبْد اللَّه بن رفاعة. رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ المُنْذِريّ، وَأَبُو بَكْر بن نُقْطَة، وحفيده مُحَمَّد بن عَبْد الحَكَم، وآخرون. وَتُوُفِّي في التاسع والعشرين من رمضان.(13/466)
355 - الحَسَن بْن هبة اللَّه بْن الْحَسَن بْن عليّ بن الحسن، الرئيس أبو علي ابن الدّواميّ، البَغْدَادِيّ. [المتوفى: 616 هـ]
سَمِعَ حُضورًا من أَبِي الفضل الْأُرْمَوي. وأجاز لَهُ أَبُو مُحَمَّد سِبط الخَيَّاط، وَأَبُو سَعْد أَحْمَد بن مُحَمَّد البَغْدَادِيّ، وجماعة. وولد سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة. وَكَانَ صاحب الحُجّاب ببغداد، ووكيل أمير المؤمنين.
والدَّوامي: نسبة إلى خِدمَة الدَّوامية سرية القائم بأمر اللَّه.
تُوُفِّي في رجب.(13/467)
356 - حمزة بن السَّيِّد بن أَبِي الفوارس بن أَبِي أَحْمَد، أَبُو يَعْلَى الْأَنْصَارِيّ الدِّمَشْقِيّ الصَّفار الفقيه، المعروف بابن أَبِي لِقْمة، [المتوفى: 616 هـ]
أخو أَبِي المحاسن مُحَمَّد.
حدَّث عن أَبِي الْقَاسِم الخفير بن عبدان الْأَزْدِيّ. رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ البِرْزَاليّ، والفقيه سُلَيْمَان بن عَبْد الكريم، وَمُحَمَّد بْن عبد المنعم ابن القوَّاس، وشيخنا أخوه عُمَر. وَتُوُفِّي في ثامن عشر رمضان. وَهُوَ أصغر من أخيه، وأقلّ سماعاً منه.(13/467)
357 - الخَضِر بْن الْحُسَيْن بْن الخَضِر بْن عَبْدان الْأَزْدِيّ، أَبُو الْقَاسِم الدِّمَشْقِيّ. [المتوفى: 616 هـ]
تُوُفِّي في ثالث عشر شعبان. وَهُوَ العَدْل شمس الدِّين، من بيت الرواية والعدالة. روى عن أحمد ابن الموازيني، وغيره. ومات في أَوَّل الكُهولة. رَوَى عنه الشهاب القوصي. وورَّخه الضياء.(13/467)
358 - دَاوُد بن أَحْمَد بن مُحَمَّد بن منصور بن ثابت بن مُلاعب، ربيبُ الدِّين أَبُو البركات البَغْدَادِيّ الْأزَجِيّ الوكيل عند القضاة. [المتوفى: 616 هـ]
وُلِدَ في أول سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة. وسمع من أَبِي الفضل الأُرْمَوِيّ، وابن ناصر، ومحمد ابن الزَّاغُونيّ، ونصر بن نصر العُكْبَريّ، وأبي الكرم الشَّهْرَزُوري، وأبي الوَقْت السِّجزي، وأحمد بن بَخْتِيَار المندائي. [ص:468]
وحدَّث ببَغْدَاد، ودمشق، وَرَوَى الكثير؛ رَوَى عَنْهُ الشيخ الموفق، والضياء، وابن خليل، والزَّكيان البرزالي والمنذري، والسيف أحمد ابن المجد، وإبراهيم بن حمد، وأبو بكر ابن الأنماطي، والفخر علي، والشمس محمد ابن الكمال، والشمس ابن الزين، والتقي ابن الواسطي، وخلق سواهم. وأجاز لعمر ابن القَوَّاس، وللعماد عَبْد الحَافِظ.
وَكَانَ صحيح السَّماع، وبعض سماعاته في الخامسة.
وتُوُفيّ فِي الخامس والعشرين من جُمَادَى الآخرة، يوم السبت، ودُفن من الغد بقاسيون.
قَالَ ابن النَّجَّار: كَانَ أبوه يتولى كتابةً من قِبل الدّيوان، فأسمعه، واعتنى بِهِ، وحصَّل لَهُ الْأجزاء. وَكَانَ حسنًا، متيقظًا، صحيح السماع، متودّدًا، لَهُ مروءة، ونفْس حَسَنة. يحدّث من أصوله. رَوَى عَنْهُ شيخنا أَبُو مُحَمَّد بن قُدامة في " مُعجمه ".(13/467)
359 - دَاوُد بن عَليّ بن عُمر، أَبُو الْقَاسِم الحَرِيمِيّ، عُرف بابن صَعوة القَزَّاز. [المتوفى: 616 هـ]
حَدَّثَ عن أَبِي عَليّ أَحْمَد ابن الرحَبيّ. وَتُوُفِّي في رَجب.(13/468)
360 - دَاوُد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه، ابن رئيس الرؤساء، أَبُو أَحْمَد الحَمَاميّ - بالتخفيف - البَغْدَادِيّ. [المتوفى: 616 هـ]
سَمِعَ من شُهْدة، والطبقة، فأكثرَ.
قَالَ ابن نُقْطَة: سماعه صحيح. مات في شعبان.(13/468)
361 - دَاوُد بن يونس بن الحُسَيْن، الْأجلّ أَبُو الفَتْح الْأَنْصَارِيّ البَغْدَادِيّ، [المتوفى: 616 هـ]
الكاتب في الديوان.
وُلِدَ سنة إحدى وثلاثين. وَسَمِعَ من المبارك بن أَحْمَد الْأَنْصَارِيّ، ومَسْعُود بن عَبْد الواحد بن الحُصَيْن، وأحمد بن عَبْد اللَّه بن مَرْزوق الإصبهاني.
رَوَى عَنْهُ الدُّبيثي وَقَالَ: تُوُفِّي في تاسع عشر ربيع الآخر، وابن النَّجَّار، وأثنى عليه.(13/469)
362 - رَيْحان بن تِيكان بن مُوسَك بن عَليّ، الشَّيْخ الصالح المُعمر أَبُو الخير الكُرديّ البَغْدادِيّ الحربي المقرئ الضرير. [المتوفى: 616 هـ]
ولد قبل العشرين وخمسمائة، وكان يمكنه السماع من هبة الله بن الحُصَيْن، وإنّما سَمِعَ في كِبره من أحمد بن الطَّلّاية، والمبارك بن أَحْمَد الكِنْدِيّ، وَسَعِيد ابن البَنَّاء، وأبي الوَقْت. وقرأ القرآن عَلَى أَبِي حفص عُمَر بن عَبْد اللَّه الحَرْبِيّ بالرِّوايات. وإنِّما أضرَّ في آخر عمره.
رَوَى عَنْهُ الدُّبيثي، وَالضِّيَاء، وَالزَّكيّ البِرْزَاليّ، وجماعة. وأجازّ للكمال عبد الرحمن المكبر.
ومات في صفر.(13/469)
363 - السّامريّ، الفقيه الحَنْبَلِيّ. لَهُ تصانيف في المذهب. وَهُوَ مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه. [المتوفى: 616 هـ]
يأتي.(13/469)
364 - ستّ الشَّام خاتون، [المتوفى: 616 هـ]
أخت السُّلْطَان الملك العادل.
واقفة المدرستين؛ فدُفنت بالَبرَّانية.
كانت سيدة الملكات في عصرها، كثيرة البِرّ والصدقات. كَانَ يُعمل في دارها في السنة بمبلغ عظيم أشربة وسُفوفات وعَقَاقير، وتفرِّقُهُ عَلَى النَّاس. وَكَانَ بابها ملجأ كلّ قاصدٍ في حاجةٍ إلى الدَّوْلَة. ووقفت على المدرستين أوقافاً كثرة عامرة، أثابها اللَّه. [ص:470]
ولها من المحارم عدَّة ملوك. وَهِيَ شقيقة المُعَظَّم تورانشاه. وسائر ملوك بني أيّوب إمّا إخوتها، أَوْ بنو إخوتها، وأولادهم.
وَتُوُفِّيت في سادس عشر ذي القِعْدَة.(13/469)
365 - ستّ العباد بنت أَبِي الحَسَن بن سلامة بن سالم، أمّ عَبْد الحكم المصرية، [المتوفى: 616 هـ]
وزوجة الحَسَن بن عقيل بن شريف بن رفاعة.
ظهر لها سماع في بعض " الخِلعيات " من ابن رفاعة. رَوَى عنها الزكي المنذري، والفخر ابن البخاري. حدَّثت في هذه السنة ولا أدري متى ماتت.
قَالَ ابن نُقْطَة: إِلَّا أَنَّ عَبْد العظيم يتكلم في سماعها، وَيَقُولُ: هُوَ بخطّ رجل غير موثوق بِهِ.
وَقَالَ الحَافِظ عَبْد العظيم في " معجمه ": لم تسكن نفسي إلى نقل سماعها.
وَقَالَ ابن مَسْدي في " معجمه ": سماعها بخطّ النسابة أَبِي عَليّ الجوّانيّ، المُؤَدِّب، سَمِعْتُ من ثابت بن منصور الكيلي في سنة ست وعشرين وخمسمائة، وعُمِّرت.
رَوَى عَنْهَا ابن النَّجَّار، وَقَالَ: تُوُفِّيت في جُمَادَى الآخرة.(13/470)
366 - سَعِيد بن حسن بن عَليّ، أَبُو منصور الكَرْخِيّ الطَّحَّان، المعروف بابن البزوري. [المتوفى: 616 هـ]
حدَّث عَن المبارك بن أَحْمَد الكِنْدِيّ، وَسَعِيد ابن البَنَّاء، وماتَ في شَوَّال.(13/470)
367 - سَعِيد بن مُحَمَّد ابن العلامة أَبِي منصور سَعِيد بن مُحَمَّد بن عمر، العدل أبو منصور ابن الرَّزاز، البَغْدَادِيّ. [المتوفى: 616 هـ]
وُلِدَ سنة ثلاثٍ وأربعين. وَسَمِعَ " البُخَارِي " من أَبِي الوَقْت، ورَواه، وَسَمِعَ من نصر بن نصر العُكْبَريّ. وحَضَرَ أَبَا الفضل الْأُرْمَوي.
رَوَى عَنْهُ: [ص:471] الدُّبيثي، وَالزَّكيّ البرزالي، والمِقداد بن أَبِي الْقَاسِم القيسي، وجماعة.
أخبرنا أبي، قال: أخبرنا المقداد، قال: أخبرنا سعيد بن محمد، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْت، فذكر حديثًا.
تُوُفِّي في ثاني المحرم، فُجاءة.(13/470)
368 - صالح بْن أَبِي الحَرَم مكّيّ بْن عُثْمَان بْن إسْمَاعِيل، أَبُو التُّقى الشاَّرعي. [المتوفى: 616 هـ]
سَمِعَ من أَبِي طاهر السِّلَفيّ، وغيره.
رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ المنذري، وقال: ولد سنة إحدى وستين وخمسمائة، ومات بثغر دِمْيَاط، والعدوّ - خذله اللَّه - يحاصرهم.(13/471)
369 - صدقة بن جَرْوان بن علي بن منصور، ابن البَبغ البَوّاب. [المتوفى: 616 هـ]
حدَّث عن أَبِي الوَقْت. وقرأ القرآن عَلَى حَمَّاد بن سَعِيد المَنُونيّ، ومنونية: قرية بالسواد.
والببغ: قيّده ابن نقطة.(13/471)
370 - عَبْد اللَّه بن الحُسَيْن بن أَبِي البقاء عَبْد اللَّه بن الحُسَيْن، الإِمَام العلّامة محبّ الدِّين أَبُو البقاء العُكْبَريّ الْأصل البَغْدَادِيّ الْأزَجِيّ الضَّرير النَّحْوِيّ الحَنْبَلِيّ الفَرَضِيّ، [المتوفى: 616 هـ]
صاحب التّصانيف.
وُلِدَ سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وقرأ القراءات عَلَى أَبِي الحَسَن عَليّ بن عساكر. وقرأ النحو على أبي محمد ابن الخَشَّاب، وَأَبِي البركات بن [ص:472] نجاح. وتفقَّه عَلَى القاضي أَبِي يَعْلَى الصّغير مُحَمَّد بن أبي خازم بن أَبِي يَعْلَى، وَأَبِي حكيم إِبْرَاهِيم بن دِينار النَّهْرَوَانِيّ. وبرعَ في الفقه والْأصول، وحازَ قَصَب السَّبْق في العربية.
وَسَمِعَ من أَبِي الفتح ابن البَطِّيّ، وأبي زُرْعَة المَقْدِسِيّ، وَأَبِي بَكْر بن النَّقُور، وغيرهم.
ورحلت إِلَيْهِ الطّلبةُ من النَّواحي، وأقرأ النَّاس المَذْهب، والفرائض، والنَّحْو، وَاللُّغَة.
قَالَ ابن النَّجَّار: قرأت عَلَيْهِ كثيرًا من مُصنَّفاته، وصحبته مدة طويلة. وكان ثقة متدينا، حسنَ الْأخلاق، متواضعًا. ذكر لي أَنَّهُ أضرّ في صباه بالْجُدَريّ.
ذِكْر تصانيفه: صنَّف " تفسير القرآن "، وكتاب " إعراب القرآن "، وكتاب " إعراب الشّواذ "، وكتاب " متشابه القرآن "، وكتاب " عدد الآي "، وجزءًا في إعراب الحديث. وصنّف " تعليقا " في الخلاف، وصنَّف " شرح الهداية " لأبي الخَطَّاب، وكتاب " المُرام " في المَذْهب، وثلاثة مصنَّفات في الفرائض، وكتاب " شرح الفصيح "، وكتاب " شرح الحماسة "، وكتاب " شرح المقامات "، وكتاب شرح " خطب ابن نُبَاتة ". ثُمَّ ذكر ابن النَّجَّار تصانيف كثيرة، تركتها اختصارًا.
رَوَى عَنْهُ الدُّبيثي، وابنُ النَّجَّار، والضياء المقدسي، والجمال ابن الصَّيْرَفِيّ، وآخرون.
وَكَانَ إِذَا أراد أن يُصنف كتابًا، أُحْضِرت لَهُ عدة مُصنّفات في ذَلِكَ الفن، وقُرئت عَلَيْهِ، فَإِذَا حصَّله في خاطره أملاه، فَكَانَ بعض الفُضلاء يَقُولُ: أَبُو البقاء تلميذ تلامذته، يعني هو تبع لهم فيما يُلقونه عَلَيْهِ.
ومن شِعره في الوزير ناصر بن مهديّ العَلَويّ:
بكَ أضحى جِيدُ الزَّمانِ محلّى ... بَعْدَ أنْ كَانَ مِنْ حُلاه مُخلّى
لَا يُجاريك في تجاريكَ خَلْقٌ ... أَنْتَ أغْلى قَدْرًا وأعلى محَلّا
دُمْت تُحيي ما قد أميت من الفضـ ... ـل وتَنْفي فقرًا وتطردُ مَحلا [ص:473]
تُوُفِّي أَبُو البقاء في ثامن ربيع الآخر.
وقرأت بخطّ السيف ابن المجد: سمعتُ المَرَاتبيّ يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّيْخ أَبَا البقاء النَّحْوِيّ يَقُولُ: جاءَ إليَّ جماعةٌ من الشافعية فقالوا: انتقل إلى مذهبنا ونُعطيك تدريس النَّحْو وَاللُّغَة بالنّظامية، فأقمست وقلت: لو أقمتموني وصببتم علي الذَّهَب حَتَّى أتوارى بِهِ ما رَجَعت عن مَذْهبي.(13/471)
371 - عَبْد اللَّه بن عَليّ بْن أَبِي بَكْر بْن عَبْد الجليل، الإِمَام أَبُو بَكْر الفرغاني الخطيب. [المتوفى: 616 هـ]
ولد سنة إحدى وخمسين. وسمع من محمود ابن قاضي سَمَرْقَنْد، وَأَحْمَد بن محمود الصابونيّ، وَعَبْد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد المَرْوَزِيّ، والفضل بن عَليّ بن غالب، وجماعة.
وخرَّج أربعين حديثًا، وحدَّث بفرغانة، وبَغْدَاد، وَكَانَ فاضلًا أديبًا.
رَوَى عَنْهُ الدُّبيثي، وَقَالَ: بلغنا أَنَّهُ قتلته الكُفَّار التَّتَار لَمَّا دخلوا سَمَرْقَنْد في ذي الحجَّة.(13/473)
372 - عَبْد اللَّه ابن القاضي الحافظ أَبِي المحاسن عُمَر بن عَليّ، القُرَشِيّ الشَّيْخ الصّالح أَبُو بَكْر الدِّمَشْقِيّ الْأصل البَغْدَادِيّ. [المتوفى: 616 هـ]
وُلِدَ سنة ثمانٍ وخمسين. وَسَمِعَ بإفادة أَبِيهِ كثيرًا من أبي الفتح ابن البَطِّيّ، وَيَحْيَى بن ثابت، وهذه الطبقة، وَسَمِعَ منه جماعة. وَتُوُفِّي ببعْقُوبا في رمضان.(13/473)
373 - عَبْد اللَّه بن نجم بن شاس بن نِزار بن عشائر بن عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بن شاس، العلّامة أَبُو مُحَمَّد الْجُذاميّ السَّعْديّ المَصْرِيّ الفقيه المالكي، جلال الدين ابن شاس. [المتوفى: 616 هـ]
تَفَقَّه عَلَى الإِمَام يَعْقُوب بن يوسف المالكي، وغيره. وَسَمِعَ من عَبْد اللَّه بْن بَرِّي النَّحْوِيّ، وغيره.
ودرَّس بمدرسة المالكية التي بمصر مُدَّة. وصنَّف كتاب " الجواهر الثمينة " في المذهب، وضَعَه عَلَى ترتيب كتاب " الوَجِيز " للغزاليّ، أحسن فيه [ص:474] ما شاء، وانتشر هَذَا الكتابُ انتشارًا كبيرًا، وانتفع بِهِ الفُضلاء. وأقبل عَلَى النظر في السّنة النبوية والاشتغال بها.
وَكَانَ عَلَى غايةٍ من الوَرَع والتّحريّ، رَضِيَ الله عَنْه. وبعد عوده من الحجّ امتنع من الفتوى إلى حين وفاته. وَكَانَ من بيت إمرةٍ وتقدُّم.
رَوَى عَنْهُ الحَافِظ عَبْد العظيم ووصفه بهذا وأكثر، وَقَالَ: تُوُفِّي في جُمَادَى الآخرة، أَوْ في رجب، غازيًا بثغر دِمْيَاط، وَلَهُ عدَّة أصحاب.(13/473)
374 - عَبْد اللَّه بن أَبِي الْقَاسِم بن أَبِي بَكْر بن حسين، أَبُو بَكْر الحَرِيمِيّ النَّجاد، المعروف بابن زَعْرُورة. [المتوفى: 616 هـ]
حدَّث عن أَبِي الوقت، وهبة الله ابن الشِّبْلِي، وغيرهما. ومات في جُمَادَى الْأولى.(13/474)
375 - عَبْد الرَّحْمَن بن إسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد العزيز ابن السِّمِّذي، أَبُو مُحَمَّد الحَرِيمِيّ النَّاسخ. [المتوفى: 616 هـ]
سَمِعَ من أبي المعالي ابن اللَّحاس، وأبي علي ابن الرَّحبي. وَحَدَّثَ ومات في جُمَادَى الْأولى.(13/474)
376 - عَبْد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، القاضي الفقيه الصالح أَبُو الْقَاسِم الْجُزُولِيّ المالكيّ النُّوَيْريّ، [المتوفى: 616 هـ]
قاضي البهْنسا.
استُشهد بظاهر دِمْيَاط في ذي القِعْدَة، وَكَانَ موصوفًا بالصَّلاح والخير، مُكرِمًا للفقراء بالمَرَّة.(13/474)
377 - عَبْد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن إسْمَاعِيل بن خَالِد، الإِمَام أَبُو الْقَاسِم ضياء الدِّين القُرَشِيّ الشافعي المَصْرِيّ، ابن الوَرَّاق. [المتوفى: 616 هـ]
تَفَقَّه عَلَى الشِّهَاب مُحَمَّد بن محمود الطُّوسِيّ، ولزِمَهُ مُدَّة، وصارَ مُعيده بمدرسة منازل العِزّ. وقرأ الْأصول عَلَى الإِمَام ظافر بن الحُسَيْن المالكي. وَسَمِعَ من أَبِي البقاء عُمَر بن مُحَمَّد المَقْدِسِيّ، وَعَبْد اللَّه بن بري. [ص:475]
وولي القضاء بجيزة مِصْر، ودَرَّسَ بالناصرية المجاورة للجامع العتيق.
قَالَ المُنْذِريّ: سَمِعْتُ منه، وتَفَقَّهت عَلَيْهِ مُدَّة. ووُلد سنة ستٍّ وأربعين , وَكَانَ عالمًا صالحًا، حسنَ الْأخلاق، تاركًا لِما لَا يعنيه، وكتب الكثير بخطه، قيل: كتب أربعمائة مُجَلَّد، وصحبَ الزّاهد أَبَا الحَسَن عَليّ بن إِبْرَاهِيم الْأَنْصَارِيّ ابن بنت أَبِي سَعْد. وحكى عَنْهُ حكايات. وَتُوُفِّي في سابع عشر جُمَادَى الآخرة.(13/474)
378 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَليّ بْن مُحَمَّد بن الحُسَيْن بن إِبْرَاهِيم بن يَعيش، الْأجلّ أَبُو الفرج الْأَنْبَارِيّ الْأصل البَغْدَادِيّ [المتوفى: 616 هـ]
الكاتب، سِبْط قاضي القضاة أَبِي الْحَسَن عَليّ بْن محمد ابن الدامغاني.
ولد سنة ست وعشرين وخمسمائة. وسمع من الحَافِظ عَبْد الوَهَّاب الْأَنْمَاطِي، وأبي المُظَفَّر مُحَمَّد بن التُّرَيْكِيّ، وغيرهما. رَوَى عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبَيْثِي، وَالزَّكيّ البِرْزَاليّ، وغيرهما.
وعاش تسعين سنة، ومات في شعبان.
قَالَ ابن النجار: كان شيخا جليلا، حسن الأخلاق، جميل السيرة، أمينًا.(13/475)
379 - عَبْد الرَّحْمَن بن هبة اللَّه بن أَبِي الفرج البَغْدَادِيّ الخبّاز. [المتوفى: 616 هـ]
رَوَى عن أَبِي جَعْفَر أَحْمَد بن مُحَمَّد العَبَّاسيّ، ومات في شَوَّال.(13/475)
380 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي منصور بْن نَسيم بن حسين، المحدِّث الخطيب تقي الدِّين أَبُو الوَحْش المَقْدِسِيّ الشَّافِعِيّ، [المتوفى: 616 هـ]
إمام جامع المِزَّة.
لَزِمَ الحَافِظ أَبَا القاسم مُدَّة، وأكثرَ عنه. وسمع من إِبْرَاهِيم بن الحَسَن الحِصْنيّ، وابن صابر، وجماعة. ونَسَخَ بخطِّه. رَوَى عَنْهُ الشِّهَاب القُوصِيّ، وغيره. وَرَوَى لنا عَنْهُ بالإجازة شيخنا عُمَر ابن القوَّاس.
وقرأتُ وفاته بخطّ الضِّيَاء في رابع رجب.(13/475)
381 - عَبْد الرَّحِيم بن المفرّج بن عَليّ بن المفرّج بن مَسْلمة، أَبُو مُحَمَّد القُرَشِيّ الْأُمَوِيّ الدِّمَشْقِيّ. [المتوفى: 616 هـ]
تُوُفِّي بحرَّان، ونُقل بعد دفنه إلى دمشق. وَكَانَ مولده في سنة ستَّةٍ وأربعين. وسمع من أَبِي النَّدَى حَسَّان الزيات. وحدَّث وأجاز؛ رَوَى عَنْهُ ابنُ خليل، والعزّ عَبْد العزيز بن عُثْمَان الإربلِّي.(13/476)
382 - عَبْد العزيز بن أَحْمَد بْن مَسْعُود بْن سَعْد بْن عليّ ابن النَّاقد، أَبُو مُحَمَّد الشَّيْخ الصالح المُقْرِئ، ويعرف بابن الجصَّاص. [المتوفى: 616 هـ]
ولد سنة ثلاثين وخمسمائة. وقرأ بالروايات الكثيرة عَلَى أَبِي الكرم الشَّهرزوري، وعمر بن عبد الله الحربي. وسمع من أَبِيهِ، وَأَبِي سَعْد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، وَأَبِي الفضل الْأُرْمَوي، والمبارك بن أَحْمَد الْأَنْصَارِيّ، وابن ناصر، وأبي الوَقْت، وجماعة. وأقرأ، وَحَدَّثَ.
وَيُقَال: إِنَّهُ آخر من تلا بكتاب " المِصْباح " عَلَى أَبِي الكَرَم، المُصنِّف.
وَكَانَ ثقةً صالحًا، عاليَ الإسناد في الكتاب والسُّنة.
رَوَى عنه الدُّبيثي، وابن النجار، والضياء، والنجيب عبد اللطيف، وَالشَّيْخ عَبْد الصَّمَد بن أَبِي الْجَيْش، وجماعةٌ.
تُوُفِّي في ثاني شَوَّال.
وقرأ عَلَيْهِ عَبْد الصَّمَد بالسبع، وَهُوَ آخر من قرأ عَلَيْهِ.(13/476)
383 - عَبْد الكريم بن أَبِي بَكْر عتيق بن عَبْد الملك بن عَبْد الغفار، الإِمَام أبو محمد الرَّبعي الإسكندراني المالكي، [المتوفى: 616 هـ]
شيخ الإقراء بالإسكندرية.
وُلِدَ سنة إحدى وأربعين وخمسمائة. وانقطع إلى السِّلفي، وأكثر عَنْهُ، وَكَانَ من أجلاء أصحابه. وَسَمِعَ من أَبِي مُحَمَّد العُثْمانِيّ، وابن عَوف، وبدر الخُداداذي، وجماعةٍ.
قَالَ الزَّكيّ عَبْد العظيم: لقيته، وَسَمِعْتُ منه. وتصدَّر بجامع الإسكندرية مدة للإقراء، ونجب عليه جماعة. وَكَانَ ماهرًا في القراءات. [ص:477]
قلت: لم يذكر على من قرأ.
وَتُوُفِّي في شَوَّال.(13/476)
384 - عَبْد المطلب بن الفضل بن عَبْد المطلب بن الحُسَيْن، العَلّامة المُفتي افتخار الدِّين أَبُو هاشم القُرَشِيّ الهاشِمِيّ العَبَّاسيّ البَلْخِيّ ثُمَّ الحَلَبِيّ الحَنَفِيّ. [المتوفى: 616 هـ]
تَفَقَّه بما وراء النَّهْر. وَسَمِعَ بسمرقند، وَبَلْخ، وَتِلْكَ الدّيار في سنة نيِّفٍ وأربعين وخمسمائة، وبعدها؛ سَمِعَ من القاضي عُمَر بن عَليّ المَحْمُوديّ، وَأَبِي الفَتْح عَبْد الرشيد بن النُّعْمَان الوَلْوَالجِيّ، والْأديب أَبِي حفص عُمَر بن عَليّ الكَرَابيسيّ، وأبي عَليّ الحَسَن بن بِشْر البَلْخِيّ النَّقّاش، وَالإِمَام أَبِي شُجاع عُمَر بن مُحَمَّد البِسْطاميّ، وجماعة.
ودرَّس، وأفْتى، وناظَرَ، وصنَّف، وَكَانَ مُدرس المدرسة الحَلاوية. وَلَهُ " شرح الجامع الكبير " في المَذْهب. وتخرَّج بِهِ جماعةٌ من فُضلاء الحنفية بحلب.
وَكَانَ شريفًا، رئيسًا، عاقلًا، ورعًا، ديِّناً، صحيح السّماع، عاليَ الإسناد.
رَوَى عَنْهُ خلقٌ كثير منهم: الزّاهد تقيّ الدِّين أَحْمَد بن عَبْد الواحد الحَوْرانيّ، وَالضِّيَاء المَقْدِسِيّ، وَالزَّكيّ البِرْزَاليّ، والعماد أَبُو نصر أَحْمَد بن يوسف الحسنيّ الحَنَفِيّ، والمُؤيَّد إِبْرَاهِيم بن يوسف القِفْطِيّ، وَأَبُو المكارم إِسْحَاق بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّهِ ابن العجميّ، وأخوه المحيي مُحَمَّد، وابن عمِّه القُطْب مُحَمَّد بن عَبْد الصَّمَد، والصّاحب أَبُو الْقَاسِم عمر ابن العديم، وخطلخ مولى عبد الرحيم ابن العجمي، والعون أبو المظفر سليمان ابن العَجَميّ، والمحدِّث أَبُو صالح عُبَيْد اللَّه بن عمر ابن العَجَميّ، ونسيبه الزّين عَبْد الملك بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن، وعَليّ بن فيّاض، وأبو نصر محمد بن الحس ابن العَجَميّ، والمُفتي أَبُو طَالِب عَبْد الرَّحْمَن بن عبد الرحيم ابن العجمي، والشريف عبد الرحمن بن الحسن زُهرة الحُسيني، والمُحتسب عَبْد الكريم بن عُثْمَان ابن العَجَميّ، وقاضي عزَاز عَبْد الرَّحْمَن بن عُثْمَان بن [ص:478] حبيب، والكمال أحمد بن محمد ابن النَّصيبي، وَعَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بن الْأوحد الزُّبَيْريّ.
قرأتُ بخطّ الضِّيَاء، قَالَ: شيخنا أَبُو هاشم عَبْد المطّلب الهاشِمِيّ العَبَّاسيّ، نزيل حلب تُوُفِّي بحلب في جُمَادَى الآخرة وَلَهُ ثمانون سنة.
قُلْتُ: ولم يذكره المُنْذِريّ في " الوفيات ".(13/477)
385 - عتيق بن أَحْمَد بن عَبْد الباقي، الزّاهد الصالح أَبُو بَكْر الْأنْدَلُسِيّ اللَّوْرقيّ، [المتوفى: 616 هـ]
نزيلُ دمشق.
شيخٌ مُعَمَّر، يُقَال: إِنَّهُ عاش مائة سنة. صحبَ الزّهّاد، وتأدَّب بآدابهم، وانتفعَ بِهِ جماعةٌ صحبوه. وقبره بمقابر الصُّوفِيَّة عَلَى الطّريق، وَهُوَ حجر نُحِتَ عَلَيْهِ تاريخ وفاته.
ذكر وفاته المُنْذِريّ.(13/478)
386 - عُثْمَان بن مُظَفَّر بن مُحَمَّد، أَبُو عَمْرو البَغْدَادِيّ، [المتوفى: 616 هـ]
من شارع دار الرَّقيق.
شيخٌ معمَّر، روى عن أبي الفتح ابن البَطِّيّ.(13/478)
387 - عُثْمَان بن مُقْبل بن قاسم، الفقيه أَبُو عَمْرو الياسريّ الواعظ، [المتوفى: 616 هـ]
من فَضلاء الحنابلة.
سمع من أبي محمد ابن الخَشَّاب، وشُهدة. وتُوُفّي فِي ذي الحجَّة.(13/478)
388 - عَلي بْن أَحْمَد بن أَبِي العزّ، أَبُو الحَسَن ابن الشُّباك، بضم المُعجمة. [المتوفى: 616 هـ]
صوفيّ، تاجرٌ ببَغْدَاد. سَمِعَ أَبَا الحُسَيْن عَبْد الحقّ، وتجنِّي الوَهْبانية. وحدَّث.
ورّخه ابن نُقْطَة في رجب. مُستفاد مَعَ السباك.(13/478)
389 - عَليّ بن أَحْمَد بن عَليّ بن عيسى، أبو الحسن الغافقي القرطبي الشقوري. [المتوفى: 616 هـ]
سمع من أَبِيهِ، وأخذ عَنْهُ القراءات، ومن ابن عمِّه أَبِي الحَسَن مُحَمَّد بن عَبْد العزيز. وأجازَ لَهُ وَهُوَ ابن ثلاث سنين، في سنة تسعٍ وثلاثين أَبُو بَكْر بن العربيّ، والقاضي عياض، وأبو محمد بن عطيَّة وجماعةٌ.
وتفرَّد في عصره بالمَغْرب، ورحل النَّاس إِلَيْهِ لعُلُوّ سنده.
قَالَ الْأبَّار: وَكَانَ ثقة صالحًا. كفَّ بأُخرةٍ. وَتُوُفِّي في صفر. لقيَ أَبُو حَيَّان النَّحْوِيّ من يحمل عن الشَّقوريّ بالإجازة.
وأجاز الشَّقوري لابن مسدي، وَقَالَ: هُوَ نزيل قُرْطُبَة، حسيب البيت أصيله، نسيب الذِّكر جميله. حدَّث من بيته جماعة. تأدب بشقُورة عَلَى أَبِي مروان عَبْد الملك بن أَبِي يداس. وقرأ عَلَيْهِ القرآن، وَسَمِعَ من أبيه، ومحمد بن أحمد التُّجيبي المُقْرِئ، وتفرَّد عَنْهُمْ. وأجاز لَهُ أيضا أَبُو بَكْر عَبْد العزيز بن مُدير، وَعَبْد الحق بن عطية صاحب التّفسير. رَوَى الكثير عن مُجيزيه. عزمتُ عَلَى الرِّحلة إِلَيْهِ، فبلغني موته، فعدلت إلى إشبيلية. ومات بمَوْته بالْأنْدَلُس إسناد كثير.(13/479)
390 - عَليّ بن إسْمَاعِيل بن عَليّ بن عطية، الإِمَام أَبُو الحَسَن الصّنهاجيّ التلكاتيّ الْأبياريّ المالكيّ، [المتوفى: 616 هـ]
نزيلُ الإسكندرية.
مولده بأبيار سنة سبعٍ وخمسين ظنًّا. وتَفَقَّه بالإسكندرية عَلَى الفقيه أَبِي الطاهر بن عوف، وعَليِّ أَبِي طَالِب أَحْمَد بْن المُسَلِّم اللَّخْميّ، وَأَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن مُحَمَّد الكِرْكِنْتيّ. وحدَّث عن ابن عوف. ودرَّس بمدرسة الزكي التَّاجر. وصنَّف في المَذْهب. وَكَانَ من أعيان المالكية.
تُوُفِّي في سادس رمضان، وبالإسكندرية.(13/479)
391 - عَليّ بْن خليفة بْن يُونُس بْن أَبِي الْقَاسِم، العلّامة رشيد الدِّين الْأَنْصَارِيّ الخَزْرَجِي، ابن أبي أصيبعة، الطيب. [المتوفى: 616 هـ]
تُوُفِّي شابًا عن سبعٍ وثلاثين سنة. نشأ بالقاهرة، واشتغل بها، وبرع في الطب، وغير ذَلِكَ من علوم الحكمة. وَكَانَ رأسًا في الموسيقى، ولعب العود. وَكَانَ طيب الصوت. وأخذَ الْأدب عَن التّاج الكِنْدِيّ، وغيره.
وقد اشتغلوا عَلَيْهِ في الطِّب، وَلَهُ خمسُ وعشرون سنة. وحظِيَ عند أولاد الملك العادل. فأدركه الْأجل في شعبان من السنة.
وقد طوّل الموفَّق ابن أخيه ترجمته، وبالغ في وصفه.(13/480)
392 - عَليّ بن شُكر بن أَحْمَد بن شُكر، القاضي العالم جمال الدِّين أَبُو الحَسَن ابن القاضي أَبِي السَّعَادَات المَصْرِيّ الفقيه الشَّافِعِيّ. [المتوفى: 616 هـ]
سَمِعَ من أَبِي عَبْد اللَّه الْأَرْتَاحِيّ، والحافظ عَبْد الغني، وجماعةٍ. ورحلَ إلى الشَّام والعراق، وحدَّث. وجمع في السُّنة، والصِّفات، وفي الرَّقائق. وَتُوُفِّي في رجب.(13/480)
393 - عَليّ بن علّوش، الفقيه برهان الدِّين المَغْرِبيّ، [المتوفى: 616 هـ]
مدرّس المالكية وعالمهم بدمشق.
رَوَى شيئًا من طريق المغاربة. وَكَانَ عالمًا بالْأصول والفروع والعربية.
قيَّد الضِّيَاء وفاته في ثالث شعبان، ودُفن بسفح قاسيون، رحمه اللَّه تعالى.
رَوَى عَنْهُ الشِّهَاب القُوصِيّ، وغيرُه.(13/480)
394 - عَليّ ابن المحدِّث بهاء الدِّين الْقَاسِم ابن الحَافِظ الكبير أَبِي القاسم ابن عساكر الدِّمشقي، المحدِّث الحَافِظ عماد الدِّين أَبُو الْقَاسِم الشَّافِعِيّ. [المتوفى: 616 هـ]
وُلِدَ في ربيع الآخر سنة إحدى وثمانين. وَسَمِعَ من أَبِيهِ، وَعَبْد الرَّحْمَن بن علي ابن الخرقي، وإسماعيل الجنزوي، والخُشُوعِيّ، والْأثير أَبِي الطّاهر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن بُنَان الكاتب، قدم عليهم، وطائفة كبيرة. وبمكة من أبي [ص:481] المعالي محمد ابن الزَّنف، وبحلب، والجزيرة، وَخُرَاسَان. رحل إلى المُؤيَّد الطُّوسي، وَأَبِي رَوْح، وأكثر عن هَؤُلَاءِ، وعُني بالحديث أتمّ عناية.
وَكَانَ ذكيًّا، فاضلًا، حافظًا، نبيلًا، مجتهدًا في الطَّلب. أدركه أجله ببَغْدَاد بعد عوده من خُرَاسَان، من أثر جراحات به من الحرامية في ثالث عشر جُمَادَى الْأولى. وَهُوَ آخر من رحلَ إلى خُرَاسَان من المحدِّثين.
وقد خرَّج للكندي، ولابن الحرستاني، وجماعة. وخرَّج لنفسه أربعين حديثاً، وحدَّث بها سنة ستمائة. وَسَمِعَ منه جماعة من شيوخه، كالْأخَوَين تاج الْأمناء أَحْمَد وفخر الدِّين أَبِي منصور الشَّافِعِيّ، وحمزة بن أَبِي لُقْمة.
قرأت بخطّ عُمَر ابن الحاجب، قال: سألت العزّ ابن عساكر عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ يتشيَّع، وكنتُ أنقم عَلَيْهِ ذَلِكَ، ولا جرَم أَنَّهُ قُصف!
وَهُوَ ابن عمَّة النّسَّابة، وجدّ شيخنا البهاء قاسم ابن عساكر لأمِّه. وللنَّسَّابة فيه مَرْثية حسنةٌ منها:
صاحبي هذه ديار سعاد ... فترفَّق ومُنَّ بالإسعاد
عُجْ عليها نقضي لباناتِ قلبٍ ... مُسْتهامٍ أصماه حبُّ سُعاد
قُلْتُ: عاش خمسًا وثلاثين سنة.(13/480)
395 - عَليّ بن مَسْعُود بن هيّاب الوَاسِطِيّ المُقْرِئ الجماجميّ. [المتوفى: 616 هـ]
كَانَ يعمل الجماجم.
قَالَ ابن نُقْطَة: قرأ عَلَى جماعة. قرأت عَلَيْهِ. وَكَانَ متساهلًا في الْأخذ - سامحه اللَّه - جدًّا. مات بواسط في سادس جُمَادَى الْأولى.(13/481)
396 - عَليّ بن هشام بن عُمَر بن حَجّاج، أَبُو الحَسَن الْأنْدَلُسِيّ الشَّريشيّ المُقْرِئ. [المتوفى: 616 هـ]
حجَّ، وَسَمِعَ من أَبِي طاهر السِّلَفيّ، وشهدَ جنازته. وَسَمِعَ أَيْضًا من الفقيه أَبِي الطّاهر بن عَوْف، وغير واحد. وقرأ القراءات على أبي عبد الله محمد [ص:482] ابن مُحَمَّد الكِرْكَنْتيّ. وعاد إلى الْأنْدَلُس، وولي خطابة بلده. أخذ عَنْهُ جماعة.
وَتُوُفِّي في ربيع الآخر.(13/481)
397 - عُمَر بن عَبْد المجيد بن عَليّ، أَبُو حفص وَأَبُو عَليّ الْأَزْدِيّ الْأنْدَلُسِيّ الرُّنديّ، [المتوفى: 616 هـ]
نزيل مالقة.
كَانَ من كبار تلامذة السُّهيلي.
قَالَ الْأبَّار: سَمِعَ أَبَا الْقَاسِم السُّهيلي؛ وَعَلَيْهِ عوَّل في القراءات والعربية، ولازمه طويلًا، وأبا إِسْحَاق بن قرْقول، وأبا مُحَمَّد بن دَحْمان، وأبا عبد الله ابن الفَخّار، وأبا الْقَاسِم بن بَشْكُوال، وأبا الحَسَن الشّقُوري، وطائفةً. وأجازَ لَهُ أَبُو مروان بن قَزمان، وغيره. ومن الشَّام أَبُو طاهر الخُشوعي، وجماعةٌ.
قَالَ: وَكَانَ عالمًا بالقراءات، مُتقدّمًا في صناعة العربية. أقرأ القرآن، والنَّحْو، والآداب دهرًا بسَبْتَة. فَلَمَّا تُوُفِّي السُّهيلي دعاه أهل مالقة للإقراء بها والتّدريس مكانه، فأجابهم إلى ذَلِكَ، ولم يفارقها إلى حين موته. وَكَانَ لَهُ اعتناء بالحديث وروايته مَعَ الدِّين والصلاح. وألّف كتابًا حسنًا عَلَى " الْجُمّل " للزَجّاجيّ. تُوُفِّي فِي ربيع الآخر. وَكَانَ مولده فِي سنة ثلاثٍ وأربعين وخمسمائة أَوْ نحوها.(13/482)
398 - عُمَر بن مُحَمَّد بن أَحْمَد بن الحَسَن بن جَابِر، الشَّيْخ الصالح أَبُو نصر بن أَبِي بَكْر، البَغْدَادِيّ الصُّوفِيّ المُقْرِئ، المعروف بابن السَّديد. [المتوفى: 616 هـ]
وُلِدَ سنة خمسٍ وأربعين وخمسمائة. وسمع من أبي الوقت، وأبي محمد ابن المادح، وابن البطِّي، وَأَبِي زُرْعَة، وجماعة. وصحب الشَّيْخ أَبَا النَّجِيب السُّهْرَوَرْدي. وَقَدِمَ دمشق. وزارَ القُدس.
رَوَى عَنْهُ ابنُ الدُّبيثي، وَقَالَ فيه: الدِّينَوَري الْأصل. كَانَ حسنَ الْأخلاق، حافظًا لكتاب اللَّه. سَمِعَ بإفادة أَبِيهِ. تُوُفِّي في تاسع عشر صفر.(13/482)
399 - غالب بن حمزة بن أَبِي الْقَاسِم الحُسَيْن بن الحَسَن بن البُن، أَبُو غالب الْأسَدِيُّ الدمشقي. [المتوفى: 616 هـ]
ولد سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة. وَسَمِعَ من جَدّه. رَوَى عَنْهُ الضِّيَاء المَقْدِسِيّ، والشمس ابن خليل.
توفي في ذي القعدة.(13/483)
400 - كَيْكَاوِس، السُّلْطَان الملك الغالب عِزُّ الدِّين صاحب الروم وابن صاحبها كَيْخُسْرُو بن قِلِج أرْسلان السَّلجوقيّ. [المتوفى: 616 هـ]
صاحب قُونية وأقْصرا ومَلَطية.
وَكَانَ قد عظُم شأنه، ودخل في طاعته صاحب إربل، وناصر الدِّين صاحب آمد. وعَلِقَ بِهِ السّل، ومات. فتولَّى بعده كيقُباذ؛ وَكَانَ في حبس أخيه. ولم يخلّف كَيْكَاوِس ولدًا يصلح للمُلك. فتملّك كيقباذ.(13/483)
401 - محمد بن أحمد بن عَليّ، أَبُو شُجاع العَنْبَريّ الوَاسِطِيّ الشَّاعِر الْأديب، المعروف بابن دوَّاس القنا. [المتوفى: 616 هـ]
ولد سنة أربع وخمسين وخمسمائة. وقرأ الْأدب عَلَى الكمال أَبِي البركات الْأَنْبَارِيّ، وأبي الحَسَن عَليّ ابن العَصّار. وانقطع إلى الشَّيْخ مصدَّق بن شبيب. وبرع في العربية. وحدَّث بواسط.
وَلَهُ شِعر حسن. تُوُفِّي في سلخ شعبان.(13/483)
402 - مُحَمَّد بن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن محفوظ بْن صَصْرَى، أَبُو عَبْد اللَّه التغلبي الدِّمَشْقِيّ. [المتوفى: 616 هـ]
رَوَى عن عَبْد الرَّزَّاق النَّجَّار، وغيره.
قَالَ الضِّيَاء: سمعنا منه. ومات في رابع عشر رجب، ودُفن بجبل قاسيون.(13/483)
403 - مُحَمَّد بن أَحْمَد بن مُحَمَّد بن غالب، أَبُو عبد الله ابن الشَّراط الْأَنْصَارِيّ القُرْطُبيّ. [المتوفى: 616 هـ][ص:484]
أخذ القراءات عن عمِّه عَبْد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد، وَسَمِعَ منه، ومن أَبِي ذَرّ الخُشَنيّ. وتصدَّر للإقراء بجامع قُرْطُبَة، ولتعليم النَّحْو، ولإسماع الحديث.
قَالَ الْأبَّار: كَانَ مُقرئًا، محقّقًا، ضابطًا، ورعًا، زاهدًا. أخذ عَنْهُ جماعة منهم أَبُو القاسم ابن الطَّيلسان. ومات في المحرَّم.(13/483)
404 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عُبَيْد اللَّه، أَبُو الوليد بن قبوج، النفري الشاطبي. [المتوفى: 616 هـ]
قال الأَبّار: أَخَذَ القراءات عن أَبِي الْحَسَن بن هذيل، وَسَمِعَ منه التّيسير. وتَفَقَّه بأبي مُحَمَّد بن عاشر، وَهَارُون بن عات. وَكَانَ فقيهًا، ثقة، حافظًا للمسائل، مدرِّساً لها. رَوَى عَنْهُ ابنه عُبَيْد اللَّه، وغيره. وَكَانَ حيًّا في هَذَا العام وَتُوُفِّي بعده.(13/484)
405 - مُحَمَّد بن إسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، أَبُو عَبْد اللَّه الشَّيْبيّ الشَّافِعِيّ الواعظ بمَيّافارقين. [المتوفى: 616 هـ]
وُلِدَ بمصر سنة تسعٍ وأربعين. يُقَال: إِنَّهُ سَمِعَ من الحَافِظ أَبِي العلاء الهَمَذَانِيّ، ومن السِّلَفيّ. وحدَّث بميّافارقين.
وَتُوُفِّي في رجب.(13/484)
406 - مُحَمَّد بن إسْمَاعِيل بن أَحْمَد، القاضي أَبُو عَبْد اللَّه المَصْرِيّ الكاتب، عُرف بابن أَبِي صادق. [المتوفى: 616 هـ]
تُوُفِّي بالعسكر بظاهر دِمْيَاط. وقد ولي ديوان قُوص. وَسَمِعَ من السِّلَفيّ، وغيره. وَتُوُفِّي في ذي الحجَّة.(13/484)
407 - مُحَمَّد، قُطب الدِّين صاحب سنُجار، الملك المنصور ابن الملك عماد الدِّين زنكي بْن مودود بْن زنكي. [المتوفى: 616 هـ]
كَانَ حسن السيرة، فيه عدل وإنصاف. نازله الملكُ العادل وحاصره، ثم [ص:485] رحل عن سنجار بشفاعة الخليفة. وخلّفَ عدَّة أولاد، وملك بعده وَلده عماد الدين شاهنشاه أشهرًا، ومات أَيْضًا.
تُوُفِّي قُطب الدِّين في ثامن صفر.
قَالَ ابن الْأثير: ملك بعده عماد الدِّين فقتله أخوه عُمَر، وملك بعده مُدَيدة، ثُمَّ سلّم سنجار إلى الملك الْأشرف موسى، فعوَّضه عَنْهَا الرَّقة، فلم يمتَّع ومات بعد قليل.(13/484)
408 - مُحَمَّد بْنِ عَبْد اللَّه بْنِ مُحَمَّد بْنِ جرير بن عَليّ بن جرير، أَبُو عَبْد اللَّه القُرَشِيّ الْأُمَوِيّ الكُوفِيّ ثُمَّ البغدادي. [المتوفى: 616 هـ]
ولد سنة ست وخمسين وخمسمائة. وَسَمِعَ من أَبِيهِ، وابن البَطِّيّ، وَيَحْيَى بن ثابت، وجماعةٍ. وَكَانَ أَبُوه من المحدِّثين والنُّساخ المذكورين.
تُوُفِّي مُحَمَّد في جُمَادَى الآخرة. وَكَانَ يؤدّب الصبيان. ولم يكن ثقة، زوَّر عدَّة طِباق.(13/485)
409 - مُحَمَّد بْنِ عَبْد اللَّه بْنِ مُحَمَّد بْنِ إدريس، أَبُو عَبْد اللَّه بن سُنينة، السَّامّرِّيّ. [المتوفى: 616 هـ]
تَفَقَّه زمانًا عَلَى أبي حكيم النَّهرواني. وَسَمِعَ من ابن البطِّي. وولي قضاء سامرّاء سنة أربع وسبعين وخمسمائة، وبقي قاضيًا سبع عشرة سنة. وَكَانَ فقيهًا بارعًا، مصنِّفاً. لم يروِ شيئًا.
ومات في رجب، وَلَهُ إحدى وثمانون سنة.(13/485)
410 - مُحَمَّد بن عَبْد المحسن بن مُحَمَّد بن منصور بن خلف، القاضي الفقيه أَبُو عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ الْأوسيّ الكَفْرطابيّ الْأصل الدِّمَشْقِيّ المولِد الشَّافِعِيّ، المعروف بابن الرَّفاء. [المتوفى: 616 هـ]
وَهُوَ والد شيخ الشيوخ شرف الدِّين عَبْد العزيز.
ولي القضاء، والْأوقاف بحماه. وَلَهُ شِعر حسن. [ص:486]
تُوُفِّي في رمضان، ببارين، قلعة من أعمال حماه، كَانَ قد وَلِي قضاءها. وعاش خمسين سنة. رَوَى عَنْهُ ولَدُه.(13/485)
411 - مُحَمَّد بن عَليّ بن خُطْلُخ، أبو عبد الله البغدادي الخَيَّاط. [المتوفى: 616 هـ]
سَمِعَ من عَبْد الرَّحْمَن بْن يَحْيَى بْن عَبْد الباقي الزُّهري في سنة ستين وخمسمائة. رَوَى عَنْهُ ابن النَّجَّار.
تُوُفِّي في أواخر السنة.(13/486)
412 - مُحَمَّد بْن عُمَر بْن أَبِي بَكْر بْن عَبْد اللَّه بن سَعد، الفقيه نجم الدِّين أَبُو عَبْد اللَّه، المعروف بالقاضي المَقْدِسِيّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيّ. [المتوفى: 616 هـ]
أقام ببَغْدَاد مُدَّة يشتغل، ويسمع، وكتب الكثير. وَسَمِعَ من مُحَمَّد بن يَحْيَى ابن البراداني، وأبي الفَتْح بن شاتيل، ونصر اللَّه القَزَّاز، وطبقتهم. ورحل إلى إصبهان، وكتب عن أصحاب الحدّاد. وَسَمِعَ بالمَوْصِل، وإربل، وواسط.
ووليَ مشيخة دار الحديث المطلَّة عَلَى الشطّ بالمَوْصِل. وَقَدِمَ مِصْر، وحدَّث بها. ثُمَّ سكن سَرُوج، وبها تُوُفِّي - رحمه اللَّه - في جُمَادَى الْأولى، وَهُوَ كَهْل.
أخذَ عَنْهُ الضِّيَاء، وَقَالَ: وُلِدَ سنة ستٍّ وستين. وَكَانَ فقيهًا، حافظًا، واعظًا، حصَّل من السَّماع والكتب شيئاً كثيراً. ورافق العزّ ابن الحَافِظ. وَسَمِعَ أكثر من العزّ. وجاءته الْأولاد بسَرُوج.(13/486)
413 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أسعد بن عَليّ، الشريف النّقيب عزّ الدِّين أَبُو عَبْد اللَّه ابن النّقيب الْأجلّ أَبِي عليّ العَلَويّ الحَسَنيّ العُبَيْدَليّ الْجَوَّانِيّ المَصْرِيّ، [المتوفى: 616 هـ]
نقيب الْأشراف بمصر بعد أَبِيهِ.
وَكَانَ رئيسًا فاضلًا. تُوُفِّي في المحرم.(13/486)
414 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ، أبو نصر ابن واقا البغدادي، [المتوفى: 616 هـ]
سبط الشيخ أبي منصور ابن الجواليقيّ.
حدَّث عن ابن البَطِّيّ، وَأَبِي المناقب حيدرة بن عُمَر العَلَويّ. رَوَى عَنْهُ ابن النَّجَّار، وأثنى عَلَيْهِ. ومات في سلْخ شَوَّال.(13/487)
415 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمَد، الهُمام الحَرْبَويّ الشَّاعِر، [المتوفى: 616 هـ]
مرتِّب المدرسة النّظامية.
قَالَ ابن النَّجَّار: أنشدني لنفسه في غلام مُثاقف:
قد سلَّ سيفَ الثِّقاف منتضيًا ... مِنْ بعدهِ مُرْهفًا مِنَ النَّظر
مُثاقفٌ مِن سيوفِ مُقْلتهِ ... قدْ أصْبَحَتْ مُهجتي عَلَى خطرِ
ما همَّ في شدِّ عقدِ مئزرِهِ ... إِلَّا وقد حلَّ عقدَ مُصْطبري
كأنما تُرسُه لمبصره ... في وجْهِهِ غَيْمَةٌ عَلَى قمر(13/487)
416 - مُحَمَّد ابن الفقيه محمود بن أَبِي عَبْد الرَّحْمَن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد المروزي الكُشْمِيهَنِي ثُمَّ البَغْدَادِيّ الفقيه. [المتوفى: 616 هـ]
وِلد بهَمَذان سنة ثلاثٍ وستين. وَسَمِعَ من غير واحد. وتَفَقَّه عَلَى مذهب الشَّافِعِيّ، وبرعَ في المذهب. وتكلَّم في مسائل الخِلاف، واشتغلَ بالعربية.
وَهُوَ من بيت العلم والرواية، وَكَانَ جَدّه أَبُو الفَتْح مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن شيخ مَرْو في عصره، ومقدَّم الصُّوفِيَّة.
كنيته أَبُو سَعِيد.
تُوُفِّي في الثالث والعشرين من شعبان ببَغْدَاد.(13/487)
417 - مُحَمَّد بن منصور بن جميل، أَبُو عَبْد اللَّه البَغْدَادِيّ الهِيتيّ الكاتب. [المتوفى: 616 هـ][ص:488]
تَقَدَّم في النَّحْو، وَاللُّغَة، والحِساب، والشِّعر. وسمِع من ابن كُليب. وَلَهُ شِعر جَزْل، مدحَ الخليفة النَّاصر. ووليَ صَدْريَّة المَخْزن. مات كَهْلًا في شعبان، قاله ابن النَّجَّار.(13/487)
418 - مُحَمَّد بن هبة اللَّه بن جرير، القاضي مُهذَّب الدِّين الحارثيّ [المتوفى: 616 هـ]
قاضي الزَّبدانيّ.
رَوَى عَنْهُ القُوصِيّ من شعره، وَقَالَ: كَانَ أكرم أهل زمانه. تُوُفِّي في ذي الحجَّة بالزَّبدانيّ.(13/488)
419 - المُبارز بن خُطلُخ الحَلَبِيّ، [المتوفى: 616 هـ]
من كُبراء الْأمراء العزيزية في دولة الملك العزيز صاحب مِصْر.
ثُمَّ قدِم الشَّام، فأقام بها مُدَّة، ثُمَّ عاد إلى ديار مِصْر في النَّجْدَة عند نزول الفِرَنج عَلَى دِمْيَاط.
تُوُفِّي في ذي الحجَّة.(13/488)
420 - مَسْعُود بن محمود البغدادي ابن البيطار، أَبُو الفَتْح. [المتوفى: 616 هـ]
رَوَى عن ابن البَطِّيّ. رَوَى عَنْهُ الدُّبيثي، وابنُ النَّجَّار.(13/488)
421 - معتوق بن أَبِي الفضل مُحَمَّد البَغْدَادِيّ الغزَّال. [المتوفى: 616 هـ]
رَوَى أَيْضًا عن ابن البَطِّيّ.(13/488)
422 - مَعْتوق بن أَبِي البقاء بن عَليّ الوَاسِطِيّ ثُمَّ البَغْدَادِيّ الصُّوفِيّ. [المتوفى: 616 هـ]
وُلِدَ بعد الثلاثين وخمسمائة. وسمع من هبة الله ابن الشِّبلي، وابنِ البَطِّيّ. ومات في صفر.(13/488)
423 - منصور بن ظافر بن موسى بن عَليّ، أَبُو علي القُرَشي الأسدي الزبيري، الإسكندراني، المعروف بالطراز. [المتوفى: 616 هـ]
سَمِعَ من السِّلفي، وعبدِ الواحد بن عسكر، وأبي طَالِب أَحْمَد بْن المسلم اللَّخْميّ. وبمصر عَليّ بن هبة اللَّه الكامليّ، وجماعة. [ص:489]
روى عنه الزكي المنذري، وقال: توفي في جُمَادَى الْأولى، وَلَهُ ثلاثٌ وستون سنة.(13/488)
424 - ملكة خاتون بنت السُّلْطَان الملك العادل، [المتوفى: 616 هـ]
والدة صاحب حَماة الملك المُظَفَّر.
تُوُفِّيت، فحزن عليها زوجها الملك المنصور حُزنًا زائدًا، ولبس الحداد.
قَالَ ابن واصل: صلّيت عليها، ولي اثنتا عشرة سنة. وعمل السُّلْطَان الملك المنصور عزاءها بالتَّقويَّة ظاهر حَماة. فرأيته وَهُوَ كئيب حزين عَلَيْهِ الحداد؛ ثوب أزرق، وعمامة زرقاء. فتكلّمت الوُعّاظ، وعُملت فيها المراثي.(13/489)
425 - النفيس بن أبي الكرم بن أَبِي سَعْد البَغْدَادِيّ، السَّرَّاج. [المتوفى: 616 هـ]
حَدَّثَ عن أبي الفتح ابن البطيّ.(13/489)
426 - يَحْيَى بن الحَسَن بن عَليّ بن شيرزاد، أَبُو الشرف الكاوانيّ، [المتوفى: 616 هـ]
كاتب الإنشاء للسلطان طُغريل بن رسْلان السّلجوقيّ؛
سلطان عِراق العَجَم وأَذْرَبِيجَان.
كَانَ بارعًا في الكتابة والإنشاء، والنّظم، والنَّثر، وَهُوَ مشهور بتلك الدّيار.
وَلَهُ ديوان شِعر، ومن شعره:
قل للعُذَيْب إذا رَأَيْت الضَّالا ... يهتزُّ مِن مرِّ النَّسيم شِمالاً
روَّاك مِن ماء الغَمام سُلافةً ... وسقاك نَوء المرزمَين سِجالا(13/489)
427 - يَحْيَى ابن النَّحْوِيّ الكبير سَعِيد بن المبارك ابن الدَّهَّان، أَبُو زكريا الموصِلي النَّحْوِيّ. [المتوفى: 616 هـ][ص:490]
لَهُ شِعر حسنٌ. وَكَانَ شيخَ رباطٍ بالمَوْصِل.
تُوُفِّي في ربيع الآخر.(13/489)
428 - يَحْيَى بن الْقَاسِم بن غنائم البغدادي البزّاز. [المتوفى: 616 هـ]
روى عن أبي محمد ابن المادح. ومات في ربيع الآخر.(13/490)
429 - يَحْيَى بن الْقَاسِم بن مُفرِّج بن دِرع بن خضر، الفقيه أَبُو زكريا تاج الدِّين الثَّعْلَبِيّ التَّكْرِيتيّ الشَّافِعِيّ. [المتوفى: 616 هـ]
وُلِدَ بتكريت سنة إحدى وثلاثين. وتَفَقَّه عَلَى أَبِيهِ، وببغداد عَلَى الشَّيْخ أَبِي النَّجِيب، وَأَبِي المحاسن بن بُندار. وقرأ العربية عَلَى أبي محمد ابن الخَشَّاب. وصار من بحور العلم، مَعَ الصلاح والمراقبة، والانقطاع. وَسَمِعَ من أبيه، ومن أَبِي الفتح ابن البَطِّيّ، وأبي النَّجِيب السُّهْرَوَرْدي، وسلامة بن الصَّدر.
وولي القضاء بتَكْريت، ثُمَّ ولي التدريس بالنّظامية بغداد. وَكَانَ من كبار الشافعية.
وقرأ بالمَوْصِل القرآن عَلَى ابن سَعْدُون القُرْطُبيّ.(13/490)
430 - يَحْيَى بن أَبِي بَكْر عَبْد اللَّه بن أعزّ بن عُمَر، أَبُو زكريا السُّهْرَوَرْدي. [المتوفى: 616 هـ]
سمَّعه أَبُوه من أَبِي الوَقْت. وَحَدَّثَ. وَتُوُفِّي في جُمَادَى الْأولى.(13/490)
431 - يَحْيَى بن منصور بن الجرَّاح، الرئيس تاجُ الدِّين أَبُو الحُسين الكاتب. [المتوفى: 616 هـ]
خدم مُدَّة طويلة في ديوان الإنشاء بمصر. وكتب الخطّ الفائق، وَقَالَ الشعر الرائق. وَسَمِعَ من السِّلفي، وَحَدَّثَ.
ومن شعره: [ص:491]
أمُدُّ كفِّي إلى البيضاءِ أقْلعُها ... مِن لحيتي فتُفدِّيها بسوداء
هذي يدي وَهِيَ منّي لَا تُطاوعني ... عَلَى مُرادي فما ظنِّي بأعدائي
تُوُفِّي في خامس شعبان، وَلَهُ خمسُ وسبعون سنة، مات عَلَى حصار دِمياط.(13/490)
432 - أم العز بنت محمد بن علي بن أَبِي غالب العَبْدريّ الدَّانيّ. [المتوفى: 616 هـ]
قرأت " صحيح " البُخَارِي عَلَى أبيها مَرّتين، وروت عَنْهُ، وعن أَبِي الطيب بن بِرِنجال، وعن زوجها أَبِي الحَسَن بن الزُّبَيْر. وكانت تُحسن القراءات السَّبع، قاله الْأبَّار.(13/491)
-وفيها وُلِدَ:
الملك الحَافِظ مُحَمَّد بن شاهنشاه بن بَهرام شاه، والعماد عبد الله ابن الصائن محمد بن حسان العامري، وقاضي القضاة برهان الدين الخضر بن الحَسَن الزِّرْزَارِي الشَّافِعِيّ، والعماد يونس بن عَليّ بن فرسق، والكمال أَبُو غالب هبة الله بن علي السامري، يروي عن محاسن الخزائني، والسيف عَليّ بن الرضي الحَنْبَلِيّ، والعَفيف التِّلْمِسَانيّ الشَّاعِر سُليمان بن عَليّ، والشرف عَبْد الكريم بن مُحَمَّد بن المغيزل الحَمَوِيّ، وعَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ المَرَّاكُشي، وغازي بن أيوب المشطوبي، والبهاء سليمان بن عَبْد اللَّه البَهراني، والعماد إسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن سلطان، فقيه بيت نائل، الرجل الصالح، والحكيم يوسف بن كوركيك، والبدر عَبْد الله بن أحمد بن الفخر ابن الشيرجي، والشيخ محمد بن أبي بكر ابن الطبل المَقْبُرِي؛ وَقِيلَ: سنة إحدى عشرة.(13/491)
-سنة سبع عشرة وستمائة(13/492)
433 - أَحْمَد بن عَبْد الله بن عَلْوان بن عَبْد اللَّه بن عَلْوان بن رافع، أَبُو العَبَّاس ابن الْأستاذ، الْأَسَدِيّ الحَلَبِيّ. [المتوفى: 617 هـ]
تُوُفِّي بحلب. ومولده في حدود سنة أربعين خمسمائة.(13/492)
434 - أَحْمَد بن محمود بن مواهب بن عُبَيْد اللَّه، أَبُو العَبَّاس الوَزَّان. [المتوفى: 617 هـ]
تُوُفِّي في جُمَادَى الآخرة.(13/492)
435 - إِبْرَاهِيم بْن يَعْقُوب بْن يوسف بْن عَبْد المؤمن بن عَليّ القَيْسِيّ. [المتوفى: 617 هـ]
وزَرَ لأخيه السُّلْطَان أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد.
قَالَ عَبْد الواحد بن عَليّ في " تاريخه ": هُوَ كَانَ أخلق بالمُلك من أَبِي عَبْد اللَّه. وَكَانَ لي محبا، وصل إلى منه أموال وخلع جمَّةٌ أيام ولايته. عَلَى إمْرة إشْبيلية. ولي فيه قصائد منها:
لكُمُ عَلَى هَذَا الوَرَى التقديم ... وعليهمُ التفويض والتسليم
الله أعلاكم وأعلى أمره ... بكمُ وأنفُ الحاسدين رغيم
أحييتم المنصور فهو كأنه ... لم تفتقده معالمٌ ورسوم
ومنابر ومحارِبٌ ومحابرٌ ... وحِمىً يُحاط وأرْملٌ ويتيمُ
وآخر ما فارقته، وَهُوَ متولي إشبيلية في سنة ثلاث عشرة وستمائة، وبلغني موته سنة سبع عشرة. قَالَ: ولم أرَ في العُلَمَاء بالحديث أنقل منه للأثر. كَانَ يذهب مذهب أَبِيهِ في الظَّاهرية.(13/492)
436 - إِبْرَاهِيم، الملك الفائز أَبُو إِسْحَاق ابن السُّلْطَان الملك العادل أَبِي بَكْر بن أيوب. [المتوفى: 617 هـ]
أقام بالديار المصرية مُدَّة، وبعثه الملكُ الكامل أخوهُ إلى الشرق يستنجد بأخيه الملك الأشرف، فأدركه أجله بسِنجار. فيقال: إِنَّهُ سُمَّ، ودُفن بمدرسة [ص:493] والدة قطب الدِّين صاحب سِنْجار، ثُمَّ أَخْرَجَهُ منها إلى ظاهر البلد بعد ذَلِكَ بدر الدِّين لؤلؤ صاحب المَوصل.(13/492)
437 - إسْمَاعِيل بن عُثْمَان بن إسْمَاعِيل بن أَبِي الْقَاسِم بن أَبِي بَكْر، أَبُو النَّجِيب القارئ النَّيْسَابُوري. [المتوفى: 617 هـ]
رَوَى عن وجيه الشَّحَّامِيّ، وَأَبِي تمّام ابن المُؤيَّد باللَّه الهاشِمِيّ، وأبي الْأسعد القُشيري. رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ البِرزالي، والضياء المقدسي، وجماعةٌ. وأجاز للشرف ابن عساكر، والتاج بن عَصْرون، وزينب بنت كِندي، وجماعة.
عُدم في آخرها، أَوْ في أَوَّل سنة ثمان عشرة في الكائنة العظمى عَلَى أهل خُرَاسَان من التَّتَار. وَكَانَ مولده في جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين وخمسمائة.(13/493)
438 - أقباش الخَليفتيّ النّاصريّ. [المتوفى: 617 هـ]
حجّ بالرَّكب العِرَاقيّ ومعه تقليد لحسن بن قَتادة بعد موت أَبِيهِ، فجاءه راجح أخو حَسَن، وَقَالَ: أَنَا أكبر وُلِدَ قَتادة فولِّني، فلم يُجبه، وظنّ حسن أَنَّ أقباش قد ولَّى راجحًا، فأغلق أبواب مَكَّة، ونزل أقباش عَلَى باب شُبيكة، ثُمَّ ركب ليسكن الفتنة، فخرجَ عَبيد حسن يقاتلونه، فَقَالَ: ما قصدي القتال، فلم يلتفتوا وحملوا عَلَيْهِ، فانهزم أصحابه، وبقي هُوَ وحده، فجاءه عبدٌ فعَرْقَب فرَسَهُ، فوقع، فقتلوه، وحملوه إلى حسن، فنَصَب رأسه عَلَى رُمحٍ بالمَسْعَى. وأراد حسن نهب العراقيّين، فقام في الْأمر الْأمير المعتمِد أمير الشاميين، وخَوَّفه من الكامل والمُعَظَّم.
وَكَانَ أقباش قد اشتراه الخليفة وَهُوَ أمرد بخمسة آلاف دينار، ولم يكن بالعراق أحسن منه. وَكَانَ ذا منزلة عالية من النّاصر لدين اللَّه، فحزن عَلَيْهِ حُزناً عظيمًا. وكان عاقلاً. متواضعاً. ولم يخرج الموكب لتلقّي الركْب، حُزنًا عَلَيْهِ، وأدخل الكُوَس والعلَم في الليل.(13/493)
439 - أكمل بن أَحْمَد بْن مَسْعُود بْن عَبْد الواحد بْن مَطر، الشريف أَبُو أَحْمَد الهاشِمِيّ البَغْدَادِيّ. [المتوفى: 617 هـ][ص:494]
حَدَّثَ عن أَبِي الوَقْت، وغيره. ومات في شعبان.
رَوَى عَنْهُ الدُّبيثي.(13/493)
440 - أنجب بن أَبِي منصور البَغْدَادِيّ اللَّبَّان، أَبُو عَبْد اللَّه. [المتوفى: 617 هـ]
سَمِعَ من عَبْد الحقّ اليوسفي. رَوَى عَنْهُ ابن النَّجَّار في " تاريخه "، ووصفه بالصلاح، وَأَنَّهُ تُوُفِّي سنة سبع عشرة وستمائة.(13/494)
441 - الحسن بن أبي المكارم أحمد بن أبي الحسين، القاضي موفّق الدين ابن الديباجي، المَصْرِيّ الكاتب بديوان الإنشاء الكامليّ. [المتوفى: 617 هـ]
توجّه رسولًا، وعادَ فأدركه أجلُهُ بدمشق في رجب. وَلَهُ شِعر حسن.(13/494)
442 - الحَسَن بن عَليّ بن محفوظ بن صَصْرى، أَبُو مُحَمَّد التغلبي الدِّمَشْقِيّ، جد شيخنا النّجم أَحْمَد بن مُحَمَّد. [المتوفى: 617 هـ]
سَمِعَ من أبي القاسم الحافظ، وغيره. وحدث. وَتُوُفِّي في منتصف المحرّم، ودُفن بسفح قاسيون.(13/494)
443 - الحَسَن بن عَليّ بن حمزة بن صالح السُّلَمِيّ الدِّمَشْقِيّ. [المتوفى: 617 هـ]
حَدَّثَ عن عَليّ بن أَحْمَد الحَرَسْتَاني، وعَليِّ بن مهدي الهِلالي.
وُلد سنة ثمانٍ وثلاثين وخمسمائة. ومات بالعُقيبة في شعبان.
رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ البِرزالي، وغيره.(13/494)
444 - الحَسَن ابن الإِمَام المفتي أَبِي نصر مُحَمَّد بن عَليّ ابن الوزير أَحْمَد ابن الوزير الكبير نظام المُلك أَبِي عَليّ الطُّوسِيّ الْأصل البَغْدَادِيّ، أَبُو عَليّ. [المتوفى: 617 هـ]
وُلِدَ تقريبًا سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة. وتَفَقَّه عَلَى والده. وَسَمِعَ من أَبِي الوَقْت، وَأَبِي جَعْفَر العَبَّاسيّ. ووَليَ نظر مدرستهم النِّظامية. ومات في ذي القِعْدَة.(13/494)
445 - الحَسَن بن مُظَفَّر بن عَليّ بن مَطَر الْأَنْصَارِيّ، أَبُو عَليّ المَوْصِليّ. [المتوفى: 617 هـ]
حَدَّثَ في هذه السنة بدمشق عن خديجة بنت النَّهْرَوَانِيّ، وشُهدة.
ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة.
رَوَى عَنْهُ ابن الحاجب، وَالزَّكيّ البِرزالي، وَأَبُو بكر ابن الْأَنْمَاطِي.(13/495)
446 - الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد، أَبُو علي ابن المالقي، الْأَنْصَارِيّ الفقيه، قاضي قُرْطُبَة. [المتوفى: 617 هـ]
سَمِعَ أَبَا مُحَمَّد بن عُبَيْد اللَّه الحَجْري، وأبا عَبْد الله ابن الفخّار. وأخذ العربية عن الأستاذ أبي عبد الله ابن الدرّاج. وأجاز له أبو بكر ابن الجدّ. وَحَدَّثَ عَنْهُ ابن الطَّيْلَسَان، وغيره.
ونزلَ مَرَّاكُش. وَتُوُفِّي كَهْلًا.(13/495)
447 - الحُسَيْن بن أَبِي بَكْر أَحْمَد بن الحُسَيْن، أبوَ عَبْد اللَّه البَغْدَادِيّ الغَزّال، ويعرف بابن الخِياريّ. [المتوفى: 617 هـ]
سَمع من سَعِيد ابن البَنَّاء، وأبي الوقت، وَعُمَر الحَرْبِيّ. وَحَدَّثَ. ومات في ثامن عشر رمضان. رَوَى عَنْهُ البِرزالي، وجماعة.(13/495)
448 - سَعِيد بن أَحْمَد بن عَليّ، أَبُو منصور البَصْرِيّ المالكيّ، الشَّيْخ الصالح المعروف بابن مَحَاوش. [المتوفى: 617 هـ]
حدث بـ " سنن أَبِي دَاوُد " عن الشريف أَبِي طَالِب مُحَمَّد بن مُحَمَّد العَلَويّ، من غير أصل. وَحَدَّثَ عن طلحة بن عَليّ المالكيّ، وعَليِّ بن عَبْد الملك الواعظ، وَإِبْرَاهِيم بن عطية الإِمَام.
وكان مولده في سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة. ومات بالبصرة في شعبان، أَوْ رمضان.
وذكره ابن نُقطة فَقَالَ: " سَعِيد بن عَليّ بن أحمد " هكذا. [ص:496]
سَمع مَعَ أخيه لأمّه عَليّ ابن المعلِّمة، وسمع " المقامات " من ابن الحريري، عن أَبِيهِ. ومات في أوائل رمضان.(13/495)
449 - سَعِيد بن طاهر بن علي المُؤيَّد بن رضوان، الفقيه أَبُو الشُّكر البَلْخِيّ ثُمَّ الوَاسِطِيّ، [المتوفى: 617 هـ]
نزيل بَغْدَاد.
وُلد سنة خمس وثلاثين بواسِط، وصَحِب صَدَقَة بن وزير الواعظ، وَقَدِمَ بَغْدَاد معه. وتَفَقَّه عَلَى مذهب الشَّافِعِيّ. وسَمع من أَحْمَد بن المبارك بن قَفَرجل، وأبي الحَسَن بن غَبرة، وابن البَطِّيّ.
ومات في جمادى الأولى.(13/496)
450 - صَدَقة بن مكارم بن شجاع الرَّقّي. [المتوفى: 617 هـ]
حَدَّثَ عن الحَسَن بن جَعْفَر المُتوكليّ. ومات في صفر.(13/496)
451 - الطَّاهر، زكيّ الدِّين أَبُو العَبَّاس، قاضي القضاة ابن قاضي القضاة محيي الدِّين أَبِي المعالي مُحَمَّد ابن قاضي القضاة زكي الدِّين أَبِي الْحَسَن عَليّ ابن قاضي القضاة المنتجب أَبِي المعالي مُحَمَّد بن يَحْيَى القُرَشِيّ الدِّمَشْقِيّ الشَّافِعِيّ. [المتوفى: 617 هـ]
ولي القضاء مرّتين قبل ابن الحَرَسْتَاني، وبعده. وَكَانَ مُعرّقاً في القضاء، رئيسًا، نبيلًا، مُحتشمًا، عالماً، ماضي الأحكام. ألبسه في العام الماضي الملك المُعَظَّم القباء والكلوتة بمجلس حُكْمه بداره.
قال أبو المظفر ابن الْجَوْزيّ: كَانَ في قلبه منه حزازات يمنعه من إظهارها حياؤه من والده الملك العادل، وشكى إليَّ منه مرارًا. ومرضت ستُّ الشَّام عمَّة المُعَظَّم فأوصت بدارها مدرسة، فأحضرت قاضي القضاة زكي الدِّين الطّاهر، والشهود، وأوصت إلى القاضي. وبلغَ ذَلِكَ المُعَظَّم فعزَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: يحضر إلى دار عمّتي بغير إذني، ويسمع كلامها. واتفق أَنَّ القاضي زكي [ص:497] الدِّين أحضر جابي العزيزية، وطلب الحساب؛ فأغلظ لَهُ في الخَطَّاب، فأمر بضربه بين يديه كما يفعل الولاة. فوجد المُعَظَّم سبيلًا إلى إظهار ما في نفسه. وَكَانَ الجمال المَصْرِيّ وكيل بيت المال عدوا للقاضي، فجاء فجلس عند القاضي والشهود حاضرون؛ فبعث المعظم بُقجة فيها قباء وكَلوته، وأمره أن يحكم بين الناس وهما عليه، فقام ولبسها، وحكم بين اثنين.
قَالَ أَبُو شامة: والجابي المذكور هُوَ السديد سالم بن عَبْد الرَّزَّاق، خطيب عَقربا، وجاء الَّذِي لبّسه الخِلعة إلى عند شيخنا السَّخَاويّ، فحدَّثه، فتأوّه شيخنا؛ فضرب بيده عَلَى الْأخرى. فَكَانَ ممّا حكى، قَالَ: أمرني السلطان أن أقول له: السلطان يسلم عليك، وَيَقُولُ لك: إِنَّ الخليفة سلام اللَّه عليه، إذا أراد أن يُشرّف أحدا خلع عَلَيْهِ من ملابسِه، وَنَحْنُ نسلك طريقه، وقد أرسل إليك من ملابسه، وأمَرَ أن تحكم بها. وفتحتُ البُقْجَة، فَلَمَّا نظر إليها وَجَم، فأمرته بترك التوقف؛ فمد يده، ووضع القباء على كتفيه، ووضع عمامته وحط الكَلوتَه على رأسه، ثُمَّ قام، ودخل بيته.
قَالَ أَبُو شامة: ومِن لُطف اللَّه بِهِ أنْ كَانَ مجلس الحكم في داره، ثُمَّ لزِم بيته، ولم تطُل حياته بعدها، ومات في صفر. رمى قطعا من كبده، وتأسف الناس لما جرى عَلَيْهِ. وَكَانَ يحبّ أهل الخير، ويزور الصالحين. وبقي نوّابه يحكمون بين النَّاس بالجامع: القاضي شمسُ الدّين أَبُو نصرٍ ابْن الشّيرازيّ، والقاضي شمس الدين ابن سَنيّ الدَّوْلَة؛ وَكَانَ ابن سَنيّ الدَّوْلَة يجلس للحكم بشبّاك الكلّاسة، والنائب الثالث شرف الدِّين ابن المَوْصِليّ الحَنَفِيّ؛ وَكَانَ يحكم بالطَّرْخانية بجَيرون، ثُمَّ بعد مُدَّة أضيف إليهم الجمال المَصْرِيّ.
قَالَ أبو المظفر ابن الْجَوْزيّ: وكانت واقعة قبيحة، ولقد قُلْتُ لَهُ يومًا: ما فعلت إِلَّا بصاحب الشرع؟ ولقد وجب عليك دية القاضي. فقال: هو أحوجني إلى هذا، ولقد ندمت. واتفق أن المعظم بعث إلى الشرف بن عُنين، حين تزهد خمرا ونردا، وقال: سبِّح بهذا، فكتب إليه: [ص:498]
يا أيُّها المَلِكُ المعظَّم سُنَّةً ... أحدَثْتَها تبقى عَلَى الآباد
تجري المُلُوك عَلَى طَرِيقكَ بعدَها ... خَلْع القُضاة وتُحفةُ الزهَّاد
تُوُفِّي في الثالث والعشرين من صفر، ودُفن بتربتهم بسفح قاسيُون.(13/496)
• - عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مَسْعُود بْن مطر الهاشِمِيّ، هُوَ الْأكمل. [المتوفى: 617 هـ](13/498)
452 - عَبْد اللَّه بن عُثْمَان بن جَعْفَر بن مُحَمَّد اليونِينيّ الزّاهد، أسد الشَّام، رحمة اللَّه عَلَيْهِ. [المتوفى: 617 هـ]
كَانَ شيخًا طُوالاً مَهيباً، حادّ الحال، كأنه نار، كَانَ يقوم نصف الليل إلى الفُقراء، فمن رآه نائمًا ضربه، وَكَانَ لَهُ عصاة اسمها العافية.
حكى الشَّيْخ عَبْد اللَّه بن شُكر اليُونينيّ، قال: كان الشيخ - رحمه اللَّه - في شبوبيّته قد انقطع في الجبل؛ وكانت أختُه تأتيه كلّ يوم بقُرص وبيْضَتين، فأتته بذلك مرة؛ وَإِذَا بفقيرٍ قد خرجَ من عنده ومعه قرص وبيضتان، فَقَالَتْ لَهُ: من أَيْنَ لك هَذَا؟ قَالَ: من ذاك القاعد، لَهُ شهر كلّ يوم يعطيني قرصًا وبيضتين. فأتته وسَأَلْتُهُ، فنهرها، وزعق فيها.
قُلْتُ: وَكَانَ أمّارًا بالمعروف، نَهّاء عن المُنكر، شُجاعاً، صاحب سلاح ظاهر وباطن، مقبلا على شأنه، مجدا لَا يفتر، حاضرَ القلب، دائمَ الذكر، لا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ. وَكَانَ من حين اشتدّ يخرج وينطرح في شَعراء يونين، فَإِذَا رآه السَّفّارة حملوه إلى أمّه؛ وكانت امْرَأَة صالحة. فَلَمَّا انتشى كَانَ يتعبّد بجبل لبنان. وَكَانَ كثير الغزو أيام السُّلْطَان صلاح الدِّين.
وقد جمع مناقبه خطيب زَمْلَكا أبو محمد عبد الله ابن العزّ عُمَر المَقْدِسِيّ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي الشَّيْخ إسرائيل، عن الشَّيْخ عَليّ القصّار، قَالَ: كُنْت إِذَا رَأَيْت الشَّيْخ عَبْد اللَّه أهابه، كَأَنَّهُ أسد، فَإِذَا دنوت منه وددت أنّي أشقّ قلبي وأجعله فيه. [ص:499]
قَالَ ابن العزّ: وَحَدَّثَنِي الزَّاهد خليل بن عَبْد الغني بن مقلَّد، قَالَ: كُنْت بحلقة الحنابلة إلى جانب الشَّيْخ عَبْد اللَّه، فقام ومعه خادمه توبة إلى الكلّاسة، ليتوضأ، وإذا برجل متختّلٍ يفرّق ذهبًا، فَلَمَّا وصل إليَّ أعطاني خمسة دنانير، وَقَالَ: أين سيّدي الشَّيْخ؟ قُلْتُ: يتوضأ. فجعل تحت سجّادته ذهبًا، وَقَالَ: إِذَا جاء قل لَهُ: مملوكك أَبُو بَكْر التَّكْرِيتيّ يُسلّم عليك، ويشتهي تدعو لَهُ. فجاء الشَّيْخ وَأَنَا ألعب بالذهب في عُبّي، ثُمَّ ذكرتُ لَهُ قول الرجل، فَقَالَ توبة: من ذا يا سيدي؟ قَالَ: صاحب دمشق؛ وَإِذَا بِهِ قد رجع، ووقف قُدّام الشَّيْخ، وَالشَّيْخ يُصلي، فَلَمَّا سلّم أخذ السِّواك ودفع بِهِ الذَّهَب، وَقَالَ: يا أَبَا بَكْر، كيف أدعو لك والخُمور دائرة في دمشق؟ وتغزل امْرَأَة وقيَّةُ تبيعها فيؤخذ منها قرطيس؟ فَلَمَّا راحَ أبطلَ ذَلِكَ، وَكَانَ الملك العادل.
قَالَ ابن العزّ: وَأَخْبَرَنِي المعمَّر مُحَمَّد بن أَبِي الفضل، قَالَ: كُنْت عند الشيخ وقد جاء إليه المعظَّم، فَلَمَّا جلس عنده، قَالَ: يا سيدي ادعُ لي. قَالَ: يا عيسى لَا تكن نحس مثل أبيك. فَقَالَ: يا سيدي وَأَبِي كَانَ نحس؟ قَالَ: نعم؛ أظهر الزّغل، وأفسد عَلَى النَّاس المُعاملة، وما كَانَ محتاج. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ الغد أخذ الملك المُعَظَّم ثلاثة آلاف دينار، وطلع إلى عند الشَّيْخ بها، وَقَالَ: هذه تشتري بها ضيعة للزاوية. فنظر إِلَيْهِ، وَقَالَ: قم يا ممتحن يا مبتَدع، لَا أدعو اللَّه تنشقّ الْأرض وتبتلعك، ما قعدنا عَلَى السّجاجيد حَتَّى أغنانا؛ تحتي ساقية ذهب وساقية فضة! أَوْ كما قَالَ.
وَأَخْبَرَنِي إسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، عن أَبِي طَالِب النَّجَّار، قَالَ: أنْكَر الشَّيْخ عَبْد اللَّه عَلَى صاحب بَعْلَبَكّ، وَكَانَ يسمّيه مُجَيد، فأرسل إليه الْأمجد يَقُولُ: إن كانت بَعْلَبَكّ لك فأشتهي أن تُطلقها لي، فلم يبلِّغه رَسُول الْأمجدِ ذَلِكَ.
قَالَ: وأخبرني الإِمَام أبو الحسن الموصلي، قَالَ: حضرتُ مجلس الشَّيْخ الفقيه ببَعْلَبَكّ، وَهُوَ عَلَى المنبر، فسألوه أن يحكي شيئًا من كرامات الشَّيْخ عَبْد اللَّه، فَقَالَ بصوتٍ جهير: كَانَ الشَّيْخ عَبْد اللَّه عظيم، كنتُ عنده؛ وقد ظهر [ص:500] من ناحية الجبل سحابة سوداء مظلمة، ظاهر منها العذاب، فَلَمَّا قرُبت قامَ الشَّيْخ وَقَالَ: إلى بلدي؟ ارجعي، فرجعت السّحابة. ولو لم أسمع هذه الحكاية من الفقيه ما صَدّقت.
حَدَّثَنِي الشَّيْخ إسرائيل، أَنَّ الشَّيْخ مُحَمَّدًا السَّكاكيني حدّثه، وَكَانَ لَا يكاد يفارق الشَّيْخ، قَالَ: دعاني إِنْسَان والحّ عَليّ فأتيته، وخرجت في الليل من السُّور من عند عمود الراهب، وجئت إلى الزاوية، فَإِذَا الشَّيْخ وَهُوَ يَقُولُ: يا مولاي، ترسل إليّ النَّاس في حوائجهم؟ من هُوَ أَنَا؟ اقضِها أَنْتَ لهم يا مولاي، إبراهيم النصراني من جبة بشرين يا مولاي، ودعا لَهُ، فبهتّ لِذَلِكَ، ونمتُ ثُمَّ قمتُ إلى الفَجْر، وبقيت يومئذ عنده. فَلَمَّا كَانَ الليل وَأَنَا خارج الزَّاوية، إذا بشخصٍ فَقُلْتُ: أيش تعمل هنا؟ وَإِذَا بِهِ إِبْرَاهِيم النَّصْرَانيّ، قُلْتُ: أيش جابك؟ قَالَ: أَيْنَ الشَّيْخ؟ قُلْتُ: يكون في المغارة. قَالَ: رَأَيْت البارحة رَسُول اللَّه صَلّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلّمَ في النوم، وَهُوَ يَقُولُ: تروح إلى الشَّيْخ عَبْد اللَّه، وتسلّم عَلَى يده فقد ينتفع فيك. فأتينا الشَّيْخ، وإذا بِهِ في المغارة، فقصّ على الشيخ الرؤيا؛ فتغرغرت عينا الشَّيْخ بالدّموع، وَقَالَ: سمّاني رَسُول اللَّه صَلّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلّمَ شويخ. فأسلم إِبْرَاهِيم، وجاء منه رجل صالح.
وَأَخْبَرَنِي العماد أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن سعْد، قَالَ: طلعنا جماعة إلى زيارة الشَّيْخ الفقيه مُحَمَّد، فَقُلْتُ: يا سيدي، حَدَّثَنَا عن منام الشيخ عبد الله الثقة، فقال: أخبرني الشَّيْخ عَبْد الله الثقة، قَالَ: كُنْت قد رَأَيْت من ثلاث عشرة سنة كأني في مكانٍ واسع مضيء، وفيه جماعة فيهم رَسُول اللَّه صَلّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلّمَ، فَجِئْتُ إِلَيْهِ، وَقُلْتُ: يا رَسُول اللَّه خذ عليّ العَهْد، ومددت يدي إليه، فَقَالَ: بعد الشَّيْخ عَبْد اللَّه - أعدتها عَلَيْهِ ثلاثًا - وَهُوَ يَقُولُ: بعد الشَّيْخ عَبْد اللَّه. فَلَمَّا كَانَ البارحة جاء إليَّ شخص، وَقَالَ: رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلّمَ في النوم، وَهُوَ يَقُولُ لي: قل لعبد اللَّه الثقة يخرج من المدينة وإلا يُمسَك. قُلْتُ: يا رَسُول اللَّه، ما يُصدّقني؟ قَالَ: قل لَهُ بعلامة ما رآني، وَقَالَ لي: خذ عَليّ العهد، فَقُلْتُ لَهُ: بعد الشَّيْخ عَبْد اللَّه. قَالَ: ولو لم يرَ لي هَذَا المنام، ما أعلمت بمنامي أحدًا. قَالَ: فَقُلْتُ: ما بعد هَذَا شيء، أخرج، قَالَ: فمُسك بعد أيام. أَوْ ما هَذَا معناه.
أَخْبَرَنِي الشيخ إسرائيل، حَدَّثَنِي عَبْد الصَّمَد. قَالَ: وَالَّذِي لَا إله إِلَّا هو [ص:501] مُذ خدمتُ الشَّيْخ عَبْد اللَّه ما رأيته استند إلى شيء، ولا سَعَلَ، ولا تَنَحْنَحَ، ولا بصق.
وَقَالَ الشَّيْخ الفقيه: حضرتُ الشَّيْخ عَبْد اللَّه مرتين، وسأله ابن خاله حُميد بن بَرق، فَقَالَ: زوجتي حامل، إنْ جاءت بولد ما أسمّيه؟ قَالَ: سمِّ الواحد: سُلَيْمَان، والآخر: دَاوُد، فولدت اثنين توأمًا. وَقَالَ لَهُ ابنه مُحَمَّد: امرأتي حامل إن جاءت بولد ما أسمّيه؟ قَالَ: سمِّ الْأَوَّل: عَبْد اللَّه، والثاني: عَبْد الرَّحْمَن.
وعن سَعِيد المارديني، قَالَ: جاء رجالٌ من بَعْلَبَكّ إلى الشَّيْخ، فقالوا: جاءت الفرنج، قَالَ: فمسك لحيته وَقَالَ: هَذَا الشَّيْخ النَّحس ما قعوده هاهنا؟ فردت الفرنج.
وقال أبو المظفر سِبط ابن الْجَوْزيّ في ترجمة الشَّيْخ عَبْد اللَّه اليونينيّ: كَانَ صاحب رياضات ومُجاهدات وكرامات وإشارات. لم يقم لأحدٍ تعظيمًا لله؛ وَكَانَ يَقُولُ: لَا ينبغي القيام لغير اللَّه. صحِبتُه مُدَّة، وَكَانَ لَا يدَّخر شيئًا، ولا يمسّ دينارًا ولا دِرهماً، وما لبس طول عمره سوى الثّوب الخام، وقَلَنْسُوة من جِلد ماعِز تساوي نصف درهم، وفي الشتاء يبعث لَهُ بعض أصحابه فروة، فيلبسها، ثُمَّ يؤثر بها في البرد. قَالَ لي يومًا ببَعْلَبَكّ: يا سيّد أَنَا أبقى أيامًا في هذه الزاوية ما آكلُ شيئا، فَقُلْتُ: أَنْتَ صاحب القبول كيف تجوع؟ قَالَ: لأنَّ أهل بَعْلَبَكّ يتّكل بعضهم عَلَى بعض، فأجوع أَنَا. فحدثني خادمه عَبْد الصَّمَد قَالَ: كَانَ يأخذ ورق اللّوز يفركه ويَسْتَفّه.
وَكَانَ الْأمجد يزوره، فَكَانَ الشَّيْخ يهينه وَيَقُولُ: يا مُجَيد أَنْتَ تظلم وتفعل، وهُوَ يعتذر إِلَيْهِ.
وأظهر العادل قراطيس سودًا، فَقَالَ الشَّيْخ: يا مسلمون انظروا إلى هَذَا الفاعل الصّانع يفسد عَلَى النَّاس معاملاتهم. فبلغ العادلَ ذَلِكَ، فأبطلها. سافرتُ إلى العراق سنة أربعٍ وحججت، فصعدت عَلَى عرفات، وَإِذَا بالشيخ عَبْد اللَّه قاعدٌ مستقبل القبلة، فسلّمت عَلَيْهِ، فرحّب بي وسألني عن طريقي، وقعدتُ عنده إلى الغياب، ثُمَّ قُلْتُ: ما نقوم نمضي إلى المُزْدلِفة؟ فَقَالَ: اسبقني؛ فلي رفاق. فأتيت مزدلفة ومِنى، فدخلت مسجد الخِيف فإذا بالشيخ تَوْبة، فسلَّم عَليّ، [ص:502] فَقُلْتُ: أَيْنَ نزلَ الشَّيْخ؟ قَالَ: أيُّما شيخ؟ قُلْتُ: عَبْد اللَّه اليُونينيّ. قَالَ: خلَّفته ببَعْلَبَكّ. فقطبتُ وَقُلْتُ: مبارك. ففهم وقبض عَلَى يدي وبكى، وقَالَ: بالله حَدَّثَني، أيش معنى هذا؟ قُلْتُ: رأيته البارحة عَلَى عرفات. ثُمَّ رجعت إلى بَغْدَاد ورجع تَوْبة إلى دمشق، وَحَدَّثَ الشَّيْخ عَبْد اللَّه، ثُمَّ حَدَّثَنِي الشَّيْخ توبة قَالَ: قَالَ لي ما هُوَ صحيح منك، فلان فتى، والفتى لَا يكون غمّازًا. فَلَمَّا عدت إلى الشَّام عتَبَني الشَّيْخ. وَحَدَّثَنِي الجمال يعقوب قاضي البِقاع، قَالَ: كُنْت عند الجسر الْأبيض وَإِذَا بالشيخ عَبْد اللَّه قد جاء ونزل إلى ثورا، وَإِذَا بنصرانيّ عابر، ومعه بَغْل عَلَيْهِ حِمل خَمْر فعثرَ البغل ووقع، فصعد الشَّيْخ وَقَالَ: يا فقيه، تعال. فعاونته حَتَّى حمَّلناه، فَقُلْتُ في نفسي: أيش هَذَا الفعل؟ ثُمَّ مشيت خلف البَغْل إلى العُقيبة فجاء إلى دكان الخَمّار، فحلّ الظرف وقلَبَه، وَإِذَا بِهِ خَلّ، فَقَالَ لَهُ الخَمّار. ويحك هَذَا خل، فبكى، وَقَالَ: واللَّه ما كَانَ إِلَّا خمْرًا من ساعة، وإنّما أَنَا أعرف العِلَّة، ثُمَّ ربط البَغْل في الخان، وردَّ إلى الجبل، وَكَانَ الشَّيْخ قد صلَّى الظُّهر عند الجسر في مسجدٍ، قَالَ: فدخل عَلَيْهِ النَّصْرَانيّ، وأسلم، وصار فقيرًا.
قَالَ أَبُو المُظَفَّر: وَكَانَ الشَّيْخ شجاعًا ما يبالي بالرجال قَلُّوا أَوْ كثروا، وَكَانَ قوسه ثمانين رِطلًا، وما فاتته غزاة في الشَّام قطّ، وَكَانَ يتمنى الشهادة ويُلقي نفسه في المهالك. حَدَّثَنِي خادمه عَبْد الصَّمَد قَالَ: لَمَّا دخل العادل إلى بلاد الفرنج إلى صافيتا قَالَ لي الشَّيْخ ببَعْلَبَكّ: انزل إلى عَبْد اللَّه الثقة، فأطلب لي بغلته. قَالَ: فأتيته بها، فركبها، وخرجت معه فبِتنا في يُونين، وقمنا نصف الليل، فجئنا المُحدثَة الفجَر، فَقُلْتُ لَهُ: لَا تتكلم فهذا مكمن الفرنج. فرفع صوته وَقَالَ: اللَّه أكبر، فجاوبته الجبال، فيَبستُ من الفَزَع، ونزل فصلّى الفجْر، وركب، فطلعت الشمس، وإذا قد لاح من ناحية حِصن الْأكراد طلب أبيض، فظنّهم الأسبتار، فقال: الله أكبر، ما أكبرك من يوم، اليوم أمضي إلى صاحبي. وساق إليهم وشهر سيفه، فَقُلْتُ في نفسي: شيخ وتحته بغلة وبيده سيف يسوق إلى طلب فرنج. فَلَمَّا كَانَ بعد لحظةٍ وقربوا، إِذَا هم بمائة حُمَيْر [ص:503] وحش، فجئنا إلى حِمص، فجاء الملك المُجاهد أسدُ الدِّين، وقدَّم لَهُ حصانًا، فركبه، ودخل معهم، وفعل عجائب.
وَكَانَ الشَّيْخ عَبْد اللَّه يَقُولُ للفقيه مُحَمَّد: فيّ وفيك نزلت: " {إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ والرُّهبان لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بالباطل} ".
وَقَالَ ابن العديم في " تاريخ حلب ": أَخْبَرَنِي الفقيه محمد اليُونينيّ أَنَّ الشَّيْخ عَبْد اللَّه كَانَ يصلّي بعد العشاء الآخرة وِرداً إلى قريب ثلث الليل، فَكَانَ ليلةً يعاتب ربّه - عَزَّ وَجَلَّ - وَيَقُولُ: يا ربّ النَّاس ما يأتوني إِلَّا لأجلك، وأنا قد سألتك في المرأة الفلانية والرجل الفلانيّ أن تقضي حاجته، وما قضيتَها، فهكذا يكون؟ وَكَانَ يتمثّل بهذه الْأبيات كثيرًا ويبكي:
شفيعي إليكُم طُولُ شَوقي إليكم ... وكُلُّ كريمٍ للشفيع قُبول
وعُذري إليكم أنني في هواكم ... أسيرٌ ومأسورُ الغرام ذليلُ
فإن تقبلوا عُذري فأهلًا ومرحبًا ... وإن لم تُجيبوا فالمُحبُّ حَمُولُ
سأصبرُ لَا عنكم ولكن عليكمُ ... عسى لي إلى ذاكَ الجَنابِ وصولُ
قَالَ الصّاحب أَبُو الْقَاسِم: وقد صحِبته ووهب لي قميصًا له أزْرَق، وَقَالَ لي يومًا ببيت المَقْدِس: يا أَبَا الْقَاسِم، اعشق تفلح! فاستحييت، وَذَلِكَ في سنة ثلاث وستمائة، ثُمَّ بعد مُدَّة سارَّني بجامع دمشق، وَقَالَ: عَشِقت بعدُ؟ فَقُلْتُ: لَا. قَالَ: شُهْ عليك. واتفق أنّي تزوجت بعد ذاك بسنة، ومِلْتُ إلى الزوجة مَيْلًا عظيمًا، فما كُنْت أصبر عَنْهَا.
قَالَ ابن العزّ عُمَر: قرأت في " تاريخ ابن العديم "، بغير خطّه، قَالَ سيّدنا العلّامة أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن أَبِي الحُسَيْن اليُونينيّ: كُنْت عند الشَّيْخ يومًا فجاءه رجلان من العرب، فقالا: نطلع إليك؟ قَالَ: لَا، فذهب أحدهما وجلس الآخر، فَقَالَ الشَّيْخ: " فَأَمَّا الزَّبَد فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا مَا ينفع الناس فيمكث في الأرض "، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اطلع. وطلع، فأقام عندنا أيامًا، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ: تحبّ أن أريك قبرك؟ قَالَ: نعم، فأتى بِهِ المَقْبرة، فَقَالَ: هَذَا قبرك. فأقام بعد ذَلِكَ اثنى عشر يوماً أو أربعة عشر يومًا، ثُمَّ مات، فدُفن في ذَلِكَ المكان. وَكَانَ لَهُ [ص:504] زَوْجَة ولها بنت، فطلبتُ أن يزوجني بها، فتوقّفت أمها، وقالت: هَذَا فقير ما لَهُ شيء. فَقَالَ: واللَّه إنّي أرى دارًا قد بُنيت لَهُ وفيها ماءٌ جارٍ وابنتك عنده في الإيوان، وَلَهُ كفاية عَلَى الدوّام، فَقَالَتْ: ترى هَذَا؟ قَالَ لها: نعم.
فزوّجَتنيها، ورأت ذَلِكَ، وأقامت معي سنين، وَذَلِكَ سنة محاصرة الملك العادل سِنجار.
وكانت امْرَأَة بعد موتها تطلب زواجي، وتشَفّعت بزوجة الشَّيْخ، فَلَمَّا أكثرت عَليّ، شكوتها إلى الشَّيْخ، فَقَالَ: طوِّل روحك يومين، ثلاثة ما تعود تراها. قَالَ: فقدِم ابنُ عمِّها من مِصْر أميرٌ كبيرٌ بعد أيام، فتزوّج بها، وما عدت رأيتها. وكراماته في هَذَا كثير.
كتب الفقيه تحت هَذَا الكلام: " صحيح ذَلِكَ، كتبه مُحَمَّد بن أَبِي الحسين اليونيني ".
وقال أبو القاسم ابن العديم: تُوُفِّي في عشْر ذي الحجَّة، وَهُوَ صائم، وقد جاوز الثمانين. فَقَالَ لي الفقيه مُحَمَّد: كُنْت عند الشَّيْخ، فالتفت إلى دَاوُد المؤذن، فَقَالَ: وصيَّتك بي غدًا، فظنَّ المؤذن أَنَّهُ يريد يوم القيامة. وَكَانَ ذَلِكَ يوم الْجُمُعة، وَهُوَ صائم، فَلَمَّا جاء وقت الإفطار قَالَ لجاريته: يا درَّاج أجد عطشًا، فسقته ماء لينوفر، فباتَ تِلْكَ الليلة، وأصبحَ وجلس عَلَى حجَر موضِع قَبر مُستقبل القِبلة، فمات وَهُوَ جالس، ولم يُعلم بموته، حَتَّى حركوه، فوجدوه ميتًا، فجاء ذَلِكَ المؤذن وغَسَّله، رحمه اللَّه.
قُلْتُ: وَلَهُ أصحاب كبار منهم: ولده مُحَمَّد، وَالشَّيْخ الفقيه، وَالشَّيْخ عَبْد اللَّه بن عَبْد العزيز، وَالشَّيْخ عيسى بن أَحْمَد، وَالشَّيْخ تَوْبَة، وَمُحَمَّد بن سيف؛ وأقدمهم الشَّيْخ عَبْد الخالق اليُونينيّ، تُوُفِّي بيونين في هذه السنة أَيْضًا؛ وَكَانَ صالحًا زاهدًا، كبير القدر، صاحب كرامات، وَهُوَ عمّ الشَّيْخ عيسى اليُونينيّ.(13/498)
453 - عَبْد الرَّحْمَن بن أَحْمَد بن هَدِيَّة، أَبُو عُمَر البَغْدَادِيّ الوَرَّاق الدارقَزّي. [المتوفى: 617 هـ]
آخر من حَدَّثَ عن الحَافِظ عَبْد الوَهَّاب الْأَنْمَاطِي؛ سَمِعَ منه في سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة. رَوَى عَنْهُ الدُّبيثي، وَالزَّكيّ البِرزالي، وَالضِّيَاء، وجماعة. وَكَانَ شيخًا صالحًا. [ص:505]
تُوُفِّي في السادس والعشرين من ربيع الْأَوَّل، وقد جاوز التسعين.(13/504)
454 - عبد الرحيم ابن الحَافِظ أَبِي سَعْد عَبْد الكريم بْن مُحَمَّد بْن منصور بْن مُحَمَّد بن عَبْد الجبار، الإمام فخر الدين أبو المظفّر ابن السَّمْعَاني، المَرْوَزِيّ، الشَّافِعِيّ. [المتوفى: 617 هـ]
وُلِدَ في ذي القِعْدَة سنة سبع وثلاثين وخمسمائة. واعتنى بِهِ أَبُوه أتمّ عناية، ورحل بِهِ وسمَّعه الكثير، وأدرك الإسناد العالي، ووقع لَهُ عاليًا من الكُتب: " صحيح البُخَارِي "، " وسنُن أَبِي داود "، و " جامع الترمذي "، و " سُنن النسائي "، و " مسند أبي عَوانة "، و " تاريخ يَعْقُوب الفسَوي ". وَسَمِعَ الكتب الكبار مثل " الحِلية " لأبي نُعيم، و " مسند الهيثم بن كُليب "، وأشياء كثيرة.
فسمع من أبي تمّام أحمد بن محمد ابن المختار العَبَّاسيّ التَّاجر، حدّثه عن أَبِي جَعْفَر ابن المسلمة، ومن الرئيس أسعد بن علي ابن الموفق الهَرَوي، ووجيه الشَّحَّامِيّ، وأبي الفتوح عَبْد اللَّه بن عَليّ الخَركُوشي، وَالحُسَيْن بن عَليّ الشحّامي، والجُنيد بن مُحَمَّد القايني، وَأَبِي الوَقْت عَبْد الْأَوَّل السِّجزي، وَأَبِي الْأسعد هبة الرَّحْمَن القُشيري، وأبي الخير جامع السَّقاء الصُّوفِيّ، وَمُحَمَّد بن إسْمَاعِيل بن أَبِي صالح المؤذن، وَمُحَمَّد بن منصور الحَرضي، وأبي طاهر مُحَمَّد بن مُحَمَّد السِّنجي الحَافِظ، وَأَبِي الفَتْح مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن الكُشمِيهَني؛ آخر من رَوَى " البُخَارِي " عَن ابن أَبِي عمران، وأبي طَالِب مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الكَنْجَروذي، وَمُحَمَّد بن الحَسَن بن تميم الطائيّ، وَمُحَمَّد بن إسْمَاعِيل الخُراجي المَروزي؛ سَمِعَ " البُخَارِي " من ابن أَبِي عِمران، وأبي الفَتْح مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن أَبِي سَعْد الشِّيرَازِيّ الهَروي؛ يروي عن بيبي الهَرْثمية، وأبي سَعْد مُحَمَّد بن إسْمَاعِيل الشاماتي، وَمُحَمَّد بن عَبْد الواحد المَغازلي الإصبهاني، وَمُحَمَّد بن المُفَضَّل بن سيّار الدَّهَّان، [ص:506] وَمُحَمَّد بن جامع خياط الصوف، وأبي عَبْد الرَّحْمَن أَحْمَد بن الحَسَن الكاتب، وأبي عُثْمَان إسْمَاعِيل بن عَبْد الرَّحْمَن العَصائدي، وَالحَسَن بن مُحَمَّد السَّنجَبَستي وَسَعِيد بن عَليّ الشُّجاعيّ، وَعَبْد الله بن محمد ابن الفراوي، وعبد الملك بن عبد الواحد ابن القُشيري، وَعَبْد السَّلَام بن أَحْمَد الهَرَوي بكَبْرة، وأبي منصور عَبْد الخالق بن زاهر الشَّحَّامِيّ، وَأَبِي عَروبة عَبْد الهادي بن عَبْد الخلّاق الهَرَوي، وَعُمَر بن أَحْمَد الصَّفار، وَعُثْمَان بن عَليّ البيكَندي، وخلقٍ كثير لقيهم بمَرْو، وَنَيْسَابُور، وهَراة، وبخاري، وَسَمَرْقَنْد، ونواحي خُراسان.
وخرّج لَهُ أبوه " معجماً " في ثمانية عشر جزءا. وحجّ سنة ستّ وسبعين وخمسمائة. وحدَّث ببَغْدَاد، وعاد إلى مرْو، وَرَوَى الكثير، ورحل النَّاس إِلَيْهِ.
وسمِع منه الحَافِظ أَبُو بَكْر مُحَمَّد بن موسى الحازمي؛ ومات قبله بدهرٍ. وحدث عنه الأئمة أبو عمرو ابن الصَّلاح، وَالضِّيَاء أَبُو عَبْد اللَّه، وَالزَّكيّ البِرزالي، والمحب ابن النَّجَّار، والمحبّ عَبْد العزيز بن هِلالة، والشَّرف المُرسي، وَأَحْمَد بن عَبْد المحسن الغَرافي، وطائفةٌ سواهم.
وسمعنا بإجازته من الشرف ابن عساكر، والتَّاج بن عَصرون. وآخر من رَوَى عَنْهُ بالإجازة زينب بنت عُمَر البَعْلَبَكِّيَّة.
وَكَانَ فقيهًا، مُفتياً، عارفًا بالمذهب، وَلَهُ أنس بالحديث؛ خرج لنفسه أربعين حديثًا، سمعناها.
قَالَ أَبُو عمرو ابن الصلاح: قرأت عَلَيْهِ في " أربعين " أَبِي البركات الفَراوي حديثًا ادّعى فيه كَأَنَّهُ سمعه هُوَ أَوْ شيخه من البُخَارِي، فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو المظفّر: ليس لك بعالٍ، لكنه للبخاري نازل. قُلْتُ: أعجبني هَذَا القول من أَبِي المُظَفَّر.
وانقطع بموته شيءٌ كثير من المَرويات. وعُدم في دُخول التَّتَار مَرْو في آخر هذه السنة، أو في أوائل السنة الآتية. [ص:507]
وَكَانَ أخوه الصَّدر الرئيس أَبُو زيد مُحَمَّد قد اختصّ بخِدمة السُّلْطَان مُحَمَّد بن تكش الخُوارزمي، وتَقَدَّم عنده، ونفذّه رسولًا غير مرَّة إلى بَغْدَاد، فوعظ بها، وَحَدَّثَ سنة إحدى وستمائة عن أَبِي الفَتْح مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن الحَمْدويي حضورًا، وعن مَسْعُود بن مُحَمَّد المَرْوَزي. رَوَى عَنْهُ الحَافِظ الضِّيَاء.
قرأت في " تاريخ ابن النَّجَّار ": أَنَّ أَبَا المُظَفَّر تُوُفِّي بمَرْو ما بين سنة أربع عشرة أَوْ ستّ عشرة وستمائة.
قَالَ ابن النَّجَّار: سماعاته بخطوط المعروفين صحيحة، فأمّا ما كَانَ بخطّه فلا يُعتمد عَلَيْهِ؛ كَانَ يلحق اسمه في الطِّباق.(13/505)
455 - عَبْد السَّلَام بن الحَسَن بن عَبْد السَّلَام بن أَحْمَد، القاضي المرتضى، أَبُو مُحَمَّد الفِهري القَيسراني ثُمَّ المِصري الكاتب، المعروف بابن الطُّوير. [المتوفى: 617 هـ]
سَمِعَ من السِّلَفيّ في كِبَره. وخدم في دولة بني عُبيد المِصريين، ثُمَّ خدم في الدّواوين في الدَّوْلَة الصلاحية. وشهد ستين سنة.
وجدُّهُ من أهل العدالة والحديث والتّقدّم، كتب عَنْهُ الحَافِظ السِّلَفيّ، وأما أخوه هبة اللَّه بن الحَسَن، فيروي عن أبي الحسن ابن الفرّاء، روى عنه الحافظ ابن المفضَّل، وغيره.
وَهَذَا فله شعر، وكتابة حسنة. رَوَى عَنْهُ الزكي المنذري، وغيره. وتوفي عن اثنتين وتسعين سنة وسبعة وعشرين يومًا، عن ذِهنٍ حاضر وكتابة جيّدة، وَهُوَ القائل:
باللَّه رَبِّي ثقتي ... دَخَلْت عَشر المائة
تِسعون عامًا كمَلَت ... في النّصف من ذي الحجة
ممتعًا بناظري ... ومسمعي وقوتي
وإنني أطمع أن ... تغفِر لي خطيئتي(13/507)
456 - عَبْد العزيز ابن الْأمير القائد أَبِي عَليّ الحُسَيْن بن عَبْد العزيز بن هِلالة اللَّخْميّ الْأنْدَلُسِيّ، الصالح الحَافِظ أَبُو مُحَمَّد مُحبّ الدِّين. [المتوفى: 617 هـ]
ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة تقريبًا، ورحلَ، فسمع بمَكَّة من زاهر بن رُستم، وببغداد من أَبِي أَحْمَد عَبْد الوَهَّاب بن سُكينة، وَعُمَر بن طَبرْزَد، وَالحُسَيْن بن أَبِي نصر بن أَبِي حنيفة، وطائفة. وبواسط من أبي الفتح ابن المَندائي. وبإصبهان من أسْعد بن سَعِيد، وعين الشمس، وجماعة. وبخُراسان من المُؤيَّد الطُّوسِيّ، وَأَبِي رَوْح، وزَيْنَب، وأصحاب الفُراوي، وهذه الطبقة. وخطّه مليح مغربي في غاية الدّقَّة. وَحَدَّثَ. وَكَانَ كثير الْأسفار، ديّنًا، متصوّنًا، كبير القدر.
قَالَ الحَافِظ الضِّيَاء: تُوُفِّي رفيقُنا وصديقُنا أَبُو مُحَمَّد بن هِلالة بالبصرة في عاشر رمضان، وما رأينا من أهل المغرب مثله. ودُفن بجنب قبر سَهْل بن عَبْد اللَّه التُّستَري.
وَقَالَ ابن نُقطة: كَانَ ثقةً، فاضلًا، صاحب حديث وسُنّة، كريم الأخلاق.
وقال مفضَّل القُرشي: كان كثير المروءة، غزير الإنسانية.
وقال عمر ابن الحاجب: رأيته ولم أسمع منه، وهو من طَبيرة: بُلَيدة بالأندلس، من كبار أهلها، رأيته ولم أسمع منه. قَالَ: وَكَانَ كَيّس الْأخلاق، محبوبَ الصُّورة، ليِّن الكلام، كريمَ النَّفْس، حلو الشمائل، مُحسناً إلى أهل العلم بماله وجاهه.
قِيلَ: إِنَّهُ أوصى بكتبه للشَّرف المرُسي.
وممّن روى عنه الكمال ابن العديم.
قُلْتُ: آخر من رَوَى عَنْهُ السيف عَبْد الرَّحْمَن بن محفوظ الرَّسعَني المُعدّل.(13/508)
457 - عَبْد العظيم بن أَبِي البركات عَبْد اللطيف بن أَبِي نصر بن مُحَمَّد بن سَهْل، أَبُو المكارم الإصبهانيّ المِلنجيّ الشَّرابي القَزَّاز [المتوفى: 617 هـ]
نزيل بَغْدَاد.
وُلد بمحلة مِلَنجة من إصبهان سنة خمسين وخمسمائة. وَسَمِعَ من أَبِيهِ، وأبي مَسْعُود عَبْد الجليل كُوتاه، وَأَبِي الخير مُحَمَّد بن أَحْمَد الباغبان، ومَسْعُود الثَّقَفِيّ، والرُّستُمي، وشاكر الْأسواري، وَمُحَمَّد بن محمود الفارفانيّ، وجماعة. وَحَدَّثَ بإصبهان، وبَغْدَاد. وسماعه من كُوتاه حُضور.
وقد كتبت في إجازة أَنَّهُ من عشيرة سَلْمَان الفارسيّ.
رَوَى عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبَيْثِي، وَالزَّكيّ البِرزالي، وجماعة. وآخر من رَوَى عَنْهُ بالإجازة زينب بنت كِندي.
ومات فِي السّابع والعشرين من ذي الحجَّة ببغداد.
أخبرتنا زينب الكِندية، قالت: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْعَظِيمِ بْنُ عَبْدِ اللَّطِيفِ، أَنَّ ضَوْءَ النِّسَاءِ بِنْتُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَهل الشَّرابي، أَخْبَرَتْهُ، قَالَتْ: أَخْبَرَنَا أَبِي، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الهَرَوي، قال: أخبرنا ثابت بن محمد السعدي، قال: أخبرنا أبي، قال: حدثنا محمد بن إسحاق القُرشي، قال: حدثنا عثمان بن سعيد الدَّارمي، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُغيرة، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: " نِعم الْيَوْمُ يَوْمٌ يَنْزِلُ فِيهِ رَبُّ العِزّة إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا يَوْمُ عَرَفَةَ ". فِيهِ انْقِطَاعٌ.(13/509)
458 - عَبْد الكبير بن مُحَمَّد بن عيسى بن مُحَمَّد بن بَقِيّ، أَبُو مُحَمَّد الغافقيّ المُرسي، [المتوفى: 617 هـ]
نزيل إشبيلية.
رَوَى عَنْ أَبِيهِ، وَأَبِي عَبْد الله بن سَعادة، وأبي عبد الله بن عبد الرحيم، وجماعة. وأجاز له أبو الحسن بن هُذيل، وغيره.
قَالَ الْأبَّار: كَانَ فقيهًا حافظًا، حسن الهَدْي والسَّمت، مشاركًا في الحديث، بصيرًا بالشُّروط، متقدّمًا في الفُتيا. وَلَهُ مختصر في الحديث، [ص:510] وصنّف تفسيراً نحا فيه الجمع بين " تفسير ابن عطيّة " و " تفسير الزَّمخشري ".
وولي القضاء برُندة، وناب في الحكم عن القاضي أَبِي الوليد بن رُشد بقُرْطُبَة. وَحَدَّثَ، وأخذ النَّاس عَنْهُ. وَتُوُفِّي في صفر، ومولده في سنة ست وثلاثين وخمسمائة.(13/509)
459 - عَبْد اللطيف ابن قاضي القضاة أَبِي طَالِب عليّ بْن عليّ بن هبة الله ابن البُخَارِي، القاضي أَبُو الفتوح البَغْدَادِيّ. [المتوفى: 617 هـ]
ولي القضاء بالجانب الشَّرْقِيّ جميعه، وولي نظر المَخْزن المَعْمُور. وَهُوَ من بيت القضاء والحِشمة.
تُوُفِّي في ربيع الآخر.(13/510)
460 - عَبْد المجيد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن عَليّ، أَبُو المفضَّل الرَّبَعِيّ الكِركَنتي الْأصل الإسكندراني المالكيّ العدْل. [المتوفى: 617 هـ]
قَالَ: إِنَّهُ دخلَ هَمَذان مَعَ أَبِيهِ، وَسَمِعَ بها من الحَافِظ أَبِي العلاء العَطَّار، وقد سَمِعَ من أَبِي مُحَمَّد العُثْمانِيّ.
وتَفَرَّدَ بالإجازة من القاضي أَبِي المظفَّر مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الحُسَيْن الشَّيْبَانِيّ الطَّبَرِيّ، وَحَدَّثَ بها.
وَتُوُفِّي فِي رابع عشر ذي الحجّة.(13/510)
461 - عَبْد الوَهَّاب بْن عَبْد اللَّه بْن هبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن حسن، أَبُو الحَسَن الْأزَجِيّ القصّار الصوفي. [المتوفى: 617 هـ]
سمع من أبي محمد ابن المادح، وأبي المعالي عُمر بن عَليّ الصَّيْرَفِيّ. وَتُوُفِّي في رمضان.
رَوَى عَنْهُ البِرزالي، والدُّبيثي، وغيرهما.(13/510)
462 - عَليّ بن مُحَمَّد بن يوسف، أَبُو الحَسَن الفَهْمِيّ اليابُري الضرير. [المتوفى: 617 هـ][ص:511]
نشا بقُرْطُبَة، وأخذ القراءات سنة ثمانٍ وستين بغَرناطة عن عَبْد المنعم بن الخلوف. وأخذ القراءات بإشبيلية عَن أَبِي بَكْر بن خَير، ونجَبة بن يَحْيَى؛ وَسَمِعَ منهم ومن أَبِي العَبَّاس بن مضاء، فأكثر عَنْهُ. وَلَهُ إجازة من السِّلفي، وجماعة.
قَالَ الْأبَّار: وَكَانَ محقّقًا للقراءات، ذكيًّا. أدَّب ولد السُّلْطَان بمَرّاكش، ونال دُنيا عريضة. وحدّث. وتوفي سنة سبع عشرة أَوْ ثمان عشرة.(13/510)
463 - عَليّ بن مُحَمَّد شاه، الْأمير الكبير بهاء الدِّين، [المتوفى: 617 هـ]
صاحب كِرمان.
تُوُفِّي بدمشق فِي ذي الحجَّة، ودُفن بمقبرة باب الصّغير. وعلى قبره أبيات شعر.(13/511)
464 - عَليّ بن أَبِي المجد المبارك بن أَحْمَد بن محمد ابن الطاهري، الحَريمي أَبُو الحَسَن. [المتوفى: 617 هـ]
سَمِعَ من أَبِي المعالي محمد ابن اللحّاس، وأبي الفتح ابن البَطِّيّ، وجماعة. يُقَال: إِنَّهُ من وَلَد الْأمير طاهر بن الحُسَيْن الخُزاعي.
تُوُفِّي في ربيع الآخر.(13/511)
465 - عَليّ بن مَسْعُود بن هيّاب، أَبُو الحَسَن الوَاسِطِيّ المقرئ الجَماجمي. [المتوفى: 617 هـ]
كَانَ يَعمل الجَماجم.
قرأ القراءات عَلَى هبة اللَّه بن قَسّام الوَاسِطِيّ، وجماعة. وأقرأ وَكَانَ يحفظ المشهور والشواذّ. وَتُوُفِّي في جُمَادَى الْأولى بواسط. [ص:512]
قَالَ ابن نُقطة: قرأت عَلَيْهِ، وَكَانَ مُتساهلًا في الْأخذ جدًا.(13/511)
466 - عَليّ بن مَسْعُود بن أحمد ابن المُقْرِئ، الحاجب الجليل أَبُو الْقَاسِم البَغْدَادِيّ. [المتوفى: 617 هـ]
سَمِعَ من عَبْد الملك بن إلكيا الهَرَّاسِيّ، وَحَدَّثَ، ومات في جُمَادَى الآخرة.(13/512)
467 - عَليّ بن أَبِي بَكْر بن عَليّ بن سُرور، الإِمَام الفقيه مجد الدِّين أَبُو الحَسَن المَقْدِسِيّ، الْجَمّاعيليّ الحَنْبَلِيّ. [المتوفى: 617 هـ]
سمع من ابن كُليب، ورحل إلى إصبهان، فسمع من جماعة.
رَوَى عَنْهُ الضِّيَاء المَقْدِسِيّ وَقَالَ: كَانَ إمامًا، ديّنًا، فقيهًا، حَصَّل الفقه والحديث. وَكَانَ كثير الاجتهاد في نَفْع النَّاس من الإقراء والإشغال بالفقه والحديث. وَتُوُفِّي في ثامن عشر رجب.(13/512)
468 - عُمَر بن الحسن بن المبارك، أبو القاسم ابن البَوّاب، أمين القُضاة بالحَريم وما يليه. [المتوفى: 617 هـ]
سَمِعَ من أبي علي أحمد ابن الرحَبي، ودَهْبل بن كاره، وجماعة. وحدث.(13/512)
469 - فاطمة بنت الحَافِظ أَبِي العلاء الحَسَن بن أَحْمَد الهَمَذَانِيّ العَطَّار. [المتوفى: 617 هـ]
سمعَت من نصر بن المُظَفَّر البَرْمَكِيّ. ومن أبيها. رَوَى عَنْهَا الضِّيَاء المَقْدِسِيّ، وغيره. وأجازت لشيوخنا. وَتُوُفِّيت في الخامس والعشرين من ذي الحجَّة بهمذان.(13/512)
470 - فَريدون بن كَشْوارة، الْأجّل الْأمير الدوني. [المتوفى: 617 هـ][ص:513]
تُوُفِّي بمصر، وَحَدَّث عن أَبِي طاهر السِّلَفيّ، ومات في ربيع الآخر.(13/512)
471 - الْقَاسِم بن الحُسَيْن بن أَحْمَد، أَبُو الفضل الخُوَارِزْمِي النَّحْوِيّ. [المتوفى: 617 هـ]
من كبار أئمَّة العربية، صنف شرحا " للمفصل " في نحو ثلاث مجلدات، وغير ذلك.
قتلته التتار بخوارزم فيمن قتلوا في ثاني عشر ربيع الأول شهيدا، رحمه الله.(13/513)
472 - قتادة، صاحب مَكَّة، الشريف أَبُو عزيز ابن الْأمير الشريف أَبِي مالك إدريس بن مُطاعن بن عَبْد الكريم بن عيسى بن حُسين بْنُ سُلَيْمَان بْن عَليّ بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مُوسَى بْن عَبْد اللَّه بْن مُوسَى بن عَبْد اللَّه بْنُ الحَسَن بْنُ الحَسَن بْنِ عَليّ بْنِ أَبِي طَالِب الهاشِمِيّ العَلَويّ الحسني. [المتوفى: 617 هـ]
يُقَال: إِنَّهُ بلغ التسعين سنة، وُلِدَ بوادي ينبُع، وبه نشأ. وولي إمرة مَكَّة مُدَّة.
قَالَ الحَافِظ عَبْد العظيم: رأيته يطوف ويدعو بتضرُّع وخُشوع كثير، وَكَانَ مهيبًا قويَّ النفس مِقْدامًا فاضلًا، وَلَهُ شعر، وَقَدِمَ مِصْر غير مرَّة، أملى عَليّ نسبه أخوه الشريف عيسى؛ فذكر ما تَقَدَّم.
وَقَالَ أَبُو شامة: كَانَ قَتَادَة شيخًا مهيبًا طُوالًا، وما كَانَ يلتفت إلى [ص:514] أحدٍ؛ لَا خليفة ولا غيره. وَكَانَ تُحمل إِلَيْهِ من بَغْدَاد الخلع وَالذَّهَب، وَكَانَ يَقُولُ: أَنَا أحق بالخلافة من النّاصر لدين اللَّه. وَكَانَ في زمانه يؤذن بالحرم بـ " حيّ عَلَى خَيْر العَمَل " عَلَى مذهب الزَّيدية؛ وقد كتب إليه الخليفة يَقُولُ: أَنْتَ ابن العمّ والصّاحب، وقد بلغني شهامتك وحِفظك للحجيج وعدْلُك، وشرفُ نفسك ونزاهتك، وأنا أحبّ أن أراك وأحسن إليك. فكتب إلى الناصر لدين اللَّه:
ولي كفُّ ضِرغامٍ أدُلّ ببطشها ... وأشْري بها بين الورى وأبيعُ
وكلُّ مُلوكِ الْأرضِ تلثُمُ ظَهرها ... وفي بَطْنها للمُجدبين ربيعُ
أأجعلُها تحت الرَّحَى ثُمَّ أبتغي ... خلاصًا لها إِنّي إذًا لرقيع
وما أنا إِلَّا المسكُ في كل بُقعةٍ ... يضوع، وأمّا عندكم فيضيع
تُوُفِّي بمَكَّة في جُمَادَى الأولى، وَقَالَ المُنْذِريّ: تُوُفِّي في أواخر جُمَادَى الآخرة.
وَقَالَ ابنُ واصل: وثب ابنه حسن بن قتادة عَلَى عمِّه فقتله، فتألم قَتَادَة، وغضب عَلَى ابنه وتهدّده، فدخل حسن مَكَّة وقصد دار أبيه فدخل، فَلَمَّا رآه أَبُوه - وَهُوَ شيخ كبير متمرّض - شتمه وتهدّده، فوثب عَلَى أَبِيهِ فخنقه لوقته، ثُمَّ خرج وَقَالَ: قد اشتد مرض أَبِي، وقد أمركم أن تحلفوا لي. فحلفوا لَهُ وتأمّر، ثُمَّ طلب أخاه من قلعة ينبع، فَلَمَّا حضر قتله أيضا، فلم يمهله اللَّه. وَكَانَ ظالمًا جبّارًا عسّافًا.(13/513)
473 - قيصر بن مُظَفَّر بن يلدرك، أَبُو مُحَمَّد البَغْدَادِيّ. [المتوفى: 617 هـ]
أديبٌ فاضل، أخباريّ مليحُ الخطّ. صَحِبَ أَبَا الفوارس سَعْد بن مُحَمَّد حَيْص بَيْص وانقطع إِلَيْهِ، وَسَمِعَ منه الكثير.
تُوُفِّي فِي جُمادى الْأولى وله ثمانٍ وثمانون سنة.(13/514)
474 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن سُلَيْمَان، أَبُو عَبْد اللَّه الزُّهْرِيّ الْأنْدَلُسِيّ الإشبيلي. [المتوفى: 617 هـ]
رحلَ، وحجَّ. وَسَمِعَ ببَغْدَاد من ابن كُلَيْب، وذاكر بن كامل، ويحيى بن بوش، وعبد الخالق ابن الصَّابُونيّ، وطبقتهم. ورحل إلى إصبهان فكتب بها عن أصحاب أَبِي عَليّ الحداد. ثُمَّ سافر إلى الكرج واستوطنها، وَحَدَّثَ بها وبإربل.
وَكَانَ عارفًا بالْأدب، فاضلًا، نحويًا. صنّف شرحًا لكتاب " الإيضاح "، وَلَهُ شِعر حسن.
قَالَ الزَّكيّ المُنْذِريّ: تُوُفِّي ببُروجِرْد شهيدًا بيد التَّتَر في رجب.(13/515)
475 - مُحَمَّد بن أَحْمَد بن حَسَّان القَصَّار. [المتوفى: 617 هـ]
سَمِعَ من مَسْعُود بن عَبْد الواحد بن الحُصَيْن، والمبارك بن المبارك بن نصر السَّرَّاج. رَوَى عَنْهُ ابن النَّجَّار، وَكَانَ صالحًا.(13/515)
476 - مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز، أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ، الفقيه العلّامة الحَنَفِيّ، [المتوفى: 617 هـ]
نزيل المَوْصِل.
دَرَّسَ وأفْتى، وتَفَنَّن في العُلوم، وَلَهُ شِعْر جيّد، وصنّف في المذهب، وَكَانَ كبير القدر.
تُوُفِّي فِي رجب.(13/515)
477 - مُحَمَّد بْن إسْمَاعِيل بْن عَليّ بن حمزة المُوسويّ، الشريف أَبُو بَكْر الهَرَويّ. [المتوفى: 617 هـ]
سَمِعَ من جدّه عَليّ وغيره، ووُلد سنة ثمانٍ وعشرين، رَوَى عَنْهُ الضِّيَاء وغيره، وَكَانَ حيًّا في هذه السنة.
وأخبرنا ابن عساكر قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل إجازة قال: أخبرنا جدّي - فذكر حديثًا.(13/515)
478 - مُحَمَّد بن تِكش بن إيل أرسلان بن آتْسِز بن مُحَمَّد بن نوشتِكين، السُّلْطَان علاء الدِّين خُوَارِزْم شاه. [المتوفى: 617 هـ][ص:516]
قد ذكرنا قطعة من أخباره في الحوادث.
أَبَاد مُلوك العالم، ودانت لَهُ الممالك، واستولى عَلَى الْأقاليم.
قَالَ ابن واصل: نسب علاء الدين ينتهي إلى إيلتِكين أحد مماليك السُّلْطَان ألب أرسلان بن جغر بيك السلجوقي.
قال الإمام عز الدين ابن الْأثير: كَانَ صبُورًا عَلَى التّعب وإدمان السَّيْر، غير مُتَنَعم ولا مُقْبل عَلَى اللّذات؛ إنما نَهْمته في المُلك وتدبيره وحِفْظِه وحفظ رعيته.
قَالَ: وَكَانَ فاضلًا، عالمًا بالفقه والْأصول وغيرهما، وَكَانَ مُكرِمًا للعلماء محبًا لهم، محسنًا إليهم، يحبّ مناظرتهم بين يديه، ويُعظِّم أهل الدِّين ويتبرك بهم؛ فحكى لي بعضُ خدم حُجرة النَّبِيّ صَلّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلّمَ لَمَّا عاد من خُرَاسَان قَالَ: وصلت إلى خُوَارِزْم ودخلتُ الحمام، ثُمَّ قصدتُ باب السُّلْطَان، فَلَمَّا أُدخلت عَلَيْهِ أجلَسني بعد أَن قام لي، ومشى واعتنقني، وَقَالَ لي: أَنْتَ تخدم حُجرة النَّبِيّ صَلّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلّمَ؟ قُلْتُ: نعم. فأخذ بيدي وأمَرَّها عَلَى وجهه، وسألني عن حالنا وعَيشنا، وصفة المدينة ومقدارها، وأطال الحديثَ معي، فَلَمَّا عزمت قَالَ: لولا أنَّنا عَلَى عزم السفر الساعة لَمَا ودَّعتك، وإنَّا نريد أن نعبر جيحون إلى الخَطا، وَهَذَا طريقٌ مباركٌ حيث رأينا من يخدُم الحُجرة الشَّريفة. ثُمَّ ودّعني، وأرسل إلي جملة من النَّفقة.
وَقَالَ أَبُو المُظَفَّر ابن الْجَوْزيّ: إِنَّهُ تُوُفِّي سنة خمس عشرة، فغلط، وَقَالَ: كَانَ قد أفنى ملوك خُرَاسَان وما وراء النَّهْر، وقتل صاحب سَمَرْقَنْد، وأخْلى البلاد من الملوك واستقلَّ بها، فَكَانَ ذَلِكَ سببًا لهلاكه. وَلَمَّا نزل همذان كاتب الوزيرُ مؤيد الدين محمد ابن القُمّي نائبُ الوزارة الإمامية عن الخليفة عساكر خوارزم شاه، ووعدهم بالبلاد، فاتفقوا مَعَ الخطا عَلَى قتله، وبَعَثَ القُمّي إليهم بالْأموال والخيول سرًّا، فَكَانَ ذَلِكَ سببًا لوهنه؛ وعلم بذلك، فسار من همذان إلى خُرَاسَان ونزل مَرْو، فصادف في طريقه الخيول والهدايا والكُتب إلى الخطا، وكان معه منهم سبعون ألفًا، فلم يمكنه الرجوع [ص:517] لفساد عسكره. وَكَانَ خاله من أمراء الخَطا، وقد حلَّفوه أن لَا يُطلع خُوَارِزْم شاه عَلَى ما دبروا عَلَيْهِ، فجاء إِلَيْهِ في الليل، وكتب في يده صورة الحال، ووقف بإزائه، فنظر إلى السطور وفهمها، وَهُوَ يَقُولُ: خذ لنفسك، فالساعة تُقتل. فقامَ وخرجَ من تحت ذَيْل الخَيْمة ومعه وَلَداه جلال الدِّين والآخر، فركب وسار بهما، ثُمَّ دخل الخَطا والعساكر إلى خيمته فلم يجدوه، فنهبوا الخزائن والخيول، فيقال: إِنَّهُ كَانَ في خزائنه عشرة آلاف ألف دينار وألف حِمْل قماش أطلس وغيره، وكانت خيله عشرين ألف فرس وبَغْل، وَلَهُ عشرة آلاف مملوك. فهرب وركب في مركب صغير إلى جزيرة فيها قلعة ليتحصّن بها، فأدركه الْأجل، فدُفن عَلَى ساحل البَحْر، وهرب ولداه، وتفرقت الممالك بعده، وأخذت التَّتَار البلاد.
قُلْتُ: وكانت سلطنة علاء الدِّين مُحَمَّد بن تِكش في سنة ست وتسعين وخمسمائة عند موت والده السُّلْطَان علاء الدِّين تِكش.
قَالَ الموفق عَبْد اللطيف: كَانَ تِكش أعْوَرَ قميئًا كثيرَ اللّعب بالملاهي، استُدعي من الدّيوان العزيز لدفع أذَى طُغريل السَّلْجُوقيّ صاحب همذان، فقَتَل طُغْريل وسَيَّر برأسه، وتَقَدَّم بطلب حُقوق السَّلْطَنة، فتحركت أمَّةُ الخَطا إلى بلاده، أَوْ حُرّكت، فألجأته الضرورة أن يرجع - يعني إلى خُوَارِزْم - وتولَّى بعده الْأمر ولداه، فَكَانَ ابنه محمدٌ شُجاعًا شَهمًا مِغْوارًا مِقْدامًا، سَعْد الوُجهَة غَزّاءً، لَا ينشف لَهُ لبد، ويقطع المسافات الشَّاسعة في زمان لَا يتوهم العدو أَنَّهُ يقطعها في أضعافه، وَكَانَ هجّامًا فاتكًا غَدَّارًا، فأوّل ما فتك بأخيه، فأُحضِرَ رأسُهُ إليه وَهُوَ عَلَى الطعام فلم يكترث، وَكَانَ قليل النَّوم كثير اليقظة، طويل النَّصب قصير الراحة، يخدم في الغارات أصحابه، ويهجعون وَهُوَ يحرسهم، وثيابه وعدَّة فرسه لَا تبلغ دينارًا، لذّته في نَصَبه، وراحته في تعبه، كثير الغنائم والْأنفال، سريع التفريق لها والإنفاق. وَكَانَ لَهُ معرفة ومشاركة للعُلماء، وصَحِبَ الفخرَ الرَّازِيّ قبل المُلك، فَلَمَّا تملَّك رَعَى لَهُ ذَلِكَ، فوسَّع عَلَيْهِ الدُّنْيَا وبسط يده. لكنّ هذا المَلِك أفْسد رأيه العُجْب والتيه والثِّقة بالسَّلامة، وأوجب لَهُ ذَلِكَ أن يستبدّ برأيه، ويُنكّب عن ذكر العواقب جانبًا، واستهان بالْأعداء، ونسي عواقب الزمان؛ فمن عُجْبه كَانَ يَقُولُ: " مُحَمَّد ينصر دين مُحَمَّد ". ثُمَّ قطع خُطبة بني العَبَّاس من مملكته، وتركَ [ص:518] غزو الكُفَّار، وأخذَ يتصدّى لعداوة قِبلة الإِسْلَام وقَلْب الشريعة بَغْدَاد، وعزم عَلَى قصد تفليس ليجعلها سرير مُلكه، ويحكم منها عَلَى بلاد الروم والْأرْمن والقَفْجق، وسائر بلاد العرب والعجم؛ فأفسد الْأمور بإساءة التدبير، وقَتَل نفسه بشدَّة حرصه وحركته قبل وقته، وأراد أن يتشبّه بالإسكندر، وأين الْأعمى من المُبصر؟! وأين الوليّ من رجل تُركيّ؟! فإنّ الإسكندر مَعَ فَضْله وعدله وإظهاره كلمة التوحيد؛ كان في صحبته ثلاثمائة حكيم، يسمع منهم ويطيع، وَكَانَ معلّمه أرسطو طاليس نائبه عَلَى بلاده، ولا يحلّ ولا يعقد إِلَّا بمشورته ومُراسلته في استخراج رأيه.
كذا قَالَ الموفق، وأخطأ في هَذَا كغيره، فليس إسكندر صاحب أرسطو طاليس هُوَ الَّذِي قص الله سبحانه قصّته في القرآن، فالذي في القرآن رجل مؤمن، وأمّا الآخر فمشرك يعبد الوثن؛ واسمه إسكندر بن فلبّس المقدونيّ، عَلَى دين الحُكماء - لَا رعاهم اللَّه - ولم يملك الدُّنْيَا ولا طافَها؛ بل هُوَ من جُملة ملوك اليونان.
ثُمَّ قَالَ الموفق: وقد عُلم بالتّجربة والقياس أن كل ملكٍ لَا يكون قصده إقامة وبسط العدل والعمارة فَهُوَ وشيك الزوال؛ فأول ما صنع هَذَا أَنَّهُ ظاهر أمَّة الخطا، فنازلهم بأمَّة التَّتَر حَتَّى استأصلهم، ولم يُبق منهم إِلَّا من دخل تحت طاعته وصار من عسكره. واستخدم سبعة أمراء من أخواله وجعلهم من قلب عسكره وخواصّه، ثم انتقل إلى أمَّة التَّتَر فمحقهم بالسيف، ولم يبق منهم إِلَّا مستسلم في زمرته. وكانت بلاد ما وراء النَّهْر في طاعة الخطا، وملوك بخاري وَسَمَرْقَنْد وغيرهما يؤدون الْأتاوة إلى الخطا، والخطا يبسطون فيهم العدل. وكانت هذه الْأمم سدًّا بين تُرك الصين وبيننا، ففتح هَذَا الملك بقلة معرفته هَذَا السدّ الوَثيق. ثم أفسَد تلك الممالك والْأمصار، وأتى عَلَى إخراب البلاد وإفساد القلوب، وإيداعها أصناف الإحن والعداوات، وظن أَنَّهُ لم يُبق فيهم مَنْ يقاومه، فانتقل إلى خُرَاسَان وسِجستان وكِرمان ثم العراق وأَذْرَبِيجَان، وطمِعَ في الشَّام وَمِصْر، وحدَّثته نفسه بجميع أقطار الْأرض. وَكَانَ ذَلِكَ سهلًا عَلَيْهِ قد يسَّرَه اللَّه لَهُ لو ساعده التوفيق بحُسن التدبير وأصالة [ص:519] الرأي والرفق وعدم العَسف. وَكَانَ يستحضر التُّجَّار ويكشف منهم أخبار الممالك النائية، وفي بعض الليالي قال لي ابن يَعْلَى وزير الملك الظاهر غازي: إِنَّ السُّلْطَان الليلة مهموم؛ لِما اتصل بِهِ من أخبار خُوَارِزْم شاه وطمعه في الشَّام. فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا سعادة للسُّلطان ولك ولي. قَالَ: وكيف؟ قُلْتُ: هَذَا مَلِكٌ واسع الدّائرة لَا يقدر أن يقيم بالشام، وغَرَضه القهر والاستيلاء، وسُلطاننا فيه مَلق وحُسن تودّد ومُداراةٍ، فَإِذَا قرب لاطفه وأتحفه، فَإِذَا استولى عَلَى ممالك الشَّام لم يجد من يستنيبه عليها سواه. قَالَ: وكيف عرفت هَذَا؟ قُلْتُ: من التُّجَّار. فَلَمَّا أصبح قصّ عَلَيْهِ ما جرى فسُرّي عَنْهُ، وأمرَ أن يُحقّق ذَلِكَ، فاستدعى بتاجر خبير بغدادي وحادثه، فزعم أَنَّهُ حاضره وبايعه، وذكر من أحواله أَنَّهُ يبقى أربعة أيام أَوْ نحوها عَلَى ظهر فَرسِهٍ ولا ينزل، وإنما ينتقل من فرس إلى فرس، ويتضمر، ويطوي البلاد. وَأَنَّهُ ربّما أتَى البلد الَّذِي يقصده في نفرٍ يسير فيهجُمُه ثُمَّ يُصبحه من عسكره عشرة آلاف ويمسيه عشرون ألفًا، وفي كثير من الْأوقات يأتي المدد وقد قضى الحاجة بنفسه. وفي كثير من الأوقات يبعث البعوث ويأتي أخيرًا وقد قضيت الحاجة أولًا. وربما هَجَم البلد في نفر دون المائة فيقضي حاجته، وربما قَتل ملك ذَلِكَ البلد أَوْ أسره ثُمَّ تتدفق جموعه. وَقَالَ: إن سرجه ولجامه لَا تبلغ قيمتها دانقًا، ولا تبلغ قيمة ثيابه دانقين. وحكى أَنَّهُ في بعض غاراته نزل بأصحابه آخر الليل وكانوا نحو سبعين فارسًا، فأمرهم بالهجعة، وأخذ خيلهم يسيّرها بعدما استقى من بئر وسقى الجميع، فَلَمَّا علِم أَنَّهُم قد أخذوا من النوم بنصيبٍ أيقظ بعضهم وأمرهم بالحراسة، ثُمَّ هجع يسيرًا، ونهض ونهضوا كالعفاريت وهجموا عَلَى المدينة، وقَتَل ملكها. وسألني الوزير عَنْهُ مرة أخرى، فَقُلْتُ: لَا يمكنه أن يدخل الشَّام؛ لِأَنَّهُ إن أتى بجَمْع قليل لم ينل غرضًا مَعَ شجاعة أهل الشَّام، والفلّاحون يكفونه، وإن أتى بجمع كثير لم تحمله الشَّام؛ لأن خيلهم تأكل الحشيش، ولا حشيش بالشام، وأمّا الشعير ففي كلّ مدينة كفاية دوابها. ثُمَّ أخذتُ أحسب معه ما في حلب من الدواب فبلغت مع التكثير خمسين ألفا، فإذا ورد سبعمائة ألف فرس أخذوا عليق شهر في يوم أَوْ يومين، ثُمَّ إنهم لَيْسَ لهم صناعة في الحرب سوى المهاجمة، وأخذهم البلاد إنّما هُوَ بالرعب والهَيْبَة لَا بالعَدْل والمَحَبة، وهذه الحال لَا تنفع مَعَ شجاعة أهل الشَّام. وعُقيب موت الملك الظاهر [ص:520] غازي، وصلَ رسوله إلى حلب، فاحتفل النَّاس، وخرجت الدولة للقائه، وإذا بِهِ رجل صوفي، وخلفه صوفي قد رفع عُكّازًا عَلَى رأسه، ومعه اثنان من عسكره ورسول صاحب إربل، فصعد القلعة، وَقَالَ بحضرة الْأمراء: سلطان السلاطين يسلم عليكم، ويعتُب إِذْ لم تهنئوه بفتح العراق وأَذْرَبِيجَان، وَإنَّ عدد عسكره قد بلغ سبعمائة ألف؛ فأحْسنوا المعذرة بأن قَالُوا: نَحْنُ في حُزن بموت ملكنا وضعف في نفوسنا، وَإِذَا بسطنا فنحن عبيده. وَكَانَ كلامه وشكله يشهد بقلة عقل مُرسله، ثُمَّ توجّه إلى الملك العادل بدمشق فَقَالَ: سلطان السلاطين يسلّم عليك، وَقَالَ: تصل الخدمة، فقد ارتضيناك أن تكون مُقدّم الركاب. فَقَالَ: السَّمْع والطاعة؛ ولكن لنا شيخ هو كبيرنا نشاوره، فَإِذَا أمر حضرنا. قَالَ: ومن هُوَ؟ قَالَ: أمير المؤمنين. فانصرف والناس يهزؤون منه.
قَالَ: وسمعنا أَنَّهُ جعل عزّ الدِّين كَيْكَاوِس صاحب الروم أمير علم لَهُ، والخليفة خطيبًا، وكلّ ملك جعل لَهُ خدمة!
وأمّا الملوك الدين كانوا بحضرته، فَكَانَ يذلّهم ويهينهم أصنافَا من الإهانات؛ فَكَانَ إِذَا ضُرب لَهُ النُّوبة يجعل طبول الذَّهَب في أعناق الملوك وهم قيام يضربون، وَهَذَا يدلّ عَلَى اغتراره بدُنياه وقِلَّة ثِقته باللَّه تعالى.
ثُمَّ إِنَّهُ وصل همذان وإصبهان، وبث عساكره إلى حلوان وتُخوم إربل، وواصله مُظَفَّر الدِّين بالمُؤن والْأزواد، وخافه أهلُ بغداد؛ فجمعوا وحشدوا واستعدوا للحصار واللّقاء جميعًا، ثُمَّ إن اللَّه أجراهم عَلَى جميل عادته في أن يدافع عَنْهُمْ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ اختلّت عَلَيْهِ بلاد ما وراء النهر، فرجع على عقبيه، وقهقر، لَا يدري ما خلفه مما بين يديه. وأيضا فَإِنَّهُ لَمَّا وصل حلوان نزل عليهم ثلْج ونوء عظيم، فَقَالَ بعض خواصّه: هَذَا من كرامات بيت النبوة.
وَلَمَّا أَبَاد أمَّتي الخَطا والتَّتَر وهم أصحاب الْجَند وتُركستان وتَنْكت ظهرت أمم أخر يسمون التتر أيضا، وهم صنفان: صنف يسكنون طمغاج وما يليها ويسمّون الإيوانية، وصنف يسكنون ممّا يلي الهند وصين الصّين بجبلٍ يُسمى سَنك سُلاخ وفيه خرق إلى الهند، ومنه دخل السُّلْطَان مُحَمَّد هَذَا إلى [ص:521] الهند، فجاءهم من حيث لَا يحتسبون، فوقع بين طائفتي التَّتَر، فانهزمت الإيوانية من الطَمْغاجية إلى أن خالطوا أطراف بُخَارَى وَسَمَرْقَنْد، واتصل بهم أَنَّ السُّلْطَان مُحَمَّدًا بنواحي بَغْدَاد، وأنّ المسافة بعيدة، فطمعوا في البلاد بخُلُوّها عَنْهُ، فأتاه الخبر وَهُوَ بهمذان، فارتد عَلَى عقبيه حَتَّى قَدِمَ بُخَارَى، فجمع وحَشَد وعزمَ عَلَى لقائهم، وسيَّر ولده جلال الدِّين بخمسة عشر ألفًا وجعلهم كَمينًا، فنمّ الخبر إلى الطمغاجية، وملكُهم هُوَ جنكزخان فوقعوا عَلَى الكمين فطحنوه. وهربَ جلالُ الدِّين بعد جهد جهيد حَتَّى اتصل بأبيه، فأجمع رأيه عَلَى أن يضرب معهم مصافًّا، فثبتوا عند اللقاء أَوَّل يوم، فعجب من ذَلِكَ السُّلْطَان مُحَمَّد إِذْ لم تجر لَهُ عادة أن يثبت بين يديه عدوّ، فَلَمَّا ثبتوا اليوم الثاني والثالث ضعُفت مُنَّتُه ومُنَّة أصحابه، وتغيرت نياتهم، واستشعروا الخوف والخور، ثُمَّ وصلت الجواسيس تخبره بأنّ العدوّ عَلَى نصف عسكره في العدد، فخيّل إِلَيْهِ تعسُ الجدّ أن في أصحابه مُخامرين، فقبض عَلَى كُبرائهم، فازدادت النيات فسادًا، وتوّهم أن عسكره قد صفا، فضرب معهم مصافًا آخر فتطحطح ووصل بخارى منهزما، ونادى في النَّاس: استعدّوا للحصار ثلاث سنين. فتخلّوا عَنْهُ، فرأى من الرأي أن يرجع إلى نَيْسَابُور ويجمع بها الجيوش، ولم يظنّ أَنَّ الطمغاجية يتعدون جيحون، فأخذوا بُخَارَى في ثمانية أيام وأبادوا أهلها، ثم هجموا خُرَاسَان، فأشار عَلَيْهِ وزيره عماد المُلك أن يلحق بهمذان، وضمن لَهُ أن يجمع لَهُ من العساكر والْأموال مقدار حاجته، فما وصل الري إِلَّا وطلائعهم عَلَى رأسه، فانهزم إلى قلعة بَرَجين وقد نَصَب، فأقام بها يومين وَإِذَا بهم عَلَيْهِ، فسحّب نفسه إلى دربند قارون - موضع في تخوم بارس - ومعه ثلاثمائة فارس عُراة لَيْسَ فيهم رمق، فَلَمَّا مضَّهُم الجوع استطعموا من أكرادٍ هناك فلم يحتفلوا بهم، فقالوا: السُّلْطَان معنا. فقالوا: ما نعرف السُّلْطَان. فَلَمَّا ألحفوا في المسألة أعطوهم شاتين وقصعتي لبن، فتوزعُوها. ثم رجع إلى نهاوند، ومرّ عَلَى أطراف البلاد إلى همذان ثُمَّ إلى مازندران؛ وقعقعة رماحهم وسيوفهم قد ملأت مسامعه ومناظره، فنزل ببحيرة هناك بموضع يعرف بآوْكرم، فمرض بالإسهال الذَّريع، وطلبَ دواءً فأعوزه [ص:522] الخُبز، ومات هناك. وذُكر أَنَّهُ حُمل في البَحْر إلى دِهِستان، وذكر آخرون أَنَّهُ لَمَّا صار في السفينة لم يزل يضرب رأسه بجدرانها إلى أن مات.
