385 - خازم بْن عَلِيّ بْن هبة اللَّه، أَبُو القاسم ابن الكتاني، الواسطي، المعروف بابن أَبِي الدبس. [المتوفى: 590 هـ]
سَمِع أبا عليّ الفارقي، وابن شيران، وببغداد من إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْدِيّ، وقرأ عَلَى سِبْط الخياط.
سَمِع منه ابن الدُّبيثي، وقَالَ: مات بواسط فِي ربيع الأول سنة تسعين.(12/907)
386 - زكريا بْن عُمَر بْن أَحْمَد، أَبُو الْوَلِيد الْأَنْصَارِيّ، الخَزْرجيّ، القُرْطُبيّ. [المتوفى: 590 هـ]
رَوَى عَنْ أَبِي الْحَسَن بْن مَوْهَب، وأبي القاسم بْن ورد، وأبي بكر ابن العربي، وغيرهم بالإجازة.(12/907)
387 - سلامة بْن عَبْد الباقي بْن سلامة، العلامة أَبُو الخير الأنباري النَّحْويّ الْمُقْرِئ الضرير، [المتوفى: 590 هـ]
نزيل مصر، والمتصدر بجامع عَمْرو.
لَهُ تصانيف " شرح المقامات "، وروى عن أبي الكرم السروري، وسعد الخير، وعنه عَبْد الوهَّاب بْن وردان. [ص:908]
ولد سنة ثلاثٍ وخمسمائة، ومات فِي ذِي الحجَّة عَنْ ثمانٍ وثمانين سنة.(12/907)
388 - سلمان بن يوسف بن عليّ بن سلمان بْن الْحَسَن، أَبُو نصر وأَبُو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، الطحان، النُّعيمي، البزار، [المتوفى: 590 هـ]
المعروف جدهم سلمان بابن صاحب الذهبية.
ولد سنة ثلاثٍ وخمسمائة، وسمع من هبة اللَّه بن الحصين، وأبي السعود أحمد ابن المُجَليّ، وأبي بَكْر الْأَنْصَارِيّ.
أَخَذَ عَنْهُ عُمَر بْن عَلِيّ القُرشي، ومُحَمَّد بْن مشق، ويوسف بْن خليل، وآخرون، وَقَدْ حدَّث هُوَ وأَبُوه، وجَدّه، وجدُّ أبيه، وكان يسكن بسكة النُّعيمية، محلة ببغداد.
وتُوُفّي فِي الثاني والعشرين من ربيع الآخر.(12/908)
389 - طُغريل شاه بْن أرسلان شاه بْن طُغريل بْن مُحَمَّد بْن ملكشاه، [المتوفى: 590 هـ]
السّلطان، آخر الملوك السَّلْجُوقيَّة سوى صاحب الروم.
وطُغْريل هَذَا هُوَ الَّذِي خرج عَلَى الخليفة الناصر لدين اللَّه، وخافه أَهْل بغداد، فسار وزير الخليفة ابن يُونُس فِي جيش بغداد فالتقاه بأرض هَمَذَان، فانهزم جيش الخليفة، وأُسر الوزير، كَمَا ذكرنا فِي الحوادث، ثُمّ إن خُوارزم شاه كاتبّ الخليفة وطلب منه أن يُسلطنه ويقلده، ففعل، وسار خُوارزم شاه بعساكره، وقصد طغريل، فكان المصاف بينهما على الري، فقتل طغريل، وقطع رأسه، وبُعث به إلى بغداد، فدخلوا به على رمحٍ، وكوساته مشقَّقة، وسنجقه منكَّس.
وكان من أحسن الناس صورة، فيه إقدام وشجاعة زائدة.
وكان عدد الملوك السلجوقية نيفا وعشرين ملكا، أولهم طغرلبك الذي أعاد القائم إلى بغداد، وقطع دعوة بني عُبيد بعد أن خُطب لهم مدة أشهر، وآخرهم هَذَا، ومدة دولتهم مائة وستون سنة. [ص:909]
ويُقال طُغْرل بحذف الياء، واللَّه أعلم.
ومن أخباره أَنَّهُ أُقيم فِي السلطنة بعد موت والده، وكان أتابكه البهْلوان هُوَ الكل، فمات، وكبر طُغْريل، فالتفت عليه الأمراء، وطلب السلطنة منَ الخليفة، وأن يأتي إِلَى بغداد كآبائه، ويأمر وينهي، ثُمّ آل أمره إِلَى أنْ ظفر بِهِ قُزل أخو البلهوان وسجنه؛ ثُمّ خلص، وعاث في البلاد، وتملك هَمَذَان، وغيرها.
وكان خُوارزم شاه قَدْ سار إِلَى الرّيّ، واستولى عليها ورجع إِلَى بلاده، فقصدها طُغريل فِي أول هَذِهِ السنة وأغار عليها، فجمع خُوارزم شاه جيوشه، وسار إِلَيْهِ وانضم إِلَيْهِ قُتُلغ إينانج ولد البلهوان ابن ألْدِكِز، فَلَمَّا سَمِع طُغريل بقدومهما كَانَتْ لَهُ عساكر متفرقة، فلم يقف لجمْعها، فَقِيل لَهُ: هَذَا ما هُوَ مصلحة، والأَوْلَى أن تجمع العساكر، فَمَا التفت لفرطِ شجاعته، والتقاهم وحمل بنفسه، وشق العساكر، فأحاطوا بِهِ، ورَمَوه عَنْ جواده، وقُتل فِي الرابع والعشرين من ربيع الأول، وملك خُوارزم شاه تِلْكَ البلاد، واستناب عليها قُتُلغ، وأقطع كثيرًا منها لممالكيه.(12/908)
390 - عَبْدِ اللَّه بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بن سُفيان، التجيبي، الشاطبي، القونكي. [المتوفى: 590 هـ]
سمع أبا الوليد ابن الدباغ، وابن هُذَيْل، وابن النعمة، وخلْقًا سواهم، وأتقن الفقه والعربية.
وكان فصيحًا، بليغًا، مفوَّهًا، لَهُ النَّظْم والنَّثْر، وُلّي قضاء لُورقة.
وحدَّث عنه أبو عيسى بن أبي السداد، وأبو الرَّبِيع بْن سالم الكَلاعيّ.
قَالَ الأَبّار: تُوُفّي في حدود التسعين وخمسمائة.(12/909)
391 - عَبْد اللَّه بْن أَبِي المعالي الْمُبَارَك بْن هبة اللَّه بن سلمان، أبو جعفر ابن الصباغ، الْبَغْدَادِيّ، الشمعيّ، المعروف أَبُوهُ بابن سُكرة. [المتوفى: 590 هـ][ص:910]
سمعه أَبُوهُ منَ القاضي أَبِي بَكْر، ويحيى ابن الطرّاح، وأبي منصور محمد ابن خيرون، وأبي عَبْد اللَّه السّلّال، وجماعة كثيرة، ولأبيه رواية عن أبي طالب ابن يوسف.
رَوَى عَنْ عَبْد اللَّه تميم البَنْدَنِيجيّ، ويوسف بْن خليل.(12/909)
392 - عَبْد الحميد بْن أَبِي المكارم عَبْد المجيد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الرجاء الكوسج، أَبُو بَكْر التَّمِيمِيّ، الأصبهاني. [المتوفى: 590 هـ]
وُلِد سنة أربع وخمسمائة، وسمع إسماعيل ابن السراج، وأجاز لَهُ أَبُو علي الحداد، وأبو طَالِب بْن يوسف، وتوفي فِي شوال، قاله المهذَب بْن زينة.(12/910)
393 - عَبْد الخالق بْن فيروز بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد المَلِك بْن داود، أبو المظفر الجوهري، الواعظ، الهَمَذَانيّ الأصل، الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 590 هـ]
قَالَ ابن النجار: كذا رأيت نسبه بخطه، سَمِع بخُراسان، وأصبهان، وبغداد، ودخل الشام، وسكن مصر، وحدَّث بها ووعظ، وذَكَرَ أَنَّهُ سَمِع من أَبِي عَبْد اللَّه الفُرَاوِيّ، وأبي القاسم الشّحّاميّ، وإسماعيل القارئ، وأبي بكر الأنصاري، ويحيى ابن البناء، والأُرْمَوِيّ، وابن ناصر، وبأصبهان من أَبِي الخير الباغْبَان، وجماعة، وخرج لنفسه عَنْهُمْ جزءًا سمعه منه الحافظ بْن المفضل.
قَالَ: ولم يكن موثوقًا بِهِ، ولإخوته سماع من بعض هَؤُلَاءِ، فلعله وثب عَلَى سماعهم.
وُلِد سنة ثلاثٍ وعشرين وخمسمائة.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ أَبُو الْحَسَن السَّخَاويّ، ومُحَمَّد بْن جبريل الصُّوفيّ، وأحمد بْن مُحَمَّد الأَبَرْقُوهيّ الهَمَذَانيّ، والضياء مُحَمَّد، وابن عَبْد الدائم، وإِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّود الضرير، وآخرون.
وتُوُفّي بعد المحرَّم، فَإنَّهُ أجاز فِيهِ لبعضهم، وقرأ عليه فِي هَذِهِ السنة جزء الْأَنْصَارِيّ الحافظ عَبْد الغنيّ. [ص:911]
وقَالَ الضياء: تكلموا فِي سماعه لجزء الْأَنْصَارِيّ.(12/910)
394 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الواحد بْن أَبِي طاهر مُحَمَّد بْن المُسلْم بْن الْحَسَن بْن هلال، أَبُو علي الْأَزْدِيّ، الدمشقي، المعدَّل. [المتوفى: 590 هـ]
شيخ جليل من رؤساء دمشق، سَمِع من أَبِيهِ أَبِي المكارم، وتُوُفّي فِي ذِي القعدة عَنْ ثمانٍ وستين سنة.
وروى أيضًا عَنْ أَبِي الدر ياقوت، رَوَى عَنْهُ يوسف بْن خليل، وغيره.(12/911)
395 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن أَبِي طَالِب عَبْد القادر بْن مُحَمَّد، أَبُو الفَرَج اليُوسُفيّ، الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 590 هـ]
أجاز لَهُ جَدّه، وسَمِع من هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وابن الطبر، وقاضي المَرِسْتان، وَهُوَ من بيت الْحَدِيث والإسناد.
وُلِد في رجب سنة ست عشرة، وتُوُفّي فِي مُسْتَهَل جُمادى الأولى.
رَوَى عَنْهُ ابن خليل.(12/911)
396 - عَبْد الرزاق بْن النفيس بْن الْحُسَيْن، الفقيه أَبُو شجاع الواسطيّ، الخَرَزيّ، المعروف بابن الخيميّ. تُوُفّي فِي شوال بواسط. [المتوفى: 590 هـ]
سَمِع من أَبِي الوقت، وغيره.(12/911)
397 - عَبْد السلام بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ، أَبُو أَحْمَد الْبَصْرِيّ، الكَوَّاز. [المتوفى: 590 هـ]
حدَّث بواسط عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد ابْن أَخِي طَلْحَةَ الشاهد الْبَصْرِيّ.
تُوُفّي فِي ربيع الآخر.(12/911)
398 - عَبْد الملك بْن نصر اللَّه بْن جَهْبَل، الفقيه أَبُو الْحُسَيْن الحلبي الشّافعيّ، الزَّاهد العابد، [المتوفى: 590 هـ]
مدرس الزجاجية بحلب.
حدث ببغداد لما حج عَنِ ابن ياسر الْجَيّانيّ.
تُوُفّي فِي جُمادى الآخرة.(12/912)
399 - عَبْد الوهَّاب بْن عَليّ بن الخضر بن عبد اللَّه بن علي، العدل أَبُو مُحَمَّد الْقُرَشِيّ، الأَسَديّ، الزُّبَيْريّ، الدمشقي، الشُّرُوطيّ، ويُعرف بالحَبَقْبَق، [المتوفى: 590 هـ]
أخو القاضي أَبِي المحاسن عُمَر بْن عَلِيّ الحافظ،
نزيل بغداد، ووالد كريمة، وصفية.
ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة، وسَمِع أَبَا الْحَسَن بْن المسلم السُّلَميّ، وأبا الفتح نصر اللَّه المَصِّيصيّ، وأبا الدر ياقوت التاجر، وأبا يعلى ابن الحُبُوبيّ، وخلْقًا سواهم. رَوَى عَنْهُ أخوه أَبُو المحاسن، وولداه علي وكريمة، وأَبُو المواهب بْن صَصْرى، ويوسف بْن خليل، وآخرون.
وتُوُفّي فِي ثالث صفر.(12/912)
400 - عَبْد الواحد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن، أَبُو أَحْمَد المقدسيّ، الْجَمَاعيليّ، [المتوفى: 590 هـ]
والد الشمس أَحْمَد، المعروف بالبخاري، والضياء مُحَمَّد الحافظ.
وُلِد سنة ثلاثين، أو إحدى وثلاثين وخمسمائة، وسَمِع ببغداد من سَعْد اللَّه بْن نجا ابن الوادي، وأبي الْحُسَيْن عَبْد الحق، وحدَّث، ولم يرو عَنْهُ ابنه، رَوَى عَنْهُ عَبْد الرحمن بْن سلامة المقدسيّ، ومُحَمَّد بْن طرخان، وروى ابنه عَنْهُمَا عَنْهُ.
وقَالَ ابنه الضياء: قُتِلَ مظلومًا في تاسع شعبان، رحمه الله.(12/912)
401 - عَلِيّ بْن بختيار، أَبُو الْحَسَن الْبَغْدَادِيّ، الكاتب. [المتوفى: 590 هـ]
تنقل فِي الخِدَم إِلَى أن وُلّي أستاذ دارية الخلافة مُدّيْدَة، ثُمّ عُزِل فلزِم بيته، وتوفي في خامس عشري شوال، ودُفِن إِلَى جانب رباطه.(12/912)
402 - عَلِيّ بْن يَحْيَى بْن إِسْمَاعِيل، أَبُو المكارم الْبَغْدَادِيّ الكاتب. [المتوفى: 590 هـ]
لَهُ إجازات عالية، رَوَى بالإجازة عَنْ أَبِي سَعْد مُحَمَّد بْن مُحَمَّد المطرز، وَهُوَ آخر من حدَّث عَنْهُ، وغانم بْن أَبِي نصر البُرْجيّ، وأبي علي الحدّاد، وجماعة، روى عنه يوسف بن خليل، وغيره.
مولده بعد الخمس مائة، وتُوُفّي فِي ذِي الحجَّة.(12/913)
403 - القاسم بْن فِيرة بْن خَلَف بْن أَحْمَد، أَبُو مُحَمَّد وأَبُو القاسم الرُّعَيْنيّ، الأندلسيّ الشّاطبيّ، الضرير، الْمُقْرِئ، [المتوفى: 590 هـ]
أحد الأعلام.
مَنْ جعل كنيته أَبَا القاسم لَمْ يجعل لَهُ اسمًا سواها، وكذلك فعل أبو الحسن السخاوي، والأصح أن اسمه القاسم وكنيته أَبُو مُحَمَّد، كذا سماه جماعة كثيرة.
وذكره ابن الصلاح فِي " طبقات الشافعية ".
وُلِد فِي آخر سنة ثمانٍ وثلاثين وخمسمائة، وقرأ القراءات بشاطبة عَلَى أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن علي بْن أَبِي العاص الْمُقْرِئ النفزي، المعروف بابن اللَّايُهْ، وارتحل إِلَى بَلَنْسِية فقرأ القراءات، وعرض التيسير حفظًا عَلَى أَبِي الْحَسَن بْن هُذَيْل، وسَمِع منه، ومن: أَبِي الْحَسَن بْن النّعمة، وأبي عَبْد اللَّه بْن سعادة، وأبي مُحَمَّد بْن عاشر، وأبي عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرحيم، وأبي مُحَمَّد عليم بْن عَبْد الْعَزِيز، وأبي عبد اللَّه بن حميد، وارتحل للحج، فسمع من أَبِي طاهر السِّلَفيّ، وغيره.
وكان إمامًا علامةً، نبيلًا، محقِّقًا، ذكيًا، واسع المحفوظ، كثير الفنون، بارِعًا فِي القراءات وعِلَلها، حافظًا للحديث، كثير العناية بِهِ، أستاذًا فِي العربية، وقصيدتاه فِي القراءات والرسم مما يدل عَلَى تبحره، وَقَدْ سار بهما الركبان، وخضع لهما فحولُ الشعراء، وحُذّاق القرّاء، وأعيان البُلغاء، ولقد سهل [ص:914] بهما الصَّعْب من تحصيل الفن، وحفظهما خلقٌ كثير، وَقَدْ قرأتهما عَلَى أصحاب أصحابه.
وكان إمامًا قُدوة، زاهدًا، عابدًا، قانتًا، منقبضًا، مَهِيبًا، كبير الشأن، استوطن القاهرة، وتصدَّر للإقراء بالمدرسة الفاضليَّة، وانتفع بِهِ الخلْق، وكان يتوقد ذكاء.
رَوَى عَنْهُ أَبُو الْحَسَن بْن خيرة ووصفه من قوة الحِفْظ بأمرٍ معجب، وروى عَنْهُ أيضًا: أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن يَحْيَى الجنجالي، وأَبُو بَكْر بْن وضاح، وأَبُو الْحَسَن عليّ بن هبة اللَّه ابن الجُميزي، وأبو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن عَبْد الوارث المعروف بابن فار اللبن، وَهُوَ آخر من رَوَى عَنْهُ.
وقرأ عليه القراءات: أَبُو موسى عيسى بْن يوسف بْن إِسْمَاعِيل المقدِسي، وأَبُو القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد الشّافعيّ، وأَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد السَّخَاويّ، وأبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عُمَر القُرطبي، والزين أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد الْمُقْرِئ الكرديّ، والسديد أَبُو القاسم عِيسَى بْن مكّيّ العامريّ، والكمال عَلِيّ بْن شجاع الْعَبَّاسيّ، الضرير، وأخرون.
فحكى الْإِمَام أَبُو شامة أن أَبَا الْحَسَن السَّخَاويّ أخبره أن سبب انتقال الشّاطبيّ من شاطبة إِلَى مصر، أَنَّهُ أُريد عَلَى أن يُولى الخطابة بشاطبة، فاحتج بأنه قَدْ وجب عليه الحج، وأنه عازمٌ عليه، وتركها ولم يعدُ إليها تورعًا، مما كانوا يُلزمون بِهِ الخُطباء من ذِكرهم عَلَى المنابر بأوصافٍ لَمْ يرها سائغةً شرْعًا، وصبرَ عَلَى فقرٍ شديد، وسَمِع بالثغر منَ السِّلَفيّ، ثُمّ قدِم القاهرة، فطلبه القاضي الفاضل للإقراء بمدرسته، فأجاب بعد شروطٍ اشترطها، وَقَدْ زار البيت المقدس قبل موته بثلاثة أعوام، وصام بِهِ شهر رمضان، قَالَ السَّخَاويّ: أقطعُ بأنه كان مكاشفًا، وأنه سأل اللَّه كفاف حاله ماكان أحدٌ يعلم أيَّ شيءٍ هُوَ.
قَالَ الأَبّار فِي " تاريخه ": تصدَّر للإقراء بمصر، فعظُم شأنه، وبعُد صيته، وانتهت إليه الرياسة فِي الإقراء، ثُمّ قَالَ: وقفتُ عَلَى نسخةٍ من [ص:915] إجازته، وحدَّث فيها بالقراءات عَنِ ابن اللايُه، عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه بْن سَعِيد، ولم يحدِّث عَنِ ابن هُذَيْل، قَالَ: وتُوُفّي بمصر فِي الثامن والعشرين من جُمادى الآخرة.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الحسين اليونيني ببعلبك: أخبرك أبو الحسن ابن الجميزي، قال: أخبرنا أبو القاسم الرعيني، قال: أخبرنا ابن هذيل، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو داود سليمان بن نجاح، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو عمر ابن عبد البر، قَالَ: أَخْبَرَنَا سعيد بن نصر: قَالَ: حَدَّثَنَا قاسم بن أصبغ، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن وضاح، قَالَ: حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى، قال: حدثنا مالك، عن يحيى بن سعيد، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَأَنْ لا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُولَ أو نقوم بالحق حيث ما كنّا، لَا نَخَافُ فِي اللَّه لَوْمَةَ لائِمٍ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
ومن شِعره:
قلْ للأميرِ نصيحةً ... لا تركننَّ إلى فقيهِ
إن الفقيه إذ أتى ... أبوابكُم لا خيَر فيهِ(12/913)
404 - قيترمش المستنجدي، أبو سَعِيد، [المتوفى: 590 هـ]
أحد الأمراء الكبار.
وُلّي شِحنكيَّة بغداد فهذَّبها وقمع المفسدين، ثُمّ أُعطيَ دَقُوقا، فمرض بها، فجيء بِهِ إِلَى بغداد، فمات بظاهرها، فكتم أصحابه موتَه وأدخلوه، ثُمّ أشاعوا موته، وحضره الأمراء وأربابُ الدولة.
وولي شِحنكيَّة بغداد خمس عشرة سنة.(12/915)
405 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد، أَبُو عَبْد اللَّه ابن عروس الغَرْناطيّ، السُّلَميّ. [المتوفى: 590 هـ]
سَمِع من أَبِي الْحَسَن بْن الباذش، وأبي عَبْد اللَّه الموالِشِيّ، وأبي بَكْر بْن الخلوف وقرأ عليه القراءات، وسَمِع من أبي بكر ابن العربي أيضًا، [ص:916] وتصدر للإقراء ببلده، وإسماع الْحَدِيث، وولي الخطابة، وكان من أَهْل التجويد، والثقة، والضبط، والصلاح، أَخَذَ النّاس عَنْهُ كثيرًا.
وتُوُفّي فِي منتصف رجب، وكان مولده في سنة تسعٍ وخمسمائة أَوْ فِي حدودها.(12/915)
406 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن حامد، أَبُو البركات ابْن الصائغ الحربي العامل. [المتوفى: 590 هـ]
سَمِع بإفادة مؤدبه أَبِي البقاء مُحَمَّد بْن طَبَرْزَد من عَلِيّ بْن طِراد، وأبي مَنْصُور بْن خيرون، وجماعة، رَوَى عَنْهُ أَحْمَد بْن محمد بن طلحة، وغيره، ومات فِي شوّال.(12/916)
407 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد، أَبُو عَبْد اللَّه الأصبهاني، الجورتانيّ، الحمّاميّ، الأديب، المعروف بالمُصْلح. [المتوفى: 590 هـ]
وُلِد فِي سنة خمس مائة، وسَمِع من أَبِي علي الحداد، وأبي نَهْشَل عَبْد الصَّمد بْن أَحْمَد العَنْبريّ، وسعيد بْن أَبِي الرجاء الصَّيْرفيّ، وَغَيْرُهُمْ.
وحج سنة تسعٍ وستين، فحدَّث ببغداد، وأخذ عَنْهُ عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، والكبار، وعاد إِلَى أصبهان، وبقي إِلَى هَذَا الوقت.
تُوُفّي فِي حادي عشر ربيع الآخر.
وكان فقيهًا حنْبليًا، أديبًا، ذا زُهْد وعبادة، يختم كُلّ يومٍ ختمة.(12/916)
408 - مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن خَلَف، أَبُو عَبْد اللَّه ابن الفخار الْأَنْصَارِيّ الأندلسيّ المالقيّ الحافظ. [المتوفى: 590 هـ]
سَمِع أَبَا بكر ابن العربي، ولزِمه واختص بِهِ، وأبا جَعْفَر البطْرُوجيّ، وأبا عَبْد اللَّه بْن الأحمر، وأبا الْحَسَن شريحًا، وأبا مَرْوَان بْن مَسَرَّة، ومُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن الْقُرَشِيّ، وجماعة.
قَالَ أَبُو عبد اللَّه الأبار: كان صدرًا في الحفاظ، مقدَّمًا، معروفًا، يسردُ المُتُون والأسانيد، مَعَ معرفةٍ بالرجال، وذِكْرٍ للغريب، سَمِع منه جِلة، وحدَّث [ص:917] عَنْهُ أئمة، وسَمِعْتُ أَبُو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه يَقُولُ عَنْهُ: إنَّه حفظ فِي شبيبته " سُنن أَبِي دَاوُد السّجِسْتانيّ " وأمّا فِي مدة لقائي إياه، فكان يذكر " صحيح مُسْلِم " أَوْ أكثره، قَالَ الأَبّار: وذُكِر أَبُو جَعْفَر بْن عُمَيْرة أَنَّهُ كَانَ يحفظ " صحيح مُسْلِم "، وكان موصوفًا بالوَرَع والفضل، مسلَّمًا لَهُ فِي جلاله القدْر، ومتانة العدالة، استُدْعي إِلَى حضرة السّلطان بمَرّاكُش، ليسمع عليه بها، فتوفى هناك فِي شعبان.
قلت: وولد سنة إحدى عشرة وخمسمائة.(12/916)
409 - مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن زُرْقان، الفقيه أبو عَبْد اللَّه الشّافعيّ، [المتوفى: 590 هـ]
تلميذ أَبِي الحسن ابن الخَلّ.
وَقَدْ أعاد لأبي طَالِب الْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك الكَرْخيّ، وشهد عِنْد قاضي القضاء أبي طالب عليّ ابن البخاري، وناب عنه في القضاء، وسَمِع من أبي الوقت، وغيره، وتوفي بنواحي خلاط فِي هَذِهِ السنة تقريبًا.(12/917)
410 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرحيم، صدر الدّين أَبُو بَكْر المَرَاغيّ [المتوفى: 590 هـ]
قاضي مَرَاغة،
كَانَ من أعيان أَهْل بلده فضلًا وتقدُّمًا،
قدِم بغداد، وسَمِع بِهَا من: أَبِي البركات إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سَعْد النَّيْسابوريّ، وغيره،
ثُمّ قدِم بغداد سنة سبعٍ وسبعين حاجًا، وكان كثير المال والجاه والحشمة، وَلَهُ آثار حَسَنة منَ البر، لكنه كَانَ يلبس الحرير والذَّهب، اللَّه يسامحه المسكين.
تُوُفّي بمَرَاغَة، ونقِل إِلَى مدينة الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدفِن برباطٍ أنشأه بها.(12/917)
411 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَبِي زاهر، أَبُو عَبْد اللَّه البَلَنْسيّ، الخطيب. [المتوفى: 590 هـ]
قرأ القراءات عَلَى ابن هُذَيْل، وسَمِع منه، ومنَ ابن النّعمة، وكان من أَهْل الصلاح الكامل، والورع التّام، أقرأ القرآن طولَ عمره، وسَمِع منه ابنه أَبُو [ص:918] حامد مُحَمَّد، وغيره، وتُوُفّي فِي ربيع الأول عَنْ ثلاثٍ وستين سنة.(12/917)
412 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن نصر بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر، أَبُو الفتح، وأبو عَبْد اللَّه البرمكيّ، الهَرَويّ، الحنبلي. [المتوفى: 590 هـ]
ولد سنة ثمانٍ وعشرين وخمسمائة.
وسَمِع بَهَمَذَان من أَبِي الوقت عَبْد الأول، وأبي الفضل أَحْمَد بْن سَعْد، وأبي المحاسن هبة اللَّه بن أحمد ابن السماك، وببغداد من أبي المعالي مُحَمَّد بْن محمد ابن اللحاس، وابن البطي، وخلق، وبالثغر من السفلي، وجاور وأَمَّ بالحنابلة بالحَرَم مدة.
رَوَى عَنْهُ أَبُو الثناء حامد بْن أَحْمَد الأرتاحيّ، وغيره، وتُوُفّي بمكة فِي حدود سنة تسعين.(12/918)
413 - مُحَمَّد بْن عبد الملك بن بونه بن سعيد، أبو عَبْد اللَّه العَبْدَريّ، المالقيّ، نزيل غرناطة، ويُعرف بابن البيطار. [المتوفى: 590 هـ]
ولد سنة ستٍّ وخمسمائة، وسَمِع أَبَاه، وأبا مُحَمَّد بْن عتاب، وغالب بْن عطية، وأبا بحر بْن العاص، وأبا الْوَلِيد بْن طريف، وَهُوَ آخر من رَوَى بالإجازة عَنْ أَبِي عَلِيّ بْن سُكَّرَة الصَّدَفيّ، رَوَى عَنْهُ أَبُو القاسم الملّاحيّ، وآخرون، وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى.
ذكره الأَبّار، وكان اسند مَنْ بَقِيّ.(12/918)
414 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن شعيب، فخر الدّين أبو شجاع ابن الدهان الْبَغْدَادِيّ، الفرضي، الأديب، الحاسب. [المتوفى: 590 هـ]
خرج من بغداد، وجال فِي الجزيرة، والشام، ومصر، وسكن دمشق مدة، وهو أول من وضع الفرائض عَلَى شكل المِنْبر، وجمع تاريخًا جيدًا، وصنف " غريب الْحَدِيث " فِي عدة مجلدات، وكانت لَهُ يدٌ طُولى فِي النجوم، وحل الزَّيْج، نسأل اللَّه العافية، وَلَهُ أبيات فِي التاج الكِنْديّ.
تُوُفّي فجأةً بالحِلة السَّيْفيَّة فِي صَفَر.
روى عنه أبو الفتوح محمد بن علي الْجَلاجليّ شيئًا من شِعره، وَقَدْ مدح [ص:919] ملوكًا وأمراء، وكان من أذكياء بني آدم.(12/918)
415 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن سَعْد اللَّه بْن القلّاس، الْبَغْدَادِيّ، الكَرْخيّ، الشاعر المعروف بابن مَلاوي، ويُلقّب قَوْس الندف. [المتوفى: 590 هـ]
مدح الخلفاء والوزراء، وعاش دهرًا، وَلَهُ مدائح فِي المستنجد باللَّه، وَفِي ابن هُبَيْرة، وكان مستثقل الجملة، ذكره صاحب " خريدة القصر " وابن النجار، وأوردا من شِعره.(12/919)
416 - محمد ابن الفقيه أَبِي جَعْفَر هبة اللَّه بْن يَحْيَى ابن البوقي، الفقيه أبو العلاء الواسطيّ، المعدَّل، [المتوفى: 590 هـ]
كاتب الإنشاءات فِي ديوان المجلس، عن الوزير أبي جعفر ابن البلدي.
ثم عاد إلى واسط بعد هلاك أَبِي جَعْفَر.
تُوُفّي فِي ثاني عشر رمضان.(12/919)
417 - الْمُبَارَك بْن أَبِي سَعْد عَلِيّ بْن هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن محمد بن علي، أَبُو القاسم الكتاني، الواسطيّ. [المتوفى: 590 هـ]
وُلِد سنة سبعٍ وخمسمائة، وقرأ القرآن عَلَى عَلِيّ بْن عَلِيّ بْن شيران وسَمِع منه، ومن أَبِي علي الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم الفارقيّ، وَأَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن هبة اللَّه بْن عَبْد السلام، والجلّابيّ، وسَمِع ببغداد من أبي القاسم ابن السَّمَرْقَنْدِيّ، وغيره.
وحدَّث بواسط، رَوَى عَنْهُ أَبُو عبد اللَّه ابن الدبيثي، وغيره.
وتوفي فِي ربيع الأول.(12/919)
418 - محمود بْن أَبِي نصر، مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن، الأديب، أَبُو الفتح الفَرُوخيّ، الأَوَانيّ، الكاتب. [المتوفى: 590 هـ][ص:920]
ولد سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة، لَهُ النَّظْم والنَّثْر، حدَّث بشيءٍ من شِعره.
وبلد أوانا عَلَى يومٍ من بغداد، وهي قرية كَبُلَيْدة.(12/919)
419 - مُفَوَّز بْن طاهر بْن حَيدرة بْن مُفَوَّز، القاضي أَبُو بَكْر الشّاطبيّ، قاضي شاطبة. [المتوفى: 590 هـ]
سَمِع أباه، وأبا الوليد ابن الدباغ، وأبا عامر بْن حبيب، وأخذ القراءات عَنْ أَبِي الحسن بن أبي العيش، وابن أبي العاص النفزي، وتفقه بأبي مُحَمَّد بْن عاشر، وغيره، وأجاز لَهُ السِّلَفيّ.
وكان فصيحًا، فاضلًا، حَسَن السَّمْت.
مات فِي شعبان عَنْ ثلاثٍ وسبعين سنة.(12/920)
420 - مكي ابن الْإِمَام أَبِي الطاهر إِسْمَاعِيل بْن عَوْف، الزُّهْرِيّ، الفقيه، الزَّاهد، أَبُو الحَرَم، [المتوفى: 590 هـ]
ابن شيخ المالكية بالإسكندرية.
ولد سنة تسع عشرة وخمسمائة، وروى بالإجازة عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه الفُرَاوِيّ، وأبي الْحَسَن عَبْد الغافر الفارسي، وذُكِر أن أَبَا بَكْر الطُّرْطُوشيّ أجاز لَهُ.
تُوُفّي فِي شعبان.(12/920)
421 - نصر بْن يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن حُمَيْلَة، أَبُو السُّعْود الْبَغْدَادِيّ، الحربي، المعروف بابن الشنّاء. [المتوفى: 590 هـ]
وُلِد سنة خمس عشرة وخمسمائة، وسمع من هبة اللَّه بن الحصين، وأبي الحسين محمد ابن القاضي أَبِي يَعْلَى، وأبي بَكْر القاضي، وجماعة، وحدَّث، رَوَى عَنْهُ يوسف بْن خليل، وأحمد بْن أَبِي شريك، وتوفي فِي رجب، وسَمِع منه مبارك بْن مَسْعُود الرصافي " مُسْند أحمد بن حنبل ".(12/920)
422 - الْوَلِيد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن جَهْوَر، أَبُو مُحَمَّد القُرْطُبيّ، كبير الشهود المعدلين بقُرْطُبة. [المتوفى: 590 هـ]
كَانَ فاضلًا متواضعًا عَلَى منهاج السلف، سَمِع من أَبِي مَرْوَان بْن مَسَرَّة، وَأَبِي بَكْر بْن سمجون، وعاش قريبًا من ثمانين سنة.(12/921)
423 - يَحْيَى بْن عَبْد الجبار بْن يَحْيَى بْن يوسف، أَبُو بَكْر الْأَنْصَارِيّ، المالقيّ، المعروف بالأبار، قاضي مالقة. [المتوفى: 590 هـ]
ذكره أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار فِي " تاريخه " فَقَالَ: كَانَ جزلًا فِي أحكامه، مَهِيبًا، ورِعًا، فقيهًا، بصيرًا بالشُّروط، سَمِع أبا عَبْد اللَّه بْن الأصبغ، وأبا جَعْفَر بْن عَبْد الْعَزِيز؛ وأبا عَبْد اللَّه بْن نجاح الذهبي بقُرْطُبة، ورحل إِلَى إشبيلية، فسمع " صحيح الْبُخَارِيّ " من أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وسَمِع من أبي بكر ابن العربي، حدَّث عَنْهُ أَبُو سليمان بْن حَوْط اللَّه، وأَبُو يَحْيَى بْن هانئ، وغيرهما، وتوفي سنة تسعين فِي ذِي الحجَّة، وَلَهُ خمسٌ وثمانون سنة.(12/921)
424 - يَحْيَى بْن مَنْصُور بْن أَبِي القاسم، أَبُو زكريا البَجَّائيّ، المالكيّ، الزَّاهد. [المتوفى: 590 هـ]
حكى عنه الزاهد أبو النون عبد النور بن عليّ التميمي.(12/921)
-وفيها ولد:
السيف يحيى ابن الناصح ابن الحنبلي، والشرف سليمان بن بنيمان الإربلي الشاعر، والشرف محمد بن محمد ابن البكري، ومُحَمَّد بْن مرتضى بْن أَبِي الجود، والصفيّ خليل المراغيّ، والجمال ابن شعيب التَّمِيمِيّ، وقاضي نابلس نجم الدّين مُحَمَّد بن سالم الْقُرَشِيّ، وعبد الْعَزِيز بْن إِسْمَاعِيل بْن مَسْلَمَةَ الدمشقي.(12/921)
-وممن كان في هذا الوقت ولم تتصل بي وفاته(12/922)
425 - أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد، الْأَنْصَارِيّ، أَبُو العباس ابن الفقيه السَّرَقُسْطيّ، [الوفاة: 581 - 590 هـ]
نزيل الإسكندرية.
سَمِع الكَرُوخيّ، وابن ناصر، وجماعة، وحدَّث بالتيسير عن أبي عبد اللَّه بن سعيد الداني ابن الفرس، وَلَهُ شِعْر جيد.
حدَّث عَنْهُ أبو الحجاج ابن الشيخ، وعلي بن المفضل الحافظ، وأَبُو بَكْر بْن عَلِيّ الإشبيلي.
وكأَنَّه تُوُفّي بعد الثمانين.(12/922)
426 - إِسْحَاق بْن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن مُحَمَّد بْن هلال بن المحسن، أبو نصر ابن الصابئ، الكاتب الْبَغْدَادِيّ. [الوفاة: 581 - 590 هـ]
من بيت كتابة، وبلاغة، وترسُّل، كَانَ شيخًا حَسَنًا.
قَالَ ابن الدُّبيثي: توفي بعد الثمانين.(12/922)
427 - الْحَسَن بْن مَنْصُور بْن محمود، الْبُخَارِيّ، الحنفي، العلامة، [الوفاة: 581 - 590 هـ]
شيخ الحنفية، قاضي خان الأُوزْجَنْدِيّ، صاحب التصانيف.
رَأَيْت مجلدًا من أماليه فِي سنة سبعٍ، وسنة ثمانٍ، وسنة تسعٍ وثمانين وخمسمائة.
وسَمِع كثيرًا منَ الْإِمَام ظهير الدّين حسن بْن عَلِيّ بْن عَبْد الْعَزِيز، وإبراهيم بْن إِسْمَاعِيل الصفاري.
رَوَى عَنْهُ العلامة جمال الدّين محمود بْن أَحْمَد بْن عَبْد السيد الحصيري تلميذه.(12/922)
428 - شعيب بْن الْحُسَيْن، أَبُو مَدْيَن الأندلسيّ، الزَّاهد، شيخ أَهْل المغرب رحِمَه اللَّه عليه. [الوفاة: 581 - 590 هـ]
أصله من أعمال إشبيلية من حصن مَنتوجَبْ، جال وساح وسكن بجاية مدة، ثُمّ سكن تلمسان، وكان كبير الصوفية والعارفين فِي عصره. [ص:923]
ذكره أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار، ولم يؤرخ لَهُ موتًا، وقَالَ: كَانَ من أهل العمل والاجتهاد، منقطع القرين فِي العبادة والنُّسك.
قَالَ: وتوفي بتلمسان في نحو التسعين وخمسمائة، وكان آخر كلامه: اللَّه الحيّ، ثُمّ فاضت نفسه.(12/922)
429 - عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ بْن خَلَف، المحاربي، الغَرْناطيّ، أَبُو مُحَمَّد. [الوفاة: 581 - 590 هـ]
رَوَى عَنْ أَبِيهِ، وشُرَيْح، وابن العربي.
وعنه سُلَيْمَان بْن حَوْط، وتُوُفّي سنة بضعٍ وثمانين.(12/923)
430 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن سُفْيَان، التُّجَيْبيّ، الشّاطبيّ، الفقيه، النَّحْويّ، قاضي لُورقَة. [الوفاة: 581 - 590 هـ]
سَمِع أَبَا الْوَلِيد ابن الدباغ، وابن هُذَيْل، وطبقتهما.
وكان بليغًا مفوِّهًا، لَهُ النَّظم والنَّثْر.
رَوَى عَنْهُ أَبُو عِيسَى بن أبي السداد، وأبو الربيع بن سالم.
بقي إلى حدود التسعين وخمسمائة.(12/923)
431 - عَبْدِ اللَّه بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ وهب، القضاعيّ، المؤدب، أَبُو مُحَمَّد الإشبيلي، [الوفاة: 581 - 590 هـ]
نزيل سبتة.
أخذ عن أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وعَمْرو بْن بطال.
وكان عارفًا بالقراءات والنحو، جيد التفهيم، أَخَذَ عَنْهُ أَبُو الْعَبَّاس العزفي والد صاحب سَبْتَه.(12/923)
432 - عَبْد الرَّحْمَن بْن يَحْيَى بْن الْحُسَيْن، أَبُو القاسم الأُمَويّ، الإشبيليّ، الزَّاهد. [الوفاة: 581 - 590 هـ]
رَوَى عَنْ أَبِي مُحَمَّد بْن عتاب، وأبي القاسم الهَوْزنيّ، وشُرَيْح، وجماعة، ونزل بجّاية منَ المغرب، وألف " الجمع بَيْنَ الصحيحين " وأتى فِيهِ بالأسانيد.
رَوَى عَنْهُ أَبُو ذر الخُشني، وغيره، وبالإجازة أَبُو عليّ الشلوبيني. [ص:924]
قَالَ الأَبّار: كَانَ مقرئًا، محدّثًا، زاهدًا، ورِعًا.
توفي بعد الثمانين وخمسمائة.(12/923)
433 - عربي بْن مسافر، الحلي، الشيعيّ، [الوفاة: 581 - 590 هـ]
عالم الشيعة وفقيههم بالحلَّة.
رحلت إِلَيْهِ الروافض منَ النواحي للأخذ عنه، وروى عَنِ العماد أَبِي جَعْفَر الطبري، وغيره.
وهلك بعد الثمانين.(12/924)
434 - عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرحيم، الفِهْريّ، أَبُو الْحَسَن البَلَنْسيّ، الْمُقْرِئ. [الوفاة: 581 - 590 هـ]
أَخَذَ القراءات عَنِ ابن هُذَيْل، وروى عَنْ أبي الوليد ابن الدباغ، وطبقته.
وكان صالحًا منقطعًا عن الناس.
روى عنه أبو الربيع بن سالم، وقال: توفي في حدود التسعين وخمسمائة.(12/924)
435 - عَلِيّ بْن عَبْد الكريم بْن أَبِي العلاء، أَبُو الكَرَم العَطَّار، الْعَبَّاسيّ، الهَمَذَانيّ، [الوفاة: 581 - 590 هـ]
مُسْنِد هَمَذَان فِي وقته.
كَانَ بها فِي سنة خمسٍ وثمانين وخمسمائة فِي قيد الحياة، فحدث عَنْ فنْد بْن عَبْد الرَّحْمَن الشَّعْرانيّ، وأبي غالب أَحْمَد بْن مُحَمَّد العدل صاحب ابن شبابة، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ عَلِيّ بْن إسْفَهْسِلار الرَّازيّ، والشمس أَحْمَد بْن عَبْد الواحد الْبُخَارِيّ، والحافظ عَبْد القادر الرهاوي، وغيرهم.
وسماعاته بعد الخمس مائة.
أخبرنا إسماعيل ابن المنادي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن عبد الواحد، قَالَ: أَخْبَرَنَا عليّ بن عبد الكريم بقراءتي عليه، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَدْلُ سَنَةَ ستٍّ وَخَمْسِمَائَةٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بن محمد بن شبابة قال: حدثنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عُبيد، قال: حدثنا إبراهيم بن [ص:925] الحسين، قال: حدثنا أبو اليمان، قال: حدثنا عُفير، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ ".
عُفير هُوَ ابْنُ مَعْدَانَ، كُنيته: أَبُو عَائِذٍ، ضَعِيفٌ.(12/924)
436 - عَلِيّ بْن المظفَّر بْن عَبَّاس، أَبُو الْحَسَن الواسطيّ، الْمُقْرِئ، [الوفاة: 581 - 590 هـ]
خطيب شافيا.
قرأ بالروايات العَشْر عَلَى أَبِي العز القَلانِسِيّ، وتصدر للإقراء، قرأ عليه القراءات: أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن باسُويه، والموفق عَلِيّ بْن خطاب بْن مقلد الضرير.(12/925)
437 - مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن حزب اللَّه، الْإِمَام أبو عبد اللَّه ابن النقار الفاسيّ. [الوفاة: 581 - 590 هـ]
أَخَذَ عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه ابن الرمامة المُتَوَفّي سنة سبْعٍ وستين، وعن أَبِي عَبْد اللَّهِ بْن خليل، وجماعة.
وكان فقيهًا، متفننا، محدثًا، زاهدًا.
روى عنه أبو الحسن ابن القطان الحافظ، وتفقه بِهِ، وأجاز لَهُ فِي سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة.(12/925)
438 - يزيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد، أَبُو الْوَلِيد المَخْلَدِيّ، البَقَويّ، القُرْطُبيّ، [الوفاة: 581 - 590 هـ]
والد أَبِي القاسم أَحْمَد بْن بَقِيّ.
رَوَى عَنْ جَدّه أَحْمَد بْن مُحَمَّد، وأبيه، وأبي بَكْر ابن العربي، وشُريح بْن مُحَمَّد، وأبي القاسم بْن رضا، وجماعة سواهم.
حدَّث عَنْهُ ابنه أَبُو القاسم، وأَبُو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه، وأَبُو زيد الفازازي.
وولي القضاء ببَسْكرة، بُليدة من بلاد الزّاب.
قال الأبار: توفي بعد الثمانين وخمسمائة.(12/925)
439 - يوسف بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن جزء، أَبُو الحَكَم الكلبيّ، الغَرْناطيّ. [الوفاة: 581 - 590 هـ]
رَوَى عَنْ أبيه أبي بكر، وعم أبيه أبي الوليد بن جزء، وأبي الحسن بن الباذش، والقاضي أبي بكر ابن العربي، والقاضي عياض وجماعة، حدث عنه ابنه أبو العباس.
وتوفي في حدود التسعين.
آخر الطبقة(12/926)
-الطبقة الستّون 591 - 600 هـ(12/927)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
- (الحوادث)(12/929)
-سنة إحدى وتسعين وخمسمائة
أنبأنا ابن البُزُوريّ قَالَ: في المحرَّم وصل الخبر على جناج طائر باستيلاء الوزير مؤيّد الدين محمد ابن القصاب على همذان، وضربت الطُّبول.
قلت: واعتنى الناصر لدين الله هذه المدَّة بالحمام اعتناء زائداً.
قال: ووليّ مؤيَّد الدين كلَّ بلدٍ أميرًا، واجتمع بختلغ إنج فخلع عليه، واتفقا على الخُوارزْمية وقتالهم، فقصد الوزير دامَغَان، وقصد خلتغ إنج الريّ فدخلها وتحصّن بها، وخالف فيها الوزير فحصره، ففارقها خلتغ إنج، ودخلها الوزير وأنهبها عسكر بغداد، ثم ولاّها فلك الدّين سنقر النّاصريّ.
ثم سار فحارب ختلغ إنج، فانكسر ختلغ إنج ونجا بنفسه، ورجع الوزير فدخل هَمَذان، فنفّذ خُوارزم شاه يعتب على الوزير، ويتهدّده لما فعله في أطراف بلاده، فاستعد الوزير للمُلْتَقى، فتُوُفيّ دون ذلك، وجيَّش خُوارزم شاه، وقَصَدَ هَمَذَان، وحارب العسكر فهزمهم، ونبش الوزير ليشيع الخبر أنه قُتِلَ في المعركة، ثم عاد إلى خراسان، ثم إن المماليك البهلوانية أمّروا عليهم كوكج، وملكوا الريّ، وأخرج فلك الدّين سنقر.
وفيها سار الملك العزيز من مصر ليأخذ دمشق، فبادر الملك الأفضل منها وساق إلى عمّه العادل، وهو بقلعة جَعْبَر، وطلب نجدته، ثم عَطَفَ إلى أخيه الظّاهر يستنجده، فساق العادل وسبق الأفضل إلى دمشق، وقام معهما كبار الأمراء، فردّ العزيز منهزمًا، وسار وراءه العادل والأفضل فيمن معهما من الأسَديَّة والأكراد، فلمّا رأى العادل انضمام العساكر إلى الأفضل وقيامهم معه، خاف أن يملك مصر، ولا يسلّم إليه دمشق، فبعث في السّرّ إلى العزيز يأمره بالثَّبات، وأن يجعل على بِلْبِيس مَن يحفظها، وتكفل بأنه يمنع الأفضل، فجهّز العزيز النّاصريّة مع فخر الدّين جركس، فنزلوا ببلبيس، وجاء الأفضل والعادل فنازلوهم، فأراد الأفضل مناجزتهم أو دخول مصر، فمنعه العادل من الأمرين [ص:930] وقال: هذه عساكر الإسلام، فإذا قُتِلوا في الحرب فمن يردّ العدوّ، والبلاد فبحكمك، وأخذ يراوغه، وجاء القاضي الفاضل في الصُّلح، ووقعت المطاولة، واستقر العادل بمصر عند العزيز، ورجع الأفضل.
هذا ملخّص ما قاله " ابن الأثير ".
وفي هذه المدَّة جدّد العزيز الهدنة مع ملك الفِرِنج كنْدهري، وزاد في المدَّة ثم لم يلبث كنْدهري أن سقط من مكانٍ بعكّا فمات، واختلفت أحوال الفرنج قليلاً.
قال ابن واصل وغيره: لمّا عزم العزيز على قَصْد الشام ثانيًا، أشار العُقلاء على الملك الأفضل بملاطفة أخيه العزيز، ولو فعل لصلح حاله، ولرضي منه العزيز بإقامة السّكَّة والخطبة له بدمشق، لكنْ قبل ما أشار به وزيره الضّياء ابن الأثير، من اعتصامه بعمّه العادل والالتجاء إليه، وكان ذلك من فاسد الرأي، حتى استولى عمه على الأمر، وغلب على السَّلطنة، ولمّا رجع الأفضل من بلبيس إلى دمشق أقبل أيضًا على الزُّهد والعبادة وفوّض الأمور إلى ابن الأثير، فاختلّت به غاية الاختلال.
وفيها قدِم بغدادَ شمس الدّين عليّ بن سوسيان بن شملة، ومعه نساء أبيه وجواريه، فتُلُقّيّ بالموكب الشريف، وكان صبيًّا بديع الجمال، تُضْرَب بحُسْنه الأمثال.
وقال أبو شامة: فيها قدِم العزيز إلى الشام أيضًا ونزل على الفوار، ثم رحل إلى مصر لمّا سمع بقدوم العساكر مع عمّه العادل وأخيه الأفضل، فتبِعاه إلى مصر، وخرج القاضي الفاضل فأصلح الحال، فدخل العادل مصر مع العزيز وأقام عنده، وردّ الملك الأفضل إلى دمشق.
وفيها كانت بالمغرب وقعة الزّلّاقة، وكانت ملحمة عظيمة بين يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن، وبين الفُنْش ملك طُلَيْطُلَة لعنه الله.
كان الفُنْش قد استولى على عامَّة جزيرة الأندلس، وقَهَرَ وُلاتها، وكان يعقوب بِبَرّ العدوة مشغولًا عن نُصرة أهل الأندلس بالخوارج الخارجين عليه، وبين الأندلس وبين [ص:931] سَبْتَة كان أدقّ ما يكون من عرُض البحر، وعرضه ثلاثة فراسخ، ويُسمى العُدْوة، وزُقاق سَبْتَة، وغير ذلك، ومنه دخل المسلمون في المراكب لمّا افتتحوا الأندلس في دولة الوليد بن عبد الملك، واستضرى الفنش واستفحل أمره، واتسع ملكه، وكتب إلى يعقوب يحثه في الدخول إليه، فأخذته حميَّة الإسلام، وسار فنزل على زقاق سَبْتَة، وجمع المراكب وعَرَض جيوشه، فكانوا مائة ألف مرتزقة، ومائة ألف مطَّوّعة، وعدّوا كلُّهم، ووصل إلى موضع يقال له " الزّلاّقة " وجاء الفُنْش في مائتي ألف وأربعين ألفًا، فالتقوا، فنَصَر الله دينه، ونجا الفونش في عددٍ يسير إلى طُلَيْطُلَة، وغنم المسلمون غنيمةً لا تحُصَى.
قال أبو شامة: كان عدة من قُتِلَ من الفرنج مائة ألف وستَّة وأربعين ألفًا، وأُسِر ثلاثون ألفًا، وأُخذ من الخيام مائة ألف خيمة وخمسون ألفًا، ومن الخيل ثمانون ألف رأس، ومن البغال مائة ألف، ومن الحمير أربع مائة ألف حمار، تحمل أثقالهم، لأنّهم لا جِمال عندهم، ومن الأموال والجواهر والقماش ما لا يُحصى.
قال: وبِيع الأسير بدِرهم، والسيّف بنصف، والحصان بخمسة دراهم، والحمار بدرهم، وقسم يعقوب الملقّب بأمير المؤمنين الغنائمَ على مقتضى الشريعة فاستغنوا للأبد. وأمّا الفنْش فوصل بلدَه على أسوأ حال، فحلق رأسه ونكّس صليبه، وآلى أن لا ينام على فراش ولا يَقْرَب النّساء، ولا يركب حتّى يأخذ بالثأر، وأقام يجمع من الجزائر والبلاد ويستعد.
قال: وقيل: إنمّا كانت هذه الوقعة في سنة تسعين.
وذلك وهْم، إنّما كانت في سنة إحدى وتسعين في تاسع شعبان.(12/929)
-سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة
فيها استُنِيب في الوزارة قاضي القضاة أبو طالب عليّ بن عليّ ابن البخاريّ.
وفيها أُفرج عن الأمير مُجير الدين طاشْتِكين الحاجّ، ووُلّي مملكة بلاد [ص:932] خُوزسْتان، ووْسم بالملك، وأُنعِم عليه بكوسات وأعلام.
وقال أبو شامة: وفيها قدم العزيز ثالثًا إلى الشّام ومعه عمّه الملك العادل.
قلت: فحاصرا دمشق مدَّةً يسيرة، ووقعت المخامرَة من عسكر دمشق ففتحوا الأبواب، ودخل العزيز والعادل في رجب.
قال ابن الأثير: كان أبلغ الأسباب في ذلك وثُوق الأفضل بعمّه، وقد بلغ من وثوقه به أنه أدخله بلده وهو غائب عنه، وقد كان أرسل إليه أخوه الظّاهر يقول له: أخرج عمّنا من بيننا، فإنّه لا يجيء علينا منه خير، وأنا أَعْرَف به منك، وأنا زوج بنته. فردّ عليه الأفضل: أنت سّيئ الظنّ، وأيّ مصلحةٍ لعمّنا في أن يؤذينا؟ ولما تقرّر العادل بمصر استمال الملك العزيز، وقرّر معه أنه يخرج إلى دمشق، ويملك دمشق ويسلّمها إليه، فسار معه وحصروها، واستمالوا أميرًا فسلِّم إليهم باب شرقيّ، وفتحه ودخل منه العادل ووقف العزيز بالميدان، فلمّا رأى الأفضل أن البلد قد مُلِك، خرج إلى أخيه ودخل به البلد، واجتمعا بالعادل وقد نزل في دار أسد الدّين شيركوه، فبقوا أيامًا كذلك، ثم أرسلا إلى الأفضل ليتحوّل من القلعة، فخرج وسلَّم القلعة إلى أخيه.
قلت: رجع العزيز إلى مصر، وأقام العادل بدمشق، فتغلّب عليها، وأخرج أولاد أخيه صلاح الدين عنها، وأنزل الأفضل في صَرْخَد.
وقال أبو شامة: انفصل الحال على أن خرج الأفضل إلى صَرْخَد، وتسَّلم البلد الملك العزيز، وسلمها إلى عمه، وأسقط ما فيها من المُكُوس، وبقيت بها الخطْبة والسّكَّة باسم الملك العزيز.
وقال في " الروضتين ": فيها نزل العزيز بقلعة دمشق، ودخل هو وأخوه الأفضل متصاحبَيْن إلى الضّريح النّاصريّ، وصلى الجمعة عند ضريح والده، ودخل دار الأمير سامة في جوار التُّربة، وأمر القاضي محيي الدّين أن يبنيها مدرسةً للتربة، فهي المدرسة العزيزيَّة، ووقف عليها قرية محجَّة. [ص:933]
قلت: ما أحسن قول ملك البلاغة القاضي الفاضل: أمّا هذا البيت فإنّ الآباء منه اتَّفقوا فملكوا، وأنّ الأبناء منه اختلفوا فهلكوا، إذا غَرَب نجْمٌ فما في الحيلة تشريقهُ، وإذا خُرِق ثوبُ فما يليه إلا تمزيقهُ، وإذا كان الله مع الخصم فمن يُطَيقُه؟
قال أبو شامة: وأُخِذَت قلعة بصرى من الملك الظافر خضر ابن صلاح الدّين، أخذها أخوه.
قال: وفيها بعد خروج الناس من مكة هبت ريح سوداء عمت الدنيا، ووقع على الناس رملٌ أحمر، ووقع من الركن اليَمَانيّ قطعة، وتجرّد البيت مراراً.
قَالَ: وفيها سار عسكر خوارزم شاه على مقدمته مملوك له جاء فكسر عسكر الخليفة، وكان في مقدمته وهو عشرون ألفا ابن القصاب الوزير، أشنع من كسرة ابن يونس، وعاد العسكر إلى بغداد عرايا جياعا، وقطع رأس الوزير وبعث به وبأعلام الخليفة والخزائن، وكان ذلك على باب همذان.
ومن خبر خُوارزم شاه أنه كان قد قطع نهر جيحون في خمسين ألفاً، ثمّ وصل همذان وشحن على البلاد إلى باب بغداد، وبعث إلى الخليفة يطلب السَّلْطَنة، وإعادة دار السلطنة إلى ما كانت، وأن يجيء إلى بغداد، وأن يكون الخليفة من تحت يده كما كانت الملوك السَّلجوقية، فانزعج الخليفة وأهل بغداد، وغلت الأسعار.
قال: وفيها كانت وقعة أخرى ليعقوب بن يوسف مع الفُنْش، وكان الفنْش قد حشد وجمع جمعًا أكثر من الأوّل، ووقع المُصَاف، فكسره يعقوب، وساق خلفه إلى طُلَيْطُلة ونازلها، وضربها بالمنجنيق، وضيّق عليها ولم يبق إلا أخذها، فخرجت إليه والدة الفنْش وبناته وحريمه، وبَكَيْنَ بين يديه وسألْنَه إبقاءَ البلد عليهنّ، فرقّ لهن ومَنَّ عليهنّ بالبلد، ولو فتح طُلَيْطُلَة لفتح إلى مدينة النّحاس، وعاد إلى قُرْطُبة وقسم الغنائم، وصالح الفنش مدّة. [ص:934]
وقيل: إن هذه الوقعة كانت في سنة إحدى وتسعين.
وفيها وفي التي قبلها عاث ابن غانية الملثَّم، وخَلَت له إفريقية، وكان بالبرّية مع العرب، فعاود إفريقية، وخرّبت عساكره البلاد، فلهذا صالح يعقوب الفِرنج ورجع إلى المغرب لحرب الملثَّم.(12/931)
-سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة
فيها وصل الأمير أبو الهيجاء الكرديّ، المعروف بالسمين، كان مُفْرِط السُّمن، ومن أعيان أمراء الشام، ترك خدمة الملك العزيز عثمان ابن صلاح الدين وقدِم بغدادّ، فتُلُقّي وأُكرِم، وبالغوا في احترامه، ثم جرت من أجناده ناقصة لمّا جرّدوا وحاربوا عسكر الدّيوان، وكان هو ببغداد.
وفيها خطب بالسلطنة وضُرِبت السّكَّة للملك العزيز، كما خُطِب له عامَ أوّلٍ بدمشق، وتمّت له سلطنة مصر والشام، مع كون عمّه العادل صاحب دمشق، وأخيه صاحب حلب.
وفي جُمادى الآخرة جَرَى بركة الساعي من واسط إلى بغداد في يومٍ وليلة، وهذا لم يُسْبق إلى مثله، وخُلِع عليه خِلَع سنيّة، وحصل له مال.
ثُم خُلِع على أبي الهيجاء السّمين، وأُمِر أن ينزل بهمذان، وتوفّي بعد شهر.
وفيها وجّه محيي الدين الحَسَن بن الربيع رسولًا إلى شهاب الدّين الغوريّ صاحب غزنة.
أنبأنا ابن البُزُوريّ قال: وانقضّ في شوّال كوكبٌ عظيم سُمِع لانقضاضه صوتٌ هائل، واهتزت الدُّور والأماكن، فاستغاث الناس، وأعلنوا بالدّعاء، وظنّوا ذلك من أمارات القيامة.
قال: وفيها ملَك إسماعيلُ بنُ سيف الإسلام طُغْتِكِين بلد اليمن بعد أبيه، وأساء في ولايته، وادّعى أنّه قُرَشيّ، وخطب لنفسه وتسمّى بالهادي، ثم قتل.
قال أبو شامة: وفي شوّالها فتح العادل يافا عَنْوةً وأخربها، وكان قد [ص:935] أتاها أربعون فارسًا نجدةً، فلمّا عاينوا الغَلَبَة دخلوا الكنيسة وأغلقوا بابها، ثم قتل بعضُهم بعضًا، فكسر المسلمون الباب فوجدوهم صَرْعَى.
وهذا ثالث فتح لها؛ لأنّها فتحت في أيّام فتح بيت المقدس، ثم استرجعها الإنكتير، ثمّ أخذها ثاني مرَّة صلاح الدين، ثم افتتحها في هذا الوقت الملك العادل، ثمّ ملكتها الفِرنج، ثم افتتحها السّلطان الملك الظاهر رابعاً، ثم خرِّبت.
كتب الفاضل إلى محيي الدّين ابن الزّكيّ يقول: " وممّا جرى من المُعْضِلات بأسٌ من الله طرق ونحن نيام، وظنّ الناس أنه اليوم الموعود، ولا يحسب المجلس أنّي أرسلت القلم محرِّفاً، والقول مجزّفًا، فالأمر أعظم، ولكنّ الله سلَّم، إنّ الله أتى بساعةٍ كالسّاعة، كادت تكون للدنيا الساعة، في الثلث الأوّل من ليلة الجمعة تاسع عشر جُمادى الآخرة، أتى عارض فيه ظُلُمات متكاثفة وبروق خاطفة، ورياح عاصفة، قوي ألهوبها، واشتد هُبُوبها، وارتفعت لها صَعقات، فرجفت الجدران، واصطفقت، وتلاقت على بُعْدها، واعتنقت، وثار عَجَاج، فقيل: لعلّ هذه على هذه قد انطبقت، وتوالت البُرُوق على نظام، فلا يُحسَب إلا أنّ جهنّم قد سال منها وادٍ، وزاد عصْف الريح إلى أن تغطّت النُّجوم، وكانت تسكن وتعود عُودًا عنيفًا، ففرّ الناس والنساء والأطفال، وخرجوا من دُورهم لا يستطيعون حيلةً، ولا يهتدون سبيلًا، بل يستغيثون ربّهم، ويذكرون دِينهم، ولا يستغربون العذاب، لأنهم على مُوجباته مُصِرّون، وفي وقت وقوع واقعاته باستحقاقه مُقِرّون، معتصمين بالمساجد الجامعة، وملتقين الآية النّازلة من السمّاء بالأعناق الخاضعة، بوجوهٍ عانية، ونفوسٍ عن الأموال والأهل سالية، قد انقطعت من الحياة عُلَقهم، وعميَت عن النّجاة طُرُقُهم، فدامت إلى الثلث الأخير، وأصبح كلٌّ يسلِّم على رفيقه ويهنيه بسلامة طريقه، ويرى أنه بُعث بعد النفخة، وأفاق بعد الصَّرخة، وتكسرت عدة مراكب في البحار، وتقلّعت الأشجار الكبار، ومن كان نائمًا في الطُّرق من المسافرين دفنته الرّيح حيًّا، وركِب فما أغنى الفِرار شيئًا، والخَطْبُ أشقّ، وما قضيت بعض الحق، فما مِن عباد الله مَن رأى القيامة عيانًا إلا أهل بلدنا، فما اقتصّ الأوّلون مثلَها في المَثُلات، والحمد لله الذي جعلنا نخبر عنها ولا يخبر عنّا، في كلام طويل. [ص:936]
وفيها أخذت الفرنج بيروت، وكان أميرها الأمير عزّ الدين سامة لمّا سمع بوصول العدوّ إلى صيدا هرب، فملكها الفِرنج ثاني يوم، وفيه صنِّف:
سلِّم الحِصنَ ما عليكَ مَلامَه ... ما يُلام الذي يرومُ السّلامهْ
فَعَطاءُ الحصونِ من غير حربٍ ... سنَّةٌ سنَّها ببيروتَ سامهْ(12/934)
-سنة أربع وتسعين وخمسمائة
فيها نزلت الفرنج على تِبْنين، وقدِم منهم جَمْعٌ كبير في البحر، فانتشروا بالساحل، وكثُرُوا، وخاف الناس، فنفّذ الملك العادل صاحب دمشق القاضي محيي الدين إلى صاحب مصر الملك العزيز مستصرخاً به، فجاء العزيز، فترحّل الفِرنج بعد أنْ قرِّرت معهم الهدنة خمس سنين وثمانية أشهر.
وحجّ بالنّاس من الشام قراجا.
وفيها ملك علاء الدين خُوارزم شاه، واسمه تكش بن إيل رسلان بخاري، وكان لصاحب الخطَا، وجرى له معهم حروبٌ وخُطُوب، وانتصر عليهم، وقتل خلقًا منهم، وساق وراءهم، ثم حاصرهم مدَّة، وافتتحها عَنْوة، وعفى عن الرعيَّة، وكان يقع في مدَّة الحصار بين الفريقين سبّ، وتقول الخُوارزميَّة: يا أجناد الكفّار أنتم تُعينون الخطَا علينا، أنتم مرتدَّة.
وكان خُوارزم شاه أعور، فعمد أهل بخارى إلى كلبٍ أعور، وألبسوه قباءً ورموه في المنجنيق إليهم، وقالوا: هذا سلطانكم تكش.
وفيها مات سُنْقُر الكبير أمير القدس، ووُلّي بعده صارم الدّين خطلو الفرُّخشاهيّ.
وفيها سار ملك الموصل نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود فنازل نَصِيبِّين، وأخذها من ابن عمّه قُطب الدّين، فسار إلى الملك العادل واستنجد به، فسار معه بعسكره، وقصدا نَصِيِّبين فتركها أرسلان شاه وسار إلى بلده ودخلها، وعاد قُطْب الدين فدخل نَصِيبِّين شاكرًا للعادل، وأراد الرجوع في خدمته إلى دمشق فردّه.
ونازل العادل ماردين، وحاصرها أشهرًا، وملك رَبَضها، ثمّ رحل عنها.(12/936)
-سنة خمس وتسعين وخمسمائة
في ربيع الأوّل قصد علاء الدّين خُوارزم شاه الريّ، وكان قد عصى عليه نائبه بها، فحاصره وظفر به، وهمَّ بقتله، ثم حبسه.
وفيه نفّذ الخليفة إلى علاء الدين خُوارزم شاه تشريفًا وتقليدًا بما في يده من الممالك، فقبل الأرض ولبس الخلعة.
ثم سار وفتح قلعة من قلاع الإسماعيلية على باب قزوين، وحصر أَلَمُوت، ثمّ عاد، فوثبت الباطنية على وزيره نظام الملك مسعود بن علي فقتلوه.
وقتلت الإسماعيلية في حصار الأَلَمُوت رئيس الشافعيَّة صدر الدّين محمد ابن الوزّان.
وفيها تُقُدّم بعمارة سورٍ ثان على بغداد، وجدّوا في بنائه إلى أن فرع.
وفيها ولي سلطنة المغرب والأندلس محمد بْن يعقوب بْن يوسف بْن عَبْد المؤمن بعد موت والده.
وفي وسط السّنة أخرج أبو الفرج ابن الجوزي من سجن واسط مكرَّمًا وتلقاه الأعيان، وخُلِع عليه وأُذِن له في الجلوس فجلس وكان يومًا مشهوداً.
وفيها كانت بخُراسان الفتنة الهائلة للفخر الرّازيّ صاحب التصانيف.
أنبأني ابن البُزُوريّ قال: سببها أنّه فارق بهاء الدين صاحب باميان وقصد غياث الدّين الغُوريّ خال بهاء الدّين، فالتقاه وبجّله وأنزله، وبنى له مدرسة، وقصده الفقهاء من النواحي فعظُم ذلك على الكَرّاميَّة، وهم خَلْق بهَراة وكان أشدّ الناس عليه ابن عمّ غياث الدّين وزوج بنته، وهو الملك ضياء الدّين، فاتّفق حضور الفقهاء الكرّاميَّة، والحنفيَّة والشّافعيَّة، وفيهم فخر الدّين الرّازيّ، والقاضي مجد الدّين عبد المجيد بن عمر بن القُدوة، وكان محتَرَمًا، إمامًا، زاهدًا، فتكلّم الفَخْر، فاعترضه ابن القُدْوة، واتّسع الجدال والبحث وطال، فنهض السّلطان غياث الدّين، واستطال الفخر على ابن القُدْوة بحيث أنه شتمه وبالغ في إهانته، وانقضى المجلس، فشكا الملك ضياء الدين إلى ابن عمّه ما جرى من الفخر بعد انقضاء المجلس، وذمّ الفَخْر ونسبه إلى الزَّنْدَقة والفلسفة، فلم يحتفل السلطان بقوله، فلمّا كان من الغد جلس ابن عمّ المجد [ص:938] ابن القدوة في الجامع للوعظ فقال في وعظه: لا إله إلا الله ربنّا آمنّا بما أنزلت واتَّبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين، أيّها الناس، إنّا لا نقول إلّا ما صحّ عندنا عن ربنا وعن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما قول أرسطا طاليس، وكفْريّات ابن سينا، وفلسفة الفارابيّ، فلا نعلمها، فلأيّ شيءٍ يُشتم بالأمس شيخٌ من شيوخ الْإِسْلَام يذبّ عن دِين اللَّه؟ وبكى، فضجّ النّاس، وبكى الكرّاميَّة، واستغاثوا، وثار النّاس من كلّ جانب واسْتَعَرت الفتنة، وكادوا يقتتلون ويجري ما يهلك به خلق كثير، فبلغ ذلك السّلطانَ، فأرسل الأجناد وسكّنهم ووعدهم بإخراج الفخر، وأحضره وأمره بالخروج.
وفيها كَانَتْ بدمشق فتنة الحافظ عَبْد الغنيّ بينه وبين الأشعرية، وهمّوا بقتله، ثم أخرجوه من دمشق، وتفصيل ذلك فِي ترجمته إن شاء الله.
وفي أوّلها مات الملك العزيز، وكان سيف الدّين أركش، الأَسَديّ بالصّعيد، فقدِم القاهرة فوجد الملك المنصور سلطانًا، وقد استولى فخر الدّين شركس على الأمور، فحلّف أركش الأمراء على أن يُسلطِنوا الأفضل، وأرسلوا النُّجُب بالكُتُب إليه وانعزل عَنْهُمْ شركس، وزين الدّين قُرَاجا، وقُراسُنْقُر، ثمّ لمّا قرب الأفضل من مصر هربوا إِلَى القدس، فسار الأفضل من صَرْخد ودخل مصر، فأخذ ابنّ الْعَزِيز وصار أتابكه، وسارا بالجيوش فحاصرا دمشق وبها العادل قد ساق على البريد من ماردين، وترك عليها الجيش مع ولده الكامل محمد، ودخل دمشق قبل أن يصل الأفضل بيومين، وأحرق جميع ما كان خارج باب الجابية من الفنادق والحوانيت، وأحرق النَّيرب وأَبواب الطّواحين، وقُطعت الأنهار، واشتدّ الأمر، وأُحرقت بيادر غلَّة حَرَسْتَا، ودخل الأفضل من باب السّلامة، وضجّت العَوامّ بشعاره، وكان محبوبًا إِلَى النّاس، وبلغ الخبر العادلَ، فكاد يستسلم فتماسك، ووصل الّذين دخلوا إِلَى باب البريد، وكانوا قليلين، فوثب عليهم أصحاب العادل وأخرجوهم، ثمّ قدِم صاحب حلب، وصاحب حمص، وهمّوا بالزَّحف، ثُمَّ قويَ العادل بمجيء الأمراء الذّين كانوا بالقدس، وضعُف الأفضل، ثمّ وقعت كَبْسة على عسكره المصريّين، وبقيّ الحصار إِلَى سنة ستٍّ وتسعين.
وفيها ظهر بدمشق الدّاعي العجميّ المدّعي أنّه عيسى ابن مريم، وأفسد طائفة وأضلّهم، فأفتى العلماء بقتله، فصلبه الصّارم بزغش العادليّ. [ص:939]
وفيها قامت العامَّة على الرّافضة، وأخرجوهم إِلَى باب الصّغير من دمشق، ونبشوا وثّابًا المرحّل من قبره، وعلّقوا رأسه مع كلبين ميّتين.
وفيها وُلّي قضاء القضاة بالعراق ضياء الدّين أبو القاسم ابن الشّهرزوريّ.(12/937)
-سنة ست وتسعين وخمسمائة
فيها مات السّلطان علاء الدّين خُوارزم شاه تكش، وقام بعده ابنه محمد.
وفيها كان الملك الأفضل والملك الظّاهر على حصار دمشق، والعساكر قائمة بمنزلتهم، قد حفروا عليها خندقًا من أرض اللّوان إِلَى يلدا احترازًا من مهاجمة الدّمشقييّن لهم، وعظُم الغلاء بدمشق، وزاد البلاء، وكادت أن تُعدم الأقوات بالكُلّيَّة، ونفذت أموال الملك العادل على الأمراء والْجُنْد، وأكثر الاستدانة من التّجّار والأكابر، وكان يدبّر الأمور بعقلٍ ومكر ودهاء، حتّى تماسك أمره، ثمّ فارقه جماعة أمراء، فكتب إِلَى ابنه الكامل: أنْ أسرعْ إليَّ بالعساكر، وخذ من قلعة جعبر ما تنفقه في العساكر، فسار الكامل ودخل جعبر، وأخذ منها أربعمائة ألف دينار، وسار إِلَى دمشق، وتَوَانى الأخَوَان عن معارضته، فدخل البلد وقوي به أَبُوهُ، وضعُف أمر الظّاهر والأفضل، ووقع بينهما على مملوك للظّاهر كان مليحًا أخذه الأفضل وأخفاه، ثمّ رحل الأفضل والظّاهر إِلَى رأس الماء وافترقا، وهجم الشّتاء، ورد الأفضل إِلَى مصر، والظّاهر إِلَى حلب، فخرج العادل يتبع الأفضل، فأدركه عند الغرابيّ من رمْل مصر، ودخل العادل القاهرة، فرجع الأفضل إِلَى صَرْخَد منحوسًا.
وكان فِي أوّل السّنة قد وَصَلَ ابن أخي السّلطان خُوارزم شاه مستغفرًا عن عمّه ممّا أقدم عليه من مواجهة الدّيوان بطلب الخطبة، فأكرم مورده.
وقال القاضي جمال الدّين ابن واصل: ثمّ سار الأفضل والظّاهر إِلَى رأس الماء، وعزما على المُقام به إِلَى أن ينسلخ الشّتاء، فتواترت الأمطار، وغلت الأسعار، فاتّفقا على الرحيل وتأخير الحصار إلى الربيع.
ودخل الأفضل مصر، وتفرّق عسكره لرعي دوابّهم، بعد أن خامَرَ منهم طائفةٌ كبيرة إِلَى العادل، ورحل العادل فدخل الرمل، فرام الأفضل جَمْعَ العساكر، فتعذّر عليه، [ص:940] فخرج فِي عسكرٍ قليل، ونزل السّائح، وعمل المُصافّ مع عمّه، فانكسر وولّى، والمصريّون منهزمين، وكان بعضهم مخامرين وتخاذلوا عَنْهُ، فاضطرّ إِلَى أن ترك مصر، وتعوَّض بميَّافارقين، وحاني وسُمَيْساط، ودخل العادل القاهرة فِي الحادي والعشرين من ربيع الآخر، واجتمع به الأفضل، ثمّ سافر إلى صرخد.
ثُمَّ طلب العادل ابنه الكامل، وملك الدّيار المصريَّة، وجعل ابنه الكامل نائبًا عَنْهُ، فناب عَنْهُ قريبًا من عشرين سنة، ثمّ استقلّ بالملك بعده عشرين سنة وأشهُرًا.
وأنبأنا ابن البُزُوريّ قال: فِي ربيع الآخر التقى عسكر العادل وعسكر الأفضل، فانهزم عسكر الأفضل وهو إِلَى القاهرة، فساق العادل ونزل محاصِرًا القاهرة، فأرسل الأفضل إلى عمّه العادل يقنع منه ببعض بلاده، فقال للعادل: أريد دمشق، فلم يُجِبْه، ثُمَّ آل الأمر إِلَى أن رَضِيَ بميّافارقين وخرج من مصر، ودخلها العادل فعمل أتابيكة الملك المنصور عليّ ابن الْعَزِيز، ثُمَّ لم يبرح يتلطّف ويتألّف الأمراء إِلَى أن ملك الدّيار الْمِصْرِيَّة، وخطب لنفسه وقال: هَذَا صبيّ يحتاج إِلَى المكتب ثُمَّ قطع خطبة الصَّبي.
وفيها قدِم بغدادَ من المغرب رسول الملثّمة، من مخدومه إِسْحَاق بْن يحيى بْن إِسْحَاق بن غانية الملثَّم المايرقيّ الخارج على بني عَبْد المؤمن، فتلقّي بالموكب الشّريف، وأخبر أن مرسله أقام الدّعوة للخليفة ببلاده بلاد المغرب.
أنبأني ابن البُزُوريّ قال: أُخبِرت أنّ الرَّسُول المذكور كان ملثّمًا لا يظهر منه سوى عينيه، وأقام ببغداد أيّامًا، وأُعطي لواءً أسود وخِلَعًا، وأعيد إلى مرسله.
وحجّ من العراق بالنّاس سُنْقُر النّاصريّ، ويُعرف بوجه السَّبع.
ولمّا تمكّن السلطان الملك العادل سيف الدّين أبو بَكْر من مملكة مصر سيَّر الأميرين عَلَم الدّين كرجيّ الأَسَديّ، وأسد الدّين سراسُنْقُر ليُحضِرا ولده الملك الكامل، فدخل الكامل إِلَى القاهرة فِي أواخر رمضان من السنَّة، وخرج العادل بأمراء الدّولة المصريَّة بأن يبرزوا معه ليسيروا إلى خلاط، وحثهم على ذلك.
فلما كان سابع عشر شوّال ركب بالسّناجق والسّيوف المجذَّبة فِي الدَّست، فلم يجسر أحدٌ من الأمراء أن ينطق، وأمر الخطباء أن يخطبوا باسمه [ص:941] كما ذكرنا، ثُمَّ لم يلبث إلّا أيّامًا يسيرة حتّى سلطن ولده الكامل على الدّيار المصرية، وقدِم عليه أخوه لأمّه صاحب المدرسة الفَلَكيَّة بدمشق فلك الدّين سليمان بن سروة بن جلدك.
وفيها كان نقص النّيل، والغلاء والوباء المُفْرِط، وخربت ديار مصر، وجَلا أهلها عَنْهَا، واشتدّ البلاء فِي سنة سبْعٍ، وأكلوا الْجِيَف، ثُمَّ أكلوا الآدميّين، ومات بديار مصر أممٌ لا يُحصيهم إلّا اللَّه، وكسر النّيل من ثلاثة عشر ذراعًا إلّا ثلاثة أصابع، وقيل لم يكمل أربعة عشر ذراعًا.(12/939)
-سنة سبع وتسعين وخمسمائة
قال الموفّق عَبْد اللّطيف: دخلت سنة سبعٍ مفترسة لأسباب الحياة، ويئسوا من زيادة النيل، وارتفعت الأسعار، وأقحطت البلاد، وضَوَى أَهْل السّواد والريف إلى أمّهات البلاد، وجلا كثير إِلَى البلاد النّائية، ومزِّقوا كلَّ ممزَّق، ودخل منهم خلْقٌ إِلَى القاهرة، واشتدّ بهم الجوع، ووقع فيهم الموت عند نزول الشّمس الحمل، ووبئ الهواء، وأكلوا الميتات والبَعر، ثمّ تعدّوا إِلَى أكْل الصِّغار، وكثيرًا ما يُعثر عليهم ومعهم صِغار مشويّون أو مطبوخون، فيأمر السّلطان بإحراق الفاعل، رأيتُ صغيرًا مشْوِيًّا مع رجلٍ وامرأة أُحضرا فقالا: نَحْنُ أبواه، فأمر بإحراقهما، ووُجد بمصر رَجُل قد جُرّدت عظامُه وبقي قَفصاً، وفشى أكْلُ بني آدم واشتهر ووجِد كثيرًا، وحكى لي عدَّة نساء أنّه يتوثَّب عليهنّ لاقتناص أولادهنّ ويُحامين عنهم بجَهْدهنّ، ولقد أُحرِق من النّساء بمصر فِي أيّامٍ يسيرة ثلاثون امْرَأَة، كلٌّ منهنّ تُقِرّ بأنّها أكلت جماعة، ورأيت امْرَأَةً أُحضرت إِلَى الوالي وَفِي عنقها طفلٌ مَشوِيّ، فضُرِبت أكثر من مائة سَوط، على أن تقرّ، فلا تخبر جوابًا، بل تجدها قد انخلعت عن الطِّباع البشريَّة، ثمّ سُجِنت فماتت، وحكى لنا رَجُل أنّه كان له صديق، فدعاه ليأكل، فوجد عنده فقراء قدّامهم طبيخ كثير اللّحم، وليس معه خبز، فرابه ذلك، وطلب المِرحاض، فصادف عنده خزانة مشحونة برُمم الآدميّين وباللّحْم الطَّريّ، فارتاع وخرج هاربًا، وقد جرى لثلاثةٍ من الأطبّاء ممّن ينتابني، أمّا [ص:942] أحدهم فإنّ أَبَاهُ خرج فلم يرجع، والآخر فأعطته امْرَأَة درهمين ومضى معها، فلمّا توغّلت به مضائق الطُّرق استراب وامتنع، وشنّع عليها، فتركت دراهمها وانسلت، وأمّا الثالث فإنّ رجلًا استصحبه إِلَى مريضةٍ إِلَى الشَارع، وجعل فِي أثناء الطّريق يتصدَّق بالكِسَر ويقول: هَذَا وقت اغتنام الأجر، ثمّ أكثر حَتَّى ارتاب منه الطّبيب، ودخل معه دارًا خَرِبة، فتوقّف فِي الدَّرج، وفتح الرجل فخرج إليه رفيقه يقول: هَلْ حصل صيد ينفع؟ فجزع الطّبيب، وألقى نفسه إِلَى إصطبل، فقام إليه صاحب الإصطبل يسأله، فأخفى قصّته خوفًا منه أيضًا فقال: قد علمت حالك، فإنّ أَهْل هَذَا المنزل يذبحون النّاس بِالحيَل، ووجدنا بإطفيح عند عطّار عدّة خوابي مملوءة بلحوم الآدميّين في الماء والملح، فسألوه فقال: خفت دوام الْجَدْب فيهزل النّاس، وكان جماعة قد أَوَوا إِلَى الجزيرة، فعُثِر عليهم، وطُلبوا ليُقتَلوا فهربوا، فأخبرني الثّقة أنّ الذّي وُجد فِي بيوتهم أربع مائة جمجمة.
ثمّ ساق غير حكاية، وقال: وجميع ما شاهدناه لم نتقصّده ولا تتبّعنا مظانّه، وإنما هُوَ شيء صادفناه اتّفاقًا، وحكى لي من أثق به أنه اجتاز على امرأةٍ وبين يديها ميّت قد انتفخ وانفجر، وهي تأكل من أفخاذه، فأُنكِر عليها، فزعمت أنّه زوجها.
ثُمَّ قال: وأشباه هذا كثير جدّاً، وممّا شاع أيضا نبْش القبور، وأكل الموتى، فأخبرني تاجر مأمون حين ورد من الإسكندرية بكثرة ما عاين بها من ذلك، يعني من أكل بْني آدم، وأنّه عاين خمسة أرؤس صغار مطبوخة فِي قِدر، وهذا المقدار كافٍ، واعتقد أني قد قصرت.
وأمّا موت الفقراء جوعًا فشيءٌ لا يعلمه إلا اللَّه تعالى، فالّذي شاهدناه بالقاهرة ومصر وهو أنّ الماشي لا يزال يقع قدمه أو بصره على ميّت، أو مَن هُوَ فِي السيّاق، وكان يُرفع من القاهرة كلّ يوم من المَيْضَأة ما بين مائة إلى خمس مائة، وأما مصر فليس لموتاها عدد، يُرمون ولا يُوارَون، ثمّ عجزوا عن رميهم، فبقوا فِي الأسواق والدّكاكين، وأما الضواحي والقرى، فهلك أهلها [ص:943] قاطبةً إلاّ من شاء الله، وأن المسافر ليمرّ بالقرية فلا يرى فيها نافخ نار، وتجد البيوت مفتَّحة وأهلها موتى، حدَّثني بِذَلِك غير واحد، وقال لي بعضهم: إنّه مرّ ببلدٍ ذكر لنا أن فيها أربع مائة نَوْل للحياكة، فوجدناها خرابًا، وأنّ الحائك فِي جورة حياكته ميّت، وأهله موتى حوله فحضرني قوله تعالى: {إِن كَانت إِلاَّ صَيحةً وَاحدَةً فَإِذَا هُم خَامًدونَ}.
قال: ثمّ انتقلنا إِلَى بلدٍ آخر، فوجدناه ليس به أنيس، واحتجنا إِلَى الإقامة به لأجل الزّراعة، فاستأجرنا من ينقل الموتى ممّا حولنا إلى النيل، كلّ عشرة بدرهم، وأخبرت عن صيادٍ بفُوهة تِنَّيس أَنَّهُ مرّ به فِي بعض يوم أربع مائة آدميّ يقذف بهم النّيل إِلَى البحر، وأمّا أَنَا فمررت على النّيل، فمرّ بي في ساعة نحو عشرة موتى.
وأمّا طريق الشام فصارت منزرعةً ببني آدم، وعادت مأدبة بلحومهم للطّير والسِّباع، وكثيرًا ما كَانَت المرأة تتخلّص من صِبيتها في الزّحام، فيتضورون حتّى يموتوا، وأمّا بيع الأحرار فشاع وذاع، وعرض عليَّ جاريتان مراهقتان بدينار واحد، وسألتني امْرَأَة أن أشتري ابنتها وكانت جميلة دون البلوغ بخمسة دراهم، فعرّفتها أنّ ذلك حرام فقالت: خذها هديَّة، وقد أُبيع خلقٌ، وجُلِبوا إِلَى العراق، وخُراسان، هَذَا، وهم عاكفون على شهواتهم، منغمسون فِي بحر ضلالاتهم، كأنَّهم مُستثنون، وكانوا يزْنون بالنّساء حتّى إنّ منهم مَن يقول: إنّه اقتض خمسين بِكْرًا، ومنهم من يقول: سبعين، كلّ ذلك بالكسْر.
وأمّا مصر فخلا مُعظمها، وأمّا بيوت الخليج وزقاق البركة والمقْس وما تاخم ذلك، فلم يبق فيها بيتٌ مسكون، ولم يبق وقود النّاس عِوض الأحطاب إلا خشب السّقوف والبيوت الخالية، وقد استغنى طائفة كبيرة من النّاس فِي هَذِهِ النَّوبة، وأمّا النّيل فإنه اخترق في برمودة اختراقاً كبيرا، وصار المقياس في أرض جزر، وانحسر الماء عَنْهُ نحو الجزيرة، وظهر فِي وسطه جزيرة عظيمة ومقطَّعات أبنية، وتغيّر رِيحه وطعمه، ثمّ تزايد التّغيُّر، ثُمَّ [ص:944] انكشف أمره عن خُضْرة طحلبيَّة، كلمّا تطاولت الأيام ظهرت وكثّرت كالّتي ظهرت في أبيب من السّنة الخالية، ولم تزل الخضرة تتزايد إِلَى أواخر شعبان، ثمّ ذهبت، وبقي فِي الماء أجزاء نباتيّة منتنة، وطاب طعمه وريحه، ثمّ أَخَذَ ينمَى ويقوى جرْيه إِلَى نصف رمضان، فقاس ابن أبي الرداد قاع البركة فكان ذراعين، وزاد زيادةً ضعيفة إلى ثامن ذي القعدة، ثم وقف ثلاثة أيّام، فأيقن الناس بالهلاك، واستسلموا، ثُمَّ إنه أَخَذَ فِي زيادات قويَّة، فبلغ فِي ثالث ذي الحجَّة خمسة عشر ذراعًا وستة عشر إصبعًا، ثُمَّ انحطَّ من يومه، ومسّ بعض البلاد تحلة القسم، وأَرْوَى الغربيَّة ونحوها، غير أنّ القرى خالية كما قال تعالى: {فأَصبحُوا لا يُرى إلاَّ مَساكنُهُم}، وزرع الأمراء بعض البلاد، ونهاية سعر الإرْدبّ خمسة دنانير، وأمّا بقُوص، والإسكندريَّة فبلغ ستَّة دنانير.
ودخلت سنة ثمانٍ وتسعين والأحوال على حالها أو فِي تزيُّد إِلَى زُهاء نصف السّنة، وتناقصت موت الفقراء لقلّتهم، لا لارتفاع السّبب الموجب وتناقص أكْل الآدمييّن ثُمَّ عُدِم، وقلَّ خطفُ الأطعمة من الأسواق لفناء الصعاليك، ثُمَّ انحطّ الأردبّ إِلَى ثلاثة دنانير لقلَّة الناس، وخفّت القاهرة، وحُكي لي أنّه كان بمصر تسع مائة مَنْسَج للحُصر، فلم يبْق إلّا خمسة عشر منسجًا، فقِسْ على هَذَا أمر باقي الصُّناع من سائر الأصناف، وأما الدّجاح فعُدِم رأسًا، لولا أنه جُلِب من الشام، وحُكي لي أنّ رجلًا جلب من الشام دجاجًا بستّين ديناراً، باعها بنحو ثمانمائة دينار، فلمّا وُجد البيض بيع بيضة بدرهم، ثمّ كثُر، وأمّا الفراريج فاشتُرِي الفرُّوج بمائة درهم، ثمّ أبيع بدينارٍ مُديدة.
وقال في أمر الخراب: فأما الهلاّلية، ومُعظم الشارع ودور الخليج، وحارة السّاسة والمقْس، وما تاخم ذلك، فلم يبق فيها أنيس، وإنّما ترى مساكنهم خاويةً على عروشها.
قال: والذّي تحت قلم ديوان الحبس من الموتى الحشرية وضمّته المَيْضأة فِي مدَّة اثنتين وعشرين شهرًا مائة ألف وأحد عشر ألفًا إلّا شيئًا يسيراً. [ص:945]
قلت: هَذَا فِي القاهرة.
قال: وهذا مع كثرته نزرٌ فِي جَنْب ما هلك بمصر والحواضر، وكلّه نزرٌ في جنب ما هلك بالإقليم، وسمعنا من الثِّقات عن الإسكندرية أن الْإِمَام صلى يوم الجمعة على سبع مائة جنازة، وأن ترِكةً انتقلت فِي مدَّة شهر إِلَى أربعة عشر وارثًا، وأنّ طائفة تزيد على عشرين ألفًا انتقلوا إِلَى بَرْقة وأعمالها، فعمروها وقطنوا بها، وكانت مملكة عظيمة خربت فِي زمان خلفاء مصر على يد الوزير اليازوريّ، ونزح عنها أهلها.
ومن عجيبٍ ما اتفق لشيخٍ من أطباء اليهود ممن كان ينتابني أنّه استدعاه رجلٌ ذو شارة وشُهرة، فلما صار في المنزل وأغلق الباب وثب المريض عليه فجعل في عنقه وهَقاً، ومرث خصيتَيه، ولم يكن له معرفة بالقتل، فطالت المناوشة، وعلا ضجيجه، فتسامع النّاس، ودخلوا فخلّصوا اليهودي، وبه رَمق، وقد وجبت خصَاه، وكُسرت ثنيَّتاه، وحُمل إِلَى منزله، وأُحضر ذاك إِلَى الوالي فقال: ما حملك على هَذَا؟ قال: الجوع فضربه ونفاه.
في سحر يوم الاثنين السّادس والعشرين من شعبان ارتاع الناس، وهبّوا من مضاجعهم مدهوشين، وضجّوا إلى الله تعالى، وبقيت مدَّة وكانت حركتها كالغَرْبلة، أو كخفْق جناح الطّائر، وانقضت على ثلاث زحفات قوية، مادّت الأبنية، واصطفقت الأبواب، وتداعى من الأبنية الواهي والعالي، ثُمَّ تواترت الأخبار بحدوثها فِي هَذِهِ الساعة فِي البلاد النائية، فصحّ عندي أنّها تحرَّكت من قُوص إِلَى دِمياط والإسكندرية، ثُمَّ بلاد الساحل بأسرها، والشام طولًا وعرضًا، وتعفّت بلادٌ كثيرة وهلك من الناس خلْق عظيم وأُمم لا تُحصى، ولا أعرف فِي الشام أحسن سلامه من القدس، وأنكت فِي بلاد الفرنج أكثر، وسمعنا أنها وصلت إلى خلاط وإلى قبرس، وأن البحر ارتطم وتشوهت مناظره، وصار فرقا كالأطواد، وعادت المراكب على الأرض، ثُمَّ تراجعت المياه، وطفا سمكٌ كثير على سواحله، ووردت كتُب من الشام بأمر الزّلّزلة، [ص:946] واتصّل بي كتابان أوردتُهما بلفظهما، يقول فِي أحدهما: زلزلةٌ كادت لها الأرض تسير سيرًا، والجبال تمُور مَوْرًا، وما ظنّ أحدٌ من الخلق إلاّ أنها زلزلة السّاعة، وأتت في الموقت على دفعتين، فأمّا الدّفعة الأولى فاستمرت مقدار ساعةٍ أو تزيد عليها، وأمّا الثانية فكانت دونها، ولكنْ أشدّ منها، وتأثّر منها بعض القلاع، فأوّلها قلعة حماه، وَفِي الكتاب الآخر أنها دامت بمقدار ما قرأ سورة " الكهف " وأنّ بانياس سقط بعضها، وصَفَد لم يَسْلَمْ بها إلّا ولد صاحبها لا غير، ونابلس لم يبق بها جدارٌ قائمٌ سوى حارة السّمرة، وكذلك أكثر حَوْران، غارت ولم يُعرف لبلدٍ منها موضعٌ يُقَالُ فِيهِ هَذِهِ القرية الفلانية.
قلت: هَذَا كذِب وفُجُور من كاتب هَذِهِ المكاتبة أَمَا استحى من اللَّه تعالى؟
ثُمَّ قال فِيهِ: ويقال: إنّ عِرْقة خُسف بها، وكذلك صافيتا.
قال الموفّق: وأخبرونا أنّ بالمقْس تلًّا عظيمًا عليه رممٌ كثيرة فأتيناه ورأيناه وحدسناه بعشرة آلاف فصاعدا، وهم على طبقاتٍ فِي قُرب العهد وبعده، فرأينا من شكل العظام ومفاصلها وكيفيَّة اتّصالها وتناسُبها وأوضاعها ما أفادنا عِلمًا لا نستفيده من الكتُب، ثُمَّ إنُنا دخلنا مصر، فرأينا فيها دروبًا وأسواقًا عظيمة كَانَتْ مغتصَّة بالزّحام، والجميع خالٍ ليس فِيهِ إلّا عابر سبيل، وخرجنا إلى سكرجة فرعون، فرأيت الأقطار كلُها مغتصَّة بالْجُثَث والرمَّم، وقد غلبت على الآكام بحيث جلَّلتها، ورأينا فِي هَذِهِ الأسكرجة وهي عظيمة، الجماجم بيضا وسودا ودكنا، وقد خفي أكثرها وتركها سائر العظام، حتى كأنها رؤوس لم تكن معها أبدان، أو كَأنها بيّدر بِطِّيخ.
قال أبو شامة: وجاءت فِي شعبان سنة سبْعٍ زلزلة هائلة عمّت الدنيا فِي ساعةٍ واحدةٍ، هدمت بنيان مصر، فمات تحت الهدْم خلقٌ كثير، ثمّ امتدّت إِلَى الشام، فهدمت مدينة نابلس، فلم يبق فيها جدار قائم إلا حارة السّمرة، ومات تحت الهدم ثلاثون ألفًا، وهُدمت عكّا وصور، وجميع قلاع السّاحل.
قلت: هَذَا نقله الْإِمَام أبو شامة من " مرآة الزّمان " ومصنَّفه شمس [ص:947] الدين يوسف رحمه الله كثير الخسف والمجازفة، وإلّا مَن عنده ورع لم يُطلق هذه العبارات إذ لم تصل الصورة إلى هذا الحد، فقوله أولا: عمت الدنيا مجرد دعوى فما الذي أطلعه على جميع الممالك، وقوله: فلم يبق منهما جدار قائم، مجازفة أيضًا، وقوله: هُدمت جميع قلاع السّاحل، فِيهِ بعض ما فِيهِ كما ترى، فلا تعتمد على تهويله.
قال أبو شامة: ورّمَت بعضَ المنارة الشّرقيَّة بجامع دمشق، وأكثر الكلّاسة، والمارستان النُّوري، وعامَّة دُور دمشق إلّا القليل، وهرب النّاس إِلَى الميادين، وسقط من الجامع ست عشرة شرافة، وتشقَّقت قبَّة النَّسر، وتهدّمت بانياس، وهونين، وتِبْنين، وخرج قومٌ من بَعْلَبَكّ يجمعون الرّيباس من جبل لُبنان، فالتقى عليهم الجبلان فماتوا، وتهدّمت قلعة بعلبك مع عِظَم حجارتها، وانفرق البحر، فصار أطوادًا، وقذف بالمراكب إِلَى السّاحل فتكسّرت، وأحصي من هلك فِي هَذِهِ السّنة فكان ألف ألف ومائة ألف إنسان.
ثم قال: نقلت ذلك من " تاريخ أَبِي المظفّر " سِبْط ابن الجوزي.
وقال ابن الأثير: لمّا ملك العادل مصر وقطع خطبة المنصور ولد الْعَزِيز لم يرض الأمراء بِذَلِك، وراسلوا الظّاهر صاحب حلب، والأفضل بصَرْخَد، وتكرّرت المكاتبات يدعونهما إِلَى قصد دمشق ليخرج العادل، فإذا خرج إليهم أسلموه وتحوّلوا إليهما، ففشا الخبر وعرف العادل، فكتب إِلَى ابنه بدمشق يأمره أن يحاصر صرْخَد فعلم الأفضل، فسار إِلَى حلب، فخرج معه الظّاهر ونازلا دمشق، واتفقا على أن تكون دمشق للأفضل، ثمّ يسيرون إِلَى مصر، فإذا تملّكاها صارت مصر للأفضل، وصارت الشّام كلّها للظّاهر.
رجعنا إِلَى قول أَبِي شامة، قال: وَفِي ذي القعدة حوصرت دمشق، جاء الأفضل والظّاهر، ونَجَدَهما من بانياس حسام الدّين بشارة، وقاتلوا أهلَ دمشق أيّامًا، وكان بها المعظّم عِيسَى، وبلغ أَبَاهُ فقدِم من مصر، ونزل نابلس، وبعث إِلَى الأمراء مكاتبات، فصرفهم إليه، ثم زحف ابنا صلاح الدين، [ص:948] المذكوران على دمشق فوصلوا إِلَى باب الفراديس وأحرقوا فندق تقيّ الدّين، وحاربهم الملك المعظّم، وحفظ البلد، وبقوا نحو شهرين، ثمّ بعث العادل فأوقع الخُلْف بين الأخوين فرحلوا، ثمّ قدِم العادل، وجهّز المعظّم مع شركس، وقراجا، فحاصروا حسام الدّين بشارة ببانياس، فقاتلهم وقُتِل ولده، وأخرجوه عن البلد، وتسلّمها شركس وتسلّم قراجا صَرْخَد.
قلت: ذكر المؤيّد أنّ الملك الأفضل سلّم صَرْخَد إِلَى زين الدّين قراجا، ونقل أمّه وأهله منها إِلَى حمص.
واشتدّ حصار الأخوين لدمشق، وتعلّق النّقّابون بسورها، فلمّا شاهد الظّاهر ذلك قال لأخيه: دمشق لي، فقال: حُرمي على الأرض ليس لنا موضع، فهب البلد لك فاجعله لي حتّى تملك مصر فامتنع الظّاهر فقال الأفضل: يا أمراء اتركوا القتال ونُصالح عمّي فتفرّقت الكلمة، وترحل الظاهر، ثم ذهب الأفضل وقنع بسميساط.
وأنبأنا ابن البُزُوريّ قال: وفيها سار غياث الدّين وشهاب الدّين ملكا الغَوْر من غَزْنَة فِي جنودهما إِلَى خُراسان، وبها الأمير جقر، فأكرماه واستوليا على مَرْو، وسيّرا جقر إِلَى هَرَاة مكرّمًا، لأنّهما وعداه بالجميل، ثمّ سلّما مَرْو إِلَى هندوخان بْن ملكشاه بْن علاء الدّين خُوارزم شاه، وكان قد هرب من عمه محمد إلى غياث الدين، ثمّ سار غياث الدّين فملك سَرْخَس صلحًا، وسلّمها إِلَى الأمير زنكي بْن مَسْعُود أحد أولاد عمّه، ثُمَّ سار إِلَى طُوس، فتسلّمها بعد أيام بالأمان، ثم قصد نيسابور وبها علي شاه ابن السلطان خُوارزم شاه، وقد استنابه عليها أخوه قُطْب الدّين مُحَمَّد، فراسله فِي تسليمها، فامتنع وأظهر القوَّة، فقال غياث الدّين لجيوشه: إن دخلتموها فسَحت لكم فِي نهبها، فزحفوا وجدّوا حتّى أخذوا البلد، ووقعوا فِي النّهْب، ثمّ أمر غياث الدّين بكفّ النَّهْب، وأن يرد كلّ شخص ما نهب، فردوه جميعاً، أخبرت عن بعض التّجّار قال: كنت بها، فنُهب لي شيءٌ فِي جملته قليل سُكّر وبساط فحين نودي في العسكر برد ما نهبوه عدا بساطي والسُّكّر، وكنت رَأَيْت ما أُخِذ منّي فِي أيدي جماعة، فطلبته فقالوا: السُّكَّر شرِبناه، ونسْألك أن لا تُشيع ذلك، وإنْ أردت [ص:949] الثّمن أعطيناك، فجعلتهم منه فِي حِلٍّ، ثمّ خرجت إِلَى ظاهر البلد، فرأيت البساط مُلْقًى على باب البلد، لا يجسر أحد أن يأخذه، فأخذته.
وانهزمت الخُوارزميَّة، وأُسِر عليّ شاه المذكور، وأُحضر بين يدي السلطان غياث الدّين راجلًا، فصَعُب ذلك عليه، وأنكر على من أسره، وأركبه فرسًا، فلمّا استقرّ به المجلس أحضره، فقال له عليّ شاه: هكذا تفعل بأولاد الملوك؟ فقال: لا، بل هكذا، وأخذ بيده وأجلسه على سريره، وطيّب قلبه، وسيَّر من كان صُحبته من الأمراء إِلَى هَرَاة، واستناب بها ضياء الدين مُحَمَّد بْن عليّ بن عمير، وولاه حرب خراسان، ولقبه الملك علاء الدّين، وأضاف إليه الأمراء، ثُمَّ سلَّم عليّ شاه إِلَى أَخِيهِ شهاب الدّين الغُوريّ.
ثُمَّ رحل السلطان غياث الدين نحو هَرَاة، وسار أخوه شهاب الدّين نحو قهسْتان، وملك بلاد الإسماعيليَّة وطردهم عَنْهَا، وأظهر بها دين الْإِسْلَام، وأقام بها فسأل صاحبها السّلطانَ غياث الدّين أن يرحِّل أخاه عَنْهَا، ففعل ذلك، وأمر أخاه، فأبى عليه، فعاوده فرحل عَنْها إِلَى بلاد الهند مغاضِبًا لأخيه، وأرسل مملوكه قُطب الدّين أَيْبَك فحارب عسكر الهند فهزمهم، وانضمّ إليه عالمٌ كثير، وملك شهاب الدّين مدينةً عظيمةً من مدن الهند بعد أن هرب ملكها عَنْهَا، فعلم أنّه لا يمكن حفْظها إلّا بمُقامه بها، وذلك لا يمكنه، فصالح صاحبها على مالٍ، ورحل عنها.
قال ابن البُزُوريّ: وزُلزِلت الأرض بالجزيرة، والشّام، ومصر، فأخربت الزلزلة أماكن كثيرة جدًّا بدمشق، وحمص، وحماه، واستولى الخراب على صور، وعكّا، ونابلس، وطرابُلُس، وانخسفت قرية من أعمال بُصرَى، وخربت عدَّة قلاع.
وفيها اهتمّ عَبْد الرَّحْمَن بْن حَمْزَة العلويّ المتغلّب على بلاد اليمن بجمْع العساكر، فجمع اثنى عشر ألف فارس، ونحوها رجّالة، فخاف منه الملك المعزّ إِسْمَاعِيل ابن سيف الْإِسْلَام صاحب اليمن، ثمّ إنّ أمراء ابن حَمْزَة اجتمعوا للمشورة، فوقعت عليهم صاعقة، فبلغ ذلك إِسْمَاعِيل، فسار لوقته وحارب عسكر ابن حَمْزَة فهزمهم، وقتل منهم ستَّة آلاف، وتمّكن من اليمن، [ص:950] وقهر الرعيّة، وادعى الخلافة وأنّه أُمَوي.
وَفِي ذي القعدة عاد القاضي مجد الدّين يحيى بْن الرَّبِيع مدرّس النّظاميَّة، وكان قد نُفِّذ رسولًا إلى شهاب الدّين الغُوريّ.
وفيها قدِم الأمير مجد الدّين طاشتِكين بعسكره من خُوزستان، ثُمَّ توجه فِي خامس ذي القعدة حاجًّا ومحاربًا للمعز إِسْمَاعِيل ابن سيف الْإِسْلَام، وخرج نائب الوزارة نصير الدين ناصر بْن مهديّ فتوجّه إِلَى الحِلّة لاستعراض العساكر التي تحجّ مع طاشْتِكين، فاستعرضهم، وتوجّهوا، فلمّا وصل طاشْتِكين أرسل إِلَى إِسْمَاعِيل يحذّره عواقب فِعْله ويُنكر عليه، فلم يردعه العتب، فراسل طاشتكِين أمراء اليمن يحثّهم على محاربته ويأمرهم بالجهاد، وكانوا كارهين ما ادّعاه إِسْمَاعِيل من ادّعاء الإمامة، فأجاب أكثرهم إِلَى ذلك، وكان إِسْمَاعِيل يركب فِي أُبَّهَة المُلك، ويحترز كثيرًا على نفسه، فتحالف القرابليّ وأخوه السابق وعيسى بن حوك على اغتياله فركض يوما خلف وحش فوثب عليه القرابلي فحل كتفه بضربة، وضربه السّابق بدد أمعاءه، وناديا بشِعار الدّولة العبّاسيَّة، فلبّى دعوتهما جمعُ من الأمراء، ونزلا من خوفهما مركبا، وهبّت لهم ريح، فسارا فِي خمسة أيام فوصلا جُدة، ثُمَّ أتيا مكَّة، فخلع عليهما طاشتِكين، ونفّذ بهما إِلَى بغداد، فاختارا أن يكونا فِي خدمة طاشتِكين بخوزستان.
وفيها خُلع على الأمير طُغرل المستنجديّ زعيم البلاد الجبليّة.
وفيها وقع الغلاء المُفرِط ببلاد الشراة.(12/941)
-سنة ثمان وتسعين وخمسمائة
فِي المحرّم خُلِع ببغداد على أَبِي الْحَسَن علي بْن سلمان الحليّ وقُلّد قضاء القضاة.
وَفِي رابع عشر صَفَر وصل الأمير طاشْتِكين من مكَّة وَفِي صحبته أبو أيّوب حنظلة بن قتادة بن إدريس العلويّ المتغلّب أَبُوهُ على مكَّة يسأل أن يُقرّ والده على الإمارة.
وفيها خرج قَفَلٌ كبير من بغداد إِلَى الشّام، فأخذهم بزغش مملوك ابن مهارش، وقُتل من القَفَل نفرٌ يسير، فرجع التّجّار فقراء، فتقدّم الخليفة إِلَى علاء الدّين تتامش بالخروج في عسكره، فقصد بزغش وأصحابه، فظفر بهم [ص:951] وقتلهم، وجيء برؤوسهم فأُلقيت بباب النّوبيّ، ورُدت الأموال إِلَى أربابها، وتأرّج عَرفُ هَذِهِ المنقبة فِي أقاصي البلاد.
وقدِم طاشتكين ليقيم للنّاس الحجّ.
وفيها سار في الرسلية مدرّس النظاميَّة يحيى بْن الرَّبِيع إِلَى شهاب الدين صاحب غزْنة.
وَفِي وسط السّنة تناقص الغلاء والوباء عَنْ إقليم مصر، وخف الإقليم من النّاس، ثُمَّ زاد النيل كما قدّمنا فِي السنة الماضية.
وفيها خرج العادل من دمشق طالبًا حلب، وكان الملك الأفضل بحمص عند صاحبها، وهو زوج أخته، فالتقى عمّه العادل إِلَى ثَنِيّة العقاب، فأكرمه وعوّضه عن مَيّافارِقين سُمَيْساط، وسَروج، وقلعة نجم، ثُمَّ نزل العادل على حماه، فصالحه الملك الظاهر، فرجع العادل.
وكان فِي شعبان زلزلة عظيمة شقَّقت قلعة حمص، وأخربت حصن الأكراد، وتَعَدَّت إِلَى قبرس، وأخربت بنابلس ما بقي.
قال العزّ النّسّابة: هذه هي الزلزلة العُظّمى التي هدمت بلاد الساحل، صور، وطرابلس، وعرقة، ورمت بدمشق رؤوس المآذن، وقتلت مغربيًا بالكلاسة ومملوكاً.
وقال سِبط ابن الجوزيّ: فيها شرع الشَّيْخ أبو عُمَر فِي بناء جامع الجبل وكان بقاسيون فاميّ اسمه محاسن، فأنفق فِي أساسه ما كان يمتلكه، فبلغ مظفّر الدّين صاحب إربل، فبعث مالًا لبنائه.
قلت: ومن ثُمَّ قيل له الجامع المظفري، ونُسب إلى مظفر الدين.
وفيها كَانَتْ قتلة المعزّ ابن سيف الإسلام صاحب اليمن، كما ذكرنا فِي ترجمته، وأقيم في المُلْك بعده أخوه الملك النّاصر.
قال ابن واصل: كان له سَرِيَّةٌ، فعصت فِي قلعةٍ منيعة، وعندها أموال لا تُحصى، ونُقِل عَنْهَا أنها ما تسلم الحصن إلا لرجل من بيت السلطان، وكان [ص:952] لسعد الدّين شاهنشاه ابن الملك المظفّر عُمَر ولد يقال له سليمان، قد تفقر وحمل الركوة، وحجّ بين الفقراء، ثُمَّ إنه كاتب والدة الملك الناصر ابن سيف الْإِسْلَام، وكانت قد تغلبت على زَبِيد، وهي تنتظر وصول أحدٍ من آل أيّوب تتزّوجه وتملّكه، وبعثت إِلَى مكَّة تكشف أخبار الملوك، فكتب إليها غلامها، وعرّفها بسليمان هَذا، فاستحضرته وخلعت عليه، وتزوّجته، ومَلكته اليمن، فملأها ظلمًا وجوراً، واطرح الملكة، وأعرض عَنْهَا، وكتب إِلَى السلطان الملك العادل كتابًا أوله: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرحيم}، فاستقل العادل عقله، وفكر فيمن يبعثه ليملك اليمن.(12/950)
-سنة تسع وتسعين وخمسمائة
أنبأنا ابن البُزُوري قال: فِي سلْخ المحرَّم ماجت النُّجوم، وتطايرت كتطاير الجراد، ودام ذلك إِلَى الفجر، وانزعج الخلْق، وخافوا وضجّوا بالدُّعاء إِلَى اللَّه تعالى، ولم يُعهد ذلك إلّا عند ظهور رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِيهَا جمع الملك العادل عسكرًا عديدًا، وفرَّق عليهم العُدد والأموال، وقدّم عليهم ولده الأشرف مُوسَى، وأمره أن يحاصر ماردين، فقطع صاحب ماردين الميرة عن عسكر العادل، وأمر أَهْل القلاع أن يقطعوا السُّبُل والميرة، والتقى طائفة من هؤلاء بطائفة من هؤلاء، فاقتتلوا وانهزم عسكر ماردين بعد أن قطعوا الطُّرُق وتعذّر سلوكها، وسار جماعة من عسكر العادل إِلَى راس عين، وبقي الملك الأشرف فلم ينل غرضه، ودخل الملك الظّاهر صاحب حلب فِي الصُّلح، فأجاب العادل على أن يحمل إليه صاحب ماردين مائة وخمسين ألف دينار، وأن يخطب له فِي بلاده، وأن يضرب السّكَّة باسمه، ويكون عسكر ماردين فِي خدمته، فأجاب صاحب ماردين إِلَى ذلك.
وذكر سبط ابن الجوزيّ مثل ما قدّمنا من موج النجوم وتطايرها.
وقال العزّ النّسّابة: رُئيَ في السماء نجوم متكاثفة متطايرة، شديدة الاضطراب إلى غاية.
وفيها شرع العادل في عمارة أسوار قلعة دمشق. [ص:953]
وفيها مات السلطان غياث الدين الغُوريّ، وقبض أخوه السلطان شهاب الدّين إلْب غازي على جماعةٍ من خواصّ أَخِيهِ وأتباعه وصادرهم، وبالغ فِي التّنكيل بامرأة أَخِيهِ، وأخذ أموالها، وسيّرها إِلَى الهند على أسوأ حال، وهدم تربتها، ونبش أبويها، ورمى بعظامهم.
وفيها سيّر الملك العادل المنصور علي ابن الملك الْعَزِيز، وقيل اسمه مُحَمَّد، إِلَى مدينة الرُّها، وألزمه المُقام بها، وكان بدمشق هُوَ وأمّه وأخوته، فخاف العادل من ميل الرّعيَّة إليه، وأن يتملّك دمشق فأبعده.
وفيها بعث الخليفة الناصر لدين اللَّه إِلَى الملك العادل وأولاده بسراويلات الفُتُوَّة ومعها الخِلَع.
وكان الأشرف بحرّان، ملّكه أَبُوهُ بها مع الرها وغيرها في عام أول.
وفيها خرج ابن لاون صاحب سِيس لحرب البرنس صاحب أنطاكية، وعاث وأفسد.
وقدِم عكّا خلْق من الفِرنج وتحرّكوا، فاهتمّ لهم العادل، ثمّ ترحّلوا لأجل الغلاء والقحط بعكّا، وخافوا لا يقطع العادل عن عكا الميرة.
وفيها سار صاحب حماه الملك المنصور ونزل ببَعْرِين، فقصده الفِرنج من حصن الأكراد وطرابُلُس وغيرها، فالتقوا فهزمهم وقتل وأسر، وذلك فِي رمضان، ثُمَّ لم ينشَبْ أن خرج جمعٌ منهم فِي أربع مائة فارس وألف ومائتي راجل، فالتقاهم صاحب حماه فكسرهم، وقتل منهم مقتلةً عظيمة، وأسر جماعة، وذلك في رمضان أيضا، ومدحه الشعراء.(12/952)
-سنة ستمائة
قال سِبْط ابن الجوزيّ: فيها سار نور الدّين صاحب الموصل إِلَى تلْعفر، فأخذها وكانت لابن عمّه قطب الدين ابن عماد الدّين صاحب سِنْجار، فاستنجد القُطْب بالملك الأشرف جاره فجمع جَمْعًا كثيرًا وساق، فعمل مُصافًّا مع صاحب الموصل فكسره الأشرف، وأسر جماعة من أمرائه، [ص:954] منهم مبارز الدّين سُنْقُر الحلبيّ، وابنه غازي، ثُمَّ اصطلحا فِي آخر السّنة، وتزوَّج الأشرف بأخت نور الدّين، وهي السّتّ الأتابّكيَّة صاحبة التربة بقاسيون.
وفيها احترقت خزانة السلاح بدمشق، وذهب جميع ما كان فيها.
وفيها أُخِذت العملة المشهورة من مخزن الأيتام بقَيسارية الفرش لأيتام الأمير سيف الدّين ابن السّلاّر، ومبلغها ستَّة عشر ألف دينار، وبقيت سِنين، ثمّ ظهرت على ابن الدُّخينَة، وقد حُبِس بسببها جماعة.
وَفِي رمضان توجّه أسطول الفِرنج - لعنهم اللَّه - من عكّا فِي البحر عشرون قطعة، ودخلوا يوم العيد من فم رشيد فِي النّيل إِلَى بُليدة فُوَّة، فنهبوها واستباحوها ورجعوا، ولم يتجاسروا على هَذَا منذ فُتحت ديار مصر، وقد دخلوا من عند دِمياط فِي النيل أيضًا في سنة سبعٍ وست مائة إلى قرب بورة، ففعلوا نحو ذلك.
وفيها نزل صاحب سيس على أنطاكية وجَدّ في حصارها، فخرج صاحب حلب وخيَّم على حارم، فخاف صاحب سيس على بلاده وترحَّل، ثُمَّ بعد أيام هجم أنطاكية بمواطأةٍ من أهلها، فقاتله البرنْس ساعةً، ثُمَّ التجأ إِلَى القلعة ونادى بشعار الملك الظاهر، وصرح بِطاقةً إِلَى حلب، فَنَجَده صاحب حلب، فبلغ ذلك صاحبَ سيس، ففرّ إلى بلاده.
وفيها أقبلت الفرنج من كل فجّ عميق بعكَا عازمين على قصد بيت المقدس، فخرج العادل ونزل على الطُّور، وجاءته النَّجدة من الأطراف، وأقبلت الفرنج تُغِير على بلاد الْإِسْلَام وتأسر وتسبي، واستمرّ الحال على ذلك شُهوراً.
وأمّا القسطنطينية فلم تزل بيد الروم من قبْل الْإِسْلَام فلمّا كان فِي هَذَا الأوان أقبلت الفرنج فِي جمْعٍ عظيم ونازلوها إِلَى أن ملكوها.
قال ابن واصل: ثُمَّ لم تزل فِي أيدي الفرنج إِلَى سنة ستين وستّمائة، فقصدتها الروم وأخذوها من أيدي الفِرنج، فهي بأيديهم إِلَى الآن، يعني سنة بضعٍ وسبعين وستّمائة.
وفيها ظفر متولّي واسط برئيس الباطنيَّة مُحَمَّد بِن طَالِب بْن عُصَيَّة ومعه طائفة، فقُتِلوا بواسط ولله الحمد، وكانوا أربعين نفساً.(12/953)
بسم الله الرحمن الرَّحيم
- (الوفيات)(12/955)
-سنة إحدى وتسعين وخمسمائة(12/955)
1 - أَحْمَد بْن أَبِي المجد إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن محمد بن حسّان بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن منيع بْن خَالِد بْن عَبْد الرَّحمن ابن سيف اللَّه خَالِد بْن الْوَلِيد بْن المغيرة، الحافظ رشيد الدّين أبو بَكْر المخزومي، المَنِيعيّ، الشَّبذي، [المتوفى: 591 هـ]
بالإعجام والحَرَكة، وشَبَذ: من أعمال أبِيورد.
كان شيخًا من أَهْل العِلم، ذكره أبو العلاء الفَرَضيّ فقال: سمع أَبَا المعالي الفارسيّ، وعبد الجبّار الخواريّ، ووجيهّا الشّحّاميّ، وعبد الوهاب بْن شاه الشَّاذْياخيّ، وغيرهم، وأجاز لجميع المسلمين فِي المحرَّم سنة إحدى وتسعين وخمسمائة.
وابنه رشيد الدّين مُحَمَّد، سمع من أَبِيهِ، وغيره، وخرَّج لنفسه.(12/955)
2 - أَحْمَد بْن بدر بْن الفَرَج أبو بكر القطّان، الكاتب البغداديّ. [المتوفى: 591 هـ]
حدث عن أبي سعد أحمد بن محمد البغدادي، وأحمد بْن علي الأشقر.(12/955)
3 - أَحْمَد بْن عُثْمَان بْن أَبِي عليّ بْن مهديّ أبو العبّاس الكرديّ الإربليّ، الرجل الصّالح. [المتوفى: 591 هـ]
روى عن أَبِي الكَرَم الشَّهرَزُوري، وأحمد بْن طاهر المِيهَنيّ، وأبي الوقْت.(12/955)
4 - أَحْمَد بْن عُمَر الفقيه، أبو العبّاس الكرديّ الشافعي، [المتوفى: 591 هـ]
مُعيد النّظاميَّة.
تُوفّي ببغداد فِي ذي الحجة، وكان من كبار الفقهاء.(12/956)
5 - أَحْمَد بْن مدرك بْن الْحُسَيْن بْن حَمْزَة بْن الْحُسَيْن بْن أَحْمَد، أبو الرضا البهرانيّ، القُضاعي، الحمويّ، [المتوفى: 591 هـ]
قاضي حماه وخطيبها.
وُلّي القضاء بها فِي سنة إحدى وسبعين، وقد تفقّه بحلب على أبي سعد بن عصرون، وبدمشق على القُطب النَّيْسابوريّ.
وكان رئيسًا جليلًا فاضلًا، تردّد إِلَى دمشق وسمع بها من الفقيه نصر اللَّه بْن مُحَمَّد.
وقيل: بل تُوفّي فِي جُمادى الآخرة سنة تسعين.(12/956)
6 - أَحْمَد بْن المظفّر بْن الْحَسين الفقيه، أبو الْعَبَّاس، الدّمشقي، الشّافعيّ، المعروف بابن زين التُّجار، [المتوفى: 591 هـ]
مدرّس المدرسة النّاصريَّة الصلاحيَّة المجاورة للجامع العتيق بمصر، وبه تُعرف إِلَى اليوم لأنّه درّس بها مدَّة، وكان مِن أعيان الشّافعيَّة.
تُوفّي فِي ذي القعدة.(12/956)
7 - أَحْمَد بْن أَبِي مَنْصُور مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحمن بْن الزّبرقان، أبو العبّاس الإصبهاني. [المتوفى: 591 هـ]
وُلد سنة خمس مائة فِي رجب وسَمِعَ من جَعْفَر بْن عَبْد الواحد الثقفيّ، ومحمد بْن عَبْد الواحد الدّقّاق، وإسماعيل بْن الفضل الإخشيد، وأجاز له أبو سعْد مُحَمَّد بْن عليّ السّرفرتج، وغانم البُرجيّ، ومحمد بْن عَبْد اللَّه بْن مَنْدويْه الشُّرُوطي، والحسن بْن أَحْمَد الحدّاد، والحافظ شيروَيْه بْن شَهْردار الدَّيلَميّ، وآخرون، وحدَّث، وهو من كبار شيوخ إصبهان الّذين أدركهم ابن خليل.
تُوفّي فِي ذي القعدَة فِي عَشْر المائة.(12/956)
8 - أَحْمَد بْن أَبِي نصر بْن أَبِي الرجاء، أبو نُعَيم الإصبهانيّ، الشّرابيّ. [المتوفى: 591 هـ][ص:957]
له إجازة من أَبِي عليّ الحدّاد.(12/956)
9 - إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه، أبو إِسْحَاق الأُمويّ، الطّريانيّ، الإشبيليّ. [المتوفى: 591 هـ]
سمع من أَبِي بَكْر ابن العربيّ، وأحمد بْن ثعبان، وأخذ عن شُرَيح قراءة نافع، أَخَذَ عَنْهُ أبو الرَّبِيع بْن سالم.
تُوفيّ فِي هَذَا العام أو بُعَيده.(12/957)
10 - إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سعد، أبو الحسن الأصبهاني البنّاء. [المتوفى: 591 هـ]
تُوفّي فِي صفر، وقد حدَّث عن فاطمة بنت البغداديّ وفاطمة الجُوزدانية، حدَّث ببغداد.(12/957)
11 - الْحَسَن بْن هبة اللَّه بْن علي أبو علي ابن المكشوط الهاشميّ، الحريميّ. [المتوفى: 591 هـ]
وُلد سنة إحدى عشرة وخمسمائة، وسمع من أَبِي القَاسِم بْن الحُصَين، وأبي غالب ابن البنّاء، وتُوُفّي فِي شعبان.
روى عَنْهُ يوسف بْن خليل.(12/957)
12 - الْحُسَيْن بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن سعْد،، الْإِمَام أبو الفضل الهَمَذاني، اليَزْديّ، الحنفيّ. [المتوفى: 591 هـ]
حدَّث بِجُدّة عن الشريف شُمَيلة بْن مُحَمَّد الحُسينيّ، وتُوُفّي بقوص قاصدًا مصر، وحُمِل إِلَى مصر فدُفن بالقرافة.
سمع منه أبو الجود نَدَى بْن عَبْد الغنيّ، وقيل: إنّه كان تحت يده إحدى عشرة مدرسة.
مات فِي ربيع الأوّل.(12/957)
13 - الْحُسَيْن بْن أَبِي خازم مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن علي، أبو عَبْد اللَّه العَبديّ، الواسطي. [المتوفى: 591 هـ][ص:958]
حدَّث عن أَبِي الْحَسَن بْن عَبْد السّلام، وتُوفي فِي رجب.
سمع منه ابن الدُّبيثي.(12/957)
14 - ذاكر بْن كامل بْن أَبِي غالب مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد، أبو القاسم بْن أَبِي عَمرو الخفّاف، الحذّاء، [المتوفى: 591 هـ]
أخو الْمُبَارَك.
بغداديّ مشهور، سمع بإفادة أَخِيهِ من الْحَسَن بْن محمد بن إسحاق الباقَرحِي، والمعمَّر بْن مُحَمَّد بْن جامع البيّع، وأبي علي محمد بن محمد ابن المهدي، وأبي سعد أحمد ابن الطيوري، وأبي الغنائم ابن المهتدي بالله، وأبي طَالِب اليُوسفي، وعبد اللَّه ابن السَّمَرْقَنْدي، ومحمد بْن عَبْد الباقي الدُّوريّ، وأبي العزّ القلانِسيّ، وجماعة، وأجاز له أُبَيٌّ النَّرسِيّ، وأبو القاسم بن بيان، وعبد الغفّار الشِّيرُويي، وأبي علي الحدّاد، ومحمد بْن طاهر الحافظ، وأبو طاهر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الحِنّائيّ الدَّمشقيّ، وأبو الحسن ابن الموازيني، وخلق سواهم.
وحدَّث بالكثير، وكان صالحًا خيِّراً، قليل الكلام، روى عنه أبو عبد الله الدُّبيثيّ، وسالم بْن صصْرى، ويوسف بْن خليل، ومحمد بْن عَبْد الجليل الْبَغْدَادِيّ، وعليّ بْن معالي.
ذكره الحافظ زكيّ الدين فِي " الوَفَيَات " فقال: كان ذاكرًا كاسمه صبورًا على قراءة الحديث، يُقَالُ: إنّه أقام أربعين سنة ما رُئيَ آكلًا بنهارٍ، تُوُفّي سادس رجب.
قلت: وآخر من روى عَنْهُ بالإجازة مُحَمَّد بْن يعقوب ابن الدِّينَة.
وقد سمع منه مَعمَر بْن الفاخر، وأبو سعد السمعاني.
قال ابن النّجّار: كان صالحًا متدينًا كثير الصمت، يأكل من عمله، [ص:959] وكان أُميًا لا يكتب، سمعتُ منه سنة تسعين، ومولده سنة ستٍّ وخمسمائة.(12/958)
15 - شجاع بْن مُحَمَّد بْن سيدهم بْن عَمرو بْن حديد بْن عسكر، الْإِمَام أبو الْحَسَن المُدلجيّ، المصريّ، المالكي، المقرئ. [المتوفى: 591 هـ]
وُلِد سنة ثمانٍ وعشرين وخمسمائة، وقرأ القراءات على: أَبِي العبّاس أَحْمَد بْن الحُطَيئَة، وسَمِعَ منه، ومن عَبْد اللَّه بْن رِفاعة، وعبد المنعم بْن موهوب الواعظ، وأبي طاهر السِّلَفّي، ولقي من الفقهاء: أبا القاسم عبد الرحمن بن الْحُسَيْن الجَبّاب، وأبا حَفْص عُمَر بْن مُحَمَّد الذَهَبيّ، وقرأ العربية على: أَبِي بَكْر بْن السّرّاج، وصَحب أَبَا مُحَمَّد بْن برّي، وتصدَّر بجامع مصر، وأقرأ وحدَّث وانتفع به جماعة، وآخر من قرأ عليه وفاةً: أبو الْحَسَن عليّ بْن شجاع الضرير.
تُوفّي فِي سابع عشر ربيع الآخر.(12/959)
16 - عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن جَعْفَر، أبو جَعْفَر الواسطيّ، المقرئ، الضرير. [المتوفى: 591 هـ]
وُلِد بواسط سنة ثلاثٍ وخمسمائة، وقرأ القرآن على: أَبِي عَبْد اللَّه البارع، وغيره، وسمع من أَبِي القَاسِم بْن الحُصَين، وأبي غالب الماوَردِيّ، وأبي الحسن عليّ ابن الزَاغوني، وجماعة.
وأقرأ وحدَّث، وكان يسكن بباب الأزَج من بغداد، روى عَنْهُ الدُّبيثي، ويوسف بْن خليل، وتُوُفّي يوم عَرَفَة.(12/959)
17 - عَبْد اللَّه بْن صالح بْن سالم بْن خميس، أبو مُحَمَّد الأنباريّ، ثمّ الْبَغْدَادِيّ، الأَزَجي، الخبّاز. [المتوفى: 591 هـ]
سمع من القاضي أَبِي بكر محمد بن عبد الباقي، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وتُوُفّي فِي ثاني جُمادى الآخرة.(12/959)
18 - عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن جواد الْبَغْدَادِيّ الأزَجي. [المتوفى: 591 هـ]
سمع أَبَا الفضل الأُرموي، وابن ناصر، وحدَّث. [ص:960]
وتوفي فِي جُمادى الأولى.(12/959)
19 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بن عبد المجيد بن إِسْمَاعِيل، أبو القاسم المصريّ الأصل، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الصوفي. [المتوفى: 591 هـ]
وُلِد سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة.
وسمع من جدّه لأمّه عَبْد الرَّحمن بْن الحسن الفارسيّ، وأبي الوقت وأبي القاسم ابن البنّاء، ووُلّي مشيخة رباط الزَّوزَنيّ.
وكان صالحًا عابدًا، سَرَدَ الصَّومَ مدَّة، وكان أَبُوهُ قدم بغداد وصار من أطِباء المارستان العَضُديّ.
توفي أبو القاسم فِي شوال.(12/960)
20 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَلِيِّ بْن عَبْد اللَّه بْن عُبَيد اللَّه بْن سَعِيد بْن مُحَمَّد بْن ذي النّون الحَجريّ، حَجر ذي رُعين؛ الأندلسيّ، المَرِيّيّ، الحافظ الثَّبت، أبو مُحَمَّد بْن عُبَيد اللَّه الزّاهد، [المتوفى: 591 هـ]
أحد أئمة الأندلس.
وُلد فِي نصف ذي الحجة سنة خمسٍ وخمسمائة، وسَمِعَ " صحيحٌ مُسْلِم " من أَبِي عَبْد اللَّه بْن زُغَيبة، وسمع من أَبِي القاسم بْن ورْد، وأبي الْحَسَن بْن اللّوان، وأبي الْحَسَن بن موهب الجُذاميّ، ورحل إِلَى قُرطبة فلقي بها: أَبَا القاسم بْن بَقِيّ، وأبا الْحَسَن بْن مغيث، وأبا عَبْد اللَّه بْن مكّيّ، وأبا جَعْفَر البِطروجي، وأبا بكر ابن العربي، ولقي بإشبيلية أَبَا الْحَسَن شُرَيح بْن مُحَمَّد، وأبا عُمَر أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن صالح المقرئ الأزديّ.
وقرأ " صحيح الْبُخَارِيّ " على شُرَيح فِي سنة أربعٍ وثلاثين، وحضر سماعه نحوٌ من ثلاث مائة نفس من أعيان طلبة البلاد فقرأه فِي إحدى وعشرين دولة بسماعه من أَبِيهِ، وأبي عَبْد اللَّه بْن منظور، عن أَبِي ذَرّ الهَرَويّ، وكان الناس يرحلون إِلَى شُرَيح بسببه لكونه قد عيَّن تسميعه فِي كل رمضان، وأجاز له القاضي عياض، وأبو بَكْر بْن فَندَلة، وجماعة، وسمع أيضًا مِن مُحَمَّد بْن عَبْد الْعَزِيز الكِلابي، وجعفر بْن مُحَمَّد البُرجي، وأبي بَكْر يحيى بْن خَلَف بن النّفيس، وإبراهيم بن مروان، ويوسف [ص:961] ابن عليّ القُضاعيّ القفّال.
وعُني بهذا الشأن. وكان غايةً فِي الوَرَع والصّلاح والعَدَالة. قاله الأَبّار.
وقال: ولي الصلاة والخطابة بجامع المَرِيّة. وكان يعرف القراءات. ودُعي إِلَى القضاء فأبى. وخرج بعد تغلُّب العدوّ إِلَى مُرسية. وضاقت حاله بها، فقصد مالقه، وأجاز البحر إِلَى مدينة فاس. ثُمَّ استوطن سبتَة يُقرئ ويُسمع، فبَعُد صِيتُه، وعلا ذِكرُه، ورحل الناس إليه لعُلُوّ سَنَده، وجلالة قدرِه.
وكان له بَصَرٌ بصناعة الحديث، موصوفًا بجَودة الفَهم. استُدعي إِلَى حضرة السلطان بمَرَاكُش لِيَسمع منه، فقدِمَها وبقي بها حينًا، ثُمَّ رجع إِلَى سَبتَة.
حدَّثنا عَنْه عالم من الجِلّة. مولده سنة خمسٍ، وقيل: سنة ثلاثٍ وخمسمائة. وتوُفي بسَبتَة فِي المحرَّم، وقيل فِي مُستَهل صَفَر. وكانت جنازته مشهودة.
سمعتُ أَبَا الرَّبِيع بْن سالم يقول: صادَفَ وقتُ وفاته قحطًا، أَضَرّ بالناس، فَلَمَّا وُضِعت جنازته على شفير قبره توسّلوا به إِلَى اللَّه فِي إغاثتهم فسُقوا مِن تلك مَطَرًا وابلًا. وما اختلف الناس إِلَى قبره مدة الأسبوع إلّا فِي الوحل والطّين.
قلت: قرأ بالسَّبع على شّرَيح، وعلى يحيى بْن الخُلُوف، وعلى أَبِي جَعْفَر أَحْمَد بْن أَبِي الْحَسَن بْن الباذش بكتاب " الإقناع " له.
وأقرأ القراءات لأبي الْحَسَن الشاري، وغيره.
قال ابن فرتون: ظهرت له كرامات. حدثنا شيخنا الراوية مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن غازي، عن بِنْت عمّه، وكانت صالحة، وكانت استحيضت مدَّةً، قَالَتْ: حُدّثت بموت ابن عُبَيد اللَّه، فشقَّ عليَّ أن لا أشهده فقلت: اللهُمَّ إنْ كان وليًّا من أوليائك فأمِسك عنّي الدّمَ حتّى أصليّ عليه. فانقطع عني لوقته، ثُمَّ لم أره بعد.
روى عَنْهُ أبو عَمرو مُحَمَّد بْن عَيشون البكيّ، ومحمد بْن أَحْمَد بْن اليتيم الأندرشيّ، ومحمد بْن مُحَمَّد اليحصُبيّ، ومحمد بن عبد الله القُرطُبي بن الصّفّار، والشَّرَف مُحَمَّد بْن عُبيد اللَّه المُرسي، وأبو بَكْر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن [ص:962] مُحرِز الزُّهري، وعبد الرَّحْمَن بْن القاسم السّرّاج، وأبو الخطّاب عُمَر بْن دِحية الكلبيّ، وأخوه أبو عَمرو عثمان، وأبو الحسن علي ابن الفخار الشَّريشيّ، وأبو الْحَسَن علي بْن عَبْد الله بن قطرال، وأبو الحَجّاج يوسف بْن مُحَمَّد الأزْديّ، وخلْق يطول ذِكرهم من آخرهم: أبو الْحَسَن عليّ بْن مُحَمَّد الغافِقي، الشاري، وإبراهيم بْن عامر الطَّوسِي، ومحمد بْن الجِرج نزيل الإسكندرية، ومحمد بْن عَبْد اللَّه الأزْدي وبه خُتِم حديثه.
مات الأزديّ سنة ستّين وستمائة.
أخبرنا عبد المؤمن بن خَلَف الحافظ، قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم الأنصاريّ قراءة، قال: أخبرنا الحافظ أبو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الحَجري، قال: أخبرنا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن بَقِيّ، وأبو جعفر أحمد بن عبد الرحمن البطروجيّ قالا: حدثنا محمد بن الفرج الفقيه. قال: حدثنا يونس بن عبد الله القاضي، قال: أخبرنا أبو عيسى يحيى بن عبد الله، قال: أخبرنا عمّ أبي عُبَيد بن يحيى بن يحيى، قال: أخبرنا أبي، قال: أخبرنا مالك، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الّذي تفوُتهُ صلاة العصر كأنّما وُتِر أهلَه ومالَه ". متَّفقٌ عليه.(12/960)
21 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عبد المجيد بْن إِسْمَاعِيل أبو القاسم المصريّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 591 هـ]
سمع من جدّه لأمّه عَبْد الرَّحْمَن بن الحسن الفارسيّ، وأبي الوقت وسعيد ابن البناء، وهبة الله ابن الشِّبلي.
وولي مشيخة الرباط الزَّوزني. وكان أَبُوهُ أحد الأطبّاء ببغداد. قدِمها وسكنها، وسمع الكثير.
وُلِد أبو القاسم بْن محمد في سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، وتُوفي كهلًا فِي سابع شوّال.(12/962)
22 - عَبْد اللَّه بْن محمد بن فُلَيح أبو محمد الحضرميّ القصري، [المتوفى: 591 هـ]
من قصر عَبْد الكريم. [ص:963]
روى عن ابن العربيّ، وعَبّاد بْن سرحان، والقاضي عِياض وعليه اعتماده فِي الرواية. حدَّث، وولي القضاء بموضعه.
قال الأَبّار: حدثنا عَنْهُ أبو مُحَمَّد الناميسيّ، وأبو بَكْر بْن محرز. وقال لي أبو الرَّبِيع بْن سالم: بقي إِلَى سنة إحدى وتسعين.(12/962)
23 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن الْحسن بْن هبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه الفقيه أبو المظفَّر الدَّمشقيّ، الشافعي ابن عساكر. [المتوفى: 591 هـ]
أخو زين الأُمَناء وإخوته.
وُلِد سنة تسعٍ وأربعين وخمسمائة. وتفقَّه على أَبِي الفتح بنجير بْن عليّ الأشتريّ، والقُطب أَبِي المعالي مَسْعُود بْن مُحَمَّد النَّيْسابوريّ. وسمع من عمّيْه الصّائن هبة اللَّه، والثِّقة أَبِي القاسم. وقرأ الأدب على محمود بْن نعمة بْن رسلان الشَّيزري، النَّحوي. وخرَّج أربعين حديثًا، وحدَّث بمصر، ودمشق، والقدس، وحماه، وشيزَر، والإسكندرية. ودرّس بدمشق بالتَّقَوية. وكان مجموع الفضائل.
قُتِل غيلةً بظاهر القاهرة فِي ثامن ربيع الأوّل.(12/963)
24 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن حمْد أبو مُحَمَّد الإصبهاني، الخبّاز. [المتوفى: 591 هـ]
روى عن إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد الحافظ التَّيميّ. وعنه يوسف بْن خليل.
تُوفّي فِي ذي القعدة.(12/963)
25 - عَبْد الحق بْن هبة اللَّه بْن ظافر بْن حَمْزَة. الرئيس أبو صادق القُضاعيّ، الشافعي، الْمَصْرِيّ. [المتوفى: 591 هـ]
سمع عَبْد اللَّه بْن رفاعة، والسَّلَفي، وجماعة فأكثر. روى عَنْهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ المغيريّ المخزومي.
تُوفّي فِي ربيع الأوّل.(12/963)
26 - عَبْد الرَّحْمَن بْن الْمُبَارَك بْن أَحْمَد بْن مَنْصُور أبو مُحَمَّد الدّلّال البغداديّ، المعروف بالشاطر. [المتوفى: 591 هـ][ص:964]
سمع هبة الله بن الحُصَين. وتُوفي في رجب.(12/963)
27 - عَبْد المؤمن بْن عَبْد الغالب بْن مُحَمَّد بْن طاهر بْن خليفة أبو مُحَمَّد الشَّيبانيّ الْبَغْدَادِيّ، الفقيه الحنبليّ، الورّاق. [المتوفى: 591 هـ]
وُلِد سنة بضع عشرة وخمسمائة. وسمع أبا بكر الأنصاريّ، وأبا القاسم ابن السَّمَرقَندي ببغداد، وأبا الخير البَاغبَان بهَمَذان. وحدَّث. روى عَنْهُ يوسف بْن خليل، وجماعة. وتُوفي يوم عَرَفة.(12/964)
28 - علي بْن حسّان بْن مسافر أبو الْحَسَن الْبَغْدَادِيّ، الكاتب الشاعر؛ له شِعر جيّد خدم به الدّيوان الْعَزِيز فمنه قوله: [المتوفى: 591 هـ]
عَذِيري من الغضبان لا يعرف الرضا ... إذا لم يجد عتبًا عليَّ تعتَّباً
وما لي من دهري سوى أن برهة ... خلِعت على أيامها خلعَة الصِّبا
فللَّه ما أحلى الهوى وأمَرّه ... وأَبعد وصْل الغانيات وأقربا(12/964)
29 - علي بْن هلال بْن خميس أبو الْحَسَن الواسطي، الفاخراني، الفقيه الضرير، الحنبلي. [المتوفى: 591 هـ]
تفقه ببغداد على أئمّتها. وسمع أَبَا الْحُسَيْن عَبْد الحقّ، وخديجة بنت النّهرواني.
والفاخَرانية قريةً من سواد واسط.(12/964)
30 - عُمَر بْن أَبِي السعادات بْن مُحَمَّد بْن مكابر، أبو حَفْص الوكيل السَّقلاطوني. [المتوفى: 591 هـ]
سمع أَبَا القاسم بْن الحُصَين، وأبا بَكْر القاضي. وعنه ابن خليل، وجماعة.(12/964)
31 - عُمَر بْن الْمُبَارَك بْن أَبِي الفضل العاقوليّ، ثُمَّ الأَزَجيّ. يُعرف بابن طرّويه. [المتوفى: 591 هـ][ص:965]
سمع أَبَا القاسم بْن الحُصَين، وأبا الْحُسَن ابن الزاغوني، وأبا البركات بْن حُبَيش الفارقيّ. سمع منه عُمَر بْن عليّ القُرَشي، وتميم البَندنيجي، ويوسف بْن خليل، وجماعة.
تُوفيّ فِي ذي الحجّة عن ثمانين سنة.(12/964)
32 - فاطمة بِنْت أَبِي الغنائم عَبْد الواحد بْن أَبِي السعادات أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الواحد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بن أبي عيسى محمد ابن المتوكلّ على اللَّه. الشريفة أمّ عَبْد اللَّه الهاشميَّة العبّاسيَّة المتوكّليَّة البغدادية. [المتوفى: 591 هـ]
رَوَت عن الْمُبَارَك بن المبارك السّرّاج. وتُوفُيت في رمضان(12/965)
33 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن خَلفَ بْن عُبَيد بْن فحْلون أبو بَكْر السَّكسَكي. [المتوفى: 591 هـ]
نزيل شَرِيش.
روى عن أَبِي الْحَسَن شُرَيح، وأبي مروان بن قزمان، وطائفة. وحدَّث. مات فِي شعبان بعد وَقعة الأرْك التي كَانَت على الروم لَعَنَهم اللَّه بأيّام.(12/965)
34 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد أَبُو عَبْد اللَّه الْبَغْدَادِيّ، الحَظيريّ، السِّمسار المعروف بالجِنَانيّ. [المتوفى: 591 هـ]
كان يسكن محلَّة الشّمعيَّة.
سمع أَبَا العزّ أَحْمَد بْن كادش، وأبا القاسم بْن الحُصَين، وأبا غالب ابن البناء، وجماعة.
وكان صحيح السَماع، عَسرًا فِي التَّحديث.
روى عَنْهُ يوسف بْن خليل، وغيره. وتُوفي فِي رمضان.
والحظيرة: قرية كبيرة على يومَين من بغداد ممّا يلي الموصل.
قال ابن النّجّار: مات فِي شوّال.(12/965)
35 - مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن الْحُسَيْن أبو المحاسن الإصبهاني التّاجر، المعروف بالأصفهبذ. [المتوفى: 591 هـ][ص:966]
وُلِد سنة أربع عشرة وخمسمائة. وسمع إِسْمَاعِيل بْن الإخشيذ، وجعفر بْن عَبْد الواحد الثَّقَفيّ، وابن أَبِي ذَرّ الصّالحانيّ، وعثمان اللبيكي النَّيْسابوري الراوي عن عُمَر بْن مسرور. وحضَر أَبَا طاهر الدّشْتج. وأجاز له أبو عليّ الحدّاد.
وهو ابن أخت الحافظ أَبِي العلاء أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الفضل الإصبهاني، وقد حجّ سنة سبعين، وحدَّث ببغداد. وعاش إِلَى هذا الوقت.
روى عنه أحمد بن أسعد المقرئ، والحافظ مُحَمَّد بْن مُوسَى الحازميّ، ويوسف بْن خليل.
تُوفّي فِي ثامن ذي القعدة. وكان صالحاً، عفيفاً، مُقرِئاً، تاجراً.(12/965)
36 - مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن يحيى بْن المُعَوَّج، أبو بَكْر البغداديّ، الحريميّ، القزّاز. [المتوفى: 591 هـ]
سمع أَبَا منصور بن زُرَيق القزّاز، وأبا البدر الكرْخيّ، وجماعة. وحدَّث.(12/966)
37 - مُحَمَّد بْن عَبْد الوهاب بْن علي بْن علي بْن سُكَينة، أبو منصور. [المتوفى: 591 هـ]
سمّعه أبوه الكثير من نصر بن نصر العُكبريّ، وأبي الوقت، وطبقتهما. وحدَّث. وهو من بيت الحديث والتُصوُف.
تُوفّي فِي جُمادى الآخرة فِي أيّام أَبِيهِ. وكان من كبار الفقهاء.(12/966)
38 - مُحَمَّد بْن عُمَر بْن أَحْمَد بْن جامع، أبو عبد الله ابن البنّاء الشّافعيّ، المقرئ الصالح. [المتوفى: 591 هـ]
كان منقطعًا فِي مسجد القاهرة دهرًا، وقد سمع من قاضي القضاة أبي المعالي مُجَلي بن جميع الأرسُوفي، وعمر بْن مُحَمَّد المقدسي، ومحمد بْن إِبْرَاهِيم الكيزانيّ. وأقرأ. وحدَّث، وانتفع به جماعة. [ص:967]
قال المنذريّ: حدثنا عَنْهُ أبو القاسم عَبْد الرَّحمن بْن أَبِي عبيد اللَّه الشّعبانيّ. وتُوفيّ فِي ربيع الآخر.(12/966)
39 - مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد رسلان بْن عَبْد اللَّه بْن شعبان الفقيه أبو عَبْد اللَّه الشّارعيّ، الشّافعيّ، المقرئ بالشّارع. [المتوفى: 591 هـ]
وُلِد سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة. وسمع من أَبِيهِ رسلان، ومُجَلّي بْن جُمَيع القاضي، وعثمان بْن إِسْمَاعِيل الشّارعيّ، وجماعة. روى عَنْهُ ابنه عَبْد الرَّحمن.(12/967)
40 - مُحَمَّد بْن الْمُبَارَك بْن أَحْمَد ابْن البُنّيّ، بالنّون، أبو الفضل الواسطيّ. [المتوفى: 591 هـ]
حدَّث عن أَبِي الكرم نصر اللَّه بْن مُحَمَّد، وأبي السّعادات الْمُبَارَك بْن نَغُوبا. تُوفّي في المحرَّم، قاله الدُّبيثي.(12/967)
41 - ناشب بْن هلال بْن نَصِير، أبو مَنْصُور الحرَّانيّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، ثم المُضَرِي، البَدِيهيّ. [المتوفى: 591 هـ]
وُلِد سنة أربع عشرة وخمسمائة. وسمع من أبي القاسم بن الحُصَين، وأبي العزّ بْن كادش. روى عَنْهُ ابن خليل، وغيره.
وكان يتكلَّم فِي الأَعزِية، ويقول الشَّعر على البَدية، ولذا قيل له: البديهيّ.
تُوفّي فِي رمضان.(12/967)
42 - نَجَبة بْن يحيى بْن خَلَف بْن نجبة يوسف بْن نَجَبَة، الْإِمَام أبو الْحَسَن الرُّعَينيّ، الأشبيليّ، المقرئ، المجوِّد، النَّحويّ. [المتوفى: 591 هـ]
وُلِد بعد العشرين، وأخذ القراءات عن أَبِي الْحَسَن شُرَيح، وأبي محمد شُعَيب اليابُريّ، وأبي جعفر بن عَيشُون. وسمع منهم، ومن صهرِه أبي مروان [ص:968] عبد الملك ابن البَاجي، وأبي بكر ابن العربي، وأبي بكر محمد بن عبد الغني بن فَندلَة، ومحمد بن أحمد بن طاهر القَيسيّ، وأبي الحسن بن لُبّ. وأجاز له عتيق بن محمد. وتصدَّر بإشبيلية للإقراء والنَّحو. وروى عنه أبو الربيع بن سالم الكلاعي، وجماعة.
وذكره الأَبّار فأثنى عليه وقال: كان إمامًا مقدَّمًا مع الصَّلاح والتّواضع. واستوطنَ مَرّاكُش مدَّةً، وأقرأ بها وبإفريقية. وكان مقرئاُ محقِّقاً، ونَحويًا حافظًا. حدَّث عَنْهُ جماعة من جِلّة شيوخنا. وتُوفّي فِي جُمادى الآخرة بِشَرِيش، وله سبعون سنة.(12/967)
43 - نصر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن محفوظ بن أحمد، أبو الفتح القُرَشي الدَّمشقيّ، [المتوفى: 591 هـ]
والد مُحَمَّد.
تُوفيّ فِي جُمادى الآخرة. وهو ابن أخي الشّيخ أبي البَيَان.(12/968)
44 - هبة اللَّه بْن صَدَقَة بْن هبة اللَّه بْن ثابت بْن عُصفور، أبو البقاء الأَزَجيّ، الصّائغ. [المتوفى: 591 هـ]
وُلِد سنة خمسمائة. وسمع في كِبره من أبي الْحَسَن بْن عَبْد السَّلام، وأبي سعد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، وأبي البدر الكرْخيّ، وطبقتهم. وحدَّث. وخرَّج مجاميع، وصنَّف فِي الردّ على الرافضة وَفِي الردّ على أَبِي الوفاء عليّ بْن عقيل فِي نُصرة الحلّاج. روى عَنْهُ إلياس بن جامع، ويوسف بن جليل.
تُوفيّ في شوال.(12/968)
45 - يحيى بْن الخَضِر بْن يحيى بْن مُحَمَّد، أبو زكريّا الأُرمَوي. [المتوفى: 591 هـ]
شيخ صالح دمشقي. سمع من جمال الْإِسْلَام عليّ بْن المسلم. وحدَّث. وتُوُفي فِي عاشر شوّال.(12/968)
46 - يحيى بْن عليّ بن أحمد بن عليّ الخرّاز، أبو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ، الحريميّ. [المتوفى: 591 هـ][ص:969]
وُلِد سنة سبعٍ وخمسمائة. وسمع من أَبِي عليّ مُحَمَّد بْن مُحَمَّد ابن المهديّ، ومحمد بن محمد ابن المهتدي بالله، وهبة الله ابن الحُصَين، وأحمد ابن البناء، وغيرهم.
والخرّاز: براء ثُمَّ زاي، وهو من بيت حديث. روى هُوَ، وأبوه، وابنه عَبْد اللَّه.
روى عنه الدُّبيثيّ، وابن خليل. وتُوفّي فِي ثاني عشر ذي الحجَّة.(12/968)
47 - يَمَان بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن خميس، الفقيه أبو الخير الرُّصافيّ، الواسطيّ، الشافعي. دُفِن برُصافة واسط. [المتوفى: 591 هـ]
وقد تفقه ببغداد على أَبِي المحاسن يوسف بْن بُندار. وَسَمِعَ من أَحْمَد بْن الْمُبَارَك المُرَقَّعاتيّ. واشتغل ببلده وأفتى.
وهذه الرُّصافة تحت واسط بستَّة فراسخ، وهي قرية كبيرة. والرُّصافة بالشّام بلد بناه هشام بْن عَبْد الملك. وبهذا الأسم محلَّة ببغداد، وأخرى بالكوفة، وبُلَيدَة بقرب البصرة، وموضع بالأنبار، وموضع بقُرطبة، وأخرى ببلَنسية، وأخرى بنَيْسابور، وأخرى بقرب إفريقية. ذكر العشرة الحافظ زكيّ الدّين فِي وفاة يَمان، وأنّها تقريبًا فِي سنة إحدى وتسعين.(12/969)
-وفيها وُلِد:
إِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل المقدسيّ أخو أبي شامة. والنَّجم محمد بن عليّ ابن المظفَّر النشبيّ. والتّاج عَبْد الوهّاب ابن زين الأُمَناء. والسّيف يحيى ابن الحنبليّ. وعبد الواحد بْن عليّ الهَكاريّ. والجمال مُحَمَّد بْن عَبْد الجليل ابن الموقاتيّ بالقدس.(12/969)
-سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة(12/970)
48 - أَحْمَد بْن طارق بْن سِنان، أبو الرضا الكَركي الأصل، الْبَغْدَادِيّ المَولد، التاجر، المحدّث. [المتوفى: 592 هـ]
وُلِد سنة سبعٍ وعشرين وخمسمائة فِي ربيع الأوّل. وسمع من أَبِي مَنْصُور موهوب ابن الجواليقيّ، وأبي الفضل الأُرمَوِي، وابن ناصر، وأحمد بْن طاهر المَيهني، ونصرْ بن نصر، وسعيد ابن البنّاء، وهبة اللَّه الحاسب، ومحمد بْن طِراد النّقيب، وأبي بكر ابن الزّاغونيّ، وسعد الخير البَلَنسي، ومحمد بْن عُبيد الله الرُّطَبي، والمبارك ابن الشَّهرزُوريّ، وعبد الملك الكَرُّوخي. وبالكوفة من أَبِي الْحَسَن مُحَمَّد بْن غبرة. وبمكَّة من عَبْد الرحيم ابن شيخ الشّيوخ؛ وبدمشق من أَبِي القاسم الحسين ابن البُنّ، وناصر بْن عَبْد الرَّحمن النّجّار، وحمزة بْن كرّوس، وجماعة. وبمصر من عَبْد اللَّه بْن رفاعة، وأحمد بْن الحُطيئة، وعليّ بْن هبة الله الكاملي؛ وبالثّغر من أبي طاهر ابن سِلفَةَ. وحدَّث بهذه البلاد.
قال ابن الدُّبيثيّ: كان حريصًا على السماع، وتحصيل المسموعات، مع قلَّة معرفة بالنسبة إِلَى طَلَبه. وكان ثقة.
وقال المنذري: هُوَ من الكَركِ، قرية بجبل لبنان، بسكون الراء. وأمّا البلد المشهور فبالتّحريك.
قلتُ: أراد كرْك نوح، وهي بُلَيدَة بالبقاع. ولم أسمع أحدًا قيّده بالسُّكون سوى المنذريّ؛ بلى وابن نُقطَة.
روى عن ابن طارق: أبو الْحَسَن عليّ بْن المفضل، وأبو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، ويوسف بْن خليل.
وذكره الحافظ الضّياء فِي شيوخ الإجازة، وقال: كان شيعيًا غالباً.
قال ابن النّجّار: لم يزل يطلب إِلَى أن مات، وكان يُوادُّني. وكان صدوقًا [ص:971] ثبتًا، طيّب المعاشرة، إلّا أنّه كان غاليًا فِي التّشيُّع، شحيحًا، مقنطًا على نفسه، يشتري من لُقَم المُكِدًّين، ويتبع المحدّثين ليأكل معهم ولا يُشعِل في بيته ضوءًا وخلّف تجارة تساوى ثلاثة آلاف دينار. مات وحده ولم يعلم به أحد.
قال عَبْد الرّزّاق الجيليّ: كان ثقةً ثَبتًا مع فساد دِينه.
وقال ابن نقطة: كان متقنًا، خبيث الاعتقاد، رافضيًّا. مات فِي سادس عشر ذي الحجَّة. وبقي فِي بيته أيّامًا لا يُدرَى به، وأكلت الفأرة أُذُنَيه وأنفَه كما قيل.
قلت: كان جدّه سِنان قاضي كَرك البقاع.(12/970)
49 - أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن حُرَيث بْن مضاء بْن مهنَّد بْن عُمَير، أبو العبَاس، وأبو جَعْفَر اللَّخميّ، القُرطُبي قاضي الجماعة. [المتوفى: 592 هـ]
عرض " الموطّأ " على أَبِي عَبْد اللَّه بْن أَصبَغ. وسمع من أَبِي جَعْفَر البِطروجيّ، وأبي جعفر بن عبد العزيز. وجماعة، وأخذ القراءات عن أَبِي القاسم بْن رضا. ورحل إِلَى إشبيلية فأخذ عن شُرَيح بْن مُحَمَّد قراءة نافع، وقراءة ابن كثير. وسمع من أبي بكر ابن العربي، وطائفة. لكنه امتًحِن بضياع أسمِعَته. وكان بارعًا فِي عِلم العربيَّة. وُلّي قضاء فاس، ثم نُقل إلى قضاء الجماعة بمراكش عند وفاة القاضي أَبِي مُوسَى عِيسَى بْن عِمران سنة ثمانٍ وسبعين. وكان جميل السّيرة، إمامًا، مُتقِناً، روى عَنْهُ جماعة.
وتُوفّي فِي جُمادى، وقد شارف الثمانين.
وله " المُشرِق فِي إصلاح المنِطق "، وكتاب " تَنزيه القرآن عمّا لا يليق بالبيان ". ورّخه الأَبّار.
وقال أبو الخطّاب بْن دحية: سمعتُ منه " صحيح مُسْلِم "، بسماعه من أبي حاتم الأَسَدي.(12/971)
50 - أَحْمَد بْن عَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد بْن حُرَيث بْن عاصم، أبو جَعْفَر اللَّخمي الشَّريشيّ، أبو جعفر، وأبو القاسم. [المتوفى: 592 هـ]
روى عن مُحَمَّد بن أَصبَغ، وأبي بكر ابن العربيّ، وعِياض، والبِطروجيّ، وطائفة. وُلّي قضاء فاس، ثُمَّ قضاء الجماعة بمرّاكُش. وحدَّث عَنْهُ جماعة.
مات فِي جُمادى الأولى سنة اثنتين وتسعين عن ثمانين سنة إلّا سنة.
قلت: النّسخة المنقول منها سقيمة، كأنّه اثنتين وسبعين.(12/972)
51 - أَحْمَد بْن عليّ بْن يحيى بْن بَذّال، أبو الْعَبَّاس الحريميّ، المعروف بابن النّفيس المُستَعمَل. [المتوفى: 592 هـ]
وُلِد سنة تسعٍ وخمسمائة. وسمع هبة الله بن الحُصَين، وأبا غالب ابن البنّاء، وأبا المواهب أَحْمَد بْن ملوك، وجماعة. سمع منه أبو المحاسن عمر بن علي ومات قبله بزمانٍ، ويوسف بْن خليل، وغير واحد.
تُوفي فِي المحرَّم.(12/972)
52 - أَحْمَد بْن عليّ بْن طَلْحَةَ، أبو الْعَبَّاس الواسطيّ، الشاهد. [المتوفى: 592 هـ]
وُلِد سنة تسع عشرة وخمسمائة. وسمع أَبَا الكَرَم نصر اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مَخلَد، وسعْد بْن عَبْد الكَريم الغُندُجانيّ، وعليّ بْن هبة اللَّه بْن عَبْد السّلام. وحدَّث. ووُلّي نيابة الحُكم بواسط وبها تُوفّي فِي صَفَر.
روى عَنْهُ أبو عُبَد اللَّه الدُّبيثيّ، وغيره.(12/972)
53 - أحمد بن عمر بن بَرَكة. الأَزَجيّ، البزّاز، المعروف بابن الكزليّ. [المتوفى: 592 هـ][ص:973]
حدث عن أبي القاسم بن الحُصَين، وأبي الحسن ابن الزّاغونيّ، وأبي بَكْر الأنصاريّ. وعنه ابن خليل.
تُوفي فِي ربيع الأوّل.(12/972)
54 - أَحْمَد بْن مَسْعُود بْن الْحسن، أبو الرّضا الباذَبِينيّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ التّاجر ابن الزُّقطَرّ. [المتوفى: 592 هـ]
سمع من أَبِي البركات يحيى بْن حُبيش، وأبي بَكْر الْأَنْصَارِيّ. وحدَّث. وتُوُفّي فِي رابع ربيع الآخر. ومولده سنة سبعٍ وخمسمائة.(12/973)
55 - أَحْمَد بْن هبة اللَّه بْن أسعَد، أبو العبّاس ابن الثّخين الْبَغْدَادِيّ، الحنفيّ. [المتوفى: 592 هـ]
سمع عَبْد الوهّاب الأنْماطيّ، وأبا الوقت. روى عَنْهُ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخبّاز.
ورّخه ابن النّجّار فِي رجب.(12/973)
56 - إبراهيم ابن الشيخ عبد القادر بن أبي صالح الجيلي. [المتوفى: 592 هـ]
سمع من أبي الوقت، وسعيد ابن البنّاء. وتُوفي بواسط.
قَال الدُّبِيثيّ: ما أظنّه حدّث لاشتغاله بالمعاش.(12/973)
57 - إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن حَمَدِيّةَ، أبو طاهر العُكبَرِيّ، البيّع. [المتوفى: 592 هـ]
أخو عَبْد اللَّه.
سمَّعه أَبُوهُ الكثير، وسمع بنفسه، وكتبَ بخطّه. وروى الكثير عن هبة اللَّه بْن الحُصَين، وأبي غالب الماوَرْديّ، وهبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه الشُّرُوطي، وزاهر الشّحّامي. وكان صحيح السَّماع. روى عَنْهُ الدُّبيثي، وابن خليل، وجماعة. [ص:974]
وكان مولده سنة عشر أو اثنتي عشرة وخمسمائة. وتوفّي فِي صَفَر بعد أَخِيهِ عَبْد اللَّه بعشرين يومًا.(12/973)
58 - إِسْمَاعِيل بْن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن علي بْن عَبْد الْعَزِيز، أبو مُحَمَّد الحريميّ، السِّمِّذي، الخبّاز. [المتوفى: 592 هـ]
سمع عمّه الْمُبَارَك بْن عليّ، وأبا بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي، ويحيى ابن الطّرّاح، وأبي مَنْصُور مُحَمَّد بْن خيرون، وجماعة. روى عَنْهُ يوسف بْن خليل، وجماعة. وتُوُفّي فِي صَفَر.(12/974)
59 - أشرف بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم، أَبُو الفضل الهاشميّ. [المتوفى: 592 هـ]
روى عن جدّه لأمّه أَبِي الفضل الأُرمَوي.
وكان يمكنه أن يسمع من أبن كادش، ونحْوه، لأنّه وُلِد في حدود سنة خمس عشرة وخمسمائة.(12/974)
60 - بَلقيس بنت سليمان بن أَحْمَد ابن الوزير نظام المُلك الْحَسَن بْن عليّ بْن إِسْحَاق الطُّوسي. المَدعُوّة خاتون. [المتوفى: 592 هـ]
وُلِدت بإصبهان سنة سبع عشرة وخمسمائة، ونشأت بها. وسمعت من فاطمة الجَوزدانيّة، وسعيد بْن أَبِي الرجاء، والحسين بْن عَبْد الملك الخلّال. سمع منها جماعة. وحدّث عَنْهَا يوسف بْن خليل، وغيره.
تُوُفِّيت فِي ثامن رجب.(12/974)
61 - تميم بْن أَبِي الفتوح بْن مُحَمَّد بْن أَبِي القاسم، أبو رشيد الإصبهانيّ، الْمُقْرِئ، الخلّال. [المتوفى: 592 هـ]
سَمِعَ مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَبِي ذَر الصّالحانيّ. وعنه ابن خليل.
تُوفّي فِي رمضان.(12/974)
62 - الْحَسَن بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحمن بْن عَبْد اللَّه القاضي الأَجَلّ، أبو المكارم التَّميمي، السَّعديّ، الأغلبيّ، ابن الجبّاب. [المتوفى: 592 هـ][ص:975]
وُلِد سنة سبعٍ وثلاثين وخمسمائة وحدَّث عن السِّلَفيّ، وقد وُلّي قضاء الإسكندرية سنة أربعٍ وستّين. وإلى أن تُوُفّي.
وكان يُراجع الفقيه أَبَا الطّاهر بْن عوف فيما يشكلَ عليه من الأحكام وهو من بيت حشمة وجلالة.(12/974)
63 - الْحَسَن بْن علي، ويقال: الْمُبَارَك بْن عليّ بْن الْمُبَارَك، أبو عليّ المؤدّب البغداديّ، ويُعرف بابن الحلاويّ. [المتوفى: 592 هـ]
سمع من ابن الحُصَين، وأبي غالب ابن البناء. وعنه ابن خليل، وغيره. توفي فِي صَفَر.(12/975)
64 - الْحُسَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحُسَيْن، أبو عَبْد اللَّه الواسطيّ. [المتوفى: 592 هـ]
روى عن نصر اللَّه بْن الجَلخت، ومحمد بْن عليّ الجُلابي. وتُوفي في جمادى الأولى.(12/975)
65 - السديد، شيخ الأطِبّاء بمصر، هُوَ أبو مَنْصُور عبد الله بن علي. ولَقَبه أيضًا شرف الدّين، وإنّما غَلَبَ عليه لَقب أبيه السّديد أبي الحسن. [المتوفى: 592 هـ]
أخذ الصّناعة عن الموفّق عدنان بن العَين زربيّ. وسمع بالإسكندرية من أَبِي الطّاهر إِسْمَاعِيل بن عوف، وبرع في الفنّ، وخدم العاضد العُبيديّ وجماعةً قبله. وحصّل أموالًا عظيمة، ونال الحُرمة والجاه العريض، وعُمِّر دهراً. وكان أبوه طبيبًا للدّولة أيضاً.
ومّمن أخذ عن أبي منصور: نفيس الدّين ابن الزُّبَير شيخ الأطبّاء. فحكى عَنْهُ أنه دخل مع أَبِيهِ على الآمر بأحكام اللَّه.
قال ابن أَبِي أُصيَبعَة: وحدَّثني أسعد الدّين عبد العزيز بن أبي الْحَسَن أنّ الشّيخ السّديد حصل له فِي يومٍ واحد من الدّولة ثلاثون ألف دينار. وقال لي نفيس الدّين ابن الزُّبَير عَنْهُ: إنّه طهَّرَ ابني الحافظ لدين اللَّه فحصل له من الذَّهب نحو خمسين ألف دينار. وما زال شيخ الأطبّاء إِلَى أن مات. وكان صلاح الدّين يحترمه ويعتمد عليه فِي الطّبّ. [ص:976]
توفي في منتصف جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين، وقيل: توفي في هذا العام.(12/975)
66 - سعْد بْن عُثْمَان بْن مرزوق بْن حُمَيد القُرَشي، الزّاهد، أبو الخير ابن الفقيه أَبِي عَمرو المصريّ، الحنبليّ. [المتوفى: 592 هـ]
خرج من مصر قديمًا، وسكن بغداد، وتفقّه بها على مذهب أَحْمَد. وسمع من أبي محمد ابن الخشّاب وجالسَه، وحصَلَ له ببغداد قبولٌ تامّ مِن الخاصَّة والعامَّة. وكان يُحمل إليه من مصر ما يقتات به من شيء له.
وكان زاهدًا ورِعاً، ناسكًا، قانتًا. ولمّا احتُضِر شيخه أبو الفتح بْن المُنَي أوْصى أن يتقدَّم فِي الصّلاة عليه سعْد رحمه اللَّه.
تُوفي فِي سادس عشر ربيع الآخر. وشيّعه الخَلق.
قال ابن النّجّار: قدِم بغدادَ واستوطنها برباط الشَّيْخ عَبْد القادر. وكان عبدًا صالحًا، مشهورًا بالعبادة، والمجاهدة، والتّقشُّف، والوَرَع، خشِن العَيش، كثير الانقطاع. حدَّث باليسير عن ابن الخشّاب، وكان على غايةٍ من الوسواس فِي الطّهارة. مات فِي صلاة الظُّهر، وكان قد تلا فيها: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِن المُقَرَّبِينَ فَرَوح وَرَيحَانٌ وَجنَّةُ نَعِيمٍ}.(12/976)
67 - شعيب بْن الْحُسَن بْن مُحَمَّد بْن شعيب، أبو نصْر السَّمرقَنديّ، ثمَ الإصبهاني. [المتوفى: 592 هـ]
وُلِد سنة خمس عشرة وخمسمائة بإصبهان. وسمع من عليّ بْن هاشم بْن طَباطَبا العلويّ، وفاطمة الجُوزدانيّة. روى عَنْهُ يوسف بن خليل. وتوفي في شوّال.(12/976)
68 - صاعد بْن رجاء بْن حامد بْن رجاء المَعدانيّ، أبو الخطّاب الإصبهاني، الشافعيّ. [المتوفى: 592 هـ]
روى عن زاهر الشّحّاميّ. وعنه ابن خليل. تُوفي فِي جمادى الآخرة.(12/976)
69 - صَدقة بْن أَبِي المظفَّر مُحَمَّد بْن الْمُبَارَك، أبو الفُتُوح البردغوليّ، الحريميّ، الطّاهريّ. [المتوفى: 592 هـ]
سمع ابن الحُصَين. وعنه ابن خليل، وأبو عبد الله الدُّبيثي.
توفي في شوال.(12/977)
70 - عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم بْن يوسف الأنصاريّ، أبو محمد الصُّوفيّ الصّالح. [المتوفى: 592 هـ]
سمع أَبَا طاهر السِّلَفي، وأبا مُحَمَّد الدّيباجيّ، وعبد اللَّه بْن برّيّ، وخلقًا كثيرًا بعدهم بالقاهرة. وكتب الكثير. روى عَنْهُ أبو نزار ربيعة، وغيْره.
ويقال: إنّه نَسَخ أكثر من مائة ألف وخمسمائة جزء سوى المجلّدات. وخطّه معروف.
تُوفيّ فِي تاسع عشر جُمادى الأولى. وكان قد سُيِّر إلى قلعة صَدَر، قلعة مشهَورة بين أَيلة ومصر.(12/977)
71 - عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن جُمْهور بْن سَعِيد، أبو مُحَمَّد الْقَيسيّ الإشبيليّ. [المتوفى: 592 هـ]
سمع أَبَا الحسن شريح بن محمد، وأبا بكر ابن العربيّ، وأبا بَكْر بْن موجوال وتفقه به، وأبا مروان بْن مَسَرَّة. وأخذ القراءات عن أَبِي الحَكَم بْن بطّال. ووُلّي إمامة إشبيلية.
قال الأبّار: كان رجلًا صالحًا، فاضلًا، بصيرًا باللُّغة والشُّروط. حدَّث عَنْهُ جماعة من شيوخنا. وتُوُفّي فِي ربيع الآخر، وله نحوٌ من ثمانين سنة.(12/977)
72 - عَبْد اللَّه بْن عليّ بْن عُثْمَان بْن يوسُف. القاضي أبو مُحَمَّد القُرَشيّ، المخزوميّ، المصريّ، الفقيه الشافعي، المعدّل، الأديب. [المتوفى: 592 هـ]
وُلِد سنة تسعٍ وأربعين. وقرأ الكثير على أَبِي مُحَمَّد بْن برّيّ، وله شِعْر حَسَن. وكان كثير المعروف والإيثار. [ص:978]
وقد حدَّث والده وطائفة من إخوته وأهل بيته، وهم بيت كتابة وتقدُّم.(12/977)
73 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن حَمَدِيّة، أبو مَنْصُور العُكبَرِي الأصل، الْبَغْدَادِيّ، [المتوفى: 592 هـ]
أخو إِبْرَاهِيم المذكور آنفًا.
سمع أَبَا العِزّ بْن كادش، وأبا عليّ الحسن ابن السِّبط، وأبا بكر محمد بن الحسين المَزرفيّ، وأبا سهل محمد بْن إِبْرَاهِيم بْن سَعدَوَيه، وزاهر بْن طاهر، وأبا عَبْد اللَّه الْحُسَيْن البارع، وعُبَيد اللَّه بن محمد ابن البَيهَقيّ، وخلْقًا.
روى عَنْهُ أبو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، ويوسف بْن خليل، وجماعة. وسمع منه عُمَر بْن عليّ القُرَشي، والقُدماء.
وتُوُفّي فِي ثالث صفر. وكان مولده سنة ثمانٍ وخمسمائة.(12/978)
74 - عَبْد اللَّه ابْن الأجلّ أَبِي شجاع المظفَّر بن أبي الفَرَج هبة الله ابن المظفَّر ابْن الوزير رئيس الرؤساء أَبِي القاسم عليّ ابن المُسلمة. ويُعرف بالأثير أَبِي جَعْفَر. [المتوفى: 592 هـ]
وُلِد سنة تسع عشرة وخمسمائة. وسمع بنفسه من أَبِي مَنْصُور ابن خيرون، وأبي الْحَسَن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن توبة، وأبي سعد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ. روى عَنْهُ إلياس بْن جامع، ويوسف بْن خليل. وتُوُفّي فِي تاسع عشر صفر. وهو من بيتٍ كبير.(12/978)
75 - عَبْد اللَّه بْن أبي المحاسن بْن أَبِي مَنْصُور العتّابيّ، الحنّاط. [المتوفى: 592 هـ]
روى عن إسماعيل ابن السَّمَرقَندي، وغيره، ويُعرف بابن السِّنَّور.(12/978)
76 - عَبْد الخالق بْن أَبِي الفتح عَبْد الوهاب بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن، أبو مُحَمَّد المالكيّ الأصل، الْبَغْدَادِيّ المولد، الصّابونيّ، الخفّاف الحنبليّ، الضّرير. [المتوفى: 592 هـ][ص:979]
وُلِد سنة سبعٍ أو عشرٍ وخمسمائة. وسمع بإفادة أَبِيهِ من الْحَسَن بْن مُحَمَّد البَاقَرحي، وأبي المعالي أحمد بن محمد ابن البخاريّ، وأبي نَصر أَحْمَد بْن رضوان، وعليّ بن عبد الواحد الدِّينَوري، وأحمد بن كادش، وزاهر بْن طاهر، وإسماعيل ابن المؤذّن، وقُراتِكِين بْن الأسعد، وطائفة. وسمع " "صحيح الْبُخَارِيّ" " من الْحُسَيْن بْن عَبْد الملك الخلّال، " ومُسنَد أَحْمَد " من ابن الحُصين. روى عَنْهُ أبو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، وصَدَقَة بْن مُحَمَّد الوكيل، ويوسف بْن خليل.
تُوفي فِي الخامس والعشرين من ذي الحجَّة.(12/978)
77 - عَبْد الرَّحْمَن بْن سعود بْن سرور بْن الْحُسَيْن، أبو مُحَمَّد القصْريّ، الملّاح. [المتوفى: 592 هـ]
سمع أبا القاسم بن الحُصَين، وأبا غالب ابن البناء، وأبا بَكْر الأنصاريّ، وجماعة. وعنه الدُّبيثيّ، وابن خليل. وتُوُفّي فِي جُمادى الآخرة، وله ستٌّ وسبعون سنة.
ويقال له: ابن ملّاح الشّطّ، كما يُقَالُ لعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي الكَرَم الآتي سنة سبعٍ وتسعين.(12/979)
78 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الفضائل نصر اللَّه بْن مُوسَى بْن نصر بْن شِبزِق، أبو القاسم المَوْصليّ، ثُمَّ البغدادي، البيّع، الرّفاء، الأعن. ويُعرف بابن فضائل. [المتوفى: 592 هـ]
وُلِد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة. وسمع من أَبِي العزّ بْن كادش، وأبي القاسم بْن الحُصين، وعليّ بْن عَبْد الواحد الدّينوَري، وأبا بَكْر المَزرفيّ. سمع منه عُمَر بْن عليّ القُرَشي، ويوسف بْن خليل، وجماعة. وتُوُفّي فِي الرابع والعشرين من المحرَّم. وشِبزِق بكسرتين.(12/979)
79 - عَبْد الرحيم بْن أَحْمَد بْن حَجُّون بْن مُحَمَّد بْن حَمْزَة بْن جَعْفَر بْن إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر الصادق بْن مُحَمَّد الباقر كذا فِي نسَب حفيده شيخنا ضياء الدّين بْن عَبْد الرَّحيم الشّافعي، فاللَّه أعلم بصحَّة ذلك، فكأنّه قد سقط منه جماعة. أبو مُحَمَّد المغربيّ الزّاهد. [المتوفى: 592 هـ]
تُوفي فِي أحد الرَّبيعين بالصّعيد ببلد قِنَا. وكان أحد الزُّهّاد فِي عصره، ظهرت بركاته على جماعةٍ من أصحابه، وله تلامذة من كبار الصُّلحاء نفعَ اللَّه ببركتهم.(12/980)
80 - عَبْد الْعَزِيز بْن فارس بْن عَبْد الْعَزِيز بْن ميمون الحكيم، أبو مُحَمَّد الشَّيبَانيّ، الرَّبَعِي، الإسكندراني. [المتوفى: 592 هـ]
كان من أعيان الأطبّاء فِي زمانه. حدَّث عن عَبْد المُعطي بْن مسافر القمّوديّ.
وعاش اثنتين وثمانين سنة، فإنّه وُلِد سنة عشرٍ وخمسمائة. وتُوُفّي فِي الثامن والعشرين من صَفَر.(12/980)
81 - عَبْد القويّ بْن عَبْد اللَّه بْن سلامة بْن سعْد، أبو مُحَمَّد المنذريّ، الشّاميّ الأصل، المصريّ. [المتوفى: 592 هـ]
والِد الحافظ زكيّ الدّين عَبْد العظيم.
وُلِد سنة أربع وخمسين وخمسمائة تقريبًا. وسمع بمكَّة من مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الهَرَوِي؛ وبمصر من أَبِي عَبْد اللَّه الأرتاحيّ.
قال ابنه: علقتُ عنه فوائد. وكان يحرّضني على الحديث. تُوفي فِي ثالث رمضان.(12/980)
82 - عُثْمَان بْن أَبِي بَكْر بْن إِبْرَاهِيم بْن جَلدَك، أبو عَمرو القلانِسيّ، المَوصِلي، الشّافعي. [المتوفى: 592 هـ]
سمع من خطيب الموصل، ويحيى الثَّقفيّ. وارتحل إِلَى بغداد، فتفقَّه بها على أَبِي القَاسِم يَحْيَى بْن فَضْلان. وسَمِعَ من ذاكر بْن كامل، وابن بوش، وجماعة. ورحل إِلَى إصبهان فسمع من الحافظ أَبِي مُوسَى، وأبي رشيد حبيب [ص:981] ابن إبراهيم، وطائفة. وبدمشق من العلّامة أَبِي سعْد بْن أَبِي عَصرون، والخُشُوعيّ. وحدَّث ببغداد ومصر، وله شِعرٌ حَسَن.
تُوُفّي فِي أواخر العام، رحمه اللَّه.(12/980)
83 - عليّ بْن أَبِي القاسم أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن العبّاس، أبو الْحَسَن الْبَغْدَادِيّ، العطّار، المعروف بابن الدّيناريّ. [المتوفى: 592 هـ]
سمع من القاضي أَبِي بَكْر، وغيره. روى عَنْهُ يوسف بْن خليل، وابن الدُّبيثي فِي " تاريخه " وقال: تُوفي فِي جُمادى الآخرة.(12/981)
84 - عليّ بْن سَعِيد بْن الْحَسَن المأمونيّ، الشّافعي، الفقيه أبو الْحَسَن. [المتوفى: 592 هـ]
روى عن أَبِي الفتح الكَرُّوخيّ، وأبي الوقت. وهو من محلَّة المأمونيَّة ببغداد.
قال ابن النّجّار: كان ينتحل مذهب الإماميَّة، شيعيًّا غاليًا.(12/981)
85 - عُمَر بْن عَبْد الله بن أبي بكر أحمد ابن الْإِمَام أَبِي مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن سبعون بْن يحيى، أبو حفْص القَيسيّ، السُّلَميّ القَيروانيّ، ثم البغدادي. [المتوفى: 592 هـ]
وُلِد سنة ست عشرة وخمسمائة. وسمع من يحيى الطّرّاح، وأبي البدر إِبْرَاهِيم الكَرخي، وأبي بكر ابن الزَّاغوني. وحدَّث.
تُوفّي فِي ثالث شعبان ببغداد.
وأخوه أبو بَكْر يُسمَّى اللَّيث، يروى عن أَبِي البدر الكرْخيّ. ووالدهما أبو مُحَمَّد يروي عن ابن خيرون؛ كتب عَنْهُ ابن الحُصْريّ. وجدُّهما أبو بَكْر يروي عن أَبِي الطّيّب الطَّبَري؛ مات سنة إحدى وخمسمائة.(12/981)
86 - غُنَيمة بْن المفضّل، أبو الغنائم الصُّوفي الخطيبيّ. [المتوفى: 592 هـ][ص:982]
سمع بواسط من هِبَة اللَّه بْن نصر الله بْن الجَلَخت. وكان من مشاهير الصُّوفية والفُقَهاء.
مات في رجب.(12/981)
87 - فضلان بْن خَلَف بْن فضلان، أبو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، الأَزجيّ، القصار. [المتوفى: 592 هـ]
تُوفي في ذي الحجة.
روى عن إسماعيل ابن السَّمَرقَندي، وعبد الملك الكَرُّوخيّ. روى عَنْهُ ابن خليل، والدُّبيثي، وجماعة.(12/982)
88 - كرَم بْن حَيدر الرَّبعي الحرْبيّ. [المتوفى: 592 هـ]
سمع من أبي بكر محمد بن منصور بن إِبْرَاهِيم القصْريّ. روى عَنْهُ يوسف بْن خليل.(12/982)
89 - ليث بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد، أبو البركات الحربيّ، البيّع، المعروف بابن الدُخنِي. [المتوفى: 592 هـ]
سمع من أَبِي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن أَبِي يَعلَي الفَرّاء، وعبد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يوسف. وعنه يوسف بن خليل.
توفي سابع عشر صَفَر.(12/982)
90 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُوسَى بْن هُذيل، أبو عَبْد اللَّه العَبدري، الأندلسي. [المتوفى: 592 هـ]
حجَّ، وسمع من عليّ بْن حُميد بْن عمّار بمكَّة، ومن السِّلَفي، وغيره بالثّغر.
تُوفي فِي هَذِهِ السّنة أو فِي الّتي بعدها.(12/982)
91 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد، أبو بَكْر الإصبهاني، المهّاد، المؤذَن المقرئ. [المتوفى: 592 هـ][ص:983]
سمع محمود بْن إِسْمَاعِيل الصَّيرَفي، وجعفر بْن عَبْد الواحد الثّقفيّ. روى عَنْهُ يوسف بْن خليل وقال: تُوفي فِي ذي الحجَّة.(12/982)
92 - مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد، أبو عَبْد اللَّه الجَلاَليّ، الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 592 هـ]
سمع هبة اللَّه بْن الحُصَين، وأبا بكر المزرفي. وذكر أنّه سمع " المقامات " من المصنِّف. وكان جليلًا نبيلًا. روى عَنْهُ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بن طَلحة.
وُلِد سنة سبعٍ وتسعين وأربعمائة. ومات فِي رجب، قال ذلك ابن النّجّار.
وأمّا ابن الدُّبيثي فقال: مات فِي رمضان. وقال: سَأَلْتُهُ عن مولده فقال لي: فِي نصف رجب سنة اثنتين وتسعين.
عاش مائة سنة وشهرين، وهو مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الآتي ذِكره.(12/983)
93 - محمد بن الحسن بن أحمد ابن قاضي القضاة علي ابن العلامة قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني. [المتوفى: 592 هـ]
توفي في شوال شابا، وقد سمع بواسط شيئا من أبي طالب الكتاني، كنيته أبو الفضل.(12/983)
94 - مُحَمَّد بْن الْحُسَن بْن أَبِي الفوارس هبة اللَّه ابن الْمُقْرِئ الكبير أَبِي طاهر بْن سِوار الْبَغْدَادِيّ، أبو بَكْر الوكيل بباب القضاة. [المتوفى: 592 هـ]
كان بارِعًا فِي فنّه وَفِي السِّجلاّت كأبيه وجده. سمع من صَدَقة بن محمد ابن المَحلبان، وأبي عليّ أَحْمَد بْن مُحَمَّد الرَّحبي، وابن البطّيّ. وحدَّث. وتُوُفّي فِي رابع شعبان.
كذَّبه ابن نُقطة، ووهّاه ابن الحُصْريّ.(12/983)
95 - مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد اللَّه المعمّر، أبو عَبْد اللَّه الْبَغْدَادِيّ، المعروف بالجَلاَلي، [المتوفى: 592 هـ]
منسوب إِلَى خدمة الوزير جلال الدّين الْحَسَن بْن صَدَقة.
شيخ معمَّر، كان أحد من جاوز المائة. وُلِد فِي نصف رجب أو فِي شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة. وسمع من علي بن المبارك ابن الفَاعُوس، وابن الحُصَين، ومحمد بن الحسن المَزرَفي. وحدَّث. ولو سمع فِي صِغَرِه لسمع جماعة من أصحاب أَبِي عليّ بْن شاذان، بل السّماع قِسمِيَّة.
روى عَنْهُ أبو عَبْد اللَّه الدُّبيثي، وأبو الحَجّاج الأدميّ، وجماعة. وتُوُفّي فِي رابع رمضان، وله مائة سنة وشهر.
وكان يمكن أن تكون له إجازة من أَبِي عَبْد اللَّه بْن طَلْحَةَ النِّعالي وغيره.(12/984)
96 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّطيف بْن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّطيف بْن مُحَمَّد بْن ثابت بْن الْحَسَن الرَّئيس الكبير صَدر الدّين، أبو بَكْر الأزْديّ، الخُجَندي الأصْلَ الإصْبَهَانيّ، الفقيه الشافعي. [المتوفى: 592 هـ]
كان قد سمع الحديث وتفقَّه. وكان رئيسًا مقدَّمًا بإصبهان هُوَ وآباؤه، وهو وآباؤه الثّلاثة يُلَقَّبون صَدر الدّين. وخُجَند مدينة على طرف سَيحُون.
قَتَلَه فَلَكُ الدّين سُنقر الطّويل متولّي إصبهان فِي هَذَا العام وكان يدخل ويخرج فِي أمر الدّولة فَخُتِمَ له بخير.(12/984)
97 - مُحَمَّد بْن أَبِي الطاهر عَبْد الوارِث ابْن القاضي هبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن الرَّئيس، أبو الفخر الأنصاريّ، الأَوْسيّ، المصريّ، الشّافعي، المعروف بابن الأزرق. [المتوفى: 592 هـ]
وُلِد فِي حدود سنة ستٍّ وثلاثين وخمسمائة. وكان جدّه أبو الفضائل هبة اللَّه قاضي قُضاة الدّيار المصريَّة. [ص:985]
تُوفي فِي جُمادى الأولى.(12/984)
98 - مُحَمَّد بْن علي بن فارس بن علي، أبو الغنائم ابن المعلّم الواسطيّ، الهُرثي، [المتوفى: 592 هـ]
الشّاعر المشهور. والهُرث: من قرى واسط.
وُلِد سنة إحدى وخمسمائة. وانتهت إليه رياسة الشِّعر فِي زمانه. وطال عُمره حتّى صار شيخ الشّعراء فِي وقته وسار شِعره، واشتهر ذِكْره، وقد أكثر القولَ فِي المديح والغَزَل.
قال ابن الدُّبيثي: سمعت عليه أكثر شِعره بواسط، وبالهُرث، فأنشدنا لنفسه:
يا مُبيحَ القَتْلِ فِي دِين الهَوَى ... أنتَ مِن قَتلي فِي أوسَعِ حِلِّ
اغضُضِ الطَّرف فنيران الهوَى ... لَم تدعْ لي كَبدًا تُرمى بِنَبلِ
هَبكَ أغليتَ وصالي ضِنَّةً ... منكَ بالحُسنِ فلِم أرخَصتَ قَتلي؟
فلَحُبيّ لكَ أحببتُ الضَّنَا ... لست بالطّالبِ بُرئِي يا مُعِلّي
وله:
يا نازلينَ الحِمَى رِفقًا بقَلبِ فتًى ... إن صاحَ بالبَينِ داعٍ فهو مُضمِرُه
مقسمًا حذر الواشي يغيبُ به ... عنه وأم الهَوَى العُذريّ يُحضِره
كم تستريحون عن صُبحي وأتعِبه ... وكم تَّنَامُون عن ليلي وأُسهِرُه
لا تحسبوا البُعد عن عَهدِ يغيّرني ... غيري ملازمةُ البلوى تغيّرُه
فَمَا ذكرتكمُ إلا وهِمتُ جوًى ... وآفةُ المُبتلى فيكم تَذَكُّرُه
وتستلذّ الصّبا نفسي، وقد علمت ... أن لا تمرّ بصافٍ لا تكدّرُه
سلا بوجديَ عن قيسٍ مُلوَّحُه ... وعن جميلٍ بما ألقاه مَعمَرُه
يزداد فِي مسمعي تكرارُ ذِكركُم ... طِيبًا ويحسُنُ فِي عيني مكرَّرُه
وله مما سمعه منه أبو الحسن ابن القَطِيعيّ: [ص:986]
تنبّهي يا عَذَبَاتِ الرَّند ... كم ذا الكَرَى هَبَّ نسيمُ نجدِ
مرَّ على الرَّوض وجاء سَحَرًا ... يَسحَبُ بُردَي أرَجِ وبردِ
حتّى إذا عانقتُ منه نفحةً ... عادَ سَمُومًا والغَرَامُ يُعدي
أُعَلِّلُ القلبَ ببانِ رامةٍ ... وما ينوبُ غُصُنٌ عن قدٍّ
وأَقتصي النَّوحَ حماماتِ الِّلوَى ... هيهاتَ ما عند اللِّوى ما عندي
ما ضرِّ مَن لم يسمحوا بزَورةٍ ... لو سمحوا عن طَيفهم بوعدِ
وله:
أأحبابنا إنّ الدّموع الّتي جَرَت ... رخاصاَ على أيدي النَّوى لغَوَالي
أقيموا على الوادي ولو عُمرَ سَاعةٍ ... كلَوثِ إزَارٍ أو كَحَلِّ عقالِ
فكم تمّ لي من وقفةٍ لو شَرَيتُها ... بروحي لم أُغبَن فكيف بمالي؟
وله:
هُوَ الحِمَى ومغانيه مغانيه ... فاحبس وعانِ بليلى ما تعانيهِ
لا تسأل الركبَ والحادي فما سأل ... العشاق قبلك عن ركْب وحاديهِ
ما فِي الصِّحاب أخو وَجدٍ أُطارحُهُ ... حديثَ نجدٍ ولا صَبٍّ أُجاريه
إليك عن كلّ قلب فِي أماكنهِ ... ساهٍ كلّ دمعٍ فِي مآقيه
ما واحدُ القلب فِي المعنى كفاقده ... وجامد الدّمع فِي البَلوى كجاريه
يا منزلًا بدواعي البَين مُنتَهبٌ ... وما البليَّة إلّا من دواعيه
وَقَفتُ أشكو اشتِياقِي والسِّحابُ به ... فانهَلّ دَمْعي وما انهلَّت عزاليه
ومالكٍ غير قتلي ليس يُقنِعُهُ ... وفاتكٍ غيرَ ذُليّ ليس يرضيهِ
لم أدرِ حينَ بدا والكأسُ فِي يَدِهِ ... من كأسِه الخمرُ، أَمْ عينيه، أمْ فيهِ
حَكَت جواهرُه أيّامه فَصَفَت ... واستهدتِ الشمس معنى من معانيهِ
تُوفي فِي رابع رجب بقَريتهِ، وقد أنشد أبو الفَرَج ابن الجوزيّ من شِعره على المنبر.(12/985)
99 - مُحَمَّد بْن علي بْن أَحْمَد بْن الْمُبَارَك الوزير مؤيَّد الدين، أبو الفضل ابن القصّاب الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 592 هـ]
كان ذا رأي وشهامة وحزْم وغَورٍ بعيد، وهمّته علِيّةَ، ونفْسه أَبِيّه. وكان أديبًا بارِعًا بليغًا، شاعرًا. وُلّي كتابة ديوان الإنشاء مّدة، ثم ناب في وزارة [ص:987] الخلافة في سنة تسعين وخمسمائة، وسار بعسكر الخليفة، ففتح البلاد هَمَذَان، وإصبهان، وحاصر الرّيّ، وبيَّن، وصارت له هيبة فِي النّفوس، فلمّا عاد وُلي الوزارة. ثُمَّ إنه خرج بالجيوش إِلَى هَمَذَان فتُوُفّي بظاهرها فِي رابع شعبان، وقد نيّف على السبعين.
وقد قرأ العربيَّة على أبي السّعادات هبة الله ابن الشَّجَري، وتنقّل فِي الخدم. وأقام بإصبهان مدَّة. ثُمَّ قدِم من إصبهان فرتِّب فِي ديوان الإنشاء. ولم يزل فِي عُلُوٍّ حَتّى ناب فِي الوزارة.
وأنشدوه قول المتنبّي:
قاضٍ إذا اشتبه الأمران عنَّ له ... رأيٌ يفصّل بين الماء واللَّبَنِ
فقال: أَنَا أفصل بين الماء واللبّن بأنْ أغمس البُردي فِيهِ ثُمَّ أعصره، فلا يُشرب إلّا الماء، ويخلص اللّبن.
وكان والد الوزير قصَّابًا أعجميًّا بسوق الثلاثاء ببغداد.
تُوُفّي الوزير بظاهر همَذان، فأُخفي موته ودُفن، وأركِب فِي مِحَفته قيصر العونيّ الأمير، وكان يشبهه، ثُمَّ طِيف به فِي الجيش تسكينًا. ثُمَّ ظهر الأمر، ونبشه خُوارزم شاه تكش، وحزَّ رأسه، ثم طاف به على رمح فِي بلاد خُراسان.
قال ابن النّجّار: لو مُدَّ له فِي العُمر لكان لعلَه يملكُ خُراسان. وكان فِيه من الدهاء وحسن التدبير والحِيَل ما يعجز عَنْهُ الوصْف، مع الفضل والأدب والبلاغة.
وهو القائل يرثي ولده:
وَإِذَا ذكرتُك وَالَّذِي فعل البِلَى ... بجمال وجهك جاء ما لا يُدفّعُ
عاش مؤيّد الدّين بضْعًا وسبعين سنة.(12/986)
100 - مُحَمَّد بْن مالك بْن يوسف بْن مالك. أبو بَكْر الفِهريّ، الشَّرِيشيّ. [المتوفى: 592 هـ]
سمع من شُرَيح بن محمد " "صحيح البخاري" " ومن أَبِي القاسم بْن جَهور " مقامات الحريريّ "؛ ومن " العلامة أبي بكر ابن العربيّ. وجماعة.
قال الأَبّار: وكان حافظًا لمذهب مالك، بصيرًا بالشُّروط.
حَدَّثَنَا عَنْهُ: [ص:988] بسّام بن أَحْمَد، وأبو سُلَيْمَان بْن حَوط اللَّه.
وقد وُلد سنة إحدى عشرة وخمسمائة.
وتُوُفّي سنة اثنتين أو ثلاثٍ وتسعين.(12/987)
101 - مُحَمَّد بْن معالي بْن مُحَمَّد، أبو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ ابن شِدقَيني. [المتوفى: 592 هـ]
سمع عليّ بْن عَبْد الواحد الدِّينَوَريّ، وأحمد بْن كادش، وهبة اللَّه بْن الحُصَين، وهبة اللَّه بْن الطّبر، وجماعة. وكان عارفًا بتعبير الرؤيا.
روى عَنْهُ ابن خليل والدُّبيثي، وقال: كان فِي تسميعاته فِي شيء اسمه مُحَمَّد وَفِي شيء، أبو مُحَمَّد، وقد سمّاه أبو المحاسن القُرَشيّ فِي معجمه أبو الفضل.
