69 - قُرا رسلان بْن دَاوُد بْن سُقْمَان بْن أُرْتُق بْن أكسب، الأمير فخر الدّين [المتوفى: 562 هـ]
صاحب حصن كَيْفا وأكثر ديار بَكْر.
لمّا احتضر بعث إلى الملك نور الدّين يَقُولُ: بيننا صُحْبة فِي الجهاد وأريد أن ترعى ولدي، ولمّا تُوُفّي تملَّك بعده ولده نور الدّين مُحَمَّد، فحماه الملك نور الدّين وذبَّ عَنْهُ، ومنع أخاه قُطْبَ الدّين من قصْده، قاله ابن الأثير.(12/282)
70 - قيس بْن مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل، أبو عاصم السويقي، المؤذن. [المتوفى: 562 هـ]
شيخ أصبهاني فاضل، صوفي، مؤذن بجامع إصبهان.
ذكره ابن السَّمعانيّ فقال: كَانَ حسن السيرة والطريقة، وكان رفيقًا لأبي نصر اليُونَارْتيّ إلى بغداد، فسمع بقراءته بها من أبي الحسين ابن الطيوري، وغيره.
قلت: وسمع من أبي الحسن ابن العلّاف، والحسن بْن مُحَمَّد بْن [ص:283] عَبْد العزيز التِّكَكيّ، وأبي غالب مُحَمَّد بْن الْحَسَن الباقِلّانيّ، وابن بَيَان، وابن نَبْهان، وعبد الله بن علي ابن الآبنُوسي، وغيرهم، وانتقى لَهُ اليُونَارْتيّ جزءًا، وسمع منه الفُضَلاء.
قَالَ أَبُو سعد السَّمعانيّ: لحِقْتُه وما اتّفق لي السّماعُ منه، وحدَّثني عَنْهُ جماعة.
قَالَ الحافظ الضّياء، ومن خطّه نقلت: سمعت أبا الضوء شهاب بن محمود يقول: سَمِعْتُ أَبَا سعد عَبْد الكريم بْن مُحَمَّد يقول: سَمِعْتُ مُحَمَّد بْن أَبِي نصر بْن الْحَسَن الخُوِنْجَانيّ بإصبهان يَقُولُ: سَمِعْتُ أبا عاصم قَيْس بن محمد الصوفي يقول: سَمِعْتُ المبارك بْن عَبْد الْجَبّار بْن أحمد يقول: سمعت محمد بن علي الصوري الحافظ يقول: سمعت أبا بكر محمد بن علي الأنطاكي يقول: سَمِعْتُ ابن الشَّعْشاع الْمَصْرِيّ يَقُولُ: رَأَيْتُ أَبَا بكر ابن النّابلسيّ بعدما قُتِلَ فِي المنام وهو فِي أحسن هيئة، فقلت لَهُ: ما فعل اللَّه بك؟ فقال:
حباني مالِكِي بدوامِ عِزٍّ ... وواعَدَني بقُربِ الانتصارِ
وقرَّبني وأَدْناني إِلَيْهِ ... وقال: انْعَمْ بعَيْشٍ فِي جِواري
قلت: أَنْبَأَنَا بذلك أحمد بن سلامة عن يحيى بْن بَوْش، عَنْ أحمد بْن عَبْد الْجَبّار، عَنِ الصُّوريّ كتابةً.
وقد روى عنه بالإجازة أبو المنجى ابن اللَّتّيّ، وكريمة القُرَشِيَّة، وتُوُفّي فِي سابع عشر جمادى الآخرة وهو في عشر التّسعين.(12/282)
71 - مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن ثابت، أَبُو عَبْد اللَّه الْمَصْرِيّ الكِيزَانيّ الواعظ المقرئ. [المتوفى: 562 هـ]
من شيوخ المصريين الفضلاء، توفي في المحرم، وله كلام فِي السُّنَّة، وشِعر جيّدَ كثير فِي الزّهد، وكان زاهِدًا ورِعًا، لَهُ أصحاب ينتمون إِلَيْهِ.
وقيل: تُوُفّي فِي ربيع الأوّل.
قَالَ أبو المظفر سبط الْجَوْزيّ: إنّه تُوُفّي فِي سنة ستّين، فيُحرَّر هذا.
وقال: كَانَ يَقُولُ بأن أفعال العباد قديمة، وبينه وبين المصريّين خلاف [ص:284] وكان قد دُفِن عند الشّافعيّ، فتعصَّب عَلَيْهِ الخبوشاني الشافعي ونَبَشَه وقال: هذا حَشَوِيّ لا يكون عند الشّافعيّ، ودُفن فِي مكانٍ آخر.
من شِعْره:
يا من يَتِيه عَلَى الزَّمان بحُسْنِهِ ... أعْطِفْ عَلَى الصَّبِّ المَشُوق التَّائِه
أضْحَى يخاف عَلَى احتراق فؤاده ... أَسَفًا لأنّك منه فِي سَوْدائِهِ(12/283)
72 - مُحَمَّد بْن أَبِي سعد الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن عَلي بْن حمدون، أَبُو المعالي الكاتب المعدَّل، كافي الكُفاة، بهاء الدّين البغداديّ. [المتوفى: 562 هـ]
من بيت فضل ورئاسة هُوَ وأبوه، وكان ذا معرفة تامَّة بالأدب والكتابة، وله أَخَوان: أَبُو نصر، وأبو المظفَّر.
سَمِعَ فِي سنة عشرٍ وخمسمائة من إِسْمَاعِيل بْن الفضل الْجُرْجانيّ، روى عَنْهُ ابنه أَبُو سعد الْحَسَن، وأحمد بْن طارق الكَرْكيّ، وأحمد بْن أَبِي البقاء العاقُوليّ، وصنَّف كتاب " التّذكرة " فِي الآداب والنّوادر والتّواريخ، وهو كبير مشهور.
وكان عارض الجيش المقتفويّ، ثمّ صار صاحب الزّمام المستنجديّ.
قَالَ العماد فِي " الخريدة ": وقف الْإِمَام المستنجد عَلَى حكايات رواها ابن حمدون فِي " التّذكرة " توهّم غضاضة عَلَى الدّولة، فأُخِذ من دَسْت منصبه وحُبِس، ولم يزل فِي نَصبه إلى أن رُمِس.
تُوُفّي فِي ذي القعْدة محبوسًا وله سبْعٌ وستّون سنة.
وتُوُفّي أخوه أَبُو نصر فِي سنة خمسٍ وأربعين.(12/284)
73 - مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز بْن بادار القَزْوينيّ ثمّ الطُّوسيّ، أَبُو جَعْفَر زوج كهر بِنْت زاهر الشّحّاميّ. [المتوفى: 562 هـ]
قَالَ أَبُو سعد السَّمعانيّ: سمعت منها، ومات هو في المحرم سنة اثنتين عَنْ أربعٍ وتسعين سنة، سَمِعَ من شيخنا عَبْد الغفّار الشّيرُوِيّيّ.(12/284)
74 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن محمد، أبو المعالي ابن الْجَبَّان الحَريميّ، المعروف بابن اللّحّاس العطّار. [المتوفى: 562 هـ][ص:285]
سَمِعَ من جَدّه أَبِي الْحَسَن مُحَمَّد، وعبد اللَّه بْن عطاء الهَرَويّ الإبراهيميّ، وطِراد الزَّيْنَبيّ، والحسين بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن السّرّاج، وغيرهم، وأجاز له أبو القاسم ابن البسري، وهو آخر من روى عن أكثر هَؤُلَاءِ المُسَمّين.
وقد سَمِعَ من جَدّه سنة ثمان وسبعين عن أحمد بْن عَلي البادي فِي حياة أَبِي نصر الزَّيْنَبيّ، وقد روى الكثير عَنِ ابن البُسْريّ بالإجازة، وكان يمكنه أيضًا السّماع منه، فإنه ولد سنة ثمان وستين وأربعمائة، وتوفي في تاسع عشر ربيع الآخر وله أربعٌ وتسعون سنة.
روى عَنْهُ أَبُو سعد السَّمعانيّ، ويوسف بْن المبارك البيِّع، وعبد الرَّحْمَن بن إسماعيل ابن السِّمِّذِيّ، وعمر بْن عيسى البُزُوريّ، وعبد الغنيّ بن عبد العزيز ابن البُنْدار، وأبو بَكْر مُحَمَّد بْن المبارك المستعمل، وأفضل بن المبارك الشنكاتي، ومحمد بن أبي البركات بن صعنين، وأبو بَكْر مُحَمَّد بْن الْحَسَن ابن البوّاب الأمين، وأبو المنجى ابن اللَّتّيّ، والأنجب بْن أَبِي السّعادات الحمّاميّ، ومحمد بن محمد بن الحسن السباك، وأحمد بْن يعقوب المارِستانيّ، وغيرهم.
قَالَ ابن الدَّبِيثيّ: ثقة، صحيح السّماع.
وقال ابن النّجّار: كَانَ شيخًا صالحًا، عفيفًا، صَدُوقًا، ظريفًا، حَسَن الأخلاق، لطيفا، حدث بالكثير.(12/284)
75 - مُحَمَّد بْن أَبِي القاسم بْن بابجوك، زين المشايخ أبو الفضل الخوارزمي، البقالي النَّحْويّ، الملقَّب بالأَدَمِيّ لحفْظه كتاب " الأدَميّ " فِي النَّحْو. [المتوفى: 562 هـ]
قَالَ لنا أَبُو العلاء الفَرَضيّ: ذكره الحافظ محمود بْن مُحَمَّد بْن أرسلان الخُوارَزْميّ فِي " تاريخ خُوارَزْم " فقال: كَانَ إمامًا حُجَّةً فِي العربيَّة، أخذ عَنِ الزَّمَخْشَرِيّ، وخَلَفه فِي حَلَقَته، وصنَّف كتاب " شرح الأسماء الحُسْنى "، [ص:286] وكتاب " أسرار الأدب وافتخار العرب "، وكتاب " مفتاح التّنزيل "، وكتاب " التّرغيب فِي العِلم "، وكتاب " كافي التّراجم بلسان الأعاجم "، وكتاب " الأسمى في سَرد الأسماء "، وكتاب " أذكار الصلاة " و " الهداية فِي المعاني والبيان "، وكتاب " إعجاز القرآن "، وكتاب " مياه العرب "، وكتاب " تفسير القرآن "، وغير ذَلِكَ، وقد سَمِعَ في الكهولة من عُمَر بْن مُحَمَّد بْن حَسَن الفَرْغُولي، وغيره، تُوُفّي بجُرْجانية خُوارَزم فِي شهر جُمَادَى الآخرة سنة اثنتين وستّين، وله نيِّفٌ وسبعون سنة.(12/285)
76 - المبارك بْن عَلي بْن مُحَمَّد بْن عَلي بْن خُضَير، أَبُو طَالِب الصَّيْرفيّ البغداديّ. [المتوفى: 562 هـ]
قَالَ أَبُو سعد فِي " الذَّيْلِ ": سَمِعَ الكثير بنفسه ونَسَخ، وله جِدٌّ فِي السّماع والطَّلب عَلَى كِبَر السّنّ، وهو جميل الأمرَ، سديد السّيرة، سَمِعَ أَبَا سعد بن خشيش، وأبا الحسن ابن العلاف، وأبا الغنائم ابن النَّرْسِيّ، وأبا القاسم الرّزّاز، وأبا الْحَسَن بْن مرزوق، وأبا طَالِب اليُوسُفيّ، وخلْقًا يطول ذِكْرهم، ورحل إلى دمشق وسمع بها أَبَا الْحَسَن بْن المُسْلم، وهبة اللَّه بْن الأكفانيّ، وغيرهما، وخرّج لَهُ أَبُو القاسم الدّمشقيّ جزءًا عَنْ شيوخه، سَمِعْتُ منه، وسمع منّي، وسألته عَنْ مولده فقال: سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة بالكرخ.
وقال ابن الدبيثي: حدث بالكثير، وحدثنا عنه أبو الفرج ابن الجوزيّ، وابن الأخضر، وأبو طَالِب الهاشميّ، وغيرهم، وكان ثقة.
قلت: روى عَنْهُ أيضًا الحافظ عبد الغني، وابن قدامة، ومنصور ابن المُعوّج، وأحمد بْن أَبِي الفتح بْن المعزّ الحرّانيّ، وعدَّة، وأجاز لابن مَسْلَمَة.
تُوُفّي في ثالث عشر ذي الحجة.(12/286)
77 - المبارك بْن المبارك بْن صَدقة، أَبُو الفضل البغداديّ السِّمْسار الخبّاز. [المتوفى: 562 هـ]
سَمِعَ أَبَا عَبْد اللَّه بْن طلْحة النِّعاليّ، وطِراد بْن مُحَمَّد الزَّيْنَبيّ، روى عنه عمر بن علي، وعلي بْن أحمد الزَّيْديّ، وأحمد بْن أحمد البزّاز، وعمر بْن جَابِر، والحافظ عَبْد الغني، وابن قدامة، وأجاز للرشيد بن مسلمة، وتوفي في تاسع عشر ربيع الآخر، وله إحدى وثمانون سنة.(12/287)
78 - محمود بْن مُحَمَّد بْن هُبَيْرة، الخطيب أبو غالب، [المتوفى: 562 هـ]
أخو الوزير عون الدين.
روى عن ابن الحصين، وكان زاهدًا عابدًا، يخطب بقريته، تُوُفّي فِي شعبان، وقد حدَّث.(12/287)
79 - مَسْعُود بْن الْحَسَن بْن القاسم بْن الفضل بْن أحمد بْن أحمد بْن محمود بْن عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم، الرئيس المعمَّر، أَبُو الفَرَج بْن أَبِي مُحَمَّد ابن الرئيس المعتمد أَبِي عَبْد اللَّه الثّقفيّ الأصبهاني، [المتوفى: 562 هـ]
مسند الوقت ورحلة الدينا.
كَانَ شيخًا حَسَنًا، رئيسًا، جليلًا، وُلِد سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وأجاز لَهُ الحافظ أَبُو بَكْر أحمد بْن علي الخطيب، وأبو الغنائم عبد الصمد ابن المأمون، وأبو الحسين ابن المهتدي بالله، وغيرهم فِي سنة ثلاثٍ وستّين من بغداد عَلَى ما نقله أبو الخير عَبْد الرحيم بْن مُحَمَّد بْن مُوسَى، وَاتُّهِمَ أبو الخير، وكذَّبَهُ فِي ذَلِكَ الحافظ أَبُو مُوسَى المَدِينيّ، نقله ابن النّجّار.
وسمع من جَدّه، وأبي عَمْرو بْن مَنْدَهْ، وأبي عيسى بْن زياد، والمطهَّر بْن عَبْد الواحد البُزَانيّ، ومحمد بْن أحمد السِّمْسار، وإبراهيم بْن مُحَمَّد الطيان، وسهل بن عبد لله بْن عَلي العلويّ، وأبي نصر مُحَمَّد بْن عمر تانه، وأبي الخير مُحَمَّد بْن أحمد بْن رَرَا، وسليمان بْن إِبْرَاهِيم الحافظ، وغانم بْن عَبْد الواحد، وأحمد بْن مُحَمَّد بْن أحمد بْن عَبْد الواحد، وطائفة سواهم. [ص:288]
وخرّجت لَهُ الفوائد فِي تسعة أجزاء، وطال عُمره حتّى ألحق الصِّغار بالكبار، وتفرّد فِي الدّنيا عَنْ كثير من شيوخه.
روى عَنْهُ خلْقٌ، منهم مُحَمَّد بْن يوسف الآمُليّ، وعبد اللَّه بْن أَبِي الفَرَج الْجُبّائيّ، والحسين بْن مُحَمَّد الجرباذقاني، وعبد الأول بْن ثابت المَدِينيّ، وعبد القادر الرُّهاويّ، وعبد الملك بْن مُحَمَّد المديني، ومحمد بن إبراهيم الأصبهاني، ومحمد بن مكي الحنبليّ الحافظ، ومحمود بْن مُحَمَّد الحدّاد، وأبو الوفاء محمود بن منده، وبالإجازة أبو المنجى ابن اللَّتّيّ، وكريمة وأختها صفيَّة، ولو عاش أحدٌ من أصحابه من نسبة ما عاش هُوَ بعد شيوخه لبقي إلى بعد الخمسين وستّمائة.
تُوُفّي يوم الاثنين غُرَّة رجب، وله مائة سنة، وآخر من روى عَنْهُ بالإجازة عجيبة بِنْت أَبِي بَكْر الباقداريّ.
قَالَ السَّمعانيّ: لم يتّفق أنْ أسمع منه شيئًا لاشتغالي بغيره، وما كانوا يُحسِنون الثّناء عَلَيْهِ، والله يرحمه، وقد حدَّثني مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن الفَيج أَنَّهُ قرأ عَلَى الرئيس أَبِي الفَرَج جميع " تاريخ الخطيب " في سنة ستين وخمسمائة، وكتب إلي بالإجازة.(12/287)
80 - هبة اللَّه بْن الْحَسَن بْن هلال، أَبُو القاسم الدقاق. [المتوفى: 562 هـ]
أسند من بقي ببغداد، كان يسكن الظفرية، سمع عاصم بن الحسن العاصمي، والبانياسي، والخطيب أَبَا الْحَسَن الأنباريّ، وغيرهما، وُلِد سنة إحدى وسبعين، وقيل: سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة.
روى عَنْهُ أَبُو سعد السَّمعانيّ، وقال: كَانَ شيخًا لا بأس بِهِ، ظاهره الخير والصّلاح.
وروى عَنْهُ الحافظ عَبْد الغنيّ، والشّيخ الموفّق وقال: هُوَ فيما أظنّ أقدم مشايخنا سماعًا، ومحمد بن عمر ابن الذَّهَبيّ، وإسماعيل بْن باتكين الجوهريّ، وعبد اللّطيف بْن مُحَمَّد القُبَّيْطيّ، وآخرون، وآخر من روى عنه بالإجازة: الرشيد بْن مَسْلَمَة. [ص:289]
قَالَ ابن مَشَق: تُوُفّي في تاسع عشر المحرم.(12/288)
81 - يزيد بْن عَبْد الْجَبّار بْن عَبْد اللَّه بْن أحمد بْن أَصْبَغ، أَبُو خَالِد الأُمَويّ، المَرْوانيّ، القُرْطُبيّ، [المتوفى: 562 هـ]
من أولاد أصحاب الأَنْدَلُس.
روى عَنْ أَبِيهِ، وأبي مُحَمَّد بْن عَتّاب، وعبد الجليل بْن عَبْد العزيز المقرئ، وابن مُغِيث، وطائفة، وكان بصيرًا بالقراءات والعربيَّة، أخذ عَنْهُ أَبُو جعفر بْن يحيى، وأبو القاسم بْن بَقِيّ، وجلس للإقراء، وله مصنَّف فِي قراءة نافع.(12/289)
-سنة ثلاث وستين وخمسمائة(12/290)
82 - أحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عيسى بْن إدريس، أَبُو الْعَبَّاس التُّجَيْبيّ، المُرْسيّ. [المتوفى: 563 هـ]
أجاز لَهُ أَبُو دَاوُد سُلَيْمَان بْن أَبِي القاسم، وسمع من والده، وأبي عَلي بْن سُكّرة، وتفقَّه بأبي مُحَمَّد بْن أَبِي جعفر.
قَالَ الأَبَّار: وكان فقيهًا حافظًا، مدرِّسًا، ولي قضاء بلده، وحدثنا عَنْهُ أَبُو عُمَر بْن عَبّاد، وابنه مُحَمَّد، وأبو محمد بن سفيان، توفي فِي حادي عشر ذي الحجَّة.(12/290)
83 - أحمد بْن عَبْد الغني بْن مُحَمَّد بْن حنيفة الباجِسْرائيّ، أَبُو المعالي التّاني. [المتوفى: 563 هـ]
سكن بغداد، وسمع من نصر بن البطر، والحسين ابن البسري، وجعفر ابن السّرّاج، وأبي منصور الخيّاط، وثابت بْن بُنْدار، وجماعة، وحدَّث بالكثير، روى عَنْهُ الحافظ عَبْد الغنيّ، والشيخ الموفَّق، وأبو طَالِب عَلي بْن مُحَمَّد الحاجب، ومحمد بْن عماد الحرّانيّ، وعبد اللطيف ابن القُبَّيْطيّ، وأبو إِسْحَاق الكاشْغَرِيّ، وآخرون، روى عَنْهُ بالإجازة الرشيد بن مسلمة.
قال ابن الجوزيّ: كَانَ ثقة.
وقال ابن الدَّبيثي: خرج إلى هَمَذَان لِدَيْنٍ عجِز عَنْ وفائه، فأقام بها يسيرًا، ومات فِي رمضان، ولم يحدث بها.(12/290)
84 - أحمد بن علي ابن الرشيد أَبِي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن الزُّبَيْر، القاضي الرّشيد أَبُو الْحُسَيْن الغسّاني الأُسْوانيّ، الكاتب الشّاعر. [المتوفى: 563 هـ]
من بيت رياسة وتقدم بالديار المصرّية، ذكره السلفي فقال: ولي [ص:291] النّظر بالإسكندرية بغير اختياره فِي سنة تسعٍ وخمسين وخمسمائة، ثمّ قُتِلَ ظُلْمًا وعدوانًا فِي المحرَّم سنة ثلاثٍ.
وأمّا العماد الكاتب فقال فِيهِ: الْخِضَمُّ الزّاخر، والبحر العُباب، قتله شاور ظُلْمًا لميله إلى أسد الدّين شيركوه، كَانَ أسود الجلْدة، سيّد البلدة، أوحد عصره فِي عِلم الهندسة، والرياضيات، والعلوم الشّرعيَّة، والآداب، والشّعريّات، فمن شِعره:
جلَّت لديّ الرزايا بل جَلَتْ هِمَمي ... وهل يضرُّ جلاء الصّارِم الذَّكَرِ
غيري يغيِّرُهُ عَنْ حُسن شِيمتِه ... صَرْفُ الزّمان وما يَلْقَى من الْغِيَرِ
لو كانت النّارُ للياقوت مُحرِقةً ... لكان يَشْتَبِهُ الياقوتُ بالحجر
لا تُغْرَرَنَّ بأطماري وقيمتها ... فإنّما هِيَ أصْدَافٌ عَلَى دُرَرِ
وسافر رسولًا من مصر إلى اليمن، فمدح جماعةً من ملوكها، منهم عَلي بْن حاتم بقوله:
لئن أَجْدَبَتْ أرضُ الصّعيدِ وأقْحطُوا ... فلستُ أنال الْقَحْطَ فِي أرض قحطان
ومذ كَفلَتْ لي مأرِبٌ بمآربي ... فلستُ عَلَى أُسْوانَ يومًا بأُسْوانِ
وإنْ جهِلَتْ حقّي زعانفُ خِنْدِفٍ ... فقد عَرَفَتْ فضلي غَطارفُ هَمْدَانِ
فحسده الدّاعي لبني عُبَيْد فِي عَدَن عَلَى ذَلِكَ، فكتب بالأبيات إلى بني عُبَيْد، فكان سبب الغضب عَلَيْهِ، ثمّ أمسكه وقَيّده، وأنفذه إلى مصر، فقتله شاور.
وهو أخو المهذَّب الشّاعر المذكور فِي سنة إحدى.(12/290)
85 - أَحْمَد بْن عُمَر بْن حسين بْن خَلَف، الْإِمَام المفتي الواعظ أَبُو الْعَبَّاس القَطِيعيّ، قطيعة باب الأَزَج. [المتوفى: 563 هـ]
قَالَ ابن الدَّبِيثيّ: هُوَ والد شيخَيْنا مُحَمَّد وعليّ، صحِب القاضي أَبَا يَعلَى مُحَمَّد بْن مُحَمَّد ابن القاضي أَبِي يَعْلَى، وتفقّه عَلَيْهِ، وتكلَّم فِي الوعظ. [ص:292]
وسمع أَبَا الفَرَج بْن يوسف، والفضل بْن سهل الإسفراييني، وابن الزاغوني، سَمِعَ منه ابنه مُحَمَّد، وتُوُفّي رحمه اللَّه فِي رمضان وله إحدى وخمسون سنة.
قَالَ ابن النّجّار: تكلَّم فِي مسائل الخلاف، وكان حَسَن المناظرة، لازَمَ أَبَا يَعْلَى الصّغير حتّى برع فِي الفقه، وسمع أَبَا منصور القزّاز.(12/291)
86 - أحمد بْن مُحَمَّد بْن أحمد بْن أحمد بْن رُشْد، الْإِمَام أَبُو القاسم قاضي قُرْطُبة. [المتوفى: 563 هـ]
تفقّه عَلَى والده، ولازمه طويلًا، وسمع من أَبِي مُحَمَّد بْن عَتّاب، وأجاز له: أبو عبد الله ابن الطلاعي، وأبو علي الغساني.
قال ابن بشكوال: كَانَ خيِّرًا، فاضلًا، عاقلًا، ظهر بنفسه وأبوته، محبّبًا إلى النّاس، طالبًا السّلامة منهم، بارًّا بهم، تُوُفّي فِي رابع عشر رمضان، ووُلِد سنة سبع وثمانين وأربعمائة.(12/292)
87 - أحمد بْن مُحَمَّد بْن عَلي بْن صالح، أَبُو المظفَّر الكاغَدِيّ الورّاق. [المتوفى: 563 هـ]
بغداديّ مشهور، سَمِعَ أَبَا بَكْر الطُّرَيْثِيثيّ، وأبا القاسم بْن بَيَان، وأبا الخطاب بن الجراح، وأبا الحسين ابن الطُّيُوريّ، وأحمد بْن قُرَيْش، روى عَنْهُ أحمد بن طارق، وعبد العزيز ابن الأخضر، وإبراهيم بْن عثمان الكاشْغَريّ، وآخرون.
تُوُفّي فِي رجب، وهو راوي " مشيخة الفَسَويّ ".(12/292)
88 - أحمد بْن المقرَّب بْن الْحُسَيْن بْن الْحَسَن، أَبُو بَكْر بْن أَبِي منصور الكَرْخيّ البغداديّ. [المتوفى: 563 هـ]
سَمِعَ طِراد بْن مُحَمَّد الزَّيْنَبيّ، ونصر بْن البَطِر، وأبا طاهر بْن سوار، وجعفر السّرّاج، وابن طَلْحة النِّعاليّ، وجماعة.
قَالَ أَبُو سعد السَّمعانيّ: شيخ كيس سيد متودِّد، سَمِعْتُ منه أحاديث، قَالَ لي: وُلِدتُ ليلة عرفة سنة تسع وسبعين وأربعمائة. [ص:293]
قلت: روى عَنْهُ هُوَ وابن الجوزيّ، والحافظ عَبْد الغنيّ، وموفّق الدّين المقدسيّ، وأبو عَلي أحمد بْن المعزّ الحرّانيّ، والحسين بْن عَلي ابن رئيس الرؤساء، وعبد اللّطيف ابن القُبَّيْطيّ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن الخازن، وطائفة سواهم.
تُوُفّي فِي ذي الحجَّة، وأجاز لغير واحد، أثنى عَلَيْهِ الحفّاظ، ووثّقه ابن الجوزيّ.
قَالَ ابن النّجّار: سَمِعَ بنفسه من جعفر السّرّاج، وابن الطُّيُوريّ، وكتب بخطّه، وحصّل، وكان صَدُوقًا متواضعًا، ربّما حدَّث من لفظه، وكانت لَهُ أُصُولٌ، حدثنا عَنْهُ أَبُو أحمد بْن سُكَيْنَة، وابن الأخضر، وأبو الفتوح ابن الحُصْريّ.
وقال غيره: قرأ القراءات، وتفقَّه عَلَى مذهب الشّافعيّ، وتصوَّف، تُوُفّي فِي الخامس والعشرين من ذي الحجَّة.(12/292)
89 - أَحْمَد بْن هبة اللَّه بْن عَبْد القادر ابن المنصوريّ، الهاشميّ، أَبُو الْعَبَّاس. [المتوفى: 563 هـ]
بغداديّ شريف، روى عَنْ عَلي بْن عَبْد الواحد الدِّينَوَريّ.(12/293)
90 - الْتُنْتَاش بْن كُمُشْتِكِين، أَبُو منصور المظفَّريّ الصُّوفيّ. [المتوفى: 563 هـ]
ذكر أَنَّهُ سَمِعَ من جَعْفَر السّرّاج.
حدَّث عَنْ أَبِي طاهر بْن يوسف، وعنه عَبْد اللَّه بن أحمد الخباز، عاش ثمانين سنة.(12/293)
91 - الأعز بْن عَبْد السّيّد، أَبُو الفضل السُّلَميّ الحاجب. [المتوفى: 563 هـ]
روى عن أبي علي بن نبهان، وأبي طَالِب بْن يوسف، سمع منه عُمَر بْن عَلي الْقُرَشِيّ، وأحمد بْن طارق.
تُوُفّي فِي صفر ببغداد.(12/293)
92 - بدر بن سعد، أبو النجم ابن الأشقر الأَزَجيّ. [المتوفى: 563 هـ]
روى عَنْ أَبِي عثمان بْن ملة، روى عَنْهُ أَبُو الفُتُوح مُحَمَّد بْن علي ابن الجلاجلي، وغيره، وعاش ثلاثا وثمانين سنة.(12/294)
93 - تركناز بِنْت عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن علي ابن الدامغاني، [المتوفى: 563 هـ]
أخت جعفر.
من بيت قضاء ورياسة ببغداد، سمعت: أَبَا عَبْد اللَّه بْن طلْحة النّعاليّ، روى عَنْهَا ابن السَّمعانيّ، وعمر بْن علي القرشي، ومحمد بن محمد بن حرب النَّرْسيّ، وسعيد بْن مُحَمَّد بْن ياسين، وغيرهم.
تُوُفِّيت فِي ربيع الآخر.(12/294)
94 - تَمَنّي بِنْت عَلي بْن مُحَمَّد بْن عليّان البوّاب البغداديّ، تُدعى ستّ القُضاة. [المتوفى: 563 هـ]
روت عَنْ أَبِي القاسم الرَّبَعيّ، وعنها عُمَر الْقُرَشِيّ، وعليّ الزَّيْديّ، وأبو الفتوح ابن الحصري.(12/294)
95 - جعفر بن أحمد بن علي ابن المُجْليّ، أَبُو الفضل بْن أَبِي السُّعود. [المتوفى: 563 هـ]
بغداديّ من أولاد الشّيوخ، سَمِعَ أَبَاهُ، وأبا القاسم بْن بيان، روى عَنْهُ ابن السَّمعانيّ فيما أحسب، وعبد العزيز ابن الأخضر، وتوفي فِي ذي الحجَّة.(12/294)
96 - جعفر بْن عَبْد الواحد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد الثّقفيّ الكوفيّ الأصل، قاضي القُضاة أَبُو البركات [المتوفى: 563 هـ]
ابن قاضي القَضاة أبي جعفر.
ولي أَبُوهُ قضاء العراق سنة خمسٍ وخمسين فاستناب ولده هذا، ثمّ تُوُفّي بعد أشهر، فوَلي مكان والده فِي صفر سنة ستّ، فلمّا مات الوزير عون الدّين سنة ستّين ناب أَبُو البركات فِي الوزارة مضافا إلى قضاء القضاة، وهذا أمر [ص:295] فضيع كما ترى، فلمّا قدِم أَبُو جعفر أحمد ابن البلدي من واسط فِي صفر سنة ثلاثٍ وستّين قلّد الوزارة.
سَمِعَ أَبُو البركات من أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وهبة اللَّه بْن الطَّبر، وجماعة، سَمِعَ منه أَبُو المحاسن الْقُرَشِيّ، وغيره، وتُوُفّي فِي جُمَادَى الآخرة، وله ستٌّ وأربعون سنة.
ذكره ابن الدَّبِيثيّ، وغيره.
وقال أبو الفرج ابن الجوزيّ: كَانَ سبب موته أَنَّهُ طُولب بمالٍ أَخْرَجَهُ عَلَيْهِ رَجُل من أهل الكوفة، فضاق صدره وأشرف عَلَى بَيْع عقاره، وكلّمه الوزير ابن البلديّ بكلماتٍ خشِنة فَقَاءَ الدّمَ ومات.
وكان جَدّه أَبُو الْحُسَيْن قاضيًا.(12/294)
97 - جوهر بْن لؤلؤ الإسكندريّ المقرئ. [المتوفى: 563 هـ]
قَالَ الحافظ ابن المفضّل: عنده الطّرطُوشيّ، وابن الْخَطَّاب، سمعنا منه رحمه اللَّه تعالى.(12/295)
98 - الْحُسَيْن بْن عَلي بْن حمّاد، أَبُو القاسم الجبائي. [المتوفى: 563 هـ]
من كبار الحنابلة، وجبى: من قرى السّواد، وهو أخو المقرئ دَعْوان، روى عن أبي القاسم بن بيان، وأبي النرسي، روى عنه أبو محمد ابن الأخضر، وغيره.
تُوُفّي فِي المحرَّم.
قَالَ ابن النجار: حدثنا عَنْهُ ابن الحُصْريّ؛ وكان فقيهًا، ورِعًا، كثير العبادة، منقطعًا، تفقَّه عَلَى أَبِي الْخَطَّاب.(12/295)
99 - الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن حسين بْن عَلي بْن عَرِيب، الْإِمَام أَبُو علي الْأَنْصَارِيّ، الطَّرْطُوشيّ، المقرئ. [المتوفى: 563 هـ][ص:296]
أخذ القراءات بطَرطُوشة عَنْ أَبِي مُحَمَّد بْن مؤمن، وبسرقسطة عَنِ ابن الورّاق.
وتفقَّه بقاضي طرطُوشة أَبِي الْعَبَّاس بْن مَسْعَدَة، وتأدَّب عَلَى جماعة، وأخذ القراءات أيضا عن أَبِي علي بْن سُكَّرَة، وأبي الْحَسَن، وغير واحد، وكان ابن سكرة قد حمل القراءات عَنْ أَبِي طاهر بْن سوار، وغيره، وسمع " أدب الكاتب " لابن قُتَيْبَة بطرطُوشة، من أَبِي العرب الصَّقَلّيّ الشّاعر، بقراءته عَلَيْهِ، ورواه بعُلُوّ عَنْ أَبِي عُمَر بْن عَبْد البَرّ، وأجاز لَهُ أبو مُحَمَّد بْن عتاب، وغير واحد، وتصدر للإقراء ببلده، والخطابة، وأقرأ بجامع المرية، فلما دخلها الفرنج استوطن مرسية وتصدر بها للإقراء، وقدم للخطابة.
قال ابن الأبار: انفرد في وقته بطريقة الإقراء، وأخذ الناس عنه، وكانت له حلقة عظيمة، وكان مع فضائله متواضعا، لين الجانب، وكان رجلا صالحا، حدثنا عَنْهُ أَبُو الْخَطَّاب بْن واجب، وأبو مُحَمَّد بن غلبون، ولد سنة سبع وسبعين وأربعمائة، وتُوُفّي بمُرْسِية فِي ذي القعدة، قَالَ: وكانت جنازته مشهودة.(12/295)
100 - حَيْدرة بْن أَبِي البركات عُمَر بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن حمزة، أَبُو المناقب العَلَويّ، الحسينيّ، الزَّيْديّ الكوفيّ. [المتوفى: 563 هـ]
سمّعه والده من طراد الزَّيْنَبيّ، وغيره ببغداد، وأبي البقاء الحبّال وغيره بالكوفة.
وقد ذكره أَبُو سعد السَّمْعانيّ فقال: كتبتُ عَنْهُ بالكوفة، وسمعت أَنَّهُ يعِظ بها، وكان النّاس يستبردون وعْظه، وكان يدّعي معرفة النَّحْو واللّغة.
قلت: وروى عَنْهُ أَبُو نصر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الكاتب، والحافظ عبد الغني، والشيخ موفق الدين وآخرون، وتوفي بالكوفة فِي ذي الحجَّة.
قَالَ الشَّيْخ الموفّق: قدِم علينا من بغداد وروى لنا عَنْ طِراد مجلسين من أماليه. [ص:297]
قلت: وآخر أصحابه بالإجازة الرشيد بْن مَسْلَمَة.(12/296)
101 - الخضِر بْن الفضل بْن عَبْد الواحد، أَبُو طاهر الإصبهانيّ الصّفّار، المعروف برُجُل. [المتوفى: 563 هـ]
ذكره ابن السَّمعاني فِي " الذّيل "، وقال: أجاز لَهُ أَبُو عَمْرو بْن مَنْدَهْ، وإسماعيل بْن مَسْعَدَة الإسماعيليّ، وأبو إِسْحَاق الطّيّان، كتب إليَّ بالإجازة فِي سنة خمسٍ وأربعين.
قلت: روى عَنْهُ عَبْد القادر الرُّهاويّ، وجماعة، وأجاز للحافظ عَبْد الغنيّ، ولابن قُدَامة، ولابن اللَّتّيّ، وحدَّثوا عَنْهُ بالإجازة، وهو آخر من حدَّث بالإجازة عَنِ المذكورين.
تُوُفّي فِي ثالث عشر جُمادى الأولى؛ قاله عبد الرحيم الحاجي.(12/297)
102 - سَعْد اللَّه بن مُحَمَّد بن عَليّ بن طاهر، أَبُو الْحَسَن البغداديّ، الدّقّاق، المقرئ. [المتوفى: 563 هـ]
قرأ القراءات على جماعة، وأقرأ مدة، روى عَن أَبِي القاسم بْن بيان، وابن نبهان، وعبد المنعم ابن القُشَيْريّ، وهبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه الواسطيّ، وولد سنة ست وثمانين وأربعمائة، روى عنه عبد الوهاب ابن سكينة، وعبد العزيز ابن الأخضر، والشّيخ الموفَّق، وجماعة.
قَالَ عُمَر بْن علي الْقُرَشِيّ: كَانَ جالسًا فِي مسجده بدرب السِّلسلة يُقرِئ فمال ووقع ميتًا، وذلك فِي ربيع الآخر.
قلت: أجاز للرشيد بْن مَسْلَمَة، ولجماعة.(12/297)
103 - سعد بْن أحمد بْن إِسْمَاعِيل، أَبُو الفتوح الإسفراييني، الصوفي. [المتوفى: 563 هـ]
قال ابن الدَّبِيثيّ: قدِم بغداد فِي صباه، وأقام برباط إِسْمَاعِيل بْن أَبِي [ص:298] سعد، وسمع من أَبِي عَبْد اللَّه الحُمَيْديّ، وأبي الفوارس طِرَاد الزَّيْنَبيّ، ثمّ صار إلى واسط، وسكن قرية عَبْد اللَّه تحت واسط بفرسخين، يخدم الفقراء برباطٍ بها إلى أن مات، حدث بواسط، وحدثنا عَنْهُ موهوب بْن المبارك المقرئ، وأبو الفتح المَنْدَائيّ، وأبو طَالِب بْن عَبْد السّميع، وغيرهم، وتوفي في صفر وله تسعون سنة.(12/297)
104 - شاكر بْن علي بْن أحمد بْن علي بْن مُحَمَّد، أَبُو الفضل الأَسْواريّ، الإصبهانيّ. [المتوفى: 563 هـ]
سَمِعَ أبا بَكْر مُحَمَّد بْن عزيزة، وأبا مطيع مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد، وأبا الفتح أحمد بْن عَبْد اللَّه السُّوذَرْجَانيّ، وأبا العلاء مُحَمَّد بْن عَبْد الْجَبّار الفِرْسانيّ، وفضلان بْن عثمان القَيْسيّ، وأبا بَكْر أحمد بْن مُحَمَّد بْن أحمد بْن مردوَيْه، وجدّه أحمد بْن علي الأسواريّ، وجماعة، وسمع " جامع التِّرْمِذِيّ " من أَبِي الفتح الحداد، روى عنه جماعة، روى عنه بالإجازة ابن اللتي، وكريمة.
وتوفي في أواخر رمضان.(12/298)
105 - الضّحّاك بْن سُلَيْمَان بْن سالم، أَبُو الأزهر الْأَنْصَارِيّ، الأديب الشّاعر. [المتوفى: 563 هـ]
قرأ القرآن عَلَى أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن الخضر خطيب المحوَّل، وشِعْره جيد مليح.(12/298)
106 - عَبْد اللَّه بْن عَلِيِّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن، أبو محمد الطامذي، الأصبهاني، المقرئ، [المتوفى: 563 هـ]
وطَامَذ: مكان بإصبهان.
شيخ عالم، زاهد، مُعَمَّر، عالي الرواية، رحل وسمع أَبَا عَبْد اللَّه النِّعاليّ، وابن البَطِر، وطِراد بْن مُحَمَّد، وأبا الْحَسَن بْن أيّوب البزّاز، وجعفر بْن مُحَمَّد العَبَّادانيّ، وأبا الْعَبَّاس بْن أشْته، وأبا نصر عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد السِّمْسار، وجماعة، وقرأ الحديث بنفسه عَلَى العَبّادانيّ، وخرَّج لَهُ الطَّلَبة.
حدَّث عَنْهُ مُحَمَّد بْن مكّيّ الحنبليّ، وعبد القادر الرُّهَاويّ، ومحمد بْن [ص:299] أَبِي غالب شعرانة، ومحمد بْن محمود الرُّوَيْدشْتيّ، وغيرهم، وبالإجازة كريمة القُرَشيَّة، وغلط أَبُو الفتح الأبيوردي فقرأ على إسماعيل العراقي بإجازته من الطّامَذِيّ، ولم يُدْرِكْه.
تُوُفّي فِي العشرين من شعبان عن سن عالية.(12/298)
107 - عبد الله بن موسى بن سليمان، أبو مُحَمَّد بْن برطلة المُرْسيّ. [المتوفى: 563 هـ]
سَمِعَ سنة عشر وخمسمائة من صهره أَبِي علي بْن سُكَّرَة، ورحل وسمع أَبَا عَبْد اللَّه بْن الْخَطَّاب الرّازيّ، وأبا بَكْر الطّرطُوشيّ، وولي إمامة جامع مُرْسِيَة، وكان فاضلًا متواضعًا، أخذ عَنْهُ أَبُو عُمَر بْن عيّاد، وهو من جِلَّة شيوخه، وتُوُفّي وله اثنتان وثمانون سنة.(12/299)
• - عَبْد الخالق بْن أسد. [المتوفى: 563 هـ]
قِيلَ: تُوُفّي آخر السّنة، وهو فِي العام المقبل.(12/299)
108 - عَبْد الرَّحْمَن بْن علي بْن علي بْن سُكَيْنَة. [المتوفى: 563 هـ]
كَانَ أسنّ من أخيه عَبْد الوهّاب، سَمِعَ أَبَاهُ، وجدّه لأمّه إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سعد، وابن الحُصَيْن، وزاهر بْن طاهر، وتُوُفّي بحلب كهْلًا.(12/299)
109 - عَبْد الرحيم بْن رستم، أَبُو الفضائل الزَّنْجانيّ الفقيه الشّافعيّ. [المتوفى: 563 هـ]
تفقه ببغداد على أبي منصور سعيد ابن الرّزّاز، وقدِم دمشق، ودرّس بالمجاهديَّة ثمّ بالغزالية، ثم ولي قضاء بَعْلَبَكّ، ولم يزل بها حتّى قُتِلَ شهيدًا.
قَالَ ابن عساكر: كَانَ عالمًا بالمذهب والأُصول وعلوم القرآن، شديدًا عَلَى المخالفين، يعني الحنابلة، وله شِعْر جيّد، قُتل ببَعْلَبَكّ فِي ربيع الآخر، وَحُمِلَ إلى دمشق فدفن بها.(12/299)
110 - عبد السيد بن أبي القاسم علي ابن العلامة أبي نصر ابن الصّبّاغ. [المتوفى: 563 هـ]
بغداديّ، من بيت العِلم والعدالة،
سَمِعَ: ابن بَيَان، وابن نَبْهان، وحدَّث؛ [ص:300]
رَوَى عَنْهُ: عُمَر بْن علي الدّمشقيّ في " معجمه ".(12/299)
111 - عَبْد القاهر بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَمُّوَيْه، الشَّيْخ أَبُو النّجيب السُّهْرَوَرْدِيّ، الصُّوفيّ الزّاهد الواعظ الفقيه الشّافعيّ. [المتوفى: 563 هـ]
سَمِعَ أَبَا علي بْن نبهان، وزاهر بْن طاهر، والقاضي أبا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وجماعة، وكان يحضر المشايخ عنده، وسمع الناس بإفادته، وحصل الأصول والنُّسَخ، ويَعِظ النّاس فِي مدرسته.
ذكره ابن النّجّار فقال: كَانَ مذهبه فِي الوعظ اطّراح الكلْفة وترْك التّسْجِيع، وبقي مدَّة سنتين يستقي بالقِرْبة عَلَى ظَهْره بالأُجْرة ويتقوَّت بذلك، ويتقوت مَن عنده مِن الأصحاب، وكان لَهُ خَرِبَة عَلَى دِجلة يأوي هُوَ وأصحابه إليها يحضر عنده الرجل والرجلان والجماعة إلى أن اشتهر اسمه وظهر، وصار لَهُ الْقَبُولُ عند الملوك، فكان السّلطان يزوره والأمراء، فبنى تلك الخَرِبة رباطًا، وبنى إلى جانبها مدرسة، فصار حِمًى لمن لجأ إِلَيْهِ من الخائفين يُجِير من الخليفة والسّلطان، ثمّ ولي التّدريس بالنّظاميَّة سنة خمس وأربعين وخمسمائة، وعُزِل عَنْهَا بعد سنتين، وأملى مجالس، وصنَّف مصنَّفات، وقال: حملني عمّي إلى الشَّيْخ أحمد الصّيّاد، وكان يأكل من الصَّيد، وكان مؤاخيًا للشّيخ أحمد العُرَيبيّ، ثمّ قدِم أسعد المِيهنيّ ووُلّي تدريس النّظاميَّة.
قَالَ ابن النّجّار: فصحِبَه الشَّيْخ أَبُو النّجيب واشتغل عَلَيْهِ اشتغالًا جيّدًا، ثمّ صحِب الشَّيْخ أحمد الغزاليّ الواعظ، وسَلَّكه، وجَرَت لَهُ أحوال ومقامات.
كتب عَنْهُ أَبُو سعد السمعاني وأثنى عليه كثيرا، قَالَ فِي " الذَّيْلِ ": عَبْد القاهر بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَمُّوَيْه - واسمه عَبْد اللَّه - بْن سعْد بْن الْحَسَن بْن القاسم بْن علْقمة بْن النَّضْر بْن مُعَاذ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْر الصّدّيق، من أهل سُهْرَوَرْد، سكن بغداد، وتفقَّه فِي النّظاميَّة زمانًا، ثمّ هبَّ لَهُ نسيم الإقبال والتّوفيق فدلّه عَلَى الطّريق، وانقطع عَنِ النّاس مدَّةً مديدة، ثمّ رجع ودعا إلى اللَّه، ورجع جماعة كثيرة بسببه إلى اللَّه وتركوا الدّنيا، وبنى رباطًا لأصحابه عَلَى الشّطّ، وسكنه جماعة من الصّالحين من أصحابه، حضرت عنده يومًا فَسمعت من كلامه ما انتفعت بِهِ، وكتبتُ عَنْهُ [ص:301] وسألته عن مولده فقال: تقديرًا فِي سنة تسعين وأربعمائة بسُهْرَوَرْد.
وقال عُمَر بْن علي الْقُرَشِيّ: أَبُو النجيب إمام من أئمة الشافعية، وعلم من أعلام الصُّوفيَّة، ذكر لي أَنَّهُ دخل بغداد، سنة سبع وخمسمائة، وسمع من ابن نَبْهان " غريب الحديث " لأبي عُبَيْد، وتفقّه عَلَى أسعد المِيهنيّ، وعلّق التّعليق وقرأ المذهب وتأدَّب عَلَى الفَصِيحيّ، ثمّ آثر الانقطاع وسلوك الطّريق، فخرج عَلَى التّجريد حافيًا إلى الحجّ فِي غير وقته، وجَرَت لَهُ قِصَص، وسلك طريقًا وَعِرًا فِي المجاهدات، ودخل إصبهان، وانقطع إلى أحمد الغزاليّ، فأرشده إلى الله بواسطة الذَّكْر، ففتح لَهُ الطّريق، وجال فِي الجبال، ودخل بغداد فصحب الشيخ حمادا الدّبّاس، وشرع فِي دعاء الخلق إلى اللَّه تعالى، فأقبل عَلَيْهِ النّاس إقبالًا كثيرًا، وصار له قبول عظيم، وتبعه جماعة، وأفلح بسببه أمَّة صاروا سُرُجًا فِي البلاد وأئمة هدى، وبنى مدرسة ورباطَيْن، ودرّس وأفتى، ووُلّي تدريس النّظاميَّة، وحدَّث، ولم أرَ لَهُ أصلًا يُعتمد عَلَيْهِ بسماعه " غريب الحديث ".
وقال ابن النجار: أنبأنا يحيى بن القاسم التكريتي: قال: حدثنا أَبُو النّجيب قَالَ: كنت أدخل عَلَى الشَّيْخ حمّاد، ويكون قد اعتراني بعض الفُتُور عمّا كنت عَلَيْهِ من المجاهدة فيقول: أراك قد دخلت علي وعليك ظُلْمة، فأعلم بسبب ذَلِكَ كرامة الشَّيْخ فِيهِ، وكنت أبقى اليومين والثّلاثة لا أستطعم بزاد، وكنت أنزل إلى دجلة فأتقلَّب فِي الماء ليسكن جُوعي، حتّى دعَتَني الحاجة إلى أن اتخذت قربة أستقي بها الماء لأقوامٍ، فمن أعطاني شيئًا أخذته، ومن لم يُعْطني لم أطالبه، ولما تعذَّر ذَلِكَ فِي الشّتاء علي خرجت يومًا إلى بعض الأسواق، فوجدتُ رجلًا بين يديه طَبَرْزَد، وعنده جماعة يدقّون الأَرُزّ، فقلت: هَلْ لك أن تستأجرني؟ فقال: أرِني يديك، فأريته فقال: هذه يدٌ لا تصلح إلّا للقَلَم، ثمّ ناولني قرطاسًا فِيهِ ذهب، فقلت: ما آخذ إلا أجرة عملي، فإن كان عندك نسخ تستأجرني فِي النَّسخ وإلّا انصرفت، وكان رجلًا يقِظًا، فقال: اصعَد، وقال لغلامه: ناولْه تلك المِدَقَّة، فناولني، فدققت معهم وليس لي عادة، وصاحب الدّكّان يلحظني، فلمّا عملت ساعةً قَالَ: تعال، فجئت إليه فناولني الذهب وقال: هذا أُجرتك فأخذته وانصرفت، ثمّ أوقع اللَّه فِي قلبي الاشتغالَ بالعِلم، فاشتغلت حتّى أتقنت المذهب، وقرأت أُصول الدّين وَأُصُولَ [ص:302] الفقه، وحفظت كتاب " الوسيط " فِي التّفسير للواحديّ، وسمعت كُتُب الحديث المشهورة.
وقال ابن عساكر فِي " تاريخه ": ذكر أبو النّجيب لي أَنَّهُ سَمِعَ بإصبهان من أَبِي علي الحدّاد، واشتغل بالزُّهد والمجاهدة مدَّةً، واستقى الماء بالأجْرة ثمّ اشتغل بالتّذكير، وحصل لَهُ قبول، وولي تدريس النّظاميَّة وأملى الحديث، وقدِم دمشقَ سنة ثمانٍ وخمسين عازمًا عَلَى زيارة بيت المقدس، فلم يتّفق لَهُ لانفساخ الهدنة بين المسلمين والفرنج، فحدَّث بدمشق ووعظ بها.
قلت: روى عَنْهُ ابن عساكر، وابنه القاسم، وابن السَّمعانيّ، وأبو أحمد ابن سكينة، وأبو طالب بن عَبْد السّميع، وابن أخيه الشَّيْخ شهاب الدّين عُمَر السُّهْرَوَرْدِيّ، وزَين الأُمَناء أَبُو البركات، وطائفة.
وقال ابن مَشَق فِي " الوَفَيَات ": فِي سنة ثلاثٍ هذه تُوُفّي أَبُو النّجيب عَبْد القاهر السهروردي الكردي الواعظ، ومولده سنة تسعين وأربعمائة.
وقال ابن الْجَوزيّ: تُوُفّي فِي جُمادى الآخرة، ودفن بمدرسته.