وأمَّا ابنه جلال الدِّين فتقاذفت بِهِ البلاد فرمته بالهند، ثُمَّ ألقته الهند إلى كرمان، كما يأتي في ترجمته إن شاء اللَّه.
وَقَالَ شمس الدِّين الجزري - أبقاه اللَّه - في " تاريخه ": كَانَ لخُوارزم شاه علاء الدِّين تُضرب النَّوبة في أوقات الصلوات الخمس كعادة المُلوك السَّلجوقية، فَلَمَّا قصد العراق في سنة أربع عشرة وستمائة تركها تُضرب لأولاده جلال الدِّين وغيره، وجعل لنفسه نوبة ذي القرنين كانت تُضرب وقت المطلع والمغيب، فعملها سبعة وعشرين دَبْدَبة من الذَّهَب، ورصّعها بالجواهر. ونصّ يوم اختيرَ لضربها عَلَى سبعة وعشرين ملكًا من أكابر الملوك وأولاد السلاطين، وقصد التَّجبّر والعظمة. ثُمَّ قصد العراق في أربعمائة ألف فوصل إلى همذان، وَقِيلَ: كَانَ معه ستمائة جتْر، تحت كلّ جِتْر ألف فارس. وَكَانَ قد أباد الملوك واستحوذ عَلَى الْأقاليم، ثم قَالَ: هَذَا ما نقله ابن الْأثير وغيره.
قَالَ شمسُ الدِّين: وحكى لي تقي الدِّين أَبُو بَكْر بن عَليّ بن كمجُون الْجَزَريّ السَّفار، سنة نيّف وسبعين قَالَ: حَدَّثَنِي ابن عمّي شمس الدِّين مُحَمَّد التَّاجر - وَكَانَ صاحب الجزيرة يبعث معه إذا سافر إلى العجم هدايا إلى السُّلْطَان خُوَارِزْم شاه، فكانوا يحترمون ما يبعث بِهِ لكونه من بقايا بني أتابك زنكي - قَالَ: فكنتُ في جيش الملك خوارزم شاه ومعه يومئذ مقدار ستمائة ألف راكب ومعهم أتباع تقاربهم، وَتِلْكَ البراري تموجُ بهم كالبحر، فبينما هُوَ في بعض الليالي في المخيم، وإذا بصوت ينادي: " يا كفرة، اقتلوا الفجرة ". فتُتُبع ذَلِكَ الصوت فلم يرَ أحدٌ إِلَّا طيور طائرة، فَلَمَّا كَانَ ثاني ليلة سُمع ذَلِكَ الصوت بعينه وَرَأَى الطيور، فلما كانت الليلة الثالثة سمع ذَلِكَ الصوت بعينه، فما سكت إِلَّا وقد دخل إِلَيْهِ خاله، فحذّره من الفتك بِهِ - كما ذكرنا. [ص:523]
قَالَ: وحكى لي الصالح غرس الدِّين أَبُو بَكْر الإربلي قَالَ: كَانَ ابن خالتي من حُجّاب مُظَفَّر الدِّين صاحب إربل، فحدّثني قَالَ: أرسلني مُظَفَّر الدِّين إلى خُوَارِزْم شاه رسولًا فأكرمني، وأجلسوني فوق رَسُول الخليفة، وفوق الملوك الذين هم في خدمته، فَكَانَ عدَّة من التقينا من عسكره وممّن هو داخل في طاعته ثلاثمائة ألف وخمسين ألفًا، وكنّا كلما جئنا إلى مكان يقولون: هَذَا رَسُول الفقير مُظَفَّر الدِّين. فسألت بعض الوزراء: كم تكون عدَّة جيش السلطان؟ قال: المدونة ثلاثون تومانًا، التومان: عشرة آلاف.
قُلْتُ: وكانت دولته إحدى وعشرين سنة.
ثُمَّ رأيت سيرته وسيرة ولده لشهاب الدين مُحَمَّد بن أَحْمَد بن عَليّ النسوي في مُجَلَّد، فذكر فيه سعة ممالكه وقهره البلاد والعباد، واستيلائه عَلَى خُرَاسَان وخوارزم وأطراف العراق ومازندران وكرمان ومكران وكيش وسجستان والغور وغزنة وباميان وما وراء النهر والخطا، وما يقارب أربعمائة مدينة. وذكر من عظمة أمّه تركان الخَطائية أمورًا لم يُسمع بمثلها؛ من عظمتها ونفوذ أمرها، وقتلها النفوس، وجبروتها، وأن جنكزخان أسرها؛ ورأت الذُّل والهوان والجوع.
قَالَ النسوي: وَلَمَّا رحل من حافة جيحون إلى نَيْسَابُور وَالنَّاس يتسللون لم يقم بها إِلَّا ساعة رُعبًا تمكّن من صدره، وذُعرًا داخل صميم قلبه، فحكى لي الْأمير تاج الدِّين عُمَر البسطامي قَالَ: وصل السُّلْطَان بسطام، فاستحضرني وأحضر عشرة صناديق، وَقَالَ: هذه كُلّهَا جوهر، وفي هذين الصندوقين جوهر يساوي خِراج الدُّنْيَا بأسرها، فأمرني بحملها إلى قلعة أرْدهْن، ففعلتُ، وأخذت خطّ متوليها بوصولها مختومة، فحاصر التَّتَار القلعة إلى أن صالحهم متوليها عَلَى تسليم الصناديق إليهم بختومها، فحملت إلى جنكزخان. ووصل السُّلْطَان إلى أعمال همذان في عشرين ألفًا، فلم تُرعه إِلَّا صيحة العدوّ، فقاتلهم بنفسه، وشمل القَتْل جُلّ أصحابه، ونجا هُوَ في نفر يسير إلى مازندران [ص:524] حافة البَحْر، فأقام بقرية هناك يحضر المسجد ويصلّي مَعَ إمام القرية، ويبكي، وينذر النذور إنْ سلِم، إلى أن كبسه التَّتَار بها، فبادر إلى مركب فوقعت فيه سهامهم، وخاض خلفه ناس؛ فغرقوا. وَحَدَّثَنِي غير واحد ممّن كانوا مَعَ السُّلْطَان في المركب، قَالُوا: كُنّا نسوق المركب، وبالسلطان من علَّة ذات الجنب ما آيسه من الحياة وَهُوَ يُظهر الاكتئاب ضجرًا، ويقول: لم يبق لنا من ملكنا قدْر ذراعين، تُحفر فنُقبر، فما الدُّنْيَا لساكنها بدار. فَلَمَّا وصل إلى الجزيرة سُرّ بذلك، وأقام بها فريدًا طريدًا والمرضُ يزداد. وَكَانَ في أهل مازندران ناس يتقربون إِلَيْهِ بالمأكول والمشروب وما يشتهيه، فَقَالَ في بعض الْأيام: اشتهي أن يكون عندي فرس ترعى حول خيمتي. فَلَمَّا سَمِعَ الملك حسن أهدَى لَهُ فرسًا. ومن قبل كَانَ اختيار الدِّين أميرُ آخر السُّلْطَان مُقدَّمًا عَلَى ثلاثين ألف فارس يَقُولُ: لو شئت لجعلتُ أصحابي ستين ألفًا من غير كُلفة، وَذَلِكَ أنني أستدعي من كل جشار للسلطان في البلاد جوبانًا فينيفون عَلَى ثلاثين ألفًا. فتأمل يا هَذَا بُعد ما بين الحالتين!
ومن حمل إليه في تِلْكَ الْأيام شيئًا من المأكول وغيره كتب لَهُ توقيعًا بمنصب جليل، وربما كَانَ الرجل يتولى كتابة توقيع نفسه لعدم مُوقّع، فأمضاها بعد ولده جلال الدِّين. ثُمَّ حلّ بِهِ الحِمام، وانقضت الْأيام، فغَسَّله شمسُ الدِّين محمود الجاويش ومقرّب الدِّين الفراش، وما كَانَ عنده كفن، ودفن بالجزيرة.
أذلَّ المُلُوكَ وصادَ القُرُومَ ... وصيَّرَ كُلَّ عزيزٍ ذليلا
وحفَّ الملوكُ بِهِ خاضعين ... وزُفُّوا إِلَيْهِ رَعيلًا رعيلا
فَلَمَّا تمكَّنَ منْ أمرِه ... وصارت لهُ الْأرضُ إِلَّا قليلا
وأوهَمَهُ العزُّ أَنَّ الزمانَ ... إِذَا رامهُ ارتدَّ عَنْهُ كليلا
أتتْه المنية مغتاظة ... وسلت عليه حساما صقيلا [ص:525]
فلم تغن عنه حماة الرجال ... ولم يجد فيل عليه فتيلا
كذلك يُفعل بالشّامتينِ ... ويُفنيهم الدهرُ جيلًا فجيلا(13/515)
479 - مُحَمَّد بن ثَروان بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الباقي، الزاهد القدوة، أَبُو عبد الله القضاعي القيسي التدمري، شيخ تدمر. [المتوفى: 617 هـ]
تُوُفِّي في رمضان من السنة وَلَهُ ثلاثٌ وستون سنة، وقد صحب والده الشَّيْخ الكبير ثروان صاحب الشَّيْخ أَبِي البيان القُرَشِيّ الدِّمَشْقِيّ، رحمهم اللَّه.
نقلته من تعاليق عَلَم الدِّين البِرْزَاليّ.(13/525)
480 - مُحَمَّد بن الحَسَن بن علي، أبو الحسن ابن النَّجَّار البَغْدَادِيّ الضرير المُقْرِئ. [المتوفى: 617 هـ]
قرأ بالروايات الكثيرة عَلَى أَبِي الحَسَن بن المُرَحَّب البطائحي؛ وَسَمِعَ منه ومن شُهدة، وأقرأ وَحَدَّثَ. وعاش سبعين سنة، ومات في جُمَادَى الْأولى.(13/525)
481 - مُحَمَّد بن رَيْحان بن عَبْد اللَّه، مولى ثقة الدَّوْلَة أَبِي الحَسَن زوج شُهْدة الكاتبة، الشَّيْخ أَبُو عَليّ. [المتوفى: 617 هـ]
سَمِعَ من شُهْدة، وَيَحْيَى بن ثابت، والمبارك بن المبارك السمسار. رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي وغيره، ومات في شعبان أَوْ في صفر، وَهُوَ أصح.(13/525)
482 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد، أَبُو بكر ابن العَرَبيّ، الإشبيليّ، [المتوفى: 617 هـ]
من أقارب القاضي أَبِي بَكْر ابن العربيّ.
قرأ لنافع عَلَى قاسم بن مُحَمَّد الزقّاق صاحب شُرَيْح، وحجّ فسمع من السِّلَفيّ وغيره، ثُمَّ رحل بعد نيّفٍ وعشرين سنة إلى الشَّام والعراق، وأخذ عَن عَبْد الوَهَّاب بن سُكَيْنة وطبقته، ورجع فأخذوا عَنْهُ بقُرْطُبَة وإشبيلية، [ص:526] ثُمَّ سافر سنة اثنتي عشرة، وتصَوَّف وتعَبَّد، وَتُوُفِّي بالإسكندرية.(13/525)
483 - مُحَمَّد بن عَبْد السَّيِّد بن علي، أبو نصر ابن الزيتوني، البَغْدَادِيّ. [المتوفى: 617 هـ]
عُنِيَ بطلب الحديث عَلَى كِبَر السِّنّ؛ وَسَمِعَ من ابن شاتيل، والقزاز، وعَليِّ ابن الطَّرّاح، وابن بَوْش، وأكثر عَلَى ابن الْجَوْزيّ. ونسخ الكتب الكبار " كالمسند "، و" تاريخ الخطيب "، و" الطبقات " لابن سَعْد، والتفاسير، وقرأ الكثير.
وَكَانَ صدوُقًا، صالحًا متودِّدًا، ذا مروءة. وُلِدَ سنة بضع وثلاثين، ومات في سادس وعشرين ربيع الآخر.
رَوَى عَنْهُ ابن النَّجَّار وغيره.(13/526)
484 - مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم بْن مُحَمَّد بْن منصور، الفقيه أبو زيد ابن الحَافِظ العلامة أَبِي سَعْد، السَّمْعَاني المَرْوَزِيّ. [المتوفى: 617 هـ]
رَوَى عن أَبِي الفَتْح مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن الحمدويي، وجماعة؛ سمع منهم قبل الستين وخمسمائة. وسمع من أبيه، وقدم بغداد رسولا ووعظ بها، وروى أحاديث في مجلس وعظه من حفظه.
وكان مولده في سنة أربع وخمسين، وانقطع خبره من هَذَا الوَقْت.
أَخْبَرَنَا ابن عساكر قال: أَخْبَرَنَا أَبُو زيد إجازة - فذكر حديثًا.
وَهُوَ أَيْضًا من شيوخ الضِّيَاء مُحَمَّد.(13/526)
485 - مُحَمَّد بن عُثْمَان بن يوسف، أَبُو عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ الجزري الشافعي. [المتوفى: 617 هـ][ص:527]
سَمِعَ بمصر من عَليّ بن هبة اللَّه الكامِليّ، والتَّاج المسعودي، وأبي المفاخر سَعِيد المأمونيّ، وبدمشق من مُحَمَّد بن أَبِي الصَّقْر. وَحَدَّثَ، ومات في شَوَّال بالقاهرة.(13/526)
486 - مُحَمَّد بن عُثْمَان بن حسن، أَبُو بَكْر، السَّلماسيّ ثُمَّ البَغْدَادِيّ، البَزَّاز. [المتوفى: 617 هـ]
وُلِدَ سنة تسعٍ وأربعين، وَسَمِعَ حضورًا من أَبِي الوَقْت، وَحَدَّثَ، ومات في ربيع الآخر.(13/527)
487 - مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عَليّ بْن مُحَمَّد بْن حَمَّوَيْه بن مُحَمَّد، شيخ الشيوخ صدر الدِّين أَبُو الحَسَن ابن شيخ الشيوخ عماد الدين أبي الفتح، الجويني البحيراباذي الصُّوفِيّ. [المتوفى: 617 هـ]
وُلِدَ بجُوَيْن، وتَفَقَّه عَلَى أَبِي طَالِب محمود بن عَليّ بن أَبِي طَالِب الإصبهاني صاحب " التَّعليقة " المشهورة. وَقَدِمَ الشَّام مَعَ والده، وتَفَقَّه بدمشق عَلَى القُطب مَسْعُود بن مُحَمَّد النَّيْسَابُوري حَتَّى برع في المذهب. وَسَمِعَ من أَبِيهِ، وَيَحْيَى الثَّقَفِيّ.
ووليَ المناصب الكبار، وتخرَّج بِهِ جماعة، ودَرَّسَ وأفْتى. وزوّجه القُطب النَّيْسَابُوري بابنته، فأولدها الإخوة الْأربعة الْأمراء الصُّدور: عماد الدِّين عُمَر، وفخر الدِّين يوسف، وكمال الدِّين أَحْمَد، ومعين الدِّين حسن. ثُمَّ إِنَّهُ عظُم في الدَّوْلَة الكاملية وارتفع قدره، وولي تدريس الشَّافِعِيّ ومشهد الحُسَيْن وغير ذَلِكَ، وسيّره الكامل رسولًا إلى الخليفة يستنجد بِهِ عَلَى الفرنج في نَوبَة دِمْيَاط فمرض بالمَوْصِل، ومات بعِلَّة الذّرب في جُمَادَى الآخرة أَوْ في جُمَادَى الْأولى.
قَالَ المُنْذِريّ: سَمِعْتُ منه، وخرَّجت لَهُ عن المُجيزين لَهُ كأبي عَليّ [ص:528] الحَسَن بن أَحْمَد الموسياباذيّ، ونصر بن نصر العُكْبَريّ، وأبي الوَقْت السِّجْزِي، وجماعة. وسَأَلْتُهُ عن مولده فَقَالَ: في شَوَّال سنة ثلاثٍ وأربعين وخمسمائة. وَكَانَ جَدّه ممّن رحل إلى الغَزَالِي وتَفَقَّه عنده وصحبه، وكانت داره مجمع الفضلاء، وَكَانَ جدّ أَبِيهِ عَلَم الزُّهاد وشيخ العارفين بجُوَين؛ لَهُ أحوال ومقامات.
قُلْتُ: وَكَانَ صدر الدِّين حسن السَّمْت، كثيرَ الصَّمْت، كبيرَ القدر، غزير الفضل، صاحب أوراد وورع وحلم وأناة.(13/527)
488 - مُحَمَّد، السُّلْطَان الملك المنصور ابن السُّلْطَان الملك المُظَفَّر تقيّ الدِّين عُمَر ابن الْأمير نور الدَّوْلَة شاهنشاه ابن الْأمير نجم الدِّين أيوب بْن شاذي بْن مروان، [المتوفى: 617 هـ]
صاحب حماه وابن صاحبها.
سَمِعَ بالإسكندرية من الإِمَام أَبِي الطاهر بن عوف الزُّهْرِيّ، وجمعَ " تاريخًا " عَلَى السنين في عدَّة مُجَلَّدات فيه فوائد.
قَالَ أَبُو شامة: كَانَ شجاعًا، محبًّا للعلماء يقربهم ويعطيهم.
قُلْتُ: وروى أيضا عن أُسَامَة بْن مُنْقذ؛ رَوَى عَنْهُ القُوصيّ في " معجمه " وَقَالَ: قرأت عَلَيْهِ قطعة من كتابه " مضمار الحقائق في سر الخلائق " وَهُوَ كبير نفيس يدلّ عَلَى فضله، لم يُسبق إلى مثله.
قُلْتُ: وَتُوُفِّي والده المُظَفَّر في سنة سبعٍ وثمانين؛ كما تقدم، وَتُوُفِّي جَدّه في وَقْعَة الفرنج شهيدًا عَلَى باب دمشق سنة ثلاثٍ وأربعين شابًا، رحمه اللَّه، وخَلَّف ولدين: أحدهما تقيّ الدِّين (عُمَر)، والآخر فَرُّوخ شاه نائب دمشق.
وكانت دولة الملك المنصور مُدَّة ثلاثين سنة، وقد ذكرنا من أخباره في الحوادث، وأنه كَسَر الفرنج مرتين.
وَكَانَ مُزوّجًا بملكة ابْنَة السُّلْطَان الملك العادل، وَهِيَ أُمّ أولاده، وماتت قبله، فتأسف عليها بحيث أَنَّهُ لبس الحداد واعتمَّ بعمامة زرقاء؛ قَالَ ذلك ابن [ص:529] واصل في " تاريخه "، وَقَالَ: ورد عَلَيْهِ السيف الآمدي، فبالغ في إكرامه واشتغل عَلَيْهِ.
قَالَ: وصنّف كتاب " طبقات الشعراء "، وكتاب " مضمار الحقائق " وَهُوَ نحوٌ من عشرين مُجَلَّدة. وقد جمع في خزانته من الكتب ما لَا مزيد عَلَيْهِ، وَكَانَ في خدمته ما يناهز مائتي معمَّم من الفقهاء والْأدباء والنُّحاة والمشتغلين بالعلوم الحكميَّة والمنجمين والكُتّاب، وَكَانَ كثير المطالعة والبحث، بنى سور القلعة والمدينة بالحجر، وكانت القلعة قد بناها أَبُوه باللّبِن، وَكَانَ موكبه جليلًا تجذب بين يديه السيوف الكثيرة حَتَّى كَانَ موكبه يضاهي موكب عمّه الملك العادل والملك الظّاهر، وجُمعت أشعاره في " ديوان ".
قُلْتُ: شِعره جيّد، أورد منه ابن واصل قصائد مليحة.
وتملّك حَماة بعده ولده الملك النَّاصر قِلج رسلان، فأخذ منه السُّلْطَان الملك الكامل حماة، وأعطاها لأخيه الملك المظفر ابن المنصور، وحبس النَّاصر بالْجُبّ بمصر، فمات عَلَى أسوأ حال.
تُوُفِّي المنصور في ذي القِعْدَة.(13/528)
489 - مُحَمَّد بن الفضل بن بَخْتِيَار، أَبُو عَبْد الله البعقوبي الواعظ، المعروف بالحُجَّة. [المتوفى: 617 هـ]
تُوُفِّي بدَقُوقا في جُمَادَى الْأولى. سَمِعَ من أَبِي الفَتْح بن شاتيل وغيره، وذَكَر أَنَّهُ سَمِعَ من أَبِي الوَقْت، وصنَّف " غريب الحديث "، وولي خطابة بَعْقُوبا.
قَالَ ابن النَّجَّار: سكن دقوقا ووعظ بها، وَرَوَى بها عَن أَبِي الوَقْت وعن جماعة مجاهيل، وظهر كذبه وتخليطه.(13/529)
490 - مُحَمَّد بن أَبِي الفتوح مُحَمَّد بْن أَبِي سَعْد مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَمْروك، نجم الدِّين أَبُو عَبْد اللَّه والد صدر الدين، البكري النيسابوري الصوفي الشافعي. [المتوفى: 617 هـ][ص:530]
ولد سنة خمسين وخمسمائة. وَسَمِعَ من أَبِي طاهر السِّلَفيّ، وبدمشق من أَبِي البركات الخضر بن عَبْد، وأبي الْقَاسِم ابن عساكر. وَحَدَّثَ، وَكَانَ مولده بحلب، وَتُوُفِّي بدمشق.
حَدَّثَ عَنْهُ الشِّهَاب القُوصِيّ وغيره.
وَتُوُفِّي في ثامن عشر شَوَّال.(13/529)
491 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يبقى، أبو بكر الأنصاري الخَزْرَجِي المُرْسِيّ العدل، المعروف بابن جبلة. [المتوفى: 617 هـ]
سَمِعَ من السلفي، وبمكة من عَليّ بن عَمَّار. وسكن القاهرة، وأمّ بمسجد حارة الدَّيلم مُدَّة.
روى عنه الزكي المنذري، وقال: توفي في العشرين من ذي القِعْدَة.(13/530)
492 - مُحَمَّد بْن المُسَلِّم بْن مكّيّ بْن خلف، أَبُو الفضل بن عَلّان، القَيْسِيّ الدِّمَشْقِيّ العَدْل، [المتوفى: 617 هـ]
أخو أسعد ومكيّ، ووالد شمس الدِّين أَبِي الغنائم المُسَلِّم.
سَمِعَ من الحافظ ابن عساكر، وَحَدَّثَ؛ رَوَى عَنْهُ ابنه " نُسخة أَبِي مُسْهِر "، وَتُوُفِّي في سادس رَجَب.(13/530)
493 - مُحَمَّد بن أَبِي طاهر المُؤَمِّل بن نصر بن المُؤَمِّل، أبو بكر البعقوبي. [المتوفى: 617 هـ]
ولد سنة أربعين وخمسمائة ببَعْقُوبا، ودخل بَغْدَاد مِرارًا؛ وَسَمِعَ بها من أَبِي الوَقْت السِّجْزِي وغيره، وَحَدَّثَ.
وَيُقَال لَهُ: القِبابيّ؛ نسبة إلى قرية قِباب بقُرب بعقوبا. [ص:531]
تُوُفِّي في جُمَادَى الْأولى.
رَوَى عَنْهُ ابن النَّجَّار وغيره.(13/530)
494 - مُحَمَّد بن ناصر بن أَبِي الْقَاسِم سَلْمَان بن ناصر، أَبُو المعالي الْأَنْصَارِيّ النَّيْسَابُوري. [المتوفى: 617 هـ]
سَمِعَ من عَبْد الوَهَّاب بن الحَسَن الكِرمانيّ وغيره. رَوَى عَنْهُ البِرْزَاليّ، والضياء. وسمعنا من الشَّرف ابن عساكر بإجازته منه.
انقطع خبره في هذه السنة، وَكَانَ شيخًا مُعَمَّرًا من أبناء التسعين.(13/531)
495 - محمود بن مُحَمَّد بن قُرا رسلان بن أرتق، السُّلْطَان الملك الصالح ناصر الدِّين [المتوفى: 617 هـ]
صاحب آمد.
قَالَ الإِمَام أَبُو شامة: كَانَ شُجاعًا عاقلا سخيًّا جوادًا، مُحبًّا للعلماء. قام بعده ولده الملك المسعود؛ وَكَانَ بخيلًا فاسقًا، وَهُوَ الَّذِي أخذ منه الملك الكامل آمد، وحبسه بمصر ثُمَّ أطلقه، فمضى إلى التَّتَار ومعه أمواله، فأُخذت منه.
وَقِيلَ: تُوُفِّي الصالح في العام الآتي.(13/531)
496 - محمود بن واثق بن الحسين بن علي ابن السَّمَّاك، الحَرِيمِيّ العَطَّار. [المتوفى: 617 هـ]
حَدَّثَ عن أَبِي الوَقْت وجماعة، ومات فِي جُمادى الْأولى. رَوَى عَنْهُ ابن الدُّبيثيّ، وابنُ النَّجَّار.(13/531)
497 - الموفَّق بن عَبْد الرشيد بن المُظَفَّر، أَبُو الفضل العَبْدُوسِيّ النَّيْسَابُوري العَطَّار. [المتوفى: 617 هـ]
شيخٌ ثقةٌ، سَمِعَ من أَبِي البركات عبد الله ابن الفُرَاويّ، رَوَى عَنْهُ الضِّيَاء المَقْدِسِيّ وغيره. وأجاز للشرف ابن عساكر، والتاج بن عصرون، وزينب بنت كندي.
وانقطع خبرُه في هَذَا العام.(13/531)
498 - المُؤيَّد بن عُمَر بن عَبْد اللَّه النَّيْسَابُوري السُّكَّري. [المتوفى: 617 هـ]
سَمِعَ من ابن عَبْد الخالق بن زاهر وغيره، رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ البِرْزَاليّ، وحَدَّثَنَا عَنْهُ بالإجازة الشَّرف ابن عساكر وغيره.
وانقطع خبره أَيْضًا.(13/532)
499 - المُؤيَّد بن مُحَمَّد بْن عَليّ بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن أَبِي صالح، رضي الدِّين أَبُو الحَسَن، الطُّوسِيّ ثُمَّ النَّيْسَابُوري، المُقْرِئ، [المتوفى: 617 هـ]
مُسْنِد خُرَاسَان في زمانه.
وُلِدَ سنة أربع أو خمس وعشرين وخمسمائة. وَسَمِعَ " صحيح مُسْلِم " في سنة ثلاثين من أبي عبد الله الفراوي، و" صحيح البُخَارِي " من وجيه الشَّحَّامِيّ وَأَبِي المعالي مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الفارسي وَعَبْد الوَهَّاب بْن شاه، و" الموطأ " من هبة اللَّه بن سَهْل السَّيِّديّ سوى الفوت العتيق، و" تفسير " الثَّعْلَبِيّ من عَبَّاسة العَصّاريّ، وأكثر " الوسيط " للواحديّ في التفسير من عَبْد الجبار بن مُحَمَّد الخواري، و" الغاية في القراءات " لابن مِهْرَان من زاهر بن طاهر الشحامي، و" الأربعين " للحسن بن سُفْيَان من فاطمة بنت زَعْبل؛ وتَفَرَّدَ بالرواية عَنْهَا وعن هبة اللَّه والفُرَاويّ وغيرِهم.
وطالَ عُمره، ورحلَ النَّاس إِلَيْهِ من الْأقطار، وَكَانَ ثِقَةً مُقرئًا جليلًا.
رَوَى عَنْهُ خلق كثير؛ منهم العلّامة جمال الدِّين محمود الحصيري شيخ الحنفية، وَالإِمَام تقيّ الدِّين عُثْمَان ابن الصلاح شيخ الشافعية، والقاضي شمس الدين أَحْمَد بن الخليل الخُوَييّ، وابنُ نُقْطَة، والبِرْزَاليّ، وابنُ النَّجَّار، وَالضِّيَاء، والمُرْسِيّ، والصَّرِيفينيّ، والكمال بن طلحة، والبَكْرِي، والمجد مُحَمَّد بن مُحَمَّد الإسْفَرَايينيّ، وَأَبُو الحَسَن عَليّ بن يوسف الصُّوريّ، والمجد مُحَمَّد بن سَعْد الهاشِمِيّ، وَمُحَمَّد بن عُمَر بن الخوش الْأسعرديّ، وَإِسْحَاق بن عَبْد المحسن الحَنْبَلِيّ، وشمس الدِّين زكي بن حسن البَيْلَقَانِيّ، ومُفَضَّل بن عَليّ القُرَشِيّ، والقاسم بن أَبِي بَكْر الإربلي، وغيرُهم. وبالإجازة خلق؛ منهم: شمس الدِّين عَبْد الواسع الْأبهري، وتاج الدِّين مُحَمَّد بن أبي عصرون، وشرف الدين أحمد ابن عساكر، وزينب البَعْلَبَكِّيَّة. [ص:533]
وأجازَ لَهُ القاضي أَبُو بَكْر الأنصاري، وَأَبُو منصور عَبْد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد القَزَّاز، وجماعة.
وَتُوُفِّي ليلة الْجُمُعة العشرين من شَوَّال، وأراحه اللَّه من التَّتَار - خذلَهُم اللَّه - فإنّهم بعد شهر أو أكثر أخذوا البلاد واستباحوها.(13/532)
500 - ناصر بن مهديّ بن حمزة، الوزير نصير الدين أبو الحسن المازندراني. [المتوفى: 617 هـ]
قدم بغداد سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وقلد وزارة أمير المؤمنين سنة اثنتين وستمائة، ثُمَّ قُبِضَ عَلَيْهِ سنة أربع.
ونشأ بالري، ومات في ثامن جمادى الأولى.(13/533)
501 - هبة اللَّه بن أَبِي العلاء وجيه بن هبة اللَّه بن المبارك، ابن السَّقَطيّ أَبُو البركات. [المتوفى: 617 هـ]
ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة. وسمع من أبيه، وأبي الفتح ابن البَطِّيّ، وغيرِهما. وسكن أوَانا، وبها مات في هَذَا العام.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي.(13/533)
502 - هبة اللَّه بن أَبِي فراس أَحْمَد بن بركات ابن الزَّجّاج السُّلَمِيّ، الحَرَّانيّ ثُمَّ البَغْدَادِيّ، المُؤَدِّب، أَبُو الْقَاسِم. [المتوفى: 617 هـ]
رَوَى عن أَبِي بَكْر بن النَّقُّور وغيره.
ولم يكن جدُّهم زجَّاجًا، بل قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يزجُّ نفسه في الحرب، فلُقِّب بذلك.(13/533)
503 - يونس بن أَبِي بَكْر بن كرم، الحَافِظ أَبُو مُحَمَّد البَغْدَادِيّ، ويُعرف بالمفيد. [المتوفى: 617 هـ][ص:534]
سَمِعَ من ابن طَبَرْزَد، وابن سُكينة، فمَن بعدهما. وَلَهُ إجازة من أَبِي الحُسَيْن بن يوسف، وَكَانَ ثقة مُكثرًا.
مات كهلًا في ذي الحجة.(13/533)
-وفيها وُلِدَ:
الشَّيْخ نجم الدِّين أَحْمَد بن محسّن بن مكّي، والكمال مُحَمَّد بن أحمد ابن النَّجَّار وكيل بيت المال، وشمس الدِّين مُحَمَّد بن سلمان ابن بنت غانم المُوَقّع، والبهاء أيّوب بن أَبِي بكر ابن النحاس مدرس القَلِيجية، والعماد أَحْمَد بن مُحَمَّد بن سَعْد، وَالضِّيَاء دانيال بن مَنْكليّ الكركيّ، والشمس خضر بن أَبِي الحُسَيْن بن عبدان الْأَزْدِيّ، والعِماد مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمَد بن القسطة، والتاج كِندي بن عُمَر بن كندي، والشيخ يونس بن أَحْمَد المؤذن بجامع دمشق، وَعُمَر بن أَبِي الفَتْح الصَّحْراويّ نزيل مِصْر، وعَليِّ بن أَحْمَد بن عَبْد الدائم، وإدريس بن مُحَمَّد بن عَبْد العزيز الإدريسي، وَسَعْد الخير بن أبي القاسم النابلسي الشروطي، ونصر اللَّه بن مُحَمَّد بن عيَّاش السَّكاكينيّ، وشيخنا حسن ابن عَبْد الكريم سِبْط زيادة المُقْرِئ وعاش خمسًا وتسعين سنة، والتّقيّ أَحْمَد بن مؤمن.(13/534)
-سنة ثمان عشرة وستمائة(13/535)
504 - أَحْمَد بن صَدَقة بن نصر بن زُهير بن المقلد، الأجل أبو نصر، الحراني الأصل، البغدادي. [المتوفى: 618 هـ]
تُوُفِّي فُجاءةً في ربيع الآخر وَلَهُ تسع وسبعون سنة. سَمِعَ من أَبِي جَعْفَر أَحْمَد بْن مُحَمَّد العَبَّاسيّ، ومَسْعُود بن الحُصَيْن.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، وَقَالَ: مات في نصف ربيع الآخر.(13/535)
505 - أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْنِ محمد بن محمد ابن سَيِّد الناس، أَبُو العَبَّاس اليَعْمَريّ الإشبيليّ. [المتوفى: 618 هـ]
أصله من أبَّدَّة؛ عمل جَيّان وما والاها، دار اليَعْمَريين. وَهُوَ سِبْط أَبِي الحُسَيْن بن سُلَيْمَان اللَّخْميّ؛ رَوَى عَنْهُ وعن أَبِي بَكْر بن خير، وأبي بكر ابن الْجَدّ، وجماعة.
قَالَ الْأبَّار: كَانَ مُعتنيًا بالحديث، عارفًا بالقراءات، أدَّبَ بعضَ بني الْأمراء، رَوَى عَنْهُ صاحبُنا ابنه أَبُو بَكْر مُحَمَّد بن أَحْمَد، وَتُوُفِّي في جُمَادَى الْأولى وَلَهُ سبعٌ وخمسون سنة.
قُلْتُ: أَبُو بَكْر هَذَا جَدّ الحَافِظ فتح الدِّين، مُفيد الدِّيار المصرية.(13/535)
506 - أَحْمَد بن عَليّ بن الحُسَيْن، أَبُو الفَتْح، الغَزْنَوي الْأصل، البَغْدَادِيّ الواعظ. [المتوفى: 618 هـ]
وُلِدَ سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة. وسمَّعه أَبُوه من أَبِي الحَسَن مُحَمَّد بن أَحْمَد بن صِرْما، وَأَبِي الفضل الْأُرْمَوي، وأبي سَعْد أَحْمَد بن مُحَمَّد البَغْدَادِيّ الإصبهاني، وأبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن نبهان الغنوي، وأبي الفَتْح الكروخي، وجماعة. [ص:536]
وَكَانَ صحيح السَّماع، عالي الإسناد، لكنّه ضعيف.
قال الدبيثي: لنا بلغ أوان الرواية، واحتيج إِلَيْهِ لم يقم بالواجب، ولا أحبَّ ذَلِكَ لميله إلى غيره وشَنْئه لَهُ، ولم يكن محمود الطَّريقة، وسمعنا منه عَلَى ما فيه.
قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهُ ليث ابن الحافظ ابن نُقْطَة، وابن النَّجَّار وَقَالَ: كَانَ فاسدَ العَقِيدة، يعظ وينال من الصَّحابة. شاخَ وافتقر، وهَجره النَّاس. وَكَانَ ضَجُورًا، عسِرًا، مُبغضًا لأهل الحديث. انفرد برواية " جامع الترمذي "، وبـ" معرفة الصّحابة ". كَانَ يأخذ أجرًا عَلَى التَّسميع، وسماعه صحيح.
قُلْتُ: لم يُنْتفع بعلوِّ سنده، وانطوى ذِكره. وقد رَوَى عَنْهُ " جامع التِّرْمِذِي " الشَّيْخ عَبْد الصَّمَد بن أَبِي الجيش وَمُحَمَّد بن مَسْعُود العَجَميّ المَوْصِليّ، وَكَانَ أَبُوه من أعيان الحنفية ورؤوسهم. وفي أثبات ابن خروف المَوْصِليّ: قرأ " جامع التِّرْمِذِي " عَلَى ابن مَسْعُود المذكور سنة إحدى وسبعين وستمائة.
قَالَ ابن نُقْطَة: سَمِعَ من ابن صِرْما، والأرموي، وأبي سَعْد البَغْدَادِيّ. وَسَمِعَ كتاب " معرفة الصّحابة " لابن مَنْدَهْ، وكتاب " الإيمان " لرستة. وما رُوي من " تفسير " وكيع من أَبِي سَعْد البَغْدَادِيّ، وكتاب " الْأبواب " لابن زياد النَّيْسَابُوري؛ من ابن صِرْما. وَهُوَ مشهور بين العوّام برذائل ونقائص؛ من شُرب النبيذ والرَّفض وغير ذَلِكَ، سُئل وَأَنَا أسمع عمّن يَقُولُ بخلق القرآن فَقَالَ: كافر. وعمّن يسبُّ الصّحابة فَقَالَ: كافر. وعمّن يستحلّ شُرب الخمر فَقَالَ: كافر. فَقِيلَ: إنهم يعنونك بذلك. فقال: كذبوا، أنا بريء من ذَلِكَ. وكتب خطّه بالبراءة. وقد سَمِعْتُ عَلَيْهِ لأجل ابني أكثر ما عنده، وَكَانَ فيه كَرَم مَعَ فَقرِه.
قُلْتُ: لم ينفرد الغَزْنَوي بعُلُوّ " الجامع "، فقد عاش بعده ابن البَنَّاء سنوات. وَسَمِعَ منه أَبُو زكريا يَحْيَى ابن الصَّيْرَفِيّ أجزاء من " تَفْسير وكيع ".
تُوُفِّي في رمضان.(13/535)
507 - أحمد بن علي بن النفيس بن بورنداز، المحدِّث العالم أَبُو نصر. [المتوفى: 618 هـ]
سمّعه أَبُوه من عبد الحق اليوسفي؛ ثم طلب بنفسه، فسمع من ابن كليب، ومن ذاكر بن كامل، وطبقتهما. وتَفَقَّه عَلَى مذهب أَحْمَد، ثُمَّ رحل إلى إصبهان فسمع من مَسْعُود الْجَمّال، وخليل الراراني، واللبان، وطائفة. ورحل إلى نيسابور بعد الستمائة فأكثرَ بها، وسَكَنَ بَلْخ، وتحوَّل شافعيًا، وأمَّ بمسجد راغوم، وصار خازن الكتب بِهِ. وخرّج هناك، وأملَى مجالس.
وَكَانَ صدوقًا حَسَن الطريقة.
ترجمه ابنُ النَّجَّار، وَقَالَ: عُدِمَ في أخْذ التَّتَار البلاد سنة ثمان عشرة.(13/537)
508 - أَحْمَد بن عُمَر بن مُحَمَّد، الزَّاهد القُدوة الشَّيْخ نجم الدِّين الكُبْريّ، أَبُو الْجَنَّاب الخِيوَقيّ الصُّوفِيّ، شيخُ خُوَارِزْم. [المتوفى: 618 هـ]
سَمِعْتُ أَبَا العلاء الفَرَضِيّ يَقُولُ: إنّما هُوَ نجم الكُبراء، ثُمَّ خُفِّفَ وغُيّر وَقِيلَ: نجم الدِّين الكُبْرَيّ. وَهُوَ من خِيوَق، وَيُقَال: خِوَق؛ وَهِيَ من قُرى خُوَارِزْم.
قَالَ عُمَر ابن الحاجب: طافَ البلاد وَسَمِعَ بها الحديث، واستوطن خُوَارِزْم، وصارَ شيخ تِلْكَ النَّاحية، وَكَانَ صاحبَ حديث وسُنَّة، وملجأ للغُرباء، عظيمَ الجاه لَا يخاف في اللَّه لومة لائم. سَمِعَ بالإسكندرية من أَبِي طاهر السِّلَفيّ، وبهمذان من الحَافِظ أَبِي العلاء، وَمُحَمَّد بن بُنَيْمان، وبنيسابور من أَبِي المعالي الفُرَاويّ.
رَوَى عَنْهُ عَبْد العزيز بن هِلالة، وشَمْخ خطيب دارَيّا، وناصر بن منصور العُرْضيّ، وسيف الدِّين الباخَرْزيّ تلميذُه، وآخرون.
وَقَالَ ابن نُقْطَة: هُوَ شافعي المذهب، إمام في السنة. وأثنى عليه.
وقال ابن هلالة: جلستُ عنده في الخلوة مرارًا، فوجدتُ من بركته شيئًا عظيمًا، وشاهدت في خلوتي عنده أمورًا عجيبة. وَسَمِعْتُ من يخاطبني بأشياء حَسَنة. [ص:538]
وَقَالَ آخر: كَانَ النّجم الكُبْرَى فقيهًا، شافعيًا، زاهدا، عارفا، فسر القرآن العظيم في اثنتي عشرة مُجَلَّدة، ودخل الشَّام ونزل بخانكاه القصر بحلب.
قُلْتُ: وَكَانَ شيخنا عماد الدِّين الحَزّامي يُعَظّمه، ولكن في الآخر أراني لَهُ كلامًا فيه شيءٌ من لوازم الاتّحاد؛ وَهُوَ - إن شاء اللَّه - سالم من ذَلِكَ، فَإِنَّهُ محدِّث معروف بالسُّنَّة والتَّعبُّد، كبير الشأن. ومن مناقبه أَنَّهُ استشهد في سبيل اللَّه، وَذَلِكَ أَنَّ التَّتَار لَمَّا نزلت عَلَى خُوَارِزْم في ربيع الْأَوَّل من السنة، خرجَ فيمن خرج ومعه جماعة من مُريديه، فقاتلوا عَلَى باب خُوَارِزْم حَتَّى قتلوا مُقبلين غير مدبرين.
ولقد اجتمع بِهِ الفخر الرَّازِيّ صاحب التّصانيف وفقيه آخر، وقد تناظرا في معرفة الله وتوحيده فأطالا الجدال، فسألا الشَّيْخ نجم الدِّين عن علم المعرفة، فقال: واردات ترد على النفوس تعجز النّفوس عن ردّها. فسأله فخر الدِّين: كيف الوصول إلى إدراك ذَلِكَ؟ قَالَ: تترك ما أنت فيه من الرياسة والحظوظ. أَوْ كما قَالَ لَهُ، فَقَالَ: هَذَا ما أقدر عَلَيْهِ. وانصرف عَنْهُ، وأمّا رفيقه فَإِنَّهُ تَزَهَّد وتجرَّدَ، وَصَحِبَ الشَّيْخ فَفُتِحَ عَلَيْهِ. وهذه حكاية حكاها لنا الشَّيْخ أَبُو الحُسَيْن اليونيني، ولا أحفظها جيدًا.
وممن أخذ عَنْهُ أَحْمَد بن عَليّ النَّفْزيّ، وَعَبْد العزيز بن هلالة.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ نَافِعٌ الْهِنْدِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وتسعين قال: أخبرنا سعيد بن المطهر الباخرزي قال: أَخْبَرَنَا شَيْخُنَا أَبُو الْجَنَّابِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الخيوقي سنة خمس عشرة وستمائة قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَلَاءِ الْحَافِظُ، بِقِرَاءَتِي. (ح) وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَامَةَ وَغَيْرُهُ عَالِيًا عَنِ ابْنِ كليب؛ قالا: أخبرنا علي بن أحمد قال: أخبرنا محمد بن محمد قال: أخبرنا الصفار قال: حدثنا الحسن بن عرفة قال: حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: " {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} " [ص:539]، قَالَ: " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْعَمَلَ فِي الدُّنْيَا، الْحُسْنَى: وَهِيَ الْجَنَّةُ، وَالزِّيَادَةُ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ؛ انْفَرَدَ بِهِ سَلَمُ بْنُ سَالِمٍ الْبَلْخِيُّ - وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقٍ - عَنْ نُوحٍ الْجَامِعِ شَيْخِ مَرْوَ، وَلَيْسَ بِثِقَةٍ، بَلْ تَرَكُوهُ، وَقَدْ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي " جَامِعِهِ ". وَاللَّهُ أَعْلَمُ.(13/537)
509 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الحُسَيْن، أَبُو جَعْفَر السُّلَمِيّ الغَرْنَاطَيّ القَصْرِيّ، المعروف بابن خَوْلة. [المتوفى: 618 هـ]
وُلِدَ سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة بغَرْنَاطَة. ورحلَ، وَسَمِعَ بالعراق وفارس وكِرمان، ودخل الهند وبُخَارَى، وسكنَ هَرَاة إلى أن دخلتها التَّتَار بالسيف، فاستُشهد.
وَكَانَ شاعرًا؛ امتدحَ ملوكًا، ونال دنيا، وحسنت حاله. وسمع الكثير، ووافق الحُفّاظ.(13/539)
510 - أَحْمَد بن مُحَمَّد بن أَحْمَد بن الخضر بن الحُسَيْن بن سُمير، أَبُو نصر التَّنُوخِيّ الحَمَوِيّ الشافعي، قُطْب الدِّين. [المتوفى: 618 هـ]
سَمِعَ ببَغْدَاد من شُهْدة وجماعة، وَحَدَّثَ بدمشق، وماتَ في منتصف شَوَّال بدمشق.(13/539)
511 - أَحْمَد بن مَسْعُود بن شَدَّاد المَوْصِليّ المُقْرِئ الصَّفَّار. [المتوفى: 618 هـ]
وُلِدَ سنة خمسٍ وأربعين بالمَوْصِل، وسكنَ حلب، وبها مات.
سَمِعَ من أبي جعفر أحمد بن أحمد القاص البَغْدَادِيّ المُقْرِئ؛ تلميذ ابن بدران الحُلْوَانِي.(13/539)
512 - إِبْرَاهِيم بن حُمَيْد، أَبُو إِسْحَاق التَّفْلِيسِيّ التَّاجر الصُّوفِيّ. [المتوفى: 618 هـ]
رَوَى عَن السِّلَفيّ، وَعَنْهُ الزَّكيّ عبد العظيم وقال: مات في ذي [ص:540] القِعْدَة. وأثنى عَلَيْهِ.(13/539)
513 - إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن محمد السلمي المغربي الحكيم، المعروف بالقُطب المَصْرِيّ. [المتوفى: 618 هـ]
قَدِمَ خُرَاسَان وتَعَلَّم بها عَلَى الفَخْر الرَّازِيّ، وصارَ من كبار تلامذته. وصَنَّف كُتبًا كثيرة في الطّبّ والفلسفة، وشرح " الكُلّيات " بكمالها من كتاب " القانون ". وقُتل فيمن قُتِلَ بنَيْسَابُور.
أخذ عَنْهُ شمس الدِّين قاضي الشَّام شمس الدِّين الخُوييّ، والعلّامة شمس الدِّين الشاميّ.(13/540)
514 - الْأنْجَب بن أَبِي العزّ، أَبُو شُجاع الدّلّال. [المتوفى: 618 هـ]
شيخٌ بغدادي، سَمِعَ الكثير من أَبِي الوَقْت.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، وَقَالَ: مات في صفر.
رَوَى " جزء أَبِي الْجَهم "، وَرَوَى عَنْهُ ابن النجار.(13/540)
515 - بهية بنت الفقيه طَرْخان بن أَبِي الحَسَن عَليّ بن عَبْد اللَّه السُّلَمِيّ الدِّمَشْقِيّ الصَّالحيّ، أُمّ عَبْد الرَّحْمَن. [المتوفى: 618 هـ]
امْرَأَة صالحة عابدة، لها أوراد وتهَجّد، روت بالإجازة عن سَعْد الخير الأنصاري، وتوفيت في صفر.(13/540)
516 - تمّام بن أَبِي تِغلب، الشَّيْخ الزّاهد الصّالح [المتوفى: 618 هـ]
تلميذ الشيخ أحمد ابن الرفاعيّ.
تُوُفِّي ببَغْدَاد في شعبان؛ قاله ابْن النجار.(13/540)
517 - الْحَسَن بْن عَليّ بْن الحُسَيْن بن قَنان، أَبُو مُحَمَّد، الْأَنْبَارِيّ ثُمَّ البَغْدَادِيّ، المُخَلَّطِيّ. [المتوفى: 618 هـ]
سَمِعَ من أَبِي الفضل الْأُرْمَوي، وَحَدَّثَ.
والمُخَلَّطِيّ: هُوَ النقلي.
وروى عَنْهُ الزَّكيّ البِرْزَاليّ، والدُّبَيْثِي. [ص:541]
وَهُوَ أخو الحُسَيْن الَّذِي مرَ.
تُوُفِّي في الثامن والعشرين من ذي الحجَّة، ويُعرف بابن الرُّبِّيّ.
ذكرهُ ابنُ نُقْطَة فَقَالَ: حدَّث بشيءٍ كثير عن الْأُرْمَوي، وسماعه صحيح. وَأَبُوه سَمِعَ من ابن الحُصَيْن، وزاهر الشَّحَّامِيّ.(13/540)
518 - حسن، الرئيس المُطاع جلال الدِّين حفيد الحَسَن بن الصَّبَّاح، [المتوفى: 618 هـ]
صاحب الْأَلموت وملك الإسماعيلية.
مات في هَذَا العام، وكان قد أظهر شعائر الإِسْلام من الْأذان والصلاة. ووليَ بعده الْأمر ولده الْأكبر علاء الدِّين مُحَمَّد بن حسن، فامتدّت أيامه إلى أن حاصرهم هولاكو.(13/541)
519 - الحُسَيْن بن عَبْد الوَهَّاب بن حسن بن بركات، القاضي السّديد أَبُو عَليّ المُهَلَّبِيّ البهنسيّ الشَّافِعِيّ. [المتوفى: 618 هـ]
دَرَّسَ بجامع السَّرّاجين بالقاهرة، ونابَ فِي القضاء عَن قاضي القُضاة أَبِي الْقَاسِم عَبْد الرَّحْمَن بن عَبْد العَليّ مُدَّة، ثُمَّ ترك ذَلِكَ. وكان عفيفا، نزها، صالحا، وَقُورًا، عابدًا، كبيرَ القدر.
مات في شعبان بالقاهرة.(13/541)
520 - حمّود بن وشواش البُوشيّ الزّاهد. [المتوفى: 618 هـ]
سَمِعَ أَحْمَد بن المُسَلِّم اللَّخْميّ، رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ المُنْذِريّ.
تُوُفِّي في جُمَادَى الآخرة وقد ناهز الثمانين، وكان شيخا صالحا زاهدا.(13/541)
521 - خديجة بنت القاضي الْأنجب أَبِي المكارم المُفَضَّل بن عَليّ المَقْدِسِيّ، [المتوفى: 618 هـ]
أخت الحَافِظ أَبِي الحَسَن.
وُلِدَت بالإسكندرية سنة خمسين، وأجاز لها السِّلَفيّ وشهدة. [ص:542]
وكانت زاهدة، عابدة، قانتة، كثيرة البِرّ. أخرجت جميع ما بيدها في المعروف.
رَوَى عَنْهَا الزكي المنذري، وماتت في ربيع الآخر.(13/541)
522 - دَاوُد شاه بن بُنْدَار بن إِبْرَاهِيم، الإِمَام معين الدِّين أَبُو الخير الجِّيليّ، الشَّافِعِيّ الفقيه. [المتوفى: 618 هـ]
قَدِمَ بَغْدَاد في صِباه، وتَفَقَّه بالنِّظامية عَلَى أَبِي المحاسن يوسف بن بُنْدَار الدِّمَشْقِيّ، وأعادّ بها مُدَّة طويلةً، ودَرَّسَ وأفْتَى. وَحَدَّثَ عن أَبِي الوَقْت السِّجْزِي وغيره، رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي وغيره.
وماتَ في رَجَب وقد نَيَّفَ عَلَى الثمانين.(13/542)
523 - زُبيدة بنت عَبْد الرَّزَّاق بن مُحَمَّد بن أَبِي نصر الطَّبَسِيّ. [المتوفى: 618 هـ]
شيخةٌ مُعَمَّرة، سمّعها أبوها من عبد المنعم ابن القُشَيْريّ وغيره.
قَالَ ابن نُقْطَة: سَمِعَ منها الرَّحالة بَطبَس. وبقيت إلى سنة ثماني عَشَرة وستمائة، وانقطع عنا خبرها.(13/542)
524 - سَلْمَان بن رجب بن مهاجر الرَّاذانيّ المُقْرِئ الضّرير. [المتوفى: 618 هـ]
تَفَقَّه بالنَّظاميَّة؛ وَسَمِعَ من شُهْدة الكاتبة، وَحَدَّثَ، ومات في ربيع الْأَوَّل.(13/542)
525 - سُلَيْمَان بن الحَكَم بن مُحَمَّد، أَبُو الرِّبيع الغَافقيّ القُرْطُبيّ. [المتوفى: 618 هـ]
رَوَى عن أَبِي عَبْد اللَّه بن حَفْص، وَأَبِي الْقَاسِم الشَّرّاط، وأبي جَعْفَر بن يَحْيَى.
قَالَ الْأبَّار: كَانَ ثقة ديّنًا شاعرًا، لَهُ أرجوزة في الفقه عَلَى مذهب مالك يتتبّع فيها كتاب " الخِصال الصّغير " للعَبْديّ، وَكَانَ شُرُوطيًا. تُوُفِّي في ربيع الآخر، وقد قارب الستين.(13/542)
526 - شُعيب بن الحَسَن بن عَبْد الباقي، أَبُو يَحْيَى السَّقْلاطونيّ الحَرْبِيّ. [المتوفى: 618 هـ]
سَمِعَ من جَدّه لأمّه عُمَر بن عَبْد اللَّه الحَرْبِيّ وعَليِّ بن مُحَمَّد بن أَبِي عُمَر جميع " أمالي طِراد "، وحدّث.
تُوُفّي فِي ربيع الآخر.(13/543)
527 - عَبْد اللَّه بْن محمد، العلامة أبو محمد ابن الكَمَّاد الإشبيلي. [المتوفى: 618 هـ]
سَمِعَ أَبَا مُحَمَّد بن حوط اللَّه، وبرَع في علم الكلام، وشارك في العلوم، وصَنَّفّ التصانيف.
عاش نَيِّفًا وأربعين سنة.(13/543)
528 - عَبْد الباقي بْن عبد الواسع بن عبد الباقي بن عامر، شيخ الدِّين أَبُو المجد الأزدي الهروي. [المتوفى: 618 هـ]
سمع من عبد الجليل بن أبي سعد المعدل. روى عنه الزكي البرزالي، والضياء المقدسي. وأجاز لشيخنا التاج ابن عَصْرون، والشرف ابن عساكر.
وَكَانَ من صوفية هَراة، وُلِدَ سنة ثمانٍ وأربعين، وعُدِم في دخول التَّتَار هَراة في ربيع الْأَوَّل.(13/543)
529 - عَبْد الخالق بن عبد الرحمن بن محمد ابن الصياد، أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الحَرْبِيّ. [المتوفى: 618 هـ]
وُلِدَ سنة سبع وعشرين وخمسمائة، وأدرك قاضي المرستان ولم يسمع منه. وسمع من أحمد ابن الطلاية، وسعيد ابن البَنَّاء، وَعُمَر بن عَبْد اللَّه؛ شيوخ الحربية.
روى عنه الدبيثي، والبرزالي، وجماعة. وتوفي في السابع والعشرين من رمضان.
وَكَانَ شيخًا صالحًا مُعَمَّرًا.(13/543)
530 - عَبْد الرَّحْمَن بن عَبْد السَّلام، أَبُو الْقَاسِم الغَسَّانِيّ، الْأنْدَلُسِيّ الغَرْنَاطَيّ، النَّحْوِيّ. [المتوفى: 618 هـ][ص:544]
قَالَ الْأبَّار: سَمِعَ أَبَا سُلَيْمَان السَّعْديّ، وأبا عَبْد اللَّه بن عُرُوس. وذكر بعض أصحابنا أَنَّهُ سَمِعَ من أَبِي عَبْد اللَّه النُّمَيْرِيّ في صِغره، وتصدّر ببلده للإقراء وتعليم العربية، وَوليَ الخطابة، وَحَدَّثَ، وطال عمره. تُوُفّي فِي ربيع الْأَوَّل.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ أَبُو بَكْر بن مسديّ فَقَالَ: أَخْبَرَنَا سنة خمس عشرة وستمائة بغَرْنَاطَة، عن أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن النُّمَيْرِيّ سماعًا سنة تسعٍ وثلاثين وخمسمائة؛ فذكر حديثا نازلا عن أبي بكر ابن العربيّ.
قَالَ ابن مسدي: تلا بالسَّبْع عَلَى أَبِي عَبْد اللَّه بن عُرُوس. قرأت عَلَيْهِ السبْع بغَرْنَاطَة. ثُمَّ قَالَ: وَتُوُفِّي في الثالث والعشرين من شعبان سنة تسع عشرة.(13/543)
531 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الواحد بْن عَبْد الرَّحْمَن بن غلّاب، القاضي المُعَمَّر، وجيه الدِّين البَلَويّ الإسكندرانيّ. [المتوفى: 618 هـ]
مولده في رمضان سنة خمس عشرة وخمسمائة، وَكَانَ يمكنه السَّماع من أَبِي عَبْد اللَّه الرَّازِيّ صاحب " السُّدَاسيّات " فلم يسمع منه، بل ولا من السِّلَفيّ في الكُهولة؛ إنّما سَمِعَ من هاشم بن عبد الرحمن بن عَبْد اللَّه التُّونسِيّ؛ وَحَدَّثَ عَنْهُ.
قَالَ المُنْذِريّ: ناب في القضاء بالإسكندرية في أيام المصريين وفي الدَّوْلَة النّاصرية، وعُمِّر حَتَّى جاوزَ المائة مُمَتَّعًا بحواسّه وقُوتّه، حاضر الذّهن، يركب الخيل. ولنا منه إجازة، مات في رابع شَوَّال.(13/544)
532 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عُثْمَان بْن مُوسى بْن أَبِي نصر، المُفتي صلاح الدِّين أَبُو الْقَاسِم الكردي الشَّهْرَزُوري الشَّافِعِيّ، [المتوفى: 618 هـ]
والد الشَّيْخ تقيّ الدين ابن الصلاح. [ص:545]
ولد قبل الأربعين وخمسمائة، وتَفَقَّه عَلَى القاضي شرف الدِّين أَبِي سَعْد ابن أَبِي عصرون وغيره، ودَرَّسَ وأفاد، وسكنَ حلب بأخرة، ودرس بالمدرسة الْأَسَدِيَّة، وَتُوُفِّي بحلب في ذي القِعْدَة.(13/544)
533 - عَبْد الرحمن بن معالي بن أبي نصر ابن العُلِّيق، المعروف بابن الأحمر، البَغْدَادِيّ. [المتوفى: 618 هـ]
حدّث عن يحيى بن ثابت، ومات في ربيع الأول.(13/545)
534 - عَبْد الرَّحْمَن بن يوسف بن عَبْد الرَّحْمَن البَغْدَادِيّ الظفري. [المتوفى: 618 هـ]
حَدَّثَ عن يَحْيَى بن ثابت أَيْضًا، ومات في شعبان.(13/545)
535 - عَبْد الرَّحِيم بن أَبِي جَعْفَر النَّفيس بن هبة اللَّه بن وَهْبان، الفقيه المحدِّث المُفيد، أَبُو نصر السُّلَمِيّ الحديثي المولد البَغْدَادِيّ. [المتوفى: 618 هـ]
سَمِعَ أَبَا الفَتْح بن شاتيل، وأبا السَّعَادَات القَزَّاز، وفارس بن أَبِي الْقَاسِم الحَفّار، ومن بعدهم. ورحل، فسمع بواسط من أَبِي الفَتْح المَنْدَائِيّ، وبإربل من عُمَر بن طَبَرْزَد، وبنيسابور من المُؤيَّد بن مُحَمَّد، وبهراة من أبي رَوْح عَبْد المُعزّ، وبإصبهان من أصحاب أَبِي عَبْد اللَّه الخَلّال، وبدمشق من الكِنْدِيّ، وبمصر، والإسكندرية.
قَالَ الحَافِظ عَبْد العظيم: سَمِعْتُ منه من شعره. قَالَ: وَكَانَ حادّ الخاطر، جيّد القريحة، فقيهًا، أديبًا شاعرًا، وَهُوَ منسوب إلى حديثة النورة بقرب هيت؛ وهي جزيرة في وسط الفرات، وَهِيَ غير حديثة المَوْصِل.
وَقَالَ ابن النَّجَّار: كَانَ حافظًا، ثقة، متقنًا، ظريفًا، كيّسًا، متواضعًا، لَهُ النّظْم والنّثْر. اصطحبنا مُدَّة وأفادني الكثير، وسكنَ خُوَارِزْم إلى أن استولى عليها التَّتَار وأحرقوها، وعُدم خبرُه. وقد كتبت عنه بمرو، وولد سنة سبعين وخمسمائة.(13/545)
• - عَبْد الصَّمَد بن عَبْد الرَّحْمَن بن أَبِي رجاء، أَبُو مُحَمَّد البلويّ. [المتوفى: 618 هـ]
فيها، وسيأتي سنة تسع عشرة.(13/546)
536 - عَبْد العزيز بْن عبد الملك بن تميم الشَّيْبَانِيّ الدِّمَشْقِيّ المحدِّث الرَّحال. [المتوفى: 618 هـ]
أسَرَته التَّتَار سنة ثمان عشرة.(13/546)
537 - عَبْد الغني بن قاسم بن عبد الرزاق، أبو الْقَاسِم، المَقْدِسِيّ الْأصل، المَصْرِيّ الحَنْبَلِيّ الفقيه. [المتوفى: 618 هـ]
سَمِعَ من البُوصيريّ، والْأرتاحيّ، وجماعةٍ. وانقطع إلى الحَافِظ عَبْد الغنيّ ولازَمه وأكثرَ عَنْهُ. وَكَانَ صالحًا، خَيّرًا، قانعًا باليسير، فقيرًا، مُتَجَمّلًا. وقد حَدَّثَ.
ومات في صفر.(13/546)
538 - عَبْد الكريم بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي عَليّ، أَبُو علي، الإصبهاني ثُمَّ البَغْدَادِيّ، [المتوفى: 618 هـ]
الحاجب، المعروف والده بالسَّيِّديّ؛ لأنه خَدَمَ الْأميرَ السَّيِّد أَبَا الحَسَن العَلَويّ.
وُلِدَ سنة ست وأربعين وخمسمائة. وَسَمِعَ الكثير بأبيه وبنفسه من أَبِي الفَتْح ابن البَطِّيّ، وأبي زُرْعَة، وأبي الْقَاسِم هبة اللَّه الدقاق، وأحمد ابن المُقَرَّب، وأبي حنيفة مُحَمَّد بن عُبَيْد اللَّه الخطيبيّ الإصبهاني، وجماعةٍ. وعُنِيَ بالسَّماع، وكانت لَهُ أصولٌ جيّدة.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، وَالضِّيَاء المَقْدِسِيّ، وابنُه أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد، وآخرون. وَتُوُفِّي في رمضان.(13/546)
539 - عَبْد المعزّ بْن مُحَمَّد بن أَبِي الفَضْل بن أَحْمَد بن أسعد بن صاعد، الشَّيْخ المُعَمَّر، حافظ الدِّين أَبُو رَوْح الساعدي البَزَّاز الهَرَويّ الصُّوفِيّ، [المتوفى: 618 هـ]
مُسْند العصر بخُرَاسَان.
وُلِدَ في ذي العقدة سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة بهراة، وَقَدِمَ عليهم في ذي القِعْدَة سنة سبعٍ وعشرين أَبُو الْقَاسِم زاهر الشَّحَّامِيّ، فاعتنى بِهِ جَدّه لأمّه الشَّيْخ أَبُو نصر عُبَيْد الله بن أَبِي عاصم الصُّوفِيّ، وأسْمَعَه منه جُملةً صالحةً، وَسَمِعَ من جَدّه هَذَا عن مُحَمَّد بن أَبِي مَسْعُود الفارسيّ. ومن الزّاهد يوسف بن أيوب الهَمَذَانِيّ، وَمُحَمَّد بن إسْمَاعِيل بن الفُضيل الفُضيليّ، وأبي الْقَاسِم تميم بن أَبِي سَعِيد الْجُرْجَانِيّ، وأبي الفَتْح مُحَمَّد بن عَليّ المُضَريّ، وَعَبْد الرشيد بن أَبِي يَعْلَى ابن الشَّيْخ أَبِي عُمَر عَبْد الواحد المَليحي، وَأَبِي عَليّ خلف بْن محمد بن أَبِي الحَسَن البُوشنجيّ المحتسب، وأَبِي عبد اللَّه محمد بْن إِسْمَاعِيل بْن الحسين بن حمزة العَلَويّ، وطائفة سواهم.
وقد حَضَر وَهُوَ لَهُ ثلاث سنين عَلَى أَبِي الفَتْح مُحَمَّد بن إسْمَاعِيل الفاميّ، وَسَمِعَ " صحيح " البُخَارِي من خَلَف بن عطاء الماوَرْديّ بسماعه من أَبِي عُمَر عَبْد الواحد المَلِيحيّ، وَسَمِعَ " جامع " التِّرْمِذِي من جماعة.
قَالَ الحَافِظ أَبُو بَكْر بن نُقْطَة: وَسَمِعَ " مُسْنَد " أَبِي يَعْلَى من تميم بن أَبِي سَعِيد الْجُرْجَانِيّ. قَالَ لي أَبُو زكريا يَحْيَى بن عَليّ المالَقيّ: كَانَ لأبي رَوْح فوت فيه حَتَّى قَدِمَ علينا أَبُو جَعْفَر بن خَولة الغَرْنَاطَيّ من الهند إلى هراة، فأخرج إلينا المجلَّدة التي فيها سماعه، فتم لَهُ الكتاب.
قُلْتُ: ابن خولة هُوَ المذكور في هذه السنة.
قَالَ: ويروي كتاب " التقاسيم والْأنواع " لأبي حاتم بن حِبّان. قَالَ: ونقلت من خطّه: مولدي في ثامن ذي القِعْدَة سنة إحدى وعشرين.
قُلْتُ: وَكَانَ أحد الصُّوفِيَّة بخانكاه شيخ الإِسْلام أَبِي إسْمَاعِيل الْأَنْصَارِيّ، وعُمِّر ستًا وتسعين سنة، وصارت الرِّحلة إِلَيْهِ من الْأقطار.
وَحَدَّثَ عَنْهُ جماعة في حياته بالبلاد النائية؛ روى عنه العماد علي بن [ص:548] القاسم ابن عساكر، والزكي البرزالي، والضياء المقدسي، والمحب ابن النَّجَّار، والشرف المُرْسِيّ، والصَّدْر البَكْرِي، والمحبّ بن هِلالة، والمحبّ اللَّبَليّ، والزَّاهد نجم الدِّين عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد الرَّازِيّ الصُّوفِيّ، وَعَبْد الحقّ بن أَبِي منصور المنبجي، وَإِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بن الأزهر الصريفينيّ، ومَسْعُود بن عَبْد اللَّه التَّكروريّ، ومشهور بن منصور النَّيْرَبيّ.
وَرَوَى عَنْهُ بالإجازة الشمس عَبْد الواسع الْأبَهَري، والنور محمود بن عَبْد الرَّحْمَن بن أَبِي عصرون؛ وابن عَمّهم التّاج مُحَمَّد بن عَبْد السَّلام الشَّافِعِيّ، والشرف أَحْمَد بْن هبة اللَّه ابْن تاج الْأمناء، وزينب الكِنْدِيَّة، وَمُحَمَّد بن هاشم العَبَّاسيّ، وآخرون.
وقرأت بخطّ الضِّيَاء أَنَّهُ قتلته التُّرك في ربيع الْأَوَّل سنة ثمان عشرة بِهَراة.(13/547)
540 - عبد الملك بن أَبِي الفَتْح عَبْد اللَّه بن محاسن، أَبُو شجاع الدَّارقّزِّيّ الدَّلال، المعروف بابن البَلّاع. [المتوفى: 618 هـ]
سَمِعَ من المبارك بن عَليّ السَّمِّذيّ، وأحمد بن علي ابن الْأشقر، والمبارك بن أَحْمَد بن بركة، وهبة اللَّه بن أَحْمَد الشِّبْلِي. وَكَانَ من قُدماء الرُّواة ببَغْدَاد؛ رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، والبِرْزَاليّ، وجماعة.
وَتُوُفِّي في سابع شعبان.
وَرَوَى عَنْهُ ابن النَّجَّار، وَقَالَ: لَا بأس بِهِ.(13/548)
541 - عبد الواحد ابن زين القضاة أَبِي بَكْر عَبْد الرَّحْمَن بْن سلطان بْن يَحْيَى بْن عَليّ، القاضي الرئيس ظهير الدِّين أَبُو المكارم القُرَشِيّ الدِّمَشْقِيّ الشَّافِعِيّ. [المتوفى: 618 هـ]
سَمِعَ من عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الْحَسَن الدّارانيّ، وعلي بن أحمد الحرستاني، وأبي القاسم ابن عساكر. رَوَى عَنْهُ الضِّيَاء المَقْدِسِيّ، وَالزَّكيّ البِرْزَاليّ، والشهاب القوصي، وآخرون.
مولده سنة خمسين وخمسمائة، وماتَ في مستهلّ ربيع الْأَوَّل.(13/548)
542 - عَبْد الواحد بن عَليّ بْن عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ ابن الصَّبَّاغ، العدل أَبُو الْقَاسِم ابن العدل الكبير أَبِي الحَسَن ابن العدل أَبِي المُظَفَّر، أَبُو الْقَاسِم البَغْدَادِيّ الكَرْخِيّ. [المتوفى: 618 هـ]
وُلِدَ سنة إحدى وأربعين. وسمع حضورا من سعيد بن أحمد ابن البَنَّاء، وَسَمِعَ من ابن البَطِّيّ، وَحَدَّثَ، وَهُوَ من بيت عدالة وفضيلة.
رَوَى عَنْهُ ابن النَّجَّار.(13/549)
543 - عَبْد الودود ابن العلّامة الإِمَام مجير الدِّين أَبِي الْقَاسِم محمود بن المبارك البَغْدَادِيّ، الفقيه الرئيسُ أَبُو المُظَفَّر [المتوفى: 618 هـ]
وكيلُ أمير المؤمنين.
كَانَ فقيهًا مُناظرًا مُدرِّسًا، حَدَّثَ " بجزء ابن عَرَفة " عن ابن كُلَيْب، تُوُفِّي في جُمَادَى الآخرة.(13/549)
544 - عُبَيْد اللَّه بن عَبْد الرَّحْمَن بن أَبِي المُطَرِّف، أَبُو مروان القُرْطُبيّ. [المتوفى: 618 هـ]
أخذ القراءات والعربية عن أَبِي بَكْر بن سَمْحون، وَسَمِعَ من ابن بَشْكُوال.(13/549)
545 - عتيق بن بدل بن هلال بن حيدر، أَبُو بَكْر الزَّنْجانيّ الْأصل، الْمَكِّيّ العُمريّ؛ [المتوفى: 618 هـ]
كَانَ يكتب العُمر.
وعاش نَيّفًا وسبعين سنة. وَسَمِعَ ببَغْدَاد من أَبِي الفَتْح ابن البطي، وأبي بكر ابن النَّقور، وجماعة. وبهمذان من الحَافِظ أَبِي العلاء العَطَّار. وبزنجان من عُمَر بن أَحْمَد الخَطيبيّ. وَحَدَّثَ بمَكَّة.(13/549)
546 - عَليّ بن عَبْد الوهَّاب بْن عَليّ بْن الخَضِر بْن عَبْد اللَّه، أَبُو الحَسَن القُرَشِيّ الْأَسَدِيّ الزُّبَيْريّ الدِّمَشْقِيّ المُعَدَّل، [المتوفى: 618 هـ]
أخو كريمة.
ولد سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة. وَسَمِعَ من عَليّ بن أَحْمَد الحَرَسْتَاني، وَعَبْد الرحمن بن أبي الحسن الداراني، وحمزة ابن الحبوبي، [ص:550] وغيرهم. وأجاز لَهُ جماعة. رَوَى عَنْهُ ابنُ خليل، والشِّهَاب القُوصِيّ، وَالضِّيَاء الحَنْبَلِيّ.
لقبُه نجم الدِّين، ولقب أَبِيهِ نجيب الدِّين.
تُوُفِّي في سلْخ صفر، وَلَهُ تُربة بالجبل.(13/549)
547 - عَليّ بن عُمَر بن عَليّ بن بقاء ابن النُّموذَج، أَبُو الحَسَن السَّقْلاطونيّ. [المتوفى: 618 هـ]
حَدَّثَ عن أَبِي عَليّ أَحْمَد بن أَحْمَد الخرَّاز. وَهُوَ من أولاد الشيوخ، مات بين العيدَين.
حَدَّثَ عَنْهُ ابن النَّجَّار.(13/550)
548 - عَليّ بْن مُحَمَّد بْن عَليّ بْن مُحَمَّد بْن المُهنَّد، أَبُو الحَسَن الحَرِيمِيّ المُقْرِئ، [المتوفى: 618 هـ]
المعروف والده بالسَّقّاء.
وُلِدَ سنة ثلاثٍ وثلاثين. وَسَمِعَ من المبارك بن أَحْمَد الكِنْدِيّ، وَسَعِيد ابن البَنَّاء، وأبي الوَقْت، وغيرهم. وَكَانَ شيخًا صالحًا، سكن ضواحي دُجيل بقرية حَرْبا، وَكَانَ يتردّد إلى بَغْدَاد.
وَتُوُفِّي بحربا في خامس رمضان.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، وَالزَّكيّ البِرْزَاليّ، والكمال مُحَمَّد بن محمد ابن الدباب الواعظ، وَأَبُو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بن الوليد.
سَمِعَ منه ابن الدَّبَّاب كتاب " المحنة " تأليف حنبل، بسماعه من أَحْمَد بن عَليّ بن عَبْد الواحد قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الغنائم بن أَبِي عُثْمَان. وَسَمِعَ منه كتاب " التّفكّر والاعتبار " بسماعه من المبارك الكِنْدِيّ. وَسَمِعَ منه أيضا كتاب " قصر الْأمل " وكتاب " الهمّ والحزن "، قَالَ: أَخْبَرَنَا عاصم بن الحَسَن العاصميّ.(13/550)
549 - عَليّ بن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بن أَبِي زيد، أَبُو الحَسَن النَّيْسَابُوري المُسْتَوفيّ. [المتوفى: 618 هـ]
سَمِعَ: أَبَا الفَتْح مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن الخَشَّاب وغيره،
رَوَى [ص:551] عَنْهُ: الزَّكيّ البِرْزَاليّ. وأجاز لشيوخنا ابن عصرون، وابن عساكر، وبنت كِنْديّ. وعُدم فيمن عُدم من أمم لَا يُحصيها إِلَّا بارئها.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن عساكر، عن عَليّ بن مُحَمَّد قال: أخبرنا محمد بن محمد الخشاب قال: أَخْبَرَنَا أَبُو صالح أَحْمَد بن عَبْد الملك المؤذن، فذكر حديثًا.(13/550)
550 - عَليّ بن مُحَمَّد بن يوسف الفَهْميّ، أَبُو الحَسَن اليابُريّ القُرْطُبيّ الضّرير. [المتوفى: 618 هـ]
أخذ القراءات بغَرْنَاطَة عن عَبْد المنعم بن يَحْيَى بن الخلوف، وبإشبيلية عَن أَبِي بَكْر بن خَيْر ونَجَبَة بن يَحْيَى، وأكثر عن أَبِي العَبَّاس بن مَضاء، وأجاز لَهُ السِّلَفيّ.
وَكَانَ محقّقًا للقراءات جدًّا، ذكيًا. أدّب وُلِدَ السُّلْطَان بمراكش، ونال دنيا عريضة. مات فيها تقريبًا.(13/551)
551 - عَليّ بن نابت - بالنّون - بن طَالِب، الفقيه أَبُو الحَسَن الْأزَجِيّ الحَنْبَلِيّ الواعظ، المعروف بابن الطَّالبانيّ. [المتوفى: 618 هـ]
سَمِعَ من أَبِي مُحَمَّد صالح بن الرِّخْلَة، وشُهْدة، وخطيب المَوْصِل، وأبي الحُسَيْن عَبْد الحقّ، وغيرهم.
رَوَى عَنْهُ الضِّيَاء، وابن أخيه الفَخْر، وَالشَّيْخ شمس الدِّين عَبْد الرَّحْمَن، وجماعة.
وسكنَ رأس العين، وبها مات في تاسع عشر شعبان.
لقبُه مُوَفَّق الدين.(13/551)
552 - عَليّ بن أَبِي الْأزهر بن عَليّ بن خليفة، أَبُو الحَسَن الحَرْبِيّ العَطَّار. [المتوفى: 618 هـ]
وُلِدَ بُعيد الْأربعين. وَسَمِعَ من عَمِّه عُمَر بن عَليّ، وسعيد بن أحمد ابن البَنَّاء. وَحَدَّثَ.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي وَقَالَ: مات في ثامن عشر ربيع الْأَوَّل، وابن النَّجَّار.(13/552)
553 - عُمَر بن عيسى بن أَبِي الحَسَن، أَبُو حفص البزوري البَغْدَادِيّ. [المتوفى: 618 هـ]
سَمِعَ من أَبِي المعالي ابن اللحاس، وأبي محمد ابن الخَشَّاب، وجماعة. وَحَدَّثَ، وَتُوُفِّي في شعبان.
ومات أخوه أَبُو الفرج عَبْد الرَّحْمَن الواعظ سنة أربع وستمائة.(13/552)
554 - عُمَر بن يوسف بن يَحْيَى بن عُمَر، مُوَفَّق الدِّين المَقْدِسِيّ الشَّافِعِيّ، [المتوفى: 618 هـ]
خطيب بيت الْأبَّار.
حدث عن أبي القاسم ابن عساكر، وخطبَ بجامع دمشق نيابة عن الدَّوْلَعِيّ، وَكَانَ رجلًا صالحًا.
تُوُفِّي في رجب.
رَوَى عَنْهُ القوصي.(13/552)
555 - الْقَاسِم بْنُ عَبْد اللَّهِ بْنِ عُمَر بْنِ أَحْمَد، المُفتي العَلّامة أَبُو بَكْر النَّيْسَابُوري الصَّفَّار. [المتوفى: 618 هـ][ص:553]
قرأتُ بخطّ الضِّيَاء تحت اسمه: قُتل - واللَّه أعلم - في صفر سنة ثمان عشرة في غارة التُّرك في صفر؛ أَخْبَرَنِي بذلك ابن النَّجَّار.
كَانَ فقيهًا إمامًا، فاضلًا، عالي الإسناد في الحديث. سَمِعَ من جَدّه، ومن عمّ أبيه، ومن وجيه الشحامي، وعبد الله ابن الفراوي، وهبة الرحمن ابن القُشَيْريّ، وَمُحَمَّد بن منصور الحُرْضيّ، وَعَبْد الوَهَّاب بن إسْمَاعِيل الصَّيْرَفِيّ، وَإسْمَاعِيل بن عَبْد الرَّحْمَن العَصَائديّ، وجماعة، وتَفَقَّه عَلَى مذهب الشَّافِعِيّ.
ووُلد في ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة.
رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ البِرْزَاليّ، وَأَبُو إِسْحَاق الصَّرِيفِينيّ، وَالضِّيَاء المَقْدِسِيّ، والشَّرَف المُرْسِيّ، والصَّدْرُ البكري، وآخرون. وروى عنه بالإجازة: أبو الفضل ابن عساكر، والتّاج مُحَمَّد بن أَبِي عصرون، وجماعة.
قَالَ ابن نُقْطَة: كَانَ حيًّا إلى أن دخلت الترك نَيْسَابُور في سنة سبع عشرة أَوْ ثمان عشرة.
قُلْتُ: ومن مسموعاته " مُسْنَد " أَبِي عَوَانَة، سمعه من أَبِي الْأسعد هبة الرحمن القشيري، قال: أَخْبَرَنَا عَبْد الحميد البُحْتُريّ، عن أَبِي نُعَيْم الإسفراييني، عَنْهُ. وَسَمِعَ كتاب " الزُّهريات " من وجيه، قَالَ: أخبرنا أَبُو حامد الْأزهريّ بسنده إلى الذُّهَلِيّ. وسمع " النَّسَائِي " سوى كتاب الْجِهاد من إسْمَاعِيل العصائدي، عن عَبْد الرَّحْمَن بن منصور بن رامش، وَسَمِعَ كتاب الجهاد من عَبْد الوَهَّاب الصَّيْرَفِيّ، عن عَليّ بن أَحْمَد المؤّذن، قَالَا: أخبرنا الحسين بن فنجويه قال: أخبرنا ابن السني قال: أَخْبَرَنَا النَّسَائِي.
وَقَالَ مُحَمَّد بن مُحَمَّد الإسْفَرَايينيّ - ومن خَطّه نقلتُ -: أَخْبَرَنَا الإِمَام مُفتي خُرَاسَان شهاب الدِّين أَبُو بَكْر الْقَاسِم بن أَبِي سَعْد قَالَ: أخبرتنا عَمَّة والدي عَائِشَة - فذكر حديثًا. ثُمَّ قَالَ: وشيخنا شهابُ الدِّين ما رأينا في خُرَاسَان من المشايخ مثله حلمًا وعلمًا ومعرفةً بمذهب الشَّافِعِيّ، سَمِعْتُ أَنَّهُ دَرَّسَ " الوسيط " للغزالي أربعين مرة، درس العامة، سوى درس الخاصَّة. ودَخَلت [ص:554] الترك نَيْسَابُور في سنة سبع عشرة، ولم يتمكنوا من دخلوها، ورُمي مُقَدّمهم بسهم غَرْبٍ فقتله، فرجعوا عَنْهَا، ثُمَّ عادوا إليها في سنة ثمان عشرة، وأخذوها، وأخربوها، وقتلوا رجالها ونساءها إِلَّا ما شاء اللَّه، واستشهد شيخنا فيمن استُشْهد.(13/552)
556 - الْقَاسِم ابن الحَافِظ عماد الدِّين عَليّ ابن الحَافِظ المحدِّث بهاء الدِّين الْقَاسِم ابن الحافظ الحجة ثقة الدين أبي القاسم ابن عساكر الدِّمَشْقِيّ، أَبُو مُحَمَّد. [المتوفى: 618 هـ]
شابٌّ طريّ من أبناء ثمان عشرة سنة، سَمِعَ من الكِنْدِيّ وطبقته، ورحل بِهِ أَبُوه إلى خُرَاسَان، وسَمَّعه الكثير، واخترمته المنيَّة. ولو عُمِّر ثمانين سنة أو دونها لكان مسند وقته.
تُوُفِّي في جُمَادَى الْأولى، وَقِيلَ: إنه حدث.(13/554)
557 - مُحَمَّد ابن العلّامة أَبِي طاهر أَحْمَد بْن هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عُمَر، أَبُو عَبْد اللَّه الهَمَذَانِيّ الرُّوذَراوَرِيّ. [المتوفى: 618 هـ]
تُوُفِّي بهمذان في رجب بعد دخول التَّتَار إليها بأيام. سَمِعَ الكثير من نصر بن المُظَفَّر البَرْمَكِيّ، وأبي الوَقْت السِّجْزِي، وَأَبِي زُرْعَة، وجماعةٍ. وَلَهُ إجازات كثيرة، ووُلد في سنة إحدى وأربعين، وَحَدَّثَ بهمذان وإربل.
رَوَى عَنْهُ الضِّيَاء، وَقَالَ: قتلته التُّرك بهمذان في جُمَادَى الآخرة.
وَالَّذِي قدّمناه هُوَ قول الزَّكيّ المُنْذِريّ.(13/554)
558 - مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بْن سَعْد بْن عَبْد اللَّه بْن سَعْد، النَّاصح أَبُو عَبْد اللَّه المَقْدِسِيّ الحَنْبَلِيّ. [المتوفى: 618 هـ]
سَمِعَ أَبَا المعالي بن صابر، وأبا الفَتْح بن شاتيل، ونصر اللَّه القَزَّاز، وطبقتهم. وَقِيلَ: إِنَّهُ لم يُدْرِك ابن شاتيل. وَسَمِعَ أَيْضًا أَبَا نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق اليوسفي، وابن بُوش، وَسَمِعَ خلقًا كثيرًا.
قَالَ الضِّيَاء: ولد في سنة أربع وستين وخمسمائة، واشتغل بالفقه [ص:555] ببَغْدَاد، وَسَمِعَ؛ وعادَ إلى وطنه. وَهُوَ كثير الخير، قاضي الحوائج، كريم النّفس، متودِّدٌ إلى النَّاس، سليم الصدر، كثير الاحتقار لنفسه. وَكَانَ يصلِّي إمامًا بالدير الشَّرْقِيّ بمسجد العطَّافية إلى أن مات. وخلّف من الولد: عبد الوهاب وإبراهيم، وثلاث بنات. وتوفي في الثامن والعشرين من شوال. روى عنه الضياء، وابن أخيه الفخر، وغيرهما.(13/554)
559 - محمد بن إسحاق بن عياش، العلامة أبو عبد الله الزناتي، شيخ المالكية بغرناطة، ويعرف بالكماد، وهو الدقاق. [المتوفى: 618 هـ]
كان قائما على " المدونة "، تخرج به أئمة.
قال ابن مسدي: ناظرت عليه في " المدونة " وبحثت عليه في " الموطأ ". عاش نيفا وسبعين سنة. سَمِعَ من أَبِي خَالِد بن رفاعة، وعَليِّ بن كوثر، وطبقتهما.(13/555)
• - مُحَمَّد بن إسْمَاعِيل الإربلي، أَبُو الحَسَن، [المتوفى: 618 هـ]
يأتي في الكنية.(13/555)
560 - مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن عَليّ، أَبُو عَبْد اللَّه اللَّخْميّ الدَّانيّ، ويعرف بابن التُّجَيْبيّ. [المتوفى: 618 هـ]
سَمِعَ من الحَافِظ أَبِي الْقَاسِم بْن حُبَيْش، وَأَبِي عَبْد اللَّه بن حميد. وأجاز لَهُ أَبُو طاهر السِّلَفيّ، وقرأ " كتاب " سِيبَوَيْه عَلَى الذهبي النَّحْوِيّ.
قَالَ الْأبَّار: وَكَانَ أديبًا، كاتبًا، بليغًا. أقرأ العربية، ووليَ قضاء دانية. وَسَمِعْتُ منه. وَتُوُفِّي في رمضان.(13/555)
561 - مُحَمَّد بْن خَلَف بْن راجح بْن بلال بن هِلال بن عيسى بن موسى بن الفَتْح بن زُرَيْق، الإِمَام شهابُ الدِّين أَبُو عَبْد اللَّه المَقْدِسيّ الحنبليّ. [المتوفى: 618 هـ]
وُلِدَ سنة خمسين وخمسمائة ظنًا بجَمّاعيل، ورحل مَعَ الحَافِظ عَبْد الغني سنة ستٍّ وستين إلى الحَافِظ السِّلَفيّ فأكثر عَنْهُ، ورجع فرحل إلى بَغْدَاد وَسَمِعَ من أبي محمد ابن الخشاب، وشُهْدة، وَأَبِي الحُسَيْن عَبْد الحقّ، [ص:556] وطبقتهم. وَسَمِعَ بدمشق من أَبِي المكارم عَبْد الواحد بن هلال، وَأَبِي المعالي بن صابر.
قَالَ الضِّيَاء: اشتغل ببَغْدَاد بالخلاف عَلَى الإِمَام أبي الفتح ابن المَنِّي، وصار أوحد زمانه في علم النَّظر. وَكَانَ يناظر ويقطع الخصوم، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ ابن الجوزي كَانَ تركني عنده، وَكَانَ يكرمني ويخصّني بالْأشياء لكوني عنده.
قَالَ الضِّيَاء: وَلَمَّا عاد إلى دمشق كان يمضي ويناظر الحنفية، ويتأذون منه. وألبسه شيخه ابن المني طرحة. وسمعت خالي الإمام مُوَفَّق الدِّين يَقُولُ: كَانَ إذا كَانَ لنا عند إِنْسَان ببَغْدَاد شيء لَا نقدر عَلَى تحصيله؛ أرسلنا إليه الشِّهَاب. ثُمَّ إِنَّهُ مرض مرضًا شديدًا، واصفر لونه، وكان بعض النَّاس يَقُولُ: إِنَّهُ مسحور - واللَّه أعلم -. وَهُوَ كثير الخير والصلاة، سليم الصدر. ولقد رأيتهم بجَمّاعيل يعظّمونه تعظيمًا كبيرًا، ولا يشكون في ولايته وكراماته، ولَعَمْري لقد كَانَ عَلَى خيرٍ كثير من الدِّين والصلاح والذكر وسلامة الصدر. وَسَمِعْتُ الإِمَام أَبَا مُحَمَّد عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الْجَبَّار يَقُولُ: حَدَّثَنِي جماعة من جماعيل فهم: خالي عُمَر بن عَوَض قَالَ: وقَعَتْ في جمّاعيل فتنةٌ؛ فخرج بعضهم إلى بعض بالسيوف، وَكَانَ الشِّهَاب عندنا، قَالُوا: فسجد ودعا اللَّه. قَالُوا: فضرب بعضهم بعضًا بالسيوف فما قطعت السيوف شيئًا. قَالَ عُمَر: فلقد ضربتُ رجلًا بسيفي؛ وَكَانَ سيفًا مشهورًا فما قطع شيئًا. وكانوا يرون أَنَّ هَذَا ببركة دعائه.
وَقَالَ عمر ابن الحاجب في " معجمه ": هُوَ إمام محدِّث فقيه عابد، دائم الذكر، لَا تأخذه في اللَّه لومة لائم، صاحب نوادر وحكايات، وعنده وسوسة زائدة في الطّهارة. وَكَانَ يحدّث بعد الْجُمُعة من حفظه، وكانت أعداؤه تشهد بفضله.
وَقَالَ الزَّكيّ المُنْذِريّ: كَانَ كثير المحفوظات، متحريًا في العبادات، حسن الْأخلاق.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ الضِّيَاء، والمُنْذِريّ، والبِرْزَاليّ، وابن عَبْد الدّائم، [ص:557] وَالقُوصِيّ، وشمس الدِّين عَبْد الرَّحْمَن، والفخر عَليّ، والشمس ابن الكمال، وأبو بكر بن طرخان، والتقي ابن الواسطي، والشمس عبد الرحمن ابن الزَّين، وَمُحَمَّد بن مؤمن، وَإِبْرَاهِيم بن حَمْد، وأبو بكر ابن الْأَنْمَاطِي.
وحَدَّثَنَا عَنْهُ العماد عَبْد الحَافِظ، والعزّ إسْمَاعِيل بن المُنادي، والعزّ أَحْمَد بن العِماد، والشمس مُحَمَّد ابن الوَاسِطِيّ، وَعَائِشَة بنت المجد عيسى.
وقرأت وفاته بخطّ الضِّيَاء في التاسع والعشرين من صفر.(13/555)
562 - مُحَمَّد بن سلامة بن نصر بن مِقدام، أَبُو عَبْد اللَّه المقدسي العَطَّار. [المتوفى: 618 هـ]
سَمِعَ من الخضر بن طاووس، وَأَبِي المجد الفضل ابن البانياسي.(13/557)
563 - مُحَمَّد بن طَلْحة بن مُحَمَّد بن عَبْد الملك بن حَزْم، أَبُو بَكْر الْأُمَوِيّ النَّحْوِيّ الإشبيلي. [المتوفى: 618 هـ]
أخذ القراءات عَن أَبِي بَكْر بْن صاف، والعَرَبية عن أَبِي إِسْحَاق بْن ملكون. وسمع من أبي بكر ابن الْجَدّ " كتاب " سِيبَوَيْه، وَسَمِعَ من أَبِي زيد السُّهَيْلِيّ بعض كتابه " الرَّوض الْأنُف ". ولم يعتن بالحديث، بل غَلَب عَلَيْهِ القراءات والنَّحْو.
قَالَ الْأبَّار: وَكَانَ أستاذ حاضرة إشبيلية غير مُدَافَع، وعليه قرأ ابن عَبْد النّور، وانتفع بِهِ أَبُو عَليّ الشلوبِينيّ. وَكَانَ من إجادة الإلقاء وحُسن الإفادة وسُهولة العبارة علي غاية. كان يميل في عربيته إلى مذهب ابن الطّراوة، ثم غلب عَلَيْهِ، فشدّ عَلَيْهِ الجمهور. رأيته بإشبيلية، وَتُوُفِّي في صفر - رحمه اللَّه -، وولد بيابُرة في سنة خمس وأربعين وخمسمائة.(13/557)
564 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد، أَبُو العَبَّاس البَغْدَادِيّ الضَّرير المُقْرِئ، المعروف بالرَّشيديّ، [المتوفى: 618 هـ]
وفي نَسَبِه إلى هَارُون الرشيد طعْنٌ.
قرأ القراءات عَلَى أَبِي الكرم المبارك بن الحَسَن الشَّهْرَزُوري، وَعَلَى غيره؛ وَسَمِعَ منه ومن أَبِي الوَقْت السجزي، وسعيد ابن البَنَّاء، وَأَبِي الْقَاسِم [ص:558] عَبْد اللَّه بن أَحْمَد ابن الخَلّال الوكيل. وَحَدَّثَ، وأقرأ بالروايات. وَهُوَ من آخر أصحاب أبي الكرم.
روى عنه الدبيثي، وابن النجار وَقَالَ: كَانَ شيخًا حَسَنًا صَدُوقًا، قَالَ: ومات فِي شعبان.(13/557)
565 - مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي العزّ، الشَّيْخ أَبُو الفَرَج الوَاسِطِي المُقْرِئ التّاجر. [المتوفى: 618 هـ]
صَحِبَ صَدَقَة بن الحُسَيْن الواعظ، وَقَدِمَ معه إلى بَغْدَاد سنة ثلاثٍ وخمسين، فسمع من أَبِي الوَقْت، وَأَبِي جَعْفَر العَبَّاسيّ، وَأَبِي المظفر محمد بن أحمد ابن التريكي، وهبة الله ابن الشِّبْلِي، وجماعة. وَحَدَّثَ ببَغْدَاد، وإربل، وَالمَوْصِل، وحَلَب، ودمشق. وكان له اعتناء ما بالحديث؛ ويعرف سماعاته. واشتغل بالتّجارة مُدَّة.
وَكَانَ قديم المولد، فَإِنَّهُ سَمِعَ من أَبِي الوَقْت وَلَهُ ستٌّ وثلاثون سنة، وعاش مائة أَوْ أزْيد، وسِنّه يحتمل السَّماع من ابن الحُصَيْن وطبقته، والسَّماعُ رِزْقٌ.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، وابنُ خليل، والشِّهَاب القُوصِيّ، وَالزَّكيّ البِرْزَاليّ، والتّاج عَبْد الوَهَّاب ابن زين الْأمناء، وآخرون.
وَرَوَى " صحيح البُخَارِي " بالمَوْصِل.
وتُوُفيّ فِي الخامس والعشرين من جُمَادَى الآخرة وَلَهُ مائة سنة وسنة.(13/558)
566 - مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن عَيَّاش، أَبُو عبد اللَّه التُّجَيْبيّ الْأنْدَلُسِيّ [المتوفى: 618 هـ]
الكاتبُ، صاحبُ ديوان الإنشاء بالمَغْرب.
قَالَ الأَبّار: أَخَذَ عن أَبِي عَبْد اللَّه بن حَمِيد شيئًا يسيرًا، وعني بالآداب. وكان رئيسا في صناعة الكتابة، خطيبا مصقعا بليغا مفوها، شاعرا. وكتب للسلطان، ونال دنيا عريضة. وله في المصحف العثماني، وقد أمر المنصور بتحليته: [ص:559]
ونفلته من كل قوم ذخيرة ... كأنهم كانوا برسم مكاسبه
فإن ورث الأملاك شرقا ومغربا ... فكم قد أخلوا جاهلين بواجبه
وألبسته الياقوت والدر حلية ... وغيرك قد رَوَّاه مِن دَمِ صَاحبِه
وُلِدَ أَبُو عَبْد اللَّه بن عَيَّاش في سنة خمسين وخمسمائة، وَتُوُفِّي في جمادى الآخرة بمَرَّاكُش، رحمه اللَّه.(13/558)
567 - مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الفضل بن عَليّ، القاضي العالم الصالح علاء الدِّين أَبُو عَبْد اللَّه ابن أخي القاضي جمال الدِّين، الْأَنْصَارِيّ الدِّمَشْقِيّ ابن الحَرَسْتَاني. [المتوفى: 618 هـ]
ولد سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة. وسمع من أبي القاسم ابن عساكر الحَافِظ، وَسَمِعَ بالمَوْصِل من خطيبها أَبِي الفضل عبد الله ابن الطُّوسِيّ. رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ البِرْزَاليّ في " مُعجمه ".
وَتُوُفِّي في سابع عشر رمضان.(13/559)
568 - مُحَمَّد بن عَبْد الملك بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن يَحْيَى بْن فَرَج ابن الْجَدّ، أَبُو بكر الفهري الإشبيلي. [المتوفى: 618 هـ]
سمع من جده الحافظ أبي بكر محمد. وكان ذا رياسة عظيمة، ووجاهة عند الدَّوْلَة إلى الغاية.
قَالَ الْأبَّار: وَكَانَ - معَ شرفه - متواضعًا، جوادًا، كريمًا، كثير المعروف والصّدقات، رفيعًا. سمعتُ منه حكاية، وما أراه حَدَّثَ، وكانت جنازته مشهودة.(13/559)
569 - مُحَمَّد بن عَليّ بن الحُسَيْن، أَبُو يَعْلَى الوَاسِطِيّ الجامِديّ، المعروف بابن القارئ. [المتوفى: 618 هـ]
حَدَّثَ بواسط بالإجازة عن القاضي محمد بن علي ابن الجلابي. وسمع [ص:560] من جَدّه لأمِّه أَبِي المُفَضَّل مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَبِي زَنْبَقة. ومات في جُمَادَى الْأولى.
وَثَّقَهُ ابنُ نُقْطَة.(13/559)
570 - مُحَمَّد بن عَليّ بن عُمَر، النَّجِيب أَبُو حامد السَّمَرْقَنْدِيّ الطَّبيب، [المتوفى: 618 هـ]
نزيل هَرَاة.
كَانَ من عُلماء الزمان بالطّبّ؛ وَلَهُ فيه تصانيف مُفيدة، منها كتاب " أغذية المرضى "، ومنها كتاب " الصِّناعة "، وكتاب " أقراباذين " وغير ذَلِكَ.
قُتِلَ بهرَاة.(13/560)
571 - مُحَمَّد بن عَليّ ابن الواعظ نَصْر بن نصر العُكْبَريّ، أَبُو الفَرَج الكاتب. [المتوفى: 618 هـ]
اشتغل بالدِّيوان، وَحَدَّثَ عن جَدّه، وَتُوُفِّي بالحِلَّة في رَمَضان.
وَرَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، وابنُ النَّجَّار.(13/560)
572 - مُحَمَّد بن عُمَر بن عَبْد الغالب بن نصر بن عَبْد اللَّه، المُحَدِّث أَبُو عَبْد اللَّه القُرَشِيّ الْأُمَوِيّ العُثْمانِيّ الدِّمَشْقِيّ. [المتوفى: 618 هـ]
طَوَّفَ، وَسَمِعَ بنفسه الكثير، وكان حسنَ الطَّريقة، ذا دين وَوَرع وأمانة. وكَتَبَ كثيرًا، وبُورك لَهُ في مسموعاته؛ وَحَدَّثَ بأكثرها. وَكَانَ في الرحلة وحده؛ فتجد أكثر طباقه ما معه كبير أحد، وَكَانَ لَهُ منامات عجيبة.
سَمِعَ من أبي الحسين أحمد ابن الموازيني، وعبد الرحمن بن علي ابن الخِرقيّ، وبَرَكات الخُشُوعِيّ. ورحل، فسمعَ ببَغْدَاد من عبد المنعم بن كُلَيْب، وجماعة. وبإصبهان من خليل بن بدر الرَّارانيّ، ومَسْعُود بن أَبِي منصور الْجَمّال، وأبي المكارم اللَّبَّان، وَأَبِي جَعْفَر الصَّيْدَلَانِي. وبنيسابور من أبي سعد عبد الله بن عمر ابن الصَّفَّار، ومنصور بن عَبْد المنعم الفُرَاويّ، وجماعة. وبمصر، والإسكندرية. [ص:561]
ومولده ببيت لِهيا في سنة تسع وستّين وخمسمائة.
رَوَى عَنْهُ الزَّين بن عَبْد الدّائم، وَالزَّكيّ عبد العظيم، والقاضي أبو المجد ابن العديم، والفخر علي ابن البُخَارِي، والكمال أَحْمَد بن مُحَمَّد الحَلَبيّ، وجماعة.
وَحَدَّثَ بدمشق، وحَرّان، وحَلَب، وَحِمْص، وَمِصْر. وَتُوُفِّي إلى رحمة اللَّه بالمدينة النَّبوية في وسط المحرّم.(13/560)
573 - مُحَمَّد بن كَرَم بن بركة، أَبُو عَليّ الكاتب الْأزَجِيّ، ويُعرف بمعتوق الكَيّال. [المتوفى: 618 هـ]
سَمِعَ ابن ناصر، وأبا الكَرَم الشَّهْرَزُوري.
قَالَ ابن النَّجَّار: كتبتُ عَنْهُ. وَكَانَ شيخًا حَسنًا، لَا بأسَ بِهِ. تُوُفِّي في ربيع الْأَوَّل؛ وقد جاوز الثّمانين.(13/561)
574 - مُحَمَّد بن أَبِي جَعْفَر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الحُسَيْن، الشَّيْخ أَبُو البركات، الشَّهرستانيّ ثُمَّ البَغْدَادِيّ، النَّحْوِيّ. [المتوفى: 618 هـ]
وُلِدَ سنة تسع وأربعين وخمسمائة. واشتغل على أبي محمد ابن الخَشَّاب، وعَليِّ بن المبارك ابن الزَّاهِدَة. وتَمَيَّزَ في العربية؛ وَحَدَّثَ بشيء من شِعْره، ومات في ربيع الآخر.(13/561)
575 - مُحَمَّد بْن محمود بْن إبْرَاهِيم بْن الفرج، المُحَدِّث المُتْقن العالم الصّالح تقيّ الدِّين أَبُو جَعْفَر وَأَبُو عَبْد اللَّه الهَمَذَانِيّ الواعظ، ويُعرف بابن الحَمَّامِيّ. [المتوفى: 618 هـ]
وُلِدَ في أَوَّل يوم من سنة ثمانٍ وأربعين. وَسَمِعَ ببلده من الحَافِظ أَبِي العلاء الحَسَن بن أَحْمَد العَطَّار، وَسَمِعَ حُضورًا من أَبِي الوَقْت السِّجْزِي، وَسَمِعَ أَيْضًا من مُحَمَّد بن بُنَيْمَان الْأديب وجماعة. ورحلَ إلى إصبهان فأدرك بها أَبَا رشيد عَبْد اللَّه بن عُمَر صاحب أَبِي عَبْد اللَّه الثَّقَفِيّ فسمعَ منه ومن طبقته. [ص:562]
وَقَدِمَ بَغْدَاد، فسمع بها من الْأسعد بن يَلْدرك، وَأَبِي الفوارس سَعِيد بن مُحَمَّد الحَيْصَ بيص، وجماعة. ثم قدمها بعد الستمائة، فَسَمِعَ من أصحاب ابن الحُصَيْن وَأَبِي غالب ابن البَنَّاء.
وَكَانَ شيخ همذان ومُفيدها وكبيرها، كتب وطلب وَسَمِعَ الكثير.
قَالَ المحبّ ابن النَّجَّار: حضرتُ مجلسَ إملائه، وَكَانَ يُملي في معرفة الصّحابة، ثُمَّ يُملي من غريب الحديث، ويتكلَّم عَلَى النَّاس عَلَى طريق الوعظ.
قَالَ: وَكَانَ لَهُ القبول التَّامّ والصِّيت الشائع، وأهلُ هَمَذَان مُقبلون عَلَيْهِ يتبرّكون بِهِ، وَكَانَ من أئمَّة الحديث وحفاظه؛ له المعرفة بفقه الحديث ولُغته، ومعرفة رجاله. وَكَانَ فصيحًا ذا عبارة حُلوة وألفاظ مُنَقّحة، مَعَ دين وعبادة وزهد. وكان أمارا بالمعروف نهاءا عن المُنْكر، ناصرَ السُّنة، قامِعَ البِدْعة، متواضعًا متودِّدًا، سَمْحًا، جَوادًا.
وبالغ ابن النَّجَّار في الإطناب في وصفه، وَقَالَ: لَمَّا استولى التَّتَار عَلَى هَمَذان في أواخر جُمَادَى الآخرة؛ خرج إلى قتالهم بابنه عبيد الله، فقتلا شهيدين مقبلين غير مدبرين، رضي الله عنه.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ البِرْزَاليّ، وَالضِّيَاء، والعِماد علي ابن عساكر، والمحب ابن النجار. وأجاز للشرف ابن عساكر، والتّاج بن عَصْرون.
وَقَالَ الحَافِظ عَبْد العظيم: تُوُفِّي فِي السادس والعشرين من جُمَادَى الآخرة.
أخبرنا أحمد بن هبة الله قال: أنبأنا محمد بن محمود الشهيد قال: أخبرنا محمد بن بنيمان بن يوسف قال: أخبرنا مكي بن منصور قال: أخبرنا أبو بكر الحيري قال: أخبرنا حاجب بن أحمد قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ. [ص:563]
وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ الرَّفِيعُ الأَبَرْقُوهِيُّ وَقَالَ: لَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ.(13/561)
576 - مُحَمَّد بن محمود بن أَبِي الحَسَن بن الظَّفَرِ، أَبُو الضَّوء الشّذَيانيّ الحاتميّ الهَرَويّ، ويلقّب بشهاب. [المتوفى: 618 هـ]
وُلِدَ سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة. وَسَمِعَ من أَبِي سَعِيد أَحْمَد بن إسْمَاعِيل الحنفي، وأبي الوقت السجزي، وأبي سعد ابن السَّمْعَاني، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ الضِّيَاء الحَنْبَلِيّ، وَالزَّكيّ البِرْزَاليّ، والمحبّ اللّبليّ، وجماعة. وأجاز للتّاج بن عصرون، والشرف ابن عساكر، وزينب بنت عُمَر، وجماعة. وعُدم في السَّنة.(13/563)
577 - محمود بن مُحَمَّد بن عَبْد الواسع ابن الموفَّق السَّقَطِي الهَرَويّ، أَبُو بَكْر، [المتوفى: 618 هـ]
من وَلَد سَرِي السَّقَطِي.
سَمِعَ من جَدّه عَبْد الواسع؛ حدّثه عن شيخ الإِسْلَام أَبِي إسْمَاعِيل. رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ البِرْزَاليّ وغيره.
وَأَخْبَرَنَا ابن عساكر قال: أَخْبَرَنَا محمود إجازةً، فذكر حديثًا.
وَهُوَ ممّن عُدِم في دخول العَدُوّ هَرَاة.(13/563)
578 - محمود بن مُحَمَّد بن قُرا رسلان بن سَقْمان بن أرتُق، الملك الصالح ناصر الدِّين الْأرتقيّ، [المتوفى: 618 هـ]
صاحب آمِد وحِصْن كِيفا.
مات بالقُولَنج، وقامَ بعده ولده الملك المسعود؛ الَّذِي أخذ منه الكامل بلاده.(13/563)
579 - مُشَرّف بن عَليّ بن أَبِي جَعْفَر بن كامل، أَبُو العزّ الخالصيّ المُقْرِئ الضَّرير. [المتوفى: 618 هـ]
وُلِدَ تقريبًا في سنة أربع وثلاثين، وَقَدِمَ بَغْدَاد فحفظ بها القُرْآن، وقرأ بشيءٍ من القِراءات عَلَى أَبِي الكرم الشَّهْرَزُوري، وتَفَقَّه بالنّظامية عَلَى مذهب الشَّافِعِيّ. وَسَمِعَ من أَبِي الكَرَم، وَأَبِي الوقت، ومسعود بن الحصين، وأحمد [ص:564] ابن محمد ابن الدباس، وسلامة ابن الصَّدْر.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، والبِرْزَاليّ، وجماعة. وتُوُفّي فِي الخامس والعشرين من ربيع الآخر.
والخالص: اسم ناحية ونهر بشرقيّ بَغْدَاد.(13/563)
580 - موسى ابن الشيخ عبد القادر بن أبي صالح، أَبُو نصر، الجِّيليّ ثُمَّ البَغْدَادِيّ، ضياءُ الدِّين. [المتوفى: 618 هـ]
وُلِدَ في ربيع الْأَوَّل سنة تسع وثلاثين، وَيُقَال: سنة سبعٍ وثلاثين. وَسَمِعَ أَبَاه، وابن ناصر، وسعيد ابن البَنَّاء، وأبا الوَقْت، وابن البَطِّيّ. واستوطن دمشق بالعُقَيَبة.
رَوَى عَنْهُ البِرْزَاليّ، وَالضِّيَاء، وابن خليل، والسيف ابن المجد، وعمر ابن الحاجب، والشهاب القوصي، والزكي المنذري، والفخر علي، والتقي ابن الواسطي، والشمس محمد ابن الكمال، وأبو بكر ابن الأنماطي، وأحمد بن علي سِبْط عَبْد الحقّ، وَإسْمَاعِيل بن نور الهيتيّ، والصّفيّ إِسْحَاق الشَّقْراويّ، ويوسف الغسوليّ، والعزّ أَحْمَد ابن العماد، والعماد عبد الحافظ بن بدران، وطائفة سواهم. وقرأ عَلَيْهِ الْأئمَّة والحُفّاظ.
وَقَالَ ابن النَّجَّار: كتبتُ عَنْهُ بدمشق، وكان مَطْبُوعًا، لَا بأس بِهِ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ خاليًا من العلم.
وَقَالَ المُنْذِريّ: دخل مِصْر ولم يحدّث بها.
وقال عمر ابن الحاجب: كَانَ ظريفًا، رقّ حالُه واستولَى عَلَيْهِ المرض في آخر عمره، إلى أن تُوُفِّي ليلة الْجُمُعة مُسْتَهَلّ جُمَادَى الآخرة، وَكَانَ آخر أولاد أَبِيهِ وفاةً. وَكَانَ يُرمَى برذائل لَا تليق بِمِثْلِهِ، سألتُ أَبَا عُبَيْد اللَّه البِرْزَاليّ عَنْهُ فَقَالَ: كَانَ عنده دُعابة.(13/564)
581 - منصور، الرئيس الكبير المجاهد أَبُو الفَتْح ابن الرئيس المجاهد مُحَمَّد بن إِسْحَاق، الكِنانيّ الدِّمْيَاطِيّ. [المتوفى: 618 هـ]
تُوُفِّي في ذي الحجَّة بدِمْيَاط، وحُمِلَ إلى مِصْر فدُفن بها. وكان قد ولي [ص:565] رياسة الغُزاة في البَحْر الْأخْضَر بعد والده مُدَّة طويلة.
قَالَ الحَافِظ عَبْد العظيم: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لي خمسٌ وأربعون سنة أجاهد عَلَى ظهر البَحْر. وَكَانَ مشهورًا بالشجاعة، ميمون الحركة، مُحِبًّا للفقراء.(13/564)
• - نجم الدِّين الكُبْرَى، اسمه أَحْمَد، [المتوفى: 618 هـ]
مَرّ.(13/565)
582 - النَّفيس بن أَبِي البركات بن معالي بن حُفْنَى، أَبُو الفضل الزَّعِيميّ البَغْدَادِيّ المُسْتَخدم. [المتوفى: 618 هـ]
سَمِعَ أَبَا الحسن بن غبرة، وأبا الفتح ابن البَطِّيّ. رَوَى عَنْهُ البِرْزَاليّ، وَالضِّيَاء، وَالشَّيْخ عَبْد الصَّمَد بن أَبِي الجيش، والدُّبَيْثِي، وآخرون. وَكَانَ رجلًا صالحًا.
وحُفْنَى: بضم الحاء المهملة وفتح النون.
توفي في رابع عشر صفر.(13/565)
583 - هبة اللَّه بن الخضِر بْن هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بن طاووس، الْأمير سديد الدِّين، أَبُو مُحَمَّد بن أَبِي طَالِب، البَغْدَادِيّ الْأصلِ، الدِّمَشْقِيّ. [المتوفى: 618 هـ]
من بيت العلم والرواية. سَمِعَ من الفقيه نصر اللَّه بن مُحَمَّد المِصِّيصِيّ، وناصر بن مُحَمَّود القُرَشِيّ، وعَليِّ بن سُلَيْمَان المُراديّ، والخَضِر بن عَبْدان الْأَزْدِيّ، ونصر بْن أَحْمَد بْن مُقاتل، وأبا الْقَاسِم ابن البُنّ الْأَسَدِيّ. ورحل إلى الإسكندرية؛ وَسَمِعَ من السِّلَفيّ.
وَكَانَ عَسِرًا في الرواية، ولا يُسمع إِلَّا من أصل، ولم يكن ممّن يفهم الحديث، لكنّه كَانَ مواظبًا عَلَى تلاوة القُرْآن.
سئل عن مولده فكتب أَنَّهُ في سنة سبعٍ وثلاثين في ربيع الْأَوَّل. وسماعه [ص:566] من نصر الله في سنة إحدى وأربعين؛ فيكون في الخامسة حُضُورًا، إِلَّا عَلَى قول من يرى أَنَّ ذَلِكَ سمَاع.
رَوَى عَنْهُ ابن خليل، وابنُ النَّجَّار، وَأَبُو بكر محمد ابن النُّشْبِيّ، والعماد مُحَمَّد بن سالم بن صَصْرَى، والشمس أَبُو الغنائم بن علّان، والفخر عَليّ ابن البُخَارِي، والشِّهَاب القُوصِيّ، وجماعة. وبالإجازة أَبُو حفص ابن القَوَّاس وغيرُه.
وَتُوُفِّي في سابع جُمَادَى الْأولى.
وقد سَمِعَ منه السَّرَّاج بن شحاتة في رجب سنة سبع عشرة، ولعَسَارَتِهِ انقطع حديثه بوقت، وإلا فقد وقع لنا حديث أقرانه دونه.(13/565)
584 - ياقوت، عتيق الحَافِظ أَبِي المواهب بن صَصْرَى. [المتوفى: 618 هـ]
سَمِعَ مَعَ مولاه من عَليّ بن أَحْمَد الحَرَسْتَاني؛ ورحل معه إلى بَغْدَاد يخدمه ويخدم ولده أمين الدِّين، فَسَمِعَ من أَبِي السَّعَادَات القَزَّاز، وجماعة. وَحَدَّثَ، ومات في ذي القِعْدَة.(13/566)
585 - ياقوت، أمين الدِّين المَوْصِليّ الكاتبُ المَلكيّ؛ [المتوفى: 618 هـ]
نسبة إلى السُّلْطَان ملكشاه بن سلْجُوق بن مُحَمَّد بن مَلكشاه السَّلْجُوقيّ.
قرأ العربية عَلَى الإِمَام أبي محمد سعيد بن المبارك ابن الدهان وبرع فيها، وقرأ كتاب " المقامات " و" ديوان " المتنبيّ.
وكتب الخط المنسوب، ونسخَ نُسَخًا عديدة لكتاب " الصِّحاح " للجوهريّ، كلّ نسخة في مُجَلَّد واحد، وَهِيَ متيسرة الوجود عند الْأعيان، وكانت النُّسخة تباع بمائة دينار. وكانت لَهُ سمعة كبيرة في زمانه، وكتب عَلَيْهِ خلقٌ، ثُمَّ تغيَّر خَطُّه من الكِبَر.
قَالَ ابن خَلّكان: تُوُفِّي بالمَوْصِل في هذه السنة.
وَقَالَ ابن الْأثير: لم يكن في زمانه من يكتب ما يقاربه، ولا من يؤدي طريقة ابن البواب مثله.(13/566)
586 - يَحْيَى بن سَعْد اللَّه بن الحُسَيْن بن أَبِي غالب مُحَمَّد بن أَبِي تَمّام، الشَّيْخ أَبُو الفتوح التَّكْرِيتيّ. [المتوفى: 618 هـ]
وُلِدَ سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة بتكريت، وَسَمِعَ من أَبِيهِ وجماعة. وَسَمِعَ ببَغْدَاد من أبي المظفر هبة الله ابن الشِّبْلِي، وابن البَطِّيّ، وَالشَّيْخ عَبْد القادر، وَالشَّيْخ أَبِي النَّجِيب، وجماعة. وَحَدَّثَ ببلده، وخَرَّج لنفسه أحاديث، وعَمِلَ بتكريت دارَ حديث، وأهل بلده يثنون عَلَيْهِ ويصفونه بالصّلاح.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، والبرزالي، والضياء، وآخرون. ومات في آخر المحرم.(13/567)
587 - يوسُف بن عَبْد الغني بن موسى، الفقيه أَبُو الحَجّاج بن غَنُّوم، الجذاميّ الإسكندرانيّ المالكيّ المُعَدَّل. [المتوفى: 618 هـ]
سَمِعَ من السِّلَفيّ، وَحَدَّثَ ودَرَّسَ، ونابَ في الحُكم. وَكَانَ صالحًا خَيّرًا، عَلَى طريقة السَّلَف. رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ عَبْد العظيم وغيرُه، ومات في ثامن عشر المحرّم.(13/567)
588 - يوسف بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه ابن الوزير نظام المُلك الطُّوسِيّ، أَبُو المحاسن البَغْدَادِيّ. [المتوفى: 618 هـ]
وُلِد سنة خمسٍ وثلاثين، وَسَمِعَ من نصر بن نصر العُكْبَريّ، وأبي الوَقْت، وأبي حامد مُحَمَّد بن أَبِي الربيع الغَرْنَاطَيّ. وَحَدَّثَ، ومات في شعبان.
رَوَى عَنْهُ الدبيثي، وقال: كان غير حميد الطريقة.(13/567)
589 - أبو بكر بن المظفر بن إبراهيم ابن البَرْنيّ. [المتوفى: 618 هـ]
نزل المَوْصِل مَعَ أخيه أَبِي إِسْحَاق، وَحَدَّثَ عن عتيق بن صِيلا.
تُوُفِّي في الحجة بالموصل.(13/567)
590 - أَبُو الحَسَن بن إسْمَاعِيل بن مسلّم بن سَلْمَان، الإربلي ثُمَّ البَغْدَادِيّ، الصُّوفِيّ. [المتوفى: 618 هـ]
وُلِدَ سنة تسع وخمسين في أوائل السنة. وَسَمِعَ حُضورًا من أَحْمَد بن المُقَرَّب، وَيَحْيَى بن ثابت. وسمع أيضا من شُهدة. وأجاز لَه مَسْعُود الثَّقَفِيّ، وَأَبُو عَبْد اللَّه الرُّسْتُميّ، وجماعة.
وَكَانَ مشهورًا بالخَيْر والصَّلاح، وَليَ مشيخة الصُّوفِيَّة بإربل.
وَقِيلَ: اسمه مُحَمَّد. وَقِيلَ: عَليّ. وَهُوَ معروف بكنيته، وَهُوَ ابن عمّ الفخر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم.
تُوُفِّي أَبُو الحَسَن في خامس ربيع الآخر.
وَحَدَّثَ بإرْبِل.(13/568)
591 - أَبُو الطاهر بن أَبِي الفضل المَقْدِسِيّ الحَنْبَلِيّ، [المتوفى: 618 هـ]
إمام جامع كَفْربَطْنا.
تُوُفِّي بكَفْربَطْنا في ربيع الآخر، وحُمِلَ إلى جبل قاسِيُون فدُفن بِهِ.
وَهُوَ والد الفقيه الصالح تقيّ الدِّين أَحْمَد المتوفَّى سنة اثنتين وتسعين، وجدّ شيخنا أَبِي بكر بن أحمد بن أبي الطاهر المتوفى سنة اثنتين وسبعمائة.
وولي بعده الزَّين أَحْمَد بن عَبْد الدّائم، فأقام بها إلى إثناء سنة ستٍّ وعشرين، ثُمَّ انفصل عَنْهَا، ثُمَّ عاد إليها بعد الثلاثين، ثُمَّ تركها سنة الخُوارزمية.(13/568)
592 - أَبُو عَليّ بن أَبِي زكريّ، الْأمير الكبير فخر الدِّين، [المتوفى: 618 هـ]
أخو الْأمير سيف الدِّين أَبِي بَكْر والْأمير شجاع الدِّين كُرّ، وعمُّ زين الدِّين موسى بن جكُو بن أَبِي زكريّ.
تُوُفِّي في ربيع الْأَوَّل بالمُخَيّم بالمَنْصورة، رحمه اللَّه.(13/568)
-وفيها وُلِدَ:
العماد مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الرَّحِيم بن مُلْهَم الدِّمَشْقِيّ الصائغ، والشمس عُمَر بن غلام اللَّه الْأشْرفيّ، والشمس حسن بن المُظَفَّر المُنْقِذيّ الشُّرُوطيّ، وَالضِّيَاء مُحَمَّد بن محمد بن عبد القاهر ابن النَّصِيبِيّ، والصَّدْر أَحْمَد بن عَبْد الرَّحْمَن القرشي الإسكندري، عُرِف بابن حمزة، يروي عن ابن عماد، والرشيد مُحَمَّد بن عَبْد الحقّ بن مكي ابن الرَّصاص، وَأَبُو مُحَمَّد عَبْد المعطي بن عَبْد الرحمن ابن الإبياريّ الإسكندرانيّ، وناصر الدِّين عُمَر بن أَحْمَد ابن ألْطُنْبا النَّاصريّ الحَلَبِيّ، وجمال القضاة أَبُو بَكْر محمد بن عبد الرحمن ابن المغيري؛ سمع الصفراوي.(13/569)
-سنة تسع عشرة وستمائة(13/570)
593 - أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن الحُسَيْن بْن عَبْد الحميد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الحَسَن بْن حديد بن أَحْمَد بْن محمد بن حمدون، القاضي المكين أَبُو طَالِب ابن زين القضاة أَبِي الفضل، الكنانيّ الإسكندرانيّ المالكيّ العَدْل. [المتوفى: 619 هـ]
وُلِدَ سنة إحدى وخمسين وخمسمائة. وسمع من أبي طاهر السلفي، وأبي محمد العُثْمانِيّ، وَأَبِي الطاهر بن عَوْف، وغيرهم. وأجاز لَهُ جماعة.
وَحَدَّثَ بدمشق وَمِصْر؛ رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ المُنْذِريّ وَقَالَ: كَانَ لَهُ أنس بالطّريقة. وَكَانَ الحَافِظ السِّلَفيّ يكرمه كثيرًا؛ لِما لأسلافه عَلَيْهِ من الحقوق، ويقدّمه للقراءة عَلَيْهِ مَعَ صغر سنه. وهو من بيت الرياسة والمعروف، ولهم الْأوقاف والْأحباس. وَهُوَ من وَلَد سُراقة بن مالك بن جُعْشم رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. وَكَانَ أَبُوه قاضي الإسكندرية؛ وكذلك جَدّه المكين أبو علي. وذكر أنه استقضي من بيتهم بالإسكندرية سبعة قضاة، وكانوا يحكمون بمذهب أهل السُّنة في ذَلِكَ الوَقْت. قُلْتُ: يعني في الدَّوْلَة العُبيديَّة.
وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا الشِّهَاب القُوصِيّ، والجلال عيسى بن الحَسَن القاهريّ؛ وأخوه الرشيد عَبْد اللَّه بن الحَسَن، وآخرون.
وَتُوُفِّي في سابع عشر جُمَادَى الآخرة بالإسكندرية.
لم ألحق من أصحابه أحدًا.(13/570)
594 - أَحْمَد بن عَبْد المؤمن بن موسى القَيْسِيّ، أَبُو العَبَّاس الشَّريشيّ النَّحْوِيّ. [المتوفى: 619 هـ]
رَوَى عَن أَبِي الحَسَن بْن لُبّال، وَأَبِي عَبْد اللَّه بن زَرْقون، وغيرهما. وجلس لإقراء العربية.
قَالَ الْأبَّار: لَهُ تصانيف؛ منها: " شرح الإيضاح " لأبي عَليّ الفارسيّ، ومنها " شرح مقامات الحريري "؛ صنف لها ثلاثة شروح. سَمِعْتُ منه، وأجاز لي.(13/570)
595 - أَحْمَد بن عَليّ بن أَحْمَد بن أَبِي الهيجاء، الأمير الكبير عماد الدين ابن المشطوب، سيف الدِّين الهَكَّارِيّ. [المتوفى: 619 هـ]
كَانَ عماد الدِّين من كُبراء الدَّوْلَة، شُجاعًا، هُمامًا، سَمْحًا، جوادًا، مَهيبًا، أقطعه السُّلْطَان صلاح الدِّين نابُلُس. وَكَانَ جدّهم أَبُو الهيجاء صاحب العمادية وعدَّة قلاع من بلاد الهكّارية. ولم يزل العماد وافر الحرمة إلى أن انفصل عن الدّيار المصرية وعَدّى الفرات، فأكرمه الْأشرف. وقد ذكرنا في سنة سبع عشرة من أخباره وَأَنَّهُ مات في السجن بأسوأ حال.
مات في ربيع الآخر، وبنت لَهُ بنته قُبَّةً برأس عين ونقلته من حَرّان فدفنته بها.
وعاش أربعًا وأربعين سنة ظَنًّا.(13/571)
596 - أَحْمَد، الملك المُفَضَّل قُطب الدِّين أَبُو العَبَّاس [المتوفى: 619 هـ]
ابن السُّلْطَان الملك العادل سيف الدُّنْيَا والدين أَبِي بَكْر مُحَمَّد بن أيوب.
تُوُفِّي بالفيوم في منتصف رجب، وحُمِلَ إلى القاهرة، ودُفن خارج باب النصر.(13/571)
597 - أَحْمَد بن المبارك بن فوارس بن سُنْبلة، أَبُو المعالي البَغْدَادِيّ الحَرِيمِيّ السَّفّار التَّاجر. [المتوفى: 619 هـ]
شيخٌ مُسنِد، رَوَى عن أَبِي الفَرَج عَبْد الخالق اليُوسُفِيّ، وأبي عَليّ أَحْمَد بن أَحْمَد الخراز. وكان مولده سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، وَتُوُفِّي في نصف ذي القِعْدَة، وَهُوَ أخو مُحَمَّد الَّذِي سكن بسمرقند.
رَوَى عَنْهُ الضِّيَاء، وابن النَّجَّار.
وقد اختلط قبل موته بقليل من سنة خمس عشرة وستمائة.(13/571)
598 - أَحْمَد بن مَسْعُود بن أَحْمَد بن مُحَمَّد، أَبُو العَبَّاس اليَمَانِيّ الزَّاهد. [المتوفى: 619 هـ][ص:572]
حدث عن الحافظ ابن ناصر، وَأَبِي حكيم النَّهْرَوَانِيّ. وَكَانَ إمام دَيْر الغَسَّانِيّ، رَوَى عَنْهُ الحَافِظ الضِّيَاء.
قَالَ المُنْذِريّ: تُوُفِّي في منتصف صفر الشَّيْخ الصّالح الزاهد أَبُو العَبَّاس اليمانيّ الشَّافِعِيّ بالْأرض المقدسة. سَمِعَ ببَغْدَاد من الحَافِظ أَبِي الفضل مُحَمَّد بن ناصر وغيره، وَحَدَّثَ، وَكَانَ مشهورًا بالصّلاح والخير، وَكَانَ قد سكن بأولاده وأهله في مغارة بجبل من جبال بيت المَقْدِس.
وَقَالَ الضِّيَاء: كان قد كبر حتى عجز عن القيام والقُعود، رحمه الله.(13/571)
599 - إسماعيل بن الحسين بن يعقوب، أبو محمد ابن اللبادي، الحربي. [المتوفى: 619 هـ]
حدث عن ابن البَطِّيّ وغيره، ومات في ذي الحجَّة.(13/572)
600 - إسْمَاعِيل بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد المُحسن بن أَبِي بَكْر بن هبة اللَّه بن الحَسَن، الحافظُ البارع تقي الدين أبو الطاهر ابن الْأَنْمَاطِي، المَصْرِيّ الشَّافِعِيّ. [المتوفى: 619 هـ]
سَمِعَ القاضي أَبَا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن الحَضْرَمِيّ، وأبا الْقَاسِم هبة اللَّه البُوصيريّ، وأبا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن عَبْد المولى اللُّبنِيّ، وشجاع بن مُحَمَّد المُدْلجيّ، وأبا عَبْد اللَّه الْأَرْتَاحِيّ، وجماعةً كبيرةً.
ورحلَ إلى دمشق سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة فأكثر بها عن أبي طاهر الخشوعي، وأبي محمد ابن عساكر، وطبقتهما. ورحل بعد الستمائة إلى العراق، فَسَمِعَ من حَنْبَل، وابن سُكينة، وابن طَبَرْزَد، وَأَبِي الفَتْح المَنْدَائِيّ، وخلق سواهم.
وكتب الكثير بخطّه المَليح السريع، وحَصَّل كتبًا كثيرة.
قَالَ ابن النَّجَّار: اشتغل من صباه، وتفقه، وقرأ الأدب، وَسَمِعَ الكثير. وَقَدِمَ دمشق سنة ثلاثٍ وتسعين، ثم حج سنة إحدى وستمائة، وَقَدِمَ مَعَ الرَّكب. وكانت لَهُ هِمَّةٌ وافرة، وحِرص، وجِدّ، واجتهاد، مع معرفة كاملة [ص:573] وحفظ وثقة وفصاحة وسرعة قلم، واقتدار على النظم والنثر. ولقد كان بعيد الشبيه، معدوم النظير في وقته. كتب عني وكتبت عنه، وقال لي: ولدت سنة سبعين وخمسمائة في ذي القعدة.
قال عمر ابن الحاجب: كان إمامًا، ثقةً، حافظًا، مبرزًا، فصيحًا، واسع الرواية، حصَّل ما لم يحصّله غيره من الْأجزاء والكتب. وَكَانَ سَهْل العاريَّة يعير إلى البلاد. وعنده فقه، وأدب، ومعرفة بالشعر وأخبار النَّاس. وَكَانَ يُنبز بالشرّ، سألت الضِّيَاء محمد بن عبد الواحد عنه فقال: حافظ، ثقة، مفيد، إلا أَنَّهُ كَانَ كثير الدُّعابة مَعَ المُرْد!
قُلْتُ: وَلَهُ مجاميع مُفيدة، وآثار كثيرة. وَكَانَ أشعريًّا؛ لَهُ كلام في الحطّ عَلَى إِمَام الْأئمة أَبِي بَكْر بن خُزَيْمَة.
رَوَى عَنْهُ الشِّهَاب القُوصِيّ، وَالزَّكيّ البِرْزَاليّ، وَالزَّكيّ المُنْذِريّ، والكمال الضّرير، والصّدر البَكْرِيّ المُحَدِّث، وابنه أَبُو بَكْر مُحَمَّد بن إسْمَاعِيل، وآخرون.
ومات في الكهولة، ولم يرو إِلَّا القليل.
قَالَ الضِّيَاء: بات في عافية، فأصبح لَا يقدر عَلَى الكلام أيامًا، ثُمَّ مات - يعني: مات بالسكتة - في رجب.(13/572)
601 - بدر التمام، أخت الحافظ ابن الأخضر، أمّ أولاد الْأديب أَبِي المعالي الحَظِيريّ. [المتوفى: 619 هـ]
سَمِعَتْ المبارك بن أَحْمَد الصَّيْرَفِيّ، وَعَنْهَا ابن أخيها عَليّ؛ رَوَى ابنُ النَّجَّار عَنْهُ، عَنْهَا.
تُوُفِّيت في رمضان.(13/573)
602 - ثابت بن مُشَرَّف بن أَبِي سَعْد ثابت، وَيُقَال: أَبُو سَعْد مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، أَبُو سَعْد البَغْدَادِيّ الْأزَجِيّ البَنَّاء المِعْمار، المعروف بابن شستان. [المتوفى: 619 هـ][ص:574]
سمع من سعيد ابن البناء، وابن ناصر، وأبي بكر ابن الزَّاغُونيّ، وَأَبِي الفَتْح الكُرُوخِيّ، وأبي الوَقْت، وأبي جَعْفَر أَحْمَد بن مُحَمَّد العَبَّاسيّ، وأبي المُظَفَّر مُحَمَّد بن أَحْمَد التُّرَيْكِيّ، وأبي الفضل أَحْمَد بن هبة الله ابن الواثق، وواثق بن تمّام، ونصر بن نصر العُكْبَريّ، وَمُحَمَّد بن عُبَيْد اللَّه الرُّطَبِي، وَمُحَمَّد بن أحمد ابن المادح، وَأَحْمَد بن يَحْيَى بن ناقة، وطائفة؛ سَمِعَ منهم بإفادة أَبِيهِ وبنفسه. وأجازَ لَهُ وجيه الشحامي، وعبد الله ابن الفُرَاويّ، وجماعة من نَيْسَابُور.
وَكَانَ عمّه عَليّ بن أَبِي سَعْد الخبّاز من أعيان الطَّلبة.
وشستان بكسر الشين، ورأيت بعضهم قد قيدها بالضّمّ.
رَوَى عَنْهُ الزَّكيّ البِرْزَاليّ، وَالضِّيَاء، والكمال ابن العديم؛ وولده القاضي أَبُو المجد، والزّين بن عبد الدائم، ومحمد بن أبي الفرج ابن الدباب، والكمال أحمد ابن النَّصِيبِيّ، وجماعة.
قَالَ ابن نُقْطَة: كَانَ صعب الْأخلاق، ظاهر العامّيَّة، سَمِعْتُ عامَّة الطّلبة يذمّونه.
وَقَالَ المُنْذِريّ: تُوُفِّي في خامس ذي الحجَّة ببَغْدَاد، وقد بلغ الثمانين.
قُلْتُ: وَقَدِمَ حلب سنة ستّ عشرة، وسمعوا منه. وَحَدَّثَ أَيْضًا بدمشق. وأخته عزيزة ماتت قبله بأيام، سمعت من عمها.(13/573)
603 - الحُسَيْن بن أَبِي منصور بن أَبِي المعالي بن حَرَّاز، وجيه الدِّين أَبُو عَبْد اللَّه الوَاسِطِيّ الهُماميّ، الشَّاعِر الْأديب. [المتوفى: 619 هـ]
تُوُفِّي بالقاهرة كهلًا في جُمَادَى الْأولى.
رَوَى عَنْهُ من شِعره الزكي المنذري.(13/574)
604 - الطّيّب بن مُحَمَّد بن الطيّب بن الحُسَيْن بن هِرَقْل، العُتَقِيّ الكِنَانِيّ المُرْسِيّ، أَبُو الْقَاسِم الْأصولي. [المتوفى: 619 هـ]
ذكره الْأبَّار فَقَالَ: سَمِعَ من أَبِي الْقَاسِم بن حُبَيْش وأكثر عَنْهُ، ومن ابن حَمِيد. وتَفَقَّه بأبي بَكْر بن أَبِي جَمْرة، وكتب إِلَيْهِ أَبُو الْقَاسِم بن بَشْكُوال والسهيلي، وَكَانَ من أهل المعرفة الكاملة والنَّباهة، نوظر عَلَيْهِ في كتب الرأي وأصول الفقه، وتَقَدَّم أهل بلده رياسة ورَجاحة، وأخذ عَنْهُ أصحابنا، وَتُوُفِّي في سابع عشر جُمَادَى الْأولى وَلَهُ ثلاثٌ وستّون سنة.(13/575)
605 - عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي بَكْر بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد، أَبُو مُحَمَّد القُضَاعِيّ الْأبَّار الْأنْديّ الْأنْدَلُسِيّ، [المتوفى: 619 هـ]
نزيلُ بَلَنْسِية.
أخذ القراءات عن أَبِي جَعْفَر الحَصّار، وَسَمِعَ من أَبِي عبد الله بن نوح الغافقي، وصحب أَبَا مُحَمَّد بن سالم الزاهد، وأجاز لَهُ أَبُو بَكْر بن أَبِي جمرة.
قَالَ ابنه: وَكَانَ - رحمه الله، ولا أزكيه - مُقبلًا عَلَى ما يعنيه، شديد الانقباض، بعيدًا عن التصنع، حريصا عَلَى التخلص، كثير التلاوة والتهجد، فقيهًا مُعدلًا، ذاكرًا للقراءات. قرأت عَلَيْهِ لنافع، وَسَمِعْتُ منه، وتوفي ببلنسية في ربيع الْأَوَّل وَلَهُ ثمان وأربعون سنة.(13/575)
606 - عَبْد الرَّحْمَن بن عَبْد السَّلَام بن أَحْمَد، أَبُو الْقَاسِم الحساني أَو الغَسَّانِيّ الغَرْنَاطَيّ، ويلقّب بالدَّدُو. [المتوفى: 619 هـ]
رَوَى عن أَبِي عَبْد اللَّه بن عروس، وأخذ القراءات عنه، و" كتاب " سيبويه، ولازمه كثيرا، وعن داود بن يزيد السعدي، وعبد المنعم بن عبد الرحيم الحافظ.
وأقرأ القرآن والنحو، وكان فقيها عفيفا متصونا، كان يشهد وقد سَمِعَ وَهُوَ صبيّ من أَبِي عَبْد الله الحجريّ. [ص:576]
وُلِدَ سنة أربع وثلاثين، ومات في ربيع الآخر سنة تسع عشرة وستمائة.(13/575)
607 - عَبْد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن يوسف، أَبُو القاسم ابن السَّرَّاج المَغيليّ الفاسيّ، [المتوفى: 619 هـ]
نزيلُ غَرْنَاطَة.
عارف بالقراءات والعربية، معتن بالرواية، مُكثر عن أَبِي مُحَمَّد بن عُبَيْد اللَّه الحَجْريّ. أخذ العربية عن أَبِي الحَسَن نَجَبَة، وأخذ القراءات عن أَبِي الحسن ابن النقرات، وأجاز لَهُ جماعةٌ.(13/576)
608 - عَبْد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن بدر بن الحَسَن بن مُفَرّج، رشيدُ الدِّين النَّابُلُسِيّ الشَّاعِر، الملقّب بمدكويه. [المتوفى: 619 هـ]
سَمِعَ " مقامات الحريري " من منوجِهْر بن تُركانشاه عن المُصنِّف؛ وَحَدَّثَ بها عَنْهُ.
وَكَانَ شاعرًا مُحْسنًا، مليحَ القول. قِيلَ: إنّه أقلعَ عمّا كان عَلَيْهِ قبل موته، وصلُحت حالُه. وماتَ في خامس محرّم بدمشق.
وقد مدحَ أمير المؤمنين النّاصر لدين اللَّه بالقصيدة الطنّانة التي مطلعها:
حرم الخلافة والمحلّ الْأعظم ... فانظُر لنفسك أي دُرٍ تنظمُ
ومدحَ السُّلْطَان صلاح الدين وولده الملك الظاهر غازيًا، ومدح الملك المُعَظَّم.
وَهُوَ عمّ الحَافِظ شرف الدِّين يوسف بن الحَسَن النَّابُلُسِيّ، رَوَى عَنْهُ الشِّهَاب القُوصِيّ عدَّة قصائد.(13/576)
609 - عَبْد الرَّحْمَن بن أَبِي البركات المبارك بن مُحَمَّد بن أحمد، أبو محمد ابن المُشتري، المُقْرِئ البَغْدَادِيّ. [المتوفى: 619 هـ]
وُلِدَ سنة خمسٍ وثلاثين وخمسمائة. وسمع من أبي الفضل الأرموي، وسعيد ابن البَنَّاء، وابن ناصر، وأبي الوَقْت، وجماعة. وَكَانَ شيخًا فاضلًا، صحيحَ الْأصول.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، وجماعةُ. وَتُوُفِّي بإربل في شَوَّال.(13/576)
610 - عَبْد السَّلَام بن عَليّ بن منصور، قاضي القضاة تاج الدِّين أَبُو مُحَمَّد الكِناني الدِّمْيَاطِيّ الشَّافِعِيّ، المعروف بابن الخَرَّاط. [المتوفى: 619 هـ]
قرأ القُرْآن بدِمْيَاط بالقراءات عَلَى المُسْنِد الكبير عَبْد السَّلَام بن عَبْد النّاصر بن عُديسة، ورحل إلى بَغْدَاد، وتَفَقَّه بالنظامية، وَسَمِعَ من ابن كُليب، وابن الجَوزي، وأبي طاهر المبارك بن المبارك ابن المَعطوش، ورحلَ إلى واسط؛ فقرأ بها القراءات على أبي بكر ابن الباقِلاني، وعادَ إلى دِمْيَاط، وولي القضاء بها والتّدريس مُدَّة، ثُمَّ ولي قضاء القضاة بمصر وأعمالها من الجانب القِبلي، وَحَدَّثَ.
قَالَ الزَّكيّ المُنْذِريّ: أقرأ، وَحَدَّثَ بدِمْيَاط، وَمِصْر، وخرّجتُ لَهُ جزءًا من حديثه، وسمعتُ منه، ووُلد سنة إحدى وسبعين، ثُمَّ صُرِفَ من مِصْر، وولي قضاء دِمْيَاط.(13/577)
611 - عَبْد الصَّمَد بن عَبْد الرَّحْمَن بن أَبِي رجاء، الإِمَام أَبُو مُحَمَّد البَلَوي الأندلسي الوادي آشي، ويعرف باللَّبَّسي؛ [المتوفى: 619 هـ]
وأصله منها، وَيُقَال: لبّسة ولبّصة: من قرى الأندلس.
روى عن: أَبِيه أبي الْقَاسِم، وَأَبِي العَبَّاس الخروبيّ، وَأَبِي بَكْر بن رزق، وَأَبِي الحَسَن بن كوثر، وَأَبِي الْقَاسِم بْن حُبيش، وَأَبِي عَبْد اللَّه بْن حَميد.
وأخذ القراءات عن جماعة، وأجازَ لَهُ أَبُو الحَسَن بن حُنين، وَأَبُو طاهر السِّلَفيّ، وجماعةٌ.
قَالَ الْأبَّار: وَكَانَ راوية مُكثرًا، واعظًا، مُذكّرًا، يتحقق بالقراءات والتفاسير، ويشارك في الحديث والعربية. اعتمد في ذَلِكَ عَلَى أَبِيهِ، وأبي العَبَّاس الخَرّوبي، وأقرأ النَّاس ببلده، وتصدّر بِهِ، وأخذ عَنْهُ جماعة. ووُلد في حدود سنة أربعٍ وثلاثين وخمسمائة، وَتُوُفِّي في رَجَب، وَلَهُ خمسٌ وثمانون سنة. [ص:578]
وَقَالَ ابن مَسْدي في " مُعجمه ": أَبُو مُحَمَّد اللّبّصيّ، هُوَ وَأَبُوه في القراءات والحديث، فَكَانَ أَبُوه رأس المقرئين بالْأنْدَلُس في زمانه، فاحتذى أَبُو مُحَمَّد حذو أَبِيهِ، وتلقى القراءات منه، فَكَانَ آخر من حدث عَنْهُ، وأكثر عن أَحْمَد بن مُحَمَّد بن سَعِيد الخَرُّوبيّ، وَسَمِعَ بفاس من محمد ابن الرمّامة، وَأَبِي الحَسَن الكِناني، قرأت عَلَيْهِ القراءات بالروايات واستفدت منه كثيرًا، قَالَ: ومات في شعبان سنة ثمان عشرة، هكذا قَالَ ابن مَسدي.
وآخر من قرأ بالروايات عَلَى هَذَا الشَّيْخ أَحْمَد بن بشير القَزَّاز، وبقي القَزَّاز إلى سنة بضعٍ وسبعين.(13/577)
612 - عَبْد القادر بن دَاوُد بن مُحَمَّد، الفقيه أَبُو مُحَمَّد الواسطي. [المتوفى: 619 هـ]
قرأ القراءات على أبي بكر ابن الباقِلاني، وَسَمِعَ من أَبِي بَكْر مُحَمَّد بن عَليّ الكتاني المُحتسب.
وورد بَغْدَاد، ودَرَّسَ، وأفْتَى، وَحَدَّثَ، وقد تَفَقَّه بواسط عَلَى المُجير محمود بن المبارك البَغْدَادِيّ، ومات في ربيع الآخر.(13/578)
613 - عبد الكريم ابن الفقيه نجم الدين ابن شَرَف الإِسْلَام عَبْد الوَهَّاب ابن الشَّيْخ أَبِي الفرج، الْأَنْصَارِيّ السَّعْديّ العُبادي الشِّيرَازِيّ الْأصل الدمشقي، الفقيه شهاب الدين أبو الفضائل ابن الحَنْبَلِيّ. [المتوفى: 619 هـ]
رحل إلى بَغْدَاد وَسَمِعَ من أَبِي السَّعَادَات نصر اللَّه القَزَّاز، وغيره، وبدمشق من أَبِي المعالي بن صابر، وَحَدَّثَ ودَرَّسَ بمدرستهم.
روى عنه الشهاب القوصي، وعمر ابن الحاجب، وَقَالَ الشِّهَاب: كَانَ عارفًا بمذهبه، مُطّلعًا عَلَى غوامضه.
وَقَالَ ابن الحاجب: فقيه، عالم، عنده إقدام وشهامة، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُرمى بكثرة الشَّر، وبُطلان الحقوق، وكثرة الوقيعة في النَّاس، وُلِدَ سنة تسع وخمسين.
وَقَالَ المُنْذِريّ: تُوُفِّي في عاشر ربيع الْأَوَّل. [ص:579]
وَقَالَ أَبُو شامة: هُوَ أخو البهاء، والنّاصح، وَهُوَ أصغرهم، وَكَانَ أبرعهم في الفقه، والمناظرة، والدّعاوى، والبيّنات. لكنّه كَانَ متعصبًا عَلَى شيخنا السَّخَاويّ؛ وجرت بينهما أمور. رحم اللَّه الجميع وإيّانا.(13/578)
614 - عُبَيْد اللَّه بن الْمُبَارَك بْن إِبْرَاهِيم بْن مختار بْن تَغْلِب، أَبُو الْقَاسِم الْأزَجِيّ الدَّقَّاق العدْل، المعروف بابن السِّيبِيّ. [المتوفى: 619 هـ]
وُلِدَ سنة خمسين وخمسمائة، وَسَمِعَ من: ابن البَطِّيّ، وشُهدة، وَعَبْد الحَقّ، وخديجة بنت النَّهْرَوَانِيّ، وجماعة. وطلبَ بنفسه، وكتبَ، وقرأ عَلَى الشيوخ.
وَتُوُفِّي في رجب.(13/579)
615 - عثمان بن هبة اللَّه بن أَبِي الفَتْح أَحْمَد بن عَقيل بن مُحَمَّد، الحكيم الرئيس جمالُ الدين أبو عمرو القَيْسِيّ البَعْلَبَكِّيّ الْأصل الدِّمَشْقِيّ العدل الطّبيب، المعروف بابن أَبِي الحوافر، رئيس الْأطبّاء بالدّيار المصرية. [المتوفى: 619 هـ]
ولد سنة ست وأربعين وخمسمائة، وولي رياسة الطّبّ مُدَّة بالقاهرة، وَتُوُفِّي في الثالث والعشرين من رجب بالقاهرة.
وكان جده أَبُو الفَتْح مقرئًا، فاضلًا، صالحًا، من أصحاب الفقيه نصر بن إِبْرَاهِيم المَقْدِسِيّ، وَكَانَ عَقيل فقيهًا يكرّر عَلَى " مختصر المُزني ".(13/579)
616 - عَليّ بن حيدرة بن أَبِي جَعْفَر مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن الميمون بن حمزة، الشريف أَبُو الحَسَن الحسيني المصري المعدَّل، [المتوفى: 619 هـ]
نقيب الأشراف بالقاهرة ومصر.
تُوُفِّي في ربيع الْأَوَّل.(13/579)
617 - عَليّ بن سَيِّدهم بن عَمَّار، العدل وجيه الدِّين ابن العتال الشروطي. [المتوفى: 619 هـ][ص:580]
كتب الحكم لقاضي القضاة أَبِي مُحَمَّد عَبْد السَّلَام بن عَليّ الدِّمْيَاطِيّ، ورُزق حظًّا في الوراقة، وَكَانَ كثير التّلاوة.
تُوُفِّي بمصر.(13/579)
618 - عَليّ بْن أبي الفرج مُحَمَّد بن أَبِي المعالي ابن الدَّبَّاب، أَبُو الحَسَن البَغْدَادِيّ البابَصري. [المتوفى: 619 هـ]
سَمِعَ من أبي محمد بن أحمد ابن المادح، وَحَدَّثَ.
وَهُوَ جدّ الواعظ المُسْند جمال الدين محمد بن محمد بن علي ابن الدبّاب؛ المتوفى سنة خمس وثمانين وستمائة؛ أحد شيوخ الفَرَضي.
قَالَ شيخنا أَبُو العلاء الفَرضي: إنّما سُمي جدُّهم الدَّبَّاب؛ لِأَنَّهُ كَانَ يمشي عَلَى التّؤدة والسُّكون.
قُلْتُ: تُوُفِّي أَبُو الحَسَن في ذي القَعدة. رَوَى عَنْهُ البِرزالي.(13/580)
619 - عَليّ بن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن إدريس الرَّوْحاني البَعقوبي الزاهد رحمه اللَّه. [المتوفى: 619 هـ]
صَحِبَ الشَّيْخ عَبْد القادر، وَسَمِعَ منه، والشيخ علي ابن الهِيتي.
وَكَانَ شيخًا صالحًا، زاهدًا، عابدًا، متألها، كبير القدر من أعيان شيوخ العراق في زمانه.
صحبه الشَّيْخ يَحْيَى الصرْصري، ثُمَّ رَوَى عَنْهُ هُوَ والكمال عَليّ بن وضّاح، والبدر سُنقرشاه النّاصريّ، وَالشَّيْخ عَليّ الخباز الزاهد، والواعظ أبو الفضل محمد بن أبي الفرج ابن الدَّبَّاب، وآخرون.
وذكر أَبُو إسحاق الصَّرِيفِينيّ أَنَّهُ سمع منه، وأنه قَدِمَ دمشق، وزار القُدس، وَكَانَ الشَّيْخ يَحْيَى يبالغ في وصفه، وتبجيله، وَأَنَّهُ ما رَأَى مثله.
وذكره ابن نُقطة، وكنّاه أَبَا مُحَمَّد، وَقَالَ: كَانَ شيخ وقته، صاحب دين، وأدب، وفضل، وإيثار. سمعتُ منه، وسماعه صحيح، ثُمَّ درج موته. [ص:581]
تُوُفِّي في سَلْخ ذي القِعْدَة بالرَّوحاء، ودُفن برباطه، وقبره يُزار.
والرَّوحاء: قرية بقرب بعقوبا عَلَى يومٍ من بَغْدَاد.