تُوفي فِي سلْخ ربيع الآخر، وله اثنتان وثمانون سنة.(12/988)
102 - مُحَمَّد بْن يحيى بْن عليّ بْن الْحَسَن، أبو الْحَسَن بْن أَبِي البقاء الهَمَذاني الأصل، الْبَغْدَادِيّ، المؤدّب. [المتوفى: 592 هـ]
ولد سنة ثلاث عشرة وخمسمائة. وسمع من زاهر الشَّحّاميّ، وثابت بْن مَنْصُور الكِيليّ، وغيرهما.
وكِيل قرية على دُجَلة مسيرة يوم من بغداد من جهة واسط، ويقال فيها جِيل، كما قيل جيلان وكيلان.
تُوفي سنة إحدى أو اثنتين وتسعين. وكان شيخًا صالحًا، أديبًا، فاضلًا. سمع منه القدماء.
قال ابن النّجّار: لم أر للمتأخّرين عليه سماعًا فلعلّهم لم يعرفوه، وقد رَأَيْته. وقال لي ولده إِسْمَاعِيل: إنّه تُوفي فِي سادس المحرَّم سنة اثنتين.(12/988)
103 - مُحَمَّد بْن أَبِي عَلِيّ بْن أَبِي نصْر فخر الدّين، أبو عَبْد اللَّه النَّوقَاني، الفقيه الشافعيّ، الأصُولي. [المتوفى: 592 هـ]
تفقّه بخُراسان عَلَى الْإِمَام مُحَمَّد بْن يَحْيَى صاحب الغزاليّ، وبرع فِي المذهب، ودرّس، وناظرَ، وقدِم بغداد، وتردّدت إليه الطّلبة، وتخرَّج به جماعة.
وكان عنده طلب لمدرسة النّظامية، فأنشأت والدة النّاصر لدين اللَّه [ص:989] مدرسةً وجعلته مدرّسها، وخلعوا عليه، وحضر عنده الأعيان، فألقى أربعة دروس، وأعاد له الدَّرسَ ولدُه.
وحجّ وعاد فتُوفي بالكوفة فِي ثالث صَفَر.
وكان شيخًا مَهِيباً، له يدٌ طُولَى فِي التفسير، والفِقه، والجَدَل، والمنطق، مع ما هو فيه من العِبادة والصّلاح.(12/988)
104 - الْمُبَارَك بْن الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، أبو الفتح الواسطيّ، البَرجُوني، الْمُقْرِئ المعروف بابن باسوَيه. [المتوفى: 592 هـ]
وُلِد سنة عشرين وخمسمائة. وقرأ بالروايات على أَبِي البركات مُحَمَّد بْن أَحْمَد المَزرَفيّ، وأبي الفتح الْمُبَارَك بْن أَحْمَد الحدّاد، وأبي يَعلَى مُحَمَّد بْن تُركان. وقدِم بغداد فقرأ القراءات على أَبِي الفتح عَبْد الوهاب بْن مُحَمَّد بْن الصّابونيّ. وسمع من أحمد ابن المقرب. وحدث ببلده وأقرأ. وهو والد تقيّ الدين عليّ نزيل دمشق.
تُوُفي فِي شعبان.(12/989)
105 - الْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك بْن هبة اللَّه بْن بكْري، أبو المعالي الحريمي. [المتوفى: 592 هـ]
روى عن أبي غالب ابن البنّاء، وأبي منصور القّزاز، وأحمد بن علي ابن الأشقر. وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى.(12/989)
106 - محمود بْن القاسم الحريمّي الوزّان. عُرِف بابن باذِنجانَة. سمع أَبَا البدر الكَرخي. وحدَّث. [المتوفى: 592 هـ]
تُوفّي فِي المحرَّم أو صَفَر.
روى عَنْهُ ابن الدّبيثي.(12/989)
107 - محمود بْن الْمُبَارَك بْن أَبِي القاسم عليّ بْن الْمُبَارَك، الْإِمَام أبو القاسم الواسطيّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الشّافعيّ، الفقيه، المنعوت بالمُجِير. [المتوفى: 592 هـ]
تفقَّه بالنّظاميَّة على أَبِي مَنْصُور الرّزّاز، وأبي نصر الْمُبَارَك بْن زوما. وقرأ علم الكلام على أَبِي الفتوح محمد بن الفضل الإسفراييني، وعلى أَبِي جَعْفَر عَبْد السّيّد بْن عليّ ابن الزَّيتُوني. وتقدَّم على أقرانه. وكان المُشار إليه فِي وقته. تخرَّج به خلْق. وكان من أذكياء العالم.
وُلِد سنة سبع عشرة وخمسمائة. وسمع من أبي القاسم بن الحصَين، وأبي بكر الأنصاري، وأبي القاسم ابن السَّمَرقَندي، وجماعة. وحدَّث ببغداد، وواسط، وأعاد فِي شبيبته للإمام أَبِي النّجيب السُّهرُوَرديّ بمدرسته. وسار إِلَى دمشق، ودرّس بها وناظر، واستدلّ؛ وتخرَّج به جماعة. ثمّ رجع ودرّس بشِيراز، وبعسكر مُكرَم، وواسط. ووُلَي تدريس النّظاميَّة ببغداد، وخُلِع عليه خِلعة سوداء، بطَرحة، وحضر درسَه العلماءُ وأرباب الدّولة كلَهم، وكان يومًا مشهودًا. ونُفِّذ رسولًا إِلَى هَمَذان، فأدركه أَجَلُه بها.
قال أبو عَبْد اللَّه الدُّبيثي: برع فِي الفقه حتّى صار أوحد زمانه، وتفرَّد بمعرفة الأصول والكلام. قرأت عليه بواسط عِلم الأصول، وما رَأَيْت أجمع لفنون العِلم منه، مع حُسن العبادة. قال: وخرج رسولًا إِلَى خُوارزم شاه إِلَى إصبهان، فمات فِي طريقه بهَمَذَان فِي ذي القعدة.
وقال الموفَّق عَبْد اللّطيف: وكان بالنّظاميَّة المُجِير الْبَغْدَادِيّ، وكان ضئيلاً، طُوالاً، ذكياً، دقيق الفَهم، غوّاصًا على المعاني، غير منفعلٍ عند المناظرة يُعِدّ لها كل سلاح، ويستعمله أفضل استعمال. وكان يشتغل فِي الخفْية بالهندسة، والمنطق، وفنون الحكمة على أَبِي البركات اليهوديّ كان، ثمّ أسلم فِي آخر عمره وعمي، وكان يُملي عليه وعلى جماعة، منهم ابن الدّهّان المنجّم، ومنهم والدي، ومنهم المهذَّب ابن النّقاش كتاب " المعتبر " له. هذا حكاية ابن الدهّان لي بدمشق. وكان شيخًا فاضلًا، بنى له نور الدّين المارِستان [ص:991] بدمشق، ونشر بها عِلم الطّبّ. وكان بين المُجِير وبين ابن فضلان مناظرة كمحاربة، وكان المُجير يقطعه كثيرًا. ثمّ إن ابن فضلان شنَّع عليه بالفلسفة، فخرج إِلَى دمشق، واتّصل بامرأةٍ من بنات الملوك، وبُنيت له مدرسة جاروخ، واستخلص من المرأة جوهرًا كثيرًا، فكثُر التّعصُّب عليه، فتوجَّه إِلَى شيراز، وبنى له ملِكها شرفُ الدين مدرسة، فلمّا جاءت دولة ابن القصّاب أحضره إِلَى بغداد، وولّاه تدريس النّظاميَّة، ويوم ألقى الدّرس كان يومًا مشهودًا، فدرَّس بها أسبوعًا. وسُيِّرَ فِي الرسالة فلم يرجع. وحضر مرةً بدمشق مجلس المناظرة بحضرة القاضي كمال الدّين الشَّهرَزوريّ، فجاء الصُّوفيّة ولهم ذُقون وعليهم ذلوق، فارتفعوا على الفقهاء، فأنفوا وقصدوا أذاهم ففوَّضوا الأمر إِلَى المُجير، فاستدلّ فِي مسّ الذَّكَر، فقال فُضُوليُّ: لا ينتقض الوضوء بلمْسه قياسًا على الصُّوفيّ. فسألوه البيان. فقال: إنّ الصُّوفي يُطرق حتى يُطرقُ الباب فيثب ويقول: فُتُوح، ويقع نظر الرجل منهم على صورةٍ جميلةً قيثب من وسطه ويقول: فُتُوح. فاستحيا الصُّوفيّة ونهضوا. وكان أجدلَ أَهْل زمانه فِي سكونٍ ظاهر، وقلّة انزعاج.
روى عنه ابن خليل في " معجمه ". وروى ابن النّجّار فِي " تاريخه " عن ابن خليل، عَنْهُ.(12/990)
108 - مَسْعُود بْن أَبِي الفضائل محمود بْن خَلَف بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد، أبو المعالي العِجليّ، الإصبهاني. [المتوفى: 592 هـ]
أخو المنتجب أسعد الفقيه.
سمع أبا نهشل عبد الصّمد العنبريّ. وعنه يوسف بن خليل، وقال: تُوفّي في صَفَر.(12/991)
109 - نصر بْن عليّ بْن أَحْمَد، أبو طَالِب ابن النّاقد البغدادي. [المتوفى: 592 هـ]
روى عن سعيد ابن البنّاء. وتُوُفي فِي الثامن والعشرين من جُمادى الآخرة.(12/991)
110 - نفيس بْن عَبْد الجبار بْن أَحْمَد بْن شِيشُويه، أبو صالح الحربيّ، الضّرير. [المتوفى: 592 هـ][ص:992]
سمع من عَبْد الوهاب الأنْماطي، وعبد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يوسف. روى عَنْهُ ابن خليل، وغيره.
تُوفي في شوّال.(12/991)
111 - هبة اللَّه بْن مَسْعُود بْن الْحَسَن، أبو القاسم ابن الزّقطَر الباذبيني، التّاجر. [المتوفى: 592 هـ]
روى عن أَبِي غالب ابن البنّاء، وأبي الفضل الأرمَوي، وغيرهما. وعنه ابن خليل.
تُوفي فِي صَفَر.(12/992)
112 - يحيى بن عبد الجليل بن مُجبّر، أبو بَكْر، ويقال أبو زكريّا، الفِهري، الأندلسيّ، الإشبيليّ. شاعر الأندلس بلا مُدافعة. [المتوفى: 592 هـ]
قد ذكرتُه فِي سنة بضع وثمانين، ثم وجدتُ تاجَ الدّين بْن حَمُّوَيْه قد ذكر أنّه لم يلْحقه، وذكر أنّ له قطعة في وقعة الزّلاقة سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، ثم ساق له قصائد مُؤنِقَة.(12/992)
113 - يحيى بْن عليّ بْن طِراد بْن الحُسين، أبو فراس الْبَغْدَادِيّ، الحريميّ، المعروف بابن كَرسَا. [المتوفى: 592 هـ]
حدَّث عن هبة اللَّه بْن الحُصَين. وعنه ابن خليل، والدُّبيثي.
تُوفي في مستهل شهر رمضان.(12/992)
114 - يحيى بْن مُروءة بْن بركات، أبو الحسين ابن الجمّال الأزْديّ، المصريّ. [المتوفى: 592 هـ]
روى عن ظافر بْن القاسم الحدّاد قطعةً من شِعره. وعنه الحافظ عليّ بْن المفضّل.
والجمّال: بجيم والتّشديد. تُوفي فِي جُمادى الأولى.(12/992)
115 - يوسف بْن عَبْد اللَّه بْن يوسف بْن أيّوب بْن موهوب، أبو الحَجّاج الفِهري، الأندلسيّ، الدّانيّ، وقيل الشّاطبيّ، [المتوفى: 592 هـ]
نزيل بَلَنسِية.
وُلِد سنة ستّ عشرة وخمسمائة، وأجاز له أبو مُحَمَّد بْن عتّاب. وتفقّه بأبي محمد عبد الواحد بن بَقِيّ. وسمع من أبيه، وأبي بكر بْن برنجال. وأخذ القراءات عن أَبِي عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الدّاني، وأبي عَبْد اللَّه المكناسيّ. وأخذ العربيَّة عن أَبِي العبّاس بْن عامر.
ذكره الأَبّار فقال: كان من أَهْل العناية بالرواية والتّقدّم فِي الآداب. وكان إمامًا فِي معرفة الشُّرُوط، كاتبًا بليغاُ، شاعرًا. كتبَ للقُضاة، وناب فِي الأحكام. وتُوُفيّ فِي شعبان.
وقال غيره: أجاز له أيضًا الفقيه أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عليّ المازِريّ.(12/993)
116 - يوسف بْن معالي بْن نصر، أبو الحَجّاج الأطرابُلُسِي، ثُمَّ الدمشقيّ، الكتّاني المقرئ، البزّاز. [المتوفى: 592 هـ]
سمع من الأمير هبة الله ابن الأكفاني، وعلي بن قبيس المالكيّ، وجمال الْإِسْلَام الفقيه. روى عَنْهُ الحافظ الضّياء، وابن خليل، وأبو مُحَمَّد عَبْد الرَّحْمَن بن أبي الفَهم اليلدانيّ، والعماد عَبْد الحميد بْن عَبْد الهادي، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن والزَّين أَحْمَد بْن عَبْد الدّائم، وآخرون.
تُوفي فِي شعبان. وكان من الثّقات.(12/993)
-وفيها وُلد:
التقي يعقوب بْن أَبِي بَكْر الطّبَري، ثُمَّ المكّيّ فِي المحرَّم، والإمام محيي الدّين أبو القاسم مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن سُراقة الشَاطبيّ بها فِي رجب، وقُطب الدّين أَحْمَد بْن عَبْد السّلام بْن أَبِي عصرون بحلب فِي رجب، وكريم بْن أَبِي المُنَى عمّ الزّين خَالِد، أجاز له الصَّيدلانيّ، ومسعود بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن حَمُّوَيْه فِي ربيع الأول.(12/993)
-وفيات سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة(12/994)
117 - أَحْمَد بْن أسعد بْن وهْب الْبَغْدَادِيّ، ثُمَّ الهَرَوِيّ، الْمُقْرِئ، أبو الخليل بْن صُفَير. [المتوفى: 593 هـ]
قدِم بغداد وسمع بها من خَلَف بْن أَحْمَد، وصالح ابن الرّخْلة، وخديجة بِنْت النَّهرُوانيّ. وسمع بهَرَاة من نصْر بْن سَيار. وصحِبَ الشّيخَ عَبْد القادر.
تُوفي فِي شعبان.
والرِّخلة؛ بسكون الخاء.
وقد سافر إلى هَمَذَان فقرأ بالروايات أو ببعضها على الحافظ أبي العلاء، وبإصبهان. وكان له حُرمَة وافِرة بهَرَاة. كان صاحب البلد يزوره، ونَفَقَت سوقُه وعمل دكّانًا جيّدة. ثُمَّ بان مُحالُه وكَذبُه. ثُمَّ ردّ إِلَى بغداد وبها مات.(12/994)
118 - أَحْمَد بْن عليّ بْن عِيسَى بْن هبة اللَّه بْن الواثق بالله أبو جَعْفَر الهاشمي، العبّاسيّ، الواثقيّ، المقرئ. [المتوفى: 593 هـ]
سمع أبا غالب ابن البنّاء، وأبا البدر الكَرخيّ. وتُوُفّي فِي ذي القُعدة.
روى عَنْهُ ابن خليل. وكان أديبًا شاعرًا فاضلًا.(12/994)
119 - أَحْمَد بْن أَبِي الفائز بْن عَبْد المحسن ابن الكُبريّ البغداديّ، الشُّرُوطي، أبو الْعَبَّاس. [المتوفى: 593 هـ]
روى عن هبة الله بن الحُصَين، وأبي غالب ابن البنّاء. وعنه أبو عبد الله الدُّبيثي، وابن خليل.
تُوفي فِي جُمادى الآخرة، وله خمسٌ وثمانون سنة.(12/994)
120 - أحمد ابن الوزير مؤيد الدين محمد بن علي ابن القصاب [المتوفى: 593 هـ][ص:995]
ناب فِي الوزارة عن أَبِيهِ حين سار بالجيوش أَبُوهُ إِلَى خوزستان.
تُوفي فِي هَذَا العام.(12/994)
121 - إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، أبو إِسْحَاق الْبَغْدَادِيّ، البزّاز. ويُعرف بابن حسّان. [المتوفى: 593 هـ]
سمع أَبا الدُّرّ ياقوت بْن عَبْد اللَّه التّاجر، وأحمد ابن المقرَّب. وحدَّث.
تُوفي فِي ذي الحجَّة.(12/995)
122 - إبراهيم بن عبد الواحد بن علي، أبو إِسْحَاق المَوصليّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 593 هـ]
حدَّث عن أَبِي الفضل الأرمَوِي، وغيره. تُوفي فِي حدود هَذَا العام، قاله المنذريّ.(12/995)
123 - الحَسَن بْن عليّ بْن حمزَة بْن مُحَمَّد بْن الحَسَن بْن مُحَمَّد بْن عليُّ بْن مُحَمَّد بْن يحيى بْن الحُسَين بْن زَيد بْن عَلِيّ بْن الحُسَين بْن عَلِيِّ بْن أبي طالب النّقيب الطّاهر، أبو مُحَمَّد الهاشميّ، العَلَويّ، الحُسَينيّ، الزَّيدِيّ، المعروف بابن الأقسَاسِي. [المتوفى: 593 هـ]
أحد الرؤساء وسِنان صعْدة البُلَغاء، ونجم أُفق الأدباء. له النَّظم والنَّثر. سمع من الفضل بن سهل الإسفراييني الأثير. وحدَّث. وولى نقابة العلوييّن بالكوفة مدَّة، ثمّ ببغداد. وقد مدح الناصر لدين اللَّه.
والأقساس: قرية بالكوفة. فَمَنْ شِعره:
لو أنّني من سِحر لَحظك سالم ... لم أعصِ فيكَ وقد ألحّ اللاّئمُ
لكنّه ناجى فؤادًا هائمًا ... ولَقَلَّما أصغَى فؤادٌ هائمُ
اين الشّجِيُّ من الخَلِيّ فخِلّني ... لبلابلي اليَقظَى فسِرُّك نائمُ
وشِعره متوسط. [ص:996]
تُوفي فِي شعبان. وكان مولده سنة تسعٍ وخمسمائة.(12/995)
124 - الْحُسَيْن بْن الْحسن بْن أَحْمَد، أبو عَبْد اللَّه التّكْريتيّ، الْبَغْدَادِيّ، الصُّوفي. [المتوفى: 593 هـ]
وُلِد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة. وحدث بأناشيد.(12/996)
125 - الخاتون والدة السلطان الملك العادل سيف الدين أَبِي بَكْر بْن أيّوب. [المتوفى: 593 هـ]
تُوُفّيت بدمشق فِي ذي الحجّة بدارها المعروفة بدار العقيقيّ التي صارت ترُبة السّلطان الملك الظّاهر.(12/996)
126 - خاصّ بَك بن بزغش النّاصري الخليفي الأمير. [المتوفى: 593 هـ]
وُلّي القاهرة مدَّة طويلة.
وحجّ بالنّاس.
وتُوفي في جُمادى الآخرة.(12/996)
127 - صالح بْن عِيسَى بْن عَبْد الملك الفقيهُ الصّالح، أبو التقيّ المصريّ، المالكيّ، الخطيب. [المتوفى: 593 هـ]
قرأ القرآن على أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إبراهيم الكيزاني، وعلي بن عبد الرحمن نِفطُوَيه. روى عَنْهُ ولده الفقيه أبو مُحَمَّد عَبْد اللَّه. وكان صالحًا زاهدًا، لمّا زالت دولة العُبَيديّين كان يخرج إِلَى البلاد المصريَّة ويخطبُ بها، وينسخ ما كان بها من الأذان. بحيّ على خير العمل، ثمّ ينتقل إِلَى بلدٍ آخر احتساباً.(12/996)
128 - صَندَل الزمام الكبير، الأمير أبو الفضل الحَبَشيّ، المُقَتَفوي الخادم. [المتوفى: 593 هـ]
سَمِعَ من أَبِي الفتح ابن البَطِّيّ، وعليِّ بْن عساكر البطائحيّ. وحدَّث. وكان يلقَّب عماد الدّين. فِيهِ ذكاء وفِطنة وعقل. وُلي أستاذيَّة الدّار للخلافة المُسَتَضوِية، فلمّا بويع النّاصر كان صَندَل قد كبر وضعُف، وطلب أذْنًا [ص:997] بالانقطاع فِي تُربةٍ له، ففُسِح له. وتُوُفّي في ربيع الأول.(12/996)
129 - طغتكين ابن نجم الدِّين أيُوب بْن شاذي بْن يَعْقُوب بْن مروان. الدُّوَيْنيّ الأصل، ظهير الدّين، الملك الْعَزِيز سيف الْإِسْلَام صاحب اليمن، [المتوفى: 593 هـ]
أخو السّلطان صلاح الدين.
كان أخوه قد سيَّره إِلَى بلاد اليمن بعد أَخِيهِ شمس الدّولة، فملكها واستولى على كثيرٍ من بلادها فِي سنة سبْعٍ وسبعين.
وكان شجاعًا، محمود السّيرة، مع ظُلمٍ. وكان قد أَخَذَ من نائبيَ أَخِيهِ ابن مُنْقِذ، وعثمان الزَّنْجيليّ أموالًا عظيمة بالمرَّة. وكان مِمَّا كثُر الذَّهب عنده يسبكه ويجعله كالطّاحون. وكان حَسَن السيّاسة، مقصودًا من البلاد. سارَ إليه شرف الدّين بْن عُنَين ومدَحه فأحسن إليه، وخرج من عنده بذهبٍ كثير ومتاجر، فقدِم مصر، فأخذ منه ديوان الزّكاة ما على متجره، والسّلطان يومئذٍ الْعَزِيز عُثْمَان، فعمل:
ما كلُّ من يتسمَّى بالعزيز لها ... أهلٌ ولا كلُّ برْقٍ سُحْبُهُ غَدِقَهْ
بين العَزيزَيْن بَوْنٌ فِي فَعَالهما ... هذاك يُعطي، وهذا يأكل الصَدَقَهْ
تُوُفّي سيف الْإِسْلَام فِي شوّال بالمنصورة، مدينة أنشأها باليمن، وقام بالمُلك بعده ابنه إِسْمَاعِيل الّذي سفك الدّماء، وادَّعى أنّه أُمَويّ، ورام الخلافة وتلقَّب بالهادي، وكان شَهْمًا، شجاعًا طيّاشًا، وكان أَبُوهُ يخاف منه، وقد وفد على عمّه السّلطان صلاح الدّين قبل موته بأيّامٍ، ثمّ رجع إِلَى اليمن، فأدركتْه وفاةُ أَبِيهِ، وقد قارب تَعِز، فتسلَّم اليمن.(12/997)
130 - طَلْحَةُ بْن مظفَّر بْن غانم، أبو مُحَمَّد العراقيْ، العَلْثي الحنبليّ، الزّاهد. [المتوفى: 593 هـ]
تفقّه ببغداد على الْإِمَام أَبِي الفتح ابن المني، وغيره. وسمع من أبي الفتح ابن البَطّيّ، ويحيى بْن ثابتٍ، وأحمد بْن الْمُبَارَك المُرَقَّعَانيّ، وطائفة. وعُني بالحديث، وحصّل، وقرأ على ابن الجوزي أكثر مصنَّفاته. ثُمَّ انقطع فِي زاويته بالعَلْث، وأقبل على العبادة وتعليم العِلم، وأقبل النّاس عليه، وصار له [ص:998] أتباع، واشتهر اسمه وكان من الثّقات رضي الله عنه.
روى عَنْهُ يوسف بْن خليل، وجماعة. وتُوُفّي فِي ثالث عشر ذي الحجَّة، وله جماعة أولاد. وهو ابن عمّ الزّاهد إِسْحَاق العَلْثيّ.(12/997)
131 - عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن هبة اللَّه، أبو مُحَمَّد الأُرْسُوفيّ، ثُمَّ الْمَصْرِيّ، الشّافعيّ، التّاجر. [المتوفى: 593 هـ]
كان كثير المال، غزير الأفضال، وافر البِرّ والمعروف.
وأُرْسُوف: بضمّ أوّله.(12/998)
132 - عَبْد اللَّه بْن مَنْصُور بْن عِمران بْن ربيعة، أبو بَكْر الرَّبَعيّ، الْمُقْرِئ، الواسطيّ، المعروف بِابن الباقِلّانيّ. [المتوفى: 593 هـ]
شيخ العراق.
وُلِد فِي المحرَّم سنة خمسمائة. وقرأ القراءات على أَبِي العِزّ القلانِسيّ، وهو آخر أصحابه. وعلى عليّ بْن عليّ بْن شيران، وأبي مُحَمَّد سِبْط الخيّاط. وسمع منهم، ومن أَبِي عليّ الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم الفارقيّ، وخميس الحَوْزيّ، وأبي الكرم نصر اللَّه بْن الجلَخْت، وأبي عَبْد اللَّه البارع، وأبي العزّ بْن كادش، وأبي القاسم بْن الحُصَيْن، وأبي بَكْر المَزْرَفيّ، وجماعة.
روى عَنْهُ تاج الْإِسْلَام، أبو سعد السمعاني، وأبو القاسم ابن عساكر أناشيد، وماتا قبله بدهر.
وقد ذكره ابن عساكر فِي "تاريخه" فقال: شابٌ قدِم دمشق وأقرأ بها، وكان قد قرأ على القلانسي. وقرأ عليَّ كتاب الغاية لابن مهران، وتفسير الواحديّ الوسيط.
قال: ورأيت له قصيدةً مدَح بها بعض النّاس بدمشق يقول:
بِأّيِّ حُكْمٍ دمُ العُشّاق مطْلُولُ ... فَلَيْس يُودَى لهم فِي الشّرعِ مقتول
ليت البَنَان الّتي فيها رأيتُ دمي ... يُرى بها لي تقليبٌ وتقبيلُ
قلت: وقرأ عليه بالقراءات التقي أبو الحسن بن باسويه، والمرجى بْن شُقَيْرة التّاجر، وأبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن سعيد الدبيثي، والحسن بن أبي الحسن [ص:999] ابن ثابت الطيبي، والعلامة أبو الفرج ابن الجوزيّ، وولده الصّاحب محيي الدّين يوسف، وخلْق سواهم. وازدحم عليه الطَّلبة وقصدوه من النّواحي. لكن قد ضعّفه غير واحد.
قَال ابن نقطة: حدث بسنن أبي داود، عن أَبِي عليّ الفارقيّ، وسمعه منه فِي سنة ثمان عشرة وخمسمائة. قال: وحدثني أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الْحَسَن الواسطيّ ابن أخت ابن عبد السميع، وكان ثقة صالحًا، قال: سمعت منه السُّنَن وسماعه فِيهِ صحيح.
قال: وكان قد قرأ على القلانِسيّ بكتاب الإرشاد وقراءته به صحيحة، وما سوى ذلك فإنه كان يزوّره.
قال ابن نُقْطة: وقال لي أبو طَالِب بْن عَبْد السّميع: كان ابن الباقِلّانيّ يسمّع كتاب مناقب عليّ، عن مؤلّفه أَبِي عبد الله ابن الجلابي، فقال: في نسخة ليست موجودة بواسط، يعني سماعه. فقلت له: إنّ النُّسَخ بها مختلفة تزيد وتنقص. فلم يزل يُسمّعها من أيِّ نسخةٍ كَانَتْ.
وقد ضعّفه الدُّبيثيّ فقال: انفرد برواية العشرة عن أَبِي العِزّ، وادّعى رواية شيءٍ آخر من الشّواذ عن أَبِي العِزّ، فتكلَّم النّاس فِيهِ، ووقفوا فِي ذلك، واستمرّ هُوَ على روايته للمشهور والشّاذّ شَرِهًا منه. قال: وكان حَسَن التلاوة، عارفًا بوجوه القراءات. وتُوُفّي فِي سلْخ ربيع الآخر. وأقرأ النّاسَ أكثر من أربعين سنة. قال: وسمعت أَبَا طَالِب عَبْد المحسن بْن أَبِي العميد الصُّوفيّ يقول: رَأَيْت في المنام بعد وفاة ابن الباقِلّانيّ كأنّ شخصًا يقول لي: صلّى عليه سبعون وليًّا لله.
قلت: آخر من مات من تلامذته الشّريف الدّاعي.(12/998)
133 - عَبْد الخالق بْن الْمُبَارَك بْن عِيسَى، أبو الفَرَج ابن المزيّن الْبَغْدَادِيّ، القارئ. [المتوفى: 593 هـ][ص:1000]
سمع من أَبِي الحُسَيْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد ابن الفرّاء. وكان معمّرًا عاش نَيِّفًا وتسعين سنة.(12/999)
134 - عَبْد الكريم بْن يحيى بْن شُجاع بْن عَبَّاس، أبو مُحَمَّد القَيْسيّ الدَّمشقيّ، المعروف بابن الهادي. [المتوفى: 593 هـ]
سمع عَبْد الكريم بْن حَمْزَة، ويحيى بْن بطْريق. روى عَنْهُ يوسف بْن خليل، والعماد علي ابن عساكر، وجماعة.
ويقال له: كرم.
تُوُفّي فِي ثاني شعبان.(12/1000)
135 - عَبْد الكريم بْن يوسف بْن محمد، أبو نصر البغدادي، الحنفي، المعروف بابن الدّيناريّ. [المتوفى: 593 هـ]
وُلِد سنة سبْع عشرة وخمسمائة. وسمع من هبة اللَّه بْن الحُصَيْن. وحدَّث. وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى.
روى عَنْهُ ابن الدبيثي، وغيره.(12/1000)
136 - عبد الوهاب ابن الشَّيْخ عَبْد القادر بْن أَبِي صالح. الفقيه أبو عَبْد اللَّه الجيلّي، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الأزَجيّ، الواعظ الحنبلي. [المتوفى: 593 هـ]
ولد سنة ثنتين وعشرين وخمسمائة. وسمع من أَبِي الفضل الأُرْمَوِيّ، وأبي غالب ابن البناء، وولده سَعِيد بْن أَبِي غالب، وأبي مَنْصُور بْن زُرَيق القزّاز، ومحمد بْن أَحْمَد بْن صرما. وتفقّه على والده، ودرّس بعده بمدرستهم، وحدَّث ووعظ وأفتى وناظَرَ، وروسل من الدّيوان الْعَزِيز. وكان أديبًا ظريفًا، ماجنًا، خفيفًا على القلوب.
روى عنه الدبيثي، وابن خليل. وجماعة.
وولّاه النّاصر لدين اللَّه المظالم، وبنى تربة الخلاطيَّة.
قال أبو شامة: قيل له يومًا في مجلس وعظه: ما تقول في أهل البيت؟ [ص:1001]
قال: قد أَعْموني. وكان أعمش. أجابَ عن بيتِ نفسه. وقيل له يومًا: بأيّ شيء يُعرف المُحِقّ من المُبْطِل؟ قال: بلَيْمُونَة. أجاب عمّن يخضِب، أي بلَيْمُونَة، يزول خِضَابُه.
وقال ابن البُزُوريّ: وعظ مرَّةً، فقال له شخص: ما سمعنا مثل هَذَا. فقال: لا شكّ يكون هذيان.
توفي في شوال.(12/1000)
137 - عبد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الملك، أبو الْحُسَيْن بْن قزمان، القُرْطُبيّ. [المتوفى: 593 هـ]
سمع من أَبِيهِ القاضي أَبِي مروان. وسمع "صحيح البخاري" من أبي جعفر البطروجي. وأجاز له أبو محمد بن عتاب، وأبو بحر الأَسَديّ. وولي القضاء بكور قُرْطُبة. وكان بصيرًا بالأحكام، أديبًا، شاعرًا، بارع الخطّ.
سمع منه أبو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه قبل الثّمانين.
واختبل قبل موته بمدَّة.
تُوُفّي سنة ثلاثٍ أو أربعٍ وتسعين. ذكره الأبّار.(12/1001)
138 - عُبَيْد اللَّه بْن يُونُس بْن أَحْمَد، أبو المظفَّر الأزَجيّ، الْبَغْدَادِيّ، الوزير جلال الدّين. [المتوفى: 593 هـ]
تفقَّه على أَبِي حكيم إِبْرَاهِيم بْن دينار النّهْروانيّ. وقرأ الأُصُول والكلام على أَبِي الفَرَج صَدَقة بْن الْحُسَيْن. وسمع أَبَا الوقت، ونصر بْن نصْر العُكْبَرِيّ. وسافر إِلَى هَمَذَان، فقرأ القراءات أو بعضها على الحافظ أَبِي العلاء، ثُمَّ داخَلَ الدّولة إِلَى أن رُتِّب وكيلًا لوالدة الخليفة، ثُمَّ ترقّى أمره، وعظُم قدْره، إِلَى أنْ ولي وزارة الناصر لدين اللَّه فِي سنة ثلاثٍ وثمانين. ثمّ سار بالجيوش المنصورة لمناجزة طُغْرِيل بْن أرسلان السَّلْجوقيّ، وعمل معه مُصَافًّا، فانكسر الوزير وانجفل جَمْعُه وأُسِر، وحُمِل إِلَى هَمَذَان، ثُمَّ إِلَى أَذَرْبَيْجان. ثُمَّ تسحّب فجاء إِلَى الموصل، ثُمَّ إِلَى بغداد متستّرًا، ولزِم بيته مدَّةً، ثُمَّ بعد مدة ظهر، فرتب ناظرًا للخزانة، ثم نقل إلى الأستدارية، وذلك في سنة سبع وثمانين، [ص:1002] وصار كالنّائب فِي الوزارة. فلمّا وُلّي ابن القصّاب الوزارة سنة تسعين قبض على جلال الدّين ابن يُونُس وسجنه. فلمّا مات ابن القصّاب عام أوّلٍ، نقلوا ابن يُونُس إِلَى دار الخلافة، وحُبِس فِي مطمورة، وكان آخر العهد به.
قال أبو عَبْد اللَّه بْن النّجّار: كان يعرف الكلام. صنَّف كتابًا فِي الأصول والمقالات، وسمعه منه الفضلاء. وسمع منه الحديث: عبد العزيز بن دلف، وأبو الحسن ابن القَطِيعيّ. ولم يكن فِي ولايته محمودًا. قيل: مات فِي صَفَر فِي السِّرْداب، ودُفِن به.(12/1001)
139 - عَذراء بِنْت شاهنشاه بْن أيّوب بْن شاذي. الخاتون الجليلة [المتوفى: 593 هـ]
صاحبة العذراوية، وأخت عزّ الدّين فَرُّوخشاه.
تُوُفّيت فِي أوّل العام، ودُفِنت بتُربتها فِي مدرستها داخل باب النّصر.
وهي عمَّة الملك الأمجد البَعْلَبَكِّيّ.(12/1002)
140 - عَليّ بْن أَبِي بَكْر بْن عَبْد الجليل. العلّامة، شيخ الحنفيَّة، برهان الدّين المَرْغِينَانيّ، الحنفي، [المتوفى: 593 هـ]
صاحب كتابي الهداية والبداية في المذهب.
توفي ليلة الثلاثاء لأربع عشرة ليلةٍ خَلَت من ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة.(12/1002)
141 - عليّ بْن خليفة بْن عليّ، أبو الْحَسَن ابن المُنقَّى، الْمَوْصِلِيّ، النَّحويّ. [المتوفى: 593 هـ]
كان زاهدًا، ورِعًا، صالحًا. أقرأ بالعربية مدَّةً، وله شِعْر حَسَن، ومقدّمة نحو. وتخرَّج به خلْق من أَهْل الموصل. وكان مع دينه يهجو بالشِّعر.(12/1002)
142 - عليّ بْن علي بْن أَبِي البركات هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَحْمَد. قاضي القُضاة، أبو طَالِب ابن البخاري، البغدادي، الفقيه الشافعي. [المتوفى: 593 هـ]
ولد سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وتفقه على العلّامة أَبِي القَاسِم يَحْيَى بْن فَضْلان. وسَمِعَ من أَبِي الوقت، وغيره. [ص:1003]
وخرج أَبُوهُ قاضيًا إِلَى بعض بلاد الروم، فسافر معه وأقام هناك. فلمّا تُوُفّي أَبُوهُ وُلّيَ هُوَ القضاء. ثُمَّ إنّه عُزِل فسار إِلَى الشّام، ثمّ عاد إِلَى بغداد بعد عشرين سنة، فأُكْرِم مورده، وزِيد فِي احترامه. ثمّ إنّه وُليّ قضاء القُضاة سنة اثنتين وثمانين. ثُمَّ ناب فِي الوزارة مع القضاء مديدة، ثم عزل عنهما، ثمّ أُعيد إِلَى قضاء القُضاة سنة تسعٍ وثمانين. وتُوُفّي فِي جُمادى الآخرة.(12/1002)
143 - علي بْن مُحَمَّد بْن حَبْشيّ، بفتح الحاء ثمّ سكون الباء، أبو الْحَسَن الأَزَجيّ الرّفّاء. [المتوفى: 593 هـ]
روى عن أَبِي سعْد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ. وتُوُفّي فِي المحرَّم.(12/1003)
144 - عليّ بْن مُوسَى بْن عليّ بْن مُوسَى بْن مُحَمَّد بْن خَلَف، أبو الحسن ابن النَّقَرات الأنصاريّ، السّالمّي، الأندلسيّ، الْجَيّاني، [المتوفى: 593 هـ]
نزيل مدينة فاس.
أَخَذَ القراءات عن أَبِي عليّ بْن عَريب، وأبي العّباس بْن الحُطَيْئة، وعبد اللَّه بْن مُحَمَّد الفِهْريّ. وحدث عَنْ أَبِي عَبْد الله ابن الرمامة، وأبي الْحَسَن اللّواتي. وأقرأ النّاس، ووُلّي خطابة فاس. وأكثر عنه أبو الحسن ابن القطّان.
وإليه يُنسب الكتاب الموسوم بشذور الذَّهَب فِي الكيمياء.
وقد ذكره التُّجَيْبِيّ ووصفه بالزُّهْد والصّلاح والورع. وقال: وُلِد سنة خمس عشرة وخمسمائة. وعاش إِلَى هَذَا العام.(12/1003)
145 - عُمَر بْن مُحَمَّد بْن عليّ، أبو حَفْص الْبَغْدَادِيّ، القزّاز. ويُعرف بابن العُجَيْل. [المتوفى: 593 هـ]
حدَّث عن هبة اللَّه بْن الحُصَيْن. وكان رجلًا صالحًا.
تُوُفّي فِي صَفَر.(12/1003)
146 - عمر بن أبي المعالي. البغدادي، الكميماتي، الزَّاهد. [المتوفى: 593 هـ]
صاحب الشّيخ عَبْد القادر. [ص:1004]
ذكره المحب ابن النّجّار فقال: كان صالحًا، منقطعًا عن الناس، مشتغلًا بما يعنيه. كَانَتْ له حلقة بجامع القصْر بعد الجمعة. يجتمع حوله النّاس، ويتكلّم عليهم بكلامٍ مفيد. وكان له أتباع وأصحاب وَقَبُولٌ. تُوُفّي فِي صَفَر، وقد جاوز السبعين. وبَنَت والدةُ الخليفة على قبره قُبَّة.(12/1003)
147 - عِيسَى ابن الشيخ عبد القادر بن أبي صالح الجيلي، أبو عَبْد الرَّحْمَن [المتوفى: 593 هـ]
نزيل مصر.
سمع أَبَاهُ. وبدمشق عليّ بْن مهديّ الهلالّي. ووعظ بمصر، وحصل له قَبُولٌ. روى عَنْهُ حَمْد بْن ميسرة. وتوفي في رمضان.(12/1004)
148 - فايز بْن دَاوُد بْن بركة. أبو الفايز وأبو المظفّر النّهْروانيّ، الأَزَجيّ. [المتوفى: 593 هـ]
وُلِد سنة ثمانٍ وخمسمائة. وسمع من إبراهيم بن أحمد بن مالك العاقوليّ، وأبي الفضل الأُرْمَوِيّ، وأبي المعمّر الْمُبَارَك بْن أَحْمَد. وحدَّث.(12/1004)
149 - فتيان بْن مُحَمَّد بْن عليّ الخيّاط. حدَّث بالموصل عن أَحْمَد بْن هشام الطوسي. [المتوفى: 593 هـ]
توفي في ذي الحجة.(12/1004)
150 - محمد ابن الفقيه أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي العز الْمُبَارَك بْن بَكْرُوس، أبو بَكْر الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 593 هـ]
سمع أبا محمد ابن الخشّاب، وجماعة. وتُوُفّي شابًّا رحمه اللَّه.(12/1004)
151 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن يحيى بْن زَيْدِ بْن ناقة، أبو مَنْصُور الكوفيّ، المعدّل. [المتوفى: 593 هـ]
سمع أَبَاهُ. وحدَّث. وتُوُفّي ببغداد فِي جُمادى الآخرة.(12/1004)
152 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الباقي بْن أحمد ابن النَّرْسِيّ، أبو مَنْصُور العدل الْبَغْدَادِيّ، المحتسب. [المتوفى: 593 هـ]
تُوُفّي فِي ذي القعدة عن سبعين سنة.
روى عن جده، وعن هبة الله ابن الطَّبر، وجماعة. روى عنه عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخبّاز، وغيره.(12/1005)
153 - مُحَمَّد بْن حسن بْن عطيَّة الأنصاريّ، الجابريّ، جَابِر بْن عَبْد اللَّه، أبو عبد الله السبتي. [المتوفى: 593 هـ]
سمع فأكثر عن القاضي عِياض. وسمع من جدّه لأمّه سليمان بن يسع تسع الخطيب، والحسن بْن سهْل الخُشنيّ. وجماعة.
قال الأَبّار: كان من الثّقة والأمانة والعدالة بمكان. ولي القضاء وعُني بعقد الشُّروط، وله حظ من النظم. حدث عَنْهُ من شيوخنا: أبو العبّاس العَزفيّ، وأبو بَكْر بْن محرز.
قلت: ومن آخر أصحابه مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الأَزْدي، السَّبْتيّ.(12/1005)
154 - مُحَمَّد بْن حَيْدَرة بْن عُمَر بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد. الشّريف أبو المعمّر بْن أَبِي المناقب العَلَويّ، الحُسَيْني، الزَّيْديّ، الكوفيّ. [المتوفى: 593 هـ]
ولُدِ سنة أربعٍ وخمسمائة بالكوفة، وبها مات فِي هَذَا العام تقريبًا. سمع من أَبِي الغنائم مُحَمَّد بْن عليّ النَّرْسيّ، وهو آخر من حدَّث عَنْهُ بالكوفة. ومن جده أبي البركات عُمَر بْن إِبْرَاهِيم، وأبي غالب سَعِيد بْن مُحَمَّد الثّقفيّ. روى عَنْهُ أَحْمَد بْن طارق، ويوسف بْن خليل، وغيرهما.
وقال تميم بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجيّ: إنّ أَبَا المعمّر كان رافضيًّا يتناول الصّحابة.(12/1005)
155 - مُحَمَّد بْن سيّدهم بْن هبة اللَّه بْن سرايا، أبو عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ، الدّمشقيّ، المعروف بابن الهَرّاس. [المتوفى: 593 هـ]
سمع جمال الْإِسْلَام السُّلَميّ، ونصر اللَّه المصّيصيّ، وهبة اللَّه بن [ص:1006] طاوس، والبهجة أَبَا طَالِب عليّ بْن عبد الرحمن الصوري. وأكثر عن الحافظ ابن عساكر.
ولد سنة اثنتين أو ثلاثٍ وخمسمائة. وقد ذكر أنه سمع من هبة اللَّه ابن الأكفانيّ. وهو والد أَبِي الفضل أَحْمَد بْن مُحَمَّد.
روى عَنْهُ الحافظ الضّياء، وابن خليل، والشّهاب إِسْمَاعِيل القُوصيّ، وطائفة. وأوّل سماعه سنة ست عشرة وخمسمائة. وتُوُفّي فِي ذي الحجَّة. وكان ثقة معمّرًا، يلقَّب مُهذَّب الدّين.(12/1005)
156 - مُحَمَّد بْن صَدَقة بْن محمد، أبو المحاسن البوشنجي، الكاتب، الأديب. [المتوفى: 593 هـ]
له شِعْرٌ بالعربية والعجميَّة. وسمع من القاضي أَبِي بَكْر الْأَنْصَارِيّ. وتُوُفّي فِي رمضان.
ووَزَرَ لأمير واسط ولغيره. وكان والده من كبار الكُتّاب، وكان هُوَ يلبس القميص والشَّربوش على قاعدة كُتّاب العَجَم، أبيض الرأس واللّحية.(12/1006)
157 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر، أبو السُّعود الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 593 هـ]
من بيت حشمة ورياسة، وولاية. وُلّي حجابة الحُجّاب. وتُوُفّي فِي رمضان وشيعه الأعيان.(12/1006)
158 - محمد ابن المحدّث أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن الْمُبَارَك بْن مُحَمَّد بْن مَشِّقْ، أبو نصر الْبَغْدَادِيّ، البيّع. [المتوفى: 593 هـ]
تُوُفّي شابًا فِي حياة والده، وله ثلاثٌ وثلاثون سنة. سمع أبا الحسين عبد الحق، وشهدة، وطبقتهما. وتوفي فِي ذي الحجَّة.(12/1006)
159 - مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن طَلْحَةَ. أبو عَبْد اللَّه البَجَليّ، الواسطيّ، الشّاعر. [المتوفى: 593 هـ][ص:1007]
دخل بغداد، والشّام. ومدح غير واحد. وتُوُفّي فِي ربيع الآخر.(12/1006)
160 - مُحَمَّد بْن يوسف بْن مفرّج، أبو عَبْد اللَّه البنانيّ البَلَنْسِيّ، الْمُقْرِئ المعروف بابن الجيّار. [المتوفى: 593 هـ]
أَخَذَ القراءات عن أَبِي الأصبغ ابن المرابط، وأبي بَكْر بْن نَمَارة. وسمع منهم ومن أَبِي الْحَسَن بْن هُذَيْل. أَخَذَ عَنْهُ أبو الْحَسَن بْن خيرة، وأبو الرَّبِيع بْن سالم الكَلاعيّ.
وكان رجلًا صالحًا فاضلًا.
تُوُفّي فِي رجب عن نيِّفٍ وسبعين سنة، وشيّعه الخلْق.(12/1007)
161 - الْمُبَارَك بْن سَلْمان بْن جَرْوان بْن حُسَيْنِ، أبو البَرَكات الماكِسِينيّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 593 هـ]
وُلِد سنة سبع عشرة وخمسمائة. وسمع من أبي القاسم بن الحصين، وأبي المواهب أَحْمَد بْن ملوك، وأبي بَكْر الأنصاريّ، وجماعة. روى عَنْهُ اليَلدانيَ، وابن خليل، والدُّبيثيّ. وأجاز لأحمد بْن أَبِي الخير سلامة، وغيره.
تُوُفّي فِي ذي القِعْدَة.(12/1007)
162 - مُحَمَّدُ بْن أَحْمَد بْن ناصر الحربيّ، الحذّاء. [المتوفى: 593 هـ]
سمع ابن الطّلّاية، وأبا الفَرَج عَبْد الخالق اليُوُسفيّ. وحدَّث. وتُوُفّي فِي ربيع الآخر.(12/1007)
163 - مكّيّ بْن أَبِي القاسم عَبْد اللَّه بْن معالي. أبو إِسْحَاق الْبَغْدَادِيّ، الغرّاد. [المتوفى: 593 هـ]
من ساكني المأمونيَّة.
طلبَ بنفسه وكتب، وحصّل الأصول وأكثر، وُلِد سنة ثلاثين وخمسمائة. وسمع أَبَا الفضل الأُرْمَوِيّ، ومحمد بْن [ص:1008] ناصر، وأبا بكر الزاغواني، وطبقتهم. وخلْقًا بعدهم.
قال ابن النّجّار: لم يزل يسمع ويقرأ حتّى سمعنا بقراءته كثيرًا. وكانت له حلقة بجامع القصر لقراءة الحديث يحضر فيها المشايخ عنده.
قال: وكان صالحًا متديِّنًا، محمود الأفعال، مُحِبًّا للطّلّاب، متواضعًا، وله شعْر. وسألت شيخنا ابن الأخضر عَنْهُ فأساء الثّناء عليه. وكذا ضعْفه شيخنا عَبْد الرّزاق الْجِيليّ. وقال: كتب اسمه فِي طبقةٍ لم يكن قبل ذلك، وراجعتُه فأصرّ.
وقال الدُّبيثيّ: كان شيخنا أبو بكر الحازمي يذمّه ويَنْهى عن السّماع بقراءته.
سمع منه أبو عبد الله الدبيثي، ويوسف بن خليل، واليّلْدانيّ، وغيرهم. ولم يَرْوِ إلّا اليسير.
تُوُفّي فِي المحرَّم فِي سادسه، وشيّعه الخلْق، وحُمِل على الرؤوس.
والغرّاد. هُوَ الَّذِي يعمل البيوت من القصب فِي أعلى المنازل، وهو بغَيْنٍ معَجَمة.
وقال ابن نُقْطَة: سَأَلت ابن الحُصْريّ عَنْهُ بمكَّة فضعّفه وقال: كان يقرأ وإلى جانب حلقته جماعة يتحدّثون فيكتبهم. ووقع لي نسخة بكتاب الزّكاة من سُنَن أَبِي دَاوُد، وقد نقل مكّيّ عليه سماعًا من الأُرْمَوِيّ، فأصلحت فِيهِ مائةَ موضعٍ أو أكثر. وغاية ما أخذه الجماعة عليه التّساهل. مات يوم الجمعة سادس شهر المحرَّم. وأبوه يروي عن ابن الحُصين.(12/1007)
164 - مكّيّ بْن عليّ بْن الْحَسَن، أبو الحَرَم العراقي، الحربوي، الفقيه، الضّرير. وحَرْبا: من عمل دُجَيْل. [المتوفى: 593 هـ]
تفقّه على أَبِي مَنْصُور سَعِيد الرّزّاز. وسافر إِلَى الشّام فِي صِباه، وسكن دمشق. وتفقّه بها أيضًا على جمال الإسلام أبي الحسن السلمي، وسمع منه [ص:1009] ومن نصر اللَّه المَصّيصيّ. روى عَنْهُ الحافظ الضّياء، وابن خليل، وجماعة. وتُوُفّي فِي شعبان. وكان مولده في سنة ثمان عشرة وخمسمائة.(12/1008)
165 - ناصر بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الفتح، أبو الفتح الإصبهاني، القطّان، الْمُقْرِئ، المعروف بالويْرِج. [المتوفى: 593 هـ]
شيخ كثير السّماع عالي الإسناد. ثقة. سمع من إِسْمَاعِيل بْن الإخشيد، وجعفر بْن عَبْد الواحد الثّقفي، وابن أَبِي ذَرّ الصّالحانيّ، والحسينُ بْن عَبْد المَلِك الخلّال، وسعيد بْن أَبِي الرجاء، وفاطمة الْجُوزْدانيَّة. وتفرَّد فِي وقته بأشياء. أكثر عَنْهُ يوسف بْن خليل، وأبو رشيد الغزّال، وأبو الجناب الخيوقيّ.
قال لنا أبو العلاء الفرضي: سمع ناصر بن محمد الويرجي مُسْنَد أبي حنيفة، جمع ابن المقرئ، من إِسْمَاعِيل بْن الإخشيد، عن ابن عَبْد الرحيم، عَنْهُ. وسمع كتاب شرح معاني الآثار للطَّحاوي، من الإخشيد أيضًا بسماعه من مَنْصُور بن الحسين، عن ابن المقرئ، عنه. وسمع المعجم الكبير من فاطمة، والمعجم الصّغير من خُجَسْته، وقال: تُوُفّي فِي ثامن ذي الحجَّة.(12/1009)
166 - نصر اللَّه بْن مُحَمَّد بْن المسلَّم بْن أَبِي سُراقة، أبو الفتح الدَّمشقيّ الكاتب. [المتوفى: 593 هـ]
سمع أَبَا الفَتْح نصرُ اللَّه بْن مُحَمَّد المِصِّيصيُّ، الفقيه. روى عَنْهُ ابن خليل.
توفي في ربيع الآخر.(12/1009)
167 - نصْر بْن صَدَقَة بْن نجا بْن أَبِي بَكْر المُظَفَّر. الصَّرْصَرِيّ، ثُمَّ الأَزَجيّ، البيّع. [المتوفى: 593 هـ]
سمع من أبي القاسم بن الحُصين. وحدث. وتوفي في هذه السنة.(12/1009)
168 - نصر بن عبد الكريم بن عبد السلام، أبو القاسم البندنيجي، المقرئ الضرير. [المتوفى: 593 هـ][ص:1010]
روى عن ابن ناصر، وأبي الوقت.(12/1009)
169 - نعمة بن أحمد بن أحمد. تاج الشرف، أبو البركات الزيدي، المصري، المؤذن. رئيس المؤذنين بجامع القاهرة. [المتوفى: 593 هـ]
تفقه على مذهب مالك على الإمام أبي المنصور ظافر بن الحسين الأزدي.
ذكره الحافظ المنذري فقال: برع في علم المواقيت، وتقدم على أقرانه، ونظم في ذلك أرجوزة. سمعتُ منه، وانتفع به جماعة. روى عنه شيخنا إسماعيل بن عبد الرحمن الكاتب، وغيره. وتوفي في ثامن جمادى الآخرة.(12/1010)
170 - نعمة الله بن أحمد بن يوسف بن سعيد، أبو الفضل الأنصاري، الواسطي، العدل. ويعرف بابن أبي الهندباء. [المتوفى: 593 هـ]
قرأ القراءات على أبي الفتح المبارك بن أحمد الحداد، وعبد الرحمن بن الحسين ابن الدجاجي. وتفقه على الإمام أبي جعفر هبة الله بن يحيى ابن البُوقيّ. وسمع من جماعة، وقرأ علم الكلام على المُجِير محمود بن المبارك. وحدث بأناشيد.
تُوفي في نصف رجب.(12/1010)
171 - هبة الله بن رمضان بن أبي العلاء بن شبيبا، أبو القاسم الهيتي، ثم البغدادي، المقرئ. [المتوفى: 593 هـ]
ولد سنة عشر وخمسمائة. وسمع من هبة اللَّه بْن الحُصين، ثُمَّ من أَبِي الفتح الكَرُّوخيّ، وأبي الفضل الأُرْمَوِيّ، وغيرهم. روى عَنْهُ ابن خليل، والدُّبيثيّ، وأبو مُحَمَّد اليَلْدانيّ.
وكان رجلًا صالحًا، إمامًا بمسجد دار البساسِيريّ.
تُوُفّي فِي سابع عشر ربيع الأول. [ص:1011]
وشُبَيْبَا: بالضّمّ.(12/1010)
172 - هبة اللَّه بْن عُمَر بْن الْحُسَيْن بْن خليل، أبو البقاء الطّيبيّ، ثُمَّ البغدادي، المقرئ. [المتوفى: 593 هـ]
سمع من أبي غالب ابن البناء، وأبي البركات يحيى بْن حُبَيْش، وأبي القاسم ابن السمرقندي. روى عَنْهُ ابن خليل، وجماعة. وتُوُفّي فِي شعبان عن ثمان وسبعين سنة.(12/1011)
173 - يحيى بْن أسعد بْن يحيى بْن مُحَمَّد بْن بَوْش، أبو القاسم الأَزَجيّ، الحنبليّ، الخبّاز. [المتوفى: 593 هـ]
سمع الكثير فِي صِغره بإفادة خاله عليّ بْن أَبِي سعْد الخبّاز، من أَبِي طَالِب عَبْد القادر بْن يوسف، وأبي الغنائم مُحَمَّد بن محمد ابن المهتدي بالله، وأبي عليّ الْحَسَن بْن مُحَمَّد الباقرحي، وأبي سعد ابن الطُّيُوريّ، وأبي غالب عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الملك الشَّهْرَزُوريّ، وأبي مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن أحمد ابن السَّمَرْقَنْديّ، وأبي البركات هبة اللَّه بْن مُحَمَّد ابن البخاريّ، وأبي نصر أَحْمَد بْن هبة اللَّه ابن النَّرْسِيّ، وأبي العزّ بْن كادِش، وعليّ بْن عَبْد الواحد الدِّينَوَرِيّ، وابن الحُصَيْن، وأبي عَبْد اللَّه البارع، وخلْق سواهم. وأجاز له أبو القاسم بْن بيان، وأُبَيٌّ النَّرْسِيّ، وأبو عليّ الحداد.
ذكره أبو عبد الله الدبيثي فقال: كان سماعه صحيحًا. بُورك فِي عمره، واحتيج إليه، وحدَّث نحوًا من أربعين سنة. ولم يكن عنده من العلم شيء.
قلت: روى عنه الشيخ الموفق، والبهاء عبد الرحمن، والتقي علي بن باسويه، ومحمد بن أحمد ابن الفلّوس، ومحمد بْن عَبْد الْعَزِيز الصّوّاف، ومحمد بْن عَبْد القادر البَنْدَنيجيّ، وتميم بْن مَنْصُور الرُّصافي، وجعفر بْن ثناء بْن القُرطبان، وداود بْن شجاع البوَّاب، وعليّ بْن أَحْمَد بْن فائزة المؤدّب، وعلي بن أبي محمد ابن الأخضر، وعليّ بْن مَعَالي الرُّصافي، وفضل اللَّه بن [ص:1012] عبد الرزاق الجيلي، ومحيي الدين يوسف ابن الْجَوْزيّ، وابن خليل، واليَلْدانيّ، وابن المُهير الحَرّانيّ، وخلْق كثير.
وآخر من روى عَنْهُ بالإجازة أَحْمَد بْن أَبِي الخير.
تُوفي فِي ثالث ذي القعدة فجاءة من لقمةٍ غص بها فمات. وكان فقيرًا قانعًا، وربّما كان يُعطى على التّسميع. ووُلِد سنة عشر، وقيل سنة ثمانٍ وخمسمائة. وهو أحدُ مَن سمع المُسند بكماله على ابن الحُصين.(12/1011)
174 - يعيش بْن صَدَقَة بْن عليّ، أبو القاسم الفُراتيّ، الضّرير، الفقيه الشّافعي، [المتوفى: 593 هـ]
صاحب ابن الخَلّ.
كان إمامًا، صالحًا، بارعًا فِي المذهب والخلاف. وكان أَجلْ من بقي ببغداد من الشّافعيَّة. تخرَّج به جماعة، ودرَّس بمدرسة ثقة الدولة، وبالمدرسة الكمالية. وكان سديد الفَتَاوى، حَسَن الكلام فِي المناظرة.
قرأ بالكوفة القراءات على الشّريف عُمَر بْن إِبْرَاهِيم بْن حَمْزَة العلوي. وسمع أبا القاسم ابن السمرقندي، وأبا محمد ابن الطّرّاح، وجماعة. وتفقَّه على أَبِي الْحَسَن مُحَمَّد بن المبارك ابن الخلّ. روى عَنْهُ التّقّي بْن باسوَيْه، وأبو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، وابن خليل، واليَلْدانيّ، وآخرون.
وهو منسوب إِلَى نهر الفُرات.
تُوُفّي ببغداد فِي الرّابع والعشرين من ذي القعدة، وآخر من روى عنه بالإجازة أحمد بن أبي الخير.(12/1012)
175 - يوسف بْن أَحْمَد. الأمير [المتوفى: 593 هـ]
صاحب الحديثة.
أُخِذت منه الحديثة، وقدِم بغداد فأقام بها إلى أن توفي في جمادى الآخرة.(12/1012)
176 - أبو الهيجاء الكردي السّمين. الأمير الكبير حسام الدّين، من أعيان الدّولة الصلاحيَّة. [المتوفى: 593 هـ][ص:1013]
وُلّي نيابة عكّا فقام بأمرها أتمّ قيام كما ذكرناه فِي الحوادث. ثمّ صار بعد سنة تسعين إلى بغداد، وخدم بها.(12/1012)
-ووُلِد فيها:
غازي بْن أَبِي الفضل الحلاويّ تقريبًا، وأبو بَكْر بْن عُمَر بْن يُونُس المزي، وشمس الدين محمد بن حسن ابن الحافظ أَبِي القاسم بْن عساكر، والْجُنَيْد بْن عِيسَى بْن خَلَّكان، والأمير شَرَف الدّين عِيسَى بْن مُحَمَّد بْن أَبِي القاسم الهَكّاريّ، والظَّهير محمود بن عبيد الله الزنجاني.(12/1013)
-سنة أربع وتسعين وخمسمائة(12/1014)
177 - إِسْحَاق بْن عليّ بْن أَبِي ياسر أَحْمَد بْن بُنْدار بْن إِبْرَاهِيم، أبو القاسم الدِّينَوَرِيّ الأصل، الْبَغْدَادِيّ، التّاجر المعروف بابن البقّال. ويُعرف بابن الشّاة الحلّابة. [المتوفى: 594 هـ]
وُلِد سنة ستٍّ وعشرين وخمسمائة. وسمع من أبي القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ، وأبي الْحَسَن بْن عَبْد السلام، وعليّ ابن الصّبّاغ، وغيرهم. روى عَنْهُ ابن الدُّبيثيّ، وابن خليل، وغيرهما. سافر الكثير فِي التّجارة. وتُوُفّي فِي رابع ربيع الأوّل.
وهو من بيتٍ معروف بالرّواية والأمانة.(12/1014)
178 - أسماء بِنْت مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن طاهر بْن الرّان. الدّمشقيَّة. [المتوفى: 594 هـ]
سمعت من عَبْد الكريم بْن حَمْزَة، وجدّها أَبِي المفضّل يحيى بْن عليّ القاضي. روى عَنْهَا يوسف بْن خليل، وولدُها زين الأُمناء، أبو البركات، والشّهاب إِسْمَاعِيل القُوصيّ، وآخرون. وتُوُفّيت فِي ثالث عشر ذي الحجة.
وهي أخت آمنة والدة قاضي القضاة محيي الدِّين أَبِي المعالي مُحَمَّد ابن الزكي.(12/1014)
179 - تمّام بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه، أبو الحسن ابن الشنا الحربي. [المتوفى: 594 هـ]
سمع أبا الحسين محمد ابن القاضي أَبِي يَعْلَى. روى عَنْهُ ابن الدُّبيثيّ، وابن خليل. وبالإجازة: أَحْمَد بْن أَبِي الخير.
توفي في العشرين من شعبان.(12/1014)
180 - جرديك. الأمير النُّوريّ الأتابَكيّ، [المتوفى: 594 هـ]
من كبار أمراء الدّولة.
وهو الّذي تولّى قتْل شاوَر بمصر، وقتل ابن الخشّاب بحلب. وكان بطلًا، شجاعًا، جوادًا. وُلّي إمرة القدس لصلاح الدين.(12/1015)
181 - حاتم بْن ظافر بْن حامد، أبو الْجُود الأُرْسُوفيّ، ثمّ المصريّ، الْمُقْرِئ الصالح الشافعي. [المتوفى: 594 هـ]
كان ينسخ فِي بيته فوقع عليه البيت فاستشهد. وكان طيّب الصَّوت بالقرآن.(12/1015)
182 - حامد بْن إِسْمَاعِيل بْن نصر، أبو مُحَمَّد الإصبهانيّ، الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 594 هـ]
حدث عن أَبِي مَنْصُور بْن خيرون. وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى.(12/1015)
183 - الْحَسَن بْن مُسلَّم بْن أَبِي الْحَسَن بْن أَبِي الجود، أبو عليّ الفَارِسيّ، الحَوْرِيّ العراقيّ، الزّاهد. [المتوفى: 594 هـ]
أحد العُبّاد المشهورين رحمة اللَّه عليه. قرأ القرآن، وتفقّه فِي شبيبته. وسمع من أَبِي البدر إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد الكَرْخيّ، وغيره. روى عَنْهُ يوسف بْن خليل، والدُّبيثيّ، وابن باسوَيْه، وآخرون، والتّقيّ اليَلْدانيّ. وتُوُفّي فِي حادى عشر المحرَّم، وقد بلغ التسعين أو نحوها. وكان مشتغلًا بالعبادة، منقطِع القرين.
ذكره أبو شامة فقال: أحد الأبدال، أقام أربعين سنة لا يكلّم أحدًا وكان صَائِم الدّهر، يقرأ فِي اليوم واللّيلة ختمة. وكانت السِّباع تأوي إلى زاويته. قال: تُوُفّي يوم عاشوراء، ودُفن برِباطه بالفارسيَّة، قرية من قُرى دُجَيل، وهو منها. وأمّا حَوْرا المنسوب أيضًا إليها فقريةٌ من عمل دُجَيْل.
وذكره شيخنا ابن البُزُوريّ فقال: كان مُجِدًّا فِي العبادة، ملازمًا للمحراب والسّجّادة، ورِعًا، تقيًّا، ومن الأدناس نقيًّا، ظاهر الخُشُوع، كثير البكاء والخضوع، صحِب الشيخ عبد القادر، والشيخ حمادا الدباس. كذا قال. [ص:1016]
وكان النّاس يقصدونه، ويتبّركون به، ويغتنمون دعاءه. وتردّد إليه الْإِمَام النّاصر لدين اللَّه وزاره، وكان يعتقد فِيهِ.
قلت: وكان الشّيخ أبو الفرج ابن الجوزيّ يبالغ فِي وصْفه وتعظيمه، رحمه اللَّه.(12/1015)
184 - الحسن بْن هبة اللَّه بْن أَبِي الفضل بْن سُفَير، بالفاء، أبو القاسم الدَّمشقيّ. [المتوفى: 594 هـ]
سمع من جمال الْإِسْلَام أَبِي الْحَسَن، وأبي الفتح المصِّيصيّ. وحدَّث. روى عَنْهُ ابن خليل فِي مُعْجمه، وغير واحد.
تُوُفّي فِي رمضان.(12/1016)
185 - الْحُسَيْن بْن أَبِي المكارم أَحْمَد بْن الْحَسَين بْن بهرام، أبو عبد الله القزويني، الصوفي، الصالح، [المتوفى: 594 هـ]
والد أبي المجد مُحَمَّد.
روى عَنْهُ ولده. وتُوُفّي فِي صَفَر.(12/1016)
186 - زنكي ابن قطب الدين مودود ابن الأتابَك زنْكي بْن آقسُنقُر. الملك عماد الدّين [المتوفى: 594 هـ]
صاحب سِنْجار.
كان قد تملّك مدينة حلب بعد وفاة ابن عمه الملك الصّالح إِسْمَاعِيل ابن نور الدّين، ثُمَّ إن الملك النّاصر صلاح الدّين سار إليه وحاصر حلب، ثُمَّ وقع بعد الحصار الاتّفاق على أن يترك حلب ويعوّضه بسنْجار وأعمالها، فسار إليها. ولم يزل ملكها إلى هذا الوقت. وكان يكرم العلماء ويبرُّ الفقراء. وبنى بسنجار مدرسة للحنفية. وكان عاقلا، حسن السيرة. تزوج بابنة عمه نور الدين. وكان الملك صلاح الدين يحترمه ويتحفه بالهدايا. ولم يزل مع صلاح الدين في غزواته وحروبه.
توفي في المحرم. [ص:1017]
قال ابن الأثير: كان بخيلا شديد البخل، لكنه كان عادلا في الرعية، عفيفا عن أموالهم، متواضعًا. ملك بعده ابنه قُطْب الدّين محمد.(12/1016)
187 - سلامة بْن إِبْرَاهِيم بْن سلامة. المحدِّث، أبو الخير الدَّمشقيّ، الحدّاد، [المتوفى: 594 هـ]
والد أَبِي العبّاس أَحْمَد.
سمع أَبَا المكارم عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد بْن هلال، وعبد الخالق بْن أسد الحنفيّ، وعبد اللَّه بْن عَبْد الواحد الكَتّانيّ، وأبا المعالي بْن صابر، وجماعة. ونسخ الكثير بخطّه.
وكان ثقة صالِحًا، فاضلًا. أَمَّ بحلقة الحنابلة بدمشق مدَّة. وكان يُلقب تقيّ الدّين.
روى عَنْهُ الحافظ الضّياء، وابن خليل، والشّهاب القُوصيّ، وابن عَبْد الدّائم، وآخرون.
تُوُفّي فِي السابع والعشرين من ربيع الآخر فِي أوائل سنّ الشَّيخوخة.(12/1017)
188 - طَلْحَةُ بْن عُثْمَان بْن طَلْحَةَ بْن الْحُسَيْن بْن أَبِي ذَرّ. الصالحانيّ الإصبهانيّ. [المتوفى: 594 هـ]
تُوُفّي فِي رمضان. ذكره المنذري.(12/1017)
189 - عَبْد الرَّحِيمِ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الْوَاحِدِ بْن أَحْمَد. الخطيب أبو الفضائل الإصبهانيّ، الكاغَديّ، القاضي المعدل. [المتوفى: 594 هـ]
ولد سنة إحدى وخمسمائة. وسمع من أَبِي عليّ الحداد، ومحمد بْن عَبْد الواحد الدّقّاق، وإسماعيل بْن الفضل الإخشيد، وفاطمة الْجُوزدَانيَّة، وغيرهم. روى عَنْهُ يوسف بْن خليل: وجماعة. وآخر مَن روى عَنْهُ بالإجازة: أَحْمَد بْن أَبِي الخير.
تُوُفّي فِي العَشْر الأوّل من ذي القعدة.(12/1017)
190 - عَبْد الوهّاب بْن جمّاز بْن شهاب. القاضي أبو مُحَمَّد النُّمَيْريّ، القَلْعيّ. [المتوفى: 594 هـ]
سمع من الْمُبَارَك بْن عليّ السِّمِّذيّ، وابن ناصر، وأبي الوقت. روى عَنْهُ ابن خليل. وتُوُفّي بدمشق فِي ربيع الأوّل.
وقد ناب عن قاضي القُضاة كمال الدّين الشّهْرُزوريّ. وسمع منه الشّهاب القُوصيّ "صحيح البخاري" كله. لقبه تقي الدين.(12/1018)
191 - عليّ بْن جَابِر بْن زهير بْن عليّ. القاضي أبو الْحَسَن البطائحيّ، الفقيه. [المتوفى: 594 هـ]
وُلد سنة تسع وعشرين وخمسمائة. وتفقّه على مذهب الشافعيّ مدَّةً ببغداد، وتفقّه بالرَّحبة أيضًا. وسمع من ابن ناصر، وعليّ بن عبد العزيز ابن السّمّاك. ووُلّي القضاء بسواد العراق مدَّةً. وتُوُفّي فِي رمضان.(12/1018)
192 - عليّ بْن سَعِيد بْن فاذشاه، أبو طاهر الإصبهانيّ. [المتوفى: 594 هـ]
سمع أَبَا عليّ الحدّاد. وهو من كبار مشايخ ابن خليل. تُوُفّي فِي ربيع الأوّل.(12/1018)
193 - عليّ بْن عليّ بْن أَبِي طَالِب يحيى بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد. الشّريف الصّالح، أبو المجد العَلَويّ، الحُسَيْنيّ، الْبَغْدَادِيّ، الحنفيّ، الفقيه. ويُعرف بابن ناصر. [المتوفى: 594 هـ]
وُلِد سنة خمس عشرة وخمسمائة. وسمع من القاضي أَبِي بَكْر الأنصاريّ، وحدَّث. ودرَّس بجامع السّلطان، وكان عارفًا بالمذهب.
تُوُفّي فِي ليلة الثاني عشر من ربيع الأوّل.
ويقال: إنّه سمع من ابن الحُصَيْن. روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وابن خليل، وابن الأخضر رفيقه.(12/1018)
194 - عليّ بْن الْمُبَارَك بْن هبة اللَّه بْن المعمر الشّريف، أبو المعالي الهاشميّ، القَصْريّ. [المتوفى: 594 هـ]
سمع هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبا مَنْصُور القزّاز، وأبا الحسن بن صرما، وجماعة. وَتُوُفّي فِي عاشر ربيع الآخر.(12/1019)
195 - عَلِيّ بْن الْمُبَارَك بْن عَبْد الباقي بْن بانَوَيْه، أبو الْحَسَن الظَّفَريّ، من محلَّة الظَّفَريَّة، النَّحْويّ، الأديب. ويُعرف بابن الزّاهدة. [المتوفى: 594 هـ]
أَخَذَ العربية عن أَبِي السّعادات ابن الشَّجَريّ، وأبي جَعْفَر المعروف بالتّكْريتيّ، وابن الخشّاب. وعلَّم العربية، وحدَّث، وتخرَّج به جماعة. تُوُفّي فِي ذي الحجَّة. وكانت أُمّه واعظة مشهورة بالعراق، وهي أمةُ السّلام مباركة.(12/1019)
196 - عُمَر بْن عليّ بْن عَبْد السّيّد بْن عَبْد الكريم، أبو حَفْص الْبَغْدَادِيّ، الصّفّار. [المتوفى: 594 هـ]
روى عن أَبِي القاسم بن الحصين، وأبي القاسم بن الطبر، وأبي القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ. روى عَنْهُ ابن الدُّبيثيّ، وابن خليل، واليلداني، وآخرون. وبالإجازة: ابن أَبِي الخير، وغيره.
تُوُفّي فِي جُمادى الآخرة، وله تسعٌ وسبعون سنة.(12/1019)
197 - أبو غالب بْن سعد اللَّه بْن دبوس. الأزجي، القطيعي. [المتوفى: 594 هـ]
روى عن مُحَمَّد بْن أَحْمَد الطّرائفيّ، وابن ناصر.
تُوُفّي فِي المحرَّم.(12/1019)
198 - غياث بْن الْحُسَن بْن سَعِيد بْن أَبِي غالب ابن البناء، أبو بكر البغدادي. [المتوفى: 594 هـ][ص:1020]
من بيت الرواية والإسناد. سمعَ جدَّ أَبِيهِ أَبَا غالب، وابن الحُصَيْن، وعبد اللَّه بْن أَحْمَد بْن جحشُوَيْه. روى عَنْهُ ابن الأخضر، والدُّبيثيّ، وابن خليل، وآخرون.
قال الحافظ ابن الأخضر: سمعت منه، ومن أَبِيهِ، وجدّه.
قلت: روى عَنْهُ بالإجازة شيخنا ابن أبي الخير. وتوفي في ذي الحجة.(12/1019)
199 - القاسم بْن عليّ بْن أَبِي العلاء، أبو الفتح السّقْلاطُونيّ الدّارْقَزِّيّ. [المتوفى: 594 هـ]
حدث عن عَبْد الوهاب الأنماطي. وتوفي فِي أوّل السّنة.(12/1020)
200 - قِلِيج النُّوريّ. الأمير الكبير غرس الدّين. [المتوفى: 594 هـ]
أَعْطَاه السّلطان صلاح الدّين الشُّغر، وبَكاس، وشقيف دركُوش لما افتتحها، فلما مات قصد صاحب هَذِهِ البلاد، وأخذها بالأمان بعد المحاصرة، من أولاد قليج وعوَّضهم.(12/1020)
201 - محمد بن حامد، أبو عبد الله ابن الدباهي. [المتوفى: 594 هـ]
ناظر الخالص، والخالص من أعمال العراق. وهو أخو مكّيّ، ناظر الدّيوان الْعَزِيز.(12/1020)
202 - مُحَمَّد بْن عَبْد السّلام بْن عَبْد السّاتر. الأنصاريّ، فخر الدّين الماردِينيّ، الطّبيب. [المتوفى: 594 هـ]
إمام أَهْل الطَّبّ فِي وقته.
أَخَذَ الطّبّ عن أمين الدولة ابن التّلميذ، والفلسفة عن النّجم أَحْمَد بْن الصّلاح.
قدِم دمشقَ فِي أواخر عمره وأقرأ بها الطّبّ. أَخَذَ عَنْهُ السّديد محمود بْن عُمَر بن زقيقة، والمهذَّب عَبْد الرحيم بْن عليّ. ثُمَّ سافر إِلَى حلب، فأنعم عليه الملك الظّاهر غازي، وبقي عنده نحو سنتين مكرَمًا. ثُمَّ سافر إِلَى ماردين. وتُوُفّي بآمِد فِي ذي الحجَّة. ووقف كتبَه بماردين.
وحكى السّديد تلميذه أنّه حضره عند الموت، فكان آخر ما تكلَّم به: [ص:1021] اللّهمّ إنّي آمنتُ بك وبرسولك، صَدَق صلّى الله عليه وسلم: إنّ اللَّه يستحي من عذاب الشّيخ.
تُوُفّي وله اثنتان وثمانون سنة.(12/1020)
203 - مُحَمَّد بْن عَبْد المولى بْن مُحَمَّد. الفقيه أبو عَبْد اللَّه اللَّخْميّ، اللُّبْنيّ، المهدويّ، المالكيّ، الفقيه. [المتوفى: 594 هـ]
ولُبْنَة: من قُرَى المهديَّة.
روى عن أَبِيهِ، عن نصر المقدسيّ الفقيه. روى عَنْهُ ابن الأنمَاطيّ، والكمال الضّرير، والرّشيد العطّار، وجماعة. ومات بمصر فِي صَفَر، وعاش خمسًا وثمانين سنة.(12/1021)
204 - مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عليّ، أبو الفتوح الطّوسيّ، ثُمَّ النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 594 هـ]
سمع أَبَا المعالي مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الفارسيّ. حمل عَنْهُ بَدَل التّبريزيّ السُّنَن الكبير بكماله.(12/1021)
205 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن علي بْن أَحْمَد بْن أمامة، أبو المفاخر الواسطيّ، الْمُقْرِئ، النَّحْويّ. [المتوفى: 594 هـ]
تُوُفّي بالقاهرة. أحدُ من قرأ على أبي بكر ابن الباقِلّانيّ، وتُوُفّي شابًّا.(12/1021)
206 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أبي الغنائم مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابن المهتدي بالله. الشريفُ أبو الغنائم الهاشميّ، العبّاسيّ، الحريمي، الخطيب. [المتوفى: 594 هـ]
ولد سنة ثمان عشرة وخمسمائة. وقد سمع من أَبِي بَكْر الأنصاريّ، وبعده من أبي عبد الله ابن السّلّال، وابن الطّلّاية.
تُوُفّي فِي نصف المحرَّم. وحدَّث بشيءٍ يسير. وكان خطيب جامع القصر.(12/1021)
207 - محمد بن محمد بن أبي البركات المبارك بن إسماعيل ابن الحُصْريّ. القاضي أبو عَبْد اللَّه الْبَغْدَادِيّ، ثُمَّ الواسطيّ، المعدّل. [المتوفى: 594 هـ]
روى عن أَبِي الوقت. وولي قضاء بلده.(12/1022)
208 - مُحَمَّد بْن محمود بْن إِسْحَاق بْن المعزّ، أبو الفتح الحرَّانيّ ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 594 هـ]
سمع من جدّه لأمّه مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الحرّانيّ وأبي الوقْت السِّجْزي وأبي المظفّر الشِّبْليّ وطائفة. وخرّج لنفسه مشيخة. وتُوُفّي فِي ذي الحجَّة. وقد شُهِّر على جملٍ لكونه زَوَّر.(12/1022)
209 - مُحَمَّد بْن أَبِي المظفّر بْن مُحَمَّد بْن أَبِي عمامة، أبو بَكْر الأَزَجيّ، البزّاز. [المتوفى: 594 هـ]
سمع أبا القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ، وغيره. وتُوُفّي فِي ذي الحجة.(12/1022)
210 - محمد البشيلي. الزاهد. [المتوفى: 594 هـ]
من فقراء بغداد المذكورين. صحب الشيخ عبد القادر. وتوفي في ثاني عشر شعبان. وبَشِيلة: قرية قريبة من الجانب الغربيّ من بغداد.(12/1022)
211 - محمود بْن عَبْد اللَّه بْن مطروح بْن محمود، أبو الثّناء المِصِّيصيّ الأصل، المصريّ، الْمُقْرِئ، المؤدّب، الحنبليّ. الصّالح. [المتوفى: 594 هـ]
حدَّث عن الشريف أبي الفتوح الخطيب، والفقيه أبي عمرو عثمان بْن مرزوق. وروى بالإجازة عن حسّان بْن سلامة الخلّال. روى عَنْهُ الفقيه مكّيّ بْن عمر. [ص:1023]
وكان حَسَن التَّلَفُّظ بالقرآن جدًا. قاله المنذري. وقال: تُوُفّي فِي جُمادى الأولى.(12/1022)
212 - محمود بْن كَرَم بْن أَحْمَد، أبو الثّناء الْبَغْدَادِيّ، الْمُقْرِئ، الضّرير. [المتوفى: 594 هـ]
قرأ القرآن على عليّ بْن عساكر، وغيره. وتُوُفّي فِي رجب. وكان مجوّدًا للقراءات.(12/1023)
213 - الْمُبَارَك بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن عبّاس. الخطيب أبو سعْد الْجُبّائيّ، العراقيّ، السُّلَميّ. [المتوفى: 594 هـ]
سمع دعوان بْن عليّ، وأبا الفضل الأُرْمَوِيّ، وأحمد بْن مُحَمَّد بْن المذاريّ. وعنه أبو الفُتُوح ابن الحُصْريّ.
مات فِي ربيع الآخر، وله سبْعٌ وسبعون سنة. وكان صالحًا خيراً، يخطب بالجبة بقرب بعقوبا.(12/1023)
214 - محمود بْن كَرَم بْن أَحْمَد، أبو الثّناء الْبَغْدَادِيّ، الْمُقْرِئ، الضّرير. [المتوفى: 594 هـ]
قرأ القرآن على عليّ بن عساكر، توفي في رجب. وكان مجودًا للقراءات.(12/1023)
215 - مَسْعُود بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن علي بن العباس. الفقيه أبو المعالي ابن الدّيناريّ، الحنفي، العطّار. [المتوفى: 594 هـ]
وُلِد سنة ثمان عشرة. وسمع من جدّه لأمّه الْحُسَيْن بْن الْحَسَن المقدسيّ، وأبي القاسم بْن الحُصَيْن وقاضي المَرِسْتان. سمع منه عُمَر بْن عليّ الحافظ، والقدماء. وروى عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، وابنُ خليل. [ص:1024]
وتُوُفّي فِي رمضان. وكان إمام مشهد أَبِي حنيفة. وهو أخو محمود بْن الدّيناريّ.
أثنى عليه ابن النّجّار.(12/1023)
216 - مظفَّر بْن صَدَقة، أبو البدر الأَزَجي، الطّحّان. [المتوفى: 594 هـ]
حدَّث عن هبة اللَّه بْن الحُصَيْن. وقيل إن اسمَه نصر، وكنيته، أبو المظفّر. تُوُفّي سنة ثلاثٍ أو أربعٍ وتسعين.(12/1024)
217 - مفرّج بْن الْحُسَيْن بْن إِبْرَاهِيم، أبو الخليل الأنصاري، الإشبيلي، الضرير. [المتوفى: 594 هـ]
أخذ القراءات عَن أَبِي بَكْر بن خَيْر، ونَجَبة بن يحيى. وحدَّث عن عَبْد الكريم بْن غُلَيْب، وفتح بْن مُحَمَّد بْن فتح، وسليمان بْن أَحْمَد اللَّخْميّ، وجماعة. سمع من بعضهم، وأجازوا له كلهم. وأقرأ القراءات، وقد أجاز لبعضهم في هذه السنة.
لم تحفظ وفاته.(12/1024)
218 - نعمة الله بن علي ابن العطار، أبو الفضل الواسطي. [المتوفى: 594 هـ]
روى عن جدّه لأمّه أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَليّ الْجُلابيّ. وحدَّث ببغداد.(12/1024)
219 - واثق بْن هبة اللَّه بْن أَبِي القاسم، أبو البركات الحربيّ. [المتوفى: 594 هـ]
سمع عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يوسف. وتُوُفّي فِي ربيع الأوّل من شيوخ ابن خليل.(12/1024)
220 - يحيى بْن سَعِيد بْن هبة اللَّه بْن عَليّ بْن عليّ بْن زَبَادَة، أبو طَالِب بْن أَبِي الفَرَج الواسطيّ الأصل، الْبَغْدَادِيّ، الكاتب. شيخ ديوان الإنشاء بالعراق، قِوام الدّين. [المتوفى: 594 هـ][ص:1025]
انتهت إليه رياسة الإنشاء فِي عصره، مع تفنُّنِه بعلومٍ أُخَر، كالفقه، والأُصول، والكلام، والشِّعْر.
وقد سارت برسائلة المونقة الرُّكْبان.
ومن شِعره:
لا تَغْبِطَنّ وزيرًا للملوك وإنْ ... أنالَهُ الدَّهرُ منهم فوق هِمَّتِهِ
واعلم بأن له يومًا تمورُ به الْـ ... أرضُ الوقورُ كما مادت لهيبتهِ
هارونُ وهو أخو مُوسَى الشّقيقٌ له ... لولا الوزارةُ لم يأخُذْ بِلحيتهِ
ووُلّي مناصب جليلة.
ومولده في سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة.
وحدَّث عن أَبِي الحَسَن عَليّ بْن هبة اللَّه بْن عَبْد السّلام، وأبي القاسم عليّ ابن الصّبّاغ، والقاضي أَبِي بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد الأَرَّجانيّ الأديب.
وأخذ العربيَّة عن أَبِي مَنْصُور ابن الجواليقي.
وولي نظر واسط، والبصرة، ثم ولي حجابة الحجاب، ثم ولي الأستاذ دارية ونقل إلى كتابة الإنشاء.
حدث عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، وابنُ خليل، وغيرهما.
قال الدبيثي: أنشدنا أبو طالب، أنّ القاضي أَبَا بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد الأَرَّجانيّ أنشده لنفسه فِي سنة ثمانٍ وثلاثين وخمسمائة:
ومقسومة العَينين من دَهَشِ النَّوَى ... وقد راعها بالعِيس رَجْعُ حُدائي
تُجيبُ بإحدى مُقْلَتَيها تَحِيَّتي ... وأُخرى تُراعي أَعْيُنَ الرُّقباءِ
رأتْ حولَها الواشين طافوا فَغَّيَضتْ ... لهم دمعها واستعْصَمت بخِباءِ
فلمّا بكتْ عيني غداةَ وَدَاعِهم ... وقد روَّعَتْني فُرْقةُ القُرَناءِ
بَدَتْ فِي مُحياها خيالاتُ أَدْمُعي ... فغاروا وظنُّوا أنْ بَكَتْ لبُكائي
تُوُفّي ابن زَبَادَة في سابع عشر ذي الحجَّة.
وكان دَيِّنًا، محمود السّيرة.(12/1024)
221 - يحيى بْن ياقوت. [المتوفى: 594 هـ]
أبو الفَرَج الْبَغْدَادِيّ، النّجّار.
روى عن هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبي غالب ابن البناء، وهبة الله ابن الطَّبَر، وجماعة.
روى عَنْهُ ابن الدُّبيثيّ، وابن خليل، واليَلْدانيّ، وغيرهم.
وكان يسكن المختارة من الجانب الشرقي. [ص:1026]
تُوُفّي فِي حادي عشر جُمادى الآخرة.(12/1025)
222 - يُونُس بْن أَبِي مُحَمَّد بْن علي بْن المعمر، أبو اليُمْن البغداديّ، البُسْتَنْبانيّ، المعروف بابن جَرَادَة. [المتوفى: 594 هـ]
روى عن عَبْد الخالق بْن عَبْد الصّمد بْن البَدَن.
وتُوُفّي فِي المحرَّم.
روى عَنْهُ ابن خليل.(12/1026)
-وفيها وُلِد:
شمس الدّين المسلّم بن مُحَمَّد بْن المسلّم بْن عِلّان القَيْسيّ، وعبد الرَّحْمَن بْن عَبْد المؤمن الصوري فِي ذي الحجة.
والنّظام عليّ بْن الفضل بْن عَقِيل العبّاسيّ التّاجر، له إجازة من الخُشُوعيّ.
والعدل بدر الدّين مُحَمَّد بْن عليّ العَدَوي بْن السّكاكري.
وأبو بَكْر بْن مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر الهَرَويّ، ثُمَّ الصّالحيّ فِي شوّال، وعبد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن سلامة المَقْدِسيّ، والعزّ عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد المنعم بْن الصَّيْقَل بحَرّان، والزّاهد أَحْمَد بْن عليّ الأثريّ.(12/1026)
-سنة خمس وتسعين وخمسمائة.(12/1027)
223 - أَحْمَد بْن حيّوس بْن رافع بْن مُتَوَّج بْن مَنْصُور بْن فُتيح. العدْل، الجليل، أبو الْحُسَيْن الغَنويّ، الدّمشقي. [المتوفى: 595 هـ]
وُلِد سنة إحدى وعشرين وخمسمائة، وكان اسمه قديمًا عَبْد اللَّه.
سمع من أَبِي الفتح نصر اللَّه المصيصي، وهبة اللَّه بْن طاوس.
وتُوُفّي فِي ذي القعدة.
روى عَنْهُ الحافظ الضّياء، وطائفة. وأجاز لأحمد بْن أَبِي الخير.(12/1027)
224 - أَحْمَد بْن وهْب بْن سَلْمان بن أحمد ابن الزَّنْف، أبو الْحُسَيْن السُّلميّ، الدَّمشقيّ. [المتوفى: 595 هـ]
وُلِد سنة ثلاثين، وسمَّعه أَبُوهُ حضورًا من يحيى بْن بطْريق.
وسمع أَبَا الفتح نصر اللَّه المصّيصّي، وأبا الدُّرّ ياقوتًا الرُّومي، وأبا المعالي مُحَمَّد بْن يحيى القاضي، وجماعة.
روى عَنْهُ ابن خليل، وجماعة.
وأجاز لابن أَبِي الخير.
تُوُفّي فِي ذي الحجَّة.(12/1027)
225 - إِسْمَاعِيل بْن فضائل بْن عَبْد الباقي بْن مكّيّ، أبو عَبْد الرَّحْمَن الحربيّ. [المتوفى: 595 هـ]
سمع هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، والقاضي أَبَا بَكْر.
روى عَنْهُ أبو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، وابن خليل.
وأجاز لابن أَبِي الخَيْر.
وتُوُفّي فِي شعبان.
قال ابن النّجّار: هُوَ شيخ صالح.(12/1027)
226 - إِسْمَاعِيل بْن هبة اللَّه بْن أَبِي نصر بْن أَبِي الفضل، أبو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، الحربيّ، المعروف بابن دَقِيقة. [المتوفى: 595 هـ][ص:1028]
سمع من أَبِي البركات الأنْماطيّ، وأبي البدر الكَرْخيّ، وعبد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يوسف.
ودَقيقة بالفتح.
روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وابن خليل.
وأجاز لابن أَبِي الخير سلامة.
تُوُفّي يوم عاشوراء.(12/1027)
227 - أسماء بِنْت أَبِي البركات مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن الرَّان. الدّمشقيَّة. [المتوفى: 595 هـ]
روت عن جدّها لأمّها أَبِي المفضّل يحيى بْن عليّ القاضي.
وعنها سِبْطها النّسّابة عزّ الدّين مُحَمَّد بْن أَحْمَد، ويوسف بْن خليل، والشّهاب القُوصيّ.
وتزوَّجت بابن خالتها مُحَمَّد أخي الحافظ ابن عساكر.
تُوُفّيت فِي ذي الحجَّة.(12/1028)
228 - أعزّ بْن عليّ بْن المظفَّر بْن عليّ، أبو المكارم الْبَغْدَادِيّ، المراتبيّ، المعروف بالظَّهيريّ. [المتوفى: 595 هـ]
سمع من أَبِي القاسم والده، ومن إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، ومَسَرَّة بْن عَبْد اللَّه الزَّعيميّ.
وكان أُمِّيًّا لا يكتب.
روى عَنْهُ ابن خليل، واليَلْدانيّ.
وتُوُفّي فِي ثالث عشر ربيع الأوّل.(12/1028)
229 - آمنة بِنْت مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن طاهر بْن الرّان. [المتوفى: 595 هـ]
أخت السّتّ أسماء.
وُلِدت سنة ثمان عشرة وخمسمائة.
وتُوُفّيت فِي شوّال، ودُفنت بمسجد القدم.
سمعت من جدّها لأمّها القاضي المنتجب يحيى بْن عليّ القُرشيّ، وعبد الكريم بْن حَمْزَة.
وحجّت هِيَ وأختها، ثمّ حجّت مرتين أيضًا.
رَوَى عَنْهَا: [ص:1029] ولدها القاضي محيي الدين أبو المعالي ابن الزّكيّ، وشهاب الدّين القُوصيّ، وغير واحد.
وَوَقَفَتْ رباطًا بدمشق.(12/1028)
230 - بَشِير بْن محفوظ بْن غَنيِمة، أبو الخير الأَزَجيّ شيخ صالح. [المتوفى: 595 هـ]
روى عن ابن ناصر، وأبي الوقت.
وصحِب الشّيخ عَبْد القادر، وانقطع إِلَى العبادة. وله كلام فِي العَرْفان.
وكان الناس يتبركون به.
توفي في حادي عشر في ربيع الأول.(12/1029)
231 - ثابت بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الفَرَج بْن الْحَسَن، أبو الفَرَج المَدِينيّ، الإصبهانيّ. [المتوفى: 595 هـ]
محدِّث ناحيته.
سمع من أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَليّ بْن أَبِي ذَرّ، وسعيد الصَّيْرَفيّ، وزاهر الشّحّاميّ، والحسين الخلال، وجماعة.
ورحل إلى بغداد.
فسمع من أَبِي الفضل الأرموي، والمبارك بن كامل المفيد، وغيرهما وأملى بإصبهان، وخرَّج.
ووُلّي خطابة إصبهان. وكان ذا معرفة بهذا الشأن.
سمع منه الحافظ أبو بَكْر الحازميّ، ونصر بْن أَبِي رشيد الإصبهانيّ، ويوسف بْن خليل، وجماعة.
وأجاز لأحمد بْن أبي الخير.
توفي أواخر رمضان.(12/1029)
232 - الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن عليّ، أبو عليّ الْبَغْدَادِيّ، البقّال، المعروف بابن القطائفيّ. [المتوفى: 595 هـ]
روى عن ابن الحُصَيْن.
وكان سوقيًّا متعيّشًا.
روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وابن خليل، وجماعة.
وأجاز لابن أَبِي الخير.
تُوُفّي فِي المحرَّم وقد قارب الثّمانين.(12/1029)
233 - الْحُسَيْن بْن أَبِي بَكْر بْن الْحُسَيْن، أبو عَبْد اللَّه الحربيّ، المعروف بابن السّمك. [المتوفى: 595 هـ]
روى عن هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الأصابع الحربيّ.(12/1030)
234 - حُمَيْد الأَبْلَه. [المتوفى: 595 هـ]
كان ببغداد ينام على المزابل، وربّما تكشَّف، ومع هَذَا فكان للبغاددة في اعتقاد كقاعدتهم فِي المُولهين.
تُوُفّي فِي ذي القعدة، وشيعه خلائق.(12/1030)
235 - خليفة بْن أبي بَكْر بْن أَحْمَد، أبو نصر الْبَغْدَادِيّ ابن القَطَوة. [المتوفى: 595 هـ]
روى عن إِسْمَاعِيل ابن السمرقندي، وعبد الوهاب ابن الأنْماطيّ.
وكان سقّاء.
روى عَنْهُ بالإجازة: أَحْمَد بْن أَبِي الخير.
تُوُفّي فِي شعبان.
وأبوه قيّده ابن نُقْطة.
وحدَّث عَنْهُ ابن النّجّار.(12/1030)
236 - دُلَف بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن قُوفا، أبو القاسم الحريميّ. [المتوفى: 595 هـ]
سمع أبن الحُصَيْن، وغيره.
روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وابن خليل، واليَلْدانيّ. وبالإجازة: ابن أَبِي الخير.
تُوُفّي فِي شوّال.
قال ابن النّجّار: كان صالحًا، دمثًا، حسَنَ الأخلاق.(12/1030)
237 - ضياء بْن أَحْمَد بْن يوسف بْن جَنْدَل أبو مُحَمَّد الحربيّ. [المتوفى: 595 هـ]
روى عن أَبِي الْحَسَن بْن عَبْد السّلام، وعبد اللَّه اليُوسُفيّ، والمبارك بْن كامل الدّلّال.
سمع منه أَحْمَد بْن سلمان الحربيّ، وابن خليل، وجماعة.
وأجاز لابن أبي الخير.
توفي في جمادى الآخرة.(12/1030)
238 - طرخان بْن ماضي بْن جَوْشَن بْن عليّ. الفقيه أبو عَبْد اللَّه اليمنيّ، ثُمَّ الدَّمشقيّ، الشّاغُوريّ، الضّرير الشّافعيّ. [المتوفى: 595 هـ]
سمع من أَبِي المعالي مُحَمَّد بْن يحيى القُرَشيّ، وأبي القاسم بْن مقاتل، ومحمد بْن كامل بْن دَيْسم، وغيرهم.
روى عَنْهُ عَبْد الكافي الصَّقَلّيّ، وابن خليل، والشِّهاب القُوصيّ، وجماعة.
وأَمّ بالسّلطان نور الدّين. وكان يلقَّب تقيّ الدّين.
سُئل عن مولده فقال: فِي سنة ثمان عشرة بالشّاغور.
وتُوُفّي فِي ثالث ذي الحجَّة. وهو والد إِسْحَاق شيخ الشَّرَف مُحَمَّد ابن خطيب بيت الآبار.(12/1031)
239 - ظفر بن إبراهيم، أبو السعود، المعروف بابن الأَرْمنيّ. [المتوفى: 595 هـ]
روى عن أَبِي الْحُسَيْن ابن القاضي أَبِي يَعْلَى، وعبد الباقي بْن أَبِي الغُبار الأديب.
وكان قصّابًا.
تُوُفّي فِي نصف جُمادى الآخرة.
ولابن أَبِي الخير منه إجازة.
روى عنه ابن النجار.(12/1031)
240 - عَبْد اللَّه بْن المظفَّر بْن أَبِي نصر بْن هبة اللَّه، أبو مُحَمَّد البوّاب. [المتوفى: 595 هـ]
سمّعه أَبُوهُ من يحيى بْن حُبَيْش الفارِقيّ، وأبي بكر الْأَنْصَارِيّ.
وكان أَبُوهُ بوّابًا بدار الخلافة.
روى عَنْهُ ابن خليل، والدُّبيثيّ.
وأجاز لابن أَبِي الخير.
تُوُفّي فِي ربيع الآخر.(12/1031)
241 - عَبْد الخالق بْن أَبِي البقاء هبة اللَّه بْن القاسم بن منصور، أبو محمد ابن البُنْدار الحريميّ، الزّاهد، العابد. [المتوفى: 595 هـ]
وُلِد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة فِي جُمادى الآخرة. وقيل سنة إحدى عشرة.
وسمع من ابن الحصين، وأبي غالب ابن البنّاء، وابن الطَّبر، وأبي [ص:1032] المواهب بْن مُلوك، والقاضي أَبِي بَكْر، وأبي منصور القزاز.
وكان ثقة صالحًا خيِّرًا، ناسكًا، سَلَفِيًّا.
روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وابنُ النَّجَّار، وابنُ خليل، واليّلْداني، وابن عَبْد الدّائم، وجماعة.
وبالإجازة: أَحْمَد بْن أَبِي الخير، وغيره.
قال ابن النّجّار فِي تاريخه: كان يشبه الصّحابة. ما رَأَيْت مثله رحمه اللَّه.
تُوُفّي فِي سادس ذي القعدة.(12/1031)
242 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي المظفّر أَحْمَد بْن عَبْد الواحد بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد، أبو الْحَسَن العُكْبَرِيّ، الصُّوفيّ الدّبّاس، وُلِد سنة عشرين. [المتوفى: 595 هـ]
وسمع من أَبِي الفضل الأرْمَويّ، وهبة اللَّه الحاسب، وجماعة.
وحدَّث بمكَّة.
روى عَنْهُ الحافظ ابن المفضَّل، ومكّيّ بْن عُمَر الفقيه.
تُوُفّي فِي أول ذي القعدة.(12/1032)
243 - عَبْد الغنيّ بْن عليّ بْن إِبْرَاهِيم، أبو القاسم المصريّ، النّحّاس، الْمُقْرِئ. [المتوفى: 595 هـ]
حدَّث بالوجيز للأهوازيّ، عن الشّريف أَبِي الفُتُوح الخطيب. وكان مؤدّبًا بزُقاق القناديل.
روى عَنْهُ الكمال.
وتُوُفّي فِي ربيع الأوّل.(12/1032)
244 - عَبْد القادر بْن هبة اللَّه بْن عَبْد المَلِك بْن غريب الخال، أبو مُحَمَّد. [المتوفى: 595 هـ]
يُقَالُ إنّه سمع من القاضي أَبِي بَكْر، وحدَّث.(12/1032)
245 - عَبْد المعيد بْن المحدّث عَبْد المغيث بْن زُهَير بْن زُهَير، أبو مُحَمَّد الحربيّ، الحنبليّ. [المتوفى: 595 هـ][ص:1033]
سمّعه أَبُوهُ من أَبِي الوقت، وهبة اللَّه الشِّبْليّ، وجماعة، قيل: إنّه حدَّث.(12/1032)
246 - عَبْد المنعم بْن الخَضِر بْن شِبْل بْن عَبْد الواحد، أبو مُحَمَّد الحارثيّ، الدَّمشقيّ. [المتوفى: 595 هـ]
روى عن أَبِي القاسم الحسين ابن البن.
روى عَنْهُ ابنُ خليل، وغيره.
وتُوُفّي في ربيع الأول بنواحي طبرية.(12/1033)
247 - عبد الواحد بن ناصر بن أبي الأسد، أبو محمد المعري المعروف بالكريمي، الدمشقي. [المتوفى: 595 هـ]
روى عن هبة اللَّه بْن طاوس.
وعنه ابن خليل.(12/1033)
248 - عُبَيْد اللَّه بْن الْحَسَن بن علي، أبو الفرج ابن الدَّوَاميّ الكاتب. [المتوفى: 595 هـ]
سمع أَبَاهُ، وأبا مُحَمَّد سِبْط الخيّاط، وأبا مَنْصُور بْن خيرون، وأبا عَبْد الله بن السّلّال.
وكان على ديوان الحشْر، فِشُكرت سيرته.
تُوُفّي فِي جُمادى الآخرة.(12/1033)
249 - عُثْمَان بْن يوسُف بْن أيّوب بْن شاذي. السُّلطان الملك الْعَزِيز أبو الفتح، وأبو عمرو ابن السّلطان الملك الناصر صلاح الدِّين، [المتوفى: 595 هـ]
صاحب مصر.
وُلِد فِي جُمادى الأولى سنة سبْعٍ وستّين وخمسمائة.
وسَمِعَ من أَبِي طاهر السِّلَفيّ، وأبي الطاهر بْن عَوْف، وعبد اللَّه بْن برّيّ النَّحْويّ.
وحدَّث بثغر الإسكندرية.
ملك ديار مصر بعد والده، وكان لا بأس فِي سِيرته. وكان قد خرج يتصيّد فرماه فرسه رمْيةً مؤلمة منكرة، فردّ إِلَى القاهرة وتمرض ومات. [ص:1034]
قال الحافظ الضّياء، ومن خطّه نقلت، قال: خرج إِلَى الصَّيد، فجاءته كُتُب من دمشق فِي أذِيَّة أصحابنا الحنابلة، فقال: إذا رجعنا من هَذِهِ السَّفْرة كلّ من كان يقول بمقالتهم أخرجناه من بلدنا. فرماه فَرَسُه، ووقع عليه فخسَف صدره. كذا حدَّثني يوسف بْن الطُّفَيْل، وهو الّذي غسله.
قال المنذري: توفي في العشرين من المحرم، وعاش ثمانيا وعشرين سنة، وأقيم بعده ولده في الملك، صبي دون البلوغ، فلم يتم.
وقال الموفق عبد اللطيف: كان العزيز شابا، حسن الصورة، ظريف الشمائل، قويًا، ذا بطش وأيد، وخفة حركة، حييا، كريما، عفيفا عن الأموال والفُروج. وبلغ من كَرَمه أنّه لم يبق له خزانة ولا خاصّ ولا برك ولا فرس، وأما بيوت أصحابه وأمرائه فتفيض بالخيرات. وكان شجاعًا مقدامًا.
وبلغ من عِفّته أنّه كان له غلام تركيّ اشتراه بألف دينار يُقَالُ له أبو شامة، فوقف على رأسه خلوةً. فنظر إِلَى جماله، فأمره أن ينزع ثيابه، وجلس معه مقعد الفاحشة، فأدركه التّوفيق ونهض مسرعًا إِلَى بعض سراريه، فقضى وطرّه، وخرج والغلام بحاله، فأمره بالتَّسَتُّر والخروج.
وأمّا عِفّته عن الأموال فلا أقدر أن أصف حكاياته فِي ذلك.
ثُمَّ حكى الموفّق ثلاث حكايات فِي المعنى.
وقال ابن واصل: كانت الرعية يحبونه محبة عظيمة شديدة، وفُجعوا بموته، إذ كَانَت الآمال متعلّقة بأنّه يسد مسد أبيه.
ثم حكى ابن واصل حكايتين فِي عدْله ومروءته رحمه اللَّه وسامحه.
ولمّا سار الملك الأفضل أخوه مع العادل ونازَلا بِلْبِيس، وتزلزل أمره، بذلت له الرعية أموالها ليذب عن نفسه فامتنع.
قال ابن واصل: وقد حُكيَ أنّه لمّا امتنع قيل له: اقترض من القاضي الفاضل، فإنّ أمواله عظيمة. فامتنع، فألحّوا عليه، فاستدعى القاضي الفاضل، فلمّا رآه مقبلا وهو يراه من المنظرة قام حياءً، ودخل إِلَى النّساء. فراسلته الأمراء وشجّعوه، فخرج وقال له بعد أن [ص:1035] أطنب فِي الثّناء عليه: أيُّها القاضي، قد علمت أنّ الأمور قد ضاقت عليّ، وليس لي إلّا حُسْن نظرك، وإصلاح الأمر بمالك، أو برأيك، أو بنفسك.
فقال: جميع ما أنا فيه من نعمتكم، ونحن نقدم أولًا الرأي والحيلة، ومتى احتيج إِلَى المال فهو بين يديك.
فوردت رسالة من العادل إِلَى القاضي الفاضل باستدعائه، ووقع الاتّفاق.
وقد حُكي عَنْهُ ما هُوَ أبلغ من هَذَا، وهو أنّ عَبْد الكريم بْن عليّ أخا القاضي الفاضل كان يتولّى الجيزة زمانًا وحصّل الأموال، فجرت بينه وبين الفاضل نَبْوَة أوجبت اتّضاعه عند النّاس فعْزِل، وكان متزوّجًا بابنة ابن ميسّر، فانتقل بها إِلَى الإسكندرية، فضايقها وأساء عِشْرتها لسوء خُلُقِه، فتوجّه أبوها وأثبت عند قاضي الإسكندرية ضَرَرها، وأنّه قد حصَرها فِي بيتٍ، فمضى القاضي بنفسه، ورام أن يفتح عليها فلم يقدر فأحضر نقّابًا فنقب البيت وأخرجها ثُمَّ أمر بسدّ النقب، فهاج عَبْد الكريم وقصد الأمير فخر الدين جهاركس بالقاهرة، وقال: هَذِهِ خمسة آلاف دينار لك، وهذا أربعون ألف دينار للسّلطان، وأُوَلَّى قضاء الإسكندرية. فأخذ منه المال، واجتمع بالملك الْعَزِيز ليلًا، وأحضَر له الذَّهَب.
وحدَّثه، فسكت ثُمَّ قال: رُدّ عليه المال، وقل له: إيّاك والعَوْد إلى مثلها، فما كل ملك يكون عادلًا، فأنا ما أبيع أَهْل الإسكندريَّة بهذا المال.
قال جهاركس: فَوَجَمْتُ وظهر عليّ، فقال لي: أراك واجمًا، وأراك أخذت شيئًا على الوساطة. قلت: نعم. قال: كم أخذت؟ قلت: خمسة آلاف دينار. فقال: أعطاك ما لا تنتفع به إلّا مرَّة، وأنا أعطيك فِي قبالته ما تنتفع به مرّات.
ثُمَّ أَخَذَ القلم ووقّع لي بخطه بإطلاق جهةٍ تعرف طنبزة كنت أستغلها سبعة آلاف دينار.
قلت: وقد قصد دمشق ومَلَكها، كما ذكرنا فِي الحوادث، وأنشأ بها المدرسة العزيزيَّة. وكان السّكَّة والخطبة باسمه بها وبحلب.
وخلَّف ولَدَه الملك المنصور مُحَمَّد بْن عُثْمَان، وهو ابن عَشْر، فأوصى له بالمُلْك، وأن يكون مدبّره الأمير بهاء الدّين قراقوش الأَسَديّ. وكان كبير الأسديَّة الأمير سيف الدّين يازكوج، وبعضهم يُغيّر يازكوج ويقول: أزكش، وكان سائر الأمراء [ص:1036] الأَسَديَّة والأكراد محبّين للملك الأفضل، مُؤْثِرين له، والأمراء الصلاحية بالعكس، لكونهم أساؤوا إليه. ثُمَّ تشاوروا وقال مقدّم الجيش سيف الدّين يازكوج: نطلب الملك الأفضل ونجعله مع هذا الصبي. فقال الأمير فخر الدّين جهاركس، وكان من أكبر الدّولة: هُوَ بعيد علينا. فقال يازكوج: هُوَ فِي صَرْخد فنطلبه ويصل مسرعًا. فقال جهاركس شيئًا يُمَغْلط به، فقال يازكوج: نشاور القاضي الفاضل. فاجتمع الأميران به، فأشار بالأفضل. هكذا حكى ابن الأثير.
وحكى غيره أنْهم أجلسوا الصبي في المُلك. وقام قراقوش بأتابكيّته، وحفلوا له، وامتنع عمّاه الملك المؤيَّد والملك المعزّ إلّا أنْ تكون لهما الأتابكيَّة. ثُمَّ حَلفا على كرهٍ. ثُمَّ اختلفت الأمراء وقالوا: قراقوش مضطّرب الآراء، ضيّق العطن.
وقال قوم: بل نرضى بهذا الخادم فإنّه أطْوَع وأسوس.
وقال آخرون: لا يحفظ هذا الإقليم إلا بملك يُرهب ويُخاف.
ثم اشْتَوَروا أيّامًا، ورجعوا إِلَى رأي القاضي الفاضل، وطلبوا الأفضل ليعمل الأتابكيَّة سبْع سِنين، ثُمَّ يسلم الأمر إلى الصبي، ويشترط أن لا يذكر فِي خطبةٍ ولا سِكّة. وكتبوا إليه، فأسرع إِلَى مصر فِي عشرين فارسًا، ثم جرت أمور.(12/1033)
250 - عثمان ابن الرئيس أَبِي القاسم نصر بْن مَنْصُور بْن الحسين ابن العطّار. الصّدر أبو عَمْرو الحرّانيّ الأصل، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 595 هـ]
سمع من أَبِي الوقت، وابن البطّيّ.
وكان رئيسًا متواضعًا.
مات فِي ذي القعدة.(12/1036)
251 - علي بن أبي تمام أحمد بن علي بْن أَبِي تمّام أَحْمَد بْن هبة اللَّه ابن المهتدي بالله، أبو الْحَسَن الهاشميّ، الخطيب. [المتوفى: 595 هـ]
من بيت حشمةٍ وخطابة ورواية.
تُوُفّي فِي صفر.(12/1036)
252 - عليّ بْن أَحْمَد، أبو الْحَسَن اللمْطيّ. [المتوفى: 595 هـ]
سمع معمّر بْن الفاخر. وحدَّث عن عُمَر الميانشِيّ، ويوسف بْن أَحْمَد الشّيرازيّ الْبَغْدَادِيّ.
وكان كثير البر والصلة والأفضال.
تُوُفّي بمصر فِي ربيع الآخر.(12/1037)
253 - عليّ بن أبي طالب عبد الله ابن النّقيب أَبِي عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن عليّ بْن المعمّر. الشّريف أبو الْحَسَن العَلَويّ الحُسَيْنيّ. [المتوفى: 595 هـ]
حدَّث بشيء يسير من شعره. ومات شابًا.(12/1037)
254 - علي ابن الشَّيْخ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلِيّ بْن المسلَّم، أبو الْحَسَن اللَّخْميّ الخِرَقيّ، الدَّمشقيّ. [المتوفى: 595 هـ]
وُلِد سنة خمسٍ وثلاثين. وَسَمِعَ من نصر اللَّه المصِّيصيّ. وحدَّث.
تُوُفّي فِي ذي القعدة.(12/1037)
255 - عُمَر بْن عليّ بْن فارس. أبو حفْص الطّينيّ. [المتوفى: 595 هـ]
روى عن أحمد بن علي بْن الأشقر، وأبي الوقت. وكان يعمل من الطّين عُصْفورًا يصفّر به الصّبيان، ويعمل الزّمامير.
مات فِي رجب.(12/1037)
256 - عُمَر بْن يوسف بْن أَحْمَد بْن يوسف، أبو حَفْص الكُتّاميّ، الحمويّ الكاتب، المعروف بابن الرُّفَيْش، بفاء وشين معجمة. [المتوفى: 595 هـ]
سمع بدمشق من جمال الْإِسْلَام أَبِي الْحَسَن بْن المسلَّم، وببغداد من الأُرْمَوِيّ، وهبة اللَّه الحاسب.
روى عَنْهُ ابن خليل. وبالإجازة: أَحْمَد بْن أَبِي الخير.
وكان صالحًا عابدًا، وِرْدُه فِي اليوم مائة ركعة.
تُوُفّي فِي ربيع الآخر.(12/1037)
257 - فُتُونُ بِنْت أَبِي غالب بْن سُعُود بْن الحبوس الحربية. [المتوفى: 595 هـ][ص:1038]
رَوَت عن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يوسف.
أَخَذَ عَنْهَا أَحْمَد بْن أبي شَرِيك الحربيّ، وابن خليل، وجماعة.
وفُتُون: بالتاء المثنّاة، والحَبُوس: بحاءٍ مفتوحة وسين مهملة.
تُوُفّيت فِي خامس ذي القعدة.(12/1037)
258 - قايماز الأمير مجاهد الدّين أبو مَنْصُور الرُّوميّ، الزينبيّ، الخادم الأبيض [المتوفى: 595 هـ]
الّذي بنى بالموصل الجامع المجاهديّ، والرّباط، والمدرسة.
كان لزين الدّين صاحب إربل، فأعتقه وأمّره، وفوَّض إليه أمور مدينة إربل، وجعله أتابَك أولاده فِي سنة تسعٍ وخمسين، فعدل فِي الرّعيَّة وأحسن السّيرة. وكان كثير الخير والصّلاح والإفضال، ذا رأيٍ وعقلٍ وسُؤْدد.
انتقل إِلَى الموصل سنة إحدى وسبعين، وسكن قلعتها، وولي تدبيرها، وراسل الملوك، وفوَّضَ إليه صاحب الموصل غازي بْن مودود الأمور، وكان هُوَ الكلّ، وامتدّت أيّامه، فلمّا وصلت السَّلْطَنة إِلَى رسلان شاه وتمكَّن من المُلْك، قبض على قيماز وسجنه، وضيَّق عليه إِلَى أن مات فِي السّجن.
وكان لعز الدين مسعود صاحب الموصل جارية اسمها اقصرا، فَزوَّجه بها، وهي أمّ الأتابَكية زَوْجة الملك الأشرف مُوسَى الّتي لها بالجبل مدرسة وتربة.
وقيل: إنّه كان يتصدَّق فِي اليوم بمائة دينار خارجًا عن الرواتب.
وقد مدحه سِبْط التّعاويذيّ بقصيدةٍ سيَّرها إليه من بغداد، مطلعها:
عليلُ الشَّوْق فِيك مَتَى يصحُّ ... وسكرانٌ بحبّك كيف يَصحو
وبين القلب والسّلْوان حَرْبٌ ... وبين الجفنِ والعَبَرات صُلحُ
فبعث إليه بجائزة سنيّة وبغلة، فضعفت البغْلة فِي الطّريق، فكتب إليه: [ص:1039]
مجاهدُ الدّينِ دُمتَ ذُخْرًا ... لكلّ ذي فاقةٍ وكنزا
بعثتَ لي بغلةً ولكنْ ... قد مُسِخت فِي الطّريق عَنْزَا
أجاز لي ابن البُزُوريّ قال: مجاهد الدّين قايماز الحاكم فِي دولة نور الدّين أرسلان شاه، كان أديبًا فاضلًا، وإلى ما يُقَرَّبه إِلَى اللَّه مائلًا، كثير الصَّدَقات، له آثار جميلة بالموصل، فمنها الجامع، وإلى جانبه مدرسة، ورباط، ومارستان، وبنى عدَّة خانات فِي الطرق وفنادق وقناطر.
وكان كثير الصيّام، يصوم فِي السّنة مقدار سبعة أشهر. وعنده معرفة تامَّة بمذهب الشّافعيّ. كذا قال.
وأما ابن الأثير فقال: كان عاقلًا، خيرًا، فاضلًا، يعرف الفقه على مذهب أَبِي حنيفة، ويكثر الصَّوْم، وله أَوْراد، وكان كثير المحفوظ من التواريخ، والشِّعْر، وغرائب الأخبار.
توفي في ربيع الأول.(12/1038)
259 - محمد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن رُشْد، أبو الْوَلِيد القُرْطبيّ، حفيد العلّامة ابن رُشْد الفقيه. [المتوفى: 595 هـ]
وُلِد سنة عشرين، قبل وفاة جدّه أَبِي الْوَلِيد بشَهْرٍ واحد.
وعَرَضَ الموطّأ على والده أَبِي القاسم.
وأخذ عن أَبِي مروان بْن مَسَرَّة، وأبي القاسم بْن بَشْكُوال، وجماعة.
وأخذ عِلم الطِّبّ عن أَبِي مروان بْن حَزْبول.
ودرس الفِقه حتّى بَرَع فِيهِ، وأقبل على عِلم الكلام، والفلسفة، وعلوم الأوائل، حتّى صار يضربُ به المَثَل فيها.
فَمَنْ تصانيفه على ما ذكره ابن أَبِي أُصَيْبَعَة: كتاب التّحصيل، جمع فِيهِ اختلافات العلماء، كتاب المقدّمات فِي الفقه، كتاب نهاية المجتهد، كتاب الكُليّات طبّ، كتاب شرح أُرجوزة ابن سينا فِي الطّبّ، كتاب الحيوان، كتاب جوامع كتب أرسطو طاليس فِي الطّبيعيّات والإلهيّات، كتاب فِي المنطق، كتاب تلخيص الإلهيات لنيقولاوس، كتاب تلخيص ما بعد الطبيعة لأرسطو طاليس، شرح كتاب [ص:1040] السماء والعالم لأرسطوطاليس، شرح كتاب النفس لأرسطوطاليس، تلخيص كتاب الأسطقسات لجالينوس، ولَخَّصَ له أيضًا كتاب المزاج، وكتاب القوى، وكتاب العلَل، وكتاب التعرف، وكتاب الحُميات، وكتاب حيلة البرء، ولخص كتاب السمّاع الطبيعيّ لأرسطوطاليس، وله كتاب تهافت التّهافت، يردّ فِيهِ على الغزاليّ، وكتاب منهاج الأدِلَّة فِي الأصول، كتاب فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، كتاب شرح كتاب القياس لأرسطو، مقالة فِي العقل، مقالة فِي القياس، كتاب الفحص في أمر العقل، كتاب الفحص عن مسائل وقعت في الإلهيات من الشفاء لابن سينا، مسألة فِي الزّمان، مقالة فِي أنّ ما يعتقده المشاؤون وما يعتقده المتكلِّمون من أَهْل ملَّتنا فِي كيفيَّة وجود العالم متقارب فِي المعنى، مقالة فِي نظر أَبِي نصر الفارابيّ فِي المنطق ونظر أرسطوطاليس، مقالة فِي اتّصال العقل المُفارق للإنسان، مقالة فِي ذلك أيضًا، مباحثات بين المؤلف وابن أَبِي بَكْر بْن الطُّفَيل فِي رسمه للدّواء، مقالة فِي وجود المادَّة الأولى، مقالة فِي الردّ على ابن سينا فِي تقسيمه الموجودات إِلَى ممكن على الإطلاق وممكن بذاته، مقالة فِي المزاج، مقالة فِي نوائب الحُمّى، مسائل فِي الحكمة، مقالة فِي حركة الفَلَك، كتاب ما خالفَ فِيهِ أبو نصر لأرسطو فِي كتاب البُرْهَان، مقالة فِي التِّرياق، تلخيص كتاب الأخلاق لأرسطو، وتلخيص كتاب البرهان له.
قلت: ذكر شيخ الشّيوخ تاج الدّين: لمّا دخلتُ إِلَى البلاد سألتُ عَنْهُ، فَقِيل: إنّه مهجورٌ فِي دارِهِ من جهة الخليفة يعقوب، ولا يدخل أحدٌ عليه، ولا يخرج هُوَ إِلَى أحد. فَقِيل: لِمَ؟ قَالُوا: رُفعت عَنْهُ أقوالُ رديَّة، ونُسِب إليه كثرة الاشتغال بالعلوم المهجورة من علوم الأوائل.
ومات وهو محبوس بداره بمراكش في أواخر سنة أربع وتسعين.
ذكره الأَبّار فقال: لم ينشأ بالأندلس مثله كمالًا وعلمًا وفضلًا. قال: وكان متواضعًا، منخفض الجناح، عُني بالعِلم حتّى حُكيّ عَنْهُ أنّه لم يترك النّظر والقراءة مُذْ عقل إلّا ليلةَ وفاةِ أَبِيهِ وليلة عُرْسِه، وأنّه سوَّد فيما صنَّف وقيد [ص:1041] واختصر نحوًا من عشرة آلاف ورقة، ومال إِلَى علوم الأوائل، فكانت له فيها الإمامة دون أَهْل عصِره. وكان يفزعُ إِلَى فتْياه فِي الطّبّ كما يُفْزَع إِلَى فتياه فِي الفِقه، مع الحظّ الوافر من العربيَّة.
قيل: كان يحفظ ديوان حبيب والمتنبّي. وله من المصنَّفات: كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد في الفقه، علل فيه ووجَّه، ولا نعلم فِي فنّه أنفع منه، ولا أحسن مساقًا. وله كتاب الكليَّات فِي الطب، ومختصر المستصفى فِي الأصول، وكتاب فِي العربيَّة، وغير ذلك.
وقد وُلّي قضاء قُرْطُبة بعد أَبِي مُحَمَّد بْن مغيث، فَحُمِدت سيرته وعظُم قدره.
سمع منه أبو مُحَمَّد بْن حَوْط اللَّه، وسهل بْن مالك، وجماعة.
وامتُحِن بآخره، فاعتقله السّلطان يعقوب وأهانه، ثمّ أعاده إِلَى الكرامة فيما قيل، واستدعاه إِلَى مرّاكُش، وبها تُوُفّي فِي صَفَر، وقيل فِي ربيع الأوّل، وقد مات السّلطان بعده بِشَهْر.
وقال ابن أَبِي أُصَيْبَعَة: هُوَ أوحدٌ فِي علم الفقه والخلاف. تفقَّه على الحافظ أَبِي مُحَمَّد بْن رزق. وبرع في الطب. وألف كتاب الكلّيّات أجاد فِيهِ. وكان بينه وبين أبي مروان بن زهر مودة.
وحدثني أبو مروان الباجيّ قال: كان أبو الْوَلِيد بْن رُشْد ذكيًا، رثّ البزَّة، قويّ النَّفس، اشتغل بالطّبّ على أَبِي جَعْفَر بْن هارون، ولازمه مدة.
ولما كان المنصور بقُرطُبة وقت غزْو الفُنْش استدعى أَبَا الْوَلِيد واحترمه وقربه، حتى تعدى به الموضع الّذي كان يجلس فِيهِ الشَّيْخ عَبْد الواحد بن أبي حفص الهنتاتي، ثُمَّ بعد ذلك نَقَمَ عليه لأجل الحكمة، يعني الفلسفة.(12/1039)
260 - مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن خطّاب. الأندلسيّ. [المتوفى: 595 هـ]
تُوُفّي بطريق مكَّة. وقد رحل، وسمع ببغداد على: ذاكر بْن كامل، وابن بوش، وطبقتهما.
ودخل إصبهان. وقرأ القرآن بواسط على ابن الباقِلّانيّ.
مات فِي ذي الحجة.(12/1041)
261 - مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الفتح، أبو جَعْفَر الطَّرَسُوسيّ، ثُمَّ الإصبهانيّ، الحنبليّ. [المتوفى: 595 هـ][ص:1042]
من كبار شيوخ عصره فِي مصره.
وُلِد سنة اثنتين وخمسمائة فِي حادي عشر صَفَر.
وسمع من أَبِي عليّ الحدّاد، والحافظ مُحَمَّد بْن طاهر، والحافظ يحيى بْن مَنْدَهْ، والحافظ مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد الدّقّاق، ومحمود بْن إِسْمَاعِيل الصَّيْرَفيّ، وأبي نهشل عَبْد الصَّمَد العنبْريّ.
حَدَّث عَنْهُ أَبُو مُوسَى عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْغَنِيِّ، ويوسف بن خليل، وجماعة كثيرة.
وأجاز لأحمد بْن أَبِي الخير، وغيره من المتأخّرين.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلامَةَ فِي كِتَابِهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، أَنَّ أبا علي الحداد أخبرهم قال: أخبرنا أبو نعيم قال: حَدَّثَنَا سليمان بن أحمد قال: حَدَّثَنَا أبو زرعة الدمشقي قال: حَدَّثَنَا يحيى بن صالح قال: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلامٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كُسِفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُودِيَ بِالصَّلاةِ جَامِعَةً. أخرجه البخاري عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ.
تُوُفّي فِي السّابع والعشرين من جُمادى الآخرة.
وهو آخر من حدَّث عن ابن طاهر بالسَّماع.(12/1041)
262 - مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الْعَزِيز. قاضي القُضَاة أبو الْحَسَن الهاشميّ، العبّاسيّ، المكي، ثُمَّ البغداديّ. [المتوفى: 595 هـ]
ولد سنة أربع وعشرين وخمسمائة.
وتفقّه على أَبِي الْحَسَن بْن الخلّ الشّافعيّ.
وسمع من جدّه، وأبي الوقت.
وأجاز له: أبو القاسم بن الحُصَيْن، وأبو العزّ بْن كادش، وهبة اللَّه الشُّرُوطيّ، وجماعة.
ووُلّي القضاء والخطابة بمكَّة، ثُمَّ وُلّي قضاء القُضاة ببغداد بعد عَزْل أَبِي طالب علي بن علي ابن الْبُخَارِيّ فِي سنة أربع وثمانين. ثُمَّ صُرِف فِي سنة ثمانٍ وثمانين بسبب كتاب امرأةٍ زوَّره وارتشى على إثباته خمسين دينارًا وثيابًا من الْحَسَن الإسْتِراباذيّ، فقال: ثبت عندي بشهادة فلانٍ وفلان. فأنكرا، فَعَزَله أستاذ الدّار، ورسَّم عليه أيّامًا، ثُمَّ لزِم بيته حتّى مات.
وقد سمع منه ابنه الحافظ جَعْفَر.
وتُوُفّي فِي جُمادى الآخرة. [ص:1043]
ذكر ترجمته الدُّبيثيّ.
وحدَّث عَنْهُ ابن خليل، واليَلْدانيّ.(12/1042)
263 - مُحَمَّد بْن ذاكر بْن كامل، أبو عَبْد اللَّه الخفّاف. [المتوفى: 595 هـ]
سمع من ابن البطّيّ، ويحيى بْن ثابت.
وكان شابًّا صالحًا. ما أحسبه حدَّث.(12/1043)
264 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي درَقة، أبو عَبْد اللَّه القحطانيّ القُرْطبيّ، الفقيه، قاضي تونس. [المتوفى: 595 هـ]
روى بها الموطّأ عن أبي عبد الله ابن الرمامة.
أَخَذَ عَنْهُ أبو عَبْد اللَّه بْن أصبغ، وغيره.
وتوفي في ذي الحجّة.(12/1043)
265 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عليّ بْن غَنيِمة بْن يحيى بْن بركة، أبو مَنْصُور الحربيّ الخيّاط، المعروف بابن حَوَاوا. [المتوفى: 595 هـ]
سمع ابن الحُصَيْن، وأبا الْحُسَيْن بْن أَبِي يَعْلَى الفرّاء.
روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وقال: توفي فِي نصف ربيع الأول.(12/1043)
266 - مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بن إسماعيل، أبو عبد الله الأصبهاني الحنبلي الواعظ. [المتوفى: 595 هـ]
سمع من إسماعيل الحمامي والرستمي وخلق. وحج وأملى ببغداد، روى عنه ابن النجار وغيره.
تُوُفّي فِي ذي الحجّة.(12/1043)
267 - مُحَمَّد بن عَبْد الملك بن زهر بن عبد الملك بْن مُحَمَّد بْن مروان بْن زُهْر، أبو بَكْر الإياديّ الإشبيليّ. [المتوفى: 595 هـ]
أَخَذَ عن جدّه أَبِي العلاء علم الطّبّ، وأخذ عن أَبِيهِ.
وانفرد بالإمامة فِي الطّبّ فِي زمانه مَعَ الحَظِّ الوافر من اللُّغة، والآداب، والشِّعر. [ص:1044]
فَمَنْ شِعره، قال الموفّق أَحْمَد بْن أَبِي أصيبعة: أنشدني محيي الدين محمد ابن العربي الحاتمي: قال: أنشدني الحفيد أبو بَكْر بْن زُهْر لنفسه يتشوَّق إِلَى ولده:
ولي واحدٌ مثل فرخ القطا ... صغيرٌ تخلّف قلبي لدَيْه
نأتْ عَنْهُ داري فيا وحشتي ... لذاك الشُّخَيْصِ وذاك الوُجَيْهِ
تشوّقني وتشوّقُته ... فيبكي عليَّ وأبكي عليه
وقد تعب الشوق ما بيننا ... فمنه إلي ومني إليه
قال الموفّق: وأنشدني القاضي أبو مروان الباجي: قال: أنشدنا أبو عِمْرَانَ بْن أَبِي عِمْرَانَ الزّاهد المرتليّ قال: أنشدنا أبو بَكْر بْن زُهْر الحفيد لنفسه:
إنّي نظرتُ إِلَى المرآة إذ جُليت ... فأنكرت مُقلتاي كل ما رأتَا
رأيتُ فيها شيخًا لست أعرفه ... وكنت أعرف فيها قبل ذاك فتى
فقلت: أين الّذي مثواهُ كان هنا ... مَتَى ترحَّل عن هذا المكان متى؟
فاستجهلتني وقالت لي وما نطقت ... قد راح ذاك وهذا بعد ذاك أتى
هون عليك فهذا لا بقاء له ... أما ترى العُشْبَ يفنى بعدما نبتَا
كان الغَوَاني يقلنَ: يا أُخَيَّ، فقد ... صار الغَوَاني يَقُلْنَ اليوم: يا أبَتَا
وللحفيد:
للهِ ما صنعَ الغرام بقلبهِ ... أوْدَى به لمّا ألمّ بلُبهِ
لبّاه لمّا أن دعاه، وهكذا ... من يدعه داعي الغرام يُلبِّهِ
يأبى الذي لا يستطيع لعجبه ... رد السلام وإن شككت فَعُجْ بِهِ
ظَبْيٌ من الأتراك ما تركَتْ ضنى ... ألحاظُه من سلوةٍ لمحبِّهِ
إنْ كنتَ تُنكرُ ما جنى بِلِحَاظِهِ ... فِي سَلْبه يومَ الغوير فسَلْ بِهِ
أو شئت أن تلْقى غزالًا أغْيدًا ... فِي سِرْبِهِ أسدُ العرينِ فَسِرْ بِهِ
يا ما أميلحهُ وأعذبَ ريقهُ ... وأَعَزّهُ وأذَلَّني في حبهِ
أو ما أُليْطِفَ وردةً فِي خدهِ ... وأرقَّها وأشدَّ قسوة قلبهِ [ص:1045]
وله موشّحات كثيرة مشهورة، فمنها هَذِهِ:
أيُّها السَّاقي إليكَ المشتكي ... قد دعوناكَ وإنْ لم تسمعِ
ونديم همتُ فِي غُرّتِه ... وشربتُ الرَّاحَ من راحتِه
كلّما استيقظ من سَكْرته ... جَذَبَ الزِّقَّ إليه واتَّكا
وسَقَاني أربعًا في أربع ... غُصْنُ بان من حيث اسْتَوَى
باتَ مَن يَهْواهُ من فَرْط الجوى ... خَفِقَ الأحشاءِ مَرْهون القُوى
كلمّا فكَّر فِي البينِ بَكَا ... ما لهُ يبكي بما لم يقع
ليس لي صَبْرٌ ولا لي جلدُ ... يا لقَوْمي عذلوا واجتهدوا
أنكروا شكواي مما أجدُ ... مثل حالي حقه أن يشتكى
كمد اليأس وذلّ الطمعِ ... ما لعيني عَشِيَتْ بالنَّظر
أنكرت بعدك ضوء القمرِ ... وإذا ما شئتَ فاسْمَع خبري
شَقِيَتْ عَيْنَاي من طولِ البكا ... وبَكَى بَعْضي على بَعْضي مَعِي
وإليه انتهت الرياسة بإشبيلية، وكان لا يعدله أحدٌ فِي الحَظْوة عند السّلاطين. وكان سَمْحًا، جوادًا، نفّاعًا بماله وجاهه، ممدَّحًا، ولا أعرف له رواية. قاله الأَبّار.
وقد أَخَذَ عَنْهُ الأستاذ أبو عليّ الشّلُوبين، وأبو الخطّاب بْن دِحْية.
قال الأَبّار: وكان أبو بكر ابن الجد يزكيه.
ويحكي عنه أن يحفظ صحيح البخاريّ مَتْنًا وإسنادًا.
تُوُفّي بمّراكُش فِي ذي الحجَّة، وقد قارب [ص:1046] التسعين، فإنه ولد سنة سبعٍ وخمسمائة.
وقال غَيْره: كان ديّنًا، عدّلًا، مُحِبًّا للخير، مَهِيبًا، جَرِيء الكلام، قويُّ النَّفس، مليح الشّكْل - يجرُّ قوسًا يكون سبْعًا وثلاثين رطلًا باليد.
قال ابن دِحْيَة: كان من اللّغة بمكانٍ مكين، وموردِ فِي الطّبّ عذْبٍ مَعِين. كان يحفظ شِعْر ذي الرّمَة، وهو ثلث اللغة، مع الإشراف على جميع أقوال أَهْل الطّبّ، مع سُمُوّ النَّسَب وكثرة المال والنّشبْ. صحِبْتُه زمانًا طويلًا، واستفدت منه أدبًا جليلًا.
وقال لي: ولدتُ سنة سبع وخمسمائة.
وله أشعار حلوة. ورحل أبو جدّه إِلَى المشرق، وولي رياسة الطّبّ ببغداد، ثُمَّ بمصر، ثُمَّ بالقيروان، ثُمَّ استوطن دانية بالأندلس، وطار ذِكره.
قلتُ: وقد مرّ والده فِي سنة سبعٍ وخمسين، وجدّه في سنة خمسٍ وعشرين وخمسمائة.
وكان أبو بَكْر يُقال له: الحفيد. وكان وزيرًا محتشِمًا، كثير الحُرْمَة، من سَرَوات أَهْل الأندلس. وقد رأَسَ فِي فَنَّيِ الطّبّ والأدب، وبلغ فيهما الغاية.(12/1043)
268 - مُحَمَّد بْن علي بْن الْحُسَن بْن أَحْمَد بْن عَبْد الوهّاب، أبو بكر المري، الدمشقي، المعروف بابن الدوانيقي. [المتوفى: 595 هـ]
روى عن أَبِي الفتح نصر اللَّه المصّيصيّ.
روى عَنْهُ يوسف بْن خليل، والقوصي، والتّاج القُرْطُبيّ، وأخوه إِسْمَاعِيل.
وتُوُفّي فِي شَعْبان.(12/1046)
269 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن، أبو المظفَّر الخاتونيّ، الإصبهانيّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الكاتب. [المتوفى: 595 هـ]
أحد الشّعراء.
سمع جزءًا من محمد بن علي السمناني، بسماعه من أَبِي الغنائم ابن المأمون.
رَواه عَنْهُ أبو الحسن ابن القَطِيعيّ، وغيره.
وتُوُفّي فِي ذي الحجَّة عن نيفٍ وسبعين سنة.(12/1046)
270 - الْمُبَارَك بْن إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الباقي بن أحمد ابن الصواف، أبو نصر ابن النَّشف الواسطيّ، البزّاز، الْمُقْرِئ. [المتوفى: 595 هـ]
قرأ القراءات على: أَبِي الفتح الْمُبَارَك بْن أَحْمَد الحدّاد، وغيره.
وسمع أَبَا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عليّ الْجُلابيّ، وأحمد بْن عُبَيْد اللَّه الآمِديّ.
وسمع ببغداد من ابن ناصر. وحدَّث.
روى عَنْهُ أبو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، وقال: تُوُفّي فِي ذي القعدة وله أربعٌ وسبعون سنة.(12/1047)
271 - الْمُبَارَك بن علي بن يحيى بن محمد بن بذال، أبو بَكْر المعروف بابن النّفيس الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 595 هـ]
وُلِد سنة سبْع عشرة.
وسمع من أَبِي بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وأبي مَنْصُور الشَّيْبَانيّ القزّاز.
قال الدّبيثيّ: سمع منه بعض أصحابنا، وأجاز لي.(12/1047)
272 - مَسْعُود بْن أَبِي مَنْصُور بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن. الإصبهانيّ أبو الْحَسَن، الخيّاط المعروف بالجمّال. [المتوفى: 595 هـ]
ولد سنة ست وخمسمائة، وسمع من أَبِي عليّ الحدّاد، ومحمود بْن إسماعيل الصيرفي، وأبي نهشل عبد الصمد العنبري، والهَيْثم بْن مُحَمَّد المعداني. وحضَر أَبَا القاسم غانمًا البُرْجيّ، وحمزة بْن العبّاس العَلَويّ.
وأجاز له عَبْد الغفّار الشِّيرُوِييّ.
وكان من بقايا أصحاب الحدّاد.
روى عَنْهُ ابن خليل، وأبو مُوسَى بْن عَبْد الغنيّ، ومحمد بْن عُمَر العثماني.
وأجاز لأحمد بْن أَبِي الخير، وجماعة.
تُوُفّي فِي الخامس والعشرين من شوال.(12/1047)
273 - مُسْلِم بْن عليّ بْن مُحَمَّد، أبو مَنْصُور ابن السّيْحيّ، العدل المَوْصِليّ. [المتوفى: 595 هـ]
حدَّث عن أَبِي البركات مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن خميس، وهو آخر من حدَّث عَنْهُ.
روى عَنْهُ ابن خليل، وأبو مُحَمَّد اليَلْدانيّ.
تُوُفّي فِي منتصف المحرَّم، وسمع الدمياطي من أصحابه.(12/1048)
274 - مَنْصُور بْن أَبِي الْحَسَن بْن إِسْمَاعِيل بْن المظفَّر، أبو الفضل المخزوميّ، الطّبريّ، الصُّوفيّ، الواعظ. [المتوفى: 595 هـ]
وُلِد بآمُل طَبَرِسْتان، ونشأ بمَرْو، وتفقّه على الْإِمَام أَبِي الْحَسَن عليّ بْن مُحَمَّد المَرْوَزِيّ.
وبنَيْسابور على مُحَمَّد بْن يحيى.
وكان مليح الكلام فِي المُنَاظرة، ثُمَّ اشتغل بالوعظ والتّصوُّف.
وسمع من زاهر بْن طاهر، وعبد الجبّار بن محمد الخواري، وعليّ بْن مُحَمَّد المَرْوَزِيّ. وحدَّث ببغداد والشّام.
أَخَذَ عَنْهُ أبو بَكْر الحازميّ، وإلياس بْن جامع، وابن خليل، وأخوه إِبْرَاهِيم، والضّياء المقدسي، والتّاج بْن أَبِي جَعْفَر، والشّهاب القُوصيّ، وطائفة سواهم.
وروى عنه الأمير يعقوب بْن مُحَمَّد الهَذبانيّ مُسْنَد أَبِي يعلى الموصلي، سمعه منه بالموصل، ولّقبه القُوصيّ بشِهاب الدّين.
ونقلتُ من خطّه قال: حدَّث بدمشق سنة اثنتين وتسعين بصحيح مُسْلِم، وسمعته منه، عن الفُرَاويّ.
وتوقَّف في أمره الحافظ بهاء الدين القاسم ابن عساكر، وامتنع جماعة لامتناعه.
وَمولده بطبرستان سنة خمس عشرة وخمسمائة.
وقال ابن النّجّار: حدث ببغداد، ثُمَّ سكن الموصل يحدَّث ويدرّس. ثُمَّ انتقل إِلَى دمشق، فذكر لي رفيقنا عَبْد الْعَزِيز الشَّيبانيّ أنّه سمع منه، وادّعى أنّه [ص:1049] سمع صحيح مُسْلِم من الفُرَاويّ. وكان معه خطٌّ مُزَوَّر على خطّ الفُرَاويّ.
وقال ابن نقطة: حدثني علي بن القاسم ابن عساكر قال: لمّا قُرئَ على الطَّبريّ أوّل مجلس من صحيح مُسْلِم بحُكم الثّبْت حضر شيخ الشيوخ ابن حَمُّوَيْه، وحضر أَبِي وأنا معه، فجاء ابن خليل الأَدَميّ وقال لأبي: هَذَا الثَّبَت ليس بصحيح، وأراه إيّاه. فامتنع أَبِي من الحضور والجماعة، فغضب شيخ الشيوخ أبو الحسن بن حمويه والصوفية، وقرؤوا عليه الكتاب.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلامَةَ كِتَابَةً عن منصور بن أبي الحسن الطبري، قال: أخبرنا عبد الجبار بن محمد بن أحمد، قال: أخبرنا أبو بكر البيهقي، قال: أخبرنا محمد بن يعقوب الفقيه بالطابران، قال: أخبرنا أبو النضر الفقيه، قال: حَدَّثَنَا عثمان بن سعيد الدرامي، قال: حَدَّثَنَا سعيد بن أبي مريم، قال: حَدَّثَنَا يحيى بن أيوب، قال: حدَّثني يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ، أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ قَالَ: كنَّا بِالْبَادِيَةِ فَقُلْنَا: إِنْ قَدِمْنَا بِأَهَلِينَا شُقّ عَلَيْنَا، وَإِنْ خَلّفناهم أَصَابَتْهُمْ ضَيْعَةٌ. فَبَعَثُونِي - وَكُنْتُ أَصْغَرُهُمْ - إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَتْ لَهُ قَوْلَهُمْ، فَأَمَرَنَا بِلَيْلَةِ ثلاثٍ وَعِشْرِينَ.
قال ابن الهاد: فكان مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم يجتهد تلك اللّيلة.
تُوُفّي فِي ثامن عشر ربيع الآخر بدمشق.(12/1048)
275 - نَصْر بْن أَبِي المحاسن بْن أَبِي الرشيد، أبو الخطاب الإصبهانيّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 595 هـ]
حدَّث عن أَبِي المطهر القاسم بْن الفضل بْن عَبْد الواحد الصَّيدلاني.
وتوفي ببغداد.(12/1049)
276 - وَهْب بْن لُبّ بْن عَبْد الملك بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن وهب بْن نُذير، أبو العطاء الفِهْريّ الأندلُسيّ، الشَّنْتَمريّ، [المتوفى: 595 هـ]
نزيل بَلَنْسِيَة.
سمع من أبيه أبي عيسى. ولزم أبا الوليد ابن الدباغ وأكثر عنه.
وتفقه على أبي الحسن بن النّعمة. وأخذ القراءات عَنْ أَبِي مُحَمَّد بْن سعدون الوَشْقي.
وكان فقيهًا، حافظًا، مشاوَرًا، مُفْتيًا، مدرّسًا، من أَهْل العِلم والذّكاء والدّهاء.
أَخَذَ عَنْهُ جماعة، ووُلّي قضاء بَلَنْسِية وخطابتها، ثُمَّ صُرِف عن القضاء وبقي خطيبًا.
تُوُفّي فِي ذي الحجة، وصلّى عليه ولده أبو عَبْد اللَّه، وعاش ثلاثًا وثمانين سنة. ذكره الأَبَّار.(12/1050)
277 - يحيى بْن عَبْد الرَّحْمَن، أبو بَكْر الأزْديّ، الأندلسي، النحوي، المعروف بابن مصالة. [المتوفى: 595 هـ]
من علماء أوريُولَة. خطب ببلده وناب فِي القضاء.
قال التّجيبيّ: كان شيخي فِي اللّغة والعربية، وصحبتُه عدَّة سِنين، وعرضتُ عليه كتبًا كثيرة. وعُمر دهرًا.
بقي إِلَى سنة خمسٍ هَذِهِ.(12/1050)
278 - يحيى بْن عَلِيّ بْن الفضل بْن هبة اللَّه بْن بركة. العلّامة جمال الدّين أبو القاسم الْبَغْدَادِيّ، الشافعي، المعروف بابن فضلان. [المتوفى: 595 هـ]
ولد في آخر سنة خمس عشرة وخمسمائة.
وسمع أَبَا غالب ابن البنّاء، وأبا القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ، وأبا الفضل الأُرْمَويّ، وغيرهم.
وكان اسمه واثقا، وكذا هو في الطباق، لكن غلب عليه يحيى واختاره هُوَ. وكان إمامًا بارِعًا فِي عِلم الخلاف، مشارًا إليه فِي جودة النظر. [ص:1051]
تفقَّه على أَبِي مَنْصُور الرّزّاز، وارتحلَ إِلَى صاحب الغزاليّ مُحَمَّد بْن يحيى مرَّتين، وعلَّق عَنْهُ.
وظهر فضله، واشتهر اسمه، وانتفع به خلْق.
وسمع أيضًا بنَيْسابور من أَبِي يحيى، وعمر بْن أَحْمَد الصّفَّار الفقيه، وأبي الأسعد هبة الرحمن ابن القُشَيْريّ، وإسماعيل بْن عَبْد الرَّحْمَن العصائديّ.
وكان حَسَن الأخلاق، سَهْل القياد، حُلْو العبارة، يَقِظًا، لبيبًا، نبيهًا، وجيهًا. درَّس ببغداد بمدرسة دار الذهب وغيرها.
وأعاد له الدروس الْإِمَامُ أبو عليّ يحيى بْن الرَّبِيع.
روى عَنْهُ ابن خليل فِي حروف الواو، وأبو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، وجماعة.
وتُوُفّي فِي تاسع عشر شعبان.
قال الموفق عَبْد اللّطيف: ارتحل ابن فضلان إِلَى مُحَمَّد بْن يحيى مرَّتين، وسقط فِي الطّريق فانكسرت ذراعه، وصارت كفخذه، فالتجأ إِلَى قريةٍ، وأدّته الضّرورة إِلَى قطْعها من المِرْفق، وعمل محضرًا بأنّها لم تُقطع فِي ريبة. فلمّا قدِم بغداد وناظر المجير، وكان كثيرًا ما ينقطع فِي يد المُجير، فقال له المُجير: يسافر أحدهم فِي قطْع الطّريق، ويدّعي أنّه كان يشتغل. فأخرج ابن فضلان المحضر، ثمّ شنَّع على المجير بالفلسفة.
وكان ابن فضلان ظريف المناظرة، له نَغمات موزونة، يشير بيده مع مخارج حروفه بوزنٍ مُطرِبٍ أنيق، يقف على أواخر الكلمات خوفًا من اللّحْن. وكان يُداعبني كثيرًا.
ورُميَ بالفَالج فِي آخر عمره، رحمه الله.(12/1050)
279 - يعقوب بْن يوسف بْن عَبْد المؤمن بْن عليّ. الملقَّب بالمنصور، أمير المؤمنين أبو يوسف، [المتوفى: 595 هـ]
سلطان المغرب القَيْسيّ المرّاكُشيّ، وأُمُّه أمّ وَلَد روميَّة اسمها سَحَر.
بويع فِي حَيَاة والده بأمره بِذَلِك عند موته، فملك وعمره يومئذٍ اثنتان وثلاثون سنة. وكان صافي السُّمْرة إِلَى الطول ما هو، جميل الوجه، أعين، [ص:1052] أفوه، أقْنَى، أكْحَل، مستديرَ اللّحية، ضخم الشَّكل، جَهُورِيّ الصَّوْت، جَزْل الألفاظ، صادق اللّهْجَة، كثير الإصابة بالظّنّ والفَرَاسة، ذا خبرةٍ بالخيرِ والشّرّ. وُلّي الوزارة لأبيه، فبحث عن الأمور، وكشف أحوال العمّال والوُلاة.
وكان له من الولد: مُحَمَّد وليّ عهده، وإبراهيم، وموسى، وعبد اللَّه، وعبد العزيز، وأبو بَكْر، وزكريّا، وإدريس، وعيسى، وصالح، وعثمان، ويونس، وسعد، ومساعد، والحَسَن، والحسين، فهؤلاء الّذين عاشوا بعده. وله عدَّة بنات.
ووزَرَ له عُمَر بْن أَبِي زيد الهنتاني إلى أن مات، ثُمَّ أبو بَكْر بْن عَبْد اللَّه بْن الشّيخ عُمَر أيِنْتي، ثُمَّ ابن عمّ هَذَا مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر. ثُمَّ هرب مُحَمَّد هَذَا وتزهَّد ولبس عباءةً، ثُمَّ وَزَرَ له أبو زَيْدٍ عَبْد الرَّحْمَن بْن مُوسَى الهنْتانيّ، وبقي بعده وزيرًا لابنه مُدَيْدَة.
وكتب له أبو الفضل بْن مَحْشُوَّة، ثُمَّ بعده أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عيّاش الكاتب البليغ الَّذِي بقي إلى سنة تسع عشرة وستمائة.
وكتب أيضًا لولده من بعده.
وقضَى له أبو جَعْفَر أَحْمَد بْن مضاء، وبعده أبو عبد الله بن مروان الوَهْرَانيّ، ثُمَّ عزله بأبي القاسم أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن بَقِيّ.
ولَمَّا بويع كان له من إخوته وعُمومته منافسون ومزاحمون لا يرونه أهلًا للإمارة؛ لِمَا كانوا يعرفون من سوءِ صِباه، فلقيَ منهم شدَّةً، ثُمَّ عبر البحر بعساكره حتّى نزل مدينة سَلا، وبها تمَّت بيعته، لأنّ بعض أعمامه تلكَّأ، فأنعم عليهم، وملأ أيديهم أموالًا لها خطر. ثُمَّ شرع فِي بناء المدينة العُظْمى الّتي على البحر والنّهر من العَدْوَة، وهي تلي مَرّاكُش. وكان أَبُوهُ قد اختطّها ورسمها، فشرع هُوَ في عمارتها إلى أن تمت أسوارها، وبنى فيها جامعًا عظيمًا إلى الغاية، وعمل له منارة في نهاية العُلُوّ على هيئة منارة الإسكندريَّة، لكن لم يتم هذا الجامع لأن العمل بَطَلَ منه بموته. وأمّا المدينة فتمّت، وطولها نحو [ص:1053] من فَرْسَخ، لكنّ عرضها قليل بالنّسبة. ثُمَّ سار بعد أن تهيَّأت فنزل مَرّاكُش.
وَفِي أوّل ملكه، وذلك فِي سنة ثمانين، خرج عليه صاحب ميورقة الملك المعروف بابن غانية، وهو عليّ بْن إِسْحَاق بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن غانية، فسار فِي البحر بجيوشه، وقصد مدينة بِجاية، فملكها وأخرج مَن بها من الموحّدين فِي شعبان مِن السّنة. وهذا أوّل اختلالٍ وَقَعَ فِي دولة الموحّدين.
وأقام ابن غانية ببِجاية سبعة أيّام، وصلّى فيها الجمعة، وأقام الخُطبة للإمام النّاصر لدين اللَّه العبّاسيّ، وكان خطيبَه يومئذٍ الْإِمَام أبو مُحَمَّد عَبْد الحقّ الأزْديّ مصنِّف الأحكام، فأحنق ذلك المنصورَ أَبَا يوسف، ورام قتْلَ عَبْد الحقّ، فعصمه اللَّه وتوفّاه قريبًا.
ثُمَّ سار ابن غانية بعد أن أسّس أموره ببِجاية، ونازل قلعة بني حمّاد فملكها، وملك تلك النّواحي، فتجهز المنصور لحربه، وسار إليه بجيوشه، فتقهقر ابن غانية، وقصد بلاد الجريد، فلمّا وصل المنصور إِلَى بِجّاية تلقّاه أهلها، فصفح عَنْهُمْ، وجهّز جيشًا مع ابن عمّه يعقوب بْن عُمَر، ونزل هُوَ تونس، فالتقى يعقوب وابن غانية، فانهزم الموحّدون انهزامًا مُنْكَرًا، وتبِعَهم جيش ابن غانية من العرب والبربر يقتلونهم فِي كلّ وجهٍ، وهلك كثيرٌ منهم عَطَشًا، ورجع من سَلِم إِلَى تونس. فلمَّ المنصور شعْثهم، ثُمَّ سار بنفسه، وعمل مع ابن غانية مصافًّا، فانكسر أصحاب ابن غانية، وثبت هُوَ، وبين إِلَى أن أُثخن جراحًا، ففرّ بنفسه متماسكًا، ومات فِي خيمة أَعرابيَّة. ثُمَّ إنّ جُنْدَه قدّموا عليهم أخاه يحيى، ولحِقوا بالصّحراء فكانوا بها مع تلك العُربان إِلَى أن رجع المنصور إِلَى مَرّاكُش.
وانتقض أَهْل قَفْصَة فِي هَذِهِ المدَّة، ودعوا لبني غانية، فنزل عليها المنصور، فحاصرها أشدّ الحصار، وافتتحها عَنْوةً، وقتل أهلها قتلًا ذريعًا. فَقِيل: إنّه ذبح أكثرهم صبْرًا، وهدم أسوارها، ورجع إِلَى المغرب.
وأمّا يحيى بْن غانية فإنّه بعث أخاه أبا محمد عَبْد الله إِلَى مَيُورقة فاستقلّ بها، إِلَى أن دخلها عليه الموحدون قبل الستمائة. وبقي يحيى بإفريقية يظهر مرَّة ويخمد أخرى، وله أخبارٌ يطول شرحها.
وَفِي غيبة المنصور عن مَرّاكُش طمع عمّاه فِي الأمر، وهما سُلَيْمَان وعمر، فأسرع المنصور ولم يتمّ لهما ما راماه، فتلقياه وترجلا له، فقبض [ص:1054] عليهما، وقيّدهما فِي الحال، فلمّا دخل مَرّاكُش قتلهما صبْرًا، فهابه جميع القرابة وخافوه.
ثمّ أظهر بعد زُهدًا وتقشُّفًا وخشونةَ عَيْشٍ وملبس، وعظُم صيت العُبَّاد والصالحين فِي زمانه، وكذلك أَهْل الحديث، وارتفعت مراتبهم عنده، فكان يسألهم الدعاء. وانقطع فِي أيّامه عِلم الفروع، وخاف منه الفقهاء، وأمر بأحراق كتب المذهب بعد أن يجرّد ما فيها من الحديث، فأحرق منها جملة فِي سائر بلاده، كالمدونة، وكتاب ابن يونس، ونوادر ابن أبي زيد، والتهذيب للبراذعي، والواضحة لابن حبيب.
قال محيي الدّين عَبْد الواحد بْن عليّ المَرّاكُشي فِي كتاب المعجب له: ولقد كنت بفاس، فشهدت يؤتى بالأحمال منها فتوضع ويُطلق فيها النّار.
قال: وتقدَّم إِلَى الناس بترك الفقه والاشتغال بالرأي والخوض فِيهِ، وتوعّد على ذلك، وأمَر مَن عنده مِن المحدِّثين بجمع أحاديث من المصنَّفات العشرة وهي: الموطأ، والكتب الخمسة، ومسند أبي بكر بن أبي شيبة، ومسند البزار، وسنن الدراقطني، وسُنَن البَيْهقيُّ فِي الصّلاة وما يتعلق بها، على نحو الأحاديث الّتي جمعها ابن تومرت فِي الطّهارة.
فجمعوا ذلك، فكان يُمليه بنفسه على النّاس، ويأخذهم بحفظه. وانتشر هَذَا المجموع فِي جميع المغرب وحفظه خلْق. وكان يجعل لمن حفظه عطاء وخِلعة.
وكان قصْده - فِي الجملة - مَحْو مذهب مالك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وإزالتَه من المغرب. وحَمَلَ النّاسَ على الظّاهر من القرآن والسُّنَّة. وهذا المقصد بعينه كان مقصد أَبِيهِ وجدّه، إلّا أنهما لم يُظهراه، وأظهره هُوَ.
أخبرني غير واحدٍ ممّن لقي الحافظ أبا بكر ابن الجد أنّه أخبرهم قال: دخلت على أمير المؤمنين أَبِي يعقوب يوسف أوّل دخلةٍ دخلتُها عليه، فوجدت بين يديه كتاب ابن يُونُس، فقال لي: يا أَبَا بَكْر، أَنَا أنظر فِي هَذِهِ الآراء المتشعّبة الّتي أُحدِثت فِي دِين اللَّه. أرأيت يا أَبَا بَكْر المسألة فيها أربعة أقوال، وخمسة أقوال، أو أكثر، فِي أيّ هَذِهِ الأقوال الحقّ؟ وأيّها يجب أن يأخذ به المقلِّد؟ فافتتحت أبيّن له، فقال لي، وقطع كلامي: [ص:1055] يا أَبَا بَكْر ليس إلّا هَذَا، وأشار إِلَى المصحف، أو هَذَا، وأشار إِلَى سُنَن أَبِي دَاوُد، أو السّيف.
قال عَبْد الواحد: وظهر فِي أيّام أَبِي يوسف يعقوب ما خفي فِي أيّام أَبِيهِ وجدّه، ونال عنده طلبة العِلم والحديث ما لم ينالوا فِي أيام أبويه، وانتهى أمره معهم إِلَى أن قال يومًا بحضرة كافَّة الموحّدين: يا معشر الموحّدين، أنتم قبائل، فَمَنْ نابَه منكم أمرٌ فزع إِلَى قبيلته، وهؤلاء - يعني الطّلبة - لا قَبِيل لهم إلّا أَنَا، فمهما نابهم أمرٌ فأنا ملجؤهم. فعظموا عند ذلك فِي أعين الموحّدين، وبالغوا فِي احترامهم.
وَفِي سنة خمسٍ وثمانين قصد بَطرو بْن الريق - لعنه اللَّه - مدينة شَلْب فنالها فأخذها، فتجهّز المنصور أبو يوسف فِي جيوشٍ عظيمة، وعبر البحر، ونزل على شَلْب، فلم يطِق الفرنج دفاعه، وهربوا منها، وتسلَّمها. ولم يكفِه ذلك حتّى أَخَذَ لهم حِصْنًا، ورجع فمرض بمَرّاكُش مرضًا عظيمًا، وتكلَّم أخوه أبو يحيى فِي الملك، ودعا إِلَى نفْسِه، فلما عوفي قتله صبرًا، وقال: إنما أقتلك بقوله صلى الله عليه وسلم: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الأحدث منهما. تولّى قتْله أخوه عَبْد الرَّحْمَن بمحضرٍ من النّاس. ثُمَّ تهدَّد القرابة وأهانهم، فلم يزالوا فِي خمولٍ، وقد كانوا قبل ذلك لا فرق بينهم وبين الخليفة سوى نفوذ العلامة.
وَفِي سنة تسعين انتقض ما بينة وبين الأذْفُنْش من العهد، وعاثت الفرنج فِي الأندلس، فتجهّز أبو يوسف وأخذ فِي العبور، فعبر فِي جُمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين، ونزل بإشبيلية، فعرض جيوشه، وقسَمَ الأموال، وقصد العدوّ المخذول، فتجهّز الأذفُنْش فِي جُموعٍ ضخمة، فالتقوا بفحص الحديد، وكان الأذفنْش قد جمع جُموعًا لم يجتمع له مثلها قط، فلما تراءى الجمعان اشتد خوف الموحّدين، وأمير المؤمنين يعقوب فِي ذلك كلّه لا مُستنّد لَهُ إلّا الدّعاء، والاستعانة بكلّ من يظنّ أنّه صالح، فتواقعوا فِي ثالث شعبان، فنصر اللَّه الْإِسْلَام، ومُنِح أكتاف الروم، حتى لم ينج الفنش، إلا في نحو من ثلاثين نفْسًا من وجوه أصحابه. واستشهد يومئذٍ جماعة من الأعيان، منهم الوزير أَبِو بكر بن عبد الله ابن الشَّيْخ عُمَر أينتي، وأتى أبو يوسف قلعة [ص:1056] رباح وقد هرب أهلها، فدخلها وجعل كنيستها مسجدًا، واستولى على ما حول طُلَيطُلة من الحصون، وردّ إِلَى إشبيلية.
ثُمَّ قصد الرومَ من إشبيلية فِي سنة اثنتين وتسعين، فنزل على مدينة طليطلة بجيوشه، فقطع أشجارها، وأنكى فِي الروم نكايةً بيّنة ورجع. ثم عاد في المرة الثالثة، وتوغَّل فِي بلاد الروم، ووصل إِلَى مواضع لم يصل إليها ملك من ملوك المسلمين، ورجع، فأرسل الأذفنش يطلب المهادنة، فهادنه عشر سنين، وعبر بعد هَذَا إِلَى مَرّاكُش فِي سنة أربعٍ وتسعين.
قال: وبلغني عن غير واحدٍ أنه صرَّح للموحّدين بالرحلة إِلَى المشرق، وجعل يذكر لهم البلاد المصرية وما فيها من المناكر والبِدَع ويقول: نَحْنُ إن شاء اللَّه مُطهِّروها. ولم يزل هَذَا عزْمُه إِلَى أن مات فِي صدر سنة خمس.
وكان فِي جميع أيّامه مؤثرًا للعدْل بحسب طاقته، وبما يقتضيه إقليمه والأمَّة الّتي هُوَ فيها.
وكان يتولّى الإمامة بنفسه فِي الصَّلَوات الخمس أشهُرًا إِلَى أن أبطأ يومًا عن العصر حتّى كادت تفوت، فخرج وأوسعهم لَوْمًا وقال: ما أرى صلاتكم إلّا لنا، وإلّا فَمَا منعكم أن تقدّموا رجلًا؟ فقد قدم أصحابُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الرَّحْمَن بْن عوف حين دخل وقت الصلاة، وهو غائب، أما لكم أُسْوَة؟ فكان ذلك سببًا لقطْعه الإمامة.
وكان يقعد للنّاس عامَّةً لا يُحجَب عَنْهُ أحد، حتّى اخْتَصَم إليه رجلان فِي نصف درهم، فقضي بينهما وأمر بضربهما قليلًا، وقال: أما كان فِي البلد حُكَّام قد نُصِبوا لهذا.
ثُمَّ بعد هَذَا بقي يقعد فِي أيّامٍ مخصوصة. واستعمل على القضاء أَبَا القاسم بن بقي، وشرط عليه أن يكون قعوده بحيث يسمع حُكمه فِي جميع القضايا وهو من ورائه ستْر.
وكان يدخل إليه أُمناء الأسواق فِي الشّهر مرَّتين، فيسألهم عن أسواقهم، وأسعارهم، وحُكامهم. وكان إذا وفد عليه أهلُ بلدٍ سألهم عن وُلاتهم وقُضاتهم، فإذا أثْنَوا خيرًا قال: اعلموا أنكم مسؤولون عن هَذِهِ الشّهادة يوم القيامة. ورُبّما تلا: " يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ". [ص:1057]
قال: وبلغني أنّه تصدَّق سنة إحدى وتسعين قبل خروجه إِلَى الغزوَة بأربعين ألف دينار. وكان كلما دخلت السنة أمر أن يكتب له الأيتام والمنقطعون، فيُجْمعون إِلَى عند قصره، فيختنون، ويأمر لكل صبي منهم بمثقال، وثوب، ورغيف، ورُمّانة. هَذَا كله شهِدْتُهُ.
وبنى بمَرّاكُش بيمارستانًا ما أظنّ فِي الدّنيا مثله، أجرى فِيهِ مياهًا كثيرة، وغرسَ فِيهِ من جميع الأشجار، وزَخْرَفَه، وأمر له من الفرش بما يزيد على الوَصْف. وأجرى له ثلاثين دينارًا كلّ يوم برسم الأدوية. وكان كلّ جمعة يعود فِيهِ المرْضى ويقول: كيف حالكم؟ كيف القَوَمة عليكم؟.
وَفِي سنة نيّفٍ وثمانين ورد عليه من مصر قراقش التَّقَويّ، فتى تقيّ الدّين عُمَر ابن أخي السّلطان الملك النّاصر، والأمير شعبان، والقاضي عماد الدّين فِي جماعة، فأكرمهم وأقطعهم، حتّى أقطع رجلًا منهم من أَهْل إربل يُعرف بأحمد الحاجب مواضع، وأقطع شعبان بالأندلس قرى تغلّ فِي السّنة نحوًا من تسعة آلاف دينار، سوى ما قرَّر لهم من الجامكيَّة.
وأخبرني أبو العبّاس أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بْن مطرّف بمكَّة قال: قال لي أمير المؤمنين أبو يوسف: يا أَبَا الْعَبَّاس، اشهد لي بين يدي اللَّه أنّي لا أقول بالعصمة، يعني عصمة ابن تومرت.
وقال لي، وقد استأذنته فِي فِعل: مَتَى نفتقر إِلَى وجود الْإِمَام؟ يا أَبَا العبّاس أَيْنَ الْإِمَام، أَيْنَ الْإِمَام؟ أخبرني أبو بَكْر بْن هانئ الجيّانيّ قال: لمّا رجع أمير المؤمنين من غزوته تلقَّيْنَاه، فسألني عن أحوال البلد وقُضاته ووُلاته، فلما فرغت من جوابه سألني: ما قرأتَ من العِلم؟ فقلت: قرأت تواليف الْإِمَام، أعني ابن تومرت، فنظر إليَّ نظرة المغضِب وقال: ما هكذا يقول الطّالب، إنّما حُكمك أنْ تقول: قرأتُ كتاب اللَّه، وقرأت شيئًا من السُّنَّة، ثُمَّ بعد هَذَا قُلْ ما شئت.
وقال تاج الدّين عَبْد السّلام بْن حَمُّوَيْه الصُّوفيّ: دخلت مَرّاكُش فِي أيام [ص:1058] السّيّد الْإِمَام أَبِي يوسف يعقوب، ولقد كَانَت الدولة بسيادته مجمّلة، والمحاسنُ والفضائل فِي أيّامه مكمّلة، يقصده العُلماء لفضله، والأغنياء لعدله، والفقراء لبذْله، والغُزاة لكثرة جهاده، والصلحاء والعامَّة لتكثير سواده وزيادة إمداده، والزُّهّاد لإرادته وحُسْن اعتقاده. كما قال فِيهِ بعض الشعراء:
أهْلٌ لأن يُسْعَى إليه ويُرْتجي ... ويُزار من أقصى البلاد على الوجَا
ملكٌ غدا بالمَكْرُمات مقلَّدًا ... وموشَّحًا ومختمًا ومتوجًا
عمرت مقامات الملوك بذِكرهِ ... وتعطّرت منه الرّياح تأرُّجَا
وجد الوجود وقد دجا فأضاءه ... ورآه في الكرب العظام ففرَّجا
ولمّا قدِمْتُ عليه أكرم مقدمي، وأعذب فِي مشارعه مَوْردي، وأنجح فِي حُسْن الإقبال والقبول مقصدي، وقرَّر لي الرُّتبة والرَّاتب، وعيَّن أوقات الدّخول إِلَى مجلسه بغير مانع ولا حاجب. وكانت أكثر مجالسة المرتبة بحضور العلماء والفُضَلاء، يفتتح فِي ذلك بقراءة القرآن، ثُمَّ يقرأ بين يديه قدر ورقتين أو ثلاث من الأحاديث النّبويَّة. وربّما وقع البحث فِي معانيها، ثُمَّ يختم المجلس بالدّعاء، فيدعو هُوَ. وكذا كان يدعو عند نزوله من الركوب. ثُمَّ ينزل فيدخل قصره.
والّذي أعلمه مِن حاله أنّه كان يُجِيد حِفْظ القرآن، وكان يحفظ متون الأحاديث، ويتكلَّم فِي الفقه والأحكام كلامًا بليغًا، ويُنَاظر ويُباحث. وكان فُقهاء الوقت يرجعون إليه فِي الفتاوى والمُشكلات وله فتاوٍ مجموعة. وكانوا ينسبونه إِلَى مذهب الظّاهر والحُكم بالنّصوص.
وكان فصيح العبارة، مَهِيبًا، ملحوظ الإشارة، مع تمام الخِلْقة وحُسْن الصّورة وطلاقه البِشْر، لا يُرى منه اكفهرار، ولا له عن مجالِسِه إعراض ولا ازوِرار. يدخل عليه الدّاخل فيراه بزِيّ الزّهّاد والعلماء، وعليه جلالة الملوك.
وقد صنَّف كتاب التّرغيب فِي الأحاديث الّتي فِي العبادات، فَمَنْ فتاويه:
حضانة الولد للأمّ ثُمَّ للأب ثُمَّ للجَّدة. اليمين على المنكِر ولا ترد على المُدَّعي بحال، مَن نكل عن اليمين حُكم عليه بما نُكِل عَنْهُ، الشُّفْعه لا تنقطع إلّا بتصريحٍ من الّذي يجب له إسقاطها، مَن ادَّعى العَدم وأشكل أمره، خُيِّر طالبه بين أن يخلى سبيلَه، وبين أن يحبسَه وينفق عليه.
وله شِعْر جيّد، وموشَّحات مشهورة.
وبلغني أن قومًا أتوه بفيلٍ هديَّةً من بلاد السّودان، فوصلهم ولم يقبل الفيل، وقال: لا نريد أن [ص:1059] نكون أصحاب الفيل. وقيل: بل جَرَى ذلك لوالده يوسف.
ثم ذكر فصلًا فِيهِ طولٌ فِي كَرَمه وعدْله وخيره، إِلَى أن قال: فإذا كان عشر ذي الحجَّة أمر وُلاة الزّكاة بإحضارها، فيفرّقها فِي الأصناف الثّمانية.
حدَّثني بعض عمّالهم أنّه فرّق فِي عيد سنة أربعٍ وتسعين - ثلاثًا وسبعين ألف رأس من مَعِز وضأن. ثُمَّ ذكر أنّه عمل مكتبًا كبيرًا فِيهِ جماعة عُرَفاء وغيرهم، ويُجري عليهم النّفقات والكسْوة للصّبيان، فسألت واحدًا فقال: نَحْنُ عشرة معلّمين، والصّبيان يزيدون على الألف، وقد ينقصون.
وكان يكسو الفقراء فِي العام، ويختن أولادهم، ويعطي الصَّبيّ دينارًا.
قال عَبْد الواحد: وكان مهتمًا بأمر البناء، لم يخل وقت من قصر يستجده، أو مدينة يعمرها. وزاد فِي مَرّاكُش زيادةً كبيرة. وأمر أن يميز اليهود بلباس ثياب كحلية وأكمام مفرطة في الطول والسعة، تصل إلى قريب أقدامهم، وبدلًا من العمائم كَلْوتَات على أشنع صُورَ، كأنّها البراذع، تبلغ إِلَى تحت آذانهم وشاع هذا الزي فيهم. وبقوا إِلَى أن توسّلوا إِلَى ابنه بعده بكلّ وسيلةٍ وشفاعة، فأمرهم ابنه بثيابٍ صُفْر، وعمائم صفر، فهم على ذلك إلى وقتنا، وهو سنة إحدى وعشرين وستّمائة.(12/1051)
-فائدة:
ذكر تاج الدّين بْن حَمُّوَيْه أنّه سَأَلَ ابن عطيَّة الكاتب: ما بال هَذِهِ البلاد، يعني المغرب، ليس فيها أحدٌ من أَهْل الذّمَّة ولا كنائس ولا بيَع؟ فقال: هَذِهِ الدّولة قامت على رهبةٍ وخُشونة. وكان المهديّ قد قال لأصحابه: إنّ هؤلاء الملثَّمين مبتدِعة مجسمة مشبِّهة كَفَرة، يجوز قتْلهم وسَبْيهم بعد أن يُعرضوا على الْإِيمَان. فلمّا فعل ذلك، واستولوا على السّلاطين بعد موت المهديّ، وفتح عَبْد المؤمن مَرّاكُش، أحضر اليهود والنّصارى، وقال: أَلَسْتُم قد أنكرتم، يعني أوائلكم، بعثة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ودفعتم أن يكون هُوَ الرَّسُول الموعود به فِي كتابكم، وقلتم: إنّ الّذي يأتي إنّما يأتي لتأييد شريعتنا وتقرير مِلّتنا؟ قَالُوا: نعم. قال: فأين منتظركم إذًا؟ سيما وقد زعمتم أنه لا يتجاوز خمسمائة عام. وهذه خمس [ص:1060] مائة عام قد انقضت لِمِلّتنا، ولم يأتِ منكم بشير ولا نذير. ونحن لا نقركم على كُفركم، ولا لنا حاجة بجزيتكم، فإمّا الْإِسْلَام، وإمّا القتل.
ثمّ أجّلهم مدَّة لتخفيف أثقالهم، وبَيْع أملاكهم، والنّزوح عن بلاده. فأمّا أكثر اليهود، فإنّهم أظهروا الْإِسْلَام تَقِيَّة، فأقاموا على أموالهم، وأمّا النّصارى فدخلوا إِلَى الأندلس، ولم يُسلم منهم إلّا القليل. وخربت الكنّائس والصّوامع بجميع المملكة، فَلَيْس فيها مشرِك ولا كافر يتظاهر بكُفْره إلى بعد الست مائة، وهو حين انفصالي عن المغرب.
قال عَبْد الواحد: وإنّما حمل أَبَا يوسف على ما صنعه بهم شكُّه فِي إسلامهم. وكان يقول: لو صحّ عندي إسلامُهم لتركتهم يختلطون بْنا فِي أنكحتهم وأمورهم. ولو صحَّ عندي كُفْرهم لقتلتهم، ولكنّني متردِّد فيهم، ولم ينعقد عندنا ذمَّة ليهوديّ ولا نصرانيّ منذ قام أمر المصامدة، ولا فِي جميع بلاد المغرب بِيعة ولا كنيسة، إنّما اليهود عندنا يُظهرون الْإِسْلَام، ويُصلّون فِي المساجد، ويُقرئون أولادهم القرآن جارين على مِلّتنا وسُنّتنا، والله أعلم بما تكن صدورهم.
قلت: ما ينبغي أن يسمى هؤلاء يهود أبدًا، بل هُمْ مسلمون.(12/1059)
-محنة ابن رُشْد
وسببها أنه أخذ فِي شرح كتاب الحيوان لأرسطوطاليس فهذَّبه، وقال فِيهِ عند ذِكر الزّرافة: رأيتها عند ملك البَرْبر. كذا غير ملتفتٍ إِلَى ما يتعاطاه خَدَمَةُ الملك من التّعظيم، فكان هَذَا مِمَّا أحنقهم عليه، ولم يظهروه.
ثمّ إنّ قومًا ممن يناوِئه بقُرْطُبة ويدّعى معه الكفاءة فِي البيت والحشمة سَعوا به عند أَبِي يوسف بأنْ أخذوا بعض تلك التّلاخيص، فوجدوا فِيهِ بخطّه حاكيًا عن بعض الفلاسفة: قد ظهر أنّ الزُّهْرة أحد الآلهة. فأوقفوا أَبَا يوسف على هَذَا، فاستدعاه بمحضرٍ من الكبار بقُرطُبة، فقال له: أَخَطُّك هَذَا؟ فأنكر، فقال: لعن اللَّه كاتبه، وأمر الحاضرين بلعنه، ثمّ أمر بإخراجه مُهَانًا. وبإبعاده وإبعاد من يتكلّم فِي شيءٍ من هَذِهِ العلوم، وبالوعيد الشديد. وكتب إِلَى البلاد بالتّقدّم [ص:1061] إِلَى النّاس فِي تركها، وبإحراق كتب الفلسفة، سوى الطّبّ، والحساب، والمواقيت. ثمّ لمّا رجع إِلَى مَرّاكُش نزع عن ذلك كلّه، وجنح إِلَى تعلُّم الفلسفة، واستدعى ابن رُشد للإحسان إليه، فحضر ومرض، ومات فِي آخر سنة أربع.
وتوفي أبو يوسف فِي غرَّة صَفَر، وولي بعده وليّ عهده ابنه أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد، وكان قد جعله فِي سنة ستٍّ وثمانين وليَّ العهد، وله عشر سِنين إذ ذاك.
وقال الموفَّق أَحْمَد بن أَبِي أصَيْبَعة فِي تاريخه: حدَّثني أبو مروان الباجيّ قال: ثمّ إنّ المنصور نقم على أَبِي الْوَلِيد، وأمر بأن يقيم فِي بلد اليسّانة، وأن لا يخرج منها، ونقم على جماعةٍ من الأعيان، وأمر بأن يكونوا فِي مواضع أُخر لأنّهم مشتغلون بعلوم الأوائل. والجماعة أبو الْوَلِيد، وأبو جَعْفَر الذّهبيّ، ومحمد بْن إِبْرَاهِيم قاضي بجّاية، وأبو الرَّبِيع الكفيف، وأبو العبّاس الشّاعر القرابيّ. ثُمَّ إنّ جماعة شهدوا لأبي الْوَلِيد أنّه على غير ما نُسِب إليه، فرضي عَنْهُ وعن الجماعة، وجعل أبا جعفر الذهبي مزوارًا للأطبّاء والطَّلَبة.
وممّا كان فِي قلب المنصور من أَبِي الْوَلِيد أنّه كان إذا تكلَّم معه يخاطبه بأنْ يقول: تسمع يا أخي.
قلت: واعتذر عن قوله ملك البربر بأنْ قال: إنّما كتبت ملك البرَّيْن، وإنّما صَحَّفها القارئ.
وقال الإمامة أبو شامة: وفيها تُوُفّي خليفة المغرب أبو يوسف الّذي كسَرَ الفُنْش. وكان قد قام بالمُلْك بعد أَبِيهِ أحسن قيام، ونشر كلمة التّوحيد ورفع راية الجهاد، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، وأقام الحدود على أقربائه وغيرهم.
وكان سَمْحًا، جوادًا، عادلًا، مُكْرِمًا للعلماء، متمسّكًا بالشَّرْع. يُصلّي بالنّاس الصّلوات الخمس، ويلبس الصّوف، ويقف للمرأة [ص:1062] والضّعيف. أوصى عند الموت إِلَى ولده أَبِي عَبْد اللَّه، وأن يُدفن على قارعة الطّريق ليترحّم عليه.
تُوُفّي فِي ربيع الأول ومدّه ملكه خمس عشرة سنة.
كتب إليه الملك صلاح الدين يستنجده على الفرنج، ولم يخاطبه بأمير المؤمنين في كتابه، فلم يُجبْه إِلَى ما طلب.
وقال أَحْمَد بْن أَبِي أُصَيْبَعة فِي ترجمة أَبِي جعفر ابن الغزَال: أنّه لازم الحفيد أَبَا بَكْر بْن زُهر حتّى برع فِي الطّبّ، وخدم المنصور. وكان المنصور قد أبطل الخمر، وشُدّد فِي أن لا يؤتى بشيءٍ منه، أو يكون عند أحدٍ. ثُمَّ بعد مدَّة قال المنصور لأبي جعفر ابن الغزال: أريد أن تركّب لي تِرْياقًا. فجمع حوائجه، فأعوزه الخمر، فأعلم المنصور فقال: تطلبّه من كل ناحية فلعل يقع عند أحد. فتطلّبه حتّى يئس، فقال المنصور: واللهِ ما كان قصدي بعمل التِّرْياق إلّا لأعتبر هَلْ بقي عند أحدٍ خمرٌ أمْ لا.
قلتْ: وهذا من أحسن التّلطُّف فِي كشف الأمور الباطنة.
وبلغني أن الأذفنش لمّا بعث إِلَى أَبِي يوسف يتهدّده ويطلب منه بعض الحصون، وكانت المكاتبة من إنشاء وزيره ابن الفخار وهي: باسمك اللّهم فاطر السموات والأرض، وصلّى اللَّه على السّيّد المسيح، روح اللَّه وكلمته الرَّسُول الفصيح، أمّا بعد، فلا يخفى على ذي ذِهنٍ ثاقب، ولا عقلٍ لازبٍ، أنّك أمير المِلَّة الحنيفيَّة، كما أَنَا أمير المِلَّة النّصرانيَّة، وقد علمت ما عليه نوّابك من رؤساء الأندلس من التّخاذل والتّواكل، وإهمال أمر الرعيَّة، وإخلادهم إلى الراحة. وأنا أسومهم القهر، فأخلي الدّيار، وأسبي الذراريّ، وأقتل الرجال، ولا عُذْر لك فِي التّخلُّف عَنْهُمْ وعن نصرهم إذْ أمكنتك يد القدرة، وأنتم تزعمون أن اللَّه فرض عليكم قتال عشرةٍ منّا بواحدٍ منكم، " الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وعلم أن فيكم ضعفًا "، ونحن الآن نقاتل عشرةً منكم بواحدٍ منّا، لا تستطيعون دفاعًا، ولا تملكون امتناعًا.
وقد حكي لي عنك أنّك أخذت فِي الاحتفال، وأشرفت على ربوة القتال، وتُماطل نفسك عامًا بعد عام، تُقَدَّم رِجْلًا وتؤخِّر أُخرى، فلا أدري، الْجُبْنُ بطّأَ بِك أَم التّكذيبُ بما وعدك ربّك. ثُمَّ قيل لي: إنّك لا تجد إِلَى جواز البحر سبيلًا لعلةٍ لا يسوغ لك التقحم معها. [ص:1063]
وها أَنَا أقول لك ما فِيهِ الراحة، وأعتذر عنك ولك على أن تفي لي بالعهود والمواثيق، وكثرة الرهائن، وترسل إليَّ جملة من عبيدك بالمراكب والشَّواني، فأجوز بحملتي إليك، وأقاتلك فِي أعزّ الأماكن لديك، فإن كانت لك فغنيمة كبيرة جُلِبت إليك، وهدية عظيمة مَثَلَت بين يديك، وإن كانت لي كانت اليد العُليا لي عليك، واستحقَّيت إمارة الملّتين، والحكم فِي البرّين.
فلمّا وصل كتابه إِلَى أَبِي يوسف مزّقه وقطّعه، وكتب على قطعةٍ منه: " ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أذلة وهم صاغرون " الجواب ما ترى لا ما تسمع، وهذا البيت، وهو للمتنبّي:
وَلَا كتْبَ إلّا المشرفيةُ عِنْدَنا ... وَلَا رُسُلٌ إلّا الخميس العَرَمْرَمِ
ثمّ استنفر النَّاس، وجمع الجيوش، فكانوا مائة ألفٍ فِي الديوان، ومائة ألف مُطَّوَّعة، وسار إِلَى زُقاق سَبْتَة، فعدَّى منه إِلَى الأندلس، وطلب الأذفنش، فكان المصافّ عند قلعة رباح شماليّ قُرْطبة، فَفَتَح اللَّهُ ونَصَر، وكانت ملحمة هائِلة قلَّ أنْ وقع مثلها فِي الْإِسْلَام. قيل: إنّه حصل منها لبيت المال من دروعهم ستّون ألف درع. وأمّا الدّوابّ فلم يُحصر لها عدد.
وذكر ابن الأثير فِي الكامل، أنّ عدد من قُتل من الفرنج مائة ألف وستَّة وأربعون ألفًا، وَقُتِلَ من المسلمين نحوٌ من عشرين ألفًا، وأُسِر من الفرنج ثلاثة عشر ألفًا، وغنم المسلمون منهم شيئًا عظيمًا، فمن الخيام مائة ألف وثلاثة وأربعون ألفًا، ومن الخيل ستة وأربعون ألفًا، ومن البِغال مائة ألف، ومن الحمير مائة ألف. ونادى يعقوب: مَن غنِم شيئًا فهو له سوى السّلاح.
ثمّ إنّه سار إِلَى طُلَيطُلة فحاصرها، وأخذ أعمالها، وترك الفرنج فِي أسوأ حال، ورجع إِلَى إشبيلية، فأقام إِلَى أثناء سنة ثلاثٍ وتسعين، فعاد وأغار وسَبَى، ولم يبق للفرنج قُدرة على مُلْتقاه، فالتمسوا الصُّلح، فأجابهم لِما اتّصل إليه مِن أخبار ابن غانية الميورقي الذي خرج عليه فِي سنة ثمانين، وهو عليّ بْن إِسْحَاق الملثَّم، وقام بعده أخوه يحيى بْن إِسْحَاق، فاستولى على بلاد أفريقية، واستفحل أمره، فهادن أبو يوسف الفرنج خمسة أعوام، وعاد إِلَى مَرّاكُش، وشرع فِي عمل الأحواض والروايا والآلات للبرّيَّة ليتوجّه إلى إفريقية، [ص:1064] ودخل مدينة سَلا متنزّهًا، وكان قد بنى بقرب سلا مدينة على ترتيب الإسكندرية سمّاها رِباط الفتح، ثمّ عاد إِلَى مَرّاكُش.
وبعد هَذَا فقد اختلفت الأقوال فِي أمره، فَقِيل: إنّه ترك ما كان فِيه، وتجرّد وساح فِي الأرض حتّى انتهى إِلَى بلاد المشرق مختفيًا، ومات خاملًا، حتّى قيل: إنّه مات ببَعْلَبَكّ، وهذا القول خُرافة.
ومنهم من قال: رجع إِلَى مَرّاكُش وتُوُفّي بها.
وقيل: مات بسَلا.
وكان مولده فِي ربيع الأوّل سنة أربعٍ وخمسين، وعاش إحدى وأربعين سنة.
وكان قد أمر برفض فروع الفقه، وأن لا يُفتي العلماء إلّا بالكتاب والسُّنَّة، وأن يجتهدوا، يعني على طريقة أَهْل الظّاهر.
قال القاضي شمس الدّين ابن خلكان: لقد أدركنا جماعةً من مشايخ المغرب وصلوا إلينا إِلَى البلاد وهم على تلك الطريقة، مثل أبي الخطاب بن دحية، وأخيه أبي عَمْرو، والشّيخ محيي الدّين ابن العربيّ.
وكان قد عظُم ملكه، واتّسعت دائرة سلطنته، وإليه تُنْسَب الدّنانير اليعقوبيَّة.
قال ابن خَلَّكان: وحكى لي جَمْعٌ كثير بدمشق فِي سنة ثمانين وست مائة أنّ بالقرب من المَجْدَل بالبقاع قريةٌ يُقَالُ لها حَمَّارَة، إِلَى جانبها مَشْهد يُعْرف بقبر الأمير يعقوب ملك المغرب، وكلّ أَهْل تلك النوحي متّفقون على ذلك، وبين القبر وبين المَجْدَل نحو فرسخين.
قلت: الأصحّ موته بالمغرب.
تُوُفّي فِي غُرَّة جُمادى الأولى، وقيل: فِي ربيع الآخر، وقيل في صَفَر كما تقدَّم.(12/1060)
-وفيها فِي أوّلها ولد:
فخر الدين علي ابن الْبُخَارِيّ، وَفِي ذي القعدة عليّ بْن محمود بْن نبهان الرَّبَعيّ، وأحمد بْن هبة اللَّه بْن أَحْمَد الكهفي، ومحمد بْن الْحُسَيْن بْن عتيق بْن رشيق المالكيّ، والموفَّق مُحَمَّد بْن عمر ابن خطيب بيت الأَبّار.
وفيها تقريبًا أمين الدّين القاسم بْن أَبِي بَكْر الإربليّ التّاجر.(12/1064)
-سنة ست وتسعين وخمسمائة(12/1065)
280 - أَحْمَد بْن عليّ بْن أَبِي بَكْر عتيق بْن إِسْمَاعِيل. الْإِمَام أبو جَعْفَر القُرطُبيّ، الفَنكيّ، الشّافعيّ، الْمُقْرِئ، [المتوفى: 596 هـ]
نزيل دمشق وإمام الكلّاسة.
وُلِد بقرطبة سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، وسمع بها من أَبِي الْوَلِيد يوسف بْن عبد العزيز ابن الدّبّاغ الحافظ، بقراءة أَبِيهِ، الموطّأ، بسماعه من الخولانيّ.
وقرأ القراءات عَلَى أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن صاف، ثُمَّ حجّ ودخل الموصل، فقرأ بها القراءات على يحيى بْن سعدون القُرطُبيّ.
وسمع الكثير بدمشق من أَبِي القاسم ابن عساكر، ومن أَبِي نصر عَبْد الرحيم اليُوسُفيّ، ويحيى الثّقفيّ، وطائفة.
ونسخ الكثير بخطّه المغربيّ الحلو، وكان صالحًا، خيّرًا، عابدًا، قانتا، وليًّا لله، إمامًا فِي القراءات، مجوّدًا لمعرفتها.
روى عَنْهُ ولداه تاج الدّين مُحَمَّد، وإسماعيل، وابن خليل، والشّهاب القُوصيّ، وجماعة.
وأجاز لشيخنا ابن أَبِي الخير.
تُوُفّي فِي سابع عشر رمضان بدمشق.
وفَنَك: قرية أو قُلَيعة من أعمال قُرْطُبة.
أقرأ القراءات، وكان قيّمًا بها، وكتب الكثير منها.(12/1065)
281 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عِيسَى، أبو العبّاس الدَّارقَزَّيّ، المعروف بابن البخيل. [المتوفى: 596 هـ]
سمع أَبَا المواهب بْن مُلوك، وأبا غالب ابن البناء، والقاضي أَبَا بَكْر، وغيرهم.
روى عَنْهُ النّجيب عَبْد اللّطيف.
وأجاز لابن أَبِي الخير، وأبي الْحَسَن عليّ بْن أَحْمَد بْن عَبْد الواحد ابن البخاريّ، تنكّس من داره فمات فِي تاسع ذي القعدة.(12/1065)
282 - إِبْرَاهِيم بْن مَنْصُور بْن المُسَلّم. الفقيه العلّامة أبو إِسْحَاق المصريّ، الخطيب المعروف بالعراقيّ. [المتوفى: 596 هـ][ص:1066]
ولد بمصر سنة عشر وخمسمائة، ورحل إِلَى بغداد، فتفقّه بها، حتّى برع فِي مذهب الشّافعي، ولإقامته ببغداد سمّاه المصريون العراقيّ. وعاد إِلَى مصر، فوُلّي خطابة جامعها العتيق والتصدر، وشرح كتاب المهذَّب لأبي إِسْحَاق، وانتفع به الطّلبة، وتفقّه به جماعة من الفُضلاء.
وقد تفقّه ببغداد على أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الأُرْمَويّ تلميذ الشّيخ أَبِي إِسْحَاق الشّيرازيّ. ثُمَّ تفقه على أبي الحسن محمد ابن الخلّ.
وتفقّه بمصر على القاضي أَبِي المعالي مجلّي بْن جُمَيع. وخرج له عدَّة تلامذة.
وهو جدّ شيخنا العَلَم العراقيّ لأمّه. وكان على سَداد وأمرٍ جميل.
تُوُفّي فِي الحادي والعشرين من جُمادى الأولى، وما أظنّه روى شيئًا.(12/1065)
283 - إِسْمَاعِيل بْن صالح بْن ياسين بْن عِمْرَانَ. الرجل الصّالح أبو الطّاهر ابن الْمُقْرِئ العالم أَبِي التّقيّ الشّارِعيّ، الشَّفِيقيّ، بفاء ثمّ قاف، نسبة إلى خدمة شفيق الملك، المصري البنّاء، الْجَبَليّ، [المتوفى: 596 هـ]
نسبة إِلَى سُكنى جبل مصر.
ولد سنة أربع عشرة وخمسمائة. وسمع بمصر من أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن أَحْمَد ابن الحطّاب الرازيّ، بإفادة الزّاهد المعروف بالرُّدّيْنيّ.
وكان آخر من حدَّث بمصر عن الرّازيّ.
روى عَنْهُ الحافظ عَبْد الغني، والحافظ الضّياء، والشّهاب القوصي، والمجد عيسى ابن الموفق، وعبد الله ابن الشيخ أبي عمر، ومحمد ابن البهاء عبد الرحمن، والرضي عبد الرحمن بن محمد، وأبو سليمان عبد الرحمن ابن الحافظ عبد الغني، وخطيب مردا محمد بن إِسْمَاعِيل، ويوسف بْن خليل، والزَّين أَحْمَد بْن عبد الملك، ويونس بن خليل أخو يوسف، وأبو الحسن السخاوي، وأبو عمرو بْن الحاجب، وإسماعيل بْن ظَفَر، وأبو طَالِب مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن صابر، والمعين أَحْمَد بْن عليّ بْن يوسف الدَّمشقيّ ثمّ المصريّ، وعبد اللَّه بْن عَبْد الواحد بْن علّاق، والرشيد يحيى بْن عليّ العطّار، وإسماعيل ابن عزّون، وخلْق آخرهم ابن علّاق. [ص:1067]
وتوفي في ثاني عشر ذي الحجة.(12/1066)
284 - إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الدّائم، أبو مَنْصُور الرحبيّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ الْمُقْرِئ الخيّاط. [المتوفى: 596 هـ]
حدث عن أَبِي مُحَمَّد سِبْط الخيّاط.
وتُوُفّي فِي ربيع الأوّل.(12/1067)
285 - أَصَبَة المستنجديّ. الأمير. [المتوفى: 596 هـ]
وُلّي نيابة واسط مُدَيْدة.(12/1067)
286 - جَابِر بْن مُحَمَّد بْن نامي، أبو أيوب الحضرمي الإشبيلي، النحوي. [المتوفى: 596 هـ]
سمع البخاري والموطأ من أَبِي الْحَسَن شُرَيْح. وأخذ العربيَّة عن أبي القاسم بن الرماك، وأبي الْحَسَن بْن مُسْلِم. وعني بها وتحقّق بمعرفتها، وجلس لإقرائها عن اتّساعِ باعٍ فيها، واطِّلاعٍ على معانيها.
وكان يعرف كتاب سيبَوَيه. أقرأ القراءات.
وعاش نيِّفًا وثمانين سنة، وتُوُفّي سنة ستٍّ - وقيل: سنة سبْعٍ - وتسعين.(12/1067)
287 - جَعْفَر بْن غريب، أبو عَبْد اللَّه العراقيّ. [المتوفى: 596 هـ]
حدَّث عن أَبِي الفتح الكَرُّوخيّ، وابن ناصر، وتُوُفّي في المحرم.(12/1067)
288 - الْحَسَن بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحسن بْن عَبْد اللَّه، أبو عليّ الفارسيّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الصُّوفيّ، الصّالح. [المتوفى: 596 هـ]
مِن صوفيَّة رباط الزَّوْزنيّ.
كان صالحًا عابدًا، خيرًا. ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة.
وسمع هبة الله ابن الطّبر، وأبا السعود أَحْمَد بْن المجلّي، وأبا بَكْر الأنصاريّ، وجماعة.
روى عَنْهُ الدُّبيثي وأثنى عليه، وابن خليل، واليَلْدانيّ، وآخرون. [ص:1068]
وأمّا: الْحَسَن بْن مُسْلِم الفارسيّ الزّاهد فقد مات قبل هَذَا، وذكرناه.
تُوُفّي هَذَا فِي الثالث والعشرين من شعبان.(12/1067)
289 - الْحُسَن بْن عليّ بْن نصر بْن عَقِيّل، أبو عليّ العَبْديّ، الواسطيّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الأديب الشّاعر، المنعوت بالهُمام. [المتوفى: 596 هـ]
مدح طائفةً بالشّام والعراق، وأقام بدمشق. وكان شاعرًا محسنًا.
ذكره العماد فِي الخريدة وقال: مدح السلطان صلاح الدّين.
قال ابن الدُّبيثيّ: وكان شيعيًّا اكتسب بالشِّعر، ومدح الأكابر.
قلت: وروى عَنْهُ القُوصيّ قصيدة، وقال: اتّصل بخدمة الأمجد ببَعْلَبَكّ.
وقال المُنْذريّ: تُوُفّي فِي العشرين من شعبان.(12/1068)
290 - الْحَسَن بْن عليّ بْن أَبِي سالم المعمّر بْن عَبْد الملك، أبو البدر الإسكافي، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، [المتوفى: 596 هـ]
نزيل القاهرة.
قرأ النَّحْو على أبي محمد ابن الخشّاب، وخدم فِي الجهات الدّيوانيَّة بالعراق.
وكان أديبًا فاضلًا. روى شيئًا من شِعره، وعاش نيِّفًا وستّين سنة.
ويُعرف بابن ناهوج.(12/1068)
291 - الْحَسَن بْن أَبِي البركات مُحَمَّد بْن عليّ بْن طَوْق، أبو عليّ المَوْصِليّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 596 هـ]
تفقّه فِي صِباه بالنّظاميَّة، وسمع من أَبِي الوقت.