وقال ابن الدَّبِيثيّ: حَدَّثَنَا عَنْهُ جماعة، ووصفوه بما يطول شَرْحه من العِلم والحِلم والمُداراة والسّماحة.(12/300)
112 - عَبْد القاهر بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن يحيى ابن الوكيل المُعَدَّل، أَبُو الفُتُوح. [المتوفى: 563 هـ]
ولي الحسْبة بالجانب الغربيّ، وسمع من أَبِيهِ أَبِي البركات، وأبي الفضل مُحَمَّد بْن عَبْد السّلام الْأَنْصَارِيّ، وأبي بَكْر بْن سوسن، روى عَنْهُ عُمَر بْن طَبَرْزَد، والحافظ عَبْد الغنيّ، وتُوُفّي فِي ذي القعدة وله اثنتان وثمانون سنة.(12/302)
113 - علي بْن بكتكين بْن مُحَمَّد، الأمير علي كَوْجَك التُّرْكُمانيّ، وهو زَين الدّين [المتوفى: 563 هـ]
صاحب إربل.
أحد الأبطال الموصوفين، والفرسان المذكورين، وكوجك يعني لطيف القَدُّ، لُقِّب بذلك لأنّه كَانَ قصيرًا، وكان معروفًا بالقوَّة المُفْرِطة والشّهامة، [ص:303] وكان ممّن حاصر المقتفي لأمر اللَّه وخرج عَنِ الطّاعة، ثمّ طلب العفو وحسُنَت طاعته، وحج هو وأسد الدين شيركوه، وكانا من أكابر الدّولة الأتابكيَّة، عمل نيابة الموصل مدة، وطال عمره.
قال ابن الأثير: فارق زين الدّين عليّ خدمة صاحب الموصل قُطْب الدّين مودود، وسار إلى إِربل، وكان هُوَ الحاكم فِي الدّولة، وأكثر البلاد بيده، منها إربل، وفيها بيته وأولاده وخزائنه، ومنها شهْرُزُور وقِلاعها، وجميع بلد الهكاريَّة وقِلاعه كالعماديَّة، والحميديَّة، وتكْريت، وسِنْجار، وحرّان، وقلعة الموصل، وكان قد أصابه طَرَش، وعَمِي أيضًا، فلمّا عزم عَلَى مفارقة الموصل إلى إربل سلَّم جميع ما بيده من البلاد إلى مودود، سوى إربل، وكان شجاعًا، عادلًا، حَسَن السّيرة، سليم القلب، ميمون النّقيبة، لم ينهزم فِي حربٍ قطّ، وكان جوادًا، كثير العطاء للجُنْد وغيرهم، مدحه الحَيْصُ بَيْص بقصيدة، فلمّا أراد أن ينشده قَالَ: أَنَا ما أعرف ما يقول، ولكني أعلم أنه يريد شيئا، فأمر له بخمسمائة دينار وفَرَس وخِلْعة، ولم يزل بإربل إلى أن مات بها هذه السّنة، ولمّا فارق قلعة الموصل وليها الخادم فخر الدّين عَبْد المسيح مملوك أتابَك زنكيّ.
قَالَ ابن خَلِّكان: تُوُفّي فِي ذي الحجَّة سنة ثلاثٍ وستّين، قَالَ: ويُقال: إنّه جاوز المائة، وهو والد مظفّر الدّين.(12/302)
114 - عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن سلامة المَنْبِجيّ ثمّ البغداديّ، [المتوفى: 563 هـ]
أخو أحمد ويحيى.
روى عَنْ أَبِي القاسم بْن بيان، وتُوُفّي فِي صَفَر.(12/303)
115 - علي بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد، أَبُو الْحَسَن ابن تاج القرّاء الطُّوسيّ، ثم البغدادي. [المتوفى: 563 هـ]
سمع " جزء البانياسي " منه، وسمع من يحيى بْن أحمد السِّيبيّ، وأبي بَكْر الطُّرَيْثيثيّ، وغيرهما. [ص:304]
وقال الشَّيْخ الموفّق: سمعنا منه جزءين يرويهما عَنِ البانياسيّ.
وقال ابن السَّمعانيّ: كَانَ صوفيًا خدم المشايخ وتخلّق بأخلاقهم، طلبته عدَّة نُوَب فما صَدَفْتُه، وهو أخو شيخنا يحيى.
قلت: روى عنه الحافظ عبد الغني، والشيخ الموفق، وجماعة آخرهم موتًا أَبُو إِسْحَاق الكاشْغَريّ، وآخر من روى عنه بالإجازة الرشيد ابن مَسْلَمَة.
وقال ابن مَشَق: تُوُفّي فِي صَفَر، رحمه اللَّه.(12/303)
116 - عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مبادر، أَبُو الْحَسَن الأزجي الفقيه الشّافعيّ، قاضي واسط. [المتوفى: 563 هـ]
كَانَ من كبار الشّافعيَّة، ذكر ابن الدَّبِيثيّ: أَنَّهُ تُوُفّي فِي هذه السّنة، وهو أخو أحمد، وقد ولي قضاء رَبْع الكَرْخ، ثمّ عُزِل وسُجِن إلى أن مات فِي ربيع الأوّل.(12/304)
117 - عُمَر بْن بُنَيْمان بْن عُمَر بْن نصر، أَبُو المعالي البغداديّ. [المتوفى: 563 هـ]
قَالَ ابن الدَّبِيثيّ: شيخ ثقة، صدوق، سمع أبا عبد الله ابن البُسْريّ، وثابت بْن بُنْدار، وأبا غالب الباقِلّانيّ، وأبا علي البَردانيّ، وجماعة، سَمِعَ منه إِبْرَاهِيم بن محمود الشعار، وأبو الحسن الزيدي، وعمر بن علي القرشي، وعبد العزيز ابن الأخضر، وتُوُفّي فِي رجب.
قلت: روى عَنْهُ الحافظ عَبْد الغنيّ، والشّيخ الموفّق، وابن اللَّتّيّ، وجماعة.
قال ابن النجار: كان صدوقا، صالحا، متدينا.(12/304)
118 - القاسم بْن عليّ بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن علي، أقضى القضاة أَبُو نصر ابن قاضي القضاة أبي القاسم ابن نور الهدى الهاشميّ الزَّيْنَبيّ العبّاسيّ البغداديّ الفقيه الحنفي. [المتوفى: 563 هـ][ص:305]
قَالَ ابن الدَّبِيثيّ: تولّى هذا أقضى القضاة شرقًا وغربًا سنة ستٍّ وخمسين، وناب فِي الحكم عَنْهُ ببغداد أَبُو الخير مَسْعُود اليَزْديّ، وتُوُفّي قبل أن يتكهَّل في المحرَّم.
قلت: وُلِد سنة تسعٍ وعشرين، وسمع من قاضي المرستان ونحوه، وكان من ملاح زمانه، وله أدبٌ وشِعْر وخطٌّ منسوب ومعرفة بالمذهب، ويلقَّب بعلاء الدّين؛ ذكره ابن النّجّار، عاش أربعا وثلاثين سنة.(12/304)
119 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن علي بْن حمدي، أَبُو الفَرَج [المتوفى: 563 هـ]
أخو الشَّيْخ أَبِي المظفّر أحمد.
شيخ صالح، عابد، قانت، قرأ القراءات على أبي منصور بن خيرون، وسبْط الخيّاط، وسمع من أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وابن البنّاء، وجماعة، سَمِعَ منه أحمد بْن صالح الْجِيليّ، وعليّ بْن أحمد الزَّيْديّ، وكان يسرد الصوم.(12/305)
120 - مُحَمَّد بْن أحمد بْن عِمران بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عِمران بْن نُمَارَة، أَبُو بَكْر الحَجَريّ البَلَنْسيّ، [المتوفى: 563 هـ]
من ولد حجْر التّميميّ، والد أَوْس الشّاعر.
انتقل أبو بَكْر من بَلَنْسِيَة مَعَ والده سنة سبْعٍ وثمانين وأربعمائة عند أخْذ الروم لعنهم اللَّه بَلَنْسِية، فنشأ بالمرية.
ونقلت من خطه على نسختي بـ " التّيسير ": قرأ على فلانٌ هذا الكتاب، وأخبرته به عن الفقيه المشاور أبي بكر الفصيح، وأبي القاسم ابن العربي؛ كلاهما عن مؤلفه.
قلت: وقرأ عَلَى أَبِي الْحَسَن البُرْجيّ، وسمع من أَبِي علي الصدفي، وعباد ابن سرحان، وعبد القادر ابن الحناط، وصحِب الشَّيْخ أبا الْعَبَّاس بْن العريف، ورحل إلى قرطبة سنة ست وخمسمائة، فأخذ القراءات عن أبي القاسم ابن النخاس، وعليه اعتمد لعُلُوّ روايته الّتي ساوى بها فِي بعض الطُّرُق أَبَا عَمْرو الدّانيّ، وسمع منه، ومن أَبِي بحر بْن العاص، وأجاز لَهُ أَبُو عَبْد اللَّه الخَوْلانيّ. [ص:306]
وعاد إلى بَلَنْسِيَة لما تراجع أمرها، فأخذ علم العربية عَنْ أَبِي مُحَمَّد البَطَلْيُوسيّ، وتفقّه بأبي القاسم ابن الأنقر السرقسطي، وتصدر للإقراء مع كثرة علومه ورياسته، وصنف شرحا " لمقدمة ابن بابشاذ ".
قال الأبار: حدثنا عَنْهُ غير واحد، وهو آخر من تلا بالروايات على ابن النخاس، وتُوُفّي فِي شعبان، وصلّى عَلَيْهِ ابن النّعمة، وكانت جنازته مشهودة وعاش ثمانين سنة.
قلت: عاش بعده يحيى بْن سعدون القُرْطُبيّ نزيل الموصل، وهو ممن قرأ بالروايات على أبي القاسم ابن النّخّاس.(12/305)
121 - مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن مُحَمَّد بْن هلال بْن المحسِّن بْن إِبْرَاهِيم بْن هلال، أبو الحسن ابن الصّابئ البغداديّ. [المتوفى: 563 هـ]
من بيت كتابة وفضيلة وأدب، ولد سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وسمع أَبَا عَبْد اللَّه النِّعاليّ، وأبا عَبْد الله ابن البُسْريّ، وأبا غالب الذُّهْليّ.
قَالَ ابن الدَّبيثيّ: كَانَ ثقة، صحيح السّماع، سَمِعَ منه أَبُو المحاسن الْقُرَشِيّ، وأبو بَكْر بْن مَشَق، وأحمد بن أحمد الشاهد، وغيرهم.
وأجاز للرشيد ابن مسلمة، وغيره، وتُوُفّي فِي ربيع الأوّل.(12/306)
122 - مُحَمَّد بْن عَبْد الرّزّاق بْن يوسف، أَبُو عَبْد اللَّه الكلبيّ الإشبيليّ. [المتوفى: 563 هـ]
روى عَنْ أَبِي القاسم الهَوْزَنيّ، وصحِب أبا بكر ابن العربي مدة طويلة، ورحل قديما ولقي أبا بكر الطرطوشي، ومحمد بن أحمد الرازي، وأبا الحسن بن مشرف، والسلفي.
قال ابن بشكوال: انفرد برواية " الكامل " لابن عدي، وقد قرأت عَلَيْهِ بعضه، وناولنا جميعه، وكان فاضلًا، دينا، نبيها، عالمًا بما يُحَدِّث، استقضاه شيخنا أَبُو بَكْر عَلَى مدينة باجة، ثمّ استعفاه فأعفاه، وُلِد سنة تسع وسبعين وأربعمائة، وتُوُفّي فِي سادس عشر جُمادى الآخرة.(12/306)
123 - مُحَمَّد بْن عَبْد الرشيد بْن نَاصر، أَبُو الفضل الرّجائيّ، الإصبهانيّ الواعظ الزّاهد، [المتوفى: 563 هـ]
أصله من سرخس.
حدَّث ببغداد وإصبهان عَنْ جَعْفَر بْن عبد الواحد الثقفي، وإسماعيل ابن مُحَمَّد بْن الفضل الحافظ.
وكان إمامًا، زاهدًا، ورِعًا، كبير القدر، لَهُ فِي بلده قبول زائد وأصحابٌ ومُرِيدون.
ذكره الحافظ عَبْد القادر في أعيان مشايخه فقال: تفقه على الرستمي، وكان زوج أمّه، وكان زاهدًا، ورِعًا، طويل الصَّمْت، ضَحُوك السّنّ فِي سكينةٍ ووقار، مات كهلًا فِي طريق مكَّة.
وقال غيره: وُلِد سنة سبع عشرة وخمسمائة، ومات بالحُلَّة السَّيْفيَّة فِي ذي القعدة، ودُفِن بها رحمه اللَّه.(12/307)
124 - مُحَمَّد بْن عَبْد المتكبّر بن حسن بن عبد الودود ابن المهتدي بالله العباسي. [المتوفى: 563 هـ]
من بيت الخطابة والقضاء والرواية، كَانَ خطيب جامع المنصور، روى عَنْ أَبِي السُّعُود أحمد ابن المجلي، وكنيته أبو يعلى، ولم يسمع على قدر سنه، فإنه ولد سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة.
تُوُفِّيَ فِي رمضان.(12/307)
125 - مُحَمَّد بْن عَليّ بْن عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بن ياسر، أبو بكر الأنصاري الجياني الأندلسي. [المتوفى: 563 هـ]
قال: ولدت بجبال جيان في شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.
وقدم دمشق وله نيف وعشرون سنة، ففتح مكتبا عند قنطرة سنان، وتفقه على أبي الفتح نصر الله المصيصي.
قال الحافظ ابن عساكر: ثم زاملني إلى بغداد، وسمع من ابن [ص:308] الحُصَيْن، وسمع بدمشق من جمال الْإِسْلَام، ودخل بعد العشرين إلى نيسابور، فسمع بها من أَبِي القاسم سهل بْن إِبْرَاهِيم المسجديّ، وأدرك بمَرْو أَبَا منصور مُحَمَّد بْن علي الكُرَاعيّ، وسمع منه، وسمع ببلْخ من عثمان بْن محمد ابن الشّريك، وسمع " صحيح مُسْلِم " من الفُرَاويّ.
روى عنه أبو المظفر ابن السمعاني، وأبو الفتوح ابن الحُصْريّ، والقاضي بهاء الدّين يوسف بْن شدّاد، وأبو حفص عُمَر بْن قُشام، وأبو مُحَمَّد ابن الأستاذ، وأقام مدَّةً بالموصل، ثمّ قدِم حلب وولي خزانة الكُتُب بها.
قَالَ ابن النّجّار: قرأت فِي كتاب أَبِي بَكْر الْجَيّانيّ: كنتُ مشتغلًا بالْجَدَل والخلاف، مُجِدًّا فِي ذَلِكَ، فنمت فرأيت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنّه قد جاءني وقال لي: قُم يا أَبَا بَكْر، فلمّا قمت تناول يدي فصافحني، ثمّ ولّى وقال لي: تعال خلفي، فتبِعْتُه نحوًا من عشر خطوات وانتبهت، قَالَ: فأتيت شيخنا أبا طالب إبراهيم ابن هبة اللَّه الدّياريّ الزّاهد، فقصصت عَلَيْهِ، فقال لي: يريد منك رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ تترك الخلاف وتشتغل بحديثه إذْ قد أمرك بإتّباعه، فتركت الاشتغال بالخلاف، وكان أحبّ إليَّ من الحديث، وأقبلت عَلَى الحديث.
سئل ابن الحُصْري عَنِ الْجَيّانيّ فقال: شيخ حافظ، عالمُ بالحديث، وفيه فضل.
وقال بعض الحلبيّين: مات في سابع ربيع الآخر بحلب.(12/307)
126 - المبارك بْن المبارك بْن زيد، أَبُو الكرم الكوفيّ المقرئ، عُرِف بابن الطَّبَقيّ، [المتوفى: 563 هـ]
نزيل بغداد.
سَمِعَ ثابت بْن بُنْدار، وأبا الْحَسَن العلّاف، وحدث.(12/308)
127 - ناصر بْن الْحَسَن بْن إِسْمَاعِيل، الشّريف الخطيب أَبُو الفُتُوح الحُسَينيّ الْمَصْرِيّ المقرئ. [المتوفى: 563 هـ]
قرأ القراءات عَلَى أَبِي الْحَسَن عليّ بْن أحمد الأَبْهَريّ صاحب الأهوازيّ، وعلى أَبِي الْحُسَيْن يحيى بْن الفَرَج الخشّاب، وتصدَّر للإقراء؛ أخذ عَنْهُ جماعة [ص:309] منهم أَبُو الْجُود غِياث بْن فارس، وحدَّث عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي دَاوُد الفارسيّ، وأبي الْحُسَيْن الخشّاب، وابن القطّاع اللُّغَويّ، وغيرهم.
وكان مولده فِي سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وتُوُفّي رحمه اللَّه يوم عيد الفِطْر.
روى عنه بالإجازة أبو الحسن ابن المقدسيّ الحافظ، وعيسى بْن عَبْد العزيز اللَّخْميّ، وغيرهما، وسمع منه جماعة من المصريّين، وهو قليل الحديث، وكانت قراءته بالروايات فِي سنة اثنتين وخمسمائة وبعدها.(12/308)
128 - نعمة بْن زيادة اللَّه بْن خَلَف، أَبُو عُبَيْد الغِفَاريّ. [المتوفى: 563 هـ]
تُوُفّي بالإسكندريَّة فِي هذا العام، وقد سَمِعَ " صحيح الْبُخَارِيّ " عَلَى الشَّيْخ أبي مكتوم عيسى بن أبي ذر الهروي بمكَّة، بقراءته وقراءة غيره، إلّا شيئًا يسيرًا من آخر " الصّحيح "، فإنّه قرأه بالإجازة.
روى عَنْهُ علي بْن المفضّل الحافظ، وقاضي الإسكندريَّة أبو القاسم عبد الرحمن بْن سلامة القُضَاعيّ، وغيرهما.(12/309)
129 - نفيسة بِنْت مُحَمَّد بن علي، أخت أبي الفرج ابن البزّاز الخفّاف البغداديّ، وتسمّى أيضًا فاطمة، والأوّل أشهر. [المتوفى: 563 هـ]
سَمِعْتُ من طِراد الزَّيْنَبيّ، والحسين بْن طَلْحة النّعاليّ الحمّاميّ، وغيرهما، سَمِعَ منها أَبُو سعد السَّمْعانيّ، وعمر بْن علي الْقُرَشِيّ، روى عَنْهَا الحافظ عَبْد الغنيّ، والشّيخ الموفّق، وأبو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم الكاشْغَريّ، وجماعة، وتُوُفّيت فِي ذي الحجة.
قَالَ الموفّق: سَمِعْتُ الكثير عَنْ طِراد، وطبقته، وكانت نظيرةَ شُهْدَة فِي كَثْرَةِ السَّماع وعلوه.
أخبرنا ابْنُ الْفَرَّاءِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الشَّيْخَ الْمُوَفَّقَ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: قُرِئَ عَلَى نَفِيسَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ، وَأَنَا أَسْمَعُ: أَخْبَرَكُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ طَلْحَةَ، قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران، قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن عمرو، قال: أخبرنا عباس بن محمد، قال: حدثنا يعلى بن عبيد، قال: حدثنا الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، [ص:310] عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا يَمُوتُ أَحَدُكُمْ إلا وهو يحسن الظن بالله ".
ولابن مسلمة إجازة منها.(12/309)
130 - هبة اللَّه بْن الْحَسَن بْن هبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عساكر، الفقيه صائن الدين أبو الحسين الدّمشقيّ الشّافعيّ، [المتوفى: 563 هـ]
أخو الحافظ أَبِي القاسم.
قَالَ أَبُو القاسم: وُلِد أخي فِي رجب سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وقرأ بالروايات عَلَى أَبِي الوحْش سُبَيْع بْن قيراط، وعلى أحمد بْن مُحَمَّد بْن خَلَف الأندلسيّ مصنَّف " المُقْنِع " فِي القراءات، وهو من أصحاب أَبِي الْحُسَيْن يحيى بْن الفَرَج الخشّاب، وسمع أَبَا القاسم النّسيب، وأبا طاهر الحِنّائيّ، وأبا الحسن ابن المَوَازِينيّ، ووُجِد لَهُ سماع من أَبِي الْحَسَن بن أبي الجرو الراوي عن أبي الحسن ابن السمسار، فلم يروه، وقال: لا أحقُّ هذا الشَّيْخ، وتفقّه مدَّةً عَلَى أَبِي الْحَسَن بْن المسلم، وعلى الفقيه نصر اللَّه بْن مُحَمَّد، ورحل إلى بغداد سنة عشْر فسمع أَبَا علي بْن نَبْهان، وأبا علي ابن المهدي، وأبا الغنائم ابن المهتدي بالله، وأبا طَالِب الزَّيْنَبيّ، وأبا طَالِب بْن يوسف، وأصحاب البَرْمَكيّ، والتَّنُوخيّ، وعلّق الخلاف عَنْ أسعد المَيْهنيّ، وقرأ علي أَبِي عَبْد الله ابن أبي كدنة المتكلم شيئا من الأصول، وعلى أبي الفتح بن برهان شيئًا من أصول الفقه، وحجّ سنة إحدى عشرة ورجع إلى بغداد، ثم خرج منها سنة أربع عشرة وخمسمائة، وأعاد بالأمينيَّة لشيخه أَبِي الْحَسَن السُّلَميّ، ودرَّس بالزاوية الغربية، يعني الغزالية، وأفتى وكتب الحديث الكثير، وكان مَعْنيًّا بعلوم القرآن والنحو واللغة، وحدث بـ " طبقات ابن سعد " و " سنن الدارقطني "، وعرضت عليه الخطابة وغيرها، فامتنع، وكان خاله أَبُو المعالي يجتهد أن [ص:311] ينوب عَنْهُ فِي القضاء فلم يفعل، وكان ثقة، ثَبْتًا، متيقّظًا، لَهُ شِعْر كثير، تُوُفّي فِي شعبان.
قلت: روى عَنْهُ هُوَ، وابنه القاسم، وأبو سعد السعماني، وبنو أخيه زَيْن الأُمَناء الْحَسَن، وفخر الدّين عَبْد الرَّحْمَن شيخ الشّافعيَّة، وتاج الأُمَنَاء أحمد، وأبو نصر عَبْد الرحيم بنو مُحَمَّد بْن الْحَسَن، وأبو القاسم بْن صَصْرَى، وسيف الدّولة بن غسان، ومكرم، وآخرون.
ذكر ابن الدَّبِيثيّ: أنّ الصّائن وقع في الحَمّام ففلج أياما ثم مات، رحمه الله.(12/310)
131 - هبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن أحمد بْن عُمَر بْن أَبِي الأشعث، أَبُو المظفَّر ابن السَّمَرْقَنْدِيّ. [المتوفى: 563 هـ]
شيخ بغداديّ من بيت الحديث والثّقة والرواية، سَمِعَ أَبَا عَبْد اللَّه النِّعَاليّ، وأبا مُحَمَّد السّرّاج، وأبا زكريّا التّبْرِيزيّ، وغيرهم، وُلِد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، سَمِعَ منه أَبُو سعد السَّمْعانيّ، وأبو المحاسن القرشي.
أخبرنا العماد بن بدران، قال: أخبرنا ابن قدامة، قال: أخبرنا هبة الله ابن السمرقندي، قال: أخبرنا الحسين ابن البسري، فذكر حديثًا.
تُوُفّي فِي رابع ربيع الآخر.(12/311)
132 - هبة اللَّه بْن محفوظ بْن الْحَسَن بْن صَصْرَى، أَبُو الغنائم التّغْلبيّ الدّمشقيّ الْمُعَدَّلُ. [المتوفى: 563 هـ]
قَالَ الحافظ ابن عساكر: وُلِد سنة إحدى عشرة وخمسمائة، وسمع من الفقيه نصر اللَّه المِصِّيصيّ، وهِبَةِ اللَّه بْن طاوس، وتفقّه عَلَى أَبِي الْحَسَن بْن المسلم السُّلَميّ، وغيره، وحفظ القرآن وتأدَّب، وكتب الحديث، وكان كثير الصّلاة والتّلاوة والصَّدَقة، وأوصى بصدقات فِي عدَّة أشياء من وجوه البِرّ، تُوُفّي في جُمَادى الآخرة، ودُفِن بمقبرة باب توما عند أبيه وجده، وروى الحديث.
قلت: هُوَ والد الحافظ أَبِي المواهب وأخيه.(12/311)
133 - هبة اللَّه بْن أَبِي المحاسن بْن أَبِي بَكْر، أَبُو الْحَسَن الْجِيليّ اللّوتميّ الزّاهد. [المتوفى: 563 هـ]
قدِم بغدادَ فِي صِباه وسكنها، وكان زاهدًا، عابدًا، قانتًا، ورِعًا، مدقّقًا فِي الورع، صاحب رياضات ومجاهدات.
أثني عَلَيْهِ عُمَر بْن علي الْقُرَشِيّ، وغيره، وعظَّمه ابن الدَّبِيثي ثمّ قَالَ: وقال لي أبو العلاء ابن الرأس: لم أر فِي زمانه مثله، تُوُفّي فِي جُمادى الآخرة، وقد قَالَ: إنّه سَمِعَ من ابن الحصين.(12/312)
134 - يحيى بن عبد الله بن يحيى بْن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق، أَبُو زكريّا الْأَنْصَارِيّ الأندلسي اللري. [المتوفى: 563 هـ]
روى عن أبيه، وعمه محمد، وسمع " صحيح البخاري " من أبي الوليد ابن الدباغ، وأخذ النحو عَنْ أَبِي بَكْر عتيق بْن الخصم وبحث عَلَيْهِ " كتاب " سِيبَوَيْه، وأقرأ العربيَّة بلريَّة وخطب بجامعها.
أخذ عَنْهُ أَبُو عبد الله بن عياد، وقال: تُوُفّي فِي ذي الحجَّة، ولَهُ ستٌّ وخمسون سَنَة.(12/312)
135 - يوسف بْن عَبْد اللَّه بْن بُنْدار، الْإِمَام أَبُو المحاسن الدّمشقيّ الشّافعيّ. [المتوفى: 563 هـ]
تفقّه عَلَى: أسعد المَيْهَنيّ ببغداد.
وبرع في الفقه والأصول والخلاف، وصار أنظر أهل عصره، ودرَّس بالنّظاميَّة، وحدَّث عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي صالح المؤذن، وأبي البركات ابن الْبُخَارِيّ.
روى عَنْهُ أَبُو الخير الْجِيلانيّ، وغيره، ونفذ رسولًا إلى خُوزسْتان فتُوُفّي هناك فِي شوال.(12/312)
136 - أبو بكر بن سليمان بن سمحون الْأَنْصَارِيّ الأندلسيّ القُرْطُبيّ المقرِئ. [المتوفى: 563 هـ][ص:313]
أخذ القراءاتِ عَنْ أَبِي القَاسِم بْن رضا؛ والعربيَّة عَنْ أَبِي الْحُسَيْن بْن الطّراوة، ولُقِّب تلميذ ابن الطراوة، وكان يقول: ما يجوز على الصراط أعلم بالنحو من ابن الطراوة، وله رواية عن أبي محمد بن عتاب، وكان يُقرِئ القرآن والنَّحْو.
أخذ عَنْهُ أَبُو جَعْفَر بْن مضاء، وأثني عَلَيْهِ بحُسْن التّعليم، وعبد الحق الخَزْرجيّ، وأبو القاسم أحمد بْن بَقِيّ.
تُوُفّي بقُرْطُبة فِي هذه السّنة، وقيل: سنة أربع الآتية.(12/312)
-سنة أربع وستين وخمسمائة(12/314)
137 - أحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مبادر، أَبُو بَكْر الأَزَجيّ الدّقّاق. [المتوفى: 564 هـ]
سَمِعَ أَبَا عَبْد اللَّه ابن البسري، وأبا القاسم ابن الرَّبَعيّ، روى عَنْهُ ابن الأخضر، وغيره، وتُوُفّي في جمادى الأولى.
وأخبرنا عبد الحافظ بن بدران، قال: أخبرنا ابن قدامة، قال: حدثنا ابن مبادر، فذكر حديثًا.
وآخر من روى عَنْهُ بالإجازة ابن مَسْلَمَة.(12/314)
138 - إِبْرَاهِيم بْن محمود بْن نصر، أَبُو إِسْحَاق الشّاب، المحدِّث ابن أَبِي المجد الحرّانيّ ثمّ البغداديّ الشّعّار. [المتوفى: 564 هـ]
أحد من عُنِيَ بطلب الحديث وكتابته إلى أن تُوُفّي، مع صلاح وخير ومعرفة وفهم، سمعه أَبُوهُ من أَبِي منصور بْن خَيْرُون، وأبي عَبْد اللَّه السّلّال، وجماعة، ومولده سنة نيّفٍ وثلاثين وخمسمائة.
وقد سَمِعَ هُوَ بنفسه من نصر بْن نصر العُكْبَرِيّ، وابن المادح، وهبة اللَّه الشِّبْليّ، فمن بعدهم، حتى سمع من أصحاب قاضي المَرِسْتان، سَمِعَ منه علي بْن أحمد الزَّيْديّ.
وكان الحازميّ يُثني عَلَيْهِ ويصفه بالحِفْظ، ويقول: لو عاش ما كَانَ يماثله أحد.
تُوُفّي فِي حياة والده فِي شهر رمضان، وقد جاوز الثّلاثين، وقيل: بل عاش سبعًا وعشرين سنة.
قَالَ ابن النّجّار: أخبرتنا زُهْرة بِنْت حاضر الأنباري قالت: حدثنا إِبْرَاهِيم بْن محمود الشّعّار لفظًا سنة إحدى وستين، قال: أخبرنا الأَرْمُويّ، فذكر حديثًا.(12/314)
139 - إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن خليفة، أَبُو إِسْحَاق النفزي الدّاني المقرئ. [المتوفى: 564 هـ]
أخذ القراءات عَنْ أَبِي الْحَسَن ابن الدّوش، وأخذ قراءة وَرْش عَنْ أَبِي الْحَسَن بْن شفيع، وسمع من ابن تليد، وابن الحناط، وتصدر للإقراء، وحمل الناس عنه.
قال الأبار: كان متحققا بالقراءات، معروفا بالضبط والتجويد، أديبا فصيحا، عمر وأسن، وكان مولده سنة خمس وسبعين وأربعمائة.(12/315)
140 - أبق، الملك المظفر مجير الدين أبو سعيد صاحب دمشق ابن صاحبها جمال الدّين مُحَمَّد ابن تاج الملوك بُوري بْن طُغْتِكِين التَّركيّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 564 هـ]
وُلِد ببَعْلَبَكّ فِي ولاية والده عَلَى بَعْلَبَكّ، وقدِم معه دمشقَ لمّا وثب عليها وأخذها، فلمّا مات أَبُوهُ فِي سنة أربعٍ وثلاثين أقيم مُجِير الدّين هذا فِي الأمر وهو دون البلوغ، وأتابَك زنكيّ إذ ذاك يحاصر دمشق، فلم يصل منها إلى مقصود، ورجع إلى حلب.
وكان المدبّر لدولة مُجِير الدّين الأمير مُعين الدين أنر عتيق جد أبيه، والوزير الرئيس أبو الفوارس المسيب بن علي ابن الصوفي، فلما مات أنر انبسطت يد مُجِير الدّين قليلًا، وابن الصُّوفيّ يدبر الأمور، ثمّ بعد مدَّةٍ غضب عَلَيْهِ وأخرجه إلى صَرْخَد، واستوزر أخاه أَبَا البيان حَيْدرة بن علي ابن الصوفي مدة، ثم أقدم عطاء بن حفاظ من بَعْلَبَكّ وقدّمه عَلَى العسكر، وقتل الوزير أَبَا البيان، ثمّ قتل عطاء بعد يسير، ثمّ قدِم الملك العادل نور الدّين محمود لمّا بَلَغَتْه الأمور، فحاصر دمشقَ مدَّةً قليلة، وتسلّمها بالأمان فِي صَفَر سنة تسعٍ وأربعين، ووفى لمجير الدّين أَبَق بما قرَّر لَهُ، وسلَّم إِلَيْهِ حمص، فانتقل إليها، وأقام بها يسيرًا، ثمّ انتقل منها إلى بالِس بأمر نور الدّين، ثمّ توجّه منها إلى بغداد، فقبِلَه أمير المؤمنين المقتفي لأمر اللَّه، وأقطعه، وقرَّر لَهُ ما كفاه، وكان كريمًا جوادًا. [ص:316]
ورَّخ ابن خَلِّكان وفاته فِي هذه السّنة ببغداد، ترجمه مختصرًا فِي سياق ترجمة نور الدين، ولم يورخ ابن عساكر موته.(12/315)
141 - أزهر بْن عَبْد الوهاب بْن أحمد بْن حمزة، أَبُو جعفر البغداديّ السباك الأديب. [المتوفى: 564 هـ]
ولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة، وسمع الكثير، وعُني بالحديث، وسمع أبا طَالِب عَبْد القادر اليُوسُفي، وأبا القاسم بْن الحُصَيْن، وهبة اللَّه بْن الطَّبر، ولازَم الحافظ عَبْد الوهاب الأنماطي فأكثر عنه.
قال ابن الدبيثي: حدثنا عَنْهُ جماعة، وسمع منه عُمَر بْن علي، ومحمد بْن مَشَق، وتُوُفّي فِي المحرَّم.
قلت: وثقه ابن الجوزي.(12/316)
142 - الْحُسَيْن بْن الخَضِر بْن الْحُسَيْن بْن عبدان، عفيف الدّين الْأَزْدِيّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 564 هـ]
من بيت حديث وعدالة، توفي في جُمادي الآخرة.(12/316)
143 - حَمْد بْن عثمان بْن سالار، المحدِّث المفيد الأوحد الجوَّال أبو مُحَمَّد الإصبهانيّ، [المتوفى: 564 هـ]
صاحب " المعجم الكبير ".
سَمِعَ أَبَا الوقت، ومحمد بْن أَبِي نصر هاجر، وأبا الخير الباغْبَان، وأبا العلاء الهَمَذَانيّ، وعبد العزيز بْن مُحَمَّد الشّيرازيّ، وابن البَطّيّ، وخلْقًا، روى عَنْهُ عَبْد العزيز بْن أحمد بْن النّاقد.
مات بالحُلَّة غريبًا فِي ذي القعدة سنة أربعٍ، وله ست وثلاثون سنة.(12/316)
144 - رضيَّة بِنْت الحافظ أَبِي علي البَرَدانيّ. [المتوفى: 564 هـ]
ذكر ابن مشق أنها توفيت في شوال.(12/316)
145 - سالم بْن إِبْرَاهِيم بْن خَلَف، أَبُو الغنائم الأُمويّ الإسكندرانيّ المقرئ. [المتوفى: 564 هـ][ص:317]
روى عن أبي القاسم ابن الفحّام.
قَالَ أَبُو الْحَسَن المقدسيّ: شيخ صالح، ثقة، توفي في جمادى الآخرة، ومولده سنة خمس وثمانين وأربعمائة.(12/316)
146 - سعد الله بن نصر بن سعيد بن علي، أبو الحسن ابن الدجاجي البغدادي الواعظ المقرئ. [المتوفى: 564 هـ]
قرأ ببعض الروايات على الزاهد أبي منصور الخياط، وأبي الخطاب علي بن الجراح، وسمع منهما، ومن جماعة، وأقرأ النّاس ووعظهم سِنين.
سَمِعَ منه عُمَر بْن علي، ويوسف بْن أحمد الشّيرازيّ، وعبد العزيز بْن الأخضر، وحدّث عَنْهُ ابنه مُحَمَّد، ويعيش بْن مالك الأنباريّ، والشيّخ الموفّق، والأنجب الحمامي، ومحمد بن عماد، وآخرون.
ولد سنة ثمانين وأربعمائة، وتوفي في شعبان.
قال ابن الجوزي: تفقه وناظر ووعظ، وكان لطيف الكلام حُلْو الإيراد، وسئل في مجلس وعظه عَنْ أحاديث الصّفات، فنهى عَنِ التّعرُّض لها، وأمر بالتّسليم.
وقال عَبْد الخالق بْن أسد في " معجمه ": أنشدنا سعد الله ابن الدّجاجيّ الواعظ لنفسه:
ملكتم مُهجتي بيعًا ومقدرةً ... فأنتم اليوم أعلالي وأغلالي
عَلَوْتُ فخرًا ولكنّي ضنيت هوى ... فحبكم هو أعلالي وإعلالي(12/317)
147 - شاوَر بْن مجير بْن نزار بْن عشائر، السّعديّ الهَوَازنيّ، أبو شجاع ملك الدّيار المصريَّة ووزيرها. [المتوفى: 564 هـ]
كان الملك الصالح طلائع بن رزيك قد ولّاه إمرة الصَّعيد، ثمّ ندم عَلَى توليته حيث لا ينفع النَّدَم، ثمّ إنّ شاوَر تمكن فِي الصّعيد، وكان شجاعًا، فارسًا شَهْمًا، وكان الصّالح لمّا احتضر قد وصّى لولده رُزّيك أن لا يتعرَّض [ص:318] لشاوَر ولا يهيجه، وجرت أمور، ثمّ إنّ شاوَر حشد وجمع وأقبل مِن الصّعيد عَلَى واحات، واخترق البرّيَّة إلى أن خرج من عند تَرُوجَة بقرب إسكندريَّة، وتوجّه إلى القاهرة ودخلها، وقتل العادل رُزّيك بْن الصّالح، ووَزَرَ للعاضد.
ثمّ إنّه توجَّه إلى الشّام، وقدِم دمشقَ فِي سنة ثمانٍ وخمسين مستنجدًا بالسّلطان نور الدّين عَلَى عدوّه، فأنجده بالأمير أسد الدين شِيركُوه بعد أربعة عشر شهرًا، فسيّره معه، فمضى واستردّ لَهُ منصبه، فلمّا تمكَّن قَالَ لأسد الدّين: اذهب فقد رُفع عنك العناء، وأخلفه وعده، فأنف أسد الدّين وأضمر السّوء لَهُ، وكان شاوَر قد استعان بالفرنج، وحارب بهم المسلمين، وقدِمُوا عَلَى حَمِيَّة، فخافهم أسد الدّين وتحصَّن منهم ببلبيس شهورًا، وبقي بها محصورًا حتّى ملّت الفرنج من حصاره، فبذلوا لَهُ قطيعةً يأخذها وينفصل عَنْ بلبيس.
واغتنم نور الدّين تلك المدَّة خُلُوَّ الشّام من الفرنج، وضرب معهم المُصَافّ عَلَى حارِم، وأسر ملوكهم، وهي سنة تسعٍ وخمسين.
وَقُتِلَ شاوَر فِي ربيع الآخر سنة أربع، وكان المباشِر لقتله عزّ الدّين جرديك النوري.
وقال الروحي: إن السّلطان صلاح الدّين ابن أخي أسد الدّين هُوَ الَّذِي أوقع بشاوَر، وكان فِي صُحبة عمّه أسد الدّين، وقيل: كَانَ قتله إيّاه فِي جُمادَى الأولى، وذلك أنّ أسد الدّين تمارضَ، فَعَاده شاوَر، وكان صلاح الدّين قد كمن لَهُ فخرج عَلَيْهِ، ففتك بِهِ.
ولعُمارة اليَمنيّ فِيهِ:
ضجِر الحديدُ من الحديدِ وشاوَرٌ ... فِي نصر دين مُحَمَّدٍ لم يَضْجَرِ
حَلَفَ الزّمانُ لَيَأْتِيَنَّ بِمِثْلِهِ ... حَنَثَتْ يمينُكَ يا زمانُ فَكَفِّرِ
وله فِي شاوَر عندما ظفر ببني رُزّيك وجلس فِي الدَّسْت:
زالت ليالي بني رُزّيَك وانصرمَتْ ... والحمدُ والذّمُّ فِيهَا غير مُنْصَرِمِ
كأنّ صالِحَهُم يومًا وعادلهم ... في صدر ذا الدست لم يقعد ولم يقم [ص:319]
كُنَّا نظنّ وبعض الظّنّ مأثمةٌ ... بأنّ ذَلِكَ جمْعٌ غيرُ منهزِمِ
فَمُذْ وقعتْ وقوعَ النَّسْر خَانَهمُ ... مَن كَانَ مجتمعًا من ذَلِكَ الرَّخَمِ
ولم يكونوا عدوًّا ذَلَّ جانبُهُ ... وإنّما غَرقوا فِي سيلك الْعَرِمِ
وما قصدْتُ بتعظيمي عِداك سوى ... تعظيم شأَنك فاعذرْني ولا تلُمِ
ولو شكرتُ لياليهم محافظةً ... لعهدها لم يكن بالعهد من قِدَم
ولو فتحتُ فمي يومًا بذمّهِمُ ... لم يَرض فضلك إلّا أن يسدّ فمي
قال الفقيه عُمارة: فشكرني شاوَر وأمراؤه عَلَى الوفاء لهم.(12/317)
148 - شِيرَكُوه بْن شاذي بْن مروان بْن يعقوب، الملك المنصور أسد الدّين، [المتوفى: 564 هـ]
وزير العاضد العُبَيْديّ بمصر.
مولده بدُوِين، بلدة من طرف أَذَرْبَيْجان، ونشأ بتكريت، إذ كان أبوه متولّي قلعتها، وقيل: جدّ مروان هُوَ ابن مُحَمَّد بْن يعقوب.
قَالَ ابن الأثير المؤرّخ: أصلهم من الأكراد الرّواديَّة، وهو فخذ من الهذبانيَّة، وأنكر جماعة من بني أيّوب النسبة إلى الأكراد، وقالوا: إنّما نَحْنُ عرب نزلنا عند الأكراد، وتزوَّجنا منهم.
وأسد الدّين هذا كَانَ من كبار أمراء السّلطان نور الدّين، فسيره إلى مصر عونا لشاور كما ذكرنا، ولم يفِ لَهُ شاور، فعاد إلى دمشق، وسنة اثنتين وستّين عاد أسد الدّين إلى مصر طامعًا فِي أخْذها، وسلك طريق وادي الغزلان، وخرج عند أطفيح، فكانت في تلك الرقعة وقعة الأشمونيّين، وتوجه ابن أخيه صلاح الدّين إلى الإسكندريَّة فاحتمى بها، وحاصره شاور وعسكر مصر إلى أن رجع أسد الدّين من الصّعيد إلى بلبيس، وجرى الصُّلح بينه وبين المصريّين، وسيّروا لَهُ صلاح الدّين وعاد إلى الشّام.
ولمّا وصل الفرنج لعنهم اللَّه إلى بلبيس وأخذوها وقتلوا أهلها، وسبوا الذّرّية فِي هذه السّنة، سنة أربعٍ، سيّر المصريّون إلى أسد الدّين وطلبوه وَمَنَّوْه، ودخلوا فِي مَرْضَاته ليُنْجدهم، فمضى إليهم، وطرد الفرنج عَنْهُمْ، وعزم شاوَر عَلَى قتله، وقتل الأمراء الكبار الّذين معه، فناجزوه وقتلوه، وولي [ص:320] أسد الدّين وزارةَ مصر فِي ربيع الآخر، وأقام بها شهرين وخمسة أيّام، ثمّ تُوُفّي فجاءة في ثاني عشري جُمادى الآخرة بالقاهرة، فدُفن بها، ثمّ نقِل إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم بوصيَّةٍ منه، وقام بالأمر بعده بمصر ابن أخيه الملك صلاح الدّين يوسف بْن أيّوب.
وكان أسد الدّين أحد الأبطال المذكورين، ومن يُضرب بشجاعته الْمَثَلُ، وكانت الفرنج تهابه وتخافه، وقد حاصروه ببلبيس مدَّة، ولم يجسروا أن يناجزوه، وما لبلبيس سورٌ يحميها، ولكن لفرط هيبته لم يقدموا عَلَيْهِ.
وكان موته بخانوقٍ عظيم قتله فِي ليلة، وكان كثيرًا ما تعتريه التُّخَم والخوانيق لكثرة أكلة اللّحوم الغليظة، فيقاسي شدَّةً شديدة، ثمّ يتعافى، ولم يخلف ولدا سوى ناصر الدين الملك القاهر محمد صاحب حمص.(12/319)
149 - عبد الله بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بن أحمد بن عبد الله بْن زيدون، أَبُو جعفر المخزومي القُرْطُبيّ [المتوفى: 564 هـ]
نزيل إشبيلية.
شيخ مُسْنِد، من كبار رُواة الأَنْدَلُس، ولد سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وسمع سنة خمسٍ وتسعين من أَبِي علي الغسّانيّ كتاب " التّقصّي "، وسمع من أَبِي القاسم الهَوْزَنيّ.
وكان فقيهًا عالمًا؛ حدَّث عَنْهُ أَبُو إسحاق ابن المالقي، وأبو بكر بن خير وتوفي يوم التَّرْوية.(12/320)
150 - عَبْد الحاكم بْن ظَفَر بْن أحمد بْن أحمد بْن محمود الثّقفيّ، أَبُو مُحَمَّد الإصبهانيّ. [المتوفى: 564 هـ]
سَمِعَ من رِزْق اللَّه التّميميّ، روى عَنْهُ كريمة إجازةً، وروى عَنْهُ بالسّماع جماعة.(12/320)
151 - عَبْد الخالق بْن أسد بْن ثابت، الفقيه أَبُو مُحَمَّد الدّمشقيّ الحنفيّ المحدِّث الأطْرابُلُسيّ الأصل. [المتوفى: 564 هـ]
تفقَّه شافعيًّا، ثمّ تحوَّل إلى مذهب أَبِي حنيفة، وتفقّه عَلَى الفقيه [ص:321] البلْخيّ. ورحل فِي الحديث وجمع، وخرّج، ودرس بالصّادريَّة والمُعِينيَّة، وعقد مجلس الوعْظ.
روى عَنْهُ ابنه غالب، ومحمد بْن غسّان، وإسماعيل بْن يداش السّلّار، وغيرهم.
وكان يُلقَّب تاج الدّين، سَمِعَ جمال الْإِسْلَام علي بْن المسلم، وعبد الكريم بن حمزة، وطاهر بن سهل، وعلي بن قبيس الغسّانيّ، ويحيى بْن بطْريق، ونصر اللَّه المصِّيصيّ، وابن طاوس بدمشق، وأحمد بن محمد الزوزني، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنْدِيّ، وأبا مُحَمَّد سبط الخيّاط وأخاه الْحُسَيْن، وعبد الله ابن البيضاويّ، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ ببغداد، وعمر بْن إِبْرَاهِيم العلويّ بالكوفة، وهبة اللَّه ابن أخت الطّويل بهَمَذَان، وعتيق بْن أحمد الرُّوَيْدَشْتيّ، وفاطمة بنت عمر البغداديّ، وإسماعيل الحمّاميّ، وطائفة بإصبهان.
وتُوُفّي بدمشق في المحرَّم فِي أوّل السّنة.
ولي " بمعجمه " نسخة مليحة.(12/320)
152 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن قُزْمان، أَبُو مروان القُرْطُبيّ. [المتوفى: 564 هـ]
ولد سنة تسع وسبعين وأربعمائة، وسمع من أبي عبد الله محمد بن فَرج، وأبي علي الغسّانيّ، وأبي الْحَسَن العبْسيّ.
وتفقّه عند القاضي أَبِي الوليد بْن رُشْد.
قَالَ ابن بَشْكُوال: كَانَ من كبار العلماء وجِلَّة الفقهاء، مقدَّمًا فِي الأدباء والنُّبَهاء. أخذ النّاس عَنْهُ، وتُوُفّي فِي مستهلّ ذي القعدة.
قلت: روى عَنْهُ أَبُو الْخَطَّاب أحمد بْن مُحَمَّد بْن واجب الحافظ البَلَنْسِيّ، وإبراهيم بْن علي الخَوْلانيّ شيخ عيسى الرُّعَيْنيّ، ومحمد بْن أحمد ابن اليتيم شيخ لابن مسدي.(12/321)
153 - عَبْد السّلام بْن عتيق، السّفاقُسِيّ ثمّ الإسكندريّ، الفقيه المالكيّ [المتوفى: 564 هـ]
من علماء الثّغر المذكورين، أخذ عنه أبو الحسن ابن الْمُفَضَّلِ، وقال: تُوُفّي فِي ذي الحجَّة.(12/322)
154 - عَبْد العزيز بْن الْحَسَن بْن أَبِي البسّام، الحُسَيْنيّ الميورقي. [المتوفى: 564 هـ]
ولد بميورقة وأخذ بها العربيَّة عَنْ أَبِي عُبَيْدة الزّاهد، وولي خطَّة الكتابة.
وكان عابدًا، صالحًا، مجتهدًا، أخذ عَنْهُ من شِعْره: أَبُو الْعَبَّاس بْن مضاء.(12/322)
155 - عُلَيْم بْن عَبْد العزيز بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عُبَيْد اللَّه، الحافظ أَبُو مُحَمَّد الْقُرَشِيّ، العَدَويّ، العُمَريّ، الأندلسيّ، أحد الأعلام، ويُكنّى بأبي الْحَسَن أيضًا. [المتوفى: 564 هـ]
وُلِد بشاطِبة سنة تسعٍ وخمسمائة، وسمع أَبَا عَبْد اللَّه بْن مغاور، وأبا جعفر بْن جحدر.
وسمع بدانية من أَبِي عَبْد اللَّه ابن غلام الفَرَس، وأبي إِسْحَاق ابن جماعة.
ورحل إلى المَرِيَّة فسمع بها من أبي القاسم بن ورد، وأبي الحَجّاج القُضَاعيّ، وجماعة.
قَالَ ابن الأَبّار: كَانَ أحد العلماء الزهاد، أقرأ القرآن، ودرّس الفقه.
وكان صاحب فنون، كثير المحفوظات جدًا لا سيما " الموطأ " و" الصحيحين "، وكان يَقُولُ: ما حفظت شيئًا فنسيته، وكان كثير الْمَيْلِ إلى السُّنَن والآثار، وعلوم القرآن، مَعَ حظٍّ من عِلم النّحو والشِّعْر، وَالْمَيْلِ إلى الزُّهْد، مَعَ الْوَرَعِ والتّواضع: وكان معظَّمًا فِي النّفوس، لين الجانب، كثير المحاسن.
تُوُفّي فِي ذي القعدة ببَلَنْسِيَة.(12/322)
156 - عَليّ بْن مُحَمَّد بْن عَليّ بْن هُذَيْلٍ، أَبُو الْحَسَن البَلَنْسِيّ المقرئ، [المتوفى: 564 هـ]
شيخ القرّاء بالأندلس.
وُلِد سنة سبعين أو إحدى وسبعين وأربعمائة، ونشأ فِي حجْر أَبِي دَاوُد سُلَيْمَان بْن نجاح، ولازمه بضعة عشر عامًا بدانية وبَلَنْسِيَة، وكان زوج أمه، [ص:323] وهو أثبت النّاس فِيهِ، حَمَلَ عَنْهُ الكثير من العُلوم، وصارت إِلَيْهِ أُصوله العتيقة، أتقن عَلَيْهِ القراءات حتّى برع فيها. وسمع " صحيح الْبُخَارِيّ " ورواه عَنْ أَبِي مُحَمَّد الركليّ. وسمع " صحيح مُسْلِم " من طارق بْن يعيش، وسمع " مختصر الطُّلَيْطُليّ " فِي الفِقه، من أَبِي عَبْد اللَّه بْن عيسى، وسمع " سُنَن أَبِي دَاوُد " من طارق أيضًا، وأجاز لَهُ أَبُو الْحُسَيْن بْن البيّاز، وخازم بن محمد، وأبو علي ابن سُكَّرَة، وغيرهم.
قَالَ الأَبّار: وكان منقطع القرين في الفضل، والزُّهد، والورع، مَعَ العدالة والتّواضع والإعراض عَنِ الدنيا والتقلل منها، صومًا قوّامًا، كثير الصَّدقة، كانت لَهُ ضَيْعة فكان يخرج لتفقّدها فتَصْحَبه الطّلبة، فمن قارئٍ، ومن سامع، وهو منْشَرح، طويل الاحتمال عَلَى فَرْط مُلازمتهم لَهُ وانتيابهم إيّاه ليلًا ونهارًا. وأسنّ وعُمّر. وهو آخر من حدَّث عَنْ أَبِي داود، وانتهت إليه الرياسة في صناعة الإقراء عامَّة عُمره لُعُلوّ روايته، وإمامته فِي التّجويد والإتقان، وحدَّث عَنْ جِلَّة لا يُحْصَون، ورحلوا إِلَيْهِ، وأقرأ وحدَّث نحوًا من ستّين سنة، قَالَ لنا مُحَمَّد بْن أحمد بْن سَلْمُون: كَانَ رحمه اللَّه يتصدَّق عَلَى اليتامى والأرامل، فقالت زوجته: إنّك لتسعى بهذا فِي فقر أولادك، فقال لها: لا والله بل أَنَا شيخ طمّاع أسعى فِي غناهم.