كنيته أَبُو مُحَمَّد وَأَبُو الحَسَن.(13/580)
620 - عَليّ بن مُحَمَّد بن الحَسَن بن يوسف بن يحيى ابن النّبيه، الْأديب البارع كمال الدِّين أَبُو الحَسَن المَصْرِيّ الشَّاعِر، [المتوفى: 619 هـ]
صاحب الدّيوان المشهور.
كَانَ شاعرًا مُحْسنًا، بديعَ القول، رائقَ النَّظم.
تُوُفِّي فِي الحادي والعشرين من جُمَادَى الْأولى، بنَصيبين.
وَكَانَ من مفاخر الشعراء، مدح بني أيوب، ثُمَّ اتصل بالْأشرف، وسكن نصيبين.(13/581)
621 - عَليّ بن يوسف بن محمد بن أحمد، أبو الحسن ابن الشَّريك، الْأَنْصَارِيّ الداني الضرير المُقْرِئ. [المتوفى: 619 هـ]
أخذَ القراءات عن أَبِي إِسْحَاق بن مُحارب، والعربية عن أَبِي الْقَاسِم بن تمّام، ورحلَ إلى مُرسية، فسكنها، وَسَمِعَ من أَبِي الْقَاسِم بْن حُبيش، وَأَبِي عَبْد اللَّه بن حَميد، وأقرأ القراءات والعربية، وبلغَ في التّفهيم والذّكاء الغاية.
قَالَ الْأبَّار: ويُقال: كان في صباه نجاراً، فَلَمَّا أضرّ أقبل عَلَى العِلْم، واستفاد بتعليم العربية مالًا جليلًا، وَتُوُفِّي في رجب، ومولده في سنة خمس وخمسين وخمسمائة.(13/581)
622 - علي بن أبي الكرم ابن العُمريّ، البَغْدَادِيّ. [المتوفى: 619 هـ]
حَدَّثَ عن أَبِي الوَقْت.(13/581)
623 - عُمَر بن عبد اللَّه بن حِصن بن بَزَّان، الشَّيْخ الصالح أَبُو حفص البَغْدَادِيّ المُقْرِئ الضرير، المعروف بالبقُّش. [المتوفى: 619 هـ]
حَدَّثَ عن أَبِي الوَقْت، وَتُوُفِّي في عاشر جُمَادَى الآخرة. [ص:582]
وَكَانَ يروي " الصّحيح " كلّه.(13/581)
624 - عُمَر بن أَبِي السَّعَادَات عَبْد اللَّه بن أَبِي الحَسَن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن صِرما، الشيخُ الصّالح أَبُو حفص البَغْدَادِيّ الْأزَجِيّ [المتوفى: 619 هـ]
الإسكاف الحَذَّاء.
سَمِعَ من: ابن ناصر، وَسَعْد الخيْر الْأَنْصَارِيّ، وَهُوَ ابن عمّ أَحْمَد بن يُوسُف. رَوَى عَنْهُ: الزَّكيّ البِرزالي، والدُّبَيْثِي، والجمال محمد بن أبي الفَرَج ابن الدَّبَّاب. وَتُوُفِّي في العشرين من ذي القَعدة عن بضعٍ وثمانين سنة.(13/582)
625 - مُحَمَّد بن أحمد بن إسماعيل بن يوسُف، الإمام بن أبو المناقب وأبو حامد ابن العَلَّامة الواعظ أبي الخير، القَزْوينيّ الطالقاني الشّافعيّ. [المتوفى: 619 هـ]
وُلِدَ بقزوين يوم عاشوراء سَنةَ ثمانٍ وأربعين، وبها نشأ، وقَدِمَ بغداد مع والده وسكنها معه، وسَمِعَ منه ومن شُهْدَةَ، وقَدِمَ الشّام ومصر، وسَمِعَ منه الشهاب القوصي، وغيره بدمشق، وحدَّث عن أبي الوَقْت فتكلموا فيه لذلك.
قال المنذري: في هذه السنة أو في سَنَةِ اثنتين وعشرين بدمشق.
وقال ابن النّجّار: سَمِعَ وعاد إلى قزوين، وبعد موت أبيه تزهد وتصوف وساح في البلاد ودخل مصر والروم، ورزق القبول عند الملوك، وقَدِمَ بغداد فأخرج إلينا شيئًا سمعناه منه، ثمّ بان كذبه؛ وكان ادعى أنَّه سَمِعَ من أبي الوَقْت ومن رجل من أصحاب أبي صالح المؤذن فمزقنا ما كتبنا عنه في صفر سَنة عشرين. [ص:583]
قلت: الرجل هُوَ أبو عليّ الحَسَن بن أحمد الموسياباذيّ.
قلت: كَانَ زوكاريًّا نصّابًا على الأمراء ثمّ كسدت سوقه، وساءت عقائدهم فيه.
وتُوُفّي أخوه مُحَمَّد سَنةَ أربع عشرة.(13/582)
626 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن هشام، أَبُو عَبْد اللَّه الفِهري الذَّهَبيّ، ويعرف بابن الشوّاش أَيْضًا، [المتوفى: 619 هـ]
من أهل المَرية، أحد مدائن الْأنْدَلُس.
سَمِعَ من: أَبِي عَبْد اللَّه بن سعادة، وأبو بَكْر بن أَبِي ليلى، وَأَبِي عَبْد اللَّه بن الفَرَس، وَأَبِي الْقَاسِم بن حُبيش، وجماعة. وأخذ العربية عن الْأستاذ أَبِي موسى الجُزولي وجلس للإقراء والتحديث، ودَرَّسَ النحْو واللغات، وحَمَلَ النَّاس عَنْهُ، وَكَانَ إمامًا متواضعًا، بارع الخطّ، حَدَّثَ بمُرسية والمَرية.
ذكره الْأبَّار.(13/583)
627 - مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن أَبِي الحَسَن مُحَمَّد بن أَبِي نصر إِسْحَاق بن عزّ النّعمة أَبِي الحَسَن مُحَمَّد بن هلال بن المحسِّن ابن الصّابئ، الشيخُ الصالح أَبُو الحُسَيْن البَغْدَادِيّ المَراتبي. [المتوفى: 619 هـ]
سمع من عبد الله بن منصور ابن المَوْصلي، وغيره. وَكَانَ يؤُم بمسجد أَبِي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، وَهُوَ من بيت البلاغة، والكتابة، والآداب.
ولعزّ النّعمة " تاريخ " تَمَّمَ بِهِ " تاريخ " والده أبي الحسن، وله عدة مصنفات، وكان صاحب ديوان الإنشاء في أيام القائم بأمر الله، وأبوه أَبُو الحُسَيْن كَانَ أديبًا، أخباريًا، علّامة، صابئًا؛ فأسلم وحسُن إسلامه، وَهُوَ حفيد إِبْرَاهِيم بن هلال الصّابئ، صاحب " الرسائل ".(13/583)
628 - مُحَمَّد بن إسْمَاعِيل بن عَليّ بن أَبِي الصيف، الشَّيْخ أَبُو عَبْد اللَّه اليمنيّ الشَّافِعِيّ، [المتوفى: 619 هـ]
نزيل مَكَّة.
تَفَقَّه، وأقام بمَكَّة، وَسَمِعَ بها من: أبي نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق، وأبي عَليّ الحَسَن بن عَليّ البَطَليوسي، وأبي محمد المبارك ابن الطبّاخ، وعبد المنعم ابن الفُراوي، وجماعة. وخرَّج أربعين حديثًا عن أربعين شيخًا من أهل أربعين مدينة.
وَكَانَ يسمع مَعَ عُلوّ سِنّه. وَكَانَ مشهورًا بالدين والعلم والحديث. حدث، ونفع، وأفَاد، رحمه الله.
ومات في ذي الحجَّة.
رَوَى عَنْهُ الصَّدْر البَكري، وغيره.(13/584)
629 - مُحَمَّد بن الحُسَيْن بن جمُعة، أَبُو عَبْد اللَّه السِّجِستاني الشافعي العدْل. [المتوفى: 619 هـ]
سَمِعَ من السِّلَفيّ، وولي الحِسبة بالقاهرة، وأمَّ بمسجد البرقية مُدَّة.
رَوَى عنه الزكي المنذري، وغيره. ومات فِي ذي الحجّة.(13/584)
630 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ وقّاص المَلَطي المَيورْقي. [المتوفى: 619 هـ]
حجّ، وَسَمِعَ من أَبِي الطاهر بن عوف الزُّهْرِيّ، وبدمشق من الخُشوعي، وَحَدَّثَ عن أَبِي جَعْفَر عَبْد الرَّحْمَن ابن القصير، ووليَ خطابة مَيورْقة، وَكَانَ فصيحًا، مفوَّهاً، بليغًا، جليلًا.
قَالَ الْأبَّار: تُوُفِّي قريبًا من سنة ثمان عشرة أَوْ فيها.(13/584)
631 - مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد السَّلَام، أَبُو عَبْد اللَّه الغَسَّانِيّ الغَرْناطي [المتوفى: 619 هـ]
الكاتب، مصنِّف " شرح كتاب الشهاب ". [ص:585]
تُوُفِّي بمُرسية في رمضان.(13/584)
632 - مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن بن عَيَّاش، أَبُو عَبْد اللَّه الْأنْدَلُسِيّ ثُمَّ المَغْرِبيّ، [المتوفى: 619 هـ]
كاتبُ السِّر للدَّوْلَة المؤمنية.
كَانَ حَميد السَّيرة، حسنَ الطّريقة، بارعًا في الْأدب، علّامةً في فنّ الإنشاء؛ ينسج عَلَى منوال الصّابئ، وابن العميد، وَلَهُ شِعر متوسّط.
أخذ عنه تاج الدين ابن حمُّوَيه، وغيره.(13/585)
633 - مُحَمَّد بن عَبْد السَّلَام بن محمد ابن الخطيب، أَبُو البركات السِّنْجَارِي الفقيه الشَّافِعِيّ. [المتوفى: 619 هـ]
كَانَ لَهُ يد في الخِلاف، ودَرَّسَ بإربل، وَرَوَى شيئًا من شِعره، ووَليَ قضاء مَلَطية إلى أن تُوُفِّي بها.
وَهُوَ من بيت كبير بسنْجار.(13/585)
634 - مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن إِبْرَاهِيم بْن مفرّج المَلاّحي، الحَافِظ الكبير الغافقيّ الْأنْدَلُسِيّ أَبُو الْقَاسِم، [المتوفى: 619 هـ]
والمَلّاحة: من قُرى غَرناطة.
وُلِدَ قبل الخمسين وخمسمائة، وَكَانَ من كِبار حُفّاظ زمانه.
قَالَ الْأبَّار: سَمِعَ من: والده، وَأَبِي الحَسَن بن كَوْثر، وأبي خالد بن رفاعة، وعبد الحق بن بونه، وأبي القاسم بن سَمجون، وخلق، وأجاز لَهُ أَبُو عَبْد اللَّه بن زرْقون، وَأَبُو زيد السُّهيلي، وطائفةٌ. ومن المشرق أَبُو الطاهر بن عوف، وَأَبُو طاهر الخُشوعي، وروى بالإجازة العامة عَن السِّلَفيّ، وأبي مروان بن قزمان. وكتب عن الكبار والصّغار، وبالغ عمره في الاستكثار، وَكَانَ حافظًا للرُّواة، عارفًا بأخبارهم، ألف تاريخًا في علماء إلبيرة، وألّف كتاب أنساب الْأمم العرب والعجم، وسماه " الشجرة "، و " الأربعين " حديثًا بلغ فيه الغاية من الاحتفال، وشُهد لَهُ بحفظ أسماء الرجال، فزاد عَلَى من تقدّمه، وَلَهُ استدراك عَلَى الحَافِظ ابن عَبْد البرّ في الصّحابة، وَكَانَ مُكثراً عن أَبِي مُحَمَّد بن الفَرَس، أخذ النَّاس عَنْهُ، وكان أهلا لذلك، وتوفي في شعبان، رحمه الله.(13/585)
635 - محمد بن عبيد الله بن محمد بن علي، أبو الفرج الواسطي المقرئ الوكيل، المعروف بخَنْفر. [المتوفى: 619 هـ]
ولد بواسط سنة ثمان وأربعين، وقرأ على جماعة القراءات، ومنهم أبو بكر محمد بن خالد الرزّاز البغدادي. وَسَمِعَ من: أَبِي الحُسَيْن عَبْد الحقّ، ومَنوجِهر، وغيرهما.
وَكَانَ مجموع الفضائل، تُوُفِّي في السابع والعشرين من رجب، وَكَانَ وكيلًا بأبواب القضاة.(13/586)
636 - محمد بن أبي علي بن محمد ابن الشطرنجي، الحريمي الخبّاز. [المتوفى: 619 هـ]
حدث عن أَبِي الوَقْت، ومات في ربيع الآخر.
وَقِيلَ: اسم أَبِيهِ الحَسَن، وأَمَّا ابن النَّجَّار فَسَمَّى أَبَاه المبارك، وَقَالَ: سَمِعَ أَبَا الوَقْت، ومقبل بن أحمد ابن الصَّدْر، وعَليَّ بن حَسَّان العُلبي، كتبت عَنْهُ، ثم روى عنه حديثًا، عن العُلْبيّ، عن طِراد.(13/586)
637 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمَد بن أَبِي غالب، أَبُو الحارث الوقاياتيّ البابَصري. [المتوفى: 619 هـ]
سَمِعَ أَبَا الوقت. وَعَنْهُ ابن النجار، وقال: لا بأس به. توفي في خامس رمضان.(13/586)
638 - المبارك بن مُحَمَّد بن أَبِي الغنائم، أَبُو السَّعَادَات الحَرِيمِيّ الناصري، ويُعرف بابن زوتان. [المتوفى: 619 هـ]
حدث عن أبي الفتح ابن البَطِّيّ.(13/586)
639 - مُختصّ الحَبَشِيّ. [المتوفى: 619 هـ]
سَمِعَ من مولاه قاضي القضاة عَبْد الواحد بْن أَحْمَد الثَّقَفِيّ، وَأَبِي العَبَّاس أَحْمَد بن ناقة. رَوَى عَنْهُ: الدُّبَيْثِي، وابنُ النَّجَّار، وَكَانَ دَيِّنًا.(13/586)
640 - مِسمار بن عُمَر بن مُحَمَّد بن عيسى، أَبُو بَكْر المعروف بابن العُويس، البَغْدَادِيّ المُقْرِئ النَّيَّار، [المتوفى: 619 هـ]
نزيلُ المَوصل ومُسندُها.
وُلِدَ سنة ثمانٍ وثلاثين وخمسمائة. وسمع الكثير من: أبوي الفضل الأرمَوي، وابن ناصر، وواثق بن تمّام، وسعيد ابن البنّاء، وأبي بكر ابن الزَّاغُونيّ، وَأَبِي الوَقْت، وابن ناقة، وغيرهم. وَحَدَّثَ بالكثير ببغداد والمَوصل، وأقرأ القرآن.
وقيل: إِنَّ اسمه مُحَمَّد، ولقَّبَهُ الوزيرُ ابنُ هُبيرة بمِسْمار؛ لِأَنَّهُ كَانَ يراه يسمع وَهُوَ جالس ساكن، فَقَالَ: كَأَنَّهُ مسمار.
وَكَانَ شيخًا، متديّنًا، خيّرًا، مشهورًا. رَوَى عَنْهُ: الدُّبَيْثِي، والبِرزالي، وَالضِّيَاء، والْأمير ركن الدِّين أَحْمَد بن قراطاي الإربلي، وَأَبُو الفضل عَبَّاس بن بَزوان المَوْصِليّ، والصَّالح عَبْد الكريم بن منصور الْأثريّ، وسَيِّدة بنت دِرباس، وطائفةٌ. وأجاز لعلي بن عَبْد الدائم القيِّم، وللعماد ابن سَعْد، وجماعة.
وَتُوُفِّي بالمَوصل في ثاني عشر شعبان.(13/587)
641 - نصر اللَّه بن مُحَمَّد بن الحُسَيْن، أَبُو منصور الكُوفِيّ الحائريّ الزيديّ، المعروف بابن مُدَلّل. [المتوفى: 619 هـ]
ولد في حدود سنة سبع وعشرين وخمسمائة، وَسَمِعَ بالكوفة من: أَبِي الحَسَن مُحَمَّد بن غَبْرَة، وابن ناقة، وَالحُسَيْن بن مُحَمَّد الدَّواتي، وببغداد من أبي الفتح ابن البَطِّيّ، وَحَدَّثَ بالكوفة.
وَهُوَ زَيْديّ النِّحْلة.
والحائريّ: نسبة إلى الموضع الَّذِي فيه مشهد الحُسَيْن عليه السلام.(13/587)
642 - نصر بن عَقيل بن نصر عَقِيل، الفقيه عزّ الدِّين أَبُو الْقَاسِم وَأَبُو المُظَفَّر الإِرْبَلِّيّ الشَّافِعِيّ. [المتوفى: 619 هـ]
وُلِدَ بإربل في سنة أربع وثلاثين وخمسمائة، وتَفَقَّه عَلَى عمّه أَبِي العَبَّاس الخَضِر، ثُمَّ أتى بَغْدَاد، وأقامَ بالنِّظامية مُدَّة. وَسَمِعَ من أَبِي الفضل أَحْمَد بن صالح الجِّيليّ، وغيره، ورجع إلى بلده، وولي التّدريس بها بالمدرستين اللّتين كَانَ عمّه يُدرّس بهما بالقلعة والرَّبض، فدرَّس، وأفْتى مُدَّة، ثُمَّ قَدِمَ المَوْصِل.
وَتُوُفِّي في ثالث عشر ربيع الآخر.(13/588)
643 - نصر بن أَبِي الفَرَج مُحَمَّد بن عَليّ بن أَبِي الفَرَج، الحَافِظ المسنِد أَبُو الفتوح، بُرهان الدِّين البَغْدَادِيّ الحَنْبَلِيّ المُقْرِئ، المعروف بابن الحُصري، [المتوفى: 619 هـ]
نزيلُ مَكَّة وإمام الحطيم.
قرأ بالروايات عَلَى أَبِي الكرم المبارك ابن الشَّهْرَزُوري، وغيره، وأقرأ بالروايات وَكَانَ إسناده فيها عاليًا إلى الغاية.
وَسَمِعَ من: أَبِي بَكْر محمد ابن الزَّاغُونيّ، وَأَبِي الوَقْت، والشريف أَبِي طَالِب مُحَمَّد بن مُحَمَّد العَلَويّ، وَمُحَمَّد بن أَحْمَد التُّرَيْكِيّ، وأبي محمد محمد بن أحمد ابن المادح، وهبة الله ابن الشِّبْلِي، وهبة اللَّه بن هِلال الدَّقَّاق، وابن البَطِّيّ، وَالشَّيْخ عَبْد القادر الجِّيليّ، وَأَبِي زُرعة، وأبي بكر ابن النَّقُور، وخلقٍ كثير.
وعُني بهذا الشأن عناية تامة، وكتب الكثير، وَكَانَ يفهم ويدري، مَعَ الثقة والْأمانة.
ذكره المُنْذِريّ فَقَالَ: قرأ بالقراءات على: أبي الكرم، وأبي بكر محمد بن عبيد الله ابن الزَّاغُونيّ، ومَسْعُود بن عَبْد الواحد بن الحُصين، وأبي المعالي أحمد بن علي ابن السمين، وسعد الله ابن الدّجاجيّ، وعَليِّ بن أَحْمَد اليَزْدي، وغيرهم. [ص:589]
كذا ذكر ابن النجار: أَنَّهُ قرأ بالروايات الكثيرة على جماعة كأبي بكر ابن الزاغوني، والشهرزوري، وابن الحُصين، وسعد الله ابن الدجاجي، وعليّ بْن عليّ بْن نصر، وعليّ بْن أَحْمَد بْن محمويه اليَزدي، وغيرهم.
واشتغل بالْأدب وحصّل منه طرفًا حسنًا، وَسَمِعَ من خلق كثير من البَغْدَادِيّين، والغرباء، ولم يزل يقرأ، ويسمع ويفنّد إلى أن عَلَتْ سِنّه، وجاور بمَكَّة زيادةً عَلَى عشرين سنة، وَحَدَّثَ ببَغْدَاد وَمَكَّة، وَكَانَ كثير العبادة، ولم يزل مُقيمًا بمَكَّة إلى أن خرج منها إلى اليمن، فأدركه أجله بالمَهْجَم في المحرّم، وَقِيلَ في ربيع الآخر، من هَذَا العام، وَقِيلَ: في ذي القِعْدَة سنة ثمان عشرة واللَّه أعلم، ومولده في رمضان سنة ستٍّ وثلاثين وخمسمائة.
وَقَالَ الدُّبَيْثِي: كَانَ ذا معرفةٍ بهذا الشأن، خرج إلى مَكَّة سنة ثمانٍ وتسعين فاستوطنها، وأم الحنابلة، قرأت عليه، ونِعم الشيخ كان عبادةً، وثقة. وخرج عن مَكَّة سنة ثمان عشرة، فَبَلَغنا أَنَّهُ تُوُفِّي ببلد المَهْجَم في ذي القَعدة من السنة.
وَقَالَ الضِّيَاء: في المحرّم من سنة تسع عشرة تُوُفِّي شيخُنا الحَافِظ الإِمَام أَبُو الفتوح إمام الحَرم بالمَهجم.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: الضِّيَاء، والبِرزالي، وابنُ خليل، وأحمد بن عَبْد الناصر اليَمَني، والمُفتي سُلَيْمَان بن خليل العَسقلاني، وتاج الدِّين علي بن أَحْمَد القَسطلاني، وشهاب الدِّين القُوصِيّ - وَقَالَ: كَانَ إماماً في القراءات والعربية، وله عُلوّ إسناد - وَمُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن مُقبل الْمَكِّيّ، ورضيّ الدِّين الحَسَن بن مُحَمَّد الصَّغاني اللُّغَويّ، ونجيبُ الدِّين المقداد القَيْسِيّ، وآخرون.
وذكره ابن نُقْطَة، فَقَالَ: أَمَّا شيخنا أَبُو الفتوح، فحافظٌ ثقةٌ، كثيرُ السَّماع، ضابطٌ، متقِنٌ. ذكروا أَنَّ وفاته في ذي القِعْدَة من سنة ثمان عشرة.
وَقَالَ ابن النَّجَّار: كَانَ حافظَا، حُجَّة، نبيلًا، جَمّ العِلم، كثيرَ [ص:590] المحفوظ، من أعلام الدِّين وأئمة المسلمين، كثير العبادة والتهجُّد، والتِّلاوة، والصيام، رحمه اللَّه.
وَقَالَ ابن مَسْدي: كَانَ أحد الْأئمة الْأثبات، مشارًا إِلَيْهِ بالحفظ والإتقان. قصدَ اليمن، فمات بالمَهْجم في ربيع الآخر سنة تسع عشرة، وَلَهُ شعر جيد في الزهديات.(13/588)
644 - هبة اللَّه بن أَبِي يَعلى مُحَمَّد بن المبارك بن سعد الله ابن الْجَوَّانِيّ، الشريف أَبُو الغنائم العَلَوي الحُسَيْنيّ الوَاسِطِيّ. [المتوفى: 619 هـ]
ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وَسَمِعَ من: عمِّ أَبِيهِ صالح بن سَعْد اللَّه، وعَليِّ بن المبارك بن نَغوبا. وحدث ببغداد وواسط.
تُوُفِّي في جُمَادَى الْأولى بواسط، وحُمل إلى الكوفة.(13/590)
645 - يَحْيَى بن زكريا بن عَليّ بن يُوسُف، أَبُو زكريا الْأَنْصَارِيّ البَلَنسي المُقْرِئ، المعروف بالجُعيدي. [المتوفى: 619 هـ]
أخذ القراءات عن: أبي عبد الله بن حَميد، وَأَبِي عَبْد اللَّه بن نوح. وَسَمِعَ من: أبي العطاء بن نذير، وأبي عبد اللَّه بن نَسَع، وجماعة. وتصدّر للإقراء في حياة الشيوخ.
قَالَ الْأبَّار: كَانَ أحد العُلَمَاء بحقيقة الْأداء مَعَ الصلاح التّامّ، والورع المحض، والخُضوع الصّادق. أخذت عَنْهُ " الكافي " لابن شُريح، وسمعه منه بقراءتي جماعة. وَسَمِعْتُ بقراءته كثيرًا عَلَى ابن نوح، وابن واجب وَكَانَ صاحب والدي. تُوُفِّي في جُمَادَى الْأولى، وَلَهُ ثمان وأربعون سنة.(13/590)
646 - يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الجبار بْن أحمد بن محمد، أبو الفَرَج ابن الجَهرَمي، البَغْدَادِيّ الصُّوفِيّ. [المتوفى: 619 هـ]
وُلِدَ سنة تسعٍ وثلاثين وخمسمائة. وَسَمِعَ من: أَبِي الفضل الأرْموي، ونصر بن نصر العُكبري، وَأَبِي الوَقْت. رَوَى عَنْهُ: الدُّبَيْثِي، والبِرزالي، وهو من بيت حِشمة وتقدم. [ص:591]
توفي في ربيع الأول.
وجَهرم: من بلاد فارس.(13/590)
647 - يُوسُف بن أَحْمَد بن عَليّ، أَبُو الحجاج الْأنْدَلُسِيّ المُربَيْطري. [المتوفى: 619 هـ]
سَمِعَ من أَبِي الْقَاسِم بن حُبيش، وأجازَ لَهُ أَبُو الطاهر بن عوْف، وجماعة.
وَكَانَ بارعًا في النَّحْو، واقفًا عَلَى " كتاب " سِيبَوَيْه، اقرأ النَّاس العربية، ثُمَّ عُني بالطِّبّ حَتَّى رأسَ فيه، وخَدَمَ بِهِ الْأمراء، ونال دنيا واسعة، وماتَ بمَرَّاكُش، قَالَه الْأبَّار.(13/591)
648 - يُوسُف بن يَحْيَى بن عَبْد اللَّه بن سُلَيْمَان بن بقاء، أَبُو الحَجّاج اللَّخْميّ مقرئ غَرناطة الْأنْدَلُسِيّ العَطَّار المُقْرِئ الْأستاذ. [المتوفى: 619 هـ]
أخذ القراءات عَن: أَبِي خَالِد بن رِفاعة، وَأَبِي الحَسَن بن كوثر. وَسَمِعَ من: عَبْد المنعم بن مُحَمَّد، وابن حَميد، وجماعة. وذكر أَنَّ ابن هُذيل أجازَ لَهُ.
قال ابن مَسدي: قرأت عَلَيْهِ بالروايات، وَكَانَ فيه بعض تجوُّز في الرواية، مات في صفر عن أربع وستين سنة.
وَقَالَ ابن الزُّبَيْر: سَمَّى في شيوخه داود ين يزيد، وابنَ هُذيل، فتُكُلِّم فيه من أجلهما.
وقال الملاّحي: جلس للإقراء بوضع شيخه ابن عروس. قَالَ: وَكَانَ يزعم أَنَّهُ قرأ عَلَى دَاوُد وابن هُذيل، ولا يصح ذَلِكَ بوجه.(13/591)
649 - يونس بن يُوسُف بن مساعد الشَّيْبَانِيّ المخارقي المشرقي القنيي، [المتوفى: 619 هـ]
والقُنَيَّة: قرية من أعمال دارا من نواحي مارْدين. [ص:592]
هذا شيخ الطائفة اليونُسية، أولي الزعارة والشطارة والشَّطح، وقِلة العقل، أبعد اللَّه شَرَّهم.
كَانَ شيخًا زاهدًا، كبيرَ الشأن، لَهُ الْأحوال، والمقامات، والكشف.
قَالَ القاضي ابن خَلِّكَان: سألت رجلًا من أصحاب الشَّيْخ يُونُس: من كَانَ شيخ الشَّيْخ؟ قَالَ: لم يكن لَهُ شيخ، بل كَانَ مَجذوباً.
قَالَ القاضي: ويذكرون لَهُ كرامات، فأخبرني الشَّيْخ مُحَمَّد بن أَحْمَد بن عُبيد، وَكَانَ قد رَأَى الشَّيْخ يُونُس، وذكر أَنَّ والده أَحْمَد من أصحابه، قَالَ: كُنَّا مسافرين ومعنا الشَّيْخ يونس، فنزلنا في الطريق بين سِنجار وعانة، وكانت الطريق مخوفة فلم يقدر أحد منا ينام من الخوف، ونام الشيخ، فلما انتبه، قُلْتُ: كيف قدرت تنام؟ قَالَ: واللَّه ما نمت حَتَّى جاء إسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الخليل عَلَيْهِ السَّلَام وتدرّك القُفل!
وَقَالَ: عزمتُ مَرَّة عَلَى دخول نَصِيبين، فَقَالَ لي الشَّيْخ: اشتري معك لأمّ مساعد كَفَناً - وكانت في عافية وَهِيَ أمّ وَلَده - فَقُلْتُ: ما لها؟ قَالَ: ما يضرّ، فذَكَرَ أَنَّهُ لَمَّا عاد وجدها قد ماتت!
قَالَ: وأنشدني لَهُ:
أَنَا حميت الحمى وأنا سكنتو فيه ... وَأَنَا رميتُ الخلايقَ في بحارِ التيه
من كَانَ يبغي العطا منِّي أَنَا أعطيه ... أَنَا فتى ما أداني من بِهِ تشبيه
قُلْتُ: وسمعت ابنَ تَيْمِيَّة ينشد ليونس:
موسى عَلَى الطّور لَمَّا خَرَّ لي ناجَى ... واليثربيّ أَنَا جبتوه حَتَّى جا
فَقُلْتُ: هَذَا يحتمل أن يكون أنشده عَلَى لسان الرُّبوبية، ويحتمل أن يكون وُضع عَلَى الشَّيْخ يُونُس، فإنّ هَذَا البيت ظاهره شطح واتّحاد.
وفي الجملة لم يكن الشَّيْخ يُونُس من أولي العلْم، بل من أولي الحال والكَشْف، وَكَانَ عَرِياً من الفضيلة، وَلَهُ أبيات منكَرة، كقوله: [ص:593]
موسى عَلَى الطّور لَمَّا خَرَّ لي ناجَى ... واليثربيّ أَنَا جبتوه حَتَّى جا
وَكَانَ شيخنا ابن تَيْمِيَّة يتوقّف في أمره أوّلًا، ثُمَّ أطلقَ لسانه فيه وفي غيره من الكبار، والشأن في ثبوت ما يُنقَل عن الرَّجل، واللَّه المطَّلع.
وأَمَّا اليُونُسية: فهم شرُّ الطوائف الفقراء، ولهم أعمال تدلّ عَلَى الاستهتار والانحلال قالًا وفعالًا، أستحي من اللَّه ومن النَّاس من التفوّه بها، فنسأل اللَّه المغفرة والتوفيق.
وذاك البيت وأمثاله يُحتمل أن يكون قد نَظَمه عَلَى لسان الرُّبوبية - كما قُلنا - فإنْ كَانَ عنَى ذَلِكَ، فالْأمرُ قريب، وإنْ كَانَ عنَى نفسَهُ، فهذه زندقة عظيمةٌ، نسأل اللَّه العفو، فلا يغتر المسلم بكشفٍ ولا بِحال، فقد تواتر الكشف والبُرهان للكُهان وللرُّهبان، وَذَلِكَ من إلهام الشيطان.
أما حَالٌ أولياء اللَّه وكراماتهم فحق، وإخبار ابن صائد بالمغَيَّبات حال شَيْطَانِيٌّ، وَقَدْ سَأَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " مَنْ يَأْتِيكَ؟ " - يَعْنِي: مِنَ الْجِنِّ -، فَقَالَ: صَادِقٌ وَكَاذِبٌ. قَالَ: " خُلِّط عَلَيْكَ الْأَمْرُ ". وَلَمَّا أَضْمَرَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَخَبَّأَ لَهُ فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: الدُّخّ. قَالَ لَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ "، فَهَذَا حَالُهُ دَجَّالِيٌّ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَالْعَلَاءُ بْنُ الحضْرمي، وَنَحْوُهُمَا، حَالُهُمْ رَحْمَانِيٌّ مَلَكِيٌّ.
وكثيرٌ من المشايخ يُتوقَّف في أمْرِهم، فلم يتبرهن لنا من أيّ القسمين حالهم؟ والله أعلم ومنه الهدى والتوفيق.(13/591)
650 - أَبُو بَكْر بن أَحْمَد بن شكر، القاضي جلال الدِّين ابن القاضي كمال الدِّين المَصْري الشَّافِعِيّ. [المتوفى: 619 هـ]
تُوُفِّي في شَوَّال.(13/593)
-وفيها وُلِدَ:
المجد عَبْد الوَهَّاب بن أَبِي الفَتْح بن سَحنون الطّبيب، خطيب النَّيرب، [ص:594] والشِّهَاب مُحَمَّد بن أَبِي العِزّ بن مُشَرَّف، والبَدْر مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن معالي المَغْرِبيّ، والملك المنصور محمود ابن السلطان الملك الصالح إسماعيل ابن العادل، وعلاء الدِّين عَليّ بن عَبْد الغني ابن الفخر ابن تَيْمِيَّة، والحاجّ أَحْمَد بن إِبْرَاهِيم بن نصر الرّقوقيّ، والجلال عَبْد المنعم بن أَبِي بَكْر قاضي القُدس، والنور مُحَمَّد بن عَبْد العزيز الإسْعَرِدي الشَّاعِر، والجمال عَبْد الصَّمَد ابن الخطيب عماد الدين عبد الكريم ابن الحَرَستاني، وَالشَّيْخ أَحْمَد بن عَبْد الرَّحْمَن الشَّهرزوري الناسخ نزيلُ القاهرة، وَعَبْد المعطي بن الباشق بالإسكندرية، وشُهْدة بنت الصاحب كمال الدِّين يوم عاشوراء.(13/593)
-سنة عشرين وستمائة(13/595)
651 - أَحْمَد بن ظَفَر ابن الوزير عون الدِّين يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن هُبيرة، أَبُو الفَتْح [المتوفى: 620 هـ]
صاحبُ باب النُّوبيّ.
كَانَ أديبًا، فاضلًا، رئيسًا. سَمِعَ من أَبِي الوَقْت، وابن ناصر، وغيرهما. وَلَهُ شعر جيّد. رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، وغيره.
ومات في المحرَّم.(13/595)
652 - إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن خِيرة، أَبُو إِسْحَاق البَلَنسي. [المتوفى: 620 هـ]
قَالَ الْأبَّار: رحل مَعَ أخيه أَبِي الحَسَن، فحجّا، وسمعا من أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن الحَضْرمي، وغيره. وأخذتُ عَنْهُ. وَكَانَ شاهدًا، معدَّلاً. تُوُفِّي في المحرم، رحمه اللَّه.(13/595)
653 - إسماعيل بن مُحَمَّد بن خمارتِكين، أَبُو الفَتْح البَغْدَادِيّ الضَّرير. [المتوفى: 620 هـ]
رَوَى عن: أبي الوَقْت السِّجْزِي، ووالده.
وَكَانَ خمارتكين مولى العلّامة أَبِي زكريا التِّبْرِيزِي.
ماتَ في ربيع الْأَوَّل، وولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة.(13/595)
654 - أكْمل بن أَبِي الْأزهر بن أَبِي دُلْف، الشريف أَبُو مُحَمَّد العَلَويّ الحَسَنِيّ البَغْدَادِيّ الكَرْخي. [المتوفى: 620 هـ]
ولد قُبيل الأربعين وخمسمائة، وسمع من سعيد ابن البَنَّاء فقط. رَوَى عَنْهُ: الدُّبَيْثِي، وابنُ النَّجَّار، وجماعةٌ، آخرهم شيخُنا أَبُو المعالي الأبَرقوهي، وماتَ في سادس رَجب، ودُفن بمقابر قريش. [ص:596]
وقع لي من طريقه " البعث " لابن أَبِي دَاوُد.
قَالَ ابن النَّجَّار: لم يكن ممّن يُفرَح بِهِ.(13/595)
655 - أنَس بن عَبْد العزيز بن عبد الله، أبو القاسم التَّفْليسي المغازلي الصوفي المعمَّر، وَهُوَ مشهود بكُنيته. [المتوفى: 620 هـ]
سَمِعَ من هبة الله ابن الشِّبلي كتاب " الذِّكر " لابن أَبِي الدُّنْيَا. وَسَمِعَ من أَبِي زُرْعَة " مُسْنَد الشَّافِعِيّ "، وَسَمِعَ من ابن البَطر.
قَالَ ابن النَّجَّار في " تراجم مشايخ ابن المُنْذِريّ ": كَانَ من عِباد اللَّه الصَّالحين الوَرِعين، مات في ربيع الْأَوَّل، وقد قارب المائة. وَرَوَى عَنْهُ: في " تاريخه " وَقَالَ: صحِب الشيخ أبا النجيب السُّهرَوَردي.(13/596)
656 - بَيْرم بن عَليّ بن نُشتِكين الحَنَفي الدمشقي. [المتوفى: 620 هـ]
روى عن الصائن هبة الله ابن عساكر.(13/596)
657 - جَعْفَر بن عَليّ الجَوهري، نزيلُ دمشق، يُعرف بابن الكباية. [المتوفى: 620 هـ]
سَمِعَ أَحْمَد بن المبارك المُرقّعاتي؛ وَعَنْهُ ابن النَّجَّار، وَقَالَ: مات في جُمَادَى الأولى.(13/596)
658 - الحَسَن بن زُهرة بن الحَسَن بن زُهرة بن عَليّ بن مُحَمَّد، من أولاد إِسْحَاق بْنِ جَعْفَر بْنِ مُحَمَّد بْنِ عَليّ بن الحُسَيْن، الشريف الحسيب أَبُو عَليّ الحُسَيْنيّ الإسحاقي الحَلَبِيّ الشِّيعيّ، [المتوفى: 620 هـ]
نقيبُ مدينة حلب، ورئيسُها، ووجهُها، وعالِمُها، ورأسُ الشِّيعة وجاهُهُم، ووالد النقيب السَّيِّد أَبِي الحَسَن عَليّ.
وُلِدَ لَهُ عَليّ هَذَا سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وولي النقابة في الْأيام الظاهرية بحلب بعد سنة ستمائة.
وَكَانَ أَبُو عَليّ عارفًا بالقراءات، وفقه الشِّيعة، والحديث والآداب، والتّواريخ، وَلَهُ النّظم والنَّثر، وَكَانَ صَدْرًا مُحتشمًا، وافرَ العَقْل، حسنَ الخَلق [ص:597] والخلُق، فصيحاً، مُفوّهًا، صاحب دِيانة وتعَبُّد، وَليَ كتابة الإنشاء للملك الظّاهر غازي، ثُمَّ أنف من ذَلِكَ واستعفى، وأقبل عَلَى الاشتغال والتِّلاوة، ثُمَّ نُفّذ رسولًا إلى العِراق، ومرة إلى سلطان الرُّوم، ومرة إلى صاحب الموصل، ومرة إلى الملك العادل، ومرَّة إلى صاحب إربل، فَلَمَّا تُوُفِّي الظاهر طُلب لوزارة ولده العزيز، فاستعفى.
وحجّ في سنة تسع عشرة، ولقيتْه هدايا المُلوك فنفّذ إِلَيْهِ الملك الْأشرفُ موسى من الرقة خِلعة لَهُ ولأولاده ودَوّابَّ، وأربعةَ آلاف دِرْهم، ونفَّذ إِلَيْهِ صاحب آمد هديةً، وصاحبُ مارْدين، وتلَقّاه صاحب المَوْصِل لؤلؤ بنفسه، وحمل إِلَيْهِ الإقامات، وخَلَعَ عَلَيْهِ وَعَلَى أولاده، واحتُرم في بَغْدَاد وتُلُقّي، وَلَمَّا رَجَع من الحجّ مَرِضَ وتمادت بِهِ العِلَّة، ثُمَّ لحِقه ذَربٌ، ومات.
قَالَ ابن أَبِي طيّ: فُجع بموته الصَّديق والعدوّ، والقريب والبعيد، وَكَانَ للناس بِهِ وبجاهه نفْعٌ عظيم، وَكَانَ كما قَالَ الشَّاعِر:
وما كَانَ قيس هلكه هَلك واحدٍ ... ولكنَّه بنيانُ قومٍ تَهَدّما
وغُلق البلد، وشَيَّعه النَّاس عَلَى طبقاتهم، ومات سنة عشرين وستمائة.
وقد سَمِعَ من أَبِي عَليّ مُحَمَّد بن أسْعد الْجَوَّانِيّ النَّقيب، والافتخار أَبِي هاشم الهاشِمِيّ، وتفَّنَن في علوم شتى.
وله وُلِدَ آخر اسمه أَبُو المحاسن عَبْد الرَّحْمَن.
تُوُفِّي بعد مجيئه من الحجّ في جُمَادَى الْأولى، ودُفن بجبل جَوشن.(13/596)
659 - الحَسَن بن أَبِي الفَتْح، الْأديب أَبُو مُحَمَّد الواسطي. [المتوفى: 620 هـ]
سَمِعَ ابن شاتيل، وتأدَّب بابن العَصّار، وطلب الحديث وقتًا وشارك في العلوم. روى عنه ابن النجار، توفي ما بين الحرمين.(13/597)
660 - الحُسَيْن بن أَبِي الفخر يَحْيَى بن الحُسَيْن بن عَبْد الرَّحْمَن بن أَبِي الرَّدّاد، أَبُو عَبْد اللَّه المَصْرِيّ، ويُسمّى أَيْضًا مُحَمَّدًا. [المتوفى: 620 هـ]
وُلِدَ سنة أربعين، وَسَمِعَ من عَبْد اللَّه بن رفاعة. رَوَى عَنْهُ الحَافِظ [ص:598] عبد العظيم، والمصريون، والفخْر علي، وهو آخر من حدث بنفس مصر عن ابن رفاعة.
وَكَانَ رجلًا صالحًا، أقعِد بأخَرَةٍ، ولزِمَ بيته، وَحَدَّثَ، وأملَى، وَكَانَ كاتبًا فقيهًا، بصريّ الْأصل، جاوز الثمانين.
وَتُوُفِّي في ذي القَعدة.
وآخر من حدث عنه عبد الرحيم ابن الدميري.(13/597)
661 - رابعَة بِنْت أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن قُدامة، أمُّ الحَافِظ عزّ الدِّين مُحَمَّد بن عَبْد الغني. [المتوفى: 620 هـ]
تُوُفِّيت بعد أخيها الشَّيْخ موفَّق الدِّين عبد الله بشهر، وكانت أصغر منه بثلاث سنين، تُوُفِّيت في ذي القِعْدَة.
وقد رَوَى عَنْهَا: الشَّيْخ الضِّيَاء، وَالشَّيْخ شمس الدِّين، وَالشَّيْخ الفَخْر، روت بالإجازة من: ابن البطي، وأحمد ابن المُقرّب.
قَالَ الضِّيَاء: كانت خيِّرة، حافظةً لكتاب اللَّه، ما تكادُ تنام الليل إِلَّا قليلًا، صائمة الدّهر رَضِيَ اللَّه عَنْهَا.(13/598)
662 - رَوْح بن أحمد، أبو زُرعة الجُذامي القرطبي. [المتوفى: 620 هـ]
أخذ عن أبي القاسم ابن الشَّرّاط القراءات والعربية، وَسَمِعَ من ابن بُشْكُوال كتاب " الموطأ "، وكان فاضلاً، كبيراً، عَدْلاً.(13/598)
663 - سالم بن صالح، أَبُو عَمْرو الهَمْدَانِيّ المالقيّ. [المتوفى: 620 هـ]
عن أبي بكر ابن الْجَدّ، وَالسُّهَيْلِيّ، وطبقتهما. وَكَانَ محدّثًا، صالحًا، لَهُ شِعر جيد.
مات في رمضان.(13/598)
664 - سَعِيد بن عَبْد العزيز العَقْري البَصري. [المتوفى: 620 هـ][ص:599]
شيخ صالح، سَمِعَ من عَبْد اللَّه بن عُمَر بن سَليخ البَصري.
والعَقْر: قرية من نواحي بَغْدَاد، هُوَ منها، لَا من عَقْر المَوْصل.
تُوُفِّي في ذي القَعدة.(13/598)
665 - سُنقُر الحَلَبِيّ، الْأمير مبارزُ الدِّين الصَّلاحيّ. [المتوفى: 620 هـ]
من كبار الدَّوْلَة بحلب، كريم، شجاع، لَهُ مواقف مشهودة مَعَ صلاح الدِّين وغيره.
تُوُفِّي بدمشق، وورثه ابنه الأمير ظهير الدين غازي.(13/599)
666 - شَيبان بن تغلِب بن حيدرة بن سيف بن طراد بن عقيل بن وثّاب بن شَيبان، أَبُو مُحَمَّد الشَّيْبَانِيّ المَقْدِسِيّ ثُمَّ الصالحي المؤدِّب الحَنْبَلِيّ. [المتوفى: 620 هـ]
وُلِدَ بدمشق سنة أربعٍ وخمسين تقريباً، سمع من: يَحْيَى الثَّقَفِيّ، وَأَبِي المعالي بن صابر، والخَضِر بن طاوس، والبانياسيّ.
وَكَانَ كثير التلاوة، فيه دين، وخير. وَلَهُ شِعر جيّد.
رَوَى عَنْهُ: البِرزالي، وَعُمَر ابن الحاجب، وَالضِّيَاء، وَقَالَ: وُلِدَ تقديرًا سنة ثلاثٍ وستين.
قُلْتُ: ولقبه نجم الدِّين، وَهُوَ والد المُسْنِد أَحْمَد بن شَيْبَان.
فمن شِعره:
أحببتُ ظبيًا حسَنًا ... شرَّد عنِّي الوَسَنا
خلّوا إِذَا مر بما ... شيك يُحاكي الغُصُنا
مَرْمَر عيش عاشق ... بِهِ المغنَّى افتتنا
دموعُه منهالةٌ ... وجسمُه حِلف ضَنا [ص:600]
توفي في ثامن رجب.(13/599)
667 - صالح بن الْقَاسِم بن يُوسُف بن عَليّ، أَبُو حامد البَغْدَادِيّ النَّسَّاج المُؤَذِّن القَزَّاز، المعروف بابن كوِّر. [المتوفى: 620 هـ]
شيخٌ صالحٌ من أهل الحَربيَّة. روى عن سعيد ابن البَنَّاء وحده، وسماعه صحيح. رَوَى عَنْهُ: الدُّبَيْثِي، والبِرزالي، وذاكر الأبَرقوهي، وأخوه أَبُو المعالي، وَتُوُفِّي في السادس والعشرين من شَوَّال.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن إسحاق، قال: أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ كَوِّر - وَهُوَ لَقَبُ أَبِيهِ -، قال: أخبرنا سعيد بن أحمد، قال: أخبرنا محمد بن علي الدقّاق، قال: أخبرنا ابن رِزقويه، قال: حدثنا مكرم بن أحمد، قال: حدثنا يحيى بن أبي طالب، قال: أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ تَبِعَهَا حَتَّى يُقضى قَضَاؤُهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ، أَحَدُهُمَا - أَوْ قَالَ أَصْغَرُهُمَا - مِثْلُ أحُد ". رَوَاهُ الدُّبَيْثِيُّ فِي " تَارِيخِهِ " عَنْ صَالِحٍ، فوقع موافقة بعُلُوّ.(13/600)
668 - الضِّيَاء بن الزَّرّاد الدِّمَشْقِيّ، القارئ بالْألحان وبالقراءات. [المتوفى: 620 هـ]
قَالَ أَبُو المُظَفَّر سِبط الْجَوْزيّ: اجتمعت بِهِ بخِلاط، وَكَانَ يتردّد إلينا، ويقرأ طيّبًا، ثُمَّ داخل الدَّوْلَة، جاءني يومًا يبكي، فَقَالَ: البارحة حضرت عند الْأشرف، وناولني قدحًا، فامتنعت، وَهُوَ ساكت ينظر، فما زالوا بي حَتَّى شربته، فعضّ الْأشرف عَلَى إصبعه وَقَالَ: والَكْ فعلتهَا! حَطّيت الخمر على مائة وأربعة عشر سورة؟! والله لو خُيّرت أن أحفظ القُرْآن كما تحفظه، وأدعُ مُلكي، لاخترتُ حفظ القُرْآن، ثُمَّ نزلت حُرمته فَكَانَ يدور البلاد عَلَى أصحاب القِلاع [ص:601] لرسوم لَهُ عَلَيْهِم، فخرج من حَرّان ومعه ثلاثة غِلمان مُرد، فنام في وادٍ، فقتلوه، وأخذوا ما معه، فظفر بهم الحاجب عَليّ فقتلهم به.(13/600)
669 - عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن قُدامة بن مِقدام بن نصر، شيخ الإِسْلَام مُوَفَّق الدِّين أَبُو مُحَمَّد المَقْدِسِيّ الجمَّاعيليّ ثُمَّ الدَّمشقيّ الصّالحيّ الحَنْبَلِيّ، [المتوفى: 620 هـ]
صاحبُ التّصانيف.
وُلِدَ بقرية جمّاعيل في شعبان سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وهاجَر فيمن هاجر مَعَ أَبِيهِ وأخيه، وَلَهُ عشر سنين، وحفظ القُرْآن، واشتغل في صِغره، وَسَمِعَ من أَبِيهِ سنة نَيّف وخمسين، وارتحل إلى بَغْدَاد في أوائل سنة إحدى وستين في صُحبة ابن خالته الحَافِظ عَبْد الغني، فأدركا من حياة الشَّيْخ عَبْد القادر خمسين يومًا، فنزلا في مدرسته، وشرعا يقرآن عَلَيْهِ في " مختصر الخِرَقي "، وَسَمِعَ منه ومن هبة الله بن هِلال الدقّاق، وأبي الفتح ابن البطي، وأبي زُرعة المقدسي، وأحمد ابن المقرَّب، وأحمد بن مُحَمَّد الرَّحَبيّ، وأحمد بن عَبْد الغني الباجِسْرائي، وَأَبِي المناقب حَيْدرة بن عُمَر العلَوي، وخديجة النَّهْرَوَانِيَّة، وشُهدة الكاتبة، ونَفِيسة البزّازة، وسعد الله ابن الدَّجاجِيّ، وَعَبْد اللَّه بْن منصور المَوصلي، وَأَبِي بكر ابن النَّقور، وأبي محمد ابن الخَشَّاب، وعَليِّ بن عَبْد الرَّحْمَن ابن تاج القُرّاء، ومَعْمر بن الفاخر، وَعَبْد الواحد بن الحُسَيْن البارزي، وَعُمَر بن بُنَيمان الدَّلّال، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّد بن السَّكَن، والمبارك بن مُحَمَّد الباذرائي، وَأَبِي شجاع مُحَمَّد بن الحُسَيْن المادرائي، والمبارك بن المبارك السِّمْسَار، وَأَبِي طَالِب المبارك بن خُضير، وأبي حنيفة مُحَمَّد بن عُبَيْد اللَّه الخطيبي، وهبة الله ابن المحدث عبد الله بن أحمد ابن السمرقندي، ويحيى بن ثابت البقّال، وغيرهم.
وتفقه على أبي الفتح ابن المَنِّي، وقرأ عَلَيْهِ بقراءة أَبِي عَمرو، وقرأ عَلَى أَبِي الحَسَن البطائحي بقراءة نافع.
وَسَمِعَ بدمشق من أَبِي المكارم عَبْد الواحد بن هِلال، وأبي تميم سلمان بن علي الرحبي، وأبي المعالي بن صابر، وطائفة. وبالمَوْصل من أَبِي الفضل الطُّوسِيّ الخطيب، وبمكة من المبارك بن علي ابن الطَّبّاخ.
رَوَى عَنْهُ: البهاء عَبْد الرَّحْمَن، وابن نُقطة، والجمال أَبُو موسى، وَالضِّيَاء، [ص:602] وابن خليل، والبِرزالي، والمنذري، والجمال ابن الصيرفي، والشهاب أبو شامة، والمحب ابن النجار، والزين ابن عبد الدائم، وشمس الدين ابن أَبِي عُمَر، والعز إبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن أبي عُمر، والفخر علي، والتقي ابن الواسطي، والشمس ابن الكَمَال، والّتاج عَبْد الخالق، والعِماد عَبْد الحَافِظ بن بدران، والعز إسماعيل ابن الفرّاء، والعز أحمد ابن العِماد، وَأَبُو الفهْم السُّلَمِيّ، وَيُوسُف الغسوليّ، وَإِبْرَاهِيم ابن الفَرَّاء، وزينب بنت الوَاسِطِيّ، وخلقٌ كثيرٌ آخرهم موتاً التقي ابن مُؤمن، حضرَ عَلَيْهِ قطعةً من " الموطّأ ".
وَكَانَ إمامًا، حُجَّةً، مُفتيًا، مصنِّفاً، متفننًا، متبحّرًا من العلوم، كبير القدر.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَافِظِ بِقِرَاءَتِي، قال: أخبرنا أبو محمد بن قُدامة، قال: أخبرنا عبد الواحد بن الحسين، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْن محمد بن طلحة، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ المنذر، قال: حدثنا عمر بن دينار إملاءً، قال: حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ كَامِلٍ، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مِكْتَلٍ، وَأَنَسُ بْنُ عِياض، قَالَا: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى أَبِي هُريرة، عَنْ أَبِي هُريرة، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا ".
قَالَ ابنُ النَّجَّار: كَانَ - يعني الشَّيْخ مُوَفَّق الدِّين - إمام الحنابلة بالجامع. وقد سَمِعَ منه ببَغْدَاد رفيقه عَبْد العزيز بن طاهر الخَيَّاط سنة ثمانٍ وستين وخمسمائة، وَكَانَ ثقةً، حُجَّة، نبيلًا، غزير الفضل، نَزِهًا، وَرِعًا، عابدًا، عَلَى قانون السَّلَف، عَلَى وجهه النُّور والوقار، ينتفع الرجل برؤيته قبل أن يسمع كلامه.
وقال فيه عمر ابن الحاجب: هُوَ إمام الْأئمة، ومفتي الْأمة، خصَّه اللَّه بالفَضل الوافر، والخاطر المَاطِر، والعلم الكامل، طَنَّت بذكره الْأمصار، [ص:603] وضَنَّت بِمِثْلِهِ الْأعصار. قد أخذ بمجامع الحقائق النَّقلية والعقلية، فَأَمَّا الحديث فَهُوَ سابق فرسانه، وأَمَّا الفقه فَهُوَ فارس ميدانه، أعرف النَّاس بالفُتيا، وَلَهُ المؤلّفات الغزيرة، وما أظنّ الزمان يسمح بِمِثْلِهِ، متواضع عند الخاصَّة والعامَّة، حسن الاعتقاد، ذو أناة وحِلم ووَقَار، وَكَانَ مجلسه عامرا بالفقهاء والمُحدثين وأهل الخير، وصار في آخر عمره يقصده كلُّ أحد، وَكَانَ كثير العبادة، دائم التّهجُّد، لم نرَ مثله، ولم يرَ مثلَ نفسه.
وقال الضِّيَاء في " سيرته ": كَانَ تام القامة أبيض مشرق الوجه، أدعج العينين، كَأَنَّ النّور يخرج من وجهه لحُسنه، واسع الجبين، طويل اللحية، قائم الْأنف، مقرون الحاجبين، صغير الرأس، لطيف اليدين والقدمين، نحيف الجسم، مَتَّعه اللَّه بحواسّه حَتَّى تُوُفِّي، رحل هُوَ والحافظ عَبْد الغني، فأقاما ببَغْدَاد نحوًا من أربع سنين، ثُمَّ رَجَعا وقد حَصَّلا الفقه والحديث والخلاف، أقاما خمسين ليلة عند الشَّيْخ عَبْد القادر، ومات، ثُمَّ أقاما عند أبي الفرج ابن الْجَوْزيّ، ثُمَّ انتقلا إلى رباط الشَّيْخ محمود النعّال، واشتغلا على ابن المَنِّي، ثُمَّ سافرَ هُوَ ثانية إلى بَغْدَاد سنة سبعٍ وستين، هُوَ وَالشَّيْخ العِماد، فأقاما سنة، وَكَانَ لَحِقَهما عُبَيْد اللَّه أخوه، وَعَبْد الملك بن عُثْمَان، فَضَيّقا عليهما، لكونهما حَدَثين، فرجَع بهما إلى دمشق، ثُمَّ حجّ سنة ثلاثٍ وسبعين ووالدي وعَمْرو بْن عَبْد اللَّه، ورَدُّوا عَلَى درب العراق.
ذكر تصانيفه:
" البُرهان في القرآن " جزءان، " مسألة العُلوّ " جزءان، " الاعتقاد " جزء، " ذمّ التّأويل " جزء، " كتاب القَدَر " جزءان، كتاب " فضائل الصحابة " جزءان، " كتاب المتحابّين " جزءان، جزء " فضل عاشوراء "، جزء " فضائل العَشْر "، " ذمّ الوسواس " جزء، " مشيخته " جزء ضخم، وغير ذَلِكَ من الْأجزاء، وصَنَّف: " المغني " في الفقه في عشر مجلّدات كبار، و" الكافي " في أربعة مجلّدات، و " المُقنِع " مجلد، و " العُمدة " مجلد لطيف، و " التوابين " مجلد صغير، و " الرقة " مجلّد صغير، " مختصر الهداية " مجلّد صغير، " التّبيّين في نسب القُرشيِّين " مجلّد صغير، " الاستبصار في نسب الأنصار " مجلد، كتاب " قنعة الأريب في [ص:604] في الغريب " مجلّد صغير، كتاب " الرَّوضة " في أصول الفقه مجلّد، كتاب " مختصر العِلل " للخَلّال، مجلّد ضخم.
قَالَ الضّياء: رأيت الإمام أَحْمَد بْن حنبل في النوم، وألقى عليَّ مسألة في الفقه، فقلت: هذه في " الخِرَقي " فَقَالَ: ما قَصَّر صاحبُكم الموفّق في " شرح الخِرَقي ".
قَالَ الضّياء: وكان - رحمه اللَّه - إمامًا في القرآن وتفسيره، إمامًا في علم الحديث ومُشْكلاته، إمامًا في الفقه، بل أوحد زمانه فيه، إمامًا في علم الخِلاف، أوحد زمانه في الفرائض، إمامًا في أصول الفقه، إمامًا في النحْو، إمامًا في الحساب، إمامًا في النّجوم السيَّارة والمنازل، وسمعتُ الوجيه داود بْن صالح المُقرئ بمصر، قَالَ: كنتُ أتردّد إِلى الشيخ أبي الفتح ابن المَنِّي، فسمعته يَقُولُ - وعنده الإمام موفّق الدّين -: إذَا خرج هذا الفتى من بغداد، احتاجت إِلَيْهِ، وسمعتُ البهاء عَبْد الرَّحْمَن بْن إِبْرَاهيم يقول: كان شيخنا أبو الفتح ابن المَنِّي يَقُولُ للشيخ الموفّق: اسكن هنا فإنَّ بغداد مفتقرة إليك، وأنت تخرج من بغداد، ولا تخلف فيها مثلك، وكَانَ الموفّق يَقُولُ: إنّ لي أولادًا ولا يمكنني المُقام، وكان شيخُنا العِماد يعظّم الشيخ الموفَّق تعظيمًا كبيرًا، ويدعو لَهُ، ويقعد بين يديه كما يقعد المتعلّم من العالم، وسمعت الإمام أبا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن محمود الْأصبَهانيّ يَقُولُ: ما رأى أحدٌ في زمانه مثلَ الشيخ الموفّق، وسمعتُ الإمام المفتي أبا عُبَيْد اللَّه عُثْمَان بْن عَبْد الرَّحْمَن الشّافعيّ يَقُولُ عَنْ شيخنا موفّق الدّين: ما رأيتُ مثلَهُ، كَانَ مُؤيّدًا في فتاويه، شاهدتُ بخطّ شيخنا العِماد إِبْرَاهيم بْن عَبْد الواحد: وقفتُ عَلَى وَصية شيخنا وسَيّدنا الإمام العالم الْأوحد الصدر شيخ الإسلام موفّق الدّين، الّذي شهد بفضله وعِلمه المُؤالف والمُخالف، الناصر السّنَّة المحمّدية، والسالك الطّريقة النبوية الْأحمدية، القامع البِدعة المُردية الرديَّة، وسمعت الإمام المفتي شيخنا أبا بَكْر مُحَمَّد بْن معالي بْن غَنيمة ببغداد يَقُولُ: ما أعرف أحدًا في زماننا أدرك درجة الاجتهاد إلّا الموفّق، وَسَمِعْتُ الإِمَامَ الْحَافِظَ الزَّاهِدَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْيُونِينِيّ يَقُولُ - وَكَتَبَهُ لِي - قَالَ: أَمَّا مَا عَلِمْتُهُ مِنْ أَحْوَالِ شَيْخِنَا وَسَيِّدِنَا مُوَفَّقُ الدِّينِ، فَإِنَّنِي إِلَى الْآنَ، مَا [ص:605] أَعْتَقِدُ أَنَّ شَخْصًا مِمَّنْ رَأَيْتُهُ، حَصَلَ لَهُ مِنَ الْكَمَالِ فِي الْعُلُومِ وَالصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ الَّتِي يحصل بها الكمال، سواه، فإنه - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ كَامِلًا فِي صُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ، مِنْ حَيْثُ الْحُسْنِ وَالإِحْسَانِ، وَالْحِلْمِ وَالسُّؤْدُدِ، وَالْعُلُومِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالأَخْلاقِ الْجَمِيلَةَ، وَالأُمُورِ الَّتِي مَا رَأَيْتُهَا كَمُلَتْ فِي غَيْرِهِ، وَقَدْ رَأَيْتُ مِنْ كَرَمِ أَخْلاقِهِ، وحُسن عِشْرَتِهِ، وَوُفُورِ حِلْمِهِ، وَكَثْرَةِ عِلْمِهِ، وَغَزِيرِ فِطْنَتِهِ، وَكَمَالِ مُرُوءَتِهِ، وَكَثْرَةِ حَيائه، وَدَوَامِ بِشره، وَعُزُوفُ نَفْسِهِ عَنِ الدُّنْيَا وأهلها، وَالْمَنَاصِبِ وَأَرْبَابهَا، ما قد عَجَزَ عنه كبار الأولياء، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ يُلهمه ذِكره "، فقد ثبت بهذا أنّ إلهام الذِّكر أفْضَل من الكرامات، وأفضل الذكْر ما يتعدّى نفعُه إِلى العِباد، وهو تعليم العِلْم والسُّنَّة، وأعظم من ذَلِكَ وأحسن ما كَانَ جِبِلّة وطَبْعًا، كالحِلم والكرم والعقل والحياء، وكان اللَّه قد جَبله عَلَى خُلُق شريف، وأفرغ عليه المكارم إفراغاً، وأسبغ عَلَيْهِ النِّعم، ولطفَ بِهِ في كُلِّ حال.
قَالَ الضّياء: وكان لَا يكاد يناظر أحدًا، إلا وهو يَتَبَسَّم، فسمعتُ بعض النّاس يَقُولُ: هذا الشيخ يقتل خصمه بتبسُّمه، وسمعتُ الفقيه أَحْمَد بْن فهْد العَلثي يَقُولُ: ناظر الموفّق لابن فَضلان، يعني: يَحْيَى بْن مُحَمَّد الشّافعيّ، فَقَطَعَهُ الموفَّقُ.
قلتُ: وكان ابن فَضْلان يُضرب بِهِ المثل في المناظرة.
وأقامَ الموفَّق مدَّة يعمل حلقة يوم الجمعة بجامع دمشق، يناظر فيها بعد الصلاة، ويجتمع إليه أصحابنا، وغيرهم، ثُمَّ ترك ذَلِكَ في آخر عمره.
وكان يَشتغل عَلَيْهِ النّاس من بُكرة إِلى ارتفاع النهار، ثُمَّ يُقرأ عَلَيْهِ بعد الظهر، إمّا الحديث وإمّا من تصانيفه، إِلى المَغْرب، وربّما قُرِئ عَلَيْهِ بعد المَغْرب، وهو يتعشَّى، وكان لَا يُري لأحد ضَجراً، وربّما تضَّرَر في نفسه ولا يَقُولُ لأحدٍ شيئًا، فحدّثني ولده أَبُو المجد، قَالَ: جاء إِلى والدي يوماً جماعة يقرؤون عَلَيْهِ، فطوّلوا، ومن عادته أن لَا يَقُولُ لأحد شيئًا، فجاء هذا القِطّ الّذي لنا، فأخذَ القلمَ الّذي يُصلحون بِهِ بفمه، فكسرَه، فتعجّبوا من ذَلِكَ وقالوا: لعلَّنا أطلْنا، وقاموا، واشتغل الناس عليه مدة بـ " الخِرَقي " و " الهداية " [ص:606] ثُمَّ بـ " مختصر الهداية " الّذي جَمَعَهُ، ثُمَّ بعدَ ذَلِكَ، اشتغل عَلَيْهِ الخَلْق بتصانيفه: " المُقنِع " و " الكافي " و " العُمدة "، وكان يقرأ عَلَيْهِ النحْو، ويشرحه، ولم يترك الإشغال إلّا من عُذْر، وانتفع بِهِ غير واحد من البلدان، ورحلوا إِلَيْهِ، وكان لَا يكاد يراه أحد إلّا أحَبّه، حتّى كَانَ كثير من المُخالفين يحبّونه، ويصلُّون خلفه ويمدحونه مدحًا كثيرًا، وكنتُ أعرف في عهد أولاده أنّهم يتخاصمون عنده، ويتضاربون وهو لَا يتكلّم، وكنّا نقرأ عَلَيْهِ، ويحضر مَنْ لَا يَفْهَم، فربَّما اعترض ذَلِكَ الرجل بما لَا يكون في ذَلِكَ المعنَى، فنغتاظ نحن، ويقول: لَيْسَ هذا من هذا، وجرى ذَلِكَ غير مرَّة، فَما أعلم أَنَّهُ قَالَ لَهُ قطُّ شيئًا، ولا أوجع قلبَهُ، وكانت لَهُ جارية تؤذيه بخُلُقها فَما كَانَ يَقُولُ لها شيئًا، وكذلك غيرها من نسائِهِ.
وسمعت البهاء عَبْد الرَّحْمَن يَقُولُ: لم أر فيمن خالطت أجملَ منه، ولا أكثر احتمالًا.
وكان متواضعًا، يقعد إِلَيْهِ المساكين، ويسمع كلامَهُم، ويقضي حوائجَهُم، ويعطيهم، وكان حسَنَ الأخلاق، لَا نكاد نراه إلّا متبسماً، يحكي الحكايات لجُلَسائه، ويخدمهم، ويَمْزح، ولا يَقُولُ إلّا حَقًّا.
وسمعتُ البهاء عَبْد الرَّحْمَن يَقُولُ: قد صحِبناه في الغزاة، فكان يمازحنا، وينبسط معنا، يقصد بذاك طِيب قلوبنا، فَما رأيتُ أكرمَ منه، ولا أحسن صُحبة، وكان عندنا صِبيان يشتغلون عَلَيْهِ من حوران، وكانوا يَلْعبون بعض الْأوقات إذَا خَلَوا، فشكى بعض الجماعة إِلى الشيخ أبي عُمَر، فَقَالَ: أخرجوهم من عندنا، ثُمَّ قَالَ: هَؤُلَاءِ أصحاب الموفَّق، فاذكروهم لَهُ، فقالوا لَهُ، فَقَالَ: وهل يصنعون إلّا أنهم يلعبون؟ هم صبيان لابد لهم من اللَّعب إذَا اجتمعوا، وإنّكم كنتم مثلهم، وكان بعض الْأوقات يرانا نلعب فلا ينكر علينا.
ولقد شاورته في أشياء متعدّدة، فيشير عليَّ بشيء، فأراه بعد كما قَالَ، وكم قد جرى عَلَى أصحابنا من غَمِّ وضيق صدر من جهة السلاطين واختلافهم، فإذا وصل الكلام إِلَيْهِ أشارَ بالرأي السّديد الّذي يراه، فيكون في [ص:607] رأيه اليُمن والبركة، وكان أخوه الشيخ أَبُو عمر مع كونه الأكبر، لا يكاد يعمل أمراً حتى يشاوره.
سَمِعْتُ الإمام الزّاهد أبا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَبِي الحُسين اليُونينيّ، قَالَ: كنتُ بعض الْأوقات ألازم القراءة وبعضها أتركها، فَقَالَ لي الموفّق: يا فُلان، في صورة من يأتيك إبليس؟ قلت: في صورة أويس القَرَني، قَالَ: ما يَقُولُ لك؟ قلت: يَقُولُ لي: ما أحب أن أكون محدّثًا ولا مفتيًا ولا قاصًّا، في نفسي شغل عَن النّاس، فَقَالَ: واللَّه مليح ما يقوله لك، أفيقول لك: هذه ليلة السجود فتسجد إِلى الصباح، هذه ليلة البكاء فتبكي إلى الصباح؟ قلت: لَا، قَالَ: هذا مقصوده أنك تُبطل العِلْم وتفوتك فضيلته، وما يحصل لك فعل أويس، فبعد ذَلِكَ ما جاءَني إبليس في هذا المعنى.
قَالَ الضّياء: وكان لَا ينافس أهل الدّنيا، ولا يكاد أحد يسمعه يشكو، وربّما كَانَ أكثر حاجةً من غيره، وكان إذَا حَصَل عنده شيءٌ من الدنيا فَرَّقه ولم يتركه، وسمعت البهاءُ عَبْد الرَّحْمَن يَقُولُ: كَانَ فيه من الشِّجاعة، كَانَ يتقدمّ إِلى العدوّ، ولقد أصابه عَلَى القُدس جُرح في كَفّه، ولقد رأيت أَنَا منه عَلَى قلعة صَفَد، وكُنّا نُرامي الكُفّار، فكان هُوَ يجعل النشّابة في القَوْس، ويرى الكافر أنْه يرميه فيتَتَرسُ منه، يفعل ذَلِكَ غير مرَّة، ولا يرمي حتّى تمكنه فرصة.
ولمّا ماتَ ابنه أَبُو الفضل مُحَمَّد بهَمَذَان، جاءَهُ خبرُه، فحدّثني بعض منْ حَضَرَهُ أَنَّهُ استرجع، وقام يصلّي.
قلتُ: كَانَ فاضلًا، مشتغلًا، عاش نَيّفًا وعشرين سنة.
قَالَ: ولمّا مات ابنه أَبُو المجد عيسى، وكُنّا عنده، صَبَر، واحتسَبَ، وسمعتُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يطلب من أهل بيته أن يغسلوا ثيابه، ولا يطبخوا، ولا يكلّفهم شيئًا، بل هُوَ عندهم مثل الضَّيف، إن جاؤوا بشيءٍ أكلَ، وإلّا سكتَ، وكان يُصلي صلاةً حَسَنَةً بخشوع، وحُسن رُكوع، وسُجود، ولا يكاد يصلّي سُنّة الفجر والمغرب والعشاء، إلّا في بيته، اتّباعًا للسُنّة، وكان يصلّي كلّ ليلة بين العشاءين رَكعتين بـ " الم تَنْزِيلُ السجدة "، و" تبارك الذي بيده المُلك " [ص:608] وركعتين بـ " ياسين " و " الدُّخان "، لَا يكاد يخلّ بهنَّ، وكان يقوم باللّيل سَحَراً يقرأ بالسُّبع، وربّما رفع صوتَهُ بالقراءة، وكان حَسَن الصوت، رحمة اللَّه عَلَيْهِ.
سَمِعْتُ الحافظ الزَّاهد أبا عَبْد اللَّه اليُونينيّ، قَالَ: لمّا كُنتُ أسْمَعُ شناعةَ الخلْق عَلَى الحنابلة بالتّشبيه، عزمت عَلَى سُؤال الشيخ الموفّق عَنْ هذه المسألة، وهل هي مجرّد شناعة عليهم أو قَالَ بها بعضهم؟ أو هِيَ مقالة لا تظهر من علمائهم إلّا إلى من يوثق بِهِ؟ وبقيت مدة شهور أريد أن أسأله، ما يتّفق لي خُلُوّ المكان، إِلى أن سَهَّل اللَّه مرَّة بخُلُوّ الطّريق لي، وصعِدت معه إِلى الجبل، فلمّا كنّا عند الدّرب المُقابل لدار ابن محارب، وما اطّلع عَلَى ضميري سوى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فقلت لَهُ: يا سيّدي، فالتفت إليَّ، وأنا خلفه، فَقَالَ لي: التِّشبيه مُستحيل، وما نطقتُ أَنَا لَهُ بأكثر من قولي: " يا سيّدي "، فلمّا قَالَ ذَلِكَ تجلّدت، وقد أخْبَر بما أريد أن أسأله عَنْهُ، وكشفَ اللَّه لَهُ الْأمر، فقلت لَهُ: لِمَ؟ قَالَ: لأنّ من شرط التشبيه أن نرى الشيء، ثم نشبّهه، من الّذي رأى اللَّه، ثم شبّهه لنا؟
وسمعت أبا عبد الله مُحَمَّد بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر المقرئ يَقُولُ: جئت إِلى الشيخ الموفّق، وعنده جماعة، فسلّمت، فردّ عليَّ ردًّا ضعيفًا، فقعدت ساعة، فلمّا قام الجماعة، قَالَ لي: اذهب فاغتسل، فبقيت متفكّرًا، ثُمَّ قَالَ لي: اذهب فاغتسل، فتفكّرت، فإذا قد أصابتني جنابة من أول اللّيل ونسيتها.
وسمعتُ الشريف أبا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن كَبّاس الْأعناكيَّ يَقُولُ: كنتُ يومًا أتفكر في نفسي، لو أنْ لي شيئًا من الدُّنيا لبنيت مدرسة للشيخ الموفّق، وجعلت لَهُ كلّ يوم ألف درهم، ثُمَّ إنّني قمت، فجئت إِلَيْهِ فسَلَّمتُ عَلَيْهِ، فنظر إليَّ وتَبَسَّم، وقَالَ: إذَا نوى الشخص نِيَّة خير كُتب لَهُ أجرها!
وقال أَبُو شامة: وذَكَر الشيخ الموفّق فَقَالَ: كَانَ إمامًا من أئمَّة المُسلمين، وعَلَمًا من أعلام الدِّين في العِلْم والعَمَل، صنّف كُتبًا كثيرة حِساناً في الفقه وغيره، ولكنّ كلامه فيما يتعلّق بالعقائد في مسائل الصفات عَلَى [ص:609] الطّريقة المشهورة عَنْ أهل مذهبه، فسبحان من لم يوضح لَهُ الْأمر فيها عَلَى جلالته في العلم ومعرفته بمعاني الْأخبار والآثار، سَمِعْتُ منه " مُسْنِد الشّافعيّ " بِفَوْت ورقتين، وكتاب " النَّصيحة " لابن شاهين.
وقال غير واحدٍ عن عِزّ الدين ابن عَبْد السلام، شيخ الشافعية: إنّه سُئل: أيّما كان أعلم فخر الدين ابن عساكر، أم الشيخ الموفّق؟ فغَضِبَ، وقال: واللَّه موفْق الدّين كَانَ أعلم بمذهب الشّافعيّ من ابن عساكر، فضلًا عَنْ مَذْهبه.
قَالَ أَبُو شامة: ومن أظرف ما يُحكى عَن الموفّق أَنَّهُ كَانَ يجعل في عِمامته ورقة مَصْرُورة فيها رَمْل يُرمّل بِهِ الفَتَاوَى والإجازات، فخُطِفت عِمامته ليلًا، فَقَالَ لخاطفها: يا أخي خُذْ من العِمامة الورقة بما فيها، ورُدّ العِمامة، أغَطِّي رأسي، وأنت في أوسع الحِلّ، فظنّ الخاطف أنّها فضَّة، ورآها ثقيلة فأخذها، ورمى العِمامة لَهُ، وكانت صغيرة عتيقة.
قَالَ: وكان الموفّق بعد موت أخيه هُوَ الّذي يَؤُم بالجامع المُظَفَّريّ ويخطب، فإنْ لم يحضر فعبد اللَّه ابن أخيه يؤُم ويخطب، ويصلّي الموفّق بمحراب الحنابلة إذَا كَانَ في البَلَد، وإلّا صلى الشيخ العماد، ثُمَّ كَانَ بعد موت الشيخ العماد يصلي فيه أبو سليمان ابن الحافظ عَبْد الغنيّ، وكانَ الموفَّق إذَا فرَغَ من صلاة العشاء الآخرة يمضي إِلى بيته بالرَّصيف، ويمضي معه من فُقراء الحلقة مَنْ قَدَّرَهُ اللَّه، فيقدِّم لهم ما تَيَسّر، يأكلونه معه.
وقال الضِّياءُ: سَمِعْتُ أختاي، زَيْنَب وآسية تقولان: لمّا جاءَ خالَنا الموتَ هَلّلنا، فهَلَّل، وجعلَ يستعجل في التّهليل، حتّى تُوُفّي، رحمه اللَّه.
قَالَ: وسمعتُ الإمامَ أبا مُحَمَّد إسْمَاعيل بْن حَمّاد الكاتب يَقُولُ: رأيت ليلة عيد الفِطر كأني عند المَقْصورة، فرأيتْ كأنّ مُصحف عُثْمَان قد عُرِّج بِهِ، وأنا قد لحِقني من ذَلِكَ غمٌّ شديد، وكأن الناسَ لَا يكترثون لذلك، فلمّا كَانَ [ص:610] الغد، قِيلَ: مات الشيخ الموفّق.
وسمعتُ خالد بْن عَبْد اللَّه الحَبشي يَقُولُ: إنّه رأى ليلة تُوُفّي الشيخ الموفّق كأنَّ القرآن قد رُفع من المصاحف، وسمعتُ الإمام عَبْد المُحسن بْن عَبْد الكريم الْمِصْرِيَّ يَقُولُ: رأيتُ وقتَ ماتَ الشيخ الموفّق في النّوم، كأن قد رُفعت قناديل الجامع كُلّها، وسمعتُ الشريف عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد العَلَوي يَقُولُ: رأينا ليلة الْأحد في قريتنا مُردك - وهي في جبل بني هلال عَلَى دمشق - ضوءًا عَظِيمًا جدًّا حتّى أضاءَ لَهُ جَبَل قاسِيُون، فقلنا قد احترقت دمشق، قال: وخرج أهل قريتنا الرجال والنِّساء يتفرّجون عَلَى الضَّوء، فلمّا جئنا إِلى بعض الطّريق سألنا: أيش الحريق الّذي كَانَ بدمشق؟ فقالوا: ما كَانَ بها حريق، فلمّا وصلنا إِلى هنا قَالَ لي ابني: إنَّ الشيخ الموفّق تُوُفّي، فقلتُ: ما كانَ هذا النُّور إلّا لأجله.
قَالَ الضّياء: وقد سمعنا نحو هذا من غيرِ واحدٍ يُحدِّثه، أَنَّهُ رأى ذَلِكَ بحوران، وبالطريق، وسمعت العدْل أبا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن نصر بْن قَوّام التّاجر بعد موت الشيخ الموفّق بأيام، قَالَ: رأيتُ ليلة الجُمُعة في الثُّلث الْأخير الْحَقَّ عَزَّ وَجَلَّ وكأنّه عالٍ علينا بنحوٍ من قامة، يعني لَيْسَ هُوَ عَلَى الْأرض، وإلى جانبي رجلٌ خطرّ في قلبي أَنَّهُ الخَضِر عَلَيْهِ السلام، فذُكر الشيخ الموفّق، فَقَالَ الحَقُّ للخَضِر: هل تعرف أخته وابنته؟ فَقَالَ: لَا، قال: بلى اذهب، فعزّهما في الموفق، وخطر ببالي أَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: فإنّي أعْدَدتُ لَهُ ما لا عَيْنٌ رأت، ولا أذُن سَمِعْت، ولا خطَرَ عَلَى قلب بشر، ثُمَّ انتبهت.
وقد ساق الضّياء منامات كثيرة في سيرة الشيخ الموفّق، تركتُها خوف الإطالة.
ثُمَّ قَالَ: تَزَوَّج ببنت عَمَّته مريم بنت أبي بكر بن عبد الله بن سَعْد، فولدت لَهُ أولادًا، عاش منهم حتّى كبُر: أبو الفضل محمد، وأبو المجد عيسى، وأَبُو العزّ يَحْيَى، وصَفِيَّة، وفاطمة، فمات بنوه في حياته، ولم يعقب منهم سوى عيسى، وتَسَرَّى بجارية، ثُمَّ ماتت هي وزوجته بعدها، ثُمَّ تَسَرَّى بجارية، وجاءه منها بنت، ثُمَّ ماتت البنت، ورَوَّح الجارية، ثُمَّ تزوج عزيَّة بنت إسْمَاعيل، وتُوُفّيت قبله، ومن شعره: [ص:611]
أتغفل يا ابن أحمد والمنايا ... شوارع يَخْتَرِمْنَكَ عَنْ قريبِ
أغَرَّكَ أنْ تَخَطَّتْكَ الرَّزَايا ... فكمْ للموت من سهْمٍ مُصيب
كؤوسُ المَوْتِ دائرةٌ عَلَيْنا ... وَمَا لِلْمَرْءِ بُدٌّ من نصيبِ
إِلى كَمْ تَجْعَلُ التَّسْويفَ دأبًا ... أما يَكفِيكَ إنذَارُ المَشِيبِ
أما يَكْفيكَ أنَّك كُلَّ حينٍ ... تمُرّ بقَبر خِلٍّ أو حبيبِ
كأنَّك قَدْ لحقْت بِهم قريبًا ... ولا يُغنيك إفراطُ النَّحِيب
قَالَ الضّياء: تُوُفّي يوم السبت، يوم الفِطْر، ودُفن من الغدّ، وكان الخلْق لَا يُحصي عددَهم إلّا اللَّه عَزَّ وجَلَّ، وكنت فيمن غسَّله، تُوفِّي بمنزله بدمشق.(13/601)
670 - عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن علي بْن هبة اللَّه، الشريف أبو محمد ابن الزَّوَّال، الهاشميُّ العَباسِيُّ البغداديُّ. [المتوفى: 620 هـ]
وُلِد سنة ثمانٍ وأربعين وخمسمائة، وسَمِعَ من يَحْيَى بْن ثابت، وأبي المعالي الباجِسرائي، وأبي محمد ابن الخَشّاب.
وهو من بيت حِشمة وتقدَّم، تُوُفِّي في ليلة عاشوراء.
وقد ناب في القضاء ببغداد، ثُمَّ عُزل من القضاء والعدالة، بسبب تزوير، ولم يكن محمود الشهادة.(13/611)
671 - عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عُثمان التَّمِيمِيُّ، أَبُو مُحَمَّد البجَائيُّ المغربي، المعروف بابن الخطيب. [المتوفى: 620 هـ]
سَمِعَ من الحافظ أَبِي مُحَمَّد عَبْد الحقّ الإشبيليّ، وأخذَ عَنْ أَبِي القَاسِم عَبْد الرَّحْمَن بْن يَحْيَى القُرَشي " مختصَرهُ " في القراءات، وسَمِعَ " صحيحٌ مُسْلِم " من أَبِي عَبْد اللَّه ابن الفَخّار، وأجازَ لَهُ أَبُو طاهر السِّلَفِيّ، وَلِيَ قضاءَ سَبتة، ثُمَّ قضاء بَلَنسية، وكان وجيهًا، ذا حشمة وثروة، ولم يكن الحديث من شأنه، حَدَّث بيسير، ومات بتُونس في ربيع الْأوّل، قَالَه الْأبّار.(13/611)
672 - عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْعَزِيزِ بْن عَبْد اللَّه، أَبُو القَاسِم التَّفليسي المغازليُّ الصُّوفيُّ، [المتوفى: 620 هـ]
نزيلُ بغدادَ.
شيخ معمَّر، قَدِمَ بغداد واستوطنها، وصَحِبَ الشيخ أبا النَّجيب، وسَمِعَ معه من: هبة اللَّه بْن أَحْمَد الشِّبليّ، وابن البَطِّي، وأبي زُرعة، وحَدَّث.
وقيل: إنّه جاوزَ المائة.
روى عَنْهُ: الدُّبَيْثيُّ، والزَّين خالد، وجماعةٌ، وتُوُفّي في سادس عشر ربيع الْأوّل.(13/612)
673 - عَبْد اللَّه بْن عُبيد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد المَلِك بْن عليّ، أَبُو مُحَمَّد اللَّخْمِيُّ الْبَاجِيُّ. [المتوفى: 620 هـ]
أخذَ قراءةَ نافع، وأبي عَمرو عَنْ أَبِي مُحَمَّد بْن مُعاذ، وسَمِعَ من أَبِي عَبْد الله ابن المجاهد الزاهد، وكان من كبار أصحابه، وأخذ العربية عن أبي إسحاق بن مَلْكون، وأبي القَاسِم بْن حُبيش.
وحَدَّث بيسير، وعمِّر، وأسنَّ، وكُفّ بصره، وكانَ يُقرئ القرآنَ، وتُوُفّي في شعبان، وله ثمان وثمانون سَنَةً.(13/612)
674 - عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن عَبْد اللَّه، القاضي جمالُ الدّين أَبُو مُحَمَّد الدِّمشقيُّ الشّافعيُّ، [المتوفى: 620 هـ]
قاضي اليَمن.
ولد بدمشق في حدود سنة ثلاثين وخمسمائة، وعاش تسعين سنةً، وسَمِعَ بالإسكندرية من السِّلَفِيّ، وغيره، وتَوَجّه من دمشق صُحبة شمس الدُولة تورانشاه بْن أيّوب، إِلى اليمن، وأمَّ بِهِ، وتقدَّم عنده، فولّاه قضاءَ اليمن، وحَصَّل أموالًا، وعادَ إِلى دمشق.
وحَدَّث، روى عَنْهُ: الشَّهاب القُوصِيُّ، وفَرَج الحَبشي، والزَّين خالد النابُلُسي، وعِدّة.
وسمع من عليّ بْن أَحْمَد الحَرَستاني. [ص:613]
ومات في ربيع الأوّل.(13/612)
675 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن خَلَف بْن اليُسْر، أَبُو مُحَمَّد القُشيري الغَرناطي. [المتوفى: 620 هـ]
معتنٍ بالقراءات عَرِيق فيها من أعمامه وأخواله، اختَصَّ بأبي خالد بْن رِفاعة، ولَزِم أبا الحَسَن بْن كَوْثر، فأكثَرَ عَنْهُ، وسَمِعَ من عَبْد الحقّ بْن بُونُه، وجماعةٍ.
أخذ عَنْهُ ابن مَسْدي، وأرَّخَ موتَه بمَرَّاكُش عَنْ نَيِّفٍ وستّين سنة.(13/613)
676 - عَبْد الحميد بْن مَري بْن ماضي بْن نامي، أَبُو أَحْمَد الحَسَّانيُّ المقدسيُّ الحنبليُّ، [المتوفى: 620 هـ]
نزيل بغداد.
وبها تُوُفّي في جُمادي الآخرة.
حدَّث عَنْ: ابن كُليب، وأبي الفَرَج ابن الجوزيّ. روى عَنْهُ الضّياء، وغيرُه.(13/613)
677 - عَبْد الرَّحْمَن بْن إسْمَاعيل بْن مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن مسلِم، أَبُو مُحَمَّد الزَّبِيديُّ ثُمَّ البغداديُّ. [المتوفى: 620 هـ]
من بيت الحديث والفضل. كان فقيهاً، عالمًا، مُناظرًا، فرَضياً،
وُلِد سنة ثلاثٍ وخمسين،
وسمع من: أبي الفتح ابن البَطي، وأحمد بْن عُمَر بْن بُنَيمان، وجماعةٍ،
وولي مشيخة رباط الشونيزي.
روى عنه الدبيثي، وقال: تُوُفّي في يوم الجمعة سَلْخ رمضان.(13/613)
678 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي السّعود الطّيّب بْن أَحْمَد بْن عليّ بْن رزقون - بتقديم الراء -، أَبُو القاسم القَيْسِيُّ [المتوفى: 620 هـ]
من أهل الجزيرة الخَضْراء.
أخذَ عَنْ أَبِي مُحَمَّد بْن عُبيد اللَّه، تُوُفّي بالجزيرة عامَ عشرين.(13/613)
679 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن الْحسن بْن هبة اللَّه بن عَبْد اللَّه بْن الحُسين، الإمام المفتي فخر الدّين أَبُو منصور الدّمشقيُّ الشّافعيُّ، ابن عساكر [المتوفى: 620 هـ]
شيخُ الشافعية بالشام. [ص:614]
ولد في سنة خمسين وخمسمائة، وسَمِعَ من عَمّيه الصّائن هبة اللَّه وأبي القَاسِم الحافظ، وَعَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الحَسَن الدّارانيّ، وحَسّان بْن تميم الزَّيّات، وأبي المكارم عَبْد الواحد بْن هِلال، وداود بْن مُحَمَّد الخالديّ، ومحمد بْن أسْعد العِراقيّ، وأبي المعالي بْن صابر، وجماعةٍ.
وتفقّه عَلَى الشيخ قُطْب الدّين النَّيْسَابُورِيُّ، حتّى بَرَع في الفقه. وزَوَّجه القُطب بابنته، فجاءَهُ منها وُلِد سمّاه باسم جَدّه قُطب الدّين مسعود، ومات شابًا، ولو عاش لخَلَف جَدّه وأباه.
وقد وَلِيَ فخرُ الدّين تدريس الجاروخية، ثُمَّ تدريس الصَّلاحية بالقُدس، ثُمَّ بدمشق تدريس التَّقَوِيَّة، فكان يقيم بالقُدْس أشْهُرًا، وبدمشق أشهرًا، وكان عنده بالتَّقوية فُضلاء الوقت، حتّى كانت تُسَمّى نِظاميَّة الشَّام، وهو أوّل من دَرَّس بالعَذْراوية، وذلك في سنة ثلاثٍ وتسعين، ماتت السّتّ عَذْراء بنت شاهنشاه بْن أيْوب، أخت عزّ الدّين فرُخشاه، فدُفنت بدارها، وكانت أمرت بدارها لأمِّها، فوقفتها الْأم عَلَى الشافعية والحنفية.
وكان لَا يَملُّ الشخص من النَّظر إِلَيْهِ؛ لحُسن سَمْتِه، واقتصاده في لباسِهِ، ولُطفه، ونُور وجهه، وكان لَا يخلو لسانه من ذكر اللَّه في قيامه وقعوده، وكان يُسمع الحديث تحت النَّسْر، وهو المكان الّذي كَانَ يُسمع فيه عَلَى الحافظ أَبِي القَاسِم عمِّه.
قَالَ أَبُو شامة: سألته مسائل فقهية، وكان المَلِك المُعَظَّم قد أرْسَل إِلَيْهِ ليُولّيه القضاء، فأبى، فطلبه ليلًا، فأتاه، فتلقّاه، وأجْلَسه إِلى جانبه، فجلس مستوفزًا، فأحضر الطّعامُ فلم يأكل منه شيئًا، فأمرَه وألَحَّ عَلَيْهِ أن يتولّى القضاء، فَقَالَ: حتّى أستخير اللَّه تَعَالَى، فأخبرني من كَانَ معه قَالَ: رَجَعَ إِلى بيته، ووقف يُصَلّي، ويتضرّع، ويبكي إِلى الفجْر، ثُمَّ صَلَّى الصُّبْح، ودخل بيته الصّغير الّذي عند محراب الصّحابة - وكان أكثر النّهار يتعبّد ويُفتي ويُطالع فيه، ويجدّد الوضوء من طهارة المئذنة، وهذا البيت هُوَ الّذي كَانَ يخرج منه خلفاء بني أميَّة قبل أن يغيّر الوليد الجامع - قَالَ: فلمّا طلعت الشمس أتاهُ من جهة السّلطان جماعة، فأصرّ عَلَى الامتناع، وأشار بتولية ابن الحَرَسْتانيّ، [ص:615] فوُلّي، وكان قد خاف أن يُكرَه عَلَى القضاء، فجَهَّزَ أهلَهُ للسفر، وخرجت المحابر إِلى ناحية حلب، فردّها المَلِك العادل، وعزَّ عَلَيْهِ ما جرى.
قَالَ: وكان يتورَّع من المرور في رواق الحنابلة لئلا يأثموا بالوقيعة فيه، وذلك أنّ عوامَّهُم يُبغضون بني عساكر؛ لأنَّهم أعيان الشافعية الْأشعرية.
وعدل المَلِك المعظَّم عَنْ توليته المدرسة العادلية، لكونه أنكر عَلَيْهِ تضمين المُكوس والخُمور، ثُمَّ أنه لَمّا حجّ أخذ منه التَّقَوِيَّة، وأخِذت منه قبل ذَلِكَ الصّلاحية الّتي بالقُدس، وما بقي لَهُ إلّا الجاروخية.
وقال أَبُو المظفّر الجوزيّ: كَانَ زاهدًا، عابدًا، ورِعاً، منقطعًا إِلى العِلْم والعِبادة، حَسَن الْأخلاق، قليلَ الرغبة في الدُّنيا، تُوُفّي في عاشر رجب، ولم يتخلّف عَنْ جِنازته إلّا القليل.
قَالَ أَبُو شامة: أخبرني مَنْ حضر وفاته، قَالَ: صَلَّى الظّهر، ثُمَّ جعل يسأل عَن العصْر، فقيل لَهُ: لم يقرب وقتها، فتوضّأ، ثُمَّ تَشَهَّدَ وهو جالس، وقال: رضيت باللَّه ربًّا، وبالإسلام دينًا، ومحمد نبيًا، لَقّنني اللَّه حُجّتي، وأقالني عَثرتي، ورحِم غُربتي، ثُمَّ قَالَ: وعليكم السلام، فعلِمنا أَنَّهُ قد حضرت الملائكة، ثم انقلب على قفاه ميتاً، وغسّله الفخر ابن المالكيّ، والتّاج ابْن أخيه زَيْن الْأمناء، وكان مرضه بالإسهال، وصَلّى عَلَيْهِ بالجامع أخوه زَين الْأمناء، ومن الّذي قدر عَلَى الوصول إِلى سريره؟
وقال عمر ابن الحاجب: هُوَ أحد الْأئمَّة المبرزين، بل واحدهم فضلاً، وكبيرهم قَدرًا، شيخُ الشافعية في وقته، وكان إمامًا، زاهدًا، ثقةً، كثيرَ التَّهَجُّد، غزيرَ الدَّمعة، حسنَ الْأخلاق، كثيرَ التواضع، قليلَ التَّعصب، سلكَ طريق أهل اليقين، وكان أكثر أوقاته في بيته في الجامع، ويزجي أكثر أوقاته في نشْر العلم، وكان مطَّرح التّكلّف، وعُرض عَلَيْهِ مناصبُ وولاياتٌ دينية فتركها.
وُلِدَ في رَجَب سنة خمسين، وفي رجب تُوُفّي، وكان الجمع لَا يَنْحصر من [ص:616] الكَثرة، حَدَّث بمكة، ودمشق والقُدس، وصَنَّف في الفقه والحديث عِدَّة مصنفات، وسمعنا منه.
وقال الشِّهاب القُوصيّ في " مُعْجمه ": كَانَ شيخُنا فخُر الدّين كثيرَ البُكاء سريعَ الدُّموع، كثير الورع والخُشوع، وافرَ التّواضع، عظيمَ الخُضوع، كثيرَ التّهجّد، قليلَ الهُجوع، مُبَرّزًا في علمي الْأصول والفروع. جُمعت لَهُ العلوم والزَّهادة. وعليه تفقّهتُ، وأحرزتُ الإفادَة، لازم القُطْبَ النَّيْسَابُورِيُّ حتّى بَرَع، قرأتُ عَلَيْهِ من حفظي كتاب " الخُلاصة " للغزاليّ. وسمعتُ منه " الْأربعين البَلديَّة " لعَمِّه، ودُفن جوار تربة شيخه القُطب.
وروى عَنْهُ: الزّكيّ البِرزالي، والضّياء المقدسيُّ، والتّاج عَبْد الوَهَّاب ابن زَيْن الْأمناء، والزين خالد، والكمال العَديمي، وسمعنا بإجازته عَلَى عمر ابن القَوَّاس، وتفقّه عَلَيْهِ جماعة منهم الشيخ عزّ الدين ابن عَبْد السَّلام.(13/613)
680 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُقبِل، عفيفُ الدّين المِصْريُّ الشَّرابِيُّ. [المتوفى: 620 هـ]
حَدَّث عَنْ أَبِي طاهر السِّلَفِيّ. روى عَنْهُ الزّكيُّ المنذريُّ، وغيرُه. ومات في ذي الحجَّة.(13/616)
681 - عَبْد الرَّحْمَن اليَمَني الزَّاهد، [المتوفى: 620 هـ]
نزيلُ دمشق.
ذكره أَبُو شامة فَقَالَ: المقيم بالمنارة الشرقية بالجامع، وكان قوَالًا بالحقّ، عابِدًا، ولمّا خرج الفرنجِ حضر هُوَ والشيخ فخر الدين ابن عساكر، والشيخ جمال الدين ابن الحَصيريّ، إِلى المَلِك العادل وأنكروا عَلَيْهِ عدَم حِفظ الثُّغور، وكان هُوَ أشدَّهم كلامًا لَهُ، تُوُفّي في المحرّم.(13/616)
682 - عَبْد السَّلام بْن المبارك بْن أَبِي الغنائم عَبْد الجبار بْن مُحَمَّد بن عبد السلام، أبو سعد ابن البَرْدَغولي، البَغْداديُّ العَتّابي. [المتوفى: 620 هـ]
شيخٌ صالحٌ متيقّظ، عالي الرواية، ولد سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، وحدَّث هُوَ، وأَبُوهُ، وعَمُّه الحَسَن، وهم من محلَّة العَتّابيين ببغداد.
سَمِعَ من: واثق بْن تمام الهاشمي، وأحمد ابن الطَّلاية، وعبد الخالق اليُوسُفِيّ، وابن البطِّي. [ص:617]
روى عَنْهُ: الدُّبَيْثِيّ، والبِرزالي، وابنُ النّجّار. وآخر من حدَّث عَنْهُ الجمال مُحَمَّد بْن أَبِي الفَرَج ابن الدبّاب، سمع منه " جزء ابن الطَّلاية ".
وتُوُفّي في المحرّم.(13/616)
683 - عَبْد الواحد بْن المبارك بْن أَبِي بَكْر بْن المُستَعمل الحَرِيميّ، أَبُو منصور. [المتوفى: 620 هـ]
وُلِد سنة خمس، أو ستٍّ وأربعين وخمسمائة، وسمع من أبي الوقت، وأبي علي ابن الخرّاز، وأبي المعالي ابن اللّحّاس. روى عنه: الدُّبَيْثِيّ، والبِرزالي، وغيرُهما، وتُوُفّي في جُمادي الآخرة.(13/617)
684 - عُثْمَان بْن مُحَمَّد بْن أَبِي عليّ، القاضي الإمام عماد الدّين أَبُو عَمْرو الكُردي الحُميدي الشّافعيُّ. [المتوفى: 620 هـ]
تفقّه بالمَوْصل عَلَى غير واحدٍ ثُمَّ رَحل إِلى الإمام أَبِي سَعد بْن أَبِي عَصرون، واشتغلَ عَلَيْهِ مُدَّةً. وقدِم مصر، فَوَلِيَ قضاء دِمياط، ثُمَّ قدِم ونابَ بالقاهرة عَنْ قاضي القضاة أَبِي القَاسِم عَبْد المَلِك المارانيّ، ودَرَّسَ بالمدرسة السَّيفيَّة، وبالجامع الأقْمَر، ثُمَّ حَجّ، وجاورَ إِلى أن مات في ربيع الْأوّل.
وكان فاضلَا، وقورًا، حَسَنَ السمْت.(13/617)
685 - عليّ بْن إِبْرَاهيم بْن تُرَيْك بْن عَبْد المحسن بْن تُرَيْك، أَبُو القَاسِم الأزَجِيُّ البيِّع. [المتوفى: 620 هـ]
ولد سنة خمسين وخمسمائة، وسَمِعَ من عَمّه أَبِي الفضل عَبْد المُحسن، ومات في ذي القَعدة.(13/617)
686 - علي بن أبي السعادات المبارك بْن عليّ بْن فارس، أَبُو الحسن ابن الوارث البغدادي. [المتوفى: 620 هـ]
ولد سنة تسع وأربعين، وسَمِعَ من: يحيى بْن ثابت بْن بُنْدار، وسليمان بن فيروز العَيْشوني، وأبي محمد ابن الخشّاب، وعبد الله بن منصور ابن المَوصلي، وأحمد بن المبارك المُرقّعاتي، وأبي محمد ابن الخَشّاب، وخلقٍ كثير. [ص:618]
وكتبَ الكثير من الكُتب والْأجزاء، ولازمَ السِّماع مُدَّةً طويلة، وكان محدِّثًا صدوقًا.
تُوُفّي في رمضان.(13/617)
687 - القَاسِم بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن دحمان، أَبُو مُحَمَّد الأنصاري المالقي. [المتوفى: 620 هـ]
أخذ عن: عَمِّه القَاسِم بْن عَبْد الرَّحْمَن، وأبي مروان بن قَزْمان، وبقي إِلى حُدود هذه السنة.(13/618)
688 - قريش بْن سُبيع بْن مُهنا بْن سُبيع، الشريف أَبُو مُحَمَّد العلَوي الحُسَينِيُّ المَدَنِيُّ، [المتوفى: 620 هـ]
نزيلُ بغداد.
وُلِد بالمدينة في رأس الأربعين وخمسمائة، وقَدِمَ بغداد، وطَلَب، وسَمِعَ الكثير، وحَصَّل، وعُني بالحديث، وسمع من: أبي الفتح ابن البطي، وأبي زُرعة، وأبي بكر ابن النَّقور، والمبارك بْن خُضير، وطبقتهم.
روى عَنْهُ: الدُّبَيْثِيّ، وابن النّجّار، وأهلُ بغدادَ، وغيرهم.
تُوُفّي في ذي الحجة.(13/618)
689 - كامِليَّة بنت مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عُمَر العَلَوي. [المتوفى: 620 هـ]
سمَّعَها عَمُّها المحدِّث عليّ بْن أَحْمَد الزيدي من أبي الفتح ابن البطي، وماتت فِي المحرَّم.(13/618)
690 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الفوارس، أَبُو عَبْد اللَّه البَغْداديُّ المالكيُّ، ويعرف بابن العُريِّسة. [المتوفى: 620 هـ]
ولد سنة أربعين وخمسمائة، وسمع من: أبي الوقت، وأبي الفتح ابن البَطِّي، وأجازَ لَهُ ابنُ ناصر. روى عَنْهُ: الدُّبَيْثِيّ، وابنُ النّجّار، وغيرهما.
وحَدَّث بـ " البخاري " و " الدارمي " عَنْ أَبِي الوَقْت.
وكان شيخًا مَطبوعاً، متودِّدًا، حسنَ الْأخْلاق، من جُملة حُجّاب الخلافة، [ص:619] وجدّه مُحَمَّد بْن أَبِي الفوارس هُوَ الملقّب بالعُريِّسة.
تُوُفّي في سادس شَعْبان.
ونسبته بالمالكيّ؛ لأنه كان يذكر أَنَّهُ من ولَد مالك بْن أنس.
ويقال لَهُ: الحمَامي - بالتّخفيف -؛ كَانَ يلعب بها.(13/618)
691 - مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَبْد البر، أَبُو عَبْد اللَّه الخَولاني الْأندلسيُّ. [المتوفى: 620 هـ]
سَمِعَ من: أَبِي القاسم بْن بُشْكُوال، وأبي بَكْر بْن خَيْر، وأبي القَاسِم بْن غالب؛ وأخذَ عنه القراءات والعربية، ولازم ابن بُشْكُوال أعوامًا، وحدَّث.
قَالَ الْأبّار: كَانَ فاضلًا، سُنّياً، معدَّلاً، تُوفّي سنة عشرين، وقيل: في المحرّم سنة إحدى.(13/619)
692 - مُحَمَّد بْن إسْمَاعيل الإخْميمي الفقيه. [المتوفى: 620 هـ]
ولد سنة خمسين وخمسمائة، وحدَّث عَن السِّلَفِيّ. روى عَنْهُ الشِّهاب القُوصيّ في " مُعْجَمه ".(13/619)
693 - مُحَمَّد بْن الحَسَن بْن أَحْمَد بْن يوسف، أَبُو عَبْد اللَّه المَغْرِبيّ السَّبتي التُّجيبي. [المتوفى: 620 هـ]
سَمِعَ من: أَبِي القَاسِم بْن حُبيش، وَأَبِي عَبْد اللَّه بْن حَمِيد، وأكثر عَنْ أَبِي مُحَمَّد بْن عُبيد اللَّه الحَجَري، وكان بارعًا في الشُّروط، سكن إشبيلية، وحَدَّث بها.(13/619)
694 - محمد بن سليمان بْن قترمش، أَبُو منصور السَّمَرْقَنْديُّ ثُمَّ البغداديُّ حاجبُ الحُجّاب. [المتوفى: 620 هـ]
كَانَ من أولاد الْأمراء، ولي الحجابة الكُبرى سنة خمس عشرة، وكان أديبًا، فاضلاً، أخبارياً علامة، لغوياً، متفنّناً، مليح الكتابة، إلا أنه كان قليل الدّين لَا يعتقد شيئًا، قاله ابن النّجّار، وقال: حُكي لي عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُفطِر في رمضان، ولا يصلّي، ويرتكب المحرَّمات، ويذهب مذهب الفلاسفة، كتبت [ص:620] عَنْهُ منْ شِعره، وعاش سبْعًا وسبعين سنة.(13/619)
695 - مُحَمَّد بْن عبد الجليل، الإمام تاج الدّين الخُواري الحنفيّ. [المتوفى: 620 هـ]
لَهُ شِعر متوسّط. روى عَنْهُ القُوصِيُّ، وقال: كَانَ مُنَاظِرًا، متفنّنًا، تُوُفّي بدمشق.(13/620)
696 - مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن غيّاث، أَبُو عَمْرو الجُذامي الشَّريشي الْأديبُ الشَّاعر. [المتوفى: 620 هـ]
روى عَنْ: ابن الْجَدّ، وابن بشْكُوال، وعاش أربعًا وثمانين سنة.(13/620)
697 - مُحَمَّد بْن عُروة، شرف الدّين المَوْصلي، [المتوفى: 620 هـ]
المنسوب إِلَيْهِ مشهد ابن عُروة من جامع دمشق.
وإنَّما نُسب إِلَيْهِ لأنه كَانَ مخزنًا فيه آلات تتعلّق بالجامع، فَعَزَّلَهُ، وبَيَّضَهُ، وعَمِلَ لَهُ المحراب والخِزانتين ووقفَ فيهما كُتُبًا، وجعله دار حديث.
قَالَ أَبُو المظفّر الجوزيّ: كَانَ ابن عُروة مُقيمًا بالقُدس، وكان يداخل المعظَّم وأصحابه ويعاملهم، ويؤذي الفُقراء خصوصًا الشيخ عَبْد الله الأرْمني؛ فإنه انتقل عَن القدس بسببه، فلمّا خرّب المعظّم القدس انتقل إِلى دمشق.(13/620)
698 - مُحَمَّد بْن عليّ بْن إِبْرَاهِيم بْن خَلَف، أَبُو عَبْد اللَّه الأسَدي السَّبْتِيّ، [المتوفى: 620 هـ]
شيخُ القُرّاء بغَرناطة.
ظاهر الجلالة، بارز العدالة، وله الإسناد العالي، وُلِد قبل الثّلاثين وخمسمائة، وتلا بالسبْع على القاسم بن محمد ابن الزَّقاق، صاحب منصور بْن الخيِّر، وتصدَّر للإقراء.
تلا عليه بالروايات أبو بكر ابن مَسدي، وأثَنى عَلَيْهِ، وقال: مات سنة عشرين.(13/620)
699 - مُحَمَّد بْن عيسى بْن مُحَمَّد بْن أصبَغ، الإمام أَبُو عَبْد اللَّه ابن المناصف، الْأزْدِيُّ القُرطُبيُّ، [المتوفى: 620 هـ]
نزيلُ إفريقية. [ص:621]
تفقّه عَلَى قاضي تونس أَبِي الحَجّاج المَخْزوميّ؛ وسَمِعَ بها من أَبِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي دَرقة.
قَالَ الْأبّار: كَانَ عالمًا، متقنًا، مُدَقّقًا، نظّارًا، واقفًا عَلَى الاتّفاق والاختلاف، معلِّلاً مُرْجِّحاً، مَعَ الحَظِّ الوافر من اللُّغة والآداب والشِّعر، سَمِعْتُ منه كثيرًا، ولم يكن لَهُ عِلم بالحديث، وألّف كتابًا في الجهاد، وكتابًا في الْأحكام، واستدرك عَلَى القاضي عَبْد الوهّاب في " التّلقين " بَابُ السَّلَم لإغفاله ذَلِكَ. وولي قضاء بَلَنسية، ثُمَّ قضاء مُرسية، وكان ذا سيرةٍ عادلة، وشارة جميلة، صُلباً، في الحقّ، وكانت فيه حدّةٌ مفرطة فصُرف لذلك، ثُمَّ لِحق بمَرَّاكُش، وتُوُفّي في ربيع الآخر أو جُمادى الْأولى، وله سبْعٌ وخمسون سنة، رحمه اللَّه تَعَالَى.(13/620)
700 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الله بن أَحْمَد الغَزَّال، أَبُو جَعْفَر بْن أَبِي بَكْر، الْأصبَهانيُّ المقرئ، [المتوفى: 620 هـ]
أخو الحافظ أَبِي رشيد.
وكان أَبُو جَعْفَر أكبر بسَنتين، وُلد في المُحرّم سنة سبع وستين وخمسمائة بأصبهان، وسَمِعَ الكثير بإفادة والده ومؤدّبه، وقرأ القراءات، وصَحِبَ العُلماء والْأولياء، وانقبضَ عَن النّاس، ولزم منزله لا يخرج إلا لصلاة، وله مُلك يسير يكفيه، ولا يأخذ من أحد شيئًا، قدِم بغداد سنة ثمانٍ وتسعين، فحدَّث بها.
قَالَ ابنُ النّجّار: سَمِعنا منه: وكان صدوقًا، أحد عباد اللَّه الصّالحين، حَمِيد الْأخلاق، كامل الْأوصاف، سَخِيًّا، نَزهًا. روى لنا عَنْ إسْمَاعيل بْن غانم بْن خالد، وسمعتُ منه أيضًا بأصبهان، تُوُفّي في رمضان سنة عشرين.(13/621)
701 - محمد بن مكي بن أبي بَكْر بْن كخينا، أَبُو منصور الواسطيُّ البَزَّاز. [المتوفى: 620 هـ][ص:622]
سَكَن دمشق، وسَمِعَ بها الكثير من الخُشوعي، والقاسم ابن عَسَاكر، وطبقتهما، وكتبَ، وحَصَّل الْأصول، وعُني بالرواية، ورحل إلى بغداد سنة سبع عشرة وستمائة، وحدَّث بها، وكان مولده سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة بسواد واسِط تقريبًا.
قَالَ ابن النّجّار: رأيته بدمشق، ولم أكتب عَنْهُ شيئًا، وكان صدوقًا، وتوفي بحلب سنة عشرين.
قلت: هو الذي انفرد بنقل سماع كريمة لجزء " الرافقيّ "، ولم يكن متقنًا، رحمه اللَّه.(13/621)
702 - مُحَمَّد بْن أَبِي الحَسَن بْن أَبِي نصر، الشيخ أَبُو الفضل المُقرئ البَغْداديُّ الضَّرير، المعروف بالخَطيب. [المتوفى: 620 هـ]
قرأ بالروايات عَلَى أبي الحَسَن عليّ بْن عساكر، وسعْد الله بن نصر ابن الدَّجاجي، صاحب الزَّاهد أَبِي منصور الخَيّاط، وسَمِعَ منهما ومن: ابن البَطِّي، وأبي زُرعة، وجماعة.
وحدَّث، وأقرأ النَّاسَ، وكان عالي الإسناد فِي القراءات. رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِيّ، وغيرُه، وتُوُفّي في سابع عشر المحرّم.
ولم يكن خطيبًا، وإنّما لُقّب بِهِ.(13/622)
703 - مُحَمَّد بْن أَبِي المظفَّر بْن شُتّانة - بمثناة لَا بموحَّدة -، يُكنى أبا البركات. [المتوفى: 620 هـ]
سَمِعَ: أبا الحُسين عبدَ الحقّ، وابنَ شاتيل، كتب عَنْهُ بعضُ الطّلبة.
تُوُفّي في شعبان.(13/622)
704 - مُحَمَّد بْن أَبِي المعالي بْن مُحَمَّد بْن غَريب، أَبُو جَعْفَر البَغْداديّ، [المتوفى: 620 هـ]
أحد القُرّاء بتُرَب الخلفاء.
روى عن أبي جعفر ابن البَطِّيّ.
روى عَنْهُ ابن النّجّار، وقال: صدوقٌ، تُوُفّي في ربيع الْأوّل.(13/622)
705 - محمود بْن كيْ رَسلان، أَبُو الثناء المَوصلي التُّركيُّ الجُندي. [المتوفى: 620 هـ][ص:623]
من أجناد صاحب المَوْصل نور الدّين رَسلان شاه، وابنه مسعود.
مات في صَفَر عَنْ أربعٍ وسبعين سنة.
وكان رافضيًّا غاليًا، لَهُ ديوان شعر.
روى عنه المبارك ابن الشَّعّار، فمن شِعره:
ألَا مَا لِقَلبي لَا يُبك عليله ... وما لفؤادي لا يُبلّ غليله
بروحيَ من أصبحت عَبْد جمالِه ... فهذا الجميلُ الوَجْهِ أين جَمِيلُه؟
يُحَمّلني عبئًا عَلَى القُرب والنَّوى ... يَهُدُّ قُوى العُشّاق منه ثقيلُه(13/622)
706 - مُسَافر بْن يَعمر بْن مُسافر، أَبُو الغنائم المِصْرِيُّ الجِيزي الحنبليُّ المؤدِّب الصُّوفيّ الرَّجلُ الصالح. [المتوفى: 620 هـ]
سَمِعَ من عَشير بْن عليّ، وغيره، وصَحِبَ الصّالحين، ولَبِسَ الخِرقة من عيسى ابْن الشيخ عَبْد القادر، وكان خَيِّرًا مُتعَبّدًا، عَمّالاً مُبَالِغًا في الإيثار مَعَ الإقتار.
سَمِعَ منه الزّكيّ المنذريُّ، وقال: تُوُفّي في ربيع الْأوّل.(13/623)
707 - المظفّر بْن أسعد بن حمزة ابن القَلانِسي، التَّمِيميُّ الدِّمشقِيُّ، الرئيس عزّ الدّين. [المتوفى: 620 هـ]
كَانَ كَيّسًا، مُتَواضعًا، مُحتشماً، لزِم التّاج الكِندي مدَّةً وتأدّب به، وسمع من أبي القاسم ابن عساكر، وتُوُفّي في رمضان.(13/623)
708 - منصور بْن سيّد الْأهل بْن ناصر، أَبُو عليّ المِصْرِيُّ الكُتُبي الواعظ، المعروف بالقَزويني؛ [المتوفى: 620 هـ]
لأنّه كَانَ يَسلُك في الوعظ طريقة الواعظ المشهور أَبِي القَاسِم محمود بْن مُحَمَّد القَزويني.
سَمِعَ من السِّلفي. روى عنه الزكي عبد العظيم، وغيره. ومات في ربيع الآخر.(13/623)
709 - يَحْيَى بْن سعيد بْن أَبِي نصر مُحَمَّد بْن أبي تمّام، القاضي أَبُو المجد التَّكريتي ثم المارِديني. [المتوفى: 620 هـ]
تفقه ببغداد، وسمع من: شُهدة، وخطيب المَوصل أبي الفضل، وحدث بدمشق، وبغداد، وولي قضاء مارِدين، ومات في ذي القعدة.(13/624)
710 - يحيى ابن الشيخ أبي الفتوح محمد بن علي بن المبارك ابن الجَلاجُلي، أبو علي البغدادي. [المتوفى: 620 هـ]
توفي ببغداد كهلا، وقد سَمِعَ من وفاء بْن البَهيّ، وابن شاتيل، وله شِعر جيّد.(13/624)
711 - يوسف بْن أَحْمَد بْن طحلوس، أَبُو الحَجّاج الْأندلسيّ، [المتوفى: 620 هـ]
من جزيرة شَقْر.
صحِب أبا الوليد بْن رُشد، وأخذ عَنْهُ من علومِه، وسَمِعَ من: أَبِي عَبْد اللَّه بْن حَميد، وأبي القَاسِم بْن وضّاح. وكان آخر الْأطبّاء بشرق الْأندَلسُ، مَعَ التَّصَوّن، ولين الجانب، والتّحقُّق بالفلسفة، ومعرفة النحْو، وغير ذَلِكَ.(13/624)
712 - يوسف بْن مُحَمَّد بْن يعقوب بْن يوسف بْن عَبْد المؤمن بْن عليّ، السّلطان المستنصر باللَّه الملقّب بأمير المؤمنين أَبِي يعقوب، القَيسي المَغْربيّ [المتوفى: 620 هـ]
صاحبُ المغرب.
لم يكن في بني عَبْد المؤمن أحسن منه صورة، ولا أبلغ خطابًا. ولكنّه كَانَ مشغوفًا باللَّذّات، ومات وهو شابٌ، في هذه السنة، ولم يخلف ولدًا، فاتّفق أهل دولته عَلَى تولية الْأمر لأبي مُحَمَّد عَبْد الواحد بْن يوسف بْن عَبْد المؤمن بْن عَلِيّ، فلم يُحسن التّدبير ولا المُداراة.
وُلِد يوسف في سنة أربع وتسعين وخمسمائة، وأمّه أمّ وُلَد، رُومِيَّة اسمها قَمَر، وكان صافي السُّمْرَة، شديدَ الكُحل، يُشبّهونه كثيرًا بجَدّه، وكانت دولته عشر سنين وشهرين، وَزَر لَهُ أبو يحيى الهَزْرَجي، وحَجَبه مُبشِّر الخَصيّ، ثُمَّ فارج الخصِي، وقضى لَهُ قاضي أبيه أَبُو عِمران موسى بْن عيسى، وكتب لَهُ الإنشاء أَبُو عَبْد اللَّه بْن عيّاش، كاتب أَبِيهِ وجدّه، ثُمَّ أَبُو الحَسَن بْن عيّاش، ثم [ص:625] تُوفِّيا سنة بضع عشرة، فأحضَر من مُرسية قاضيها أبا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن يَخْلَفتَن الفازازي، فولّاه الكتابة.
وكان الّذين قاموا ببيعته عمُّ جدّه أَبُو موسى عيسى بْن عَبْد المؤمن، وكان عيسى آخر أولاد عَبْد المؤمن وفاةً تأخر إلى حدود العشرين وستمائة، ويحيى بْن عُمَر بْن عَبْد المؤمن، وكانا قائمين عَلَى رأسه يوم البَيعة، يأذَنان للنّاس.
قَالَ عَبْد الواحد بْن عليّ التَّمِيمِيُّ: حضرتُ يوم البيعة فبايعه القرابة، ثُمَّ أشياخ الموحّدين، وأَبُو عَبْد اللَّه بْن عيّاش قائم يَقُولُ للنّاس: تُبايعون أمير المؤمنين ابن أمراء المؤمنين على ما بايع عليه أصحابُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من السمع والطاعة في المَنْشَط والمَكْره واليُسر والعُسر، والنُّصح لَهُ ولعامَّة المسلمين، ولكم عَلَيْهِ أن لَا يُجمّر بعوثَكُم، وأن لَا يدّخر عنكم شيئًا ممّا تعمّكم مصلحته، وأن يُعجّل لكم العطاء، أعانكم اللَّه عَلَى الوفاء، وأعانه عَلَى ما قلّده من أموركم.
ولأربعة أشهر من ولايته قُبض عَلَى رجلٍ خارجيّ يدَّعي أنّه من بني عُبيد، وأنّه وَلَد العاضد لصُلبه اسمه عَبْد الرَّحْمَن، قدِمَ البلاد في دولة أَبِي يوسف، وطلب الاجتماع بِهِ، فلم يأذَن لَهُ، فأقام بالبلاد مُطَّرحاً إِلى أن حَبَسَهُ أَبُو عَبْد اللَّه في سنة ستٍّ وتسعين، فحبسه خمس سنين، ثُمَّ أطلقه بعد أن ضمنه يَحْيَى بْن أَبِي إِبْرَاهيم الهَزْرَجي، فنزح من مرّاكش إلى صُنهاجة، فاجتمع عليه طائفة وعظّموه، لأنّه كَانَ كثير الصَّمت والإطراق، حسنَ السَّمْت، عَلَيْهِ سِيماء الصّالحين، رأيته مرّتين، ثُمَّ قصد سِجِلْماسة في جمْعٍ كبير، فخرجَ إِلَيْهِ متولّيها سُلَيْمَان بْن عُمَر بْن عَبْد المؤمن، فهزمه العُبيدي، فردّ سُلَيْمَان إِلى سِجِلْماسة بأسوأ عَوْد، ولم يزل العُبيدي ينتقل في قبائل البربر، ولا يتمّ لَهُ أمر لغُربة بلده ولسانه ولكونه عديم العشيرة، فقبضَ عَلَيْهِ متولّي فاس إِبْرَاهيم بْن يوسف بْن عَبْد المؤمن، ثُمَّ صلَبهُ، ووجّه برأسه إِلى مرَّاكُش، فهو معلَّق هناك مَعَ عدَّة أرؤس من الثوّار، وكان أَبُو يعقوب هذا شهْمًا، فَطِناً، لقِيتهُ وجلست بين يديه، [ص:626] فرأيت من حِدّة نفسه وسؤاله عَنْ جُزئيات لَا يعرفها أكثر السُّوقة، ما قضيت منه العجب.
تُوُفّي في شوَّال أو ذي القَعْدة، فاضطرب الأمر، واشرأبّ الناس للخلاف بعده.(13/624)
713 - أَبُو الحَسَن الرّوزبهاريّ، [المتوفى: 620 هـ]
المدفون بالبُرج الّذي عَنْ يمين بَابُ الفراديس، بالخانكاه الرُّوزبهارية.
تُوُفّي في هذه السنة، رحمه اللَّه.(13/626)
-وفيها وُلِد:
قاضي نابُلُس الجمال محمد بن مُحَمَّد بْن سالم بْن صاعد، والمُحيي عَبْد اللَّه بْن عَبْد الظّاهر بْن نَشوان الموَقّع، والمكين عَبْد الحميد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد ابن الزَّجّاج البَغداديّ، والنّجيب عُمَر بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر ابْن خطيب بيت الْأبّار، والبَدْر عبد اللطيف بن محمد ابن المغَيْزِل الخطيب، وجِبريل بْن إسْمَاعيل الصَّيْدلانيّ الشَّارعيُّ بخُلفٍ فيه، والصّاحب التقيّ تَوْبة بْن عليّ بْن مُهاجر التَّكريتيّ يوم عَرفة بعَرفة، وسونج بْن مُحَمَّد بْن سونج التّركمانيّ، والفقيه عَبْد الوليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن، خطيب يُونين، وعلاء الدين محمد بن عبد القادر ابن الصّائغ، والبُرهان إِبْرَاهيم بْن عَبْد العزيز، خطيب أرْزونا، والكمال أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن رافع الدَّمراويّ، والمفتي عَلَم الدّين أَحْمَد بْن إِبْرَاهيم القمنيّ، وأحمد بْن عَبْد اللَّه بْن عزيز اليونيني، والشهاب أحمد ابن النّصير الدَّقوقيّ في رمضان.(13/626)
-المتوفون على التقريب(13/627)
714 - الجمال عُثْمَان بْن هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن أبي الحوافز، القَيْسيُّ الدِّمشقيُّ، رئيسُ الْأطباء. [الوفاة: 611 - 620 هـ]
ذكره ابن أَبِي أصَيبعة، فَقَالَ: أفضل الْأطبّاء، وسيِّد العُلماء، وأوْحد العصر، أتقن الصناعة، وتميّز في أقسامها العلمية والعملية، وله عناية بعلم الْأدب وشعر كثير، وكان رئيسًا، كريمًا، تامَّ المروءة، أخذ الطّبّ عن المهذَّب ابن النقّاش، والرضيّ الرَّحَبيّ، وخدمَ المَلِك العزيز عُثْمَان ابن صلاح الدّين، وأقامَ معه بمصر، فولّاه رئاسة الطّبّ، ثُمَّ خدم بعده المَلِك الكامل سنين إِلى أن تُوُفّي بالقاهرة، واشتغل عَلَيْهِ جماعة، وتميّزوا، أجلّهم عمي رشيد الدين عليّ.(13/627)
715 - مُحَمَّد بْن عَلوان بْن مهاجر، الفقيه الإمام العالم أَبُو المظفر. [الوفاة: 611 - 620 هـ]
سَمِعَ من: الحُسَين بْن المؤمَّل صاحب ابن وَدْعان، ومن مُحَمَّد بْن عليّ بْن ياسر الجياني، وبرع في مذهب الشافعي، وكان من فضلاء المَواصلة، ومتميزيهم.
رَوَى عَنْهُ: الزَّكيّ البِرزالي، والتّقيّ اليَلْدَانِيّ، وبالإجازة الشهاب القوصي.
وهو ابن عم الصاحب كمال الدين مُحَمَّد بْن عليّ، نزيل دمشق.(13/627)
716 - مُحَمَّد بْن الفضل، أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الزَّنجاني الشاعر. [الوفاة: 611 - 620 هـ]
قَالَ ابن النجّار: أنشدني أَبُو البقاء، خالد بن يوسف النابُلُسي بدمشق، قال أنشدنا أَبُو عَبْد الرَّحْمَن مُحَمَّد بْن الفضل ابن الزَّنجاني البغدادي، لنفسه، بالنظاميَّة: [ص:628]
قَسَمًا بأيّام الصّفا وَوِصالِكم ... والجمع في جَمْع وذاكَ المُلْتَزَم
ما اخترتُ بعدَكمُ بديلًا لَا ولا ... نادمتُ بعدَ فِراقكم إِلَّا النَّدَمْ(13/627)
717 - مسعود بْن الحُسَيْن بْن أَبِي زَيْد، أَبُو الفتح المَوْصلي الشاعر المعروف بالنَّقاش. [الوفاة: 611 - 620 هـ]
وهو غير النقّاش الحَلَبي سَمِيّه، فإن الحَلَبيّ مرَّ في سنة ثلاث عشرة.
ذكرهما ابن الشعّار، ولم يؤرِّخ موت هذا، وقال فيه: كان مكثرا من الشعر في المديح، والهجاء، والغزَل، مدح اصحاب الموصل وأمراءها، وقيل: أنه ادرك أيام الأتابك زنكي، والد نور الدين، وعاش إلى أيام القاهر مسعود بن أرسلان، وهو القائل في قصيدة:
يا مَنْ أود النوم أرْقُبُ طَيفَه ... أنا ضَيفُه أفما لضيفكم قِرى؟
أنا كنتُ أول عاشقٍ لكنني ... غَفَل الزمانُ بمولدي فتأخَّرا(13/628)
-الطبقة الثالثة والستون 621 - 630 هـ(13/629)
بسم الله الرحمن الرحيم
-ومن الحوادث(13/631)
-سنة إحدى وعشرين وستمائة
فيها استردّ الأشرفُ خِلاطَ من أخيه شهاب الدّين غازي، وأبقى عليه ميّافارقين.
وفيها ظهر السّلطان جلال الدّين ابن خُوارزم شاه - بعدما انفصل عن بلاد الهند وكِرمان - على أَذْرَبَيْجَان، وحكم عليها، وراسله الملكُ المعظُّمُ لِيُعينه على قتال أخيه الأشرف، وكتب المعظُّمُ إلى صاحب إرْبِلَ في هذا المعنى، وبعث ولده النّاصر داود إليه رهينةً.
وفيها استولى بدرُ الدِّين لؤلؤٌ على المَوْصِل، وأظهر أنّ محمود ابن المَلِك القاهر قد توفّي، وكان قد أمر بخنقه.
وفيها بنيت دار الحديث الكامليّة بين القصرين، وجعل أبو الخطّاب بن دحية شيخها.
وفيها قَدِمَ الملكُ المسعود أقسيس على أبيه الملك الكامل، من اليمن، طامعًا في أخْذ الشّام من عمّه المعظُّم، وقدَّم لأبيه أشياءَ عظيمة منها: ثلاثة فيلة، ومائتا خادم.
قال ابن الأثير: وفيها عادت التّتارُ من بلاد القَفْجَاق، ووصلت إلى الرَّيّ، وكان من سلم من أهلها قد عمَّروها، فلم يشعروا إلّا بالتّتر بغتةً، فوضعوا فيهم السّيفَ، وسَبَوْا، ونهبُوا، وساروا إلى سَاوَةَ، ففعلوا بها كذلك، ثمّ ساروا إلى قُمَّ وقاشان، وكانت عامرةً، فأخذوها، ثمّ وصلوا إلى هَمَذَانَ فقتلوا أهلَها، ثمّ ساروا إلى تبريز، فوقع بينهم وبين الخوارزميّة مصافٌّ. [ص:632]
وفيها سار غياثُ الدِّين محمد ابن السُّلطان علاء الدِّين محمد خُوارزم شاه إلى بلاد فارس، فلم يشعر صاحبُها أتابِك سعدٌ إلّا بوصوله، فلم يتمكّن من الامتناع، واحتمى بقلعة إصْطَخْرَ، فملك غياثُ الدِّين شيراز بلا تعب، وأقام بها، واستولى على أكثر بلاد فارس، وبقي لسعدٍ بعضُ الحصون، وتصالحا على ذلك.
وفيها أو قبلَها بيسير جرت واقعةٌ قبيحة، وهي أنّ الكُرْج - لَعَنَهم الله تعالى - لم يبق فيهم من بيت المُلك أحدٌ سوى امرأةٍ، فملَّكوها عليهم.
قال ابن الأثير: طلبوا لها رجلًا يتزوَّجُها، وينوبُ عنها في المُلْك، ويكون من بيت مملكة، وكان صاحب أرزن الرّوم مغيث الدّين طغريل شاه بْن قَلِيج أرسلان بْن مَسْعُود بْن قِليج أرسلان، وهو من الملوك السّلجوقية، وله ولد كبير، فأرسل إلى الكُرْج يَخْطُبُ الملكةَ لولده، فامتنعوا، وقالوا: لا يملكنا مسلمٌ، فقال لهم: إنَّ ابني يتنصَّرَ ويتزوّجها، فأجابوه، فتنصَّر، وتزوَّج بها، وأقام عندها حاكمًا في بلادهم، نعوذُ بالله من الخذلان، وكانت تهوى مملوكًا لها، وكان هذا الزّوجُ يسمع عنها القبائحَ، ولا يُمكنه الكلام لعجزه، فدخل يومًا، فرآها مع المملوكِ، فأنكر ذلك، فَقالَتْ: إنْ رضيتَ بهذا، وإلّا أنتَ أخبرُ، ثمّ نقلته إلى بلد، ووكَّلَتْ به، وحَجَرتْ عليه، وأحضرت رجلين وُصِفَا لها بِحُسْنِ الصورة فتزوّجت أحدهما، وبقي معها يسيرًا، ثمّ فارقتْه، وأحضرت آخر من كَنْجَة وهو مُسْلم، فطلبت منه أن يتنصَّر ليتزوّجها، فلم يفعل، فأرادت أنْ تَتَزَوّجَهُ، فقام عليها الأمراءُ ومعهم إيواني مقدَّمهم، فقالوا لها: فضَحْتِنا بينَ الملوك بما تفعلين، قال: والأمرُ بينهم متردّد، والرجل الكُنْجِيّ عندهم، وهي تهواه.(13/631)
-سنة اثنتين وعشرين وستمائة
في ربيع الأوّل وصل السُّلطان جلال الدِّين إلى دَقُوقا، فافتتحها بالسِّيفِ، وسَبَى، ونَهبَ، وفعلَ مثلَ ما تفعلُ الكُفّارُ، وأحرقَ البلدَ، لكونهم شتموه، ولعنوه على الأسوار، ثمّ عَزَمَ على قصد بغداد، فانزعج الخليفة، ونصب المجانيقَ، وحصَّن بغداد، وفرّق العدد والأهراء، وأنفق ألفَ ألفِ دينار.
قال أبو المُظَّفْر: قال لي الملكُ المعظَّمُ: كتب إليَّ جلال الدِّين يقول: تَحْضُرُ أنت ومَنْ عاهدني واتّفق معي حَتّى نَقْصُد الخليفة، فإنَّه كَانَ السّببَ في هلاك أبي، وفي مجيء الكُفَّار إلى البلاد، وجدنا كتبه إلى الخطا وتواقيعه لهم بالبلاد، والخِلع، والخيل، قال المعظَّمُ: فكتبتُ إليه، أنا معك على كلّ حال، إلّا على الخليفة، فإنَّه إمامُ المسلمين، قال: فبينا هو على قَصْدِ بغداد - وكان قد جَهَّزَ جيشًا إلى الكُرج إلى تفليسَ - فكتبوا إليه: أدركنا، فما لنا بالكُرْج طاقة، فسار إليهم، وخرج إليه الكُرْجُ، فَعَمِلَ معهم مَصَافًّا، فَظَفِرَ بهم، فقتل منهم سبعين ألفًا، قاله أبو شامة، وأخذ تفليسَ بالسيف، وقتل بها ثلاثين ألفًا أيضاً، وذلك في سلخ ذي الحجّة.
وقال ابن الأثير: سار جلالُ الدِّين من دَقوقا فقصد مَرَاغَة فَمَلَكَها، وأقام بها، وأعجبته، وشرَعَ في عِمارتها، فأتاه الخبرُ أن إيغان طاثي، خال أخيه غياث الدِّين، قد جمع عسكرًا نحو خمسين ألفًا، ونَهَبَ بعض أَذْرَبَيْجَان، وسار إلى البحر من بلاد أَرّان فشتَّى هناك، فلمّا عاد نهب أَذْرَبَيْجَان مرَّة ثانية، وسار إلى هَمَذَانَ بمراسلة الخليفة، وإقطاعه إياها، فسمع جلال الدّين بذلك [ص:634] فسار جَرِيدةً، ودهمه، فبيَّته في الّليل، وهو نازل في غنائم كثيرة، ومواشي أخذها من أَذْرَبَيْجَان، فأحاط بالغنائم، وطلع الضّوءُ، فرأى جيشُ إيغان السُّلطان جلالَ الدِّين والجتر على رأسه، فسُقِطَ في أيديهم، وأُرعبوا.
فأرسل إيغان زوجته وهي أختُ جلال الدِّين تطلبُ لزوجها الأمان، فأمَّنه، وحضر إليه، وانضاف عسكرُه إلى جلال الدِّين، وبقي إيغان وحده، إلى أن أضاف إليه جلال الدِّين عسكرًا غيرَ عسكره، وعاد إلى مراغة، وكان أُوزْبك بن البهلوان صاحب أَذْرَبَيْجَان قد سارَ مِن تِبريز إلى كَنْجَة خوفًا من جلالُ الدِّين، فأرسل جلالُ الدِّين إلى الكبار بتبريز يطلب منهم أن يتردّد عسكرُه إليهم، ليمتاروا، فأجابُوه إلى ذلك، فتردّد العسكر، وباعوا، واشترَوْا، ثمّ مدُّوا أعينهم إلى أموال النّاس، فصاروا يأخذون الشّيء بأبخسِ ثمن، فأرسل جلالُ الدِّين لذلك شحنة إلى تبريز، وكان زوجة أوزبك ابنةُ السُّلطان طُغْرُل بن أَرْسَلَانَ شاه بن مُحَمَّد بن مِلِكْشاه، مقيمةً بالبلد، وكانت الحاكمةَ في بلاد زوجها، وهو منهمكٌ في الّلّذات والخمور، ثمّ شكى أهل تبريز من الشِّحنة فأنصفهم جلال الدِّين منه، ثمّ قَدِمَ تبريز، فلم يُمكّنوه من دخولها، فحاصرها خمسة أيّام، وقاتله أهلُها أشدّ قتال، ثمّ طلبوا الأمان، وكان جلال الدِّين يَذمُّهُم ويقول: هؤلاء قتلوا أصحابنا المسلمين، وبعثوا برؤوسهم إلى التّتار، فلهذا خافوا منه، وطلبوا الأمان، ذكر لهم فِعلهم هذا، فاعتذروا بأنّه إنّما فعل ذلك ملكُهم، فقبِل عُذْرهم، وآمنهم، وأخذ البلد، وآمن ابنةَ طُغْرل، وذلك في رجب، وبعث ابنة طُغْريل إلى خُوَيّ مخفرةً محترمةً، وبثّ العَدْل في تِبريز، ونزل يومَ الجمعة إلى الجامع، فلمّا دعا الخطيبُ للخليفة، قام قائمًا حَتّى فرغ مِن الدُّعَاء، ثمّ سيَّر جيشًا إلى بلاد الكُرْج - لعنهم الله - ثمّ سارَ هو وعمل [ص:635] معهم مصافًّا هائلًا، قال ابن الأثير: فالّذي تحقّقناه أنَّه قُتِلَ من الكُرْج عشرون ألفًا، وانهزم مقدّمُهم إيواني.
وجهّز جلال الدِّين عسكرًا لحصار القلعة التي لجأ إليها إيواني، وفرَّق باقي جيوشه في بلاد الكُرج، يقتلون، ويسبُون، مع أخيه غياث الدِّين، ثمّ تزوَّج جلال الدِّين بابنة السُّلطان طُغريل؛ لأنّه ثبتَ عنده أنّ أُزبك حلف بطلاقها على أمرٍ وفعله، وأقام بتبريزَ مُدَّة، وجهّزَ جيشًا إلى كَنْجة، فأخذوها، وتحصَّن أُزبك بقلعتها، ثمّ أرسل يخضع لجلال الدّين، ففتر عنه.
وفي سَلْخ رمضان تُوُفّي النّاصر لدين الله.
قال أبو المظفّر سِبْطُ الجوزيّ: وفيها حججتُ راكبًا في المَحْمَلِ السُّلطانيّ المعظَّميّ، فجاءنا الخبرُ بموت الخليفة بعَرَفَة، فلمّا دخلنا للطّواف، إذا الكعبةُ قد أُلْبِسَتْ كِسوةَ الخليفة، فوجدتُ اسم النّاصر في الطّراز في جانبين، واسم الخليفة الظّاهر في جانبين، وهو أبو نصر مُحَمَّد، بويع بالخلافة وكان جميلًا أبيض مُشْرَبًا حُمرة، حلو الشمائل، شديد القوى، بويع وهو ابن اثنتين وخمسين سنة، فقيل له: ألا تتفسح؟ قال: قد لَقِسَ الزَّرْع، فقيل: يُبارِكُ الله في عمرك، قال: من فتح دكانا بعد العصر أيشٍ يكسب؟ ثم إنه أحسن إلى الرّعية، وأبطلَ المكوسَ، وأزال المظالِمَ، وفَرَّق الأموال، وغسَّل النّاصر محيي الدِّين يوسُف ابن الجوزيّ، وصلى عليه ولده الظاهر بأمر الله بعد أن بُويع بالخِلافة.
قال ابن السّاعي: بايعه أولًا أهلُه وأقاربُه من أولاد الخلفاء، ثمّ مؤيّد الدِّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد القُمّيّ نائب الوزارة، وعَضُدُ الدَّولة أبو نصر ابن الضّحّاك [ص:636] أستاذُ الدّار، وقاضي القُضاة محيي الدِّين بن فَضْلان الشّافعيّ، والنّقيبُ الطّاهر قِوامُ الدِّين الحَسَنُ بن مَعَدّ المُوسويّ، ثمّ بُويع يوم عيد الفِطْر البيعةَ العامَّة، وجلس بثياب بيض، وعليه الطّرحةُ وعلى كتِفه بُردةُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في شُبَّاك القُبَّةِ الّتي بالتَّاج، فكان الوزير قائما بين يدي الشُّبّاك على مِنبر، وأستاذُ الدّار دونه بمرقاة، وهو الّذي يأخذ البيعةَ على النّاس، ولفظُ المبايعة: " أُبايع سيِّدَنا ومولانا الإمامَ المفترضَ الطّاعة على جميع الأنام، أبا نصر مُحَمَّدًا الظّاهر بأمر الله على كتاب الله، وسنة نبيه، واجتهاد أمير المؤمنين، وأنْ لا خليفة سواه ".
ولمّا أُسْبِلَتِ السِّتارة، توجّه الوزير وأرباب الدّولة، وجلسوا للعزاء، ووعظ محيي الدِّين ابن الجوزيّ، ثمّ دعا الخطيبُ أبو طالب الحسين أبن المهتدي بالله، وبعد أيّام عُزِلَ ابن فَضْلان عن قضاء القضاة، وولِّي أبو صالح نصر بن عبد الرّزّاق ابن الشيخ عبد القادر، وخُلِعَ عليه.
قال ابن الأَثير: فيها اشتدَّ الغلاءُ بالموصل والجزيرةِ جميعها، فأكل النّاسُ الميتة والسَّنانير والكلابَ، ففُقِدَ الكلابُ والسّنانير، ولقد دخلتُ يومًا إلى داري، فرأيت الجواري يُقطّعن اللّحْمَ، فرأيتُ حواليه اثني عشر سِنَّورًا، ورأيت اللّحم في هذا الغلاء في الدّار وليس عنده مَنْ يحفظه مِن السنانير لعدمها، وليس بينَ المدّتين كثير، ومع هذا فكانت الأمطار متتابعة إلى آخر الربيع وكلّما جاء المطرُ غَلَت الأسعار، وهذا ما لم يُسمع بمثله، إلى أن قال: واشتدّ الوباءُ، وكثُر المَوْتُ والمرضُ، فكان يُحمل على النّعش الواحد عدّةٌ من الموتى.(13/633)
-سنة ثلاث وعشرين وستمائة
فيها قدم محيي الدّين يوسف ابن الجوزيّ بالخِلَعِ والتّقاليد من الظّاهر بأمر الله إلى المُعَظَّمِ والكاملِ والأشرف.
قال أبو المُظَّفْر سِبْطُ الجوزيّ: قال لي المعظَّم: قال لي خالك: المصلحة رجوعك من هذا الخارجيّ - يعني: جلال الدِّين - إلى إخوتك، ونُصْلِحُ بينكم، وكان المعظّم قد بعث مملوكه إيدكين إلى السُّلطان جلال الدِّين، فرحَّلَه من تفليس وأنزله على خلاط، والأشرف حينئذٍ بحرَّان، قال: فقلتُ لخالك: إذا رجعتُ عن جلال الدِّين، وقصدني إخوتي تُنجدوني؟ قال: نعم، قلتُ: ما لكم عادةً تُنْجِدُون أحدًا هذه كتبُ الخليفة عندنا ونحن على دِمياط، ونحن نكتب إليه نستصرخ به ونقول: أنجِدونا، فيجيء الجوابُ بأنْ قد كتبنا إلى ملوك الجزيرة، ولم يفعلوا، وقد اتّفق إخوتي عليّ، وقد أنزلت الخُوارِزْميّ على خلاط، إنْ قصَدني الأشرف منعه الخُوارِزْميّ، وإنْ قصدني الكاملُ كَانَ فيَّ له.
وفيها قَدِمَ الأشرف دمشق، وأطاع المعظَّم، وسأله أن يسأل جلالَ الدِّين أن يرحل عن خِلَاطَ، وكان قد أقام عليها أربعين يومًا، فبعث المعظَّمُ، فرحل الخُوارزْميّ عن خِلَاط، وكان المعظّم يَلْبَسُ خِلعَة الخُوارزْميّ، ويركب فرسَه، وإذا حادث الأشرف، حلف برأس خُوارزم شاه جلال الدّين، فيتألّم الأشرف، وتوجّه خالي إلى الملك الكامل.
وقال ابن الأثير: في جمادى الآخرة جاء جلال الدِّين الخبرُ أن نائبه بكِرْمان قد عصى عليه، وطَمِعَ في تملُّك ناحيته؛ لاشتغال السُّلطان بحرب الكُرْج وبُعْدِه، فسار السُّلطان جلال الدِّين يطْوي الأرض إلى كرمان، وقدَّم بين يديه رسولًا إلى متولّي كِرمان بالخِلَع ليطمّنه، فلمّا جاءه الرسولُ، علم أنّ ذلك مكيدةٌ لخبرته بجلال الدِّين، فتحوَّل إلى قلعةٍ منيعةٍ، وتحصّن، وأرسل يقول: [ص:638] أنا العبدُ المملوك، ولمّا سمعتُ بمسيرك إلى البلاد أخليتُها لك، ولو علمتُ أنّك تُبقي عليَّ؛ لحضرتُ إلى الخِدمة، فلمّا عرف جلالُ الدِّين، عَلِمَ أنَّه لا يُمكنه أخذُ ما بيده من الحصون؛ لأنّه يحتاج إلى تعبٍ وحصار، فنزل بقرب إصبَهان، وأرسل إليه الخِلَعَ، وأقرَّه على ولايته، فبينما هو كذلك، إذ وصل الخبرُ من تفليسَ بأنّ عسكر الأشرف الّذي بخلاطَ قد هَزَمُوا بعضَ عسكره، فساق كعادته يطوي المراحِلَ حَتّى نازل مدينة مَنَازْكَرْد في آخر السّنة، ثمّ رحل من جُمعته، فنازل خِلاط، فقاتل أهلَها قتالا شديدًا، ووصل عسكَرُهُ إلى السور، وقُتِلَ خلْق من الفريقين، ثمّ زحف ثانيًا وثالثًا، وعَظُمَتْ نِكايةُ عسكره في أهل خِلاطَ، ودخلوا الرَّبَضَ، وشرعوا في السَّبْي والنَّهْب، فلمّا رأى ذلك أهلُ خلاط تناخوا، وأخرجوهم، ثمّ أقام يحاصرها، حَتّى كَثُرَ البردُ والثّلج، فرحل عندما بلغه إفسادُ التُّركمان في بلاد أَذْرَبَيْجَان، وجدَّ في السِّير، فلم يَرْعَهُمْ إلّا والجيوشُ قد أحاطت بهم، فأخذتهم السّيوفُ، وكثُر فيهم النَّهبُ، والسَّبْي.
وفي شعبان سار علاء الدِّين كَيْقُبَاذ ملك الرّوم، فأخذ عدّة حصون للملك المسعود صاحب آمد.
وفيها جمع البرِنْسُ صاحبُ أنطاكية جموعَه، وقصد الأرمن، فمات ملكُ الأرمن قبلَ وصوله، ولم يُخلف ولدًا ذكرًا، فملّك الأرمنُ بنته عليهم، وزوَّجوها بابن البرِنْسِ، وسكن عندهم، ثمّ ندمت الأرمنُ، وخافوا أن تستوليَ الفرنج على قِلاعهم وبلادهم، فقبضوا على ابن البِرِنْس وسجنُوه، فسارَ أبوهُ لحربهم، فلم يَحْصُلْ له غرضٌ فرجع.
قال ابنُ الأَثير: وفيها اصطاد صديقٌ لنا أرنبًا ولها أُنثيان وذَكَر، وله فَرْج أنثى، فلمّا شقُّوا بطنه رأوا فيه جروين، سمعتُ هذا منه ومِنْ جماعة كانوا معه، وقالوا: ما زلنا نَسْمَعُ أن الأرنبَ تكون سنةً ذكرًا، وسنةً أنثى، ولا [ص:639] نُصَدِّقُ، فلمّا رأينا هذا، علِمنا أنَّه قد حَمَل وهو أنثى، وأنقضت السّنةُ فصار ذَكَرًا، ويحتمل أن يكون خنثى.
قال ابن الأَثير: وكنتُ بالجزيرة ولنا جارٌ له بنتُ، اسمُها صَفيَّة، فبقيت كذلك نحو خمس عشرة سنة، وإذا قد طلع لها ذَكَرُ رجلٍ، ونبتت لحيتُه، فكان له فَرْج امرأة وذكر رَجلٍ.
قال: وفيها ذبح إنسانٌ بالمَوْصِل رأسَ غنم، فإذا لحمُه ورأسُه ومعلاقه مرٌّ شديد المرارة، وهذا شيء لم يسمع بمثله.
وفي ذي الحِجَّة زُلْزِلت المَوْصِل، وغيرُها، وخُرِبَ أكثر شَهْرَزُورَ، لا سيما القلعة، فإنّها أجحفت بها، وبقيت الزّلزلةُ تتردّد عليهم نَيْفًا وثلاثين يوماً، وخرب أكثر قرى تلك الناحية.
وفي هذه السّنة انخسف القمر مرّتين.
وفيها برد ماء عينِ القيَّارة حَتّى كَانَ السّابح يجد البرد، فتركوها، وهي معروفةٌ بحرارة الماء، بحيث إنّ السّابح فيها يجد الكرْبَ، وكان بردها في هذه السّنة من العجائب.
وفيها كثرت الذّئابُ، والخنازيرُ، والحيّات، وقُتِلَ كثير منها.
وفيها كَانَ قحطٌ وجراد كثير بالمَوْصِل، وجاء بردٌ كِبار أفْسد الزّرعَ والمواشي، قيل: كَانَ وزنُ البَرَدَة مائتي درهم، وقيل: رطلًا بالمَوْصِليّ.
وفي رجب تُوُفّي أميرُ المؤمنين الظّاهر بأمر الله، وكانت خلافته تسعة أشهر ونصفاً.
وبويع ابنه الأكبر أبو جعفر المستنصر بالله، فبايعه جميع إخوته وبنو عمّه.
قال ابن السّاعي: حضرتُ بيعته العامَّة، فلمّا رفعت السّتارة، شاهدته وقد كمّل الله صورتَه ومعناه، وعمرُه إذ ذاك خمسٌ وثلاثون سنة، وكان أبيضَ مُشْربًا حُمْرة، أزجَّ الحاجبين، أدعجَ العينين، سهلَ الخدَّين، أقنى، رَحْبَ [ص:640] الصدرِ، عليه قميص أبيضُ، وبقيار أبيض مسكّن، عليه طرحةُ قصب بيضاء، ولم يزل جالسًا إلى أن أذن الظهر ثم جلس أنْ أُذِّنَ الظُّهْر، ثمّ جلس كذلك يومَ الأحد ويومَ الإثنين، وأُحْضِر بين يدي الشبّاك شمس الدّين أحمد ابن النّاقد، وقاضي القضاة أبو صالح الْجِيليّ، فرقيا المنبرَ، فقال الوزير مؤيّد الدِّين القُمِّيّ لقاضي القضاة: أميرُ المؤمنين قد وكَّلَ أبا الأزهر أحمد هذا وكالةً جامعة في كُلّ ما يتجدَّد من بيعٍ وإقرار وعِتْق وابتياع.
فقال القاضي: أهكذا يا أميرَ المؤمنين؟ فقال: نعم، فقال القاضي: ولَّيتني يا أميرَ المؤمنين ما ولّاني والدُك رحمة الله عليه؟ فقال: نعم، ولّيتُك ما ولّاك والدي، فنزلا، وأثبت القاضي الوكالة بعلمه.
وفي شعبان قَدِمَ الصَّاحبُ ضياءُ الدِّين نصرُ الله ابنُ الأَثير رسولًا عن صاحب المَوْصل بدر الدِّين، فأورد الرسالة وهذه نسختها: ما لّيل والنّهارِ لا يعتذِرَانِ وقد عَظُمَ حادثهما، وما لِلشّمس والقمرِ لا ينكسِفان وقد فُقِدَ ثالثُهما.
فيا وحشة الدُّنيا وكانت أنيسةً ... ووحدة من فيها لمصرع واحِدِ
وهو سيِّدنا، ومولانا، الإمامُ الظّاهر أمير المؤمنين، الّذي جُعِلَتْ ولايته رحمةً للعالمين، واختير من أرومةِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ الّذي هو سيّد ولدِ آدم، ثمّ ذكر فصلًا.