تُوُفّي فِي شوال.(12/1068)
292 - الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن أَبِي القاسم علي بْن إِبْرَاهِيم، أبو مَنْصُور الشيرازي الأصل، الْبَغْدَادِيّ الصُّوفيّ. [المتوفى: 596 هـ]
روى عن أَبِي القاسم ابن البنّاء، وأبي الوقت. وكان كاتبًا ثُمَّ تصوَّف وخدم الفقراء. [ص:1069]
تُوُفّي ليلة عَرَفَة.(12/1068)
293 - حمّاد بْن مَزْيَد بْن خليفة، أبو الفوارس. [المتوفى: 596 هـ]
قرأ القراءات على: عليّ بْن عساكر البطائحيّ.
وأقرأ، وأَمَّ بالنّاس مدَّة.
تُوُفّي فِي شعبان.(12/1069)
294 - حَمْزَة بْن سَلْمان بْن جَرْوان بْن الْحُسَيْن، أبو يَعْلى الماكسِينيُّ الأصل، الْبَغْدَادِيّ الشَّعيرِيّ، البُوراني، النّجّار. [المتوفى: 596 هـ]
حدَّث عن أَبِي بَكْر الأنصاريّ، وأبي البدر الكّرْخيّ.
روى عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، وبالإجازة ابن أَبِي الخير، وغيره.
ومات فِي نصف ربيع الآخر.(12/1069)
295 - خُطْلُبا بْن سوتِكِين. الأمير. [المتوفى: 596 هـ]
ولي قلعة تكْريت، ثُمَّ شِحْنكيَّة البصرة.
وكان فِيهِ دِين وخير.(12/1069)
296 - خليل بْن أَبِي الرجاء بدر بْن أَبِي الفتح ثابت بْن رَوْح بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد، أبو سَعِيد الإصبهانيّ، الرّارانيّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 596 هـ]
شيخ معمر عالي الرواية. ولد سنة خمسمائة.
وسمع أَبَا عليّ الحدّاد، ومحمد بْن عَبْد الواحد الدّقّاق، ومحمود بْن إِسْمَاعِيل الصَّيْرَفيّ، وجعفر بْن عَبْد الواحد الثّقفيّ.
روى عَنْهُ أَبُو مُوسَى عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْغَنِيِّ، ويوسف بْن خليل، وابنه مُحَمَّد بْن خليل، وعبد الْعَزِيز بْن عليّ الواعظ، وليلة البدر بِنْت مُحَمَّد بْن خليل الرّازيّ، وآخرون.
وأجاز لابن أَبِي الخير، وغيره.
وتُوُفّي فِي الخامس والعشرين من ربيع الآخر.
وكان من مُرِيدي الشّريف حَمْزَة بْن العبّاس العَلَويّ. وكان شيخ الشّيوخ بإصبهان فِي زمانه، أعني أَبَا سَعِيد، ولبس منه الخرقة خلْق كثير. [ص:1070]
وقيل: بل مولده سنة اثنتين وخمسمائة.(12/1069)
297 - خوارزم شاه. علاء الدين، السلطان تكش ابن الملك رسلان شاه بن آتسز. [المتوفى: 596 هـ]
كذا نَسَبَه الْإِمَام أبو شامة، وقال: هُوَ من ولد طاهر بْن الْحُسَيْن.
قال: وكان شجاعًا جوادًا، ملك الدّنيا من السِّنْد والهند وما وراء النّهر، إِلَى خُراسان، إِلَى بغداد، فإنه كان نوابه في حلوان. وكان في ديوانه مائة ألف مقاتل. وهو الَّذِي كسر مملوكهُ عسكرّ الخليفة وأزال دولة بني سلجوق.
وكان حاذقًا بعلم الموسيقى. لم يكن في زمانه أحدٌ ألْعَب منه بالعود.
قيل: إنّ الباطنّية جهزوا عليه من يقتله، وكان يحترس كثيرًا، فجلس ليلةً يلعب بالعود، فاتّفق أنّه غنّى بيتًا بالعجميّ معناه: قد أبصرتك، وفهمَه الباطنيّ، فخاف وارتعد فهرب، فأخذوه وحُمِل إليه، فقرّره فاعترف فقتله.
وكان يباشر الحروب بنفسه، وذهبت عينه فِي القتال. وكان قد عزم على قصْد بغداد، وحشد فوصل إِلَى دهِسْتان فتُوُفّي بها فِي رمضان، وحُمِل إِلَى خُوارزم، ودُفن عند أهله، وقام بعده ولده خوارزم شاه مُحَمَّد، ولُقِّب علاء الدّين بلقبه.
وأنبأني ابن البُزُوريّ قال: السّلطان خُوارزم شاه تكِش ملك مشهور، عنده آداب وفضائل، ومعرفة بمذهب أَبِي حنيفة، وبنى مدرسة بخُوارزم للحنفيَّة. وله المقامات المشهورة فِي رَضِيَ الدّيوان، منها محاربة السّلطان طُغْرِيل وقتله.
وقع بينه وبين الوزير مؤيَّد الدين محمد ابن القصّاب خُلْف، وكان قد نُفِّذ له تشريف من الديوان فردّه، ثُمَّ ثاب إليه عقُله وندم واعتذر، وطلب تشريفًا، فنفّذ له فلبسه، ولم يزل نافذ الأمر ماضي الحكم.
تُوُفّي فِي العشرين من رمضان بشهرستانة، وحمله ولده قطب الدين محمد، فدفنه بمدرسته بخوارزم. [ص:1071]
وذكر المنذريّ وفاته فِي سابع عشر رمضان.
وقال ابن الأثير: حصل له خوانيق، فأُشير عليه بترك الحركة، فامتنع وسار، فاشتدّ مرضه ومات. وولي بعده ولده قُطْب الدّين مُحَمَّد، ولُقِّب بلقب والده علاء الدين.(12/1070)
298 - داود بن سليمان بن أحمد ابن نظام المُلْك، أبو عليّ الطُّوسيّ الأصل، الإصبهاني. [المتوفى: 596 هـ]
ولد سنة ثمان عشرة وخمسمائة.
وسمع: جَعْفَر بْن عَبْد الواحد، وفاطمة الْجَوْزدانيَّة، وخجستة بِنْت عليّ بْن أَبِي ذَرّ الصّالحانيَّة، وسعيد بْن أَبِي الرجاء، والحسين بْن عَبْد الملك.
وقدِم بغداد مرارًا.
وسمع من أَبِي منصور الرزاز الفقيه.
روى عَنْهُ أبو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، وابن خليل، وجماعة.
وأجاز لابن أَبِي الخير.
وتُوُفّي بإصبهان، وكان بهيًّا، متواضعًا، جليلًا.
مات في نصف شوال.(12/1071)
299 - سَعِيد بْن عَبْد المنعم بْن كُلَيب. [المتوفى: 596 هـ]
سمع من ابن ناصر. ولم يَرْو.(12/1071)
300 - سَعِيد بْن الْمُبَارَك بْن أَحْمَد بْن صَدَقة، أبو البدْر الحمّاميّ. [المتوفى: 596 هـ]
روى عن ابن ناصر، وأبي الوقت.
والحمّاميّ بالتّشديد والتّخفيف، قاله المنذريّ.(12/1071)
301 - سنقر الطويل النّاصريّ. فَلَك الدّين. [المتوفى: 596 هـ]
كان ذا قُرب من الْإِمَام النّاصر.
ألْحقه بالزّعماء وجعله من كبار الأمراء، وأقطعه تكريت ودقوقا. [ص:1072]
توفي في ربيع الأول.(12/1071)
302 - شاكر بْن فضائل بْن مُسْلِم، أبو حامد بن طليب الحربي. [المتوفى: 596 هـ]
روى عن سعيد ابن البناء.
وعنه ابن خليل.
ورَّخه المنذريّ بلا شهر.(12/1072)
303 - صَدَقة بْن نَصْر بْن زهير بْن مقلّد، أبو الْحَسَن الحرَّانيّ الأصل، الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 596 هـ]
سمع من أَبِي نصر الْحَسَن بْن مُحَمَّد اليُونَارتيّ.
ذكره الدُّبيثيّ وقال: ما أعلمه حدَّث.
وتُوُفّي فِي جمادى الأولى.(12/1072)
304 - طاهر بْن نصْر اللَّه بْن جَهْبَل. الشَّيْخ مجد الدّين الكلابي، الحلبيّ، الفقيه الشّافعيّ، الفَرَضيّ. [المتوفى: 596 هـ]
مدرّس مدرسة القدس.
تُوُفّي بالقدس، وكان فقيهًا إمامًا فاضلًا، عاش أكثر من ستين سنة.
روى عنه الشهاب القوصي شعرا، وقال: عاش أربعا وستين سنة.
وهو والد الفقهاء الّذين كانوا بدمشق: بهاء الدّين نصر اللَّه، وتاج الدّين إِسْمَاعِيل، وقطب الدين.(12/1072)
305 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان، أبو محمد ابن السكاك الفاسي، المالكي. [المتوفى: 596 هـ]
حج وسمع من السِّلَفيّ.
ودخل الأندلس فأخذ عن أَبِي القاسم بْن ورد.
حدَّث عَنْهُ يعيش ابن القديم، وأبو الحسن القطان.
وعاش بضعا وتسعين سنة. وكان معمرًا معدلًا.(12/1072)
306 - عبد الله ابن المستنجد بالله ابن المقتفي. الأمير أبو القاسم. [المتوفى: 596 هـ]
تُوُفّي فِي هذه السّنة.(12/1072)
307 - عبد الله بن ملد بن المبارك بن الحسين ابن النشال، أبو طالب العباسي، [المتوفى: 596 هـ]
نقيب النقباء بالعراق.
عزل من نقابته، وأحدر إلى واسط، فحبس بها إلى أن تُوُفّي فِي شوّال.(12/1073)
308 - عَبْد الرحيم بْن أَبِي القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن سعد اللَّه بْن قنان. الْبَغْدَادِيّ الكاتب. [المتوفى: 596 هـ]
سمع أباه، وشهدة.
وتُوُفّي شابًا فِي ذي الحجَّة.(12/1073)
309 - عَبْد الرحيم بْن عليّ بْن الْحسن بْن الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن المفرّج بْن أَحْمَد. القاضي الفاضل أبو عليّ، ابن القاضي الأشرف أَبِي الْحَسَن، اللَّخميّ البَيْسانيّ، العَسْقلانيّ المولد، المصريّ الدّار، [المتوفى: 596 هـ]
الكاتب، صاحب ديوان الإنشاء فِي الدّولة الصّلاحيَّة وبعدها.
وُلِد فِي منتصف جُمادى الآخرة سنة تسعٍ وعشرين وخمسمائة، ولقبه محيي الدين. وفي نسبته إِلَى بَيْسان تجوُّز، فإنّه ليس منها، وإنّما وُلّي أَبُوهُ قضاءها، فلهذا نُسب إليها.
انتهت إِلَى القاضي الفاضل براعة الإنشاء، وبلاغة التّرسُّل، وله في ذلك معان مبتكَرَة لم يُسبق إليها مع كثرتها.
قال القاضي شمس الدّين ابن خَلَّكان: نُقِل عَنْهُ أنَّه قال: إنّ مُسَوَّدات رسائِله فِي المجلّدات والتّعليقات فِي الأوراق، إذا جمعِت ما تقصّر عن مائة مجلَّد. وله نَظْمٌ كثير.
واشتغل بصناعة الإنشاء على الموفق يوسف ابن الخلّال شيخ الإنشاء للمتأخرين من خلفاء بني عُبَيْد.
ثُمَّ إنه خدم بثغر الإسكندرية فِي شبيبته، وأقام بها مدة. [ص:1074]
قال عمارة اليمني: ومن محاسن العادل ابن الصالح بْن رُزّيك: خروج أمره إِلَى والي الإسكندرية بتسيير القاضي الفاضل إِلَى الباب، واستخدامه فِي ديوان الجيش، فإنّه غرس منه للدّولة، بل للِملَّة، شجرةً مباركة متزايدة النَّمَاء، أصلها ثابتٌ وفرعُها فِي السّماء.
وقال العماد الكاتب: وتمّت الرّزيَّة الكبرى وفجيعة أَهْل الدّين والدّنيا بانتقال القاضي الفاضل من دار الفناء إلى دار البقاء، فِي داره بالقاهرة، فِي سادس ربيع الآخر. وكان ليلتئذٍ صلّى العشاء، وجلس مع مدرس مدرسته، وتحدَّث معه ما شاء، وطالت المسامرة، وانفصل إِلَى منزله صحيح البدَن، وقال لغلامه: رتّب حوائجَ الحمَّامْ، وعرّفني حتّى أقضي منّي المنامْ. فوافاه سحرًا للإعلام، فما اكترث بصوت الغلام، ولم يدر أن كلم الحمام حمى من الكلام، وأن وثوقه بطهارته من الكوثر أغناه عن الحمّام، فبادر إليه ولده فألفاه وهو ساكت باهت، فلبِث يومه لا يُسمع له إلّا أنين خفِيّ، ثُمَّ قضى سعيدًا ولم يبق في مدة حياته عملًا صالحًا إلّا وقدَّمه، ولا عهدًا فِي الجنَّة إلّا أحكمه، ولا عقدًا فِي البرّ إلا أبرمه، فأنْ صَنائعه فِي الرِّقاب، وأوقافه على سبل الخيرات متجاوزة الحساب، ولا سيّما أوقافه لفكاك أسرى المسلمين إِلَى يوم الحساب، وأعان الطّلبة الشّافعيَّة والمالكيَّة عند داره بالمدرسة، والأيتام بالكتاب.
وكان للحقوق قاضيًا، وَفِي الحقائق ماضيًا. سلطانُه مُطاع، والسلطان له مطيع، ما افتتح الأقاليم إلا بأقاليد آرائه، ومقاليد غناه وغنائه، وكنتُ من حسناته محسوبًا، وإلى مناسب آلائه منسوبًا، أعرِف صناعته، ويعرف صناعتي، وأعارضُ بِضاعتَه الثّمينة بمُزْجاة بِضاعتي. وكانت كتابته كتائبَ النّصر، وبراعته رائعة الدّهر، ويراعته بارئة للبرّ، وعبارته نافثة فِي عُقَد السِّحْر، وبلاغته للدّولة مجمّلة، وللمملكة مكمّلة، وللعصْر الصّلاحيّ على سائر الأعصار مفضّلة، وهو الّذي نسخ أساليب القدماء بما أقدمه من الأساليب، وأعربه من الإبداع، وأبدعه من الغريب. وما ألفيته كرَّر دعاءً فِي مكاتبة، ولا ردد لفظًا فِي مخاطبةٍ. بل تأتي فصوله مبتكَرَة مبتدعة مبتَدَهة، لا مفتكرة بالعُرف والعرفان، مُعَرَّفة لا نِكرة.
وكان الكرام في ظله يقيلون، ومن عثرات النوائب بفضله يستقيلون، [ص:1075] وبعز حمايته يعزون. فإلى من بعده الوفادة؟ وممن الإفادة؟ وفي من السيادة؟ ولمن السعادة؟
وقال ابن خلكان في ترجمته: وزر للسلطان صلاح الدين.
ومن شعره عند وصوله إلى الفرات يتشوق إلى النيل:
بالله قُلْ للنّيل عنيَ: إنّني ... لم أشْفِ من ماء الفرات غليلَا
وسل الفؤاد فإنه لي شاهد ... إن كان جفني بالدّموع بخيلا
يا قلبُ كم خلفتَ ثم بثينة ... وأعيذ صبْرَك أن يكون جميلا
وكان الملك الْعَزِيز ابن صلاح الدّين يميل إِلَى القاضي الفاضل فِي أيّام أَبِيهِ، واتّفق أنّه أحبّ قَيْنَةً وشُغِفَ بها، وبلغ صلاح الدّين، فمنعه من صُحبتها، ومنَعها منه، فحزن ولم يَسْتجرِ أن يجتمع بعد هَذَا بها، فسيّرت له مع خادمٍ كُرَة عنبر، فكسرها فوجد فيها زرّ ذَهَب، فلم يفْهم المُرادَ به، وجاء القاضي الفاضلَ فعرفه الصورة، فعمل القاضي في ذلك:
أهدت لك العنبر فِي وسطه ... زِرٌّ من التِّبْر دقيق اللّحامْ
فالزّرّ فِي العنبر معناهما ... زُرْ هكذا مُستترًا فِي الظّلام
وله:
بِتْنا على حالٍ يسُرُّ الهَوى ... وربّما لا يمكن الشرحُ
بوّابُنا الليلُ، وقلنا له: ... إنْ غبتَ عنا دخل الصبحُ
وله:
وسيف عتيق للعلاء فَإِنْ تقل: ... رأيتُ أَبَا بَكْر، فقُلْ: وعتيقُ
فزُرْ بابه، فهْو الطّريق إِلَى النَّدى ... ودعْ كلّ بابٍ ما إليه طريقُ
ولهبة الملك ابن سناء المُلْك فِيهِ - وقد ولي الوزارةَ - من قصيدة: [ص:1076]
قال الزّمان لغَيرْه إذْ رامها: ... تَرِبَتْ يمينُك لستَ من أربابها
اذهبْ طريقَك لستَ من أربابها ... وارجِعْ وراءَك لستَ من أترابها
وبِعِزّ سيّدنا وسيدّ غيرِنا ... ذَلَّتْ من الأيّام شَمْسُ صِعابها
وأَتَتْ سعادتُه إِلَى أبوابه ... لا كالّذي يسعى إِلَى أبوابها
فلْتَفْخرِ الدّنيا بِسائس مُلْكِها ... منهُ ودارسِ عِلْمها وكتابها
صَوَّامِها قَوّامِها عَلّامِها ... عمالها بذالها وهابها
وبلغنا أنه كُتُبه الّتي ملكها بلغت مائة ألف مجلَّد، وكان يحصّلها من سائر البلاد.
وذكر القاضي ضياء الدّين القاسم بْن يحيى الشّهْرزُوريّ أن القاضي الفاضل لمّا سمع أنّ العادل أَخَذَ الدّيار المصريَّة دعا على نفسه بالموت خشية أن يستدعِيَهُ وزيره صفي الدين ابن شُكْر، أو يجري فِي حقّه إهانة، فأصبح ميتًا. وكان له معاملة حَسَنَة مع اللَّه وتهجُّدٌ باللّيل.
وقال العماد فِي الخريدة: وقبل شروعي فِي أعيان مصر، أقدّم ذِكر مَن جميعُ أفاضل العصر كالقطرة فِي بحره، المولى القاضي الأجلّ، الفاضل الأسعد، أبو علي عبد الرحيم ابن القاضي الأشرف أبي المجد علي ابن البيساني، صاحب القرآن، العديم الأقران، واحد الزّمان
إِلَى أن قال: فهو كالشّريعة المحمّدية نَسَخَتِ الشّرائع، يخترع الأفكارَ، ويفترع الأبكار، وهو ضابط المُلْك بآرائه، ورابطُ السِّلْك بآلائه. إن شاء أنشأ فِي يومٍ ما لو دُوِّن، لكان لأهل الصّناعة خيرَ بِضاعة. أينَ قُسٌّ من فصاحتِهِ، وقَيْسٌ من حصافته؟ ومَن حاتمٌ وعَمْرو فِي سَماحتِه وحماستِه؟ لا منَّ فِي فِعله، ولا مَيْن فِي قوله، ذو الوفاء والمروءة، والصفاء والفُتُوَّة، والتُّقَى والصّلاح، والنَّدَى والسّماح. وهو من أولياء اللَّه الذّين خُصّوا بكرامته، وأخلصوا لولايته. وهو مع ما يتولّاه مِن أشغال المملكة، لا يفتر عن المواظبة على نوافل صَلَواته، ونوافِل صِلاته. يختم كلّ يومٍ القرآنَ المَجِيد، ويضيف إليه ما شاء اللَّه من المَزِيد، وأنا أوثر أن أُفرد لنظْمه ونثْره كتابًا، فإنّني أغار من ذِكره مع الّذين هُمْ كالسُّها فِي فَلَك شَمْسه وذُكائه، وكالثَّرى عند ثريا علمه وذكائه، فإنّما تبدو النّجوم إذا لم تُبرز الشّمسُ [ص:1077] حاجبها. وإنه لا يؤثر أيضًا إثبات ذلك، فأنا ممتثلٌ لأمره المُطاع، ملتزمٌ له قانون الاتّباع، لا أعرف يدًا مَلَكتني غير يده، ولا أتصدّى إلّا لِما جعلني بصَدَده.
قلت: وكان رحمه اللَّه أحدب. فحدثني شيخنا جمال الدّين الفاضليّ أنّ القاضي الفاضل ذهب فِي الرّسْليَّة إلى صاحب الموصل، فحضر، وأُحضِرت فواكه، فقال بعض الكبار منكِّتًا على الفاضل: خِياركم أحدب. فقال الفاضل: خَسُّنا خيرٌ مِن خِياركم.
وحدَّثني الفاضليّ فِي آخر سنة إحدى وتسعين أنّ القاضي والعِماد الكاتب كانا فِي الموكب، فقال القاضي الفاضل:
أمّا الغُبار فإنّه ... ممّا أثارَتْهُ السَّنابكْ
وقال للعماد: أجِز. فقال:
فالجوُّ منه مغبرٌ ... لكنْ تباشير السّنابكْ
يا دهر لي عبد الرحيـ ... ـم فلا أُبالي مسَّ نابِكْ
قلت: وقد سمع أَبَا طاهر السَّلَفيّ، وأبا مُحَمَّد العثمانيّ، وأبا الطاهر بن عوف، وأبا القاسم ابن عساكر الحافظ، وعثمان بن سعيد بْن فَرَج العَبْدَريّ.
قال المنذريّ: وَزَرَ للسّلطان صلاح الدّين، ورَكَن إليه رُكونًا تامًا، وتقدّم عنده كثيرًا. وكان كثير البِرّ والمعروف والصَّدَقَة. وله آثار جميلةٌ ظاهرة، مع ما كان عليه من الإغضاء والاحتمال.
تُوُفّي فِي ليلة سابع ربيع الآخر.
وقال الموفَّق عَبْد اللّطيف: ذِكْر خبر القاضي الفاضل
كانوا ثلاثة إخوة:
واحدٌ منهم خَدَم فِي الإسكندريَّة وبها مات، وخلّف من الخواتيم صناديق. ومن الحُصْر والقُدُور والخَزَف بيوتًا مملوءة. وكان مَتَى رَأَى خاتمًا أو سمع به تسبَّب فِي تحصيله.
وأما الآخر فكان له هَوَسٌ مُفْرِط فِي تحصيل الكتب، كان عنده زُهاء مائتي ألفِ كتاب، مِن كلّ كتابٍ نُسَخ.
والثّالث القاضي الفاضل، وكان له غَرَام بالكتابة، وبتحصيل الكتب أيضًا، وكان له الدِّين والعَفَاف والتُّقَى، مواظبٌ على أوراد اللّيل، والصّيام والتّلاوة. ولمّا ملك أسدُ الدّين [ص:1078] احتاج إِلَى كاتبٍ، فأحضره، فأعجبه نفاذُه وسَمْتُه ونُصْحُه، فلمّا مَلَك صلاحُ الدّين استخلصه لنفسه، وحَسُنَ اعتقادُه فِيهِ.
وكان قليل اللّذّات، كثير الحَسَنات، دائم التّهجُّد، يشتغل بالأدب والتّفسير.
وكان قليل النَّحْو، لكنْ له دُرْبَةٌ قويَّة توجب له قِلَّة اللَّحْن، وكتبَ من الإنشاء ما لم يكتبْه أحدٌ. أعرفُ عند ابن سناء المُلْك من إنشائه اثنين وعشرين مجلّدًا. وعند ابن القطّان - أحد كُتّابه - عشرين مجلّدًا. وكان متقلّلًا فِي مَطْعمه ومَنْكَحه، ومَلْبَسه. لباسُه البياض، لا يبلغ جميع ما عليه دينارين.
ويركب معه غلامٌ ورِكابيّ. ولا يمكِّن أحدًا أن يَصْحَبَه. ويُكْثر تشييع الجنائز، وعيادَة المرضى، وزيارَةَ القبور. وله معروف معروف في السر والعلانية.
وكان ضعيف البنية، رقيق الصورة، له حَدْبَة يغطّيها الطَّيْلَسان.
وكان فِيهِ سوء خُلُق يُكْمِد به فِي نفسه، ولا يضرّ أحدًا به.
ولأصحاب الفضائل عنده نَفاق، يُحسن إليهم ولا يَمُنّ عليهم. ولم يكن له انتقام من أعدائه إلّا بالإحسان إليهم، وبالإعراض عَنْهُمْ.
وكان دخْله ومعلومُه فِي السّنة نحو خمسين ألف دينار، سوى متاجر الهند والمغرب، وغيرهما.
مات مسكوتًا، أحوج ما كان إِلَى الموت عند تولّي الإقبال، وإقبال الإدبار، وهذا يدل على أن لله به عناية.(12/1073)
310 - عَبْد السلام بْن محمود بْن أَحْمَد. [المتوفى: 596 هـ]
ظهير الدّين أبو المعالي الفارسيّ، الفقيه، الأُصُوليّ، المتكلّم.
سمع من أَبِي الوقت السِّجْزِيّ.
وبالثّغر من أَبِي طاهر السِّلَفيّ.
وروى بدمشق.
وتُوُفّي بحلب فِي سابع عشر شعبان.
وكان من كبار المتكلمين والخلافيين. درس واشتغل، وصنَّف التّصانيف. ولم يشتهر من تصانيفه إلا القليل.
وقد أجاز الحافظ المنذريّ، وهو ترجمه.(12/1078)
311 - عَبْد الْعَزِيز بْن عِيسَى بْن عَبْد الواحد بْن سُلَيْمَان. الوجيه أبو مُحَمَّد اللَّخْميّ، الأندلسيّ، الشّرِيشيّ الأصل، الإسكندرانيّ المولد والدّار، [المتوفى: 596 هـ]
العدل المحدِّث، أحد طَلَبة السِّلَفيّ. [ص:1079]
ولد سنة خمس وعشرين وخمسمائة. وقرأ الكثير على السلفي.
وحدث بمصر والقدس.
روى عنه ولده أبو القاسم عيسى، وعثمان بن محمد بن أبي عصرون.
وبالإجازة: الشهاب القوصي، وغيره.
وتوفي فِي المحرَّم.(12/1078)
312 - عَبْد الكريم بْن الْمُبَارَك بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم. الفقيه أبو الفضل البلديّ، الْبَغْدَادِيّ، الحنفيّ، المعروف بابن الصَّيْرَفيّ. [المتوفى: 596 هـ]
وُلِد سنة خمس وعشرين وخمسمائة.
وتفقَّه على الْإِمَام مَسْعُود بْن الْحُسَيْن اليَزْديّ.
وسمع من أَبِي سعْد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الزَّوْزَنيّ، وأبي البدر الكَرْخيّ، وأبي الفضل الأُرْمَوِيّ.
ودَرّس، وناب فِي القضاء. وكان يسكن بقراح أبي الشحم، ودرس بالمغيثية.
روى عنه الدُّبيثيّ، وابن خليل، وغيرهما.
وتُوُفّي فِي جُمادى الآخرة.
وهو من بلد الّتي بقرب الموصل.(12/1079)
313 - عَبْد اللّطيف بْن إِسْمَاعِيل بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن دُوَسْت دادا، شيخ الشيوخ أبو الْحَسَن ابن شيخ الشّيوخ أَبِي البركات بْن أَبِي سعد النَّيْسابوريّ الأصل، الْبَغْدَادِيّ، الصُّوفيّ، [المتوفى: 596 هـ]
أخو شيخ الشّيوخ صدر الدّين عَبْد الرحيم.
كان بليدًا، قليل الفَهم، عديم التّحصيل.
وُلِد سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة.
وسمع من أَبِي بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وأبي القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ، وأبي مَنْصُور عليّ بْن عليّ الأمين، وأبي الْحَسَن بْن عَبْد السلام، وأبي الفتح الكَرُّوخيّ، وغيرهم.
قال ابن النّجّار: وُلّي رِباط جدّه بعد أَخِيهِ، ولُقِّب صدر الدّين. ثُمَّ أنه حجّ وركب البحر إِلَى مصر، وزار بيت المقدس.
وتُوُفّي بدمشق فِي رابع عشر ذي الحجَّة.
قلت: روى عَنْهُ ابن النّجّار، وابن خليل، واليَلْدانيّ، وعثمان ابن خطيب القرافة، وفَرَج الحبشيّ، وعبد اللَّه بْن أَحْمَد بْن طِعان، وأخوه عَبْد الرَّحْمَن، [ص:1080] والقاضي صدر الدين أحمد ابن سَنِيّ الدّولة، وتقيّ الدّين إِسْمَاعِيل بْن أَبِي اليُسْر، وابن عَبْد الدّائم، والكمال عَبْد الْعَزِيز بْن عبْد، وخلْق.
وبالإجازة: ابن أَبِي الخير.
قال الدُّبيثيّ: كان بليدًا لا يفهم. حَدَّثَنِي بعض الطّلبة أنه أتاه بجُزء ليقرأه عليه، فصادفه فِي شُغل فوقف، فلمّا طال عليه الوقوف قال له عَبْد اللّطيف: امضِ إلى ضياء الدين عبد الوهاب ابن سُكَيْنة ليُسْمِعك إيّاه عنّي، فإنّي مشغول.
ونقلت من خطّ الحافظ الضّياء ما صورته: وشيخ الشيوخ عَبْد اللّطيف ابن شيخ الشيوخ أَبِي البركات تُوُفّي بدمشق فِي رباط خاتون فِي ذي الحجَّة، وصلّى عليه شيخنا القاسم الحافظ.(12/1079)
314 - عَبْد المنعم بْن عَبْد الوهّاب بْن سعد بن صَدَقة بن الخَضِر بْن كُلَيْب. مُسنِد العراق أبو الفَرَج بْن أَبِي الفتح الحَرّانيّ الأصل، الْبَغْدَادِيّ، الحنبليّ، التاجر، الآجُرّي، [المتوفى: 596 هـ]
لسُكناه درب الآجر.
ولد في صفر سنة خمسمائة، وبكَّر به أَبُوهُ بالسّماع، لكنّه لم يُكثر، فسمع أَبَا القاسم بْن بيان، وأبا عليّ بْن نبهان، وأبا مَنْصُور مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن طاهر الخازن، وأبا بَكْر بْن بدران الحلْوانيّ، وأبا عُثْمَان إِسْمَاعِيل بْن مِلَّة، وأبا طَالِب الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد الزَّيْنبيّ، وصاعد بْن سيار الدهان، والمبارك بن الحسين الغسال.
وانفرد بالرواية عَنْهُمْ. وأجاز له: أبو الغنائم النَّرْسِيّ، وابن بيان، وابن نبهان، وأبو الخطّاب محفوظ الكَلْوَذانيّ الفقيه، وأبو طاهر عَبْد الرَّحْمَن بن أحمد اليوسفي، وأبو العز محمد ابن المختار، وأبو علي ابن المهْديّ، ومحمد بْن عَبْد الباقي الدُّوري، وحمزة بْن أَحْمَد الرُّوذْرَاوَريّ، وأبو البركات عَبْد الكريم بْن هبة اللَّه النّحويّ.
وله مشيخة معروفة. وكان صحيح السَّماع والذِّهْن والحواسّ إِلَى أن مات. صَبُورًا على المحدثين، محِبًّا للرّواية.
دخل مصر مع والده، وسكن ثغر دِمياط مدَّةً، وحجّ سبْع حجج، وحجّ ثامنةً، ففاتته وتعوَّق بالبحر. [ص:1081]
روى عَنْهُ خلْق من الحُفّاظ، وسمع صحيح الْبُخَارِيّ من أَبِي طَالِب الزَّيْنبيّ.
فممّن روى عَنْهُ: الدُّبَيْثِي، وابنُ النَّجَّار، وابنُ خليل، ومحمد ابن النفيس الرّزّاز، وعمر بْن بدر الْمَوْصِلِيّ، وأبو موسى عبد الله ابن الحافظ، ومحمد بْن عَبْد الكريم الكاتب، واليَلْدانيّ، وأحمد بْن سلامة الحرَّانيّ، ومحيي الدّين يوسف ابن الْجَوزيّ، وشرف الدّين شيخ الشيوخ الحمويّ، ويوسف ابن شروان، وداود بن شجاع البوّاب، وأحمد بْن عَبْد الواسع بْن أميركاه، ومحمد بن هبة الله ابن الدوامي، وعبد العزيز بن محفوظ البناء، والواعظ شمس الدين يوسف ابن قزعلي البغداديون، ومبارك الحبشي بمصر، والزين ابن عَبْد الدّائم، والنّجيب عَبْد اللّطيف وهو آخر منَ روى عَنْهُ بالسماع.
وبالإجازة: الحافظ الضّياء، وابن أَبِي اليُسْر، والقُطْب أَحْمَد بْن عَبْد السّلام بْن أَبِي عَصْرون، وسعد الدّين الخضِر بْن عَبْد السلام بْن حَمُّوَيْه، وأبو العبّاس أَحْمَد بْن أَبِي الخير، ومحمد بْن يعقوب بن أبي الدينة، والعز عبد العزيز ابن الصَّيْقَل وهو آخر مَن روى عَنْهُ بالإجازة فِي الدّنيا.
قال الحافظ زكيّ الدّين المنذري: سمعت قاضي القُضاة أَبَا مُحَمَّد الكتّانيّ يقول: سمعته يقول - يعني ابن كُلَيب -: تسرّيت مائة وثماني وأربعين جارية. وكان يخاصم أولاده فِي ذلك السّنّ فيقول: اشتروا لي جارية، اشتروا لي جارية.
تُوُفّي ليلة السابع والعشرين من ربيع الأوّل.
وقال ابن النّجّار: ألحق الصِّغَار بالكبار، ومُتِّع بصحّته وذهنه، وحُسْن صورته، وحُمْرة وجهه. وكان لا يمل من السماع.
نسخ جزء ابن عَرَفَة وله سبْعُ وتسعون سنة بخط مليح غير مرتعش، ورواه من لفظه.
وكان من أعيان التجار، ذا ثروة واسعة. ثُمَّ تضعضع حاله وافتقر، واحتاج إِلَى الأخْذ على الرواية. وبقي لا يحدث بجزء ابن عرفة إلّا بدينار.
وكان صدوقًا، قرات عليه كثيرًا.(12/1080)
315 - عَبْد الوهاب بْن أَبِي الطاهر إِسْمَاعِيل بْن مكي بْن عَوْف. الفقيه أبو مُحَمَّد الزُّهريّ، الإسكندراني، نبيه الدّين المالكي. [المتوفى: 596 هـ]
تفقّه على والده، ودرس من بعده بالإسكندرية، وعاش خمسًا وستّين سنة.
وتُوُفّي فِي ذي القعدة.(12/1082)
316 - عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الجليل بْن مُحَمَّد. القاضي أبو محمد ابن الشَّيْخ أَبِي الفتح السّاويّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الفقيه الحنفي. [المتوفى: 596 هـ]
أحد العدول والأكابر.
نابَ فِي الحكم بدار الخلافة، ثُمَّ بمدينة السلام بغداد. وكان محمود السيرة.
ولد سنة ثلاث عشرة وخمسمائة فِي أوّلها.
وسمع من ابن الحُصَيْن، وابن الطبر، وأبي الحسين ابن الفرّاء، وجماعة.
وكان آخر مَن بقي مِن بيت السّاويّ، ولم يُعقِب.
روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وابن خليل، والبَغَاددة.
وتُوُفّي فِي تاسع المحرَّم.(12/1082)
317 - عُثْمَان بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن الحكيم، أبو عَمْرو الحريميّ، المارِسْتانيّ. [المتوفى: 596 هـ]
حدَّث عن هبة الله بن الحصين.
وعنه ابن خليل، والدبيثي، وقبلهما أَحْمَد بْن طارق، وجماعة، وأجاز لابن أَبِي الخير.
وتُوُفّي فِي ذي القعدة عن ثمانين سنة، وكان يخدم المَرْضَى.(12/1082)
318 - عسكر بْن خليفة بْن حفّاظ الفقيه أبو الجيوش الحمويّ، الحنفيّ. [المتوفى: 596 هـ]
حدَّث عن أَبِي الفتح نصر اللَّه المصيصي، وهبة اللَّه بْن طاوس. [ص:1083]
ويُعرف بابن العقادة.
وكان من كبار الحنفيَّة بدمشق.
أجاز لشيخنا ابن أبي الخير.
وتوفي في جمادى الأولى.
وروى عنه الشّهاب القُوصيّ فقال: شيخ الْإِسْلَام بدر الدّين، أبو الجيوش، كان مبرّزًا فِي جميع الفنون. قرأتُ عليه بمدرسة القصّاعين.(12/1082)
319 - عليّ بْن الْحَسَن بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد السلام بْن الْمُبَارَك بن راشد. المنتجب أبو الحسن التميمي، الدرامي، المكّيّ. [المتوفى: 596 هـ]
سمع من أَبِي الفتح الكَرُوخيّ، ومحمود بن عبد الكريم فورجة، وأحمد ابن المقرّب.
روى عَنْهُ الحافظ ابن المفضّل، وغيره.
وله شِعْر جيّد. ووفد على الملكين نور الدّين، وصلاح الدّين.(12/1083)
320 - عليّ بْن الْمُبَارَك بْن أَبِي العزّ مُحَمَّد بْن جَابِر، أبو الْحَسَن الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 596 هـ]
من كبار العدول.
سمع المُسْنَد كلّه من ابن الحُصَيْن.
وسمع من أَبِي نصر اليُونَارتيّ.
روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وابن خليل، واليلداني، وجماعة.
وأجاز لابن أَبِي الخير.
وتُوُفّي فِي جُمَادَى الآخرة.(12/1083)
321 - عُمَر بْن مُحَمَّد بْن عُمَر. الْإِمَام أبو مُحَمَّد الأَنْصَاري، العاقِليّ، الحنفي، البخاريّ. [المتوفى: 596 هـ]
تُوُفّي ببخاري فِي ربيع الأول.
وقد حدَّث بمكة، وبغداد عن أَبِي بَكْر عُمَر بْن مُحَمَّد العَوْفيّ.
روى عَنْهُ الحافظ ابن المفضل.
وكان موصوفًا بمعرفة المذهب والزُّهد والصلاح، درَّس وأشغل وصنَّف.
وقد ذكره أبو العلاء الفَرَضيّ، فقال فِيهِ: العقيلي بدل العاقِليّ، وقال: روى عن حسام الدين عمر ابن برهان الأئمة عَبْد الْعَزِيز بْن عُمَر بْن مازة، والحافظ عُمَر بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد النَّسَفيّ، وفخر الأئمة أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن [ص:1084] علي بن سعيد المطهري، ومحمد بن الفضل الفراوي، وفخر الْإِسْلَام أبو نصر أَحْمَد بْن الْحَسَن.
روى عَنْهُ سِبْطه العلّامة شمس الدّين أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد الْأَنْصَارِيّ، والعلّامة أبو الوحدة مُحَمَّد بْن عَبْد السّتّار العماديّ، والقاضي مُحَمَّد بْن مُحَمَّد العُمريّ.
مات فِي خامس جُمادى الأولى.(12/1083)
322 - عِوَض بْن سلامة الأَزَجيّ القَطِيعيّ، الغرّاد، الصّالح. [المتوفى: 596 هـ]
شيخ معروف خيّر، له رباط ببغداد.
توفي في ذي الحجة.(12/1084)
323 - قَيْصَر العَوْنيّ الأمير، مملوك الوزير عَوْن الدّين يحيى بن هبيرة. [المتوفى: 596 هـ]
كان بديع الجمال، تضرب بحُسْنه الأمثال. وكان الوزير يركّبه فِي صدر موكبه بالقباء والعِمامة السّوداوين، وإِلَى جانبه خادمين.(12/1084)
324 - كامل بْن الفتح بْن ثابت الضّرير، البادرائيّ، الأديب، ظهير الدّين. [المتوفى: 596 هـ]
له شِعرٌ وترسُّل. كتب الطلبة عنه لأجل الكفاف من شِعره. وما أحسن قوله:
وفي الأوانس من بغداد آنسةٌ ... لها من القلب ما تهوى وتختارُ
ساومتها نفثة من ريقها بدمي ... وليس إلّا خفي الطرف سمسارُ
عند العذول اعتراضات ولائمة ... وعند قلبي جوابات وأعذار(12/1084)
325 - مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن رفاعة. المفتي كمال الدّين القُرَشيّ، الْمَصْرِيّ، قاضي قوص. [المتوفى: 596 هـ]
روى عَنْهُ الشّهاب القُوصيّ شِعرًا، وورَّخ وفاته فِي هَذِهِ السنة.(12/1084)
326 - محمد ابن الشّريف أَبِي القاسم عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن الحسين. الشريف أبو الحياة نظام الدين البلخي، الواعظ، المعروف بابن الظّريف. [المتوفى: 596 هـ]
ولد ببلخ في سنة ست وعشرين وخمسمائة.
وسمع من أَبِي شجاع عُمَر البِسْطاميّ، وأبي سعد ابن السَّمْعانيّ.
وسمع بالثَّغر من السِّلَفيّ، وبدمشق، وجالَ فِي الآفاق.
روى عَنْهُ أبو الْحَسَن بْن المفضل.
ووعظ كثيرًا، وصنف في الوعظ.
وكان طيب الصّوت، مطربًا، فصيحًا، شيعيًا.
تُوُفّي فِي تاسع عشر صفر.
وقد ذكره ابن النّجّار: فطوَّل ترجمته، وقال: سمع بدمشق من حَمْزَة بْن كروس، وبمصر من ابن رفاعة، وابن الحطيئة.
وأقام عند السِّلَفيّ زمانًا، وأملى أمالي.
روى عَنْهُ شيخه السِّلَفيّ، وكان يعظّمه ويُبجّله ويعجب بكلامه.
ثمّ قدِم بغدادَ فسكنها.
وكان يعِظ بالنّظامية. وحضرتُ مجلسه مِرارًا. وكان مليح الوجه مبركًا، واسع الجبهة، منورًا، بهيًّا، ظريف الشَّكل، عالمًا أديبًا، له لسان مليح فِي الوعظ، حَسَن الإيراد، حُلْو الاستشهاد، رشيق المعاني، وله قبول تام، وسوق نافقة، ثمّ فَتَرَتْ، ولزِم داره. وكان يُرْمَى بأشياء، مِنها الخمر، وشراء الجواري المغنّيات، وسماع الملاهي المحرَّمة، وأُخرج مِن بغداد مِرارًا لذلك.
وكان يُظهِر الرَّفضْ.
وأنشدني أَحْمَد بْن عُمَر المؤدّب أن الواعظ البلْخي أنشد لنفسه دوبيت:
دَعْ عنك حديث من يمنيك غدا ... واقطع زمن الحياة عيشًا رغدا
لا ترجُ هوى ولا تعجل كمدا ... يومًا قضيته لا تراهُ أبدا
وسمعت أَخي عليّ بْن محمود يقول: كان البلْخيّ الواعظ كثيرًا ما يرمُز فِي أثناء مجالسه سبَّ الصحابةِ. سمعته يقول: بكت فاطمة عليها السلام، [ص:1086] فقال لها علي: كم تبكين عليَّ؟ أأخذتُ منك فدك؟ أأغضبتك؟ أفعَلت، أفعلتُ؟ فضجّت الرّافضة وصفّقوا بأيديهم، وقالوا: أحسنت أحسنت.(12/1085)
327 - مُحَمَّد بْن عَبْد المُنعم بْن أَبِي البركات مُحَمَّد بن طاهر بن سعيد ابن القدوة أَبِي سَعِيد فضل اللَّه ابن أَبِي الخير، أبو البركات المِيهَنيّ الصُّوفيّ. [المتوفى: 596 هـ]
تُوُفّي ببغداد فِي ذي الحجَّة. وكان رجلًا صالحًا.
سمع من أَبِيهِ، وشُهْدَة، والمبارك بْن عليّ بْن خُضَيْر.
وكان شيخ رباط البِسْطاميّ.
عاش أربعًا وخمسين سنة. وكان سَمْحًا جوادًا، ذا فُتُوَّة، كان يؤثر بمداسه ويمشي حافيًا. لَقَبُه: رُكْن الدّين.(12/1086)
328 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم، أَبُو القاسم الهمداني، الأندلسي، من أَهْل مدينة وادي آش، ويُعرف بابن البراق. [المتوفى: 596 هـ]
سمع من أَبِي العبّاس الجزُوليّ، وأبي بَكْر يحيى بْن مُحَمَّد، وأبي الْحَسَن ابن النعمة.
وأجاز له أبو بكر ابن العَرَبيّ، وشُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبو الْحَسَن بْن مغيث، وآخرون.
ذكره الأبّار فقال: كان محدّثًا ضابطًا، أديبًا، ماهرًا، شاعرًا مُجِيدًا، متفنّنًا، وشِعره مدَّون.
حدَّث عَنْهُ أبو العباس النباتي، وأبو الكَرَم جوديّ.
وعاش سبْعًا وستين سنة.(12/1086)
329 - مُحَمَّد بْن عُمَر أبو عَبْد اللَّه المالِقيّ الكاتب، [المتوفى: 596 هـ]
نزيل فاس.
قال الأبّار: كان حافظًا للُّغات، والآداب، والتّواريخ، بصيرًا بالحديث.
وكان يكتب للأمراء.(12/1086)
330 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الطّاهر مُحَمَّد بْن بُنَان. القاضي الأثير ذو الرّياستين، ابن القاضي الأجلّ ذي الرّياستين أَبِي الفضل ابن القاضي ذي الرّياستين، الأنباري، المصريّ، أبو الفضل الكاتب. [المتوفى: 596 هـ][ص:1087]
ولد بالقاهرة سنة سبع وخمسمائة، وسمع من أَبِي صادق مرشد المَدِينيّ، وأبي البَرَكَات مُحَمَّد بْن حَمْزَة العِرْقيّ، ووالده أَبِي الفضل، والقاضي أَبِي الْحَسَن مُحَمَّد بْن هبة اللَّه بْن الْحَسَن بْن عُرْس.
وقرأ القرآن على: أبي العبّاس بن الحطيئة.
وكان رئيسًا، عالِمًا نبيلًا. ذكره الدُّبيثي فقال: قدِم بغداد رسولًا من سيف الْإِسْلَام طُغتكين أمير اليمن، ونزل بباب الأَزَج. وحدث بالسيرة لابن هشام عن والده، وحدث بصحاح الجوهريّ. وسمعهما منه جماعة كثيرة، وكنت أَنَا مسافرًا، وذلك فِي سنة اثنتين وثمانين.
روى الصّحاح عن أَبِي البَرَكات العِرْقيّ. وكتب النّاس عَنْهُ من شِعرْه.
وقال المنذري: سمع منه جماعة من شيوخنا ورفقائنا، ولم يتَّفق لي السّماع منه.
وقد كتب الكثير بخطّه. وخطُّه فِي غاية الجودة.
وتولّى ديوان النَّظَر فِي الدّولة المصريَّة، وتقلّب فِي الخِدَم فِي الأيّام الصّلاحيَّة بِتَنَيس، والإسكندريَّة.
قلت: وكان أَبُوهُ يروي السيرة عن الحبّال.
روى عَنْهُ الحافظ أبو الْحُسَيْن العطّار، والسّيّد أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن الحُسَيْنيّ الحلبيّ.
تُوُفّي فِي ثالث ربيع الآخر، وله تسعٌ وثمانون سنة.
وقال الموفَّق عَبْد اللّطيف: كان رفيعًا، طُوالًا، أسمر، عنده أدب وترسُّل، وخطٌّ حَسَن، وشعرٌ لا بأس به. وكان صاحب ديوان مصر فِي زمن المصريّين، والفاضل ممّن يَغْشَى بابه ويمتدحه، ويفتخر بالوصول إليه. فلمّا جاءت الدّولة الصّلاحيَّة قال القاضي الفاضل: هَذَا رَجُل كبير القدْر يصلُح أن يُجرى عليه ما يكفيه ويجلس فِي بيته. ففُعل ذلك.
ثمّ إنّه توجّه إِلَى اليمن، ووَزَر لسيف الْإِسْلَام، وأرسله إِلَى الديوان الْعَزِيز، فعظُم ببغداد وبُجِّل.
ولمّا صرتُ إِلَى مصر وجدتُ ابن بُنان فِي ضَنَكٍ من العَيْش، وعليه دَيْن ثقيل، وأدّى أمره إِلَى أنْ حَبَسه الحاكم بالجامع الأزهر. وكان يتنقّص بالقاضي الفاضل، [ص:1088] ويراه بالعين الأولى، والفاضل يُقصّر فِي حقّه، فيقصّر الناسُ مراعاةً للفاضل.
وكان بعض مَن له عليه دَيْن أعجميًّا جاهلًا، فصعِد إليه إلى سطح الجامع، وسفَّه عليه، وقبض على لحيته، وضرَبه، ففرّ وألقى بنفسه من سطح الجامع فتهشَّم، فحُمل إِلَى داره، وبقي أيامًا ومات. فسيَّر القاضي الفاضل بجهازه خمسة عشر دينارًا مع ولده. ثُمَّ إن القاضي مات فجاءة بعد ثلاثة أيام.(12/1086)
331 - مُحَمَّد بْن المحسن بْن هبة اللَّه بْن مُحَمَّد، أبو الْحَسَن الوكيل بأبواب القُضاة. [المتوفى: 596 هـ]
سَمِعَ من أَبِي جَعْفَر أَحْمَد بْن مُحَمَّد العبّاسيّ، وغيره.
توفي في ذي الحجة.(12/1088)
332 - محمد بن محمود بْن مُحَمَّد. الشّهاب الطُّوسيّ أبو الفتح، الفقيه الشّافعيّ، [المتوفى: 596 هـ]
نزيل مصر.
إمامٌ، مُفتٍ، علّامة مشهور. وُلِد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة.
وحدَّث عن أَبِي الوقت، وغيره.
ووعظ ببغداد، وصاهر قاضي القضاة أبا البركات ابن الثقفي. وقدم مصر فسكنها، قدمها من مكَّة سنة تسعٍ وسبعين. ونزل بخانقاه سَعِيد السُّعَداء، وتردّد إليه بها الفقهاء.
ثمّ ولي التّدريس بمدرسة منازل العِزّ، وانتفع به جماعة كبيرة.
وكان جامعًا للفنون، معظمًا للعِلم وأهله. غير محتفل بأبناء الدّنيا. وعظ بجامع مصر مدة.
روى عنه بهاء الدين ابن الْجُمَّيْزيّ، وشهاب الدّين القُوصيّ وكنّاه أَبَا الفتح.
وذكر أنّه تفقّه بنَيْسابور على الْإِمَام مُحَمَّد بْن يحيى.
وقال أبو شامة، وذكر الطُّوسيّ، فقال: قيل: إنّه لمّا قدِم بغداد كان يركب بالسَّنْجَق والسيّوف المُسَلَّلة والغاشية والطَّوق فِي عُنق البغْلة، فَمُنِع من ذلك. فسافر إِلَى مصر ووعظ، وأظهر مذهب الأشعريّ، وثارت عليه الحنابلة. وكان يجري بينه وبين زين الدّين ابن نجيَّة العجائب من السِّباب ونحوه.
قال: وبلغني أنّه سُئِل أيّما أفضل: دمُ الْحُسَيْن، أمْ دمُ الحلّاج؟ فاستعظم [ص:1089] ذلك، فَقِيل له: فَدَمُ الحلّاج كتب على الأرض: اللَّه اللَّه، ولا كذلك دمُ الْحُسَيْن، فقال: المتَّهم يحتاج إِلَى تزكية، وهذا فِي غاية الحُسن، لكن لم يصح ذلك عن دم الحلّاج.
وقال الموفَّق عَبْد اللّطيف: كان رجلًا طُوالاً، مَهيباً، مِقْدامًا، سادّ الجواب في المحافل، دخل مصر، وأقبل عليه تقي الدّين، وعمل له مدرسة بمنازل العِزّ، وبثَّ العِلم بمصر، وكان يُلقي الدّرس من الكتاب، وكان يرتاعه كلّ أحد، وهو يرتاع من الخبوشاني ويتضاءل له، وكان يحمُق بظرافةٍ، ويتيه على الملوك بلباقه، ويخاطب الفُقهاء بصرامة، وعَرَض له جُدَريّ بعد الثّمانين عمَّ جَسَدَه، وكحل عينيه، وانْحَطّ عَنْهُ فِي السّابع، وجاء يوم العيد والسّلطان بالمَيدان، فجاء الطُّوسيّ وبين يديه مِنادٍ ينادي: هَذَا ملك العلماء، والغاشية على الأصابع، وكان أَهْل مصر إذا رأوها قرأوا: {هَل أتَاكَ حديثُ الغَاشيةِ}، فتفرّق له الْجَمْع، وتفرَّق الأمراء غيظًا منه، وجرى له مع الملك العادل وابن شكر قضايا عجيبة، لما تعرضوا لوقوف المدرس، فمنع عن نفسه وعن النّاس، وثبت.
وقال ابن النَجّار: مات بمصر فِي الحادي والعشرين من ذي القعدة، وحمله أولاد السّلطان على رِقابهم.(12/1088)
333 - مُحَمَّد بْن مَكَارم بْن أَبِي يَعْلَى، أَبُو بَكْر الحَرِيمِيّ. [المتوفى: 596 هـ]
سَمِعَ من أَحْمَد بْن الأشقر، والمبارك بْن أَحْمَد الكِنْديّ، وسعيد ابن البنّاء.
ويقال له: الحِيريّ نسبة إِلَى الحِيرة الّتي بقرب عَانَة، لا إِلَى حيرة نَيْسابور.
سمع منه جماعة، وتوفي في صفر، وأجاز لابن أَبِي الخير.(12/1089)
334 - مُحَمَّد بْن هبة اللَّه بْن أَبِي الكرم نصر اللَّه بْن مُحَمَّد بن محمد بن مخلد، أبو المفضل الأزَديّ، الواسطيّ العدْل، المعروف جدُّه بابن الْجَلَخْت. [المتوفى: 596 هـ][ص:1090]
وُلِد سنة اثنتين وعشرين وخمس مائة، وسمع من جده، وحدًّث ببغداد، قال ابن الدبيثي: سمعت منه، ونعم الشيخ كان، وتوفي في ذي القعدة.(12/1089)
335 - المبارك بن المبارك بن أحمد بن زُريق، أبو جعفر ابن الحداد الواسطي، المقرئ. [المتوفى: 596 هـ]
ولد سنة تسع وخمس مائة، وقرأ القراءات على والده الْإِمَام أبي الفتح، وسمع من أبي علي الفارقي، وعلي بن علي بن شيران، وأبي الكرم نصر اللَّه بْن الجلَخْت، وأبي عبد الله الجلابي، وأبي الحسن بن عبد السلام، والمبارك بن نغوبا، وغيرهم بواسط، ثم قدم بغداد سنة اثنتين وثلاثين، فقرأ القراءات الكثيرة على أبي محمد سبط الخياط، وسمع منه، ومن أبي القاسم ابن السمرقندي، حدث بالإجازة عن الحافظ خميس الحَوْزيّ، وأبي طَالِب بْن يوسف، وأبي مُحَمَّد عَبْد الله ابن السمرقندي، ورزين العبدري، وجماعة، وأقرأ الناس، وأم زماناً.
ترجمه الدُّبيثيّ، وقال: كان صدوقًا، قرأتُ عليه القراءات، وقدم بغدادَ سنة ثمانٍ وثمانين وحدَّث بها.
قلت: روى عَنْهُ هُوَ، ويوسف بْن خليل، وجماعة، وتُوُفّي فِي سادس عشر رمضان.
قرأ عليه بالروايات مُحَمَّد بْن عُمَر الدّاعي، وكان مقرئ واسط فِي زمانه.(12/1090)
336 - الْمُبَارَك بْن أَبِي القاسم بن أبي منصور ابن السَّدَنْك، أبو مَنْصُور البغداديّ. [المتوفى: 596 هـ]
روى عَنْ قاضي المَرِسْتان، وتُوُفّي فِي ذي القعدة.(12/1090)
337 - محمود بْن المبارك بن الحسين، أبو الثناء، ابن الداريج البغدادي. [المتوفى: 596 هـ][ص:1091]
روى عن القاضي أَبِي بَكْر، والحسين بْن علي سِبْط الخيّاط، وتُوُفّي فِي صَفَر.(12/1090)
338 - مَسْعُود بْن عليّ، نظام المُلْك الوزير، [المتوفى: 596 هـ]
وزير السّلطان خُوارزم شاه.
قَتَلتْه الملاحِدة فِي هَذَا العام فِي جُمادى الآخرة، وكان ديّنًا حَسَن السّيرة، شافعيًّا، بنى للشافعيَّة بمرْو جامعًا مشرِفًا على جامع الحنفيَّة، فتعصَّب شيخ الحنفيَّة بمرْو، وجمع الأوباش فأحرقه، فغضب خُورازم شاه، وأحضر هَذَا الشّيخ وصادره.
وبنى نظام المُلْك هَذَا مدرسةً عظيمة وجامعًا بخُوارزم، وله آثار حسنة، فلمّا قُتِلَ تأسَّف عليه السّلطان، واستوزر ابنه، وهو صبيّ، فأُشير على الصّبّي بأن يستعفي، فقال السّلطان خُوارزم شاه: لست أعفيك وأنا وزيرك، فكُنْ راجعني فِي الأمور، ثُمَّ لم تطُل أيّام الصّبيّ، ومات خُوارزم شاه فِي العام، كما تقدَّم.(12/1091)
339 - المظفَّر بْن عليّ بْن وهب، المدائني، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الصابوني، الخياط. [المتوفى: 596 هـ]
شيخ معمّر، وُلِد سنة خمس مائة، وسمع أَبَا نصر الْحَسَن بْن مُحَمَّد اليُونَارْتيّ، وثابت بْن مَنْصُور الكيليّ، روى عَنْهُ الدُّبيثيّ وقال: توفي سنة ست.(12/1091)
340 - نجيب بْن فارس الحربيّ. [المتوفى: 596 هـ]
روى عن سَعِيد ابن البناء، وعنه ابن خليل.(12/1091)
341 - هبة اللَّه بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد، ابن الوزير أَبِي المعالي هبة اللَّه بْن أَبِي سعد بن المطلب. [المتوفى: 596 هـ]
سمع أبا القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ، وحدَّث، وله شِعرٌ وخطّ منسوب، يُكَنَّى أبا المعالي. [ص:1092]
روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وكان صاحب مِزَاح ونوادر، يُلقَّب بالجُرذ.(12/1091)
342 - وهب بن محمد بن وهب، أبو الفتح الحربي، المعروف بابن الضبيع. [المتوفى: 596 هـ]
روى عن أَبِي الحسين بن أبي يعلى، وأبي البركات الأنماطي، وتوفي في صفر.
روى عنه الدبيثي، وأجاز لابن أبي الخير.(12/1092)
343 - يحيى بن علي بن يحيى بن محمد بن بذال، أبو منصور، ابن النفيس الحريمي. [المتوفى: 596 هـ]
حدث عن القاضي أبي بكر، وأبي منصور القزاز، وكان رجلا صالحا، وهو أخو أحمد والمبارك، روى عنه الدبيثي، وابن خليل، وتوفي في ربيع الأول.(12/1092)
344 - يحيى بْن أَبِي القاسم الْمُبَارَك بْن علي بْن هَرْثمة، أبو الفتح الْبَغْدَادِيّ، الكرْخيّ، العدل، البيّع. [المتوفى: 596 هـ]
سمع من سعيد ابن البناء، وأبي الوقت، وجماعة، وهو من كَرْخ بغداد.
ولهم كَرْخ باجُدّا، وكَرْخ جُدّان، وكَرْخ سامرّا، وقيل: إن هَذِهِ الثلاثة كرْخ واحد، وكَرْخ البصرة قرية، وكَرْخ عَبَرْتا، وكَرْخ الرَّقَّة، وكَرْخ خوزستان، وكَرْخ مِيسان، ذكرهم زكيّ الدّين عَبْد العظيم.(12/1092)
-وفيها كان مولد:
القاضي محيي الدِّين يحيى ابْن قاضي القُضاة محيي الدّين مُحَمَّد بْن عليّ بْن الزّكي، والعَدْل عليّ بْن أَبِي طَالِب المُوسَويّ، ويعقوب بْن نصر اللَّه ابن سني الدولة، والكمال إبراهيم بن أحمد بْن فارس التّميميّ المعرّيّ، والجمال مُحَمَّد بْن شِبْل النّشّابيّ، مصريّ.(12/1092)
-سنة سبع وتسعين وخمس مائة(12/1093)
345 - أَحْمَد بْن صالح بْن طاهر، أبو العبّاس المُضَرِيّ، الْبَغْدَادِيّ، الأَزَجيّ، الوكيل. [المتوفى: 597 هـ]
وُلِد سنة عشرين وخمس مائة، وسمع من أَبِي عَبْد اللَّه السّلّال، ومحمد بْن أَحْمَد بْن صَرْما، وعبد الباقي بن أحمد النرسي، وعلي ابن الصّبّاغ، وأضرّ فِي آخر عمره، روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وابن خليل، وغيرهما.
وهو مستفاد مع أَحْمَد بْن صالح المصريّ شيخ الْبُخَارِيّ.
تُوُفّي فِي رابع عشر المحرَّم.
وروى عَنْهُ ابن النّجّار، وقال: طلب الحديث بنفسه، وقرأ على المشايخ، وكتب بخطه، وكان صدوقاً، أخبرنا الشريف أحمد بن صالح، قال: أخبرنا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي عُثْمَان الدّقّاق، أَخْبَرَنَا هناد النَّسَفيّ.(12/1093)
346 - أَحْمَد بْن عليّ بْن سَعِيد، أبو العبّاس الخُوزيّ، الصُّوفيّ، [المتوفى: 597 هـ]
نزيل واسط.
شيخ معمَّر، وُلد سنة خمس مائة، وقال مرةً: سنة تسعٍ وتسعين وأربع مائة.
سمع من أَبِي عليّ الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم الفارقيّ، وقاضي المَرِستان أَبِي بَكْر، وعبد الوهّاب الأَنْماطيّ، وجماعة، وكان شيخًا صالحًا.
روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وتُوُفّي بواسط فِي جُمادى الآخرة.
ولو سمع على مقتضى سنه لكان أسند أَهْل العصر، وهو من خُوزِستان، ويقال بها بلاد الخوز، وهي بين فارس والبصرة.(12/1093)
347 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مَنْكير، الحَرْبيّ، الخبّاز. [المتوفى: 597 هـ]
روى عن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يوسف، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، ومَنْكير بفتح أوّله.
سمع منه أَحْمَد بْن سلمان السُّكّر، وحدَّث عَنْهُ الحافظ الضّياء، وغيره، وآخر مَن روى عَنْهُ بالإجازة: الفخر عليّ.
تُوُفّي فِي جُمادى الآخرة.(12/1094)
348 - أَحْمَد بْن أَبِي عِيسَى مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعمان بْن عَبْد السّلام، القاضي العدل أبو المكارم التَّيْميّ الإصبهاني الشُّرُوطيّ اللّبّان، [المتوفى: 597 هـ]
مُسْنِد إصبهان.
وُلِد فِي صفر سنة سبْعٍ وخمس مائة، وهو مَن تَيْم اللَّه بْن ثَعْلَبَة، وقال مرَّة: ولدتُ سنةً ستٍّ، وقال الضّياء الحافظ: رَأَيْته فِي موضع سنة أربع وخمس مائة.
قلت: ونقلت نَسَبَه من خطّه.
وكان مُكثِرًا عن أَبِي عليّ الحداد، وهو آخر من سمع منه، كما أنّ الصَّيْدلانيّ آخر من حَضَر عليه، وتفرَّد أيضًا بإجازة عَبْد الغفّار الشيرويي، روى عَنْهُ أبو الفتح مُحَمَّد، وأبو مُوسَى عَبْد اللَّه ابنا الحافظ عَبْد الغنيّ، وإسماعيل بْن ظَفَر، ويوسف بْن خليل، وأبو رشيد الغزّال، وطائفة، وبالإجازة: ابن أَبِي اليُسْر، وأحمد بن أبي الخير، والفخر علي ابن الْبُخَارِيّ، وآخرون.
تُوُفّي فِي السّابع والعشرين من ذي الحجة بأصبهان بعد الكراني.(12/1094)
349 - أَحْمَد بْن أَبِي الْقَاسِم، هبة اللَّه بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد القادر بْن مُحَمَّد، أبو الرِّضا الهاشميّ، الْبَغْدَادِيّ، المعروف بابن المكشوط. [المتوفى: 597 هـ]
قال الدُّبيثيّ: لم يحدِّث ولا ظهر سماعه إلّا بعد موته، سمع أَبَا غالب [ص:1095] ابن البناء، وأجاز لي، قلت: بل سمع منه ابن خليل، وحدَّث عَنْهُ، وتُوُفّي فِي صَفَر.
قَالَ ابن النَّجَّار: كَانَ فقيهًا مجاورًا، مقرّه بجامع ابن المطَّلِب، سمع كتاب "الزهد" لابن المبارك من ابن البناء، وحدث به، وسمعه منه جماعة، كتبتُ عنه، وكان صدوقًا صالحا ساكنًا.
قال: وتُوُفّي فِي المحرَّم.(12/1094)
350 - إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم، أبو إِسْحَاق، [المتوفى: 597 هـ]
ناظر نهر المُلْك ببغداد.
كان ديّنًا متزهّدًا، يلبس القطن ويعدِل، ويحسن السِّيرة، أمر الخليفة بصلْبه فصُلب وحزِن عليه النّاس، وكان شيخًا مَهِيبًا جليلًا، وتشبه واقعة عَبْد الرشيد المذكور فِي سنة ستٍّ وثمانين.(12/1095)
351 - إِبْرَاهِيم بْن شمس الدّين مُحَمَّد بْن عَبْد الملك، الأمير عزّ الدّين ابن المقدّم [المتوفى: 597 هـ]
الّذي قُتِلَ أَبُوهُ بَعَرَفات.
من كبار الأمراء، وهو صاحب قلعة بارين، ومَنْبج، وغير ذلك، وكان شجاعًا عاقلًا.
تُوُفّي بدمشق، ودُفِن بتربته بباب الفراديس.(12/1095)
352 - إبراهيم بن مزيبل بْن نصر، الفقيه أبو إِسْحَاق المخزوميّ، الشافعيّ، المصريّ، الضّرير. [المتوفى: 597 هـ]
سمع من أَبِي عَمْرو عُثْمَان بْن إِسْمَاعِيل الشّارعيّ، وأجاز له عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن فتحون رواية كتاب "الموطّأ"، وقد سمع منه الشَّيْخ إِسْمَاعِيل بْن قاسم الزّيّات، ومات قبله بعشرين سنة، وقد درّس بالمدرسة المعروفة به بمصر مدة، وتفقّه عليه جماعة.
وعاش ثمانين سنة وشهرين، وتوفي يوم عرفة.(12/1095)
353 - إقبال بْن عَبْد اللَّه، أبو الخير. [المتوفى: 597 هـ][ص:1096]
صالح مجاور بمكَّة، حدَّث عن أَبِي الوقت، وتوفي في رمضان.(12/1095)
354 - تَمَام بِنْت الْحُسَيْن بْن قَنَان، الأنباريَّة الواعظة، ويُقال لها بدر التّمام. [المتوفى: 597 هـ]
حدَّثت عن هبة الله ابن الطبر الحريري، وأجازت للفخر علي ابن الْبُخَارِيّ، وغيره، وسمع منها: الحافظ الضّياء، وجماعة.
توفيت فِي ذي الحجَّة.(12/1096)
355 - تميم بْن أَبِي بَكْر أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن كَرَم بْن غالب، أبو القاسم البَنْدَنِيجيّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ الأَزَجيّ، المفيد. [المتوفى: 597 هـ]
وُلِد سنة خمسٍ وأربعين وخمس مائة، وَسَمِعَ الكثير من أبي بكر ابن الزاغوني، وأبي الوقت السجزي، وأبي محمد ابن المادح، وهبة الله ابن الشلبي، والشّيخ عَبْد القادر، وابن البَطِر، وخلق كثير.
وكتب بخطّه الكثير لنفسه وللنّاس، وأفاد أهل بغداد والغرباء، وكان ذا عناية بأسماء الشّيوخ وبمسموعاتهم ووَفَيَاتهم، وله فيهم فَهْم حَسَن.
روى عنه الدبيثي، والتقي اليلداني، وجماعة، وتوفي في ثالث جمادى الآخرة.(12/1096)
356 - جعفر ابن القاضي السّعيد أَبِي الْحَسَن عليّ بْن عُثْمَان، القاضي الأمجد، أبو الفضائل القُرَشيّ، المخزوميّ، المصريّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 597 هـ]
وُلِد سنة اثنتين وخمسين، وسمع من مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحمن المسعوديّ، والبُوصِيريّ، وأجاز له خطيب الموصل أبو الفضل، وجماعة، وتُوُفّي في رمضان، وهو من بيت رياسة وتقدم.(12/1096)
357 - الحسن بن علي، أبو عليّ الْبَغْدَادِيّ، الْمُقْرِئ، الضرير. [المتوفى: 597 هـ][ص:1097]
قرأ بالروايات الكثيرة عَلَى أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن عساكر البطائحيّ، وأقرأ النّاسَ، وكان طيّب الصَّوْت.(12/1096)
358 - الْحَسَن المنعوت بالظّهير الفارسيّ، الفقيه. [المتوفى: 597 هـ]
تُوُفّي بمصر كهلاً.(12/1097)
359 - خطّاب بْن مَنْصُور، أبو عَبْد اللَّه الْبَغْدَادِيّ الدّحروج. [المتوفى: 597 هـ]
روى عن أَبِي الوقت، وغيره.(12/1097)
360 - خديجة بِنْت الحافظ معمر بْن الفاخر، الإصبهانيَّة. [المتوفى: 597 هـ]
ورّخها الضّياء.(12/1097)
361 - الخليل بْن عَبْد الغفّار بْن يوسف، السُّهْرَوَرْدِيّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 597 هـ]
وُلِد سنة ثمانٍ وعشرين وخمس مائة، وصحِب الشّيخ أَبَا النّجيب، وسمع من ابن البطّيّ، وغيره، وحدَّث بأناشيد.(12/1097)
362 - زينب بِنْت أَبِي الطاهر إِسْمَاعِيل بْن مكي بْن عوف، الزُّهْريّ، المالكيّ، الإسكندريّ، أمّ مُحَمَّد. [المتوفى: 597 هـ]
وُلِدت سنة ثمانٍ وعشرين، وأجاز لها: الْحُسَيْن بْن عَبْد الملك الخلّال، وعبد الجبّار بْن محمد الخواري، وسعيد بْن أَبِي الرجاء الصَّيْرَفيّ، وطائفة، وحدَّثت.(12/1097)
363 - سعيد بن أبي البركات، أسعد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد، أبو مَنْصُور البلديّ الحطّابيّ، الكاتب. [المتوفى: 597 هـ]
تُوُفّي شابًّا، وكان لديه فضيلة.(12/1097)
364 - سَقْمان الأمير قُطْب الدّين أبو سَعِيد بْن مُحَمَّد، [المتوفى: 597 هـ]
صاحب آمِد.
سقط من جَوْسقٍ له فمات في هذه السنة.(12/1098)
365 - صالح بن علي بن أحمد بن خليفة، أبو الورد الصرصري المقرئ الضرير. [المتوفى: 597 هـ]
قرأ القرآن على أَبِي مُحَمَّد سِبْط الخياط، وأبي الكرم الشهرزوري، ودعوان بن علي، وأقرأ الناس بقريته صرصر السفلى، وتوفي في هذا العام.(12/1098)
366 - صَدَقَة ابن الوزير أَبِي الرضا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن صَدَقة، ظهير الدّين أبو الفتح. [المتوفى: 597 هـ]
ولي نيابة الوزرة ببغداد، وكان صدرًا معظماً.
وأبوه الوزير جلال الدّين قد وَزَرَ للراشد بالله.
توفي الظهير في حادي عشر رجب.(12/1098)
367 - ظافر بن الحسين، الإمام أبو المنصور الأزْديّ الإسكندراني، ثُمَّ المصريّ، الفقيه المالكيّ. [المتوفى: 597 هـ]
تفقَّه بالثَّغر عَلَى العلّامة أَبِي طَالِب صالح بْن إِسْمَاعِيل ابن بِنْت مُعَافى، وتولّى بمصر تدريس المدرسة المجاورة لجامع مصر العتيق مدَّةً طويلة، وتخرَّج به جماعة من الشّافعية والمالكيَّة، وانتفع به خلْق كثير، وكان يُشْغِل أكثر النّهار.
وكان من كبار العلماء فِي عصره.
توفي بمصر حادي عشر جمادى الآخرة.(12/1098)
368 - عَبْد اللَّه ابن الوزير الكبير أَبِي الفَرَج مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن هبةِ اللَّه بْن المظفَّر ابن رئيس الرؤساء أبي القاسم عليّ ابن المسلمة، أبو الْحَسَن. [المتوفى: 597 هـ][ص:1099]
سمع من يحيى بن ثابت البقال، وناب عن والده فِي الوزارة، ولم يخدم بعد أَبِيهِ فِي شيء، ولزِم طريقة التصوُّف، ومات وله دون أربعين سنة أو أكثر.(12/1098)
369 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عِيسَى، الْإِمَام أبو مُحَمَّد التّادليّ الفاسيّ. [المتوفى: 597 هـ]
وُلِد سنة إحدى عشرة وخمس مائة، وروى بالإجازة عن أَبِي مُحَمَّد بْن عَتّاب، وأبي بحر بْن العاص، وسمع من القاضي عِياض.
وكان فقيهًا أديبًا، متفنِّنًا، شاعرًا، بطلًا شجاعًا، من علماء فاس.
روى عَنْهُ أبو عبد الله الحضرمي، وأبو محمد بْن حَوْط اللَّه، وأَبُو الرَّبِيع بْن سالم، وعدَّة.
وكاد أن ينفرد عن ابن عتّاب.
قال ابن فَرْتُون: اختلّ ذِهنه من الكِبَر.(12/1099)
370 - عَبْد اللَّه بن أبي بكر بن عمر بن جحشويه، أبو محمد الحربي. [المتوفى: 597 هـ]
شيخ معمر، ولد سنة ثمان وتسعين وأربع مائة فيما قيل، وحدث عن سعيد ابن البناء، وعنه الضياء.(12/1099)
371 - عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر الْمُبَارَك بن هبة اللَّه، أبو مُحَمَّد ابن الطّويلة الدَّارَقَزّيّ. [المتوفى: 597 هـ]
سمع ابن الحصين، وأبا القاسم ابن الطّبر، وأبا المواهب بْن ملوك، والقاضي أَبَا بَكْر، وجماعة.
والطّويلة لَقَبٌ لجده هبة اللَّه بن محمد.
روى عنه ابن الدُّبيثيّ، وابن خليل، والضّياء، واليّلْدانيّ، وابن [ص:1100] عَبْد الدّائم، والنّجيب عَبْد اللّطيف، وغيرهم، وآخر من روى عنه بالإجازة الفخر ابن البخاريّ.
تُوُفّي فِي تاسع رمضان، ويُعرف بابن الأخرس أيضًا.(12/1099)
372 - عَبْد الجبار بْن أَبِي الفضل بْن الفَرَج بْن حَمْزَة، الأَزَجيّ، الحُصْري، الْمُقْرِئ، الرجل الصالح. [المتوفى: 597 هـ]
قرأ القراءات على أَبِي الكَرَم الشَّهْرَزُورِيّ، وسمع من أَبِي الوقت، وابن ناصر، وأبي بَكْر الزّاغونيّ، وجماعة، وأقرأ القرآن مدَّةً ببغداد، والموصل، والقفص، وتُوُفّي فِي سابع محرَّم شهيدًا، سقط عليه جُرْفٌ بقرب تكريت وعجزوا عن كشْفه فكان قبره رحمه اللَّه.(12/1100)
373 - عَبْد الحميد بْن عَبْد اللَّه بْن أسامة بن أَحْمَد، أبو عليّ الهاشميّ، العَلَويّ، الحُسَيْنيّ الزَّيْديّ، الشريف النّقيب. [المتوفى: 597 هـ]
عاش خمسًا وسبعين سنة، وكان إمامًا فِي الأنساب، واشتغل على ابن الخشّاب النَّحْويّ.
ووُلّي أَبُوهُ وجدُّه النّقابة.(12/1100)
374 - عَبْد الرَّحْمَن ابن قاضي القضاة عَبْد الواحد بْن أَحْمَد، الثَّقَفِيّ، الكوفيّ، القاضي أبو مُحَمَّد، [المتوفى: 597 هـ]
قاضي نهر عِيسَى،
رَوَى عَنْ: أَبِي الوقت، وغيره،
وتُوُفّي فِي المحرَّم.(12/1100)
375 - عَبْد الرَّحمن بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن علي بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن حُمّادَى بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن عبد الله بن القاسم بن النضر بْن القاسم بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق عَبْد اللَّه بْن أَبِي قُحَافة، الحافظ العلّامة جمال الدّين، أبو الفَرَج ابن الْجَوْزيّ، القُرَشيّ، التُّيْمِيّ البكْريّ، الْبَغْدَادِيّ، الحنبليّ، الواعظ، [المتوفى: 597 هـ][ص:1101]
صاحب التّصانيف المشهورة فِي أنواع العلوم من التفسير، والحديث، والفقه، والوعْظ، والزُّهْد، والتاريخ، والطّبّ، وغير ذلك.
وُلِد تقريبًا سنة ثمانٍ أو سنة عشْرٍ وخمس مائة، وعُرِف جدُّهم بالجوْزيّ لجوزة في وسط داره بواسط، ولم يكن بواسط جَوْزة سواها.
وأوَّل سماعه سنة ستّ عشرة وخمس مائة، وسمع بعد ذلك فِي سنة عشرين وخمس مائة وبعدها، فسمع من ابن الحصين، وعليّ بْن عَبْد الواحد الدِّينَوَرِيّ، والحسين بْن مُحَمَّد البارع، وأبي السّعادات أَحْمَد بْن أَحْمَد المتوكّليّ، وأبي سعْد إِسْمَاعِيل بْن أَبِي صالح المؤذن، وأبي الحسن علي ابن الزاغوني الفقيه، وأبي غالب ابن البناء، وأخيه يحيى، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن المزرفي، وهبة الله ابن الطّبر، وقاضي المَرِسْتان، وأبي غالب مُحَمَّد بْن الحسن الماوردي، وخطب إصبهان أَبِي القاسم عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الرّاوي عن ابن شمَّة، وأبي السُّعود أحمد بن المجلي، وأبي منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز، وعلي بن أحمد بن الموحد، وأبي القاسم ابن السمرقندي، وابن ناصر، وأبي الوقت، وخرج لنفسه مشيخة عن سبعةٍ وثمانين نفْسًا، وكتب بخطّه ما لا يوصف، ووعظ وهو صغير جدًّا.
قرأ الوعظ على الشّريف أَبِي القاسم عليّ بْن يَعْلى بْن عِوَض العَلَويّ الهَرَويّ، وأبي الحسن ابن الزّاغونيّ، وتفقَّه على أَبِي بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد الدِّينَوَرِيّ، وتخرَّج فِي الحديث بابن ناصر، وقرأ الأدب على أَبِي مَنْصُور موهوب ابن الجواليقيّ.
روى عَنْهُ ابنه محيي الدّين يوسف، وسِبْطه شمس الدّين يوسف الواعظ، والحافظ عَبْد الغنيّ، والشّيخ الموفّق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والضّياء مُحَمَّد، وابن خليل، والدُّبيثيّ، وابن النّجّار، واليَلْدانيّ، والزين ابن عبد الدائم، [ص:1102] والنّجيب عَبْد اللّطيف، وخلْق سواهم، وبالإجازة: الشّيخ شمس الدّين عَبْد الرَّحْمَن، وأحمد بْن أَبِي الخير، والعزّ عبد العزيز ابن الصَّيْقل، وقُطْب الدّين أحمد بن عبد السلام العصروني، وتقي الدين إسماعيل بن أبي اليسر، والخضر بن عبد الله بن حمويه، والفخر علي ابن البخاري.
وكان الذي حرص على تسميعه وأفاده الحافظ ابن ناصر، وقرا القرآن على أبي محمد سبط الخياط.
وكان فريد عصره في الوعظ، وهو آخر من حدث عن الدينوري والمتوكلي.
ومن تصانيفه:
كتاب المغني فِي عِلم القرآن، كتاب زاد المسير في علم التفسير، تذكرة الأريب في شرح الغريب، مجلد، نزهة النّواظر فِي الوجوه والنّظائر، مجلّد، كتاب عيون علوم القرآن، هو كتاب فنون الأفنان، مجلّد، كتاب النّاسخ والمنسوخ، كتاب منهاج الوصول إِلَى علم الأُصُول، كتاب نفْي التّشبيه، كتاب جامع المسانيد، فِي سبع مجلْدات، كتاب الحدائق، مجلّدان، كتاب نفي النّقْل، كتاب الْمُجْتَبَى، كتاب النّزهة، كتاب عيون الحكايات، مجلّدان، كتاب التّحقيق فِي أحاديث التّعليق، مجلّدان، كتاب كشف مشكل الصّحيحين، أربع مجلّدات، كتاب الموضوعات، كتاب الأحاديث الرائقة، كتاب الضُّعفاء، كتاب تلقيح فهوم أَهْل الأثر فِي عيون التّواريخ والسِّيَر، كتاب المنتظم فِي أخبار الملوك والأمم، كتاب شذور العقود فِي تاريخ العهود، كتاب مناقب بغداد، كتاب المُذْهَب فِي المَذْهب، كتاب الانتصار فِي مسائل الخلاف، كتاب الدّلائل فِي مشهور المسائل، مجلّدان، كتاب اليواقيت فِي الخُطَب الوعْظيَّة، كتاب المنتَخَب، كتاب نسيم السَّحَر، كتاب لُباب زين القصص، كتاب المدهش، كتاب في فضائل أخيار النساء، كتاب المختار في أخبار [ص:1103] الأخيار، كتاب صفة الصَّفْوة، كتاب مُثِير العزم السّاكن إِلَى أشرف الأماكن، كتاب المُقْعِد المقيم، كتاب تبصرة المبتدئ، كتاب تحفة الواعظ، كتاب ذمّ الهوى، كتاب تلبيس إبليس، مجلدان، كتاب صيد الخاطر، ثلاث مجلّدات، كتاب الأذكياء، كتاب الحمقى والمغفّلين، كتاب المنافع فِي الطّبّ، كتاب الشَّيْب والخِضاب، كتاب روضة النّاقل، كتاب تقويم اللّسان، كتاب منهاج الإصابة فِي محبَّة الصّحابة، كتاب صَبا نَجْد، كتاب المزعج، كتاب الملهب، كتاب المطرب، كتاب مُنْتَهَى المُشْتَهَى، كتاب فنون الألباب، كتاب الظُّرَفاء والمتحابّين، كتاب تقريب الطّريق الأبعد فِي فضل مقبرة أَحْمَد، كتاب النّور فِي فضائل الأيّام والشُّهور، كتاب العِلَل المتناهية فِي الأحاديث الواهية، مجلّدان، كتاب أسباب البداية لأرباب الهداية، مجلّدان.
كتاب سَلْوة الأحزان، كتاب ياقوتة المواعظ، كتاب منهاج القاصدين، مجلّدان، كتاب اللّطائف، كتاب واسطات العقود، كتاب الخواتيم، كتاب المجالس اليُوسُفيَّة، كتاب المحادثة، كتاب إيقاظ الوَسْنان، كتاب نسيم الرياض، كتاب الثّبات عند الممات، كتاب الوفا بفضائل المصطفى، كتاب مناقب أَبِي بكر، كتاب مناقب علي، كتاب المَعَاد، كتاب مناقب عُمَر، كتاب مناقب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز، كتاب مناقب سَعِيد بْن المسيّب، كتاب مناقب الحَسَن البصْريّ، كتاب مناقب إِبْرَاهِيم بْن أدهم، كتاب مناقب الفُضَيْل، كتاب مناقب أَحْمَد، كتاب مناقب الشّافعي، كتاب مناقب معروف، كتاب مناقب الثّوريّ، كتاب مناقب بِشْر، كتاب مناقب رابعة، كتاب العُزْلة، كتاب مرافق الموافق، كتاب الرياضة، كتاب النّصر على مصر، كتاب كان وكان فِي الوعظ، كتاب خطب اللآلئ على الحروف، كتاب النّاسخ والمنسوخ فِي الحديث، كتاب مواسم العمر، وتصانيف أُخَر لا يحضُرني ذِكرها. [ص:1104]
وجعفر فِي أجداده هُوَ الجوزيّ، منسوبٌ إِلَى فُرْضَة من فُرَض البصْرة يُقَالُ: لها جَوْزة، وفُرْضة النّهر ثُلْمتُه، وفُرْضه البحر مَحَطُّ السُّفُن.
وتُوُفّي والد أَبِي الفَرَج أبو الحَسَن وله ثلاث سِنين، وكانت له عمَّة صالحة، وكان أهله تجّارًا فِي النُّحَاس، ولهذا كتب فِي بعض السّماعات اسمه عَبْد الرَّحْمَن الصّفّار، فلمّا ترعرع حملته عمّته إِلَى ابن ناصر فاعتنى به، وقد رُزق الْقَبُولَ فِي الوعظ، وحضر مجلسّه الخلفاء، والوزراء والكبار، وأقلّ ما كان يحضر مجلس أُلُوف، وقيل: إنّه حضر مجلسه فِي بعض الأوقات مائة ألف، وهذا لا أعتقده أَنَا، على أنّه قد قال: هُوَ ذلك، وقال غير مرَّة: إنّ مجلسه حُزِر بمائة ألف.
قال سِبْطه شمس الدّين أبو المظفّر: سمعته يقول على المِنْبر فِي آخر عُمره: كتبت بإصْبعَيّ هاتين ألفَيْ مجلَّدة، وتاب على يدي مائة ألف، وأسلم على يدي عشرون ألف يهوديّ ونصرانيّ.
قال: وكان يجلس بجامع القصر، والرُّصافة، والمنصور، وباب بدر، وتربة أمّ الخليفة، وكان يختم القرآن فِي كلّ أسبوع ولا يخرج من بيته إلّا إِلَى الجمعة أو المجلس.
ثم قال: ذكر ما وقع إليَّ من أسامي مصنّفاته كتاب المغني أحد وثمانون جزءًا بخطّه، إلّا إنه لم يبيّضه ولم يشتهر، كتاب زاد المسير، أربع مجلدات، فذكر عامة ما ذكرناه، وزاد عليه أيضًا أشياء منها: كتاب درَّة الإكليل في التاريخ، أربع مجلدات، كتاب الفاخر فِي أيّام الْإِمَام النّاصر، مجلّد، كتاب المصباح المضيء بفضائل المستضيء، مجلّد، كتاب الفجر النوري، كتاب المجد الصّلاحيّ، مجلّد، كتاب شُذُور العقود، مجلّد. قال: ومن عِلم العربية: فضائل العرب، مجلّد، كتاب الأمثال، مجلّد، كتاب تقويم اللّسان، جزءان، كتاب لغة الفقه، جزءان، كتاب مُلَح الأحاديث، جزءان. قال: وكتاب المنفعة فِي المذاهب الأربعة، مجلّدان، كتاب منهاج القاصدين، مجلدان، كتاب إحكام الأسفار بأحكام الأشعار، مجلَّدان، كتاب [ص:1105] " الْمُخْتَار من الأشعار " عشر مجلّدات، كتاب التَّبصرة في الوعظ، ثلاث مجلدات، كتاب المنتخب في الوعظ، مجلدان، كتاب رؤوس القوارير، مجلّدان. إِلَى أن قال: فمجموع تصانيفه مائتان ونيّف وخمسُون كتابًا.
ومن كلامه فِي مجالس وعْظه: عقاربُ المنايا تلْسع، وخدران جسم الأمل يمنع الإحساس، وماء الحياة فِي إناء العُمر يرشح بالأنفاس.
وقال لبعض الوُلاة: أذكر عند القُدْرة عدلَ اللَّه فيك، وعند العقوبة، قُدرة اللَّه عليك، وإيّاك أن تشفي غيظك بسقم دِينك.
وقال لصاحبٍ: أنت فِي أوسع العُذْر من التأخير عنّي لثقتي بك، وَفِي أَضْيقَه من شوقي إليك.
وقال له قائل: ما نمْت البارحةَ من شوقي إِلَى المجلس، قال: لأنّك تريد أن تتفرَّج، وإنّما ينبغي أن لا تنام اللّيلة لأجل ما سمعت.
وقال: لا تسمع ممّن يقول الجوهر والعَرْض، والاسم والمسمّى، والتّلاوة والمتْلوّ؛ لأنّه شيء لا تُحيط به أوهام العوامّ، بل قُلْ: آمنتُ بما جاء من عندِ اللَّه، وبما صحَّ عن رسول اللَّه.
وقام إليه رجلٌ فقال: يا سيّدي نشتهي منك تتكلّم بكلمةِ ننقلها عنك، أيّما أفضل: أَبُو بَكْر أو عَلِيّ؟ فقال له: اقعْد، فقعد ثُمَّ قام وأعاد قوله، فأجلسه، ثُمَّ قام فقال له: اجلس فأنت أفضل من كلّ أحد.
وسأله آخر، وكان التّشيُّع تلك المدَّة ظاهرًا: أيُّما أفضل، أَبُو بَكْر أو عَلِيّ؟ فقال: أفضلهما من كَانَت ابنته تحته، ورمّى بالكلمة فِي أودية الاحتمال، ورضي كلٌ من الشّيعة والسُّنَّة بهذا الجواب المدهش.
وقرأ بين يديه قارئان فأطربا الجمع، فأنشد:
ألا يا حماميَ بطن نُعمان هجتما ... عليَّ الهوى لمّا ترَّنتما ليا
ألا أيها القُمريّتان تجاوبا ... بلَحْنَيْكما ثم اسجعا لي علانيا
وقال له قائل: أيما أفضل أسبِّح أو أستغفر؟ قال: الثّوب الوسخ أحوج إِلَى الصّابون من البخور.
وقال فِي قوله عليه السّلام: " أعمار أمتّي ما بين السّتّين إلى السبعين ": [ص:1106] إنمّا طالت أعمار القُدماء لطول البادية، فلمّا شارفَ الركبُ بلد الإقامة قيل حُثُّوا المَطِيّ.
وقال: من قنع طاب عَيْشُه، ومَن طمع طال طَيْشُه.
قال: ووعظ الخليفة فقال: يا أمير المؤمنين، إن تكلمتُ، خفت منك، وأن سكتُّ، خِفْت عليك، فأنا أقدّم خوفي عليك على خوفي منك، إنّ قول القائل: اتّقِ اللَّه خيرٌ من قول القائل: أنتم أَهْل بيتٍ مغفورٌ لكم.
وقال يومًا: أَهْل البِدَع يقولون: ما فِي السّماء أحد، ولا فِي المُصْحَف قرآن، ولا فِي القبر نبيّ، ثلاث عورات لكم.
وقال فِي قوله: {أَلَيْسَ لِي مُلْك مصر}: يفتخر فِرْعَون بنهرٍ، ما أجراه، ما أجراه، وقال وقد طرب الجمع: فهمتم فهمتم.
قال: وقد ذكر العماد الكاتب جدّي فِي " الخريدة "، وأنشد له هَذِهِ الأبيات:
يَودُّ حسودي أن يرى لي زَلَّةً ... إذا ما رَأَى الزّلّات جاءت أكاذيبُ
أردُّ على خصمي وليس بقادرٍ ... على ردّ قولي، فهو موتٌ وتعذيبُ
تُرى أوجه الحُساد صُفرًا لرؤيتي ... فإنْ فُهْتُ عادت وهي سودٌ غرابيبُ
قال: وقال أيضًا:
يا صاحبي إنْ كنتَ لي أو معي ... فعُجْ إِلَى وادي الحِمى نَرْتَعِ
وَسَلْ عنِ الوادي وسُكّانِه ... وانشدْ فؤادي فِي رُبا لعلع
جئ كثيب الرَّمْل رمل الحِمى ... وقِفْ وسَلِّمْ لي على المجمعِ
واسمعْ حديثًا قد روته الصَّبا ... تُسْنِده عن بانِه الأجرعِ
وابْكِ فَمَا فِي العَين من فضلةٍ ... ونُبْ فَدَتك النَّفْسُ عن مدمعي
وانزل على الشّيخ بواديهم ... واشْمِمْ عُشَيْبَ البلد البلقع [ص:1107]
رِفقًا بنضوٍ قد براه الأَسَى ... يا عاذلي لو كان قلبي معي
لَهَفي على طِيب ليالٍ خَلَت ... عُودي تعودي مُدْنفًا قد نُعي
إذا تذكرتُ زمانًا مضى ... فَوَيْحَ أجْفاني من أدمُعي
وقد نالتْه محنةٌ في أواخر عمره، وذلك أنّهم وَشَوْا إِلَى الخليفة الناصر به بأمرٍ اختُلِف فِي حقيقته، وذلك فِي الصَّيف، فبينا هُوَ جالسٌ فِي داره فِي السِّرداب يكتب، جاءه مَن أسمعه غليظ الكلام وشَتَمَه، وختم على كتبه وداره، وشتت عياله، فلما كان فِي أوّل اللّيل حملوه فِي سفينةٍ، وأحدروه إِلَى واسط، فأقام خمسة أيّام ما أكلّ طعامًا، وهو يومئذٍ ابن ثمانين سنة، فلمّا وصل إلى واسط أنزل في دار وحبس بها، وجعل عليها بواب، وكان يخدم نفسه، ويغسل ثوبه، ويطبخ، ويستقي الماءَ من البئر، فبقي كذلك خمس سنين، ولم يدخل فيها حمّامًا.
وكان من جملة أسباب القضيَّة أن الوزير ابن يُونُس قُبض عليه، فتتبّع ابنُ القصّاب أصحاب ابن يُونُس، وكان الرُّكْن عَبْد السّلام بْن عَبْد الوّهاب بْن عَبْد القادر الْجِيليّ المتّهم بِسوء العقيدة واصلًا عند ابن القصّاب، فقال له: أَيْنَ أنتَ عن ابن الجوزيّ، فهو من أكبر أصحاب ابن يونس، وأعطاه مدرسة جدّي، وأُحرِقت كُتُبي بمشورته، وهو ناصبيّ من أولاد أَبِي بَكْر، وكان ابن القصّاب شيعيًّا خبيثًا، فكتب إِلَى الخليفة، وساعده جماعة، ولبّسوا على الخليفة، فأمر بتسليمه إلى الركن عبد السّلام، فجاء إِلَى باب الأَزَج إِلَى دار ابن الجوزي، ودخل وأسمعهُ غليظ المقال كما ذكرنا، وأُنزل فِي سفينةٍ، ونزل معه الرّكن لا غير، وعلى ابن الجوزيّ غُلالة بلا سراويل، وعلى رأسه تخفيفه، فأُحدِر إِلَى واسط، وكان ناظرها العميد أحد الشّيعة، فقال له الرّكن: حرسكَ اللَّه، مكِّنّي من عدويّ لأرميه فِي المطمورة، فعزّ على العميد وَزَبَره وقال: يا زِنديق أرميه بقولك؟ هات خطِّ الخليفة، واللهِ لو كان من أَهْل مذهبي لبذلتُ روحي ومالي فِي خدمته، فعاد الرّكن إِلَى بغداد، وكان بين ابن يُونُس الوزير وبين أولاد الشّيخ عَبْد القادر عداوةٌ قديمة، فلمّا ولي الوزارة، ثمّ أستاذيَّة الدّار بدَّد شملهم، وبُعث ببعضهم إِلَى مطامير واسط، فماتوا بها، وأهين الركن بإحراق كتبه النجومية. [ص:1108]
وكان السّبب فِي خلاص ابن الجوزيّ أنّ ابنه محيي الدّين يوسف ترعرع وقرأ الوعظ، وطلع صبيًّا ذكيًّا، فوعظ، وتكلَّمت أمُّ الخليفة فِي خلاص ابن الجوزي فأُطلِق، وعاد إِلَى بغداد، وكان يقول: قرأت بواسط مدة مُقامي بها كلّ يومٍ ختمة، ما قرأت فيها سورة يوسف من خزني على ولدي يوسف وشوقي إليه، وكان يكتب إِلَى بغداد أشعارًا كثيرة.
وذكره شيخنا ابن البُزُوريّ، فأطنب فِي وصفه، وقال: فأصبح فِي مذهبه إمامًا يُشار إليه، ويُعقد الخِنْصر فِي وقته عليه، ودرّس بمدرسة ابن الشّمحل، ودرّس بالمدرسة المنسوبة إلى الجهة بنفشا المستضيئية، ودرّس بمدرسة الشّيخ عَبْد القادر، وبنى لنفسه مدرسةَ بدرب دينار، ووقف عليها كُتُبه، بَرَعَ فِي العلوم، وتفرَّد بالمنثور والمنظوم، وفاق على أدباء مصره، وعلا على فُضلاء دهره، له التصّانيف العديدة، سُئِل عن عددها فقال: زيادة على ثلاث مائة وأربعين مصنَّفًا، منها ما هُوَ عشرون مجلّدًا، ومنها ما هُوَ كرّاس واحد، ولم يترك فنًّا من الفنون إلّا وله فِيهِ مُصنَّف، كان أوحد زمانه، وما أظنّ الزّمان يسمح بِمِثْلِهِ، ومن مؤلّفاته كتاب المنتظم، وكتابنا ذيلٌ عليه.
قال: وكان إذا وعظ اختلس القلوب، وشُقّقت النفوسُ دون الجيوب.
إِلَى أن قال: تُوُفّي ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلةٍ خَلَت من رمضان، وصلّى عليه الخلْق العظيم الخارجُ عن الحدّ، وشيّعوه إِلَى مقبرة باب حرب، وكان يومًا شديد الحر، فأفطر من حره خلق كثير، وأوصَى أن يُكتَب على قبره:
يا كثير الصَّفْح عمَّن ... كثُر الذنبُ لديهِ
جاءك المذنب يرجو ال ... عفو عن جرم يديه
أنا ضيفٌ وجزاءُ الضي ... ف إحْسَانٌ إليهِ
وقال سِبْطه أبو المظفَّر: جلس رحمه اللَّه يوم السّبت سابع رمضان تحت تربة أمّ الخليفة المجاورة لمعروف الكَرْخيّ، وكنتُ حاضرًا، وأنشد أبياتًا قطع عليها المجلس، وهي: [ص:1109]
اللَّه أسالُ أن يُطوِّلَ مُدَّتي ... وأنَالَ بالأنعام ما فِي نيَّتي
لي همةٌ فِي العِلْم ما من مِثْلها ... وهي الّتي جَنَت النُّحُولَ هِيَ الّتي
كم كان لي من مجلسٍ لو شُبِّهَتْ ... حالاتُه لتشبَّهَتْ بالجنَّةِ
فِي أبيات.
ونزل، فمرض خمسة أيّام، وتُوُفّي ليلة الجمعة بين العشاءين في الثالث عشر من رمضان في داره بقطفتا. وحدثتني والدتي أنها سمعته يقول قبل موته: أيش أعمل بطواويس، يردّدها، قد جبتم لي هَذِهِ الطّواويس، وحضر غسْله شيخنا ضياء الدّين ابن سُكَيْنة، وضياء الدّين ابن الحبير وقت السَّحَر، واجتمع أَهْل بغداد، وغُلِّقت الأسواق، وشدَدنا التّابوت بالحبال، وسلّمناه إِلَى النّاس، فذهبوا به إلى تحت التربة، مكان جلوسه، فصلّى عليه ابنه عليّ اتّفاقًا؛ لأنّ الأعيان لم يقدروا على الوصول إليه، ثُمَّ صلّوا عليه بجامع المنصور، وكان يومًا مشهودًا، لم يصل إِلَى حُفْرته بمقبرة أَحْمَد بْن حنبل إِلَى وقت صلاة الجمعة، وكان فِي تمّوز، فأفطر خلقٌ، ورموا نفوسهم فِي الماء.
قال: وما وصل إِلَى حُفْرته من الكَفَن إلّا قليل.
قلت: وهذا من مجازفة أَبِي المظفّر.
قال: ونزل فِي حُفرته والمؤذّن يقول: اللَّه أكبر، وحزن النّاسُ وبكوا عليه بُكاءً كثيرًا وباتوا عند قبره طول شهر رمضان يختمون الختمات بالقناديل والشَّمْع، ورآه فِي تلك الليلة المحدّث أَحْمَد بْن سلمان الحربيّ الملقب بالسكر [ص:1110] على مِنْبرٍ من ياقوت مُرَصَّع بالجوهر، والملائكة جلوسٌ بين يديه والحق سبحانه وتعالى حاضرٌ، يسمع كلامه، وأصبحنا عملنا عزاءهُ، وتكلَّمت يومئذٍ، وحضر خلْقٌ عظيم، وقام عَبْد القادر العلويّ، وأنشد هَذِهِ القصيدة:
الدّهْرُ عن طمعٍ يُغر ويخدع ... وزخارف الدّنيا الدّنيَّة تطمعُ
وأَعِنَّة الآمال يُطلقها الرجا ... طَمَعًا وأسيافُ المنيَّة تقطعُ
والموت آتٍ والحياة مريرة ... والنّاس بعضهم لبعضٍ يتبعُ
واعلم بأنَّك عن قليلٍ صائرٌ ... خبرًا فكن خبرًا لخير يسمعُ
لعُلا أَبِي الفَرَج الَّذِي بعد التُقى ... والعِلم يوم حواه هَذا المضجعُ
حَبْرٌ عليه الشَّرْع أصبح والهًا ... ذا مقلةٍ حَرَّى عليه تدمعُ
مَنْ للفتاوى المشكلات وحلّها ... مَن ذا لخرقِ الشّرعِ يومًا يرقعُ
مَن للمنابر أن يقوم خطيبها ... ولِرَدّ مسألةٍ يقول فيسمعُ
مَن للجدال إذا الشفاهُ تقلّصتْ ... وتأخّر القَرْم الهِزَبْرُ المِصْقَعُ
مَن للدياجي قائمًا دَيْجورَها ... يتلو الكتاب بمقلةٍ لا تهجعُ
أَجَمال دين مُحَمَّدٍ مات التقى ... والعلمُ بعدك واستحم المجمعُ
يا قبره جادتْك كلّ غمامةٍ ... هطالةٍ ركانة لا تقلعُ
فيك الصَّلاة مع الصَّلات فَتِهْ به ... وانظر به باريك ماذا يصنعُ
يا أحمدًا خُذْ أحمدَ الثّاني الّذي ... ما زال عنك مدافعًا لا يرجعُ
أقسمت لو كُشِفَ الغطاء لرأيتمُ ... وَفْدَ الملائك حولَه يتسرّعوا
ومحمدٌ يبكي عليه وآله ... خيرُ البريَّة والبَطِين الأنزعُ
فِي أبيات.
ومن العجائب أنّا كنّا يومئذٍ بعد انقضاء العزاء عند القبر، وَإِذَا بخالي مُحيي الدّين يوسف قد صعِد من الشّطّ، وخلفه تابوت، فقلنا: ترى مَن مات فِي الدّار؟ وَإِذَا بها خاتون والدة محيي الدّين، وعهدي بها ليلة الجمعة فِي عافية، وهي قائمة، فكان بين موتهما يومٌ وليلة، وعَدَّ النّاسُ ذلك من كراماته؛ لأنه كان مغرى بها محبا.
وخلف من الولد علِيًّا، وهو الّذي أَخَذَ مصنَّفات والده وباعها بيعَ العبيد، ومَن يزيد، ولمّا أُحدِر والده إِلَى واسط تحيَّل علي كُتُبه باللّيل، وأخذ منها ما [ص:1111] أراد، وباعها ولا بثمن المِداد، وكان أَبُوهُ قد هجره منذ سِنين، فلمّا امتُحنِ صار إلبًا عليه، ومات أبوه ولم يشهد موته. وخلّف محيي الدّين يوسف، وكان قد وُلِد سنة ثمانين وخمس مائة، وسمع الكثير، وتفقَّه، وناظَر، ووعظ تحت تربة والدة الخليفة، وقامت بأمره أحسن قيام، ووُلّي حِسْبة بغداد سنة أربعٍ وستّمائة، ثُمَّ ترسَّل عن الخلفاء، وتقلبت به الأحوال حتّى بلغ أشرف مآل إِلَى سنة أربعين وستّمائة، ثُمَّ وُلّي أستاذ داريَّة الخلافة.
وكان لجدّي ولد اسمُه عَبْد الْعَزِيز، وهو أكبر أولاده، سمع معَه من ابن ناصر، وأبي الوقت، والأرموي، وسافر إلى الموصل، فوعظ بها سنة بضعٍ خمسين، وحصل له الْقَبُولُ التّام، ومات بها شابًّا، وكان له بنات منهن أمّي رابعة، وشَرَف النّساء، وزينب، وجوهرة، وستّ العلماء الكبرى، وستّ العلماء الصُّغرى.
قلت: ومع تبحُّر ابن الجوزيّ فِي العلوم، وكثرة اطّلاعه، وسعَة دائرته، لم يكن مبرّزًا فِي عِلمٍ من العلوم، وذلك شأن كلّ من فرَّق نفسه فِي بحور العِلم، ومع أنّه كان مبرِّزًا فِي التّفسير، والوعظ، والتّاريخ، ومتوسّطًا فِي المذهب، متوسطًا فِي الحديث، له اطّلاع تامٌ على مُتُونه، وأمّا الكلام على صحيحه وسقيمه، فَمَا له فيه ذوق المحدثين، ولا نقْد الحُفاظ المبرّزين، فإنّه كثير الاحتجاج بالأحاديث الضّعيفة، مع كونه كثير السّياق لتلك الأحاديث فِي الموضوعات، والتّحقيق أنّه لا ينبغي الاحتجاج بها، ولا ذِكرها فِي الموضوعات، ورُبّما ذكر فِي الموضوعات أحاديث حِسانًا قويَّة.
ونقلتُ من خط السيف أحمد ابن المجد، قال: صنّف ابن الجوزيّ كتاب الموضوعات، فأصاب فِي ذِكره أحاديث شنيعة مخالفة للنّقل والعقل، ومما لم يصب فيه إطلاق الوضع على أحاديث بكلام بعض النّاس فِي أحد رُواتها، كقوله: فُلان ضعيف، أو ليس بالقويّ، أو ليّن، وليس ذلك الحديث ممّا يشهد القلب ببُطْلانه، ولا فِيهِ مخالفة ولا معارضة لكتاب ولا سُنَّة ولا إجماع، ولا حُجَّة بإنّه موضوع، سوى كلام ذلك الرجل فِي راوية، وهذا عُدْوان ومجازَفَة، وقد كان أَحْمَد بْن حنبل يقدّم الحديث الضّعيف على القياس. [ص:1112]
قال: فَمَنْ ذلك أنّه أورد حديث مُحَمَّد بْن حِمْيَر السَّليحي، عن مُحَمَّد بْن زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ، عَنْ أَبِي أُمامة في فضل قراءة آية الكُرسيّ في الصلوات الخمس، وهو: " مَنْ قَرَأَ آيَةَ الكُرسيّ دُبُرَ كُلّ صلاةٍ مكتوبةٍ لم يمنعه من دخول الجنّة إلا الموت "، وجعله في الموضوعات، لقول يعقوب بن سُفيان مُحَمَّد بْن حِمْير ليس بالقويّ، ومحمد هَذَا قد روى الْبُخَارِيّ فِي " صحيحه "، عن رجلٍ، عَنْهُ، وقد قال ابن مَعين: إنّه ثقة، وقال أَحْمَد بْن حنبل: ما عَلِمت إلّا خيرًا.
قال السّيف: وهو كثير الوهْم جدًّا، فإنّ فِي مشيخته مع صِغَرها وَهْمٌ فِي مواضع، قال فِي الحديث التاسع وهو " اهتزاز العرش ": أَخْرَجَهُ البخاريّ، عن مُحَمَّد بْن المثنّى، عن الفضل بن هشام، عن الْأَعْمَشُ. قلت: والفضل إنمّا هُوَ ابن مساور رواه عن أَبِي عَوَانَة، عن الْأَعْمَشُ، لا عن الْأَعْمَشُ نفسه. والحادي والعشرين، قال: أَخْرَجَهُ البخاريّ، عن ابن منير، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن دِينَارٍ، وإنما يرويه ابن منير، عن أَبِي النّضر، عن عبد الرحمن، والسادس والعشرين فيه: أَخْبَرَنَا أبو العبّاس أحمد بن محمد الأثرم، وإنما هو محمد بن أحمد، والثاني والثلاثين، قال: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ، عن الأُوَيْسيّ، عن إبراهيم بن سعْد، عن الزُّهريّ، وإنما هو عن ابن سعْد، عن صالح، عن الزُّهريّ، وفي التاسع والأربعين: حَدَّثَنَا قتيبة، قَالَ: أخبرنا خالد بن إسماعيل، وإنما هو حاتم بن إسماعيل، وفي الثاني والسبعين: أَخْبَرَنَا أبو الفتح مُحَمَّد بْن عليّ العُشاريّ، وإنّما هُوَ أبو طَالِب مُحَمَّد بْن عليّ بْن الفتح، وَفِي الرابع [ص:1113] والثّمانين: عن حُمَيْد بْن هلال، عن عفّان بن كاهل، وإنما هو هصان، وفي الحديث الثاني: أخرجه البخاري، عن أَحْمَد بْن أَبِي إياس، وإنّما هُوَ آدم، قال لنا شيخنا أبو عَبْد اللَّه الحافظ: كتبتُ المشيخة من فرعٍ، فإذا فيها أَحْمَد، فاستنكرته، فراجعتُ الأصل، فإذا هُوَ أيضًا على الخطأ، وذكر وَفَيَات بعض شيوخه وقد خُولف كيحيى بن ثابت، وابن خضير، وابن المقرّب، وهذه عدَّة عيوب فِي كراريس قليلة، وسمعتُ أَبَا بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الغنيّ ابن نُقطة، يقول: قيل لأبي مُحَمَّد بْن الأخضر: ألا تجيب ابن الجوزي عن بعض أوهامه؟ قال: إنّما يتتبَّع على مَن قَلّ غَلَطه، فأمّا هَذَا فأوهامه كثيرة، أو نحو هَذَا.
قلت: وذلك لأنّه كان كثير التّأليف فِي كُلّ فنّ فيصنّف الشّيء ويُلقيه، ويتكل على حفظه.
قال السيف: ما رأيت أحدًا يُعتمد عليه فِي دِينه وعلِمه وعقله راضيًا عَنْهُ، قال جدّي رحمه اللَّه: كان أبو المظفّر بْن حَمْدي أحد العدول، والمشار إليهم ببغداد ينكر على ابن الجوزيّ كثيرًا كلماتٍ يخالف فيها السنة.
قال السيف: وعاتبه الشيخ أبو الفتح ابن المَنِّي فِي بعض هَذِهِ الأشياء الّتي حكيناها عَنْهُ، ولمّا بان تخليطه أخيرًا رجع عَنْهُ أعيان أصحابنا الحنابلة، وأصحابه وأتباعه، سمعت أَبَا بَكْر ابن نُقْطَة فِي غالب ظنّي يقول: كان ابن الجوزيّ يقول: أخاف شخصين: أَبَا المظفر بن حمدي، وأبا القاسم ابن الفراء، فإنهما كانا لهما كلمة مسموعة، وكان الشّيخ أبو إِسْحَاق العلثي يكاتبه ويُنكر عليه، سمعت بعضهم ببغداد أنّه جاءه منه كتاب يذمّه فِيهِ، ويَعْتِب عليه ما يتكلّم به فِي السّنَّة.
قلت: وكلامه فِي السُّنَّة مضطّرب، تراه فِي وقتٍ سنياً، وفي وقت متجهمًا محرفًا للنّصوص، والله يرحمه ويغفر له.
وقرأتُ بخطّ الحافظ ابن نُقْطَة قال: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الْحَسَن الحاكم بواسط قال: لمّا انحدر الشّيخ أبو الفَرَج ابن الجوزيّ إِلَى واسط قرأ على أَبِي بَكْر ابن الباقِلّانيّ بكتاب الأرشاد لأجلِ ابنهِ، وقرأ معه ابنُه يوسُف.
وقال الموفَّق عَبْد اللّطيف: كان ابن الجوزيّ لطيف الصّورة، حُلْو [ص:1114] الشمائل، رخيم النغمة، موزون الحركات والنغمات، لذيذ المفاكَهَة، يحضر مجلسه مائة ألف أو يزيدون، ولا يضيّع من زمانه شيئًا، يكتب فِي اليوم أربعة كراريس، ويرتفع له كلّ سنةٍ من كتابته ما بين خمسين مجلّدًا إِلَى ستّين.
وله فِي كلّ عَلمٍ مشاركة، لكنّه فِي التّفسير من الأعيان، وَفِي الحديث من الحفّاظ، وفي التواريخ من المتوسّعين، ولديه فِقه كافٍ، وأمّا السّجع الوعظي فَلَه فِيهِ مَلَكَة قويَّة، إنِ ارْتجلَ أجاد، وإن روَّى أبدع، وله فِي الطّبّ كتاب اللُّقَط، مجلدّان، وله تصانيف كثيرة، وكان يراعي حفظ صحته، وتلطيف مزاجه، وما يفيد عقلَه قوةً، وذهنَه حِدَّة أكثر ممّا يُراعي قوَّة بدنه ونيل لذّته، جُلّ غذائه الفَرَاريج والمزورات، ويعتاض عن الفاكهة بالأشْربة والمعجونات، ولباسه أفضل لباس، الأبيض النّاعم المطيَّب، ونشأ يتيمًا على العفاف والصَّلاح، وله ذِهنٌ وقاد، وجوابٌ حاضر، ومُجُونٌ لطيف، ومُداعبات حُلْوة، وكانت سيرته فِي منزله المواظبةُ على القراءة والكتابة، ولا ينفكّ من جاريةٍ حسناء فِي أحسن زِيّ، لا تُلْهيه عمّا هُوَ فِيهِ، بل تُعينه عليه وتُقَوّيه.
وقرأت بخطّ الموقاني أنّ أبا الفرج كان قد شرب حَبّ البلاذُر - على ما قيل - فسقطت لحيتُه، فكانت قصيرةً جدًّا، وكان يَخْضِبها بالسّواد إِلَى أن مات.
ثُمَّ عظّمه وبالغ فِي وصفه، ثُمَّ قال: ومع هَذَا فهو كثير الغَلَط فيما يصنّفه، فإنّه كان يصنَّف الكتاب ولا يعتبره رحمه اللَّه وتجاوز عَنْهُ.(12/1100)
376 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الكرم مُحَمَّد بْن أَبِي ياسر هبة اللَّه، عُرِف بابن ملّاح الشَّطّ. [المتوفى: 597 هـ]
سمع ابنَ الحُصَيْن، وأبا الْحَسَن عليّ ابن الزاغوني، وأبا غالب ابن البناء، وأبا البركات يحيى بْن عَبْد الرَّحْمَن الفارقيّ، وأبا بَكْر الأنصّاريّ، وجماعة.
وكان شيخًا صالحًا معمّرًا، مُحِبًّا للرواية، وصار بوّابًا لمدرسة والدة النّاصر لدين اللَّه.
روى عَنْهُ: ابن خليل، وابن النّجّار، والضّياء، والنّجيب عَبْد اللّطيف، وابن عَبْد الدّائم، وأجاز لابن أَبِي الخير، والقُطْب أَحْمَد بْن أَبِي عَصْرُون، وسعد الدّين الخضر بْن حَمُّوَيْه، وطائفة آخرهم الشَّيْخ الفَخْر. [ص:1115]
تُوُفّي فِي الخامس والعشرين من صَفَر فِي عَشْر المائة.(12/1114)
377 - عَبْد الصمد بْن جوشن بْن المفرّج، أبو مُحَمَّد التَّنُوخيّ، الدَّمشقيّ، القوّاس، الفقيه الشافعيّ. [المتوفى: 597 هـ]
سمع أَبَا الدّرّ ياقوت بْن عَبْد اللَّه الروميّ.
روى عَنْهُ ابن خليل، والشّهاب القوصي.
وأجاز لابن أبي الخير.
توفي فِي ثالث المحرَّم.(12/1115)
378 - عَبْد المحسن بْن أَحْمَد بْن عَبْد الوهّاب، أبو مَنْصُور الأَزَجيّ، البزّاز، المعروف بالزّابيّ. [المتوفى: 597 هـ]
سمع أَبَا البركات يحيى بْن عَبْد الرَّحْمَن الفارقيّ، وأبا الفضل عَبْد الملك بن مُحَمَّد بْن يوسف، وأبا سعْد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، روى عَنْهُ ابن خليل، وغيره، وأجاز لابن أَبِي الخير.
تُوُفّي فِي رجب.(12/1115)
379 - عَبْد المنعم بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرّحيم بن أحمد، أبو محمد ابن الفَرَس الْأَنْصَارِيّ، الخزْرجيّ، الغَرْناطيّ، الفقيه المالكيّ. [المتوفى: 597 هـ]
سمع أَبَاهُ، وجدّه أَبَا القاسم، وتفقّه وكتب أصول الفقه والدين وبرع، وكان مولده فِي سنة أربع وعشرين وخمس مائة تقريبًا.
ذكره أبو عَبْد اللَّه الأَبّار فِي التَّكملة، فقال: سمع أَبَا الْوَلِيد بْن بقوة، وأبا مُحَمَّد بْن أيوب، وأبا الوليد ابن الدّبّاغ، وأبا الْحَسَن بْن هُذَيْل، وأخذ عنه القراءات، وأجاز له خلق منهم: أبو الحسن بن موهب، وأبو عَبْد اللَّه بْن مكّيّ، وأبو الْحَسَن بْن الباذش، وأبو القاسم بْن بَقِيّ، وكان له تحقُّقٌ بالعلوم على تفاريقها، وأخْذٌ فِي كلّ فنٍّ منها، وتقدُّم فِي حفظ الفقه، مع المشاركة فِي علم الحديث، والعُكُوف على العِلم، سمعت أَبَا الرَّبِيع بْن سالم يقول: سمعتُ [ص:1116] أبا بكر ابن الجدّ، وناهيك به، يقول غيرَ مرَّة: ما أعلم بالأندلس أحفظ لمذهب مالك بن عَبْد المنعم بْن الفَرَس بعد أَبِي عَبْد اللَّه بْن زرقون، وبيته عريق فِي العلم.
قال الأَبّار: وألّف عَبْد المنعم كتابًا فِي أحكام القرآن مِن أحسن ما وُضِع فِي ذلك، حدَّث عَنْهُ جِلَّة شيوخنا وأكابر أصحابنا، وقال أبو عَبْد اللَّه التُجَيبيّ، وذكر عَبْد المنعم ابن الفَرَس: رَأَيْتُ من حفظه وذكائه وتفنّنه فِي العلوم عند رحلتي إلى أبيه ما عجبت منه، وأنشدني كثيرًا من نظمه، واضطّربَ قبل موته بيسير لاختلال أصابه فِي صدر سنة خمسٍ وتسعين وخمس مائة مِن علَّة خدرٍ طاوَلَتْه، فُترِك الأخذ عَنْهُ إِلَى أن تُوُفّي فِي رابع جُمادى الآخرة سنة سبْعٍ، وشيَّعه أُمم، وكَسَرَ النّاسُ نعشَه وتقسموه رحمه الله تعالى.
قلت: روى عَنْهُ إِسْمَاعِيل بْن يحيى الغَرْناطيّ العطّار، وعبد الغنيّ بْن مُحَمَّد الغَرناطيّ، وأبو الْحُسَيْن يحيى بْن عَبْد اللَّه الداني الكاتب، وآخرون، وسمع منه الشرف المرسي موطأ مالك.(12/1115)
380 - عَبْد الواحد بْن مَسْعُود بْن عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد، أبو غالب ابن الشّيخ الأجلّ أَبِي مَنْصُور بْن الحُصَيْن الشَّيْباني، نظام الدّين الْبَغْدَادِيّ الكاتب. [المتوفى: 597 هـ]
وُلِد سنة خمسٍ وثلاثين وخمس مائة، وروى عن أَبِي الوقت، وأبي الكَرَم الشّهرزوريّ، وجماعة.
وحدَّث بالشّام ومصر، وتُوُفّي فِي رمضان بحلب.
وكان قد ولي ديوان دمشق، وضيَّق على الأمير أُسامة بْن مُنْقِذ فِي جامِكّيته فقال:
أضحى أسامة خاضعًا متذلّلًا ... لابن الحُصَيْن لبلغةٍ من زادِهِ
فاعجبْ لدهْرٍ جائرٍ فِي حُكْمه ... تَسْطُو ثَعَالبُهُ على آسادِهِ(12/1116)
381 - عليّ بْن أَحْمَد بْن وهْب، الأَزَجيّ، البزّاز. [المتوفى: 597 هـ][ص:1117]
سمع ابن ناصر، وأبا الفضل الأُرْمَوِيّ، والكَرُوخيّ، وتُوُفّي فِي جُمادى الآخرة.
وكان فقيهًا، صحِب الشّيخ عَبْد القادر، وصار أحد المعيدين لدرسه.(12/1116)
382 - علي بن محمد بن الحسن ابن الطّيب، أبو القاسم القُرَشيّ، الزُّهْرِيّ، الكوفي، المعدّل. [المتوفى: 597 هـ]
سمع أَبَا البركات عُمَر بْن إِبْرَاهِيم الزَّيْدِيّ، وأحمد بْن ناقة، وتُوُفّي فِي ربيع الأوّل، ويُعرف بابن غنَج.
روى عَنْهُ الدُّبيثيّ.(12/1117)
383 - عُمَر بْن أَحْمَد بْن حسن بْن عليّ بْن بكرون، أبو حَفْص النّهْرُوانيّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الْمُقْرِئ المعدَّل. [المتوفى: 597 هـ]
قرأ القراءات على أَبِي الكَرَم الشَّهْرَزُورِيّ، وسمع أَبَا الفضل الأُرْمَوِيّ، والفضل بْن سهل الإسفراييني، وابن ناصر.
وولي خزن الدّيوان الْعَزِيز.
روى عَنْهُ ابن خليل، وأجاز لأحمد بن أبي الخير، وتوفي فِي رجب.(12/1117)
384 - عُمَر بْن عَبْد الكريم بْن أبي غالب، الحربي الحمامي. [المتوفى: 597 هـ]
حَدَّثَ عن عَبْد اللَّه بن أَحْمَد بن يوسف.
وعنه ابن خليل، وبالإجازة: ابن أَبِي الخير.
تُوُفّي فِي شعبان.(12/1117)
385 - عُمَر بْن عليّ بْن عُمَر، أبو عليّ الحربيّ، الواعظ، عُرِف بابن النّوّام. [المتوفى: 597 هـ]
كان له لسان فِي الوعظ، وقول الشِّعْر.
سمع هبة اللَّه بْن الحُصين، وأبا الحسين ابن الفرّاء، وأبا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، روى عَنْهُ ابن خليل، والدبيثي، [ص:1118] والضّياء مُحَمَّد، وابن عَبْد الدّائم، وآخرون، وبالإجازة: ابن أَبِي الخير، والفخر عليّ.
وُلِد فِي صَفَر سنةَ أربع عشرة وخمس مائة، وتُوُفّي في وسط شوّال.(12/1117)
386 - عُمَر بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الْجَيْش، أبو مُحَمَّد الهَمَذَانيّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 597 هـ]
له ببلده رِباط يخدم فِيهِ الواردين، سمع أَبَا المعالي مُحَمَّد بْن عُثْمَان المؤدّب، وأبا العلاء الحافظ.(12/1118)
387 - عِوَض بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ، البزّاز، عُرِف بالمشهديّ. [المتوفى: 597 هـ]
حدَّث عن أَبِي البركات بْن حُبَيش، روى عَنْهُ الدُّبِيثيّ، وابن خليل، ومات فِي المحرَّم.(12/1118)
388 - عِيسَى بْن نصر بْن مَنْصُور، النُّمَيْرِيّ أبو مُحَمَّد، الشّاعر ابن الشّاعر. [المتوفى: 597 هـ]
كان من شعراء الديوان العزيز، وشعره جيد.
مات في رمضان.(12/1118)
389 - فضائل بْن فضائل، المقدسيّ، المرداويّ، الفقيه. [المتوفى: 597 هـ]
تُوُفّي بالموصل.(12/1118)
390 - قراقوش، الأمير بهاء الدّين الأَسَديّ، الخادم الأبيض، [المتوفى: 597 هـ]
فتى أسد الدين شيركوه.
لما استقل السّلطان صلاح الدّين بمصر جعله زِمام القصر، وكان مسعودًا، ميمون النّقيبة، صاحب همَّة، بنى السّور المحيط بمصر والقاهرة، وبنى قلعة الجبل، وبنى قناطر الْجِيزة فِي الدّولة الصّلاحيَّة، ولمّا فتح صلاح الدّين عكّا سلّمها إليه، فلمّا أخذتها الفرنج حصَل قراقوش أسيرًا فِي أيديهم، فافتكّه منهم بعشرة آلاف دينار فِيما قيل، وله حقوق على السّلطان والإسلام. [ص:1119]
وللأسعد بْن مماتي كرّاس سمّاه الفاشوش فِي أحكام قراقوش فِيهِ أشياء مكذوبة عليه، وما كان صالح الدّين ليستنيبه لولا وثوقه بعقله ومعرفته.
تُوُفّي رحمه اللَّه فِي رجب، ودُفِن بسفح المقطّم.
قال المنذري: كَانَتْ له رغبة فِي الخير وآثار حَسَنة، وناب عن صلاح الدّين مدَّة بالديار المصرية.(12/1118)
391 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن صالح بْن المصحِح، أبو الفضل الدّقّاق، الأَزَجيّ، ويسمّى أيضًا الْمُبَارَك. [المتوفى: 597 هـ]
سمع مجلسًا من ابن الحُصَيْن سنة أربعٍ وعشرين، ولم يسمع منه أحد، لكن استجازه ابن النّجّار فأجاز له.
قال: وظفرت بسماعه بعد موته بثلاثين سنة، وكان شيخًا حسنًا متيقّظًا، عاش إحدى وثمانين سنة.(12/1119)
392 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عِمران، أبو بَكْر الغافقيّ، الأندلسيّ، [المتوفى: 597 هـ]
من أَهْل المَرِيَّة.
له مصنَّف حَسَن فِي الشروط، روى عن الْحَسَن بْن موهب الْجُذَاميّ، وأبي القاسم بْن ورد، وأبي الحسن بن معدان، وجماعة.
تُوُفِّي فِي صفر.(12/1119)
393 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الله، أَبُو عَبْد اللَّه الإصبهانيّ، الفارْفانيّ، [المتوفى: 597 هـ]
وفارْفان: من قرى إصبهان.
وُلِد سنة أربع عشرة وخمس مائة، وسمع حضورًا من عبد الواحد الدّشْتيّ، صاحب أَبِي نُعَيْم الحافظ، وسمع من فاطمة الْجُوزْدانيَّة.
وأخته عفيفة أسنّ منه بأربع سنين.
روى عَنْهُ بالإجازة: أَحْمَد بْن أَبِي الخير، وغيره.
وتُوُفّي فِي رمضان.(12/1119)
394 - مُحَمَّد بْن أَحمد بْن حامد، الربعي، الضميري، الدمشقي، البزاز. [المتوفى: 597 هـ][ص:1120]
روى عن أَبِي الدُّرّ ياقوت الروميّ، وكان ثقة ديِّنًا، روى عَنْهُ ابن خليل، والقُوصيّ، وغيرهما.(12/1119)
395 - مُحَمَّد بْن إدريس بْن أَحْمَد بْن إدريس، الشيخ أبو عبد الله العجلي الحلي، فقيه الشيعة وعالم الرافضة في عصره. [المتوفى: 597 هـ]
كان عديم النّظير فِي عِلم الفِقه، صنَّف كتاب الحاوي لتحرير الفتاوي، ولقّبه بكتاب السّرائر، وهو كتاب مشكور بين الشّيعة، وله كتاب خلاصة الاستدلال، وله منتخب كتاب التبيان فقه، وله مناسك الحجّ، وغير ذلك فِي الأُصول والفروع، قرأ على الفقيه راشد بْن إِبْرَاهِيم، والشّريف شرف شاه.
وكان بالحِلَّة، وله أصحاب وتلامذة، ولم يكن للشّيعة فِي وقته مثله، ولبعضهم فِيهِ قصيدة يفضّله فيها على مُحَمَّد بْن إدريس الشّافعيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وما بينهما أفعل التفضيل.(12/1120)
396 - مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن عبّاس. [المتوفى: 597 هـ]
فقير بغداديّ صالح، حدَّث عن أَبِي بَكْر الأنصاريّ، وتُوُفّي فِي المحرَّم.(12/1120)
397 - مُحَمَّد بْن أَبِي زيْد بْن حمد بْن أَبِي نصْر، أبو عَبْد اللَّه الإصبهانيّ، الكرّاني، الخبّاز. [المتوفى: 597 هـ]
شيخ معمّر عالي الإسناد، رحلة الوقت، وُلِد سنة سبْعٍ وتسعين وأربع مائة، وكمّل مائة سنة، وسمع أَبَا عليّ الحدّاد، وفاطمة الْجُوزْدانيَّة، ومحمود بْن إِسْمَاعِيل الصَّيْرَفيّ، روى عَنْهُ سائر مُعجم الطَّبَرانيّ الكبير، بسماعه من ابن فاذشاه، عن المؤلف، روى عَنْهُ أَبُو مُوسَى عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْغَنِيِّ، وبدل التبريزي، ويوسف بن خليل، وإسماعيل بْن ظَفَر، وجماعة، وبالإجازة: أَحْمَد بْن أَبِي الخير، والفخر عليّ، وتُوُفّي فِي ثالث شوّال.
وكَرَّان: محلَّة بإصبهان.(12/1120)
398 - مُحَمَّد بْن أَبِي القاسم عَبْد اللَّه بْن أحمد بن عبد الله ابن الحافظ أَبِي مُحَمَّد الْحَسَن بْن مُحَمَّد الخلّال، أبو الْحَسَن الْبَغْدَادِيّ، الوكيل الحاجب. [المتوفى: 597 هـ]
روى عن أَبِي الفضل الأُرْمَوِيّ، وغيره، وعنه أبو عَبْد الله ابن النّجّار، وقال: كان ساكنًا متواضعًا، تُوُفّي فِي ذي الحجَّة.(12/1121)
399 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد بن سراج، أبو الفتح البغدادي، البيع، [المتوفى: 597 هـ]
سِبْط أَبِي المُظَفَّر الصّبّاغ.
شاهد جميل السِّيرة، ديّن، سمع من عمّ جدّه أَبِي القاسم علي ابن الصّبّاغ، والأُرْمَوِيّ، وعمر بْن ظَفَر، روى عَنْهُ ابن النّجّار، وأثنى عليه، وقال: مات فِي المحرَّم.(12/1121)
400 - مُحَمَّد بْن أَبِي القاسم عليّ بْن إِبْرَاهِيم، أبو الْحَسَن الْبَغْدَادِيّ الكاتب. [المتوفى: 597 هـ]
وُلِد سنة ثلاثٍ وعشرين، وسمع من قاضي المَرِسْتان أَبِي بكر، وإسماعيل ابن السمرقندي، ويحيى ابن البناء، يحيى ابن الطّرّاح.
ووُلّي نظَرَ أَوَانا مدَّة.
روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وابن النّجّار، وحفيده مُحَمَّد بْن الكريم، وغيره.
وتُوُفّي سنة سبْعٍ وتسعين فِي جُمادى الآخرة، وكان من الأدباء الظُّرفاء اللُّطَفاء، نسخ كثيرًا من مسموعاته ومن كتب الأدب، وله مجموع كبير في عشرين مجلدة، وكان صدوقًا.(12/1121)
401 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن حامد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عليّ بْن محمود بْن هبة الله بْن أَلُه، الْإِمَام العلّامة، المنشئ، البليغ، الوزير، عماد الدّين، أبو عَبْد اللَّه الإصبهانيّ، الكاتب، المعروف قديمًا بابن أخي الْعَزِيز. [المتوفى: 597 هـ]
وُلِد بإصبهان سنة تسع عشرة وخمس مائة، وقدِم بغداد وهو ابن عشرين سنة أو نحوها.
ونزل بالنّظاميَّة، وتفقّه وبرع فِي الفِقْه على أَبِي مَنْصُور سَعِيد [ص:1122] ابن الرّزّاز، وأتقن الخلاف، والنَّحْو، والأدب، وسمع من ابن الرّزّاز، وأبي مَنْصُور بْن خَيْرُون، وأبي الْحَسَن عليّ بْن عَبْد السّلام، والمبارك بْن عليّ السِّمّذِيّ، وأبي بَكْر بْن الأشقر، وأبي القاسم علي ابن الصّبّاغ، وطائفة، وأجاز له أبو القاسم بْن الحُصَيْن، وأبو عَبْد اللَّه الفُرَاويّ، ورجع إِلَى إصبهان سنة ثلاثٍ وأربعين، وقد برع فِي العلوم، فسمع بها، وقرأ الخلاف على أَبِي المعالي الوركانيّ، ومحمد بْن عَبْد اللطيف الخُجَنْديّ، ثُمَّ عاد إِلَى بغداد، وتَعَانَى الكتابة والتّصرّف، وسمع بالثّغر من السَّلَفيّ، وغيره.
روى عَنْهُ ابن خليل، والشهاب القوصي، والخطير فتوح بن نوح الخويي، والعزّ عَبْد الْعَزِيز بْن عُثْمَان الإرْبليّ، والشَّرَف مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن عليّ الأنصاريّ، والتّاج القُرْطُبيّ، وآخرون، وبالإجازة أَحْمَد بْن أَبِي الخير، وغيره.
وأَلُه اسمٌ فارسيّ معناه العُقاب.
ذكره ابن خَلِّكان، وقال: كان شافعيًّا، تفقَّه بالنّظاميَّة، وأتقن الخلاف وفنون الأدب، وله من الشِّعْر والرّسائل ما هُوَ مشهور، ولمّا مَهَرَ تعلّق بالوزير عَوْن الدّين يحيى بْن هُبَيْرة ببغداد، فولّاه نظر البصْرة، ثُمَّ نَظَر واسط، فلمّا تُوُفّي الوزير ضعُف أمره، فانتقل إِلَى دمشق فقدِمها فِي سنة اثنتين وستّين وخمس مائة، فتعرّف بمدبّر الدولة القاضي كمال الدّين الشَّهْرزُوريّ، واتّصل بطريقه بالأمير نجم الدّين أيوب والد صلاح الدّين، وكان يعرف عمَّه الْعَزِيز من قلعة تِكْريت، فأحسن إليه، ثُمَّ استخدمه كمال الدّين عند نور الدّين فِي كتابة الإنشاء، قال العماد: وبقيت متحيّرًا فِي الدّخول فيما ليس من شأني، ولا تقدَّمَتْ لي به دُرْبَة، فجُبن عَنْهَا فِي الابتداء، فلمّا باشرها هانت عليه، وصار منه ما صار، وكان يُنشئ بالعجميَّة أيضًا، وترقّت منزلته عند السّلطان نور الدّين، وأطلعه على سرّه، وسيَّره رسولًا إلى بغداد في أيام المستنجد، وفوَّض إليه تدريس المدرسة المعروفة بالعماديَّة بدمشق فِي سنة سبْعٍ وستّين، ثُمَّ رتّبه فِي أشراف الديوان فِي سنة ثمان، فلمّا تُوُفّي نور الدّين وقام ولده ضُويق من الّذين حوله وخُوِّف، إِلَى أن ترك ما هُوَ فِيهِ، وسافر إِلَى العراق، فلمّا وصل [ص:1123] إِلَى الموصل مرض، ثُمَّ بَلَغَه خروج السّلطان صلاح الدّين من مصر لأخذ دمشق، فعاد إِلَى الشّام فِي سنة سبعين، وصلاح الدّين نازل على حلب، فقصده ومدحه، ولزِم رِكابه، وهو مستمرّ على عطلته، إِلَى أن استكتبه واعتمد عليه، وقرُب منه حتى صار يضاهي الوزراء.
وكان القاضي الفاضل ينقطع عن خدمة السلطان على مصالح الدّيار المصريَّة، فيقوم العماد مقامه.
وله من المصنفات كتاب خريدة القصر وجريدة العصر، جعله ذيلًا على زينة الدّهر لأبي المعالي سعد بْن عليّ الحظيري، وزينة الدّهر ذيلٌ على دُمْيَة القصْر وعُصْرة أَهْل العَصْر للباخَرْزيّ، والدُّمْية ذيلٌ على يتيمة الدهر للثعالبي، واليتيمة ذيل على كتاب البارع لهارون بْن عليّ المنجّم، فذكر العماد فِي كتابه الشّعراء الّذين كانوا بعد المائة الخامسة إِلَى سنة اثنتين وسبعين وخمس مائة، وجمع شعراء العراق، والعجم، والشّام والجزيرة، ومصر، والمغرب، وهو فِي عَشْر مجلّدات.
وله كتاب البَرْق الشّاميّ فِي سبْع مجلدات، وإنّما سمّاه البرق الشّاميّ لأنّه شبّه أوقاته فِي الأيّام النّورية والصّلاحية بالبرق الخاطف لطِيبها وسُرعة انقضائها، وصنَّف كتاب الفتح القُسّي فِي الفتح القُدْسي فِي مجلّدين، وصنَّف كتاب السَّيْل والذَّيْل، وصنَّف كتاب نُصْرة الفَتْرَة وعُصرة الفِطْرة فِي أخبار بني سلجوق ودولتهم، وله ديوان رسائل كبير، وديوان شِعر فِي أربع مجلَّدات، وديوان جميعه دوبيت، وهو صغير.
وكان بينه وبين القاضي الفاضل مخاطبات ومحاورات ومكاتبات، قال مرَّة للفاضل: سِرْ فلا كبا بك الفرس، فقال له: دام عُلا العماد، وذلك مِمَّا يُقرأ مقلوبًا وصحيحًا.
قال ابن خَلِّكان: ولم يزل العماد على مكانته إِلَى أن تُوُفّي السّلطان صلاح الدّين، فاختلّت أحواله، ولم يجد فِي وجهه بابًا مفتوحًا، فلزِم بيته وأقبل على تصانيفه، وأَلُهْ: معناه بالعربيّ العُقاب، وهو بفتح الهمزة، وضمّ اللّام، وسكون الهاء، وقيل: إنّ العُقاب جميعه أنثى، وإن الّذي يسافده طائرٌ من غير جنسه، وقيل: إنّ الثّعلب هُوَ الّذي يسافده، وهذا من العجائب، قال ابن عنين في ابن سيده: [ص:1124]
ما أنت إلا كالعُقاب فأمُّهُ ... معروفةٌ وله أبٌ مجهولُ
وقال الموفَّق عَبْد اللّطيف: حكى لي العماد من فلْق فِيهِ، قال: طلبني كمال الدّين لنيابته فِي ديوان الإنشاء، فقلت: لا أعرف الكتابة، فقال: إنّما أريد منك أن تُثْبِت ما يجرى فتخبرني به، فصرتُ أرى الكتب تكتب إِلَى الأطراف، فقلت لنفسي: لو طُلب منّي أن أكتب مثل هذا ماذا كنت أصنع؟ فأخذتُ أحفظ الكُتُب وأحاكيها، وأروِّض نفسي فيها، فكتبتُ كتبًا إِلَى بغداد، ولا أُطْلِع عليها أحدًا، فقال كمال الّدين يومًا: ليتنا وجدنا من يكتب إِلَى بغداد ويُرِيحنا، فقلت: أَنَا أكتب إنْ رضيتَ، فكتبت وعرضت عليه، فأعجبه فاستكتبني، فلمّا توجّه أسد الدّين إِلَى مصر فِي المرَّة الثّالثة صحِبْتُه.
قال الموفّق: وكان فقهه على طريقة أسعد المِيهَنِيّ، ومدرسته تحت القلعة، ويوم يدرّس تتسابق الفُقهاء لسماع كلامه وحُسْن نُكَتِه، وكان بطيء الكتابة، ولكنْ دائم العمل، وله توسُّع فِي اللّغة، ولا سعَة عنده فِي النَّحو، وتُوُفّي بعدما قاسى مَهانات ابن شُكْر، وكان فريد عصره نظمًا نثراً، وقد رَأَيْته فِي مجلس ابن شُكْر مَزحومًا فِي أُخريات النّاس.
وقال زكيّ الدّين المنذري: كان جامعًا للفضائل: الفِقْه، الأدب، والشِّعْر الجيّد، وله اليد البيضاء فِي النّثْر والنَّظْم، وصنَّف تصانيف مفيدة.
قال: وللسّلطان الملك النّاصر معه من الإغضاء والتّجاوز والبَسْط وحُسن الخُلُق ما يُتعجَّب من وقوع مثله من مثله، توفي فِي مستهلّ رمضان بدمشق، ودُفن بمقابر الصُّوفيَّة.
أنبأنا أَحْمَد بْن سلامة، عن مُحَمَّد بْن محمد الكاتب، قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بن عبد السيد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو محمد الصريفيني، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن حبابة، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو القاسم البغوي، قَالَ: حَدَّثَنَا علي بن الجعد، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبة، عن أَبِي ذبيان، واسمه خليفة بْن كعب، قال: سمعت ابن الزّبير يقول:: لا تُلِبسوا نساءَكم الحرير، فإنّي سمعتُ عُمَر يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: [ص:1125] مَن لبسَه فِي الدّنيا لم يَلْبَسْه فِي الآخرة، رواه البخاري، عن علي بن الجعد مثله.
ومن شِعْره فِي قصيدة:
يا مالِكًا رِقّ قلبي ... أراكَ ما لَكَ رِقَّهْ
ها مُهجتي لك خُذْها ... فإنّها مستحِقَّهْ
فدَتْكَ نفسي برفقٍ ... فمّا أطيق المشقَّهْ
ويا رشيقًا أتتني ... من سهم عينيه رَشْقَهْ
لِصارِم الْجَفْنِ منهُ ... فِي مُهجتي ألفُ مشقه
وخصره مثل معنى ... بلاغي فِيهِ دِقَّهْ
وله:
كتبتُ والقلب بين الشَّوق والكمد ... والعين مطروفة بالدمع والسهد
وفي الحشى لفحة للوجْد مُحرِقة ... مَتَى تجدْ نفحةً من أرضكم تقدِ
يا رائدًا وهو سارِ فِي الظّلام سنًا ... وطالبًا فِي الهجير الوِردَ وهو صَدِ
ها مهجتي فاقتبِس من نارها ضرمًا ... ومُقْلتي فاغترف من مائها وِردِ
يا مَن هُوَ الرّوحُ بل روحُ الحياةِ ... ولا بقاء بعد فِراق الرّوح للجسدِ
حاولتَ نقْضَ عهودٍ صُنتُها ولكم ... أردتَ فِي الحبّ سُلْوانًا ولم أردِ
واهًا لحاضرةٍ فِي القلب غائبةٍ ... عن ناظري من هواها ما خلا جلدي
قويَّة البطْش باللحظ الضعيف وبالخصـ ... ـر النحيف وكل مضعف جسدي
لا غَرو إن سحرت قلبي بمقلتها ... نفاثة بفنون السحر في العقد
بالطرف في كحل، بالعطف فِي ميل ... بالخدِّ فِي خجلٍ، بالقدِّ فِي ميدِ
بالرّاح مُرْتَشِفًا، بالورد مقتطفًا ... بالغُصن منعطفًا، بالثّغر كالبَرَدِ
لا جلتُ يومًا ولا أبصرتُ من شغفٍ ... ضلالتي فِي الهوى إلّا مِن الرشَدِ
وله:
كالنَّجْم حين هدا كالدّهر حين عدا ... كالصُّبْح حين بدا كالعَضْب حين برا
في الحكم طود علا، في الحلم بحر نُهى ... فِي الجودِ غَيث ندا، فِي البأس لَيْث شرا [ص:1126]
أنبأني ابن البُزُوريّ قال: العماد هُوَ إمام البلغاء، وشمس الشعراء، وقطب رحا الفضلاء، أشرقت أشِعَّة فضائله وأنارتْ، وأنجدت الرُّكْبانُ بأخباره وأغارتْ، فِي الفصاحة قسُّ دَهرهِ، وَفِي البلاغة سَحْبان عصره، فاق الأنام طُرًّا نَظْمًا ونثْرًا، وَفِي رسائله المعاني الأبكار المخجلة الرياض عند إشراق النوار.
ومن شعره:
قضى عمره فِي الهجرِ شوقًا إِلَى الوصلِ ... وأبلاه من ذِكر الأحبَّة ما يُبلي
وكان خَلِيّ القلب من لوعةِ الهَوَى ... فأصبح من برْح الصَّبَابَة فِي شُغْلِ
وأطربه اللّاحي بذِكر حبيبه ... فآلى عليه أن يزيدَ من العذلِ
وما كنتُ مفتون الفؤاد وإنما ... علي فتوني دله فاتن الدل
نُحُولي ممّن شدّ عِقْد نطاقه ... على ناحلٍ واهٍ من الخصرِ منحلِ
إذا رام للصَّدّ القيامَ أبَتْ له ... رَوادِفُه إلّا المُقام على وصْلي(12/1121)
402 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن هارون بْن مُحَمَّد بْن كوكب، أبو عَبْد اللَّه الْبَغْدَادِيّ المولد، الحلي المنشأ، المقرئ الماهر المعروف بابن الكال البزّار. [المتوفى: 597 هـ]
مقرِئ جليل مشهور بصيرٌ بالقراءات، وُلِد سنة خمس عشرة وخمس مائة، وقرأ القراءات على: سِبْط الخيّاط، وأبي الكَرَم الشّهرزُوريّ، ودعوان بْن عليّ، وأبي العلاء الهَمَذَانيّ، وسمع منهم ومن علي ابن الصّبّاغ، وقرأ بالموصل على: يحيى بْن سعدون، وأقرأ بالحلَّة مدَّة، وحمل النّاس عَنْهُ.
قَالَ أَبُو عَبْد الله الدُّبَيْثِيّ: قرأتُ عَلَيْهِ بالرّوايات العشر، وسمعتُ منه، وحدَّثنا بدُكّانه بالحلَّة المَزْيَدِيَّة، وتُوُفّي فِي حادي عشر شهر ذي الحجَّة بالحلَّة.
قلت: وممّن قرأ عليه الدّاعي الرّشيديّ، وهو آخر مَن روى عَنْهُ.
قال ابن نُقْطَة: وحدَّث عن مُحَمَّد بن محمد بن عنقش الأنباري، وأقرأ ببغداد، وكان له بالحلَّة دُكّان يعمل فِيهِ البزر.(12/1126)
403 - مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد بْن أَبِي المعالي بْن المقرون، أبو شجاع اللَّوْزيّ، نسبة إِلَى محلَّة اللَّوزية بشرقيّ بغداد، المقرِئ، الرجل الصالح. [المتوفى: 597 هـ][ص:1127]
قرأ القرآن على: أَبِي مُحَمَّد سِبْط الخياط، وأبي الكرم الشهرزوري بالروايات، وسمع منهُما، ومن أَبِي الْحَسَن بْن عَبْد السلام، وابن الصباغ، وأبي الفتح عبد الله ابن البيضاويّ، وأبي الفضل الأُرْمَوِيّ، وجماعة.
وروى الكثير، وأقرأ النّاسَ دهرًا، حتّى لقَّن الآباء والأبناء والأحفاد.
وكان أمارًا بالمعروف، نهاءً عن المُنْكَر كثير الخير، أقرأ كتابَ اللَّه نحوًا من ستين سنة، وكان بصيرًا بالقراءات، وكان يأكل من كسْب يده، ولا يأخذ من أحدٍ شيئًا.
تُوُفّي فِي سابع عشر ربيع الآخر.
قال أبو عَبْد اللَّه النّجّار: لقّن خلقًا لا يُحْصَوْن، وحُمِلت جنازته على الرؤوس، وما رَأَيْت جمْعًا أكثر من جمع جنازته، قال: وكان مُستَجَاب الدّعوة، وَقُورًا.
وقال الدُّبيثيّ: قرأنا عليه القراءات، وسمعنا منه، ونِعْمَ الشّيخ كان، ثُمَّ روى عَنْهُ حديثًا.
وممّن روى عَنْهُ الضّياء، وابن خليل، واليّلْدانيّ، والنّجيب عَبْد اللطيف، والزين ابن عَبْد الدّائم، وبالإجازة: ابن أَبِي الخير، والفخر ابن الْبُخَارِيّ، ودُفِن بصُفَّة بِشْر الحافي.(12/1126)
404 - مُحَمَّد بْن الْمُبَارَك بْن مُحَمَّد بْن ميمون، أبو غالب الأديب، الكاتب. [المتوفى: 597 هـ]
سمع أَبَا الفضل الأُرْمَوِيّ، وابن ناصر، وأبا بكر ابن الزّاغونيّ، وله شِعْر جيّد، وكان مكثِرًا من أشعار العرب، ولابن الْبُخَارِيّ منه إجازة، وتُوُفّي في جمادى الآخرة.(12/1127)
405 - مُحَمَّد بْن أَبِي طاهر بْن زقمير، أبو عَبْد اللَّه الحربيّ، الآجُرّيّ. [المتوفى: 597 هـ]
سمع عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يوسف، روى عَنْهُ الدَّبِيثيّ، وابن خليل، وتوفي فِي ذي القعدة.(12/1127)
406 - محمد البلخي الزاهد، [المتوفى: 597 هـ]
نزيل بعداد.
كان كبير القدْر، صالحًا، منعزِلًا عن النّاس، يسكن الخراب، ولا يُعلَم من أَيْنَ قُوته إِلَى أن كبر وعجز، أدركه أجَلُه وهو منقطع في مسجد مجاور لقبر معروف الكَرْخيّ.
تُوُفّي إِلَى رحمة اللَّه فِي المحرَّم، وجهّزته أم الخليفة، وأخذت درّاعته للبركة، وكان قد قارب الثّمانين.
قال ابن النّجّار: كان يتنقّل فِي الأمكنة لئِلّا يُعرف، وما كان يفهم بالعربيّ، وكان الخليفة النّاصر يقصده زائرًا فلا يكلمه، وما كان يعرفُ أحدٌ من أَيْنَ يأكل، وكان كثير العبادة، شديد الرياضة، له كرامات ظاهرة.(12/1128)
407 - الْمُبَارَك بْن حَمْزَة بْن عليّ، الفقيه أبو المظفر ابن البزوري، البغدادي، [المتوفى: 597 هـ]
سبط أبي المظفر ابن الصّبّاغ.
كان إمامًا مبرّزًا، أعادَ بالنّظامية ببغداد، وتفقّه على: أَبِي المحاسن يوسف بْن بُنْدار، وتُوُفّي فِي المحرَّم.(12/1128)
408 - الْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك بْن الْحَسَن بْن الْحُسَيْن بْن سِكّينة، أبو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، الأنْماطي، البَيِّع. [المتوفى: 597 هـ]
حدَّث من بيته جماعة، وسمع هو من أبي القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ، روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وغيره، وتُوُفّي فِي ربيع الأول، وله أربع وثمانون سنة.(12/1128)
409 - مَسْعُود بن محمد ابن الدّلّال، الهَمَذَانيّ، [المتوفى: 597 هـ]
شيخ القَلَنْدَرِيَّة.
ذكره شيخنا ابن البُزُوريّ فِي تاريخه، وقال: كان على قَدَم حَسَن، وكان كثيرًا ما يقول: الماضي لا يذكر، فقيل: إنه رئي في المنام، فقيل لَهُ: ما فعل اللَّه بك؟ قَالَ: أوقفني بين يديه، وقال لي: يا مَسْعُود الماضي لا يُذْكَر، انطلقوا به إِلَى الجنَّة، تُوُفّي فِي شهر رمضان من سنة سبْع.(12/1128)
410 - مَنْصُور بْن الْحَسَن بْن منصور، الْإِمَام أبو المكارم الزنجاني، الشافعي، [المتوفى: 597 هـ]
نزيل بغداد، ومعيد النظامية، ومدرس المدرسة الثقتية.
إمام مناظرٌ، عارف بالمذهب، له حلقة بجامع القصر، توفي في رمضان.(12/1129)
411 - يحيى بْن طاهر، أبو زكريّا الْبَغْدَادِيّ، الواعظ، المعروف بابن النّجّار. [المتوفى: 597 هـ]
كان يتّهم بالكذِب، وله سماع من سِبْط الخيّاط، والأُرْمَوِيّ، تُوُفّي فِي ذي الحجَّة عَنْ خمسٍ وسبعين سنة.
قال الدُّبيثيّ: أنشدنا ابن النّجّار لبعضهم.
عاشِرْ من الناس مَن تبقى مودّته ... فأكثر النّاسِ جمعٌ غير مؤتلِف
منهم صديقٌ بلا قاف، ومعرفةٌ ... بغير فاء، وإخوانٌ بلا ألفِ(12/1129)
412 - يوسف بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن غُصْن، أبو الحَجّاج التُّجَيْبيّ، وقيل اللخمي، الإِشْبِيليّ، الْمُقْرِئ. [المتوفى: 597 هـ]
أَخَذَ القراءات عَنْ أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي العبّاس بْن حرب، وأبي العبّاس بن عيشون، وروى عن أبي بكر ابن العَرَبيّ، وتصدَّر للإقراء بإشبيليَّة، وطال عمره، ورحل النّاس إليه، وهو آخر أصحاب شُرَيْح الّذين قرأوا عليه، تُوُفّي فِي سنة سبْعٍ هَذِهِ تقريبًا، قاله الأبار.
قلت: بل هو من آخرهم.(12/1129)
413 - أبو مَنْصُور بْن أَبِي بَكْر بْن شُجاع بْن نُقْطة المُزَكْلِش، [المتوفى: 597 هـ]
أخو الزّاهد عَبْد الغنّي،
بغداديّ ظريف، يُنشد فِي الأسواق ويمسخر ويلعب، وله يد في كان وكان، وكان يُسحِّر النّاس فِي رمضان.
قيل له: أَمَا تستحي، أخوك زاهد العراق، وأنت تُزَكْلِش فِي الأسواق؟ فقال موالياً: [ص:1130]
قد خاب مَن شبّه الجزعة إِلَى دُرَّه ... وشابه قحبةً إِلَى مستحسنة حُرَّه
أَنَا مُغنّي وأخي زاهد إِلَى مرَّه ... بئرين فِي دار ذي حُلوة وذي مُرَّة(12/1129)
-وفيها وُلِد:
الشيخُ شمس الدِّين عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي عُمَر، وإبراهيم بْن مَسْعُود الحويريّ الحبشيّ، والشّيخ مُحَمَّد بن أحمد بن منظور المصري.
والمحيي طاهر بن أبي الفضل الكحال، ومحمد بن ربيعة بن حاتم الحبلي المصريّ، والعماد إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الوهّاب المنقذيّ، وفاطمة بِنْت الملك المحسن فِي شعبان.(12/1130)
-سنة ثمانٍ وتسعين وخمس مائة(12/1131)
414 - أَحْمَد بْن تَزْمش بْن بَكْتَمُر، أبو القاسم الْبَغْدَادِيّ، الخيّاط. [المتوفى: 598 هـ]
سمع أَبَا بَكْر قاضي المَرِسْتان، وأبا القاسم الكَرُّوخيّ، وأبا الفضل الأُرْمَوِيّ، وجماعة.
وأقام بدمشق مدَّةً، ثمّ عاد إلى بغداد، ثمّ رجع إِلَى دمشق وبها مات، كذا قال الدُّبيثيّ، وإنّما مات فِي شوّال بحلب، قاله الضّياء.
روى عنه الدبيثي، وقال له: إنّه وُلد سنة ثمان وعشرين، وروى عَنْهُ الضياء، وابن خليل، والقوصي، وقال: لَقَبُه: صائن الدّين، والنّجيب عَبْد اللّطيف، وابن عَبْد الدّائم، وبالإجازة: أَحْمَد بْن سلامة، وغيره.
وقال ابن النّجّار: كان ظريفًا كيّسًا، يرجع إِلَى أدبٍ وتمييز، وكان صاحبًا لقاضي القضاة القاسم ابن الشَّهْرَزُورِيّ، سمعنا منه.(12/1131)
415 - أَحْمَد بْن دَاوُد بْن يوسف، أبو جَعْفَر الْجُذَاميّ، الغَرْناطيّ، النَّحْويّ. [المتوفى: 598 هـ]
ذكره الأَبّار فقال: كان نَحْويًا لُغَويًّا، صنَّف شرحًا لمقامات الحريريّ، وشرحًا لأدب الكاتب لابن قُتَيْبة.
قال: وتُوُفّي فِي حدود سنة ثمانٍ.(12/1131)
416 - أَحْمَد بْن سَلَمَةَ بْن أَحْمَد بْن يوسف، أبو جعفر ابن الصَّيْقَل الْأَنْصَارِيّ اللّورَقيّ. [المتوفى: 598 هـ]
روى عن ابن الدّبّاغ، وأبي بكر بن خير، وجماعة، وكان مَعنِيًّا بالحديث، روى عَنْهُ أبو عِيسَى بْن أَبِي السّداد، وأبو عَبْد اللَّه ابن الصّفّار، وأبو الْحَسَن ابن القطّان، وتُوُفّي فِي المحرَّم.
ذكره الأَبّار.(12/1131)
417 - أَحْمَد بْن عليّ بْن الحَكَم، أبو جَعْفَر ابن الحصّار القَيْسي، الغَرْناطي، العطّار. [المتوفى: 598 هـ]
قال الأَبّار: سمع صحيحي البخاري ومسلم من شُرَيْح، وسمع من أَبِي جَعْفَر بْن الباذش، وأبي مُحَمَّد بْن عطيَّة، والقاضي عِياض، وأبي بَكْر بْن نفيس، وجماعة، وأجاز له أبو القاسم بْن بَقِيّ، وأبو عَبْد اللَّه بْن مكّيّ، وجماعة، وكان من أَهْل الصّلاح والعناية بالرّواية، ثقة، صدوقًا، حدَّثنا عَنْهُ جماعة، وولي خطابة بلده، مولده سنة ثلاث عشرة وخمس مائة، وتُوُفّي فجأة فِي ربيع الأول.(12/1132)
418 - أَحْمَد بْن أَبِي عليّ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن بَكْري، أبو العبّاس الحريميّ. [المتوفى: 598 هـ]
روى عن أَحْمَد بْن عليّ بْن الأشقر.
وهو من بيت الرواية.
مات فِي المحرَّم.
وهو: أَحْمَد بْن أَبِي عليّ الْمُبَارَك بْن أَحْمَد بْن بكْري، أبو الْعَبَّاس الحريمي، سمع أَحْمَد بْن الأشقر، وسعْد الخير الأندلسيّ، سمع منه أَحْمَد بْن سلمان السكّر، وغيره، تُوُفّي فِي المحرَّم، ورّخه ابن النّجّار.(12/1132)
419 - أَحْمَد بْن المؤمّل بْن الْحَسَن، أبو مُحَمَّد العدْوانيّ الشّاعر. [المتوفى: 598 هـ]
كان يمدح بالشِّعر، وسمع من عَبْد الوهّاب الأَنْماطيّ، وأبي مُحَمَّد سِبط الخيّاط، وحدَّث، ولم يكن مَرْضِيًّا.
ومن شِعره:
قد كان للنّاس أبوابٌ مفتَّحَة ... تُغشَى ويُطلب منها الفضل والجودُ
فأصبحت كلّها بابًا وقد مُنعت ... منه الحوائج فالمفتوحُ مسدود(12/1132)
420 - أَحْمَد بْن يوسف بْن مُحَمَّد بْن خُشَيْش، أبو العبّاس الأَزَجيّ، الدّقّاق. [المتوفى: 598 هـ]
سمع من أَبِي البركات يَحْيَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الفارقيّ، وأبي القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ.(12/1133)
421 - إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد بْن عليّ، أبو مَنْصُور الأَسَديّ، العامريّ، البصْريّ، القطّان. [المتوفى: 598 هـ]
تُوُفّي ببغداد وله ستٌّ وسبعون سنة، سمع بالبصرة من أَبِي جَعْفَر الغِطْريف بْن عَبْد اللَّه، وطلحة بْن عليّ العامريّ، وحدَّث ببغداد، وكان له فَهْمٌ ومعرفةٌ ما.
روى عَنْهُ ابن النّجّار.(12/1133)
422 - إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي الفوارس، نفيس الدّين القُرَشيّ، الجزري، [المتوفى: 598 هـ]
نزيل الصّعيد.
تُوُفّي بالقلندون من الدّيار المصريَّة، وكان له ثروة بالجزيرة العُمَريَّة.
وكان ديِّنًا أمينًا، فطلب منه صاحب الجزيرة شاه بْن الأتابَك أن يتولّى نظر ديوانه فأبى، فقال: لا بُدّ من ذلك، فباشر يومًا وامتنع، وكانت زوجته حاملًا بابنه أَبِي بَكْر جدّ صاحبنا المولى شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن أَبِي بَكْر، فحلف بالطّلاق أنّه لا يعلم أولاده الخط، فعاش له خمسة بنين فلم يعلّمهم الخطّ لئلّا يكونوا دواوين، ثمّ سافر إِلَى مصر، وسكن بالقلندون، واقتنى الأبقار والأغنام، وكان له وكيل بالجزيرة، فبقي يبيع له مِلْكًا بعد ملك، ويُنفقه على أولاده.
وكان وكيله نحّاسًا، فعلَّم أَبَا بَكْر المذكور صنعة النُّحاس، ثُمَّ سافر إِلَى عند والده، فأقام عنده سنةً ورجع، فأوصَى أَبُوهُ إليه.
وخلّف إِبْرَاهِيم من الذَّهَب اثنى عشر ألف دينار، سوى المواشي [ص:1134] والبضائع فلم يرجع أبو بَكْر إِلَى الميراث، وسافر بالذهب ولداه الكبيران للتجارة، فغرقا في بحر اليمن، وله عُصْبةُ أولادٍ وذُرّيَّة بالقلندون يُعرفون بأولاد النفيس.
تُوُفّي فِي هَذِهِ السّنة.
أفادنا بِذَلِك الشّيخ شمس الدّين المذكور.(12/1133)
423 - أسعد بْن أَبِي طاهر أَحْمَد بْن أَبِي غانم حامد بْن أحمد بن محمود، أبو محمود الثَّقفيّ، الإصبهاني، الضّرير، الفقيه. [المتوفى: 598 هـ]
ولد سنة خمس عشرة وخمس مائة، وسمع هُوَ وأخوه زاهر مُسْنَد أَبِي يَعْلَى من الْحُسَيْن بْن عَبْد الملك الخلّال، وسمع من فاطمة الجوزدانية من كتاب الفتن لنعيم بن حماد، ثلاثة أجزاء من أوله، وسَمِعَ من جَعْفَر بْن عَبْد الواحد الثقفيّ، وإسماعيل بن الإِخشيد، ومحمد بْن عليّ بْن أَبِي ذَرّ، وسمع حضورًا من أَبِي طاهر الدّشْتج.
روى عَنْهُ يوسف بْن خليل، والضّياء مُحَمَّد، وجماعة.
وأجاز لابن أَبِي الخير، وابن الْبُخَارِيّ، وتُوُفّي فِي تاسع شوال، وكان فقيهًا معدلاً.(12/1134)
424 - أسعد ابن المولى العميد أبي يعلى حمزة بْن أسد بْن عليّ بْن مُحَمَّد، الصّدْر الرّئيس، مؤيَّد الدّين، أبو المعالي التّميميّ، الدّمشقيّ، الكاتب الوزير، المؤرّخ، ابن القلانسيّ. [المتوفى: 598 هـ]
وُلد سنة سبْع عشرة وخمس مائة، وسمع من أَبِيهِ، ونصر اللَّه بْن مُحَمَّد المصِّيصيّ، روى عَنْهُ ابنُ خليل، والشّهاب القُوصيّ، وغيرهما، وتُوُفّي فِي رابع عشر ربيع الأول.(12/1134)
425 - إِسْمَاعِيل الملك المعز ابن سيف الْإِسْلَام طُغْتِكِين بْن أيّوب بْن شاذي بْن مروان، [المتوفى: 598 هـ]
صاحب اليمن.
كان قد ورد بغداد فأُكرم مورده وتُلُقِّيّ بالإنعام، وكان منهمكًا في اللهو [ص:1135] والشرب، قليل الخير، وكُتِبَ معه من جهة الخلافة منشور إلى أبيه بالرضا عنه، ولما تُوُفّي أَبُوهُ ولي بعده مملكة اليمن في سنة ثلاث وتسعين.
ثُمَّ إنه ادَّعى أنه أمويّ ورام الخلافة وأظهر العصيان، فوثب عليه أخوان من أمرائه فقتلاه، وولي اليمن أخٌ له صغير.
وقيل: إنه ادعى النبوة، وسام أَخِيهِ الّذي تولّى: الملك النّاصر أيّوب ابن سيف الْإِسْلَام.
قال ابن واصل: خافت المعزَّ مماليكُه فتحزّبوا عليه، وخرجوا عليه، وضربوا معه مصافًّا، فكسروه وقتلوه، وداروا برأسه فِي اليمن، ونهبوا زبيد سبعة أيام، ثم جعلوا لأخيه النّاصر اسم السّلطنة، وترتّبَ أتابكه سيف الدّين سنْقر مملوك أَبِيهِ، ثُمَّ خرجوا على سنقر وحاربوه، فانتصر، وقتل جماعة من الأكراد والأتراك، وحبس آخرين، وصَفَت له اليمن أربع سِنين، ثُمَّ مات سنْقر، فتزوَّج بأمّ النّاصر الأمير غازي بْن جبريل، وقام في الأتابكية، ثم سم النّاصر فيما قيل، ثُمَّ قُتِلَ غازي وبقيت اليمن بلا سلطان مدة.(12/1134)
426 - بركات بْن إِبْرَاهِيم بْن طاهر بْن بركات بْن إِبْرَاهِيم بْن عليّ، مُسْنِد الشّام، أبو طاهر الخُشُوعيّ الدَّمشقيّ، الرّفّاء، الأَنْماطيّ، الذّهبيّ؛ [المتوفى: 598 هـ]
لكونه يسكن بمحلَّة حجر الذَّهَب.
وُلِد فِي صَفَر سنة عشر وخمس مائة، وانفرد بالمسموعات الكثيرة من الأمين هبة الله ابن الأكفاني، وغيره، وانفرد بالإجازة من مصنِّف " المقامات " أَبِي مُحَمَّد الحريريّ، والمقرئ أَبِي القاسم عَبْد الرحمن ابن الفحّام، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن الْوَلِيد الطّرْطُوشيّ، وأجاز له أيضًا: أبو عليّ الحدّاد، وأبو طَالِب عَبْد القادر بْن مُحَمَّد بْن يوسف، وأبو علي محمد بن محمد ابن المهْديّ، والحسن بْن مُحَمَّد الباقَرْحِيّ، ومحمود بْن الفضل الإصبهانيّ، وأبو صادق مرشد بْن يحيى المَدِينيّ، وأبو الْحَسَن عليّ بْن الْحَسين المَوْصِلي الفرّاء، وأبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن بركات السّعِيديّ النَّحْويّ، وأبو الفتح سلطان بْن إِبْرَاهِيم المقدسيّ، وعليّ بْن إِبْرَاهِيم بْن صَوْلَة، وأبو الفضل جَعْفَر بْن إِسْمَاعِيل بْن خَلَف الْمُقْرِئ، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن الحطاب الرازي، وعلي بن [ص:1136] المشرف الأنماطيّ، وعليّ بْن المؤمّل الكاتب، وأبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن حَكَم الباهليّ.
وقد انفرد أيضًا بالإجازة من بعضهم، وإجازة الحريريّ له فِي سنة اثنتي عشرة من البصرة، واستجاز له المصريّين أبو طاهر السِّلَفيّ.
وقد سمع أيضًا من شيوخ دمشق: عَبْد الكريم بن حمزة، وطاهر بن سهل الإسفراييني، وعليّ بْن أَحْمَد بْن قبيس المالكيّ، وجمال الْإِسْلَام عليّ بْن المُسلّم، وابن طاوس، وغيرهم.
وهو من بيت الحديث والرواية، اعتني به والده، وما زال هُوَ يَسمَع ويُسمِع، وحمل الناسُ عَنْهُ عِلْمًا جمًّا.
روى عَنْهُ أولاده إِبْرَاهِيم، وعبد الْعَزِيز، وعبد اللَّه، وستّهم، وستّ العجم، والشّيخ الموفَّق، وعبد القادر الرُّهاوي، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وابن خليل، والضّياء، واليَلْدانيّ، وأحمد بن محمد بن رومان الحنفيّ، وأحمد بْن يوسف التِّلِمْسانيّ، والزَّين أَحْمَد بْن عَبْد الملك، والزَّين أَحْمَد بْن عَبْد الدّائم، والنجَّم أَحْمَد بْن راجح، وإسحاق بْن سُلطان التّميميّ، وأخوه عَبْد الرَّحْمَن، والشّهاب القُوصيّ، وحفيده بركات بن إبراهيم، والخطيب داود بن عمر الأبّاريّ، والفقيه سُلَيْمَان بْن عَبْد الكريم، والنّظام عبد الله بن يحيى ابن البانياسيّ، والتّقيّ عَبْد اللَّه بْن إِسْمَاعِيل المقدسيّ الحنبلي، وأخوه علي، وعبد الله ابن الشّيخ أَبِي عُمَر، وأبو سُلَيْمَان عَبْد الرَّحْمَن ابن الحافظ، وعبد الرَّحْمَن وعبد اللَّه ابنا أَحْمَد بْن طعّان، وعبد الرَّحْمَن بْن الخَضِر بْن عَبْدان، وعبَاس بْن أَبِي طَالِب الحمويّ، وعبد السلام بْن ممدود الشَّيباني، والعزّ عَرَفَة الحنفيّ، وعليّ بْن أَبِي طَالِب القطَّان، وعليّ بْن المظفَّر النُشْبِيّ، وعليّ بْن محاسن بْن عوانة النميري، والخطيب عماد الدين عبد الكريم ابن الحرستاني، وفرج الحبشي القرطبي، والنجيب فراس ابن العسقلاني، ومحمد بْن عُمَر الفخر المالكيّ، والأوحد محمد بن عبد الله القرشي الحنفي، والموفق محمد بن هارون الثلعبي، والشيخ الفقيه مُحَمَّد اليُونينيّ، ومكّيّ بْن عَبْد الرزاق المقدسي، ومظفر بن أبي بكر ابن الشيرجي، والتاج مظفر بن عبد الكريم ابن الحنبلي مدرس الحنبلية، وابن عمه يحيى ابن النّاصح عَبْد الرَّحْمَن، ومحمد بْن إِبْرَاهِيم البابشرقيّ، والشَّرَف الإربِليّ، ويوسف بْن يعقوب الإربليّ الذّهبيّ، ويوسف بْن مكتوم المقرِئ الحبّال، ويوسف بْن عُمَر أخو خطيب بيت الأَبّار، وأيّوب بْن أبي بكر [ص:1137] الحمّاميّ، وعليّ بْن عَبْد الواحد الْأَنْصَارِيّ البزاز، والمجد محمد بن إسماعيل ابن عساكر، وعبد الوهاب بْن مُحَمَّد القِنَّبيطيّ، والتّقّي إِسْمَاعِيل ابن أَبِي اليُسْر، والكمال عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد المنعم بْن عبْد، وبالإجازة: أَحْمَد بْن أَبِي الخير، وأحمد بْن عَبْد السلام بْن أَبِي عصرون، وأبو الغنائم المسلّم بْن علان، وجماعة آخرهم الفخر ابن البخاريّ.
روى عَنْهُ القوصيّ، وقال فِيهِ: أكثر أَهْل الشّام حديثًا وأعلاهم إسنادًا، مع تواضُع وافر، ودين ظاهر، ومروءة تدلّ على أصلٍ طاهر، لازَمْتُهُ من حين مقدمي إلى الشام إلى حين موته، ثم سمّى شيئًا كثيرًا من الكتب قد سمعها منه.
وقال الضّياء: تُوُفّي فِي سابع أو ثامن صفر، وحضرته، ودُفن بباب الفراديس، وانقطع به إسنادٌ كثير.
وقال ابن نُقْطة: حدَّث بأكثر سُنَن أَبِي دَاوُد عن عَبْد الكريم بن حمزة، عن الخطيب، وسماعاته وإجازاته صحيحة رحمه اللَّه.
قلت: وبَلَغَنا أنّه لم تظهر له إجازة الحدّاد إلّا بعد موته، ولذا لم يَرْوِها، وقد قال الشّهاب القُوصيّ: وهو مخبط ضعيف، سمعت عليه جملة من تصانيف أبي نعيم عن الحدّاد عَنْهُ، أفما أراد أحدٌ يقول هَذَا إلّا القُوصيّ وحده؟ وهلّا ظهر من ذلك شيء، ثُمَّ ذكر أنه سمع منه الموطّأ رواية ابن القاسم، وسنن أبي داود، والإكمال لابن ماكولا، ومغازي ابن عُقْبة، وكتاب فوائد تمام، وسراج الملوك للطرطوشي، وكتاب الرهبان لتمام، والسنن للدارقطني، ومكارم الأخلاق للخرائطي، ومساوئ الأخلاق، واعتلال القلوب له، والهواتف له والقناعة له والشكر له، والمقامات للحريري، والملحة له، والجامع للخطيب، والكفاية له، والبخلاء، واقتضاء العلم، وشرف أصحاب الحديث، والطفيليين، وجملة من تصانيف الخطيب، والكامل فِي الضّعفاء، لابن عَدِيّ، وَفَضائل الصّحابة لخيثمة، وسمى اثنين وعشرين تصنيفًا لابن أَبِي الدّنيا، سمعها منه. [ص:1138]
وقال المنذري: حدَّث هُوَ وأبوه وجدّه، ولنا منه إجازة.
وقال في نسبته: الخشوعي، الفُرَشيّ، قال: سُئل أَبُوهُ إِبْرَاهِيم عن النّسبة بالخُشوعيّ فقال: كان جدُّنا الأعلى يؤُمّ بالنّاس، فتوفي في المحراب.
قال المنذري: والفرشي نسبة إلى بيع الفرش.
قلت: وقد ضبطه بالقاف جماعة من المحدّثين كالضّياء، وابن خليل ورأيت جماعة تركوا هَذِهِ النّسبة للخُلْف فيها.(12/1135)
427 - بشارة، الأمير حسام الدّين، [المتوفى: 598 هـ]
أمير بانياس.
تُوُفّي فيها.(12/1138)
428 - بنفشا، فتاة المستضيء بالله. [المتوفى: 598 هـ]
كَانَتْ أحب سراريه إليه، وقفت مدرسة بباب الأزج، وعمّرت عدَّة مساجد، وكانت كثيرة الرغبة فِي أفعال البِرّ، وهي الّتي أشارت على الخليفة بأن يجعل ابنه وليَّ عهده، أعنى النّاصر لدين اللَّه.
توفيت فِي تاسع عشر ربيع الأوّل.(12/1138)
429 - جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الْعَزِيز، الشّريف الأفضل أبو مُحَمَّد العبّاسيّ، المكّيّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، المحدّث، [المتوفى: 598 هـ]
أحد طلبة بغداد.
كان عالي الهمة في تحصيل هذا الشأن، جيد الفهم، حسن المعرفة، ذكيًّا نبيلًا.
وُلِد سَنَة اثنتين وسبعين وخمس مائة، وسَمِعَ من أَبِيهِ قاضي القُضاة أَبِي الْحَسَن، وَأَبِي الفتح بْن شاتيل، والقزّاز، وعبد المنعم ابن الفُرَاويّ، ثُمَّ طلب بنفسه قبل التّسعين فأكثر، وسمع بالجزيرة ودمشق وحدَّث بها.
روى عَنْهُ يوسف بْن خليل، والشّهاب القُوصيّ.
وتُوُفّي فِي ذي الحجَّة بحماه راجعًا إِلَى بغداد، وله سبعٌ وعشرون سنة. [ص:1139]
ولَقَبُه شرف الدّين.
رَأَيْت ورقةً بخطّ الحافظ الضّياء فيها الحطّ على جَعْفَر هَذَا، وفيها أنه غل أجزاء، وأنّه حكَّ أسمًا وأثبت مكانَه ذاكر بْن كامل.
وقد ذكره ابن النّجّار ولم يتعرَّض للينه، بل قال: كان عنده حفظ ومعرفة بالمتون والرجال، ويقرأ قراءة فصيحة، وينقل نُقُولا صحيحة، وكان خارق الذّكاء، ظريفًا.
إِلَى أن قال: إلّا أنّه كان ضَجُورًا، لعّابًا، قليل الأمانة، مُخَالِطًا لغير أبناء جنسه، استدعاه صاحب حماه ليقيم بها محدّثًا، فمات بها.(12/1138)
430 - حاتم بْن سِنان بْن بِشْر، أبو الجود الحبلي من حبلة، أحد أعمال الرملة، الناسخ المقرِئ. [المتوفى: 598 هـ]
حدَّث عن أَبِي العبّاس أَحْمَد بْن مَعَدّ الأُقْليشيّ، وغيره.
وأَمَّ بمسجد عَبْد اللَّه بمصر مدَّة، وبها مات.
وعبد اللَّه صاحب المسجد هُوَ ابن عَبْد الملك بْن مروان الأُمَويّ.(12/1139)
431 - حامد بْن أَبِي الفَرَج مُحَمَّد بْن حامد بْن مُحَمَّد بْن أَلُه، أبو بَكْر الإصبهانيّ، [المتوفى: 598 هـ]
نزيل بغداد، أخو العماد الكاتب.
وُلِد بإصبهان سنة ثلاثٍ وعشرين وخمس مائة، وسمع ببغداد من أَبِي زُرْعة المقدسيّ، وحدَّث.
وقد وفدَ على السّلطان صلاح الدّين رسولًا من الديوان الْعَزِيز، وكان من أكابر الفضلاء وأعيان الرؤساء، وكان قدومه بغداد صحبة أَخِيهِ، كذا قال ابن البُزُوريّ، وأنا أتعجّب كيف لم يسمع معه من أصحاب الصَّرِيفِينِيّ.
وقد وقف مكتبًا للأيتام ببغداد.
وتُوُفّي فِي ذي الحجَّة.(12/1139)
432 - حبيب بْن مُحَمَّد بْن حبيب، أبو الحسن الحِمْيريّ، الإشبيليّ، المقرِئ. [المتوفى: 598 هـ][ص:1140]
أَخَذَ القراءات عن جدّه لأُمّه أَبِي الْحَسَن شُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأقرا الناسَ ببلده.
قال الأَبّار: تُوُفّي سنة ثمانٍ وتسعين، وكان فِيهِ تعسُّر.
قرأ عليه: ابن وثيق، وغيره.(12/1139)
433 - الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن الفَرَج بْن راشد، أبو مُحَمَّد ابن القاضي أَبِي الْعَبَّاس المدنيّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الدّارقَزِّيّ، الورّاق. [المتوفى: 598 هـ]
سَمِعَ من القاضي أَبِي بَكْر، روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وغيره.
وولي أَبُوهُ قضاء دُجَيل، وسُئل عن نسبة المدنيّ فقال: نحن من أهل مدينة فوق الأنبار بناها السّفّاح وسمّاها المدينة.
وقد أجاز لابن أَبِي الخير، وتُوُفّي فِي الثاني والعشرين من المحرَّم.(12/1140)
434 - الْحَسَن بْن عَبْد الباقي بْن أَبِي القاسم، أَبُو عليّ الصَّقَلّيّ، المَدِينيّ، المالكيّ، العطّار المعروف قديمًا بابن الباجيّ. [المتوفى: 598 هـ]
محدّث مجتهد، كثير العناية والتّحصيل، كتب بخطّه الكثير، وكان مولده فِي سنة أربعين وخمس مائة، وتفقَّه فِي صباه، وسمع أَبَا طاهر السِّلَفّي، وأحمد بْن المسلم اللخمي، وجماعة بالثغر، ومحمد بن عليّ الرَّحْبيّ، وإسماعيل بْن قاسم الزَّيّات، ومُنْجِب بْن عَبْد اللَّه المرشديّ، وابن برّيّ، وطائفة، وتُوُفّي فِي هَذَا العام.(12/1140)
435 - الْحَسَن بْن أَبِي بَكْر عتيق بْن الْحَسَن، القاضي المرتضى، أبو عليّ القسطاني، المالكيّ، المعدّل. [المتوفى: 598 هـ]
من فُضَلاء مصر، حدّث عن عَبْد اللَّه بْن رفاعة.
تُوُفّي فِي جُمادى الأولى عن إحدى وسبعين سنة.(12/1140)
436 - حمّاد بْن هبة اللَّه بْن حمّاد بْن الفُضَيْل، المحدّث أبو الثّناء الحرّانيّ، الحنبليّ، التّاجر، السّفّار. [المتوفى: 598 هـ][ص:1141]
ولُدِ فِي سنة إحدى عشرة وخمس مائة، وسمع ببغداد من أبي القاسم إسماعيل ابن السمرقندي، وأبي بكر ابن الزاغوني، وجماعة، وبهَرَاة من مَسْعُود بْن مُحَمَّد بْن غانم، وعبد السلام بْن أَحْمَد بَكْبَرَة، وبالثّغر من السِّلَفيّ فأكثر، وبمصر من ابن رفاعة، وحدَّث ببغداد، ومصر، وحرّان، وشرع فِي تاريخ لحران، وكتب بخطه الكثير، وتمم تاريخه، وحدَّث به، قاله الدُّبيثيّ.
وله شعرٌ جيّد.
روى عنه الشيخ الموفق، وفرقد بْن عَبْد اللَّه الكِنانيّ، وعبد القادر الرُّهاويّ، والعَلَم السّخاويّ، والضّياء المقدسيّ، والنّجيب عَبْد اللّطيف، وابن عَبْد الدّائم، وأحمد بْن سلامة النجار، وقيل: إن جمال الدين يحيى ابن الصَّيْرَفيّ سمع منه.
تُوُفّي فِي ذي الحجَّة بحران، وأجاز لابن أبي الخير، وجماعة.(12/1140)
437 - خديجة بِنْت الشّيخ أَبِي مَنْصُور موهوب بْن أحمد ابن الجواليقيّ. [المتوفى: 598 هـ]
عن أبيها، وابن ناصر، وعنها ابن النّجّار، وقال: كَانَتْ صادقة كثيرة العبادة، ماتت في شعبان.(12/1141)
438 - داود بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن، أبو الفَرَج الحريميّ، الدّبَّاس، المعروف بابن المتش. [المتوفى: 598 هـ]
وُلِدَ سنة خمس عشرة وخمس مائة، وسَمِعَ من أَبِي غالب ابن البناء، وأبي [ص:1142] الفضل محمد ابن المهتدي بالله، وأجاز له أبو عَبْد اللَّه البارع، وأبو عامر مُحَمَّد بْن سعدون العَبْدَريّ.
قال الدُّبيثيّ: أجاز لي، وتُوُفّي فِي رمضان.
وحدث عنه ابن النجار.(12/1141)
439 - سعد بْن طاهر بْن سعد بْن عليّ، الأمير الرئيس أبو الفضل المزدقاني ثم الدمشقي. [المتوفى: 598 هـ]
ولد سنة إحدى وعشرين وخمس مائة، وسمع من جمال الْإِسْلَام عليّ بْن المسلم، روى عَنْهُ ابن خليل وغيره، وأجاز لابن أَبِي الخير، وللحافظ زكيّ الدّين عَبْد العظيم، وقال: توفي فِي العشرين من شعبان.(12/1142)
440 - سُلَيْمَان بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرحيم، أبو دَاوُد الْبَغْدَادِيّ، عُرِف بابن العميد. [المتوفى: 598 هـ]
قرأ القرآن على أبي الكَرَم الشّهرزُوريّ، وحدَّث عَنْهُ، وعن أَبِي الوقت، وتُوُفّي في صفر.(12/1142)
441 - شمائل بِنْت أَبِي مَنْصُور موهوب بْن أَحْمَد الجواليقي. [المتوفى: 598 هـ]
روت عن أبيها، روى عنها الضياء.(12/1142)
442 - صفوان بْن إدريس، أبو بحر التُّجَيْبيّ، المُرْسي، الكاتب البليغ. [المتوفى: 598 هـ]
قَالَ الأَبّار: أَخَذَ عن أَبِي عَبْد اللَّه بْن حَميد، وأبي العبّاس بْن مضاء، سمع منه صحيح مُسْلِم، وكان من جِلَّة الأدباء البُلغاء ومَهَرة الكُتّاب الشّعراء، فصيحًا مدركًا، جليل القدْر، وله رسائل بديعة، وكان من الفضل والدّين بمكان، روى عَنْهُ أبو الرَّبِيع بْن سالم الكَلاعيّ، وأَبُو عَبْد اللَّه بْن أَبِي [ص:1143] البقاء، وتُوُفّي فِي شوّال، وله سبْعٌ وثلاثون سنة وأشهر، فإنّه وُلِد سنة ستّين وخمس مائة.
أورد ابن فرتون له هَذِهِ الأبيات:
أَحمَى الهوى قلبَه وأوْقدْ ... فهو على أن يموت أوقد
وقال عَنْهُ العَذُولُ سالٍ ... قَلَّدهُ اللَّهُ ما تَقَلَّدْ
وباللّوى شادِنٌ عليه ... جيدٌ غزال ووجهُ فَرْقَدْ
عَلَّلَهُ ريقُهُ بخمرٍ ... حَتَّى انتشى طَرْفُهُ فَعَرْبَدْ
لا تعجبوا لانهزام صبري ... به فجيشُ الهوى مُؤَيَّدْ
أَنَا له كالّذي تمنّى ... عبدٌ نعَمْ عبدُه وأزْيَدْ
إن بَسْمَلتْ عينُهُ لقتلي ... صلى فؤادي على محمد(12/1142)
443 - ضرغام بْن إِبْرَاهِيم الدِّمْياطيّ. [المتوفى: 598 هـ]
سمع السِّلَفيّ، سمع منه القوصي في هذه السنة بدمياط.(12/1143)
444 - عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن أَبِي المَجْد بْن غنائم. [المتوفى: 598 هـ]
أبو مُحَمَّد الحربي، العتّابيّ، الإسكاف.
حدَّث بمُسند أَحْمَد عن ابن الحُصَيْن بالموصل، وبها توفي، وحدث عن أبي الحسين ابن الفراء أيضاً.
روى عنه الدبيثي، وابن خليل، والضياء، وشيخ الشيوخ عبد العزيز الأنصاري، وابن عبد الدائم، والنجيب الحراني، وخلق من شيوخ الدمياطي؛ لأنه روى المسند ببغداد.
توفي بالموصل فِي ثاني عشر المحرَّم، وتُوُفّي قبله بيوم ولدُه أَحْمَد.
واسم أَبِي المجد صاعد.
وقد أجاز لسعد الدّين الخضِر بْن حَمُّوَيْه، ولقُطْب الدّين أَحْمَد بْن أَبِي عصرون، وللفخْر عليّ، وغيرهم.(12/1143)
445 - عَبْد اللَّه بْن خَلَف بْن رافع بْن ريّس، الحافظ، أبو مُحَمَّد بْن بُصَيْلَة المِسْكيّ الأصل، الشّارعيّ، القاهريّ. [المتوفى: 598 هـ]
وُلِد سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة، وقرأ القرآن على الشَّيْخ رسلان بْن عَبْد اللَّه بْن شعبان، وسمع من علي بْن هبة اللَّه الكاملي، ومُحَمَّد بْن عَلِيّ الرَّحَبيّ، وعثمانَ بْن فَرَج العَبْدَريّ، وإسماعيل الزيات، وعبد الرحمن بن محمد السبيي، وابن برّيّ، وخلْق، وارتحل إِلَى الثّغر فأكثر عن السلفي، وابن عوف، وبدر الخداداذي، وأبي طالب بن المسلم، وكتب بخطه الكثير.
قال المنذري: رأيته ولم يتفق لي السّماع منه.
قال: وكان حافظًا، محصّلًا، عالمًا بالتواريخ والوَفَيَات، وجمع مجاميع مفيدة، وشرع فِي تاريخ لمصر وعجز عن إكماله لضيق ذات يده، ومسكة قرية بقرب عسقلان.
قال ابن الأنْماطيّ: جمع تاريخًا لمصر أجاد فِيهِ، وهو مُسَوَّدة، وكان يحفّظ.(12/1144)
446 - عَبْد اللَّه بْن طَلْحة بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عطية، أبو بَكْر المحاربيّ، الغَرْناطيّ. [المتوفى: 598 هـ]
سمع أَبَاهُ، وابن عمّ أَبِيهِ عَبْد الحقّ بْن غالب، وأبا الْحَسَن بْن الباذش، وأخذ عن عَبْد اللَّه الْمُقْرِئ، ومحمد بْن أيمن السّعْديّ، وتفقّه بالقاضيَيْن أَبِي الْحَسَن بْن أضحى، وأبي مُحَمَّد بْن سِماك، وسمع بقُرْطبة: أَبَا عَبْد اللَّه بْن الحاجّ، وأبا الْحَسَن بْن مغيث، وبالمَرِيَّة: أَبَا القاسم بْن وَرْد وأبا الحَجّاج القُضاعيّ، وسمع أيضًا من القاضي عِياض وعبد الله بن سهل الضّرير، وأجاز له أبو مُحَمَّد بْن عتّاب، وغالب بْن عطيَّة، وأبو بحر الأَسَديّ.
ذكره الأَبّار فقال: وكان معدودًا فِي الفُقهاء، صدْرًا فِي الشُّورَى والفُتْيا، أَخَذَ عَنْهُ أبو العبّاس بْن عُمَيْرة، وأبو القاسم الملاحيّ، وأبو الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بْن يحيى الأزْديّ، ووُلِد فِي سنة إحدى عشرة وخمس مائة، وهو آخر من روى عن غالب، وابن عتّاب. [ص:1145]
وتوفي غالب سنة ثمان عشرة وخمس مائة.(12/1144)
447 - عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أبو الفضل العليمي، [المتوفى: 598 هـ]
أخو المحدث عمر العليمي.
روى عَن أَخِيهِ، وعن نصْر بْن أَحْمَد بْن مقاتل، وتُوُفّي فِي شعبان.(12/1145)
448 - عَبْد اللَّه بْن أَبِي الفضل نصر بْن أَحْمَد بْن مزروع، أبو محمد ابن الثّلاجيّ، الحَرْبيّ، التّاجر. [المتوفى: 598 هـ]
سمع ابن الحُصَيْن، وأبا الْحُسَيْن بْن الفرّاء، روى عَنْهُ ابن خليل، والضّياء، والنّجيب عَبْد اللّطيف، وجماعة، وبالإجازة: ابن أَبِي الخير، والفخر عليّ.
تُوُفّي فِي الخامس والعشرين من صفر، وله سبْعٌ وثمانون سنة.(12/1145)
449 - عَبْد الحقّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن، أبو مُحَمَّد القَيْسيّ، المُرْسي، [المتوفى: 598 هـ]
سِبْط عَبْد الحقّ بْن عطيَّة.
روى عَنْ أَبِي مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن سهل الضّرير، وأبي القاسم بْن حُبَيْش.
قال الأَبّار: كان متفنّنًا فِي العلوم الشّرعية والنّظرية مع دقَّة الذّهن، وجَودة النّظر، وقول الشِّعر، وتُوُفّي فِي المحرَّم، وله تسعٌ وخمسون سنة.(12/1145)
450 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحمد بْن محمد ابن العُمريّ، القاضي أبو الْحَسَن الْبَغْدَادِيّ، العدل. [المتوفى: 598 هـ]
وُلِد سنة خمس عشرة وخمس مائة، وسمع أبا القاسم بن الحصين، وهبة الله ابن الطّبر، وأحمد بْن عليّ المُجْلي، وقاضي المَرِسْتان، وجماعة، وأجاز له أبو عامر العَبْدَريّ، وأبو عَبْد اللَّه البارع.
ووُلّي قضاء الجانب الغربيّ، وهو منسوبٌ إِلَى محلَّة العُمريَّة من الجانب الغربيّ، ثُمَّ عُزِل فِي أواخر أمره بالقاضي علي بن عبد الرشيد الهمذاني، ثم إنه ناب له. [ص:1146]
روى عَنْهُ ابن خليل، والضّياء، والنّجيب ابن الصيقل، وجماعة، وبالإجازة: القطب ابن عصرون، وابن أَبِي الخير، والفخر عليّ، وآخرون.
تُوُفّي فِي ثاني عشر رمضان.(12/1145)
451 - عَبْد الرَّحْمَن بْن سلطان بْن يحيى بْن عليّ بْن عَبْد الْعَزِيز بْن عليّ، زين القُضاة أبو بَكْر الْقُرَشِيّ، الفقيه، الشافعيّ، الدَّمشقيّ. [المتوفى: 598 هـ]
ولِد سنة ثمانٍ وعشرين وخمس مائة، وسمع من جدّه القاضي أبي المفضل يحيى، وأبي الفتح نصر اللَّه المصّيصيّ، وأبي الدُّرّ ياقوت الُّروميّ، وأجاز له: الفُرَاويّ، وعبد المنعم ابن القشيري، وزاهر الشحامي، وهبة الله ابن الطّبر، وآخرون.
روى عَنْهُ ابن خليل، والقُوصيّ، الزين ابن عَبْد الدّائم، وجماعة، وبالإجازة ابن أَبِي الخير، والمسلم بن علان.
وكان إمامًا فاضلًا فقيهًا رئيسًا متعبداً.
قال الضّياء: تُوُفّي فِي ذي الحجَّة ونِعْمَ الشّيخ كان، ودُفن بمسجد القدم.(12/1146)
452 - عَبْد الرحيم بْن أَبِي الْقَاسِم عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن سهل، أبو الْحَسَن الشَّعريّ الْجُرْجانيّ الأصل، النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 598 هـ]
ثقة، صالح، خيّر، صحيح السّماع، عالي الإسناد، وهو أخو زينب الشّعْريَّة.
وُلِد سنة خمس عشرة، ويقال: سنة ثمان عشرة وخمس مائة، وسمع الكثير بإفادة والده، فسمع صحيح مُسْلِم من أَبِي عَبْد اللَّه الفُرَاويّ، وكتاب السُّنَن والآثار للبَيْهقيّ، من عَبْد الجّبار الخُواريّ، عن المصنَّف.
قال ابن نُقْطَة: وقال لي بَدَل التبْرِيزيّ: إنه سمع السُّنَن الكبير من [ص:1147] عَبْد الجبّار بْن عَبْد الوهّاب الدّهّان، عن البيهقي، والموطأ من هبة الله السيدي، وغريب الحديث للخطّابي، من أَبِي عَبْد اللَّه الفراوي، ومسند أبي يعلى من زاهر بن طاهر، وشعب الْإِيمَان للبَيْهِقيّ، أكثره من الفُرَاويّ، وبعضه من زاهر، بسماعهما من البَيْهقيّ.
قلت: وسمع أيضًا من إِسْمَاعِيل بْن أَبِي بَكْر القارِئ، ووجيه الشّحّاميّ، وجماعة، وروى عَنْهُ بالإجازة أبو الحسن ابن الْبُخَارِيّ، وتُوُفّي يوم الجمعة خامس المحرَّم.(12/1146)
453 - عَبْد الرحيم بْن عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد بْن المسلَّم بْن هلال، الرئيس نجم الدّين أبو البركات الأزْديّ الدَّمشقيّ، المعدّل. [المتوفى: 598 هـ]
روى عن أَبِي القاسم الحسين ابن البُن الأَسَديّ، روى عَنْهُ ابن خليل، والقُوصيّ، وأجاز لابن أَبِي الخير، وتُوُفّي فِي ثالث شعبان.(12/1147)
454 - عَبْد الرَّحِيم بن المفرّج بن عَليّ بن مسلمة، أبو محمد الدمشقي الصوفي، [المتوفى: 598 هـ]
أخو الرشيد.
سمع حسان بن تميم، وأجازه ابن البطي وطائفة، وحدث في هذه السنة ولا أعلم متى توفي، روى عنه عبد العزيز بن عثمان الإربلي وغيره، ويوسف بن خليل.(12/1147)
455 - عَبْد الرّزّاق بْن أَبِي شجاع مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد بْن المقرون، البغداديّ. [المتوفى: 598 هـ]
قرأ القرآن على أَبِيهِ، وسمع من ابن البطّيّ، ودخل الشّام، ومصر، ومات فِي المحرَّم.(12/1147)
456 - عَبْد السلام بْن أَبِي الخطّاب أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عُمَر، أبو عليّ الحربيّ المؤدّب. [المتوفى: 598 هـ]
وُلِد سنة خمس عشرة، وسمع من أَبِي بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وأبي مَنْصُور القّزاز، وعبد الواحد بْن أَحْمَد بْن يوسف، روى عَنْهُ ابن خليل، والدبيثي، والضياء، والنجيب عَبْد اللطيف، والتقي اليَلْدانيّ، وآخرون، وبالإجازة: ابن أَبِي الخير، وابن الْبُخَارِيّ، وتُوُفّي فِي شوّال.(12/1148)
457 - عَبْد الصّمد بْن ظاعن بْن مُحَمَّد بْن محمود، الْقُرَشِيّ، الزُّبَيْريّ، [المتوفى: 598 هـ]
من أولاد الشيوخ.