قلت: قرأ عَلَيْهِ القراءات أَبُو مُحَمَّد القاسم بْن فِيرَّة الشّاطبيّ، وأبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن نوح الغافِقيّ، وأبو جعفر أحمد بْن علي الحصّار، وأبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن سَعِيد المراديّ، وأبو علي الْحُسَيْن بْن يوسف بْن زلال، وأبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن خلف بن نسع الزَّنَاتيّ، وأبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أحمد بْن سعادة الشّاطبيّ، وعمه المعمّر مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز بْن سعادة، وولد ابن هُذَيْلٍ أبو عامر محمد بن علي، ومحمد النّفزيّ المعروف بابن فتوح، وأبو الأَصْبَغ عَبْد العزيز بْن أحمد بْن الموصّل الزّاهد، وغلْبُون بْن مُحَمَّد بْن غلْبُون الْأَنْصَارِيّ، وجعفر بْن عبد الله بن سيد بونه الخُزاعيّ العابد شيخ الصّوفيَّة، وطائفة سواهم. وقرأ عَلَيْهِ رواية نافع مُحَمَّد بْن أحمد بْن مسعود الأزدي، [ص:324] والحسن بْن عَبْد العزيز التُّجَيْبيّ، وغيرهما.
وروى عَنْهُ الحديث خلْق منهم: مُحَمَّد بْن أحمد بْن سَلْمُون، وسِبْطَتُه زينب بِنْت مُحَمَّد بْن أحمد الزهرية وتوفيت سنة خمس وثلاثين وستمائة، وكذا تُوُفّي عامئذ الْحَسَن التُّجَيْبيّ. وروى عَنْهُ بالإجازة محيي الدّين ابن العربيّ نزيل دمشق.
قَالَ الأَبّار: تُوُفّي ابن هُذَيلٍ فِي سابع عشر رجب يوم الخميس، ودُفن يوم الجمعة، وصلّى عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَن بْن النّعمة، وحضره السّلطان أَبُو الحَجّاج يوسف بْن سعد، وتزاحم النّاس عَلَى نعشه. ورثاه واجب بْن عُمَر بْن واجب بقصيدةٍ منها:
لم أنسَ يوم تهادى نعشه أسفًا ... أيدي الورى وتراميها عَلَى الْكَفَنِ
كزهرةٍ تتهاداها الأكُفُّ فلا ... تقيم فِي راحةٍ إلّا عَلَى ظَعَنِ
قَالَ لنا ابن سَلْمُون: هذا صحيح، كَانَ النّاس يتعلّقون بالنُّطُق والسُّقُف ليُدركوا النَّعْشَ بأيديهم، ثمّ يمسحون بها عَلَى وجوههم.
عاش أربعًا وتسعين سنة.(12/322)
157 - عُلَيّ بن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن عَليّ بن عَبْد العزيز، القاضي زكيّ الدّين أَبُو الْحَسَن ابن القاضي المنتجب أبي المعالي الْقُرَشِيّ الدّمشقيّ [المتوفى: 564 هـ]
قاضي دمشق هُوَ وأبوه وجدّه.
كَانَ فقيهًا، خيّرًا، ديِّنًا، محمود السّيرة، استعفى من القضاء فأُعفي، وذهب إلى العراق فحجّ منها، ثمّ عاد إلى بغداد، فأقام بها سنة، وأدركه الموت.
قَالَ علي بْن أحمد الزَّيْديّ: كَانَ نزِهًا، عالمًا، ذا وقار وتديُّن.
وقال ابن الدَّبِيثيّ: سَمِعَ من عَبْد الكريم بْن حمزة، وجمال الْإِسْلَام عَلِيّ بْن المسلم، وعبد الرحمن بن أبي عقيل. سمع منه أبو محمد ابن الخشّاب مَعَ تقدُّمه، وأبو بَكْر الباقداريّ، وعمر بن علي القرشي. وأخبرنا عَنْهُ أَبُو طَالِب بْن عَبْد السّميع الهاشميّ، وأبو محمد ابن الأخضر. [ص:325]
وقال مُحَمَّد بْن حمزة بْن أَبِي الصَّقْر: وفيها ورد الخبر بوفاة القاضي أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد الْقُرَشِيّ ببغداد يوم الجمعة ثامن عشري شوّال، ودُفِن بالقُرب من قبر أحمد بْن حنبل.
قلت: وولد سنة سبع وخمسمائة.(12/324)
158 - علي بن أبي نصر ابن الهيتي، الشيخ القدوة الزاهد الشيخ أبو الحسن الهِيتَيّ [المتوفى: 564 هـ]
من سادة مشايخ العراق، صاحب أحوال وكرامات وأخلاق، وفَقْر، صحِب الشَّيْخ عَبْد القادر، وغيره.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ يسكن بزَرِيران بقرب المدائن، وله بها رباط يقيم بِهِ، وعنده جماعة من المنقطعين إلى اللَّه، وكان يتكلَّم عَلَى الخواطر، وله قَبُولٌ عظيم بين العوامّ، ويقال: ناهز المائة. مات رضي اللَّه عَنْهُ فِي جُمادى الأولى سنة أربعٍ وسِتين وخمسمائة.(12/325)
159 - عمرو بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن حُجّاج، أَبُو الحَكَم الإشبيليّ اللَّخْميّ. [المتوفى: 564 هـ]
روى عَنْ أَبِي مروان الباجيّ، وأبي الْحَسَن شُرَيْح، وعبّاد بْن سرحان، وجماعة. وكان فاضلًا ورِعًا، ولي خطابة إشبيلية، وأخذ النّاس عَنْهُ، وعاش بضعًا وثمانين سنة.(12/325)
160 - عيسى بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ، أَبُو نصر الكَلْوَذَانّي. [المتوفى: 564 هـ]
سمع أبا القاسم بن بيان، وأبا علي بْن نبهان.
قَالَ ابن السمعاني: حدَّث بعد خروجي من بغداد.
قلت: ولد سنة خمسمائة، وروى عَنْهُ أَبُو مُحَمَّد بْن الأخضر، وابن قُدَامة، توفي في صفر.(12/325)
161 - مُحَمَّد بْن أحمد بْن الفَرَج، الدّقّاق أَبُو المعالي البغدادي [المتوفى: 564 هـ]
ابن أخت الحافظ ابن ناصر، وهو أخو عبد اللَّه ويوسف وأبي منصور مُحَمَّد. [ص:326]
سمع أبا الحسن ابن العلّاف، وابن بيان، وأبا الغنائم النَّرْسيّ، وأبا طالب يوسف، روى عنه أبو محمد ابن الأخضر، وابن قُدَامة، وابن الحُصْريّ، وجماعة. وكان ثقة.
تُوُفّي فِي ذي القعدة، وكان شُرُوطيًّا شاهدًا.(12/325)
162 - مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بْن أحمد بن سلمان، الحاجب أبو الفتح ابن البطي، البغدادي. [المتوفى: 564 هـ]
ولد سنة سبع وسبعين وأربعمائة، وأجاز لَهُ أَبُو نصر الزَّيْنَبيّ وهو آخر من روى عَنْهُ بالإجازة، وكان أبَوَاه صالحين عادت عليه ركتهما، وعني به الحافظ أبو بكر ابن الخاضبة فسمّعه من مالك بْن أحمد البانياسيّ، وعليّ بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الأنباريّ، وأبي الفضل عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ بْن زكْري الدّقّاق، وعاصم بْن الْحَسَن، ومحمد بْن أَبِي نصر الحُمَيْديّ، وعبد الواحد بْن فهد العلّاف، ورزْق اللَّه التميميّ، وأبي الفضل أحمد بْن خَيْرُون، وطِراد، وابن الخاضبة، وطائفة سواهم.
ثمّ اتَّصل فِي شبيبته بالأمير يُمن أمير الجيوش، وغلب عَلَيْهِ وعلى جميع أموره، وكان النّاس يقصدونه ويتشفّعون بِهِ إلى مخدومه، وظهر منه خير ومروءة. وكان عفيفًا نزِهًا، متفقِّدًا للفقراء. قعد فِي بيته بعد موت أمير الجيوش، فكان شيخًا صالحًا، محِبًّا للرواية، حصّل أكثر مسموعاته، وطال عمره، واشتهر ذِكره وصار أسند شيخٍ ببغداد فِي زمانه.
روى عَنْهُ أَبُو سعد السمعاني، وأبو الفرج ابن الجوزيّ، والحافظ عَبْد الغنيّ، وفخر الدّين مُحَمَّد بْن تَيْمية، وموفّق الدّين بْن قُدَامة، وشهاب الدّين السُّهْرَوَرْدِيّ، وعليّ بْن أَبِي الفَرَج بْن كُبَّة، وتامر بْن مُطْلِق، وزُهْرة بِنْت مُحَمَّد بْن حاضر، وإسماعيل بْن عليّ بْن باتكين، وعلي بن أبي الفرج ابن الجوزيّ، وسعيد بْن مُحَمَّد بْن ياسين، ومحمد بن محمد ابن السّبّاك، والأنجب بْن أَبِي السّعادات، ومحمد بْن عماد، والحسين بن علي ابن رئيس الرؤساء، وخليل بْن أحمد الْجَوْسقيّ، وأحمد بْن يحيى البرّاج، والموفق عَبْد اللّطيف بْن يوسف، وعبد السّلام الداهري، وداود بْن معمر بْن الفاخر، وعبد اللّطيف بن [ص:327] عَبْد الوهّاب الطَّبرَيّ، ومسمار بْن العُوَيس، والحسن ابن الجوالقي، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي حرب النَّرْسيّ، وعليّ بْن أَبِي الفخّار الهاشميّ، وعبد اللطيف ابن القبيطي، والمبارك بن علي ابن المطرز، وعبد الله بن عمر ابن اللَّتّيّ، ومحمد بْن مَسْعُود بن بهروز، وعبد اللَّه بْن المظفَّر ابن الوزير عَلِيّ بْن طِراد، ومحمد بْن ياقوت الجازرِيّ الصُّوفيّ، وأحمد بْن محمود بْن المعزّ الحَرَّانيّ، وسعيد بْن عَلِيّ بْن بكري وبقي إلى قُبَيْلِ سنة تسعٍ وثلاثين، وجمال النّساء بِنْت أَبِي بَكْر الغراف، وماتت سنة أربعين. وآخر من روى عَنْهُ إِبْرَاهِيم بْن عثمان الكاشْغَريّ. وآخر من روى عَنْهُ بالإجازة عيسى بْن سلامة الحرّانيّ. وتُوُفّيت نفيسة فِي أواخر سنة اثنتين وخمسين بعد الشيخ المجد، وله مائة سنة وستة وشهر.
قَالَ ابن نُقْطَة: حدَّث ابن البّطيّ بـ " حلية الأولياء " عَنْ حَمْد الحدّاد، عَنْ أَبِي نُعَيْم. وسمع منه الأئمة والحفاظ، وهو ثقة صحيح السماع.
وقال ابن مشق: توفي يوم الخميس سابع عشري جمادى الأولى، ودفن يوم الجمعة بباب أبرز.
وقال الشيخ الموفق: ابن البطي شيخنا وشيخ أهل بغداد في وقته، وأكثر سماعه على ابن خيرون. وما روى لنا عَنْ رزق اللَّه التّميميّ ولا عَنِ الحُمَيْديّ ولا عَنْ حَمْد الحدّاد، غيره. قَالَ: وكان ثقة سهلًا فِي السَّماع.
وقال ابن النّجّار: كَانَ صالحًا، مليح الأخلاق، حريصًا عَلَى نشر العِلْم. صدوقًا، حصّل أكثر مسموعاته شراءً، ونَسْخًا، ووقفهًا. سَمِعَ منه ابن ناصر، وسعد الخير، والكبار.(12/326)
163 - مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عُبادة، أَبُو عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ، الأندلسيّ، المقرئ. [المتوفى: 564 هـ]
أخذ القراءات عن أبي القاسم ابن النّحّاس، وشُرَيْح، ومنصور بْن الخيرّ. وسمع من أَبِي مُحَمَّد بْن عتّاب، وابن مغيث، وجماعة، وتفقه بأبي [ص:328] الوليد بْن رُشْد، وأبي عَبْد اللَّه بْن الحاجّ. وتصدَّر للإقراء بجيان، وهي بلدة ثمّ سكن شاطِبة، وأخذ النّاس عَنْهُ وكان من مهرة القراء.
ولد سنة ثمانين وأربعمائة.
قَالَ الأَبّار: أخذ عَنْهُ شيخنا أَبُو عَبْد اللَّه بْن سعادة.(12/327)
164 - مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن عَبْد الحميد، أَبُو عَبْد اللَّه الفارقيّ الزّاهد، [المتوفى: 564 هـ]
نزيل بغداد.
ذو العبارات الفصيحة، والمعاني الصّحيحة، المُعرِض عَنْ زخارف الدُّنيا، المُقبِل عَلَى العِلم والتَّقوى، كذا قَالَ فِيهِ ابن النّجّار.
وقال: قدِم بغدادَ فِي صِباه فاستوطنها. وكان يتكلَّم عَلَى النّاس كلّ جمعة بعد الصّلاة بجامع القصر، يجلس عَلَى آجرتين، ويقوم إذا حميَ الكلام. وسُئل أن يُعمل لَهُ كُرسيّ، فأبى ذَلِكَ. وكان يحضر مجلسه العلماء والأعيان، ويتكلّم عَلَى لسان أهل الحقيقة بلسان عذْب، وكلامٍ لطيف، ومنطْق بليغ، فانتفع بِهِ خلْقٌ كثير. وكان من أولياء اللَّه وأصفيائه، لَهُ المقامات، والرياضات، والمجاهدات. دوَّن كلامه أَبُو المعالي الكُتُبيّ فِي كتاب مُفْرَد. روى لي عَنْهُ ابن سُكَيْنَة، وابن الحُصْريّ. وكان شيخًا مليح الصورة، ذا تجمل في ملبوسه وبيته قفر.
وقال ابن الجوزيّ: كَانَ مُحَمَّد الفارقيّ يتكلَّم عَلَى النّاس قاعدًا، وربّما قام عَلَى قدميه فِي دار سيف الدّولة من الجامع. وكان يُقال إنّه يحفظ كتاب " نهج البلاغة " ويغيرّ ألفاظه. وكانت لَهُ كلمات حِسان فِي الجملة.
وقال أَبُو المحاسن الْقُرَشِيّ: قدِم بغداد فِي صِباه، وسمع من جعفر السّرّاج، وانقطع إلى الخلْوة والمجاهدة والعبادة إلى أن لاحت لَهُ إمارات القبول. وكان العلماء والفُضَلاء يُقْصِدونه ويكتبون كلامه الذي هو فوق الدر. وكان متقلّلًا، خشِن العِيش. [ص:329]
وقال ابن الدَّبِيثيّ: كَانَ يتكلَّم عَلَى النّاس كلّ جمعة من غير تكلُّف ولا رويَّة والناس يكتبون.
وقال أبو أحمد ابن سكينة الأمين: سَمِعْتُ أَبَا عَبْد اللَّه الفارقيّ يَقُولُ: المحبَّة نار، زِنادُها جمال المحبوب، وكِبِرْيتها الكَمَد، وخزّانها حرق القلوب، ووَقُودُها الفؤاد والكَبِد.
قَالَ: وسمعته يقول: المحب بسطوة سلطان الجمال مغلوب، وبحُسام الحُسْن مضروب، مأخوذ عَنْهُ، مسلوب. نجْمُ رغبته غاربٌ عَنْ كلّ مرغوب، طالع في أفق العيوب، مصباح حبه يتوهج في رجاجة وجده بنار الوله بالمحبوب، شهاب شوقه وكمده في قلبه وكبده ساطع الألهوب.
وقال يحيى بْن القاسم التِّكْريتي: سَمِعْتُ الشَّيْخ محمدا الفارقي يقول: الدني الهمة عبد شَهْوته مستخدم فِي اصطبل طبْعه يخدم كَوْدَن كبره، وأتان تيهه، وحمار حرصه، جواد همه مقيد بقيود دنائه. قد وضع على قدميه شبحة شحه فمنعت من الجري فِي حلبة المكارم، وجعل عَلَى ظهره جل الذل منسوجًا من الصّفات الذّمائم.
ثمّ قَالَ يحيى: حكى لي أَبُو الفتح مَسْعُود بْن مُحَمَّد البدريّ قَالَ: دخل يوسف بْن مُحَمَّد بْن مقلد الدّمشقيّ عَلَى الشَّيْخ مُحَمَّد الفارقيّ ومعه فقراء، فلما ظهر الفقراء إلى الشَّيْخ لحِقَهم وَجْد، فصاحوا، فرفع رأسه وقال: لا تخبزوا فطيرًا، فإنّ الفطير يوجع الفؤاد.
وقال ابن النّجّار: قرأت عَلَى يوسف بْن جبريل بالقاهرة، عَنِ القاضي أَبِي البركات مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ قال: أخبرنا الْإِمَام الزّاهد العارف أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الملك الفارقيّ بقراءتي، ولم أر ببغداد من يدانيه في فضله ويضاهيه، وهو المتكلم بالعراق، قال: حدثنا شيخنا أبو البقاء المبارك ابن الخلّ، فذكر حديثًا.
قلت: ابن الخلّ هُوَ والد الفقيه أبي الحسن، وصوفي زاهد، ذكرناه في سنة عشرين وخمسمائة. [ص:330]
وقال القاضي عُمَر بْن علي الْقُرَشِيّ: مُحَمَّد بْن عَبْد الملك الفارقيّ العارِف، قدِم بغداد قديمًا، وسمع بها من جَعْفَر السّرّاج. كذا قَالَ القاضي.
قَالَ: وانقطع إلى الخلْوة والمجاهدة، والعبادة، واستعمل الإخلاص فِي أعماله إلى أن تحقق جريان الحكمة من قلبه على لسانه، فكان الفُضَلاء يقصدونه ويكتبون كلامه الَّذِي يفوق الدُّرّ. وجرى على طريقة واحدة في اختيار الفقر والتقلل والتخشن، ورد ما يفتح به إلا القليل من الآحاد.
ولد سنة سبع وثمانين وأربعمائة.
قَالَ ابن الدَّبِيثيّ: روى لنا عَنْهُ جماعة. وتُوُفّي فِي رجب عَنْ سبْعٍ وسبعين سنة.(12/328)
165 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن المسلم بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الفتح، الواعظ أَبُو بَكْر ابن جمال الْإِسْلَام أَبِي الْحَسَن السُّلَميّ الفقيه الدمشقي. [المتوفى: 564 هـ]
سمع أباه، وعلي ابن الموازيني، وهبة الله ابن الأكْفانيّ، وجماعة. وكتب وحصَّل، ودرَّس، ووعظ، فِي حياة أبيه، وولي تدريس الأمينيَّة بعد أَبِيهِ وخطابة دمشق. وناب فِي القضاء عَنِ القاضي كمال الدّين أَبِي الفضل الشهرزوري.
وكان حَسَن الأخلاق، قليل التصنع. روى عنه القاسم ابن عساكر، والحسين بْن صَصْرَى، وغيرهما. وتُوُفّي فِي شوّال عَنِ اثنتين وستّين سنة.(12/330)
166 - مُحَمَّد بْن عُمَر بْن أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن أميرك، أبو بكر الْأَنْصَارِيّ الخازميّ - بخاء منقوطة - الهَرَويّ الفقيه الزّاهد. [المتوفى: 564 هـ]
سَمِعَ أَبَا الفتح نصر بْن أحمد الحنفيّ، وعبد الرّزّاق بْن عَبْد الرَّحْمَن المالينيّ، وصاعد بْن سيّار الدّهّان، وبنَيْسابور مُحَمَّد بْن أحمد بْن صاعد وسهل بْن إِبْرَاهِيم المسجِديّ والفراويّ، وبسَرْخَس، وبلْخ، وبغداد، وغيرها. وعنه الحافظ عَبْد القادر الرّهاويّ، ونصر اللَّه بْن سلامة الهِيتيّ، وعمر بْن أحمد بْن بكرون، وآخرون.
وُلِد سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة، وورَّخ وفاته حفيدُه أَبُو الفتح عُمَر بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الخازميّ. [ص:331]
قَالَ أَبُو سعد السَّمعانيّ: كَانَ فقيهًا مُنَاظِرًا، وأديبًا بارعًا، عفيف النَّفس، حَسَن السّيرة. تفقّه بمَرْو، وبُخَارَى.
وقال يوسف بْن أحمد الشيرازي: روى عَنْ عيسى بْن شُعَيب السِّجْزيّ سَمِعْتُ منه " غريب الحديث " للخطابيّ.
قَالَ الرهاويّ: سَمِعَ من أَبِي نصر الشامي، وأبي الفتح الحنفيّ. ورحل إلى نَيْسابور وغيرها، وسافر إلى مرو، وبرع بها فِي عِلم الخلاف. وكان عالمًا بالفقْه، والنّحْو والّلغة، زاهدًا متواضعًا، لازمًا لبيته، وله مِلْك يعيش منه هُوَ وأولاده. وكان يعِظ فِي جامع هَرَاة، وينال من المتكلّمين. ولمّا رجعت إلى هَمَذَان سألني شيخنا الحافظ أَبُو العلاء: مَن المقدَّم بهَرَاة؟ قلت: أولاد شيخ الْإِسْلَام. فقال: إنْ كَانَ لهم أمرٌ مُشكِل إلى مَن يرجعون؟ قلت: إلى الخازميّ.(12/330)
167 - المبارك بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن غُنَيْمَة، أَبُو السّعادات البغداديّ الشُّرُوطي. [المتوفى: 564 هـ]
قرأ القراءات عَلَى أَبِي البركات مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الوكيل صاحب أَبِي العلاء الواسطي. وسمع من شُجاع الذُّهْليّ، وأبي النرسي، وجماعة. روى عنه أبو بكر بن مشق وأبو محمد ابن الأخضر.
توفي في ربيع الأول، وله خمس وسبعون سنة.(12/331)
168 - مسعود بن الحسين بن هبة الله، أبو المظفر الحلي الضرير المقرئ. [المتوفى: 564 هـ]
قدم بغداد في صباه، وقد قرأ على أبي العز القلانسي، ولكنه خلط وخبط، وادّعى أَنَّهُ قرأ عَلَى أَبِي طاهر بْن سوّار وظهر كذِبه، لأنّه قَالَ: قرأت عَلَيْهِ سنة ست وخمسمائة.
وقد حدَّث عَنْ أَبِي القاسم بْن بيان، وابن ملَّة، وتُوُفّي فِي رجب.
استوعبت خبره فِي " طبقات القُرَّاء ".(12/331)
169 - معمَّر بْن عَبْد الواحد بْن رجاء بْن عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد بْن الفاخر بْن أحمد، الحافظ أَبُو أحمد الْقُرَشِيّ العَبْشَميّ، [المتوفى: 564 هـ]
من وَلِدِ سَمُرَةَ بْن جُنْدُب
مِن أعيان عُدُول إصبهان وكبار محدّثيها وفُضَلاء وعّاظها. وُلِد سنة أربع وتسعين وأربعمائة. وسمع من أَبِي الفتح أحمد بْن مُحَمَّد الحدّاد، وغانم البُرْجيّ، وأبي المحاسن الرّويانيّ، وأبي عَلِيّ الحدّاد، ومحمد بْن أحمد بْن المطهّر، وفاطمة الجوزدانيَّة، وخلْق كثير. ورحل سنة نيف وعشرين وخمسمائة فسمع أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وأحمد بْن رضوان، وأبا العزّ بْن كادش، وأبا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، ومَن بعدهم. وعاد إلى إصبهان مشغولًا بالسّماع وإفادة الغَرباء. وقدِم بغداد بعد ذَلِكَ سبْع مرّات يَسمع ويُسمِّع أولاده.
روى عَنْهُ أَبُو سعد السَّمعانيّ، وابن الْجَوزيّ، والحافظ عَبْد الغني، والشيخ الموفق، والسهروردي، وأبو محمد ابن الأخضر، وعمر بن طبرزذ، وآخرون آخرهم أبو الحسن ابن المقيرّ بالسّماع، وابن مَسْلَمَة، وعيسى الخيّاط بالإجازة.
قال ابن السمعاني: معمر بن عبد الواحد شابّ كيِّس، حَسَن العِشْرة والصُّحْبة، سخيّ النَّفْس، متودد، يراعي حقوق الغرباء ويقضي حوائجهم. وأكثر ما سَمِعْتُ بإصبهان من الشيوخ كَانَ بإفادته، كَانَ يدور من الصباح إلى الليل عَلَى الشّيوخ شَكَر اللَّه سَعْيَه، ثمّ كَانَ ينفذ إليَّ الأجزاء لأنسخها، ويكتب إلي وفاة الشيوخ، كتب لي جزءًا من حديثه عَنْ شيوخه، وحدَّثني بِهِ.
وقال ابن الجوزيّ: كَانَ من الحُفّاظ الوعّاظ، وله معرفة حَسَنة بالحديث، كَانَ يخرج ويُمْلي. سَمِعْتُ منه بالمدينة فِي الروضة. وتُوُفّي بالبادية ذاهبًا إلى الحج في ذي القعدة.
وقال ابن النّجّار: كَانَ سريع الكتابة موصوفًا بالحِفْظ والمعرفة والثّقة والصّلاح والمروءة والورع. صنَّف كثيرًا فِي الحديث، والتواريخ، والمعاجم، [ص:333] وكان معظمًا بأصبهان، ذا قبول ووجاهة.
أخبرنا عبد الحافظ وابن الفراء قالا: أخبرنا ابن قدامة سنة ست عشر وستمائة قال: أخبرنا معمر بن عبد الواحد ببغداد، قال: أخبرنا أبو الفتح الحداد سنة خمسمائة، قال: أخبرنا ابن عبد كوية، قال: أخبرنا الطبراني، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قال: حَدَّثَنَا القعنبي، قال: حدثنا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: " لله أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ أَحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ إِذَا وَجَدَهَا ".
قَالَ ابن مَشِّقْ: تُوُفّي فِي ثالث عشر ذي القعدة بطريق الحجاز، ووُلِد لخمسٍ بقين من جُمادى الآخرة سنة أربعٍ تسعين وأربعمائة.(12/332)
170 - ياروق بْن أرسلان التُرْكُمانيّ الأمير. [المتوفى: 564 هـ]
مقدَّم جليل القدر فِي قومه، إِلَيْهِ تُنْسَب التُرْكُمان اليَارُوقيَّة. وكان عظيم الخلْقة، هائل الشّكْل. سكن بظاهر حلب فِي قِبْليّ البلد، وبنى هُوَ وأتباعه هناك أبنية كثيرة، فبقيت كالقرية، وهي عَلَى قُوَيْق نهر حلب.
تُوُفّي فِي المحرَّم من السّنة.(12/333)
171 - يحيى بْن عَلِيّ بْن خطّاب، أَبُو المظفَّر الدِّينَوَرِيّ الخِيَميّ. [المتوفى: 564 هـ]
شيخ بغداديّ، سَمِعَ أَبَا الفضل بْن عَبْد السّلام، وأبا غالب الباقِلّانيّ. روى عَنْهُ ابنه عبد اللطيف، وابن الأخضر، وأبو الفتوح ابن الحُصْريّ، والشّيخ الموفّق، وجماعة. وتُوُفّي فِي ربيع الآخر
ساكن عامل.(12/333)
172 - أبو طالب ابن الْإِمَام المستظهر بالله الهاشميّ. [المتوفى: 564 هـ]
من مشايخ بني الْعَبَّاس المتقدّمين الّذين بدار الخلافة، لَهُ بِرٌّ ومعروف.
تُوُفّي فِي رمضان.(12/333)
-سنة خمس وستين وخمسمائة(12/334)
173 - أحمد بْن صالح بْن شافع بْن صالح بْن حاتم، أَبُو الفضل بْن أَبِي المعالي الْجِيليّ ثمّ البغداديّ الحافظ. [المتوفى: 565 هـ]
أحد الشّهود والعلماء. سَمِعَ هبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه الشُروطيّ، وأبا غالب ابن البنّاء، وأبا القاسم بْن الطَّبر، وقاضي المارِسْتان، وبدر بْن عَبْد اللَّه، وابن الطّلّاية، فَمَن بعدهم. وقرأ الروايات عَلَى سِبْط الخيّاط، وعُنِي بالحديث بعد الأربعين، وكان يقتفي أثر ابن ناصر ويحذو حذوه، ولازمه مدَّةً، واستملى عَلَيْهِ.
وكان مشارًا إليه بمعرفة الحديث، وهو الَّذِي كَانَ يقرأ الحديث بمجلس ابن هُبَيْرة. وكان مليح الخطّ، متقِنًا، محققا، ورِعًا، ديِّنًا عَلَى طريقة السَّلَف.
لَهُ " تاريخ " عَلَى السّنين من وفاة أَبِي بَكْر الخطيب يذكر فِيهِ الحوادث والوَفَيَات، ولم يبيّضْه.
روى عَنْهُ ابن الأخضر، والشّيخ الموفّق، والحافظ عَبْد الغنيّ، وآخرون.
وتُوُفّي فِي شعبان، وله خمسٌ وأربعون سنة.
وقال الشَّيْخ الموفّق: كَانَ ابن شافع إمامًا، حافظًا، ثقة، إمامًا فِي السُّنَّة، يقرأ الحديث قراءةً مليحةً بصوتٍ رفيع.
قلت: وروى عَنْهُ بالإجازة ابن مَسْلَمَة.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ حافظًا، حُجَّة، ثَبْتًا، ورِعًا، سُنّيًا، صحيح النَّقْلِ.
وقال غيره: صلّى عَلَيْهِ خلائق لا يُحْصَوْن كثرةً رحمه اللَّه، وكان عنده حلْم وسُؤدُد.(12/334)
174 - أحمد بْن عَبْد الباقي بْن أحمد بْن سلمان، أبو بكر ابن البطّيّ، [المتوفى: 565 هـ]
أخو أَبِي الفتح المذكور عام أوّل.
سَمِعَ أَبَا عَبْد اللَّه النِّعَاليّ، وأبا مُحَمَّد السّرّاج، وأبا القاسم الرَّبَعيّ.
رَوَى [ص:335] عَنْهُ: عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، وتميم البَنْدَنِيجيّ، وابن الأخضر، وآخرون.
وتُوُفّي فِي شعبان.
أجاز لابن مَسْلَمَة، وكان حريصًا عَلَى المال مقسطا عَلَى نفسه.(12/334)
175 - أحمد بْن عُمَر بْن لَبِيدَة، أَبُو الْعَبَّاس الأَزَجيّ، المقرئ. [المتوفى: 565 هـ]
قرأ عَلَى سِبط الخيّاط بالرّوايات، ولقي جماعة، وسمع الكثير، واعتني بالحديث، وأفاد، ونسخ، وكان صدوقًا. روى عَنْ أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وجماعة. وسمع كلّ ما قُرِئَ عَلَى ابن ناصر. روى عَنْهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن المبارك.
وتُوُفّي بطريق الحجاز في ذي القعدة.(12/335)
176 - أحمد بن محمد بن عَلِيّ بْن قُضَاعة، أَبُو الْعَبَّاس البغداديّ. [المتوفى: 565 هـ]
سَمِعَ أَبَا القاسم الرَّبَعيّ، وأبا القاسم بْن بيان. سمع منه أبو منصور ابن الطّيّان، وأبو المحاسن الْقُرَشِيّ. وحدَّث عَنْهُ ابن الأخضر، والموفق، وآخرون. وتُوُفّي يوم الأضحى.(12/335)
177 - أحمد بن المبارك بن محمد بن السدنك، أَبُو مُحَمَّد الحَرِيميّ. [المتوفى: 565 هـ]
شيخ بغداديّ مُعَمّر وُلِد سنة ست وستين وأربعمائة. ولو سَمِعَ فِي صِغَره لَلَحِقَ أَبَا القاسم ابن البُسْريّ وطبقَتَه، ولكنّه سَمِعَ بنفسه من عاصم بن الحسن، ورزق الله التميمي، وطراد الزيني، وغيرهم؛ وقاله ابن الدَّبِيثيّ.
سَمِعَ منه أحمد بْن صالح الْجِيلّي، وأبو بَكْر بْن مَشِّقْ. وعُمِّر حتّى قارب المائة.
وما ذكر ابن النّجّار سماعه من عاصم وذَوِيه؛ بل قَالَ: وُجِد سماعُه من هبة الله ابن المجلي، وأبي علي البرداني، وأبي غالب ابن البنّاء. روى لنا عَنْهُ مُحَمَّد بْن عَبْد الله بن جرير. قال: وذكر تميم ابن البندنيجي أن أبا محمد هذا [ص:336] سمع من عاصم ورزق الله، فسمعت ابن الأخضر شيخنا يذكر أن ابني البندنيجي وضعا طبقة سماعه عَلَى عاصم بْن الْحَسَن، وأرادا أن يسمعا فأنكرت عليهم، وجرت قضية فأخفيا التسميع.(12/335)
178 - بشارة بنت أحمد بن طاهر. [المتوفى: 565 هـ]
سمعت: أحمد ابن العلّاف، سَمِعَ منها أَبُو سعد السَّمعانيّ، وعمر بن علي. وتوفيت في ذي الحجة.(12/336)
179 - حَبْشيّ بْن مُحَمَّد بْن شُعَيب، أَبُو الغنائم الشَّيْبانيّ الواسطيّ الضّرير [المتوفى: 565 هـ]
شيخ العربيَّة ببغداد، لازَم الشَّجَرِيّ، وبلغ الغاية فِي النَّحو. وحدَّث عَنْ قاضي المرستان.
مات فِي ذي القعدة.(12/336)
180 - الْحَسَن بْن علي بْن محمد بن علي، أبو نصر ابن قاضي القضاة أَبِي الْحَسَن الدّامَغَانيّ. [المتوفى: 565 هـ]
كَانَ ينوب عَنْ أخيه قاضي القضاة أَبِي الْحُسَيْن أحمد فِي القضاء بالجانب الغربيّ. وحدَّث عَنْ أَبِي الغنائم النَّرْسيّ. سَمِعَ منه: عُمَر الْقُرَشِيّ.
تُوُفّي فِي شوّال.(12/336)
181 - الْحَسَن بْن مكّيّ بن جعفر بن إبراهيم، أبو علي المرندي الصُّوفيّ الفقيه. [المتوفى: 565 هـ]
قَالَ الشَّيْخ موفَّق الدّين: كَانَ بدويرة السُّمَيْساطيّ، وكان من أهل السُّنَّة. وكان يَتَوَسْوَس فِي تكبيرة الإحرام.
قلت: روى عَنِ أبي الفتح الكروخي، غيره. روى عَنْهُ الشَّيْخ الموفّق، وغيره.
تُوُفّي فِي رمضان.(12/336)
182 - الْحَسَن بْن هلال بْن مُحَمَّد بْن هلال، أبو محمد ابن الصابي، البغداديّ، الكاتب، المعروف بالأشرف [المتوفى: 565 هـ]
من بيت حشمة وكتابة. سَمِعَ أَبَا غالب الباقِلّانيّ، وأبا الغنائم النَّرْسيّ. روى عَنْهُ ابن الأخضر، وغيره.
وُلِد سنة ست وثمانين وأربعمائة.(12/337)
183 - الْحُسَيْن بْن علي بْن مُحَمَّد ابن رئيس الرؤساء أبي القاسم علي ابن المسلمة، أبو الفضائل البغداديّ. [المتوفى: 565 هـ]
روى عَنْ أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن. وعنه عُمَر بْن عَلِيّ.(12/337)
184 - الْحُسَيْن بن محمد السيبي، عامل قومسان، أبو المظفر. [المتوفى: 565 هـ]
سجن مدة، ثم قطعت يده ورجله، وحمل إلى المارستان، فتوفي. وله شعر رائق.(12/337)
185 - الخضر بن علي بن أبي هشام الدمشقي، السمسار. [المتوفى: 565 هـ]
عمر تسعين سنة، وسمع من نصر المقدسيّ، وهو آخر من سَمِعَ منه، إلّا أَنَّهُ كَانَ رافضيًّا. روى عَنْهُ الحافظ أَبُو القاسم ابن عساكر فِي " تاريخه "، وأبو القاسم بْن صَصْرَى فِي " مشيخته "
وقد سَمِعَ سنة خمسٍ وثمانين من عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن البَعْلَبَكّيّ، ومن أَبِي البركات أحمد بْن طاوس.(12/337)
186 - خُطْلُخ الدّبّاس، [المتوفى: 565 هـ]
مولى أَبِي الفتح بْن شاتيل.
سَمِعَ معه من أَبِي القاسم الرَّبَعيّ.
سَمِعَ منه عُمَر العَلِيميّ، وعمر الْقُرَشِيّ. وتُوُفّي بالموصل فِي السّنة ظنًا.(12/337)
187 - خَلَف بْن يحيى بْن فَضْلان، أَبُو القاسم البغدادي، المؤدب، المشاهر. [المتوفى: 565 هـ]
سَمِعَ الكثير، وحدَّث عَنْ ابن الحُصَيْن، وأبي غالب ابن البنّاء، وهبة اللَّه بْن الطَّبر. سَمِعَ منه ابناه فضلان وعبد القادر، وأبو طَالِب بْن عبد السميع. مات في رجب.
قال ابن النّجّار: صالح متديّن، طلب بنفسه، ولا يعرف العِلم. وخطّه فِي غاية الرداءة، وأُصُوله مسَخَّمَة سقيمة، وفيه غفلة وسلامة. وربما أحلق اسمه بخطّه فِي طباق السَّماع الّتي بخطّه. حدثنا عنه أحمد ابن البَنْدَنِيجَيّ.(12/338)
188 - خليل بْن وجيه. [المتوفى: 565 هـ]
من شيوخ عَبْد الرحيم ابن السمعاني.(12/338)
189 - طاوس أمّ أمير المؤمنين المستنجد بالله. [المتوفى: 565 هـ]
ماتت فِي شهر ذي الحجَّة، وشيّعها الوزير والأمراء قيامًا في السفن إلى ترب الرصافة.(12/338)
190 - عبد الله بن مُحَمَّد بن أحمد بن مُحَمَّد ابن النَّقُّور، أَبُو بَكْر بْن أَبِي منصور بْن أَبِي الْحُسَيْن البزّاز. [المتوفى: 565 هـ]
شيخ ثقة، مشهور، من أولاد المحدّثين. سَمِعَ أَبَاهُ، والمبارك بْن عَبْد الْجَبّار، وأبا الْحَسَن العلّاف، وأبا القاسم بْن بيان، وجماعة. وروى الكثير؛ سَمِعَ منه أَبُو سعد السَّمْعانيّ، وعمر العُلَيميّ، وعمر الْقُرَشِيّ. وحدَّث عَنْهُ الحَافِظ عَبْد الغني، وَالشَّيْخ المُوفّق، وعبد العزيز بْن باقا، ومحمد بْن إِبْرَاهِيم الإرْبِليّ، ومحمد بْن عماد، وطائفة.
قَالَ عُمَر بْن علي: أبو بكر ابن النَّقُّور طلب بنفسه وقرأ وكتب، وكان من أهل الدّين والصّلاح والتَّحرّي على درجة رفيعة، قَلّ ما رَأَيْتُ فِي شيوخنا أكثر تَثبُّتًا منه. سَأَلْتُهُ عَنْ مولده فقال: سنة ثلاثٍ وثمانين وأربعمائة. [ص:339]
وقال ابن مَشِّقْ: تُوُفّي فِي عاشر شعبان سنة خمس وستين.(12/338)
191 - عَبْد الباقي بْن وفاء، أَبُو الموفَّق الهَمَذَانيّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 565 هـ]
روى عَنْ أَبِي القاسم بْن بيان. وعنه ابن الأخضر، وغيره. وكان معروفًا بين الصوفية.(12/339)
192 - عبد المنعم بْن مُحَمَّد بْن طاهر بْن سَعِيد بْن فضل اللَّه بْن أَبِي الخير المِيهَنيّ، أَبُو الفضائل بْن أَبِي البركات. [المتوفى: 565 هـ]
من بيت المشيخة والتّصوُّف، سَمِعَ أَبَاهُ، وأبا حامد الغزّاليّ، وأبا الفتح عبيد الله بن محمد بن أردشير بْن مُحَمَّد. وقدِم بغداد وسكنها، وخدم الفقراء برباط البِسْطاميّ. سَمِعَ منه ابناه مُحَمَّد وأحمد، وجماعة.
توفي فِي المحرَّم، وله ثمانٍ وسبعون سنة.(12/339)
193 - عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد بْن المسلَّم بْن الْحَسَن بْن هلال، أَبُو المكارم الْأَزْدِيّ. المعدَّل، الدّمشقيّ. [المتوفى: 565 هـ]
أحضره والده أَبُو طاهر عند عَبْد الكريم الكَفَرْطَابيّ فِي ذي الحجَّة سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، فروى لَهُ جزءًا من " حديث خَيْثَمَة "، وكان مولده فِي جُمَادَى الأولى سنة تسعٍ وثمانين وأربعمائة. ثمّ سَمِعَ من الشّريف النّسيب، وأبي طاهر الحنائي، وأبي الحسن ابن الموازيني. وأجاز له الفقيه نصر المقدسي، وأبو الفرج الإسفراييني، وعبد اللَّه بْن عَبْد الرّزّاق الكلاعي، وجماعة.
روى عَنْهُ الحافظ ابن عساكر، وقال: حدَّث بقطعة صالحة من مسموعاته، وحجّ غير مرَّة، وهو كثير الصّلاة والصّوم والتّلاوة والصَّدقة.
قلت: وكان من أعيان البلد. روى عنه البهاء ابن عساكر، والحافظ عبد الغني، والموفق المقدسي، وأخوه أبو عمر الزاهد، والبهاء محمد بن خلف، وأبو القاسم بن صصري، ومحمد بن غسان، وآخرون، وتُوُفّي فِي عاشر جُمادى الآخرة، ودُفن بمقبرة باب الفراديس.(12/339)
194 - عثمان بْن مُحَمَّد بْن أحمد بْن نقاقا، أبو عمرو النّجّار. [المتوفى: 565 هـ]
بغداديّ، روى عَنْ الفقيه أَبِي الْخَطَّاب الكَلْوَذَانيّ، وأبي طَالِب بْن يوسف. روى عَنْهُ أبو محمد ابن الأخضر، وأحمد بْن أحمد البَنْدَنِيجيّ، وغيرهما. وتُوُفّي فِي المحرَّم.(12/340)
195 - عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عثمان، أَبُو الْحَسَن ابن القابلة الكلبيّ الأندلسيّ، [المتوفى: 565 هـ]
نزيل مَرّاكُش.
روى عَنْ شُرَيْح بْن محمد، وأبي بكر ابن العربي.
قال الأبار: وكان عالمًا، متفننًا، متقدمًا في علم الأصول، شاعرًا مكثرًا.(12/340)
196 - علي بْن ثروان بْن زيد بْن الْحَسَن، أبو الحسن الكندي البغدادي، [المتوفى: 565 هـ]
ابن عم تاج الدين الكندي.
أديب شاعر، وهو الَّذِي أفاد تاج الدّين وأحضره مجالس الأدب، وحثّه من الصِّغَر عَلَى العِلم. وأصله من بلد الخابور، قدِم بغداد وأخذ عَنْ أَبِي منصور ابن الجواليقي. وله خط مليح، سكن دمشق وتقدم عند الدولة، وبها توفي في حدود هذا العام؛ ذكره القفْطيّ فِي " تاريخ النُّحاة ".
وقال الدَّبِيثيّ: إنه سمع من إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْدِيّ، وجماعة. وسكن قبل موته مدينة دمشق، وحظي عند ملكها نور الدّين، وتُوُفّي بعد سنة خمسٍ وستّين.(12/340)
197 - علي بْن مُحَمَّد بْن بركة، أَبُو الْحَسَن الواسطيّ، ثمّ البغدادي الزّجّاج. [المتوفى: 565 هـ]
روى عَنْهُ أُبَيّ النرسيّ. روى عَنْهُ تميم بْن أحمد، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، وجماعة.(12/340)
198 - علي بْن خَلَف بْن غالب الْأَنْصَارِيّ الشِّلْبيّ، ابن غالب، الْإِمَام القُدْوة العارف أَبُو الْحَسَن، [المتوفى: 565 هـ]
شيخ الصوفية، ونزيل قصر كتامة ثم نزيل قُرْطُبة.
سَمِعَ " الموطأ " من أَبِي القاسم بْن رضا، وروى عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه بْن مُعَمَّر، وقرأ عَلَى وليد بْن موفَّق الْجَيّانّي " تجريد الصِّحاح " لرزِين العَبْدَرِيّ عَنْ مؤلفه. وكتب السّرّ مدَّةً لصاحب شَقُّورَة. وله تصانيف. وكان ذا سُنَّة واتّباع وتمسُّك بالأثر.
أخذ عَنْهُ أيّوب بْن عَبْد اللَّه الفِهْريّ، وعبد الجليل القصْريّ، وغيرهما. وكان مبرّزًا فِي التّصوُّف، خيِّرًا، رحيمًا، متعبِّدًا.
قَالَ ابن الزُّبَيْر: بقي إلى سنة خمس وستين وبلغ الثّمانين.(12/341)
199 - علي بْن هبة اللَّه بْن محمد ابن البخاري، أَبُو الْحَسَن بْن أَبِي البركات البغداديّ، [المتوفى: 565 هـ]
والد قاضي القضاة أَبِي طَالِب.
شيخ فقيه بارع، تفقَّه عَلَى أسعد المَيْهنيّ. وسمع أَبَا القاسم بْن بَيَان، وابن نَبْهان. ودخل الروم، وولي قضاء قُونية، وبها تُوُفّي فِي هذا العام.(12/341)
200 - مجد الدّين، أَبُو بَكْر ابن الدّاية [المتوفى: 565 هـ]
من أكبر الأمراء النُّوريَّة، وهو أخو نور الدّين من الرّضاع، وصاحب أمْره، وبيت سِرّه.
وكان بطلًا شجاعًا، ديِّنًا، عاقلًا، لَهُ خانقاه معروفة بحلب، واتفق موته وموت العمادي، نائب حلب وأعمالها وحاجبه، فتُوُفّي ابن الدّاية والعماديّ بدمشق، فحزن عليهما نور الدّين وبكى لفَقْدهما، وقال: قُصَّ جناحاي، وأعطى أولاد العماديّ بَعْلَبَكّ، وقدَّم عَلَى عساكره بعد مجد الدّين أخاه سابق الدين عثمان ابن الدّاية.
وللعماديّ تُرْبَةٌ مشهورة بقاسيون شمالي تُربة شركس، وهي أوّل تُربةٍ بُنِيت فِي الجبل، واسمه مكتوب عَلَى بَابها.(12/341)
201 - مُحَمَّد بْن بركة بْن خَلَف بْن كرما، أَبُو بَكْر الصِّلْحيّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 565 هـ]
شيخ خيّر صالح، كريم، سخي، سمع أبا علي ابن المهدي، وأبا سعد ابن الطُّيُوريّ، وأبا طَالِب اليُوسُفيّ، وابن الحُصَيْن. وحدَّث بالشّام؛ روى عَنْهُ الحافظ ابن عساكر، وابن أخيه تاج الأُمناء أحمد، وأبو مُحَمَّد ابن الأستاذ، وأبو نصر ابن الشيرازي.
أخبرنا محمد بن مكي قال: أخبرنا محمد بن هبة الله، قال: أخبرنا محمد بن بركة سنة إحدى وستين، قال: أخبرنا محمد بن محمد بن غيلان، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي، قال: حدثنا عبد الله بن روح ومحمد بن رمح؛ قالا: أخبرنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التيمي، أنه سمع علقمة بن وقاص يقول سمعتُ عُمَر يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ " ... الْحَدِيثَ.
مات الصِّلْحيّ بدمشق فِي المحرَّم سنة ست وستين وخمسمائة.(12/342)
202 - مُحَمَّد بْن حمزة ابن الشَّيْخ أَبِي الْحَسَن علي بن الحسن ابن المَوَازينيّ، أَبُو المعالي السُّلَميّ، الدّمشقيّ المعدّل. [المتوفى: 565 هـ]
تفقّه عَلَى جمال الْإِسْلَام، وسمع ببغداد من أَبِي القاسم بْن بيان، وبدمشق من الأمين هبة الله ابن الأكفاني
قال الحافظ ابن عساكر: وكان متجمّلًا، حَسَن الاعتقاد. باع أملاكه وأنفقها عَلَى نفسه.
قلت: روى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن صَصْرَى، وأبو البركات زين الأُمَناء. ومات فِي جُمادَى الآخرة.(12/342)
203 - مُحَمَّد بْن الخصيب بْن المؤمّل بْن مُحَمَّد، أَبُو عَبْد اللَّه بْن أَبِي العلاء البغداديّ، [المتوفى: 565 هـ]
أحد حجّاب الخليفة. [ص:343]
سَمِعَ أَبَا القاسم بْن بيان، وأبا نُعَيْم محمد بن إبراهيم الجماري الواسطيّ، وهبة اللَّه ابن رئيس الرؤساء المتوفّي سنة ستٍّ وعشرين. روى عَنْهُ عَبْد العزيز ابن الأخضر، وجماعة. وتُوُفّي فِي صَفَر، وكان يلعب بالحمام.(12/342)
204 - مُحَمَّد بْن عَبْد الرحيم بْن سُلَيْمَان، أَبُو حامد وأبو عَبْد اللَّه القَيْسيّ، الغَرْناطيّ. [المتوفى: 565 هـ]
شيخ مسن، ولد سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة بغرناطة، وقدم الإسكندرية سنة ثمان وخمسمائة. وسمع أبا عبد الله محمد بن أحمد الرازي، ومرشد بْن يحيى المَدِينيّ، وهبة اللَّه بْن الحصين، وطائفة. ودخل خُراسان، ثمّ قدِم بعد مدَّةٍ إلى بغداد وحدَّث بها، ثمّ قدِم الشّامَ، وسكن بحلب.
قَالَ ابن عساكر فِي " تاريخه ": كَانَ كثير الدّعَاوى، لم يوثَّق بما يحكي من المستحيلات، سمعا منه " مجلس البطاقة "، ومات فِي صَفَر.
قلت: روى عَنْهُ الشَّيْخ عَلِيّ بْن إدريس الزّاهد، وأبو القاسم بْن صَصْرَى، والحسن والحسين ابنا الزُّبَيْديّ، وأبو مُحَمَّد ابن الأستاذ.(12/343)
205 - مُحَمَّد ابن المحدث أَبِي مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عمر ابن السَّمَرْقَنْدِيّ، أَبُو منصور. [المتوفى: 565 هـ]
بغداديّ من بيت الحديث والرواية. روى عَنْ أَبِي القاسم بْن بيان. وعنه عبد العزيز ابن الأخضر، وأبو الفتوح ابن الحُصْريّ.(12/343)
206 - مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن أَحْمَد بْن هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن يحيى بْن زهير بْن أَبِي جرادة، أَبُو المكارم العُقَيْليّ، الحلبيّ المعروف بابن العديم. [المتوفى: 565 هـ]
من بيت العِلم والقضاء والحشْمة. كَانَ كاتبًا، شاعرًا، فاضلًا. سَمِعَ من قرابته علي بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي جرادة، ورحل فسمع من أَبِي الفضل الأُرْمَويّ، وجماعة. وبدمشق من أَبِي الفتح نصر اللَّه المصِّيصيّ.
قَالَ ابن النّجّار فِي " تاريخه ": حدَّثني أَبُو القاسم عُمَر بْن هبة الله، يعني ابن [ص:344] العديم، قال: سَمِعْتُ الكِنْديّ قَالَ: كَانَ أَبُو المكارم ابن العديم يسمع معنا، فورَدَ دمشق ودعاه ابن القَلانسيّ وكنت حاضرًا فجعل لا يسأله عَنْ شيء فيخبره عنه إلا قال: بسعادتك. إنْ قَالَ: ما فعل فلان؟ قَالَ: مات بسعادتك. أو قَالَ: ما فعلت الدار الفُلانيَّة؟ قَالَ: خربت بسعادتك. فلقّبناه: القاضي بسعادتك.