قال ابن السّاعي: وخُلِعَتِ الخِلع، فبلغني أنّ عِدّتها ثلاثة آلاف خلعة وخمسُمائة ونيّف وسبعون خِلعة، وركب الخليفة ظاهرًا لِصلاة الجمعة بجامع القصر، وركب ظاهرًا يوم الاثنين الآتي في دِجلة بأبَّهَةِ الخلافة، ثمّ ركب والنّاس كافَّةً مُشاة، ووراءه الشَّمْسَةُ، والألوية المُذهّبة، والقِصَعُ تضرب وراء السّلاحيَّة، فقصد السُرادقَ الّذي ضرب له، ونزل به ساعة، ثمّ ركب وعاد في طريقه.
وفيها التقى جلالُ الدِّين ملكُ الخُوارزْميَّة الكُرْجَ، وكانوا في جمعٍ عظيم إلى الغاية، فكسرهم، وأمر عسكره، أن لا يُبقوا على أحدٍ، فتتبّعوا المنهزمين، [ص:641] ولم يزالوا يستقصون في طلب الكُرج إلى أن كادوا يُفنونهم. ثمّ نازل تفليسَ وأخذها عَنوةً؛ وكانت دارَ مَلِكِ الكُرج، وقد أخذوها من المسلمين من سنة خمس عشرة وخمسمائة، وخرّبوا البلاد، وقهروا العباد، فاستأصلهم الله في هذا الوَقْت، " ولكلّ أجلٍ كتاب ".(13/637)
-سنة أربعٍ وعشرين وستمائة
فيها جرت وقعةُ بين جلال الدِّين الخُوارزْميّ وبين التّتار، وكان بتوريز فجاءه الخبرُ أنّ التتار قد قصدوا إصبهان، فجمع عسكره، وتهيَّأ للملتقى؛ لكون أولاده وحُرَمِهِ فيها، فلمّا وصلها، وأزاح عِلل الجند بما احتاجوا، جرَّد منهم أربعة آلاف صوب الرَّيّ ودامغان يَزَكًا، فكانتِ الأخبار تَرِدُ من جهتهم وهم يتقهقرون، والتّتار يتقدَّمون، إلى أن جاءه اليَزَكُ، وأخبروه بما في عسكر التّتار من الأبطال المذكورين مثل باجي نويل، وباقو نويل، وأَسَر طَغَان، ووصلت التّتار، فنزلوا شرقيّ إصْبَهان. وكان المنجمون أشاروا على السُّلطان جلال الدِّين بمصابرتهم ثلاثة أيام، والتقائهم في اليوم الرابع، فلزِم المكان مرتقبَ اليوم الموعود، وكان أمراؤه وجيشه قد انزعجوا من التّتار، والسُّلطان يتجلَّدُ، ويظهر قوَّة، ويشجّع أصحابَه، ويُسهل الخطب، ثمّ استحلفهم أن لا يهربوا، وحَلَفَ هو، وأحضر قاضي إصْبَهانَ ورئيسها وأمرهما بعرض الرّجّالة في السِّلاح. فلمّا رأى التّتارُ تأخّرَ السُّلطان عن الخروج إليهم، ظنُّوا أنَّه امتلأ خوفًا، فجرّدوا ألفي فارس إلى الجبال يغارون ويجمعون ما يقوتهم مُدَّة الحصار، فدخلوا الجبال وتوسَّطوها، فجهز السُّلطانُ وراءهم ثلاثةَ آلاف فارس، فأخذوا عليهم المضايق والمسالك، وواقعوهم، وقتلوا فيهم وأسروا. ثمّ خرج في اليوم الموعود، وعبَّى جيشه للمصافّ، فلمّا تراءى الجمعان خذله أخوه غياث الدِّين وفارقه بعسكره، فتبِعه جَهان بهلوان، لوحشةٍ حدثت له ذلك [ص:642] الوَقْت، وتغافلَ السُّلطان عنه، ووقف التّتار كراديس متفرّقة مترادفة، فلمّا حاذاهم جلالُ الدِّين أمر رجَّاله إصْبَهان بالعَوْدِ، ورأى عسكره كثيرًا، وتباعدَ ما بين ميمنة السُّلطان وميسرته حَتّى لم تعرف الواحدة منهما ما حالُ الأخرى، فحملت ميمنتُه على مَيْسَرة التّتار هزمتها، وفعلت ميسرتُه. فلمّا أمسى السُّلطانُ، ورأى انهزامَ التّتار نزل، فأتاه أحدُ أمرائه وقال له: قد تمنيّنا دهرًا نُرزق فيه يومًا نفرحُ فيه، فما حصل لنا مثلُ هذا اليوم وأنت جالسٌ، فلم يزل به حَتّى رَكِبَ وعَبَرَ الْجُرف، وكان آخِرَ النّهار، فلمّا شاهد التّتار السّواد الأعظم، تجرّد جماعةٌ من شجعانهم، وكَمَنُوا لهم، وخرجوا وقت المغرب على ميسرة السُّلطان كالسَّيل وحملوا حملةً واحدة، فزالت الأقدام، وانهزموا، وقتل من الأمراء ألب خان، وأُرتق خان، وكوج خان، وبولق خان، وماج الفريقان، وحمي الوطيسُ واشتدّ القتال، وأُسر علاءُ الدَّولة آناخان صاحب يزد، ووقف السُّلطان في القلب وقد تبدَّد نظامُه، وتفرّقت أعلامُه، وأحاط به التّتار، وصار المخلص من شدَّة الاختلاط أضيقَ من سَمِّ الخِياط، ولم يبق معه إلّا أربعة عشر نفسًا من خواصّ مماليكه، فانهزم على حميّة، فطعن لولا الأجلُ لهلك. ثمّ أفرج له الطّريق، وخلص من المضيق، ثمّ إنّ القلب والميسرة تمزّقت في الأقطار، فمنهم من وقع إلى فارس، ومنهم من وصل كِرمان، ومنهم من قصد تبريز.
وعادت الميمنة بعد يومين، فلم نسمع بمثله مصافًّا لانهزام كِلا الفريقين، وذلك في الثّاني والعشرين من رمضان. ثمّ لجأ السُّلطانُ إلى إصْبَهان، وتحصَّن بها، فلم تصل التّتار إليه، وحاصروا إصْبَهان، ورَدّوا إلى خُراسان.
قال ابنُ الأَثير: وفي هذه السّنةِ قتل الإسماعليّة أميرًا كَانَ جلالُ الدِّين خُوارزم شاه قد أقطعه مدينة كَنْجَة، وكان نِعْمَ الأميرُ يُنكر على جلال الدِّين ما يفعلُه عسكرُه من النَّهب والشَّر، فَعَظُمَ قَتلُه على جلال الدِّين واشتدّ عليه، فسار بعساكره إلى بلاد الإسماعليّة من حدود الألموت إلى كردكوه بخراسان، فخرّب [ص:643] الجميعَ، وقتل أهلَها، وسبي، ونهبَ، واسترقّ الأولادَ، وقتل الرجالَ وكان قد عظُم شرُّهم، وزاد ضررُهم، فكفّ عادِيتَهم، ولقّاهم الله بما عَمِلُوا بالمسلمين. ثمّ سار إلى التّتار وحاربهم وهزمهم، وقتل وأسر، ثمّ تجمّعوا له وقصدوه.
وفيها سارت عساكر الملك الأشرف مع الحاجب حسام الدّين عليّ إلى خويّ بمكاتبةٍ من أهلها، فافتتحها، ثمّ افتتح مرمد، وقويت شوكتُه.
قال ابن الأَثير: لو داموا لملكوا تلك النّاحية، إنّما عادوا إلى خِلَاط، واستصحبوا معهم زوجة جلال الدِّين خُوارزم شاه، وهي ابنةُ السُّلطان طُغريل بن أرسلان السُّلجوقيّ، وكان قد تزوّج بها بعد أزبك بن البهلوان، فأهملها، ولم يلتفت إليها، فخافته مع ما حُرمَتُهُ من الأمر والنَّهي، وكاتبتِ الحسامَ عليًّا المذكور تطلبه لتسلّم إليه البلاد.
وكان بدمشق في سنة أربع أربعُ قضاةٍ؛ شافعيّان وحنفيّان: الخوييّ قاضي القضاة، ونائبه نجم الدّين ابن خَلَف، وشرف الدِّين عبد الوهَّاب الحنفيّ، والعزيز ابن السنجاريّ.
وشنق ابن السّقلاطونيّ نفسَهُ بسبب مالٍ عليه للدّولة، طُولِبَ به، وكان عدلًا مِن نيّف وأربعين سنة من شهود شرف الدّين ابن عصرون.
وفيها أحضر البكريّ المحتسب، الجمال ابن الحافظ، والشَّرف الإرْبِلِّيّ، والبِرْزَاليُّ، وقرّر معهم أن يُرتّبوا " مُسْند أحمد " على الأبواب، وقرّر للجمال في الشّهر خمسين دِرهمًا، وللآخرين ستّين درهمًا، وبذل لهم الوَرَق وأجره النّسّاخ، فما أظنّه تمّ هذا.
ومرض الملك المعظم، فتصدّق وأخرج المسجونين، وأعطى الأشرافَ ألف غِرارة، وفرَّقوا على الفقهاء والصّوفيَّة وغيرهم ثمانين ألفاً وخمسمائة غِرارة. وحَلَفَ مَنْ بالحضرة لولده النّاصر. واشترى ابن زُويزان حصانًا أصفر للمعظَّم بألف دينار مصريَّة، وأحضرها، فأمر بالتّصدُّق بها بالمُصلَّى، فازدحم الخلْق لذلك، فمات ثمانية أنفُس. ثمّ مات المعظّمُ في آخر ذي القعدة عن تسعٍ وأربعين سنة. وأوصى أنْ يغسّله الحَصِيريّ. مات قبلَ صلاة الجمعة. ورمى [ص:644] ابنُه الكَلْوتة والمماليكُ، ولَطَمُوا في الأسواق، وقرأ النَّجيبُ في العزاء: " {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خليفةً في الأرض} " فضجّ النّاس.
وقال أبو شامة: فيها قَدِمَ رسول الأَنْبُرور ملك الفرنج من البحر، على المعظَّم - بعد اجتماعه بأخيه الكاملِ - يطلب البلادَ التي فتحها السّلطان صلاح الدّين، فأغلظ له وقال له: قُلْ لصاحبك ما أنا مثل الغَيْر، ما له عندي إلاّ السّيف.
وفيها حجّ بالشّاميّين شجاع الدّين عليّ ابن السّلَّار؛ وهي آخرُ إمرته على الركّب، وانقطع بعدَها ركبُ الشّام مُدَّة بسبب الفِتَن. وكان قد جاء من مَيَّافَارْقِين سلطانُها شهابُ الدِّين غازي ابن العادل، لِيحجَّ أيضًا.
قال أبو المُظفَّر: كَانَ ثَقَلُه على ستّمائةِ جَمَل، ومعه خمسون هَجينًا عليها خمسون مملوكًا، وسار على الرَّحْبَة وعَانَة وكُبَيْسات إلى كَرْبلاء إلى الكُوفة. فبعث الخليفة له فَرَسَيْن وبغلةً وألفي دينار، فلما عاد لم يصل الكوفة، بل سار غربيَّ الطريق فكاد يَهْلَكُ هو ومَنْ معه عطشًا حَتّى وصل إلى حرَّان.
وتُوُفّي الملك المعظَّم وقام بعدَه ابنُه النّاصر داود.(13/641)
-سنة خمس وعشرين وستمائة
في صَفَر جاء منشورُ الولاية من الملكِ الكامل لابن أخيه الملك النّاصر داود.
وتَحَرَّكَت الفرنج وانبثّوا في السَّواحلِ، لأنَّ الهُدنة فرغت.
وفيها أغارَ المسلمونَ على أعمال صور، وغنِموا كثيراً من المواشي.
وفيها نَزَلَ الملكُ العزيز عثمانُ ابن العادل على بَعْلَبَكّ ليأخذها من [ص:645] الملك الأَمْجَد، فأرسلَ إليه النّاصر داودُ يأمرُه بالرَّحيل عنها، فرحلَ، وقد حَقَد على النّاصر، فقالوا: إنَّه كاتبَ الملكَ الكاملَ، وحَثَّهُ على قَصْدِ دمشق، وإنّها في يده. فَقَدِمَ الكامل وانضاف إليه العزيزُ، وجاءه الملك المجاهد أسدُ الدِّين شيركوه من حمص، وكانت عنده ضَغِينة على المُعَظَّم، لكونِهِ نازلَ حِمْص وشعث ظاهرَها. فاستنجَدَ الملكُ النّاصر بعمّه الملكِ الأشرف، فجاءَ وأكرمه غاية الإكرام، ونزل بالنَّيْرب. وكانَ رسوله إلى الأشرف فخرَ الدِّين ابن بُصَاقة.
ولَمّا وصل الكاملُ إلى الغَوْر، بلغَهُ قدوم الأشرف، فرجَعَ إلى غَزَّة، وقال: أنا ما خرجت على أنْ أقاتلَ أخي. فبلغَ ذلك الأشرف، فقال لابن أخيه النّاصر: إنّ أخي قد رَجَع حَرْدان، والمَصْلَحة أنّني ألحقه وأسترضيه. فنزل الكاملُ غَزَّة، وأرسل إليه ملك الفرنج يطلب منه القُدس، وقال: أنا قد حضرت أُنجدك بمقتضى مراسلتك، ومعي عساكر عظيمة، فكيفَ أرجع بلا شيء؟ فأعطاه بعض القدس.
وسار الأشرف إلى الكامل واجتمعَ به في القدس، فكان نجدة على النّاصر لا له. واتّفق الأَخَوان على أخذ البلاد من النّاصر، وأنَّ دمشق تكون للأشرف، وانضاف إليهما من عسكر النّاصر أخوهُما الملك الصّالح إسماعيل، وابنُ عمّ النّاصر شهابُ الدِّين محمود ابن المُغيث، وعزّ الدِّين أيدمر، وكريم الدِّين الخِلاطيّ. وجاء المظفَّر شهاب الدِّين غازي ابن العادل، فاجتمع الكلّ بفلسطين.
وقد كان النّاصر خرج ليتلقّي عَمّه الكامل، واعتقد أنّ الأشرف قد أصلح أمره عنده، فسارَ إلى الغَوْر، فلمّا سمع باجتماع أَعمامه عليه ليمسكوه رجَع إلى دمشق فحصّنها، واستعدّ للحصار.
وفيها عُزِلَ الصَّدر البكري عن مشيخة الشيوخ وعن حِسْبَة دمشق؛ فولِي المشيخةَ عمادُ الدِّين ابن حمويه، والحسبة رشيد الدّين ابن الهادي.
وفيها نزل جلال الدِّين ابن خُوارزم شاه مرَّة ثانية على خِلاط، ثمّ هَجَم [ص:646] عليه الشّتاءُ، فَتَرَحَّل إلى أَذْرَبَيْجَان. وخرجَ الحاجب عليٌّ من خِلاط فاستولى على خُوَيّ وسَلَماس وتلك النَّاحية، وساقَ فأخذَ خزائن جلال الدِّين وعائلته وعاد إلى خِلاط، فقيل له: أيشٍ فعلت؟ تَحَرَّشت به ليُهلِكَ البلاد فلم تفكر.
وفيها جرى الكُوَيْز الساعي من واسط إلى بغداد في يومٍ وليلة، ووصل إلى باب سور البَصَليَّة قبل الغُروب بساعة، ورُزِقَ قَبولًا عظيمًا، وأُعْطِي خِلَعًا وأموالًا من الدَّولة والتّجّار. ومن جملة ما حَصَل له نَيّف وعشرون فرساً، وقماش بألفٍ وسبعمائة دينار، ومن الذهب خمسة آلاف وأربعمائة دينار، واسمُه معتوق المَوْصِليّ. ولازم خدمة الشَّرابيّ. ذكر هذا ابن السّاعي.
وفيها شرعوا في أساس المُستنصريَّة ببغداد، وكان مكانَها إصطبلاتٌ وأبنيةٌ، وتولى عِمَارَتُها أستاذُ دارِ الخلافة.
وفيها - وقيل: في التي قبلها كما تقدم بعبارةٍ أخرى - عادت التّتارُ إلى الرَّيّ، وجرى بينهم وبين جلال الدّين حروبٌ. وكان هؤلاء التّتار قد سخط عليهم جِنكزخان وأبعدَهم، وطرد مقدَّمهم، فقصد خُراسانَ، فرآها خرابًا، فقصد الرَّيّ ليتغلَّبَ على تلك النواحي، فالتقى هو وجلال الدِّين، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، ثمّ انهزم جلالُ الدِّين، ثمّ عاود بمن انهزم، وقصد إصْبَهان، وأقام بينَها وبينَ الرَّيّ، وجمع جيشه، وأتاه ابن أتابَك سعدٍ بعد وفاة والده. ثمّ عاد جلال الدِّين، فضرب مع التّتار رأسًا، فبينما هُمْ مصطفّون انفرد غياثُ الدِّين أخو السُّلطان، وقصد ناحية، فظنّهم التّتار يُريدون أن يأتوهم مِن ورائهم، فانهزموا، وتبِعهم صاحبُ بلاد فارس.
وأما جلالُ الدِّين، فإنَّه لَمّا رأى مفارقة أخيه له، ظنَّ أنّ التّتر قد رجعوا خديعةً ليستدرجوه، فانهزم أيضًا، ولم يجسر أن يدخل إصْبَهان خوفًا من الحصار، فمضى إلى شُبرم.
وأمّا صاحب فارس، فلمّا ساق وراء التّتار، وأبعد ولم يَرَ جلال الدّين [ص:647] خاف ورَدّ عن التّتار، ورأى التّترُ أنَّه لا يطلُبهم أحدٌ فوقفوا، وردُّوا إلى إصْبَهَان وحاصروها، وظنُّوا أنّ جلال الدِّين قد عُدِمَ، فبينما هُم كذلك، إذ وصل إليهم قاصدٌ من جلال الدِّين يُعرِّفهم بأنَّه سالم، وأنّه يجمع، ويُنجد أهل إصْبَهان، ففرح أهلُ البلد، وقويت نفوسُهم، وفيهم شجاعة طبعيَّة، فقَدِمَ عليهم، ودخل إليهم، ثمّ خَرَج بهم، فالتقوا التّتارَ، فانهزم التّتارَ أقبح هزيمةٍ، فساق جلال الدِّين وراءَهم إلى الرَّيّ قتلًا وأسرًا، وأقام بالرَّيّ، فأتته رُسُل ابن جنكزخان يقول: إنّ هؤلاء ليسوا من أصحابي، وإنّما نحن أبعدناهم، فاطمأنّ جلالُ الدِّين من جانب ابن جنكزخان، وعاد إلى أَذْرَبَيْجَان.
وأما غياث الدِّين أخوه، فَقَصَد خوزستان، فلم يُمكّنْهُ نائبُ الخليفةِ من دخولها، فقصد بلادَ الإسماعيليَّة، والتجأ إليهم، واستجارَ بهم. فقصد جلالُ الدِّين بلاد الإسماعيلية لِينهبها إنْ لمْ يُسلّموا إليه أخاه، فأرسل مقدَّمُهم يقول: لا يجوز لنا أنّ نُسلِّمه إليك، لكن نحن نُنزله عندنا، ولا نمكِّنه أنْ يقصِدَ شيئًا من بلادك، والضّمان علينا. فأجابهم إلى ذلك، وعاد فنازل خلاط.
وفيها تملَّك علاء الدِّين كيقُباذ صاحبُ الروم مدينة أرزنكان، وكان صاحبُها بِهرام شاه قد طال ملكه لها، وجاوز ستّين سنةً، فمات، ولم يزل في طاعة قَلِج أرسلان وأولادِه، فملك بعدَه ولدُه علاء الدِّين داود شاه، فأرسل إليه كيقُباذ يطلب منه عسكرًا ليسير معه إلى مدينة أرزن الروم، ليحاصرها، وأن يكون معهم، فأتاه في عسكره، فقبض عليه، وأخذ بلده. وكان له حصن كماخ، وله فيه والٍ فتهدّده إن لم يُسلّم الحصن أيضًا، فأرسل إلى نائبه، فسلَّم الحصن، فلمّا سمع صاحبُ أرزن، وهو ابن عمّ كيّقُباذ أنَّه يقصِدُه، استنجدَ بالأمير حُسام الدِّين عليّ الحاجب نائب الملك الأشرف على خِلاط، فسار الحسامُ ونجده، فردَّ كَيقُباذ لذلك؛ ولأنّ العدوَّ أخذوا له حصن صمصون وهو مطلٌّ على البحر عاصٍ، فأتاه واستعاده منهم، ثمّ أتى أنطاكية يشتّي بها.
وفيها ظهر محضر للعناكيّين أثبت على نجم الدِّين مُهنَّا قاضي المدينة أنّ حَكَّام بن حَكم بن يوسُف بن جعفر بن إبراهيم بن مُحَمَّد الممدوح بن عبد الله الجواد بن جعفر الطّيّار سكن بقريةٍ بالشّام تُعرف بالأعناك، وأولد بها، وعَقِبُه بها، وبالشّام، ومن نسله فلان وساق نسبه إلى حكام. [ص:648]
وتقرّر بالمسماريّة بنو المنجّا للتدريس بحكم أنّ نظرها إليهم.
وتقدّم الخُوَيّي إلى المُفتين بأن لا يكتبوا فتوى إلاّ بإذنه.
وفيها طلع الفِرنجُ من البحر وعكّا إلى صيدا؛ وكانت مناصفةً لهم وللمسلمين، فاستولَوْا عليها وحصَّنُوها، وتمَّ لهم ذلك، وقويت شوكتُهم، وجاءهم الأنبرور ملك الألمان ومعناه: ملك الأمراء؛ وكان قُبيل مجيئه قد استولى على قبرص، وقَدِمَ عكَّة، وارتاع المسلمون لذلك. وقَدِمَ الكامل كما مرَّ مِن مصر، وأقام على تَلِّ العجول، ثمّ كاتبَ الأنبرور، واتّفق معه على النّاصر داود ابن المعظَّم، ونشب الكامل بالكلام، ولم تكن عساكر الأنبرور وصلت إلى البحر، وخافه المسلمون، وملوكُ الفرنج بالسّاحل، فكاتبوا الكاملَ إذا حصل مصافُّ نمسك الأنبرور، فسيَّر إلى الأنبرور كتبهم، وأوقفه عليها، فعرف الأنبرور ذلك للكامل، وأجابه إلى كُلّ ما يُريد، وقدِمت رسُلُه على الكامل يتشكَّرَ لِما أَوْلاه، وتردَّدت بينهم المراسلاتُ. وسيَّر الأنبرور إلى الكامل يتلطَّف معه، ويقول: أنا عتيقُك وأسيرُك، وأنت تعلم أنّي أكبرُ ملوك البحر، وأنت كاتبتني بالمجيء، وقد علم البابا وسائرُ ملوك البحر باهتمامي وطلوعي، فإنْ أنا رجعت خائبًا، انكسرت حرمتي بينهم، وهذه القدس فهي أصل اعتقادهم وحجِّهم؛ والمسلمون قد أخربوها، وليس لها دخلٌ طائل، فإن رأى السُّلطانُ - أعزَّه الله - أنّ ينعم عليّ بقصبة البلد، والزيارة تكون صَدَقَة منه، وترتفعُ رأسي بين الملوك، وإن شاء السُّلطان أنّ يكشِفَ عن محصولها، وأحمل أنا مقدارَه إلى خزانته فعلتُ. فلمّا سَمِعَ الكاملُ ذلك، مالت نفسُه وجاوبه أجوبةً مغلّظة، والمعنى فيها نعم.
أنبأني ابن البزُوريّ، قال: وفي المحرّم منها استُدْعِي الأمير علاء [ص:649] الدِّين الدُّويدارُ الظاهري أبو شجاع ألْطَبْرَسْ، وخُلِعَتْ عليه خِلعةُ الزَعامة وهي: قُباء أطلس نفطيّ، وشَرَبوشُ كبير، وفَرَس بعُدَّة كاملة، وأُلحِقَ بالزّعماء.
قال: وفيها وصل قاضي الرَّيّ رسولًا مِن عند جلال الدّين منكوبريّ ابن خوارزم شاه.
وفيها عقد عُقِدَ علاءِ الدِّين الدويدار المذكور على ابنة بدر الدِّين صاحب المَوْصِل، على صداقٍ مبلغُه عشرون ألف دينار.
وفيها قَدِمَ بغداد من الحُجّاج أختُ السُّلطان صلاح الدِّين يوسُف، زوجة مظفّر الدِّين صاحب إِرْبِل؛ وابنُ أخيها الملك المُحسن أحمد، فَخُلِعَ على المحسن.
وفي رمضان خُلِعَ على علاء الدِّين الدُّوَيدار خلعة عظيمة، وأعطي تسعة أحمال كوسات.
وفيها تغلّب ابن هود على معظم الأندلسِ، فكان مُلْكه تسعةَ أعوام.(13/644)
-سنة ستٍّ وعشرين وستمائة
في ربيع الأوّل أخلى الكاملُ البيت المُقدَّسَ من المسلمين، وسلَّمه إلى الأنبرور، وصالحه على ذلك، وعلى تسليم جملةٍ من القُرى فدخلته الفرنجُ مع الأنبرور. وكانت هذه من الوَصَمات الّتي دخلت على المسلمين، وتوغَّرت القلوبُ على الكامل - فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
ثمّ أتبعها بحصار دمشق وأذِيَّة المسلمين، فنزل جيشه على الجسورة، وقطعُوا عن دمشق باناس والقنوات، ثمّ قطعوا يزيد وثورا، ونهبوا البساتين، وأحرقوا الجواسِق. ثمّ جرت بين عسكر النّاصر داود، وبين عسكر عمِّه الكامل وقعاتٌ، وقُتِلَ جماعةٌ وجُرِحَ جماعة، وأُخْرِبت حواضرُ البلد. فلمّا كَانَ يوم رابعُ جُمَادَى الأولى وقعت بينهم وقعةٌ عظيمة. [ص:650]
قال أبو شامة: قُتِلَ فيها خلْق كثير، ونُهِبَ قصر حَجَّاج والشّاغور، وأطلق فيها النّيران، وتسلّموا حصن عزّتا صلحاً مع متولّيه.
وفي تاسع جُمَادَى الآخرة وصل الكاملُ، فنزل عند مسجد القَدَم، فأنفذ النّاصرُ إليه جماعةُ من الكُبراء: الدَّولعيّ، والقاضي، شمس الدِّين الخُوَيّيّ، والقاضي شمس الدِّين ابن الشّيرازيّ، والشّيخ جمال الدِّين الحَصِيريّ، نيابةً عنه في السّلام والخدمة. ثمّ خرج من الغدِ عزُّ الدِّين أيبك أستاذ الدّار باستدعاءٍ من الكامل فتحدَّثا في الصُّلْحِ، فلمّا كَانَ يوم منتصف الشّهر، كَانَ بينهم وقعةٌ تلقاء باب الحديد وفي الميدان، وانتصر الدّمشقيّون. ثمّ أصبح من الغدِ النَّهبُ والحريق بظاهِرِ باب تُوما، وبدَّعوا في الغُوطة، وخرَّبوها، وغلت الأسعارُ، وصار اللّحْم بستَّة دراهم، والْجُبْن بستَّة دراهم أيضًا. واشتدّ الحصار، ثمّ إنّهم زحفوا على دمشق من غربيّها مرارًا، وتكون الكرَّة عليهم، واتّخذوا مسجد خاتون، ومسجد الشّيخ إسماعيل، وخانقاه الطّاحون، وجَوسق الميدان، حصونًا وظَهرًا لهم. وأحرق النّاصرُ لأجلِ ذلك مدرسةَ أسَدِ الدِّين، وخانقاه خاتون، وخانقاه الطّواويس، وتلك الخانات. وجرت أمور.
ثمّ زحفوا في تاسع رجب إلى أنْ قاربوا باب الحديد، ثمّ كَانَ انتظام الصّلح في أوّلِ شعبان، وذلك أنّ الملك النّاصر داود خرج ليلةَ رابع عشر رجب إلى الكامل واجتمع به، ثمّ اجتمع به مرّات، وتقرَّر الصّلح؛ أنّ النّاصر رضي بالكَرَك ونابلس وبعضَ الغور والبلقاء، ثمّ دخل الملكُ الكامل القلعةَ، ونزل إلى قُبة والده، ووجّه العسكر، فنازلوا حماة، وحاصرُوها.
وفي أواخر شعبان سلَّم الكامل دمشق لأخيه الملك الأشرف، وأعطاه الأشرفُ عِوَضها حرَّان والرُّها، ورأس عين والرَّقة، ثمّ توجّه إلى الشّرق ليتسلّم هذه البلاد، فسار في تاسع رمضان فلمّا نزل على حماة، خرج إلى خِدمته صاحبُها صلاح الدِّين قلِج أرسلان ابن الملك المنصور مُحَمَّد بن عُمَر، وسلَّم إلى الكامل حماة، فأعطاها لأخي صاحبها لكونه أكبر سِنًّا؛ ولأنّ العهد من أبيه كَانَ إليه. ثمّ سار إلى حرَّان، ونزل عسكرُه على بَعْلَبَكّ؛ وجاء إليها الأشرف [ص:651] من دمشق؛ فحاصر الملكَ الأمجدَ؛ ثمّ تسلّموا البلدَ، وبقي الحصارُ على القلعة، ورجع الأشرفُ.
قال أبو شامة: وكان في آخر دولة المعظم قد كثر الاشتغالُ بعلوم الأوائل، فأخمده الله بدولة الملك الأشرف.
قال أبو المظفّر: بعث الأشرفُ أخاه الملكَ الصّالح إسماعيل، فحاصر بَعْلَبَكّ، وضربها بالمجانيق، وضايقها؛ ثمّ توجَّه إليها الأشرفُ، فدخل ابن مرزوق بينه وبينَ صاحبها الملك الأمجد، فأُخَذَتْ منه، وجاء إلى دمشق، فأقام بداره.
وفيها نازل جلال الدِّين خِلاط وضايقها بأوباشه، فأغاروا، ونهبوا، وهجموا حينة، وقتلوا أهلَها قتلًا ذريعًا، والكاملُ على حرَّانَ، فأقام اليَزَكَ على الطُّرق خوفًا من هجمتهم، وتوجّهت طائفةٌ منهم إلى مَيَّافَارْقِين، فالتقاهم المظفَّرُ غازي، فكُسِرَ وجُرِحَ، وهو أشجعُ أولاد العادل.
ولم يزل جلالُ الدِّين يَجِدّ في حصار خِلاط حَتّى افتتحها في آخر العام.(13/649)
-سنة سبع وعشرين وستمائة
قال أبو شامة: أُخِذَتْ بَعْلَبَكَّ من الأمجد في ربيع الآخر، ورحل الأشرف إلى الشرق واستعملَ على دمشق أخاه إسماعيل، فلمّا كَانَ في شَوَّال جاءنا الخبرُ: بأنّ السُّلطانَ الملكَ الأشرفَ التقى الخُوارزْميّ - يعني جلال الدِّين - وأنّ الأشرف كسره في أواخر رمضان. وقد كَانَ الخُوارزْميّ استولى على خِلَاطَ، وأخذها من نوّاب الأشرف بعد أنّ أكلوا الْجِيَفَ والكلابَ، وزاد فيهم الوباءُ، وثبتوا ثباتًا لم يُسْمَعْ بمثله، لعلمهم بجور خوارزم شاه، ولم يَقْدر عليها إلّا بمخامرة إسماعيل الإِيوانيّ، تدنَّى إليه، واستوثق منه، ثمّ اطلع الخوارزميّة بالجبال ليلًا، واستباحوها، فإنّا لله. فسار الأشرفُ لحربه، واتّفق هو وصاحب الروم على لِقائه، فَكَسَرَا الخُوارِزْميَّة، ووقع منهم خلقٌ في وادٍ، فهلكوا، [ص:652] ونُهبوا، وتُتِّبعوا أيّامًا، وضُرِبَتِ البشائرُ في البلاد.
وقال أبو المظفّر ابن الجوزيّ: أخذ خُوارزم شاه جلالُ الدِّين مدينة خِلاط في جُمَادَى الأولى بعدَ حِصار عشرة أشهر، وكان فيها مجير الدّين ابن العادل؛ وأخوه تقيّ الدِّين؛ وزوجةُ الأشرف بنتُ ملك الكُرْج، فأَسَرَهُمْ جلالُ الدِّين. فأرسل صاحب الروم إلى الأشرف يأمرُه بالمسير، فإنَّه يُنْجِدُه، فشاور أخاه الملك الكامل فقال: نَعَم مصلحة، فجمع جيشَه وسار إلى صاحب الروم، وكان معه أخواه شهابُ الدِّين غازي، والملكُ العزيز عثمان، وابن أخيه الملك الجواد. وجمع ملكُ الروم جيوشهَ أيضًا واجتمعا، والتقاهم الخُوارزْميّ؛ فانكسر كسرةً عظيمة، وأخذ الأشرفُ خِلاطَ، وأرسل إلى الخُوارزْميّ يطلب إخوته، فأرسلهم ولم يرسل المرأة.
قال عبد اللطيف بن يوسُف: كسر اللهُ الخُوارزْميّين بأخفَّ مؤنة بأمرٍ لم يكن في الحساب، فسبحانَ من هَدم ذاك الجبلَ الراسي في لمحة ناظرٍ.
وفيها رجعت رُسُلُ الخليفة من عند جلال الدِّين منكوبريّ ملك الخُوارزْميَّة، وخُلِعَ على رسوله الّذي قدم معهم.
وفيها خرج الموكبُ الشّريف لتلقّي رسول الملك مُحَمَّدِ بن يوسُف بن هود المغربي؛ صُحْبَةَ رسولِ الملك الكامل زعيمِ مصر، فأخبر أن ابن هود استولى على أكثر بلاد المغرب التي بيد بني عبد المؤمن، وأنّه خَطَبَ بها للمستنصر بالله، فحُمد فِعله، وكُتِبَ له منشور متضمّنٌ شكر همّته العالية.
وفيها سيَّر جلالُ الدِّين الخُوارزْميّ إلى المُستنصر، وطلب منه سراويلَ الفُتُوَّة ليتشرَّفَ بذلك؛ فسيّره إليه مع تحفٍ ونِعَم لا تُحْصَى، وفَرَس النّوبة، ففرح بذلك وسُرَّ وقبَّلَ الأرضَ مرّات.
وفيها ملك المَايَرْقي تِلِمْسَان، وخطب فيها للمستنصر بالله.
وأما أمرُ الخُوارِزْميَّة وكَسْرتهم، قال المُوفّقُ: فتح بعضُ الأمراءِ بابَ خِلاط للخُوارزْميَّة في جُمَادَى الآخرة، لا ركونًا إلى دينهم ويمينهم، بل إيثاراً [ص:653] للموت على شِدَّة القحط، فدخلوا، وقَتَلُوا، وسَبَوْا، واستحلُّوا سائرَ المحرَّمات، دخلوا نصفَ الّليل فبَقُوا كذلك إلى آخر صبيحته، ثمّ رفعوا السَّيفَ، وشرعوا في المصادراتِ والعذاب. وكانوا يتعمَّدون الفقهاء والأخيارَ بالقتل والتّعذيب أكثر من غيرهم.
وأمّا الكاملُ، فانصرف إلى مصر بغتةً، فضعُف النّاس، وأيقنوا أنّ الخُوارزْميّ إنّ ملك الشّامَ والرومَ عفى آثارَها وأباد سُكانها.
ثمّ اصطلح الأشرفُ وعلاء الدِّين صاحب الروم صلحًا تامًّا بعد عداوةٍ أكيدة، وجيَّشوا الجيوش، والقلوبُ مع ذلك مشحونةٌ خوفًا، ولم يزل على وجلٍ مُفْرط مِن التقاء الجيشين، حَتّى أتاح الله كسرةَ الخُوارزْميّين بأهونِ مؤنة.
فقرأتُ في كتاب بعض الأجناد: إنّا رحلنا من سيواس، وطلبنا منزلةً يقال لها ياصي جُمان في طرف أعمال أَرْزَنْجان، إذ بها عشْب ومياه؛ فلمّا سمع العدوّ بمجيء العسكرين، ساق سَوقًا حثيثًا في ثلاثةِ أيّام، ونزل المَرْجَ المذكورَ وبه جماعة من عسكر، فكبسهم بُكْرَة الرابع والعشرين من رمضان، وضربَ الأشرفُ المَصَافَّ مع الخُوارزْميّ، وقامت الحرب على ساقٍ إلى قُرب الظُّهر، ثمّ نصر الله، وكُسر العدوَّ شرّ كسرة. وكان معه خلْق لا يُحصون. والمَصافّ في اليوم التّاسع والعشرين من رمضان.
قال الموفَّق: ثمّ تواصل النّاس ومعهم السّبي والأخاديد من المماليك والدّواب والأسلحة، والكُلُّ رديء، يباع الجوشنُ بثلاثة دراهم، والفَرَس هناك بخمسة دراهم، وفي حلب بعشرين درهمًا وثلاثين في غاية الرداءة. وكذا قِسيّهم وسائرُ أسلحتهم. ووصل منهم أسرى فيهم رجل، حكى لمن أَنِسَ به من الفقهاء العجم، قال: إنّ صاحبنا دُهِشَ وتحيَّر لَمّا شارف عسكرَ الشّام، فلمّا رأيناه كذلك، انقطعت قلوبُنَا، ولولا عسكرُ الشّام، أبَدْنا عسكرَ الروم، أنا بنفسي قتلت منهم خمسين فارسًا.
وحكى نسيب لنا جنديٌّ، قال: وصلنا إلى مرج ياصي جُمان، ونحن متوجّهون إلى خِلاط على أنّ العدوَّ بها، فإذا بعسكر الخُوارِزْميّ محيطٌ بنا، فوقع على طائفة من عسكر الرّوم، فقتل منهم نحو مائتين، ونهب، وأسر. ثمّ [ص:654] من الغد وقع جيشُ الخُوارزْميّ على عسكر الروم ونحن نرى الغبرة، فأباد فيهم قتلًا وأسراً. وقد كثر القول بأنّهم قتلوا من عسكر الروم سبعة آلاف من خيارهم، وقيل: أكثر وأقلّ.
وقال لي رجل من أهل أرزنجان: إنّ جميع الروم كَانَ بها، وعِدَّتُهُم اثنا عشر ألفًا، فلم يَخْلُصْ منهم إلّا جريحٌ، أو هارب توقَّلَ الجبلَ، وإنّ صاحب الروم بقي في ضَعفة من أصحابه نحو خمسة آلاف، وأصبحنا يومَ الخميس على تعبئة، ووقعت مناوشات. فكان أصحابُنا أبدًا يربحون عليهم، وعرفنا قتالَهم، ونشّابهم، وضعْف خيلهم، وقلَّة فُروسيتهم، فتبدَّل خوفُنا منهم بالطَّمع، واحتقرناهم، وتعجبَّنا كيف غلب هؤلاء أُممًا كثيرين؟ وبِتْنَا ليلةَ الجمعة على تعبئة، وكان الرجُل قد عَزَمَ على الهرب، فَفَرَّ إليه مملوكان، فشجّعاه، فثبت لِشقاوته. وأصبح النّاسُ، ففرّ من عنده اثنان إلى الملك الأشرف؛ فسألهما عن عِدَّة أصحابهم، قالا: هم ثلاثون ألفًا. وبقي الأشرف يجولُ بينَ الصُفوف، ويُشجعُ النّاسَ، ويحقر العدوَّ. وأصبح النّاسُ يوم السّبت على تعبئةٍ تامّةٍ، فسأل الأشرف المملوكَيْن عن موضع الخُوارزْميّ، قالا: هو على ذلك التّلِّ، وشَعْرُهُ في كيس أطلس، وعلى رأس كتفه برجمٌ صغير مخيَّط بقبائة، فَحَمَلَ طائفة من الخُوارزْميَّة على عسكر الروم؛ فثبتُوا، فتقدّم الأشرف إلى سابِق الدين ومعه من عسكر مصر ألف وخمسمائة فارس، وإلى عسكر حمص وحلب وحماة، فانتقى ألف فارس، ونَدَبَ بعض أمراءِ العرب في ألف فارسٍ من العرب، فحملوا على التَّلِّ الّذي عليه الخُوارزْميّ، فلمّا عاين الموتَ الأحمر مقبلًا، انهزم، فلمّا رأى جيشُه فِراره انهزموا. وأمّا الذين حملُوا على عسكر الرُّوم، فبقُوا في الوسط، فلم يَفْلِتْ منهم أحد. ثمّ إنَّ الخُوارزْميّين لِشدَّة رُعبهم لم يَقْدِروا على الهرب، ولم يهتدوا سَبيلًا، وأكثرُهم نزلوا عن خيولهم، وانجحروا في بطون الأَودية والبيوت الخَرِبة، فتحكَّم فيهم الفلَّاحون والغِلْمان، وقَتَلهُم أَضْعَفُ النَّاس. وانحرف منهم ثلاثةُ آلاف على بلاد جانيت، فخرج إليهم فلاّحو الرُّوم والنَّصارى فقتلوهم عن آخرهم. وفلّق [ص:655] الخُوارزْميّ عند هربه نحو مائتي حصان، ووصلَ خِلاط في سبعة أنفس، فأخذ حُرَمه وما خَفَّ من الأَموال، واجتاز على منازجرد وكانت محصورة بوزيره، ووصل جائعًا فأطعمه وزيرُهُ. ثمّ دخلَ أَذْرَبَيْجَان بالخِزْي والصِّغار، فصادر أهل خُوَيّ، ومات منهم جماعة تحتَ العُقوبة.
وأمّا الأَشرفُ فلو ساقَ بعسكره وراءَهم لأتى عليهم قَتْلًا وأَسْرًا. وتَسَلَّم أَرْزَن الرّوم، وسلّمها إلى علاء الدِّين كَيُقْباذ، فأخذ مُلكًا خيرًا من جميعِ مملكته.
وأمّا صاحبُها ابن مغيث الدِّين ابن عمّ علاء الدِّين فإنَّه رُمِيَ بالخِذْلان، والتجأَ إلى كهفٍ حَتّى أخذوه أَخْذَ النِّساء. ثمّ نزلَ الأشرفُ على منازجرد، وصَمَّمَ على أنّ يدخلَ وراءَ الخُوارزْميّ، وأقَامَ شهورًا، ثمّ تراسلا في الصّلح، فاصطلحا على ما يؤثر الملك الأشرف. فَرَجَع وَفَرَّقَ العسكر، وأَمِنَتِ خِلاط وشرعت تعمر.
وحكى أميرٌ قال: حملنا على الخُوارزْميّ فوقع عسكره في وادٍ وهَلَكوا، زحمناهم على سفْح يُفضي إلى وادٍ عميق، فَتَكَرْدَسوا بخيولهم، فتقطّعوا إرْبًا إرْبًا. وأشرفنا على الوادي ثاني يوم فرأيناهُ مملوءًا بالهَلْكى لو نجد فيهم حيًّا إلّا خادَم الخُوارزْميّ مكسورَ الرِّجل، وأقمنا أيامًا نُقَلِّب القتلى لعلّ أنّ يكون فيهم جلال الدِّين الخُوارزْميّ. وأُسر خلْق من خواصّه وأَعلامه وسَناجقه. وذكروا أنَّ العربَ أخذوا من خيمته باطية ذهبٍ وزنها خمسةٌ وعشرون رطلًا، فنفلَهُم إيّاها الملكُ الأشرف. والعجبُ أنّ هذه الوقعة لم يُقتل فيها من عسكر الشّام أحد، ولا جُرح فَرَس إلّا رَجل مِن عسكر حمص جُرِح بسَهْم. وزالت هيبةُ الخُوارزْميَّة من القلوب، وزالَ سَعْدُهم.(13/651)
-سنة ثمان وعشرين وستمائة
في رَجَب وصل رجل من المغرب وأَخْبَر أنّ بعض بني عبد المؤمن صَعِدَ الجبلَ، وجمع من أمم البربر نحو مائتي ألف، ونزلَ بهم، وهاجم مَرّاكُش وقتل عَمَّهُ، وكان قد ولي الأمرَ دُونه، وقَتلَ من أصحابه نحوًا من خمسة عشر [ص:656] ألفًا. وسَيَّر إلى الأندلس يُهدّد ابن هود، فأطاعه بشرط أن لا يكون عنده أحد من المُوَحِّدين إلّا إذا احتاج إليهم للغَزاة.
وفي رجب وصل قزوينيٌّ إلى الشّام فأخبرَ أنّ التّتر خرجوا إلى الخُوارزْميّ، وأنّهم كَسَروه أَقبح كَسْرة. وأنَّ الكفّار الذين كانوا في جُملة عسكره غدروا به، وعادوا إلى أصحابهم، وأنّ المُجَمَعة كلّهم تفرّقوا عنه، وبقي في ضعفةٍ من أَصحابه وهم قليلون لا سبدٌ لهم ولا لَبَد، وهكذا كلُّ مُلك يُؤسَّس على الظُّلم يكون سريع الهَدْم.
وقال ابنُ الأَثير - وهذه السّنة هي آخر كتابه - قال: في أَوّلها وصل التّتارُ من بلاد ما وراء النهر، وقد كانوا يعبرون كلَّ قليل، ينهبون ما يرونه، فالبلاد خاوية على عُرُوشها. فلمّا انهزم جلالُ الدِّين خُوارزم شاه في العام الماضي أرسل مقدّم الإسماعليّة يعرّف التّتار ضَعْف جلالِ الدِّين، فبادرت طائفةً وقصدوا أَذْرَبَيْجَان، فلم يُقْدِم جلال الدِّين على لقائهم، فملكوا مراغة فعاثوا بأَذْرَبَيْجَان، فسار هو إلى آمِد، وتَفَرَّقَ جُنده، فَبَيَّتَه التّتار ليلةً، فنجا وتَفَرَّقَ أصحابُه في كلّ وجه. فقصد طائفةٌ منهم حَرَّان، فأوقع بهم الأمير صواب مُقَدَّم الملك الكامل بحرّان، فقصد طائفة منهم سنجار والمَوْصِل وغير ذلك. وتخطَّفتهم الملوك والرَّعيَّة، وطمعَ فيهم كلّ أحدٍ حَتّى الفلّاحون والأَكراد، وانتقم الله منهم. ودخل التّتار ديار بكر في طلب جلال الدِّين، لا يعلمون أين سلك؟ فسبحانَ مَنْ بَدَّل عِزّهم ذُلًّا، وكَثرتَهم قِلَّة، وأخذت التّتار أسَعَرْدَ بالأمان، ثمّ غَدَرُوا بهم، وبذلُوا فيهم السَّيْفَ. ثمّ ساروا منها إلى مدينة طَنزَة، ففعلُوا فيها كذلك. ثمّ ساروا في البلاد يُخرّبونها إلى أن وصلوا ماردين، وإلى نَصيبين، إلى أن قال: وخرجت هذه السّنة ولم يتحقّق لجلال الدِّين خبر، ولا يُعْلم هَلْ قُتِلَ؟ أو اخْتَفَى؟ والله أعلم.
قلت: وفي المحرَّم وصل الملك مُظَفَّر الدِّين صاحب إربل إلى بغداد، واحتُفِلَ بقدومه، وجلس المستنصر بالله له، وحضر أربابُ الدَّولة كُلُّهم، ورُفِعَ السِّتر عن الشّبّاك، فإذا المستنصِرُ جالس، فقبَّل الجميعُ الأرضَ. ورقي نائب [ص:657] الوزارة مؤيَّدُ الدِّين، وأستاذُ الدّار مراقيَ مِن الكرسيّ المنصوب بينَ يدي الشُّبّاك. واستُدْعِي مُظَفَّر الدّين، فطلع، وأشار بيده بالسَّلام على المستنصر، ثمّ قرأ: " {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لكم دينكم} " الآية، فردَّ المستنصِرُ عليه السَّلام، فقبّل الأرضَ عِدَّة مرار، فقال له: إنَّك اليوم لَدَيْنَا مكينٌ أمين في كلام مضمونُه: ثَبَت عندنا إخلاصُك في العبوديَّة. فقبَّل الأرض، وأُذِنَ له في الانكفاء، وأُسْبِلَتِ الْأَستارُ، وأُدْخِلَ حُجْرَة، فَخُلِعَ عَلَيْه فَرجيَّة ممزج، وَمِن تحتها قَباء أطلسُ أسودُ، وعِمامة قصب كُحليَّة بطرز ذهب، وقُلد سيفين محلاّيين بالذّهب، وأمطي فرساً بسرج ذهبٍ، وكُنبوش ومَشَدَّة حرير، ورُفع وراءه سنجقان مذهّبَانِ. ثمّ اجتمع بالخليفة يومًا آخر، وخُلِعَ عليه أيضًا، وأعطى رايات وكوسات وستّين ألف دينار، وخلع على جماعة من أصحابه.
وفيها جُدِّد لمشهد أبي بكر من جامع دمشق إمامٌ راتب.
وفيها كان الغلاء بمصر لنقص النّيل.
وفيها قَدِمَ الملك الأشرف دمشق، وحبس الحريريَّ بقلعة عَزَّتا، وأفتى جماعةٌ بقتله وزندقته، فأحجم السّلطان عن القتل.
وأمر السُّلطانُ بشراء دارِ الأمير قيماز النّجميّ، لتُعْمَل دارَ حديث، فهي الدّار الأشرفيَّة، وأن يكون للشّيخ سبعون درهمًا، وهو الجمالُ أبو موسى ابن الحافظ، فمات أبو موسى قبلَ أن يكمل بناؤها.
وفيها درَّس بالتَّقوية العمادُ الحَرَستانيّ، وبالشّاميَّة الجوّانيَّة ابن الصّلاح. وحضر الملكُ الصَّالح الدَّرسَ؛ وتكلّموا في هذه المدرسة، وأرادوا إبطالها، وقالوا: وهي وقف على الحنفيَّة، وعَمِلُوا محضرًا أنّ سودكين المعروفة به أوّلًا وقَفَها على الحنفيَّة، وشهد ثلاثة بذلك بالاستفاضة، فلم ينهض بذلك.
وفيها صُلِبَ التّاجُ التّكريتيّ الكَحّال؛ لأنّه قتل جماعةً ختلًا في بيته، ودفنهم، ففاحت الرائحةُ، وعدمت امرأةٌ عنده، فصلب، وسمّروه.
ودرَّس بالصّاحِبيَّة - مدرسة ربيعة خاتون - النّاصحُ ابن الحَنْبَليّ، وكان يومًا مشهودًا، حَضَرَت الواقِفَةُ وراءَ الستر.(13/655)
-سنة تسع وعشرين وستمائة
فيها أُنْهي إلى الديوان العزيز أنّ التتر قصدوا أَذْرَبَيْجَان وعاثُوا بها، لأنّ صاحبَها جلال الدِّين ابن خُوارزم شاه قُتِلَ؛ قتله كُردي بحربةٍ؛ وكان قد انهزم من التّتار لَمّا بيَّتوه، وساقُوا وراءَه حَتّى بَقِيَ وحدَه، وقتلَ فارسين من التّتار، ولجأ إلى جبلٍ به أَكْرادٌ، فقتله هذا الكرديُّ بأخٍ له كما زعم، فعاثُوا وأفسدوا، ووصلُوا إلى شَهْرَزُور. فبذل المستنصِرُ بالله الأموالَ في الجيوش، وسأل مُظَفَّر الدِّين صاحبُ إربل إعانتَه بجيش بغداد ليلتقي التّتار، فجاءته العساكر مع جمال الدِّين قشتمر النّاصِريّ، وشمس الدِّين قيران، وعلاء الدِّين ألْدكُز، وفلكِ الدِّين، وسار الكلّ نحو شهرزور. فبلغ التّتار، فهربوا. وتمرّض مظفّر، وعاد إلى بلده.
وفي شَوَّال تقدّم إلى أستاذ دارِ الخلافة شمسِ الدِّين أبي الأزهر أحمد بن مُحَمَّد ابن النّاقد، وإلى مؤيّدِ الدِّين أبي طالب محمد بن أحمد ابن العَلَقْميّ مُشْرِف دار التّشريفات، بالقبضِ على نائب الوزارة القُمّيّ، وعلى ولده فخر الدِّين أحمد، وعلى أخيه وأصحابه، فهُيِّئ جماعةٌ بسيوفٍ مجرّدةٍ، ودخلُوا دارَ الوزارة، وقبضوا على مؤيَّد الدِّين القُمّيّ، ثمّ على ولده وأخيه، وحُبِسُوا. وكانت مُدَّةُ ولايته الوزارةَ بصورةِ النّيابة لا الوزارةِ المحضةِ ثلاثًا وعشرين سنةً. ثمّ ولي نيابةَ الوزارة ابن النّاقد المذكور، ثمّ وَلِي الأستاذُ داريّه مؤيّد الدِّين ابن العَلْقَمي الرَّافضيّ.(13/658)
-سنة ثلاثين وستمائة
فيها افتتح الملكُ الكاملُ ثغرَ آمِد بعد أن ضربها بالمجانيق، فَسَلَّمها صاحبُها الملكُ المسعود مودودُ ابن الصّالح الأتابَكيّ، وخرج وفي رقبته منديلٌ فرسم عليه، واستولى على أمواله وقلاعه، وبقي حصنُ كيفا عاصيًا، فسيَّر أخويه الأشرفَ والمظفّر غازيًا، ومعهما المسعود تحت الحَوْطةِ، فعذَّبَهُ الأشرفُ عذابًا عظيمًا، لكونه لم يُسَلِّم حصن كيفا، ولأنّه كَانَ يُبْغضه.
قال أبو المظفّر ابن الجوزيّ: فقال لي الملك الأشرف: وجدنا في [ص:659] قصره خمسمَائة حرّةٍ من بنات النّاس للفِراش. ثمّ سُلِّمت القلعةُ في صفر، وعاد الأشرف إلى دمشق.
قال أبو شامة: سَمِعْتُ الصاحب بدرَ الدِّين جعفرًا الآمِديّ يحكي عن عظمة يوم دخول الكامل إلى آمد شيئاً ما نُحْسِنُ نُعَبِّرُ عنه، قال: وأخذ جميعَ رؤساء آمِد إلى مصر، فكنت أنا؛ وابنُ أختي الشّمس، وأخي الموفّق فيهم. فلمّا وصلنا الفرات قال أخي: اسمعُوا مني، لا شَكَّ أنا نَعبر إلى بلادٍ ليس فيها أحدٌ يعرفنا، ولا يعضُدُنا، ولا معنا مال نَتَّجِرُ فيه، فعاهِدوني على أداء الأمانة في خِدَمنا، فعاهدناه، فرزقنا الله بالأمانة أنَّا خدمنا في أجلّ المناصب بمصر والشّام، ورأيتُ جماعةً ممن كانوا أكبرَ منّا ببلدنا في مصر، يستعطونَ بالأوراق. وافتقر أهل آمِد، وتمزّقوا.
ونقل الصّلاح الإرْبِلِّيّ في أمرِ الملك المسعود أنَّه كَثُرَت عنه الأقاويلُ، واشتهر أنّ عينَه كانت ممتدةً إلى حُرَم رعيّته، فَوَكَّلَ نساءً يطفْن في آمِد، ويكشفن عن كُلّ مليحة، فإذا تحقّق ذلك سيّر من يحضرها قهراً، ويخلو بها الأيّام ويردُّها. وكان ظالمًا. ولَمّا كلموه في تسليم بلاده، وأنّ الكامل يُعطيه خُبْزًا جليلًا بمصر، قال: بشرط أنّ لا يُحجر عليّ، فإنّي ما أصبر عن المغاني والنّساء. فلمّا أَدَّى الصّلاحُ الرسالةَ إلى الكاملِ، تضاحكوا، وعمل الصلاحُ؛ وكان شاعرًا:
ولَمّا أَخَذْنَا آمِدًا بسُيوفِنَا ... ولَمْ يَبْقَ لِلمَخْذُولِ صَاحِبِهَا حِسُّ
غَدَا طَالِبًا مِنَّا أمانًا مؤكّدًا ... وقال مُنَايَ ما تَطَيِبُ بِهِ النَّفْسُ
سَلامةُ أَيْرِي ثمّ كُسّ أَنِيكُه ... فَقُلْنَا لَهُ خُذْ مَا تَمَنَّيْتَ يا نَحْسُ
ثمّ سلَّم الكامل جميعَ ذلك لولده الصّالح نجم الدّين أيّوب.
وتوجّه القاضي الأشرف أحمد ابن القاضي الفاضل رسولاً من الكامل، ثمّ عاد مع رسول الخلافة الصّاحبِ محييّ الدِّين ابن الجوزيّ إلى الكامل، ومعه تقليدٌ من المستنصر بالله بسلطنة الكامل، من إنشاء الوزير أبي الأزهر أحمد ابن النّاقد، وبخطّ العدل ناصر بن رشيد، وفي أعلاه بخطِّ الوزير: " للآراء المقدّسة زادها الله جلالًا وتعظيما مزيد شرفها في تتويجه "، وتحت البسملة علامة المستنصر بخطّه: " الله القاهر فوقَ عباده "، وأوَّله خطبة وإسراف [ص:660] في تعظيم الخليفة، وفيه: " وآمرُه بتقوى الله، وبكذا، وبكذا ". وفي أوائله: " ولَمّا وَفَّقَ الله تعالى نصير الدّين محمد ابن سيف الدِّين أبي بكر بن أيّوب من الطّاعة المشهورة، والخِدَم المشكورة، إلى أن قال: وَوَسَمهُ - يعني الخليفة - بالمَلكِ الأجل، السيَّد الكامل، المجاهِد، المُرابطِ، نصير الدِّين، ركنِ الإسلام، أثير الإمام، جمالِ الأنام، سند الخلافة، تاجِ الملوك والسّلاطين، قامع الكفرة والمشركين، ألب غازي بك مُحَمَّد بن أبي بكر، مُعِين أمير المؤمنين، رعايةً لسوابق خدمة، وخدم أسلافه ".
وفيها كَانَ الغلاء ببغداد، وأبيع كُرُّ القمح بنيّفٍ وثمانين ديناراً.
وفيها وقَعَ بينَ صاحب ماردين، وبين صاحب الروم، والملك الأشرف، فنزل صاحبُ ماردين، وجاءته عساكرُ الروم فحاصروا حرَّان والرُّها والرَّقة، فاستولَوْا على الجزيرة. وفعلت الروم في هذه البلاد كما تفعل التّتار.
وفيها جمع راجح بن قَتَادَة جمعًا، وقدم مكّة، فدخلها، وطرد عنها عسكر صاحب الملك الكامل.
وفي ربيع الأوّل نُفِّذ أبو صالح نصر بن عبد الرّزّاق الجيليّ رسولًا إلى مظفّر الدِّين صاحب إربل، وبدر الدِّين صاحب المَوْصِل.
وفي رمضان تُوُفّي صاحب إِرْبِل، فتُقُدِّمَ إلى شرف الدِّين إقبال الخاصّ الشّرابيّ بالتّوجه إلى إِرْبِل، فتوجَّه بالعساكر، وجعل مُقَدَّمَها جمالَ الدِّين قشتمر. وكان بقلعة إربل خادمان: برنقش؛ وخالص، فكاتبا عِمَاد الدِّين زنكي؛ صهر مظفّر الدِّين، يَحُثَّانِهِ على المجيء ليُعطياه البلَد. فلمّا وصل عسكرُ الخليفة، عصيا وتمرَّدا. فشرعوا في محاصرتهم، وتفاقم الشَّرُّ، ثمّ زحف العسكرُ على البلد، وحمي القتال، ثمّ ظهروا على إربل، وألقوا النّارَ في أبوابها، ودخلُوها، ونهب الأوباشُ بعض الدُّور، وسُلِّمَتِ القلعةُ، ورتّب بها نواب للخليفة، وضُرِبَتِ البشائرُ ببغداد. وأُمِّرَ على إرْبل شمس الدّين باتكين أمير البصرة؛ فسار إليها ورتَّب بها عارِضَ الجيش تاجَ الدِّين محمد بن صلايا العلويّ.
وفيها جاء مِن جهة الكامل عسكرٌ استولَوْا على مكّة، وهرب راجح بن قتادة.
وفيها فراغ دار الحديث الأشرفيّة، وفتحت ليلة نصف شعبان، وقرئ بها " البخاريّ " على ابن الزُّبَيْديّ، وسمعه خلائق. وكانت أوّلًا تُعرف بدار قايماز النّجميّ مولى نجم الدّين أيّوب.(13/658)
بسم الله الرحمن الرحيم
- (الوفيات)(13/661)
-سنة إحدى وعشرين وستّمائة
ذكر من تُوُفّي فيها(13/661)
1 - أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد، أَبُو الْعَبَّاس البَرَدانيّ الضّريرُ. [المتوفى: 621 هـ]
قَدِمَ بغدادَ، وَحَفِظَ القرآن، وقرأ بالرواياتِ، وَرَحَلَ، فقرأَ بالعَشرة على ابن الباقِلّانيَ، وبرع في التّجويد، وحفظ الحروف. وكان يقرأ في التراويح بالشَّواذِّ رَغْبَةً في الشُّهرة.
قال ابن النّجّار: لم يكن في دينهِ بذاك؛ سَمِعْتُ قراءَته وكانت في غاية الحُسْن، لم أسمع قارئًا أَشَدَّ صَوْتًا منه. أنشدني أحمد بن عليّ، قال: أنشدنا ابن المُعَلِّم لنفسه بواسطَ:
وَقَفتُ أشكو اشتياقي والسّحاب به ... فانْهلّ دمعي وما انهلّت عَزَالِيه
النّارُ من زفراتي لا بَوارِقِهِ ... والماءُ من عَبَراتي لا عَوَادِيهِ
يُوهي قُوَى جَلَدِي مَنْ لا أبوحُ بِهِ ... ويَسْتَحِلُّ دمي مَنْ لا أُسَمِّيه
لم أدْر حينَ بدا والكأسُ فِي يَدِهِ ... مِن رِيقِهِ الخمرُ أمّ عَيْنَيهِ أمّ فيهِ
فما المُدَامَة إلّا من ثَنِيَّتِهِ ... ولا التَّظَلُّمُ إلّا مِن تَثَنَّيهِ
حَكَتَ جواهِرَه أيامُه فَصَفَتْ ... وحَدَّثَتْ عن لَيالِيه لآلِيه
فيه مِنَ النَّاس ما في النّاسِ مِنْ حَسَن ... وليس في الخَلْقِ مَعْنًى من مَعَانِيهِ(13/661)
2 - أحمدُ بْن مُحَمَّد بْن علي، أَبُو الْعَبَّاس القادِسيُّ ثمّ البغداديّ الضّرير الحنبليّ المقرئ، [المتوفى: 621 هـ]
والدُ المؤرخ الّذي ذيّل على " المنتَظَم " لابن الجوزيّ أبي عبد الله محمّد. [ص:662]
ولد في حدود سنة ثمانٍ وأربعين وخمسمائة، وقرأ القرآنَ على عبدِ الله بن أحمد الدَّاهِريّ. وسمع من يحيى بْن ثابت، وَأَبِي الْحُسَيْن عبدِ الحقّ، وغيرهما.
وهو من أهل القادسيّة: قرية بين سَامَرَّاء وبغداد، لا قَادِسية الكُوفة المشهورة، وَمِن أعمال جزيرة ابنِ عُمَر قريةُ القادِسية، ومن نواحي إربل، أخرى. تُوُفّي في شَوَّال، وكان صالحًا خيِّرًا.(13/661)
3 - أحمد بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن مُفَرِّج بْن حاتم بن الحَسَن بن جعفر، القاضي أبو المعالي المقدسيُّ ثمّ الإسكندرانيُّ، المنعوت بالصَّفيّ ابن الواعظ، [المتوفى: 621 هـ]
هو ابن عَمّ الحافظ عليّ بن المُفَضَّل.
سَمِعَ من السِّلَفيّ، وعبدِ الواحد بن عسكر، ومحمدِ بن عليّ ابن العريف. روى عنه الزكي المنذري، وقال: توفي في المحرَّم.(13/662)
4 - أحمد بن مُطيع بن أحمد بن مُطيع، أبو العبّاس البَاجِسْرَائِيّ. [المتوفى: 621 هـ]
صَحِبَ الشيخ عبدَ القادر، وقرأ عليه كتاب " الغُنية " تصنيفَه. وحَدَّث. وكان مقيمًا بقرية باجِسْرا من نواحي بغداد، وبها مَاتَ في المحرَّم. روى لنا عنه بالإجازة الشّهاب الأبَرْقُوهيّ، وبالسَّماع أبو الفضل مُحَمَّدُ بن محمد ابن الدَّبَّاب.(13/662)
5 - أحمد بن يوسُف ابن الشيخ أبي الحَسَن مُحَمَّد بن أحمد بن صِرْمَا، أبو العبّاس بن أبي الفَتْح البَغْداديُّ الأَزَجيّ المُشْتري. [المتوفى: 621 هـ]
وُلِدَ ظنًّا في سنةِ سِتٍّ وثلاثين. وسمع الكثيرَ من أبي الفضل الأُرْمَويّ، وابن الطَّلَّايَة، وابنِ ناصر، وعبد الخالق اليوسفيّ، وسعيد ابن البَنَّاء، وأبي الوَقْت، وغيرهم.
وقد تقدَّم أخوه محمد. [ص:663]
روى عنه الدُبيثيّ، والضّياء، والفقيهُ أبو الحَرَم مكيُّ بن بِشْر، وشُهْدَة، وزينب، ومحمد أولادُ القاضي أبي صالح الجيليّ، والكمالُ عبد الرحمن الفويره، والجمال محمد ابن الدَّبَّاب؛ البغادِدة، والشهابُ الأبَرْقُوهيّ. ونقلت من خط أبي العلاء الفَرَضيّ؛ أنَّه سَمِعَ من الأُرْمَويّ كتاب " المصاحف " لابن أبي داود، و" المهروانيّات الخمسة "، و" صفة المنافق "، و" جزء " أَبِي بَكْر الصَّيْدلانيّ، والتاسع من " فضائل الصّحابة " للدَّارَقُطْنيّ، والأول من " صحيح الدَّارَقُطْنيّ "، والثالث من " البرّ والصّلة " لابن المبارك، و" جزء " ابن شاهين، والثالث من " الحربيّات " وأنّ ذلك كُلُّه سَمِعَه من ابن صِرْما الجمالُ ابن الدّبّاب.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ، وَالْفَتْحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قال: أخبرنا ابن النّقور، قال: أخبرنا عليّ بن عمر الحربيّ، قال: حدّثنا أحمد بن الحسن الصوفيّ، قال: حدّثنا يحيى بن معين في شعبان سنة سبعٍ وعشرين ومائتين، قال: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " الْمَيِّتُ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ.
تُوُفِّيَ ابْنُ صِرْمَا في سادس عشر شعبان.(13/662)
6 - إبراهيم بن عيسى بن أَصْبَغ، الإمام أبو إسحاق الأزْديُّ القُرْطُبيّ، المعروف بابن المُنَاصِف. [المتوفى: 621 هـ]
شيخُ العربيّة، وأوحدُ زمانه بإفريقيه. وكان جدّه أبو القاسم أَصْبَغ من كبار المالكية بقُرطبة. [ص:664]
لأبي إسحاق تصانيف تشهد بالبراعة.
قال ابن مسْدي: أملى علينا بدانية على قول سِيبَويْه: هذا باب ما الكلِم من العربية، نحو عشرين كرّاسًا، بسط القول فيها في مائة وثلاثين وجهاً. مات على قضاء سجلماسة بعد سنة عشرين وستّمائة.(13/663)
7 - إبراهيم بن مجاهد بن مُحَمَّد، أبو إسحاق اللَّخْمِيّ الأندلسيُّ، المعروف بابن صاحب الصَّلاة، [المتوفى: 621 هـ]
من أهل حصن ألماشة عمل شَاطِبَةَ.
روى عن أبي الحَسَن بن هُذَيْل، وغيرِه، وأقرأ القرآنَ، وحَدَّث.
كَانَ حيًّا في رمضانِ هذه السنة.(13/664)
8 - أَمَةُ الرحيم بنتُ عفيف بن المبارك بن حُسَيْن، سيِّدة العلماء البغداديّةُ الأَزَجيّة. [المتوفى: 621 هـ]
كَانَ أبوها حنبليًا، ناسخًا، فسمَّعها مِن أبي الوَقْت السِّجْزِيّ. وكانت صالحة خيِّرة، روت " المائة الشُّرَيحيَّة ". وأجازت للِكمال الفُوَيْرِه. وماتت في شوّال.
روى عنها ابن النّجّار.(13/664)
9 - الحَسَن بن عَرِيب بن عِمران، الحَرَشيّ، [المتوفى: 621 هـ]
من أُمراء العرب بالعِراق.
كَانَ شاعرًا، سَمْحًا، جوادًا، كريمًا، رُبّما وَهَبَ المائة من الإِبل.
ومن شِعْره، وأجاد:
صَحَا قلبُه لَا مِن مَلام المُؤَنِّب ... وَلَا مِن سُلُوِّ عَنْ سُلَيْمَى وَزَيْنَبِ
سِوى زَاجِرَات الحِلْم إذْ وَضَحَتْ لَهُ ... حَوَاشِي صبحٍ في دَيَاجر غَيْهَبِ
وَطَارَ غُرابُ الْجَهْلِ عَنْ رَوْضِ رَأْسِهِ ... وَكَلَّتْ قَلُوصُ الرَّاكِبِ المُتَحَوِّبِ [ص:665]
وَقَضَّيْتُ أَوْطَارَ الشَّبِيبَةَ والصِّبَا ... سِوى رشفةٍ من بارد الظَّلْمِ أَشْنَبِ(13/664)
10 - الحَسَنُ بن محمود، العَدْلُ نبيه الدِّين أبو عليّ القُرَشيّ المِصْريّ الشّافعيّ الشُّرُوطيُّ الكاتب. [المتوفى: 621 هـ]
مِنْ كبارِ العُدُول، وَلِيَ العقودَ، والفروضَ، والحِسبةَ بالقاهرة مُدَّةً، وولي الوَكالة السُّلطانية بالقاهرة ومصر، وسَمِعَ من يوسُف بن الطُّفيل.(13/665)
11 - الحَسَن بن محمود بن عَلون البَعقوبيّ المُعَدَّل. [المتوفى: 621 هـ]
حدّث عن أبي المعالي محمد ابن اللّحّاس، ومات في رجب ببعَقُوبا. أخذ عنه اللّطيف بن بُوَرْنداز.(13/665)
12 - حُلَلُ بنتُ الشيخ أبي المكارم محمود بن مُحَمَّد بن محمد بن السَّكَن البغداديّة، وتُدعى ستَّ المُلوكِ. [المتوفى: 621 هـ]
روت بالإِجازة عن أبي الوقت.(13/665)
13 - خديجةُ بنتُ عليّ بن الحَسَن بن أبي الأسود ابن البَلّ. [المتوفى: 621 هـ]
روت أيضًا بالإِجازة عن أبي الوَقْت. وماتت في رجب، بعد حُلَلٍ بشهرٍ.(13/665)
14 - داودُ بن سُلَيْمان بن داود بن عبد الرحمن بن سُلَيْمان بن عُمَر بن خَلَف بن عبد الله بن عبد الرؤوف بن حَوْط الله، المُحدِّث أبو سليمان الأنصاريّ الحارثيّ الأُنْدِيّ، [المتوفى: 621 هـ]
وأُنْدَةُ: من عمل بلنسية.
سكن مَالقَة، وأخذ عن أبيه، وأخيه أبي مُحَمَّد عبد الله الحافظ، ورَحَل في نواحي الأندلس، فسمع بِبَلَنْسِيَةَ من أبي عبد الله بن نوح، وأبي بكر بن مُغَاور بشاطبة، ومن أَبِي القاسم بْن حُبَيْش، وَأَبِي عَبْد اللَّه بن حَميد بمُرسية، ومن أبي القاسم بن بَشْكُوال بقُرطبة وأكثر عنه، ومن أبي عبد الله بن زَرْقُون بإشبيلية، ومن أبي عبد الله ابن الفخّار بمالقة، ومن عبد الحقّ بن بونه بالمُنكِّب، ومن أبي عبد الله بن عروس بغَرناطة، ومن أبي مُحَمَّد بن عُبَيْد الله بسبتة، ومن خلقٍ كثير. [ص:666]
وأجاز له أبو الطّاهر بن عَوْف، وغيرُه من الإسكندرية.
قال الأبّار: وشيوخُه يزيدون على المائتين. وكانت الروايةُ أغلب عليه من الدِّراية. وكان هو، وأخوه أوسعَ أهل الأندلس روايةً في وقتهما، مع الجلالة والعدالةِ. وكان أبو سُلَيْمان وَرِعًا، منقبِضًا، وَلِيَ قضاءَ الجزيرة الخضراء، ثمّ قضاء بَلَنْسِيَة، وبها لقِيتُه. وتُوُفّي على قضاء مَالِقَة في سادس ربيع الآخر، وله تسعٌ وستّون سنة.
وأخذ عنه ابن مَسْدي وقال: لم أرَ أكثرَ باكيًا مِن جنازته، وحُمِلَ نعشُه على الأكفّ.(13/665)
15 - رُقَيَّةُ بنتُ الزّاهد أحمد بن مُحَمَّد بن قُدامة، [المتوفى: 621 هـ]
أخت الشيخ الموفَّق، أمّ الحافظ الضّياء والمفتي شمس الدّين أحمد المعروف بالبخاريّ.
روت بالإجازة عن أبي الفتح ابن البَطِّي، وأحمد بن المقرب، وشُهْدَة.
روى عنها ابنُها الضّياء، وحفيدُها الفخر عليّ، وابن أخيها شمس الدِّين عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي عُمَر.
قال الضّياء: كانت امرأةً صالحةً، تُنْكِرُ المنكرَ، يخافُها الرجالُ والنّساء، وتَفْصِل بين النّاسِ في القضايا. وكانت تاريخًا للمقادسة في المواليدِ والوَفياتِ.
وتُوفِّيت في شعبان، وَوُلِدَتْ في حدود سنة ستٍّ وثلاثين.(13/666)
16 - زيدُ بن أبي المُعمَّر يحيى بْن أَحْمَد بْن عُبَيْد اللَّه، أَبُو بكر الأَزَجيّ البَيِّع. [المتوفى: 621 هـ]
وُلِدَ في حدود سنة سبعٍ وأربعين. وسمع من أبي الوقت، وأبي بكر ابن الزاغونيّ، وهبة الله ابن الشِّبليّ، وأحمد بن قَفَرْجَل، وابن البَطِّي. [ص:667]
وعُمَر، وتفرَّد بأشياء؛ روى عنه الدُبيثيّ، والبِرْزَاليُّ، والضِّياء، والشهابُ الأبَرْقُوهيّ، وآخرون.
وقرأت مولده بخطِّ الضّياء في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وقيل: إنَّه سمَّع لنفسه فيما لم يَسْمَعْهُ.
وقرأتُ بخطِّ ابن نُقْطَة قال: سَمِعَ من أبي الوقت " صحيح البخاريّ "، و" مسند الدّارميّ "، و" منتخب عَبْد ". وسَمِع من أبي القاسم بن قَفَرْجَل، وأبي القاسم ابن الشّبليّ، وسماعه صحيح من كثيرٌ ممّن ذكرنا، وغيرهم. وألحق اسمُه في " نسخة " محمد ابن السَّرِيّ التّمّار، في طبقة، عن ابن الزاغونيّ، وفي " جزء " لُوَيْن على فُورجة، وما أعلم أنَّه حَدَّث بشيءٍ من ذلك الملحق ألبَتَّةَ، ولا قرأه عليه أحدٌ. وتُوُفّي في نصف رمضان، وهو أخو أحمدَ، وعبدِ المنعم، ووالدهم يروي عن ابن الحُصَيْن. وعمّهم يونس: هو والِدُ الوزير جلال الدِّين بن يونس.
أَخْبَرَنَا أبو المعالي الهَمَذَانيّ، قال: أخبرنا زيد بن يحيى، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا عاصم، قال: أَخْبَرَنَا أبو عُمَر بن مَهْديّ، فذكر أحاديث.(13/666)
17 - سَعيدُ بن أبي طاهر هاشم بن هاشم، الإمام أمين الدِّين أبو البركات الحَلَبيُّ الخطيب. [المتوفى: 621 هـ]
سمع من محمد بن عليّ بن ياسر الحنّائيّ. روى عنه عبيد الله بن مريم، وشمس الدّين ابن خليل.
توفّي في ربيع الأوّل.(13/667)
18 - شهابُ بنُ محمد، أبو الحسين الكَلْبِيّ الأندلسيّ. [المتوفى: 621 هـ]
أجاز له السِّلَفيّ. كَانَ يُقْرِئ، ويكتبُ المصاحِفَ. [ص:668]
وكان حيّاً في هذا العام.(13/667)
19 - طالب بن أبي طاهر بن أبي الغنائم بن مِيشا البَغْداديُّ النّجّار. [المتوفى: 621 هـ]
روى عن يحيى بن ثابت، ومات في ربيع الْأَوَّل.(13/668)
20 - عَبْد الله بنُ حامد، أبو محمد المُعَافِريُّ. [المتوفى: 621 هـ]
رئيس مُرْسِيَةَ ومحتشمُها.
ذكره الأبّار، فقال: سَمِعَ، وصَحِبَ الأُدباء. وكان أحد رجالات الأندلس وجاهة وجلالة مع التحقيق بالكتابة والنظم، وإليه كانت رئاسة بلده.(13/668)
21 - عبد الله بن الحسن بن عبد الله، أبو الفتوح ابن رئيس الرؤساء في ديوان واسط. [المتوفى: 621 هـ]
وهو من بيت وزارة وحشمة. روى عن ابن البَطِّي، ويحيى بن ثابت.
تُوُفّي في جُمَادَى الأولى، بواسط.(13/668)
22 - عبدُ الله بنُ حمّاد بن ثعلب، أبو المحاسن البَغْداديُّ الضّرير. [المتوفى: 621 هـ]
روى عن شُهْدَةَ، وعبد الحقِّ اليُوسُفيّ. ومات في جُمَادى الآخرة.(13/668)
23 - عبد الله بن عبد المحسن بن عبد الأحد، أبو محمد ابن الربيب الإسكندراني المقرئ. [المتوفى: 621 هـ]
سمع السلفي، وعبد الواحد بن عسكر. روى عنه الحافظ عبد العظيم، وغيره. ومات في ربيع الآخر. وكان رجلا صالحا، خيّرا.(13/668)
24 - عبد الله بن المبارك بن سعد الله بن وهب البغدادي الخباز. [المتوفى: 621 هـ]
روى عن شُهْدَةَ، وغيرِ واحد، ومات في سلخ محرّم.(13/668)
25 - عبدُ الله بن أبي البركات بن هِبة الله، أبو بكر البَغْداديُّ، المعروف بابن السَّمين. [المتوفى: 621 هـ]
سَمِعَ من عليّ بن عساكر، وعبد الحقّ اليُوسُفيّ، ومات في رمضان.(13/669)
26 - عبد الخالق بن عليّ، أبو عليّ القَطِيعيّ، ويُعرف بابن البازِبازِيّ. [المتوفى: 621 هـ]
عمّر تسعين سنة. وروى بالإجازة عن أبي بكر ابن الزاغونيّ، وسعيد ابن البَنَّاء، وجماعة.(13/669)
27 - عبدُ الرحمن بْن أبي سَعْد عَبْد اللّه بْن مُحَمَّد بن أبي عصرون، القاضي نجم الدِّين التَّميميّ، ابن شيخ الشّام شرف الدِّين. [المتوفى: 621 هـ]
مات بحماة في ثامن عشرَ رمضان.(13/669)
28 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد السميع بْن أبي تمام عَبْد اللَّه بْن عَبْد السّميع، الإمام أبو طالب القُرَشيّ الهاشميُّ الوَاسِطيّ المقرئ المُعَدَّل. [المتوفى: 621 هـ]
وُلِدَ سنة ثمانٍ وثلاثينَ وخمسمائة. وقرأ القرآنَ على أبي السّعادات أحمد بن عليّ بن خليفة، وأبي حُمَيْد عبد العزيز بن عليّ السُّمَاتيّ، قَدِمَ عليهم، وسَمِعَ من جدّه، ومن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي زَنْبَقة، وأبي يَعْلَى حَيْدَرة الرَّشيديّ، وخلقٍ بواسطَ. وسمع ببغداد من أبي المظفر هبة الله ابن الشِّبليّ، وسَعْد الله بن حمدي، وابن البَطِّي، وابن تاج القرّاء، والشيخ عبد القادر، وأبي بكر بن المقرّب، وطائفة. وكتب الكثيرَ لنفسه، ولِغيره، وصنَّف أشياء حسنةً. وروى الكثيرَ بواسط.
وكان مِن أكابر أهل بَلَده وعُلمَائِهم، ومن بيت العِلْم والدين. وكان ثقةً، حسنَ النقل. روى عنه الدّبيثيّ، وأبو الطاهر ابن الأنماطيّ، وجماعةٌ. وروى عنه بالإِجازة أبو المعالي الأبَرْقُوهيّ.
ومات في سادس المحرَّم.(13/669)
29 - عبد الرشيد بن محمد بن عبد الرشيد بن ناصِر بن عليّ، أبو مُحَمَّد السَّرخسيّ الرَّجائيّ، [المتوفى: 621 هـ]
ورجاء: مِن قُرى سرخس.
إمامٌ فاضلٌ، ديِّن، واعظٌ، مُذَكِّر، رُزِقَ القبولَ التَّام بأصبهان. مولده في ذي القعدة سنة خمسين وخمسمائة. سافر به والده، وحجَّ به، وأسمعه مِن هبة الله بن أحمد الشِّبليّ، وهِبة الله الدّقاق، وابن البَطِّي، وبالكُوفة من ابن ناقة. وسَمِعَ بأصبهان من محمود بن أبي القاسم، وأحمدَ بن التُّرْك، وطائفة.
وحَدَّث ببغداد. ولَمّا حجَّ سنةَ سبعٍ وستّمائة؛ روى عنه الحافِظَان الضّياء، وابن النّجّار. وقد أجاز لمن أدرك حياته؛ ذكر ذلك أبو رشيد الغَزّال في كتابه " الجمع المبارك والنفع المشارك ".
مَوْلِدُه بأصبهان، وبها مات في ذي القعدة من سَنةَ إحدى. وذكر الشيخ أيضًا موته في سَنةَ اثنتين، عندما بَلَغَه.(13/670)
30 - عبدُ العزيز بن عليّ، أبو الأَصْبَغ اللَّخْمِيّ الإشبيليُّ الظّاهِريّ، ويعرف بابن صاحب الرّدّ. [المتوفى: 621 هـ]
كان ممّن برع في فِقْه الظّاهريّة.
ذكره ابن مَسْدِي، فقال: كَانَ ذاكرًا لـ " صحيح " مُسلم، متظاهِرًا بمذهب أهل الظّاهر، رافعًا رايةَ تلك المظاهر، مع الثقةِ، والأصالة. سَمِعَ ابن الجدِّ، وأبا عبد الله بن زَرْقُون. سَمِعْتُ منه. ومات في عاشر شعبان عن ثمانٍ وخمسين سَنةَ.(13/670)
31 - عبدُ الغنيّ بن أبي القاسم عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي البقاء هبة اللَّه بن القاسم بن منصور بن البُنْدَار، أبو الفَتْح البَغْداديُّ الحريميّ العدل. [المتوفى: 621 هـ]
ولد سنة أربعٍ وأربعين وخمسمائة، وسَمِعَ من أبي الوَقْت السِّجْزِيّ، وأبي جعفر مُحَمَّد بن محمد الطّائي، وابن اللَّحّاس.
وهو مِن بَيْتِ الحديثِ؛ روى عنه الدُبيثيّ، والبِرْزَاليُّ، والجمال [ص:671] مُحَمَّد بن أبي الفَرَج ابن الدَّبَّاب، وغيرُهم.
ومات في صفر.(13/670)
32 - عبدُ القَوِيّ ابن القاضي الجليس أبي المعالي عَبْد العزيز بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن، القاضي الأسعد أبو البركات ابن الْجَبَّاب التَّميميّ السَّعْديّ الأَغْلَبيُّ المِصْريّ المالكيُّ المُعَدَّل. [المتوفى: 621 هـ]
وُلِدَ سَنةَ ستٍّ وثلاثين وخمسمائة. وسمع من الشريف أبي الفتوح الخطيب، وأبي محمد بن رِفاعة، وابن العِرْقيّ، وأبي طاهِر السِّلَفيّ، وأبي البقاء عُمَرَ ابن المقدسيّ.
روى عنه عمر ابن الحاجب، وأبو الطّاهر ابن الانماطيّ، والزَّكيُّ المُنذريّ، والفخر عليّ ابن البُخاريّ، وشرفُ القضاة محمد بن أحمد بن محمد ابن الْجَبَّاب، والنَّجيبُ محمد بن أحمد بن محمد الهَمَذَانيّ، والشهابُ أحمد بن إسحاق الأبَرْقُوهيّ، وأحمد بن عبد الكريم الأَغْلَاقيّ، وطائفةٌ سواهم.
ذكره ابن الحاجب في " مُعْجمه " فقال: من بيت السُّؤْدُد، والكَرَم، والفضل، والتّقدُّم، ذو كِياسة ورئاسة، ولَهُ مِن الوقار والهيبة ما لم يُعْرَفْ لِغيره. وكان ذا حلم، وأناةٍ، وصَمْت، وَلِيَ من أمور المملكة ولاياتٍ أبان فيها عن أمانة ونزاهة، كثير اللطف بالقريب والغريب، وأصلهم من القيروان. وتفرد " بالسيرة " عن ابن رفاعة.
قال: وقد كنتُ سَمِعْتُ بدمشق من بعض الطَّلبة: أنّ في سماعٍ شيخنا هذا كلامًا، فلمّا قَدِمْتُ مصر، بحثتُ عن سماعه، فوجدتُ أصلَ سماعة " بالسِّيرة " بيد القاضي فخرِ القُضاة ابن أخيه في عشر مجلّدات، وقد سَمِعَها على ابن رفاعة، وكَمُلَتْ في المحرَّم سَنةَ ستٍّ وخمسين بقراءة يحيى بن عليّ القَيْسيّ، وتحت الطبقة الأمرُ على ما ذُكِرَ وَوُصِفَ، وكتب عبدُ الله بن رِفاعة. وأوقفتُ بعضَ أصحابنا الطّلبة على هذه النسخة، ونقلها إليَّ صاحبنا الرفيع إسحاق ابن المؤيِّد الهَمَذَانيّ، والنسخة موجودةٌ الآن، وإنّما رأيتُهم يقولون: ما وُجِدَ سماعُه " للغريبين " إلّا في بعض الأجزاء، وأنّه قال: جميعُ الكتاب [ص:672] سماعي، فكان الكلام في هذا دونَ غيره. وكان شيخنا هذا ثقةً ثَبْتًا، عارفًا بما سَمِعَ، لا يُنْسَبُ في ذلك إلى غرض.
قال: ورأيتُ خطَّ تقيّ الدِّين الأنماطيّ، وهُوَ يُثني على شيخنا هذا ثناءً جميلًا، ويَذْكُرُ من جملة مسموعاته " السيرة " على ابن رفاعة. وكان قد صارت " السيرة " على ذكرِ الشيخ بمنزلةِ الفاتحة يسابق القارئ إلى قراءتها، وكان قيِّمًا بها وبمُشْكِلِها. وهُوَ أنبلُ شيخٍ وجدته بالدِّيار المصرية، روايةً ودرايةً. وكان لا يقرأ عليه القارئُ إلّا وأصله بيده، ولا يدعُ القارئ يُدْغِمُ. وكان أبوه جليسًا لخليفة مصر.
قال: وحضرتُه يومًا وقد أهدى لَهُ بعضُ السّامعين هَدِيّة، فردَّها وأثابه عليها، وقال: ماذا وقت هديةٍ، ذا وقتُ سماع. وكان طويلَ الروح على السَّماع مع مرضٍ كَانَ يجده. كنّا نسمعُ عليه من الصُّبح إلى العصر، إلى أن قرأنا عليه " السيرة " وعِدّة أجزاء في أيام.
ثمّ قال: أَخْبَرَنَا الإمامُ الأوحد الأسعد صفيُّ المُلْك أبو البركات، أحسن الله إليه، وما رأيتُ في رحلتي شيخًا ابن خمسٍ وثمانين سَنةَ أحسنَ هدْيًا وسَمْتًا واستقامة منه، ولا أحسنَ كلامًا، ولا أظرفَ إيرادًا منه، رحمه الله، فلقد كَانَ جمالًا للدِّيار المصرية، في صفر سَنةَ إحدى وعشرين، قال: أَخْبَرَنَا ابن رفاعة.
وقال ابن الحاجب أيضًا: قال لي ابن نُقْطَة: أبو البركات عبدُ القويّ ابن الْجَبَّاب، حَدَّثَنَا عن السِّلَفيّ، وسَمِعْتُ الحافظ عبد العظيم يَتَكَلَّم في سماعه " للسيرة " ويقول: إنَّه بقراءة يحيى بن عليّ، إمام مسجد العيثم، وكان كذّابًا. ثمّ قَدِمْتُ دمشقَ فذكرتُ ذلك لأبي الطّاهر ابن الأنماطيّ، فرأيتُه يثبِّت سماعَه ويصحّحه.
قلت: قرأت " السيرة " بكاملها في سِتَّةِ أيّام على الشهاب الأبَرْقُوهيّ، بسماعه لجميعها من أبي البركات في صفر سنةَ إحدى وعشرين. ومات في سَلْخِ شَوَّال مِن السنة. وقد روي كتاب " العُنوان " عن الشريف الخطيب، حدّث به عنه سَنةَ نيّفٍ وثمانين الشيخ أبو.(13/671)
33 - عبد الكريم بْن علي بْن الْحسن بْن الْحَسَن بْن أحمد بن الفرج، الرئيس الأثير القاضي أبو القاسم اللخمي البيساني ثم العسقلاني المولد المصري الدار الشافعي، [المتوفى: 621 هـ]
أخو القاضي الفاضل.
ولد سنة سبعٍ وثلاثين وخمسمائة، وسَمِعَ بالإسكندرية من السِّلَفيّ، وأبي مُحَمَّد العثمانيّ، وأخيه أبي الطّاهِر إسماعيل بن عبد الرحمن العثمانيّ.
روى عنه الحافظُ المُنذريّ، وغيرُ واحد من المِصْريّين.
وكان كثيرَ الرغبة في تحصيل الكُتب، مبالغًا في ذلك إلى الغاية، وملك منها جُمْلَةً عظيمة، بحيث لم يَبْلُغْنَا أن أحدًا من الرؤساء جَمَعَ منها ما جمع هو، اللَّهمّ إلّا أن يكونَ ملكًا أو وزيرًا.
وقال الموفّق عبدُ اللّطيف: كَانَ له هوسٌ مفرطٌ فِي تحصيل الكُتُب، وكان عنده زُهاء مائتي ألفِ كتاب، مِن كلّ كتاب نُسَخ.
وقال المنذريُّ: تُوُفّي في ثالث عشر المحرَّم.(13/673)
34 - عبدُ اللطيف بن مُعَمَّر بن عسكر بن القاسم بن مُحَمَّد، أبو مُحَمَّد الأَزَجيّ المؤدِّب المُخرِّميّ. [المتوفى: 621 هـ]
وُلِدَ في المحرَّم سَنةَ ثلاثٍ وأربعين وخمسمائة. وسَمِعَ من أبي الوَقْت، وَمِنْ أبيه، وأحمد بن المقرّب، وغيرهم.
قال الدّبيثيّ، وقد روى عنه في " تاريخه ": كان صَاحِبَ لهوٍ وخلاعةٍ. وذكره أيضًا في الشيوخ الذين أجازوا له.
وأخبرنا عنه الشِّهَابُ الأبَرْقُوهيّ، وتُوُفّي في ذِي القعدة.(13/673)
35 - عبدُ المحسنُ بن نصرِ الله بن كثير، الفقيه زين الدِّين ابن البيّاع، الشاميُّ الأصلِ المِصْريّ الشّافعيّ. [المتوفى: 621 هـ]
تفقَّه على أبي القاسم عبد الرحمن بن سلامة. وكان طلقَ العِبارةِ، جَيِّدَ [ص:674] القريحَةِ، مِن أعيان الشافعية. خطب بقلعةِ الجبل، وناب في الحُكْمِ بأعمالِ مصر، وتقلَّب في الخدم الدّيوانيّة.(13/673)
36 - عبد الواحد بن عبد العزيز بن عُلْوان، أبو محمد الحربيّ السَّقْلاطونيّ. [المتوفى: 621 هـ]
سَمِعَ من هِبة الله ابن الشِّبليّ، وأبي الفَتْح بن البَطِّي، وأحمدَ بن عبد الله اليُوسُفيّ، وعبد الرحمن بن زيد الورّاق.
روى عن ابن البَطِّي، جميعَ " حلية الأولياء " بسماعه من حمدٍ، عنه. ومات في ذي الحِجّة. روى لنا عنه بالإِجازة الأبَرْقُوهيّ.(13/674)
37 - عبد الواحدُ بْن يوسف بْن عَبْد المؤمن بْن عَلِيّ، السلطان أبو محمد القَيْسيّ، [المتوفى: 621 هـ]
صاحبُ المغرب.
ولي الأمرَ في ذي القعدة سَنةَ عشرين بعدَ أبيه يوسُف بن مُحَمَّد. وكان كبيرَ السنّ، عاقلًا، لكن لم يُدَارِ الدَّولة ولا أَحْسَن التّدبيرَ، فخلعوه وخنقُوه في حدود شعبان. وكانت ولايتُه تسعةَ أشهر. ولَمّا بُويع كَانَ بالأندلس ابن أخيه عبدُ الله بن يعقوب، فامتنع، ورأى أنَّه أحقُّ بالأمر واستولى على الأندلس بلا كلفة، وتلقَّب بالعادل. فلمّا خُنِقَ أبو محمد، ثارت الفرنج بالأندلس، فالتقاهم العادلُ، فانهزم جيشُه، وطلب هو مُرَّاكِشَ، وتركَ بإشبيلية أخاه إدريسَ، فأتى مُرّاكِش في أسوأ حالٍ، فقبضُوا عليه، ثمّ بايعوا أبا زكريا يحيى بن مُحَمَّد بن يعقوب بن يوسُف، أخا يوسُف، وهو لَمّا بَقَل وجهُهُ، فلم يَلْبَثْ أن جاءت الأخبارُ بأن إدريس أدَّعى الخلافةَ بإشبيلية، وبايعوه، ثمّ آل أمرُ يحيى إلى أنّ حَصَره العربُ بمرَّاكِش حَتّى ضَجِرَ أهلُ مُراكِش منه، وأخرجُوه، فهرب إلى جبل دَرَن، ثمّ تعصَّب له طائفة، وعاد، وقَتَل من بمرَّاكِش من أعوان إدريس، وهرب إدريس من الأندلس، وقد توثَّبَ عليه بها الأميرُ مُحَمَّد بن يوسُف بن هود الْجُذاميّ، ودعى إلى بني العبّاس، فمال إليه النّاسُ، وخرجوا [ص:675] على إدريس، فانتهى إلى مُراكش بجيشه، فواقع يحيى، فانهزم يحيى إلى الجبل.(13/674)
38 - عبدُ الوهّاب بن أبي المظفّر بن عبد الوهّاب ابن السَّبَّاك. [المتوفى: 621 هـ]
تُوُفّي ببغدادَ في ذي الحِجَّة. عنده " جُزْءُ " البانياسيّ، عن ابن البَطِّي. روى عنه ابن النّجّار.(13/675)
39 - عِزُّ النّساءِ بنتُ أحمد بن أحمد بن كَرَم البَنْدَنيجيّ، [المتوفى: 621 هـ]
أخت تميم.
سَمِعَتْ من وجيه ابن السَّقطيّ، وأبي الحُسَيْن عبد الحقّ، وتُوفّيت في ذِي الحِجَّة.(13/675)
40 - عليُّ بن عبد الله بن سَلْمان بن حُسَيْن، قاضي الحِلَّة أبو الحَسَن الحنفيّ. [المتوفى: 621 هـ]
قَدِمَ بغداد، وعَظُمَ شَأنه، حَتّى وَلِيَ قضاء القضاة في سَنةَ ثمانٍ وتسعين. وكان قليل الفقه، فَعُزِلَ بعد عامين لجهله وإرشائه، فرُسِمَ عليه، ونَزَح إلى بلده.
تُوُفّي في ذي الحِجَّةِ، وقد جاوز الثّمانين.(13/675)
41 - علي بْن عَبْد الرشيد بْن علي بْن بُنَيْمان بن مكّيّ، القاضي أبو الحَسَن الهَمَذَانيّ الحدَّاد المقرئ. [المتوفى: 621 هـ]
ولد سنة ثمانٍ وأربعين وخمسمائة، وقرأ القرآنَ ببعض الروايات على جدِّه الحافظِ أبي العلاء العطَّار، وسَمِعَ منه ومِن أبي الخير مُحَمَّد بن أحمد الباغبان. وحَضَرَ على أبي الوَقْت في الرابعة، وقَدِمَ بغداد، فتفقَّه بها مُدَّة على أبي الخير القزوينيّ، واستملى عليه بالنِّظاميّة. وخرج إلى الشّام ومِصْر، ثمّ عاد [ص:676] إلى همذان، فولي قضاءها، ثمّ قدم بغداد، وولي قضاءَ الجانب الغربيّ، ثمّ وَلِيَ قضاء تُسْتَر، واستوطنها.
وروى الكثير ببغدادَ، وسَمِعَ بها من أبي الفَرَج مُحَمَّد بن أحمد بن يحيى بن نبهان، وابن شاتيل. روى عنه الدُبيثيّ، والنّجيبُ عبدُ اللّطيف، وجماعة.
وقد ذَكَرَ ابن أنجب مَوْلِدُه في سَنةِ تسعٍ وأربعين.
تُوُفّي بِتُسْتَرَ في صفر، وكان يرتشي؛ قاله ابن النجّار.(13/675)
42 - عليّ بن محمد ابن النّبيه، الأديب [المتوفى: 621 هـ]
صاحب الدّيوان.
قيل: تُوُفّي بها، وقد تقدَّم في سَنةِ تسع عشرة. مات بنصيبين.(13/676)
43 - عليّ بن يوسُف بن أبي الكَرَم، أبو القاسم البَغْداديُّ الظَّفَرِيُّ الحمَّاميّ، [المتوفى: 621 هـ]
ابن أخت أبي الكَرَم بن صَبُوخا.
كَانَ شيخًا فاضلًا، يَرْجِعُ إلى تمييزٍ، ونباهةٍ، ومعرفةٍ، وجلالةٍ، وأخلاقٍ، جميلةٍ. وكان ثقة.
سَمِعَ من أبي الوَقْت، والوزير يحيى بن هُبَيْرةَ، ويحيى بن ثابت، وأبي زُرْعة، وجماعة. روى عنه ابن النّجّار، والدُبيثيّ، والأبَرْقُوهيّ، وجماعة.
ومَوْلِدُه في شَوَّال سَنةَ ثمانٍ وأربعين، وتُوُفّي في السَّادس والعشرين من رجب.
أخبرنا أبو المعالي الأبرقوهيّ، قال: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ بِبَغْدَادَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ الْكِسَائِيُّ حُضُورًا بأَبَرْقُوهَ، قَالا: أَخْبَرَنَا أبو الوقت، قال: أخبرنا الدّاووديّ، قال: أخبرنا ابن حمّويه، قال: أخبرنا الفربريّ، قال: [ص:677] حدّثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدّثنا عمر بن حفص، قال: حدّثنا أبي، عن الأعمش، قال: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يَقُولُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيُنَادِي بصوتٍ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ ". . . الْحَدِيثَ.(13/676)
44 - عليُّ بْنُ أَبِي سَعْدِ بن أحمد، أبو الحسن ابن تُميرة، الحربيُّ. [المتوفى: 621 هـ]
وُلِدَ تقريبًا فِي سَنةِ ثلاثٍ وَخَمْسِينَ. وسَمِعَ مِنْ هِبَة اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الشِّبليّ. وحَدَّث.
وَهُوَ أَخُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، تُوُفّي فِي رَجَبٍ.(13/677)
45 - عليٌّ الفَرْنَثِي، الرجلُّ الصالحُ. [المتوفى: 621 هـ]
كبيرُ الْقَدْرِ، صاحبُ كَرَامَاتٍ، وَرِيَاضَاتٍ، وَسِيَاحَاتٍ، وَلَهُ أصحابٌ مريدون. وَلَهُ زَاوِيَةٌ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ.
حَكَى الشيُخ الضِّيَاءُ فِي سِيرَةِ الشَّيْخِ أَبِي عُمَر، قَالَ: سَمِعْتُ الشيخَ مُحَمَّد بْنَ حَسَنٍ العِرَاقي، خادِم الشَّيْخِ عَلِيٍّ الفَرْنَثِي، قَالَ: جئتُ بِالشَّيْخِ عليُّ إِلَى قَبْرِ الشَّيْخِ أَبِي عُمَر، فَقَالَ: صاحبُ هَذَا الْقَبْرِ حيٌّ فِي قَبْرِهِ.
وَحَكَى الشَّيْخُ تقيُّ الدين ابن الْوَاسِطِيُّ: أنَّه حَضَرَ عِنْدَ الشَّيْخِ عَلِيٍّ فِي مَكَانٍ عَلَى الشَّرَفِ الأَعْلَى، فَبَيْنَا هُوَ قاعدٌ والنّاسُ حولَه، إِذْ صَفَّقَ فَخَرَجَ فقيرٌ، فَإِذَا أناسٌ مَعَهُمْ نعاير لَبَنٍ وَغَيْرِهَا، وَكَانَ إِذَا صفَّق عَلِمُوا أنَّه قَدْ جَاءَ فُتُوحٌ، أَوْ مَا هَذَا مَعْنَاهُ. [ص:678]
وَذَكَرَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَضْلِ، قَالَ: شاهدت الشيخ عليّ الفَرَنَثِي، والحَجَرُ ينزِل مِنَ الْمُقَطَّعِ، فيُشير إِلَيْهِ: يَا مُبَارَكُ يَمِينٌ، فينزِلُ يمينًا، وَيَقُولُ: يَا مُبَارَكُ شِمَالٌ، فَيَنْزِلُ شمالًا.
تُوُفّي الشَّيْخُ عليٌّ فِي شَهْرِ جُمَادَى الآخِرَةِ بِقَاسِيُونَ، وَبَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ قُبَّةً.(13/677)
46 - عُمَر بْنُ مُحَمَّد بن عُمَر بن بَرَكَة بن سَلامة بن أحمد بن أبي القاسم بن أبي الرَّيَّان، أبو حفص بن أبي بكر الدّاراقزّي الكاغَدِيّ. [المتوفى: 621 هـ]
وُلِدَ سَنةَ خمسٍ وأربعين، وقال مرّة: سنة سبعٍ وأربعين وخمسمائة، وسَمِعَ من أبي الوَقْت، وابن البَطِّي.
وكان شيخًا فهمًا، حَسَنَ الأخلاقِ؛ روى عنه الدُبيثيّ، وابن النّجّار. وَحَدَّثَنَا عنه الأبَرْقُوهيّ.
ومات في ذي الحجة.(13/678)
47 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الله، أبو عبد الله الأنصاريّ الأندلُسيُّ، المعروف بابن اليتيم وبابن البَلَنْسِيِّ وبالأَنْدَرْشِيّ، [المتوفى: 621 هـ]
من أهل المَرِيَّة.
سَمِعَ أباه، ولازَمَ أبا مُحَمَّد بن عُبيد الله. ورحل إلى بَلَنْسِيَةَ، فسَمِعَ من أبي الحَسَن بن هُذَيْل، وابن النِّعمة، وَبِمُرْسِيَة من أبي القاسم بن حُبيش، وغيرِه، وبمالِقَة أبا إسحاق بن قَرْقُول. وسَمِعَ بأشُبُونَةَ - مِن عمل قُرْطُبَة - من أبي مروان بن قَزمان؛ سَمِعَ منه بعض " الموطأ "، وسَمِعَ بقُرْطُبَة من ابن بَشْكُوالَ، وبغَرْنَاطَةَ من أبي خالد بن رِفاعة. ولقي بفاس أبا الحَسَن بن حُنين. وحجَّ؛ فسمِعَ بِبِجَايَةَ من الحافظ عبد الحقّ الإِشْبِيليّ، وسَمِعَ بالإسكندرية من أبي طاهر السلفي، وأبي محمد العثماني، وبالقاهرة من عثمان بن فَرَج، وببغدادَ من شُهْدَةَ الكاتبة، وبالمَوْصِل من الخطيب أبي الفضل الطُّوسيّ، وبدمشقَ من أبي القاسم بن عساكر الحافظ، وبمكّة من عُمَر الميانشيّ، وسَمِعَ من غيرهم ببلاد شتَّى. ووَلِيَ خطابَة المَرِيَّة.
قال ابن مَسْدِيّ: لم يكن سليمًا من التَّركيب حَتّى كَثُرَتْ سَقَطَاتُه، وقد [ص:679] تَتبَّعَ عثراتِه أبو الربيع بن سالم، وقد سمعت منه كثيراً.
وقال أبو جعفر ابن الزُّبَيْر: قد رأيتُ بخطّة إسنادَ " صحيح " البخاريّ، عن السِّلَفيّ، عن ابن البَطِرِ، عن ابن البَيِّع، عن المحامِليّ عنه.
قلتُ: ما عندَ هؤلاء عن المَحَامِليّ سوى حديثٍ واهٍ في الدُّعَاء لَهُ. وقد وَثّقَهُ جماعةٌ لفضله، وحملُوا عنه، وليس بمتقن.
وقال الأبّار: كَانَ مكثرًا، رحّالةً. نسبه بعضُ شيوخنا إلى الاضطراب، ومع ذلك انتابه النّاسُ، ورحلوا إليه، وأخذ عنه أبو سُلَيْمان بن حَوْطِ اللهِ، وأكابرُ أصحابنا. وأجاز لي. وولد سنة أربعٍ وأربعين وخمسمائة، وأوّل رحلته في سنة اثنتين وستّين وخمسمائة، وتوفي في الثامن والعشرين من ربيع الأول على ظهر البحر قاصدًا مَالِقَةَ، رحمه الله.
وقال ابن الزُّبَيْر: سَمِعَ " المُوَطّأ " من ابن حنين بفاس، عن ابن الطلاّع.(13/678)
48 - مُحَمَّد بن أحمد بن محمد بن خَمِيس، أبو عبد الله المغربيُّ الأصل ثمّ المَوْصِليّ الحلبي. [المتوفى: 621 هـ]
ولد سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة. وسَمِعَ من أبي الفضل خطيب المَوْصِل. روى عنه مجدُ الدِّين العَديميّ.
وهو والدُ هديةَ بنتِ خميس.(13/679)
49 - مُحَمَّد بن عبدان بن عبد الواحد، الطّبيبُ العلامةُ البارعُ المصنِّف شمسُ الدِّين ابن اللّبُوديّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 621 هـ]
قال فيه ابن أبي أُصيبعة: علّامَة وقته، وأفضلُ أهل زمانه في العلوم الحَكَمِيَّة، وفي عِلْمِ الطِّبّ. سافر إلى العجم، واشتغل على النّجيب أسعد الهَمَذَانيّ، وغيره. وكان له دلٌّ مفرطٌ، وحرصٌ بليغٌ. وكان له مجلس للإشغال. وخدم بحلبَ المَلِكَ الظّاهر، ثمّ بعدَ موته قَدِمَ إلى بلده، إلى أن تُوُفّي في رابع ذي القعدة، وله إحدى وخمسون سَنةَ.(13/679)
50 - مُحَمَّد بْن عَبْد الرشيد بْن عليّ بْن بُنَيْمَانَ، أبو أحمد الهَمَذَانيّ المقرئ التّاجرُ، [المتوفى: 621 هـ]
سِبْط أبي العلاء العطّار، وأمُّه هي عاتكة. [ص:680]
روى عن أبي الخير الباغْبان، وعن جدِّه.
وتُوُفّي في التّجارةِ بأقْسَرا مِن بلاد الروم في صَفر، كما تُوُفّي أخوه في صَفَر بِتُسْتَرَ.
ويقال: إنَّ أبا العلاء أحضر أبا الخير من إصْبَهان بالقصد الأوَّل لأجلِ مُحَمَّد، هذا، وقيل: بل تُوُفّي بقُوِنَية.
وكان إمامًا في القراءات والحديث.(13/679)
51 - محمد ابن الفقيه أبي المنصور فتح بن مُحَمَّد بن خَلَف السَّعْديّ، الفقيه زين الدِّين، أبو عبد الله الدِّمْياطيّ الشّافعيّ الكاتب. [المتوفى: 621 هـ]
سمعه أبوه من السِّلَفيّ، وبدرٍ الخُدَاداذيّ، وإسماعيل بن قاسم الزّيّات، وأبي المفاخر سَعيد المأمونيّ، وجماعة. وكتب على فخر الكُتاب، وفاق الأقرانَ في حسن الخطِّ حَتّى فضَّلُوه على أستاذه. وكتب في ديوان الإِنشاء مُدَّة. وترسَّل عن الكامل. وحَدَّث بدمشق أيضًا.
وكان حَسَنَ الأخلاقِ، فيه دين وخيرٌ.
ولد في أواخر سنة ستّ وستين وخمسمائة، ومات في رابع صفر.
روى عنه الزَّكِيُّ المنذريّ، وابن الانماطيّ، والزَّكيُّ البِرْزَاليُّ.(13/680)
52 - مُحَمَّد ابن الشيخ أبي عَبْد الله محمد بْن سَعيد بْن أحمد بن زَرْقُون، العلامة أبو الحُسَيْن الأنصاريّ الإِشبيليّ. [المتوفى: 621 هـ]
قال الأبّارُ سَمِعَ من أبيه، وأبي بكر بن الجدِّ، وتفقَّه بِهِما، وسَمِعَ من أبي جعفر بن مَضاء. وأجاز له السِّلَفيُّ، وغيرُه. وكان فقيهًا، حافظًا لمذهب مالك، إمامًا مبرْزًا، متعصّبًا للمذهب؛ حَتّى امتْحِنَ بالسُّلطان من أجله، وحُبِسَ مُدَّة. وَمِن تصانيفه كتاب " المُعَلَّى في الرّدِّ على المُجَلّى والمُحَلَّى " وله كتاب " قُطْب الشريعة في الجمع بَيْنَ الصحيحين ".
وكان أهلُ بلده يعيبون مقاصِدَه فيها، ويغضّون من أسجاعه في [ص:681] أثنائها. ولم يكن له بصرٌ بالحديث، وسَمِعَ النّاسُ منه. وتُوُفّي في شَوَّال، ودُفِنَ بداخل إشبيلية، وله ثلاثٌ وثمانونَ سنةً. تفقَّه به جماعة.(13/680)
53 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد، الفقيه أبو الفُتُوح السَّمَرْقَنْديّ ثمّ البَغْداديُّ الحنفيّ. [المتوفى: 621 هـ]
وُلِدَ سَنةَ إحدى وأربعين، وسَمِعَ من أبي الفَتْح ابن البَطِّي، وغيره، ومات في ربيع الآخر. روى عنه ابن الدُبيثيّ، وابن النّجّار.(13/681)
54 - محمد بن محمد بن أبي الفَتْح، أبو عبد الله المَقْدِسيُّ. [المتوفى: 621 هـ]
حدَّث بـ " نسخة " أبي مُسْهِر.(13/681)
55 - مُحَمَّد بن هِبَةَ الله بن المكرِّم بن عبد الله، أبوجعفر البَغْداديُّ الصُّوفيّ. [المتوفى: 621 هـ]
وُلِدَ في حدود سَنةِ سبعٍ وثلاثين وخمسمائة، وسَمِعَ من أبيه أبي نصر، وأبي الفضل الأُرْمَويّ، وابن ناصر، وأبي الوَقْت، وأبي المُعَمَّر بن أحمد الأنصاريّ، والمُظَفَّر بن أرْدَشِير العباديّ، وغيرهم.
وكان أبوه يروي عن نصر بن البَطِرِ. وأخوه المكرِّم بن هبة الله، من شيوخ الضياء، وابن عبد الدائم. وهو فحدَّث بـ " صحيح البخاريّ "، بإربل؛ روى عنه الدُبيثيّ، وابن النّجّار، والبِرْزَاليُّ، والجمال محمد ابن الدَّبَّاب الواعظ، والقاضي شمس الدِّين ابن خَلِّكَان؛ وأخوه البهاءُ مُحَمَّد قاضي بَعْلَبَكّ.
وكان صوفيًّا، ديِّنًا. تُوُفّي في خامس المحرَّم ببغداد.(13/681)
56 - محمدُ بن يحيى بن يحيى الأنصاريّ، أبو عبد الله الأندلسيُّ المقرئ المحقّق. [المتوفى: 621 هـ]
أخذ القراءات عن يحيى، وأخذ بعضَ السَّبْعِ عن ابن خيرٍ. وعاش نَيّفًا وسبعينَ سَنةَ. أقرأ النّاسَ بِسَبْتَةَ.
لقيه ابن مَسْدِي.(13/682)
57 - مُحَمَّد بن يَخْلفْتن بن أحمد بن تَنْفِليت، أبو عبد الله اليجفثيّ البربريّ الفازازيّ التِّلمْسانيّ الفقيه. [المتوفى: 621 هـ]
قال الأبَّار: سَمِعَ من أبي عبد الله التُّجِيبيّ. وكان فقيهًا، أديبًا، مقدِّمًا في الكتابة والشِّعر. ولي قضاءَ مُرْسِيَةَ، ثمّ قضاء قُرْطُبة. وكان حميدَ السيرة، جميلَ الهيئة، شديدَ الهيبة. حُدِّثْتُ: أنَّه كان يحفظ " صحيح البخاريّ "، أو معظمه، توفّي بقُرْطُبَةِ.(13/682)
58 - مُحَمَّد بن أبي الفَرَج بن أبي المعالي معالي، الشيخ فخر الدِّين أبو المعالي المَوْصِليّ المُقرئ الشّافعيّ، معيدُ النِّظامِيَّة. [المتوفى: 621 هـ]
قرأ القراءاتِ على الإِمام يحيى بن سعدون القُرْطُبيّ، وسَمِعَ منه وَمِنْ خطيبِ المَوْصِل أبي الفضل. وقَدِمَ بغداد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة؛ فتفقَّه بها. وقرأ العربية على الكمال عبد الرحمن الأنباريّ.
وأعاد بالنِّظامِيَّة. وأقرأ القِراءاتِ. وحَدَّث. وولد سنة تسعٍ وثلاثين وخمسمائة.
قرأ عليه القراءات الشّيخ عبد الصَّمد بْن أَبِي الْجَيْش، والكمالُ عَبْد الرَّحْمَن المُكَبِّر، وطائفة.
قال ابن النّجّار: لَهُ معرفةٌ تامَّة بوجوه القراءات وعِللها وطُرقها، ولَهُ في ذلك مصنّفات. وكان فقيهًا، فاضلًا، حَسَنَ الكلام في مسائل الخلاف، ويَعْرِفُ النَّحْو معرفةً حسنة. وكان كيِّسًا، متودِّدًا، متواضِعًا، لطيفَ العِشرة، صدوقًا. تُوُفّي في سادس رمضان.(13/682)
59 - المُظَفَّر بن المبارك بن أحمد بن محمد، القاضي أبو الكَرَم الحنفيّ البَغْداديُّ العَدْل، [المتوفى: 621 هـ]
عرف والده بِحَرّكْهَا.
وُلِدَ سَنةَ ستٍّ وأربعين. وسَمِعَ من أبيه، ومن أبي الوقت، وابن البَطِّي. وَوَلِيَ الحِسْبَةَ ببغداد، والقضاءَ برُبع الثلاثاء. وكانت لَهُ حلقةُ إشغال بجامع القصر. وكان أبوه أبو السّعادات من كبار الحنفية.
تُوُفّي أبو الكَرَم في حادي عشر جُمَادَى الآخرة.
وروى " المائة الشُّريحية " أخذ عنه الطَّلَبَةُ.(13/683)
60 - المُظَفَّرُ بن أبي الخير بن إسماعيل بن عليّ، الإمام أمين الدِّين أبو الأسعد التّبريزيّ الوارانيّ الشّافعيّ. [المتوفى: 621 هـ]
تَفَقَّه ببغداد عَلَى أَبِي القاسم بْن فَضْلان، وغيره. وأعاد بالنِّظامِية مُدَّة، وتخرَّج به جماعةٌ. وسَمِعَ من ابن كُلَيب، ثُمّ حجّ، وقَدِمَ مصر، ودرَّس بها، بالمدرسة النّاصريَّة المجاورة للجامع العتيق. ثمّ توجَّه إلى العراق، ثمّ إلى شيراز، وأقام بها إلى حين وفاته.
وحدَّث بالبصرةِ ومصرَ؛ روى عنه الزَّكِيُّ المنذريُّ، وغيرُه.(13/683)
61 - مقدامٌ، الوزير فخر الدِّين أبو الفوارس ابن القاضي الأجلّ أبي العبّاس أحمد بن شكرٍ المِصْريُّ. [المتوفى: 621 هـ]
وُلِدَ سَنةَ إحدى وستين، وتَفَقَّه على مذهب مالكٍ. وسَمِعَ من أبي يعقوب بن الطّفيل، وغيره. وكان فيه برٌّ وإيثارٌ.
وهُوَ عمُّ الشيخ أبي الحَسَن عليّ بن شكرٍ المُحدِّث، الّذي مات سَنةَ ستٍّ عشرَة.(13/683)
62 - موسى بن عيسى بن خليفة، أبو عِمران اللَّخْمِيّ القُرْطُبيّ، ويُعرف بابن الفخَّار النّاسخ المقرئ. [المتوفى: 621 هـ][ص:684]
أخذ القراءات عن أبي إسحاق بن طلحة، وأبي القاسم الشَّراط. وسَمِعَ من أبي القاسم بن بَشْكُوالَ، وغيرهِ. وصَحِبَ الصَّالِحينَ، وأقرأ القرآنَ، وكان يكتبُ المصاحف.
قال الأبّار: توفّي في رجب.(13/683)
63 - هارون بن أبي الحَسَن بن بَرَكة الصَّحْراويُّ. [المتوفى: 621 هـ]
سمع من أَبِي الْحُسَيْن عَبْد الحق اليُوسُفي، وحدّث، ودفن بمقبرة معروف.(13/684)
64 - يحيى بن أبي نصر عُمَر، أبو زَكَريّا البَغْداديُّ المُشَا، المعروف بالصَّحْراويّ. [المتوفى: 621 هـ]
سَمِعَ من أبي الفَتْح بن البَطِّي، وأبي القاسم بن هلال الدَّقَّاق، وأبي المعالي بن حنيفة. وحَدَّث.
والمُشا: بضمّ الميم وتخفيف الشّين.(13/684)
65 - يوسُف بن أحمد بن عباد، أبو الحَكَم التَّميميّ المَلْيَانِيُّ. [المتوفى: 621 هـ]
تجوَّل في الأقاليم، ولقي السُّهَرَوَرْدِيّ الفيلسوف بِمَلَطْيَةَ، وأخذ عنه. وسكن دَانِيَةَ، ونُوظِرَ عليه بها.
قال الأبَّار: أخذ عنه أبو إسحاق ابن المناصف، وأبو عبد الرحيم بن غالب، ورايتُه مرارًا. وكان شاعرًا، مجوّدًا، غاليًا في التشيُّع. توفّي بدانية ليلةَ عاشورا.
قلتُ: لَهُ عقيدة خبيثة، وفيه اتّحادٌ ظاهر.(13/684)
66 - أبو طالب بن أبي طاهر بن أبي الغنائم النّجّار. [المتوفى: 621 هـ]
سَمِعَ من يحيى بن ثابت جزءًا.
مات في ربيع الأوّل.(13/685)
-وفيها وُلِدَ:
رضيّ الدّين جعفر بن القاسم الرَّبَعِيّ أبن دَبوقا المقرئ، بحرَّان، والعزُّ عُمَرُ بن مُحَمَّد ابن الأستاذ بحلب، وقاضي حماة الكمال عبد الوهّاب ابن المُحيي حمزة البَهْرانيّ، والشمسُ مُحَمَّد ابن المُحَدِّث الشاهد ولد عزّ الدِّين عبد الرّزّاق الرَّسْعَنِيّ، والجمال محمد بن حسن ابن البونيّ، بالإسكندرية، والعماد إسماعيل بن عليّ ابن الطّبّال في صفر، والبهاءُ عُمَر بْن مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز بْن باقا، روى عن جدّه، والركن يونُس بن عليّ بن أَفْتَكِينَ، والعِمادُ المَوْصِليّ، صاحب " التّجويد " عليّ بن أبي زهران، وسُلَيْمان بن قايماز النُّوريّ الحَلَبيّ، ويونُس بن خليل الحمويّ الشاهد، نزيل مصر، والمؤيَّد عليُّ ابن خطيب عَقْربا إبراهيم بن يحيى، والتّقيّ أحمد بن عبد الرحمن ابن العنيقة العطّار، وشيخنا أبو الحسن عليّ ابن الفقيه اليُونينيّ، والبدرُ أحمدُ بن عبد الله بن عبد الملك المَقْدِسيُّ، والنّفيسُ عبد الرحمن بن سليمان بن طرخان المشهديّ المِصْريّ، وفي حدودها وُلِدَ الشيخ المعمَّر أبو العبّاس احمدُ بن أبي طالب ابن الشِّحنة الحجّار الصّالحيّ، أو بعدَها بعام.(13/685)
-سنة اثنتين وعشرين وستمائة(13/686)
67 - أحمدُ أمير المؤمنين الإمام النّاصر لدين الله، أبو العبّاس ابن الإمام المستضيء بأمر الله أبي محمد الحَسَن ابن الإمام المستنجد بالله أبي المُظَفَّر يوسُف ابن الإمام المقتفي لأمر الله أبي عبد الله محمد ابن الإمام المستظهر بالله أحمد ابن المقتديّ بأمر الله أبي القاسم الهاشميّ العبّاسيُّ البَغْداديُّ. [المتوفى: 622 هـ]
وُلِدَ يوم الاثنين عاشر رجب سَنةَ ثلاثٍ وخمسين وخمسمائة. وبويع أوّل ذي القعدة سَنةَ خمسٍ وسبعين.
وكان أبيضَ اللون، تُركيّ الوجه، مليحَ العَيْنَيْنِ، أنورَ الجبهة، أقنى الأنف، خفيفَ العارِضين، أشقرَ اللحية، مليحَ المحاسن. نَقْشُ خاتمه " رجائي مِن الله عفوُه ".
أجاز لَهُ أبو الحُسَيْن عبد الحقّ اليُوسُفيّ، وأبو الحَسَن عليُّ بن عساكر البَطائحيّ، وشُهْدَة، وجماعة. وأجاز هُوَ لجماعةٍ من الكبار، فكانوا يُحدِّثون عنه في حياته، ويتنافسُون في ذلك، وما غَرَضهُم العلو ولا الإِسْنَاد، بل غرضُهم التّفاخُرُ، وإقامة الشعار والوَهْم.
ولم تكن الخلافةُ لأحد أطولَ مُدَّة منه، إلّا ما ذُكِرَ عن الخوارج العُبيديّين، فإنَّه بقي في الأمر بديار مصر المُسْتَنْصِرُ نحوًا من ستّين سَنةَ. وكذا بقي الأميرُ عبدُ الرحمن صاحبُ الأندلس خمسين سنةً.
وكان المستضيء أبوه قد تخوّف منه، فاعتقله، ومال إلى أخيه أبي منصور. وكان ابن العطّار، وأكثر الدّولة مع أبي منصور، وحظيّة المستضيء بنفشا، والمجد ابن الصّاحبِ، ونفرٌ يسير مع أبي العبّاس. فلمّا بويع أبو العبّاس، قَبَضَ على ابن العطّار وسَلَّمه إلى المماليك. وكان قد أساء إليهم، فأُخْرِجَ بَعْدَ أيَّام ميتًا، وسُحِبَ في شوارع بغدادَ. وتمكَّن المجدُ ابن الصّاحب فوق الحدّ وطغا، وآلت به الحالُ إلى أنّ قُتِلَ.
قال الموفّق عبد اللّطيف: وكان النّاصِرُ لدين الله، شابًّا مرِحًا، عنده مَيْعَة الشباب. يَشُقُّ الدُّروبَ والأسواق أكثرَ الّليل والنّاسُ يتهَيَّبون لقاءَه. وظهر [ص:687] التَشيّعُ بسبب ابن الصّاحب، ثمّ انطفى بهلاكه. وظهر التَّسنُّنُ المُفْرِطُ ثمّ زال. وَظَهَرتِ الفُتُوةُ والبُنْدق والحَمَام الهادي، وتفنَّن النّاسُ في ذلك. ودخل فيه الأجِلّاءُ ثمّ الملوك، فألبسوا الملك العادِلَ وأولادَه سراويلَ الفُتُوَّة، وكذا ألبسوا شهاب الدِّين الغوريّ ملك غَزْنة والهند، وصاحب كميش، وأتابَك سَعْد صاحب شيراز، والملكَ الظّاهر صاحب حلب، وتخوَّفوا من السُّلطان طُغْريل. وجرت بينهم حروبٌ. وفي الآخر استدعوا تِكش لحربه، وهُوَ خُوارِزم شاه، فخرج في جحفلٍ لجبٍ، والتقى معه على الرَّيّ، واحتزَّ رأسَه، وسيَّره إلى بغداد. ثمّ تقدَّم تِكش نحو بغداد يلتمسُ رسومَ السلطنة، فتحرَّكت عليه أُمَّةُ الخَطَا، فَرَجَعَ إلى خُوارزم، وما لَبِثَ أن مات. وكان النّاصرُ لدين الله قد خطب لولده الأكبر أبي نصر بولاية العهد، ثُمّ ضيَّق عليه لما استشعر منه، وعيَّن أخاه، ثمّ ألزم أبا نصر بأن أشهدَ على نفسه أنَّه لا يَصْلُح، وأنّه قد نزل عن الأمر. وأكبر الأسباب في نفور النّاصر من ولده هو الوزير نصير الدّين ابن مهديّ العلويّ، فإنَّه خَيَّلَ إلى الخليفة فساد نيَّة ولده بوجوهٍ كثيرة. وهذا الوزيرُ أفسد على الخليفة قلوبَ الرعية والْجُند، وبَغَّضَهُ إليهم وإلى ملوكِ الأطراف، وكاد يُخلي بغداد عن أهلها، بالإرهاب تارةً وبالقتل أخرى، ولا يَقْدِرُ أحد أنّ يكشِفَ للخليفة حالَ الوزير، حَتّى تمكّن الفسادُ وظهر، فقبض عليه برِفق. وفي أثناء ذلك، ظهر بخُراسان وما وراءَ النهر خُوارزم شاه محمد بن تكش وتجبّر وطوى البلاد، واستبعد الملوكَ الكِبَارَ وفَتَكَ بكثيرٍ منهم، وأباد أممًا كثيرةً من التُّرْك، فأباد أُمَّة الخَطا، وأُمَّة التُّرْك، وأساء إلى باقي الأمم الّذين لم يصل إليهم سَيْفُه. ورَهِبَه النّاسُ كُلُّهم. وقَطَعَ خطبة بني العبَّاس من بلاده، وصرَّح بالوقيعة فيهم. وقَصَدَ بغداد فوصل إلى هَمَذَانَ وبوادِرُه إلى حُلوان فوقع عليهم ثلج عظيمٌ عشرين يومًا، فغطّاهم في غير إبَّانِهِ، فأشعره بعضُ خواصِّه أنّ ذلك غضبٌ مِن الله، حيث نقصِدُ بيتَ النُّبُوّة. والخليفة مع ذلك قد جَمَعَ الجموعَ، وأنفق النفقاتِ، واستعدَّ بكُلِّ ما تصل المُكنةُ إليه، لكنّ الله وقَى شرَّه وردَّه على عقبه. وسَمِعَ أنَّ أمم التُّرْك قد تألَّبوا عليه وطَمِعُوا في البلاد لِبُعده عنها، فقصدهم، فقصدُوه، ثمّ كايدوه، وكاثروه إلى أن مزَّقوه في كلّ وِجْهة، وبَلْبَلوا لُبَّه، وشتَّتوا شملَهُ، وملكوا عليه أقطارَ الأرض، حَتّى ضاقت عليه بما رَحُبَتْ، وصار أين توجَّه، وَجَدَ سيوفَهم متحكّمة فيه، فتقاذفت به البلادُ حتّى [ص:688] لم يجد موضعًا يحويه، ولا صديقًا يُؤويه، فشرَّق وغرَّب، وأنجد وأسهل، وأصحرَ وأجبل، والرُّعْبُ قد ملك لُبّه، فعند ذلك قضى نحبه.
قال: وكان الشيخ شهاب الدِّين لَمّا جاء في الرسالة خاطبه بِكُلِّ قولٍ ولاطفهُ، ولا يزدادُ إلّا طغيانًا وعُتوًّا، ولم يزل الإمامُ النّاصر مُدَّة حياته في عزٍّ وجلالةٍ، وقمْع للأعداء، واستظهارٍ على الملوك، لم يجد ضَيْمًا، ولا خرج عليه خارجيّ إلّا قمعه، ولا مخالفٌ إلّا دَمَغه، وكلّ مَنْ أَضْمر لَهُ سوءًا رماه الله بالخِذلان. وأبادَه. وكان مع سعادة جَدِّه شديدُ الاهتمام بمصالح المُلك، لا يخفى عليه شيء من أحوال رعيّته كبارِهم وصغارِهم. وأصحابُ أخباره في أقطار البلاد يُوصلون إليه أحوال الملوك الظاهرة والباطنة حَتّى يُشاهد جميعَ البلادِ دفعة واحدة. وكانت لَهُ حيلٌ لطيفة، ومكايدُ غامضة، وخدعٌ لا يَفْطَنُ لها أحد. يُوقِعُ الصداقةَ بين ملوك متعادين وهم لا يشعرون، ويُوقع العداوة بين ملوكٍ متّفقين وهم لا يَفْطَنُونَ.
قال: ولو أخذنا في نوادِر حكاياته، لاحتاجت إلى صحفٍ كثيرة.
ولَمّا دخل رسول صاحب مازندران بغدادَ، كانت تأتيه ورقةٌ كُلّ صباح بما عَمِلَ في الّليل، فصار يُبالغ في التّكتُّم، والورقة تأتيه، فاختلى ليلةً بامرأةٍ دخلت من باب السِّرِّ، فصبّحته الورقة بذلك، وفيها: كَانَ عليكم دواجٌ فيه صُورة الأفْيلة. فتحيَّر، وخرج من بغداد وهُوَ لا يشكّ أنّ الخليفة يَعْلَمُ الغيب؛ لأنّ الإمامية يعتقدون أنّ الإمام المعصوم يعلم ما في بطن الحامل، وما وراء الجدار.
وقيل: إنَّ النّاصر كَانَ مخدومًا من الجنّ.
وأتى رسولُ خُوارزم شاه برسالةٍ مَخْفيّة وكتابٍ مختوم، فقيل: ارجع، فقد عرفنا ما جئتَ به، فرجع وهُوَ يظنّ أنّهم يعلمون الغيب.
ووصل رسول آخر فقال: الرسالة معي مشافهة إلى الخليفة، فحُبِسَ، [ص:689] ونُسِيَ ثمانية أشهر، ثمّ أُخْرج وأُعطي عشرة آلاف دينار، فذهب إلى خُوارزم شاه، وصار صاحبَ خبرٍ لهم، وسيَّر جاسوسًا يُطْلِعُه على أخبار عسكر خُوارزم شاه لَمّا وجَّه إلى بغداد، وكان لا يقدِرُ أحدٌ أنّ يَدْخُلَ بينهم إلّا قتلوه، فابتدأ الجاسوسُ وشوَّه خِلقته وأظهر الجنونَ، وأنّه قد ضاع لَهُ حمار فأنِسُوا به، وضَحِكُوا منه، وتردّد بينهم أربعين يومًا، ثمّ عاد إلى بغداد، فقال: هم مائة وتسعون ألفًا إلّا أنّ يزيدوا ألفًا أو يَنْقُصُوا ألفًا.
وكان النّاصرُ إذا أَطعم أشبع، وإذا ضَرَبَ أوجع، ولَهُ مَوَاطِنُ يُعطي فيها عطاء من لا يخاف الفقر. ووصلَ رجلٌ معه بَبّغاء تَقرأ " {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحدٌ} " تُحفةً للخليفة من الهند، فأصبحت ميتةً، وأصبح حيرانَ، فجاءه فرّاش يطلب منه الببغاء، فبكى، وقال: اللّيلة ماتت، فقال: قد عرفنا هاتِها ميتة، وقال: كم كَانَ في ظَنِّكَ أنّ يعطيك الخليفة؟ قال: خمسمائة دينار، فقال: هذه خمسمائة دينار خُذها، فقد أرسلها إليك أميرُ المؤمنين، فإنَّه علم بحالك مذ خرجت من الهند!
وكان صدر جهان قد صار إلى بغداد ومعه جمعٌ من الفقهاء، وواحد منهم لَمّا خرج من داره من سمرقند على فرسٍ جميلة، فقال لَهُ أهلُه: لو تركتَها عندنا لئلا تُؤْخَذَ منك في بغداد؟ فقال: الخَليفةُ لا يقدر أنّ يأخذها منّي، فأمر بعض الوقّادين أنَّه حين يَدْخُلُ بغداد يَضْرِبُه، ويأخُذُ الفرس ويَهْرُبُ في الزَّحمة، ففعل، فجاء الفقِيهُ يستغيثُ فلا يُغاث، فلمّا رجعوا من الحجِّ خُلِعَ على صَدْرِ جهان وأصحابه سوى ذلك الفقيه، وبعدَ الفراغ منهم، خُلِعَ عليه، وأُخرج إلى الباب وقُدِّمَتْ لَهُ فرسُه وعليها سرجٌ من ذهب وطوق، وقيل لَهُ: لم يأخذ فَرَسَك الخليفةُ، إنّما أخذها أتونيٌّ، فخرَّ مَغْشِيًّا عليه، وأسجل بكراماتهم.
قلت: يجوز أنّ يكون الخليفة أو لبعضِ خواصُه رَئِيٌّ من الجنّ، فيخبره بأضعاف هذا، والخطبُ في هذا سهل، فقد رأينا أنموذجَ هذا في زماننا بل وأكثر منه.
قال الموفقُ عبدُ اللّطيف: وفي وسط ولايته اشتغل برواية الحديث، [ص:690] واستنابَ نُوابًا في ذلك، وأجرى عليهم جراياتٍ، وكتبَ للملوك والعلماءِ إجازات. وجمع كتابًا سبعينَ حديثًا ووصل على يدِ شهاب الدِّين إلى حَلَب، وسمعه الملكُ الظَّاهر وجماهيرُ الدَّولة، وشرحتُهُ شرحًا حسنًا، وسيَّرتُه صُحبة شهاب الدِّين. وسبب انعكافه على الحديث أنّ الشريفَ العبّاسيّ قاضي القضاة نُسِبَ إليه تزوير، فأحضر القاضي وثلاثة شهود، فعزّز القاضي بأنّ حرّكت عمامته فقط، وعزّز الثلاثة بأنْ أُرْكِبوا جِمالًا وَطِيفَ بهم المدينة يُضربون بالدِّرَّةِ، فمات واحد تلك اللّيلة، وآخر لبس لُبْسَ الفُسَّاق ودخل بيوتهم، والثالث لَزِمَ بيتَه واختفى وهُوَ البَنْدنيجيّ المُحدِّث رفيقنا. فَبَعْدَ مدّةٍ احتاج، وأراد بيع كُتُبه، ففتّش الْجُزازَ، فوجد فيه إجازة للخليفة من مشايخ بغداد، فرفعها، فَخُلِعَ عليه، وأُعطِيَ مائة دينار، وجُعِلَ وكيلًا عن أمير المؤمنين في الإِجازة والتّسميع.
قلت: أجاز النّاصرُ لجماعةٍ من الأعيان فحدّثوا عنه منهم: أبو أحمد بن سكينة، وأبو محمد ابن الأخضر، وقاضي القضاة أبو القاسم ابن الدَّامغانيّ، وولده الظّاهر بأمرِ الله، والملك العادلُ، وبنوه المعظَّم والكامِلُ والأشرفُ.
قال ابن النّجّار: شرّفني بالإِجازة، فرويتُ عنه بالحَرَمَين، وبيتِ المقدس، ودمشقَ، وحلبَ، وبغدادَ، وأصبَهَان، ونَيْسَابُور، ومَرْوَ، وهَمَذَانَ. ثمّ روى عنه حديثًا بالإجازة التي أذِن لَهُ بخطِّه.
وقال الموفّق عبد اللّطيف: وأقام سنين يُراسِلُ جلالَ الدِّين حسن صاحب أَلَموت يُراوِدُه أن يُعيد شعارَ الْإِسْلَام منَ الصّلاة والصيام وغير ذلك ممّا رفعوه في زمان سِنَان، ويقول: إنكم إذا فعلتم ذلك كنّا يدًا واحدة، ولم يتغيَّرْ عليكم مِن أحوالكم شيءٌ، ومَنْ يروم هذا مِن هؤلاء، فقد رام منال العَيُّوق، واتّفق أنّ رسول خُوارزم شاه بن تِكش ورد في أمرٍ من الأُمور، فزُوِّر على لسانه كُتُبٌ في حقِّ الملاحِدَةِ تشتمل على الوعيدِ، وعَزْمِ الإيقاع بهم، وأنه سيخرب [ص:691] قِلاعَهم، ويطلبُ من الخليفة المعونةَ في ذلك، وأُحْضِرَ رجل منهم كَانَ قاطنًا ببغدادَ، ووُقِّفَ على الكتب، وأُخْرِجَ بها وبكُتب أخرى على وجه النصيحةِ نصفَ اللّيلِ على البريد، فلمّا وصل أَلَمُوتَ، أرهبهم، فما وجدوا مخلصًا إلّا التَّظَاهُرَ بالإسلام، وإقامة شِعاره. وسيَّروا إلى بغداد رسولًا ومعه مائتا شابّ منهم، ودنانيرَ كبارًا في مخانق، وعليها " لا إله إلّا الله مُحَمَّد رَسُول اللَّه "، وطافُوا بها في بغداد، وجميعُ من حولها يُعلِنُ بالشهادتين.
وكان النّاصرُ لدين الله قد ملأ القلوبَ هيبةً وخيفة. فكان يَرْهَبُه أهلُ الهند ومصر كما يَرْهَبُهُ أهل بغداد، فأحيى هيبةَ الخِلافة وكانت قد ماتت بموت المعتصم، ثمّ ماتت بموته. ولقد كُنْتُ بمصر والشّام في خلواتِ الملوكِ والأكابرِ، فإذا جرى ذِكْرُهُ، خفضوا أصواتهم هيبة وإجلالاً.
وورد بغدادَ تاجرٌ معه متاع دِمياط المُذهب، فسألوه عنه، فأنكر، فأُعطي علاماتٍ فيه مِن عدده وألوانه وأصنافه، فازداد إنكارُه، فقيل لَهُ: مِن العلامات أنَّك نَقَمْتَ على مملوكك التّركيّ فلان، فأخذْتَه إلى سَيفِ بَحْرِ دمياط خلوةً، وقتلتَه ودفنتَه هناك، ولم يشعر بذلك أحد.
قال ابن النّجّار في ترجمة النّاصر: دانت لَهُ السلاطينُ، ودخل تحتَ طاعته مَنْ كَانَ من المخالفين، وذَلَّتْ لَهُ العُتاة والطُّغاة، وانقهرت بسيفه الجبابرة والبُغاة، واندحضَ أضدادُه وأعداؤه، وكَثُرَ أنصارُه وأولياؤُه، وفَتَحَ البلادَ العديده، وملك مِن الممالك ما لم يملِكُه مَنْ تقدَّمه مِن الخلفاء والملوك أحد، وخُطِبَ لَهُ ببلادِ الأندلس وبلاد الصّين، وكان أسدَ بني العبّاس، تتصدَّع لهيبته الجبال، وتذِلُ لسطوته الأقيال. وكان حَسَنَ الخَلْقِ، لَطِيفُ الخُلُق، كامل الظَّرْفِ، فصيحَ اللّسان، بليغَ البيان، لَهُ التّوقيعاتُ المسدَّدة، والكلماتُ المؤيَّدة، كانت أيّامُه غُرَّةً في وجه الدّهر، ودُرَّةً في تاج الفخر. وقد حدَّثني الحاجب أبو طالب عليُّ بن مُحَمَّد بن جعفر قال: برز توقيعٌ من النّاصر لدين [ص:692] الله إلى جلال الدّين ابن يونس صدر المخزن: " لا ينبغي لأرباب هذا المقام أن يُقَدِمُوا على أمرٍ لم ينظروا في عاقبته، فإنّ النظرَ قبل الإقدام خيرٌ من الندم بعد الفوات، ولا يؤخذ البراء بقول الأعداء، فلكلِّ ناصح كاشح، ولا يُطالب بالأموال من لم يَخُنْ في الأعمال، فإنّ المصادرة مكافأةً للظالمين، وليكُن العفافُ والتُقى رقيبان عليك ". قال الحاجبُ أبو طالب: وبرز توقيعٌ آخر منه إلى ابن يونس: " قد تكرر تَقَدُّمنا إليك مِمّا افترضه الله علينا، ويلزمنا القيامُ به؛ كيف يُهْمَلُ حال النّاس حَتّى تمَّ عليهم ما قد بُيّن في باطنها، فتنصف الرجل، وتقابل العامل إن لم يُفلج بحجّة شرعية ".
وقال القاضي ابن واصل: كَانَ النّاصرُ شَهمًا، شُجاعًا، ذا فكرةٍ صائبةٍ وعقلٍ رصينٍ، ومكرٍ ودهاءٍ، وكانت هيبتُه عظيمة جِدًّا، ولَهُ أصحابُ أخبار في العِراق وسائر الأطراف، يُطالعونه بجزئيات الأمورِ، حَتّى ذُكِرَ أنّ رجلًا ببغداد عمل دعوةً، وغسّل يَده قبل أضيافه، فطالع صاحبُ الخبر النّاصر بذلك. فكتب في جواب ذلك: " سوءُ أدبٍ من صاحب الدّار، وفضولٍ من كاتب المطالعة ".
قال: وكان مع ذلك رديءَ السِّيرة في الرعية، مائلًا إلى الظُّلم والعَسْفِ، فخِربَتْ في أيامه العِراق، وتفرَّق أهلُها في البلاد، وأخذ أموالَهم وأملاكَهم، وكان يفعل أفعالًا متضادّة، إلى أن قال: وكان يتشيَّعُ، ويميل إلى مذهب الإِمامية بخلاف آبائه، إلى أن قال: وبلغني أنّ شخصًا كَانَ يرى صحّة خلافةِ يزيد، فأحضره الخليفةُ لِيعاقبه، فقيل لَهُ: أتقولُ بصحّة خلافة يزيد؟ فقال: أنا أقولُ: إن الإمام لا ينعزِلُ بارتكاب الفِسْقِ، فأعرض النّاصرُ عنه، وأمر بإطلاقه، وخاف المحاققة.
قال: وسئل ابن الجوزيّ، والخليفة يسمع: مَن أفضلُ الناس بعد [ص:693] رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: أفضلُهم بعده من كانت ابنتُه تحته، وهذا جوابٌ محتمل لأبي بكر وعليّ - رَضِيَ اللَّهُ عنهما -.
وكتب إلى النّاصر خادمٌ لَهُ اسمه يُمن ورقه فيها يعتب، فوقع فيها: " بِمَن يَمُنُّ يُمْن، ثمنُ يمنٍ ثُمْن ".
وقال أبو المُظَفَّر الجوزيّ: قلّ بَصَرُ الخليفة في الآخر، وقيل: ذهب جملةً. وكان خادمُه رشيقٌ قد استولى على الخلافة، وأقام مدّة يوقّع عنه. وكان بالخليفة أمراض مختلفة، منها عسر البول، والحصى، ووجد منه شدّةً وشَقَّ ذَكره مرارًا، وما زال يعتريه حَتّى قتله. وغسّله خالي محيي الدِّين يوسُف.
وقال الموفّق: أما مرضُ موته، فسهوٌ نسيان، بقي به ستّةَ أشهر ولم يشعر أحد من الرعية بكُنْه حاله، حَتّى خَفِيَ على الوزير وأهلِ الدار. وكان لَهُ جاريةٌ قد علّمها الخطِّ بنفسه، فكانت تكتُبُ مثل خطِّه، فتكتب على التّواقيع بمشورة قَهْرَمَانَةِ الدار. وفي أثناء ذلك نزل جلال الدِّين محمد خُوارزم شاه على ضواحي بغداد هاربًا مُنَفَّضًا مِن المال والرجال والدّوابُ، فَأَفْسَدَ بقدر ما كانت تَصِلُ يدُه إليه. وكانوا يُدارونه ولا يُمضون فيه أمرًا لِغيبة رأي الخليفة عنهم، إلى أنّ راح إلى أَذْرَبَيْجَان، ونهب في ذهابه دَقُوقًا واستباحها. وكانت خلافتُه سبعًا وأربعين سَنةَ. تُوُفّي في سَلْخ رمضان، وبُويَع لِولده أبي نصر ولُقِّبَ بالظَّاهر بأمر الله؛ فكانت خلافتُه تسعة أشهر.
وذكر العَدْلُ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن أَبِي بَكْرٍ الْجَزَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي وَالِدِي قَالَ: سَمِعْتُ الْوَزِيرَ مُؤَيَّدَ الدِّينِ ابن العلقميّ لمّا كان [ص:694] على الأستاذداريّة، يَقُولُ: إِنَّ الْمَاءَ الَّذِي يَشْرَبُهُ الإِمَامُ النَّاصِرُ كانت تجيء به الدّواب من فوق بغداد بسبعة فراسخ، ويغلى سبعة غَلْوَاتٍ، كُلَّ يَوْمٍ غَلْوَةٌ، ثُمَّ يُحْبَسُ فِي الأَوْعِيَةِ سَبْعَةَ أيََّامٍ، ثُمَّ يَشْرَبُ مِنْهُ، وَبَعْدَ هذا مَا مَاتَ حَتّى سُقِيَ الْمُرَقِّدَ ثَلاثَ مِرَارٍ وَشُقَّ ذَكَرُهُ وَأُخْرِجَ مِنْهُ الْحُصَى.
وقال ابن الساعي: فأصبح النّاسُ يوم الاحد - يعني يوم الثلاثين من رمضان - وقد أغلقت أبوابُ دارِ الخلافة، وتولّى غسله محيي الدّين ابن الجوزيّ، وصَلَّى عليه ولدُه الظّاهر بأمر الله بعد أن بُويع، بايعه أولًا أقاربه، ثمّ نائب الوزارة مؤيّد الدِّين محمد القُمي وولدُه فخر الدِّين أحمد، والأستاذ دار عَضُدِ الدّولة أبو نصر ابن الضّحّاك، وقاضي القضاة محيي الدّين ابن فَضْلان الشّافعيّ، والنقيبُ قِوام الدِّين أبو عليّ الموسويّ. ودُفِنَ بصحن الدَّار، ثمّ نُقِلَ بعد شهرين إلى التُّرَبِ، ومشى الخلقُ بَيْنَ يدي جنازته. وأما بيعةُ الظّاهر، فهي في سَنَةِ اثنتين في الحوادث.
وقال ابن الأَثير: بقي النّاصرُ ثلاثَ سنين عاطلًا عن الحركة بالكُلِّية وقد ذهبت إحدى عينيه، وفي الآخر أصابه دُوسنطاريا عشرين يومًا، ومات ولم يُطلِقْ في طول مرضه شيئًا ممّا كَانَ أحدثه من الرسوم. وكان سيئَ السِّيرة خَرِبَ في أيَّامه العراقُ، وتفرَّق أهلُه في البلاد، وأخذ أموالَهم وأملاكَهم. قال: وكان يفعلُ الشيءَ وضِدَّه، جعل همَّه في رمي البُنْدِق والطُّيور المناسيب، وسراويلات الفُتُوّة.
ونقل الظّهير الكازرونيّ في " تاريخه " وأجازه لي أنّ النّاصر في وسط خلافته هَمَّ بترك الخِلافة، والانقطاع إلى التَّعبّد. وكتب عنه ابن الضّحّاك [ص:695] توقيعًا فقُرِئَ على الأعيان، وبني رباطًا للفقراء، وأتَّخذ إلى جانب الرِّباط دارًا لنفسه كَانَ يتردَّدُ إليها، ويحادث الصوفية وعمل لَهُ ثيابًا كثيرةً بزِيّ الصُّوفية.
قلت: ثمّ تركَ ذلك، ومَلَّ، الله تعالى يُسامِحُه ويَرْحَمُهُ.(13/686)
68 - أَحْمَد بْن عَبْد القادر بْن أبي الجيش القُطُفْتيّ، [المتوفى: 622 هـ]
والد الشيخ عبد الصَّمَد المقرئ.
مات في رجب، وقد روى عن أحمد بن طارق الكَرْكِيّ.(13/695)
69 - أحمد بن مُحَمَّد بن طُغَان بن بدر بن أبي الوفاء، الفقيهُ أبو العبّاس المِصْريُّ. [المتوفى: 622 هـ]
سَمِعَ من عبد الله بَرِّي النَّحْويّ، وعبد الرحمن بن مُحَمَّد السِّبْيي. وأمَّ بمسجدِ سوق وردان مُدَّة. وتُوُفّي بمدينة سَمَنُّود مِن الغربية في المحرَّم.(13/695)
70 - أحمدُ بن محمد بن إسماعيل، أبو القاسم الأميني الطَّرَسُونيُّ ثمّ المُرْسيّ. [المتوفى: 622 هـ]
سَمِعَ أبا القاسم بن حُبيش، وأبا عبد الله بن حَميد. وأجاز لَهُ من مصر عبد الله بن بَرِّيّ النَّحْويّ.
قال الأبّارُ: كَانَ فقيهًا، مدرسًا. حدَّث، واستُشْهِدَ في وقعة بنوط [ص:696] من أعمال مُرسية، مقبلًا غيرَ مدبر، في رجب ولَهُ بضعٌ وسِتُّون سَنةً.
وقال ابن مَسْدِيّ: كَانَ بارعًا في فنونٍ نقليةٍ وعقليةٍ، وغَلَبَ عليه الفقهُ على طريقة السَّلَفِ فاجتهدَ وللقياس اعتمد، فكثيرًا ما كَانَ يميلُ إلى رأي الكوفيّين. ولَهُ يدٌ في الطِّبِّ، ومعرفةٌ بالحديث، ومجلس عامٌ للعامَّة.
وقال ابن فرتون: هُوَ أديبٌ بارع، روى عن ابن هُذَيْل، وابن النِّعمة. قال: وأجاز لي.(13/695)
71 - أحمد بن محمد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن رُشْد، أبو القاسم القُرْطُبيّ. [المتوفى: 622 هـ]
روى عن جدّه أبي القاسم، وأبيه أبي الوليد، وأبي القاسم بن بَشْكُوال. وتُوُفّي في رمضان.(13/696)
72 - أحمد ابن الشيخ كمال الدِّين أبي الفَتْح موسى ابن الشيخ رضيّ الدِّين أبي الفضل يونس بْن مُحَمَّد بْن منعة بْن مالك بن محمد بن سَعْد بن سعيد بن عاصم، الإمام شرف الدِّين أبو الفضل ابن يونس الإِرْبَليّ الأصل المَوْصِلي الفقيه الشافعي. [المتوفى: 622 هـ]
وُلِد سنة خمسٍ وسبعين وخمسمائة، وتَفَقَّه على والده، وبَرَعَ في المذهب. وكان إمامًا فقيهًا، مفتيًا، مصنّفًا، عاقلًا، حسَنَ السَّمْت. شرحَ كتاب " التّنبيه " فأجاد، واختصر كتابَ " الإحياء " للغزاليّ مرّتين. وكان يُلقي " الإحياء " دروسًا من حفظه.