روى عن أَبِي الوقت، وأبي مُحَمَّد بْن المادح.
تُوُفّي فِي المحرَّم.(12/1148)
458 - عَبْد الْعَزِيز بْن أزهر بْن عَبْد الوهاب بْن أَحْمَد بْن حَمْزَة، أبو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ السباك. [المتوفى: 598 هـ]
ولد سنة أربع وعشرين، وسمع من أَبِي بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وعبد الوهاب الأنْماطيّ، روى عَنْهُ أبو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، وقال: تُوُفّي فِي ربيع الأول.
قال ابن النّجّار: سمعتُ منه، وكان شُرُوطيًّا لا بأس به.(12/1148)
459 - عَبْد الْعَزِيز بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن محمد بن علي، القاضي عز الدين ولد مجد الدين ابن الزّكيّ الْقُرَشِيّ. [المتوفى: 598 هـ]
روى عن أُسَامَة بْن مُنْقذ، رَوَى عَنْهُ القُوصيّ، وقال: تُوُفّي فِي ذي القعدة، وله ثلاثُ وثلاثون سنة.(12/1148)
460 - عَبْد الملك بْن زَيْدِ بْن ياسين بْن زيد بن قايد بْن جميل، الْإِمَام، خطيب دمشق ضياء الدّين التّغلبي الأرقميّ، الدَّوْلَعيّ، المَوْصليّ، الفقيه الشافعي. [المتوفى: 598 هـ]
وُلِد سنة سبْعٍ وخمس مائة، وقدِم دمشق فِي شبيبته فتفقّه بها، وسَمِعَ من أَبِي الفتح نصر اللَّه المِصِّيصِيّ، وتفقَّه ببغداد وسمع بها جامع التِّرمذيّ من عَبْد الملك بْن أَبِي القاسم الكروخي، وسنن النَّسائيّ من عليّ بْن أَحْمَد بْن محمويه اليزدي.
روى عنه أبو الطاهر إسماعيل ابن الأنماطي، وابن خليل، والشهاب القوصي، والتقي ابن أَبِي اليُسْر، وطائفة سواهم.
تُوُفّي فِي ثاني عشر ربيع الأول وله إحدى وتسعون سنة إلّا أشهرًا قليلة.
وروى عَنْهُ بالإجازة: أبو الغنائم بْن علان، وأبو العبّاس بْن أَبِي الخير.
وكان فقيهًا، مُفْتيًا، عارفًا بالمذهب، وُلّي خطابة دمشق مدَّةً طويلة، ودرّس بالغزاليَّة، وكان على طريقةٍ حميدة.
والدَّوْلَعيَّة: من قرى الموصل، وقايد: بالقاف، والتغلبي: بالثالثة.
ووُلّي بعده الخطابة ابن أَخِيهِ جمال الدّين مُحَمَّد بْن أَبِي الفضل بجاه فَلَك الدّين أخي الملك العادل فبقي فِي الخطابة إِلَى أن مات سنة خمس وثلاثين وست مائة.(12/1149)
461 - عَبْد الواحد بْن عبد اللَّه بْن حَيْدرة بْن المحسن، أبو المحاسن السُّلَميّ، الدَّمشقيّ، الحنبليّ، [المتوفى: 598 هـ]
سبط أبي القاسم الحسين ابن البن. [ص:1150]
ولد سنة ثلاث عشرة وخمس مائة، وسمع فِي كِبَره من جدّه، وكان عطّارًا بدمشق.
روى عَنْهُ يوسف بْن خليل، وغيره، وبالإجازة: ابن أَبِي الخير.
وتُوُفّي فِي ثامن عشر ربيع الآخر.(12/1149)
462 - عَبْد الوهّاب بْن مُحَمَّد، أبو مُحَمَّد القَيْسيّ، الأندلسيّ، الأديب، [المتوفى: 598 هـ]
خطيب مالقة.
ورع عالم، متقلِّل مِنَ الدنيا، وله النَّثْر والنَّظْم.
تُوُفّي فِي شوّال، وقد شاخ.
ومن شِعره:
الموتُ حصّاد بلا منجْل ... يسطو على القاطن والمنجلي
لا يقبل العُذر على حالةٍ ... ما كان من مشكلٍ أو من جلي
وله:
بإحدى هَذِهِ الخيمات جارةٌ ... ترى قتْلي وتعذيبي تجارة
وكم ناديتُ: يا سؤلي ارحمينا ... فلسنا بالحديد ولا الحجارة(12/1150)
463 - عفيفة بِنْت طارق بْن سِنان، [المتوفى: 598 هـ]
أخت المحدّث أَحْمَد بْن طارق الكَرْكيّ.
سمعت من سعيد ابن البناء، وأبي بكر ابن الزّاغُونيّ، وجماعة، وحدَّثت، سمع منها: جَعْفَر بْن مُحَمَّد العبّاسي، ويوسف بْن خليل، وتُوُفّيت فِي المحرم ببغداد.(12/1150)
464 - عليّ بْن عتيق بْن عِيسَى بْن أَحْمَد، أبو الْحَسَن الْأَنْصَارِيّ، الخزرجي، القُرْطُبي، [المتوفى: 598 هـ]
أحدُ القرّاء.
أَخَذَ القراءات عَنْ: أبي القاسم ابن الفَرَس، وأبي جَعْفَر البَطْرُوجيّ، وأبي الْعَبَّاس ابن زرقون، وحدث عن أَبِي مُحَمَّد الرُّشاطيّ، وأبي عَبْد اللَّه بْن أَبِي [ص:1151] إحدى عشرة، وأبي الْحَسَن بْن مُغِيث، وأبي القاسم بْن بقي، وأبي بكر ابن العربيّ، وجماعة، وحجّ، فسمع من أَبِي طاهر السِّلَفّي.
ذكره الأَبّار فقال: شيوخه ينيفون على مائة وخمسين شيخاً، وكان بصيرًا بالقراءات والحديث، يشارك فِي عِلم الطّبّ ونظْم الشِّعر، وصنَّف فِي الطّبّ والأصول،
سَمِعَ مِنْهُ: أبو الحسن بن المفضل الحافظ المقدسي، وشيوخنا: أبو عَبْد اللَّه التجيبيّ، وأَبُو الرَّبِيع بْن سالم، وأَبُو الْحَسَن بْن خيرة، وتُوُفّي وله خمسٌ وسبعون سنة.
وقال ابن الزبير: شارك في الكلام، والأصول، والطب، وفي خطّهِ أوهام، وفيه غفلة مُخِلَّة، حدَّث عَنْهُ أبو الحسن ابن القطّان، ويعيش بْن القديم، وشيخنا أبو الْحَسَن الغافقيُّ لِقيه بفاس، وكان آخر مَن حدَّث عَنْهُ.(12/1150)
465 - عليّ بْن مُحَمَّد بْن غُلَيْس، بغين معجمة، أبو الْحَسَن اليمنّي الزّاهد، [المتوفى: 598 هـ]
نزيل دمشق.
كان عبدًا صالحًا، قانتًا لله، جاور مدَّة بالكلّاسة.
قال شهاب الدّين أبو شامة: له كرامات ظاهرة، حكى عَنْهُ شيخنا السّخاويّ أنّه قال: كنت مسافرًا مع قافلة، فإذا سبُعٌ اعترضنا، فتقدمت إليه وهو مقع على ذنبه، فقلت له كلامًا رَأَيْته فِي النوّم كأنّي أقوله لسبُع، وهو: يا كلب أنتَ كلبُ اللَّه، وأنا عَبْد اللَّه، فاخضع واخنع لمن سكن له ما في السماوات والأرض وهو السّميع العليم، فقلت له هَذا الكلام، ثُمَّ تقدَّمتُ فأدخلت يدي فِي فمه، وفليت أسنانه، وشممت مِن فِيهِ رائحة كريهة، وأدخلت يدي بين أفخاذه، فقلبت خصيته، وله من الكرامات غير ذلك، وكان يقول عن نفسه: ابن غُلَيْس ما يسوى فُليْس.
وقال زكيّ الدّين المنذريّ: تُوُفّي ليلة سابع عشر رمضان ودفن بباب [ص:1152] الصغير بالقرب من أَبِي الدّرداء، وكان الجمع متوفرًا ولم يبلغ ستّين سنة، وقد سمع بالقدس من أبي محمد القاسم ابن عساكر، وكان مشهورًا بالصّلاح والخير.(12/1151)
466 - عليّ بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن يعيش، أبو الْحَسَن [المتوفى: 598 هـ]
سِبْط قاضي القضاة أَبِي الْحَسَن عَليّ بْن محمد ابن الدامغاني.
شيخ متميز نبيل، عالي الإسناد، سمع من هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وزاهر بْن طاهر، وهبة الله ابن الطّبر، وغيرهم.
وكان مولده فِي شعبان سنة تسع عشرة.
روى عَنْهُ أبو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، وابن خليل، والضّياء، وابن عَبْد الدّائم، وآخرون، وبالإجازة ابن أبي الخير، والفخر علي.
وتوفي في صفر.(12/1152)
467 - عليّ بْن يحيى بْن صلايا، أبو الْحَسَن العلويّ، الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 598 هـ]
من بيت مشهور، ولي نظر أعمال دُجيل، وتُوُفّي فِي شعبان.(12/1152)
468 - عُمَر بْن عليّ بْن بقاء، أبو حَفْص ابن النّموذج الحرِيميّ، السّقْلاطونيّ. [المتوفى: 598 هـ]
سمع من ابن الحُصَيْن، ووُلِد بعد سنة عشرة وخمس مائة، روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وابنُ خليل، وبالإجازة ابن أبي الخير.
توفي في ثاني عشر المحرم.(12/1152)
469 - فرحة بِنْت قراطاش بْن طُنْطاش الظَّفَريّ العَوْنيّ. [المتوفى: 598 هـ]
كان أبوها مولى عون الدين ابن هبيرة الوزير.
كنيتها أم الحيا.
روت عن إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، روى عَنْهَا ابن خليل، والضّياء المقدسي، والنجيب الحراني، وبالإجازة: الفخر ابن البخاري، وغيره. [ص:1153]
وتوفيت فِي ذي القعدة سنة تسعٍ؛ قاله ابن النجار. وقال ابن الدبيثي: سنة ثمان، فيحرر.(12/1152)
470 - لؤلؤ الحاجب العادليّ. [المتوفى: 598 هـ]
من كبار الدولة، وله مواقف مشهودة بالسّواحل. وكان مقدَّم الغُزاة حين توجّهوا إِلَى العدوّ الّذين قصدوا الحجاز فِي البحر المالح بعدة مراكب وشوكة ومنعة، وسولت لهم أنفسهم أمرا، فما كان الله ليفعل، بل خذلهم وأرسل لهم الغزاة أدركتهم، فأحاطوا بهم، واستولوا عليهم بأسرهم. وكانت غزوة عظيمة القدر، وقدِموا بالأَسرى إِلَى القاهرة، وكان يومًا مشهودًا.
تُوُفّي لؤلؤ بالقاهرة فِي صَفَر.
قال الموفّق عَبْد اللّطيف: كان شيخًا أرمنيًّا فِي الأصل، من أجناد القصر، وخدم مع صلاح الدين مقدمًا للأسطول. وكان حيثما توجه فتح وانتصر وغنم. أدركتُه وقد ترك الخدمة. وكان يتصدَّق كل يوم باثني عشر ألف رغيف مع قُدُور الطعام. وكان يُضعّف ذلك فِي رمضان، ويضع ثلاثة مراكب، كلّ مركب طوله عشرون ذراعًا مملوءة طعامًا، ويدخل الفقراء أفواجًا، وهو مشدود الوسط، قائم بنفسه، وبيده مغرفة، وَفِي الأخرى جرَّة سَمْن، وهو يُصْلح صفوف الفُقراء، ويقرّب إليهم الطعام، ويبدأ بالرجال، ثُمَّ بالنّساء، ثُمَّ بالصبيان. ومع كَثرتهم لا يزدحمون لِعلمهم أن المعروف يعمّهم. فإذا فرغوا بَسَط سِماطًا للأغنياء يعجز الملوك عن مثله. ولمّا كان صلاح الدّين على حَرّان توجّه فرنج الكَرَك والشَّوْبك لينبشوا الحُجرة النّبوية، وينقلوه إليهم، ويأخذوا من المسلمين جُعْلًا على زيارته، فقام صلاح الدّين لذلك وقعد، ولم يمكنه أن يتزحزح من مكانه، فأرسل إِلَى سيف الدولة ابن مُنقذ نائبه بمصر أنْ جهز لؤلؤا الحاجب. فكلمه فِي ذلك فقال: حسْبُك، كم عددهم؟ قال: ثلاث مائة ونيّف كلّهم أبطال. فأخذ قيودًا بعددهم، وكان معهم طائفة من مرتدَّة العرب، ولم يبق بينهم وبين المدينة إلا مسافة يوم، فتداركهم وبذل الأموال، فمالت إليه العرب للذهب، فاعتصم الفرنج بجبلٍ عالٍ، فصعد إليهم بنفسه راجلًا في تسعة [ص:1154] أنفُس، فخارت قوى الملاعين بأمرِ اللَّه تعالى، وقويت نفسه بالله، فسلّموا أنفسهم، فصفّدهم وقدِم بهم القاهرة. وتولّي قتْلهم الفقهاء، والصّالحون، والصُّوفيَّة.(12/1153)
471 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن خَلَف، أبو عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ، المالقيّ. [المتوفى: 598 هـ]
قال الأَبّار: أَخَذَ القراءات عَنْ أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي العبّاس ابن حرب المسيلي، وسمع منهما. وتُوُفّي فِي شوّال بمالقة. وقد نيّف على الثّمانين.(12/1154)
472 - مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم الْأَنْصَارِيّ، أبو عَبْد اللَّه الغَرْناطيّ. ويُعرف بابن بداوة. [المتوفى: 598 هـ]
سمع أَبَا بَكْر ابن العربي، وإبراهيم بن منبه الغافقيّ، وغيرهما. وكان من أبرع النّاس خطًّا. أَخَذَ عَنْهُ أبو القاسم الملّاحيّ، وغيره.
حدَّث فِي أوائل هَذِهِ السّنة. ولم يؤرّخ الأبّار له وفاة.(12/1154)
473 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن سُلَيْمَان بْن عُثْمَان بْن هاجر، أبو عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ، البَلَنْسيّ، الْمُقْرِئ. [المتوفى: 598 هـ]
أَخَذَ القراءات عن أَبِي بَكْر بْن نمارة، ويحيى بْن مُحَمَّد. وحج فسمع من السلفي، وبمكة سمع الصحيح من عليّ بْن عمّار الأطرابُلُسيّ. أَخَذَ عَنْهُ أبو الْحَسَن بْن فِيرُّه، وأبو الرَّبِيع بْن سالم، وأَبُو عَبْد اللَّه بْن أَبِي البقاء.
قال الأَبّار: كان من أَهْل الصّلاح والفضل والورع، محترفًا بالتجارة. توفي في المحرم بمرسية.(12/1154)
474 - مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن، أبو عَبْد اللَّه الرُّعَيْنيّ السَّرَقُسْطيّ المتكلِّم. ويُلَقَّب بالرُّكن. [المتوفى: 598 هـ]
كان رأسًا فِي الأُصول والكلام. يُقرئ الإرشاد للُجَويْنيّ، وغيره بالأندلس. أَخَذَ عَنْهُ أبو الْحَسَن بْن خَرْوف، وأبو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه. [ص:1155]
كان حيًا في هذا العام.(12/1154)
475 - محمد ابن العلّامة أَبِي سعْد عَبْد الكريم بْن أَحْمَد بْن عَبْد الكريم بْن أَحْمَد بْن طاهر. الوزّان، التَّيْميّ، الصَّدْر، الفقيه، العلّامة، عماد الدّين أبو عَبْد اللَّه الشّافعي الرّازي، [المتوفى: 598 هـ]
مصنَّف شرح الوجيز.
تُوُفّي بالريّ فِي ربيع الآخر، ودُفِن فِي جوار يوسف بْن الْحُسَيْن الرّازيّ.(12/1155)
476 - مُحَمَّد بن عليّ بن الحُسَيْن بن محمد بن علي، أبو الحسن ابن قاضي العراق أبي القاسم ابن نور الهدى أبي طالب، الزينبي، الهامشي. [المتوفى: 598 هـ]
سمع من قاضي المَرِسْتان أَبِي بَكْر، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن القاسم الشَّهْرَزُورِيّ.
روى عَنْهُ أبو عبد الله ابن النّجّار، وقال: كان شيخًا صالحًا، ساكنًا، خاشعًا صدوقًا. افتقر فِي آخر عمره فقرًا مُدْقِعًا، وكان صابرًا راضيًا. وكان خليًا من العلم. تُوُفّي فِي الخامس والعشرين من المحرَّم، وقد نيّف على السّبعين.(12/1155)
477 - مُحَمَّد بْن علي بْن مُحَمَّد بن يحيى بن علي بن عبد الْعَزِيز بْن علي، قاضي قُضاة الشّام محيي الدّين، أبو المعالي ابن قاضي القضاة زكي الدِّين أَبِي الْحَسَن ابن قاضي القُضاة المنتجب، أبي المعالي ابن قاضي القضاة الزكي أبي المفضل القُرَشيّ، الدَّمشقيّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 598 هـ]
وُلِد سنة خمسين وخمس مائة، وقرأ المذهب على جماعة. وسمع من والده وعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي الْحَسَن الدّارانيّ، وسَعيد بن سهل الفلكي، والصائن هبة ابن عساكر، وأبي المكارم عَبْد الواحد بْن هلال، وجماعة. وهو من بيت القضاء والحشمة والأصالة والعِلم.
روى عَنْهُ الشّهاب القُوصيّ فِي معجمه، والمجد ابن عساكر، [ص:1156] وغيرهما. وبالإجازة أَحْمَد بْن أَبِي الخير.
وعاش ثمانيًا وأربعين سنة.
وكان أديبًا مُنشِئًا، بليغًا، مُدْرهاً، فصيحًا، مفوَّهاً.
ذكره أبو شامة، فقال: كان عالمًا صارمًا حَسَن الخطّ واللَّفْظ. وشهِد فتح بيت المقدس، فكان أول من خطب به بخطبةٍ فائقة أنشأها. وكانت بيده أوقاف الجامع الأُمويّ، وغيره. ثُمَّ عُزل عَنْهَا سنة موته، وتولّاها شمس الدّين ابن البينيّ ضمانًا، فبقي إِلَى سنة أربع وستّمائة، وعُزِل. وتولّاها الرّشيد ابن أخته ضمانًا بزيادة ثلاثة آلاف دينار، ثُمَّ عُزل فِي أثناء السّنة، وأُبطِل الضّمان، وتولّاها المعتمد والي دمشق.
قال: وكان محيي الدّين قد اضطرب فِي آخر عُمره، وجرت له قضية مع الإسماعيليَّة بسبب قتْل شخصٍ منهم، ولذلك فتح له بابًا سرًّا إلى الجامع من دارهم الّتي بباب البريد لأجل صلاة الجمعة.
قال: وأثنى عليه الشيخ عماد الدين ابن الحَرَسْتانيّ، وعلى فصاحته وحِفْظه لِما يلقيه مِنَ الدّروس.
قال: وتُوُفّي وله ثمان وأربعون سنة. وكذا ابنه القاضي الطاهر.
وكان يَنْهَى عن الاشتغال بكُتُب المنطِق والجدل، وقطّع كُتُبًا من ذلك فِي مجلسه.
وكان قد تظاهر بترك النّيابة فِي القضاء عن القاضي ابن أَبِي عصرون، فأرسل إليه السّلطان صلاحُ الدّين مجدَ الدين ابن النّحّاس والد العماد عَبْد اللَّه الراوي، وأمره أن يضرب على علامته فِي مجلس حُكْمه، ففعل به ذلك، فلزِم بيته حياءً، وطلب ابن أَبِي عصرون من يَنوب عَنْهُ، فأشاروا عليه بالخطيب ضياء الدّين الدَّوْلَعيّ، فأرسل إليه خِلعةَ النيّابة مع البدْر يُونُس الفارِقيّ، فردّه وشتمه، فأرسل إلى جمال الدين ابن الحرستاني، فناب عَنْهُ.
قلت: ثُمَّ بعد هَذَا تُوُفّي ابن أبي عصرون، وولي المحيي القضاء، وعَظُمَت رُتبته عند صلاح الدّين، وسار إِلَى مصر رسولًا من الملك العادل إِلَى [ص:1157] الملك الْعَزِيز يحثّه على الجهاد، وعلي قصد الفرنج.
وأول ما خطب بالقدس قرأ أوّل شيء الفاتحة، ثُمَّ قرأ: فَقُطِعَ دَابِرُ القومِ الذينَ ظَلَمُوا. الآية، ثُمَّ أول الأنعام، والكهف، وحَمْدَلَة النّمْل، وأول سبأ، وفاطر، ثم قال: الحمد لله مُعِزّ الْإِسْلَام بنصره، ومُذل الشِّرْك بقهره، ومصرّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعَم بشُكْره، ومُستدرج الكفّار بمكْره، قدّر الأيّام دولًا بعدله، وجعل العاقبة للمتّقين بفضله، وأفاد على عباده من ظلّه، أظهر دينه على الدّين كله، القاهر فوق عباده فلا يُمانَع، والظّاهر على خليفته فلا يُنازع، والآمر بما شاء فلا يُراجع، والحاكم بما يُريد فَلا يُدافع. أَحْمَده على إظفاره وإظهاره وإعزازه لأوليائه، ونصره لأنصاره، وتطهير بيته المقدّس من أدناس الشِّرْك وأوضاره، حَمَدَ مَن استشعر الحمْد باطن سرّه وظاهر جهاره، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له الأحد الصمد الذي لم يلد لم يولَد، ولم يكن له كُفُوًا أحد. شهادة مَن طهَّرَ بالتّوحيد قلبه، وأرْضَى به ربّه. وأشهد أن مُحَمَّدًا عبده ورسوله، داحض الشِّرْك، وداحض الإفْك، الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى المسجد الأقصى، وعَرَج به منه إلى السماوات العُلَى، إِلَى سِدْرة المُنْتَهَى، عندها جَنَّة المأوى، ما زاغ البَصَر وما طَغَى.
ثُمَّ ترضّى عن الصّحابة، ثُمَّ ذكر الموعظة فأبلغ، مضمونها: تعظيم بيت المقدس، وتعظيم الجهاد، والحث عليه، والدّعاء لصلاح الدّين.
وكان له يومئذٍ ثلاثُ وثلاثون سنة، واسمه على تثمين قبَّة النَّسْر بخطٍّ كوفيّ بفَصٍّ أبيض، وهو ظاهرٌ فِي الجهة الشرقيَّة، فِيهِ أنّ ذلك فُصِّصَ فِي مباشرته. تُوُفّي فِي سابع شعبان.(12/1155)
478 - مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عَبْد اللَّه، أبو بَكْر الصّائغيّ، المَرْوَزِيّ، السّنْجيّ. [المتوفى: 598 هـ]
قال أبو العلاء الفَرَضيّ: هُوَ شيخ صالح، سمع يوسف بْن أيّوب الهَمَذَانيّ الزّاهد، وأبا شجاع عُمَر البِسْطاميّ، وأبا الفتح مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن [ص:1158] الكشْمِيهَنيّ، وعمر بْن مُحَمَّد السَّرْخسيّ، تُوُفّي فِي المحرَّم.(12/1157)
479 - مُحَمَّد بْن محمود بْن أَحْمَد بْن علي ابن الصابونيّ. الصُّوفيّ، أبو عَبْد اللَّه. [المتوفى: 598 هـ]
وُلِد بمكَّة ونشأ ببغداد، وسمع الكثير من سَعِيد بْن أحمد ابن البنّاء، وأبي الوقت، وجماعة. وبالثّغر من السَّلفَيّ.
روى عَنْهُ: يوسف بْن خليل، وقال: مات بدمشق في شعبان سنة ثمان وتسعين وخمسمائة.(12/1158)
480 - مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن عَليّ، أَبُو عَبْد اللَّه الرَّبْعيّ الكِرْكِنتي، القَيْروانيّ، الفقيه، المالكيّ. [المتوفى: 598 هـ]
تُوُفّي وله إحدى وتسعون سنة، وقد حدَّث عن أَبِي الحَجّاج يوسف بْن عَبْد الْعَزِيز المَيُورقيّ.
تُوُفّي فِي سلْخ ذي الحجَّة بالإسكندرية.(12/1158)
481 - مُبَادر ابن الأجّل أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مبادر. الأَزَجيّ، الكاتب، الشافعي. [المتوفى: 598 هـ]
تفقّه، وناظر، وتكلَّم فِي مسائل الخلاف، وحدَّث عن ابن البطّيّ، وغيره.(12/1158)
482 - محمود بْن الْحُسَيْن بْن الْحَسَن بْن أَحْمَد، أبو الثّناء السّاويّ، الصُّوفيّ. لَقَبُه: مخلص الدّين. [المتوفى: 598 هـ]
وهو والد المُسْنِد يوسف السّاوي.
وُلِد سنة إحدى عشرة وخمس مائة، وسمع فِي الكهولة من السِّلَفيّ مع ولده، وحدَّث، وكان صالحًا خيّرًا.
تُوُفّي بمصر.(12/1158)
483 - محمود بْن سُلَيْمَان بْن سَعِيد، الْبَغْدَادِيّ، ويعرف بابن المحتسب. [المتوفى: 598 هـ][ص:1159]
مَوْصِليّ أديب، فاضل، شاعر، مُحسِن بديع القَول. مدح صاحبَ الموصل، وقدِم بغداد فسكنها، وولي نظر الأوقاف.
وعاش ستًّا وستّين سنة. وتُوُفّي فِي ثالث شعبان بالموصل.
ومن شِعره:
أهابُ وصْفَ الخمر فِي إهابها ... يا حَبَّذا اللؤلؤ من حبابها
حيا بها السّاقي وقد أقعدهُ ... سكرٌ فزيد الشُّكر إذ حَبَا بها
اعْنَ بها يا أيُّها المغْرَى بها ... وأَسْلف النُّضَار فِي أعنابها
ثَوَى بها كلّ سرورٍ عندنا ... وإثْمُها أكبرُ من ثوابها(12/1158)
484 - محمود بْن عَبْد المنعم بْن مُحَمَّد بن أسد بن علي، أبو التمام التميمي، الدمشقي. [المتوفى: 598 هـ]
وُلِد سنة ستّ عشرة وخمس مائة. وسمع من جمال الْإِسْلَام أَبِي الْحَسَن السُّلَمي معجمَ ابن جُمَيْع. روى عَنْهُ يوسف بْن خليل، وإسحاق بْن الخضِر بْن كامل السُّكَّريّ، والحافظ الضياء، والفقيه محمد اليونيني، وموسى بن راجح، وجماعة، والشّهاب القُّوصيّ، وقال: لَقَبُه شرف الدّولة.
روى عَنْهُ إجازةً: أَحْمَد بْن أَبِي الخير وغيره. وتوفي في حادي عشري جُمادى الأولى.(12/1159)
485 - محمود بْن مُحَمَّد بْن قُلْ هو الله خوان، أبو القاسم الأصبهاني. [المتوفى: 598 هـ]
روى عن. . . وتوفي عن بضع وسبعين سنة.(12/1159)
486 - نصر اللَّه بْن سلامة بْن سالم، أبو المعالي الهيتي، المقرئ. [المتوفى: 598 هـ]
تُوُفّي بالموصل أو بهيت.
روى عن أَبِي الفتح الكَرُوخيّ، وأبي الفضل الأُرْمَوِيّ، وابن ناصر، وجماعة. روى عَنْهُ الحافظ ضياء الدّين، وابن خليل، واليَلْدانيّ، وسماعهم منه بالموصل. [ص:1160]
ويُعرف بابن حَبَن، بمُهْمَلة وموحَّدة بالفتح. وهو أخو مَنْصُور. وهو من هِيت البلد الّذي فوق الأنبار على الفُرات. وأمّا هِيت الّتي من أعمال زَرْع فنُسب إليها جماعة من الرُّواة.
تُوُفّي فِي جُمادى الأولى.(12/1159)
487 - نَصْر بْن مُحَمَّد بْن مقّلد، الْإِمَام أبو الفتح القُضاعيّ، الشَّيْزَريّ، الفقيه الشّافعيّ، الملقَّب بالمُرْتَضَى [المتوفى: 598 هـ]
من علماء الديار المصريَّة.
تفقَّه على: أَبِي حامد مُحَمَّد بن محمد البرويي، وأبي سعْد عَبْد اللَّه بْن أَبِي عصرون. وسمع بدمشق من الحافظ ابن عساكر. وسكن مصر، ودرس بالقرافة. بمدرسة الشافعي. وحدث.(12/1160)
488 - هبة اللَّه بْن الْحَسَن بْن أَبِي سعْد المظفّر بْن الْحَسَن بْن المظفَّر، أبو القاسم الهَمَذَانيّ الأصل، البغدادي، المراتبيّ، المعروف بالسِّبْط، [المتوفى: 598 هـ]
سِبْط ابن لال.
وُلِد فِي حدود سنة عشْرٍ وخمس مائة. سمع من أَبِيهِ أَبِي عليّ، وأبي نصر أحمد بن عبد الله بن رضوان، وأبي العزّ أَحْمَد بْن كادش، وأبي القاسم ابن الحصين، وأبي غالب ابن البناء، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن المَزْرَفيّ، وأبي الحسين ابن الفرّاء، وعليّ بْن عَبْد القاهر بْن آسة الفَرَضيّ، وعبد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن شاتيل، وإسماعيل بْن أَبِي صالح المؤذّن، وجماعة.
روى عَنْهُ أبو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، وقال: كان صحيح السّماع، فِيهِ تسامح فِي الأمور الدّينيَّة، وأبو مُوسَى بْن عَبْد الغنيّ، وابن خليل، والضّياء، واليَلْدانيّ، والنّجيب، وابن عَبْد الدّائم، وآخرون. وبالإجازة: ابن أبي الخير، والفخر ابن البخاري. [ص:1161]
وتُوُفّي فِي العشرين من المحرَّم. وقيل: إنّه وُلِد فِي رجب سنة ثلاث عشرة.
قال ابن نُقْطَة: كان غير مَرْضِيّ السّيرة فِي دينه.
وقال ابن النّجّار: كان فَهِمًا، ذَكيًّا، حفظة للشعر والنوادر، ظريفاً، برع في علم السكاكين، وعمل شطرنج عاج وآبنوس زنة حبتين وأرزة كان مثل الخردل، وأشكاله مفسَّرة. ثُمَّ كبَر وعجز، وساءت أخلاقه، وصار وسخاً، وقذرًا لا يتق النجاسة، ولم يكن فِي دينه بذاك. وكان يسّب أَبَاهُ كيف أسمعه وكان مع فَقْره وعسارته لا يطلب شيئًا على الرّواية.(12/1160)
489 - هبة الله، ويسمى أيضًا سيد الأهل، ابن علي بن سعود بْن ثابت بْن هاشم بْن غالب، أمين الدّين، أبو القاسم الأَنْصَاري، الخَزْرَجيّ، المنسْتِيريّ الأصل، البُوصِيريّ، ثُمَّ الْمَصْرِيّ المولد والدّار، الأديب الكاتب. [المتوفى: 598 هـ]
وُلِد سنة ستٍّ وخمس مائة، وعاش اثنتين وتسعين سنة. وكان مُسْنِد ديار مصر فِي وقته. سمع مع السِّلَفيّ، وبقراءته من أَبِي صادق المديني، وأبي عبد الله محمد بن بركات السّعيديّ، وأبي الْحَسَن عليّ بْن الْحُسَيْن الفرّاء، وسلطان بْن إِبْرَاهِيم، والخَفِرَة بِنْت مبشّر بْن فاتك، وغيرهم. وانفرد بالسّماع منهم. وأجاز له أبو الْحَسَن الفرّاء، وابن الخطّاب الرّازيّ وقد سمع منهما، وسمع من أَبِي طاهر السِّلَفيّ.
وحدَّث بمصر والإسكندرية، ورحل إليه المحدّثون، وقُصِد من البلاد. روى عَنْهُ ابن المفضل المقدسي، وابن خليل، والضياء، وأبو الْحَسَن السّخاويّ، والرّشيد أبو الْحُسَيْن العطّار، والرّضَى عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُقْرِئ، وأبو سليمان الحافظ، والشَّرَف عَبْد اللَّه بْن أَبِي عُمَر، والزَّيْن أَحْمَد بْن عَبْد الملك، ومحمد بْن البهاء، وخطيب مردا، وأحمد ابن زين الدّين، وأبو بَكْر بْن مكارم، ومحمد بْن عَبْد الْعَزِيز الإدريسيّ، وسليمان الأسْعرديّ، وأبو عمرو بن الحاجب، والملك المحسن أحمد ابن صلاح الدّين، وإسماعيل بْن عَبْد القويّ بْن عَزُون، وأبوه، وإسماعيل بْن صارم، وعبد اللَّه بن علاق، [ص:1162] وعبد الغنيّ بْن بنين، وخلْق كثير. وأجاز لأحمد بْن أَبِي الخير.
وقد قرأت بخطّ أحمد ابن الجوهريّ الحافظ أنّه قرأ بخطّ حسن بْن عَبْد الباقي الصَّقَلّيّ أنّه سَأَلَ أَبا القاسم البُوصِيريّ الإجازة لجميع المسلمين ممّن أدرك حياته، فتلفّظ بالإجازة.
قلت: وتُوُفّي فِي ثاني ليلة من صفر.
وقال الضيّاء المقدسيّ: كان شيخنا البُوصِيريّ ثقيل السَّمْع، فكنتُ إذا قرأتُ عليه أرفع صوتي، وكان يسمع بأُذُنه اليُسْرى أجود. وكان شرس الأخلاق. وشاهدته يومًا وشيخنا الحافظ عَبْد الغنيّ يقرأ عليه من الْبُخَارِيّ فجاء فِي الحديث: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلْك وله الحمد. . . الحديث.
فقال أبو القاسم: ليس فِيهِ: ويُحيى ويميت. فعلمت أنه يسمع ولله الحمد.(12/1161)
490 - يحيى بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عِيسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن، أبو العبّاس القُرْطُبيّ، المعروف بابن الحاجّ المجريطيّ. [المتوفى: 598 هـ]
ذكره الأَبّار، فقال: أَخَذَ القراءات عن أَبِيهِ، وعن أَبِي زَيْدٍ الخَزْرَجيّ. وسمع من أَبِي مروان بْن مسرَّة، وأبي جَعْفَر البطروجي، وأبي بكر ابن العربي. وأخذ العربية عن أبي بكر بن سمجون. وأجاز له الشيخ أبو عبد الله بن مَعْمَر، وغيره. وولى قضاء جَيّان، ومُرْسِيَة وغَرْناطة. ثُمَّ قدِم بعد أَبِي الْوَلِيد بْن رُشْد لقضاء قُرْطُبة. وكان معدودًا فِي رجالها، وذوي النّباهة مع الجزالة والعدالة والإيثار للحقّ والصَّدع به. أقرأ القرآن وأسمع الحديث. وروى عَنْهُ جماعة من شيوخنا. وتُوُفّي فِي جُمادى الآخرة. وكان مولده في سنة تسع عشرة وخمس مائة.(12/1162)
-وفيها وُلِد:
البدر أَحْمَد بْن شَيْبَان بْن تغلِب فِي آخر ربيع الآخر، وشمس الدّين مُحَمَّد بْن دَاوُد بْن إلياس التّغلبيّ، وعماد الدين داود بن يحيى القرشي والد القفجاري، والشّهاب عَبْد الرحيم بْن يوسف ابن خطيب المِزَّة، فِي ذي القعدة، والشّيخ عَبْد البصير بْن عليّ المريوطيّ، والرّشيد عُمَر بْن إِسْمَاعِيل الفارقيّ، وإلياس بْن علوان الملقّن.(12/1162)
-سنة تسع وتسعين وخمس مائة(12/1163)
491 - أَحْمَد بْن عَبْد الْعَزِيز، أبو العبّاس الحربيّ، الخردليّ. [المتوفى: 599 هـ]
حَدَّثَ عن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بن يوسف، وغيره. وتوفي في ذي الحجة.(12/1163)
492 - أحمد ابن قاضي القضاة أَبِي طَالِب عَليّ بْن عليّ ابن الْبُخَارِيّ. أقضى القُضاة أبو الفضل. [المتوفى: 599 هـ]
نابَ عن والده فِي القضاء بالحريم، وولي بعد ذلك قضاء العراق سنة أربعٍ وتسعين، وعُزِل بعد سنة بأبي الفضائل القاسم بْن يحيى الشّهْرزُوريّ، تُوُفّي فِي ذي الحجَّة، ولا أعلم له رواية.(12/1163)
493 - أَحْمَد بْن عليّ بْن هلال بْن عَبْد الملك، أبو الفُتُوح الْبَغْدَادِيّ، القارئ المعروف بالمعمّم. [المتوفى: 599 هـ]
روى بالإجازة عن أَبِي العزّ بْن كادش، وأبي القاسم بْن الحُصين.
سمع منه أبو عبد الله الدبيثي، وغيره.
وتوفي فِي صفر.(12/1163)
494 - أَحْمَد بْن يحيى بْن أَحْمَد بْن عميرة، أبو العبّاس الضّبيّ الأندلسيّ. [المتوفى: 599 هـ]
أَخَذَ عن أَبِي عَبْد اللَّه بْن حَميد. وحجّ فأخذ عن أَبِي الطّاهر بْن عَوْف المالكيّ، وإسماعيل بن قاسم الزيات. ونسخ بخطّه ما لا ينحصر، وحدَّث. وعاش بِضْعًا وأربعين سنة.
سقط عليه حائط بمَرْسِيَة فاستشهد فِي ربيع الآخر.(12/1163)
495 - أَحْمَد بْن يحيى بْن إِبْرَاهِيم بْن سعود، أبو العبّاس العَبْدَريّ القُرْطبيّ. [المتوفى: 599 هـ]
سمع من أَبِي جَعْفَر البطروجي، وأبي عَبْد اللَّه بْن أَبِي الخصال. [ص:1164]
وكان كاتبًا، بليغًا، مفوَّهًا، ظريفًا، حُلْو النّادِرة، قويّ العارِضة، بارع الكتابة بمرة. له النَّظْم والنَّثْر. كتب لبعض ملوك الأندلس.
قال الأَبّار: بلغني أنّ كُتُبه أبيعت بستَّة آلاف دينار. وتُوُفّي بمراكش وورّخه.
قلت: لعلّه عاش ثمانين سنة.(12/1163)
496 - أَحْمَد بن يوسف بن الحسين، أبو العباس ابن الْقِرْمِيسِينيّ، الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 599 هـ]
وُلِد فِي سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة، وسمع أَبَا الفضل الأُرْمَوِيّ، وأبا الكَرَم الشّهرزُوريّ الْمُقْرِئ، وجماعة.
وأكثر التّطواف فِي الأرض للتّجارة حتّى دخل الهند، والتُّرك، واليمن، ورأي العجائب. وسمع بنَيْسابور من هبة الرَّحْمَن بْن عَبْد الواحد القُشَيْريّ.
ومات بالموصل فِي جُمادى الأولى.
روى عَنْهُ الدُّبيثيّ.(12/1164)
497 - أَحْمَد بْن أَبِي النّجم بْن نَبْهان بْن مُحَمَّد. الشّيخ المعمّر أبو سالم الأَبْهَريّ، الزَّنْجانيّ، القاضي. [المتوفى: 599 هـ]
وهو أحمد بن سالم المذكور سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. وما أحسبه بقي إِلَى هَذَا الوقت.
أجاز له الشَّيْخ أبو بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد الزَّنْجَريّ شيخ السِّلَفّي فِي الأربعين البلديَّة، فِي سنة إحدى وخمس مائة، وهو آخر مَن روى عَنْهُ فِي الدُّنيا.
حدَّث ببغداد، ومكَّة.
قال الحافظ المنذريّ: حُدِّثنا عَنْهُ. وتُوُفّي فِي هَذِهِ السنة.(12/1164)
498 - إبراهيم بن محمد بن أحمد ابن الصّقّال. الفقيه أبو إِسْحَاق الطّيبيّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الحنبلي، المعدل. [المتوفى: 599 هـ][ص:1165]
وُلِد سنة خمسٍ وعشرين وخمس مائة. وتفقَّه عَلَى: القاضي أَبِي يَعْلَى الصّغير مُحَمَّد بْن محمد، وأبي حكيم إبراهيم بن دينار النهرواني.
وسمع من أبي العباس ابن الطلاية، وابن ناصر، وسعيد ابن البناء، وجماعة.
وكان ثقة ثبْتًا صالحًا، إمامًا فِي الفرائض والحساب.
روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، والضّياء مُحَمَّد، وابن النّجّار، وغيرهم.
وتُوُفّي فِي أوّل ذي الحجة، وشيعه خلق، وحمل على الرؤوس رحمه اللَّه.(12/1164)
499 - إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد بْن حسان بْن جواد بْن عليّ بْن خزرج. القاضي الجليل، أبو الطاهر ابن القاضي أَبِي عَبْد اللَّه الأنصاريّ، الفقيه المصريّ، الشافعي. [المتوفى: 599 هـ]
رحل إلى بغداد، وتفقه على الإمام أَبِي القاسم يحيى بْن فَضْلان. وسمع الحديث. وحدَّث عن مَنُوجِهْر شيئًا قليلًا.
تُوُفّي بمصر فِي رمضان.(12/1165)
500 - إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن يوسف، أبو الفتح المَرْوَزِيّ، الفاشانيّ. [المتوفى: 599 هـ]
سمع أبا سعد ابن السّمعانيّ الحافظ، وببغداد: أَبَا الفتح بْن عَبْد السّلام، وحدَّث بمرو.
وفاشان - بالفاء - من قرى بغداد، وأمّا باشان القرية الّتي من هَرَاة فيقال لها: فاشان أيضًا، منها: أبو عبيد صاحب الغريبين، وغيره.
وأمّا قاشان - بالقاف - فبلد مشهور بقرب قُمّ.
وأمّا قاسان - بالقاف وسين مهملة - فبلد كبير بما وراء النّهر، وأهله يعقدون القاف فيقولون كاسان. وقاشان أيضًا بُليدة بخُراسان، وناحية من أعمال إصبهان.(12/1165)
501 - إِسْمَاعِيل بْن مظفّر بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن زَيْدِ بْن ثابت، أبو مُحَمَّد الكَرْخيّ، الشُّرُوطيّ، المعروف بابن المنجم. [المتوفى: 599 هـ][ص:1166]
وُلِد سنة اثنتين وثلاثين، وسمع مُحَمَّد بْن مُحَمَّد السّلّال، والمبارك بْن عليّ السِّمْذِيّ، والأُرْمَوِيّ، وجماعةٍ.
وتُوُفّي فِي ربيع الآخر.
روى عَنْهُ الدبيثي.
وأجاز للفخر علي.(12/1165)
502 - بركات بْن أَبِي غالب بْن نزّال بْن همّام، أبو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، السَّقْلاطُونيّ. [المتوفى: 599 هـ]
سمع أَبَا الحسن ابن الزّاغُونيّ، والقاضي أَبَا بَكْر، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ.
ويُسمّى أيضًا بعبد اللَّه.
روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وقال: تُوُفّي فِي ربيع الأوّل.(12/1166)
503 - الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم بْن مَنْصُور بْن الْحُسَيْن بْن قَحْطَبَة، أبو عليّ الفَرَغانيّ الأصل، الْبَغْدَادِيّ، الصُّوفيّ، المعروف بابن أشنانة. [المتوفى: 599 هـ]
وُلِد سنة إحدى عشرة وخمس مائة، وسمع من هبة الله بْن الحُصَيْن، والحسن بْن أَحْمَد بْن جكينا.
شيخ صوفي ظريف، حَسَن المذاكرة. صحِب الصُّوفيَّة برباط الزَّوْزنيّ.
قال الدُّبيثيّ: لا بأس به. تُوُفّي فِي ثامن عشر صفر.
روى عَنْهُ هُوَ والضّياء، وابن خليل، والنّجيب عَبْد اللّطيف، والتّقّي اليلدانيّ، وآخر من روى عَنْهُ بالإجازة الفخر عليّ.(12/1166)
504 - الْحَسَن بْن عليّ بْن الْحَسَن، أبو مُحَمَّد العبْديّ الْبَصْرِيّ، الأديب، المُنشئ. [المتوفى: 599 هـ]
قدِم بغداد، وسمع من ابن ناصر، وعاد إِلَى بلده، وسمع من غير ابن ناصر.(12/1166)
505 - دَاوُد بْن يوسف بْن إِبْرَاهِيم، أبو السّعادات الحربي، المؤدب. [المتوفى: 599 هـ][ص:1167]
سمع ابن الطلاية، وسعيد ابن البناء. وحدث. وتوفي في جمادى الآخرة.(12/1166)
506 - زُمُرُّد خاتون، التُّركيَّة الجهة المعظّمة، أمّ أمير المؤمنين النّاصر لدين اللَّه. [المتوفى: 599 هـ]
عاشت فِي خلافة ابنها أربعًا وعشرين سنة. وحجّت، ووقفت المدارس والرُّبَط والجوامع. ولها وقوفٌ كثيرة فِي القُرُبات. وقد أنفقت فِي حَجَّتها نحوًا من ثلاث مائة ألف دينار.
وحزن عليها الخليفة ومشى أمام تابوتها، وحُمِلت إِلَى تُربة معروف الكَرْخِيّ، وشيّعها الأكابر. وكاد الوزير أن يهلك من المشْي، وقعد يستريح مرّات، وعُمِل عزاؤها شهرًا وأُنشِدَت المراثي. وأمر الخليفة بتفريق ما خلَفته من ذهب وجوهر وثياب.
وتُوُفّيت فِي ربيع الآخر.
قال لنا ابن البُزُوري فِي تاريخه: عظُمَ على الخليفة مُصابُها، وتجرّع لفقْدها مُرّ الأحزان وصابَها. وتقدّم إِلَى الوزير وأرباب الدّولة، الكلّ والمدّرسين بالحضور إِلَى باطن دار الخلافة للصّلاة عليها، فلبِسوا ثياب العزاء، ورفعت الغرز والطَّرْحات والبَسْمَلة من بين يدي الأمراء. وخرج الوزير نصير الدين ابن مهديّ ماشيًا من داره إِلَى دار الخلافة. وصلى عليها ولدُها، ثُمَّ أمَّ بالجماعة الوزير، وأُنزِلت فِي الشَّبّارة، ونزل النّاس فِي السُّفن قيامًا، ولم يزل الوزير وأرباب المناصب يتردّدون إِلَى التُّرْبة شهرًا كاملًا بثياب العزاء. ولا ضُرِبَ طبل، ولا شُهِر سيف، ولا نودي ببسم اللَّه. قال: ودام لبْس ثياب العزاء سنة كاملة.
قلت: وهذا أمرٌ لم يُعمل مثله بأحدٍ بل ولا بخليفة.(12/1167)
507 - شعيب بْن عامر، أبو مُحَمَّد القَيْسيّ، الإشبيلّي، المؤدب. [المتوفى: 599 هـ]
أخذ القراءات عن جده لأمه شعيب بْن عِيسَى الأشْجَعيّ. وأخذها جدُّه عن خَلَف بْن شُعيب صاحب مكّيّ. وكان جدّه من كبار الأئمة فأكثر عَنْهُ، وطال عمره. [ص:1168]
أجاز لابن الطيلسان في ذي الحجة سنة تسع وتسعين وخمسمائة بإشبيلية.(12/1167)
508 - شَبث بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد الأديب، أبو الْحَسَن ضياء الدّين الْمَصْرِيّ، القِنَويّ. [المتوفى: 599 هـ]
وُلِد بقنا، من عمل قوص، سنة اثنتي عشرة وخمس مائة. روى عَنْهُ الشّهاب القُوصيّ مِن شعره جملة، وقال: هو إمام العربية فِي عصره، وفريد دهره. ثُمَّ ورَّخ موته في العام.(12/1168)
509 - طُفَيْل بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الطُّفيْل، أبو نصر العَبْديّ، الإشبيليّ، الْمُقْرِئ المعروف بابن عظيمة. [المتوفى: 599 هـ]
أَخَذَ القراءات عن أَبِيهِ أَبِي الْحَسَن، وأبي الْحَسَن شُرَيْح. وأدَّب بالقرآن. وكان مجوداً، ضابطاً، عارفاً.
وطال عمره وأخذ عَنْهُ الآباء والأبناء. روى عَنْهُ أبو علّي الشّلُوبينيّ. وأجاز له ولابن الطَّيْلَسان فِي هَذِهِ السنة في رمضان.
ولم يؤرخ الأبار له وفاة.(12/1168)
510 - عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن بْن زَيْدِ بْن الْحَسَن، أَبُو مُحَمَّد الكِنْديّ، [المتوفى: 599 هـ]
أخو التّاج الكِنْديّ.
تاجر متميّز سمْح جواد. وُلِد سنة تسعٍ وعشرين وخمس مائة. وسمع ابن ناصر، وسعيد ابن البناء، وَعَبْد الملك بْن عَليّ الهَمَذَانيّ. وأجازَ لَهُ أبو القاسم هبة الله ابن الطّبر، وجماعة. وحدَّث بدمشق. روى عَنْهُ الحافظ الضّياء، وغيره. وتُوُفّي بدمشق فِي ذي القعدة.
وهو والد أمين الدّين أَحْمَد الّذي ورث تاج الدين وبقي إلى قريب الأربعين وستمائة. وأجاز للعماد ابن البالسيّ.(12/1168)
511 - عَبْد اللَّه بْن دَهْبَل بْن عليّ بْن مَنْصُور ابن كارِه، أبو مُحَمَّد الحريميّ، الدّقّاق، وقيل: اسمه صالح. [المتوفى: 599 هـ][ص:1169]
سمع قاضي المَرِسْتان أَبَا بَكْر، وأبا غالب ابن البناء، وأبا القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ. روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وابن خليل، والضّياء، وابن عَبْد الدّائم، والنّجيب الصَّيْقَليّ، وآخرون. وبالإجازة: ابن أَبِي الخير، والقُطْب ابن عَصْرُون، والشّيخ شمس الدّين عَبْد الرَّحْمَن الحنبليّ، وجماعة آخرهم موتًا مُسْنِد الدنيا الفخر عليّ.
تُوُفّي فِي عاشر رمضان.(12/1168)
512 - عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عليّ. الأستاذ أبو مُحَمَّد ابن عَلُّوش الأندلسيّ، الإشبيليّ [المتوفى: 599 هـ]
نزيل مَرَّاكُش.
أَخَذَ القراءات عن أَبِي الْحَسَن شُرَيْح. وسمع من جدّه محمد بن علي، وأبي بكر ابن العربي. وأدب ولد صاحب المغرب المنصور أبي يوسف يعقوب بْن يوسف بمَرّاكُش. وكان محقِّقًا مَهِيبًا، مشدّدًا على التلميذ، مجوِّدًا، عارفًا بالقراءات، مشارِكًا فِي العربية. تُوُفّي بعد سنة تسعٍ وتسعين. قاله الأَبّار.(12/1169)
513 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عِيسَى، أبو مُحَمَّد التّادليّ، الفاسيّ، الحاكم. [المتوفى: 599 هـ]
قال الأَبّار: روى عن أَبِي بحر الأسَدَيّ، وأبي مُحَمَّد بْن عتّاب. كتب إليه وولّاه الخليفة أبو يعقوب قضاء مدينة فاس فِي سنة تسعٍ وسبعين. ودخل أيضًا إِلَى الأندلس في المدة اللمتونية، وأدرك أبا بكر ابن العربيّ. وسمع من القاضي عِياض، وغيره، ولم يحدّث إلّا عن ابن عتّاب، وأبي بحر. وكان فقيهًا متفنِّنًا، جليل القدر، له رسائل وأشعار، مع شجاعة وصرامة. وكان أَبُوهُ أحد الفُقهاء المشاوَرِين بفاس.
ثُمّ قال: روى عَنْهُ أبو عبد الله الحضرمي، وأبو محمد بْن حَوْط الله، وأَبُو الربيع بْن سالم. وقال لي أبو الرَّبِيع: هُوَ آخر من حدَّث عن المذكورين. كذا قال. وقد تقدَّم أنّ عبد الله بْن طَلْحَةَ بْن أَحْمَد آخر من حدَّث عَنْهُمَا. [ص:1170]
قلت: بل هَذَا آخر من حدَّث عَنْهُمَا.
قال ابن فَرْتُون - كما نقل الأَبّار عَنْهُ - قال: توفي قرب الست مائة، وقد اختلّ ذِهنه من الكِبر.
قال الأَبّار: وقد حدَّث عن أَبِي بحر الأَسَديّ شيخنا أبو بَكْر بْن أَبِي جمرة، وتأخّر عن الإثنين.
قلت: يعني حدَّث عَنْهَما بالإجازة، وكثيرًا ما يقول الأَبّار وغيره من المغاربة: حدَّث فلان، عن فُلان، وإنّما يكون ذلك بالإجازة، وَفِي هَذَا تدليس وتعمية للسّماع من الإجازة.
وحدَّث عن صاحب التّرجمة أبو الْحَسَن الشّاري، وقال: تُوُفّي بمكناسة مغربًا عن وطنه سنة سبع وتسعين.
قلت: إنّما ذكرتُه هنا على التقريب لقول ابن فَرْتُون تُوُفّي قرب السّتّمائة.(12/1169)
514 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد القاهر بْن عُليّان، أبو مُحَمَّد الحربيّ. [المتوفى: 599 هـ]
سمع هبة اللَّه بْن الحُصين، وأبا الحسين ابن الفراء، وأبا بكر الأنصاري، وأبا القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ.
وكان يُسمّى أيضًا بعبد الغنيّ، ويُكَنّى أيضًا بأبي الغنائم.
قال الدُّبيثيّ: مرض وأصابه فِي آخر عمره نوع من السوداء، وجئناه لنسمع منه فأبى، وكان قد تغيَّر.
قلت: روى عَنْهُ ابن خليل، والنّجيب عَبْد اللّطيف، والحافظ الضّياء. وأجاز لابن أَبِي الخير. وتُوُفّي فِي ثاني عشر ربيع الأول.(12/1170)
515 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن مُوسَى بْن سُلَيْمَان، أبو بَكْر بْن بُرطُلُه الأزْديّ، المُرْسيّ، [المتوفى: 599 هـ]
سِبْط الحافظ أَبِي عليّ بْن سُكَّرة الصَّدفيّ.
قرأ القراءات على أَبِي عليّ بْن عريب، وسمع منه، ومن أَبِي بَكْر بْن أَبِي ليلى، وجماعة. وتفقّه بأبي عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرحيم، وبأبي مُحَمَّد بْن عاشر. وسمع من أَبِي الْحَسَن ابن النّعمة بَبَلْنِسيَة. وولي قضاء دانية مُدَّة، وحُمدت سيرته. وولي خطابة مُرْسِيَة دهرًا. ذكره أبو عَبْد اللَّه الأَبّار وقال: كان حافظًا للحديث، متقِنًا، ذا حظٍّ من العربية، مدرّسًا للفقه. قال لي ابنه أبو مُحَمَّد: إنّه عرض المدوّنة على أَبِي عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرحيم، وبعض العتبية. وعرض كتاب البراذعي، على ابن عاشر. وحدَّث. تُوُفّي فِي ربيع الأوّل كهُلًا أو فِي أوّل الشّيخوخة.(12/1171)
516 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مكّيّ بْن حَمْزَة بْن مُوَقَّى بْن عليّ، أبو القاسم الأنصاريّ، السّعديّ، الإسكندرانيّ، المالكي التاجر. ويعرف بابن غلاس. [المتوفى: 599 هـ]
وُلِد سنة خمس وخمس مائة. وسمع من أَبِي عَبْد اللَّه الرّازيّ وله منه إجازة أيضًا. وهو آخر من حدَّث عَنْهُ. روى عَنْهُ الحافظ عليّ بْن المفضّل، والزّين مُحَمَّد بن أحمد ابن النَّحْويّ، وأبو الفتح مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن إِسْمَاعِيل اللَّخْميّ، ومنصور وأحمد ابنا عَبْد اللَّه ابن النّحّاس، وجعفر بْن تمّام، وعبد اللَّه وحسين ابنا أَحْمَد بْن حديد الكِنانيّ، والحسن بْن عُثْمَان المحتسب، وهبة اللَّه بْن زُوين الفقيه، وعثمان بْن هبة بْن عَوْف الزُّهْريّ الإسكندرانيون، وخلق سواهم. وآخرهم موتًا عثمان، بقي إِلَى سنة أربعٍ وسبعين.
قال الحافظ المنذريّ: لم يزل صحيح السّمع والبَصَر والجسد إِلَى أن مات. وتصدّق بألف دينار تُخْرَج من ثُلُثِه بعد موته. وتُوُفّي فِي سلخ ربيع الآخر.(12/1171)
517 - عَبْد الرحيم بْن أَبِي البركات الْمُبَارَك بْن كَرَم بْن غالب، أبو الفَرَج البَنْدَنِيجيّ، ثمّ البغدادي، الخازن. [المتوفى: 599 هـ][ص:1172]
سمع أَبَا سعْد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، وأبا الفضل الأُرْمَوِيّ، وابن الطّلّاية، وحدَّث. ومات فِي المحرَّم.(12/1171)
518 - عَبْد الرحيم بْن عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي البقاء هبة اللَّه بْن القاسم بْن البُنْدار الحريميّ. [المتوفى: 599 هـ]
سمع من أَبِي الوقت، وأبي جَعْفَر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الطّائيّ. وحدَّث.(12/1172)
519 - عَبْد الوهّاب بْن يوسف بْن عليّ، أبو مُحَمَّد الدَّمشقيّ، الحنفيّ، بدر الدّين. [المتوفى: 599 هـ]
قرأ المذهب على الفقيه غالي بْن إِبْرَاهِيم الغزنويّ. وسمع من ابن صدقة الحرّانيّ. ودرّس بمدرسة السّيُوفيّين بالقاهرة، وناب فِي القضاء، وأفتى، وله شعر وفضائل.
توفي في صفر بالقاهرة.(12/1172)
520 - عُبَيْد اللَّه بْن علي بْن نصر بْن حُمرة، أبو بَكْر ابن المارِسْتانيَّة. [المتوفى: 599 هـ]
قال ابن نقطة: حدثني علي بن أحمد الزيدي، أن ابن المارستانية استعار منه مغازي الأموي فردّها، وقد طبّق عليها السّماع على كلّ جزء ولم يسمعها. وكان شيخنا ابن الأخضر يَنْهَى أن يُسمع على أحد بنقله أو بخطّه، أو بخطّ أَبِي بَكْر بْن سوار.
وسمعت نصر بْن عَبْد الرّزّاق الجيليّ يقول: اجتاز ابن المارِسْتانيَّة على باب مسجد عَبْد الحقّ بْن يوسف ونحن نسمع. فلمّا رآه نهض إليه، وأخذ عُكّازَه، وجعل يضربه ويقول: ويلك تستعير مني أجزاء ثم تردها علي، وقد سمّعت عليها، تستغفلني أنت؟ مَتَى قرأتَهَا عليَّ؟ وشتمه حتّى قام رَجُل خلّصه منه.
وحدَّثني عليّ بْن عَبْد الْعَزِيز ابن الأخضر قال: سمعتُ أبي [ص:1173] يقول: قام أبو الْحُسَيْن بْن يوسف عندنا بجامع القصر فقال: اشهدوا عليّ أَنّ ابن المارستانيَّة كذّاب.
قلت: ابن المارِسْتانيَّة بغداديّ طَالِب حديث. ذكره الدُّبيثيّ، فقال: طلب الحديث، وجمع، وادّعى الحِفْظ والنَّقْل عَمَّنْ لم يدركه، فكذّبه النَّاس. وانتسب إِلَى أَبِي بَكْر الصِّدّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ دعوًى منه. وكان أبَواه يخدمان المارِسْتان، وكان ذا جُرأة وقِحَّة، ويتعانى الفلسفة والطّبّ.
سمع من شُهْدَة، وطبقتها، وادّعى أنّه سمع من أَبِي الفضل الأُرْمَوِيّ، وسوَّد تاريخًا لبغداد.
وتُوُفّي فِي ذي الحجَّة بطريق تفْلِيس، وكان ذاهبًا إليها رسولًا من الخليفة. وكان يعرف الطّبّ والنّجوم.(12/1172)
521 - عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي المعمّر بْن الْمُبَارَك، أبو الفَرَج الْبَغْدَادِيّ، الناسخ، الفقيه، الشافعي، المعروف بالمستملي. [المتوفى: 599 هـ]
حدَّث عن أَبِي الوقت السِّجْزِيّ.(12/1173)
522 - عُثْمَان بْن عِيسَى بْن هيجون، أبو الفتح البلطي، الأديب، النَّحْويّ. [المتوفى: 599 هـ]
له مجاميع فِي الأدب، وشِعر. وقد تصدّر بالجامع العتيق بمصر وأفاد.
وحدَّث عن مُحَمَّد بْن أسعد بْن الحكيم العراقيّ.
وقد أقام عُثْمَان البَلَطِيّ بدمشق مدَّةً يتردّد إِلَى الزَّبَدانيّ للتّعليم، فلمّا فُتِحت مصر انتقل إليها، ورتَّب له صلاح الدّين جامكيَّة على جامع مصر.
وكان ضخمّا هائلًا، أحمر اللّون، يَتَطَيْلَس من غير تحنيك، ويلبس الثّياب الكثيرة فِي الحَرّ، ويختفي فِي بيته فِي الشّتاء، حتّى كان يُقَالُ له: أنتَ فِي الشّتاء من حشرات الأرض.
وكان إذا دخل الحمّام دخل بالمزدوجة على رأسه، وأتى الحوض، وكشف رأسه بيده، وأقلب الماء بيده الأخرى. ثُمَّ يبادر، ويغطي رأسه إِلَى أن يملأ الطّاسة، ثُمَّ يكشفه ويصب ويُغطيه. يفعل ذلك مِرارًا. ويقول: أخاف الهواء.
وكان متمكِّنًا من فنون العربيَّة، يخلط المذهبين فِي النَّحْو، ويحُسن القيام [ص:1174] بأصولهما وفروعهما.
وكان خليعًا ماجنًا، مُدْمِن الخمر، منهمكًا فِي اللّذَّات.
وله فِي القاضي الفاضل:
للهِ عبدٌ رحيمٌ ... يُدعى بعبد الرحيمِ
على صِراطٍ سَويّ ... من الهدى مستقيمِ
وقال العماد الكاتب: أنشدني البلطيّ لنفسه:
حكّمته ظالمًا فِي مُهجتي فسَطا ... وكان ذلك جَهْلًا شُبتُه بخَطا
هلا تجنّبتُه والظُّلْمُ شِيمته ... ولا أُسام بِهِ خَسْفًا ولا شَطَطا
ومن أضلُّ هُدًى ممّن رأَى لَهَبًا ... فخاض فِيهِ وألقَى نفسَه وسَطا
وله:
دعوه على ضَعفي يجور ويشتطّ ... فما فِي الهوى قبضٌ لديَّ ولا بَسْطُ
ولا تعتِبوه فالعِتاب يَزيده ... مَلالا وأَنَّى لي اصطبارٌ إذا يَسطو
فَمَا الوعْظ فِيهِ والعِتاب بنافعٍ ... وإن يَشرِطِ الإحسان لا ينفع الشَّرْطُ
تنازعَتِ الآرامُ والدّرُّ والمَهًا ... لها شَبَهًا والبدرُ والغُصْن والسَّقْطُ
فلِلرِّيم منه اللَّحْظُ واللَّونُ والطُّلَى ... وللدُّرّ منه اللَّفْظُ والثَّغْرُ والخطُّ
وللغُصنِ منه القد والبدْرُ وجهُهُ ... وعينُ المها عينٌ بها أبدأ يَسْطُو
وللسّقْطِ منهُ ردفهُ فإذا مَشَى ... بدا خلفهُ كالموج يعلُو وينحط
وله القصيدة الّتي يحسنُ فِي قوافيها الرفعُ والنصبُ والْجَرّ. وله موشَّح فِي القاضي الفاضل، وله كتابان في العروض، وله كتاب العِظات المُوقِظات، وله كتاب أخبار المتنبّي، وكتاب فِي أخبار الأجواد، وكتاب التّصحيف والتحريف، وغير ذلك. والله يسامحه.
وعاش خمسًا وسبعين سنة.
وهو من بلد، ويقال: بلط.
أَخَذَ النّحو عن ملك النُّحاة أَبِي نزار، وسعيد ابن الدهان. [ص:1175]
وبقي فِي بيته ثلاثة أيّام ميتًا لا يُدرى به.(12/1173)
523 - عليّ بْن أَحْمَد بْن سَعِيد. الكومي تالمالكي. [المتوفى: 599 هـ]
دخل الأندلس، أو وُلد بها. وسمع من ابن بَشْكُوال، ومحمد بْن سَعِيد بْن زرقون. وقدِم الثّغر فسمع من السِّلَفيّ. وبدمشق من أبي القاسم ابن عساكر، وبمكَّة، وبغداد.
وحدَّث وخرّج الفوائد، وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى.(12/1175)
524 - عليّ بْن إِبْرَاهِيم بْن نجا بْن غنائم، زين الدّين، أبو الْحَسَن، الْأَنْصَارِيّ، الدَّمشقيّ، الحنبليّ، الواعظ المعروف بابن نُجَيَّة، [المتوفى: 599 هـ]
نزيل مصر بالشّارع.
وُلِد بدمشق سنة ثمانٍ وخمس مائة، وَسَمِعَ من عَليّ بْن أَحْمَد بْن قبيس المالكيّ، وسمع ببغداد من سعْد الخير بْن مُحَمَّد الأندلسيّ، وصاهره على ابنته فاطمة، وسمع أيضًا من عَبْد الصَّبُور بْن عبد السلام الهروي، سمع منه الجامع للترمذي، وسمع من أَبِي الفَرَج عَبْد الخالق اليُوسُفيّ فِي سنة أربعين وخمس مائة.
وحدَّث ببغداد، ودمشق، ومصر، والإسكندريَّة.
وكتب عَنْهُ أبو طاهر السِّلَفيّ مع تقدُّمه وجلالته شيئًا حكاه فِي معجم شيوخ بغداد.
ووعظ بجامع القرافة مدَّة طويلة. وكان صدْرًا محتشمًا، نبيلًا، ذا جاهٍ ورياسة، ودنيا واسعة، وتقدُّم عند الدّولة. وهو سِبْط الشيخ أبي الفرج عبد الواحد بن محمد الشيرازي، الحنبلي. وقد سار فِي الرّسْليَّة من جهة السّلطان نور الدّين إِلَى الدّيوان الْعَزِيز فِي سنة أربعٍ وستّين وخمس مائة.
روى عَنْهُ ابن خليل، والحافظ الضياء، ومحمد ابن البهاء عبد الرَّحْمَن، وأبو سُلَيْمَان ابن الحافظ عَبْد الغنيّ، وأبوه، والزكي عبد العظيم، وعبد الغني بن بنين، وجماعة. وروى عَنْهُ بالإجازة: أَحْمَد بْن أَبِي الخير.
قال الْإِمَام أبو شامة: كان كبير القدْر، معظَّمًا عند صلاح الدّين، وهو الّذي نَمَّ على الفقيه عُمارَة اليَمَنيّ وأصحابه بما كانوا عزموا عليه من قلْب الدّولة، فشنقهم صلاح الدّين. وكان صلاح الدّين يكاتبه ويحضره مجلسه. [ص:1176]
وكذلك ولده الملك الْعَزِيز من بعده. وكان واعظًا مفسرًا. سكن مصر. وكان له جاهٌ عظيم، وحُرمة زائدة. وكان يجرى بينّه وبين الشهاب الطوسي العجائب لأنّه كان حنبليًّا، وكان الشّهاب أشعريًّا، وكِلاهما واعظ. جلس ابن نَجِيَّة يومًا فِي جامع القرافة، فوقع عليه وعلى جماعة سقْفٌ، فعمل الطُّوسيّ فصْلًا ذكر فِيهِ: فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ من فوقهم. وجاء يومًا كلبٌ يشقُّ الصُّفوف فِي مجلس ابن نَجِيَّة، فقال هَذَا: مِن هناك. وأشار إلى جهة الطوسي.
قال أبو المظفر ابن الجوزي: واقتنى ابن نَجِيَّة أموالًا عظيمة، وتنعَّم تنعُّمًا زائدًا، بحيث أنّه كان فِي داره عشرون جارية للفراش تساوي كلُّ واحدةٍ ألف دينار وأكثر. وكان يُعمل له من الأطعمة ما لا يعمل للملوك. وأعطاه الخلفاء والملوك أموالًا عظيمة، ومع هَذَا مات فقيرًا. كفّنه بعض أصحابه.
قال المنذريّ: مات فِي سابع رمضان.(12/1175)
525 - عليّ بْن الْحَسَن بْن إِسْمَاعِيل بْن الْحَسَن، أبو الْحَسَن العَبْديّ، البصْريّ، ابن المعلّمة. [المتوفى: 599 هـ]
وُلِد بالبصْرة سنة أربعٍ وعشرين وخمس مائة. وسمع من جَابِر بْن مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ، وطلحة بن علي المالكي، وإبراهيم بن عطية الشافعي. وببغداد من ابن ناصر، وأبي بكر ابن الزاغوني، وأبي الكرم الشَّهْرَزُوريّ، وجماعة. وقرأ الأدب بالبصْرة على جماعة. واشتغل وحدَّث وصنَّف، وقال الشِّعْر والتَّرَسُّل.
وثّقه الدُّبيثيّ وروى عَنْهُ، وأثنى عليه، قال: لقِيته بواسط. وتُوُفّي فِي شعبان.(12/1176)
526 - عليّ بْن حَمْزَة بْن عليّ بْن طَلْحَةَ بْن عليّ. الشّيخ الأجل أبو الحسن ابن الأجلّ الصَالح أَبِي الفُتُوح، الرّازيّ الأصل، الْبَغْدَادِيّ، الكاتب، [المتوفى: 599 هـ]
نزيل مصر.
من بيت سُؤْدُد وتقدُّم. وُلِد سنة خمس عشرة وخمس مائة. وَسَمِعَ من [ص:1177] أَبِي القاسم بْن الحُصين. وولي حجابة الباب النُّوبيّ. وحدَّث ببغداد، والشّام، ومصر. وكان أنيق الكتابة. سمع منه أبو المحاسن عُمَر بْن عليّ القّرَشيّ، ومات قبله بدهر. وحدَّث عَنْهُ ابن خليل، والضّياء، وخطيب مَرْدا، وجماعة. وتُوُفّي في غرة شعبان.
وقد ولي أَبُوهُ وكالة المسترشد بالله.(12/1176)
527 - عليّ بْن خَلَف بْن معَزوز بْن عليّ. الْإِمَام أبو الحسن الكومي، المحموديّ، التّلِمسانيّ، المالكيّ. [المتوفى: 599 هـ]
نزيل مُنْية بني خصيب.
فقيه عارف بالمذهب، خبير بالأصول والنَّظر، ذو زهد وورع. وكان يحضر عند صاحب المغرب، وله منه جانب، فآثر الآخرة وفارقه، وقدِم مصر، واشتغل بالثّغر على أَبِي طالب صالح ابن بِنْت مُعَافَى. وحجّ ودخل بغداد، فسمع من يحيى بن ثابت، وأبي بكر ابن النَّقُّور، وأبي عليّ الرَّحْبيّ، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن السَّكَن، وأبي المكارم الْمُبَارَك بْن مُحَمَّد البادرائيّ، وطائفة. وكتب الكثير، وحصّل الأصول.
قال المنذري: توفي في الرابع والعشرين من رجب. وحدَّث عَنْهُ جماعة من شيوخنا ورفقائنا. ودرّس بمُنية بني خصيب وأشغل. وبنو محمود من كوميه؛ قِبيلة من البربر.
روى عَنْهُ عَبْد الجليل الطحاوي، والشّهاب القُوصيّ، وقال: هُوَ مدرّس النّجميَّة اللّمطيَّة بمُنية بني خصيب. كان شيخًا إمامًا، كثير العبادة، رحل إِلَى العراق فِي طلب الحديث، وأفتى ودرّس. سمعتُ منه ياقوتة أَبِي عَمْرو الزّاهد، وعدة أجزاء.
أنشدني أَحْمَد بْن إِسْحَاق القرافي، قال: أنشدنا عَبْد الجليل بْن مُحَمَّد الطّحاويّ المالكيّ سنة خمس وثلاثين وست مائة، قال: أنشدنا أبو الْحَسَن عليّ بْن خَلَف، عن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الأشيريّ، عن ابن مفوَّز لنفسه:
تروي الأحاديث عن كُلٍّ مسامحةً ... وإنما لمعانيها مُعانيها(12/1177)
528 - علي ابن الْإِمَام المدرّس أَبِي البركات هبةِ اللَّه بْن عَبْد المحسن الأنصاريّ، أبو الْحَسَن المصريّ، المالكيّ. [المتوفى: 599 هـ]
ولي التّدريس بعد والده بمدرسة المالكيَّة المجاورة للجامع العتيق بمصر. وحدَّث عن عَبْد الغنيّ بْن أَبِي الطّيّب بشيء يسير.(12/1178)
529 - عِيسَى بْن حماد بن عبد الرحمن بن عمر، أبو مُوسَى القَيْسيّ، الصَّقَلّيّ الأصل، الدّمشقيّ. [المتوفى: 599 هـ]
وُلِد سنة إحدى عشرة وخمس مائة، وقدِم الشّام وله ثلاثون سنة.
حدَّث عن أَبِي العشائر مُحَمَّد بْن خليل بْن فارس القَيْسيّ. وأجاز لأحمد بْن أَبِي الخير. وحدَّث عَنْهُ الشّهاب القُوصيّ، وغيره.
تُوُفّي فِي ربيع الأوّل بدمشق عن بضع وثمانين سنة.(12/1178)
530 - غياث الدّين، السّلطان أبو الفتح مُحَمَّد بْن سام بْن الْحُسَيْن بْن الْحَسَن الغُوريّ [المتوفى: 599 هـ]
صاحب غَزْنَة، أخو السّلطان شهاب الدّين.
أنبأني ابن البُزُوريّ أنه كان ملكًا عادلاً، وللمال باذلاً، محسنا إلى رعيته، رؤوفا بهم في حكمه وسياسته. كانت ثغور الأيّام به بواسم، وكلّها بوجودة أعياد ومواسم، قرب العلماء، وأحب الفضلاء، وبنى المساجد والرُّبَط والمدارس، وجدّد من مواطن العبادات ما كان دارسًا، وأدَرَّ الصَّدَقَات، وبنى فِي الطُّرُق الخانات. وكان بالجود والسّخاء موصوفًا.
قلت: امتدّت أيّامه، وأَسَنّ ومرض بالنِّقْرِس مدَّةً.
ذكر العدل شمس الدّين الْجَزَريّ فِي تاريخه أنّه تُوُفّي فِي السّابع والعشرين مِن جُمادى الأولى، ودُفن بتُربةٍ له إِلَى جانب جامع هَرَاة.
قال ابن الأثير: وكان عادلًا سخيًّا، قرّب العلماء وبنى المدارس والمساجد، وكان مظفَّرًا فِي حروبه لم ينكسر له عسكر. وكان ذا دهاءٍ ومكر وكرم. أسقط المكوس ولم يتعرض لمال أحمد. وكان من مات بلا وارث [ص:1179] تصدق بما خلّفه. وكان فِيهِ فضل وأدب. وقد نسخ عدَّة مصاحف، ولم يبدُ منه تعصبٌ لمذهب، وكان يقول: التّعصُّب قبيح.
وأمّا أخوه شهاب الدّين فإنّه قُتل غِيلة. ثُمَّ إن خُوارزْم شاه مُحَمَّد بْن تكش قصد غَزْنَة في سنة خمس وست مائة، وظفر بالملك غياث الدّين محمود ولد غياث الدّين مُحَمَّد بْن سام وقتله بعد أنْ آمنه، وترك بغزنة جلال الدين ابن خُوارزم شاه. ولمّا تُوُفّي غياث الدّين مُحَمَّد كان الأمير تاج الدّين ألدُز أحد موالي الملوك الغوريَّة قد استولى على باميان وبلْخ، فسار إِلَى غياث الدّين ابن غياث الدّين ليكون فِي نصره، فحضر بغَزْنَة وأحضر العلماء وفيهم رسول الخليفة مجد الدّين يحيى بْن الربيع مدرس النظامية، وكان قد نفذ رسولا إِلَى شهاب الدّين الغُوريّ، فَقُتِلَ شهاب الدّين وابن الرَّبِيع بغَزْنَة، فالتمس تاج الدّين ألْدز أنْ ينتقل إِلَى دار المملكة، وأن يخاطَبَ بالمُلك، فركب هُوَ والأمراء فِي خدمة غياث الدّين محمود، وعليه ثياب الحُزْن على شهاب الدين، فتغيرت نية جماعة من الدّولة لأنّهم كانوا يطيعونه، أعني ألْدُز، بناءً على أنّه يحصّل الملك لغياث الدّين، فَلَمَّا رَأَى انحرافهم فرّق فيهم الأموال ورضوا، وأذِن لجماعةٍ من الأمراء وأولاد الملوك أن يكونوا فِي خدمة غياث الدّين، فلمّا استقرّوا عنده بعث إليه خِلعة، وطلب منه ألدُز أن يُسلطنه وأن يعتقه من الرِّقِّ؛ لأنّه كان لعمّه الشّهيد شهاب الدّين، وأنْ يزوّج ولده بابنة ألدُز. فلم يُجِبْه غياث الدّين محمود. واتّفق أنّ جماعة من الغُوريَّة أغاروا على أعمال كرْمان، وهي إقطاع قديم لألدُز، فجهَّز ألدُز صهره وراءهم فظفر بهم وقتلهم. ثُمَّ إنّ ألدُز فرّق الأموال، وأجرى رسوم مولاه شهاب الدّين، واستقام أمره.
وجرت لهم أمورٌ طويلة حكاها شمس الدين ابن الْجَزَريّ فِي أوائل تاريخه، وأنّ ألدُز مَلَكَ مدينة لهاوور وعدَّة مدائن، وأنّه التقى هُوَ وشمس الدّين الدزمش مملوك قُطْب الدّين أَيْبَك فتى شهاب الدّين الغُوريّ فأُسِر تاج الدّين ألدُز فِي المصافّ فقُتل. وكان محمود السّيرة فِي رعيّته.(12/1178)
531 - فَلَكُ الدّين، الأمير الملقَّب بالمبارز سُلَيْمَان بْن. . .، [المتوفى: 599 هـ]
وهو أخو السّلطان الملك العادل لأمّه.
دُفِن بداره بدمشق الفَلَكيَّة الّتي وقفها مدرسة بناحية باب الفراديس. ورخه أبو شامة.(12/1180)
532 - القاسم بْن يحيى بْن عَبْد اللَّه بْن القاسم. قاضي القُضاة ضياء الدّين، أبو الفضائل بْن الشّهرزُوريّ، الشّافعيّ، [المتوفى: 599 هـ]
ابن أخي قاضي الشّام كمال الدّين مُحَمَّد.
وُلِد سنة أربعٍ وثلاثين وخمس مائة. تفقّه ببغداد بالنّظاميَّة مدَّةً، ثُمَّ عاد إِلَى الموصل. وقدِم الشّام، وولي قضاء القُضاة بعد عمّه. ثُمَّ استقال منه لمّا عرف أن غرض السّلطان صلاح الدّين أن يولّي الْإِمَام أَبَا سعد ابن أَبِي عصرون، فأقاله ورتّبه للتّرسُّل إِلَى الدّيوان الْعَزِيز. وقدِم بغداد رسولًا عن الملك الأفضل. فلمّا تملّك العادل دمشق أَخْرَجَهُ منها، فَسَار إِلَى بغداد، فأكرِم مورده وخلع عليه، وولّاه الخليفة قضاء القُضاة والمدارس والأوقاف، والحُكم فِي المذاهب الأربعة.
وحصلت له منزلة عظيمة إِلَى الغاية عند النّاصر لدينِ اللَّه. ولم يزل على ذلك إلى أن سأل الإعفاء والإذن له فِي التّوجّه إِلَى بلده، وخاف العواقب، وسار إِلَى حماه، فوُلّي قضاءها، وعِيبَ عليه هَذِهِ الهمة الناقصة.
وكان سمحاً، جواداً، رئيسا، له شِعرٌ جيّد، فمنه:
فارقْتكُمُ ووصلتُ مصرَ فلم يقم ... أنسُ اللّقاء بوحشة التّوديعِ
وسررتُ عند قدومها لولا الّذي ... لكُمْ من الأشواق بين ضُلُوعي
وله:
فِي كلّ يوم تُرى للبين آثارُ ... وما له في التئام الشّملِ إيثار
يسطُو علينا بتفريقٍ فَوَاعَجَبًا ... هَلْ كان للبَيْن فيما بيننا ثارُ
يَهزّني أبدًا من بعد بعدهم ... إلى لقائهم وجدٌ وتذكارُ
ما ضرّهم فِي الهَوَى لو واصلوا دَنِفًا ... وما عليهم من الأوزارِ لوْ زاروا [ص:1181]
يا نازلين حِمى قلبي وإنْ بعُدُوا ... ومنصفين وإن صدوا وإن جاروا
ما فِي فؤادي سواكم فاعطفُوا وصِلُوا ... وما لكم فِيهِ إلّا حبّكم جارُ
وقد سَمِعَ من أَبِي طاهر السِّلَفيّ وحدَّث عَنْهُ. وبحماه تُوفي فِي رجب، وله خمسٌ وستّون سنة، فِي نصف الشهر.(12/1180)
533 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن سَعِيد، الأديب، مؤيد الدّين التَّكْريتيّ، أبو البركات، الشّاعر. [المتوفى: 599 هـ]
قال الدُّبيثيّ: أنشدوني له:
ومَن مبلغٌ عني الوجيهَ رسالةً ... وَإنْ كَانَ لا تُجدي إليه الرسائلُ
تمذْهَبت للنُّعمان بعدَ ابن حنبلٍ ... وَذَلِكَ لَمَّا أَعْوَزتك المآكلُ
وما اخترتَ رأي الشّافِعيّ تديُّنًا ... ولكنَّما تهوى الَّذِي هُوَ حاصلُ
وعمَّا قليلٍ أنتَ لَا شكَّ صائرٌ ... إِلَى مالكٍ فافْطن لِما أنت قائلُ(12/1181)
534 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، أبو عَبْد اللَّه الْقُرَشِيّ، الهاشميّ، الزّاهد، الأندلسيّ، [المتوفى: 599 هـ]
نزيل بيت المقدس.
كان إمامًا كبيرًا، عارفًا، قانتًا، مُخْبِتًا، من أَهْل الجزيرة الخضراء.
ذكره ابن خَلِّكان، فقال: له كرامات ظاهرة، ورأيتُ أَهْل مصر يحكون عَنْهُ أشياء خارقة. قال: ولقيت جماعةً ممن صحبه وكل منهم قد نما عليه من بركته. وكان من الطّراز الأوّل. صحب بالمغرب أعلام الزّهد، وسافر من مصر لزيارة بيت المقدس فأقام به إِلَى أن تُوُفّي.
وقال المنذريّ: فِي سادس ذي الحجَّة، تُوُفّي الشّيخ الْإِمَام قدوة العارفين أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد الهاشميّ، الزّاهد ببيت المقدس، وهو ابن خمسٍ وخمسين سنة. صحِب بالمغرب جماعة من أعلام الزُّهّاد، وقدِم مصر، ونفع اللَّه به جماعة كثيرة ممّن صحِبه، أو شاهده، أو أحبّه، وقبره ظاهر يُقصد [ص:1182] للزّيارة والتّبرُّك به. سمعتُ قطعةً من منثور فوائده من أصحابه.(12/1181)
535 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الملك بْن موسى بْن عَبْد الملك بْن وليد بْن أَبِي جمرة. [المتوفى: 599 هـ]
مَوْلَى بني أُميَّة الْإِمَام أبو بَكْر بْن أَبِي جمرة المُرْسيّ.
سمع الكثير من والده وعرض عليه المدوَّنة، ومن أَبِي بَكْر بْن أسود، وناوله تفسيره، ومن أَبِي مُحَمَّد بن أبي جعفر. وأجاز له أبو الْوَلِيد بْن رُشْد الفقيه، وأبو بحر بْن العاص الأَسَديْ، وأبو الْحَسَن شُرَيْح، وجماعة كثيرة.
ذكره أبو عَبْد اللَّه، فقال: عُني بالرأي وحفظه، وولي خطة الشُّورى وهو ابن نيِّفٍ وعشرين سنة، وقُدِّم للفُتْيا مع شيوخه فِي سنة تسعٍ وثلاثين وخمس مائة.
قلت: أفتى ستّين سنة.
قال: وتقلَّد قضاء مرُسية، وشاطبة، وغير ذلك دفعات، وكان بصيرًا بمذهب مالك، عاكفًا على تدريسه، فصيحًا، حَسَن البيان، عدْلًا فِي أحكامه، جزْلًا فِي رأيه، عريقًا فِي النّباهة والوجاهة. وله كتاب نتائج الأفكار ومناهج النّظّار فِي معاني الآثار، ألّفه بعد الثّمانين وخمس مائة عندما أوقع السّلطان بأهل الرأي، وأمر بإحراق المدوَّنة وغيرها من كتب الرأي. وله كتاب إقليد التّقليد المؤدّي إِلَى النّظر السّديد. قرأ عليه أبو مُحَمَّد بْن حَوْط اللَّه الموطّأ، عن أَبِيهِ سماعًا، عن جدّه قراءةً، وعن أَبِي الْوَلِيد ابن الباجيّ إجازة. وتكلَّم فِيهِ بعضّ النّاس بكلامٍ لا يقدح فِيهِ. وقد روى عَنْهُ أبو عُمَر بْن عات، وأبو عليّ بْن زلّال، وجماعة كثيرة. وكتب إليَّ وإلى أَبِي بالإجازة مرَّتين إحداهما فِي سنة سبعٍ وتسعين، وأنا ابن عامين وشهور. وهو أعلى شيوخي إسنادًا. وتوفي بمرسية مصروفًا عن القضاء فِي آخر المحرَّم سنة تسع. ووُلِد فِي ربيع الآخر سنة ثمان عشرة وخمس مائة. قال: وهو آخر مَن روى عن أَبِي بحر، وغيره.
قلت: قال ابن فَرْتُون: قال أبو الرَّبِيع بْن سالم فِي الأربعين له: أبو بَكْر ظهر منه فِي باب الرّواية اضطرابٌ طرق الظنة إليه، وأطلق الألسِنة عليه، والله أعلم بما لديه. ولأبيه إجازة من أَبِي عَمْرو الدّاني، وهو فَلَه إجازة من أَبِيهِ. [ص:1183]
وسمع من أَبِيهِ التّيسير، سمعه منه ابن جُوبر السّبْتيّ.(12/1182)
536 - مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن أَبِي الفتح طاهر بْن مكّيّ، أبو بَكْر النَّهْروانيّ، الأَزَجيّ، الحذّاء، النّعّال. [المتوفى: 599 هـ]
روى عن أَبِي عَبْد اللَّه السّلّال، وَأَبِي سعْد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، وابن ناصر، وجماعة. روى عَنْهُ النجيب عَبْد اللّطيف.
وأجاز للفخر عليّ. وتُوُفّي فِي صفر.(12/1183)
537 - مُحَمَّد بْن خَلَف بْن مروان بْن مرزوق بْن أَبِي الأَحْوَص، أبو عَبْد اللَّه الزَّنَاتيّ، البَلَنْسِيّ، الْمُقْرِئ المعروف بابن نِسَعْ. [المتوفى: 599 هـ]
أَخَذَ القراءات عن أبي الحسين بْن هُذَيْل، ولزِمه مدَّةً، وسمع منه. ومن: ابن النّعمة، وابن سعادة.
قال الأَبّار: كان مقرئًا خيِّرًا، زاهدًا. سمع من طارق بْن يعيش السّيرة لابن إِسْحَاق، وكثيرًا ما كان يُسمع منه لعُلُوّه، وكذلك كتاب الاستشفاء حتّى كاد يحفظهما. حدَّثني بِذَلِك أَبِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر، وسمع منه هُوَ، وأبو الْحَسَن بْن خيرة، وأبو الرَّبِيع بْن سالم، وأبو بَكْر بْن محرز، وأبو مُحَمَّد بْن مطروح، وجماعة. ولد سنة تسع وخمسمائة، وتُوُفّي فِي ثاني عشر شعبان وله تسعون سنة، وكانت جنازته مشهودة.(12/1183)
538 - مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم، أبو عبد الله الفندلاوي، الفاسي، المعروف بابن الكتاني. [المتوفى: 599 هـ]
كان رأسًا في علم الأصول والكلام. تخرَّج به طائفة. وله أُرْجوزة فِي أصول الفقه. روى عَنْهُ أبو محمد النامسي، وأبو الْحَسَن الشّاري.
ورّخه الأَبّار.(12/1183)
539 - مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم. مؤيَّد الدّين أبو الفضل الحارثيّ، الدمشقي، المهندس. [المتوفى: 599 هـ][ص:1184]
كان ذكيًا أستاذًا في نجارة الدّقّ. ثُمَّ برع فِي عِلم إقليدس، وكان يعمل أيضًا فِي نقش الرُّخام وضرب الخَيْط. ثُمَّ ترك الصَّنْعة وأقبل على الاشتغال، وبرع فِي الطّبّ والرياضيّ. وهو الّذي صنع السّاعات على باب الجامع. وقد سمع من السَّلَفيّ بالإسكندرية، وصار طبيبًا بالمارستان.
وصنَّف كتبًا مليحة، منها: اختصار الأغاني، وهي بخطّه فِي مشهد عُرْوة، وكتاب الحروب والسّياسة، وكتاب الأدوية المفردة، ومقالة فِي رؤية الهلال.(12/1183)
540 - مُحَمَّد بْن عُثْمَان، أبو عَبْد اللَّه العُكْبَرِيّ، الظَّفَريّ، الواعظ. [المتوفى: 599 هـ]
سمع من شُهْدة، وعبد الحقّ، والطّبقة. وجمع لنفسه مُعْجمًا. وتُوُفّي فِي جُمَادَى الأولى.(12/1184)
541 - مُحَمَّد بْن غَنيمَة بْن عليّ، أبو عَبْد اللَّه الحريميّ، القّزاز، المعروف بابن القاق. وهو فلقبهُ: عُصْفور. [المتوفى: 599 هـ]
شيخ معمر قارب المائة. وسمع في شبيبته من أَبِي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن أَبِي يَعْلَى الفرّاء. روى عَنْهُ الدُّبيثيّ. وبالإجازة: ابن أَبِي الخير.
تُوُفّي فِي رابع شعبان.
وروى عَنْهُ ابن النّجّار، ووصفه بالصَّلاح.(12/1184)
542 - مُحَمَّد بْن محمود. العلّامة وحيد الدّين المَرْوَرُّوذِيّ، الشّافعيّ، المدرّس. [المتوفى: 599 هـ]
كان من كبار الشّافعيَّة، وهو الّذي رغّب السّلطان غياث الدّين مُحَمَّد بْن سام الغُوريّ، حَتَّى انتقل مِن مذهب أَبِي حنيفة إِلَى مذهب الشّافعيّ.
تُوُفّي فِي رجب.(12/1184)
543 - مُحَمَّد بْن هبة اللَّه بْن مكّيّ. العلّامة تاج الدّين أبو عَبْد اللَّه الحَمَويّ، ثُمَّ المصريّ. الفقيه الشّافعيّ. [المتوفى: 599 هـ][ص:1185]
سمع أَبَا طاهر السِّلَفيّ، وعبد اللَّه بْن برّيّ.
واعتنى بالمذهب، وَمَهَر فِيهِ. وحصّل كتبًا كثيرة. ووُلّي خطابة جامع القاهرة، والتّدريس بالنّاصرية المجاورة للجامع العتيق بمصر.
تُوُفّي فِي سادس عشر جُمادى الآخرة. ووُلِد بحماه فِي سنة ستٍّ وأربعين.(12/1184)
544 - مُحَمَّد بْن يوسف بْن عليّ، أبو الفضل شِهاب الدّين الغَزْنَويّ، الفقيه الحنفيّ، الْمُقْرِئ، [المتوفى: 599 هـ]
نزيل القاهرة.
وُلِد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة. وسمع ببغداد من أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي، وأبي مَنْصُور بْن خَيْرُون، وأبي سعد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، وأبي الفتح الكَرُّوخيّ، وجماعة. وقرأ القراءاتِ عَلَى أَبِي مُحَمَّد سِبْط الخياط.
وحدَّث ببغداد وحلب والقاهرة، وأقرأ النّاس. قرأ عليه أبو الْحَسَن السَّخَاويّ، وأبو عَمرو بْن الحاجب، وغيرهما. وحدَّث عَنْهُ يوسف بْن خليل، والضّياء المقدسي، والكمال عليّ بْن شجاع الضّرير، والرّشيد العطّار، والمعين أَحْمَد بْن زين الدِّين الدَّمشقيّ، وآخرون. وبالإجازة أَحْمَد بْن سلامة.
تُوُفّي بالقاهرة فِي نصف ربيع الأوّل.
ودرّس المذهب بالمسجد المعروف به بالقاهرة، مذهب أَبِي حنيفة.(12/1185)
545 - الْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك بْن هِبةِ اللَّه، أَبُو طاهر ابن المعطوش الحريميّ، العطّار، [المتوفى: 599 هـ]
أخو أَبِي القاسم الْمُبَارَك الّذي تقدَّمت وفاته من سِنين.
وُلِد فِي رجب سنة سبع وخمسمائة. وسمع من أَبِي عليّ مُحَمَّد بْن مُحَمَّد ابن المهديّ، وأبي الغنائم مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن المهتدي بالله، وهو آخر أصحابهما، وهبة اللَّه بْن الحُصين، وأحمد بْن ملوك، ومحمد بْن عَبْد الباقي الْأَنْصَارِيّ، وغيرهم.
قال الدُّبيثيّ: وكان يَقِظًا فَطنًا، صحيح السماع. [ص:1186]
قلت: سمع سنة أربع عشرة وخمسمائة.
وحدَّث عَنْهُ الدُّبيثيّ، وابن خليل، وأبو مُوسَى ابن الحافظ، واليَلْدانيّ، وابن عَبْد الدّائم، والنّجيب عَبْد اللّطيف، وابن النّجّار، وطائفة. وبالإجازة: ابن أَبِي الخير، والفخر عليّ.
وقد سمع المسند كله من ابن الحُصين، وحدَّث به. قال ابن نُقْطَة: كان سماعه صحيحًا. قال: وتُوُفّي فِي عاشر جُمادى الأولى.(12/1185)
546 - محمود بْن أَحْمَد بْن عَبْد الواحد بْن أَحْمَد، أَبُو الفضائل الإصبهاني، العبدكويي، القاضي الحنفي. [المتوفى: 599 هـ]
ولد سنة عشرين وخمسمائة. وسمع من الحافظ أَبِي القاسم التَّيْميّ، وزاهر الشّحّاميّ، وغيرهما. وسمع حضورًا من فاطمة الْجُوزْدانيَّة.
روى عَنْهُ يوسف بْن خليل، والضّياء بْن عَبْد الواحد، وجماعة. وبالإجازة: أبن أَبِي الخير، والفخر عليّ. وتُوُفّي فِي رجب.(12/1186)
547 - محمود بْن أَبِي غالب مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بن السكن، الحاجب أبو المكارم ابن المعوج. [المتوفى: 599 هـ]
روى عَنْ ابن ناصر، وغيره. روى عَنْهُ ابن النّجّار، وأرّخه.(12/1186)
548 - مَسْعُود بْن شجاع بْن مُحَمَّد. الْإِمَام برهان الدين أبو الموفق القرشي الأموي الدمشقي، الحنفي، [المتوفى: 599 هـ]
مدرس النورية بدمشق، والخاتونية أيضًا.
إمامٌ خبير بالمذهب. درّس وأفتى وأشغل، وكان ذا أخلاق شريفة، وشمائل لطيفة.
وُلِد بدمشق، وارتحل إِلَى ما وراء النّهر، فتفقّه على شيوخ بخارى وسمع بها من الإمام ظهير الدّين الْحَسَن بْن عليّ المَرْغِينانيّ، وجماعة.
وولي قضاء العسكر لنور الدّين، وحصل له جاه وافر ودنيا واسعة. وكان [ص:1187] لا تغسل له فرجيَّة، بل إذا اندعكت وهَبَها، ولبس أخرى جديدة.
وطال عُمره، فإنّه وُلِد فِي جمادى الآخرة سنة عشر وخمسمائة، وتُوُفّي فِي سادس عشر جُمَادَى الآخرة أيضًا.
روى عَنْهُ الشّهاب القُوصيّ فِي مُعْجَمه، وابن خليل. ولابن أَبِي الخير منه إجازة.(12/1186)
549 - مَسْعُود بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الكريم بْن غَيْث، أبو الفُتُوح الْبَغْدَادِيّ، الدّقّاق. [المتوفى: 599 هـ]
وُلِد سنة أربع عشرة وخمسمائة. وسمع من أَبِي السّعود أَحْمَد بن المُجْلي، وأبي الحسن علي ابن الزّاغُونيّ، وأبي غالب أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن قريش، وهبة الله ابن الطّبر، وجماعة. روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، والضّياء، وابن عَبْد الدائم، والنّجيب الحرّانيّ.
وأجاز للزّكيّ عَبْد العظيم، وقال: تُوُفّي فِي ثالث جَمادى الأولى.
وأجاز أيضا لابن أبي الخير، وللقطب ابن عصرون، ولسعد الدّين بْن حَمُّوَيْه.(12/1187)
550 - المظفر بْن أَبِي القاسم المسلّم بْن علي بْن قِيبا، أبو عبد الله الحريمي. [المتوفى: 599 هـ]
سمع ابن الطلاية، وأحمد بْن الأشقر، وأبا الفضل الأُرْمَوِيّ، والمبارك بْن أَحْمَد الكِنْديّ. روى عَنْهُ الحافظ الضّياء، والنجيب عبد اللطيف. وبالإجازة: أبو الحسن ابن البخاريّ. وتُوُفّي فِي ربيع الأوّل عن ثمانٍ وثمانين سنة.(12/1187)
551 - النَّفيس بْن هبة اللَّه بْن وهْبان بْن رومي. أبو جعفر السلمي، الحديثي، وابن البزوري. [المتوفى: 599 هـ]
سمع أبا عبد الله ابن السّلّال، وأبا الفضل الأُرْمَوِيّ. [ص:1188]
وهو من الحديثة، قلعة حصينة على الفُرات. روى عَنْهُ ابن خليل، والضّياء، والنّجيب. وبالإجازة: شمس الدين ابن أبي عمر، والفخر.
توفي في ثالث عشر صفر.(12/1187)
552 - هبة اللَّه بْن أَبِي المعالي مَعَدّ بْن عَبْد الكريم. الفقيه أبو القاسم بْن البوريّ، الْقُرَشِيّ، الدِّمياطيّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 599 هـ]
رحل إِلَى بغداد، وتفقَّه على الإمام أبي طالب ابن الخَلّ. وبدمشق على أَبِي سعد بْن أَبِي عصرون. ودرس بالإسكندرية بمدرسة السِّلَفيّ مدَّة حتّى نُسِبت المدرسة إليه.
وبورة بلدة صغيرة بقرب دِمياط، واليها يُنسَب السَّمَك البُوريّ. وبورة أيضًا بقرب عكبرا، النسبة إليها بوراني.(12/1188)
553 - يازكوج، الأمير سيف الدّين الأَسَديّ، [المتوفى: 599 هـ]
من قُدماء الأمراء.
تُوُفّي بالقاهرة. ورّخه أبو شامة.
وقال الموفَّق عَبْد اللّطيف: له قصَّة عجيبة، وهي أنه كان به حُمّى ربع أقامت به سبْع سِنين، فلمّا حضر حَرْب السّابح وقع بين أرجُلِ الخيل وضرب بالدبابيس حتى أثخن، فأقلعت الحمى منه.
قلت: حرب السّابح وقْعة بين الملك الأفضل وعمّه الملك العادل بديار مصر.(12/1188)
554 - يوسُفَ بْن هِبَةِ اللَّه بْن محمود بْن الطُّفَيْل، أبو يعقوب الدَّمشقيّ، الصالح الصّوفيّ، [المتوفى: 599 هـ]
نزيل القاهرة ووالد عَبْد الرحيم.
رحل إِلَى بغداد، وسمع أَبَا الفضل الأُرْمَوِيّ، وابن ناصر، وهبة اللَّه بْن أبي شريك الحاسب، وأبا الفتح الكروخي، وأحمد ابن الطّلّاية، وأحمد بْن طاهر المِيهَنيّ، وطائفة. وسمع بدمشق قبل ذلك من أَبِي الفتح نصر اللَّه المصّيصيّ، وعليّ بْن أَحْمَد بْن مقاتل، وعبد الواحد بْن هلال، وجماعة. وسمع بالإسكندرية من السِّلَفيّ، وغيره. [ص:1189]
وسمّع ولده. وكان له عناية بسماع الحديث.
روى عنه الحفاظ: عَبْد الغنيّ، وابن المفضّل، والضّياء مُحَمَّد، وابن خليل، وجماعة كثيرة.
قال الشَّيْخ الموفّق: كُنَّا نسمع عليه قبل سفرنا إِلَى بغداد.
أَخْبَرَنَا عبد الحافظ بنابلس، قال: أخبرنا أبو محمد عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ سَنَةَ سِتَّ عَشَرَةَ وستمائة، قال: أخبرنا أَبُو يَعْقُوبَ يُوسُفُ بْنُ الطُّفَيْلِ، (ح) وَأَنْبَأَنِي أحمد بن سلامة، عن ابن الطفيل، قال: أخبرنا أبو الفضل محمد بن عمر الأرموي، قال: أخبرنا أبو نصر الزينبي، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الله بن أبي داود، قال: حدثنا أحمد بن المقدام، قال: حدثنا خالد بن الحارث، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن زرارة ابن أَبِي أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ. . . الْحَدِيثَ.
تُوُفّي فِي ثامن جُمادى الآخرة.(12/1188)
555 - أبو بَكْر بْن خَلَف، الأنصاريّ، القُرْطُبيّ، القاضي أبو يحيى. [المتوفى: 599 هـ]
سمع من أَبِي إِسْحَاق بْن قرقول، وغيره.
قال الأَبّار: كان فقيهًا إمامًا، تامّ النّظر، عُني بالحديث، والعِلَل، والرجال، ولم يُعن بالرواية. سمع منه أبو الحسن ابن القطّان. واتَّصل بصاحب مَرَّاكُش وحصّل أموالًا، وولي قضاء مدينة فاس. تُوُفّي فِي شوّال.(12/1189)
-وفيها وُلِد:
شمس الدِّين عَبْد الواسع بْن عَبْد الكافي الأبهري، الشافعي، ومحيي الدين عمر بن محمد بن أبي عصرون، والشيخ إبراهيم بن معضاد الجعبري، ومجد الدّين عَبْد الْعَزِيز بْن الْحُسَيْن الخليليّ، وعزّ الدّين بردويل بْن إِسْمَاعِيل بْن [ص:1190] بردويل، وإبراهيم بْن عُثْمَان بْن يحيى اللَّمْتُونيّ، والحسن بْن مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل القبلويّ، وعيسى بْن سالم بْن نجدة الكَركي، وشمس الدّين مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن النّنّ الْبَغْدَادِيّ، والبرهان الدّرجيّ، والشّيخ شهاب الدّين أبو شامة، والفخر عمر بن يحيى الكرجي، والكمال الفويره، والمجد عَبْد اللَّه بْن محمود بْن بلدجيّ شيخ الحنفية، وشرف الدّين إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سعْد ابن التيتي.(12/1189)
-سنة ستمائة(12/1191)
556 - أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بْن يحيى، أبو سعْد الدَرْزِيجانيّ، [المتوفى: 600 هـ]
المؤدّب بالبصرة.
أَخَذَ القراءات عن أصحاب أَبِي العزّ القَلانِسيّ. وسمع ببغداد من هبة اللَّه الحاسب، وابن ناصر. وحدَّث بواسط.
ودَرْزِيجان: من قرى بغداد.
روى عَنْهُ الدُّبيثيّ.(12/1191)
557 - أَحْمَد ابن الشّيخ أَبِي عَبْد اللَّه الْحُسَيْن بْن أَحْمَد، أبو بَكْر القُنائيّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 600 هـ]
سمّعه أَبُوهُ من ابن ناصر، وأبي بكر ابن الزّاغونيّ.
تُوُفّي فِي حدود هَذِهِ السّنة.
ودير قُنّا: من نواحي النّهروان.(12/1191)
558 - أَحْمَد بْن خَلَف بْن قَيْس بْن تميم، أبو العبّاس القَيْسيّ، الشّاغوريّ، الطَّرَسُوسيّ، ويُنْعَت بالمخلص. [المتوفى: 600 هـ]
حدث عن نصر بْن أَحْمَد بْن مقاتل. سمع منه القفْصِيّ، والعماد ابن عساكر، وقال: تُوُفّي فِي ثامن عشر شوّال. ومولده بعد العشرين وخمس مائة.(12/1191)
559 - أَحْمَد بْن علي بن أبي تمام أحمد بن علي بن أحمد ابن المهتدي بالله، [المتوفى: 600 هـ]
خطيب جامع المنصور وجامع القصر.
تُوُفّي فِي رمضان.(12/1191)
560 - أَحْمَد بْن عَليّ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن حرّاز، أبو القاسم الكَرْخيّ، الْمُقْرِئ، الخيّاط. [المتوفى: 600 هـ][ص:1192]
وُلِد سنة أربعٍ وعشرين وخمس مائة. وسمع من أَبِي بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وأبي مَنْصُور عَبْد الرَّحْمَن القزّاز، وأبي الفتح الكَرُّوخيّ، وجماعة. روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وابن النّجّار، والنّجيب عَبْد اللّطيف، وجماعة. وتُوُفِّي فِي ذي القعدة.(12/1191)
561 - أحْمَد بْن مُحَمَّد بن مخلوف، أبو العباس ابن الكعكي، الفقيه الإسكندراني، المالكي، المدرس. [المتوفى: 600 هـ]
توفي فِي المحرَّم.(12/1192)
562 - أَحْمَد بْن محمود، أبو العبّاس الصُّوفيّ، التّبرِيزيّ. [المتوفى: 600 هـ]
صحِب الشّيخ أَبَا القاسم عَبْد الرحيم بْن أَبِي سعْد النَّيْسابوريّ ببغداد واختصّ به. وكان فِيهِ سكون وخير.
قال الدُّبيثيّ: حضر مع الصُّوفيَّة فِي رجب، فأنشد القوّال:
وحقّ ليال الوصالِ ... أَواخرها والأُوَلْ
لئن عاد شملي بكُم ... حلا العَيْش لي واتَّصَلْ
فتواجد الشيخ أحمد وتحرَّك إِلَى أن سقط، فوجدوه ميتًا، رحمه الله.(12/1192)
563 - إِسْمَاعِيل بْن أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، أبو مُحَمَّد الشّيرازيّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الصُّوفيّ، [المتوفى: 600 هـ]
أخو الحافظ يوسف.
شيخ صالح من صوفيَّة رباط الأُرْجُوانيّ. سمع أبا بكر الأنصاري، وأبا القاسم ابن السمرقندي، ويحيى ابن الطّرّاح. روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وابنُ النَّجَّار، وابنُ خليل، والضّياء، وغيرهم. وأجاز للفخر عليّ، وغيره. وتُوُفّي فِي رمضان.(12/1192)
564 - إِسْمَاعِيل بْن أَبِي تراب علي بن علي، أبو عبد الله ابن وكّاس الْبَغْدَادِيّ، الحنبليّ، القطّان. [المتوفى: 600 هـ]
سمع أَبَا غالب ابن البناء، ويحيى بْن عَبْد الرَّحْمَن الفارقيّ، ومحمد بْن [ص:1193] أَحْمَد الدّيباجيّ الواعظ. روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وابن خليل، والضياء، والنجيب، وآخرون. وبالإجازة: الشّيخ شمس الدّين، والفخر عليّ، وآخرون. وتُوُفّي فِي شوّال.(12/1192)
565 - أسعد بْن أَبِي الفضائل محمود بْن خَلَف بْن أَحْمَد، العلّامة منتجب الدّين أبو الفتوح، وأبو الفتح العِجْليّ الإصبهانيّ الفقيه الشّافعيّ الواعِظ. [المتوفى: 600 هـ]
وُلِد بإصبهان فِي أحد الربيعين سنة خمس عشرة وخمس مائة. وسمع من فاطمة الجوزدانية، وأبي القاسم إسماعيل بن محمد الحافظ، وغانم بن أحمد الجلودي، وأبي المطهر القاسم بن الفضل الصيدلاني. وببغداد من ابن البطي. وأجاز له إسماعيل بن الفضل السراج، وغيره. وتفقه وبرع في مذهب الشافعي، وصنف التصانيف.
روى عنه أبو نزار ربيعة اليمني، وابن خليل، والضياء محمد، وآخرون. وأجاز لابن أبي الخير، والفخر علي.
قال الدبيثي: كان زاهدا، له معرفة تامة بالمذهب. وكان ينسخ ويأكل من كسب يده، وعليه المعتمد في الفتوى بأصبهان.
وقال القاضي شمس الدين ابن خلكان: هو أحد الفقهاء الأعيان، له كتاب في شرح مشكلات الوجيز والوسيط للغزالي. وله كتاب تتمة التتمة. وتوفي بإصبهان في الثاني والعشرين من صفر.
وقرأت بخط الضياء، قال: شيخنا هذا كان إماما مصنفا، أملى ووعظ، ثم ترك الوعظ. وجمع كتابا سماه: آفات الوعاظ. سمعتُ منه المعجم الصغير للطبراني.(12/1193)
566 - أشرف بن هاشم بن أبي منصور، أبو علي الهاشمي، البغدادي، المعروف بالفأفأ. [المتوفى: 600 هـ][ص:1194]
سمع أَبَا بَكْر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن المَزْرَفِيّ، ويحيى ابن البناء. وكان يرجع إِلَى صَلاحٍ ودِين.
روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وغيره. وروى عَنْهُ الضّياء، وابن خليل، فقالا: ابن أَبِي هاشم.
وجاء عَنْهُ أنّه قال: اسمي عُبَيْد اللَّه، ولَقَبي أشرف. وله إجازة من هبة اللَّه بْن الحُصَيْن.
تُوُفّي فِي المحرَّم. ولابن النّجّار منه إجازة.(12/1193)
567 - أكمل بْن عليّ بْن عَبْد الرحيم بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَبِي مُوسَى، الشّريف أبو مُحَمَّد الهاشميّ، الخطيب. [المتوفى: 600 هـ]
تُوُفّي فِي شوّال، وله أربع وثمانون سنة.(12/1194)
568 - بَرَكَةُ بْنُ نِزار بْن عَبْد الواحد بْن أَبِي سعْد، أَبُو الخير الْبَغْدَادِيّ، التُّسْتَرِيّ، النَسَّاج، المعروف بابن الجمال. [المتوفى: 600 هـ]
سمع هبة الله ابن الطّبر. روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، والضّياء، والنّجيب الحرّانيّ، وغيرهم. وأجاز للفخر عليّ. وتُوُفّي فِي ذي القعدة.
وهو أخو عَبْد الواحد بْن نزار الآتي فِي طبقة ابن اللّتّيّ.(12/1194)
569 - بزغش التّاجر، عتيق أَحْمَد بْن شافع الكَفَرْطَابيّ. [المتوفى: 600 هـ]
حدَّث عن أَبِي الوقت السِّجْزِيّ. روى عَنْهُ ابن خليل، والشّهاب القُوِصيّ، وجماعة.
تُوُفّي بدمشق فِي صفر.(12/1194)
570 - بقاء بْن عُمَر بْن عَبْد الباقي بْن حُنَّد، أبو المعمّر الأَزَجيّ، الدّقّاق. [المتوفى: 600 هـ]
شيخ مُسْنِد مُسِنٌ. روى عَنْهُ هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبي غالب ابن البناء، وهبة الله ابن الطبر الحريري، وغيرهم. روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وابن خليل، والضّياء، واليّلْدانيّ، وجماعة. وبالإجازة: القُطْب أَحْمَد بْن عصرون، وابن أَبِي الخير، والخضر بْن عَبْد اللَّه بْن حموية، والفخر علي.
ويسمى أيضًا المبارك.
توفي في ربيع الآخر.(12/1195)
571 - جَابِر بْن مُحَمَّد بْن يُونُس بْن خَلَف، أبو الفرج ابن اللّحية الحمويّ، ثُمَّ الدمشقي، الشّافعيّ، التّاجر. [المتوفى: 600 هـ]
سمع نصر الله بن محمد المصيصي، وهبة الله بْن طاوس. روى عَنْهُ ابن خليل، والقُوصيّ، وفَرَج الحَبَشيّ، وتقيّ الدّين بْن أَبِي اليُسْر، وآخرون.
وأجاز لابن أَبِي الخير. وتُوُفّي فِي تاسع صفر بدمشق.(12/1195)
572 - جبريل بْن جُمَيْل بْن محبوب بْن إِبْرَاهِيم، الفقيه أبو الأمانة القَيْسيّ اللّواتّي، المصريّ، الحنفيّ. [المتوفى: 600 هـ]
سمع من عُثْمَان بْن فَرَج العَبْدَري، وعليّ بْن هبة اللَّه الكامليّ، وخلْق بمصر، وأبي طاهر السِّلَفيّ، وطائفة بالثّغر.
وسمع الكثير. وتوفي بطريق مكة.(12/1195)
573 - جَهير بْن أَبِي نصر عَبْد الله بن الحُسَيْن بن جَهير. الرئيس أبو القاسم. [المتوفى: 600 هـ][ص:1196]
من بيت حشمة وتقدّم ببغداد. حدث عن سعيد ابن البنّاء، وأبي الوقت.(12/1195)
574 - الحسن ابن الحافظ أَبِي القاسم عليّ بْن الْحسن بْن هبة اللَّه، أبو الفتح الدَّمشقيّ ابن عساكر. [المتوفى: 600 هـ]
سمع عليّ بْن أَحْمَد بْن مقاتل، وحمزة ابن الحُبُوبيّ، وجماعة. وتوفي كهلًا فِي ذي الحجَّة. روى عَنْهُ شمس الدّين بْن خليل.(12/1196)
575 - الْحَسَن بْن أَبِي المحاسن مُحَمَّد بْن الْمحسن، أبو سعْد القُشيري، النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 600 هـ]
شيخ صالح.
قال المنذري: سمع " صحيح مُسْلِم " من أَبِي مُحَمَّد إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الرَّحْمَن القارئ، وحدَّث به. وتُوُفّي فِي هَذِهِ السنة.
قلت: وإسماعيل سمع " الصّحيح " من أَبِي الْحُسَيْن الفارسيّ.(12/1196)
576 - الْحُسَيْن بْن عُثْمَان بْن عليّ، أبو عَبْد اللَّه الحربي القطّان. [المتوفى: 600 هـ]
عُرف بابن الكُوفيّ.
تُوُفّي فِي ربيع الآخر عن ستٍّ وثمانين سنة.
حدَّث عن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يوسف. وعنه الدُّبيثيّ، وابن خليل، والضّياء، وجماعة. وأجاز لابن أَبِي الخير، وللفخر عليّ.(12/1196)
577 - حَمْد بْن مَيْسرة بْن حَمْد بْن مُوسَى بْن غنائم، أبو الثّناء الشّاميّ، ثُمَّ المصريّ، الخلّال، الكامخيّ، الحنبليّ، الرجل الصّالح. [المتوفى: 600 هـ]
حدَّث عن الشّيخ عُثْمَان بْن مرزوق الفقيه، وعيسى ابن الشيخ عبد القادر الجيلبيّ، وجماعة.
وكان يُسمع فِي الشّيخوخة. وأَمّ بالمسجد المشهور به مدَّةٍ. روى عَنْهُ الفقيه مكّيّ بْن عُمَر، والحافظ عَبْد العظيم. [ص:1197]
وقد روى أبو عبد الله ابن النّجّار في " تاريخه " عن رجلٍ، عَنْهُ فِي ترجمة عِيسَى بْن عَبْد القادر.
وقال عَبْد العظيم: كان بمسجده كَوْمٌ من نَوى للتّسبيح. وتُوُفّي فِي ثاني عشر ربيع الأوّل. وقد عَلَتْ سِنّه.(12/1196)
578 - حَمْزَة بْن عَبْد الوهّاب بْن يحيى، أبو طاهر الكِنديّ الدَّمشقيّ. [المتوفى: 600 هـ]
تُوُفّي فِي ذي الحجَّة عن ستٍّ وسبعين سنة.
سمع نصر بْن أَحْمَد بْن مقاتل، وحمزة بْن أسد التميميّ، وغيرهما. روى عنه ابن خليل، والشهاب القوصي وقال: لقبه رشيد الدين.(12/1197)
579 - رحمة بنت الشيخ محمود بن نصر ابن الشّعّار، أخت المحدّث أَبِي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم، كنْيتها أمّ أَيْمَن. [المتوفى: 600 هـ]
وهي زَوْجَة الصّالح عُمَر بْن يوسف الْمُقْرِئ. وقد رَوَت عن أَبِي الفتح ابن البطّيّ، وماتت فِي شوّال.(12/1197)
580 - رضوان بْن سيدهم بْن مَنَاد، أبو الفتح الكُتَاميّ، الفقيه المالكيّ، الأُصُوليّ. [المتوفى: 600 هـ]
سمع بمصر من عُثْمَان بْن فَرَج العَبْدَريّ، وجماعة. وأجاز له من المغرب الحافظان أبو القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن حُبَيْش، وأبو القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه السُّهَيْليّ.
وهو والد الْمُقْرِئ عَبْد المنعم الشّارعيّ.
تُوُفّي فِي سابع عشر ربيع الآخر.(12/1197)
581 - سليمان بن قلج أرسلان. السّلطان ركن الدّين ملك الروم. [المتوفى: 600 هـ]
قال المنذريّ: تُوُفّي فِي هَذِهِ السّنة.
قلت: قد ذُكِر والده فِي سنة ثمانٍ وثمانين وخمس مائة. وكان أخوه [ص:1198] غياث الدّين بَرًّا بأبيه. تملَّك قونية بعد أَبِيهِ، وقويَ على أَخِيهِ الملك قُطب الدّين ملكشاه، ثُمَّ قويَ أيضًا على غيره، فتغلّب على غياث الدّين كيخسرُو السلّطان ركنُ الدّين سليمان هَذَا، وأخذ منه قونية، فهرب كيخسْرُو إِلَى الشام، واستغاث بصاحب حلب الملك الظّاهر غازي. فَلَمَّا مات رُكن الدّين فِي هذا العام وتملَّك بعده ولده قِلج أرسلان رجع غياث الدّين، وتملَّك قونية والبلاد كلّها، وهابَتْه الملوك. ولمّا تُوُفّي تملّك بعده ابنه السّلطان عزّ الدين كيكاوس ابن كيخُسْرُو، وامتدّت أيّامه إِلَى أن مات، وتسلطن بعده أخوه عز الدّين كيقباذ.
قال ابن واصل: تُوُفّي السّلطان رُكْن الدّين سُلَيْمَان بْن قِلج أرسلان بْن مَسْعُود بْن قِلج أرسلان بن سليمان بْن قُتُلْمِش بْن بيغو أرسلان بْن سَلْجُوق فِي سادس ذي القعدة.
قال: وكان موته بالقُولنج فِي سبعة أيّام. وكان قبل مرضه بخمسة أيّام قد حاصر أخاه بأنقِرة، حتّى نزل إليه بالأمان، فغدر به، وقبض عليه، فلم يُمهَل. وملك بعده ابنه قِلج أرسلان، فلم يتم أمره.(12/1197)
582 - شجاع بْن معالي بْن مُحَمَّد، أبو القاسم الْبَغْدَادِيّ، الغرّاد، البُورانيّ، القَصَبَانيّ، المعروف بابن شدّقيني. [المتوفى: 600 هـ]
وُلِد سنة ستّ عشرة وخمس مائة. وَسَمِعَ من أَبِي الْقَاسِم بْن الحُصَيْن، وأبي الْحُسَيْن ابن الفراء، وأبي بكر الأنصاري. روى عنه الدبيثي، ويوسف بن خليل فسماه قيساً، والضياء المقدسي، فسماه فرحاً. وإنّما هُوَ معروف بكنيته.
تُوُفّي فِي ربيع الآخر.(12/1198)
583 - شِيرَوَيْه بْن شهْرَدار بْن شيَرَوَيْه بْن شهْردار بْن شيرَوَيْه بْن فنَّاخسرو، أبو الغنائم ابن المحدّث أَبِي مَنْصُور الحافظ أَبِي شجاع الدَّيْلَميّ. [المتوفى: 600 هـ]
من ولد فيروز الدَّيْلميّ الصَّحابيّ.
هَمَذَانيّ، مُسْنِد، جليل. وُلِد سنةَ ثمان عشرة وخمس مائة. وسَمِعَ من أَبِيهِ، وأبي جَعْفَر مُحَمَّد بْن أَبِي عليّ الحافظ، وزاهر بْن طاهر الشحامي. سمع [ص:1199] منه مُسْنَد أَبِي يَعْلَى. وقد سمع ببغداد من القاضي أَبِي الفضل الأُرْمَوِيّ، وجماعة. روى عَنْهُ الحافظ الضّياء. وأجاز للفخر عليّ. وتُوُفّي في تاسع عشر جمادى الآخرة.(12/1198)
584 - الطَّيّب بْن إِسْمَاعِيل بْن عليّ بْن خليفة، أبو حامد الْبَغْدَادِيّ، الحرْبيّ، القصير. [المتوفى: 600 هـ]
وُلِد سنة أربعٍ وعشرين، وسمع أَبَا بَكْر قاضي المَرِسْتان، وعبد الله وعبد الواحد ابني أَحْمَد بْن يوسف. وأصمّ فِي آخر عُمره، فكان يروي من لفظه. روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، والضّياء. وأجاز للفخر عليّ. وتُوُفّي في جُمادى الآخرة.(12/1199)
585 - عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن أحمد بن منصور ابن الْإِمَام مُحَمَّد بْن القاسم بْن حبيب. العلّامة أبو سعْد ابن الصّفّار النَّيْسابوريّ، وَلدُ الْإِمَام أبي حفص. [المتوفى: 600 هـ]
وُلِد سنة ثمانٍ وخمس مائة، وسَمِعَ من جده لأمه الأستاذ أبي نصر ابن القُشَيْريّ وهو آخر من حدَّث عَنْهُ. وسمع من الفُرَاويّ، وزاهر الشّحاميّ، وعبد الغافر بْن إِسْمَاعِيل الفارسيّ، وعبد الجبّار بْن مُحَمَّد الخُواريّ، وغيرهم.
قرأتُ بخطّ الحافظ ابن نُقْطَة، قال: أبو سعْد ابن الصّفّار سمع الكثير. وكان إمامًا، ثقة، صالحًا، مجمعًا على دينه وخيره وأمانته. حدث بصحيح مسلم عن الفراوي، وبالسنن والآثار للبيهقي، بسماعه من الخواري، وبالسنن لأبي دَاوُد، سمعه من عَبْد الغافر بْن إِسْمَاعِيل، بسماعه من نصر بْن عليّ الحاكميّ. تُوُفّي فِي سابع شعبان.
وقال المنذريّ: تُوُفّي فِي سابع عشر رمضان. [ص:1200]
قلت: روى عَنْهُ بَدَل بْن أَبِي المعمّر التبريزي، وإسماعيل بن ظفر النابلسي، ونجم الكبرى أبو الجناب أحمد بن عمر الخيوقي، وأبو رشيد الغزال، وابنه أبو بَكْر القاسم بْن عَبْد اللَّه، وجماعة. وبالإجازة الشّيخ شمس الدّين عَبْد الرَّحْمَن، وفخر الدّين علي ابن البخاريّ.
وأنبأني أبو العلاء الفَرَضيّ، قال: مجد الدّين أبو سعْد الصّفّار، كان إمامًا عالمًا بالأصول، فقيهًا، ثقة، من بيت العِلم والرواية. سمع أَبَاهُ، وعمّته عَائِشَة، وجدَّه لأمِّه أَبَا نصر عَبْد الرحيم، وجدّته دُردانة بِنْت إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الغافر الفارسيّ، والفُرَاويّ، وزاهرًا، وأبا المعالي الفارسيّ، وهبة اللَّه السّيّديّ، وسهل بْن إِبْرَاهِيم المسجديّ، وجماعة. ومن سماع أبي سعد سنن الدراقطني، سمعه بفويتٍ على أَبِي القاسم الفضل بْن محمد الأبيوردي، قال: أخبرنا أبو مَنْصُور النُّوقَانيّ، عَنْهُ. وسمع السُّنَن الكبير للبَيْهقيّ من زاهر. وقد روى الفخر عليّ عَنْهُ هذين الكتابين بالإجازة.(12/1199)
586 - عَبْد اللَّه بْن أَبِي مَنْصُور مُحَمَّد بْن عليّ بْن زبْرج، أبو المعالي ابن العتّابيّ، الفقيه الشّافعيّ. [المتوفى: 600 هـ]
كان يحج كل عام عن الخليفة المستضيء. وأخطأ مَن سمع منه عن قاضي المَرِسْتان، فإنّه قال: هَذَا السماع لأخي، وأنا وُلِدت بعد تاريخ هَذَا السّماع بثلاثِ سِنيْن.
تُوُفّي فِي جُمادى الآخرة.
وقال ابن النّجّار: لم تكن سِيرته مَرْضِيَّة. ثُمَّ روى عَنْهُ من أمالي الجوهريّ.(12/1200)
587 - عَبْد اللَّه بْن مسْلم بْن ثابت بْن زَيْدِ بْن القاسم، أبو حامد بْن النخّاس، الْبَغْدَادِيّ، الوكيل، ويُعرف بابن جَوالق. [المتوفى: 600 هـ]
وُلِد سنة سبْعٍ وعشرين وخمس مائة، وأسمعه أَبُوهُ الفقيه أبو عَبْد اللَّه من [ص:1201] القاضي الأنصاري، وأبي القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ، وأبي مَنْصُور القزّاز، وأبي البركات الأنْماطيّ، وجماعة.
وحدَّث بالكثير. روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وقال: سمعتُ منه سنة ستٍّ وسبعين وخمس مائة، وابن خليل، والضياء، واليلداني، وابن عبد الدائم، والنجيب عبد اللطيف. وأجاز لابن أبي الخير، وشمس الدين بْن أَبِي عُمَر، والفَخْر عَليّ، والكمال عبد الرحيم بن عَبْد الملك.
وكان يروي تاريخ الخطيب، سوى جزأين منه، عن القزّاز.
تُوُفّي فِي العشرين من رمضان. وأبوه مُسْلم مخفّف، والنّخّاس بمعجمة.(12/1200)
588 - عَبْد اللَّه بْن أَبِي مُحَمَّد بْن يَعْلَى، أبو الرضا المصري، الشافعي، المقرئ. [المتوفى: 600 هـ]
أم بمسجد السجاعة بمصر مدَّةً طويلة. وسمع من عَبْد اللَّه بْن رفاعة، وعليّ بْن نصر الأرتاحيّ، ومحمد بن إبراهيم ابن الكِيزانيّ.
قال المنذري: تُوُفّي فِي منتصف ربيع الأوّل. وحدَّثنا عَنْهُ غير واحد.(12/1201)
589 - عَبْد الباقي بْن عَبْد الجبّار بْن عَبْد الباقي، أبو أَحْمَد الهَرَويّ، الصُّوفيّ، الحُرْضيّ. والحُرْض: الأشنان. [المتوفى: 600 هـ]
كان صاحبًا لأبي الوقت السِّجْزيّ وخَدَمه فِي السَّفَر إِلَى بغداد، وحدَّث عَنْهُ، وعن أَبِي الخير الباغْبَان، ومسعود الثّقفيّ. وسكن بغداد.
روى عَنْهُ الضّياء، والنّجيب عَبْد اللّطيف، وإسحاق بْن محمود بْن بلكويْه البُرُوجرْديّ، وغيرهم.
وتُوُفّي فِي الثّالث والعشرين من ذي القعدة.
وأجاز للفخر عليّ.(12/1201)
590 - عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن، أبو القاسم الْقُرَشِيّ، الْمَصْرِيّ، المؤدّب، الفقيه الشّافعيّ. [المتوفى: 600 هـ]
سمع من عشير بْن علي، وأبي الفضل الغَزْنَويّ، وطائفة. وانقطع إِلَى الحافظ عَبْد الغنيّ فأكثر عَنْهُ ومعه، وكتب الكثير، وحصّل كتبًا كثيرة من الحديث والفِقْه. وعاجَلَتْه المَنِيَّة فِي هَذِهِ السّنة.
وكان يؤدّب الصّبيان ويؤمّ بمسجد المنارة.(12/1202)
591 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن مرشد بْن عليّ بْن منقذ، الأمير الكبير شمس الدّولة أبو الْحَارِث ابن الأمير نجم الدّولة الكِنانيّ الشَّيْزَرِيّ. [المتوفى: 600 هـ]
وُلِد بشَيْزَر سنة ثلاثٍ وعشرين وخمس مائة. وسمع بالثغر من أبي طاهر السلفي. هو الّذي وجَّهه صلاح الدّين فِي الرّسْليَّة إِلَى صاحب المغرب.
وكان أديبًا، عالمًا، نبيلًا، شاعرًا، مُحسِنًا، مترسِّلًا، من بيت الشّجاعة والإمرة.(12/1202)
592 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن علي بن زيد ابن اللتي الرّقيقيّ. [المتوفى: 600 هـ]
حدَّث عن أَبِي الوقت، وغيره. وتُوُفّي فِي أواخر العام.(12/1202)
593 - عَبْد الرّزّاق بْن عَبْد السّميع بْن مُحَمَّد بْن شجاع. الشّريف أبو الكَرَم الهاشميّ، الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 600 هـ]
عاش ثلاثًا وثمانين سنة. وسمع هبة اللَّه بْن أَحْمَد الحريريّ، وقاضي المَرِسْتان. روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وابن النّجّار.
تُوُفّي فِي ربيع الآخر.(12/1202)
594 - عَبْد السّلام بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد، الأندلسيّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ الحربيّ، المعروف بابن الأرمني. [المتوفى: 600 هـ][ص:1203]
روى عن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يوسف. وأجاز للزّكيّ عَبْد العظيم.(12/1202)
595 - عَبْد الغَنِيّ بْن عَبْد الواحد بْن عَلِيّ بْن سُرُور بْن رافع بْن حسن بْن جَعْفَر. الحافظ الكبير، تقيّ الدِّين، أَبُو مُحَمَّد المَقْدِسِيّ الجمَّاعيليّ، ثُمَّ الدَّمشقيّ، الصّالحي، الحنبليّ. [المتوفى: 600 هـ]
وُلِد سنة إحدى وأربعين وخمس مائة. هو والشيخ الموفق في عام، وهما ابنا خالةٍ، وُلدا بجَمَّاعِيل.
سمع بدمشق أَبَا المكارم عَبْد الواحد بْن هلال، وأبا المعالي بْن صابر، وسلمان بْن عليّ الرَّحْبيّ. وببغداد: أَبَا الفتح ابن البطّيّ، والشّيخ عَبْد القادر، وأبا زُرْعة المقدسيّ، وهبة الله بن هلال الدقاق، وأحمد ابن المقرب، وأبا بكر ابن النَّقُّور، والمبارك بْن الْمُبَارَك السِّمسار، وَأَحْمَد بْن عَبْد الغنيّ الباجِسْرائيّ، ومَعْمَر بْن الفاخر، ويحيى بْن ثابت، والمبارك بْن خضر، ويحيى بْن علي الخيمي، والمبارك بن محمد البادرائي، وأبا محمد ابن الخشّاب، وطبقتهم. وبالموصل: أَبَا الفضل عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخطيب، وبهَمَذَان عَبْد الرّزّاق بْن إِسْمَاعِيل القُومِسانيّ، ونسيبه المُطَهَّر بْن عَبْد الكريم، وإسماعيل بْن مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل القُومِسانيّ، وجماعة. بأصبهان: الحافظ أَبَا مُوسَى المَدِينيّ، وأبا سعْد مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد الصّائغ، وأبا رشيد إِسْمَاعِيل بْن غانم البيّع، وأبا الفتح بْن أَحْمَد الخِرَقيّ، وأحمد بْن مَنْصُور التُّرْك، وأبا رشيد حبيب بْن إِبْرَاهِيم، وأبا غالب مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن ناصر، وسُفيان وعليًّا ابنَيْ أَبِي الفضل بْن أَبِي طاهر الخِرَقيّ، وبنيمان بْن أَبِي الفوارس السّبّاك، ومعاوية بْن عليّ الصُّوفيّ، وحمزة بْن أَبِي الفتح الطَبريّ، وغيرهم. وبالإسكندريَّة: أَبَا طاهر السِّلَفيّ فأكثر، وأبا مُحَمَّد عَبْد اللَّه العثمانيّ، وعبد الرَّحْمَن بْن خَلَف اللَّه الْمُقْرِئ، وجماعة. وبمصر: مُحَمَّد بْن عليّ الرَّحبّي، وعلي بْن هِبة اللَّه الكامليّ، وعبد اللَّه بْن برّيّ النّحويّ، وجماعة. [ص:1204]
وحدَّث بإصبهان، وبغداد، ودمشق، ومصر، ودِمياط، والإسكندريَّة.
وكتب ما لا يوصف، وصنَّف التّصانيف المفيدة، ولم يزل يسمع ويسمع ويكتب ويجمع إلى أن توفّاه اللَّه تعالى إِلَى رحمته.
روى عَنْهُ الشّيخ الموفّق، والحافظ عَبْد القادر الرُّهاويّ، وولداه أبو الفتح محمد وأبو موسى عبد الله، والحافظ الضياء، والحافظ ابن خليل، والفقيه اليُونينيّ، وسليمان الأسْعَرْدِيّ، والزَّيْن بْن عَبْد الدّائم، وعثمان بْن مكّي الشارعي الواعظ، وأحمد بْن حامد بْن أَحْمَد بْن حمْد الأَرْتَاحِيّ الْمُقْرِئ، وإسماعيل بْن عَبْد القويّ بْن عزّون، وأبو عِيسَى عَبْد اللَّه بْن علاق، وسعد الدين محمد بن مهلهل الجيتي، وبقي هَذَا إِلَى ربيع الأوّل سنة أربعٍ وسبعين. وبالإجازة: أَحْمَد بْن أَبِي الخير، وغيره.
قال أبو عبد الله ابن النّجّار: حدَّث بالكثير، وصنَّف فِي الحديث تصانيف حسنة. وكان غزير الحِفْظ، من أَهْل الإتقان والتجويد، قيمًا بجميع فنون الحديث، عارفًا بقوانينه، وأصوله، وعِلَله، وصحيحه، وسقيمه، وناسخه، ومنسوخه، وغريبه، ومُشْكله، وفِقْهه، ومَعانيه، وضبْط أسماء رُواته. وكان كثير العبادة، ورِعًا، متمسّكًا بالسُّنَّة على قانون السَّلف. ولم يزل بدمشق - يَعْني بعد رجوعه من إصبهان - يحدّث وينتفع به النّاس، إِلَى أن تكلّم فِي الصّفات والقرآن بشيءٍ أنكره عليه أَهْل التّأويل من الفقهاء، وشنّعوا عليه، وعُقِد له مجلسٌ بدار السّلطان، حضره الفقهاء والقُضاة، فأصرَّ على قوله، وأباحوا إراقة دمه فشفع فيه جماعة إِلَى السّلطان من الأمراء الأكراد، وتوسّطوا فِي القضيَّة على أن يُخرَج من دمشق، فأُخرج إِلَى مصر، وأقام بها خاملًا إِلَى حين وفاته.
أخبرنا يعيش بن مالك الحنبلي، قال: أخبرنا عَبْد الغنيّ. قلت: فذكر حديثًا. [ص:1205]
قرأتُ بخطّ العلّامة شيخ إصبهان أَبِي مُوسَى المَدِينيّ: يقول أبو مُوسَى عَفَا اللَّه عَنْهُ: قلَّ من قدِم علينا من الأصحاب يفهم هذا الشأن كَفَهْم الشّيخ الْإِمَام ضياء الدّين أَبِي مُحَمَّد عَبْد الغنيّ بْن عَبْد الواحد المقدسيّ، زاده اللَّه تعالى توفيقًا. وقد وُفِّق لتبيين هَذِهِ الغلطات على أنّ فِي الكُتُب المصنَّفة فِي معرفة الصّحابة غير هَذَا من الخطأ، ولا تنفكّ الكُتُب المجموعة فِي ذلك من ذلك، وما ذكره كما ذكره. إِلَى أن قال: ولو كان الدراقطني وأمثاله فِي الأحياء لَصَوَّبوا فِعْله، وقلّ من يفهم فِي زماننا لِما فهمه. كتبه أبو مُوسَى.
قلت: هَذَا كتبه على ظهر كتاب "تبيين الإصابة لأوهامٍ حصلت فِي معرفة الصّحابة" الّذي جمعه الحافظ أبو نُعَيْم. وهو مجلَّد صغير أبان فيه عن حِفْظٍ باهر، ومعرفةٍ تامَّة.
وقال الضّياء: ثُمَّ سافر الحافظ إِلَى إصبهان. وكان خرج وليس معه إلّا قليلُ فلوس، فسهّل اللَّه له مَن حمله وأنفق عليه، حتّى دخل إصبهان، وأقام بها مدَّة، وحصل بها الكُتُب الجيّدة. وكان ليس بالأبيض الأمهق، بل يميل إِلَى السُّمْرة، حَسَن الثَّغْر، كثّ اللّحية، واسع الجبين، عظيم الخلْق، تامّ القامة، كأنّ النور يخرج من وجهه. وكان قد ضعف بصره من كثرة البكاء والنَّسْخ والمطالعة.
ذكر تصانيفه رحمه اللَّه
كتاب المصباح فِي الأحاديث الصِّحاح فِي ثمانية وأربعين جزءًا، يشتمل على أحاديث الصحيحين، كتاب نهاية المراد في السنن نحو مائتي جزء لم يبيّضه، كتاب اليواقيت مجلّد، كتاب تحفة الطّالبين فِي الجهاد والمجاهدين مجلّد، كتاب الروضة أربعة أجزاء، كتاب فضائل خير البَرَيَّة أربعة أجزاء، كتاب الذكر جزءان، كتاب الإسراء جزءان، كتاب التهجد جزءان، كتاب الفرج جزءان، كتاب صلات الأحياء إلى الأموات جزءان، كتاب الصفات جزءان، كتاب محنة أَحْمَد ثلاثة أجزاء، كتاب ذمّ الرّياء جزء، ذمّ الغَيْبة جزء، التّرغيب فِي الدّعاء جزء، الأمر بالمعروف جزء، [ص:1206] كتاب فضائل مكة أربعة أجزاء، فضائل رمضان جزء، فضائل العشر جزء، فضائل الصدقة جزء، فضائل الحج جزء، فضائل رجب جزء، وفاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم جزء، أقسام النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم جزء، الأربعون جزء، أربعون أخرى جزء، الأربعين من كلام رب العالمين جزء، أربعون حديثًا بسندٍ واحد، اعتقاد الشّافعيّ جزء، كتاب الحكايات سبعة أجزاء، كتاب غُنْيَة الحفّاظ فِي مشكل الألفاظ فِي مجلّدتين، ذِكر القبور جزء، مناقب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز جزء، أجزاء في الأحاديث والحكايات أكثر من مائة جزء، وهذه كلّها بأسانيده.
ومن الكتب بلا إسناد: الأحكام فِي ستَّة أجزاء، العمدة في الأحكام جزءان، كتاب دُرر الأثر تسعة أجزاء، كتاب السّيرة النّبويَّة جزء كبير، النّصيحة فِي الأدعية الصّحيحة جزء، الاعتقاد جزء، تبيين أوهام أَبِي نُعَيْم الحافظ فِي الصّحابة جزء كبير، كتاب الكمال فِي معرفة الرجال عدَّة مجلدات، وفيه إسناد.
قال: وكان لا يَكَادُ أحدٌ يَسْأَلُهُ عَنْ حَدِيثٍ إِلا ذكره له وبيّنه. ولا يُسأل عن رَجُلٍ، إلا قال: هُوَ فُلان بْن فلان، وبيَّن نسبه.
قال: وأنا أقول: كان الحافظ عَبْد الغنيّ المقدسيّ أمير المؤمنين فِي الحديث. سمعته يقول: كنت عند الحافظ أَبِي مُوسَى فنَازَعَني رجلٌ فِي حديث فقال: هُوَ فِي البخاريّ. وقلت: ليس هُوَ فِيهِ. قال: فكتب الحديث فِي رُقْعة، ورفعها إِلَى الحافظ أَبِي مُوسَى يسأله عَنْهُ، فناولني الحافظ الرُّقْعة وقال: ما تقول؟ هَلْ هَذَا الحديث فِي الْبُخَارِيّ أم لا؟ فقلت: لا. قال: فخجل الرجل.
وسمعتُ أَبَا الطّاهر إِسْمَاعِيل بْن ظَفَر يقول: جاء رجل إلى الحافظ - يعني عَبْد الغنيّ - فقال: رجلٌ حلف بالطّلاق أنّك تحفظ مائة ألف حديث. فقال: لو قال أكثر لصَدَق.
شاهدتُ الحافظ غير مرَّةٍ بجامع دمشق يسأله بعض الحاضرين وهو على المنبر: اقرأ لنا أحاديث من غير الجزء. فيقرأ الأحاديث بأسانيدها عن ظهر قلبه. [ص:1207]
وقيل: إنّه سُئل: لِمَ لا تقرأ من غير كتاب؟ يعني دائمًا، قال: إنّي أخاف العُجب.
وسمعت الْإِمَام أَبَا العبّاس أَحْمَد بْن محمد ابن الحافظ، قال: سمعت علي بن فارس الزّجّاج العلثيّ الصّالح قال: لمّا جاء الحافظ من بلاد العجم. قلت: يا حافظ ما حفظت بعدُ مائة ألف حديث؟ فقال: بلى، أو ما هَذَا معناه.
سمعتُ أَبَا مُحَمَّد عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد الملك الشّيبانيّ يقول: سمعتُ التّاج الكِنْديّ يقول: لم يكن بعد الدَّارَقُطْنِيّ مثل الحافظ عَبْد الغنيّ، يعني المقدسيّ.
وقال الفقيه أبو الثّناء محمود بْن هَمّام الْأَنْصَارِيّ: سمعت التّاج الكِنْدي يقول: لم يَرَ الحافظ عَبْد الغنيّ مثلَ نفسه.
وقال أبو نِزار ربيعة بْن الْحَسَن: قد رَأَيْت أَبَا موسى المدينيّ، وهذا الحافظ عَبْد الغنيّ أحفظ منه.
قال الضّياء: وكلّ من رأينا من المحدّثين ممّن رَأَى الحافظ عَبْد الغنيّ وجرى ذَكر حِفْظه ومُذَاكراته، قال: ما رأينا مثله، أو ما يشبه هَذَا.
ثمّ ذكر الضّياء فصلًا فِي حِرْصِه على الحديث وطلبه وتحريضه للطَّلَبَة، وقال: حرَّضني على السّفر إِلَى مصر، وسافر معنا ولده أبو سُلَيْمَان وله نحو عشر سنين. وسير قبلنا ولدَيْه محمدًا وعبد اللَّه إِلَى إصبهان. ثم سفر إسماعيل بن ظفر، وزوده وأعطاه ما احتاج إليه، فسافر إِلَى بغداد، وإصبهان، وخُراسان. وقبلَ ذلك حرَّض أَبَا الحجّاج يوسف بْن خليل على السَّفَر.
وكان يقرأ الحديث يوم الجمعة بعد الصّلاة بجامع دمشق وليلة الخميس بالجامع أيضًا. ويجتمع خلْق. وكان يقرأ ويبكي، ويُبكي الناسُ بكاءً كثيرًا، وكان بعد القراءة يدعو دعاءً كثيرًا.
وسمعتُ شيخنا أَبَا الْحَسَن عليّ بْن إِبْرَاهِيم بْن نجا الواعظ بالقرافة يقول على المِنْبر: قد جاء الْإِمَام الحافظ وهو يريد أن يقرأ الحديث، فأشتهي أن تحضروا مجلسَه ثلاث مرّات، وبعدها أنتم تعرفونه، وتحصل لكم الرغبة. فجلس أوّل يوم، وكنتُ حاضرًا بجامع القرافة، فقرأ أحاديث بأسانيدها حِفْظًا، وقرأ جزءًا، ففرح النّاس بمجلسه فَرَحًا كثيرًا. ثمّ سمعت ابن نجا شيخنا يقول: [ص:1208] قد حصل الذي كنتُ أريده فِي أول مجلس. قال: وكان يجلس بمصر فِي غير موضعٍ يقرأ الحديث.
وكان رحمه اللَّه لا يكاد يضيّع شيئًا من زمانه بلا فائِدة، فإنّه كان يُصلّي الفجر، ويلقّن القرآن، وربمّا لقّن الحديث. فقد حفَّظنا منه أحاديث جمَّة تَلْقِينًا. ثُمَّ يقوم فيتوضّأ، ويصلّي ثلاث مائة ركعة بالفاتحة والمعوَّذتين إِلَى قبل وقت الظُّهْر، ثُمَّ ينام نومةً، ثُمَّ يُصلّي الظُّهر، ويشتغل إمّا بالتّسميع أو النَّسْخ إِلَى المغرب، فَإِنْ كان صائمًا أفطر، وإن كان مفطِرًا صلّى من المغرب إِلَى العشاء الآخرة، فإذا صلّى العشاء نام إِلَى نصف اللّيل أو بعده. ثُمَّ قام فتوضّأ وصلّى لحظة، ثُمَّ توضّأ، ثُمَّ صلّى كذلك، ثُمَّ توضّأ وصلى إِلَى قرب الفجر، وربّما توضّأ فِي اللّيل سبع مرّات أو أكثر. فَقِيل له فِي ذلك، فقال: ما تطيب لي الصّلاة إلا ما دامت أعضائي رطْبة. ثُمَّ ينام نومةً يسيرة إِلَى الفجر. وهذا دأْبُه، وكان لا يكاد يُصلّي فريضتين بوضوءٍ واحد.
سَأَلت خالي الْإِمَام موفَّق الدّين عن الحافظ فقال وكتب بخطه: كان رفيقي فِي الصِّبَى وَفِي طلب العِلم، وما كنّا نستبق إِلَى خيرٍ إلّا سبقني إليه إلّا القليل. وكمّل اللَّه فضيلته بابتلائه بأذى أَهْل البِدْعة، وعداوتهم له، وقيامهم عليه. ورُزِق العلم وتحصيل الكُتُب الكثيرة، إلّا أنّه لم يعمّر حتّى يَبْتَغِ غرضَه فِي روايتها ونشْرها.
قال الضّياء: وكان يستعمل السِّواك كثيرًا، حتّى كأن أسنانه البرد.
سمعتُ محمود بن سلّامة الحرّانيّ التّاجر غير مرَّة يقول: كان الحافظ عَبْد الغنيّ نازلًا عندي بإصبهان، وما كان ينام من اللّيل إلّا قليلًا، بل يُصلي ويقرأ ويبكي، حتّى ربمّا مَنَعَنَا النّوم إِلَى السَّحَر. أو ما هَذَا معناه. وكان الحافظ لا يرى مُنْكرًا إلّا غيّره بيده أو بلسانه. وكان لا تأخذه فِي اللَّه لومة لائم. رأيته مرة يريق خمراً، فجذب صاحبه السّيف، فلم يخف، وأخذه من يده. وكان قويًّا فِي بَدَنه. وكثيرًا ما كان بدمشق يُنْكر ويكسر الطّنابير والشّبّابات. قال لنا خالي الموفَّق: كان لا يصبر عن إنكار المُنْكَر إذا رآه.
سمعت فضائل بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن سُرور المقدسيّ، قال: سمعتهم [ص:1209] يتحدّثون بمصر أنّ الحافظ كان قد دخل على الملك العادل، فلمّا رآه قام له، فلمّا كان اليوم الثّاني إذا الأمراء قد جاؤوا إلى الإمام الحافظ إِلَى مصْر، مثل سركس، وأُزْكش، فقالوا: آمنّا بكراماتك يا حافظ. وذكروا أنّ العادل قال: ما خفتُ مِن أحدٍ ما خفتُ من هَذَا الرجل. فقلنا: أيّها الملك، هَذَا رجلٌ فقيه، أيش خفتَ منه؟ قال: لمّا دخل ما خُيّل إليّ إلّا أَنَّه سَبُع يريد أن يأكلني. فقلنا: هَذِهِ كرامة للحافظ.
قال الضّياء: شاهدتُ بخط الحافظ قال: والملك العادل اجتمعت به، وما رَأَيْت منه إلّا الجميل، فأَقبل عليّ وأكرمني، وقام لي والتزمني، ودعوتُ له. ثُمَّ قلت: عندنا قُصُور فهو الّذي يوجب التّقصير. فقال: ما عندك لا تقصير ولا قُصُور. وذُكر أمرُ السُّنَّة فقال: ما عندك شيءٌ تعابُ به فِي أمور الدّين ولا الدّنيا، ولا بُد للنّاس من حاسِدين. وبلغني عَنْهُ بعد ذلك أنّه ذُكر عنده العِلماء فقال: ما رأيتُ بالشّام ولا مصر مثلَ فلان، دخل عليَّ فَخُيّل إليَّ أنّه أسد قد دخل عليَّ، وهذا ببركة دعائكم ودعاء الأصحاب.
قال الضّياء: وكان المبتدعة قد وغروا صدر العادل على الحافظ، وتكلّموا فِيهِ عنده. وكان بعضهم يقول: إنه ربما قتله إذا دخل عليه. فسمعتُ بعضَهم أنّ بعض المبتدعة أرسل إِلَى العادل يبذل فِي قتْل الحافظ خمسة آلاف دينار.
وسمعتُ الشّيخ أبا بكر بن أحمد الطحان، قال: وكان فِي دولة الأفضل عليّ جعلوا الملاهي عند دَرَج جَيْرون، فجاء الحافظ فكسر شيئًا كثيرًا منها. ثُمَّ جاء فصعِد على المِنبر يقرأ الحديث، فجاء إليه رسول القاضي يطلبه حتّى يُناظره فِي الدّفّ والشّبابة فقال الحافظ: ذاك عندي حرام. وقال: لا أمشي إليه، إنْ كان له حاجة فيجيء هو. ثم تكلَّم على المِنْبر، فعاد الرَّسُول فقال: لا بُدّ من مجيئك قد بطلت هَذِهِ الأشياء على السّلطان. فقال الحافظ: ضربَ اللَّهُ رقبتَه ورقبة السّلطان. فمضى الرَّسُول، وخِفْنا من فتنة، فَمَا جاء أحدٌ بعد ذلك.
سمعت محمود بْن سلامة الحرّانّي بإصبهان قال: كان الحافظ بإصبهان فيصطفّ النّاس فِي السّوق ينظرون إليه. ولو أقام بإصبهان مدَّةً وأراد أن يملكها [ص:1210] لملكها. يعني من حُبهم له ورغبتهم فِيهِ.
قال الضّياء: ولمّا وصل إِلَى مصر أخيرًا كنّا بها، فكان إذا خرج يوم الجمعة إِلَى الجامع لا نقدر نمشي معه من كثرة الخلْق، يتبرّكون به، ويجتمعون حوله. وكان سخياً، جواداً، كريما، لا يدَّخر دينارًا ولا درهمًا. ومهما حصل له أَخْرَجَهُ. ولقد سمعتُ عَنْهُ أنّه كان يخرج فِي بعض اللّيالي بقِفاف الدّقيق إِلَى بيوت المحتاجين، فإذا فتحوا له ترك ما معه ومضى لئلّا يُعرف. وكان يُفتح له بشيء من الثّياب والبُرد، فيعطيه للنّاس، وربمّا كان عليه ثوب مرقَّع. قال لي خالي الموفّق: كان جوادًا، يؤثر بما تصل يده إِليه سرًّا وعلانية. وقال عبد الجليل الْجِيلانيّ: كنتُ فِي مسجد الوزير، فبقيت ثلاثة أيّام ما لنا شيء، فلمّا كان العصر يوم الجمعة سلّمت على الحافظ، ومشيت معه إِلَى خارج باب الجامع فناولني نفقةً، فإذا هِيَ نحو خمسين درهمًا. وسمعت بدْرَ بنَ مُحَمَّد الْجَزَريّ، قال: ما رَأَيْت أحدًا أكرم من الحافظ عَبْد الغنيّ، قد أوفى عنّي غير مرَّة. سمعت سُلَيْمَان بْن إِبْرَاهِيم الأَسْعَرْدِيّ يقول: بعث الملك الأفضل إِلَى الحافظ بنفقةٍ وقمح كثير. ففرقه كلّه، ولم يترك شيئًا. سمعت أَحْمَد بْن عبد الله العراقي، قال: حَدَّثَنِي مَنْصُور، قال: شاهدتُ الحافظ فِي الغلاء بمصر، وهو ثلاث ليالٍ يؤثر بعَشَائه ويَطْوي. سمعتُ الفقيه مقصد بْن عليّ بْن عَبْد الواحد المصريّ، قال: سمعتُ أنّ الحافظ كان زمان الغلاء يؤثر بعَشَائه. يعني غلاء مصر.
قال الضّياء: وقد فُتِح له بمصر بأشياء كثيرة من الذَّهب وغير ذلك، فَمَا كان يترك شيئًا. سمعت الرِّضَى عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الجبار؛ سمعتُ الحافظ يقول: سألتُ اللَّه أنْ يرزقني مثل حال الْإِمَام أحمد بن حنبل، فقد رزقني صلاته. قال: ثُمَّ أبتُليَ بعد ذلك وأُوذِيَ.
سمعت الْإِمَام أَبَا مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن أَبِي الْحَسَن الْجُبّائيّ يقول: كان أبو نعيم قد أخذ على الحافظ ابن مَنْدَهْ أشياء فِي معرفة الصّحابة، فكان الحافظ أبو مُوسَى يشتهي أنْ يأخذ على أَبِي نُعَيْم فِي كتابه، فَمَا كان يجسر. فلمّا جاء الحافظ عَبْد الغنيّ أشار إليه بِذَلِك، فأخذ على أَبِي نُعَيْم فِي كتابه معرفة الصّحابة نحوًا من مائتين وتسعين موضعًا. فلمّا سمع بِذَلِك الصّدر عَبْد اللّطيف بْن الخُجَنْدِيّ طلب الحافظ عَبْد الغنيّ، وأراد هلاكه، فاختفى الحافظ. [ص:1211]
وسمعت محمود بْن سلامة الحَرَّانيّ، قال: ما أخرجنا الحافظ من إصبهان إلّا فِي إزار. وذلك أنّ بيت الخُجَنْدِيّ أشاعِرة يتعصّبون لأبي نُعَيْم، وكانوا رؤساء إصبهان.
سمعت الحافظ يقول: كنّا بالمَوْصِل نسمع الْجَرْح والتّعديل للعُقَيْليّ، فأخذني أَهْل الموصل وحبسوني، وأرادوا قتلي من أجل ذِكر أَبِي حنيفة فِيهِ. قال: فجاءني رجلٌ طويل معه سيف، فقلت: لعلّه يقتلني وأستريح. قال: فلم يصنع شيئًا. ثُمَّ أُطلِقت. وكان يسمع هُوَ وابن البرنيّ، فأخذ ابن البرنيّ الكرّاس الّتي فيها ذِكر أَبِي حنيفة، ففتّشوا الكتاب، فلم يجدوا شيئًا، فهذا كان سبب خلاصه.
قلت: سمعت عبد الحميد بن خولان، قال: سمعتُ الضّياء يقول: كان الحافظ يقرأ الحديث بدمشق، ويجتمع الخلْق عليه، فحُسد، وشرعوا يعملون لهم وقتًا فِي الجامع، ويقرأ عليهم الحديث، ويجمعون النّاس، فهذا ينام، وهذا قلْبه غير حاضر، فلم يشف قلوبهم، فشرعوا في مكيدةٍ، فأمروا الناصح ابن الحنبليّ بأنْ يعِظ بعد الجمعة تحت النَّسْر، وقت جلوس الحافظ، فأخّر الحافظ ميعادَه إِلَى العصر. فلمّا كان فِي بعض الأيّام، والنّاصحُ قد فرغ، وقد ذكر الْإِمَام، فدسّوا إليه رجلًا ناقص العقل من بيت ابن عساكر، فقال للنّاصح ما معناه: أنّك تقول الكذِبَ على المِنْبر. فضُرِب الرجل وهرب، وخُبّئ فِي الكلّاسة، ومشوا إِلَى الوالي، وقالوا له: هؤلاء الحنابلة ما قصدهم إلا الفتنة. وهم وهُمْ واعتقادهم. ثمّ جمعوا كُبَرَاءهم، ومضوا إِلَى القلعة، وقالوا للوالي: نشتهي أنْ تُحْضِر الحافظ. وسمع مشايخنا، فانحدروا إِلَى المدينة، خالي الموفَّق، وأخي الشّمس البخاريّ، والفقهاء، وقالوا: نَحْنُ نُنَاظِرهم. وقالوا للحافظ: اقعد أنت لا تجئ، فإنّك حادّ، ونحن نكفيك. فاتّفق أنّهم أرسلوا إِلَى الحافظ فأخذوه، ولم يعلم أصحابنا، فناظروه وكان أجهلهم يُغْري به، فاحتدّ. وكانوا قد كتبوا شيئًا من اعتقادهم، وكتبوا خطوطهم فِيهِ، وقالوا له: اكتب خطَّك. فلم يفعل. فقالوا للوالي: قد اتّفق الفُقهاء كلّهم، وهذا [ص:1212] يخالفهم. واستأذنوه فِي رفع مِنْبره. فأرسلوا الأسرى، فرفعوا ما فِي جامع دمشق من مِنْبرٍ وخزانة وقالوا: نريد أن لا نجعل فِي الجامع إلّا صلاة الشّافعيَّة. وكسروا منبر الحافظ، ومنعوه من الجلوس، ومنعوا أصحابنا من الصّلاة في مكانهم، ففاتتهم الظُّهْر. ثمّ إنّ الناصح جَمَع البَنَويَّة وغيرهم، وقالوا: إنْ لم يُخَلُّونا نصلّي صلّينا بغير اختيارهم. فبلغ ذلك القاضي، وهو كان صاحب الفتنة، فإذِن لهم، وخاف أن يُصلّوا بغير إذنه. وكان الحنفية حموا مقصورتهم بجماعةٍ من الْجُنْد. ثُمَّ إن الحافظ ضاق صدره، ومضى إِلَى بَعْلَبَكّ، فأقام بها مدَّة، وتوجَّه إِلَى مصر، فبقي بنابلس مدَّةً يقرأ الحديث وكنتُ أَنَا فِي ذلك الوقت بمصر فجاء شاب من دمشق بفتاوى إلى الملك عثمان الْعَزِيز، ومعه كتب أنّ الحنابلة يقولون كذا وكذا. وكان بنواحي الإسكندريَّة، فقال: إذا رجعنا أخرجنا من بلادنا مَن يقول بهذه المقالة؟ فاتّفق أنّه لم يرجع، وشَبَّ به فَرَسُه. وأقاموا ولده موضعه. ثم أرسلوا إلى الأفضل، كان بصَرْخَد، فجاء وأخذ مصر. ثُمَّ انحرف إِلَى دمشق فاتّفق أنّه لقي الحافظ فِي الطريق، ففرح به وأكرمه. ونفّذ يوصي به بمصر، فلمّا وصل الحافظ إِلَى مصر تُلُقِّيَ بالبِشْر والإكرام، وأقام بها يُسمع الحديث بمواضع ويجلس. وقد كان بمصر كثيرٌ من المخالفين، لكنْ كَانَتْ رائحة السّلطان تمنعهم. ثُمَّ إنّ الأفضل حاصر دمشق، وردَّ عَنْهَا بعد أن أشرف على أخْذها، ورجع إِلَى مصر، فجاء العادل خلْفه فأخذ مصر. وبقي بمصر. وأكثَر المخالفون على الحافظ، حتّى استُدعيَ، ولم يحصل لهم بحمد اللَّه ما أرادوا. وأكرمه العادل، وسافر إِلَى دمشق. وبقي الحافظ بمصر، وهم لا يتركون الكلام فِيهِ، فلمّا أكثروا عَزَم الكامل على إخراجه من مصر. ثم إن الحافظ اعتُقِل فِي دارِ سبعَ ليالٍ فَسَمعت التّقيّ أحمد ابن العزّ مُحَمَّد بْن عَبْد الغنيّ: حدَّثني الشّجاع بْن أَبِي زكريّ الأمير قال: قال لي الكامل: هاهنا رجلٌ فقيه قَالُوا: إنّه كافر. قلت: لا أعرفه. قال: بلى، هُوَ محدِّث. فقلت: لعلّه الحافظ عبد الغني؟ قال: نعم هذا هُوَ. فقلت: أيّها الملك، العلماء أحدهم يطلب الآخرة، والآخر يطلب الدنيا. وأنت هاهنا باب الدّنيا، فهذا الرجل جاء إليك، أو أرسل إليك رُقعة؟ قال: [ص:1213] لا. قلت: والله هؤلاء يحسدونه. فهل فِي هَذِهِ البلاد أرفع منك؟ قال: لا. فقلت: هَذَا الرجل أرفع العلماء. فقال: جزاك اللَّه خيرًا كما عرَّفْتني هَذَا.
وقال أبو المظفّر ابن الجوزيّ فِي تاريخه: اجتمع قاضي دمشق محيي الدّين والخطيب ضياء الدّين وجماعة، وصعدوا إِلَى مُتَولّي القلعة أنّ عَبْد الغنيّ قد أضلّ الناسَ ويقول بالتّشبيه، فعقدوا له مجلسًا وأحضروه، فناظرهم، فأخذوا عليه مواضع، منها قوله: لا أُنَزِّهه تنزيهًا ينفي حقيقة النزّول. ومنها: كان اللَّه ولا مكان، وليس هُوَ اليوم على ما كان. ومنها مسألة الحرف والصَّوت. فقالوا: إذا لم يكن على ما كان، فقد أثبت له المكان. وإذا لم تنزهه تنزيهًا ينفي عَنْهُ حقيقة النزّول فقد أجزت عليه الانتقال. وأمّا الحرف والصّوت فإنّه لم يصحّ عن إمامك فِيهِ شيء وإنّما المنقول عَنْهُ أنّه كلام اللَّه لا غير. وارتفعت الأصوات، فقال له صارم الدّين بزغش والي القلعة: كلّ هؤلاء على ضلالة، وأنت على الحقّ؟ قال: نعم. فأمر الأسارى، فنزلوا فكسروا مِنْبره، ومنعوا الحنابلة من الصّلاة، ففاتتهم صلاة الظُّهْر.
وقال أبو المظفّر فِي مكانٍ آخر: اجتمع الشّافعيَّة، والحنفيَّة، والمالكية بالملك المعظمّ بدار العدل، وكان يجلس فيها هُوَ والصّارم بزغش، فكان ما اشتهر من أمر عَبْد الغنيّ الحافظ، وإصراره على ما ظهر من اعتقاده، وإجماع الفقهاء على الفُتْيا بتكفيره، وأنّه مبتدِع لا يجوز أن يُترك بين المسلمين، فسأل أنْ يُمهل ثلاثة أيّام لينفصل عن البلد، فأجيب.
قلت: قوله: وإجماع الفقهاء على الفُتيا بتكفيره كلامٌ ناقص، وهو كذِبٌ صريح، وإنّما أفتى بِذَلِك بعض الشّافعيَّة الّذين تعصبوا عليه، وأما الشيخ موفق الدين وأبو اليُمْن الكِنْديّ شيخا الحنفيَّة والحنابلة فكانا معه. ولكنْ نعوذ بالله من الظُّلْم والْجَهْل.
قال أبو المظفّر: وسافر عَبْد الغنيّ إِلَى مصر، فنزل عند الطّحّانين، وصار يقرأ الحديث، فأفتى فقهاء مصر بإباحة دمه، فكتبوا إِلَى ابن شُكر الوزير يقولون: قد أفسد عقائدَ النّاسِ، ويذكر التّجسيم على رؤوس الأشهاد. فكتب [ص:1214] إِلَى والي مصر بنفْيه، فمات قبل وصول الكتاب رحمه اللَّه تعالى بمسجد المصنع.
قال: وكان يُصلّي كلّ يومٍ وليلة ثلاث مائة ركعة ورد الإمام أحمد بن حنبل. وكان يقوم الليل عامَّةَ دهره، ويحمل ما أمكنه إِلَى بيوت الأرامل واليتامى سرًّا. وكان أوحد زمانه فِي عِلم الحديث.
وقال الضّياء: سمعت بعض أصحابنا يقول: إنّ الحافظ أُمِرَ أنْ يكتب اعتقاده، فكتب: أقول كذا لقول اللَّه تعالى كذا، وأقول كذا لقول النّبّي صلى الله عليه وسلم كذا. حتّى فرغ من المسائل الّتي يخالفونه فيها، فلمّا وقف عليها الملك الكامل قال: أيش أقول فِي هَذَا؟ يقولُ بقول الله وقول رسوله؟ فخلّى عَنْهُ. فصل
قال: وسمعت أَبَا مُوسَى بْن عَبْد الغنيّ قال: كنت مع والدي بمصر وهو يذكر فضائل سُفْيان الثَّوريُّ. فقلت فِي نفسي: إنّ والدي مثله. قال: فالتفت إليّ وقال: أَيْنَ نَحْنُ من أولئك؟
سمعتُ الزّاهد إِبْرَاهِيم بْن محمود البَعْلَبَكّيّ يقول: كنتُ يومًا عند الشيخ عماد الدين، وقد جاء تجارٌ، فحدثوه أنّهم رأوا، أو قال: يُرى، النّور على قبر الحافظ عَبْد الغنيّ كلّ ليلة، أو كل ليلة جُمعة. شكّ إِبْرَاهِيم.
سَمِعْتُ الْإِمَام أَبَا العَبَّاس أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الغنيّ، قال: رأيتُ البارحة الكمال عَبْد الرّحيم - يعني أخي - وعليه ثوب أبيض. فقلت: أَيْنَ أنت؟ قال: فِي جنَّةِ عدْن. فقلت: أيّما أفضل الحافظ عَبْد الغنيّ، أو الشّيخ أبو عُمَر؟ قال: ما أدري، وأمّا الحافظ فكلّ ليلة جمعة يُنصب له كرسيّ تحت العرش، ويقرأ عليه الحديث، ويُنثر عليه الدّرّ، وهذا نصيبي منه. وكان فِي كُمه شيء، وقد أمسك بيده على رأس الكُمّ.
وسمعتُ عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد الكرديّ بحّران، قال: رَأَيْت الحافظ فِي المنام، فقلتُ له: يا سيّدي، أليس قد مُتّ؟ فقال: إنّ اللَّه أبقى عليّ وِرْدي من الصّلاة. أو نحو هَذَا. [ص:1215]
وسمعتُ القاضي أَبَا حَفْص عُمَر بْن عليّ الهكّاريّ بنابلس يقول: رأيتُ الحافظ عَبْد الغنيّ فِي النّوم كأنّه قد جاء إِلَى بيت المقدس، فقلت: جئت غير رَاكب؟ فقال: أَنَا حملني النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
سمعت الحافظ أَبَا مُوسَى قال: حدَّثني رجلٌ من أصحابنا، قال: رَأَيْت الحافظ فِي النّوم، وكان يمشي مستعجلًا، فقلت: إِلَى أَيْنَ؟ قال: أزور النّبيّ صلى الله عليه وسلم. فقلت: وأين هُوَ؟ قال: فِي المسجد الأقصى. فإذا النّبيّ صلى الله عليه وسلم وعنده أصحابه. فَلَمَّا رَأَى الحافظ قامَ صلى الله عليه وسلم له وأجلسه إِلَى جانبه. قال: فبقي الحافظ يشكو إليه ما لقي، ويبكي ويقول: يا رسول الله كُذَّبتُ في الحديث الفلاني، والحديث الفلانيّ، ورسولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: صدقتَ يا عَبْد الغنيّ، صدقتَ يا عَبْد الغنيّ.
سمعتُ أَبَا مُوسَى قال: مرض والدي مَرَضًا شديدًا منعه من الكلام والقيام ستَّة عشر يومًا. وكنتُ كثيرًا ما أسأله: ما تشتهي؟ فيقول: أشتهي الجنَّة، أشتهي رحمة اللَّه. ولا يزيد على ذلك. فلمّا كان يوم الإثنين جئتُ إليه، وكان عادتي أبعث كلّ يوم مَن يأتي بماءٍ من الحمّام بكرةً يغسل به أطرافه. فلمّا جئنا بالماء مدَّ يده، فعرفت أنّه يريد الوضوء، فوضّأته وقت صلاة الصُّبح، فلمّا توضّأ قال: يا عبد الله قُم فصل بنا وخفف. فقمت فصليت بالجماعة، وصلّى معنا جالسًا، فلمّا انصرفَ النّاس، جئتُ وقد استقبل القِبلة فقال: اقرأ عند رأسي يس. فقرأتُها، فجعل يدعو وأنا أؤمِّن. فقلت له: هاهنا دواء قد عملناه، تشربه. قال: يا بُنَيّ، ما بقي إلّا الموت. فقلت: ما تشتهي شيئًا؟ قال: أشتهي النَّظَر إِلَى وجه اللَّه سبحانه. فقلت: ما أنت عنّي راضٍ؟ قال: بلى والله، أَنَا راضٍ عنك وعن إخوتك، وقد أجزتُ لك ولإخوتك، ولابن أخيك إِبْرَاهِيم.
فقلت: ما توصي بشيء. قال: ما لي على أحد شيء، ولا لأحد علي شيء. قلت: تُوصيني بوصيَّة. قال: يا بُنَيّ، أُوصيك بتقوى اللَّه، والمحافظة على طاعته. فجاء جماعة يعودونه، فسلموا، فردّ عليهم، وجعلوا يتحدّثون ففتح عينيه وقال: ما هَذَا الحديث؟ اذكروا اللَّه، قولوا: لا إله إلّا اللَّه. فقالوا، ثُمَّ قاموا، وجعل هو يذكر الله ويحرك شفتيه، ويشير بعينيه. فدخل دِرع النّابلسيّ فسلَّم عليه وقال: ما تعرفني؟ قال: بلى. فقمتُ لأناوله كتابًا من جانب المسجد، فرجعت وقد خَرَجَتْ روحُه. وذلك يوم الإثنين الثّالث والعشرين من [ص:1216] ربيع الأول. وبقي ليلة الثلاثاء فِي المسجد، واجتمع من الغد خلق كثير من الأئمة والأمراء والناس ما لا يحصيهم إلّا اللَّه. ودفنّاه بالقرافة مقابل قبر الشيخ أَبِي عَمْرو بْن مرزوق، فِي مكانٍ ذكر لي خادمه عَبْد المنعم أنّه كان يزور ذلك المكان، ويبكي فِيهِ إِلَى أن يبلّ الحصَى، ويقول: قلبي يرتاحُ إِلَى هَذَا المكان. فرحمه اللَّه ورضي عَنْهُ.
قال الضّياء: وتزوَّج ببنت خاله رابعَة بِنْت أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن قُدامة، فولدت له محمدا، وعبد الله، وعبد الرَّحْمَن، وفاطمة، وعاشوا حتّى كبروا. وتسرَّى بجاريةٍ فِي مصر، فلم توافقْه، ثُمَّ بأخرى، فولدت له بنتين ماتتا ولم تكبرا.
سمعت عَبْد الحميد بْن خَوْلان أنّ الضّياء أخبرهم، قال: لمّا دخلنا إصبهان كنّا سبعة، أحدنا الإمام أحمد بن محمد ابن الحافظ، وكان طفلًا، فسمعنا على المشايخ. وكان شيخنا مؤيَّد الدّين ابن الإخوة عنده جملة حَسَنَة من المسموعات، فسمعنا عليه قطعة، وكان يتشدّد علينا. ثُمَّ إنه تُوُفّي، فضاق صدري لموته كثيراً، لأنه كانت عنده مسموعات عند غيره. وأكثر ما ضاق صدري لأجل ثلاث كتب: مسند العدني، ومعجم ابن المقرئ، ومعجم أَبِي يَعْلَى. وكنت قد سمعت عليه فِي السفرة الأولى مسند العدني ولكن لأجل رفقتي، فرأيت فِي النّوم كأنّ الحافظ عَبْد الغنيّ رحمه اللَّه قد أمسك رجلًا، وهو يقول لي: أمّ هَذَا، أمّ هَذَا. والرجل الّذي أشار إليه هُوَ ابن عَائِشَة بِنْت معمر. فلمّا استيقظت قلتُ فِي نفسي: ما قال هَذَا إلّا لأجل شيء. فوقع فِي قلبي أنّه يريد الحديث، فمضيت إِلَى دار بني مَعْمر وفتَّشْت الكُتب، فوجدتُ مُسْنَد العَدَنيّ سماع عَائِشَة مثل ابن الإخوة، فلمّا سمعناه عليها قال لي بعض الحاضرين: إنْ لها سماعًا بمُعجم ابن الْمُقْرِئ. قلت: أَيْنَ هُوَ؟ قال: عند فلان الخباز. فأخذناه وسمعناه منها. وبعد أيّام ناولني بعض الإخوان مُعْجَم أَبِي يَعْلَى سماعها. فسمعناه.
أنشدنا ابن خولان، قال: أنشدنا أبو عَبْد اللَّه الحافظ سنة ستٍّ وعشرين وست مائة، قال: أنشدنا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن سعْد بْن عَبْد اللَّه لنفسه يرثي الحافظ: [ص:1217]
هذا الذي كنتُ يوم البين أحتسب ... فلْيَقْض دمعُك عنّي بعض ما يجبُ
لم يُبْقِ فيَّ الأَسَى والسّقْمِ جارحةٍ ... نفسٌ تذوبُ ودمع إثرها يجبُ
تالله لا رُمتُ صبرًا عنهمُ أَبدًا ... وَفِي الحياة فَمَا لي دونهم أربُ
لا تَعْجَبَنّ لوفاتي بعدهم أسفًا ... وإنما حياتي من بعدهم عجبُ
سقيًا ورعيًا لأيام لنا سفلت ... والشملُ مجتمعٌ والأُنْس منتسبٌ
والعيشُ غَضٌّ وعين الدَّهر راقدةٌ ... والبينُ رَثٌّ وأثواب الهَوَى قُشُبُ
والدارُ ما نزحَتْ والورقُ ما صَدَحَتْ ... وحبَّذا بكم الأجراع والكتُبُ
إنْ تُمس دارُهُم عنّي مُباعدةً ... فإنّ مسكنَهُمْ فِي القلبِ مُقْتَربٌ
يا سائرين إِلَى مصرَ سألتُكُم ... رِفْقًا عليَّ فإنّ الأجرَ مُكتسبُ
قولوا لساكنها: حييتَ من سَكَنٍ ... يا مُنية النفسِ ماذا الصدُّ والغضبُ
بالشّام قومٌ وَفِي بغدادَ قد أسِفُوا ... لا البُعدُ أخلقَ بلواهُم ولا الحقبُ
ومنها:
لولاك مادَ عمُود الدّين وانهدمَتْ ... قواعدُ الحقّ واغتالَ الهُدَى عطبُ
فاليومَ بعدَكَ جمرُ الغَيّ مُضْطَرِمُ ... بادي الشّرار ورُكن الرُّشْد مضطربُ
فليبكينّك رسولُ اللهِ ما هَتَفَتْ ... ورقُ الحَمَام وتبكي العجم والعربُ
لم يفترق بكم حالٌ فموتكما ... في الشَّهْر واليوم هَذَا الفخرُ والحسبُ
أَحْيَيْتَ سُنّتَه من بعد ما دُفِنَتْ ... وشُدْتَها وقد انهدّتْ لها رتبُ
يا شامتين وفينا ما يسوؤهُم ... مسْتَبْشرينَ وهذا الدهرُ محتسبُ
ليس الفناء بمقصورٍ على سببٍ ... ولا البقاءُ بممدودٍ له سببُ
مَن لم يعِظْه بياضُ الشَّعْر أيقظهُ ... سوادُ عَيْشٍ فلا لَهْوٌ ولا طربُ
الصبرُ أهونُ ما تُمطى غَوارِبُهُ ... والأجرُ أعذبُ ما يُجنى ويجتلب
إنْ تحسبوه كريه الطَّعْم أيْسَرُه ... سمٌ مُذاقٌ ففي أعقابه الضربُ
ما ماتُ من كان عزّ الدّين يَعقُبُه ... وإنّما الميت منكم مَن له عقبُ
ولا تقوض بيتُ كان يعمدهُ ... مثل العماد ولا أودى له طنب
علا العُلى بجمال الدين بعدكما ... تحيا العلوم بمحيي الدين والقربُ
مثل الدراري السواري شيخنا أبدًا ... نجمٌ يغور وتبقي بعده شُهُب [ص:1218]
مِن مَعشَرٍ هجروا الأوطانَ وانتهكوا ... حِمَى الخُطُوبِ وأبكار العُلا خطبوا
شم العرانين ملحٌ لو سألتَهُمْ ... بذلَ النُّفُوسِ لَمَا هابوا بأنْ يهبوا
بيضٌ مَفَارقُهم سودٌ عواتِقُهُم ... يُمْسي مُسابِقُهُم من حظه التعب
نورٌ إذا سئلوا، نارٌ إذا حملوا ... سحبٌ إذا نزلوا، أسدٌ إذا ركبوا
الموقدون ونارُ الخير خامدةٌ ... والمُقدمون ونارُ الحرب تلتهبُ
هَذَا الفَخَارُ فإنْ تجزع فلا جزعٌ ... على المحب وإن تصبر فلا عجبُ(12/1203)
596 - عَبْد القادر بْن خَلَف بْن أَبِي البركات يحيى بْن فضلان، أبو بَكْر الْبَغْدَادِيّ، الأَزَجيّ، المشاهر، المؤدّب. [المتوفى: 600 هـ]
سمع من أَبِيهِ، وابن ناصر، وأبي بكر ابن الزّاغونيّ، وأبي الفتح الكَرُّوخيّ، وأبي الوقت السِّجْزيّ. روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، والضّياء، وآخرون. وأجاز للفخر عليّ.
تُوُفّي فِي ذي الحجَّة.(12/1218)
597 - عَبْد المُلْك بْن عُثْمَان بْن عَبْد اللَّه بْن سعْد، أبو مُحَمَّد المقدسيّ. [المتوفى: 600 هـ]
قُتِلَ بقرية الهامة فِي شوّال. وهو والد الزّين أَحْمَد، والجمال عَبْد اللَّه.(12/1218)
598 - عَبْد الملك بْن مظفّر بْن عَبْد اللَّه، أبو غالب الحربيّ. [المتوفى: 600 هـ]
شيخ صالح سمع أحمد بن أبي غالب الزاهد، وسعيد ابن البناء، وجماعة.
روى عَنْهُ الحافظ الضّياء، والشَّرَف عَبْد اللَّه بْن أَبِي عُمَر، وابن عمّه المجد عِيسَى، وغيرهم. وأجاز للفخر عليّ، والكمال عَبْد الرحيم بْن عَبْد الملك. وتُوُفّي فِي شوّال.(12/1218)
599 - عَبْد الملك بْن مواهب بْن مُسلّم بْن الرَّبِيع، أبو مُحَمَّد، وأبو القاسم السُّلَميّ، الْبَغْدَادِيّ، النَّصْريّ، الورّاق، [المتوفى: 600 هـ]
الشّيخ الصّالح الّذي كان يذكر أنّه رَأَى الخَضِر. [ص:1219]
روى عن القاضي أَبِي بَكْر الأنصاريّ.
قال الدُّبيثيّ: كان صالحًا، حَسَن الطّريقة. تُوُفّي فِي تاسع ربيع الآخر.
روى عَنْهُ هُوَ، وابنُ خليل، والضّياء، والنّجيبُ ابن الصَّيْقل.
وقرأت بخطّ شيخنا ابن الظّاهري، قال: كان صالحًا مستجابَ الدّعوة، يأكل من كسب يده، وكان يزعم أنّه يرى الخضر عليه السّلام.
قلت: أجاز للفخر علي، ولجماعة.(12/1218)
600 - عَبْد الملك بْن أَبِي القاسم عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن، أبو عليّ المؤذّن، الدَّارقَزَّيّ، المعروف بابن القُشُوريّ. [المتوفى: 600 هـ]
ذكر أنّه سمع من أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وقاضي المَرِسْتان. وحدَّث عن أَبِي غالب مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أسد العكبري، شيخ روى عن أبي الفتح ابن علوان.
روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وقال: تُوُفّي فِي صفر، وابن النجار، وقال: صدوق.(12/1219)
601 - عبد المنعم ابن الفقيه أَبِي نصر هبة الكريم بْن خَلف بن المبارك ابن البَطِر، أبو الفضل الْبَغْدَادِيّ البيّع، المعروف بابن الحنبليّ. [المتوفى: 600 هـ]
حدَّث عن أَبِي الفضل الأَرْمَوِيّ.
وكان أَبُوهُ يروي عن قرابته أَبِي الخطّاب نصر ابن البَطِر.
تُوُفّي فِي ذي القعدة.(12/1219)
602 - عَبْد المنعم بْن يَحْيَى بْن أَحْمَد بْن عُبَيْد اللَّه، الأَزَجيّ، البيّع. [المتوفى: 600 هـ]
حدَّث عن ابن ناصر، وأبي الوقت. ومات أيضًا في ذي القعدة.(12/1219)
603 - عَبْد الواحد بْن سعْد بْن يحيى، أبو الفتح البغدادي، الصفار، [المتوفى: 600 هـ]
من أهل نهر القلائين.
سمع أبا بكر الأنصاري، وهبة الله ابن الطبر، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وَعَبْد الجبار بْن أَحْمَد بْن تَوْبة الأَسَديّ، وعبد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد القزّاز، وجماعة. وكان شيخًا صالحًا. عاش اثنتين وثمانين سنة. ومات فِي رابع المحرَّم.
ذكره الحافظ زكيّ الدين، وقال: لنا منه إجازة.(12/1220)
604 - عتيق بْن عليّ بْن سعَيد بْن عَبْد الملك بْن رزين، أبو بَكْر العَبْدريّ، الطّرْطُوشيّ، القاضي، المعروف بابن العقّار. [المتوفى: 600 هـ]
ذكره ابن الأَبّار، وقال: أصله من طرطُوشَة، ونشأ بمَيُورْقَة، واستوطن بَلَنْسِية. وقرأ على: أبي الحسن بْن هُذَيْل، وابن النّعمة، وأبي بَكْر بْن نَمَارة. وسمع منهم، ومن غيرهم. وأجاز له أبو طاهر السِّلَفيّ، وجماعة. وقعد للتّعليم بالقرآن، وكان من أَهْل التّجويد والتّحقيق والتّقدُّم فِي الإقراء، مع الفِقْه والبَصَر بالشُّرُوط. وُلّي قضاء بَلَنْسِيَة وخَطَابتها وقْتًا. وكانت فِي أحكامه شدَّة، وَفِي أخلاقه حدَّة. أَخَذَ النّاس عَنْهُ القراءات والحديث. وُلِد سنة ثلاثٍ وثلاثين وخمس مائة، وتُوُفّي فِي ذي الحجَّة.(12/1220)
605 - العراقيّ بْن مُحَمَّد بْن العراقيّ. العلّامة رُكن الدّين، أبو الفضل القزويني الطاووسي، [المتوفى: 600 هـ]
صاحب الطّريقة.
كان إمامًا كبيرًا، مناظِرًا، محْجاجًا، قيّما بعِلم الخلاف، مفحِمًا للخصوم. أَخَذَ ذلك عن الشيخ رضي الدين النيسابوري الحنفيّ صاحب الطّريقة، فَبَرع فِي الفنّ، وصنَّف ثلاثة تعاليق. وازدحم عليه الطّلبة بَهَمَذان، ورحلوا إليه من النواحي. واشتهر اسمه. ومن أصحابه: نجم الدّين أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن خَلَف المقدسيّ، اشتغل عليه حتى صار معيده.
توفي رُكْن الدّين فِي رابع عشر جُمادى الآخرة بهمذان.(12/1220)
606 - عزيزة بِنْت عليّ بْن أَبِي مُحَمَّد يحيى بن علي ابن الطّرّاح المُدِير. [المتوفى: 600 هـ]
أخت ستّ الكَتَبَة.
حَدّثت عن جدّها. روى عَنْهَا الحافظ الضّياء، والنّجيب الحَرّانيّ، وغيرهما. وأجازت للفخر عليّ، وللشّيخ شمس الدّين، ولإسماعيل العسقلانيّ. وماتت فِي نصف شعبان.(12/1221)
607 - عليّ ابن الأجلّ أَبِي طاهر أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن أيوّب، أبو الْحَسَن الكَرْخيّ، الكاتب. [المتوفى: 600 هـ]
وُلِد سنة ثلاثٍ وعشرين، وسمع أَبَا بَكْر الأنصاريّ، وأبا مَنْصُور ابن زُرَيْق القزّاز. روى عنه الدبيثي، والضياء، والنجيب عبد اللطيف. وتُوُفّي فِي سَلْخِ ربيع الأوّل.(12/1221)
608 - عُمَر بْن إِبْرَاهِيم بْن الْحَسَن بْن طاهر، أبو حَفْص ابن الحصْنيّ، الحَمَويّ، ثُمَّ الدَّمشقيّ. [المتوفى: 600 هـ]
سمع من عليّ بن الحسين ابن أشليها، ونصر اللَّه بْن مُحَمَّد المصّيصيّ، وأبي يعلى حمزة ابن الحُبُوبيّ. روى عَنْهُ ابن خليل، والضّياء، والشّهاب القُوصيّ. وأجاز لأحمد بْن أَبِي الخير.(12/1221)
609 - عُمَر بْن عليّ بْن مُحَمَّد، أبو حَفْص الحربيّ، الإسكاف. [المتوفى: 600 هـ]
سمع عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يوسف. روى عَنْهُ يوسف بْن خليل. وأجاز لابن أَبِي الخير.(12/1221)
610 - عُمَر بْن عليّ بْن المظفَّر، أبو حَفْص الأشْتَريّ، الصُّوفيّ، نفيس الدّين، [المتوفى: 600 هـ]
الخادم بخانقاه سَعِيد السُّعداء بالقاهرة.
سمع سَعِيد بْن سهل الفَلَكيّ، وأبا طاهر السِّلَفيّ. وحدَّث. وتوفي فِي ربيع الأوّل.(12/1221)
611 - عُمَر بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن عَبْد اللَّه، أبو حفص الأزجي، القطان، المعروف بجُريرة. [المتوفى: 600 هـ]
شيخ مُسْنِد مشهور. حدّث عن أَبِي القَاسِم بْن الحُصين، وأبي غالب مُحَمَّد بْن الْحَسَن الماوردي، وأبي بكر الأنصاري. روى عنه الدبيثي، والضياء، والنجيب عبد اللطيف. وأجاز لابن أبي الخير، وللفخر ابن البخاري. وتُوُفّي فِي السابع والعشرين من جُمَادَى الأولى.(12/1222)
612 - عمر ابن الإمام أبي المحاسن يوسف بن عبد الله بن بندار، الفقيه أبو حفص الدمشقي. [المتوفى: 600 هـ]
تفقه على والده ببغداد. وسمع من أبي الوقت، وأبي زرعة المقدسي. وقدم مصر وحدَّث بها وناظر. وهو أخو قاضي القاهرة زين الدّين عليّ. تُوُفّي فِي ثامن عشر صَفَر.(12/1222)
613 - عِيسَى بْن مُحَمَّد بْن عِيسَى بْن عُقاب، أبو الأصْبَغ الغافقيّ، القُرطُبيّ، الْمُقْرِئ. [المتوفى: 600 هـ]
أَخَذَ القراءاتِ عَنْ أَبِيهِ، وأبي القَاسِم بْن رضا، وغيرهما. وسمع من أبي الوليد ابن الدّبّاغ، وجماعة. وحدَّث وأقرأ القرآن. وتُوُفّي فِي المحرم عن أربع وسبعين سنة.(12/1222)
614 - غالب بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن خَلَف، أبو بَكْر الشّرّاط، الْأَنْصَارِيّ، الأندلسيّ، الْمُقْرِئ. [المتوفى: 600 هـ]
أَخَذَ القراءات عن أَبِيهِ. وعن أَبِي بَكْر بْن خير. وسمع الكثير من ابن بَشْكُوال. وسمع من أَبِي العبّاس بْن مضاء، وأبي الْحَسَن عَبْد الرَّحْمَن بْن بَقِيّ، وجماعة.
قال الأبّار: أقرأ، ودرّس، وحدَّث، وعلّم العربيَّة. وكان من أهل [ص:1223] العلم والعمل، محببا إلى الخاصة والعامة، بصيرا بالقراءات، والعربية، واللغة. توفي في ربيع الآخر كهلاً.(12/1222)
615 - فتح بن محمد بن فتح، أبو نصر ابن الفصال القرطبي. [المتوفى: 600 هـ]
أحد من أكثر عن أَبِي القاسم بْن بَشْكُوال، وأبي بَكْر بْن خير.(12/1223)
616 - فاطمة بِنْت أَبِي الْحَسَن سعد الخير بْن محمد بن سهل الأنصاري البلنسي، أم عَبْد الكريم. [المتوفى: 600 هـ]
وُلِدت بإصبهان فِي سنة اثنتين وعشرين وخمس مائة. وسمعت حضورًا، ولها سنتان وشيءٌ من فاطمة بِنْت عَبْد اللَّه الجُوزدانية. وقدِم بها أبوها بغداد فِي سنة خمسٍ وعشرين، فسمّعها حضورًا من أَبِي القاسم بْن الحُصين، وزاهر بْن طاهر، وأحمد بْن الْحُسَيْن ابن البناء، وأسمعها من نفسه، ومن هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن الطّبر، ويحيى بْن حُبَيْش الفارقيّ، ويحيى ابن البناء، وأبي المكارم أَحْمَد بْن عَبْد الباقي، وأبي منصور بن زريق القزاز، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، والقاضي أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن القاسم الشَّهْرَزُورِيّ، وطائفة كبيرة. وأجاز لها خلْق. وحدَّثت بدمشق، والقاهرة.
تزوَّج بها ابن نجا الواعظ، وأقدمها معه إِلَى دمشق، ثُمَّ سكن بها بمصر، فأكثر عنها المصريون وعني بها والدها أتم عناية.
روى عنه أبو موسى ابن الحافظ عَبْد الغنيّ، والمحدّث عَبْد الرَّحْمَن بْن مقرّب التّجيبيّ، والفقيه أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن محمد ابن الوزّان، وأبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد ابن الْمُقْرِئ الشّاطبيّ، والضّياء، وخطيب مردا، وعبد اللَّه بْن علّاق، وخلْق كثير. وبالإجازة: أَحْمَد بْن أَبِي الخير، والحافظ زكيّ الدّين عَبْد العظيم، وقال: توفيت فِي ثامن ربيع الأوّل.(12/1223)
617 - فضل اللَّه ابن الحافظ أَبِي سَعِيد مُحَمَّد بْن أَحْمَد، الْإِمَام أبو المكارم النُّوقانيّ الفقيه، الشّافعيّ. ونُوقان هِيَ مدينة طوس. [المتوفى: 600 هـ]
مولده فِي سنة أربع عشرة وخمس مائة. وبادر أَبُوهُ فأخذ له الإجازة من مُحيي السُّنَّة أَبِي مُحَمَّد البَغَويّ. وسمع من عبد الجبار بن محمد الخواري أربعي البَيْهقي الصُّغْري. وسمع من أَبِيهِ مُسْنَد الشافعيّ. [ص:1224]
وكان بارعًا فِي مذهبه، تفقّه مدَّة بمحمد بْن يحيى. وكان مُفْتيًا، مَهِيبًا، مدرّسًا.
سمع منه أبو رشيد الغزال، وغيره. وأجاز للشّيخ شمس الدين ابن أبي عمر، وللفخر علي ابن البخاريّ.
مرِض بنيسابور، فحُمِل إِلَى نُوقان فمات بها فِي سنة ستّمائة. ورّخه أبو العلاء الفَرَضيّ.
وقيل: وُلِد سنة ثلاث عشرة وخمس مائة، فنحنُ نروي تصانيف مُحيي السنة؛ كشرح السنة، ومعالم التنزيل، والمصابيح، والتهذيب، والأربعين حديثًا بالإجازة العالية، من ابن أَبِي عُمَر، والفخر عليّ، بإجازتهما منه، بإجازته من المؤلف.(12/1223)
618 - القاسم ابن الحافظ الكبير أَبِي القاسم عليّ بْن الْحَسَن بْن هبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن. الحافظ، المفيد، المُسْنِد، الورع، بهاء الدّين أبو مُحَمَّد الدَّمشقيّ، المعروف بابن عساكر. [المتوفى: 600 هـ]
مولده فِي نصف جُمادى الأولى سنة سبعٍ وعشرين وخمس مائة. وسمع أَبَاهُ، وعمّه الصّائن هبة اللَّه، وجدّ أبويه القاضي أَبَا المفضل يحيى بْن عليّ الْقُرَشِيّ، وابنه القاضي أَبَا المعالي مُحَمَّد بْن يحيى، وجمال الْإِسْلَام أَبَا الْحَسَن عليّ بْن المسلَّم، وأبا طَالِب عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن الصُّوري، ويحيى بْن بطريق الطَّرَسُوسيّ، وأحمد بْن مُحَمَّد الهاشمي الّذي روى عن السُّمَيْساطيّ، وأبا الفتح نصر اللَّه بْن مُحَمَّد المصّيصيّ، وهبة اللَّه بْن طاوس، وأبا الدُّرّ ياقوت بْن عَبْد اللَّه الروميّ، والخضِر بْن الْحُسَيْن بْن عَبْدان، وعبد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي الحديد، ونصر بْن أَحْمَد بْن مُقاتل، وأبا الْقَاسِم بْن البُنّ، وأبا الحسن المرادي، وأبا سعد ابن السَّمْعانيّ، وخلْقًا كثيرًا. وأجاز له عامَّة مشايخ خُراسان الّذين لقِيهم أَبُوهُ فِي سنة ثلاثين. منهم: أبو عَبْد اللَّه الفُرَاويّ، وزاهر الشّحّاميّ، والحسين بْن عَبْد الملك الخلّال، وهبة اللَّه السّيّديّ. وأجاز له القاضي أبو بَكْر الأنصاريّ، وجماعة من بغداد.
وكان إمامًا، محدّثًا، ثقة، حَسَن المعرفة، كريم النفس، مكرِمًا للغرباء، ذا أُنْسَة بما يُقرأ عليه، وخطّه وحش، لكنّه كتب الكثير، وصنّف، وخرّج، وعُني بالكتابة والمطالعة، فبالغ إِلَى الغاية. وكان ظريفًا، كثير المزاح.
قال العزّ النّسابة: كان أحبّ ما إليه المزاح. [ص:1225]
وقال ابن نُقْطَة: هُوَ ثقة إلّا أنّ خطّه لا يشبِه خطّ أَهْل الضَّبْط.
وقال عبد الرحمن ابن المقرّب الإسكندريّ: حدَّثني المحدّث نَدى الحنفيّ قال: قرأتُ على أبي محمد بن عساكر، حدثنا ابن لهيعَة، فقال: لُهيعة بالضّمّ فراجعته فلم يرجع.
وقال الحافظ عَبْد العظيم: قلت للحافظ أبي الحسن المقدسي: أقول: حدثنا القاسم بْن عليّ الحافِظِ بالكسر نسبةً إِلَى والده؟ فقال: بالضّمّ، فإنّي اجتمعت به بالمدينة فأملى عليَّ أحاديثَ من حِفْظِه، ثُمَّ سيَّر إلي الأصول فقابلتها فوجدتها كما أملاها. وَفِي بعض هَذَا يطلق عليه الحفظ.
قلت: وليس هَذَا هُوَ الحفظ العُرْفيّ. وقد صنَّف كتاب المستقصى فِي فضل المسجد الأقصى، وكتاب الجهاد. وأملى مجالس. وكان يتعصّب لمذهب الأشعريّ، ويبالغ من غير أن يحقّقه. وقد ولي مشيخة دار الحديث النُّوريَّة بعد والده إِلَى أن مات. ولم يتناول من معلومه شيئًا. بل جعله مُرْصدًا لمن يرد عليه من الطَّلَبَة. وقيل: إنّه لم يشرب من مائها، ولا توضّأ منه.