تُوُفّي أَبُو المكارم سنة خمسٍ أو ستٍّ وستّين.(12/343)
207 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن علي بْن السكن، أبو عبد لله بْن أَبِي سعد البغداديّ، ويُعرف بابن المِعْوَجّ. [المتوفى: 565 هـ]
من بيت حجابة وتميُّز، روى عَنْ نصر بن البطر. روى عنه أبو سعد ابن السَّمعانيّ، وذكره فِي كتابه
وُلِد سنة ثمانٍ وثمانين وأربعمائة، وحدّث عَنْهُ مُحَمَّد بْن المبارك بْن أيّوب، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، وعبد اللَّه بْن المظفّر بْن عَلِيّ الزَّيْنَبيّ، وأبو عَلِيّ أحمد بْن مُحَمَّد بْن المعزّ الحرّانيّ، وجماعة. وأجاز لجماعة. وكان صالحًا، كاتبًا، منشئًا، وتوفي فِي ربيع الأوّل، وله اثنتان وثمانون سنة.(12/344)
208 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه ابن المهتدي بالله، الخطيب أَبُو الحارث ابن الشَّيْخ أَبِي الغنائم الهاشميّ العبّاسيّ. [المتوفى: 565 هـ]
من بيت خطابة وعدالة، وكان خطيب جامع القَطِيعة. سَمِعَ أَبَاهُ، وأبا العزّ مُحَمَّد بْن المختار. سَمِعَ منه عُمَر بْن علي، وعبد السلام بْن يوسف التنوخي، ومحمد بن سعد الله ابن الدجاجي.
توفي فِي ربيع الآخر.(12/344)
209 - مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد بْن ظَفَر، الشَّيْخ حُجَّة الدّين الصَّقّليّ [المتوفى: 565 هـ]
نزيل حماه وبها تُوُفّي.
لَهُ مصنَّفات عديدة، وآداب وفضائل.
اختصر كتاب " الإحياء ". وألَّف كتاب " خير البِشر بخير البَشر ". وكان مولده بصَقَلية، ومنشؤه بمكَّة.
رَوَى عَنْهُ: [ص:345] أَبُو مُحَمَّد عَبْد العظيم بْن عَبْد الغفّار الْمَصْرِيّ، وغيره.(12/344)
210 - المبارك بْن علي بْن عَبْد الباقي، أَبُو عَبْد اللَّه البغداديّ، الخيّاط، سَمِعَ أَبَا ياسر مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز الخيّاط، وأبا الحسن ابن العلاف. [المتوفى: 565 هـ]
سمع منه أبو سعد السمعاني، وقال: هُوَ ابن أخت عَبْد الخالق بْن أحمد بْن يوسف وبإفادته سمعنا منه. وهو شيخ صالح، أمين، موثوق بِهِ، لقيته ببلْخ وسمعت منه وسألته عَنْ مولده فقال: سنة تسعٍ وثمانين وأربعمائة.
قلت: وقال ابن عساكر: سمع بإفادة خاله أَبَا سعد الأَسَديّ، والعلّاف، وأبا الغنائم النرسي، وحمد بْن إِسْمَاعِيل الهَمَذَانيّ. سمعنا منه بدمشق ثمّ سكن ديار بَكْر.
قلت: روى عَنْهُ ابن الأخضر، والقاسم ابن عساكر وأبو القاسم بْن صَصْرَى، وزين الأُمناء، وغيرهم. وتُوُفّي فِي شوّال.(12/345)
211 - محمود بْن عَبْد الكريم بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم، أَبُو القاسم الإصبهانيّ، التّاجر، المعروف بفُورَجَّة. [المتوفى: 565 هـ]
سَمِعَ أَبَا بَكْر مُحَمَّد بْن أحمد بْن ماجه الأَبْهَريّ، وسليمان بْن إِبْرَاهِيم الحافظ، والقاسم بْن الفضل الثّقفيّ، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الوهاب، وجدّه عَلِيّ بْن مُحَمَّد، وغيرهم.
وخُرِّجت لَهُ فوائد سُمِعت منه. وحدَّث بإصبهان، وبغداد وحُلْوان؛ روى عَنْهُ ابن السَّمعانيّ، ويوسف بْن أحمد الشيرازي، ويوسف العاقولي، وعلي بن نصر، وعبد السلام بن عبد الرحمن بن سكينة، وعبد العزيز بن الأخضر، وثابت بن مشرف، وعليّ بْن بُورَنْداز، وعبد القادر الرُّهَاويّ، ومحمد بْن ثابت الصّائغ، ومحمد بْن سَعِيد التّاجر، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن غانم الحافظ، ومحمد بْن محمود الرُّوَيْدَشْتيّ، ومحمود بْن مُحَمَّد اللّبّاد، ومعاوية بْن محمود الخبّاز الإصبهانيّون.
وتُوُفّي بإصبهان فِي صَفَر، وبه خُتِم حديث لوين. [ص:346]
وروى عَنْهُ بالإجازة ابن اللّتّيّ، وكريمة وصفية بنتا عبد الوهاب، وعلم الدين علي ابن الصابوني، وآخرون.(12/345)
212 - مودود بن أتابك زنكي أقْسُنْقُر، الملك قُطْب الدّين صاحب المَوْصِل المعروف بالأعرج، [المتوفى: 565 هـ]
أخو السّلطان نور الدّين
تملّك المَوْصِل بعد أخيه الأكبر سيف الدّين غازي.
قَالَ ابن خَلِّكَان: وكان قُطْب الدّين حَسَن السّيرة، عادلًا في حكمه، وفي أيّامه عظُم الوزير مُحَمَّد الإصبهانيّ المعروف بالجواد، وهو الَّذِي قبض عَلَيْهِ. وكان مدبّر دولته الأمير زين الدّين عَلِيّ والد الملك مظفَّر الدّين صاحب إِربِل. تُوُفّي فِي شوّال بالمَوْصِل، وله نيِّفٌ وأربعون سنة، وخلّف عدَّة أولاد، منهم السّلطان عزّ الدّين مَسْعُود، والسّلطان سيف الدّين غازي صاحب المَوْصِل بعد أَبِيهِ.
قَالَ ابن الأثير: كَانَ ملكه إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصفا. وكان فخر الدّين عَبْد المسيح الخَصِيّ هُوَ المدبر للأمور والحاكم فِي الدّولة.
قَالَ: وكان قُطْب الدّين من أحسن الملوك سيرةً، وأعفِّهم عن أموال رعيته، محسنًا إليه، كثير الإنْعام عليهم، محبوبًا إلى كبيرهم وصغيرهم، كريم الأخلاق، حَسَن الصُّحْبة لهم، جَمَّ المناقب، وقليل المعايب.(12/346)
213 - يحيى بْن الْحَسَن بْن سلامة بْن مساعد، أَبُو الرضا المَنْبِجِيّ، الحنفيّ [المتوفى: 565 هـ]
أخو أحمد وعليّ.
سمع أبا القاسم بن بيان، وشجاعا الذهلي، وأبا العز محمد بن المختار، وولي قضاء المحوَّل. روى عَنْهُ ابن الأخضر، وغيره. وتُوُفّي فِي ذي الحجَّة.(12/346)
214 - يوسف بْن مكّيّ بْن علي، أَبُو الحَجّاج الحارثيّ، الشّافعيّ، الدّمشقيّ، [المتوفى: 565 هـ]
إمام جامع دمشق. [ص:347]
قَالَ الحافظ ابن عساكر: كَانَ أَبُوهُ حائكًا، فنشأ يوسف وقرأ بروايات، وتفقّه عند أَبِي الْحَسَن بْن المسلم. ورحل فسمع من أَبِي طالب نور الهدى، وأبي علي ابن المهدي، وأبي سعد ابن الطُّيُوريّ. وكان يسمع مَعَ أخي، ثمّ حجّ وعاد مَعَ حُجّاج الشّام ولزِم الفقيه نصر الله، وأعاد له، وقد أوصى له بتدريس الزّاوية، فلم تصحّ لَهُ. وحدَّث، وكان ثقة ونصب لإمامة الجامع، وكتب كثيرًا. وتوفي في صفر.(12/346)
-سنة ست وستين وخمسمائة(12/348)
215 - أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن محمد بْن مالك، أَبُو بَكْر بْن أَبِي إِسْحَاق العاقوليّ، الأَزَجيّ، الوزّان. [المتوفى: 566 هـ]
سَمِعَ الْحُسَيْن بْن علي ابن البسري، وعنه أبو سعد ابن السَّمعانيّ، وأحمد بْن أحمد البَنْدَنيجيّ.
تُوُفّي فِي ربيع الآخر.(12/348)
216 - أحمد بْن بَنَيْمان بْن عُمَر بن نصر، أبو العباس الهمذاني، ثمّ البغداديّ، [المتوفى: 566 هـ]
أخو عُمَر.
سَمِعَ من أَبِي الفضل مُحَمَّد بْن عَبْد السّلام، وثابت بْن بندار، والحسين ابن البسري، والمبارك ابن الطُّيُوريّ.
قَالَ ابن الدَّبِيثيّ: وكان ثقة، صحيح السماع. سمع منه محمد بن مشق، وجماعة. وحدثنا عَنْهُ ابن الأخضر. وتُوُفّي فِي ذي القعدة.
قلت: وروى عنه عبد الله ابن اللّتّيّ، والشّيخ الموفَّق.(12/348)
217 - أحمد بْن مُحَمَّد بْن سعيد بن إبراهيم، الوزير أبو جعفر ابن البلديّ، [المتوفى: 566 هـ]
وزير المستنجد بالله
فلمّا تُوُفّي المستنجد وبويع المستضيء فِي هذه السّنة كَانَ المتولّي لعقد بيعته أبو الفَرَج مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه ابن رئيس الرؤساء. ثمّ إنّه استوزر أَبَا الفَرجَ، فانتقم من ابن البلديّ وقتله. وكان فِي وزارته قد قطع أنف امْرَأَة وَيَدَ رَجُلٍ لجنايةٍ جَرَت، فسُلِّم إلى أولئك، فقطعوا أنفه ثمّ يده، ثمّ ضرِبَ المسكين بالسيوف، وألقي في دجلة في ربيع الآخر. وكانت وزارته ستَّة أعوام.
قَالَ ابن الأثير: أتى ابن البلديّ مَن يَستدعيه للجلوس لعزاء المستنجد ولأخذ البَيْعة، فلمّا دخل دار الخلافة صُرِف إلى موضع وَقُتِلَ، وقُطّع قِطَعًا، وأُلقي فِي دجلة، وأُخذ ما فِي داره، فوجد فيها خطوط الخليفة المستنجد يأمره [ص:349] بالقبض عَلَى ابن رئيس الرؤساء وقُطْب الدّين قايماز، وخطّ الوزير بالمراجعة فِي ذَلِكَ، وصرْفه عَنْ هذا الرأي. فندما حيث فرَّطا فِي قتله، وعلما براءته.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ ابن البلديّ شَهْمًا مِقْدامًا، شديد الوطأة، عظيم الهَيبة، وله شِعْر يسير.(12/348)
218 - أحمد بْن أَبِي القاسم عَبْد اللَّه بْن أحمد بْن عَبْد القادر بْن يوسف، اليُوسُفيّ أَبُو جعفر. [المتوفى: 566 هـ]
عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن جحشوَيْه، عَنِ القزْوينيّ. وعنه مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه السّقْلاطُونيّ.(12/349)
219 - الحسن بن عليّ بن محمد بن عليّ، الكامل أبو محمد ابن السّواديّ، الواسطيّ الحاسب. [المتوفى: 566 هـ]
من بيت كتابة وتقدُّم، كَانَ بارِعًا فِي الحساب والمساحة وفي الفرائض. سمع أبا نعيم الجماري، ومحمد بْن علي بْن أَبِي الصَّقْر، وأبا الخير العسال، وخميسًا الحوزي. وحدث ببغداد مُحَمَّد بْن مُحَمَّد فِي سنة سبْعٍ وعشرين وخمسمائة.
قَالَ ابن الدَّبِيثيّ: ثنا عَنْهُ أَبُو الفتح المَنْدَائيّ، ومحمد بْن يحيى القاضي، وأبو طَالِب بْن عَبْد السّميع. تُوُفّي بواسط في رمضان، وله سبع وثمانون سنة.(12/349)
220 - سفيان بن أحمد بن عبد الله، أبو محمد ابن الإمام المغربي، [المتوفى: 566 هـ]
نزيل مُرْسِيَة.
روى عَنْ أَبِي مُحَمَّد بْن برطلة، وأبي عَبْد اللَّه بْن سعادة، وجماعة.
قَالَ الأَبّار: كَانَ محدِّثًا، ورِعًا، ديِّنًا، خيارًا، واقفًا عَلَى متون المصنَّفات، ظاهريّ المذهب. توجَّه إلى مكَّة سنة ستٍّ، فكان آخر العهد به. وولد سنة خمس وتسعين.(12/349)
221 - سليمان بن فيروز، أبو داود العيشوني، الخيّاط الزّاهد. [المتوفى: 566 هـ]
سَمِعَ مُحَمَّد بْن عَبْد السّلام الأنصاري، وأبا الحسن ابن العلاف، وجماعة. وأجاز لَهُ أَبُو المحاسن الرُّويانيّ. وعنه ابن الأخضر، وأحمد بْن أحمد البَنْدَنِيجَيّ.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ صالحًا، ورِعًا، زاهدًا، يأكل من كسْب يده، ولا يخرج من مسجده.(12/350)
222 - طارق بْن مُوسَى بْن طارق، أَبُو جعفر المعافري، البلنسي، المقرئ. [المتوفى: 566 هـ]
أخذ القراءات عن ابن هذيل بعد العشرين وخمسمائة، ورحل إلى شُرَيْح فأخذ عَنْهُ. وروى عَنْ أبي عبد الله ابن المرابط. وكان بارِعًا فِي القراءات. أخذ عَنْهُ أبو علي بن زلال، وغيره.
قتل في جمادى الأولى سحرا.(12/350)
223 - طاهر ابن الحافظ محمد بن طاهر بن علي، أبو زرعة المقدسي، ثم الهمذاني. [المتوفى: 566 هـ]
مولده بالري في سنة إحدى وثمانين وأربعمائة في الرابع والعشرين من رمضان، بخط أبيه، وسمع بها من مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن المُقَوِّميّ، وغيره، وبالدّون من عَبْد الرَّحْمَن بْن حمْد، وبهَمَذَان من عَبْدُوس بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْدُوس، وبساوَة من مُحَمَّد بْن أحمد الكامخيّ، وبالكرج من مكّيّ بْن منصور السّلّار، وببغداد من أَبِي القاسم بْن بَيَان.
وحجّ غير مرَّة، وحدَّث بالكثير من مسموعاته، روى "سُنَن النَّسَائيّ" و "سنن ابن ماجة "، وسكن بِهِ أَبُوهُ هَمَذَان فاستوطنها.
روى عَنْهُ أحمد بْن صالح الْجِيليّ، وأحمد بن طارق، وأبو الفرج ابن الْجَوْزيّ، وابن السَّمعانيّ، وعبد الغنيّ، وابن قُدَامَة، وابن الأخضر، وابن الزُّبَيْديّ، وعبد اللطيف بْن يوسف، وأحمد بْن يحيى البرّاج، وعبد العزيز بن [ص:351] باقا، والمهذب بن قنيدة، وأبو القاسم علي ابن الْجَوْزيّ، وأبو حفص عُمَر بْن مُحَمَّد السُّهْرَوَرْدِيّ، والأنجب بْن أَبِي السّعادات، وأبو بَكْر بْن بهروز الطّبيب، وأبو تمّام عَلِيّ بْن أَبِي الفخار، وأبو طالب ابن القُبَّيْطيّ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن الخازن، وآخرون.
قَالَ عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ: بدأت بقراءة "سُنَن ابن ماجة" عَلَى أَبِي زرعة، قدِم علينا حاجًّا فِي العشرين من شوّال، وقال لنا: الكتاب سماعي من أَبِي منصور المُقَوِّميّ. وكان سماعي فِي نسخه عندي بخطّ أَبِي، وفيها سماع إِسْمَاعِيل الكرْمانيّ، فطلبها مني، فدفعتها إليه من أكثر من ثلاثين سنة. قَالَ الْقُرَشِيّ: وتحقّقنا أنّ لَهُ إجازة من المقوّمي، فقُرئَ عَلَيْهِ إجازةً، إن لم يكن سماعًا.
قلت: وقد سَمِعَ من المُقَوِّميّ فِي شعبان سنة أربعٍ وثمانين " فضائل القرآن " لأبي عُبَيْد، وعُمره ثلاث سنين.
وقال الدَّبِيثيّ: تُوُفّي فِي ربيع الآخر بهَمَذَان، وما كَانَ يعرف شيئًا.
قلت: سمعنا من طريقه الكتب المسماة، و " مسند الشّافعيّ " واشتهر اسمه. وقد سمّاه ابن السَّمعانيّ فِي " الذّيل ": دَاوُد، فَوَهِم. وقيل: اسمه الفضل.
قال: وولد سنة ثمانين رحمه اللَّه.
قَالَ ابن النّجّار: أَبُو زُرْعة طاهر؛ طوَّف بِهِ والده، وسمَّعه ببغداد من أَبِي الْحَسَن العلّاف، وابن بيان. وكان تاجرًا لا يفهم شيئًا من العلم. وكان شيخًا صالحًا، حمل جميع كُتُب والده، وكانت كلها بخطه، إلى الحافظ أبي العلاء، ووقفها وسلّمها إِلَيْهِ، فسمعت من يذكر أنّها كانت فِي ثلاثين غِرارةٍ، رَأَيْتُ [ص:352] أكثرها فِي خزانة أَبِي العلاء. وقيل: حجّ عشرين حجة.(12/350)
224 - عَبْد اللَّه بْن أحمد بْن سَعِيد، أَبُو محمد بن موجوال العَبْدَرَيّ، البَلَنْسِيّ. [المتوفى: 566 هـ]
روى عَنْ أَبِي علي بْن سُكّرة، وأبي مُحَمَّد البَطَلْيُوسِيّ ولازَمه، وأبي الْحَسَن بْن واجب، وجماعة.
قَالَ الأَبّار: وكان حافظًا للفقه بصيرًا بِهِ مقدّمًا، مَعَ الصلاح والزهد، وجمع كتابًا حافلًا فِي شرح مُسْلِم، ولم يُتِمّه، وشرح "رسالة ابن أَبِي زيد ". وكان أبو بكر ابن الجدّ يغضّ منه. أخذ عَنْهُ يحيى بْن أحمد الْجُذَاميّ، وأحمد بْن أَبِي هارون، وأبو بكر بن خير. وحدثنا عنه أبو الخطاب ابن واجب، وأبو عبد الله الأندرشي، أجاز لهما فِي هذه السّنة وانقطع خبره.(12/352)
225 - عَبْد اللَّه بْن خَلَف الكَفَرْطَابيّ، النَّحْويّ. [المتوفى: 566 هـ]
درس النّحْو بحماه مدَّةً، وصنَّف فِيهِ. وكان يُلقَّب بسَطِيح، ورّخه ابن عساكر.(12/352)
226 - عَبْد الْجَبّار بْن مُحَمَّد بْن علي، أَبُو طَالِب المعَافَرِيّ، المغربيّ، اللُّغَويّ. [المتوفى: 566 هـ]
قدم البلاد، وأقرأ العربيَّة. بمصر، وببغداد، وانتفع بِهِ خلق. وتُوُفّي وهو راجع إلى بلاده. وهو شيخ عَبْد اللَّه بْن برّيّ النَّحْويّ.(12/352)
227 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أحمد بْن إِبْرَاهِيم بن محمد بْن خَلَف بْن أَبِي ليلى أَبُو بَكْر الْأَنْصَارِيّ، الغَرْناطيّ ثمّ المُرْسِيّ. [المتوفى: 566 هـ]
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار: هُوَ من وُلِد عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي ليلى قارئ الكوفة. سَمِعَ أَبَاهُ أَبَا القاسم الْمُتَوَفَّى سنة أربع عشرة، وأبا علي الصَّدَفيّ. ولازمه كثيرًا، وهو أثبت النّاس فِيهِ، كَانَ قارئه للنّاس. وسمع أَبَا مُحَمَّد بْن جعفر الفقيه، وأبا مُحَمَّد بْن عتّاب. وحج فسمع أبا المظفر الشيباني، وأبا علي [ص:353] ابن العرجاء. وكان عدْلًا خيِّرًا، موصوفًا بالإتقان، متقلِّلًا، منقبضًا عَنِ النّاس، بِضَاعتُه حمل الآثار مَعَ مشاركته فِي الأدب وغيره. وقد كتب للأمير أَبِي إسحاق ابن تاشفين، وامتُحِن معه لما نُكِب، وأُخذت كُتُبُه. وقد أراده أبو العباس ابن الخلّال عَلَى القضاء فامتنع، ولزِم باديته بخارج مُرْسية إلى أن رغب إِلَيْهِ بأَخَرَة، فقعد للإسماع، وتنافسوا فِي الرواية عَنْهُ. وروى عَنْهُ جلة من شيوخنا. وتوفي بالذّبْحة، وله ستٌّ وسبعون سنة.(12/352)
228 - عَبْد الرحيم بْن أَبِي الوفاء علي بْن أَبِي طَالِب حمد بْن عيسى بْن عَبْد الوهّاب بْن المَرْزُبان، أَبُو مَسْعُود الإصبهانيّ، الحاجّيّ، الحافظ، المعدّل، [المتوفى: 566 هـ]
سبط غانم البُرجيّ.
سَمِعَ من جَدّه غانم، وأبي علي الحدّاد، وجماعة. ورحل إلى نَيْسابور فسمع من أبي بكر عبد الغفار الشيرويي، وإلى بغداد فسمع من أبي القاسم ابن الحُصَيْن، وأبي العزّ بْن كادش، وطائفة.
قَالَ ابن السَّمعانيّ فِي ترجمته: شابٌّ كيِّس، متودِّد، حسن السيرة، له أنسة بالحديث، وهو أحد الشُّهُود المعدَّلين.
قلت: وسمع منه أبو القاسم ابن عساكر " المعجم الكبير " للطّبرانيّ، وله جزء " وَفَيَات " شيوخه ومَن بعدهم من الإصبهانيّين، سمعناه بإجازة كريمة منه. وأجاز أيضًا لابن اللّتّيّ. وحدَّث عَنْهُ أيضًا الحافظ عَبْد القادر الرُّهَاويّ، وغيره. وتُوُفّي فِي الثّاني والعشرين من شوّال عَنْ بضع وسبعين سنة.(12/353)
229 - عمر بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن، أَبُو البقاء الْمَصْرِيّ المالكيّ الفقيه. [المتوفى: 566 هـ]
تُوُفّي بمصر فِي ربيع الأوّل.
قَالَ أَبُو الْحَسَن بْن المفضّل: وأجاز لنا.(12/354)
230 - ليث بْن شجاع بْن مَسْعُود، أَبُو الفُتُوح الوسطانيّ. [المتوفى: 566 هـ]
تُوُفّي فِي رمضان ببغداد. وهو والد أَبِي هريرة محمد.(12/354)
231 - مُحَمَّد بن أَحْمَد بن الحَسَن بْن جَابِر، أَبُو بَكْر بْن أَبِي نصر الدِّينَوَريّ، الصُّوفيّ، المقرئ، ثمّ البغداديّ. [المتوفى: 566 هـ]
قدم جدُّه من الدِّينَوَر، فسكن بغداد. وأبو بَكْر هذا هُوَ والد أَبِي نصر عُمَر بْن مُحَمَّد المقرئ. ولد سنة ثلاث وخمسمائة، وسمع من ابن الحُصَيْن، وهبة اللَّه بْن الطّبر. وقرأ القراءاتِ عَلَى أَبِي مُحَمَّد سِبْط الخياط. وكان صالحًا، ورِعًا، عالمًا. صحِب أَبَا النّجيب السُّهْرَوَرْدِيّ مدَّةً. روى عَنْهُ ابنه عُمَر.
وتُوُفّي بدمشق.(12/354)
232 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي العيش، أَبُو عَبْد اللَّه اللَّخْميّ، الطّرطُوشيّ، المعروف بابن الأصيليّ. [المتوفى: 566 هـ]
رحل فِي طلب العلم، وأخذ القراءات عَنْ منصور بْن الخير. وسمع من أَبِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي الخصال، وأبي القاسم بْن ورد، وجماعة. وجلس للنّاس للإقراء، ونفعهم؛ سُمِع منه " الموطأ " فِي سنة تسعٍ وخمسين أَبُو الْحُسَيْن بْن جُبَيْر الكِنانيّ. وكتب عَنْهُ ابن عيّاد، وغيره.
ولد سنة ست وتسعين وأربعمائة، وتوفي في العام، وقيل بعده.(12/354)
233 - مُحَمَّد بْن خُمارتِكِين، أَبُو عَبْد اللَّه التِّبْريزيّ. [المتوفى: 566 هـ]
تفقه على مذهب الشافعي، وقرأ الأدب على مولاه، وسمع منه ومن أبي الخطاب الكلواذاني، وأبي الخير المبارك الغسال، سَمِعَ منه عُمَر بْن عَلي [ص:355] القرشي، وأحمد بن يحيى بن هبة الله، وأحمد بن أحمد البندنيجي. وروى عنه الموفق عبد اللطيف الطبيب.
قال ابن الدبيثي: توفي سنة ست أو سبع وستين.(12/354)
234 - مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عَبْد العزيز بْن مازة، أَبُو جعفر الْبُخَارِيّ، الفقيه الحنفيّ، شيخ بُخَارى ورئيسها وابن شيخها. لَقَبُه: شمس الدّين. [المتوفى: 566 هـ]
روى عَنْ أَبِيهِ. وعنه أَبُو البركات مُحَمَّد بْن علي الْأَنْصَارِيّ قاضي أسْيُوط فِي " مشيخته "؛ سَمِعَ منه ببغداد لمّا قدِمَها.
عاش خمسًا وخمسين سنة.(12/355)
235 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن سعد بن محمد، أبو الفضل بن عسكر الأنباريّ، الكاتب. [المتوفى: 566 هـ]
روى " جزء ابن عَرَفَة " عَنِ ابن بيان. وعنه أبو الفتوح نصر ابن الحصري. ومن شعره، وكتب بِهِ إلى المستنجد:
خدمتُكَ فارسًا حَدَثًا غنيًا ... أؤمل سيب كفّيك الغزيرا
أَيَجْمُلُ أنْ أفارقَ بعد حِينٍ ... جنابك راجلًا شيخًا فقيرا؟
توفي غريبًا بقُونية فِي ربيع الْأول.(12/355)
236 - مُحَمَّد بْن يوسف بْن سعادة، أَبُو عَبْد اللَّه المُرْسِيّ، [المتوفى: 566 هـ]
مولى سَعِيد بْن نصر.
نزيل شاطبة.
أكثر عن أبي علي بن سُكَّرَة، وصارت إِلَيْهِ عامَّة أُصُوله وكُتُبه لصهرٍ بينهما. وتفقه عَلَى أَبِي مُحَمَّد بْن جعفر. ورحل، فسمع أَبَا مُحَمَّد بْن عتّاب، وأبا بحر بْن العاص. وحجّ فلقي بالإسكندريَّة أبا الحجّاج المَيُورَقيّ فصحِبَه وأخذ عَنْهُ. وسمع بمكَّة من رزين بن معاوية، وأبي محمد بن غزال صاحب كريمة. ولقي بالمهديَّة أَبَا عَبْد اللَّه المازري، فسمع منه كتاب " المعلم ". [ص:356]
قَالَ ابن الأَبّار: كَانَ عارفًا بالآثار، مشاركًا فِي التّفسير، حافظًا للفروع، بصيرًا باللّغة، مائلًا إلى التصوف. ذا حظ من عِلم الكلام، أديبًا، فصيحًا مُفَوَّهًا، خطيبًا، مَعَ الوقار، والحِلْم، والسَّمْت، والتّلاوة، والخشوع، والصّيام. ولي خطَّة الشُّورَى بمُرْسِيَة والخطابة، ثمّ ولي قضاء شاطِبة فاستوطنها. وحدَّث وأقرأ. سَمِعَ منه أَبُو الْحَسَن بْن هُذَيْل - مَعَ تقدُّمهِ - " جامع التِّرْمِذِيّ "، وصنَّف كتاب " شجرة الوهْم المترقّية إلى ذِرْوة الفهم " لم يسبق إلى مثله. حدثنا عَنْهُ أكابر شيوخنا، وكان موته بشاطِبة مصروفًا عَنِ القضاء، ودُفن فِي أوّل يوم من سنة ستٍّ، وله سبعون سنة.(12/355)
237 - محمود بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر، أَبُو البدائع المسعوديّ، الخَطِيبيّ، المَرْوَزِيّ الكُشْمِيهَنيّ. [المتوفى: 566 هـ]
روى هُوَ وأبوه عَنْ أَبِي منصور محمد بن علي الكراعي. روى عنه أبو القاسم بْن صَصْرَى، وزين الأُمَناء.
تُوُفّي ببغداد كهلًا.(12/356)
238 - يحيى بْن ثابت بْن بُنْدار بْن إِبْرَاهِيم، أَبُو القاسم الوكيل ابن المقرئ أَبِي المعالي الدِّينَوَريّ، ثمّ البغداديّ، البقّال. [المتوفى: 566 هـ]
سَمِعَ أَبَاهُ، وطِراد بن محمد الزينبي، وأبا الحسن ابن العلّاف، وأبا عَبْد اللَّه النِّعَاليّ، وجماعة.
وروى الكثير، سَمِعَ منه ابن السَّمعانيّ، وعمر بْن علي القرشي. وروى عنه بالإجازة: الحافظ ابن عساكر، وصاحبه الرشيد أحمد بْن مَسْلَمَة. وبالسّماع: أَبُو الفَرَج ابن الْجَوْزيّ، وابن الأخضر، وعبد الغنيّ، وابن قُدَامة المَقْدِسِيّان، وابن اللّتّيّ، والموفَّق عَبْد اللّطيف، والفخر الإِرْبِليّ، وشهاب الدّين السُّهْرَوَرْدِيّ، وعبد اللَّه بْن باقا، ومحمد بْن عماد الحَرّانيّ، وأبو الكرم مُحَمَّد بْن دُلَف بْن كرم، وعبد الوهَّاب بْن محمود الجوهريّ، وعليّ بْن مبارك بْن فائق، وعبد اللّطيف بْن مُحَمَّد القُبَّيْطيّ، وخلْق سواهم. [ص:357]
تُوُفّي فِي خامس ربيع الأوّل، وقد جاوز الثّمانين.
روى " صحيح الإسماعيليّ "، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ البَرْقانيّ، عَنْهُ.(12/356)
239 - يوسف المستنجد بالله، أمير المؤمنين أبو المظفر ابن المقتفي لأمر الله محمد ابن المستظهر بالله أحمد ابن المقتدي بالله أَبِي القاسم عَبْد اللَّه الهاشميّ العبّاسيّ. [المتوفى: 566 هـ]
خطب لَهُ والده بولاية العهد فِي سنة سبْعٍ وأربعين، فلمّا احتضر أَبُوه كَانَ عنده حظيّته أمّ علي، فأرسلت إلى الأمراء بأن يقوموا معها ليكون الأمر لابنها علي، وبذلت لهم الإقطاعات والأموال، فقالوا: كيف الحيلة مَعَ وجود وليّ العهد يوسف؟ فقالت: أَنَا أقبض عليه، فأجابوها، وعينوا لوزارتة أبا المعالي ابن إلْكِيا الهرّاسيّ، وهيَّأت هِيَ عدَّة من الجواري بسكاكين، وأمرتهنّ بالوثوب عَلَى وليّ العهد المستنجد، وكان لَهُ خُوَيْدِم، فرأى الجواري بأيديهنّ السّكاكين، وبيد علي وأُمّه سيفين، فعاد مذعورًا إلى المستنجد وأخبره، وبعثت هِيَ إِلَيْهِ تَقُولُ: احضر، فأبوك يموت. فطلب أستاذ داره، وأخذه معه في جماعة من الفرّاشين، ولبس الدّرْع، وشَهَر سيفًا، فلمّا دخل ضرب واحدةً من تلك الجواري جرحها، فتهاربْنَ، وأخذ أخاه عليًّا وأُمّه فحبسها، وغرق بعضَ الجواري، وقتل بعضهنّ؛ واستُخْلِف يوم موت أَبِيهِ فِي ربيع الأوّل سنة خمسٍ وخمسين.
ووُلِد سنة ثمان عشرة، وأمّه طاوس كُرْجيَّة، أدركت خلافته.
قال ابن الدبيثي: كان يقول الشعر. قال: وكان نقش خاتمه: من أحب نفسه عمل لها.
قَالَ ابن النّجّار: حكى ابن صفيَّة أنّ المقتفي كَانَ قد نزل يومًا فِي المخيم بنهر عيسى، والدّنيا صَيْف، فدخل إِلَيْهِ المستنجد، وقد أثّر الحَرّ والعَطَش فِيهِ، فقال: أيْشٍ بك؟ قَالَ: أَنَا عطشان، قَالَ: ولِمَ تركت نفسك؟ قَالَ: يا مولانا، فإنّ الماء فِي الموكبيّات قد حمي. فقال: أيْش فِي فمِك؟ قَالَ: خاتم يَزْدَن عَلَيْهِ مكتوب اثني عشر إماما، وهو يسكِّن من العطش فضحك وقال: والك يريد [ص:358] يُصَيِّرُكَ يَزْدَن رافضيًّا، سيّد هَؤُلَاءِ الأئمَّة الْحُسَيْن، ومات عطشان.
وقال ابن الْجَوْزيّ فِي " المرآة ": ومن شِعر المستنجد:
عيَّرتني بالشَّيْب وهو وقار ... ليتها عيَّرت بما هو عار
إن تكن شابت الذّوائب منّي ... فاللّيالي تزينها الأقمارُ
وله فِي بخيل:
وباخل أشعل فِي بيته ... تكرُمةً منه لنا شمعه
فما جَرَت من عينها دمعةٌ ... حتّى جَرَت من عينه دمعَهْ
وقال ابن الجوزيّ: أوّل من بايعه عمّه أَبُو طالب، ثم أخوه أبو جعفر وكان أسن من المستنجد، ثمّ الوزير عَوْن الدّين، ثمّ قاضي القضاة. وحدثني الوزير أَبُو المظفّر يحيى بن محمد بن هبيرة، قال: حدَّثني أمير المؤمنين المستنجد بالله، قَالَ: رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلّمَ في المنام منذ خمس عشرة سنة فقال لي: يبقي أبوك فِي الخلافة خمس عشرة سنة. فكان كما قَالَ. ورأيته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل موت أَبِي بأربعة أشهر، فدخل بي من باب كبير، ثمّ ارتفعنا إلى رأس جبل، وصلّى بي ركعتين وألبسني قميصًا، ثمّ قَالَ لي: قُل اللَّهُمّ اهدني فيمن هديت. وذكر دُعاء القُنُوت. وحدّثني الوزير ابن هُبَيْرة قَالَ: كَانَ المستنجد قد بعث إليَّ مكتوبًا مَعَ خادم فِي حياة أَبِيهِ، وكأنّه أراد أن يسره عن أبيه، فأخذته وقبلته، وقلت للخادم: قُلْ لَهُ: واللهِ ما يُمكنني أن أقرأه، ولا أن أجيب عَنْهُ. قَالَ: فأخذ ذَلِكَ فِي نفسه عليَّ. فلمّا ولي دخلت عَلَيْهِ فقلت: يا أمير المؤمنين، أكبر دليل فِي نُصحي أنّي ما حابيتك نُصْحًا لأمير المؤمنين. فقال: صَدَقْت، أنت الوزير. فقلت: إلى متى؟ فقال: إلى الموت. فقلت: أحتاج والله، إلى اليد الشّريفة. فأحلفته عَلَى ما ضمن لي.
قَالَ ابن الْجَوْزيّ: وحكي أنّ الوزير بعد ذَلِكَ خدم بحمْل الكثير من خيل، وسلاح، وغِلْمان، وطِيب، ودنانير، فبعث أربعة عشر فَرَسًا عرابًا، فيها فَرَس يزيد ثمنه على أربعمائة دينار، وست بغلات، وعشرة غلمان ترك، وعشرة [ص:359] زرديات وخَوْذة، وعشرة تخوت من الثّياب، وسفْط فِيهِ عُود وكافور وعنبر، وسفْط فِيهِ دنانير، فقبِل منه وطاب قلبه. وأقرَّ المستنجد أصحاب الولايات، وأزال المكوس والضرائب.
توفي فِي ثامن ربيع الآخر. وكان موصوفًا بالعدل والرفْق. أطلق من المكوس شيئًا كثيرًا، بحيث لم يترك بالعراق مكْسًا فيما نقل صاحب " الروضَتَين " وقال: كَانَ شديدًا عَلَى المفسِدين والعوانية. سجن رجلًا كَانَ يسعى بالنّاس مدَّةً، فحضر رَجُل وبذل فِيهِ عشرة آلاف دينار، فقال: أنا أعطيك عشرة آلاف دينار، ودُلَّني عَلَى آخر مثله لأحبسه وأكفّ شرّه.
ومن أخبار المستنجد، قَالَ ابن الأثير: كَانَ أسمر، تامّ القامة، طويل اللّحية. اشتد مرضه، وكان قد خافه أستاذ الدّار عضُد الدّين أَبُو الفَرَج ابن رئيس الرؤساء، وقُطْب الدّين قايماز المقتفوِيّ أكبر الأمراء، فلمّا اشتدَّ مرض الخليفة اتّفقا وواضعا الطّبيبَ عَلَى أن يصف لَهُ ما يُؤْذيه، فوصف لَهُ الحمّام، فامتنع لضَعْفه، ثمّ أدخلها، فأعلق عَلَيْهِ باب الحمّام، فمات. هكذا سَمِعْتُ غيرَ واحدٍ ممّن يعلم الحال.
قَالَ: وقيل إنّ الخليفة كتب إلى وزيره مَعَ طبيبة ابن صفيَّة يأمره بالقبض عَلَى قايماز وابن رئيس الرؤساء وصلبهما. فاجتمع ابن صفيَّة بابن رئيس الرؤساء، وأعطاه خطّ الخليفة، فاجتمع بقايماز ويَزْدَن، وأراهما الخطّ، فاتّفقوا عَلَى قتل الخليفة، فدخل إليه يزدن، وقايماز العميدي، فحملاه، وهو يستغيث، إلى الحمّام وأغلقاه عَلَيْهِ فتَلِف.
قَالَ: ولمّا مرض المستنجد أُرْجِف بموته، فركب الوزير بالأمراء والسّلاح، فأرسل إِلَيْهِ عضُد الدّين يَقُولُ: إنّ أمير المؤمنين قد خفّ، وأقبلت العافية. فعاد الوزير إلى داره. وعمد عضُد الدّين ابن رئيس الرؤساء وقايماز، فبايعا المستضيء بالله أبا محمد الحسن ابن المستنجد.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ المستنجد موصوفًا بالفَهْم الثّاقب، والرأي [ص:360] الصّائب، والذّكاء الغالب، والفضل الباهر، لَهُ نثرٌ بليغ، ونظْمٌ بديع، ومعرفة بعمل آلات الفَلَك والأسطرلاب، وغير ذلك.(12/357)
240 - ابن الخلّال الكاتب، ويُعرف بالقاضي، صاحب ديوان الإنشاء بالدّيار المصريَّة، واسمه أبو الحَجّاج يوسف بْن مُحَمَّد بْن حسين، الأديب موفَّق الدّين. [المتوفى: 566 هـ]
وكان قد شاخ وكبر، فلمّا مات أقام صلاح الدّين مكانه القاضي الفاضل. مات فِي جُمَادَى الآخرة.
قَالَ العماد: هُوَ ناظر مصر، وإنسان ناظره، وجامع مفاخره. وكان إِلَيْهِ الإنشاء. عطل في آخر أيامه، وعُمّر وأضرَّ. ثمّ قَالَ: أنشدني مُرْهَف بْن أسامة، قال أنشدني الموفق ابن الخلال لنفسه:
عذبت ليال بالعذيب حوالي ... وخلت مواقف بالوصال خوالي
وَمَضْت لذاذات تَقَضَّى ذِكْرُها ... تُصْبي الخَلِيّ وتستهيم السالي
وجلت مُوَرَّدة الخدود فأَوثقتْ ... فِي الصَّبْوَة الخالي بحُسْن الخالِ
وله:
أمّا اللّسان فقد أخفى وقد كَتَما ... لو أمكن الجفْن كفّ الدَّمْعَ حين همى
أصبتُم بسهام اللّحْظ مُهْجَتَهُ ... فهل يُلامُ إذا أجرى الدُّموع دما
قد صار بالسّقم من تعذيبكم عَلَمًا ... ولم يَبُحْ بالّذي من جَوْركم علما
فما على صامت أبدى لصدكم ... في كل جارحة منه السقام فما
وله:
وله طرف لواحظه ... نصرت شوقي على جلدي
قذفت عيني سوالفه ... فتوارت منه بالزرد(12/360)
-سنة سبع وستين وخمسمائة(12/361)
241 - أحمد بن محمد بن أحمد ابن الرَّحبيّ، أَبُو عَلِيّ الحَرِيميّ، العطّار، البوّاب. [المتوفى: 567 هـ]
سَمِعَ أبا عبد الله النعالي، وأبو الحسن ابن الخلّ، وأبا سعد بْن خُشَيْش. روى عَنْهُ ابن الأخضر، والحافظ عَبْد الغنيّ، والشّيخ الموفّق، وأبو القاسم بن محمد بن المقير، وسعيد بْن عَلِيّ بْن بكري، وأحمد بْن يعقوب المارستاني، وعبد اللطيف ابن القبيطي، وواثلة بن كراز الملاح.
وتوفي في صفر، وله خمس وثمانون سنة.(12/361)
242 - أحمد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد، أَبُو عَبْد الله الأصبهاني، يعرف بقلا المعدّل. [المتوفى: 567 هـ]
سَمِعَ غانمًا البُرْجيّ، وأبا منصور بْن مَنْدوَيْه، وأبا عَلِيّ الحدّاد. وحدَّث ببغداد، وكان حيًا في هذا العام.(12/361)
243 - جعفر بْن أحمد بْن خَلَف بْن حُمَيْد بْن مأمون، أَبُو أحمد البَلَنْسِيّ. [المتوفى: 567 هـ]
روى عَنْ أَبِي مُحَمَّد البَطَلْيُوسيّ، وأبي القاسم الأبرش.
قَالَ الأبار: وكان ثقة خَيَارًا، وهو والد القاضي أَبِي عَبْد اللَّه بْن حُمَيْد.
عاش نيِّفًا وسبعين سنة.(12/361)
244 - الحسين بْن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه، أَبُو عَبْد الله ابن السّمّاك، الحَرِيميّ. [المتوفى: 567 هـ]
سَمِعَ أَبَا عَلِيّ البردانيّ، وأبا العز محمد بن المختار، وشجاعًا الذهلي. وسافر عن بغداد سنين كثيرة. سمع منه ابنه واثق، وأبو بَكْر بْن مَشِّقْ، وأحمد [ص:362] ابن أحمد البندنيجي. وتوفي في جمادى الآخرة.(12/361)
245 - الخَضِر بْن نصر بْن عقيل، أَبُو الْعَبَّاس الإربليّ، الفقيه الشّافعيّ، [المتوفى: 567 هـ]
أحد الأئمَّة.
اشتغل ببغداد عَلَى ألْكِيا الهَرّاسيّ، وأبي بَكْر الشّاشيّ.
قَالَ ابن خلِّكان: وله تصانيف كثيرة فِي التّفسير والفِقْه، وغير ذَلِكَ، وألَّف كتابًا فِيهِ ستٌّ وعشرون خُطْبة نبويَّة كلّها مُسْنَدَةٌ، وانتفع عَلَيْهِ خلْق. وكان رجلًا صالحًا. تُوُفّي بإربِل، وولي التّدريس مكانه ابن أخيه عزّ الدّين أَبُو القاسم نصر بْن عقيل بْن نصر، ثمّ سخط عَلَيْهِ مظفّر الدّين، فأخرجه، فقدِم الْمَوْصِلَ بعد السّتّمائة وبها تُوُفّي سنة تسع عشرة.(12/362)
246 - سُلَيْمَان بْن دَاوُد التُّوَيْزيّ الأندلسيّ، ويُعرف بابن حوط اللَّه. [المتوفى: 567 هـ]
أخذ القراءات عَنِ ابن هُذَيل. وسمع من طارق بْن يَعِيش، وأبي الوليد ابن الدّبّاغ. وكان حَسَن التّلاوة، أخذ عَنْهُ ابناه أَبُو مُحَمَّد وأبو سُلَيْمَان. وتُوُفّي فِي عاشر ذي الحجَّة.(12/362)
247 - سُلَيْمَان بْن علي بْن عَبْد الرَّحْمَن، أَبُو تميم الفُراتيّ، الرّحبيّ، المقرئ، الخبّاز. [المتوفى: 567 هـ]
سَمِعَ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد الحنائي. روى عَنْهُ ابنا صَصْرَى، وعبد الرَّحْمَن بْن عُمَر النساج، وآخرون.
مات فِي ربيع الأوّل؛ نقلت وفاته من خطّ أبي عبد الله البرزالي.(12/362)
248 - عاشر بْن مُحَمَّد بْن عاشر بْن خَلَف، أَبُو مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ الشّاطِبيّ. [المتوفى: 567 هـ]
سَمِعَ من أَبِي عَلِيّ بْن سُكَّرَة، وأبي جَعْفَر بْن جحدر، وأبي عامر بْن حبيب، وأبي عمران بْن أَبِي تُلَيْد، وأبي بحر الأَسَديّ. وتفقَّه بأبي مُحَمَّد بْن أَبِي جعفر. وأخذ القراءات بقُرطُبة عَنْ أَبِي الْعَبَّاس بْن ذرّوه. وأخذ بعض الروايات عن أبي القاسم ابن النّخّاس، وتُوُفّي الشَّيْخ، وسمع من ابن عتّاب. [ص:363]
وأجاز لَهُ أَبُو عَبْد اللَّه الخَوْلانيّ، وجماعة.
وعُنِي بالفقه، وشُهِر بالحِفْظ. وولي خطَّة الشُّورَى ببَلَنْسِيَة، ثمّ قضاء مُرْسِيَة، فحُمِدت سِيرته، ونال دنيا وحشْمة. ثمّ صُرِف عند زوال دولة الملثمة، وانتهت إليه رياسة الفتوى.
روى عَنْهُ أَبُو الْخَطَّاب بْن واجب، وأبو عَبْد اللَّه بْن سعادة، وابن أخته أَبُو مُحَمَّد بْن غلْبُون، وأبو عَبْد اللَّه الأَنْدَرشيّ. وله مصنَّفات نافعة.
مات فِي نصف شعبان بعد أن كُفّ بَصَرُه وله ثلاثٌ وثمانون سنة.(12/362)
249 - عَبْد اللَّه بْن أحْمَد بْن أحمد بْن أحمد بْن عَبْد اللَّه بْن نصر، العلامة أبو محمد ابن الخشّاب النَّحْويّ. [المتوفى: 567 هـ]
شيخ بغداد ونحْويّ البلاد يقال: إنّه بلغ فِي النَّحْو درجة أَبِي عَلِيّ الفارسيّ. وكانت لَهُ معرفة تامَّة بالحديث، واللّغة، والهندسة، والفلسفة، وغير ذَلِكَ.
أخذ عَنْ أَبِي منصور ابن الجواليقيّ، وأبي بَكْر بْن جوامرد القطّان النحوي، وعلي بن أبي زيد الفصيحي، وأبي السعادات هبة الله ابن الشجري، والحسن بن علي المحولي اللغوي، حتى أحكم العربية.
وكان مولده سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة. وسمع من أبي القاسم الربعي، وأبي الغنائم النرسي، وأبي زكريا بن مَنْدَهْ، وغيرهم. ثم طلب بنفسه، وقرأ الكثير. وسمع من أبي عبد الله البارع، وابن الحصين، وابن كادش، وأبي غالب ابن البناء. وقرأ العالي والنازل إلى أن قرأ عَلَى أقرانه. وكان لَهُ كُتُب كثيرة إلى الغاية.
وروى الكثير، وتخرَّج بِهِ خلْقٌ فِي النَّحْو. وحدَّث عَنْهُ أَبُو سعد السَّمْعانيّ، وذكره فِي " تاريخه " فقال: شابّ كامل، فاضل، لَهُ معرفة تامَّة بالأدب، واللّغة، والنَّحْو، والحديث، يقرأ الحديث قراءةً حسنة، صحيحة، سريعة، مفهومة. سَمِعَ الكثير بنفسه، وجمع الأُصول الحِسان من أيّ وجهٍ، وكان يضنّ بها. سَمِعْتُ بقراءته من أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي، وابن السَّمَرْقَنْدِيّ، [ص:364] وسمعت بقراءته مجلّداتٍ من " طبقات ابن سعد ". وكان يُديم القراءة طول النّهار من غير فُتُور.
قلت: كَانَ عمره إذ ذاك أربعين سنة.
قَالَ: وسمعت أَبَا شجاع عُمَر البِسْطاميّ يَقُولُ: لمّا دخلت بغداد قرأ علي ابن الخشاب " غريب الحديث " لأبي محمد القتبي قراءةً ما سَمِعْتُ قبلَها مثلها فِي الصّحة والسُّرْعة. وحضر جماعةٌ من الفُضَلاء، وكانوا يريدون أن يأخذوا عَلَيْهِ فلْتَةَ لسانٍ فما قَدَرُوا.
قَالَ ابن السَّمعانيّ: كتبت عَنْهُ جزءًا رَوَاهُ عَنِ الرَّبَعيّ، وسألته عَنْ مولده فقال: أظنّ أنه في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.
وقال ابن النّجّار: إنّه أخذ الحساب والهندسة عن أبي بكر محمد بن عبد الباقي الْأَنْصَارِيّ، وأخذ الفرائض عَنْ أَبِي بَكْر المَزْرَفيّ. وكان ثقة. ولم يكن فِي دينه بذاك.
قلت: روى عَنْهُ أيضًا: أَبُو اليُمْن الكِنْديّ، والحافظ عبد الغني، وعبد العزيز ابن الأخضر، وأبو أحمد ابن سُكَيْنَة، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، ومحمد بْن عماد الحَرّانيّ، وأبو البقاء العُكْبَرِيّ، وأبو الْحَسَن علي بن نصر الجلي؛ وهو شيخهما فِي النَّحْو وشيخ الفخر أَبِي عبد الله ابن تَيْمية الخطيب.
وقرأت بخطّ أَبِي مُحَمَّد بْن قُدَامة: كَانَ ابن الخشّاب إمام أهل عصره فِي عِلم العربيَّة، وحضرت كثيرًا من مجالسه، لكن لم أتمكّن من الأكثار عَنْهُ لكثرة الزّحام عَلَيْهِ، وكان حَسَن الكلام فِي السُّنَّة وشرحها.
قلت: وكان ظريفًا مزّاحًا عَلَى عادة الأدباء؛ قَالَ ابن الأخضر: كنت عنده وعنده جماعة من الحنابلة، فسأله مكي الغراد فقال: عندك كتاب الجبال؟ فقال: يا أَبْلَه ما تَراهم حولي؟
وقال ابن النّجّار: سَمِعْتُ بعضهم يَقُولُ: سَأَلَ ابنَ الخشّاب واحدٌ من تلامذته: القفا يُمَدّ أو يُقْصَر؟ فقال: يُمَدّ ثم يقصر.
قال: وبلغني أنه أتاه اثنان ليعرضا عَلَيْهِ شِعرًا قالاه، فسمع من أحدهما، فقال للآخر: هُوَ أردأ شِعْرًا منك. فقال: وكيف ولم تسمع شِعري؟ قَالَ: لأنّ [ص:365] شِعره لا يمكن أن يكون أردأ منه. وسأل بعض تلامذته: ما بك؟ فقال: فؤادي. فقال: لو لم تهمزْهُ لم يُوجِعّك.
قَالَ: وبلغني أنّ بعض المعلّمين قرأ عَلَيْهِ قول العَجّاج:
أَطَرَبًا وأنت فِنَّسْرِيُّ ... وإنّما يأتي الصِّبّا الصبي
فجعله الصبي بالياء، فقال لَهُ: هذا عندك فِي المكتب! فاستحيا.
وله فِي الشّمعة:
صفراءُ لا من سَقَمٍ مَسَّها ... كيفَ وكانت أُمُّها الشّافِيَهْ
عُرْيانةٌ باطِنُها مُكْتَسٍ ... فأعْجَبُ لها كاسِيَةً عارِيَهْ
قَالَ ابن النّجّار: وسمعت حمزة القُبَّيْطيّ يَقُولُ: كَانَ ابن الخشّاب يتعّمم بالعمامة، وتبقى عَلَى حَالها مدَّةً حتّى يَسْوَدّ ما يلي رأسَه منها، وتتقطّع من الوسخ، وترمي عليها العصافيرُ ذَرْقَها، فيتركه على حاله.