قال ابن خَلِّكان: كَانَ إمامًا، كثيرَ المحفوظات، غزير المادة، من بيت الرياسة والفضل. نسج على منوال والده في التّفنّن في العلوم، وتخرّج عليه جماعةٌ كبيرة، وَوَلِي التدريسَ بمدرسةِ الملك المعظَّم مُظَفَّر الدِّين ابن صاحب إربل بإربل - بعد والدي - في سَنة عشر بعدَ موت والدي، وكنت أَحْضُرُ دروسَه، وأنا صغير، وما سَمِعْتُ أحدًا يُلقي الدروس مثلَه. ثمّ حجَّ وقَدِمَ، وأقام قليلًا، وانتقل إلى المَوْصِل سَنةَ سبْعَ عشرةَ، وفُوِّضَتْ إليه المدرسةُ القاهرية إِلَى أن تُوُفّي فِي الرابع والعشرين من ربيع الآخر. ولقد كَانَ من [ص:697] محاسن الوجودِ، وما أذكُرُه إلّا وتَصْغُرُ الدُّنيا في عيني، ولقد فكرت فيه مرَّةً فقلت: هذا الرجل عاش مُدَّة خلافة الإمام النّاصر لدين الله.
قلت: شرحه " للتنّبيه " يَدُلُّ على توسّطه في الفقه، رحمه الله.(13/696)
73 - أحمدُ بن يونس بن حسن، أبو العبّاس المَقْدِسيُّ المَرْداويّ. [المتوفى: 622 هـ]
هاجر مِن مردَا إلى دمشق بأولاده. وسَمِعَ من أبي المعالي بن صابر، وغيره.
روى عنه الضّياء، وقال: كَانَ ممّن يُضرب به المثلُ في الأمانة، والخير، والمروءة، والدِّين، والعقل، والصَّلاح. تولَّى عِمارة الجامعِ بالجبلِ، فأحسن فيها. تُوُفّي في سابع عشر ذي الحِجَّة.(13/697)
74 - أحمدُ بن أبي المكارم، الخطيب أبو العبّاس المَقْدِسيُّ المَرْدَاويُّ. [المتوفى: 622 هـ]
تُوُفّي بمَرْدا في شعبانَ. وقد رحل، وروى عن أبي الفَتْح بن شَاتِيل، وغيرِه.(13/697)
75 - إبراهيم بن إسماعيل بن خليفة الحَرْبيّ. [المتوفى: 622 هـ]
روى عن يحيى بن ثابت، وغيره. ومات في رَجَب.
روى عنه ابن النّجّار، وقال: لا بأس به.(13/697)
76 - إبراهيم بن إسماعيل بن غازي، أبو إسحاق الحَرّانيّ الكَحَّال الصَّائغ الشَّاعر، المعروف بالنَّقيب. [المتوفى: 622 هـ]
لَهُ معرفةٌ حسنة بالطِّبِّ والكُحْلِ. وكان طريفًا، كيِّسًا، مطبوعَ العِشْرَةِ.
ذكره الصّاحِبُ أبو القاسم في " تاريخ حلب "، وقال: دخل حلب غيرَ مرّةٍ، وروى عن أبيه يسيرًا. روى لنا عنه أبو محمد بن شُحانه الحَرّانيّ، وسُلَيْمان بن بُنيمان. وأنشدني أبو مُحَمَّد عبد الرحمن بن عمر بن شحانة بحرّان، قال: أنشدني إبراهيمُ النقيب لنفسه:
خيالٌ لِسَلْمي زَارَ وَهْنًا فَسَلَّما ... فَشَفَ ولَمْ يَشْفِ الغَليلَ مِنَ الظَّما
وما زَارَني إلّا خِدَاعًا وعَاتِبًا ... عَلَى نعسةٍ كَانَتْ لِلُقْيَاهُ سُلَّمَا
وأعجبُ ما في الأَمْرِ أَنِّي أهْتَدِي لَهُ ... خيالٌ إلى مِثْلِ الخيال وأسقما [ص:698]
أَظُنُّ أَنِيني دَلَّة أيْنَ مَضْجَعِي ... ودَلَّهَهُ حَرُّ الهَوى فَتَضَرَّمَا
ولَوْلا انطِبَاقُ الْجَفْنِ بالْجَفْنِ لَمْ يذر ... وَلَكِنَّني وَهَّمْتُه فَتَوهَّما
أَيا رَاكِبًا يَطْوي الفَلا لِشِمِلَة ... أمونٍ تُبارِي الرِّيحُ في أُفُقِ السَّمَا
لَكَ اللهُ إنْ جُزْتَ العَقِيقَ وَبَابَه ... وشَارَفْتَ أَعْلَى الوَادِيَيْنِ مُسَلِّما
فَقِفْ بِرُبَى نجدٍ لَعَلَّكَ مُنْجِدِي ... وَرُمَ رَامةً ثُمّ الوِهَا بلوى الحِمَى
وسَلِّم وَسَلْ لِمَ حَلَّلُوا قَتْلَ عاشقٍ ... عَلى جَفْنِه أَضْحَى الرُّقَادُ مُحَرَّمَا
أَيَجْمُلُ أَنْ أَقْضِي ولم يقض لي شفا ... وأظلم لا ظُلْمًا رَشَفْتُ ولا لَما
لَئِن كَانَ هذا في رِضَى الحُبِّ أَوْ قَضَى ... بِهِ الحُبُّ صَبْرًا لِلقَضَاءَ ونعْمَ مَا
قال لي ابن شحانة: تُوُفّي إبراهيم النقيب بحرَّان في سَنَةِ إحدى وعشرين.
وقرأتُ في " تاريخ " أبي المحاسن بن سلامة المكشوف: وفي سابع جُمَادَى الآخرة مات الحكيمُ الأجلّ، الشاعرُ، الكحَّال، الصّائغ للذَّهب والفضّة والكلام، أبو إسحاق إبراهيم ابن الحكيم إسماعيل بن غازي النقيب، وكان رجلًا كريماً، سخيّاً، شجاعًا ذكيًّا، طَيِّبَ الأخلاق، حسن العِشرة، مليحَ الشمائل، لَهُ شعر رقيق يُغَنَّى به.(13/697)
77 - إبراهيمُ بن عبد الرحمن بن الحُسَيْن بن أبي ياسر، أبو إسحاق القَطِيعيّ المواقيتي الخيّاط الأَزَجيُّ، [المتوفى: 622 هـ]
من أهل قطيعة العجم بباب الأَزَجِ.
سَمِعَ: أبا الوَقْت السِّجْزِيّ، وأبا المكارم البَاذْرَائي، وغيرهما.
رَوَى عَنْهُ: ابن نُقْطَة، والدُبيثيّ، وابن النّجّار، ومحمد بن أبي الفرج ابن الدَّبَّاب، وأبو المعالي الأبَرْقُوهيّ، وغيرهم. [ص:699]
وكان ثقةً، صالحًا، فاضلًا، عارفًا بالمواقيت والمنازلِ.
وحَدَّث بـ " صحيح " البخاريّ مرّاتٍ.
ومات في خامس شعبانَ.
سَمِعْتُ من طريقه " الدُّعَاء " للمَحَامِلّيّ.(13/698)
78 - إبراهيم بن عثمان بن عيسى بن دِرباس المَارَانيّ، الفقيه المُحدِّث جلال الدِّين أبو إسحاق. [المتوفى: 622 هـ]
ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، وأجاز لَهُ السِّلَفيّ، وتَفَقَّه على مذهب الشّافعيّ، ثمّ أحبَّ الحديثَ. وسَمِعَ فاطمةَ بنت سَعْد الخَيْر، والأَرْتاحِيّ، وطبقتهما. ورحل رحلةً كبيرةً؛ فسمعَ بدمشق من ابن طَبَرْزَد، والكِنْديّ، والطبقة. وسَمِعَ بنيسابور من المؤيَّد، وزينب الشِّعرية، وَبِهَرَاة من أَبِي رَوْح. وكتب الكثيرَ. ولَهُ شِعر حسن.
روى عنه الزَّكِيُّ المُنذريّ، وغيرُه. وتُوُفّي في هذه السنة فيما بينَ الهندِ واليمن.
وكان مائلًا إلى الآخِرة، متقلّلًا من الدُّنيا جِدًّا، صالحًا، زاهدًا، رحمه الله.
وكان أبوه من كبار الشافعية، وعمُّه كَانَ قاضي ديارِ مصر.(13/699)
79 - إبراهيم بن المُظَفَّر بن إبراهيم بن محمد بن عليّ، الواعظُ الإِمامُ أبو إسحاق ابن البَرّنيّ البَغْداديُّ الأصل الموصليّ. [المتوفى: 622 هـ]
ولد سنة ستّ وأربعين وخمسمائة، وتَفَقَّه على مذهب أحمدَ ببغداد. وسَمِعَ من ابن البطّي، وأبي عليّ ابن الرَّحَبيّ، وشُهْدَةَ، وأحمد بن عليّ العَلَويّ، وأبي بكر ابن النّقور، وأخذ الوعظ عن أبي الفرج ابن الجوزيّ. وحدّث بالموصل وسنجار، ووعظ، وولي مشيخة دار الحديث الّتي لابن مهاجر بالموصل. وكان صالحاً، فاضلاً.
روى عنه الدّبيثيّ، والزّين ابن عبد الدّائم، وإبراهيم بن عليّ [ص:700] العسقلاني، ومحمد بن منصور بن دبيس الموصليّ، والشيخ عبد الرحيم ابن الزجّاج - فيما أرى -. ورَوَى لنا عَنْهُ بالإجازة أَبُو المعالي الْأبَرْقُوهيّ.
وتوفّي في غرّة المحرّم.
وقد قرأ عليه بالروايات ركنُ الدِّين إلياس بن عُلوان.
قال ابن نُقْطَة: كَانَ فيه تساهلٌ في الرواية، يُحَدِّث من غير أصوله، سَمِعْتُ منه بالمَوْصِل.(13/699)
80 - أسعد بن عليّ بن عليّ بن مُحَمَّد بن صُعْلُوك، أبو القاسم البَغْداديُّ. [المتوفى: 622 هـ]
وُلِدَ سَنةَ سبعٍ وثلاثين وخمسمائة. وسَمِعَ من أبي الوَقْت، وأبي الكَرَم المبارك بن الحَسَن الشُّهْرَزُوريّ، وابن البّطِّي. روى عنه الدُّبَيْثيّ، وابن النّجّار، وغيرهُما؛ وأورداه في " تاريخيهما ".
تُوُفّي في المحرَّم.(13/700)
81 - أسعد بن يحيى بن موسى، الشيخ بهاء الدِّين أبو السَّعادات السُّلَميّ السِّنْجاريُّ الفقيهُ الشّافعيّ الشاعِرُ. [المتوفى: 622 هـ]
طَوَّفَ البلادَ، ومدحَ الكِبارَ والملوكَ، وأخذَ جوائزهم، وطال عُمُرُهُ، وعاش بضعًا وثمانين سَنةَ. ذكره العماد في " الخريدة ".
وَمِنْ شِعره:
وَهَواكَ ما خَطَر السُّلُوُّ بِبَاله ... ولأَنْتَ أَدْرَى في الغَرامِ بِحَالِهِ
وفتَى وَشَى شخصٌ إِلَيْكَ بأنَّه ... سالٍ هَوَاكَ فَذَاكَ مِنْ عُذَّالِهِ
أَوَلَيْسَ لِلْكَلِف المُعَنِّي شاهدٌ ... مِنْ حَالِه يُغْنِيك عَنْ تَسْآلِهِ
جَدَّدْتَ ثَوْبَ سَقَامِهِ وهَتَكْتَ ستـ ... ـر غَرَامِهِ وصَرَمْتَ حَبْلَ وِصَالِهِ
يا لِلعَجائِبِ مِنْ أسيرٍ دَأبُه ... يَفْدي الطَّلِيقَ بِنَفْسِهِ وَبِمَالِهِ [ص:701]
ريّان مِنْ مَاءِ الشَّبِيبة والصِّبرَ ... شَرِقَتْ مَعَاطِفُه بطيف زُلالِهِ
وقد تَفَقَّه على المجير البَغْداديُّ، ويحيى بن فضلان.
قال ابن الساعي: تُوُفّي في أوّل سَنةَ أربعٍ وعشرين بسِنجار.
وقال آخر: تُوُفّي سَنةَ ثلاثٍ وعشرين في ربيع الآخر.
وديوانه مجلد كبير، وقد ولي قضاء دُنَيْسر. وخَدَمَ تقيّ الدِّين عُمَر صاحب حماة، وله مدح في السّلطان صلاح الدّين.(13/700)
82 - تَوْبَة بن أبي البركات التَّكْريتيُّ الزّاهد، [المتوفى: 622 هـ]
صاحبُ الشيخ عبد الله اليُونينيّ.
فقيرُ، صالحٌ، كبيرُ القدر. حَدَّث عن ابن طَبَرْزَد. وتُوُفّي في شوال.
قال السيف ابن المجد: كَانَ أحد مَن يُشارُ إليه بالزُّهد، صَحِبَ الشيخَ عبد الله ولازمه، وكان يُكْرِمُه ويأنَسُ به، ويَنْزِلُ - إذا قَدِمَ - في مغارته على جبل الصّوّان بقاسِيون.
وقال ابن العزِّ عمر الخطيب: حدَّثتني فاطمةُ بنتُ أحمد بن يحيى بن أبي الحسين الزّاهد، قالت: حدثتني أمّي ربيعةُ بنت الشيخ تَوْبَة أنها كانت تقعُد في اللّيل فَتَجِدُ والدها قاعدًا وهُوَ يقول: يا سيّدي اغفر لعُبَيْدِك تَوْبَة. قالت: وكانت أمّي ربيعةُ تَرْجُفُ. وقالت: كنت أحكي للنّاس كراماتِ الشيخ فرأيتُه في المنام وهُوَ يقول: كم تهتكيني؟ وسَلَّ عليَّ سيفًا، فبقيت أَرْجُفُ وما عدت أَجْسُرُ أن أحكيَ عنه شيئاً.(13/701)
83 - جعفر ابن شمس الخلافة، هُوَ الأميرُ الكبيرُ مجدُ المُلك أبو الفضل ابن شمس الخلافة أبي عبد الله مُحَمَّد بن مختار الأفضليّ المِصْريّ القوصيّ الشاعرُ الأديبُ. [المتوفى: 622 هـ]
وُلِدَ في المُحرَّم سَنةَ ثلاثٍ وأربعين وخمسمائة، ولقي الأُدباء، وكتب الخطَّ المنسوبَ، وكان مِن الأذكياء، ولَهُ تصانيفُ تَدُلُّ على فضله، وحدَّث بديوانه، وامتدح جماعةً من الأعيان.
روى عنه الزَّكِيُّ المنذريّ، والشهابُ القُوصيّ. [ص:702]
وذكره ابن الشعار في " تاريخه " فقال: هُوَ جعفرُ بن إبراهيم بن عليّ، مِن كُبراء بلده. خَدَمَ مع السُّلطانِ صلاح الدِّين أميرًا؛ ومع ابنه العزيز، ثمّ قَدِمَ حلب، وخدم مع صاحبها غازي، ثمّ رَجَعَ إلى مصر. وكان شاعرًا، فاضلًا، ذكيًّا، لَهُ هجوٌ مُقْذِع في الملكِ العادلِ، وفي القاضي الفاضل. تُوُفّي بمصر سَنةَ عشر.
قلت: غَلِطَ في وفاته وفي اسمه.
قال المنذريّ في " الوَفَيَات " وفي " مُعجمه ": تُوُفّي في ثاني عشر المحرَّم.
ومن شعره:
دَعْ جَاهِلًا غَرَّه تَمكُّنُهُ ... وَضَنَّ بالْجُودِ وَهُوَ مُقْتَدِرُ
فَكَمْ غَنِيٍّ للنَّاسِ عَنْهُ غِنَى ... وكم فقيرٍ إليه يفتقر(13/701)
84 - الحَسَنُ بن عليّ بن الحَسَن، محيي الدِّين المَوْصِليّ الخطيبُ، المعروف بابن عمَّار. [المتوفى: 622 هـ]
شيخٌ واعظ، حلوُ الوعظِ، لَهُ تصانيفُ، وشعرٌ جيِّد، فمنه:
مَا بَيْنَ مُنْعرَجِ اللَّوى والأَبْرَقِ ... ريمٌ رَمَاني في الغَرَام المُوثق
أَسَرَ الفُؤَادَ المُسْتَهَامَ بِحُسْنِهِ ... وَوَقَعْتُ مِنْه في العَذَابِ المُطْلَقِ
يُصمي القُلُوبَ بِطَرْفِهِ السَّاجي الَّذِي ... يَرْنُو بِهِ وإذا رَمَى لَا يَتَّقِي
بَانَتْ صَبابَاتي بِبَانَاتِ اللِّوَى ... في حُبَّه وَرَثَتْ لِشَجْوي أَيْنُقِي
وأَنَا الّذِي لا أَسْتَفِيقُ مِن الهَوى ... طِفْلًا وَها قَدْ شابَ فيه مَفْرِقي
تُوُفّي في سادس جُمَادَى الأولى بالموصل.(13/702)
85 - الحَسَنُ بن المرتضى بن مُحَمَّد بن زيد، النقيب السيَّد بهاءُ الدِّين العَلَويُّ الحُسَيْنيُّ، [المتوفى: 622 هـ]
نقيبُ الموصل. [ص:703]
كان من أكابر البلد رياسةً، وديناً، وعقلاً، وكرماً، وأدبا.
ومن شعره:
لَوْ كُنْتَ شَاهِدَ عَبْرَتي ... وصَبَابَتِي عِنْدَ التَّلاقِي
لَرَحِمَتْنَا مِمّا بِنَا ... وَعَجِبْتَ مِنْ ضِيقِ العِنَاقِ(13/702)
86 - الحُسَيْن بن عُمَر بن نصر بن حسن بن سَعْد بن عبد الله بن بَاز، أبو عبد الله المَوْصِليّ. [المتوفى: 622 هـ]
وُلِدَ سَنةَ اثنتين وخمسين وخمسمائة. وسَمِعَ من خطيب المَوْصِل أبي الفضل، وببغداد من شُهْدَةَ، وأبي الحُسَيْن عبد الحقّ، ولاحق بن كارَه، وعيسى الدُّوشابيّ، وطائفةٍ.
ودخل الشّام ومصر ولم يَسْمَعْ، وكأنَّه قَدِمَ تاجرًا. وحدَّث بالمَوْصِل وإربل. وولي مشيخةَ دارِ الحديث المظفَّرية بالمَوْصِل. وقد كتب بخطِّه، ولَهُ فهم ومعرفةٌ ما.
روى عنه الدُّبَيْثيّ، والبِرْزَاليُّ، والضّياء، وآخرون. وَحَدَّثَنَا عنه الأبَرْقُوهيّ.
ومات في ثاني ربيع الآخر، رحمه الله.(13/703)
87 - رَاجِية الأرمنية، أمُّ محمد عتيقة عبد اللطيف ابن الشيخ أبي النَّجيب السُّهَرَوَرْدِيّ. [المتوفى: 622 هـ]
سَمِعْت من أبي الوَقْت، وابن البَطِّي، وجماعةٍ. وروت ببغداد وإِرْبل. وكانت امرأةً صالحةٌ.
تُوُفّيت بإِرْبل في جمادى الأولى.(13/703)
88 - سَعَادَةُ بنتُ الإمام عبد الرّزّاق ابن الشيخ عبد القادر بن أبي صالح الْجِيليّ. [المتوفى: 622 هـ]
روت عن أبي الحُسَيْن عبد الحقّ، والحَسَن بن عليّ بن شيرويه. [ص:704]
تُوُفّيت في جُمَادَى الآخرة، وَصَلَّى عليها أخوها القاضي أبو صالح.(13/703)
89 - شاكرُ بن مكي بن أبي البركات، أبو البركات البَغْداديُّ النجاد. [المتوفى: 622 هـ]
وُلِدَ في حدودِ سَنة خمسٍ وأربعين، وسَمِعَ من أبي زُرْعة المَقْدِسيُّ، وتُوُفّي في ذي الحَجَّة.
روى لنا عنه الأبرقوهيّ بالإجازة.(13/704)
90 - صَدَقَة بن منصور بن صَدَقَة القَطِيعيّ البَقَّال. [المتوفى: 622 هـ]
سَمِعَ من أبي المكارم المبارك البَاذرَائيّ؛ وحدَّث. ومات في صفر.(13/704)
91 - طغرل بْن قِلج أرسلان بْن مَسْعُود بْن قِلج أَرْسَلان بن سُلَيْمان بن قُتلمش السُّلجوقيّ الرُّوميّ، الملك مغيث الدِّين [المتوفى: 622 هـ]
صاحب أرزَن الروم.
تُوُفّي في هذه السنة، وتملَّك بعدَه ولدُه، وقد كَانَ بعث ولدَه الآخر من سنتين إلى الكرج فتنصّر، وتزوّج بملكة الكرج.(13/704)
92 - ظَفَرُ بن سالم بن عليّ بن سلامة ابن البَيْطار، أبو القاسم البَغْداديُّ الحَرِيميُّ، [المتوفى: 622 هـ]
أخو شجاع وياسمين.
سَمَّعه أبوه مِن أبي الوَقْت، وابنِ البنّاء، وهبة الله ابن الشِّبليّ. ومَوْلِدُه في حدود سَنةَ ثمانٍ وأربعين. روى عنه الدُّبَيْثيّ، والرفيعُ الهَمَذَانيّ. وَحَدَّثَنَا عنه الأبرقوهيّ. وتُوُفّي فِي جُمَادَى الآخرة. [ص:705]
قال ابن النّجّار: لم يكن به بأسٌ.(13/704)
93 - عبدُ الله بن إبراهيم بن محمد بن عليّ، الفقيهُ الصَّالِحُ أبو مُحَمَّد الهَمَذانيّ الخطيب. [المتوفى: 622 هـ]
وُلِدَ بهَمَذَان في سَنةٍ خمسٍ وأربعين. وسَمِعَ من أبي الوَقْت، ومِن أبي الفضل أحمدَ بن سعدٍ البَيِّع. وقَدِمَ بغداد، وتَفَقَّه بالنِّظاميَّة على أبي الخير القَزويني، وأعاد بالنظاميَّة للشيخ أبي طالب صاحب ابن الخَلِّ، وغيرِه. وحدَّث.
وكان فقيهًا، ورعًا، عفيفًا، إمامًا، عارفًا بالمذهب والأصُولِ والخلاف. قال الدُّبَيْثيّ: أَخْبَرَنَا أبو مُحَمَّد، قال: أخبرنا أحمد بن سعد، قال: أَخْبَرَنَا الإِمام أبو إسحاق الشيرازيّ، فذكر حديثًا.
قال ابن النجّار: قدم بغداد سنة سبعين وخمسمائة، فسكنها، وتفقّه على أبي طالب ابن الكَرْخيّ، وأبي الخير القَزوينيّ. وبرعَ في المَذْهب، وأفتى. وكان متقشّفًا على منهاج السَّلَفِ.
قلت: روى عن ابن النجّار، وعليّ ابن الأخضر، والجمال يحيى ابن الصِّيرفيّ؛ سمعوا منه " جزءَ العَبَّادانيّ "، وقد خطب بأعمال هَمَذَان.
تُوُفّي في حادي عشر شعبان.(13/705)
94 - عبد الله بن باديس، أبو مُحَمَّد اليَحْصُبيّ. [المتوفى: 622 هـ]
سكن بلنسية، وتفقّه بأبي عبد الله بن نوح، وتعلَّم العربية، وتحقّق بالعلوم النظرية. ونُوظِرَ عليه في " المستصفى " للغزاليّ. وتعبَّد في آخر عمره.
تُوُفّي في شعبان.(13/705)
95 - عبد الله بن صَدَقَة، أبو البركات البغداديّ البزّار، ويعرف بابن أبي قِرْبَة؛ [المتوفى: 622 هـ][ص:706]
بكسر القاف وسكون الراء ثمّ باء موحدة.
سَمِعَ من أبي الحُسَيْن عبد الحقّ؛ وحدَّث. ومات في شعبان.(13/705)
96 - عبد الله بن علي بن الحسين بن عبد الخالق بن الحُسَيْن بن الحَسَن بن منصور، الصاحبُ الوزير الكبير صفيُّ الدِّين أبو مُحَمَّد الشَّيْبيّ المِصْريّ الدَّمِيري المالكيّ، المعروف بابن شُكْر. [المتوفى: 622 هـ]
وُلِدَ سنة ثمانٍ وأربعين وخمسمائة. وتَفَقَّه على الفقيه أبي بكر عتيق البِجائي وبه تخرَّج. ورحل إلى الإِسكندرية، وتَفَقَّه بها على شمس الإسلام أبي القاسم مخلوف بن جَارة، وسَمِعَ منه ومن السِّلَفيّ إنشادًا، وأجازَ لَهُ. وسَمِعَ من أَبِي الطّاهِر إِسْمَاعِيل بْن عَوْف، وأبي الطّيّب عبدِ المنعم بن يحيى بن الخلوف. وأجاز لَهُ أبو محمد بن بريّ، وأبو الحسين أحمد بن حمزة ابن الموازينيّ، وجماعة.
وحدث بدمشق ومصر؛ روى عنه الزكي المنذري، والشهابُ القُوصيّ، وأثنيا عليه، فقال الزَّكيّ: كَانَ مُؤثرًا للعلماء والصّالحين، كثيرَ البِرِّ بهم، والتفقّدِ لهم، لا يشغله ما هو فيه من كثرة الأشغال عن مجالستهم ومباحثتهم، وأنشأ مدرسة قُبالة دارِه بالقاهرة.
وقال أبو المُظَفَّر الجوزيّ: كَانَ الملكُ العادل قد نفاه، فلمّا مات قَدِمَ من آمِدَ بطلبٍ من السُّلطان الملك الكامل.
قال أبو شامة: وكان خليقًا لِلوزارة لم يتولَّها بعدَه مثلُه، كَانَ متواضعًا، يُسَلّم على النّاس وهُوَ راكب، ويُكرِمُ العلماءَ ويُدِرُّ عليهم، فمضى إلى مصر.
وقال القُّوصيّ: هُوَ الذي كَانَ السببَ فيما وليتُه وأوليته فِي الدَّولة الأيوبية من الأنعام، وهُوَ الَّذِي أنشأني وأنساني الأوطانَ، ولقد أحسنَ إلى الفقهاء والعُلماء مُدَّة ولايته، وبنى مُصلَّى العيد بدمشق، وبَلَّط الجامع، وأنشأ الفَوَّارة، وعَمَّر جامع المِزَّة وجامع حَرَستا. ومَوْلِدُه بالدَّميرة سَنَة أربعين. [ص:707]
وكذا قال ابن الجوزيّ في مَوْلِدُه، وقول المُنذريّ أصحُّ، فإنَّه قال: سمعتُه يقول: وُلدت في تاسع صفر سَنَة ثمانٍ وأربعين. قال: وتُوُفّي بمصر في ثامن شعبان. وقال المُوفَّق عبد اللّطيف: هُوَ رجل طُوال، تامُّ القَصَب فعمها، درّيّ اللّون، مشرق بحُمرة، لَهُ طلاقَةُ مُحيَّا، وحلاوةُ لسان، وحُسْنُ هيئة، وصِحَةُ بِنْيَة، ذُو دهاء في هَوَجِ، وخبثٌ في طيشٍ مع رعونةٍ مفرطةٍ، وحقد لا تخبُو نارُه، ينتقم ويظنّ أنَّه لم ينتقِم، فيعود ينتقم، لا يَنَامُ عن عدوّه، ولا يقل منه معذرةً ولا إنابةً، ويجعل الرؤساء كلّهم أعداءَه، ولا يرضى لِعدوّه بدون الإهلاك، ولا تأخذُه في نقماته رحمةٌ، ولا يتفكَّرُ في آخره.
وهُوَ مِن دَمِيرة - ضيعةٍ بديار مصر - واستولى على العادِل ظاهرًا وباطنًا، ولم يُمكن أحدًا من الوصول إليه حَتّى الطّبيب والحاجب والفَرّاش، عليهم عيونٌ، فلا يَتَكَلَّم أحدٌ منهم فضلَ كلمة خَوْفًا منه، ولَمّا عُزِلَ، دخل الطّبيب والوكيل وغيرُهما، فانبسطوا، وحَكَوْا، وضَحِكُوا، فأُعِجبَ السُّلطانُ بذلك وقال: ما منعكم أن تفعلوا هذا فيما مضى؟ قالوا: خوفًا مِن ابن شُكْر، قال: فإذا قد كنتُ في حبسٍ، وأنا لا أشعُرُ.
وكان غرضه إبادَةَ أربابِ البيوتات، ويقرّب الأراذِلَ وشرارَ الفقهاء مثل الجمال المِصْريُّ، الّذي صار قاضيَ دمشق، ومثل ابن كسا البلبيسيّ، والمجد البَهْنسيّ؛ الّذي وَزر للأشرف. وكان هؤلاء يجتمعون حولَه، ويُوهِمونه أنَّه أكتبُ من القاضي الفاضل، بل ومِنَ ابن العَمِيد والصَّابي، وفي الفقه أفضلَ من مالك، وفي الشعر أكملَ مِن المتنبّي وأبي تمام، ويحلفونَ على ذلك بالطَّلاق وأغلظِ الأَيْمان.
وكان لا يأكل مِن الدَّولة ولا فلْسًا، ويُظهر أمانةً مفرطةً، فإذا لاح لَهُ مالٌ عظيم احتجنه، وعُمِلَتْ لَهُ " قبسة العَجلان "، فأمر كاتبَه أن يكتُبَها ويردَّها وقال: [ص:708] لا نستحلّ أنّ نأخُذَ منك ورقًا. وكان لَهُ في كُلِّ بلدٍ من بلاد السُّلطان ضيعة أو أكثر في مصر والشّام إلى خِلاط، وبلغ مجموعُ ذلك مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار يعني مُغلَّة. وكان يُكثر الإِدلال على العادل، ويُسخِطُ أولادَه وخواصَّه، والعادلُ يترضّاه بكُلِّ ما يقِدر عليه، وتكرَّر ذلك منه، إلى أن غضب منه على حَرَّان، فلمّا صار إلى مصر وغاضبه على عادته، فأقرّه العادلُ على الغضب، وأعرضَ عنه. ثمّ ظهر منه فسادٌ، وكثرةُ كلام، فأمر بنفْيه عن مصر والشام، فسكن آمد، وأحسن إليه صاحبُها، فلمّا مات العادلُ عاد إلى مصر، وَوَزَرَ للكامل، وأخذ في المصادرات، وكان قد عَمِيَ، ورأيتُ منه جَلَدًا عظيمًا أنَّه كَانَ لا يستكين للنوائب، ولا يخضع للنكبات، فمات أخوه ولم يتغيَّر، ومات أولادُه وهُوَ على ذلك. وكان يُحمُّ حُمَّى قوية، ويأخذه النافِضُ، وهو في مجلس السلطان ينفّذ الأشغال، ولا يُلقي جنبه إلى الأرض، وكان يقول: ما في قلبي حسرةٌ إلاّ أنّ ابن البيسانيّ ما تمرَّغ على عتباتي - يعني القاضيَ الفاضلَ - وكان يَشْتِمُه وابنُه حاضر فلا يظهر منه تغيرٌ، وداراه أحسن مداراة، وبذل له أمولاً جمَّةً في السِّرِّ. وعرض لَهُ إسهالٌ دمويٌ وزَحير، وأنهكه حَتّى انقطعَ، ويَئِسَ منه الأطباءُ، فاستدعى من حَبْسِه عشرةٌ من شيوخ الكُتَّاب، فقال: أنتم تَشْمَتُون بي، وركَّب عليهم المعاصير وهُوَ يَزْحَرُ وهُمْ يَصيحون إلى أن أصبح وقد خفَّ ما به، ورَكِبَ في ثالث يوم، وكان يقف الرؤساء والنّاسُ على بابه مِن نصف الّليل، ومعهم المشاعلُ والشمع، ويركبُ عند الصّباح، فلا يراهم ولا يَرَوْنَه، لأنّه إما أن يرفعَ رأسَه إلى السماء تيهًا، وإمّا أن يُعْرجَ على طريقٍ أخرى، والجنادرة تَطْرُدُ النّاسَ.
وكان لَهُ بوابٌ اسمه سالم يأخُذُ مِن النّاس أموالًا عظيمة، ويُهينهم إهانةً مفرطة، واقتنى عقارًا وقرى.(13/706)
97 - عَبْد اللَّه بْن عَلِيِّ بْن أَحْمَد بْن أبي الفرج ابن الزَّيْتُونيّ البَوازيجيُّ. [المتوفى: 622 هـ]
سَمِعَ من يحيى بن ثابت، ومعمر ابن الفاخر، وأبي عليّ ابن الرَّحَبِيّ. وتُوُفّي فِي ربيع الآخر.(13/709)
98 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بن عبد العزيز، أبو مُحَمَّد ابن سَعْدُون الأزْديّ البَلَنْسِيّ. [المتوفى: 622 هـ]
أخذ العربيَة عن الأستاذ عَبْدون، ومَهَرَ في فنون العربية. وأجاز لَهُ مِن الإسكندريَّةِ أبو الطّاهر بن عَوْف، وغيره. وكان بديعَ الخطِّ، أنيقَ الوِرَاقة.
ذكره الأبَّار.(13/709)
99 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد ابن اليازوري، البَغْداديُّ. [المتوفى: 622 هـ]
حدَّث عن عبد الحقّ اليُوسُفيّ. وتُوُفّي في رجب.(13/709)
100 - عبد الله بن نصر اللَّه بْن هبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن محمد، الشريف أبو جعفر ابن أبي الفَتْح الهاشميّ البَغْداديُّ، المعروف بابن شريف الرَّحَبَةِ. [المتوفى: 622 هـ]
ولد سنة أربعين وخمسمائة. وسَمِعَ " الصحيح " من أبي الوَقْت، وسَمِعَ من شُهْدَةَ.
قال ابن النّجّار: كتبتُ عنه، ولم يكن مَرْضيًّا في سيرته، ولا محمودَ الطّريقة. وكان أبوه مِن ذوي الثروة الواسِعة. ثمّ روى عنه، وقال: مات في رابعِ رمضان.
قلت: روى لنا الأبَرْقُوهيّ عنه من " البخاريّ ".(13/709)
101 - عبد الحقّ بن الحَسَن ابن الشيخ سَعْدِ الله بن نصر ابن الدّجاجيّ. [المتوفى: 622 هـ][ص:710]
ولد سنة سبعٍ وخمسين ظنّاً. وروى عنه جدّه. روى عنه ابن النّجّار، وأبو الفضل ابن الدَّبَّاب، وجماعة.
تُوُفّي في رجب.(13/709)
102 - عبدُ الحقّ ابن الفقيه الزّاهد أبي الغنائم عبد الرحمن بن جامع ابن غنيمة، أبو عبد الله البَغْداديُّ. [المتوفى: 622 هـ]
روى عن عبد الحقّ اليُوسُفيّ، وغيره.(13/710)
103 - عبد الحقّ بن مُحَمَّد بن علي بن عبد الرحمن، أبو مُحَمَّد الزُّهْريّ الأُنّدِيّ [المتوفى: 622 هـ]
نزيل بَلَنْسِيَةَ.
وُلِدَ سَنةَ سبعٍ أو ثمانٍ وثلاثين، وحجَّ عام اثنتين وسبعين.
وسَمِعَ من السِّلَفيّ " الأربعين " و " المحامليات ". وكان عدلًا، تاجرًا.
قال الأبّار: سَمِعْتُ منه " الأربعين "، وقد سَمِعَها منه أبو مُحَمَّد، وأبو سُلَيْمان ابنا ابن حَوط الله. وعُمَر، وأسنَّ، حَتّى الحقّ الصّغارَ بالكبار.
وتُوُفّي فِي ربيع الآخر.(13/710)
104 - عَبْد الخالق بْن أَبِي الفَضْل بن أبي المعالي المُحَوَّلي. [المتوفى: 622 هـ]
سَمِعَ من عبد الرحمن بن زيد الورَّاق. وأجاز لَهُ أبو الوَقْت. وتُوُفّي فِي جُمَادَى الأولى.(13/710)
105 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أحمد بن المبارك، أبو سعيد ابن المُرَقَّعاتِيّ. [المتوفى: 622 هـ]
وُلِدَ في حدود سَنةِ ثلاثٍ وخمسين. وسَمِعَ من أبيه، ويحيى بن ثابت، والمبارك بن خضير. وحدّث. ومات في جب.(13/710)
106 - عبدُ الرحمن ابن العلّامة أبي سَعْد عبدِ اللّه بْن مُحَمَّد بْن أبي عَصُرْون التَّميميّ، قاضي القضاة نجمُ الدِّين. [المتوفى: 622 هـ]
أحدُ الأكابر والأعيان. حدَّث عن والده. [ص:711]
روى عنه الشهابُ القُوصيّ، وقال: تُوُفّي بحماة في رمضانَ سَنةَ اثنتين وعشرين.(13/710)
107 - عَبْد السّلام بْن يوسُف بْن مُحَمَّد بْن عبد السّلام، أبو مُحَمَّد العَبَرْتيّ الكَرْخيّ الضّرير المقرئ الخطيب. [المتوفى: 622 هـ]
ولد في حدود الأربعين وخمسمائة. وقَدِمَ بغداد في شبيبته، وسَمِعَ من ابن ناصر، وأبي الكرم الشّهرزوريّ، وأبي بكر ابن الزّاغونيّ، وأبي المعالي ابن اللّحّاس، وابن البَطِّي.
وتولَّى الخطابةَ بعَبَرْتا.
وتُوُفّي بكَرْخ عَبَرْتا في سابعِ المحرَّم.
روى عنه الدّبيثيّ، وابن النّجّار.(13/711)
108 - عبد العزيز بن النّفيس بن هِبَةَ الله بن وهبان السُّلَميّ، ويُعْرَف بشمسِ العرب، البَغْداديُّ الأديب الشاعر، [المتوفى: 622 هـ]
نزيل دِمشق، أخو المُحدِّث عبد الرحيم.
كَانَ مقيمًا بالمدرسة العزيزية، ومدح جماعةً من ملوكِ بني أيّوب. وكان متجمّلًا، متعفّفًا، قنوعًا، يَخْضِبُ شيبَه.
تُوُفّي في حادي عشر ذي الحِجَّة.
ومن شِعره:
وقالُوا لِمَ تَرَكْتَ مَديحَ قومٍ ... أَقَمْتَ عَلَى مَدِيحِهِم سِنينا
فَقُلْتَ تَغيَّروا عَمَّا عَهِدْنَا ... وصَارُوا كُلَّ عامٍ يَنْقُصُونَا
وكانُوا يُنْعِمونَ بِغَيْرِ وعدٍ ... فَصَاروا يُوعِدُوّن ويَمْطُلُونَا(13/711)
109 - عبدُ القادر بن إبراهيم بن شجاع بن عَرْفَجَةَ، أبو محمد البَغْداديُّ الحنفيّ. [المتوفى: 622 هـ]
سَمِعَ شُهْدَةَ، وعبد الحقّ، وحَضَرَ يحيى بن ثابت. ومات في رجب.(13/711)
110 - عبدُ القادِر بن معالي بن غنيمة، أبو مُحَمَّد البَغْداديُّ الحلاوي. [المتوفى: 622 هـ][ص:712]
سمع من أبي طالب بن خضير. ومات في شعبان.(13/711)
111 - عبدُ القادر بن منصور بن مسعود ابن المُشْتري القَطِيعيُّ الخيَّاط. [المتوفى: 622 هـ]
سَمِعَ من ابن البَطِّي، وأبي المكارم البادرائي. وكان شيخًا صالحًا.
تُوُفّي في رجب.(13/712)
112 - عبدُ المُحسن ابْن خطيب المَوْصِل، أبي الفضل عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد، أَبُو القاسم ابن الطُّوسيّ، المَوْصِليّ [المتوفى: 622 هـ]
خطيبُ الجامعِ العتيق بالمَوْصِل هُوَ، وأبوه، وجدُّه أبو نصر.
سَمِعَ أباه، وعمَّه عبد الرحمن، وأبا عَبْد اللَّه الْحُسَيْن بْن نصر بْن خميس، وببغداد أبا الكرم ابن الشَّهْرَزُوري، وجدَّه. ووُلِدَ في سَنَةِ ثمانٍ وثلاثين وخمسمائة بالمَوْصِل، وبها مات في ربيع الأوّل.
وكان ذا دينٍ، وصلاحٍ، وأخلاقٍ حسنة.
روى عنه الدُّبَيْثيّ، وقال: نِعْمَ الشَّيْخُ كَانَ، والضياءُ المَقْدِسيُّ، والزّين عبد الله ابن النّاصح. وأجاز لجماعة.
روى لنا عنه بالإجازة الشهابُ الأبَرْقُوهيّ، وقال: يَغْلِبُ على ظنّي أنّني سَمِعْتُ منه " جزء ابن كرامة ".(13/712)
113 - عبدُ الملك بْن عَبْد الملك بْن يوسُف بْن مُحَمَّد بن قُدامة، ابن الفقيه، أبو مُحَمَّد المَقْدِسيُّ. [المتوفى: 622 هـ]
روى عن يحيى الثَّقَفيّ. ومات كهلًا في ذي القعدة.
وهُوَ والد المُسْنِدِ كمال الدِّينِ عبد الرحيم.(13/712)
114 - عبدُ المنعم بن عليّ بن عبد الغنيّ، أبو مُحَمَّد القُرَشيّ الصَّقَلِّي، [المتوفى: 622 هـ]
أخو الزّين عليّ الضّرير. [ص:713]
قال أبو شامة: كَانَ صالحًا، خيِّرًا، مقرئًا. قرأ على الكِنْديّ، وعلى شيخنا السَّخاويّ.(13/712)
115 - عُبَيْد الله بن علي بْن أَبِي السَّعادات الْمُبَارَك بْن الْحُسَيْن بْن نَغُوبَا، أبو المعالي الواسِطيّ الصّوفيّ. [المتوفى: 622 هـ]
ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة. وسَمِعَ من أبيه، وأحمد بن عُبَيْد الله الآمديّ، وصالح بن سعد الله ابن الجوَّاني، ومُحَمَّدِ بن مُحَمَّد بن أبي زَنْبَقَة. وقَدِمَ بغدادَ مع والده، وسَمِعَ من هِبَةَ الله ابن الشِّبليّ، وابن البَطِّي، والنّقيب أحمد بن على، وشُهْدَةَ.
روى عنه الدُّبَيْثيّ، والبِرْزَاليُّ، وجماعة. وتُوُفّي في العشرين من جُمَادَى الأولى.
وقد حدَّث من بيته جماعةٌ؛ فجدُّه من شيوخ الكِنْديّ، وأبوه من شيوخ الشيخ الموفِّق، ولَهُ أَخَوانِ رويا، وعبد الله، وعليّ مضيا قبلَه.
وكان لا بأسَ به.(13/713)
116 - عطاء الله بن منصور بن نَصَر، القاضي الفقيه أبو مُحَمَّد الَّلِّكيّ الإِسكندرانيّ المالكيّ. [المتوفى: 622 هـ]
وُلِدَ سَنةَ ثلاثٍ وخمسين، وناب في الحَكَم ببلده مُدَّة. وكان دينًا، خيِّرًا، مقبلًا على شأنه.
وجدّه نَصَر بالتّحريك.
ولم يسمع من السِّلَفيّ؛ إنما روى عنه بالإجازة.(13/713)
117 - عليّ ابن عَلَم الدِّين سليمان بن جَنْدر، الأَميرُ سيف الدّين. [المتوفى: 622 هـ][ص:714]
مِن أمراء حَلَب الأَعيان، بنَى بحلب مدرستينِ، وبنى الخانات في الطَّريق. ولَهُ المواقفُ المشهورة، والصَّدقات.
مات بحلبَ في جُمَادَى الأولى.(13/713)
118 - عليُّ بن محمد بن أحمد بن حَرِيق، أبو الحَسَن المَخْزُوميّ البَلَنْسِيّ الشَّاعر. [المتوفى: 622 هـ]
قال الأبّار: شاعر بَلَنسية الفَحْل المستبحر في الآداب واللُّغات. روى عن أبي عبد الله بن حَمِيد. وكان عالماً بفنون الآداب، وحافظاً لأشعارِ العرب وأيامها، شاعرًا مُفْلقًا، اعترف لَهُ بالسّبق بُلَغَاءُ وقتِه، ودَوَّن شِعره في مجلَّدتين. ولَهُ مقصورة كالدُرَيْدِيَّة سمعتُها منه، وصحبتُه مُدَّة، وأخذ عنه أصحابُنا. وُلِدَ سَنةَ إحدى وخمسين. وتُوُفّي في ثامن عشر شعبان.
قال ابن مَسْدِيّ: كَانَ إنْ نَظَم أعجزَ وأَبْدع، وإنْ نَثَرَ أَوْجَزَ وأَبْلَغَ، سَحَبَ ذَيْلَ الفصاحةِ على سُحْبَانِها، ونبغ بإحسان على نابغتها وحسَّانها. سَمِعْتُ من تواليفه، فمن ذلك:
يا صَاحِبَيَّ ومَا البخيل بصاحبي ... هذي الخيام فأين تلك الأدمع
أَتَمُرُّ بالعَرصَاتِ لا تَبْكِي بِها ... وَهِيَ المَعَاهِدُ منهم والأربع
يا سَعْدُ مَا هذَا المُقَامُ وَقْد نَأَوْا ... أَتُقِيمُ مِن بَعْدِ القُلُوبِ الأَضْلُعُ
وأَبَى الهَوى إلّا الحُلُولَ بلعلعٍ ... وَيْحَ المَطَايَا أَيْنَ مِنْهَا لَعْلَعُ
لَمْ أَدْرِ أَيْنَ ثَوَوْا فَلَمْ أَسْأَلْ بِهِمْ ... رِيحًا تَهُبُّ ولا بَرِيقًا يَلْمَعُ(13/714)
119 - عليُ بن منصور بن عبد الله، أبو الحَسَن اللُّغَويّ. [المتوفى: 622 هـ]
كَانَ علَّامةً في اللّغة، بصيرًا بالعربيَّةِ، فقيهًا في مذهب الشّافعيّ. أخذ عن الكمال الأنباريّ، إلّا أنَّه كَانَ ضَجُورًا يأبى التَّصَدُّر والتّصدير للإشغال، ولم يتأهَّلْ قَطُّ. وكان مقيمًا بالنظامِيَّةِ، وكان أحدَ الأذكياء، حفظ " المُجْمَل " لابن فارس؛ كلَّ يوم كرّاسًا، وحفظ " إصلاح المنطق " وأشياء كثيرة، وكان سريعَ الحِفْظ. وعاش بضعاً وسبعين سنة.(13/714)
120 - عليّ بن أبي الكَرَم نصرُ بن المبارك بن أبي السَّيِّد بن مُحَمَّد، أبو الحَسَن الواسطيّ ثمّ البَغْداديُّ ثمّ المكّيّ المَوْلِد والدَّار، الخلّال، المعروف بابن البَنَّاء، [المتوفى: 622 هـ]
راوي " جامع " التِّرْمِذِيّ عن أبي الفَتْح الكَرُوخيّ.
حدَّث بمكّة والإسكندرية ومصرَ ودمياط وقوص، وسَمِعَ منه هذا الكتابَ خلقٌ كثير. وهُوَ آخِرُ من رواه عن الكَرُوخيّ، وسماعه صحيح.
قال ابن نُقْطَة: ذَكَرَ لي أنَّه وقعَ لَهُ نحوًا من ثلثه بخطِّ الكَرُوخيّ. وهُوَ شيخٌ فقير عامّيّ، سألتُه أن أقرأ عليه، فقال: اقرأ ما شئتَ، وقد أجزتُ لك ولِولدك لكن لا أكتب لك خطِّي، فقرأتُ عليه في سَنَةِ خمس عشرة حديثًا واحدًا، ثمّ سَمِعْتُ منه بعد ذلك بعض " الجامع ".
روى عنه ابن نُقْطَة، والزَّكيّ المُنذريّ، ومُحَمَّد بن صالح التِّنِّيسيُّ، ومحمد بن عبد العزيز الإسكندرانيّ، وزين الدّين محمد ابن الموفّق الإسكندرانيّ الخطيب، والضّياء مُحَمَّد بن عُمَر التّوزَرِيّ، ومُحَمَّدُ بن منصور بن أحمد الحَضْرَميّ الإسكندرانيّ، والحَسَنُ بن عثمان القابسيّ المحتسِب، وذاكرُ بن عبد المؤمن مؤذّن الحَرَم، والبهاءُ زُهَير بن مُحَمَّد المُهَلَّبيّ الكاتب، وعبد المُحسن بن ظافر الحَجْرِيّ، وعبد المُحسن بن يحيى البجائي، وإسحاقُ بن إبراهيم بن قريش المَخْزُوميّ، والقُطبُ محمد بن أحمد ابن القَسْطَلَّانيّ، ومُحَمَّد بن عبد الخالق بن طَرخان الأُمَويّ، وعليّ بن صالح الحُسَيْنيّ؛ ويوسُف بن إسحاق الطّبريُّ المَكِّيَّان، وآخرُ من روى عنه مُحَمَّد بن تَرْجَم بالقاهرة.
تُوُفّي في ربيع الأوّل، وقيل: في صفر بمكّة عَنْ سنٍّ عاليةٍ.(13/715)
121 - علي بن يوسُف بن عبد الله بن بُنْدار، قاضي القضاة بالدِّيارِ المصرية زين الدِّين أبو الحَسَن ابن العَلَّامة أبي المحاسن الدّمشقيّ ثمّ البَغْداديُّ. [المتوفى: 622 هـ][ص:716]
روى " مُسْنَد الشّافعيّ " عن أبي زُرْعة المَقْدِسيُّ. وولد في سنة خمسين وخمسمائة ببغداد؛ وتَفَقَّه بها على والده، وسافر عن بغداد في سَنَةِ سبعٍ وسبعين.
وكان فقيهًا، إمامًا، محتشِمًا، متواضِعًا، خيَّرًا، حسنَ الأخلاق، مُحِبًّا لأهل العلم. روى عنه البِرْزَاليُّ، والحافظُ عبد العظيم، وابنُه أبو العبّاس أحمدُ بن عليّ، وجماعة. وَحَدَّثَنَا عنه الأبَرْقُوهيّ.
وتُوُفّي في ثالث عشر جُمَادَى الآخرة بالقاهرة.(13/715)
122 - عليّ بْن يوسُف بْن أيّوب بْن شاذي، السُّلطان الملك الأفضل نور الدِّين ابن السُّلطان الملك النّاصر صلاح الدِّين. [المتوفى: 622 هـ]
وُلِدَ يوم عيد الفِطْر سَنةَ خمسٍ وستّين بالقاهِرَةِ، وقيل: سَنةَ ستٍّ وستّين. وسَمِعَ من عَبْد اللَّه بْن بَرِّيّ النَّحْويّ، وأبي الطّاهر إسماعيل بن عَوْف الزُّهْريّ، وأجاز لَهُ جماعة. ولَهُ شعرٌ حسنٌ، وترسّلٌ، وخطٌّ مَليح.
وكان أسنَّ الإِخوة، وإليه كانت ولايةُ عهدِ أبيه. ولَمّا مات أبوه، كان معه بدمشق، فاستقلّ بسلطنتها، وأستقلَّ أخوه الملك العزيز بمصر، وأخوهما الظّاهر بحلب.
ثمّ جرت للأفضل والعزيز فتنٌ وحروب، ثمّ اتَّفق العزيزُ وعمُّه الملكُ العادل على الأفضل، وقصدا دمشقَ، وحاصراه، وأخذاها منه، فالتجأ إلى صَرْخَدَ، وأقام بها قليلًا. فمات العزيزُ بمصر، وقام ولدُه المنصور مُحَمَّد وهُوَ صبيٌّ، فطلبوا لَهُ المَلِكَ الأفضلَ ليكون أتابَكَه؛ فَقَدِمَ مصر، ومشى في ركاب الصبيّ.
ثمّ إنّ العادل عَمِلَ على الأفضل، وقَدِمَ مصر وأخذها، ودفع إلى الأفضل ثلاثة مدائن بالشرق، فسار إليها، فلم يحصل لَهُ سوى سُمَيْسَاطَ، فأقام بها مُدَّة. وما أحسن ما قال القاضي الفاضل: أمّا هذا البيت، فإنّ الآباء منه [ص:717] اتفقوا فملكوا، والأبناءَ منه اختلفوا، فَهَلَكُوا. وقيل: كان فيه تشيّعٌ. ولمّا عمل عليه عمُّه العادل أبو بكر قال:
ذي سُنَّةٌ بَيْنَ الأَنَامِ قديمةٌ ... أَبَدًا أبو بكرٍ يَجُورُ عَلَى عَلِي
وكتب إلى الخليفة:
مَوْلاي إنَّ أبا بكرٍ وصَاحِبَه ... عُثْمَانَ قَدْ غَصَبَا بالسِّيفِ حَقَّ عَليّ
وهُوَ الَّذِي كَانَ قَدْ وَلَّاهُ والده ... عليهما واستقام الأمر حين ولي
فخالفاه وحلاّ عقد بيعته ... والأمر بينهما والنصّ فيه جلي
فانظر إلى حظ هذا الاسمِ كَيْفَ لَقِي ... مِنْهُ الأَوَاخِرُ مَا لاقى مِنَ الأُوَلِ
فجاءه في جواب النّاصر لدين الله:
وَافي كِتَابُك يا بن يوسُف مُعْلِنًا ... بالوُدِّ يُخْبِرُ أنَّ أصْلَكَ طَاهِرُ
غَصَبُوا عليًّا حَقَّه إذْ لَمْ يَكُنْ ... بَعْدَ النَّبيِّ لَهُ بِطَيْبَةَ نَاصِرُ
فابْشِرْ فإنَّ غدًا عليه حِسَابُهم ... واصْبِرْ فَنَاصِرُك الإِمامُ النّاصرُ
وقيل - ولم يَصحّ -: إنَّه جَرَّدَ سبعين ألفًا لِنصرته. فجاءه الخبرُ أنَّ الأمر قد فات، فَبَطَل التّجريدُ.
قال ابن الأثير في " تاريخه ": ولم يملك الأفضلُ مملكة قَطُّ إلّا وأخذها منه عمُّه العادل؛ فأوَّل ذلك أنّ أباه أقطعه حَرَّان ومَيَّافَارْقِينَ سَنَة ستّ وثمانين وخمسمائة، فسار إليها، فأرسل إليه أبوه، وردَّه مِن حلب، وأعطى حَرَّان ومَيَّافَارْقِينَ لأخيه الملكِ العادلِ. ثمّ مَلَك الأفضلُ دمشقَ بعدَ والده، فأخذها منه عمُّه العادِلُ في شعبان سَنَة اثنتين وتسعين، ثمّ مَلَكَ مصر بعد أخيه العزيز، فأخذها منه. ثمّ ملك صَرْخَد، فأخذها منه.
قال: وكان مِن محاسن الدُّنيا لم يكن في الملوك مثلُه. كَانَ خيِّرًا، عادلًا، فاضلًا، حليمًا، كريمًا، قلَّ أنْ عاقب على ذنب. إلى أن قال: وبالجملة اجتمعِ فيه مِن الفضائل والمناقب ما تفرَّق في كثيرِ مِن الملوك. لا [ص:718] جرم حرم الملك والدّنيا، وعاداه الدّهرُ، ومات بموته كُلُّ خلقٍ جميل وفعلٍ حميد. ولَمّا مات اختلف أولادُه وعَمُّهم قُطْبُ الدِّين.
وقال صاحبُ كتاب " جَني النَّحْل ": حضرتُ يومًا بسُمَيْسَاطَ، وصاحبُها يومئذٍ الأفضل، فنظر إلى صبيّ تُركي لابسٍ زَرَدِيَّة، فقال على البَدِية:
وَذِي قلبٍ جليدٍ لَيْسَ يَقْوَى ... عَلَى هِجْرَانِهِ القَلْبُ الْجَلِيدُ
تَدَرَّعَ للوَغَى دِرْعًا فَأَضْحَى ... وَظَاهِرُه وبَاطِنُه حَدِيدُ
ثمّ أنشدني لنفسه:
أمَا آن للحظِّ الّذي أَنَا طَالِب ... مِنَ الدَّهْرِ يومًا أَن أَُرَى وَهْوَ طَالِبي
وهَلْ يُرِيَنِّي الدَّهْرُ أيدي شيعتي ... تحكم قَهْرًا في نَوَاصِي النَّوَاصِبِ
ولَهُ:
يَا مَنْ يُسوِّد شَعْرَهُ بِخِضَابِهِ ... لَعَسَاهُ في أَهْلِ الشَّبِيبَةَ يحصل
ها فاختضب بسواد حظي مَرَّةً ... ولَكَ الأَمَانُ بأنَّه لا يَنْصُلُ
مات فجاءة في صفر بسميساط؛ وهي قلعةٌ على فالفرات بينَ قلعة الروم ومَلْطيَة، ونُقِلَ إلى حلب، فدُفِنَ بتربة لَهُ بقربِ مشهد الهَرَويّ.(13/716)
123 - عليّ بن أبي القاسم بن أبي بكر الحَرِيميّ الدَّلّال. [المتوفى: 622 هـ]
سَمِعَ من يحيى بن ثابت، وأحمد بن بُنيمان الحَرِيميّ. ومات في ربيع الأوّل.(13/718)
124 - عليّ، المُوَلَّه الكُرديّ بدمشق. [المتوفى: 622 هـ]
وكان يكون بظاهر باب الجابية. وللعوامّ فيه اعتقاد، ويقولُون: لَهُ كَرامات. وكان لا يصومُ ولا يُصلّي، ويدوسُ النّجاسةَ؛ قاله أبو شامة.(13/718)
125 - عُمَر بن بدر بن سعيد، المُحدِّث أبو حفص الكُرديّ المَوْصِليّ الحنفيّ. [المتوفى: 622 هـ]
لَهُ تصانيفُ ومجاميعُ، ولم يزل يَسْمَعُ إلى أن مات. لَقَبُه ضِيَاءُ الدِّين. [ص:719]
سمع ابن كليب، ومحمد بن المبارك ابن الحَلَاوِيّ، وابن الجوزيّ، وطبقتهم.
وحدَّث بحلبَ ودمشق. روى عنه مجد الدّين ابن العديم؛ وأخته شهدة، والفخر عليّ ابن البخاريّ، وقبلَهم الشهابُ القُوصيّ، وغيره. وسماعُ الفخر منه بالقدس.
وتُوُفّي في شَوَّال بدمشق بالبَيْمَارسْتَان النُّوريّ، ولَهُ بضعٌ وستّون سَنةَ.(13/718)
126 - عُمَر بن القاسم بن مُفَرِّج بن درع، أبو عبد الله التَّكريتيّ الفقيه الشّافعيّ، [المتوفى: 622 هـ]
أخو القاضي يحيى قاضي تكريت.
مات في جمادى الآخرة عن اثنتين وثمانين سَنةَ. إمامٌ، مفتٍ، حسنُ النظم.
ذكر في " قلائد الجمان ".(13/719)
127 - غالب بن أبي سَعْد بن غالب بن أحمد، أبو غالب الحَرْبيّ الغزَّال. [المتوفى: 622 هـ]
سَمِعَ من أبي الفَتْح بن البَطِّي. روى لنا عنه بالإِجازة الشهاب الأبَرْقُوهيّ. وتُوُفّي في ربيع الآخر.(13/719)
128 - محمد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الجبّار، أبو الغنائم الواسطيّ الشاعر. [المتوفى: 622 هـ]
تُوُفّي في ذي القعدة، ولَهُ بِضع وثمانون سَنةَ.
ومن شعره:
أيا شجراتٍ بالمُصَلَّى قديمةً ... سلامٌ عَلَيْكُنَّ الغَدَاةَ سَلامُ
ويا بَانَ كُثْبَانِ الجنيبة هَلْ لَنَا ... بِظِلِّك مِنْ بَعْدِ البِعَادِ مُقَامُ(13/719)
• - مُحَمَّد بن أحمد بن مسعود الشاطبيّ. [المتوفى: 622 هـ][ص:720]
سيأتي سنة خمس، ولكن ورّخه ابن مَسْدِيّ في عام اثنتين، فالله أعلم.(13/719)
129 - مُحَمَّد بن إبراهيم بن أحمد بن طاهر، الشيخ فخر الدِّين أبو عبد الله الفارسيُّ الشيرازيُّ الخَبْريُّ الفيروزآبادِيّ الصُّوفيّ الشّافعيّ. [المتوفى: 622 هـ]
قَدِمَ دمشق سنة ستٍّ وستّين وخمسمائة، وعمرُه سبْعٍ وثلاثون سَنةَ، فسمع من الحافظ أبي القاسم ابن عساكر، وسافر إلى الإسكندرية في شعبان، فسمع من السِّلَفيّ، وسَمِعَ من أبي الغنائم المطهَّر بن خَلَف بن عبد الكريم النَّيْسَابوريّ، وأبي القاسم محمود بن محمد القَزْوينيّ، وجماعة من المتأخّرين. وعلى تقدير عمره كَانَ يُمكنه السماعُ من القاضي أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي الأنصاريّ، وطبقتِه.
قال المُنذريّ: صنَّف في الطّريقة كتابًا مشهورًا، وحدَّث بالكثير، وجاور بمكّة زمانًا، وانقطع في آخر عمره بمعبد ذي النّون بالقَرَافَةِ.
قلتُ: روى عنه هُوَ، والرشيدُ عبد الله؛ والجلالُ عيسى ابْنَا حسنٍ القاهريّ، والضّياء عليّ ومحمد ابنا عيسى بن سُلَيْمان الطّائي، والشهاب الأبرقوهيّ، وطائفة. وأراني شيخاً العماد الحزّاميّ له خطبة كتاب، بها أشياءُ مُنْكَرة تدلّ على انحرافه في تصوُّفه، والله أعلم بحقيقة أمره.
وقال للزَّكيّ المُنذريّ: نحن من خَبْر سروشين، وهي من أعمال شِيراز.
وتُوُفّي في سادس عشر ذي الحجّة.
وقد مدحه عمر ابن الحاجب: بالحقيقة، والأحوالِ، والجلالة، وإنّه فصيحُ العبارة، كثير المحفوظ. ثمّ قال: إلّا أنَّه كَانَ كثيرَ الوقيعة في الناس لمن يعرف ولمن لا يعرف، ولا يفكّر في عاقبة ما يقول. وكان عنده دُعابة في غالبِ الوَقْت، وكان صاحبَ أصول يُحَدِّثُ منها، وعنده أنسةٌ بما يُقرأ عليه. [ص:721]
وقال ابن نقطة: قرأت عليه يومًا حكاية عن ابن مَعِين، فسبَّه ونال منه، فأنكرت عليه بلُطف.
قلت: أوّل كتابه " برق النَّقا شمس اللّقا " الحمدُ لله الّذي أودعَ الحدودَ والقُدودَ الحُسْنَ، واللّمحات الحوريّة السّالبة بها إليها أرواح الأحرار المفتونة بأسرار الصَّباحة، المكنونة في أرجاء سَرْحَةِ العِذار، والنّامية تحتَ أغطية السُّبحانية، وخِباءِ القيوميةِ، المفتونة بغررها قلوبُ أولي الأيدي والأبصار بنشقة عبقة الخُزام الفائحة عن أرجاءِ الدّار، وأكنافِ الدّيار، الدّالّةِ على الأشِعَّةِ الجمالية، الموجبة خلعَ العِذار، وكشف الأستار بالبراقع المسبلة على سيماء الحُسْنِ الّذي هُوَ صُبح الصَّباحة على ذُري الجمالِ المصونِ وراءَ سُحُب الملاحةِ المُذهبة بالعقول إلى بيع العَقار وشُرب العُقار، وشدِّ الزّنّار على دِمن الأوكار، المذهلة بلطافةِ الوصلة عن هبوبِ الرياح المثيرة نيران الاشتياق إلى صورة الحسن المسحبة عليها أذيال العشق، والافتتان من سَوْرَةِ الإِسكار، ومن لواعج الخُمار، المزعجة أرواح الطّائفة، الطّائفة حول هالَةِ المشاهدة، والكعبة العيانية لاختلاس المكالمة، وطيب الدّلال في السرار.(13/720)
130 - مُحَمَّد بن إسماعيل بن محمود بن أحمد، القاضي صفيّ الدِّين أبو عبد الله ابن الفقيه أبي الطّاهر، الأنصاريُّ الدّمشقيّ الأصل المَحَلِّيّ الشّافعيّ الصَّفيّ الكاتِبُ. [المتوفى: 622 هـ]
تَفَقَّه بمصر على الفقيه أبي إسحاق بن مُزَيْبل ولازَمَهُ مُدَّة. وسَمِعَ من أبيه، ومن عَشِيرِ بن عليّ المُزَارع. وكتب في ديوان الإنشاء العادلي مدّة. ومات بحلب.
وكان لأبيه قبولٌ تامّ بالمحلَّة.(13/721)
131 - مُحَمَّد بن أبي الوليد إسماعيل بن محمد، أبو بكر الحَضْرَميّ، [المتوفى: 622 هـ]
إمام جامع مُرْسِيَة.
كَانَ ينسخ " تفسير أبي محمد بن عطيّة "؛ ولَهُ به عنايةٌ ورواية، كرَّرَ نسخه إلى الممات؛ ومنه كَانَ يقتات. [ص:722]
أخذ عن أبي بكر بن خَيْر، وابن بَشْكُوالَ.
قال ابن مَسْدِيّ: أكثرتُ عنه، وكان مولده سنة أربعٍ وخمسين وخمسمائة.(13/721)
132 - محمد بن جعفر، أبو الخطّاب الرَّبعِيّ. [المتوفى: 622 هـ]
شاعر مات بالرِّقة شابًّا، فمِن نظْمه:
مَتَى لَاح دُونَ الوَردِ آسُ عِذَارِه ... فجنَّتُه خفَّتْ بأهوالِ نَارِه
غريرٌ جرى ماءُ النعيمِ بخدِّه ... فَزَادَ اتِّقَادُ النَّارِ في جُلّنَارِه(13/722)
133 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بْن أَبِي المكارم أَحْمَد بْن الْحَسَين بن بهرام، القاضي الصالح العالم مجدُ الدِّين أبو المجد القَزْوينيُّ الصُّوفيّ. [المتوفى: 622 هـ]
وُلِدَ في صفر سَنةَ أربع وخمسين وخمسمائة بقزوين. وسمع أباه، ومحمد بن أسعد حَفَدَة العطاريّ، وأحمد بن ينال التُّرْك، وأبا الخير أحمد بن إسماعيل القَزوينيّ، وعُمَر الميانشيّ، وأبا الفَرَج ثابت بن مُحَمَّد المَدينيّ، وجماعة.
وحدّث بأذربيجان، وبغداد، والموصل، ورأس العين، ودمشق، وبَعْلَبَكّ، والقاهرة. ونزل بخانقاه سعيدِ السعداء.
قال المُنذريّ: كَانَ شيخًا صالحًا، حَصَلَ لَهُ بمصر قبولٌ. ووالده قَدِمَ مصر وحدَّث - وقد تقدّم -.
وقال ابن الحاجب: كَانَ شيخًا بهيّ المنظرِ، كريمَ الأخلاق، طويلَ الروح، صاحبَ أُصول.
قلتُ: سَمِعَ منه " شرح السُّنّة " و " معالم التّنزيل "خلقٌ كثير. ونسخته وقفٌ بدارِ الحديث الأشرفية بدمشق.
روى عنه الضّياء المَقْدِسيُّ، والزَّكيّ المُنذريّ، وعزُّ الدِّين عَبْد الرّزّاق بْن رزق اللَّه الرّسْعَنيّ، والسيفُ عبد الرحمن بن محفُوظ الرسْعَنيّ، وعبدُ القاهر بن تيمية، وأبو الغنائم بن محاسن الكفرّايي، والتاجُ عبد الخالق قاضي بَعْلَبَكّ، والبهاءُ عبد الله بن الحَسَن بن محبُوب، والفقيه عبّاس بن عُمَر بن عَبْدان، وأمينُ [ص:723] الدّين عبد الصّمد ابن عساكر، وابن عمه الشرف أحمد بن هبة الله، والنّجم أحمد ابن الشهاب القُّوصيّ؛ وأبوه، والمُحيي يحيى بن عليّ ابن القَلانسيّ، وعليُّ بن الحَسَن بن صبَّاح المَخْزوميّ، والجمال عمر ابن العَقيميّ، والكمالُ عبد الله بن قِوام، والعزُّ إسماعيل ابن الفرّاء، والعزّ أحمد ابن العماد، والشمس محمد ابن الكمال، والتّقيّ إبراهيم ابن الواسطيّ؛ وأخوه محمد، والتّقيّ أحمد بن مُؤمن، وإبراهيم بن أبي الحَسَن الفَرَّاء، ومُحَمَّدُ بن عليّ بن شمام الذّهبيّ، والعمادُ أحمد بن مُحَمَّد بن سَعْد، والفخرُ عبد الرحمن بن يوسُف الحَنْبَليّ، والشمسُ خَضِرُ بن عَبْدَان الأزْديّ، والشهاب الأبَرْقُوهيّ، وأبو الفَرَج عبدُ الرحمن بن عبد الوهّاب السُّلَميّ خطيب بَعْلَبَكّ، وهُوَ آخر مَن حدَّث عنه بالسماع.
تُوُفّي بالمَوْصِل في ثالث عشر شعبان، وقيل: في الحادي والعشرين منه.(13/722)
134 - محمد بن أبي القاسم الخَضِرُ بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله، الإمام فخر الدِّين أبو عبد الله ابن تيمية، الحَرّانيّ الفقيه الحَنْبَليّ الواعظ المُفَسّر، [المتوفى: 622 هـ]
صاحب الخُطَب.
شيخ حرَّان وعالمُها. وُلِدَ في شعبان سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة بحَرّان. وتَفَقَّه بحَرّان على الفقيه أبي الفَتْح أحمد بن أبي الوفا، وأبي الفضل حامد بن أبي الحجر، وتَفَقَّه ببغداد على الإمام أبي الفَتْح نصر بن المَنِّيّ، وأبي العبّاس أحمد بن بَكْرُوس. وسَمِعَ من أبي الفَتْح ابن البَطِّي، ويحيى بْن ثابت، وَأَبِي بَكْر بْن النَّقُّور، وأبي طالب بن خُضَير، وسعدِ الله بن نصر الدّجاجيّ، وأبي منصور جعفر ابن الدّامَغانيّ، وشُهْدَةَ، وخلقٍ. وقرأ العربيةَ على أبي محمد ابن الخَشّاب.
ولَهُ مُصَنَّف مختصر في مذهب أحمد، وشعرٌ حسن.
حجَّ جدُّه ولَهُ امرأة حامل، فلمّا كَانَ بتَيْمَاءَ، رأى طِفلةً قد خرجت من خِباء، فلمّا رجع إلى حَرَّان، وجد امرأته قد وَلَدَتْ بنتًا، فلمّا رآها قال: يا تيميّة يا تيميّة، فلُقِّبَ به.
وأمّا ابن النّجّار فقال: ذَكَرَ لنا أنّ جدَّه محمدًا، كانت أمُّه تُسمَّى تيميَّة، [ص:724] وكانت واعظةً، فنُسِبَ إليها، وعُرِفَ بها.
قلت: وكان فخرُ الدِّين إمامًا في التّفسير، إمامًا في الفقه، إمامًا في اللّغة. وَلِيَ خَطابة بلده، ودرّس، ووعظ، وأفتى. وقد سمع بحَرَّان من الشيخ أبي النجيب السُّهَرَوَرْدِيّ؛ قَدِمَ عليهم.
قال الشهابُ القُّوصيّ: قرأتُ عليه ديوانَ خُطبة بحَرَّان. وروى عنه الإمامُ مجد الدِّين عبد السلام ابن أخيه، والجمال يحيى ابن الصّيرفيّ، وعبد الله ابن أبي العزِّ بن صَدَقَة، والفقيه أبو بكر بن إلياس الرَّسعنيّ نزيل القاهرة، والسيف عبدُ الرحمن بن محفوظ، والشهابُ الأبَرْقُوهيّ، والرشيدُ عُمَر بن إسماعيل الفارقيّ، سَمِعَ منه " جزءَ " البانياسيّ وإنّما ظهر بعد موته. مات في صفر.
أخبرنا الأبرقوهي، قال: أخبرنا أبو عبد الله ابن تيميّة، قال: أخبرنا ابن البطّي، قال: أخبرنا عليّ بن محمد الأنباريّ، قال: أخبرنا أبو عمر بن مهديّ، قال: أخبرنا محمد بن مخلد، قال: حدّثنا أحمد بن منصور الرّماديّ، قال: حدّثنا عمرو بن حكّام، قال: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ رَأَى هِلالَ ذِي الْحَجَّةِ، فَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ، وَلا مِنْ أَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
تُوُفّي في حادي عشر صفر بحَرَّان.
وقَدِمَ دمشق رسولًا سَنَة ستّمائة، فحدَّث بها.(13/723)
135 - محمد بن صَدَقَة، أبو عليّ الخطَّاط المعروف بالخَفَاجيّ، الشاعر. [المتوفى: 622 هـ]
مدح النّاصرَ لدين الله، وغيرَه. وعاش إحدى وخمسين سَنةَ. ومات في شَوَّال ببغداد. فمن شِعره:
ضَعُفَ الشَّقيُّ بِكُم لِقُوَّة دائِه ... وأَذَلَّه في الحُبِّ عِزُّ دَوائِه
أضحى يُعَالِجُ دُونَ رَمْلَيْ عَالِج ... حُرَقًا مِنَ الأشواقِ حَشْوَ حَشَائِه [ص:725]
لَمْ يَقْضِ مِنْ دُنياه بَعْضَ دُيونه ... وغَرامه في العَذْلِ مِنْ غُرمَائِه
لَمْ أَنْسهُ إذْ زَارَ زَوْرًا والدُّجى ... متلفّتٌ والصُّبْحُ مِن رُقَبائِه
رَشْأ إذَا حَاوَلْتَ مِنْه نَظْرَةً ... وَدِّعْ فُؤَادَكَ قَبْلَ يَوْمِ لِقَائِه
قَسَم الزّمانُ على البَرِيَّةِ حبّه ... شطرين بين رجاله وَنِسَائِه
يا عَاذِلَ المُشْتَاقِ كُفَّ ولا تَلُمْ ... مَنْ بَاعَ فِيهِ نَعِيمَه بِشَقَائِه
فَالصَّبْرُ يَغْدِرُ بِالمُحِبِّ وشوقه ... أبدًا يقومُ لَهُ بِحُسْنِ وَفَائِهِ(13/724)
136 - محمدُ بْن ظافر بْن عَلِيّ بْن فتوح بْن حُسَيْن، أبو عبد الله ابن رواج الأزْديّ، الإِسْكندَرانيّ، [المتوفى: 622 هـ]
أخو المُحدِّث عبد الوهّاب.
روى عن السِّلَفيّ؛ روى عنه الزَّكيّ المنذري، وغيرُه.(13/725)
137 - مُحَمَّد بن عبد الجليل بن عثمان، أبو عبد الله المِيهَنِيّ الصُّوفيّ. [المتوفى: 622 هـ]
روى عن حَفَدَةَ العَطَّارِيّ، وعنه مجدُ الدِّين العَدِيميُّ.
تُوُفّي بحلب في سَلْخِ جُمَادَى الأولى.(13/725)
138 - مُحَمَّد بن عليّ بن موسى، أبو بكر الأنصاريّ الشَّريشيّ، ويُعرف بابن الغزال. [المتوفى: 622 هـ]
أخذ القراءاتِ عن أبي الحَسَن بن ناصر القُرْطُبيّ، وأبي الحَسَن بن لَبَال؛ وسمع منهما ومن أبي بكر ابن الجدّ. وأقرأ، ودرّس الفقه، وحدّث.
وكان فقيهًا، إمامًا، مشاوِرًا، زاهِدًا.
روى عنه ابنُه يوسف وأبو إسحاق بن الكماد.
بقي إلى هذا العام، ولا أعلم وفاته.(13/725)
139 - مُحَمَّد بن معالي بن مُحَمَّد البَغْداديُّ. [المتوفى: 622 هـ]
سمع من أبي الفتح ابن البَطِّي. ومات بواقِصَة راجعًا مِن الحجِّ في المحرَّم.
وواقصة: قريبة من الكُوفة.(13/725)
140 - مُحَمَّد بن يعقوب بن عبد الله المارسْتَانيّ أبو بكر، [المتوفى: 622 هـ]
أخو أحمد.
سَمِعَ من لاحق بن كارِه، وغيرِه. وحدَّث.(13/726)
141 - مُحَمَّد بن أبي سَعيد بن أبي طاهر، أبو عبد الله الحَنْبَليّ الأصبهاني. [المتوفى: 622 هـ]
روى عن عبد الله بن عليّ الطَامِذَيّ، وأبي المُطَهَّر الصَّيْدلانيّ، وجماعة. روى عنه البِرْزَاليُّ، والضّياء، وبالإِجازة الشيخ شمس الدِّين عبد الرحمن، وغيرُه.(13/726)
142 - مَخْلَد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أحمد، أبو الحُسَيْن، [المتوفى: 622 هـ]
أخو القاضي أبي القاسم أحمد بن بَقِيّ القُرْطُبيّ.
سَمِعَ من أبيه، ومن جدِّه أبي الحُسَيْن عبد الرحمن، وأبي يحيى الجزائريّ الصُّوفيّ. وأجاز لَهُ أبو مروان بن قَزْمان. وولِي الأَنْكحةَ مُدَّة. وكان متصوِّنًا، منقبِضًا.
تُوُفّي في المحرَّم، ولَهُ سبعون إلّا سنةً.(13/726)
143 - مُظَفَّر بن القاسم بن المُظَفَّر بن سَابان أبو القاسم الحَرْبيّ التّاجر. [المتوفى: 622 هـ]
حدّث عن أبي الفتح ابن البطّي. وتوفّي في ربيع الآخر.
روى عنه ابن النجّار.(13/726)
144 - النّجيبُ بن هِبَةَ الله القُوصِيُّ التّاجر. [المتوفى: 622 هـ]
مات بمصرَ في ذي الحِجَّة. وكان من كبار المتموّلين، ولَهُ مدرسةٌ مشهورةٌ بقُوص.(13/726)
145 - النّفيسُ بن كَرَم بن جُبَارَة، أبو محمد البغداديّ المقرئ المُكارِيّ. [المتوفى: 622 هـ]
سَمِعَ من أبي الوَقْت، وهِبَةَ الله بن أحمد الشِّبليّ، وجعفر بن أحمد المَحَلِّيّ.
وكان شيخًا صالحًا، مقرئًا.
روى عنه الدُّبَيْثيّ، وابن النّجّار، وروى عنه الأبَرْقُوهيّ " جزء أبي الْجَهْم ".
وكان مِن أبناء الثّمانينَ، تُوُفّي في رابع جمادى الأولى.(13/727)
146 - هاجرُ بنتُ إسماعيل بن مُحَمَّد بن يحيى الزُّبَيْديّ، أمّ الخيرِ البَغْداديّةُ الواعظةَ العالمة. [المتوفى: 622 هـ]
ختم عليها القرآن جماعةٌ. وكانت صالحةً، عابدةً، من بيت علم ورِواية. سَمِعَتْ من أبي المكارم مُحَمَّد بن أحمد الطَّاهريّ الراوي عن أبي عبد الله ابن البسريّ، ومن أحمد ويحيى ابني موهوب بن السدنك. وحدثت.
ومات أبوها شابا، وماتت في الحادي والعشرين من رجب.(13/727)
147 - هبة الله ابن العدل أبي المكارم إسماعيل بن هبة الله عز القضاة أبو القاسم المليجي ثم المصري. [المتوفى: 622 هـ]
ولد سنة اثنتين وستّين وخمسمائة. وسَمِعَ من عبد الله بن بَرِّيّ، وغيره. وحدَّث.
ومَلِيج: من أعمال الغربيَّة.(13/727)
148 - هِبَةُ الله بن محمد بن عبد الواحد بن رَواحة، زكي الدِّين الأنصاريّ الحمويّ التّاجر المُعَدَّل. [المتوفى: 622 هـ]
كَانَ كثير الأموال، محتشمًا، أنشأ مدرسةً بدمشق، وأُخرى بحلب. وحدّث عن أبي الفَرَج بن كُليب. [ص:728]
وإنّما قيل لَهُ: ابن رواحة، لأنَّه ابن أختِ أبي عبد الله الحُسَيْن بن عبد الله بن رَواحة.
تُوُفّي في سابع رجب. وغلط من قال: إنَّه مات في سَنَةِ ثلاثٍ.
وكان أوصى أنّ يُدفن في مدرسته بدمشق في البيت القبو، فما مكّنهم المدرِّس وهُوَ الشيخ تقيّ الدّين ابن الصلاح. وشرط على الفقهاء والمدرّس شروطًا صعبة لا يُمْكِنُ القيام ببعضها؛ وشرط أنّ لا يُدْخِلَ مدرسته يهوديًا ولا نصرانيًا، ولا حنبليًا حشوياً.(13/727)
149 - ياقوت، مهذَّبُ الدِّين الرُّوميّ ثمّ البَغْداديُّ الشَّاعر، [المتوفى: 622 هـ]
مولى أبي نصر الجيليّ التّاجر.
كَانَ مكثرًا من الأدب، مليحَ القول، لطيفَ المعاني. وكان لَهُ بيت بالمدرسة النِظّاميَّة، فوُجد فيه ميتًا في جُمَادَى الأولى، ومن شِعْره:
إن غَاضَ دَمعُك والأحبابُ قد بَانُوا ... فَكُلُّ ما تَدَّعِي زورٌ وبُهْتَانُ
وكَيْفَ تَأْنَسُ أَوْ تَنْسَى خَيَالَهُمُ ... وَقَدْ خَلا مِنْهُمُ ربعٌ وَأَوْطَانُ
لا أَوْحَشَ الله مِنْ قَوْم نَأَوْا فَنَأَى ... عَنِ النَّواظِرِ أقمارٌ وأَغْصَانُ
سَارُوا فَسَارَ فُؤَادِي إِثْرَ ظَعْنِهِمُ ... وبَانَ جَيْشُ اصْطِبَارِي عِنْدَمَا بَانُوا
يَا مَنْ تملّك رقي حسن بهجته ... سلطان حسنك ما لي مِنْهُ إحْسَانُ
كُنْ كَيْفَ شِئْتُ فَمَا لي عَنْكَ مِنْ بدلٍ ... أَنْتَ الزُّلالُ لِقَلْبِي وَهُوَ ظَمْآنُ(13/728)
150 - يحيى بن أبي طاهر بن أبي العزِّ بن حَمْدُون الطيبي الخيَّاط. [المتوفى: 622 هـ]
روى عن أبي طالب بن خضير. ومات في شعبان.(13/728)
151 - يعيش بن رَيْحَان بن مالك الفقيه أبو المكارم الأنباريّ ثمّ البغداديّ الحنبليّ. [المتوفى: 622 هـ][ص:729]
ولد بعيد الأربعين وخمسمائة. وكان صالحًا، زاهدًا، منقبِضًا عن النَّاس، مِن كبار الحنابلة. سَمِعَ من أبي زُرْعة المَقْدِسيُّ، وأبي حامد مُحَمَّد بن أَبِي الربيع الغَرْنَاطَيّ، وسعد الله بن نصر ابن الدَّجَاجيّ، وشُهْدَةَ الكاتبة، وجماعة.
روى عنه الدُّبَيْثيّ، والضُّياءُ، والكمالُ عبد الرحمن شيخُ المستنصرية، وآخرون.
وتوفّي في منتصف ذي الحجّة.(13/728)
152 - أبو البركات بن مكّيّ النَجّاد. [المتوفى: 622 هـ]
شيخٌ صالح. سَمِعَ من أبي زُرْعة بعض " مُسْنَد الشّافعيّ ".
مات في ذي الحِجَّة.(13/729)
153 - أبو عبد الله بن عبد الكريم بن سعيد بن كُليب الحَرَّانيّ الأصل المِصْريّ الحدَّاد السَّكاكينيّ. [المتوفى: 622 هـ]
سَمِعَ من قريبه أبي الفَرَج عبد المنعم بن كُليب ببغداد، وسَمِعَ بالإِسكندرية من السِّلَفيّ.
روى عنه الزَّكيّ المُنذريّ، وقال: مات في رمضان.(13/729)
-وفيها وُلِدَ
القاضي شرفُ الدِّين أحمدُ بن أحمد المَقْدِسيُّ، والمُحدِّث تقيُّ الدِّين عُبَيْد بن محمد الإسْعِرْدِيّ، والجمالُ إبراهيمُ بن داود الفاضليّ، والنورُ أحمدُ بن إبراهيم بن مُصْعَب، والعزُّ مُحَمَّدُ بن أحمد بن أبي الفهم ابن البقّال، والمحيي يحيى بن محمد ابن العَدْلِ الزَّبَدانيّ، وشريفُ بن مكتوم الزَّرَعيّ، [ص:730] والشمسُ مُحَمَّدُ بن محمود بن سيما، والشهابُ محمودُ بن مُحَمَّد بن عبد الله القُرَشيّ الشاهد، والمُعينُ مُحَمَّد بن أحمد بن عبد العزيز ابن الصوّاف الإِسْكندَرانيّ، ووجيهة بنتُ عُمَر الهواريّ، والخطيبُ موفَّق الدِّين مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن حُبَيش الحمويّ الشّافعيّ، وأبو الحَسَن عليُّ بن نصر الله بن عُمَر، ابن الصوّاف، صاحب ابن بَاقَا، ومريمُ بنتُ أحمد بن حاتِم ببَعْلَبَكّ، والسديد أحمد بن محمد بن قفل الكِنانيّ بدِمياط، والنَّجمُ راجحُ بن عليّ الأزْديّ بمصر، والملك القاهر عبد الملك ابن الملك المعظَّم، والقاضي جمالُ الدِّين أبو بكر بن عبد العظيم ابن السَّقَطيّ بمصر، وتاجُ العرب بنت المسلَّم بن علاّن، والشرف أحمد بن عبد الكرم ابن الكُبْلج، سَمِعَ ابن رَواج.(13/729)
-سنة ثلاث وعشرين وستمائة(13/731)
154 - أحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أحمد بْن عبد الرحمن، الإِمام فقيهُ المغرب أبو العبّاس الرَّبعِيّ التُّونسيّ المالكيّ، [المتوفى: 623 هـ]
نزيل غَرناطة.
قال ابن مَسْدِيّ: هُوَ أحفظُ مَنْ لقيتُ لمذهب مالك. تَفَقَّه على أبيه أبي القاسم المعروف بالفقيه دُمْدُم. وسَمِعَ من الحافظ عبد الحقّ، وجماعة. ولد في حدود سنة أربعين وخمسمائة.(13/731)
155 - أَحْمَد بْن عَبْد الواحد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرحمن بن إسماعيل ابن منصور، العلَّامة شمس الدِّين أبو العبّاس المَقْدِسيّ، المعروفُ بالبخاريّ، [المتوفى: 623 هـ]
والِدُ الفخر عليّ، وأخو الحافظ الضّياء.
وُلِدَ في شَوَّال سَنةَ أربعٍ وستّين، ورحل إلى بغداد وهُوَ ابن بِضع عشرة مع أقاربه، فَسَمِعَ من أَبِي الفَتْح بْن شاتِيل، ونصرِ اللَّه القَزّاز، وعبدِ المُغيث بن زُهَير، وجماعة. وكان قد سَمِعَ بدمشق من أبي نصر عبد الرحيم اليُوسُفيّ، وأبي المعالي بن صابر، وأبي المجد البانياسيّ، وأبي الفَهْم بن أبي العجائز، والخَضِر بن هِبَةَ الله بن طاوس، وجماعة. ودخل نَيْسَابُور، فَسَمِعَ من عبد المنعم بن عبد الله ابن الفُرَاويّ، وَبِهَمَذَان من عليّ بن عبد الكريم الهَمَذَانيّ، ودخل بُخارى، فأقام بها مُدَّة، فلقب بالبُخاريّ، وأخذ بها الخِلافَ عن الشرف أبي الخطّاب، واشتغل بالخلاف على الرضيِّ النَّيْسَابوريّ.
روى عنه أخوه، وابنه، وابن أخيه الشمسُ مُحَمَّد ابن الكمال، وابن خاله شمسُ الدِّين بن أبي عمر، والشهاب القوصيّ. وحدّثنا عنه العزّ ابن الفرّاء، والعزّ ابن العماد، والشمس محمد ابن الواسطيّ، وخديجةُ بنت الرضيّ.
وكان إمامًا، عالمًا، مفتيًا، مناظرًا، ذا سَمْت ووقار. وكان كثيرَ المحفوظ، كثيرَ الخيرِ، حُجَّة، صدوقًا، كثيرَ الاحتمالِ، تامّ المرؤة، فصيحًا، مفوَّهًا؛ لم يكن في المقادسة، أفصحُ منه. اتَّفقت الألسِنةُ على شكره.
وقد أدرك أبا الفتح ابن المنّي وتفقّه عليه.
قال عمر ابن الحاجب: سألت أخاه الضّياء عنه، فقال: كَانَ فقيهًا، ورعًا، ثقة. [ص:732]
وقرأتُ أنا بخطِّ الضّياء: في ليلة الجمعة خامس عشر جُمَادَى الآخرة تُوُفّي أخي الإمام العالم أبو العبّاس - رحمة الله عليه ورضوانُه - وشهرته وفضله، وما كان عليه يُغني عن الإِطناب في ذِكره. ودُفِنَ إلى جانب خاله الإِمام مُوفَّق الدِّين.
قلتُ: وقد أقامَ بحمص مُدَّة، وبها سَمِعَ عليه ولدُه، والحافظ ابن نُقْطَه، وغيرهما.(13/731)
156 - أحمد بن أبي المُظَفَّر مُحَمَّد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّد بْنِ المُعَمَّر، الرئيس أبو العزّ. [المتوفى: 623 هـ]
حدَّث عن أبي طالب بن خُضَير.
وتُوُفّي في جمادى الآخرة.
وولي أبوه دِيوان الزِّمام، وعمُّه أبو الفضائل يحيى نابَ في الوزارة.(13/732)
157 - أحمدُ بن مُحَمَّد بن يحيى، أبو العبّاس ابن الهَمَذَانيّ البَغْداديُّ المؤدِّب. [المتوفى: 623 هـ]
سمَّعَهُ أبوه من مسلم بن ثابت النخّاس، وجماعة.
روى عنه ابن النّجّار في " تاريخه ".(13/732)
158 - أحمد بن محمود بن أحمد بن ناصر، الفقيه أبو العبّاس الحَرِيميّ الحَنْبَليّ الإِسكاف. [المتوفى: 623 هـ]
تَفَقَّه على والده الشيخ أبي البركات. وسَمِعَ من أبي الفتح ابن البطّي، ويحيى بن ثابت، وسعد الله ابن الدَّجاجيّ. وحدَّث. وعاش ثمانين سَنةَ، ومات في رابع عشر جُمَادَى الأولى.(13/732)
159 - أحمدُ بن ناصر، الشيخ أبو العبّاس الإِسكاف الحَرْبيّ. [المتوفى: 623 هـ]
تَفَقَّه على والده أبي البركات الحَنْبَليّ. وسَمِعَ من ابن البَطِّي، ويحيى بن ثابت.
روى عنه ابن النجار، وقال: كان شيخا حسنًا، متيقّظًا، تُوُفّي في جُمَادَى الأولى.(13/733)
160 - إبراهيمُ ابن الحافظ عز الدِّين مُحَمَّد ابن الحافظ عبد الغنيّ المَقْدِسيُّ. [المتوفى: 623 هـ]
حدَّث في طريق الحجّ عن ابن طَبَرْزَد. وكان شابًّا، ساكنًا، فيه حياء.
تُوُفّي في شَوَّال.(13/733)
161 - إبراهيم بن موسى، الأميرُ مبارز الدِّين العادليّ، المعروف بالمعتمدِ، والي دمشق. [المتوفى: 623 هـ]
وُلِدَ بالمَوْصِل، وقَدِمَ الشّام، فخدم نائبها فَرُّخَشَاه بن شَاهِنْشَاه، وتقلّبت به الأحوال، ثمّ ولّاه الملك العادل شِحْنَكِيةِ دمشق استقلالًا، فأحسن السيرةَ.
قال أبو شامة: كَانَ ديِّنًا، وَرِعًا، عفيفًا، نزهًا، اصطنع عالَمًا عظيمًا، وكانت دمشق وأعمالُها في ولايته لها حرمةٌ ظاهرة، وهي حُرَّة طاهرة. [ص:734]
قال أبو المُظَفَّر الجوزيّ: وممّا جرى في ولايته، أنّ رجلًا خَنَقَ صبيًّا لحلقٍ في أُذْنيه، وأخرجه في قفّةٍ فدفنه، وكان جارَهم، فاتّهمته أُمُّ الصبيّ به، فعذَّبه المبارزُ، فلم يقرّ، فأطلقه وفي قلبها النّارُ فطلّقت زوجها، وتزوّجت بالقاتِل، وأقامت معه مُدَّة، فَقالَتْ يومًا وهي تُداعبه - وقد بلغها موتُ زوجها -: راح الابن وأبوه، وكان منهما ما كَانَ، أأنت قتلتَ الصبيّ؟ قال: نعم، قالت: فأرِني قبرَه، فخرج بها إلى مقابر باب الصّغير، وحفر القبرَ، فرأت ولدَها، فلم تَمْلِكْ نفسها أن ضربت الرَّجل بسكّينٍ معها شَقَّتْ بطنه، ودفعته فوقع في الحُفْرة. وجاءت إلى المُبارز، فحدَّثته، فقام وخرج معها إلى القبر، وقال لها: أحسنتِ والله ينبغي لنا كُلِّنا أنّ نشربَ لكِ فُتُوَّة.
قال أبو المُظَفَّر: وحكي لي المبارزُ قال: لَمّا أبطل العادلُ الخمرَ، ركبتُ يومًا وإذا عند باب الفَرَج رجلٌ في رقبته طبلٌ، فقلتُ: شُقُّوا الطّبل فشقُّوه، فإذا فيه زُكْرَة خَمْر فبدّدتُها، وضربتُه. فقلتُ: من أين علمتَ؟ قال: رأيت رِجليه وهي تلعب، فعلمت أنَّه حاملٌ شيئًا ثقيلًا. وطالت ولايتُه. وكان في قلب المعظَّم منه؛ لأنّ الملكَ العادل كَانَ يأمُره أنّ يتتبَّعه ويحفظه، فكان المُعَظَّم وهُوَ شابٌّ يدخل إلى دمشق في اللّيل، فيأمر المبارزُ غلمانَه أن يتبعوه. فلمّا مات العادلُ، حبسه المعظّم مُدَّة، فلم يظهر عليه أنَّه أخذ من أحدٍ شيئًا، فأنزله إلى داره، وحَجَرَ عليه، وبالغ في التّشديد عليه. ومات عن ثمانينَ سَنَة. ولم يُؤخذ عليه شيء إلّا أنَّه كَانَ يَحِبسُ وينسى، فَعُوقِبَ بمثل فعله.(13/733)
162 - إسحاق بن مُحَمَّد بن المؤيِّد بن علي بن إسماعيل، القاضي المُحدِّث رفيع الدِّين الهَمَذَانيّ الأصل المِصْريّ الوَبَرِيُّ الشّافعيّ. [المتوفى: 623 هـ]
وُلِدَ تقديرًا في سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة بمصر. وسَمِعَ من أبيه، ومن الأَرْتَاحِيّ، وأبي الفضل الغَزْنَويّ، وفاطمة بنت سَعْد الخير، وجماعة. ورحل سَنَةَ ثلاثٍ وستّمائة، فَسَمِعَ بدمشق من عمر بن طبرزد، وغيره. وببغداد من أصحاب قاضي المارستان، وبواسط من أبي الفَتْح المَنْدَائي، [ص:735] وبأصبهان من عفيفة الفارفانيّة، وجماعة، وبشيراز، وهمذان، وجال في تلك الناحية.
وتَفَقَّه في مذهب الشّافعيّ، وتزوَّج. وولي قضاء أَبَرْقُوه مُدَّة، ثمّ فارقها.
ورحل بولديه محمد وشيخنا الشهاب، وسَمَّعَهُما بأَبَرْقُوه، وشِيرازَ، وبغداد، والمَوْصِل، وحَرَّان، ودمشق، ومصر، وأماكنَ أُخر، وأستقرَّ بالقاهرة. حَدَّثَنَا عنه ابنُه الشهاب.
قال عمر ابن الحاجب في " مُعجمه ": هُوَ أحدُ الرَّحَّالين، عارفٌ بما سَمِعَ، إمام مقرئ، حَسَنُ السيرة، لَهُ سمتٌ ووقار، على مذهب السَّلَفِ، كريمُ النفس، حسن القراءة. ولي قضاء بُلَيْدَة اسمُها أَبَرْقُوه، فلمّا جرى على البلاد من الكفّار يعني التّترَ ما جرى، رجع إلى وطنه ومَسْقَطِ رأسه. وكان معروفًا بالإِقراء. وكان والده يقال له: الوَبَرِيّ.
قال المُنذريّ: تُوُفّي في ليلةِ سابعَ عشر جُمَادَى الأولى.(13/734)
163 - أسعدُ بن بقاء الأَزَجيّ النّجّار. [المتوفى: 623 هـ]
سَمِعَ من أبي طالب بن خُضَيْر. ومات في جُمَادَى الأولى.
روى عنه ابن النّجّار، وقال: كَانَ صالحًا، ملازمًا لمجالسِ الحديث.(13/735)
164 - إسماعيلُ بن ظافر بن عبد الله، الإمامُ أبو الطّاهر العُقَيْليّ المقرئ المالكيّ. [المتوفى: 623 هـ]
قرأ القراءاتِ والعربيةَ، ونظر في التّفسير، ودرَّسَ، وأَفَادَ. وكان وَرِعًا، صالحًا، كثيرَ الفضائل، يعيشُ من كسبه.
ولد سنة أربعٍ وخمسين وخمسمائة. وسمع من علي بْن هبة اللَّه الكاملي، ومُحَمَّد بن عليّ الرَّحَبِيّ، وعبد الله بن بَرِّيّ النَّحْويّ، وأبي المفاخر سَعيد المأمونيّ، وطائفة. روى عنه الحافظُ المُنذريُّ، وغيره. وتُوُفّي في رجب.
وقد تصدَّرَ بالجامع الظّافريّ بالقاهرة مُدَّةً.(13/735)
165 - جعفر بن الحَسَن بن إبراهيم، الفقيه تاج الدِّين أبو الفضل الدَّمِيريّ المِصْريّ الحنفيّ المُعَدَّل. [المتوفى: 623 هـ]
قرأ القراءات عَلَى أَبِي الجيوش عساكر بْن عَلِيّ. وتَفَقَّه على الجمال عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن سَعْد اللَّه، والبدرِ عبد الوهَّاب بن يوسُف. وسَمِعَ من عَبْد اللَّه بْن بَرِّيّ، وَأَبِي الفضل الغَزْنَويّ، وجماعةٍ.
ودَرَّس بمدرسة السُّيوفيين مُدَّةً، ونسخ بخطِّه المليحِ كثيرًا، وكان حسن السمت، ومنجمعاً عن النّاس.
وُلِدَ في حدود سَنةَ خمسٍ وخمسين.
روى عنه المُنذريُّ، وقال: تُوُفّي فِي ذي القعدة.(13/736)
166 - الْحَسَن بْن علي بْن إبراهيم، الفقيه أبو عليّ الكَرْكَنْتِيّ الصَّقلِّيّ الشّافعيّ الشُّرُوطيُّ الشاهد. [المتوفى: 623 هـ]
وُلِدَ سنة ستٍّ وثلاثين وخمسمائة. وسَمِعَ أبا الفهم عبد الرحمن بن أبي العجائز، وعبد الرّزّاق النّجّار، وذكر أنَّه سَمِعَ من الصائن هبة الله ابن عساكر.
كتب عنه عمر ابن الحاجب، والطلبة. وحدّث عنه الزَّكيّ البِرْزَاليُّ.
ومات في شعبان.(13/736)
167 - الحُسَيْنُ بْن إِبْرَاهِيم بْن أبي بَكْر بْن خلكان، الفقيه ركن الدِّين أبو يحيى الإرْبِلِّيّ الشّافعيّ. [المتوفى: 623 هـ]
دَرَّس بِعدَّةِ مدارس. وكان عارفًا بالمذهب، صالحًا، كثيرَ التلاوة. سَمِعَ مِن يحيى الثَّقَفيّ. وحدَّث بإرْبِل. ومات في ذي القِعدة.(13/736)
168 - الحُسَيْن بن أبي الوفاء صادق بن عبد الله بن نصر بن عليّ، القاضي الأنجب أبو عبد الله المَقْدِسيُّ ثمّ المِصْريّ الشّافعيّ، المعروف بابن الأنجب. [المتوفى: 623 هـ]
روى عن السلفي؛ روى عنه الزكي المنذري، والمصريّون.
وعاش ثمانينَ سَنةَ. ومات في سادس رمضان.(13/736)
169 - الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عليّ، أبو عليّ الَّليْثيّ الزَّمانيّ - بزاي مفتوحة وميم مخفّفة -. [المتوفى: 623 هـ]
سَمِعَ من السّلفي، وحدّث. ومات في شوّال.(13/737)
170 - الحسين ابن القاضي المرتضى محمد ابن القاضي الجليس أبي المعالي عبد العزيز بن الحسين ابن الْجَبَّاب التَّميميّ السَّعْديّ المِصْريّ، عز القضاة أبو عليّ. [المتوفى: 623 هـ]
سَمِعَ من أبيه، وأبي المفاخر المأمونيّ، وعثمانَ بن فَرَج العَبْدرَيّ.
وكان أديبًا، شاعِرًا، فاضلًا، محتشمًا. وُلِدَ سَنةَ ثمانٍ وخمسين، ومات في سادس عشر ذي القعدة.
روى عنه المنذريّ.(13/737)
171 - الحسين بن يوسف بن الحسين ابن القنديّ، البغداديّ. [المتوفى: 623 هـ]
حدّث عن شهدة. ومات في ربيع الأول.(13/737)
172 - خديجة بنت الحافظ أبي طاهر السِّلَفيّ. [المتوفى: 623 هـ]
سَمِعْت من والدها؛ وحدَّثت.
قال المنذريُّ: وقَدِمَتْ مصر بعد وفاة والدها، واحتُرِمَتُ احترامًا كثيرًا، وبُوِلغَ في إكرامها، وعادت إلى الإِسكندرية، ثمّ تُوفّيت في رمضان.(13/737)
173 - خديجةُ بنتُ حسّان بن ماجد الصَّحْراويّ، [المتوفى: 623 هـ]
أبوها من أهل جبل الصّالحية.
روت بالإجازة عن هبة الله بن يحيى ابن البُوقيّ، وغيره. سَمِعَ منها الشيخ الضّياء، وعُمَرُ ابن الحاجب. وماتت في رجب.(13/737)
174 - خَزْعَلُ بن عسكر بن خليل، العَلَّامة تقيّ الدِّين أبو المجد الشَّنائيّ المِصْريّ المقرئ النَّحْويّ اللُّغَوِيُّ، [المتوفى: 623 هـ]
نزيل دمشق. [ص:738]
ذكر انه سَمِعَ من السِّلَفيّ، وأنَّه دخل بغدادَ، وقرأ على الكمال عبد الرحمن الأَنباريّ أكثرَ تصانيفه، وعند عَوْدِه أخذ في الطّريق، وراحت كُتُبُه.
أقرأ القرآن بالقدس مُدَّة، ثمّ سَكَنَ دمشق، وصار إمامَ مشهدِ عليّ. وكان يَعْقِدُ الأنكحة، ويُشغل في العزيزية.
قال أبو شامة: قرأتُ عليه " عروض النَّاصح ابن الدّهان "، أخبرني به عن مصنِّفه. وكان يحثُّني على حفظِ الحديث، والتَفقّه فيه خصوصًا " صحيح مُسْلم ". ويقول: إنّه أسهل من حفظ كتب الفقه وأنفع - وصَدَقَ - ويحثّ على مسح جميع الرأسِ احتياطًا؛ وقد بحث فيه، فأعجبني، واستقرّ في نفسي، فما أعلمُ أني تركته بَعْد. وكان لا يَرُدُّ سائلًا أصلًا، ورُبّما جاءه فيقولُ: اقعد، فما جاء، فهو لك. وكان عندَ الطّلاق لا يأخذ مِن أحد شيئًا. وكان ذا مروءةٍ تامّة، رحمه الله.
وقال ابن الحاجب: أُقْعِدَ في آخر عمره، وتمرَّض، وازدحمت عليه الطّلبة. وقال لي: وُلِدْتُ فيما أظنّ سَنةَ سبعٍ وأربعين بالإِسكندرية. وكان أعلمَ النّاس بكلام العرب.(13/737)
175 - سليمان بن محمود بن محفوظ ابن الصَّيْقَلِ، أبو السعود القُرَشيّ الأَزَجيّ. [المتوفى: 623 هـ]
حدَّث عن عيسى بن أحمد الدُّوشابيّ. ومات في المحرَّم. ولَهُ شِعر.(13/738)
176 - سُلَيْمان بن يونس البَغْداديُّ الفرَّاش. [المتوفى: 623 هـ]
حدّث عن أبي طالب بن خضير.(13/738)
177 - صَدَقَة بن عبد العزيز بن هِبَةَ الله بن حديد الأَزَجيّ الدَّقَّاق. [المتوفى: 623 هـ]
سَمِعَ من عليّ بن أبي سَعْد الخباز. وأجاز لَهُ الشيخ عبد القادر، وجماعة. وكان رجلًا صالحًا.
مات في رجب.(13/738)
178 - ظَفَرُ بن أحمد بن غنيمة بن أحمد، أبو البدر البَغْداديُّ الصُّوفيّ الخَرَّاط الخَيَّاط، المعروف بابن زَعْرُورَة. [المتوفى: 623 هـ][ص:739]
وُلِدَ سنة خمس وخمسين وخمسمائة. وسَمِعَ من مسلم بن ثابت النخّاس، وعبد الله بن عبد الصّمد السّلميّ.
وكان شيخاً صالحاً، مشتغلاً بالعبادة، ملازماً لمسجده.(13/738)
179 - عامرُ بن هشام، أبو القاسم القُرْطُبيّ الأَزْدِيّ. [المتوفى: 623 هـ]
سَمِعَ من أبيه أبي الوليد، ومن أبي القاسم بن بَشْكُوالَ. وقرأ " المُلَخَّص " للقابسيّ على أبي مُحَمَّد بن مُغيث.
وكان أديبًا، كاتبًا، شاعرًا، مطبوعًا، صنَّف شرحًا لغريب " المُلَخَّص ".
وصَلَحَتْ حالُه بأَخِره، وأقبل على النُّسُكِ والعِبادة، فحُمِلَ عنه الحديث.
ورَّخه الأبَّار.(13/739)
180 - عبدُ الله بْن أحمد بْن أبي بكر، أبو بكر البَغْداديُّ العجَّان الخبّاز. [المتوفى: 623 هـ]
روى عن شُهْدَةَ، وعبد الحقّ اليُوسُفيّ، وأبي شاكر السقلاطوني، وطبقتهم. وأكثر جدا عن أصحاب ابن الحُصين حَتّى عن أصحابِ أبي الوَقْت. وجمع لنفسه " مشيخة " كبيرة، وقرأ القراءاتِ على أبي بكر ابن الباقِلّانيَ، وغيره.
قال ابن النّجّار: لا يُعْتَمَدُ عليه لِكثرة وهمه وتسامُحه. ومات في ربيع الأوّل. وكان صالحًا، متعفّفًا.(13/739)
181 - عبد الله بن عبد العظيم، أبو مُحَمَّد الزُّهْريّ المَالَقيّ. [المتوفى: 623 هـ]
تلميذ أبي عبد الله ابن الفخَّار؛ مكثرٌ عنه. وأجاز لَهُ السِّلَفيّ، وجماعة. حدّث عنه أبو عبد الله بن عَسْكر. وكان ذا عنايةٍ بالحديث، ولَهُ كتابٌ في رجال " المُوَطّأ ". [ص:740]
تُوُفّي في شعبان.(13/739)
182 - عبدُ الله بن يوسُف بن عبد الرحمن بن عبد العزيز، أبو محمد التَّميميّ القابِسيّ، [المتوفى: 623 هـ]
نزيلُ الإِسكندرية.
قَدِمَها، وهُوَ شابٌ، فَسَمِعَ من السِّلَفيّ، وتَفَقَّه لمالك، وجاورَ مُدَيدَةً، وكان شيخًا صالحًا، فاضلًا.
تُوُفّي بِثَغْرِ الإسكندريَّة في ذي الحِجَّة، وقد ناهز التّسعين.(13/740)
183 - عبد الخالق بن تقى بن إبراهيم، الفقيه أبو محمد الشّافعيّ. [المتوفى: 623 هـ]
تَفَقَّه على أبي إسحاق بن مُزَيْبِل؛ وتخرَّج به. وسَمِعَ من أبي القبائل عَشير بن عليّ، وجماعة.(13/740)
184 - عبدُ الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن عُلْوان بن عبد الله، أبو مُحَمَّد الأَسَديّ الحلبيُّ الزّاهِدُ، المعروف بابن الأستاذ. [المتوفى: 623 هـ]
وُلِدَ في ربيع الآخر سنة أربعٍ وثلاثين وخمسمائة. وسَمِعَ بحلبَ من أبي مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد الأَشِيريّ، وأبي بكر بن ياسر الْجِيَّانيّ، وأبي بَكْر عَبْد الله بْن مُحَمَّد بْن أَبِي العبّاس النُّوقَانيّ، وأبي عليّ الحَسَن بن عليّ البطليوسيّ، وأبي حامد محمد بن عبد الرحيم الغَرْنَاطيّ، وأبي طالب عبد الرحمن بن الحسن ابن العَجَميّ، وأبي الأَصْبغ عبد العزيز بن عليّ السُّمَاتيّ، ومُحَمَّد بن بركة الصِّلْحِيّ، وجماعة. وسَمِعَ ببغداد من أَبِي جَعْفَر أَحْمَد بْن مُحَمَّد العبّاسيّ؛ وهُوَ أكبرُ شيخٍ لَهُ. وبدمشقَ من أبي المكارم بن هلال، وأبي القاسم ابن عساكر، وأبي الغنائم هبة الله ابن صصرى. وأجاز لَهُ خلْق من خُراسان وأصبهان ومصر. [ص:741]
وكان له فهمٌ وعناية بالحديث، وفيه ديانة، وصلاح، وخير.
تَفَقَّه في مذهب الشّافعيّ، وسَمَّعَ أولادَه.
روى عنه البِرْزَاليُّ، والضَّياء، والسيفُ ابن المجد، والصّاحب كمال الدّين عمر ابن العديم؛ وابنه مجد الدّين، والتّقيّ ابن الواسطيّ، والشمس ابن الزّين، والأمين ابن الأشتريّ، والكمال أحمد ابن النَّصِيبيّ، والشمس الخَابُوريّ، وطائفةٌ سواهم.
وهُوَ والد قاضي القُضاة زَين الدين عَبْد الله ابن الأستاذ، وقاضي القضاة جمال الدِّين مُحَمَّد.
تُوُفّي في عاشرِ جُمَادَى الآخرة، ولَهُ تسعون سَنةَ.
وإنّما سَمِعَ ببغداد اتفاقًا؛ لأنه سار ليحجّ منها.(13/740)
185 - عبد الرحمن بن أبي العزّ المبارك بن مُحَمَّد بن أبي العزّ، أبو محمد البَغْداديُّ، المعروف بابن الخَبّازة، المقرئ الخَيَّاط البَزَّاز، ويعرف أيضًا بابن الدُّوَيك. [المتوفى: 623 هـ]
شيخٌ صالح، قرأَ القرآن على دُلَف بن كَرَم العُكْبَرِيّ. وسَمِعَ من أبي الوَقْت، وأبي القاسم بن قَفَرْجَل، وغيرهما. روى عنه الدُّبَيْثيّ، وابن النّجّار، وجماعةٌ. وأثنى عليه ابن النّجّار.
وقال ابن نُقْطَة: سمع من أبي الوقت " صحيح " البخاريّ، و" عبد "، وسماعه صحيح. تُوُفّي في المحرَّم ببغداد.(13/741)
• - عبد العزيز السُّماتي، [المتوفى: 623 هـ]
في سَنَةِ أربعٍ سيأتي.(13/741)
186 - عبد القويّ بن عبد الباقي بن أبي اليقظان، أبو محمد الكُتُبيُّ ضياء الدّين المعرِّيُّ. [المتوفى: 623 هـ][ص:742]
حدَّث عن السِّلَفِيّ بدمشق، وبها مات في جُمَادَى الأولى.(13/741)
187 - عبد الكريم بن مُحَمَّد بن عبد الكريم بن الفضل، العَلَّامة إمام الدِّين، أبو القاسم، الرافعيّ، القَزْوينيُّ، الشافعيّ. [المتوفى: 623 هـ]
صاحب «الشرح الكبير».
ذكره الشيخ تقيّ الدّين ابن الصَّلاح، فقال: أظنُ أنّي لم أرَ في بلاد العَجَم مثله. كَانَ ذا فنون. حَسَن السِّيرة، جميلَ الأَمرِ. صَنَّفَ «شرح الوجيز» في بضعة عشر مُجَلَّدًا، لم يُشرح «الوجيزُ» بمثله.
وقال الشيخ محيي الدِّين النَّواويّ: الرَّافعيّ من الصالحين المُتَمكّنين، كانت لَهُ كراماتٌ كثيرة ظاهرة.
وقال أبو عبد الله محمد بن محمد الإِسفَرايينيّ في «الأربعين» تأليفه: هُوَ شيخُنا، أمامُ الدِّين وناصر السُّنَّة صِدقًا. كَانَ أوحدَ عصره في العُلوم الدِّينية، أصولا وفُروعًا، ومجتهدَ زَمانِه في المذهب، وفريدَ وقتِه في التَّفسير. كَانَ لَهُ مجلسٌ بقزوين للتّفسير، ولتسميع الحديث، صنَّف شرحا لمُسْنَد الشافعيّ وأسمعه سَنةَ تسع عشرة وستمائة، وصنّف شرحا للوجيز، ثمّ صنّف أوجز منه.
وكان زاهدا، وَرِعًا، متواضعا. سَمِعَ الكثير، وتُوُفّي في حدود سَنةَ ثلاثٍ وعشرين بقَزْوين.
وقال ابن الصَّلاح: كانت وفاته في أواخر سَنةَ ثلاثٍ أو أوائل سَنةَ أربع.
قلت: وكان والده أبو الفضل قد سمع الكثير بنيسابور وقزوين، وروى عن ملكداذ بن عليّ القَزْوينيّ، وعبد الخالق الشَّحَّاميّ، وعُمر بن أحمد الصَّفَّار، وطبقتهم. ومات بعد الثّمانين.
قلتُ: وقد روى أبو القاسم عن أبي زُرْعة بالإجازة. لقيه الحافظ زكيّ [ص:743][الدّين] المنذريّ، في الحجّ وسَمِعَ منه بالمَدينة.
ويظهر عليه اعتناء قويّ بالحديث ومُتونه في شرح " المُسْند ".
وقيل: إنَّه لم يجد وقتًا للمُطالعة في قريةٍ بات بها فتألَّم، ثمّ أضاء لَهُ عرِق كَرْمه؛ فجلسَ يطالع ويكتب عليها.(13/742)
188 - عبد اللطيف بن المبارك بن أحمد النّرسيّ. [المتوفى: 623 هـ]
قد ذكرته في سنة ثمان عشرة وستمائة.
قال ابن مَسْدِيّ: سَمِعَ من أبي الوَقْت؛ ورأيت ثَبْتَهُ وعليه خطّ أبي الوَقْت. وسَمِعَ من ابن البَطِّي وليسَ من الشيخ عبد القادر. قَدِمَ علينا غَرناطة مرارًا، ثمّ سَمِعْتُ منه بِسَبْتة، وأَدخل البلادَ كثيرًا من تواليف ابن الجوزيّ. مولده قبل الأربعين وخمسمائة. تحامل عليه ابن الرُّوميّة. وليس لأبي مُحَمَّد عبد اللّطيف في باب الرواية كبير عناية حَتّى يُنْسَب إليه تخليط، وإنّما كَانَ كثير الحكايات - يعني يجازف - ومات بمرّاكش سنة ثلاث وعشرين وستمائة.(13/743)
189 - عبد المجيد بْن هِبَةَ اللَّه بْن عَبْد اللَّه، الفقيه أبو المجد المِصْريّ الشّافعيّ الخطيب. [المتوفى: 623 هـ]
تَفَقَّه على أبي العبّاس أحمد بن المُظَفَّر الدّمشقيّ المعروف بابن زين التّجّار، وعلى التّاج مُحَمَّد بن هِبَةَ الله الحَمَويّ. وصَلَّى، وخطب بالقَرَافة، وأعَاد، وأفاد. ومات في شَوَّال.(13/743)
190 - عبد المنعم بن عليّ بن صَدَقَة بن عليّ، أبو الفضل الحَرّانيّ ثمّ الدّمشقيّ العَدْل. [المتوفى: 623 هـ]
حدث عن أبي القاسم ابن عساكر، وأبي الفَهْم عَبْد الرَّحْمَن بن أَبِي العجائز. ومات في عَشْر السبعين. [ص:744]
روى عنه الزَّكيّ البِرْزَاليُّ، وغيره.(13/743)
191 - عُبَيْد الله بن أحمد بن أبي سَعيد بن حمُّويْه، أبو القاسم الْجُوَينيّ الأصل المِصْريّ الدّار الصُّوفيّ. [المتوفى: 623 هـ]
روى عن يحيى الثَّقَفيّ؛ وعنه الزَّكيُّ المُنذريّ، وغيره.
وهُوَ مشهور بكنيته؛ ولهذا سَمَّاهُ بعضُهم عليًّا، وبعضهم عبد الرحمن.(13/744)
192 - عليّ بن إسماعيل بن مظفّر ابن السَّواديّ، الحَرْبيّ. [المتوفى: 623 هـ]
حدَّث عن جدِّه لأُمِّه عَتِيق بن عبد العزيز بن صِيلا. ومات فِي ربيع الأول.(13/744)
193 - عليّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّهِ بْنِ عليّ، أبو الحَسَن البَلَنْسِيّ البَلَويّ الفقيه. [المتوفى: 623 هـ]
سَمِعَ أبا بكر بن خير، وأبا عَمْرو بن عظيمة. وأخذ القراءاتِ عَن أَبِي بَكْر بْن صافٍ، وأبي عبد الله ابن المجاهد، وغيرهما. ولقي بإشبيلية القاسِمَ بن بَشْكُوالَ، وأبا زيد السُّهيليّ؛ وسَمِعَ منهما. وأجاز لَهُ السِّلَفيُّ، وجماعة.
قال الأبار: في روايته سعةٌ، إلّا أنَّه كَانَ يتحرَّجُ فيها. وكان فَرَضِيًّا، متقدَّمًا، فقيهًا، حافظًا. سَمِعَ منه بعض أصحابنا. وتُوُفّي في ربيع الآخر عن سبعين سَنةَ.(13/744)
194 - على بن مُحَمَّد بن دَيْسَم، أبو الحَسَن المُرسي. [المتوفى: 623 هـ]
روى عن أَبِي القاسم بْن حُبيش، وَأَبِي عَبْد اللَّه بن حَميد. وأقرأ القرآنَ وعلّم العربية. وكان مَرْضيَّ الجملة، يعيش مِن النَّسْخِ، وخطُّه فائق.
مات فيها ظنًّا.(13/744)
195 - عليُّ بن مُحَمَّد بْن أَبِي نصر عَبْد الله بن الْحُسَيْن ابن السَّكَن، الحاجِب الأَجَلّ أبو الحَسَن ابن المعوِّج البغداديّ. [المتوفى: 623 هـ][ص:745]
سَمِعَ مِن عمّ أبيه محمد بن محمد ابن السَّكَن. وتُوُفّي في ربيع الأوّل.(13/744)
196 - عليُّ بن أبي المُظَفَّر مُحَمَّد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّد بْنِ المُعَمَّر، الحاجبُ الأَجَلُّ أبو طالب البغداديّ. [المتوفى: 623 هـ]
سمع من أبي الفتح ابن البطّي، وأبي المعالي الباجسرائيّ، وأبي محمد ابن الخَشّاب، وجماعة. وهُوَ من بيت حِشْمة.
تُوُفّي في شَوَّال.(13/745)
197 - عليّ بن النَّفيس بن بُورنداز بن حُسام، الحاجب أبو الحَسَن البَغْداديُّ. [المتوفى: 623 هـ]
وُلِدَ سنة ثمانٍ وثلاثين وخمسمائة.
وسمع من أبي الوقت، وأبي محمد ابن المادح، وأبي المُظَفَّر بن التّريكيّ، وأبي المعالي ابن اللَّحَّاس، والشيخ عبد القادر، ومحمود بن عبد الكريم فورجه، وعُمَر بن عليّ الصَّيْرَفيّ، وابن البطّي.
روى عنه البرزاليّ، والسيف ابن المجد، وجماعةٌ. ومن المتأخّرين التّقيّ ابن الواسطيّ، والشمس ابن الزّين، والشيخ عبد الرحيم ابن الزَّجَّاج، ومحمد بن المَرَيْخ النَّجَّار. وبالإِجازة العزُّ ابن الفرّاء، والشمس ابن الواسطيُّ، والشهاب الأبَرْقُوهيّ.
وخرَّج لَهُ ابنه المُحدِّث عبد اللّطيف " مشيخة " صغيرة.
وتُوُفّي فِي السّابع والعشرين من ذي القعدة.(13/745)
198 - عُمَر بن عليّ بن مُحَمَّد بن قُشام، أبو حفص الحَلَبِيُّ الدّارقطنيّ. [المتوفى: 623 هـ]
من دار القطن؛ محلّة بحلب.
عاش ثمانين سنة، وحدث عن أبي بكر مُحَمَّد بن ياسر الْجِيّانيّ، وحدَّث، ودَرَّسَ، وأفادَ ببلده. وكان من كبار الحنفية. وروى أيضًا عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الأشيريّ. روى عنه كمال الدّين ابن العديم، وابنه مجد الدِّين، وغيرهما. [ص:746]
ومات في جمادى الآخرة.
تفقّه على الكاسانيّ، وأبي الفَتْح عبد الرحمن بن محمود الغَزْنَويّ.
وسَمِعَ من أبي مُحَمَّد عبد الله بن محمد الأَشِيريّ، وأجاز لَهُ من إصبهَان مسعود الثَّقَفيّ، ومحمود فورجه، وطائفة.
وَلِيَ تدريس الْجُوردَكِية. وصنَّف في الفقه تصانيف لم تكن بالمفيدة؛ قاله ابن العديم.
وقال ياقوت في " المتّفق "، لَهُ: رحل إلى إصْبَهان، وصَنَّف تصانيفَ في التّفسير والمَذْهب والكلام على غاية ما يكون من السَّقَط وعدمِ التَّحصيل. وكان إذا سُئِلَ عن مختل الكلام يُفَكّر، ثمّ يقول: لا أدري؛ كذا نقلتُه من كتاب كذا، فإذا رُوجِعَ الكتابُ لم ير ما قاله.(13/745)
199 - كافور، الطواشيّ الكبير شبلُ الدَّولة الحُسَاميّ، [المتوفى: 623 هـ]
خادمُ الأمير حسام الدِّين مُحَمَّد بن لاجين؛ ولد الخاتون ستّ الشّام، أخت السُّلطان الملك العادل.
يقال: إنَّه كَانَ من خدَّام القصر بالقاهرة. وكان ديِّنًا، صالحًا، عاقلًا، مَهِيبًا، ذا حرمةٍ وافرة، ومنزلةٍ عند الملوك، وعليه اعتمدت مولاته في بناء الشاميَّة البَرَّانية.
وقد سَمِعَ من الخشُوعِيِّ، والكِنْديّ. روى عنه البِرْزَاليُّ، وغيره. وَحَدَّثَنَا عنه الأبَرْقُوهيّ.
قال أبو شامة: كَانَ حنفيًا، فبنى المدرسة، والخانقاه، والتربةَ التي دُفِنَ فيها عند جسر كحيل. وفتح للنّاسِ طريقًا إلى الجبل من عند المقبرة الّتي غربيّ الشامية تُفضي إلى عين الكرش، ولم يكن لعين الكرش طريقٌ إلّا [ص:747] من جهة مسجد الصّفي، يعني الّذي عند مخازن الفاكهة. تُوُفّي في رجب.(13/746)
200 - مُحَمَّد، أمير المؤمنين الظّاهر بأمرِ الله أبو نصر ابن أمير المؤمنين النّاصر لدين الله أحمد ابن المستضيء بأمر الله الحَسَن بن يوسُف الهاشمي العباسيّ البغداديّ. [المتوفى: 623 هـ]
ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، وبايع لَهُ أبوه بولاية العهد في سَنَةِ خمسٍ وثمانين، وخُطب لَهُ على المنابر، ونُثر عند ذِكره الدّنانير وعليها اسمه. ولم يَزَلِ الأمرُ على ذلك حَتّى قطع ذلك أبوه في سَنَةِ إحدى وستّمائة وخلعه وأكرهه، وزوى الأمر عنه إلى ولده الآخر. فلمّا مات ذلك الولد، اضطرّ أبوه إلى إعادته، فبايع لَهُ وخطب لَهُ في شَوَّال سَنَة ثمانٍ عشرة. واستخلف عند موت والده، فكانت خلافته تسعة أشهر ونصفًا. وقد روى عن والده بالإجازة قبل أن يستخلف.
قال ابن النّجّار: تَقَدَّمَ أبوهُ بجلوسِهِ بالتّاج الشريف في كلّ جُمُعة، ويقعد في خدمته أستاذ الدّار، ليُقْرأ عليه " مُسْند أحمد بن حنبل " بإجازته من والده. ثمّ قال: أَخْبَرَنَا أبو صالح الجيليّ، قال: أَخْبَرَنَا الظّاهرُ بأمر الله أبو نصر بقراءتي، قال: أنبأنا أبي، قال: أنبأنا عبد المغيث بن زهير وغيره، قالوا: أَخْبَرَنَا ابن الحُصَيْن، فذكر حديثًا بهذا السَّنَد النَّازل - كما ترى -.
قال ابن الأثير في " كامله ": ولَمّا ولي الظّاهر أظهر من العَدْل والإِحسان ما أعاد به سَنَة العمرين؛ فإنَّه لو قيل: ما وَلِيَ الْخِلافَةَ بَعْدَ عُمَر بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مثلَهُ لكان القائل صادقًا، فإنَّه أعادَ من الأموال المَغْصُوبة، والأملاك الموخوذَة في أيام أبيه وقبلها شيئاً كثيرًا، وأطلقَ المكوس في البلاد جميعها، وأمرَ بإعادة الخراج القديم في جميع العراق، وبإسقاطِ جميع ما جدَّدَهُ أبوه، وكان ذلك كثيرًا لا يحصى؛ فمن ذلك: بعقوبا، كان يحصل منها قديماً عشرة آلاف دينار، فلمّا استخلف النّاصرُ كَانَ يُؤخذ منها في السنة ثمانون ألف دينار، [ص:748] فاستغاث أهلُها، وذكروا أنّ أملاكهم أُخِذَتْ، فأعادها الظّاهرُ إلى الخراج الأَوَّل، ولَمّا أعاد الخراج الأصليّ على البلاد حضرَ خلقٌ، وذكروا أنّ أملاكهم قد يَبِسَتْ أكثر أَشجارها وخَرِبَتْ؛ فأمر أن لا يُؤخذ إلّا من كلّ شجرةٍ سالمةٍ، وهذا عظيمٌ جِدًّا. ومن عدله أنّ سَنْجَة المخزن كانت راجحةً نصفَ قِيراط في المِثقال يقبضون بها، ويُعطون بِسَنْجَة البلد، فخرج خطّه إلى الوزير وأوّله: " {ويلٌ للمطفّفين} " الآيات، وفيه: قد بَلَغَنَا كذا وكذا فتعاد سَنْجَة الخِزانة إلى ما يتعامل به النّاس. فكتبوا إليه؛ إنّ هذا فيه تفاوت كثير، وقد حسبناه في العام الماضي، فكان خمسةً وثلاثين ألف دينار. فأعاد الجواب يُنكر على القائل ويقول: يبطل ولو أنّه ثلاثمائة ألف وخمسون ألف دينار.
ومِن عدله: أنّ صاحب الدِّيوان قَدِمَ من واسط ومعه أزيد من مائة ألف دينار من ظلمٍ، فردَّها على أربابها، وأخرجَ المُحبسين، وأرسل إلى القاضي عشرة آلاف دينار ليوفيها عمَّن أَعْسَر. وقيل لَهُ: في هذا الّذي تخرجه من الأموال لا تسمحُ نفسٌ ببعضها، فقال: أنا فتحت الدُّكان بعد العصر، فاتركوني أفعل الخير، فكم بقيت أعيش؟
قال: وتصدَّقَ ليلةَ النَّحْر بشيءٍ كثير.
قلت: ولم يأت عليه عيدٌ سواه، فإنّ عيدَ الفِطْر كَانَ يومَ مبايعته.
قال: تصدّق وفرَّق في العلماء والصلحاء مائة ألف دينار.
وكان نِعْمَ الخليفة، جمع الخشوعَ مع الخضوع لربّه والعَدْلَ والإِحسان إلى رعيَّته، ولم يَزَلْ كلّ يوم يزدادُ من الخير والإِحسان. وكان قبل موته قد أخرج توقيعًا بخطِّه إلى الوزير ليقرأه على الأكابر، فقال رسولُه: أمير المؤمنين يقول: ليس غرضُنا أنّ يقال: برزَ مرسومٌ أو نفذ مِثال، ثمّ لا يبين لَهُ أثرٌ، بل أنتُم إلى إمام فعّالٍ أحوجُ منكم إلى إمام قَوَّال، فقرأَهُ الوزيرُ، فإذا في أوله: أعلموا أنَّه ليسَ إمهالُنا إهمالاً، ولا إغضاءنا إغفالًا، ولكن لِنَبْلُوَكُم أيُّكم أحسنُ [ص:749] أعمالًا، وقد عفونا لكم عمّا سَلَف من أخرابِ البلاد، وتشريدِ الرعايا، وتقبيح السُّمْعَة، وإظهارِ الباطل الجليِّ في صورة الحقّ الخَفِيّ حيلةً ومَكِيدةٍ، وتسميةِ الاستئصال والاجتياح استيفاءً واستدراكًا لأغراض انتهزتم فرصتها مختلسة من براثن ليث باسلٍ وأنياب أسدٍ مَهيب، تتّفقون بألفاظٍ مختلفة على معنى واحدٍ وأنتم أُمناؤه وثقاتُه، فتُميلون رأيَه إلى هواكم، فَيُطيعكم وأنتم لَهُ عاصون. والآن فقد بَدَّل اللهُ بخوفكم أمنًا، وَبِفقركم غِنًى، وبباطلكم حقًّا، ورزقكم سُلطانًا يُقِيلُ العَثْرَةَ، ولا يُؤاخذ إلّا مَنْ أَصَرَّ، ولا ينتقِمُ إلّا ممّن استمرَّ، يأمُرُكم بالعَدْلِ وهُوَ يُريده منكم، وينهاكُم عن الْجَوْرِ ويكرهُه لكم، يخافُ الله ويخوِّفكم مَكْرَهُ، ويرجو الله ويرغَّبكم في طاعتِه. فإن سلكتُم مسالك نواب خلفاءِ الله في أرضه وأمنائِهِ على خَلْقه، وإلّا هلكتُم، والسلام.
قال: ولَمّا تُوُفّي وُجِد في بيتٍ من داره ألوفُ رقاعٍ كلها مختومة لم [يفتحها] فقيل لَهُ: لِم لا تفتحها؟ قال: لا حاجةَ لنا فيها، كلّها سعايات.
وقال أبو شامة في " تاريخه ": وكان أميرُ المؤمنين أبو نصر، جميلَ الصورة، أبيضَ مُشْربًا حُمرة، حُلْوَ الشَّمائِل، شديد القوى، بويع وهو ابن اثنتين وخمسين سنة. فقيل له: ألا تتفسّح؟ قال: قد لقس الزرع، فقيل: يبارك الله في عمرك، قال: من فتح دكانا بعد العصر أيشٍ يكسب؟ ثمّ إنَّه أحسن إلى النّاس، وفرَّق الأَموال، وأبطلَ المكوس، وأزالَ المظالم.
وقال أبو المظفّر الجوزيّ: حُكي لي عنه: أنَّه دخل إلى الخزائن، فقال لَهُ خادم: في أيامك تمتلئُ، فقال: ما فُعِلَتِ الخزائنُ لتُملأ، بل لِتُفرغ، وتُنْفَق في سبيل الله تعالى، فإنَّ الجمعَ شُغْلُ التّجّار!
وقال ابن واصل: أظهرَ العَدْل، وأزال المَكْسَ، وظَهَرَ للناس، وكان أبوه لا يظهر إلاّ نادراً. [ص:750]
قلت: تُوُفّي في ثالث عشر رجب، وبُويعَ بعدَه ولدُه المستنصر بالله.(13/747)
201 - محمد بن أبي عليّ الحسن بن إبراهيم بن منصور الفرغانيّ ثمّ البَغْداديُّ، أبو عبد الله ابن أُشْنانة. [المتوفى: 623 هـ]
سَمِعَ من شُهْدَةَ، وعبد الحقّ اليُوسُفيّ، وغيرهما. روى عنه الكمال عبد الرحمن المُكَبِّر، وغيرُهُ.
وأبوه من أصحاب هِبَةَ الله ابن الحُصَيْن.
تُوُفّي مُحَمَّد في ذي الحِجَّة.(13/750)
202 - مُحَمَّد بن أبي الفضل السيد بن فارس بن سَعْد بن حمزة، أبو المحاسن الأنصاريّ الدّمشقيّ الصَّفَّار النّحّاس، المعروف بابن أبي لُقْمَة. [المتوفى: 623 هـ]
وُلِدَ في شعبان سنة تسع وعشرين وخمسمائة. وسَمَّعُوه من أَبِي الفَتْح نصر اللَّه المِصِّيصيّ، وهِبَةِ الله بن طاوس، وعَبْدَان بن زرِّين الدُّوَينيّ، والقاضي المُنْتَجَبِ أبي المعالي مُحَمَّد بن عليّ القُرَشيّ، وبهجة المُلْك عليّ بن عبد الرحمن الصُّوري، وأبي القاسم الخَضِر بن عَبْدان، ونصر بن مقاتل السُّوسيّ. وتَفَرَّدَ بالرواية عن جماعةٍ.
وأجاز لَهُ سَنةَ أربعين من بغداد أبو عبد الله ابن السّلاّل، وأحمد ابن [ص:751] الآبنوسيّ، وعليّ بن عبد السّيد ابن الصّبّاغ، وأبو محمد سبط الخيّاط، وأبو بكر أحمد ابن الأشقر، وأبو الفتح الكروخيّ، ومحمد بن أحمد الطَّرَائِفيُّ، وأبو الفضل الأُرْمَوِيّ، وغيرُهم.
وكان أَسْنَدَ من بقي بالشّام، رَوَى عَنْهُ البَهَاء عَبْد الرَّحْمَن، والضياء مُحَمَّد، والبِرْزَاليُّ، والسيف ابن المجد، والتّاج ابن زين الأُمناء، وأحمدُ بن يوسُف الفاضليّ، وعبدُ الله بن محمد العامريّ، والشمس محمد ابن الكمال، والتّقيّ ابن الواسطيّ؛ وأخوه مُحَمَّد، والعزُّ ابن الفَرّاء، والعزُّ ابن العماد، والتّقيّ ابن مؤمن، والشهاب الأبَرْقُوهيّ، وآخرون. وظهر للخَضِر بن عَبْدان الكاتب سماعٌ منه بَعدَ موته.
وقال عمر ابن الحاجب: كَانَ رجلًا صالحًا، كثيرَ الخير، والتِّلاوة. وكان لِسانه رطبًا بذكرِ الله، مُحبًا للغرباءِ وطَلَبة العِلْم، كريمَ النفس. عُمِّر حَتّى تفرَّد عن جماعة، مُمَتَّعًا بسَمْعه وبَصَره وقوَّته إلى أنّ تُوُفّي قبلَه وَلَدُهُ بقليلٍ، فوجدَ عليه وَجْدًا عظيمًا، فانحطمَ لذلك، وأُقْعِدَ في بيته، واستولت عليه زمانه، وثقلَ سمعه قبل موته بقليل، في الشتاء، وكان ينصلح في الصيف، ولم يسمع على قدر سِنّه، وكانت سماعاته في أصول الناس، ومات في ثالث ربيع الأوّل. وسمعوا عليه بالمِزَّة.(13/750)
203 - مُحَمَّد بن عبد الحقّ بن سليمان، الشيخ أبو عبد الله التِّلِمْسانيّ. [المتوفى: 623 هـ]
حدَّث ببلده عن أبيه، وأبي عليّ ابن الخَرَّاز. وأخذَ بالعَدْوة عن ابن الرَّمّامة، وابن حبَيْش، وأبي عبد الله بن خليل القَيْسيّ، وأبي الحَسَن مجاهد. وحَظِيَ عند أَهل الأندلس. وأجازَ لَهُ ابن هُذَيْل.
وقيل: مات سَنةَ خمس وعشرين.
وكان من أهل التّقشّف والتّصنيفِ، فصيحًا، لَسِنًا،
وسيُعاد.(13/751)
204 - محمد ابن الإمام عَلَم الدِّين عليّ بن محمد السَّخَاويّ، شمس الدِّين. [المتوفى: 623 هـ]
تُوُفّي شابًّا، وحَزِنَ عليه والده.(13/752)
205 - مُحَمَّد بن عُمَر بن عليّ بن خَلِيفة ابن الطّيِّب، أبو الفَضْل الواسطيّ الحَرْبيّ الرُّوباني العَطَّار. [المتوفى: 623 هـ]
سَمِعَ من أبيه، وأبي الوَقْت، وأبي المُظَفَّر هِبَةَ الله الشِّبليّ، وابن البَطِّي، وكمال بنت عبد الله ابن السَّمَرْقَنْديّ، وغيرهم. وأجازَ لَهُ ابن ناصر، وأبو بكر بن الزّاغونيّ.
روى عنه الدُّبَيْثيّ، وابن نُقْطَة، وجماعةٌ، وَحَدَّثَنَا عنه الشَّهابُ الأبَرْقُوهيّ.
وُلِدَ في جُمَادَى الأخرة سَنةَ سبعٍ وأربعين، وتُوُفّي في السابع والعشرين من جمادى الآخرة.
وهو من واسِط: قرية بدُجيل.
والرُّوباني: بضم الراء وبالباء الوحّدة والنّون. يشتبه بالرُّويانيّ. وهُوَ من رُوبا: قرية من قرى دُجيل أيضًا.
تُوُفّي ببغداد.(13/752)
206 - مُحَمَّد بن المؤيِّد بن عبد المؤمن بن عليِّ، أبو بكر الهَمَذَانيّ التّاجر. [المتوفى: 623 هـ]
رئيسٌ مُتَموِّل، سَمِعَ " البخاريّ " من أبي الوَقْت. كتب عنه ابن الدّبيثيّ، وابن النجّار. وتوفّي في شعبان بهمذان.(13/752)
207 - مُحَمَّد بن أبي الفَرَج هِبَة الله بن أبي حامد عبد العزيز بن عليّ بن مُحَمَّد بن عُمَر بن محمد بن حُسَيْن بن عُمَر بن إبراهيم بن سَعيد بن إبراهيم بن مُحَمَّد بن نجا بن موسى بن سَعْد بن أبي وقَاص، أبو المحاسن القُرَشيّ الزُّهْريّ السَّعْديّ الدَّيْنَوَرِيُّ الأصل ثمّ البَغْداديُّ المراتِبِيُّ، المعروف بابن أبي حامد، البَيِّع. [المتوفى: 623 هـ]
وُلِدَ سنة ثلاثين وخمسمائة. وسَمِعَ من عمّه أبي بكر مُحَمَّد بن أبي حامد، ومُحَمَّد بن طراد الزَّيْنَبِيّ، وعبد الخالق بن أحمد بن يوسُف؛ وانفرد بالرواية عنهم، وأبي الوَقْت السِّجْزِيّ.
روى عنه الدُّبَيْثيّ، وابن النّجّار، والتّقيّ ابن الواسطيّ، والشمس عبد الرحمن ابن الزّين، والشهاب الأبَرْقُوهيّ، وجماعة.
وكانَ شيخًا صالحًا، مَرْضيَّ الطّريقة، حَسَنَ الأخلاق، من بيت الرواية والثروة. وقد دخل دِمشق غَيْرَ مرّةٍ للتجارة، وأضرَّ في أواخر عُمُره. وتُوُفّي في سادس عشر شَوَّال.
وكان أبوه قد ولي الحُجُوبية.(13/753)
208 - المُبارك بن أبي الحَسَن عليّ بْن أَبِي القاسم الْمُبَارَك بْن علي بْن أبي الجود، الشيخُ الصالح أبو القاسم البَغْداديُّ العَتَّابِيُّ الورّاق. [المتوفى: 623 هـ]
آخر مَنْ حَدَّث في الدُّنيا عن أبي العبّاس ابن الطَّلَّايَة. وهُوَ من أهل محلّة العَتّابيين. وقد مرّ جدُّه في سَنَةِ إحدى وثلاثين وخمسمائة.
روى عنه الدُّبَيْثيّ، والجمالُ مُحَمَّد بن أبي الفَرَج الدَّبَّاب، وجماعةٌ آخرهم موتًا شيخنا الأبَرْقُوهيّ. وتُوُفّي في ليلة الجمعة سَلْخ المحرَّم. وحدَّث ببغداد، والموصل. [ص:754]
أخبرنا أبوالمعالي الأبرقوهيّ، قال: أخبرنا المبارك بن عليّ بقراءة أبي، قال: أخبرنا أحمد بن أبي غالب، قال: أخبرنا عبد العزيز بن عليّ، قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص، قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ إِمْلاءً، قال: حدّثنا عمرو بن عليّ الصّيرفيّ، قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سعيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنِ الصَّيْرَفِيِّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ وَحْدَهُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ. وَفِي الْحَدِيثِ: ثُمَّ نَسِيَ الْحَسَنُ هَذَا، وَقَالَ: هُوَ مؤتمنٌ لا ضَمَانَ عَلَيْهِ.(13/753)
209 - مُظَفَّر بن إبراهيم بن جَمَاعة بن عليّ بن شاميّ بن أحمد بن ناهِض، الأديبُ موفّقُ الدِّين العَيْلَانيّ - بالعين المهملة - المِصْريّ الحَنْبَليّ الشاعر الأعمى العَرُوضيّ، [المتوفى: 623 هـ]
من فُحول الشُّعراء.
ولَهُ مصنفات في العَرُوض، وشعرٌ كثير. مدح الملوكَ والأكابر. وسَمِعَ من عبد الرحمن بن مُحَمَّد السِّبْيي، ومحمود بن أحمد الصَّابونيّ، والبُوصيريّ، وجماعة. روى عنه الزَّكيّ المنذري، والشهابُ القُوصِيُّ، وطائفةٌ. وتُوُفّي في المحرَّم.
وما أحَسَنَ قولَه في الشَّمْعة:
جَاءَتْ بجسمٍ لِسَانُهُ ذهبٌ ... تَبْكِي وَتَشْكُو الهَوَى وَتَلْتَهِبُ
كأَنَّها في يَمِينِ حَامِلِهَا ... رمحٌ مِنَ العَاجِ رَأْسُه ذَهَبُ
ولَهُ الأبياتُ السائرة:
قالُوا عَشِقْتَ وأَنْتَ أَعْمَى ... أَحْوي كَحِيلَ الطَّرْفِ أَلْمي
وحُلاه مَا عَايَنْتَها ... فَتَقُولُ قد شَغَفَتْكَ وهما [ص:755]
وخياله بك في المنا ... م فَما أطَافَ ولا أَلَمَّا
فَأَجَبْتُ أنِّي مُوسَوي ... العشق إنصاتاً وفهما
أهوى بجارحتي السّما ... ع ولا أرَى ذاتَ المُسَمَّى(13/754)
210 - مُظَفَّر بن عَبْد القاهر بن الحَسَن بن علي بن القاسم، القاضي حجّة الدِّين أبو منصور ابن القاضي أبي عليّ الشَّهْرَزُوري الشّافعيّ [المتوفى: 623 هـ]
قاضي المَوْصِل.
كَانَ رئيسًا مُحتشمًا، سَرِيًّا، وُلِدَ سَنةَ ثمانٍ وخمسين وخمسمائة، ووَلِيَ قضاء المَوْصِل مُدَّةً، وسار رسُولًا إلى الخليفة، وإلى الشّام وكان الثناء عليه جَمِيلًا. سَمِعَ من أبي أحمد عبد الوهاب بن سُكَيْنَة، وابن الأَخْضَر. وأصابَهُ فالج، وأَضَرَّ قبل موته.
وتوفّي في رجب ببلده.(13/755)
211 - يحيى بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن حفص، أبو الحُسَيْن الأنصاريُّ الدَّاني الكاتب. [المتوفى: 623 هـ]
سَمِعَ أبا القاسم بن حبيشٍ، وعبد المنعم بْن الفَرَس. وكتبَ الإِنشاء لأُمراءِ الأَنْدلسِ، وخطبَ بدانِيةَ. وكان جواداً، مضيافاً، معتنياً بالآداب.
لقيه الأبَّارُ وسَمِعَ منه وقال: تُوُفّي بدانية في شَوَّال، ولَهُ سِتّون سَنةَ.(13/755)
212 - يحيى بن عبد الله بن يحيى، الإمام أبو الحُسَيْن الأنصاريّ الشّافعيّ المِصْريّ النَّحْويّ، [المتوفى: 623 هـ]
تلميذ العَلَّامة عبد الله بن بَرِّيّ.
لزِمه مُدَّة طويلة، وَبَرَع في لسانِ العرب، وتصدَّر بالجامع العتيق مُدَّة، وتخرَّجَ به جماعةٌ. وكانَ مشهورًا بحُسْن التَّعْليم. [ص:756]
روى عن ابن بَرِّيّ، روى عنه الزَّكيّ المُنذريّ، وغيرُه. ومات في ذي الحِجَّة.(13/755)
213 - يحيى بن أبي الحَسَن بن عبد الله، أبو الحُسَيْن ابن ياقوت الفقيه الإِسكندرانيّ المالكيّ المُعَدَّل، [المتوفى: 623 هـ]
والد أبي الحَسَن مُحَمَّد.
وُلِدَ سَنةَ أربعين وخمسمائة.
وكان عَدْلًا، نَبِيلًا، صالحًا، عفيفًا، مُتحرّيًا في الشَّهادة. وحدَّث عن السِّلَفيّ.
روى عنه المُنذريّ، وقال: مات في ثامن عشر شَوَّال.(13/756)
214 - يحيى بن أبي القاسم البَغْداديُّ الأَزَجيّ. [المتوفى: 623 هـ]
حدَّث عن خزيفة بن الهاطرا.(13/756)
215 - يُرْنُقش، أبو الحَسَن الرُّوميّ الْجَهيريُّ. [المتوفى: 623 هـ]
سَمِعَ من أحمد بن مُحَمَّد العَبّاسيّ المكّيّ.
كتبَ عنه ابن النّجّار، وقال: خيّرٌ لا بأس به. مات في رجب سنة ثلاث وعشرين.(13/756)
216 - يونُس بن بَدْران بن فَيْروز بن صاعد بن عالي بن مُحَمَّد بن عليّ، قاضي القُضاة بالشّام جمالُ الدِّين أبو محمد وأبو الوليد وأبو الفضائل وأبو الفَرَج القُرَشيّ الشَّيْبيّ الحِجازيُّ الأَصل المَلِيجيُّ المولد الشّافعيّ، المشهورُ بالجمال المصريّ. [المتوفى: 623 هـ]
ولد تقريباً سنة خمسين وخمسمائة. وسمع من السلفي، وعلي بن هبة الله الكامليّ، وغيرهما. وتَرّسَّلَ إلى الدّيوان العزيز، وَوَلِيَ الوكالة بالشّام مُدَّة، والتّدريس، ثمّ القضاء. ودَرَّسَ بالأمينية بعد التّقيّ الضّرير، وتَرَسَّلَ عن الملك العادل، إقامةً ونَوَّهَ باسمه الصاحبُ ابن شُكْر. ووَلِيَ تدريسَ العادِلية في دولة المُعَظَّم؛ فألقى بها دروسًا جميعَ تفسيرِ القرآن. وقد اختصر كتاب " الأُمّ " للشّافعيّ. وصَنَّفَ في الفرائض. [ص:757]
قال أبو شامة: كَانَ في ولايته عفيفًا في نَفْسِه نَزهًا، مُهيبًا، مُلازمًا لمجلس الحُكم بالجامع وغيره. وكان يُنْقَمُ عليه أنَّه إذا ثبتَ عنده وراثة شخص، وقد وضع بيتُ المال أيديهم عليها، يأمره بالمصالحة لبيت المال. ونُقِمَ عليه استنابتُه في القضاء لابنه التّاج مُحَمَّد، ولم تكن طريقتُه مستقيمةً. قال: وكان يذكر أنَّه قُرَشِيٌّ شيبيٌّ، فتكلّمَ النّاس في ذلك، وَوَلِيَ بَعْدَهُ القضاءَ وتدريسَ العادلية شمسُ الدِّين الخُوَييّ.
ونقلتُ من خطِّ الضّياء: تُوُفّي القاضي يُونُس بن بَدْران المِصْريّ، بدمشق، وقليلٌ من الخَلْقِ مَن كَانَ يَتَرحَّم عليه.
قلت: روى عنه البرزاليّ، والشهاب القوصيّ، وعمر ابن الحاجب وقال: كَانَ يُشارِكُ في علومٍ كثيرة، وصارَ وكيلًا لبيت المال، فلم يُحسن السيرة قبل القضاء.
قال ابن واصل: كَانَ شديدَ السُّمرة، يَلْثَغُ بالقاف همزةً، صلَّى ليلةً بالملك المعظّم فقرأ " {نبأ ابني آدم بالحقّ} "، فضحك منه السُّلطانُ، وقطع الصّلاةَ.
وقال القوصي: أنشدنا الجمالُ المِصْريّ، قال: أنشدنا السِّلَفيّ لنفسه:
قَدْ كُنْتُ أَخْطُو فَصِرْتُ أَعْدُو ... وكُنْتُ أَغْدُو فَصِرْتُ أَخْطُو
خَانَ مَشِيبي يَديَ وَرِجْلِي ... فَلَيْسَ خطوٌ وَلَيْسَ خَطُّ
تُوُفّي في أواخر ربيع الأوّل، ودُفِنَ في مجلس بقاعته شرقيّ القليجية من قبليّ الخضراء.(13/756)
217 - أبو بكر بن أحمد بن منخّل بن مُشرَف، الشَّاطبيُّ المقرئ الصّالح الزّاهد المُعَمَّر. [المتوفى: 623 هـ]
عاشَ ثمانيًا وتسعين سَنةً.