وقد سمع منه خلْق. وحدَّث بمصر، والشّام. روى عَنْهُ أبو المواهب ابن صَصْرَى، وأبو جَعْفَر القُرْطُبي، وأبو الْحَسَن بْن المفضّل، وأبو مُحَمَّد عَبْد القادر الرهاويّ، ويوسف بن خليل، والتقي اليلداني، والكمال محمد ابن القاضي صدر الدّين عَبْد الملك بْن درباس، والمعني عزّ الدّين عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد السَّلَام، والتّاج عَبْد الوهّاب ابن زين الأُمَناء، وعبد الغنيّ بْن بنين القبّاني، والخطيب عماد الدّين عبد الكريم ابن الحَرَسْتانيّ، والمحدّث زين الدّين خَالِد، والنّجيب فِراس العَسْقلانيّ، والمجد مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن عساكر، والتّقيّ إسماعيل بْن أَبِي اليُسْر، والكمال عَبْد الْعَزِيز بْن عبدٍ، وأبو بكرٍ مُحَمَّد بْن عليّ النّشبيّ. وأجاز لابن أَبِي الخير الحدّاد، ولأبي الغنائم المسلَّم بْن علّان.
وتُوُفّي فِي تاسع صفر.(12/1224)
619 - كامل بْن عَبْد الجليل بْن أَبِي تمّام، الرئيس الشّريف أبو الفضائل الهاشميّ، الْبَغْدَادِيّ، الحريميّ، المعروف بابن الشّنْكاتيّ. [المتوفى: 600 هـ][ص:1226]
سمع أبا منصور عبد الرحمن بن محمد القزّاز. روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، والنّجيب عَبْد اللّطيف. وتوفي في جمادى الآخرة.(12/1225)
620 - اللَّيثُ بْن عليّ بْن مُحَمَّد، أبو الفتح ابن البَورانيّ، الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 600 هـ]
شيخ معمّر، وُلِد بعد الخمس مائة بيسير، ولو سمع على مقتضى سِنِّه لَسَمِع مِن أَبِي القاسم بْن بيان، وطبقته. ولكنّه سمع فِي كِبَره من القاضي أَبِي بَكْر. ومن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أسد. روى عَنْهُ أبو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، وغيره. وروى عَنْهُ بالإجازة أبو الحسن ابن البخاري. وتوفي في ثاني ربيع الأول.(12/1226)
621 - مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْمَاعِيل بْن مَنْصُور، الجمال أبو بَكْر المقدسي، وهو مشهور بكنيته. [المتوفى: 600 هـ]
قال الضّياء: وُلد سنة ثلاثٍ وستّين، وتُوُفّي بنابلس لأنّه مضى ليزور القدس بعد حَجّته. وكان فقيهًا زاهداً، ورعاً، كثير الخوف من الله. كان يُعرف بالزّاهد. رحل مع أَخِيهِ البهاء عَبْد الرَّحْمَن إِلَى بغداد، وسمع الكثير بها وبدمشق. وكان يتنظف ويُبالغ فِي الوضوء. ثُمَّ رجع وتزوَّج. ثُمَّ سافر إِلَى بغداد، وأقام بها مدَّة وحصَّل فنونًا وعاد. وكان يؤمّ بمسجد دار البِطِّيخ بدمشق. وتزوّج بمريم بِنْت خَلَف بْن راجح، فولدت له أَحْمَد، وعبد الرَّحْمَن، وصفيَّة.
أخبرنا أبو مُحَمَّد عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الْجَبَّار بقراءتي، قال: أخبرنا أبو بَكْر مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بحرّان سنة أربع وثمانين، قال: أخبرنا ابن شاتيل، قال: أخبرنا ابن بيان، فذكر حديثين.(12/1226)
622 - مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن عليّ بْن الهادي بْن القاسم بْن ناصر الحقّ، الشّريف النّقيب نقيب السّادة بمصر، أبو الفضل، المعروف بابن الدلالات، العلوي، الحسيني، الطبري. [المتوفى: 600 هـ]
توفي في جمادى الأولى. وحدَّث عن الوزير أَبِي المظفَّر الفَلَكيّ.(12/1226)
623 - مُحَمَّد بْن صافي بْن عَبْد اللَّه، أبو المعالي الْبَغْدَادِيّ، النّقّاش. [المتوفى: 600 هـ]
وُلَد سنةَ ثمان عشرة وخمس مائة. وسَمِعَ من أَبِي بَكْر المَزْرَفيّ، ويحيى بن الحسن ابن البناء، وأبي البركات يَحْيَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الفارقيّ، وأبي [ص:1227] القاسم ابن السمرقندي. روى عنه ابن النجار، والدبيثي، والضياء المقدسي، وغيرهم. وأجاز للشّيخ شمس الدّين، وللشيخ الفخر المقدسيّين. وتُوُفّي فِي ربيع الآخر، وله اثنتان وثمانون سنة.(12/1226)
624 - محمد ابن الْإِمَام موفَّق الدّين أَبِي مُحَمَّد بْن قُدَامة، أبو الفضل. [المتوفى: 600 هـ]
وُلِد فِي ربيع الآخر سنة ثلاثٍ وسبعين، وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى، وقد استكمل ستًّا وعشرين سنة.
قال الضّياء: مات بهَمَذَان. وكان شابًّا ظريفًا، فقيهًا، تفقّه على والده، وسافر إِلَى بغداد، واشتغل بالخلاف على الفخر إِسْمَاعِيل غلام ابن المنِّي، وسمع الحديث.(12/1227)
625 - محمد ابن الشيخ عبد القادر بن أبي صالح الجيلي، أبو الفضل. [المتوفى: 600 هـ]
سمع من والده، وسعيد ابن البنّاء، وأبي الوقت. وحدَّث. وتُوُفّي فِي ذي القعدة.
روى عنه أبو عبد الله ابن النجار، وقال: كان من ذوي الثّروة، وكان طحّانًا، فكثُرت أمواله وتنعّم فقابل النّعمة بالكُفْر، حتّى سمعت من جماعةٍ أنّه كان يأخذ الذَّهَب ويرمي به نحو السّماء ويقول: كم تُعطيني ذَهَبًا وقد شبعت! ثُمَّ ما زال فِي انحطاطٍ حتّى افتقر، ولبس بالفقيريّ، ولزمِ رباطهم. ثُمَّ سافر إِلَى دمشق ليطلب شيئًا، ثُمَّ عاد إِلَى بغداد. ولم تكن طريقته مَرْضِيَّة، وكان خاليًا من العِلم. عاش ثمانيًا وخمسين سنة.(12/1227)
626 - مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن مُحَمَّد، أَبُو عَبْد اللَّه الأزْديّ، العتكي الأندلسي، [المتوفى: 600 هـ]
من أَهْل الجزيرة الخضراء.
عُمّر وعاش ستًّا وثمانين سنة. وسمع من أَبِي العبّاس بْن زرقون فَقط. وولي قضاء بلده. حدَّث عَنْهُ أبو مُحَمَّد بْن حَوْط اللَّه، وَأَبُو عَبْد اللَّه بْن هشام.(12/1227)
627 - مُحَمَّد بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن الخازن، أبو المعالي البزّاز، المعروف بابن قُشَيْلَة، [المتوفى: 600 هـ]
بقافٍ مضمومة، وشين مُعْجَمة.
سمع أَبَا بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي القاضي، وأبا الوقْت. وإنّما ظهر سماعُه بعد موته.
تُوُفّي فِي ربيع الآخر.(12/1228)
628 - محمد بن عليّ بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عليّ. القاضي أبو البركات الْأَنْصَارِيّ، المَوْصِليّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 600 هـ]
وُلِد سنة ثلاثين وخمس مائة بالموصل. وسمع من القاضي أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن القاسم الشَّهْرَزُورِيّ. وببغداد من ابن ناصر، والنّقيب أَحْمَد بْن عليّ العَلويّ، وأبي الوقت.
وذكر وفاة أَبِي البركات هَذَا الحافظ عَبْد العظيم فقال: تُوُفّي فِي ثاني ربيع الأوّل بأسْيُوط، ودُفن عند مُصلّى العيد، وقد ولي القضاء بها زيادةً على عشرين سنة. قال: وذكر أنّه تولّى الحُكم بحماه ثمان سِنين فِي زمان نور الدّين، وجمع كتابًا سمّاه عيون الأخبار وغُرر الحكايات والأشعار. وجمع أربعين حديثًا عن أربعين شيخًا فِي أربعين مدينة. وجمع مُعْجم النّساء. وذكر فِي هَذِهِ الكتب أنّه سمع بالموصل من الشَّهْرَزُورِيّ، ويحيى بْن سعدون، وببغداد من ابن ناصر، وبالبصرة من فلان، وبهَمَذَان من أَبِي العلاء، وبحلب من ابن عصرون، وبدمشق من ابن عساكر، وبمصر من أَبِي الفتح المحموديّ، وبأسيوط، ودِمياط، وقُوص، وأسوان، ومُدُنًا كثيرة. سمع منه خطيب أسْيوط أبو الرضا مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان، والحسن بْن عَبْد الباقي الصقلي.
وحدثنا عَنْهُ أبو الْحَسَن بْن أَبِي الجود الفتحيّ. ووقع فِي كتابه عيون الأخبار مواضع وهْمها ظاهِرٌ جدًّا.(12/1228)
629 - مُحَمَّد بْن أَبِي نصر مُحَمَّد بْن ياسين بْن عَبْد الملك، أبو البركات التاجر البغدادي. [المتوفى: 600 هـ][ص:1229]
وُلِد سنة أربعٍ وثلاثين، وعرض القرآن عَلَى أَبِي الحَسَن عَليّ بن أَحْمَد اليزدي. وسمع أَبَا الفضل الأُرْمَوِيّ، وجماعة. وحدَّث عَنْهُ ابن الدُّبيثيّ.(12/1228)
630 - مُحَمَّد بْن المهنّا بْن مُحَمَّد. الأديب أبو عَبْد اللَّه البُنانيّ، الْبَغْدَادِيّ، الشاعر المشهور. [المتوفى: 600 هـ]
وُلِد فِي محرَّم سنة تسعٍ وخمس مائة، ومدح الخلفاء والوزراء، وطال عمره.
روى عَنْهُ أبو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ فِي تاريخه من شِعْره، وقال: تُوُفّي فِي رابع شوّال.
وروى عَنْهُ أيضًا ابن النّجّار.
تزوَّج بتسعين امْرَأَة.(12/1229)
631 - مُحَمَّد بْن يحيى بْن صباح. [المتوفى: 600 هـ]
أخو أَبِي صادق الْحَسَن الْقُرَشِيّ المخزوميّ.
سمع عَبْد اللَّه بْن رفاعة. وحدَّث عَنْهُ بدمشق، وبها تُوُفّي وله اثنتان أو ثلاثٌ وخمسون سنة.
تُوُفّي فِي شوّال.(12/1229)
632 - مُحَمَّد بْن يحيى بْن مُحَمَّد بْن متوكّل، أبو بَكْر ابن الحذّاء التّميميّ، الإشبيليّ، الشّاهد. [المتوفى: 600 هـ]
قال الأَبّار: روى فيما أحسب عن أَبِي مُحَمَّد بْن عتّاب. أَخَذَ عنه أبو علي الشلوبين. وتوفي سنة ست مائة أو إحدى وست مائة عن نيفٍ وتسعين سنة.(12/1229)
633 - مُحَمَّد بْن يحيى بْن مُحَمَّد، أبو بَكْر الْجُذّاميّ، النّيّار، الإشبيليّ، الشّاهد. [المتوفى: 600 هـ]
سمع من شُرَيْح بْن مُحَمَّد صحيح البخاريّ، ومن أَبِي بَكْر بْن طاهر الموطّأ. وحدث. [ص:1230]
تُوُفّي فيها تقريبًا.(12/1229)
634 - مُحَمَّد بْن يوسف بْن مفرّج بْن سعادة، أبو بَكْر وأبو عَبْد اللَّه الإشبيليّ، الْمُقْرِئ، [المتوفى: 600 هـ]
نزيل تِلِمْسان.
قال الأّبار: أخذ القراءات عن أَبِي الْحَسَن شُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبي العبّاس بْن حرب. وسمع منهما، ومن القاضي أبو بكر ابن العربيّ، وأبي بَكْر بْن مُدير. ولم يسمع من شريح إلا الموطأ وصحيح الْبُخَارِيّ. وكان مقرئًا فاضلًا، ومحدّثًا ضابطًا. أَخَذَ الناسُ عَنْهُ، وعُمّر وأسنّ. وحكى أبو العبّاس ابن المزيّن أنّه لقِيه بتِلِمسان، وأنّه أجاز له فِي ربيع الآخر سنة ستّمائة. وفيها تُوُفّي.(12/1230)
635 - محمد بن يوسف بن أبي بكر، الشيح ضياء الدّين أبو بَكْر الآمليّ، الطَّبريّ، الْمُقْرِئ، الفقيه، [المتوفى: 600 هـ]
إمام السّلطان صلاح الدّين.
سمع بإصبهان من مَسْعُود الثَّقفيّ، وأبي الخير الباغبان. وبَهَمَذَان من الحافظ أَبِي العلاء العطّار. وبشِيراز من عَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد الأدميّ، وغيرهم.
وحدَّث بمصر، ودمشق، والمدينة. روى عَنْهُ علاء الدّين علي بن محمد بن سعيد ابن القلانِسيّ، وتقيّ الدّين اليَلْدانيّ، وشمس الدّين ابن خليل، وشهاب الدّين القُوصيّ، وجماعة. وأجاز لأحمد بْن أَبِي الخير، وأبي الغنائم بْن علّان.
وتُوُفّي فِي العشرين من ربيع الآخر.
وكان قد اعتنى بكُتُب القراءات نسْخًا وسَمَاعًا. ويُعرف بخواجا إمام.(12/1230)
636 - الْمُبَارَك بْن إِبْرَاهِيم بْن مختار بْن تَغْلِب. الشّيخ الصّالح أبو مُحَمَّد الأَزَجيّ، الطّحّان، المعروف بابن السِّيبيّ. [المتوفى: 600 هـ]
سمع أَبَا القاسم بْن الحُصين، وأبا البركات بْن حُبَيْش الفارقيّ.
وتغلب: بغَيْن معجمة.
روى عَنْهُ ابن خليل، والدبيثي، والضّياء محمد، والتقي اليلداني، [ص:1231] وابن عبد الدائم، وعبد اللّطيف الحرّانيّ، وآخرون.
وكان خيّرًا حافظًا للقرآن. تُوُفّي فِي شوّال وله ثلاثٌ وثمانون سنة. وابنه عُبَيْد اللَّه يروي عن ابن البطّيّ.(12/1230)
637 - الْمُبَارَك بْن طاهر بْن الْمُبَارَك، أبو المظفَّر الخُزَاعيّ، الْبَغْدَادِيّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 600 هـ]
شيخ صالح عارف. نزل إربل وحدَّث بها، وبالمَوْصل عن نُوشْتِكِين الرضْوانيّ، وابن ناصر. وتُوُفّي فِي جُمادى الآخرة.
سمع منه المطهَّر بْن سديد. وأقام بإربل دهرًا.(12/1231)
638 - مريم بنت أبي الفائز مظفر بن داود النهرواني الأَزَجيّ. [المتوفى: 600 هـ]
سمعَتْ أَبَا الفضل مُحَمَّد بْن عُمَر الأُرْمَوِيّ، وتُوُفّيت فِي ربيع الأوّل.
يُقَالُ لأبيها البازيازي، بزايين بينهما ياء آخر الحروف.(12/1231)
639 - نصر بن علي بن منصور، أبو الفتح الحلّيّ، النَّحْوي، المعروف بابن الخازن، [المتوفى: 600 هـ]
تلميذ أَبِي مُحَمَّد الْحَسَن بْن عليّ بْن عُبَيْدة فِي العربيَّة.
وقد سمع من ابن كُلَيب، وطبقته. وكان أديبًا فاضلاً، كثير الكتب.
توفي بالحلَّة المَزْيَدِيَّة، ودُفن بكربلاء بالمشهد فِي جُمادى الأولى.(12/1231)
640 - نصر بْن عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن بْن جَهير، الرئيس الأَجَلّ أبو الفَرَج. [المتوفى: 600 هـ]
ولي الوزارة من بيته غير واحد، وحدَّث عن سعيد ابن البناء، ومحمد بن عبيد الله الرطبي.(12/1231)
641 - هبة اللَّه بْن أَبِي المعمّر الْحُسَيْن بْن الْحَسَن بْن عليّ بْن البَلّ، أبو المعالي بْن أَبِي الأسود الْبَغْدَادِيّ، البيّع. [المتوفى: 600 هـ]
شيخ صالح معمر من أبناء التسعين. روى عن أَبِي بَكْر الأنصاريّ، وأبي [ص:1232] الفتح عبد الله ابن البيضاوي، وجماعة. روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وابنُ خليل، والضّياء، والنّجيب عَبْد اللّطيف. وأجاز لابن أَبِي الخير. وتُوُفّي فِي رجب.(12/1231)
642 - هبة اللَّه بْن يحيى بْن علي بْن أَبِي المكارم حَيْدرة. القاضي الأجلّ، صنيعة المُلْك أبو مُحَمَّد القَيْسرانيّ الأصل، المصريّ، المعدّل ويُعرف بابن مُيَسَّر. [المتوفى: 600 هـ]
وُلِد سنة سبْعٍ وعشرين وخمس مائة، وروى السّيرة عن عَبْد اللَّه بْن رفاعة السَّعْديّ. وروى عن أَبِي العبّاس بْن الحُطَيْئَة. روى عَنْهُ أبو الْحَسَن السخاوي، والضياء محمد، وخطيب مردا، وجماعة.
ذكر الحافظ المنذريّ وفاته فِي سابع عشر ذي الحجَّة وأثنى عليه، فقال: كان عالي الهمَّة، نزهًا، صالحًا، كثير البِرّ والمعروف. وجدّه عليّ هو الذي قدم مصر من قَيْساريَّة. وعُرِف بابن مُيَسَّر؛ لأنّ قاضي القضاة ابن ميسر ربى والده أبا الحسين يحيى للمصاهرة الّتي بينهما.(12/1232)
643 - هُذَيْل بْن مُحَمَّد بْن هُذَيْل الأنصَاريّ، أبو المجد الإشبيليّ. [المتوفى: 600 هـ]
أَخَذَ القراءات عن أبي الأصبغ السماتي، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن مُعَاذ، وجماعة. وتصدّر للإقراء ولتعليم العربيَّة. أَخَذَ عَنْهُ ابن الطَّيْلَسان.
وكان حيًا في هذه السنة.(12/1232)
644 - واثق بْن الْمُبَارَك بْن أحمد، أبو مَنْصُور ابن قيداس الحريمي. [المتوفى: 600 هـ]
سمع من أحمد بْن علي بْن الأشقر. وحدَّث. ومات فِي شوّال.(12/1232)
645 - لاحق بْن أَبِي الفضل بْن عليّ، الشّيخ أبو طاهر الحريميّ، الخبّاز، الصُّوفيّ برباط الخليفة، المعروف بابن قَنْدَرَة. [المتوفى: 600 هـ]
روى المُسْنَد كلّه عن ابن الحُصين. وكان صحيح السّماع، مُسِنًّا، معمّرًا. وُلِد سنة اثنتي عشرة وخمس مائة. وعنه الدُّبيثيّ، وابن خليل، [ص:1233] والضّياء، واليَلْدانيّ، وجماعة. وأجاز لأحمد بْن أَبِي الخير، والفخر عليّ. تُوُفّي فِي ثامن المحرَّم.(12/1232)
646 - يحيى بْن سَعِيد بْن مَسْعُود، أبو زكريّا الأندلسيّ، الْمُقْرِئ، النَّحْوي، نزيل تلمِسان، ويُعرف بالقِلّنيّ. [المتوفى: 600 هـ]
وقِلّنة: من بلاد الثّغر الشّرقيّ من الأندلس.
قال الأَبّار: كان مقرئًا، نحْويًّا، لُغَويًا، حافظًا، شاعرًا. تصدّر للإقراء، وله شِعر كثير مُعظَمه فِي الزُّهد والوعظ. روى عَنْهُ التّجيبيّ، وأبو الْعَبَّاس ابن المزيّن، وقال: أجاز لي فِي جمادى الأولى عام ستمائة.
قلت: ولم يؤرخ الأبار له وفاة.(12/1233)
647 - يحيى ابن الشيخ عبد القادر بن أبي صالح الجيلي، أبو زكريا [المتوفى: 600 هـ]
أصغر الإخوة.
وُلِد سنة خمسين.
وحدَّث عن ابن البطّيّ.
وتُوُفّي ببغداد كهلًا.(12/1233)
648 - يحيى بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن طوق، أبو الفتح الموصليّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الملقّب بالسّديد. [المتوفى: 600 هـ]
حدَّث عن أَبِي الوقت. وتُوُفّي فِي رمضان.(12/1233)
649 - يحيى بْن مُحَمَّد بْن عليّ، أبو الْحُسَيْن ابن الصّائغ الْأَنْصَارِيّ، السّبتيّ، المغربيّ. [المتوفى: 600 هـ]
قال الأّبّار: سمع من أَبِي مروان بْن قزمان، وأخذ عَنْهُ كتاب التّقصّيّ لابن عَبْد البَرّ. وسَمِعَ من أَبِي عَبْد اللَّه بْن زَرْقون، وأبي القاسم بْن بَشْكُوال، وجماعة. وكان نسيج وحده فِي الورع، والزُّهْد، والنّسك، والتّقلُّل من الدّنيا، والإيثار. وله أخبار بديعة فِي ذلك.
روى عَنْهُ التّجيبيّ وهو أكبر منه، وأبو عَبْد اللَّه بْن هشام، وأبو الْحَسَن الشّاري. وأثنى عليه أبو الْحَسَن وقال: لم أرَ أزهد منه. وتُوُفّي بسَبْتَة فِي رمضان.(12/1233)
650 - يعيش بْن نجم بْن عَبْد اللَّه، أبو البقاء الْبَغْدَادِيّ، المأمونيّ، الفَرَضيّ، الحاسب، الواعظ، الوكيل. [المتوفى: 600 هـ]
عاش إحدى وسبعين سنة. وسمع سعيد ابن البناء، وعبد اللَّه بْن أحمد بْن يوسف.
ويُقال: إنّه سمع من قاضي المَرِسْتان.
وكان عارفًا بالفرائض وعقْد الوثائق.
مات فِي شوّال.(12/1234)
651 - يوسف بْن سَعِيد بْن مسافر بْن جميل. الأَزَجيّ، المقرئ، البناء، القطّان، أبو مُحَمَّد. [المتوفى: 600 هـ]
وُلِد سنة ستٍّ وأربعين، وسمع الكثير من أبي الفتح ابن البطّيّ، والنّاس بعده. وتُوُفّي فِي سلْخ ذي الحجَّة.
قال الدُّبيثيّ: وكان فِيهِ تخليط سامحه الله. وكتب الكثير إلى أن مات.(12/1234)
• - أبو القاسم بْن شَدْقينيّ. [المتوفى: 600 هـ]
تقدَّم فِي الشين، والأصح أنّ اسمه كنيته.(12/1234)
-وفيها وُلِد:
الشّيخ شمس الدّين أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَير الخابوريّ خطيب حلب، وشيخ الطّبّ عزّ الدين إبراهيم بن محمد ابن السويدي في ذي العقدة، والمحدّث مَكِين الدّين أبو الْحَسَن بْن عَبْد العظيم الحُصيني، والعلّامة البرهان النَّسَفيّ مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الحنفيّ صاحب الْجُسْت.(12/1234)
-ومن المتوفين تقريبًا وتخميناً(12/1235)
652 - إِبْرَاهِيم بْن عَليّ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن حَمَك. المُغِيثيّ، النَّيْسابوريّ، القاضي المعمَّر، أبو الفضل، قاضي القضاة. [الوفاة: 591 - 600 هـ]
مولده فِي ذي الحجَّة سنة ثمانٍ وخمس مائة. قرأته بخطّه. وسمع منه العلامة جمال الدين محمود ابن الحُصْريّ موطّأ أَبِي مُصْعَب، بروايته عن هبة اللَّه السّيّدّي سماعًا. وأجاز للفخر ابن البخاريّ مَرْوياته.
وسماع الحُصري منه فِي رجب سنة ثمانٍ وتسعين وخمس مائة.(12/1235)
653 - أَحْمَد بْن عَبْد السّلام، أبو العبّاس الكُوَّرَائيّ، ويقال فِيهِ: الْجَرَاويّ. وهو بِذَلِك أشهر، الشّاعر البربريّ. [الوفاة: 591 - 600 هـ]
وكُوَّرايا: قبيلةٌ من البربر، مَنازلهم بقرب فاس.
كان آية زمانه فِي النَّظْم وحِفْظ الأشعار القديمة والحديثة. جَالسَ عَبْد المؤمن وأولادَه من بعده، وطالت أيامه، وجمع حماسة كبيرةً مشهورةً بالمغرب، أحسَنَ فيها التّرتيب. وكان ظريفًا صاحب نوادر.
ومن شِعْره فِي المنصور أَبِي يعقوب صاحب المغرب:
إنّ الْإِمَام هُوَ الطبيبُ وقد شَفَى ... عِلَلَ البريَّة ظاهرًا ودخيلا
حَمَل البسيطَةَ وهي تحملُ شخصهُ ... كالرّوح يوجد حاملًا محمولا
وله:
مشى اللؤم فِي الدّنيا طريدًا مشرّدًا ... يجوبُ بلادَ اللَّه شرقًا ومَغْرِبا
فلمّا أتى فاسًا تلقّاه أهلُها ... وقالوا له: أهلًا وسهلًا ومرحَبَا
وله مدائح فِي السّلطان عَبْد المؤمن وبنيه.
تُوُفّي سنة بضْعٍ وتسعين وخمس مائة، وقد جاوز الثّمانين.
قال تاج الدّين بْن حَمُّوَيْه: أدركته فرأيت شيخًا حسناً، وقد زاد على العُمْرَيْن، وخضْرم حيث أدرك العَصْرين، وحلبَ من الدّهر الشّطْرين، مدح الكبار، وحصّل أموالًا. وقيل: إنّ يوسف بْن عَبْد المؤمن سألَ: من بالباب؟ فقالوا: أَحْمَد الكُوَّرَائيّ وسعيد الغماريّ. فقال: مِن عجائب الدّنيا، شاعرٌ من [ص:1236] كُوَّرايا، وحكيم من غمارة. فبلغ ذلك أَحْمَد، فقال: " وضرب لنا مثلًا ونسي خلقهُ "، أعجب منهما خليفة من كومية. فقال الخليفة يوسف لمّا بلغه ذلك: أُعاقبه بالحلْم والعفْو عَنْهُ، ففيه تكذيبه.
وللكُوَّرائيّ فِي عَبْد المؤمن:
أبرَّ على الملوك فَمَا يُبارى ... همامٌ قد أعاد الحربَ دارا
له الأقدار أنصارٌ، فمهما ... أراد الغزوَ يبتدرُ ابتِدارا
يقدّم للعقاب مقدّمات ... من الإنذار تمنع الاعتذارا
ومضى في القصيدة.
ومن أخرى فِي يوسف بْن عَبْد المؤمن له:
مِن قَيْس عَيْلانَ الّذين سيوفُهُم ... أبدًا تصولُ ظباؤها وتصونُ
وغيوثُ حرْبٍ والنّوالُ سَحَائب ... وليوث حربٍ والرماح عرينُ
ضمِنَتْ لهم أسيافُهُم ورِماحُهُم ... أنْ يكثر المضروبُ والمطعونُ
قد أصْحَروا للنّازلات فَمَا لهُمْ ... إلّا ظهوُر السّابقات حُصونُ
ملكٌ إذا اضطّرب الزمانُ مخافةً ... لم يُغنهِ التّسكينُ والتأمينُ
أشْفَى على الدّنيا فَعفَّ، وغيره ... بَدلالِها وجمَالِها مفتونُ
عُذْرًا أَبَا يعقوب إنّ عُلاكُم ... قد أفنتِ المِدَحات وهي فنونُ
وله يصف الموحّدين:
وَسَادة كأسُودِ الغابِ فَتْكُهُم ... قصدٌ إذا اغتال فِي الهيجاء مُغتالُ
تشوقهم للطّعان الخيلُ إنْ صَهَلَتْ ... كما يشوقُ العميدّ الصَّبَّ أطلالُ
إن سابَقُوا سَبَقُوا، أو حاربوا غَلَبُوا ... أو يمَّموا وصَلوا، أو أملوا نالوا
جادوا، وصالوا، وضاؤوا، واحتبوا، فهم ... مزنٌ وأسدٌ، وأقمارٌ، وأجبالُ
قال تاج الدّين: وتُوُفّي فِي أواخر أيّام السّيد يعقوب عن حالةٍ مَرْضية، وإنابةٍ وزهادةٍ، وإقبال على العبادة. وتناهَى به العُمر إِلَى غاية الهَرَم، وهو على جودة الذّهن، وحُسْن الشِّيَم.
قلت: وقيل: إنه توفي سنة تسع وست مائة بإشبيلية. وسأعيده هناك مختصراً.(12/1235)
654 - الْحَسَن بْن عليّ بْن إِبْرَاهِيم، أبو مُحَمَّد الْجُوَيْنيّ النّاسخ. [الوفاة: 591 - 600 هـ]
كان بديع الوِراقة، كتب بخطّه ما لا يوصف حتّى أنّ من جملة ما كتب مائتين وستَّة وثلاثين ختمة، منها ربعات. وأقام بحلب مدَّة، ثُمَّ سكن مصر وبها مات بعد التّسعين. وكان فِيهِ تشيُّع. وصنَّف كتاب حِيَل الملوك، وكتاب مدائح الملك الناصر صلاح الدين ابن أيوب، وكتابًا فِي مدائح أَهْل البيت عليهم السلام.(12/1237)
655 - محمود بْن عليّ بْن الْحَسَن، الشيخ سديد الدّين أبو الثناء الرّازيّ، المتكلّم، المعروف بالحِمِّصي. [الوفاة: 591 - 600 هـ]
شيخ شيعي، فاضل، بارع في الأصلين والنَّظَر. له عدَّة مصنّفات، عُمِّر نَحْوًا من مائة سنة. وقرأ عليه الفخر ابن الخطيب. وورد العراق فِي هَذِهِ الحدود. وأخذوا عَنْهُ. وتَعَصَّبَ له ورّامُ بْن أَبِي فِراس، وحصَّل له ألف دينار، ودخل الحِلَّة، وقرَّر لهم نفْي المعدوم. وأملى التّعليق العراقيّ. وله تعليق أَهْل الرّيّ. وله كتاب المنقذ من التقليد، وكتاب المصادر فِي أُصُول الفقه، وكتاب التّحسين والتّقبيح وغير ذلك.
وكان فِي ابتدائه يبيع الحِمّص المسلوق بالرّيّ، ثُمَّ اشتغل على كِبَرٍ ونَبُلَ، وصار آيةً فِي عِلم الكلام والمنطق. وكان درْسه يبلغ ألف سطر، وما يتروّى ولا يستريح، كأنّما يقرأ من كتاب. وكان بصيرًا باللّغة العربيَّة، والشِّعر، والأخبار، وأيّام النّاس. وكان صاحب صلاةٍ وتعبُّد وبُكاء وخشْية.
ذكره يحيى بن أبي طيئ فِي تاريخه. وبالَغ فِي وصفه، فالله أعلم.(12/1237)
656 - هبة اللَّه بْن زين بْن حسن بْن إفرائيم بْن يعقوب بْن جُمَيع. الإسرائيليّ اليهوديّ، لا رحم اللَّه فِيهِ مَغْرَز إبرة. وهو الموفق، شمس الرياسة، أبو العشائر المصريّ. [الوفاة: 591 - 600 هـ]
قرأ الطّبّ وبرع فِيهِ، وصار فاضل الديار المصريَّة فِيهِ. وخدم السّلطان صلاح الدّين، وحظيّ عنده. وكان له حلقة اشتغال وتلامذة.
أحكَم الطّبّ على الموفّق عدنان ابن العين زربيّ، ولازَمَه مدَّة، ونظر فِي [ص:1238] العربيَّة واللّغة. وقد رثاه بعض تلامذته بقصيدةٍ مونّقة.
وله كتاب الإرشاد فِي الطّبّ، وكتاب تنقيح القانون، ورسالة فِي طبع الإسكندريَّة، ومقالة فِي اللّيمون، ومقالة فِي الرّوانْد، ومقالة فِي علاج القولنْج، ومقالة فِي الحَدبة، وغير ذلك.
لم تؤرخ وفاته.(12/1237)
657 - يزيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مَخْلَد، أبو الْوَلِيد البَقويّ القُرْطُبي، الفقيه. [الوفاة: 591 - 600 هـ]
والد القاضي أَبِي القاسم بْن بَقِيّ.
روى عن جدّه أَبِي القاسم أَحْمَد، وشُرَيْح، وأبي بكر ابن العربيّ، وأبي القاسم بْن رضا. أَخَذَ عَنْهُ ابنه، وأبو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه، وأبو زَيْدٍ الفازازيّ. ولي قضاء بعض النّواحي.
تُوُفّي سنة نيفٍ وثمانين وخمس مائة.(12/1238)
658 - يوسف بْن سُلَيْمَان بْن يوسف بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن حَمْزَة الْمُقْرِئ، أبو الحَجّاج البَلَنْسِيّ. [الوفاة: 591 - 600 هـ]
أَخَذَ القراءات فِي ختْمةٍ جَمْعًا عن أَبِي عَبْد اللَّه بْن غلام الفَرَس، وأخذها عن أَبِي الأَصْبَغ بْن فُتُوح الهاشميّ، وكان ثقة خيِّرًا. صحِبَه أبو الْحَسَن بْن خيرة مدَّةً.
قال الأَبّار: مات قبل الستمائة.(12/1238)
تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام
لمؤرخ الإسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
المتوفى 748 هـ - 1374 م
المجلد الثالث عشر
601 - 630 هـ
حَقّقه، وَضَبَطَ نَصَّه، وَعلَّق عَلَيْه
الدكتور بشار عوّاد معروف
دار الغرب الإسلامي(13/1)
-الطبقة الحادية والستون 601 - 610 هـ(13/5)
بسم الله الرحمن الرحيم
- (الحوادث)(13/7)
-سنة إحدى وستمائة
ومما تم فيها:
فيها عَزَلَ النَّاصرُ لدين الله ولَدَهُ أبا نصر محمدًا عَنْ ولاية العَهْد، بعد أن خُطِب لَهُ بولاية العَهْد سبع عشرة سنة، ومالَ إِلى ولدِهِ عليٍّ وَرَشَّحَهُ للخلافة، فاختُرِمَ في إبّان شَبَابه، فاضطُّرَّ النَّاصر إِلى إعادَة عُدَّة الدين أَبِي نصر وهو الخليفة الظَّاهر.
قَالَ أَبُو شامة: وفيها وقعَ حَرِيقٌ عظيمٌ بدار الخلافة لم يُرَ مثله، واحترقت جميع خِزانة السِّلاح والأمتعة وقُدور النفط. ثُمَّ قَالَ: وقيمة ما ذهب ثلاثة آلاف دينار وسبعمائة ألف دينار.
قَالَ: وفيها أخذت الفرنج النساء من عَلَى العاصي بظاهر حماه، فخرج المَلِك المنصور إليهم، وثبت وأبلى بلاءً حَسَنًا، وكُسِرَ عسكره وثبت هو، ولولا وقوفه لراحت حماة.
وفيها كانت جموع الفرنج نازلين بمرج عَكّا، والملك العادل بجيوشه نازل في قِبالتهم مُرابِطهم، والرسل تتردّد في معنى الصلح، ثُمَّ آخر الأمر تقررت الهُدنة مُدةً بأن تكون يافا لهم ومَغَلّ الرَّملة ولُدّ، ثُمَّ تَرَحَّل العادل إلى مصر، وتفرقت العساكر إلى أوطانهم.
وفيها أغارت الفرنج عَلَى حِمْص، وقتلوا وبَدَّعوا، وردوا غانمين.
وفيها بَعَثَ صاحبُ حماه عسكرًا فحاصروا المرقِب وكادوا يفتحونه، لولا قتْل أميرهم مبارز الدين أقجا، جاءه سهم فقتله. [ص:8]
ثُمَّ في أواخر العام أغارت فرنج طرابلس عَلَى جَبلَة واللاذقية، وكان عليها عسكر الحلبيين، فهزمتهم الفرنج، وَقُتِلَ من المسلمين خَلْقٌ، وحصَل الوهن في الإسلام، وطمعت الملاعبين في البلاد، فأهَمَّ العادلَ أمرُهم، ثُمَّ خرجَ من مصر في سنة ثلاث وستمائة، وأسرع حتى نازلَ عَكّا، فصالحهُ أهلُها عَلَى إطلاق جميع ما في أيديهم من أسرى المسلمين، فقبل الأسرى وتَرَحَّل عنهم، ثُمَّ قَدِمَ دمشق وتهيّأ للغزاة، وعَلِمَ أنَّ الفرنج عدوٌ مَلْعون، وسارَ حتى نَزلَ عَلَى بُحيرة قَدَس، واستدعى العساكر والملوك فأقبلوا إِلَيْهِ، وأشاع قَصْد طرابلس، ثُمَّ سار فنازل حِصْن الأكراد، وافتتح منه برجاً، وأسر منه خمسمائة، ثُمَّ توجّه إِلى قلعةٍ قريبة من طرابلس وحاصرها فافتتحها، ثُمَّ سار إِلى مدينة طرابلس فنازلها، ونصب عليها المجانيق، وقطع جميع أشجارها، وخرب أعمالها، وقطعوا عنها العَيْن، وبقي أيامًا إِلى أن أيِسَ من جُنده فشلا ومللا، فعادَ إِلى حمص، فبعث إِلَيْهِ صاحب طرابلس يخضع لَهُ، وبعث له هدايا وثلاثمائة أسير، والْتمس الصُّلْح فصالحه، وذلَّت لَهُ الفرنج ولله الحمد.
وفيها حَجَّ من الشام صارمُ الدِّين بُزغش العادلي، وزين الدين قراجا صاحب صرخد.
وقال العز النَّسّابة: فيها تَغَلَّبت الفرنج عَلَى القسطنطينية وأخرجوا الرُّومَ منها بعد حَصْر وقَتْل، وحازوا مملكتَها وانتهبوا ذخائِرَها، ووصلَ ما نُهِبَ منها إلى الشام وإلى مصر.
وقال مُحَمَّد بْن مُحَمَّد القادسِيُّ في " تاريخه ": إنّ امرأةً بقَطفْتا ولدت ولدًا برأسين وأربعة أرجل ويدان، فتوفي، وطيف به.
وفيها كَانَ خروج الكُرْج عَلَى بلاد أَذْرَبيجان فعاثوا وقتلوا وسَبوا، واشتدّ البَلاءُ، ووصلوا إِلى أعمال خِلاط، فجمعَ صاحب خِلاط عسكرَهُ، ونَجَدَهُ عَسْكر أَرْزن الروم، فالتقوا الكرْجَ، فنصرهم الله عَلَى الكُرْج - لعنهم الله - وقُتِلَ في المصافّ مُقَدّم الكُرْج، وغَنِمَ المسلمون وقَتَلُوا مقتلة كبيرةً.(13/7)
-سنة اثنتين وستمائة
فيها استوزر الخليفة الوزيرَ نصيرَ الدين ناصرَ بْن مهديّ العلويّ الحَسَنيّ، وخلع عَلَيْهِ خلعة الوزارة، فركب وبين يديه دواة عليها ألف مثقال، ووراءه المهد الأصفر وألوية الحمد والكوسات، والعهد منشور قُدّامه، والأمراء بين يديه مُشاة.
وفيها هرب الوزير أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن حَدِيدَة الأنصاريُّ المعزول من دار الوزير نصير الدين ابن مهديّ، وكان محبوسًا عنده ليعذّبه ويصادره، فحلقَ لِحْيته ورأسَهُ وهَرَب، فلم يظهر خبرُه إلا من مراغة بعد مدَّة، وعاد إِلى بغداد.
وفيها أغار ابن لاون الأرمنيّ عَلَى حلب، واستباح نواحي حارِم، فبعثَ الملكُ الظاهرُ غازي إِلَيْهِ جيشًا عليهم ميمون الكُرديّ، فتهاون، فكَبَسهم ابن لاون، وقتل جماعة من العسكر، وثبت أيبك فُطَيْس، وبلغَ الخبر الملكَ الظاهر، فخرجَ وقصدَ حارم، فهرب ابن لاون إِلى بلاده.
وفيها توجّه ناصر الدّين الأرتقيّ صاحب ماردين إِلى خِلاط بمكاتبة أهلها، فجاء المَلِك الأشرف موسى فنازل دُنَيْسر، فرجعَ ناصر الدّين إِلى ماردين بعد أن خسر مائة ألف دينار، ولم ينل شيئاً.
وفيها سَلَّم خُوارزم شاه مُحَمَّد إِلى الخطا تِرْمذ، فتألَّم الناس من ذَلِكَ، ثُمَّ بانَ أنَّه إنّما فعل ذَلِكَ مكيدة ليتمكن بذلك من مُلْك خُراسان، لأنّه لَمّا ملكَ خُراسان قصد بلاد الخطا وأخذها واستباحها وبدع.
وفيها قَصَدت الكُرْج أعمال خِلاط فقتلوا وأسروا وبَدَّعوا، فلم يخرج إليهم عسكر خِلاط، لأنّ صاحبَها صبيّ، فلمّا اشتد البلاء عَلَى المسلمين تناخوا، وحَرَّض بعضُهم بعضًا، وتَجَمَّعت العساكر والمُطّوعة، وعملوا مصافًّا مَعَ الكُرْج، وأمسكوا عَلَى الكُرْج مضيق الوادي، فقتلوا فيهم قتلًا ذَرِيعًا، وبعد ذلك تزوج صاحب أذربيجان أبو بكر ابن البهلوان بابنة مَلِك الكُرج، لأنّ الكُرج تابعت الغارات على بلاده، فهادنهم.
وفيها حُمِلَ إِلى إرْبِل خَرُوف وَجْهُهُ وجه آدمي، وتعجب الناس منه.
وفيها اتّفق علاء الدّين صاحبُ مَرَاغة ومظفَّر الدّين صاحب إرْبِل عَلَى [ص:10] قَصْد أذربيجان وأخْذها، لاشتغال ابن البهلوان بالخُمور، وإهماله أمر المملكة، فسارا نحو تِبْريز، وطلبَ صاحبُها النّجدة من مملوك أَبِيهِ أيدغمش صاحب الرَّيّ وأصبهان، وكان حينئذٍ ببلاد الإِسماعيلية، فَنَجَده، ثُمَّ أرسلَ إِلى صاحب إرْبِل يَقُولُ: إنّا كُنّا نسمع عنك أنّك تحبّ الخير والعلم، وكُنّا نعتقد فيك، والآن قد ظهر لنا ضدّ ذَلِكَ لقصْدك قتال المسلمين، أما لك عقلٌ تجيء إلينا وأنت صاحب قرية، ونحن لنا من بَاب خُراسان إلى خِلاط وإرْبِل، ثُمَّ قُدِّر أنّك هَزَمت هذا السلطان، أما تعلم أنّ لَهُ مماليك أَنَا أحدُهم: فلمّا سَمِعَ مظفَّر الدّين ذَلِكَ عادَ خائفًا. ثُمَّ قصد أيدغمش وابن البهلوان مَراغة وحاصروها، فصالحهم صاحبها على تسليم بعض حصونه، وداهن.
وفيها سارَ المَلِك أيدغمش إِلى بلاد الإسماعيلية المجاورة لقزوين، فقتل وأسرَ ونهبَ، وحاصرهم فافتتح خمس قلاع، وصَمَّمَ عَلَى حصار الألمُوت واستئصال شأفتهم.
وفيها واقَعَ أيدغمش طائفةً من الخُوارزمية نحو عشرة آلاف، فكسرهم، وكانوا قد عاثوا وأفسدوا وقتلوا.
وفيها توالت الغارات من الكَلْب ابن ليون الأرْمنيّ صاحب سِيس عَلَى أعمال حلب، فسبى ونهبَ وحَرَّقَ، فجهّزَ صاحبُ حلب عسكرًا لحربهم، فاقتتلوا وكان الظَّفَر للأرمن - لعنهم الله.(13/9)
-سنة ثلاث وستمائة
فيها فارقَ أمير الركب العراقي الركبَ وقصدَ الشام، وهو الأمير وجه السَّبُع، فقصدَهُ الأعيان والحُجّاج وبكوا وسألوه، فَقَالَ: أمير المؤمنين مُحسنٌ إلي، وما أشكو إلا الوزير ابن مهديّ، فإنّه يقصدُني لقُربي من الخليفة، وما عَنِ الرُّوح عوض. وقَدِمَ الشام، فأكرمه العادل وبنوه.
وفيها وَلِي قضاء القضاة ببغداد عماد الدّين أبو القاسم عبد الله بن الحسين ابن الدامغاني. [ص:11]
وفيها قبضَ الخليفةُ عَلَى الركن عَبْد السّلام بن عبد الوهاب ابن الشيخ عَبْد القادر فاستأصلَهُ، وكان قد بلغَهُ فسقه وفجوره.
وفيها قَدِمَ بغداد حاجًّا العَلامة برهان الدّين مُحَمَّد بْن عُمر بْن مازة الملقّب صدر جهان، وتلقّاه الأعيان، وحُمِلت إِلَيْهِ الإِقامات، وكان معه ثلاثمائة فقيه، وكان زعيم بُخارَى يؤدّي الخراج إِلى الخطا، وينوب عنهم بالبلد، ويظلم ويعسف، حتّى لقبوه صدر جهنم.
وفيها نزلت الفِرَنْج عَلَى حمص، فسارَ من حلب المُبارز يوسُف نجدةً، ووقع مصافٌ أُسِرَ فيه الصمصام ابن العلائي، وخادم صاحب حمص.
وفيها كانت بخُراسان فِتَن وحروب، قوي فيها خُوارزم شاه واتّسع مُلْكه، وافتتح بَلْخ وغير مدينة من ممالك خراسان.
وفيها التقى خُوارزم شاه وسونج بالقرب من الطَّالقان، فلمّا تصافَّ الجيشان حمل المَلِك سونج وهو وحده بين الصَّفّين، وساق إِلى القلب، ثُمَّ تَرَجَّل، ورَمَى عَنْهُ سلاحَهُ، وقَبّل الأرضَ، وقال: العفو. فَظَنَّ خُوارزم شاه أنّه سكران، فلمّا عَلم صحوه سَبّه وذَمّه وقال: مَنْ يثق إِلى مثل هذا. وكان نائبًا لغياث الدين الغُوريّ عَلَى الطّالقان، فاستولى خُوارزم شاه عليها، وقرر بها نوابه.(13/10)
-سنة أربع وستمائة
فيها ملكَ السُّلطان نُصرة الدين أَبُو بَكْر ابن البهلوان مدينة مراغة، وذلك أنّ صاحبها علاء الدين ابن قُراسنقر مات وخَلَّفَ ابنًا طفلًا فملَّكوه، ثُمَّ مات.
وفيها عبرَ خُوارزم شاه إِلى بلاد الخطا بجميع جيوشه وجيش بُخَاري وسَمَرْقَند، وحَشَدَ أهلُ الخطا فجرى بينهم وقعات ودام القتال.
قَالَ ابن الأثير: في سنة أربع عبرَ علاءُ الدّين مُحَمَّد ابن خُوارزم شاه - قلتُ: ولَقَبَهُ خُوارزم شاه - إِلى ما وراء النّهر لقتال الخطا، وكانوا قد طالت أيّامهم ببلاد تُركستان وما وراء النَّهر وثقُلَت وطْأتهم عَلَى أهلها، ولهم في كلّ [ص:12] بلد نائب، وهم يسكنون الخركاوات عَلَى عادتهم، وكان مُقامهم بنواحي كاشغر وأوزْكَنْد وبَلاسَاغُون. وكان سلطان سمرقند وبُخارى مَقْهُورًا معهم، فكاتبَ علاءَ الدّين وطلبَ منه النَّجدةَ عَلَى أن يَحْمل إِلَيْهِ ما يَحْمله إِلى الخطا ويُريح الإسلام منهم.
قلت: ثُمَّ اشتدّ القتال في بعض الأيّام بين المسلمين والخطا، فانهزم المسلمون هزيمةً شنيعة وأُسِر خلْق، منهم السلطان خُوارزم شاه وأمير من أمرائه الكبار؛ أسرهما رجلٌ واحد ووصل المُنْكَسِرون إِلى خُوارزم، وتخبَطت الأمور. وأمّا خُوارزم شاه فأظهر أنّه غلام لذلك الأمير، وجعلَ يخدمه ويُخلّعه خُفّه، فقام الّذي أسرهما وعَظَّمَ الأميرَ وقال: لولا أنّ القوم عرفوا بك عندي لأطلقتك، ثُمَّ تركه أيّامًا، فَقَالَ الأمير: إنّي أخاف أن يظنّ أهلي أنّي قُتِلت فيقتسمونَ مالي، فأهلك، وأحبّ أن تقرِّرَ عليَّ شيئًا من المال حتّى أحمله إليك، وقال: أريد رجلًا عاقلًا يذهب بكتابي إليهم. فَقَالَ: إنَّ أصحابَنا لا يعرفون أهلك. قَالَ: فهذا غلامي أثق بِهِ، فهو يمضي إنْ أذِنتَ، فأذِن لَهُ الخطائيَ فَسَيَّرَهُ، وبعثَ معه الخطائيّ من يخفرِّه إِلى قريب خُوارزم، فخفروه، ووصل السلطان خُوارزم شاه بهذه الحيلة سالمًا، وفرح بِهِ النّاس وزُيّنت البلادُ. وأمّا ذاك الأمير، وهو ابن شهاب الدّين مسعود، فَقَالَ لَهُ الّذي استأسَرهُ: إنّ خُوارزم شاه قد عدم. فَقَالَ لَهُ: أما تعرفه؟ قَالَ: لا. قَالَ: هُوَ أسيرك الّذي كَانَ عندك. فَقَالَ: لمَ لا عرفتني حتّى كنتُ خدمته وسرتُ بين يديه إِلى مملكته. قَالَ: خِفْتكُم عَلَيْهِ. فقال الخطائي: فسر بنا إليه، فسارا إِلَيْهِ.
ثُمَّ أتته الأخبار بما فعله أخوه عليّ شاه وكُزْلك خان، فسارَ ثُمَّ تبعه جيشُه. وكان قبل غزوه الخطا قد أمَّرَ أخاه عَلَى طبرستان وجُرجان، وأَمَّرَ كزكان عَلَى نَيْسابور وهو نسيبه، وولَّى جلدك مدينة الجام، ووَلَّى أمين الدّين مدينة زَوْزَن - وأمين الدّين كَانَ من أكبر أمرائه، وكان حَمَّالًا قبل ذَلِكَ، وهو الّذي [ص:13] ملكَ كرمان، وقتل حُسَين بْن جرميك - وصالحه غياث الدّين الغوري وخضعَ لَهُ، وأَمَّرَ عَلَى مَرْو وسَرْخس نوابًا، ثُمَّ جمعَ عساكره وعَبَر جَيْحون، واجتمع بسلطان سمرقند، وجرى حرب الخطا الّذي ذكرناه.
فأمّا ابن جرميك نائب هراة فإنه رأى صنيع عسكر السلطان خُوارزم شاه بالرعيَّة من النَّهْب والفتْك، فأمسك منهم جماعة، وبعثَ إِلى السّلطان يعرّفه ما صنعوا، فغضبَ وأمرَهُ بإرسال الْجُند لحاجته إليهم في قتال الخطا، وقال: إنّي قد أمرتُ عزّ الدّين جلدك صاحب الجام أنْ يكون عندك لِما أعلمه من عقله وتدبيره، وكتبَ إِلى جَلْدك يأمره بالمسير إِلى هَرَاة، ويقبض عَلَى ابن جرميك. فسارَ في ألفي فارس - وقد كَانَ أَبُوهُ طُغْرُل متولّي هَراة في دولة سنجر، فجلدك - إليها بالأشواق ويؤثرها على جميع خراسان. فلما خرج لتلقيه نزلا واعتنقا، ثم أحاط أصحابه بابن جرميك فهرب غلمانه إلى البلد، فأمر الوزير بغَلْق هراة واستعدّ للحصار، فنازل جلدك هراة، وأرسل إِلى الوزير يتهدّده بأنّه إنْ لم يُسَلّم البلد قتل مخدومه ابن جرميك، فنادى الوزير بشعار السلطان غياث الدين محمود الغوري، فقدموا ابن جرميك إِلى السُّور فحدَّثَ الوزيرَ في التسليم فلم يقبل، فذبحوه، ثُمَّ أمَرَ خُوارزم شاه في كتبه إِلى أمين الدّين صاحب زوزن، وإلى كزلك خان متولي نيسابور بالمسير لحصار هراة، فسارا ونازلاها في عشرة ألاف. واشتدّ القتال، وقد كَانَ ابن جرميك قد حَصَّنَها، وعمل لها أربعة أسوار، وحَفَر خندقها وملأها بالمِيرة، وأشاعَ أنّي قد بقيت أخاف عَلَى هراة شيئًا، وهو أن تُسْكَر المياه الّتي لها، ثُمَّ تُرْسَل عليها دَفْعَة واحدة فينهدم سورها. فلمّا بلغ أولئك قولُه فعلوا ذَلِكَ، فأحاطت المياه بها ولم تصل إِلى السُّور لارتفاع المدينة، بل ارتفع الماء في الخندق، وكثر الوحل بظاهر البلد، فتأخّر لذلك العَسْكر عنها، وهذا كانَ قصْد ابن جرميك، فأقاموا أيّامًا حتّى نشف الماء.
ولمّا أُسر خُوارزم شاه - كما قَدّمنا - سار كُزلك خان مُسْرعًا إِلى نَيْسابور، وحَصَّنَها، وعزم عَلَى السَّلطنة. وكذلك هَمَّ بالسّلطنة عليّ شاه ودعا إِلى نفسه، واختَبَطَت خُراسان. فلما خلص خوارزم شاه وجاء، هرب كزلك خان بأمواله [ص:14] نحو العراق، وهرب عليّ شاه مُلْتجئًا إِلى غياث الدِّين الغُوريّ، فتلقّاه وأكرمَهُ.
وأمَّا خُوارزم شاه فإنّه استعمل عَلَى نَيْسابور نائبًا، وجاء فَتَمَّمَ حصار هراة، ولم ينل منها غَرَضًا بحسن تدبير وزيرها. فأرسل إليه خُوارزم شاة يَقُولُ: إنّك وعدت عسكري أنّك تُسَلِّم إليَّ البلد إذَا حضرت. فَقَالَ: لا أفعل، أنتم غَدّارون لا تُبقُون عَلَى أحد، والبلد للسّلطان غياث الدّين. فاتّفقَ جماعةٌ من أهل هراة، وقالوا: أهلكَ الناس من الْجُوع، وتَعَطّلت المعائش، وهذه ستَّة أشهر. فأرسل الوزير مَن يُمسكهم، فثارت فتنة في البَلد وعظُمت، فتداركها الوزير بنفسه، وكَتَبَ إِلى خُوارزم شاه، فزحف عَلَى البلد وهم مختبطون فملكها، ولم يُبْقِ عَلَى الوزير وقَتَلَهُ، وذلك في سنة خمس. ثُمَّ سَلَّم البلد إِلى خاله أمير ملك، فَرَمّ شعثَهُ. ثُمَّ أَمَر خالَهُ أن يسير إلى السلطان غياث الدين محمود ابن غياث الدّين، فَيَقْبض عَلَيْهِ وعلى عليّ شاه، فسارَ لحربهما، فأرسل غياث الدّين يبذل لَهُ الطّاعة، فأعطاه الأمان، فنزل غياث الدّين من فيروزكوه، فقبض عليه وعلى علي شاه. ثُمَّ جاء الأمر من خُوارزم شاه بقتلهما، فقتلهما في وقتٍ واحد من سنة خمس الآتية.
وفيها تملك الأوحد أيوب ابن العادل مدينة خِلاط بعد حرب جرت بينه وبين بَلبان صاحبها، وقُتِلَ بعد ذَلِكَ بلبان عَلَى يد ابن صاحب الروم مغيث الدّين طُغرل شاه، وساقَ القصَّةَ ابن الأثير في " تاريخه " وابن واصل وغيرهما.
وخِلاط مملكة عظيمة وهي قصبة أرمينية، وبلادها متّسعة حتّى قِيلَ: إنّها في وقتٍ كانت تقارب الدّيار المصريَّة، وهذا مبالغة، وكانت لشاه أرمن بْن سُكْمان، ثُمَّ لمملوكة بكتمر، فَقُتِلَ بكتمر سنة تسعٍ وثمانين وخمسمائة، فملكها ولده. ثُمَّ غلب عليها بلبان مملوك شاه أرمن. وكان المَلِك الأوحد قد مَلَّكُه أبوه ميافارقين وأعمالها بعد موت السّلطان صلاح الدّين، فافتتح مدينة موش وغيرها، وطمع في مملكة خلاط وقصدها، فالتقاه بلبان فكسره، فَرَدَّ إِلى مَيّافارقين، فحشَدَ وجَمَع، وأنجده أَبُوهُ بجيش فالتقى هُوَ وبلبان، فانهزم بلبان [ص:15] وتحصن بالبلد، واستنجد بطغرل شاه السَّلْجُوقيّ صاحب أرزَن الروم، فجاء وهزم عَنْهُ الأوحد، ثُمَّ سار السّلجوقيّ وبلبان فحاصرَا حِصن موش، فغدر السّلجوقيّ ببلبان وقتله، وساقَ إِلى خلاط ليملكها فمنعه أهْلُها، فساقَ إِلى منازكرد فمنعه أهلُها، فَرَدَّ إِلى بلاده، واستدعى أهلُ خلاط الأوحد فملّكوه، وملك أكثر أرمينية. فهاجت عَلَيْهِ الكُرْج وتابعوا الغارات عَلَى البلاد، واعتزل جماعة من أمراء خِلاط وعصوا بقلعة، فسارَ لنجدته الأشرف موسى في جيوشه، وتَسَلَّموا القلعة بالأمان. ثُمَّ سار الأوحد ليقرّر قواعد ملازكرد، فوثب أهل خلاط وعصوا، فكَرَّ الأوحد وحاصرهم، ودخلَ وبذلَ السيف فقتل خلقًا، وأسر الأعيان. وكان شَهمًا سفاكاً للدماء، فتوطدت له الممالك.
وفيها اتّفق الفرنج من طرابلس وحصن الأكراد عَلَى الإِغارة بأعمال حمص، ثُمَّ حاصروها، فعجز صاحبها أسد الدّين عنهم، ونَجَده الظّاهر صاحب حلب بعسكر قاوموا الفرنج. ثُمَّ إنّ السُّلطان سيف الدّين سار من مصر بالجيوش وقصد عَكّا، فصالحهُ صاحبها، ثُمَّ سار فنزل عَلَى بحيرة حمص، فأغار عَلَى بلاد طرابلس، وأخذ حِصنًا صغيرًا من أعمالها. وقد مَرَّ ذَلِكَ استطرادًا في سنة إحدى وستمائة.(13/11)
-سنة خمس وستمائة
فيها قَدِمَ الشّام شهابُ الدّين السُّهْرَوَرديّ في الرُّسلية، ورجع ومعه شمس الدّين ألدُكز بالتَّقادُم والتُّحف، فأُعرِضَ عَنِ السُّهرورديّ، ونقموا عَلَيْهِ حيثُ مَدَّ يدَهُ إِلى الأموال بالشّام وقبل العطايا، وحَضَرَ دعوات الأمراء، فأُخذت منه الرُّبط ومُنِعَ من الوعظِ، فَقَالَ: ما قِبلتها إلا لأفرّقها في فقراء بغداد، وشرع يفرق ذلك.
قَالَ أَبُو شامة: وفيها زُلزلت نَيْسابور زلزلة عظيمة دامت عشرة أيّام، فمات تحت الرَّدْم خلق عظيم. [ص:16]
وفيها نازلت الكُرج مدينة أرجيش فافتتحوها بالسّيف ثُمَّ أحرقوها، وأصبحت خاويةً عَلَى عروشها، ولم يبق بها أحد، ولم يروّع الكُرْجَ أحدٌ، فإنّا لله وإنّا إِلَيْهِ راجعون، وعجز عنهم الملك الأوحد ابن العادل وهي له.
وفيها خرجَ كَيْخسرُو صاحب الروم وقصد بلاد سيس، وافتتح حصنًا بالأمان، ونجده عسكر حلب، وأغار وسبى وغنم.
وفيها افتتح خُوارزم شاه مدينة هراة مرَّةً ثانية.(13/15)
-سنة ست وستمائة
فيها نزلت الكُرج عَلَى خلاط فضايقوها وكادوا يأخذونها، وكان بها الأوحد ابن المَلِك العادل، فَقَالَ لملك الكُرج إيواني مُنَجِّمُهُ: ما تبيت اللّيلة إلا في قلعة خلاط. فاتّفق أنّه شرِب وسكِر، وركب في جيوشه وقصد بَابُ البلد، فخرج إِلَيْهِ المسلمون، ووقع القتال، فعثر بِهِ فرسُهُ فوقع، فتكاثَر عَلَيْهِ المسلمون، وَقُتِلَ حوله جماعةٌ من خواصّه، وأُسر، فَما باتَ إلا بالقلعة، وهرب جيشه. وقيل: جرى ذلك في سنة سبع.
وفيها نزل السّلطان المَلِك العادل عَلَى سنجار بجيوش عظيمة، وضربها بالمجانيق أشهرًا، وكاد أن يفتحها، فأرسل المَلِك الظّاهر من حلب أخاه المؤيَّد مسعودًا إِلى العادل يشفع في أهل سنجار وصاحبها قُطْب الدّين مُحَمَّد بْن زنكي بْن مودود، فلم يشفّعه. ومات المؤيَّد في السَّفر برأس عين، وكرهت المشارقة مجاورةَ المَلِك العادل، فاتّفقوا عَلَيْهِ مَعَ صاحب إربل وتشفّعوا إِلَيْهِ، فرحل بعد أن أخذ نَصِيبين والخابور ونزل حَرّان، وكانت هذه من سيّئات العادل؛ يدع جهاد الفرنج ويقاتل المسلمين، فإنّا لله.
وقال ابن الأثير في " الكامل ": لمّا استقرّ أمر خُراسان لخُوارزم شاه محمدّ بْن تكش عَبَر جيحون في هذه السنة في جحفلٍ عظيم، فجمع الخطا [ص:17] جموعهم، والمقدم عليهم طاينكو، وكان شيخًا مُسِنًّا لقي الحروب. وكان مؤيَّدًا فيها مُدَبِّرًا، فكانت وقعةٌ لم يُشهد مثلها، انكسر فيها الخطا وقُتل خلقٌ كثير، وأُسر طاينكو فجيء بِهِ إِلى خُوارزم شاه، فأجلسهُ معه عَلَى السّرير واحترمه، ثُمَّ سَيَّرَهُ إِلى خُوارزم، وافتتح خُوارزم شاه بلاد ما وراء النهر قَهْرًا وصُلْحًا حتّى بلغ أوزكند، وجعل نائبه عليها، ورجع إِلى خُوارزم وفي خدمته ملك سمرقند، وكان من أحسن النّاس صُورة، فزوّجه خُوارزم شاه بابنته، ورَدَّهُ ورَدَّ معه شِحنةً يكون بسمرقند عَلَى قاعدة ملك الخطا مَعَ صاحب سمرقند. فتعب صاحب سمرقند بالخُوارزمية، وندمَ لِما رأى من سوء سيرتهم وقُبح معاملتهم النّاس، وأرسلَ إِلى ملك الخطا يدعوه إِلى سمرقند ليسلّمها إِلَيْهِ، ويعود إِلى طاعته. ثمّ أمرَ بقتل كلّ مَن عنده من الخُوارزميين ووسّط جماعةً من أعيانهم، وعَلَّقَهُم في الأسواق، ومضى إِلى القلعة ليقتل زوجته بنت خُوارزم شاه، فأغلقت الأبواب، ومنعت عَنْ نفسها هي وجواريها، وبعثت تَقُولُ لَهُ: أَنَا امرأة، وقَتْل مثلي قبيح، فاتّقِ الله فيَّ. فتركها وضَيَّقَ عليها. وجاء الخبر إِلى السّلطان والدها، فغضب وقامت قيامته، وأمر بقتل كل من بخوارزم من الغرباء، فمنعتهُ أُمُّه وخَوّفته، فاقتصر عَلَى قتل كلّ سمرقنديٍّ بها، فنهته أيضًا فانتهى. وأمرَ جيشه بالتجهز إلى ما وراء النّهر، فسار وسار في ساقتهم، ونازل سمرقند، وأرسل إِلى صاحبها يَقُولُ لَهُ: قد فعلتَ ما لم يفعله مسلم ولا كافر ولا عاقل، وقد عفا الله عَمّا سلف، فاخرُجْ عَنِ البلاد إِلى حيث شئت. فامتنعَ، فزحفَ عَلَيْهِ، ونصبَ السّلالم عَلَى السّور، وأخذ سمرقند، ووقع القتل والنّهب ثلاثة أيّام، فيقال: إنّهم قتلوا بها مائتي ألف، وسلم دَرْب الغُرباء والتّجار بحماية. ثمّ زحفوا عَلَى القلعة، فأخذت، وأُسر المَلِك، فلمّا أُحضر قَبَّل الأرض وطلب العفو، فقتله صبرًا، واستعمل نوّابًا عَلَى سمرقند.
وأمّا الخطا فلمّا ذهبوا مهزومين اجتمعوا عند ملكهم ولم يكن شهد الوقعة. وكان طائفة من التّتار قد خرجوا من بلادهم أطراف الصّين قديمًا فنزلوا وراء بلاد تُركستان، فكان بينهم وبين الخطا حروب في هذا القرب، فلما [ص:18] سمعوا أنّ خُوارزم شاه كسر الخطا قصدوهم مَعَ مُقَدَّمهم كشلوخان، فلمّا رأى ذَلِكَ ملك الخطا كتبَ إِلى خُوارزم شاه: أمّا ما كَانَ منك من أخْذ بلادنا وقتْل رجالنا فمعفُوٌّ عَنْهُ، فقد أتانا من هذا العَدوّ ما لا قِبَلَ لنا بِهِ، فإنِ انتصروا علينا وأخذونا فلا دافع لهم عنك، والمصلحة أن تسير إلينا في عساكرك، وتُنجدنا عَلَى حربهم، فكاتب خُوارزم شاه مُقَدَّم التّتار كشلوخان: إنّني معك عَلَى قتال الخطا. وكاتب ملك الخطا: إنّني قادم لنُصْرتكم. وسار في جيوشه إِلى أن نزل بقرب مكان المصاف، فلم يخالطهم، بل أوهمَ كُلًّا من الطّائفتين أنّه معهم، وأنّه كمين لهم، فالتقوا فانهزم الخطا أقبح هزيمة، فمال حينئذٍ خُوارزم شاه مَعَ التّتار عليهم قَتْلًا وأسرًا، فلم يُفلت منهم إلا القليل مع ملكهم لجؤوا إِلى جبالٍ منيعة وتحصّنوا بها، وانضمّ إِلى خُوارزم شاه منهم طائفة كبيرة، وصاروا في جيشه. فأرسل يَمُنّ عَلَى كشلوخان، فاعترف لَهُ وأرسل إِلَيْهِ بأن يتقاسما مملكة الخطا كما اتّفقا عَلَى إبادتهم، فَقَالَ خُوارزم شاه: لَيْسَ لك عندي إلا السّيف، فإنْ قنعت بالمُسالمة وإلّا سرتُ إليك. ثُمَّ سارَ حتّى قاربه، ثُمَّ تبيّن لَهُ أَنَّهُ لا طاقة لَهُ بالتّتر، فأخذ يراوغهم ويُبيّتهم ويتخطّفهم، فأرسل إِلَيْهِ كشلوخان: لَيْسَ هذا فِعْل الملوك، هذا فِعْل اللّصوص، فإنْ كُنتَ سلطانًا فاعمل مصافًّا، فجعل يغالطه ولا يجيبه، لكنّه أمرَ أهل فرغانة والشاش وأسبيجاب وكاسان وتلك البلاد النَّزِهَة العامرة بالجلاء والْجَفَل إِلى سمرقند وغيرها، ثُمَّ خرَّبها جميعها خوفًا من التتار أن يملوكها. ثم اتفق خروج جنكزخان والتتار الذين أخربوا خُراسان عَلَى كشلوخان، فاشتغل بحربهم مدَّةً عَنِ السلطان خوارزم شاه فرجع إلى بلاد خراسان.
قلتُ: وكان هذا الوقت أوّل ظهور الطّاغية جنكزخان، وأوّل خروجه من أراضيهم إِلى نواحي التُرك وفرغانة. وأراضيهم براري من بلاد الصّين.
قَالَ الموفَّق عَبْد اللّطيف بْن يوسف في خبر التّتار: هُوَ حديث يأكل الأحاديث، وخبر يطوي الأخبار، وتاريخ يُنْسِي التّواريخ، ونازلة تُصَغِّر كُلَّ نازلة، وفادحة تطبق الأرض وتملؤها ما بين الطّول والعرض. وهذه الأمَّة [ص:19] لُغتهم مَشُوبة بلغة الهند؛ لأنّهم في جوارهم، وبينهم وبين تَنْكُت أربعة أشهر. وهم بالنّسبة إِلى التُرك عراض الوجوه، واسعو الصُّدور، خفاف الأعجاز، صِغار الأطراف، سُمر الألوان، سريعو الحركة في الجسم والرأي، تصل إليهم أخبار الأمم، ولا تصل أخبارهم إِلى الأمم، وقَلّما يقدر جاسوس أن يتمكنّ منهم؛ لأنَّ الغريب لا يتشبّه بهم، وإذا أرادوا جهةً كتموا أمرهم ونهضوا دفعةً واحدةً، فلا يعلم بهم أهل بلدٍ حتّى يدخلوه، ولا عسكر حتّى يخالطوه، فلهذا تفسد عَلَى النّاس وجوه الحِيَل، وتضيق طُرق الهرب، ويسبقون التّأهّب والاستعداد. ونساؤهم يقاتلن كرجالهم، وربّما كَانَ للمرأة رضيع فتعلّقه في عُنقها وترمي بالقوس. يَرِد عَلَى البلد منهم أوّلًا نفرٌ يسير حتّى يطمع فيهم أهله، فينشرون وراءهم حتّى يُبْعِدوا وذاك النّفر منهزمون بين أيديهم، ثمّ ينهالون عليهم كقِطَع اللّيل فيُعجلونهم عَنِ المدينة فيجعلونهم كالحصيد، ويدخلون المدينة فيقتلون النّساء والصّبيان بغير استثناء. وأمّا الرجال فربّما أبقوا منهم من كَانَ ذا صنعة أو لَهُ قوَّة في الخدمة.
قَالَ: والغالب عَلَى سلاحهم النشاب وكلهم يصنعه، ونصولهم قرون وحديد وعِظام، ويطعنون بالسّيوف أكثر ممّا يضربون بها. ولهم جواشن من جلود وخِفاف واقية. وخيلهم تأكل الكلأ رطبًا ويابسًا، وما وَجَدَتْ من ورق وخشب، وإذا نزلوا عنها أطلقوها. وسروجهم صغار خفاف لَيْسَ لها قيمة. وأكلهم لحم أيّ حيوان وُجِدَ وتمسّه النار تَحِلَّةَ القَسَم. وليس في قَتْلهم استثناء ولا إبقاء. وكأنَّ قصْدهم إفناء النّوع، وفعلوا ذَلِكَ بجميع خُراسان، ولم يسلم منهم إلا أصبهان وغَزْنة.
قَالَ: ويظهر من حالهم أنهم لا يقصدون المُلْك والمال بل إبادة العالم ليرجع يبابًا.
وقال غيره: هذه القبيلة الخبيثة تعرف بالتّمرجيّ سكّان البراري قاطع الصّين، ومَشْتاهم بموضع يُعرف بأرغُون. وهم طائفة مشهورة بالشّرّ والغدر. وسبب ظهورهم أنّ إقليم الصّين متَّسع مسيرة دورة ستَّة أشهر، ويقال: إنّه [ص:20] يحويه صور واحد لا ينقطع إلّا عند الجبال والأنهار. قلت: وهذا بعيد وهو ممكن. والصّين ستّ ممالك، ولهم ملك حاكم عَلَى الممالك الستة، وهو قانهم الأكبر المقيم بطمخاخ، وهو كالخليفة للمسلمين. وكان سلطان أحد الممالك السّتَّة وهو دوس خان قد تزوّج بعمَّة جنكزخان، فحضر زائرًا لعمّته وقد مات زوجها. وكان قد حضر مَعَ جنكزخان كشلوخان، فأعلمتهما أنّ المَلِك لم يخلّف ولدًا، وأشارت عَلَى ابن أخيها أن يقوم مقامه، فقام وانضمّ إِلَيْهِ خلق من المغول. ثمّ سَيّر التّقادم إلى الخان الكبير، فاستشاط غضباً، وأمر يقطع أذناب الخيل الّتي أهديت وطردها، وقتلَ الرُّسل، لكون التّتار لم يتقدّم لهم سابقة بتملّك، إنّما هم بادية الصّين. فلمّا سَمِعَ جنكزخان وصاحبه كشلوخان تحالفا عَلَى التّعاضد، وأظهرا الخلاف للخان، وأتتهما أُمم كثيرة من التّتار. وعلم الخان قوّتهم وشرّهم، فأرسل يؤانسهم، ويُظهر مَعَ ذَلِكَ أنّه يُنذرهم ويُهدّدهم، فلم يُغْن ذَلِكَ شيئًا، ثُمَّ قصدهم وقصدوه، فوقع بينهم ملحمة عظيمة، فكسروا الخان الأعظم أقبحَ كَسْرة، ونجا بنفسه، وملك جنكزخان بلادَهُ واستفحل شرّه. فراسله الخان بالمسالمة، ورضي بما بقي في يده من الممالك، فسالموه. واستمرّ المُلْك بين جنكزخان وكشلوخان عَلَى المشاركة. ثُمَّ سارا إِلى بلاد ساقون من نواحي الصّين فملكاها. فمات كشلوخان، فقام مقامه ولده، فاستضعفه جنكزخان ووقعت الوحشة، فطلب ابن كشلوخان قبالَق والمالق، فصالحه ملكها ممدود خان بْن أرسلان وملك كاشغر من التُرك، وقوي، وبَعُد صيته، فجَرَّد لحربه جنكزخان ولده دُوشي خان في عشرين ألفًا، فحاربه وظفر بِهِ دوشي خان. واستقلّ جنكزخان، ودانت له التتار وانقادت له، ووضع لهم قواعد يرجعون إليها، فالتزموا بها وأوجبوها عَلَى نفوسهم، بحيث إنّه مَنْ خالفَ شيئًا منها فقد ضَلّ ووجب قتلُه. واعتقدوا فيه وتألّهوه، وبالغوا [ص:21] في طاعته والتزام ياسته. ثُمَّ وقع مصافٌّ في بلاد التُّرك بين دوشي خان والسّلطان خُوارزم شاه محمّد، فانهزم دُوشي خان بعد أن أنكى في جيش محمّد. وعاد محمّد إلى بلاد سمرقند وهو في هَمٍّ وفِكْرٍ لما رأى من صبر التتار وقتالهم وكثرتهم. وستأتي أخبارهم فيما بعد عند ظهورهم عَلَى خُوارزم شاه، وأخذهم ممالكه سنة سبْع عشرة.(13/16)
-سنة سبع وستمائة
فيها عَصَى قُطْب الدّين سنجر النّاصريّ بتُسْتَر بعد موت طاشتكين أمير الحاجّ وهو حموه، فأرسل إِلَيْهِ الخليفة النّاصر عزّ الدّين نجاح الشّرابيّ، والوزير مؤيَّد الدّين القمّيّ نائب الوزارة، فلمّا قربوا من ششتر هرب سنجر بأمواله وأهله إِلى صاحب شيراز أتابك موسى، فحلف لَهُ أن لا يسلمه، ثُمَّ غدر بِهِ وأسره وأخذ أمواله وفسقَ بنسائه، ثُمَّ بعثَهُ مقيداً، فأدخل بغداد على بغل.
وفيها أظهر النّاصر لدين الله الإِجازة الّتي أُخذت لَهُ من الشّيوخ، وخَرَّجَ عنهم جزءًا أو خُرِّجَ لَهُ، وهو المسمَّى بـ " روح العارفين "، وأجازَهُ للأكابر، فكتبَ: " أجزْنا لهم ما سألوا عَلَى شرط الإِجازة الصّحيحة، وكتبَ العبد الفقير إِلى الله أَبُو العَبَّاس أَحْمَد أمير المؤمنين ". وسلمت إجازة الشافعية إِلى الإِمام ضياء الدّين عَبْد الوَهّاب بْن سُكَيْنَة المُتَوَفَّى في هذه السّنة، وإجازة الحنفيَّة إِلى ضياء الدّين أَحْمَد بْن مسعود التُركستانيّ، وإجازة الحنبليَّة إِلى عماد الدّين نصر بْن عَبْد الرّزّاق الجيليّ، وإجازة المالكيَّة إِلى تقيّ الدين علي بن جابر المغربي التاجر.
وفيها، قَالَ أَبُو المظفّر سِبط ابن الجوزيّ: خرجتُ من دمشق بِنيَّة الغزاة إِلى نابلس، وكان المَلِك المعظَّم بها، فجلستُ بجامع دمشق في ربيع [ص:22] الأوّل، فكان النّاس من مشهد زين العابدين إِلى بَاب النّاطفيّين، وكان القيام في الصَّحن أكثر، وحُزِروا بثلاثين ألفًا، وكان يومًا لم يُرَ بدمشق ولا بغيرها مثله. وكان قد اجتمع عندي شعور كثيرة من التّائبين، وكنتُ وقفت عَلَى حكاية أَبِي قُدامة الشَّاميّ مَعَ تِلْكَ المرأة التي قطعت شعرها وقالت: اجعلْه قَيدًا لفرسك في سبيل الله، فعملتُ من الّتي اجتمعت عندي شكلًا لخيل المجاهدين وكرفسارات، فأمرت بإحضارها على الأعناق، فكانت ثلاثمائة شكال، فلمّا رآها النّاس ضجّوا ضجَّةً عظيمة وقطعوا مثلها، وقامت القيامة، وكان المعتمد والي دمشق حاضرًا، وقامَ فجمعَ الأعيان. فلمّا نزلتُ من المنبر قام يطرق لي، ومشى بين يديَّ إِلى بَابُ النّاطفيّين، فتقدَّم إِلى فرسي فأمسكَ بركابي، وخرجنا من بَابُ الفرج إِلى المُصَلَّى، وجميع مَن كَانَ بالجامع بين يديَّ، وسرنا إِلى الكسوة ومعنا خلقٌ مثل التّراب، فكان من قرية زملكا فقط نحو ثلاثمائة رَجُل بالعُدد والسّلاح، ومن غيرها خلق خرجوا احتسابًا. وجئنا إِلى عَقَبة فِيق والوقت مخوف من الفرنج، فأتينا نابلس، وخرج المُعَظّم فالتقانا وفرح بنا، وجلستُ بجامع نابلس، وأحضرت الشّعور، فأخذها المعظم، وجعلها على وجهه وبكى، ولم أكن اجتمعت به قبل ذلك اليوم، فخدمنا وخرجنا نحو بلاد الفرنج، فأخربنا وهَدّمنا وأسرنا جماعةً، وقتلنا جماعةً، وعُدنا سالمين مَعَ المعظَّم إِلى الطُّور، فشرع المُعَظّم في عمارة حِصْنٍ عَلَيْهِ، وبناه إِلى آخر سنة ثمانٍ، فتكامل سورهُ، وبنى فيه مُدَّةً بعد ذلك، ولا نحصي ما غرم عليه.
وحَجَّ بالنّاس سيف الدّين عليّ بْن سُلَيْمَان بن جندر من أمراء حلب.
وفيها اتّفقت الملوك عَلَى المَلِك العادل، منهم: سلطان الروم، وصاحب المَوْصل، وصاحب إرْبِل، وصاحب حلب، وصاحب الجزيرة؛ اتّفقوا عَلَى مشاققة العادل، وأن تكون الخطبة بالسّلطنة لصاحب الروم خُسرو شاه بن قليج أرسلان، فأرسلوا إِلى الكُرْج بالخروج إِلى جهة خِلاط، وخرجَ كلٌّ منهم بعساكره إِلى طرف بلاده ليجتمع بصاحبه عَلَى قصد العادل، وكان هُوَ بحرَّان وعنده صِهرُه صاحب آمِد، فنزل الكُرج عَلَى خلاط مَعَ مقدَّمهم إيواني، [ص:23] وصاحبها يومئذ الأوحد ابن المَلِك العادل كما تقدمَّ، وأنّه أُسِر فأكرمه الأوحد، وطالع بذلك والده فطار فرحًا، وعلم بذلك الملوك المذكورون فتفرّقت آراؤهم وصالحوا العادل، واشترى إيواني نفسه بثمانين ألف دينار، وبألفَيْ أسيرٍ من المسلمين، وبتسليم إحدى وعشرين قلعة متاخمة لأعمال خِلاط كَانَ قد تَغَلَّب عليها، وبتزويج بنته لأخي الأوحد، وأن يكون الكُرج معه أبدًا سِلْمًا، فاستأذن الأوحد والده في ذَلِكَ، فأمضاه، وأطلقه وعاد إِلى مُلكه، وحمل بعض ما ذكرنا، وسومح بالباقي، فلمّا صارت خلاط للملك الأشرف تزوج بابنة إيواني.
وفيها كَانَ إملاك نور الدّين أرسلان شاه صاحب المَوْصل عَلَى ابنة العادل بقلعة دمشق على صداق ثلاثين ألف دينار، وكان العقد مَعَ وكيله، ثُمَّ ظهر أَنَّهُ قد مات بالموصل من أيّام، وقام ولده عزّ الدّين.
وفيها ظهرت عُمله بني السَّلار السّتَّة عشر ألف دينار عَلَى ابن الدُّخَيْنَة بعد طول مكثه في الحبس، وموت زوجته تحت الضَّرْب وعَصْرِه مَرّات وعَصْر بناته وابنه، وما قَرُّوا بشيء. وكان أكثر الذَّهَب مدفونًا تحته بسجن القلعة، وانكشف أمرها بأيسر حال من جهة منصور ابن السّلار، فإنّه بحثَ عنها بسبب أَنَّهُ حُبِسَ عليها، وجُمِعَ من المبلغ عشرة آلاف دينار ومائتين. ثُمَّ مات ابن الدُّخَيْنَة في الحبس، وصلب ميتاً بقيسارية الفرش.
وفيها شرع في بناء المصلى بظاهر دمشق، وعُملت أبواب الجامع من جهة بَاب البريد، وبني شاذروان الفوارة، وعمل بها المسجد، ورتب له إمام.
وفيها توجّه البال القُبرصيّ - لعنه الله - في مراكب من عَكّا، توجّه إِلى ساحل دِمياط وأرسى غربيّها، وطلع وسار في البرّ بجيوشه فكبس قرية نورة وسبى أهلها، ورَدَّ إِلى مراكبه. [ص:24]
وفيها نقصت دجلة نقصًا مُفرطًا، حتّى خاض النّاس دجلة فوق بغداد، وهذا أمر لم يُعهد مثله، قاله ابن الأثير.(13/21)
-سنة ثمان وستمائة
استُهلَّت والملك العادل مُخيّم عَلَى الطُّور، وابنه المعظم مباشر للعمارة.
وجاء الخبر من جهة طرابُلُس بأنّ الأخبار تتابعت إليها في البحر أنّ ابن عَبْد المؤمن كسر الفرنج بأرض طُلَيْطِلَة كسرةً عظيمة أباد فيها خلقاً منهم، ونازل طليطلة.
قَالَ أَبُو شامة: وفيها كانت زلزلة عظيمة هدمت أماكن بمصر والقاهرة وأبرجة ودُورًا بالكَرَك والشوبك، وهلك جماعة.
قَالَ: وفيها قَدِمَ رَسُولٌ من جلال الدّين حسن صاحب الألموت يخبر بأنهم قد تبرؤوا من الباطنيَّة، وبنوا المساجد والجوامع، وصاموا رمضان، فسر الخليفة بذلك.
وفيها أمر الخليفة بأن يُقرأ " مُسْنَد " الإمام أَحْمَد بمشهد موسى بْن جَعْفَر بحضرة صفيّ الدّين مُحَمَّد بْن سعد المُوسويّ بالإِجازة لَهُ من الناصر لدين الله.
وفيها نُهِبَ الرَّكْب العراقيّ، وكان أميرهم علاء الدِّين مُحَمَّد بْن ياقوت. وحجّ من الشّام الصّمصام إسْمَاعيل النَّجميّ بالنّاس، وفيهم ربيعة خاتون أخت العادل، فوثبت الإسماعيليَّة بمِنَى عَلَى ابن عمّ قَتادة أمير مكَّة، وكان يشبه قَتَادة، فظنّوه إياه فقتلوه عند الجمْرة، وثار عَبيد مكَّة وأوباشها، وصعدوا عَلَى جبل مِنى، وكَبّروا، ورموا النّاس بالمقاليع والنّشّاب، ونهبوا النّاس، وذلك يوم العيد وثانية، وقتلوا جماعة، فَقَالَ ابن أَبِي فراس لابن ياقوت: ارحل بنا، فلمّا حصلت الأثقال عَلَى الْجِمال حمل قتادة وعَبِيدة فأخذوا الركْب، وقَالَ قتادة: ما كَانَ المقصود إلا أنا، والله لا أبقيت من حجّ العراق أحدًا. وهربَ ابن ياقوت إِلى ركْب الشّاميّين، واستجار بربيعة خاتون، ومعه أمّ جلال الدّين صاحب [ص:25] الألموت، فأرسلت ربيعة إِلى قتادة رسالة مَعَ ابن السّلار تَقُولُ لَهُ: ما ذنْب النّاس، قد قتلت القاتل، وجعلت ذَلِكَ سببًا إِلى نهْب المسلمين، واستحللت دماءهم في الشّهر الحرام والحرم، وقد عرفت مَن نحن، والله لَئِنْ لم تنته لأفعلنّ وأصنعنّ. فجاء إِلَيْهِ ابن السّلار وخوّفه وقال: ارجع عَنْ هذا وإلا قصدك الخليفة من العراق ونحن من الشّام. فكَفَّ وطلب مائة ألف دينار، فجُمِعَ ثلاثون ألفًا من العراقيّين، وبقي النّاس حول مخيّم ربيعة بين قتيلٍ وجريح، وجائع ومنهوب، وقال قتادة: ما فعل هذا إلا الخليفة، ولئن عاد أحد حجّ من بغداد لأقتلنّ الجميع.
ويقال: إنّه أخذ من النّهب ما قيمته ألفا ألف دينار، وأذِن للنّاس في دخول مكَّة، فدخل الأصِحّاء، فطافوا أيّ طوافٍ، ورحلوا إِلى المدينة، ودخلوا بغداد عَلَى غايةٍ من الفقر والهوان، ولم ينتطح فيها عنزان.
وفيها قدِم أيدغمش صاحب همذان وأصبهان والرّيّ إِلى بغداد هاربًا من منكلي، وكان قد تمكّن من البلاد، وبعُد صِيته، وكثُرت جيوشه، وحاصر أبا بَكْر بْن البهلوان، فخرج عَلَيْهِ منكلي وهو من المماليك، ونازعه الأمرَ فكثُر جموعه. وكان يوم قدوم أيدغمش إِلى بغداد يومًا مشهودًا في الاحتفال، وأقام ببغداد سنتين.(13/24)
-سنة تسع وستمائة
قَالَ أَبُو شامة: فيها نكبة سامة الْجَبَليّ صاحب دار سامة الّتي صُيِّرت مدرسة الباذرائيَّة. وكان من الأمراء الكبار، وهو الذي قِيلَ عَنْهُ: إنّه سَلّم بيروت إِلى الفرنج.
وقال أَبُو المظفّر سِبْط الجوزيّ: اجتمع المَلِك العادل وأولاده بدِمياط، وكان سامة بالقاهرة قد استوحش منهم، واتّهموه بمكاتبة الظّاهر صاحب حلب، وحكى لي المعظَّم: أنّه وَجَد لَهُ كتبًا وأجوبة إِلَيْهِ، فخرج سامة [ص:26] من القاهرة كأنّه يتصيّد، ثُمَّ ساق إِلى الشّام بمماليكه، وطلبَ قِلاعه وهما: كوكب وعجلون، فأرسل والي بلبيس بطاقة إِلى العادل، فَقَالَ العادل: مَن ساق خلفه فله أمواله وقِلاعه. فركب المعظَّم وأنا معه، فَقَالَ لي: أَنَا ِأريد أن أسوق فسُق أنت مَعَ قماشي، وساقَ في ثمانيةٍ؛ إِلى غزَّة في ثلاثة أيّام، فسبقَ سامة. وأمّا سامة فانقطع عَنْهُ مماليكه ومن كَانَ معه، وبقي وحده وبه نِقْرس، فوصل الدّارومَ، فرآه بعض الصّيادين فعرفه، فَقَالَ لَهُ: انزِل. قَالَ: هذه ألف دينار وأَوصلني إِلى الشّام، فأخذها الصّيّاد، وجاء رفاقه فعرفوه أيضاً، فأخذوه على طريق الخليل ليحملوه إِلى عجلون، فدخلوا بِهِ. قَالَ: وأُنزل في صِهْيون، وبعث إِلَيْهِ المُعَظّم بثيابٍ ولاطَفَه وقال: أنت شيخ كبير وبك نِقْرس، وما يصلح لك قلعة، فَسَلِّم إليَّ عجلون وكوكب، وأنا أحلف لك عَلَى مالك وملكك، وتعيش بيننا مثل الوالد. فامتنع وشتم المُعَظَّم، فيئس منه وحبسه بالكَرَك، واستولى عَلَى قلاعه وأمواله، فكان قيمة ما أخذ له ألف ألف دينار، وخُرّبت قلعة كوكب إِلى الأرض عجزاً عن حفظها.
وفيها في المحرّم اصطلح المَلِك الظّاهر مَعَ عمّه العادل، وتزوّج بابنته، وكان العقْد بدمشق بوكيلين عَلَى خمسين ألف دينار، وهي ضيفة خاتون شقيقة المَلِك الكامل، ونثر النّثار عَلَى الشّهود والقرّاء، وبُعثت إِلى حلب في الحال. وكان جهازها على ثلاثمائة جمل، وخمسين بغلاً، ومعها مائتا جارية. فلمّا أُدخلت عَلَى الظّاهر مشى لها خُطوات، وقدم لها خمس عقود جوهر، قيمتها ثلاثمائة ألفٍ وخمسون ألف درهم، وأشياء نفيسة. وكان عرساً مشهوداً.
وفيها بعثَ الخليفة مَعَ الرَّكْب لقَتَادة صاحب مكَّة خلعاً ومالاً حتى لا يؤذي الركب.
وفيها استولى أَلْبان صاحب عكّا عَلَى أنطاكيَّة، وشَنَّ الغارات عَلَى التُّركمان، وشرَّدهم، فاجتمعوا لَهُ وأخذوا عَلَيْهِ المضايق، وحصل في وادٍ فقتلوه، وقتلوا جميع رجاله، قاله أَبُو شامه. وهو الّذي كَانَ قد هجم على فوة ونورة وقتل وسبى.
وفيها عزل العادل وزيره صفي الدين ابن شكر، وصادره ونفاه إلى الشرق.
وفيها كانت الوقعة المشهورة بوقعة العقاب بالأندلس بين مُحَمَّد بْن [ص:27] يعقوب بْن يوسف بْن عَبْد المؤمن الملقَّب بالنّاصر، وبين الفِرنج، ونصر الله الإِسلام، واستشهد بها خلق كثير.(13/25)
-سنة عشر وستمائة
قَالَ ابن الأثير في " كامله ": فيها عُمّرت مدينة عَلَى السّاحل باليمن، وسُمّيت الأحمدية، وأُخربت مرباط وظفار، خَرّبهما صاحبهما محمود بْن مُحَمَّد الحِمْيَريّ صاحب حضرموت. وكان مبدأ ملكه في سنة ستمائة، ومن شأنه أنّه كَانَ لَهُ مركب يُكرِيه للتّجار، ثُمَّ توصّل إِلى أنْ وَزَر لصاحب مرباط. وكان ذا كَرَمٍ وشجاعة. ثُمَّ ملك مرباط بعد موت صاحبها، فأحبّه أهلها لحُسن سِيرته. وبنى هذه المدينة وعندها عين عذبة كبيرة، ثُمَّ حصَّنها وحَفَر خندقها، وكان يحبّ المديح.
قَالَ أَبُو شامة: وفيها وصل الفيل إِلى دمشق ليحمل هدية إلى صاحب الكرج.
وفيها وُلد المَلِك العزيز مُحَمَّد بْن الظّاهر صاحب حلب.
وفيها قدم الملك الظافر خضر ابن السلطان صلاح الدّين من حلب ليحجّ، ورحل بالرَّكْب من بُصْرَى، فسلكوا طريق تَيْماء، فدخلوا المدينة وأحرم بالحجّ، فلمّا وصل إِلى بدر رُدَّ من الطّريق.
قَالَ أَبُو المظفَّر السِّبْط: كَانَ يعقوب ابن الخيّاط معه، فلمّا وصل إِلى بدر وَجَد عسكر الكامل ابن عمّه قد سبقه خوفًا عَلَى اليمن. فقالوا لَهُ: ترجع. فَقَالَ: قد بقي بيني وبين مكَّة مسافة يسيرة، والله ما قصْدي اليمن، فقيِّدوني واحتاطوا بي حتّى أحجّ وأرجع! فلم يلتفتوا إِلَيْهِ وردّوه، قَالَ يعقوب: ورجعت معه ولم أحج. [ص:28]
قَالَ أَبُو شامة: وحكى لي والدي، وكان قد حجّ معهم، قَالَ: شُقّ عَلَى النّاس ما جرى عَلَيْهِ، وأراد كثير منهم أن يقاتلوا الذين صدّوه عَنِ الحجّ، فنهاهم وفعلَ ما فعلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين صُدّ عَنِ البيت، فقَصَّر عَنْ شَعْره، وذبح ما تيسّر، ولبس ثيابه، ورجع وعيون الناس باكية، ولهم ضجيج لأجله.
وفيها حُفر خندق حلب، فظهر قِطَع ذَهَب وفضَّة، فكان الذَّهَب نحو عشرة أرطال صوريّ، والفضَّة بضعة وستّين رِطْلًا، وكان عَلَى هيئة اللبن.
قَالَ أَبُو شامة: فيها ورد الخبر بخلاص خُوارزم شاه من أسر التّتار وعَوده إِلى مُلكه، وذلك أَنَّهُ كَانَ منازلًا لطوائف من التّتار بعساكره، فخطرَ لَهُ أن يكشف أمورهم بنفسه، فسار ودخل عسكرهم في زِيّ التّتر هُوَ وثلاثة، فأنكروهم وقبضوا عليهم، وضربوا اثنين فماتا تحت الضَّرْب، ولم يقرّا ورَسَّموا عَلَى خوارزم شاه ورفيقه، فهربا في الليل.
وفي المحرَّم قُتِلَ أيدغمش صاحب هَمَذان والرّيّ. وكان قد قَدِمَ في سنة ثمانٍ فأنعموا عَلَيْهِ، وأعطاه الخليفة الكوسات، وجهّزه من بغداد إِلى هَمَذَان، فبيّته التُّركمان وقتلوه، وحملوا رأسه إِلى منكلي، فعظُم قتلُه عَلَى الخليفة. وتمكّن منكلي من الممالك، واستفحل أمره.
وفي ذي الحِجَّة وُلد المَلِك العزيز بحلب من ضيفة بنت العادل، قَالَ ابن واصل: فزُيّنت حلب، فصاغ لَهُ عشرة مهود من الذهب والفضة، ونسج للطفل ثلاث فرجيات من اللؤلؤ والياقوت، ودرعان، وخَوذتان، وبركسطوان من اللّؤلؤ، وغير ذَلِكَ، وثلاثة سروج مجوهرة، وثلاثة سيوف غلفها بالذهب والياقوت، ورماح إستها جوهر منظوم، وفرحوا بِهِ فرحًا زائدًا.(13/27)
بسم الله الرحمن الرحيم
- (الوفيات)(13/29)
-سنة إحدى وستمائة(13/29)
1 - أَحْمَد بْن سالم بْن أَبِي عَبْد اللَّه، أبو العَبَّاس المَقْدِسيّ المَرْدَاويّ الزَّاهد. [المتوفى: 601 هـ]
سَمِعَ من أَبِي طاهر السِّلَفِي، وعبد الله بْن بَرِّيّ.
سُئل الشّيخ الموفَّق عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ ذا دِين وورع وزهادة، وكان مُحَبَّبًا إِلى النّاس، كريمَ النّفس، كثير الضّيافة.
وقال الضّياء: كَانَ ثقةً، ديِّنًا، خَيِّرًا، جوادًا، كثيرَ الخير والصّلاة، وكان يحفظ كثيرًا من الأحاديث والفقه، وكان كثيرَ النّفع، قليلَ الشّر؛ لا يكاد أحد يصحبه إلا وينتفع به. توفي في المحرّم، وقبره بِزُرَع يُتبرَّك بِهِ، وعندهم مَنْ أخذته حُمَّى، فأَخَذ من ترابه وعلقَّه عَلَيْهِ، عُوفي بإذن الله. وكان مِن العاملين لله عَزَّ وجَلَّ. وهو والدُ شيخنا مُحَمَّد، وشيخُنا.
قلت: روى عَنْهُ الضّياء، ووصفه غيرُ واحد بالزُّهد والعبادة والمكاشفة. وعَمِلَ لَهُ الضّياء ترجمةً طويلة.(13/29)
2 - أَحْمَد بْن سُلَيْمَان بْن أَحْمَد بْن سلمان بْن أَبِي شَرِيك، المحدّث المفُيِدُ، أبو العباس الحربي المُقرئ الملقّب بالسُّكَّر. [المتوفى: 601 هـ]
وُلد سنة أربعين أو قبيلها. وقرأ القراءات على أبي الفضل أحمد بن محمد بن شُنَيْف، ويعقوب بْن يوسف الحَرْبِيّ، وبواسط عَلَى أبي الفتح نصر الله [ص:30] بن الكيّال، وابن الباقِلانيّ، وسَمِعَ من سعيد بْن أحمد ابن البَنَّاء وهو أكبرُ شيخٍ لَهُ، ومن أَبِي الفتح ابن البَطِّي، وظافر بْن معاوية الحَرْبِيّ، وأصحاب ابن بَيان، وأبي طالب بْن يوسف فأَكْثَرَ.
وكان عالِيَ الهمَّة، حريصًا عَلَى السَّماع والكتابة؛ رحل إِلى الشام وسَمِعَ بدمشقَ، والقدسِ، وبمكَّة.
قَالَ أَبُو عَبْد الله الدّبيثِيّ: كَانَ مُفِيدًا لأصحاب الحديث، خَرَّج مشيخةً لأهلِ الحربيَّة. وكان ثقة تلاءً للقرآن، ربما قرأ الختمة في رَكْعة أو رَكْعتين. سمعنا منه وسمِع منّا. وسألتُ يوسف بْن يعقوب الحَرْبيّ عَنْ سبب تلقيبه بالسُّكَّر، قَالَ: كَانَ صغيرًا فأحبه أَبُوهُ، وكان إذَا أقبل عَلَيْهِ وهو بين جماعةٍ أخذه، وضَمَّه إِلَيْهِ وقبّلَهُ، فكان يُلامُ في إفراط حُبّه لَهُ فيقول: هُوَ أحلى في قلبي من السُّكَّر، ويكرّر ذِكْر السُّكر، فلُقِّبَ بالسُّكّر.
وقال المُنذري: أقرأ، وحدّث بالشّام وبغداد. وكان مفيدًا لأصحاب الحديث. تُوُفّي في عاشر صفر.
قلت: روى عنه الدبيثي، والضياء، وابن خليل، وجماعة.(13/29)
3 - أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ بْن نفاذة، الأديب البارع، بدر الدّين السُّلَميّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 601 هـ]
شاعر محسن، روى عَنْهُ الشّهاب القُوصيُّ قصائد، وقال: تُوُفّي في المحرَّم، وكان رئيسًا، بارعَ الأدب، عاش ستّين سنة.
قلت: لَهُ ديوان موجود.(13/30)
4 - أحمد ابْن خطيب المَوْصِل، أبي الفضل عَبْد اللّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطُّوسيّ ثُمَّ المَوصِليّ، أَبُو طاهر. [المتوفى: 601 هـ][ص:31]
وُلد بالموصل سنة سبع عشرة وخمسمائة، وسمع من جدّه أَبِي نصر الطُّوسيّ، وأبي البركات مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن خميس، وببغداد من عبد الخالق بْن أَحْمَد اليوسُفيّ، وغيره.
وولي خَطَابة الموصل زمانًا هُوَ وأبوه وجدّه، وحدَّثوا، وحدّث أيضاً أخوه عبد المحسن، وعَمّاهُ عَبْد الرَّحْمَن، وعبد الوهَّاب.
وقد قَدِمَ الشامَ، وولي خَطابة حمص مُدَيْدَة، ورجع.
روى عنه يوسف بن خليل، والتقي اليلداني، وجماعة. وكان ينشئ الخطَبَ، وله شِعر جيّد وفضائل، وأجاز لابن أبي الخَيْر وغيرِه، وتُوُفّي سنة اثنتين، وقيل: سنة إحدى وستّمائة في جُمادي الآخرة.(13/30)
5 - أَحْمَد بْن عتيق بْن الحَسَن بن زياد بن جرج، أَبُو جَعْفَر البَلَنْسيّ الذّهبيّ، ويكنَّى أيضًا أبا العباس. [المتوفى: 601 هـ]
قال الأبار: أخذ القراءات عن أبي عبد الله بن حُمَيد، والعربيَّةَ والآدابَ عَنْ أَبِي مُحَمَّد عبدون، وسمع من أبي الحسن بْن النِّعمة، وغيره. ومَهَرَ في علم النَّظَر، وكان أحدَ الأذكياء؛ لَهُ غوص عَلَى الدّقائق. صَنَّف كتاب " الإعلام بفوائد مسلم " وكتاب " حُسْن العبارة في فضل الخلافة والإِمارة " وله " فتاوٍ " بديعة. واتّصل بالسّلطان، وأقرأ النّاس العربيَّة. وتُوُفّي في شوّال وله سبْعٌ وأربعون سنة.
قلتُ: وكانَ من علماء الطّبّ، ومات بِتِلْمسان.
وذكره تاجُ الدّين بْن حَمُّوَيْه، فَقَالَ: أَبُو جَعْفَر أَحْمَدُ بْن القَاسِم بْن [ص:32] مُحَمَّد بْن سعيد - كذا سمّاه - فقيه مُتْقن. كَانَ مُقدَّمًا عَلَى فقهاء الحضرة؛ لأنّهم في تِلْكَ البلاد يُميِّزون فقهاء الْجُند، فهم رؤساء ونقباء يُراجعونهم في مصالحهم، وإليهم القسمة والتّفرقة عليهم فيما يصل إليهم من وظائفهم، ولكلّ قومٍ منهم مَوْضِعٌ مقرَّر للجلوس بدار السّلطان، ولأكثرهم أرزاقٌ مقرّرة عَلَى بيت المال؛ إذ لا مدارسَ هناك ولا أوقاف إلا أوقاف المساجد. وكان هذا الفقيه حَسَنَ السّيرة مَعَ أصحابه، مشتغلًا بمنافعهم، كثيرَ المعارف، حَسَنَ الأخلاق، جالستُه كثيرًا. وله مشاركة في بعض الرياضيّ، ويُقرئ الطّبَّ والحساب.(13/31)
6 - أَحْمَد بْن عَليّ بْن مُحَمَّد بْن حَيّان، أَبُو العَبَّاس الأَسَديّ، الكوفيّ. [المتوفى: 601 هـ]
سَمِعَ أبا البركات عُمَر بْن إِبْرَاهيم العَلويّ، وأبا الحَسَن مُحَمَّد بْن غَبرة. روى عَنْهُ الدّبيثِيّ، وغيره. وتُوُفّي في رمضان.(13/32)
7 - أَحْمَد بْن عليّ بْن ثابت البغداديّ الأَزجيّ، الكاتب، أَبُو عَبْد الله الدُّنْبَانِيّ. [المتوفى: 601 هـ]
حَدَّث عَنْ أَبِي الفضل الأُرْمَويّ، ومات في شوال.(13/32)
8 - إِبْرَاهيم بْن سلامة بْن نصر المقدسيّ. [المتوفى: 601 هـ]
سَمِعَ أبا المعالي بْن صابر. روى عَنْهُ الحافظُ الضّياء، وقال: تزوُّج عَلَى زوجته، فَسُحِر واختلَّ عقله، وبقي يُريد يلقي نفسه في المصانع، وكان أهلُه لا يكادون يغفلون عنه، ثم غفلوا عنه فقتل نفسَه. قاتل الله مَنْ آذاه.
رُئيت لَهُ منامات حسنة.(13/32)
9 - أسعد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد، الفقيه أَبُو البركات البَلَدِيّ الحنبليّ ثُمَّ الشافعي. [المتوفى: 601 هـ][ص:33]
تفقّه عَلَى أَبِي يَعْلى مُحَمَّد بْن مُحَمَّد ابن الفرّاء، ثُمَّ تفقّه عَلَى أَبِي المحاسن يوسف بْن بُنْدار الشّافعيّ، وسمع من أَبِي الوقت، وسمع بدمشق من ابن عساكر. وتعانى الكتابةَ والتصرف، وكان أديباً بليغًا شاعرًا، متديّنًا.(13/32)
10 - أنجب بْن أَحْمَد بْن مكارم الأزَجِيّ، المعروف بابن الدَّجَاجِيّ، وبابن سَرْوَان. [المتوفى: 601 هـ]
حَدَّثَ عَنْ مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن صِرْما، وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى.
روى عَنْهُ ابن النَّجّار.(13/33)
11 - إلياس بْن جامع بْن عليّ، أَبُو الفضل الإِربلّيّ الشَّاهد المحدّث. [المتوفى: 601 هـ]
وُلِدَ سنة إحدى وخمسين. وارتحل إِلى بغداد سنة اثنتين وسبعين، وأقام بالنّظاميَّة وتفقّه. وسمع من شُهْدَة، وعيسى الدُّوشَابِيّ، وعبدِ الحقّ بْن يوسف، والأسعد بْن يلدرك، وَأَبِي العلاء مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن عقيل، وخلق كثير.
وكان وافرَ الهِمَّة، كثيرَ الكتابة، بارعًا في معرفة الشّروط، ثقة صدوقًا، لَهُ تخاريجُ مفيدة.
وروى الكثير بإربِل، وبها تُوُفّي في ربيع الآخر وله خمسون سنة.(13/33)
12 - بقاء بْن أَبِي شاكر بْن بقاء، أَبُو مُحَمَّد الحريميّ، ويُعرف بابن العُلِّيق بكسر لامِه. [المتوفى: 601 هـ]
سَمِعَ ابن البَطِّي، وجماعة.
قَالَ ابن نُقْطة: دَجّال؛ زوَّر ألفَ طبقة عَلَى عَبْد الوهَّاب الأنماطيّ وابن خيرون، وكَشَط أسماءً، وألحق اسمَه. وكان يُظهِر الزُّهدَ، فدخلتُ عَلَيْهِ وأنا صبيٌّ مَعَ أصحاب أَبِي، فأخرج مُشْطًا وقال: هذا مُشطُ فاطمة - عليها السّلامُ - [ص:34] وهذه محبرةُ أَحْمَد بْن حنبل. ولم يزل عَلَى كذبه حتّى أراحَ اللهُ منه في آخر السنة بطريق مكَّة.
وقال ابن النّجّار: كَانَ سيّئَ الحال في صباه، تزهّدَ وصَحِبَ الفقراء وانقطع، ونَفَق سوقه، وزاره الكبار، وأقبلت عَلَيْهِ الدّنيا، وبنى رِباطًا، وكثُر أتباعه. وَقَعَ بإجازات فيها قاضي المارستان وطبقته، فكَشَطَ فيها وأثبت في الكشط اسمه، ورماها في زيتٍ فاختفى الكشط، وبعث بها إِلى ابن الجوزيّ وعبد الرّزّاق، فنقلاها لَهُ ولم يَفْهما، ثُمَّ أخفى أصلَ ذَلِكَ، وأظهر النّقل فسمع بها الطّلبة اعتمادًا عليهما. وقد ألحق اسمَه في أكثر من ألفِ جزء. بيعت كتبُه فاشتريتُها كلَّها، فلقد رأيتُ مِن تزويره ما لم يبلغه كَذَّاب، فلا تَحِلّ الرواية عَنْهُ.
ثُمَّ طَوَّل ابنُ النّجّار ترجمتَه وهتكَه. مات في عَشْر السّبعين. وذكر أَنَّهُ كَانَ يُظهر الصّومَ للأتراك، ويمدّ لهم كِسَرًا وطعامًا خشنًا، فإذا خرجوا أغلق الباب، وأكل الطّيّباتِ.(13/33)
13 - بوزبا الأمير أَبُو سعيد التَّقَويّ، مملوك تقيّ الدّين عُمَر [المتوفى: 601 هـ]
صاحب حماة.
كَانَ من جُملة العسكر الّذين دخلوا المغرب، وخدموا مع السلطان ابن عَبْد المؤمن. جاء الخبرُ في هذا العام بأنه مات غريقاً.(13/34)
14 - ثابت بْن أَحْمَد، أَبُو البركات الحربيّ، المعروف بابن القاضي. [المتوفى: 601 هـ]
سَمِعَ أبا القَاسِم ابن السَّمَرْقَنْديّ، وغيره.
قَالَ ابن الدّبيِثيّ: تركه النّاس لتزويره السّماعات، ولم أسمع منه شيئًا، وتُوُفّي في ربيع الأول.(13/34)
15 - الحَسَن بْنُ الحَسَن بْن عليّ، الفقيه الأجَلّ مجد الدّين أَبُو المجد الأنصاريّ الدّمشقيّ، الشّافعيّ النحاس، [المتوفى: 601 هـ]
المنسوب إليه حمام النحاس بطريق الصّالحية.
سَمِعَ أبا المظَّفرِ الفلكيّ، وأبا طاهر السِّلَفيّ، وابن عساكر. وتفقّه عَلَى [ص:35] أَبِي سَعْد بْن (أَبِي) عصرون. روى عَنْهُ الشّهابُ القُوصيّ، وغيرُه. وتُوُفّي فِي الثالث والعشرين من جُمادي الآخرة.
وهو والدُ العماد عَبْد الله الأصمّ.(13/34)
16 - الحَسَن بنُ مُحَمَّد بْن عُبدُوس، الأديب أَبُو عَليّ الواسطيّ الشّاعر، [المتوفى: 601 هـ]
نزيل بغداد.
نَحْويٌّ فاضل، لُغَويّ، لَهُ شِعر جيِّد، مَدَحَ الكبار، وتوفي في صفر.(13/35)
17 - الخَضِرُ بْن عَبْد الجبّار بْن جُمعة بْن عُمَر، أَبُو القَاسِم التّميميّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 601 هـ]
سَمِعَ أبا العشائر محمدَ بْنَ خليل. أخذ عَنْهُ ابنُ الأنماطيّ، والتاجُ مُحَمَّد بْن أَبِي جَعْفَر، وابنُ نسيم، وجماعةٌ " جزءَ " ابن أَبِي ثابت. وكان يُلقّب بالمُهَذَّب.
تُوُفّي فِي جُمادي الآخرة وله ستُّ وستّون سنة.(13/35)
18 - ذاكر الله بْن إِبْرَاهيم بْن مُحَمَّد، أَبُو الفَرَج الحَرْبِي، القارئ، المُذَكِّر، المعروف بابن البَرْنِيّ. [المتوفى: 601 هـ]
سمع أبا الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن أَبِي يَعْلَى الفَرّاء، وعبد الرحمن بن علي بن الأشقر. روى عنه الدُّبيثِيّ، والضّياء، وابن خليل. وأجاز لأحمد بْن أبي الخير، وغيره.
وهو أخو المظفر ابن البرني.
توفي في ثامن عشر صفر.(13/35)
19 - رضوان بن محمد بن محفوظ بن الحَسَن ابن الرئيس القَاسِم ابن الفضل الثّقفيّ الأصبهانيّ، أَبُو شجاع. [المتوفى: 601 هـ][ص:36]
وُلِد سنة ست وعشرين وخمسمائة، وسمع زاهراً الشَّحّاميّ، وابن أَبِي ذَر الصَّالْحانيّ.
روى عَنْهُ الضّياء، وابنُ خليل، وغيرهما. وأجاز لابن أَبِي الخَيْر، ولابن أَبِي عُمَر، وللفخر عليّ، ولعمر بْن أَبِي عصرون، وعدَّة.
قرأت وفاتَه بخطّ شيخنا ابن الظاهري: سنة إحدى وستمائة.(13/35)
20 - ضياءُ بنُ صالح بْن كامل بْن أَبِي غالب، أَبُو المظفَّر البغداديّ الخَفّاف، [المتوفى: 601 هـ]
ابن أخي المُفِيد المبارك بْن كامل.
أجاز لَهُ أَبُو مُحَمَّد سِبط الخيّاط، وأَبُو منصور بْن خيرون، وجماعة. وسكن دمشق، وقد ورد بغداد تاجرًا سنةَ سبْعٍ وتسعين، وحدَّث ورجع، وبدمشق تُوُفّي.(13/36)
21 - عائشة، وتدعى: فَرْحةَ، بنت أَبِي طاهر عَبْد الجبّار بْن هِبة الله ابن البُنْدار. [المتوفى: 601 هـ]
من بيت حديث ورواية. روت عن أحمد بن علي ابن الأشقر. وهي زوجة مُحَمَّد بْن مَشِّق المحدّث.(13/36)
22 - عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن سالم، أَبُو مُحَمَّد البَلَنْسِيّ، المؤدِّب، الزّاهد. [المتوفى: 601 هـ]
قرأ القراءات وأدب بالقرآن، وسمع من أبي الحسن ابن النّعمة، وتُوُفّي يومَ الفِطْر، وشَيَّعه الخَلْقُ.(13/36)
23 - عَبْد الله بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أيّوب بْن عَلي، أَبُو مُحَمَّد الحَرْبِيّ، البَقَليّ، الفَلاح البُسْتَنْبان، وهو الناطور. [المتوفى: 601 هـ][ص:37]
شيخ مُسْنِد مُعَمَّر، تفرّد بالسّماع من أَبِي العز بن كادش، وسمع من أَبِي القَاسِم بْن الحُصَيْن. روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وابن خليل، والضياء، والنجيب عبد اللطيف، وآخرون. وبالإجازة ابن أٌبي الخير، والفخر ابن البُخاريّ.
وتُوُفّي في ربيع الأوّل عَنْ سبْعٍ وثمانين سنة.(13/36)
24 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن أَحْمَد بْن حَجّاج، أَبُو الحَكَم اللخمي الإشبيلي، الخطيب. [المتوفى: 601 هـ]
قال الأبار: روى عَنْ جدّه أَبِي الحَكَم عَمْرو، وأبي مروان الباجي، وأبي الحَسَن شُرَيْح بْن مُحَمَّد، وخطب بإشبيلية مدَّة، ثُمَّ استُعفي وانقبض عَنِ النّاس. وله حَظّ من النّظْم. أخذ عَنْهُ أَبُو القَاسِم الملاحيّ، وأَبُو الحَسَن بْن خيرة، وأَبُو القاسم ابن الطَّيلسان. وتُوُفّي في صفر وله تسعٌ وسبعون.
قرأ عليه القراءات أبو إسحاق بن وثيق، عَنْ جدّه، عَنْ شُرَيح.(13/37)
25 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حامد عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حامد عليّ، أَبُو القَاسِم الحَرْبِيّ البَيِّع، المعروف بابن عَصِيَّة. [المتوفى: 601 هـ]
سَمِعَ قاضيّ المارستان، وأبا منصور القزاز، ويحيى ابن الطّرّاح، وأبا منصور بنَ خيرون، وعبدَ الله بْن أَحْمَد بْن يوسف، وأحمد بْن مُحَمَّد الزَّوْزَنيّ، وعبدَ الوَهَّاب الأنماطِيّ، وطائفة. روى عَنْهُ الدّبيثِي، وابنُ خليل، والنّجيبُ عبدُ اللّطيف، وجماعة. وأجاز لابن أَبِي الخَيْر، وللفخر عليّ، وللشّيخ شمس الدين عبد الرحمن، وللكمال عبد الرحيم.
وتُوُفّي في سادس عشر جُمادي الأولى عَنْ بضع وسبعين سنة.
وأولاده أَبُو حامد، وأَبُو جَعْفَر، وأَبُو بَكْر، وأَبو نصر؛ قد سمعوا.(13/37)
26 - عَبْدُ الرَّحْيمَ بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن حمّوَيْه، أَبُو إسْمَاعيل الأصبهانيّ [المتوفى: 601 هـ]
نزيل همذان.
ولد سنة أربع عشرة وخمسمائة، وروى " المعجم الكبير " حضورًا عَنْ أَبِي نَهْشَل عَبْد الصّمد العَنْبَرِيّ، عَنِ ابن رِيذَة. روى عَنْهُ الحافظُ الضّياء، وقال فيه: الرجلُ الصّالحُ، نزيل هَمَذان، تفرّد بعدَّة شيوخ. وتُوُفّي في ذي القعدة.
قلتُ: وأجاز للشّيخ شمسِ الدّين، والفخر علي، والكمال عبد الرحيم، وأحمد بن شيبان. وأضَرَّ في آخر عمره، وأصَمَّ، فَصَعُب الأخذُ عَنْهُ.(13/38)
27 - عَبْدُ العزيز بْن وهْب بْن سلمان بن أحمد ابن الزنف، [المتوفى: 601 هـ]
أخو محمد ابن الفقيه الإمام أبي القاسم الدمشقي.
سمعه أبوه من عليّ بنِ عساكر المقدسيّ الخَشّاب، وغيره.
وهو أخو أَحْمَد ومحمد.
روى عَنْهُ ابنُ خليل، وغيره، وتُوُفّي في ذي القعدة.(13/38)
28 - عَبْدُ اللّطيف ابن القاضي أَبِي الحُسَيْن هِبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الحديد، الفقيه أَبُو مُحَمَّد المدائنيّ الشّافعيّ الأديب المتكلّم. [المتوفى: 601 هـ]
كَانَ أَبُوه قاضي المدائن وخطيبَها.
تُوُفّي في ربيع الأوّل.
وهو أخو مُحَمَّد.(13/38)
29 - عَبْد المنعم بن علي بن نصر ابن الصَّيْقَل، أَبُو مُحَمَّد الحَرّانيّ الفقيه الواعظ. [المتوفى: 601 هـ]
تفقَّه ببغداد عَلَى أَبِي الفتح نصر ابن المَنِّي، وسَمِعَ من ابن شاتيل، وجماعة، وحَدَّث، ووعظ. وهو والدُ النّجيب عَبْد اللّطيف.
تُوُفّي في ربيع الأول. [ص:39]
روى عَنْهُ ابنُ النّجّار، وقال: كَانَ ثقة متحرّيًا، نَزِهًا، متواضعًا، لطيفَ الطَّبع.(13/38)
30 - عبدُ الواحد بْن معالي بنِ غَنِيمَة بْن مَنِينَا، أَبُو أحمد البقال. [المتوفى: 601 هـ]
بغدادي، قليل الروية. روى عَنْ أَبِي البدر الكرْخيّ مشيختَه.(13/39)
31 - عَبْدُ الوهَّاب بْن هِبة الله بْن محمود بْن ليث، مُهَذَّب الدّين أَبُو مُحَمَّد الكَفْرطابيّ، الْجَلاليّ؛ [المتوفى: 601 هـ]
نسبة إِلى الصّاحب جلال الدّين.
وُلِدَ سنةَ ثلاث أو أربع أو خمس وعشرين وخمسمائة، وأجاز لَهُ أَبُو العزّ بنُ كادش، وأَبُو القاسم بن الحصين، وأبو غالب ابن البنّاءِ، وآخرون. وروى بدمشق عنهم.
سَمِعَ منه الشّهاب القُوصيّ وذكر أنّه بَزّاز، وتُوُفّي في المحرّم. وروى عَنْهُ أيضًا التّقيّ اليَلْدانيّ. وأجاز للشيخ شمس الدين ابن أَبِي عُمَر، وللفخر عليّ.(13/39)
32 - عُبَيْد الله بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عُبَيْد الله، أَبُو مروان ابن الصَّيْقَل الأنصاريّ القُرطبيّ. [المتوفى: 601 هـ]
قَالَ الأبّار: أخذ القراءاتِ عَنْ أَبِي القَاسِم بْن رضا، ومحمد بْن عليّ الأزْدي الأفطس. وسَمِعَ الحديثَ من أَبِي مُحَمَّد عَتّاب. وصحبَ أبا مروان ابن مَسَرَّة وأكثر عَنْهُ. وعَلَّمَ بالقرآن، فرَأس في ذَلِكَ، وطال عُمُرُهُ، فقرأ عَلَيْهِ الأجدادُ والآباءُ والأبناءُ. وكان من أهل الزّهد والتّواضع والصّلاح. ذكره ابن [ص:40] الطّيْلَسان، وقال: تُوُفّي وقد راهق المائة سنةَ إحدى وستمائة.
في سماعه مِن ابن عتّاب عندي نظر، وإذا صحّ، فهو آخِرُ مَنْ حَدَّث عَنْهُ؛ قَالَه الأبّار.(13/39)
33 - عَسْكر بْن حَمائِل بْن جُهَيْم، أَبُو الجيوش الخَوْلانيّ الدَّارانيّ. [المتوفى: 601 هـ]
حدّث عَنْ أَبِي القاسم ابن عساكر. سَمِعَ منه العماد عَليّ بن القاسم بن عساكر، وغيره في هذه السنة.(13/40)
34 - عليّ بن محمد بن فرحون القيسي القُرطبيّ. [المتوفى: 601 هـ]
قَالَ الأبّار: حجَّ وسَمِعَ من السِّلَفيّ وغيره. ونزل مدينة فاس، وكان زاهدًا صالحًا فاضلًا، عَلَّم بالفرائض والحساب، ثُمَّ حَجّ وجاور إِلى أن مات.(13/40)
35 - عليّ بْن مُحَمَّد بْن خِيَار، أَبُو الحَسَن البَلَنْسِيُّ الأصلِ الفاسِيُّ الفقيهُ. [المتوفى: 601 هـ]
تفقه على أبي عبد الله ابن الرمامة، ولازمه مدة، وسمع أبا الحسن ابن حُنين، وأبا القَاسِم بْن بَشْكُوال.
وكان فقيهًا مشاوَرًا، تاركًا للتّقليد، مائلًا إِلى الاجتهاد. عاش نَيِّفًا وستّين سنة. حَدّثَ في هذا العام.(13/40)
36 - عليّ بْن الحَسَن بْن عَنْتَر، الأديب أَبُو الحَسَن النَّحْويّ، اللُّغَويّ، الشّاعر المعروف بشُمَيْم الحِلِّيّ. [المتوفى: 601 هـ]
قدم بغداد، وتأدب بها على أبي محمد ابن الخشّاب، وغيره. وحفظ كثيرًا من أشعار العرب، وأحْكَم اللّغة والعربيَّة، وقال الشِّعرَ الجيّد إلّا أنّ حُمْقَه أخَّره. وجَمع مِن شِعره كتابًا سمّاه " الحماسة ".
وقد ورد الشّام، ومدح جماعةً من أمرائها، وأقام بالمَوْصِلِ. وقيل: إنّه قرأ عَلَى ملك النُّحاة أَبِي نِزار.
قرأتُ بخطّ مُحَمَّد بْن عَبْد الجليل المُوقَانيّ: قَالَ بعض العلماء: وردت [ص:41] إِلى آمِدَ سنة أربعٍ وتسعين فرأيتُ أهلها مُطْبقين عَلَى وصف هذا الشّيخ، فقصدتُه إِلى مسجد الخَضِرِ، ودخلتُ عَلَيْهِ، فوجدت شيخًا كبيرًا قَضِيف الجسم في حُجرة من المسجد، وبين يديه جمدان مملوء كتبًا من تصانيفه، فسلّمتُ عليه وجلست، فَقَالَ: مِن أين أنت؟ قلت: من بغداد. فهشّ بي، وأقبل يسألني عنها، وأُخبرُه، ثُمَّ قلت: إنّما جئت لأقتبِسَ مِن علومك شيئًا. فَقَالَ: وأيُّ عِلمٍ تُحِبُّ؟ قلتُ: الأدب. قَالَ: إنّ تصانيفي في الأدب كثيرة؛ وذاك أنّ الأوائل جمعوا أقوالَ غيرهم وبَوَّبُوها، وأنا فكلُّ ما عندي من نتائج أفكاري، فإنّني قد عملت كتاب " الحماسة "، وأبو تمام جمع أشعار العرب في " حماسته "، وأنا فعلمت حماسة من أشعاري، ثم سب أبا تمّام، وقال: رأيتُ النّاس مُجمعين عَلَى استحسان كتاب أَبِي نُواس في وصف الخمر، فعملتُ كتاب " الخمريّات " من شِعري، لو عاش أَبُو نواس، لاستحيى أن يذكر شِعره، ورأيتهم مُجمعين عَلَى خُطَب ابنِ نُباتة، فصنّفت خُطبًا لَيْسَ للنّاس اليوم اشتغالٌ إلا بها. وجعل يُزري عَلَى المتقدّمين، ويَصفُ نفسه ويجهِّلُ الأوائل، ويقول: ذاك الكلب. قلت: فأنشدني شيئاً. فأنشدني من " الخمريات " لَهُ، فاستحسنت ذَلِكَ، فغضب وقال: ويلك ما عندك غيرَ الاستحسانَ؟ فقلت: فَما أصنعُ يا مولانا؟ قَالَ: تصنع هكذا، ثُمَّ قام يرقُص ويصفِّقُ إِلى أن تَعبَ. ثُمَّ جلس وهو يَقُولُ: ما أصنع ببهائمَ لا يفرّقون بين الدّرّ والبعر! فاعتذرت إِلَيْهِ، وأنشدني شيئًا آخر. وسألته عَنْ أَبِي العلاء المعرِّيّ، فنهرني، وقال: ويلك كم تسيء الأدب بين يديَّ، ومِنْ ذَلِكَ الكلب الأعمى حتّى يُذكرَ في مجلسي! [ص:42] قلتُ: فَما أراك ترضى عَنْ أحد. قَالَ: كيف أرضى عنهم وليس لهم ما يُرضيني! قلت: فَما فيهم مَنْ لَهُ ما يُرضيك؟ قَالَ: لا أعلم إلا أن يكون المتنبّي في مديحه خاصَّة، وابنُ نُباتة في خُطَبه، وابنُ الحريريّ في مقاماته. قلت: عجب إذ لم تُصَنِّف مقاماتٍ تَدْحَضُ مقاماتِه! قَالَ: يا بُنَيّ، اعلم أنّ الرجوعَ إِلى الحقّ خيرٌ من التّمادي في الباطل، عملتُ مقاماتٍ مرّتين فلم ترضني، فغسلتها، وما أعلم أنّ الله خلقني إلّا لأُظهرَ فضلَ ابن الحريريّ. ثُمَّ شَطَح في الكلام وقال: لَيْسَ في الوجود إلا خالقان: واحد في السّماء، وواحد في الأرض؛ فالّذي في السّماء هُوَ الله تَعَالَى، وَالَّذِي في الأرض أَنَا. ثُمَّ التفت إلي وَقَالَ: هَذَا لا يحتمله العامة لكونهم لا يَفهَمونه، أَنَا لا أقدِر عَلَى خلق شيءٍ إلا خلق الكلام. فقلتُ: يا مولانا أَنَا مُحَدِّث، وإنْ لم يكن في المحدث جراءة مات بغيظه، وأحب أن أسألك عن شيء، فتبسم وقال: ما أراك تسأل إلا عن معضلة، هاتِ. قلت: لِمَ سُمّيت بشُمَيْم؟ فشتمني وضَحِكَ، وقال: اعلم أنّني بقيت مدَّةً لا آكل إلا الطين، قصداً لتنشيف الرطوبة وحِدَّة الحفْظ، فكنت أبقي مدة لا أتغوط ثُمَّ يجيء كالبندقة من الطين، فكنت آخذه وأقول لمن أنبسط إِلَيْهِ: شُمَّه فإنّه لا رائحةَ لَهُ، فَلُقِّبتُ بذلك، أرضيتَ يا ابن الفاعلة!
تُوُفّي شُمَيْم بالمَوْصِلِ في ربيع الآخر عَنْ سنٍّ عالية.
قَالَ ابن النّجّار: كان أدبياً مبرزاً في عِلم اللّغة والنَّحو، وله مصنّفات وأنشاد وخُطَبٌ ومقامات، ونثرٌ ونظم كثير، لكنّه كَانَ أحمقَ، قليلَ الدّين، رقيعًا، يستهزئُ بالنّاس، لا يعتقدُ أنّ في الدّنيا مثلَه، ولا كَانَ ولا يكون أبداً. إلى أن قَالَ: وأدركه الأجلُ بالموصل عَنْ تسعين سنة أو ما قارَبَها.
ويُحكى عَنْهُ فسادُ عقيدةٍ؛ سَمِعْتُ أبا القَاسِم ابن العديم يحكي عَنْ مُحَمَّد بْن يوسف الحنفيّ قَالَ: كَانَ الشُّمَيْم يبقى أيّامًا لا يأكل إلا الترابَ، فكان رجيعُه يابسًا لَيْسَ [ص:43] بمُنتِن، فيجعله في جيبه، فمن دخل إِلَيْهِ يشمه إياه ويقول: قد تجوهرت.
ومن نظم شميم:
كنت حراً فمذ تَمَلَّكْتَ رِقِّي ... باصْطِنَاعِ المَعْرُوفِ أصْبَحْتُ عَبْدَا
أشْهَدت أنعم علي لك الأعـ ... ضاء مِنِّي فَمَا أُحَاوِل جَحْدَا
وجَدِيرٌ بأنْ يُحَقّقَ ظن الـ ... جود فيه مَنْ لِلنَّوَالِ تَصَدَّى
ومن تواليفه: " متنزَّه القلوب في التّصاحيف "، " شرح المقامات "، " الحماسة "، " الخُطَب "، " أنس الجليس في التّجنيس "، " أنواع الرقاع في الأسجاع "، " المرازي في التّعازي "، " الأماني في التّهاني "، " معاياة العقل في معاناة النّقل "، " المهتصر في شرح المختصر "، " كتاب اللّزوم " مجلّدان، " مناقب الحِكم في مثالب الأمم " مجلّدان. ثُمَّ سَمَّى عدَّة تصانيف لَهُ، ثُمَّ قَالَ: مات في ربيع الأوّل سنة إحدى وستّمائة.
وذكره ابن المستوفي في " تاريخه " ورماه بالحمق الزّائد، وأنّه كَانَ إذَا أنشد بيتًا من نظْمه، سَجَدَ. وكان يسخر بالعلماء، ويستهزئ بمعجزات الأنبياء ولا يعظِّم الشرع، ولا يصلّي، عارضَ القرآن المجيد فكان إذا أورده تَعَوَّذ ومسِح وجهه ثُمَّ قرأ. وقال: سألني النّصارى كتْمان قراءتي كيلا أُفسدَ عليهم دينهم. ثُمَّ أورد ابن المستوفي ألفاظًا، وأورد من شِعره أشياء فيها الجيّد والغثّ، وطَوَّل.(13/40)
37 - عليّ بْن الخضر بن حسن، أبو الحسين ابن المجرّيّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 601 هـ]
سَمِعَ من السِّلَفِيّ، وحدّث؛ كتب عَنْهُ القَفْصيّ، وغيره.
وقال الضّياء: تُوُفّي في ذي القعدة.(13/43)
38 - عَلي بْن عَقِيل بْن عليّ بْن هبة اللَّه بْن الْحَسَن بن علي، الفقيه أبو الحسن ابن الحبوبي الثعلبي، الدمشقي المعدل. [المتوفى: 601 هـ][ص:44]
ولد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة، وحدث عن أبي المكارم عبد الواحد بن هلال، وأبي المظفر الفلكي، وأبي المعالي محمد ابن الموازينيّ.
روى عَنْهُ الشّهاب القُوصيّ، وقال: كَانَ كثير الفضل، ظريف الشكل، درس بالأمينية، وأم بمشهد عليّ، لقبُه: ضياء الدّين.
وروى عَنْهُ ابنُ خليل، وأجاز لابن أَبِي الخير.
تُوُفّي فِي رجب.(13/43)
39 - عليّ بْن عليّ بْن الحَسَن بن رزبهان بن باكير، أَبُو المظفَّر الفارسيّ، ثُمَّ البغداديّ المَرَاتبيّ، الوزير. [المتوفى: 601 هـ]
سمع أبا القاسم إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْدي. روى عَنْهُ الدّبيثيّ، والضّياءُ، وغيرُهما.
وكان رئيسًا جليلًا كاتبًا ذا رأيٍ وشهامة، وَلي الوزارة سنة خمسين وخمسمائة للسلطان سليمان شاه ابن مُحَمَّد السَّلجوقيّ إذ غَلَب عَلَى بغداد.
تُوُفّي في ذي الحجة وله ست وثمانون سنة.
وكان صبوراً عاقلاً، شيعياً، افتقر في الآخر واحتاج.(13/44)
40 - عليّ بْنُ المبارك بْن أَحْمَد، أَبُو الحَسَن البغداديّ، المقرئ، المعروف بابن المؤذّن. [المتوفى: 601 هـ]
حَدّثَ عَنْ قاضي المارستان، وأبي سَعْد البغداديّ. روى عَنْهُ الدّبيثِي، وقال: وُلِد سنة ستّ عشرة وخمسمائة.
وتُوُفّي في ربيع الأوّل.
وأجاز لابن البُخَاريّ.(13/44)
41 - عِمرانُ بنُ منصور بْن عِمران، أَبُو نُعَيم الواسطي ابن الباقِلانيّ. [المتوفى: 601 هـ]
أخو مقرئ العراق عبدِ الله.
شيخ مسند له إجازة من أبي القاسم ابن الحصين، وأبي غالب ابن البَنّاء. وسَمِعَ بواسط من أَبِي الكَرَم نصر اللَّه بْن مُحَمَّد ابن الْجَلَخْت، وأبي الحَسَن عليّ بْن مُحَمَّد بْن هِبة اللّه بْن عَبْد السّلام الكاتب، وسَعْد بْن عَبْد الكريم [ص:45] الغَنْدَجانيّ، وأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَلِيّ الجلابيّ.
روى عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، وقال: تُوُفّي بواسط.
أجاز للشّيخ شمسِ الدّين عبدِ الرَّحْمَن، والفخر عليّ.(13/44)
42 - عُمَر بْن أَحْمَد بن عمر بن سالم ابن الدُّردانة. [المتوفى: 601 هـ]
بغداديّ صالح عابد مقرئ، من أهل الحربيَّة، روى عَنْ أَبِي الفتح ابن البَطِّيّ، وغيره. روى عَنْهُ الحافظُ الضّياء، وغيره، وأجاز لشمسِ الدّين عَبْد الرَّحْمَن، وللفخر عليّ، وإسماعيل العسقلانيّ، وتُوُفّي في رمضان.
قَالَ الضّياء: لم أر ببغداد أحسن صلاة منه.(13/45)
• - فرحة بنت عَبْد الجبّار بْن هِبة الله ابن البُندار، أمّ الحياء. هي عائشة. [المتوفى: 601 هـ]
مَرَّت.(13/45)
43 - كرجي، الأمير علم الدين الأسدي. [المتوفى: 601 هـ]
ورخه أبو شامة.(13/45)
44 - مُحَمَّد بْن أَبِي المظفّر أَحْمَد بْن يَحْيَى بن عبد الباقي ابن شُقْران، أَبُو تمّام القُرشيّ الزُّهْرِي البغداديّ، البزّاز. [المتوفى: 601 هـ]
سَمِعَ مِن والده، وَمِن أَبِي الوقت وهو من بيت الحديث والرواية.(13/45)
45 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن، أَبُو القَاسِم التُجِيبيّ المُرسيّ. [المتوفى: 601 هـ]
سَمِع من أَبِيهِ، وأبي عَبْد اللَّه بْن سعادة، وأبي بَكْر بْن أَبِي ليلى، وجماعة. ولازمَ القاضيَ أبا الوليد بْن رُشْد.
ولي قضاء دانية. وتُوُفّي كهلًا. وكان أديبًا شاعرًا.(13/45)
46 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مروان، القاضي أَبُو عَبْد الله الهَمْدانيّ الوَهْرانيّ. [المتوفى: 601 هـ]
ولي قضاء تِلِمْسان، ثُمَّ ولي قضاء الجماعة بِمَرّاكُش بعد أَبِي جَعْفَر بْن مَضَاء، ثم عزل، ثم أعيد بعد عَزْل أَبِي القَاسِم بْن بِقيّ، وكان محمودَ السّيرة، شديدَ الهيبة، سريعَ الفصلِ، موصوفًا بالعدل، ذا تُؤدة وسُؤْدُدٍ.
ذكره أَبُو عَبْد الله الأبار، فقال: توفي سنة إحدى وستمائة، وصلى عليه الإمام الناصر ابن المنصور.(13/46)
47 - مُحَمَّد بْن أَبِي الفخر حامد بْن عَبْد المنعم بْن أَبِي القَاسِم، أَبُو الماجد المُضَريّ الأصبهانيّ. [المتوفى: 601 هـ]
وُلد سنة عشرين، وسَمِعَ حضورًا من فاطمة الْجُوزْدَانيَّة، وحدَّث عنها ببغداد. روى عَنْهُ الحافظُ الضّياء. وسَمِعَ منه عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ. ومات قبله ببضع وعشرين سنة.
تُوُفّي بأصبهان في رجب.
وروى عَنْهُ عُمَر بْن شعْرانة.(13/46)
48 - مُحَمَّد بْن الحُسَيْن بْن أَبِي الرضا بْن الخَصِيب بْن زيد، أَبُو المفضّل القُرشيّ الدّمشقيّ الشّافعيّ. [المتوفى: 601 هـ]
وُلد سنةَ خمسٍ وعشرين وخمسمائة، وسمع من جمال الْإِسْلَام أَبِي الْحَسَن بْن المسلَّم، وأبي طالب علي ابن أَبِي عقيل الصُّوريّ، وأبي الفتح نصر الله المِصَّيْصِيّ.
روى عَنْهُ إبراهيمُ بنُ إسْمَاعيل المقدسيّ، وعبدُ المَلِك بْن عَبْد الكافي الرَّبَعي، وعبدُ الواحد بْن أَبِي بَكْر الحمويّ الواعظ، ويوسفُ بْن خليل، وإسماعيل القوصيّ، ومحمد بْن حَسَّان الخطيب، ومحمد بْن المُسَلَّم بْن أَبِي الخوف الحارثيّ، وآخرون. وأجاز لأحمد بْن سلامة، والفخر علي، والكمال [ص:47] عَبْد الرحيم، وغيرهم، وتُوُفّي في ثالث المحرّم، وكان يقال لَهُ: سِبط زيد المحتسب.
قَالَ يوسفُ بنُ خليل: كَانَ ضعيفًا. ثُمَّ ذكر وفاته وشيوخه، وقال غيره: كَانَ ثقةً عالمًا.(13/46)
49 - مُحَمَّد بْن حَمْد بْن حامد بْن مُفَرج بْن غياث، الشّيخُ الصّالحُ أَبُو عَبْد الله ابن الأجلّ الصّالح أَبِي الثّناء الأنصاريّ الأرتاحيّ، ثُمَّ المصريّ الأَدَميّ الحنبليّ. [المتوفى: 601 هـ]
قَالَ الحافظُ عبدُ العظيم: كَانَ ذكر ما يدلّ عَلَى أنّ مولده سنة سبع وخمسمائة تخمينًا. سَمِعَ من أَبِي الحَسَن عليّ بْن نصر الأرتاحيّ بمصر، والمبارك بْن عليّ الطّبّاخ بمكَّة. وأجاز لَهُ أَبُو الحَسَن عليّ بْن الحسين الفراء في سنة ثمان عشرة وخمسمائة، فحدث بها مُدةً طويلة. وكتب عَنْهُ جماعةٌ من الحفّاظ. وهو أوَّلُ شيخ سَمِعْتُ منه الحديثَ بإفادة والدي. وأجاز لي في سنة إحدى وتسعين وخمسمائة. وهو من بيت القرآن والحديث والصّلاح. تُوُفّي في العشرين من شعبان.
قلت: روى عَنْهُ الحافظ عبد الغني، والحافظ ابن المُفَضّل، والحافظ الضّياء، والرشيدُ العَطّار، وابنُ خليل، ونَسيبُهُ لاحق بْن عَبْد المنعم بْن قاسم بْن أحمد بن حمد الأرتاحيّ، وعليُّ بْن عَبْد الرّزّاق بْن القَطّان، وسِبْطه أَحْمَد بْن حامد بْن أَحْمَد الأرتاحيّ، وأبو حامد مُحَمَّد ابْن قاضي القُضاة صَدْر الدّين عَبْد الملك بن درباس، وأَبُو بَكْر بْن عليّ بْن مكارم، وأَبُو الحَسَن عليُّ بْنُ شجاع العبّاسيّ، والنّظام عثمانُ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن رشيق الرَّبَعي، والمعين أحمد ابن زين الدّين، والخطيبُ عَبْد الهادي بْن عَبْد الكريم القَيسيّ، وأَبُو الفضل مُحَمَّد بْن مهلهل الْجِيتِيّ، وخلق سواهم. وأجاز لابن أَبِي الخير. [ص:48]
قَالَ الضّياء مُحَمَّد: كَانَ شيخنا هذا ثقةً ديِّنًا ثَبتًا، حسَن السّيرة، ولم يوجد لَهُ فيما نعلم شيء عالٍ سوى إجازة الفَرّاء. وقد كنّا نسمع عَلَيْهِ بعض الأوقات باللّيل، ولا يكاد يملُّ من التَّسْمِيع رحمه الله.(13/47)
50 - محمد بن سعد الله بن نصر ابن الدَّجَاجيّ، أَبُو نصر الواعظ. [المتوفى: 601 هـ]
وُلد سنة أربعٍ وعشرين وخمسِمائة، وسَمَّعَهُ أَبُوهُ من قاضي المارستان، وأبي منصور القزّاز، وأبي جَعْفَر مُحَمَّد بْن علي ابن السمناني، وجماعة.
روى الكثيرَ ببغداد والمَوْصِلِ وواسط، وكتب، وطلب بنفسه بعد الخمسين.
قَالَ الدبيثي: سمعنا منه ونِعم الشّيخ كَانَ. وتُوُفّي فِي ربيع الأوّل.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ هُوَ، والشّيخ الضّياء، والنّجيب عَبْد اللّطيف. وأجاز للفخر عليّ. وأبوه من الشيوخ.(13/48)
51 - محمد ابن نقيب النّقباء طلحة بْن عليّ بْن مُحَمَّد، الشّريف أَبُو المظفَّر العبّاسيّ، الزَّينبيّ. [المتوفى: 601 هـ]
صَدْرٌ رئيس، ناب في النّقابة بعد أخيه أَبِي الحُسَن عليّ، ثُمَّ صار حاجبًا بالدّيوان.(13/48)
52 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَبِي عصرون، القاضي محيي الدين ابن القاضي العلامة شرف الدّين أَبِي سَعْد التّميميّ الشّافعيّ، [المتوفى: 601 هـ]
قاضي دمشق وابن قاضيها.
تُوُفّي في هذا العام. قاله أَبُو شامة ولم يترجمه.
وهو والد محيي الدّين عُمَر الّذي أجاز لنا.(13/48)
53 - مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن بن إقبال المَريني المغربيّ، أَبُو عَبْد الله المقرئ. [المتوفى: 601 هـ]
نزيل قُوص، وبها تُوُفّي.
قَالَ الشّهاب القُوصيّ: قرأتُ عَلَيْهِ القرآنَ، وقد سمعتُ عَلَيْهِ " التّيسير " وبلغ مائة سنة أو جاوزها. وهو تلميذُ أَبِي عَمْرو الخضِر بْن عَبْد الرَّحْمَن القَيسيّ، وكان القَيسيّ قد روى عَنْ أَبِي داود، وأبي عليّ الغسّانيّ.(13/49)
54 - مُحَمَّد بْن المؤيَّد بْن علي بْن إسْمَاعيل بْن أَبِي طالب، الشّيخ المقرئ الصّالح، أَبُو عَبْد الله الهَمذانيّ المقرئ الوَبريّ الفرّاء، [المتوفى: 601 هـ]
نزيل القاهرة.
قرأ القراءات عَلَى الحافظ أَبِي العلاء الهَمَذانيّ، وقرأ بالقاهرة عَلَى أَبِي الجود، وسَمِعَ من أَبِي الوقت السِّجْزِيّ بهمذان، ومن عَبْد العزيز بْن مُحَمَّد بْن منصور الأَدَميّ بشيراز.
قَالَ الحافظ عَبْد العظيم: كتب عَنْهُ جماعةٌ مِن شيوخنا ورفقائنا، وحُدِّثت عَنْهُ. وتُوُفّي في عاشر رجب.
قلت: روى عَنْهُ ابنُه الحافظ أَبُو مُحَمَّد إِسْحَاق والد شيخنا أَبِي المعالي الأبَرقُوهِيّ، فأخبرنا أَحْمَد بْن إسحاق بن محمد بن المؤيد، قال: أخبرنا والدي سنة اثنتين وعشرين وستمائة، قال: أَخْبَرَنَا أَبِي الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بِالْقَاهِرَةِ، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُبَارَكِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: حدثنا محمد بن الحسن بأصبهان، قال: حدثنا الحسن بن أحمد بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن سليمان، قال: حدثنا علي بن حرب، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي المغرب بالطور. وأخبرنا به عالياً عبد المؤمن، قال: أخبرنا يوسف بن عبد المعطي، قال: أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، قال: أخبرنا نصر بن أحمد، قال: أخبرنا عمر بن أحمد، قال: أخبرنا محمد بن يحيى الطائي، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ. . . فَذَكَرَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.(13/49)
55 - مُحَمَّد، أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي الفتح يوسف ابن المُسْنِد أَبِي الحَسَن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن صِرْما الأزَجيّ. [المتوفى: 601 هـ]
سَمِعَ من جدّه أَبِي الفضل الأَرْمُويّ، وابنِ ناصر.
والأصحّ أنّ اسمَه كنيته. وهو أخو أَحْمَد وابن عمّ عُمَر بْن أَبِي السّعادات.
روى عَنْهُ الحافظُ الضّياء، فسمّاه محمدًا، وكنّاه أبا عَبْد الله. وأجاز للشّيخ شمس الدين ابن أَبِي عُمَر، وللكمال عَبْد الرحيم، وللفخر عليّ، وغيرهم.
وعاش سبعين سنة، تُوُفّي في رجب.(13/50)
56 - المبارك بْن أَبِي الأزهر بْن أَبِي القَاسِم، أَبُو بَكْر البغداديّ الدّارقَزِّيّ المقرئ، المعروف بابن شُعْلَة. [المتوفى: 601 هـ]
عَبْد صالح تقيّ، إمام مسجد ابن سَمْعُون مدَّة، وحدّث عَنْ أَبِي البركات المبارك بن كامل بن حبيش، وأبي بكر ابن الأشقر، وتُوُفّي في ربيع الأوّل.(13/50)
57 - مختار بْن أَبِي مُحَمَّد بْن مختار، الصّاحب أَبُو مُحَمَّد [المتوفى: 601 هـ]
ابن قاضي دارا.
وَزَرَ للملك الكامل بديار مصر، فلمّا قَدِمَ والدُه السّلطان المَلِك العادل مصر كَانَ الوزير ابن شُكْر يقصد ابنَ قاضي دارا، ويُريد نكبته، وألَّبَ عَلَيْهِ العادل، وطلبه فأمره الكامل بالنزوح خفية، فنزح بولديه فخرِ الدّين وشهابِ الدّين، فورد عَلَى صاحب حلب، فبالغ في إكرامه، ثُمَّ ورد عَلَيْهِ أمر من الكامل يستدعيه، فخرج من حلب ونزل بعين المباركة ليسافرَ، فلم يشعر أصحابُه إلا بخمسين فارسًا قد أحاطوا بمضربه في اللّيل فأنبهوه، فخرج إليهم، فنزل إِلَيْهِ [ص:51] ثلاثة منهم فذبحوه، وقالوا لأولاده وغلمانه: احفظوا أموالَكم فَما كَانَ لنا غرضٌ سواه. واتّصل الخبرُ بالملك الظّاهر، فركب وشاهده قتيلًا، فاستعظم ولم يقف لقتله على خبر رحمة الله.(13/50)
58 - المفضّل بْن عَقِيل بْن حيدرة بْن عليّ، أَبُو منصور البَجَليّ الدّمشقيّ، المعروف بابن النفيس الرميلي. [المتوفى: 601 هـ]
ولد سنة عشرين وخمسمائة، وسَمِعَ من أَبِي القَاسِم الخَضِر بْن الحُسَيْن بن عبدان، والحافظ أبي القاسم ابن عساكر. روى عَنْهُ الشّهاب القُوصِيّ، وجماعة من طلبة الدمشقيين. وأجاز لابن أبي الخَيْر، والفخر عليّ، والحافظ عَبْد العظيم، وجماعة، وتوفي في المحرم.(13/51)
59 - نصرُ اللهِ بنُ يوسف بْن مكيّ بْن علي، الفقيه الإمام أبو الفتح ابن الفقيه الجليل أَبِي الحَجّاج الحارثيّ الدّمشقيّ الشّافعيّ المعدل، ويعرف بابن الإِمام. [المتوفى: 601 هـ]
تفقّه عَلَى والده، وعلى أَبِي البركات الخَضِرِ بْن شبل بْن عَبْد. وسَمِعَ من أَبِي الفتح نصر اللَّه المصيصي، وهبة الله بن طاوس. ورحل، فَسَمِعَ ببغداد من أَبِي الوقت عَبْد الأوّل وغيره. وأجاز لَهُ: أَبُو عَبْد الله الفُرَاويّ، وزاهر بْن طاهر الشَّحّاميّ، وغيرهما.
وكان يُدعى نصرًا أيضًا.
روى عَنْهُ يوسُف بْن خليل، والزَّينُ خالدٌ، والتّقيّ اليَلْدانيّ، وآخرون. وأجاز للحافظ عَبْد العظيم، ولأبي العَبَّاس بْن أَبِي الخير.
وتُوُفّي في منتصف جُمادي الآخرة بدمشق.(13/51)
60 - نَصْر بْن أَبِي نصر مُحَمَّد بْن المؤيَّد بْن طاهر أَبِي الفتح، الرئيس الأجلّ أَبُو الفتوح الغزنوي الواعظ. [المتوفى: 601 هـ]
قدم بغداد رسولاً من صاحب غَزْنة أَبِي المظَفَّر مُحَمَّد، فحدَّثَ عَنْ جدِّه المؤيد. [ص:52]
مات بالرَّيّ في صفر وله ثلاثٌ وستّون سنة.(13/51)
61 - ياقوت، أَبُو الدُّر الحمّاميّ عتيق أَبِي العزّ بْن بَكْروس. [المتوفى: 601 هـ]
شيخ بغداديّ سَمِعَ من يَحْيَى بْن عليّ الطّرَّاح، وأبي الحَسَن مُحَمَّد بْن صِرْما. وحَدَّث؛ روى عَنْهُ أَبُو عَبْد الله مُحَمَّد بْن سعيد الدُّبيثيّ فِي " تاريخه "، وقال: تُوُفّي فِي جُمادى الأولى. وابن النّجّار.(13/52)
62 - يوسف بْن أَبِي الغنائم أَحْمَد بْن الحُسَيْن، أَبُو مُحَمَّد الحريميّ الدّبَّاس، المعروف بابن المتش. [المتوفى: 601 هـ]
وُلِدَ سنة سبع عشرة وخمسمائة، وسمع من أبي غالب ابن البناء، ومن أحمد ابن الأشقر، وأجاز لَهُ ابنُ الحُصَيْن، وأَبُو عامر العبدري الحافظ، والحسين بن محمد بن خسْرُو البَلْخي. روى عَنْهُ الدّبيثِيّ، والضّياء المقدسيّ، وأجاز للفخر عليّ.
وهو أخو داود، تُوُفّي في رابع شوّال.
والمَتُشّ: بفتحٍ ثُمَّ ضمّ التّاء وتثقيل المعجمة، قَيّده ابن نقطة.(13/52)
63 - يوسف بْن المبارك بْن كامل بْن أَبِي غالب، أَبُو الفتوح بْن أَبِي بَكْر البغداديّ الخَفّاف. [المتوفى: 601 هـ]
سَمِعَ بإفادة والده المحدّث أَبِي بَكْر من قاضي المارستان، وأبي منصور بْن زُرَيْق القزّاز، وأبي القاسم ابن السمرقندي، وأبي منصور بن خيرون، ويحيى ابن الطّرَّاح، وجماعة.
روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وابنُ خليل، والضّياء، والنّجيب عَبْد اللّطيف، وأخوه عَبْد العزيز، والتّقيّ اليَلْدانيّ، والمحبّ ابن النّجّار، وآخرون. وبالإِجازة: الزّكيّ عَبْد العظيم، وابن أَبِي الخَيْر، والفخر عليّ، والكمال عَبْد الرّحيم، والشيخ شمس الدّين عبد الرحمن. [ص:53]
وكان أميا لا يكتب.
تُوُفّي فِي الخامس والعشرين من ربيع الأوّل.
قَالَ ابن النّجّار: صالح حافظ لكتاب الله، وكان أميًّا لا يُحسن الكتابة ولا يعرف شيئًا من العلم، وكان عسرًا في الرواية، سيّئ الخُلق، مُتَبرّمًا بأصحاب الحديث؛ كنّا نَلقى منه شدَّة حتّى نسمع منه، وكان فقيرًا مُدقعًا يأخذ عَلَى الرواية. وكان من فقهاء النّظامية، أسمعَه أَبُوهُ الكثير وتفرَّدَ. أظنّه ولد سنة سبع وعشرين وخمسمائة؛ فإنّه سَمِعَ في سنة ثلاثٍ وثلاثين. وكان لَهُ أخ اسمه كاسمه مات قبل سنة خمس وعشرين وخمسمائة.(13/52)
64 - يوسف بْن مُحَمَّد البغداديّ الخِيَمِيّ الظَّفَريّ. [المتوفى: 601 هـ]
حَدّثَ عن يحيى ابن الطراح.(13/53)
65 - أَبُو مُحَمَّد العَدْل، المعروف بعدل الزَّبَدانِيّ. [المتوفى: 601 هـ]
سمعنا من حفيده.(13/53)
-وفيها ولد
النجم ابن المُجاوِر، والجمال عَبْد الله الجزائريّ المحدّث، وجمال الدّين مُحَمَّد بْن أَحْمَد الشَّرِيشيّ، والرُّكن أَحْمَد بْن عَبْد المنعم الطَّاوسيّ، والنّجيب يَحْيَى بْن أحمد الحلي ابن العُود شيخ الرّافضة، والرضيّ مُحَمَّد بْن عليّ الشّاطبيّ اللُّغَويّ، وناصر الدّين عليّ بْن قرمين، والسّراج أَبُو بَكْر بْن أَحْمَد بْن إسْمَاعيل بْن فارس التّميميّ، والعدل عماد الدّين حسين بْن همام بْن البَياع المِصريّ، وزينب ابنة العَلَم أَحْمَد بْن كامل، وخطيب جامع جراح شمس الدّين مُحَمَّد بْن صالح الهسكوريّ، والشّرف مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد السَّخيّ العُمَريّ، وعلاء الدّين عليّ بْن عَبْد الرحيم بْن شِيت القُرشيّ، وأَبُو الحُسَيْن يَحْيَى بْن عَبْد العظيم الْجَزارَ الشّاعر، والمحدّث مكين الدّين أَبُو الحسن الحصني.(13/53)
-سنة اثنتين وستمائة(13/54)
66 - أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن أَبِي الفتح مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن هِبة اللَّه، أَبُو المعالي الشهراباني ثُمَّ البغداديّ المُعَدَّل. [المتوفى: 602 هـ]
حَدّثَ عَنْ أَبِي الوقت، وتُوُفّي في صفر.(13/54)
67 - أَحْمَد بْنُ عَبْد المَلِك بْن مُحَمَّد بْن يوسف، أَبُو العبّاس الحَرِيمِيّ المقرئ، المعروف بابن باتانة. [المتوفى: 602 هـ]
قرأ القراءات عَلَى والده، وعلى أَبِي الفتح عَبْد الوهَّاب بْن مُحَمَّد الخفّاف، وسَمِعَ من أَبِي البركات يَحْيَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الفارقي، وأبي بَكْر الأنصاريّ، وكان صالحًا فاضلًا. روى عَنْهُ أَبُو عَبْد الله الدّبيثِي، وغيره. ولم يظهر سماعه من القاضي أَبِي بَكْر إلا بعدَ موته بليلة.
قَالَ ابنُ النّجّار: قرأ بالروايات على أبي الكرم ابن الشهرزوري، وسعد الله ابن الدَّجاجيّ، وكان صالحًا، حسنَ المعرفة بالقراءات، مجوِّدًا، صدوقًا، متديّنًا، أضَرّ ولزِم بيتَه، وكان دائمًا يَقُولُ: أحقّ أنّني سَمِعْتُ مُجَلَّدةً من " طبقات " ابْن سعد عَلَى القاضي أَبِي بَكْر، فظفر بذلك ابن الأنماطيّ قبل موته، فذهب إِلَيْهِ بالمجلّد، فلقيه قد مات.
تُوُفّي في سادس جُمادي الآخرة.(13/54)
68 - أحمد بن علي بن أبي القاسم ابن شُعْلَة، أَبُو العَبَّاس الصّوفيّ، الحَرْبيّ. [المتوفى: 602 هـ]
سَمِعَ أبا الحسين محمد بن محمد ابن الفرّاء، وعبد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يوسف. روى عَنْهُ الضّياء مُحَمَّد، والنّجيب عَبْد اللّطيف، وجماعة. وتوفى في جُمادي الأولى.(13/54)
69 - إِبْرَاهيم بْن عليّ، أَبُو إِسْحَاق الأنصاريّ البغداديّ الزّاهد، المعروف بالمَرَاوحيّ. [المتوفى: 602 هـ]
سَمِعَ من أَبِي الفتح بْن شاتيل، وجماعة، وحدّث بكتاب " القوت " عَنْ مُحَمَّد بْن يَحْيَى البَرَدانيّ، وصحِب المشايخ والأولياء، وأقام برباط بهروز.
قَالَ ابن النّجّار: كتبتُ عنه، وكان صالحاً عابداً متهجداً، مشتغلًا بالله، دائمَ الذّكر، صابرًا عَلَى الفقر، حُلْوَ الإِيراد؛ كنت أجد راحةً عند كلامه ورؤيته. عاش إحدى وستّين سنة رحمه الله.(13/55)
70 - بهاء الدّين سام بْن مُحَمَّد بْن مسعود المَلِك [المتوفى: 602 هـ]
صاحب باميان.
سقتُ أخباره في ترجمة خاله شهاب الدين الغوري في هذه السنة فاكشفها.(13/55)
71 - التَّقِيّ الأعمى الدَّمشقيّ الشّافعيّ الفقيه، [المتوفى: 602 هـ]
مدرّس الأمينيَّة.
كَانَ فقيهًا عارفًا بالمذهب مُفتيًا نبيلًا؛ ذكره الإِمام أَبُو شامة، فَقَالَ: وفي ذي القعدة وُجد التَقِيّ الأعمى، واسمه عيسى بْن يوسف بْن أَحْمَد الغَرَّافيّ العراقيّ، مشنوقًا بالمئذنة الغربيَّة. وكان مُفتيًا مدرّسًا بالأمينيَّة. ابتُلِيَ بأخذ ماله، واتّهم بِهِ شخصًا يقرأ عَلَيْهِ ويقوده، فَحَطَّ عَلَيْهِ النّاسُ، فشنق نفسه. ودَرّسَ بعده الجمال المصريّ وكيل بيت المال.(13/55)
72 - تَمَّام بْن الحُسَيْن بْن غالب الخطيب، أَبُو كامل القَيسيّ المالقيّ، خطيب مالقة، المعروف بابن الحدّاد. [المتوفى: 602 هـ]
روى عَنْ أَبِيهِ، وأبي عَبْد الله بْن معمر، وابن النّعمة، وجماعة.
قَالَ ابن الزُّبَيْر: أخذ عَنْهُ النّاسُ كثيرًا، وكان مِن أحسن النّاس قراءة، [ص:56] وأطيبهم نغمة. مولده عام تسعة وخمسمائة في ربيع الأول بجيان. قال: ولم يتخلف عَنْ جِنَازته إلا النّادرُ، وآخرُ من روى عَنْهُ أَبُو عُمَر بْن حَوْط الله.
قَالَ الأبّار: أنشأ فصولًا مستحسنةً في الخُطب، سَمِع منه أَبُو مُحَمَّد وأَبُو سُلَيْمَان ابنا حَوْط الله، وأبو جعفر ابن الدلال، وجماعة. تُوُفّي في ربيع الأوّل وله ثلاثٌ وتسعون سنة.
وأجاز لابن مسدي وحضر عنده.(13/55)
73 - جامع بْن باقي بْن عَبْد اللَّه بْن عَلي، أَبُو مُحَمَّد التمِيمِيّ الأندلسي الفقيه، قاضي إخْمِيم، مجد الدّين. [المتوفى: 602 هـ]
وُلِدَ بالجزيرة الخضراء من الأندلس، ورحل، فسمع من السِّلَفِيّ بالإِسكندريَّة، ومن أبي المكارم عبد الواحد بن هلال، وأبي القَاسِم الحافظ، وداود بْن مُحَمَّد الخالديّ بدمشق.
روى عَنْهُ ابنُ خليل، والشّهاب القُوصيّ، وغيرهما. وتُوُفّي بدمشق في سابع عشر ذي القعدة.(13/56)
74 - جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن أَبِي العزّ، أَبُو عَبْد الله البغدادي المتكلّم، قَطّاع الآجُرِّ، ويعرف بالمُسْتَعْمِل. [المتوفى: 602 هـ]
تُوُفّي ببغداد في ربيع الآخر، ودُفِنَ في داره، وكان عارفًا بالكلام والهندسة، مُطَّلِعًا عَلَى مذاهب النّاس.
عاش نَيِّفًا وسبعين سنة.(13/56)
75 - الحَسَن بْن عليّ بْن خَلف، أَبُو عليّ الأُمَويّ القُرطبيّ، نزيل إشبيلية، المعروف بالخطيب. [المتوفى: 602 هـ]
أخذ القراءات ببلده عَنْ أَبِي القَاسِم بْن رضا، ومحمد بْن جَعْفَر بْن صاف، وعبد الرحيم الحَجَّاريّ. وسَمِعَ من يونس بْن مغيث، وأبي بكر ابن العربيّ، وابن مَسرَّة. وسَمِعَ " الموطّأ " من أَبِي بكر بن عبد العزيز. وأخذ النحو عَنْ أَبِي بَكْر بْن مسعود، وابن أَبِي الخصال. وأجاز لَهُ أَبُو الوليد بْن رُشد مَرْويّاته. وكان مائلًا إِلى الأدب، وصحِب أبا حفص بْن عُمَر، وله من الكتب: كتاب " روضة الأزهار "، وكتاب " اللؤلؤ المنظوم في معرفة الأوقات والنّجوم "، وكتاب " تهافت الشعراء "، وتُوُفّي بإشبيلية وله ثمان وثمانون سنة. قَالَه الآبار.(13/57)
76 - الحُسَيْن بن علي بن الحسين بن قنان، أبو عَبْد الله الأنباريّ ثُمَّ البغداديّ، المعروف بابن الربي. [المتوفى: 602 هـ]
حدث عن أبي الفضل الأرموي، وسعيد ابن البَنّاء. روى عَنْهُ ابن خليل، والضّياء، وجماعة.
وهو أخو الحَسَن، حَدّثَ هُوَ، وأخوه، وأبوهما، وعمّتهما تَمَام، وتُوُفّي في رمضان.
وأجاز للشيخ شمس الدين، وللفخر علي، وللكمال عبد الرحيم.(13/57)
77 - حمزة بْن عليّ بْن حمزة بْن فارس بن محمد، أبو يعلى ابن القبيطي، الحراني الأصل البغدادي المقرئ. [المتوفى: 602 هـ][ص:58]
من كبار القُرّاء، قرأ القراءات عَلَى أَبِي محمد سبط الخياط، وأبي الكرم الشهرزوري، وسمع منهما، ومن أبي الحسن محمد بْن أَحْمَد بْن تَوْبة، وأحمد بْن عَبْد الله ابن الأبَنوسيّ، وأبي عَبْد الله السّلال، وأبي إِسْحَاق إِبْرَاهيم بْن نَبهان الغَنَوّي، وأبي الفضل الأُرْمَويّ، وأبي غالب محمد بن علي ابن الداية، وسَعْد الخير، وأقرأ القراءات وحدَّث.
قَالَ الدّبيثِيّ: وكان ثقةً صدوقًا، حسن الخلق.
قلت: روى عَنْهُ، هُوَ، وابنُ خليل، والضّياء، والنّجيبُ عَبْد اللّطيف، والتَّقيّ اليَلْدانيّ، وآخرون. وأجاز للشّيخ شمس الدين عبد الرحمن، وللحافظ المنذريّ، وللفخر عليّ، وللكمال عَبْد الرحيم.
وُلد سنة أربع وعشرين وخمسمائة في رمضان، وتوفي في ثامن عشر ذي الحجَّة.
وقال أَبُو شامة: كَانَ عفيفًا، زاهدًا، ثقةً، قرأ على سبط الخيّاط بالروايات.
وقال ابن الظّاهريّ: ثقة حجَّة، من أئمة القراء المجودين.(13/57)
78 - خَلَفُ بْن أَحْمَد بْن حَمْد، أَبُو المفاخر الأصبهانيّ الفَرَّاء الشّافعيّ الفقيه المفتي الإِمام ضياء الدين. [المتوفى: 602 هـ]
ولد سنة ثمان عشرة وخمسمائة، وسمع إسماعيل ابن الإخشيذ، ومحمد بن علي بن أبي ذر الصالحاني، وغيرهما. روى عَنْهُ الضّياء، وابنُ خليل. وأجاز لابن أَبِي الخير، وشمس الدّين عَبْد الرَّحْمَن، والفخر عليّ، وأحمد بنِ شيبان، وغيرهم.
وتُوُفّي في شعبان.(13/58)
79 - سليمانُ بْن أَحْمَد بْن حامد بْن أَحْمَد بْن محمود الفقيه المفتي، أَبُو غانم الثّقفيّ الأصبهاني. [المتوفى: 602 هـ][ص:59]
يروي عَنْ أصحاب سعيد العَيَّار. روى عَنْهُ الضياء، وابن خليل، وتوفى في المحرم.(13/58)
80 - شاكر بن فضائل بن كليب البغدادي. [المتوفى: 602 هـ]
سمع سعيد ابن البناء. روى عَنْهُ الضّياء، وابن خليل، وأجاز لابن أَبِي الخير، وغيره.(13/59)
81 - شهابُ الدّين، السّلطان أَبُو المظفر مُحَمَّد بْن سام الغوريّ [المتوفى: 602 هـ]
صاحب غَزْنة.
قتلته الباطنيَّة - لعنهم الله - في شعبان، وهو أخو السّلطان غياث الدّين أَبُو الفتح مُحَمَّد، المذكور سنة تسعٍ وتسعين، وقد امتدّت أيامهما وافتتحا بلادًا كثيرة، وشَهِدا حروبًا عديدة.
قَالَ أبو الحسن ابن الأثير في " تاريخه ": قُتل السّلطان شهاب الدّين الغوري صاحب غزنة والهند وبعض خُراسان بمُخَيَّمِهِ بعد عَوده من لهاوُر، وذلك أن نَفَرًا من الكُفّار الكوكريَّة لزِموا عسكره عازمينَ عَلَى اغتياله لِما فعل بهم من القَتْل والسَّبْي، فلمّا كانت هذه اللّيلة، تفرَّقَ عَنْهُ أصحابُه، وكان معه من الأموال ما لا يُحصى، فإنّه كَانَ عازمًا عَلَى قصْد الخطَا والاستكثار من العساكر، وتفريق المال فيهم، وكان عَلَى نِيَّة جيّدة من قتال الكفّار، فكان ليلتئذٍ وحده في خركاه، فثار أولئك النّفر، فقتلوا بعضَ الحرس، فصاح المقتولُ، فثار إِلَيْهِ الحرسُ من مواقفهم من حول السّرَادِق لينظروا ما الأمر، وأخلوا مراكزَهم، فاغتنم الكوكريَّة الفرصة، وهجموا عَلَى السّلطان، فضربوه بالسكاكين وخرجوا، فدخل عَلَيْهِ أصحابُه فوجدوه عَلَى مُصلاه قتيلًا وهو ساجد، وأُخِذ أولئك فقُتلوا، وحفظ الوزيرُ والأمراءُ الخزائن، وصَيَّروا السّلطان في مِحَفَّة، وحفّوها بالجسم والصّناجق يُوهمون أَنَّهُ حَيّ. وكانت [ص:60] الخزانة على ألفين ومائتي جَمَل، وسارُوا إِلى أن وصلوا إِلى كرمان، وكاد يَتَخَطَّفُهُمْ أهلُ تِلْكَ النّواحي، فخرج إليهم الأميرُ تاج الدّين ألْدُز، فجاء ونزل وقَبَّلَ الأرضَ، وكشف المِحَفَّة، فلمّا رأى السّلطان ميتًا، شقٌ ثيابَه وبكى، وبكى الأمراء وكان يومًا مشهودًا. وكان ألْدُز من أكبر مماليكه وأَجَلّهم، فلمّا قُتل شهاب الدّين، طمع أن يملك غَزْنة، وحُمِل السّلطان إِلى غَزْنة، فدُفِنَ في التّربة الّتي أنشأها. وكان ملكًا شجاعًا غازيًا، عادلًا، حَسَن السّيرة، يحكم بما يُوجبه الشّرع، يُنصِفُ الضّعيفَ والمظلوم، وكان يَحْضُرُ عنده العلماء؛ وقد جاء أنّ الفخر الرّازيّ صاحبَ التّصانيف وعظ عنده مرَّة، فَقَالَ في كلامه: يا سلطان العالم، لا سلطانك يبقى، ولا تلبيس الرازي يبقى " وأن مردنا إلى الله "، فانتحب السّلطانُّ بالبكاء.
استوفى ابن الأثير ترجمته وهذه نُخْبَتُهَا، وقال: كَانَ شافعيًّا كأخيه، وقيل: كَانَ حنفيًّا. ولمّا ملك أخوه غياثُ الدّين باميان، أقطعها ابنَ عمّه شمس الدّين مُحَمَّد بْن مسعود، وزوّجَه بأخته، فولدت منه ولدًا اسمه: بهاء الدّين سام. فلمّا تُوُفّي شمس الدّين وولي باميان بعده ابنُه عبّاس، أخذ غياثُ الدّين منه المُلْك، وأعطاه لابن أخته بهاء الدّين. وعَظُم شأَنُه، وعلا محلُّه، وأحبّه أمراءُ الغُوريَّة. فلمّا قُتل الآن خالُه، سار إليه بعض الأمراء فَعرّفَهُ، فكتب إِلى الأمراء: إنّني واصل. وكتب إِلى علاء الدّين مُحَمَّد بْن عليّ ملك الغوريَّة يستدعيه إِلَيْهِ، وإلى غياث الدّين محمود ابن السّلطان غياث الدّين خاله، وإلى حسين بْن جرميك والي هَرَاة، يأمرهما بإقامة الخُطْبَة لَهُ. وأقام أهل غَزْنة ينتظرونه، ومالت الأتراك الخاصّكيَّة إِلى غياث الدّين ابن أستاذهم، فلمّا سار من باميان ومعه ولداه: علاء الدّين مُحَمَّد، وجلال الدّين، وَجَد صُداعًا فنزل، فقوي بِهِ الصُّداع وعظُم، فأيقن بالموت، فأحضر ولديه، وعَهِدَ إِلى علاء الدّين، وأمرهما بقصد غَزْنة، وضَبْط المُلْك والرفق بالرعية، وبذل الأموال. ثُمَّ مات، فصار ولداه إلى غزنة، فنزلا دار الملك، وتسلْطَنَ علاء الدّين، وأنفق الأموالَ فلم يُطِعه ألدز، وجيش وصار إلى غزنة، فالتقاه عسكر علاء الدّين فانهزموا، وأحاط ألْدُز بالقلعة، وحَصَرَ علاء الدين، ثم نزل بالأمان وحلف له [ص:61] ألْدُز، ورَدَّ إِلى باميان في أسوأ حال، فإن الأتراك نهبوه.(13/59)
82 - صالح بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن بارس، أَبُو جَعْفَر الأزَجيّ. [المتوفى: 602 هـ]
شيخ مُعَمَّر من أبناء التسعين، سمع سنة إحدى وعشرين وخمسمائة من أَبِي الفضل عَبْد المَلِك بْن عليّ بْن يوسف. روى عَنْهُ الدّبيثِيّ، والضّياءُ مُحَمَّد، وغيرهما، وتوفي في شوال.(13/61)
83 - ضياء بْن أَبِي القَاسِم أَحْمَد بْن الحَسَن، أَبُو عليّ ابن الخُرَيْف البغداديّ السَّقْلاطونيّ النّجّار. [المتوفى: 602 هـ]
وُلِد بمحلَّة النَّصْرِيَّة، وكان جارًا لأبي بَكْر قاضي المارستان، فأكثر عَنْهُ، وسَمِعَ أيضًا من القاضي أَبِي الحُسَيْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد ابن الفرّاء، وأبي القَاسِم ابن السَّمَرْقَنْديّ. وكان أُمّيًّا لا يكتب. روى عَنْهُ الدّبيثِيّ، وابنُ النّجّار، والضياء، وابن خليل، وابن عبد الدائم، والنجيب والعز ابنا الصيقل الحراني.
ولد سنة ست عشرة، أو سبع عشرة، وتوفي في نصف شوال.
وأجاز للفخر علي وجماعة.(13/61)
84 - طاشتكين، الأمير الكبير مُجير الدّين أَبُو سعيد المُسْتَنجديّ. [المتوفى: 602 هـ]
سَمِعَ من أَبِي الفتح ابن البَطِّيّ، وعليِّ بنِ عساكر البطائحيّ.
وكان أحدَ مماليك المستنجد بالله يوسف، ثم صار من بعده لولده المستضيء بأمر الله الحَسَن، وولي إمرة ركْب العراق سنين عديدة، وولي إمرة الحِلَّة المَزْيدَيَّة مدَّة، ثُمَّ ولي تُسْتَرَ وخُوزستان. وكان سَمْحًا كريمًا، حسنَ السّيرة، وافرَ الحشمة، شجاعًا، حليمًا، قليلَ الكلام إِلى الغاية؛ تمضي عَلَيْهِ الأيامُ لا يتكلَّمُ إلا نادراً. [ص:62]
تُوُفّي بتُسْتَرَ في جُمادي الآخرة عَنْ نَيّفٍ وثمانين سنة، وكان شيعياً جاهلاً.(13/61)
85 - عَبْد الله بْن عليّ بْن أَبِي السَّعادات الْمُبَارَك بْن الْحُسَيْن بْن نُغُوبا، أَبُو بَكْر الواسطيّ العَدْل. [المتوفى: 602 هـ]
وُلِدَ سنةَ ثلاثٍ وعشرين، وسَمِعَ من جدّه المبارك، وأبي الكرم نصر الله ابن الْجَلَخْت، وأبي عَبْد الله الجلابيّ، وأبي الحَسَن بن عَبْد السّلام الكاتب بواسط. ومن عَبْد الباقي بْن أَحْمَد النَّرْسِيّ ببغداد. وهو من بيت الحديث.
ونغوبا: اسم قرية لجدّهم لُقِّبَ بها.
تُوُفّي بواسط في صفر.
سَمِعَ منه أَبُو عَبْد الله الدبيثي.(13/62)
86 - عبد الله ابن الحفيد أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن أَبِي مروان عَبْد المَلِك بْن زُهْر، أَبُو مُحَمَّد الإياديّ الأندلسي الإشبيلي الطّبيب. [المتوفى: 602 هـ]
مُعْرِقٌ في الطِّبّ؛ كَانَ آباؤه شيوخَ الطب بإشبيلية، وكان شابًّا، جميلَ الصّورة، مفرِطَ الذّكاء، خبيرًا فاضلًا. أخذ الطّبّ عَنْ أَبِيهِ. وكان رئيساً محتشمًا عاش خمسًا وعشرين سنة، وخَلّف ولدين: عبدَ المَلِك، وأبا العلاء محمدًا.(13/62)
87 - عَبْد الباقي بْن عُثْمَان بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن يوسف بْن صالح، عزّ الدّين أَبُو العزّ الهمذاني الصوفي. [المتوفى: 602 هـ]
ولد سنة تسع عشرة وخمسمائة. وسَمِعَ مِن زاهر الشَّحَّاميّ، ومحمد بْن حامد ابن الجرّاح، وأبي المناقب مُحَمَّد بْن حمزة العلَويّ، وأبي جَعْفَر مُحَمَّد بْن أَبِي عليّ الحافظ. وحدَّث ببغداد وهَمَذان؛ سَمِعَ منه مسعود بْن سرفشاه [ص:63] الطُّوسيّ، وعُبيد الله بْن مُحَمَّد القُومسانيّ، والقاضي نجم الدّين أَحْمَد بْن راجح، والحافظ الضّياء وأخوه الكمال عَبْد الرحيم، والجمال أَبُو موسى ابن الحافظ، والشَّرَف عَبْد اللَّه بْن أَبِي عُمَر، سمعوا منه بَهَمذان.
وكان عالمًا صالحًا، سَمِعَ " تفسير " أَبِي بَكْر النّقّاش من أَبِي جعفر الهمذاني في سنة ثلاثين وخمسمائة، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سعد مُحَمَّد بْن الحَسَن ابن بهارة سنة ثمان وستين وأربعمائة، قال: أَخْبَرَنَا القاضي مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن القَاسِم المحامليّ عَنْهُ. وسَمِعَ " صحيح " البخاريّ من أَبِي جَعْفَر الهَمَذانيّ، بسماعه من أَبِي الخير مُحَمَّد بن أبي عمران الصفار بسنده.
أجاز للشيخ شمسِ الدّين عَبْد الرَّحْمَن، وللشيخِ الفخرِ، ولفاطمة بنت عساكر، ولمن أدرك حياته.(13/62)
88 - عَبْد الرَّحْمَن ابن الإمام أبي عليّ يَحْيَى بنِ الربيع، الفقيه أَبُو القَاسِم الواسطيّ. [المتوفى: 602 هـ]
تُوُفّي في حياة والده، وكان قد تفقّه عَلَى والده، وعلى أَبِي القَاسِم يَحْيَى بْن فَضْلان، وسَمِعَ من منوجهر بْن تركانشاه، وجماعة.
وحدث بخراسان لمّا قدِمها رسولًا، وناظر، ودرَّسَ، وأفتى، وعاش اثنتين وأربعين سنة. تُوُفّي في رمضان.(13/63)
89 - عَبْدُ السّلام بْن المبارك بْن أَحْمَد، أَبُو الكَرَم ابن صَبُوخا الظَّفَريّ. [المتوفى: 602 هـ]
تُوُفّي في رجب، وله اثنتان وثمانون سنة.
سَمِعَ الحُسَيْن بْن إِبْرَاهيم الدِّينَوَرِيّ، وعبد الأوّل السِّجْزِيّ، وسَعْد الخير. روى عَنْهُ ابنُ النَّجّار، وأثنى عَلَيْهِ كثيرًا.(13/63)
90 - عَبْد القويّ بْن عَبْد الخالق بْن وَحْشِيّ، أَبُو مُحَمَّد الكنانيّ الحنفيّ المصريّ المِسْكيّ، صائن الدّين. [المتوفى: 602 هـ][ص:64]
سَمِعَ عَبْد الله بْن برّيّ، وعَشِير بْن عليّ، ومحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن المسعوديّ، وطائفة كبيرة. وارتحل، فسمع بدمشق من أَبِي سَعْد بْن أَبِي عصرون، وجماعة، وببغداد من ابن بَوْش وطبقته، ودخل ما وراء النّهر وأقام هنالك وصار لَهُ صُورة، وتُوُفّي في هذه السّنة.(13/63)
91 - عبدُ الكريم بْن أَبِي الحَسَن بْن ياسين القَيْسرانيّ ثُمَّ المصريّ المقرئ. [المتوفى: 602 هـ]
قرأ القراءات عَلَى أَبِي الجيوش عساكر، وسَمِعَ بدمشق من أَبِي الفضل منصور الطّبريّ. سَمِعَ منه: أَبُو عَبْد الله بْن يوسف المصريّ، وغيره.
وكان مِن أهل الصّلاح والخَيْر.(13/64)
92 - عَبْد المَلِك بْن أَبِي أَحْمَد عَبْد الوهاب بْن عَلِيّ بْن عَلِيّ بْن عُبَيْد الله البغداديّ، ابن سُكَيْنة. [المتوفى: 602 هـ]
تُوُفّي في حياة والده بصعيد مصر في هذه السنة، وقيل: تُوُفّي سنةَ ثلاث وتسعين؛ قَالَه الحافظ المنذريّ.
سَمِعَ من شُهْدَة، وتَجَنِّي، وحدّث بالحرمين.(13/64)
93 - عُبَيْد الله بْن مُحَمَّد بْن أَبِي نصر، أَبُو زُرْعَة اللَّفْتُوانيّ الأصبهانيّ. [المتوفى: 602 هـ]
سَمِعَ مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَبِي ذَرّ الصَّالحانيّ حضورًا، والحسينَ بْن عَبْد المَلِك الخَلال، وهذه الطبقة. واعتنى بِهِ أَبُوهُ، وسَمَّعَهُ الكثيرَ.
ولا أعلم متى تُوُفّي، إلّا أَنَّهُ أجاز في هذه السّنة للبرهان ابن الدَّرَجيّ، وأجاز للفخر عليّ، وللشيخ شمس الدين عبد الرحمن، وللكمال عبد الرحيم، ولأحمد بْن شيبان، ولجماعة.
وروى عَنْهُ ابنُ خليل، والضّياء، وسَمِعَ أيضًا من زاهر بْن طاهر.
واسم جدّه شجاع بْن أَحْمَد بن إبراهيم.(13/64)
94 - عُبَيْد اللَّهِ بْن أَبِي الحَسَن بْن أَبِي الوفاء، أَبُو بَكْر الأزَجيّ الدّبّاس، المعروف بابن الغُرَيْر. [المتوفى: 602 هـ]
سَمِعَ أبا الفضل الأُرْمَويّ، وأبا الفتح الكَرُوخيّ. وسَمِعَ منه جماعة.(13/65)
95 - عُثْمَان بْن عيسى بْن دِرْباس، القاضي المحدِّث العلامة ضياء الدّين أَبُو عُمَر الهَدَبانيّ المارانيّ ثُمَّ المصريّ الفقيه الشّافعيّ، [المتوفى: 602 هـ]
أخو قاضي القضاة صدر الدّين عَبْد المَلِك.
تفقْه في صِباه بإربل عَلَى أَبِي العَبَّاس الخَضِرِ بْن عقيل، ثُمَّ تفقّه بدمشق عَلَى القاضي أَبِي سعد بْن أَبِي عصرون، وأحكم المذهبَ وأصولَه وشرح " المهذّب " شرحًا شافيًا لم يُسْبقْ إِلى مثله في عشرين مجلّدًا، وبقي عَلَيْهِ من الشّهادات إِلى آخره. وشرح " اللُّمَع " لأبي إِسْحَاق في مجلَّدين، وكان من أعلم الشافعيَّة في زمانه.
وقد ناب عَنْ أخيه في القضاء، وسَمِعَ من أَبِي الجيوش عساكر بْن عليّ.
قَالَ الحافظ المنذريّ: تُوُفّي في ثاني عشر ذي القعدة، وزاد أَنَّهُ تفقّه أيضًا عَلَى أَبِي البركات الخَضِرِ بْن شِبْل الحارثيّ.(13/65)
96 - عَرَفة بْن عليّ بْن الحَسَن بْن حمدُويَه، أَبُو المكارم ابن بُصْلا اللَّبَنِيّ. [المتوفى: 602 هـ]
شيخ صالح، مشتغل بنفسه، عاش سبعًا وسبعين سنة، وتفقَّه بالنِّظامِيَّةِ، وصحِب أبا النّجيب السُّهروَرديّ، وسَمِعَ من أَبِي الفضل الأُرْمَوي، وعبد الصَّبور الهروي. وحدث. [ص:66]
وعُرف باللَّبَنِيّ، لأنّه أقام سنين يتغذَّى باللّبن، ولا يأكُل خبزًا. وهذه عادة لا عبادة.
روى عنه أبو عبد الله الدبيثي، وغيره.(13/65)
97 - علي بن علي بن سعادة بن الجنيس، الفقيه أَبُو الحَسَن الفارقي، الشَّافِعِيّ. [المتوفى: 602 هـ]
تفقّه بتوريز، وسَمِعَ بها من مُحَمَّد بْن أسعد العَطّاريّ، وقَدِمَ بغداد فسَمِعَ من أَبِي زُرْعَة المقدسيّ، وصَحِبَ أبا النَّجيب عبدَ القاهر، وعَلَّق الخلافَ عَنِ الإِمام أَبِي المحاسن بْن بُندار، وأعاد بالنّظاميَّة، ونابَ في تدريسها، وناب في القضاء، ووليَ تدريس مدرسة أُمِّ النّاصر لدين الله.
ومات يومَ عَرَفة.
مِن كبار الشّافعيَّة.(13/66)
98 - عليّ بْن مُحَمَّد بْن جمال الإِسلام أَبِي الحَسَن عليّ بْن المُسَلَّم بْن مُحَمَّد، الفقيه شرف الدّين أَبُو الحَسَن السُّلَمِيّ الدّمشقيّ الشّافعيّ، المعروف جدّه بابنِ بنت الشَّهرُزوريّ. [المتوفى: 602 هـ]
وُلِدَ سنةَ أربعٍ وأربعين وخمسمائة، وتفقه، وسمع من أبي العشائر محمد بْن خليل، وأبي يَعْلَى حمزة بْن الحُبُوبيّ، وأبي الحسين القاسم ابن البُن، وخالَيْهِ الصّائن هبة الله والحافظ أَبِي القَاسِم، وجماعة. وحَجَّ، ودخل [ص:67] بغدادَ، فسمع مِن شُهْدَة، وجماعة، وقرأ عَلَى الكمال عبد الرحمن بن محمد الأنباري بعض تصانيفه، وحَدّث ببغداد ومصر، وكانت لَهُ اليدُ الطُّولى في الخلاف والبحث، وكان فصيحًا، حسنَ العبارة، دَرَّس بالأمينيَّة، وحدّث عَنْهُ يوسُفُ بنُ خليل، والضّياءُ مُحَمَّد، والشّهاب القُوصيّ.
وقال القُوصيّ: أَخْبَرَنَا مفتي الشّام شرفُ الدّين بقراءتي عَلَيْهِ بمدرسته الأمينية، قَالَ: وتُوُفّي بحمص غريبًا.
وقال أَبُو شامة: كَانَ قد سكن حمصَ منذ أُخرج مِن دمشق، وكان مدرّس الأمينيَّة والزّاوية المقابلة لباب البرّادة، وكان عالمًا بالمذهب والخلاف ماهرًا.
قلت: تُوُفّي في تاسع جُمادي الآخرة.(13/66)
99 - عُمَر بْن إِبْرَاهيم بْن عُثْمَان، أَبُو حفص التّركستانيُّ الأصلِ، الواسطيّ، الصّوفيّ، الواعظ. [المتوفى: 602 هـ]
سَمِعَ بواسط مِن عَبْد الرَّحْمَن بْن الحُسَيْن الدَّجاجيّ، ومحمد بْن عليّ الكَتَّانيّ. وببغداد من شُهْدَة، وجماعة. وسافر الكثير، وحَدّثَ، وتُوُفّي بشيراز.(13/67)
100 - عُمَر بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْد، أَبُو عَبْد الله المَقْدسيّ. [المتوفى: 602 هـ]
قَالَ الضّياء: ولد بعد الثلاثين وخمسمائة، وَحَدَّثَنَا عَنْ أَبِي الحُسَيْن عَبْد الحقّ بْن يوسف. وتُوُفّي في ربيع الآخر بقاسيون.
وقال الشّيخ الموفَّق: كَانَ فيه حَمِيَّة وأنَفَة، وكان حَسَنَ الصّلاة، حاضرَ القلب فيها.
قلت: وهو والدُ الشّابّ الإِمام سيف الدّين عَبْد الله المتوفى بحران في سنة ست وثمانين وخمسمائة.(13/67)
101 - فارس بانويه بنت محمد بن أَبِي القَاسِم بْن إبروَيه الأصبهانيَة الصّالحانيَّة. [المتوفى: 602 هـ][ص:68]
سَمِعْتُ من فاطمة الْجَوْزدانيَّة، وسعيد بْن أَبِي الرجاء، وحدثت بأصبهان، وتُوُفّيت في رابع ربيع الآخر؛ قاله الحافظ المنذري.(13/67)
102 - لُبابة بنت المبارك بْن هِبة الله بْن بَكْري الحَرِيميّ. [المتوفى: 602 هـ]
تُوُفّيت في ذي الحِجَّة عَنْ أربعٍ وسبعين سنة، وحدّثت عَنْ جدِّها لأمّها أَبِي البقاء هِبة الله بْن القَاسِم البُنْدار، وهو شيخ مُسِنٌّ يروي عَنْ طِرَاد النّقيب وغيره، وتوفي سنة بضع وأربعين وخمسمائة.(13/68)
103 - مُحَمَّد بْن ظافر بْن القَاسِم بْن منصور، أبو البركات ابن الأديب أَبِي المنصور الْجُذاميّ الإِسكندرانيّ الخيّاط. [المتوفى: 602 هـ]
الرجلُ الصالح المختص بصحبة الزاهد أبي الحسن ابن بنت أَبِي سَعْد، فإنّه خدمه أربعينَ سنة، وكان الشّيخ يُحبّه ويحترمه. وكان أَبُو البركات ذا سَمْتٍ وورع يتحرّى في خياطته، ويُغَسِّل الأعيانَ بمصر.
وأبوه ظافر الحدّاد، شاعر مشهور.(13/68)
104 - مُحَمَّد بْن أَبِي خالد عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عيسى بْن مُحَمَّد إِبْرَاهيم بْن مُحَمَّد بْن أَبِي زَمَنيْن، واسم أبي زَمَنْين عدنان بْن بشير بْن كثير، القاضي أَبُو بَكْر المرّيّ الأندلسيّ الإِلبيريّ، ثُمَّ الغَرْناطيّ. [المتوفى: 602 هـ]
قَالَ الأبّار: كذا نسبه أَبُو القَاسِم المَلاحيّ، وقال: إنّه وَقَّفَهُ عَلَى نسبه هذا، فأقَرَّ بِهِ. سَمِعَ أبا مروان بْن قزمان، وأبا الحَسَن الزّهريّ، وأبا القَاسِم بْن بَشكُوال، وجماعة. وكتب إِلَيْهِ أَبُو الحَسَن بْن هُذَيل، وأَبُو طاهر السِّلَفيّ، وطائفة. وولي قضاء غَرناطة ثُمَّ مَالَقَةَ.
قَالَ: وكان فقيهًا محدّثًا، حسنَ الخطّ والضّبْط. حدَّث عَنْهُ أَبُو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه، وأبو محمد ابن القُرطبيّ، وأَبُو الربيع بنُ سالم، وأَبُو جَعْفَر الدّلال. وتُوُفّي بغَرْناطة معزولًا عَنِ القضاء في شهر ربيع الأوّل، وله ثِنتان وسبعون سنة. [ص:69]
روى عَنْهُ ابن مَسديّ، وقال: هُوَ أوَّلُ مَن أُحضرت بين يديه وسمعتُ عَلَيْهِ، حَدَّثَنَا بإشارة جدي، فكان يأخذ مجلدا مُجَلَّدًا ثُمَّ يضعه في حجْري، ويقول لي: حَدّثْ بهذا عنّي. وكان أحدَ حُفَّاظ الحديث، وقد سَمِعَ من الحَسَن بْن عليّ بْن سهل الخشنيّ وخلْق.
فالخشنيّ لم أر لَهُ ترجمة، سمع من ابن سكرة.(13/68)
105 - محمد ابن القاضي المُعَمَّر أَبِي الفتح مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن بختيار، أَبُو حامد المَنْدائيّ الفقيه المفتي. [المتوفى: 602 هـ]
وُلِدَ سنة سبْعٍ وخمسين، وقَدِمَ بغداد فتفقّه بها، وسَمِعَ من أَبِي الفتح بْن شاتيل وطبقته، وقرأ " المقامات " عَلَى منوجهر بْن تركانشاه.
روى عَنْهُ أبو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، وقال: تُوُفّي في ثامن عشر شوّال، وصَلَّى عَلَيْهِ أبوه.(13/69)
106 - مسعود، الأمير سعد الدّين [المتوفى: 602 هـ]
صاحب صَفَد ابن الحاجب مبارك.
تُوُفّي بصفد في شوّال. وله بدمشق دار صارت للأمير جمال الدّين موسى بْن يغمور، وهي الّتي بقرب حمّام جاروخ بدمشق، وهي اليوم [. . .].
وتُوُفّي قبله في رمضان: أخوه(13/69)
107 - ممدود بدر الدّين شِحْنة دمشق، [المتوفى: 602 هـ]
الذي صارت داره للأجَلّ نجم الدّين ابن الجوهريّ بحارة البلاطة.
وكانا أميرين كبيرين لهما مواقفُ مشهورة مَعَ السّلطان صلاح الدّين، وهما ابنا السّتّ عذراء صاحبةِ المدرسة العذراويَّة، ووالدة الأمير فَرُّوخْشاه ابن الأمير شاهنشاه بن أيوب بن شاذي.(13/69)
108 - يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن خَلف، أَبُو زكريّا الهَوزنيّ الإِشبيليّ. [المتوفى: 602 هـ]
أخذ عَنْ أَبِي الحَكَم بْن حجاج، وأبي الأصبغ السماتي، وجماعة. وتصدر للإقراء ببلده وبسبتة.
قَالَ الأبّار: كَانَ مِن أهل الضَّبط والتّجويد، شهيرُ الذِّكْر، وله أُرجوزة [ص:70] في غريب القرآن. وقد أضرَّ بأخَرةٍ. أخذ عَنْهُ جماعةٌ؛ منهم أَبُو عَبْد الله بْن هشام. وتُوُفّي في رمضان.(13/69)
-وفيها وُلد:
مجد الدين محمد ابن الظهير الإربلي، والعماد الأشتر أحمد ابن المؤيّد، والنَّجيب مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد ابن المؤيَّد الهَمَذانيّ، والعماد مُحَمَّد بْن عُمَر بْن هلال الأزدي، والمؤمل بن محمد ابن البالسي، والزّين مُحَمَّد بْن الحَسَن بْن سالم الحِمْصِيّ، والجمال أبو محمد بن عبد الوهاب النخائلي، والعز عبد الرحمن ابن العزّ مُحَمَّد بْن عَبْد الغنيّ، وتقيّ الدّين إبراهيم ابن الواسطيّ، والتّاج أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن المعتزل، ومحمد بْن إِبْرَاهيم بْن تَرْجم في ربيع الأوّل، والمحدّثُ شرف الدّين أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الله المَوْصليّ ثُمَّ الدمشقي في ربيع الأول، والضياء أحمد ابن الشيخ مُحَمَّد بْن عُمَر بْن يوسف القُرطبيّ، سَمِعَ من زاهر بْن رُستم، وأَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي الفتح الحرّانيّ الضّرير، سَمِعَ ابن رُوزْبة، والجمال مُحَمَّد بن عبد الكريم بن درادة، والكمال يَحْيَى بنُ خَلَف المقاماتيّ بمصر، سَمِعَ مكرما.(13/70)
-سنة ثلاث وستمائة(13/71)
109 - أَحْمَد بْن عَبْد الغنيّ بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن خَلَف بْن المُسَلّم، الفقيه الأديب، نفيس الدين أبو العباس اللخمي، المالكي، المعروف بالقُطْرُسِيّ. [المتوفى: 603 هـ]
تفقّه عَلَى الإمام ظافر بْن الحُسَيْن الأزْديّ، واشتغل بالأُصولَيْن والمنطق، وقرأ الأدب على البارع موفق الدين يوسف ابن الخلال كاتب الدّيوان العاضدّي، وصحِبه مدَّةً، وصحِب غيرَه. وسَمِعَ من سعيد المأمونيّ. وتَصَدَّر للإِقراء والإِفادة، وله ديوان شِعر، تقلّب في الخدم الدّيوانية، ومدح ملوكًا ووزراء.