قال: وسمعت أبا محمد ابن الأخضر أنّ ابن الخشّاب ما تزوَّج قطّ ولا تسرى، وكان قذرًا يستقي بجرة مكسورًة، ولما مرض أتيناه نَعُوده، فوجدناه فِي أسوأ حالٍ من وَسَخِ الثّياب وقذر مكانه وعدم الغذاء، فأشرنا على القاضي أبي القاسم ابن الفرّاء بأن ينقله إلى داره، فنقله وأسكنه فِي بيتٍ نظيف، وألبسه ثوبًا نظيفًا، وأحضر الأشربة والماء ورد، فوجد راحةً وخفَّة، فأشهدنا بوقف كُتُبه، فاستولى عليها بيت العطّار، وباعوا أكثرها، وتفرقت حتّى بقي عشْرها، فتُرِك برباط المأمونيَّة.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ رحمه اللَّه بخيلًا، متبذلًا فِي ملبسه ومَطْعَمه، ويلبس قَذرًا، ويلعب بالشّطرنج عَلَى الطّريق، ويقف عَلَى المُشعبِذ وأصحاب القرود، ويكثر المُزَاح.
وقد صنَّف الرّدّ عَلَى الحريريّ فِي مواضع من " المقامات "، وشرح " اللُّمَع " لابن جنّيّ ولم يُتمّه، وشرح " مقدّمة " الوزير ابن هُبَيْرة فِي النّحْو، وصنَّف الرّدّ عَلَى أَبِي زكريّا التّبْريزيّ فِي تهذيبه " لإصلاح المنطق ".
وقال جمال الدّين القفطي: كان مطرحًا للتكلف، وفيه بذاذة، ويقف عَلَى الحلَق، ويقعد للشّطرنج أَيْنَ وَجَدَه، وكلامه أجود من قلمه. وكان ضيّق [ص:366] العطن، ما صنَّف تصنيفًا فكمَّله. شرح " الْجُمَل " للجرجاني، وترك أبوابًا في وسط الكتاب وأقرأ هذا المصنف وهو عَلَى هذه الصّورة، ولم يعتذر عَنْهُ.
قَالَ ابن النّجّار: سَمِعْتُ أَبَا بَكْر المبارك بْن المبارك النَّحْويّ يَقُولُ: كَانَ أَبُو مُحَمَّد ابن الخشّاب يحضر دائمًا سوق الكُتُب، فإذا نوديَ عَلَى الكتاب يريد أن يشتريه أخَذَه وطالَعه، واستغفل الحاضرين، وقطع ورقةً، ثمّ يَقُولُ إنّه مقطوعٌ ليشتريه برُخْص، فإذا اشتراه أعاد الورقة فِي بيته.
قَالَ: وكان لَهُ إيوان كبير ملآن من الكُتُب والأجزاء، فكان إذا استعار شيئًا وَطُلِبَ منه يَقُولُ: قد حصل بين الكُتُب فلا أقدر عَلَيْهِ.
قلت: إنْ صحّ هذا فلعلّه تاب والله يغفر لَهُ.
قَالَ ابن الْجَوْزيّ: دخلت عَلَيْهِ في مرْضه وقد يئس من نفسه، فقال لي: عند اللَّه أحتسب نفسي. وتُوُفّي يوم الجمعة ثالث رمضان. ودفن يوم السّبت. وحدَّثني عَبْد اللَّه بْن أبي الفرج الجبائي الرجل الصّالح قَالَ: رَأَيْته فِي النّوم بعد موته بأيّام، ووجهه مضيء، فقلت لَهُ: ما فعل اللَّه بك؟ قَالَ: غُفِر لي وأدخلني الجنَّة، إلّا أَنَّهُ أعرضَ عنّي. فقلت لَهُ: أعرض عنك؟ فقال: نعم، وعن جماعة من العلماء تركوا العمل.(12/363)
250 - عَبْد اللَّه بْن طاهر بْن حَيْدرة بْن مفوّز، أَبُو مُحَمَّد المَعَافِريّ، الشّاطبيّ. [المتوفى: 567 هـ]
أخذ القراءات عَنْ أَبِي الْحَسَن بْن أَبِي العَيْش. وسمع من أَبِيهِ، وأبي إِسْحَاق بْن جماعة. وتفقَّه بأبي عَبْد اللَّه بْن مُغَاوِر، وأجاز لَهُ آخرون.
قَالَ الأَبّار: كَانَ فقيهًا، إمامًا، خبيرًا بالشّروط، وَقُورًا. ولي قضاء شاطِبة، فجرى عَلَى طريقة السَّلَف الصّالح عدلًا، وزكاةً، وحلمًا، وأناة. وتُوُفّي كهْلًا.(12/366)
251 - عَبْد اللَّه بْن منصور بْن هبة اللَّه بْن أحمد، أبو محمد بن أبي الفوارس ابن المَوْصِليّ، البغداديّ، المعدّل. [المتوفى: 567 هـ]
سَمِعَ من أَبِي البركات مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الوكيل " ديوان المتنبّي " وتفرد [ص:367] بِهِ. وسمع من أَبِي عَبْد اللَّه النّعاليّ، وأبي الحسن ابن الطيوري، وأبي الحسن ابن العلاف، وشجاع الذهلي، وغيرهم.
سمع منه أبو محمد ابن الخشاب، وأبو سعد ابن السَّمعانيّ، وغير واحد. وحدَّث عَنْهُ أَبُو مُحَمَّد ابن الأخضر، وابن قدامة، ومنصور ابن الزكي الغزال، ومحمد بْن عماد الحرّانيّ، وأبو حفص السُّهْرَوَرْدِيّ فِي " مشيخته "، وآخرون. وروى عَنْهُ بالإجازة الرشيد بْن مَسْلَمَة، وغيره.
قَالَ الدَّبِيثيّ: فُقِد أيامًا ثم وجد فِي بيته ميّتًا فِي ربيع الآخر، وله ثمانون سنة.(12/366)
252 - عَبْد اللَّه العاضد لدين اللَّه، أبو محمد بن يوسف ابن الحافظ لدين اللَّه عَبْد المجيد بْن مُحَمَّد ابن المستنصر ابن الظاهر ابن الحاكم العُبَيْديّ، الْمَصْرِيّ، الرّافضيّ، [المتوفى: 567 هـ]
الَّذِي يزعم هُوَ وبيته أنّهم فاطميّون وهو آخر خلفاء مصر.
ولد سنة ست وخمسمائة فِي أوّلها. ولمّا هلك الفائز ابن عمّه واستولى الملك الصالح طلائع بْن رُزّيك عَلَى الدّيار المصريَّة بايع العاضد وأقامه صورة، وكان كالمحجور عَلَيْهِ لا يتصرَّف فِي كلّ ما يريد. ومع هذا فكان رافضيًّا، سَبّابًا، خبيثًا.
قَالَ ابن خَلِّكان: كَانَ إذا رَأَى سُنّيًّا استحلّ دمه. وسار وزيره الملك الصّالح سيرةً مذمومة، واحتكر الغلّات، فغلت الأسعار، وقتل أمراء الدّولة خِيفةً منهم، وأضعف أحوال دولتهم بقتل ذوي الرأي والبأس، وصادر أولي الثروة. وفي أيام العاضد ورد حسين بن نزار ابن المستنصر العُبَيْديّ من الغرب، وقد جمع وحشد، فلمّا قارب مصر غَدَر بِهِ أصحابه، وقبضوا عَلَيْهِ، وأتوا بِهِ إلى العاضد، فذُبِح صبرًا فِي سنة سبْعٍ وخمسين.
قلت: ثمّ قتل ابن رُزِّيك، ووَزَرَ لَهُ شاوَر، فكان سبب خراب دياره، ودخل أسد الدّين إلى ديار مصر كما ذكرنا، وَقُتِلَ شاوَر، ومات بعده أسد [ص:368] الدّين، وقام فِي الأمر ابن أخيه صلاح الدين وتمكن من المملكة.
قَالَ القاضي جمال الدّين ابن واصل: حكى لي الأمير حسام الدين أبي علي قال: كان جدي في خدمة صلاح الدّين، فحكى أَنَّهُ لمّا وقعت هذه الوقعة، يعني وقعة السّودان، بالقاهرة الّتي زالت دولتهم فيها، ودولة آل عُبَيْد، قَالَ: شرع صلاح الدين فطلب من العاضد أشياء من الخَيل والرقيق والأموال ليتقوّى بذلك. قَالَ: فسيَّرني يومًا إلى العاضد أطلب منه فَرَسًا، ولم يبق عنده إلّا فرس واحد، فأتيه وهو راكب فِي بستانه المعروف بالكافوريّ الَّذِي يلي القصر، فقلت: صلاح الدّين يسلّم عليك، ويطلب منك فَرَسًا. فقال: ما عندي إلّا الفَرَس الَّذِي أَنَا راكبه؛ ونزل عَنْهُ وشق خُفَّيه ورمى بهما، وسلّم إليَّ الفَرَس، فأتيت بِهِ صلاحَ الدّين. ولِزم العاضد بيته.
قلت: واستقلّ صلاح الدّين بالأمر، وبقي العاضد معه صورةً إلى أن خلعه، وخطب فِي حياته لأمير المؤمنين المستضيء بأمر اللَّه العبّاسيّ، وأزال اللَّه تلك الدّولة المخذولة. وكانوا أربعة عشر متخلّفًا لا مستخلفًا.
قَالَ الْإِمَام شهاب الدّين أَبُو شامة: اجتمعت بالأمير أَبِي الفُتُوح ابن العاضد وهو مسجون مُقَيَّدٌ فِي سنة ثمانٍ وعشرين وستمائة، فحكى لي أنّ أَبَاهُ فِي مرضه استدعى صلاح الدّين فحضر، قَالَ: فأحضرونا، يعني أولاده، ونحن صغار، فأوصاه بنا، فالتزم إكرامنا واحترامنا.
قَالَ أَبُو شامة: كَانَ منهم ثلاثة بإفريقية وهم الملقّبون بالمهديّ، والقائم، والمنصور، وأحد عشر بمصر، وهم: المُعِزّ، والعزيز، والحاكم، والظّاهر، والمستنصر، والمستعلي، والآمر، والحافظ، والظّافر، والفائز، والعاضد، يدّعون الشَّرَف، ونسبتهم إلى مَجُوسيٍّ أو يهوديّ، حتّى اشتهر لهم ذَلِكَ بين العَوَامّ، فصاروا يقولون: الدّولة الفاطميَّة والدّولة العلويَّة. إنّما هِيَ الدّولة اليهوديَّة، أو المجوسيَّة الملحدة الباطنيَّة.
قَالَ: وقد ذكر ذَلِكَ جماعة من العلماء الأكابر أنّهم لم يكونوا لذلك [ص:369] أهلًا، ولا نسبهم صحيحا، بل المعروف أنّهم بنو عُبَيْد. وكان والد عُبَيْد هذا من نسْل القدّاح الملحد المجوسيّ.
قَالَ: وقيل: كَانَ والد عُبَيْد هذا يهوديًّا من أهل سَلَمِيَّة، وكان حدّادًا. وعُبَيْد كَانَ اسمه سعيدا، فلمّا دخل المغرب تسمّى بعُبَيْد اللَّه، وادَّعَى نَسَبًا لَيْسَ بصحيح. وذكر ذَلِكَ جماعة من علماء الأنساب، ثمّ ترقَّت بِهِ الحال إلى أن ملك المغرب، وبنى المهديَّة، وتلقَّب بالمَهْديّ. وكان زِنْديقًا خبيثًا، عدوًّا للإسلام. قتل من الفُقَهاء، والمحدّثين، والصالحين جماعةً كبيرة، ونشأت ذُرّيته عَلَى ذَلِكَ. وبقي هذا البلاء عَلَى الْإِسْلَام من أول دولتهم إلى آخرها، وذلك من ذي الحجَّة سنة تسعٍ وتسعين ومائتين إلى سنة سبع وستين وخمسمائة.
وقد بيَّن نَسَبَهم جماعةٌ مثل القاضي أَبِي بَكْر الباقِلّانيّ، فإنّه كشف فِي أوّل كتابه المسمى " كشف أسرار الباطنية " عَنْ بُطْلان نَسَب هَؤُلَاءِ إلى علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وكذلك القاضي عَبْد الْجَبّار بْن أحمد استقصى الكلام في أصولها، وبينها في آخر كتاب " تثبيت النبوة "، وبين بعض ما فعلوه من الكفريات والمنكرات.
قرأت فِي تاريخ صُنِّف عَلَى السِّنين فِي مجلَّدٍ صنّفه بعض الفُضَلاء سنة بضْعٍ وثلاثين وستَمائة، وقدّمه لصاحب مصر الملك الصالح قال: في سنة سبع وستين: وفاة العاضد فِي يوم عاشوراء بعد إقامة الخطبة بمصر بيويمات قلائل فِي أوّل جمعة من المحرَّم لأمير المؤمنين المستضيء بأمر الله، وهو آخر خلفاء مصر. فلمّا كانت الجمعة الثّانية خُطِب بالقاهرة أيضًا للمستضيء، ورجعت الدّعوة العبّاسيَّة بعد أن كانت قد قُطِعَت بها أكثر من مائتي سنة. وتسلم الملك الناصر صلاح الدّين قصر الخلافة، واستولى عَلَى ما كَانَ بِهِ من الأموال والذّخائر، وكانت عظيمة الوصف. وقبض عَلَى أولاد العاضد وأهل بيته، وحبسهم فِي مكانٍ واحدٍ بالقصر، وأجرى عليهم ما يمولهم، وعفّى آثارهم، وقمع مواليهم وسائر أنسبائهم.
قَالَ: وكانت هذه الفِعْلة من أشرف أفعاله، فَلَنِعْمَ ما فعل، فإن هَؤُلَاءِ كانوا باطنيَّةً زنادقة، دَعَوْا إلى مذهب التّناسخ، واعتقاد حلول الجزء الإلهيّ فِي أشباحهم. [ص:370]
وقد ذكرنا أنّ الحاكم قَالَ لداعيه: كم فِي جريدتك؟ قَالَ: ستَّة عشر ألفًا يعتقدون أنك الإله. وقال قائلهم وأظنه فِي الحاكم:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار ... فاحكُمْ فأنت الواحدُ القَهّار
فلعن اللَّه المادحَ والممدوحَ، فليس هذا فِي القُبْح إلّا كقول فرعون {أنا ربكم الأعلى}.
وقال بعض شُعرائهم فِي المهديّ برَقّادة:
حَلّ برَقّادةَ المسيحُ ... حلّ بها آدمُ ونوحُ
حلّ بها الله في علاه ... وما سِوى اللَّه فهو رِيحُ
قَالَ: وهذا أعظم كُفرًا من النّصارى، لأن النّصارى يزعمون أنّ الجزء الإلهيّ حلّ بناسوت عيسى فقط، وهؤلاء يعتقدون حُلُوله فِي جسد آدم ونوح والأنبياء وجميع الأئمة. هذا اعتقادهم لعنهم اللَّه. فأمّا نَسَبهم فأئمَّة النّسَب مُجْمِعُون عَلَى أنّهم ليسوا من وُلِد عَلِيّ رضوان اللَّه عَلَيْهِ، بل ولا من قُريشٍ أصلًا.
قلت: قد ذكرنا فيما مضى أنّ القادر بالله كتب محضرًا يتضمَّن القدْح في نَسَبهم ومذهبهم، وأنّه شهد فِي ذَلِكَ المحضر خلْقٌ، منهم: الشّريفان الرّضيّ، والمرتضى، والشيخ أبو حامد الإسفراييني، وأبو جَعْفَر القُدُوريّ. وفي المحضر أنّ أصلهم من الدِّيصَانيَّة، وأنّهم خوارج أدعياء. وذلك فِي سنة اثنتين وأربعمائة.
وقال العماد الكاتب، يصف ما جرى عَلَى ما خَلَّفه العاضد من ولدٍ وخَدَم وأمتعة، إلى أن قَالَ: وهم الآن محصورون محسورون، ولم يظهروا، وقد نقص عددهم، وقلص مددهم. ثمّ عَرَض من بالقصر من الجواري والعبيد فوجد أكثرهنّ حرائر، فأطلقهنّ، وفرّق من بقي. وأخذ - يعني صلاح الدين - كل ما صلح لَهُ ولأهله وأمرائه من أخاير الذّخائر، وزواهر الجواهر، ونفائس الملابس، ومحاسن العرائس، والدُّرَّة اليتيمة، والياقوتة الغالية القيمة، والمَصُوغات التِّبْرِيَّة، والمصنوعات العنبريَّة، والأواني الفضّيَّة، والصّواني الصِّينيَّة، والمنسوجات المغربيَّة، والممزوجات الذهبية، والعقود والنُّقود، والمنظوم والمنضود، وما لا يعد إحصاءا. وأطلق البيع بعد ذَلِكَ فِي كلّ [ص:371] جديدٍ وعتيق، وبالٍ وأسمال، واستمرّ البيع فيها مدَّة عشْر سِنِين، وانتقلت إلى البلاد بأيدي المسافرين.
وكتب السّلطان صلاح الدّين إلى وزير بغداد عَلَى يد شمس الدّين مُحَمَّد بْن المحسِّن بْن الْحُسَيْن بْن أَبِي المضاء البَعْلَبَكّيّ الَّذِي خطب أوّل شيءٍ بمصر لبني الْعَبَّاس فِي أوّل السّنة بإنشاء الفاضل كتابًا، فممّا فيه:
" وقد توالت الفُتُوح غربًا وشرقًا، ويَمَنًا وشامًا، وصارت البلاد والشّهر بل الدّهر حرمًا حراما، وأضحى الدِّينُ واحدًا بعدما كَانَ أديانا. والخلافة إذا ذُكِّر بها أهلُ الخِلاف لم يخرّوا عليها إلّا صُمًّا وعُمْيانا. والبِدْعة خاشعة، والجمعة جامعة، والمذلَّة فِي شِيَع الضّلال شائعة. ذَلِكَ أنّهم اتخذوا عباد الله من دونه أولياءَ، وسمّوا أعداءَ اللَّه أصفياء. وتقطّعوا فِي أمرهم شِيَعًا، وفرَّقوا أمر الأمَّة وكان مجتمِعا. وكذّبوا بالنّار، فعُجِّلَتْ لهم نار الحُتُوف، ونثرت أقلام الظباء حروف رؤوسهم نَثْر الأقلام للحروف. ومُزِّقوا كلّ ممزَّق، وأخذ منهم كلّ مخنق. وقطِع دابرهم، ووعظ آتِيهم غابرهم. ورَغمت أُنوفهم ومنابرهم، وحقَّت عليهمُ الكلمة تشريدًا وقتْلا، وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا، وليس السّيف عمّن سواهم من الفرنج بصائم، ولا اللّيل عَنِ السَّير إليهم بنائم. ولا خفاء عَنِ المجلس الصّاحبيّ أنّ من شدّ عقْد خلافة، وحلّ عقد خلاف، وقام بدولةٍ وقعد بأخرى قد عجز عَنْهَا الأخلاف والأسْلاف، فإنه مفتقر إلى أن يُشكر ما نصح، ويُقَلَّدَ ما فتح، ويبلغ ما اقترح، ويقدم حقّه ولا يطَّرَح، ويقرَّب مكانه وإن نَزَح، وتأتيه التّشريفات الشّريفة ".
إلى أن قَالَ: " وقد أُنهض لإيصال مُلَطَّفاته، وتُنَجز تشريفاته، خطيب الخُطباء بمصر، وهو الَّذِي اختاره لصعود المنبر، وقام بالأمر قيام من بَرّ، واستفتح بلبس السّواد الأعظم، الَّذِي جمع اللَّه عَلَيْهِ السَّوَاد الأعظم ".
وقال ابن أبي طيئ: لمّا فرغ السّلطان من أَمْر الخطْبة أَمَر بالقبض عَلَى القصور بما فيها، فلم يوجد فيها من المال كبيرُ أمرٍ، لأنّ شاوَر كَانَ قد ضيَّعه فِي إعطائه الفِرَنْج، بل وجد فيها ذخائر جليلة.
ومن عجيب ما وجد فيه قضيب زمرد طوله شِبْر وشيء فِي غِلَظ الإبهام، فأخذه السّلطان، وأحضر صائغًا ليقطعه، فأبي الصّائغ واستعفى، فرماه السّلطان، فانقطع ثلاثَ قِطَع، وفرَّقه [ص:372] عَلَى نسائه. ووُجِد طبلُ القُولنْج الَّذِي صُنِع للظافر، وكان من ضربه خرج منه الرّيح واستراح من القُولنْج، فوقع إلى بعض الأكراد، فلم يدرِ ما هُوَ، فكسره، لأنه ضرب بِهِ فَحَبَق. ووُجد فِي الذّخائر إبريقٌ عظيم من الحجر المائع، فكان من جملة ما أُرسل من التُّحَف إلى بغداد. ثمّ وصل موفق الدين ابن القيسراني، واجتمع في مصر بصلاح الدين، وأبلغه رسالة السلطان نور الدّين، وطالَبَه بحساب جميع ما حصَّله، فصعُب ذَلِكَ عَلَيْهِ، وهَمّ بشقّ العصا، ثمّ سكن، وأمر النُّوّاب بعمل الحساب، وعرضه عَلَى ابن القَيْسَرانيّ، وأراه جرائد الأجناد بأخبارهم، وقد ذُكِر فِي الحوادث جميع ذَلِكَ.
وكان عُمارة اليمني الشاعر من العبيديين وممن يتولّاهم، فرثى العاضد بهذه:
رميتَ يا دهْرُ كفَّ المجد بالشَّلَلِ ... وجِيدَهُ بعد حُسْن الحلى بالعَطَلِ
سعيتَ فِي منهج الرّأي العثور فإنْ ... قدرت من عثرات الدهر فاستقل
جدعت مازنك الأعلى فأنْفُكَ لا ... يَنْفَكُّ ما بين أمرِ الشَّيْن والخَجَلِ
لَهَفِي ولَهف بني الآمال قاطبةً ... عَلَى فجيعتها فِي أَكرم الدُّوَلِ
قومٌ عرفت بهم كسب الألُوف ومن ... كمالها أنّها جاءت ولم أَسَلِ
يا عاذلي في هوى أبناء فاطمةٍ ... لك الملامةُ إن قَصَّرْتَ فِي عذلي
بالله زر ساحة القَصْريْنِ وَابْكِ معي ... عليهما لا عَلَى صِفِّين والْجَمَلِ
ماذا ترى كانت الإفرنْجُ فاعلةً ... فِي نَسْل آل أمير المؤمنين علي
أَسَلْتُ من أسفٍ دمعي غداةَ خَلَتْ ... رِحابُكُم وغَدَتْ مهجورَة السُّبُلِ
واللهِ لا فازَ يومَ الحشْر مُبْغِضُكُم ... ولا نجا من عذاب النّار غيرُ ولي
وهي طويلة.
قِيلَ: كَانَ موت العاضد بذَرَب مُفْرِطٍ أتْلَفه. وقيل: مات غمًّا لمّا سَمِعَ بقطْع خطْبته؟ وقيل: بل كَانَ لَهُ خاتم مسموم فامتصه، لمّا سَمِعَ بزوال دولته. والأوّل أقرب وأشبه.(12/367)
253 - عَبْد اللَّه بْن أحمد بْن الْحُسَيْن، الرئيس أَبُو مُحَمَّد الحِمْيَريّ الأطرابُلُسيّ الكاتب، ويُعرف بابن النّقّار. [المتوفى: 567 هـ]
وُلِد بطرابُلُس سنة تسعٍ وسبعين، وقرأ بها الأدب، فلمّا أخذتها الفِرَنْج تحوّل إلى دمشق. وكان شاعرًا فاضلًا، كتب لملوك دمشق، ثمّ كتب لنور الدّين رحمه اللَّه. وعُمِّر دهرًا، وله قصيدة مشهورة يَقُولُ فيها:
مَن مُنْصفي مَن ظالمٍ متعتب ... يزداد ظُلْمًا كلّما حكَّمْتُهُ
ملّكتُهُ روحي ليحفَظَ ملْكَهُ ... فأضاعني وأضاع ما ملّكتُهُ
أحبابنا أنفقتُ عُمري عندكُم ... فمتى أُعوِّض بعضَ ما أنفقتُهُ؟
فلِمن أَلُوم عَلَى الهوى وأنا الَّذِي ... قُدْتُ الفؤاد إلى الغرام وسقته(12/373)
254 - عبد الرحمن بن سعد الله بن قبان بن حامد، أبو القاسم بن أبي المواهب البغدادي، [المتوفى: 567 هـ]
ابن خال شهدة.
سمع أبا غالب الباقلاني، وأجاز له طراد الزينبي فيما قيل.
سَمِعَ مِنْهُ: عمر القرشي وأبو بكر بن مشق.(12/373)
255 - عَبْد الكريم بْن إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سعد أحمد بْن مُحَمَّد النَّيْسابوريّ ثمّ البغداديّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 567 هـ]
سَمِعَ من ابن الحُصَيْن، وزاهر الشّحّاميّ. كتب عَنْهُ عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، وغيره.(12/373)
256 - عَبْد الملك بْن إلْكِيَا الهَرّاسيّ أَبِي الْحَسَن علي بْن مُحَمَّد الطَّبَريّ ثمّ البغداديّ. [المتوفى: 567 هـ]
سَمِعَ من ابن بيان الرّزّاز. روى عَنْهُ ابن الأخضر، وتُوُفّي فِي ربيع الآخر.(12/373)
257 - عَبْد الملك بْن محمد بن باتانة، أَبُو الْحَسَن المغربيّ، المجوّد. [المتوفى: 567 هـ][ص:374]
ما ذكر ابن النّجّار عَلَى من تلا. سَمِعَ أَبَا العزّ بْن المختار. ومات فِي ربيع الأوّل.(12/373)
258 - عثمان بْن يوسف بْن أيّوب، أَبُو عَمْرو الكاشْغُريّ الخُجَنْديّ، ويُعرف أَبُوهُ بابن زُرَيق. [المتوفى: 567 هـ]
من أهل كاشْغَر، سكن بغداد. وكان أعني يوسف يخدم فِي إصطبل المستظهر بالله، فوُلِد لَهُ عثمان، وتفقّه عَلَى مذهب أَبِي حنيفة، وسمع الحديث. وسمَّع أولاده عليًّا وأبا بَكْر وإبراهيم من أبي الفتح ابن البطي، وأبي بكر ابن النَّقُّور، وأبي المعالي بْن حنيفة، وأمثالهم، وحصّل الأُصول، واستنسخ، ونُفِّذ من الدّيوان العزيز فِي مهمٍّ إلى الملك نور الدّين، فسمع منه الشَّيْخ أَبُو عَمْرو، وأخوه الشَّيْخ الموفَّق، والحافظ عَبْد الغنيّ فِي سنة خمسٍ وستّين.
قَالَ ابنه إِبْرَاهِيم: تُوُفّي فِي حدود سنة سبْعٍ وستّين.(12/374)
259 - عرقلة، الشّاعر المشهور [المتوفى: 567 هـ]
هُوَ أَبُو النَّدَى حسّان بْن نُمَيْر الكلبيّ، الدّمشقيّ، شاعر مُجِيد، ونديم خليع، وأعور مطبوع، وهو القائل فِي دمشق:
أما دمشقُ فجنّاتٌ مزَخْرَفَةٌ ... للطّالبين بها الوِلْدان والحورُ
ما صاح فيها عَلَى أوتاره قمرٌ ... إلّا وغناه قمري وشحرور
يا حبذا ودروع الماء تنسجها ... أنامل الريح إلا أنّها زُورُ
وله وقد ولي صلاح الدّين يوسف بْن أيّوب شحنكية دمشق لنور الدّين في سنة ستين وخمسمائة:
رُوَيْدَكم يا لصوصَ الشّامِ ... فإنّي لكم ناصحٌ فِي المقالِ
أتاكم سَمِيُّ النَّبِيّ الكريم ... يوسف ربّ الْحِجَى والْجَمالِ
فذلك يقطعُ أيدي النِّسا ... وهذا يُقطّع أيدي الرجالِ
وكان صلاح الدّين وَعَده إنْ أخذ مصر أن يُعطيه ألف دينار، فلما ملكها قال فيه: [ص:375]
قل للصلاح مُعِيني عند افتقاري ... يا ألف مولاي أَيْنَ الألف دينار؟
أخشى من الأسر إنْ حاولتُ أرضَكُم ... وما تقى جنَّة الفردوس بالنّار
فجُدْ بها عاضديات موفرة ... من بعض ما خلف الطاغي أخو العار
حمرًا كأسيافكم غرًا كخيلكم ... عُتْقًا ثِقالًا كأعدائي وأطمارِي
فأعطاه ألف دينار وأخذ لَهُ من إخوته مثلَها، فجاءه الموت فجاءة ولم ينتفع بفجاءة الغِني.
ومن شِعره:
عندي لكم من الأشواق والبَرحَا ... ما صيّر الجسم من بعد الضّنّا شَبَحا
أحبابنا لا تظنّوني سَلَوْتُكُم ... الحال ما حال والتّبريح ما برحا
لو كَانَ يسبح صَبٌّ فِي مَدَامعه ... لكنتُ أوّل مَن فِي دمعه سَبَحا
أو كنتُ أعلم أنّ البَيْن يقتلني ... ما بنت عنكم ولكن فات ما ربحا
وله:
ترى عند من أحببته لا عدِمْته ... من الشّوق ما عندي وما أنا صانع
جميعي إذا حدّثت عَنْ ذاك أعين ... وكلّي إذا نُوجيت عَنْهُ مسامعُ
ولعرقلة ديوانٌ مشهور، تُوُفّي بدمشق فِي حدود سنة سبْعٍ هذه.(12/374)
260 - علي بْن أحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن يعيش، أَبُو الْحَسَن الْقُرَشِيّ، الزُّهْرِيّ، العَوْفيّ، الباجيّ، قاضي إشبيلية. [المتوفى: 567 هـ]
سَمِعَ أَبَا القاسم الهَوْزَنيّ، وشُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبا بكر ابن العربيّ، وناظر فِي " المدوّنة " عند أَبِي مروان الباجيّ، وأخذ العربيَّة عَنْ أَبِي الْحَسَن بْن الأخضر. وسمع بقُرْطُبة من أَبِي مُحَمَّد بْن عتّاب، وابن بَقِيّ، وأبي الوليد بْن طريف.
قَالَ الأَبّار: وكان فقيهًا، مشاوَرًا، محدّثًا، متقدّمًا بنفسه وبشرفه
وله تصنيف فِي مناسك الحجّ، حدَّث عَنْهُ أَبُو بَكْر بْن خَيْر، وأبو عمر ابن عياد، وأبو بَكْر بْن أَبِي زمنين، وأبو الْخَطَّاب بْن واجب، وآخر من حدَّث عَنْهُ [ص:376] أَبُو القاسم عَبْد الرَّحْمَن ابنه.
تُوُفّي فِي ربيع الأول وله سبْعٌ وسبعون سنة. وكانت لَهُ جنازة مشهودة.(12/375)
261 - علي بْن صالح بْن أَبِي اللَّيْث، أبو الحسن ابن عزّ النّاس العَبْدَريّ، الدّاني الطّرْطُوشيّ. [المتوفى: 567 هـ]
سَمِعَ أَبَا مُحَمَّد بْن الصَّيْقَلِ، وأبا بَكْر بْن العربيّ، وأبا القاسم بْن ورد.
قَالَ الأَبّار: وكان فقيهًا متقِنًا، عالمًا بالأُصول والفروع، دقيق النّظر، جيّد الاستنباط، فصيحًا لَسِنًا، وكان رأس الفتوى بدانية، وله مصنفات. أخذ عَنْهُ أبو عُمَر بْن عيّاد، وابنه مُحَمَّد، وأبو مُحَمَّد بْن سُفْيَان، وأسامه بْن سُلَيْمَان، وأبو القاسم بن سمجون. وَقُتِلَ مظلومًا بدانية سنة ستٍّ وستّين. وقال مُحَمَّد بْن عيّاد: قُتِلَ لسعايةٍ لحِقَتْه عند السّلطان مُحَمَّد بْن سعد سنة سبْعٍ وستّين، وولد سنة ثمان وخمسمائة بطرطُوشة.(12/376)
262 - علي بْن عَبْد اللَّه بْن خَلَف بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الملك. الإمام أبو الحسن ابن النعمة الأنصاري، الأندلسيّ، المَرِيّي، [المتوفى: 567 هـ]
نزيل بَلَنْسِية.
أخذ فِي صِغَره عَنْ أَبِي الْحَسَن بْن شفيع. وسمع من عبّاد بْن سَرْحان.
وانتقل بِهِ أَبُوهُ إلى بلنسية سنة ست وخمسمائة فقرأ بها القرآن على موسى بن خميس الضرير، وأبي عبد الله بن باسة. وأخذ العربية عَنْ أَبِي مُحَمَّد البَطَلْيُوسيّ واختصّ بِهِ. وروى عَنْ أَبِي بحر بْن العاص، وخُلَيْص بْن عَبْد اللَّه، وأبي عَبْد اللَّه بْن أَبِي الخير. ورحل إلى قُرْطُبة سنة ثلاث عشرة فتفقَّه بأبي الوليد بْن رُشْد، وأبي عَبْد اللَّه بْن الحاجّ. وسمع من أَبِي مُحَمَّد بْن عتّاب، وأبي القاسم بْن بَقِيّ، وأبي الحسن بن مغيث، وجماعة. وسمع أيضًا من أبي عليّ بْن سُكَّرَة. وأجاز له جماعة. وتصدَّر ببَلَنْسِيَة لإقراء القرآن، والفِقه، والنَّحْو، والرواية، ونشر العلوم.
قَالَ الأَبّار: وكان عالمًا متقنًا، حافظًا للفقه والتّفاسير ومعاني الآثار، مقدَّمًا فِي عِلم اللّسان، فصيحًا، مُفَوَّهًا، ورِعًا، فاضلًا، معظّمًا عند الخاصَّة والعامَّة، دمث الأخلاق، ليّن الجانب. ولي خطَّة الشُّورى وخطابة بَلَنْسِيَة [ص:377] دَهْرًا، وانتهت إِلَيْهِ رئاسة الإقراء والفَتْوى. وصنَّف كتاب " ريّ الظمآن فِي تفسير القرآن "، وهو كبير. وصنَّف كتاب " الإمعان فِي شرح مصنَّف النسائي أبي عبد الرحمن " بلغ فيه الغاية فِي الاحتفال والإكثار، وانتفع بِهِ النّاس، وكثُر الراحلون إِلَيْهِ. وَأَخْبَرَنَا عَنْهُ جماعة من شيوخنا، وهو خاتمة العلماء بشرق الأَنْدَلُس. تُوُفّي فِي رمضان إلى رحمة اللَّه تعالى، وهو فِي عَشْر الثّمانين. قرأ عَلَيْهِ بالروايات: أبو علي الحسن بن محمد ابن فاتح.(12/376)
263 - علي بن عمران بن علي بن معروف، أبو الحسن البكري التيمي الإصبهانيّ. [المتوفى: 567 هـ]
كَانَ سالّار الحاج، حجّ مرّات. روى عَنْ أَبِي مطيع، وأبي الفتح الحدّاد. وعنه أَبُو المحاسن الْقُرَشِيّ، وابنه أَبُو بَكْر عَبْد الله.
ولد سنة خمس وثمانين وأربعمائة. ومات فِي ذي الحجَّة.(12/377)
264 - علي بْن أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أحمد بْن فيد، أَبُو الْحَسَن الفارسيّ الأصل القُرْطُبيّ. [المتوفى: 567 هـ]
روى عَنْ أَبِي مُحَمَّد بْن عتّاب، وأبي الوليد بْن طريف، وأبي بحر الأَسَديّ. وحجّ سنة ثلاثين، فسمع أَبَا بَكْر بْن عشير الشّروانيّ، وأبا علي بْن العرجاء، وأبا المظفَّر الشَّيْبانيّ.
قَالَ الأَبّار: ولقي أيضًا: أَبَا سَعِيد حيدر بْن يحيى، وسلطان بن إبراهيم المقدسي؛ وأكثر عَنِ السِّلَفيّ. وانصرف إلى قُرْطُبة بفوائد جمَّة، فسمعوا منه. وكان من أهل العناية الكاملة بالرواية، ثَبْتًا، عارفًا، موصوفًا بالذّكاء والحِفْظ، متواضعًا. خرج من قُرْطُبة فِي الفتنة بعد الأربعين وخمسمائة، فنزل كورة أَلْش، من أعمال مُرْسِيَّة، فولي خطابتها مدَّة. وكان النّاس يقصدونه. حدَّث عَنْهُ ابن بَشْكوال؛ وأعجب من هذا أنّ رزين بْن معاوية العبْدَريّ حدَّث عَنْهُ " بسيرة ابن إِسْحَاق "، بروايته عَنِ السِّلَفيّ. وحدَّث عَنْهُ من شيوخنا: أبو الخطاب ابن واجب، وأبو عَبْد اللَّه التُّجَيبيّ. استشهد فِي خروجه من ألْش مَعَ عامَّة أهلها لمّا خافوا من الأمير سعد بْن مُحَمَّد، وكانوا قد خلعوا دعوته.
قُتِلَ فِي هذه السّنة وقد قارب الثّمانين.(12/377)
265 - علي بْن مُحَمَّد بْن خُلَيْد، أَبُو الْحَسَن ابن الإشبيليّ. [المتوفى: 567 هـ]
سكن المَرِيَّة، وأخذ عَنْ أَبِي القاسم بْن ورد؛ ولازمه. وبرع فِي علم الأصول والكلام. وكان خطيبًا مفوَّهًا، وافر الحُرمة. أخذ عنه أبو القاسم ابن الملجوم، وأبو عمرو عثمان بن عبد الله.
توفي بمراكش.(12/378)
266 - القاسم بْن الفضل بْن عَبْد الواحد بْن الفضل، أَبُو المطهَّر بْن أَبِي طاهر الإصبهانيّ، الصيدلاني. [المتوفى: 567 هـ]
سمع من رزق الله التميمي والقاسم بن الفضل الثقفي، ومكّيّ بْن منصور الكرْجيّ، وغيرهم. حدَّث عَنْهُ " بمُسْنَد الشّافعيّ " أحمد بْن مُحَمَّد الْجَنْزِيّ، ثمّ الإصبهانيّ، وروى عَنْهُ أَبُو نزار ربيعة بْن الْحَسَن اليَمَنيّ، ومحمد بْن مَسْعُود بْن أَبِي الفتح المَدِينيّ، والحافظ عَبْد القادر الرُّهَاويّ، ومحمد بْن أَبِي سَعِيد بْن طاهر الفقيه، ومعاوية بن محمد بْن الفضل، وجماعة. وروى عَنْهُ بالإجازة: موفَّق الدّين بْن قُدَامة، وكريمة القُرَشيَّة.
وكان من آخر مَن روى عَنْ رزق اللَّه أو آخرهم. وتوفي فِي نصف جُمَادَى الأولى عَنْ نيِّفٍ وتسعين سنة. ورّخه ابن نقطة.
وروى عَنْهُ أَبُو سعد السَّمعانيّ وقال: كَانَ متميزًا، حريصًا عَلَى طلب الحديث، مليح الخطّ، سَمِعَ وأكثرَ وبالَغ.
روى عن سليمان الحافظ، وجده لأمه أبي منصور مُحَمَّد بْن علي بْن عَبْد الرّزّاق، وطائفة.(12/378)
267 - مُحَمَّد بْن أحمد بْن الزُّبَيْر، أَبُو عَبْد الله القيسي الشاطبي، عرف بالأغرشي، [المتوفى: 567 هـ]
نسبة إلى بعض أعمال شاطبة.
ولي خطاب شاطبة، وكان موصوفًا بالزهد والخشوع وإلاخبات، والبكاء؛ مشارًا إِلَيْهِ بإجابة الدعوة.(12/378)
268 - مُحَمَّد بْن أسعد بْن مُحَمَّد بْن نصر. الفقيه أَبُو المظفر بن الحليم البغداديّ، العراقيّ، الحنفي، الواعظ، [المتوفى: 567 هـ]
نزيل دمشق. [ص:379]
وكان يعظ بها، ثم درس بها بالطَّرخانيَّة وبالصّادريَّة، وبنى لَهُ الأمير معين الدّين أنر مدرسة. وظهر لَهُ الْقَبُولُ فِي الوعظ. وسمع أَبَا علي بْن نبهان، وأبا غالب مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد القزّاز، ونور الهدي الزَّيْنَبيّ، وغيرهم. روى عَنْهُ أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وأخوه شمس الدّين أبو القاسم، والقاضي أبو نصر ابن الشّيرازيّ، وغيرهم.
قَالَ الحافظ ابن عساكر فِي ترجمته: وذكر أَنَّهُ سَمِعَ " المقامات " من الحريريّ، وألَّف تفسيرًا وشرح " المقامات " وأنشدني بماردين أبياتًا، لقيته بها.
قلت: أخبرتنا " بالمقامات " الكاتبة أَمَة العزيز بِنْت يوسف بْن غنيمة بمنزلها، قالت: أخبرنا أبو نصر ابن الشيرازي، قال: أخبرنا أبو المظفر الحنفي، قال: أخبرنا الحريريّ المصنَّف.
تُوُفّي عَنْ نيِّفٍ وثمانين سنة بدمشق.
وقد كتب عنه أبو سعد ابن السمعاني.(12/378)
269 - مُحَمَّد بْن سعد بْن مَرْدَنيش. الأمير أبو عَبْد اللَّه، [المتوفى: 567 هـ]
صاحب الشجاعة والإقدام بمُرْسِيَة ونواحيها.
ولد سنة ثمان عشرة وخمسمائة، وتنقّلت بِهِ الأحوال، وتملك مُرْسِيَّة وبَلَنْسِيَة، واستعان بالفِرَنْج عَلَى حرب الموحّدين، واستفحل شأنه بعد موت عَبْد المؤمن، فسار إِلَيْهِ أَبُو يعقوب بْن عَبْد المؤمن، وعبر إلى الأَنْدَلُس فِي مائة ألف، ودخل إشبيلية، وجاء إِلَيْهِ أخوه عُمَر، وكان نائبة عَلَى الأَنْدَلُس، فاستشعر ابن مردنيش العجْزَ، والقَهْرَ، ومرض مرضًا شديدًا، واحتضر، فأمر بنيه أن يبادروا إلى أَبِي يعقوب، ويسلّموا إِلَيْهِ البلاد الّتي بيده.
ومات هُوَ فِي التاسع والعشرين من رجب، فقيل: إنّ أمّه سَقَتْه السُّمّ لأنّه كَانَ قد أساء إلى أهله وخواصّه، فكلّمتْه وأغلظت لَهُ، فتهددّها حتّى خافت منه، فعملت عَلَيْهِ وسَقَتْه، وبادر إخوته فسلّموا شرق الأَنْدَلُس إلى أَبِي يعقوب [ص:380] وهي مُرْسِيَّة، وبَلَنْسِيَة، وجَيّان، فأكرمهم وفرح بمحبتهم، وتزوَّج بأختهم، وصاروا من حزبه.(12/379)
270 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن ميمون بْن إدريس، أَبُو بَكْر العَبْدريّ، القُرْطُبيّ الأديب. [المتوفى: 567 هـ]
روى عَنْ أَبِي مُحَمَّد بْن عتّاب، وأبي الوليد بْن رُشد، وأبي بحر الأسدي، وابن مُغِيث، وجماعة.
قَالَ الأَبّار: كَانَ متقدمًا فِي عِلْم اللّسان، متصرّفًا فِي غيره من الفنون، حافظًا، حافلًا، شاعر، مُجوِّدًا. نزل مَرّاكُش، وأقرأ بها العربيَّة، والآداب، وشرح " الْجُمَل " للزَّجّاجّي. حدَّث عَنْهُ يعيش بْن القديم. وتوفي بمراكش عَنْ إقلاع وإنابة.(12/380)
271 - مُحَمَّد بْن عَبْد الرّحيم بْن مُحَمَّد بْن الفَرَج بْن خَلَف، الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه ابن الفَرَس الْأَنْصَارِيّ، الخَزْرَجيّ، الغَرْناطيّ. [المتوفى: 567 هـ]
سَمِعَ أَبَاهُ أَبَا القاسم وأخذ عَنْهُ القراءات، وتفقه عَلَيْهِ. وسمع أَبَا بَكْر بْن عطيَّة، وأبا الْحَسَن بْن الباذش. ورحل إلى قُرْطُبة فسمع أَبَا مُحَمَّد بْن عتّاب، وأبا بحر، وابن رُشْد، وابن مغيث، وطائفة. وتفقّه ببعضهم؛ وأخذ القراءات بقُرطُبة. وعدد شيوخه خمسةٌ وثمانون.
قَالَ الأَبّار: كَانَ عالِمًا، حافِلًا، راوية، مُكثِرًا متحقّقًا بالقراءات والفِقْه، وله مشاركة فِي الحديث والأصول مَعَ البَصَر بالفتوى. نزل مُرْسِيَّة، ووُلّي خطَّة الشُّورى، ثمّ ولي قضاء بَلَنْسِيَة، ثمّ استعفى منه، وكان فِي وقته أحد حُفَّاظ الأَنْدَلُس فِي المسائل مَعَ المعرفة بالآداب. وكانت أصوله أعلاقًا نفيسة لا نظير لها، جمع منها كثيرًا وكتب بخطّه أكثرها.
قَالَ التُّجَيْبيّ: ذُكر لي من فضله ما أزعجني إِلَيْهِ، فلقيت عالِمًا كبيرًا، ووجدت عنده جماعة وافرة من شرق الأَنْدَلُس وغربها، يأخذون عَنْهُ الفِقْه، والحديث، والقراءات، إفرادًا وجَمْعًا. وحكى أَنَّهُ قرأ عَلَيْهِ بها وبرواية يعقوب، واستظهر عليه " التيسير" [ص:381] و" ملخص القابِسيّ ". وكان يؤمّ بجامع مُرْسِيَة لحُسْن صوته.
قال الأبار: حدثنا عَنْهُ جماعة من جِلَّة شيوخنا. وتُوُفّي فِي شوّال وله ستٌّ وستّون سنة.(12/380)
272 - مُحَمَّد بْن علي بْن جعفر القَيْسيّ القَلْعيّ، من قلعة حماد بالمغرب، أبو عبد الله ابن الرِّمامة، [المتوفى: 567 هـ]
نزيل مدينة فاس.
تفقّه عَلَى: أَبِي الفضل ابن النَّحْويّ. ودخل الأَنْدَلُس فسمع من أَبِي مُحَمَّد بْن عتّاب، وأبي بحر الأَسَديّ. ووُلّي قضاء فاس فلم يُحمد. وكان عاكفًا عَلَى تواليف الغزالي سيّما " البسيط ". روى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن بَقِيّ، وجماعة.
مات فِي رجب، وله تسعٌ وثمانون سنة، وله تصانيف.(12/381)
273 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أحمد. الفقيه أَبُو حامد الطُّوسيّ، البَرَويّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 567 هـ]
سَمِعَ مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الفارسي، وَعَبْد الوَهَّاب بْن شاه الشّاذياخي وتفقّه بأبي سعد مُحَمَّد بْن يحيى. وقدِم دمشق سنة خمسٍ وستّين، ونزل بدُوَيْرة السُّمَيْساطيّ، وكان واعظًا، فاضلًا، مناظِرًا. تُوُفّي ببغداد فِي رمضان وله خمسون سنة. كذا ذكره ابن عساكر.
وأمّا ابن الدَّبِيثيّ فأطنب في وصُفه، وسمّاه مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن عَبْد اللَّه البَرَويّ، وقال: أحد علماء عصره، والمُشَار إِلَيْهِ بالتّقدُّم في معرفة الفِقْه، والكلام، والنَّظَر، وحُسْن العبارة والبلاغة. قدِم من دمشق فرُزِق قبولًا ببغداد، ودرَّس بها الأصول والجدل بالمدرسة البهائية؛ وكان يحضر درسَه خلْق. ووعظ بالنّظاميَّة ثمّ عاجله الموت. وقد حدَّث بشيءٍ يسير.
وكنّاه ابن الجوزيّ فِي " منتظمه " أَبَا المظفّر، وقال: قدم علينا بغداد، [ص:382] وجلس للواعظ، وأظهر مذهب الأشعريّ، وناظَر عَلَيْهِ، وتعصب عَلَى الحنابلة وبالَغ.
وقال ابن الأثير: أصابه إسهال فمات، فقيل: إنّ الحنابلة أهدوا لَهُ حلْواء، فأكل منها فمات هُوَ وكلّ من أكل منها.
وقال سِبْط ابن الْجَوْزيّ: كَانَ شابا، حَسَن الصّورة، فصيحًا، مليح الإشارة والعبارة بالَغَ في ذَمّ الحنابلة، وقال: لو كَانَ لي أمرٌ لوضعت عليهم الجزْية. فيقال إنهم دسّوا عَلَيْهِ امْرَأَةً جاءته فِي الليل بصحن حلْوَى مسموم، وقالت: هذا يا سيدي من غزلي. فأكل هو وامرأته وولد له صغير، فأصبحوا مَوْتَى.
وقال ابن خَلِّكان فِي اسمه: مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن سعد، أَبُو منصور البَرَويّ، صاحب التّعليقة المشهورة فِي الخلاف، وكان من أكبر أصحاب مُحَمَّد بْن يحيى، وله جَدَل مليح مشهور، أكثر اشتغال الفقهاء بِهِ، وشرحه تقي الدّين منصور بن عبد الله المصري المعروف بالمعتز شرحًا مُشْبِعًا. ودخل البَرَويّ بغدادَ فصادف قبولًا وافرًا، وتوفي بعد أشهر.(12/381)
274 - المبارك بْن مُحَمَّد بْن المُعَمَّر، أَبُو المكارم الباذَرَائيّ، الرجل الصّالح. [المتوفى: 567 هـ]
سَمِعَ من نصر بْن البَطِر، وأحمد بْن عَلِيّ الطُّرَيْثيثيّ، ومحمد بْن عَبْد العزيز الخيّاط، وعليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن الجراح، وأبي الحسن ابن العلّاف، وغيرهم.
قَالَ الشَّيْخ الموفَّق: شيخ صالح ضعيف، أكثر أوقاته مستلق على قفاه، وكان يسألنا عَنِ الصّلاة قاعدًا لعجزه.
قلت: روى عَنْهُ تميم البَنْدَنِيجَيّ، والحافظ عَبْد الغنيّ، وعبد القادر الرّهاويّ، والشَّيْخ الموفّق، وعليّ بْن ثابت الطّالبانيّ، وأبو طَالِب بْن [ص:383] عَبْد السّميع، والضّحّاك بْن أَبِي بَكْر القَطِيعيّ، وعلي بن الحسين بن يوحن الباوري، وآخرون.
وتوفي فِي العشرين من جمادى الآخرة.(12/382)
275 - محمود بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن. الفقيه أَبُو المحامد الكُشْمِيهَنيّ المَرْوَزِيّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 567 هـ]
روى عَنْ أَبِي منصور مُحَمَّد بْن علي الكراعيّ. حدّث بدمشق وبغداد، روى عَنْهُ عَبْد الكريم بْن مُحَمَّد السّيّديّ، وأبو القاسم بْن صصرى، وغير واحد.
وتوفي ببغداد.(12/383)
276 - نصر اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن مخلوف بن علي بن قلاقس. القاضي الأعز أبو الفُتُوح اللّخْميّ، الأزهريّ، الإسكندريّ الأديب، الشّاعر. [المتوفى: 567 هـ]
له " ديوان " مشهور؛ وكان شاعرًا محسِنًا، لَهُ فِي السِّلَفيّ مدائح وهي في ديوانه. وكان كثير الأسفار، سناطا. وله فِي كثرة أسفاره:
والنّاس كُثُرٌ ولكْن لا يُقَدَّر لي ... إلّا مرافقةُ الملّاح والحادي
ثمّ دخل اليمن، ومدح وزيرها أَبَا الفَرَج ياسر بن بلال وزير الملك مُحَمَّد بْن عمران بْن مُحَمَّد ابن الدّاعي سبأ بْن أَبِي السُّعُود اليّامي صاحب اليمن. ورجع من اليمن مُثْرِيًا من جوائزه، فغرق جميع ما معه بقرب دهلك، فردّ إِلَيْهِ وهو عُريان، وأنشده قصيدته الّتي أوّلها:
صَدَرْنا وقد نادى السَّماحُ بنا ردوا ... فَعُدْنا إلى مُغْنَاك وَالْعَوْدُ أحْمَدُ
ثمّ أنشده قصيدة أخرى، هي:
سافر إذا حاولت قدْرا ... سار الهلال فَصَار بَدْرَا
والماء يكسب ما جرى ... طيبًا ويخبث ما استقرا
وينقل الدرر النفيـ ... سة بُدِّلت بالبحر نَحْرا
يا راويًا عَنْ ياسرٍ ... خبرًا ولم يعرفه خُبْرا
اقرأ بغُرَّة وجهه ... صُحُف الْمُنَى إنْ كنتَ تَقْرا
والثُمْ بَنَانَ يمينه ... وَقُلِ السّلامُ عليك بَحْرا [ص:384]
وغلطت في تشبيهه ... بالبحر فاللهم غفرا
أوليس نلْتُ بذا غِنى ... جَمًّا ونلتُ بذاك فَقْرا
وعهدت هذا لم يَزَلْ ... مدًّا، وذاك يعود جزرا
وله فِي القاضي الفاضل هذه:
ما ضرّ ذاك الريم أن لا يَريمْ ... لو كَانَ يرثي لسليم سليم
وما على من وصله جنة ... ألا أُرى من صدّه فِي جحِيم
رقيمُ خد نامَ عَنْ ساهرٍ ... ما أجدر النّومَ بأهل الرقيم
ولد سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، وتوفي في ثالث شوال بعيذاب.(12/383)
277 - وجيه بْن هبة اللَّه بْن المبارك بْن مُوسَى، أَبُو العلاء بْن أَبِي البركات السَّقَطيّ، البغداديّ، الأَزَجيّ. [المتوفى: 567 هـ]
من أولاد الشّيوخ،
سَمِعَ أَبَاهُ، والحسين بن علي ابن البُسْريّ، وأبا سعد بْن خُشَيْش، وأبا القاسم الرَّبَعيّ، والعلّاف، وغيرهم.