سَمِعَ من إبراهيم بن خليفة في سنة خمسٍ وثلاثين وخمسمائة، كتاب " التّيسير " بسماعه من ابن الدُّشّ، بسماعه من الدَّاني. وسَمِعَ من عاشر بن محمد، وعُليم بن عبد العزيز، وتفرَّد عنهم. [ص:758]
سَمِعَ منه ابن مَسْدِيّ ووَرَّخُهُ.(13/757)
• - أبو القاسم بن حمُّويه الْجُوَينيّ، اسمه عُبَيْد الله، [المتوفى: 623 هـ]
تقدَّم.(13/758)
-وفيها وُلِدَ:
شيخ المستنصرية الرشيدُ محمد بن أبي القاسم، والزّين إبراهيم بن أحمد ابن القوّاس، والرشيد إسماعيل بن عثمان ابن المُعَلِّم شيخ الحنفية، والفتحُ عبد الله بن محمد ابن القَيْسرانيّ، والشرفُ عبد الوَهَّاب بن فضل الله صاحب ديوان الإِنشاء، والصَّدْرُ إسماعيل بن مكتوم، والنّجمُ عبد العالي بن عبد الملك بن عبد الكافي الشَّاهد، والتَّقيُّ إسحاقُ بن عبد الرحيم بن دِرْباس المِصْريّ، وعَبْدُ الرحمن بن أحمد سِبْط أبي الوَقْت الركبدار، وحَسّانُ بن سلطان اليُونينيّ خطيبُ زَحْلَة، والحاجُ مُحَمَّد بن رنطار الأشرفيّ، والتّاج عبد القادر بن محمد السِّنجاريّ الحنفيّ، والشهابُ سُلَيْمان بن إبراهيم الحنفيّ ابن الشّركسيّ.(13/758)
-سنة أربع وعشرين وستمائة(13/759)
218 - أحمد بن إبراهيم بن فَرْقَد، أبو جعفر القُرَشيّ الأَنْدَلسِيُّ، [المتوفى: 624 هـ]
نزيلُ إشبيلية.
وحدث عن أبيه، وعمّه. وولي قضاء غرناطة، وسلا، فلم تحمد سيرته.
روى عنه الأبار، وقال: تُوُفّي في ربيع الآخر عن ثمانٍ وسبعين سَنَة.(13/759)
219 - أحمد بن سُلَيْمان بن طالب، أبو الثناء القُرَشيّ الفاسيُّ الزّاهد، أَحدُ الأَعلام، ويُعْرَفُ بابن ناهِض. [المتوفى: 624 هـ]
سَمِعَ وقرأَ في الأُصول، وصَنَّفَ في علم الكَلام، والطَّريق.
قال ابن مَسْدِيّ: ولَهُ كلامٌ على الخواطر وكشفٌ، بِتُّ عِنْدَه، وكاشفني بأشياءَ ما أخرمت.(13/759)
220 - أحمد بن عبد المجيد بن سالم بن تمام، أبو العبّاس الحَجْريّ المَالَقِيّ، المعروف بابن الجيّار. [المتوفى: 624 هـ]
أكثر عن أبي عبد الله ابن الفخّار، وأبي زيد السّهيليّ، وأبي القاسم ابن بَشْكُوالَ. وأجاز لَهُ أبو مروان بن قَزمان، والسّلفيّ، وجماعة.
قال الأبّار: وكان ذا عناية بالرواية أخذتُ عنه، مع ورع وصلاح، وتُوُفّي في جُمَادَى الآخرة، وقد خانقَ الثمانين.(13/759)
221 - أحمد بن عليّ بن يوسُف القُرْطُبيّ، أبو العبّاس الأنصاريّ. [المتوفى: 624 هـ]
يروى عن أبي خالد بن رفاعة، وابن حَميد. وولي خَطابة لُوشة. [ص:760]
وقد أُسِرَ، ثمّ خلَّصه الله، وسكن مَالَقَة.
مات في شهر ربيع الآخر.(13/759)
222 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد، أَبُو جَعْفَر ابن الأصلع الأَنْدَلسِيّ العَكّيُّ، [المتوفى: 624 هـ]
مِن أهل لُوشة.
أخذ القراءات عن أبي العباس ابن اليتيم، ولقي بمالَقة أبا بحر بن جامع، وأبا محمد بن دحمان، فأخذ عنهما " كتاب سِيبَويْه ". وبَرَعَ في العربية وتَصَدَّر لإِقرائها، وسَمِعَ من أبي القاسم بن بَشْكُوالَ، والسُّهَيْليّ. وأجاز له أبو الحسن ابن النِّعمة، وجماعة.
وأقرأ القراءاتِ، والنَّحْو، وروى الحديثَ. وتُوُفّي في الأسر في آخر هذه السنة، ولَهُ ثمانون سَنَة.(13/760)
223 - إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم، أبو إسحاق النَّقَّاش البَغْداديُّ الأَصل الدّمشقيّ المولد الصُّوفيّ الشَّاعِر. [المتوفى: 624 هـ]
نشأ بدمشق ثمّ دخل بغداد - بلد آبائه - فاستوطنَها. وكان شيخًا حسنًا يَنْقُش في النّحاس. فَمِنْ شِعره؛ ورواه عنه ابن النّجّار:
وكم مِن هَوَى لَيْلَى قَتيلِ صبابةٍ ... ومجنونُها المُضْنَى بها العلم الفرد
وما كلّ ما ذَاقَ الهَوى تَاهَ صَبْوَةٍ ... ولا كُلُّ من رام اللِّقَا حَثَّهُ الوَجْدُ
تُوُفّي يوم عَرَفَة.(13/760)
224 - أسعدُ بن يحيى بن موسى بن منصور بن عبد العزيز السُّلَميّ، السِّنْجاريُّ، الفقيه بهاء الدِّين الشّافعيّ الشاعر. [المتوفى: 624 هـ]
لَهُ ديوان مشهور، وتُوُفّي في أوائل المحرَّم سَنَة أربعٍ، وفي موته خلاف. وقد مرّ في عام اثنتين وعشرين.
ومن شِعره في مملوك:
أَصْبَحتَ سُلْطَانَ القُلُوبِ مَلَاحَةً ... وجَمالُ وَجْهكَ في البريَّة عَسْكَرُ
طَلَعَتْ طَلائِعُ عَارِضَيْكَ مُغِيرَةً ... بالنَّصر يَقْدُمُها لواءٌ أَخْضَرُ
وتَسَرْبَلَتْ سِرْبَ القُلُوبِ وأَقْبَلَتْ ... تَبْغِي الإِمَامَ ومثلُ جيشك ينصر [ص:761]
فَلأَنْتَ أعلى رُتْبَةً مِن سنجرٍ ... أبدًا يَدِينُ لَكَ الوَرَى يا سنجرُ
ولَهُ:
لله أيَّامي على رامةٍ ... وَطِيبُ أوقاتي على حَاجِرِ
تكَادُ لِلسُّرعَةِ في مرِّها ... أَوَّلُها يَعْثُرُ بالآخِرِ
ويقال: بلغ تسعين سَنَة. وَوَزَرَ لصاحب حماة. ونفذ رسولًا.(13/760)
225 - إسماعيل بن إبراهيم بن مُحَمَّد، أبو مُحَمَّد الشّهرستانِيُّ ثمّ البَغْداديُّ الصُّوفيّ المقرئ. [المتوفى: 624 هـ]
سَمِعَ من أبي الفتح ابن البطّي، ويحيى بن ثابت، وأبي بكر ابن النَّقور، وجماعة. وحدَّث ببغداد والمَوْصِل وإرْبِل.
تُوُفّي ليلة عاشوراء.
وقد سَمِعَ منه الجمال مُحَمَّد ابن الدّبّاب " جزء أخبارٍ وحكاياتٍ " للزّبير ابن بكّار.
أَخْبَرَنَا يحيى بن ثابت، عن أبيه، عن ابن رِزْمَة، عن السِّيرافيّ، عن ابن أبي الأزهر، عنه. وسَمِعَ منه ابن الدَّبَّاب السابع من " فوائد الحرفيّ "، بسماعه من ابن البَطِّي، عن حمزة الزُّبَيْريّ، عنه.(13/761)
226 - إسماعيل بن الحُسَيْن، أبو منصور الدَّلال، ابن النَّرْسيّ. [المتوفى: 624 هـ]
روى عن جدّه عبد الله بن أحمد ابن النّرسيّ. روى عنه ابن النّجّار.(13/761)
227 - إسماعيل ابن قاضي القُضاة أبي القاسم عبد الملك بن عيسى بن دِرْباس، القاضي عمادُ الدِّين المارانيُّ، الشافعيّ. [المتوفى: 624 هـ]
ولد بالقاهرة سنة سبعين وخمسمائة، وتَفَقَّه مُدَّة، وسَمِعَ من البُوصِيريّ، وجماعةٍ. وحدَّث، ونابَ عن والده في القضاء، ودَرَّسَ بالسَّيفية بالقاهرة. وأقبلَ على صُحبة أهل الآخِرة، ولزوم طريقهم. وتوفّي في رمضان.(13/761)
228 - جعفر بن أحمد بن عبد الرحيم بن تُركي، أبو الفضائل الإِسْكندَرانيّ العَدْل. [المتوفى: 624 هـ]
حدَّث عن السِّلَفيّ، ومات في رجب.(13/762)
229 - جعفر بن عبد الله بن محمد بن سيد بُونه، أبو أحمد الخزاعيّ الأندلسيّ الزّاهد، [المتوفى: 624 هـ]
من أهل قسطنطانية عمل دانية.
ذكره الأبَّارُ، فقال: أخذَ القراءاتِ عن أَبِي الْحَسَن بن هذيل، وسَمِع منه ومن أَبِي الْحَسَن بْن النِّعمة بِبَلنْسِيَة. وحجَّ في حياة السِّلَفِيّ، ورجع مائلًا إلى الزُّهْد والتَّخَلّي، وكان شيخَ الصوفية في زمانه. علا ذِكْرُهُ وبَعُدَ صيتُه في العبادة، إلّا أنَّه كانت فيه غفلةٌ، وقد رأيتُه. وتُوُفّي في ذي القِعْدَة عن عُلُوّ، سنٍّ نحو المائة سَنَة، وقد شيعَهُ بشرٌ كثيرٌ، وانتاب النّاسُ زيارة قَبْرِهِ.
وقال ابن مَسْدِيّ في " معجمه ": غلّق المائة إلّا ما يسقط أو يزيد من شهرِ. وأخذ القراءاتِ عن خاله يحيى، وابن هُذَيْل، وابن نمارة، وابن النِّعمة. وسَمِعَ بمكَّة من عليّ بن عمّار وليس من ابن الرفاعي، احتَلْتُ في السماع منه، فإنَّه كَانَ قد خرجَ عن هذا الفنّ.
قلتُ: وقد سَمِعَ " التّيْسير " من ابن هُذَيْل في ذي القِعْدَة سَنَة ستّين وخمسمائة بقراءة خاله الحَسَن بن أحمد بن سيد بونه الخُزَاعيّ.(13/762)
230 - جِنْكِزخان، [المتوفى: 624 هـ]
طاغية التّتار وملكهم الأوّل.
الّذي خرب البلاد، وأباد العباد. وليس للتّتار ذكرٌ قبله، إنّما كانوا ببادية الصّين، فمَلَّكُوه عليهم، وأطاعُوه طاعةً أصحاب نبيٍّ لنبيّ، بل طاعة العِباد المُخلصين لِربّ العالمين.
وكان مبدأ مُلْكِهِ في سَنَة تسعٍ وتسعين وخمسمائة، واستولَى على بُخارى وسمرقَنْد في سَنَة ستٍّ عشرة، واستولى عَلَى مُدُنِ خُراسان في سنة ثمان عشرة وآخر سنة سبعَ عشرة. ولَمّا رجع من حرب السُّلطان جلال الدِّين خُوارزم شاه على نهر السِّنْد وصل إلى مدينة تنكُت من بلاد الخطا، فمرض بها، ومات في رابع رمضان من سَنَة أربعٍ وعشرين. وكانت أيامُه خمسًا وعشرين سَنَة. وكان [ص:763] اسمُه قبل أنّ يلي المُلك تمرجين. ومات على دينهم وكُفرهم.
وبَلَغَنَا أنَّه خلّف من الأولاد الذين يصلحون للسلطنة ستةً، وفوض الأمرَ إلى أوكتاي أحدهم بعد ما استشارَ الخَمْسة الآخرين في ذلك، فأجابوه. فلمّا هلك جنكزخان، امتنع أوكتاي من الملك وقال: في إخوتي وأعمامي مَنْ هُوَ أكبر منّي، فلم يزالوا به نحوًا من أربعين يومًا حَتّى تملّك، وحكم على الملوك، ولقَّبوه قاآن الأعظم - ومعناه: الخليفة فيما قيل - وبثّ جيوشَهُ، وفتح فتوحاتِ، وطالت أيامُه. وولي بعده الأمر مَوْنكُوكا وهُوَ القاآن الّذي كَانَ أخوه هولاوو من جُملةِ مُقدَّميه ونُوّابِه على خُراسان. وَوَلِيَ بعد مونكوكا أخوه قُبلاي وقد طالت خلافة قُبلاي، وبقي في الأمر نَيِّفًا وأربعين سَنَة كأخيه، وعاش إلى سَنَة ثلاثٍ وتسعين وستّمائة، ومات سَنَة خمسٍ بمدينة خان بالق التي هي كرسيُّ المملكة، وهي أُمُّ الخطا.
وأما تنكُتْ: فهو اسم جبلٍ بتلك الدِّيار، وهُوَ حدٌّ بين بلاد الهند وبين بلاد الخطا.
فقُبلاي هذا ومونكوكا وهولاوو إخوة، وهم أولاد تُولي بن جنكزخان. وقد قُتِلَ تُولي في مصافٍّ عظيم بينَهُ وبين السُّلطان جلال الدّين خوارزمشاه سَنَةَ ثماني عشرة وستّمائة بخُراسان من ناحية غزنة.(13/762)
231 - حسن ابن الوزير أبي العبّاس أحمد بن مُحَمَّد بن موسى الأنصاريّ البَلَنسيّ. [المتوفى: 624 هـ]
صَحِبَ وَهْب بن نذير، وتَفَقَّه به، وأخذ القراءات عن أبي عليّ بن زلال، وعالْجَ الشُّرُوط.
عاش نَيِّفًا وسبعين سَنَة.(13/763)
232 - حماد بن أحمد بن محمد بن صديق، أبو الثناء الحراني. [المتوفى: 624 هـ]
سمع من أَبِي الفتح أَحْمَد بْن أَبِي الوفاء. وحدَّث. وهُوَ أخو حَمْد. [ص:764]
مات في شوّال.(13/763)
233 - داود بن مَعْمَر بن عبد الواحد بن الفاخر، أبو الفتوح القُرَشيّ الأصبهاني. [المتوفى: 624 هـ]
وُلِدَ في رمضان سنة أربعٍ وثلاثين وخمسمائة. وسَمِعَ من غانم بن خالد البَيِّع، وغانم بن أحمد الْجُلُوديِّ، وفاطمَة بنت محمد بن أحمد البَغْداديُّ، ونصر بن المُظَفَّر البرمكيّ، وإسماعيل بن عليّ الحَماميّ، وأبي الخير مُحَمَّد بن أحمد البَاغَبَان، وأبي الحَسَن بن غَبْرَة، وابن البَطِّي، وجماعة.
قرأت بخطِّ ابن نُقْطَة، قال: ذكَر لي غيرُ واحدٍ من الطَّلَبة أنَّه سَمِعَ " صحيح البُخاريّ " من غانم الْجُلُودي، وفاطمة بنت البَغْداديُّ، قالا: أَخْبَرَنَا سعيد بن أبي سَعيد العَيَّار، ومن أبي الوَقْت عن أبي الحَسَن الداوديّ. وسَمِعَ بالكوفة من ابن غَبرة كتاب " الدُّعَاء " لمحمد بن فُضَيْل. سَمِعْتُ منه بأصبهَان، وحكي لي عن شيخه أبي مُحَمَّد عبد القادر الجيليّ، وغيره. قال: وهُوَ شيخُ النّاس بأصبهان، واسعُ الجاه، رفيعُ المنزلة، مكرمٌ لأهلِ العِلْم وغيرهم. بَلَغَنَا أنَّه تُوُفّي بأصبهان سَنَة أربعٍ وعشرين.
قلت: وسَمِعَ منه الزَّكيّ البِرْزَاليُّ، والصدر البكريّ "جزء البيتوتة "، بسماعه من فاطمة بنت مُحَمَّد البَغْداديُّ، بسماعها من العَيَّار، وهُوَ بسماع على ابن المُظَفَّر الكاتب من البَكْريّ، وسماعه من بنت البَغْداديُّ حضور، فإنَّه في سَنَة سبعٍ وثلاثين لهذا " الجزء " وكذا روايته عنها " للبخاريّ " حضور، فإنَّه في سَنَة ستٍّ وثلاثين. وسماعه من ابن غانِم في الخامسة.
وروى عنه أيضًا الحافِظُ الضّياء، وقال: تُوُفّي في رجب أو شعبان. وكذا قال المُنذريّ. وروى عنه ابن النجّار، وآخرون.(13/764)
234 - صَدَقَة بْن عَبْد اللَّه بْن أبي بَكْر بْن فتوح، أبو القاسم اللَّخْمِيّ الْجَرِيريُّ الحُسَينيّ، وبنو حُسَيْن: بَطْن من بني جرير اللَّخْميّين، ويعرف هذا بابن الكَيّال، الإِسْكندَرانيّ. [المتوفى: 624 هـ][ص:765]
وُلِدَ سَنَة سبعٍ وثلاثين وخمسمائة. وسمع من السلفي، وأبي محمد العثماني، وأبي طالب اللَّخْمِيّ. وحدَّث. ولَهُ شعرٌ، وفَضِيلة، ومروءة.
تُوُفّي في سَلْخ المحرَّم.(13/764)
235 - صفية بنت أبي طاهر عبد الجبّار بْن أَبِي البقاء هِبَه اللَّه بْن القاسم ابن البُنْدار الحَرِيميّ، أمُّ الخَيْر. [المتوفى: 624 هـ]
سَمِعْتُ من ابن البَطِّي، وكَرَم بن أحمد بن قُنَيَّة.
وكانت صالحةً قانِتَةً، عابِدة. سَمِعوا منها مرّاتِ؛ وروى عنها الدُّبَيْثيّ، وابن نُقْطَة، وروى لنا عنها الأبَرْقُوهيّ " جزء البانياسيّ ". وماتت في سابع صَفَر.
وكَرَم: فمن طلبه الحديث، يَرْوي عن أبي غالب ابن البنّاء.(13/765)
236 - عبد الله بن أحمد بن أبي بكر، أبو القاسم الهَمَذَانيّ ثمّ البَغْداديُّ الظَّفَرِيُّ الخَيَّاط المقرئ. [المتوفى: 624 هـ]
سمع من أبي الفتح ابن البطّي. وحدّث. ومات في ذي الحِجَّة.(13/765)
237 - عبد الله بن جميل بن أحمد بن محمد، أبو إبراهيم وأبو موسى البَرَدانيّ الفِيجِيُّ. [المتوفى: 624 هـ]
مات بالفِيَجَة. وحدَّث عن أبي نصر عبد الرحيم اليوسفيّ بـ " جزء ابن عَرَفَة ". وكان صالحًا، خيِّرًا. [ص:766]
روى عنه الضّياء؛ وأثنى عليه، وعمر ابن الحاجب. وحدّثنا عنه العزّ أحمد ابن العماد، والشمس محمد ابن الواسطيّ.
قرأتُ وفاتَه بخطِّ الضّياء: في ربيع الأوّل. وقال المُنذريّ: في رابع جُمَادَى الأولى.(13/765)
238 - عَبْدُ الله بن عُثمان بن يوسُف المَقْدِسيُّ. [المتوفى: 624 هـ]
قال الضّياء: كَانَ فيما علِمنا من عبّاد الله الصّالحين، لم تُعرف لَهُ صَبْوةُ ولا زلّةٌ. وكان صابرًا على الفَقْر والقِلَّة، مُتَوَرِّعًا، يقرأ القرآن قراءةً حَسَنة، وقرأ عليه جماعةٌ. وحدَّثني إبراهيمُ بن أبي الفَرَج جارُهُ، قال: لم يترك القراءة إلّا ليلةً واحدة، وكان يقرأ الليل والنّهار رَضِيَ اللَّهُ عنه.
مات في خامس عشر المحرَّم بالْجَبَل.(13/766)
239 - عبد الله بن نصر بن أبي بكر بن مُحَمَّد الحَرّانيّ، قاضي حَرَّان أبو بكر الفقيه الحَنْبَليّ المقرئ. [المتوفى: 624 هـ]
دخل إلى بغداد وتفقّه بها على غيرِ واحدٍ. وسَمِعَ من شُهْدَةَ الكاتبة، وعبدِ الحقّ اليُوسُفيّ، وعيسى بْن أَحْمَد الدُّوشابيّ، وتَجَنّي الوَهْبانية. وانحدرَ إلى واسطَ، فقرأ بها القراءات على أبي طالب الكَتَّانِيّ، وأبي بكر الباقِلّانيَ، وابن قُشام القاضي. وَوَلِيَ القضاءَ ببلده، وأقرأ القراءاتِ، وحُمِدَتْ سيرتُهُ.
وفي ذُرّيته قضاةٌ وفُضلاء. وقد صَنَّفَ في القراءات، وسَمِعَ منه جماعةٌ. وولد سنة تسعٍ وأربعين وخمسمائة.
روى عنه الضّياء، وابن الحاجب. وَأَخْبَرَنَا عنه سِبْطُه أبو الغنائم بن محاسن، والشهاب الأبَرْقُوهيّ.
وقال الضّياء: أخبرني بعضُ أقاربه أنَّه تُوُفّي سنةً أربعٍ وعشرين.(13/766)
240 - عبدُ الله بن يحيى بن أبي البركات، أبو مُحَمَّد القُرَشيّ المَهْدَوِيُّ ثمّ الإسكندرانيّ. [المتوفى: 624 هـ][ص:767]
شيخٌ صالحٌ، عابدٌ. وُلِدَ بعد الأربعين. وقَدِمَ الإسكندرية، وسكنَها، وسَمِعَ بها من السِّلَفيّ. ومات في صفر.(13/766)
241 - عبد الله بْن يعقوب بْن يوسُف بْن عَبْد المؤمن، السُّلطان أبو محمد، المُلَقَّب بالعادل. [المتوفى: 624 هـ]
بويع بالمغرب إثر خَلْع ابن عَمِّهم عبد الواحد سَنَةَ إحدى وعشرين. ولم يستقِلَّ بالمملكة، بل كَانَ أخوه المأمون أبو العُلى منازِعًا لَهُ، ثمّ قويَ المأمون ودخلَ قصر الإمارة بمرَّاكِش، وقَبَض على العادل في عام أربعة هذا وأحسبه قُتِلَ. فكانت دولتُه أقلَّ من أربعٍ سنين، آخرها في شَوَّال.(13/767)
242 - عبد البرّ ابن الحافظ أَبِي العلاء الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن الحَسَن الهَمَذَانيّ العَطّار أبو محمد. [المتوفى: 624 هـ]
سَمِعَ أباه، وعليّ بن مُحَمَّد المُشْكاني راوي " تاريخ البُخاريّ الصَّغير "، ونصر بن مُظَفَّر البَرْمكيّ، وأبا الخير الباغبان، وأبا الوَقْت السِّجْزِيّ، وجماعة.
روى عنه الضّياء، والصَّدْر البَكْريّ، والزَّكيّ البِرْزَاليُّ، وسائر الرَّحّالة.
وقرأت بخطّ ابن نُقْطَة: أنَّه سَمِعَ من عليّ بن مُحَمَّد المُشْكانيّ " تاريخ البخاريّ الصَّغير ". قال: وذكر لي إسحاق بن مُحَمَّد بن المؤيِّد المِصْريّ: أنّ شيخنا عبد البر بن أبي العَلاء تَغَيَّر بَعْدَ سَنَة عشر وستّمائة، وبَلَغَنا أنَّه ثابَ إليه عقلُهُ قبل وفاته بقليل، وحدّث، وأنّه توفّي بروذ روار في شعبان من سَنَة أربعٍ وعشرين.
قلت: وَسَمِعْنَا بإجازته من الشَّرَف أحمد بن عَسَاكر.(13/767)
243 - عبد الجبَّار بن عبد الغنيّ بن عليّ بن أَبِي الفضل بن عَليّ بن عَبْد الواحد بْن عَبْد الضّيف الأنصاريّ ابن الحَرَستانيَ الشافعيّ الفقيه المُفْتِي كمال الدِّين أبو محمد. [المتوفى: 624 هـ]
نقلتُ ذلك كلّه من خط ابن الدُّخْمَيْسِيّ.
سمع أبا القاسم الحافظ، وأبا سعد بن أبي عَصْرون. وأجاز لَهُ خطيب المَوْصِل أبو الفضل، والحافظ أبو موسى المَدِينيّ. [ص:768]
سَمِعَ منه الزَّكيّ البِرْزَاليُّ، وخَرَّج لَهُ " جزءًا "، وأبو حامد ابن الصابونيّ، وابن الدُّخْمَيْسي، والفخر محمد بن مُحَمَّد ابن التِّبْني، وَأَخْبَرَنَا عنه أبو الفضل بن عساكر.
تُوُفّي في شعبان سَنَة أربعٍ وعشرين وستّمائة.
وقال ابن الحاجب: مَوْلِدُه سَنَة تسعٍ وأربعين وخمسمائة، ودرَّس بالكلَّاسَةِ، والأَكزيَّة، وهُوَ مِن بيت ابن طُلَيْس.(13/767)
244 - عبد الرحمن بْن إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْمَاعِيل بن منصور، الإمام بهاء الدِّين أبو محمد المَقْدِسيُّ الحَنْبَليّ. [المتوفى: 624 هـ]
وُلِدَ بقرية السَّاويا من الأرض المُقدَّسَةِ في سنة خمسٍ أو ستٍّ وخمسين وخمسمائة. وكان أبوهُ يَؤُمُّ بأهلها، وهي من عَمَل نابلس. وأُمُّه ستُّ النّظر بنت أبي المكارم. هاجَرَ به أبوه نحوَ دمشق سِرًّا وخِفْيه من الفِرَنْج والبلادُ لهم، ثمّ سافَرَ أبوه إلى مصرَ تاجرًا، فماتت أُمُّهُ وكَفِلَتْهُ عَمَّتُه فاطمة زوجةُ الشيخ أبي عُمَر، ولَمّا قَدِمَ الحافظُ عبدُ الغنيّ من الإِسكندرية دَرَّبَهُ على الكِتابة، وأعطاه رِزْقًا، وخَتَمَ القرآن في نحو سَنَة سبعين. ثمّ رَحَلَ في سَنَةِ اثنتين وسبعين في حلبة الشيخ العِماد، فسَمِعَ بحرَّان من أحمد بن أبي الوفاء، وكان بحرَّان سُلَيْمانُ بن أبي عطاف، وغيرُه من المقادسة.
قال البهاءُ: فألِفْتُهم وأُشِيرَ عليَّ بالمَقام بها لأُجَوِّد حفظَ الخَتْمةِ، فقعدتُ بها في دار ابن عَبْدوس فأحسن إليَّ، وقرأت القرآن على جماعةٍ في ستّة أشهر، وصلّيت التّراويح بهم وكنتُ استحي كثيرًا فَأَفْرُغُ وقد ابتلَّ ثوبي من العَرَق في البَرْد، فجمعوا لي شيئًا من الفِطْرة من حيثُ لا أعلم، واشترى لي ابن عَبْدوس دابَّةً وجَهَّزني، وسافرتُ مع حجّاج حرّان إلى بغداد، وقد سقني العمادُ ومعه ابن أخته عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن أَبِي بَكْر، والشهابُ مُحَمَّد بن خَلَف، فسمعتُ بالمَوْصِل على خطيبها "جزءًا ". ثمّ دخلتُ بغدادَ وقد ماتَ الشيخُ عليّ البطائحيّ فَحَزِنْتُ كثيراُ، لأنّني كنتُ أُريد أنّ أقرأ عليه الخَتْمَة. ثمّ سَمِعَنا الحديثَ، فأوَّل جزء كتبته " جزء " من حديث مالك على شُهْدَةَ ولم نُدْرِكْ أعلى سندًا منها، وسمعنا عليها " معاني القرآن " للزجّاج، و " مصارع العشّاق " للسّرّاج، و " موطّأ القَعْنَبيّ ". وسمعت عليّ عبد الحقّ بن يوسُف كثيراً؛ وكان [ص:769] من بيت الحديث فإنَّه رَوَى عَن أَبِيهِ، عن أبيه، عن أبيه، وكان صالحًا فقيرًا، وكان عَسِرًا فِي السَّماع جِدًّا. وسمعنا عليه " الإِبانة " للسِّجْزِيّ بقراءة الحافظ عبد الغنيّ، ومرضتُ ففاتني مجلسٌ، وكان يمشي معي مِن بيته إلى مكّيّ الغَرّاد فيُعيد فُوتِي، ورزُقت منه حظًّا؛ لأَنَّه كَانَ يراني مُنْكَسرًا مُواظبًا، وكان يُعيرني الأجزاءَ فأكتبها، وألهِمَ فِي آخر عِمره القرآن فكان يقرأ كُلَّ يوم عشرين جزءًا أو أكثر. وسمعت على أبي هاشم الدُّوشابيّ، وكان هَرَّاسًا يُربّي الحَمَام، فقلتُ لرفيقي عبد الله بن عُمَر: أريدُ أفاتحه في الطّيور عسى يَلْتَفِتُ علينا، فنقرأ عليه هذين الجزأين فقال: لا تَفْعَل. فقلتُ: لا بُدَّ من ذلك، فقلت: يا سيّدي، إنْ كَانَ عندكَ من الطُّيور الجياد تُعطينا وتُفيدنا، فالتفتَ إليَّ وقال: يا بُنيّ، عندي الطَّيرة الفُلانية بنت الطَّيرة الفُلانية، ولي قنصٌ من فُلان، وانبسط، فسمعنا عليه الجزأين ولم نَعُدْ إليه. وسمعنا عليّ ابن صِيلا، وأبي شاكر السّقلاطوني، وتجنّي، وابن يلدرك، ومنوجهر، وابن شاتيل. وكان لَهُ ابنٌ شيخٌ إذا جَلَسنا تبيَّنَ كأنَّه الأبُ، وعَمِيَ على كبرٍ، وبقيَ سبعين يومًا أعمى، ثمّ برئَ وعادَ بصرُهُ - يعني الابن - فسألنا الشيخَ عن السبب فذكر لنا: أنَّه ذهب به إلى قبر الإِمام أحمد، وأنّه دَعا وابتهلَ، وقلتُ: يا إمام أحمد، أسألُكَ إلّا شفعت فيه إلى ربِّك، يا ربِّ شَفِّعه في وَلَدي، وولدي يُؤمِّن، ثمّ مضينا. فلمّا كَانَ اللّيلُ استيقظ وقد أبصر. ثمّ أخذنا في سماع الدَّرْس على ناصح الإِسلام أبي الفَتْح، وكنتُ قليل الفَهْمِ لضيق صَدْري، وكنت أحبّ كتابةَ الحديث؛ فلو كتبتُ النّهارَ كُلُّهُ لم أضجر، ورُبّما سَهرْتُ من أوّل الليل، فما أشعر إلّا بالصّباح. وأشارَ عليّ الحافظ عبد الغني بالسَّفرِ معه إلى إصْبَهان، فاتّفق سفره وأنا مريض. ثمّ تُوُفّي أبي سَنَةَ خمسٍ وسبعين. ثمّ اشتغلتُ في مسائل الخِلاف على الشيخ أبي الفتح اشتغالًا جيّدًا، وكنت إذ ذاك فقيرًا ليس لي بُلْغَةٌ إلّا من الشيخ أبي الفَتْح - يعني ابن المَنِّيّ - واتّفق غلاءٌ كثيرٌ فأحسنَ إليَّ، ثمّ وقعَ المرضُ، فخاف عليَّ فجهّزني وأعطاني، واتّفقت أنا وعلي ابن الطّالباني، [ص:770] ويحيى ابن الطَّبَّاخ، فترافقنا إلى المَوْصِل، ثمّ ذهبنا إلى مَرَاغَةَ في طلب علم الخِلاف، فاكتريتُ إلى حَرَّان، وصبرَ عليَّ الْجَمَّالُ بالأُجرة إلى حَرَّان، وكنتُ أقترِضُ من التّجَار ما أتبلَّغُ به. ثمّ أقمتُ بحرَّان نحو سَنَة أقرأ على شمس الدِّين بن عَبْدوس كتاب " الهِداية " لأبي الخطّاب، ثمّ مضيتُ إلى دمشق، وتزوجتُ ببنت عَمِّي زينب بنت عبد الواحد، وأنفقَ عليّ عَمى، وساعدني الشيخ أبو عُمَر، فكنتُ في أرغد عيشٍ إلى أن سافرت إلى بغداد سَنَة تسعٍ وسبعين ومعي أخي أبو بكر، وابن عمّي أحمد - يعني: الشمس البخاري - وهما دون البلوغ. وتركت زوجتي حاملا بابني محمد، فأقمنا بحران، وصُمنا رمضان، وسافرنا مع الحُجّاج، وجَهَّزَنا ابن عَبْدُوس بالكَرى والنّفقة، ولم تكن لي هِمَّةٌ إلّا عِلْمَ الخِلاف، فشرعتُ في الاشتغال على الشيخ أبي الفَتْح، وكان معيدُه الفخر إسماعيل الرفاء، ثمّ سافرتُ سَنَة ثلاثٍ وثمانين، وخلّفت ببغداد أخي، وابن عَمّي، فسافر ابن عمّي إلى بُخارى، ولحِقني أخي.
نقلت هذا كله من خطّ السيف ابن المجد.
وقد سَمِعَ البهاء بدمشق - قبل أنّ يرحل - من عبد الله بن الواحد الكناني في سَنَةِ سبعٍ وستّين، ومن القاضي كمال الدِّين محمد بن عبد الله الشَّهرزوريِّ، ومُحَمَّد بن بَرَكة الصِّلْحِيِّ، وأبي الفَهْم عبد الرحمن بن أبي العَجَائز، وجماعة. وسَمِعَ ببغداد أيضًا من أحمد بن مسعود الهاشميّ، وأحمد بن أحمد بن حَمْدي العَدْل، وأبي بكر أحمد ابن النّاعم، وأحمد بن الحَسَن بن سلامة المِنْبِجِيّ، والحَسَن بن عليّ بن شيرويه، وسعدِ الله ابن الوادي، وعبد المُحسن بن تُرَيك، وعبد المُغيث بن زُهَير، ومُحَمَّد بن نَسيم العَيْشُونيّ، ونصرِ الله القزّاز، وأَبِي العِزِّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مواهب، وأبي الثناء محمد بن محمد الزَّيْتُونيّ، ومسعود بن عليّ بن النَّادر، والمُبارك بن المبارك بن الحَكيم، وسَمِعَ من خلْق بدمشق، وبغداد. [ص:771]
وأجاز له طائفة كبيرة، وروى الكثيرَ. وكان ينفق حديثه، فحدَّث بقطعةٍ كبيرةٍ منه ببَعْلَبَكَّ، وبنابلس، وبجامع دمشق.
وكان إمامًا في الفقه، لا بأسَ به في الحديث.
قال الضّياء في البهاء: كَانَ إمامًا فقيهًا، مُناظرًا، اشتغل على ابن المَنِّيّ، وسَمِعَ الكثير، وكتبَ الكثيرَ بخَطِّهِ، وأقامَ بنابلس سنين كثيرة - بعد الفُتُوح - يؤمُّ بالجامع الغربيّ منها، وانتفع به خلقٌ كثيرٌ من أهل نابلس وأهل القَرَايا. وكان كريمًا، جوادًا، سخيا، حسن الأخلاق، مُتواضعًا. ورَجَع إلى دمشق قبلَ وفاته بيسير، واجتهدَ في كتابة الحديث وتسميعه، وشرحَ كتاب " المُقْنِع " وكتاب " العُمْدة " لشيخنا مُوفَّق الدِّين، ووقف من كتبه ما هُوَ مسموع.
وقال أبو الفَتْح عُمَر بن الحاجب: كَانَ أكثر مقامة بنابلُس، وكان مليحَ المَنْظَر، مُطرحًا للتّكلُّف، كثيرَ الفائدة، ذا دينٍ وخَيْر، قَوَّالًا بالحقّ لا يخافُ في الله لومة لائم، راغبًا في التّحديث. كَانَ يدخل من الْجَبَل قاصدًا لمن يسمع عليه، ورُبّما أتى بغدائه فيطعمه لمن يقرأ عليه. تفرَّدَ بعدَّةِ كتب وأَجزاء، وانقطعَ بموته حديثٌ كثير - يعني بدمشق -. وأما رفقاؤه ببغداد، فتأخّروا، ثمّ قال: وُلِدَ سَنَة ستٍّ وخمسين، وتُوُفّي في سابع ذي الحِجَّة سَنَةَ أربع.
قلتُ: روى عنه الضّياء، والبِرْزالي، والسَّيفُ، والشّرف ابن النابلسي، والجمال ابن الصّابوني، والشمس ابن الكَمَال، وخلقٌ كثيرٌ. وَحَدَّثَنَا عنه ببَعْلَبَكّ التاجُ عبد الخالق، وعبدُ الكريم بن زيد، ومُحَمَّد بن بلغزا، وأبو الحُسَيْن شيخُنا، وستُّ الأهل بنت عُلْوان، وداودُ بن محفوظ. وبدمشق العزُّ إسماعيل ابن الفرّاء، والعزّ ابن العماد، والشمس ابن الواسطيّ، والتَّقيُّ أحمد بن مُؤمن، وأبو جعفر محمد ابن الموازينيّ، وإسحاقُ بن سُلْطان. وبنابلس العِمادُ عبد الحافظ، وغير هؤلاء. وخُتِمَ حديثُهُ بموت ابن الموازينيّ، وبَيْنَ موتهما أربعٌ وثمانون سَنَة.(13/768)
245 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الله بْن مُحَمَّد، أبو عَمْرو الكُتاميّ الإِشْبِيليّ الفقيه. [المتوفى: 624 هـ]
سَمِعَ أبا عبد الله بن زَرْقُون، وتَفَقَّه به ولازَمَه، وأبا محمد بن جُمهور، وأبا عبد الله ابن المُجاهد الزَّاهد. وتَفَقَّه قديما بأبي محمد بن موْجوال، وأخذ القراءات عَن أَبِي بَكْر بْن صاف.
قال الأبَّار: وكان حافظًا لمذهب مالك، بعيدًا عن الانقيادِ للسماع منه. وتُوُفّي في شَوَّال، ولَهُ ثلاثٌ وثمانون سَنَة.(13/772)
246 - عبد الرحمن بن عبد العليَّ بن عليّ، قاضي القُضاة عمادُ الدِّين أبو القاسم المِصْريّ الشّافعيّ، المعروف بابن السُّكَّريّ، [المتوفى: 624 هـ]
جدّ شيخنا عمادِ الدِّين عليّ بن عبد العزيز.
وُلِدَ سَنَة ثلاثٍ وخمسين وخمسمائة. وسمع إبراهيم بن سَماقا، وعليَّ بن خَلَف بن مَعْزوز. وصَحِبَ الصَّالحين، وتَفَقَّه على الشهاب مُحَمَّد الطُّوسيّ، وبرعَ في العِلْم، وولي قضاء القاهرة وخطابتها، وحدَّثَ، وأفتى، ودَرَّسَ.
تُوُفّي في ثامن عشر شَوَّال، ولَهُ إحدى وسبعون سَنَة.(13/772)
247 - عبد الرحمن بن عُمَر بن سَلْمان، أبو الفَرَج الأَزَجيّ، المعروف بابن حَدِيد. [المتوفى: 624 هـ]
تُوُفّي في جُمَادَى الأولى عن نحوٍ من ثمانين سَنَة. وحَدَّث عن عليّ بن أبي سَعْد الخَبَّاز.(13/772)
248 - عبد الرحمن بن مُحَمَّد بن حَمْدان، الفقيه صائنُ الدّين أبو القاسم الطيبي، [المتوفى: 624 هـ]
مصنّف " شرح التّنبيه "، ومعيد النظاميّة.
كان سديد الفتوى، مُتْقِنًا، فَرَضِيًّا، حاسِبًا، فاضلًا.(13/772)
249 - عبدُ السَّلام بن أبي بكر بن عبد الملك بن ثابت، أبو مُحَمَّد البَغْداديُّ الْجَمَاجميّ، [المتوفى: 624 هـ][ص:773]
كَانَ يعمل الْجَمَاجِم.
وهُوَ رجل صالح. حدَّث عن أبي طالب بن خُضَيْر.(13/772)
250 - عبد الصَّمَد بن الحَسَن بن يوسُف بن أحمد، أبو مُحَمَّد الأَصْبَحيّ المِصْريّ الشّافعيّ، المعروف بالمقاماتيّ؛ لأنّه حفظ " مقامات الحريريّ ". [المتوفى: 624 هـ]
وُلِدَ سَنَةَ أربعٍ وخمسين وخمسمائة. سَمِعَ من السِّلَفيّ أبيات شعرٍ وحدَّث بها، وكتبَ الكثير بعد ذلك. وسَمِعَ من الأَرْتَاحِيّ، وأبي يعقوب بن الطُّفَيْل، وجماعة. وكان أخباريًا كثيرَ المحفوظ.
تُوُفّي في رمضان.
روى عنه المُنذريّ.(13/773)
251 - عبد العزيز بن سحنون بن علي، بَرهانُ الدِّين أبو مُحَمَّد الغُمَاريُّ النَّابيُّ النَّحْويّ العَدْل. [المتوفى: 624 هـ]
وُلِدَ سَنَة أربعٍ وخمسين. وقَدِمَ مصر سَنَة ثمانٍ وستّين، وحدَّث عن السِّلَفيّ، وعبد الله بن بَرِّيّ، وجماعة بعدهما. وتصدَّر لإقراء العَرَبية بجامع مِصْرَ، وانتفعَ النّاسُ به.
روى عنه الزَّكيُّ المُنذريّ، وغيره. وتُوُفّي في ثامن عشر ذي الحِجَّة.(13/773)
252 - عبد العزيز بن علي بن عبد العزيز بن زَيْدان، أبو محمد وأبو بكر السُّماتيُّ القُرْطُبيّ، [المتوفى: 624 هـ]
نزيلُ فاس.
روى عن أبي إسحاق بن قَرْقُول، ونَجَبَة بن يحيى، وأخذ بفاس عن أبي الحَسَن بن حُنَين، وهُوَ أكبر شيوخه. [ص:774]
قال الأبّار: سَمِعَ منه " المُوَطّأ " في سَنَة خمس وستّين وخمسمائة، عن ابن الطّلاع محمد، و" الشّهاب " للقُضَاعيّ، عن أبي الحَسَن العَبْسيّ سماعًا. وأجازَ لَهُ جماعةٌ. وكان مِن أهل الفقه، والحديث، والنَّحْو، واللغة، والتاريخ، والأخبار، وأسماءِ الرجال، متصرّفًا في فنونٍ كثيرة، أديبًا، نحْويًا، شاعرًا، معلّمًا بالعربية، متقدِّمًا في صناعتها. سَمِعَ منه جِلَّةٌ، وسماه التُّجِيبيّ في " مشيخته " وقال: سَمِعْتُ منه وسَمِعَ عليّ.
قال الأبّار: مولد ابن زَيْدان بقرطبة سنة تسعٍ وأربعين وخمسمائة، وتُوُفّي بفاس في خامس رجب سَنَة أربعٍ وعشرين.
وقال ابن مَسْدِيّ: أخبرني ابنه يحيى أنَّه مات في سَنَة ثلاثٍ وعشرين في ثالث رجب.
قال ابن مَسْدِيّ: هُوَ عَلَّامة زمانه، ورئيسُ أَقرانه، كَانَ آخر من حدَّث بفاس عن الكِنانيّ. وذكر لي أنَّه سَمِعَ بعضَ كتاب الجنابة من " المُوَطّأ " من أبي عبد الله ابن الرَّمّامة. خَرَّج لنفسه " مشيخة " ولم يكن بفاس أنبلُ منه، قَدِمَها وهُوَ ابن ثماني سنين، وعاش أربعًا وسبعين سَنَة.
قلت: هذا مِن أعيان الرّواة بالمغرب، ومن طبقة شيوخه سَمِيُّه عبد العزيز بن عليّ بن محمد السُّمَاتي المقرئ من أهل إشبيلية. وقد مَرَّ.(13/773)
253 - عبد المُحسن بن أبي العَمِيد بن خالد بن عبد الغَفَّار بن إسماعيل، الإِمامُ حجَّة الدِّين أبو طالب الخَفِيفِيُّ الأَبْهرِيُّ الشّافعيّ الصُّوفيّ. [المتوفى: 624 هـ]
ولد في رجب سنة ستٍّ وخمسين وخمسمائة. وتَفَقَّه بهَمَذَان عليّ أبي القاسم بن حيدر القَزْوينيّ، وعَلَّق " التعليقة " عن الفَخْر النُّوقانيّ.
وسَمِعَ بأصبهان من الحافظ مُحَمَّد بن عبد الجليل كوتاه، وأحمد بن ينال التّرك، وأبي موسى المَدِينيّ، وببغداد من أَبِي الفَتْح بن شاتيل، وأبي السعادات [ص:775] القَزّاز، وبأَبْهَر من أبي الفتوح عبد الكافي الخطيب، وبهَمَذَان من أبي المحاسن عبد الرّزّاق بن إسماعيل القُومسانيّ، وعبد المنعم الفُرَاويّ، وبدمشق من عبد الرحمن بن عليّ اللَّخْمِيّ، وإسماعيل الجنزويّ، وبمصر مِن هِبَة الله البُوصيريّ، وبالإسكندرية من القاضي مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن الحضْرميّ، وبمكة من محمود بن عبد المنعم القَلَانسيّ الدّمشقي، وبواسط من أبي بكر ابن الباقلاني.
وكان كثير الأسفار والحجّ، صاحب صلاة، وتَهَجُّد، وصيام، وعِبادةٍ. ولَهُ قدمٌ في الفقه، والتَّصُّوف، وجاور مُدَّة، وحَضَر حِصار عَكّا مع السُّلطان صلاح الدِّين، ثمّ أقامَ ببغداد، وأَمَّ بالصوفية برباط الخَلِيفة.
وسَمِعَ الكثير بقراءته على ابن كُلَيب، ويحيى بن بَوْش، وطبقتهما. وكان يحجّ كلّ سَنَة على السَّبيل الّذي للِجهة.
قال ابن النّجّار: كَانَ كثيرَ المُجاهدة، والعِبادة، دائمَ الصيام سَفَرًا وحَضَرًا، عارفًا بكلام المشايخ، وأحوال القوم. وكانت له معرفة، حفظٌ، وإتقانٌ. كتبنا عنه، وكانَ ثِقَةً صَدُوقًا، ثمّ حَجَّ، وجاوَرَ، وصارَ إمام المَقَام إلى أنّ تُوُفّي في ثامن صفر.
قلت: روى عنه ابن النّجّار، والضّياء، وابن الحاجب، وأبو عبد الله الدُّبَيْثيّ، وأبو الفَرَج بن أبي عُمَر، وقُطْب الدِّين القَسْطَلانيّ، وغيرُهم.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْمَعَالِي بِمِصْرَ: حَدَّثَكُمْ أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ الْمُحَسِّنِ بن فرامرز [ص:776] الْخَفِيفِيُّ، وَأَخْبَرَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالا: أَخْبَرَنَا أحمد بن ينال، قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد، قال: حدّثنا أبو بكر بن مردويه، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن نصير، قال: حدّثنا أحمد بن عصام، قال: حدّثنا معاذ بن هشام، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُعَاذٍ مِثْلَهُ.
وَأَخْبَرَنَا أبو المجد العقيلي إجازة، قال: أخبرنا عبد المحسن الخفيفي بمنى، قال: أَخْبَرَنَا عبد المنعم، فذكر حديثًا.(13/774)
254 - علي بْن عَبْد الوهاب بْن مُحَمَّد بْن أبي الفَرَج، الرئيس موفّقُ الدِّين أبو الحَسَن الْجُذامي الإِسْكندَرانيُّ المالكيُّ، صَدْرُ الِإسكندرية وعَيْنُها. [المتوفى: 624 هـ]
وُلِدَ سَنَة سبعٍ وثلاثين وخمسمائة. وحَدَّث عن السِّلَفيّ، وعن أبي الفتوح نصرِ بن قَلاقس الأَزْهَري.
تُوُفّي في سادس ربيعٍ الآخر.(13/776)
255 - عليّ بن يونس بن أحمد بن عُبَيْد الله، الأجل عماد الدِّين أبو الحَسَن البغدادي. [المتوفى: 624 هـ]
حدّث عن أبي الفتح ابن البَطِّي، وخديجة النَّهْروانيَّة. ومات في شهر ذي الحجة.
وهو أخو الوزير عبيد الله بن يونس.(13/776)
256 - عمر بن أبي الحارث أعز بن عمر بن محمد بن عمويه، أبو حفص القرشي التيمي السّهروَرْدِي ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ الصوفي. [المتوفى: 624 هـ][ص:777]
ولد سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة. وسمع من أبي الوَقْت " المائة الشُّريحيّة ".
وهُوَ أخو مُحَمَّد وقد ذُكِرَ، وكذا أبوهما تقدَّم يروي عن أبي علي بن نبهان.
توفّي هذا في ثالث عشر ربيع الأول.(13/776)
257 - عيسى، السلطان الملك المعظم شرف الدّين ابن السّلطان الملك العادل سيف الدّين أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن أيّوب بْن شاذي، صاحب دمشق الفقيهُ الحنفيُّ الأديب. [المتوفى: 624 هـ]
ولد بالقاهرة في سنة ستٍّ وسبعين وخمسمائة، ونشأ بالشام، وحفظ بالقرآن، وتَفَقَّه وَبَرَعَ في المَذْهَبِ، واعتنى " بالجامع الكبير " فشرَحَهُ في عِدّة مُجَلَّدات بمعاونة غيرِه. ولازمَ تاجَ الدِّين الكِنْديّ مُدَّةً، وكان ينزل إلى داره بدرب العَجَم من القَلْعة والكتابُ تحت إبطهِ، فأخذ عنه " كتابَ سِيبَويْه "، وشَرَحَهُ للسِّيرافيّ، وأخذ عنه " الحُجَّة في القراءات " لأبي عليٍّ الفارسي، و" الحماسة " وغير ذلك من الكتب المُطوَّلَة، وحفظَ " الإِيضاحَ " في النَّحْو، وسَمِعَ " المُسْند " من حَنْبَل المُكَبِّر، وسَمِعَ من عُمَر بْن طَبَرْزَد، وغيرِه. ولَهُ ديوان شِعْر.
قال القُّوصيّ: سَمِعْتُ منه ديوانهُ، وصَنَّف في العَرُوض ومع ذلك فما يُقيم الوزن في بعض الأَوْقات. وكان مُحِبًّا لمذهبِهِ، متغاليًا فيه، كثيرَ الاشتغال مع كثرة الأشغال، وكان مُحِبًّا للفضيلة، قد جعل لمن يعرض " المُفَصَّل " للزمخشريّ مائة دينار، ولمن يحفظ " الجامع الكبير " مائتي دينارٍ، ولمن يحفظ " الإيضاحَ " ثلاثين دينارًا، سوى الخِلَع. وقد حجَّ في أيّام والده سَنَةَ إحدى عشرة وستّمائة. وجَدَّد البرك والمَصَانِع، وأحسن إلى الحُجّاج كثيرًا. وبنى سُورَ دمشق والطّارمة التي على باب الحَدِيد والخان الّذي على باب الجابية، وبنى بالقُدس مدرسةً، وبنى عند جعفر الطَّيَّار - رَضِيَ اللَّهُ عنه - مسجدًا. وعمل بمُعان دارَ مَضيف وحَمَّامين. وكانَ قد عزم على تسهيل طريق الحاجّ وأن يبني في كلّ منزلة. وكان يَتَكَلَّم مع العُلماء، ويُناظر، ويبحث. وكان مَلِكًا [ص:778] حازِمًا، وافرَ الحُرمةِ، مشهورًا بالشَّجاعَة والإِقدام، وفيه تواضع، وكرمٌ، وحياء. وقد ساقَ على فَرَس واحدٍ من دمشق إلى الإِسكندرية في ثمانية أيّام في حدودِ سَنَة سبعٍ وستّمائة إلى أخيه الملك الكامل محمد، فلمّا التقيا، قال لَهُ الكامل بعد أن اعتنقه والتزمَهُ: اطلع اركب، فقال:
وإذا المَطِيّ بنا بَلَغْنَ مُحَمَّدًا ... فَظُهورُهُنَ على الرِّكابِ حَرَامُ
فطرِب الكامل وأَعجبه.
وكان قد أعدَّ الجواسيس والقُصَّاد، فإنَّ الفِرنج كانوا على كتفه، فلذلك كَانَ يَظْلِمُ، ويَعْسِفُ، ويُصادِر. وأخربَ القدس، لعجزه عن حِفْظه من الفِرنج، وأدار الخُمور، وكان يَمْلِكُ مِن العَرِيش إلى حِمْص والكَرَك والشّوبك وإلى العُلى.
وكان عديمَ الالتفات إلى ما يرغبُ فيه المُلوكُ من الأُبَّهَة والتَّعْظيم، وينهي نوابَه عن مُزَاحمة الملوك في طلوع العَلَم على جبل عرفات. وكان يركب وحدَه مِرارًا عديدة، ثمّ يتبعه غِلْمانُه يتطاردون خلفه. وكان مُكرمًا لأصحابه كأَنَّهُ واحدٌ منهم، ويُصلِّي الْجُمُعة في تربة عَمِّه صلاح الدِّين ويمشي منها إلى تُربة أبيه.
تُوُفّي في سَلْخ ذي القِعْدَة سَنَةَ أربعٍ، ودفن بالقلعة، ثمّ نقل إلى تربته ومدرسته بقاسيون، سامحه الله.
ونقلت من خطِّ الضّياء قال: كَانَ شُجاعًا، فَقِيهًا، وكان يشرب المُسْكِرَ ويجوِّزَ شُرْبَهُ!، وكان ربّما أعطى العَطاء الكثير لمن لا يشرب حَتّى يشربه. وأَسَّسَ ظُلمًا كثيرًا ببلاد الشّام، وأَمَرَ بخراب بيت المقدس، وغيرها من الحُصون.
وقال ابن الأثير: كَانَ عالمًا بعدَّة علومِ، فاضلًا فيها، منها الفقه، ومنها [ص:779] علمُ النَّحْو، وكذلك اللّغة. نَفَق العِلْمُ في سُوقِهِ وقصدَهُ العُلماء من الآفاق فأكرَمَهُم وأعطاهم، إلى أن قال: لم يسمع أحدٌ منه ممّن يصحبه كلمةً نزقة. وكان يقول كثيرًا: اعتقادي في الأُصول ما سطَّره أبو جعفر الطّحاويّ. وأوصى أنّ يُدفن في لحدٍ، وأن لا يُبنَى عليه بناءٌ، بل يكون قبره تحتَ السماء، وكان يقول في مرضه: لي عند اللِه في أمر دمياط ما أرجو أنّ يرحمني به.
وقال ابن واصل: كَانَ جُند المُعَظَّم ثلاثة آلاف فارس لم يكن عند أحد من إخوته جُند مثلهم في فرط تَجَمُّلِهم، وحُسنِ زَيِّهم، فكان بِهذا العَسْكر القليل يُقاوم إخوتَهُ، فكان الكاملُ يخافه لِما يتوهَّمهُ من مَيْل عَسْكر مِصْرَ إليه لِما يعلمونه من اعتنائه بأمر أَجناده. وكان المُعَظَّمُ يخطب لأخيه الكامل في بلاده، ويضرب السكّةَ باسمه، ولا يذكر اسمَه مع الكامل. وكان مع شهامته، وعِظَم هيبته قليل التّكّلف جِدًّا، لا يَرْكَبُ في السَّنَاجق السلطانية في غالب أوقاته، بل في جَمْع قليل وعلى رأسه كَلَوْتة صفراء بلا شاش، ويَتَخَرَّق الطُّرَق، ولا يُطَرِّق لَهُ أحدٌ. ولقد رأيتُه بالبيت المُقَدَّس في سَنَةِ ثلاثٍ وعشرين والرجالُ والنِّساءُ يُزاحمونه ولا يردُّهم. ولَمّا كَثُر هذا منه، ضُرِبَ به المَثَلُ، فمن فعلَ فعلًا لا تكلّف فيه قيل: " فعله بالمُعَظَّميّ ". وكان شيخُه في الفقه جمال الدّين الحصيري، تردّد إليه وإلى الكِنْديّ كثيرًا. وكان قد بحث " كتابَ سِيبَويْه " وطالعه مرّات. بلغني أنّ أباه قال لَهُ: كيف خالفتَ أهلك وصِرت حنفيًا؟ قال: يا خَوَنْد إلّا تَرْضَوْنَ أن يكونَ منّا واحدٌ مسلم؟ قاله على سبيل المداعبة.(13/777)
258 - فاطمة بنت يونس. [المتوفى: 624 هـ]
وأخوها هو الوزير أبو المُظَفَّر عُبَيْد الله بن يُونُس.
روت بالإِجازة عن أبي الحَسَن بن غَبْرَة.(13/779)
259 - الفَتْح بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَلي بن هبة اللَّه بن عَبْد السَّلَام بن يحيى، عميد الدِّين أبو الفَرَج بْن أبي مَنْصُور بْن أبي الفَتْح بْن أبي الحَسَن البَغْداديُّ الكاتب. [المتوفى: 624 هـ]
وُلِدَ يوم عاشوراء سَنَة سبعٍ وثلاثين وخمسمائة. وسَمِعَ من جدّه أبي الفَتْح، ومُحَمَّد بن أحمد الطّرائِفِيّ، ومُحَمَّد بن عُمَر الأُرْمَويّ، وأبي غالب محمد بن علي ابن الدَّاية، وأحمد بن طاهر المَيْهَنِيّ، وقاضي القضاة علي بن الحسين الزَّيْنَبِيّ، وهِبَةَ الله بن أبي شَرِيك الحاسِب، وأبي الكرم الشّهْرَزُرِي، وسعيد ابن البَنَّاء، وأبي الوَقْت، ونُوشتكين الرَّضْواني، وأبي بكر ابن الزَّاغونيِّ، وأحمد بن مُحَمَّد ابن الإِخوة المخلّطي، وجماعة.
روى عنه خلقٌ كثيرٌ منهم البرزالي، وعمر ابن الحاجب، والسيف ابن المجد، والقاضي شمس الدّين ابن العماد، وتقي الدّين ابن الواسطي، والشمس ابن الزّين، والكمال عبد الرحمن المكبّر، والجمال محمد ابن الدَّبَّاب، والشهابُ الأبَرْقُوهيّ. وكان أسندَ من بقي بالعِراق.
قال المُنذريّ: كَانَ شيخًا حسنًا، كاتبًا، أديبًا، لَهُ شعرٌ، وتصرَّفَ في الأعمال الدِّيوانية، وأضرَّ في آخر عُمُره، وانفردَ بأكثر شيوخه ومَرْوياتِهِ. وهُوَ مِن بيت الحديث، هُوَ، وأبوه، وجدّه، وجدّ أبيه.
وقال ابن الحاجب: هُوَ مِن محلة الدِّينارية بباب الأَزَجِ، وكان قديمًا يسكن بمنزل أَسلافه بدار الخلافة. وهُوَ بقيةُ بيتهِ صارت الرِّحلَة إليه من البلاد وتكاثرَ عليه الطَّلبةُ، واشتهرَ اسمُهُ. وكان مِنْ ذَوي المناصب والولايات، فَهمًا بصنعته، ترك الخِدمة وبقى قانعًا بالكَفَاف، وأضَرَّ بأَخَرَةٍ وكان كثيرَ الأمراض حَتّى أُقْعِدَ. وكانَ مجلسه مجلس هيبةٍ ووقار، لا يكاد يَشِذُّ عنه حَرْف، محقّق لسماعاته إلّا أنَّه لم يكن يُحبّ الرِّواية لمرضه واشتغاله بنفسه. وكان كثيرَ الذِّكْر ذا هيبةٍ ووقارٍ، وكان يتوالى ولم يظهر لنا ما ننكره عليه، بل كَانَ يترحمُ على الصّحابة، ويلعن من يسبُّهم. وكان يَنْظِمُ الشعر في الزُّهْد والنَّدَم على ما فات، وكان ثقةً صحيحَ السَّماع، ولم يكن مُكثرًا، لكنَّه تَفَرَّد بعدة أَجزاء - ثمّ سمّى [ص:781] الأجزاءَ الّتي تفرَّدَ بها -، وقال: تُوُفّي في الرابع والعشرين من المحرّم.
وروى عنه الدُّبَيْثيّ وقال: هُوَ من أهل بيت حديثٍ، وكلّهم ثقات.
قلت: وآخرُ من روى عنه بالإِجازة فاطمةُ بنت سليمان الأنصارية. وَأَخْبَرَنَا أحمد بن إسحاق، قال: أخبرنا الفتح بن عبد السّلام، قال: أَخْبَرَنَا محمدُ بن عليّ ابن الدَّاية، ومُحَمَّد بن عُمَر القاضي. وَأَخْبَرَنَا حضورًا مُحَمَّد بن أحمد الطّرائِفِيّ، (ح)، وأنبأنا يحيى بن أبي منصور الحنبلي، قال: أخبرنا عمر بن محمد المؤدّب ببغداد، قال: أخبرنا أبو غالب ابن البنّاء، ويحيى ابن الطَّرَّاح، وأبو منصور بن خَيْرون، وعبدُ الخالق ابن البَدِن؛ قالوا - سَبْعتُهم -: أَخْبَرَنَا أبو جعفر بن المسلمة، قال: أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا جعفر الفريابي، قال: حدّثنا محمد بن الحسن البلخي، قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك، قال: أَخْبَرَنَا سُفْيان الثَّوريّ، قال: كَانَ يُقَالُ إذا عَرَفْتَ نَفْسَكَ لم يضرَّك ما قِيل فيك.
قال المبارك ابن الشعّار المَوْصِليّ في " قلائد الجمان ": كَانَ الفَتْحُ يرجع إلى أَدَب، وسَلَامة قريحة في الشعر. قال: وكان مشتهرًا بالتَّشيع والغُلُوّ فيه على مذهب الإِمامية. كتب من قوله إلى النّاصر لدين الله:
مولايَ عَبْدُكَ قَدْ أَضَرَّ وَقَدَ غَدَا ... في قَعْرِ مَنْزِلِه طَرِيحًا كالحَجَرْ
لا يَسْتَطِيع السَّعْيَ فيما نَابَهُ ... لمُصَابهِ بالعَيْنِ مَعَ وهن الكبر(13/780)
260 - قُرَّة العَين بنت المقرئ يعقوب بن يوسُف الحَرْبيّ. [المتوفى: 624 هـ]
روت عن أبي بكر عَتِيق بن صيلا. وماتت في صفر.(13/781)
261 - مُحَمَّدُ بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن سَلْمون، أبو الحَسَن البَلَنسيّ. [المتوفى: 624 هـ][ص:782]
قرأ لِورش عَلَى أَبِي الْحَسَن بْن هُذَيْل، وسَمِع منه " الموطّأ " و " البخاري " و " التّيسير ".
قال الأبَّار: وكان عَدْلًا مَرْضِيًّا. سَمِعْتُ منه، ولَهُ دُكّان بالعطَّارين يجلس فيها، ولم يكن له علم بالحديث ولا بغيره. أخذ عنه أصحابُنا. وتُوُفّي في ربيع الآخر، ووُلِدَ سَنَةَ سبعٍ وأربعين وخمسمائة.
قلت: روى عنه رضيُّ الدِّين الشَّاطِبيُّ اللُّغويُّ، وقاضي تُونس أبو العبّاس ابن الغماز، وابن مسدي وقال: سمع من ابن هذيل سنة خمس وخمسين وخمسمائة.(13/781)
262 - مُحَمَّد بن حاتم بن مُتَوَكّل، أبو بكر التَّميميّ القُرْطُبيّ الأَصل الإِشْبِيليّ. [المتوفى: 624 هـ]
ولي القضاء، وحدَّث عن أبي عبد الله بن زَرْقُون، وأبي بكر ابن الجدّ.
قال الأَبَّار: تُوُفّي في جُمَادَى الأولى.(13/782)
263 - مُحَمَّد بن الحُسَيْن بن حرب، أبو البركات الدَّارَقَزِّيُّ المُقرئ. [المتوفى: 624 هـ]
قرأ القرآنَ على أبي الفضل أحمد بن مُحَمَّد بن شُنَيف بالقراءات. وأقرأ، وكان عالي الإِسناد في القراءات فإنَّ شيخَهُ من أصحاب أبي طاهر بن سِوَار، وثابت بن بُنْدار.
وسَمِعَ من ابن شُنَيف، ولاحِق ودَهْبَل ابني عليِّ بن كارَه، وحدَّث، وماتَ في شَوَّال.(13/782)
264 - محمد بن حمزة بن مُحَمَّد بن أبي سَلَمَة، أبو الوفاء الحَلَبِيُّ. [المتوفى: 624 هـ]
سَمِعَ عبد الله بن محمد الأشيري، وعنه مجد الدّين ابن العَدِيم.(13/782)
265 - مُحَمَّدُ بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عليّ بن المُعَمَّر، أبو الفضل العَلَويّ الحُسينيّ النَّقيب. [المتوفى: 624 هـ]
وَلِيَ نِقابةَ العَلويّين بالعِراق بَعْدَ وفاة أبيه سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، [ص:783] ثمّ عُزِلَ سَنَة سبعٍ وثمانين، وجَلَسَ في بيته خامِلًا إلى هذا الوَقْت.
تُوُفّي في سادسِ صفر.
واحسبه روى عن جدّه.(13/782)
266 - محمدُ بن عبد المعيد ابن الشيخ عبد المغيث بن زُهَير. [المتوفى: 624 هـ]
سَمِعَ من جدِّه، ومن فارس الحَفَّار. وحدَّث. ومات كَهْلًا فِي ذِي القِعْدَة.(13/783)
267 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بن يحيى بن يحيى، الشيخ أبو عبد الله الغافِقيُّ المُرسِيُّ الشَّارِيُّ، [المتوفى: 624 هـ]
وشارَّة: من عَمَل مُرسية.
قال الأبَّار: أخذ القراءاتِ عن أبي نصر فتح بن يوسُف صاحِب أبي داود المقرئ. وسكنَ سَبْتَةَ. وقد سَمِعَ من أبي العبّاس بن إدريس، وتَفَقَّه على أبي مُحَمَّد بن عاشِر. روى عنه ابنه أبو الحَسَن، وعاشَ نَيِّفًا وثمانينَ سَنَة.(13/783)
268 - مُحَمَّد بن القاسم بن هِبَةَ الله التَّكْريتيُّ، الفقيه أبو عبد الله. [المتوفى: 624 هـ]
فقيهٌ، إمام، مفتٍ، صالحٌ، أعادَ بالنِّظامية ببغدادَ، ثمّ دَرَّسَ بالقَيْصَرِية ببغداد. وكان حَمِقًا، تَيَّاهًا، يَحُطُّ رتبتَه بكثرة دعاويه، وقد أُخْرِجَ مرّةً من بغداد، وجَرَت لَهُ أُمور.(13/783)
269 - مُحَمَّد بن أبي الفتوح الَّليْث بن شجاع بن سعود، أبو هريرة ابن الوَسْطَانيُّ البَغْداديُّ الأَزَجيُّ الدِّينارِيُّ اللبَّان الضّرير. [المتوفى: 624 هـ]
سَمِعَ من أبي الوَقْت السِّجْزِيّ، وأبي القاسم أحمد بن قَفَرْجَل، وهِبَةَ الله بن هلال الدَّقَّاق، والشيخ عبد القادر، وأبي الفتح ابن البَطِّي، وجماعة.
وهُوَ من محلة الدِّينارِيّة. [ص:784]
روى عنه الدّبيثي، وعمر ابن الحاجب، والتّقي ابن الواسطيّ.
وَأَخْبَرَنَا عنه الأبَرْقُوهيّ. وأضَرَّ بأَخَرَةَ، وَرَقَّ حالُهُ.
وتُوُفّي في التاسع والعشرين من ربيع الأوّل.
أخبرني الأبرقوهي، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَزَيْدُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: أخبرنا أحمد بن قفرجل، قال: أخبرنا عاصمٌ، قال: أخبرنا ابن مهدي، قال: حدّثنا المحاملي، قال: حدّثنا أحمد بن إسماعيل، قال: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ الزُّرْقِيِّ، أنَّهُ سَأَلَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ. فَقُلْتُ: أَبِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ؟ قَالَ: " أَمَّا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ فلا بأس به ". رواه مسلم.(13/783)
270 - محمد ابن الإمام أبي الوليد المعروف بالحَفِيد مُحَمَّد بن أحمد ابن الإمام مُحَمَّد بن أحمد بن أحمد بن رُشْد، القاضي أبو الحَسَن القُرْطُبيّ. [المتوفى: 624 هـ]
بقيّة بيته نُبْلًا وجلالًا. ناب في الحَكَم وما استَقَلَّ. سَمِعَ من جدّه أبي القاسم، ومن ابن بَشْكُوالَ.
كتب عنه ابن مَسْدِيّ، وأرخ وفاته في رمضان هذا العام.(13/784)
271 - مُحَمَّد بن موسى بن هِشام المُرْسِي. [المتوفى: 624 هـ]
سَمِعَ من أبي القاسم بن حُبَيْش وطبقِته. وَوَلِي قضاء بَسْطَة.
ورَّخَهُ الأبَّار.(13/784)
272 - مُحَمَّد بن أبي البركات بن على، أبو البَدْر الأَزَجيّ الدَّقَّاق. [المتوفى: 624 هـ]
حدَّث بالإِجازة عن الشيخ عبد القادر، وغيره. ومات في ربيع الآخر.(13/784)
273 - مالك بن يَدُّو المَغْربيّ الزّاهدُ، [المتوفى: 624 هـ]
نزيلُ الإِسكندرية. [ص:785]
صالحٌ، قانتٌ، عابدٌ، صَحِبَ المشايخ، وانتفعَ به جماعةٌ.
قال الزَّكِيُّ المُنذريُّ: قيل: إنَّه سألَ الله تعالى أنّ يُخْمِلَ ذكره، فلم تكن شُهرته بحسب ما تقتضيه رُتْبَتُه.(13/784)
274 - مُطَّلب بن بَدْر بن المُطَّلِب بن زَهْمان، أبو مُحَمَّد الكُرْديُّ الْجُنْديُّ البَشِيريُّ البَغْداديُّ. [المتوفى: 624 هـ]
وُلِدَ سَنَة سبعٍ وأربعين، وسمع من أبي الفتح ابن البطّي، ومعمر ابن الفاخر. وحدَّث.
والبَشِيريّ: - بفتح الباء - نسبة إلى جدِّهم بِشير.
تُوُفّي في سادس ذي القِعْدَة.(13/785)
275 - يعقوب، الملك المعزُّ، ويقال: الملك الأعزّ، شرف الدِّين أبو يوسُف ابن السُّلطان صلاح الدِّين يوسُف بن أيوب. [المتوفى: 624 هـ]
وُلِدَ سَنَة اثنتين وسبعين وخمسمائة. وسمع من عَبْد اللَّه بْن بَرّيّ النَّحْويّ، وابن أَسْعَد الجوانيّ. وقرأ القرآن على الأَرْتَاحِيّ. وكان متواضعًا، كثيرَ التلاوة، دَيِّنًا.
حَدَّث بالحَرَمَيْنِ ودمشق، وكان صَدُوقًا؛ سَمِعَ منه الزَّكيّ البِرْزَاليُّ، وابن الحاجب، وعبدُ الله بن محمد بن حَسَّان الخطيب.
وتوفّي بحلب.(13/785)
• - يعيش، [المتوفى: 624 هـ]
سيأتي في ست وعشرين وستمائة.(13/785)
276 - يوسُف بن إبراهيم بن تُرَيك بن عبد المُحسن، أبو المُظَفَّر البَيِّع. [المتوفى: 624 هـ]
مِن بيت الحديث. سَمِعَ من عمّه عبد المُحسن بن تُرَيك. ومات في رجب.(13/785)
277 - المُهَذَّبُ يوسُف بن أبي سَعيد السَّامِريُّ الطّبيبُ الصّاحبُ. [المتوفى: 624 هـ]
برع في الطّبّ، وقرأ على مُهَذَّبِ الدِّين ابن النقاش، وجماعة. وخَدَمَ الملك الأمجدَ صاحب بَعْلَبَكّ، وحَظِيَ لديه، ونالَ الأموال، ثمّ وَزَرَ لَهُ، واستحوذَ عليه. وما أحلَى ما قال فتيان الشّاغوري في الأمجد:
أصبح في السَّامِريُّ معتقِدًا ... مُعْتَقَدَ السَّامِريُّ في العِجْلِ
ولم يزل أمرُه مستقيمًا حَتّى كثرت الشكاوى من أقاربه ببَعْلَبَكّ، فإنّهم قصدوه من دمشق، واستخدمهم في الجهات، فنكبه الأمجدُ ونكبهم، واستصفى أموالَهم، وسجَنَهُ، ثمّ أطلقَهُ، فجاءَ إلى دمشق.
ومات في صفر.
وهُوَ عمّ الموفّق أمين الدَّولة.(13/786)
278 - يوسُف بن المُظَفَّر بن شجاع، أبو مُحَمَّد العَاقُوليّ ثمّ البَغْداديُّ الأَزَجيّ الصَّفَّار الزّاهد، [المتوفى: 624 هـ]
تلميذُ الشيخ عبد القادر ومريدُه.
سَمِعَ من أحمد بن قَفَرْجَل، وابن البَطِّي، وأحمد بن المُقَرَّب، وجماعة. وحدَّث.
ولَهُ كلام حَسَن في التّصوّف والحقيقة. وكان صالحًا، زاهدًا، عابدًا، يُتَبَرَّك به. وهُوَ آخِرُ من لَبِسَ الخِرْقَةَ من الشيخ.
وُلِدَ في رجب سَنَة خمسٍ وثلاثين، وتُوُفّي في المحرَّم. وأَخَذَ عنه السيفُ ابن المَجْد. وسمع منه الجمال محمد ابن الدّبّاب؛ سمع منه الأوّل والثاني من " حديث " أبي عليّ بن خُزَيْمة البغدادي. وأجاز لفاطمة بنت سليمان.(13/786)
279 - أبو العبّاس ابن البَقَّال، [المتوفى: 624 هـ]
أحدُ الكبار المتكلّمين العالمين بالأُصول بالمغرب.
أخذ عنه أبو الحَسَن البَصْريّ.
وَرَّخه ابن عمران السّبتي في هذا العام، سَمِعْتُ ذلك منه.(13/786)
280 - أبو عَبْد اللَّه بْن حَمّاد العَسْقَلانيّ، ثُمَّ الصَّالحيّ. [المتوفى: 624 هـ][ص:787]
روى عن يحيى الثَّقَفيّ.
وهُوَ والد المُسْند إسماعيلُ بن أبي عبد الله.
ورَّخَهُ الضّياء فقال: تُوُفّي في صفر. وكان محافظًا على الجماعة، وسألتُه عن مَوْلِدُه، فقال: سَنَةَ أَخْذِ عَسْقلان، وأُخِذَ في سَنَة ثمانٍ وأربعين.(13/786)
-وفيها وُلِدَ:
الشيخُ تاج الدِّين عبد الرحمن بن إبراهيم الفَزَاريُّ شيخ الشافعية، والقاضي عماد الدِّين عبد الرحمن بن سالم بن واصل الحَمَويّ، والمحيي أبو بكر بن عبد الله ابن خطيب بيت الأَبَّار، والنَّجمُ عبد الغفار بن مُحَمَّد بن المُغَيْزل الحَمَويّ، والزّين محمد بن عبد الوهّاب بن أحمد ابن الجبّاب السّعدي، والعزّ أحمد ابن شمس الدِّين المُسْلم بن عَلَّان، والشمسُ محمد بن يوسُف الإرْبِلِّيّ الذَّهبيّ، والبَدْرُ حسنُ بن أحمد بن عطاء الأَذرعي بحلب، والزّين مُحَمَّد بن أحمد العُقَيْليّ ابن القَلانِسيّ والد الشيخ الجلال، والشرفُ إبراهيم بن أبي الحَسَن بن صَدَقَة المُخرِّميّ، والتقيُّ عبد الملك بن أيبك المَعَرِّي الفقيه، والشمس مُحَمَّد بن مكّي بن أبي الذَّكر الصَّقِلّي، والشمسُ مُحَمَّد بن أحمد بن نوال الرُّصَافيّ، وأبو الحرم بن مُحَمَّد الأبّار نزيل عَجْلون، والفخرُ عُثمان بن يوسُف بن مَكْتوم.
وفي حدودها وُلِدَ:
الشيخُ شعبان الإرْبِلِّيّ، والشيخ أبو الحسن علي بن أحمد ابن البقّال، والشيخة ستّ الوزراء بنت عمر ابن المُنَجّي، وشمسُ الدِّين مُحَمَّد بن إبراهيم بن العيش الأنصاري.(13/787)
-سنة خمس وعشرين وستمائة(13/788)
281 - أحمد بن تَمِيم بن هِشام بن أحمد بن عبد الله بن حَيُّون، المُحدِّث محب الدِّين أبو العبّاس البَهْرانيُّ اللَّبْلِيُّ. [المتوفى: 625 هـ]
وُلِدَ ببُلَيْدَة لَبْلَةَ من الأندلس، في سَنَة ثلاثٍ وسبعين وخمسمائة. أحدُ الرحّالين إلى الآفاق في الحديث، سَمِعَ ببغدادَ من ابن طَبَرْزَد، وطبقتِه، وبمصر من أبي نِزار ربيعة اليَمَنيّ، وغيرِه، وبخُراسان من المؤيِّد الطُّوسيّ، وأبي رَوْح الهَرَويّ، وزينب الشَّعْريَّة، وعبد الرحيم بن أبي سَعْد السَّمْعاني.
ذكره ابن الأبَّار: روى عن أبيه، وابن الجدِّ، وأبي عبد الله بن زَرْقُون. وقال ابن نُقْطَة: ثِقَةٌ، صالح.
ذكره ابن الحاجب، فقال: أحد الأَئمة المعروفين بطلب الحديث، حسنُ الخطِّ، صحيحُ النَّقل، ثِقةٌ، شافعيُّ المذهب، وقيل: إنَّه كَانَ حَزْميًا، كريمُ النفس، حُلْوُ المفاكهة. وكان من وجوه أهل بلده، وهي قريبة من إشبيلية.
قلتُ: روى عنه مجد الدِّين عبد الرحمن ابن العَدِيم، والتّاجُ عبد الخالق البَعْلَبَكّيّ، وغيرهما. وتُوُفّي في منتصف رجب بدمشق.(13/788)
282 - أحمد بن الخضِر بْن هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن عَبْد الله بن طاوس، أبو المعالي الدِّمشقيُّ الصُّوفيُّ، [المتوفى: 625 هـ]
أخو هبة الله.
ولد بعد الأربعين وخمسمائة. وسَمِعَ من أبيه، وحمزة بن كَرَوَّس، وأبي القاسم الحافِظ.
وهُوَ مِن بيت العِلْم والرِّواية، وكان صُوفيًا، عامِّيًا، قليل الفَضِيلة.
رَوَى [ص:789] عَنْهُ: البرزالي، والضّياء، والمجد ابن العديم، والجمال محمد ابن الصابوني، والتّقي ابن الواسطي، والسيف علي ابن الرَّضيّ، وابن المُجاور، وسعد الخَيْر النابلسيُّ، والعماد عبد الحافظ، روى لنا عنه العماد " الأربعين " لنصر المَقْدِسيّ.
وتُوُفّي في رمضان.(13/788)
283 - أحمد بن شِيرويه بن شهردار بن شيرويه، أبو مسلم الدَّيلميُّ الهَمَذَانيّ. [المتوفى: 625 هـ]
سَمِعَ من جدّه، ومن نصر بن المظفر البرمكي، وأبي الوقت السجزي، وأبي الخير الباغبان، وأبي زُرْعة المَقْدِسيِّ، وسَمِعَ " صحيح البخاري " من أبي الوقت.
قال ابن نقطة: وهُوَ شيخ مُكثر، ثقةٌ، صحيحُ السَّماع، سَمِعْتُ منه بهَمَذَان. وبلغنا أنَّه تُوُفّي بها في ثاني عشر شعبان من سَنَة خمسٍ وعشرين.
قلت: وروى عنه أيضًا الزَّكيّ البِرْزَاليُّ، والضّياء المَقْدِسيُّ، وقال: هُوَ ابن شيخنا، ووُلِدَ في سَنَةِ ستٍّ وأربعين.
قلت: وأجاز للفخر عليٍّ وجماعة.(13/789)
284 - أحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أحمد بْن عَبْد الرحمن بْن ربيع الْأَشْعَرِيِّ القُرْطُبيّ، أَبُو جعفر. [المتوفى: 625 هـ]
روى عن أبيه، وأبي القاسم بن بَشْكُوالَ، وأبي مُحَمَّد عبد المُنعم بن الفرس، وأبي بكر ابن الجدّ، وغيرهم.
وتولَّى خطابة قُرْطُبَة إلى أن مات في جُمَادَى الآخرة أو رجب من السنة.
روى عنه ابن أخيه القاضي أبو الحُسَيْن مُحَمَّد بن أبي عامر يحيى.(13/789)
285 - أحمد بن عثمان بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن الحَسَن بن أحمد بن عبد الواحد بن مُحَمَّد بن أحمد بن عثمان بن الحَكَم بن الوليد بن سُلَيْمان بن أبي الحديد السُّلَميّ، النَّظَّام أبو العباس. [المتوفى: 625 هـ]
ولد بدمشق في جمادى الآخرة سنة سبعين وخمسمائة. من بيتٍ مشهورٍ، روى منهم جماعةٌ الحديث، وفيهم علماءُ وخطباء. [ص:790]
سَمِعَ الكِنْديّ، والخُشُوعِيَّ، وابن طَبَرْزَد. وبمصر البُوصيريَّ، وابن ياسين، وببغدادَ أصحاب ابن الحُصَيْن، وبأصبهان عينَ الشمس الثَّقَفية.
وَسَكَنَ حلب مُدَّةً في صباه، وكان مَلِيحًا، ولَمّا سافَرَ عنها عَمِلَ المهذّب ماجد بن محمد بن نصر ابن القَيْسَرانيّ فيه:
لا لِلصَّفي صَافَى ولا للرَّضِي ... رَاضَى ولا رَقَّ لِخَطْبِ الخَطِيب
وحَصَّل جملةً من الكُتُب النَّفيسة، وخُطوط الشيوخ، واتَّصلَ بخدمة الملك الأَشرف ابن العادل. وكان معه فَرْدَةُ نَعْلِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرِثَهُ عن آبائه، والأمرُ معروف فيه، فإنَّ الحافظ ابن السَّمْعاني ذكر أنَّه رأى هذا النَّعْل لمّا قدم دمشق عند عبد الرحمن بن أبي الحديد في سَنَةِ ستّ وثلاثين وخمسمائة. وكان الأشرف يُقَرِّبُهُ لأَجله، ويُؤثِرُ أن يشتريَه منه، ويقفه في مكان يُزَار فيه، فلم يَسْمَحْ بذلك، ولعلَّه سمح بأن يقطع لَهُ منه قِطْعَةً، ففكّر الأَشرفُ أنّ الباب ينفتح في ذلك فامتنع من ذلك. ثمّ رتَّبه الملكُ الأَشرفُ بمشهد الخليل المعروف بالذَّهبانيّ بين حَرَّان والرَّقَة، وقَرَّرَ لَهُ مَعْلُومًا، فأقامَ هناك حَتّى تُوُفّي، وأوصى بالنَّعل للأشرفِ، فَفَرِحَ به، وأقرَّه بدارِ الحديث بدمشق.
تُوُفّي بالمشهد المذكور في ربيع الأوّل سَنَة خمسٍ وعشرين وستّمائة. وكان دَمِثَ الأخلاق، لطيفًا، حَسَنَ المعاشرة. روى عنه ابن الدُّبَيْثيّ، وابن النّجّار أناشيدَ.(13/789)
286 - أحمد بن يحيى بن أحمد بن عليّ، أبو منصور ابن البَرَّاج البَغْداديُّ الصُّوفيّ الوَكِيل. [المتوفى: 625 هـ]
شيخٌ صالحٌ، خَيِّر. سَمِعَ " سُنن النَّسائيّ " من أبي زُرْعة، وسَمِعَ من ابن البطّي " جزء البانياسي "، وسمع من أحمد ابن المُقَرَّب " أخبارَ مَكّة " للأَزرقيّ.
روى عنه ابن الحاجب، فقال: رجلٌ صالح، كثيرُ التِّلاوة، كثيرُ الصّمت، لا يكاد يتكلم إلّا جوابًا، سَمِعْتُ عليه مُعْظَمَ " النَّسائيّ " وهُوَ كله بسماعه من أبي زُرْعة.
قلت: روى عنه السيف ابن المجد، والتقي ابن الواسطي، والشّمس ابن [ص:791] الزّين، وأبو الفضل محمد ابن الدَّبَّاب. وروى لنا عنه بالإِجازة فاطمةُ بنت سليمان.
وتُوُفّي في رابع المحرَّم.(13/790)
287 - أحمدُ بن أبي الوليد يزيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مَخْلَد بْن عَبْد الرحمن بن أحمد ابن الإمام بَقِيّ بن مَخْلَد، قاضي الجماعة العَلَّامةُ أبو القاسم الأُمَويّ القُرْطُبيّ البَقَوِيُّ. [المتوفى: 625 هـ]
سَمِعَ أباه، وجده أبا الحَسَن، ومحمد بن عبد الحقّ الخزرجي، وأبوي القاسم ابن بَشْكُوالَ والسُّهَيْليّ. وأجاز لَهُ أبو الحَسَن شُرَيحُ بن محمد، وعبدُ الملك بن مَسَرّة، وَتَفَرَّدَ بالرواية عن جماعة. وهُوَ آخِرُ من حدَّث في الدُّنيا عن شُرَيح، وآخِرُ من روى " المُوَطّأ " عن ابن عبد الحقّ؛ سمعه منه بسماعه من ابن الطَّلَاع.
قال ابن مَسْدِيّ: رأس شيخنا هذا بالمغربين، وَوَلِيَ القضاء بالعُدْوَتَين. ولَمّا أسنَّ، استعفَى ورجع إلى بَلَده، فأقامَ قاضيًا بها إلى أن غلب عليه الكِبَرُ، فَلَزِمَ منزله، وكان عارفًا بالإجماع والخلاف، مائلًا إلى التّرجيح والإِنصاف.
قلتُ: وحدَّث هُوَ، وجميعُ آبائه.
ذكره الأبار، فقال: هو من رجالات الأندلس جلالا، وكمالا، ولا نعلم بها بيتا أعرق من بيته في العلم والنباهة إلا بيت بني مغيث بقرطبة، وبيت بني الباجي بإشبيلية، وله التقدم على هؤلاء. وولي قضاء الجماعة بمراكش مضافا إلى خطتي المظالم والكتابة العليا فحمدت سيرته، ولم تزده الرفعة إلا تواضعا.
ثم صرف عن ذلك كُلِّه، وأقام بمراكِش زَمَانًا إلى أن قُلِّدَ قضاءَ بلده وذهبَ إليه، ثمّ صُرِفَ عنه قبل وفاته بيسير، فازدحمَ الطّلبةُ عليه، وكان أهلًا لذلك.
وقال ابن الزُّبَيْر أو غيرُه: كَانَ لأبي القاسم باعٌ مديد في علم النَّحْو، والأدب. تنافسَ الناسُ في الأخذِ عنه. وقرأ جميعَ " سِيبَويْه " على الإمام أبي العبّاس أحمد بن عبد الرحمن بن مَضَاء، وقرأ عليه " المقامات ".
قلت: ومِن المتأخّرين الّذين رَوَوْا عنه بالإِجَازَةِ محمد بن عيّاش بن [ص:792] مُحَمَّد الخَزْرَجيّ، والخطيب أبو القاسم بن يوسُف بن الأيسر الْجُذَاميّ، وأبو الحَكَم مالك بن عبد الرحمن ابن المرحّل المالقي، وأبو محمد عبد الله بن مُحَمَّد بن هارون الطّائيّ الكاتب؛ وقد سَمِعَ منه ابن هارون هذا " المُوَطّأ " سَنَة عشرين وستّمائة، وحدَّث به سَنَة سبعمائة، وفيها أجاز لنا مَرّوياتّه ثمّ اختلط بعد ذلك، ووقع في الهرم.
فَكَتَبَ إِلَيْنَا ابْنُ هَارُونَ مِنْ تُونُسَ - وَمَوْلِدُهُ سَنَةَ ثلاثٍ وَسِتِّمِائَةٍ -: أَنَّ أَبَا الْقَاسِمِ أَحْمَدَ بْنَ يَزِيدَ الْحَاكِمَ أَجَازَ لَهُمْ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ شُرَيْحُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّعَيْنيُّ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ، عَنِ الْحَافِظِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ وَهُوَ آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عبد الرحمن، قال: أخبرنا قاسم بن أصبغ، قال: حدّثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي، قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصَّوْمُ جُنَّةٌ ".
وكان أبو القاسم يَغْلِبُ عليه النُّزوعُ إلى مذهبِ أهلِ الحديث والظّاهر في أحكامه وأُمورِه.
وتُوُفّي إثر صلاة الْجُمْعَة الخامس عشر من رمضان. وكان مولده في سنة سبعٍ وثلاثين وخمسمائة، وتجاوز ثمانيًا وثمانين سَنَة - رحمه الله -.
وممّن تأخَّر من أصحابه الإِمامُ أبو الحُسَيْن بن أبي الرَّبيع. وأجاز لمالك ابن المُرَحَّل، وابن عيّاش المالقي، ومحمد بن محمد المؤمنائي الفاسي.(13/791)
288 - أرسلان، أبو سعيد السَّيِّديُّ، [المتوفى: 625 هـ]
مولى السيدة بنت أمير المؤمنين المقتفي.
عاش نيِّفًا وتسعين سنة.
وحدّث عن أبي العالي البَاجِسْرَائِيّ. وتُوُفّي في ذي الحِجَّة ببغداد.(13/792)
289 - إسحاق، الملك المعزُّ أبو يعقوب ابن السُّلطان صلاح الدِّين يوسُف بن أيوب. [المتوفى: 625 هـ][ص:793]
سمع من عبد الله بن بري النحوي، وحدَّث، وكان فاضلًا، حسنَ المُذاكرة. نزلَ بحلب عند أخيه في حُرْمَةٍ وتجمُّل.
تقنطرَ به فرسُهُ في الصّيد، فمات فِي ذي الحجَّة، ولَهُ ستٌّ وخمسون سَنَة.(13/792)
290 - أسعدُ بن حَسَن بن أسعد بن عبد الرحمن ابن العَجَمِيّ، الحَلَبِيُّ العَلَّامة أبو المعالي. [المتوفى: 625 هـ]
تَفَقَّه على أبي الحُسَيْن عبد الملك بن نصر الله، وبالموصل على أبي حامد بن يونُس. ودخلَ خُراسان، فسكنها مُدَّة، ثمّ عادَ إلى حلب، ودَرَّس بالظّاهريّة، وأفتَى، وأفادَ.
تُوُفِّي بدمشق بعد قُدومه من الحجّ في شهر ربيع الأوّل، وحمل فدفن بحلب، وعاشَ إحدى وستّين سَنَة؛ أنبأني بذلك أبو العلاء الفَرَضِيُّ.(13/793)
291 - اسفنديار بن المُوفَّق بن مُحَمَّد بن يحيى، أبو الفضل البُوشَنْجِيُّ الأَصل، الواسطيُّ المولد البَغْداديُّ الدَّار، الكاتبُ الواعظُ. [المتوفى: 625 هـ]
قرأ القراءاتِ بواسطَ على أبي الفَتْح المبارك بن أحمد بن زُرَيْق، وغيرِه، وبالمَوْصِل على القُرْطُبيّ، وقرأ العربيةَ ببغدادَ بعد ذلك على أبي محمد ابن الخَشَّاب، والكمال الأَنباريّ. وسَمِعَ من أبي الفَتْح ابن البَطِّي، وروح بن أحمد الحَدِيثيّ، وعُمَر بن بُنَيْمان، وأبي الأزهر محمد بن محمود.
وكان وَافِرَ الفَضْلِ، مليحَ الخَطِّ، جَيِّدَ النَّظْمِ، والنَّثْرِ، والإِنشاءِ، وَلِيَ ديوانَ الرسائل، وكان شيعيًا غاليًا.
روى عنه أبو عبد الله الدُّبَيْثيّ.
وهُوَ جدُّ الواعظ نجم الدِّين عليّ بن عليّ بن إسنفديار.
قال ابن النّجّار: وُلِدَ في سَنَةِ أربعٍ وأربعين ببغداد، وجَوَّدَ القُرآن، وأحكمَ التَّفْسِير، وقرأ الفقه على مَذْهَب الشّافعيّ، والأَدَبَ، حَتّى برعَ فيه. [ص:794]
وصَحِبَ صَدَقَة بن وزير الواعظ، وَوَعَظَ، ثمّ تركَ ذلك واشتغل بالإِنشاء والبَلَاغَةِ. ثمّ رُتِّبَ بالدّيوان سَنَةَ أربعٍ وثمانين، ثمّ عزل بَعْدَ أشهر، فبطل مُدَّة، ثمّ رُتِّبَ شيخًا برباط، ثمّ عُزِلَ بعد مُدَّة. وكان يَتَشَيَّعُ، كتبتُ عنه، وكان ظريفَ الأَخلاق، غزيرَ الفَضْل، متواضِعًا، عابدًا، متهجّدًا، كثير التّلاوة.
وقال ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " دُرَّةِ الإِكْلِيلِ ": عُزِلَ إِسْفِنْدِيَارَ الْوَاعِظِ مِنْ كِتَابَةِ الإِنْشَاءِ. حَكَى عَنْهُ بَعْضُ عُدُولِ بَغْدَادَ أَنَّهُ حَضَرَ مَجْلِسَهُ بِالْكُوفَةِ، فَقَالَ: لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ " تَغَيَّرَ وَجْهُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَلَمَّا رأوه زلفة سيئت وجوه الّذين كفروا} قَالَ: وَلَمَّا وَلِيَ لَبِسَ الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ!.
تُوُفّي في تاسع ربيع الأَوَّل ولَهُ سبعٌ وثمانون سَنَة وأشهر؛ تُوُفّي ببغداد.(13/793)
292 - إسماعيل بن أحمد بن عبد الرحمن، أبو الوليد ابن السَّرّاج الأنصاريُّ الإِشْبِيليُّ. [المتوفى: 625 هـ]
سَمِعَ من أَبِي عَبْد اللَّه بْن زَرْقُون، وغيره. وأخذ القراءاتِ عن أبي عمرو ابن عظيمة، والعربية عن أبي إسحاق ابن مَلْكُون. وكان عارفًا بالشُّروط. وَلِيَ قضاءَ بعض الكُوَرِ.
قال ابن الأَبَّار: ما أظنّه حدَّث. مات في حدود سنة خمسّ وعشرين.(13/794)
293 - بشارة بن طلائِع، أبو الحَسَن المَكينيُّ المِصْريّ. [المتوفى: 625 هـ]
شيخٌ ديّنٌ. سَمِعَ من السِّلَفيّ؛ وحدَّث.(13/794)
294 - [عبدُ القاهر بن عَقِيل] البهاء، الشريف العبّاسيُّ الدّمشقيُّ، [المتوفى: 625 هـ]
كاتب الحُكْم.
فيها ذكره أبو شامة، واسْمُهُ عبدُ القاهر بن عَقِيل.
كان رأسًا في كتابة السّجلاّت، والشّروط.(13/794)
295 - ثابتُ بن الحَسَن بن خَلِيفة، أبو الحَسَن النَّحْويُّ. [المتوفى: 625 هـ]
وُلِدَ سَنَة ثلاثٍ وخمسين، وسَمِعَ من السّلفي، ومات في جمادى الأولى.(13/795)
296 - حبش بن أبي محمد بن عمر ابن الطَّبقيّ، أبو عليّ البَغْداديُّ قطّاع الآجُرّ. [المتوفى: 625 هـ]
سَمِعَ أبا طالب بن خُضَيْر، ومات في ذي الحِجَّة.(13/795)
297 - الحَسَن بن إِسْحَاق بْن مَوْهُوب بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد ابن الجواليقيّ، أبو عليّ ابن أبي طاهر ابن العَلَّامة أبي منصور. [المتوفى: 625 هـ]
سَمِعَ ابن ناصر، وأَبَا بكر ابن الزّاغوني، ونصر بن نصر، وأَبَا الوَقْت، والعَوْن بْن هبيرة، وابن البَطِّي، وأبا زُرْعة، وطائفةً سواهم.
ووُلِدَ سَنَة أربعٍ وأربعين وخمسمائة. وكان من أهل العِلْم والدِّين، لَهُ سمتٌ ووقار، وسماعُهُ صحيح. تَفَرَّدَ بالعاشر من " المُخَلِّصيات " وبالثالث الصغير منها، وبالنّصف الأوّل من السادس منها وببعض الثاني. وبـ " ديوان المُتَنَبيّ ". وسَمِعَ " الصّحيح " من أبي الوَقْت.
قال ابن النّجّار: كَتَبْتُ عنه. وكان مَرْضِيَّ الطّريقة، متديّنًا.
قلت: روى عنه البِرْزَاليُّ، والدُّبَيْثيّ، وابن النّجّار، والسيف، وابن الحاجب، والتّقي ابن الواسطي، والشمس ابن الزّين، والشهاب الأبرقوهي، والمجد عبد العزيز ابن الخليليّ والد الوزير، وآخرون. وبالإِجازة العزُّ أحمد ابن العماد، والشمس محمد ابن الواسطيّ، وأبو الحُسَيْن اليُونينيّ، وفاطمة بنت سُلَيْمان وهي آخر من روى عنه.
وتُوُفّي في ثامن شعبان ببغداد، ودُفِنَ بمقبرة باب حَرْب.(13/795)
298 - الحَسَن بن عليّ بن أبي القاسم الحُسَيْن بن الحَسَن، الشيخ نفيس الدّين أبو محمد ابن البنّ الأسدي الدّمشقي. [المتوفى: 625 هـ][ص:796]
ولد في حدود سنة سبعٍ وثلاثين. وسَمِعَ الكثيرَ من جدَّه أبي القاسم، وتَفَرَّدَ عنه بأشياءَ. وصَحِبَ الأميرَ محمودَ بن نعمة الشيزَرِيّ زمانًا، وتأَدَّب عليه، وسَمِعَ منه ولَهُ أصول يُحَدِّث منها.
قال ابن الحاجب: كَانَ دائم السُّكوت لا يكادَ يَتَكَلَّم، وإذا نَفَرَ من شيء لا يعودُ إليه. وكان ثقة، ثبتًا. سألت العدل علي ابن الشَّيْرَجيّ عنه فقال: كَانَ على خيرٍ، كثيرَ الصدقةِ والإِحسان إلى النّاس.
وقال الضّياءُ: هُوَ شيخٌ حسن، قليلُ الكلام، موصوفٌ بالخَيْرِ وقِلَّةِ الفُضول.
وقال ابن الحاجب: أجازَ لَهُ أبو بكر ابن الزَّاغُونيّ، ونصرُ بن نصر العُكْبَرِيّ.
قلت: وكانَ يسكن بالكشك، وأحسبه كَانَ خَشَّابًا.
روى عنه الضّياء، والبرزالي، وابن خليل، والشرف ابن النابلسي، والجمال محمد ابن الصَّابونيّ، ومُحَمَّد بن داود بن الياس البَعْلَبَكّيّ، ومُحَمَّدُ بن سالم النابلسيُّ، وبَلَدياهُ: سَعْد الخير ونصرٌ، والفخر ابن البخاري، والتّقي ابن الواسطي، والشمس ابن الكمال، والعزّ ابن الفرّاء، والشمس ابن الواسطيّ، والشهاب الأبَرْقُوهيّ، والشمسُ بن عَبْدان، وجماعةٌ سواهم.
توفّي في ثامن عشر شعبان، ودُفِنَ بباب الفراديس، وشيَّعه ابن الصّلاح.(13/795)
299 - داود بن رُسْتُم بن محمد، أبو الفضل الحَرّانيُّ، [المتوفى: 625 هـ]
نزيلُ بغدادَ.
روى عن نصر الله القَزَّاز، والكمال الأَنباريّ النَّحْويّ.
كتب عنه ابن الحاجب، وقال: مات في ثالث عشر جُمَادَى الآخرة ببغداد.(13/796)
300 - دِرْعُ بن فارس بن حَيْدَرة، حِصْنُ الدَّولة أبو المَنِيع العَسْقَلانِيُّ، [المتوفى: 625 هـ]
نزيلُ دمشق. [ص:797]
حدَّث عن السِّلَفيّ. روى عنه البِرْزَاليُّ، والقُّوصيُّ، وجماعةٌ. والرشيدُ العطّار، وفاطمة بنتُ عساكر، ومحمدُ بن مُحَمَّد بن مناقب المُنْقِذِيُّ، وعبد الصَّمَد ابن عساكر.
توفّي في سادس المحرّم بدمشق.(13/796)
301 - رَسَن بن يحيى بن رَسَن، أبو إبراهيم النِّيليُّ ثمّ البَغْداديُّ. [المتوفى: 625 هـ]
سَمِعَ من ابن البَطِّي، وغيره، ومات في صفر.(13/797)
302 - صاعِد بن عليّ بن محمد بن عُمَر، الشيخ صدرُ الدِّين أبو المعالي الواسطيّ الواعِظ، [المتوفى: 625 هـ]
نزيل إربل.
سمع من أبي الفتح ابن البَطِّي، وشُهْدَةَ الكاتبة، والحَيْصَ بَيْص الشَّاعر. وقيل: إنَّه سَمِعَ من أبي الوَقْت، ولم يَصِحَّ. ولد سنة سبعٍ وثلاثين وخمسمائة.
وكان حَسَنَ الوعظِ، مَلِيحَ الشَّكْلِ، وَافِرَ الحُرْمةِ عند صاحب إرْبِل، رُزِقَ القبولَ التَّامّ. وكان قد صحب صدقة بن وزير الواعظ وتَخرَّجَ به، وسكنَ إِرْبِل نحوًا من خمسين سَنَة.
روى عنه الدُّبَيْثيّ، والظّهير محمود بن عبيد الله الزّنجابي، وجماعة. وتُوُفّي في تاسع ربيع الآخر.(13/797)
303 - صَفْوَانُ بن مُرتَفع بن طُغَان، الشيخ أبو الوفاء الأُرْسُوفيّ ثمّ المِصْريّ المقرئ. [المتوفى: 625 هـ]
قرأ القراءات على أبي الجيوش عساكر بن علي؛ وسمع منه ومن غيره. وتَفَقَّه. ومات في رابع عشر صفر، وقد قارب السبعين.(13/797)
304 - عبد الله بن الحَسَن بن أبي عبد الله الحُسَيْن بن أبي السَّنان، أبو مُحَمَّد المَوْصِليُّ الأديب الشّروطي. [المتوفى: 625 هـ][ص:798]
وُلِدَ بالمَوْصِل سَنَة اثنتين وثلاثين. وروى عن يحيى بن سَعْدُون القُرْطُبيّ، وغيرِه. ومات في رابع عشر ربيع الآخر. وكان بصيرًا بكتابة الشُّرُوط مشهورًا بها.
قال ابن النّجّار: سَمِعَ من أبي سَعْد عبد اللّطيف بن أحمد بن مُحَمَّد البَغْداديُّ، وعُمِّرَ طويلًا على أحسنِ طريقةٍ.(13/797)
305 - عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد الرحمن، أبو القاسم الأزْديّ ابن الحدّاد التُونسيُّ، [المتوفى: 625 هـ]
شارح " الشاطبية ".
وكان قد رحل وسمعها من النّاظم، وتلا عليه بالسّبْع. وسَمِعَ من ابن بَرِّيّ النَّحْويّ، وجماعة.
ودخل الأَنْدلسَ وبها لقيه ابن مَسْدِيّ، وقال: مات في حدود سَنَة خمس وعشرين، ووُلِدَ بعد الخمسين.(13/798)
306 - عبد الرحيم بن عليّ بن الحُسَيْن بن شِيث، القاضي الرئيس جمالُ الدِّين الأُمَويّ القُرَشيّ الإِسْناويُّ القُّوصيُّ، [المتوفى: 625 هـ]
صاحبُ ديوان الإِنشاء للملك المُعَظَّم.
وُلِدَ بإسنا في سَنَةِ سبعٍ وخمسين وخمسمائة، ونشأ بقُوص، وتفنَّن بها، وبَرَعَ في الآداب والعِلْم. وكان دَيِّنًا، خيِّرًا، وَرِعًا، حسنَ النَّظْم، والنثْر، مُنشئًا بليغًا. وَلِيَ الدّيوانَ بقُوص، ثمّ بالإِسكندرية ثمّ بالقُدس، ثمّ ولي كتابة الإِنشاء للمُعَظَّم.
وقال الشّهاب القُّوصيّ: إنَّه ولي الوزارة للمعظّم.
وقال الضّياءُ: كَانَ يُوصَفُ بالمروءة، وقضاءِ حوائج النّاس. تُوُفّي في سابع المحرَّم، ودُفِنَ في تربةٍ لَهُ بقاسيون.
أنشدنا رشيدُ بن كامل الأديب قال: أنشدنا أبو العرب القوصي، قال: أنشدنا الوزيرُ جمال الدِّين أبو القاسم عبد الرحيم بن عليّ بن شِيث لنفسه:
كُنْ مع الدّهر كيف قلبّك الدّهـ ... ـر بقلبٍ راضٍ وصدرٍ رحيبِ
وتَيَقَّن أَنَّ اللَّيالي سَتَأْتي ... كُلَّ يومٍ وَلَيْلَةٍ بِعَجِيبِ [ص:799]
وله:
أنت كالبدر كلّما حلّ في أر ... ضٍ أَضَاءَتْ بِنُورِهِ آفاقُه
غَابَ قَلْبِي وَأَنْتَ فِيهِ فما أعـ ... ـظم مَا بَرَّحَتْ بِنَا أَشْوَاقُه
فَعَسَى الْقرْبُ أَنْ يباح وأن ينـ ... ـحلّ مِن رِبْقَةِ الغَرَامِ وَثَاقُه(13/798)
307 - عليّ بن أبي هاشم أفضل بن أشرف، الشَّرِيف أبو القاسم الهاشِميُّ البَغْداديُّ. [المتوفى: 625 هـ]
سَمِعَ من شُهْدَةَ، وغيرِ واحدٍ. وقتل - رحمه الله - بطريق مكّة.(13/799)
308 - لُبَابَة بنت أحمد بن أبي الفضل بن أحمد بن مَزْرُوع، أمّ الفضل الحَرْبِيّة بنت الثَّلّاجيّ. [المتوفى: 625 هـ]
سَمِعْتُ عُمَر بن بُنَيْمان، ودهْبَل بن كارِه.
كانت امرأة صالحة. سَمِعَ منها الحافظُ ابن نقطة، وغيره، وحدّثنا عنها الشَّهابُ الأبَرْقُوهيّ.
وماتت في ثاني ذي الحجّة.(13/799)
309 - مُحَمَّد بن أحمد بن مُسْعُود بن عبد الرحمن، أبو عبد الله الأزْديّ الشاطبِيُّ المقرئ، المعروفُ بابن صاحب الصَّلَاة. [المتوفى: 625 هـ]
قرأ برواية نافع عَلَى أَبِي الْحَسَن بْن هُذَيْل، وسَمِع منه كثيرًا من تصانيف أبي عَمْرو الدَّاني، وأجازَ لَهُ في سَنَةِ ثلاثٍ وستّين. وَكَتَبَ بخطِّه عِلْمًا كثيرًا، واحتيجَ إليه، وعُمِّر.
قال الأَبَّار: لم آخذ عنه لِتسمُّحه في الإِقراء والإِسماع - سمح الله لَهُ - وُلِدَ بشاطبة سَنَةَ اثنتين وأربعين، وتُوُفّي بِبَلنْسِيَةَ.
قلت: أنا رأيتُ خطَّه لشخصٍ أنَّه قرأ عليه القرآنَ برواية نافع في يومٍ وليلةٍ، وهُوَ من بقايا أصحاب ابن هذيل، حدّث عنه بـ " التّيسير " وغيره. [ص:800]
قرأ عليه مُحَمَّد بن مُحَمَّد الفَصَّال نزيل منية بني خَصِيب، ورضيُّ الدِّين محمد بن عليّ الشاطبيُّ اللُّغَويّ، والقاضي أبو العبّاس بن الغمّاز، وابن مَسْدِيّ وقال فيه: المُكْتِب، كَانَ عاكفًا على التلاوة، واقفًا مع الصلاح، خَلَف أباه في الإِقراء، قال لي: أنا الّذي لقْنتُ القرآن لأبي القاسم صاحب " الشاطبية " بين يدي والدي، وبي تَدَرَّبَ، ومعي رَحَلَ إلى بَلَنْسية فقرأنا معًا على ابن هُذَيْل، ورجعتُ قبله.
قال ابن مَسْدِيّ: هُوَ آخِرُ من تلا على ابن هُذَيْل من الثّقات، وكان مُقبلًا على تعليم القُرآن، ونسخَ بالأُجرَة كثيرًا. وكانت لَهُ إجازةٌ من على بن النقرات الفاسي.(13/799)
310 - مُحَمَّدُ بن أحمد بن إسماعيل بن أبي عطاف، أبو أحمد المَقْدِسيُّ الصَّالِحيُّ. [المتوفى: 625 هـ]
وُلِدَ سنة ستٍّ وأربعين وخمسمائة. وسَمِعَ من مُحَمَّد بن بركة الصِّلْحِيّ، وابن صدقة الحرّاني. وكان من فُقهاء الحنابلة وأعيانهم. روى عنه الضّياءُ محمد، وغيره.
وتُوُفّي في تاسع عشر رجب.(13/800)
311 - مُحَمَّد بن أحمد بن حمزة، أبو الفضل ابن البِرْفطيَّ الكاتب الأديب. [المتوفى: 625 هـ]
كَانَ بارعًا في الكِتابة والشعر. تُوُفّي في رجب. جَوَّدَ عليه خلقٌ بالعراق وبالشام.
وبرِفْط: من قرى نهر المَلَك.(13/800)
312 - مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد، أَبُو عَبْد الله الحَضْرَميّ المَغْرِبيّ المتيجي، [المتوفى: 625 هـ]
ومتيشة: من ناحية بجاية.
دخلَ الأندلسَ، وسكنَ مُرْسِيَة، وولي خطابتها. وكان مكثرًا عن ابن [ص:801] بشكوالٍ، وأبي بكر بن خيرٍ.
وكان مَلِيحَ الخَطِّ والضَّبْطِ، مُشاركًا في عِلْم الحديث، فاضِلًا زاهِدًا، شاعرًا. كتبَ عِلْمَا كثيرًا، وحَمَلَ النّاس عنه.
وتُوُفّي في ربيع الأَوَّل عن نحوِ سبعين سنة.
أكثر عنه ابن بُرطلَة.(13/800)
313 - مُحَمَّد بن بركة بن مُحَمَّد بن سُنْبُلة، أبو عبد الله البَغْداديُّ السِّدْريُّ. [المتوفى: 625 هـ]
حدَّث عن دَهْبَل ولاحق ابني كاره. ومات في ذي الحجة.(13/801)
314 - محمد بن الحسين بن محمد بن يوسف، معين الدين أبو عبد الله ابن الشيخ الصالح المجاور أبي علي، الشيرازي الفارسي الصوفي، [المتوفى: 625 هـ]
نسيب الوزير نجم الدين.
ولد سنة ستٍّ وأربعين وخمسمائة بدمشق، وسَمِعَ بها من الوزير أبي المُظَفَّر الفَلَكيّ، وعليّ بن أحمد بن مُقاتل، وأبي القاسم الحافظ. ودخل مصر في شبيبته وسَمِعَ من عَبْد اللَّه بْن بَرِّيّ النَّحْويّ، والتّاج المَسْعُوديّ. وحسُنت في الآخِر حالُه، ولازمَ الصّلواتِ.
روى عنه الزّكي المنذري، والشرف ابن عساكر شيخنا. وبالإجازة الشهاب الأبرقوهي.
وتوفي في أول رمضان.(13/801)
315 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن المبارك بْن كَرَم، أبو منصور البَنْدَنِيجيُّ نسبة إلى البندنيجين؛ بليدة من العراق، البغدادي البيّع، المعروف بابن عُفَيْجَة الحَمَاميُّ. [المتوفى: 625 هـ]
شيخ مسندٌ، مُعَمَّر، من بيت حديث وعدالة. سمع الحافظ ابن ناصر، وأبا طالب بن خُضَيْر. وأجازَ لَهُ في سنة ثمانٍ وثلاثين وخمسمائة جماعة منهم أبو منصور مُحَمَّد بن عَبْد الملك بن خَيْرون، وأبو محمد عبد الله بن عليّ سِبْط [ص:802] الخيّاط، وأحمد بن عبد الله ابن الآبنوسِيّ. وخَرَّج لَهُ ابن النَّجَّار " جُزءًا " عنهم، وكذا خرَّج لَهُ ابن الخَيِّر.
وثَقُلَ سمعُه في آخر عُمْرِهِ.
وعُفَيْجَة: لقبُ أبيه عبد الله.
وُلِدَ سَنَة سبعٍ وثلاثين تقريبًا، وتُوُفّي في ثاني عشر ذي الحجّة. وكان قد رَقَّتْ حالُه واحتاج، واستولت عليه الأَمراضُ.
قال ابن الحاجب: فكان يأوي إلى بعض أقاربه، وكنا نُقاسي مَشقَّةً في الوُصول إليه ويمنعونا في أكثر الأوقات.
قلت: ولم يكن عنده عن ابن ناصر إلّا شيءٌ من " حديث أبي نعيم الحافظ ".
روى عنه الدّبيثي، وابن النّجّار، والسيف أحمد بن عيسى، والتّقي ابن الواسطي.
وسمعنا بإجازته على شرف الدِّين اليُونينيّ، وفاطمة بنت سليمان. وكان العماد إسماعيل ابن الطّبَّال شيخ المستنصرية حَضَرَ عليه في الرابعة " مشيخته "، وهُوَ آخِرُ من روى عنه.(13/801)
316 - محمد بن عبد الحق بن سُلَيْمان الكُوميُّ، أبو عبد الله قاضي تِلْمسان. [المتوفى: 625 هـ]
تَفَقَّه على أبيه، وأخذَ القراءاتِ، والفقه، والنَّحْوَ في سَنَةِ إحدى وخمسين عن أبي علي ابن الخَرّاز النَّحْويّ. وسَمِعَ من أبي الحَسَن بن حُنين، وأبي عبد الله بن خَليل. وأجازَ لَهُ السِّلَفيُّ، وابن هُذَيْل.
وكان مُعَظَّمًا عند الخاصّةِ والعامّةِ، فاضِلًا، كثيرَ التّصانيف. نَيَّفَ على الثّمانين. ولَهُ تأليفٌ في غريب " المُوَطّأ "، ولَهُ كتاب " المختار في الجمع بين المنتقى والاستذكار " نحو ثلاثة آلاف ورقة.(13/802)
317 - مُحَمَّد بن أبي زيد عبد الرحمن بن عبد الله بن حسّان بن ثابت، أبو عبد الله القَيْسيّ السَّبْتِيُّ التّاجِرُ، [المتوفى: 625 هـ]
نزيلُ الإِسكندرية.
شيخٌ صالح، محتشمٌ، كثير المعروف والبِرِّ. دَخَلَ على السِّلَفيّ ورآه في سَنَةِ خمسٍ وستّين، ثمّ سَمِعَ بعدَ موته من عبد المجيد بن دُلَيل. ودخلَ العِراقَ، ورجعَ إلى المَغْرب، ثمّ قَدِمَ الإِسكندرية وسكنها. ومات في ربيع الأَوّل.
روى عنه الزَّكيّ المُنذريُّ.(13/803)
318 - مُحَمَّد بْن أَبِي الْوَلِيد مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أحمد بن رشد، القاضي أبو الحَسَن القُرْطُبيّ المالكيُّ، [المتوفى: 625 هـ]
نائب الحَكَم بقُرْطُبَة، ورُبّما استقلّ بالحكم بها.
كَانَ آخرَ أهلِ بيته جلالًا، وفضيلة. سَمِعَ من جدّه أبي القاسم، وابن بَشْكُوالَ.
روى عنه ابن مَسْدِيّ وقال: مات في رمضان.
ولجدّه إجازة من ابن الطّلّاع.(13/803)
319 - محمد بن مُحَمَّد، ابن أخت جميل، الأَزَجيُّ الزَّاهد. [المتوفى: 625 هـ]
رجلٌ صالحٌ، عابدٌ، منقبضٌ عن النّاس، كبيرُ القَدْر، قانعٌ باليسير، مسدّدٌ في أقواله وأفعاله. ولَمّا استخلف الظّاهر بالله، فَرَّق أموالًا عظيمة على الفقراء، فقيل: إنَّه نفّذ إليه خمسمائة دينار، فلم يقبلها، فقيل لَهُ: فَرِّقها على من تعرف، قال: لا أعرفُ أحدًا. فاشتهر، وقصدَهُ النّاسُ للتبرّك والزيارة. فكان يَتَكَلَّم بكلام حَسَن. ولم يتغيّر عليه شيء من حاله ولا لباسه.
تُوُفّي في الخامس والعشرين من ذي القِعْدَة، وازدحم الخلقُ عليه، وبَنَوْا على قبره مشهدًا. وقد ناطحَ السَّبْعين.(13/803)
320 - محمدُ بن المبارك بن أبي بكر بن منصور بن المُسْتَعمل، أبو بكر الحَرِيميّ. [المتوفى: 625 هـ][ص:804]
سمع أبا الوقت، وأبا علي أحمد ابن الخزّاز، وأبا المعالي ابن اللّحاس. وولد في سنة سبعٍ وأربعين وخمسمائة.
سمع منه عمر ابن الحاجب، والرَّفيعُ الهَمَذَانيّ، وولداه أحمد ومُحَمَّد، وابن نُقْطَة، وجماعة. ومات في ربيع الآخر في أواخره.(13/803)
321 - مُحَمَّد بن أبي المعالي النَّفيس بن مُحَمَّد بن إسماعيل بن عطاء، أبو الفَتْح البَغْداديُّ الصُّوفيّ. [المتوفى: 625 هـ]
شيخٌ صالحٌ من أهل رباط المأمونية، مليحُ الشَّكل. وُلِدَ سَنَة اثنتين وأربعين وخمسمائة، وقيل: وُلِدَ سَنَة تسعٍ وثلاثين. ولَبِسَ الخِرْقَة من الشيخ أبي الوَقْت؛ وسَمِعَ منه " الصحيح " بقراءة ابن الأَخْضَر.
روى عنه ابن الحاجب، وابن النّجّار، والسيف ابن المجد، وابن نُقْطَة، والرفيعُ قاضي أَبَرْقُوه، وولداه.
وتُوُفّي في رابع عشر ذي القِعْدَة.
أَخْبَرَنِي أحمد بن إسحاق القرافي، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ النَّفِيسِ، وَعَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الظَّفَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَطِيعِيُّ بِبَغْدَادَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ حُضُورًا بِأَبَرْقُوهَ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أبو الوقت، قال: أخبرنا الدّاودي، قال: أخبرنا ابن حمّويه، قال: أخبرنا الفربري، قال: حدّثنا البخاري، قال: حدّثنا معلّى بن أسد، قال: حَدَّثَنَا وهيبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ محرمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ حبّان بن مُوسَى، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، فَوَقَعَ لَنَا عَالِيًّا.(13/804)
322 - محاسنُ بن عُمَر بن رُضْوان، أبو الوَقْت الأَزَجيُّ الخَزَائِنيُّ [المتوفى: 625 هـ][ص:805]
غُلام الخِزانة.
شيخ مسنٌّ، فقير. سَمِعَ من أبي بكر ابن الزَّاغونيّ، وأبي طالب بن خُضَير.
قَالَ ابن نُقْطَة: سَمِعْتُ منه، وسماعُه صحيح.
وقال ابن الحاجب: عرضتُ عليه قليلًا من الذَّهَب، فَرَدَّهُ، وامتنع مع حاجته.
روى عنه الشمس عبد الرحمن ابن الزَّين، والكمالُ أحمد بن يوسُف الفاضل، والتّقيّ ابن الواسطيّ، وبالإِجازة الأبَرْقُوهيّ، وفاطمةُ بنت سُلَيْمان.
وتُوُفّي في ربيع الأوّل.(13/804)
323 - مَسْعُودُ بن عبد الله بن سَعْد، أبو يحيى الطَّبريّ ثمّ البَغْداديُّ الخيّاط. [المتوفى: 625 هـ]
ولد سنة سبعٍ وأربعين وخمسمائة. وسَمِعَ من عَبْد الملك بن عليّ الهَمَذَانيّ. وحدَّث.(13/805)
324 - منصورُ بن عبد الرحمن بن أبي السّعادات، أبو مُحَمَّد ابن اللَّبّان البَغْداديُّ. [المتوفى: 625 هـ]
روى عن أبي طالب بن خضير. ومات في رمضان.(13/805)
325 - المُوفَّقُ النَّصرانيّ الطّبيبُ، يعقوبُ بن سقلاب المقدسي. [المتوفى: 625 هـ]
أقامَ بالقُدس مُدَّةً، ولازمَ بها راهبًا، فيلسوفًا، بارِعًا في الهيئة والنّجوم. واشتغل على أبي منصور النَّصرانيّ الطّبيب.
وكان الملعونُ عاقلًا، رزينًا، ساكنًا، مُتقنًا للسان الرُّوميّ، خَبِيرًا بنقله إلى العربيّ، وكان مِن أَعْلَمِ أهل زمانه بكتب جالينوس حَتّى لعلّه يكادُ يستحضِرُها كُلَّها.
قرأ عليه المُوفَّق بن أبي أُصَيبعة، وغيرُه.
وكان ماهرًا بالعلاج. وكان الملك المعظَّم يشكر طبَّه، ويصفه، فأصاب [ص:806] الحكيمَ يعقوبَ نقرسٌ، فَكان يحملُ في مَحَفَّةٍ مع الملك المعظّم إذا سافر وقال لَهُ: يا حكيم، ما لك لا تُداوي مرضك؟ فقال: يا مولانا، الخَشَب إذا سَوَّس ما يبقى في إصلاحه حيله.
مات في ربيع الآخر.(13/805)
326 - نصر ابن الأديب أَبِي عَبْد الله مُحَمَّد بن نصر بن صغير، أبو الفَتْح القَيْسرانيُّ. [المتوفى: 625 هـ]
تُوُفّي بحلب في عَشْرِ التّسعين. ولَهُ شِعْر لا بأسَ به.(13/806)
327 - نِعمةُ بن عبد العزيز بن هِبَة الله، أبو الفضل العَسْقَلَانيّ العَدْلُ التّاجر. [المتوفى: 625 هـ]
سَمِعَ بدمشق من أبي القاسم ابن عساكر. وحدَّث بمصر وبغداد. وتُوُفّي في المحرَّم، ولَهُ بضع وثمانون سَنَةً.
روى عنه الرشيدُ العطّار، والزّكي المنذري.(13/806)
328 - وجه السبع، الأمير مظفّر الدّين سنقر [المتوفى: 625 هـ]
صاحبُ بلاد خُوزستان.
كَانَ أحدَ الشّجعان المذكورين، حجَّ بالناس سَنَةَ اثنتين وستّمائة، ففارق الرَّكب، وقَفَزَ إلى صاحب الشّام الملك العادل لمنافرةٍ جرت بينَه وبينَ الخادم الّذي على سَبِيل الوزير ناصر بن مهديّ، وكان بينَه وبينَ الوزير وحشة أيضًا، فخاف منه، فالتقاه العادلُ، وأكرمه، وأقامَ عنده ستٍّ سنين. وكان من كبار الدَّولة، فلمّا عُزِلَ الوزير، سار إلى العراق، وبقي إلى هذه السنة.(13/806)
329 - هندولة بن خليفة، أبو القاسم الزّنجانيُّ الصُّوفيّ. [المتوفى: 625 هـ]
شيخ صالح، نزل دمشق. وحدَّث عن أبي الفتح بن شاتيل، ويحيى الثّقفي.(13/806)
330 - يحيى بن المُظَفَّر بن الحَسَن، أبو زَكَريّا البغدادي الحنفي. [المتوفى: 625 هـ]
روى عن أبي المظفّر بن التّريكي، وأبي المعالي ابن اللّحّاس. وكان مُفتيًا، مدرِّسًا، مناظرًا. وقد صَنَّف في المذهب. [ص:807]
سَمِعَ " الناسخ والمنسوخ " لِهبة الدِّين المُفَسِّر، من التُّرَيكيّ، وسلامة بن الصَّدر معًا، عن رزق الله، عنه. وتُوُفّي في ثالث عشر ذي الحِجَّة.
قال ابن الحاجب: كَانَ يُرْمَى بالاعتزالِ.(13/806)
331 - يوسُف بن عُمَر بن أبي بكر بن سُبَيع، أبو بكر الباقِلّانيَ الشُّرُوطيُّ. [المتوفى: 625 هـ]
سَمِعَ من عبد الحقّ اليُوسُفيّ، وشُهْدَةَ. وكان فَرَضيًّا.
تُوُفّي في رجب.(13/807)
332 - يوسُف بن مَعْزُوز، إمامُ النَّحْو أبو الحجّاج القيسي المرسي. [المتوفى: 625 هـ]
مصنّف كتاب " شَرْح الإِيضاح " للفارسيّ. ولَهُ ردٌّ على الزَّمَخْشريّ في " مُفَصَّله ". أخذ عن أبي إسحاق بن مَلْكون، والسُّهيليِّ. تخرَّجَ به أئمةٌ.
مات في حدود هذه السنة.(13/807)
-وفيها وُلِدَ:
العَلَّامة تقي الدّين محمد بن علي ابن دَقيق العيد، والعفيفُ عبدُ السّلام بن محمد بن مَزْروع، والشرفُ عيسى بن أبي محمد المغاري، ورشيد بن كامل الرَّقّيّ، والنَّجمُ أحمد بن مُحَمَّد بن حسن بن صَصْرى، وفاطمةُ بنتُ إبراهيم بن جوهر البَعْلَبَكّية في رجب، والشرف عبد المنعم بن عبد اللّطيف ابن زين الأُمناء، وقاضي حلب شمسُ الدِّين مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن بَهْرام الدّمشقيّ، والزّين مُحَمَّد بْن عَبْد الغني بْن عَبْد الكافي ابن الحَرَستانيّ الذّهبيّ في رجب، والزَّكيُّ عبد المُحْسِن بن زيْن الكِنانيّ يروي عن جعفر، وسيفُ الدِّين بلاشو بن عيسى بن بلاشو، والشيخُ عُمَر بن أبي القاسم السّلاويّ، والشرفُ شيرزاد بن ممدود بن شيرزاد، والغَرْسُ محمود بن عبد المنعم الحَرّانيّ، والعزُّ عبد العزيز بن محمد بن عبد الحق العدل في شعبان، والمحبّ صدقة بن علي ابن هلالة بإشبيلية، ومحي الدّين يحيى بن عليّ بن أبي طالب الموسويّ، والملك الظّاهر شاذي ابن النّاصر داود، والأمينُ عبد الله بن إسماعيل الحلبي المَسْلمانيّ الكاتب، أسلم ولَهُ ثلاثون سَنَة، وطال عمره.(13/807)
-سنة ست وعشرين وستمائة(13/808)
333 - أحمد بن حَسّان بن حسّان، أبو القاسم الكلبي الإشبيلي. [المتوفى: 626 هـ]
سمع من أبي بكر ابن الجدِّ فأكثرَ، ومن أبي محمد بن بُونَة. وكان رئيسًا، مُحتشمًا، جَوادًا، أديبًا، أخباريًا.
قال الأَبَّار: سَمِعْتُ منه، وتُوُفّي في ثالث عشر جُمَادَى الأولى، ولَهُ أحد وستّون عامًا.(13/808)
334 - أحمدُ بن الحُسَيْن بن مُحَمَّد بن جَمِيل، أَبُو العبّاس البَنْدَنِيجيُّ الحَفَّارُ. [المتوفى: 626 هـ]
روى عن أبي الحُسَيْن عبد الحق، ومات في ربيع الأَوَّل.(13/808)
335 - أحمدُ بن زكريا بن مسعود، أبو جعفر الأنصاريُّ الأَنْدَلسِيُّ القبذاقيُّ المقرئ. [المتوفى: 626 هـ]
أخذ القراءاتِ عن الحَسَن بن عبد الله السَّعْديّ، ومن أبي بكر بن أبي حَمْزَة.
أخذ عنه ابن مَسْدِيّ، ورماه بالاختلاق، وقال: اجتمعَ طلبةٌ، فوضعوا لفظةً، وسَمَّوا بها كتابًا، وسألوه عنه، فقال: أدريه وأرويه. وكان يُسْقِطُ من الأسانيد رجالًا؛ لِيُوهِمَ العُلُوّ. عاش بضعًا وستّين سَنَة.(13/808)
336 - أحمدُ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أحمد بْن عبد الرحمن بن ربيع الأشعري، أبو جعفر القرطبي. [المتوفى: 626 هـ]
روى عن أبيه أبي الحسين، وأبي بكر ابن الجدِّ، وابن بَشْكُوالَ، وجماعة. وَوَلِيَ خَطابة قُرْطُبَة مُدَّة.
مات في وسط العام.
روى عنه ابن أخيه أبو الحسين محمد بن يحيى الأشعري. [ص:809]
وهُمْ بَيْتُ علمٍ ورواية.(13/808)
337 - أحمدُ بن نجم ابن شرف الإسلام عبد الوهّاب ابن الحنبلي، بهاد الدِّين أبو العبّاس، [المتوفى: 626 هـ]
أخو النَّاصح.
وُلِدَ سَنَة تسعٍ وأربعين، وسَمِعَ من القاضي كمال الدِّين أبي الفضل الشَّهْرَزُوريّ، وحدَّث. وسَمِعَ من أبي الفوارس الحَيْص بَيْص شعرًا.
ومات في ذي القِعْدَة.
وسَمِعَ من سَلْمان الرَّحْبِيُّ أيضًا. روى عنه الضّياء، والشّهاب القوصي.(13/809)
338 - إسماعيل ابن سيف الدَّولة الْمُبَارَك بْن كامل بْن مُقَلَّد بْن عَلِيّ بن مُنقذ، الأميرُ جمال الدِّين أبو الطّاهر الكِنانيُّ المِصْريّ المولد. [المتوفى: 626 هـ]
سَمِعَ السِّلَفِيّ ووالَده، وولي نيابة حَرَّان، وبها تُوُفّي في رمضان. ولَهُ شِعْر، وفضائل.
روى عنه الشهابُ القُّوصيّ، والزَّكيّ المُنذريّ.(13/809)
• - آقسيس، [المتوفى: 626 هـ]
يأتي في حرف الياء.(13/809)
339 - أَمَةُ الله بنتُ أحمد بن عبد الله بن علي ابن الآبنوسيّ، شرفُ النساء البَغْداديّة. [المتوفى: 626 هـ]
كانت آخرَ مَنْ روى عن أبيها الفقيه أبي الحَسَن، وسَمِعَتْ منه في سَنَةِ اثنتين وأربعين وخمسمائة، وحَضَرَتْ عليه في سَنَةِ أربعين. وتفردَّت بالرابع من " المُخَلِّصيات "، وبجزءٍ مُنتقى من السادس من " المُخَلِّصيات "، وبالتّاسع من " المحامليات "، وبالمجلّد الأوّل وهُوَ خُمْسُ " الكامل " لابن عَدِيّ، ولها فيه فَوْت، بروايته عن إسماعيل بن مَسعده الإِسماعيليّ.
قال ابن الحاجب: هي من بيت فقه، وزهدٍ، كثيرةُ العبادة، لا يكاد لسانها يَفْتُرُ مِن ذكر الله.
قلتُ: روى عنها ابن الحاجب، والسيف ابن المجد، والدّبيثي، [ص:810] وآخرون. وسمعنا بإجازتها على فاطمةَ بنتِ سُلَيْمان.(13/809)
340 - إلياسُ بن مُحَمَّد بن عليِّ، أبو البركات الأَنصاريُّ. [المتوفى: 626 هـ]
أحدُ عُدولَ دمشق. كَانَ مطبوعًا، صاحبَ نوادر.
قال: قرأ القراءاتِ السبعَ على يحيى بن سعدون القُرْطُبيّ.
كتب عنه ابن الحاجب وقال: تُوُفّي في رجب. وكان يشهد تحت السّاعات.(13/810)
341 - جبريل بن زُطينا، الكاتب البَغْداديُّ. [المتوفى: 626 هـ]
كَانَ نصرانيًا، فأسلمَ، وحَسُن إسلامُه، وتزهَّد. ولَهُ كلامٌ في الحقيقة ساق منه ابن النّجّار، وكان يتولَّى كتابةَ ديوان المَجْلس.
مات في شعبان، ولَهُ خمسٌ وسبعون سَنَة.
روى عنه من شِعره أبو طالب عليُّ بن أنجب، وغيرُه.(13/810)
342 - الحُسَيْن بن أبي الغنائم هِبَةُ اللَّه بْن محفوظ بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بن الحَسَن بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن صَصْرَى، القاضي شمس الدِّين أبو القاسم ابن الشيخ الرئيس التَّغْلبيُّ البَلَديُّ الأصل الدِّمشقيُّ، [المتوفى: 626 هـ]
أخو الحافظ أبي المواهب.
ولد قبل الأربعين وخمسمائة. وسَمِعَ جدَّه، وأباه، وجده لأُمِّه أبا المكارم عبد الواحد بن هلال، وعَبْدان بن زَرِّين، وأبا القاسم ابن البُنّ، ونصر بن أحمد بن مُقاتل، وأبا طالب عليَّ بن حَيْدرة، وأبا يَعْلَى حمزة ابن الحُبُوبيّ، وأبا يَعْلَى حمزة بن كَرَوَّس، وعليّ بن أحمد الحرستاني، وعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي الْحَسَن الدّارانيّ، وسَعيد بن سَهْل الفلَكيّ، والصّائنَ هبة الله ابن عساكر، وحَسّان بن تميم، وعبد الرحمن بن أبي العَجَائز، وعليَّ بن عساكر المَقْدِسيُّ - لا البطائحيّ، ولا الحافظ الدّمشقيُّ -، والقاضي الزَّكيَّ عليَّ بن محمد بن يحيى القُرَشيّ، وأبا النجيب السُّهَرَوَرْدِيّ، وجمالَ الأئمة عليّ بن الحَسَن الماسِح، وعليَّ بن أحمد بن مُقاتل أخا نصر، وإبراهيم بن موهوب ابن المقصّص، وأبا يَعْلَى حمزةَ بن أسد، والْخَضِرَ بن شِبْل الحارثيّ، والمباركَ بن عليّ بن [ص:811] عبد الباقي، وأسعدَ بن حُسَيْن الشَّهرستانيّ، والخَضِرَ بن عليّ السِّمْسار، وعبدَ الواحد بن إبراهيم بن قزة، وإبراهيمَ بن الحَسَن الحِصْنيّ، وعليَّ بن مَهْديّ الهِلاليّ، ووَهَب بن الزَّنْف الفقيه، وهؤلاء الثلاثون ذكرهم الحافظ أبو القاسم في " تاريخ دمشق ". وروى عنهم كلّهم سوى أبيه، والخضر. وقد سَمِعَ من خلْق سواهم، وسَمِعَ بحلب من أبي طالب عبد الرحمن ابن العَجَميّ، ويحيى بن إبراهيم السَّلَماسيّ. وبمكّة من محمد بن عبيد الله الخطيبي الأصبهاني؛ حدَّثه عن أبي مُطيع.
وروى بالإِجازة عن طائفةٍ تفرَّد بالرواية عنهم، كما تفرَّد بكثيرٍ ممّن سَمِعَ منهم. أجازَ لَهُ عليُّ بن عبد السّيد ابن الصّبّاغ، ومحمد ابن السَّلّال، وَأَبُو مُحَمَّد سِبْط الخياط، وأحمدُ بْن عبد الله ابن الآبنوسيّ، والخصيبُ بن المُؤَمَّل، وإبراهيمُ بن مُحَمَّد بن نَبْهان الغَنَويُّ، ومُحَمَّد بن طِرَاد الزَّيْنَبِيّ، وعبدُ الخالق بن أحمد اليُوسُفيّ، ومُحَمَّد بن عُمَر الأرموي، وأبو الفَتْح نصرُ اللَّه بْن مُحَمَّد المِصِّيصيُّ الفقيه، ومسعود بن الحَسَن الثَّقَفيّ، وغيرهم.
وخَرَّجَ لَهُ البِرْزَاليُّ " مشيخةً " في سبعة عشر جزءًا بالسَّماع والإِجازة.
وروى عنه هُوَ، والضّياء، والقوصي، والمنذري، والشرف النابلسي، والجمال ابن الصَّابونيّ، والزَّينُ خالد، وحفيدُه إسماعيلُ بن إسحاق بن صَصْرى، وسَعْدُ الخير النابلسيّ، وأخوه نصر، والشمس محمد ابن الكمال، وأبو بكر بن طرخان، وإبراهيم ابن اللَّمْتُونيّ، والشرف أحمد بن أحمد الفَرَضيّ، والكمال محمد بن أحمد ابن النّجّار، والجمال أحمد بن أبي محمد المغاري، والشمسُ محمد بن شمَّام الذَّهَبيُّ، والتّقيُّ إبراهيم ابن الواسطي، وأخوه الشمس محمد، والعزّ إسماعيل ابن الفرّاء، والشهابُ الأبَرْقُوهيّ، والشمسُ مُحَمَّد بن حازم، ونصرُ الله بن عيّاش، والتّقيُّ أحمد بن مؤمن، وعبدُ الحميد بن خَوْلان، وخلقٌ آخرهم أبو جعفر ابن الموازينيّ.
وكان عَدْلًا، جليلًا، فاضلًا، صحيحَ الرواية. قرأ شيئًا من الفقه على أبي [ص:812] سَعْد بن أبي عَصْرون. ورحلَ مع أخيه. ثمّ إنَّه ردَّ من حلب لأجل قلب والده. وكان خَلِيًّا من المعرفة بالحديث.
قال الزَّكيُّ البِرْزَاليُّ: هُوَ مُسْند الشّام في زمانه. وقال: كَانَ يسأل من غير حاجة.
وقال أبو الفتح ابن الحاجب: ربّما كَانَ يأخذُ من آحاد الأَغنياء الشيءَ على التَّسميع.
وقال مُحَمَّد بن الحَسَن بن سِلَّام: كَانَ فيه شحٌّ بالتّسميع إلّا بعرضٍ من الدُّنيا. وهُوَ من بيت حديث، وأمانة، وصِيانة. كَانَ أخوه من علماء الحديث. وقرأت عليه " علوم الحديث " للحاكم في ميعادين. وكان متموِّلًا، لَهُ مال وأملاك، رُزِئ في ماله مرّات.
وقال ابن الحاجب: كَانَ صاحبَ أصولٍ، لَيِّن الجانب، بهيًّا، سَهْلَ الانقياد، مواظبًا على أوقات الصلوات، متجنّبًا لمخالطة النّاس. وهُوَ رِبْعِيٌّ: من ربيعة الفَرَس. تُوُفّي في ثالث وعشرين المحرَّم، وصَلَّى عليه الخطيب الدّولعيّ بالجامع، والقاضي شمس الدِّين الخُوَيي بظاهر البلد، وتاج الدِّين ابن أبي جعفر بمقبرته بقاسيون.(13/810)
343 - سُلَيْمان بن الحُسَيْن بن سُلَيْمان، أبو الربيع الكتبي المليجي الإسكندراني. [المتوفى: 626 هـ]
ولد سنة تسعٍ وأربعين، وحدث عن السلفي.(13/812)
• - شرف النّساء، اسمها أمة الله. [المتوفى: 626 هـ](13/812)
344 - عائشة بنت عرفة بن علي ابن البَقْليِّ البَغْداديِّ، أمةُ الجبّار. [المتوفى: 626 هـ]
تروى عن أبيها.
ماتت في المحرَّم.(13/812)
345 - عبّاسُ بن بَهْرام بن مُحَمَّد بن بختيار، أبو الفضل ابن السَّلار الأتابكي. [المتوفى: 626 هـ][ص:813]
حدَّث هُوَ، وأبوه، وأخوه. وأصلُهم من حِمص.
سمع الحافظ علي ابن عساكر، وغيره. روى عنه الجمال ابن الصابونيّ وغيرُه. وتُوُفّي في ذي الحِجَّة.(13/812)
346 - عبد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مَسْلَمَة، أبو جعفر القُرْطُبيّ. [المتوفى: 626 هـ]
سَمِعَ من أبيه، ومن ابن بَشْكُوالَ. وأخذ القراءاتِ عن أبي الأصبغ عبد العزيز ابن الطَّحّان. وَوَلِيَ خطابة قُرْطُبَة، وتمنَّع من القضاء، واعتذَر، وتغيَّب أيامًا فلم يُقْبَل منه، فتولى أشهرًا مُكْرَهًا. وتُوُفّي في رمضان، وقد جاوز السَّبعين؛ قاله الأَبَّار.(13/813)
347 - عبد الله بن عبد الوهّاب ابن الإِمام صدر الإِسلام أبي الطّاهر بن عَوْف الزُّهْريّ الإِسكندرانيُّ، عمادُ الدِّين أبو البركات المالكيُّ. [المتوفى: 626 هـ]
سَمِعَ من جدّه، ودَرَّس، وأفتَى. وكان مَوْلِدُه في سنة خمسٍ وستّين وخمسمائة. وتُوُفّي في ثامن عشر رجب.(13/813)
348 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ بْن أَحْمَد بْن عليّ، الفقيه أبو محمد البَغْداديُّ الحَنْبَليّ الواعظُ، المعروفُ بابن التانزاي. [المتوفى: 626 هـ]
تفقّه على أبي الفتح ابن المَنِّي. وسَمِعَ من عبد الحق اليُوسُفيّ وغيرِه. وناب في القضاء عن أبي صالح الجيلي. وولي مشيخة رباط الزَّوْزَنيّ.
وكتب عنه ابن النّجّار، وغيره.
مات فجاءة في خامس عشري جُمَادَى الآخرة.(13/813)
349 - عبد الرحمن بن أَبِي السعادات الحَسَن بن علي بن بُصْلا، أبو الفَرَج البندنيجي الصّوفي. [المتوفى: 626 هـ][ص:814]
شيخٌ صالحٌ، سديد السّيرة. ولد سنة خمسٍ وأربعين وخمسمائة بالبندنيجين. وقَدِمَ بغدادَ فسمعَ من يحيى بن ثابت، وأحمد بن المُقَرَّب. ومات في رابع عشر ذي الحجّة.
روى عنه مجد الدّين ابن العَدِيم، لقِيهُ بحلب.(13/813)
350 - عَبْدُ الصَّمَد بن أحمد بن محفوظ بن زقيرا، أبو محمد البزّاز. [المتوفى: 626 هـ]
شيخٌ بغدادي. روى عن فوارس ابن الشباكية. وتُوُفّي في ذي الحِجَّة.(13/814)
351 - عَبْد الكريم بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد الله بن عبد الله بن أبي القاسم، أبو محمد الأنصاريُّ الدّمشقيُّ، [المتوفى: 626 هـ]
والد الفقيه سليمان، وجدُّ شيختنا فاطمة بنت سليمان.
سمع أبا القاسم ابن عساكر، وأبا طاهر الخُشُوعِيّ. وسَمِعَ من جماعة من الشُّعراء. ودخل الدّيارَ المِصْريّة، ولَهُ شعرٌ وفَضِيلة.
كتب عنه ابنُه، والسِّراج بن شُحانَه، والنّجيب ابن الشُّقَيْشقة.
تُوُفّي في ثامن وعشرين رجب بدمشق.(13/814)
352 - عبد المُحسن بن إِبْرَاهِيم بن عَبْد الله بن علي الخَزْرجيُّ المِصْريّ الشّافعيُّ، الرجلُ الصالحُ. [المتوفى: 626 هـ]
ولد سنة تسعٍ وأربعين وخمسمائة. وسَمِعَ بالثَّغر من السِّلَفِيّ، وبدرٍ الخُداداذيّ. وبمصرَ من علي بن هبة الله الكامليّ، وإسماعيل بن قاسم الزّيّات، وأبي المفاخر المأمونيّ، وجماعة.
قال الزَّكيّ المُنذريُّ؛ وروى عنه: كَانَ كثيرَ الصّلاة والصوم، مقبلًا على العِلْم مع رِقّة حاله. تُوُفّي فُجَاءَةً في ثاني عشر شوَّال، رحمه الله.(13/814)
353 - عبدُ المولى بن عبد الوَهّاب بن يوسُف، أبو مُحَمَّد القَطِيعيُّ. [المتوفى: 626 هـ][ص:815]
سمع أبا الفتح ابن البَطِّي، وأبا المكارم البادَرَائيّ. ومات في ربيع الأوّل.(13/814)
354 - عبد الوَهَّاب بن عَتِيق بْن هِبَة الله بْن ميمون بْن عَتِيق بن وَرْدان، الحافظُ المُحدِّث المُفِيدُ، والمقرئ المُجيد أبو الميمون العامرِيُّ المِصْريّ المالكيُّ. [المتوفى: 626 هـ]
قرأ القراءات على جماعةٍ كثيرة. وسَمِعَ من العَلَّامة عبد الله بن بَرِّيّ، وعبد الرحمن بن مُحَمَّد السِّبْيي، وقاسم بن إبراهيم المَقْدِسيِّ، ومُنجب بن عبد الله المُرشديِّ، والبُوصيريِّ، والأَرْتَاحِيِّ، وطبقتهم ومَنْ بعدهم فأكثَرَ.
وكتبَ الكثيرَ، واستنسخَ، وأقرأ القراءات. وحدَّث، وأَفَاد. وولد في سنة أربعٍ وخمسين وخمسمائة.
روى عنه الحافظُ المُنذريّ، وقال: كَانَ كثير الإِفادة جِدًّا، وأنفق في التّحْصيلِ جُملةٌ. وكان بيتُه غالبًا مجمعَ أصحاب الحديث، رحمه الله. توفّي تاسعٍ عشر جُمَادَى الآخرة.
قال ابن مَسْدِيّ: ربّما غَلِطَ وأَوْهَم، ولهذا لم يتعرّض لتجريحٍ. وقد كتب عمّن أقبل وأدبر حتّى كتب عن الشّبّان. لم أُكْثِر عنه.(13/815)
355 - عليّ بن بكمُش، فخرُ الدِّين، أبو الحَسَن التُّركيُّ البَغْداديُّ النَّحْويّ. [المتوفى: 626 هـ]
وُلِدَ سَنَة ثلاثٍ وستّين وخمسمائة. وسمع من أبي الفتح بن شاتيل، وجماعة. وحدَّث. وتُوُفّي بدمشق في شعبان.
وكان مِن تلامذة التّاج الكِنْديّ.(13/815)
356 - عليّ بن حمّاد، الحاجب الأمير حسام الدِّين متولّي خِلاط نيابةً للأشرف. [المتوفى: 626 هـ]
كَانَ بَطلًا، شُجاعًا، خيِّرًا، سائِسًا. [ص:816]
قال ابن الأثير: أرسلَ الأشرفُ مملوكَهُ عزّ الدِّين أيبك إلى خِلاط وأمَرهُ بالقَبْضِ على الحاجب علي ولم نعلم سببًا يُوجِبُ القبضَ عليه؛ لأَنَّه كَانَ مُستقيمًا عليه ناصحًا لَهُ، حسنَ السيرة. لقد وقف هذه المدّة الطويلة في وجه جلال الدِّين خُوارزم شاه، وحفظ خلاطَ حفظًا يَعْجزُ عنه غيرُه. وكان كثيرَ الخَيْرِ لا يُمَكِّن أحدًا من ظُلْم، وعمل كثيرًا من أعمال البِرِّ من الخانات، والمساجد، وبَنى بخِلاط جامعًا، وبيمارستانًا. قبض عليه أَيْبَك، ثمّ قتله غِيلَةَ، فلم يُمْهِل اللهُ أيبك، ونازلَهُ خُوارزم شاه وأخذ خِلَاطَ، وأسر أيبك وغيره من الأمراء. فلمّا اتّفق هُوَ والأشرفُ أطلق الجميعَ، وقيل: بل قتل أيبك.(13/815)
357 - عليّ بن ثابت بن طاهر البَغْداديُّ، أبو الحَسَن النعَّال. [المتوفى: 626 هـ]
سَمِعَ " العُزّلة " للآجُريُّ من المبارك بن محمد البادرائيّ. وكان صالحًا، حافظًا للقرآن.
مات في جُمَادَى الأولى.(13/816)
358 - عليُّ بن صالح، أبو الحسن المصري المقرئ، [المتوفى: 626 هـ]
صاحب أبي القاسم الشاطبيُّ.
كَانَ مِن قرية بمصر اسمها قلين.
ورَّخه أبو شامة.(13/816)
359 - عليّ بن مُحَمَّد بن أبي العافية، أبو الحَسَن اللَّخْمِيّ المُرْسيّ القَسْطَلِيُّ. [المتوفى: 626 هـ]
سَمِعَ من أبي عبد الله بن سعادة، وأبي عبد الله بن عبد الرحيم، وصهره أبي القاسم عبد الرحمن بن حُبَيْش.
قال ابن مَسْدِيّ: رأسُ بلده ورئيسُها، ونَفُسْها ونَفِيسُها، قَدَّمَتْهُ الأيامُ فقامَ [ص:817] بِعَيْنها، واستخرجَ الله به مكنونَ خَبْئِها. وكان عَدْلًا في أحكامه، عدلًا لأيامه، سديدَ القَوْلَةِ، شديدَ الصَّوْلَة قُتِلَ صَبْرًا.
قال الأَبَّار: وَلِيَ قَضاءَ مُرسية، وبَلَنْسِيَةَ، وشاطِبة. وكان جَزْلًا مَهِيبًا، وكانَ بالرؤساء أشبَهَ منه بالقُضاة والفُقهاء، وأَضَرَّ بأَخَرةٍ. وعلى ذلك فكان يتولَّى الأعمالَ، ويتعسَّف الطُّرُقَ، وأثارَ فتنةً جَرَّت هلاكَهُ، فقُتِلَ بمُرسية في جُمَادَى الأولى عن اثنتين وسبعين سَنَة.(13/816)
360 - عليّ بن مُحَمَّد بن عبد الرحمن، القاضي الأَكمل أبو المناقب الأَنصاريُّ [المتوفى: 626 هـ]
الكاتب، من كِبار الكُتّاب بالدِّيار المصرية.
روى عن الخُشُوعِيِّ، وغيرِهِ. وتُوُفّي في شعبان عن نحو ثمانين سَنَة.(13/817)
361 - عليّ بن مظفر بن عليّ بن نُعَيْم، أبو الحُسَيْن ابن الحُبَيْر البَغْداديُّ التاجر الرجلُ الصالحُ. [المتوفى: 626 هـ]
وُلِدَ سَنَة ستٍّ وأربعين، وحدَّث عن أبي الفتح ابن البطّي. وولي نظر الحَرَمِ الشريف. وتُوُفّي بمكّة في صَفَر.(13/817)
362 - عليّ بن أبي بكر بن محمد، أبو الحَسَن التُّجِيبيُّ الشَّاطِبِيُّ المقرئ. [المتوفى: 626 هـ]
اشتغلَ بالقراءات والعربية بالمَغْرب، وصَحِبَ بمصر أبا القاسم بن فِيرة الشَّاطِبِيَّ. وتُوُفّي بدمشق في رمضان.