قَالَ المنذري: تُوُفّي فِي الرابع والعشرين من ربيع الأوّل، وأنشدنا عَنْهُ جماعة من أصحابه.
قلت: وروى عَنْهُ الشّهاب القُوصيّ في " معجمه ".(13/71)
110 - أَحْمَد بْن أبي المعمر يحيى بْن أَحْمَد بن عبيد اللَّه بْن هِبة الله، أَبُو المعالي البغداديّ، الخازن. [المتوفى: 603 هـ]
سَمِعَ الكثيرَ من نصرِ بْن نصر العُكْبَرِيّ، وابن الزَّاغونيّ، وأبي جَعْفَر أَحْمَد بْن مُحَمَّد العَبَّاسيّ، ومحمد بْن عُبَيْد الله الرُّطَبِيّ، وأقرانِهم، ومَن بعدهم، وكتب الكثيرَ، فممّا كتب: " الصّحيحان "، و " مسند " أحمد، و " طبقات " ابن سَعْد، وكتاب " الأغاني ".
وهو من بيت العدالة والرواية، وهو ابن عمّ الوزير عُبَيْد الله بْن يونس، قَالَ ابن النّجّار: كتبتُ عَنْهُ، وكان صدوقًا، حسن الطّريقة، عفيفًا، ديِّنًا، متودّدًا.
وقال الدّبيثِيّ: كَانَ ثقة؛ سمعنا منه الكثيرَ، وتُوُفّي في شعبان. [ص:72]
وروى عنه هو، والنجيب عبد اللطيف، وأجاز للفخر عليّ، وأحمد بْن شيبان، وجماعة.(13/71)
111 - إسْمَاعيل بْن عليّ بْن مواهب، أَبُو مُحَمَّد الحَظِيرِيّ، الدُّجَيْليّ. [المتوفى: 603 هـ]
قرأ العربيَّةَ عَلَى ابن الخَشّاب، واللّغة على أبي محمد ابن الجواليقيّ. وبرع وتقدّم، وأنشأ " الخُطَب "، وكتاب " تحرير الجواب ". وكان زاهدًا ورِعًا، نزل المَوْصِلَ.
تُوُفّي في صفر.(13/72)
112 - آمنة بنت أَبِي القَاسِم بْن أبي منصور ابن السَّدَنْك. [المتوفى: 603 هـ]
سَمِعْتُ قاضيَ المارستان أبا بَكْر. وهي أخت المبارك.
تُوُفيت في شعبان.(13/72)
113 - إِبْرَاهيم بْن يوسف بْن إِبْرَاهيم، أَبُو إِسْحَاق اللّخْميّ القُرطبيّ، المعروف بالمَعَاجِريّ المقرئ. [المتوفى: 603 هـ]
أخذ القراءاتِ عَنْ سَعْد بْن خَلَف، وولي الخَطابة. وكان مقرئا مجودا، ذا سمت ووقار.
قال ابن الطيلسان: صحبته زمانا.(13/72)
114 - إسماعيل بن المبارك بْن مُحَمَّد بْن مكارم بْن سكينة، أبو الفرج الأنماطي البغدادي. [المتوفى: 603 هـ]
سمع من أبيه، وأبي الفتح ابن البطي، وجماعة. وحدَّث.
تُوُفّي بإرْبِل.(13/72)
115 - إقبال، جمال الدّولة [المتوفى: 603 هـ]
خادم السّلطان صلاح الدّين الّذي وقف دارَيْهِ الإِقباليّتَين الّتي للحنفيَّة والّتي للشّافعيَّة بدمشق. [ص:73]
توفي ببيت المقدس.(13/72)
116 - جَعْفَر بْن المظفَّر بْن أَبِي سَعْد، أَبُو القاسم الشعيري البوراني. [المتوفى: 603 هـ]
سمع أحمد ابن الأشقر، وسَعْدَ الخيرِ، وأبا الوَقْت، وتُوُفّي في ذي الحجة.
روى عنه ابن النجار.(13/73)
117 - حسن بْن أَحْمَد بْن مفرّج، أَبُو عليّ البَكْريّ الأندلسيّ الإِشبيلي، المعروف بالزَّرْقالَّة. [المتوفى: 603 هـ]
سَمِعَ من يوسف بْن لبيب، وولي الأحكام بأُشُبُونة. وكان أديبًا طبيبًا، موفَّقًا في العلاج، بارعًا في الطّبّ، فاق أهلَ عصره في تمييز النّبات. وله حَظٌّ صالح من قرض الشِّعر.
وعاش بِضعًا وثمانين سنة. تُوُفّي فِي ذي القعدة.(13/73)
118 - الْحَسَن بْن علي بْن نصر بْن عَقِيّل، أَبُو عليّ العَبْديّ العراقيّ، هُمام الدّين. [المتوفى: 603 هـ]
من شيوخ الرَّافضة، وُلدِ بالحِلَّة سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، وكان خبيرًا بالأصول، كثيرَ المحفوظ، شاعرًا مُحْسِنًا كبيرًا. مدح المُستنجد والمُستضيء والنّاصر، ومدح صاحبَ المَوْصل وصاحب حلب. وأرسل إِلى السّلطان صلاح الدّين بقصيدة، فنفذ إِلَيْهِ مائة دينار. قَدِم حلب واشتغل عليه يحيى بن أبي طي، وعَظَّمه في " تاريخه ".
ومن شِعره: [ص:74]
ولَمْ أَرَ كَالدُّنيا مَقِيلَ مُهَجّرٍ ... حَبِيبٍ إلَيْهِ ظِلُّهَا وَهْوَ زَائِلُ
وما النَّاسُ إلا كَامِلُ الحَظِّ نَاقِصٌ ... وآخَرُ مِنهم نَاقِصُ الحَظِّ كَامِلُ
وإنّي لَمُنْشٍ مِنْ حَيَاءٍ وعِفَّةٍ ... وإنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي مِنَ المَالِ طَائِلُ
تُوُفّي بدمشق.(13/73)
119 - الحَسَن بْن يوسف بْن حسن، أَبُو عليّ ابن المحولي. [المتوفى: 603 هـ]
ولد سنة ست وعشرين وخمسمائة، وسمع من أبي محمد سبط الخياط، وإبراهيم بن نبهان الرقي، وأبي الفضل الأرموي، وتوفي في ربيع الأول.(13/74)
120 - داود بن محمد بن محمود بن ماشاذة، أبو إسماعيل الأصبهانيُّ. [المتوفى: 603 هـ]
وُلِدَ سنة عشرين وخمسمائة، وسَمِعَ من فاطمة الجوزدانية جميع " المعجم الكبير " حضورا، ومن زاهر الشَّحامي، وغانم بن خالد، وجماعة.
روى عنه الضياء المقدسي، وغيره، وأجاز لشمس الدين بن أبي عمر، وأحمد ابن شيبان، وأحمد بن أبي الخَيْر، والفخر علي، وجماعة.
وتوفي في شعبان.
أنبأني ابن أبي عمر وغيره، عن داود بن محمد ومحمد بن أحمد وغيرهما، عن فاطمة، عن ابن ريذة، عن الطبراني، قال: حدثنا أبو مسلم الكشِّي، قال: حدثنا أبو عاصم، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ، قال: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبع غزوات، ومع زيد بن حارثة سبع غزوات، كان يؤمِّره علينا.(13/74)
121 - رجاء بْن مُحَمَّد بْن هبة الله، الفقيه المفتي أبو العلاء الأصبهانيُّ. [المتوفى: 603 هـ]
روى عَنْ غانم بْن خالد، وغيره.
روى عَنْهُ يوسُف بنُ خليل، وقال الحافظ الضِّياء: توفي في شعبان بأصبهان.(13/74)
122 - سَعْد بْن عَبْد اللَّه بْن سَعْد بْن هبة الله بْن مُفْلح، أَبُو مُحَمَّد المقدسيُّ المؤذِّن. [المتوفى: 603 هـ]
سَمِعَ أبا المعالي بْن صابر.
روى عَنْهُ الشّيخ الضّياء، والفخر عليّ، والشيخ شمس الدّين.
تُوُفّي في أول ذي القعدة كهلًا.(13/75)
123 - سعيد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عطَّاف بْن أَحْمَد بْن حَبْشي بْن إبراهيم، أبو القاسم الهمذانيُّ الموصليُّ الأصلِ البغداديُّ المؤدِّب. [المتوفى: 603 هـ]
كَانَ يؤدّب بقراح أَبِي الشّحم، سَمِعَ من أَبِيهِ، وأبي بَكْر قاضي المارستان، وأبي القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ، وأبي الحَسَن بْن عَبْد السّلام الكاتب، وأجازَ لَهُ هِبَةُ الله بْن الحُصَيْن.
كتب عَنْهُ أَبُو المحاسن عُمَر بْن عليّ في أيام شُهْدَة.
وروى عَنْهُ الدُّبيثي، وابنُ خليل، والضياء، والنجيب عَبْد اللطيف، والتقي اليلدانيُّ، وآخرون.
وأجاز لابن أبي الخَيْر، وللشيخ شمس الدين عَبْد الرَّحْمَن، وللكمال عَبْد الرحيم، وللفخر عليّ.
وتُوُفّي في ثاني ربيع الآخر، وله نَيّف وثمانون سنة.(13/75)
124 - سعيد بْن أَبِي سَعْد بْن عبد العزيز العراقيُّ الجامديُّ - بالجيم - القَيْلُوييُّ، [المتوفى: 603 هـ]
وقيلُويةَ من قرى نهر المَلِك. [ص:76]
سَمِعَ أبا الفتح الكَرُوخيّ، وابن ناصر. وحدَّث.(13/75)
125 - صالح بْن عليّ بْن نفيس بْن أَبِي الحسن علي بن محمد بن محمد ابن الأخضر الأنباريُّ، أبو طالب العَدْل. [المتوفى: 603 هـ]
وُلِد بالحِلَّة سنة نيِّف وثلاثين، وتُوُفّي بالمَوْصل، وسَمِعَ بالأنبارِ من عمّ أَبِيهِ أَبِي نَصْر يَحْيَى بْن عليّ.
وحدَّث ببغداد؛ روى عنه الدُّبيثيُّ.(13/76)
126 - صفية بنت عبد الكريم ابن شيخ الشيوخ أبي البركات إسماعيل ابن أَبِي سَعْد النَّيسابوريِّ ثُمَّ البغداديِّ، أمُّ مُحَمَّد. [المتوفى: 603 هـ]
أجاز لها أَبُو عَبْد الله الفُرَاوي، وعليّ بْن طِرَاد الزَّينبي، وجماعة، وحدّثت، وتُوُفّيت في ليلة السابع والعشرين من رمضان عن بعض وثمانين سنة.(13/76)
127 - ظَفَر بْن عبَّاد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الرَّجاء الأمينيُّ، أَبُو الحَسَنات الأصبهانيُّ. [المتوفى: 603 هـ]
سَمِعَ منه الحافظ الضّياء، وقال: تُوُفّي في ربيع الأوّل.(13/76)
128 - عَبْد الله بْن صافي بْن عَبْد الله، أَبُو القَاسِم البغداديُّ الخازنيُّ. [المتوفى: 603 هـ]
وُلِدَ سنة خمس عشرة وخمسمائة، ذكر أَنَّهُ قرأ القرآن عَلَى أَبِي بَكْر المزرفي.
وسمع من علي بن أحمد ابن المُوحِّد، والحسين بْن عليّ سِبْط الخيَّاط.
وكان أَبُوهُ مولى رَجُل اسمه حُسَيْن الخازن.
وتُوُفّي في جُمادى الأولى.
روى عَنْهُ الدُّبيثي، والضّياء محمد.
وأجاز للشيخ شمس الدين ابن أَبِي عُمَر، والفخر عليّ، والكمال عَبْد الرحيم.
وتُوُفّي في جُمادي الأولى، وهو آخر مَنْ حدَّث عَنِ ابن الموحّد.(13/76)
129 - عبد الرحمن بن الحسين بن عبد الله، أبو منصور ابن النُّعمانيِّ النِّيليُّ الكاتب، المعروف بالقاضي شُرَيْح. [المتوفى: 603 هـ]
وَلي قضاء النِّيل مُدَّة.
وكان مُتَرسِّلًا، بليغًا، فصيحًا، مفوَّهًا، كريمًا، جَوادًا، كامل الرياسة يصلحُ للوزارة.
وقد كتب الإِنشاء للأمير طاشتِكين مدَّةً فقصده الوزير ابن مهديّ فحبسه حتّى مات، وله " رسائل " مدوَّنة في مجلَّدين.
تُوُفّي في ربيع الأوّل، ودُفن بداره ببغداد.(13/77)
130 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الخَيْر سلامة بْن يوسف بْن عليّ بن عبد الدائم، القاضي أبو القاسم القُضَاعيُّ البلويُّ الإسكندرانيُّ المالكيُّ. [المتوفى: 603 هـ]
ولد سنة عشرين وخمسمائة، وتفقَّه على الإمام أبي طالب صالح ابن بنت مُعافى، وحدّث عَنْ أَبِي عُبَيْد نعمة الله بْن زيادة، والحسين بْن عليّ التيبغانيّ، وولي قضاء الثَّغْر مُدَّة، وولي التّدريس بالقاهرة بالفاضليَّة، وانتفع بِهِ جماعة.
وكان شَفوقًا عَلَى الطَّلَبة ساعيًا في مصالحهم، وافر المروءة، جَمّ الإِيثار.
تُوُفّي في ثاني صفر.
روى عنه جماعة.(13/77)
131 - عَبْد الرَّحْمَن بْن صَدَقَة الواسطيُّ الطَّحَّان. [المتوفى: 603 هـ]
حدّث عَنِ ابن ناصر.(13/77)
132 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلِيّ بْن هبة اللَّه، نجيبُ الدِّين الأنصاريُّ المصريُّ أَبُو القَاسِم. [المتوفى: 603 هـ]
قارئ مصحف الذَّهب، ووالد قارئ المصحف أَبِي عليّ الحَسَن.
سَمِعَ من عليّ بْن نصر الأرْتاحِيّ، وغيره.
ومات في رجب.(13/77)
133 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن أَبِي القاسم، أبو القاسم ابن العجميِّ الأزجيُّ القطَّان، المعروف بابن الكافوريِّ. [المتوفى: 603 هـ][ص:78]
سَمِعَ من أَبِي البدر الكَرْخِيّ، وابن ناصر.
روى عَنْهُ الضّياء مُحَمَّد، وغيره.
وأجاز للشيخ شمس الدّين، وللفخر عليّ، وتُوُفّي في جُمادى الأولى.(13/77)
134 - عبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر بن أَبِي صالح، الإمام أَبُو بَكْر الجيليُّ ثُمَّ البغداديُّ الحنبليُّ المحدِّث الحافظ الثِّقة الزاهد. [المتوفى: 603 هـ]
وُلِد سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، وسَمِعَ الكثير بإفادة أَبِيهِ ثُمَّ بنفسه.
وعُني بالطّلب والأجزاء والسّماعات، وسَمِعَ من مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن صِرما، وأبي الفضل الأُرْمَويّ، وابن ناصر، وسعيد ابن البنّاء، وأحمد بْن طاهر المِيهَنيّ، وابن الزَّاغوني، وأبي الوَقْت، وأبي الكرم الشَّهرزوري، وطبقتهم.
ويقال لَهُ: الحَلْبِيّ، نسبة إِلى الحَلْبة، محلَّة بشرقيّ بغداد.
قَالَ الحافظ مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد: لم أر ببغداد في تيقُّظه وتحرِّيه مثله.
وقال أَبُو شامة في " تاريخه ": كَانَ زاهدًا عابدًا، ثقةً، مقتنعًا باليسير.
قلت: روى عَنْهُ الدُّبيثي، وابن النَّجَّار، والضياء، والنجيب عبد اللطيف، والتّقيّ اليَلْدانيّ، وطائفة.
وأجاز للشيخ شمس الدّين عَبْد الرَّحْمَن، والكمال عَبْد الرحيم، وأحمد بْن شيبان، وخديجة بنت الشهاب ابن راجح، وإسماعيل العَسْقلانيّ، والفخر عليّ: المقادسة.
ومات في سادس شوّال.
قَالَ ابنُ النَّجَّار: كتب لنفسه كثيرًا وللناس، وكان خطُّه رديئًا.
قَالَ: وكان حافظًا متقنًا، ثقةً صدوقًا، حسنَ المعرفة، فقيهًا ورِعًا، كثيرَ العبادة، منقطعًا في منزله لا يخرج إلا إلى الجمعة، محبًّا للرواية، مُكْرِمًا للطّلبة، سخيًّا بالفائدة، ذا مروءة مَعَ قِلَّةِ ذات يده، صابرًا عَلَى فقره عَلَى منهاج السَّلَف.
كَانَ يوم جنازته يوما مشهودا، وحمل على الرؤوس.(13/78)
135 - عَبْد المنعم بْن عُمر بْن حسَّان الغسَّانيُّ الجليانيُّ، أَبُو الفضل. [المتوفى: 603 هـ][ص:79]
ذكره الأبَّار، فَقَالَ: حجَّ وطوَّف بلادَ المشرق، وكان حكيمًا بليغًا، لَهُ النَّظْم والنّثر، وترسُّل مليح.
بلغني أنّه تُوُفّي سنة ثلاثٍ وستّمائة أو نحوها.
وروى عَنْهُ القُوصيّ في " معجمه "، وقال: مات بدمشق في ذي الحِجَّة سنةَ ثلاثٍ.
مدح السُّلطان صلاحَ الدّين، وكان غزير الفضل كحالًا.
وجلْيَانة: من بلاد الأندلس من عمل غَرناطة.
روى عَنْهُ ابنُ النَّجَّار مِن شِعره، وقال: مات في ذي القعدة سنة اثنتين وستّمائة.
قَالَ: وله رياضاتٌ، ومعرفةٌ بعلوم الباطن، وكلام على الطريقة.
قلت: نفسُه في نظْمه نَفَسٌ اتّحاديّ.
وقال العماد فيه: حكيمُ الزّمان أَبُو الفضل صاحبُ البديع البعيد والتّوشيح والتوسيع والتّرصيع والتَّصريع.
وهو مقيم بدمشق، وله في صلاح الدّين شِعر:
يُعايَنُ وَهْو مُغْمِصُ أَلْمَعِيُّ ... ويَسْبقُ وهُو مُتكئ الجَوَادا
توقَّدَ مِنْ جوانبِه ذَكاءٌ ... كأَنَّ لِكلِّ جارِحةٍ فؤادا
عاش اثنتين وسبعين سنة.(13/78)
136 - عَبْد الواحد بْن أَبِي طاهر مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد، أَبُو السُّعود الداريجيُّ البغداديُّ الأزجيُّ القطيعيُّ، المعروف بابن الطَّرَّاح. [المتوفى: 603 هـ]
وُلِدَ سنة عشرين وخمسمائة، وسَمِعَ من أَبِي البركات يَحْيَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الفارقيّ، وأبي بَكْر القاضي، وعبد المَلِك بْن عليّ بْن يوسف، وغيرهم.
وكان صحيحَ السِّماع، خيِّرا. روى عَنْهُ الدُّبيثي، والضّياء. وأجاز للفخر عليّ.
وتُوُفّي في خامس ذي الحِجَّة بقرية من قرى طريق خراسان، [ص:80] ودُفِنَ هناك.(13/79)
137 - عَبْد الوهّاب بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الغنيّ، أَبُو جَعْفَر الطبريُّ الأصلِ البغداديُّ المقرئُّ الضَّرير. [المتوفى: 603 هـ]
سَمِعَ من عَبْد اللطيف بْن أَحْمَد الأصبهانيّ، وهبة الله بْن أَحْمَد الشِّبلي. وحدث.(13/80)
138 - عتيق بْن أَبِي الفضل، أَبُو بَكْر البَنْدنيجيُّ ثُمَّ الأزجيُّ. [المتوفى: 603 هـ]
سَمِعَ من الشّيخ عَبْد القادر، وكان يُعرف بمعتوق.
مات في شعبان.(13/80)
139 - عتيق بْن يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن سُبَيْع، الإمام القدوة أَبُو بَكْر المذحجيُّ الأندلسيُّ. [المتوفى: 603 هـ]
أخذ عَنْ أَبِي إِسْحَاق قرقول، وصالح بْن عَبْد المَلِك الأوسيّ، وولي خطابة غَرناطة، وكان كبيرَ الشأن.
مات في شوَّال عَنْ سبعينَ سنة.(13/80)
140 - عليّ بْنُ عُمَر بْن فارس، أَبُو الفَرَج الباجسرائيُّ الحدَّاد الفقيه. [المتوفى: 603 هـ]
تفقَّه عَلَى أَبِي حكيم إِبْرَاهيم النَّهرواني، وأحكمَ الفرائضَ والحسابَ، وخدم في الدَّواوين.
وباجسْرا: قرية كبيرة عَلَى يومٍ منْ بغداد.(13/80)
141 - عليّ بْن فاضل بْن سعد الله بْن صمدُون المُحَدِّث، أَبُو الحَسَن الصُّوريُّ ثُمَّ المِصْريُّ المقرئ النَّحْويُّ. [المتوفى: 603 هـ]
قرأ القراءاتِ عَلَى أَبِي القَاسِم أَحْمَد بْنِ جَعْفَر الغافقيّ، وسَمِعَ من الإِمام أَبِي طاهر بْن سِلَفة فأكثَرَ، ومن العثمانيّ. وبمصر من الشَّريف أَبِي الفتوح ناصر بْن الحَسَن، والزاهد علي ابن بنت أَبِي سعد، وخلق كثير. [ص:81]
قَالَ الحافظ عَبْدُ العظيم: كتب الكثيرَ لنفسه وللناس، وكان فاضلا له معرفة حسنة، تخرَّج بِهِ جماعة مِن أصحاب السِّلفي.
وتصدَّر بالجامع العتيق بمصر، وحدّث.
روى عَنْهُ هُوَ، وغيرُ واحدٍ من المصريّين.
وأُمّه تقيَّة الأرمنازيَّة الشّاعرة.
أخبرنا إسحاق الوزيري، قال: أخبرنا الحافظ عبد العظيم، قال: أخبرنا علي بن فاضل، فذكر حديثا.
تُوُفّي في منتصف صفرٍ.(13/80)
142 - عليّ بْن مُحَمَّد بن علي بن أحمد ابن الخرَّاز، أبو الحسن الحريميُّ. [المتوفى: 603 هـ]
سمع أحمد ابن الطلاية، وسعيد ابن البنَّاء، وحدَّث، وتُوُفّي في ذي القعدة بطريق الحجاز.(13/81)
143 - عليّ بْن يَحْيَى بْن عَبْد الكريم، الفقيه أبو الحسن البَنْدَنيجيُّ الشَّافعيُّ. [المتوفى: 603 هـ]
تفقَّه ببغداد، وسَمِعَ من أَبِي الوقت، وغيره.(13/81)
144 - عُمَر بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر، أَبُو حفص السلميُّ الأغماتيُّ المغربيُّ القاضي. [المتوفى: 603 هـ]
أجاز لَهُ في صِغَره جدُّه لأمّه عَبْد الله بْن عليّ اللّخْميّ سِبْط الحافظ أَبِي عُمَر ابن عَبْد البرِّ.
وروى عَنْ أَبِي مروان بْن مسرَّة. [ص:82]
قَالَ الأبَّار: وأخذ عَنْ أَبِي بَكْر بْن طاهر الخَدَبّ " كتابَ " سيبويه تَفَهّما، وغلب عَلَيْهِ الأدبُ وفنونهُ، مَعَ جودة الخطّ، ونزاهة الأدوات.
وولي قضاء تلسمان، ثُمَّ ولي قضاءَ فاس، وولي أيضًا قضاءَ إِشبيلية، ونال دنيا عَريْضَةً. وكان خطيبًا مفوَّها.
رَوَى عَنْهُ أَبُو الرَّبِيع بْن سالم، وغيره.
وتُوُفّي في ربيع الأوّل، وقد جاوزَ السّبعين.(13/81)
145 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن نصر بْن أَبِي الفتح الحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن خَالوُيَه الصَّيدلانيُّ، أَبُو جَعْفَر الأصبهانيُّ، [المتوفى: 603 هـ]
سِبْط حسين بْن مَنْدَه.
ولد ليلة عيد الأضحى سنة تسع وخمسمائة، وحضر أبا عليّ الحدَّاد، وأبا منصور محمود بْن إسْمَاعيل الصَّيرفي، وأبا الخير عَبْد الكريم بْن عليّ فُورْجَة، وحمزة بْن العَبَّاس العلويّ، وأبا الوفاء عَبْد الجبّار بْن الفضل الأمويّ الراوي عَنْ أَبِي القَاسِم عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بكر الذَّكواني، وجعفر عَبْد الواحد الثّقفيّ، وأبا عدنان مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي نزار، وجماعة.
وسَمِعَ جميعَ " المعجم الكبير " للطّبرانيّ من فاطمة الْجُوزدانيَّة في سنة عشرين وخمسمائة، وهو آخر مَنْ روى بالحضور عمّن ذكرنا.
روى عنه أبو موسى ابن الحافظ، ومحمد بن عمر العثماني، ومحمد ابن أَحْمَد الزَّنجاني، وبَدَل التّبريزيّ، والحافظ الضّياء، والحافظ ابن خليل، والحسن بْن يونس سبط داود بْن مَعْمر، وعبد الله بْن عَبْد الأعلى القطَّان، وعبد الله بن يوسف ابن اللّمْط، وإسماعيل بْن ظَفَر، وأَبُو الخطّاب عُمَر بْن دحية، وآخرون.
وبالإِجازة: أحمدُ بْن أَبِي الخير، والشيخ شمس الدّين، والشيخ الفخر، والكمالُ عَبْد الرحيم، وأحمد بْن شيبان، وإسماعيل العَسْقلانيّ، والبرهان إبراهيم ابن الدَّرجي، وغيرهم.
وكان يُعرف بسِلَفة.
قرأت بخطّ الضّياء: أَنَّهُ تُوُفّي في سَلْخ رجب.
وقد سَمِعَ منه الضّياء شيئًا كثيرًا.(13/82)
146 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن هِبة اللَّه بْن تغلب، أَبُو عَبْد الله الفزرينيُّ المقرئ النَّحويُّ الضَّرير، المعروف بالبَهْجة. [المتوفى: 603 هـ]
وُلِد سنة ثلاثين، وقرأ العربيةِ عَلَى ابنِ الخشَّاب، وغيرِه، وسَمِعَ مِن أَبِي الكَرَم الشَّهرزوري، ومحمد بْن عُبَيْد الله الرُّطبي، وابن ناصر، وقرأ بعضَ القراءات عَلَى أبي الكَرَم.
وكان عارفًا بالنَّحْو، بصيرًا بِهِ، ثقةً، خيِّرًا، وهو من قرية فِزرينا، ويقال لَهُ: الفِزْرانيّ.
روى عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبيثي وقال: تُوُفّي في صفر. والضّياء المقدسيّ. وأجاز للشيخ شمس الدين، وللكمال عبد الرحيم، وللفخر ابن البخاريّ.(13/83)
147 - مُحَمَّد بْن إسْمَاعيل بْن عَبْد المنعم بْن معالي بْن هِبة اللَّه بْن الْحَسَن بْن علي، أبو عبد الله ابن الحُبُوبيِّ، الثَّعلبيُّ الدمشقيُّ الشَّافعيُّ. [المتوفى: 603 هـ]
من بيت الحديث والعدالة، روى عَنْ نسيِبه أَبِي يَعْلى حمزة ابن الحُبوبيّ.
روى عَنْهُ يوسف بْن خليل، والشّهاب القُوصيّ.
وتُوُفّي في حادي عشر ربيع الأوّل، ولَقَبُه زين الدّين. أجاز للفخر عليّ.(13/83)
148 - محمد بْن الحَسَن بْن إِبْرَاهيم بْن الحَسَن بْن بدَاوة، أَبُو عَبْد الله المرسيُّ الأنصاريُّ الغرناطيُّ الطَّبيب. [المتوفى: 603 هـ]
شيخ مُسْنِد معمَّر. سَمِعَ عام أربعين من أبي بكر ابن العربيّ " مسلسلاتِه ".
أدركه أَبُو بَكْر بْن مَسْدي، وسَمِعَ منه في هذه السنة بقراءة عمّه، وله نيِّف وثمانون سنة، وخرَّج عَنْهُ في " معجمه " أحاديث.(13/83)
149 - مُحَمَّد بْن أَبِي المفاخر سعيد بْن الحُسَيْن، أَبُو عَبْد الله الهاشميُّ العبَّاسيُّ المأمونيُّ الشَّريف الصوفيُّ الواعظ. [المتوفى: 603 هـ]
سكن مَعَ أَبِيهِ القاهرة. وقد سَمِعَ ببغداد من أَبِي الوقت، وبالإسكندرية من السِّلفي.
روى عَنْهُ الحافظ عَبْد العظيم، وقال: سألتُه عَنْ مولده، فَقَالَ: سنة [ص:84] ست وأربعين وخمسمائة، قَالَ: وكان حافظًا للقرآن، حَسَنَ الصّوت جدًّا، أمَّ بالأمير جمال الدّين فَرج مدَّة وهو متولِّي الإِسكندرية، وجاء معه إِلى مصر وأمَّ بالملك العزيز بمصر إِلى أن مات.
وانقطع بالخانقاه، ووعظ بالثّغر والقاهرة.
وصنَّف كتابًا في رؤوس الآي والمتشابه.
وابنه أَبُو بَكْر، حَدَّثَنَا عَنِ السِّلفي.
قلت: ابنُه أَبُو بَكْر محمد، حَدَّثَنَا عَنْهُ ابنه مُحَمَّد الجنائزيّ والأبرقوهيّ.
وتُوُفّي هذا في ثالث رجب.(13/83)
150 - مُحَمَّد بْن طاهر بْن مُحَمَّد، أَبُو بَكْر القيسيُّ الإشبيليُّ. [المتوفى: 603 هـ]
روى عَنْ جدّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن طاهر، وأبي الأصبغ السُّماتي الطحان، وابن بَشْكوال. وأخذ القراءات عَنِ السُّماتي.
وكان ورِعًا صالحًا صدوقًا.(13/84)
151 - مُحَمَّد بْن علوان بْن هِبة الله، أَبُو عَبْد الله الحَوْطيُّ التكريتيُّ الصُّوفيُّ. [المتوفى: 603 هـ]
قَدِمَ بغداد، وسَمِعَ من أَبِي الوَقْت، وأبي جَعْفَر العباسيّ، وهبة الله الشِّبلي.
ثُمَّ جاور وأمَّ بمقام إِبْرَاهيم؛ سَمِعَ منه مُحَمَّد بْن إسْمَاعيل بْن أَبِي الصَّيف اليمنيّ، وغيره.
وتُوُفّي بمكَّة في شعبان.(13/84)
152 - مُحَمَّد بْن القَاسِم بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الكريم، أَبُو عَبْد الله التميميُّ الفاسيُّ. [المتوفى: 603 هـ][ص:85]
سَمِعَ من أَبِي الحُسَيْن بْن حُنين، وحجَّ، فَسَمِعَ من السِّلفي وجماعة.
قَالَ الأبَّار: لَهُ أوهام، ولم يكن بالضّابط، قَفَل إِلى فاس، وحدَّث بها.(13/84)
153 - مُحَمَّد بْن كامل بْن أَحْمَد بْن أسد، أَبُو المحاسن التَّنوخيُّ المَعَرِّيُّ ثُمَّ الدمشقيُّ العَدْل. [المتوفى: 603 هـ]
ولد سنة خمس وعشرين وخمسمائة، وسمع من طاهر بْن سَهْل الإسْفَراييني في سنة إحدى وثلاثين.
روى عَنْهُ ابنُ خليلٍ، والضّياء، والفخرُ عليّ؛ وهو أقدمُ شيخٍ للفخر وفاةً، مات في ربيع الأوّل.
وقد أجاز للشيخ شمس الدّين، وللكمال عبدِ الرحيم.
سَمِعَ منه الفخر علي سادس " الجنَّائيات " في الخامسة.(13/85)
154 - مُحَمَّد بْن المأمون بْن الرَّشيد بْن مُحَمَّد بْن هِبة الله، أَبُو عَبْد الله المُطَّوعيُّ اللهاوُريُّ الهنديُّ. [المتوفى: 603 هـ]
سمع بنيسابور وهَراة، وبغدادَ والإِسكندرية، وحدَّث عَنْ أَبِي طاهر السَّلفي، وغيره، وسكن بأَذْرَبِيجان، ووعَظَ هناك، فقصده الملاحدةُ - لعنهم الله - فقتلوه.
روى عَنْهُ أَبُو عَبْد الله الدُّبيثي.(13/85)
155 - مُحَمَّد بْن مَعْمَر بْن الفاخر، هو مخلص الدين أبو عبد الله ابن الحافظ أبي أحمد معمر ابن الشيخ أَبِي القَاسِم عَبْد الواحد بْن رجاء القرشيُّ العَبْشَميُّ الأصبهانيُّ الشَّافعيُّ. [المتوفى: 603 هـ][ص:86]
وُلِدَ في جُمادى الآخرة سنة عشرين وخمسمائة، وسَمِعَ حضورًا من فاطمة الجُوزدانية، وجعفر بْن عبد الواحد الثقفي، وإسماعيل ابن الأخشيد، وسَمِعَ من مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَبِي ذَرّ، وسعيد بْن أَبِي الرجاء الصَّيرفي، وإسماعيل بْن أَبِي صالح المؤذّن، والحسين بْن عَبْد المَلِك الخِلال، وأبي نصر أَحْمَد بْن عُمَر الغازي، وأبي القَاسِم عَبْد الله بْن مُحَمَّد الخَطِيبِيّ، وزاهر الشحَّامي، وغانم بْن أَحْمَد الْجُلوديّ، ومحمد بْن أَبِي نصر اللّفتوانيّ، وأبي سعد أَحْمَد بْن مُحَمَّد البغداديّ، وأخته فاطمة.
وعنده من " معجم " الطّبرانيّ من أوّله إِلى وسط ترجمة عِمران بْن حُصين.
وقدِم بغداد مرارًا، وأملى بها، وكان محدثا مفيدا، فاضلا، فقيهًا، عالمًا، كثيرَ الفضائلِ، محتشمًا نبيلًا.
قال ابنُ النّجّار: كَانَ حسنَ المعرفة بمذهب الشافعيّ، لَهُ معرفة بالحديث، ويدٌ باسطةٌ في الأدب، وتفنَّن في كلِّ عِلم، يكتب خطًّا حسنًا.
وكان من ظِرَافِ النّاس ومحاسنهم، ثقةً، متديّنًا، لَهُ مكانةٌ رفيعة عند الملوك، حَدَّثَني عَنْهُ أخوه داود.
وقد سَمِعَ بالكوفةِ من أَبِي البركات عُمَر بْن إِبْرَاهيم الزَّيدي، وببغداد من سَعْد الخير وجماعة.
روى عَنْهُ أَبُو موسى عبد الله ابن الحافظ، وابنُ خليل، والضّياء، وعبدُ الرَّحْمَن بْن عُمَر الواعظ، وبالإِجازة الشيخُ شمس الدّين، وأحمدُ بن شيبان، والفخر علي، والبرهان ابن الدَّرجي، وغيرُهم.
وكان يمتنع من إجازة المناكير والموضوعات.
وخرَج إِلى شيراز، فتُوفّي بها في ربيع الأوّل. وقال ابنُ النّجّار: مات في عاشر ربيع الآخر.(13/85)
156 - مُحَمَّد بْن المؤيَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن حَواري، مُهَذب الدّين التنوخيُّ المَعَرِّيُّ الشاعر. [المتوفى: 603 هـ]
روى عَنْ جدّه أَبِي اليقظان أَحْمَد، عَنْ أَبِي العلاء شِعرًا.
روى عَنْهُ القُوصيّ، وقال: تُوُفّي بالمعرَّة سنة ثلاث. [ص:87]
قلت: وروى عَنْهُ الأديبُ عبدُ السلام بْن ياقوت الزَّرَّاد، وتقيُّ الدّين إسْمَاعيل بْن أَبِي اليُسْر، والجمال يوسفُ بنُ يعقوب الذَّهبي، وغيرهم.(13/86)
157 - مُحَمَّد بْن يوسف بْن أَبِي زيد، أَبُو عَبْد الله البلنسيُّ، المعروف بابن عيَّاد. [المتوفى: 603 هـ]
سَمِعَ مِن أَبِيهِ أَبِي عُمَر بْن عيَّاد، وأبي الحسن بن هُذيل، وأبي بكر ابن نمارة، وأبي عَبْد الله بْن سعادة، وجماعة.
وكان من أهل العناية بالرواية والتَّقييد والحِفْظ والمشاركة في العربية.(13/87)
158 - محمود بْنُ سالم بْن مَهْدي، الخيِّر، [المتوفى: 603 هـ]
والد الشيخ إِبْرَاهيم ابن الخيِّر.
شيخٌ بغداديّ مقرئ ضرير صالح، سَمِعَ من أبي الوقت، وابن ناصر.
أخذ عَنْهُ آحادُ الطّلبة، وتُوُفّي في صفر.
والخيِّر: لَقَبٌ لَهُ.(13/87)
159 - مريم الرُّومية، مولاة الشيخ عَبْد القادر الجيليّ وأمُّ أولاد لَهُ. [المتوفى: 603 هـ]
سَمِعْتُ مِن أَبِي منصور القزَّاز، لكن لم تَرْوِ.
ماتت في ربيع الأوّل، ونيَّفت عَلَى التّسعين.(13/87)
160 - مكّيّ بْن ريَّان بْن شبَّة بْن صالح، أَبُو الحَرَم الماكسينيُّ المولد الموصليُّ الضّرير المقرئ النَّحْويُّ. [المتوفى: 603 هـ]
أضرَّ وهو ابن ثمان سنين.
ورحل إِلى بغداد، فأخذ العربيَّة عن أبي محمد ابن الخشَّاب، وأبي الحسين علي ابن العصَّار، والكمال عَبْد الرَّحْمَن الأنباريّ، وأخذ بالمَوْصِل أيضًا عَنْ يَحْيَى بْن سعدون القُرطبيّ الكثيرَ مِن القراءات واللّغات، وبَرَعَ في القراءات وجوَّدها، وأقرأ النّاسَ دهرًا، وتخرّجَ بِهِ أهلُ المَوْصل، وقَدِمَ حلب، فحمل عَنْهُ أهلُها الكثيرَ، وقَدِمَ دمشق، فحدَّث بها عَنْ أَبِي الفضل خطيب الموصل، وسعيد ابن الدّهّان.
وقرأ عَلَيْهِ علمُ الدّين السَّخاوي كتاب " أسرار العربية " لشيخه الكمال الأنْبَارِيّ. [ص:88]
وعمي مِن الجُدَري، وكان يتعصَّب لأبي العلاء المعرِّي لما بينهما من الأدب والعمى بالجُدري.
قَالَ ابنُ الأثير: كَانَ عارفًا بالنّحْو، واللّغة، والقراءات، لم يكن في زمانه مثلُه، ويعرف الفقه والحساب معرفةً حسنة، وكان من خيار عباد الله وصالحيهم رحمه الله.
قلت: ولَقَبُه صائن الدّين.
روى عَنْهُ الشّهاب القُوصِيّ، والضّياء المقدسيّ وابن أخته الفخر عليّ، وجماعة.
وتُوُفّي في سادس شوّال بالموصل وقد قارب السّبعين.(13/87)
161 - ملدُّ بْن المبارك بْن الحُسَيْن، أَبُو المكارم الهاشميُّ البغداديُّ، المعروف بابن النَّشَّال. [المتوفى: 603 هـ]
سَمِعَ أبا منصور بْن خَيْرون.
روى عَنْهُ الدُّبيثي، والضِّياء، وتُوُفّي في ربيع الأول، وقد قارب الثمانين.(13/88)
162 - نصر اللَّه ابْن جمالِ الأئمَة أَبِي القاسم عليّ بْن الحَسَن بْن الحَسَن، الفقيه أبو الفتح ابن الماسح الكلابيُّ الدمشقيُّ الفقيه الشافعيُّ. [المتوفى: 603 هـ]
مِن بيت العِلْمِ والعدالة، سَمِعَ أَبَاهُ، وحمزةَ بنَ فارس.
وكان الاعتمادُ عَلَى جدِّه أَبِي الفضائل في المساحة والحساب في زمانه.
تُوُفّي أَبُو الفتح في ذي الحِجَّة بدمشق.
روى عَنْهُ ابنُ خليل.(13/88)
163 - هبَةُ الله بْن يَحْيَى بْن عليّ، أَبُو القَاسِم التَّميميُّ العَدْل الشافعيُّ المِصْريُّ المنعوت بالمُفَضَّل. [المتوفى: 603 هـ]
سَمِعَ بمكَّة من أَبِي الفتح الكرُوخي.
وحدَّث بمصر.
وكان رئيسًا متميِّزًا.
روى عَنْهُ الحافظُ عبدُ العظيم، وقال: تُوُفّي في الثالث والعشرين من جُمادي الآخرة.(13/88)
-وفيها وُلِد
نجمُ الدّين أَبُو عَبْد الله بْن حَمْدان الحنبليُّ، والتّاج عَبْد الخالق بْن عَبْد السّلام البَعْلبَكيُّ، والقُطب عبدُ المنعم بْن يَحْيَى الزُّهريُّ خطيب القدس، والشرف يوسف بْن الحَسَن النَّابلسيُّ المحدّث، وقاضي القُضاة تقيُّ الدِّين مُحَمَّد بْن الحُسَيْن بْن رَزين، وقاضي القضاة شمس الدين محمد ابن العماد الحنبليُّ، وعبد الله ابن الناصح ابن الحنبلي، والمعين إِبْرَاهيم بْن عُمَر القرشيُّ المحدّث، وأَبُو الفضلِ محمد بن محمد ابن الدباب الواعظ ببغداد، والمحيي عبد الرحيم ابن الدميري، والشيخ شمس الدين محمد ابن العماد إبراهيم، وتقيُّ الدين عباس ابن المَلِك العادل، وأخته الخاتون مؤنسة، ونجمُ الدّين مُحَمَّد بْن إسرائيل الشاعر، والشيخُ تقيّ الدّين إبراهيم بن علي ابن الواسطيّ في قولٍ، والكمالُ عَبْد القادر بْن عبد العزيز بْن صالح الحجريُّ سمع ابن عماد، وأَبُو القَاسِم بنُ أَحْمَد بْن إِبْرَاهيم الحمصيُّ سمع ابن الحَرَسْتاني.(13/89)
-سنة أربع وستمائة(13/90)
164 - أَحْمَد بْن الحافظ أَبِي العلاء الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن الحَسَن، أَبُو عَبْد الله الهَمَذانيّ العطّار. [المتوفى: 604 هـ]
وُلِدَ سنة ثلاثٍ وثلاثين تقريبًا، وسَمِعَ أبا بَكْر هِبةَ الله ابْن أخت الطّويل، ونصر ابن البرمكيّ. ورحل بِهِ أَبُوهُ إِلى أصبهان، فسمع من غانم بْن أَحْمَد الْجُلوديّ، وعتيق الرُّويدَشتيّ، وفاطمة بنت مُحَمَّد البغداديّ، وطبقتهم.
وسَمِعَ ببغداد من أَبِي الفضل الأُرْمَويّ، وابن ناصر، وجماعة.
وكان حَسَنَ السَّمْت، فقيهًا، فاضلًا، أديبًا، تُوُفّي بِهَمَذَان في صفر.
حدَّث بمكَّة، فروى عَنْهُ أَبُو الحَسَن بْن المُفَضّل المقدسيّ، وأجاز للفخر عليّ، وغيره، وروى عَنْهُ أيضًا أَبُو الحَجّاج بْن خليل.
وعاش سبعين سنةً وزيادة.(13/90)
165 - أَحْمَد بْن سَلِيم بْن فارس، أَبُو العَبَّاس الحربيّ الكاتب. [المتوفى: 604 هـ]
سَمِعَ عَبْد الله بْن أَحْمَد بْن يوسف، وعاش ثمانينَ سنةً. سَمِعَ منه جماعةٌ. وأجاز للفخر عليّ، وللكمال عبدِ الرحيم، وخديجة بنتِ راجح.(13/90)
166 - أحمدُ بْن عليّ بْن هبة الله البغداديّ. [المتوفى: 604 هـ]
سَمِعَ ابنَ البَطِّي، ومات فِي المُحَرَّم.(13/90)
167 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مِقدام، أَبُو العَبَّاس الرُّعَينيّ الإِشبيليّ. [المتوفى: 604 هـ]
أخَذَ القراءاتِ ببلاده عَنْ أَبِي الحَسَن شُرَيْح بْن مُحَمَّد، وسَمِعَ منه، ومن أبي بكر ابن العربيّ، وصحِبه إِلى مرَّاكُشَ وشهِدَ موته بفاس، وأخذ أيضًا عَنْ أَبِي عُمَر بْن صالح، وعليِّ بنِ مسلم، وأبي الحَكَم بْن بَطّال.
قَالَ الأبّار: كَانَ مقرئًا، زاهدًا، أديبًا، يحفظ ديوانَ " سقط الزّند " [ص:91] للمعري. وأخذ الناس عنه كثيرا، وانفرد بالأخذ عَنْ شُريح، وتُوُفّي بينَ العيدين. وكان مولده في سنة ست عشرة وخمسمائة.
قلت: قرأ عَلَيْهِ بالروايات: أَبُو الحكم بنُ حجاج، وأبو زكريا بن أبي الغصن شيخ ابن الزّبير، وأَبُو الخطّاب بنُ خليل الأندلسّيون، وأَبُو إسحاق ابن وثيق صاحب التّجويد.(13/90)
168 - أفضل بْن المظفَّر بْن علي ابن المكشوط الهاشميّ، أَبُو الحَسَن. [المتوفى: 604 هـ]
سَمِعَ محمدَ بْن عَبْد العزيز بْن أَبِي حامد ابن البَيِّع، وتُوُفّي في شعبان.(13/91)
169 - أميري بْن ناصر، أَبُو الحَسَن العَلَويّ الفارسيّ الصُّوفيّ الزّاهد. [المتوفى: 604 هـ]
حدَّث بدمشق عن السلفي.(13/91)
170 - جَوْهَرَةُ بنت هِبة الله بْن الحُسَيْن بْن علي ابن الدَّواميّ، [المتوفى: 604 هـ]
زوجة الشّيخ أَبِي النَّجيب السُّهْرَورْديّ.
روت عن أبي الوقت السجزي، وتوفيت في شعبان.(13/91)
171 - الحَسَن بْن محمود، أَبُو مُحَمَّد بْن الحَكّاك الموصليّ. [المتوفى: 604 هـ]
شاعر مُحْسِن، ورد الشّامَ، ومَدَحَ صلاحَ الدّين وولَدَه المَلِك الظّاهر، وأقام بسنجار، وبها تُوُفّي.
فمن شِعره في الكلب:
أُوصيكَ يا ابْني بِحَامِي الشَّاءِ والإِبِلِ ... وجَالِب الضَّيْفِ مِنْ سَهْلٍ وَمِنْ جَبَلِ
يُبَشِّرُ الضَّيْفَ قَبْلِي ثُمَّ يَسْبِقُهُ ... نَحْوي فَيَرْقُصُ لِي مِنْ شِدَّةِ الْجَذَلِ(13/91)
172 - الحسنُ بْن يَحْيَى بْن عمارة، أَبُو مُحَمَّد البغدادي الكاتب. [المتوفى: 604 هـ]
سَمِعَ أبا زُرعة المقدسيّ، والوزيرَ ابن هُبيرة، وله شِعر حَسَن وتَرَسُّل.
تُوُفّي في ربيع الآخر.(13/91)
173 - الحسنُ بْن أَبِي طالب نصرُ بْن عليّ ابن النّاقد، الحاجب شرف الدّين. [المتوفى: 604 هـ]
وَلِيَ نظرَ المخزن ببغداد، فطغى، وتجبَّر وفَسَقَ، وبنى دارًا عظيمة، ومَدَّ عينه إِلى أولادِ النّاس، فاستأصله الخليفةُ، وخَرَّب دارَه وحبسه، فأُخرج ميتًا. وقد سَبّه ابنُ النّجّار، وبالغ في مَقْته.(13/92)
174 - حنبلُ بنُ عَبْد الله بْن الفَرَج بْن سعادة، أَبُو عليّ، وأَبُو عَبْد الله الواسطيُّ الأصلِ البغداديّ الرُّصافيّ النسَّاج المكبِّر. [المتوفى: 604 هـ]
راوي " المُسند " عَنْ أَبِي القاسم ابن الحُصَيْن، وسَمِعَ شيئًا يسيرًا من أَبِي القَاسِم ابن السَّمَرْقَنْدي، وأحمد بْن منصور بْن المُؤَمَّل، وحدَّث ببغداد، والمَوْصِلِ، ودمشق. وكان يُكَبِّر بجامع المهديّ، ويُنادي عَلَى الأملاك. عاش تسعين سنةً أو نحوها.
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُقْطَةَ، قال: حدثنا أبو الطاهر ابن الأَنْمَاطِيِّ بِدِمَشْقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا وُلِدْتُ، مَضَى أَبِي إِلَى الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجِيلِيِّ، وَقَالَ لَهُ: قَدْ وُلِدَ لِي وَلَدٌ فَمَا أُسَمِّيهِ؟ قَالَ: سَمِّهِ حنبل، وَإِذَا كَبِرَ سَمِّعْهُ " مُسْنَدَ " أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. قَالَ: فَسَمَّانِي كَمَا أَمَرَهُ، فَلَمَّا كَبِرْتُ سَمَّعَنِي " الْمُسْنَدَ "، وَكَانَ هَذَا مِنْ بَرَكَةِ مَشُورَةِ الشَّيْخِ.
قَالَ الدُّبَيْثِيّ: حنبل أَبُو عَبْد الله، كَانَ دلالًا في بيع الأملاك. سُئل عَنْ مولده، فذكر ما يدلّ عَلَى أَنَّهُ في سنة عشر أو إحدى عشرة وخمسمائة. قَالَ: وتُوُفّي بَعْدَ عَوْدِه من الشام في ليلة الجمعة رابعَ محرّم سنة أربع.
قَالَ ابن الأنماطي: أسمعه أبوه " المسند " بقراءة ابن الخشّاب في شهري رجب وشعبانُ سنةَ ثلاثٍ وعشرين، وسمعتُ منه جميعَ " المُسند " ببغداد، أكثره بقراءتي عَلَيْهِ في نَيِّفٍ وعشرين مجلسًا، ولمّا فرغتُ من سماعه، أخذتُ أُرغِّبهُ في السفر إِلى الشّام فقلت: يَحْصُلُ لك من الدّنيا طَرَفٌ صالح، وتُقبل عليك وجوهُ النّاس ورؤساؤهم. فَقَالَ: دعني، فَوَاللهِ ما أُسافر لأجلهم، ولا لما [ص:93] يَحْصُل منهم، وإنّما أسافر خدمةً لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أروي أحاديثَه في بلدٍ لا تُروى فيه. ولما عَلِم الله منه هذه النّيَّة الصّالحة أقبل بوجوه النّاسِ إِلَيْهِ وحَرَّك الهِممَ للسّماع عَلَيْهِ، فاجتمع إِلَيْهِ جماعةٌ لا نعلمها اجتمعت في مجلس سماع قبل هذا بدمشق، بل لم يجتمع مثلُها قطّ لأحدٍ ممّن روى " المُسْند ".
قلتُ: سَمِعَ من حنبل خلق كثير منهم الضّياء، والدّبَيْثِيّ، وابنُ النّجّار، وابنُ خليل، والملكُ المحسن وهو الّذي أحضره وأمَّره وأعطاه، والتّقيّ أَحْمَدُ بْن العز، والفقيه اليونيني، وأبو الطاهر ابن الأنماطي، والتاج ابن أَبِي جَعْفَر، ومحمدُ بْن عَبْد العزيز بْن خلدون، والزين محمد بْن عُمَر الأنصاري الفاسيّ الأديب المعروف بابن الزقزوق، والموفَّق مُحَمَّدُ بْن عُمَر خطيب بيت الأبّار، والصّدرُ البكريّ، وأخوه الشرفُ مُحَمَّد، ومحمد بن نصر الله ابن أَبِي سُرَاقة الهَمْدانيّ، وأحمدُ بْن جميل المُطَعِّم، وأحمدُ بْن عَبْد الله بْن موسى النابلسيّ، وخطيبُ مردا، وأحمدُ بْن كتائب البانياسيّ، وإسماعيل بْن أَبِي اليُسْر، والمسلّم بْن علان، وشمسُ الدّين عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي عُمَر، وأحمدُ بْن شيبان، والفخر عليّ، وغازي الحلاويّ.
قَالَ الإمام أَبُو شامة: وكان حنبل فقيرًا جدًا، روى " المسند " بإربِل والموصل ودمشق. وكان كثير الأمراض بالتخم، كَانَ المَلِك المعظم يطعمه تِلْكَ الألوان، وهو يُسرفُ فيها.
وقال ابنُ الأنماطيّ: كَانَ أَبُوهُ عبدُ الله قد وقف نفسَه عَلَى السَّعي في مصالح المسلمين، والمشي في قضاء حوائجهم. وكان أكبرُ هَمِّه تجهيزَ مَن يموت على الطرق.(13/92)
175 - داود ابن الخليفة العاضد العُبَيْديّ، أَبُو سُلَيْمَان. [المتوفى: 604 هـ]
تُوُفّي بقصر الإِمارة بالقاهرة في ذي القعدة، ولم يُعْقب.(13/93)
176 - دُرَّةُ بنتُ عُثْمَان بْن منصور الحلاوي البغداديّ، أمّ عُثْمَان. [المتوفى: 604 هـ]
سَمِعْتُ من هِبة الله بْن الطّبر الحريريّ. روى عنها الضّياءُ، وابنُ خليل، والنّجيبُ عَبْد اللّطيف، وآخرون، وتُوُفّيت في شَوَّال. [ص:94]
ويعرف أبوها بابن قيامة.(13/93)
177 - سالم بْن منصور بْن عَبْد الحميد، أَبُو الغنائم العَرَبانيّ المقرئ. [المتوفى: 604 هـ]
تفقَّه بمدينةِ الرَّحبة عَلَى أبي عبد الله ابن المُتْقِنَة. وسَمِعَ ببغداد من ابن البَطِّيّ، وأبي زُرْعة، وكان ديّنًا خَيّرًا.
مات ببغداد في جُمادي الآخرة.
وعَرَبان: مِن قرى الخابور.(13/94)
178 - سِتُّ الكتبة نعمة بنت علي بن يحيى ابن الطّرَّاح المُدير. [المتوفى: 604 هـ]
قدِمت دمشقَ وسكنتها، وحدّثتْ أيضًا بالحجاز، روت الكثيرَ عَنْ جدِّها يَحْيَى، وعن أبي شجاع عُمَرَ بنِ مُحَمَّد البسطاميّ.
روى عنها الضّياءُ، وابنُ خليل، والتَّقيّ اليَلْدانيّ، والزّكيّ عَبْد العظيم، وجماعة آخِرُهم شمسُ الدِّين عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي عُمَر، ثُمَّ فخر الدّين علي ابن البخاري. وأجاز لها الفُراويُّ، ومحمد بْن عليّ بْن أَبِي ذَرّ الصّالحانيّ، والحسينُ بْن عَبْد المَلِك الخلال، وسمعت مِنْ جَدِّها جملةً من تصانيف الخطيب، بإجازته منه.
قَالَ الشّهابُ القُوصيّ: شاهدت من ذَلِكَ في ثَبَتها كتاب " الجهر بالبسملة "، كتاب " الجامع "، " مسألة الاحتجاج بالشافعيّ "، كتاب " السّابق واللّاحق "، كتاب " الكفاية "، كتاب " البخلاء "، كتاب " القُنُوت "، كتاب " صوم يومِ الشّكّ ". قَالَ: ومولدها في سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة.
وقال الحافظ عبد العظيم: ولدت سنة ثمان عشرة.
وقال شيخنا ابنُ الظّاهريّ: وُلِدَتْ في ذي الحجَّة سنةَ أربعٍ [ص:95] وعشرين، وكنيتُها أم عَبْد الغني. وتُوُفّيت في الثامن والعشرين من ربيع الأوّل.(13/94)
179 - سنجر شاه بنُ غازي بْن مودود، السّلطان عزّ الدّين الأتابكيّ، [المتوفى: 604 هـ]
صاحب جزيرةِ ابن عُمَرَ.
تُوُفّي في هذا العام، في قول.(13/95)
180 - صفيَّة بنتُ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن ملاعب، [المتوفى: 604 هـ]
أخت داود الوكيل، وأخت حفصة.
سَمِعْتُ من أَبِي الفضل الأُرْمَويّ. روى عنها الضّياءُ، والبغاددة.
توفيت في شوال.(13/95)
181 - طاهر بْن أَحْمَد بْن أَبِي بَكْر، أَبُو بكرٍ الأزَجيّ البَقَّال. [المتوفى: 604 هـ]
سَمِعَ الزَّاغونيّ، وابنَ ناصر.(13/95)
182 - عَبْدُ الله بْن أَحْمَد بْن عُمَر بْن سالم بْن باقا، أَبُو مُحَمَّد السِّيبِيُّ الأصلِ البغداديّ العدل التّاجر، المعروف بابن الدُّوَيْك، [المتوفى: 604 هـ]
وهو أخو عبد العزيز.
سمع أبا الفتح ابن البَطِّيّ، وأبا زُرْعة المقدسيّ.
قَالَ الدُّبَيْثِيّ: ما أعلَمه حَدَّث.(13/95)
183 - عبدُ الله بْن عيسى بْن عَبْد الله، أَبُو مُحَمَّد الأنصاريّ القُرطبيّ المُكَتِّب الزاهد. [المتوفى: 604 هـ]
أَخذ القراءاتِ عَنْ عَبْد الرحيم بْن قاسم المحاربيّ. وجَلَسَ للتعليم، [ص:96] وكان يَتَقوَّت مِن كِراءِ رَبْعٍ لَهُ.
قَالَ الأبار: كَانَ منقطع القرين في الزهد والورع.(13/95)
184 - عبدُ الله بنُ مُبادِر، أَبُو بَكْر البقابوسيّ، [المتوفى: 604 هـ]
وبَقَابُوس: من قرى نهر المَلِك.
كَانَ مقرئًا مجوِّدًا، ضريرًا، يؤُمّ بمسجد، قرأ القرآن عَلَى أَبِي الكَرَم الشَّهرُزُوريّ، وعليّ بْن غَنِيمَة، وسَمِعَ من عبد الخالق اليوسفي، وأبي بكر ابن الزاغوني، وسعيد ابن البنّاء. روى عَنْهُ الدُّبَيْثِيّ، والضّياء.
وتُوُفّي في ربيع الأوّل.(13/96)
185 - عبدُ الحق بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الحق بْن أَحْمَد المقرئ، أَبُو مُحَمَّد الخزرجي القرطبي. [المتوفى: 604 هـ]
أخذ القراءات عن ابن عم أَبِيهِ أَبِي زيد عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ الخزْرجيّ المقرئ، وعبد الرحيم بْن قاسم، وأخذ قراءة نافع عَنْ أَحْمَد بْن صالح الضّرير. وسَمِعَ من أَبِيهِ أَبِي عَبْد الله، وأبي مروان بْن مَسَرَّة فأكثر، وأخذ العربيَّة عَنْ أَبِي القَاسِم بْن سمجون، وتصدَّرَ بقُرطبة للإقراء والتّحديث. وعُمِّر وأسَنَّ. وكان عارفًا بالقراءاتِ، ضابطًا لها. حَدّثَ عَنْهُ جماعة، وتُوُفّي في شعبان، وولد في حدود الخمس وعشرين وخمسمائة، وكان شيخه أَبُو زيد حيًّا في حدود الأربعين.
قلتُ: سَمِعَ منه أَبُو العَبَّاس أحمدُ بْن عُمَر بْن إِبْرَاهيم القُرطبيّ أكثرَ " الموطّأ " سنةَ ستِّمائة بروايته عَنْ أَبِيهِ.(13/96)
186 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عيسى بْن عليّ بْن الحسين الحنبلي، أبو الفرج ابن البُزُورِيّ، البغداديّ الواعظ. [المتوفى: 604 هـ]
صحِب ابنَ الجوزيّ، وأخذ عَنْهُ الوعظ، وتكلَّم عَلَى المنبر بكلامه، ثُمَّ هجرهُ وفارقه، وحدَّث عَنْ أبي الوقت، وهِبة الله الشّبليّ، وجماعة. روى عَنْهُ الحافظُ الضّياء، وغيره. وتُوُفّي في شعبان.(13/97)
187 - عَبْدُ الرَّحْمَن بنُ المبارك بن علي ابن نُعَيْجَة، أَبُو مُحَمَّد. [المتوفى: 604 هـ]
سَمِعَ أبا بَكْر الأنصاريّ. روى عَنْهُ الضّياءُ، وبالإِجازة الفخرُ عليّ، وتُوُفّي في رجب وقد شاخ.(13/97)
188 - عَبْدُ الرحيم بْن إبراهيم بن يحيى، أبو محمد ابن الدَّرَجيّ، القُرَشيّ الدّمشقيّ الحنفيّ. [المتوفى: 604 هـ]
إمام محراب الحنفيَّة بجامع دمشق وابن إمامه. مات في صفر.
لَقَبُه: العفيف.(13/97)
189 - عبدُ الرحيم بْن عيسى بْن يوسف، أبو القاسم ابن الملجوم الأزْديّ الزّهرانيّ الفاسيّ. [المتوفى: 604 هـ]
من بيت مشهورٍ بالمغرب، سمع أباه، وعمه أبا القاسم ابن الملجوم، وأبا الحَكَم بْن حَجَّاج، وأبا بَكْر بنَ زيدان القُرطبيّ، وعَبّاد بنَ سرحان قرأ عَلَيْهِ تصنيفَه في الفرائض، وسَمِعَ عَلَيْهِ " رسالة العلم والدّينار " لابن ماكُولا.
قَالَ الأبّار: ولقي ببلده أيضًا أبا مروان بْن مَسَّرة، وأبا الفضل بْن عياض، وجماعة، وناظر عَلَى أَبِي بَكْر بْن طاهر الخدب في نحو ثُلُث " كتاب " سيبويه. وأخذ عَنْ أَبِي القَاسِم بْن بَشْكُوال، والسُّهَيْليّ، وطائفة، واعتنى بهذا [ص:98] الشّأن. وكتبَ إِلَيْهِ أَبُو مُحَمَّد اللّخْميّ سِبطُ أَبِي عُمَر بْن عَبْد البَرّ.
قَالَ: وكان بصيرًا بالحديثِ، رفيعَ القدر، عنده من الدّواوين والدّفاتر شيءٌ كثير، وأخذ عَنْهُ النّاسُ، واستجازوه من أقاصي البلاد تنافُسًا في عُلُوّ روايته، وكان أهلًا لذلك.
تُوُفّي سنةَ أربعٍ وله ثمانون سنة. وقيل: تُوُفّي سنة ثلاثٍ وستّمائة.(13/97)
190 - عَبْدُ المُجيب بنُ أَبِي القَاسِم عَبْد الله بْن زُهَيْر بْن زُهَيْر، أَبُو مُحَمَّد البغداديّ. [المتوفى: 604 هـ]
شيخ صالح، حافظ للقرآن؛ قِيلَ: إنّه يتلو كلّ يومٍ ختمة. قدِم عَلَى المَلِك العادل رسولا من الديوان العزيز، وزار البيت المُقَدَّس في سنة ستّمائة.
سَمِعَ بإفادة عمّه الشّيخِ عبدِ المغيث من عَبْد الله بْن أَحْمَد بْن يوسف، وعليّ بْن هبة اللَّه بْن عَبْد السّلام، وعبد الصبُور الهَرَويّ، وابن الطّلاية.
ووُلِد في سنة سبْع وعشرين وخمسمائة.
روى عَنْهُ الدُّبَيْثِيّ، وابنُ خليل، والضّياء، والزّكيّ المنذريُّ، والنّجيب الحَرّانيّ، والفخر عليّ. وحدّث بمصر والشّام.
وتُوُفّي بحماة فِي سَلْخ المحرَّم.(13/98)
191 - عَبْد المحسن بْن إسْمَاعيل، الوزير الصَّدْر شرف الدّين ابن المحلّيّ الفَلَكي. [المتوفى: 604 هـ]
روى عَنْهُ القُوصيّ شِعرًا، وقال: ناب بدمشق عَنِ الصّاحب صفيِّ الديّن، ثُمَّ وَزَر بخِلاطَ وأعمالها للملك الأوحد، إِلى أن قتله مملوكُه ليلةَ عيد الفِطر سنةَ أربعٍ بخِلاط، وحُمِل إِلى دمشق، فدُفن بالجبل، وصُلِبَ غلامه.(13/98)
192 - عَبْد الواحد بْن عَبْد السّلام بْن سلطان، أَبُو الفضل الأَزَجيّ البَيِّع المُعَدَّل المقرئ الأستاذ. [المتوفى: 604 هـ]
قرأ بالرواياتِ عَلَى أَبِي مُحَمَّد سبطِ الخيّاط، وأبي الكَرَم الشّهرُزوريّ، وسَمِعَ منهما، ومِن مُحَمَّد بْن أَبِي حامد البَيِّع، وأبي الفضل الأُرْمويّ، وابن ناصر، وأقرأ القراءاتِ، وحَدَّث. وكان ديِّنًا صالحًا، عاليَ الإِسناد في القراءات مشهورًا؛ قرأ عليه " بالمبهج " مجد الدين ابن تيمية وغيرُه. وروى عَنْهُ الدُّبيثيّ، وابنُ خليل، والضِّياءُ، والنّجيبُ عَبْد اللّطيف، وآخرون، وتُوُفّي في ربيع الأوّل.
قَالَ ابْنُ النّجّار: قرأ عَلَيْهِ النّاسُ القراءاتِ فأكثروا، وكان صدوقًا نَزِهًا عفيفًا.(13/99)
193 - عفيفة بنتُ المبارك بْن مُحَمَّد بْن مَشِّق البغدادي، [المتوفى: 604 هـ]
أخت المحدّث أَبِي بَكْر مُحَمَّد.
روت عَنْ أبي الفتح ابن البَطِّيّ، وتُوُفّيت في جُمادي الأولى.(13/99)
194 - عليّ بْن إسْمَاعيل بْن عليّ، أَبُو الحَسَن الطُّوسيُّ الأصلِ، الإِسكندراني، النّحْويّ، المعروف بابن السّيُوريّ. [المتوفى: 604 هـ]
شاعِرٌ مُحْسِنٌ، عاش بضعًا وثمانين سنة.
قَالَ زكيُّ الدّين: تُوُفّي في رجب، أنشدنا عَنْهُ شيخُنا ابنُ المفضَّل.(13/99)
195 - عليّ بنُ سعيد بْن حمامة، أَبُو الحَسَن الشّاعر المشهور. [المتوفى: 604 هـ]
صَنّف كتابًا في العَرُوض، وكتابًا سمَّاه " نفائس الأعلاق "، وتُوُفّي في جُمادي الأولى.(13/99)
196 - عليّ بنُ عليّ بْن بركة، أَبُو الحَسَن البغداديّ الكَرْخيّ. [المتوفى: 604 هـ][ص:100]
حدث عن أبي البدر الكرخي، وأحمد ابن الأشقر، وكان ضعيفًا.(13/99)
197 - عليّ بْنُ مُحَمَّد بْن رستم الخراساني، بهاء الدين أبو الحسن ابن الساعاتي الشاعر [المتوفى: 604 هـ]
صاحب " الدّيوان " المشهور.
شاعر مُحْسِنٌ، فائقُ النَّظْم، لطيفُ المعاني، وُلد بدمشق في حدود سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، وكان أَبُوهُ يعمل السّاعاتِ بدمشق، فَبَرَعَ هُوَ في الشِّعر، ومدح الملوك، وتعانى الْجُنديَّة، وسكن مصر، وروى عَنْهُ من شِعره جماعة منهم الشّهاب القُوصيّ، وغيره، وهو أخو الطّبيب العلامة فخر الدين رضوان، وله " ديوان " منتخب، و " ديوان " كبير في مجلّدتين.
تُوُفّي في رمضان.
ذكره المنذريّ وابن خَلِّكان.
ومن شِعره:
الطَّلُّ في سِلْكِ الغُصُونِ كَلُؤُلؤٍ ... رَطْبٍ يُصَافِحُهُ النَّسِيمُ فَيَسْقُطُ
والطَّيْرُ يَقْرَأ والغَدِيرُ صَحِيفَةٌ ... والرِّيحُ تَكْتُبُ والغمَامُ يُنقِّطُ
وقد خدم أخوه فخرُ الدّين ابنُ السّاعاتيّ الملكَ المعظَّم بالطّبّ، وترقّى إِلى أن تَوَزَّر لَهُ، وكان يُنادمه، ويلعب بالعُود.(13/100)
198 - عليّ بْن مُحَمَّد بْن عليّ الْجُرجانيّ ثُمَّ البغداديّ التاجر. [المتوفى: 604 هـ]
حدث بدمشق عن أبي الفتح ابن البطّيّ، وكان كثير الأسفار للتّجارة؛ دخل الصّين وغيرها، وتُوُفّي في رجب.(13/100)
199 - عليّ بْن أَبِي القَاسِم نصر بْن منصور، أَبُو الحَسَن الحَرّانيّ ثم البغدادي ابن العطار التاجر. [المتوفى: 604 هـ]
حدّث بمصر عَنْ نصر بْن نصر العُكْبَريّ، وابن ناصر. روى عَنْهُ الحافظ المنذريّ، وهو من بيت حشمة وتقدُّم.
تُوُفّي في محرّم.(13/100)
200 - علي بن أبي نصر ابن الحبيق الحربي. [المتوفى: 604 هـ]
روى عن أبي الطّلَّاية، ومات في شَوَّال.(13/101)
201 - عُمَر بْن عُثْمَان بْن عُمَر الحَلاج البغداديّ. [المتوفى: 604 هـ]
روى عَنْ أَبِي الوقت.(13/101)
202 - قُراجا الصّلاحيّ، الأمير زَين الدّين. [المتوفى: 604 هـ]
من أعيان الدولة. ورخ وفاته القاضي ابن واصل.(13/101)
203 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن سَعْد بْن مفرّج، أَبُو عَبْد الله الهَمْدانيّ الأندلسيّ. [المتوفى: 604 هـ]
من أهل الجزيرة الخضراء، كَانَ بصيرًا بالفرائض والحساب. روى عَنْ أَبِي نصر فتح بْن مُحَمَّد الْجُذاميّ المقرئ، ومات في رمضان.
سَمِعَ " التّجريدَ " لابنِ الفحام من أبي نصر، قال: حَدَّثَنَا مؤلَفُه.(13/101)
204 - مُحَمَّد بْن إِبْرَاهيم، القاضي أَبُو عَبْد الله، قاضي بِجاية. [المتوفى: 604 هـ]
إمامٌ بارع في المذهبين؛ مالك والشّافعي، قَيِّم بمعرفة الأُصول والكلام والفلسفة. وقد أهانه أَبُو يوسف صاحب المغرب للفلسفة. قِيلَ لَهُ مرَّة: كنتَ تحبُّ العزلة فلِمَ دخلتَ في القضاء؟ فَقَالَ: القضاء لا يُرَدُ.(13/101)
205 - مُحَمَّد بْن الحَسَن بْن عليّ بْن صالح، أَبُو الحُسَيْن الهَمْدانيّ، الأندلسيّ المالقيّ. [المتوفى: 604 هـ]
تُوُفّي بالإسكندريَّة. سَمِعَ الحافظ أبا القَاسِم بْن بَشكُوال، وأبا زيد السُّهَيْليّ.
روى عَنْهُ الحافظُ عبدُ العظيم.(13/101)
206 - مُحَمَّد بْن طُغان بْن بدر، الفقيه أَبُو عَبْد الله المصريّ الشّافعيّ. [المتوفى: 604 هـ]
سَمِعَ أبا الفتوح الخطيب الزيدي وغيره، وتُوُفّي في المحرّم.(13/102)
207 - مُحَمَّد بْن أَبِي عَبْد الله بْن عَبْد الرَّحْمَن التُّونسيّ. [المتوفى: 604 هـ]
حَدّثَ بالمنية عَنِ السِّلِفَيّ. روى عَنْهُ الشّهاب القُوصيّ، وورَّخَ وفاته.(13/102)
208 - مُحَمَّد بْن عليّ بْن يوسف، نظام الدّين الخروف القَيسيّ القُرطبيّ الشاعر. [المتوفى: 604 هـ]
مات مُتَرَدّيًا في جُبٍّ بحلب، لَهُ رسالةٌ كتب بها إِلى قاضي حلبَ بهاءِ الدّين بْن شدّاد يطلبُ منه فَروةَ:
بَهَاءُ الدِّين والدُّنيا ... ونور المجد والحسب
طلبت مخافة الأنوا ... ء مِنْ نُعْمَاكَ جِلْدَ أَبِي
وَفَضْلُكَ عَالِمٌ أنِّي ... خَرُوفٌ بَارعُ الأدَبِ
حَلَبْتُ الدَّهْرَ أشْطُرَه ... وفي حَلَبٍ صَفَا حَلَبي(13/102)
209 - مُحَمَّد بْن عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الْعَزِيز بْن زكريا، أَبُو بَكْر بن حَسْنُونَ الكُتاميّ الأندلسيّ البياسيّ، [المتوفى: 604 هـ]
خطيب بياسة.
شيخ مُعَمَّر مُسِنٌّ.
قَالَ الأبّار: أخذ القراءاتِ عَنْ أَبِيهِ، وشُرَيح بْن مُحَمَّد، وعبدِ الله بْن خَلَف، وسَمِعَ منهم، ومن القاضي أبي بكر ابن العربي، وأبي القاسم ابن ورد، وجماعة. وولي قضاء بلده. وتَصَّدر للإِقراء والتّحديث، وأخذ عَنْهُ النّاسُ، وكان مقرئًا جليلًا، ماهرًا مُجوّدًا، عالي الرواية، عُمِّر وضَعُف، وتُوُفّي في رمضان وقد بلغ التّسعين. وقيل: إنّه ولد سنة أربع وعشرين، فالله أعلم.
قلت: قرأ عَلَيْهِ بالسَّبْع إسْمَاعيل بْن يَحْيَى العَطّار شيخ ابْن الزُّبير، وكان [ص:103] شيخُه ابْن خَلَف القَيسيّ قد قرأ بالروايات على أبي القاسم ابن الفَحّام الصَّقَلّيّ، وله إجازة من أَبِي الحَسَن ابن الدوش وابن البيّاز. وأمّا شيخه شُرَيح فمُسْنَد الأندلس.
وقد ذكره ابن مسْديّ في " مُعجمه " وعظَّمَهُ، وروى عَنْهُ بالإِجازة، وغلط بأنْ قَالَ: تُوُفّي سنة ثمانٍ وستمّائة وأنّه قارب المائة.
سماعُه في سنة أربع وثلاثين وخمسمائة من شريح، ومن ابن العربي.(13/102)
210 - محمد ابن الحافظ أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مرزوق البَاقداريّ الخيّاط، [المتوفى: 604 هـ]
أخو عَجِيبة.
سَمِعَ أبا الفتح ابن البَطِّيّ، وأبا زُرْعَة، وخَلْقًا كثيرًا، وبلغت أثْباتُ مسموعاته أربعةً وعشرين جزءًا. ثُمَّ مات أَبُوهُ وهو صبيّ، فاشتغلَ بالمعيشة.
وتُوُفّي في الكهُولة ولم يحتَجْ إِلى مسموعاته، قَالَ ابنِ النّجّار: وَمِنَ العجب أَنَّهُ لم يروِ شيئًا البتَّة.(13/103)
211 - مُحَمَّد بْن النّفيس بْن مسعود، الفقيه أَبُو سَعْد الحنبليّ، البغداديّ، المعروف بابن صَعْوة. [المتوفى: 604 هـ]
تفقَّه على أبي الفتح ابن المَنّيّ، وتكلَّم في مسائل الخلاف، وسَمِعَ أبا علي الرحبي، وأبا محمد ابن الخشّاب، وتُوُفّي في شَوَّال.
لَهُ شِعر مليح.(13/103)
212 - المبارك بن المبارك بن أبي بكر، أبو منصور ابن الدَّلال الحَرِيمِي المستعمل. [المتوفى: 604 هـ]
روى عَنْ أَبِي الوَقْت، ومات في جُمادي الأولى.(13/103)
213 - محبوبة بنت المبارك بن محمد ابن سكينة. [المتوفى: 604 هـ]
روت عن ابن البطي.(13/104)
214 - محمود ابن شيخ الشيوخ صدر الدين محمد ابن شيخ الشيوخ عُمَر بْن علي بْن مُحَمَّد بْن حَمُّوَيه الْجُوَينيُّ الأصلِ الدّمشقيُّ. [المتوفى: 604 هـ]
سَمِعَ يَحْيَى الثّقفيّ، ومات شابًّا.(13/104)
215 - محمودُ بْنُ هِبة الله، أَبُو الثّناء الحِلّيّ ثُمَّ البغداديّ. [المتوفى: 604 هـ]
قرأ القرآن عَلَى أَبِي الحَسَن البطائحيّ، والنَّحْو عَلَى أَبِي محمد ابن الخشّاب. وسَمِعَ من أَبِي الوقت.
قَالَ الدُّبَيْثِيّ: كَانَ بزّازًا فيه تشدُّق وكثرةُ كلام، سَكَنَ دمشق وبها مات.
قلت: لقبُه فخر الدّين. روى عَنْهُ الدُّبَيْثِيّ، والضّياءُ، وعبدُ العظيم، والقُوصيّ، وابنُ خليل، وجماعة.
ومات في ربيعٍ الأوّل عَنْ بضع وستين سنة.(13/104)
216 - مُصْعَبُ بْن مُحَمَّد بْن مَسْعُود بْن عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود، أَبُو ذرٍّ الخُشَنِيّ الجيَّانيّ، ويُعرَف أيضًا بابن أَبِي رُكَب - جمع رُكبة - النَّحْويّ اللُّغوَيّ. [المتوفى: 604 هـ]
أخذ النحو واللغة عن بَكْر والدِه، وعن أَبِي بَكْر بْن طاهر الخِدَبّ، وسَمِعَ منهما، ومن أَبِي الحَسَن بْن حنين، وأبي عبد الله النميري، وجماعة. وأجازَهُ أَبُو طاهر السِّلَفِيّ وغيرُه.
وكان إمامًا مبرِّزًا في العربيَّة وضروبها، أقرأَها عامَّةَ حياته، ورحل الناس إليه فيها. ولها مُصَنَّف في شرح غريب " السّيرة " لابن إِسْحَاق، ومُصَنَّف في شرح " سيبويه "، وشرحِ " الإِيضاح "، وشرحِ " الْجُمَل "، وله شروح وتعاليقُ وشِعرٌ وسط. [ص:105]
وكان رئيسًا وَقُورًا مَهِيبًا، مليح الصّورة، عَلَى مجلسه جلالةٌ؛ وكان الوزراءُ فمَنْ دونهم يمشونَ إِلى مجلسه، وإذا ركب يركبون في خدمته، وكان يُشْغِلُ النهار كُلَّه وبعضَ اللّيل.
قَالَ الأبّار: أخذ عَنْهُ جِلَّةٌ مِن شيوخنا، وكان أَبُو مُحَمَّد القُرطبيّ ينكر سماعَه من النُّميريّ. وولي خَطابة إشبيلية مدَّةً، ثُمَّ ولي قضاء جَيَّان، ثُمَّ سكن مدينة فاس، وعَلّم العربية، وحدّث بها، وبَعُدَ صيتهُ. وكان وقور المجلس حَسَن السَّمْت والهَدْي، قد منع تلاميذَه من التّبَسُّط في السّؤالات، وقصرهم عَلَى ما يُلقي إليهم. تُوُفّي بفاس في شوّال، وله سبعون سنة.
وقال غيرهُ: عُزِلَ عَنْ قضاء جيان وأُهين، ونسبوه إِلى أَنَّهُ ارتشى، وأنه ارتكب من التِّيهِ والكِبْرِ ما لا يليقُ، وذهب إِلى فاس.
ومن شِعره:
أنْكَرَ صَحْبِي أَنْ رَأَوْا طَرْفَه ... ذَا حُمْرَةٍ يَشْقَى بِهَا المُغْرَمُ
لا تُنْكِرُوا المُحْمَرَّ مِنْ طَرْفِهِ ... فَالسَّيْفُ لا يُنْكَرُ فِيهِ الدَّمُ
وقد مَرَّ أَبُوهُ في سنةِ أربعٍ وأربعين.(13/104)
217 - موسى بْنُ الحُسَيْن بْن موسى بْن عِمران القَيسيّ، أَبُو عِمران المِيرتُليّ، [المتوفى: 604 هـ]
الزّاهد نزيل إشبيلية.
صحِب أبا عَبْد الله ابن المجاهد الزّاهد، واختصَّ بِهِ ولازمَهُ.
قَالَ الأبّار: كَانَ منقطعَ القرينِ في الزُّهد والعبادة والورعِ والعُزْلَة، مُشارًا إِلَيْهِ بإجابة الدّعوة، لا يُعْدَل بِهِ أحد، وله في ذَلِكَ آثار معروفة، مَعَ الحظِّ الوافر مِن الأدب والتّقدّم في قَرْضِ الشِّعر، وذلك في الزُّهد والتخويف وقد دُوِّنَ. وكان ملازمًا لمسجده بإشبيلية يُقرئ ويُعَلِّم، ولم يتزوَّجْ قطُّ. حَدَّثَنَا عَنْهُ أَبُو سُلَيْمَان بنُ حَوْط الله، وبَسَّام بنُ أَحْمَد، وأَبُو زيد عَبْدُ الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد، ومن شِعره: [ص:106]
عَجَبًا لنا نَبْغي الغِنَى والفَقْرُ في ... نَيْلِ الغِنَى لَوْ صَحَّتِ الألْبَابُ
فِيمَا يُبَلِّغُنَا المَحَلَّ كفاية ... والفضل فيه مؤونة وحِسَابُ
تُوُفّي إِلى رضوان الله في أوَّلِ جُمادي الأولى، وله اثنتان وثمانون سنة.(13/105)
218 - موسى بْنُ يوسف بْن موسى بْن يوسف بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن المغيرة بْن شُرَحبيل، المعروف بمزْدي وبمسْدي بْن مغيرة بْن حسن بْن زيد بْن يزيد بْن حاتم بْن رَوْح بْن حَاتِمِ بْن قُبيصة بْن المهلَّب بْن أَبِي صُفْرة، الشيخ المُعَمَّر الزّاهد أَبُو مُحَمَّد بْن مسْدي الأَزْديّ المُهَلّبيّ، ويعرف أيضًا بابن البائس. [المتوفى: 604 هـ]
وإنّما لُقِّبَ شُرَحبيل المذكور بمسْدي، لأنّ أَبَاهُ تصاهر إِلى بني مسْدي، فلقب هنا بهم.
قال الحافظ ابن مَسْدي في " معجمه ": تفقّه جدّي موسى بأبيه القاضي أَبِي عُمَر تلميذ أَبِي عليّ الغَسّانيّ، وكتب بخطّه كثيرًا. وأخذ القراءاتِ عَنْ أَبِي عبد الله ابن غلام الفرس. وصحب أبا العباس ابن العريف بالمَرِية، وكان الأمير مُحَمَّد بْن سعد قد أخذ أمواله فنزل بَسْطة مدَّةً، ثُمَّ تحوَّلَ إِلى غَرناطة، فنزل الْجُندية وتَعبَّد، وُلد في رأس سنة خمسمائة، وعاش مائة ونيفا. وكان يمتنع من التّحديث؛ جمع عَلَيْهِ بالرواياتِ رَجُلٌ، فلمّا فَهِمَ أَنَّهُ يريد منه الإِجازة أَبى عَلَيْهِ من إكمال الختمة. وكان جدّي يُؤانسني، وألبسني الخرقة كما ألبسَهُ شيخه ابْن العريف. وأضرَّ في أواخر العمر، ومات ببسَطَة في شوال سنةَ اثنتين وستّمائة - كذا قَالَ ابن مسْدي في كتاب " لباس الخرقة " وأمّا في " معجمه " فَقَالَ: مات في رمضان سنةَ أربعٍ وستّمائة ببسطة.
نقلتهما من خطه، فأخطأ في أحدهما.(13/106)
219 - نَدَى بنُ عَبْد الغنيّ بْن عليّ، رضيّ الدّين أَبُو الجود الأنصاريّ المصريّ الحنفيّ الفقيه المحدِّث، [المتوفى: 604 هـ]
مُدَرِّس مدرسة السّيوفيّين.
سَمِعَ الكثيرَ من السِّلَفيّ، وبدر الخُداداذيّ، ومحمد بْن عليّ الرَّحبّي، وعلي بْن هِبة اللَّه الكامليّ، وعثمان بْن فَرَج، وإسماعيل بْن قاسم الزَّيّات، [ص:107] وابن برّيّ، وخلق كثير. وعُني بالحديث وجمعه، وحدّث؛ روى عَنْهُ. . . مات في شعبان.(13/106)
• - نعمة بنت الطّرّاح. هي سِتُّ الكَتَبَة [المتوفى: 604 هـ]
مَرَّ ذكرُها.(13/107)
220 - وَثّاب بْن قُصَّة، أَبُو مُحَمَّد المصريّ الشّافعيّ الزاهد. [المتوفى: 604 هـ]
توفي بمصر.(13/107)
221 - يحيى بن الحسن، أبو علي ابن الشّاطر الأنباريّ. [المتوفى: 604 هـ]
ولي قضاء الأنبار، وحَدَّث عَنْ مسعود ابن النّادر.(13/107)
222 - يوسف بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن يَحْيَى بْن غالب، أَبُو الحَجّاج البَلَويّ المالَقيّ الأندلسيّ، المعروف بابنِ الشيخ. [المتوفى: 604 هـ]
أخذ القراءات عن أبي عبد الله ابن الفخّار، وسَمِعَ منه، ومن أَبِي القَاسِم السُّهَيْليّ، وأبي إِسْحَاق بْن قرقول. وحجَّ سنة ستّين وخمسمائة.
فسمع ببِجاية مِن الحافظ عَبْد الحقّ " أحكامه "، وسَمِعَ بالثَّغر من أَبِي طاهر السِّلَفِيّ، وأبي مُحَمَّد العثمانيّ، وسَمِعَ بمكَّة من أَبِي الحَسَن بْن مؤمن.
قَالَ الأبّار: أخذ عَنْهُ أَبُو سُلَيْمَان بْن حَوْط الله، وأَبُو الربيع بْن سالم، وأَبُو الحَسَن بْن قطرال، وغيرهم. وكان منقطع القرين في الزّهد والعبادة، مجتهدًا في العمل، يُشار إِلَيْهِ بإجابة الدّعوة. وُلِد سنة تسعٍ وعشرين وخمس [ص:108] مائة، وتُوُفّي في رمضان. وكانت لَهُ جنازة مشهورة.
وقال المنذري: تُوُفّي بمالَقَة، وكان أحد الزّهاد المشهورين، كثير الغَزْو، خَطَب ببلده.
وقال فيه ابن مسْدي: أحدُ الأبدال والعلماء العُمّال وممّن تعرّفتُ إجابةَ دعوته. تأدَّبَ بابن الفخّار، وتلا عَلَيْهِ بالسَّبْعِ، وسَمِعَ من القَاسِم بْن دحمان. رأيته، وأطعمني تِينًا ولَوْزًا، أنبأني مِن شعره:
عَلَيْكَ مِن أمْرِ الدِّينِ مَا كَانَ وَاضِحًا ... وَدَعْ مُشْكِلاتِ الأمْرِ عَنْكَ بِمَعْزِلِ
وأَهْلِ التُّقى والدَّينِ كُنْ تَابِعًا لَهُم ... فإنْ رَحَلُوا فَارْحَلْ وإن نزلوا انزل
وحافظ على الأمر القَدِيمِ وَوَلِّهِ ... عَلَيْكَ وَعَنْكَ المُحْدِثَ البِدْعَ فَاعْزِلِ(13/107)
-وفيها وُلِدَ:
قاضي حماة جمالُ الدّين مُحَمَّد بْن سالم بْن واصل، والمحدّثُ جمالُ الدّين محمد بن علي ابن الصّابونيّ، ومجدُ الدّين أحمدُ بن عَبْد الله ابن الحَلَوانية، والبهاءُ مُحَمَّد بنُ مُحَمَّد بْن خَلِّكان، والعماد إسماعيل بن إسماعيل ابن جوسلين، وإبراهيم بْن حَمْد بْن كامل المقدسيّ، والشمس عبد الله ابن الأوحد مُحَمَّد بْن عَبْد الله الزّبيريّ، والفخرُ عبد العزيز بن عبد الرحمن ابن السُّكّري المصريّ، والشرفُ نصر الله بْن حواري الحنفيّ، والنّجمُ إسْمَاعيل بْن إِسْحَاق بْن أَبِي القاسم بن صصرى، والزين إبراهيم ابن السّديد أَحْمَد الحنفيّ، وصفيُّ الدّين مصطفى بْن عيسى الدّلاصيّ، والمحدّثُ يَحْيَى بْن عَبْد الرحيم بْن مَسْلمة، ومحمد بْن عليّ بْن أَبِي بَكْر الواسطيّ الصَّالِحيّ المقرئ، والظهيرُ إِسْحَاق بْن قريش المخزومي راوي الترمذي.(13/108)
-سنة خمس وستمائة(13/109)
223 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي هارون، أَبُو القَاسِم التَّمِيميّ الإِشبيليّ. [المتوفى: 605 هـ]
أخذ القراءات عَنْ أَبِي الحَكَم بْن حَجّاجِ، وأبي إِسْحَاق بن طلحة، وعبيد الله ابن اللّحيانيّ، وأبي الحَكَم بْن بَطَّال. وسَمِعَ من أَبِي الحَسَن الزُّهْرِي، والزّاهد أَبِي عَبْد الله ابن المجاهد. وأجاز لَهُ أَبُو الحَسَن شريحٌ، وتصدَّر للإِقراء، وأخذ الناسُ عَنْهُ.
قَالَ الأبّار: وكان ورِعًا زاهدًا، أجاز في ربيع الأوّل سنة خمسٍ لبعض أصحابنا.(13/109)
224 - إِبْرَاهيم بْن أَحْمَد الكرديّ المعروف بالجناح. [المتوفى: 605 هـ]
مِن أمراء دمشق.(13/109)
225 - إبراهيمُ بْن هبة الله بْن مُحَمَّد، أَبُو إِسْحَاق الأزَجِيُّ المعروف بابن البُتَيْت المُعَدَّل. [المتوفى: 605 هـ]
حَدّثَ بمصر عَنْ أبي الفضل الأرموي، وابن ناصر، وجماعة. وكان مِن كبار التّجّار. سكن مصر، وَوُلِدَ سنةَ ثلاث وثلاثين وخمسمائة، روى عَنْهُ ابنُ خليل، والزّكيُّ المُنذريّ، والضّياءُ المقدسي، وآخرون. وتوفي في رمضان.(13/109)
226 - بركةُ بْن عليّ بْن الحُسَيْن بْن بركة، أبو محمد ابن السّابح - بموحّدة - الوكيل. [المتوفى: 605 هـ]
مات في ربيع الأوّل، وله مصنف في الشروط والإسجالات.(13/109)
227 - ثَنَاءُ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ، أَبُو حامد ابن القرطبان الآجُرِّيّ المَلاء الجمعيّ الحربيّ. [المتوفى: 605 هـ][ص:110]
سمع عبد الرحمن بن علي ابن الأشقر. روى عَنْهُ الضّياءُ، وابنُ خليل، وأجاز لابن أَبِي الخير، وتُوُفّي فِي شعبان.(13/109)
228 - الحسن بن إسماعيل، أبو علي ابن الكببي الإِسكندرانيّ. [المتوفى: 605 هـ]
سَمِعَ بدمشق مِن أَبِي القَاسِم الحافظ، وله مُصَنَّف في الرقائق في عدَّة مجلّدات.
تُوُفّي في ثامن رمضان.(13/110)
229 - الحَسَنُ، المَلِك الأمجدُ ابن العادل أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن أيّوب، شقيق المَلِك المعظّم. [المتوفى: 605 هـ](13/110)
230 - الحسينُ بنُ أَحْمَد بْن الحُسَيْن بْن أيوب، أَبُو عَبْد الله البغداديّ الكرْخيّ الكاتب. [المتوفى: 605 هـ]
ولد سنة عشرين وخمسمائة، وسَمِعَ أبا بَكْر الأنصاريّ، وأبا منصور بْن زُريق القزّاز. روى عَنْهُ أَبُو عَبْد الله الدُّبَيْثِيّ، والضّياء، والنّجيبُ عبدُ اللّطيف، وآخرون. وأجاز للشيخ شمسِ الدّين عَبْد الرَّحْمَن، وللفخر عليّ، وللكمال عَبْد الرحيم.
تُوُفّي في ذي القعدة.(13/110)
231 - الحسينُ بنُ أَبِي نصر بْن حسن بْن هبة الله بْن أَبِي حنيفة، أَبُو عَبْد الله الحريميّ المقرئ الضّرير، المعروف بابن القارص. [المتوفى: 605 هـ]
قَالَ الدُّبَيْثِيّ: بلغني أنّه كَانَ يقولُ: إنّي مِنْ وَلَد الإِمام أَبِي حنيفة. وهو آخِرُ مَن روى عَنِ ابن الحُصَيْن شيئًا من " المُسْنَد ". وسَمِعَ أيضًا من أَبِي منصور القزّاز، وأبي عليّ الخزّاز، وأضرَّ بأَخَرةٍ.
قلت: روى عَنْهُ الدُّبَيْثِيّ، وابنُ خليل، والضّياءُ، وأجاز للفخر عليّ، [ص:111] وغيره. وتُوُفّي في التّاسع والعشرين من شعبان، وولد سنة خمس عشرة.(13/110)
232 - الخَضِر بْن مُحَمَّد بْن عليّ، أَبُو العَبَّاس النَّيْسَابُورِيُّ، ثُمَّ الْجَزَريّ المُعَبِّر. [المتوفى: 605 هـ]
تُوُفّي ببغداد عَنْ ثمانين سنة، وقد سَمِعَ من عليِّ بنِ عساكر البطائحي.(13/111)
233 - زكيّ بْن منصور البغداديّ الغزّال. [المتوفى: 605 هـ]
حَدّثَ عَنِ ابن ناصر.(13/111)
234 - سعيد بن حسين العبسي. [المتوفى: 605 هـ]
من وَلَدِ عَمّارِ بْن ياسر، وهو مِن أعيان أهل غَرناطة، روى عَنْ أَبِي جَعْفَر ابن الباذش، وداود بن يزيد السعدي، واستوطن إفريقية، وولي أعمال إفريقية.
وعمُّه أَبُو مروان عبدُ المَلِك بْن سعيد بْن خَلَف هُوَ الّذي بنى بيتهم آخِرًا عَلَى نباهةٍ أولًا.
وكان سعيد أحدَ العلماء الصُّلَحاء مَعَ الشّجاعة والسُّؤْدُد.
تُوُفّي بتونس - رحمه الله -، ووُلِدَ بقلعة بني سعيد سنةَ سبعٍ وعشرين وخمسمائة؛ قاله الأبّار.(13/111)
235 - سنجر شاه بْن غازي بْن مودود بْن زنكي بْن آقسنقر، [المتوفى: 605 هـ]
صاحب الجزيرة العُمرية.
قتله ابنُه غازي، وتملَّك الجزيرة، وحلفوا لَهُ، فبقي في السّلطنة يومًا، ثُمَّ وثَبَ عَلَيْهِ خَوَاصُّ أَبِيهِ وقيّدوه، وأقاموا أخاه المَلِك المعظَّم محمدًا، ثُمَّ قتلوا غازيًا؛ قاله أَبُو شامة.
وطالت أيامُ المعظَّم.
وقال ابنُ الأثير: كان سنجر شاه سيئ السيرةِ مَعَ الرعيَّة والْجُند والحريم والأولاد، وبلغ مِنْ قُبح فِعله مَعَ أولاده أَنَّهُ سجنهم بقلعة، فهرب غازي ولدُه إِلى المَوْصِل، فأكرمه صاحبُها، وقال: اكفِنا شرَّ أبيك ولا تجعل [ص:112] كونَك عندنا ذريعة إِلى فتنة، فرَدَّ غازي متنكّرًا، وتسلَّقَ إِلى دار أَبِيهِ، واختفى عند بعض السّراري، وعَلِمَ بِهِ كثير من أهل الدّار، فسترن عَلَيْهِ بُغضًا لأبيه، ثمّ إنّ سنجر شاه شرب بظاهر البلد وغنّوا لَهُ، وعاد آخر النّهار إِلى البلد، وبات عند بعض حظاياه، فدخل الخلاء، فوثب عليه ابنُه، فضربه بسِكّين أربعَ عشرة ضربة ثُمَّ ذبحه، فلو فتح الباب، وطلب الْجُندَ وحَلَّفَهم، لملك البلد، لكنه أمَّن واطمأنّ. وبلغ الخبر في السّرّ أستاذَ الدّار، فطلب الكبارَ، واستحلفهم لمحمود بْن سنجر شاه، وأحضره من قلعة فرح، ثُمَّ دخلوا الدّارَ عَلَى غازي، فمانع عَنْ نفسه فَقُتِلَ، وأُلقي عَلَى بَابُ الدّار، فأكلت منه الكلاب. وتملك معزُّ الدّين محمود، وأخذ كثيرًا من جواري أَبِيهِ، فَغَرّقهن في دجلة.
ثُمَّ أخذ ابنُ الأثير يعدّد مخازي سنجر شاه، وقلَّة دينه، ثمّ قتل ولده محمود أخاه مودودًا.(13/111)
236 - عَبْد الله بْن أَبِي الحَسَن بْن أَبِي الفَرَج، الإِمام أَبُو مُحَمَّد الْجُبّائيّ الطّرابُلُسيّ الشّاميّ. [المتوفى: 605 هـ]
من قرية الْجُبَّة من عمل طرابُلُس بجبل لبنان. قَالَ: كنَّا نصارى، فمات أَبِي ونحن صغار، فقدَّر الله أنْ وقعتْ حروب، فخرجنا من القرية وكان فيها جماعة مسلمون يقرؤون القرآن، فأبكي إذَا سمعتهم، قَالَ: فأسلمتُ، وعمري إحدى عشرة سنة، ثُمَّ رحلتُ إِلى بغداد في سنة أربعين.
قَالَ ابنُ النّجّار: قدِم بغداد وصحِب الشّيخ عَبْد القادر، وتفقّه على مذهب أَحْمَد، وسمع من أبي الفضل الأرموي، وأحمد ابن الطلاية، وابن ناصر، وجماعة، وكتب وحصل، ورحل إِلى أصبهان، فسمع من مسعود الثّقفيّ، والحَسَن بْن العَبَّاس الرُّستُمِيّ، وأبي الخير الباغبان، وخلْق كثير، وحَصّل الأصول، وعاد إِلى بغداد، فحدّث بها، ثُمَّ رَدَّ وسكن أصبهان، وكان صالحًا عابدا، حصل له قبول بأصبهان، وأقام بخناقاه ابن أَبِي الهيجاء. [ص:113]
وقال غيره: ولد سنة عشرين وخمسمائة تقريبًا، وتُوُفّي في جُمادي الآخرة. روى عَنْهُ الشيخُ الموفَّق، والضّياء، وابنُ خليل، وأَبُو الحَسَن ابن القَطِيعيّ، وآخرون. وأجاز للشيخ، وللفخر عليّ، ولجماعة.(13/112)
237 - عبدُ الرَّحْمَن بْن يَحْيَى بْن مُقبل بْن أحمد ابن الصَّدر، أَبُو مُحَمَّد الحريميّ. [المتوفى: 605 هـ]
روى عَنْ أَبِي الوقت، ومات في ذي القعدة.(13/113)
238 - عَبْد الرَّحْمَن بْن يوسف بْن مُحَمَّد بْن يوسف بْن عيسى، أبو القاسم ابن الملجوم الأزْديّ الزّهرانيّ الفاسيّ، ويُعرف أيضًا بابن رقَية. [المتوفى: 605 هـ]
روى عَنْ مُحَمَّد بْن فتح، وأبي مروان بْن مَسَرَّة. وكان عارفًا بالتّاريخ والشِّعر والنّسَب، لَهُ كتب عظيمة يقال: بيعت بأربعة آلاف دينار.
مات في صفر عَنْ ثمانين سنة.
أجاز لَهُ عمّ أَبِيهِ عيسى.(13/113)
239 - عبدُ السَّلام بنُ إسْمَاعيل بْن عَبْد الرَّحْمَن، ابن اللّمغانيّ القاضي الحنفيّ. [المتوفى: 605 هـ]
تفقَّه ببغداد عَلَى أَبِيهِ وعَمِّه. وسَمِعَ من أَبِي عَبْد الله الحُسين المقدسيّ، وناب في القضاء، وتُوُفّي في رَجَب عَنْ خمسٍ وثمانين سنة.
روى عَنْهُ الدُّبَيْثِيّ، وابن النّجّار.(13/113)
240 - عبدُ العزيز بْن مُحَمَّد بْن عبد العزيز بْن سعدون الأزْدي البَلَنْسيّ الطّبيب. [المتوفى: 605 هـ]
سَمِعَ من أَبِي الحَسَن بْن هُذَيْل، وغيره، وتُوُفّي في رمضان، وكان مِن [ص:114] كبار الأطباء بالأندلس.(13/113)
241 - عبد العزيز ابْن قاضي القضاة أَبِي الفضائل هبةِ اللَّه بن عبد الله الأوسيّ المصريّ الشّافعيّ النّاسخ، المعروف بابن الأزرق. [المتوفى: 605 هـ]
سمع من أبي العباس ابن الحُطيئة وصحِبه، وكتب مِثْلَ خطّه سواء حتّى لا يفرّق بين الخطّين إلا التّاريخُ.
تُوُفّي في شعبان.(13/114)
242 - عبد اللطيف بن نصر الله بْن عليّ بْن منصور، القاضي أَبُو المحاسن الواسطيّ الحنفيّ، المعروف بابن الكَيّال. [المتوفى: 605 هـ]
وُلِدَ سنةَ أربعين وخمسمائة، وتفقّه عَلَى والده، ودَرَّس بعدَه. وولي قضاءَ واسط كأبيه.
تُوُفّي في شعبان.(13/114)
243 - عبدُ المحسن بْن إسْمَاعيل بْن محمود، الوزير شرف الدّين المحلي. [المتوفى: 605 هـ]
وزر بخلاط لصاحبها الملك الأوحد ابن العادل. وقد ناب في ديوان دمشق عَنِ الوزير صفيِّ الدّين بنِ شُكر، وخدم فَلَكَ الدّين أخا المَلِك العادل لأمّه فقيل لَهُ: الفَلَكيّ.
ذبحه غلام لَهُ بخِلاط فنُقل إِلى دمشق، ودُفن بها.(13/114)
244 - عَبْد المُعِزّ بْن عَبْد الله بْن عَبْد المُعِزّ بْن عَبْد الواسع بْن عَبْد الهادي ابن شيخ الإسلام أَبِي إسْمَاعيل عَبْد الله، الأنصاريّ الهَرَويّ أَبُو القَاسِم. [المتوفى: 605 هـ]
سَمِعَ من عَبْد المَلِك الكَرُوخيّ، وغيره، وقد حَدّثَ ببغداد، وتُوُفّي في صفر.(13/114)
245 - عَبْد المَلِك بْن عيسى بْن دِرباس بْن فيْر بْن جهم بْن عبدوس قاضي القضاة بالدّيار المصرية صدر الدّين، أَبُو القَاسِم المارانيّ الفقيه الشافعيّ. [المتوفى: 605 هـ]
وُلد بنواحي المَوْصل في حدود سنة ست عشرة وخمسمائة. وبنو ماران نازلون بالمروج تحت المَوْصل.
تفقّه بحلب عَلَى الإمام أَبِي الحَسَن عليّ بْن سليمان المراديّ، وسَمِعَ منه، وبدمشق من أَبِي القاسم ابن البُن، والحافظ أَبِي القَاسِم، وقدِم مصر في سنة بضعٍ وستّين فسمع بها من الزّاهد علي بن إبراهيم ابن بنت أَبِي سَعْد. وخَرَّج لَهُ الحافظ أَبُو الحَسَن عليّ بْن المفضل أربعين حديثًا.
روى عَنْهُ الحافظ زكيّ الدّين، وقال: كَانَ مشهورًا بالصلاح، والغزو، وطلب العِلم، يُتبرّك بآثاره للمرضى. تُوُفّي في خامس رجب.
قلت: كَانَ مِن خيار علماء زمانه، وفي أقاربه جماعة رَوَوا الحديثَ. والحافظ زكيّ الدّين المنذريّ هُوَ أَجَلُّ مَنْ روى عَنْهُ العلمَ، ولم يلحقه الحافظ زكيّ الدّين البِرْزَالي.(13/115)
246 - عَبْد المولى بْن أَبِي تمّام بْن أَبِي منصور، أَبُو الفضل الهاشميّ، المعروف بابن باد، [المتوفى: 605 هـ]
أخو عُمَر بْن طبرزد لأمه من الرضاعة.
سمع أبا القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ، والمبارك بْن كامل.
تُوُفّي في ذي الحجَّة عَنْ تسعين سنة.
روى عَنْهُ أَبُو عَبْد الله الدُّبَيْثِيّ، والنّجيب عَبْد اللّطيف، وغيرهما، وأضر بأخرة.(13/115)
247 - عَبْد الواحد بْن أَبِي المطهّر القَاسِم بْن الفضل، أَبُو القَاسِم الصيدلانيّ الأصبهانيّ. [المتوفى: 605 هـ]
شيخٌ مُسْنِد مُعَمَّر، مشهور ببلده. سَمِعَ حضورًا من عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد الدّشتَج صاحب الحافظ أَبِي نُعَيْم. وسَمِعَ من جَعْفَر بْن عَبْد الواحد الثقفيّ، وفاطمة الْجُوزدانيَّة، وابن أَبِي ذَرّ الإِخشيذ. روى عَنْهُ ابن خليل، والضّياء، وجماعة. وأجاز لابن أَبِي الخير، وللشيخ شمس الدّين، وللكمال عبد الرحيم، ولأحمد بن شيبان، وللفخر علي، وغيرهم.
تُوُفّي بأصبهان في جُمادي الأولى. وكان مولده في ذي الحجَّة سنة أربع عشرة وخمسمائة، عاش إحدى وتسعين سنة.(13/116)
248 - عَبْد الوهّاب بْن أبي القاسم علي بن أحمد ابن الإِخوة، البغداديّ، [المتوفى: 605 هـ]
وكيل القضاة.
سَمِعَ من عَبْد الخالق اليُوسُفيّ، وغيره. ويسمّى أَبُوهُ أيضًا بعبد الرَّحْمَن.(13/116)
249 - عُثْمَان بْن عُمَر، أَبُو عَمْرو الهَمَذانيّ، [المتوفى: 605 هـ]
شيخ الصّوفية برباط الشُّونيزيّ.
تُوُفّي في ربيع الأول ببغداد.(13/116)
250 - عقيل ابن النّقيب أَبِي الحُسَيْن مُحَمَّد بْن إسْمَاعيل بْن إِبْرَاهيم بْن العَبَّاس بْن أَبِي الجنّ، أَبُو البركات العلويّ، الحسينيّ، الدّمشقيّ. [المتوفى: 605 هـ]
وُلد سنة عشرين وخمسمائة، وحدث عَنْ أَبِي الدُّرّ ياقوت الرومي؛ روى عَنْهُ ابن خليل، وغيره. وأجاز لابن أَبِي الخير، وللشيخ شمس الدّين عَبْد الرَّحْمَن.(13/116)
251 - عليّ بْن الحَسَن بْن إسْمَاعيل بْن عطاء، الفقيه أَبُو الحَسَن البغداديّ. [المتوفى: 605 هـ]
روى عَنْ أَبِي الوَقْت، وتُوُفّي في المحرم.(13/116)
252 - عليّ بْن رَشِيد، أَبُو الحَسَن الحَرْبَوِيّ العَدْل. [المتوفى: 605 هـ]
روى عن نصر العكبري، وَأَبِي الوَقْت. وولي وكالةَ الدِّيوان، وكان حميدَ السيرة.
تُوُفّي في شوّال.(13/117)
253 - عليّ بْن القَاسِم بن يونش، أبو الحسن ابن الزقاق الإِشبيليّ، النّحْويّ. [المتوفى: 605 هـ]
ذكره القفْطيّ في " تاريخه "، فَقَالَ: قرأ القرآن عَلَى أَبِيهِ، ونزل الجزيرة، وخطَب برأس العين مُدَّة، وسكن دمشق هُوَ وأخوه، ثُمَّ سكن حلب وتصدَّر بها للإِقراء، ودخل لَهُ رزق، واشترى لَهُ دارًا، وجاءته الأولاد. وكان عسِر الخُلُق، كثير الدَّعْوى، شحيحًا بعيدًا من الخير، يخطئ فيما يعانيه، ولا يرجع إذَا رُدَّ عَلَيْهِ. صَنَّف شرحًا " للجُمل " في أربع مجلدات، وألف " مفردات القراءات ". وكان أَبُوهُ من كبار القرّاء، وكان جدّه يُوَنِّش عبدًا روميًّا. قرأ القَاسِم بْن يُوَنِّش عَلَى شُرَيح وصحِبه، وكان فقيرًا مُدْقِعًا، ولُقِّب بالزّقاق لعِظَم بطنه.
تُوُفّي عليٌّ في حدود السّنة بطريق الحجّ - رحمه الله -.(13/117)
254 - علي بْن مُحَمَّد بْن علي بْن جميل، أَبُو الحَسَن المَعافِريّ المالَقيّ، [المتوفى: 605 هـ]
خطيب القدس.
سَمِعَ كتاب " الأحكام " من مصنِّفه عَبْد الحقّ بْن عَبْد الرَّحْمَن الأزْديّ الخطيب، وسَمِعَ بمالَقة من أَبِي القَاسِم عَبْد الرَّحْمَن السُّهَيْليّ، وبمصر من أبي الفتح محمود بن أحمد ابن الصابونيّ، وبدمشق من يَحْيَى الثقفيّ، [ص:118] وعبد الرحمن ابن الخرقي. وتخرج في الحديث بالقاسم ابن عساكر. ونسخَ الكثيرَ. وولي خطابة القدس زمانًا، وحصلت لَهُ دنيا متّسعة، وكان محمود الطّريقة، متواضعا. روى عنها الزكي عبد العظيم، والشهاب القوصيّ.
قَالَ القُوصيّ: الخطيب زين الدّين نال عند المَلِك النّاصر الحُرمة الوافرة، وخَصَّهُ عَقِيبَ الفتح بخطابة الأقصى. وروى عَنْهُ الأمير شرف الدّين عيسى بْن أَبِي القَاسِم الهَكّاريّ.
وقال عَبْد العظيم: تُوُفّي سنة خمس، ولم يُعَيّن الشهر.(13/117)
255 - عليّ بْن محمود بْن عَبْد الله ابْن الظَّفَري، القطّان، أَبُو الحَسَن. [المتوفى: 605 هـ]
روى عَنْ عمر بن ظفر المغازلي.(13/118)
256 - عمر ابن القُدوة الشّيخ حياة بْن قيس الحرّانيّ. [المتوفى: 605 هـ]
تُوُفّي بحرّان في صفر.(13/118)
257 - عيسى بْن المُعلَّى الرافقيّ النَّحْويّ اللُّغَويّ، حُجَّة الدّين. [المتوفى: 605 هـ]
لَهُ مقدّمة في النّحْو سمّاها " المَعُونة " ثُمَّ شرحها، وصَنَّفَ كتبًا في اللّغة، وكان يقدم حلب ويمدح أكابرها، ففي " ديوانه " مَدْح صفيّ الدّين طارق بْن أَبِي غانم، ومدح جماعة من أمراء نور الدّين، وتُوُفّي في ربيع الآخر سنة خمس؛ قاله القفطي.(13/118)
258 - غياث بْن فارس بْن مكّيّ، أَبُو الجود اللّخْميّ المِصْريّ المقرئ الأستاذ النّحْويّ العَرُوضيّ الضّرير. [المتوفى: 605 هـ]
شيخ الدّيار المصريَّة. وُلد سنة ثماني عشرة وخمسمائة، وتصدَّر للإقراء مدَّةً طويلة؛ قرأ القراءات عَلَى الشريف أَبِي الفتوح الخطيب، وسَمِعَ منه ومن عَبْد الله بْن رفاعة، ومن المهذّب عليّ بن عبد الرحيم ابن العصّار الأديب.
قرأ عَلَيْهِ القراءات أَبُو الحَسَن السخاوي، وأبو عمرو ابن الحاجب، والمنتجبُ الهَمَذانيّ، وعبدُ الظّاهر بْن نَشْوان، والعَلَمُ أَبُو مُحَمَّد القَاسِم بْن [ص:119] أحمد اللورقي الأندلسي، والكمال علي بْن شجاع الضّرير، والفقيهُ زيادة بْن عِمران، وعبدُ القويّ بْن عزون، وعبد القوي بْن عبد الله ابن المغربل، والتّقيّ عَبْد الرَّحْمَن بْن مُرهف النَّاشِريّ. وتُوُفّي قبلَ الكمال الضّرير بأيام.
وكان ماهرًا بالقراءات، إمامًا فيها. وبقي من أصحاب أَبِي الجود ممّن قرأ عَلَيْهِ القراءات إِلى سنةِ إحدى وسبعين أَبُو الفتح عَبْد الهادي بْن عَبْد الكريم القَيْسي خطيب جامع المقياس. وآخر مَن مات ممّن قرأ عَلَيْهِ القراءات السّبعة أَبُو الطّاهر إسْمَاعيل المليجيّ، وبقي إِلى سنة ثمانين وستِّمائة.
وروى عَنْهُ الحديثَ شهابُ الدّين القُوصيّ، وزكيُّ الدّين المنذريّ، وضياءُ الدّين المقدسيّ، وشمس الدين الأدمي، وكمال الدين محمد ابن قاضي القضاة ابن دِرْباس، وآخرون.
قَالَ المنذريّ: أقرأ النّاسَ دهرًا، ورُحِل إِلَيْهِ، وأكثر المتصدّرين للإقراء بمصر أصحابه وأصحاب أصحابه. سمعتُ منه، وقرأتُ القراءاتِ في حياته عَلَى أصحابه، ولم يتيسَّرْ ليَ القراءةُ عَلَيْهِ. وكان ديِّنًا فاضلًا، بارعًا في الأدب، حسن الأداء، لفاظا، كثيرَ المروءة، متواضعًا، لا تطلب منه أن يَقْصِدَ أحدًا في حاجةٍ إلا يُجيب، وربّما اعتذر إِلَيْهِ المشفوعُ إِلَيْهِ ولم يُجِبه، فَيُطْلَب منه العودُ إِلَيْهِ، فيعود إِلَيْهِ، تصدَّر بالجامع العتيق بمصر، وبمسجد الأمير موسك بالقاهرة، وبالمدرسة الفاضلية، وتوفي في تاسع رمضان.(13/118)
259 - فاطمة بنت مُحَمَّد بْن أَحْمَد القنائيّ، ستّ النّساء. [المتوفى: 605 هـ]
روت بالإِجازة من قاضي المارستان وجماعة. سمع منها أبو الحسن ابن القَطِيعيّ.(13/119)
260 - فاطمة بنتُ أَبِي الفائز عَبْد الله بن أحمد ابن الطُّوّيْر، أمّ البهاء البغداديَّة، البزّاز أبوها. [المتوفى: 605 هـ][ص:120]
سمعها أخوها لأمها العلامة أبو الفرج ابن الجوزي من أبي منصور ابن خَيرون، وأبي سعد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الزّوْزنيّ.
روى عنها ابنُ خليل، والضّياءُ، والنّجيبُ عَبْد اللّطيف، وتُوُفّيت في حادي عشر ربيع الأوّل، وأجازت للشيخ الفخر، وللكمال عبدِ الرحيم، ولابن شيبان، وغيرهم.(13/119)
261 - الفصيح الواعظ. [المتوفى: 605 هـ]
كَانَ مليحَ الوعظ، توفي بدمشق.(13/120)
262 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن بختيار بْن عليّ بْن مُحَمَّد، القاضي أبو الفتح ابن القاضي أَبِي العَبَّاس المَنْدائيّ الواسطيّ الشّافعيّ، [المتوفى: 605 هـ]
مُسْنِدُ العراق.
ولد بواسط سنة سبع عشرة وخمسمائة، وسمع ببغداد في صغره بحرص والده من أَبِي عَبْد الله البارع، وأبي القَاسِم بْن الحُصَيْن، وأبي عامر العبدريّ، ومكّيّ بْن أبي طالب البروجردي، وهبة الله ابن الطَّبِر، وعبيد الله بْن مُحَمَّد البَيْهَقيّ، وأحمد بْن عليّ المُجْلِي، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن المَزْرَفيّ، وأبي بَكْر الأنصاريّ، وأبي منصور بْن زُرَيْق القَزَّاز، وأبي منصور بْن خَيْرُون، وطائفة. وولي أَبُوهُ قضاء الكوفة قُبَيْل ذَلِكَ فَسمّعَهُ بها من عُمَر بْن إِبْرَاهيم العلويّ. وسمع بواسط من أَبِي الكَرَم نصر اللَّه بْن مُحَمَّد ابن الْجَلَخْت، والقاضي مُحَمَّد بْن عليّ الجلابيّ، والمبارك ابن الحسين ابن نَغوبا، وجماعة.
وقرأ بها القراءات عَلَى أَحْمَد بْن عُبَيْد الله الآمِديّ، وأبي يَعْلَى مُحَمَّد بْن سَعْد بْن تُركان. وتفقّه ببغداد عَلَى أبي منصور سعيد ابن الرزاز. وتأدب عند أبي منصور ابن الجواليقيّ، وكان كبيرَ القدر، عاليَ الإِسناد، رَحلةَ البلاد.
روى عنه أبو الطاهر إسماعيل ابن الأنماطي، وأبو بكر محمد ابن نُقْطَة، وفتوح بْن نوح الخُويّي، والزّينُ بْن عبد الدائم، وأبو عبد الله الدُّبَيْثِيّ، وابنُ النّجّار، وجماعة كثيرة، وأجاز لابن أبي الخير، وللشيخ شمس الدين عبد الرَّحْمَن، والكمال عَبْد الرحيم، وإسماعيل العسقلانيّ، والفخر علي. [ص:121]
قَالَ الدُّبَيْثِيّ: كَانَ حسنَ المعرفة، جيّدَ الأصول، صحيحَ النّقل، متيقّظًا، حَدّثَ بالكثير، وصار أسندَ أهل زمانه، وقُصِدَ من الآفاق، وحدَّث ببغداد غير مرة، ونعم الشيخ كان عقلًا وخُلقًا ومَوَدَّة.
وقال الحافظ عبدُ العظيم: كَانَ بقيَّةَ السَّلف، وشيخَ القضاة والشهود، وآخر من حدث " بمسند " أحمد كاملا. وكان يَعْرِفُ ما يقرأ عَلَيْهِ. وتُوُفّي في ثامن شعبان، ودُفِنَ بداره، وخُتِمَتْ عنده عِدَّة خِتَم.
وسئل عَنْ معنى المَانْدائيّ، فَقَالَ: كَانَ أجدادي قوما مِن العجم تأخّر إسلامُهم، فسُمُّوا بذلك، والماندائيّ: الباقي، بالفارسيَّة.
أنبأني الإِمامُ أَبُو الفَرَج بْن أَبِي عُمَر، عَنْ أَبِي الفتح المَنْدائيّ، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد الله الحُسَيْن بْن مُحَمَّد الدّبّاس لنفسه:
فُؤَاد ما يَقِرُّ لَهُ قَرَارُ ... لِنِيرَانِ الغَرَامِ بِهِ اسْتِعَارُ
وعَيْنٌ مَا يَجِفُّ لها غروب ... كأن شؤونها سحب غزار
وجسم شَفَّهُ بُرَحَاءُ شَوْقٍ ... لَهُ في كُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ نَارُ
سِمَاتُ الحُبِّ لائِحَةٌ عَلَيْهِ ... فَلَيْسَ لِمَا بِهِ مِنْهَا استِتَارُ(13/120)
263 - مُحَمَّد بْن بقاء بْن الحَسَن البُرْسُفيّ، المقرئ الضّرير. [المتوفى: 605 هـ]
وُلد ببُرسِف في سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، سَمِعَ عَلَى ابنِ الصّبّاغ، وابن ناصر.
تُوُفّي في جُمادي الأولى.(13/121)
264 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن سُلَيْمَان، أَبُو عَبْد الله الزُّهْرِي البَلَنْسيّ، ويُعرف في الأندلس بابن القحّ، واشتهر بالنّسبة إِلى ابن محرز. [المتوفى: 605 هـ][ص:122]
سَمِعَ من صهره أَبِي الحَسَن بْن هُذَيل فأكثر، ومن أبي الحسن ابن النّعمة، وأبي عَبْد اللَّه بْن سعادة وجماعة.
قَالَ الأبّار: كَانَ لَهُ حظٌ مِن الفقه والقراءات. أخذ عَنْهُ ابنُه أَبُو بَكْر مُحَمَّد، وأَبُو عَبْد الله بْن أَبِي البقاء، ورأيتُه وأنا صغير. وُلِدَ في سنة ثمانٍ وعشرين وخمسمائة، وتُوُفّي في جُمادي الآخرة.(13/121)
265 - مُحَمَّد بْن جابر بن يحيى بن محمد، أبو الحسن ابن الرمالية الثعلبي الغرناطي. [المتوفى: 605 هـ]
سمع أبا جعفر ابن الباذش، وعبد الحقّ بْن عطيَّة، وأبا بَكْر ابن العربيّ، والقاضي أبا الفضل بْن عياض، وأبا الحَسَن شُرَيحَ بْنَ مُحَمَّد، وأخذ عَنْهُ القراءات. وتفقّه، وسَمِعَ " المدوَّنة " عَلَى أَبِي الوليد بْن خيرة، وأبي عبد الله ابن أَبِي الخصال. وكان مِن أهل الوجاهة والفضل والمعرفة، أخذ عنه غير واحد؛ قاله الأبّار، وقال: حَدّثَ في سنة خمسٍ وستّمائة.(13/122)
266 - محمد ابن الحافظ أبي العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني العطّار. [المتوفى: 605 هـ]
سمع أَبَاهُ، وأبا الوقت، وأبا الخير الباغبان، وكان من الصلحاء.
توفي في المحرم بهَمذَان.(13/122)
267 - مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز بْن الحُسَيْن، القاضي أبو عبد الله ابن القاضي الجليس أبي المعالي ابن الْجَبَّاب التَّمِيمِيّ المالكيّ المصريّ. [المتوفى: 605 هـ]
وُلِد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، وقرأ برواياتٍ عَلَى الشريف أَبِي الفتوح الخطيب. وتأدَّب عَلَى عَبْد الله بْن بَرّي، ومحمد بْن حمزة العِرْقِيّ. وسَمِعَ من أَبِي طاهر السِّلَفيّ، وغيره، وولي ولاياتٍ رفيعة، وهو والدُ فخر القضاة أحمد بن محمد ابن الجباب. [ص:123]
تُوُفّي مجاورًا بمكَّة في سَلْخ المحرّم.(13/122)
268 - مُحَمَّد بْن عيّاش بْن مُحَمَّد بْن الطُّفَيْل، أَبُو الحسن ابن عَظِيمة العَبْدرِيّ الإِشبيلي. [المتوفى: 605 هـ]
روى عَنْ أَبِي عَمْرو والده، وأبي بَكْر بْن خَيْر، وأبي عَبْد الله ابن المجاهد، وأبي الأصبغ ابن السّماتيّ، وأبي عَبْد الله بْن زرْقون، وجماعة.
قَالَ الأبّار: وكان مقرئًا ماهرًا مُجوِّدًا، أخذ عنه أبو محمد الخراز، وغيره. وأجاز في سنة خمسٍ.(13/123)
269 - مُحَمَّد بْن أبي الغنائم محمد بن أحمد ابن اليَعْسُوب، أَبُو طالب الحريميّ. [المتوفى: 605 هـ]
حَدّثَ عَنْ أَبِي الوقت، وتُوُفّي في جُمادي الأولى.(13/123)
270 - مُحَمَّد بْن محمود، القاضي أَبُو عَبْد الله الخُوَيّي، الفقيه الشّافعيّ، [المتوفى: 605 هـ]
قاضي البصرة.
روى عَنِ ابن البطّيّ، وتفقّه بالنّظاميَّة عَلَى أَبِي المحاسن يوسف الدّمشقيّ.(13/123)
271 - مُحَمَّد بْن المبارك بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بن الحسين، المحدث المفيد، أبو بكر ابن مشق البغدادي، البيع. [المتوفى: 605 هـ]
ولد سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، وسَمَّعَهُ أَبُوهُ من طائفة، وسَمِعَ هُوَ وعُني بالرواية أتمَّ عناية، وجمع معجمًا، وبلغت أثباتُ مسموعاته ستَّ مجلّدات، سَمِعَ أبا بَكْر أَحْمَد ابن الأشقر، وأبا الفضل الأُرْمَويّ، وأبا السّعادات هِبة الله ابن الشجري، والمبارك بن أحمد بن بركة، وسعد الخير الأندلسي، وسعيد ابن البناء. [ص:124]
قَالَ أَبُو عَبْد الله الدُّبَيْثِيّ: لم يروِ إلا اليسير، واختلط قبل موته بنحو ثلاث سنين، حتّى كَانَ لا يأتي بشيءٍ عَلَى وجه الصّحَّة، فتركه النّاسُ.
قلت: روى عَنْهُ النّجيبُ عَبْد اللّطيف، والحافظ الضّياء، وابن النّجّار. وأجاز للشيخ شمس الدّين، ولإِسماعيل العسقلانيّ، وللفخر عليّ، وغيرهم. وتُوُفّي في حادي عشر شعبان. وكان كيِّسًا، متودِّدًا، جميلَ الطّريقة، صدوقًا.(13/123)
272 - مُحَمَّد، المَلِك الأشرف عزّ الدّين وَلَد السلطان المَلِك الناصر صلاح الدين يوسف بْن أيّوب. [المتوفى: 605 هـ]
تُوُفّي بحلب.(13/124)
273 - محفوظ بْن أَحْمَد بْن أَبِي الفَرَج، أَبُو غالب الثّقفيّ الأصبهانيّ، [المتوفى: 605 هـ]
سِبط الحافظ إسْمَاعيل بْن مُحَمَّد التّميميّ.
سَمِعَ مِن جدّه، ومن زاهر الشّحَّاميّ، وسعيد بْن أَبِي الرجاء. روى عنه الضياء، وابن خليل، وأجاز لابن أبي الخَيْر، والفخر عليّ، وغيرهما.
تُوُفّي في رمضان.(13/124)
274 - محمودُ بْن مُحَمَّد بْن سام، السّلطان غياث الدين ابن السلطان الكبير غياث الدّين الغُوريّ، آخر ملوك الغوريَّة. [المتوفى: 605 هـ]
قَالَ ابنُ الأثير: ولقد كانت دولتُهم من أحسن الدّول سيرة وأعدلها وأكثرها جهادًا. قَالَ: وكان محمودٌ عادلًا حليمًا كريمًا.
قلت: سارَ إِلَيْهِ أمير ملك، خال خُوارزم شاه، فحاصره، ونزل إِلَيْهِ بالأمانِ، فغدر بِهِ وقتله وقتل معه عليّ شاه، كما هُوَ في الحوادث.(13/124)
275 - مصدّق بْن شبيب بْن الحُسَيْن، أَبُو الخير الصِّلْحِيّ النَّحْويّ، [المتوفى: 605 هـ]
صاحب الشيخ صَدَقة بْن وزير، والصِّلْح: من أعمال واسط.
قرأ القرآنَ عَلَى صَدَقة. وقدِم بغداد فقرأ العربيَّة عَلَى أَبِي محمد ابن الخشاب، وأبي البركات الأنباري، وأبي الحسن ابن العصار. وسمع من أبي الفتح ابن البَطِّي، وجماعة. وبرع في العربية، وصار مُشارًا إِلَيْهِ مَعَ ما فيه من الصّلاح والخير والعبادة. أقرأ النّاسَ زمانًا. وكان عالمًا أيضًا بالفرائض واللّغة.
قَالَ أَبُو عَبْد الله الدُّبَيْثِيّ: قرأت عَلَيْهِ زمانًا وعاش سبعين سنة، وتُوُفّي في ربيع الأول ببغداد - رحمه الله -.(13/125)
276 - هِبة الله بْن يوسف بْن خمرتاش، أَبُو الفُتُوح المختاريّ، الكاتب. [المتوفى: 605 هـ]
سَمِعَ من عَبْد المَلِك بْن عليّ الهَمَذانيّ.
وله شِعرٌ وسط.
مات في جمادى الآخرة.(13/125)
277 - واثلةُ بْن الأسقع، أَبُو هُرَيْرَةَ الهَمَذانيّ، ثُمَّ الكرْجيّ، المؤذّن، الصّالح. [المتوفى: 605 هـ]
سَمِع هِبَة اللَّه بْن الفَرَج ابن أخت الطويل، ونصر بن المظفر، وابن ناصر، وجماعة. وصحِب الحافظ أبا العلاء العطّار، وحدّث ببغداد قبل الثّمانين، وأجاز لابن البخاري، وغيره.
مات في شوال بالكرج.(13/125)
278 - يوسف بْن عليّ بْن يوسف بْن خَلَف، أَبُو الحَجّاج القُرْطبيّ، يُعرف بالْجُمَيْمِيّ. [المتوفى: 605 هـ]
مُكْثِرٌ عَنْ أبي القاسم ابن بَشْكُوال. وتجوَّل ببلاد الأندلس، وأخذ عَنْ أَبِي عَبْد الله بْن سعادة، وأبي زيد السُّهَيْليّ، وجماعة. وأخذ القراءات عَنْ أَبِي عليّ بْن عَرِيب.
قَالَ الأبّار: تُوُفّي في رمضان. وكان من أهل العناية بالرواية.(13/125)
-وفيها وُلِد
برهانُ الدّين محمود بْن عَبْد الله المَراغيّ الشافعيّ بالمراغة، والعمادُ مُحَمَّد بْن عبّاس الدُّنَيْسريّ الطّبيب، والجمالُ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي سعد الواسطيّ خطيب كفرسُوسية، والصّفيُّ إِسْحَاق بْن إِبْرَاهيم الشقراويّ، والنَّجْم أَبُو تَغِلب بن أحمد الفاروثي، والمسند ناصر الدين عمر ابن القواس، والضّياءُ محمد بْن أَبِي بَكْر الجعفريّ الأسود، والشّرفُ مُحَمَّد بْن عُثْمَان بْن مكّيّ الشّارِعي، والمعينُ عُثْمَان بْن سعد بْن تُولوَى القُرَشيّ، وُلِد بِتنِّيس، والنّجيبُ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد السّلام السّفاقُسِيّ، والحافظُ سيف الدّين أَحْمَد ابن المجد عيسى، والكمالُ أَحْمَد بْن عَبْد الرحيم بْن عَبْد الواحد، والشّرفُ حسن بْن عَبْد الله بْن عَبْد الغنيّ، والضّياءُ عليّ بْن محمد ابن البالسي المحدث.(13/126)
-سنة ست وستمائة(13/127)
279 - أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عبد الملك بن شراحيل، أبو جعفر الهمذاني الغَرْناطيّ. [المتوفى: 606 هـ]
صدْر رئيس أصيل، روى عَنْ أَبِيهِ، وخاله أبي الحسن ابن الضّحّاك، وأجازَ لَهُ أَبُو الحَسَن شُرَيح، وأَبُو بكر ابن العربيّ، وجماعة، وحجّ، فسمع بالإِسكندرية من أَبِي عبد الله ابن الحضْرميّ، وطال عُمره؛ وهو آخر من روى عَنِ ابن أَبِي الخصال بالإِجازة. وتُوُفّي في ذي الحجَّة وله أربعٌ وثمانون سنة.
روى عَنْهُ أَبُو بَكْر بْن مَسْديّ الحافظ من " الموطأ "، وسماعه منه في سنة خمس وستمائة بغرناطة، قال: أخبرنا عمرو بن محمد بن بدر الهمداني في سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الفَرَج الطّلاعيّ.
وقد ذكره ابن الأبّار، وذكَر شيخه عَمْرًا هذا، فَقَالَ: سَمِعَ " الموطّأ " من ابن الطّلاع.(13/127)
280 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي نصر، أَبُو سعيد الأصبهاني، الأرْجَانيّ، الضّرير. [المتوفى: 606 هـ]
سَمِعَ مِن فاطمة الْجُوزدانية.
وأرْجان: مخفَّفة على الأصح؛ قاله المنذريّ.
تُوُفّي في صفر أو في ربيع الأوّل.
روى عَنْهُ ابنُ نُقطة، وقال: سَمِعَ " المعجم الصّغير " كلَّه من فاطمة.(13/127)
281 - أَحْمَد بْن أَبِي الفتح الأبِيوَرْدِيّ، المواقيتيّ، المؤذّن. [المتوفى: 606 هـ]
سَمِعَ من أَبِي المظفّر الفلكيّ بدمشق. أخذ عنه العماد علي ابن عساكر، وعليُّ بْن عُمَر الصَّقَلِّيّ، وغيرهما.(13/128)
282 - إدريسُ بْن مُحَمَّد بْن أَبِي القَاسِم، أَبُو القَاسِم العطار الأصبهاني، المعروف بآل والُويه العطّار. [المتوفى: 606 هـ]
سَمِعَ مِن مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَبِي ذَرّ. روى عَنْهُ الضّياء المقدسيُّ، وابنُ نُقطة؛ قَالَ الضّياء: سَمِعْتُ منه في السَّفْرتين. وأجاز لأحمد بْن سلامة الحدّاد، والشيخ شمس الدّين، والكمال عَبْد الرّحيم، والفخر عليّ.
وتُوُفّي في سادس شعبان، ويقال: إنّه جاوز المائة.
روى عَنْهُ لنا بالإِجازة العامة الركن أحمد الطاووسي.(13/128)
283 - أرتق بْن جَلْدَك المُقْتَفَويّ، شِحنة بغداد. [المتوفى: 606 هـ]
تَزَهَّدَ وتَفَقَّر، وسمَّى نفسَه محمدًا، وتكلّم في الحقيقة بجامع المنصور، وفي الأصول بجهلٍ، فَمُنِعَ من ذَلِكَ، ثُمَّ قام معه جماعة.
روى عَنْ أبي بكر ابن الزاغوني. روى عنه أبو الحسن ابن القَطِيعيّ، وقال عَنْهُ: كَانَ يعتقد أنّ عذاب النّار ينقطع ولا يبقى فيها أحد. تُوُفّي في أيام التّشريق عَنْ بضْعٍ وثمانين سنة أو أكثر.(13/128)
284 - أرمانوس، مولى مُحَمَّد بْن عليّ الزَّينبيّ. [المتوفى: 606 هـ]
سَمِعَ هبة الله الشّبليّ، وأبا الفتح ابن البطّيّ. ومات في جُمادي الآخرة.
روى عَنْهُ ابن النّجّار، وقال: كَانَ صالحًا حسن الأخلاق.(13/128)
285 - أسامةُ بنُ سُلَيْمَان بْن مُحَمَّد بْن غالب، أَبُو بَكْر الدّاني، المقرئ. [المتوفى: 606 هـ]
أخذ القراءات عَن أَبِي عَبْد اللَّه محمد بن الحسن ابن غلام الفَرَس، وسَمِعَ [ص:129] منه " التّيسير " وأجاز لَهُ، وسَمِعَ من أَبِي الوليد ابن الدباغ، وأبي الحسن ابن عزّ النّاس.
قَالَ الأبّار: وكان بصيرًا بعقد الشروط، منقطعَ القرين في الصّلاح والورع، نهايةً في العدالة، وكانت لَهُ مشاركة في الفقه. حدَّث، وأخذ الناسُ عَنْهُ. وُلِد سنة ثلاثين وخمس مائة، وتُوُفّي في رابع عشر جُمادي الآخرة.
رَوَى عَنْهُ أَبُو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الدّاني.(13/128)
286 - أسعد بْن المُنَجَّى بْن بركات بْن المؤمّل، القاضي أَبُو المعالي وجيه الدين ابن أبي المنجى، التنوخي المَعَرِّيُّ الأصلِ، الدّمشقيّ، الفقيه الحنبليّ. [المتوفى: 606 هـ]
وُلِدَ سنة تسع عشرة وخمس مائة. وارتحل إِلى بغداد وتفقَّه بها، وبرع في المذهب، وسَمِعَ أنوشتكين الرضْوانيّ، والقاضي أبا الفضل الأُرْمَوِيّ، وأبا جَعْفَر العبّاسيّ. وسَمِعَ بدمشق من نصر بْن أَحْمَد بْن مُقَاتل، وغيره. وولي قضاءَ حَرَّانَ في أواخر دولة نور الدّين، وأخذ الفقه عَنْ الشيخ عبد القادر الجيلي، وأحمد الحربيّ، وتفقّه أيضًا بدمشق عَلَى شَرَف الإِسْلَام عَبْد الوَهَّاب ابن الشَّيْخ أَبِي الفرج الحنبليّ، وهو آخرُ أصحابه.
أخذ عَنْهُ الشّيخ الموفَّق. وروى عَنْهُ ابنُ خليل، والضّياء، والشيخ شمس الدّين، والفخر عليّ، والحافظ عَبْد العظيم، والشهاب القُوصيّ، وآخرون.
ومن أجله بنى الشّيخ مسمار المدرسة ووقفها عليهم، وله شعر حَسَن.
صَنّف كتاب " النّهاية في شرح الهداية " في بضعة عشر مجلَّدًا، وصنّف كتاب " الخلاصة "، وغير ذَلِكَ. وفي ذُريّته علماء وأكابر.
مات في جُمادي الآخرة.(13/129)
287 - أسعد بْن المهذّب بْن زكريّا بْن مَمَّاتي، القاضي الرئيس أَبُو المكارم المصريّ [المتوفى: 606 هـ]
الكاتب الشاعر صاحب الدّيوان الشعر. [ص:130]
فمنه:
تُعَاتِبُني وتَنْهَى عَنْ أُمُورٍ ... سَبِيلُ النَّاسِ أَنْ يَنْهَوْكَ عنْها
أَتَقْدِرُ أَنْ تَكُونَ كَمِثْلِ عَيْنِي ... وحقِّك مَا عَليَّ أَضَرَّ مِنْها
تُوُفّي بحلب وقد هرب إليها خائفًا من الوزير ابن شُكْر في سَلْخ جُمادي الآخرة وله اثنتان وستّون سنة.
وقد سَمِعَ من أَبِي طاهر السِّلَفيّ، وغيره.
وله مجاميعُ مفيدة، ونَظَمَ " سيرة صلاح الدّين "، ونظم كتاب " كليلة ودِمنة ".
وقد أسلم، وكان نصرانيًّا، في أول الدّولة الصّلاحيَّة، وولي ديوان الجيش وغير ذَلِكَ.
ومرض، فطلب من جُويرية لَهُ توتيه أن تُصْلِحَ لَهُ شيئًا يُوافق، فعدَّد لها أنواع المرورات، فَضَجِرَت وقالت: لا يقدر أحد عَلَى مَرْضاتِك في مَرَضَاتِك.
وذُكر أَنَّهُ اختصر " اللُّمَع " في النَّحْو لابن جني في ورقةٍ واحدة مُجَدْوَلة.(13/129)
288 - إسْمَاعيل بْن عليّ بْن حَمَك، أَبُو الفضل المُغِيثِي الحمكي الخراساني. [المتوفى: 606 هـ]
سَمِعَ مُحَمَّد بْن إسْمَاعيل الفارسيّ، ووجيهًا الشّحّاميّ.(13/130)
289 - إسماعيلُ بْنُ عُمَر بْن نعمة بْن شبيب، الأديب أَبُو الطّاهر الرؤبيّ الحنبليّ المصريّ العطّار. [المتوفى: 606 هـ][ص:131]
لَهُ شعر وتصانيف وأدب.
تُوُفّي في المحرَّم كهلاً.(13/130)
290 - الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ، القاضي أَبُو عليّ الأمويّ المصريّ الشّافعيّ العدل الورّاق، المعروف بابن مروان - يعني مروان بْن الحَكَم. [المتوفى: 606 هـ]
سَمِعَ من عَبْد الله بْن رفاعة في سنة خمسين وخمس مائة، ومولده في سنة تسع عشرة وخمس مائة. حَدّثَ عَنْهُ الزّكيّ عَبْد العظيم وغيره، وكان بارعًا في الشروط، صَنَّف فيها كتابين مشهورين، وتُوُفّي في رجب.(13/131)
291 - الحَسَن بْن المبارك بْن أَبِي سعد ابن البوّاب، أَبُو عليّ الحريميّ. [المتوفى: 606 هـ]
حَدّثَ عَنْ أَبِي الوقت، وسعيد ابن البناء، وتوفي في المحرم.(13/131)
292 - رشيد، مولى الأمير صندل المقتفوي. [المتوفى: 606 هـ]
روى عن ابن البطي.(13/131)
293 - عَبْد اللَّه بْن يَحْيَى بْن عليّ بْن أحمد ابن الخَرّاز الحريميّ. [المتوفى: 606 هـ]
تُوُفّي بساوة.
سَمِعَ أحمدَ بْن علي ابن الأشقر، وسَعْدَ الخيرِ، وعمّ أَبِيهِ أبا عليّ أَحْمَد بْن أَحْمَد.(13/131)
294 - عَبْد الله بْن عَبْد الله الشنتريني الزّاهد. [المتوفى: 606 هـ]
قَالَ الأبّار: صحِب أبا عَبْد الله ابن المجاهد الزاهد دهراً وسلك طريقته، وكان فقيهاً مُفْتيًا عابِدًا، وَكَانَ يبيع الزّيت. بقي إِلى سنة ست.(13/131)
295 - عبد الرحيم بن عَبْد الرّزّاق ابن الشَّيْخ عَبْد القادر الْجِيليّ، أَبُو القَاسِم. [المتوفى: 606 هـ]
تُوُفّي ببغداد في ربيع الأول، وقد سمع من أبي الفتح ابن البطّيّ، وغيره.(13/132)
296 - عَبدُ السّلام بْن مُحَمَّد بْن بكروس، أَبُو الفتح القَيَّارِي الحَمَّامي. [المتوفى: 606 هـ]
شيخ بغداديّ مسند. سمع من إسماعيل ابن السمرقندي، وأبي سعد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، وأبي الفتح الكُرُوخيّ. روى عَنْهُ الدُّبَيْثِيّ، والضّياء، وغيرهما. وأجاز للفخر ابن البخاريّ، وغيره.
تُوُفّي في ذي القعدة.(13/132)
297 - عَبْد العزيز بْن الخطير بْن مَمّاتيّ، ويُعرف بالقاضي الأسعد. [المتوفى: 606 هـ]
شاعر جيدُ النَّظْم، روى عَنْه الشهاب القُوصيّ، وقال: تُوُفّي بحلب سنة ستّ.
وقد قدّمناه بلقبه.(13/132)
298 - عَبْد الهادي بْن يُوسُف بْن مُحَمَّد بْن قُدامة المقدسيّ. [المتوفى: 606 هـ]
وُلِدَ في حدود الأربعين وخمس مائة، وحدّث بالإِجازة عَنِ ابن البَطَّيّ.
وسَمِعَ من جماعة.
وهو والد العماد عَبْد الحميد، وغيره. روى عَنْهُ الضّياء. ومات بالجبل.(13/132)
299 - عُثْمَان بْن يوسف بْن مِقدام المقدسيّ المقرئ. [المتوفى: 606 هـ]
شيخ صالح عابد، ابن عمِّه الحافظ الضّياء، يروي عَنِ ابن صابر. روى عَنْهُ الضّياء، وغيرهُ.
تُوُفّي في شهر ربيع الأوّل قبل عَبْد الهادي بشهر.(13/132)
300 - عَفِيفَة بنت أَبِي بَكْر أَحْمَد بْن عَبْد الله بن محمد، أم هانئ الفارفانية الأصبهانية. [المتوفى: 606 هـ]
شيخة معمرة، وُلِدَتْ سنة عشر وخمس مائة، وسَمِعَتْ مِن صاحب أَبِي نُعَيْم الحافظ عَبْد الواحد الدَّشْتَج، وهي آخر من حَدّثَ فِي الدّنيا عَنْهُ بالسّماع. وتروي عَنْ أَبِي عليّ الحدّاد، وأبي سعد ابن الطيوري، وأبي الغنائم ابن المهتدي بالله، وأبي علي ابن المهديّ، وأبي طالب بْن يوسف البغداديّ، وأبي الحَسَن بْن مرزوق الزَّعفرانيّ، بالإِجازة. وسمعت أيضًا من حمزة بْن الْعَبَّاس العَلَويّ، وجَعْفَر بْن عَبْد الواحد الثقفي، وفاطمة الجوزدانية.
روى عنها أَبُو مُوسَى عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْغَنِيِّ، والضّياءُ مُحَمَّد، والرفيع إِسْحَاق والد الأبَرْقُوهيّ، وجماعة. وأجازت لأحمد بْن أَبِي الخير، وللفخر علي، وللبرهان إبراهيم ابن الدَّرَجيّ، وللشيخ شمس الدّين، وللكمال عَبْد الرّحيم، ولخديجة بنتِ الشهاب بْن راجح، ولأحمد بْن شيبان.
وسمعت مِن فاطمة " المعجم الكبير " كلَّه، و " المعجم الصغير " للطبراني، و " الفتن " لنُعَيم بْن حمّاد.
قَالَ ابنُ نقطة: سمعنا منها " المعجم الكبير " و " الفتن " لنُعَيم وغير ذَلِكَ. تُوُفّيت في ربيع الآخر؛ قاله الضّياء، وقال: مولدها في ذي الحجَّة سنة عشر.
نقلت إجازة البغاددة لها مِن خَطِّ شيخنا المِزّيّ.(13/133)
301 - عليّ بْن المبارك، ابن أخي الحَرِيص البغداديّ، الخَبّاز. [المتوفى: 606 هـ]
روى عن سعيد ابن البنّاء.
تُوُفّي فيها ظنًّا.(13/133)
302 - عُمَرُ بنُ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن بَيْبش، أَبُو حفص البكريّ الدّانيّ المعروف بابن أَبِي رطلة. [المتوفى: 606 هـ]
سَمِعَ بدانية من أَبِي الحَسَن ابن عِزّ النّاس، وأبي بَكْر بْن جماعة. وأخذ القراءات عَن أَبِي عَبْد الله بن حميد. ورحل إِلى مالَقة، فأخذ القراءاتِ عَنِ القَاسِم بن دحمان، وأبي العَبَّاس البَلَنسيّ، وسَمِعَ منهم، ومن السُّهَيْليّ، وأبي الحَسَن بْن جامع. وأجاز لَهُ أَبُو عَبْد الله بْن سعادة، وجماعة، وأقرأ وحدّث، وكان مُضَعَّفًا إلّا أنّه كَانَ صدوقًا فيما رواه. وتوفي في شوال؛ قال ذلك الأبار.(13/134)
303 - فارس بْن أَبِي البركات، أَبُو المظفَّر الحربيّ المشاهر. [المتوفى: 606 هـ]
روى عَنْ ابن الطّلّاية، وغيره. روى عنه عيسى ابن الموفق، وأبو موسى ابن الحافظ وأخوه أَبُو سُلَيْمَان، وعبد الله بْن أَبِي عُمَر الخطيب، والضّياء مُحَمَّد.
تُوُفّي في رجب.
أخبرتني عائشة بنت عيسى، قالت: أَخْبَرَنَا أَبِي مِنْ لَفْظِهِ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشَرَةَ وستمائة حضوراً، قال: أَخْبَرَنَا فَارِسُ بْنُ أَبِي الْبَرَكَاتِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بن مظفر، ومظفر ابن جَحْشُوَيْهِ، وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَازِمٍ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي نَصْرٍ بِالْحَرْبِيَّةِ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن أبي غالب، قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي، قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص، قال: حدثنا عبد الله بن سليمان، قال: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: " إِذَا أَشَارَ الْمُسْلِمُ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ لَعَنَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ ". فَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَكْرَهُ أَنْ يُنَاوِلَ الرَّجُلَ إِبْرَةً.
وأخبرنيه أحمد بن إسحاق، قال: أخبرنا المبارك بن أبي الجود، قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي غَالِبٍ، فَذَكَرَهُ.(13/134)
304 - فتحُ بْن مُحَمَّد بْن عليّ، الفقيه أَبُو منصور الدِّمياطيّ الشّافعيّ نجيب الدّين، [المتوفى: 606 هـ]
والد الزّين الكاتب المشهورِ.
عُمِّرَ دهرًا. وسَمِعَ من أَبِي طاهر السِّلَفيّ، وأبي الطاهر بْن عوف، وجماعة، وحدَّث، وله شعر حَسَن، وتصانيفُ حسنة في فنون.
توفي في مستهل المحرم.(13/135)
305 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الملك بْن عَبْد العزيز، أَبُو عَبْد الله اللَّخْميّ الباجيّ ثُمَّ الإِشبيليّ. [المتوفى: 606 هـ]
روى عَنْ أَبِيهِ، وأبي عَبْد الله ابن المجاهد، وابن الجد وبه تفقّهَ، وولي قضاء إشبيلية، وتُوُفّي في شوّال.(13/135)
306 - مُحَمَّد بْن أعزّ بْن عُمَر بْن مُحَمَّد، أَبُو عَبْد الله التيَّميّ البكريّ السُّهرورديّ ثُمَّ البغداديّ. [المتوفى: 606 هـ]
وُلِدَ سنةَ سبْعٍ وعشرين وخمس مائة، وسَمِعَ من إسْمَاعيل ابن السمرقندي، وأبي سعد أحمد بن محمد البغدادي، وغيرهما. وسَمِعَ من جدّه عُمَر بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن سَعْد السُّهرورديّ الصّوفيّ عمّ أَبِي النّجيب، حدّثه عَنْ عاصم بْن الحَسَن وغيره، ومات سنة اثنتين وثلاثين، وهو ممّن كتب عَنْه السِّلَفيّ.
روى عَنْ مُحَمَّد هذا أَبُو عبد الله الدُّبَيْثِيّ، والنّجيبُ عَبْد اللّطيف، وتُوُفّي في شوّال.
ومات أَبُوهُ وكان يروي عن ابن نبهان سنة سبْعٍ وخمسين وخمس مائة.(13/135)
307 - مُحَمَّد بْن سعيد بْن مُحَمَّد، أَبُو عَبْد الله المُراديّ المُرْسيّ المقرئ. [المتوفى: 606 هـ]
أخذ القراءاتِ عَنْ أَبِي الحَسَن بْن هُذيل، وأبي عليِّ بْن عريب. وسمع منهما، ومِن أَبِي عَبْد اللَّه بْن سعادة، وأبي مُحَمَّد بْن عاشر، وجماعة.
وكان خَيِّرًا فاضلًا، أقرأ القراءاتِ، وروى الحديث، وحَمَلَ النّاسُ عَنْهُ الكثير. وممّن قرأ عَلَيْهِ القراءات عَلَم الدّين القَاسِم بْن أَحْمَد اللّورقيّ نزيل دمشق. [ص:136]
وقال الأبّار: وُلِدَ سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة، وتُوُفّي بمُرسية إِلى رحمة الله ليلة الجمعةِ الحادي والعشرين من رمضان سنة ستّ.(13/135)
308 - محمد بن عبد الله بن أبي يَحْيَى بن مطروح، أَبُو عَبْد الله التُّجِيبِي السرقسطي. [المتوفى: 606 هـ]
سمع من أبي الحسن ابن النّعمة.
قَالَ الأبّار: كَانَ إخباريًا حلوَ النّادرة والفكاهة، جمع شِعر أَبِي بَكْر يَحْيَى بْن محمد ابن الْجَزّار السَّرقُسطِيّ. روى عَنْهُ ابنُه عبدُ الله، وأبو عبد الله ابن أَبِي البقاء.(13/136)
309 - محمدُ بنُ عُبَيْد الله بْن الحُسَيْن، أَبُو عَبْد الله البُرُوجِرْدِيّ. [المتوفى: 606 هـ]
سَمِعَ بأصبهان من أحمد بن عبد الله بن مرزوق. وقدِم بغداد فتفقّه بها للشّافعيّ، وسَمِعَ من أبي عبد الله ابن السّلال، وعبد الصَّبور الهَرَويّ، وتُوُفّي بِبُرُوجِرْد - وهي عَلَى يومين من هَمَذَان - في العشرين من ربيع الأوّل.(13/136)
310 - مُحَمَّد بْن عليّ بْن يَحْيَى بن علي ابن الطّرّاح، أَبُو جَعْفَر البغداديّ، المدير. [المتوفى: 606 هـ]
من أولاد المحدّثين، وكان شروطيًّا مديرًا عَلَى أبواب الحُكّام، سَمِعَ من أَبِي الفضل الأُرْمَويّ، وأبي عَبْد الله الرُّطَبِيّ، وأبي الوَقْت.
قَالَ ابنُ النّجّار: كتبتُ عَنْهُ ولا بأسَ بِهِ، تُوُفّي في سادس رمضان.(13/136)
311 - مُحَمَّد بْن عُمَر بْن الحُسَيْن بْن الحَسَن بْن عليّ، العلَّامة فخر الدّين أَبُو عَبْد الله القُرشيّ البكْريّ التَّيْمِيّ الطَّبرَستانيُّ الأصلِ الرّازيّ ابن خطيب الري، الشافعي المفسر المتكلّم [المتوفى: 606 هـ]
صاحب التّصانيف.
وُلِد سنة أربعٍ وأربعين وخمس مائة، اشتغل عَلَى والده الإِمام ضياء الدّين عُمَر، وكان مِن تلامذة مُحيي السُّنَّة أَبِي مُحَمَّد البَغَويّ.
قَالَ الموفّق أَحْمَد بْن أَبِي أُصَيبعة فِي " تاريخه ": انتشرت في الآفاق مصنّفاتُ فخر الدّين وتلامذته، وكان إذَا رَكِبَ مشى حوله نحوُ ثلاث مائة تلميذ فقهاء، وغيرهم، وكان خُوارزم شاه يأتي إِلَيْهِ، وكان شديدَ الحرص جدًّا في العلوم الشرعيَّة والحكمية، حادَّ الذّهن، كثيرَ البراعة، قويَّ النّظر في صناعة الطّبّ، عارفًا بالأدب، لَهُ شِعر بالفارسيّ والعربيّ، وكان عبلَ البدن، رَبْعَ القامة، كبيرَ اللّحية، في صوته فخامة. كانوا يقصِدُونه من البلاد على اختلاف مطالبهم في العلوم وتفننهم، فكان كلُّ منهم يجد عنده النهاية القصوى فيما يرومه منه. قرأ الحكمةَ عَلَى المجد الجِّيليّ بمراغة، وكان المجدُ من كبار الفضلاء وله تصانيف.
قلت: يَعنِي بالحكمة: الفلسفةَ.
قَالَ القاضي شمس الدّين ابن خَلِّكان فيه: فريدُ عصره ونسيجُ وَحْدهِ. وشهرته تُغني عَنِ استقصاء فضائله، ولَقَبُه فخر الدّين، وتصانيفه في عِلم الكلام والمعقولات سائرة في الآفاق، وله " تفسير " كبير لم يتمّمه. ومن تصانيفه في عِلم الكلام: " المطالب العالية "، وكتاب " نهاية العقول "، وكتاب " الأربعين "، وكتاب " المحصّل "، وكتاب " البيان والبرهان في الردّ عَلَى أهل الزّيغ والطُّغيان "، وكتاب " المباحث العمادية في المطالب المعادية "، وكتاب " المحصول " في أصول الفقه، وكتاب " عيون المسائل "، وكتاب " تأسيس التّقديس في تأويل الصّفات "، وكتاب " إرشاد النُّظّار إِلى لطائف الأسرار "، [ص:138] وكتاب " أجوبة المسائل البخاريَّة "، وكتاب " تحصيل الحقّ "، وكتاب " الزُّبدة "، وكتاب " المعالم " في أصول الدّين، وكتاب " الملخّص " في الفلسفة، وكتاب " شرح الإشارات "، وكتاب " عيون الحكمة "، وكتاب " السرّ المكتوم في مخاطبة النّجوم "، وشرح أسماء الله الحسنى، ويقال: إنّه شرحَ " المفصّل " للزّمخشريّ، وشرح " الوجيز " للغزاليّ، وشرح " سقْط الزّنْد " لأبي العلاء. وله مختصر في الإعجاز ومؤخذات جيّدة عَلَى النُّحاة، وله طريقة في الخلاف، وصَنّف في الطّبّ " شرح الكلّيات للقانون " وصَنّف في عِلم الفراسة. وله مصنّف في مناقب الشّافعيّ. وكلّ تصانيفه ممتعة، ورُزق فيها سعادة عظيمة، وانتشرت في الآفاق، وأقبل النّاسُ عَلَى الاشتغال فيها، ورفضوا كُتُبَ المتقدّمين.
وله في الوعظ باللّسانين مرتبةً عالية، وكان يلحقه الوجدُ حال وعظه، ويحضر مجلسه أرباب المقلات والمذاهب ويسألونه. ورجع بسببه خلق كثير من الكرّامية وغيرهم إِلى مذهب أهل السُّنَّة، وكان يُلقّب بهَرَاة شيخ الإِسلام.
اشتغل عَلَى والده إِلى أن مات، ثُمَّ قصد الكمال السّمنانيّ، واشتغل عَلَيْهِ مدَّةً، ثُمَّ عاد إِلى الرّيّ، واشتغل عَلَى المجد الجيليّ صاحب مُحَمَّد بْن يحيى الفقيه النيسابوري، وتوجه معه إلى مراغة لمّا طُلِبَ إليها، ويقال: إنّه كَانَ يحفظ كتاب " الشّامل " في عِلم الكلام لإمامِ الحَرَمين، ثُمَّ قصد خُوارزم وقد تمهَّر في العلوم، فجرى بينَه وبينَ أهلها كلام فيما يرجع إِلى المذهب والعقيدة، فأُخْرِجَ من البلد، فقصد ما وراء النّهر، فجرى لَهُ أيضًا ما جرى بخوارزم، فعاد إلى الري، وكان بها طبيب حاذق، لَهُ ثروة ونعمة، وله بنتان، ولفخر الدّين ابنان، فمرض الطّبيبُ، فزوّج بنتيه بابني الفخر، ومات الطّبيبُ فاستولى الفخر عَلَى جميع أمواله، ومن ثُمَّ كانت لَهُ النّعمةُ. ولمّا وصل إِلى السّلطان شهاب الدّين الغُوريّ، بالغ في إكرامه والإِنعام عَلَيْهِ، وحصلت لَهُ منه أموال عظيمة، [ص:139] وعاد إِلى خُراسان واتّصل بالسّلطان خُوارزم شاه مُحَمَّد بْن تكش، وحَظِيَ عنده، ونال أسمى المراتب.
وهو أول مَنِ اخترع هذا التّرتيبَ في كتبه، وأتى فيها بما لم يُسبق إِلَيْهِ. وكان يُكثر البكاءَ حالَ الوعظ. وكان لمّا أثرى، لازم الأسفار والتّجارة، وعامل شهابَ الدّين الغوريّ في جملةٍ من المال، ومضى إِلَيْهِ لاستيفاء حقّه، فبالغ في إكرامه، ونال منه مالًا طائلًا، إِلى أن قَالَ ابن خَلِّكان: ومناقُبه أكثر من أن تُعَدّ، وفضائله لا تُحصى ولا تُحَدّ. واشتغل بعلوم الأصول عَلَى والده، وأبوه اشتغل عَلَى أَبِي القَاسِم الأنصاريّ صاحب إمام الحرمين، واسمه سُلَيْمَان بْن ناصر.
وقال أبو المظفر سبط ابن الجوزيّ، وأَبُو شامة: اعتنى الفخرُ الرّازيّ بكتب ابن سيناء وشَرَحها. وكان يعظ وينالُ من الكرّامية، وينالون منه سبًّا وتكفيرًا، وقيل: إنّهم وضعوا عَلَيْهِ مَنْ سقاه السُّمَّ فمات، وكانوا يَرْمُونه بالكبائر. ولا كلامَ في فضله، وإنّما الشناعات قائمة عَلَيْهِ بأشياء؛ منها أَنَّهُ قَالَ: قَالَ مُحَمَّد التّازيّ وقال مُحَمَّد الرازيّ، يعني النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونفسه، والتّازي: هو العربيّ.
ومنها أَنَّهُ كَانَ يقرّر مسائلَ الخصوم وشُبَهَهُمْ بأتمّ عبارة، فإذا جاء بالأجوبة، قَنِعَ بالإِشارة. ولعلّه قصد الإِيجاز، ولكن أين الحقيقة من المجاز. وقد خالف الفلاسفة الّذين أخذ عنهم هذا الفنّ فَقَالَ في كتاب " المعالم ": أطبقت الفلاسفة عَلَى أنّ النّفس جوهر وليست بجسم، قَالَ: وهذا عندي باطل لأنّ الجوهر يمتنع أن يكون لَهُ قرب أو بُعد من الأجسام.
قَالَ الإِمام أَبُو شامة: وقد رأيتُ جماعة من أصحابه قدِموا علينا [ص:140] دمشق، وكُلُّهُمْ كَانَ يعظّمه تعظيمًا كبيرًا، ولا ينبغي أن يُسمع فيمن ثبتت فضيلتُه كلامٌ يستبشع، لعلّه مِن صاحب غرض مِن حسدٍ، أو مخالفة في مذهب أو عقيدة. قَالَ: وبلغني أَنَّهُ خلَّف من الذَّهب ثمانين ألف دينار سوى الدّوابّ والعقارِ، وغير ذَلِكَ، وخلفّ ولَدَيْنِ كَانَ الأكبر منهما قد تجنَّد في حياة أَبِيهِ، وخدم السّلطان خُوارزم شاه.
قلت: ومن تلامذته مصنِّف " الحاصل " تاج الدّين مُحَمَّد بْن الحُسَيْن الأُرْمَويّ، وقد تُوُفّي قبل وقعة بغداد، وشمس الدّين عَبْد الحميد بْن عيسى الخُسْرُوشاهي، والقاضي شمس الدّين الخُوَيّي، ومحيي الدّين قاضي مرند.
وتفسيره الكبير في اثنتي عشرة مجلَّدةٍ كِبار سماه " فتوح الغيب " أو " مفاتيح الغيب ". وفسّر الفاتحة في مجلَّدٍ مستقلّ. وشرح نصف " الوجيز " للغزالي. وله كتاب " المطالب العالية " في ثلاثة مجلّدات، ولم يتمَّه، وهو من آخر تصانيفه، وله كتاب " عيون الحكمة " فلسفة، وكتاب في الرمل، وكتاب في الهندسة، وكتاب " الاختبارات العلائية " فيه تنجيم، وكتاب " الاختبارات السّماوية " تنجيم، وكتاب " المِلَل والنِّحَل "، وكتاب في النَّبْض، وكتاب " الطّبّ الكبير "، وكتاب " التشريح " لم يتمه، ومصنفات كثيرة ذكرها الموفق ابن أَبِي أصيبعة، وقال: كَانَ خطيب الرّيّ، وكان أكثر مقامه بها، وتوجه إلى خوارزم ومرض بها، وامتدّ مرضه أشهرًا، ومات بهَرَاة بدار السّلطنة. وكان علاء المُلك العلويّ وزير خُوارزم شاه قد تزوّج بابنته. وكان لفخر الدّين أموال عظيمة ومماليك تُرْك وحَشَم وتجمُّل زائد، وعلى مجلسه هيبة شديدة. ومن شِعره:
نِهَايَةُ إقْدَامِ العُقُولِ عِقَالُ ... وأَكْثَرُ سَعْي العَالَمِينَ ضَلالُ
وأَرْوَاحُنا في وحْشَةٍ مِن جُسُومِنَا ... وَحَاصِلُ دُنيانَا أذًى وَوَبَالُ [ص:141]
ولَمْ نَسْتَفِدْ مِن بَحْثِنَا طُولَ عُمْرِنَا ... سِوى أَنْ جَمَعْنَا فِيهِ قِيلَ وَقَالُوا
وَكَمْ قَدْ رَأَيْنَا مِنْ رِجَالٍ وَدَوْلَةٍ ... فَبَادُوا جَمِيعًا مُسْرِعِينَ وزَالُوا
وَكَمْ مِنْ جِبَالٍ قَدْ عَلَتْ شُرُفَاتهَا ... رِجَالٌ فَزالُوا والجِبَالُ جِبَالُ
حكى الأديبُ شرفُ الدّين مُحَمَّد بْن عُنَين أَنَّهُ حضر درسَ فخر الدين في مدرسته بخوارزم، ودرسُه حافل بالأفاضل، واليومُ شاتٍ، وقد وقع ثلج كثير، وبرد خوارزم شديد، فسقطت بالقربِ منه حمامة، وقد طردها بعضُ الجوارح، فلمّا وقعت، رجع عنها الجارحُ، وخاف، فلم تقدر الحمامة عَلَى الطّيران من الخوف ومن البرد، فلمّا قام فخرُ الدّين من الدرس، وقف عليها، ورقَّ لها وأخذها. فقلت في الحال:
يا ابْنَ الكِرَام المُطْعِمِينَ إذَا شَتَوْا ... في كُلِّ مسغبة وثلج خَاشِفِ
العَاصِمِينَ إذَا النُّفُوسُ تَطَايَرَتْ ... بَيْنَ الصَّوَارِمِ والوَشِيجِ الرَّاعِفِ
مَن نبَّأ الوَرْقَاءَ أنَّ مَحَلَّكُم ... حَرَمٌ وأنَّكَ مَلْجَأ لِلخائِفِ؟
وفَدَتْ عَلَيْكَ وقد تَدَانَى حَتْفُهَا ... فَحَبوْتَهَا بِبَقَائِهَا المُسْتَأْنَفِ
وَلَو أنَّها تُحْبى بِمَالٍ لانْثَنَتْ ... مِنْ رَاحَتَيْكَ بِنَائِلٍ مُتَضَاعِفِ
جَاءَتْ سُلْيمَانَ الزَّمانَ بِشَكْوهَا ... والمَوْتُ يَلْمَعُ مِنْ جَنَاحَيْ خَاطِفِ
قَرْمٍ لَوَاهُ القُوتُ حَتَّى ظِلُّه ... بِإزَائِه يَجْرِي بِقَلْبٍ وَاجِفِ
وله فيه:
مَاتَتْ بِهِ بِدَعٌ تَمَادَى عُمْرُهَا ... دَهْرًا وَكَادَ ظَلَامُهَا لا يَنْجَلِي
فَعَلا بِهِ الإِسْلَامُ أَرْفَعَ هَضْبَةِ ... وَرَسَا سِوَاهُ في الحَضِيضِ الأسْفَلِ
غَلِطَ امرُؤٌ بأبي عَليٍّ قَاسَهُ ... هَيْهَات قَصَّرَ عَنْ هُداه أبو علي
لو أن رسطاليس يسمع لَفْظَةً ... مِنْ لَفْظِهِ لَعَرَتْهُ هِزَّةُ أَفْكَلِ
ولَحَار بَطْلَيمُوسُ لَوْ لَاقَاهُ مِن ... بُرْهَانِهِ في كُلِّ شَكْلٍ مُشْكلِ
ولَو أنَّهُم جَمَعُوا لَدَيْه تَيَقَّنُوا ... أنَّ الفَضِيلَة لَمْ تَكُنْ لِلأوَّلِ
ومِن كلام فخر الدّين قَالَ:
رأيت الأصلحَ والأصوبَ طريقة القرآن، [ص:142] وهو ترك التعمق والاستدلالات بأقسام أجسام السماوات والأرضين على وجود الرّبّ ثمّ ترك التّعمّق، ثُمَّ المبالغة في التّعظيم مِن غير خوضٍ في التّفاصيل، فأقرأ في التّنزيه قوله: " {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} "، وقوله: " {ليس كمثله شيء} " و " {قل هو الله أحد} "، وأقرأ في الإِثبات: " {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} "، و " {يخافون ربهم من فوقهم} "، و " {إليه يصعد الكلم الطيب} "، وأقرأ في أنّ الكلّ من الله قوله: " {قل كل من عند الله} "، وفي تنزيهه عَنْ ما لا ينبغي: " {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سيئة فمن نفسك} " وعلى هذا القانون فقس. وأقولُ مِن صميم القلب من داخل الروح: إنّي مُقِرٌّ بأنَّ كُلَّ ما هو الأكملُ الأفضلُ الأعظم الأجلّ، فهو لك، وكلّ ما فيه عيب ونقص، فأنت مُنَزَّه عَنْهُ. وأقول: إنّ عقلي وفهمي قاصرٌ عَنِ الوصول إِلى كُنْه صفة ذَرَّةٍ من مخلوقاتك.
قَالَ الإِمام أَبُو عَمْرو بْن الصّلاح: حدّثني القطْبُ الطُّوغانيّ مرّتين أنّه سَمِعَ الفخر الرّازيّ يَقُولُ: ليتني لم أشتغل بالكلام، وبكى.
وقيل: إنّ الفخر الرّازيّ وعظ مرَّةً عند السّلطان شهاب الدّين فَقَالَ: يا سلطان العالم لا سلطانك يبقى، ولا تلبيس الرازي يبقى " {وأن مردنا إلى الله} " فأبكى السّلطانَ. وقد ذكرنا في سنة خمسٍ وتسعين الفتنةَ الّتي جرت لَهُ مَعَ مجد الدين عبد المجيد ابن القدوة بهَرَاة.
من كلام فخر الدّين: إنْ كنتَ ترحم فقيرًا، فأنا ذاك، وإن كنتَ ترى معيوبًا، فأنا ذاك المعيوب، وإن كنت تُخَلِّصُ غريقًا، فأنا الغريق في بحر الذّنوب. وإن كنتَ أنت أنت، فأنا أَنَا لَيْسَ غير النّقص والحرمان والذّلّ والهوان. [ص:143]
وصيته:
أوصى بهذه الوصيَّة لمّا احتضر لتلميذه إِبْرَاهيم بْن أبي بَكْر الأصبهانيّ:
يَقُولُ العبد الراجي رحمة ربَّه، الواثقُ بكرم مولاه، مُحَمَّد بْن عُمَر بْن الحُسَيْن الرازيّ، وهو أوَّلُ عهده بالآخرة، وآخرُ عهده بالدّنيا، وهو الوقتُ الّذي يلينُ فيه كُلّ قاسٍ، ويتوجَّه إِلى مولاه كلُّ آبق: أحَمَد الله تَعَالَى بالمحامد التي ذكرها أعظم ملائكته في أشرف أوقات مَعارِجهم، ونطق بها أعظمُ أنبيائه في أكملِ أوقات شهاداتهم، وأحمده بالمحَامد الّتي يستحقّها، عَرَفْتُها أو لم أعرفها؛ لأنّه لا مناسبة للتّراب مَعَ ربِّ الأرباب. وصلاته عَلَى الملائكة المقرّبين، والأنبياء والمرسلين، وجميع عباد الله الصّالحين.
ثُمَّ اعلموا إخواني في الدّين وأخِلائي في طلب اليقين، أنّ النّاس يقولون: إنّ الإِنسان إذَا مات انقطع عملهُ، وتعلُقُه عَنِ الخلق، وهذا مخصَّص من وجهين: الأول: [أَنَّهُ] بَقَى منه عمل صالح صار ذَلِكَ سببًا للدّعاء، والدّعاء لَهُ عند الله أثر، الثّاني: ما يتعلَّق بالأولاد، وأداءِ الجنايات.
أمّا الأوّلُ: فاعلموا أنّني كنتُ رجلًا مُحِبًّا للعلم، فكنتُ أكتُبُ في [ص:144] كل شيء شيئاً لأقف عَلَى كَمِّيته وكَيْفِيَّته، سواء كَانَ حقًّا أو باطلًا، إلّا أنَّ الّذي نظرته في الكتب المعتبرة أنّ العالم المخصوصَ تحت تدبير مُدَبِّر مُنَزَّهٍ عَنْ مماثلةِ المُتَحَيَّزات، موصوفٍ بكمال القدرة والعلم والرحمة. ولقد اختبرتُ الطُّرق الكلاميَّة، والمناهجَ الفلسفيَّة؛ فَما رأيتُ فيها فائدةً تساوي الفائدة الّتي وجدتها في القرآن؛ لأنّه يسعى في تسليم العظمة والجلالة لله، ويمنع عَنِ التّعمُّق في إيراد المعارَضات والمناقَضات، وما ذاك إلّا للعلم بأنّ العقولَ البشريَّة تتلاشى في تِلْكَ المضايق العميقة، والمناهج الخفية، فلهذا أقول: كل ما ثبت بالدلائل الظّاهرة، مِن وجوب وجوده، ووَحْدته، وبراءته عَنِ الشركاء في القِدَم، والأزليَّةِ، والتّدبير، والفعاليَّة، فذلك هُوَ الّذي أقولُ بِهِ، وألْقَى الله بِهِ. وأمّا ما انتهى الأمرُ فيه إِلى الدِّقة والغُموض، وكلُّ ما ورد في القرآن والصِّحاح، المتعَيّن للمعنى الواحد، فهو كما هُوَ، والّذي لم يكن كذلك أقول: يا إله العالمين، إنّي أرى الخَلْقَ مُطْبِقينَ عَلَى أنّك أكرمُ الأكرمين، وأرحمُ الراحمين، فلك ما مَدَّ بِهِ قلمي، أو خطر ببالي فاسْتَشْهِد وأقول: إنْ عَلِمْتَ منّي أنّي أردتُ بِهِ تحقيقَ باطل، أو إبطالَ حَقٍّ، فافعل بي ما أَنَا أهلُه، وإن عَلِمْتَ منّي أنّي ما سعيتُ إلّا في تقريرٍ اعتقدتُ أَنَّهُ الحقّ، وتصورّتُ أَنَّهُ الصِّدق، فلتكن رحمتُكَ مَعَ قصدي لا مَعَ حاصِلِي، فذاك جُهْدُ المُقِلِّ، وأنت أكرمُ مِنْ أن تُضايقَ الضَّعيفَ الواقعَ في زَلَّةٍ، فأغِثني، وارحَمْني، واستُرْ زلَّتي، وامْحُ حَوْبتي، يا من لا يَزيدُ ملكَه عِرفان العارِفين، ولا يَنْقُص مُلْكُه بخطأ المجرمين.
وأقول: ديني متابعةُ الرسول محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكتابي القرآن العظيم، [ص:145] وتَعْويلي في طلب الدّين عليهما، اللهم يا سامِعَ الأصوات، ويا مُجيب الدَّعَوات، ويا مُقِيلَ العَثَرات، أَنَا كنتُ حَسَنَ الظَّنِّ بك، عظيمَ الرجاء في رحمتك، وأنتَ قلتَ: " أَنَا عند ظنّ عبدي بي "، وأنت قَلتَ: " {أَمَّنْ يُجِيبُ المضطر إذا دعاه} "، فهَبْ أنّي ما جئتُ بشيءٍ، فأنت الغنيّ الكريم، وأنا المحتاج اللئيم، فلا تخيب رجائي، ولا تَرُد دعائي، واجعلني آمنًا من عذابك قبلَ الموت، وبعدَ الموت، وعندَ الموت، وسَهِّلْ عليَّ سكراتِ الموت فإنّك أرحمُ الراحمين.
وأمّا الكتب الّتي صنّفتها، واستكثَرْتُ فيها من إيراد السّؤالات، فَلْيَذكرني مَنْ نظر فيها بصالح دعائه، عَلَى سبيل التّفضُّل والإِنعام، وإِلا فَلْيَحذِف القولَ السيئ؛ فإنّي ما أردتُ إلّا تكثيرَ البحثِ، وشحذَ الخاطر، والاعتماد في الكلِّ عَلَى الله.
الثّاني: وهو إصلاح أمرِ الأطفال، والاعتماد فيه عَلَى الله.
ثُمَّ إنّه سَرَد وصيّته في ذَلِكَ، إِلى أن قَالَ: وأمرت تلامذتي، ومَن لي عَلَيْهِ حقٌ إذَا أَنَا مِتُّ، يبالغون في إخفاء موتي، ويدفنوني عَلَى شرط الشّرع، فإذا دفنوني قرأوا عليَّ ما قَدَرُوا عَلَيْهِ من القرآن، ثُمَّ يقولون: يا كريمُ، جاءك الفقيرُ المحتاج، فأحسِن إِلَيْهِ.
سمعتُ وصيّته كلها من الكمال عمر بن إلياس بن يونس المراغي، قال: أَخْبَرَنَا التّقيّ يوسف بْن أَبِي بَكْر النَّسائيّ بمصر، قال: أَخْبَرَنَا الكمال محمود بْن عُمَر الرازيّ، قَالَ: سَمِعْتُ الإِمام فخر الدّين يوصي تلميذه إِبْرَاهيم بْن أَبِي بَكْر، فذكرها.
قلت: تُوُفّي يوم عيد الفِطر بهَرَاة.(13/137)
312 - مُحَمَّد بْن قسُّوم بْن عَبْد الله بْن قسُّوم، أَبُو عَبْد الله الفهْميّ الإِشبيلي الزّاهد. [المتوفى: 606 هـ]
قَالَ الأبّار: صحِب أبا عبد الله ابن المجاهد واختصّ بِهِ، وكان مؤذّن [ص:146] مسجده، وخَلَفَه بعد وفاته، وسَمِعَ منه " الموطأ " وحدث به عنه، و " بمسند " أبي بكر بن أبي شيبة، و " رسالة " ابن أَبِي زيد، وكان فقيهًا ورعًا مُنْقَبِضًا عَنِ النّاس، نحْويًا ماهرًا. حَدّثَ عَنْهُ عَبْدُ الله بْن مُحَمَّد الطَّلَبِيّ. وتُوُفّي فِي ربيع الآخر وَلَهُ خمسٌ وثمانون سنة. وحدّث عَنْهُ أيضاً صاحبنا أبو بكر ابن سيّد النّاس.(13/145)
313 - مُحَمَّد بْن وهْب بْن سلمان بن أحمد ابن الزنف، أبو المعالي ابن الفقيه أَبِي القَاسِم السُّلَمِيّ، الدّمشقيّ. [المتوفى: 606 هـ]
وُلد سنة ثلاثٍ وثلاثين، وسَمِعَ من الفقيه نصر الله بْن مُحَمَّد المِصِّيصِيّ، وأبي الدُّرّ ياقوت الروميّ، وابن البُنّ الأسديّ.
وحدّث بدمشق وبغداد لَمَّا حج منها، وأجاز له أبو الأسعد هبة الرحمن ابن القشيري. روى عَنْهُ أبو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، وابن خليل، والضّياء، وابن أخيه الفخر عليّ، والزّكيّ عَبْد العظيم، والشّهاب القُوصيّ، وآخرون.
لَقَبُه تاج الدّين، تُوُفّي في العشرين من شعبان.(13/146)
314 - المباركُ بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بْن عَبْد الواحد الشّيبانيّ، العلامة مجدُ الدّين أبو السعادات ابن الأثير الْجَزَرِيّ، ثُمَّ المَوْصلي، [المتوفى: 606 هـ]
الكاتب البليغ، مصنّف " جامع الأُصول "، ومصنّف " غريب الحديث "، وغير ذَلِكَ.
وُلِدَ بجزيرة ابنِ عُمَر في سنة أربعٍ وأربعين وخمس مائة في أحد الربيعين، وبها نشأ، وانتقل إِلى المَوْصِلِ فسمع بها من يَحْيَى بْن سعدون القُرطبيّ وخطيب الموصل، واتَّصل بخدمة الأميرِ الكبير مجاهد الدّين قايماز الخادم إِلى أن أُهْلِكَ، فاتّصل بخدمة صاحب المَوْصِل عزّ الدّين مسعود، وولي ديوان الإنشاء، وتوفّرت حرمته، وكان بارعًا في التَّرَسُّل لَهُ فيه مُصَنَّف.
وعرض لَهُ مرضٌ مزمن أبطل يديه ورِجليه، وعجز عَنِ الكتابة، وأقام بداره. وأنشأ ربطاً بقرية من قرى المَوْصِل، ووقف أملاكَه عَلَيْهِ.
وله شِعر يسير.
تُوُفّي في آخر يوم من السّنة ودُفن برباطه. [ص:147]
ذكره أَبُو شامة في " تاريخه "، فَقَالَ: قرأ الحديثَ والأدبَ والعلمَ. وكان رئيسًا مشاورًا، صَنَّف " جامع الأصول "، و " النهاية في الغريب "، وصنّف " شرح مُسْنَد الشّافعيّ ". وكان بِهِ نقْرِسٌ، فكان يُحمل في مِحَفَّة. قرأ النحو على أبي محمد سعيد ابن الدّهّان، وأبي الحَرم مكِّيّ الضّرير. وَسَمِعَ من ابن سعدون، والطّوسيّ. وسَمِعَ ببغداد لمّا حجَّ من ابن كُلَيْب، وحدّث وانتفع بِهِ النّاس. وكان ورِعًا عاقلًا بهيًّا، ذا بِرٍّ وإحسان. وأخواه: ضياء الدّين مصنّف " المثل السّائر "، والآخر عزّ الدّين عليّ صاحب " التّاريخ ".
وقال ابن خَلِّكان: لَهُ كتاب " الإِنصاف في الجمع بين الكشف والكشّاف " تفسيريّ الثّعلبيّ والزَّمَخْشَريّ، وله كتاب " المصطفى المختار في الأدعية والأذكار "، وكتاب لطيف في صنعة الكتابة، وكتاب " البديع في شرح الفصول في النّحْو لابن الدّهّان "، وله " ديوان رسائل " رحمه الله.
قلتُ: روى عَنْهُ ولدُه، والشّهابُ القُوصيّ، وغيرُ واحد. وعاش ثلاثًا وستّين سنة، سنّ نبيّنا مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسنّ خير هذه الأمة بعد نبيّها بشهادة أمير المؤمنين علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لهما، وهما أَبُو بَكْر وعمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُما.
آخر من روى عَنْهُ بالإِجازة فخر الدين ابن البخاريّ.
قَالَ ابن الشّعَّار: كَانَ كاتبَ الإِنشاء لدولة صاحب المَوْصِلِ نور الدّين أرسلانَ شاه بْن مسعود بْن مودود. وكان حاسبًا كاتبًا ذكيًّا. إِلى أن قَالَ: ومن تصانيفه كتاب " الفروق في الأبنية "، وكتاب " الأذواء والذّوات "، وكتاب " الأدعية "، و " المختار في مناقب الأخيار "، و " شرح غريب الطّوال ". وكان من أشدّ النّاس بُخْلًا.(13/146)
315 - محمود بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن، أَبُو عَبْد الله المُضَرَيّ الثّقفيّ الأصبهانيّ. [المتوفى: 606 هـ][ص:148]
إمام جامع أصبهان. وُلِدَ سنةَ سبعَ عشرة وخمس مائة، وسَمِعَ من مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَبِي ذَرّ الصّالحانيّ، والحسينُ بْن عَبْد المَلِك الخلّال، وزاهر، وسعيد بْن أَبِي الرجاء الصَّيْرفيّ. روى عَنْهُ ابنُ خليل، والضّياء، وابن نُقْطَة، وجماعة. وأجاز للشّيخ شمس الدّين، وللفخر عليّ، وللكمالِ عَبْد الرحيم، ولابنِ شيبان، وغيرهم، وتُوُفّي في جُمادي الآخرة.
قَالَ ابن نُقْطَة: كان صحيح السماع، ثقيل السمع.(13/147)
316 - محمود ابن المُحْتَسِب عَبْد الباقي بْن أَحْمَد بْن إِبْرَاهيم ابن النَّرْسِيّ، أَبُو عليّ البغداديّ، الأزَجيّ. [المتوفى: 606 هـ]
وُلد سنة ثلاثٍ وثلاثين، وسَمِعَ من أَبِيهِ أَبِي البركات. روى عَنْهُ أبو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، وقال: تُوُفّي في جُمادي الأولى، والضّياء المقدسيّ.(13/148)
317 - محمود بْن عليّ بْن شُعَيْب، أَبُو الشُّكر البغداديّ ابن الدّهّان، [المتوفى: 606 هـ]
أخو مُحَمَّد الفَرَضيّ.
سَمِعَ ابنَ ناصر، والمبارك بْن أَحْمَد الكِنْدِيّ. وعنه الدُّبَيْثِيّ، وغيره.
تُوُفّي في ذي الحِجة.
وروى عَنْهُ ابن النّجّار، وقال: كَانَ يَكتُب الحمير ويزوّقها.(13/148)
318 - محمود بْن عُبَيْد الله بْن صاعد، العلّامة أَبُو المحامد الحارثيّ المَرْوَزيّ الفقيه الحنفيّ. [المتوفى: 606 هـ]
من كبار الحنفيَّة وأئمّتهم، وُلدِ سنةَ إحدى وثلاثين وخمس مائة، وسَمِعَ من نصر بْن سَيّار، وأبي سعد ابن السمعاني، ومسعود بن محمد المَسْعوديّ.
ويقال لَهُ الطّايْكَانيّ، نسبة إِلى طايكان، ويقال طايقان، بُليدة بنواحي بَلْخ. [ص:149]
حَجَّ، وحدَّث بمكَّة والمدينة وبغداد، وكان ذا جاه وحِشْمة.
روى عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، وابنُ النّجّار.
تُوُفّي بمَرْو في تاسع عشر ربيع الأوّل.(13/148)
319 - مسعود بْن محمود بْن مسعود بْن حَسَّان، أَبُو سعيد المَنِيعيّ النَّيْسَابُورِيُّ. [المتوفى: 606 هـ]
سَمِعَ أبا الفتح مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن الكشْمِيهَنيّ، وعمر بْن أَحْمَد الصَفّار الفقيه.
وكان شيخًا مُعَمَّرًا؛ فإنّه وُلِدَ سنةَ أربع عشرة وخمس مائة، وتُوُفّي فِي رمضانَ بنيسابور.(13/149)
320 - مسعود، الملك المؤيد ابن السُّلطان صلاح الدِّين يوسُف بن أيوب. [المتوفى: 606 هـ]
كَانَ أخوه السّلطان المَلِك الظّاهر قد بعثه مِن حلب إِلى المَلِك العادل، وهو يُحاصر سنجار، يشفع إِلَيْهِ في أهل سنجار وصاحبها يومئذٍ قُطْب الدّين مُحَمَّد بْن زنكي بْن مودود بْن زنكي فلم يُشفِّعهُ، ومات المؤيَّد برأس عين في نصف شعبان؛ وذلك أَنَّهُ نام في بيت مَعَ ثلاثةِ أنفس، وفيه مِنْقَل نار، ولا مَنْفَذ في البيت، فانعكس البخارُ، فأخذ عَلَى أنفاسهم وهم نيام، فماتوا جميعاً؛ قاله أَبُو شامة.
وقال ابن واصل: دخل بيتًا مجصَّصًا، وكان يومًا شديدَ البرد، فأشعل لَهُ نار وسدّدوا الطّاقات، فاختنق المؤيّد وجماعة، وسلم اثنان وُجد فيهما حياة ضعيفة. وتحدَّث النّاس بأنّه سُقي سُمًّا، وحُمِل في تابوت إِلى حلب، وحزن عَلَيْهِ أخوه، وغُلّقت حلب سبعة أيام.(13/149)
321 - معتوق بْن منيع، الخطيب أَبُو المواهب الأديب، [المتوفى: 606 هـ]
خطيب قيلوية. [ص:150]
قرأ الآداب على أبي محمد ابن الخَشَّاب، والكمال الأنْبَاريّ، وله شِعر وخُطَب.
تُوُفّي في شعبان بقريته، وحُمِلَ إِلى بغداد.(13/149)
322 - المؤيَّد بْن عَبْد الله بْن عَبْد الرّزّاق بْن أبي القاسم عبد الكريم بن هوزان، أَبُو عَبْد الله القُشَيْريّ النَّيْسَابُورِيّ. [المتوفى: 606 هـ]
حَدّثَ عَنْ عَبْد الجبّار بْن مُحَمَّد الخُواريّ، ووجيه الشّحّاميّ، وعبد الله ابن الفَرَاويّ، وغيرهم.
قَالَ المنذريّ: تُوُفّي في سابع عشر رمضان ظنًّا.
قلت: وُلد في حدود الثّلاثين وخمس مائة. روى عَنْهُ أَبُو رشيد الغزّال، وغيره.(13/150)
323 - المؤيَّد بْن عَبْد الرحيم بْن أحمد بن محمد ابن الإِخوة، أَبُو مسلم البَغْدَادِيّ، ثُمَّ الأصبهاني المُعَدَّل، واسمه الأصليّ هشام. [المتوفى: 606 هـ]
وُلِدَ سنةَ سبعٍ وعشرين وخمس مائة، وعُني بِهِ أَبُوهُ المحدّث أَبُو الفضل، وسَمَّعَهُ حضورًا من مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَبِي ذَرّ الصّالحانيّ، وزاهر بْن طاهر، وسعيد بْن أَبِي الرجاء، والحسين بْن عَبْد المَلِك الخلّال، ومحمد بْن إِبْرَاهيم بْن سعدوَيه، وغانم بْن خالد، وخلْق، وسَمِعَ مِن بعضهم. وسَمِعَ بهَمَذان من أَبِي بَكْر هِبَةِ الله بن الفرج، ونصر ابن المظفّر البرمكيّ. وببغداد من أَبِي الفضل الأُرْمَويّ، وأبي القَاسِم الحاسب، وهذه الطّبقة.
ومن مسموعاته " مسند " الروياني، و " مسند " أبي يعلى، و " مسند " العَدَنيّ سمعه من سعيد الصَّيرفيّ، وكان صحيحَ السّماعِ ثقةً.
حدّث ببغدادَ وأصبهان؛ روى عَنْهُ ابنُ نقطة، وابنُ خليل، والضّياء، [ص:151] والتقي أحمد ابن العزّ، وجماعة. وروى عَنْهُ بالإِجازة الشيخ شمس الدين عبد الرحمن، والبرهان ابن الدَّرَجيّ، والفخر عليّ، والكمال عَبْد الرحيم، وآخرون.
عاش ثلاثًا وسبعين سنة، وتُوُفيّ فِي الخامس والعشرين من جُمَادَى الآخرة.(13/150)
324 - يَحْيَى بْن أَحْمَد بْن سُليمان بْن أَحْمَد بْن مرزوق المقرئ، أَبُو زكريّا الْجُذاميّ، الإِشبيليّ، المعروف بابن مُورين. [المتوفى: 606 هـ]
أخذ القراءات عَنْ أَبِي الحَسَن شُرَيح، وأبي العَبَّاس بْن عَيشون، وشُعيب ابن عيسى، وأبي العَبَّاس بْن حرب، وجماعة. وأخذ العربية عن أبي الحسن ابن مُسْلم، وتصدُّر ببلده للإِقراء، وتفرّد عَنْ أقرانه.
ذكره الأبّار، فَقَالَ: كَانَ متقنًا مُجوِّدًا، أسره العدوّ، وله في تخليصه قصَّة غريبة. أخذ عنه أبو العباس ابن النباتي، وأبو بكر ابن سيّد النّاس. وعُمِّر وأَسَنَّ ومُتِّعَ بحواسّه، وجازَ التّسعين. مولده سنة خمس عشرة وخمس مائة، وتُوُفّي في ذي القعدة سنة ستٍّ.(13/151)
325 - يَحْيَى بْن الحُسَيْن بْن أَحْمَد، أَبُو زكريّا الأوانيّ الضّرير، المقرئ، المعروف بابن حُمَيْلة. [المتوفى: 606 هـ]
وُلِد فِي حدود سنة خمس عشرة وخمس مائة أو قبلها، وقرأ القرآن بالروايات الكثيرة عَلَى أَبِي الكَرَم الشَّهرُزوريّ، ودعوان بْن عليّ، وجماعة. وقرأ بواسط عَلَى محفوظ بْن عَبْد الباقي، وكان يَقُولُ: إنّه قرأ عَلَى أَبِي مُحَمَّد سِبط الخيّاط. وسَمِعَ بواسط من القاضي أَبِي عَبْد الله الجلّابيّ. وسَمِعَ ببغداد من أَبِي الفضل الأُرْمَويّ، وجماعة. وسماعه في واسط سنة إحدى وأربعين.
ذكره ابن نُقطة، فَقَالَ: سَمِعَ من الأُرمَويّ، وابن الدّاية، وأبا مُحَمَّد [ص:152] عبد الله ابن بنت الشيخ، وهو مكثر صحيح السّماع. ثُمَّ قَالَ: وقرأ القرآن عَلَى عُمَر بْن ظَفَر، ودعوان، والشهرزوري، وعلي ابن محمويه الأزدي، وهبة الله ابن وفاء ابن النيار الواسطي، وأبي العلاء الهَمَذانيّ. وكان قد قرأ عَلَى شيخه أَبِي محمد عَبْد الله بْن عليّ عدَّة ختمات بكُتُب كثيرة كتبها لَهُ في جزء فسقط منه، وكان قد أراه لجماعةٍ منهم شيخة أَبُو الكَرَم، وعمّه المغازليّ، فكتبا لَهُ بما رأياه.
قَالَ الدُّبَيْثِيّ: كَانَ فيه تساهل في الإِقراء والرواية.
قلت: روى عَنْهُ اليَلْدانيّ، والدُّبَيْثِيّ، والضّياء، وابن خليل، والنجيب بن الصقيل، ومحمد بْن أَبِي الدِّينَة، وعبد الرَّحْمَن بْن عُمَر بْن اللَّمش شَيْخَا الفَرَضيّ.
قَالَ الدُّبَيْثِيّ: وُجد في مسجدٍ ميّتًا في الثّالث والعشرين من صفر.
قلت: وأجاز للشيخ شمس الدّين، وللفخر عليّ، ولجماعة.(13/151)
326 - يَحْيَى بْن الربيع بْن سُلَيْمَان بْن حَرَّاز، العلّامة مجد الدّين العُمريّ الواسطي الشافعي، أبو علي ابن الفقيه أَبِي الفضل. [المتوفى: 606 هـ]
وُلد بواسط سنة ثمانٍ وعشرين وخمس مائة، وقرأ القرآن عَلَى جدّه، وأبي يعلى محمد بن سعد بن تركان بالقراءات. وعَلَّق الخلاف عَنِ القاضي أَبِي يَعْلى بن أبي خازم ابن الفرّاء بواسط لمّا ولي قضاءَها، ثُمَّ قدِم أَبُو عليّ بغداد وتفقّه بالنّظاميَّة عَلَى مدرّسها الإِمام أَبِي النّجيب السّهرَورديّ، وتفقّه أولًا عَلَى والده، وعلى أبي جعفر هبة الله ابن البُوقيّ. ثُمَّ رحل إِلى نَيسابور، فتفقّه عَلَى الْإِمَام مُحَمَّد بْن يَحْيَى صاحب الغزاليّ، وبقي عنده سنتين ونصفًا. وسَمِعَ الكثيرَ بواسط من أبي الكرم نصر الله بن مخلد ابن الْجَلَخْت، وأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَلِيّ الْجُلابيّ، وأحمد بْن عُبَيْد الله الآمِديّ. وببغداد من عَبْد الخالق اليُوسُفيّ، وابن ناصر، وأبي الوَقْت. وبنيسابور من شيخه مُحَمَّد، ومن عَبْد اللَّه بْن الفَرَاويّ، وَعَبْد الخالق بْن زاهر. [ص:153]
وروى الكثيرَ ببغداد، وبهَرَاة، وغَزْنة لمّا مضى إليها رسولًا من الدّيوان العزيز في سنة ثمانٍ وتسعين وخمس مائة، فلمّا عاد وَلِيَ تدريس النّظاميَّة، ورُزق الجاه والحِشْمَة.
قَالَ الدُّبَيْثِيّ: كَانَ ثقةً، صحيحَ السّماع، عالمًا بمذهب الشّافعيّ، وبالخلاف، والحديثِ، والتّفسير، كثيرَ الفنون. قرأ بالعشرة عَلَى ابن تُركان، وكان أَبُوهُ مِن الصّالحين. ويقال: إنّهم من وَلَدِ عُمَر بْن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
وقال أَبُو شامة: كَانَ مجدُ الدّين عالمًا، عارفًا بالتفسير والمذهب والأصولين والخلاف، دَيِّنًا صَدُوقًا.