روى عَنْهُ ابن الأخضر، وطاهر الأَزَجيّ، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، وآخرون.
وقال ابن النّجّار: كَانَ من دُعاة المواكب الدّيوانية، وسكن فِي أواخر عمره أَوَانا.
وقال أَبُو سعد السَّمعانيّ: كتبت عَنْهُ أحاديث، وقال لي أَبُو القاسم الدّمشقيّ: هُوَ أدبر من أَبِيهِ.
قَالَ أَبُو سعد: وقال لي: وُلِدتُ سنة خمسٍ وتسعين، فإنْ صحّ قوله فسماعه من ابن البسري حضورًا.
وقال هبة اللَّه بْن وجيه: تُوُفّي أَبِي فِي ذي القعدة سنة سبع بصريفين.(12/384)
278 - يحيى بْن سعدون بْن تمام بْن مُحَمَّد. الْإِمَام أَبُو بَكْر الْأَزْدِيّ القُرْطُبيّ، المقرئ، [المتوفى: 567 هـ]
نزيل الموصل.
قرأ القراءات بالأندلس على أَبِي القاسم خلف بن إبراهيم النخاس الحصار مقرئ الأَنْدَلُس، وعلى أَبِي الْحَسَن عون الله بن محمد بن عبد الرحمن نائب الخطيب بقُرْطُبة، وتُوُفّي سنة عشر، وأحمد بْن عَبْد الحقّ الخَزْرَجيّ [ص:385] بالأندلس، وما هذان بمعروفين. ورحل فقرأ بالإسكندريَّة على: أبي القاسم عبد الرحمن ابن الفحّام. وأتى بغدادَ فقرأ القراءات عَلَى: أَبِي عَبْد اللَّه الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد البارع، وأبي بَكْر المَزْرَفيّ، وسِبْط الخيّاط. وسمع بقُرْطُبة من أَبِي مُحَمَّد بن عتّاب، وبالثغر من أَبِي عَبْد اللَّه الرّازيّ، وبمصر من أَبِي صادق مرشد بْن يحيى، سَمِعَ منه سنة خمس عشرة " صحيح الْبُخَارِيّ ". وببغداد من البارع، وابن الحُصَيْن، وأبي العزّ بْن كادش. ثمّ قدِم دمشقَ فسكنها مدَّة، وأقرأ بها القرآن والنَّحْو.
وكان ماهرًا بالعربيَّة، بصيرًا بالقراءات، عالي الإسناد فيها، شديد العناية بها من صِغَره. وكان متواضعًا، حَسَن الأخلاق، ثقة، نبيلًا.
وحدَّث ابن سعدون هذا عَنْ أَبِي القاسم الزَّمَخْشَريّ بكتاب " أسماء الجبال والمياه ". وخرج عَنْ دمشق حين توجّه النّصرانيّ الكِنْديّ إليها، فدخل الموصل وذهب إلى إصبهان، ثمّ عاد إلى الموصل فسكنها.
وُلِد فِي ربيع الأوّل سنة ستٍّ وثمانين وأربعمائة.
روى عَنْهُ الحافظان ابن عساكر، والسَّمعانيّ، وأَبُو جعفر القُرْطُبيّ والد التّاج، وعبد اللَّه بْن الْحَسَن المَوْصِليّ، ومحمد بْن مُحَمَّد الحِلّيّ، والقاضي بهاء الدّين يوسف بْن شدّاد، وأبو الْحَسَن مُحَمَّد بْن أحمد القَطِيعيّ. وقرأ عَلَيْهِ القراءات فخر الدّين مُحَمَّد بْن أَبِي المعالي المَوْصِليّ، وعز الدّين مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم بْن حرميَّة البوازيجيّ، وابن شدّاد، والكمال عَبْد المجير بْن مُحَمَّد القُبَيْصيّ بحلب.
قَالَ ابن عساكر: هو ثقة، ثبت.
وقال ابن السمعاني: هو أحد أئمة اللّغة، وله يدٌ قويَّة فِي النَّحْو. قرأ القراءات بروايات عَلَى جماعةٍ بمصر والعراق، وهو فاضل ديِّن، ورع، حَسَن الإقراء والأخْذ. لَهُ وَقَار وسُكون، واشتغال بما يعنيه. سمعت منه " مشيخة " أَبِي عَبْد اللَّه الرّازيّ، وكان ثقة، ثَبْتًا، صدوقًا، نبيلًا، قليل الكلام، كثير الخير، مفيدًا. 386/ 402 وقال ابن عساكر: تُوُفّي يوم الجمعة يوم عيد الفِطْر.
وقال ابن خَلِّكان: لقبه صائن الدّين.(12/384)
279 - يحيى بْن مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز بْن عقال، أَبُو زكريّا الفِهْريّ، البَلَنْسيّ. [المتوفى: 567 هـ]
سَمِعَ من أبي الوليد ابن الدّبّاغ، وأبي بَكْر بْن برنْجال. وتفقّه عَلَى أَبِي مُحَمَّد بْن عاشر، وأبي بَكْر بْن أسد. ولقي بقُرْطُبة أَبَا جعفر البَطْرُوجيّ، فتفقَّه بِهِ، وناظر عَلَيْهِ فِي " المدوّنة ". وسمع من أَبِي بَكْر ابن العربيّ. وبغَرْناطَة من القاضي عِياض. ووُلّي خطَّة الشُّورَى ببلده.
قَالَ الأَبّار: وكان فقيهًا، حافظًا، مُفْتيا، قائمًا عَلَى " المدوّنة " و " العتبية "، متين المعرفة، عاكفًا عَلَى عقد الشُّروُط. ووُلّي قضاء أنْدَة من كُوَر بَلَنْسِيَة، وقضاء ألش، فحُمِدَت سِيرته. أخذ عَنْهُ شيخنا أَبُو عَبْد اللَّه بْن نوح وتفقّه عَلَيْهِ. تُوُفّي فِي صفر وله ثلاثٌ وستّون سنة.
وتُوُفّي أخوه مُحَمَّد قُبَيْله فِي المحرَّم.(12/385)
280 - يحيى بْن مُحَمَّد بْن هانئ بْن ذي النُّون، أَبُو بَكْر بْن مانيه التّغْلبيّ، الغَرْناطيّ. [المتوفى: 567 هـ]
سَمِعَ من غالب بن عطية، وأبي الوليد بن بقوة، وأبي بكر ابن العربيّ. وحجّ سنة ثلاثين.
وسمع من أَبِي علي بن العرجاء. وبمصر من سلطان بْن إِبْرَاهِيم المقدسيّ. وأكثر من السّماع، واستوطن أُوريُولَة وولي خطابتها، وحدَّث بها.(12/385)
-سنة ثمان وستين وخمسمائة(12/387)
281 - أحمد بْن سَعِيد بْن حَسَن، أَبُو الحارث البغداديّ الخيّاط، المقرئ، المعروف بالعسكريّ. [المتوفى: 568 هـ]
سَمِعَ أَبَا علي بْن نَبْهان، وَأُبَيًّا النَّرْسِيّ، روى عَنْهُ عُمَر بْن علي الْقُرَشِيّ، وقال: كَانَ غير ثقة، بانَ لنا تزويره فِي غير شيء.(12/387)
282 - أحمد بْن مُحَمَّد بْن شُنَيْف بْن مُحَمَّد، أَبُو الفضل الدّارقَزّيّ، المقرئ. [المتوفى: 568 هـ]
شيخ معمّر، عالي الطّبقة. قرأ بالروايات عَلَى أَبِي طاهر بْن سِوَار، وأبي منصور مُحَمَّد بْن أحمد الخيّاط، وثابت بْن بُنْدار، وسمع منهم الحديث. وأقرأ القرآن. سَمِعَ منه عُمَر الْقُرَشِيّ، وعليّ بْن أحمد الزَّيْديّ، وصالح العطّار.
قَالَ ابن الدَّبِيثيّ: حدثنا عَنْهُ غير واحد. وتُوُفّي فِي المحرَّم وله ستٌّ وتسعون سنة.
قُلت: هذا أسْنَد من بقي فِي القراءات، فِي طبقة سِبْط الخيّاط، وأبي الكَرَم الشّهْرُزُوريّ، والعَجَب من البغداديّين كيف لم يزدحموا على هذا ويقرؤوا عَلَيْهِ؟!.(12/387)
283 - أَحْمَد بْن هبة اللَّه بْن عَبْد القادر بْن الْحُسَيْن، أَبُو الْعَبَّاس الهاشميّ، المنصوريّ الخطيب. [المتوفى: 568 هـ]
تُوُفّي فِي جُمَادَى الأولى ببغداد؛ ورَّخه ابن مشق.(12/387)
284 - إِبْرَاهِيم بْن سعود بْن عيّاش، أَبُو إِسْحَاق الوقاياتي، البغدادي، المقرئ. [المتوفى: 568 هـ]
قرأ القراءات على سبط الخياط، وغيره، وطلب الحديث وعُني بِهِ، وكتب كثيرًا من الأجزاء عَنْ هبة اللَّه بْن الطَّبر، وأبي غالب ابن البنّاء، وقاضي المَرِسْتان. وعنه ابن الأخضر، ويوسف بْن كامل. وكان صَدُوقًا خيِّرًا.(12/388)
285 - إِبْرَاهِيم بْن محمد، أبو إسحاق الشنتمري، [المتوفى: 568 هـ]
صاحب أبي الحسن بْن هُذَيْلٍ المقرئ وخليفته عَلَى التّعليم.
استُشْهِد فِي وقعةٍ بظاهر بَلَنْسِيَة فِي رجب.(12/388)
286 - أرسلان بن خوارزم شاه أتسز بن محمد بن أنوشْتِكِين. [المتوفى: 568 هـ]
رجع من قتال أُمَّة الخطا مريضًا فمات. وكان حاكمًا عَلَى خُوارزم وأعمالها، وتملَّك بعده ابنه سلطان شاه محمود. وأمّا ابنه الآخر، وهو الأكبر، وهو علاء الدّين تكش، فكان مقيمًا بالْجُنْد، فلمّا بلغه موتُ أَبِيهِ وتملُّك أخيه الصغير غضب، وقصد ملك الخطا، واستمدّ منه، فبعث معه جيشًا، فلمّا قاربوا خُوارزم، خرج سلطان شاه ووالدته إلى المؤيَّد صاحب نَيْسابور، وتملّك علاء الدين خوارزم وبلادها بغير قتال.
وأما المؤيد فسار مع محمود بجيوشه، وقارب خوارزم، فالتقوا وحمي الحرب، فانهزمت الخراسانية، وأسر المؤيد، وقتل بين يدي علاء الدين تكش صبرا، وهرب محمود وأمه إلى دهستان، فحاصرهم تكش، وافتتح البلد، فهرب محمود، وأمسكت أمه، فقتلها تكش.
وقام بعد المؤيد ابنه طغان شاه أبو بكر. وسار محمود إلى عند غياث الدين ملك الغور، فأكرمه وأجله، وثبت ملك أخيه تكش.(12/388)
287 - إلْدِكْز، الأتابَك شمس الدّين [المتوفى: 568 هـ]
صاحب أَذَرْبَيْجان، وهَمَذَان.
كَانَ مملوكًا للكمال السّميرميّ وزير السّلطان محمود السَّلْجُوقيّ، فلمّا قُتِلَ السّمِيرَميّ صار إلْدِكْز إلى السّلطان وصار أميرًا، فلمّا ولي مَسْعُود السّلطنة ولّاه أرانية. ثمّ غلب عَلَى أكثر أَذَرْبَيْجان وبلاد هَمَذَان وإصبهان والرّيّ، وخطب بالسَّلطنة لابن امرأته أرسلان شاه بْن طُغْرل.
وكان عدد عسكر إلَدِكْز خمسين ألفًا، وكان أرسلان شاه من تحت أمره. وكان فِيهِ عقلٌ، وحُسْن سيرة، ونَظَر فِي مصالح الرّعيَّة. وكان ملكه من باب تَفْلِيس إلى مكْران. وولي بعده ولده مُحَمَّد البهلوان.(12/389)
288 - أيّوب بْن شاذي بْن مروان بْن يعقوب، الأمير نجم الدّين أَبُو الشُّكْر، الكُرْديّ، الدُّوِينيّ. [المتوفى: 568 هـ]
والد الملوك.
كَانَ أَبُوهُ من أهل دُوِين ومن أبناء أعيانها، وبها وُلِد أيّوب. ووُلّي أوّل شيءٍ قلعة تِكْريت، ثمّ انتقل إلى المَوْصِل وخدم أتابَك زنكيّ والد نور الدّين، وكان وجيهًا عنده. ثم انتقل إلى الشام، وولي له نيابة بَعْلَبَكّ، ووُلِّيها لنور الدّين أيضًا قبل أن يستولي عَلَى دمشق، فوُلِد لَهُ بها الملك العادل أَبُو بَكْر.
مبدأ سعادة شاذي فيما بَلَغَنَا، أَنَّهُ كَانَ لشاذي صاحب، وهو جمال الدّولة بهروز، وكان ظريفًا لطيفًا، خيِّرًا، وكان كثير الودّ لشاذي، فاتُّهِم بِهْرُوز بزوجة أمير بدُوِين، فأخذه الأمير وخصاه، فنزح عَنْ دُوِين، ثمّ اتَّصل بالطُّواشيّ الَّذِي هُوَ لالا أولاد السّلطان مَسْعُود بْن مُحَمَّد بْن ملكشاه. فوجده لطيفًا كافيًا فِي جميع أموره، فنَفَقَ عَلَيْهِ، وجعله يركب مَعَ أولاد السّلطان. ثمّ توصَّل إلى السّلطان، وصار يلعب معه بالشّطَرَنْج وأحبه. ومات اللالا، فصيره مكانه، وأرصده لمهامه، وشاع ذكره، فأرسل إلى صديقه شاذي يطلبه، فلمّا قدم عَلَيْهِ بالَغ فِي إكرامه.
ثمّ إنّ السّلطان جعل بِهْرُوز نائبه عَلَى بغداد، فاستصحب معه شاذي [ص:390] وأولاده، ثمّ أعطاه السّلطان قلعة تَكْرِيت، فلم يَثِقْ فِي أمرها بسوى شاذي، فأرسله إليها، فأقام بها مدَّةً إلى أن تُوُفّي بها، فولّي عليها ولده نجم الدّين أيّوب هذا، فقام فِي إمرة القلعة أحسن قيام، فشكره بِهْرُوز وأحسن إِلَيْهِ. فاتّفق أن امْرَأَةً خرجت من القلعة، فَعَبَرت باكية عَلَى نجم الدّين وأخيه أسد الدّين شِيرَكُوه، فسألاها، فقالت: تعرَّض إليَّ الإسْفِهْسلّار فقام شِيرَكُوه فأخذ حربة للإسْفهسِلّار فقتله بها، فأمسكه أخوه واعتقله، وكتب بذلك إلى بِهْرُوز، فرد جوابه: لأبيكما عليَّ حقّ، وأشتهي أن تخرجا من بلدي. فخرجا إلى المَوْصِل، فأحسن إليهما أتابّك زنكيّ وأكرمهما.
فلمّا ملك زنكي بَعْلَبَكّ استناب بها نَجْمَ الدّين، فعمّر بها خانقاه للصّوفيَّة. وكان رجلًا خيِّرًا، ديِّنًا، مبارَكًا، كثير الصَّدَقات، سَمْحًا، كريمًا، وافر العقل.
ولمّا توجّه أخوه أسد الدّين إلى مصر وغلب عليها، كَانَ نجم الدّين فِي خدمة السّلطان نور الدّين بدمشق. فلمّا ولي الوزارة صلاح الدّين ابنه بمصر سيّره نور الدّين إلى عند ابنه صلاح الدّين، فدخل القاهرة فِي رجب سنة خمسٍ وستّين، وخرج العاضد للقائه، وترجّل ولده فِي ركابه، وكان يومًا مشهودًا. وعرض عَلَيْهِ ولده الأمر كلَّه فأبى وقال: يا ولدي ما اختارك اللَّه لهذا الأمر إلّا وأنت لَهُ أهْل.
وبقي عنده، وأمْرُ صلاحِ الدّين - أيّده اللَّه - فِي ازديادٍ إلى أن ملك البلاد. فلمّا خرج لحصار الكَرَك خرج نجم الدّين من باب النصر بالقاهرة. فشب به فرسه فرماه، فحُمِل إلى داره وبقي تسعة أيّام، ومات فِي السابع والعشرين من ذي الحجَّة. وكان يُلقَّب بالأجَلّ الأفضل. ومنهم من يَقُولُ: بالملك الأفضل. ودُفن إلى جانب أخيه أسد الدّين بالدّار، ثمّ نُقِلا إلى المدينة النّبويَّة فِي سنة تسعٍ وسبعين.
وقد روى بالإجازة عَنِ الوزير أَبِي المظفّر بْن هُبَيْرة. سَمِعَ منه يوسف بْن الطُّفَيْل، والحافظ عَبْد الغني، والشيح الموفق.
قال الشيخ أبو عمر: أخبرنا نجم الدين أيوب قال: أخبرنا ابن هُبَيْرة إجازةً قَالَ: كنت أُصلّي عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعيناي مُطْبِقَتَان، فرأيت من وراء [ص:391] جفني كاتبًا يكتب بِمِدادٍ أسود صلاتي عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أنظر مواقعَ الحروف فِي ذَلِكَ القرْطاس، ففتحتُ عينيّ لأنظره ببَصَرِي، فرأيته وقد توارى عنّي، حتّى رأيت بياض ثوبه. ولقد أشرتُ إلى هذا فِي كتابنا، يعني " الإفصاح ".
وقال الصّاحب أبو القاسم بْن أَبِي جَرَادة: وذكر لي رجل يعتني بعِلم النَّسَب نَسَب أيّوب بْن شاذي إلى عدنان، ولا أعتمد عَلَى نقله.
قَالَ: كَانَ المعز إسماعيل ابن سيف الْإِسْلَام طُغْتِكِين بْن أيّوب صاحب اليمن ادّعى نَسَبًا فِي بنى أُميَّة، وادعى الخلافة، وكان شيخنا قاضي القضاة ابن شدّاد يحكي عَنِ السّلطان صلاح الدّين إنكار ذَلِكَ.
وشاذي: اسم أعجميّ معناه: فَرْحان. ودُوين بضم الدالّ وكسر الواو: بلدة بآخر أذربيجان تجاور بلاد الكرج، والنسبة إليها دويني، ودويني، بفتح الواو.
ولأيّوب من الأولاد: السّلطان صلاح الدّين، والسّلطان العادل سيف الدّين، وشمس الدّولة تُورانشاه الَّذِي دخل اليمن أولًا وتملّكها، وشاهنشاه. والد صاحب بَعْلَبَكّ عزّ الدّين فَرُّوخ شاه، وصاحب حماه تقي الدّين عُمَر ابني شاهنشاه وسيف الإسلام ظغتكين صاحب اليمن، وتاج الملوك بُوري وهو أصغرهم، وست الشام، وربيعة.(12/389)
289 - أي أبه بْن عَبْد اللَّه السَّنْجَريّ الملك، الملقَّب بالمؤيَّد. [المتوفى: 568 هـ]
استولى عَلَى نَيْسابور وكثير من خُراسان بعد الغُزّ، فَلَمَّ شَعثَها، ورتَّب قواعدها، وكان من أمراء السّلطان سَنْجَر. قُتِلَ فِي مُصَافٍّ بينه وبين خُوارزم شاه علاء الدّين أوّل ما ملك علاء الدين.(12/391)
290 - جعفر بن عبد الله ابن قاضي القضاة أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن علي بْن مُحَمَّد الدّامَغَانيّ، أَبُو منصور. [المتوفى: 568 هـ]
شيخ بغداديّ رئيس، سَمِعَ أَبَا مُسْلِم بْن عَبْد الرحمن السمناني، وأبا الحسين [ص:392] ابن الطيوري، وأبا طاهر بن سِوار، وأبا زكريّا بْن مَنْدَهْ، وغيرهم.
وُلِد سنة تسعين وأربعمائة. وحدَّث عَنْهُ عُمَر بْن علي الْقُرَشِيّ، وابن الأخضر، والموفَّق بْن قُدَامة، وولده يحيى بْن جعفر الَّذِي يروي عَنْهُ شيخنا سُنْقُر الحلبيّ، وسعيد بْن مُحَمَّد بْن ياسين، وعبد السّيّد بْن أحمد خطيب بَعْقُوبا، وآخرون.
تُوُفّي فِي جُمَادَى الآخرة.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ نبيلًا، جليلًا، محمود السّيرة، سَمِعَ الكثير، وكان صَدُوقًا.
وقيل: كان على إشراف ديوان الأبنية.(12/391)
291 - الْحَسَن بْن صافي بْن عَبْد اللَّه، أَبُو نِزار، الملقّب بملك النُّحَاة البغداديّ، النَّحْوِيّ. [المتوفى: 568 هـ]
وُلِد سنة تسع وثمانين وأربعمائة.
وسمع الحديث من نور الهدى أَبِي طَالِب الزَّيْنَبيّ. وقرأ النَّحْو عَلَى أَبِي الْحَسَن علي بْن أَبِي زيد الفَصِيحيّ. وعلم الكلام عَلَى مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر القَيْروانيّ. والأصول عَلَى أبي الفتح أحمد بن علي بن برهان. والخلاف عَلَى أسعد المِيهَنيّ. وصار أنْحَى أهل طبقته.
وكان فصيحًا، ذكيًا، متقعرًا، معجبًا بنفسه، فِيهِ تيه وبَأْو، لكنّه صحيح الاعتقاد.
ذكره ابن النّجّار وطوَّل، وقال: أَبُوهُ مولى لحسين الأُرْمَوِيّ التّاجر، لَهُ كتاب " الحاوي " فِي النَّحْو مجلدان، و " العمد " في النحو مجلد، و " التصريف " مجلد، و " علل القراءات " مجلدان، و " أصول الفقه " مجلدان، و " أصول الدّين " مجلّد صغير، وله " التّذكرة السَّفَرِيَّة " عدَّة مجلّدات.
قلت: سكن واسط مدَّة بعد العشرين وخمسمائة، وحملوا عَنْهُ أدبًا كثيرًا، ثمّ صار إلى شِيراز، وكرْمان، وتنقّلت بِهِ الأحوال إلى أن استقرّ بدمشق.
وكان يقال لَهُ أيضًا حُجَّة العرب. وكان أحد النحاة المبرزين، والشعراء المجودين. وله عدَّة تصانيف. [ص:393]
ذكره العماد الكاتب، فقال: أحد الفضلاء المبرزين، بل واحدهم فضْلًا، وماجدهم نُبْلًا. وبالغَ فِي وصفه بالعلم والرياسة والكَرَم والإفضال.
وقال ابن خَلِّكان: لَهُ مصنَّفات فِي الفِقْه والأَصْلَيْن والنَّحْو. وله ديوان شِعر، فمِن شِعْره:
سَلَوْتُ بحمدِ اللَّهِ عَنْهَا فأصبحت ... دواعي الهوى من نحوها لا أجيبها
عَلَى أنني لا شامت إن أصابها ... بلاء ولا راضٍ بواشٍ يعيبها
وروى عَنْهُ جماعة منهم القاضي شمس الدّين ابن الشّيرازيّ. وتُوُفّي في تاسع شوال، ورئي فِي النّوم فقال: غفر لي ربّي بأبياتٍ قلتها، وهي:
يا ربِّ ها قد أتيتُ معترفًا ... بما جَنَتْه يدايَ من زَلَلِ
ملآنَ كَفٍّ بكلّ مَأْثَمَةٍ ... صِفْرَ يدٍ من محاسنِ العَمَلِ
وكيف أخشى نارًا مُسَعَّرةً ... وأنت يا رب في القيامة لي
قال الصاحب فِي " تاريخ حلب ": ذكر لي شمس الدّين مُحَمَّد بْن يوسف بْن الخَضِر أنّ ملك النُّحاة خلع عَلَيْهِ نور الدّين خِلْعةً فلبسها، ومرَّ بطُرُقيّ قد علَّم تَيْسًا إخراج الخَبِيَّة بإشاراتٍ علَّمها التَّيْسَ، فوقف ملك النُّحاة عَلَى الحلقة وهو راكب، فقال الطُّرُقيّ: فِي حلقتي رِجْل رَجُلٍ عظيم القدْر، ملك فِي زِيّ عالِم، أعلم النّاس، وأكرم النّاس، فأرِني إيَّاه. فشقّ التَّيْسُ الحَلَقة، وخرج حتّى وضع يده عَلَى ملك النُّحاة فما تمالك أن نزع الخِلْعة ووهبها للطُّرُقيّ. فبلغ ذَلِكَ نورَ الدّين، فعاتَبَه عَلَى فِعْله، فقال: يا مولانا عُذْري واضح، لأنّ فِي بلدك مائة ألف تَيْس، ما فيهم مَن عرف قدرْي غير ذَلِكَ التَّيس! فضحِك نور الدّين منه.(12/392)
292 - الْحَسَن بْن علي بْن الْحَسَن بْن علي بْن عُمَر، أَبُو علي البطليوسيّ، الْأَنْصَارِيّ، المعروف فِي بلده بابن الفرّاء. [المتوفى: 568 هـ]
سَمِعَ بالإسكندريَّة من أَبِي بَكْر الطّرْطُوشيّ، وغيره. ودخل خراسان فسمع من أَبِي نصر عبد الرحيم ابن القشيري، وسهل بن إبراهيم السبعي، [ص:394] والأديب أحمد بْن مُحَمَّد المَيْدانيّ، وأبي عَبْد اللَّه الفراويّ، ثمّ قدِم فِي أواخر عُمره بغدادَ فسمع منه عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، وابنه عَبْد اللَّه بْن عُمَر، ثمّ سافر إلى الشّام بعد أن حج، فسكن حلب. وكان قد قرأ عِلم الكلام عَلَى أَبِي نصر ابن القُشَيْريّ.
وكان صالحًا، بكّاءً، خائفًا. وهِمَ أَبُو سعد السَّمعانيّ فِي قوله: تُوُفّي سنة ثمانٍ أو تسعٍ وأربعين، فقد قَالَ أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وهو أحد من أخذ عَنْهُ، تُوُفّي بحلب سنة ثمانٍ وستّين، وقد بلغ الثمانين.
قلت: حدث بـ " صحيح مُسْلِم " ببغداد فِي سنة ستٍّ وستّين، فسمعه منه: الموفَّق عَبْد اللّطيف بْن يوسف، ومحمد بْن إِسْمَاعِيل بْن أَبِي الضيف، وعبد اللَّه بْن عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، بقراءة أَبِيهِ، وروى عَنْهُ بدمشق: الفخر الإربِليّ، وأبو نصر ابن الشيرازي، وغيرهما.(12/393)
293 - سعد بْن علي بْن القاسم، أَبُو المعالي الحظيري، الكتبي، الوراق، الأديب، المعروف بدلال الكتب ببغداد. [المتوفى: 568 هـ]
كانت لديه فضائل، وله مجاميع مفيدة، منها كتاب " زينة الدّهر " الَّذِي ذيّله عَلَى " دُمية القصر " للباخَرْزِيّ، وله كتاب " لُمَح المُلَح ".
وشِعره مليح فمنه:
ومعذر في خده ... ورد وفي فمه مُدَام
ما لان لي حتّى تغشَّى ... صُبْحَ سالِفِهِ ظلام
وله:
شكوتُ هَوَى من شفّ قلبيَ بُعْدُهُ ... توقّد نار لَيْسَ يطفى سعيرها
فقال بِعادي عنكَ أكثر راحةً ... ولولا بِعادُ الشّمس أطرق نورها
توفي فِي صفر ببغداد.
والحَظيرة: موضع فوق بغداد من عمل دجيل.(12/394)
294 - صالح بن إسماعيل بن سند. العلّامة أَبُو طَالِب الإسكندرانيّ المالكيّ الفقيه، المعروف بابن بِنْت مُعَافَى. [المتوفى: 568 هـ][ص:395]
من أصحاب أَبِي بَكْر الطّرطُوشيّ، تفقَّه عَلَيْهِ الحافظ أبو الحسن علي ابن المفضل، وغيره. وسمع منه " الموطأ " أَبُو القاسم الصَّفْراويّ.(12/394)
295 - عَبْد اللَّه بْن المبارك بْن علي بْن الحسين، أبو الفتح ابن البَقَليّ، الحرِيميّ، القزّاز. [المتوفى: 568 هـ]
روى عَنْ ثابت بْن بُنْدار. سمعه: أَبُو بَكْر الباقداريّ، وعمر بْن علي الْقُرَشِيّ، وغيرهما.
وتُوُفّي فِي صفر.(12/395)
296 - عَبْد الرحيم بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن حمدان بْن مُوسَى، أَبُو الخير الإصبهانيّ. [المتوفى: 568 هـ]
سَمِعَ أَبَا القاسم غانمًا البُرْجيّ، وأبا علي الحدّاد، وجعفر بْن عَبْد الواحد الثّقفيّ، وفاطمة الْجَوْزدَانيَّة، وأبا القاسم بن الحصين، وأبا العز بن كادش. وأملى بإصبهان مجالس.
ثمّ حجَّ سنة اثنتين وستّين. وحدَّث ببغداد. روى عَنْهُ أحمد بْن طارق، وابن الأخضر، وأبو طَالِب بْن عَبْد السّميع، والحافظ عَبْد الغنيّ، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، وآخرون.
وتُوُفّي فِي شوّال. وله تسعٌ وستّون سنة.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ من حفّاظ الحديث، موصوفًا بالفضل ومعرفة الحديث. وقال ابن الأخضر: كانوا يفضّلونه بالحفظ عَلَى مُعَمّر بن الفاخر.
ثم طول ابن النجار في ترجمته بأنّهم رَمَوْه بالوهْن، واتهموه فِي نقل إجازة مسعود الثّقفيّ، من الخطيب، وابن المأمون، وهؤلاء.(12/395)
297 - عَبْد الملك بْن عيّاش، أَبُو الْحَسَن الْأَزْدِيّ القُرْطُبيّ. [المتوفى: 568 هـ]
أخذ عَنْ أَبِيهِ عيّاش بْن فَرَج. دخل فِي الدّنيا بعد الزُّهد، وكتب للدولة، وحصل ثروة، فقال:
عصيت هوى نفسي صغيرًا فعندما ... رمتني اللّيالي بالمشيب وبالكِبَر
أطعتُ الهوى عكس القضيَّة ليتني ... خلقت كبيرًا وانتقلت إلى الصغر [ص:396]
فزاد ابنه أَبُو الْحَسَن علي:
هنيئًا لَهُ إن لم يكن كابنه الَّذِي ... أطاع الهوى فِي حالتيه وما اعتذر
وكان عَبْد الملك بْن عياش مَعَ فنونه وفضائله من أبرع النّاس خطًّا.(12/395)
298 - علي بْن حمزة بْن فارس، أبو الحسن ابن القُبَّيْطيّ، الحَرَّانيّ، [المتوفى: 568 هـ]
والد حمزة ومحمد.
قدِم بغدادَ فاستوطنها، وقرأ القراءات عَلَى أَبِي العزّ القلانِسيّ. وسمع من أبي بكر المزرفي، وغيره. سَمِعَ منه ولداه، وأبو المحاسن الْقُرَشِيّ. وتُوُفّي فِي جُمَادَى الآخرة.
قَالَ ابن النّجّار: قرأ لأبي عَمْرو على القلانِسِيّ؛ تلا عَلَيْهِ ابنه حمزة. صالح، خير، دين، عاش ثلاثًا وثمانين سنة.(12/396)
299 - علي بْن المبارك بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد الوهّاب بْن نَغُوبا، أَبُو الْحَسَن الواسطيّ المعدّل. [المتوفى: 568 هـ]
من بيت حديث وميزة. سَمِعَ أَبَا نُعَيْم مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الجمازي، وأبا نعيم بن زبزب، وأبا الأزهر علي بن أحمد الكتّانيّ، وخميسًا الحَوْزيّ. وببغداد من عَبْد الوهاب الأنْماطيّ، وجماعة.
وروى الكثير؛ سَمِعَ منه صَدَقَة بْن الْحُسَيْن مَعَ تقدُّمه، وأحمد بْن طارق، وعبد العزيز ابن الأخضر، والشّيخ الموفَّق، وآخرون.
وغرق فِي دجلة منحدرًا إلى واسط فِي ذي القعدة وله اثنتان وثمانون سنة. وروى عَنْهُ أيضًا سُلَيْمَان بن داود الحربي النساج، قاله ابن النجار.(12/396)
300 - مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن الْحُسَيْن، أَبُو جَعْفَر الإصبهانيّ، الصَّيْدَلانيّ. [المتوفى: 568 هـ]
شيخ مُعَمَّر، عالى الإسناد، معدوم النّظير. لَهُ إجازة من الهَرَويّين فِي سنة أربع وسبعين وأربعمائة. أجاز لَهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عفيف كلار البُوشَنْجيّ، وبِيبي الهَرْثَميَّة، وهو آخر من روى فِي الدّنيا عَنْهُمَا، وأبو عامر [ص:397] محمود بْن القاسم الْأَزْدِيّ، وشيخ الْإِسْلَام أَبُو إِسْمَاعِيل، ونجيب بْن ميمون الواسطيّ، ومحمد بْن علي العُمَيْريّ، وجماعة. وسمع سنة أربعٍ وثمانين ببلده من سُلَيْمَان بْن إِبْرَاهِيم الحافظ، ورزق اللَّه التّميميّ، والقاسم بْن الفضل الرئيس، وأبي نصر أحمد بْن عَبْد اللَّه بْن سمير، ومحمد بْن علي بْن مُحَمَّد بْن فضلوَيْه الأَبْهَريّ، ومحمد بْن علي بْن أحمد السُّكَّريّ، والثّلاثة يروون عَنْ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن جَعْفَر اليَزْدِيّ. وسمع أيضًا من مكّيّ السّلّار، وعمر بْن أحمد بْن عُمَر السِّمْسار، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الوهّاب المَدِينيّ، وجماعة.
خرج له الحافظ أحمد بن عمر الناييني جزءًا سمّاه " لآلئ القلائد ".
روى عَنْهُ عَبْد العظيم بْن عَبْد اللّطيف الشّرابيّ، والحافظ عَبْد القادر بْن عَبْد اللَّه الرُّهاويّ، وعبد الكريم بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد المؤدب، والعِماد أحمد بْن أحمد بْن أميركا الإصبهانيّ؛ وبقي العماد إلى بعد الثّلاثين وستّمائة. وأجاز أَبُو جَعْفَر لكريمة، ولعلم الدين علي ابن الصّابونيّ، وجماعة.
وتُوُفّي فِي السّادس والعشرين من ذي القعدة؛ ورخه أحمد ابن الجوهريّ الحافظ.(12/396)
301 - مُحَمَّد بْن خُمارتِكِين، أَبُو عَبْد اللَّه التِّبْريزيّ، البغداديّ، الفقيه. [المتوفى: 568 هـ]
سَمِعَ من مولاه أبي زكريا التبريزي البغدادي، وأبي الخطاب الكلوذاني، وأبي الخير المبارك ابن الغسال. روى عَنْهُ ابنه إِسْمَاعِيل، وأحمد بْن أحمد البَنْدَنِيجَيّ، والموفّق عَبْد اللّطيف بْن يوسف، وعبد اللطيف ابن القبيطي. وتُوُفّي فِي العشرين من ربيع الأوّل وله تسعون سنة. وكان فقيهًا بالنّظاميَّة.(12/397)
302 - مُحَمَّد بْن عَبْد الخالق بْن أحمد اليُوسُفيّ، [المتوفى: 568 هـ]
أخو عَبْد الحقّ، وعبد الرحيم، وهو أصغر الإخْوة وأدبرهم.
سَمِعَ بِيَزْد إِسْمَاعِيل بْن أَبِي صالح المؤذّن. وببغداد: قاضي المَرِسْتان، وأبا منصور الشَّيْبانيّ القزّاز. واستوطن الموصل. وله ذِكر فِي تزوير السّماعات، أفسد بها أحوال شيوخ، واختلط سماعهم بتزويره، فترك النّاس حديثهم. [ص:398]
قال ابن الدبيثي: سمعت تميم ابن البَنْدَنِيجَيّ يَقُولُ: أَبُو الفضل خطيب الموصل ثقة صحيح السّماع، أدخل عَلَيْهِ مُحَمَّد بْن عَبْد الخالق فِي حديثه أشياء لم يسمعها، وكان قد دخل عَلَيْهِ ولاطَفَه بأجزاء ذكر أَنَّهُ نقل سماعه فيها من مثل طِراد، والنّعاليّ، وابن البَطِر، وهؤلاء قد سَمِعَ منهم أَبُو الفضل، فقبِلَها منه، وحدَّث بها اعتمادًا عَلَى نقْل مُحَمَّدٍ لَهُ، وإحسانِ الظّنّ بِهِ، فلمّا علم كذِبَ مُحَمَّدٍ طُلبت أُصُول الأجزاء الّتي حملها إِلَيْهِ، فلم توجد، واشتهر أمرُه، فلم يعبأ النّاس بنقْله، وتَرَك خطيب الموصل كلّ ما شكّ فِيهِ، وحذر من رواية ما شكّ فِيهِ.
قلت: وبعد ذَلِكَ جمع خطيب الموصل " المشيخة " المشهورة وخرّجها من أصوله.
تُوُفّي مُحَمَّد فِي سنة ثمان وستين في جمادى الآخرة بالموصل، وله ستٌّ وأربعون سنة.(12/397)
303 - مُحَمَّد بْن علي بن عمر بن زيد، أبو بكر ابن اللّتّيّ، الحريميّ. [المتوفى: 568 هـ]
قرأ بالروايات عَلَى أَبِي منصور بْن خيرون، وغيره. وسمع من القاضي أَبِي بَكْر، وأبي منصور القزّاز، وجماعة. وكان لَهُ فَهْم وعناية، وبإفادته سَمِعَ ابن أخيه أَبُو المنجى عَبْد اللَّه بْن عُمَر.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ صدوقًا، سَمِعَ منه مُحَمَّد بْن مَشِّقْ. وتُوُفّي فِي رمضان، وله تسعٌ وأربعون سنة.(12/398)
304 - المبارك بْن نصر اللَّه بْن سلمان. الْإِمَام أبو الفتح ابن الدُّبّيّ، الفقيه الحنفيّ. [المتوفى: 568 هـ]
أحد الكبار ببغداد. درّس المذهب، وتُوُفّي فِي آخر السّنة. وكان عامل ديوان المقاطعات، وكتب جميع ماله لامرأةٍ لَهُ يهوديَّة، وحرم ابنَ أخيه.(12/398)
305 - محمود بْن مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس، الفقيه أَبُو مُحَمَّد الخُوَارَزْميّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 568 هـ][ص:399]
سَمِعَ أَبَاهُ، وجدّه عَبَّاس بْن رسلان، وإسماعيل بْن أحمد البَيْهَقيّ، ومحمد بْن عَبْد اللَّه الحَفْصَوِي سَمِعَ منه بمرْو، وأحمد بْن عَبْد الواحد الفارسي بسمرقند، ومحمد بن علي المطهّريّ ببُخَارَى، وابن الطّلّاية ببغداد، ووعظ بها بالنّظاميَّة. سَمِعَ منه يوسف بْن مقلّد، وأحمد بْن طارق.
قَالَ أَبُو سعد السَّمعانيّ: كَانَ فقيهًا، عارفًا بالمتّفِق والمختلف، صُوفيًّا، حَسَن الظّاهر والباطن. سَمِعَ الكثير عَلَى كِبَر السّنّ، وعلّق المذهب عَنِ الْحَسَن بْن مَسْعُود البَغَويّ. وأفاد النّاس بخُوَارزم، وألَّف " تاريخ خوارزم ". وُلِد سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.
قلت: تُوُفّي فِي رمضان سنة ثمانٍ رحمه اللَّه، وكان يُعرف بالعبّاسيّ، ولَهُ ترجمةٌ فِي " تاريخ ابن النّجّار ".
وقال السَّمعانيّ: سَمِعْتُ منه بجرجانية خوارزم.
قلت: طالعت الأوّل من " تاريخ خوارزم " لَهُ.(12/398)
306 - مَسْعُود بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن مَسْعُود، الْإِمَام أَبُو الفتح المسعوديّ، المَرْوَزِيّ. [المتوفى: 568 هـ]
خطيب مَرْو.
كثير العبادة، ملازم التلاوة، وكان ينظم الشِّعْر ويُنشئ الخُطَب.
وُلِد سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة.
وسمع من والده، ومن أبي بكر ابن السمعاني، ووالده الإمام أبي المظفر منصور ابن السَّمعانيّ، وأبي منصور البيَّع، وأبي عَبْد اللَّه الدّقّاق، وغيرهم. وأجاز لَهُ أَبُو بَكْر بْن خَلَف الشّيرازيّ، وأبو بَكْر بْن سَوْسن البغداديّ، وأبو بَكْر حفيد ابن مردويه. وخرَّج لَهُ أَبُو سعد السَّمعانيّ " مشيخة ".
وسمع منه أَبُو المظفر عبد الرحيم ابن السَّمعانيّ، وأخوه أَبُو زيد، ورُقَيَّة بِنْت المَنِيعيّ، وغيرهم.
وطال عُمره وتفرَّد فِي وقته.
تُوُفّي سنة ثمان وستين وخمسمائة.(12/399)
307 - الموفَّق بْن أحمد بْن مُحَمَّد، أَبُو المؤيَّد الْمَكِّيّ العلّامة، [المتوفى: 568 هـ]
خطيب خُوارزم.
كَانَ أديبًا، فصيحًا، مفوَّهًا، خطب بخُوارزم دهرًا، وأنشأ الخُطَب، وأقرأ النّاس، وتخرَّج بِهِ جماعة. وهو الَّذِي يقال لَهُ: خطيب خُوارزم.
تُوُفّي بخُوارزم فِي صفر.
قال ابن الدبيثي: أخبرنا ناصر بن عبد السيد الأديب، قال: أخبرنا الموفق، قال: أخبرنا أَبُو الغنائم النَّرْسيّ، الكوفيّ. . . فذكر حديثًا.
وله كتاب فِي فضائل علي، رَأَيْته؛ وفيه واهيات كثيرة.
ولخطيب خُوارزم شِعْر جيّد، معجرف اللُّغة، كقوله:
لقد شقّ قلبي سهْمُ النَّوَى ... عَلَى أنّ موتي فِي خَدْشِهِ
أموتُ بتأفيف هجْر الحبيبِ ... فقِسْ كيفَ حالي لدى بطْشِهِ
إذا لم تَنَلْ لَظَى الصَّدْر من ... شآبيبِ وصْلٍ فمِنْ رَشِهِ
ألا فانعش ذا هَوًى قد هَوَى ... ففي بطْشة المنْعِ من نعشِهِ(12/400)
308 - يَزْدَن التُّركيّ. [المتوفى: 568 هـ]
من كبار أمراء الدّولة، وكان شيعيًّا غاليًا، متعصِّبًا. فانتشر بسببه الرَّفْض، وتأذّى أهل السُّنَّة إلى أن هلك فِي ذي الحجَّة.(12/400)
-سنة تسع وستين وخمسمائة(12/401)
309 - أحمد بْن جَعْفَر بْن أحمد بْن إدريس، أَبُو القاسم الغافقيّ، المقرئ، الخطيب. [المتوفى: 569 هـ]
نزيل الإسكندريَّة.
توفي فيها، ومولده سنة خمسمائة. أخذ عَنْهُ الحافظ ابن المفضل، وأبو القاسم الصّفْراويّ، وغيرهما.(12/401)
310 - أحمد بْن عَبْد اللَّه، أَبُو طالب العلوي، القصري. [المتوفى: 569 هـ]
من ولد محمد ابن الحنفيَّة.
روى عَنْ يوسف اللّخميّ بالمغرب.(12/401)
311 - أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن الصَّقْر، أَبُو الْعَبَّاس الْأَنْصَارِيّ، الأندلسيّ. [المتوفى: 569 هـ]
قاضي إشبيلية.
سَمِعَ من أَبِي الْحَسَن بْن الباذش، وأبي القاسم بْن الأبرش، ودرس عليهما العربيَّة. وكان بصيرًا بالفِقْه، معروفًا بالذّكاء، بارع الخطّ. روى عَنْهُ ابنه، وأبو خَالِد بْن رفاعة.
تُوُفّي بمَرّاكُش فِي جُمادى الأولى، وقد قارب الثّمانين.(12/401)
312 - أحمد بن عبيد الله بن العباس. أبو الْعَبَّاس البغداديّ، المؤدّب. [المتوفى: 569 هـ]
صحِب أَبَا الْخَطَّاب الكَلْوَذَانيّ الفقيه، وسمع منه. روى عَنْهُ عَبْد اللَّه بْن أحمد الخبّاز. وكان يؤمّ بمسجد.
تُوُفّي فِي رمضان.(12/401)
313 - أَحْمَد بْن عَليّ بْن المعمّر بْن مُحَمَّد بْن المعمّر. النّقيب أَبُو عَبْد اللَّه العَلَويّ الحُسَينيّ. [المتوفى: 569 هـ]
شريف، نبيل، عريق فِي السيادة، له شعر وترسل. تولى نقابة الطالبيين بعد والده سنة ثلاثين. وسمع أَبَا الْحُسَيْن ابن الطيوري، وأبا الحسن ابن العلّاف، وأُبيًّا النَّرْسِيّ، وغيرهم. ووُلِد فِي سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة. [ص:402]
روى عَنْهُ أحمد بْن طارق، والشّيخ الموفَّق، وأبو إِسْحَاق الكاشْغَرِيّ، ومحمد بْن عَبْد العزيز ابن الخزاز، وطائفة.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ يحبّ الرواية ويكرم أهل الحديث. وله شِعر فائق، وحدَّث بالكثير. وتوفي فِي جُمادى الأولى.
وللرّشيد بْن مَسْلَمَة إجازة منه.(12/401)
314 - إِبْرَاهِيم بْن يحيى، أبو عَمْرو الشّاطبيّ، الأديب. [المتوفى: 569 هـ]
روى عَنْ أَبِي علي بْن سُكَرة، وأبي عِمران بْن أَبِي تليد. كتب عَنْهُ أَبُو عُمَر بْن عات، وغيره. وكان إخباريًّا.(12/402)
315 - إِبْرَاهِيم بْن يوسف بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الله بن باديس بن القائد، أَبُو إِسْحَاق بْن قُرْقُول الوَهْرانيّ، الحَمْزِيّ. [المتوفى: 569 هـ]
وحَمْزَة: موضع من عمل بِجَاية.
وُلِد بالمَرِيَّة. وسمع من جَدّه لأمّه أَبِي القاسم بْن وَرد، وأبي الحسن بن نافع. وروى عَنْ خلْقٍ منهم: أَبُو عَبْد اللَّه بْن زغيبة، وأبو الْحَسَن بْن معْدان ابن اللّوان، وأبو عَبْد اللَّه بْن الحاجّ، وأبو الْعَبَّاس بْن العريف. وأخذ عَنْ أَبِي إِسْحَاق الخَفَاجيّ " ديوانه ".
قال الأبار: وكان رحالًا في العلم فقيهًا نظارًا، أديبًا، حافظًا، يبصر الحديث ورجاله.
صنف وكتب الخط الأنيق، وأخذ الناس عنه. وانتقل من مالقة إلى سبتة، ثم إلى سلا، ثم إلى فاس، وبها توفي في شعبان. وكان مولده في سنة خمس وخمسمائة - رحمه الله.
وكان رفقيًا للسهيلي، فلما تحول إلى سلا نظم فيه السهيلي:
سلا عَنْ سَلا إنّ المعارف والنُّهَى ... بها ودَّعا أمّ الَّرباب ومَأْسلا
بكيتُ أسى أيّامَ كان بسبتة ... فكيف التأسي حين منزله سلا [ص:403]
وقال أناس: إن في البعد سلوة ... وقد طال هذا البعد والقلب ما سلا
فليت أبا إسحاق إذ شطت النوى ... تحيته الحسنى من الرّيح أرسلا
فعادت دَبُورُ الرّيح عندي كالصِّبَا ... بذي غُمَرٍ إذْ أمرُ زيدٍ تبسَّلا
فقد كَانَ يُهْديني الحديثَ مُوَصَّلًا ... فأصبحَ موصولُ الأحاديث مُرْسلا
وقد كَانَ يُحْيى العِلْمَ والذِّكّرْ عندنا ... أَوانَ دنا، فالآنَ بالنَّأْي كسلا
فلله أمٌّ بالمَريَّةِ أنجبَتْ ... بِهِ وأبٌ ماذا من الخير أنْسَلا(12/402)
316 - أسعد بْن عَبْد الكريم بْن أحمد، أَبُو المنيع الهَمَذَانيّ، المزكّي. [المتوفى: 569 هـ]
أنفق مالًا صالحًا عَلَى العلماء. وروى الكثير بالإجازة عَنْ أَبِي الفتح عَبْدُوس بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْدوس. وورد دمشق مرَّة. روى عَنْهُ أَبُو المواهب بن صصرى.
توفي في جمادى الأولى.(12/403)
317 - جامع السّمك بْن مُحَمَّد بْن جامع الحربيّ الصّيّاد. [المتوفى: 569 هـ]
سَمِعَ ابن الحُصَيْن. وحدَّث عَنْهُ أحمد بن أحمد ابن البندنيجي.(12/403)
318 - الْحَسَن بْن أحمد بْن الْحَسَن بْن أحمد بْن مُحَمَّد بْن سهل، الحافظ، أَبُو العلاء الهمذاني، العطار، المقرئ، المحدث، [المتوفى: 569 هـ]
شيخ مدينة همذان.
رحل إلى إصبهان، وقرأ القراءات عَلَى أَبِي عَلِيّ الحدّاد، وسمع منه الكثير. وقرأ القراءات علي أَبِي العزّ القلانِسيّ بواسط. وعلى أَبِي عَبْد اللَّه البارع، وأبي بَكْر المَزْرَفيّ، وجماعة ببغداد، وسمع بها من أَبِي القاسم بْن بيان، وأبي علي ابن المهديّ، وخلْق. ومِن أَبِي عَبْد اللَّه الفُرَاويّ، وطبقته بخُراسان. ثمّ رحل ثانيةً سنة نيِّفٍ وعشرين وخمسمائة إلى بغداد، فقرأ بها لولده الكثير، ثمّ قدِمَها بعد الثّلاثين. ثمّ قدِمَها بعد الأربعين، فقرأ بها لولده أحمد الكثير عَلَى أَبِي الفضل الأرموي، وابن ناصر، وابن الزاغوني، وحدَّث إذ ذاك بها.
وقرأ عَلَيْهِ القراءات أبو أحمد عبد الوهاب ابن سكينة. روى عَنْهُ هُوَ، والمبارك بْن الأزهر، وأبو المواهب بْن صَصْرَى، وعبد القادر بْن عَبْد اللَّه [ص:404] الرُّهاويّ، ويوسف بْن أحمد الشّيرازيّ، ومحمد بْن محمود بْن إِبْرَاهِيم الحمّاميّ، وأولاده أحمد، وعبد البَرّ، وفاطمة، وعتيق بْن بَدَل الْمَكِّيّ بمكَّة، وسبطه مُحَمَّد بْن عَبْد الرشيد بْن عليّ بْن بنيمان، وأخو هذا القاضي علي بن عبد الرشيد وماتا في سنة إحدى وعشرين، وأخوهما القاضي عَبْد الحميد، وبقي إلى سنة سبْعٍ وثلاثين، وسماعه فِي الرابعة. وروى عنه بالإجازة أبو الحسن ابن المُقَيِّر، وهو آخر من رُوِي عَنْهُ فيما أعلم.