ذكره أبو شامة وقال: كَانَ كثيرَ التّغفّل.
قلت: هُوَ جَدُّ شيخنا عليّ بن يحيى، وشيخُ الإمام أبي عبد الله الفاسي في سَمَاع " الرائية ". وقد قرأ بالسبع على الشَّاطِبِيِّ. وكان يَدْري القراءاتِ والعربيةَ.
أثنى عليه الكِنْديّ، والمشايخُ الكبار بدمشق، وكتبوا بكمال أهليتهِ في مَحْضَر. وكان شيخ حلقة ابن طاوس. [ص:818]
سَمِعَ منه ولده يحيى " التَّيْسير " في سَنَةِ ثماني عشرة وستّمائة.
قال البِرْزَاليُّ: رأيتُ محضرًا كُتِبَ للشيخ جمال الدِّين فيه خطُّ جماعة، فكتب لَهُ الكِنْديّ: هُوَ حافظٌ، أديبٌ فاضلٌ، قارئ متقنٌ مُجَوِّد، يَضْرِبُ في هذين الفنيّن بسهمٍ وافٍ، وحظٍّ وافر.(13/817)
363 - فاضل بن نجا بن منصور، أبو المجد المَخِيليُّ. ومَخِيل: بقرب بَرْقَة. [المتوفى: 626 هـ]
روى عن السِّلَفِيّ، ومات بالإِسكندرية يومَ عَرَفَة.(13/818)
364 - فرحة بنت سلطان بن مُسلم، أمّ يُونُس الحربيَّة. [المتوفى: 626 هـ]
روت عن عبد الرحمن بن زيد الوَرّاق، وماتت في رمضان.
روى عنها ابن النّجّار.(13/818)
365 - الفضل بن عَقِيل بْن عُثمان بْن عَبْد القاهر بْن الربيع، الشريف بهاءُ الدِّين أبو المحاسن الهاشميُّ العبّاسيّ الدّمشقيُّ الشُّرُوطيُّ الفَرَضيُّ المعدّل. [المتوفى: 626 هـ]
ولد سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة. وسَمِعَ من حَسّان بن تميم الزّيّات، وأبي القاسم ابن عساكر. وكان بصيرًا بكتابة السِّجِلات، مليحَ الخَطِّ، كثير المحفوظ، حُلْوَ الكلام.
تَفَقَّه على أبي الحَسَن عليّ ابن الماسِح، وأبي سَعْد بن أبي عَصْرون.
وكتب الكثيرَ في الشُّرُوطِ. وسَمِعَ منه جماعة.
أَخْبَرَنَا محمد بن هاشم العبّاسي، قال: أَخْبَرَنَا جَدِّي لأُمِّي أَبُو الْمَحَاسِنِ الْفَضْلُ بْنُ عقيل، قال: أخبرنا حسّان بن تميم، قال: أخبرنا نصر بن إبراهيم الفقيه، قال: أخبرنا سليم بن أيوب الفقيه، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن القاسم، قال: أخبرنا أبو علي الصّفّار، قال: حدّثنا أحمد بن منصور، قال: حدّثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهري، قال: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ [ص:819] عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ جِبْرِيلُ جالسٌ بِالْمَقَاعِدِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَاجْتَزْتُ، فَلَمَّا رَجَعْتُ، وَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي: " هَلْ رَأَيْتَ الَّذِي كَانَ مَعِي؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْكَ السَّلامَ ".
تُوُفّي البهاء في سادس ذي القعدة.(13/818)
366 - القاسمُ بن القاسم بن عُمَرَ بن منصور، العَلَّامة أبو مُحَمَّد الواسطيّ. [المتوفى: 626 هـ]
قرأ القراءات على أبي بكر ابن الباقِلّانيَ. وسَمِعَ الكثير من كتب اللّغة، وَبَرَعَ في عِلم اللِّسان، وألَّفَ كُتبًا مفيدةً في ذلك. وسكن حلب زمانًا إلى أنّ تُوُفّي في ربيع الأوّل سَنَة سِتٍّ.
ذكره المُوقاني في تعاليقه.(13/819)
367 - لُبَابَةُ بنت أحمد بن صالح بن شافع، أمّ الفضل البَغْداديّة، [المتوفى: 626 هـ]
من أولاد الشيوخ.
روت عن المبارك بن المبارك بن الحَكَم. وماتت في ربيع الآخر.(13/819)
368 - مُحَمَّد بن إبراهيم بن صلتان، أبو عبد الله الأنصاري الجيّاني البياسي المُقرئ. [المتوفى: 626 هـ]
سَمِعَ من ابن بَشْكُوالَ. وقرأ بالسبْع على ابن حَمِيد بمُرسية. أخذَ عنه [ص:820] ابن مَسْدِيّ في سَنَةِ خمسٍ وعشرين، ولم يذكر وفاته.
ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة.(13/819)
369 - مُحَمَّد بن إبراهيم بن معالي، أبو عبد الله البَغْداديُّ القَزَّاز، المعروف بابن المَغازِليّ. [المتوفى: 626 هـ]
سَمِعَ من ابن البَطِّي. روى لنا عنه الأبَرْقُوهيّ " جُزْء البانياسيّ ". وروى عنه الدُّبَيْثيّ، وابن النّجّار.
وكان شيخًا صالحًا.
توفّي في منتصف المُحَرَّم.(13/820)
370 - مُحَمَّد بن إسماعيل بن أبي البقاء بن عبد القوي بن عمّار، عزُّ القضاة أبو البركات القُرَشيُّ المِصْريُّ، المعروف بابن الْجُمَيْل. [المتوفى: 626 هـ]
سمع من عبد الله بن محمد ابن المُجَلِّي، وغيره. ونسخ كثيرًا. وتُوُفّي في المحرَّم.(13/820)
371 - مُحَمَّد بن الحُسَيْن بن مُوَفَّق، أبو عبد الله الأَنْدَلسِيّ. [المتوفى: 626 هـ]
وَلِيَ خَطابة جزيرة مَيْورْقَةَ مُدَيْدَة. وروى الحديث.
قال الأبّار: وكان فقيهًا مشاروًا، يَعْرِفُ العربية. ولَهُ كتاب في القراءات سمّاه " المُيَسَّر ". وتُوُفّي في شعبان قبل الكائنة العظمى من قبل الروم على مَيُورْقَةَ بنحوٍ من ستّة أشهر.(13/820)
372 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن علي بْن زُهرة بن عليّ، أبو حامد العَلَويّ الحُسَيْني الإِسحاقيُّ الحلبيّ الشِّيعيُّ. [المتوفى: 626 هـ]
روى عن عمِّه أبي المكارم حَمْزَةَ بن عليٍّ، وعنه مجد الدِّين العَدِيميُّ وقال: مات في جُمَادَى الأولى ولَهُ ستّون سَنَة.
وكان فقيهًا يُعَدُّ من علمائهم.(13/820)
373 - محمد بن مُحَمَّد بن أبي حرب بن عبد الصَّمَد، أبو الحَسَن ابن النَّرْسيّ البَغْداديُّ الكاتب الشّاعر. [المتوفى: 626 هـ]
ولد سنة أربعٍ وأربعين وخمسمائة. وسمع من أبي محمد ابن المادح، وأبي المظفّر هبة الله ابن الشِّبليّ، وابن البَطِّي، وأحمد بن المُقَرَّب، وغيرهم.
ولَهُ ديوان شِعْر. وكان مِن ظَرفاء بغداد. ولَهُ النظْم والنَّثْر والنَّوادر السائرة. ثمّ شاخَ وأَقْعَدَهُ الزَّمَانُ، ومَسَّهُ الفَقْرُ، وكسد سوقُه.
روى عنه الدّبيثي، والسيف ابن المجد، وابن الحاجب، والجمال يحيى ابن الصّيرفي، والتّقي ابن الواسطيّ، وآخرون.
وسمعنا بإجازته على شرف الدِّين اليُونينيّ، وفاطمة بنت سُلَيْمان. ومِن جملة ما عنده: الثاني من " مُسْند ابن مَسْعود " لابن صاعد، سمعه من ابن المادح، والأَوَّل من " حديث ابن زنبور " عن التّمّار، و " مسند حُمَيْد عن أَنَس " لأبي بكر الشّافعيّ سَمِعَهُ من ابن البطّي، و " جزء البانياسيّ " سَمِعَهُ من ابن البَطِّي؛ وسَمِعَ منه كتاب " الاستيعاب " لابن عبد البرّ بفوتٍ وأشياء.
أنشدنا أبو الحُسَيْن اليُونينيّ عن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي حرب، لنفسه:
إن كَانَ مِيثاقُ عهدي بالصريم وَهَى ... وحَالَ مِنْ دُونِه يَا مَيُّ أعْذَارُ
فَهَلْ حُداةُ مَطاياهُمْ تُخبِّرُنِي ... أَأَنْجَدُوا أَمْ تَرى مِنْ بَعْدِنَا غَارُوا
وَأحَرَّ قلباه منّي يوم بينهم ... إذا خلت لا خَلَتْ مِنْ أُنْسِهَا الدَّارُ
فَلَا تَثَنَّى قَضِيبُ البَانِ بَعْدَهُمُ ... ولا تَمَتَّعَ مِنْ قَرْبِ الحِمَى جَارُ
ولَا صَبَا قَلْبُ ذِي وجدٍ بغانية ... ولا تَحَّرك في المَزمُومِ أَوْتَارُ
حَتّى أَبُثَّهُمُ الشّكوى وتكنفنا ... دارٌ بنجدٍ وغزّالٌ وسُمَّارُ
وتُوُفّي في تاسع عشر جُمَادَى الآخرة.
قال ابن النّجّار: كَانَ ناظرًا على عقار الخليفة مُدَّة، ثمّ عُزِلَ واعتُقِلَ مُدَّةً، ثمّ خدم في قلعة تَكْريت، ثمّ حُبِسَ مُدَّةً طويلة ولم يستخدم بعدها لسوء سيرته وظُلمه وتَعدّيه، وخُبثِ طويَّته. وكان يطلبُ من النّاس، ويأخذُ الصَّدقة.(13/821)
374 - مُحَمَّد بْن أَبِي المعالي بن أبي الكَرَم، أبو عبد الله ابن البُورِيّ. [المتوفى: 626 هـ]
شيخٌ بَغْداديٌّ. حدَّث عن عبد الحقّ اليُوسُفيّ، ومات في شوَّال.
روى عنه ابن النّجّار بالإِجازة.(13/822)
375 - مُحَمَّد بن أبي نصر بن جِيلشيْر، أبو عبد الله الهمذاني المقرئ، [المتوفى: 626 هـ]
من كبار القُرَّاء وحُذَّاقهم.
أقرأ، وحدَّث عن أبي الفَتْح بن شاتيل.
ومات في ذي القِعْدَة.(13/822)
376 - مسعود بن أحمد بن مسعود بن الحُسَيْن، أبو المُظَفَّر البَغْداديُّ، ابن الحِلّي. [المتوفى: 626 هـ]
يروى عن ظاعن الزُّبَيْريّ.
تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة.
أجاز لِفاطمة بنت سليمان.(13/822)
377 - مسعود بن أبي بكر بن شكر بن عَلَّان المَقْدِسيُّ الصَّالحيُّ. [المتوفى: 626 هـ]
حدَّث عن يحيى الثَّقَفيّ. وتُوُفّي في ربيع الآخر.
روى عنه الشمس ابن الكَمَال.(13/822)
378 - المهذّبُ بن عليّ بن أبي نصر هِبَة الله بن عبد الله، الشيخ الصالح أبو نصر الأَزَجيّ الخيَّاطُ المقرئ، المعروف بابن قُنَيْدَة. [المتوفى: 626 هـ]
سَمِعَ أبا الوَقْت، وابن البَطِّي، وأبا زُرْعة، وابن هُبَيْرةَ الوزير. [ص:823]
روى عنه الدّبيثي، والسّيف، والتّقي ابن الواسطي، والشمس ابن الزَّين. وآخر مَنْ روى عنه العمادُ إسماعيل ابن الطَّبَّال شيخُ المستنصرية.
وقرأتُ بخط ابن نُقْطَة: أن ابن قنيدة سمع " صحيح البخاري "، و " مسند الدّارمي "، و " منتخب عبد بن حميد "، و " مسند الشّافعيّ ". وكان سماعه صحيحًا.
وتُوُفّي في الثالث والعشرين من شوَّال، وقد جاوزَ الثمانين.(13/822)
379 - موسى ابن الفقيه عليّ بن فَيَّاض بن عليّ، الإمام أبو عِمران الأزْديّ الإِسكندرانيُّ المالكيُّ. [المتوفى: 626 هـ]
دَرَّسَ، وأفتَى. وحدَّث عن السِّلَفيّ. وكان أبوه من أصحاب أبي بكر الطّرطوشي.
وتُوُفي فِي الثامن والعشرين من جُمادى الآخرة.(13/823)
380 - ياقوت بن عبد الله شهاب الدِّين الرُّوميّ الحموي البَغْداديُّ. [المتوفى: 626 هـ]
ابتاعه - وهُوَ صغير - عسكرٌ الحمويُّ التاجر ببغداد، وعَلَّمَهُ الخطَّ. فلمّا كَبِرَ قرأ النَّحْو واللّغة، وشَغَّلَهُ مولاه بالأسفار في التّجارة، ثمّ جرت بينه وبينَ مولاه أمور أوجبت عِتقهِ، وإبعادَه عنه. فاشتغل بالنَّسخ بالأجرة، فحصَل لَهُ اطّلاعٌ ومعرفه، وكان من الأَذكياء. ثمّ أعطاه مولاه بضاعةً فسافرَ لَهُ إلى كيش. ثمّ ماتَ مولاه، وحَصَّل شيئًا كَانَ يسافر به. وكان مُنْحَرِفًا فإنَّه طالع كتب الخوارج، فوقر في ذهنه شيء. ودخل دمشق سَنَةَ ثلاث عشرة، فتناظر هو وإنسان، فبدا منه تنقّصٌ لعليّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، فثارَ النّاس عليه وكادوا يقتلونه، فهرب إلى حَلَب، ثمّ إلى المَوْصِل وإِرْبِل، ودخلَ خُراسان، واستوطن مَرْوَ يَتَّجِرُ، ثمّ دخل خُوارزم، فصادفه خروجُ التّتار فانهزمَ بنفسه، وقاسى الشّدائد، وتوصَّل إلى المَوْصِل وهو فقير داثر، ثمّ قَدِمَ حلبَ فأقام في خان بظاهرها. [ص:824]
وقد ذكره شرف الدّين أبو البركات ابن المستوفي فقال: صَنَّف كتابًا سَمَّاه " إرشاد الألِبّاء إلى معرفة الأُدباء " في أربع مجلّداتِ كبار، وكتابًا في أخبار الشعراء المتأخّرين، وكتاب " مُعجم البلدان "، وكتاب " معجم الأدباء "، وكتاب " مُعجم الشعراء "، وكتاب " المشترك وضعًا والمختلف صُعقًا "، وكتاب " المبدأ والمآل في التاريخ "، وكتاب " الدّول "، وكتاب " المقتضب في النَّسَب ".
وكان أديبًا شاعرًا، مؤرّخًا، أخباريًا، متَفنِّنًا.
ذكره القاضي جمالُ الدِّين عليّ بن يوسُف القِفْطيّ الوزير في " تاريخ النُّحاة " لَهُ، وأنَّه كتب إليه رسالةً من المَوْصِل شرحًا لِما تمَّ على خُراسان منها: وقد كَانَ المملوكُ لَمّا فارق مولاه أراد استعتاب الدَّهر الكافح، واستدرار خِلْف الزّمان الجامح، اغترارًا بأنّ في الحركة بَرَكَة، والاغترابُ داعيةُ الاكتساب، فامتطى غارِبَ الأمل إلى الغُرْبة، وركب ركوب التّطواف مع كلّ صُحْبة، قاطِعَ الأغوارِ والأنجاد حَتّى بلغ السَّدّ أو كاد، فلم يُصْحَب لَهُ دَهْرُهُ الحَرُونُ، ولا رقَّ لَهُ زمانُه المفتون.
إنَّ الليالِي والأيَّام لوْ سُئِلَتْ ... عَنْ عَتْبِ أَنْفُسِهَا لم تَكْتُمِ الخَبَرا
وهيهات مع حِرفة الأدب، بلوغُ وطرٍ، أو إدراكُ أَرَب، ومع عُبُوس الحظِّ ابتسامُ الدّهر الفَظِّ. ولم أزل مع الدّهر في تفنيدٍ وعتاب، حَتّى رضيتُ من الغنيمة بالإِياب. وكان المقام بمَروَ الشَّاهِجَان إلى أنّ حدث بخُراسان ما حدث [ص:825] من الخرابِ، والويل المُبير واليباب. وكانت - لعَمرُ الله - بلادًا مونقة الأَرجاء رائقةَ الأَنحاء، ذَات رياض أَريضة، وأهوية صحيحة مَرِيضة، قد تَغَنَّت أطيارُها، فتمايلت أَشْجارُها، وبكت أنهارُها، فتضاحكت أزهارُها، وطاب رَوْحُ نَسِيمها، فَصَحَّ مِزاجُ إقليمها.
إلى أنّ قال: جملةٌ أمرها أنّها كانت أنموذج الجنّة بلا مينٍ، فيها ما تشتهي الأَنْفُس، وتَلَذُ العيْن.
إلى أن قال في وصف أهلها: أطفالهم رِجال، وشُبَّانُهم أبطال، وشيوخُهم أَبْدال. ومِن العجب العجاب أنْ سلطانَهم المالك، هان عليه تركُ تِلْكَ الممالك، وقال: يا نفس الهوى لك، وإلّا فأنتِ في الهَوالك، فأجفل إجفال الرَّال، وطَفِقَ إذا رأى غيرَ شيء ظنّه رجلًا بل رجال، فجاسَ خلالَ تلك الدّيار أهلُ الكفر والإلحاد، وتَحَكَّم في تلك الأَبْشَارِ أولو الزَّيْغِ والعِناد، فأصبحت تلك القُصُورُ، كالمَمْحُو من السُّطور، وآضت تلك الأَوطان مأوى للأَصْداءِ والغِرْبان، يستوحِشُ فيها الأنيس، ويرثي لمصابها إبليس، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون مِنَ حَادِثةً تَقْصِمُ الظَّهْرَ، وتَهْدِمُ العُمْرَ، وتُوهي الجلد، وتضاعف الكمد، فحينئذٍ تقهقر المملوك على عقبه ناكسًا، ومن الأَوْبة إلى حيث تستقرّ فيه النفس آيسًا بقلبٍ واجب، ودمع ساكب، ولُبٍّ عازِب وحلمٍ غائب، وتَوَصَّلَ، وما كاد حتّى استقرّ بالمَوْصِل بعد مقاساة أخطار، وابتلاءٍ واصطبار، وتمحيص أوزار، وإشرافٍ غير مرة على البوار؛ لأنّه مرّ بين سيوفٍ مَسْلُولة، وعساكر مَغْلُولة، ونظام عقود محلولة ودماءٍ مسكوبةٍ مطلولة. وكانَ شِعارُه كلّما علا قَتَبًا، أو قطع سِبْسبا {لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} فالحمد لله الّذي أقدَرَنَا على الحمد، وأولانا (نعما) تفوتُ الحَصْر والعَدّ. ولولا فُسحةُ الأجل لعزَّ أن يُقال: سلم البائس أو وصَل، ولصفَّق عليه أهلُ الوِداد [ص:826] صفقةَ المغبون، وأُلحِق بألف ألف هالك بأيدي الكفار أو يزيدون.
وبعد، فليس للملوك ما يُسلِّي به خاطرَهُ، ويَعِدُ به قلبَه وناظرَه إلّا التعليلُ بإزاحة العِلل، إذا هُوَ بالحضرة الشريفة مَثَلَ.
وُلِدَ ياقوت سَنَة أربعٍ أو خمسٍ وسبعين وخمسمائة. ومات في العشرين من رمضان سَنَة ستٍّ هذه.
وكان قد سَمَّى نفسَهُ يعقوب. ووقفَ كتبه ببغداد على مشهد الزَّيْديّ.
قال ابن النّجّار: أنشدني ياقوت الحَمَويُّ لنفسه:
أَقولُ لِقَلْبي وَهُوَ في الغيِّ جامحٌ ... أَمَا آنَ لِلجَهْلِ القَدِيم يَزُولُ
أَطَعْتَ مَهَاةً في الحِذار خَريدَة ... وَأَنْتَ عَلَى أُسْدِ الفَلاةِ تَصُولُ
ولَمّا رأيتُ الوَصْلَ قَدْ حِيلَ دُونَه ... وَأَن لِقَاكُمْ مَا إِلَيْهِ وُصُولُ
لَبِسْتُ رِدَاءَ الصَّبْرِ لا عَنْ ملالة ... ولكنّي لِلضَّيْمِ فِيكَ حَمُولُ(13/823)
381 - يعقوبُ بن صابر بن بركات، الأَديبُ أبو يوسُف القُرَشيُّ الحَرّانيُّ ثمّ البَغْداديُّ المَنْجَنِيقيُّ الشَّاعر. [المتوفى: 626 هـ]
لَهُ ديوان. وكان مِن فحول الشعراء بالعِراق. وُلِدَ سَنَة أربعٍ وخمسين وخمسمائة. وسَمِعَ من هِبَة الله بن عبد الله ابن السَّمَرْقَنْديّ. وحدَّث؛ كتب عنه ابن الحاجب، وغيرُه.
ومن شِعره:
شَكَوْتُ مِنْه إِلَيْهِ جَوْرَه فَبَكَى ... واحْمَرَّ مِنْ خجلٍ واصْفَرَّ مِنْ وَجَلِ
فالوَرْدُ والياسَمِين الغَضّ منغمسٌ ... في الطَّلِّ بَيْنَ البُكَا والعُذْر والعَذْلِ
تُوُفّي في صفر.
وكان مُقَدَّم المَنجّنيقيّين ببغداد. وما زال مُغْرًى بآداب السيف والقلم [ص:827] وصناعة السلاح والرياضة. اشتهر بذلك فلم يلحقْه أحدٌ في عصره؛ في دِرايته وفَهْمه، لذلك صَنَّف كتابًا سمّاه " عُمْدة المسالك في سياسة الممالك " يتضمّن أحوالَ الحُروب وتعبئتها وفتح الثغور وبناء الحصون وأحوال الفروسية والهندسة إلى أشباه ذلك.
وكان شيخًا لطيفًا، كثيرَ التّواضع والتَّودَد، شريفَ النَّفْس، طيّبَ المُحاورة، بديعَ النَّظْم. وكان ذا منزلةٍ عظيمة عند الإمام النّاصر.
روى عنه العفيفُ عليُّ بن عَدْلان المترجم المَوْصِليّ.
وقد طَوَّل ابن خَلّكان ترجمَتَهُ في خَمْسِ ورقات وقال: لقبه نجم الدّين ابن صابر. ومن شِعْره في جاريته السوداء:
وجَارِيةٍ مِنْ بَنَاتِ الحُبُوش ... بذَاتِ جُفُون صحاحٍ مِرَاض
تَعشَّقْتُها للتَّصابي فَشِبْتُ ... غَرَامًا ولم أَكُ بالشَّيْبِ راض
وكُنْتُ أُعِّيرُهَا بالسَّواد ... فَصَارَت تُعَيِّرُني بالبَيَاض(13/826)
382 - يعيش بن عليّ بن يَعيش بن مسعود بن القَديم الأَنصاري الشَّلْبيُّ الأَنْدَلسِيّ، أبو البقاء وأبو مُحَمَّد وأبو الحَسَن. [المتوفى: 626 هـ]
روى عن أبي القاسم القِنْطريّ، وأبي الحَسَن عَقِيل، وموسى بن قاسم، وأبي عبد الله بن زرقون، وجماعة. وأجاز لَهُ أَبُو القاسم بْن بَشْكُوالَ، وَأَبُو الحَسَن الزُّهْريّ. وفي مشايخه كثرة. وقد سَمِعَ بفاس من أبي عبد الله بن الرّمّامة، وعلي بن الحسين اللّواتيّ، وأبي عبد الله بن خليل الإِشْبِيليّ.
وكان من أهل المعرفة بالقراءات، والإِكثار من الحديث مع الضَّبْطِ والعدالة. وأَلّفَ " فضائل مالك "، وكتابًا في القراءات.
حدَّث عنه أبو الحَسَن ابن القَطّان، وأبو العبّاس النَّباتيّ، وأبو بكر بن غَلْبون، وجماعة. ومن المُكثرين عنه ابن فرتون، وقال: عاش سبعًا وتسعين سَنَة.
وقال ابن مَسْدِيّ: شيخُنا أبو البقاء نزيلُ فاس، أعذبُ مَنْ لقينا بالقرآن [ص:828] لسانًا، كتب بخطّه نيّفًا على خمسمائة مجلّد. أخذ القراءات عن عَقيل بن العقل الخَوْلانيّ، وعن موسى بن القاسم. وسَمِعَ من جماعة، تفرَّد عنهم، ولم يزل يسمع إلى حين وفاته.
إلى أن قال ابن مَسْدِيّ: ذكرتُ لشيخنا ابن القَديم يومًا إجازة الفقيه أبي الوليد بن رُشْد لِكلّ من شاءَ الرواية عنه، فقال: ذَكّرتني، وأنا أُحِبُّ الرواية عنه، اشْهَدْ عليّ أنّي قد قَبلتُ هذه الإِجازة. فقلتُ أنا: فأفعل أنت مثلَه. فقال: وأشهد عليَّ أني قد أجزتُ لِكل من أحبَّ الروايةَ عنّي. وهذا في رمضان سنة إحدى وعشرين وستمائة، وقد وقفت على إجازة له بالقراءات في سنة أربع وثلاثين وخمسمائة. قرأتُ عليه بالعَشْر. وأخبرنا أنّ مَوْلِدُه سَنَة سبع عشرة وخمسمائة بشِلْب، ومات على ما بلغني سَنَةَ أربعٍ وعشرين وستمائة.
وقال الأبّار: مات سنة ست وعشرين وستمائة.(13/827)
383 - يوسُف بن أبي بكر بن محمد بن عليّ، أبو يعقوب السَّكَّاكيُّ، سراجُ الدِّين الخُوارزْميّ. [المتوفى: 626 هـ]
إمامٌ في النَّحْو والتّصريف وعلمِي المعاني والبَيان، والاستدلال، والعَرُوض، والشِّعر. ولَهُ النصيبُ الوافر في علم الكلام، وسائر فنون العلوم. من رأى مصنَّفه، عَلِمَ تبحُّرَهُ ونُبْلَهُ وفَضْلَهُ.
تُوُفّي في هذه السنة بخُوارزم.(13/828)
384 - أبو يوسُف، السُّلطان الملك المسعود ويُدعى آقسيس، ابن السُّلطان الملك الكامل محمد ابن العادل، [المتوفى: 626 هـ]
صاحب اليمن ومَكّة.
مَلَكَها تسع عشرة سَنَة. وكان أبوه وجَدُّه قد جَهَّزا معه جيشًا، فدخلَ اليمنَ وتملَّكَها. وكانَ فارسًا، شُجاعًا، مَهِيبًا، ذا سطوة، وزَعَارَّةٍ، وعسفٍ، وظلمٍ. لكنّه قمع الخوارجَ باليمن، وطرد الزَّيدية عن مَكّة، وأمَّنَ الحاجّ بها. [ص:829]
قال أبو المظفر الجوزي: لما بلغ آقسيس موت عمه الملك المعظم تجهز ليأخذ الشام، وكان ثقله في خمسمائة مركب، ومعه ألف خادم، ومائة قنطار عنبر وعود، ومائة ألف ثوب، ومائة صندوق أموال وجواهر. وسار إلى مكة - يعني من اليمن - فدخلها وقد أصابه فالجٌ، ويبست يداه ورجلاه. ولما احتضر قال: والله ما أرضى من مالي كَفَنًا. وبعث إلى فقيرٍ مغربيّ فقال: تصدَّقَ عليّ بكَفَن، ودُفِنَ بالمَعْلَى. وبلغني أنّ والده سُرَّ بموته، ولَمّا جاءه موتُه مع خَزْنَداره ما سأله: كيف مات؟ بل قال لَهُ: كم معك من المال؟ وكان المَسْعُودُ سيئ السيرة مع التُّجّار، يرتكب المعاصي ولا يهابُ مَكّة، بل يشربُ الخمرَ، ويَرْمي بالبُنْدُق، فربّما علا البُنْدق على البَيْت.
وقال ابن الأثير: سارَ الملك المسعود آتسِز إلى مَكّة وصاحبُها - حينئذٍ - حَسَنُ بن قَتَادَة بن إدريس العَلَويّ كَانَ قد ملكها بعد أبيه، فأَساء إلى الأشراف والعبيد، فلقِيه آتسِز فتقاتلا ببطن مَكّة، فانهزم حسن وأصحابُه، ونهب آتسِز مَكّة. فحدَّثني بعضُ المُجاورين أنهم نهبوها حَتّى أخذوا الثِّيابَ عن النّاس وأفقروهم. وأمر آتسِز أنّ يُنبش قبرُ قَتَادَة ويحرق. فظهر التابوتُ، فلم يروا فيه شيئًا، فعلموا حينئذٍ أنّ الحَسَن دفن أباه سِرًّا.
قلت: تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة. وخَلَّف ابنًا وهُوَ الصالحُ يوسُف بقي إلى سَنَة بضعٍ وأربعين.(13/828)
-وفيها وُلِدَ:
شيخُنا جمال الدِّين أحمد ابن الظّاهريّ، في شوَّال بحلب، والفخرُ محمد بن يحيى ابن الصِّيرفيّ الحَرّانيّ بها، والعمادُ يحيى بن أحمد الحَسَنيّ الشريف البُصْرَوي، بدمشق، وأبو عبد الله أحمد بن محمد بن الأنجب ابن الكَسّار، ببغداد، والأمينُ أحمد بن أبي بكر بن رسلان البَعْلَبَكّيّ، بدمشق، وقاضي القضاة شهابُ الدّين محمد بن أحمد بن الخليل ابن الخويي الشافعي، في شوّال، والنّجم أحمد [ص:830] ابن أبي بكر بن حمزة الهمذاني ابن الحنيبلي، والفخرُ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الحُسَيْن بن عَبْد السلام السَّفَاقسيّ بالإِسكندرية، والجمال إبراهيم بن علي ابن الحبوبي بدمشق، وأبو بكر ابن الزّين بن عبد الدّائم بكفربطنا، وإبراهيم بن عنبر الحَبَشيّ، قَيِّم الماردانية، وعيسى بن عبد الرحمن المُطَعِّم، وهَدِيَّةُ بنت عليِّ بن عَسْكر الهَرّاس، وفاطمة بنتُ عبد الرحمن أخت ابن الفَرَّاء، وأبو المحاسن بن أبي الحرم ابن الخِرَقيّ، وداود بن يحيى الفَقِير الحَرِيريّ، والكمالُ عليّ بن مُحَمَّد بن حُسَيْن الفرنثي، والعَفِيفُ عبد القويّ بن عبد الكريم أخي الحافظ زكي الدِّين المُنذريّ، وأحمد بن عبد الرحيم بن عازر اللّحّام الصالحيّ، والشيخ عليُّ بن مُحَمَّد بن هارون الثَّعْلَبِيّ بدمشق، وكمال الدِّين أحمد بن أبي الفتح ابن العَطّار الكاتب بدمشق. وقيل: بل وُلِدَ سَنَة سبع.(13/829)
-سنة سبع وعشرين وستمائة(13/831)
385 - أحمد بن أبي الفَتْح أحمد بن موسى، الشريف أبو العبّاس الْجَعْفَريُّ البَغْداديُّ النقيب. [المتوفى: 627 هـ]
حدث عن أبي طالب بن خُضَيْر، وغيره. وتُوُفّي في شوَّال.
قال ابن الحاجب: كَانَ مُغفّلًا، كنّا نقرأ عليه حكايات أشعب فيبكي.(13/831)
386 - أحمدُ بْن إبراهيم بْن أبي العلاء بْن أَحْمَد بْن حَسَّان، أبو العبّاس الأزْديّ الحمصيّ ثمّ الدّمشقيُّ. [المتوفى: 627 هـ]
سَمِعَ من أَبِي سَعْد بْن أَبِي عصرون، ويحيى الثّقفيّ، وجماعة. وسَمِعَ بمصر من البُوصيريّ. وحدَّث. ومات في المحرّم.
روى عنه الأبَرْقُوهيّ بالإِجازة.(13/831)
387 - أحمد بن إبراهيم بن عبد الملك بن مُطَرِّف، أبو جعفر التَّمِيميّ الأَنْدَلسِيّ. [المتوفى: 627 هـ]
رحل إلى المشرق أربعَ مرّات أولها سَنَة سبعين وخمسمائة. وسَمِعَ من الفقيه أبي الطّاهر بن عَوْف بالإسكندرية، ومن عمر الميانشي والمبارك ابن الطَّبَّاخ بمكّة.
وكان رئيسًا واصلًا عندَ ملوك المغرب، فجرت عليّ يديه قربٌ كثيرة. ولَهُ بالحرمين أوقاف وبرٌّ. وتُوُفّي بسَبْتة في صفر. وقد حدَّث؛ قاله الأَبَّار.
وقال ابن مَسْدِيّ عنه: دخلتُ الإسكندرية سَنَة تسعٍ وستّين، وفُتِحَتْ لَهُ الدُّنيا فصارَ يلبس الثياب الثَّمينة، وعلى جلده جُبّة مُرَقَّعةً، ذكر: أنّ أبا مَدْين أعطاه إيَّاها. وكان لَهُ أورادٌ. وكان كثير الحكايات لكنّه أغَرَبَ بأشياء، فأبهمت أمره، وأشكلت عُرفه ونُكره. وُلِدَ على رأس الأربعين، وقال لي: إنَّه سَمِعَ من السِّلَفيّ، وبِبِجَاية من عبد الحقّ.(13/831)
388 - أحمد بن أبي السعود بن حسّان، أبو الفضل البَغْداديُّ الرَّصافِيُّ الكاتب المجوّد. [المتوفى: 627 هـ]
كَانَ فائقَ الخطِّ، كتبَ الكثيرَ وجَوَّدَ عليه جماعةٌ ببغدادَ. وكَانَ مُتَديِّنًا، حَسَنَ الأخلاق، متودِّدًا، لديه فضلٌ، وأدبٌ. حجَّ فأدركه الأجلُ بمكّة بعد قضاء نسكه في ذي الحِجَّة.
روى عنه ابن النّجّار أبياتًا من شِعره.(13/832)
389 - أحمد بن فَهْد العَلْثيّ، أبو العبّاس الفقيه. [المتوفى: 627 هـ]
تُوُفّي ببغداد في شعبان.(13/832)
390 - أحمد بن محمد بن جابر، قاضي قضاة إفريقيه أبو العبّاس الهُواريّ المالكيُّ. [المتوفى: 627 هـ]
سَمِعَ من مُحَمَّد بن إبراهيم ابن الفَخّار، ونَجَبَة بن يحيى لَمّا قَدِمَا تونُس، ومن جماعة. وعاش سبعين سَنَة.
أخذ عنه ابن مَسْدِيّ.(13/832)
391 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مَنْتال، أبو القاسم الأَزْديّ المرسي. [المتوفى: 627 هـ]
سَمِعَ أبا القاسم عبد الرحمن بن حبيش، وأبا عبد الله بن حميد. وحدَّث.
تُوُفّي في ربيع الأوّل.(13/832)
392 - إسماعيل بن أبي الفتوح محمد ابن البوَّاب، أبو العزِّ البَغْداديُّ. [المتوفى: 627 هـ]
تُوُفّي في شوَّال. سَمِعَ مسلم بن ثابت.
قال ابن النّجّار: كتبت عنه، ولا بأسَ به.(13/832)
393 - أفضلُ، واسمُه مُحَمَّد بن أبي البركات المُبارك بن عبد الجليل بن أبي تمام، الشريف أبو الفضل الهاشميّ الحَرِيميّ الخطيب، المعروف بابن الشَّنْكاتيّ. [المتوفى: 627 هـ][ص:833]
ولد سنة أربعين وخمسمائة. وسمع من أبي المعالي محمد ابن اللّحّاس، وأحمد بن عليّ النَّقيب، وأبي المكارم مُحَمَّد بن أحمد الطَّاهري، وعُمَرَ بن بُنَيْمان، وشهدة، وطائفة.
وشهد عند القضاء، وولي خطابةَ جامعِ المنصور، ثمّ خطابة جامع القَصْر. وحدَّث.
والشِّنكاتيّ: بشين معجمة ونون وتاء مثنّاة.(13/832)
394 - الحَسَن بن محمد بن الحَسَن بن تُرْكي، أبو عليّ الإِسكندرانيُّ العَدْلُ. [المتوفى: 627 هـ]
وُلِدَ سَنَة خمسين وخمسمائة، وحدَّث عن السِّلَفيّ. وهُوَ مِن بيت عدالة وجلالة. ومات في أوّل ذي الحِجَّة.(13/833)
395 - الحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الْحسن بْن هبة اللَّه بن عبد الله، زين الأمناء أبو البركات ابن عساكر الدّمشقيُّ الشّافعيُّ. [المتوفى: 627 هـ]
وُلِدَ في سَلْخ ربيعٍ الأول سنة أربعٍ وأربعين وخمسمائة. وسَمِعَ من عبد الرحمن بن أبي الحَسَن الدّرانيّ، وأبي العشائر محمد بن خليل، وأبي المُظَفَّر سعيد الفَلَكَيّ، وأبي المكارم بن هلال، وعَمَّيْهِ الصائن هِبَة الله، وأبي القاسم الحافظ، وأبي القاسم الحسن بن الحسين ابن البُنّ، وعبدِ الواحد بن إبراهيم بن القُّزَّة، والخَضِر بن شِبْل الحارثيّ، وإبراهيم بن الحَسَن الحصينيّ، ومحمد بن أسعد العِراقيّ، وعليّ بن أحمد ابن مُقاتل السُّوسيّ، وأبي النّجيب عبد القاهر السُّهَرَوَرْدِيّ، وأبي مُحَمَّد الحَسَن بن عليّ البَطَليَوسِيّ، ومُحَمَّد بن حمزة ابن الموازينيّ، وحسّان بْن تميم الزّيّات، وعليّ بْن مَهْديّ الهِلالي، والمبارك بن عليّ، ومُحَمَّد بن محمد الكُشْمِيهَنِيّ؛ وأخيه محمود، وعبد الرشيد بن عبد الجبّار بن مُحَمَّد الخُواريّ، ومُحَمَّد بن بَرَكة الصِّلْحِيّ، وداود بن مُحَمَّد الخالديّ، وطائفة. [ص:834]
روى عنه البِرْزَاليُّ، وعزُّ الدِّين عليُّ بن محمد بن الأثير، والزّكيّ المنذريّ، والكمال ابن العَدِيم، وابنُه أبو المجد، والزّينُ خالد، والشرف النابلسيّ، والجمال ابن الصَّابونيّ، والشهابُ القُّوصيُّ - وقال: سَمِعْتُ منه " سُنَن الدّارقطنيّ " -، والشمس محمد ابن الكَمالُ، وسَعْدُ الخير بن أبي القاسم، وأخوه نصرُ الله، وحفيدُه أمينُ الدِّين عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الوهّاب.
وَحَدَّثَنَا عنه الشرفُ أحمد بن هبة الله، والعماد عبد الحافظ بن بَدْران، والشهاب الأبَرْقُوهيّ، وغيرُهم.
وكان شيخًا جليلًا، نَبِيلًا، صالحًا، خَيِّرًا، مُتَعَبِّدًا، حَسَنَ الهَدْي والسَّمْتِ، مليحَ التّواضع، كَيِّس المُحاضرة، من سروات البلد.
تَفَقَّه على جمال الأئمة أبي القاسم عليّ بن الحسن ابن الماسح.
وقرأ برواية ابن عامر على أبي القاسم العُمَريّ، وتأدَّب على عليِّ بن عثمان السُّلَمِيّ.
وولي نظرَ الخِزانة، ونظر الأوقاف، ثمّ تركَ ذلك، وأقبلَ على شأنه وعبادته، وكانَ كثير الصَّلاةِ حَتّى أنَّه لُقِّبَ بالسَّجَّاد. ولقد بالغَ في وصفه عُمَر ابن الحاجب بأشياء لم أكتبها، وقد ضرب على بعضها السَّيفُ. وقال السيف: سمعنا منه إلّا أنَّه كَانَ كثيرَ الالتفات في الصّلاة. ويقال: أنَّه كَانَ يُشارِي في الصّلاة، ويشيرُ بيده لمن يبتاع منه!
وقال ابن الحاجب: حجَّ شيخُنا وزار القُدس. وسألتُ عنه البِرْزَاليَّ فقال: ثقةٌ، نبيلٌ، كريمٌ، صيّنٌ. تُوُفّي في سحَرَ يوم الْجُمْعَة سادس عشر صَفَر. وكان الْجَمْع كثيرًا، ودُفِنَ بجنب أخيه المفتي فخر الدِّين عبد الرحمن. ورأيت الألسنةَ مجتمعةً على شُكره، ووصفِ محاسنه، رحمه الله.
وقال أبو شامة: كَانَ شيخًا صالحًا، كثيرَ الصَّلاة والذِّكر. أُقْعِدَ في آخر عُمُره، فكان يُحْملُ في محفّةٍ إلى الجامع وإلى دارِ الحديث النُّورية، ليُسْمَعَ عليه، وحضرَهُ خَلْق كثيرٌ. وعاشَ ثلاثا وثمانين سَنَة.
قلت: آخر من روى عنه بالإجازة تاج العرب بنت أبي الغنائم بن علاّن.(13/833)
396 - الخَضِرُ، الملك الظافِرُ مظفرُ الدِّين أبو الدَّوام، ويُعْرَف بالمُشَمِّر، ابن السُّلطان صلاح الدِّين. [المتوفى: 627 هـ]
وإنّما عُرِفَ بالمُشَمِّر، لأنَّ أباه لمَّا قَسَم البلادَ بين أولاده الكبار، قال هُوَ: وأنا مُشَمِّر.
وُلِدَ بالقاهرة سَنَة ثمانٍ وستّين. وهُوَ شقيقُ الملك الأفضل.
تُوُفّي بحرَّان عند ابن عمّه الملك الأشرف موسى في جُمَادَى الأولى. والأشرف قد مرّ بها لحرب الخوارزمية.(13/835)
397 - راجحُ بن إسماعيل بن أبي القاسم، أبو الوفاء الأَسَدِيُّ الحُلِيُّ الشَّاعرُ المشهور شرفُ الدِّين. [المتوفى: 627 هـ]
صدرٌ نبيلٌ، مدحَ الملوكَ بالشّام ومصر والجزيرة. وكان شاعراً أخبارياً.
ولد سنة سبعين وخمسمائة بالحِلَّة. ومات في السابع والعشرين من شعبان.
وروى شيئًا من نظمه بحلَب وحَرَّان. وشعرُه كثير.(13/835)
398 - زَكَريّا بن يحيى القُطُفْتيُّ. [المتوفى: 627 هـ]
حدث عن أبي نصر يحيى بْن السَّدَنْك. ومات فِي جُمَادَى الأولى.(13/835)
399 - سلامة بن صَدَقَة بن سلامة، الفقيهُ البَارعُ أبو الخير ابن الصّوليّ الحرانيّ. [المتوفى: 627 هـ]
حدّث عن أبي السعادات نصر الله ابن القَزَّاز.
والصَّوْليُّ - بالفتح -: الإِسكاف بلُغة الحَرَّانيين. [ص:836]
وأمّا مُحَمَّد بن جعفر الصَّوْليّ، فمنسوب إلى صَوْل: قرية بالصَّعيد، سيأتي.(13/835)
400 - سُلَيْمان بن أحمد بن إسماعيل بن أبي عَطَّاف، المَقْدِسيُّ الفقيه الحَنْبَليُّ [المتوفى: 627 هـ]
نزيل حَرَّان.
روى عن أحمد بن أبي الوفاء الصّائغ " جزء ابن عَرَفَة "، رواه لنا عنه ابنُه أبو العبّاس أحمد. وحدَّث عنه الشيخ الضّياء، وغيرُه.
ووُلِدَ تقديرًا سَنَةَ اثنتين وخمسين. وكان مِن أَعيان الحنابلة وعلمائهم.
تُوُفّي في جُمَادَى الأولى.(13/836)
401 - طاهر بن عليّ بن طاهر، أبو الحَسَن الطَّاهِريُّ. [المتوفى: 627 هـ]
يقال: إنَّه مِن وَلَدِ طاهر بن الحُسَيْن.
تُوُفّي في شوَّال بحَرَّان.
وحدَّث عن أحمد بن أبي الوفاء.(13/836)
402 - عَبْدُ اللهِ بن معالي بن أحمد، الفقيه الإمام أبو بكر ابن الرَّيّانِيُّ البَغْداديُّ الحَنْبَليّ. [المتوفى: 627 هـ]
تَفَقَّه على أبي الفَتْح ابن المنّي، وغيره. وسمع من شُهْدَةَ.
والرَّيَّان: محلّة بشرقيّ بغداد. أمّا مُحَمَّد بن أحمد الرَّيَّانِي النَّسائيّ، فنسبة إلى قرية من قُرى نَسَا، يروى عن أبي مصعب.
توفّي أبو بكر في خامس جُمَادَى الأولى ببغداد.(13/836)
403 - عبد الرحمن بن دَحْمَان، أبو بكر الأنصاريُّ المالَقيُّ. [المتوفى: 627 هـ]
أخذ القراءات عن عمِّه القاسم بن عبد الرحمن، وسَمِعَ منه ومن السّهيليّ، وأبي عبد الله ابن الفخّار. [ص:837]
وذكره الأبار فقال: كان من أهل الإتقان للقراءات والعربية.(13/836)
404 - عبد الرحمن بن عبد الملك بن بقاء بن طنطنة أبو محمد الحريمي. [المتوفى: 627 هـ]
سمع من أحمد بْن علي بْن المعمر النقيب. ومات في شوال.(13/837)
405 - عبد الرحمن بن أبي بكر عتيق بْن عَبْد العزيز بْن علي بْن صيلا، أبو محمد الحربي المؤدب. [المتوفى: 627 هـ]
ولد سنة ثلاثٍ وأربعين وخمسمائة. وروى عن أبيه، وأبي الوَقْت، وعبد الرحمن بن زيد الوَرَّاق. روى عنه: السَّيف، والتّقيّ ابن الواسطيِّ، والأبَرْقُوهيّ، وجماعةٌ. وتُوُفّي في السادس والعشرين من ربيع الأَوَّل.
سَمِعَ منه ابن الواسطيّ، وابن الر. . . كتاب " ذَمّ الكلام ".(13/837)
406 - عَبْدُ الرحمن بن يَخْلَفْتَن بن أحمد، أبو زيد الفازازيُّ القُرْطُبيّ، [المتوفى: 627 هـ]
نزيلُ تِلِمْسان.
روى عن أبي القاسم السُّهَيْلِيّ، وأبي الوليد بن بَقِيُّ، وابن الفَخّار، وطبقتهم.
وكان شاعرًا مُحْسنًا، بَليغًا، فقيهًا، متكلِّمًا، لُغويًا، كاتبًا، كتب للأُمراء زمانًا. ومال إلى التّصوف. وكان شديدًا على المُبْتَدِعة.
مات بِمُرَّاكِش في ذي القِعْدَة، رحمه الله.
أخذ عنه ابن مَسْدِيّ وذكر: أنّ مَوْلِدُه بعد الخمسين. وقال: أنشدني لنفسه:
عِلْمُ الحَدِيثِ لِكُلِّ عِلْمٍ حجّةٌ ... فَاشْدُدْ يَدَيْكَ بِهِ عَلى التَّعْيينِ [ص:838]
وَتَوَخَّ أَعْدَلَ طُرُقِهِ واعْمَلْ بِهَا ... تَعْمَلْ بِعِلْمِ بصيرةٍ وَيقِين
في أبيات منها:
في كُلِّ عصرٍ للحديثِ أئمّةٌ ... نَابتْ عَنِ القَطَّان وابن مَعِينِ
خلفٌ عن السلف الكرام ورايةٌ ... مَوْعُودةُ البُقْيَا ليوم الدين(13/837)
407 - عبد الرزاق بن حسن بن بالان، أبو محمد المصمودي المغربي ثم الدّمشقيّ. [المتوفى: 627 هـ]
عاش خمساً وثمانين سنة. حدّث عن أبي المعالي بن صَابِر. وتُوُفّي في ربيع الأَوّل.(13/838)
408 - عبدُ السّلام بن عبد الرحمن بن أبي منصور علي بن عليّ بن عبيد الله، علاء الدّين أبو الحسن البَغْداديُّ الصُّوفيّ، ابن سُكَيْنَة. [المتوفى: 627 هـ]
من بيت مَشْيَخة ورواية. وُلِدَ في صَفَر سَنَة ثمانٍ وأربعين. وسَمِعَ أبا الوَقْت، وأبا المُظَفَّر محمد بن أحمد التُّرَيكيّ، ومحمود فُورجة، وأحمد بن قَفَرْجَل، ويحيى بن عبد الرحمن ابن تاج القُرَّاء، والوزير الفَلَكيَّ أبا المُظَفَّر، وابن البَطِّي، وجماعةٌ.
كتبَ عنه ابن النّجّار، وابن الحاجب، والدّبيثيّ، والسّيف، والشرف ابن النابلسيّ، والتّقيّ ابن الواسطيّ، وجماعةٌ.
وسمع حضوراً من سعيد ابن البَنّاء، ونصر العُكْبَرِيّ.
وتُوُفّي في الحادي والعشرين من صفر.
وآخر مَنْ روى عنه بالإِجازة فاطمةُ بنت سُلَيْمان.
وكان متواضعًا، نسخَ الكثيرَ.
وروى عنه المجدُ عبد العزيز الخلَيِليّ أيضًا، والشمس ابن الزَّين. وكان عنده " جُزء لُوَيْن " عن فُورجة.
وَثّقَهُ ابن النّجّار.(13/838)
409 - عبد السَّلام بن عبد الرحمن ابن الشيخ العارف أبي الحكم عبد السَّلام بن عبد الرحمن بْنُ أَبِي الرِّجَال مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ اللَّخْمِيّ الإِفريقيُّ المَغْرِبيُّ ثمّ الإِشْبِيليّ، المعروف بابن بَرَّجان، وهُوَ مخفّف من ابن أبي الرَّجّال. [المتوفى: 627 هـ]
أخذَ القراءاتِ عن أبي الحَسَن سُلَيْمان بن أحمد، وأبي القاسم أحمد بن محمد بن أبي هارون. وأخذ العربيةَ واللُّغة عن أبي إسحاق بن مَلْكون؛ ولازَمهُ كثيرًا، وسَمِعَ منهم.
قال الأَبَّارُ: وكان مِن أحفظ أهل زمانه لِلُّغة، مُسلَّمًا ذلك لَهُ، ثقةً، صَدُوقًا. ولَهُ ردٌّ على أبي الحَسَن بن سِيده. رأيته بأشبيلية. وأخذَ عنه بعض أصحابِنا. وكان رجلاً صالحاً مُنْقَبِضًا عن النّاس، مُقبلًا على شأنه.
تُوُفّي فِي جُمَادَى الأولى.(13/839)
410 - عبدُ العزيز بن محمود بن عبد الرحمن، الفقيه أبو مُحَمَّد المالكيُّ، المعروف بالعَصَّار. [المتوفى: 627 هـ]
مِن فُضلاء المصريّين.
قال المُنذريّ: تَفَقَّه، واشتغلَ بعلم الحديث، وأقبلَ عليه إقبالًا كثيرًا، وجاور بمكة مُدَّة. وكان على طريقة حَسَنة، يُؤْثِر الانفرادَ وتَرْكَ ما لَا يَعْنِيه، ويَصْحَبُ الصالحينَ. وكتب بخطه كثيرا. واختصر " الجمع بين الصحيحين " للحميدي.(13/839)
411 - عبد الغني بن محمد بن عبد الغني بن سلمة، أبو محمد الغرناطي الصيدلاني. [المتوفى: 627 هـ]
سمع أبا محمد بن الفرس، ولازمه نحوا من عشرين سنة، وسَمِعَ أبا زيد السُّهَيْلِيَّ، وأبا عبد الله بن زَرْقون. وأجازَ لَهُ أبو طاهر السِّلَفِيُّ، وغيره. [ص:840]
قال الأَبَّار: في روايته عن ابن بَشْكُوالَ نظرٌ. وَلِيَ قضاء مَيُورْقَةَ بعناية بعض الكُتَّاب. وكان لا يُحْسِنُ الأَحكامَ، ولم يكن مَرْضيّ الْجُملة، ولا صادقًا. وتُوُفّي في المحرَّم قبل دخولِ الروم - لعنهم الله - مَيُورْقَةَ عَنْوةً بأيام.(13/839)
412 - عَبْدُ الملك بن عبد الله بن محمد، أبو مروان الفَحْصُبليّ المَغْربيُّ البُونيّ الصَّيّاد السَّمَّاك الزَّاهد. [المتوفى: 627 هـ]
رَحَلَ، وتَفَقَّه بأبي الطّاهر بن عَوْف. ودَرَّس ببُونة.
أخذ عنه ابن مَسْدِيّ، وقال: مات في شعبان سَنَةَ سبْعٍ.(13/840)
413 - عثمانُ بن عبد الرحمن بن حَجَّاج القاضي أبو عَمْرو التُّوَّزَريُّ. [المتوفى: 627 هـ]
حجَّ، وسَمِعَ من السِّلَفِيّ، وابن عَوْف. ذكره ابن مَسْدِيّ وأَرَّخَهُ.(13/840)
414 - عليُّ بن إبراهيم بن أحمد بن حَسَّان، أبو الحَسَن البَغْداديُّ البَزَّاز. [المتوفى: 627 هـ]
حدَّث عن أبي الفَتْح بن شاتيل. ومات في شعبان.(13/840)
415 - عُمَرُ بْن أحْمَد بْن عُمَر، أَبُو حفص البَغْداديُّ الصَّحْراويّ. [المتوفى: 627 هـ]
حدَّث عن أبي الحسين عبد الحق.
ومات في صفر.(13/840)
416 - القاسم بن عليّ بن شريف، القاضي أبو المنصور المِصْريّ البِلْبِيسيُّ الشّافعيُّ، شَرَفُ الدِّين [المتوفى: 627 هـ]
قاضي المحلّة.
ولد سنة ستّ وستّين وخمسمائة بالقاهرة. وسمع من الأرتاحيّ، والقاسم ابن عساكر، والغزنويّ. وتفقّه على السّيف عليّ بن أبي عليّ الآمديّ لمّا كان بمصر، وهو من قدماء أصحابه. وأعاد بمدرسة الشافعيّ، وبالمدرسة الفاضلية. [ص:841]
روى عنه الزّكيّ المنذريّ، وقال: شريف؛ بالضّمّ.(13/840)
417 - مُحَمَّد بن أحمد بْن صالح بْن شافع بْن صالح بن حاتِم، أبو المعالي الْجِيليّ ثمّ البغداديّ. [المتوفى: 627 هـ]
ولد سنة أربعٍ وستّين وخمسمائة. سَمِعَهُ خالُه أبو بكر مُحَمَّد بن مَشِّق من صالح ابن الرِّخْلَة، وشُهْدَةَ، وظَفَرُ بن مُحَمَّد بن السَّدَنك، وَعَبْد الحقّ اليُوسُفيّ، وَأَبِي شاكر يحيى السَّقْلَاطُونيّ، وخلقٍ كثير. ثمّ طَلَبَ هُوَ بنفسه وسَمِعَ الكثير، وعُنِيَ بالحديثِ عنايةً جيّدة، وعُدَّ في أعيان الطَّلبة.
وكان ثقةً، مأمونًا، كثيرَ الإِفادة، دَيِّنًا، وَقُورًا، حَسَنَ السَّمْتِ، عارفًا بمذهب أحمد. من بيت العِلْم والدِّيانة. أثنى عليه ابن نُقْطَة، وابن النّجّار، والدُّبَيْثيّ. وأخذوا عنه. وروى عنه من المتأخّرين أبو إسحاق ابن الواسطيّ، وأبو المعالي الأبَرْقُوهيُّ.
ومات في رابع رجب.
وكان أبوه من كبار المحدِّثين، وجدُّه الفقيه أبو محمد شافع هُوَ الّذي قَدِمَ من جَيلان وسكن بغداد إلى أنّ مات بها في سَنَةِ ثلاثٍ وأربعين، وروى عن أبي الحسين ابن الطُّيُورِيّ.
قال ابن نُقْطَة: أبو المعالي سَمِعَ من خلْق كثيرٍ، وهُوَ ثقة مأمون، مُكثر، حسنُ السمت.
قال عليّ بن أنجب ابن الخازن: ختمتُ عليه القرآن تلقينًا، وسَمِعْتُ بقراءته على جماعة. وكان صالحًا، وقورًا، خَيِّرًا، يَحْضُرُ عنده خلقٌ كثير لميعاده.
قَرَأْتُ عَلَى الأَبَرْقُوهِيِّ: أَخْبَرَكُمْ أَبُو الْمَعَالِي بْنُ شَافِعٍ سَنَةَ عِشْرِينَ وستمائة أنّ شهدة الكاتبة أخبرتهم، قالت: أخبرنا أبو عبد الله بن طلحة، قال: أخبرنا محمود بن عمر، قال: حدّثنا عليّ بن الفرج، قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: حدّثنا أبو هشام، قال: حدّثنا ابن فضيل، قال: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ [ص:842] الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ سَأَلَ النَّاسَ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا، فَإِنْ شَاءَ فَلْيُقِلَّ، وَإِنْ شَاءَ فَلْيُكْثِرْ ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.(13/841)
418 - مُحَمَّد بن أحمد بن حبون، أبو بكر المعَافِريُّ المُرسيُّ الشَّاعرُ. [المتوفى: 627 هـ]
سَمِعَ أبا القاسم بن حبيش، وأبا عبد الله بن حَميد.
قال الأَبَّار: أقرأ العربيةَ. وكان لَهُ حظٌّ من قرض الشعر. وتُوُفّي في ذي الحِجَّة.(13/842)
419 - محمد بن أحمد بن عبد الودود البَكّرِيُّ، أبو عبد الله قاضي مَيْورْقَةَ. [المتوفى: 627 هـ]
كَانَ فقيهًا ذا فنونٍ.
عُدِمَ في دخول الرومِ مَيُورْقَةَ في صفر.(13/842)
420 - محمد بن أحمد بن عليّ بن الزُّبَيْر، أبو عبد الله القُضاعِيُّ قاضي مدينة مُرْبَيْطَر. [المتوفى: 627 هـ]
نحويٌّ، شاعرٌ محسنٌ. يروي عن أبي الحَسَن بن النِّعمة. وأجازَ لَهُ السِّلَفِيّ.(13/842)
421 - محمد بن إبراهيم بن محمد الفقيه أبو عبد الله المُراديّ السَّبْتيّ، [المتوفى: 627 هـ]
نزيل دمشق.
اشتغل بفاس بعلم الأصولِ، وكان عارفًا به، وسمع الكثير. ونسخ بخطّه شيئاً كثيراً. وكان يؤمُّ بمسجد الْجَوْزَة. وكتب ممّا كتب مائة مجلَّدة. ومات في شعبان. [ص:843]
سَمِعَ بِمُرَّاكِش من أبي مُحَمَّد بن حَوْط الله، وأبي الحسن عليّ ابن الحَصَّار. وبمكّة من يونُس الهاشميّ، وابن الحُصْريِّ. وبمصر من ابن المُفَضَّل الحافظ. وبدمشق من الكِنْديّ، وابن الحَرَستانيّ، وابن مَنْدويه، وخلقٍ كثير. وعُنِيَ بالحديث أَتَمَّ عناية.
وتُوُفّي في جُمَادَى الأولى سَنَة سبعٍ وعشرين وستّمائة.(13/842)
422 - مُحَمَّد بن بَهْرام بن محمود بن بختيار الأَتابكيُّ، أبو عبد الله ابن السَّلار. [المتوفى: 627 هـ]
مِنْ بَيْتِ إمرةٍ وولاية. انْقَطَعَ وتَرَكَ الخِدْمَة، ولازمَ الخَمْسَ في جماعةٍ. وكان كثير الصَّمْت. حدَّث هُوَ، وأبوه، وأخوه عبّاس.
ووُلِدَ بدمشق سَنَةَ ستٍّ أو سبعٍ وأربعين وخمسمائة. وسَمِعَ عليَّ بن أحمد الحَرَستانيّ، وأبا المُظَفَّر الفَلَكيَّ، والحافظ أبا القاسم، وعبدَ الخالق بن أسد الحَنَفيّ.
واختلطَ ذهنُهُ من سَنَة ستٍّ وعشرين مِنْ مرضٍ لحِقه؛ قاله ابن الحاجب وخرَّجَ عنه أحاديث من " جزء الرَّافقيّ " في " مُعجمه ".
وروى عنه الزَّكيّ البِرْزَاليُّ.(13/843)
423 - محمد بن الحَسَن بن عبد الجليل بن أبي تَمَّام، أبو عبد الله الهاشميُّ البَغْداديُّ الخطيب ويُعرف بابن الشَّنْكاتِيّ. [المتوفى: 627 هـ]
سَمِعَ أبا المعالي ابن اللّحّاس، وأحمد بن مُحَمَّد بن شُنَيف، وعُمَر بن بُنَيْمان، وأحمد بن عليّ بن المُعَمَّر النقيب، وطائفة. وكان شحيحًا، وسخًا، دنيئًا، يُرابي ولا يُزكّي. مات في ربيع الأَوَّل؛ قاله ابن النّجّار.(13/843)
424 - مُحَمَّد بن عامر بن فَرْقَد بن خَلَف بن محمد بن فَرْقَد، أبو القاسم القُرَشيّ الفِهْريُّ الأَنْدَلسِيّ، [المتوفى: 627 هـ][ص:844]
نزيلُ إشبيلية.
روى عن عمّ أبيه أبي إسحاق بن فرقد، وأبي بكر بن الجد، وأبي عبد الله بن زرقون.
قال الأبّار: كَانَ ثقةً. تُوُفّي في شوَّال، ولَهُ خمسٌ وستّون سَنَة.(13/843)
425 - مُحَمَّد بن أبي الفهم عبد الوَهّاب بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ. فخرُ الدِّين أبو بكر الأَنصاريُّ الدّمشقيُّ العَدْل، المعروف بابن الشّيرجيّ. [المتوفى: 627 هـ]
ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة بدمشق. وسَمِعَ بها من أبي القاسم ابن عساكر، وأبي عبد الله بن أبي الصَّقْر. وتفقّه قليلاً على الإمام أبي سعد ابن أبي عَصْرون. ورحلَ، وسَمِعَ من أبي طاهر السِّلَفِيّ، وأبي مُحَمَّد العُثْمانيّ. وحَصَّل سماعاته.
روى عنه الزّكيّان البِرْزَاليُّ والمُنذريّ، والشّهابان القُّوصيّ والأبَرْقُوهيّ، والشَّرَف عُمَر بن خواجا إمام، والشرفُ بن عَسَاكر، والشَّرَف ابن النابلسيّ، وآخرون.
وكان عَدْلًا، رئيسًا، جليلًا، من سَرَواتِ الدِّمشقيّين وكبارهم. مليحَ الخُلق والخَلق، ظَريفًا، حُلْوَ النَّادرة، حُفَظَةً للأَخبار والتّواريخ، صَدُوقًا فيما ينقله، وجيهًا عند الدَّولة، مليحَ الخطِّ.
حدَّث بدمشق ومصر. وَوَلِيَ ولايات ثُمَّ تركها. وكان لَهُ مُضاربون في التّجارة.
تُوُفّي يومَ عيدِ النَّحْر، ودُفِنَ بمقبرة باب الصغير.(13/844)
426 - مُحَمَّدُ بن علي بن الزُّبَيْر القُضَاعِيُّ، أبو عبد الله الأُنْديُّ. [المتوفى: 627 هـ]
سَمِعَ أبا الحَسَن بن النّعمة فأكثرَ. وأجازَ لَهُ السِّلَفِيُّ، وأبو عبد الله بن سعيد الدَّاني ابن غلام الفَرَس. روى عنه الأَبَّارُ، والحافظُ ابن مَسْدِيّ.
حدَّث فِي هَذِهِ السّنة، ولا أعلمُ مَتَى مات؟ وكان في نيّفٍ وثمانين سَنَة.
وقال ابن الغَمَّاز في " مشيخته ": الخطيبُ، الفقيهُ، المُحدِّثُ، القُضاعيُّ [ص:845] المُرْبَيْطَرِيُّ. أخذ عن جدِّه لأُمِّه ابن النِّعمة كثيرًا، وقرأ عليه " برنامجه ". إلى أن قال: وَوَلِيَ الصّلاة، والخطبة ببلده. سَمِعْتُ عليه بعضَ " المُوَطّأ ". وأجازَ لي. ومات في سادس عشر جُمَادَى الآخرة سَنَة سبعٍ وعشرين. قال: ومَوْلِدُه في جمادى الأولى سنة أربعٍ وأربعين وخمسمائة.(13/844)
427 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه، أَبُو عَبْد الله البغداديّ الفوطيّ المقرئ. [المتوفى: 627 هـ]
شيخٌ صالح، خيّرٌ، مشهورٌ بالأَمانة والدِّين. حَدَّثَ عن أبي الحُسَيْن عبد الحقّ، وابن شَاتيل. وتُوُفّي في رمضان.(13/845)
428 - مُحَمَّدُ بن عُمَر بن إبراهيم، أبو عبد الله ابن الذَّهَبِيِّ البَغْداديُّ التّاجِرُ الوَرّاق. [المتوفى: 627 هـ]
وُلِدَ سَنَة خمسٍ وأربعين. وسَمِعَ من أبي القاسم هِبَةَ الله الدَّقَّاق، وشُهْدَةَ، وكان صالحًا، مُنْقَبِضًا عن النّاس. يَسْكُن بمحلة الظَّفْرِيَّة.
تُوُفّي في صفر في الثامن والعشرين منه.
ونَسَخَ الكثيرَ بالأجرة.
روى عنه ابن النّجّار " الغُرباء " للآجُرِّيِّ.(13/845)
429 - مُحَمَّد بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بن جعفر، الإمام شرف الدِّين أبو عبد الله الأَزْدِيُّ الغَسَّانيُّ المِصْريّ المالكيُّ، المعروف بابن اللَّهِيب. [المتوفى: 627 هـ]
وُلِدَ سَنَة إحدى وسبعين وخمسمائة. وأخذ المذهب عن الإِمام ظافرِ بن الحُسَيْن الأَزْدِيّ، وأبي البركات هِبَة الله بن عبد المُحسن. وناظَرَ عند الظّهير [ص:846] الفارسيّ الحنفيّ. وسمع من أبي الجود المقرئ، وجماعة.
وتصدَّر بالجامع العتيق. وكان بَصِيرًا بالمَذْهب. وَلِيَ الوكالة السُّلطانية ونَظَر دِمْياط. ثمّ دَرَّسَ بالصاحبيَّة بالقاهرة. وكان من الأَذكياء الموصوفين. ولَهُ شعرٌ، وفَضائل، وتَفَنُّن.
تُوُفّي في ثامن عشر رجب.
وفي بيته جماعةٌ فُضلاء.(13/845)
430 - مُحَمَّدُ بن عطاء الله بن خَلَف بن مُحَمَّد بن غَنيٍّ، أبو عبد الله الكِلابيُّ البَدَويُّ الزَّاهِدُ [المتوفى: 627 هـ]
نَزِيلُ سفح قاسيون.
سَمِعَ من أبي عبد الله بن صدقة، ويحيى الثّقفيّ، وأحمد ابن الموازينيّ. ولازمَ أبا الخير سلامة الحَدَّاد، وأكثرَ عنه. وصارَ ينوب في مِحْراب الحنابلة. وُلِدَ في حدود سنة ستّ وخمسين وخمسمائة. وكان مَعْدودًا من العُبَّاد الأَخْيارِ المُسابقين إلى الطَّاعات. وكان يكرّر على " مُختصر الخِرَقيّ ".
كتب عنه ابن الحاجب، وابن سَلَّام، وغيرهُما. وتُوُفّي بدمشق في ربيع الأَوَّل، وحُمِلَ إلى الْجَبَل، وشَيَّعُه خلْق.(13/846)
431 - مُحَمَّد بن مقبل بن قاسم، أبو عبد الله الياسريُّ البَغْداديُّ، [المتوفى: 627 هـ]
والياسرية: قرية منسوبة إلى ياسر مولى زُبيدة.
روى عن أبي شاكر السَّقْلَاطُونيّ، ونصرِ الله القَزَّاز. ومات في جُمَادَى الآخرة.(13/846)
432 - مُحَمَّد بن النفيس بن مُنْجِب بن أبي بكر العَدْلُ العالِمُ أبو عبد الله البَغْداديُّ ابن الرَّزّاز. [المتوفى: 627 هـ]
وُلِدَ سَنَة ستّ وستّين وخمسمائة. وسَمِعَ من مُحَمَّد بن المبارك الحَلاوي، ويحيى بن بَوْش، وابن كُلَيْب، وذاكر بن كامل، وجماعة. [ص:847]
وقرأ القراءات، وتفقّه على مذهب أحمد على أبي إسحاق ابن الصَّقَّال. وتكلَّم في مسائلَ، وناظرَ، وطلبَ الحديثَ، وقرأ، وحَصَّلَ الأُصولَ. وكان ثِقَةً، نبيلًا.
روى عنه ابن النّجّار، وغيرُه. وبالإِجازةِ أبو المعالي الأبَرْقُوهيّ.
قال ابن النّجّار: ما رأيتُ في الطّلبة أَمْيَزَ منه. كَانَ ثقة، ثبتًا.(13/846)
433 - مُحَمَّد بْن هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن هبة الله بن أحمد القاضي الزَّاهد أبو غانم ابن القاضي أبي الفضل ابن العديم العقيلي الحلبي. [المتوفى: 627 هـ]
ولد في المحرم سنة أربعين وخمسمائة، وسمع من أبي المظفر سعيد الفلكي في سنة ثلاث وخمسين، ومن عمه أبي المجد عبدِ الله بن مُحَمَّد. وتَفَقَّه على مذهب أبي حَنِيفة. وتَعَبَّدَ وانقطعَ إلى الصّلاة والصِّيام والتِّلاوة والمَسْجد. وعُرِضَ عليه قضاءُ حلب، فامتنعَ. وهُوَ عَمُّ الصاحِب كمالِ الدِّين عُمَر.
روى عنه هُوَ، وولدُه القاضي أبو المجد. وكتب عنه عمر ابن الحاجب الأَميني، وجماعةٌ. وتُوُفّي في الخامس والعشرين من شوَّال.
وقال ابن الأَثير في آخر " الكامل ": فلو قال قائل: إنَّه لم يكن في زمانه أعبدَ منه، لكان صادقًا، رَضِيَ اللَّهُ عنه وأرضاه، فإنَّه من جُملة شيوخنا، سمعنا عليه الحديثَ.
وقال شيخُنا ابن الظّاهري: لَقَبُه عَمْرو الدِّين.(13/847)
434 - مسعودُ بن صَدَقَة بن عليّ بن مسعود، أبو المُظَفَّر الأَنصاريُّ الأَوْسِيُّ البَغْداديُّ الكاتبُ. [المتوفى: 627 هـ]
حدَّث عن شُهْدَةَ. وتُوُفّي في رجب.(13/847)
435 - نصر بن جَرْو بن عنان بن محفوظ، أبو الفَتْح السَّعْديُّ المِصْريُّ الفقيهُ الحَنَفيُّ. [المتوفى: 627 هـ]
وُلِدَ قبلَ الخمسين. وتَفَقَّه على الْجَمَال عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن سعد اللَّه ابن الوزَّان. وسَمِعَ بالإِسكندريَّة من السِّلَفِيّ، وأبي طاهر بْن عَوْف، وَأَبِي طَالِب أحمدَ بْن المُسلَّم، وجماعة، وبمصر من منجب المرشديّ، وإسماعيل [ص:848] الزَّيّات، وأبي المفاخر المأمونيّ، وجماعةٍ.
وسكن طُوخ مُدَّة. وقَدِمَ مصر في آخر عمره.
وحدَّث؛ روى عنه الزَّكيّ المُنذريّ، وغيرُه. وَحَدَّثَنَا عنه أحمد بن عبد الكريم الأَغلاقي، وكان شيخًا صالحًا، فاضلًا.(13/847)
436 - نصر بن عبد الله بن عبد العزيز، أبو عمرو الغافقي الفُرْغُلِيطيُّ القيجاطيُّ. [المتوفى: 627 هـ]
سَمِعَ من جدّه لأمه نصر بن عليّ، عن أبي عليّ الصَّدَفِيُّ. وسَمِعَ بقُرْطُبَة من عبد الرحمن بن أحمد بن بَقِيّ، وابن بَشْكُوالَ. وأجازَ لَهُ ابن هُذَيْل، والسِّلَفيّ.
وتصدَّر بقيجاطة للإِقراء. وكان مُجاب الدّعوة، معمّراً.
ولد سنة خمسٍ وثلاثين وخمسمائة. وأجاز في هذا العام لابن فَرْقد.
وأما ابن فرتون، فقال: تُوُفّي سَنَة ثلاثٍ وثلاثين وستمائة، فسأعيده فيها إن شاء الله.(13/848)
437 - هِبَةُ الله بن وجيه بن هِبَة الله بن المبارك، أبو البركات ابن السَّقْطِيّ. [المتوفى: 627 هـ]
شيخٌ حَسَن. سَمِعَ ابن البَطِّي، ومُحَمَّدَ بن مسعود بن السّدنك. وعنه ابن النّجّار.(13/848)
438 - يحيى بن أحمد بن خليل، أبو بكر السَّكُونيّ اللَّبْلِيُّ، [المتوفى: 627 هـ]
نزيلُ إشبيلية.
سَمِعَ أباه، وأبا بكر بن الجد، وغيرهما. [ص:849]
قال الأبّار: كَانَ عالمًا بأصول الفقه، وصناعة الكلام متقدِّمًا فيها. لَهُ النّظْمُ والنَّثر والبلاغةُ. وَلِيَ قضاءَ الجزيرةِ الخَضْراء، ثمّ وَلِيَ قضاءَ شَرِيش، وأقبلَ على التَّدريسِ، وأخذَ عنه جماعةٌ. وغمزَهُ بعضُهم بعدم التنزُّه في أحكامه. وتُوُفّي فِي ربيع الأَوّل، وقد نَيَّفَ عَلَى السّبعين.(13/848)
439 - يعقوبُ، المَلِكُ الأعزُّ شرفُ الدِّين أبو يوسُف ابن السُّلطان المُلْك النّاصر صلاح الدين يوسف بن أيّوب. [المتوفى: 627 هـ]
وُلِدَ بمصر سَنَةَ اثنتين وسبعين. وسمع من العلامة عبد الله بن بري. وأجازَ لَهُ جماعة. وحدَّث بعرَفَة وبدمشق. وكأنَّه تُوُفّي بحلب.
وقد مَرَّ في سَنَةِ أربعٍ، فتُحقَّق السَّنَة.(13/849)
440 - يونسُ بن أحمد بن غَنِيمة بن أحمد، أبو نصر البَغْداديُّ البَوَّابُ الخَرَّاطُ، المعروف بابن زَعْرُورَة. [المتوفى: 627 هـ]
سَمِعَ من عبد الله بن هبة الله ابن النَّرْسِيّ، وعبدِ الله بن عبد الصَّمَد السُّلَمِيّ، ووفاء التركيّ.(13/849)
441 - أبو الحَسَن المزالي المَغْربيّ الأُصوليُّ المُتكلِّم الزَّاهد. [المتوفى: 627 هـ]
كَانَ مع تَقَدُّمه في الكلام تُؤثَرُ عنه كراماتٌ، وكان لا يأكل إلّا من كَسْبِ يمينه، كَانَ نَسَّاخًا، وكان يردّ جوائزَ الدَّولة مع فَقْره.
تُوُفّي بمدينة فاس، وقبره يُزار.
أخذ عنه المتكلمُ أبو الحَسَن البَصْريّ.(13/849)
442 - أبو زيد الفازازي المغربي الأَديب، صاحبُ " العشرينيات " النبوية، هُوَ عبدُ الرحمن. [المتوفى: 627 هـ]
تُوُفّي فيها وهُوَ في عَشْرِ السبعين بمراكش.(13/849)
443 - أبو القاسم بن جعفر بن أحمد بن عليّ بن عَمَّارة الحَرْبيُّ النَّجّار. [المتوفى: 627 هـ]
سَمِعَ من يحيى بن ثابت، ولاحق بن كاره. وحدَّثَ. وأجاز لأبي الفرج محمد ابن الدَّبَّاب، وغيرِه. ومات في ذي القِعْدَة.(13/850)
-وفيها وُلِدَ:
شِهابُ الدِّين عبد الحليم بن عبد السّلام بن تَيْمية، وبهاءُ الدِّين مُحَمَّد بْن إبراهيم بْن النَّحْاس النَّحْويّ، وشمسُ الدِّين محمد بن أحمد بن نِعمة مُدَرِّس الشامية، والفخر عثمانُ بن إبراهيم الحِمْصيّ النَّسّاج، وعليُّ بن مكّيّ القَلانسِيّ والد السِّرّاج، والشهابُ أحمد بن سليمان بن مروان ابن البَعْلَبَكّيّ، ومُحَمَّد بن دِرْباس بن باساك الجاكي، ومُحَمَّد بن عليّ بن ساعد الحَلَبِيّ، وأبو مُحَمَّد ظافر بن أبي القاسم النابلسيّ، وأحمد بن أبي العزِّ بن مشرف الأَنصاريّ، وأبو القاسم بن سُلَيمان بن عزاز المؤدِّب، والكمالُ محمد بن محمد ابن المغاري بالثغر.(13/850)
-سنة ثمان وعشرين [وستمائة](13/851)
444 - أحمد بن الحُسَيْن بن عبد الله ابن الشيخ أبي نصر أَحْمَد بْن هِبَة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن حَسْنُونَ، أبو نصر النَّرْسيُّ البَغْداديُّ البيّع. [المتوفى: 628 هـ]
ولد ظنّاً سنة خمسٍ وأربعين وخمسمائة. وسَمِعَ من جدّه أبي مُحَمَّد عبد الله بن أحمد ابن النَّرْسيّ عن الطُّرَيْثِيثيّ، وغيره، ومن أبي الوَقْت.
وكان شيخًا صالحًا، مُنْقطعًا في بيته. وهُوَ من بيت الحديث والعدالة. أَضَرَّ بأخرةٍ.
روى عنه الدّبيثيّ، وابن نقطة، وجماعةٌ، وتقيّ الدّين ابن الواسطيّ، وأبو عبد الله مُحَمَّد بن أبي منصور بن مُعَلّى الدَّباهيّ. وروى عنه بالإجازة أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم شيخُ المستنصرية، وفاطمةُ بنت سُلَيمان.
والنَّرْس: نهر بين الحلّة والكوفة. وممّن ينسب إليه أيضًا أُبَيّ النَّرْسيّ، بخلاف العَبّاس النَّرْسيّ فإنَّه يُنْسَب إلى جدّه.
مات أبو نصر في ثالث رجب.(13/851)
445 - أحمدُ بن عبد الغني بن أحمد النّفيس اللَّخْمِيُّ القُطْرُسِيُّ الأديب. [المتوفى: 628 هـ]
لَهُ ديوان مشهورٌ أجادَ فيه. وذكره العماد في " الخريدة ".
وروى عنه الشهابُ القُّوصيّ، وَوَهِمَ في وفاته قال: في سَنَةِ ثلاثٍ وستّمائة.
ومن شِعْره:
يَا رَاحِلًا وجَمِيلُ الصَّبْرِ يَتْبَعُهُ ... هَلْ مِنْ سبيلٍ إلى رُؤياك يتَّفِقُ [ص:852]
ما أَنْصَفَتْكَ جُفْوني وَهيَ داميةٌ ... ولا وَفِي لَكَ قَلْبِي وهُوَ يَحْتَرِقُ
تُوُفّي في شعبانَ بالقاهِرَة، وقد قارب الثّمانين.(13/851)
446 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عيَّاش، أبو جعفر الكِنَانِيُّ المُرْسِيُّ. [المتوفى: 628 هـ]
سَمِعَ " المُوَطّأ " من أبي القاسم بن بَشْكُوالَ. وحَجَّ وقَدِمَ دمشقَ فسمِعَ " المقامات الحريرية " من الخُشُوعِيّ. وسَمِعَ من عُمَر المَيانشِيّ بمكّة.
وكان أديبًا عارفًا بالتَّعبير، وكُفَّ بصرُه بأخرةٍ.
ذكره الأَبّار.(13/852)
447 - أحمد بن هِبَة الله بن سَعْد الله بن سعيد، أبو القاسم الطَّائِيُّ ابن الْجَبْرانيِّ الحَلَبيُّ المقرئ النَّحْويّ الحَنَفِيُّ. [المتوفى: 628 هـ]
وُلِدَ سنة إحدى وستّين وخمسمائة. وروى عن أبيه، ويحيى الثَّقَفيّ. روى عنه مجد الدِّين عبد الرحمن العَدِيميّ، وسُنْقر القَضائيّ. وكان بصيرًا باللّغة والعربية.
والْجَبْرَانيُّ: بفتح الجيم، وشَكَّله بعضهم بضمّها.
تُوُفّي في سابع عشر رجب. وكانت لَهُ حلقةُ إشغال بحلب.
وقد ذكره ابن نُقْطَة.
وذكره الفَرَضيّ، فقال: هُوَ تاجُ الدِّين أحمد بن هِبَة الله بن سَعْد الله بن سَعيد بن سعد بن مُقَلَّد بن صالح بن مُقَلَّد بن عليّ بن يحيى بن أبي جعفر أحمد بن عبيد أخي أبي عُبادة الوليد بن عُبَيْد البُحْتُريّ، الشَّاعر، النَّحْويُّ، المقرئ. إمامٌ، شاعرٌ، لَهُ حَلقة بجامع حَلَب يُقرِئ بها العِلْم والقرآن. قرأ النَّحْو على [ص:853] فِتيان الحَلَبيّ، وأبي الرجاء مُحَمَّد بن حَرْب. وقرأ القرآن على الدَّقَّاق المغربيّ.(13/852)
448 - أحمد بن أبي الفَتْح بن أبي غالب، أبو حامد القَطِيعيُّ المعروف بالمُسدِّيّ. [المتوفى: 628 هـ]
حدَّث عن أبي شاكر يحيى السَّقْلَاطُونيّ. وحجَّ وانقطَعَ بالمدينة لِمرضه، فتُوفّي بعد أيّامٍ في صَفَر.(13/853)
449 - اسفنديار بن سُنْقر، أبو مُحَمَّد المَرَاتِبيُّ، ويُدعى صُهَيْبًا الرُّوميَّ. [المتوفى: 628 هـ]
روى عن أبي طالب المبارك بن خُضَير. ومات في شعبان.(13/853)
450 - بُهْرامُ شاه بْن فَرَوخشاه بْن شاهنشاه بْن أيّوب بن شادي بن مروان، السُّلطانُ الملك الأَمجد مجدُ الدِّين أبو المُظَفَّر، [المتوفى: 628 هـ]
صاحب بَعْلَبَكّ.
ولي إمرةَ بَعْلَبَكّ خمسين سَنَةً بعد والده. وكان أديبًا، فاضلًا، شاعرًا، مُحْسنًا، جَوادًا، مُمَدحًا، لَهُ ديوان شِعْر.
أُخِذَتْ منه بَعْلَبَكّ في سَنَةِ سبعٍ وعشرين وتَمَلَّكَها الملكُ الأشرف موسى، وسَلَّمها إلى أخيه الصالح، فَقَدِمَ هُوَ دمشق، وأقام بها قليلًا، وقتلَهُ مملوك لَهُ مليح، ودُفِنَ بتُربة والده الّتي على الشرف الشماليّ في شهر شوَّال.
ومن شِعره:
لَكُم في فؤادي شاهدٌ لَيْسَ يَكْذبُ ... وَمِنْ دَمْعِ عيني صامتٌ وَهُوَ مُعْربُ
وَلِيَ مِنْ شُهُود الوَجْدِ خدٌّ مُخَدَّد ... وقلبٌ على نَارِ الغَرَام يُقَلَّبُ [ص:854]
وَلِيَ بالرُّسُوم الخُرْسِ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا ... غرامٌ عَلَيْه ما أَزَالُ أُؤَنَّبُ
وإنْ عنَّ ذِكْر الرَّاحِلين عَن الحِمَى ... وَقَفْتُ فلا أَدْرِي إلى أَيْن أَذْهَبُ
فربعٌ أُنَاجِيهِ وقَدْ ظَلّ خَالِيًا ... وَدَمْعٌ أُعَانِيهِ وقَدْ بَاتَ يُسْكبُ
ومنها:
حنينٌ إذَا جَدَّ الرَّحِيلُ رَأيتُه ... بنفسي في أثْر الظَّعَائنِ يَلْعَبُ
وشوقٌ إلى أَهْل الدِّيار يَحُثُّه ... غرامٌ إلى العذريّ يعزى ويُنْسَبُ
وَمَا مزنةٌ أَرْخَتْ عَلَى الدَّار وَبْلَهَا ... فَفِي كُلِّ أرضٍ جدولٌ مِنْهُ يَثْعَبُ
بِأَغْزَرَ مِنْ دَمْعِي وقَد أَحْفَزَ السُّرى ... وأَمْسَتْ نِياقُ الظّاعنين تقرّب
حصره الملك الأشرف، وأعانه عليه صاحب حمص أسد الدّين شيركوه، فأخذت منه بَعْلَبَكّ، فَقَدِمَ إلى دمشق، واتَّفق أنَّه كَانَ له غلام محبوس في خزانة في الدّار، فجلس ليلةً يلهو بالنّرد فوكع الغلامُ برزّة الباب ففكَّها، وهجم على الأمجد، فقتله ليلة ثاني عشر شوَّال. ثمّ هرب الغلامُ، ورمى نفسه من السطح فمات، وقيل: لحِقه المماليكُ عند وقعته فقطَّعوه.
وقيل: إنّ الأمجد رآه بعضُ أصحابه فِي النوم، فَقَالَ لَهُ: ما فعل اللَّه بك؟ فقال:
كُنْتُ مِنْ ذَنبي عَلَى وجلٍ ... زَالَ عنِّي ذَلِكَ الوَجَلُ
أَمِنَتْ نَفْسِي بَوَائِقَها ... عِشْتُ لَمّا مِتُّ يا رجل(13/853)
451 - ثابت بن مُحَمَّد بن يوسُف بن خيار، أبو الحَسَن الكلَاعيّ الأَنْدَلسِيُّ اللَّبْلِيُّ، المُلَقَّب بأبي رَزِين، [المتوفى: 628 هـ]
نزيلُ غَرناطة.
أخذ القراءات عن أبي العبّاس أحمد بن نوّار، وحمل عنه تصانيفَ أبي عمرو الداني. وسمع بقرطبة من ابن بشكوال، وأبي خالد بن رفاعة، وأبي بكر القشالشنيّ، وجماعة. وقرأ " كتاب سيبويه " على أبي عبد الله بن مالك المرشاني. وحمل " جامع الترمذي " عن أبي الحَسَن بن كَوْثر. وأخذ بوادي [ص:855] آش عن أبي تَمّام العَوْفيّ. وأجازَ لَهُ السِّلَفيّ، وغيرُه. وأقرأ القرآنَ والنَّحْو بجيَّان وغَرناطة.
قال الأَبَّار: روى عنه أبو العبّاس النَّباتيّ، وغيره.(13/854)
452 - خُوارزْمشاه، السُّلطان جلال الدِّين مَنْكُوبْرِي ابن السُّلطان علاء الدِّين مُحَمَّد بن تُكش بن أرسلان بن آتسِز بن مُحَمَّد بن نُوشْتَكين الخُوارزْميّ. [المتوفى: 628 هـ]
لمّا قصد جنكزخان بجيوشه بلاد ما وراء النّهر لخلُوّها من العساكر إذْ هُم مع السُّلطان علاء الدِّين بهَمَذَان، رَجَعَ علاءُ الدِّين مُسْرعًا وسيَّر ولده جلالَ الدِّين هذا في خمسة عشر ألفًا بين يديه، فتوغَّل في البلاد، فأحاطَ به جنكزخان بجيوشه، فطَحَنُوه، وتخلَّص بعد الْجُهْد، وتَوَصَّل إلى أبيه.
ولَمّا زَال مُلْكُ أبيه وماتَ غريبًا تقاذفت بجلال الدِّين البلاد، فرمته بالهِند، ثمّ أَلقتهُ الهندُ إلى كِرمان، ثمّ إلى سَوَادِ العراق، وساقته المقاديرُ إلى بلاد أَذْرَبَيْجَان وأرَّان، وغَدَرَ بأتابكَ أزْبك، وأخرجَهُ من بلاده، وأخذَ زوجتَهُ بنت السُّلطان طُغْرِيل وتزوّجَ بها، وعَمِلَ مَصَافًا مع الكُرْج، فَكَسَرَهُم كسرةً لا انجبارَ معها، وقتلَ مُلوكَهُم، وقوي أمرُه وكثُرت جموعُه، وافتتح تَفْليس، وتقلّبت به الأَحوال.
حكى الشهاب النَّسَويّ في " سيرة خُوارزم شاه " قال: كَانَ جلال [ص:856] الدِّين أسمرَ قصيرًا، تركيَّ الجسارة والعبارة. وكان يَتَكَلَّمُ بالفارسية أيضًا. وأما شجاعتُه، فحسْبُكَ منها ما أوردتُه من وقعاته، فكان أسدًا ضِرغامًا، أشجعَ فرسانه إقدامًا. وكان حليمًا لا غَضُوبًا ولا شَتَّامًا، وقورًا، لا يَضْحَكُ إلّا تَبَسُّمًا، ولا يُكثر كلامًا. وكان يختار العَدْلُ غير أنَّه صادفَ أيامَ الفتنة فغُلِبَ. وهذه السيرةُ في مجلّد فيها عجائبُ لَهُ من ارتفاع وانخفاض وفرطِ شجاعة. وفي الآخر تلاشى أمرُه، وكبسهُ التّتارُ في اللّيل، فنجا في نحوِ مائة فارس، ثمّ تَفَرَّقوا عنه إلى أن بقيَ وحده وساقَ خلفه خمسة عشر من التّتار وألحُّوا في طلبه، فثبت لهم، وقَتَل منهم اثنين، فوقفوا. وطلَع إلى جبلٍ بنواحي آمِد به أكراد، فأَجَاره رجلٌ كبيرٌ منهم، فعرَّفَه أنَّه السُّلطان ووعده بكلِّ جميل، ففرح الكرديُّ، ومضى ليُحضر خيلَه، ويُعلم بني عمَّه، وينهض بأمره، وتركه عند أمّه، فجاء كرديٌ جريء فقال: أيشٍ هذا الخُوارزْميّ تخلُّونه عندكم؟ فقيل لَهُ: اسْكُتْ، ذا هُوَ السُّلطانُ. فقال: إن كَانَ هكذا، فذا قد قَتَل - بخِلاط - أخي، ثمّ شَدَّ عليه بحربةٍ معه، فقتله في الحال.
وقال المُوفَّقُ عبدُ اللطيف: كَانَ أسمرَ أصفرَ نحيفًا، سَمْجًا، لأنّ أمَّه هندية. وكان يلبس طَرْطُورًا فيه من شَعْر الخَيْل، مصبغًا بألوان. وكان أَخوه غياثُ الدِّين أجملَ النّاس صورة وأرقَّهم بَشَرَة، لكنّه ظلومٌ غَشُوم وهُوَ ابن تركية.
قال: والزِّنا فيهم - يعني في الخوارزميّة - فاش، واللّواط ليسَ بقبيحٍ ولا مَعْذوقًا بشرط الكِبَرَ والصِّغَر. والغَدْرُ خلقٌ لا يُزايلُهم؛ أخذوا قلعةً عند تَفْلِيس بالأمان، فلمّا نزل أهلُها، وبَعُدوا يسيرًا، عادوا عليهم، فقتلوا من كَانَ يَصْلُحُ للقتل، وسَبَوْا من كَانَ يصلح للسبي. وَرَدَّ عليَّ رجلٌ من تَفْليس كَانَ يقرأ عليَّ الطِّبَّ، فذكر لي ذلك كُلَّه، وأنّه أقام بتَفْليس ستّ سنين، واكتسب مالًا جمًّا بالطّبّ. فلمّا قرب الخُوارزميون جاء رسولُهم إلى الملكة بكلام لَيِّن، فبينا هُوَ في مجلسها وقد وصل قاصدٌ يُخبر بأنّ القومَ في أطراف البلاد يعيثون، [ص:857] فَقالَتْ للرسول: أهكذا تكونُ الملوكُ يرسلون رسولًا بكلام، ويفعلون خلافه؟ وأمرت بإخراجه. وبعد خمسة عشر يوماً وصلوا، فخرج إليهم جيش الكُرْج، فقال إيواني: نُرتِّبُ العَسْكَر قَلْبًا وميمنة ومَيْسَرة، فقال شلوه: هؤلاء أحقرُ من هذا، أنا أكفي أمرهم. فنزل في قدر سبعة آلاف أكثرهم تُركمان بتَهَوُّر، وكان في رأسه سكرٌ، فتَقَدَّم فصارَ في وسطهم، وأحاطوا به، ووقع عَلَمُهُ. فقال إيواني: هذا شلوه قد كُسِرَ، رُدُّوا بنا، وأخذ في مضيقٍ، وتبِعه المُنهزمون، فتحطّموا في مضيقٍ عَمِيق حَتّى هلك أكثرهم، وتحصَّن إيواني بمن معه في القلاع. فبقي الخوارزميّون يعيثون، ويفسدون أيّ شيءٍ وجدوه، واعتصمت الملكةُ بقلاع في مضايق. ثمّ إن ابن السَّديد التَّفْلِيسيّ قصدَ الإصلاح ظَنًّا منه أنّهم يشبهون النّاسَ، وأنَّ لهم قَوْلًا وعَهْدًا، فخرجَ يَطْلُبُ الأمان لأهل المدينة أجمعين المسلمين والكُرْج واليهود، فأخذ خطَّ جلال الدِّين وأخيه غِياث الدِّين وحَمِيّهِ وختومهم، ولوحًا من فِضّة مكتوبًا بالذَّهب يُسمّى بايزة، وتوثَّق. فساعة دخلوا، نهبوا مماليك ابن السَّديد ونعمته ونَدِمَ، وعملوا بجميع النّاس كذلك، وسَمّوا المسلمين مُرْتدّين، واستحلّوا أموالَهم وحريمَهُم، وصاروا لَا يتركون زوجةً حسناء، ولا ولدًا حَسنًا، ويَهْجُمُ الواحدُ منهم على قوم، فيستدعي بطعام وشَراب، ويؤاخي زوجةَ صاحب الدَّار، ويطلبُها للفراش ويقول: هكذا أخوَّتنا، ثمّ يُصبح، فإنْ وجدَ لهم ولدًا يُعْجِبُه، أخذَهُ معه، وإن كَانَ عند أحدٍ سلعة فأراد بيعَها، فنادى عليها بخمسين دينارًا، أخذها بخمسة دنانير، فإن تكلَّم صاحبُها ضربه بمقرعةٍ معه، رأسها مطرقة، فربما مات، ورُبّما غشي عليه.
قال: وعددهم لا يبلغ مائة ألف، ربّما كَانَ ستّين ألفًا، كلّهم جِياع، مُجَمَّعة ليس لهم مَدَد، وكلّهم عليهم أقبية القُطن، وسلاحهم النّشّابُ القليلُ الصنعة يرمون على قسِيّ ضِعاف لا تؤثّر في الدُّروع. وليسَ لهم ديوان ولا عَطاء، إنّما لهم نَهْبُ ما وجدوه، ولا يُمكنه أنّ يكفّهم عن شيء.
قال لي: وجميعُ من جَرَّب التّتر يَشْهَدُ أنّ سيرتَهُم خيرٌ من سيرة الخُوارزميّين.
ثمّ قال الموفّق: ولمّا توجّه جلالُ الدِّين إلى غَزْنَةَ والهند فارًّا من جنكزخان واستنجدَ بملكها، فأرسل معه جيشًا، فأقاموا في قتال التّتر أيامًا [ص:858] كثيرة، ثمّ انهزم وحيدًا فقيدًا، وتوجَّه نحو كِرمان، وكان هناك ملكانِ كبيران، فأحسنا إليه، فلمّا قوي شيئًا غدرَ بهما، وقتلَ أحدَهُما، وفرَّ فأتي شيراز على بقر وحَمِير، وأكثر مَنْ معه رجاله، فدفع به صاحبُها نحو بغداد، فأفسد في شهرابان وتلك النّواحي. وكان أخوه غياثُ الدِّين قد انفرد في ثلاثين رجلًا هاربًا، ومعه صوفيّ يصلّي به، فلمّا نامَ توامَرَ الجماعةُ على قَتْله والتَّقَرّب برأسه إلى التّتر، فأحسَّ بذلك الصُّوفيُّ، فتركهم حَتّى ناموا وأيقظه وأَعْلَمَهُ، فعاجَلُهم فذبحهم، وترك منهم قومًا يشهدون بما عزموا عليه. ثمّ دخل أصبهان فقيراً وحيداً، فأحسنوا إليه، واجتمع إليه شُذَّاذُ عسكر أبيه، وجاءته خلعٌ من بغداد وتشريف، ووُعِدَ بالسلطنة، فسمعَ بوصول أخيه فقال: لا تصل إلّا بأمرِ الديوان، فاستأذن، فأُذن لَهُ، فلمّا وصل جلالُ الدِّين خاف من أخيه، فاعتقله، وقيَّده مُدَّة حَتّى قوي واستظهر، ثمّ أطلقه.
وفي الآخر ضعف دَسْتُ جلال الدِّين، ومقتَهُ النّاس لقُبْح سيرته، ولم يترك لَهُ صديقًا من الملوك بل عادى الكُلَّ، ثمّ اختلف عليه جيشُهُ لَمّا فسد عقله بحبّ مملوكٍ، فمات المملوكُ فأسرف في الحزن عليه، وأمر أهلَ توريز بالنَّوح واللّطْم، وما دفنه، بل بقي يستصحبُه، ويصرخ عليه، والويل لمن يقول: إنّه ميّت، فاستخفّ به الأمراء وأَنِفُوا منه، وطمعت فيه التّتارُ لانهزامه من الأَشْرَفِ واستولوا على مَرَاغة وغيرها.
قلتُ: وفي الحوادث على السنين قطعة من أخباره. ولقد كان سدّاً بين التّتر وبين المسلمين، والتقاهم غير مرَّة. وقد ذهب إليه في الرُّسْلِيّة الصاحبُ محيي الدّين يوسف ابن الجوزيّ، فدخل إليه، فرآه يقرأ في المصحف ويبكي، واعتذر عمّا يفعله جنده بكثرتهم وعدم طاعتهم. وفي آخر أمره كَسَرِهُ الملكُ الأَشرفُ، وصاحب الروم، فراحَ رواحًا بَخْسًا، ثمّ بعدَ أيّام اغتاله كُردي، وطعنه بحربةٍ، فقتله في أوائل سَنَة تسعٍ وعشرين بأخٍ لَهُ كَانَ قد قُتِلَ على يد الخُوارزمية. وتفرّق جيشُه من بعده وذُلُّوا.
قلتُ: لم يشتهر موتُه إلّا في سَنَةِ تسع، وإنّما كَانَ في نصف شوَّال سَنَة ثمانٍ.(13/855)
453 - جَلْدَك، الأميرُ الكبير شجاعُ الدِّين، أبو المنصور المُظَفَّريُّ التَّقَوِيُّ. [المتوفى: 628 هـ]
سَمِعَ من السِّلَفيّ، وروى عنه وعن مولاه الملك تقيّ الدِّين عُمَر بن شاهنشاه بشيءٍ من شِعره. وَوَلِيَ نيابَةَ الإِسكندرية، ودِمْياط، وشَدَّ الدّيار المِصْريّة. وكان فاضلًا، لَهُ أدب، وشِعْر جَيّد وخطٌّ مَليح. ذكر أنَّه نسخَ بيده أربعًا وعشرين ختمة. وكان سَمْحًا جوادًا، مُكرِمًا للعلماء، مُساعدًا لهم بماله وجاهه. ولَهُ غزواتٌ مشهودة ومواقف بالساحل، ومُدِحَ بالشعر.
روى عنه الشهاب القُّوصيّ، والزَّكيّ المُنذريُّ، والرشيد العطّار، والجمال ابن الصَّابونيّ.
واستفك مائة وثلاثين أسيرًا من المغاربة عند موته بمبلغ من الذَّهب، والله يرحمه ويغْفِرُ لَهُ، وبنى بحماة مدرسة.
وتُوُفّي في الثامن والعشرين من شعبان.
وللنفيس أحمد القُطْرُسِيّ فيه قصيدةٌ منها:
أحرقت يا ثغر الحبيـ ... ـب حَشَاي لَمّا ذُقْتُ بَرْدَكْ
أَتَظُنُّ غُصْنَ البَان يعـ ... ـجبني وَقَدْ عَايَنْتُ قَدَّكْ
أَمْ خِلْتَ آسَ عِذَارِكَ الـ ... ـمنشوق يَحْمِي مِنْكَ وَرْدَكْ
يا قلب من لانت معا ... طفه علينا ما أشدك
أَتَظنُّني جَلْدَ القُوى ... أَوْ أنّ لي عزمات جلدك(13/859)
454 - الحارث، القاضي الجليل مجدُ الدِّين أبو الأشبال ابن الرئيس العالِم النَّحْويّ مهذّب الدِّين أبي المحاسن المُهَلَّب بن حَسن بن بَركات بن عليّ بن غِياث المُهَلَّبيّ المِصْريّ الشّافعيُّ المجد البَهْنَسِيُّ. [المتوفى: 628 هـ]
اتّصل بالصاحب صفيِّ الدِّين ابن شُكْر، وسافرَ معه إلى الشّام وغيرها، وتَرَسَّلَ إلى الدِّيوان العزيز، وإلى ملوك النواحي. ووقف وقفًا بمصر على الزاوية الّتي كَانَ والده يُقرئ بها بالجامع العتيق.
وقد تقدَّم ذَكرُ أخيه موفّق الدِّين عَقيل. [ص:860]
وكان المجدُ ذا يد طولى في اللّغة، ولَهُ شِعْر حَسَن.
تُوُفّي بدمشق في صفر، وقد جاوز السبعين.
كتب عنه القوصيّ، وغيره شعراً.
وقد وزر بحرّان للأشرف، ثمّ نكبَهُ وصادرَهُ وحبسه مُدَّةً.(13/859)
455 - الحُسَيْن بن أحمد بن أبي الفَرَج بن حفاظ البُغْداديُّ اللَّبَّان. [المتوفى: 628 هـ]
شيخ ديِّن، صالح. حدَّث عن محمد بن نَسِيم العَيْشُونيّ. ومات في ذي الحِجَّة.(13/860)
456 - خاموش ابن الأتابك أُزْبك [المتوفى: 628 هـ]
صاحب أَذْرَبَيْجَان.
وُلِدَ هذا أصمَّ أبكمَ، فكان يُفهِّمهُ ويَفْهم عنه رجلٌ رَبَّاه. ولَمّا استولى خُوارزم شاه على بلاد خاموش جاءَ خاموش إلى خدمته بكَنْجة خاضعًا، فَقَدَّم تُحفًا من جُملتها حِياصة كيكاوس ملك الفُرس في الزَّمن القديم، فيها عِدّة جواهر لا تقوم منها قطعة بَذْخَشانيّ مَمْسوح طولانيّ في قدر كَف، أفخر ما يكون، قد نُقِرَ فيها اسمُ كيكاوس، فكان السُّلطانُ خُوارزم شاه يَشُدُّهَا في الأعياد إلى أنّ كبسه التّتارُ بآمِدَ، فظفِرُوا بهذه الحياصة ونفذوها إلى القان جنكزخان.
وأقامَ الملكُ خاموش مُدَيدةً في الخِدْمة، فلم يَحْظَ بعناية إلى أنّ رَقَّت حالُه، ففارق خُوارزم شاه، ودخل إلى حصن الأَلَموت، فأدركه الموت بعد شهر.
ذكر ذلك الشهابُ النَّسويُّ في " سيرة خُوارزم شاه ".(13/860)
457 - خليل بن إسماعيل بن عليّ بن علوان بن زُوَيزان، المولى جمالُ الدَّولة [المتوفى: 628 هـ]
رئيس قصر حَجَّاج، وإليه تُنْسب قطائع ابن زُوَيزان. [ص:861]
مات في شهر ربيع الأَوَّل. وخَلّف عقارًا وَعَيْنًا بما يزيد على مائتي ألف دينار، وتَصَدَّق بثُلث ماله، ووقّفَ من ذلك على القُرَّاء والعُلماء بتُربته بميدان الحَصَى. والّذي تُرِكَ من الذّهب أحدٌ وعشرون ألف دينار.(13/860)
458 - زُبيدة بنت إسماعيل بن الحَسَن البَغْداديّة. [المتوفى: 628 هـ]
أجازَ لها أبو الوَقْت.(13/861)
459 - الزَّين الكُرْديُّ المقرئ المُجَوِّدُ نزيلُ دِمشق أبو عبد الله، محمد بن عُمَر بن حُسَيْن. [المتوفى: 628 هـ]
كَانَ ممّن أخذ القراءات عن الشَّاطبيُّ، وتصدَّر للإِقراء بدمشق. وجلسَ في حلقته بعده بمعلومه أبو عمرو ابن الحاجب.(13/861)
460 - صالح بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بن محمد، أبو البَقاء الأَنصاريُّ الخَزْرَجيُّ القَلْيُوبِيُّ المِصْريّ المالكيُّ. [المتوفى: 628 هـ]
وُلِدَ في حدود الخمسين وخمسمائة. وذكر أنَّه سَمِعَ بدمشق من ابن عَساكر. وحدَّث عن أبي المفاخر المأَمونيِّ.
وكان فَقيهًا، عالمًا، صالحًا، خيِّرًا، مُتَعففًا، مُقبلًا على ما يعنيه.
روى عنه الزَّكيّ المُنذِرِيُّ، وقال: مات في رابع عشر ذي الحجّة.(13/861)
461 - عائشةُ بنت الإِمام الحافظ عَبْد الرّزَّاق ابن الشَّيْخ عَبْد القادر الْجِيليِّ، أمُّ مُحَمَّد. [المتوفى: 628 هـ]
روت عن أبي الحُسَين عبد الحقّ، وماتت في ربيع الأَوَّل.(13/861)
462 - عبد الله بن ثابت بن عبد الخالق بن عبد الله بن رُومي، الخَطيبُ الشَّاعرُ الأديب أبو ثابت التُّجِيبيُّ الشَّنْهُورِيُّ. [المتوفى: 628 هـ]
خطيب شنهور - بالمعجمة - وهي بلدةٌ بقرب قُوص؛ قَيَّده الحافظ [ص:862] عبد العظيم، وقال: سمعت منه من شِعره. وتُوُفّي في رمضان، ولَهُ بضعٌ وخمسون سَنَة.(13/861)
463 - عبد الحقُ بن إسماعيل، أبو سونج الفيَّالي الصَّالحيّ. [المتوفى: 628 هـ]
روى عن أبي نصر عبد الرحيم بن يوسُف، وَأَبِي الفَتْح عُمَر بْن عَلِيّ الْجُوَيْنيّ. روى عنه الزكي البرزالي، والشمس ابن الكمال، والشمس محمد ابن الواسطي، وجماعةٌ.
وتوفي في صفر.(13/862)
464 - عبد الخالق بن أبي عَبْد اللَّه بْن عَلِيِّ بْن أَحْمَد بْن هلال القطفتي البواب. [المتوفى: 628 هـ]
شيخٌ صالحٌ. حدَّث عن أبي نصر يحيى بن السَّدَنْك. ومات في أَوَّل رمضان.(13/862)
465 - عبدُ الرحمن بن محمد بن بَدْر بن جامع، الفقيه أبو القاسم الواسطيُّ البَرْجُونِيُّ الشّافِعيُّ. [المتوفى: 628 هـ]
وُلِدَ في حدود الستّين، وسَمِعَ من أبي طالب الكَتَّانِيّ. وتَفَقَّه بواسط على القاضي أبي عليّ يحيى بن الرَّبيع، وببغدادَ على أبي القاسم يحيى بن فَضْلان. وأعادَ لأَبي الحَسَن عليّ بن عليّ الفَارِقِيِّ، وغيرِه. ودَرَّس، وأَفَاد. وسَمِعَ من ابن شاتيل، وغيره.
ويُعرف بابن المُعَلِّم.(13/862)
466 - عبدُ الرحيم بن عليّ بن حامد، الشيخ مهذْبُ الدِّين الطَّبيب، المعروف بالدَّخوار، [المتوفى: 628 هـ]
شيخُ الأطبّاءِ ورئيسُهم بدمشق.
وقفَ دارَهُ بالصَّاغَةِ العتيقةِ مدرسةً للطّبِّ. وكان مولده في سنة خمسٍ [ص:863] وستّين وخمسمائة. وتُوُفّي في صَفَر، ودُفِنَ في تُربة لَهُ بقاسيون فوق المَيْطور.
روى عنه الشهابُ القُّوصيّ، وغيرُه شعرًا. وتخرَّجَ به جماعةٌ كبيرة من الأطبّاء. وصَنَّف في الصنعة كتبًا، منها كتاب " الجنينة " واختصار " الحاوي " لابن زكريّا الرّازيّ، و" مقالة في الاستفراغ " وغير ذلك.
وقد أطنب ابن أبي أُصيبعة في وصفه، وقال: كَانَ أوحدَ عصره، وفريد دهره، وعلاّمة زمانه، وإليه انتهت رياسة صناعة الطّبِّ - على ما ينبغي - أتعب نفسَه في الاشتغال حَتّى فاقَ أهلَ زمانه، وحظيَ عند الملوك ونال المال والجاه. وكان أبوه كحّالًا مشهورًا، وكذلك أخوه حامد بن عليِّ. وكان هُوَ في أول أمره يُكحّل. وقد نسخ كُتبًا كثيرة بخطّه المَنْسوب أكثَر من مائة مجلّد في الطّبِّ وغيره. وأخذ العربيةَ عن الكِنْديّ، وقرأ على الرَّضِيّ الرَّحَبِيّ، ثمّ لازمَ المُوفَّق ابن المطران مُدَّةً حَتّى مَهَرَ، ثمّ أخذَ عن الفَخْر الماردينيِّ لَمّا قَدِمَ دمشق في أيّام صلاح الدِّين. ثمّ خَدَمَ الملك العادل، ولازم خدمة صفيّ الدّين ابن شُكْر بعدَ الحكيم المُوفَّق عبد العزيز، ونزل على جامكيَّة مائة دينارٍ في الشهر من الذهب الصوري. ثمّ حظي عند العادل بحيث إنَّه حصل لَهُ منه في مرضه صعبةٍ سَنَة عشر وستّمائة سبعة آلاف دينار مصرية. ومرض الملك الكامل بمصر، فعالجه الدخوار، فحصل لَهُ من جهته أموالٌ.
قال ابن أبي أصيبعة: فكان ملبغ ما وصل إليه من الذهب نوبة الكامل نحو اثنى عشر ألف دينار، وأربع عشرة بغلة بأطواق ذهب والخلع الأطلس وغيرها؛ وذلك في سَنَةِ اثنتي عشرة وستّمائة.
قال: وولّاه السلطان الكبير في ذلك الوقت رياسة أطبّاء مصر والشّام. وكان خبيرًا بكلّ ما يُقرأ عليه. وقرأت عليه مُدَّة، وكان في كبره يلازم [ص:864] الإِشغال، ويجتمع كثيرًا بالسَّيف الآمِديّ، وحفظ شيئًا من كُتبه وحَصَّل مُعظمَ مصنّفاته. ثمّ نظر في الهيئة والنّجوم، ثمّ طلبه الأشرف فتوجّه إليه سَنَةَ اثنتين وعشرين وستّمائة. فذكر لي أنَّه لحِقه في هذه السفرة من شري بغلات وخِيَم ورخت عشرون ألف درهم، فأكرمه الأشرفُ، وأقطعه ما يغلّ في السنة نحوَ ألف وخمسمائة دينار. ثمّ عرض لَهُ ثقلٌ في لسانه واسترخاء، فجاء إلى دمشق لَمّا ملكها الأشرف سَنَة ستٍّ وعشرين فولّاه رئاسة الطّبِّ، وجعل لَهُ مَجلسًا لتدريس الصَّنْعة، ثمّ زاد به ثِقَلُ لسانه حَتّى بقي لا يكاد يُفْهَمُ كلامُه، فكان الجماعةُ يبحثون قُدّامه، ويجيب هُوَ ورُبّما كتب لهم ما يُشكل في اللّوح. واجتهد في عِلاج نفسه، واستفرغ بَدَنُه مَرَّات، واستعمل المعاجينَ الحارّة فعرضت لَهُ حُمَّى قويّة، فأضعفت قوّته، وتوالت عليه أمراضٌ كثيرة. وتُوُفّي في منتصف صفر، ولم يخلِّف ولدًا.
قرأتُ بخطّ الناصح ابن الحَنْبَليّ: وفاة الدّخوار بعدما أُسكت أشهراً وظهر فيه عبرٌ من الأمراض، وسالت عينُه، ودُفِنَ في الْجَبَل.(13/862)
467 - عبدُ السّلام ابن العالم الفاضل عبد الله أحمد بن بَكْران، أبو الفضل الدَّاهريُّ الخِفاف الخَرَّاز؛ [المتوفى: 628 هـ]
كَانَ يَخْرُزُ في الخِفاف بالحرير.
وُلِدَ في حدود سَنَة ستٍّ وأربعين.
وسمع من أبي بكر ابن الزَّاغونِيِّ، ونصر بن نصرٍ العُكْبَرِيّ، وأبي الوَقْت السِّجْزِيّ، وأبي القاسم بن قَفَرْجَل، والعَوْن بن هُبَيْرةَ، وأحمد بن ناقة، وأبي المُظَفَّر هِبَة الله ابن الشّبليّ، وهبة الله الدّقّاق، وابن البَطِّي، وجماعة.
روى عنه البِرْزَاليُّ، والدُّبَيْثيّ، وابن نُقْطَة، والسيف بن قُدامة، وابن الحاجب، والشرفُ النابلسيّ، والشمس ابن الزّين، والتّقيّ ابن الواسطيّ، والمجد عبد العزيز الخليليّ، والعماد أحمد ابن العماد، والفخر ابن البخاريّ، [ص:865] ومحمد بن مؤمن الصُّوريُّ، ومحفوظ بن عِمران الحامض.
وكان شيخًا حَسَنًا، أُمِّيًّا لا يكتب، سَهْلَ القياد، مُحبًّا للرواية.
ومن مسموعاته: " صحيح البخاريّ " رواه مرّاتٍ، و" مسند الدّارميّ "، و" المنتخب " لعبد بن حميد، و" اللّمع " للسّراج، و" شمائل الزهاد " سَمِعَ ذلك من أبي الوَقْت، والجزء الأوّل من " المُخَلِّصيات "، وبعض الخامس والنصف الثاني من السادس من " المُخَلِّصيات "، وبعض الخامس والنصف الثاني من السادس من " المُخَلِّصيات "، وغير ذلك.
وتُوُفّي في تاسع ربيع الأوّل، قرأته بخطّ عمر ابن الحاجب.
وآخِر من روى عنه بالإِجازة فاطمةُ بنت سُلَيْمان.(13/864)
468 - عبدُ العزيز بْن علي بْن عَبْد اللَّه بْن عَليّ بن مُفَرّج، أَبُو محمد القُرَشيُّ الأُمَويُّ النابلسِيُّ ثمّ المِصْريّ المالكِيُّ العَطارُ. [المتوفى: 628 هـ]
كَانَ أبوه من الصّالحين فوُلِدَ لَهُ هذا بمكة في سَنَةِ ثمانٍ وخمسين. وأجازَ لَهُ السِّلَفِيّ، وأبو مُحَمَّد العُثْمَانِيّ، وجماعةٌ. وسَمِعَ من البُوصيريّ.
قال المُنذريّ: سَمِعْتُ منه، وكان شيخًا صالحًا، مُقْبلًا على ما يعنيه، عفيفًا، وأُقْعِدَ سنينَ. ومات في صفر.(13/865)
469 - عَتِيقُ بن حسن بن رَمْلي بن عبد الله بن عُمَر، أبو بكر الأَنصاريُّ الإسكندرانيُّ. [المتوفى: 628 هـ]
سَمِعَ من السِّلَفِيّ، وَأَبِي الطّاهر بْن عَوْف، ومخلوف بن جاره. وحدَّث بالإِسكندرية ومصر؛ روى عنه الزَّكيُّ عبد العظيم.
وكان مشهورًا بالأمانة محمودَ السيرة فيما يتولّاه.
وُلِدَ سَنَة أربعٍ وخمسين.(13/865)
470 - عثمانُ بن محمد بن أحمد بن الفَرَج، أبو عبد الله ابن الدَّقَّاق البَغْداديُّ. [المتوفى: 628 هـ][ص:866]
وُلِدَ سَنَةَ اثنتين وستّين. وسَمِعَ من أبيه أبي منصور، وشُهْدَةَ، وابن شاتِيل.
وهُوَ من بيتِ حديثٍ ورواية. كتب عنه جماعةٌ. وأجازَ لفاطمة بنتِ سُلَيْمان. ومات في سادس المُحرَّم.(13/865)
471 - عليُّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن يحيى بن إبراهيم الكُتَّامِيُّ، الحِمْيَريُّ المَغْربيُّ الفاسِيُّ، الحافظُ أبو الحَسَن ابن القَطَّان. [المتوفى: 628 هـ]
سَمِعَ أبا عبد الله ابن الفَخَّار فأكثر عنه، وأبا الحَسَن بن النقرات، وأبا جعفر بن يحيى الخَطِيب، وأبا ذر الخُشَنِيّ، وطائفة.
قال الأَبَّار: كَانَ من أبصر النّاس بصناعةِ الحديث، وأحفظهم لأَسماء رجاله، وأشدَّهم عناية بالرِّواية، رأَسَ طلبةِ العِلْم بِمرّاكِش، ونالَ بخدمة السُّلطان دنيا عَرِيضةً. ولَهُ تواليف. دَرَّسَ، وحدَّث.
وقال ابن مَسْدِيّ: معروفٌ بالحِفْظِ والإِتقان، إمامٌ من أئمة هذا الشأن، مصريّ الأَصل، مُرَّاكِشيّ الدَّار. كَانَ شيخَ شيوخِ أهلِ العِلْم في الدّولة المؤمنية فتمكّن من الكُتب، وبلغ غاية الأُمنية. وولي قضاءَ الجماعة في أثناء تقلُّب تلك الدّول، فنسخت أواخره الأُوّل، ونقمت عليه أغراضٌ انتُهِكت فيها أعراض. سَمِعَ أبا عبد الله بن زرقون، وأبا بكر بن الجدّ، وخلقًا. عاقت الفِتَن المُدْلَهِمَّة عن لقائه. وأجاز لي.
قلت: طالعت جميع كتابه " الوهم والإيهام " الّذي عمله على تبيّين ما وقع من ذلك لعبد الحقّ في " الأحكام " يدّل على تبحُّره في فنون الحديث، وسَيَلانِ ذهنه، لكنّه تَعَنَّت وتكَلَّم في حالِ رجالٍ فما أنصف، بحيث إنَّه زعم أن هِشام بن عُرْوَة، وسُهَيْل بن أبي صالح ممّن تغيَّر واختلط. وهنا فاتته سكتة، ولكنّ محاسنه جمَّة. [ص:867]
وتُوُفّي في ربيع الأَوَّل، وهُوَ على قضاء سِجِلْماسة.(13/866)
472 - عليُّ بْن مُحَمَّد بْن يحيى بْن الْحُسَيْن بن عليّ بن رحال، العَدْل الأجلّ نظامُ الدِّين أبو الحَسَن. [المتوفى: 628 هـ]
وُلِدَ في رمضان سنة ستٍّ وأربعين وخمسمائة. وسمع من السلفي، وعلي بن هبة الله الكامليّ، القاسم ابن عَساكر، وغيرهم.
وكان أخوه أبو المُفَضَّل عبد المجيد مدرِّسَ القُطْبِيّة، سَمِعَ أيضًا من السِّلْفِيِّ، وتَفَقَّه بالعراق.
روى عن النِّظام زكيُّ الدِّين المنذريّ، والشهاب الأبرقوهيّ، والجمال أبو حامد ابن الصَّابونيّ.
وُلِدَ بالإسكندرية، ومات بالقاهرة، ودُفِنَ عند أخيه في الخامس والعشرين من شوَّال.
وَمِنْ حديثه: أخبرنا الأبرقوهيّ، قال: أخبرنا عليّ بن رحّال، قال: أخبرنا السّلفيّ، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الغفّار، قال: حدّثنا محمد بن عليّ، قال: أخبرنا إبراهيم بن عليّ الهجيميّ، قال: حدثنا محمد بن غالب بن حرب، قال: حدثنا سعيد بن عبد الرحمن الأنصاري، قال: حدثنا عبد الله بن زياد اليماميّ، قال: حدّثنا عكرمة بن عمّار، قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " نَحْنُ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سَادَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، أَنَا وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ ".
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ هَدِيَّةَ بْنِ عبد الوهّاب، عن سعيد نحوه، فوقع بدلاً عالياً.(13/867)
473 - مُحَمَّدُ بن أحمد بن إبراهيم بن أسد بن نصر الدِّمشقيُّ، أبو طالب، [المتوفى: 628 هـ][ص:868]
عَمّ والد الشرف بن أُسَيدة صاحبنا.
يروي عن الحافظ ابن عساكر.
تُوُفّي فِي ذي القِعْدَة.(13/867)
474 - مُحَمَّدُ بْن أحْمَد بن أبي الفَتْح بن أبي غالب، أبو أحمد ابن القَطِيعيّ، ويعرف بالمُسدِّي. [المتوفى: 628 هـ]
روى عن أبي شاكر السَّقْلَاطُونيّ.
مات بطريق مَكّة، وقد قارب السبعينَ سَنَة.(13/868)
475 - مُحَمَّد بن عليّ بن حماد بن عيسى، أبو عبد الله الصَّنهاجيُّ القَلَعِيُّ، [المتوفى: 628 هـ]
نزيلُ بِجَاية، من أهل قلعة حَمّاد.
روى عن أبي الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد التَّميميّ المُعَمَّر، والحافظ عبد الحقّ بن عبد الرحمن الإِشْبِيليّ، ومُحَمَّد بن عليّ بن مَخْلوف الجزائريّ.
ودخل الأندلسَ، فسَمِعَ بها. وولي قضاءَ الجزيرة الخضراء، ثمّ صُرِفَ، ووليَ قضاء مدينة سَلا.
قال الأبّار: وكان شاعراً، كاتباً مترسِّلًا، ولَهُ ديوان شِعْر. ولَهُ كتابُ " الإعلام بفوائد الأحكام " لعبد الحقّ، ولَهُ " شرح مقصورة ابن دُريد ". وقد أخذوا عنه.
قلت: روى عنه ابن مَسْدِيّ.(13/868)
476 - مُحَمَّدُ بن عليِّ بن موسى، الإِمام أبو بكر الأَنصاريُّ الشَّريشيُّ المقرئ، المعروف بالغَزَّال. [المتوفى: 628 هـ]
مِن كبار القُرَّاء المُعَمَّرين؛ عاش تسعين سَنَةً. وهُوَ آخِرُ من حدَّث عن [ص:869] عليّ بن محمد بن ناصر المُقرئ. وسَمِعَ من يحيى بن أَزْهر، وجماعةٍ، وانفردَ بإجازة إبراهيم بن خَلَف بن فَرْقد.
قال ابن مَسْدِيّ: سَمِعْتُ منه بشريش، وقال لي: وُلِدَت سنة ثمانٍ وثلاثين وخمسمائة. وبلغني موتُه في حدود سَنَة ثمانٍ وعشرين. أنشدنا لنفسه:
يا أيُّها المُدْمنُ في غيِّه ... لا يرهب الموت ولا يرتدع
قد اتخذ الشَّهْوَةَ مَعْبودَه ... فما سِوى شَهْوتِهِ يَتَّبِعْ
يَجُرُّ في اللذات أذْيالَه ... وباتَ في خلوتِه ما مُتِعْ
أَنْذَرَكَ الشَّيْبُ فَلَمْ تَتَّعِظْ ... خَاطبَكَ القَبْرُ فلم تستمع
فتب إلى ربك مِنْ قَبْلِ أَنْ ... تَفْجَأَك الصَّرْعَةُ فيمن صُرِعْ(13/868)
477 - مُحَمَّد بن عُمَر بن مالك، أبو عبد الله المعافريّ المغربيّ المقرئ. [المتوفى: 628 هـ]
روى عن أبي عبد الله محمد بن عليّ ابن الرَّمّامة. وماتَ في شعبان.(13/869)
478 - مُحَمَّد بن أبي الفَتْح المبارك بن عبد الرحمن بن عليّ بن عَصيّة، أبو الرضا الكِنْديّ البَغْداديُّ الحَرْبيُّ. [المتوفى: 628 هـ]
ولد سنة خمسٍ وأربعين وخمسمائة. وحدَّث عن أبي الوَقْت، وعبد الرحمن بن زيد الوَرّاق. وكان شيخًا حسنًا، مُتَيقظًا.
روى عنه الدُّبَيْثيّ في " تاريخه "، والسيفُ ابن المجد، والتّقيّ ابن الواسطيّ، والشهابُ الأبَرْقُوهيّ، وجماعة.
وعُصَيَّة: مختلفٌ فيه، وكان أبو الرضا يقول: إنّما هُوَ بالضمّ.
تُوُفّي في الثالث والعشرين من المحرَّم.
وقال ابن نُقْطَة: من قال: عُصَيَّة - بالضمّ - أخطأ.
وعصيّة بالضمّ: محمد بن عبد الله بن عُصَيَّة الفاروثيّ، مُقَدَّم الباطنية.(13/869)
479 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عبد الكريم بن الفضل، المُحدِّث أبو الفضائل الرَّافعيّ القَزْوينيّ، [المتوفى: 628 هـ]
نزيل بغداد، وأخو العَلَّامة إمام الدِّين عبد الكريم صاحب " الشرح الكبير ".
وُلِدَ في حدود الستّين وخمسمائة. وأجاز لَهُ ابن البَطِّي. وسَمِعَ من أبيه. ورحل إلى إصْبَهان، والرَّيّ، وأَذْرَبَيْجَان، والعِراق. وسَمِعَ من أبي السعادات نصر الله القَزَّاز، ويحيى بن بَوْش، وابن الْجَوْزيّ. وتَفَقَّه على أبي القاسم بن فَضْلان.
وولي مُشارفَةَ النِّظامية وأوقافَها، ونفذ رسولا من الديوان إلى بعض النواحي. وقد كتب الكثيرَ بخطّه من الفقه والحديث والتّفسير والأدب، وكان ضعيفَ الخط جِدًّا. وكان صَدُوقًا، فاضِلًا، ديِّنًا، متودِّدًا، طَيّبَ الأَخْلاقِ. لَهُ معرفة حَسَنة بالحديث.
قال ابن النّجّار: كَانَ يُذاكرني بأشياء، ولَهُ فَهْم حَسَن ومعرفةٌ. تُوُفِّي في الثامن والعشرين من جُمَادَى الأولى، وقد قاربَ السبعينَ، رحمه الله.(13/870)
480 - مُحَمَّدُ بن محمود بن أبي نصر بن فَرَج، الأمير مُعِين الدِّين أبو عبد الله الدُّوينيُّ الْجُنْديُّ. [المتوفى: 628 هـ]
وُلِدَ بالدّوين في سنة أربعٍ وأربعين وخمسمائة. وسَمِعَ من السِّلَفِيّ بالثغر، ومن مُحَمَّد بن عبد الرحمن المَسْعُوديّ، وجماعة بمصر.
وقد نشأ بدمشق، ودخل مصر صُحْبَه شمسِ الدِّين تورانشاه بن أيّوب في سَنَةِ أربعٍ وستّين. وكان من كِبارِ الأجناد، ولَهُ غزوات عديده. وانقطع في آخر عمره في بيته فكان لا يَخْرُجُ إلّا إلى الْجُمُعة.
روى عنه المُنذريُّ، وقال: تُوُفّي في ذي القِعْدَة.(13/870)
481 - مُحَمَّد بن أبي البركات بن أبي السعادات بن أبي القاسم، أبو السعادات وأبو بكر الحريميّ الطّاهريّ الصَّيَّاد، عُرِفَ بابن صَعْنِين. [المتوفى: 628 هـ][ص:871]
سَمِعَ من أبي الفتح ابن البطّي، وأبي المعالي محمد ابن اللَّحَّاس، وأحمد بن عليّ النَّقيب، ولاحق بن كارِه. وكان شيخًا صالحًا، عابدًا.
روى عنه الدّبيثيّ، ومحمد بن أبي الفرج ابن الدّبّاب، وأبو إسحاق ابن الواسطيّ، وجماعة. وتُوُفّي في سابع ذي الحِجَّة.
وهُوَ من بيت حديثٍ ورواية. وكان يتعفَّفُ بصيدِ السمك.(13/870)
482 - مُحَمَّد بن أبي الحَسَن بن يُمْن، أبو عبد الله الأَنصاريّ المَوْصِليّ، ويُعرف بابن الأردخل الشاعر، نديم [المتوفى: 628 هـ]
صاحب ميّافارقين غازي.
مات في رمضان عن إحدى وخمسين سنة. وكان من فحول الشعراء، مدح الأَشرفَ موسى، وغيرَهُ.(13/871)
483 - محمودُ بن مُحَمَّد بن إبراهيم بن مُحَمَّد، الشريف أبو القاسم العَلَويُّ الحُسَيْنيُّ الدّمشقيّ، [المتوفى: 628 هـ]
نقيبُ الأشراف.
وُلِدَ سَنَة أربعٍ وسبعين وخمسمائة. وسمع من عبد الرّزّاق النّجّار، وأحمد ابن الموازينيِّ، ويحيى الثَّقَفيّ، وغيرهم. وتُوُفّي في ثاني عشر المحرَّم.(13/871)
484 - مُظَفَّر بن عَقيل بن حمزة بن عليّ، أبو العزّ الشيبانيّ الدّمشقيّ الصَّفَّار، [المتوفى: 628 هـ]
والد المُحدِّث نجيب الدِّين ابن الشقيشقة.
وُلِدَ سنة سبعٍ وخمسين وخمسمائة، وسمع من الحافظ أبي القاسم ابن عساكر. روى عنه ابنُهُ.(13/871)
485 - موسى بن عبد الرحمن، أبو عِمران الغَرْنَاطيّ ابن السخّان. [المتوفى: 628 هـ]
روى عن أبي القاسم بن بشكوال، وأبي القاسم بن حُبَيْش، وطبقتهما. [ص:872]
قال الأبّار: كان مقرئاً، نحويّاً، لغويا، مُعلّمًا بذلك. تُوُفّي لعلّ في أواخرِ سَنَة ثمانٍ هذه.
وقال ابن مسدي: أَخْبَرَنَا السخّان سنة أربع عشرة وستمائة - فذكر أحاديث.(13/871)
486 - يحيى بن عبد المُعطي بن عبد النّور، الشيخ زين الدِّين أبو الحُسَيْن الزّواويُّ المغربيّ النَّحْويّ الفقيه الحَنَفيّ. [المتوفى: 628 هـ]
وُلِدَ سَنَة أربعٍ وستّين وخمسمائة. وسمع بدمشق من القاسم ابن عساكر، وغيره. وصنّف التّصانيف الأدبية كـ " الفصول " و" الألفية ". وأقرأ النّحو بدمشق مدّة، ثمّ بمصر. وتصدَّر بالجامع العتيق، وحمل النّاس عنه.
وكان إمامًا مُبرّزًا في عِلم اللّسان، شاعرًا مُحسنًا. وكان أحدَ الشهود بدمشق وما لَهُ ما يقوم بكفايته؛ فحضر مع العلماء عند الملك الكامل، وكان الكامل على ذهنه مسائلَ من العربية، فسألهم فقال: زيد ذُهِبَ به يجوز في " زيدٍ " النصْب؟ فقالوا: لا، فقال ابن مُعط: يجوز النصبُ على أن يكون به المرتفع يُذهب المصدر الّذي دلّ عليه ذهَب وهُوَ الذّهاب. وعلى هذا فموضعُ الجار والمجرور الّذي هُوَ به النّصْب، فيجيء من باب: زيد مررت به. إذ يجوز في زيد النصْب وكذلك هاهنا. فاستحسن السُّلطان جوابه وأمره بالسفر إلى مصر، فسافر إليها، وقرّر لَهُ معلومًا جيّدًا، لكنّه لم تطل حياته بعد.
قال القاضي ابن خَلّكان: هُوَ أحد أئمة عَصره في النَّحْو واللّغة. أقرأ بدمشق خَلْقًا كثيرًا، وصَنَّف. ثمّ أَرْغَبَهُ الملكُ الكامل فانتقل إلى مصر، وأشغل بها. وزاواوة: قبيلة كبيرةٌ بظاهرِ بجاية من عمل إفريقية.
قلتُ: وهُوَ من أهل الجزائر.
قرأ العربيَّة على أبي موسى عيسى بن يَلَلْبَخت الْجُزولي. وورد دمشق، وخدم في مواضع جليلة. وكانت لَهُ حَلَقةُ إشغال بالتُّربة العادلية. ولَمّا حضرَ [ص:873] الملك الكامل إلى دمشق تكلَّم عنده، فأعجبه كلامُه، وخلع عليه. ولَهُ مُصَنَّف في عِلم العَرُوض.
ومن آخر من قرأ عليه العربيَّة شيخُنا رضيّ الدِّين أبو بكر القُسَنْطِينيّ النَّحْويّ.
ولَهُ قصيدة طَنَّانة في الملك الأَمجد صاحب بَعْلَبَكّ، وهي طويلة منها:
ذَهَبَ الشَّبابُ ورَوْنَقُ العُمْرِ الشَّهِي ... وأَتَى المَشِيبُ ورَوْنَقُ النّورِ البَهِي
وجَلَا بِهِ لَيْلُ الذُّؤابَة فجرُه ... وأَتَى بناهٍ من نُهاه مُمَوَّهِ
وأَطَارَ نَسرُ الشيبِ غِرْبَانَ الصِّبا ... فَنَعيْنَ في إثر الشَّبابِ المُنتهي
وَوَهَتْ قُوى الآمالِ مِنْهُ ومَا وَهَتْ ... هممٌ أَبَيْنَ على الحَوادِثِ أنْ تَهِي
ما أَنْسَ لا أَنْسَ اللَّوى وتَنَعُّمي ... فِيه بِخُرَّدِهِ الحِسانِ الأَوْجُهِ
تُوُفّي في سَلْخ ذي القِعْدَة، ودُفن بالقَرَافة، ولَهُ أربعٌ وستّون سَنَة.(13/872)
487 - يحيى بن أبي غالب بن حامد البَغْداديُّ الحَمّاميّ. [المتوفى: 628 هـ]
سَمِعَ من عبد الحقّ اليُوسُفيُّ. ومات في رجب.(13/873)
488 - يونسُ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد، الخطيبُ العالمُ بدر الدِّين أبو منصور الفَارقِيُّ ثمّ الدّمشقيُّ، [المتوفى: 628 هـ]
وأصله من بُخارى.
وسَمِعَ من أبي عليِّ الحَسَن بن عليّ البَطَلْيَوْسِي، والحافظِ أبي القاسم الدّمشقيُّ، والقاضي أبي سَعْد بن أبي عَصْرون، ومحمد بن أبي الصَّقْر، والسُّلطانِ صلاح الدِّين، ويحيى الثَّقَفيّ، وجماعة.
وولي خطابة المِزَّة مُدَّة. وكان فقيهًا، فاضلًا، حَسَنَ الأخلاق، ديِّنًا. تَفَقَّه على ابن أبي عصرون، واختص بصحبته.
وولد تقريبًا بمَيَّافارقين سَنَةَ ثلاثٍ وخمسين.
روى عنه البِرْزَاليُّ، والقُّوصيّ، وأبو المجد العَدِيميُّ، وسِبْطُهُ الجمال ابن الصَّابونيّ. وَحَدَّثَنَا عنه الْجَمَالُ عَبْدُ الصَّمَد ابن الحَرَستانيّ.
ومات في ليلةٍ شريفةٍ؛ ليلةِ السابع والعشرين من رمضان.(13/873)
-وفيها وُلِدَ:
القاضي تقيُّ الدِّين سليمان بن حمزة في رجب، والشهابُ أحمد بن عبد الرحمن النابلسيّ العابر في شعبان، والزّينُ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن رَشِيق قاضي الإِسكندرية، والمَلِكُ الأوحدُ يوسف ابن النّاصر داود ابن المُعَظَّم، والعِمادُ إبراهيم بن أحمد بن مُحَمَّد الماسِح، وداود بن أحمد بن سُنْقر المُقَدَّميّ، وعزُّ الدِّين موسى بن عليّ بن أبي طالب الموسويّ، وناصر الدّين محمد بن عبد الرحمن بن نوح ابن المَقْدِسيُّ، ونجمُ الدِّين أحمد بن يحيى بن طي البَعْلَبَكّي، وواقف النّفيسية النفيسُ إسماعيل بن مُحَمَّد بن صَدَقَة، ونجمُ الدِّين عبد الله بن أبي السعادات شيخ المستنصرية، وعليُّ بن عثمان بن عِنان الطِّيبيّ، والشيخُ تاجُ الدِّين موسى بن مُحَمَّد المَرَاغي بها ويُعرف بالحَيوان، والفخرُ يوسُف بن أحمد بن عيسى المشهديّ الصُّوفيّ، وتاجُ الدِّين عليّ بن أحمد العَلَويّ الغرّافيّ، في أولها.(13/874)
-سنة تسع وعشرين وستمائة(13/875)
489 - أحمدُ بْن أَحْمَد بْن أَبِي غالب، أَبُو القاسم بن أبي الفضل البَغْداديُّ الكاتب الدَّقَّاق ابن السِّمْذيّ، ويُعْرَفُ أيضًا بالشَّاماتي. [المتوفى: 629 هـ]
سَمِعَ " جزء أبي الْجَهْم " من أبي الوَقْت. ووُلِدَ سَنَة ثلاثٍ وأربعين وخمسمائة. روى عنه الدُّبَيْثيّ، وابن النّجّار. وكان يطلع أمينًا في البرِّ.
وأجازَ للزَّكيِّ المُنذريّ، وقال: تُوُفّي في سَلْخ المحرَّم. وهُوَ معروف بكُنيته. وقد سمّاه بعضُهم عليًّا، وبعضهم لاحِقًا. وإنّما قيل لَهُ الشاماتي، لأنَّه كَانَ في وجهه شامة.
وكان شيخًا متيقّظًا لا بأسَ به. روى لنا عنه بالإِجازة فاطمةُ بنتُ سُلَيْمان.(13/875)
490 - أحمدُ بْن إِسْمَاعِيل بْن حَمْزة بْن أَبِي البركات الأَزَجيُّ، ابن الطَّبَّال أبو العبّاس. [المتوفى: 629 هـ]
وُلِدَ سنة خمسٍ أو ستٍّ وخمسين وخمسمائة. وكان مقدّم الطّبّالين بدار الخلافة.
سمع - وهُوَ كبير - من ابن شاتيل، ونصرِ الله القَزَّاز، وجماعة ويقال: إنَّه سَمِعَ من أبي طالب بن خُضَير.
وهُوَ جدُّ العماد إسماعيل بن عليّ شيخ المستنصرية.
تُوُفّي في الرابع والعشرين من شوَّال.
وروى لنا عنه بالإِجازة (فاطمة) بنت سُلَيْمان.(13/875)
491 - أحمد بن عليّ بن أبي مُحَمَّد، الأَديب نجيبُ الدِّين الشَّيْبانيّ النَّحْويُّ الكاتب، [المتوفى: 629 هـ]
خال النّجيب الصَّفَّار. [ص:876]
روى عنه القُّوصيُّ، وقال: تُوُفّي بدمشق. لَهُ شِعْر حَسَن.(13/875)
492 - أحمد بن عُمَر بن أبي المعالي أحمد بن الحَسَن بن عليِّ بن عليِّ بن عُمَر بن أحمد بن الهيثم بن بَكْرون، المُعَدَّل الرئيس أبو المعالي النَّهْرَوانيُّ ثمّ البَغْداديُّ، [المتوفى: 629 هـ]
إمام النِّظامية.
وُلِدَ في ربيع الآخر سنة اثنتين وستّين وخمسمائة. وسَمَّعَهُ أبوه في صِغره من: النقيب أحمدَ بن عليِّ العَلَويِّ، والمُبارك بن محمد البادَرَائيّ، ويحيى بن ثابت، وأحمد بن المبارك المرقعاتي، وشُهْدَةَ، وتَجَنِّي الوَهْبَانِية، وخلقٍ سواهم.
وكان ثقة، مُتَحرّيًا في الشَّهادة والرِّواية. روى عنه ابن النّجّار، وجماعة.
تُوُفّي في ذي القِعْدَة.(13/876)
493 - إبراهيم بن رَيْحان بن رَبيع، أبو إسحاق الدّيْريُّ الرَّقّيُّ الضّرير المُقرئ. [المتوفى: 629 هـ]
سَمِعَ: الحافظَ ابن عساكر.
وعنه أبو المجد العَدِيميُّ. وتُوُفّي في شوَّال بحلب، وقد قارب الثّمانين أو جاوزها. وكان يُلقَّنُ بجامع حَلَب.
وسَمِعَ أيضًا من أبي سعد بن أبي عَصْرون.(13/876)
494 - إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم، أبو إِسْحَاق الحَرْبيُّ النَّسَّاج، ويعرف جدُّه بِبَرْهان. [المتوفى: 629 هـ]
سَمِعَ من عبد الرحمن بن زيد الوَرَّاق، وغيره. وتُوُفّي في سَلْخ جُمَادَى الأولى.
روى عنه ابن النجار في " تاريخه "، وقال: دُفِنَ بباب حرب، وقد جاوزَ السَّبعين.(13/876)
495 - إدريسُ بْن يعقوب بْن يوسف بْن عَبْد المؤمن بن عليِّ، صاحب المغرب المأمون أبو العلى. [المتوفى: 629 هـ][ص:877]
لم يخلص إليَّ من أخباره.
مات في سَلْخ هذه السنة.
وتملّك أعوامًا، وبُويع بعده ابنُه عبد الواحد ولُقِّبَ بالرشيد مع خلاف ابن عمِّه يحيى لَهُ.
وكان أبو العُلَى قد عصى عليه أهل سبتة مع أبي العبّاس الينشتيّ وأخذوا منه طَنْجَة وقَصْر عبد الكريم، فجاءَ بجيشه، ونازل سَبْتَة وبالغَ في حَصْرها. فَخَرَج أهلُ سَبْتَة قِبَله فَبَيَّتُوا الجيش فهزموهم. وركب بعضُ الأَوباش مركبًا في البحر، وساروا إلى أن حاذوا الملك أبا العُلَى، فصيّحوا به، فوقف لهم، فقالوا: يا أمير المؤمنين أصبح أهلُ سبتة فيك فرقتين، فلمّا سَمِعَ هذا، أنصتَ ورَجَا خَيْرًا، فقال: ما يقولون؟ قالوا: قوم يقولون: أميرُ المؤمنين أقرعُ، وقومٌ يقولون: أصلَعُ، فبالله أعلِمْنا حَتّى نخبرهم، فغضب وتبرَّم مِنْ هذا. ومات بعد يَسير.
مات في الغزو في هذه السنة.
وكان قد أزال ذكرَ ابن تُومرت من خطبة الْجُمُعة. وتملَّك بعده ابنُه عبدُ الواحد الرشيد عشرةَ أعوام).(13/876)
496 - إسماعيل بن إبراهيم بن أحمد، القاضي شرفُ الدِّين أبو الفضل ابن المَوْصِليّ الشَّيْبانيُّ الدّمشقيُّ الفقيه الحنفيُ. [المتوفى: 629 هـ]
كَانَ شيخًا، دَيِّنًا، خَيِّرًا، لطيفا. ولد سنة أربعٍ وأربعين وخمسمائة. وكان ينوبُ في الحكم بدمشق بالمدرسة الطَّرْخانية بجيرون. وحدَّث عن يوسُف بن معالي البَزَّاز، وهبة الله بن محمد ابن الشِّيرازيّ. روى عنه الزَّكيُّ البِرْزَاليُّ، والشهابُ القُّوصيُّ، والمجد ابن الحُلْوانية، وجماعةٌ سواهم.
وكان مَوْلِدُه ببصرى، وتُوُفّي بدمشق في ثامن جُمَادَى الأولى.
وكان جدُّه شيرازيًا، سكنَ المَوْصِل مُدَّة، وَوَلِيَ قضاءَ الرُّها، وقَدِمَ أبوه القاضي أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم، وَوَلِيَ قضاءَ دِمشق نيابةً، وطلعَ أبو الفضل هذا من أَعيان الحنفية. دَرَّسَ بالطَّرْخانية مُدَّة، ثمّ تركَ القضاء والتّدريسَ، ولزم بيته مع حاجته، وذلك لأنّ المُعَظَّم بعث إليه يأمره بإظهار إباحةَ الأَنْبِذة، فأبى وقال: لا أفتح على أبي حنيفة - رحمه الله - هذا البابَ، وأنا على مذهب مُحَمَّد في تحريمها، وقد صحَّ عنه أنَّه ما شربها قطّ، وحديثُ ابن مسعود لا يَصِحُّ، وما روي فيه عن عُمَر لا يثبت. فغضب عليه المُعَظَّمُ، وأخرجه من الطَّرْخانية، فأقامَ في بيته، وأقبل على التّحديث والفتوى والإفادة.
وأجازَ لتاج العرب بنت عَلَّان، وهي آخِرُ من روى عنه.(13/878)
497 - إسماعيلُ بن حسن بن أحمد بن أحمد بن الحَسَن بن عبد الكريم، أبو السعود النَّهْرَواني ويعرف بابن الغُبَيْري. [المتوفى: 629 هـ]
ولد سنة إحدى وخمسين. وحدّث عن عمَّة أبيه خديجة النَّهْروانية. وهُوَ من بيت رياسة ببغداد. تُوُفّي في حادي عشر شعبان.(13/878)
498 - أَكمل بن مسعود بن عُمَر بن عَمّار، الشريف أبو هاشم الهاشِميُّ البَغْداديُّ. [المتوفى: 629 هـ]
حدَّث بشيءٍ من كلام الشيخ عبد القادر عليه السلام.(13/878)
499 - حُسامُ بن غَزِّي بن يونُس، الفقيه عمادُ الدِّين أبو المناقب المِصْريّ المَحَلِّيُّ الشّافعيّ الأديب. [المتوفى: 629 هـ]
تَفَقَّه على الإِمام شهاب الدِّين محمد بن محمود الطُّوسِيّ. وسَمِعَ من البُوصيريّ، وغيره. وأقامَ بدمشق مُدَّة، بها تُوُفّي في ربيع الأَوَّل.
وكان ذا فضلٍ، ودين، وتفنّن، وفضائل.
روى عنه الشهابُ القُّوصيّ، وغيرُه.
ومن شِعره:
قِيلَ لي من تحبّه عبث الشّعـ ... ـر بِخَدَّيْه قُلْتُ ما ذَاكَ عَارُه
جَمْرُ خَدَّيْهِ أحرقت عنبر الـ ... ـخال فَمِنْ ذَلِكَ الدُّخَانِ عِذَارُه(13/879)
500 - الحَسَنُ بن الحُسَيْن بن مُحَمَّد بن المُفَرّج، سديدُ الدِّين أبو مُحَمَّد القَيْسرانيُّ ثمّ المِصْريّ المعروف بابن الذَّهبي. [المتوفى: 629 هـ]
كَانَ فاضلًا، شاعرًا، مليحَ الخطِّ. وجمعَ لنفسه مجموعًا هائلًا ذُكِر أنَّه يكون خمسين مجلّدًا.
روى عنه الزَّكيّ المُنذريّ شعرًا. وتُوُفّي في صفر، ولَهُ ثمانون سَنَة.(13/879)
501 - الحَسَن بن عليّ ابن العلاّمة أبي الفرج ابن الْجَوزيّ، أبو عليّ. [المتوفى: 629 هـ]
حدَّث عن أبي الفَتْح بن شاتيل. ومات قبل أبيه. تُوُفّي في سادس ذي الحِجَّة.(13/879)
502 - الحَسَنُ بن أبي بكر المبارك بن مُحَمَّد بن يحيى بن عليِّ بن المُسلَّم، الفقيهُ الصالح أبو عليِّ ابن الزُّبَيْديّ البَغْداديُّ الحَنَفيّ، [المتوفى: 629 هـ]
أخو سراج الدِّين الحُسَيْن.
وُلِدَ سَنَة ثلاثٍ وأربعين. وقيل: سَنَةَ اثنتين وأربعين. وسَمِعَ من أبي [ص:880] الوقت السّجزيّ، وأبي عليّ أحمد ابن الخَرَّاز، وأبي جعفر الطّائيّ، وأبي زُرْعَة، ومَعْمَر ابن الفاخر، وجماعة. وحدَّث ببغداد ومَكّة. وكان حنبليًا، ثمّ تحوّل شافعياً، ثمّ استقرّ حنفياً. وكان فقيهًا جليلًا، نَبيلًا، غزيرَ الفَضْلِ، ذا دينٍ ووَرَع. ولَهُ معرفةٌ تامّة بالعربية. سَمِعَ " صحيحَ البُخاريّ " قَبْلَ أخيه من أبي الوَقْت.
روى عنه الدّبيثيّ، والسيف ابن المجد، وعبد الله بن محمد العامرِيّ، وعَبْدُ العزيز بن الحُسَيْن الخَليليّ، والضّياء عليّ ابن البالسيّ، والعزُّ أحمد بن إبراهيم الفاروثيّ، والشهاب الأبَرْقُوهيّ، وآخرون. وأجاز لفاطمة بنت سُلَيْمان.
وتُوُفّي في سَلْخ ربيع الأوّل.
وقد ترجمه ابن الحاجب وكتب: رأيتُهم يرمونه بالإعتزال. وقد كتبَ السَّيف تحته: قَصَّرَ - يعني ابن الحاجب - في وصف شيخنا هذا فإنَّه كَانَ إمامًا عالمًا لم نَرَ في المشايخ إلّا يسيرًا مثله.
وقال ابن النّجّار: كَانَ عالمًا، متديّنًا، حسنَ الطَّريقة، لَهُ معرفة بالنَّحْو. كتب كثيرًا مِن التّفاسير والحديث والتّواريخ. كانت أوقاته محفوظة.(13/879)
503 - الحَسَن بن يوسف بن الحسن بن عبد الحق، أبو مُحَمَّد الصّنهاجيُّ الشَّاطبِيُّ، [المتوفى: 629 هـ]
أخو الحُسَيْن وأخو عبد الله بن عبد الجبار العثماني لأمه.
ولد بالإسكندرية في المحرم سنة إحدى وستين وخمسمائة. وروى عن السِّلَفِيّ. روى عنه.
وتُوُفّي في السنة.(13/880)
504 - ذَاكِرُ بن مَكّيّ بن أبي البركات، أبو القاسم النّجّاد. [المتوفى: 629 هـ][ص:881]
شيخٌ صالحٌ. حدَّث عن أبي الحُسَيْن عبد الحقّ، وغيره. ومات في المحرّم.(13/880)
505 - رافع بن عليِّ بن رافع، أبو البَدْر الحُسينيُّ الموسويُّ البَغْداديُّ. [المتوفى: 629 هـ]
شيخٌ صالحٌ، لَهُ شِعْر. وحدَّث عن أبي عليّ الرَّحَبِيّ.