وقال الموفّقُ عَبْد اللّطيف: كان معيد ابن فَضلان، وكان أبرعَ من ابن فَضْلان، وأقْوَمَ بالمذهب، وعِلْم القرآن، وكان بينَهما صُحْبَة جَميلة دائمة لم أرَ مثلها بين اثنين قطُّ؛ فكنّا نسمع الدّرسَ من الشّيخ، فلا نفهمه لكثرة فراقعه، ثم نقوم إلى ابن الربيع، فكما نسمعه منه نفهمه. وكانت الفُتْيا تأتي الشّيخ، فلا يضع خطّه حتّى يشاور ابن الربيع. ثم إن ابن الربيع أخذ في تدريس النّظاميَّة، وسُيّر في رسالة إلى خراسان، فمات في الطّريق.
قلت: روى عَنْهُ الدُّبَيْثِيّ، والضّياءُ، وابنُ خليل، وآخرون. وله إجازة من زاهر الشّحَّاميّ. وتُوُفّي أواخر ذي القعدة. وأجاز للشّيخ شمسِ الدّين عبدِ الرَّحْمَن، والفخر عليّ.(13/152)
327 - يَحْيَى بْن أَبِي بَكْر المبارك بْن مُحَمَّد بن يحيى، أبو زكريا ابن الزبيدي المؤدب، [المتوفى: 606 هـ]
أخو الحسن والحسين اللذين رويا " الصحيح ".
ولد سنة تسع وعشرين وخمس مائة، وسمع من عَبْد الوهَّاب الأنماطيّ، وعبد المَلِك بْن أَبِي القَاسِم الكرُوخيّ. روى عَنْهُ الدُّبَيْثِيّ، والضّياء، وابنُ خليل، وجماعة.
تُوُفّي في صفر.(13/153)
328 - يَحْيَى بْن محاسن بْن يَحْيَى بْن رفاعة، أَبُو زكريّا الطّائيّ، المعروف بابن زَنْفل الحنفيّ الفقيه. [المتوفى: 606 هـ]
روى عَنْ أَبِي الفتح عَبْد الله ابن البَيْضاويّ، وأبي الحَسَن بْن صِرْما، وعبد الوَّهاب الأنماطيّ، ورُسْتُم بْن سرهنك.
وُلِدَ سنة أربع وعشرين وخمس مائة، وتُوُفّي في ثالث عشر رمضان.
روى عَنْهُ الدُّبَيْثِيّ، والضّياء.(13/154)
329 - يوسف بْنُ إِبْرَاهيم بْن وهْبون، أَبُو الحَجّاج الكَلاعيّ الإِشبيليّ. [المتوفى: 606 هـ]
من عدول بلده، وكان مُقَدّمًا في عِلم الشّروط، سَمِعَ جزءًا من القاضي أَبِي بَكْر ابن العربي، وعاش خمساً وتسعين سنة.(13/154)
330 - يوسف ابن الفقيه إسماعيلَ بنِ عَبْد الرَّحْمَن، أَبُو يعقوب اللمغاني الحنفي. [المتوفى: 606 هـ]
شيخ بغداد فقيه، وقد ذُكِرَ أخوه عبدُ السّلام.
تفقّه عَلَى أَبِيهِ، وعَمّيه مُحَمَّد ونصر الله. وسَمِعَ من الحُسَيْن بْن الحَسَن المقدسيّ، ومات في جُمادي الأولى.(13/154)
331 - يوسف بنُ يعقوب بْن يوسف بْن عُمَر بْن الْحُسَيْن، أَبُو يعقوب الحربيّ. [المتوفى: 606 هـ]
من بيت عِلم ورواية وقرآن، حدّث عَنْ أبي محمد ابن المادح، وهبة الله الشبلي، وكان ذا صلاح وديانة.
تُوُفّي في شَوَّال.(13/154)
-وفيها وُلِد:
الشّمسُ مُحَمَّد بْن هاشم العبّاسيّ، والشمس عبد الرحمن ابن الزّين، والرشيدُ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر العامريّ، والجمالُ عُمَر بْن إِبْرَاهيم العَقِيميّ، والعماد مُحَمَّد ابن القاضي شمس الدين محمد ابن الشيرازي، والشمس مظفر بن عبد الصمد ابن الصّائغ، والبدر أَبُو بَكْر بْن نصر الله بْن رَسْلان البَعْلبَكِّيّ، وفخر الدّولة إِبْرَاهيم بْن فراس بْن عليّ العسقلانيّ، وناصرُ الدّين شاهنشاه بْن عَبْد الرّزّاق العامريّ الذّهبيّ، وصفيَّة بنت تاج الأمناء أحمد ابن عساكر، والعماد يَحْيَى بْن تمّام الحِمْيَريّ: الدِّمشقيّون، والتّاج مُحَمَّد بْن عَبْد المنعم بْن حواري الصّرخديّ الشّاعر، والجمال يوسف بْن جامع القفصيّ الضّرير الحنبليّ المقرئ، شيخ بغداد، وأَبُو القَاسِم بن عبد الغني ابن فخر الدين ابن تيميَّة الحرّاني، والنّحْويّ أَبُو عَبْد الله مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه التِّلمسانيّ، عُرف بحافي رأسه، والمُحبّ عليّ بْن أَبِي الفتح السّنجاريّ بسنجار، وأبو المظفر يوسف ابن الفخر الفارسيّ ثُمَّ المصريّ، ومحيي الدّين عُمَر بْن موسى قاضي غزَّة، والفخر إسْمَاعيل بْن إِبْرَاهيم بْن قريش الفَرَضيّ، في ذي القعدة بمصر.(13/155)
-سنة سبع وستمائة(13/156)
332 - أرسلان شاه ابن السُّلطان عزَّ الدين مسعود بن مودود ابن أتابك زنكي بْن آقسنقر، السّلطان المَلِك العادل نور الدّين أَبُو الحارث، [المتوفى: 607 هـ]
صاحب المَوْصِل وابن صاحبها.
تملك الموصل ثمان عشرة سنة، وولي الموصل بَعْدَه ابنهُ السّلطان عزّ الدّين مسعود.
قَالَ أَبُو المظفّر سِبطُ ابن الجوزيّ: كَانَ ملكًا جَبّارًا سافكًا للدّماء بخيلًا.
وقال ابن خَلِّكان: كَانَ ملكًا شهمًا، عارفًا بالأمور، وانتقل إِلى مذهب الشّافعيّ، ولم يكن في بيته شافعيّ سواه. وبنى المدرسة المعروفة بِهِ بالموصل للشّافعيَّة قَلَّ أن توجدّ مدرسة في حُسنها. تُوُفّي في التّاسع والعشرين من رجب.
قَالَ أَبُو شامة: وفيها كَانَ إمْلاكُ صاحب المَوْصِلِ نور الدّين أرسلان شاه عَلَى ابنةِ السّلطان المَلِك العادل بقلعة دمشق عَلَى صداق ثلاثين ألف دينار، وكان العقد مع وكيله، ثُمَّ انكشف الأمرُ أَنَّهُ قد مات من أيامٍ بالموصل.
وقال ابنُ الأثير: كَانَ مرضُه قد طال، ومزاجُه قد فسد، وكان مدَّةُ ملكه سبعَ عشرة سنة وأحد عشر شهرًا. وكان شهمًا شجاعًا ذا سياسة للرعايا، شديدًا عَلَى أصحابه، فكانوا يخافونه خوفًا شديدًا، وكانت لَهُ همَّة عالية، أعاد ناموسَ البيت الأتابكيّ وحُرمته. سَمِعْتُ مِن أخي أَبِي السّعادات، وكان مِن أكثر الناسِ اختصاصًا بِهِ، يَقُولُ: ما قلتُ لَهُ يومًا في فِعْلِ خَيْرٍ فامتنع منه بل بادر إِلَيْهِ. [ص:157]
وقال عز الدين ابن الأثير: وكان سريعَ الحركة في طلب المُلْك، إلّا أَنَّهُ لم يكن لَهُ صبرٌ، فلهذا لم يتّسع ملكُه، ولمّا احتضر أمرَ أن يُرتّب في المُلْك ولده المَلِك القاهر مسعود، وأعطى ولَدَهُ عمادَ الدّين زنكي قلعتين، وجعل تدبيرَ مملكتهما إِلى فتاه بدرِ الدّين لؤلؤ.(13/156)
333 - أسعد بْن سعيد بْن محمود بْن مُحَمَّد بْن رَوْح، أَبُو الفخر بْن أَبِي الفتوح الأصبهانيّ التّاجر، مُسْنِد أصبهان، ويُعرف بابن رَوْح، [المتوفى: 607 هـ]
وهو جَدُّ جدّه.
مولدُه سنةَ سبع عشرة وخمس مائة. سَمِعَ مِن فاطمة الْجُوزدانيَّة " المعجم الكبير " بِفَوْتٍ من أثناء ترجمة عِمران بْن حصين، وجميع " المعجم الصّغير "، وهو آخر مَنْ حَدّث عنها، وسَمِعَ أيضًا من سعيد بْن أَبِي الرجاء، وزاهر بن طاهر.
قرأت بخط ابن نُقْطَة، قَالَ: أَبُو الفخر أسعد بْن سعيد بْن محمود بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن رَوْح بْن الفَرَج الأصبهانيّ التّاجر. أخرج إلينا مولده وهو في ثاني ذي الحِجَّة من سنة سبعَ عشرة وخمس مائة. وكان شيخًا صالحًا، صحيحَ السّماع.
قلتُ: روى عَنْهُ ابنُ نقطة، والضياء، والتقي ابن العزّ، والجمال أَحْمَد بْن عُمَر بْن أَبِي بَكْر. وأجاز لإبراهيم بْن إسْمَاعيل الدَّرَجيّ، وشمس الدين عبد الرحمن بْن أَبِي عُمَر، والفخر علي، والكمال عَبْد الرحيم، وأحمد بن شيبان، والشمس عبد الرحمن ابن الزين، والتقي إبراهيم ابن الواسطيّ، وتُوُفّي في رابع ذي الحجَّة بأصبهان، وكان ابْنُ الواسطيّ آخرَ من روى حديث الطَبرانيّ بالإِجازة العالية فيما علمتُ.(13/157)
334 - إسماعيلُ بْن حمزة بن المبارك، أبو البركات ابن الطَّبّال الأَزَجَيّ. [المتوفى: 607 هـ]
سَمِعَ في الكهولة، وسَمِعَ ابنه، وحَدَّث عَنْ أَبِي حكيم النَّهروانيّ، وابن البَطِّيّ، وجاوز الثمانين. [ص:158]
وقد سَمِعَ ابنُه أَحْمَد مِن ابْن شاتيل.(13/157)
335 - إسماعيلُ بنُ مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الحَسَن، أَبُو النُّجْح الحنفيّ، البزّاز. [المتوفى: 607 هـ]
روى عَنْ أَبِي الفضل الأُرمَويّ، وعبد الصَّبور الهَرَويّ، ومات في شعبان ببغداد. أجاز لفاطمة بنت عساكر.(13/158)
336 - أفضل بْن أَبِي الحَسَن بْن محفوظ، أَبُو مُحَمَّد الحَرْبيّ، الحَفَّار. [المتوفى: 607 هـ]
يروي عَنِ ابن الطّلاية.(13/158)
337 - المَلِك الأوحد أيوب ابن العادل، [المتوفى: 607 هـ]
صاحب خِلاط ومَيّافارقين.
ذكر ابنُ واصل وفاته في سنة سبْعٍ هذه، وقد ذكرتُه في سنة تسع، فيحرر أمره.(13/158)
338 - تقيَّة بنتُ أَبِي سعيد مُحَمَّد بْن آموسنان، أمّ ليلى، [المتوفى: 607 هـ]
أخت جَعْفَر.
تُوُفّيت في رجب بأصبهان، وكانت مُسِنَّة عالية الرواية، حدّثت عَنْ: أبي عَبْد الله الخلّال، وغانم بْن خالد. روى عَنْها الضّياءُ المقدسيّ، وابنُ نقطة. وأجازت للشيخ شمس الدّين، وللفخر عليّ.
تُوُفّيت في رجب.(13/158)
339 - جَعْفَر بْن أَبِي سعيد مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد، المعروف جدُّه بآمُوسان، أَبُو مُحَمَّد الأصبهانيّ الواعظ. [المتوفى: 607 هـ]
وُلِدَ سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة، وسَمِعَ من غانمِ بْن خالد، وفاطمةَ بنت مُحَمَّد البغداديّ، وإسماعيلَ الحماميّ، وجماعة، وسَمِعَ ببغدادَ من ابن البَطِّيّ. ثُمَّ حجّ سنة ستّ وستّمائة. وحدَّث ببغداد، وأملى بالمدينة؛ روى عَنْهُ الدُّبَيْثِيّ، والزّكيّ عَبْد العظيم، والضّياء مُحَمَّد. وأجاز لابن أَبِي الخير، وللبرهان الدَّرَجيّ، وللكمال عَبْد الرحيم، وللفخر.
قَالَ الدُّبَيْثِيّ: كَانَ صحيحَ السّماع، مشهوراً بالثقة، له معرفة بالوعظ، حجة ورَدّ، فأدركه أجلُه بالمدينة النبوية في خامس المحرّم.
وقد استملى عَلَيْهِ زكيُّ الدّين مجلسًا.
وقال ابن النّجّار: لقيتُه بمكة، فانتخبتُ مِن أصوله جزءًا قرأته عَلَيْهِ، وسَمِعَ ببغداد من أبي المظفر هبة الله ابن الشبلي. وكانت لَهُ معرفة بالحديث، وفيه دِين وصدق، وتلطُّف كلام. كتب الكثيرَ، وحَصَّل الأصولَ، وهو معروف بآموسان.(13/159)
340 - جمعة بنت أَبِي سعد رجاء بْن أَبِي نصر بْن سُلَيْم، أمّ الفخر. [المتوفى: 607 هـ]
تروي عَنْ زاهر الشّحّاميّ " فوائد الحاجّ ". تُوُفّيت بأصبهان في جمادى الأولى.
وروى عنها الضّياءُ مُحَمَّد. وأجازت للشيخ شمس الدّين، وللفخر علي.
وتوفيت في ربيع الآخر.(13/159)
341 - الحسين ابن الوزير أَبِي القَاسِم عليّ بْن صَدَقة، أَبُو طاهر البغداديّ. [المتوفى: 607 هـ]
شيخ مُسِنّ قديم المولد، عاش ثمانيًا وثمانين سنة، وحدّث عَنْ الوزير أَبِي المظفّر بْن هُبَيرة، وعمر بْن ظَفَر المغازليّ، وتُوُفّي في ربيع الأوّل.(13/160)
342 - الحُسَيْن بْن أَبِي بَكْر بْن الحُسَيْن الحريميّ، الخَبّاز. [المتوفى: 607 هـ]
شيخ مُعَمَّر، يروي عَنْ أَبِي عليّ الرحبيّ.
تُوُفّي في رجب.(13/160)
343 - حَيّان بْن عَبْد الله بْن مُحَمَّد بْن هشام بْن حَيّان، أَبُو البقاء الأنصاريّ الأوسيّ الأندلسي البَلَنْسيّ. [المتوفى: 607 هـ]
أخذ القراءات عَنْ أَبِي الحسن ابن النّعمة. وسَمِعَ بسبتة من نَجَبة بْن يَحْيَى، وأبي مُحَمَّد بْن عُبَيْد الله. وتأدّب بأبي الحَسَن بْن سعد الخير.
قَالَ الأبّار: كَانَ نحويًّا، لُغويًّا، أديبًا، شاعرًا، حسنَ الخطّ. وقد أقرأ النّاس وقتًا، وسمعت مذاكرته. وتُوُفّي سنة سبع.(13/160)
344 - خالد بن علي ابن الوِقَاياتيّ القَصَّار، أَبُو مُحَمَّد الأزَجيّ. [المتوفى: 607 هـ]
روى عَنْ أَبِي بَكْر بْن الزّاغونيّ.(13/160)
345 - خَلَف بْن عليّ الغراد الظفري، أبو محمد ابن الأمين. [المتوفى: 607 هـ]
روى عن عُمَر بْن ظَفَر المغازليّ، والمبارك بْن كامل الخَفّاف، وتُوُفّي في ذي الحجة.(13/160)
346 - درة بنت صالح بْن كامل بْن أَبِي غالب الخفاف. [المتوفى: 607 هـ][ص:161]
أجاز لها الأرموي.(13/160)
347 - زاهر بْن أَبِي طاهر أَحْمَد بْن أَبِي غانم حامد بْن أَحْمَد بْن محمود، أَبُو المجد الثقفيّ، الأصبهانيّ. [المتوفى: 607 هـ]
وُلِد في ربيع الأوّل سنة إحدى وعشرين، واستجاز لَهُ أَبُوهُ من جماعة في هذه السنة، وسَمَّعَه حضورًا من جَعْفَر بْن عَبْد الواحد الثقفيّ. وسَمِعَ من مُحَمَّد بْن علي بْن أَبِي ذَرّ، وسعيد بْن أَبِي الرجاء، وزاهرِ بْن طاهر، والحسين بْن عَبْد المَلِك، وقوامِ السُّنَّة إسْمَاعيل بْن مُحَمَّد الحافظ، وحدّث بالكثير، وسَمِعَ " مُسْنِد أَبِي يعلى "، و " مسند الرُّوياني " من الحُسَيْن بْن عَبْد المَلِك الخلّال.
روى عَنْهُ ابن نُقْطَة، والضّياءُ، وابنُ خليل، والتقي ابن العزّ، وأحمد بْن عُمَر بْن أَبِي بَكْر، وطائفة سواهم.
ذكره ابن نقطة فَقَالَ: كَانَ شيخًا صالحًا أضَرَّ عَلَى كِبَرٍ، وكان صبورًا للطّلبة، مُكرِمًا لهم.
قلت: وأجاز للشيخ شمسِ الدّين، وللكمال عَبْد الرحيم، ولابن شيبان، وللفخر علي، وللبرهان ابن الدرجي، وللتقي ابن الواسطيّ، وغيرهم، وتُوُفّي فِي الثاني والعشرين من ذِي القعدة، لَهُ إجازة من المعُمَرَّة فاطمة الجّوزدانية.(13/161)
348 - زُهَيْر بْن إِبْرَاهيم، أَبُو الأزهر الحمّاميّ، الحربي. [المتوفى: 607 هـ]
روى عن ابن الطلاية، وسعيد ابن البناء، وتوفي في ذي الحجة.(13/161)
349 - سُكَينة بنت مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر المقدسيَّة، أمّ عَبْد العزيز. [المتوفى: 607 هـ]
روت بالإِجازة عَنْ ابن البَطِّيّ، وأحمد بْن المقرّب، وكان مولدها فِي حدود سنة خمسٍ وخمسين وخمس مائة، وتُوُفّيت في ربيع الأوّل، وكانت امرأة خيِّرة؛ روى عنها الحافظ الضّياء.(13/161)
350 - سُلَيْمَان بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد، أَبُو القَاسِم ابن الطّيلسان الأنصاريّ، القُرطُبيّ. [المتوفى: 607 هـ]
روى عَنْ أَبِي خالد المروانيّ، وأبي القَاسِم الشراط. روى عَنْه ابن أخيه القَاسِم بْن مُحَمَّد الحافظ.
وذكره الأبّار، فَقَالَ: كَانَ حافظًا للحديث وللأدب، صوّامًا قَوّامًا كثير التّلاوة جدًّا. وتُوُفّي في تاسعٍ وعشرين رمضان عن أربع وستين سنة.(13/162)
351 - عائشة بنت الحافظ مَعْمَر بْن الفاخر، أُمّ حبيبة الأصبهانيَّة. [المتوفى: 607 هـ]
سَمِعْتُ حضورًا مِن فاطمة الْجُوزدانيَّة، وسماعاً من زاهر بن طاهر، وسعيد ابن أَبِي الرجاء. روى عنها ابنُ نقطة، والضّياء.
قَالَ ابن نقطة: سمعنا منها " مُسْنِد أَبِي يَعلى " بسماعها من سعيد الصَّيرفيّ. وكان سماعُها صحيحًا بإفادة أبيها.
قلت: وأجازت للشيخ شمس الدّين عَبْد الرَّحْمَن، ولابنِ شيبان، وللكمال عَبْد الرحيم، وللفخر عليّ، وتُوُفّيت في ربيع الآخر.(13/162)
352 - عبدُ الجليل بْن عَبْد الكريم بْن عُثْمَان، بهاء الدين الموقاني. [المتوفى: 607 هـ]
قال ابنُه مُحَمَّد: تُوُفّي بالقدس في جُمادي الآخرة. وروى عن أبي طاهر السلفي، والحافظ ابن عساكر. وعاش ستًّا وستّين سنة.(13/162)
353 - عَبْدُ الرَّحْمَن بن هبة اللَّه بْن عَبْد الملك ابن غريب الخال، أبو القاسم الحريمي. [المتوفى: 607 هـ]
روى عن إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، واستبعدوا سماعه منه، وقال بعضهم: إنَّ الّذي سَمِعَ إنّما أخوه عُبَيْد الله.
وجدّهم غريب: هُوَ خالُ المقتدر.(13/162)
354 - عَبْدُ الرَّحْمَن بْن هبة الله بْن أَبِي نصر الحربيّ المقرئ الضّرير، المعروف بابن دَقِيقة. [المتوفى: 607 هـ][ص:163]
ولد سنة سبع وعشرين وخمس مائة، وسمع من عَبْد الله بْن أَحْمَد بْن يوسف، وأبي البدر الكّرْخيّ. روى عَنْهُ أَبُو عَبْد الله الدُّبَيْثِيّ، وتُوُفّي في ذي الحِجَّة.
وقال ابن نقطة: سمعت منه كتاب " المغازي " لابن إسحاق.(13/162)
355 - عبد الوهاب ابن الأمين أَبِي منصور عليّ بْن عليّ بْن عُبَيْد الله، الإِمام المحدّث العالم، مُسْنِد العراق وشيخها ضياء الدّين، أَبُو أَحْمَد البغداديّ، الصّوفيّ، الشّافعيّ، الأمين، المعروف بابن سُكَيْنة، [المتوفى: 607 هـ]
وسُكَيْنة هي جدّته أمّ أَبِيهِ.
وُلِد في شعبان سنة تسع عشرة وخمس مائة، وسَمِعَ الكثيرَ من أَبِيهِ، وأبي القَاسِم بْن الحُصَيْن، وأبي غالب مُحَمَّد بْن الحَسَن المَاوَرْديّ، وزاهر بْن طاهر الشّحَّاميّ، والقاضي أَبِي بَكْر الأنصاريّ، والزّاهد مُحَمَّد بْن حمّويه الْجُوَينيّ بإفادة ابن ناصر. ثُمَّ لازم أبا سعد ابن السَّمْعانيّ لمّا قِدم وسَمِعَ معه الكثير من أَبِي منصور بْن زُرَيق القزّاز، وأبي القَاسِم ابن السَّمَرْقَنْديّ، وابن تَوْبة، وجدِّه لأمّه الشّيخ أَبِي البركات إسْمَاعيل بْن أَحْمَد، وهذه الطّبقة. وقرأ القراءاتِ عَلَى أَبِي مُحَمَّد سِبْط الخياط، والحافظ أَبِي العلاء الهَمَذانيّ، وأبي الحَسَن عليّ بْن أَحْمَد بْن محمويه. وقرأ مذهبَ الشّافعيّ والخلاف على أبي منصور سعيد ابن الرَّزَّاز، وغيره. وقرأ العربيةَ عَلَى أَبِي مُحَمَّد ابن الخشّاب، ولبس خرقة التّصوّف من جدّه أَبِي البركات وصحِبه. وأخذ معرفةَ الحديث عَنِ ابن ناصر، ولَزِمَهُ، وقرأ عَلَيْهِ الكثيرَ، وحَفِظَ عَنْهُ الكثير من النُّكَت والفوائدِ الغريبة، والمعاني الدّقيقة. وطال عمره، ورحل إليه.
قال الحافظ ابن النّجّار: ابن سُكَينة شيخ العراق في الحديث والزّهد وحُسن السَّمْت، وموافقة السُّنَّة والسَّلف، عُمِّر حتّى حدَّث بجميع مَرْويّاته. وقصده الطّلابُ من البلاد. وكانت أوقاته محفوظة، فلا تمضي لَهُ ساعة إلّا في تلاوَةٍ أو ذِكر أو تهجُّد أو تسميع. وكان إذَا قُرئ عَلَيْهِ الحديثُ منع أن يُقام لَهُ أو لِغيره. وكان كثيرَ الحجّ والمجاورة والطّهارة، لا يخرج من بيته إلّا لحضور [ص:164] جمعة أو عيد أو جنازة. ولا يحضر دُورَ أبناء الدّنيا ولا الرؤساء في هناءٍ ولا في عزاء. وكان يُديم الصّيام غالبًا عَلَى كبر سِنّه، ويستعمل السُّنَّة في مدخله ومخرجه وملبسه وأموره، ويحبّ الصّالحين، ويُعظِّم العلماء، ويتواضع لجميع النّاس. وكان دائمًا يَقُولُ: أسأل اللهَ أن يُميتنا مسلمين. وكان ظاهرَ الخشوع، غزيرَ الدّمعة، وكان يعتذِرُ من البكاء، ويقول: قد كَبِرَتْ سنّي، وَرَقَّ عظْمي، فلا أملك عَبْرَتي، يَقُولُ ذَلِكَ خوفًا من الرياء. وكان الله قد ألْبَسهُ رداءً جميلًا من البهاء، وحُسْن الخِلْقة، وقبول الصُّورة ونور الطّاعة وجلالة العبادة. وكانت لَهُ في القلوب منزلة عظيمة يُحبّه كلُّ أحدٍ، وإذا رآهُ ينتفع برؤيته قبلَ كلامه، فإذا تكلَّم، كَانَ البهاءُ والنّورُ عَلَى ألفاظه، ولا يُشْبَعُ مِن مجالسته. ولقد طفت شرقًا وغربًا، ورأيتُ الأئمَّة والزُّهّاد، فمّا رأيتُ أكملَ منه، ولا أكثر عبادةً، ولا أحسن سَمْتًا، صحِبْته قريبًا مِن عشرين سنة ليلًا ونهارًا، وتأدّبتُ بِهِ وخدمته، وقرأتُ عَلَيْهِ القرآن بجميع رواياته، وسمعتُ منه أكثر مَرْويّاته. وكان ثقة حُجَّة نبيلًا عَلَمًا مِن أعلام الدين. سمع منه الحُفّاظ؛ عليّ بْن أَحْمَد الزَّيْدي، والقاضي عُمَر بْن عليّ، وأَبُو بَكْر الحازميّ، وخلق، ورووا عنه وهو حي. وسمعت أبا محمد ابن الأخضر غيرَ مَرَّةٍ يَقُولُ: لم يبق ممّن طلب الحديث وعُنِيَ بِهِ غيرُ عَبْد الوهّاب ابن سُكينة. وسمعتُه يَقُولُ: كَانَ شيخنا ابنُ ناصر يجلس في داره عَلَى سريرٍ لطيف، فكلّ مَن حضَرَ عنده يجلس تحتَ سريره كابن شافع والباقداريّ وأمثالهم، وما رأيته أجْلَسَ معه أحدًا عَلَى سريره إلّا ابن سُكينة.
قَالَ ابن النّجّار: وأنبأنا القاضي يَحْيَى بنُ القَاسِم مدرّس النّظاميَّة في ذكر مشايخه: أَبُو أَحْمَد ابن سُكينة؛ كَانَ عالما عاملًا، دائمَ التّكرار لكتاب " التنبيه " في الفقه، كثير الاشتغال " بالمهذب " و " الوسيط " في الفقه، لا يُضيّع شيئًا من وقته. وكنّا إذَا دخلنا عَلَيْهِ يَقُولُ: لا تزيدوا عَلَى " سَلام عليكم " مسألة، لكثرة حرصه عَلَى المباحثة وتقريرِ الأحكام.
وقال الدُّبَيْثِيّ: سَمِعَ بنفسه، وحَصَّل المسموعات، وسَمِعَ أَبَاهُ، وخلقًا كثيرًا، سمّى منهم أبا البركات عُمَر بْن إِبْرَاهيم العلويّ، وأبا شجاع البسطاميّ. [ص:165]
وحدّث بمصر، والشام، والحجاز. وكان ثقة فَهمًا، صحيح الأُصول، ذا سكينة ووقار.
قلت: روى عنه الشيخ الموفق، وأبو موسى ابن الحافظ عبد الغني، وأبو عمر ابن الصّلاح، وابنُ خليل، والضّياء، وابنُ النّجّار، والدُّبَيْثِيّ، ومحمد بْن عَبْد الله بْن غَنِيمة الإِسْكاف، ومحمد بْن عَسْكر الطّبيب، والعماد مُحَمَّد بْن شهاب الدين السهروردي، وأحمد بْن هبة الله السّاوجيّ البغداديّ، وأحمد بن يحيى النجار، وبكر بن محمد القزويني، والحسن بن عبد الرحمن بْن عُمَر الباذرائيّ، وسعد الله بْن عَبْد الرَّحْمَن الطّحّان، وعامر بْن مكّيّ الضّرير، وأَبُو الفتح عَبْد الله بْن عليّ بْن أَبِي الدِّينيّ وأخوه عَبْد الرَّحْمَن، وعبد الله بْن مقبل، والموفّق عَبْد الغافر بْن مُحَمَّد القاشانيّ، وعبد الغنيّ بْن مكّيّ المُعَدَّل، وعبد اللطيف بْن سالم البَعْقُوبيّ، وعثمان بْن أَبِي بَكْر الغَرَّاد المقرئ، وعمر بْن عَبْد العزيز بْن دلف، ومكي بن عثمان ابن الهُبْرِيّ، ونوح بْن عليّ الدُّوريّ، ويونس بْن جَعْفَر الأزَجيّ، والنّجيب عَبْد اللّطيف الحرّانيّ، وابن عَبْد الدّائم المقدسيّ، وعامّتهم شيوخ شيخنا الدّمياطيّ. وروى عَنْهُ بالإِجازة الفخرُ عليّ بْن البُخَاريّ، وأحمد بْن شيبان، وجماعة آخرهم موتًا المُسْنَد المُعَمَّر كمال الدّين عَبْد الرحمِّن بْن عَبْد اللطيف ابن الرقّام شيخ المستنصرية، عاش بعده تسعين سنة.
وَرَد ابن سُكينة دمشق رسولًا وحدّث بها فِي سنة خمسٍ وثمانين وخمس مائة، فسمع منه التّاج القُرطُبيّ وطبقته.
قَالَ الإمام أَبُو شامة: وفيها تُوُفّي ضياء الدّين عَبْد الوهَّاب بْن سُكينة، وحضره أرباب الدّولة، وكان يومًا مشهودًا. ثُمَّ قَالَ: وكان من الأبدال.
قَالَ ابنُ النّجّار وغيرهُ: تُوُفّي في تاسع عشر ربيع الآخر، وكان يومًا مشهودًا.(13/163)
356 - عليّ بْن أحمد بن سعيد، الإمام أبو الحسن ابن الدّبَّاس الواسطيّ المقرئ المُعَدَّل. [المتوفى: 607 هـ][ص:166]
قرأ بواسط القراءات الكثيرة عَلَى عبدِ الرَّحْمَن بْن الحُسَيْن الدَّجاجيّ، وعلى المبارك بْن أَحْمَد بْن زُريق. وارتحل إِلى هَمَذان فقرأ القراءات عَلَى الحافظ أَبِي العلاء العَطَّار. وارتحل إِلى الموصل، فقرأ عَلَى يَحْيَى بْن سعدون القرطبيّ. ثُمَّ ذكر أَنَّهُ قرأ عَلَى أَبِي الكَرَم الشّهرُزوريّ فأنكروا عَلَيْهِ.
وقد أقرأ بجامع واسط صدراً به مع أبي بكر ابن الباقِلّاني، ثُمَّ استوطن بغدادَ، وأقرأ بها، وحدَّث عن أبي طالب ابن الكَتّانيّ بما لم نعرفه من روايته؛ قاله الدُّبَيْثِيّ.
قَالَ: فَسَمِعَ منه عَبْدُ العزيز بْن هلالة ذَلِكَ، فلمّا تبيّن لَهُ ضربَ عَلَى السّماع منه.
قَالَ: وقال لي عبدُ العزيز بْن عَبْد المَلِك الشيبانيّ الدّمشقيّ: وقفت عَلَى رقعة فيها خطٌّ مزوَّر عَلَى خطِّ أَبِي الكَرَم الشَّهرزوريّ بقراءة ابن الدّبّاس عَلَيْهِ، وقد حدث عَنْ عليّ بْن نغوبا، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي زَنبقة، وأنشدنا أبياتًا.
قلتُ: آخر من روى عَنْهُ بالإِجازة الكمال الفويره شيخ المستنصرية.
وقال ابن النّجّار: ذكر أَنَّهُ قرأ عَلَى أَبِي الكرم، وأبي الحَسَن بْن محمويه، وعبد الوهَّاب الصّابونيّ الخفّاف، ويوسف بْن المبارك. وقَدِم بغداد عَند عُلُوِّ سِنِّه، ورُتّب لإِقراء النّاس، فأكثروا عَنْهُ. وكان عالمًا بالقراءات وعِللها، قَيِّمًا بحفظ أسانيدها وطُرقها، وله معرفة جيّدة بالنّحْو. وكان متواضعًا حسنَ الأخلاق، كتبتُ عَنْهُ. وذكر لي مُحَمَّد بْن سعيد الحافظ: أنّ أبا الحسن ابن الدّبّاس حَدَّثَ بكتاب " الحُجة " لأبي عليّ الفارسيّ سماعًا عَنْ أَبِي طالب ابن الكَتّانيّ بإجازته من أَبِي الفضل بْن خيرون، وما علِمنا له من ابن خيرون إجازة، ولم نشاهد ابن الدّبّاس عند أَبِي طالب قطّ، ولا ذكر لنا أحد أَنَّهُ رآه عنده، ولم يصحّ أَنَّهُ قرأ عَلَى ابن الشّهرزوريّ. [ص:167]
قَالَ ابنُ النّجّار: سألتُ ابن الدّبّاس عَنْ مولده، فَقَالَ: في سنة سبْعٍ وعشرين وخمس مائة، ودخلت بغداد سنة تسعٍ وأربعين. وتُوُفّي في السابع والعشرين من رجب.(13/165)
357 - عليّ بْن أَبِي الأزهر البغدادي، المعروف بابن البُتَتِيّ، بضمّ الباء الموحَّدة. [المتوفى: 607 هـ]
مقرئ فصيح، سريعُ القراءة إِلى الغاية لا يكاد يُجارَى.
قَالَ ابنُ الدُّبَيْثِيّ: قرأ هذا على شيخنا أبي شجاع ابن المقرون في يومٍ واحد من طلوع الشمس إِلى غروبها ثلاثَ خِتَم، وقرأ في الرابعة إلى سورة الطّور بمشهدٍ من جماعة من القرّاء وغيرهم، ولم يخف شيئًا من قراءته، وذلك في رجب سنةَ ثمانٍ وخمسين وخمس مائة. وما سمعنا أنّ أحدًا قبلَه بلغ هذه الغايةَ. تُوُفّي في ثامن رمضان.
وقال ابنُ النّجّار: أَبُو الحَسَن علي بن عبد الله بن علي بن إِبْرَاهيم بْن يَحْيَى بْن طاهر بْن يوسف بْن إِبْرَاهيم بْن الحَسَن بْن شاذان القَصّار ابن البُتَتِيّ، أحد القرّاء المجوّدين. سألتُه عَنْ مولده، فَقَالَ: وُلدت سنةَ ثمانٍ وثلاثين وخمس مائة. وأجاز لي. وسمع " الحِلْية " من يَحْيَى بْن عَبْد الباقي الغزّال. وذكر لي أَنَّهُ قرأ في يومٍ ثلاث ختمات والرابعة إِلى " الطّور "، إِلى آخرها، بمجمعٍ كبيرٍ من القرّاء، وأخذ خطوطَهم بذلك، وأنّه لم يُخِلَّ بالتّشديدات والمدّات وإفهام التلاوة على أبي شجاع ابن المقرون. وذكر أَنَّهُ ختم في شهر رمضان اثنتين وستّين ختْمة. إِلى أن قَالَ: وكان حسنَ الأخلاق، متوّددًا، محِبًّا لأهل العِلم، متشيّعًا غاليًا في التّشيّع.(13/167)
358 - عُمَر بْنُ مُحَمَّد بْن مُعَمّر بْن أَحْمَد بْن يَحْيَى بْن حَسّان، المُسِنَد الكبير رحلة الآفاق أَبُو حفص بْن أَبِي بَكْر البغداديّ الدّارَقَزّيّ المؤدّب، المعروف بابن طَبَرْزَد، [المتوفى: 607 هـ]
والطَّبَرْزَد: هُوَ السُّكَّر.
وُلِدَ في ذي الحجَّة سنة ستّ عشرة وخمس مائة، وسَمِعَ الكثير بإفادة أخيه المحدّث أَبِي البقاء مُحَمَّد، ثُمَّ بنفسه. وحَصَّل الأُصولَ، وحفظها إِلى [ص:168] وقت الحاجة إِلَيْهِ، وكان أكثرُها بخطّ أخيه. سَمِعَ من أَبِي القَاسِم بْن الحُصَيْن، وأبي غالب ابن البَنّاء، وأبي القَاسِم هِبة الله الشُّرُوطيّ، وأبي الحسن علي ابن الزّاغونيّ، وأبي المواهب أَحْمَد بْن مُلوك، وهبة الله ابن الطّبر الحريريّ، وأبي بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وأبي مَنْصُور القزّاز، وأبي منصور ابن خيرون، وعبد الخالق بْن عَبْد الصّمد بْن البدن، ومحمد وعُمَر ابنَيْ أَحْمَد بْن دحروج، وأبي غالب مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن قُريش، وأحمد بن منصور الغزال، وإسماعيل ابن السمرقندي، وأبي الفضل محمد ابن المهتدي بالله، وأبي البدر إِبْرَاهيم بْن مُحَمَّد الكرْخيّ، وأبي الفتح مفلح الدُّوميّ، والوزير علي بْن طِرَاد، وأبي الفتح الكُرُوخيّ، وأبي سعد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الزَّوزنيّ، وغيرهم.
روى عَنْهُ خلقٌ لا يُمكن حصرُهم، منهم ابن النّجّار، والضّياء، والزّكيّ المنذريّ، والصَّدر البكريُّ، وأخوه الشرف مُحَمَّد، والكمال عُمَر بْن أَبِي جرادة، وأخوه مُحَمَّد، ومحمد بن الحسن ابن الحافظ ابن عساكر، والجمال مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عمرون النحْويّ، والشّهاب القُوصيّ وأخوه عُمَر، والمجد مُحَمَّد بن إسماعيل ابن عساكر، والجمال عَبْد الرَّحْمَن بْن سلمان البغداديّ الحنبليّ، والموفّق مُحَمَّد بْن عُمَر خطيب بيت الأبَّار، وأحمد بنُ هِبة الله الكهفيّ، والتّقيّ إسماعيل ابن أَبِي اليُسْر، والقُطْب أَحْمَد بْن عَبْد السّلام بْن أَبِي عصرون، والفقيه أَبُو العَبَّاس أَحْمَد بْن نعمة بْن أَحْمَد المقدسيّ، والشّمس إِسْحَاق بْن محمود بْن بلكُويه الكاتب نزيل مصر، والمؤيد أسعد بن المظفر ابن القلانِسيّ، والبهاء حسن بْن سالم بْن صَصْرَى التغلبي، وأبو الفرج طاهر ابن محمد الكحال، والجمال يحيى ابن الصَّيرفيّ، والشّيخ أَبُو الفَرَج عَبْد الرَّحْمَن بْن أبي عمر، وأبو الغنائم المسلم ابن علان، والكمال عبد الرحيم ابن عَبْد المَلِك، وأحمد بْن شِيبان، وغازي الحَلَاويّ، وخديجة بنت ابن راجح، وصفيَّة بنت مسعود بْن شُكر، وشاميَّة بنت الصَّدر البكريّ، وزينت بنت مكّيّ، وفاطمة بنت المَلِك المحسن، وفاطمة بنت العماد عليّ بن عساكر، وعبد الرحيم بن يوسف ابن خطيب المزة، والفخر علي بن أحمد ابن البخاري، [ص:169] وهو آخر من سَمِعَ منه. وأخر من رَوَى عنه بالإجازة الكمال عبد الرحمن المكبر شيخ المستنصرية.
وقال ابن نُقطة: سَمِعَ " سُنن أَبِي داود " من أَبِي البدر الكرْخيّ بعضها، وبعضها من مُفلح الدّوميّ بروايتهما، كما بُيّنَ، عَنْ أَبِي بَكْر الخطيب. وسَمِعَ كتاب " التِّرْمِذيّ " من أَبِي الفتح الكَرْوخيّ. قَالَ: هُوَ مكثِر صحيح السّماع، ثقة في الحديث، تُوُفّي في تاسع رجب، ودُفِنَ بباب حرب.
وقرأتُ بخطّ عمر ابن الحاجب، قَالَ: ورد - يعني ابن طَبَرْزَد - دمشق وحَدَّثَ بها وازدحمت عَلَيْهِ الطّلبة. تفرّد بعدَّة مشايخ وأجزاء وكتب. وكان مسِند أهل زمانه، وقال لي ابن الدُّبَيْثِيّ: كَانَ سماعه صحيحًا عَلَى تخليطٍ فيه. سافر إِلى الشام، وحَدَّثَ في طريقه بإربل والمَوْصِلِ، وحَرّان، وحلب، ودمشق، وغيرها من القرى، وعاد إِلى بغداد قبل وفاته وحدث بها. وجمعت له " مشيخة " عن ثلاثة وثمانين شيخاً، وحَدَّثَ بها مِرارًا، وأملى علينا مجالسَ بجامع المنصور، وعاش تسعين سنة وسبعة أشهر.
قلت: يشيرُ ابن الدُّبَيْثِيّ إِلى أنّ أبا البقاء أخاه كَانَ ضعيفًا وأكثرُ سماعه، فبقراءة أخيه أَبِي البقاء، فالله أعلم.
وقال الإمام أَبُو شامة: وفيها تُوُفّي ابن طَبَرْزَد. وكان خليعًا ماجنًا. سافر بعد حنبل إِلى الشّام، وحَصَل لَهُ مالٌ بسبب الحديث، وعاد حنبل إِلى بغداد، فأقام يعمل تجارة بما حَصَل لَهُ. قَالَ: فسلك ابن طبرزد طريق حنبل في استعمال كاغَد وعَتّابي، فمرض مُدَّةً ومات، ورجَعَ ما حصل لَهُ إِلى بيت المال كحنبل.
سمعت شيخنا أبا العباس ابن الظّاهريّ الحافظ يَقُولُ: كَانَ ابنُ طبرزد يُخِلُّ بالصلوات.
قلت: ورأيت بخط ابن طبرزد كتاب " طبقات الحنابلة " لأبي الحسين ابن الفراء. وهو آخِرُ مَن روى عَنِ ابن الحُصَيْن، وجماعة. [ص:170]
وقال المنذري: حدث ابن طبرزد هُوَ وأخوه مَعًا في سنة تسعٍ وثلاثين وخمسمائة.(13/167)
359 - عيسى بْن عَبْد العزيز بْن يَلَلْبَخت بْن عيسى، العلّامة أَبُو موسى الْجُزُوليّ اليَزْدكنْتِيّ البربريّ المَرّاكُشيّ المغربيّ النّحْويّ. [المتوفى: 607 هـ]
حجّ ولزِم العلّامة أبا مُحَمَّد عَبْد الله بْن برّيّ بمصر فأخذ عَنْهُ العربيَّة واللّغة. وسَمِعَ من أبي مُحَمَّد بْن عُبَيْد الله " صحيح البخاري ". وصَدَر من رحلته فتصدّر للإِفادة بالمَرِية وبالجزائر، عمل ببِجَاية دهرًا. وأخذ العربية عَنْهُ جماعة.
وكان إمامًا لا يُشقُّ غباره في العربية ولا يُجارى، مَعَ جودة التّفهيم وحُسْن العِبارة، وإليه انتهت الرياسة في علم النّحو؛ ولقد أتى في " مقدّمته " بالعجائب الّتي لا يُسبق إليها، فكلّها حدود وإشارات، ولقد يكون الشخص يعرف المسألة من النّحو معرفةً جيّدة، فإذا قرأها من " الْجُزُولية " دار رأسه واشتغل فكره، واسم هذه المقدّمة " القانون " اعتنى بها جماعة من أذكياء النُّحاة وشرحوها.
قال القاضي شمس الدين ابن خلِّكان: بلغني أَنَّهُ كَانَ إذَا سُئل عَنْ هذه المقدّمة: أمِن تصنيفك هي؟ قَالَ: لا. وكان رجلًا ورِعًا، فيقال: إنّها نتائج بحوثه عَلَى ابن برّيّ كَانَ يُعَلِّقها. ثُمَّ رجع إِلى المغرب، واشتغل مدَّةً بمدينة [ص:171] بِجاية، ورأيت جماعةً من أصحابه. وتُوُفّي سنة عشرٍ بمراكش.
وقال أبو عَبْد الله الأبّار: له مجموع في العربية عَلَى " الْجُمَل " كثير الفائدة، متداوَل يُسمَّى بالقانون، وقد نُسِبَ إِلى غيره، أخذ عَنْهُ جِلَّة. وتُوُفّي بآزمور من ناحية مَرّاكُش سنةَ سبع وستمائة؛ قاله أبو عبد الله ابن الضّرير. قَالَ الأبّار: وقال غيره: سنةَ ستّ.
وولي خطابة مَرّاكُش، وكان إمامًا في القراءات أيضاً. و " يللبخت " جده رجل بربري، وهو ابن عيسى ابن يُومارِيليّ. وجُزُولة: بطن من البربر، وجيمها ممزوجة بالكاف.
وقرأت بخطّ مُحَمَّد بْن عَبْد الجليل المُوقانيّ: إنّه - أعني الْجُزُوليّ - قرأ أصولَ الدّين، وأنه قاسى بمدَّة مقامه بمصر كثيرًا من الفَقْر ولم يدخل مدرسة، وكان يخرج إِلى الضِّياع يؤمُّ بقومٍ، فيحصل ما ينفعه عَلَى غاية الضّيق. ورجع إِلى المغرب فقيرًا مُدقعًا، فلمّا وصل إِلى المَرِية أو نحوها رهنَ كتاب ابن السّرّاج الّذي قرأه عَلَى ابن برّي وعليه خطّه، فأنهى المرتهن أمره إِلى الشيخ أَبِي العَبَّاس المَرِيّيّ، أحد الزُّهّاد بالمغرب وكان يُصاحب بني عَبْد المؤمن، فأنهى أَبُو العَبَّاس ذَلِكَ إِلى السّلطان، فأمر بإحضاره، وقدّمه وأحسنَ إِلَيْهِ، وجعله أحد مَن يحضر مجلسه. وصَنّف كتابًا في شرح " أُصول " ابن السّرّاج، والمقدّمة المشهورة، وقصد بها التّحشية عَلَى " الْجُمَل ".
قلت: وممّن أخذ عَنْهُ أَبُو عليّ الشَّلَوْبِينيّ، وزين الدّين يَحْيَى بْن مُعطي.
وقال القِفْطِيّ: قرأ مذهبَ مالك وأصوله عَلَى ظافر المالكيّ بمصر، وبلغني أَنَّهُ كَانَ يتورّع عَنْ نسبة " المقدّمة " إِلَيْهِ لكونها نتائج بحوثه وبحوث رُفقائه عَلَى عَبْد الله بْن برّي. قَالَ: وأخبرني صديقنا النّحْويّ اللّورقيّ - يعني عَلَم الدّين - أَنَّهُ اجتاز بالْجُزُوليّ، قَالَ: فأتيتُه فخرج إليَّ في هيئة متألِّه، فسألتُه عَنْ مسألة في التّعجّب من " مقدمته " وذلك في سنة إحدى وستمائة.
قَالَ القِفْطيّ: وقد شرح العَلَم هذا مقدّمته وأجاد، وشرحها أَبُو عليّ [ص:172] الشَّلَوبينيّ ولم يُطِل، وشرحها شابٌّ من أهل جَيَّان، ومتصدّر بحلب، وأحسن في الإِيجاز.
قلت: يعني به الشيخ جمال الدين ابن مالك.(13/170)
360 - قُثَم بْن طلحة بْن عليّ بْن أَبِي الغنائم، الشريف نقيب النقباء أبو القاسم ابن النّقيب أَبِي أَحْمَد الهاشميّ العبّاسيّ الزَّينبيّ. [المتوفى: 607 هـ]
كَانَ صدرًا مُعَظَّمًا، عالمًا بالنّسب والتّواريخ. سَمِعَ من أبي الفتح ابن البَطِّي، وأحمد بْن المقرّب، وتُوُفّي في سادس رجب ببغداد، وله سبع وخمسون سنة.(13/172)
361 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن قُدامة بْن مِقْدام بْن نصر، الإِمام القدوة الزّاهد، أَبُو عُمَر المقدسيّ الْجَمّاعيليّ، رحمة الله عَلَيْهِ. [المتوفى: 607 هـ]
قَالَ ابن أُخته الحافظ ضياء الدّين: مولده في سنة ثمان وعشرين وخمسمائة بجمَّاعيل، شاهدته بخطّ والده. سَمِعَ الكثير بدمشق من والده، ومن أَبِي المكارم عَبْد الواحد بن هلال، وأبي تميم سلمان بن علي الرحبي، وأبي الفهم عبد الرحمن ابن أَبِي العجائز الأزْديّ، وأبي نصر عَبْد الرَّحيم بْن عَبْد الخالق اليُوسُفيّ، وخلْق يطول ذِكرهم. وبمصر من عَبْد اللَّه بْن بَرّيّ النَّحْويّ، وإسماعيل بْن قاسم الزّيّات، وغيرهما.
قلت: روى عَنْهُ أخوه الشّيخ الموفّقُ، وولداه الشرف عَبْد الله، والشمس عَبْد الرَّحْمَن، والضّياء مُحَمَّد، والزّكيّ عبد العظيم، والشمس ابن خليل، والشهاب القوصي، والزين ابن عَبْد الدّائم، والفخر عليّ، وآخرون.
قَالَ الضّياء: بَابُ في اجتهاده: كَانَ لا يكادُ يسمع دعاءً إلّا حفِظه ودَعا بِهِ، ولا يسمع ذِكرَ صلاةٍ إلّا صَلَّاها، ولا يسمع حديثًا إلّا عَمِلَ بِهِ. وكان يُصلّي بالنّاس في نصف شعبان مائة ركعة وهو شيخ كبير، وكان أنشطَ الجماعة، وكان لا يترك قيامَ اللّيل من وقت شُبُوبِيته؛ سافرتُ معه إِلى الغزاة فأراد بعضُنا يسهر، ويحرسنا، فَقَالَ لَهُ الشيخ أَبُو عُمَر: نَم. وقام هُوَ يُصلّي. وكذا حدثني عنه أحمد [ص:173] ابن يونس المقدسيّ أَنَّهُ قام في سَفَرٍ يُصلّي ويحرسهم.
وسمعتُ آسية بنت مُحَمَّد، وهي الّتي كانت تُلازمه في مرضه، تَقُولُ: إنّه قلَّل الأكل قبلَ موته في مرضه حتّى عاد كالعود. وقالت: مات وهو عاقد عَلَى أصابعه، يعني يُسَبِّح، وسمعتُها تحدّث عَنْ زوجته أمّ عَبْد الرَّحْمَن، قالت: كَانَ يقوم باللّيل فإذا جاءه النّوم عنده قضيب يضرب بِه رِجله، فيذهب عَنْهُ النّوم، وكان كثيرَ الصّيام سَفَرًا وحَضَرًا.
وحدّثني ولده عَبْد الله: أَنَّهُ في آخر عمره سَردَ الصّوم، فلامه أهله، فَقَالَ: إنّما أصوم أغتنم أيّامي، لأنّي إنْ ضعفت، عجزت عَنِ الصّوم، وإنْ متَ، انقطع عملي. وكان لا يكاد يَسْمَعُ بجنازة إلّا حضرها قريبة أو بعيدة، ولا مريضاً إلا عاده، لا يكاد يسمع بجهاد إلّا خرج فيه. وكان يقرأ في كلّ ليلة سُبعًا من القرآن مرتّلًا في الصّلاة، ويقرأ في النّهار سُبعًا بين الظُّهر والعصر، وإذا صلّى الفجر وفرغ من الدّعاء والتّسبيح قرأ آياتِ الحرس وياسين والواقعة وتبارك، وكان قد كتب في ذَلِكَ كرّاسة وهي معلّقة في المحراب، ربّما قرأ فيها خوفًا من النُّعاس، ثُمَّ يُقرئ ويلقّن إِلى ارتفاع النّهار، ثُمَّ يُصلّي الضُّحي صلاةً طويلة.
وسمعتُ ولدَه أبا مُحَمَّد عَبْد الله يَقُولُ: كَانَ يسجد سجدتين طويلتين: إحداهما في اللّيل والأخرى في النّهار يُطيل فيهما السُّجود، ويُصلّي بعد أذان الظُّهر قبل سُنّتها في كلّ يومٍ ركعتين يقرأ في الأولى أول " المؤمنين "، وفي الثاني آخر " الفُرقان " من عقيْب سجدتها، وكان يُصلّي بين المغرب والعشاء أربع ركعات يقرأ فيهنّ " السجدة " و" ياسين " و" تبارك " و" الدخان "، ويُصلّي كلّ ليلة جمعة بين العشاءين صلاة التّسبيح ويُطيلها، ويصلّي يوم الجمعة ركعتين بمائة " {قل هو الله أحد} ". وحكى ولده عَنْ أهله: أَنَّهُ كَانَ يُصلّي في كل يوم وليلة اثنتين وسبعين ركعة نافلة.
ثُمَّ أورد عَنْهُ أورادًا كثيرة من الأذكار.
قَالَ الضّياء: وكان يزور المقابرَ كُلَّ جمعة بعد العصر، ولا يكاد يأتي إلّا ومعه شيء من الشّيح في مِئزره أو شيء من نبات الأرض، وكان يقرأ كلّ ليلة [ص:174] بعد عشاء الآخرة آيات الحَرسَ لا يكاد يتركُها. وسمعتُ أَنَّهُ كَانَ إذَا دخل منزله قرأ " آية الكرسيّ " وعَوَّذ بكلمات، وأشار بيده إِلى ما حوله من الدُّور والجبل يحوطها بذلك، ولا ينام إلّا عَلَى وضوء، وإنْ أحْدَثَ توضّأ، وإذا أوى إِلى فراشه قرأ " الحمد " و " آية الكرسيّ " و " الواقعة " و " تبارك " و " {قل يا أيّها الكافرون} "، وربّما قرأ " ياسين "، ويُسَبّح ثلاثًا وثلاثين، ويُحَمِّد ثلاثًا وثلاثين، ويُكَبِّر أربعًا وثلاثين، ويقول: " «اللّهمّ أسلمت نفسي إليك. . .» " الحديثَ، وغير ذَلِكَ، وكان يَقُولُ بين سُنَّة الفجر والفرض أربعين مرَّة: " يا حيُّ يا قَيومُ لَا إلّه إلَّا أنتَ ".
وسمعتُ آسية بنت مُحَمَّد ابنة بنته تَقُولُ: كَانَ سَيّدي لا يترك الغُسْلَ يوم الجمعة ولا يكاد يومئذ يخرج إلّا ومعه شيء يتصدّق بِهِ، رحمه الله تَعَالَى.
سَمِعْتُ خالي الإِمام موفّق الدّين يَقُولُ: لمّا قدِمْنا من أرضِ بيت المقدس كُنّا نتردّد مَعَ أخي نسمع درس القاضي ابن عصرون في الخلاف ثُمَّ إننا انقطعنا، فلقي القاضي لأخي يومًا، فَقَالَ: لِمَ انقطعت عَنِ الاشتغال؟ فَقَالَ لَهُ أخي: قَالُوا: إنّك أشعريّ. فَقَالَ: ما أَنَا أشعريّ، ولكن لو اشتغلت عليّ سنة ما كَانَ أحد يكون مثلك، أو قَالَ: كنت تصير إمامًا.
قَالَ الضّياء: وكان رحمه الله يحفظ الخِرَقيّ ويكتبه من حفظه. وكان قد جمع الله لَهُ معرفةَ الفقه والفرائض والنّحو، مَعَ الزُّهْد والعمل وقضاء حوائج النّاس. وكان يَحمل هَمَّ الأهل والأصحاب، ومن سافر منهم يتفقد أهاليهم، ويدعو للمسافرين، ويقوم بمصالح النّاس، وكان النّاس يأتون إِلَيْهِ في الخصومات والقضايا، فيُصلح بينهم، ويتفقّد الأشياءَ النّافعة كالنّهر، والمصانع والسّقاية، وكانت لَهُ هيبة في القلوب. وسألت عَنْهُ الإِمام موفّق الدّين، فَقَالَ فيه: أخي وشيخنا ربّانا وعَلَّمنا وحَرَصَ علينا، وكان للجماعة كوالدهم يَحْرَصُ عليهم، ويقوم بمصالحهم، ومن غاب عن أهله قام هُوَ بهم، وهو الّذي هاجر بنا، وهو الّذي سَفّرنا إِلى بغداد، وهو الّذي كَانَ يقوم في بناء الدَّير، وحين رجعنا من بغداد، زوَّجنا، وبنى لنا دُورنا الخارجة عَنِ الدَّير. وكان مُسارعًا إِلى الخروج في الغزوات قلّ ما يتخلّف عَنْ غزاة. سَمِعْتُ ولده أبا مُحَمَّد عَبْد الله يَقُولُ: إنّ الشيخ جاءته امرأة، فشكت إِلَيْهِ أنّ أخاها حُبِس، وأوذي، فسقط مغشِيًّا عَلَيْهِ. ولمّا جرى للحافظ عَبْد الغنيّ مَعَ أهل البِدَع وفعلوا ما فعلوا، جاءه [ص:175] الخبر، فخرّ مَغِشِيًّا عَلَيْهِ، فلم يُفِقْ إلّا بعد ساعة، وذلك لرقَّة قلبه وشدَّة اهتمامه بالدّين وأهله. وسمعتُ ولده يَقُولُ: إنّه كَانَ يؤثر بما عنده لأقاربه وغيرهم، وكان كثيرًا ما يتصدّق ببعض ثيابه، ويبقى مُعْوزًا ويكون بِجُبَّةٍ في الشّتاء بغير ثوب من تحتها يتصدّق بالتّحتانيّ، وكثيرًا من وقته بلا سراويل. وكانت عمامته قطعة بطانة، فإذا احتاج أحد إِلى خرقة أو مات صغيرٌ قطع منها لَهُ، ويلبس الخشن، وينام عَلَى الحصير، وربّما تَصَدَّق بالشّيء وأهله محتاجون إِلَيْهِ أكثر ممّن أخذه.
قَالَ الضّياء: وكان ثوبه إِلى نصف ساقه وكمّه إِلى رُسغه، سَمِعْتُ والدتي تَقُولُ: مكثنا زمانًا لا يأكل أهل الدّير إلّا من بيت أخي؛ تطبخ عمّتك ويأكل الرجال جميعًا والنّساء جميعًا.
قَالَ: وكان إذَا جاء شيء إِلى بيته، فرّقوه عَلَى الخاصّ والعامّ، وسمعت محمود بْن همام الفقيه يَقُولُ: سَمِعْتُ أبا عُمَر يَقُولُ: النّاس يقولون: لا علم إلا ما دخل مع صاحبه الحمّام. وأنا أقول: لا علمَ إلّا ما دخل مع صاحبه القبر. ومن كلامه: إذَا لم تتصدّقوا لم يتصدَّق أحدٌ عنكم، والسائل إن لم تعطوه أنتم أعطاه غيرُكم. وكان يُحبّ اللّبن إذَا صُفّي بخِرْقة، فعُمِل لَهُ مرة فلم يأكله، فقالوا لَهُ في ذَلِكَ، فَقَالَ: لحُبّي إيّاه تركتُه. ولم يذقه بعد ذَلِكَ.
سَمِعْتُ أبا العَبَّاس أَحْمَد بْن يونس بْن حسن، قَالَ: كُنّا نزولًا عَلَى بيت المقدس مَعَ الشّيخ أَبِي عُمَر وقتَ حصار المسلمين لها مَعَ صلاح الدّين، وكان لنا خيمة، وكان الشيخ أَبُو عُمَر قد مضى إِلى موضع، وجعل يُصلّي فيها في يومٍ حارّ. فجاء المَلِك العادل فنزل في خيمتنا، وسأل عَنِ الشيخ، فمضينا إِلى الشيخ وعرفناه، فقال: أيش أعمل به؟! ولم يجئ إِلَيْهِ فمضى إِلَيْهِ عُمَر بْن أَبِي بَكْر وألحَّ عَلَيْهِ، فَما جاء، وأطال العادل القعودَ، قَالَ: فرجعت إِلى الشيخ، فَقَالَ: أنْزَل لَهُ شيئًا، قَالَ: فوضعت لَهُ ولأصحابه أقراصًا كانت معنا فأكلوا وقعدوا زمانًا ولم يترك الشيخ صلاته، ولا جاء.
سَمِعْتُ أبا إِسْحَاق إِبْرَاهيم بْن مُحَمَّد بْن الأزهر يَقُولُ: ما رأيتُ أحدًا قطّ لَيْسَ عنده تكلُّف غير الشيخ أَبِي عُمَر.
سَمِعْتُ شيخنا أبا إِسْحَاق إِبْرَاهيم بْن عَبْد الواحد، قَالَ: سَمِعْتُ أخي [ص:176] الحافظ يَقُولُ: نحن إذَا جاء إنسان اشتغلنا بِهِ عَنْ عملنا، وأمّا خالي أَبُو عُمَر فيه للدّنيا وللآخرة يخالط النّاس وهو في أوراده لا يخليها.
سَمِعْتُ أبا أَحْمَد عَبْد الهادي بْن يوسف يَقُولُ: كَانَ الشيخ أَبُو عُمَر يقرأ بعضَ اللّيالي فربّما غشي عَلَى بعض النّاس من قراءته.
وأمّا خُطَبه، فكان إذا خطب تَرِقُ القلوبُ، ويبكي بعض النّاس بكاءً كثيرًا، وكان ربّما أنشأ الخطبة وخطب بها. وكان يُسَمِّعنا ويقرأ لنا قراءة سريعة من غير لحن. ولا يكاد أحد يقدم من رحلة إلّا قرأ عَلَيْهِ شيئًا من مسموعاته.
وكتب الكثيرَ بخطّه المليح من المصاحف والكتب مثل " الحلية " لأبي نعيم، و " الإبانة " لابن بطة، و " تفسير " البغوي، و " المغني " لأخيه. وسمعته يَقُولُ: ربّما كتبت في اليوم كرّاسين بالقطع الكبير. وكان يكتب لأهله المصاحفَ وللنّاسِ " الخِرَقيّ " بغير أجر.
وقد سَمِعْتُ أنّ النّاس كانوا يأتون إِلَيْهِ يقولون: اكتُبْ لنا إِلى فلان الأمير. فيقول: لا أعرفه. فيقال: إنّما نريد بركةَ رقعتك. فيكتب لهم فتُقْبَل رقعتُه. وكان يكتب كثيرًا إِلى المعتمد الوالي وإلى غيره، فَقَالَ لَهُ المعتمد: إنّك تكتب إلينا في قومٍ لا نريد أن نقبل فيهم شفاعة، ونشتهي أن لا نردّ رقعتك. فَقَالَ: أمّا أَنَا، فقد قضيتُ حاجتي، إنّي قضيتُ حاجة مَن قصدني، وأنتم إن أردتم أن تقبلوا رقعتي وإلّا فلا، فَقَالَ لَهُ: لا نردها، أو كما قَالَ.
وكان الناسُ قد احتاجوا إِلى المطر، فطلع إِلى مغارة الدَّم ومعه جماعة من محارمه النّساء، فصلّى بهن، ودعا في المطر حينئذ، وجرت الأدوية شيئًا لم نره من مُدَّة.
وسمعت أبا عَبْد الله بْن راجح يَقُولُ: كَانَ لِنور الدّين أخ استعان بالفرنج عَلَى أخيه، ونور الدّين مريض، فجاء الفرنج، فخرجنا مَعَ الشيخ أبي عُمَر إِلى مغارة الدّم وقرأنا عشرة آلاف مرة " {قل هو الله أحد} " و " {إنا أنزلناه في ليلة القدر} " ودعونا، فجاء مطر عظيم عَلَى الفرنج أشغلهم بنفوسهم ورَدُّوا.
سَمِعْتُ عَبْد الله بْن أَبِي عُمَر، حَدَّثَني ابن الصُّوريّ، صديق والدي، قَالَ: جئنا يومًا إِلى والدك ونحن جياع وكنّا ثلاثةً، فأخرج لنا سكرجة فيها لبن، [ص:177] وسكرجة فيها عسل وكُسَيْرات، فأكلنا وشبعنا، فنظرت إِلَيْهِ كأنّه لم ينقص.
قلتُ لخالي أَبِي عُمَر: أشتهي أن تهبني جزءًا بخطّك من الأجزاء الّتي سمعناها عَلَى أَبِي الفرج الثّقفيّ، فأرسل الأجزاء إليَّ، وقال لي: خذ لك منها جزءًا، واترك الباقي عندك، فأخذت جزءًا ورددتها، فبعدَ موته سألتُ عنها فَما وجدت بقي منها إلا جزء أو جزءان، فندمتُ إذ لم أسمع منه.
سَمِعْتُ الإمام مُحَمَّد بْن عُمَر بْن أَبِي بَكْر يَقُولُ: دعاني الشيخ أَبُو عُمَر ليلة، وكنت أخاف من ضرر الأكل، فابتدأني وقال: إذَا قرأ الإنسان قبل الأكل " {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إله إلا هو} " و " {لإيلاف قريش} " ثُمَّ أكل فإنه لا يَضُرُّه.
وسمعت الإمام أبا بَكْر بْن أَحْمَد بْن عُمَر البغداديّ، قَالَ: جاء الشيخ أَبُو عُمَر فَقَالَ: تمضي معي إِلى كفربطْنا، وكنت مشتغلًا بقراءة القرآن فقلت في نفسي: أمشي معه، فأشتغل عَنِ القراءة بالحديث في الطّريق، فلمّا خرجنا من البلد، قال: تعال أنا وأنت نقرأ حتّى لا نشغلك عَنِ القراءة.
سَمِعْتُ الإمام أبا بَكْر عَبْد الله بْن الحَسَن بْن الحسن ابن النّحّاس يَقُولُ: كَانَ والدي يحبّ الشيخ أبا عُمَر، فَقَالَ لي يوم جمعة: أَنَا أُصلّي الجمعة خلف الشيخ، ومذهبي أنّ " بسم الله الرَّحْمَن الرحيم " من الفاتحة، ومذهبه أنّها ليست من الفاتحة، وأخاف أن يكون في صلاتي نقص، فقلت لَهُ: اليوم قد ضاق الوقت، قال: فبعد هذا مضينا إِلى المسجد فوجدناه، فسَلّم عَلَى والدي وعانقه ثُمَّ قَالَ: يا أخي صلِّ وأنت طيّبُ القلب فإنّني ما تركت " بسم الله الرَّحْمَن الرحيم " في فريضةٍ ولا نافلةٍ مذ أَمَمْتُ بالنّاس. فالتفت إليَّ والدي، وقال: احفظْ.
سمعت أبا غالب مظفر بن أسعد ابن القلانسيّ، قَالَ: كَانَ والدي يُرسل إِلى الشيخ أَبِي عُمَر شيئًا كلّ سنة، فأرسل إليه مرَّة دينارين فردّهما، قَالَ: فضاق صدري، ثُمَّ فكّرتُ، فوجدتها من جهة غير طيبة، قَالَ: فبعث إليه غيرهما من جهة غير طيّبة، فقبلهما أو كما قَالَ.
حَدَّثَني أَبُو مُحَمَّد عَبْد الله بْن أَبِي عُمَر، قَالَ: حكت زوجته - يعني أمّ عَبْد الرَّحْمَن آمنه بنت أَبِي موسى - أنّها لم تحمل بولدٍ قطّ إلّا علمت من كلامه وحاله ما حَمْلُها من ذكر أو أنثى، فمرَّةً أتاه رجل بغنيمة هدية، فَقَالَ: هذه [ص:178] نتركها حتّى تِلدي ونشتري أخرى ونذبحها عقيقة. قالت: ويجيء لنا ابن؟ فضحك، فولد لَهُ بعد أيام ابنه سُلَيْمَان. وفي مرَّة أخرى حملتُ، فَقَالَ: كَانَ اسم أَبِي أَحْمَد ففي هذه النّوبة أُسمي ابْنَهُ أَحْمَد، فولدتُ لَهُ ابنَهُ أَحْمَد. ومرة أخرى حملتْ ورآها وهي تُخاصم بنتها، فَقَالَ: هذا حالك وهي واحدة، فكيف إذَا صارت اثنتين؟ فولَدَتْ بنتًا. وأمثال ذَلِكَ.
وسمعت أَحْمَد بْن عَبْد المَلِك بْن عُثْمَان، قَالَ: جاء أَبُو رضوان وآخر إِلى الشيخ أَبِي عُمَر، فقالا لَهُ: إن قُراجًا قد أخذ فلانًا وحبسه، فادعُ عَلَيْهِ، فباتا عند الشيخ، فلمّا كَانَ الغد، قَالَ: قُضِيَتْ حاجتكم، فلمّا كَانَ بعد ساعة إذَا جنازة قُراجا عابرة.
سَمِعْتُ أبا مُحَمَّد عَبْد الرّزّاق بْن هبة الله بْن كتائب، قَالَ: سَمِعْتُ رجلًا صالحًا يَقُولُ: أقام الشيخ أَبُو عُمَر قطبًا ستّ سنين. ثُمَّ ذكر الضّياء حكايتين في أنّ أبا عُمَر صار القُطبَ في أواخر عمره، وقال: سمعتُ أبا بَكْر بْن أَحْمَد بْن عُمَر المقرئ يَقُولُ: إنه رأى رجلًا من اليمن بمكة، فذكر أنّهم يستسقون بالشيخ أَبِي عُمَر وأنّه من السبعة، أو كما قَالَ.
سَمِعْتُ الزاهد أَحْمَد بْن سلامة النجار، قال: حدثنا الفقيه عبد الرزاق ابن أَبِي الفهم: أنّ رجلًا مغربيًّا جاء إِلى دمشق، فسأل عَنْ جبل قاسيون، فدُلّ عَلَيْهِ، فجاء إِلى الشيخ أَبِي عُمَر، فَقَالَ: ما قدمتُ من الغرب إلّا لزيارتك وأنا عائد إِلى الغرب، فقيل لَهُ: أيشٍ السبب؟ فامتنع فألحّوا عَلَيْهِ، فَقَالَ: كَانَ لي شيخ بالمغرب لا يخرج إلّا لصلاةٍ ثُمَّ يعود إِلى البيت، فسألتُ عَنْهُ بعض اللّيالي فقيل: لَيْسَ هُوَ هنا، فلمّا أصبحتُ، قلت: أين كنت البارحة، قَالَ: إنّ الشيخ محمدًا بجبل قاسيون أُعطي القطابة، فمشينا إِلى تهنئته البارحة. أو ما هذا معناه.
ثُمَّ ذكر الضّياء حكايتين أيضاً في أنه قطب، ثُمَّ قَالَ: فحكيتُ لأبي مُحَمَّد عَبْد الله بْن أَبِي عُمَر شيئًا من هذا، فَقَالَ: جاء إِلى والدي جماعة من المشايخ فاستأذنوا عَلَيْهِ، وسلّموا عَلَيْهِ، ثُمَّ خرجوا، ثُمَّ جماعة آخرون، ووصفَ كثرة مَن جاء إِلَيْهِ في ذَلِكَ اليوم، فقلت لَهُ: تعرفهم؟ فَقَالَ: لا، وأنا أتفكرّ إِلى اليوم في كثرتهم، يعني فكأنّه أشار إِلى أَنَّهُ قطب ذَلِكَ الوقت. كَانَ أَبُو عُمَر - رحمه [ص:179] الله - لا يكاد يسمع بشيء لا يجوز قد عُمِلَ إلّا اجتهد في تغييره، وإنْ كَانَ بعض الملوك قد فعله، كتب إِلَيْهِ؛ حتّى سمعنا عَنْ بعض ملوك الشام قَالَ: هذا الشيخ شريكي في ملكي، أو كما قال. وكان له هيبة حتّى إنْ كَانَ أحدنا ليشتهي أن يسأله عَنْ شيء فَما يَجسُر أن يسأله، وإذا دخل المسجد، سكتوا وخفضوا أصواتهم، وإذا عَبَر في طريق والصّبيان يلعبون هربوا، وإذا أمَرَ بشيءٍ لا يجسر أحد أن يخالفه. وسمعت خالي موفّق الدّين بعد موته يَقُولُ: كَانَ أخي يكفينا أشياء كثيرة ما نقوي لما يفعل. وكان الله قد وضع للشيخ المحبَّة في قلوب الخَلْق. وكان لَيْسَ بالطّويل ولا بالقصير، أزرق العينين وليس بالكثير، يميل إلى الشقرة، عاليَ الجبهة، حسنَ الثَّغْرِ، صبيحَ الوجه، كثَّ اللّحية، نحيفَ الجسم، أول زوجاته عمّتي فاطمة، وكانت أسنّ منه كَبِرَتْ وأُقعدت وماتت قبله بأعوام، وولدت لَهُ عُمَر، وخديجة، وآمنة، وأولادًا غيرهم ماتوا صغارًا. وتزوَّج عليها طاووس، امرأة من بيت المقدس، وولدت ابنتين، فماتت هي وبناتها في حياته. ثُمَّ تزوج فاطمة الدّمشقيَّة فولدت لَهُ عَبْد الله، وزينب، وماتت قبل أمّ عُمَر. ثُمَّ تزوَّج آمنة بنت أَبِي موسى فولدت لَهُ جماعةً كبر منهم أَحْمَد، وعبد الرَّحْمَن، وعائشة، وحبيبة، وخديجة الصُّغرى.
ومن شِعره:
ألمْ يَكُ مَنْهَاة عَن الزَّهْوِ أَنَّني ... بَدَا لِي شَيْبُ الرَّأْس والضَّعْفُ والأَلَمْ
ألمَّ بي الخَطْبُ الَّذي لَوْ بَكَيْتُه ... حَيَاتِي حَتَّى ينفذ الدَّمعُ لم أُلَمْ
وله مَرْثيَّة في ابنه عُمَر. وله هذه الأرجوزة، وهي طويلة فمنها:
إنِّي أقُولُ فَاسْمَعُوا بياني ... يا مَعْشَرَ الأصْحَابِ والإِخْوَانِ
أُوصِيكُم بالعَدْلِ والإِحْسَانِ ... والبِرِّ والتَّقْوى مَعَ الإِيمَانِ
فَاسْتَمْسِكُوا بَطَاعةِ الرِّحْمن ... واجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ
سَمِعْتُ آسيةَ بنت مُحَمَّد بْن خَلَف تَقُولُ: لمّا كَانَ اليوم الّذي تُوُفّي فيه سيدي؛ وصانا فيه، واستقبل القبلة وقال: اقرؤوا " ياسين "، وكان يَقُولُ: " {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إلا وأنتم مسلمون} " اللّهم ثبّتكم عَلَى الكتاب والسُّنَّة.
وسمعت أهلنا يقولون: إن الماء الذي كَانَ يخرج من تغسيله من السّدْر [ص:180] وغيره نَشَّفَهُ النّاس في خِرقهم ومقانعهم.
وسمعت أبا إِسْحَاق إِبْرَاهيم بْن مُحَمَّد بْن الأزهر غير مرَّةٍ يَقُولُ: حزرتُ مَن حضر جنازة الشيخ أَبِي عُمَر عشرين ألفًا.
وسمعت مُحَمَّد بْن طَرْخان بْن أَبِي الحَسَن الدّمشقيّ ومسعود بْن أَبِي بَكْر المقدسيّ، أنّ عَبْد الوليّ بْن مُحَمَّد حدّثهم: أَنَّهُ كَانَ يقرأ عند قبر الشيخ أبي عمر سورة البقرة، وكان وحده، فبلغ إلى " {بقرة لا فارض ولا بكر} " قال: فقلت: " لا ذلول " يعني غلط، قَالَ: فَرَدّ عليَّ الشيخ أَبُو عُمَر من القبر، قَالَ: فخفتُ وفزعتُ وارتعدتُ وقمت. وهذا لفظ حكاية مُحَمَّد بْن طَرخان عن ولده عبد الولي. قَالَ والده: وبقي بعد ذَلِكَ أيامًا ثُمَّ مات. وهذه الحكاية مشتهرة.
سَمِعَت عليّ بْن ملاعب العراقي المؤدب، قال: قرأت سورة الكهف عند قبر الشيخ أَبِي عُمَر، فسمعته من القبر يَقُولُ: " لا إله إلا الله ".
ثُمَّ ذكر الشيخ الضّياء بابًا في زيارة قبره، فذكر في ذَلِكَ ثلاثة منامات، ثُمَّ ذكر منامات رُئيت لَهُ بعد موته، ثُمَّ ذكر قصيدة ابن سعد يرثيه بها وهي أربعة وثلاثون بيتًا، ثُمَّ أخرى لَهُ اثنا عشر بيتًا، ثُمَّ قصيدة لأبي الفضل أَحْمَد بْن أسعد بْن أَحْمَد المزدقانيّ ستة وثلاثون بيتًا. وقال: تُوُفّي عشيَّة الاثنين من الثّامن والعشرين من ربيع الأول.
وقال أبو المظفّر الواعظ: حَدَّثَني الزّاهد أَبُو عُمَر، قَالَ: هاجرنا من بلادنا، ونزلنا بمسجد أَبِي صالح بظاهر باب شرقي، فأقمنا بِهِ مدَّة ثُمَّ انتقلنا إِلى الجبل، فَقَالَ الناس: الصالحية الصالحية! ينسبونا إِلى مسجد أَبِي صالح لا أنّنا صالحون، ولم يكن بالجبل عمارة إلّا دير الحورانيّ وأماكن يسيرة. [ص:181]
قَالَ أَبُو المظفّر: كَانَ معتدّل القامة، حسنّ الوجه، عَلَيْهِ أنوار العبادة، لا يزال متبسِّمًا، نحيلَ الجسم من كثرة الصّلاة والصيام. صلّيت الجمعة في سنة ستٍّ والشيخ عَبْد الله اليونينيّ إِلى جانبي فلمّا كَانَ في آخر الخطبة والشيخ أَبُو عُمَر يخطب نهض الشيخ عَبْد الله مُسرعًا وصعد إِلى مغارة توبة، وكان نازلًا بها، فظننتُ أَنَّهُ احتاج إِلى وضوء أو آلمه شيء، فصلّيت وطلعت وراءه وقلت لَهُ: خير ما الّذي أصابك؟ فَقَالَ: هذا أَبُو عُمَر ما تحلّ خلفه صلاة؛ يَقُولُ عَلَى المنبر المَلِك العادل وهو ظالم فَما يَصْدُق. قلت: إذَا كانت الصّلاة خلفه لا تصحّ فخلف مَنْ تَصِحّ؟ فبينا نحن في الحديث إذ دخل الشيخ وسَلّم وحل مئزره وفيه رغيف وخيارتان، فكسر الجميع، وقال: بسم الله الصّلاة، ثُمَّ قَالَ ابتداءً: قد روي في الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «وُلِدْتُ في زَمَنِ الملِكِ العادِلِ كِسْرى» ". فنظر إليَّ الشيخ عَبْد الله وتبسّم وأكل وقام الشيخ أَبُو عُمَر فنزل، فقال لي الشيخ عبد الله: ماذا إلّا رَجُل صالح.
قَالَ أَبُو المظفّر: وأصابني قولنج فدخل عليّ أَبُو عُمَر وبيده خَرُّوب مدقوق فَقَالَ: استفّ هذا، وعندي جماعة، فقالوا: هذا يزيد القولنج ويضرّه، فَما التفتُّ إِلى قولهم، وأكلته، فبرأت في الحال. وقلت لَهُ يومًا - وما كَانَ يردّ أحدًا في شفاعة - وقد كتب رقعة إِلى المَلِك المُعَظَّم: كيف تكتب هذا والملك المُعَظَّم عَلَى الحقيقة هُوَ الله؟ فتبسم ورمى إليَّ الورقة، وقال: تأمّلها، وإذا قد كتب المعَظِّم وكسر الظّاء، فعجبت من ورعه.
قلت: وفي هذا ومثله إنّما يُلحظ العَلَمِيَّة لا الصّفة مثل: عليّ، ورافع، والحكم، مَعَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يرخّص في التّسمية لما قَلَّ استعماله في [ص:182] العَلَمِيَّة إذَا لُمح فيه النعتُ مثل: برة، أمّا إذَا شاع استعماله وغلب، فلا يسبق إِلى الذّهن إلّا العَلَمية.
وقال الإمام أَبُو شامة: أوّل ما زرتُ قبره - يعني أبا عُمَر - وجدت بتوفيق الله رقَّة عظيمة وبكاء، وكان معي رفيق فوجد مثل ذَلِكَ. قَالَ: وأخبرني بعضُ الثّقات أنه رأى الإِمام الشّافعيّ في المنام فسأله: إِلى أين تمضي؟ قَالَ: أزور أَحْمَد بْن حنبل، قَالَ: فاتّبعتُه أنظر ما يصنع، فدخل دارًا فسألت: لمن هي؟ فقيل: للشيخ أَبِي عُمَر، رحمه الله.
قلت: وله آثار حميدة، منها مدرسته بالجبل وهي وقف عَلَى القرآن والفقه، وقد حفظ فيها القرآن أمم لا يحصيهم إلّا الله.
ومن أولاده: الخطيب الإِمام شرف الدّين عَبْد الله خطبَ بالجامع المظفّريّ مدَّة طويلة، وهو والد الإمامين؛ العلّامة الزاهد العابد العزّ إِبْرَاهيم بْن عَبْد الله، وفي أولاده علماء وصلحاء، وقاضي القضاة شرف الدّين حسن بْن عَبْد الله.
ومن أحفاده: الجمال أبو حمزة أَحْمَد بْن عُمَر ابن الشّيْخ أَبِي عُمَر وهو جدّ شيخنا شيخ الجبل، وقاضي القضاة ومُسند الشّام تقيّ الدّين سُلَيْمَان بْن حمزة. وآخر مَن مات من أولاد الشيخ - رحمه الله - ولده الإِمام العلّامة شيخ الإِسلام شمس الدّين أَبُو الفَرَج، رَضِيَ الله عنهم أجمعين وأثابهم الجنَّة.(13/172)
362 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن سُلَيْمَان بْن حَوْط الله، أَبُو القَاسِم الأنصاريّ. [المتوفى: 607 هـ]
سَمِعَ أَبَاهُ ومات شابًّا.(13/182)
363 - مُحَمَّد بْن هِبة الله بْن كامل، أَبُو الفَرَج البغدادي الوكيل عند القضاة. [المتوفى: 607 هـ]
وكان ماهرًا في الحكومات، لَهُ القبول والشهرة، وُلِدَ سنة اثنتين وعشرين وخمس مائة، وأجاز لَهُ أَبُو القَاسِم بْن الحُصَيْن. وسَمِعَ من أَبِيهِ، وأبي غالب [ص:183] أَحْمَد بْن البَنَّاء، وأبي القَاسِم هِبة الله بْن عَبْد الله الشُّرُوطيّ، وأبي منصور بْن خيرون، وبدر بْن عَبْد الله الشِّيحِيّ.
وعُمِّر، وروى الكثيرَ؛ روى عَنْهُ أَبُو عَبْد الله الدُّبَيْثِيّ، والضّياءُ الحنبليّ، والتّقيّ اليّلْدانيّ، والعز عَبْد العزيز ابن الصَّيْقَلِ، وآخرون. وأجاز للفخر عليّ، ولأحمد بْن شيبان، وللكمال عَبْد الرَّحْمَن المُكَبِّر، وتُوُفّي في خامس رجب.(13/182)
364 - مُحَمَّد بْن هِبة الله بْن حُسين، أَبُو منصور التّميميّ الكوفيّ. [المتوفى: 607 هـ]
سَمِعَ أبا الحَسَن بْن غبرة، وأحمد بْن ناقة، ومات في خامس صفر.(13/183)
365 - المبارك بْن أنُوشتكين، أَبُو القَاسِم النَّجْمِيّ البغدادي العدل. [المتوفى: 607 هـ]
سمع أبا المظفر محمد ابن التريكي، وأبا محمد ابن المادح. وأخذ العربية عن أبي محمد ابن الخشاب، وأبي الحسن ابن العَصّار، وكان أديبًا فاضلًا حسن الطّريقة.
تُوُفّي في صفر.(13/183)
366 - المبارك بْن صَدَقة بْن حُسَيْن، أبو بكر ابن الباخَرزيّ المقرئ البغداديّ. [المتوفى: 607 هـ]
قرأ القراءات عَلَى أَبِي المعالي ابن السّمين. وسَمِعَ من أَبِي الفضل الأُرْمَوي، وأبي الفتح الكُرُوخيّ. روى عَنْهُ الدُّبَيْثِيّ، والضّياء، وغيرهما.
وباخَرْز: اسم لناحية من أعمال نيسابور.
تُوُفّي في جُمادي الآخرة.
كَانَ حَيْسُوبًا.(13/183)
367 - محمود بْن مُحَمَّد بْن الحَسَن بْن عَبْد الباقي، أَبُو الفضل البغدادي الكَوّاز. [المتوفى: 607 هـ]
شيخ صالح. روى عَنْ ابن ناصر، وغيره. روى عنه بعضهم، قَالَ: [ص:184] حَدَّثَنَا عليّ بْن هبة الله بْن زهمُويه الأزجي، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو نصر الزّينبيّ، فذكر حديثًا.
تُوُفّي في ربيع الأوّل.(13/183)
368 - المُسَلّم بْن حمّاد بْن محفوظ بْن ميسرة، الأمين المرتضى عفيف الدّين أَبُو الغنائم الأزْدي الدّمشقيّ. [المتوفى: 607 هـ]
أحد العدول المعتبرين. سمع من الوزير الفلكي، والحافظ ابن عساكر فأكثر. وحدث " بصحيح البخاري "؛ روى عنه الشهاب القُوصيّ، والزّكيّ البِرْزاليّ. تُوُفّي فِي ربيع الآخر عَنْ أربعٍ وسبعين سَنَة.
وهو جدُّ المحدّث مجد الدين ابن الحلوانية.(13/184)
369 - المطهّر بْن أَبِي بَكْر بْن الحَسَن، أبو روح البيهقي الصوفي، [المتوفى: 607 هـ]
نزيل القاهرة.
وكان صالحاً متواضعاً، إمام مسجد.
تُوُفّي بطريق مكَّة راجعًا. سَمِعَ أبا الأسعد هبة الرحمن ابن القُشَيْريّ، وأبا بَكْر مُحَمَّد بْن عليّ الطّوسيّ، وأبا طاهر السِّلَفي، ووُلد سنة خمسٍ وثلاثين وخمس مائة. روى عَنْهُ الزّكيّ المنذريّ، والكمال عليّ بْن شجاع الضّرير، وجماعة.
تُوُفّي في صفر.
وأجاز لابن مَسْدِي.(13/184)
370 - المظفّر بْن أَبِي مُحَمَّد بْن شاشير، أَبُو منصور الواعظ. [المتوفى: 607 هـ]
كَانَ يَعِظ في الأعْزِيَة، وفي تُرَب الرُّصافة من بغداد. وحدّث عَنْ أَبِي الوقت السِّجْزِيّ.
وكان ظريفًا مطبوعًا ماجنًا؛ قام إِلَيْهِ رَجُل فَقَالَ: أَنَا مريض جائع، فَقَالَ: نيك وقد تعافيت. ومَرّ يومًا عَلَى لَحّام وعنده لحم هزيل وهو ينادي: يا مَنْ حلفت لا يُغْبنُ، فَقَالَ: حتّى تَحْنِثَه. وقال: خرجتُ إِلى بَعقُوبا فتكلمت في جامعها، فَقَالَ واحد: عندي نِصْفِيَّة للشيخ، وقال آخر: عندي نِصْفِيَّة، إِلى أن عَدُّوا خمسين نصفية، فقلت في نفسي: استغنيت! فلمّا أصبحنا إذَا في زاوية [ص:185] المسجد كارة شعير، فَقَالَ لي واحد: النّصفيَّة كيل شعير. وجلستُ يومًا بباجسرا فجمعوا شيئًا ما علمتُ ما هُوَ، فأصبحنا وإذا في جانب المسجد صوف وقرون جاموس، فقام واحد ينادي: مَن يشتري صوف الشيخ وقرونه! فقلت: ردّوا صوفكم وقرونكم لا حاجة لي فيه.
تُوُفّي ببغداد في رجب عَنْ نَيِّفٍ وثمانين سنة.(13/184)
371 - مظفرُ بْن إِبْرَاهيم بْن مُحَمَّد، أَبُو منصور ابن البَرْني، الحربيّ القارئ. [المتوفى: 607 هـ]
حدّث عَنْ جدِّه لأمّه عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ بْن الأشقر، وأبي الحسين محمد بن محمد ابن الفرّاء، وكان سماعُه صحيحًا. وذكر أَنَّهُ سَمِعَ من القاضي أَبِي بَكْر. روى عَنْهُ الدُّبَيْثِيّ، والضّياء المقدسي، وابنُ خليل، وآخرون. وهو آخر مَن حَدَّثَ عَنِ ابن الفرّاء. وأجاز للشيخ شمسِ الدّين عَبْد الرَّحْمَن، وللفخر عليّ، وتُوُفّي في الحادي والعشرين من شوّال. وكان مولده في سنة خمس عشرة وخمس مائة.
وهو والد إِبْرَاهيم، وقد مَرَّ أخوه ذاكر الله في سنة إحدى وستّمائة. أسنّ هذا.(13/185)
372 - معالي بْن أَبِي بَكْر بْن صالح، أَبُو الخير الأزجي الدقاق. [المتوفى: 607 هـ]
سمع سعيد ابن البناء. وتوفي في ربيع الأول.(13/185)
373 - نصر الله بْن أَبِي نوح الحَسَن بْن عَبْد الله، أَبُو الفتح المصريّ. [المتوفى: 607 هـ][ص:186]
شيخ فاضل، سَمِعَ من أَبِي طاهر السِّلَفيّ، وحدَّث عَنْهُ في هذه السنة بدمشق بالصّالحيَّة. روى عَنْهُ الشيخ شمس الدّين، والفخر عليّ، وغيرهما.(13/185)
374 - هِبة الله بْن سلامة بْن المُسَلَّم، القاضي أَبُو الفضائل أمين الدّولة اللَّخْميّ المصريّ الشّافعيّ، [المتوفى: 607 هـ]
والد بهاء الدين علي أَبن بنت الْجُمَّيزيّ.
تُوُفّي في شوّال بمصر، وقد سَمِعَ مَعَ ابنه من شُهْدة، والسِّلَفيّ، وجماعة.(13/186)
375 - يَحْيَى بْن المظفّر بْن عليّ بْن نُعَيم، أَبُو زكريّا البدريّ. [المتوفى: 607 هـ]
من محلَّة البدرية ببغداد. سَمِعَ ابن ناصر، وأبا الوَقْت، ومات في ذي الحجَّة.(13/186)
376 - يَحْيَى بْن أَبِي الفتح بْن عمر ابن الطّبّاخ، أَبُو زكريّا الضّرير الفقيه. [المتوفى: 607 هـ]
تُوُفّي بحرَّان. وقد تفقّه ببغداد. وسَمِعَ من أَبِي مُحَمَّد ابن الخشّاب، وشُهْدَة، وأبي الحُسَيْن عَبْد الحقّ. وقرأ بواسط القراءاتِ، وسَمِعَ من أَبِي طالب الكَتّانيّ، وحَدَّثَ.(13/186)
377 - يُلدق، مخلص الدّين المُعظّميّ الأمير. [المتوفى: 607 هـ]
تُوُفّي بدمشق.(13/186)
-وفيها وُلِد من الكبار:
الشّمس مُحَمَّد ابن الكمال، في ذي الحجَّة. والسيف عَبْد الرَّحْمَن بْن محفوظ الرسْعَنيّ، والشمس مُحَمَّد بْن يَحْيَى بن علي بن عون الدين ابن هبيرة، والوجيه منصور بن سليم ابن العماديَّة الإِسكندريّ، والنّفيس هبة الله بْن مُحَمَّد بْن جرير الزَّبدانيّ، والمعين عليّ بْن أَبِي العَبَّاس، نائب الحكم بالإسكندرية، وناصر الدّين مُحَمَّد بْن عرب شاه المحدّث، ومهلهل الشَّقْراويّ، شيخ رَوى عَنِ الموفق، والسيف أَبُو بَكْر بردويل بْن إسْمَاعيل بْن بردويل الفرّاء بدمشق(13/186)
-سنة ثمان وستمائة(13/187)
378 - أَحْمَد بْن الْحَسَن بْن أَبِي البقاء بْن الْحَسَن، أَبُو العَبَّاس العَاقُوليّ البغداديّ المقرئ. [المتوفى: 608 هـ]
وُلِد يوم عاشوراء سنة ستٍّ وعشرين وخمس مائة، وقرأ القراءاتِ عَلَى أَبِي الكَرَم الشَّهرُزوريّ، وغيره. وسَمِعَ بإفادة أخيه من أَبِي منصور القزّاز، وأبي منصور ابن خيرون، وأبي الْحَسَن بْن عَبْد السلام، وأبي سعد أَحْمَد بْن مُحَمَّد البغداديّ.
وروى الكثيرَ، وأقرأ النّاس، وعَجَزَ قبل موته، وانقطع. وكان صدوقًا، قانعًا، متعفّفًا، حَسَنَ الأخلاقِ، طَيِّبَ الصّوتِ بالقرآن. روى عَنْهُ الدُّبيثيّ، والضّياء، وابن عَبْد الدّائم، والنّجيبُ عَبْد اللّطيف، وجماعة. وتُوُفّي يوم التّروية، وآخر من روى عَنْهُ بالإِجازة الكمال عَبْد الرَّحْمَن المكبِّر.
قَالَ ابنُ نُقْطَة: يلقّب بالبَطِي - بتخفيف الطّاء - صحيح القراءات والسّماع.(13/187)
379 - أَحْمَد بْن عَبْد السّخيّ العُمَريّ الواسطيّ. [المتوفى: 608 هـ]
سَمِعَ أبا الفتح بْن شاتيل. وقَدِم دمشق، وحَدَّثَ بها في سنة ثمانٍ هذه؛ سَمِعَ منه النّجيبُ الصَّفَّار.(13/187)
380 - أَحْمَد بْن عَبْد الودود بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ، أَبُو القَاسِم بْن سَمَجون الهلاليّ الأندلسيّ المُنكَّبِيّ القاضي. [المتوفى: 608 هـ]
سَمِعَ أَبَاهُ، وأبا بكر ابن الخلوف. وأجاز له أبو بكر ابن العربيّ وغيرهُ. وخطب بجامع قرطبة.
قَالَ الأبّار: وكان فقيهًا، ديِّنًا، ناظمًا ناثرًا، بارعَ الخطّ، واسع الحظ [ص:188] مِن العلم. حدَّثَ عَنْهُ جماعة، وفاتني السماع منه. وتُوُفّي فُجاءةً بغَرناطة في ربيع الآخر، وله ثمانون سنة.
قَالَ ابْن مَسْدي: كَانَ أحدَ أعيان الأندلس عِلمًا وحَسَبًا، وعَيْن المُتَمَيِّزين فضلًا وأدبًا، فاقَ الأقران نَظْمًا ونَثْرًا، وطار خَبَرًا وخُبْرًا، وكانت الرِّحْلَة إِلَيْهِ. وهو آخِرُ مَنْ روى بالسّماع عَنْ يَحْيَى بْن الخَلُوف المقرئ. سَمِعْتُ منه بعضَ " صحيح " مُسْلم، ومات ببلدته المُنكَّب في رابع جُمادي الآخرة سنة سبع.
كذا أرخه الحافظ ابن مَسديَ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد، قَالَ: أَخْبَرَنَا يحيى سنة إحدى وأربعين، قال: أخبرنا الطبري بمكة، قال: أخبرنا عبد الغافر الفارسيّ، من " مُسْلم ".(13/187)
381 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه، أَبُو بَكْر الفارفانيّ الأصبهانيّ الأعرج، [المتوفى: 608 هـ]
ابن أخي عفيفة.
روى عَنْ إسْمَاعيل الحمّاميّ، وعاش نيِّفًا وستّين سنة.
سَمِعَ منه الضّياءُ المقدسي، وقال: لم يكن مَرْضيًّا. تُوُفّي في رمضان.(13/188)
382 - إِبْرَاهيمُ بْن مُحَمَّد بْن فارس بْن شاكلة، أَبُو إِسْحَاق السُّلميّ الذَّكْوانيّ الصّعيديّ الأسود. [المتوفى: 608 هـ]
سكن مَرَّاكُشَ، ودخل الأندلسَ، وكان شاعرًا مُحْسنًا ذكيًّا. أقرأ " المقامات " تَفَهّمًا.
تُوُفّي في هذه السنة أُو سنة تسعٍ.(13/188)
383 - أسياه مير بْن مُحَمَّد بْن نعمان، أَبُو عَبْد الله الجيليّ الحنبليّ. [المتوفى: 608 هـ]
تفقّه عَلَى الشيخِ عَبْد القادر. وحدث عن أبي محمد ابن المادح، وغيره.(13/188)
384 - بزغُش، الأمير صارم الدّين العادليّ. [المتوفى: 608 هـ]
تُوُفّي بدمشق، وله تربة غربي جامع الجبل.(13/188)
385 - جهاركس، الأمير الكبير فخر الدّين الصّلاحيّ. [المتوفى: 608 هـ]
أعطاه العادل بانياس وتِبْنِين والشَّقِيف فأقام بها مُدَّة، وتُوُفّي في رجب، ودُفِنَ بتربته بسفح قاسيون. وأقرّ العادلُ ولدَهُ عَلَى ما كَانَ لأبيه، ثُمَّ لم تَطُلْ حياتُه بعدَ أَبِيهِ.
وله بالقاهرة قَيساريَّة مشهورة كُبرى. وكان أكبر مَن بقي من أمراء صلاح الدّين وابنه المَلِك العزيز.
وقيل: مات في سنة سبع.(13/189)
386 - الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن حَمْدُون، أَبُو سعد البغداديّ الكاتب المنشئ. [المتوفى: 608 هـ]
ولد سنة سبع وأربعين وخمس مائة، وسمع الكثيرَ من والده أَبِي المعالي بْن حَمْدُون، وأبي جَعْفَر أَحْمَد بْن مُحَمَّد العبّاسيّ، وابن البَطِّيّ، وجماعة. وكتب بخطّه الكثيرَ، وجمعَ فوائدَ.
وبيتُه مشهور بالكتابة والرياسة ببغداد، وهو ابن مُصَنّف " التّذكرة "، وجدُّه أَبُو سعد هُوَ أحدُ الكُتاب النُّبلاء لَهُ تصنيفٌ في معرفة الأعمال والتَّصرُّف.
وكان تاجُ الدّين أَبُو سعد فاضلًا بارعًا، مُغْرًى بجمع الكتب، وَليَ المارستان العضُديّ، وتأدب على ابن العصار.(13/189)
387 - الحسين ابن العلّامة أَبِي مُحَمَّد عَبْد السّلام بْن عتيق السَّفاقُسيّ، الفقيه أَبُو عليّ. [المتوفى: 608 هـ]
روى عَنْ أَبِي محمد العثماني. وتوفي في ربيع الأول.(13/189)
388 - خُسْروشاه بْن قليج، [المتوفى: 608 هـ]
صاحب الروم. [ص:190]
فيها تُوُفّي؛ قاله أَبُو شامة.(13/189)
389 - الخَضِرُ بْن عليّ بْن مُحَمَّد الإِربليّ [المتوفى: 608 هـ]
المجاور بمكَّة.
روى عن نصر بْن نصر العُكْبَري.(13/190)
390 - الخضر بْن كامل بْن سالم بْن سُبَيْع، أَبُو العَبَّاس الدّمشقيّ السُّرُوجيّ الخاتونيّ الدّلّال المعَبّر. [المتوفى: 608 هـ]
وُلِد في رمضان سنة ثلاثٍ وعشرين وخمس مائة،
وَسَمِعَ مِنْ: الفقيه نصر اللَّه المصّيصيّ، وأبي الدُّرّ ياقوت الُّروميّ. وقَدِمَ بغداد مَعَ أَبِيهِ، فَسَمِعَ من الحُسَيْن بْن عليّ سبط الخَيّاط، وطال عمره، روى الكثير؛
روى عنه ابن خليل، والضّياء، والزّكيّ البرزاليّ، والزّكيّ المنذريّ، والشّهاب القُوصيّ، والتّقيّ اليَلْدانيّ، والفخر عليّ، وآخرون، وتُوُفّي في الثاني والعشرين من شوال.(13/190)
391 - رِضوان بْن رفاعة بْن غارات المَصْرِيّ الشّارعيّ المقرئ الشافعيّ. [المتوفى: 608 هـ]
سَمِعَ مُحَمَّد بْن رسلان، ومحمد بن أحمد ابن البّناء. وكان مشهورًا بالورع والصّلاح.
تُوُفّي في صفر.
وكان يَؤُمُّ بمسجد سعدِ الدّولة بقلعة الجبل.(13/190)
392 - شُكر بْن صَبْرة بْن سلامة بْن حامد، أبو الثّناء السُّلَميّ العَوْفي، الإِسكندرانيّ المقرئ. [المتوفى: 608 هـ]
قرأ القراءاتِ عَلَى اليسَع بْن حَزْم الغافقيّ، وسَمِعَ مِن السِّلَفيّ، وجماعة، [ص:191] وأقرأ النّاسَ مدَّةً؛ وكان بارعًا في القراءات مُجَوِّدًا، عارفًا بالأنساب، قديمَ المولد.
تُوُفّي بالإِسكندرية في سادس ربيع الأول.(13/190)
393 - صدقةُ بْن عليّ بْن صدقة، أَبُو مُحَمَّد الأزَجيّ الكَيَّال. [المتوفى: 608 هـ]
سَمِعَ من أَبِي الوقت، وأبي جَعْفَر أَحْمَد بْن مُحَمَّد العبّاسيّ، وغيرهما. تُوُفّي في ذي الحجة.(13/191)
394 - عَبْد الجليل بْن موسى بْن عَبْد الجليل القصريّ، الإِمام القُدوة شيخ الإسلام أَبُو مُحَمَّد الأنصاريّ الأوسيّ الأندلسيّ القُرطُبيّ. [المتوفى: 608 هـ]
وشُهِرَ بالقصريّ لنزوله قصَر عَبْد الكريم، وهو قصر كُتامة.
حمل " الموطأ " عَنْ أَبِي الحَسَن بْن حُنَيْن الكِنانِيّ محدّث فاس. وصَحِبَ الشيخ أبا الحَسَن بْن غالب الزّاهد بالقصر ولازمه، وكان رأسًا في العلم والعمل، منقطعَ القرين، فارغًا عَنِ الدّنيا. صَنَّف " التّفسير " وشَرَحَ الأسماء الحُسْنى. وله كتاب " شُعَب الإِيمان " وكلامه في العرفان بديع مُقَيَّدٌ بظواهر الأثر.
ذكره ابنُ الزّبير، فبالغ في وصفه، وقال: كلامه في طريقة التّصوّف سهلٌ محرَّر، مضبوطٌ بظاهر الكتاب والسُّنَّة.
وله مشاركةٌ في علومٍ شَتَّى، وتصرُّفٌ في العربية. ختم به بالمغرب التّصوّف عَلَى الطّريقةِ الواضحة، ورُزقَ من عَلِيِّ الصّيتِ والذِّكْرِ الجميل ما لم يُرزق كبيرُ أحَدٍ من النّاس. مات بسبتةَ في سنة [ص:192] ثمان وستمائة. حَدَّثَ عَنْهُ أَبُو عَبْد الله الأزْديّ، وأَبُو الحَسَن الغافقيّ، وغيرُهما.(13/191)
395 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الله، أَبُو القَاسِم الروميّ، عتيق أَحْمَد بْن عُمَر بْن باقا. [المتوفى: 608 هـ]
قرأ القرآن عَلَى أَبِي الكَرَم الشَّهْرَزُورِيّ. وسَمِعَ من أَبِي الوقت السِّجْزِيّ، وأحمد بْن المقرّب، وأبي طاهر السِّلَفيّ، وجماعة.
وحدث يمصر والثّغر. وكان شيخًا صالحًا حَدَّثَ " بصحيح البخاريّ " قبل موته؛ روى عَنْهُ " الصّحيح " الحافظ زكيّ الدّين المنذريّ. وروى عَنْهُ جَعْفَر بْن عليّ القمّوديّ الإِسكندريّ، والحسن بْن موسى بْن فَيّاض المالكي، وسيف بْن سَند الضّرير، وجماعة من شيوخ شيخنا الدّمياطيّ.
وكان تاجرًا سَفَّارًا، حكى ابن مَسْدي عَنِ الأسعد بْن مقرّب، قَالَ: خرجت في جماعةٍ نتفرّج، فرأينا قافلةً، فنظرت إِلى شيخٍ حَسَن الشَّيبة والبزَّة، فقلت: ما أحسنَ هذا الشيخَ لو كَانَ عنده سماع، فَقَالَ: وما يدريك إذ يكون عنده، فَقَالَ ابن مقرّب لَهُ: ممّن؟ قَالَ: من أَبِي الوقت، ومعي بعضُ ذَلِكَ. فتركتُ الفُرجة، ورجعتُ في خدمته إِلى البلد - يعني الإسكندرية.
وتُوُفّي فِي الحادي والعشرين من ذي القعدة.(13/192)
396 - عَبْد الرشيد بْن مُحَمَّد بْن عليّ، أَبُو مُحَمَّد المَيْبُذِيّ. [المتوفى: 608 هـ]
محدّث سَمِعَ الكثيرَ بأصبهان، وصَحِبَ أبا موسى المَدِينيّ، وأكثر عَنْهُ. وقَدِمَ بغداد، فَسَمِعَ من ابن بَوْش، وابن كُلَيْب وطائفة، وحدّث عن أَبِي العَبَّاس التُّرك.
ومْيبّذ: بُليدة قريبة من يزد بنواحي أصبهان.(13/192)
397 - عَبْدُ السّلام بْن شعيب بْن طاهر، أَبُو القَاسِم الهَمَذَانيّ، الوطيسيّ. [المتوفى: 608 هـ]
من بقايا الشيوخ بِهَمَذَانَ. سَمِعَ من أَبِي بَكْر هِبة اللَّه بْن الفَرَج ابن أخت الطويل، ونصر بن المظفر، وشهردار بْن شيرُوَيه، وجماعة، ورحل إِلى أصبهان، وسَمِعَ بها، وحَدَّثَ.
والوَطيسُ: التَّنُّور.
أجاز للفخر عليّ، وغيره، وتُوُفّي في أواخر شعبان.(13/193)
398 - عَبْدُ الصّمد بْن أَبِي الفتح سُلطان بْن أَحْمَد بْن الفَرَج الْجُذاميّ الصّويتيّ النّحْويّ الطّبيب، معتمد الدين أبو محمد ابن قراقيش. [المتوفى: 608 هـ]
ولد سنة أربعين وخمسمائة، وقرأ القرآن عَلَى الشريف الخطيب أَبِي الفُتوح، وقرأ العربية عَلَى سَنَاءِ المُلك أسعد بْن عليّ الحسينيّ الجوَّانيّ. وكان إمامًا بارعًا في العربية والطّبّ، وكان مِن أعيان الأطبّاء.(13/193)
399 - عَبْد المؤمن بْن مُحَمَّد بْن أَبِي مَنْصُور الْمُبَارَك بْن مُحَمَّد، القاضي أَبُو الفضل المدائنيّ، [المتوفى: 608 هـ]
قاضي المدائن.
وَلِيَ القضاءَ بعد أخيه عَبْد الحميد، وكان أبوهما قاضي المدائن أيضًا.
مات في المحرّم.(13/193)
400 - عبدُ الواحد بْن عَبْد الوهَّاب بْن عليّ بْن عليّ ابن سكينة. [المتوفى: 608 هـ]
ولد سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، وسَمِعَ من ابن البَطّيّ، وأبي زُرْعَة، وجماعة. وسافر الكثيرَ، ودخل إِلى مصر، والشّام، وتُوُفّي بجزيرة قيس.
قَالَ أَبُو شامة: هُوَ معينُ الدين ابن سُكينة. سافر إِلى الشام في أيام المَلِك الأفضل، فَبَسَطَ لسانَه في الدّولة العباسية، فأرسلوا إِلَيْهِ مَنْ يقتلُه، فوثبَ عَلَيْهِ مَن يقتله غيرَ مرَّة بدمشق ويَسْلَمُ. ثُمَّ كتب إِلى الخليفة كتابًا فيه [ص:194] التّنصُّلُ ممّا رُمي بِهِ، ويسألُ العفو، فَعُفِيّ عَنْهُ. ثُمَّ قدِم بغداد، فولّوه مشيخة الشيوخ، ثُمَّ بعثه الخليفة رسولًا إِلى جزيرة قيس في جماعة صوفية، فَغَرقُوا في البحر في شعبان.(13/193)
401 - عُبَيْد الله بْن خُطْنطاش التّركيّ، أَبُو مُحَمَّد. [المتوفى: 608 هـ]
من شيوخ الصّعيد.
شيخ صالح مشهور، انتفع بِهِ جماعةٌ وصحِبوه. وتُوُفّي بإخميم، وتُوُفّي في آخر جُمادي الآخرة.
حكى عَنْهُ من كلامه الحافظُ عبدُ العظيم.(13/194)
402 - عقيلُ بْن عطيَّة، أَبُو طالب وأَبُو المجد القُضاعيّ الأندلسيّ الطّرطوشيّ، ثُمّ المَرّاكُشيّ. [المتوفى: 608 هـ]
روى عَنْ أَبِي القَاسِم بْن بَشْكُوَال، وأبي القَاسِم بْن حُبيش، وأبي نصر فتح بْن مُحَمَّد، وجماعة. وولي قضاءَ غَرناطة.
وقد ذكره الأبَّارُ، فَقَالَ: كَانَ مُقدّمًا في صناعةِ الحديث، وله رَدٌّ عَلَى أَبِي عُمَر بْن عَبْد البرّ في بعض تواليفه، وتنبيهٌ على غلطاته. سمع منه أبو جعفر ابن الدّلّال، وأَبُو الحَسَن بْن منخل الشاطبيّ. وولي بأخَرةٍ قضاءَ سجلماسة، وتُوُفّي بها في صفر وقد قارب السّتّين.(13/194)
403 - عليّ بْن أَحْمَد بْن عمر بن حسين، أبو القاسم ابن القَطِيعِيّ الصَفَّار، [المتوفى: 608 هـ]
أخو المحدّث أَبِي الحَسَن.
سَمِعَ من أبي بكر ابن الزّاغونيّ، وأبي الوقت، وجماعة. وحَدَّثَ.
وهو منسوب إِلى قطيعة العجم بباب الأزَج، وكان أَبُوهُ من كبار الحنابلة.(13/194)
404 - عليّ بْن عَبْد الرّزّاق بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن علي، أبو الحسن ابن الجوزي الدهان. [المتوفى: 608 هـ][ص:195]
سمعه عمه الإمام أَبُو الفَرَج من أَبِي الفضل الأُرمَويّ، وعمر بْن عَبْد الله الحربيّ.
روى عَنْهُ ابنُ الدُّبَيْثِيّ، وابن النّجّار وقال: كَانَ ساكنًا مهيبًا، يُزَوِّق الدُّور.(13/194)
405 - عليّ بْن مُحَمَّد بْن أَبِي قوة، أَبُو الحَسَن الأزْديّ الدّانيّ. [المتوفى: 608 هـ]
أَخَذَ القراءاتِ عَنْ أَبِيهِ، وأبي القَاسِم بْن حُبيش، وأبي الحَسَن بْن كوثر. وكان مقرئًا حاذقًا، أديبًا شاعرًا، كتب عَنْهُ أَبُو القَاسِم كثيرًا من نظمه؛ قاله الأبّار.(13/195)
406 - عليّ بْن منصور بْن المظفّر، أَبُو الحَسَن الأزَجيّ الجوهريّ، المعروف بابن الزّاهدة. [المتوفى: 608 هـ]
حَدَّثَ عَنْ أَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ، وغيره.
تُوُفّي فِي ذي الحجَّة.(13/195)
407 - عَلي بْن يوسف بْن أَحْمَد، القاضي أَبُو الفضائل الآمديّ ثُمَّ الواسطيّ. [المتوفى: 608 هـ]
تُوُفّي كهلًا في ربيع الأوّل. وكان مجموعَ الفضائل، ولي قضاء واسط.(13/195)
408 - عُمَر بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَبِي نصر، الأديب البارع، أَبُو حفص الأصبهانيّ، ثُمَّ المَوْصِليّ، عرف بابنِ الشِّحنة، الشاعر. [المتوفى: 608 هـ]
تلا بالسَّبع عَلَى يَحْيَى بن سعدون، وأخذ الأدب عن علي ابن العَصَّار اللُّغَويّ.
وكان سليطَ اللّسان، كثيرَ الهِجاء للرؤساء، معاقرًا للكأس. قصد السّلطانَ صلاحَ الدّين بالشّام ومدحه. سجنه صاحب المَوْصِل نور الدّين [ص:196] أرسلان شاه بْن مسعود، فسجنه حتّى مات في شوّال.(13/195)
409 - عُمَر بْن مسعود بْن أَبِي العزّ، أَبُو القَاسِم البغداديّ الزّاهد العابد، ويُعرف بالشيخ عُمَر البزّاز. [المتوفى: 608 هـ]
صحِب الشّيخ عَبْد القادر، وسمع من أَبِي الفضل الأُرْمَوِيّ، وابن ناصر، وأبي الوقت، وحَدَّثَ. وكان مِن بقايا المشايخ الكبار ببغداد.
قَالَ الحافظُ عبدُ العظيم: تُوُفّي في رابع عشر رمضان. قَالَ: وكان يُؤثر الفقراء، وبنى لنفسه رباطًا. وله قبولٌ عند النّاس، يُغْشَى ويُزار، موصوف بالزُّهد والعبادة، وحُسْن الطّريقة، رحمه الله. وُلِدَ في حدود سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة.
قلت: روى عَنْهُ أَبُو عَبْد الله الدُّبَيْثِيّ.(13/196)
410 - غالب بنُ عَبْد الخالق بْن أسد بْن ثابت، الشيخ أبو الحسين ابن المحدّث الفقيه أَبِي مُحَمَّد الطَّرابُلُسيّ الأصل الدّمشقيّ الحنفيّ البزّاز. [المتوفى: 608 هـ]
سَمِعَ من الوزير أَبِي المظفّر سعيدِ بْن سهل الفَلَكيّ، ووالدِه، وأبي يَعْلى ابن الحُبُوبِيّ، وجماعة. روى عَنْهُ ابنُ خليل، والضّياء، والزّكيّ عبدُ العظيم، والشهاب القُوصيّ، والفخر عليّ، وآخرون.
وفُقِدَ بداريًّا في هذه السنة؛ قَالَ القُوصيّ: قُتِلَ الشهابُ غالب الحنفيّ بداريًّا عَلَى يد أقوام كَانَ لَهُ عليهم ديون، فاغتالوه، وأخذوا الوثائقَ. وقيل: قتله بأرض ماردين ولدُه الشرف إِبْرَاهيم، قتلته المكاريَّة، وكان معه تجارة. وكان شهاب الدّين من كبار أهلِ مذهبه، وولد سنة تسع وأربعين.(13/196)
411 - مُحَمَّد بْن أيوّب بْن مُحَمَّد بْن وهْب بْن مُحَمَّد بْن وهْب بْن نوح، الإِمام العلامة أبو عبد الله ابن الشيخ الجليل أَبِي مُحَمَّد بْن أَبِي عَبْد الله الغافقيّ الأندلسيّ البَلَنْسي. [المتوفى: 608 هـ]
سَرَقُسطيّ الأصلِ، وُلد ببلنسية في ثلاثين وخمسمائة، أخذ القراءات عن أبي الحسن بن هذيل، وسَمِعَ منه، ومن أَبِي الحَسَن عليّ بْن [ص:197] النِّعْمة، وأبي عَبْد الله بْن سعادة، ومحمد بن عبد الرحيم ابن الفَرَس، ووالده أَبِي مُحَمَّد.
ذكره الأبّار، فَقَالَ: تفقّه بأبي بَكْر يَحْيَى بْن عِقَال، واستظهر عَلَيْهِ " المُدَوَّنَة ". وأخذ النّحو عَنْ شيخه ابن النعمة. وأجاز له أبو مروان ابن قزمان، وأبو طاهر السلفي، وجماعة. وكان الدراية أغلبَ عَلَيْهِ من الرواية مَعَ وفور حَظِّه منها وميلِه فيها إِلى الأعلام المشاهير دون اعتبار العُلوِّ. وَلِيَ خطَّة الشُّورى في حياة شيوخه، وزاحمَ الكبار بالحفظ والتّحصيل في صِغره. قَالَ: ولم يكن في وقته بشرق الأندلس له نظير تفننًا واستبحارًا، وكان مِنَ الراسخين في العلم وصدرًا في المشاورين، بارعًا في علم اللّسان والفقه والفُتيا والقراءات. وأمّا عقدُ الشروط، فإليه انتهت الرياسة فيه، وبه اقتدى مَن بعده. ولو عُنِيَ بالتأليف، لأرْبَى عَلَى من سلف. وكان كريمَ الخُلُقِ، عظيمَ القدر، سَمْحًا جوادًا. خطب بجامع بَلَنْسية، وامْتُحْنَ بالولاة والقضاة، وكانوا يستعينون عَلَيْهِ، ويجدون السبيلَ إِلَيْهِ بفضل دُعابةٍ كانت فيه مَعَ غلبة السلامة عَلَيْهِ في إعْلانه وإسراره وكثرة التّلاوة. أقرأ القرآن، وأسمعَ الحديثَ، ودرَّس الفقه، وعلَّمَ العربيةَ، ورحل النّاسُ إِلَيْهِ، وسَمِعَ منه جِلَّة، وطال عمره حتّى أخذ عَنْهُ الآباءُ والأبناءُ. وتلوت عَلَيْهِ بالسَّبْع، وهو أغزر مَن لقيتُ علمًا، وأبعدُهم صيتًا. تُوُفّي في سادس شَوَّال، ورُثي بمراثٍ كثيرة.
قلتُ: وقد أطنب الأبّار في وصفه بأضعاف ما هنا. وممّن قرأ عَلَيْهِ القراءات عَلَم الدّين القَاسِم شيخ شيوخنا، وأَبُو جَعْفَر أَحْمَد بْن علي ابن الفَحَّام المالقيّ.(13/196)
412 - مُحَمَّد بْن عَبْد الله بْن طاهر، القاضي أَبُو عَبْد الله الفاسي. [المتوفى: 608 هـ]
أخذ عَنْ أَبِي إِسْحَاق بْن قُرْقول، وغيره. وكان محدّثًا حافظًا إمامًا، ولي قضاء مَرّاكُش. وكان موته بإشبيلية.
أرَّخه الأبّار.(13/197)
413 - مُحَمَّد بْن عُثْمَان بْن سعيد، أَبُو عَبْد الله الفاسيّ، الفقيه المعروف بابن تقميش. [المتوفى: 608 هـ]
حمل " مختصر الأحكام " لعبد الحقّ عَنِ المصنّف، وحَدَّثَ بِهِ. وكان مُفتيًا إمامًا أصوليًّا.(13/198)
414 - مُحَمَّد بْن عُثْمَان بْن مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن مسلم، أبو عبد الله ابن الزَّبِيدِيّ، الصّوفيّ، البغداديّ. [المتوفى: 608 هـ]
ابن عمّ سراج الدّين الحُسَيْن.
تُوُفّي في شعبان بجزيرة كيش، وهي جزيرة قيس. وكان يروي عَنْ أَبِي الفتح ابن البطّي، وشُهْدَة. وصحِب الصّوفيَّة.(13/198)
415 - مُحَمَّد بْن عليّ بن نصر الكرماني. [المتوفى: 608 هـ]
ولد سنة ثلاث وعشرين، وروى حضورًا عَنْ الحُسَيْن بْن عَبْد الملك الخلال، وجعفر بن محمد ابن رَوْح. روى عَنْهُ الضّياءُ، وغيرهُ، وبالإِجازة الشيخ شمس الدّين.
تُوُفّي بأصبهان.(13/198)
416 - مُحَمَّد بْن علي بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن حسنون، المعمّر المقرئ أَبُو بَكْر البيّاسيّ. [المتوفى: 608 هـ]
شيخ القرّاء ببيّاسة وقاضيها وخطيبها ومفتيها وأديبها. عُمِّرَ حتّى ألحق الأحفادَ بالأجدادِ، وسوَّى بين الأوائل والأواخر مَعَ الثّقة والعلم. أخذ عَنْ أَبِيهِ القراءات. وسَمِعَ من القاضي شُريح، وتلا عَلَيْهِ بالسبع وأجازه. وسمع من الحافظ أبي بكر ابن العجوز، ومن أَبِي القَاسِم أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن ورد، ويوسف بْن أَبِي عَبْد المَلِك السّاحليّ وتفرَّد عَنْهُ، ومن يوسف بْن بحر القُضاعيّ. وأجاز لَهُ يَحْيَى بْن خَلَف القَيسيّ، وجماعة. [ص:199]
ترجمه ابن مَسْدي، وقال: كتب إليَّ مِن بيّاسة في سنة خمس وستّمائة. أكثر النّاسُ عنه ورحلوا إليه. توفي سنة ثمان وستمائة. أَنْبَأَنَا قَالَ: أَخْبَرَنَا شُرَيح سنة أربعٍ وثلاثين، فذكر حديثًا من البخاريّ. وأنبأنا قَالَ: أَخْبَرَنَا القاضي أبو بكر ابن العربي سنة أربع وثلاثين وخمسمائة، قال: أَخْبَرَنَا ابنُ الطُّيوريّ، من التِّرْمِذيّ.
قلت: مَرَّ سنة أربعٍ كما أرّخه الأبّار.(13/198)
417 - مُحَمَّد بْن عيسى بْن أَحْمَد بْن عليّ، أَبُو عيسى القرشي العبدري المروذي البَنْجَدِيهيّ. [المتوفى: 608 هـ]
حَدَّثَ ببغداد عَنْ جدّه أَحْمَد بْن عليّ، وإسماعيل بْن مُحَمَّد الفاشانيّ. وحَدَّثَ بالحرمين، وأخذ عنه الزّكيّ عَبْد العظيم. وتُوُفّي شهيدًا في رمضان عَنْ إحدى وأربعين سنة.(13/199)
418 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد ابن النّاعم، كمال الدّين أَبُو جَعْفَر البغداديّ. [المتوفى: 608 هـ]
أَحد حجاب الخلافة.
روى عن أبي محمد ابن المادح.
ضُرِبَ في ذي الحِجَّة حتّى مات تحت الضَّرب، ورُمي في دجلة. وكان ظالمًا، ولي ولايةً، وعَسَفَ وصادر جماعةً، وقتلهم تحتَ الضّرب، فعاقبه الله، وظهرت لَهُ أموالٌ عظيمة.(13/199)
419 - مُحَمَّد بْن أَبِي تمّام مُحَمَّد بْن عليّ بْن المبارك، الشريف أَبُو الرضا الهاشميّ الحريميّ، المعروف بابن لزُّوا [المتوفى: 608 هـ]
وهو لَقَبُ جدّه عليّ.
وهو مِن ذُريَّة المأمون، سَمِعَ من أَبِي القاسم إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، ومن أَبِي الوقت. وكان يُمْكِنُه السَّمَاعُ من ابن الحُصيْن؛ فإنه وُلِدَ سنة تسع عشرة وخمسمائة.
روى عنه أبو عبد الله الدبيثي، وغيره، وابن النّجّار، وقال: مات في شعبان.(13/199)
420 - مُحَمَّد بْن يوسف بْن مُحَمَّد، أَبُو عَبْد الله النَّيْسَابُورِيُّ ثُمَّ البغداديّ الكاتب، المعروف بابن المنتجب. [المتوفى: 608 هـ]
قرأ الأدبَ عَلَى الحَسَن بْن عليّ بْن عُبيدة الكرْخيّ. وكان أَبُوهُ صوفيًّا فَقِيهَ مكتب، فنشأ لَهُ سعدُ الدّين أَبُو عَبْد الله هذا، وبرع في الخطّ حتّى كَانَ جماعةٌ من الفضلاء يفضِّلون خطّه في النَّسْخ عَلَى ابن البوّاب.
قَالَ ابنُ النّجّار: كَانَ أديبًا فاضلًا، لَهُ معرفة بالنّحْو، وكان ضنينًا بخطّه جدًّا، وكتب الخطَّ المنسوبَ، وكتب النّاسُ عَلَيْهِ. وتُوُفّي في ذي الحجَّة شابًّا.(13/200)
421 - مُحَمَّد بْن يُونُس بْن مُحَمَّد بْن منْعة بْن مالك، العلّامة عماد الدّين أَبُو حامد بْن يونس الإربلي الأصل الموصلي الفقيه الشافعي. [المتوفى: 608 هـ]
ولد سنة خمس وثلاثين وخمسمائة، وتفقَّه بالمَوْصِلِ عَلَى والده، ثُمَّ سار إِلى بغداد، وتفقّه بها بالنّظاميَّة عَلَى السّديد مُحَمَّد السَّلماسيّ، وأبي المحاسن يوسف بْن بُندار الدّمشقيّ، وسَمِعَ الحديثَ من أَبِي حامد مُحَمَّد بْن أَبِي الربيع الغَرناطيّ، وعبد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الكُشْمِيهَنيّ. وعاد إِلى المَوْصِل، ودرَّس بها في عدَّة مدارس، وعلا صِيتُه، وشاع ذِكرُه، وقصده الفقهاءُ مِن البلاد، وتخرَّج بِهِ خلْق.
قَالَ القاضي شمس الدين ابن خَلِّكان: كَانَ إمامَ وقته في المذهب والأُصول والخلاف، وكان لَهُ صِيتٌ عظيم في زمانه، صنف " المحيط " وجمع فيه بين " المهذب " و " الوسيط "، وشرح " الوجيز "، وصنّف جدلًا، وعقيدة، وغير ذَلِكَ وتوجّه رسولًا إِلى الخليفة غير مرَّة، وولي قضاءَ المَوْصِلِ خمسة أشهر ثُمَّ عُزل، وذلك في صفر سنة ثلاثٍ وتسعين، فولي بعده ضياء الدّين القاسمُ بْن يَحْيَى الشّهرزوريّ. وكان شديدَ الورع والتَّقَشُّف، فيه وسوسةٌ لا يمسُّ القلمَ لِلكتابة إلّا ويغسِلُ يده. وكان لطيفَ الخلوة، دمثَ الأخلاق، كثير المباطنة لنور الدّين صاحبِ المَوْصِلِ يرجع إِلَيْهِ، ويُشاوره، فلم يزل معه حتّى نقله مِن مذهب أَبِي حنيفة إِلَى مذهب الشّافعيّ، فلمّا تُوُفّي توجّه الشيخُ عماد [ص:201] الدّين، وذلك في سنة سبْعٍ الماضية، إِلى بغداد وأخذ السلطنة للملك القاهر مسعود ابن نور الدّين، وأتى بالتّقليد والخلعة.
قَالَ: وكان مكمَّل الأدوات، غير أَنَّهُ لم يُرزق سعادة في تصانيفه، فإنّها ليست عَلَى قدر فضائله. تُوُفّي في سَلْخ جُمادي الآخرة بالمَوْصِلِ. وقال مظفر الدين صاحب إربل: رأيتُه في النّوم، فقلت لَهُ: ما مُتَّ؟ قَالَ: بَلَى ولكنّي مُحْترم.
وحفيده مُصَنِّف " التّعجيز " هُوَ تاج الدّين عَبْد الرحيم بْن مُحَمَّد، يأتي سنة سبعين.(13/200)
422 - مسعود بْن بركة بْن إسْمَاعيل، أَبُو الفتحِ البغداديّ الحلاويّ البَيِّع، المعروف بابن الْجُرَذ. [المتوفى: 608 هـ]
وُلِدَ سنة ستٍّ وعشرين وخمسمائة، وسَمِعَ من قاضي المارستان أَبِي بَكْر، وغيره.
روى عَنْهُ الدُّبَيْثِيّ، وغيرُ واحد، وابنُ النّجّار، وقال: كَانَ إنسانًا صالحًا، حسنَ الأخلاق، تُوُفّي في رمضان.(13/201)
423 - منصور بْن أَبِي المعالي عَبْد المنعم بْن أَبِي البركات عَبْد اللَّه ابن فقيه الحَرَم أَبِي عَبْد الله مُحَمَّد بْن الفضل، المُسْنَد الأصيل أَبُو الفتح وأَبُو القَاسِم الفرَاويّ الصّاعديّ النَّيْسَابُورِيُّ المُعَدَّل. [المتوفى: 608 هـ]
وُلِدَ في رمضان سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، سَمِعَ مِن جدّ أَبِيهِ، وجدِّه، وأبيه، ومِن عبد الجبار بن محمد الخواري، ومحمد بن إسْمَاعيل الفارسيّ، ووجيه بْن طاهر الشّحّاميّ، وغيرهم. وكان مكثِرًا عَنْ جدّ أَبِيهِ.
قَالَ ابن نُقْطَة: كَانَ مكثرًا ثقة صدوقًا. سَمِعْتُ منه " صحيح " البخاريّ، بسماعه من وجيه الشّحّاميّ، وأبي الفُتُوح عَبْد الوهّاب بْن شاه، عَنِ الحفصيّ، ومن أَبِي المعالي الفارسيّ، عَنِ العَيّار. وسمعت منه " صحيح " مسلم، وكان يَقُولُ [ص:202] لنا: سمعتُه مِرارًا، وكان لنا عدَّةُ نُسَخ نُهِبَتْ في وقعة الغُزِّ. ورأيتُ سماعَه بالمجلّد الأوّل والثّاني والثّالث من " صحيح " مسلم في سنة ثمانٍ وعشرين، وهو ابنُ أربع سنين وخمسة أشهر؛ نقل السّماعَ عَلَى المجلّدات الثّلاث أحمد بن محمد ابن خَوْلة الغَرناطيّ وقال: ولعلّ المجلّد الرابع أيضًا مسموعٌ لَهُ، ولم أَقِفْ عَلَيْهِ، لأنّه ضاع وخبر الأصل بمجلّد غيره.
قَالَ ابن نقطة: ورأيتُ بخطّ المطهَّر بْن سديد الخُوارزميّ، وكان طالبًا ثقة، يقولُ: منصورُ بن عَبْد المنعم سَمِعَ " صحيح " مسلم من جدّه أَبِي عَبْد الله الفراوي. وحدثني رفيقنا أبو محمد ابن هلالة لمّا رجع مِن خُراسان، قَالَ: كَانَ شيخنا منصور يروي " غريبَ الحديث " عَنْ جدّه بفوات، فقرأناه عَلَيْهِ، فلمّا دخلتُ إِلى سَمَرقند - أو قَالَ بخاري - وجدت بعضَ نسخةٍ عند فقيه " بغريبِ " الخطّابيّ وفيها القدرُ الّذي يفوت منصور، وفيه سماعهُ بغير تِلْكَ القراءة وغير التّاريخ، فكمل لَهُ سماعُ جميعه، وهذا ممّا يدلّ عَلَى صدقه وأنّه كَانَ يسمع الشّيء من جدّه غير مَرَّةٍ. وسَمِعَ جميع " تفسير " الثّعلبيّ من عبّاسة العصاريّ. وقال لي ابنُ هلالة: رأيتُ أصل البيهقيّ " بالسُّنَن الكبير " وقد ذهبت منه أجزاء متفرّقة، فجميع ما وَجَد من الأصل كان فيه سماع منصور ابن الفُراويّ من أَبِي المعالي الفارسيّ، فقرأتُ عَلَيْهِ جميعَ الكتاب بسماعه الموجود والباقي إجازةً إنْ لم يكن سماعًا. ومولده في رمضان سنة ثلاثٍ وعشرين.
قلت: قَدِمَ بغداد حاجًّا مَعَ أَبِيهِ فحدَّث بها؛ وروى عَنْهُ ابن نُقْطَة، والحافظ أَبُو عَبْد الله البِرْزاليّ، والإِمام أَبُو عمرو ابن الصّلاح، وأَبُو عَبْد الله المُرسيّ، وأَبُو مُحَمَّد عَبْد العزيز بْن هِلالة، وأَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهيم بْن مُضَر الواسطيّ، وآخرون. وأجاز لأبي الغنائم بْن علّان، وللفخر عليّ، وللزّكي عَبْد العظيم، وللجمال يحيى ابن الصّيرفيّ، وآخرين سواهم.
وتُوُفّي في ليلة ثامن شعبان، وقرأت بخطّ الضّياء - رحمه الله - قَالَ: ليلة دخلت إِلى نيسابور تُوُفّي منصور الفُراويّ.(13/201)
424 - هارون بْن الحُسَيْن بْن كُرج بْن هارون، الأمير أَبُو الرأي. [المتوفى: 608 هـ][ص:203]
قَالَ المنذريّ: كَانَ يسمّى شيخَ الجماعة لِما عنده مِن العقل والحزم، وله شِعر يسير، وسمع من المبارك بْن طاهر الخُزاعيّ، ونصر الله بْن سلامة الهيتي، وغيرهما.(13/202)
425 - هبة الله بن جعفر ابن سناء المُلك أَبِي عَبْد الله مُحَمَّد بْن هبة الله، القاضي السّعيد سناء المُلك أَبُو القَاسِم المصريّ الأديب [المتوفى: 608 هـ]
الشاعر المشهور.
قرأ القرآن عَلَى الشّريف أَبِي الفُتوح الخطيب. وقرأ النّحْو عَلَى العلّامة ابن بَرِّي. وسَمِعَ بالإِسكندرية من أَبِي طاهر بْن سِلَفَة.
وله مصنّفات مشهورة في الأدب و " ديوان " مشهور. وشعره في الذروة العُليا. كتب في ديوان الإنشاء مدَّة.
قَالَ الشّهابُ القُوصيّ - وهو ممّن روى عَنْهُ -: كَانَ مبتكرًا للمعاني بثاقب فِكره، آخذًا لمجامع القلوب بحلاوة شِعره.
وذكره ابن خلكان، فقال: هبة الله ابن القاضي الرشيد أبي الفضل جعفر ابن المعتمد سَناء المُلك مُحَمَّد بْن هبة الله بْن مُحَمَّد السَّعديّ، كَانَ أحدَ الرؤساء النُّبلاء، وكان كثيرَ التّخصّص والتّنعّم، وافرَ السّعادة، محظوظًا من الدّنيا، لَهُ رسائلُ دائرة بينَه وبينَ القاضي الفاضل، وهو القائل في الفاضل:
ولو أبْصرَ النَّظَّامُ جَوْهرَ ثَغْرِهَا ... لَمَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ الْجَوْهَرُ الفَرْدُ
ومَنْ قَالَ إنَّ الخَيْزُرَانَةَ قَدُّها ... فَقُولُوا لَهُ إيَّاكَ أَنْ يَسْمَعَ القَدُّ
وله:
يا عَاطِلَ الْجِيدِ إلَّا مِنْ مَحَاسِنِه ... عَطَّلْتُ فِيكَ الحَشَا إلا مِنَ الحَزَنِ
في سِلْكِ جَفْنِيَ دُرُّ الدَّمْعِ مُنْتَظِمٌ ... فَهَلْ لِجيدِكَ في عِقْدٍ بِلا ثَمَنِ
لا تَخْشَ مِنِّي فإني كالنسيم ضَنى ... ومَا النَّسِيمُ بمخْشِيٍّ عَلَى الغُصُنِ
وله: [ص:204]
وَلَمْ يُودِعُوهُ السِّجْنَ إلّا مَخافَةً ... مِنَ العَيْنِ أن تسطو على ذلك الحسن
وقالوا كما شَارَكْتَ في الحُسْنِ يُوسُفًا ... فَشَارِكْه أيضًا في الدُّخُولِ إِلى السِّجْنِ
وله:
ومَلِيَّةٍ بالحُسْنِ يَسْخَرُ وَجْهُهَا ... بالبَدْرِ يَهْزَأُ رِيقُها بالقَرْقَفِ
لا أَرْتَضِي بالشَّمْسِ تَشْبِيهًا بِهَا ... والبَدْرِ بَلْ لا أَكْتَفِي بالمُكْتَفِي
تَتْلُو مَلَاحَتَها مَحَاسِنُ وَجْهِهَا ... فَتُرِيكَ مُعْجِزَ آية في الزُّخْرُفِ
فَبَحُسْنِ عَطْفِكَ يا مَلِيحَةُ أَحْسِني ... وَبِعَطْفِ حُسْنِكِ يَا نَحِيلَةُ فَاعْطِفي
وتَقُولُ مَنْ هذَا وقَدْ سَفَكَتْ دَمِي ... ظُلمًا وَتَسْأَلُ عَنْ فُؤَادِي وَهِي في
لا شَيءَ أَحْسَنُ مِنْ تَلَهُّبِ خَدِّهَا ... بالمَاءِ إلَّا حُسْنُها وتَعَفُّفِي
ماذَا لَقِيتُ مِنَ الصَّدُودِ لأننيِ ... ألْقَى خُشُونَته بِقَلْبٍ مُتْرَفِ
والقَلْبُ يَحْلِفُ أنْ سَيَسْلُو ثُمَّ لَا ... يسلو ويَحْلِفُ أَنَّهُ لَمْ يَحْلِفِ
ووصف نقص النّيل، فَقَالَ: " وأمْرٌ ما أمْرُ الماء، فإنَّه نضبت مشارِعُه، وتقطّعت أصابعُه، وتيمّم العودُ لِصلاة الاستسقاء، وهَمّ المقياسُ مِن الضّعف بالاستلقاء ".
تُوُفّي في أوائل رمضان.
قَالَ الحافظ عَبْد العظيم: سَمِعْتُ شيئًا من شعره من أصحابه. وكان مولده سنة خمس وأربعين وخمسمائة.(13/203)
426 - يَحْيَى بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد المنعم، أَبُو زكريّا الصِّقلِّيّ [المتوفى: 608 هـ][ص:205]
الأصل الفاسي الدّمشقيّ الشّافعيّ القَيسيّ، المعروف بالأصبهانيّ، لدخوله أصبهان.
وُلِد بدمشق. ودخل أصبهان فبقي بها خمس سنين، فقرأ الخلافيّات والنّظر، وغير ذَلِكَ. وسَمِعَ أبا بَكْر بْن ماشاذة، وأبا رشيد بْن خالد البيِّع، وعبد الله بْن عُمَر بْن عَبْد الله العَدْل. وسَمِعَ بالثّغر من أَبِي طاهر السِّلَفِيّ. وأخذ ببِجَاية عَنِ الحافظ عَبْد الحقّ الإِشبيليّ، وتجوَّل في بلاد الأندلس، واستوطَن غَرناطة.
قَالَ الأبّار: كَانَ فقيهًا شافعيًّا، عارفًا بالأصول والتَّصّوف، زاهدًا ورِعًا، كثير الصّدقة، واعظًا مُذَكِّرًا. أسمع الحديث، ولم يكن بالضّابط. وله كتابُ " الروضة الأنيقة " من تأليفه. حَدَّثَ عَنْهُ أَبُو جَعْفَر بْن عُمَيرة الضّبّيّ، وأبو محمد، وأبو سليمان ابنا حوط الله، وأبو القَاسِم الملاحيّ، وأَبُو الربيع بْن سالم، وغيرهم. وسمع منه أبو جعفر ابن الدَّلّال كتاب " مَعَالم السُّنَن " للخطّابيّ، قرأه جميعَه عَلَيْهِ.
وقال ابن مُسْدي: قُحِطْنَا بغَرناطة، فنزل أميرُها إِلى شيخنا أَبِي زكريا فَقَالَ: تُذكّرُ النّاس، فلعلّ الله أن يفرّج عَنِ المسلمين، فوعَظَ، فوَرَدَ عليه وارد سقط، وحُمِلَ، فمات بعدَ ساعة، فلمّا كُفِّنَ، وأُدخل حفرته، انفتحت أبوابُ السّماء، وسالت الأودية أيامًا.
تُوُفّي في سادس شوّال، يومَ وفاة ابنِ نوح الغافقيّ، وله ستّون سنة.
وروى عَنْهُ أَبُو بَكْر ابن مُسْدي، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا الإِمامُ مجد الدّين أَبُو زكريّا القَيْسيّ الواعظ، نزيل غَرناطة سنةَ خمس وستمائة، قال: أَنْبَأَنَا أَبُو رشيد عَبْد الله بْن عُمَر، قال: أَخْبَرَنَا القاسمُ بْن الفضل الثّقفيّ. فذكر حديثًا.
وقال في " معجمه ": أخبرنا أبو زكريا، قال: أَخْبَرَنَا مسعود الثّقفيّ سنة ستّين بأصبهان، فذكر من " جزء لُوَيْن ". وقال في وصفه: شيخٌ محمود النّقيبة مباركُ الشيبة، آثارهُ مشكورة، وكراماته مسطورة. دخل أصبهان قبل الستين وخمسمائة، وسَمِعَ من مسعود، ومن فورجة، وإسماعيل بْن غانم البَيِّع، وعدَّة. وسَمِعَ سنة اثنتين وسبعين من السِّلَفِيّ. ثُمَّ غَرَّبَ فسمع من عَبْد الحق [ص:206] ببِجَاية. ثُمَّ دخل الأندلس فأكثروا عَنه عَلَى رأس الثّمانين. قَالَ لنا: جُلتُ عشرين سنة؛ دخلت أصبهان، وأذربيجان، والروم، والإسكندرية، وبِجَاية، وفاس، وشرق الأندلس، وثِنتان بدمشق، وقَرَرْتُ بأصبهان. ولمّا نزل بغَرناطة ترك الوعظ ولزِم بيته. وله تعليقة في الخلاف بين الشّافعيّ وأبي حنيفة، غيرَ أن أهل الأندلس، أنكروا عَلَيْهِ روايته عَنْ مسعود الثقفيّ، قَالُوا: هذا يروي عَنِ الخطيب. واستبعدوا هذا، فلم يسمعوا منه شيئًا عَنْ مسعود. وكان أَبُو الربيع بْن سالم قد كتب إِلى أَبِي الحَسَن بْن المفضّل قبل السُتِّمائة أنْ يأخذ لَهُ إجازةَ مَنْ يَرْوِي عَنِ الخطيب، فأجابه: لَيْسَ ببلادنا مَن يروي ذَلِكَ، وفي هذا القول من أَبِي الحَسَن ما فيه.
قلتُ: الظّاهر أَنَّهُ عَنَى بقوله " بلادنا " الثّغر ومصر، وإلّا، فكان في الشّام، والعراق ذَلِكَ موجودًا، وأحسب أنّ ابن المقدسيّ لم يَفْطِنْ إِلى ذا، فإنّه ما رَحَلَ، ولا رأى الطّلبةَ، أو كَانَ ذَلِكَ وقد فَتَرَ عَنِ الطّلب، واشتغل بالفروع.
ثُمَّ قَالَ ابن مُسْدي: فلمّا وصل كتابةَ إِلى ابن سالم، أطبق عَلَى مسعود الثقفيّ، وأنكر أن تكون لَهُ إجازةُ الخطيب. فأخرجتُ لَهُ خطَّ الكِنْديّ، بسماعه من القزّاز، عَنِ الخطيب، فقال: هذا أوهى من الأوّل، كيفَ يكتبُ أَبُو الحَسَن بانقراض هذا الإِسناد، ونقبل ما يأتي بعد السّتمّائة؟
قلت: ابنُ سالم حافظ، وقد خَفِيَ عَنْهُ هذا، واعتمد بظاهرِ ما عندهم من النزول، بل كان بعد الستمائة وُجِدَ ما هُوَ أعلى من روايات الخطيب؛ كَانَ بأصبهان مَن يروي عَنْ رَجُل عَنِ الحافظ أَبِي نُعَيْم الّذي هُوَ من شيوخ الخطيب، وكان بالعراق مَن يروي عَنْ رجلٍ عن ابن غيلان، وبخراسان من يَروي عَنْ رجلٍ عَنْ عَبْد الغافر.
قَالَ ابن مُسْدي: كنتُ كثير التَّوَلُّج عَلَى شيخنا أَبِي زكريّا لِجواره، فَقَالَ: يا بُنيّ، عندي جزء يُسمّى " عروس الأجزاء " سمعتُه بأصبهان، فَقَرَأه عليَّ، وقال لي: أنت تكونُ لك رحلة وجولان. فهذا من كراماته.(13/204)
427 - يونس بْن يَحْيَى بْن أَبِي البركات بْن أحمد، أبو الحسن وأبو مُحَمَّد الهاشميّ الأزَجيّ القَصّار المجاور بمكَّة. [المتوفى: 608 هـ]
وُلِد سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وسمع من أَبِي الفضل الأُرْمَوِيّ، [ص:207] وابن ناصر، وابن الطّلّاية، وأبي الكرَم الشّهرزوريّ، وأبي الوقت، وسعيد بْن البنّاء، وجماعة كثيرة.
وسافر إِلى الشّام ومصر، وجاور مدَّةً.
وحَدَّثَ بأماكن؛ روى عنه ابن خليل، والزّكيّ البرزاليّ، والزّكيّ المنذريّ، والضّياء المقدسيّ، ويعقوب بن أبي بكر الطبري، والتاج علي ابن القسطلانيّ.
وروى " صحيح " البخاريّ بمكَّة، وتُوُفّي بها في صفر، وقيل: في شعبان. وقال: ابن مُسْدي: في ثامن صفر. وقال: كَانَ ذا عناية بالرواية.(13/206)
-وفيها وُلِد هَؤُلَاءِ:
القاضي شمسُ الدين ابن خلكان، والنجم عبد المنعم ابن النجيب عبد اللطيف ابن الصيقل، والشرف عبد الله ابن شيخ الشيوخ تاج الدين ابن حمويه، والعماد أحمد ابن الشيخ العماد إبراهيم بن عبد الواحد، والكاتب نجم الدين محمد بن عثمان ابن السَّابِق، والشرف مُحَمَّد بْن عَبْد الحَكَم بْن حسن بْن عقيل بْن شريف بْن رفاعة، والبرهان إبراهيم بن محمد ابن النَّشْو، والنَّجْم نعمة بْن مُحَمَّد بْن نعمة المقدسيّ، والبدرُ مروان بْن عَبْد الله بْن فيرو الفارقي، بها.(13/207)
-سنة تسع وستمائة(13/208)
428 - أَحْمَد بنُ سلطان بْن أَحْمَد الظَّفَريّ؛ [المتوفى: 609 هـ]
من محلَّة الظَّفَريَّة.
سمع ابنَ البَطِّيّ، وعبد الواحد بْن الحُسَيْن البارزيّ. وحَدَّثَ، وتُوُفّي في جُمادي الآخرة.(13/208)
429 - أَحْمَدُ بْن عَبْد السّلام الجراويّ الشّاعر، [المتوفى: 609 هـ]
نزيل مَرّاكُش.
شاعر مُحْسِنٌ لَهُ " ديوان "، وله " حماسة " أجاد فيها. روى عَنْهُ سهلُ بْنُ مالك، ومحمد بْن عَبْد الجبار، وتُوُفّي بإشبيلية عن سن عالية.
وقيل: توفي قبل الستمائة كما مَرَّ.(13/208)
430 - أحمدُ بْن عليّ بْن يَحْيَى بْن عَون الله، أَبُو جَعْفَر الأنصاريّ الأندلسيّ الدّاني، المعروف بالحَصَّار، [المتوفى: 609 هـ]
نزيل بَلَنْسِيَة.
قرأ القرآن عَلَى أَبِي إِسْحَاق إِبْرَاهيم بْن حسين بْن محارب صاحب أبي عبد الله محمد ابن غلام الفَرَس. وقرأ القراءاتِ ببَلَنْسية عَلَى أَبِي الحسن ابن هذيل، وسمع منه، ومن أبي الحسن ابن النّعمة، وأبي عَبْد الله مُحَمَّد بْن يوسف بْن سعادة. وأجاز لَهُ أَبُو عَبْد الله مُحَمَّد بْن عَبْد الرحيم الغَرناطيّ، والحافظ عَبْد الحقّ الإِشبيليّ.
وتَصَدَّر للإِقراء، ورَأس في ذَلِكَ أهلَ عصره.
قَالَ الأبَّار: كانت الرحلة إِلَيْهِ في وقته، ولم يكن أحد يُدانيه في الضّبط والتّجويد والإِتقان، وتصدَّر في حياة شيوخه؛ أخذ عَنْهُ الآباء والأبناء، واضطّرب بأخَرَةٍ في روايته فأسند عَنْ جماعةٍ أدركهم، وكان بعضُ شيوخنا يُنكر عَلَيْهِ ذَلِكَ مَعَ صحَّةِ روايته عَنِ المذكورين قَبْلُ وإكثارِه عنهم، حتَّى لقد انفرد بقراءة تأليف أبي الحسن ابن النّعمة في التّفسير المترجم بـ " رَيّ الظّمآن ".
قلت: فعلى هذا تكون روايته للقراءات عَنْ أبي عبد الله ابن غلام الفرس [ص:209] مزلزلة، ولهذا لم يذكرها الأبّار.
ثُمَّ قَالَ: أخذ عَنْهُ والدي القراءاتِ، وأخذتها عَنْهُ بعد ذَلِكَ بمُدَّة، وسمعتُ منه جُملة. وتُوُفّي في ثالث صفر قبل الكائنةِ العظمى عَلَى المسلمين بوقعة العقاب من ناحية جَيَّان بأيام، وقد قاربَ الثّمانين.
قلتُ: قرأتُ للسّبعة عَلَى شيخنا برهان الدّين الإِسكندرانيّ، عَنْ قراءته عَلَى عَلَم الدّين القَاسِم بْن أَحْمَد الأندلسيّ، وقال لَهُ: قرأتُ القراءاتِ وقرأت " التّيسير " عَلَى جماعةٍ منهم أَبُو جَعْفَر أحمد بْن عليّ ويُعرف بالحَصّار، وكتبَ لَهُ الحَصّارُ بخطّ يده أنّه رواه، يعني " التّيسير " عَنْ أبي عَبْد الله مُحَمَّد بن الحسن ابن غُلام الفَرَس، وقال الحِصّار: لم ألق مثلَه في الإِقراء، ومنه أخذتُ التّجويد، وقرأ عَلَى أَبِي داود، وابن الدُّشّ، ثُمَّ قَالَ: وقرأ الحصّار أيضًا بِهِ عَلَى ابن هُذَيل. وممّن قرأ عَلَى الحَصّار أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مشليون، وأَبُو جَعْفَر أَحْمَد بْن علي ابن الفَحّام المالَقيّ، وأَبُو عَبْد الله مُحَمَّد بْن إِبْرَاهيم بْن جوبر البَلَنسيّ. قَالَ ابن مُشِلُيون: كَانَ ينسخ " التّيسير " في السّبوع ويبيعه ويقتاتُ بذلك، فيرغب الطّلبة في كتابته لإتقانه، رحمه الله.(13/208)
431 - أَحْمَد بْن مبشّر بْن زيد، أَبُو العَبَّاس الواسطيّ المقرئ. [المتوفى: 609 هـ]
وُلِدَ سنة خمس وعشرين وخمسمائة، وسمع بواسط من أبي الفرج ابن السّواديّ، وعليّ بْن المبارك. وسَمِعَ ببغداد من أبي الوقْت، وأبي جَعْفَر الْعَبَّاسي، وأحمد ابن قَفَرْجل، وجماعة. وبالكوفة من أَبِي الحَسَن بْن غَبْرة. وبالبصرة من إِبْرَاهيم بْن عطيَّة المقرئ.
وكان صاحبًا لصَدَقَة بْن الحُسَيْن، ومعه قدِم إِلى بغداد.
وتُوُفّي في جُمادي الآخرة.(13/209)
432 - أَحْمَد بْن هارون بْن أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن عات، أَبُو عُمَر النَّفْزِيّ الشّاطبيّ. [المتوفى: 609 هـ][ص:210]
ولد سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، وكان من بقايا الحُفّاظ.
ذكره الأبّار، فَقَالَ: سَمِعَ أَبَاهُ العلّامة أبا مُحَمَّد، وأبا الحَسَن بْن هُذَيل، وعُليم بْن عَبْد العزيز الحافظ. وحجَّ فَسَمِعَ من أَبِي طاهر السِّلَفي، وإسماعيل بْن عَوف.
وزاد المنذريّ أَنَّهُ سَمِعَ أبا عَبْد الله مُحَمَّد بْن يوسف بْن سعادة، والحافظ عاشر بْن مُحَمَّد، ومخلوف بْن عليّ بْن جارة، وجماعة. وكان مشهورًا بكثرة الحِفظ، وكان شيخُنا أَبُو الحَسَن بْن المفضّل يذكره بكثرة الحفظ، والمَيل إِلى تحصيل المعارف.
قَالَ الأبّار: وكان أحدَ الحُفّاظ يَسْرُدُ المتون ويحفظ الأسانيد عَنْ ظهر قلب لا يُخلّ منها بشيء، موصوفًا بالدّراية والرواية، غالبًا عَلَيْهِ الورع والزُّهد عَلَى منهاج السَّلَف، يأكل الْجَشِب ويلبس الخشن، وربمّا أذّن في المساجد. وله تواليف دالَّة عَلَى سعة حفْظه، مَعَ حظّ من النَّظْم والنّثر. حدّثونا عَنْهُ وأجاز لي. توجّه غازيًا فشهد وقعة العقاب الّتي أفضت إِلى خراب الأندلس بالدّائرة عَلَى المسلمين فيها، فَعُدِمَ في صفر.(13/209)
433 - إِبْرَاهيم بْن مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر بْن هراوة، الفقيه المحدّث أَبُو إِسْحَاق القَفْصِيّ الشّافعيّ [المتوفى: 609 هـ]
نزيل دمشق.
سَمِعَ ببغداد من عَبْد المنعم بْن كُلَيب، وبمصر من عَبْد الله بْن أَبِي مُحَمَّد يَعْلى، وبدمشق من القاسم ابن عساكر، وعمر بْن طبرزَد، والكِنْديّ، وجماعة. وكتبَ وحَصَّل، وعُني بهذا الشأن. وتُوُفّي في ربيع الأوّل.
قَال المنذري: قَفْصَة بفتح الصّاد: مدينة بقرب القيروان.(13/210)
434 - إِبْرَاهيم بْن أَبِي نِزار المبارك بْن عُبَيْد الله، أَبُو إِسْحَاق البغداديّ الصّوفيّ البزاز. [المتوفى: 609 هـ][ص:211]
حَدَّثَ عَنْ نصر بْن نصر العُكْبَريّ، وأبي الوقت.
تُوُفّي في ذي الحجَّة.(13/210)
435 - إِسْحَاق بْن إبراهيم بن يغمور، أبو إبراهيم الجابريّ الأندلسي، [المتوفى: 609 هـ]
نزيل مدينة فاس.
سَمِعَ بسَبْتة من أَبِي مُحَمَّد بْن عُبَيْد الله الحجري. وتفقّه بمُرْسِيَة عند أَبِي عبد الله بْن عَبْد الرحيم. وولي قضاء فاس وسبتة. وكان بصيرًا بمذهب مالك؛ قِيلَ: إنّه كَانَ يستظهر " المدونة ". ثم ولي قضاء بلنسية في سنة ستٍّ وستّمائة، وعُدِمَ في كائنة العقاب في صفر.(13/211)
436 - أفضل بْن أَحْمَد بْن مسعود بْن عَبْد الواحد الهاشميّ، الشريف أَبُو مُحَمَّد، [المتوفى: 609 هـ]
أخو أكمل.
مِن أولاد الشيوخ والسّيادة ببغداد، روى عَنْ أَبِي الوقت، وغيره، وتُوُفّي فِي المحرّم.(13/211)
437 - أفضلُ بْن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن علي بْن عَبْد العزيز، أَبُو مُحَمَّد الدَّارَقَزّيَّ السِّمّذيّ، [المتوفى: 609 هـ]
ابن أخت عُمَر بْن طَبَرْزَد.
وُلِدَ سنة أربعين وخمسمائة، وسمع من أحمد ابن الطلاية، وأحمد بن أحمد ابن الخرّاز.(13/211)
438 - أيّوب بْن عَبْد الله بْن أَحْمَد، أَبُو الصَّبْر الفِهْريّ السَّبْتيّ. [المتوفى: 609 هـ]
سَمِعَ أبا مُحَمَّد بْن عُبَيْد الله، وأبا القَاسِم بْن حُبَيْش. ودخل الأندلس فسمع أبا القَاسِم بْن بَشْكُوَال، وأبا القَاسِم السُّهَيْليّ. وحجَّ وسَمِعَ بمكَّة من [ص:212] عليّ بْن عَمّار، وعمر المَيَانشيّ، وبمصر من عَبْد الله بْن برّي، وغيرهم، واستوسع في الرواية.
قَالَ الأبّار: كَانَ صوفيًّا معروفًا بالزُّهد، أخذ عَنْهُ أَبُو مُحَمَّد، وأَبُو سُلَيْمَان ابْنَا حوط الله، وأبو الحسن ابن القطّان. واستشهد في وقعة العقاب.(13/211)
439 - أيّوب، المَلِك الأوحد نجم الدين أيوب ابن السّلطان الملك العادل سيف الدّين أَبِي بَكْر بن أيوب بن شاذي، [المتوفى: 609 هـ]
صاحب خِلاط.
مَلَك خِلاط نحوًا من خمس سنين، وسفكَ دماء الأمراء بخلاط، وظلمَ وعَسَفَ، فابتُلِيَ بأمراضٍ مزمنة حتّى تمنَّى الموت، وتملّك بعده أخوه السلطان الملك الأشرف موسى، فأحسن إِلى أهل خِلاط فأحبّوه.
تُوُفّي في ربيع الأول.(13/212)
• - الْجَلْخ بْن عيسى بْن مُحَمَّد، أَبُو بَكْر. [المتوفى: 609 هـ]
يأتي بكنيته.(13/212)
440 - ربيعة بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن يَحْيَى، أَبُو نزار الحضرميّ اليمنيّ الصَّنْعَانيّ الذِّماريّ الشّافعيّ، المحدّث. [المتوفى: 609 هـ]
وُلِدَ سنة خمس وعشرين وخمسمائة، فتفقّه بظَفار عَلَى الفقيه مُحَمَّد بْن عَبْد الله بْن حَمّاد، وغيره. وركب في البحر دخل كيش، والبصرة، وبغداد، وهمذان، وأصبهان، فأقام بأصبهان مدَّة طويلة، وتفقّه عَلَى الإمام أَبِي السّعادات الشافعيّ، وسَمِعَ أبا المطهَّر القَاسِم بْن الفضل الصَّيْدلانيّ، وأبا الفضائل مُحَمَّد بْن سهل المقرئ، ورجاء بْن حامد المعداني، وعبد الله بْن عليّ الطّامذيّ، وإسماعيل بْن شهريار صاحب رزق الله التَّمِيمِيّ، وعبد الجبّار بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَبِي ذَرّ الصّالحانيّ، وهبة الله بْن مُحَمَّد بْن حَنّه، ومعمر بْن الفاخر، وأبا مسعود عَبْد الرحيم بْن أَبِي الوفاء، وأبا موسى المَدينيّ، ومحمد بْن أَبِي نصر القاسانيّ، ومحمد بْن عَبْد الواحد الصّائغ. وأتى بغداد، فلقي بها الإمام أبا مُحَمَّد ابن الخشّاب وطبقته، وحجّ، فسمع من المبارك بْن عليّ الطّبَاخ، وقَدِمَ مصر سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، وسَمِعَ بها من جماعة. وسَمِعَ من السِّلَفيّ، وغيره. [ص:213]
وحدّث بدمشق، ومصر. روى عَنْهُ الزّكيّان البِرْزاليّ، والمنذريّ، والضّياء، وابن خليل، والتّقيّ اليَلْدانيّ، والشّهاب القوصي، ومحمد بن علي ابن النّشبيّ، وأهل مصر فإنّه سكنها بأَخَرةٍ.
قَالَ المنذريّ: كتبتُ عَنْهُ قطعة صالحة، وكانت أُصولُه أكثرُها باليمن، وهو أحدُ من لقيته ممّن يفهم هذا الشّأنَ، وكان عارفًا باللّغة معرفةً حسنة، كثيرَ التّلاوة للقرآن، كثيرَ التّعبُّد والانفراد.
وقرأت بخط عمر ابن الحاجب: كَانَ إمامًا عالمًا حافظًا، ثقة، أديبًا شاعرًا، حَسَنَ الخطّ، ذا دينٍ وورع. ووُلد بحضرموت بشبام، من قرى حضرموت.
وقال القُوصيّ: أنشدنا أَبُو نزار لنفسه:
بِبَيْتِ لِهيَا بَسَاتِينٌ مُزَخْرَفَةٌ ... كَأَنَّها سُرِقَتْ مِنْ دَارِ رِضْوَانِ
أَجْرَتْ جَدَاوِلُه ذَوْبَ اللُّجَيْنِ عَلَى ... حَصى مِنَ الدُّرّ مَخْلوطٍ بِعِقْيَانِ
والطير تهتف في الأغصان صادحة ... كضاربات مزامير وعيدان
وبعد هذا لسان الحال قائلة ... ما أطيب العيش في أمن وإيمان
توفي في ثاني عشر جمادى الآخرة.
وقد أجاز لأحمد بن أبي الخير، وللفخر علي.(13/212)
441 - زاهر بن رستم بن أبي الرجاء، أبو شجاع الأصبهاني الأصل البغدادي الفقيه الشافعي الْمُقْرِئ، الرجل الصالح. [المتوفى: 609 هـ]
قرأ القراءات على أَبِي محمد عبد الله سبط الخياط، وعلى أبي الكرم الشهرزوري. وسمع منهما، ومن أبي الفتح الكروخي، وأبي الفضل الأرموي، وأبي غالب محمد بن علي ابن الداية، وغيرهم. وتفقه، وصحب الصوفية والصلحاء وجاور، وأم بمقام إبراهيم مدة، ثم عجز وانقطع. وحدث بمكة، وبغداد، وواسط.
قال ابن نقطة: كان ثقة صحيح الأخذ للقراءات والحديث.
قلت: روى عنه ابن خليل، والدبيثي، والبرزالي، والضياء محمد، [ص:214] والنجيب عبد اللطيف، وآخرون.
قال الزكي عبد العظيم: لم يتفق لي السماع منه، وأجاز لنا. وتوفي في ذي القعدة.(13/213)
442 - زنكي بن أبي الوفاء واثق بن أبي القاسم، أبو القاسم البيهقي، [المتوفى: 609 هـ]
نزيل مرو.
شيخ صالح كان يخيط، ويأكل من كسب يده على كبر السن، ويؤذن.
توفي في شوال بمرو. ويسمى أيضا محمودا.
سمع محمد بن إسماعيل اليعقوبي، وعبد السيد بن أبي بكر البناء الطاقي، والقاسم بن عمر الفصاد حدثاه عن العميري، وأبا العباس عبد المعز بن بشر المزني، ونصر بن سيار الكناني حدثاه عن نجيب الواسطي، وأبا الوقت السجزي، وغيرهم. روى عنه الزكي البرزالي، والضياء المقدسي. وأجاز للفخر علي، ولجماعة.(13/214)
443 - زهير ابن الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن محمود، أبو سعد الطائي، البوشنجي. [المتوفى: 609 هـ]
ولد سنة خمس وعشرين وخمسمائة ببوشنج. سمع من الزاهد يوسف بن أيوب الهمذاني. وحدث بهراة؛ روى عنه الحافظ الزكي البرزالي، وغيره. وأجاز للفخر علي. وتوفي في ربيع الأول.(13/214)
444 - سليمان بن سلطان بن خليفة، أبو الربيع المنذري المصري الشافعي البناء. [المتوفى: 609 هـ]
سمع من أبي طاهر السلفي، وإسماعيل بن قاسم الزيات. وأم الناس بمصر بالمسجد المعروف به. [ص:215]
روى عنه الزكي المنذري. وتوفي في ذي القعدة.(13/214)
445 - عاتكة بنت الحافظ أَبِي العلاء الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن الحسن بن أحمد الحنبلي الهمذاني العطار. [المتوفى: 609 هـ]
سمعت من أبي بكر هبة اللَّه بْن الفَرَج ابن أخت الطويل، ونصر بن المظفر البرمكي، وأبي حفص عمر بن أحمد الصفار، وأبي الوقت.
وروت الكثير بهمذان وبغداد، وقدمت على ولدها القاضي علي بن عبد الرشيد قاضي الجانب الغربي ببغداد. وكان سماعها صحيحا، وهي شيخة صالحة. روى عنها أبو عبد الله الدبيثي. وأجازت للشيخ شمس الدين عبد الرحمن، وللكمال عبد الرحيم، ولأحمد بن شيبان، وللفخر علي.
وتوفيت فجاءه ببغداد في رجب ساجدة.(13/215)
446 - عائشة بنت أَبِي الفتح أَحْمَد بْن أَبِي غالب مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن محمد ابن السكن. [المتوفى: 609 هـ]
حدثت عن سعيد ابن البناء. وتوفيت في ربيع الأول ببغداد.
وعنها ابن النجار.(13/215)
447 - عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بن عبد القاهر ابن الطوسي، ثم الموصلي. [المتوفى: 609 هـ]
ولد سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة. وهو من بيت العلم والرواية.
قال المنذري: توفي في هذه السنة، ولنا منه إجازة.(13/215)
448 - عبد الله بْن هبة اللَّه بْن أَبِي القاسم، أبو محمد ابن الحلي الدلال البزاز. [المتوفى: 609 هـ]
حدث عن أبي محمد سبط الخياط، وأحمد بن الأشقر، وأبي الفضل الأرموي. وقيل: بل الذي سمع من هؤلاء أخ له مات شابا واسمه باسمه.(13/215)
449 - عبد الرحمن بن أحمد بن مواهب بن الحسن، أبو محمد البغدادي، ابن غلام العلبي. [المتوفى: 609 هـ]
سمع أباه، وأبا الوقت، وجماعة. ومات في ذي القعدة.(13/216)
450 - عبد الرحمن بن شجاع بن الحسن بن الفضل، الفقيه أبو الفرج البغدادي، الحنفي. [المتوفى: 609 هـ]
ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة. وتفقه على والده. وسمع من ابن ناصر، وأحمد بن ناقة.
وكان إماما فقيها مفتيا مدرسًا؛ درس بمشهد أبي حنيفة - رحمه الله - نيابة عن المدرس. وكان أبوه من كبار الحنيفة.
توفي هو في شعبان.(13/216)
451 - عبد الرحمن بن أبي الفضائل عبد الوهاب بن أبي زيد صالح بن محمد، الفقيه، أبو الفضل ابن المعزم الهمذاني. [المتوفى: 609 هـ]
ولد سنة ست وعشرين وخمسمائة بهمذان. وسمع من أبيه، ومن أبي جعفر محمد بن أبي علي الحافظ، ونصر بن المظفر البرمكي، وأبي صابر عبد الصبور بن عبد السلام. وقيل: إنه آخر من حدث بهمذان بجامع الترمذي عن عبد الصبور، وهو آخر من حدث عن أبي جعفر الحافظ، وأبي منصور عبد الكريم بن محمد الخباز.
وكان جده أبو زيد إمام جامع همذان قد سمع من أبي إسحاق الشيرازي.
وقال الضياء المقدسي: هو أيضا آخر من روى عن أبي الحسن العجلي، وكان إمام جامع همذان. [ص:217]
روى عَنْهُ ابن نقطة، والرفيع إسحاق بن محمد الهمذاني، والشرف المرسي، والصدر البكري، وغيرهم. وأجاز للفخر علي.
قال ابن نقطة: سمع " صحيح الْبُخَارِيّ " من أَبِي جَعْفَر مُحَمَّد بْن أبي علي، وكان سماعه صحيحا. وقال لي إسحاق بن محمد بن المؤيد: إنه قرأ عليه كتاب " المتحابين في الله " لأبي بكر بن لال، بسماعه من البديع أحمد بن سعد العجلي؛ قال: أخبرنا علي بن عبد الحميد البجلي عنه، وأنه سمع كتاب " مكارم الأخلاق " لابن لال أيضا من هبة الله ابن أخت الطويل؛ قال: أخبرنا البجلي عن ابن لال.
قال الحافظ عبد العظيم: توفي في ثامن عشر ربيع الآخر.(13/216)
452 - عبد الرحمن بن أبي الفوارس بن أحمد بن شيران، أبو الفتوح البغدادي، السمسار. [المتوفى: 609 هـ]
سمع من أبي غالب ابن الداية، وأبي الفضل الأرموي، وابن ناصر وحدث؛ وكان شيخا صالحا.
توفي في رجب.(13/217)
453 - عبد الرشيد بن محمد بن علي، أبو بكر الميبذي. [المتوفى: 609 هـ]
وميبذ: بليدة عند يزد.
سمع أبا العباس الترك وطبقته. وقرأ الكثير، وحصل الأصول. لقيته ببغداد.
ولد سنة اثنتين وستين وخمسمائة، ومات في صفر بيزد.(13/217)
454 - عبد الصمد بن يوسف، [المتوفى: 609 هـ]
أخو الموفق عبد اللطيف بن يوسف، البغدادي. [ص:218]
أظنه روى عن أَبِي الوقت، وغيره. وتُوُفّي فِي جمادى الآخرة.(13/217)
455 - عبد الملك بن أبي علي المبارك بن عبد الملك بن الحسن، القاضي أبو منصور الحريمي العدل، [المتوفى: 609 هـ]
المعروف والده بابن القاضي.
ولد سنة ثمان وعشرين وخمسمائة. وسمع من أبي منصور عبد الرحمن بن محمد الشيباني، وأبي البدر إبراهيم بن محمد الكرخي، وأبي الفتح الكروخي، وابن الطلاية، وجماعة.
وولي القضاء بمدينة المنصور، وبالحريم الطاهري، وكان صالحا خيرا.
روى عنه الدبيثي، والضياء، والنجيب عبد اللطيف، وثابت وذاكر ابنا عبد المحسن الحريمي، وسلمان بن أبي بكر السقاء، وغالب بن محمد النجار، وجماعة. وتوفي في العشرين من ذي الحجة.
قال ابن النجار: كتبت عنه وكان صدوقا.(13/218)
456 - عبدان الفلكي، الأجل عز الدين، [المتوفى: 609 هـ]
صاحب الدار والحمام تجاه دار الحديث النورية بدمشق.
ورخ موته أبو شامة.(13/218)
457 - علي بن أحمد بن علي ابن الصياد الواسطي، أبو السعادات ابن أبي الكرم المقرئ، الضرير. [المتوفى: 609 هـ]
تفقه بالنظامية. وسمع من أبي الوقت، وجماعة. وتوفي في جمادى الآخرة. وولي خطابة قرية الأرحاء، وهي قريبة من واسط.(13/218)
458 - علي بن أحمد بن أبي نصر، أبو الهيجاء العباسي الشريف. [المتوفى: 609 هـ][ص:219]
حدث بـ " صحيح البخاري " عن أبي الوقت، وكان يلعب بالحمام، وادعى سماع أشياء، وخلط.(13/218)
459 - علي بن أحمد بن يوسف بن مروان بن عمر، أبو الحسن الأندلسي. [المتوفى: 609 هـ]
من أهل مدينة وادي آش.
روى عن إبراهيم بن عبد الرحمن القيسي، وعبد المنعم بن الفرس.
قال الآبار: وكان صاحب فنون وتصانيف، منها: كتاب " الوسيلة في الأسماء الحسنى "، وكتاب " الترصيع في تأصيل مسائل التفريع "، وكتاب " اقتباس السراج في شرح مسلم "، وكتاب " نهج المسالك في شرح موطأ مالك " في عشر مجلدات. سمع منه شيخنا أبو جعفر ابن الدلال، وغيره. وتوفي وله ستون سنة.(13/219)
460 - علي بن أحمد بن أبي قوة، الأزدي الداني الشاعر. [المتوفى: 609 هـ]
أخذ القراءات عن أبيه، وابن كوثر، وأبي القاسم بن حبيش. أخذ عنه أبو القاسم الملاحي.(13/219)
461 - علي بن الحسين بن علي بن نصر ابن البل، أبو الحسن الدوري المجلد. [المتوفى: 609 هـ]
ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة. وسمع من أحمد ابن الطلاية، وابن ناصر، وأبي الوقت، وجماعة.
روى عنه الدبيثي، وقال: مات في جمادى الأولى.(13/219)
462 - علي بن حمزة بن علي ابن البزوري الكرخي. [المتوفى: 609 هـ][ص:220]
روى حضورًا عن سعيد ابن البناء. ومات في ذي القعدة.(13/219)
463 - علي بن أبي الكرم بن علي، أبو السعادات الأرحائي، الواسطي. [المتوفى: 609 هـ]
والأرحاء: من قرى واسط.
سمع " صحيح البخاري " من أبي الوقت.
قال ابن نقطة: كتبت عنه بواسط، مات فِي جُمادى الآخرة.(13/220)
464 - علي بْن مُحَمَّد بْن علي بن محمد، أبو الحسن ابن خروف. [المتوفى: 609 هـ]
من كبار النحاة بالأندلس. حضر من إشبيلية. أخذ القراءات عن أبي محمد ابن الزقاق، وأبي بكر ابن صاف. وسمع من أبي عبد الله بن مجاهد، وأبي بكر بن خير، وجماعة. وأخذ العربية عن أبي إسحاق بن ملكون، وابن طاهر الخدب.
وكان إماما في العربية، مدققا، محققا، ماهرا، مشاركا في علم الكلام والأصول، صنف شرحا " لكتاب " سيبويه جليل الفائدة، وصنف شرحا " لجمل " الزجاج، وكتابا في الفرائض. وله كتاب " الرد " في العربية على أبي زيد السهيلي، وعلى جماعة.
قال الآبار: وله كتاب في الرد على أبي المعالي الجويني، ولم يصب في رده، وكانت العربية بضاعته وصناعته. أقرأ النحو بعدة بلاد، ثم اختل عقله، وتوفي بعد مدة.(13/220)
465 - علي بن محمد ابن الوزير عون الدين يحيى بن هبيرة. [المتوفى: 609 هـ]
سمع من أبن البطي. وكان يتردد إلى الشام، وقدم آمد فأدركه أجله بها في جمادى الأولى.(13/220)
466 - علي بن أبي الفرج المبارك بن صافي، أبو الحسن البغدادي الصوفي. [المتوفى: 609 هـ][ص:221]
شيخ صالح. ولد سنة خمس وثلاثين. وسمع من جده صافي بن عبد الله، ومن أبي الوقت، وأبي المظفر الشبلي. وصحب شيخ الشيوخ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سعد.
وكان جده مولى القاضي أبي جعفر ابن الخرقي، فأعتقه وزوجه ابنته.
توفي في رمضان.(13/220)
467 - علي بن منصور بْن الْحَسَن بْن القَاسِم بْن الفضل الثقفي الأصبهاني. [المتوفى: 609 هـ]
إمام فاضل فقيه، من بيت الحديث والحشمة. ذكر أنه ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة. والعجب أنه لم يسمع من جعفر بن عبد الواحد الثقفي، وفاطمة الجوزدانية وطبقتهما. وسمع من زاهر الشحامي، وغيره.
ولقبه: كمال الدين.
روي عنه أبو إسحاق الصريفيني، وغيره. وأجاز للشيخ شمس الدين ابن أبي عمر، وللفخر علي، وللكمال عبد الرحيم، ولأحمد بن شيبان، وغيرهم.
ورخ الضياء وفاته في هذه [السنة]. ووجدت بخط الحافظ (. . .) إنه توفي سنة ست وستمائة، فالله أعلم.(13/221)
468 - علي بن عبد الله بن فرج الغساني، المعروف بالزيتوني الغرناطي. [المتوفى: 609 هـ]
لازم أبا عبد الله بن عروس، وبرع في القراءات والنحو. عظمه ابن الزبير، وقال: عرض " الموطأ " و " كتاب " سيبويه، وأكثر " صحيح " البخاري. قعد للإقراء وعقد الوثائق. روى عنه أبو علي بن سمعان. توفي سنة تسع.(13/221)
469 - الفضل بن عمر بن منصور، أبو منصور الأزجي الكاتب، المعروف بابن الرائض المقرئ. [المتوفى: 609 هـ]
قرأ القراءات العَشْر عَلَى أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن عساكر البطائحي. وسمع من خديجة بنت النهرواني، وغيرها. وحدث، وكتب الخط المنسوب على طريقة ابن البواب في غاية الحسن. وتوفي في جمادى الآخرة، وله سبع وخمسون سنة.(13/222)
470 - قايماز، عتيق شهردار ابن الحافظ شيرويه الهمذاني. [المتوفى: 609 هـ]
روى عن أبي الخير محمد بن أحمد الباغبان. روى عنه الشيخ الضياء، وغيره.
توفي في جمادى الآخرة بهمذان.(13/222)
471 - محمد بن أحمد بن خلف بن عياش، أبو عبد الله الأنصاري الخزرجي القرطبي، المعروف بالشنتيالي. [المتوفى: 609 هـ]
سمع الكثير من أبي القاسم بن بشكوال، وناوله كتب خزانته وأخذ القراءات والنحو عن صهره أبي القاسم بن غالب، وسمع من السهيلي، وأبي بكر ابن خير، وجماعة.
قال الأبار: كان عالما عاملا، صالحا، متواضعا، عارفا بالقراءات، مجودا متقنا، له بصر بالحديث والفقه، ومشاركة في الفرائض. أقرأ وأسمع دهرا؛ وأخذ عنه أبو القاسم ابن الطيلسان، وابنه أبو بكر عياش. وتوفي في شعبان في عشر الثمانين.(13/222)
472 - محمد بن إبراهيم أبو عبد الله الحضرمي القرطبي الفقيه، [المتوفى: 609 هـ]
قاضي اليسانة وخطيبها.
له مؤلف في " رجال الموطأ ". وروى عن ابن بشكوال. واستشهد يوم العقاب.(13/222)
473 - محمد بن إسماعيل بْن علي، الفقيه أبو عَبْد اللَّه اليمني الشافعي، المعروف بابن أبي الصيف. [المتوفى: 609 هـ]
كان عارفا بالمذهب. حصل كثيرا من الكتب، وسمع بمكة من أبي نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق اليوسفي، وعلي بن عمار الطرابلسي، والحسن بن علي البطليوسي، والمبارك ابن الطباخ، وعبد المنعم بن عبد الله الفراوي، وطبقتهم.
وجمع أربعين حديثا عن أربعين شيخا، من أربعين مدينة، سمع من الكل بمكة. وكان على طريقة حسنة، وسيرة جميلة، وخير.
توفي بمكة في ذي الحجة.
والصيف: بصاد مهملة.(13/223)
474 - محمد بْن حسن بْن محمد بْن يوسف بن خلف، أبو عبد الله بن الحاج الأنصاري المالقي، ويعرف أيضا بابن صاحب الصلاة. [المتوفى: 609 هـ]
سمع أبا عبد الله ابن الفخار، وعبد الحق بن بونة، وجماعة. وحج فلقي في طريقه الحافظ أبا محمد عبد الحق بن عبد الرحمن ببجاية فسمع منه، وبالإسكندرية من أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الحضرمي، وبمكة من أبي حفص الميانشي. وقفل إلى بلده مالقة، وحدث. أخذ عنه ابن حوط الله، وأبو القاسم الملاحي، وغيرهما.
استشهد بوقعة العقاب في صفر.(13/223)
475 - مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن عمر بن هارون، أبو عبد الله الشوني. [المتوفى: 609 هـ]
وشون: من عمل إشبيلية.
سمع أبا الحسن بن هذيل، وأبا الحسن ابن النعمة، وأبا بكر بن نمارة.
وكان مشاركا في الفقه وولي الأحكام ببلنسية، وكتب بخطه الكثير من العلوم.
قال الآبار: وناولني " رسالة " ابن أبي زيد، و " التيسير " لأبي عمرو. ولم يكن له بصر بالحديث. وتوفي في ذي القعدة.(13/224)
476 - محمد بن سعد بن محمد، أبو الفتح الديباجي، المروزي. [المتوفى: 609 هـ]
شيخ العربية بمرو، ومصنف كتاب " المحصل في شرح المفصل " للزمخشري. سمع من أبي سعد ابن السمعاني.
وحدث، وأقرأ النحو دهرا، وحج، وعاش اثنتين وتسعين سنة. وهو مشهور في تلك الديار، ومن أعيان النحاة.
توفي بمرو في ثامن عشر صفر.(13/224)
477 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن، أبو العلاء ابن الراس اليمني، ثم البغدادي، الصوفي. [المتوفى: 609 هـ]
سمع من أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسن الفارسي، وأبي المظفر هبة الله ابن الشبلي، وأبي الوقت السجزي، وجماعة. وعاش نيفا وثمانين سنة.
روى عنه أبو عبد الله الدبيثي، وغيره. وتوفي في ذي القعدة.
ولد لأبيه باليمن وهو في التجارة، وسمع بمكة من ابن الكروخي.(13/224)
478 - مُحَمَّد بْن عليّ بْن حمزة بْن فارس بن محمد بن عبيد، أبو الفرج الحراني البغدادي ابن القبيطي، [المتوفى: 609 هـ]
أخو حمزة.
ولد في صفر سنة ثمان وعشرين وخمسمائة. وسمع من أبي عبد الله الحسين، وأبي محمد عبد الله سبطي أبي منصور الخياط، وأبي عبد الله ابن [ص:225] السلال، وأبي القاسم علي ابن الصباغ، وأبي مَنْصُور بْن خَيْرُون، وأبي سعد أَحْمَد بن محمد البغدادي ثم الأصبهاني، وأحمد بن الأشقر، وطبقتهم.
وثقه أبو عبد الله الدبيثي، وروى عنه هو، والضياء، والجمال يحيى بن الصيرفي، والمحب ابن النجار، وآخرون. وتوفي في الثامن والعشرين من جمادى الأولى. وأجاز للفخر علي، ولجماعة.
وقد روى الحديث من بيته جماعة منهم: بنوة عبد اللطيف، وعبد العزيز، ونصر.
وكان متيقظا، حسن الأخلاق، صبورا للطلبة، جميل الأمر. سمع منه الجمال ابن الصيرفي كتاب " معرفة الصحابة " لأبي عبد الله بن مَنْدَهْ، بسماعه من أبي سعد أحمد بن محمد ابن البغدادي، عن أصحاب المؤلف؛ لأنه سمعه ملفقا على اثنين أو ثلاثة أنفس.(13/224)
479 - محمد بْن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن علي بْن عبد العزيز، أبو عبد الله ابن السمذي البغدادي الدارقزي، [المتوفى: 609 هـ]
ابن أخت عمر بن طبرزد وزوج ابنته.
سمع بإفادته من أحمد ابن الطلاية، وأحمد بن أحمد ابن الخراز. وحدث. وكان مولده في سنة أربعين، وتوفي في المحرم. وكانت طريقته غير مرضية - قاله ابن النجار ولم يسمع منه شيئا.(13/225)
480 - محمد بن محمد بن أبي الفضل، أبو عبد الله الخوارزمي. [المتوفى: 609 هـ]
ولد سنة أربع وعشرين وخمسمائة. وسمع بأصبهان من زاهر الشحامي.
روى عنه الضياء، وغيره. وبالإجازة الشيخ شمس الدين عبد الرحمن و. . .
ومات في سلخ ذي الحجة.(13/225)
481 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم، أبو عبد الله ابن الأكاف الموصلي. [المتوفى: 609 هـ][ص:226]
سمع من خطيب الموصل عبد الله ابن الطوسي. وقدم دمشق، فسمع بها.
وسمع ببغداد من نصر الله القزاز، وجماعة.
وعني بالجمع والكتابة. وحدث ببلده، وأقام مجاورا بجامع الموصل العتيق مقبلًا على العبادة والخير رحمه الله.(13/225)
482 - محمد بن مسعود بن حسن النيسابوري. [المتوفى: 609 هـ]
قال الحافظ الضياء: توفي بنيسابور في ذي الحجة، ومولده سنة عشر وخمسمائة.
قلت: أجاز للفخر. وذكره المنذري في سنة عشر، ووصفه بالزهد، وقال: يعرف بالكوف.(13/226)
483 - محمد بن محمد بن أبي الفضل، أبو عبد الله الخوارزمي، ثم الأصبهاني. [المتوفى: 609 هـ]
من شيوخ الحافظ الضياء، قال: توفي في آخر سنة تسع، وولد سنة أربع وعشرين وخمسمائة.(13/226)
484 - المبارك بن سعد الله بن المبارك بن بركة، أبو الرضا الواسطي الأصل البغدادي الظفري، الطحان. [المتوفى: 609 هـ]
سمع من ابن ناصر، وعبد الملك بن علي الهمذاني.
توفي في رمضان. وقيل: توفي سنة عشر.
روى عنه الدبيثي.(13/226)
485 - محمود بن عثمان بن مكارم النعال، الرجل الصالح. [المتوفى: 609 هـ]
توفي ببغداد في صفر برباطه. وكان شيخا صالحا زاهدا، أمارا بالمعروف، نهاء عن المنكر. روى عن أبي الفتح ابن البطي، وغيره.
قال أبو شامة في " تاريخه ": انتفع به خلق كثير ببغداد. قال: وكان شيخا عابدا، مهيبا لطيفا باسما، يَصُومُ الدَّهْرَ وَيَخْتِمُ الْقُرْآنَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. [ص:227]
وكان لا يتقوت إلا من غزل عمته. بني رباطا بباب الأزج يأوي إليه طلبة العلم من المقادسة وغيرهم. وله رياضات ومجاهدات؛ قد ساح في بلاد الشام. وكان مولده في سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة.
روى عنه الضياء محمد، وغيره. وروى عنه ابن النجار، وقال: كان صالحا زاهدا عابدا، ورعا، ناهيا عن المنكر، كثير الخير.(13/226)
486 - محمود بن مسعود البغدادي، المكبر بجامع القصر. [المتوفى: 609 هـ]
روى عن أبي الفتح ابن البطي، وأبي المعالي الباجسرائي. وتوفي في شوال.
روى عنه الدبيثي، وابن النجار.(13/227)
487 - مرتفع بن جبريل بن قراتكين بن عبد الله بن شجاع، أبو العوالي الكناني المصري الشافعي المقرئ. [المتوفى: 609 هـ]
قرأ القراءات على أبي الجيوش عساكر بن علي، وأبي الفوارس فارس ابن تركي، وأبي الجود غياث اللخمي. وسمع من أبي طاهر السلفي.
وحدث، وأقرأ، وانتفع به خلق. وكان إماما فاضلا صالحا.
توفي بالقاهرة في ثاني شعبان، وله ثلاث وستون سنة.(13/227)
488 - نصر الله بن أبي بكر بن باباه الأسعردي الشاعر، المعروف بمادح الرحمن، [المتوفى: 609 هـ]
نزيل دمشق.
يقال: إنه لم يمدح أحدا من المخلوقين، بل قصر شعره على ذكره الله والثناء عليه.
روى عنه الشهاب القوصي وغيره من شعره. وتوفي في جمادى الأولى، ودفن بمقبرة باب الفراديس.(13/227)
489 - نصر ابن الرئيس أبي بكر منصور ابن الأجل أَبِي القاسم نصر بْن مَنْصُور بْن الْحُسَيْن ابن العطار، أبو القاسم الحراني الأصل البغدادي. [المتوفى: 609 هـ][ص:228]
ولد سنة خمس وخمسين. وسمع من أبي الفتح ابن البطي، وأبي زرعة، وجماعة. ودخل دمشق، ومصر. وقيل: إنه لم يحدث بشيء.
وكان أبُوهُ ظهير الدين من كبار الرؤساء، وقد ذكرناه.(13/227)
490 - يحيى بن سالم بن مفلح، أبو زكريا البغدادي. [المتوفى: 609 هـ]
حدث بالموصل عن أبي الوقت السجزي. وتوفي في رمضان بالموصل.(13/228)
491 - يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن غنيمة، الإمام أبو زكريا ابن حواوا الخياط المقرئ. [المتوفى: 609 هـ]
قرأ بالروايات الكثيرة على أصحاب البارع والمزرفي، وبالغ في ذلك حتى صار من أكمل قراء زمانه. ونظر في العربية. وتفقه لأحمد. وسمع الكثير من ابن شاتيل، ونصر الله القزاز.
ختم عليه خلق. وكان صالحا، حسن الطريقة.
وثقه ابن النجار وروى عنه، وقال: مات في شعبان سنة تسع فجاءة.(13/228)
492 - أبو بكر بن عيسى بن محمد بن خلف الحربي، المعروف بالجلخ. [المتوفى: 609 هـ]
سمع من هبة الله بن أحمد الشبلي. وحدث.
توفي في رمضان.
روى عنه ابن النجار ووصفه بالصلاح.(13/228)
493 - أبو منصور ابن الصوفي الكلابي الدمشقي. [المتوفى: 609 هـ]
لم أظفر باسمه. [ص:229]
قال المنذري: تُوُفّي فِي الخامس والعشرين من ذي الحجَّة. حدث بداريا عن الحافظ أبي طاهر السلفي. توفي بدمشق، ودفن بمقابر باب الصغير.(13/228)
-وفيها ولد:
أبو بكر محمد ابن الحافظ إسماعيل ابن الأنماطي. والكمال أحمد بن محمد ابن النصيبي الحلبي، والصدر إبراهيم بن أحمد بن عقبة البصروي، والشرف مظفر بن محمد بن قصيبات التاجر بدمشق، والشرف يحيى بن أحمد ابن الصواف الإسكندراني، والمحيي يوسف بن حسن ابن القابسي الإسكندراني، والنجم عبد اللطيف بن نصر بن سعيد الشيخي، الذي روى عن ابن روزبة، والفخر يوسف بن كرم البغدادي الصائغ، يروي عن الفتح بن عبد السلام، والكمال علي بن عبد الله بن إبراهيم المتيجي بالإسكندرية، وعماد الدين داود بن محمد بن أبي القاسم بالقدس في رجب، والزكي إبراهيم بن عبد الرحمن ابن المعري ببعلبك، وعبد الرحيم بن عبد المنعم ابن الدميري بمصر تقريبا. والمحدث أبو صالح عبيد الله بن عمر ابن العجمي بحلب، ومحمد بن عبد الصمد بن محمد ابن العجمي، سمعا الافتخار، وتاج الدين أحمد بن عبد الكريم ابن الأغلاقي.(13/229)
-سنة عشر وستمائة(13/230)
494 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْحسن بْن هبة اللَّه، تاج الأمناء، أبو الفضل الدمشقي المعدل. [المتوفى: 610 هـ]
ابن أخي الحافظ أبي القاسم ابن عساكر، وأحد الأخوة وأكبرهم، ووالد العز النسابة.
ولد سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة. وسمع من نصر بن أحمد بن مقاتل، وأبي العشائر محمد بن خليل القيسي، وأبي المظفر سعيد الفلكي، وعميه الصائن هبة الله والثقة علي، وأبي المكارم عبد الواحد بن هلال، وأبي القاسم ابن البن، وجماعة كبيرة. وسمع بمكة من أحمد ابن المقرب، والشيخ أبي النجيب عبد القاهر السهروردي.
وخرج لنفسه مشيخة، وتكلم على أحاديثها ومواليدها، وكتب وجمع، وكان فصيحا، صحيح النقل، محترما جليلا، خدم في مناصب كبار.
روى عنه ابنه عز الدين محمد، وابن خليل، والضياء محمد، والشهاب القوصي، وأبو الغنائم المسلم بن علان، ومحمد بن علي ابن النشبي، وغيرهم.
توفي في ثاني رجب، ودفن بتربتهم عند مسجد القدم.(13/230)
495 - أحمد بن محمد بن إبراهيم بن يحيى، أبو جعفر الحميري الكتامي القرطبي المعمر، [المتوفى: 610 هـ]
خطيب قرطبة.
سمع أبا عبد الله بن مكي، وأبا مروان بن مسرة، وأبا عبد الله بن نجاح الذهبي، وأخذ القراءات عن أبي بكر عياش بن فرج، وعبد الرحيم الحجازي. وأخذ النحو واللغة عن أبي بكر بن سمجون، وأبي الحجاج المرادي، وأجاز له الإمام أبو عبد الله المازري وتفرد بالرواية عنه. وتصدر للإقراء بجامع قرطبة دهرا، ودرس علوم اللسان.
قال الآبار: وكان حافظا لها بصيرا بها. طال عمره، وأخذ الناس عنه، وتوفي في صفر وقد جاوز الثمانين. [ص:231]
وقال المنذري: إنه يعرف بابن الوزغي، وأنه روى عن أبي الحسن يونس بن محمد بن مغيث، وشريح بن محمد الرعيني، وأبي عبد الله جعفر بن محمد بن مكي بن أبي طالب القيسي - يعني بالإجازة.
وذكره ابن مسدي في " مشيخته " بالإجازة، وقال: تفرد بالسنن والإسناد وكل فضيلة تستفاد، وتصرف من المعارف في فنون مع براعة في المنثور والموزون. وكان في القراءة والآداب إماما غير منازع في هذا الباب مع سمو قدر ونزاهة ذكر. ويعرف بالوزغي - بسكون الزاي - وقيل: وزغة من قرى قرطبة. سَمِعَ من جعفر بن محمد بن مكي، وعبد العزيز بن خلف بن مدير، وعبد الرحيم بن قاسم، وعياش بن فرج، ويوسف بن إسماعيل، ومحمد بن يوسف التميمي. وهو آخر من روى في الدنيا عنهم بالسماع. ولم يزل مقرئًا للقراءات وتواليفها ملقيًا للآداب وتصاريفها إلى أن قال: كتب إلينا أبو جعفر بن يحيى من قرطبة، أخبرنا عبد العزيز بن خلف، قال: أخبرنا محمد بن سعدون القروي، قال: أخبرنا علي بن منير الخلال - فذكر حديثا. وأنبأنا، قال: أخبرنا جعفر بن محمد، قال: أخبرنا عبد الملك بن سراج - فذكر حديثا. قيل مولده قبل العشرين وخمسمائة بيسير.(13/230)
496 - أحمد بن محمد بن عمر، أبو بكر الآزجي المؤدب المفيد، موفق الدين. [المتوفى: 610 هـ]
سمع من ذاكر بن كامل، وعبد الخالق ابن الصابوني، ويحيي بن بوش، وابن كليب، وطبقتهم. وقدم دمشق فقيرا واجتمع بالملك الظاهر بحلب، وقال: قد بعث لك الخليفة معي إجازة، وكذب، فخلع عليه وأعطاه خمسين دينارا، ودار على ملوك البلاد وحصل منهم ثلاثمائة دينار.
قال شمس الدين أبو المظفر الواعظ: اجتمعت به وقلت له: فعلت ما فعلت، فلا تقرب بغداد، فقال: " أتتك بحائن رجلاه "! فقلت: ما أخوفني أن يصح المثل فيك. فكان كما قلت؛ قدم بغداد فلما أمسى دق عليه الباب، فخرج فسحبه رجل، وضربه بسكين قتله، ثم صاح على أخته: اخرجي خذي [ص:232] أخاك وما معه، فخرجت فإذا هو مقتول، فأخذت المال الذي معه ودفنته.
قلت: روى عنه القاضي شمسُ الدّين أَبُو نصرٍ ابْن الشّيرازيّ في " مشيخته ". وقتل في سادس عشر ربيع الآخر.(13/231)
497 - أحمد بن مسعود بن علي، أبو الفضل التركستاني الفقيه الحنفي. [المتوفى: 610 هـ]
قدم بغداد وتفقه، وبرع في المناظرة، وانتهت إليه الرياسة في المذهب.
ودرس بمشهد أبي حنيفة. وحدث بالإجازة عن الإمام الناصر لدين الله، وليس ذلك من العلو في شيء؛ فإن في زماننا لو روى شخص عن الناصر بالإجازة لما عد ذلك في العوالي، فكيف الرواية عنه من أكثر من مائة سنة وفي حياته؟! وإنما ذلك من الكبر والتعاظم بلا مستند.
وقد صدر أبو الفضل رسولا إلى النواحي. وتوفي في ربيع الآخر.(13/232)
498 - إبراهيم بن سنقر البزاز. [المتوفى: 610 هـ]
بغدادي حدث عن عبد الملك بن علي الهمذاني.
توفي في حدود هذه السنة.(13/232)
499 - إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز، أبو إسحاق الحضرمي الإشبيلي، ويعرف بابن حصني. [المتوفى: 610 هـ]
حج وسمع من أبي طاهر السلفي، وابن عوف المالكي.
قال الآبار: وكان مجتهدا في العبادة، منقطع القرين في الخير. توفي في جمادى الأولى.(13/232)
500 - إبراهيم بن نصر بن عسكر، القاضي ظهير الدين، [المتوفى: 610 هـ]
قاضي السلامية. [ص:233]
تفقه للشافعي على الْإِمَام أَبِي عَبْد اللَّه الْحُسَيْن بْن نصر بن خميس، وسمع منه. وارتحل إلى بغداد، وسمع بها، وتأدب على أبي البركات الأنباري. وولي قضاء السلامية، وهي من كبار قرى الموصل. وله شعر جيد.