ذكره أَبُو سعد السَّمعانيّ فقال: حافظ، متقِن، ومقرئ فاضل، حَسَن السّيرة، جميل الأمر، مرضي الطريقة، عزيز النفس، سخي بما يملكه، مكرم للغرباء، يعرف الحديث والقراءات والأدب معرفةً حَسَنَة. سَمِعْتُ منه بهَمَذَان.
وقال الحافظ عَبْد القادر الرُّهاويّ: شيخنا الْإِمَام أَبُو العلاء أشهر من أن يُعَرَّف، بل تعذَّر وجُود مثله فِي أعصارٍ كثيرةٍ، عَلَى ما بَلَغَنَا من سيرة العلماء والمشايخ. أربى عَلَى أهل زمانه فِي كثْرة السّماعات، مَعَ تحصيل أصول ما سمع، وجودة النَّسْخ، وإتقان ما كتبه بخطّه. فإنّه ما كَانَ يكتب شيئًا إلّا منقوطًا مُعْرَبًا. وأوّل سماعه من عَبْد الرَّحْمَن بْن حمد الدوني في سنة خمس وتسعين وأربعمائة. وبرع عَلَى حُفّاظ عصره فِي حِفْظ ما يتعلق بالحديث من الأنساب، والتواريخ، والأسماء، والكنَى، والقَصَص، والسِّيَر. ولقد كَانَ يومًا فِي مجلسه، وجاءته فتوى فِي أمر عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فأخذها وكتب فيها من حِفْظه، ونحن جلوس، دَرْجًا طويلًا، ذكر فِيهِ نَسَبَه، ومولده، ووفاته، وأولاده، وما قِيلَ فِيهِ، إلى غير ذَلِكَ. وله التَّصانيف فِي الحديث، والزُّهد والرقائق، وصنَّفَ " زاد المسافر " فِي نحو خمسين مجلَّدًا. وكان إمامًا فِي القرآن وعلومه، وحصل من القراءات المسندة، ما إنّه صنّف العشرة والمفردات، وصنّف فِي الوقف والابتداء، وفي التجويد، والماءات، والعدد ومعرفة القرّاء وهُوَ نحوٌ من عشرين مجلَّدًا. واستُحْسنت تصانيفه في القرآن، وكُتبت، ونُقِلَت إلى خُوارزم والشّام. وبرع عليه جماعةٌ كثيرة في علوم القرآن. وكان إذا جرى ذِكر القُرّاء يقول: فلانٌ مات فِي سَنَة كذا، وفلانٌ مات في سَنَةِ كذا، وفلانٌ يعلو إسناده على فلانٍ بكذا.
وكان إمامًا في النَّحْو واللّغة، سَمِعْتُ أنّ من جملة ما حفظ في اللّغة كتاب " الجمهرة "، وخرَّج له تلامذة في العربية أئمة يقرئون بهَمَذَان. وفي بعض من رأيت من أصحابه من جملة محفوظاته كتاب " الغريبين " للهروي. [ص:405]
وكان عتيقًا من حبّ المال، مُهينًا لَهُ، باع جميع ما ورثه، وكان من أبناء التّجّار، وأخرجه في طلب العِلْم، حَتّى سافر إلى بغداد، وأصبهان مرات كثيرة ماشيًا، وكان يحمل كُتُبه على ظَهْره. وسمعته يقول: كنت أبيت ببغداد في المساجد، وآكل خُبز الدُّخْن.
وسمعت شيخنا أَبَا الفضل بْن بُنَيْمان الأديب بهَمَذَان يَقُولُ: رَأَيْت الحافظ أَبَا العلاء فِي مسجدٍ من مساجد بغداد يكتب وهُوَ قائم عَلَى رِجْلَيه، لأنّ السِّراج كَانَ عاليًا. ثُمَّ نشر اللَّه ذِكْره فِي الآفاق، وعظُم شأنه فِي قلوب الملوك وأرباب المناصب والعوامّ، حَتَّى إنّه كَانَ يمرّ فِي هَمَذَان فلا يبقى أحد رآه إِلَّا قام ودعا له، حتى الصبيان واليهود. وحتى إنّه كَانَ فِي بعض الأحايين يمضي إلى مُشْكان بلدةٍ فِي ناحية هَمَذَان، ليصلّي بها الجمعة، فكان يتلقّاه أهلُها خارج البلد، المسلمون عَلَى حِدَة، واليهود عَلَى حِدَة، يدعون لَهُ إلى أن يدخل البلد. وكان يفتح عَلَيْهِ من الدُّنيا جُمَلٌ، فلم يدِّخِرْها، بل كَانَ ينفقها عَلَى تلامذته، حَتَّى إنّه ما كَانَ يكون عنده متعلم إلا رتب له رفقًا يصل إِلَيْهِ، وإذا قصده أحدٌ يطلب بِرّه وصله بما يجد إِلَيْهِ من السّبيل من مالِه وجاهه، ويتديّن لَهُ. وكانت عَلَيْهِ رسومٌ لأقوام فِي كلّ سنة يبعثها إلى مَكَّة، وبغداد، وغيرهما. وما كَانَ يبرح عَلَيْهِ ألف دينار هَمَذانيَّة أو أكثر من الدَّيْن، مَعَ كثرة ما كَانَ يُفْتَح عَلَيْهِ. وكان يطلب لأصحابه من النَّاس، ويعزّ أصحابَه ومن يلوذ بِهِ، ولا يحضر دعوة حَتَّى تحضر جماعة أصحابه. وكان لا يأكل من أموال الظَّلَمة، ولا قبل منهم مدرسة قطّ ولا رباطًا، وإنّما كَانَ يُقرئ فِي داره، ونحن فِي مسجده، فكان يقرئ نصف نهاره الحديث، ونصفه القرآن والعِلْم. وكان لا يغشى السّلاطين، ولا تأخذه فِي اللَّه لومةُ لائم، ولا يمكّن أحدًا أن يعمل فِي محلّته مُنْكَرًا ولا سماعًا. وكان ينزل كلّ إنسان منزلته، حَتَّى تألّفت القلوب عَلَى محبّته وحُسْن الذِّكْر لَهُ فِي الآفاق البعيدة. حَتَّى أهل خُوارزم، الّذين هُمْ من أشدّ النَّاس فِي الاعتزال كتبوا تصانيفه، وصار لَهُ عندهم من الصِّيت لعلّ قريبًا من هَمَذَان، مَعَ مُبَاينتهم لَهُ فِي الاعتقاد، ومعرفتهم شدّته فِي الحنبليَّة. وكان حَسَن الصّلاة، لم أر أحدًا من مشايخنا أحسن صلاةً منه. وكان متشدّدًا فِي أمر [ص:406] الطّهارات، حَتَّى إنّه ما كَانَ يثق بكلّ أحد. وكان لا يدع أحدًا يمسُّ مَدَاسَه. وقد حضرتُهُ يومًا وأخذ منطرًا وجُبَّة بُرْدٍ قد أهديا له، وكانا جديدين بطراوتهما، فجاء بهما إلى بركةٍ فيها ماء وطين وورق الشّجر، فغمسهما فِي الماء وسمعته يَقُولُ: قليلًا قليلًا ثقة بالله. فغسّلهما، وانطفأت نضارتهما. وكان لا يبالي ما لبس. ولا يلبس الكتّان بل القُطْن، ثياب قِصار، وأكمام قصار، وعمامة نحو سبعة أذرُع. وكان لا يتشهّى المواكيل، ولا يكاد يأمر بصنعة طعام. وكانت السُّنَّة شعاره ودِثاره اعتقادًا وفِعْلًا. كَانَ لا يكاد يبدأ فِي أمرٍ إِلَّا ابتدأ فِيهِ بسنة إما دعاء وإمّا غير ذَلِكَ. وكان معظِّما للسُّنَّة بحيث أَنَّهُ كَانَ إذا دخل مجلسه أحد، فقدّم رِجْله اليُسرى كُلِّف أن يرجع فيُقدِّم اليُمنى.
وكان لا يمسّ أحاديث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وهُوَ عَلَى وضوء، ولا يدع شيئًا قطّ إِلَّا مُستقبِل القِبلةَ تعظيمًا لها.
ورآني يومًا وعلى رأسي قَلَنْسُوَة سوداء مكشوفة فقال لي: لا تلبسها مكشوفةً، فإنّ أوّل من أظهر لُبْسَ هذه القَلانِس أَبُو مُسْلِم الخُراسانيّ. ثُمَّ شرع فِي ذِكر أَبِي مُسْلِم، فذكر أحواله من أوّلها إلى آخرها.
قَالَ: وسمعت من أثق بِهِ يحكي أنّ السِّلَفيّ رَأَى طبقةً بخطّ أبي العلاء فقال: هذا خطّ أهل الإتقان. وسمعته يحكي عَنْهُ أَنَّهُ ذُكِر لَهُ فقال: قدّمه دينه. وسمعت من أثق بِهِ يحكي عَنْ أَبِي الْحَسَن عَبْد الغافر بْن إِسْمَاعِيل الفارسيّ أَنَّهُ قَالَ للحافظ أَبِي العلاء لَمّا دخل نَيْسابور: ما دخل نَيْسابورَ مثلُك. وسمعت الحافظ أَبَا القاسم عَلِيّ بْن الْحَسَن يَقُولُ، وذكر رجلًا من أصحابه رحل: إن رجع ولم يلْق الحافظ أَبَا العلاء ضاعت سَفْرتُه. قَالَ: وقد روى عَنْهُ الحافظ أَبُو القاسم.
وقال الحافظ محمد بن محمود الحمامي الهَمَذَانيّ: وُلِدَ شيخنا أَبُو العلاء فِي ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة.
قَالَ: وتُوُفّي فِي تاسع عشر جُمَادَى الأولى.
وذكره ابن النّجّار فقال: إمام فِي علوم القراءات، والحديث، والأدب، والزهد، والتمسك بالسنن.(12/403)
319 - الْحَسَن بْن عَبْد اللَّه بْن حُسَيْن، أَبُو علي ابن الأَشِيريّ الكاتب، [المتوفى: 569 هـ]
نزيل تِلمِسَان.
قَالَ الأَبّار: كَانَ عالمًا بالقراءات، واللّغة، والشِّعر. صَنَّف فِي غريب " الموطّأ "، وغير ذَلِكَ.(12/407)
320 - الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن حَما. الشَّيْخ أَبُو عَبْد اللَّه البَغْداديُّ. [المتوفى: 569 هـ]
من وكلاء القُضاة. سَمِعَ من جَدّه لأمه أبي سَعْد مُحَمَّد بْن عَبْد الملك الأسَدِيُ، وأبي سَعْد بْن خُشَيْش.
قَالَ ابن النّجّار: حدثنا عنه ابن الأخضر. ولد سنة تسعين وأربعمائة، ومات في شوال سنة تسع.(12/407)
321 - دلف بن كرم، أبو الفرج العكبري المقرئ، الخبّاز. [المتوفى: 569 هـ]
أحد طلبة الحديث ببغداد.
سَمِعَ أَبَا بكر الأنصاري، وأبا القاسم ابن السمرقندي فمن بعدهما. سَمِعَ منه عَلِيّ بْن أَحْمَد الزَّيْديّ، ومكّيّ الغراد.
توفي فِي عَشْر السّبعين.(12/407)
322 - دَهْبَل بْن عَلِيّ بْن منصور بْن إِبْرَاهِيم. المعروف بابن كارِه، أَبُو الْحَسَن الحريميّ، [المتوفى: 569 هـ]
والد عَبْد اللَّه.
كَانَ فقيهًا حنبليًا. سمع الحسين بن علي ابن البُسْريّ، وأبا القاسم بْن بيان، وابن نبهان. وكان زاهدًا، ثقة. سَمِعَ منه أَبُو سَعْد ابن السّمعانيّ، وعليّ بْن أَحْمَد الزَّيْديّ، وأبو مُحَمَّد بن الأخضر، وابن قدامة، وأبو المنجى ابن اللّتّيّ، ولُبابة بِنْت الثّلاجيّ، وآخرون.
وتُوُفّي فِي ثاني المحرم، وكان قد أضر.(12/407)
323 - سَعْد اللَّه بْن مُصْعَب بْن مُحَمَّد، أَبُو القاسم البغدادي المقرئ، المعروف بابن ساقي الماء. [المتوفى: 569 هـ][ص:408]
قال ابن الدُّبَيْثيّ: بقي أكثر من سبعين سَنَة مقيمًا بمسجد بالجانب الغربيّ. قرأ القراءات عَلَى أَبِي عَبْد اللَّه البارع. وسَمِعَ من أَبِي القاسم بْن بيان. كتب عَنْهُ عُمَر الْقُرَشِيّ، وتُوُفّي فِي المحرَّم.(12/407)
324 - سَعِيد بْن المبارك بْن علي، أبو محمد ابن الدّهّان البَغْداديُّ، النَّحْويّ، [المتوفى: 569 هـ]
صاحب المصنَّفات.
سَمِعَ أَبَا القاسم بن الحصين، وأبا غالب ابن البناء، وغيرهما.
كتب عَنْهُ أَبُو سَعْد السّمعانيّ وقال: قال لي: ولدت سنة أربع وتسعين وأربعمائة. وهُوَ شابٌ فاضل لَهُ معرفة بالنَّحْو ويدٌ باسطة فِي الشِّعْر. شرح " الإيضاح " لأبي عَلِيّ الفارسي في ثلاثة وأربعين مجلَّدًا، وشرح " اللُّمَع " لابن جنّي فِي ثلاثة مجلدات.
وقال ابن الدبيثي: سكن في آخر عُمره بالمَوْصِل، وأخذ عَنْهُ أهلها.
وقال جمال الدِّين القفْطيّ: رحل إلى إصبهان، وسَمِعَ بها، واستفاد من خزائن وقوفها، وكتب الكثير من الأدب بخطه. وأخذ النَّاس عَنْهُ. وخرج عَنْ بغداد قاصدًا إلى دمشق، فاجتاز بالمَوْصِل وبها وزيرها جمال الدين محمد الأصبهاني الجواد فارتبطه عنده وأكرمه وصدَره بالمَوْصِل للإفادة. وغرقت كُتُبُه ببغداد فِي غَيبته، ثُمَّ حُمِلت إِلَيْهِ، فشرع فِي تبخيرها باللّاذن ليقطع الرائحة الرَّدِيَّة، إلى أن بخّرها بنحو من ثلاثين رطل لاذن، فطلع ذلك إلى رأسه وعينيه، فأحدث لَهُ العَمَى.
ومن شِعره:
بادِرْ إلى العَيْش والأيّام راقدةٌ ... ولا تكُنْ لصُرُوف الدَّهْرِ تنتظر
فالعمر كالكأس يبدو فِي أوائله ... صفْوٌ وآخره فِي قعره الكَدَرُ [ص:409]
وقال الحافظ ابن عساكر: سمعت سعيد ابن الدّهّان ببغداد يَقُولُ: رَأَيْت فِي النّوم منشدًا يُنشد محبوبه:
أيُّها الماطِلُ دَيْني ... أَمَلِيٌّ وتماطلْ؟
عَلِّلِ القلبَ فإنّي ... قانعٌ منك بباطِلْ
ولَهُ " سرقات المتنبّي " فِي مجلَّد، وكتاب " التّذكرة " سبْع مجلدات.
قال العماد الكاتب: هُوَ سِيبَوَيْه عصره، ووحيد دهره. لقيته ببغداد، وكان يقال حينئذٍ: النَّحْويّون فِي بغداد أربعة: ابن الجواليقيّ، وابن الشّجَريّ، وابن الخشّاب، وابن الدّهّان.
وقال ابن خَلِّكان: لَقَبُه: ناصح الدِّين، رحمه اللَّه تعالى.(12/408)
325 - سلمان بْن عَلِيّ بْن عَبْد الرَّحْمَن، أَبُو تميم الرَّحبيّ، الدّمشقيّ، الخبّاز. [المتوفى: 569 هـ]
سَمِعَ جزءًا من عَبْد الرَّحْمَن بن الحسين الحِنّائيّ، وهُوَ آخر مَن حدَّث عَنْهُ. روى عَنْهُ الحافظان أَبُو المواهب، وعبد الغنيّ، والشّيخ المُوفَّق، وأبو القاسم بْن صَصْرى، وعبد الرَّحْمَن بن عمر النساج، والقاضي عمر بن المنجى.
قَالَ أَبُو المواهب: تُوُفّي فِي ربيع الآخر، وكان مُقْرِئًا صالحًا. ما حَدَّثَنَا عَنِ ابن الحنائي سواه.(12/409)
326 - عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن، أَبُو محمد ابن النّقّار الطّرابُلُسيّ، الشّاميّ، الحِمْيَريّ، الكاتب، المُعَدَّل. [المتوفى: 569 هـ]
وُلِدَ بأطرابلس سنة تسع وسبعين وأربعمائة، وعاش تسعين سَنَة. قَدِمَ دمشقَ شابًّا عند استيلاء العدوِّ عَلَى أَطْرابُلُس، وتقدَّم فِي كتابة الإنشاء، وكتب لصاحب الشّام.
وكان جيّد النَّظْم والنَّثْر، كبير القدْر. روى عَنْهُ ابن عساكر فِي تاريخه قصيدتين.(12/409)
327 - عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن هِبَة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن حَسْنُونَ، أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي نصر بْن أَبِي طاهر بْن أَبِي الْحُسَيْن ابن النَّرْسِيّ البَغْداديُّ. [المتوفى: 569 هـ]
من بيت العدالة والرِّواية. سَمِعَ أَبَا الفضل مُحَمَّد بْن عَبْد السّلام، وأبا غالب الباقِلّانيَ، وأبا بَكْر الطُّرَيْثِيثيّ، وأبا الْحُسَيْن ابن الطُّيوريّ، وابن العلّاف.
سَمِعَ منه علي بْن أَحْمَد الزَّيْديّ، وأبو بَكْر الباقداريّ. وحدَّث عَنْهُ جماعة وأثنوا عَلَيْهِ منهم الحافظ عَبْد الغنيّ، وأبو محمد بن قدامة، وعبد العزيز ابن الأخضر، وحفيداه أحمد وإسماعيل ابنا إسماعيل ابن النرسي. وكان يلقب بالحمامة. توفي فِي رمضان ولَهُ ثلاثٌ وثمانون سَنَة.(12/410)
328 - عَبْد الواحد بْن عَبْد الماجد بْن عَبْد الواحد ابن الأستاذ أَبِي القاسم القُشَيْريّ، أَبُو مُحَمَّد النَّيْسَابوريّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 569 هـ]
حدَّث بدمشق وبغداد عَنْ أَبِيهِ وعبد الغفّار الشّيْروييّ، ومحمد بن أحمد بن صاعد. روى عنه الحافظ ابن عساكر، وأبو القاسم بن صصرى، والجماعة. وتوفي في المحرم بإصبهان.(12/410)
329 - عبد الواحد بن عبد الملك بن محمد بن أبي سعد، أبو نصر الفضلوسي الكرجي، الصوفي، الزاهد. [المتوفى: 569 هـ]
له عبادة ومجاهدات، وسافر الكثير ولقي المشايخ. وحج مرات. وربما حج منفردا متوكلا. وسَمِعَ بإصبهان، وبغداد، ومصر. وسمع من أَبِي عَبْد الله مُحَمَّد بن أَحْمَد الرازي، وأبي القاسم بن الحصين. وكان أبو الفرج ابن النقور قد كتب عنه عجائب، وأنه قد رأى الخضر ورأى الجن، ولد سنة أربع وتسعين وأربعمائة. وروى عنه جماعة منهم أبو سعد السمعاني. [ص:411]
وقال ابن الدبيثي: بلغنا أنه توفي بالكرج في سنة تسع هذه.(12/410)
330 - عبد النَّبِيّ بْن المهديّ، اليمنيّ الخارجيّ، المُلَقَّب بالمهديّ. [المتوفى: 569 هـ]
كَانَ أَبُوهُ المهديّ قد استولى عَلَى اليمن، وظلم وعَسَف، وشق أجواف الْحَبَالَى، وذبح الأطفال، وتمرَّد عَلَى اللَّه. وكان يرى رأي القرامطة والباطنية، وكان يظهر أنه داعية للمصريين، فهلك سنة تسع أو سبع وستين وخمسمائة.
وولي الأمر بعده عَبْد النَّبِيّ هذا، ففعل أنحس من فعل الوالد، وسبى النّساء، وبنى عَلَى قبر أَبِيهِ قُبَّةً عظيمة لم يُعمل فِي الْإِسْلَام مثلها، فإنّه صفَّح حيطانها بالذَّهب والجواهر، ظاهرًا وباطنًا، وعمل لها سُتُور الحرير، وقناديل الذَّهب، فيقال: إنّه أمر النَّاس بالحجّ إلى قبر أبيه، كما تحج الكعبة، وأن يحمل كلّ واحدٍ إليها مالًا، ومن لم يحمل مالًا قتله، ومنعهم من الحجّ، فكانوا يقصدونها من السَّحَر، واجتمع فيها أموالٌ لا تُحْصَى، وانهمك فِي اللّذّات والفواحش إلى أن قصمه اللَّه واستأصله على يد شمس الدَّولة ابن أيّوب، واستولى عَلَى جميع خزائنه وعذّبَه، ثُمَّ قتله، وهدم القُبَّة، وأحرق ما فيها. هذا معنى ما قاله صاحب " مرآة الزّمان ".(12/411)
331 - علي بْن أَحْمَد بْن أَبِي بكر، أبو الحسن الكناني القرطبي ابن حنين، [المتوفى: 569 هـ]
نزيل مدينة فاس.
سمع " الموطّأ " بقراءة أَبِيهِ من أَبِي عبد اللَّه مُحَمَّد بْن الفَرَج مولى الطَّلّاع. وسَمِعَ من أبي الحسن العبسي، وأخذ عَنْهُ القراءات، وخازم بْن مُحَمَّد، وأبي القاسم بْن مُدِير، وأبي الوليد بْن خشرم. وأخذ عنه الكبار. وأخذ أيضًا عن أبي الحسن بن شفيع، وأبي عمران الألْبِيرِيّ. وقرأ بجيّان عَلَى أَبِي عامر مُحَمَّد بن حبيب. ثم حج سنة خمسمائة، ولقي أَبَا حامد الغزاليّ وصحِبَه. كذا قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار. وفي هذا نظر، إِلَّا أن يكون دخل خُراسان، وهُوَ محتَمَل على بعد. [ص:412]
قَالَ: وأقام ببيت المقدس يعلِّم القرآن تسعة أشهر، ثُمَّ انصرف واستوطن مدينة فاس سَنَة ثلاث وخمسمائة، وتصدَّر للإقراء، وطال عُمره. وروى عَنْهُ من شيوخنا أبو القاسم بن بقي، وأبو زكريا التادلي. وقرأت على التادلي كتاب " الشهاب " للقضاعي، بسماعه منه، عن العبسي، عن مؤلفه. وكان مولده في سنة ست وسبعين وأربعمائة.
قلت: عاش ثلاثًا وتسعين سَنَة. وكان من أسْنَد أهل وقته. وقد روى عَنْهُ بالإجازة أَبُو الْحَسَن بْن المُفَضَّل، وبالسّماع عَبْد العزيز بن علي بن زيدان النحوي السماني، نزيل فاس.(12/411)
332 - عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيم بْن المسلّم، أَبُو الْحَسَن الْأَنْصَارِيّ، الزّاهد، المعروف بابن بِنْت أبي سعد. [المتوفى: 569 هـ]
توفي بمصر في رجب. وقد حدَّث قبل موته بيسير. وكان محدِّثًا، عارِفًا بشيوخ المصريّين. أخذ عَنْهُ الحافظ عَبْد الغنيّ، والمصريّون.(12/412)
333 - عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن أبي الأسود، أبو الحسين بن البل البَغْداديُّ، [المتوفى: 569 هـ]
عمّ هِبَة اللَّه بْن البَلّ.
روى عَنْ أَبِي القاسم الرَّبَعيّ، وابن بيان الرّزّاز. سمع منه علي بن أحمد الزيدي، وغير واحد. وروى عنه علي بن محمد العلوي، وابن الأخضر، وموفق الدين المقدسي، وآخرون.
وتوفي في ذي الحجة.(12/412)
334 - علي بن الحسن بن علي، أبو الحسن ابن الرميلي، الفقيه الشافعي. [المتوفى: 569 هـ]
كان من أئمة الشافعية، ورشح ببغداد لتدريس النظامية.
وروى القليل عَنْ الأُرْمَويّ، وأبي الوقت. ولَهُ تعليقة فِي الخلاف. وكتب عَلَى طريقة ابن البوّاب، وأعاد بالنّظاميَّة.(12/412)
335 - عُمَارة بْن عَلِيّ بْن زَيْدَان، الفقيه أَبُو مُحَمَّد الحَكَميّ، المَذْحِجيّ، اليَمَنيّ، نجم الدِّين الشّافعيّ الفَرَضيّ الشَّاعر المشهور. [المتوفى: 569 هـ]
تَفَقَّه بزَبِيد مُدَّة أربع سِنين فِي المدرسة، وحجَّ سَنَة تسعٍ وأربعين وخمسمائة. ومَوْلِدُه سَنَة خمس عشرة.
وسيره صاحب مَكَّة قاسم بْن هاشم بْن فُلَيْتَة رسولًا إلى الفائز خليفة مصر، فامتدحه بقصيدته الميميَّة، وهي:
الحمدُ للعيسِ بعدَ العَزْمِ والهِمَمِ ... حَمْدًا يقومُ بما أَوْلَتْ من النِّعَمِ
لا أجحد الحقّ، عندي للركاب يد ... تمنت اللجم فيها رتبة الخطمِ
قَرَّبْنَ بُعد مزار العزّ من نَظَري ... حَتَّى رَأَيْتُ إمام العَصر من أُمَمِ
ورُحْنَ من كعبةِ البطحاء والحَرَم ... وَفْدًا إلى كعبة المعروف والكَرَمِ
فهل درى البيت أَنّي بعد فُرْقته ... ما سِرْتُ من حَرَمٍ إِلَّا إلى حَرَمِ
حيث الخلافةُ مضروبٌ سُرَادِقُها ... بين النّقيضَيْنِ من عفْوٍ ومن نَقَمِ
وللإمامةِ أنوارٌ مُقَدَّسَةٌ ... تجلو البغيضين مِن ظُلْمِ ومِن ظُلَمِ
وللنُّبُوَّةِ آياتٌ تُنَصّ لنا ... عَلَى الخفيّين مِن حُكْمٍ ومِن حِكَمِ
وللمكارِمِ أعلامٌ تَعلِّمُنَا ... مدحَ الجزيلين من بأسٍ ومن كَرَمِ
وللعُلا ألْسُنٌ تُثْنِي محامدها ... عَلَى الحميدين من فِعْلٍ ومن شِيَمِ
أقسمتُ بالفائز المعصوم معتقدًا ... فوزَ النَّجَاةِ وأجَر البِرِّ فِي القَسَمِ
لقد حمى الدِّينَ والدّنيا وأهْلَهما ... وزيرُه الصّالح الفرّاجُ للغُمَمِ
اللّابسُ الفخْرَ لم تَنْسج غلائلَه ... إِلَّا يدُ الصّنعتين السّيف والقَلَمِ
ليت الكواكب تدنو لي فأَنْظمها ... عقودَ مَدْحٍ فما أرضى لكم كلمي
فوصلوه. ثُمَّ ردّ إلى مَكَّة، وعاد إلى زَبِيد. ثُمَّ حجَّ، فأعاده صاحب مَكَّة فِي الرسْليَّة، فاستوطن مصر.
قَالَ ابن خَلِّكَان: وكان شافعيًّا شديد التّعصُّب للسُّنَّة، أديبًا، ماهرًا، ولم يزل ماشي الحال في دولة المصريّين إلى أن ملك صلاح الدِّين، فمدحه ومَدَح جماعة. ثُمَّ إنّه شرع فِي أمور، وأخذ فِي اتّفاقٍ مَعَ رؤساء البلد فِي [ص:414] التّعصُّب للعُبَيْديّين وإعادة أمرهم، فَنُقِل أمرهم، وكانوا ثمانيةً مِن الأعيان، فأمر صلاح الدِّين بشنْقهم فِي رمضان بالقاهرة، وكفى اللَّه شرَّهم. ولعُمَارة كتاب " أخبار اليمن "، ولَهُ شيءٌ فِي أخبار خلفاء مصر ووزرائها. وكان هَؤُلَاءِ المخذولون قد همّوا بإقامة وُلِدَ العاضد، وقيل: إنّهم كاتبوا الفِرَنج لينجدوهم، فَنَمَّ عليهم رَجُل جنديّ، وقد نُسِب إلى عمارة بيت شِعْر، وهُوَ:
قد كان أول هذا الأمر من رَجُل ... سعى إلى أن دعوه سيّد الأمم
فأفتى الفُقهاء بقتله.
ولَهُ ديوان مشهور.
وللفقيه عمارة مجلَّد فِيهِ " النُّكَت العصريَّة فِي الدَّولة المصريَّة " ترجم نفسه فِي أوّله، فقال: والحديثُ كما قِيلَ شُجُون، والجدُّ قد يُخلط بالمُجُون، وعسى أن يَقُولُ من وقع في يده هذا المجموع: خبرتنا عَنْ غيرك، فَمَن تكون؟ وإلى أيّ عشٍّ ترجع من الوكون؟ وأنا أقتصر وأختصر: فأمّا جُرْثُومة النَّسَب فقَحْطانُ، ثُمَّ الحَكَم بعد سَعْد العشيرة المَذْحِجيّ. وأمّا الوطن فمن تِهامة باليمن مدينة يقال لها مرطان من وادي وساع، بعدها من مَكَّة أحد عشر يومًا، وبها المولد والمَرْبَى، وأهلها بقيَّة العرب في تِهامة، لأنّهم لا يُساكنهم حَضَريّ ولا يناكحونه، ولا يُجيزون شهادتَه، ولا يرضَوْن بقتله قَوَدًا بأحدٍ منهم؛ ولذلك سلمت لغتهم من الفساد، وكانت رياستهم تنتهي إلى المُثيب بْن سُلَيْمَان، وهُوَ جدّي من جهة الأم، وإلى زيدان بن أحمد، وهُوَ جدّي لأبي، وهما أبناء عمّ، وكان زيدان يَقُولُ: أَنَا أعدّ من أسلافي أحد عشر جِدًّا، ما منهم إِلَّا عالم مُصَنَّف فِي عِدَّة علوم. ولقد أدركتُ عمّي عَلِيّ بْن زَيْدان وخالي مُحَمَّد بْن المُثيب، ورياسة حكم بن سعد تقف عليهما. وما أعرف فيمن رَأَيْتُه أحدًا يشبه عمّي عليًّا فِي السُّؤدُد. وحدَّثني أخي يحيى بْن أَبِي الْحَسَن، وكان عالمًا بأيّام النَّاس، قَالَ: لو كَانَ عمّك عَلِيّ بْن زَيْدان فِي زمن نبيٍّ لكان حواريًا أو صديقا له لفرط سُؤْدُده. وحدَّثني الفقيه مُحَمَّد بْن حُسَيْن الأَوْقَص، وكان صالحًا، قَالَ: واللهِ لو كَانَ عَلِيّ بْن زَيْدان قُرَشِيًّا ودعانا إلى بَيْعتِه لمُتْنا تحت رايته لاجتماع شروط الخلافة فِيهِ. قَالَ لي أخي يحيى: كَانَ [ص:415] عَلِيّ لا يغضب، ولا يَقْذَع فِي القول، ولا يَجْبُن، ولا يَبْخَل، ولا يضرب مملوكًا أبدًا، ولا يردّ سائلًا، ولا عصى اللَّه بقولٍ ولا فِعْل، وهذه هِمَّة الملوك، وأخلاق الصِّدّيقين. وحسبُكَ أَنَّهُ حجَّ أربعين حَجَّة، وزار النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشر مرّات، ورآه فِي النّوم خمس مرّات، وأخبره بأمورٍ لم يُخْرَم منها شيء. فقلت لأخي: مَن القائل:
إذا طرقتك أحداث اللّيالي ... ولم يوجَد لعلّتها طبيبُ
وأَعْوَزَ من يجيرك من سطاها ... فزيدان يجيرك والمثيبُ
هما ردّا عليَّ شَتِيت مُلكي ... ووجهُ الدّهر من رَغْمٍ قَطوبُ
وقاما عند خذْلاني بنَصْري ... قيامًا تستكين لَهُ الخُطُوبُ
فقال: هُوَ السلطان علي بن حبابة، كان قومه قد أخرجوه من ملكه، وأفقروه من مِلكه، وولّوا عليهم أخاه سَلامة، فنزل بهما، فسارا معه فِي جُمُوعٍ من قومهما حتى عزلا سلامة وردا عليًّا وأصلحا لَهُ قومه، وكان الَّذِي وصل إِلَيْهِ من برّهما وأنفقاه عَلَى الجيش فِي نُصْرته ما ينيف عَلَى خمسين ألفًا.
حدَّثني أبي قال: مرض عمك عَلِيّ بْن زيدان مرضًا أشرف منه على الموت ثُمَّ أَبَلَّ منه، فأنشدتُه لرجلٍ من بني الحارث يدعى سالم بن شافع، كان وفد عَلَيْهِ يستعينه فِي دِيَة قتيل لزِمَتْه، فلما شغلنا بمرضه رجع الحارثيّ إلى قومه:
إذا أَوْدَى ابنُ زيَدانٍ علي ... فلا طلعتْ نجومُك يا سماء
ولا اشتمل النساء على جنين ... ولا روّى الثَّرَى للسحب ماءً
عَلَى الدُّنيا وساكِنها جميعًا ... إذا أَوْدَى أَبُو الْحَسَن العَفاءُ
قال: فبكى عمك وأمرني بإحضار الحارثيّ، ودفع إِلَيْهِ ألف دينار، وبعد ستة أشهر ساق عَنْهُ الدِّيَة.
وحدَّثني خالي مُحَمَّد بْن المثيب قَالَ: أجدب النَّاسُ سَنَةً، ففرَّق عَلِيّ بْن زيدان عَلَى المُقِلّين أربعمائة بَقَرةٍ لَبُونٍ، ومائتي ناقة لَبُون.
وأذكر وأنا طفل أنّ معلّمي عطيَّة بْن مُحَمَّد بعثني إلى عمّي بكتابةٍ كتبها فِي لوحي. فضمّني إِلَيْهِ وأجلسني فِي حُجْره، وقال: كم يُعطى الأديب؟ قلت: بقرة لبونًا، فضحك، ثُمَّ أمر لَهُ بمائة بقرةٍ لبونٍ معها أولادها، ووهب لَهُ غلة [ص:416] أرضٍ حصل لَهُ منها ألفا إرْدَبّ من السِّمْسمِ خاصَّة.
وأمَّا سعة أمواله، فلم تكُنْ تدخل تحت حصر، بل كَانَ الفارس يمشي من صلاة الصبح إلى آخر الساعة الثانية فِي فرقانات من الإِبِل والبقر والغَنَم كلّها لَهُ، وكان يسكن فِي مدينةٍ منفرِدةٍ عَنِ البلد الكبير.
وأمّا حماسته وشدَّة بأسه فيُضْرَب بها المثل، وهُوَ شيءٌ يزيد عَلَى العادة بنوع من التّأييد، فلم يكن أحدٌ يقدر أن يجرّ قوسه، وكان سهمه ينفذ من الدَّرَقَة ومن الْإِنْسَان الَّذِي تحتها، وكان النَّاس يسرحون أموالهم إلى واد معشب مخصب مسبع بعيدٍ من البلد، وفيه عبيدٌ متغلّبة نحوٌ من ثلاثة آلاف راجل، قد حموا ذَلِكَ الوادي بالسّيف، يقطعون الطّريق، ويعتصمون بشعفات الجبال وصياصيها. وكان العدد الَّذِي يسرح مع المال في كل يوم خمسمائة قوس ومائة فَارس، فشكى النَّاس إلى عَلِيّ بْن زيدان أنّ فيهم من قد طال شَعْره، وانقطع حذاؤه ووتره، وسألوه أن ينظر لهم من ينوب عَنْهُمْ يومًا ليُصلحوا أحوالهم، فنادى مناديه بالّليل: من أراد أن يقعد فلْيقعد، فقد كفي. ثم أمر الرعاء فسرحوا، وركب وحده فرسًا لَهُ نجديًّا من أكرم الخيل سَبْقًا وأدبًا وجنّب حِجْرة، فما هُوَ إِلَّا أنْ وردت الأنعام ذَلِكَ الوادي حَتَّى خرجت عليها العبيد، فاستاقوها وقتلوا من الرِّعاء تسعة. فركب ابن زيدان فأدرك العبيد، وهم سبعمائة رجل أبطالا، فقال لهم: رُدُّوا المال وإلّا فأنا عَلِيّ بْن زيدان. فتسرّعوا إِلَيْهِ فكان لا يضع سهمًا إِلَّا بقتيلٍ، حَتَّى إذا ضايقوه اندفع عَنْهُمْ غير بعيدٍ، فإذا ولّوا كرّ عليهم، ولم يزل ذَلِكَ دأبه ودأبهم حَتَّى قتل منهم خمسةً وتسعين رجلًا، فطلب الباقون أمانه ففعل، وأمرهم أن يدير بعضُهم بكتاف بعضٍ، ففعلوا، وأخذ جميع أسلحتهم فحمّلها بعمائمهم عَلَى ظهور الإبِل، وعاد والعبيد بين يديه أسارى. وقد كَانَ بعض الرِّعاء هرب فنعاه إلى النَّاس، فخرج النَّاس أرسالًا حَتَّى لقوه العصر خارجًا من الوادي، والمواشي سالمة، والعبيد أسارى. قَالَ لي أَبِي: أذكر أنّا لم نصل تِلْكَ اللّيلة صحبته إلى المدينة حَتَّى كسرت العربُ عَلَى باب داري ألف سيف، حَتَّى قِيلَ: إنّ عليًّا قُتل وامتدّ الخبر إلى بني الحارث، وكانوا حلفاء، فأصبح في منازلهم سبعون فرسًا معقورة وثلاثمائة قوس مكسورة حزنًا عَلَيْهِ. ثُمَّ اصطنع العبيد وأعتقهم، وردّ عليهم أسلحتهم، فتكفّلوا لَهُ أمان البلاد من عشائرهم. وكان السُّفهاء والشّباب منّا لا [ص:417] يزال يجني بعضهم عَلَى بعض، ويكثر الجراح والقتْل، فأذكر عشيَّة أنّ القوم هزمونا حَتَّى أدخلونا البيوت، فقيل لهم: هذا عَلِيّ أقبل. فانهزموا حتى مات تحت أرجل الناس ثلاثة رجال، ثُمَّ أصلح بين النَّاس.
تُوُفّي علي بن زيدان سنة ست وعشرين وخمسمائة، وتبِعَه خالي مُحَمَّد بْن المثيب سَنَة ثمانٍ، فكان أَبِي يتمثَّل بعدهما بقول الشَّاعر:
ومن الشقاء تفردي بالسؤدد
وتماسكت أحوال الناس بوالدي سَنَة تسعٍ وعشرين، وفيها أدركت الحُلْم، ثُمَّ منعنا الغيث لسنة وبعض أخرى، حَتَّى هلك الحَرْث، ومات النَّاس فِي بيوتهم، فلم يجدوا من يدفنهم.
وفي سَنَة إحدى وثلاثين دَفَعَتْ لي والدتي مَصُوغًا لها بألف مثقال، ودفع لي أبي أربعمائة دينار وسبعين، وقالا لي: تمضي إلى زَبِيد إلى الوزير مُسْلِم بْن سَخْت، وتُنْفِق هذا المال عليك وتنفقه، ولا ترجع حَتَّى تُفْلِح، وزَبِيد عنّا تسعة أيام.
فأنزلني الوزير فِي داره مَعَ أولاده، ولازمتُ الطَّلَب، فأقمتُ أربع سِنين لا أخرج من المدرسة إِلَّا لصلاة الجمعة. ثُمَّ زرت أبويّ فِي السّنة الخامسة ورددت ذَلِكَ المصاغ، ولم أحْتَجْ إِلَيْهِ. وتفقّهت، وقرأ عليَّ جماعة فِي مذهب الشّافعيّ والفرائض، ولي فيها مُصَنَّف يُقرأ باليمن.
وقد زارني والدي بزَبِيد سَنَة تسعٍ وثلاثين، فأنشدته من شِعري، فاستحسنه واستحلفني أن لا أهجوَ مسلمًا. فحلفت لَهُ، ولطف اللَّه بي، فلم أهْجُ أحدًا، سوى إنسانٍ هجاني ببيتين بحضرة الملك الصّالح، يعني ابنُ رُزّيك، فأقسم عليَّ أن أُجيبه.
وحججت مَعَ الحُرَّة أمّ فاتك ملك زَبِيد، ورُبّما حجَّ معها أهل اليمن فِي أربعة آلاف بعير. ويسافر الرجل منهم بحريمه وأولاده.
إلى أن قَالَ: فأذكر ليلةَ، وقد سئمت ركوبَ المحمل، أنّي ركبت نجيبًا، وحين تهوّر اللّيل آنَسْتُ حسًّا، فوجدت هودجًا مُفْرَدًا، والبعير يَرتعي، فناديت مِرارًا: يا أهل الجمل. فلم يكلّمني أحد، فدنوت فإذا امرأتان نائمتان فِي الهودج، أرجُلُهما خارجةُ ولكلّ واحد زوج خلخال من الذَّهَب. فسلبت الزّوجين من أرجلهما وهما لا تعقلان، وأخذت بخطام الجمل حَتَّى أبركته فِي [ص:418] المَحَجَّة العُظْمَى وعَقَلْتُه، وبعدتُ عَنْهُ بحيث أشاهده، حَتَّى مرّت قافلةٌ، فأقاموا البعير وساقوه. فلمّا أصبح النَّاس إذا صائح يَنْشُد الضّالَّة، ويبذل لمن ردّها مائة دينار. وإذا هما امرأتان لبعض أكابر أهل زَبِيد. وكانت عادة الحُرَّة أن تمشي فِي السّاقة، فمن نام أَيْقَظَتْه، وكان لها مائة بعير برسم حمل المنقطعين. وحين تنصّفت اللّيلة الثّانية تأخّرت حَتَّى مرّ بي محملها، فبادر الغلمان إليَّ وقالوا: لك حاجة؟ فقلت: الحديث مَعَ الحُرَّة. ففعلوا ذَلِكَ، فأخرجَتْ رأسَها من سَجَف الهودج. قَالَ: فناولتُها الزَّوْجَين، وبلغني أنّ وزنهما ألف مِثْقال، فَقالَتْ: ما اسمُك؟ ومن تكون؟ فقد وجب حقّك. فأعلمتُها، وحصل لي منها جانب قويّ وصورة وتقدم، وتسهيل الوصول إليها فِي كلّ وقت. وبذلك حصلت معرفة بالوزير القائد أَبِي مُحَمَّد سرور الفاتكيّ. وكسبت بمعرفتها مالًا جزيلًا. وتجرت لهما بألوف من المال، ورددت إلى عدن، وحصلت لي صُحْبة أهل عدن وامتد هذا من سنة تسع وثلاثين إلى سنة ثمان وأربعين وقضى ذَلِكَ باتِّساع الحال وذهاب الصّيت، حَتَّى كَانَ القاضي أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَبِي عقامة الحفائليّ رأس أهل العِلْم والأدب بزَبِيد يَقُولُ لي: أنت خارجيّ هذا الوقت وسعيده، لأنك أصحبت تُعدّ من جملة أكابر التّجّار وأهل الثّروة، ومن أعيان الفقهاء الّذين أفتوا، ومن أفضل أهل الأدب. فأمّا الوجاهة عند أهل الدّول، ونعمة خدك بالطيب واللباس وكثرة السراري، فَوَاللهِ ما أعرف من يَعشرك فِيهِ، فهنيئًا لك.
فكأنّه واللهِ بهذا القول نعى إليَّ حالي وذَهاب مالي، وذلك أنّ كتاب الدّاعي مُحَمَّد بْن سبأ صاحب عدن جاءني من ذي جبلة يستدعي وصولي إِلَيْهِ، فاستأذنت أهل زَبِيد، فأذِنُوا لي على غشّ. وكانت للدّاعي بيدي خمسة آلاف دينار سيَّرها معي أتباعٌ لَهُ، بها أمتعة من مَكَّة وزَبِيد، فلمّا قدِمْت إلى ذي جَبْلة وجدُتُه قد دخل عروسًا عَلَى ابْنَة السُّلطان عَبْد اللَّه. وكان جماعة من أكابر التّجّار والأعيان، مثل بركات ابن المقرئ، وحسن ابن الخمار، ومُرَجّى الحَرّانيّ، وعليّ بْن مُحَمَّد النّيليّ، والفقيه أَبِي الْحَسَن بْن مهديّ القائم الَّذِي قام باليمن، وأزال دولة أهل زَبِيد، وكانوا قد سبقوني ولم يصلوا إلى الدّاعي. فلمّا وصلت إلى ذي جَبْلة كتبت إِلَيْهِ قول أَبِي الطّيب:
كُنْ حيثُ شئتَ تصل إليك رِكابُنا ... فالأرضُ واحدةٌ وأنت الأوحدُ [ص:419] ثُمَّ أتْبَعْتُ ذَلِكَ برُقْعةٍ أطلب الإِذْن بالاجتماع بِهِ، فكتب بخطّه عَلَى ظهرها:
مرحبًا مرحبًا قدومُك بالسّعد ... فقد أشرقت بك الآفاقُ
لو فرشنا الأحداقَ حَتَّى تطأهنّ ... لقلّتُ فِي حقّك الأحداقُ
وكان هذان البيتان ممّا حفظه عَنْ جاريةٍ مغنيَّةٍ كنت أهديتها إِلَيْهِ، واتفق أنّ الرُّقْعة وصلت مفتوحةً بيد غلامٍ جاهل، فلم تقع فِي يدي حَتَّى وقف عليها الجماعة كلّهم، وركبت إِلَيْهِ فأقمت عنده فِي المستنْزَه أربعة أيّام، فما مِن الجماعة إِلَّا مَن كتب إلى أهل زَبِيد بما يوجب سفْكَ دمي، ولا عِلْم لي، حَسَدًا منهم وبَغْيًا. وكان ممّا تمّموا بِهِ المكيدةَ عليّ ونسبوه إليَّ، أنّ عَلِيّ بْن مهديّ صاحب الدَّولة اليوم باليمن التمس من الدّاعي مُحَمَّد بْن سبأ أن ينصره عَلَى أهل زَبِيد، فسألني الدّاعي أن أعتذر عَنْهُ إلى عَلِيّ بْن مهديّ لِما كَانَ بيني وبين ابن مهديّ من أكيد الصُّحبة فِي مبادئ أمره، لأنّي لم أفارقه إلا بعيد أن استفحل أمره، وكشف القناع فِي عداوة أهل زَبِيد، فتركته خوفًا عَلَى مالي وأولادي لأنّي مقيمٌ بينهم. وحين رجعت إلى زَبِيد من تِلْكَ السُّفْرة وجدتُ القوم قد كتبوا إلى أهل زَبِيد فِي حقّي كُتُبًا مضمونها: إنّ فُلانًا كَانَ الواسطة بين الدّاعي وبين ابن مهديّ عَلَى حَرْبكم وزوال ملككم فاقتلوه. فحدّثني الشَّيْخ جيّاش قَالَ: أجْمَعَ رأيُهم عَلَى قتْلك فِي ربيع الآخر سَنَة ثمانٍ وأربعين. فجاءهم في الليل خبر محمد بن أبي الأعز ونفاقه وزَحْفه عَلَى تِهامة، فانزعجوا واشتغلوا، وخرجتُ حاجًّا بل هاجًّا إلى مَكَّة سَنَة تسعٍ. فمات أمير مَكَّة هاشم بْن فُلَيْتَه، ووُلّي الحرمين ابنُه قاسم، فألزمني السّفارة عَنْهُ إلى الدَّولة المصريَّة، فقدِمْتُها فِي ربيع الأوّل سَنَة خمسين، والخليفة بها الفائز، والوزير الملك الصّالح طلائع بْن رُزِّيك. فلمّا أحضِرتُ للسّلام عليهما فِي قاعة الذَّهب أنشدتُهما:
الحمدُ للعيسِ بعدَ العَزْمِ والهِمَمِ ... حَمْدًا يقومُ بما أَوْلَتْ من النِّعَمِ
إلى آخرها.
وعهدي بالصّالح يستعيدها فِي حال النّشيد، والأُستاذون وأعيان الأمراء [ص:420] والكبراء يذهبون فِي الاستحسان كلّ مذهب، ثُمَّ أُفيضت عليَّ خِلَعٌ من ثياب الخلافة مذهَّبَة، ودفع لي الصالح خمسمائة دينار، وإذا ببعض الأُستاذِين خرج لي من عند السيدة بنت الإمام الحافظ بخمسمائة دينارٍ أخرى. وأُطْلِقَتْ لي رسومٌ لم تُطلَقْ لأحدٍ قبلي. وتهادتني أمراءُ الدَّولة إلى منازلهم، واستحضرني الصّالح للمجالسة، وانثالت عليَّ صلاته، ووجدت بحضرته أعيان أهل الأدب الجليس أَبَا المعالي بْن الجباب، والموفق ابن الخلّال صاحب ديوان الإنشاء، وأبا الفتح محمود بْن قادوس، والمهذَّب حَسَن بْن الزُّبَيْر. وما من هذه الْجِلَّة أحدٌ إِلَّا ويَضرب فِي الفضائل النّفسانيَّة والرّياسة الإنسانية بأوفر نصيب. وأمّا جُلَساؤه من أهل السّيوف فولده مجد الْإِسْلَام، وصهره سيف الدِّين حُسَيْن، وأخوه فارس الْإِسْلَام بدر، وعز الدين حسام، وعلي بن الرند، ويحيى بْن الخيّاط، ورضوان، وعليّ هَوْشات، ومُحَمَّد ابن شمس الخلافة.