روى لنا عنه أبو المعالي الأبَرْقُوهيّ بالإِجازة في " مُعجمه ". والدُّبَيْثيُّ في " تاريخه " وقال: مات في شعبان، وقد جاوز المائة.(13/881)
506 - زيادة بن عِمران بن زيادة، الفقيه أبو النماء المِصْريُّ المالكيُّ المقرئ الضّرير. [المتوفى: 629 هـ]
قرأ بالروايات على أبي الجود. وتَفَقَّه على أبي المنصور ظافر بن الحسين، وأبي محمد عبد الله بن شاس. وقرأ العربيةَ على أبي مُحَمَّد عبد الله بن عبد العزيز العَطَّار، وسَمِعَ من الأَرْتَاحِيّ، وغيره.
وتصدَّر للإِقراء بالجامع العتيق، وبالمدرسة الفاضلية، وتخرَّجَ به جماعة.
قرأ عليه من شيوخنا سِبْطُهُ أبو مُحَمَّد الحسن بن عبد الكريم، والنِّظامُ مُحَمَّد التَّبريزيُّ.
وتُوُفّي في مستهلّ شعبان.(13/881)
507 - طاهِرُ بن سَلُّوم بن طاهر بن أحمد بن طاهر الأَزَجيُّ البَيِّع، ابن الشِّيرَجِيّ. [المتوفى: 629 هـ][ص:882]
روى عن وجيه بن هِبَة الله السَّقَطِيّ. ومات في صفر، وقد شاخ.(13/881)
508 - عبد الله بن عبد الرحمن بن طلحة، أبو العلاء البَصْريُّ المالكيُّ. [المتوفى: 629 هـ]
سَمِعَ من عبد الله بن عُمَر بن سَليخ. روى عنه بالإِجازة أبو المعالي الأبَرْقُوهيّ. وتُوُفّي بالبصرة في شوَّال.(13/882)
509 - عبد الله بن عَبْد الغَنِيّ بْن عَبْد الواحد بْن عَلِيّ بن سرور، الحافظ المُحدِّث جمال الدِّين أبو موسى ابن الحافظ الأوحد أبي مُحَمَّد المَقْدِسيُّ ثمّ الدّمشقيُّ الصَالحيُّ الحَنْبَليُّ. [المتوفى: 629 هـ]
وُلِدَ في شوَّال سَنَة إحدى وثمانين وخمسمائة. وسمع من عبد الرحمن بن عليّ ابن الخِرَقيّ، وإسماعيل الْجَنْزَويّ، والخُشُوعيّ. ورحل به أخوه عز الدِّين مُحَمَّد، فَسَمِعَ ببغداد من ابن كليب، والمبارك ابن المَعْطُوش، وابن الْجَوْزيّ، وطائفة من أصحاب ابن الحُصَيْن. وسَمِعَ " المُسْند " من عبد الله بن أبي المجد بالحَرْبيّة. ورحلا إلى إصْبَهان فسمعا سَنَةَ أربعٍ وتسعين من مسعود الْجَمَّال، وخليل بن أبي الرجاء، وأبي جعفر الطَّرَسُوسيّ، وأبي المكارم اللَّبَّان، وأبي جعفر الصَّيْدلانيّ، وطائفة. فلمّا رجعا رحلا إلى مصرَ، وسَمِعَ عند والِدِه من فاطمة بنت سَعْد الخير، وأبي عبد الله الأَرْتَاحِيّ، وابن نَجا، وجماعة. ثمّ ارتحلَ مرَّةً ثانية إلى العراق، فدخل إلى واسط، وسَمِعَ من أبي الفَتْح المَنْدائي، ورحلَ إلى نَيْسابور فَسَمِعَ من منصور الفُرَاوي، والمؤيِّد الطُّوسيّ، وجماعة. وسَمِعَ بالحِجاز، والمَوْصِل، وإِرْبِل. وعُني بالحديث، وكتبَ الكثيرَ بخطه، وخَرَّج، وأَفاد.
وقرأ القرآن على عمِّه الشيخ العماد. وتَفَقَّه على الشيخ المُوفَّق. وقرأ العربيةَ ببغداد على الشيخ أبي البقاء.
قال ابن الحاجب: سألتُ عنه الحافظ الضّياء، فقال: حافظٌ، متقنٌ، ديّنٌ، ثقةٌ. وسألتُ عنه الزَّكيَّ البِرْزَاليَّ، فقال: حافظ، ديِّنٌ، مُتَمَيّز. [ص:883]
وقال الضّياء: كانت قراءتُه سريعةٌ صحيحة مَلِيحة.
وقال عمر ابن الحاجب: لم يكن في عصره مثلُه في الحفظ والمعرفة والأمانة. قال: وكان كثيرَ الفضل، وافرَ العقل، متواضعًا، مهيبًا، وقورًا، جَوادًا، سَخِيًّا. لَهُ القبولُ التّامَّ مع العِبادة والورع والمُجاهدة.
ونقلتُ من خطِّ الضّياء: كَانَ - رحمه الله - اشتغل بالفقه والحديث وصار عَلَمًا في وقته. ورحلَ إلى إصْبَهان ثانيًا، ومشى على رِجليه كثيرًا. وصارَ قُدوةً، وانتفعَ الناسُ بمجالسه الّتي لم يُسبق إلى مثلها. وكان جوادًا كريمًا، واسعَ النَّفس، وعَوَّد النّاسَ شيئًا لم نره من أحد من أصحابنا، وذلك أنّ أصحابنا من الْجَبَل والبَلَدِ كلّ من احتاج إلى قَرْض أو شراء غلَّة أو ثوب أو غيرِ ذلك يمضي إليه، فيحتال لَهُ حَتّى يحصل لَهُ ما يطلب، حَتّى كنتُ يضيقُ صدري عليه ممّا يصير عليه من الدّيون، وكثيرٌ من النّاس لا يرجع يوفّيه حَتّى سمعته مرّةً يقول: عليّ نحو ثلاثة ألف درهم. سَمِعْتُ الْحَافِظَ أَبَا إِسْحَاقَ الصَّرِيفِينِيَّ قَالَ: مَضَيْتُ إِلَى الْحَافِظِ أَبِي مُوسَى فَذَكَرْتُ لَهُ مَرَضَ ابْنِي، وَأَنَّنَا فِي شدّةٍ مِنْ مَرَضِهِ فَقَالَ لِي: هَذِهِ اللَّيْلَةُ تُخْلِيهِ الْحُمَّى. قَالَ: فَخَلَتْهُ الْحُمَّى تِلْكَ اللَّيْلَةَ. سَمِعْتُ الإِمَامَ أَبَا إِبْرَاهِيمَ حَسَنَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: رَأَيْتُ وَالِدِي بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَيَّامٍ وَهُوَ فِي حالٍ حَسَنَةٍ فَقُلْتُ: مَا لَقِيتَ مِنْ رَبِّكَ؟ فَقَالَ: لَقِيتُ خَيْرًا. فَقُلْتُ: فَكَيْفَ النَّاسُ؟ قَالَ: مُتَفَاوِتُونَ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ. وَسَمِعْتُ الإِمَامَ أَبَا عُمَرَ أَحْمَدَ بْنَ عُمَرَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ الْجَمَّالَ عَبْدَ اللَّهِ فَقُلْتُ: أيشٍ عَمِلَ مَعَكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: أَسْكَنَنِي عَلَى بِرْكَةِ الرِّضْوَانِ. سَمِعْتُ الْفَقِيهَ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُثْمَانَ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّ يُوسُفَ بْنَ عُثْمَانَ الْقُرَيْرِيَّ حَدَّثَهُ قَالَ: رَأَيْتُ الْجَمَالَ عَبْدَ اللَّهِ فِي النَّوْمِ فِي سَطْحِ جَامِعِ دِمَشْقَ، وَوَجْهُهُ مِثْلُ الْقَمَرِ، وَعَلَيْهِ ثيابٌ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهَا فَقُلْتُ: يَا جَمَالَ الدِّينِ مَا هَذِهِ الثِّيَابُ؟ مَا رَأَيْتُكَ تَلْبَسُ مِثْلَ هَذِهِ؟ فَقَالَ: هَذِهِ ثِيَابُ الرِّضَا. فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ قَالَ: نَظَرَ إِلَيَّ وَتَفَضَّلَ عَلِيَّ، أَوْ مَا هذا معناه. سمعت الملك الصالح إسماعيل ابن الْعَادِلِ يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي اسْمُهُ أحمد البرددار وفيه خير، وكان يَتَرَدَّدُ إِلَى الْجَمَالِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَانَ يَكْتُبُ لَهُ أَحَادِيثَ، فَرَأَى الْجَمَالَ فِي النَّوْمِ فَقَالَ: أُوصِيكَ بِالدُّعَاءِ الَّذِي حَفَّظْتُكَ إِيَّاهُ، فَقَالَ: مَا بَقِيتُ أَحْفَظُهُ، فَقَالَ: هُوَ مَكْتُوبٌ فِي [ص:884] الْوَرَقَةِ الَّتِي كَتَبْتُهَا لَكَ، وَسَلِّمْ عَلَى فُلَانٍ - يَعْنِينِي - وَقُلْ لَهُ: يَحْفَظُ هَذَا الدُّعَاءَ، فَمَا نَفْعَنِي مِثْلُهُ، وَهُوَ: " اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ ". . . الْحَدِيثَ.
قلت: روى عنه الضّياء، والشيخ شمس الدِّين عبد الرحمن، والفَخْر عليٌّ، ونصر الله بن عَيّاش، والشمس مُحَمَّد بن حازم، ونصرُ الله بن أبي الفرج النابلسيّ، والشمس محمد ابن الواسطيّ، وآخرون. وتفرّد القاضي تقيّ الدِّين بإجازته من سنوات.
وقرأت بخطّ الضّياء: قال الإمام أبو عبد الله يوسُف بن عبد المنعم بن نعمة يرثي الحافظ أبا موسى:
لَهْفِي على ميّتٍ مَاتَ السُّرُورُ بِهِ ... لَوْ كَانَ حيّاً لأحيى الدّين والسّننا
لو كُنْتُ أُعْطَى بِه الدُّنيا مُعَاوَضَةٌ ... إذًا لَمَا كَانَتِ الدُّنيا لَهُ ثَمَنَا
يا سَيِّدِي ومكان الرُّوحِ من جسدي ... هَلَّا دَنَا المَوْتُ مِني حين مِنْكَ دَنَا
وقال فيه الإِمام أبو محمد عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد المنعم بْن نِعمة المَقْدِسيُّ؛ أخو المذكور:
هَذَا المُصَابُ قَدِيمًا المَحْذُورُ ... قَدْ شَاطَ مِنْهُ أضلعٌ وصُدُورُ
وتَقَلَّبَتْ مِنْهُ القُلُوبُ حَرَارَةً ... والدَّمْعُ مِنْهُ ساجمٌ مَوْفُورُ
حمدًا فَكَمْ بَلْوى بِفَقْدِ أحبّةٍ ... كَادَتْ لِفَقْدِهِم السَّماءُ تَمُورُ
كَانُوا نُجُومًا يَهْتَدِي السَّاري بِهِم ... بَلْ هُمْ عَلى مَرِّ الزَّمَانِ بُدُورُ
فَقَدَتْ جَمَالَ الدِّين سُنَّةُ أحمدٍ ... ومساجدٌ ومجالسٌ وصُدُورُ
مَنْ ذَا يَقُومُ بِوعْظِهِ فِي قَلْبِ مَنْ ... غَطَّى عَلَيْه غفلةٌ وَغُرُورُ [ص:885]
حتّى تلين قلوبهم من بعدما ... حَاكَى قَسَاوَتَها صَفًا وصُخُورُ
مِنْ لِلحَدِيثِ وأَهْلِه يا خَيْرَ مَنْ ... قَرَأَ الأَحَادِيثَ الَّتي هِيَ نور
من لليتامى والأرامل من لذي الـ ... حاجات إنْ ضَاقَتْ عَلَيْهِ أُمُورُ
أَمَّا القُبُورُ فَلَا تَزَالُ أَنيسَة ... بِمَكَانِ قَبْرِكَ وَالدِّيار قُبُورُ
جَلَّتْ صَنائِعُهُ فَعمَّ مُصَابُه ... فَالنَّاس فِيهِ كُلُّهُم مَأْجُورُ
في أبيات أُخَر.
وقرأت بخطِّ محمد بن سَلَّام في ترجمة الجمال أبي موسى قال: وعَقَدَ مجلسَ التّذكير وقراءة الْجُمَع، ورغب النّاسُ في حُضوره. وكان جمَّ الفوائد. كَانَ يُطرّز مجلسه بالخُشوع والبُكاء، وإظهار الْجَزَعِ. قال: وسمعتُ أبا الفتح ابن الحاجب يقول: لو اشتغل أبو موسى حقَّ الاشتغال ما سبقه أحد، ولكنّه تارك. قال: وسمعتُ أبا الفَرَج بن أبي العلاء الحَنْبَليّ الفقيه يقول: الجمالُ كثير المَيْل إليهم - يعني السلاطين -. وسمعتُ أبا عبد الله الحافظ مذاكرةً يَصفُ ما قاسى أبو موسى من الشدائد والجوع والعُري في رحلته إلى إصْبَهان وإلى نَيْسابور.
وقال أبو المُظَفَّر الْجَوْزيّ: كَانَ الجمالُ ابن الحافظ، أحوالُه مستقيمة حَتّى خالَطَ الصالح إسماعيلَ وأبناءَ الدُّنيا، فتغيَّرت أحوالُه، وآل أمرُه إلى أنّ مرض في بستان الصالح على ثورا وماتَ فيه، فكفّنه الصالح وصَلَّى عليه.
وقال غيرُه: وقفَ الملك الأشرفُ دار الحديث بدمشق، وجعل للجمال أبي موسى وذرّيته رِزْقًا معلومًا، ومسكنًا بعُلُوّ دار الحديث.
وقال الضّياء: تُوُفّي يوم الجمعة خامسَ رمضان.(13/882)
510 - عبدُ الله بن قَيْصَر، أبو بكر المَوْصلائيّ الحاجب. [المتوفى: 629 هـ]
روى عن أبي الفَتْح بن شاتيل. ومات في رجب.(13/885)
511 - عبدُ الرحمن بن عبد الخالق، أبو القاسم الكِنانيُّ الفاسِيُّ. [المتوفى: 629 هـ]
قال ابن مَسْدِيّ في " معجمه ": ولد قبل الخمسين وخمسمائة. سَمِعَ من القاضي أبي القاسم بن عيسى الفاسِيّ، وعليّ بن الحُسَيْن اللّواتيِّ، وجماعة. وبمصر البُوصيريّ. لقيتُه بفاس. مات بعيذابَ في أوّل السنة.(13/886)
512 - عبد الرحمن بن عبد المحسن ابن الخطيب أبي الفضل عَبْد اللّه بْن أَحْمَد الطُّوسيُّ، ثمّ المَوْصِليُّ تاج الدِّين [المتوفى: 629 هـ]
خطيب المَوْصِل وابن خطبائها.
وُلِدَ في رمضان سَنَة ثلاثٍ وسبعين. وسَمِعَ من جدّه، وتَفَقَّه.
وكان ورعًا، صالحًا، متواضعًا، شاعرًا. ولَهُ:
مَا لَاح بَارِقُ مقلتي ... هـ لناظر إلاّ وشامه
للصّبح يشبه والظّلا ... م إذا بدا خدّاً وشامه
فاقت محاسنه الحسا ... ن عراقه فينا وشامه
يا ليته مثلي يقو ... ل لِمنُ إلَيه بي وَشى مَهْ(13/886)
513 - عبد الرحمن بن عليّ بن أبي مطر، أبو القاسم العَسْقَلَانيُّ السُّكَّريّ، المعروف بابن المُحتسب. [المتوفى: 629 هـ]
وُلِدَ سَنَة ست وثلاثين وخمسمائة. وكان شيخًا صالحًا، مُقبلًا على شأنه. سَمِعَ ببغداد في الكُهولة، وحدَّث بمصر عن ذاكر بن كامل الخَفّاف.
وتُوُفي فِي ربيع الآخر.(13/886)
514 - عَبْد الرَّحْمَن بْن محمد ابن الفقيه أبي مُحَمَّد بن رسلان بن عبد الله بن شعبان، أبو القاسم المقرئ الفقيه الشّافعيُّ الشَّارِعيُّ. [المتوفى: 629 هـ]
قرأ القراءات وسَمِعَ من القاسم بن إبراهيم المَقْدِسيِّ، ومُحَمَّد بن عُمَر [ص:887] ابن جامع البنّاء، وجماعة. وأمَّ بالمسجد المعروف بأبيه وجدّه بالشارع بظاهر القاهرة.
وكان مشهورًا بالخير والعَفاف والسَّعي في قضاء حوائج النّاس ومساعدتهم. وعاش ستًّا وخمسين سَنَة.(13/886)
515 - عبد السّلام بن عبد الرحمن بن طُلَيس، أبو مُحَمَّد الحَرَستانيُّ. [المتوفى: 629 هـ]
تُوُفّي بحَرَستا في ذي القِعْدَة.
روى عن أبي القاسم الحافظ.(13/887)
516 - عبد الصَّمَد بن داود بن مُحَمَّد بن يوسُف، أبو مُحَمَّد الأَنصاريُّ المِصْريُّ الغَضاريُّ المقرئ الجنائزيُّ. [المتوفى: 629 هـ]
وُلِدَ بمصر في سَنَةِ أربعٍ وستّين. ورُحِلَ به، فسَمِعَ من السِّلَفِيّ، ومُحَمَّد بن عبد الرحمن الحَضْرَميّ، وبمصر من مُحَمَّد بن عليّ الرَّحَبِيّ، وإسماعيل بن قاسم الزَّيّات، وعبدِ الله بن بَرِّيّ، وسَعيد بن الحُسَيْن المأمونيّ، وعبد الرحمن بن محمد السّبيي، وجماعةٍ كثيرة.
روى عنه الزَّكيّ المُنذريّ، ويحيى بن عبد الرحيم بن مسلمة، وعمر ابن الحاجب، والجمال محمد ابن الصابوني، وجماعة.
وتُوُفّي في عاشر شعبان، ودُفِنَ بقرب كافور الأخشيدي.(13/887)
517 - عبدُ الغفار بن أبي الفوارس شُجاع بن عبد الله بن نُوشتيكن، أبو مُحَمَّد التُّرْكمانيُّ الدنوشريُّ المَحَلِّي. [المتوفى: 629 هـ]
استوطنَ المَحَلَّةَ، وكان عَدْلًا، شُرُوطيًا. سَمِعَ السِّلَفِيّ، والفقيه أبا الطاهر بن عَوْف، ومحمد بن محمد الكِرْكَنْتِي.
وُلِدَ بدنوشر؛ قريةٍ بقرب المَحَلَّة، في سَنَةِ ثلاثٍ وخمسين. ومات في السادس والعشرين من شوَّال.
روى عنه الزَّكيّ المُنذريُّ، وجماعةٌ. وَحَدَّثَنَا عنه عيسى بن شهاب [ص:888] المؤدّب، وأبو العباس أحمد ابن الأَغْلَاقيّ.(13/887)
518 - عَبْد الغني بْن عَبْد الكريم بن نِعمة، أبو القاسم الثَّوريُّ السُّفيانيُّ. [المتوفى: 629 هـ]
كَانَ يذكر أنَّه من وَلد سُفْيان. وكان أديبًا، فاضلًا، لَهُ شعرٌ، وفضيلةٌ.
سَمِعَ من عبد الله بن بَرِّيّ، وعنه الزَّكيّ المُنذريُّ. ومات في عشر السبعين في ذي القِعْدَة.(13/888)
519 - عبد الغني بن المبارك بن المبارك بن أبي السعادت بن عُبَيْد الله، أبو القاسم البَغْداديُّ. [المتوفى: 629 هـ]
من بيتِ عدالةٍ ورواية. سَمِعَ من تَجَنِّي الوهْبَانِيَّة، وعُبَيْد الله بن شاتِيل، وغيرهما. ومات في شعبان.(13/888)
520 - عبدُ الكريم بن عليّ بن شَمْخ، العَدْلُ عفيفُ الدِّين الشّافعيُّ، أمينُ الحَكَم لقاضي القضاة أبي القاسم عبد الرحمن ابن السُّكَّريّ. [المتوفى: 629 هـ]
كَانَ ديِّنًا، كثيرَ التلاوة. مات في ذي الحِجَّة.(13/888)
521 - عبد اللطيف بن أبي جعفر عبد الوهاب بن محمد بن عبد الغني، أبو محمد ابن الطَّبريّ، البَغْداديُّ. [المتوفى: 629 هـ]
سَمَّعَهُ أبوه من أبي المُظَفَّر ابن الشّبليّ، وأبي محمد ابن المادح، وأبي الفتح ابن البَطِّي، وأبي بكر بن النَّقُّور.
ووُلِدَ في سَنَةِ إحدى وخمسين تقريبًا. روى عنه الدُّبَيْثيّ، والبرزاليّ، وعمر ابن الحاجب، والسّيف ابن المجد، والشّرف ابن النابلسيّ، وجماعة. وأجازَ لفاطمة بنت سُلَيْمان.
وكان يقرأ بالأَلْحان، ويُؤَذِّن بالحُجرة الشَّريفة.
وتُوُفّي في رابع شعبان.
سَمِعَ ما رَوى الزَّيْنَبِيُّ عن المُخَلِّص من الأَوّل الكبير على هِبَة الله [ص:889] الشِّبليّ. وسَمِعَ من ابن البَطِّي جميع " مُسْنَد الطَّيَالسيّ ".(13/888)
522 - عبد اللطيف ابن الفقيه أبي العزّ يوسُف بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَبِي سَعْد، العَلَّامة مُوفَّق الدِّين أبو مُحَمَّد المَوْصِليّ الأصل البَغْداديُّ الفقيه الشّافعيُّ النَّحْويُّ اللُّغَويُّ المُتَكلِّم الطّبيبُ، الفَيْلسوفُ المعروفُ قديمًا بابن اللّبّاد. [المتوفى: 629 هـ]
وُلِدَ ببغدادَ في أحد الربيعين سَنَة سبعٍ وخمسين وخمسمائة. وسَمَّعَهُ أبوه من ابن البَطِّي، وأبي زُرْعَة المقدسيّ، وأبي عليّ الحسن بن عليّ البَطَلْيُوسيّ، ويحيى بن ثابت، وشُهْدَةَ، وأبي الحُسَيْن عبد الحقّ، وجماعةٍ كثيرة.
روى عنه الزَّكيّان البِرْزَاليُّ والمُنذريّ، والضّياءُ، وابن النّجّار، والشهابُ القُّوصيّ، والتّاج عبد الوَهَّاب ابن زين الأُمناء، والكمالُ العَدِيميّ، وابنه أبو المجد الحاكم، والأمين أحمد ابن الأشتريّ، والكمال أحمد ابن النَّصِيبيّ، والجمالُ ابن الصَّابوني، والعزّ عُمَر بن محمد ابن الأستاذ، وخطلبا وسنقر القضائيان، وعليّ ابن السيف ابن تَيْمِيّة، ويعقوب بن فَضائل، وستّ الدّار بنت المجد ابن تَيْمِيّة، وخلقٌ سواهم.
وحَدَّث بدمشق، ومِصْرَ، والقُدس، وحَرَّان، وبغداد. وصَنَّف تصانيف كثيرة في اللّغة، والطبِّ، والتاريخ، وغير ذلك.
وكان أحدَ الأذكياء المُتَضَلّعين من الآداب والطبّ وعلم الأَوائل، إلّا أنّ دعاويه أكثر من علومه.
ذكره الوزيرُ جمال الدِّين عليّ القِفْطي في " تاريخ النُّحاة "، فقال: المُوفَّق النَّحْويّ الطَّبيبُ المُلَقَّب بالمَطْحن. كَانَ يَدَّعى معرفةَ النَّحْو واللّغة وعلم الكلام والعلوم القديمة والطبّ. ودخل مصر وادّعى ما ادّعاه فمشى إليه الطّلبة، فقصّر فيما ادّعاه فجفَوْهُ. ثمّ نفقَ على شَابَّيْن بعَيدِي الخاطر يُعرفان بولدي إسماعيل بن أبي الحَجّاج المَقْدِسيّ الكاتب، ونقلاه إليهما، وأخذا عنه. وكان دَميمَ الخِلْقَة نحيلها، قليل لحم الوجه. ولمّا رآه التّاجُ الكِنْديّ لقّبه بالمَطْحن. [ص:890]
قلت: وبالغ القِفْطيّ في الحَطِّ عليه، ويظهر على كلامه فيه الهَوَى، حَتّى قال: ومن أسوأ أوصافه قلةُ الغَيْرةِ.
وقال الدُّبَيْثيّ: غلبَ عليه عِلْم الطبِّ والأدب وبرعَ فيهما.
وقال ابن نُقْطَة: كَانَ حسنَ الخُلُق، جميلَ الأمر، عالمًا بالنّحْو والغريبين، ولَهُ يدٌ في الطّبِّ. سمع " سنن ابن ماجه "، و" مسند الشّافعيّ " من أبي زُرْعَة. وسَمِعَ " صحيح الإسماعيلي " جميعه، و" المدخل " إليه من يحيى بن ثابت بسماعه من أبيه. وسَمِعَ الكثير من ابن البَطِّي، وأبي بكر بن النَّقُّور، وانتقل إلى الشّام ومصر. وكان يتنقّل من دمشق إلى حلب. ومرَّة سكنَ بأَرْزَنكان وغيرها.
وقال المُوفَّق: سَمِعْتُ الكثيرَ، وكنتُ في أثناء ذلك أتعلّم الخطَّ، وأتحفّظ القرآن، و" الفصيح " و" المقامات " و" ديوان المُتنبيّ "، ومختصرًا في الفقه، ومختصرًا في النَّحْو. فلمّا تَرَعْرَعْتُ حملني والدي إلى كمال الدِّين عبد الرحمن الأنباريّ وكان يومئذٍ شيخ بغداد، ولَهُ بوالدي صحبةٌ قديمة أيّام التَفقّه بالنِّظامية، فقرأت عليه خطبة " الفصيح "، فهذّ كلامًا كثيرًا لم أفهمه، لكنّ التلاميذَ حوله يُعجبون منه. ثمّ قال: أنا أجفو عن تَعْليم الصّبيان أحمله إلى تلميذي الوجيه الواسطيّ يقرأ عليه، فإذا تَوَسَّطَتْ حالُه قرأ عليَّ. وكان الوجيهُ عند بعض أولاد رئيس الرؤساء، وكان رَجُلًا أعمى من أهل الثَّروة والمُروءة، فأخذني بكلتا يديه، وجعل يُعَلّمني من أوّل النّهار إلى آخره بوجوهٍ كثيرة من التَّلَطّف. وكنتُ أحفَّظُه من كتبه، وأحفظ معه، وأَحضرُ معه حلقه كمال الدِّين إلى أن صِرتُ أسبِقُه في الحِفْظ والفَهْم، وأَصرفُ أكثرَ اللّيل في التّكرار، وأقمنا على ذلك برهة. وحفظت " اللُّمَع " في ثمانية أشهر، وكنت أطالع " شَرْحَ الثّمانينيّ "، و" شرح الشريف عمر بن حمزة "، و" شرح ابن بَرهان "، وأشرحُ لتلامذة يختصّون بي إلى أن صِرْتُ أَتَكَلَّمُ على كلّ باب كراريسَ، ولا ينفد ما عندي. ثمّ حَفِظْتُ " أدب الكاتب " لابن قُتَيْبة حفظًا مُتقنًا، ثمّ حفظتُ " مُشكِل القُرآن " له، و" غريب القرآن " لَهُ، وكلّ ذلك في مدّةٍ يسيرة. ثمّ انتقلتُ إلى [ص:891] " الإِيضاح " لأبي عليّ الفارسي، فحفظته في شهورٍ كثيرة، ولازمت مُطالعة شروحه وتتبّعتُه التتبّع التّامّ حَتّى تبحّرتُ فيه. وأمّا " التَّكملة " فحفظتُها في أيامٍ يسيرة كُلَّ يوم كُرّاسًا. وطالعت الكتب المَبْسُوطة، وفي أثناء ذلك لا أُغْفِلُ سماع الحديث والتّفَقّه على شيخنا ابن فَضْلان.
ومن كلام المُوفَّق عبد اللطيف، وكان فصيحًا، مفوَّهًا: ينبغي أن تُحاسِبَ نفسك كُلَّ ليلة إذا أَوَيْتَ إلى منامك، وتَنْظُرَ ما اكتَسَبْتَ في يومِك من حَسَنة فتشكُرُ الله عليها، وما اكتسبتَ من سيئةٍ، فتستغفرَ الله منها، وتُقْلِعَ عنها. وتُرِّتب في نفسك ما تعمله في غدك من الحسنات، وتسأل الله الإعانة على ذلك.
وقال: ينبغي أنّ تكونَ سيرتُك سيرةَ الصَّدْر الأَوَّل، فاقرأ سيرةَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتَتَبَّعْ أفعالَهُ وأحوالَهُ، واقتفِ آثارَهُ، وتَشَبَّه به ما أمكنك، وإذا وقفتَ على سيرته في مَطْعَمِهِ ومَشْرَبِهِ ومَلْبَسه ومَنامه ويَقظَتِه وتمرّضه وتطبّبه وتَمتّعه وتطيُّبه، ومعاملته مع ربّه، ومع أزواجه وأصحابه وأعدائِه، وفعلتَ اليَسيرَ من ذلك، فأنت السعيدُ كُلّ السعيد.
قال: ومن لم يَحْتَمِل أَلَمَ التَّعلُّم لم يَذْق لذّة العِلْم، ومن لم يَكْدَحْ لم يُفْلِحْ، وإذا خَلَوتَ من التَّعلّم والتَّفَكّر فَحرِّك لسانَكَ بذكر الله وتسبيحِه وخاصّة عند النوم. وإذا حَدَّثَ لك فرحٌ بالدنيا، فاذكُرِ الموتَ وسُرعةَ الزَّوال، وأصناف المُنَغِّصات، وإذا حَزَبَك أمرٌ فاسترجِعْ، وإذا اعترتكَ غفلةٌ فاستغفر، واجعل الموت نصب عينيك، والعِلْم والتُّقَى زَادكَ إلى الآخِرَة، وإذا أردت أنّ تعصيَ الله فاطلُبْ مكانًا لا يراك فيه، وعليك أنّ تجعلَ باطنَك خَيْرًا من ظاهرك فإنَّ النّاسَ عيونُ الله على العَبْد يُريهم خيره وإن أخفاه، وشَرَّهُ وإن سَتَرَهُ، فباطنُه مكشوفٌ لله، والله يكشِفُه لعباده. وأعلم أنّ للدّين عَبَقَةً وعَرفًا يُنادي على صاحبه ونورًا وضياءً يُشرق عليه ويَدُلُّ عليه، كتاجر المِسْكِ لا يخفى مكانُه.
ثمّ قال: اللهمّ أَعِذْنا من شموس الطبيعة، وجموح النفس الرديَّةِ، وسَلِّسْ لنا مقادَ التَّوفيق، وخُذ بنا في سواءِ الطّريق، يا هادِيَ العُمى يا مُرشِدَ الضُّلَّال يا محيي القلوب المَيِّتة بالإيمان خُذْ بأيدينا مِن مهواة الهَلَكَة، ونَجِّنا من رَدْغَةِ الطبيعةِ، وطَهِّرنا من دَرَنِ الدُّنيا الدنيَّة بالإِخلاص لك والتَّقوى إنَّكَ مالكُ الدُّنيا والآخرة. سبحان من عَمَّ بحكمته الوجود، واستحق بِكُلِّ وجه أن [ص:892] يكونَ هُوَ المَعْبُود، تلألأت بنور جلالك الآفاقُ، وأشرقت شمسُ معرفتك على النفوس إشراقًا وأيَّ إشراق.
ومن تصانيفه: " غريب الحديث "، و" المجرّد " منه، " الواضحة في إعراب الفاتحة "، كتاب " رُبَّ "، كتاب " الألف واللّام "، " شرح بانت سعاد "، " ذَيْلِ الفصيح "، " خمس مسائل نحوية "، " شرح مقدّمة بابشاذ "، " شرح الخُطَب النُّبَاتِية "، " شرح سبعين حديثًا "، " شرح أربعين حديثًا طبيّة "، " الرّد على الفخر الرَازيّ في تفسير سورة الإِخلاص "، " شرح نَقْد الشعر " لقُدامة، كتاب " قوانين البَلاغة "، " الإنصاف بين ابن بَرِّيّ وابن الخَشَّاب في كلامهما على المقامات "، " مسألة أنت طالق في شهر قبل ما بعد قبله رَمَضان "، كتاب " قَبْسَة العَجْلان " في النَّحْو، " اختصار العُمدة " لابن رشيق، " مُقدّمة حساب "، " اختصار كتاب النَّبات "، كتاب " الفُصول " في الحكمة، " شرح فصول بُقراط "، " شرح التّقدمة " لَهُ، " اختصار كتاب الحيوان " لأرسطو طاليس. واختصر كتبًا كثيرة في الطّبّ. كتاب " أخبار مصر الكبير "، كتاب " الإِفادة في أخبار مصر "، كتاب تاريخ يتضمّن سيرته، " مقالة في الجوهر والعَرَض "، " مقالة في النَّفْس "، " مقالة في العَطَش "، " مقالة في السَّقَنْقُور "، " مقالة في الردّ على اليهود والنصارى "، كتاب " الحكمة في العِلْم الإلهي ". وأشياء أكثر ممّا ذكرنا.
قلت: سافر المُوفَّق من حلب ليحجّ من الدَّرب العراقيّ، فدخلَ حَرَّان وحدَّث بها، وسافر، فمرِضَ ودخل بغدادَ مريضًا، فتعوَّق عن الحجّ. ثمّ مات ببغداد في ثاني عشر المحرَّم وصَلَّى عليه شهاب الدِّين السُّهَرَوَرْدِيّ، ودُفِنَ بالوَرْدية.
وقد ذكره المُوفَّق أحمدُ بن أبي أُصيبعة فقال - بعد أنّ وَصَفَهُ -: كَانَ يتردَّد إليه جماعةٌ من التَّلاميذ وغيرهم من الأَطبّاء للقراءة عليه، وكان كثيرَ الاشتغال لا يُخلي وقتًا من أوقاته من النظر في الكتب والتَّصنيف. والّذي رأيتُه من خطه أشياءَ كثيرة جدًّا. وكان بينَه وبينَ جَدِّي صحبةٌ أكيدة بمصر. وكان أبي وعمّي يشتغلان عليه. واشتغل عليه عمّي بكتب أرسطو طاليس. وكان قلمه [ص:893] أجودَ من لفظه. وكان يتنقَّص بالفضلاء الّذين في زمانه وكثيرٍ من المُتَقَدِّمين وخصوصًا الرئيس ابن سينا. ثمّ ساق من سيرته ما ذكرته أنا.
ثمّ قال: وقال موفق الدِّين: إنّ مِن مشايخه وُلِدَ أمين الدَّولة ابن التلميذ وبالغَ في وصفه وكَرَمِه. وهذا تعصُّب، وإلّا فولدُ أمين الدَّولة لم يكن بهذه المثابة، ولا قريبًا منها. ثمّ قال المُوفَّق: دخلت الموصل، فأقمت بها سَنَةً في اشتغال متواصلِ ليلًا ونهارًا، وزعم أهلُها أنّهم لم يروا من أحدٍ قبلي ما رأوا منّي من سِعَةِ المحفوظ، وسُرْعَة الخاطر، وسكون الطائر. وسمعت النّاس يهرجون في حديث السُّهَرَوَرْدِيّ المتفلسِف، ويعتقدون أنَّه قد فاقَ الأَوَّلِين والآخرين، فطلبت من الكمال ابن يونُس شيئًا من تصانيفه، وكان يعتقد فيها، فوقعتُ على " التلويحات " و" اللّمحة " و" المعارج " فصادفتُ فيها ما يدل على جَهْل أهل الزَّمان، ووجدت لي تعاليقَ لا أرتضيها هي خيرٌ من كلام هذا الأَنْوَك. وفي أثناءِ كلامه يُثبت حروفًا مقطّعة يُوهِمُ بها أنها أسرارٌ إلهية.
قال: وعَمِلتُ بدمشقَ تصانيف جمّة منها: " غريب الحديث الكبير " الّذي جمعت فيه " غريب أبي عبيد "، و" غريب ابن قتيبة "، و" غريب الخَطَّابي ". ثمّ عَمِلتُ لَهُ مختصرًا سمّيته " المُجَرَّد ". وأعربتُ الفاتحة في نحو عشرين كرّاسًا.
قلتُ: ولَهُ كتاب " الجامع الكبير " في المنطق والطّبيعي والإِلهي زُهَاءَ عشرة مجلّدات بقي يصنّف فيه مُدَّةً طويلة.(13/889)
523 - عبدُ الواحد بن إسماعيل بن صَدَقَة، نفيس الدِّين أبو مُحَمَّد الحَرّانيُّ ثمّ الدّمشقيُّ التَّاجِر. [المتوفى: 629 هـ]
حدَّث عن أبي الحُسَيْن أحمد ابن الموازينيّ، ونسيبِه مُحَمَّد بن عليّ بن صَدَقَة. ومات فُجَاءةً بدمشق في ربيع الآخر.
كتبَ عنه ابن الحاجب، وغيرُه.(13/893)
524 - عبدُ الوَهَّاب بْن أزهر بْن عَبْد الوَهَّاب بْن أَحْمَد ابن السَّبَّاك، أبو البركات البَغْداديُّ، [المتوفى: 629 هـ]
من أهل نهر القلاّئين.
ولد سنة سبعٍ وخمسين وخمسمائة. وسمّعه أبوه من أبي الفتح ابن البطّي، وأبي عليّ ابن الرَّحَبِيّ، ويحيى بن ثابت، وغيرهم.
وكانَ من وُكلاء القُضَاةِ، لَهُ خِبرة بالشُّرُوط والدَّعاوي. ثمّ ارتفع عن الوكالة، ولُقِّبَ بنجْم الإِسلام، وخَدَمَ في مناصبَ، وكان محمودَ السِّيرة.
سَمِعَ منه عُمَر ابن الحاجب، وابن نُقْطَة.
وهُوَ أخو عبد العزيز، وأحمد.
تُوُفّي في ربيع الآخر.
وروى عنه ابن النجار في " تاريخه " وقال: عزل عن المناصب، ونفي، وحُبِسَ بواسِطَ.(13/894)
525 - عَتيق بن حسن بن رَملي، أبو بكر الأنصاريُّ الإِسكندرانيُّ. [المتوفى: 629 هـ]
سَمِعَ من السِّلَفِيّ، وابن عوفٍ. أخذَ عنه ابن مَسْدِيّ وأرَّخَهُ.(13/894)
526 - عُثمان بن قزل، الأميرُ الكبير فخر الدين أبو الفتح الكاملي. [المتوفى: 629 هـ]
وُلِدَ بحلب سنة إحدى وستين وخمسمائة، وكان من كبار أمراء الكامل.
وقفَ المدرسة المشهورة بالقاهرة، والمسجد المقابل لها، وكُتَّاب السَّبيل، والرّباط بمكة، والرباط بسفح المُقَطَّم. وكان مبسوط اليَدِ بالمعروف والصدقات في حياته وبعد وفاته، رحمه الله.
تُوُفّي في ثامن عشر ذي الحِجَّة بحرَّان، ودُفِنَ بظاهرها.(13/894)
527 - عليُّ بن أحمد بن إبراهيم، أبو الحَسَن الهاشميُّ الواسطيُّ، عُرِفَ بابن العَطَّار الشَّاعر، [المتوفى: 629 هـ]
نزيلُ بغداد من أعيان الشعراء.
مات في آخر سِنِّ الكُهولة في شهر ربيع الآخر.
ومن شعره:
أَتَرَاهُ بَعْدَ قطيعةٍ يَتَعَطَّفُ ... بدرٌ يَميلُ بِهِ قوامٌ أَهْيَفُ
أَنْتَ البَريء مِنَ الإِساءَةِ كُلِّها ... يا عاذِلي وأَنَا المُحِبُّ المُدْنَفُ
لا تَلْحَنِي في حُبِّه فَتَتَيُّمِي ... طبعٌ وصَبْري عَن هَواهُ تَكلُّفُ
جَهِلُوا الّذي أَلْقَاهُ في حَمْلِ الهَوى ... فِيه ولذَّةَ عشْقِهِ لم يَعْرِفُوا
ولَهُ:
يَا مَنْ غدا في حبِّهِ هَدْرًا دَمِي ... مَا لَذَّ لي إِلّا عَلَيْكَ تَتيُّمي
وهَواك أني في الصَّبابة واحدٌ ... وإليَّ أَهلُ العِشْقِ فيها ينتمي
وعلى مرارات الصّدود وضدّه ... ما بَاحَ بالشَّكوى إلى بشرٍ فمي
يَا مَنْ إِذا ما حَاولَت أَفكارُنا ... إِدْرَاكَ سِرِّ جمالِه لم تَفْهَم
لَكِ عِزَّةُ المَعْشوق ذي الحُسنى وَلي ... إطراقُ ذي ندمٍ وَذِلَّة مُجْرِمُ(13/894)
528 - على بن بكربسان بن جاولي الملكيُّ الأفضليُّ، الأميرُ شمس الدِّين [المتوفى: 629 هـ]
مِن أمراء دمشق.
قال القُّوصيُّ: كَانَ من أكابر حجّاب الدَّولة الأفضلية، ومن سادات الأمراء والفُضلاء، تُوُفّي بظاهر دمشق في جُمَادَى الأولى، ولَهُ خمسٌ وستّون سَنَة.
قلت: روى عنه شعرًا.(13/895)
529 - عليّ بن خطَّاب بن مُقلَّد، الفقيه المقرئ أبو الحَسَن الواسطيّ المُحَدِثِيُّ الشّافعيُّ الضَّرير. [المتوفى: 629 هـ]
والمُحدِّث، من قُري واسط، وُلِدَ بها في سَنَةِ إحدى وستّين، وحَفِظَ بها القرآن، وقَدِمَ واسطًا، فقرأ بها القراءات على أبي بكر ابن الباقِلّانيَ، وسَمِعَ من أبي طالب الكتَّانّي. ثمّ قَدِمَ بغداد، وتَفَقَّه على أبي القاسم يحيى فَضْلان، وغيرِه. وسَمِعَ من أبي الفَتْح بن شاتيل، وجماعةٍ.
وكان بارعًا في المَذْهب، والخِلاف. دَرَّسَ، وأَعاد، وأَفاد، وأفتَى.
ومات في ثامن شعبان.
وكان يقرأ في رمضان تسعين ختمةً، وفي باقي السنة في كلّ يومين [ص:896] ختمة. وكان قَيَّمًا بعلم العربية. أقبلت عليه الدُّنيا في آخر عُمره. وجالس الإِمام المستنصر بالله.(13/895)
530 - عليُّ بن عبد الله بن يوسُف بن خطَّاب، أبو الحَسَن المُعَافِريُّ الإِشْبِيليّ الْمُقْرِئ. [المتوفى: 629 هـ]
أَخَذَ القراءات عَنْ أَبِي الْحَسَن نَجَبَة صاحب شريحٍ. وسَمِعَ من أَبِي عَبْد اللَّه بْن زَرْقون، وعبد الرحمن بن مَسْلَمَة الخطيب، وجماعة.
ذكره الأَبَّار فقال: كَانَ فقيهًا، محدِّثًا، يميلُ إلى الظاهر. ولَهُ النظمُ والنَّثر. وعاش ثمانين سَنَة.(13/896)
531 - عليُّ بن عبد الرحيم بن يعقوب، الفقيه أبو الحسن البكريّ الببانيّ - بموحدتين مفتوحتين -، وببان: من أعمال البَهْنَسا المالكيُّ المُعَدَّل. [المتوفى: 629 هـ]
شَهِدَ عند قاضي القضاة أبي المكارم محمد بن عين الدّولة. وسمع من الحافظ ابن المُفَضَّل. وكان من أهل الدِّين والصَّلاح، والأمر بالمعروف، والتواضع.
قال المُنذريّ: كَانَ مجتهدًا في الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، وكتب بخطِّه كثيرًا. وتُوُفّي بالقاهرة في سابعٍ عشر رجب.(13/896)
532 - عليّ بن عُثمان بن مُجلِّي، الوَاعظ نظامُ الدِّين الْجَزَريُّ، المعروف بابن دُنَيْنَة، الشَّاعر. [المتوفى: 629 هـ]
كثير التطواف والأَسفار، مَدَحَ الأُمراء والأَكابر. وقرأ الوعظ على أبي الفرج ابن الجوزيّ، وتفقّه على أبي طالب ابن الخلّ، وسمع من أبي الفتح [ص:897] المندائيّ. وكان ظريفًا، خفيف الرّوح، حلو المزاح.
تُوُفّي بين قارة والنَّبْكِ.(13/896)
533 - عليّ بن المُقَرَّب بن منصور بن المُقَرَّب بن الحَسَن، الأديب أبو الحَسَن الرَّبعِيّ العُيُونيّ البَحرانيّ الأحسائيّ الشَّاعرُ. [المتوفى: 629 هـ]
وُلِدَ بالأحساء من بلاد البَحْرَين في سَنَةِ اثنتين وسبعين، وحدَّث ببغداد بشيءٍ من شعره.
ودخل المَوْصِل، ومَدَحَ صاحبها. وكان شاعرًا مُحْسِنًا، بديعَ الشعر. تُوُفّي في رجب.(13/897)
534 - عليُّ بن يحيى بن يوسُف بن أحمد، نجم الدِّين أبو الحَسَن المَوْصِليّ ثمّ الدّمشقيُّ المِزِّي، ابن خطيب المِزَّة الشّافعيّ الشُّرُوطيُّ الشَّاهد. [المتوفى: 629 هـ]
وُلِدَ قبيل الستين وخمسمائة بمسجد الدَّيْلمي تحت الرَّبْوةِ، وكَانَ أبوه [ص:898] إذ ذاك مُقِيمًا به. وسَمِعَ من أبي القاسم ابن عَساكر. وحدَّث؛ سَمِعَ منه عليّ القسطار، ونصر الله بن أبي العزَّ الصَّفَّار، ويحيى بن مَسْلَمَة، والجمال بن الصَّابونيّ.
ومات في ربيع الآخر.
وهُوَ ابن أخي المَعمَّر عبد الرحيم صاحب ابن طَبَرزَد.(13/897)
535 - عُمَر بن عبد الملك، أبو مُحَمَّد الدَّينَوَريُّ الزَّاهد، [المتوفى: 629 هـ]
نزيلُ سَفْحِ قاسيونَ.
كَانَ شيخًا زاهدًا، عابدًا، قَانِتًا، مُخْبِتًا، مُنْقَطِعًا إلى عبّادة الله تعالى، صاحبَ أحوالٍ ومُجاهدات. لَهُ زاويةٌ وأصحاب.
قال الضّياءُ: اجتمعتُ به بالبلاد، وزُرت شيخَه، وبِدلالتي قَدِمَ إلى الشّام وسكن بالْجَبَلِ.
قلت: وهُوَ والدُ الخطيب جمال الدِّين محمد إمام كَفر بطنا.
تُوُفّي في ليلة الحادي والعشرين من شعبان.(13/898)
536 - عُمَر بن أبي المجد كرم بن أبي الحَسَن عليّ بن عُمَر، أبو حفص الدَّينَوريُّ ثمّ البَغْداديُّ الحَمَّاميُّ. [المتوفى: 629 هـ]
ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة. وسَمِعَ من جدِّه لأُمِّه أَبِي الفَتْح عَبْد الوهَّاب بْن مُحَمَّد الصَّابونيُّ، ومن نصر بن نصر العُكْبَرِيّ، وأبي الوَقْت السِّجْزِيّ، والمبارك بن المبارك بن التَّعاويذي السَّرّاج، وفاطمة بنت سَعْد الله الميهنيّ، وغيرهم. وأجاز له أبو الفتح الكَرُوخي، وأبو حفص عُمَر بن أحمد الصَّفَّار الفقيه، وأبو الفَرَج عبد الخالق اليُوسُفيُّ، وأبو المعالي أحمدُ بن محمد بن المذاريّ، وجماعة. وتفرَّدَ بالإِجازة من أكثر هؤلاء.
وحدَّث بالكثير. وكان شيخًا مباركًا، صحيح السماع والإِجازة. [ص:899]
روى " صحيح البخاريّ "، و " الدّارميّ "، و " عبد "، وجماعة أجزاءٍ تفرّد بها عن أبي الوَقْت. وروى " الجامع " للتِّرْمِذِيّ بالإِجازة عن أبي الفَتْح.
روى عنه ابن نُقْطَة، والدُّبَيْثيّ، والبِرْزَاليُّ، والسيفُ بن قدامة، وأبو المظفّر بن النابلسيّ، والفخرُ بن البُخاريّ، والشهابُ الأبَرْقُوهيّ، والتقيّ بن الواسطيّ، والعزُّ أحمد بن الفاروثيّ، والشمسُ عبد الرحمن بن الزين، والرشيد محمد بن أبي القاسم، والمجد عبد العزيز الخليليّ، والعمادُ إسماعيلُ بن الطَّبَّال، وسَمِعَا منه " جامع التِّرْمِذِيّ ".
وروى عنه بالإجازة زاهدةُ أخت الأبَرْقُوهيّ، وفاطمةُ بنت سليمان، وأبو الحسين اليونينيُّ، والعمادُ إبراهيمُ الماسِح، وطائفة آخِرَهم بقاء القاضي تقيّ الدِّين سُلَيْمان.
وتُوُفّي في سادس رجب.
ويقالُ لَهُ: الْجَعفري؛ لأَنَّه من محلَّة الجعفرية.
وقال الأَبَرْقُوهيّ في " معجمه ": كان من أهل العبادة والعَفاف، مُنقطعًا عن الناس، خَاشِعًا عند قراءة الحديث.(13/898)
537 - عُمَر بن أبي بكر بن عُمَر بن الصياد، أبو محمد الحَرْبيُّ. [المتوفى: 629 هـ]
سَمِعَ من أبي جعفر أحمد بن عبد الله بن أحمد اليُوسُفيُّ، وفارس الحفَّار. ومات في صفر.(13/899)
538 - عيسى ابن المُحدِّث أبي محمد عَبْد الْعَزِيز بْن عِيسَى بْن عَبْد الواحد بن سُلَيْمان اللَّخْمِيّ الأَنْدلسيُّ الشَّرِيشيُّ ثمّ الإِسكندرانيُّ المقرئ، أبو القاسم. [المتوفى: 629 هـ]
سَمَّعه أبوه من السِّلَفِيّ أجزاءً فيها كثرةً، وكان لَهُ بها أصولٌ. وكان مقرئًا [ص:900] بصيرًا بالقراءات المشهورة والشواذ. تصدَّرَ للإقراء ببلده مُدَّة، وقرأ عليه الشيخ زينُ الدِّين عبد السّلام الزَّواوي، ورشيدُ الدِّين أَبُو بَكْر بْن أَبِي الدُّر، والتقيُّ يعقوبُ بن بَدْران الجرائديّ.
وحدَّث عنه الحافظ عبدُ العظيم، والكمالُ العبّاسيّ الضرير، والحافظ محبّ الدّين بن النّجّار، وإسحاق بن أسد، وجماعة من المحدِّثين والقَرَأَةُ، وَحَدَّثَنَا عنه أبو محمد الحَسَن سِبْطُ زيادة.
ولد سنة خمسين وخمسمائة ظنًا. وأقرأ بمصر أيضًا. وكان غيرَ ثقة ولا صادقٍ مع جلالته وفضائله.
قرأتُ بخطّ عُمَر بن الحاجب، قال: كَانَ لو رأى ما رأى قال: " هذا سماعي "، أو " لي من هذا الشيخ إجازة ". قال: وكان يقول: جمعتُ كتابًا في القراءات فيه أربعةُ آلاف رواية. ولم يكن أهلُ بلده يُثنون عليه. وكان فاضلًا، مقرئًا، كيِّس الأخلاق، مُكْرِمًا لأهل العِلْم.
قلت: وكان قد قرأ القراءات السبع على أبي الطيِّب عبد المُنعم بن يحيى بن الخُلُوف الغَرْنَاطيّ نزيل الإسكندرية سَنَة بضعٍ وسبعين، وماتَ سَنَة سِتٍّ وثمانين. وكان قد أخذ القراءات عن والده ابن الخُلُوف وشريح. وأسند القراءات و " التّيسير " عنه في إجازته للزَّواوي في سَنَةِ ستٍّ عشرة وستّمائة. ولم يذكر لَهُ شيخًا سوى أبي الطيِّب، وإنّما ذكر وكثّر في أواخر عُمره، نسأل الله السلامة، ولو كَانَ قرأ على أبي القاسم بن خَلَف الله صاحب ابن الفَحّام لكان لَهُ إسنادٌ عالٍ كصاحبيه أبي الفضل الهَمْدانيّ، وجمال الدِّين الصَّفْراويّ، وما جَسَرَ - مع وجودهما - أن يزعم أنَّه قرأ على شيخِهما. لكنّي بأخرةٍ قرأتُ بخطِّ ابن مَسْدِيّ: سَمِعَ من عبد الرحمن بن خَلَف الله، وقرأ عليه بالروايات، وعلى ابن سعادة الدّاني. وابن سعادة - هذا - من أصحاب ابن هذيل وطبقته فأغرب عنه بـ " التيسير " عن عبد القُدوس، عن أبي عَمْرو الدّاني. وكتب إليه مخبرًا أبو الفتوح، وأبو الحَسَن الأَرْتَاحِيّ، وأبو سَعْد السَّمعانيّ. وقفت على أثباته ودستور إجازاته وما ذكرته فمن ذلك، إلى أنّ قال: ولَهُ كتاب " الجامع الأكبر والبحر الأَزخر " في اختلاف القُرَّاء، يحتوي على سبعة آلاف رواية وطريق. ومن هذا الكتاب وقع الناسُ فيه، والله أعلم بما يخفيه. جمعت عليه [ص:901] ختمةً بالسبع من طريق " التّجريد "، وسمعتُ منه كثيرًا. قال: وولد سنةً أربع وخمسين وخمسمائة. وفي أسانيده تخليطٌ كثير، وأنواع من التَّركيب والشَّره. في كلامٍ نحو هذا لابن مَسْدِيّ.
وقد سألتُ عنه العَلَّامة أبا حيّان الأَنْدَلسِيّ - أبقاهُ الله - فكتب إليَّ فيما كتب: كَانَ لَهُ اعتناءٌ كثير بالقراءات، وتصانيف عِدَّة. وكان أبوه قد اعتنى به في صغره. وكان فقيهًا، مُفتيًا. قرأ عليه النّاسُ وأخذوا عنه، وتكلَّم بعضُهم فيه. وقفتُ على إجازته لأبي يوسف يعقوب بن بَدْران الجرائديّ وقد قرأ عليه بالسبع، وقراءة يعقوب، وابن القعقاع، وابن مُحَيْصن، وأشهدَ على نفسه لَهُ بها في صفر سَنَة سبعٍ وعشرين، وأسند فيها عن أبي طاهر السِّلَفيّ.
وذكر أنَّه أجازه أبو الفتوح ناصرُ بن الحَسَن الخَطيب. وأسند في هذه الإجازة عن رجلين، أحدهما: أبو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن خَلَف بْن سعادة الأصبحيّ الدّاني - وسيأتي ذكره - وأنه قرأ عليه أربعةً وثلاثين كتابًا، وتلا عليه بكلِّهِنَّ، منها كتاب " التّيسير " ثمّ ساقَ أسماءها جميعًا. ثمّ سمَّى بعدها خمسة عشر كتابًا ذكر أنَّه تلا بهِنّ كلِّهِنَّ على عبد الله هذا. وذكرَ الشيوخ الذين روى عنهم القرآن والكتبَ المذكورة، وأسندها عنهم شيخه عبدُ الله بن مُحَمَّد بن خَلَف، فذكر منهم أبا مروان عبد الملك بن عبد القدُّوس - وأنه قرأ على أبي عَمْرو الدّاني - وأبا الحَسَن شُرَيح بن مُحَمَّد، وسُلَيْمان بن عبد الله بن سُلَيْمان الأنصاريّ، عن أبي معشر الطَّبريّ، وذكر أبا سَعيد رحمةَ بن موسى القُرْطُبيّ، عن مكيّ بن أبي طالب، وأبي عليّ الأَهْوازيّ، وغيرهما، وأبا عبد الله محمد بن جامع الأَنْدَلسِيّ، عن يعقوب بن حامد، عن أبي عبد الله بن سُفْيان مؤلّف " الهادي "، وأبا عبد الله مُحَمَّد بن عبد الرحمن المُقرئ، وأبا الحَجّاج يوسُف بن عليّ بن حَمْدان، وأبا عبد الله الخَوْلانيّ، وأبا مُحَمَّد عبد الله بن محمد بن السّيد البَطَلْيَوسيّ. وأما عبدُ الملك، ورحمة، وسُلَيْمان، وابن جامع، وابن حَمْدان، فمجاهيل أو لم يكونوا موجودينَ في الدُّنيا، بل هي أسماءٌ موضوعه لغير موجود! وأما مُحَمَّد بن عبد الرحمن، فإنَّه توفّي بعد الخمسمائة. [ص:902]
وذكر لَهُ شيخنا أبو حيّان ترجمة، ثمّ قال: ثمّ الّذين أَرَّخوا في علماء أهل الأندلس ذكروا أبا مُحَمَّد هذا شيخ ابن عيسى فلم يذكروا في شيوخه أحدًا من هؤلاء، هذا مع علمهم، واطِّلاعهم على أحوال أهل بلادهم.
ثمّ قال: أَخْبَرَنَا الخطيبُ أبو عبد الله محمد بن صالح الكِنانيّ الشاطبيّ إجازةً، وغيرُه عن الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر القُضاعيّ عُرِف بالأَبَّار صاحب كتاب " التكملة "، قال: عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن خَلَف بْن سعادة الأَصْبَحيّ من أهل دانية، يُكنى أبا محمد، سَمِعَ أبا بكر بن نُمارة، ولازم بِبَلْنَسِيَةَ أبا الحَسَن بن سَعْد الخير، ثمّ رحل إلى المشرق، فسمع بالإِسكندرية من أبَوي الطّاهر السِّلَفِيّ وابن عَوْف، وغيرهما. حدَّث عنه أبو القاسم عيسى بن الوجيه أبي محمد عبد العزيز الشَّريشيّ وحَمَّلَهُ الرواية عَن قومٍ لم يَرَهمْ وَلَا أدركهم وبعضهم لا يُعْرَفُ، وذلك من أوهام هذا الشيخ عيسى واضطّرابه في روايته، وسَمِعَ أيضًا من أبي عبد الله الحَضْرَميّ، وأبي القاسم عليّ بن مهديّ الإسكندراني، وأكثر عنهم.
إلى أنّ قال شيخنا أبو حيّان: وأبو عبد الله الأَبَّار متى عرض لَهُ في " تاريخه " ذُكِرَ أبي القاسم بن عيسى يحذّر منه حتى إنّه يذكره في موضع وقال: إنما أكرّر الكلام عليه ليُحْذَر منه، أو قريبًا من هذا المعنى أو نحوه. وذكر أيضًا أنَّه نَسَبَ دواوين شِعْر لناسٍ ما نظموا حرفًا قطُّ ولا عُلِمَ ذلك منهم.
ثمّ قال أبو حيّان: فانظر إلى ابن عيسى كيف ادَّعى أنَّه قرأ على ابن سَعادة القرآنَ بنحوٍ من خمسين كتابًا!! وأنه قرأ منها أربعة وثلاثين كتابًا؟! ونسبته إلى الرواية عن هؤلاء المشايخ الّذين ما ذكر أحدٌ أنَّه روى عن واحدٍ منهم، بل أكثر ما ذكر لَهُ الأَبَّار رجلانِ من أهلِ الأندلس ابن نمارة، وابن سَعْد الخير، نعوذُ بالله من الكَذِب والخِذْلان، وآخر من روى القراءات تلاوةً عن واحد عن أبي عَمْرو الدّاني فيما علمنا أبو الحَسَن بن هُذَيْل، وتُوُفّي سنة أربعٍ وستين وخمسمائة، فكيف يكون ابن سعادة يُحَدِّث بالتّلاوة عن واحدٍ عن أبي عمرو وكان حيًّا في سَنَة ثلاثٍ وسبعين؟ ورُبّما عاش بعد ذلك سنين.
قال: وأما الرجل الآخر الّذي روى عنه أبو القاسم بن عيسى القراءات، فهو أبو الحَسَن مقاتل بن عبد العزيز بن يعقوب، قال: قرأتُ عليه " التّجريد " [ص:903] لابن الفحَّام وبما تضمّنه، حدَّثني به عن مؤلِّفه. وبهذا السند قرأتُ عليه مفرداته العَشْرَ، وقرأت عليه كتاب " تلخيص العبارات " لابن بَلّيمة، وتلوت عليه بما تضمّنه، حدّثني به عن مؤلّفه، وتلوتُ عليه بكتاب " العنوان "، حدَّثني به عن الحَسَن بن خَلَف، عن مؤلفه، وعن ابن مؤلفه، عن أبيه. قال ابن عيسى: وتلوتُ عليه وعلى غيره من المقرئين بكتبٍ كثيرة لا تسع هذه الإجازة، وهي مذكورة في كتاب " التّبيين في ذِكر من قرأ عليه ابن عيسى من المقرئين ". ومن هذه الكتب والكتب التي بقيت ولم نذكرها التي تلوتُ بها على بقيّة شيوخي هي التي خرَّجت منها سبعةَ آلاف رواية التي تلوتُ بها.
قال أبو حيّان: ومقاتل بن عبد العزيز هذا الّذي ذكره أنَّه روى عن ابن الفحَّام، وابن بَلِّيمة لا نعلمه إلّا مِن جهة ابن عيسَى فينبغي أنّ يبحث عن مقاتل أكان موجودًا؟ وليس ذلك؛ لأن يَصِحَّ إسنادُ ابن عيسى عنه، فإنَّ إسنادًا فيه ابن عيسى لن يصحَّ أبدًا.
قلت: أقطعُ بأنّ رجلًا اسمه مُقاتل منعوتٌ بأخذ القراءات عن الأربعة المذكورين والحالة هذه لم يوجد أبدًا ولا خُلِقَ قَطُّ. وقد طال الخطابُ في كَشْفِ حالِ الرَّجل. وبدونِ ما ذكرنا يُتْرَكُ الشخصُ، أما خَافَ من اللهِ إِذْ زعم أنَّه صَنَّف كتابًا فيه سبعةُ آلاف رواية؟ فوالله إنَّ القرَّاء كلّهم من الصّحابة إلى زمانه - أعني الذين سُمُّوا من أهل الأداء في المشارق والمغارب ودُوِّنوا في التّواريخ - لا يبلغون سبعةَ آلاف بل ولا أربعة آلاف وأنا متردّدٌ في الثلاثة آلاف هل يصلون إليها أمّ لا؟ هذا أبو القاسم الهُذليّ الّذي لم يَرْحَل أحدٌ في القراءات ولا في الحديث مثلَه، ولَهُ مائة شيخ قرأ عليهم القرآنَ، جمَع في كتابه الغَثَّ والسَّمين، والمشهورَ والشاذّ، والعالي والنازلَ، وما تَحلُّ القراءةُ به وما لا تحلُّ، وأربَى على المُتقدِّمين والمتأخرين - لم يُمْكِنْهُ أن يأتي في كتابه بأكثر من خمسين رواية من ألف طريق، وقد يكونُ الطريقُ مثل أن يروي مُسلم الحديث عن قُتَيْبة، عن الَّليْث، وعن عبدِ الملك بن شُعَيْب بن الَّليْث، عن أبيه، عن الَّليْث، فيسمّى ذلك طريقين.
وقد تفرَّد القاضي تقيُّ الدِّين سُلَيمان بالإجازة منه.
وتُوُفّي في سابع جُمَادَى الآخرة. [ص:904]
وما أنا ممّن يُتَّهم بالحَطِّ على ابن عيسى، فلو كنتُ مُداهنًا أحدًا لداهنتُ في أَمْرِهِ، لأنّني قرأتُ " التَّيسيرَ " في مجلس على سِبْط زيادة بأصل سماعه منه. قال: أَخْبَرَنَا عبد الله بن محمد بن خلف، قال: أَخْبَرَنَا ابن عبد القدُّوس عن مؤلّفه، فوددتُ لو ثبت لي هذا الإسناد العالي، لكنّه شيء لا يَصِحُّ. وأما إجازته من الشريف الخطيب، فصحيحه إن شاء الله، قد سَمِعَ بها الحافظ ابن النّجّار، وغيره.
وقرأتُ كتاب " العنوان " في القراءات على سبط زيادة، بسماعه من ابن عيسى، بإجازته من الخطيب. قال: أخبرنا أبو الحسين الخشّاب، قال: أخبرنا المصنّف.(13/899)
539 - غالب بن مُحَمَّد بن غالب بن حبيش، بفتح الحاء وشين معجمه، أبو عَمْرو اللَّخْمِيّ الأَنْدَلسِيّ المقرئ، [المتوفى: 629 هـ]
نزيلُ دمشق.
روى عَن أَبِي القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن حُبيش، وعن الخُشُوعيِّ، والقاسم ابن عساكر، والقاضي محيي الدِّين مُحَمَّد بن الزَّكيّ. وتصدَّر للإِقراء بجامع دمشق. وكان رجلًا صالحًا.
توفي في ذي الحجّة.(13/904)
540 - فَرْحَةُ بنت أبي سَعْد بن أحمد بن تُمَيْرة، أمّ عليّ البَغْدادية. [المتوفى: 629 هـ]
قال ابن النّجّار: امرأةٌ صالحةٌ، سَمِعْت من هِبَة الله بن الشِّبليّ. تُوفّيت في ثامن ربيع الأوّل.
قلت: روى عنها ابن النّجّار، وإبراهيمُ بن مسعود الحويزيّ.(13/904)
541 - مُحَمَّد بن أحمد بن محمد بن يوسُف بن عليّ، مُنْتَجَبُ الدِّين أبو عبد الله الماكسانيّ ثمّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 629 هـ][ص:905]
روى عن أبي القاسم ابن عساكر. وسَمِعَ منه عُمَر بن الحاجب، وقال: كَانَ لا بأسَ به. وَحَدَّثَنَا عنه الشَّرفُ ابن عساكر.
ومات في سابع جُمَادَى الآخرة.(13/904)
542 - مُحَمَّدُ بن أبي البركات بن أبي السعادات بن صَعْنين، أبو بكر الحَرِيميّ الصيَّاد. [المتوفى: 629 هـ]
سَمِعَ أبا المعالي الجبّان، وابن البطّي، وجماعة.
قال ابن النّجّار: كَتَبْتُ عنه. وكان ديِّنًا، فقيرًا، يأكلُ من كسب يده. مات في ذي الحجّة سنة ثمان وعشرين وستمائة.(13/905)
543 - محمد ابن قاضي القُضاة أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد العلى الفقيه شرفُ الدِّين الشافعيّ المصريّ. [المتوفى: 629 هـ]
درس بمنازل العز بعد وفاة أبيه إلى أن مات في شعبان.(13/905)
544 - محمد بن عبد الغني بن أبي بكر بن شُجاع بن أبي نصر بن عبد الله، الحافظ معين الدين أبو بكر بن نُقْطَة البَغْداديُّ الحَنْبَليّ، [المتوفى: 629 هـ]
أحدُ أئمّة الحديثِ ببغداد.
ولد سنة نيّفٍ وسبعين وخمسمائة. وكان أبوه من مشايخ بغداد وصُلحائها، فعُني أبو بكر بطلب الحديث.
وسَمِعَ من يحيى بن بوشٍ وهُوَ أكبر شيخٍ لَهُ. وفاتَه ابن كُليبٍ وأضرابُه. ثمّ سَمِعَ سَنَة ستّمائة أو بعدَها من عبد الوهاب بن سكينة، وعمر بن طَبرزَد، وأحمد بن الحَسَن العاقُوليّ، وأبي الفَتْح المندائيّ، وابن الأخضر، والحافظ [ص:906] عبد الرّزّاق بن عبد القادر، ومُحَمَّد بن عليّ القبَّيطيّ، وعليّ بن المبارك بن جابر، وجماعة. ورحلَ إلى إصْبَهان فسمع بأصبهان من عفيفة الفارفانية، وزاهر بن أحمد الثَّقَفيّ، والمؤيد بن الإخوة، وأبي الفخر أسعد بن سَعيد بن روحٍ، ومحمود بن أحمد المضريّ، وعائشة بنت مَعمر، وطائفة. وسَمِعَ بِنَيْسَابور مِن منصور الفَرَاويّ، والمؤيِّد الطُّوسيّ، وزينب الشَّعرية، وبحرّان من عبد القادر الرُّهاويّ، وبدمشق من أبي اليُمن الكِنْديّ، وأبي القاسم بن الحرستانيّ. وبحلب من الافتخار الهاشميّ، وبمصرَ من الحُسَيْن بن أبي الفخر الكاتب، وعبد القويّ بن الجباب، وبالإسكندرية من محمد بن عِماد، وجماعة. وبدَمنْهور، ودُنَيسر، ومَكّة، وغير ذلك.
ونسخَ، وحصَّل الأصول، وصَنَّف، وخرَّج. وكان إمامًا ضابِطًا، مُتقنًا، صَدُوقًا، ثِقَةً، حسنَ القراءة، مليحَ الكِتابة، مُتثبتًا فيما ينقلُه. لَهُ سمتٌ ووقار، وورعٌ وصلاحٌ. وكان قانِعًا باليسير، قفا أَثَر أبيه في الزُّهْد والتَّقشف.
سُئل عنه الضّياءُ، فقال: حافظٌ، ديّنٌ، ثقةٌ، صاحبُ مروءة وكَرم.
وقال فيه البِرْزَاليُّ: ثقةٌ، ديّنٌ، مفيدٌ.
قلت: سَمِعَ منه السَّيف بن المجد، والزَّكيّ المُنذريُّ، وعبد الكريم بن منصور الأَثريُّ، والشرفُ حُسَيْن بن إبراهيم الإِرْبليّ الأَديب، وأبو الفَتْح عُمَر بن الحاجب، وأخوه عثمان، وأبو الفَرَج عبد الرحمن بن محمد ابن الحافظ عبد الغنيّ.
وحدَّث عنه ابنه أبو موسى الَّليْث، وعز الدِّين أحمدُ بن إبراهيم الفاروثي. وأجاز لجماعة من شيوخنا آخرُهم فاطمةُ بنت سليمان.
وهُوَ مؤلف كتاب " التقييد في معرفة رُواة الكتب والمَسانيد " وهُوَ مجلّد مُفيد. وصَنَّف " المستدرك " على " إكمال " ابن ماكولا في مجلّدين دلّ على براعته وحُفَظَته. وقال في المُباركيّ: هُوَ سليمان بن مُحَمَّد، سَمِعَ أبا شهاب [ص:907] الحنَّاط قال: وقال الأميرُ في " الإكمال ": هُوَ سُلَيْمان بن داود، فأخطأ وأظنّ أنَّه نقله من " تاريخ " الخطيب، فإنّ الخطيب ذكره في " تاريخه " على الوَهم أيضًا. وقد ذكره على الصّواب في ترجمة أبي شهاب عبد ربّه الحنَّاط. وقال أبو أحمد الحاكم في " الكُنى ": أبو داود المباركيّ: هُوَ سليمان بن مُحَمَّد، كنَّاه وسمَّاه لنا أبو بكر عبد الله بن مُحَمَّد الاسفرايينيّ، سَمِعَ أبا شهاب عبد ربّه بن نافع. ثمّ قال ابن نُقْطَة: روى عن المباركيّ جماعة، فسمَّوا أباه مُحَمَّدًا، منهم: خَلَف البزَّاز وهُوَ من أقرانه، وعبد الله بن أحمد، وموسى بْن هارون، والحَسَن بْن عَلِيّ المَعمري، وإسحاق بن موسى الأَنصاريّ، وأبو يَعْلَى المَوْصِليّ، وأحمد بن الحَسَن بن عبد الجبّار. وقد أوردنا لكلّ رجل منهم حديثًا في كتابنا الموسوم بـ " الملتقط ممّا في كتب الخطيب وغيره من الوَهم والغَلَط ".
قلتُ: وسُئل عن نُقْطَة، فقال: هي جارية عُرفنا بها ربَّت لجدِّ أبي.
تُوُفّي في الثاني والعشرين من صفر ببغداد وهُوَ في سنِّ الكهولة.(13/905)
545 - محمد بن عليّ بن عطّاف، أبو عبد الله البَغْداديُّ الحدَّاد. [المتوفى: 629 هـ]
يروى عن عبد الحق اليُوسُفيّ.
مات في جُمَادَى الأولى.
ويُعرف بسهوة.(13/907)
546 - محمد بن عليّ بن مُحَمَّد بن الجارود، القاضي أبو عبد الله الماراني الكفرعَزيّ قاضي إِرْبل. [المتوفى: 629 هـ]
كَانَ فقيهًا، عالمًا، متصوّنًا، عفيفًا. وتُوُفّي في جُمَادَى الآخرة، وقد جاوز الثمانين.
وله شعر، فمنه:
لَا تُكْثِر اللَّومَ في عَذْلي وفي فَنَدي ... وقَلَّ عَنِّي فَما أُصْغى إِلى أَحدِ
هَلَّا نَهَضتَ إلى عَذْلي وَمَا قَدحَتْ ... نَارُ الصَّبَابةِ بالأَشْوَاقِ في كَبِدي [ص:908]
أَيَّام أَغْدُو خَلِيَّ القَلبِ في دعةٍ ... مِنَ الغَرامِ وحُكمِي في الهَوَى بِيَدي(13/907)
547 - مُحَمَّد بن عليّ بن خُليد، أبو الفَرَج الكاتب. [المتوفى: 629 هـ]
شيخٌ أديبٌ، أخباريٌ، عالمٌ. اختصر كتابَ " الأغاني "، وخَدَمَ ببغداد في عِدّة جهات. وصَنَّف في علم الدّيوان والحساب مصنَّفًا ذكر فيه جماعة من الكتَّاب، وجعل الأمثلة ثلاثة وثلاثين مثالًا. وكان ابن حَمدون قد وضع الأمثلة تسعةً وثمانين مثالًا، فلم يُخِلَّ ابن خُليد بشيء منها ممّا يحتاجُ إليه، فذكر صناعةَ التَّعديلات، والصياغات، والاستعمالات ثمّ ذكر الفلاحات، وعلاج الغلّات، وكيفية الشذور وغير ذلك.
تُوُفّي في شوَّال.(13/908)
548 - مُحَمَّد بن عليّ بن منصور البَغْداديُّ، القاضي أبو عبد الله الحنفي. [المتوفى: 629 هـ]
نابَ في القضاء ببغداد عن ابن مقبلٍ، ودَرَّس، وأَفاد.
أنشد لبعضهم:
وكُلُّ أخٍ يَشكو إِليَّ خَصاصةً ... فهَلْ من أخٍ أَشكو إلِيهِ خَصَاصتي
وَمَنْ كَانَ يَشكو مَا مَضى من زمانه ... فَشَكْوَايَ من حالٍ وآتٍ وفائِتِ(13/908)
549 - مُحَمَّدُ بن عليّ بن رمضان، الفقيه أبو عبد الله الكرديُّ الزَّرزاريُّ الشّافعيّ، [المتوفى: 629 هـ]
نزيلُ حلب.
شيخٌ معمّرٌ، وُلِدَ بدمشق في سنة سبعٍ وأربعين وخمسمائة. وحدَّث عن يحيى الثَّقَفيّ. روى عنه مجدُ الدين بن العديم، وسنقر القضائي، وغيرهما. وتوفّي يوم عيد النحر.
وقال ابن الظَّاهريّ: تُوُفّي في حدود الأربعين وستّمائة.(13/908)
550 - مُحَمَّدُ بْن عُمَر بْن أَحْمَد بْن عليِّ بْن عُمارة، أبو عبد الله وأبو عُمَر الحَرْبيُّ النّجّار. [المتوفى: 629 هـ]
سَمِعَ من يحيى بن ثابت. وحدَّث؛ روى عنه ابن النّجّار، وغيره. وتُوُفّي في نصف شعبان.(13/908)
551 - محمد بن غازي الموصليّ، ويعرف بالفقاعيّ [المتوفى: 629 هـ]
شربدار الست ربيعةَ خاتون أخت الملك العادِل.
له شعرٌ حسن.(13/909)
552 - مُحَمَّدُ بن مُحَمَّد بن يوسُف بن أحمد بن جهورٍ، أبو بكر الأَزدِيّ المرسيّ الأديب. [المتوفى: 629 هـ]
سمع أبا القاسم بن حبيش، وأبا عبد الله بن حَميد. وأجازَ لَهُ السِّلَفِيّ. ورحل إلى قُرْطُبَة، فصحب أبا الوليد بن رشدٍ المتكلِّم وناظر عليه. ولقي أبا بكر بن الجدِّ، وأبا زيد السُّهيلي.
وكان شاعرًا مترسِّلًا.(13/909)
553 - مُحَمَّد بن محمد بن جعفر بن عليّ، القاضي العالم الزّاهد أبو السعود البصْريّ. [المتوفى: 629 هـ]
وُلِدَ سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. وسَمِعَ من عبد الله بن عُمَر بن سَليخ، وأبي جعفر المُبارك بن محمد المواقيتي. وتَفَقَّه على أبي القاسم يحيى بن فَضلان. وناظرَ وتكلَّم في مسائل الخِلاف. وسَمِعَ ببغداد من شهدة، وجماعةٍ. وبواسط من أبي جعفر هِبَة الله بن البُوقي، وأبي طالب الكتَّانيّ. وحدَّث بالبصرة، ودَرَّس بها، ونابَ في القضاء مُدَّة ثمّ تركه.
وكان ورِعًا، صالحًا، محمود السيرة، أثنى عليه غيرُ واحد.
وروى عنه القاضي شمس الدِّين محمد بن عليّ بن عتيق البصْريّ المعروف بابن الزّاهد شيخٌ للفرضيّ. وروى عنه بالإجازة أبو المعالي الأبَرْقُوهيّ.
ومات في سادس جُمَادَى الآخرة.(13/909)
554 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم، أبو الفضائل القَزْوينيّ ثمّ البَغْداديُّ. [المتوفى: 629 هـ]
تَفَقَّه ببغداد في مذهب الشّافعيّ، وسَمِعَ من أبي السعادات القَزّاز. وحدَّث.
قال ابن النّجّار: أبو الفضائل الرَّافعيّ، من بيتٍ مشهور بقَزوين. سَمِعَ أباه أبا الفضل، وسافَر إلى إصْبَهان، والرَّيّ، وزَنْجان، وأَذْرَبَيْجَان. وتَفَقَّه على ابن فَضْلان. ونفذ رسولًا من الدّيوان إلى بعض النّواحي. وكان فاضلًا، دَيِّنًا، لَهُ معرفةٌ بالحديث.
مات في جُمَادَى الأولى.(13/910)
555 - محمد بن منصور بن عبد الله بن منصور بن عبد المُحسن الأنصاريّ، شمسُ الدِّين أبو عبد الله النابلسيّ الكاتب، ويُعرف بصدر البازِ. [المتوفى: 629 هـ]
سَمِعَ من أسعد بن حمزة بن القلانسيّ. وكان مَوصوفًا بسلامة الصَّدرِ.
زَعم أنَّه سمع أيضًا من أبي القاسم ابن عساكر.
مات في ذي الحِجَّة.
وقد روى عنه بالإجازة شيخنا قاسم ابن عساكر.(13/910)
556 - محمد بن أبي جعفر منصور بن فارس بْن أَحْمَد بْن هِبَة اللَّه بْن مُحَمَّد، الشريف الصالح أبو الفضل بن المهتدي بالله الهاشمي الصُّوفيّ. [المتوفى: 629 هـ]
وُلِدَ سَنَة سبعٍ وخمسين. وسَمِعَ مِن يحيى بن ثابت، وَأَحْمَد بْن المقرِّب، وَأَبِي بَكْر بْن النَّقُّور، وغيرهم. وحدَّث.
ويُعْرفُ بابن الخُطيف وهُوَ لقب لجدِّهم.
تُوُفّي في حادي عشر رجب. [ص:911]
روى عنه ابن النجار، وقال: كان شيخا صالحًا، مُنْقطعًا برباط بهروز.
قلت: أجاز لجماعةٍ، منهم: تاجُ الدِّين إسماعيلُ بن قريش، وفاطمةُ بنت سليمان.(13/910)
557 - محمد ابن الشريف الخطيب أبي الفتوح ناصر بن الحَسَن، عز القضاة أبو عبد الله الحُسَيْنيّ الزَّيديُّ المِصْريّ. [المتوفى: 629 هـ]
سَمِعَ من والده. ومات فِي جُمَادَى الْأولى، ولَهُ ثمانٍ وثمانون سَنَة.
قال الحافظ عبد العظيم: ما علمتُ أحدًا سَمِعَ منه لِما كَانَ عليه.(13/911)
558 - مُحَمَّدُ بن يوسُف بن حسَّان بن الحَسَن الكِنْديُّ. [المتوفى: 629 هـ]
وُلِدَ بحمص في سنة أربع وخمسين وخمسمائة. وحدَّث بالمِزَّة ظاهر دمشق عن الأديب أبي الفرج عبد الله بن أسعد بن الدَّهان النَّحْويّ بشيءٍ من شعره. ومات بالمزَّة.(13/911)
559 - مسعودُ بن عثمان بن الخَضر، رفيعُ الدِّين أبو عبد الله الشراهيّ الجنْداذيّ الصُّوفيّ. [المتوفى: 629 هـ]
سَمِعَ من خليل الرَّارانيّ، وأبي المكارم اللبَّان، والكرَّانيّ، وغيرهم بأصبهان. وحدَّث بحلب. روى عنه مجدُ الدِّين بن العديم، والأمين أحمد بن الأشتري، والكمال أحمد بن النَّصِيبيّ، وأخوه مُحَمَّد.
وتُوُفّي بمَنْبِج.(13/911)
560 - مُضر بن أبي المَفاخر أحمد بن ناصر بن عبد الله، الشريف أبو الفضائل الهاشميُّ البَغْداديُّ. [المتوفى: 629 هـ]
حدَّث عن أبي طالب بن خُضَير. وتُوُفّي في المحرَّم.(13/911)
561 - مكّي بن خالد، أبو الحَرَم المِصْريُّ الكاتب المجوِّد، المُلَقَّب بفخر الكُتَّاب. [المتوفى: 629 هـ][ص:912]
جوَّد عليه بمصر جماعةٌ. وكان مليح الخطّ، جيد التّوقيف. وحدَّث بشيءٍ من شعره. وطال عُمره، وعاش سبعًا وثمانين سَنَة. ومات في صفر.(13/911)
562 - نصر الله وهِبَةَ الله، أبو الفَتْح بن صالح بن عبد الله المِصْريُّ الغضاريُّ، أعزّ الدِّين [المتوفى: 629 هـ]
ابن أخي نقَّاش السِّكة.
روى عن السِّلَفيّ. روى عنه الزَّكيّ المُنذريُّ، وعُمَر بن الحاجب.
تُوُفّي في ربيع الآخر.(13/912)
563 - نهاية بنتُ صَدَقَة بن عليّ بن مسعود الواعِظة العالمة أَمَةُ العزيز بنت الشيخ أبي المواهب الضّرير المقرئ، المعروف بابن الأَوسيّ. [المتوفى: 629 هـ]
سَمِعْت من شُهْدَةَ الكاتبة. وتوفّيت في ذي القعدة.(13/912)
564 - أبو بكر بن يوسُف بن يحيى بن عُمَر بن كامل، عفيفُ الدِّين المَقْدِسيُّ الكاتب، [المتوفى: 629 هـ]
أخو عُمَر خطيب بيت الأَبَّار.
كَانَ يتعانى الكتابة. وروى عن يحيى الثَّقَفيّ. روى ..
وتُوُفّي في ربيع الآخر.
* أبو القاسم بن أحمد السمّذيّ، مرَّ في الألِف.(13/912)
565 - أبو القاسم بن إبراهيم بن .. علم الدّين بن النحْاس الدّمشقيّ. [المتوفى: 629 هـ]
شابٌّ، ديِّنٌ، فاضل، مُشتغل. سَمِعَ الكثير من طبقة ابن البُن، وابن أبي لُقمة. ودُفن بالجبل.(13/912)
-وفيها وُلِدَ:
البدرُ حسن بن عليّ بن الخلال، والفخر إسماعيل بن نصر الله ابن عساكر، وابن عمّه البهاء أبو القاسم بن محمود؛ ثلاثتهم في صفر بدمشق، وأبو جعفر عبد الرحمن بن عبد الله بن المقيِّر ببغداد، والشمس أبو نصر محمد بن محمد بن محمد بن الشِّيرازيّ في شوَّال، والنّجم إسماعيل بن إبراهيم بن الخَبّاز، والمجد سالم بن أبي الهيجاء، قاضي نابلس، والعلَمُ محمدُ بن نُصير بن الأصفر، والمجدُ عبد الله بن مُحَمَّد الطَّبريّ، إمام الصَّخرة، وفخرُ الدِّين عثمان بن على ابن بنت أبي سَعْد المِصْريّ، والزَّين عليُّ بن مُحَمَّد بن منصور بن المنيّر الإسكندراني، أخو ناصر الدِّين، والشيخ أحمد بن زكري بن أبي العشائر المارديني، سَمِعَ ابن مَسْلَمَة.(13/913)
-سنة ثلاثين وستمائة(13/914)
566 - أحمد بن أبي الحَسَن بن أحمد بن حَنظلة، أبو العبّاس البَغْداديُّ الكُتْبِيُّ. [المتوفى: 630 هـ]
سَمِعَ أبا الحُسَيْن عبد الحق. وعنه ابن النّجّار، وقال: لا بأسَ به. تُوُفّي في رجب.(13/914)
567 - أحمد بن مُحَمَّد بن أحمد بن بَشير، الأستاذ أبو جعفر الجيّانيّ المقرئ [المتوفى: 630 هـ]
خطيبُ جيَّان.
أخذ القراءات عن أبي عليّ الحَسَن بن عبد الله السَّعْديّ صاحب أبي جعفر بن الباذش، وسَمِعَ منه " المُوَطّأ ". أخذ عنه ابن مَسْدِيّ.
عاش ستًا وستّين سَنَة.(13/914)
568 - إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن سليمان، القاضي الجليل بهاءُ الدِّين أبو إسحاق التَّنُوخيّ المعرِّيُّ ثمّ الدّمشقيُّ الفقيه الشّافعيُّ الخطيب. [المتوفى: 630 هـ]
وُلِدَ بدمشق سَنَة خمسٍ وستّين وخمسمائة. وسَمِعَ من أبيه، ومن ابن صَدَقَة الحَرَّانيّ، والخشُوعيّ. ومع ولده تقيّ الدِّين إسماعيل من جماعة. ودَرَّس، وحدَّث. وتَفَقَّه على الخطيب ضياء الدِّين الدَّولعيّ. ولَهُ إجازة من شُهْدَةَ.
وكان صدرًا فاضِلًا، محتشمًا، أديبًا، كاتبًا مترسِّلًا، شاعرًا، كثير المحفوظ، مليحَ الإنشاء، مداخلًا للدولة.
روى عنه الزَّكيّ البِرْزَاليُّ، والمجد بن الصاحب العديميُّ، والشهاب القُّوصيّ.
وقال القُّوصيّ: كَانَ فاضلًا مكمَّلًا، وصدرًا مجمَّلًا، ترسَّل عن الملك العادل، وحصَّل العلوم، واجتهد في طلبها، وحصَّل الفقه في صدْر عُمره، مع ما تحلّى به من حُسن الكتابة والبلاغة. أنشدني لنفسه، وكان قد ولي قضاء [ص:915] المعرَّة وهُوَ ابن خمسٍ وعشرين سَنَة، فأقام في القضاء خمسٍ سنين:
وَليت الحُكْم خمسًا هنّ خمسٌ ... لعمري والصّبا في العُنْفُوانِ
فلمْ تَضعِ الأَعادي قَدْرَ شاني ... ولا قالوا فلانٌ قَدْ رشَانِي
وقال ابن الحاجب، بعد أنّ مَدَحه: تركَ الفقه والحديث، واشتغل بالولاية والتَّصرف. ولم يكن محمودَ السيرة. وكان عنده بذاذة وفحشٌ.
ومات في منتصف المحرَّم.
قلت: آخر من روى عنه بالإجازة تاج العرب بنتُ علَّان.(13/914)
569 - إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن مُحَمَّد، الأميرُ الأجلُ نجم الدِّين، ابن الحمصيُّ. [المتوفى: 630 هـ]
وُلِدَ سَنَة سبعٍ وخمسين. وسَمِعَ من أبي القاسم عليِّ بن الحَسَن الحافظ. وحدَّث بدمشق، ثمّ سكن مصر، وولي شدَّ الدَّواوين. وتُوُفّي بآمِد في نصف المحرَّم أيضًا.(13/915)
570 - أسماء بنت إبراهيم بن سُفْيان بن مَنْدَه، [المتوفى: 630 هـ]
أخت أبي الوفاء محمود.
ماتت في شوَّال بأصبهان.(13/915)
571 - إسماعيل بن سُلَيْمان بن أَيْداش، الشيخُ الأجلّ شمس الدِّين أبو طاهر الدّمشقيّ الحنفي، ابن السَّلار. [المتوفى: 630 هـ]
حدَّث عن الصائن هِبَة الله ابن عساكر، وأبي مُحَمَّد عبد الخالق بن أسد.
ولد في رجب سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة. وأصله من حِمص، وكان يُعرف بالرصَّاص. وكان من بيت إمرةٍ وتقدُّم. ثمّ ترك الخدمة، ولازمَ الجماعات. وكان محبًّا لِفعل الخير والفُقراء، كثيرَ البرِّ.
ترجمه ابن الحاجب وكتبَ عنه.
روى عنه أبو حامد بن الصّابونيّ، وأبو الفضل ابن عساكر، وغيرهما. ومات في رابع ذي القِعْدَة.(13/915)
572 - بلَدُ بن سِنجار بن بَلَد، أبو نصر الضّرير المقرئ شيخُ بغداد. [المتوفى: 630 هـ]
حدَّث عن المبارك بن عليّ الحَلاوي. ومات في ذي القِعْدَة.(13/916)
573 - بَكْرُ بن إبراهيم بن مُجاهد، أبو عامر الإِشْبِيليّ الظَّاهريّ. [المتوفى: 630 هـ]
سَمِعَ ابن الجد، وأبا عبد الله بن زرقون.
أخذ عنه ابن مَسْدِيّ، وقال: مات في ذي الحِجَّة عن بضعٍ وثمانين سنة.(13/916)
574 - حسَّانُ بن رافع بن سُمَيْر العامريّ، أبو النَّدى الدّمشقيّ، [المتوفى: 630 هـ]
إمامُ مسجد قَصْر حَجَّاج.
حدَّث عن أبي الحُسَيْن أحمد بن الموازينيّ. وكان رجلًا صالحًا، خيرا. وهو والد خطيب المصلى.
مات في ثالث رجب، وشيعه خلقٌ كثير إلى الجبل.(13/916)
575 - الحسن بن أحمد بن يوسف، الزاهد القدوة أبو علي الإوقي. [المتوفى: 630 هـ]
منسوب إلى أوه؛ قاله عبد القادر الرهاوي، وهي من أعمال العجم.
سَمِعَ الكثير من السِّلَفيّ، وسَمِعَ من عبد الواحد بن عَسكر، والمُفَضَّل بن عليّ المَقْدِسيّ، ومحمد بن عليّ بن مُحَمَّد الرّحبيّ، والمشرف بن المؤيّد الهمذانيّ.
وأقام بالقُدس أربعين سَنَةً. وكان زاهدًا، عابدًا، قانتًا، كثير المجاهدة. من أصحاب الأحوال والمقامات، ما لَهُ شغلٌ إلّا التلاوة والانقطاع بالمسجد الأقصى.
قال عُمَر بن الحاجب: سألتُ أَبَا عَبْد اللَّه البِرْزَاليّ عَنْهُ فَقَالَ: زاهدُ أهل [ص:917] زمانه، كثير التلاوة والعبادة والاجتهاد، معرضٌ عن الدُّنيا، صليبٌ في دينه.
قلت: وكان لَهُ أجزاء يُحَدِّث منها.
روى عنه الضياءُ، والكمال بن الدُّخْميْسي، والكمال العَديميّ وابنه أبو المجد، والقاضي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن صاعد، والرضي أبو بكر القُسَنطيني، وأبو المعالي الأبَرْقُوهيّ، وغيرهم.
تُوُفّي الإِوَقيّ - بكسر الهمزة - في عاشر صفر.(13/916)
576 - الحَسَن بن عبد الله بن محمد بن أحمد، أبو المعالي الأَنباريّ العَدلُ، المعروف بابن الخلّال. [المتوفى: 630 هـ]
سَمِعَ من عُبَيْد اللَّه بْن شاتيل، ونصر اللَّه القَزّاز. وكان شيخًا صالحًا، عابدًا، متنسِّكًا، صَحِبَ الصَّالحين.
تُوُفّي في رمضان.(13/917)
577 - الحَسَنُ ابن الأمير السيّد أبي الحَسَن عليّ بن المرتضى أبي الحُسَيْن بن عليّ، الأمير أبو مُحَمَّد العلويّ الحُسَيْني البَغْداديّ. [المتوفى: 630 هـ]
روى عن الحافظ مُحَمَّد بن ناصر كتاب " الذُّرية الطاهرة " للدُّولابيّ. وهُوَ آخر من سَمِعَ من ابن ناصر، وسَمِعَ من هِبَة الله الدَّقَّاق. وعاش ستًا وثمانين سَنَة، وتُوُفّي في الخامس والعشرين من شعبان.
وكان شريفًا، سرِيًا، محتشمًا، كبيرَ القدر.
روى عنه أبو نصر مُحَمَّد بن المبارك المخرّمي شيخٌ للفرضيّ، وأبو العبّاس الفاروثي، والعماد إسماعيل بن الطبَّال، وهُوَ آخر من روى عنه بالسّماع، والرشيد مُحَمَّد بن أبي القاسم. وروى لنا عنه بالإجازة جماعةٌ من آخرهم القاضي تقيّ الدِّين.
وسماعهُ من ابن ناصر في السنة الخامسة من عُمره.
وهُوَ من ذرِّية جعفر بْن الحَسَن بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب. وكان [ص:918] يسكن بالْجَوْسق، ويجيء أحيانًا إلى بغداد.(13/917)
578 - الحَسَن بن عليّ بن ألفَكون، أبو عليّ القُسَنطينيُّ، رئيس الكتّاب، وعلَمُ الآداب. [المتوفى: 630 هـ]
قال ابن مَسْدِيّ: انقاد العِلْم إلى بنانِه، وسلَّم قسٌّ إلى بيانِه، فبذَّ أهل زمانه نَظمًا ونَثرًا، ونفث في الأسماع سِحرًا. لقيتُه بِبِجاية، ومات على رأس الثلاثين، ولَهُ نَيِّف وستون سَنَة.(13/918)
579 - الحَسنةُ، أمُّ الكمال بنت القاضي عليِّ بن عثمان القُرَشيُّ المخزوميُّ. [المتوفى: 630 هـ]
تُوفّيت في المحرَّم عن خمسٍ وستّين سَنَة، وروت بالإجازة عن شُهْدَةَ، وعبد الحقِّ، وغيرهما. وتوفِّيت بالقاهرة.(13/918)
580 - الحُسَيْن بن أبي البركات مُحَمَّد بن أبي الفتوح عَبْد القاهر بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بن يحيى، ابن الوكيل، العَدْلُ المُحتسبُ أبو عبد الله الكَرخيُّ الشَّطَويُّ. [المتوفى: 630 هـ]
سَمِعَ حضورًا من جدِّه، وسَمِعَ من أبيه، وأبي الفَرَج مُحَمَّد بن أحمد بن نَبهان. وهُوَ من بيت حديثٍ وتقدم ببغداد.
مات في شعبان.
روى عنه ابن النّجّار وقال: كَانَ أديبًا، جمع " تاريخًا " ذيَّل به على ابن جرير. وطلب بنفسه.(13/918)
581 - حُميراء بنت إِبْرَاهِيم بْن سُفْيَان بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الوهّاب ابن الحافظ ابن مَنْدَه الأصبهانية، [المتوفى: 630 هـ]
أخت أبي الوفاء محمود.
كانت أكبر من أخيها. سَمِعْتُ حضورًا من أبي الوَقْت، وسماعًا من غيره. وتُوُفِّيت في جُمَادَى الأولى بأصبهان. [ص:919]
روى عنها بالإجازة أبو الفضل ابن عساكر، والقاضي تقيّ الدّين سليمان، وغيرهما.(13/918)
582 - خَلَف بن محمد بن شمدون، أبو سَعيد الأنصاريّ [المتوفى: 630 هـ]
خطيب توزر.
كان من العبّاد والعلماء. رحل إلى البلاد، وسَمِعَ. وكان سريع القَلم جدًا. كتب " تاريخ ابن جرير " مرّات، و " تاريخ ابن عساكر ".
سَمِعَ من السِّلَفِيّ يسيرًا، ومن ابن الْجَوزيّ، ومن العماد الكاتب تواليفَه.
أخذَ عنه ابن مسدي وأرّخه.(13/919)
583 - رضوانُ بن عبد الحق بن عبد الواحد، أبو النَّعيم الأنصاريّ الحَنْبَليُّ. [المتوفى: 630 هـ]
سَمِعَ ابن صَدَقَة الحَرَّانيّ. وأجاز لَهُ التُّرْك. كتبَ عنه ابن الحاجب. وأجاز للبهاء ابن عساكر عامًّا.
تُوُفّي في ربيع الأَوَّل عن ستٍّ وسبعين سنة.(13/919)
584 - سُليمان بن محمود بن أبي غالب، القاضي الأجلّ فخرُ الدِّين الدّمشقيُّ الكاتبُ. [المتوفى: 630 هـ]
كَانَ أديبًا منشئًا، وقورًا، حسنَ السَّمت، وافر العقل. كتب في الديوان العادِليّ والديوان الكامِلي كتابةَ الإنشاء مُدَّة. وله شِعْر حسن. وتُوُفّي بظاهر حَرَّان في ربيع الأوّل.(13/919)
585 - شريفة بنت إبراهيم بن سُفْيان بن مَنده. [المتوفى: 630 هـ]
ماتت في ذي القِعْدَة بعد أختيها أسماءَ وحميراء.(13/919)
586 - صالحُ بن بَدْر بن عبد الله، الفقيه تقيّ الدِّين المِصْريُّ الزّفتاويّ الشّافعيّ. [المتوفى: 630 هـ]
تَفَقَّه على الشهاب مُحَمَّد بن محمود الطُّوسيّ. ودخل الثَّغر وسمع من [ص:920] أبي الطاهر إسماعيل بن عَوْف، وعبد المجيد بن دُليل، وبمصر من البوصيريّ. وأفادَ، وأَعادَ، وناب في القضاء، ودرّس.
وزفتى: بليدةٌ من بحريّ الفُسطاط.
تُوُفّي في ذي القعدة، وهو من أبناء السبعين.(13/919)
587 - عبدُ الخالق بن عُبَيْد الله بن أحمد بن هِبَة الله المَنصوريّ. [المتوفى: 630 هـ]
سَمِعَ من ابن كُلَيب. وحدَّثَ.(13/920)
588 - عبد الرحمن بن سَلامة بن نصر بن مِقدام، أبو محمد المَقْدِسيُّ المقرئ الصَّالحيّ. [المتوفى: 630 هـ]
شيخٌ صالحٌ، ديِّنٌ. وُلِدَ سَنَة ثلاثٍ وخمسين. وسَمِعَ من أبي المعالي بن صابر، والفضل بن البانياسيّ، ومُحَمَّد بن حمزة القُرَشيّ. روى عنه الضّياء، والزَّكيّ البِرْزَاليُّ.
تُوُفّي في العشرين من المحرَّم.(13/920)
589 - عبدُ الرحمن بن أبي المجد فاضلِ بن عليّ، الفقيه أبو القاسم الإسكندرانيّ، المعروف بابن السُّيوري. [المتوفى: 630 هـ]
رحَل إلى بغداد، وقرأ بواسط القراءات. وسَمِعَ ببغداد من أحمد بن علي الغزنويّ، وأبي الحسن عليّ بن محمد بن السقّاء، وجماعة، وبدمشق من زين الأمناء أبي البركات. وحدَّث بمصر والإسكندرية. وكان بصيرًا بالقراءات واختلافها.
ماتَ في صفر.(13/920)
590 - عبدُ الرحمن بن محفوظ بن أبي بكر بن أبي غالب بن البَزَن، أبو بكر البَغْداديّ الحَنْبَليّ المقرئ الرجلُ الصالحُ. [المتوفى: 630 هـ][ص:921]
سَمِعَ من شُهْدَةَ، وعَبْدِ الحقّ، ويحيى بن يوسُف السَّقْلَاطُونيّ. وحدَّث. تُوُفّي في رجَب.
روى لنا عَنْهُ بالإجازة القاضي تقيّ الدّين سليمان.(13/920)
591 - عَبْدُ العزيز بن أبي الفَتْح أحمد بن عُمَر بن سالم بن مُحَمَّد بن باقا العَدْل، صفيُّ الدِّين أبو بكر البَغْداديُّ الحَنْبَليّ التّاجر السِّيبيّ الأصل. [المتوفى: 630 هـ]
وُلِدَ في رمضان سَنَة خمسٍ وخمسين وخمسمائة. وسَمِعَ من أبي زُرْعة، ويحيى بْن ثابت، وَأَبِي بَكْر بْن النَّقُّور، وعليّ ابن عساكر البطائحيّ، وعليّ بن أبي سَعْد الخبَّاز، وأبي الحُسَيْن عبد الحقّ، وأحمد بن مُحَمَّد بن بَكْروس، وأخيه عليّ بن مُحَمَّد.
وسكَن مِصر وشهدَ عند قاضي القضاة عبد الملك بن دِرباس، وغيره. وكان شيخًا حسنًا، كثيرَ التلاوة.
حدَّث بالكثير؛ روى عنه ابن نُقْطَة، والزَّكيّ المُنذريّ، ومُحَمَّد بن عثمان الشَّارعيّ، والرشيد عُمَر الفارقيّ، وداود بن عبد القويّ، ومُحَمَّد بن إبراهيم المَيْدُومي، ومحمد بن عبد المنعم بن الخيميّ الشاعر، وأخوه إسماعيل، والنّجيب مُحَمَّد بن أحمد الهَمَذَانيّ، والنُّورُ عليّ بن نصر الله بن الصوّاف الخطيب، ومُحَمَّد بن عبد المنعم بن شِهاب.
وَحَدَّثَنَا عنه الشهابُ الأبَرْقُوهيّ، ومُحَمَّد بن عبد القوي بن عَزُّون، وجعفرُ بن مُحَمَّد الإدريسيّ، وجبريلُ بن الخطّاب، ومُحَمَّد بن صالح الْجُهَنيّ، وغازي بن أيّوب المَشْطوبيّ، والزّينُ وَهَبانُ بن عليّ المؤذّن، وإسحاق بن دِرباس المارانيّ، وأحمد بن عبد الكريم الواسطيّ، وعيسى بن عبد المنعم المؤدِّب، وأبو الحَسَن عليُّ بن عيسى بن القَيّم الكاتب. وتفرَّد القاضي الحَنْبَليّ بإجازته الآن.
وذكر ابن نُقْطَة أنَّه سَمِعَ أيضًا من أبي المعالي أحمد بن عبد الغنيّ بن [ص:922] حنيفة، وقال: سَمِعْتُ منه بمصر أحاديث مِن " مُسْند الشّافعيّ " بروايته عن أبي زُرْعَة، وسَمِعَ منه أيضًا " سنن ابن ماجة القَزْوينيّ " سوى الجزء الأول، والجزء العاشر، وأَوَّل المسموع أول أبواب الطهارة، وهُوَ أوّل الثاني، وأوّل العاشر: " من أعتق عبدًا واشترط خدمته "، وآخره: آخر " فضل الرِّباط في سبيل الله ".
وقال المُنذريُّ: تُوُفّي في سَحَر التاسع عشر من رمضان. وقُرِئ عليه الحديثُ في ليلة وفاته إلى قريبٍ من نصف الليل، وفارقهم. وتُوُفّي في أواخر اللّيلة.
قلت: سَمِعَ من أبي زرعة " مسند الشافعيّ "، و " سنن ابن ماجه " بفوتٍ، و " سنن النَّسائيّ " بفوتٍ أيضًا، وكتاب " صفوة التصوّف " لابن طاهر، وكتاب " فضائل القرآن " لأبي عُبَيْد.
وعاش خمسًا وسبعين سَنَة.
وذكره ابن النّجّار مختصرًا وقال: قرأتُ عليه " سُنن ابن ماجه "، وكتبتها بخطّي عنه. وكان صدوقًا، جليلًا. قرأ في الفقه على أبي الفَتْح بن المَنِّيّ.(13/921)
592 - عبدُ القادر بن مُحَمَّد بن سَعيد بن جَحْدر، القاضي أبو محمد الأنصاريُّ الجزري الشّافعيّ الصُّوفيُّ. [المتوفى: 630 هـ]
سَمِعَ ببغداد من محمود بن نصر بن الشعّار. وشهِد بالقاهرة، وولِي القضاء بنواحي الصَّعيد.
روى عنه الزَّكيّ المُنذريُّ وقال: تُوُفّي في ثاني المحرَّم، ووُلِدَ بجزيرة ابن عُمَر في سَنَةِ إحدى وخمسين وخمسمائة.(13/922)
593 - عبدُ الواحد بن المسلم بن الحُسَيْن، العَدْل تاج الدّين بن أبي الخوف الحارثي الدّمشقيُّ. [المتوفى: 630 هـ]
من بيت عدالةٍ وذكر. حدَّث عن المُحدِّث أبي الفوارس الحَسَن بن شافع. كتب ابن الحاجب عنه، وعن أخيه محمد.(13/922)
594 - عُبَيْد الله بن إبراهيم بن أحمد بن عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ بْن مُحَمَّد بْن جعفر بن هارون بن محمد بن أحمد بن محبوب بن الوليد بن عبّادة بن الصامت، رَضِيَ اللَّهُ عنه، الأنصاريّ العبادي المحبوبي النجاري العَلَّامة جمال الدِّين أبو الفضل. [المتوفى: 630 هـ]
كَانَ محدثًا، مدرسًا، عارفًا بمذهب أبي حنيفة، وكان ذا هيبةٍ وعبادةٍ، وإليه انتهت رياسة الحنفية بما وراء النهر.
أخذ المذهب عن عماد الدين بن أبي العلاء عُمَر بن بكر بن محمد الزرنجري البخاريّ، عن أبيه شمس الأئمة، وبرهان الأئمة عبد العزيز بن محمد بن مازة البخاريّ؛ كليهما عن شمس الأئمة أبي بكر محمد بن أبي سهل السرخسي، عن شمس الأئمة عبد العزيز بن أحمد الحلوائيّ البخاريّ، عن القاضي أبي عليّ الحُسَيْن بن الخضر النسفي، عن أبي بكر مُحَمَّد بن الفضل الكماري البخاريّ، عن الأستاذ أَبِي مُحَمَّد عَبْد الله بن مُحَمَّد بن يعقوب الحارثي البخاريّ السدموني، عن أبي عبد الله بن أبي حفص أحمد بن حفص البخاريّ، عن أبيه، عن مُحَمَّد بن الحَسَن الشَّيْبانيّ، عن أبي حنيفة.
وتَفَقَّه أيضًا على القاضي فخر الدِّين بن أبي المحاسن الحَسَن بن منصور بن محمود الأوزجنديّ المعروف بقاضي خان. وسَمِعَ الحديث منهما ومن أبي المُظَفَّر عبد الرحيم بن السمعاني، وجماعة.
تَفَقَّه عليه خلقٌ، وسمعوا منه، منهم سيف الدّين سعيد بن المطهّر الباخرزيّ، والقاضي شرف الدِّين مُحَمَّد بن محمد بن عُمَر العدوي.
وقال لنا أبو العلاء الفَرَضيّ: روى لنا عنه جمال الدِّين محمد بن محمد بن إبراهيم الحسيني البخاريّ، والإمام شهاب الدِّين أبو منصور مُحَمَّد بْن أبي بَكْر بْن أبي الَّليْث، والإمام معز الدِّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد الديزقي، والعلامة حافظ الدِّين أبو الفضل مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن نصرٍ البخاريّ.
وُلِدَ في جُمَادَى الأولى سَنَة ستٍّ وأربعين وخمسمائة. وتُوُفّي في جُمَادَى الأولى أيضًا سَنَة ثلاثين وستّمائة، وصلى عليه ابنه شمس الدِّين أحمد بكلاباذ - محلتنا - أنبأني بذلك الفَرَضيّ.(13/923)
595 - عثمان، الملك العزيز بن العادل. [المتوفى: 630 هـ]
كَانَ شقيق الملك المعظم، وهُوَ الّذي بنى قلعة الصبيبة، وكانت لَهُ هي وبانياس وتبنين وهونين. وكان عاقلًا، قليل الكلام تبعًا لأخيه المعظم. عامل بعد موت أخيه على قلعة بَعْلَبَكّ، وأخذها من الأمجد. وكتب إليه وُلِدَ الأمجد: قد نشرت لك باب السر، فأت إلينا سحرًا، فساق من الصبيبة في أوّل الليل وفي المسافة بعدٌ، فجاء بَعْلَبَكّ وقد أسفر وفات المقصود، فنزل مقابل قلعة بَعْلَبَكّ، فبعث صاحبها يستنجد بالسلطان الملك النّاصر داود، فأرسل الغرس خليل إلى العزيز يقول: أرحل من كلّ بد فإن أبى، فارم الخيمة عليه. وعلم العزيز بذلك، فردّ إلى بلاده. فلمّا قصد الكامل دمشق، كَانَ العزيز معه ألبًا على النّاصر، وعلم الأمجد بما فعل ولده معه، فيقال: إنَّه أهلكه.
تُوُفّي العزيز ببستانه المعروف بالناعمة ببيت لهيا في عاشر رمضان، ودفن بالتربة المعظمية بقاسيون.(13/924)
596 - عليّ بن بركات بن إبراهيم بن طاهر، أبو الحسن بن الخشوعي الدّمشقيُّ. [المتوفى: 630 هـ]
حدَّث عن أبيه، ويحيى بن محمود الثَّقَفيّ. ومات في المحرَّم كهلًا.(13/924)
597 - عليّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْنِ لحسن بن علوش، أبو الحَسَن الصنهاجي الفاسيُّ المغربيُ [المتوفى: 630 هـ]
الخطيب بمسجد الخليل.
وُلِدَ بفاس في رجب سَنَة ثمانٍ وخمسين. وسَمِعَ بالمغرب من جماعة، وبدمشق من الخشوعيّ، والبهاء ابن عساكر، وببغداد من الحافظ ابن الجوزيّ. كتب عنه ابن الحاجب، والزَّكيّ عبد العظيم.
وكان إمام بلد الخليل وخطيبه. ومات في جُمَادَى الأولى.(13/924)
598 - عليّ ابن العَلَّامة الحافظ جمال الدِّين أبي الفَرَج عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن عليّ، بدر الدِّين أبو الحَسَن، ابن الجوزيّ البَغْداديُّ الناسخ. [المتوفى: 630 هـ]
وُلِدَ سَنَة إحدى وخمسين وخمسمائة في شوَّال أو رمضان. وسَمِعَ من أَبِي الفتح بْن البطّيّ، وَأَبِي زرعة، وأبي بكر بن المقرب، ويحيى بن ثابت، وشُهْدَةَ، وجماعة.
وتكلَّم في الوعظ في شبيبته، ثمّ تركه. وكان كثير المحفوظ، حلو الدعابة، لزم اللعب والعشرة، والبطالة مُدَّة، ثمّ في الآخر لزم النسخ، وكان منه عيشته. وكان مطرح التكلف، يخدم نفسه. وكان يَتَكَلَّم في أبيه. كتب عنه الحفاظ.
وقال ابن نُقْطَة - ومن خطه نقلت -: سَمِعْتُ منه، وهُوَ صحيح السماع، ثقةٌ، كثير المحفوظ، حسنُ الإيراد. سَمِعَ " صحيح الإسماعيلي " من يحيى بن ثابت، و " مسند الشّافعيّ " من أبي زُرْعة.
قلت: روى عنه السيف، والعزّ عبد الرحمن بن محمد بن عبد الغنيّ، والشمسُ عبد الرحمن بن الزين، والتّقيّ بن الواسطيّ، والكمال عليّ بن وضاح، والشمس مُحَمَّد بن يحيى بن هُبَيْرةَ نزيل بلبيس، والفاروثي، وجماعة. وبالإجازة الفخر إسماعيل ابن عساكر، والقاضي الحنبلي، وأبو نصر بن الشيرازي.
مات في سَلْخ رمضان.(13/925)
599 - عليّ بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد، العَلَّامة عز الدِّين أبو الحَسَن بن الأثير أبي الكرم الشيباني الجزري المؤرخ الحافظ، [المتوفى: 630 هـ]
أخو اللّغوي مجد الدّين صاحب " النّهاية " و " جامع الأصول "، والوزير ضياء الدين نصر الله. [ص:926]
ولد بالجزيرة العمريّة سنة خمسٍ وخمسين وخمسمائة، ونشأ بها، ثم تحول بهم والدهم إلى الموصل، فسمعوا بها، واشتغلوا.
سمع من خطيب الموصل أبي الفضل، ويحيى الثقفي، ومسلم بن علي الشيحي، وغيرهم. وسمع ببغداد - لما سار إليها رسولًا - من عبد المنعم بن كليب، ويعيش بن صدقة الفقيه، وعبد الوهاب بن سكينة.
وكان إمامًا، نسابة، مؤرخًا أخباريًا، أديبًا، نبيلًا، محتشمًا. وكان بيته مأوى الطلبة. وأقبل في أواخر عمره على الحديث، وسمع العالي والنازل حتى سمع لما قدم دمشق من أبي القاسم بن صصرى، وزين الأمناء. وصنف التاريخ المشهور المسمى بـ " الكامل " على الحوادث والسنين في عشر مجلدات، واختصر " الأنساب " لأبي سعد السمعاني، وهذّبه، وأفاد فيه أشياء، وهو في مقدار النصف وأقل. وصنف كتابًا حافلًا في معرفة الصحابة جمع فيه بين كتاب ابن منده، وكتاب أبي نعيم، وكتاب ابن عبد البر، وكتاب أبي موسى في ذلك، وزاد وأفاد. وشرع في " تاريخٍ " للموصل، وقدم الشام رسولًا.
وحدث بحلب ودمشق. روى عنه الدبيثي، والشهاب القوصي، والمجد بن أبي جرادة، ووالده أبو القاسم في " تاريخه "، وآخرون من أهل الشام والجزيرة. وحدثنا عنه الشرف ابن عساكر، وسنقرٌ القضائي.
وقال ابن خلكان: كان بيته بالموصل مجمع الفضلاء، اجتمعت به بحلب، فوجدته مكملًا في الفضائل والتواضع، وكرم الأخلاق، فترددت إليه. وكان طغريل الخادم أتابك الملك العزيز قد أكرمه وأقبل عليه.
فصل في نسبته إلى جزيرة ابن عمر: نسبة إلى عبد العزيز بن عمر البرقعيديّ هو الّذي بناها، فنسبت إليه؛ قاله ابن خلكان.
وقال: رأيت في " تاريخ " ابن المستوفي في ترجمة أبي السعادات [ص:927] المبارك ابن الأثير أنه من جزيرة أوس وكامل ابني عمر بن أوس التغلبي، قال: وقيل: إنها منسوبة إلى يوسف بن عمر الثقفي أمير العراق، فالله أعلم.
فصل في نسبه: كان يكتب بخطه: على بن مُحَمَّد بن عبد الكريم الجزري. وكذا ذكره الحافظ المنذري، والقوصي في " معجمه "، وابن الظاهري في تخريجه للصاحب مجد الدين العقيلي، وأبو الفتح بن الحاجب في " معجمه " وغيرهم. وهو على سبيل الاختصار. وله أشباه ونظائر، وإنما هو: " علي بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد " بلا ريب، كما هو في تسمية أخويه، وابن أخيه شرف الدين. وكذا ذكره القاضي ابن خلكان، وأبو المظفّر بن الجوزي، وابن الساعي، وغيرهم. ويوضحه أن المنذري ذكر أخويه فقال: مُحَمَّد بن مُحَمَّد - مرتين.
فصل في وفاته: رأيت تصحيحه على طبقةٍ تاريخها في نصف شعبان سنة ثلاثين. ثم رأيت وفاته في رمضان من السنة بخط أبي العباس أحمد بن الجوهري. وأما المنذري، وابن خلكان، وابن الساعي، وأبو المظفر الجوزي، وشيخنا ابن الظاهري فقالوا: توفي في شعبان ولم يعينوا اليوم. وأما القاضي سعد الدين الحارثي، فقال: توفي في الخامس والعشرين من شعبان.(13/925)
600 - عليّ بْن أَبِي الفَتْح مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن بختيار بْن علي بْن مُحَمَّد، أبو جعفر بن المندائيّ الواسطيّ. [المتوفى: 630 هـ]
ولد سنة تسعٍ وخمسين وخمسمائة. وسَمِعَ من جَدّه لأمه هِبَة الله بْن الجلخت، وأبي مُحَمَّد الحَسَن بن عليّ بن السَّواديّ، وأبي طَالِب مُحَمَّد بْن عليّ الكتّانيّ، وجماعة. وحدَّث ببغداد.
وهُوَ أخو أحمد.
تُوُفّي ليلة عَرَفَة.(13/927)
601 - عليّ بن محمد بن إبراهيم بن أبي العافية، أبو الحَسَن السبتي التاجر الأمين. [المتوفى: 630 هـ][ص:928]
حجَّ مرات. وتلا بالسبع على أبي مُحَمَّد بن عُبَيْد الله، ثمّ على مُحَمَّد بن إبراهيم الزّنجانيّ، وغيره.
قال ابن مَسْدِيّ: سَمِعْتُ منه. مَوْلِدُه في حدود الستّين وخمسمائة.
وعاش نحوًا من سبعين سَنَة. قال: ومات بسبتة قريبًا من سَنَة ثلاثين وستّمائة.(13/927)
602 - عليّ بن محمد بن يبقى بن جبلة، أبو الحَسَن الأنصاريّ الأَنْدَلسِيّ، [المتوفى: 630 هـ]
خطيب أوريولة.
شيخٌ عالمٍ، حجّ سنة ثلاثٍ وسبعين وخمسمائة، وسَمِعَ من السِّلَفيّ، وأحمد بْن المسلم اللَّخْمِيّ، وَأَبِي الطّاهر بْن عَوْف، وجماعة.
قال الأبّار: وكان صالحًا، حسن السمت. تُوُفّي بأوريولة سَنَة ثلاثين.
وقال ابن مَسْدِيّ: كَانَ من أهل الخير والصلاح، والبر والسماح. حجَّ مع أخيه في صغره، فسمع من السِّلَفيّ، وعليّ بن هِبَة الله الكامليّ، وعليّ بن عمّار. ولم يحصل من سماعاته شيئًا، تركها مع أخيه، فسكن أخوه مصر، وبعث إليه ببعضها. قرأت عليه " صحيح البخاريّ " بسماعه من ابن عمّار. مات وقد قارب الثمانين.(13/928)
603 - عليّ ابن الإِمَام أَبِي القاسم بن فِيرُّه بن خَلَف الرُّعَيْنيّ، الشاطبي ثمّ المِصْريّ الشّافعيّ العدل ضياء الدِّين. [المتوفى: 630 هـ]
سَمِعَ من أبيه، وأبي القاسم البوصيري، والأَرْتَاحِيّ. وكان على طريقةٍ حسنة.
توفّي جُمَادَى الآخرة.(13/928)
604 - عُمَر بن مُحَمَّد بن منصور، الحافظ المفيد عز الدِّين أبو حفص وأبو الفَتْح ابن الحاجب الأميني الدّمشقيّ. [المتوفى: 630 هـ]
عني بالحديث أتمّ عناية، وأوّل سماعه سنة عشر بعد موت ابن ملاعب فسمع من هِبَة الله بن الخضر بن طاووس - وهُوَ أقدم شيخٍ لَهُ - وموسى بن [ص:929] عبد القادر، والشيخ المُوفَّق، وابن أبي لُقمة، وابن البُنّ، وطبقتهم بدمشق. والفتح بن عبد السّلام، وطبقته ببغداد. وعبد القويّ بن الجباب، وطبقته بمصر. وسَمِعَ بإربل، والمَوْصِل، والإسكندرية، والحجاز. وعمل " معجم " البقاع والبلدان التي سَمِعَ بها، و " معجم شيوخه " وهو ألف ومائة وبضعة وثمانون نفسًا.
قال الحافظ زكي الدِّين المُنذريّ: يقال: إنَّه لم يبلغ الأربعين. وكان فهمًا، متيقظًا، محصلًا. جمع مجاميع. وكانت لَهُ همة. وشرع في تصنيف " تاريخ " دمشق مذيلًا على الحافظ أبي القاسم.
وقرأت بخط السيف بن المجد، قال: خرجه خالي الحافظ، ثمّ طلب وسافر، وسَمِعَ منه الزَّكيّ البِرْزَاليُّ، وأبو موسى الرُّعَيْنيّ، والجمال بن الصابوني، وغيرهم، وخرج لَهُ وللمشايخ تخاريج كثيرة.
وقد كتب ابن الكريم على " معجمه " بالبقاع:
هذا كتابٌ حوى فضلًا مؤلفه ... الحافظ الخير عز الدِّين ذو الفطن
من فضله شاع في شامٍ وسار إلى ... أرض العراق إلى مصرٍ إلى عدن
قال السيف: وسمعت غير واحد يحكي أن جماعة منهم البِرْزَاليُّ سمعوا أجزاءً على شيخ، ثمّ تقاسموا أنهم لا يُظهرون ذلك - زادني عبد الرحمن بن هارون أن الشيخ كَانَ عبد الرحمن بن عُمَر النساج - فسهل الله ظهور عُمَر بن الحاجب عليه من غير جهتهم، فجمع جماعةً، وجاء فسمعه عليه، واشتهر، وحجَّ معادلًا للتقي أحمد بن العزّ، فكان يمشي كثيرًا لطلب السماع في الأماكن من أقوامٍ في الركب، وكان التّقيّ يتأذى بركوبه وسط الجمل. ورأيته حين قَدِمَ بغداد صام أوّل يوم قَدِمَها، إذ قيل: إن الفَتْح بن عبد السّلام في الأحياء. وكان يصوم كثيرًا يستعين بذلك على طلب الحديث. وأقام ببغداد مدّة أشهر، فما وني ولا فتر، كَانَ يسمع ويكتب، وكان المحدثون ببغداد يتعجبون منه ومن كثرة طلبه.
وقال الضّياء: تُوُفّي في ثامن وعشرين شعبان صاحبُنا الشاب الحافظ أبو حفص بن الحاجب بدمشق ولم يبلغ أربعين سَنَة. وكان دينًا، خيرًا، ثبتًا، متيقظًا، قد فهم وجمع. [ص:930]
قلت: وسَمِعَ منه الحافظ أبو إسحاق الصريفيني، وأبو الحَسَن بن البالسي أيضًا.
وكان جدّه منصور بن مسرور حاجبًا لأمين الدَّولة صاحب بصرى.
وأنبأنا الجمال أبو حامد، قال: أخبرنا ابن الحاجب، قال: أَخْبَرَنَا عبد السّلام بن عبد الرحمن بن سكينة، قال: أَخْبَرَنَا فورجة، فذكر حديثًا.
ثمّ قرأت مولد ابن الحاجب بخطّه سنة ثلاثٍ وتسعين وخمسمائة.(13/928)
605 - كامرو بن أبي بكر عليّ بن محمد بن سَعْد الأنصاريّ الأنسي الصُّوفيّ. [المتوفى: 630 هـ]
شيخٌ صالحٌ، معمّرٌ. حدَّث بالإجازة العامّة عن سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي، وغيره.
قال المنذري: ذكر أنّ مولده سنة ستٍّ وعشرين. رأيته غير مرّةٍ. وعرف أيضًا بالأثري؛ لأنه كَانَ يذكر أنّ معه أثرًا من آثَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان لَهُ قبولٌ من النّاس، وكان يذكر عنه - على علو سنّه - قوةٌ على الحركة والتّصرّف والمأكل. مات في شعبان.(13/930)
606 - كوكبوري بن عليّ بن بكتكين بن محمد، السُّلطان الملك المعظم مُظَفَّر الدِّين أبو سعيد ابن صاحب إربل الأمير زين الدِّين أبي الحَسَن عليّ كوجك التركماني، [المتوفى: 630 هـ]
وكوجك: لفظ أعجمي معناه لطيف القد.
كَانَ شجاعًا، شهمًا، ملك بلادًا كثيرة - أعني عليّ كوجك - ثمّ فرَّقها على أولاد الملك قطب الدِّين مودود صاحب المَوْصِل. وكان موصوفًا بالقوة المفرطة، وطال عُمره، وحجَّ هُوَ والأمير أسد الدِّين شيركوه بن شاذي في سَنَةِ خمسٍ وخمسين وخمسمائة، ومات في آخر سَنَة ثلاثٍ وستّين بإربل، ولَهُ مدرسةٌ بالمَوْصِل وأوقاف.
فلمّا مات ولي إربل مظفر الدِّين هذا وهُوَ ابن أربع عشرة سَنَة. وكان [ص:931] أتابكَه مجاهد الدِّين قايماز، ثمّ تعصَّب عليه مجاهد الدّين وكتب محضرًا أنَّه لا يَصلح واعتقلَه، وشاور الخليفة في أمره. وأقام موضعه أخاه زين الدِّين يوسف بن عليّ، وطردَ مظفّر الدِّين عن البلاد فتوجّه إلى بغداد، فلم يلتفتوا عليه، فقَدِمَ المَوْصِل، وبها الملكُ سيفُ الدِّين غازي بن مودود، فأقطعه حَرَّان، فأقام بها مُدَّةً، ثمّ اتّصل بخدمة السُّلطان صلاح الدِّين، ونفقَ عليه، وتمكّن منه، وزاد في إقطاعه الرُّها سَنَة ثمانٍ وسبعين، وزوَّجه بأخته ربيعةَ خاتون وكانت قبلَه عند سَعْد الدِّين مسعود ابن الأمير مُعين الدِّين أُنر الّذي يُنسب إليه قصر مُعين الدِّين. وتُوُفّي سعدُ الدِّين في سَنَةِ إحدى وثمانين وخمسمائة.
وشهِد مظفّر الدِّين مع السُّلطان صلاح الدِّين مواقف كثيرةً أبان فيها عن نجدةٍ وقوّةٍ، وثبتَ يوم حطّين، وبيَّن. ثمّ وفد أخوه زين الدّين يوسف على صلاح الدّين نجدة، وخدمةً من إربل، فمرض في العسكر على عكّا وتوفّي في رمضان سَنَة ستٍّ وثمانين. فاستنزل صلاح الدِّين مظفّر الدِّين عن حَرَّان والرُّها ففعل، وأعطاه إربل وشهرَزور فسارَ إليها وقدِمها في آخر السنة.
ذكره القاضي شمس الدِّين وأثنى عليه، وقال: لم يكن شيء أحبّ إليه من الصَّدقة، وكان لَهُ كلّ يوم قناطير مُقنْطرة من الخُبز يفرِّقها، ويكسو في السنة خَلقًا ويُعطيهم الدِّينار والدِّينارين. وبنى أربع خَوانِك للزُّمنى والعُميان، وملأها بهم، وكان يأتيهم بنفسه كلَّ خميس واثنين، ويدخلُ إلى كلّ واحد في بيته، ويسأله عن حاله، ويتفقّده بشيءٍ، وينتقل إلى الآخر حَتّى يدور على جميعهم، وهُوَ يُباسطهم ويمزَح معهم. وبنى دارًا للنِّساء الأرامل، ودارًا للضعفاء الأيتام، ودارًا للملاقيط رتَّب بها جماعة من المراضع. وكان يدخل البيمارستان. ويقف على كل مريض مريض ويسألُه عن حاله. وكان لَهُ دارٌ مَضيف يدخل إليها كلّ قادم من فقيرٍ أو فقيهٍ فيها الغداءُ والعشاءُ، وإذا عزمَ [ص:932] على السفر، أعطوه ما يليقُ به. وبني مدرسةً للشافعية والحنفية وكان يأتيها كلَّ وقتٍ، ويعمل بها سماطًا ثمّ يَعمل سماعًا، فإذا طاب وخلعَ من ثيابه سيَّر للجماعة شيئًا من الإنعام، ولم تكن لَهُ لذّةٌ سوى السَّماع، فإنَّه كَانَ لا يتعاطى المُنكر، ولا يمكن من إدخاله البلد. وبنى للصّوفية خانقاتين، فيهما خلقٌ كثير، ولهما أوقافٌ كثيرة، وكان ينزل إليهم ويعمل عندهم السَّماعات. وكان يبعثُ أُمناءَه في العام مرتين بمبلغ يَفْتَكُّ به الأَسرى، فإذا وصلوا إليه أعطى كلَّ واحد شيئًا. ويُقيم في كلَّ سَنَة سبيلًا للحجّ، ويبعث في العام بخمسة آلاف دينارٍ للمُجاورين. وهُوَ أوّل من أجرى الماءَ إلى عَرفات، وعمِل آبارًا بالحجاز، وبنى لَهُ هناك تُربةً.
قال: وأمَّا احتفالُه بالمَولد، فإنَّ الوَصْف يَقْصُر عن الإحاطة به، كَانَ الناسُ يقْصدُونه من المَوْصِل، وبغداد، وسِنجار، والجزيرة، وغيرها خلائق من الفُقهاء والصُّوفية والوعّاظ والشعراء، ولا يزالون يتواصلون من المحرَّم إلى أوائل ربيع الأوّل ثمّ تُنْصب قِباب خَشب نحو العشرين، منها واحدةً لَهُ، والباقي لأعيان دولته، وكلُّ قبة أربع خمس طبقات ثمّ تزيّن من أوّلِ صفر، ويقعد فيها جَوْق المغاني والمَلاهي وأَرْبابُ الخَيال، ويبطل معاشُ النَّاس للفُرجة. وكان ينزل كلَّ يومٍ العصر، ويقف على قُبَّة قُبة، ويسمع غِناءهم، ويتفرَّج على خيالاتهم، ويبيت في الخانقاه يعمل السَّماع، ويركب عَقيب الصُّبح يتصيَّدُ، ثمّ يرجع إلى القلعة قبل الظُّهر، هكذا يفعلُ كلّ يوم إلى ليلة المولد، وكان يعمله سنةً في ثامنٍ الشهر وسَنةَ في ثاني عشرة للاختلاف، فيُخرجُ من الإِبل والبقَر والغنم شيئًا زائدًا عن الوصف مزفوفة بالطّبول والمغاني إلى الميدان، ثمّ تُنحر وتُطبخُ الألوان المختلفة، ثمّ ينزلُ وبين يديه الشُّموع الكبيرة وفي جملتها شمعتان أو أربع - أشكّ - من الشموع الموكبية التي تحمل كلُّ واحدةٍ على بغلٍ يسنِدُها رجل، حَتّى إذا أتى الخانقاه نزل. وإذا كَانَ صبيحةُ يوم [ص:933] المولد أنزلَ الخِلع من القَلْعة على أيدي الصُّوفية في البُقَج، فينزل شيءٌ كثير، ويجتمع الرؤساء والأعيان وغيرهم، ويَتَكَلَّم الوعاظُ، وقد نُصبَ لَهُ برج خَشب لَهُ شبابيك إلى النَّاس وإلى المَيدان وهُوَ مَيدان عظيم يَعْرض الْجُند فيه يومئذٍ ينظر إليهم تارةٍ وإلى الوعّاظ تارةً، فإذا فرغ العَرضُ، مدَّ السِّماط في المَيدان للصّعاليك وفيه من الطّعام شيء لا يحدٌ ولا يُوصَف، ويمدُّ سماطًا ثانيًا في الخانقاه للناس المجتمعين عند الكُرسي، ولا يزالون في الأكل ولُبْس الخِلع وغير ذلك إلى العصر، ثمّ يبيتُ تلك الليلة هناك، فيعمل السّماعات إلى بُكْرة.
وقد جمع لَهُ أبو الخطّاب بن دِحية أخبارَ المولد، فأعطاه ألف دينار.
وكان كريمَ الأخلاق، كثيرَ التواضع، مائلًا إلى أهل السُّنَّة والجماعة، لا يَنْفُقُ عنده سوى الفقهاء والمحدّثين، وكان قليلَ الإقبال على الشِّعر وأهلِه. ولم يُنقل أنَّه انكسر في مصافٍّ.
ثمّ قال: وقد طوَّلت ترجمته لِما لَهُ علينا من الحقوق التي لا نقدر على القيام بشكره، ولم أذكر عنه شيئًا على سبيل المُبالغة، بل كلُّ ذلك مشاهدة وعِيان. وُلِدَ بقلعة إربل في المحرَّم سنة تسعٍ وأربعين وخمسمائة.
وقال ابن السَّاعي: طالت على مظفّر الدِّين مراعاة أولاد العادل ولم يجد منهم إعانةَ على نوائبه كما كَانَ هُوَ لهم في حروبهم. فأخذَ مفاتيحَ إربل وقِلاعها وسارَ إلى بغداد وسلَّم ذلك إلى المستنصر بالله في أوّل سَنَة ثمانٍ وعشرين فاحتفلوا لَهُ، وجلسَ لَهُ الخليفةُ، ورُفِعَ لَهُ السَّتر عن الشُّبّاك فقبَّل الكلَّ الأرضَ ثمّ طلعَ إلى كرسيَّ نُصب لَهُ وسلَّم وقرأ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينكم} .. الآية. فردَّ عليه المُستنصر السّلامَ، فقبّل الارضَ مِرارًا. فقال المستنصر: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مكينٌ أمينٌ}. وقال ما معناه: ثبت عندنا إخلاصك في العبودية. ثمّ أسبلت السّتارة، ثمّ خلعوا على مظفّر الدّين وقُلِّدَ سيفين، ورُفِعَ وراءه سَنجقان مذهبّة. ثمّ اجتمع بالخليفة يومًا آخر، [ص:934] وخُلع أيضًا عليه، ثمّ أُعطي راياتٍ وكوساتٍ، وستّين ألف دينار، وخَلعوا على خواصّه.
قلتُ: وأمّا أبو المظفّر الجوزيّ فقال في " مرآة الزمان " - والعُهدة عليه، فإنَّه خسَّاف مُجازف لا يتورع في مقاله -: كَانَ مظفّر الدِّين ابن صاحب إربل ينفق في كلِّ سَنَة على المولد ثلاثمائة ألف دينار، وعلى الخانقاه مائتي ألف، وعلى دار المضيف مائة ألف، وعلى الأسارى مائتي ألف دينار، وفي الحرمين والسبيل ثلاثين ألف دينار.
وقال: قال من حَضَر المولد مرَّةً: عددتُ على السّماط مائة فرس قشلمش، وخمسة آلاف رأسٍ شوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة ألف زُبديَّة، وثلاثين ألف صحن حلْواء.
ثمّ قال ابن الجوزيّ، وأبو شامة: تُوُفّي سَنَة ثلاثين.
وقال الحافظ زكيّ الدِّين: تُوُفّي في هذه السنة بإربل. سَمِعَ من حنبل الرصافي، وغيره. وحدَّث.
وقال ابن خَلّكان: تُوُفّي ليلة الجمعة رابعَ عشر رمضان سَنَة ثلاثين. ثمّ حُمِلَ وقتَ الحجّ بوصيّته إلى مكَّة، فاتّفق أنّ الحاجّ رجعوا تلك السنة لعدم الماء، وقاسوا شدَّةً فدفن بالكوفة.
وكوكبريّ: كلمة تركية معناها: ذئب أزرق.(13/930)
607 - كوكبريّ بن قتربا بن عبد الله، أبو الطلائع الجندي المستنجدي. [المتوفى: 630 هـ]
سَمِعَ من أحمد بن المبارك المرقعاتي، وعُبَيْد الله بن شاتيل. وحدَّث. ومات في سابع عشر المحرّم.(13/934)
608 - مُحَمَّد بن إبراهيم بن عيسى بن صلتان، أبو عبد الله الأنصاريّ البلنسي، [المتوفى: 630 هـ]
نزيل جيان.
روى عن أبي القاسم بن بشكوال، وأبي القاسم بن حبيش، وأبي محمد بن الفرس.
قال الأبّار: عدلٌ، مرضيُّ. كَانَ يحترف بالتجارة. تُوُفّي سَنَة ثلاثين أو بعدها بيسير.(13/935)
609 - محمد بن الحَسَن بن سالم بن سلّام المُحدِّث المفيد الشاب أبو عبد الله الدّمشقيّ. [المتوفى: 630 هـ]
سَمِعَ الكثير، وعني بهذا الشأن أتم عناية، ونسخ، وحصل، وخرج، وكان ذكيًا، نبيهًا، لَهُ حفظٌ وإتقان، وفيه ديانة وافرة وصلاح على صغره.
سَمِعَ من داود بن ملاعب، وأبي مُحَمَّد بن البن، وأبي القاسم بن صصرى، وطائفة كبيرة. وأجزاؤه موقوفة بالضيائية، وعدم أكثرها في نوبة غازان.
رأيتُ الضّياء بن البالسيّ قد سمع حديثًا من عمر بن الحاجب، قال: أخبرنا ابن سلاّم، قال: أَخْبَرَنَا داود بن ملاعب. وأثنى عليه ابن الحاجب وقال: حفظ " علوم الحديث " لأبي عبد الله الحاكم. وكان قد حجَّ، وزار البيت المقدّس، وقدم مريضًا، فتوفّي إلى رحمة الله فِي الرابع والعشرين من صفر. ووُلِدَ في سَنَةِ تسعٍ وستّمائة. وفجع به والده وأصحابه.(13/935)
610 - محمد بن عُمَر بن نصر، أبو عبد الله الفزاري السلاوي المغربي. [المتوفى: 630 هـ]
قَدِمَ الشّام، وسَمِعَ من الخشوعيّ، والقاسم ابن عساكر. وحجَّ، وعاد إلى بلاده.
قال الأبّار: حدَّث عنه عُبَيْد الله بن عاصم خطيب رندة، وأجاز لَهُ في شعبان سَنَة ثلاثين.(13/936)
611 - مُحَمَّد بن عُمَر بن مُحَمَّد الطوابيقي. [المتوفى: 630 هـ]
سَمِعَ وفاء بن البهي التركي. وعنه ابن النّجّار، وقال: مات في العشرين من ذي الحِجَّة.(13/936)
612 - مُحَمَّد بْن عُمَر بْن أَبِي بَكْر بْن عَبْدِ الله، أبو بكر بن النخال البَغْداديُّ المقرئ الخيَّاط. [المتوفى: 630 هـ]
شيخٌ صالحٌ، صاحب زهدٍ وعبادةٍ. ولد سنة ثلاثٍ وخمسين. وسمع من أَبِي الفتح بْن البطّيّ، وَأَحْمَد بْن مسعود العباسي. كتب عنه السيف بن المجد، وغيره. وروى لنا عنه بالإجازة الفخر ابن عساكر، وفاطمة بنت سليمان، والقاضي سليمان، وأبو نصر بن الشيرازي.
ومات فِي الرابع والعشرين من ذي القعدة.
وهو أخو عبد الله الراوي عن شُهْدَةَ.(13/936)
613 - مُحَمَّد بن محمد بن عبد الكريم بن برز، الوزير مؤيد الدِّين القمي أبو الحَسَن الكاتب البليغُ. [المتوفى: 630 هـ]
قال ابن النّجّار: قَدِمَ بغداد في صُحبة الوزير ابن القصاب وكان خصيصًا به، فلمّا تُوُفّي، قَدِمَ القمي بغداد، وقد سبقت لَهُ معرفةٌ بالديوان؛ ويقال: إنّ ابن القصاب وصفه للناصر لدين الله، فحصلت لَهُ مكانةٌ بذلك. ولَمّا رتب ابن مهدي في نيابة الوزارة، ونقابة الطّالبيّين، اختص به، وتقدم عنده، وكانا [ص:937] جارين في قم، ومتصاحبين هناك. ولَمّا مات أبو طالب بن زبادة كاتب الإنشاء، رتب القمّي مكانه في سنة أربع وتسعين وخمسمائة، ولم يغير هيئة القميص والشربوش على قاعدة العجم. ثمّ ناب أبو البدر بن أمسينا في الوزارة وعزل في سَنَةِ ستٍّ وستّمائة، فرُدَّت النِّيابةُ وأمورُ الدّيوان إلى القمّي، ونُقِل إلى دار الوزارة، وحضر عنده الدَّولة، ولم يزل في عُلُوٍّ من شأنه وقربٍ وارتفاع، حَتّى أنّ النّاصر لدين الله كتبَ بخطّه ما قرئ في مجلس عام: " مُحَمَّد بن محمد القمّي نائبُنا في البلاد والعِباد، فمن أطاعه فقد أطاعنا، ومن أطاعنا فقد أطاعَ الله، ومن عَصاه فقد عصانا، ومن عصانا فقد عَصى الله ". ولم يزل إلى أنّ وَلِيَ الظاهرُ بأمر الله، فأَقَرَّهُ على وِلايته، وزادَ في مرتبته، وكذلك المستنصر بالله قرَّبَهُ ورفع قَدْرَه وحكَّمَهُ في العِباد. ولم يزل في ارتقاء إلى أن كبا به جوادُ سَعْده، فعُزِلَ، وسُجِنَ بدار الخلافة وخبت نارُه، وذهبت آثارُه، وانقطعت عن الخلق أخبارُه.
قال: وكان كاتبًا سديدًا بليغًا وحيدًا، فاضلًا، أديبًا، عاقلًا، لبيبًا، كاملَ المعرفة بالإِنشاء، مقتدرًا على الارتجال، متصرِّفًا في الكلام، متمكَّنًا من أدوات الكتابة، حُلْوَ الألفاظ، مَتينَ العِبارة، يكتُب بالعربيّ والعَجميّ كيف أراد، ويحلّ التراجم المغلقة. وكان متمكّنًا من السياسة وتدبير الممالك، مهيبًا، وقورًا، شديدَ الوطأة، تخافهُ المُلوك وترهبه الجبابرةُ. وكان ظريفًا لطيفًا، حسنَ الأخلاق، حلوَ الكلامِ، مليحَ الوجه، محبًّا للفُضلاء، ولَهُ يد باسطة في النَّحْو واللّغة، ومداخلةٌ في جميع العلوم.
إلى أنّ قال: أنشدني عبد العظيم بن عبد القويّ المنذري، قال: أخبرنا عليّ بن ظافر الأزديّ، قال: أنشدني الوزير مُؤيّد الدِّين القمّي النائبُ في الوزارة الناصرية، قال: أنشدني جمال الدِّين النَّحْويّ لنفسه في قَيْنَة:
سميتها شجرًا صدقت لأنها ... كم أثمرت طربًا لقلب الواجد
يا حسن زهرتها وطيب ثمارها ... لو أنها تسقى بماءٍ واحد
وبه قال: وأنشدنا لنفسه: [ص:938]
يشتهي الإنسان في الصيف الشتا ... فإذا ما جاءه أنكره
فهو لا يرضى بعيشٍ واحدٍ ... قتل الإنسان ما أكفره
ولد مؤيد الدين القمّي في سنة سبعٍ وخمسين وخمسمائة.
وقبض عليه في شوال سنة تسع وعشرين، وعلى ولده أحمد، وسجنا بدار الخلافة، فهلك الابن أولا، ومات أبوه بعده سنة ثلاثين.(13/936)
614 - محمد بن محمود بن عون بن فريح بن جري، أبو عبد الله موفق الدين الرقي. [المتوفى: 630 هـ]
سمع ببغداد من منوجهر بن تركانشاه، وعبيد الله بن شاتيل، والكمال عبد الرحمن الأنباري النحوي، ونصر الله القزاز. وبدمشق من يحيى الثقفي. وحدث بحلب ودمشق. حَدَّثَنَا عنه العزّ أحمدُ بن العماد، وسنقرٌ القضائي.
ووُلِدَ سَنَة ثلاثٍ وخمسين وخمسمائة. وكان يتعانى التجارة.
وروى عنه مجد الدِّين العديمي في " مشيخته "، قال: فقد في رجب بدمشق، وظهر مقتولًا بعد سَنَة. وقد دفن في درب الفواخير، فأظهرت عظامه وظهر أنَّه قتله أربعة فواخرة وأخذوا لَهُ نحو أربعين ألف درهم.
قال ابن النّجّار: دخل بغداد، وقرأ بها العربية على الكمال عبد الرحمن، وقرأ بواسط القراءات على أبي بكر ابن الباقِلّانيَ. وتَفَقَّه ببغداد على ابن فضلان. وكان شديد الإمساك على نفسه، مقترًا عليها، ظاهره الفقر. أتيته بالرقة فرأيتُ منزله صغيرًا وسخًا، وثيابه وأثاث بيته في غاية من الضر، فساءني ما هُوَ فيه، فأخرج لي عِدّة أجزاء، فقرأتُ عليه ثمّ أخرجت شيئًا من الفضّة ودفعته إليه فأبى، قال: أنا في غنى ولي دنيا، فظننته يتعفف. ثمّ إنَّه قَدِمَ علينا بغداد، واستعمل ثيابًا بنحو ثلاثة آلاف دينارٍ أو أكثر، وإذا رأيته حسبته فقيرًا.
ثمّ ذكر باقي ترجمته.(13/938)
615 - مُحَمَّد بن محمود بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الحسين، ابن السكن، الشيخ أبو غالب البَغْداديُّ الحاجب، ويعرف بابن المعوّج. [المتوفى: 630 هـ][ص:939]
ولد سنة خمسٍ وخمسين وخمسمائة. وسمع من محمد بن محمد بن السكن. كتب عنه ابن الحاجب، وغيره. ومات في ربيع الآخر.
وحدَّث عنه ابن النّجّار.(13/938)
616 - مُحَمَّد بن نصر الله بن مكارم بن الحسن بن عنين الأديب الرئيس شرف الدِّين أبو المحاسن الأنصاري الكوفيّ الأصل الزرعي المنشأ الدّمشقيّ الشَّاعر، [المتوفى: 630 هـ]
صاحب " الديوان " المشهور.
وُلِدَ بدمشق في سنة تسعٍ وأربعين وخمسمائة. وسمع من الحافظ أبي القاسم ابن عساكر.
وكان شاعرًا محسنًا، رقيق الشعر، بديع الهجو. ولم يكن في عصره آخرُ مثله بالشام. طوّف وجال في العراق، وخراسان، وما وراء النهر، والهند، ومصر في التجارة. ومدح الملوك والوزراء، وهجا الصّدور والكبراء، وكان غزير المادّة من الأدب، مطلعًا على أشعار العرب، ومن نظمه:
وصلت منك رقعةٌ أسأمتني ... وثنت صبري الجميل ملولا
كنهار المصيف ثقلًا وكربًا ... وليالي الشتاء بردًا وطولا
ولَهُ:
وما حيوانٌ يتقي النَّاس بطشه ... على أنَّه واهي القوى واهن البطش
إذا ضعّفوا نصف اسمه كَانَ طائرًا ... وإن كرروا ما فيه كَانَ من الوحش
يعني: العقرب.
ولَهُ:
وصاحبٍ قال في معاتبتي ... وظن أن الملال من قبلي
قلبك قد كَانَ شافعي أبدًا ... يا مالكي كيف صرت معتزلي
فقلت إذ لج في معاتبتي ... ظلمًا وضاقت عن عذره حيلي
خدك ذا الأشعري حنفني ... فقال ذا أحمد الحوادث لي
قال ابن خَلّكان: بَلَغني أنَّه كَانَ يستحضر " الْجَمْهرة " لابن دُريد. ولَهُ [ص:940] قصيدة طويلةٌ هجا فيها خَلْقًا من رؤساء دمشق وسمَّاها " مِقراض الأعراض " ونفاهُ صلاحُ الدِّين على ذلك. فقال:
فعلام أبعدتم أخا ثقةٍ ... لم يجترم ذنبًا ولا سرقا
أنفوا المؤذن من بلادكم ... إن كَانَ ينفى كلّ من صدقا
ودخلَ اليمن، ومدحَ صاحبها سيفَ الإسلام طغتكين أخا الملك صلاح الدِّين. ثمّ قَدِمَ مصر. ورأيته بإربل، وقَدِمَها رسولًا من الملك المعظم عيسى. وكان وافر الحرمة، ظريفًا، من أخف النَّاس روحًا. ولي الوزارة في آخر دولة المعظم ومُدَّة سلطنة ولده النّاصر بدمشق. ولَمّا تملك الملك العادل، بعث إليه بقصيدة يستأذنه في الدخول إلى دمشق ويستعطفه، وهي:
ماذا على طيف الأحبة لو سرى ... وعليهم لو سامحوني بالكرى
جنحوا إلى قول الوشاة وأعرضوا ... والله يعلم أن ذلك مفترى
يا معرضًا عني بغير جنايةٍ ... إلّا لَمّا اختلق الحسود وزوّرا
منها:
فارقتها لا عن رضا وهجرتها ... لا عن قلى ورحلت لا متخيّرا
أشكو إليك نوى تمادى عمرها ... حَتّى حسبت اليوم منها أشهرا
ومن العجائب أنّ يقيل بظلكم ... كلّ الورى ونبذت وحدي بالعرا
لا عيشتي تصفو ولا رسم الهوى ... يعفو ولا جفني يصافحه الكرا
ولَهُ:
مال ابن مازة دونه لعفاته ... خرط القتادة وامتطاء الفرقد
مال لزوم الجمع يمنع صرفه ... في راحة مثل منادى المفرد
وقال أبو حفص بن الحاجب: اشتغل بطرفٍ من الفقه على القطب النَّيْسَابوريّ، والكمال الشهرزوريّ. وقرأ الأدب على أبي الثناء محمود بن رسلان، وذكر أنَّه سَمِعَ ببغداد من منوجهر بن تركانشاه راوي " المقامات ". واشتغل بالرَّيّ على ابن الخطيب. وكانت أدواته في الأدب كاملةً. ذو نوادر للخاصّة والعامة، وله الشعر الرّائق، كان أوحد عصره في نظمه ونثره، يخرج [ص:941] جدة معرض المزح، وقاد الخاطر على كبر السنّ. أقامه الملك المعظّم مقام نفسه في ديوانه، كان محمود الولاية، كثير النصفة، مكفوف اليد عن أموال النَّاس مع عظم الهيبة، إلّا أنَّه في الآخر ظهر منه سوءُ اعتقادٍ، وطعنٌ على السلف، واستهتارٌ بالشريعة، وكثر عسفه وظلمه، وترك الصّلاة، وسب الأنبياء، ولم يزل يتناول الخمر إلى قبل وفاته بقليل. تُوُفّي في العشرين من ربيع الأوّل سَنَة ثلاثين.
قلت: ولَهُ ترجمةٌ فِي " تاريخ ابن النّجّار " وقال: نظرَ في الديوان بدمشق مُدَّة ولم تحمد سيرته، فعزل ولزم بيته عاجزًا عن الحركة لعلو سَنَة. وهُوَ من أملح أهل زمانه شعرًا، وأحلاهم قولًا وأرشقهم رصفًا، ظريف العشرة، ضحوك السن، طيب الأخلاق، مقبول الشخص، من محاسن الزمان.(13/939)