توفي في ربيع الآخر.(13/232)
501 - إسماعيل بن عَبْد الجبار بْن يوسف بْن عَبْد الجبار بن شبل، القاضي أبو الطاهر ابن القاضي الأكرم أبي الحجاج الجذامي الصويتي المقدسي الأصل المصري، علم الدين. [المتوفى: 610 هـ]
ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة.
وقرأ الأدب على العلامة ابن بري وصحبه مدة. وصحب شيخ الديوان يومئذ السديد أبا القاسم كاتب ناصر الدولة، وانتفع بصحبته. وسمع بالإسكندرية من السلفي. وولي ديوان الجيش للسلطان صلاح الدين ثم للملك العزيز ابنه وللأفضل. ثم ولي للملك العادل إلى أن صرف منه. وكان شاعرا مترسلا.
ومن الاتفاقات الغريبة: أن العلم هذا ووالده عاشا عمرا واحدا إحدى وستين سنة، وماتا في ذي القعدة، وولي كل واحد منهما ديوان الجيوش عشرين سنة.
وكان أبوه من كبار الكتاب المصريين. وولد جده أبو الحجاج بالقدس، وقدم مصر وهو شاب، فاشتغل بالفقه، وولي القضاء بالغربية، وكان فقيهًا صالحًا خيرًا.
وللعلم ولدان فاضلان وهما محمد ويوسف، رويا الحديث وسيأتيان إن شاء الله.(13/233)
502 - إسماعيل بن علي بن الحسين، فخر الدين الأزجي الرفاء المأموني الحنبلي الفقير المتكلم، المعروف بغلام ابن المني. [المتوفى: 610 هـ]
ولد في صفر سنة تسع وأربعين وخمسمائة. وتفقه على شيخه الإمام أبي الفتح نصر ابن المني، وسمع منه، ومن شهدة الكاتبة، ولاحق بن كاره. ودرس بعد شيخه في مسجده بالمأمونية. وكانت له حلقة بجامع القصر [ص:234] للمناظرة، وكان بارعا في الفقه، والجدل، ومسائل الخلاف، فصيحا، مناظرا. صنف تعليقه في الخلاف، وكان يقرئ العلوم في منزلة. ورتب ناظرا في ديوان المطبق، فذمت سيرته، فحبس وعزل، وبقي خاملًا متحسرًا على الرياسة إلى أن توالت أمراض فهلك، ولم يكن في دينه بذاك؛ قاله ابن النجار.
وقال: ذكر لي ولداه أنه قرأ الفلسفة على ابن مرقش النصراني. قال: وسمعت من أثق به أنه صنف كتابا سماه " نواميس الأنبياء " يذكر فيه أنهم كانوا حكماء كهرمس وأرسطاطاليس، فسألت بعض تلامذته عن ذلك فسكت، وقال: كان متسمحا في دينه، متلاعبا به.
قال ابن النجار: وكان دائما يقع في الحديث وأهله ويقول: هم جهال لا يعرفون العلوم العقلية. ولم أكلمه قط.
قال أبو المظفر ابن الجوزي: صنف له طريقة وجدلا، وكان فصيحا له عبارة، وصوت رفيع. ولاه الخليفة ضياع الخاص، فظلم الرعية، وجمع الأموال، فعزل وأقام في بيته خاملا فقيرا يعيش من صدقات الناس إلى أن مات في ربيع الأول. وولده الشمس محمد قدم الشام بعد سنة عشرين وتعاني الوعظ، وكان فاسقا مجاهرا، خبيث اللسان، ومعه جماعة مردان من أبناء الناس يزعم أنهم مماليكه، وبدت منه هنات قبيحة. وكان يضرب الرغل، وهجا قاضي دمشق ابن الخويي، ومحتسبها الصدر البكري، والناصح ابن الحنبلي، وكان يؤذي الناس ويفتري. ثم عاد إلى بغداد فقطع الخليفة لسانه وطوف به، فتكلم وهذي ثم عاد إلى السعاية بالناس، فنفي إلى واسط، وألقي في مطمورة حتى مات. [ص:235]
وقال الحافظ الضياء إسماعيل أبو محمد الفقيه صاحب ابن المني: كان يضرب به المثل في المناظرة، وتوفي في ربيع الآخر. سمعت عليه من شعره حسب. وقد سمع من شهدة.
قلت: توفي في ثامن ربيع الآخر، وأخذ عنه أئمة منهم العلامة مجد الدين ابن تيمية.(13/233)
503 - أيدغمش، السلطان [المتوفى: 610 هـ]
صاحب همذان وأصبهان والري.
كان قد تمكن وعظم أمره، وبعد صيته، وكثر جيشه إلى أن حصر ابن أستاذه أبا بكر ابن البهلوان صاحب أذربيجان، فلما كان في سنة ثمان وستمائة خرج عليه منكلي ونازعه في البلاد، وأطاعته المماليك البهلوانية. فهرب أيدغمش إلى بغداد، فأنعم عليه الخليفة وأعطاه الكوسات، وسيره على سلطنة همذان في سنة تسع، وقتل في سنة عشر.
لقبه: شمس الدين.(13/235)
504 - تاج العلى، الشريف النسابة الحسنى الرملي الرافضي، [المتوفى: 610 هـ]
الذي كان بآمد.
توفي بحلب. وكان قد اجتمع هو وأبو الخطاب ابن دحية، فقال له: إن دحية لم يعقب، فتكلم فيه ابن دحية ورماه بالكذب، وهو كذلك.
واسم تاج العلى: الأشرف بن الأعز بن هاشم العلوي الحسنى.
ذكره يحيى بن أبي طي في " تاريخه "، فقال: هو شيخنا العلامة الحافظ النسابة الواعظ الشاعر. قدم علينا وصحبته وقرأت عليه " نهج البلاغة " وكثيرا من شعره، وأخبرني أنه ولد بالرملة في غرة المحرم سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وعاش مائة وثمانيا وعشرين سنة، قال لي: واستهلت علي سنة إحدى وعشرين وخمسمائة بعسقلان، وفيها اجتمعت بالقاضي أبي الحسن علي بن عبد العزيز الصوري الكناني، وسمعت عليه " مجمل اللغة " وعمره يومئذ خمس وتسعون سنة، قال: قدم علينا مدينة صور أبو الفتح سليم الرازي سنة أربعين وأربعمائة، ونزل عندنا، وسمعت عليه جميع " المجمل " بقراءته على مصنفه. قال: واستهل علي هلال المحرم سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة بالإسكندرية، [ص:236] ولقي ابن الفحام، وقرأ عليه بالسبع بكتابه الذي صنفه. قال: وكنت هذه السنة بالبصرة، وسمعت من لفظ ابن الحريري خطبة " المقامات " التي صنفها. ثم ذكر أنه دخل المغرب، وأنه سمع سنة سبع وأربعين من الكروخي كتاب الترمذي، ودخل دمشق، والجزيرة، واستقر بحلب في سنة ست وستمائة بعد أن أخذه ابن شيخ السلامية وزير صاحب آمد، وبني في وجهه حائطا، ثم خلص بشفاعة الظاهر صاحب حلب، لأنه هجا ابن شيخ السلامية، وأقام بحلب، وجعل له صاحبها كل يوم دينارًا صوريا، وفي الشهر عشرة مكاكي حنطة ولحم. وأخبرني أنه صنف كتاب " نكت الأنباء " في مجلدين، وكتاب " جنة الناظر وجنة المناظر " خمس مجلدات في تفسير مائة آية ومائة حديث، وكتابا في " تحقيق غيبة المنتظر " وما جاء فيها عن النبي عليه السلام وعن الأئمة، ووجوب الإيمان بها، و " شرح القصيدة البائية " للسيد الحميري، وغير ذلك. فسألته أن يأذن لي في نسخ هذه الكتب وقراءتها، فاعتذر بالتقية، وأنه مسترزق من طائفة النصب. قال: وكان هذا الأشرف من نوادر الدهر علما وحفظا وأدبا وظرفا ونادرة وكرما، كان يعطي ويهب ويخلع، قدح عينيه ثلاث مرات. وحكى لي: أنه لا يطيق ترك النكاح، ورزق بنتا في سنة تسع قبل موته بسنة، ولم يفقد شيئا من أعضائه، لكن قل بصره، وأنشدني لنفسه كثيرا. مات بحلب في تاسع وعشرين صفر. وقد كانت العامة تطعن عليه عند السلطان، ولا يزداد فيه إلا رغبة، فلما مات قال: هاتوا مثله، ولا تجدونه أبدا!.
قلت: ما كان هذا إلا وقحا جريئا على الكذب؛ انظر كيف ادعى هذا السن، وكيف كذب في لقاء ابن الفحام، والحريري.(13/235)
505 - حسام الدمنهوري، أبو المهند. [المتوفى: 610 هـ]
سمع من أبي طاهر السلفي. وتوفي في رابع ذي القعدة.(13/236)
506 - الحسين بن سعيد بن الحسين بن شنيف بن محمد، أبو عبد الله الدارقزي، الأمين. [المتوفى: 610 هـ][ص:237]
ولد سنة خمس وعشرين وخمسمائة. وسمع من أبيه، وهبة الله بن أحمد ابن الطبر، وقاضي المارستان، وعبد الملك وعلي ابني عبد الواحد بن زريق القزاز، وإسماعيل ابن السمرقندي، وجماعة.
وكان أمين القضاة بمحلته وما يليها هو وأبوه، وكان أبوه حنبليا صالحا.
قال الدبيثي: كان ثقة من بيت حديث. ثم قال: قرأت عليه ونعم الشيخ كان؛ أخبركم ابن الطبر فذكر حديثا. توفي في ثالث عشر المحرم.
قلت: وروى عنه الضياء محمد، والنجيب عبد اللطيف، وخطيب دار القز أشرف بن محمد الهاشمي المعروف بابن قارون، وجماعة. وأجاز للفخر علي، ولجماعة آخرهم موتا الكمال عبد الرحمن المكبر.
وشنيف: هو ابن محمد بن عبد الواحد بن عبد الله بن علي بن فصيح بن عون بن سليمان بن أسوار بن بحتر بن الديلم بن عتيد بن جونة بن طخفة بن ربيعة، ثم ساق نسبه إلى خصفة بن قيس بن عيلان.(13/236)
507 - الحسين بن عبد العزيز بن الحسين، أبو عبد الله الكوفي ثم الواسطي، المعروف بابن الوكيل البزاز. [المتوفى: 610 هـ]
سمع أبا الكرم نصر الله بن مخلد ابن الجلخت، وسعد بن عبد الكريم الغندجاني، وأحمد بن بختيار المندائي. وقدم بغداد وسكنها.
روى عنه ابن النجار، وأبو عبد الله الدبيثي، وقال: كان أبوه من وكلاء الحكام. ولد سنة خمس وعشرين وخمسمائة، وتوفي في جمادى الأولى.
قلت: لم أر للرحالة عنه رواية.(13/237)
508 - زينب بنت الفقيه إبراهيم بن محمد بن أحمد بن إسماعيل، الحاجة أم الفضل القيسية، [المتوفى: 610 هـ]
زوجة الخطيب أبي القاسم عبد الملك الدولعي خطيب دمشق.
سمعت من نصر الله المصيصي. وأجاز لها الفراوي، وزاهر الشحامي، [ص:238] وعبد المنعم ابن القشيري، والقاضي أبو بكر الأنصاري، وهبة الله ابن الطبر، وآخرون.
وكان أبوها جنديا، ثم تفقه وقرأ القرآن.
روى عنها الضياء، والتقي اليلداني، والشهاب القوصي، والفخر علي، وأبو الفتح يوسف بن يعقوب ابن المجاور، وجماعة.
وكان مولدها بعد العشرين وخمسمائة. وتوفيت في الحادي والعشرين من ربيع الأول.(13/237)
509 - ست الكتبة بنت أبي البقاء يحيى بن علي بن الحسن، أم عبد الرحمن، [المتوفى: 610 هـ]
أخت أبي الحسن محمد بن يحيى الهمذاني ثم البغدادي.
شيخة معمرة؛ سمعت في سنة خمس وعشرين وخمسمائة شيئا نازلا من ثابت بن المبارك الكيلي، قال: أخبرنا مالك البانياسي. روى عنها الدبيثي، وغيره. وتوفيت في جمادى الآخرة.
وروى عنها القوصي في " معجمه " إجازة، قالت: أخبرنا ابن الحصين فذكر حديثا وليس القوصي بمعتمد، فما علمت أحدًا من أصحاب ابن الحصين عاش إلى هذا العام، والله أعلم!.(13/238)
510 - سعيد بن علي بن أحمد بن الحسين، الوزير معز الدين أبو المعالي الأنصاري البغدادي، المعروف بابن حديدة. [المتوفى: 610 هـ]
ولد سنة ست وثلاثين وخمسمائة تقريبا. وحدث عن أبي الخير أحمد بن إسماعيل القزويني.
وأصله من كرخ سامراء، وسكن بغداد من صباه. وكان ذا مال وجاه وحشمة. استوزره الإمام الناصر لدين الله في سنة أربع وثمانين وخمسمائة. وكان أبو الفرج ابن الجوزي يجلس للوعظ في داره، فلما ولي ابن مهدي الوزارة، وعزل ابن حديدة بعد أشهر من وزارته قبض عَلَيْهِ ابن مهدي وحبسه، وعزم على تعذيبه، فبذل للمترسمين مالا، وحلق رأسه ولحيته وخرج في زي [ص:239] النساء، فسافر إلى مراغة، فبقي بها إلى أن عزل ابن مهدي، فعاد إلى بغداد.
وكان سمحا جوادا، متواضعا، لازما لبيته إلى أن مات في سادس جمادى الأولى.
وأثنى عليه ابن النجار وقال: كان جليلا وقورا، حسن السيرة، مشكورا على الألسن. وكان مقربا للعلماء والصلحاء، كثير البر. دخلت عليه، وسمعت منه، إلا أنه كان خاليا من العلم ضعيف الكتابة، وكان يتشيع.(13/238)
511 - شجاع بن سالم بن علي بن سلامة ابن البيطار الحريمي، ويعرف بابن خضير، الشيخ الصالح أبو الفضل. [المتوفى: 610 هـ]
سمع حضورا من أحمد بن علي ابن الأشقر، وسمع من أحمد ابن الطلاية الزاهد، وأبي الفضل الأرموي، وأبي الوقت، وجماعة.
وهو أخو ظفر، وياسمين.
روى عنه أبو عبد الله الدبيثي، وغيره. وتوفي في شعبان.
أجاز للفخر علي ابن البخاري، ولأحمد بن شيبان.(13/239)
512 - صالح بن أحمد بن طاهر، أبو البقاء السجستاني، [المتوفى: 610 هـ]
نزيل حران.
سمع من أبي طاهر السلفي، وأبي المعالي منجب المرشدي.
وحدث بالرها، وهو والد أحمد الذي روى عنه محمد بن يوسف الإربلي، وغيره.(13/239)
513 - طاوس بن أحمد بن الحسين، أبو الحسن البغدادي الأزجي الصوفي الدقاق. [المتوفى: 610 هـ]
ولد سنة تسع وثلاثين. وسمع من أبي المعمر عبد الله ابن الهاطر المعروف بخزيفة، والمبارك بن خضير.
وكان اسمه أيضا عبد المحسن. [ص:240]
مات في غرة جمادى الأولى.
كنيته قيدها ابن نقطة.(13/239)
514 - ظافر بن قاسم بن ملاعب الحربي. [المتوفى: 610 هـ]
سمع هبة الله بن أحمد الشبلي. روى عنه ابن الدبيثي، وغيره. وتوفي في ذي الحجة.(13/240)
515 - عبد الله بن رافع بن مرتفع، الفقيه أبو محمد. [المتوفى: 610 هـ]
ولد سنة خمسين وخمسمائة. وسمع من السلفي.
روى عنه القوصي، وقال: مات بغزة في السنة.(13/240)
516 - عبد الله بن المبارك بن أحمد بن الحسين ابن سكينة، الصالح أبو محمد البغدادي. [المتوفى: 610 هـ]
سمع من أبي محمد سبط الخياط، وعبد الخالق بن أحمد اليوسفي، وابن ناصر. وسمع بهمذان من نصر بن المظفر البرمكي، وأجاز له يحيى بن الحسن ابن البناء. روى عنه الدبيثي، والضياء، والنجيب الحراني. وتوفي في شعبان عن نيف وثمانين سنة.
وكان أبوه إمام المسترشد بالله، فقتل معه لما قتلته الملاحدة بمراغة في سنة تسع وعشرين وخمسمائة.
وسكينة: مثقل.(13/240)
517 - عبد الجليل بن أبي غالب بن أبي المعالي بن محمد بن الحسين بن مندويه، أبو مسعود الأصبهاني السريجاني المقرئ الصوفي، [المتوفى: 610 هـ]
نزيل دمشق.
ولد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة. وسمع وهو كبير من نصر بن المظفر البرمكي، وأبي الوقت السجزي. روى عنه الزكي البرزالي، والزكي المنذري، وابن خليل، والضياء، واليلداني، والشهاب القوصي، وأبو الغنائم [ص:241] ابن علان، والفخر علي، والمحيي عمر بن محمد بن أبي عصرون، وأبو بَكْر بْن عُمَر بْن يُونُس المِزّيّ، وأبو الحسن علي بن أبي بكر بن صصرى، وآخرون. وآخر من روى عنه بالإجازة شيخنا عمر ابن القواس.
قال ابن نقطة: كان ثقة صالحا صحيح السماع، سمعت منه في الرحلة الأولى. وتوفي يوم الجمعة سابع عشر جمادى الأولى.
وذكره القوصي في " معجمه "، فقال: هو الإمام شيخ القراء، بقية السلف.
قلت: وحدث بـ " صحيح البخاري " غير مرة. وقيد بعضهم السرنجاني بضم السين وكسر الراء ونون ساكنة ثم جيم.(13/240)
518 - عبد الخالق بن أبي طاهر يحيى بن مقبل بن أحمد بن بركة ابن الصدر الحريمي، أبو الفضل ويعرف أيضا بابن الأبيض. [المتوفى: 610 هـ]
من بيت الرواية؛ حدث عن أبي الفتح ابن البطي، وغيره. وتوفي في المحرم كهلا.(13/241)
519 - عَبْد الرَّحْمَن بْن طاهر بْن محمد بْن طاهر الشيباني، البغدادي، أبو طاهر. [المتوفى: 610 هـ]
توفي في جمادى الآخرة، وله تسعون سنة.
روى عن سعد الخير بن محمد.(13/241)
520 - عبد الرحيم بن أبي النجم المبارك بن الحسن بن طراد، أبو الفضل الأزجي القطيعي، المعروف بابن القابلة. [المتوفى: 610 هـ]
سمع من علي بن عبد السيد ابن الصباغ، والأثير أبي المعالي الفضل بن سهل، وابن ناصر. وحدث. وله إجازة من قاضي المارستان بمسموعه خاصة. [ص:242]
روى عنه الدبيثي، وقال: توفي في رمضان.(13/241)
521 - عبد الرشيد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أحمد، أَبُو جعفر الطرقي الأصبهاني. [المتوفى: 610 هـ]
توفي بأصبهان في صفر، قاله الضياء وروى عنه.
وله إجازة من زاهر الشحامي.(13/242)
522 - عبد السلام بن أحمد بن أَبِي نصر بن الْأسود، أَبُو الفضل الحريمي. [المتوفى: 610 هـ]
سمع من أبي العباس أحمد ابن الطلاية.(13/242)
523 - عبد الكريم بن حسن بن جعفر بن خليفة، العلامة اللغوي، صفي الدين أبو طالب البعلبكي. [المتوفى: 610 هـ]
من كبار الأدباء. عاش خمسا وستين سنة.
سود شرحا " للمقامات ". وله جزء سؤالات وقعت في السيرة، سأل عنها الحافظ عبد الغني.
قال الشيخ الفقيه: كان مليئا بعلم اللغة، ثقة.
وقال شرف الدين شيخ الشيوخ بحماة: شرحه للمقامات في غاية الجودة. وكتب بخطه سبعمائة مجلدة.
مات في أواخر السنة.(13/242)
524 - عبد اللطيف ابن الإمام أبي النجيب عَبْد القاهر بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بن عمويه، أبو محمد السهروردي، الفقيه الشافعي. [المتوفى: 610 هـ]
ولد سنة أربع وثلاثين. وتفقه على أبيه، وغيره، ولقي بخراسان جماعة من العلماء، وسمع من أبي الفضل الأرموي، وعلي ابن الصباغ، وعبد الملك بن علي الهمذاني، وأبي الوقت؛ وغالب سماعه بالحضور.
قدم على الملك الناصر صلاح الدين، فولاه قضاء كل بلد افتتحه من السواحل وغيرها. ثم عاد إلى إربل، وسكنها إلى حين وفاته. [ص:243]
وله إجازة من قاضي المارستان. وَكَانَ كثير الأسفار. وَقِيلَ: إِنَّهُ حدث عن قاضي المارستان بالسماع، فتكلم فيه لذلك. روى عنه ابن خليل، والضياء. وتوفي في جمادى الأولى.(13/242)
525 - عثمان بن إبراهيم بن فارس بن مقلد، أبو عمرو السيبي ثم البغدادي الأزجي الخباز، [المتوفى: 610 هـ]
نزيل الموصل.
سمع من أحمد ابن الأشقر، وأبي محمد عبد الله سبط الخياط، وأبي الفضل الأرموي، وجماعة.
وهو أخو إسماعيل.
توفي حادي عشر جمادى الأولى بالموصل.(13/243)
526 - علي بن أحمد بن هلال، أبو الحسن الحربي المستعمل المعروف بابن العريبي. [المتوفى: 610 هـ]
روى عن المبارك بن أحمد الكندي، وأحمد ابن الطلاية، وسعيد ابن البناء. روى عنه الدبيثي، وغيره، وابن النجار.
وكان شيخا حسنا كثير التلاوة، وله ثروة.
توفي في الثالث والعشرين من رجب.(13/243)
527 - علي بن أحمد بن علي بن عبد المنعم، مهذب الدين أبو الحسن البغدادي، المعروف بابن هبل الطبيب، ويعرف أيضا بالخلاطي. [المتوفى: 610 هـ]
ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة ببغداد. ولو سَمِعَ الحديث في صغره، لكان أسند أهل زمانه، وإنما سَمِعَ من أَبِي القاسم إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْدِيّ. وقرأ الأدب، والطب، وبرع في الطب وصنف فيه كتابا حافلا، وكان من أذكياء العالم، وأضر بأخرة. [ص:244]
روى عنه الزكي البرزالي، وابن خليل، والنجيب عبد اللطيف، وجماعة. وأجاز للفخر علي ابن البخاري.
وقال أحمد بن أبي أصيبعة في " تاريخه ": كان أوحد وقته، وعلامة زمانه في صناعة الطب، وفي العلوم الحكمية، متميزا في صناعة الأدب، وله شعر حسن، وألفاظه بليغة. وكان متقنا لحفظ القرآن. وأقام مدة بخلاط عند صاحبها شاه أرمن، وحصل له من جهته مال عظيم.
قال: وحدثني عفيف الدين علي بن عدلان النحوي أن مهذب الدين قبل رحيله من خلاط، بعث ما له من المال العين إلى الموصل إلى مجاهد الدين قايماز الزيني وديعة عنده، وكان ذلك نحو مائة وثلاثين ألف دينار. ثم أقام ابن هبل بماردين عند بدر الدين لؤلؤ والنظام إلى أن قتلهما صاحب ماردين ناصر الدين ابن أرتق، وكان بدر الدين لؤلؤ مزوجا بأم ناصر الدين. قال: وعمي مهذب الدين بماء نزل في عينيه عن ضربة، وكان عمره إذ ذاك خمسا وسبعين سنة. ثم توجه إلى الموصل، وحصلت له زمانة، فلزم منزله بسكة أبي نجيح، وكان يجلس على سرير، ويقصده طلبة الطب. حدثنا الحكيم أبو العز يوسف بن أبي محمد بن مكي ابن السنجاري الدمشقي، قال: حدثنا أبو الحسن ابن هبل، قال: أخبرنا إسماعيل بن أحمد السمرقندي، قال: أخبرنا عبد العزيز الكناني، فذكر حديثا.
قال: وكان ابن هبل في أول أمره قد اجتمع بأبي محمد ابن الخشاب، وقرأ عليه شيئا من النحو، وتردد إلى النظامية، وتفقه، ثم اشتهر بعد ذلك بالطب، وفاق أكثر أهل زمانه. ثم ذكر أبياتا من شعره وقطعا، منها:
لقد سبتني غداة الخيف غانية ... قد حازت الحسن في دل لها وصبا
قامت تميس كخوط البان غازلة ... مع الأصائل ريحي شمأل وصبا [ص:245]
يكاد من دقة خصر تدل به ... يشكو إلى ردفها من ثقله وصبا
لو لم يكن أقحوان الثغر مبسمها ... ما هام قلبي بحبيها هوى وصبا
وله كتاب " المختار في الطب " وهو كتاب جليل يشتمل على علم وعمل، وكتاب " الطب الجمالي " صنفه لجمال الدين محمد الوزير الملقب بالجواد. وخلف من الأولاد شمس الدين أحمد بن علي، وكان من فضلاء الأطباء. ولد سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، توفي في خدمة الملك الغالب صاحب الروم كيكاوس بن كيخسرو، وخلف ولدين فاضلين بالموصل.
وتوفي مهذب الدين بالموصل في ثالث عشر المحرم، ودفن بمقبرة المعافى بن عمران. انتهى قول ابن أبي أصيبعة.(13/243)
528 - علي بن موسى بن شلوط، أبو الحسن البلنسي. [المتوفى: 610 هـ]
حج وسمع بمكة من علي بن حميد بن عمار الطرابلسي.
واستوطن تلمسان، واحترف بالطب.
قال الأبار: قرأت عليه بعض " صحيح البخاري "، وتوفي نحو سنة عشر.(13/245)
529 - علي بن محمد بن خروف، نحوي المغرب. [المتوفى: 610 هـ]
توفي في هذا العام في قول، وقد مر في سنة تسع.(13/245)
530 - عمر بن أحمد بن محمد بن عمر، أبو البركات العلوي الحسيني الزيدي النسب. [المتوفى: 610 هـ]
ولد سنة ثلاث وأربعين. وسمع بإفادة أخيه الزاهد المحدث علي بن [ص:246] أحمد من أبي بكر ابن الزاغوني، وأحمد بن هبة الله ابن الواثق، وأبي محمد ابن المادح، وجماعة. وتوفي فجاءة في العشرين من جمادى الأولى.(13/245)
531 - عمر بن محمد بن هارون، أبو حفص الواسطي المقرئ. [المتوفى: 610 هـ]
قرأ القرآن بواسط على جماعة، ولقن القرآن. وكان خيرا صالحا، حدَّث عن أَبِي الوقت وتُوُفّي فِي رمضان.(13/246)
532 - عيسى الجزولي النحوي. [المتوفى: 610 هـ]
ذكر هنا وفاته ابن خلكان، وقد مر في سنة سبع.(13/246)
533 - عين الشمس بنت أحمد بن أبي الفرج، أم النور الثقفية الأصبهانية. [المتوفى: 610 هـ]
سمعت حضورًا في سنة أربع وعشرين وخمسمائة من إسماعيل ابن الإخشيذ السراج، وسمعت من محمد بن علي بن أبي ذر الصالحاني، وهي آخر من حدث عنهما.
روى عنها الضياء محمد، والتقي ابن العز، والزكي البرزالي، وعامة الرحالة. وبالإجازة الفخر علي، والشيخ شمس الدين عبد الرحمن، والبرهان إبراهيم ابن الدرجي، وشمس الدين عبد الواسع الأبهري، وآخرون.
وكانت شيخة صالحة عفيفة، من بيت رواية وحديث.
توفيت في نصف ربيع الآخر.(13/246)
534 - لب بن الحسن بن أحمد، أبو عيسى التجيبي البَلَنْسيّ الْمُقْرِئ. [المتوفى: 610 هـ]
أَخَذَ القراءات عن أَبِي بَكْر بن نمارة، وأبي الحسن بن النعمة، وأخذ قراءة نافع عن أبي الحسن بن هذيل. وعلم بالقرآن. وكان صالحا عابدا، يشار إليه بإجابة الدعوة. أخذ عنه أبو بَكْر بْن محرز، وأبو مُحَمَّد بْن مطروح، وأبو [ص:247] القاسم ابن الولي. وتوفي بدانية. قاله الأبار.(13/246)
535 - مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن أبي بَكْر ابْن خلكان، الفقيه أبو عبد الله بهاء الدين الإربلي، الشافعي. [المتوفى: 610 هـ]
ولد في حدود سنة سبع وخمسين. وتفقه بالموصل، وسمع بها من يحيى الثقفي ودخل بغداد وتفقه بها على ابن فضلان، وسمع من يحيى بْن بَوْش، وابن كُلَيْب، وطائفة. وحدث بإربل، ودرس بها أيضا بالمدرسة المظفرية.
وهو أخو ركن الدين الحسين، ونجم الدين عمر، ووالد قاضي الشام أحمد.(13/247)
536 - محمد بن سعيد ابن الندي، أبو بكر الموصلي الجزري الفقيه. [المتوفى: 610 هـ]
دخل جزيرة ابن عمر، ودرس بها، ووزر لصاحبها محمود بن سنجر شاه، ثم سافر إلى إربل واتصل بصاحبها، ثم عاد إلى الجزيرة، ولازم بيته إلى أن مات.
وهو والد المحيي الجزري، وأخيه العماد.(13/247)
537 - مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بن مفرج، أبو عبد الله ابن غطوس الأنصاري الأندلسي البلنسي الناسخ. [المتوفى: 610 هـ]
قال الأبار: انفرد في وقته بالبراعة في كتابة المصاحف ونقطها، فيقال: إنه كتب ألف مصحف، ولم يزل الملوك والكبار يتنافسون فيها إلى اليوم. وكان قد آلى على نفسه أن لا يكتب حرفا من غير القرآن، وخلف أباه وأخاه في هذه الصناعة، مع الخير والصلاح والانقطاع. توفي حول سنة عشر. وكان يغلب عليه الغفلة.(13/247)
538 - محمد بن عبد الملك بن أبي نصر، أبو بكر الأندلسي، [المتوفى: 610 هـ]
نزيل المرية.
أخذ عن أبي القاسم بن بشكوال، وأبي القاسم بن حبيش، وجماعة. وأجاز له أبو الحسن بن هذيل.
وولى قضاء المرية وخطابتها. وكان عارفا بالفقه، والقراءات، والحديث؛ أقرأ وحدث. وتوفي معزولا عن القضاء سنة عشر هذه أو بعيدها.(13/248)
539 - مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن يُوسُف بْن قرين، أبو عبد الله البلنسي اللري. [المتوفى: 610 هـ]
من أهل لرية، ولي الأحكام بها. وسمع من أبي الحسن بن هذيل، وابن النعمة، وأجاز له السلفي. وحدث.(13/248)
540 - مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ بْن محمد بن سليمان، الحافظ أبو عبد الله التجيبي المرسي [المتوفى: 610 هـ]
نزيل تلمسان.
أخذ القراءات عن نسيبه أبي أحمد بن معط، وأبي الحجاج الثغري، وأبي عبد الله ابن الفرس، وسمع منهم، ومن أبي محمد بن عبيد الله. وحج وطول الغيبة، وكتب عن نحو مائة وثلاثين شيخا منهم السلفي، وأكثر عنه، وقال: دعا لي بطول العمر، وقال لي: تكون محدث المغرب إن شاء الله. وسمع بمكة من علي بن حميد الطرابلسي، وسمع ببجَاية من عبد الحق الإشبيلي.
وحدث بسبتة في سنة أربع وسبعين في حياة شيوخه. ثُمَّ سكن تلمسان، وحدث، وجمع، ورحل إليه الناس، وأكثروا عنه.
قال الأبار: وكان عدلًا خيرا، حافظا للحديث ضابطا، وغيره أضبط منه. روى عنه أكابر أصحابنا وبعض شيوخنا لعلوه وعدالته، وأجاز لي. ومعجم شيوخه في مجلد كبير. وألف " أربعين حديثًا في المواعظ "، [ص:249] و " أربعين حديثًا في الفقر وفضله "، و " أربعين في الحب في الله تعالى "، و " أربعين في الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وتصانيف أخر. ولد في حدود الأربعين وخمسمائة، وتوفي في جمادى الأولى.(13/248)
541 - محمد بن فارس بن حمزة المغربي الأصل، المحلي الشاعر أبو عبد الله. [المتوفى: 610 هـ]
له شعر جيد. ولقبه رضي الدين. وخدم في الدواوين. روى عنه قصائد من شعره الشهاب القوصي.(13/249)
542 - محمد بن محمد بن سليمان بن عبد العزيز، أبو عبد الله الأنصاري الأندلسي البلنسي النحوي، المعروف بابن أبي البقاء وهو خاله. [المتوفى: 610 هـ]
سمع من أبي العطاء بن نذير، وأبي بكر بن أبي جمرة، وجماعة من شيوخ الأبار كابن نوح الغافقي، وغيره، وأجاز له أبو محمد ابن الفرس، وأبو ذر الخشني النحوي.
قال الأبار: وروى بالإجازة العامة عن أبي مروان بن قزمان، وأبي طاهر السلفي لإجازته لأهل الأندلس. وكان شديد العناية بالسماع والرواية مع الحظ الوافر من المعرفة، وكان يتحقق بعلم العربية، عاكفا على إقرائها، مليح الخط. سمعت منه، وأجاز لي. وكان شاعرا مجودا. توفي في ربيع الأول كهلا.(13/249)
543 - محمد بن مكي بن أبي الرجاء، أبو عبد الله الأصبهاني الحنبلي الحافظ. [المتوفى: 610 هـ]
أحد من عني بهذا الشأن وطلبه، وأكثر منه. سمع مسعود بن الحسن الثقفي، وأبا الخير الباغبان، وأبا عبد الله الرستمي، ومحمود بن عبد الكريم فورجه، وطبقتهم.
روى عنه الزكي البرزالي، والضياء المقدسي، وجماعة من الرحالين. وأجاز للفخر علي، وللكمال عبد الرحيم، ولأحمد بن شيبان، وللبرهان إبراهيم ابن الدرجي، وغيرهم. وتوفي في المحرم.(13/249)
544 - محمد بْن يعقوب بْن يوسف بْن عَبْد المؤمن بن علي السلطان الملك الناصر أبو عبد الله القيسي المغربي الملقب بأمير المؤمنين. وأمه أمة رومية اسمها زهر. [المتوفى: 610 هـ]
بويع بعهد أبيه إليه عند وفاته، وكان قد جعله ولي عهده، وله عشر سنين في سنة ست وثمانين، وبويع بالأمر في صفر سنة خمس وتسعين وخمسمائة.
وكان أبيض أشقر أشهل، أسيل الخدين، حسن القامة، كثير الإطراق، طويل الصمت، بعيد الغور، بلسانة لثغة. وكان شجاعا، حليما، فيه بخل بالمال، وعفة عن الدماء، وقلة خوض فيما لا يعنيه.
وله من الأولاد يوسف ولي عهده، ويحيى وتوفي في حياته، وإسحاق.
استوزر أبا زيد عبد الرحمن بن يوجان وزير أبيه، ثم عزله واستوزر أخاه إبراهيم ابن السلطان يعقوب، وهو كان أولى بالملك منه.
قال عبد الواحد بن علي المراكشي: وكان إبراهيم لي محبا، وصل إلى منه أموال وخلع جمة أيام نيابته على إشبيلية، ولي فيه هذه:
لكم على هذا الورى التقديم ... وعليهم التفويض والتسليم
الله أعلاكم وأعلى أمره ... بكم وأنف الحاسدين رغيم
أحييتم المنصور فهو كأنه ... لم تفتقده معالم ورسوم
ومنابر ومحارب ومحابر ... وحمى يحاط وأرمل ويتيم
وبلغني موت إبراهيم في سنة سبع عشرة وستمائة.
قال: وكان لأبي عبد الله من كتاب الإنشاء: أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن بن عياش، وأبو الحسن علي بن عياش بن عبد الملك بن عياش، وأبو عبد الله بن يخلفتن الفازازي. وولي له القضاء أبو القاسم أحمد بن بقي، ثم عزله بأبي عبد الله بن مروان، ثم ولي القضاء محمد بن عبد الله بن طاهر الواعظ الصوفي، الأصولي الذي يذكر أنه علوي، وكان قد اتصل بوالده فحظي [ص:251] عنده، وسمعته مرة يقول: جملة ما وصل إلى من أمير المؤمنين المنصور أبي يوسف تسعة عشر ألف دينار سوى الخلع والمراكب والإقطاع، ومات على القضاء سنة ثمان وستمائة. ثم ولي بعده القضاء أبو عمران موسى بن عيسى بن عمران الذي كان أبوه قاضيا لأبي يعقوب موسى بن عبد المؤمن. وكان الذي قام ببيعة محمد أبو زيد عبد الرحمن بن عمر بن عبد المؤمن الوزير، وعبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص عمر. ثم أخذ أولا في تجهيز الجيوش إلى إفريقية؛ لأن يحيى بن إسحاق بن غانية كان قد استولى على أكثر بلادها، واستعمل عليهم أبا الحسن علي بن عمر بن عبد المؤمن، فسار فالتقى هو وابن غانية بين بجاية وقسطنطينية، فانهزم الموحدون، ورجع علي في حالة سيئة، فانتدب أبو عبد الله للحرب الوزير أبا زيد المذكور، فسار حتى بلغ قسطنطينية، ثم استعمله على إفريقية، ولما بلغه أن ابن غانية استولى على مدينة فاس، تجهز في جيوشه، وسار إلى فاس، وأراد أن يبعث مراكب إلى ميورقة يستأصل شأفة بني غانية، واستعمل على الأسطول عمه أبا العلاء إدريس بن يوسف، وأبا سعيد عثمان بن أبي حفص، فسارا، وافتتحاها عنوة، وقتلا أميرها عبد الله بن إسحاق بن غانية؛ قتله المقدم عمر الكردي. قيل: إنه لما نازلوه خرج على باب ميورقة وهو سكران فقتل، وذلك في سنة تسع وتسعين وانتهبوا أمواله، وسبوا حريمه، وقدموا بهم مراكش.
قال: وقد كان قبل هذا أقام بالسوس رجل من جزولة اسمه يحيى بن عبد الرحمن ابن الجزارة، فاجتمع عليه خلائق، فسارت إليه عساكر الموحدين فهزمهم غير مرة، ثم إنه قتل بعد أن كاد أن يملك ويظهر وكان يلقب بأبي قصبة. وفي سنة إحدى وستمائة قصد السلطان أبو عبد الله بلاد إفريقية، وقد كان ابن غانية استولى عليها خلا بجاية وقسطنطينية، فأقام أبو عبد الله على المهدية أربعة أشهر يحاصرها وبها ابن عم ابن غانية، فلما طال عليه الحصار سلم البلد، وفر إلى ابن عمه ثم رأى الرجوع إلى الموحدين، فتلقوه أحسن [ص:252] ملتقى، وقدموا له تحفا سنية، ثم سار إليهم سير أخو ابن غانية فأكرموه أيضا.
قال: وبلغني أن جملة ما أنفقه أبو عبد الله في هذه السفرة مائة وعشرون حمل ذهب. ورجع إلى مراكش في سنة أربع وستمائة، وبقي بها إلى سنة سبع، ففرغ ما بينه وبين الأذفنش ملك الفرنجة من المهادنة، فسار وعبر إلى إشبيلية، ثم تحرك في أول سنة ثمان وقصد بلاد الروم - لعنهم الله - فنزل على قلعة لهم، فافتتحها بعد حصار طويل ورجع، فدخل الأذفنش إلى قاصية الروم يستنفر الفرنج حتى اجتمعت له جموع عظيمة من الأندلس ومن الشام حتى بلغ نفيره إلى القسطنطينية، وجاء معه البرشنوني صاحب بلاد أرغن، فبلغ أمير المؤمنين محمد، فاستنفر الناس في أول سنة تسع، فالتقوا بموضع يعرف بالعقاب، فحمل الأذفنش على المسلمين وهم على غير أهبة. فانهزموا وقتل من الموحدين خلق كثير. وأكبر أسباب الهزيمة اختلاف نيات الموحدين وغضبهم على تأخير أعطياتهم؛ فبلغني عن جماعة منهم أنهم لم يسلوا سيفا، ولا شرعوا رمحا، بل انهزموا، وثبت أبو عبد الله ثباتا كليا، ولولا ثباته، لاستؤصلت تلك الجموع قتلا وأسرا، وذلك في صفر. ورجع الملاعين بغنائم عظيمة، وافتتحوا في طريقهم بياسة عنوة، فقتلوا وسبوا، فكانت هذه أشد على المسلمين من الهزيمة.
ونقل أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الْجَزَري في " تاريخه ": أن الناصر أبا عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف القيسي الكومي صاحب المغرب توفي في هذه السنة، سنة عشر. قال: والمغاربة يقولون: إنه كان قد أوصى عبيدة وحرسه أن من ظهر لكم بالليل، فهو مباح الدم، ثم إنه أراد أن يختبر قدر أمره لهم، فسكر، وجعل يمشي في بستانه، فلما رأوه، جعلوه غرضا لرماحهم، فجعل يقول: أنا الخليفة! أنا الخليفة! فلم يمكنهم استدراك الفائت وتلف. وقام بالأمر بعده ابنه المستنصر بالله أبو يعقوب يوسف، ولم يكن في بني عبد المؤمن أحسن من يوسف ولا أفصح، إلا أنه كان مشغوفا بالراحة، وضعفت دولتهم في أيامه.
وأما عبد الواحد بن علي المراكشي، فإنه يقول في كتابه " المعجب ": [ص:253] إن أبا عبد الله مرض بالسكتة في أول شعبان، ومات في خامسه.
وهذا هو الصحيح، لأنه أدرك موته، وكان شاهدا.(13/250)
545 - محمود بن أيدكين الشرفي البواب البغدادي. [المتوفى: 610 هـ]
سمع من علي بن عبد العزيز ابن السماك، وابن ناصر، وصدقة بن المحلبان، وجماعة. وتوفي في شوال عن بضع وثمانين سنة.
ونسبته إلى شرف الدين نوشروان بن خالد الوزير. وفي الرواة: الشرفي، نسبة إلى شرف الدين علي بن طراد الوزير، والشرفي، نسبة إلى الشرف، موضع.
روى عنه الدبيثي، والنجيب عبد اللطيف.(13/253)
546 - المسلم بن سعيد بن المسلم ابن العطار، أبو محمد الحراني ثم البغدادي التاجر. [المتوفى: 610 هـ]
ولد سنة خمس وعشرين وخمسمائة. وسمع من أبي محمد سبط الخياط. روى عنه الدبيثي، وغيره. وتوفي في خامس ذي القعدة.(13/253)
547 - ميمون القصري، الأمير الكبير فارس الدين الصلاحي. [المتوفى: 610 هـ]
قال ابن واصل: هو آخر من بقي من الأمراء الصلاحية. توفي بحلب. وعتق في الليلة التي مات فيها مائة مملوك وزوجهم. وخلف أموالا كثيرة. توفي في رمضان.(13/253)
548 - ناصر بن عبد السيد بن علي، أبو الفتح الخوارزمي الحنفي المطرزي النحوي الأديب. [المتوفى: 610 هـ][ص:254]
ولد بخوارزم سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة. وكان من رؤوس المعتزلة، وله معرفة تامة بالعربية، واللغة، والشعر. له تصانيف في الأدب، وشعر كثير. وكان حنفي المذهب.
تُوُفِّيَ فِي الحادي والعشرين من جُمَادَى الأولى بخوارزم. وكان أبوه أبو المكارم من كبار الفضلاء.
ولناصر كتاب " شرح المقامات "، وكتاب " المغرب " تكلم فيه على الألفاظ التي يستعملها الفقهاء من الغريب، فهو للحنفية ككتاب الأزهري للشافعية. وله " الإقناع في اللغة "، " مختصر إصلاح المنطق "، و " مقدمة " لطيفة في النحو مشهورة. ذكر ذلك ابن خلكان، وأنه قدم بغداد حاجا سنة إحدى وستمائة، وأخذ عنه بها بعض الفضلاء. وكان يقال: هو خليفة الزمخشري؛ فإنه ولد في العام الذي مات فيه الزمخشري. ولما مات المطرزي رثوه بأكثر من ثلاثمائة قصيدة بالعربي وبالعجمي.
والمطرزي: نسبة إلى تطريز الثياب.
كذا قيل: إن هذا مؤلف " المقدمه " المطرزية وليس بصحيح؛ بل مؤلفها دمشقي قديم، وهو أبو عبد الله محمد بن علي السلمي المطرز المتوفى سنة ست وخمسين وأربعمائة، فلعل هذا الخوارزمي له " مقدمة " أخرى؟ نعم؛ له، وتسمى " المصباح " شهيرة ينتفع بها.(13/253)
549 - هبة الله ابن الإمام الفقيه إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن محفوظ بن منصور بن معاذ، أبو القاسم السلمي الآمدي ثم البغدادي، المعروف بابن الفراء. [المتوفى: 610 هـ][ص:255]
سمع من هبة الله بن هلال الدقاق، وابن البطي، وجماعة. وحدث.
وأبوه ممن رحل إلى محمد بن يحيى وتفقه عليه بنيسابور.
توفي هبة الله في ذي القعدة.(13/254)
550 - هبة الله بن حامد بن أحمد بن أيوب، أبو منصور الحلي الأديب النحوي. [المتوفى: 610 هـ]
قرأ الأدب على أبي محمد ابن الخشاب، وأبي الحسن علي بن العصار. وَأقرأ بالحلة، وانتفع به الناس. وتوفى في حدود هذه السنة.(13/255)
551 - هلال بن محفوظ بن هلال الرسعني، الفقيه. [المتوفى: 610 هـ]
تفقه ببغداد، وسمع من شهدة الكاتبة. وحدث برأس العين.(13/255)
552 - واجب بن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن واجب، أبو محمد القيسي البلنسي. [المتوفى: 610 هـ]
سمع أبا الحسن بن هذيل، وأبا الحسن بن النعمة. وولي القضاء بأماكن.
روى عنه أبو عبد الله الأبار، وغيره.(13/255)
553 - يحيى بْن أَبِي مُحَمَّد بْن علي بْن المعمر، أبو زكريا القطيعي الأزجي المعروف بابن جرادة. [المتوفى: 610 هـ]
روى عن أبي الوقت. روى عنه الدبيثي.
توفي في شعبان.(13/255)
554 - أبو نصر بن عبد السلام بن أحمد بن الأسود الحريمي. [المتوفى: 610 هـ]
حدث عن الزاهد أحمد ابن الطلاية. وتوفي في ربيع الآخر.(13/255)
-وفيها وُلِدَ:
العز إسماعيل بن عبد الرحمن ابن الفراء، والزين أبو بكر بن محمد بن طرخان، والنجم محمد بن محمد السبتي نزيل دمشق، والنور محمود بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن عصرون، والكمال أحمد بن يوسف بن شاذي الفاضلي، والكمال علي بن محمد ابن الأعمى صاحب " المقامة "، والتاج محمد بن عبد السلام بن أبي عصرون، والتقي علي بن عبد العزيز الإربلي المقرئ نزيل بغداد، والظهير محمد بن عمر بن محمد البخاري الحنفي مدرس الشبلية، وجبريل بن أبي الحسن العسقلاني، والنجم أَحْمَد بْن عَبْد العزيز بْن أَحْمَد بْن باقا، وأبو العز مظفر ابن المحدث علي ابن النشبي، وعبد المحسن بن هبة الله ابن الفوي الأديب، وأسد الدين إبراهيم بن الليث الأغزي، والتاج أحمد ابن الأغلاقي، أو في التي قبلها، وكافور الصواف عتيق ابن الفوي، والعماد حسين بن علي بن القاسم ابن عساكر، والشرف محمد بن أحمد بن إبراهيم ابن المجير الكتبي المحدث، والتاج يحيى بن محمد بن أحمد ابن الحبوبي محتسب دمشق، والعماد أحمد بن منعة الصالحي، والعفيف سليمان بن علي التلمساني، الشاعر.(13/256)
-ذكر من تُوفي بعد الستمائة تقريباً وإلى سنة عشر(13/257)
555 - إبراهيم بن خلف بن منصور، الشيخ أبو إسحاق الغساني الدمشقي السنهوري، [الوفاة: 601 - 610 هـ]
وسنهور من بلاد مصر.
يروي عن عبد المنعم الفراوي، والخشوعي، والقاسم، وأبي أحمد بن سكينة، والمؤيد الطوسي، وعدة.
ويلقب بالناسك.
روى عنه أبو جعفر النباتي، والخزفي، وغيرهما.
وسافر إلى الأندلس، وقدم إشبيلية سنة ثلاث وستمائة.
قال ابن العديم: كان حزميا، ناظر ابن دحية مرة، فشكاه إلى الكامل، فضرب، وعزر على جمل ونفي. وقد أسر في البحر، فبقي في الأسر مدة، ثم إنه عاد إلى دمشق سنة تسع وستمائة.
قال قطب الدين الحلبي: قال العماد على بن القاسم بن علي ابن عساكر: كان يشتغل في كل علم، والغالب عليه فساد الذهن، لم ينجح طلبه، وكان متسمحا فيما ينقله ويرويه. وقيل: كان الحامل له على الأسفار يطلب حشيشة الكيمياء.
وقال أبو الحسن العطار: قدم علينا ثم أسر، قال: يظهر في حديثه عن نفسه تجازف وكذب.
سنهور: من عمل المحلة.(13/257)
556 - إبراهيم بن يعقوب أبو إسحاق الكانمي الأسود النحوي الشاعر، [الوفاة: 601 - 610 هـ]
وكانم: بليدة بنواحي غانة إقليم السودان. [ص:258]
قال تاج الدين ابن حمويه: رأيته وقد قدم إلى مراكش في أيام السيد يعقوب بن يوسف، ومدح كبراء الدولة، واختلط بسادتهم. وكان العجمة في لسانه، غير أنه بارع النظم. وقد تردد إلى كثيرا وذاكرني. وله في إبراهيم بن يعقوب بن يوسف:
ما بعد باب أبي إسحاق منزلة ... يسمو إليها فتى مثلي ولا شرف
أبعد ما بركت عيسى بساحته ... وصرت من بحره اللجي أغترف
هموا بصرفي وقد أصبحت معرفة ... فكيف ذلك واسمي ليس ينصرف
وأنشدني ابن خميس له:
وقائل لم لا تهجو فقلت له ... لأنني لا أرى من خاف من هاجي
فليس ذم كرام الناس من شيمي ... وليس ذم لئام الناس منهاجي
وله في بعض الأمراء:
أزال حجابه عني وعيني ... تراه من المهابة في حجاب
وقربني تفضله ولكن ... بعدت مهابة عند اقترابي
وكان يحفظ " الجمل " في النحو، وكثيرا من أشعار العرب. وذكر لي أنه اشتغل في بلد غانة، وتخرج بها مع أنها بلد كفر وجهل.
قلت: وهي أكثر من شهر عن سجلماسة في جهة الجنوب وبينهما مفاوز، وما عرفت شاعرا من أرضه سواه.(13/257)
557 - سليمان بن عبد الله بن عبد المؤمن بن علي، أبو الربيع القيسي، [الوفاة: 601 - 610 هـ]
متولي سجلماسة وأعمالها لابن عمه السلطان يعقوب بن يوسف.
قال تاج الدين شيخ الشيوخ: اجتمعت به حين قدم لمتابعة محمد بن يعقوب وزرته، فرأيت شيخا بهي المنظر، حسن المخبر، فصيح العبارة باللغتين. بلغني أنه كان يملي على كاتبه الرسائل الصنيعة بغير توقف، ويخترع بلا تكلف، وكذلك في اللغة البربرية، وقع إلى عامل له قد تظلموا منه: " قد كثرت فيك الأقوال، وإغضائي عنك رجاء أن تتيقظ، فتنصلح الحال، وفي [ص:259] مبادرتي إلى ظهور الإنكار عليك نسبة إلى سوء الاختبار، وعدم الاختيار، فاحذر فإنك على شفا جرف هار ".
وله شعر يروق، فله في ابن عمه:
هبت بنصركم الرياح الأربع ... وخرت بسعدكم النجوم الطلع
وأمدك الرحمن بالفتح الذي ... ملأ البسيطة نوره المتشعشع
لم لا وأنت بذلت في مرضاته ... نفساً تفديها الخلائق أجمع
وجريت في نصر الإله مصمما ... بعزيمة كالسيف بل هي أقطع
لله جيشك والصوارم تنتضى ... والخيل تجري والأسنة تلمع
من كل من تقوى الإله سلاحه ... ما إن له غير التوكل مفزع
لا يسلمون إلى النوازل جارهم ... يوما إذا أضحى الجوار يضيع
أين المفر ولا مفر لهارب ... والأرض تنشر في يديك وتجمع
وهي طويلة.(13/258)
558 - عبد الرحمن بن داود الواعظ، زكي الدين المصري الزرزاري، ويلقب بالزرزور. [الوفاة: 601 - 610 هـ]
دخل الأندلس ووعظ بها، وحدث في سنة ثمان وستمائة.
قال الآبار: ادعى الرواية عن أبي الوقت والسلفي وجماعة لم يلقهم! قليل الحياء أفاك مفتر.(13/259)
559 - عبد المنعم بن عمر، أبو الفضل الغساني الأندلسي الجلياني الطبيب، المعروف بحكيم الزمان. [الوفاة: 601 - 610 هـ]
كان علامة في الطب والكحل. قدم إلى دمشق وسكنها، وعمر دهرا.
وكان يجيد الشعر. وكانت له دكان في اللبادين للطب. وصنف كتبا كثيرة. وكان السلطان صلاح الدين يرى له ويحترمه، وله هو في صلاح الدين مدائح. وكان يتعانى الكيمياء. [ص:260]
وهو والد عبد المؤمن كحال الملك الأشرف ابن العادل المتوفى بالرها قبل الثلاثين وستمائة.(13/259)
560 - عَبْد الواحد ابْن الشَّيْخ أَبِي حفص عُمَر بن يحيى الهنتاتي، [الوفاة: 601 - 610 هـ]
الأمير، زعيم هنتاتة وسيدها، ولد صاحب ابن تومرت.
كان أبوه أحد الرجال العشرة الخواص الذين لزموا صحبة ابن تومرت وتقدموا في أيامه.
وكان عبد الواحد أكبر أشياخ الموحدين، وأميرهم رتبة وفضلا ودراية، وأطوعهم في قومه. وكان له حذق في السياسة وتدبير الحروب، والشجاعة مشهورة عنه، وكان مدبر الملك؛ فقام ببيعه الأمير محمد بن يعقوب وبذل الأموال.
وفي أولاده نجباء وأمراء تملكوا إفريقية وغيرها.(13/260)
561 - علي بن محمد بن يحيى بن أبي العافية، أبو الحسن الأنصاري السرقسطي الدورقي. [الوفاة: 601 - 610 هـ]
ودورقه من عمل سرقسطة.
روى عن أبي القاسم بن حبيش، والسهيلي. روى عنه ابن أخته أبو عبد الله بن حازم. وصنف كتابا جمع فيه بين " صحيح مسلم " و" سنن أبي داود ".(13/260)
562 - محمد بن أبي عاصم أحمد بن أبي ثابت الحسين بن هبة الله +بن زينة الأصبهاني، أبو بكر. [الوفاة: 601 - 610 هـ]
من رؤساء أصبهان. ولد سنة ست وعشرين وخمسمائة. وسمع من ابن أبي ذر الصالحاني حضورا كتاب " التوبة والمتابة " لابن أبي عاصم؛ قال: أخبرنا ابن عبد الرحيم، قال: أخبرنا القباب عنه، وكتاب " السبق والرمي " لأبي الشيخ برواية ابن عبد الرحيم عنه، و" نسخة " بكر بن بكار عن ابن عبد الرحيم عن القباب عن الجيراني عنه. وسمع من زاهر الشحامي، والحسين بن عبد الملك الخلال.
أجاز للشيخ شمس الدين ابن أبي عمر، وفاطمة بنت عساكر، وجماعة [ص:261] في سنة إحدى وستمائة؛ وأجاز لأحمد بن شيبان، وإسماعيل العسقلاني، وابن النجار.(13/260)
563 - محمد بن أحمد بن مرزوق اليعمري السبتي المحدث، أبو عبد الله. [الوفاة: 601 - 610 هـ]
رحل إلى المشرق، وأكثر عن البوصيري، والقاسم ابن عساكر، وطبقتهما.
بقي إلى سنة ثمان وستمائة.(13/261)
564 - محمد بن أحمد بن يربوع الجياني. [الوفاة: 601 - 610 هـ]
أخذ عن السهيلي، وابن الفخار، وطائفة. وكان مقرئا، نحويا، مؤدبا.
توفي في حدود سنة عشر.(13/261)
565 - محمد ابن الحافظ أبي سعد السمعاني، [الوفاة: 601 - 610 هـ]
أخو أبي المظفر عبد الرحيم.
سيأتي في آخر ترجمة أخيه.(13/261)
566 - محمد بن أبي غالب، أبو عبد الله ابن النزال. [الوفاة: 601 - 610 هـ]
سمع من أبي بكر قاضي المارستان. روى عنه عبد الصمد بن أبي الجيش.(13/261)
567 - محمد ابن المعز، أبو عبد الله الميورقي. [الوفاة: 601 - 610 هـ][ص:262]
أخذ القراءات ببلده عن علي بن سعيد، وخلف بن عبد الله. وأجاز له ابن هذيل. وولي قضاء بلده.
توفي بعد سنة سبع وستمائة وقد قارب المائة.
لا أعرف شيخيه، وإن عنى الأبار بعلي بن سعيد أبا الحسن الميورقي صاحب ابن حزم، فذاك كان ببغداد سنة نيف وتسعين وأربعمائة.(13/261)
568 - مسعود بن إسماعيل بن إبراهيم الجنداني، القاضي. [الوفاة: 601 - 610 هـ]
من رواة " المعجم الصغير " عن فاطمة الجوزدانية، سمعه منها؛ كذا وجدت تحت اسمه في الإجازات. أجاز للشيخ شمس الدين عبد الرحمن ابن أبي عمر، ولابن البخاري، ولفاطمة بنت عساكر. وتاريخ الإجازة في سنة إحدى وستمائة.
وقرأت بخط الحافظ ضياء الدين أنه سمع من هذا وكناه أبا الفتح الأصبهاني، وقال: مولده سنة ست عشرة وخمسمائة في المحرم.(13/262)
569 - موسى بن ميمون، أبو عمران اليهودي القرطبي، رئيس اليهود وعالمهم وحبرهم بالديار المصرية. [الوفاة: 601 - 610 هـ]
قال الموفق ابن أبي أصيبعة: هو أوحد زمانه في صناعة الطب، متفنن في العلوم، وله معرفة جيدة بالفلسفة. طب السلطان صلاح الدين ثم ولده الأفضل عليا. وقيل إنه أسلم بالمغرب، وحفظ القرآن، فلما أن قدم مصر ارتد. وقد مدحه القاضي السعيد ابن سناء الملك بأبيات. وله تصانيف في الطب، وكتاب كبير في دين اليهود، لعنهم الله.
وهو والد إبراهيم الطبيب أحد أطباء الكامل. ومات إبراهيم بعد سنة ثلاثين وستمائة.(13/262)
570 - يحيى بْن عقيل بْن شريف بْن رفاعة بْن غدير، أبو الحسن السعدي المصري. [الوفاة: 601 - 610 هـ]
سمع من جده لأمه عبد الله بن رفاعة الفرضي. وكان خيرا صالحا، كثير الحج والمجاورة. حدث بدمشق وبالمدينة. روى عنه بدل التبريزي، والتاج [ص:263] محمد بن أبي جعفر، وأبو القاسم بن صصرى، والحافظ عبد العظيم.
توفي مجاورا بالمدينة بعد سنة سبع وستمائة.(13/262)
571 - يوسف بن سوار بن عبيد، الشيخ شرف الدين، أبو العز البلوي المصري. [الوفاة: 601 - 610 هـ]
روى عن يوسف بن آدم بن محمد، وأحمد بن أبي الوفاء الصائغ، وأبي حامد محمد بن عبد الرحيم بن سليمان الغرناطي، وأبي المعالي مسعود بن محمد النيسابوري، وطائفة.
حدث بدنيسر في سنة أربع وستمائة؛ سمع منه ولده أبو النضر إبراهيم، والمحدث عمر ابن اللمش، وجماعة. وأجاز لعبد الرحمن ابن اللمش.
ترجمه الفرضي.
وَهُوَ مستفاد مَعَ صاحبنا يُوسُف بن سوار البدوي المَصْرِيّ الحَنْبَلِيّ. سَمِعَ من الفخر علي، وجماعة.(13/263)
572 - أبو العباس السبتي الزاهد، شيخ المغرب في عصره، أحمد بن جعفر الخزرجي، [الوفاة: 601 - 610 هـ]
صاحب الأحوال والمقامات والكرامات.
قال تاج الدين ابن حمويه: أدركته بمراكش في سنة أربع وتسعين وقد ناهز الثمانين. وهو شيخ نوراني، بهي المنظر، عظيم المخبر، سليم الحواس، ذكي الفطرة، كامل الأخلاق الحسنة، دائم البشر، مسلوب الغضب، عديم الحسد، لا يطلب الدنيا، ولا يلتفت إلى أهلها، وإذا جاءه المال، فرقه في الحال. ورأيت الناس على قدر ميزتهم يختلفون فيه، فمن قائل: ساحر وكاهن، ومن قائل: زنديق وممخرق، ومن قائل: مجذوب يتكلم على الخواطر، ويتصرف في البواطن والظواهر. فتوقفت عن الدخول إليه سنة، ثم ألح على صديق فمضيت إليه، فإذا به في دار قوراء بهية ذات مجالس وأروقة ومفارش، وفي وسط الدار ماء جار وأشجار كأنها من دور الملوك، وحوله فقهاء وصلحاء وبعض متميزي البلد، فسلمنا وجلسنا، فكان يفسر في آيات في البر والصدقة، ورأيت على عينيه خرقة زرقاء فحسبت أنها لرمد وإذا هي عادة له. [ص:264]
فلما فرغ، عاد لمحادثتي، وسال عن اسمي وبلدي، وفاوضته في مسائل في التصوف، فكان يأتي بالأجوبة الغريبة السديدة، والكلام المنقح، ثم شرع في الحديث معي على ما جرت به العادة مع القادم ثم لازمت زيارته وزارني، وخرجت معه إلى البساتين والضواحي، وكان يحب الخضرة، والمياه الجارية، وبلغني أنه كان يلازم العزلة والخلوة، ثم خالط الناس. وكانت مجالسه مجالس وعظ وتذكير وأدعية، ومعظم كلامه في الحث على الصدقة وفعل الخير وذم الشح.
وأما الذي صح عنه من الكرامات، وصحة الفراسات، والدعوات المستجابات، فمشهور متداول مستفيض، إلا أنهم يرجمون الظنون في أسباب ذلك الحصول وطريقته في الوصول، وكان لصاحبي الجمال محمد القسطلاني أخ قد سافر بتجارة إلى غانة، وهي قاعدة مملكة السودان، فبعث إليه بضاعة فخرج الحرامية، فأخذوا تلك القافلة فرد التجار إلى سجلماسة، وخرج الوالي، فأمسك بعض الحرامية، وبعض الأموال، فدخل محمد معي إلى الشيخ فحكى له ما جرى، فقال: كم تسوى بضاعتك؟ قال: ستمائة دينار. فتبسم، وقال: لعل رأس مالها عليك العشر أو أقل، فكأنكم طمعتم في اقتناص أموال الحضر، فصادها البربر من المدر، فقلت أنا: يا سيدي فهل يرجى لما ذهب عود؟ قال: إن تصدق بستمائة درهم، أخلف الله عليه ذلك. فأخرج دراهم، فوضعها بين يديه فعدت، فكانت مائة وثمانية دراهم. فلما كان بعد شهر، دخل إلى محمد القسطلاني ومعه كتب وردت من أصحابه يذكرون أن الوالي أحضر ما استرد، فقال للتجار: ليأخذ كل من تحقق له عين ماله، وحضر القاضي والعدول، وشهد التجار بعضهم لبعض، فظهرت صرة فيها تبر من عين ماله، مكتوب عليها اسم أخيه، وأخرج لي الصرة من كمه، وقال: يا ما أعجب شأن هذا الرجل - يعني السبتي - أتذكر قوله، وحديث العشر والصدقة، هذا التبر وزنه مائة وعشرة مثاقيل! فمضينا إلى زيارته، وقبل محمد يده وحكى ما جرى، فلم يكترث بما جرى.
قلت: ثم حكى له ثلاث كرامات أخر، وقال: خرجت من البلاد بعد الستمائة، وتركته حيا يرزق. وكان يقول إذا جرى ذكر الدولة: إن دولة هؤلاء تختل بعد وفاتي وتضمحل - يعني بني عبد المؤمن - فظهر ذلك بعد وفاته، واختلفوا، واقتتلوا، وفسد أمرهم.(13/263)
-الطبقة الثانية والستون 611 - 620 هـ(13/265)
بسم الله الرحمن الرحيم
- (الحوادث)(13/267)
-سنة إحدى عشرة وستمائة
قَالَ ابن الْأَثير: فيها وصلَ الخبرُ أَنَّ السُّلْطَان خُوارزم شاه ملكَ كِرْمان ومُكران والسِّنْد، وسببُ ذَلِكَ أَنَّ من جملة أُمرائِهِ تاجَ الدّين أَبَا بَكْر، الَّذِي أسلفنا أَنَّهُ كَانَ جمّالًا، ثُمَّ سَعِدَ بأنْ صار سيروان السلطان، فرأى منه جَلَدًا وأَمانةً، فَقَدَّمَهُ، فَقَالَ لَهُ: وَلِّني مدينة زَوْزَن. فولاه، فوجده ذا رأي وحزم وشجاعة، فَلَمَّا وَلاه سيَّر إِلَيْهِ يَقُولُ: إِنَّ بلادَ مُكران مُجاورة لبلدي، فلو أضفتَ إلي عسكرًا لأَخذتُها، فنفذَ إليه جَيْشًا فسارَ بِهِ إليها، وصاحبُها حَرْب بن مُحَمَّد بن أَبِي الفضل، من أولاد المُلوك، فقاتله فلم يقوَ بِهِ، وأخذ أَبُو بَكْر بلادُه سريعًا، وسار منها إلى نواحي مُكران، فملكها جميعها إلى السِّنْد، وسارَ منها إلى هُرْمُز، وَهِيَ مدينة عَلَى ساحل بحر مُكْران، فأطاعه صاحبها مُليك، وخطب بها لخُوارزم شاه، وحملَ إِلَيْهِ أموالًا، وخطب لخُوارزم شاه بهلوات. وَكَانَ خُوارزم يُصيف بأرض سَمَرْقَنْد لأَجل التّتار، وَكَانَ سريع السَّيْر، إِذَا قصد جهة يسبق خبرُه إليها. [ص:268]
وفيها قصدت الفرنج بلاد الإسماعيلية، ونزلوا عَلَى حصن الخوابي، وجَدّوا في الحصار، وكانوا حَنِقين عَلَى الإسماعيلية بسبب قتلهم ابن البِرنس صاحب أنطاكية، شابّ ابن ثمان عشرة سنة، وثبوا عَلَيْهِ عام أَوَّل، فخرجَ الملكُ الظَّاهر بعَسْكره ليكشف عنهم، فترحلت الفرنج عن الحصن.
وفيها شُرِع في تبليط جامع دمشق، فابتُدِئ بمكان السَّبُع الكبير، وكانت أرْضه قد تَكَسَّر رخامها وتحفرت.
وفيها وَلِيَ تدريس النُّورية جمال الدّين محمود الحصيري.
وفيها تُوُفِّي صاحبُ اليمن ابن سيف الإِسْلَام، واستولى عَلَى اليمن شاهنشاه ابن تقيُّ الدِّين عُمَر بْن شاهنشاه بْن أيّوب، فتزوج بأُم المتوفَّى، ثُمَّ نَفَّذَ الملكُ الكامل صاحبُ مصر ولدهُ الملكَ المسعود أَقسيس إلى اليمن فتملَّكَها، وَكَانَ شجاعًا فاتكًا ظالمًا جبّارًا، قِيلَ: إِنَّهُ قتل باليمن ثمانمائة نفس، منهم أكابر.
وفيها أخذَ الملكُ المُعظَّم من ابن قَرَاجا قلعة صَرْخد، وعوضهُ عَنْهَا مالًا وإقطاعًا، ثُمَّ أعطاها لمملوكه عزّ الدّين أَيْبَك المُعَظَّميّ، فبقيت في يده إلى أن أخْرجه عَنْهَا الملكُ الصالح أيوب.
وفيها حَجّ الملكُ المُعَظَّم، فسارَ من الكَرَك عَلَى الهُجُن، ومعه عزّ الدّين أيبك صاحب صرخد، وعمادُ الدين ابن موسك، والظهير ابن سنقر الحَلَبيّ، وجَدَّد البِرَكَ والمَصَانع، وأحسنَ إلى النَّاس، وتلقاهُ سالم صاحبُ المدينة، وقَدَّم لَهُ خَيْلًا، وكانت وقفة الْجُمُعة، وقَدِمَ معه الشَّام صاحبُ المدينة.(13/267)
-سنة اثنتي عشرة وستمائة
فيها شرعوا في بناء المدرسة العادلية.
وفيها أغار الفرنج عَلَى بلاد الإسماعيلية، وأخذوا ثلاثمائة نفس.
وفيها أغارت الكُرْج عَلَى أَذْرَبِيجَان، فحازوا ذخائِرَها، وما يزيد عَلَى مائة ألف أسير؛ قاله أبو شامة. [ص:269]
وفيها استولى الملكُ المسعود ابن الكامل عَلَى اليمن بلا حرب، وانضمّ ابنُ عمه سليمان شاه بعائلته إلى قلعة تَعِزّ، فحاصرهُ وأخذهُ، وبعثَ بِهِ إلى مِصْرَ، هُوَ وزوجته بنت سيف الإسلام.
وفي صَفَر نزل قَتَادة عَلَى المدينة وحاصرها، لغيبة سالم أمِيرها، وقطعَ كثيرًا من نخيلها، وقتل جماعة، ثم رحل عنها خائباً.
وفيها ملك خُوَارِزْم شاه بلد غَزْنَة وأعمالها، عمل عَلَى صاحبِها تاج الدّين ألدُز نائبُهُ قتلغ تكِين، وكاتب خُوارزم شاه، وَكَانَ ألدُز في الصيّد، فجاءَ خُوَارِزْم شاه فهَجَمَها، فَلَمَّا بلغَ ألدُز الخبرُ هرب عَلَى وجهه إلى لهاوور، وجلس خُوارزم شاه عَلَى تخت المُلك بها، ثم قال لقتلغ تكين: كيف كان حالك مَعَ ألدُز؟ قَالَ: كلانا مماليك السلطان شهاب الدّين، ولم يكن ألدُز يقيم بغزنة إِلَّا في الصَّيف، وَأَنَا الحاكم بها. فَقَالَ: إِذَا كنت لَا ترعى لرفيقك مَعَ ذَلِكَ، فيكف يكون حالي معك؟ فقبض عَلَيْهِ، وصادره حَتَّى استصفاه، ثُمَّ قتله، وترك ولدهُ جلال الدين خُوَارِزْم شاه بغزنة. قَالَ ابن الْأثير: وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ في سنة ثلاث عشرة.
وأمّا ألدز فَإِنَّهُ افتتح لَهَاوور فلم يقنع بها، وسار ليفتح دَهْلة، فالتقى هُوَ وصاحبها شمس الدين الترمش، مملوك أيبك مملوك شهاب الدّين، فانكسر ألدز وقُتل. وَكَانَ ألدُز موصوفًا بالعدل والمروءة والإحسان إلى التجار.
وفيها عزل زكي الدين الطاهر ابن محيي الدّين عن قضاء دمشق، ووُلِّيَ جمالُ الدين أبو القاسم عبد الصمد ابن الحرستاني، فقضى بالحق، وحكم بالعدل.
وفيها بطل العادلُ ضمان الخَمْر والقِيان، فلم يكرِّر ذَلِكَ إلى بعد موته. [ص:270]
وفيها وصل السُّهْرَوَرْدي رسولًا من الخلافة إلى العادل، ونزل بجوسق العادل.
وفيها سارَ من دمشق سالم أمير المدينة بمن استخدمه من التُّركمان والرّجال، ليقاتل قَتَادَة صاحبَ مَكَّة، فماتَ في الطّريق، وقام ابن أخيه جمّاز بعده، فمضى بأولئك وقصدَ قَتَادَة، فانهزم إلى الينبع، فتبِعوه وحَصَرُوه بقلعتها، وحصل لحُمَيد بن راجب من الغنيمة مائة فَرَس، وَحُمَيْد من عَرَب طي، وعاد الذي استخدموا صُحبة النَّاهض بن الْجَرخيّ خادم المعتمد، ومعهم كثير ممّا غنِموه من عسكر قَتَادَة، ومن وقْعَة وادي الصَّفراء، من نساء وصبيان سَبَوهم، وظهر فيهم أشراف علويّون، فتسلَّمهم أشرافُ دمشق ليواسوهم من الوقف.
وفيها كَسَرَ كَيْكَاوس صاحب الروم الفرنج الّذين ملكوا أنطاكية، وأخذها منهم.
وفيها أخذ خُوَارِزْم شاه غَزْنة بغير قتال. وأخذ ابن لاون أنطاكية من الفرنج، ثُمَّ عاد أخَذَها صاحبُ طرابُلُس من ابن لاون.
وَيُقَال: فيها كانت حركة التّتار إلى قَصْد بلاد الترك.
وفيها انهزم منْكلي الَّذِي غلب عَلَى هَمَذان وأصبهان والري فَقُتِلَ، واستقرت القواعد عَلَى أَنَّ بعض بلاده للخليفة، وبعضها لجلال الدين الصَّبَّاحي ملك الإسماعيلية وصاحب الألموت وقلاعها، وبعضها لأَزبك بن البهلوان. ولكن كَانَ الخليفة في شُغل شاغل، وحُزن عظيم بموت ابنه عَليّ عن المسَرَّة بهلاك منكلي.(13/268)
-سنة ثلاث عشرة وستمائة.
قال أبو شامة: فيها أُحضرت الْأَوْتار الخَشَب لأجل نَسْر قبة الجامع، وعدتها أربعة، كلّ واحدٍ منها اثنان وثلاثون ذراعاً بالنجار، قُطِعت من الغُوطة، وَكَانَ الدّخولُ بها من باب الفَرَج إلى المدرسة العادلية إلى [ص:271] باب النَّاطفانيين، وأُقيمَ لها هناك الصَّواري، ورُفعت لأجل القرنة، ثم مددت.
وفيها شُرع في تحرير خَنْدق باب السِّرّ، وَهُوَ الباب المقابل لدار الطُّعم العتيقة المجاورة لنهر باناس، وَكَانَ المُعَظَّم ومماليكُه والجُند ينقلون التُّراب بالقِفاف عَلَى قرابيس سُرُوجهم، وَكَانَ عملُه كلّ يومٍ عَلَى طائفةٍ من أهل البَلَد، وعمل فيه الفقهاء والصوفية.
قَالَ: وفيها كانت الحادثة بين أهل الشَّاغور والعُقيبة وحَمْلهم السِّلاح، وقتالهم بالرحبة والصَّيارف، وركوب العَسْكر مُلْبسًا للفصل بين الفريقين، وحضرَ المُعَظَّم بنفسه لإطفاء الفِتْنة، فقبضَ عَلَى جماعةٍ من كبار الحارات، منهم رئيس الشاغور، وحبسهم.
وفيها سارَ المُعَظَّم عَلَى الهجنُ إلى أخيه الملك الْأشرف، واجتمعَ بِهِ بظاهر حرّان، ففاوضه في أمر حَلَب عندما بلغه موت صاحبها الملك الظّاهر، وَكَانَ قد سبق من الْأشرف الاتفاق مَعَ القائم بأمرها، فَرَجَع المُعَظَّم بعد سبعة عشر يومًا، ولم يظهر إِلَّا أَنَّهُ كان يتصيد.
وفيها فُرغ من بناء المُصَلَّى بظاهر دمشق، ورُتِّب لَهُ خطيبٌ، وهو الشيخ صدر الدّين، مُعيد الفَلَكِيَّة، ثُمَّ وُلِّيَ بعده بهاء الدين بن أَبِي اليُسْر، ثُمَّ بنو حَسّان. قُلْتُ: وهم إلى الآن.
قَالَ سِبْط الْجَوْزيّ: وفيها ذهبتُ إلى خِلاط ووعظتُ بها، وحضر الملك الأشرف.
وفيها ذهبَ شهابُ الدين عَبْد السَّلَام بن أَبِي عَصْرون، رسولًا من الملك العزيز مُحَمَّد ابن الظّاهر صاحب حلب، يسأل تقليدًا من الديوان بحلب.
وفيها وعظ ابن الْجَوْزيّ بحَرّان، وحضره الْأشرف، وفخر الدين ابن تيمية، وكان يوماَ مشهوداً. [ص:272]
قَالَ ابن الْأثير: فيها وقع بالبصرة بَرَدٌ، قِيلَ: إِنَّ أصغره كَانَ مثل النّارَنْجَة الكبيرة. قال: وقيل في أكبره ما يستحي الإِنْسَان أنْ يذكره.
قُلْتُ: أرض العراق قد وقع فيه هَذَا البَرَد الكبار غير مَرَّة.(13/270)
-سنة أربع عشرة وستمائة.
فيها كَانَ الغَرَقُ ببغدادَ بزيادة دِجلة، وركب الخليفة شُبّارةً، وخاطبَ النَّاس، وجعلَ يتأوَه لهم وَيَقُولُ: لو كَانَ هَذَا يُرَدُّ عنكم بمالٍ أَوْ حَرْب، دفعتهُ عنكم؛ قَالَ أَبُو شامة - وقد نقلَهُ من كلام أَبِي المُظَفَّر سِبْط الْجَوْزيّ، إن شاء اللَّه -: فانهدمت بغدادُ بأسرها، والمَحالّ، ووصلَ الماء إلى رأس السُّور، ولم يبقَ لَهُ أن يطفحَ عَلَى السُّور إِلَّا مقدار إصبعين، وأيقن الناسُ بالهلاك، ودام ثمانية أيام، ثُمَّ نقصَ الماء، وبقيت بغداد من الجانبين تُلُولًا لا أثر لها!.
قُلْتُ: هَذَا من خسف أبي المظفر، فهو مجازفٌ.
قَالَ أَبُو المُظَفَّر: وفيها قَدِمَ خُوَارِزْم شاه محمد بن تكش في أربعمائة ألف، وقيل: في ستمائة ألف، فوصل هَمَذان قاصدًا بغداد، فاستعدَّ الخليفةُ، وفرَّق الْأموال والعُدَد، وراسلَهُ مَعَ الشَّيْخ شهاب الدين السُّهْرَوَرْدي، فأهانه ولم يحتفل بِهِ، واستدعاه، وأوقفه إلى جانب الخَيْمة، ولم يُجْلسه، قَالَ: فحكَى شهابُ الدين، قَالَ: استدعاني إلى خَيْمةٍ عظيمة لها دِهليز لم أر مثله في الدُّنْيَا، وَهُوَ من أطْلَس، والأطنابُ حرير، وفي الدِّهليز ملوكُ العَجَمِ عَلَى طبقاتهم، كصاحب أصبهان، وصاحب هَمَذان، والرّيّ، قَالَ: ثُمَّ دخلنا إلى خيمةٍ أخرى وفي دهليزها ملوك ما وراء النَّهْر، ثُمَّ دخلنا عَلَيْهِ وَهُوَ شابٌّ، لَهُ شعرات، قاعد عَلَى تختٍ ساذج، وَعَلَيْهِ قُباء بخاري يساوي خمسة دراهم، وَعَلَى رأسه قطعة جلد تساوي دِرهمًا، فَسَلَّمتُ عَلَيْهِ فلم يرد، ولا أمرني بالجلوس، فشرعتُ فخطبتُ خُطبة بليغةً، ذكرتُ فيها فَضْل بني العَبَّاس، [ص:273] ووصفتُ الخليفةَ بالزُّهد والوَرَع والتُّقى والدِّين، والتَّرجُمان يُعيدُ عَلَيْهِ قولي، فَلَمَّا فرغتُ قَالَ للتَّرجمان: قُل لَهُ هَذَا الَّذِي تصفه ما هُوَ في بغداد، بل أَنَا أجيء وأُقيمُ خليفةً يكون بهذه الصِّفة، ثُمَّ رَدَّنا بغير جواب، ونزلَ عليهم بهَمَذان الثَّلج، فهلكت خيلهم، وركب الملك خُوَارِزْم شاه يومًا فعثر بِهِ فرسه، فتطيَّر، ووقع الفَساد في عساكره، وقلَّت المِيرة، وَكَانَ معه سبعون ألفًا من الخطا، فرَدّه الله تعالى عن بغداد.
قال أَبُو شامة: ذكر مُحَمَّد بن مُحَمَّد النَّسَويّ في كتابه الَّذِي ذكر فيه وقائع التّتار مَعَ علاء الدين مُحَمَّد، وَمَعَ ولده جلال الدين، قَالَ: حكى لي القاضي مُجير الدين عُمَر بن سعد الخُوَارِزْمِي، أَنَّهُ أُرسِلَ إلى بغداد مِرارًا، آخرها مطالبة الدّيوان بما كَانَ لبني سلجوق من الحُكم والمُلك ببغداد، فأبوا ذَلِكَ، وأصحب المذكور في عَوْده شهاب الدين السُّهْرَوَرْدي رسولًا مدافعًا. قَالَ: وَكَانَ عند السلطان من حُسن الاعتقاد برفيع منزلته ما أوجب تخصيصه بمزيد الإكرام والاحترام تمييزًا لَهُ عن سائر الرسل الواردة عليه من الديوان، فوقف قائماً في صحن الدار، فَلَمَّا استقرَّ المجلس بالشيخ، قَالَ: إِنَّ من سُنَّة الدّاعي للدّولة القاهرة أن يُقدِّم عَلَى أداء رسالته حديثًا. فأذِنَ لَهُ السلطانُ، وجلسَ عَلَى رُكبتيه تأدُّبًا عند سماع الحديث، فذكر الشَّيْخ حديثًا معناه التُّحذير من أذيَّة آل العَبَّاس. فَقَالَ السلطان: ما آذيتُ أحدًا من آل العَبَّاس ولا قصدتُهم بسوءٍ وقد بلغني أَنَّ في محابس أمير المؤمنين خلْقًا منهم يتناسلون بها، فلو أعادَ الشيخُ هَذَا الحديث عَلَى مسامع أمير المؤمنين كَانَ أولى وأنفع. فعادَ الشيخُ والوَحْشةُ قائمةٌ، ثُمَّ عزمَ عَلَى قَصْد بغداد، وقسَّمَ نواحيها إقطاعًا وعَمَلًا، وسارَ إلى أن علا عقبة أسدآباد، فنزلت عَلَيْهِ ثلوج غطّت الخراكي والخيام، وبقي ثلاثة أيام، فعَظُم إِذْ ذاك البلاءُ، وشَمِلَ الهلاكُ خلقًا من الرِّجال، ولم ينْجُ شيء من الْجِمال، وتلفت أيدي رجال وأرْجل آخرين، فرَجَع السلطان عن وَجْهِه ذَلِكَ عَلَى خيبةٍ مما هم به.
وفيها تجمّع الفرنج وأقبلوا من البَحْر بفارسِهِم وراجِلِهم لأجل قَصْد بيت [ص:274] المَقْدِس، وتتابعت الْأمداد من رومية الكُبرى، التي هي دار الطاغية الأعظم المعروف بالبابا، لعنه اللَّه، وتجمعوا كلّهم بعكّا، عازمين عَلَى استيفاء الثأر مما تمَّ عليهم في الدولة الصلاحية، فجفلَ الملك العادل لَمَّا خرجوا عَلَيْهِ، ووصلوا إلى عين جالوت، وَكَانَ عَلَى بَيْسان فأحرقها، وتقدَّم إلى جهة عَجْلون، ووصلَ الفَوّار، فقطع الفرنج خلفه الْأردُنَّ، وأوقعوا باليَزَك، وعادوا عَلَى البلاد، وجاء الْأمر إلى المعتمد والي دمشق بالاهتمام والاستعداد واستخدام الرجال، وتدريب دُروب قَصر حجّاج، والشَّاغور، وطرْق البساتين، وتغريق أراضي داريَّا، واخْتَبَط البلد، وأرسل العادل إلى ملوك البلاد يستحث العساكر، ونزل مرج الصُّفَّر، وضجَّ النَّاس بالدُّعاء، ثُمَّ رجع الفرنج نحو عَكّا بما حازوه من النَّهب والْأسارى، فوصل الملك المُجاهد صاحبُ حِمْص، ففرح بِهِ النَّاس.
قَالَ أبو المظفر ابن الْجَوْزيّ: فيها انفسخت الهُدْنة بين المُسلمين والفرنج، وجاء العادلُ من مِصر بالعساكر، فنزل بيْسان، والمُعظم عنده في عَسْكر الشَّام، فخرج الفرنج من عَكّا، عليهم ملكُ الهُنْكر، فنزلوا عين جالوت في خمسة عشر ألفًا، وَكَانَ شُجاعًا، خرج معه جميع ملوك السَّاحل، فقصَد العادل، فتأخَّر العادلُ وتَقَهْقَر، فَقَالَ لَهُ المُعظم: إلى أَيْنَ؟ فَشَتَمه بالعَجَميَّة، وَقَالَ: بمن أُقاتل؟ أقطعْتَ الشَّام مماليككَ وتركتَ أولاد النَّاس. وساق فَعَبر الشّريعة.
وجاء الهُنْكر إلى بيْسان، وبها الْأسواق والغِلال والمواشي وشيءٌ كثيرٌ، فأخذت الفرنج الجميعَ، ورحلوا منها بعد ثلاثة أيام إلى قُصير الغوْر، ووصل أوائلهم إلى خَرِبة اللُّصوص والْجَوْلان، وأقَاموا يقْتلون ويسْبون، ثُمَّ عادوا إلى الغَوْر، ونزلوا تحت الطُّور، فأقاموا أيّامًا يقاتلون من فيه ويحاصرونهم، وَكَانَ معهم سُلَّم عظيم، فزحفوا ونصبوه، فأحرقه المسلمون بالنِّفط، وقُتل تحته جماعة من أعيان الفرنج، منهم بعض الملوك. واستشهد يومئذٍ الْأمير بدر الدين مُحَمَّد بن أَبِي القاسم، وسيف الدين ابن المَرْزُبان، وَكَانَ في الطُّور أبطال [ص:275] المسلمين، فاتفقوا عَلَى أَنَّهُم يقاتلون قتال الموت، ثُمَّ رحل الفرنج عَنْهُمْ إلى عكا، وجاء المُعَظَّم فأطلق لأهل الطُّور الْأموال، وخلعَ عليهم. ثُمَّ اتفق العادل وابنه المُعَظَّم عَلَى خراب الطُّور كما يأتي.
وأمّا ابن أخت الهُنْكر فقصد جبل صيدا في خمسمائة من الفرنج إلى جِزّين، فأخلاها أهلها، فنزلها الفرنج ليستريحوا، فتحدّرت عليهم الرجال من الجبل، فأخذوا خيولهم وقتلوا عامّتَهم، وأُسر مُقدّمهم ابن أخت الهُنْكر، وقيل: إنه لم يسلم من الفرنج إلى ثلاثة أنفُس.
قُلْتُ: وكثُرت جيوش الفرنج بالسَّاحل، وغنموا ما لا يُوصف، ثُمَّ قصدوا مِصْر لخلُوّها من الجيش، وكان عساكر الإِسْلَام مُفرقة، ففرقةٌ كانت بالطور محْصُورين، وفرقةٌ ذهبت مَعَ المُعَظَّم يَزَكًا عَلَى القدس عسكروا بنابُلُس، وفرقةٌ مَعَ السلطان في وجه العدوّ عن دمشق، وأشْرَف المُسلمون عَلَى خطةٍ صَعْبَة، وَكَانَ الملك العادل مَعَ جبنٍ فيه، حازمًا سائسًا، خاف أن يلتقي العدوّ وَهُوَ في قلٍّ من النَّاس أن يَنْكسر ولا تقوم للإسلام بعده قائمة، فاندفع بين أيديهم قليلًا قليلًا حَتَّى كفى اللَّه شرّهم.(13/272)
-سنة خمس عشرة وستمائة.
في ربيع الأَوَّل نزلت الفرنج عَلَى دِمياط، فبعث الملك العادل العساكر التي عنده بمرج الصُّفر إلى ابنه الملك الكامل، وطلب ابنه المُعَظَّم وَقَالَ لَهُ: قد بنيت هَذَا الطور وَهُوَ يكون سبب خراب الشَّام، وأرى المصلحة أن تخرّبه ليتوفر مَنْ فيه عَلَى حِفْظ دِمْياط. فتوقّف المُعظم، ثُمَّ أرضاه بمالٍ ووعدهُ ببلاد، فأجاب وأخلاه وخربه، وكان قد غرم عَلَى بنائه أموالًا لَا تحصى.
قَالَ ابن واصل: لَمَّا طالت إقامة جيوش الفرنج بمرج عكا، أشار عُقلاؤهم بقصْد الديار المصرية وقالوا: صلاح الدين إنما استولى عَلَى البلاد بتملُّكه مصر. فصمموا، وركبوا البحر إلى دمياط، فنزلوا عَلَى بَرِّ جِيزَتِها، وزحفوا عَلَى برج السلسلة، وَكَانَ مشحونًا بالرجال، وَكَانَ الكامل قد أقبل ونزل ببر دمياط، ودامَ الحصار والنزال أربعة أشهر، وجاءت الكامل النجداتُ [ص:276] من الشَّام، ومات الملك العادل في وسط الشِّدَّة، واستراح.
وفي ربيع الآخر كسر الملك الأشرف ابن العادل ملكَ الروم كيكاوس. ثُمَّ جمع الْأشرف عساكره وعسكر حلب، ودخل بلد الفرنج ليشغلهم بأنفسهم عن قَصْد دِمياط، فنزل عَلَى صافيثا وحصن الْأكراد، فخرج ملك الروم ووصل إلى رَعْبان يريد أن يملك حَلَب، فنزل إِلَيْهِ الملك الْأفضل من سُمَيْساط، فأخذا رعْبان وتلّ باشر، فردّ الملكُ الأشرفُ إلى حلب، ونزل عَلَى الباب وبزاعة، وقدّم بين يديه العرب. وقدِم الرُّوم يعملون مَصَافًا مَعَ العرب فكسرهُم العربُ، وبعث الْأشرفُ نَجْدة من عسكره إلى دمياط.
وفي جُمَادَى الْأولى أخذت الفرنج من دمياط برج السِّلْسلة، فبعثَ الكاملُ يستصرخ بأبيه، فدقّ أَبُوه - لَمَّا بلغه الخبر - بيده، ومرض مرضة الموت.
قَالَ أَبُو شامة: وضربَ شيخُنا عَلَمُ الدين السَّخاوي بيدٍ عَلَى يد، ورأيته يُعَظِّم أمرَ البُرْج، وَقَالَ: هُوَ قُفْل الدِّيار المصرية. وقد رأيته وَهُوَ برج عالٍ في وسط النيل، ودمياط بحذائه من شَرْقيِّه، والجِيزةُ بحذائه عَلَى حافة النيل من غَرْبيِّه، وفي ناحيته سلسلتان، تمتدّ إحداهما عَلَى النيل إلى دمياط، والْأخرى عَلَى النيل إلى الجيزة، تمنعان عُبور المراكب من البحر المالح.
وفي جُمَادَى الآخرة التقى المُعَظَّم والفرنج عَلَى القَيْمون، فنصرهُ اللَّه، وقَتَل منهم خَلْقًا، وأسَرَ مائة فارس.
قَالَ: وفيها وصل رسولُ خُوَارِزْم شاه علاء الدين مُحَمَّد بن تكش إلى العادل، فبعث في جوابه الخطيبَ جمالَ الدين مُحَمَّد الدَّوْلَعيّ، والنَّجْم خليل قاضي العَسْكر، فوصلا إلى هَمَذان، فوجدا خُوارزم شاه قد اندفع من بين يدي الخطا والتَّتار، وقد خامَرَ عَلَيْهِ عَسْكره، فسارَ إلى بُخَارَى، فاجتمع المذكوران بولده جلال الدين، فأخبرهما بوفاة العادل الَّذِي أرسلهما. وَكَانَ الخطيب قد استناب ابنهُ يُونُس ولم تكن لَهُ أهليَّة، فوُلِّيَ الموفق عُمَر بن يوسف خطيب [ص:277] بيت الآبار إلى أن يقدم الدولعي.
وفي رجب أدار الملك المُعَظَّم المُكوس والخُمور وما كَانَ أَبُوه أبْطَلَه، فَقِيلَ: إِنَّهُ ضَمَّنَ الخمر بدمشق والخنا بثلاثمائة ألف درهم. قَالَ أَبُو المُظَفَّر: فَقُلْتُ لَهُ: قد خلفت سيف الدين غازي ابن أخي نور الدِّين، فَإِنَّهُ كذا فعل لَمَّا مات نور الدين. فاعتذر بقلَّة المال ودفع الفرنج، ثُمَّ سار إلى بانياس، وراسل الصَّارمَ متولّي تِبنِين، بأن يُسَلِّم الحصونَ، فأجابه، وخَرّب بانياس وتبنين، وقد كانت قُفْلًا للبلاد وملجأً للعباد، وأعطى جميع التي كانت لسركس لأخيه العزيز عُثْمَان، وزَّوجه بابنة سركس، وأظهْرَ أَنَّهُ ما خَرَّب هذا إلا خوفاً من استيلاء الفرنج.
وبعث الكامل إِلَيْهِ يستنجد بِهِ، وعدَّى الفرنج دمياط، فأخلى لهم العساكر الخيامَ فطَمِعُوا، ثُمَّ عادَ عليهم الكامل فطحنهم وقتل خلقاً، فعادوا إلى دمياط.
وفيها تُوُفِّي صاحب الروّم كيكاوس، وَكَانَ ظالمًا، فاتكاً، جباراً فاسقاً.
وفيها تُوُفِّي الملك القاهر عز الدين مسعود بن رسلان بن مسعود بن مودود بن زنكي بن آقسنقر صاحب المَوْصِل، مسمومًا فيما قِيلَ، وترك ابنه محمودًا وَهُوَ صغير، فأخرجَ الْأميرُ بدرُ الدين لؤلؤ أخا القاهر زنكيًا من المَوْصِل، ثُمَّ استولى عليها، وتسمّى بالملك الرَّحيم، وَقِيلَ: إِنَّهُ أدخلَ محمودًا حَمّامًا حامِيًا حَتَّى اشتد كَرْبُهُ، فاستغاث: " اسقوني ماء، ثُمَّ اقتلوني "، فسقوه، ثم خنق.
وفيها عادَ السلطان خُوَارِزْم شاه مُحَمَّد إلى نَيْسَابُور، وأقامَ بها مُدَّة، وقد بلغه أَنَّ التّتار، خذلهم اللَّه تعالى، قاصدون مملكة ما وراء النهر، وجاءه من جنكس خان رسلٌ وهو محمود الخُوَارِزْمِي، وخَواجا عَليّ البُخاريّ، ومعهم من طُرَف هَدايا التُّرك من المِسْك وغيره، والرّسالة تشتمل عَلَى التَّهْنئة بسلامة خُوَارِزْم شاه، ويطلب منه المُسالمَة والهُدْنة، وَقَالَ: إِنَّ الخان الْأعظم يسلم عليك ويقول: ليس يخفى عليَّ عِظَمُ شأنك، وما بلغتَ من سُلطانك، ونفوذِ حُكمك عَلَى الْأقاليم، وَأَنَا أرى مُسالمتك من جملة الواجبات، وَأَنْتَ عندي [ص:278] مثل أعزّ أولادي، وغير خافٍ عنك أنني ملكت الصِّين، وَأَنْتَ أخبرُ النَّاس ببلادي، وإنّها مثارات العساكر والخيول، ومعادن الذَّهَب والفِضَّة، وفيها كفاية عن طلب غيرها، فإن رَأَيْت أن نعقد بيننا الموَدَّة، وتأمر التّجّار بالسَّفر لتعمّ المصلحتين؟ فعلت. فأحضر السلطان خُوارزم شاه محمودًا الخوارزمي وقال: أنت منا وإلينا، ولا بد لك من مولاةٍ فينا. ووعده بالإحسان؛ إن صدقهُ، وأعطاه معضدة مجوهرة نفيسة، وشَرَطَ عَلَيْهِ أن يكون عَيْنًا لَهُ عَلَى جنكز خان، فأجابه، ثم قال له: اصدقني، أجنكز خان ملك طمغاج الصّين؟ قَالَ: نعم. فَقَالَ: ما ترى في المصلحة؟ قَالَ الاتفاق. فأجاب إلى ملتمس جنكز خان. قال فسر جنكز خان بذلك، واستمرّ الحال عَلَى المهادنة إلى أن وصل من بلاده تجارٌ، وَكَانَ خال السلطان خُوَارِزْم شاه ينوب عَلَى بلاد ما وراء النَّهْر، ومعه عشرون ألف فارس، فَشرِهت نفْسُه إلى أمْوال التُّجَّار وكاتبَ السلطان يَقُولُ: إِنَّ هؤلاء القوم قد جاؤوا بزيِّ التُّجَّار، وما قصْدهم إِلَّا إفساد الحال وأن يجسّوا البلاد، فإن أذنت لي فيهم. فأذِنَ لَهُ بالاحتياط عليهم. وقبض عليهم، واصطفى أموالهم. فوردت رسل جنكز خان إلى خُوَارِزْم شاه تَقُولُ: إِنَّك أعطيت أمانك للتجار، فغدرتَ، والغدْرُ قبيحٌ، وَهُوَ من سلطان الإِسْلَام أقبحٌ، فإن زعمت أَنَّ الَّذِي فعلهُ خالُك بغير أمْرك، فسلِّمه إلينا، وإلا فسوف تشاهد مني ما تعرفني بِهِ. فحصل عند خُوَارِزْم شاه من الرُّعب ما خامر عقلهُ، فتجلَّد، وأمر بقتل الرُّسُل، فقُتلوا، فيا لها حركة لمَا هدَرَت من دماء الإِسْلَام؛ أجْرت بكل نُقطة سَيْلًا من الدَّم، ثُمَّ إِنَّهُ اعتمد، من التدبير الرَّديء لَمَّا بلغه سير جنكز خان إليه أنه أمر بعمل سور سمرقند، ثُمَّ شحنها بالرّجال، فلم تُغن شيئًا، وولّت سعادته، وقُضي الْأمر.
قَالَ المؤيد عماد الدين في " تاريخه ": قَالَ النسوي كاتبُ الإنشاء الَّذِي لخُوارزم شاه: مملكة الصِّين دورها ستة أشهر، وَهِيَ ستة أجزاء، كلّ جزء عَلَيْهِ ملك، ويحكم عَلَى الكُلِّ الخان الْأكبر يُقَال لَهُ الطرخان، وَهَذَا كَانَ معاصر خُوَارِزْم شاه مُحَمَّد، وقد ورث المُلْك كابرًا عن كابر، بل كافرًا عن كافر. [ص:279]
وإقامته بطوغاج في وسط الصين. وَكَانَ دوشي خان أحد الستة متزوجاً بعمة جنكز خان الَّذِي فعل الْأفاعيل وأباد الْأمم. وجنكز خان من أمراء بادية الصين، وهم أهل شَرٍّ وعُتُوٍّ، فمات دوشي المذكور، فعمدت زوجته إلى ابن أخيها جنكز خان وقد جاءها زائرًا فملّكته، وَكَانَ الملِكان اللذان هما مجاوران لهم هما: كشلي خان، وفلان خان، فرضيا بجنكز خان، وعاضداه، فَلَمَّا أُنهي الْأمر إلى القان ألطور أنكر ولم يرضَ، واستحقر جنكز خان، فغضب لَهُ المذكوران وخرجا معه وعملوا المصافَّ، فانهزم ألطور خان وذلَّ، ثمّ طلب الصُّلح، فصالحوه، وقَوُوا واتفقوا، فمات أحدهما، ثُمَّ مات كشلوخان، وتملّك ولده، فطمع جنكز خان في الولد، وتمكّن وكثُر جُنده وهم المُغُل، وحارب الولد، وهزمه واستولى عَلَى بلاده، ثُمَّ نَفّذ رسولًا إلى خُوارزم شاه كما ذكرنا.(13/275)
-سنة ستّ عشرة وستمائة.
فيها وصلَ الخبر بانجفال السلطان خُوَارِزْم شاه عن جيحون، فاضطربت مدينة خُوَارِزْم، وقلقت خاتون والدة السلطان، وأمرت بقَتْل من كَانَ معتقلًا بخوارزم من المُلوك، وَكَانَ بها نحو عشرين مَلِكًا، وخرجت من خُوَارِزْم ومعها خزائن السلطان وحُرَمه، وساقت إلى قلعة إيلال بمازنْدران، ثُمَّ أُسِرت. وأما السلطان فَإِنَّهُ لم يزل مُنهزمًا إلى أنْ قدِمَ نَيْسَابُور، ولم يُقم بها إِلَّا ساعةً واحدة رُعْبًا من التّتار، ثُمَّ ساق إلى أنْ وصلَ إلى مرْج هَمَذَان ومعه بقايا عسْكَره نحو عشرين ألفًا، ولم يشعر إِلَّا وقد أحدَق بِهِ العدوّ، فقاتلَهُم بنفسه، وشمل القَتْل كلّ من كَانَ في صحبته، ولجأ في نَفَرٍ يسير إلى الجبل، ثُمَّ منها إلى الاستدار وَهِيَ أمنع ناحية في مازندران، ثُمَّ سارَ إلى حافة البحر، وأقام بقرية يُنَوِّر المسجدَ ويصلِّي فيه إمامًا بجماعة، ويقرأ القرآن، ويبكي، فلم يلبث حَتَّى كَبَسه التّتار، فهربَ، ورِكبَ في مركبٍ، فوقع فيه النشاب، وخاضَ خلفه طائفةٌ، فصدَّهُم عمق الماء عن لحوقه، فبقي في لجةٍ ولحِقتْه عِلَّة ذات الْجَنْب، فَقَالَ: سبحان اللَّه مالك الملوك لم يبق لنا من مملكتنا مَعَ سعتها قدْر ذراعين نُدفن فيها، فاعتبروا يا أُولي الْأبصار. فَلَمَّا وصل إلى الجزيرة التي هناك، أقام بها طريدًا وحيدًا، والمرض يزدادُ بِهِ، ثُمَّ مات وكُفّن في شاش فَراش كَانَ معه، في سنة سبع عشرة. [ص:280]
وفي أَوَّل السنة أخْرَب المُعَظَّم أسوارَ القدس خوْفًا من استيلاء الفرنج عَلَيْهِ، وقد كَانَ يومئذٍ عَلَى أتمِّ العمارة وأحسن الْأحوال وكَثْرَة السّكّان.
قَالَ أَبُو المُظَفَّر: كَانَ المُعَظَّم قد توجّه إلى أخيه الكامل إلى دمياط والكشف عَنْهَا، وبلَغَهُ أَنَّ طائفةٌ من الفرنج عَلَى عَزْم القُدس، فاتفق هُوَ والْأمراء عَلَى تخريبه، وقالوا: قد خلا الشَّام من العساكر، فلو أخذته الفرنج حكموا عَلَى الشَّام. وَكَانَ بالقدس أخوه الملك العزيز وعز الدين أيْبَك أُستاذ دار، فكتبَ المُعَظَّم إليهما يأمرهما بخرابه، فتوقفا. وقال: نَحْنُ نحْفَظه، فأتاهما أمرٌ مؤكدٌ بخرابِهِ، فشرعوا في الخراب في أَوَّل المحرم، ووقع في البلد ضجَّة، وخرجَ الرِّجالُ والنِّساء إلى الصَّخْرة، فقطَّعوا شعورهم، ومزَّقوا ثيابهم، وخرجوا هاربين، وتركوا أثْقالهم، وما شَكّوا أَنَّ الفرنج تُصَبِّحهم، وامتلأت بهم الطُّرقات، فبعضهم قصدَ مصر، وبعضهم إلى الكَرَك، وبعضُهم إلى دِمشق، وهلكت البنات من الحفاء، وماتَ خلقٌ من الجوع والعَطَش، ونُهِبَ ما في البلد، وبيع الشيء بعُشرِ ثَمَنِه، حَتَّى أُبيع قِنْطار الزِّيت بعشرة دراهم، ورطل النُّحاس بنصف درهم، وَعَلَى هَذَا النَّمط، وذَمَّ الشعراء المُعَظَّم، وقالوا:
في رَجَب حُلِّل المُحَرَّمُ ... وخُرِّبَ القُدس في المُحَرَّمِ
وَقَالَ مجد الدين مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه قاضي الطُّور:
مررتُ عَلَى القُدْس الشريف مُسلِّمًا ... عَلَى ما تَبَقى من ربوع كأنجم
ففاضت دموعُ العَيْن مني صَبَابةً ... عَلَى ما مضى في عَصْرنا المتقدم
وقد رام علجٌ أن يُعَفِّي رسومَةُ ... وشَمَّرَ عن كفي لَئِيم مُذَمَّم
فَقُلْتُ لَهُ: شَلّت يمينُك خَلِّها ... لمعتبرٍ أَوْ سائلٍ أَوْ مُسلم
فلو كَانَ يُفدى بالنُّفوس فديتهُ ... وَهَذَا صحيحُ الظن في كلّ مسلم
قَالَ ابن الْأثير: لَمَّا ملكت الفرنج بُرج السلسلة قطعوا السِّلاسل لتدخل مراكبهم في النيل ويتحكموا في البرِّ، فنصبَ الملكُ الكامل عِوض [ص:281] السَّلاسل جسْرًا عَظيمًا، فقاتلوا عَلَيْهِ قتالًا شديدًا حَتَّى قطعوه، فأخذَ الكامل عدَّة مراكب كِبارٍ، وملأها حجارةً وغرَّقَها في النيل، فمنعت المراكب من سلوك النيل. فقصدت الفرنج خَليجًا يُعرف بالأزرَق، كَانَ النِّيل يجري قديمًا عَلَيْهِ، فحفروه وعَمّقوه، وأجروا الماء فيه، واصعدوا مراكبهم فيه إلى بُورَة، فَلَمَّا صاروا في بورة حاذوا الملك الكامل وقاتلوه في الماء، وزحفوا إِلَيْهِ غير مرة.
وأما دِمياط فلم يتغير عليها شيء، لأن المسيرة متّصلة بهم، والنيلُ يَحجز بينهم، وأبوابُها مُفتحة، فاتفقَ موتُ الملك العادل، فضَعُفَت النُّفوس.
وَكَانَ عماد الدين أَحْمَد بن المشطوب أكبر أمير بمصر، والْأمراء ينقادون لَهُ، فاتفقَ مَعَ جماعةٍ، وأرادوا خَلع الكامل وتمليك أخيه الفائز، فبلغَ الخبرُ الكاملَ، ففارق المنْزلة ليلًا، وسار إلى قرية أشمون، فأصبحَ العَسْكر وقد فقدوا سُلطانهم، فلم يقف الْأخ عَلَى أخيه، وتركوا خيامَهم، وعبرت الفرنج النّيل إلى برِّ دِمِياط آمنين في ذي القِعْدَة، وحازوا المُعسكر بما فيه، وَكَانَ شيئًا عظيمًا، فَمَلكهُ الفرنجُ بلا تعبٍ.
ثُمَّ لَطَفَ اللَّه ووصل المُعظم بعد هَذَا بيومين، وَالنَّاس في أمرٍ مريج، فقوّى قلبَ أخيه وثبتهُ، وأخرجوا ابن المشطوب إلى الشَّام. وأمّا العُربان فتجمّعت وعاثت، فكانوا أشدَّ عَلَى المُسلمين من الفرنج.
قَالَ: وأحاط الفرنج بدِمياط وقاتلوها بَرًّا وبَحْرًا، وعملوا عليهم خَنْدقًا يمْنعهم، وهذه عادتهم، وأداموا القتال، واشتد الأمرُ عَلَى أهلها، وتعذّرت عليهم الْأقوات وغيرها، وسئموا القتال؛ لأنَّ الفرنج كانوا يتناوبون القتال عليهم لكثرتهم، ولم يكن بدمياط من الكثرة ما يجعلون القتال عليهم بالنُّوبة، وَمَعَ هذا فصبروا صبرًا لم يُسْمع بِمِثْلِهِ، وكثُر القتْل فيهم +والجراح والموتُ، ودام الحصار عليهم إلى السَّابع والعشرين من شعبان من سنة ستّ عشرة، فعجز من بقي بها عن الحِفظ لقلّتهم، وتعذّر القُوت عليهم، فسَلَّموا بالْأمان، وأقامَ طائفة عَجزوا عن الحركة.
وبَثَّت الفرنج سراياهم ينهبون ويقتلون، وشرعوا في تحصين دمياط وبالغوا في ذَلِكَ، وبقي الكامل في أطراف بلاده يحميها. وتسامعَ الفرنجُ بفتح [ص:282] دمياط، فأقبلوا إليها من كُلّ فجِّ عميق، وأضْحت دارَ هجرتهم، وخافَ النَّاس كافةً من الفرنج.
وأشرف الإِسْلَام عَلَى خطَة خسْف؛ أقبل التّتار من المَشْرق، وأقبل الفرنج من المغرب، وأراد أهلُ مصر الجلاء عَنْهَا فمنعهم الكامل، وتابع كُتبه عَلَى أخويه المُعَظَّم والْأشرف يحثّهما عَلَى الحضور، وَكَانَ الْأشرف مشغولًا بما دهمهُ من اختلاف الكلمة عَلَيْهِ ببلاده عند موت القاهر صاحب المَوْصِل. وبقيَ الكاملُ مدَّةً طويلة مُرابطًا في مقابلة الفرنج إلى سنة ثمان عشرة، فنجده الْأشرف. وَكَانَ الفرنج قد ساروا من دمياط وقصدوا الكامل، ونزلوا مقابله وبينهما بحر أُشمون، وَهُوَ خليج من النيل، وبقوا يرمون بالمنجنيق والجَرْخ إلى عسْكر المسلمين، وقد تَيَقّنوا هُم وكلُّ النَّاس أَنَّهُم يملكون الدّيار المصرية.
وأمّا الكامل فتلّقى الْأشرف وسُرَّ بقدومه، وسار المُعَظَّم فقصدَ دِمياط، واتفقَ الأشرفُ والكاملُ عَلَى قتال الفرنج، وتقربوا، وتقدّمت شواني المسلمين، فقابلت شواني الفرنج، وأخذوا للفرنج ثلاث قطعٍ بما فيها، فقويت النّفوس، وتردّدت الرُّسُل في الصُّلح، وبَذَلَ المسلمون لهم تسليم بيت المَقْدِس، وعَسقلان، وطبريَّة، وصَيدا، وجَبَلَة، واللّاذقية، وجميع ما فتحهُ صلاح الدين، رحمه اللَّه، سوى الكَرَك، فلم يرضوا، وطلبوا ثلاثمائة ألف دينار عوضًا عن تخريب بيت المَقْدِس ليعمروه بها، فلم يتم أمر، وقالوا: لا بد من الكَرَك. فاضطُرَّ المسلمون إلى قتالهم، وَكَانَ الفرنج لاقتدارهم في نفوسهم لم يستصحبوا معهم ما يقوتهم عِدَّة أيام؛ ظَنًّا منهم أَنَّ العساكر الإسلامية لَا تقوم لهم، وأنَّ القرى تبقى بأيديهم وتكفيهم. فعبرَ طائفةٌ من المسلمين إلى الْأرض التي عليها الفرنج فَفَجّروا النيل، فركب أكثر تلكَ الْأرض، ولم يبقَ للفرنج جهةٌ يسلكونها غير جهةٍ واحدة ضيقة، فنصب الكاملُ الجسور عَلَى النِّيل، وعبرت العساكر، فملكوا الطّريق التي يسلكها الفرنج إلى دِمْيَاط، ولم يبق لهم خلاص، ووصل إليهم مركب كبير وحوله عِدَّة حَرّاقات، فوقع عليها شواني المسلمين، وظفرَ [ص:283] المسلمون بذلك كلِّه، فسُقِط في أيدي الفرنج، وأحاطت بهم عساكر المسلمين، واشتد عليهم الْأمرُ، فأحرقوا خيامهم ومجانيقهم وأثْقالهم، وأرادوا الزَّحف إلى المسلمين فعجزوا وذَلوا فراسلوا الكامل يطلبون الْأمان ليسلموا دِمْيَاط بلا عِوض، فبينما المراسلات متردّدة، إِذْ أقبلَ جمعٌ كبير لهم رهجٌ شديدٌ وجلبة عظيمةٌ من جهة دِمْيَاط، فظنه المسلمون نجدة للفرنج، فَإِذَا بِهِ الملك المُعظم، فخُذل الفرنج، لعنهم اللَّه، وسَلَّموا دِمْيَاط، واستقرت القاعدة في سابع رجب سنة ثمان عشرة، وتسلّمها المسلمون بعد يومين، وَكَانَ يومًا مشهودًا فدخلها العسكر، فرأوها حَصينة قد بالغَ الفرنج في تحصينها بحيثُ بقيت لَا تُرام، فلله الحمد عَلَى ما أنعمَ بِهِ. وَهَذَا كلّه ساقه ابن الْأثير، رحمه اللَّه، متتابعًا في سنة أربع عشرة.
وَقَالَ غيره، وَهُوَ سعد الدين مسعود بن حمويه فيما أَنْبَأَنَا: لَمَّا تقرر الصُّلح جلس السلطان في خَيْمَته، وحضر عنده الملوك، فَكَانَ عَلَى يمين السلطان صاحبُ حمص الملكُ المُجاهد، ودونه الملك الْأشرف شاه أرمن، ودونه الملك المُعَظَّم عيسى، ودونه صاحب حماة، ودونه الحَافِظ صاحب جَعْبَر، ومُقدم نجدة حلب، ومُقدم نجدة المَوْصِل، ومُقدم نجدة ماردين، ومقدَّم نجدة إربل، ومقدَّم نجدة ميافارقين، وَكَانَ عَلَى يساره نائب البابا، وصاحب عَكّا، وصاحب قبرص، وصاحب طرابلس، وصاحب صَيْدا، وعشرون من الكُنود لهم قلاع في المغرب، ومقدَّم الدَّاوية، ومُقدم الإسبتار. وَكَانَ يومًا مشهودًا، فرسَم السلطان بمبايعتهم، وَكَانَ يحمل إليهم في كلّ يوم خمسين ألف رغيف، ومائتي إردب شعير، وكانوا يبيعون عُدَدَهم بالخُبْز ممّا نالهم من الجُوع. فَلَمَّا سَلَّموا دِمْيَاط أطلقَ السلطانُ رهائنهم، وبقي صاحبُ عكا حتى يطلقوا رهائن السلطان فأبطؤوا، فركب السلطان ومعه صاحب عكّا وَكَانَ خلقةً هائلةً فأخرجَ السلطان من صَدْر قبائه صليبَ الصَّلبوت، الَّذِي كَانَ صلاحُ الدين أخذَه من خزائن خُلفاء مصر فَلَمَّا رآه صاحب عكًا رمى بنفسه إلى الْأرض، وشكر السلطان، وَقَالَ: هَذَا عندنا أعظم من دِمْيَاط. وَقَالَ لَهُ [ص:284] السلطان: خذ هَذَا تذكارًا من عندي، واركب في مركب، ورُح نفِّذ رهائننا، فلم يفعل، وبعث الصليب مَعَ قِسّيس.
وحكى بعضهم قَالَ: وفي شعبان أخذت الفرنج دِمْيَاط، وَكَانَ المُعَظم قد جهّز إليها ناهض الدين ابن الجرخي في خمسمائة راجل، فهجموا عَلَى الخندق، فقُتل الناهضُ ومن كَانَ معه، وضَعُفَ أهلُ دِمْيَاط المساكين، ووقع فيهم الوَباء والغَلاء، وعَجَزَ الملكُ الكامل عن نُصرتهم، فسلّموها بالْأمان، وفتحوا للفرنجُ، فغدروا، لعنهم اللَّه، وقتلوا وأسَروا، وجعلوا الجامعَ كنيسةً، وبعثوا بالمصاحف ورؤوس القتلى إلى الجزائر.
وَكَانَ بدمياط الشَّيْخ أَبُو الحَسَن بن قُفل الزّاهد صاحب زاوية، فما تَعَرَّضوا لَهُ، قَالَ أَبُو شامة: أَنَا رأيته بدمياط سنة ثمانٍ وعشرين.
وبلغَ الكاملَ والمُعَظم فبكيا بكاءً شديدًا، وَقَالَ الكامل للمُعظم: ما في مقامك فائدة، فانزل إلى الشَّام وشوش خواطر الفرنج، واجمع العساكر من الشَّرْق.
قَالَ ابن واصل في أخْذ دِمْيَاط: وحين جرى هَذَا الْأمر الفظيع، ابتنى الملك الكامل مدينة، وسمّاها المنصورة عند مفرق البَحْرين الآخذ أحدهما إلى دِمْيَاط، والآخر إلى أُشمون، ومصبهُ في بحيرة تِنّيس، ثُمَّ نزلها بجيشه، وبنى عليها سورًا.
وذكر ابن واصل: أَنَّ تملك الفرنج دِمْيَاط كَانَ في عاشر رمضان.
قَالَ أَبُو المُظَفَّر: فكتب إليَّ المُعَظَّم وَأَنَا بدمشق بتحريض الناس على الجهاد ويقول: إنّي كشفتُ ضياع الشَّام فوجدتها ألفي قرية، منها ألف وستمائة قرية أملاك لأهلها، وأربعمائة سلطانية، وكم مقدار ما يقيم هذه الأربعمائة من العساكر؟ فأريد أن تُخرج الدَّمَاشِقة ليذبّوا عن أملاكِهم. فقرأتُ عليهم كتابهُ في المِيعاد، فتقاعَدوا، فَكَانَ تقاعدهم سببًا لأخذ الخُمْس والثُّمن من أموالهم، وكتب إليَّ: إِذَا لم يخرجوا فسِرْ أَنْتَ إليَّ. فخرجتُ إلى السّاحل، وقد نزل [ص:285] عَلَى قَيْسارية، فأقمنا حَتَّى افتتحها عَنْوةً، ثُمَّ نزل عَلَى حِصْن البَقَر فافتتحه وهَدَمه، وقَدِمَ دمشق.
وفيها ألبسَ الملك المُعَظَّم قاضي القضاة زكيّ الدين الطّاهر القِباء والكلوتة بمجلس الحكم بداره.
قَالَ أَبُو المُظَفَّر: كَانَ في قلبِ المُعظم منه حزازات، كَانَ يمنعه من إظهارها حياؤه من أبيه، وكان يشكو إليَّ مرارًا. ومَرضت ستُّ الشَّام عَمَّة المُعَظَّم، وكانت أوصَتْ بدارها مدرسةً، فأحضَرَت القاضي المذكور والشهود، وأوصت إلى القاضي، وبلغَ ذَلِكَ المُعَظَّم فعزَّ عليه، وقال: يحضر إلى دار عمتي بغير إذني ويسمع كلامها. ثُمَّ اتفق أَنَّ القاضي أحضر جابي العزيزية وطلب منه حسابًا، فأغلظ لَهُ، فأمر بضربه، فضُرب بين يديه كما تفعل الوُلاة. فوجد المُعظم سبيلا إلى إظهار ما في نفسه، وَكَانَ الجمال المَصْرِيّ وكيل بيت المال عدوا للقاضي، فجاء فجلس عند القاضي والشهود حاضرون، فبعث المعظم بقجة فيها قباء وكلوتة، وأمر أن يحكم بهما بينَ الناس، فقامَ من خوفه فلَبِسَهما، وحكمَ بين اثنين.
قَالَ أَبُو شامة: جابي المدرسة هُوَ السَّديد سالم بن عَبْد الرَّزَّاق خطيب عَقربا، وجاء الَّذِي ألْبَسه الخِلْعة إلى عند شيخنا السَّخَاويّ، فتأوّه الشَّيْخ وضرب بيده عَلَى الْأخرى، فَكَانَ ممّا حكى أنْ قَالَ: أمرني السلطان أن أقول لَهُ: السلطان يسلّم عليك وَيَقُولُ لك: الخليفة سلام الله عليه إذا أراد أن يُشرف أحداُ خلعَ عليه من ملابسه؛ ونحن نسلك طريقه. وفتحتُ البقجة، فَلَمَّا رآها وَجَمَ، فأمرتُه بترك التوقف، فمد يدهُ ووضع القباء على كتفيه، ووضع عمامته وحط الكلوتة على رأسه، ثُمَّ قام ودخل بيته.
قَالَ أَبُو شامة: ومن لطف الله به أن كَانَ المجلس في داره، ثُمَّ لزم بيته، ولم تطُل حياته بعدها، ومات في صفر سنة سبع عشرة، رمى قِطَعًا من كبده، وتأسف الناس لما جرى عليه، وكان يحب أهل الخير، ويزور الصالحين. [ص:286]
وبقيَ نوابهُ يحكمون بين النَّاس: ابن الشِّيرَازِيّ، وابن سني الدولة، وشرف الدّين ابن المَوْصِليّ الحَنَفيّ، كَانَ يحكم بالطَّرْخانية بجَيْرون، ثُمَّ بعد مدَّة أضيف إليهم الجمال المَصْرِيّ.
وَقَالَ أَبُو المُظَفَّر: كانت واقعة قبيحة، ولقد قلتُ لَهُ يومًا: ما فعلتَ هَذَا إِلَّا بصاحب الشرع؟ ولقد وجب عليك دية القاضي، فقال: هو أحوجني إلى هذا، ولقد ندمتُ. واتفق أنّ المُعظم بعثَ إلى الشرف ابن عُنين - حين تزهد - خمرا ونردا، وقال: سبح بهذا! فكتبت إِلَيْهِ:
يا أيُّها الملكُ المُعظمُ، سُنّةً ... أحدَثْتَها تبقى عَلَى الآباد
تجري المُلوكُ عَلَى طَرِيقكَ بعدَها ... خَلع القُضاة وتُحفةُ الزهَّاد.(13/279)
-سنة سبع عشرة وستمائة
فيها قصد مُظَفَّر الدين صاحب إربل المَوْصِل، فخرجَ إِلَيْهِ بدر الدّين لؤلؤ، فَكَسَرهُ مُظَفَّر الدين، وأفلتَ لؤلؤ وحده، ونازل مظفرُ الدين المَوْصِل، فجاءَ الملك الأشرفُ من حران نَجْدةً للؤلؤ، ثم وقع الصلح.
وفيها كانت فتنة ابن المَشْطوب، لَمَّا كَانَ المُعَظَّم بديار مصر عام أَوَّل، بلغه أَنَّ الملك الفائز أخاه قد اتفق مع الْأمير عماد الدين ابن المشطوب أحد الْأمراء الكبار عَلَى أخيه الكامل، وقد استحلفَ للفائز العساكر. فعرف الكاملُ فرحلَ إلى أَشموم، وهَمَّ بالتوجّه إلى اليمن، ويَئس من البلاد، فَقَالَ لَهُ المُعظم: لَا بأس عليك، ورَكِبَ وجاء إلى خَيْمة ابن المَشْطوب، فخرج إلى خدمته بغير خُفٍّ، وركب معه، فسيّر معه، فأَبْعَدَ بِهِ، وَقَالَ: أخي الْأشرف قد طلبك فسر إليه مسرعاً. فقال: ما معي غلماني ولا قماشي، فَوَكَّل بِهِ جماعة، وَقَالَ: هَؤُلَاءِ في خدمتك. وأعطاه نفقة خمسمائة دينار، وَقَالَ: كلّ شيء تريد يلحقك في الحال. فسارَ، وجهَّز المُعَظَّم جميع أحواله خلْفَه، ثُمَّ رجع إلى مُخَيَّمه، فجاءَ الكامل إِلَيْهِ وقَبَّل الْأرضَ بين يديه.
وأما الفائز فخاف خوفًا عظيمًا، واجتاز ابن المشطوب عَلَى دمشق وحماة، وعدّى الفرات إلى الْأشرف فتلقّاه وأكْرَمه، فصار يركب بالشبابة، [ص:287] ويعمل له موكباً كالأشراف، فأعطاه أرجيش، فتجبر، وخامَر عَلَى الْأشرف، وطَلَعَ إلى ماردين، ثُمَّ قَصد سِنْجار في هذه السنة، وساعدهُ صاحبُ ماردين، فسارَ لحربه الملكُ الْأشرفُ، فدخل ابن المشطوب إلى تلْعَفر، فأنزله بدرُ الدين لؤلؤ صاحبُ الموصل بالأمان، وحملهُ معه إلى الموصل، ثم قيده وبعث بِهِ إلى الأشرف، فألقاه في الجُبِّ، فمات بالقملِ والجوع.
وَكَانَ عماد الدين ابن نور الدين صاحب قَرْقيسيا مَعَ الْأشرف، فكاتب ابنَ المشطوب، فَعلِمَ الأشرفُ فحَبَسهُ وبعثَ بِهِ مَعَ العَلَم قيصر المعروف بتعاسيف إلى قرقيسيا وعانة، فعَلَّقه تحت القلعتين وعَذَّبه، وتسَلّم تعاسيفُ جميع بلاده، وأراد الْأشرف أن يرميه في الْجُبّ، فشفع فيه الملك المُعظم، فأطلقه، فسار إلى دمشق فأحسن إِلَيْهِ المُعَظَّم، واشترى بُستان ابن حَيّوس بنواحي العُقيبة، وبنى فيه قبةً، وأقام بِهِ إلى أن مات، ودُفن بالقُبة، وَهِيَ عَلَى الطريق في آخر عمارة العُقيبة من شماليها بغربٍ.
وفيها تَزَّوج الْأخَوان المنصور إِبْرَاهِيم، والمسعود أَحْمَد، ابنا أسد الدين بابنتي الملك العادل، أُختي الصالح إسْمَاعِيل لأبويه، وتزوَّج أخوهُما يَعْقُوب بابنة المُعظم، وتزوج عُمر ابن المُعظم بابنة أسد الدِّين، ومَهْرُ كلٍّ منهنّ ثلاثون ألف دينار.
ودرس بالعزيزية القاضي ابن الشيرازي.
وفيها عُمِل عزاء شيخ الشيوخ ابن حَمَّوَيْه بجامع دمشق، فتكلَّم واعظٌ وأنشدَ أبيات ابن سينا: "هبطت إليكَ من المحلّ الْأرفع ". فأنكر القاضي الجمال المَصْرِيّ وَقَالَ: هذه الْأبيات قول زِنْديق، وأمره بالنُّزول فتعصَّبَ لَهُ جماعةٌ فتمَّمَ ونَزَلَ، وسَكَّن المُعتمد العصبية بعد أن جُذِبت سكاكين.
ثُمَّ عُزل ابن الشِّيرَازِيّ من العزيزية بالآمديّ.
وفيها قَتَلَ صاحبُ سِنْجار أخاه، فسارَ الملكُ الْأشرف إليها فأخذَها، وعوَّض صاحبَها الرَّقَة، فنزل من سنجار بأهله، وَهُوَ آخر ملوك البيت الْأتابكي، ومُدَّة مُلْكهم أربعٌ وتسعون سنةً، ومات بعد أن تسلَّم الرَّقة بقليلٍ، [ص:288] وانقصفَ شبابهُ ولم يُمتع بعد قَتْل أخيه.
وفي رجَب كانت وَقْعَة البُرُلُّس، وكانت وَقْعَة هائلة بين الفرنج والكامل، قتل الكاملُ منهم عشرةَ آلاف، وأخذ غنائمهم وخَيْلهم، وانهزموا إلى دمياط.
وفيها عُزل المعتمد عن ولاية دمشق، وَوُلِّيَ الغرس خليل.
وحج فيها المعتمد بالركب، وحجَّ بركب بَغْدَاد آقباش النَّاصري، فقُتل بمكة، وعاد ركبُ العراق مَعَ الشاميين، وَكَانَ مَعَ آقباش تقليدٌ بإمرة مكةَ لحسن بن قَتَادَة بن إدريس، لأنَّ أَبَاه ماتَ في وسط العام، فجاءهُ بعرفات راجحٌ أخو حَسَن وَقَالَ: أَنَا أكبر ولدَ قَتَادَة فَوَلِّني، وظنَّ حسنٌ أن آقباش قد وَلَّى راجحًا، فغلَّق مكة، ثُمَّ نزل آقباش بشُبيكة، وركب ليسكن الفتنة ويُصلح بين الْأخوين، فبرز عبيدُ حسن يقاتلونه، فَقَالَ: ما قصدي القتال. فلم يلتفتوا إِلَيْهِ، وثاروا بِهِ، فانهزم أصحابُه وبقي وحده، فجاء عبدٌ فَعرقَبَ فرسهُ، فوقع، فقتلوه، وحملوا رأسه عَلَى رُمحَ فنُصب بالمَسْعى. وأرادوا نَهب العِراقيّين، فقامَ المُعتمد في الْأمر، وخوَّفَ الحَسَن من الكامل والمُعظم. وَكَانَ آقباش قد اشتراه النَّاصر لدين اللَّه وَهُوَ أمرد بخمسة آلاف دينار، ولم يكن بالعراق أحسنُ منه صورةً، وَكَانَ عاقِلًا متواضعًا، وحَزِن عَلَيْهِ الخليفة.
خروجُ التَّتَار
قَالَ أبو المظفر سبط ابن الْجَوْزيّ: كَانَ أَوَّل ظهورهم بما وراء النَّهْر سنة خمس عشرة، فأخذوا بُخارى وَسَمَرْقَنْد وقتلوا أهلها، وحاصروا خُوَارِزْم شاه، ثُمَّ بعد ذَلِكَ عبروا النَّهْر، فوجدوا الخطا قد كسروا خوارزم شاه، فانضم إليهم الخطا وصاروا تبعًا لهم. وَكَانَ خُوَارِزْم شاه قد أبادَ المُلوك من مدن خُراسان، فلم يجد التَّتَار أحدًا في وجههم، فطووا البلادَ قتْلًا وسبْيًا، وساقوا إلى أن وصلوا إلى همذان وقزوين في هذه السنة، وتوجّهوا إلى أَذْرَبِيجَان.
وَقَالَ ابن الْأثير في كامله: لقد بقيتُ مدةً مُعرضًا عن ذكر هذه الحادثة استعظامًا لها، كارِهًا لذكرها، أقدمُ رجلاً وأؤخر أُخرى، فمن الَّذِي يسهُل عَلَيْهِ [ص:289] أن يكتب نعيَّ الإِسْلَام، فيا ليت أُمي لم تلدني، ويا ليتني مُتُ قبل حدوثها. ثُمَّ حثَّني جماعةٌ عَلَى تسطيرها، فنقول: هَذَا الفصل يتضمن ذِكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التي عقمت الدُّهور عن مثلها، عمّت الخلائق، وخصَّت المُسلمين، فلو قَالَ قائل: إنَّ العالم منذ خلقهُ اللَّه إلى الآن لم يُبْتلوا بمثلها، لكان صادقًا، فإنّ التواريخ لم تتضمن ما يقاربها. ومن أعظم ما يذكرون فعل بختُ نصَّر ببني إسرائيل بالبيت المُقدس، وما البيت المُقدّس بالنسبة إلى ما خَرّب هَؤُلَاءِ الملاعين؟! وما بنو إسرائيل بالنسبة إلى ما قتلوا؟!
فهذه الحادثة التي استطار شررُها وعمَّ ضررها، وسارت في البلاد كالسحاب استدبرته الريحُ، فإنّ قومًا خرجوا من أطراف الصين فقصدُوا بلاد تُركستان، مثل كاشْغر، وبلاشغون، ثُمَّ منها إلى بُخَارَى، وَسَمَرْقَنْد فيملكونها، ويفعلون بأهلها ما نذكره، ثُمَّ تعبُرُ طائفةٌ منهم إلى خُراسان فيفرغون منها مُلْكًا وتخْريبًا وقتْلًا وإبادة إلى الرّيّ وهمذان إلى حدِّ العراق، ثُمَّ يقصدون أَذْرَبِيجَان ونواحيها ويخرِّبونها ويستبيحونها في أقلِّ من سنةٍ، أمرٌ لم يُسمع بِمِثْلِهِ.
ثُمَّ ساروا من أَذْرَبِيجَان إلى دَرْبَنْد شِرْوان فملكوا مدنهُ، ولم يسلم غير القلعة التي فيها ملكهم، وعبروا من عندها إلى بلد اللّان واللّكْز فقتلوا وأسروا، ثُمَّ قصدوا بلاد قَفْجاق، وهم من أكثر التُّرك عددًا، فقتلوا من وقف، وهرب الباقون إلى الشعراء والغياض ورؤوس الجبال، وفارقوا بلادهم، واستولى التتر عليها.
ومضى طائفةٌ أخرى غير هَؤُلَاءِ إلى غزْنة وأعمالها، وسجستان وكَرْمان، ففعلوا مثل هَؤُلَاءِ بل أشدّ، هَذَا ما لم يطرق الْأسماع مثله؛ فإنّ الإسكندر الَّذِي ملكَ الدُّنْيَا لم يملكها في هذه السرعة، وإنما ملكها في نحو عشر سنين، ولم يقتل أحدًا، إنّما رضي بالطاعة. وَهَؤُلاءِ قد ملكوا أكثر المَعْمور من الْأرض [ص:290] وأحسنه وأعمرهُ في نحو سنة، ولم يبقَ أحدٌ في البلاد التي لم يطرقوها إِلَّا وَهُوَ خائفٌ يترقّب وصولهم إِلَيْهِ. ثُمَّ إنهم لم يحتاجوا إلى ميرة، ومددهم يأتيهم، فإنّهم معهم الْأغنام والبقرُ والخيْلُ يأكلونَ لحومهَا لَا غير. وأما خيلهم فإنها تحفر الْأرض بحوافرها، وتأكل عُروق النَبات، ولا تعرف الشَّعير. وأمّا ديانتهم فإنهم يسجدون للشمس عند طُلوعها ولا يُحرمون شيئًا، ويأكلون جميعَ الدّوابّ وبني آدم. ولا يعرفون نكاحًا، بل المرأة يأتيها غيرُ واحد، فَإِذَا جاءَ الولدُ لَا يُعرف أبوهُ. وتهيأ لهم أخذ الممالك، لأنّ خُوارزم شاه مُحَمَّدًا كَانَ قد استولى عَلَى البلاد، وقهَرَ ملوكها وقتلهم، فَلَمَّا انهزم من التَّتَار لم يبق في البلاد من يمنعُهم ولا من يحميها، ليقضي اللَّه أمرًا كَانَ مَفْعولًا.
وهم نوع من التُرك، مساكنهم جبال طَمْغاج، بينها وبين بلاد الشَّرق أكثر من ستة أشهر، وكان ملكهم جنكزخان قد فارق بلاده، وسار إلى نواحي تُركستان، وسَيّر معه جماعة من الْأتراك التُّجَّار، ومعهم شيء كثير من النُّقْرَة والقُنْدُز وغير ذَلِكَ، إلى بلاد ما وراء النَّهْر ليشتروا لَهُ ثيابًا وكُسْوةً، فوصلوا إلى مدينةٍ من بلاد التُّرك تُسمى أوترار، وَهِيَ آخر ولاية خُوارزم شاه، وَلَهُ بها نائبٌ. فَلَمَّا ورد عَلَيْهِ هذه الطائفة، أرسل عرّف السلطان، فبعث يأمره بقتلهم وأخْذ ما معهم، وَكَانَ شيئًا كثيرًا.
وَكَانَ بعد مملكته مملكةُ الخَطا، وقد سدّ الطّرق من بلاد تُركستان وما بعدها من البلاد، لأنّ طائفةً من التَّتَار أَيْضًا كانوا قد خرجوا من قديم الزمان والبلاد للخَطا. فَلَمَّا ملك خُوارزم شاه، وكَسَر الخَطا، واستولى عَلَى بلادهم، استولى هَؤُلَاءِ التَّتَار عَلَى تُركستان، وصاروا يحاربون نُوّاب خُوارزم شاه، فلذلك منَعَ الميرة عنهم من الكسوة وغيرها. وَقِيلَ غير ذَلِكَ.
فَلَمَّا قُتل أولئك التجار، بعث جواسيس يكشفون له جيش جنكزخان، فمضوا وسلكوا المفاوزَ والجِبال، وعادوا بعد مُدَّة، وأخبروا بأنهم يفوقون [ص:291] الإحصاء، وَأَنَّهُم مِن أصبر خلق اللَّه عَلَى القتال، لَا يعرفون هزيمةً، ويعملون سلاحهم بأيديهم، فندِمَ خُوَارِزْم شاه عَلَى قَتْل تُجَارهم، وحَصَلَ عنده فِكرٌ زائدٌ، فأَحضر الفقيه شهاب الدين الخيوقي فاستشاره، فقال: اجمع عساكرك ويكون التغير عامًّا، فَإِنَّهُ يجب عَلَى الإِسْلَام ذلك، ثُمَّ تسير بالجيوش إلى جانب سَيْحون، وَهُوَ نهر كبير يفصل بين التُّرك وبلاد ما وراء النَّهْر، فتكون هناك، فَإِذَا وصلَ إِلَيْهِ العدوّ وقد سار مسافة بعيدة، لقيناه، وَنَحْنُ مستريحون، وهم في غاية التَّعب. فجمع الْأُمراء واستشارهم، فلم يوافقوه عَلَى هَذَا، بل قَالُوا: الرأي أن نتركهم يعبرون سيحون إلينا، ويسلكون هذه الجبال والوعر، فإنهم جاهلون بطُرقٌها، وَنَحْنُ عارفون بها، فنقوى حينئذٍ عليهم ويهلكون.
فبينما هم كذلك إذ قدم رسول جنكزخان يتهدّد خُوارزم شاه وَيَقُولُ: تقتلون تُجاري وتأخذون أموالهم، استعدوا للحرب، فها أنا واصلٌ إليكم بجمْعٍ لَا قِبَل لكم بِهِ. وَكَانَ قد سار وملك كاشغر وبلا ساغون وأزال عَنْهَا التَّتَار الْأوّلين، فلم يظهر لهم أثر، ولا بقي لهم خبر، بل أبادهم، فقتل خُوارزم شاه الرَّسُول، وأما أصحابُه فحلق لحاهم، وردهم إلى جنكزخان يقولون لَهُ: إِنَّهُ سائرٌ إليك. وبادر خُوارزم شاه ليسبقَ خبرهٌ ويكبس التَّتَار، فقطع مسيرةَ أربعة أشهر، فوصل إلى بيوت التَّتَار، فما وجد فيها إلى الحريم فاستباحها، وَكَانَ التَّتَار قد ساروا إلى محاربة ملك من ملوك التُرك يقال له كشلوخان فهزموه، وغنموا أمواله، وعادوا فجاءهم الصريخ بما جرى، فجدُّوا في السيّر فأدركوا خُوَارِزْم شاه، وعملوا معه مصافًّا لم يُسمع بِمِثْلِهِ، واقتتلوا أشدّ قتال، وبقوا في الحرب ثلاثة أيام ولياليها، وقُتل من الطائفتين خلقٌ لَا يُحصون، وثبت المسلمون وابلوا بلاءً حسنًا، وعلموا أَنَّهُم إن انهزموا لم يبقَ للمسلمين باقية، وَأَنَّهُم يؤخذون لبُعدهم عن الديار. وأمّا الكفار التَّتَار فصبروا لاستنقاذ أموالهم وحريمهم، واشتدَّ بهم الْأمرُ حَتَّى كَانَ أحدُهم ينزل عن فرسه وقِرْنه راجل، فيقتتلان بالسكاكين. وجرى الدّمُ حَتَّى زلقت الخيل فيه من كثرته، واستفرغ [ص:292] الفريقان وسُعَهم في الصَّبْر. وَهَذَا القتال كلّه مع ابن جنكزخان، فإنّ أَبَاه لم يحضر الوَقْعَة، ولم يشعر بها، وقُتل من المسلمين عشرون ألفًا، ومن الكفار ما لا يُحصى.
فَلَمَّا كانت الليلة الرابعة نزل بعضهم مقابل بعضهم، فَلَمَّا كَانَ الليل أوْقدَ التَّتَار نيرانهُم، وتركوها بحالها وساروا، وكذلك فعل المسلمون أَيْضًا، كلٌّ منهم قد سئم القتال. ورجع المسلمون إلى بُخَارَى، فاستعدوا للحصار لعلم خُوارزم شاه بعجزه، لأنّ طائفةً من التَّتَار لم يقدر أن يظفر بهم، فكيف إذا جاؤوا بأجمعهم مَعَ ملكهم جنكزخان؟ فأمرَ أهلَ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْد يستعدون للحصار، وجعل ببُخَارَى عشرين ألف فارس، وفي سَمَرْقَنْد خمسين ألف فارس، وَقَالَ: احفظوا البلاد حَتَّى أعود إلى خُوارزم وأجمع العساكر وأعود. ثم عبر النَّهْر ونزل عَلَى بَلْخ، فعسْكَر هناك.
وأمّا التَّتَار فإنهم أقبلوا، فنازلوا بُخَارَى وحاصروها ثلاثة أيام وزحفوا، ففرَّ مَنْ بها من العساكر، وطلبوا خُراسان في الليل، فأصبح البلدُ خاليًا من العَسْكر، فأخرجوا القاضي بدر الدين ابن قاضي خان ليطلب لهم الْأمان، فأعطوهم الْأمان، واعتصم طائفةٌ من العسكر بالقلعة، ففتحت أبواب بُخارى للتتار في رابع ذي الحجَّة سنة ستّ عشرة، فدخلت التَّتَار ولم يتعرضوا إلى أحد، بل طلبوا الحواصل السلطانية، وطلبوا منهم المساعدة عَلَى قتال من بالقلعة، وأظهروا العدل. ودخل جنكزخان؛ لعنه اللَّه، وأحاط بالقلعة، ونادى في البلد أن لا يتخلف أحدٌ، من تخلّف قُتل، فحضروا كلّهم لِطَمِّ الخندق، وطَمُّوه بالتراب والْأخشاب، حَتَّى إِنَّ التَّتَار كانوا يأخذون المنابر وربعات الكتاب العزيز فيُلْقُونها في الخندق، فإنّا لله وَإنَّا إِلَيْهِ راجعون. ثُمَّ زحفوا على القلعة وبها أربعمائة فارس، فمنعوها اثنى عشر يومًا، فوصلت النّقوب إلى سورها. واشتد القتال، فغضب جنكزخان وردّ أصحابهُ ذَلِكَ اليوم، وباكرهم من الغد، وجدُّوا في القِتَال، فدخلوا القلعة، وصدَقَهُم أهلها حتى قتلوا عن آخرهم. ثم أمر جنكزخان أن يُكتب له رؤوس البلد، ففعلوا، ثم أحضرهم فَقَالَ: أريد منكم النُّقْرة التي باعكم خُوارزم شاه فإنها لي. فأحضر كل من عند شيء منها، [ص:293] ثُمَّ أمرهم بالخروج من البلد، فخرجوا مُجَرَّدين، فأمر التَّتَار أن ينهبوا البلد، فنهبوه، وقتلوا مَنْ وجدوا بِهِ، وأمر التتار أن يقتسموا المُسلمين، فتمزّقوا كل مُمُزق، وأصبحت بُخَارَى خاويةً عَلَى عروشها، وسبوا النِّساء. ومن النَّاس من قاتل حَتَّى قُتل، وكذا فعل الإمامُ ركن الدين إمام زادة، والقاضي صدر الدين وأولادهم. ثُمَّ ألقت التَّتَار النار في البلد والمدارس والمساجد. وعذَّبوا الرؤساء في طلب المال.
ثُمَّ رحلوا نحو سَمَرْقَنْد وقد تحقَقَّوا عجز خُوارزم شاه عَنْهُمْ واستصحبوا أُسارى بُخارى معهم مُشاة في أقبح حالٍ، ومن عجز قتلوهُ، فأحاطوا أَيْضًا بسمرقند، وبها خمسون ألف مقاتل، فخرج إليهم الشُّجعان من الرَجالة وغيرهم، فانهزموا لهم وأطمَعُوهم، ولم يخرج من الخمسين ألف أحدٌ لَمَّا قد وَقَر في قلوبهم من الرُّعب، وَكَانَ التَّتَار قد أكمَنُوا لهم، فَلَمَّا جازت الرجالُ ذَلِكَ الكمين، خرجوا عليهم وحالوا بينهم وبين البلد، فلم يسْلَم منهم أحدٌ.
قَالَ: وكانوا عَلَى ما قِيلَ سبعين ألفًا رحمهم اللَّه، فضعُفت نفوسُ الجُند والعامَّة، وأيقنوا بالهلاك، وطلبَ الْجُنْد الْأمان، فأجابوهم، وفتحوا البلد، وخرجوا إلى التَّتَار بأهاليهم وأموالهم، فَقَالَ لهم التَّتَار: ادفعوا إلينا سلاحكم وخيلكم وأموالكم، وَنَحْنُ نُسَيِّركُم إلى مأمنكم. ففعلوا ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ رابع يوم نادوا في العوامّ: ليخرجوا كلهم، ومن تأخر قتل، فخرج الجميعُ، ففعلوا بهم كما فعلوا بأهل بُخارى، نهبوا وسبوا وأحرقوا الجامع، وَذَلِكَ في المُحرم من هذه السنة.
ثم سير جنكزخان عشرين ألف فارس خلفَ خُوارزم شاه، فأتوا جَيْحون، فعملوا من الخشب مثل الْأحواض، وألبسوها جلود البقر لئلا يدخلها الماءُ، ووضعوا فيها سلاحهم وأمتعتهم، وألقوا الخيلَ في الماء، وأمسكوا بأذنابها، وتلك الحياض مشدودة إليهم، فَكَانَ الفرسُ يجذب الرجل، والرجل يجذب الحَوْض، فعبروا كُلُّهم، فلم يشعر خُوارزم شاه إِلَّا وقد خالطوه. واختلفت الخطا عَلَيْهِ، كما ذكرنا، وانهزم، وساقوا وراءه إلى أن ركب البحر إلى قلعةٍ لَهُ فأيسوا منه، وقصدوا الرّيّ وبلاد مازَنْدران فملكوها في أسرع وقت، وصادفوا في الطريق والدة خُوارزم شاه ونساءهٌ وخزائنه، وَكَانَ قصْدها إصبهان، فأخذوها وسيَّروها برُمتّها إلى جنكزخان وهو بسمرقند. [ص:294]
ثُمَّ دخلوا الرّيّ وقتلوا وسبوا، ووصلوا إلى زنْجان فبدَّعوا، ثُمَّ عطفوا إلى قزوين فحاصروها وأخذوها بالسيف، وقتل من الفريقين ما لا يُحصى، قِيلَ: بلغوا أربعين ألفًا.
ثُمَّ ساروا إلى أَذْرَبِيجَان فاستباحوها. ثُمَّ نازلوا تِبْريز وبها ابن البهلوان، فصالحهم عَلَى مالٍ وتحفٍ، فساروا عَنْهُ ليشتّوا عَلَى ساحل البحر، لِأَنَّهُ قليلُ البَرْد وبه المَرْعى، فوصلوا إلى مُوقان، وتطرَّقوا إلى بلاد الكُرج، فبرز لهم من الكُرْج عشرةٌ آلاف مُقاتل، فحاربوهم ثُمَّ انهزموا، فتبعهم التَّتَار إلى قرب تَفْليس وَذَلِكَ في ذي القِعْدَة من سنة سبْع عشرة.
ثُمَّ ساروا إلى مَراغة، وكانت لامرأة، فحاصروها، ثُمَّ ملكوها بالسيف، وقتلوا ما لَا يُحصى، واختفى خلق، فَكَانَ التَّتَار يأخذون الْأسْرَى ويقولون: نادوا في الدُّروب: إِنَّ التَّتَار قد رحلوا. فَإِذَا نادى أولئك خرج من اختفى فيقتلونه حتى قِيلَ أن رجلا من التتار دخل دربا فيه ما يزيد عَلَى مائة رَجُل، فما زال يقتل واحدًا واحدًا حَتَّى أفناهم، ولا يمدُّ أحد منهم يدهُ إليه بسوء، نعوذ باللَّه من الخُذْلان.
ثُمَّ رحلوا إلى نحو إربل فاجتمع بعض عسْكر العراق وعسكر المَوْصِل مَعَ مُظَفَّر الدين، فلمّا سمعوا باجتماع العساكر تقهقروا ظنًّا منهم أَنَّ العسكر يتبعهم، فلما لم يروا أحداً تبعهم أقاموا. وأقام العسكرُ عند دقوقا، ثُمَّ عادوا إلى بلادهم إلى همذان وغيرها، وجعلوا لهم بها شِحْنة، وأرسلوا إِلَيْهِ يأمرونه ليطلب لهم من أهلها أموالاً وقماشًا، ولم يكن خلّوا لهم شيئًا، فاجتمع العامَّة عند الرئيس بهمذان، ومعهم رجل فقيه قد قام في اجتماع الكلمة عَلَى الكُفَّار، فَقَالَ لهم الرئيس العلوي: كيف الحيلة وَنَحْنُ نعجز عنهم؟ فما لنا إِلَّا مصانعتهم بالْأموال. فقالوا لَهُ: أَنْتَ أشدُّ علينا من الكُفَّار، وأغلظوا لَهُ، فَقَالَ: أَنَا واحدٌ منكم فاصنعوا ما شئتم، فوثبوا عَلَى الشِّحْنة فقتلوه، وتحصّنوا، فتقدّم التَّتَار وحاصروهم، فخرج لحربهم العامة والرئيس والفقيه في أوائلهم، فقتلوا من التَّتَار خلقًا، وجُرح الفقيهُ عدَّة جراحاتٍ، وافترقوا، ثُمَّ خرجوا من الغد، فاقتتلوا أشدّ قتال، وقُتل من التتر أكثر من اليوم الأَوَّل. وأرادوا الخروج في اليوم الثالث فعجز الفقيه عن الركوب من الجراحات، وطلب الناسُ الرئيس، فإذا به قد هرب في سربٍ صنعه إلى ظاهر البلد هُوَ وأهله إلى قلعة هناك، [ص:295] فتحصّن بها. وبقي الناس حيارى، إِلَّا أَنَّهُم اجتمعت كلمتهم عَلَى الجهاد إلى أن يموتوا. وَكَانَ التَّتَار قد عزموا عَلَى الرحيل لكثرة من قُتل منهم، فَلَمَّا لم يروا أحدًا خرج لقتالهم طمعوا، واستدلّوا عَلَى ضعْفهم، فقصدوهم وقاتلوهم وذلك في رجب من سنة ثمان عشرة وستمائة. ودخلوا البلد بالسيف، وقاتلهم النَّاس في الدّروب، وبطل السلاح للزحمة، واقتتلوا بالسكاكين، فقُتل ما لَا يُحصى. ثُمَّ ألقي في همذان النّار فأحرقوها، ورحلوا إلى تِبْريز وقد فارقها صاحبها أُوزبك بن البَهْلوان، وَكَانَ لَا يزال منهمكًا عَلَى الخمور، يبقى الشهر والشهرين لَا يظهر، وإذا سَمِعَ هَيْعَةً طارَ، وَلَهُ جميع بلاد أذربيجان وأران، ثم قصد نقجوان، وسير نساءه وأهله إلى خوي، فقام بأمر تبريز شمس الدين الطُّغْرَائيّ، وجمع كلمة أهلها، وحَصَّن البلد، فَلَمَّا سَمِعَ التَّتَار بقوتهم أرسلوا يطلبون منهم مالًا وثيابًا، فسَيَّروا لهم ذَلِكَ.
ثُمَّ رحلوا إلى بَيْلقان فحصروها، فطلب أهلها رسولًا يُقَرِّرون معه الصُّلح، فأرسل إليهم مُقدّمًا كبيرًا فقتلوه، فزحفت التتارُ عَلَى البلد وافتتحوه عَنْوَة في رمضان من سنة ثمانِ عشرةَ، ولم يُبقوا عَلَى صغير ولا كبير، وكانوا يَفْجُرون بالمرأة، ثُمَّ يقتلونها.
ثُمَّ ساروا إلى كَنْجة وَهِيَ أُمُّ بلاد أرّان، فعلموا كثرةَ أهلها وشجاعتهم، فلم يقْدُموا عليها وطلبوا منها حَمْلًا، فأُعطوا ما طلبوا.
وساروا عَنْهُمْ إلى الكُرْج، والكُرْج قد استعدُّوا لهم، فالتقوا، فانهزم الكُرْج وأخذهم السيف، فلم يُفلت منهم إلى الشِّريد، فقُتل منهم نحو ثلاثين ألفًا، وعاث التتار في بلاد الكرج وأفسدوا.
ثم قصد دَرْبَند شروان، فحاصروا مدينة شماخي ثُمَّ افتتحوها عَنوةً. ثُمَّ أرادوا عبور الدَّرْبَند فلم يَقْدِروا عَلَى ذَلِكَ، فأرسلوا رسولًا إلى شِروان شاه، يقولون: أرسل إلينا رسولًا. فأرسل عشرة من كبار أصحابه، فأخذوا أحدهم، فقتلوه، ثُمَّ قَالُوا للباقين: إنْ أنتم عرَّفتمونا طريقًا نعبر فيه فلكم الْأمان وإلا قتلناكم. فقالوا: إِنَّ هَذَا الدربند لَيْسَ فيه طريق البتة، ولكن فيه موضع هُوَ أسهل ما فيه من الطُّرق. فساروا معهم في تِلْكَ البلاد إلى ذَلِكَ الطريق فعبروا فيه.
فَلَمَّا عبروا دَرْبَند شِروان ساروا في تِلْكَ الْأراضي وفيها أممٌ كثيرة منهم [ص:296] اللّان واللِّكز وطوائف من التُّرك، فنهبوا وقتلوا كثيرًا من اللكز وهم كفار ومسلمون. ثُمَّ وصلوا إلى اللان وهم أمم كثيرةٌ، فجمعوا جمْعًا من القَفْجاق فقاتلوهم فلم يظفروا بهم. فأرسلت التتارُ إلى القَفْجاق يَقُولُون: نحنُ وأنتم جنسٌ واحد، وَهَؤُلاءِ اللّان ليسوا منكم حَتَّى تنصروهم، ولا دينهم مثل دينكم، وَنَحْنُ نعاهدكم أننا لَا نتعرض إليكم، ونحمل إليكم من الْأموال والمتاع ما شئتم. فوافقوهم عَلَى ذَلِكَ، وانعزلوا عن اللّان، فأوقع التَّتَار باللان وقتلوا منهم خلقًا، وسبوا، وساروا بعد ذَلِكَ إلى القفجاق وهم آمنون متفرقون فبيتوهم وأوقعوا بهم، كعادتهم ومَكْرهم؛ لعنهم اللَّه، ففرَّ من سَلِم واعتصم بالغياض، وبعضهم التحق ببلاد الرّوس.
وأقام هَؤُلَاءِ التَّتَار في بلاد القفجاق، وَهِيَ كثيرة المرعى في الشتاء، ووصلوا إلى مدينة سوداق وَهِيَ مدينة القفجاق وَهِيَ عَلَى بحر خَزَريَّة، وإليها تصل التُّجَّار والمراكب يشترون الرقيق والبُرطاسي وغير ذَلِكَ. وبحر خَزَريَّة هَذَا متصل بخليج قسطنطينية.
وَلَمَّا وصلت هذه الطائفة من التَّتَار إلى سوداق ملكوها، وتفرق أهلها، فبعضهم هرب إلى الجبال، وبعضهم ركب البحر، ثُمَّ أقام التَّتَار ببلاد القفجاق إلى سنة عشرين وستمائة.
وأما الطاغية جنكزخان فَإِنَّهُ - بعدما سيّر هذه الطائفة المذكورة، فهزمت خُوَارِزْم شاه - قسَّم أصحابه عِدَّة أقسام، فسيَّر كلَّ قسم إلى ناحية؛ فسيَّر طائفة إلى ترمذ، وطائفة إلى كلاثى وهي حصينة على جانب جيحون. وسارت كلُّ طائفة إلى الجهة التي أُمرت بقصدها واستولت عليها قتلًا وسبيًا وتخريبًا، فَلَمَّا فرغوا من ذلك عادوا إلى الملك جنكزخان وَهُوَ بسمرقند، فجهَّز جيشَا عظيمًا مَعَ أحد أولاده لحرب جلال الدين ابن علاء الدين خُوارزم شاه، وسيَّر جيشًا آخر فعبروا جيحون. آخر كلام عز الدين ابن الأثير رحمه الله.
قلت: ونازلت التتارُ خُوارزم، فحاصروها ثلاثة أشهر، واستولوا عليها في صفر سنة ثماني عشرة، ونزل عليها أوكتاي الذي ولي الأمر بعد أبيه [ص:297] جنكزخان، ومعه باجي ملك في جيشٍ عرمرم مائة ألف أَوْ يزيدون. وَلَمَّا لم يجدوا بها حجارة عمدوا إلى أصول التُّوت فقطعوها ودوّروها، ورموا بها بدلًا عن حجارة المَنْجنيق، وحرص أوكتاي كل الحرص أن يتسلمها بالْأمان ولا يؤذي فيها، فأجابه الْأكابر، غير أَنَّ السفهة غلبوهم عَلَى رأيهم بإغرائهم، وجرى عليها حربٌ لم يُسمع بِمِثْلِهِ؛ بحيث أَنَّهُ كانت تؤخذ المحلة منها فيقاتل أهلها، ثُمَّ ينضمون إلى المحلة التي تليها فيقاتلون، إلى أن أُخذت محلةٌ بعد محلَّة، حَتَّى لم يبق معهم إِلَّا ثلاث محالّ، فتزاحم بها الخلائق، فطلبوا الْأمان حينئذ، فلم يُؤمنوا وقتلوهم صبْرًا. هَذَا معنى ما ذكره أَبُو سعد شهاب الدين النَّسَويّ.
قُلْتُ: وممّا أخذت التَّتَار: نَيْسَابُور، ومرْو، وهَرَاة، وبلْخ، وتِرْمذ، وسَرْخس، وطُوس، وخوارزم، وسائر مدن خُراسان. وذهب تحت السيف أُمم لَا يحصيها إِلَّا اللَّه تعالى.
وَقَالَ الموفق عَبْد اللطيف: انشعب من التَّتَار فرقتان كما ينشعب من جهنَّم لسانان، فرقة قصدت أَذْرَبِيجَان وأرَّان ثُمَّ بلاد الكُرْج، وفرقة أَتَتْ عَلَى همذان وإصبهان، وخالطت حُلوان تقصد بَغْدَاد.
أمّا الْأولى فأفسدت البلاد التي مرت عليها، فَلَمَّا وصلوا إلى بلاد الخزر جمع الكُرْج جموعهم ولقوهم، فانهزموا، يعني الكرج، وقُتل من صميمهم ثمانية آلاف، ومن الْأتباع والفلاحين عددٌ كثير. وتَقَنْطَرَ ملكُ الكرج فتداركه الْأمراء فاستنقذوه من أنيابهم العُضل، واعتصم ببعض القلاع، والتتر يموجون في البلاد بالإفساد، ويعضون عَلَى مَنْ سَلِم الْأنامل من الغَيْظ، انفرد منهم فارس، فَقَالَ ملك الخَزَر: أما عندنا مَنْ يخرج إِلَيْهِ؟ فانتخى بطل من الكُرج وخرج إِلَيْهِ، فما عَتَّم أن قتله التَّتَريُّ واقتاد فرسهٌ ورجعَ رُويدًا، وأخذ يَفسرُ الفرسَ ليعلم سِنّه، فعجب ملك الخزر وَقَالَ: انظروا كَأَنَّهُ قد وَزَنَ فيه الثمن.
ثُمَّ حشد الكُرج نَوْبَة أخرى، واستنجدوا بعسكر أرْزَن الروم، وَقَالَ النَّاس: إنهم لَا يرجعون. فَلَمَّا اشتدّت شوكة الكُرج رجع التَّتر بغير أمرٍ معروف، ولا سبب مخوفٍ، بل لسعادةٍ لحقت، وأيامٍ بقيت، وَكَانَ هَذَا سنة ثمان عشرة، وَأَنَا بأَرْزَن.
ورجع التَّتر إلى شِروان فأخذوها بالسيف وقتلوا أهلها، وتجاوزوا [ص:298] الدَّرْبند قَسْرًا بالسيف، وعبروا إلى أمم القَفْجَق واللّان فغَسَلُوهم بالسيف.
ثُمَّ مات ملكُ الخَزَر وَكَانَ شابًا، وتَوَلَّت أختُه، وسيَّرت إلى الملك المُغيث صاحب أرْزن تخطب أحد ولديه، الصغير، وَهُوَ ابن بنت بُكتمر صاحب خِلاط، وَهُوَ مليح عمره سبع عشرة سنة فزوَّجها بِهِ، وشاع الخبرُ أَنَّهُ تنَصَّر.
وخرج في هذه السنة من رقيق التُّرك ما لم تجر بِهِ العادة، حَتَّى فاضوا عَلَى البلاد، وكلهم وصلوا من ناحية تَفْليس، وهم من فضلات سيوف التتر، وكل واحد يحكي هَوْل ما عاين؛ حكت جارية منهم قَالَت: عَوَت كلاب بلادنا عَوِيًّا شديدًا وقامت عَلَى أذنابها، وأهلها يضربونها فلا ترتد، فبعد ثلاث ساعات أَوْ أربع فاض الجبل بعساكر التتر، فابتدؤوا بالكلاب ثُمَّ بِالنَّاس.
وأرض القفجاق واسعة، معتدلة الهواء، عذبة المياه، تتفجر ينابيعها، وتتخرق عيونها، وهي أرض حرة طيبة التُّربة، وغنمهم كثيرةٌ النّتاج، تلدُ النعجة الْأربعة في البطن والخمسة، وقلّما تلد واحدًا، وغنمهم عالي الهضبة، يكاد الكبش يُركْب.
وأمّا الفرقة التي قصدت بَغْدَاد، فردهم اللَّه بقوة العَقْل وحُسن التدبير، أمّا أولًا، فإنّ صاحب إربل شحن الدَّرْبندات بالْأكراد، وإليهم ينتهي العلم باللصوصية، فسلّطهم عليهم يسرقونهم ويقتلونهم صبرًا في نومهم، فيصبحون وقد نكبوا نكبات في جهات لَا يدرون من أَيْنَ ولا كيف. ثُمَّ إنّ الخليفة جمع الجموع وعسكر العساكر وحشر، فنادى، وأقبلت إِلَيْهِ البُعوث من كلّ حدبٍ ينْسلون، فَلَمَّا سمعوا بوصول رَسُول التتر تقدّموا إلى صاحب إربل بأن يحتفل ويظهر جميع عسكره، ويُدخل بينهم من العوام والفلاحين من يَشْتَبه بهم. فَلَمَّا وصل الرَّسُول إربل تلقاه عساكر قَطَعَتْ قَلْبه، وصاروا يتكررون عليه، كلما مر بقوم سبقوه وعادوا وقفوا بين يديه، فَلَمَّا دخل في ولاية دقوقا عُبئ لَهُ من العساكر أضعاف ذَلِكَ وصاحبها من مماليك الخليفة، فأمر أن تضرب خيمٌ عظيمةٌ، وبسط بين يديها بسطًا قدر نصف فرسخ، ونُصبت سُدَّة عالية فوق [ص:299] تخت يُصعد إِلَيْهِ بدرج، وأظهر زينةً عظيمةً، ووقف عشرون ألفًا بسيوفٍ مجردة. فَلَمَّا وصل الرَّسُول يشق تِلْكَ العساكر أتى حدّ البُسط، فأُمر أن يترجلّ فتمنّع من ذَلِكَ، فهمُّوا بِهِ، فَلَمَّا وصل إلى بين يدي التخت، أُمر بالسجود كُرهًا والصَّيْحات تأخذهُ، وروعات السيوف تذهله. ثُمَّ أُخرج إلى بَغْدَاد فلقيته عساكر بَغْدَاد، صغّرت في عينه ما رَأَى، لم يتركوا ببغداد فرسًا ولا جملًا ولا حمارًا حَتَّى أركبوه رجُلًا ومعه شيء من السلاح، وأكثرهم بالْأعلام والبَرْك أسطوانات، وخلقٌ يلعبون بالنِّفط ويرمون بالبُنْدق الزّجاج فيه النِّفط، فامتلأت البَرّية بالنِّيران. فَلَمَّا وصل إلى بَغْدَاد خرج إِلَيْهِ صميم العسْكر بأصناف العُدد الفاخرة المُسجفة بالْأطلس المكلّل بالجواهر عَلَى الخيل المسوَّمة. فَلَمَّا وصل إلى باب النوبيّ إلى الصّخْرة التي يُقبّلها المُلوك قِيلَ لهم: مرتبتكم دون ذَلِكَ، فأُمر أن يُقبّل أسفل منها، ثُمَّ حُمل إلى دار، ثُمَّ أُخرجوا بالليل خُفية عَلَى طريق غير مسْلوكة، ورُدُّوا إلى إربل، وَقِيلَ للرسول: إنُما هرَّبناك في الخُفية خوْفًا عليك من العامة، ففصل وقد امتلأ قلبه رُعبًا ودماغه خبالًا، وأبثَّ قومه ما أثبته عيانه، فعلموا أَنَّهُم لَا قبل لهم ببغداد، فرجعوا خائبين.
وأمّا أهل إصبهان ففتحوا أبواب المدينة، وقالوا لهم: ادخلوا، فدخل منهم قوم، فما شربوا أنفاسهم حتى أهريقت دماؤهم، فكرُّوا راجعين. وكذلك فعل أهل رُسْتاقاتهم.
قَالَ: وسُئل الملكُ الْأشرف عَنْهُمْ، فَقَالَ: ما أقول في قومٍ لم يؤخذ منهم أسير قطُّ، لكن يُقاتل إلى أن يُقتل أَوْ يَخْلُص. وَلَمَّا وصلت إلى أرزن الروم وجدتُ هذه الكلمة قد سيَّرها ملك الكُرْج فيما وصف من حروبهم، وأما قتلاهم فلا ينتهي العاد إلى حدٍّ إِلَّا والحالُ توجب أضعافه، ولا يُقَال: كم قُتل من بلد كذا؟ وإنّما يُقَال: كم بقي؟! واجتمعت بتاجر سُروج كَانَ يُتَرجم لهم، قَالَ: اجتمع التُّجَّار من جميع البلاد إلى نَيْسَابُور يتحصّنُون بها، فنزل عليها التّتر فأخذوها في أربعة وعشرين يومًا، وأتوا على أهلها بالقتل، وعليها بالإحراق والخراب حَتَّى غادروها كأنْ لم تَغْن بالْأمس. وهربتُ منهم مرّات [ص:300] وأقعُ في الْأسر. ثُمَّ هرب في المرَّة الْأخيرة وتعلّق بجبلٍ، فَلَمَّا رحلوا طالبين هراة، قال: نزلنا وكنا سبعة، فأحصينا القتلى خمسمائة ألف وخمسين ألفًا، ووجدنا الْأموال مُلقاة، وجزْنا ببلاد الملاحِدَة وَهِيَ عَلَى عمارتها لم يتشعّث منها شيء. وحكى لنا تاجر آخر واسطيّ قَالَ: إِنَّهُ اختفى بجبلٍ وخرج بِعد أيام، فرأى الْأرض مسطوحة بالقَتْلَى والْأموال والمواشي، وكنتُ أَنَا وعشرة سَلمْنا، ولو كانت معنا عقولنا لأخذنا من الْأموال ما يفوت الآمال، وإنما أخذنا حمل دقيق عَلَى جمل.
قَالَ المُوَفَّق: ومما أهلكوه بلاد فرْغانة وَهِيَ سبع ممالك، مسيرة أربعة أشهُر، وكلّ من هرب منهم تَحَيّلوا في قَتْله بكُل مُمْكنٍ، وإذا اجتمعوا في مجالس أُنْسهم ونُزْهة قلوبهم أحضروا قومًا من الْأُسارى، وأخذوا يمثّلون بواحدٍ، واحدٍ، بأن يقطعوا منه عضوًا بعد عُضو، وكلّما اضطرب وصاح تضاحكوا وأُعجبوا، وربما حطُّوا السيف في جوفه أو ليته قليلًا، وَمَتَى التمس الشخص رحمتهم ازدادوا قساوة. وَإِذَا وقع لهم نساء فائقات في الحُسن تمتَّعوا بهنّ أيامًا ثُمَّ قتلوهن. وحكت لي امْرَأَة بحلب أَنَّهُم ذبحوا ولدها وشربوا الدم، ثُمَّ نام الذابحُ فقامت فذبحته، وهربت هِيَ وزوجها.
وقد كَانَ السلطان خُوَارِزْم شاه مُحَمَّد بن تكش سارقًا هجّامًا، وَكَانَ عسكره أوْشابا، لَيْسَ لهم ديوان ولا إقطاع، وأكثرهم أتراك كُفّار أَوْ مُسلمون جُهال، لَا يعرف تعْبئة العسْكر في المَصافّ، ولم يتعود أصحابهُ إِلَّا المهاجمة، وَلَيْسَ لهم زَرَد ولا دروع، وقتالهم بالنشّاب. وَكَانَ يقتل بعض القبيلة، ويستخدم باقيها، وفي قلوبهم الضغائن. ولم يكن فيه شيءٌ من المداراة لَا لأصحابه ولا لأعدائه، فخرج عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ التَّتَار وهم بنو أبٍ، بكلمة واحدةٍ، وقلبٍ واحدٍ، ورئيسٍ واحدٍ مُطاع، فلم يمكن أن يقف مثل خُوارزم شاه بين أيديهم، وورد إلى البلاد منهم ما لم يُعهد، والبلاد خالية عن ملكٍ، فلم يبق عند أحدٍ منهم دفاع، وصاروا كالغنم لَا تدفع عَنْهَا ذابحًا. فَلَمَّا وصل التتر إلى إصبهان لم يرتع أهلها لأنهم مُعوَّدون بحمل السلاح، فلم يكن عندهم أحقر من هَذَا العدوّ. إلى أن قَالَ: واللَّه سُبحانه يحبّ العدل والعمارة ويأمر بهما، [ص:301] وهؤلاء الملاعين يبغضونهما، إِذْ لَا دين لهم ولا عقْل، وكلّ حيوان رديء الخُلُق ففيه خُلُق آخر حُمَيْد كالكلب والخنزير والذئب والنمر، وَهَؤُلاءِ فقد جمعوا من كلّ حيوان رديء خُلقه، فاجتمعت فيهم الرداءات محضة.
قال ابن واصل: بعث جنكزخان جيشاً فعبروا جيحون، وتسلموا بَلْخ بالْأمان، وقرروا بها شحنةً ولم ينهبوها، ثُمَّ قصدوا قلعة الطّالقان وَهِيَ لَا ترام حصانة وارتفاعاً، وبها الشجعان فحصروها ستة أشهر وعجزوا عنها، فسار إليها جنكزخان بنفسه، وحصرها ومعه خلائق من المسلمين أسْرى، فنازلها أربعة أشهر وقُتل عليها خلائق، ثُمَّ أمر فُجمع لَهُ من الْأخشاب ما أمكن، وصاروا يعملون صفًّا من خشب وصفًّا من تُراب، وما زالوا حَتَّى صار تلًا يوازي القَلْعة، وصعدت الرجال فيه، ونصبوا عَلَيْهِ المَجانيق فرمت إلى وسط القلعة، فخرج من بها عَلَى حَمِيَّة وحملوا عَلَى التّتر، فنجت الخَيّالة وسلكوا الجبال، وقُتلت الرجّالة، واستباحت التّتر القلعة.
ثم جهز جنكزخان الجيش إلى مَرْو وبها من المقاتلة نحو مائتي ألف من جُند وعَرَب وتُجّار، فعسكروا بظاهرها عازمين عَلَى لِقاء العَدوّ، فالتقوا واقتتلوا قِتالًا شديدًا، ثُمَّ انهزمَ المسلمون وَقُتِلَ أكثرهم. ثُمَّ نازلت التَّتر مَرْو وجَدُّوا في حصارها أربعة أيام فتسلّموها بالْأمان، وخرجَ إليهم أميرها، فخلع عليه ابنُ جنكزخان ووعده بولاية مَرْو، وَقَالَ: أريد أن تعرض عَليّ أصحابك لننظر مَنْ يصلح لخدمتنا حَتَّى نعطيه إقطاعًا. فَلَمَّا حضروا قبضَ عليهم، وأمرَهُم أن يكتبوا لَهُ تجّار البلد وأعيانه في جريدة (وأرباب) الصّنائع (في جريدة)، ففعلوا. ثُمَّ ضُربت أعناق الْجُند والْأمير، ثُمَّ صادر الْأعيان وعذَّبهم حَتَّى استصفاهم، وقسم نساء مرو وذراريها وأسراها، ثُمَّ أمر بإحراق البلد فأُحرق ثلاثة أيام، ثُمَّ أمر بقتل العامة كافة، فأُحصيت القتلى بها فكانوا سبعمائة ألف.
ثُمَّ ساروا إلى نَيْسَابُور فحصروها خمسة أيام، وبها عسكر عَجَزوا عن التَّتر، فأخذ البلد ثُمَّ أخرجوا النَّاس فقتلوهم، وسبوا الحريم، وعاقبوا ذوي المال. [ص:302]
وسارت فرقة إلى طوس فبدعوا بها. ثم ساروا إلى هراة فحصروها عشرة أيام وأخذوها بالأمان، ثم قتلوا بعض أهلها، وجعلوا بها شحنة.
ثُمَّ ساروا إلى غَزْنة فالتقاهم السُّلْطَان جلال الدين فكسرهم، فوثب أهلُ هراة وقتلوا الشِّحنة، فَلَمَّا رجع المُنْهزمون قتلوا عامة أهل هراة، وسبوا الذرية وأحرقوا البلد. ورجعوا إلى جنكزخان وَهُوَ بالطالقان يبثّ جيوشه، وَكَانَ قد نفّذ جيشًا عظيمًا لحصار خُوَارِزْم، فنازلوها خمسة أشهر، وبها عسكر وشُجعان، فقُتل خلائق من الفريقين، ثُمَّ أُخذت عَنْوَة، وقُتل أهلها، ثُمَّ سلطوا عليها نهر جيحون فغرقت وتهدمت.(13/286)
-سنة ثمان عشرة وستمائة
فيها التقى السلطان جلال الدين ابن خُوَارِزْم شاه هُوَ وتُولّي خان مقدّم التَّتَار، فكسَرَهُم جلالُ الدين وركب أكتافهم قَتْلًا بالسيف، وقتل مقدمهم تولي خان بن جنكزخان، وأسر خلقًا من التَّتَار. فَلَمَّا وصل الخبرُ إلى جنكزخان قامت قيامته ولم يقرّ لَهُ قرار دون أنْ جمع التَّتَار، وسارَ يجدّ السَّيْر إلى حافَّة السِّنْد.
وَكَانَ جلال الدين قد انثنى عَنْهُ أخوه وجماعة من العَسْكر فضاقَ عليه الوقت في استرجاعهم لقرب التتار منه، فكرب في شوال سنة ثمان عشرة فالتقى الْجَمْعان، وثبت السُّلْطَان جلال الدين في شِرذمة، ثُمَّ حمل بنفسه على قلب جنكزخان فمزقه، وولى جنكزخان مُنْهزمًا وكادت الدائرة تدور عَلَيْهِ لولا أَنَّهُ أفرد كمينًا قبل المَصافّ نحو عشرة آلاف، فخرجوا عَلَى ميمنة السُّلْطَان وعليها أمين ملك، فانكسرت وأُسر ابن جلال الدين، فتبدّد نظامهُ، وتقهقر إلى حافة السند، فرأى والدته ونساءه يصحْن: باللَّه اقتلنا وخَلّصنا من الْأسر. فأمَر بهنّ فغُرِّقن. وهذه من عجائب المصائب، نسأل اللَّه حسن العواقب.
فَلَمَّا سُدَّت دونه المهارب وأحاطت بِهِ النَّوائب؛ فالسيوف وراءه، والبحر أمامه، فرفس فرسه في الماء على أنه يموت غريقًا فعبر بِهِ فرسُه ذَلِكَ النَّهْر العظيم لُطفاً من اللَّه بِهِ، وتخلَّص إلى تِلْكَ الجهة زهاء أربعة آلاف رجل من [ص:303] أصحابه حُفاة عُراة. ثُمَّ وصل إليه مركبُ من بعض الجهات وفيه مأكول وملْبُوس، فوقع ذَلِكَ منه بموقعٍ. فَلَمَّا علِمَ صاحب الْجُوديّ أَنَّ جلال الدين وصل إلى بلاده طلبهُ بالفارس والراجل، فبلغ ذلك جلال الدين، فعظُم عَلَيْهِ، لأن معه أصحابه مُجَرَّحين وضُعفاء، فانجفل من مكانه، وأمر من معه من أصحابه أَنَّ كلّ جُرَيْح يقدر عَلَى الحركة فليَصْحبه، وإلا فليحزّ رأسه. وسار عازمًا عَلَى أن يقطع نهر السِّنْد ويختفي بمن معه في بعض الجبال والآجام، ويعيشوا من الغارات. واعتقد الهُنود أَنَّهُ وقومه من التَّتَار، فتأخّر جلال الدين بمن معه من الجبل، وتقدَّم ملكُ الهند بجمعه، فَلَمَّا رَأَى جلال الدين حمل عَلَيْهِ ملك الهند بجيشه، وثبت لَهُ جلال الدين إلى أن قاربه، فاستوفَى عَلَيْهِ بسَهْم في فؤاده فسقطَ قتيلًا وانهزم جيشه، وحاز جلالُ الدين الغنائم والْأموالَ فعاشَ بذلك.
ثُمَّ رحل إلى سِجْستان، وأخذ ما لَهُ بها من الأحوال، وأنفق فيمن معه، وتماثل أمره.
وَقَالَ القاضي ابن واصل: كَانَ جلال الدين بغَزْنة في ستين ألفًا، فقصدَهُ عسكر جنكزخان في اثنى عشر ألفًا فكَسَرهم. فسيَّر جنكزخان مَعَ ابنه عسكرًا، فوصل إلى كابُل، فالتقى الجمعان فاقتتلوا قتالًا عظيمًا فانهزمت التَّتَار، وقُتل خلْق وأُخذت أموالُهم، ثُمَّ جرت فتنة لِما يريده اللَّه، وَهُوَ أَنَّ الْأمير سيف الدين بُغراق التّركيّ كَانَ شجاعًا مِقْدامًا، وقع بينه وبين قرابةٍ للسلطان أمير فتنة لأجل الغنيمة، فاقتتلوا فقُتل أخو بُغراق، فغَضِبَ، وَقَالَ: أَنَا أهزم الكُفَّار ويُقتل أخي عَلَى السُّحت. وفارقَ العَسْكَر وقصدَ الهِند فتبعه شطرُ الجيش فلاطَفَهُ السُّلْطَان جلال الدّين، وسار بنفسه إِلَيْهِ، وذكر الجهادَ وخوفهُ من اللَّه، وبكى بين يديه فلم يرجع، وسارَ مُغاضبًا. فوصل الخبر بوصول جنكزخان في جموعه، فتحيّر السطان وسارَ فوصل إلى ماء السِّنْد، وَهُوَ نهر كبير، فلم يجد من السُّفُن ما يعبر فيه. وتبعه جنكزخان وألَحَّ في طلبه، فالتقى الجمعان واشتدَّ الحربُ حَتَّى قِيلَ: إِنَّ ما مضى من الحروب كَانَ لعبًا بالنسبة إِلَيْهِ، ودامَ القتالُ ثلاثة أيّام، [ص:304] وقُتل خلقٌ من الفريقين وفي التَّتَار أكثر، فتحيَّز التَّتَر ونزلوا. وضعف المسلمون، وجاءتهم سفن فعبروا فيها، وما علموا بما أصاب التَّتَار من القَتْل والجراح، ولو عرفوا لكدّوا عليهم، فنازلت التَّتَر غَزْنة وملكوها لوقتها، فقتلوا وسَبَوا، ولم يبقوا على أحد، ثم أحرقوها.
وَقَالَ أَبُو شامة: فيها توجّه الملك المُعظم إلى أخيه الملك الْأشرف، فاجتمع بِهِ بحرّان. ثُمَّ دعاهُ صاحب ماردين، فبالغ في الخدمة، وقَدَّم لَهُ تُحَفًا. وزوَّج المُعَظَّم بنتَهُ الواحدة بناصر الدين صاحب ماردين.
وفيها جاءت الْأخبار بأنّ التَّتَر قاربوا بَغْدَاد، فانزعج الخليفةُ، وأمرَ النَّاس بالقُنوت، واستخدمَ، وأنفقَ وحصن البلد.
وفي جُمَادَى الآخرة استردَّ المصريون دِمْيَاط من الفرنج. ورجع المُعَظَّم من حَرّان، وحضر معه الملك الْأشرف بجيشه. قَالَ أَبُو المُظَفَّر: فاجتمعتُ بِهِ وحَرّضته عَلَى نُصرة الإِسْلَام وقلتُ: المُسلمون في ضائقة وَإِذَا أخذت الفرنج الدّيار المصرية ملكوا إلى حضْرَمَوت، وعفّوا آثار الحرمين وَأَنْتَ تلْعب؟! اجتمعتُ بِهِ بسَلَمْية، فَقَالَ: ارموا الخيام. فسبقتُه إلى حِمْص وبشَّرت المُعَظَّم، وأصبحت أطلابُ الْأشرف مارَّة عَلَى حِمْص، وجاء طلب الْأشرف، واللَّه ما رَأَيْت أجْمَل منه ولا أحَسْن رجالًا وعُدَّة، فاتفقا عَلَى أن يدخلا في السَّحَر إلى طرَابُلُس يشوشون عَلَى الفرنج. فأنْطَقَ اللَّه الْأشرفَ فَقَالَ: " يا خوند! عَوَض ما نَدْخُل السَّاحل وتضعفُ خيلنا ويضيع الوقت ما نروح إلى دِمْيَاط ونستريح ". فَقَالَ المُعَظَّم: قولُ رُماة البُنْدق؟ قَالَ: نعم. فقبّل المُعَظَّم قدمه. ونام الْأشرف، فخرجَ المُعَظَّم يصيح: الرحيل إلى دِمْيَاط، وساقَ إلى دمشق، وتبعته العساكر، وانتبه الْأشرف فدخل الحَمّام، فلم يرَ حول مخيّمه أحدًا، فأخبروه فسكت، ثُمَّ سارَ فنزلَ القصير، فأقام أيَّامًا ثُمَّ عرَض العساكر هُوَ وأخوهُ، [ص:305] وجَلسا في الطيّارة، وَالنَّاس يدعون لهما بالنّصر.
وأمّا فرنج دِمْيَاط فإنهم خرجوا بالفارس والرَّاجل، وكان البحر زائداً جداً، فجاؤوا إلى تُرعة فأرسوا عليها، وفتح المسلمون عليهم التّرع من كلّ مكان، وأحدقت بهم عساكر الكامل، فلم يبقَ لهم وصول إلى دِمْيَاط، وجاء أصطول المُسلمين فأخذوا مراكبهم، ومنعوا عَنْهُم المِيرة من دِمْيَاط، وكانوا خلقًا عظيمًا، وانقطعت أخبارهم عن دمياط، وكان فيهم مائة كند، وثمانمائة من الخيّالة، وصاحب عَكَّا، ومن الرّجّالة ما لَا يُحصى. فَلَمَّا عاينوا الهَلاك أرسلوا إلى الكامل يطلبون الصُّلح ويسلّمون إِلَيْهِ دِمْيَاط، فأجابهم، ولو طوَّل روحه يومين لأخذ برقابهم. فبعث إليهم ولده نجمَ الدين أيوب وابن أخيه شمس الملوك، وجاءت ملوكهم إلى الكامل فتلقّاهم وأنعم عليهم، فوصل إِلَيْهِ المُعَظَّم والْأشرف بالجيوش في تِلْكَ الحال في رجب، فعمل الكامل سماطًا عظيمًا، وأحضر ملوك الفرنج، ووقف في خدمته الْأخَوان والْأُمراء، وَكَانَ يومًا مشهودًا. وقام راجح الحِلّيّ الشاعرُ فأنشد قطعةً مليحة منها:
ونادى لسانُ الكونِ في الْأرضِ رَافِعًا ... عقيرتهُ في الخافِقَيْنِ ومُنشداً
أعُبَّادَ عيسى، إِنَّ عيسى وحِزْبه ... ومُوسى جَمِيعًا يَنْصُرَانِ مُحَمَّدا
وأشار إلى الإخوة الثَّلاثة.
ثُمَّ سار الفرنج في البَرِّ والبحر إلى عكا، ورجعت العساكر، وأقامَ الأشرفُ بمصر وصافَى أخاه بعدما كَانَ في النّفس ما فيها، واتّفقا عَلَى المُعَظَّم!
وفيها كتب الخليفةُ إلى الآفاق بإعادة أَبِي نصر محمد إلى ولاية العهد.
وفيها ولي قضاء دمشق جمال الدين المَصْرِيّ.
وعُيِّن لبناء سور دمشق مائتا ألف دينار، وقد ذُرع فجاء دوره ستَّة آلاف ذراع.
قَالَ المؤَيَّد: طمعت الفرنج بأخذ الديار المصرية، وبذل لهم الكامل بيت المَقْدِس، وعسْقلان، وطبرية، وجَبَلَة، وأماكن، فأبَوْا، ثُمَّ جاءته أمداد الشَّام والجزيرة، ونزل النصر.(13/302)
-سنة تسع عشرة وستمائة.
قَالَ أَبُو شامة: فيها ظهر بالشام جراد عظيم أكل الزَّرْع والشَّجَر، فأظهر الملك المُعَظَّم أَنَّ ببلاد العَجَم طيرًا يُقَال لَهُ السَّمرمر يأكل الجراد، فأرسل الصَّدْر البكْري المُحتسب، ورَتَّبَ معه صوفية، وَقَالَ: تمضي إلى العجم فهناك عين يجتمع عليها السَّمرمر، فتأخذ من مائها في قوارير، وتعلقها على رؤوس الرِّماح، فَإِذَا رآها السمرمر تبِعك. وما كَانَ مقصوده إِلَّا أنْ بعثه إلى السُّلْطَان جلال الدين ابن علاء الدين ليتفق معه، وَذَلِكَ لَمَّا بلغه اتّفاق أخويه بمصر عَلَيْهِ. فسار البكْري واجتمع بجلال الدين، وقَرَّر معه الْأمور بِأَذْرَبِيجَان، وجعله سَنَدًا لَهُ. فَلَمَّا عاد ولّاه مشيخة الشيوخ مع حسبة دمشق.
وفيها حجّ خلقٌ كثير لكونها وقفة الْجُمُعة، وازدحم النَّاس بمكَّة حتى ماتَ جماعة؛ قَالَ ابنُ بنت الْجَوْزيّ: وحَجّ من اليمن صاحبُها الملك المسعود ابن الكامل في عسكر عظيم، ومنعَ علمَ الناصر لدين اللَّه أن يصعد الجبل، وأصْعدَ علم أَبِيهِ، ولَبِسَ السِّلاح وَقَالَ لجُنده: إنْ أصعدوا علم الخليفة فاكسروه، وانهبوا البغاددة. وَيُقَال: إِنَّهُ أذِنَ في العَلَم في آخر شيء، وبدا منه جبروتٌ عظيم.
حكى لي شيخُنا جمالُ الدين الحَصِيريّ، قَالَ: رأيته وقد صعِد عَلَى قُبة زَمْزَم وَهُوَ يرمي حمام مكَّة بالبُنْدق، ورأيتُ غلمانه يضربون النَّاس بالسيوف في أرجلهم في المَسْعَى ويقولون: اسعوا قليلًا قليلًا، فإنّ السُّلْطَان نائم سكْران في دار السلطنة التي في المسعى، والدّم يجري عَلَى ساقات النَّاس!
قَالَ أَبُو شامة: استولى المسعود عَلَى مكَّة وبنى القبَّة عَلَى مقام إِبْرَاهِيم، وكثُر الْجَلَب إلى مكَّة في أيامه، ولعِظَم هيبته قلَّت الْأشرار، وأمنت الطرق.
قَالَ: وفيها نقل تابوت العادل إلى تربته، فأحضر إلى صحن الجامع وصلّى عَلَيْهِ الخطيب الدَّوْلَعِيّ، وألقى الدّرس بمدرسته القاضي جمال الدّين المَصْرِيّ، وحضر السُّلْطَان الملك المُعَظَّم، وبحث، وجَلس المُدرِّس عن يسار السُّلْطَان، وعن يمينه شيخ الحنفية جمال الدين الحصيري، ويليه فخر [ص:307] الدين ابن عساكر شيخ الشَّافِعِيَّة، ثُمَّ القاضي شمس الدين ابن الشيرازي، ثم محيي الدين ابن الزَّكي، وتحت المُدّرِّس السيف الآمدي، ثُمَّ القاضي شمس الدين ابن سَنِيّ الدولة، ثُمَّ نجم الدين خليل قاضي العَسْكَر. ودارت حلقة صغيرة، والخلْق مِلْء الإيوان، وَكَانَ قِبالة المُعَظَّم في الحلقة شيخُنا تقيّ الدين ابن الصلاح.
وفيها ملك بدر الدين لؤلؤ صاحب المَوْصِل قلعة شوش عَلَى مرحلتين من المَوْصِل، وَكَانَ صاحبها عماد الدين زنكي قد سار إلى أُزْبك بن البَهْلوان سلطان أَذْرَبِيجَان، وخدَم معه، وأقطعه خبزاً، وأقام عنده.
وفيها استولت التتار على بلاد القفجاق.
وفيها، أَوْ في حدودها، بلغ جلال الدين ابن خُوَارِزْم شاه أَنَّ شمس الدين أيتمش قاصده في ثلاثين ألف فارس ومائة ألف راجل، فتجلَّد جلال الدين عَلَى مُلتقاه، وسار، وقدَّم قُدّامه جهان بهلوان أُزبك، فخالفه يَزَكُ أيتمش فهجم عَلَى جماعة منهم، وحضر إلى جلال الدين من أعلمه، ثُمَّ وصل بعد ذَلِكَ رَسُول أيتمش يطلب الصُّلح وَيَقُولُ: لَيْسَ يخفي عليك ما وراءنا من عدوّ الدين وَأَنْتَ سلطان المُسلمين وابن سلطانهم، وَإنْ رَأَيْت أنْ أزوّجك ابنتي. فمال السُّلْطَان جلال الدين إلى ذَلِكَ ولم يضرّ من ذَلِكَ حاله.
ثُمَّ جاءته الْأخبار أَنَّ أيتمش وقباجة وسائر ملوك الهند قد اتّفقوا عَلَى جلال الدين، وأن يُمسكوا عَلَيْهِ حافَّة البَحْر، فعظُم ذَلِكَ عَلَيْهِ، واستناب جَهان عَلَى ما ملكه من الهِنْد، وسار إلى العراق وقاسى الشَّدائد والمشاق في تِلْكَ البراري التي بين الهند وكَرْمان، فوصل في أربعة آلاف منهم من هُوَ راكب البَقَر والحمير وَذَلِكَ في سنة إحدى وعشرين وستمائة. ثُمَّ قدِم شيراز فأتاه الْأتابك علاء الدولة مُذْعنًا بالطّاعة، لأنّه كَانَ قد استوحش من أخيه غياث الدين، فرغب جلال الدين فيه، وخطب بنته، فزوّجه بها، واستظهر جلال الدين بمصاهرته. ثُمَّ رحل إلى إصبهان ففرحوا بقدومه وأخرجوا لَهُ الخيل والسِّلاح، فَلَمَّا بلغ غياث الدين توسُّطُه في البلاد ركب إِلَيْهِ في ثلاثين ألف فارس، فرجع جلال الدين عند ذَلِكَ آيسًا ممّا كَانَ يؤمّله، وسيَّر إلى غياث الدين رسولًا يَقُولُ: " حَتَّى ضاقت عَليّ الأرض بما رحبت، قصدتك لأستريح عندك أيّامًا، وحيث علمت أَنَّ ما عندك للضيف غير السيف رجعت ". فَلَمَّا بلغت غياث الدين الرسالة، عاد عمّا كَانَ عزم عَلَيْهِ من قتال أخيه جلال الدين، وتفرّقت عساكره. [ص:308]
وَكَانَ جلال الدين قد سيّر مَعَ رسوله عدة خواتيم يوصلها إلى جماعة الْأُمراء، منهم من تناول الخاتم وسكت وأجاب إلى القدوم عَلَيْهِ، ومنهم من سارع بالخاتم إلى غياث الدين فغَضِبَ وقبضَ عَلَى الرَّسُول، فركب جلال الدين في ثلاثة آلاف، وأسرع حَتَّى أناخَ بغياث الدين وَهُوَ عَلَى غير أُهبة للمصافّ، فركب فرس النَّوبة وهرب. ودخل جلالُ الدين خيمة غياث الدين وبها والدة غياث الدين، فزادَ في احترامها، وأنكرَ هروبه وَقَالَ: ما بقي من بني أَبِي سواه. فسيَّرت والدته خلفهُ، فعادَ إِلَيْهِ فأكرمه.
وحضر إلى باب جلال الدين من كَانَ بخُرَاسَان والعراق ومازندران من المُتَغَلِّبين عَلَى البلاد؛ ففرَّق العُمّال عَلَى البلاد، وسار نحو خُوزِستان، وسيَّر رسولًا إلى بَغْدَاد، فأكرموه وفرحوا بسلامة جلال الدين في مثل هذا الوقت الصعب.(13/306)
-سنة عشرين وستمائة
قَالَ أَبُو شامة: فيها عاد الملك الْأشرف من مصر فالتقاه المُعَظَّم وعرض عَلَيْهِ النزول بالقلعة، فامتنع ونزل بجَوسق والدِه العادِل، وبدت الوَحْشة بين الإخوة الثّلاثة، وأصبح الْأشرف رَحَلَ من السَّحر، ونزلَ عَلَى ضُمَيْر، ثُمَّ سار إلى حَرّان، وَكَانَ قد استناب أخاه شهاب الدين غازي صاحب ميافارقين عَلَى خِلاط، وجعله وليَّ عهدهِ ومكَّنهُ من بلاده، فسوَّلت لَهُ نفسه العصْيان، وحسَّن لَهُ ذَلِكَ الملكُ المُعَظَّم، وكاتبه، وأعانه. وكذا كاتبه صاحب أربل وقالوا: نَحْنُ وراءك. فأرسل الْأشرف إلى غازي يطلبه فامتنع، فأرسل إِلَيْهِ: " يا أخي لَا تَفْعَل، وأنت وليُّ عهدي والبلاد بحُكْمك ". فأظهر العصيان، فجمع الْأشرفُ عساكره وعسْكر حلب، وقصد خِلاط.
وَقَالَ ابن الْأثير: فيها كانت الوَقْعَة بين التَّتَار الَّذِين جازوا دَرْبَند، وبين القَفْجَاق والرُّوس، وصبر الفريقان أيّامًا، ثُمَّ انهزم القَفْجَاق والرُّوس، ولم يَسْلم منهم إِلَّا اليسير. والحمد لله.(13/308)
بسم الله الرحمن الرحيم
- (الوفيات)(13/309)
-سنة إحدى عشرة وستمائة(13/309)
1 - أَحْمَد بْن عَليّ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بن عُبَيْد اللَّه بن وَدْعة، أَبُو العَبَّاس، أَبُو عَليّ البَّغْدَادِيّ النَّصْريّ الخَبّاز المعروف بابن دادا. [المتوفى: 611 هـ]
سَمِعَ أَحْمَد بن منصور بن المُؤَمِّل الغَزّال، والمُبارك بن كامل بن حُبَيْش.
وَكَانَ يذكر أَنَّهُ سَمِعَ من قاضي المارستان، وأنه ولد قبل العشرين وخمسمائة.
رَوَى عَنْهُ الدُّبَيْثِي، وابنُ النَّجَّار.(13/309)
2 - أَحْمَد ابن القاضي أَبِي يَعْلَى مُحَمَّد ابن القاضي أَبِي خازم مُحَمَّد ابن القاضي الكبير أَبِي يَعْلَى محمد بن الحسين ابن الفراء، أبو العباس الحنبلي البغدادي المعدل. [المتوفى: 611 هـ]
ولد بواسط بعد الأربعين إذ أبوه قاضيها، وسمع من سعيد ابن البناء، وأبي بكر ابن الزَّاغُونيّ، وأبي الوَقْت، وغيرهم.
وَهُوَ من بيت القضاء والعِلْم والحديث، كتبَ بخطّه كثيرًا لنفسه [ص:310] وللناس، وَتُوُفِّي في الثاني والعشرين من شعبان.
روى عَنْهُ أبو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، وابن النَّجَّار، والطّلبة. وأجازَ لابن مسْدي، وجماعة.(13/309)