قلت: وعمل عمارة فِي الصّالح عِدَّة قصائد، وتوجَّه إلى مَكَّة مَعَ الحُجّاج، ثُمَّ ذكر أَنَّهُ قَدِمَ فِي الرّسْليَّة أيضًا من أمير مَكَّة. وذكر أَنَّهُ حضر مجلس الصّالح طلائع، قَالَ: فكانت تجري بحضرته مسائل ومذاكرات ويأمرني بالخوض فيها، وأنا بمعزل عَنْ ذَلِكَ لا أنطق، حَتَّى جرى من بعض الأمراء ذِكْر بعض السَّلَف، فاعتمدت قوله تعالى: " فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حديث غيره "، ونهضْتُ، فأدركني الغلمان، فقلت: حَصَاةٌ يَعْتادُني وَجَعُها. وانقطعتُ ثلاثة أيّامٍ، ورسوله فِي كلّ يومٍ والطبيب معه. ثُمَّ ركبت بالنّهار، فوجدته فِي بستانٍ وقلت: إنّي لم يكن بي وَجَعٌ، وإنّما كرهت ما جرى فِي حقّ السَّلَف، فإنْ أمر السُّلطان بقطْع ذَلِكَ حضرت، وإلّا فلا، وكان لي فِي الأرض سعة، وفي الملوك كَثْرَة، فتعجَّب من هذا وقال: سألتك ما الَّذِي تعتقد فِي أَبِي بَكْر وعُمَر؟ قلت: أعتقد أَنَّهُ لولاهما لم يبق الْإِسْلَام علينا ولا عليكم، وأنّ محبَّتَهما واجبة، فضحك، وكان مرتاضًا حصيفًا قد لقي فِي ولايته فُقهاء السُّنَّة وسَمِعَ كلامهم، وقد جاءتني منه مرَّةً أبياتٌ معها ثلاثة أكياس ذَهَب، وهي قوله: [ص:421]
قُلْ للفقيه عُمارةِ يا خَيْرَ من ... أضْحَى يؤلّف خُطْبةً وخِطابا
اقْبَلْ نصيحةَ من دعاك إلى الهُدَى ... قُلْ حِطَّةٌ وادخلْ إلينا البابا
تَلْق الأئمَّة شافعين ولا تجدْ ... إِلَّا لدينا سُنَّةً وكتابا
وعليّ إنْ يَعْلُو محلُّكَ فِي الوَرَى ... وإذا شفعتَ إليَّ كنتَ مُجابا
وتعجّل الآلاف وحي ثلاثةٌ ... صِلة وحقِّك لا تُعَدُّ ثَوابا
فأجبته مَعَ رسوله:
حاشاك من هذا الْخَطَّاب خطابا ... يا خيرَ أملاك الزّمان نِصابا
فاشدُدْ يديكَ عَلَى صفاء محبّتي ... وامنُنْ عليَّ وسُدَّ هذا البابا
ومن مليح قول عُمارة اليمنيّ من قصيدة:
ولو لم يكن يدري بما جهِل الوَرَى ... من الفضل لم تنفق عليه الفضائِلُ
لئن كَانَ منّا قابَ قَوْسٍ فبيننا ... فراسخُ من إجلاله ومراحلُ
ولَهُ يرثي الصالح ابن رُزّيك لَمّا قُتِلَ:
أَفي أهلِ ذا النّادي عليمٌ أُسائَلُهُ ... فإنّي لِما بي ذاهب اللُّبّ ذاهِلُهْ
سَمِعْتُ حَديثًا أحسدُ الصُمَّ عنده ... ويَذْهل واعيه ويخرس قائلُهْ
وقد رابني من شاهد الحال أنّني ... أرى الدَّسْت منصوبًا وما فِيهِ كافلُهْ
وإنّي أرى فوق الوجوه كآبةً ... تدلّ على أن الوجوه ثواكله
دعوني فما هذا بوقت بكائه ... سيأتيكم ظلُّ البكاء ووابله
وله من قصيدة يمدحهم فذكر ما بينه لهم في المذهب:
أفاعِيلُهُم فِي الجودِ أفعالُ سُنَّةٍ ... وإنْ خالفوني فِي اعتقاد التَّشَيُّعِ
ومن شِعره الفائق:
لي فِي هوى الرشأ العُذْريّ إعذارُ ... لم يبقَ مُذْ أقرّ الدَّمْعُ إنكارُ
لي في القُدُود وفي لثْم الخُدُود وفي ... ضَمِّ النُّهُودِ لُباناتٌ وأوطار
هذا اختياري فوافق إن رضيت به ... أو لا فدعني وما أهوى وأختار
لُمْني جزافًا وسامحني مصارفةً ... فالنّاسُ فِي درجات الحبّ أطوارُ
وغُرَّ غيري ففي أسْري ودائرتي ... في المها درَّة قلبي لها دارُ
ومن كتاب فاضليّ إلى نور الدِّين عَنْ صلاح الدِّين فِي أمر المُصَلَّبين، [ص:422] وفي جملتهم عُمارة اليمنيّ: قصر هذه الخدمة عَلَى متجدّدٍ سارّ فِي الْإِسْلَام، والمملوك لم يزل يتوسَّم من جُنْد مصر وأهل القصر أنّهم أعداء وإن قعدت بهم الأيّام، ولم تزل عيونه بمقاصدهم موكَلَة، وخطراته فِي التَّحرُّز منهم مستعملة، لا يخلو شهر من مَكْرٍ يجتمعون عَلَيْهِ، وحيلة يُبرمونها. وكان أكثر ما يَستروحون إِلَيْهِ المكاتبات إلى الفِرَنج، فسيَّر ملك الفِرَنج كاتبه جُرْج رسولًا إلينا ظاهرًا، وإليهم باطنًا. والمولى عالِمٌ أنّ عادة أوليائه المستفادة من أدبه أن لا يبسطوا عقابًا مؤلمًا، وإذا طال لهم الاعتقال خلَّى سبيلهم. ولا يزيدهم العفوُ إِلَّا ضراوةً، ولا الرّقَّةُ عليهم إِلَّا قساوة. وعند وصول جُرْج ورد إلينا كتابٌ ممّن لا نرتاب بِهِ من قومه يذكرون أَنَّهُ رسول مُخَاتَلة لا رسول مجاملة، حامل بليَّة، لا حامل هديَّة. فأوهمناه الإغفالَ، فتوصّل مرَّةً بالخروج إلى الكنيسة إلى الاجتماع بحاشية القصر وأعوانهم، فنقلت إلينا أحوالهم فأمسكنا جماعة متمرّدة قد اشتملت عَلَى الاعتقادات المارقة، وكُلًّا أخذ اللَّه بذنْبه، فمنهم من أقر طائعًا، ومنهم من أقرَّ بعد الضَّرْب، وانكشفت المكتومات، وعيّنوا خليفة ووزيرًا، وكانوا فيما تقدَّم، والمملوك بالعسكر عَلَى الكَرَك والشَوْبك، قد كاتبوهم، وقالوا لهم إنّه بعيد، والفُرصة قد أمكنت. وكاتبوا سِنانًا صاحب الحشيشيَّة بأن الدّعوة واحدة، والكلمة جامعة، واستدعوا منه مَن يغتال المملوك. وكان الرَّسُول خال ابن قرجلة، فقتل الله بسيف الشّرع والفتاوى جماعةً من الغُواة الدُّعاة إلى النّار، وشُنِقوا عَلَى أبواب قصورهم، وصُلِبوا عَلَى الجذوع المواجهة لدُورهم، ووقع التَّتَبُّع لأتباعهم، وشُرِّدت الإسماعيليَّة، ونودي بأنْ يرحل كافَّة الأجناد وحاشية القصر إلى أقصى الصّعيد، وثغر الإسكندرية، فظهر به داعية يسمى قديدا القفاص، ومع خموله بمصر، قد فشت بالشّام دعوته، وطبّقَتْ مصرَ فتنتُه، وإنّ أرباب المعايش يحملون إِلَيْهِ جُزءًا من كسْبهم. ووجدتْ فِي منزله بالإسكندريَّة عند القبض عَلَيْهِ كُتُبٌ فيها خلع العذار، وصريح الكُفْر الَّذِي ما عَنْهُ اعتذار. وكان يدعى النَّسَب إلى أهل القصر، وأنّه خرج منه صغيرًا، ونشأ عَلَى الضّلالة كبيرًا، فقد صرعه كُفْره، وحاق بِهِ مكرُه. والحمد لله وحده.(12/413)
336 - فوارس بْن موهوب بْن عبد اللَّه، ابن الشباكية الخفاف أبو الهيجاء. [المتوفى: 569 هـ][ص:423]
روى عَنْ إِسْمَاعِيل بْن مَلَّة. روى عَنْهُ مكي الغراد، وأبو محمد بن قدامة، وجماعة.(12/422)
337 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن محرز بْن عَبْد اللَّه، أَبُو بَكْر البَطَلْيُوسيّ، عُرِف بالمَنْتَانْجِشِيّ، [المتوفى: 569 هـ]
نزيل إشبيلية.
سَمِعَ من أَبِيهِ، ومن أَبِي الوليد العُتْبيّ، وأبي مُحَمَّد بْن عتّاب، وأبي القاسم ابن النَّخّاس. وأخذ عَنِ ابن النّخّاس القراءات، وعن أَبِي عَبْد اللَّه بْن مزاحم، وابن طريف. وأخذ العربيَّة والأدب عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي العافية.
قَالَ الأَبّار: كَانَ فقيهًا، مشاوَرًا، حافظًا، أديبًا، حافلًا، كاتبًا. روى عَنْهُ أبو بكر بن خير، وأبو عمر بن عيّاد، وأبو الْخَطَّاب بْن واجب شيخنا، وغيرهم. تُوُفّي فِي آخر السّنة. قَالَ: وفي هذه السنة كانت غزوة السّبطاط وفتح قنطرة السّيف عَنْوةً.(12/423)
338 - مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن أَحْمَد بْن عُمَر، أَبُو شجاع المادَرَائيّ. [المتوفى: 569 هـ]
أحد الحُجّاب الأعيان بالدّيوان العزيز. سَمِعَ من طراد الزينبي، وأبي عبد الله بن طلحة النِّعَاليّ، وغيرهما. سَمِعَ منه المبارك بْن كامل مَعَ تقدُّمه، وعُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ. وحدَّث عَنْهُ أَحْمَد بْن أَحْمَد الأَزَجيّ، وعبد اللطيف ابن القُبَّيْطيّ، وموفَّق الدِّين بْن قُدَامة، وغيرهم.
وكان مولده في سنة ثمانين وأربعمائة، وتُوُفّي فِي صَفَر.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَافِظِ بِنَابُلُسَ، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد، قال: أخبرنا محمد بن الحسين المادرائي بقراءتي: قال: أخبرنا طراد بن محمد، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن حسنون النرسي، قال: حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي، قال: حدثنا بكر بن بكار، قال: حدثنا شعبة قال: أخبرنا سِمَاكٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حُكْمًا، وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا ".(12/423)
339 - مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن مَسْعُود، أَبُو بَكْر الدّينَوَرِيّ. [المتوفى: 569 هـ]
أحد العدُول ببغداد، كَانَ متساهلًا فِي الشّهادة فعُزِل، وكان غير محمود الطّريقة، ثُمَّ أُعيد إلى العدالة فِي أواخر أيّامه.
سمع من أبي سعد ابن الطُّيوريّ، وعبد القادر بْن يوسف. روى عَنْهُ أَبُو سَعْد السّمعانيّ، ومات قبله.
تُوُفّي سَنَة تسع في شعبان.(12/424)
340 - محمود ابن قسيم الدولة أَبِي سَعِيد زنكي بْن أقْسُنْقُر التّركيّ، الملك العادل نور الدِّين، ناصر أمير المؤمنين، أَبُو القاسم. [المتوفى: 569 هـ]
قَالَ ابن عساكر: كَانَ أقْسُنْقُر قد ولي نيابة حلب للسّلطان ملك شاه بْن ألب رسلان، ووُلّي غيرها من بلاد الشّام. ونشأ قسيم الدَّولة زنكي بالعراق، وندبه السُّلطان محمود بْن مُحَمَّد بْن مِلكْشاه بْن ألْب رسلان برأي الخليفة المسترشد بالله لولاية المَوْصِل، وديار بَكْر، والبلاد الشّاميَّة، بعد قتل أقْسُنْقُر البُرْسُقيّ، وموت ابنه مسعود. وظهرت كفاية زنكي، وعُرِفت شهامته وثَبَاته عند ظهور ملك الروم، ونزوله عَلَى شَيْزَر، حَتَّى رجع إلى بلاده خائبًا. وقد حاصر ابن قسيم الدَّولة زنكي دمشقَ مرّتين، فلم يفتحها، وافتتح الرُّهَا، والمَعَرَّة، وكَفَرْطاب وغيرها من أيدي الكُفّار، وتُوُفّي. وقام مقامه فِي ولاية الشّام ابنه الملك نور الدِّين. وُلِدَ فِي شوَّال سَنَة إحدى عشرة وخمسمائة، ودخل قلعة حلب بعد قتل والده عَلَى جعبر في ربيع الآخر سَنَة إحدى وأربعين، فخلع عَلَى الأمراء.
قلت: تملَّك ولَهُ ثلاثون سَنَة. وكان أعدل ملوك زمانه بالإجماع، وأكثرهم جهادًا، وأحرصهم عَلَى الخير، وأَدْيَنَهم وأَتْقَاهم لله.
قَالَ ابن عساكر: ظهر منه بذل الاجتهاد فِي قيام الجهاد، وخرج من [ص:425] حلب غازيًا فِي أعمال تلّ باشِر، فافتتح حصونًا كثيرة، وقلعة أفامية، وحصن البارَة، وقلعة الراوندان، وقلعة تل خالد، وحصن كفرلاثا، وحصن بسرفوت بجبل بني عُلَيْم، وقلعة عزاز، وتلّ باشِر، ودُلُوك، ومَرْعَش، وقلعة عين تَاب، ونهر الجوز. وغزا حصن إنَّب، فقصده الإبْرِنْس صاحب أنطاكية، فواقعه، فكسره نور الدِّين وقتله، وقتل ثلاثة آلاف إفْرنجي، وبقي لَهُ ولدٌ صغيرٌ مَعَ أمّه بأنطاكية، فتزوّجت بإبْرِنْسٍ آخر، فخرج نور الدِّين فِي بعض غزواته فأسر الإبْرِنْس الآخر، وتملك أنطاكية ابنُه، وباعه نور الدِّين نفسَه بمالٍ عظيم.
قَالَ: وأظهر السُّنَّة بحلب، وغيَّر البدعة التي كانت لهم فِي التّأذين، وقمع الرّافضة، وبنى بها المدارس، وأقام العدل. وحاصر دمشق مرَّتين، ثُمَّ قصدها الثالثة. وقد كان صالح معين الدين أنر نائب صاحبها، وصاهره، واجتمعت كلمتهما على العدو، فسلَّم أهل دمشق إِلَيْهِ البلد لغلاء الأسعار، وللخوف من العدوّ، فتملّكها وسكنها، وحصّن سورها، وبنى بها المدارس والمساجد، ووسّع أسواقها، ورفع عَنِ النَّاس الأَثقال، ومنع مِنْ أخذ ما كَانَ يؤخذ منهم من المغارم بدار بِطّيخ وسوق الغَنَم. وضمان النّهر والكَيّالة، وأبطل الخمر. وأخذ من الفِرَنج ثغر بانياس، والمُنَيْطِرة. وكان فِي الحرب رابط الجأش، ثابت القَدَم، حَسَن الرَّمْي. وكان يتعرَّض بنفسه للشّهادة، فلقد حكى عَنْهُ كاتبه أبو اليُسْر شاكر بْن عَبْد اللَّه أَنَّهُ سمعه يسأل اللَّه أن يحشره من بطون السباع وحواصل الطير، فالله يقي مهجته من الأسواء. فلقد أحسن إلى العلماء وأكرمهم، وبنى دُور العدل، وحضرها بنفسه أكثر الأوقات، ووقف عَلَى المرضى، وأَدَرَّ عَلَى الضُّعفاء والأيتام وعلى المجاورين، وأمر بإكمال سور مدينة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستخراج العين الّتي بأُحُد، وكانت قد دفنتها السيول. وفتح سبيل الحجّ من الشّام، وعمّر الرُّبَط والخوانق، والبيمارستانات فِي بلاده، وبنى الجسور والطُّرُق والخانات، ونصَّبَ مؤدبين للأيتام. وكذلك صنع لما ملك سنجار، وحران، والرقة، والرها، ومنبج، وشيزر، وحماه، وحمص، وصَرْخَد، وبَعْلَبَكّ، وتَدمُر. ووقف كُتُبًا كثيرة عَلَى أهل العِلْم، وكسر الفِرَنج والأرمن عَلَى حارِم هُوَ وأخوه قطب الدِّين فِي عسكر الموصل، وكان العدو ثلاثين ألفا، فلم يفلت منهم إِلَّا القليل. وقبلها كسر الفِرَنج عَلَى بانياس. [ص:426]
قَالَ سِبْط الْجَوْزيّ: سبب أخْذ نور الدِّين دمشقَ ما ظهر من صاحبها مُجير الدِّين من الظُّلْم ومصادرات أهلها، وقبْضة عَلَى جماعةٍ من الأعيان، واستدعى زين الدولة ابن الصُّوفيّ الَّذِي ولّاه رياسة دمشق لَمّا أخرج أخاه وجيه الدَّولة منها، فقتله فِي القلعة، ونهب داره، وأحرق دُور بني الصُّوفيّ، ونهب أموالهم. وتواترت مكاتباته للفرنج يستنجد بهم ويُطْمعهم فِي البلاد، وأعطاهم بانياس، فكانوا يشنُّون الغارات إلى باب دمشق، فيقتلون ويأسرون. وجعل للفِرَنج عَلَى أهل دمشق قطيعةً، فكاتب أهل دولته نور الدِّين، فأخذ نور الدِّين معه فِي الملاطفة والود، وخاف إن شدد عَلَيْهِ أن يستعين بالفِرَنج، ولم يزل إلى أن تسلّم دمشق.
قَالَ ابن عساكر: وقد كَانَ شاور السَّعْديّ أمير الجيوش بمصر وصل إلى جنابه مستجيرًا به لما عاين الذعر، فأكرمه وأكرم مورده واحترمه، وبعث معه جيشًا ليرده إلى درجته، فوصلوا معه، وقتلوا خصمه، ولم يقع منه الوفاء بما ورد من جهته، واستجاش بجيش الفرنج طلبا لبقائه في مرتبته ثم وجه إليه بعد ذلك جيشا آخر فأصرّ عَلَى المشاققة وكابر، واستنجد بالعدوّ المخذول، فأنجدوه، وضمِن لهم الأموالَ العظيمة، فرجع عسكر نور الدين إلى الشام، فحدَّث صاحب الفرنج نفسَه بأخْذ مصر، فتوجَّه إليها بعد سنتين لينتهز الفرصة، فأخذ بَلبيس، وخيَّم بعَرَصَة مصر، فلمّا بلغ نورَ الدِّين ذَلِكَ، بذل جهده فِي توجيه الجيش إليها، فلمّا سَمِعَ العدوّ بمجيء جيشه رجعوا، وأمِن أهلُ مصر بقدوم الجيش وانتعشوا، واطُّلِع من شاور عَلَى المخامرة، وأنّه أنفذ يراسل العدوّ ليردَّهم إلى مصر، ويدفع بهم الجيش، فلمّا عرف غدْره تمارض أسد الدِّين، فجاء شاور يعوده، فوثب جورديك وبُزْغُش النُّوريّان فقتلاه، وأراح اللَّه منه، وصفى الأمر لأسد الدِّين، وتملّك وحُمِدت سيرته، وظهرت السُّنَّة بمصر.
وكان حَسَن الخطّ، حريصًا عَلَى تحصيل الكُتُب الصِّحاح والسُّنَن، كثير المطالعة للفِقه، والحديث، مواظبًا عَلَى الصَّلَوات فِي جماعةٍ، كثير التِّلاوة، [ص:427] والصِّيَام، والتّسبيح، عفيفًا، متحرّيًا فِي المطعم والمشرب، عُرْيًا عَن التَّكَبُّر. وكان ذا عقل متين ورأي رصين، مقْتديًا بسيرة السَّلَف، مُتَشَبِّهًا بالعلماء والصُّلحاء، روى الحديث وأسمعه بالإجازة، وكان من رآه شاهَدَ من جلال السّلطنة وهَيْبة المُلك ما يُبْهِره، فإذا فاوضه رَأَى من لطافته وتواضعه ما يُحيِّره، ولقد حكى عَنْهُ مَن صَحِبَه فِي حَضَره وسَفَره أَنَّهُ لم يسمع منه كلمةَ فحش في رضاه ولا في ضَجَره، وإنَّ أشهى ما إِلَيْهِ كلمةُ حقٍّ يسمعها، أو إرشاد إلى سُنَّة يتَّبِعُها، يؤاخي الصّالحين ويزورهم، وإذا احتلم مماليكه أعتقهم، وزوَّج ذكرانهم بإناثهم ورزقهم. ومتى تكرَّرت الشِّكاية من وُلاته عَزَلهم. وأكثر ما أخذه من البلدان تسلّمه بالأمان. وكان كُلَّما فتح اللَّه عَلَيْهِ فتحًا، وزاده ولايةَ، أسقط عَنْ رعيّته قسْطًا، حَتَّى ارتفعت عَنْهُمُ الظُّلامات والمُكُوس، واتَّضعت فِي جميع ولايته الغرامات والنحوس.
وقال أبو الفرج ابن الْجَوْزيّ: نور الدِّين وليَ الشّامَ سِنين، وجاهد الثّغور، وانتزع من أيدي الكُفَّار نيِّفًا وخمسين مدينة وحصْنًا، وبنى مارستانًا فِي الشّام، فأنفق عَلَيْهِ مالًا، وبنى بالمَوْصِل جامعًا غرِم عَلَيْهِ سبعين ألف دينار؛ ثُمَّ أثنى عَلَيْهِ. وقال: كان يتدين بطاعة الخلافة، وترْك المُكُوس قبل موته؛ وبعث جُنودًا فتحوا مصر. وكان يميل إلى التَّواضُع، ومحبَّة العلماء والصُّلَحاء، وكاتَبَني مِرارًا. وأحْلَفَ الأمراءَ عَلَى طاعة ولده بعده، وعاهد ملك الفرنج، صاحب طَرَابُلُسَ، وقد كَانَ فِي قبضته أسيرًا، عَلَى أن يطلقه بثلاثمائة ألف دينار وخمسمائة حصان، وخمسمائة زردية، ومثلها تراس إفرنجية، ومثلها قنطوريات، وخمسمائة أسيرٍ مسلمين، وبأنّه لا يُغير عَلَى بلاد المسلمين سبْع سِنين وسبعة أشهر وسبعة أيّام. وأخذ منه فِي قبضته عَلَى الوفاء بذلك مائة من كبار أولاد الفرنج وبطارقتهم، فإن نكث أراق دماءهم. وعزم عَلَى فتح بيت المقدس، فتُوُفّي فِي شوَّال. وكانت ولايته ثمانيًا وعشرين سَنَة.
وقال المُوفَّق عَبْد اللّطيف: كَانَ نور الدِّين لم ينشف لَهُ لبدٌ من الجهاد، وكان يأكل من عمل يده، ينسخ تارة، ويعمل أغلافًا تارةً، ويلبس الصوف، [ص:428] ويلازم السَّجّادةَ والمُصْحَف، وعمّر المدارس، وعمّر المارستان بدمشق للمهذّب ابن النّقّاش تلميذ أوحد الزّمان. وكان حنفيًّا، ويُراعي مذهب الشّافعيّ ومالك. وكان ولده الصّالح أحسن أهل زمانه صورةً. ونزل نور الدِّين عَلَى حارِم، فكبستهم الفِرَنج، وهرب جيشه عَلَى الخيل عُرْيًا، وقام هُوَ حافيًا، فركب فَرَس النَّوْبة، وأخذت الفِرَنج الخِيَم بما حَوَت، فلمّا دخل حلبَ غرِم لجميع الْجُنْد ما ذهب، حَتَّى المِخْلَاة والمِقْوَد، وخرج بعد شهرٍ بأتمّ عُدَّة، وكسرهم كسرةً مُبِيدة.
ونقل الْحَسَن بْن مُحَمَّد القليوييُّ فِي " تاريخه " قَالَ: لَمّا جاءت الزّلزلة بنى نور الدِّين فِي القلعة بيتًا من خشب كَانَ يبيت فِيهِ، فدُفِن فِي ذَلِكَ البيت، ورثاه جماعة من الشُّعراء، وأخرجت الأمراء ولده مشقوق الثّياب، مجزوز الشَّعْر، وأجلسوه على التَّخْت الباقي من عهد الملك تُتُش، والنّاس حوله يبكون، ثُمَّ حلف لَهُ الأمراء.
وقال القاضي ابن خَلِّكان: وسيَّر نور الدِّين الأمير أسد الدِّين شِيَركُوه إلى مصر ثلاثٍ دفعات، ثُمَّ ملكها صلاح الدِّين نيابةً لَهُ، وضرب باسمه السِّكَّة والخُطْبة.
قَالَ: وكان زاهدًا، عابدًا، متمسّكًا بالشّريعة، مجاهدًا، كثير البِرّ والأوقاف. وبنى بالمَوْصِل الجامع النّوريّ. ولَهُ من المناقب ما يستغرق الوصف. تُوُفّي فِي حادي عشر شوَّال بقلعة دمشق بالخوانيق، وأشاروا عَلَيْهِ بالفصد فامتنع، وكان مهيبًا، فما روجع، وكان أسمر طويلًا، حَسَن الصّورة، لَيْسَ بوجهه شَعْر سوى حَنَكه. وعُهِد بالمُلك إلى ولده الملك الصّالح إِسْمَاعِيل، وهُوَ ابن إحدى عشرة سَنَة.
وقال ابن الأثير: حكى لي الطّبيب قَالَ: استدعاني نور الدِّين مَعَ غيري، فدخلنا عَلَيْهِ، وقد تمكّنت الخوانيق منه، وقارب الهلاك، ولا يكاد يُسمع صوتُه، فقلت: ينبغي أن ينتقل إلى موضعٍ فسيحٍ مضيء، فله أثر في هذا [ص:429] المرض. وأشرنا بالفَصْد، فقال: ابن ستّين سَنَة لا يفتصِد. وامتنع منه، فعالجناه بغيره، فلم ينجع.
وقال ابن الأثير: كَانَ أسمر طويلًا، لَيْسَ لَهُ لحية إِلَّا في حَنَكه. وكان واسع الجبهة، حَسَن الصّورة، حُلْو العينين، قد طالعت السِّيَر، فلم أر فيها بعد الخلفاء الرّاشدين وعُمَر بْن عَبْد العزيز أحسن من سيرته، ولا أكثر تحرّيًا منه للعدل. وكان لا يأكل، ولا يلبس، ولا يتصرّف فِي الَّذِي يخصّه إِلَّا من مُلْكٍ كَانَ لَهُ قد اشتراه من سهمه من الغنيمة، ومن الأموال المُرْصَدَة لمصالح المسلمين. ولقد طلبَتْ منه زوجته فأعطاها ثلاثة دكاكين بحمص كراؤها نحو عشرين دينارًا في السّنة، فاستقلَّتها فقال: لَيْسَ لي إِلَّا هذا، وجميع ما بيدي أَنَا فِيهِ خازن للمسلمين. وكان رحمه اللَّه يصلّي كثيرًا بالّليل. وكان عارِفًا بالفقه عَلَى مذهب أَبِي حنيفة، ولم يترك فِي بلاده عَلَى سَعتِها مُكْسًا. إلى أن قَالَ فِي أوقافه عَلَى أنواع البِرّ: سَمِعْتُ أنّ حاصل وقْفه فِي الشّهر تسعة آلاف دينار صوريّ. قال له القطب النيسابوري مرة: بالله لا تُخَاطِرْ بنفسك، فإنْ أُصِبتَ فِي معركةٍ لا يبقي للمسلمين أحدٌ إِلَّا أخذه السّيف. فقال: ومن محمود حتى يقال هذا؟ مَن حفظ البلاد قبلي؟ ذَلِكَ اللَّه الَّذِي لا إله إِلَّا هُوَ.
وقال يحيى بْن مُحَمَّد الوهْرانيّ، وذكر نور الدِّين: هُوَ سهم للدّولة سديد، ورُكنٌ للخلافة شديد، وأميرٌ زاهد، وملك مجاهد، تساعده الأفلاك، وتعضدُه الجيوشُ والأملاك، غير أَنَّهُ عرف بالمرعى الوكيل لابن السبيل، وبالمحل الجديب للشاعر الأديب، فما يُرزّى ولا يُعزّى، ولا لشاعرٍ عنده نعمةٌ تجزي. وإيّاه عني أُسامة بْن منقذ بقوله:
سلطانُنا زاهدٌ والنّاس قد زَهِدُوا ... لَهُ فكلٌّ عَن الخيراتِ مُنْكمِش
أيَّامُه مثلُ شهر الصَّوم طاهرةٌ ... من المعاصي وفيها الجوعُ والعَطَشُ
قلت: وفي كتاب " البرق الشّاميّ " وغيره من مصنَّفات العماد الكاتب كثيرٌ من سِيرة نور الدِّين وأخباره. وقد عُنيَ الْإِمَام أَبُو شامة فِي كتاب " الروضتين " لَهُ بأخبار الدّولتين النُّورّية والصلاحية. [ص:430]
ودُفِن نور الدِّين بتُربته عَلَى باب الخوّاصين رحمه اللَّه، وعاش ابنه عشرين سَنَة، ومات بالقولنج في حلب.
وقال مجد الدِّين ابن الأثير الْجَزَريّ، فِي " تاريخ الموصل " على ما حكاه أبو المظفر ابن الْجَوْزيّ عَنْهُ، قَالَ: لم يلبس حريرًا قطّ، ولا ذهبًا ولا فضة، ومنع من بيع الخمر فِي بلاده.
قلت: قد لبس خلْعة الخليفة وهي من حرير وطَوْق ذهب، فلعلّه أراد أَنَّهُ لا بُدّ من لبْس ذَلِكَ.
قَالَ: وكان كثير الصّيام، ولَهُ أوراد فِي اللّيل والنّهار، كثير اللَّعِب بالكُرة، فكتب إِلَيْهِ بعض الصّالحين يُنْكِر عَلَيْهِ، ويقول: تُتْعِب الخيلَ فِي غير فائدة، فكتب إِلَيْهِ بخطّه: واللهِ ما أقصد اللَّعِبَ، وإنّما نَحْنُ فِي ثغرٍ، فرُبَّما وقع الصُّوت، فتكون الخيلُ قد أدمنت عَلَى سُرعة الانعطاف بالكَرّ والفَرّ. وأُهْدَيَت لَهُ عمامه مذهَّبة من مصر، فوهبها لشيخ الصُّوفية ابن حَمُّوَيْه، فبعث بها إلى العجم، فأُبيعت بألف دينار.
قَالَ: وكان عارفًا بمذهب أَبِي حنيفة، وليس عنده تعصُّب، والمذاهب عنده سواء.
قَالَ: وكان يلعب يومًا في ديوان دمشق، وجاءه رَجُلٌ فطلبه إلى الشَّرْع، فجاء معه إلى مجلس القاضي كمال الدِّين الشهرزوري، وتقدمه الحاجب يقول للقاضي: قد قال لك لا تنزعِجْ، واسلْك معه ما تسلك مَعَ آحاد النَّاس. فلمّا حضر سوّى بينه وبين خصْمه وتحاكما، فلم يثبت للرّجل عَلَيْهِ حقّ، وكان يدّعي مُلْكًا فِي يد نور الدِّين، فقال نور الدِّين: هَلْ ثبت لَهُ حقّ؟ قَالُوا: لا. قَالَ: فاشهدوا أنّي قد وهبت لَهُ المِلْك، وإنّما حضرت معه لئلّا يُقال عنّي أنّي دُعيت إلى مجلس الشَّرع فأَبَيْت.
قَالَ: ودخل يومًا فرأى مالًا كثيرًا، فقالوا: بعث بهذا القاضي كمال الدِّين من قابض الأوقاف. فقال: رُدُّوه، وقولوا لَهُ: أَنَا رقبتي رقيقة، لا أقدر عَلَى حمله غدًا، وأنت رقبتك غليظة تقدر عَلَى حمله. ولَمّا قَدِمَ أمراؤه دمشق [ص:431] اقتنوا الأملاك، واستطالوا عَلَى النَّاس، خصوصًا أسد الدِّين شِيرَكُوه، ولم يقدر القاضي عَلَى الانتصاف من شِيرَكُوه، فأمر نور الدِّين ببناء دار العدل، فقال شِيرَكُوه: إنّ نور الدِّين ما بنى هذه الدّار إِلَّا بسببي، وإلا فمن يمتنع عَلَى كمال الدِّين؟. وقال لديوانه: واللهِ لئن أُحضِرتُ إلى دار العدل بسببٍ واحد منكم لأصلبنَّه، فإنّ كَانَ بينكم وبين أحدٍ منازعةٌ فأرضوه بمهما أمكن، ولو أتى على جميع مالي.
وكان نور الدِّين يقعد فِي دار العدل فِي الأسبوع أربع مرات، ويحضر عنده الفقهاء والعلماء، ويأمر بإزالة الحاجب والبوّابين.
قَالَ: وكان إذا حضرت الحربُ حمل قوسين وتركشَيْن، وكان لا يتّكل الْجُنْد عَلَى الأمراء، بل يتولاهم بنفسه، ويُباشر خيولهم وسلاحهم.
قَالَ: وأنفق على عمارة جامع الموصل ستّين ألف دينار، وفوّض عمارته إلى الشَّيْخ عُمَر المُلّا الزّاهد. قَالَ: ويُقال: أنفق عَلَيْهِ ثلاثمائة ألف دينار، فتمّ فِي ثلاثٍ سِنين. وبنى جامع حماه عَلَى العاصي.
قَالَ: ووقع فِي أسْره ملك إفرنجيّ، فأشار الأمراء ببقائه فِي أسره خوفًا من شرِّه، وبذل هُوَ فِي نفسه مالًا. فبعث إِلَيْهِ نور الدِّين سرًّا يقول: أحضر المال، فأحضر ثلاثمائة ألف دينار، فأطلقه، فعند وصوله إلى مأمنه مات، فطلب الأمراء سهمهم من المال، فقال: ما تستحقون منه شيئًا؛ لأنكم نهيتم عن الفداء، وقد جمع اللَّه لي الحُسْنَيَيْن: الفداء، وموت اللّعين، وخلاص المسلمين منه. فبنى بذلك المال المارستان، والمدرسة بدمشق، ودار الحديث.
قَالَ: وما كَانَ أحدٌ من الأمراء يتجاسر أن يجلس عنده من هَيْبته، فإذا دخل عَلَيْهِ فقيرٌ أو عالم أو رب خرقة قام ومشى إِلَيْهِ وأجلسه إلى جانبه، ويُعطيهم الأموال، فإذا قِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ يَقُولُ: هَؤُلَاءِ لهم حقٌّ فِي بيت المال، فإذا قنعوا منّا ببعضه فلهم المِنَّة علينا.
وقال العماد الكاتب فِي " البرق الشّاميّ ": أكَثَر نور الدِّين فِي السَّنة الّتي تُوُفّي فيها من الصَّدقات، والأوقاف، وعمارة المساجد، وأسقط كلَّ ما فِيهِ حرام، فما أبقى سوى الجزْية والخراج، وما يحصل من قسمة الغَلَّات عَلَى قويم المنهاج، وأمرني بكتابة مناشير لجميع أهل البلاد، فكتبت أكثر من ألف [ص:432] منشور، وحَسَبْنا ما تصدَّق بِهِ فِي تِلْكَ الشّهور، فكان ثلاثين ألف دينار. وكان لَهُ برسم نفقته الخاصَّة فِي كلّ شهرٍ من الجزية ما يبلغ ألفي قِرْطاس، يصرفها فِي كسوته ومأكوله، وأجرة خياطه، وجامكيَّة طبّاخة، ويستفضل منها ما يتصدَّق بِهِ فِي آخر الشّهر. وقيل إنّ قيمة كلّ ستّين قرطاسًا بدينار. وذكر العماد جملةً من فضائله.
وقال فِي ترجمته القاضي ابنُ واصل: حكى مَعِين الدِّين مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن خَالِد بْن محمد ابن القَيْسرانيّ قَالَ: انكسر عَلَى ضامن الزّكاة مالٌ، وهُوَ ابن شمّام، فباع أملاكه بثمانية آلاف دينار صوريَّة وحملها، فحُبِس عَلَى ما بقي عَلَيْهِ، وكان جدّي خَالِد هُوَ الوزير والمشير، فقال لنور الدِّين: رَأَيْت البارحة كأنّ المولى قد نزع ثيابه ودفعها إليَّ، وقال: اغسِلْها. فأخذتُها وغسّلتها. فأطرق وسكت، فندِمت وخفْت أن يكون تطيَّر منِّي، فخرجت وأنا ضيق الصَّدر، فبقيت ثمانية أيّام لم يطلبني، فساء ظنيّ، فدخل عَلَى نور الدِّين الشَّيْخ إِسْمَاعِيل المكبس، وكان يحبّه، فقال: يا مولانا قد حضر مَن زاد فِي دار الزّكاة خمسة آلاف دينار فِي السّنة، فانتهره وقال: قد أصبحت عَلَى سجّادتي بعد أداء فريضتي أذكر اللَّه، واستفتحتَ أنت تبشّرني بمُكْسٍ. فوجم الشَّيْخ إِسْمَاعِيل، ثُمَّ قَالَ: اطلبوا خالدًا. قَالَ: فحضرت، فتبسَّم وقال: قد تفسَّر منامك. فقلت: بخيرٍ إن شاء اللَّه. فقال: لا تظنّ أنّ تَرْكي لك لموجدة، بل كنت مفكّرًا فِي المنام حَتَّى فتح اللَّه بتأويله. اعلم أنّ غسْل الثياب غسْل أوساخِ الذُّنوب، ولا ذَنب أوسَخَ مِن تناول أموال المُكُوس. فلا تترك من يومنا هذا فِي بلدٍ من بلادي مُكْسًا، ولا دِرْهمًا حرامًا، واكتب بذلك تواقيع تكون مخلَّدَةً فِي البلاد. والتفت إلى إسماعيل فقال: مر أطلق ابن شمّام، ورُدَّ عَلَيْهِ ما أُخِذ منه. فلمّا عرف ابن شَمّام بذلك، اقترح بأن يجعل الذَّهَب فِي أطباق، وتُزَفّ بالطُّبول والبُوقات فِي الأسواق. فأمر نور الدِّين بإجابته، وأن يُخلَع عَلَيْهِ.
وكتب جدّي خَالِد بذلك تواقيع ونسختُها كلَّها: " الحمد لله فاتح أَبُواب الخيرات بعد إغلاقها، وناهج سُبُل النّجاة لطُلّابها وطُرّاقها، وفارج الكُرُبات بعد إرتاجها [ص:433] وإطْباقها، الَّذِي منح أولياءه التّوفيق، وأوضح لهم دليله، ونصر أهل الحقّ، وأعان قبيله، نحمده عَلَى جزيل مواهبه، وجليل رغائبه، ونسأله أن يُصلّي عَلَى مُحَمَّد الَّذِي أوضح الطّريق والمَحجَّة، وأوجب الحُجَّة، وعلى آله "، إلى أن قَالَ: " وبعد، فقد اتّضح عَلَى الأَفْهام، ووضح عند الخاصّ والعامّ، ما نغاديه ونراوحه، ونُماسيه ونُصابحه، ونشتغل به عامة أوقاتنا، ونعمل فيه رؤيتنا وأفكارنا من الاجتهاد فِي إحياء سنَّةٍ حَسَنة، وإماتة سُنَّة سيّئة، وإزالة مَظْلِمة، ومحو سِيرةٍ مؤلمة "، إلى أن قَالَ: " وقد علمتم معاشرَ الرعايا وفَّقكم اللَّه، ما كَانَ مُرَتَّبًا من المظالم المجحِفَة بأحوالكم، والمُكُوس المستولية عَلَى شطْر أموالكم، والرُّسوم المضيقة عليكم فِي أرزاقكم، فأمرْنا بإزالة ذَلِكَ عنكم أوّلًا فأوّلًا، ولا نتبع فِي إقراره عَلَى وجوهه شُبْهة ولا تأوُّلًا، وقد كَانَ بقي من رسم الظُّلم ومعالم الجور في سائر ولايتنا ما أقررنا بإزالته رأفة بكم ولُطْفًا، " الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا "، وسنذكر ما أزلناه من المظالم والمُكوس أوّلًا وآخرًا من سائر أعمال ولايتنا - عمّرها الدَّهْر - فِي هذا السِّجِلّ من الدّيوان ".
قَالَ: ثُمَّ كتب بقلم دقيقٍ ما صورته: " ذِكْر ما أُطْلِق مِنَ الرسوم والمكوس والضّرائب فِي هذا التّاريخ، ورسْم إطلاق ذَلِكَ وتعفية آثاره، وإخماد ناره، ومبلغ ما يتحصل من ذلك في كل سنة خمسمائة ألف وستة وثمانون ألفًا وأربعمائة وسبعون دينارًا نقد الشام. فمن ذَلِكَ دمشق بتواريخ متقدّمة: مائتا ألف وعشرون ألفًا وخمسمائة وثلاثة وثمانون دينارًا. دمشق فِي تاريخ هذا الكتاب: خمسون ألفًا وسبعمائة وثلاثون دينارًا، تدمر: خمسمائة دينار، صرخد: سبعمائة، القريتين والسخنة: خمسمائة دينار، بانياس: ألف ومائتا دينار، بَعْلَبَكّ وأعمالها: ستة آلاف وتسعمائة وعشرون دينارًا، حمص وأعمالها: ستَّة وعشرون ألف دينار ونيف، حماه وأعمالها: ستَّة وعشرون ألف دينار ونيّف، حلب: ستة وتسعون ألف دينار ونيف، سرمين: ألفان وثلاثمائة وستّون دينارًا، المَعَرَّة: سبعة آلاف دينار، كَفَرْطاب: ألف دينار، عزاز: ستة آلاف وخمسمائة دينار، تل باشر: ألف وخمسمائة دينار، عين تاب: تسعة وثمانون دينارًا، بالِس: أربعة آلاف دينار، مَنْبِج وأعمالها: ثمانية عشر ألفًا وخمسمائة وستَّة وستّون دينارًا، الباب وبزاعة: ثلاثة آلاف دينار، قلعة نجم: ثلاثمائة دينار، قلعة جَعْبَر: سبعة آلاف [ص:434] وستمائة دينار ونيف، الرقة: ستة وعشرون ألف دينار ونيف، والرها: ثمانية آلاف وخمسمائة دينار، حران: ستة عشر ألفًا وستّمائة ونيِّف دينارًا، سِنْجار: سبعة آلاف دينار، المَوْصِل: ثمانية وثلاثون ألف دينار، نصيبِين: عشرة آلاف وأربعمائة دينار، عرابان: خمسة آلاف وسبعمائة دينار، بطامان من أعمال الخابور: مائتان وخمسون دينارًا، الأرسل: سبعمائة وخمسون دينارًا، السّمسمانيَّة: ألف دينار، قرقيسيا: ألف دينار، السلين: مائتا دينار، ماكسين: خمسة آلاف دينار، المَجْدَل: ثلاثة آلاف دينار، الحُصَيْن: ستّمائة دينار ونيِّف، الْجُحَيْشة هِيَ وما قبلها من الخابور: مائتا دينار، المحولية: مائةٌ وثلاثةٌ وستّون دينارًا، الرَّحْبَة: ستة عشر ألفًا وسبعمائة وأربعون دينارًا.
ثُمَّ كتب بعد ذَلِكَ بالقلم الجافي: " تحقيقًا للحقّ، وتمحيقًا للباطل، ونشرًا للعدل، وتقديمًا للصّلاح الشّامل، وإيثارًا للثواب الآجل عَلَى الحطام العاجل "، إلى أن قال: " وأيقنوا أنّ ذَلِكَ إنعامٌ مستمرّ عَلَى الدّهور، باق إلى يوم النُّشُور، فـ " كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ "، وسبيل كلّ واقفٍ عَلَى هذا المِثال من الوُلاة والعمّال حذْف ذَلِكَ كلّه، وتَعْفية رسومه، ومحو آثاره وأوزاره، وإطلاقه على الإطلاق، " فمن بدله بعدما سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ الله سميع عليم "، والتوقيع الأعلى حجة لمضمونه ومقتضاه، وكتب بالمشافهة الكريمة شرّفها اللَّه، فِي مُسْتَهَلّ رجب سَنَة سبع وستين وخمسمائة.
ومن شجاعته، نقل ابن واصل وغيره أَنَّهُ كَانَ مِن أقوى النَّاس بَدَنًا وقلبًا، وأنّه لم يُرَ عَلَى ظهر فَرَسٍ أشد منه، كأنما خلق عليه لا يتحرَّك. وكان من أحسن النَّاس لعبًا بالكُرَة، تجري الفَرَس ويتناولها من الهواء بيده، ويرميها إلى آخر الميدان، وكان يمسك الجوكان بكم قبائه استهانةً باللّعب، وكان إذا حضر الحرب أخذ قوسين وتركاشَيْن، وباشر القتال بنفسه، وكان يَقُولُ: طالما تعرّضتُ للشّهادة فلم أُدْرِكْها.
قلت: قد أدركْتَها عَلَى فراشك، وبقي ذَلِكَ فِي أفواه المسلمين تراهم يقولون: نور الدِّين الشّهيد، وما شهادته إِلَّا بالخوانيق، رحمه اللَّه. [ص:435]
ومن فضائله، قَالَ سِبْط ابن الْجَوْزيّ: إنّه كان له عجائز بدمشق وحلب، وكان يخيط الكوافر ويعمل السكاكر وتبيعها له العجائز سرًا، فكان يوم يصوم يفطر عَلَى أثمانها. حكى لي شرف الدِّين يعقوب بْن المعتمد أنّ فِي دارهم سُكْرة عَلَى حرستان من عمل نور الدِّين يتبرّكون بها، وهي باقية إلى سَنَة خمسين وستّمائة. ومنها ما حكاه لي الشَّيْخ أَبُو عُمَر قَالَ: كَانَ نور الدين يزور والدي في المدرسة الصغيرة المجاورة للدَّير، ونور الدِّين بنى هذه المدرسة، والمصنع، والفُرن؛ فجاء لزيارة والدي، وكان فِي سقف المسجد خشبةٌ مكسورة، فقال لَهُ بعض الجماعة: لو جدّدت السَّقْف، فنظر إلى الخشبة وسكت، فلمّا كَانَ من الغد جاء مِعْمارُه ومعه خشبة، فزرقها موضِعَ المكسورة ومضى. فقال لَهُ بعض الحاضرين: فاكرتنا فِي كشْف سقْف. فقال: لا واللهِ، وإنّما هذا الشَّيْخ أَحْمَد رجلٌ صالحٌ، وإنّما أزوره لأنتفع بِهِ، وما أردت أن أُزخرف لَهُ المسجد. ومنها ما حكاه لي نجم الدين الحسن بْن سلام قَالَ: لَمّا ملك الأشرف دمشقَ، وعمّر فِي القلعة مسجد أَبِي الدّرداء، قَالَ لي: يا نَجْمَ الدِّين، كيف ترى هذا المسجد؟ قد عمّرتُه وأفردتُه عَن الدُّور، وما صلّى فِيهِ أحدٌ من زمان أَبِي الدّرداء. فقلت: اللَّه اللَّه يا مولانا، ما زال نور الدِّين منذ ملك دمشقَ يصلّي فِيهِ الصَّلَوات الخمس.
حدَّثني والدي، وكان من أكابر عُدُول دمشق، أنّ الفِرَنج لَمّا نزلت عَلَى دِمْياط بعد موت أسد الدِّين، وضايقوها، أشرفت عَلَى الأَخْذ، فأقام نور الدِّين عشرين يومًا صائمًا، لا يُفطر إِلَّا عَلَى الماء، فضعُف وكاد يتلف، وكان مَهِيبًا لا يتجاسر أحدٌ أن يُخاطبه فِي ذَلِكَ، وكان لَهُ إمامٌ ضريرٌ اسمه يحيى، وكان يقرأ عَلَيْهِ القرآن، فاجتمع إليه خواص نور الدين، فكلموه فِي ذَلِكَ، فلمّا كَانَ تِلْكَ اللّيلة رَأَى الشَّيْخ يحيى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ يَقُولُ لَهُ: يا يحيى بِشِّر نورَ الدِّين برحيل الفِرَنْج عَنْ دِمياط. فقلت: يا رسول اللَّه، ربّما لا يصدِّقني! فقال: [ص:436] قُلْ لَهُ: بعلامة يوم حارِم. قَالَ: وانتبه يحيى، فلمّا صلّى نور الدِّين خلْفَه الفجْرَ، وشرع يدعو، هابه أن يكلّمه، فقال لَهُ نور الدِّين: يا يحيى. قَالَ: لَبَّيْكَ. قَالَ: تحدِّثْني أو أحدّثْك؟ فارتعد يحيى وخرِس، فقال: أَنَا أحدّثك، رَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هذه اللّيلة، وقال لك: كذا وكذا. قَالَ: نعم، فباللهِ يا مولانا، ما معنى قوله: بعلامة يوم حارِم؟ قَالَ: لَمّا التقينا خفتُ عَلَى الْإِسْلَام، فانفردت ونزلت، ومرَّغْتِ وجهي عَلَى التّراب، وقلت: يا سيّدي، مَن محمود فِي البَيْن، الدِّين دِينُك، والْجُنْد جُنْدُك، وهذا اليوم هُوَ، فافعلْ ما يليق بكَرَمِك. قال: فنصرنا الله عليهم.
وحكى لنا شيخنا تاج الدِّين الكِنْديّ قَالَ: ما تبسَّم نور الدِّين إِلَّا نادرًا. حكى لي جماعة من المحدثين أنهم قرؤوا عنده حديث التَّبَسُّم، وكان يرويه، فقالوا لَهُ: تبسم. فقال: لا والله لا أتبسم من غير عجب.
وللعماد الكاتب في نور الدين يرثيه:
يا ملكًا أيامه لم تزل ... بفضله فاضلة فاخِرَة
ملكتَ دنياك وخلّفتها ... وسِرْتَ حَتَّى تملك الآخرة(12/424)
341 - مظفر بن القاسم، أبو الأزهر الصَّيْدلانيّ، المقرئ، المجوِّد. [المتوفى: 569 هـ]
قرأ القراءات عَلَى أَبِي العِزّ القلانِسِيّ، وسَمِعَ من أَبِي القاسم بن الحصين، وأقرأ ببغداد في آخر أيامه.(12/436)
342 - هِبَة اللَّه بْن كامل، أَبُو القاسم الْمَصْرِيّ، [المتوفى: 569 هـ]
قاضي القُضاة وداعي الدُّعاة.
كَانَ عالِمًا، فاضلًا، أديبًا، شاعرًا، متفنّنًا، مِن كبار علماء الدَّولة المصريَّة، وكان عندهم فِي الرُّتبة العليا. وكان أحد الجماعة الّذين سعوا فِي إعادة دولة بني عُبَيْد، فظفر بهم السُّلطان صلاح الدِّين، فأوَّل ما صَلَب داعي الدُّعاة هذا، وعُمارة اليمني نسأل الله الستر والسلامة، وصُلِبَ فِي رمضان وهُوَ صائم.(12/436)
343 - الهيثم بْن هلال بن الهيثم بن محمد، أبو جَعْفَر بْن أَبِي سَعْد البَغْداديُّ. [المتوفى: 569 هـ][ص:437]
من أبناء الرؤساء، سَمِعَ من أَبِي القاسم الرَّبَعيّ، والحَسَن بْن مُحَمَّد التِّكَكيّ، وأبي الْحَسَن ابن العلّاف. روى عَنْهُ أَحْمَد بْن طارق، وعبد العزيز ابن الأخضر، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، وآخرون. وتُوُفّي في جمادى الآخرة.(12/436)
344 - يحيى بْن سَعْد اللَّه بْن عَبْد الباقي، أَبُو منصور البَجَليّ، الكوفيّ. [المتوفى: 569 هـ]
قَدِمَ بغدادَ وحدَّث بها عَنْ عمّه مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بْن مجالد، وأبي الغنائم النَّرْسِيّ. روى عَنْهُ ابن أخيه سَعْد اللَّه، وابن الأخضر. وتُوُفّي فِي ربيع الآخر عَنْ أربعٍ وسبعين سَنَة.(12/437)
345 - يحيى بْن نجاح البَغْداديُّ، المؤدِّب. [المتوفى: 569 هـ]
محدِّث، نَحْويّ، لُغَويّ، شاعر، كَانَ يؤدِّب.(12/437)
346 - يوسف بْن آدم. [المتوفى: 569 هـ]
تُوُفّي سَنَة تسع بحَرّان. وقد مرَّ مُجْمَلًا.(12/437)
-سنة سبعين وخمسمائة(12/438)
347 - أحمد بن محمد بن أحمد ابن البُسْريّ، أَبُو الفَرَج البَغْداديُّ، [المتوفى: 570 هـ]
سِبْط أَبِي منصور بْن النَّقُّور.
شيخ بزّاز، سَمِعَ من جَدّه، أخذ عَنْهُ عُمَر الْقُرَشِيّ، وعليّ الزَّيْديّ. وسَمِعَ أيضًا من أبي الحسين ابن الطُّيُوريّ. روى عَنْهُ أَحْمَد بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجيّ، وغيره.(12/438)
348 - أَحْمَد بْن المبارك بْن سَعْد، أَبُو الْعَبَّاس البَغْداديُّ، المقرئ، المعروف بالمرقّعاتيّ. [المتوفى: 570 هـ]
روى عَنْ ثابت بْن بُنْدار، وهُوَ جَدّه لأمّه. روى عنه ابنه عبد الرحمن، وأبو محمد ابن الأخضر، وابن قُدَامة، ونصر بْن عَبْد الرّزّاق الْجِيليّ، وجماعة.
وسئل الشَّيْخ المُوفَّق عَنْهُ، فقال: أظنّه نُسِب إلى المُرَقَّعاتيّ لكونه يبسط المُرَقَّعةَ للشيخ عبد القادر على الكرسي.
وقال ابن الدُّبَيْثيّ: كَانَ عَسِرًا فِي الرواية، تُوُفّي فِي صفر.
قلت: وأجاز للرشيد بْن مَسْلَمَة، وغيره. وكان ملازمًا لخدمة عبد القادر.(12/438)
349 - أَحْمَد بْن موهوب بْن المبارك بْن مُحَمَّد بن أحمد السدنك أَبُو شجاع. [المتوفى: 570 هـ]
كَانَ أمين القُضاة بالحريم الطّاهريّ. سمع أبا القاسم بن بيان، وأبا علي بْن نبهان. وكان ثقة. روى عَنْهُ ابن مَشّقْ، وابن الأخضر، وابن قُدَامة، وآخرون.
تُوُفّي في ذي القعدة.(12/438)
350 - إِبْرَاهِيم بْن أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أحمد بْن إِبْرَاهِيم الرَازيّ، ثُمَّ الإسكندرانيّ. [المتوفى: 570 هـ]
سَمِعَ من أبيه، وأبي صادق المديني، وكاتب الفارقيّ.
قَالَ أَبُو الْحَسَن بْن المُفَضَّل: تُوُفّي فِي صفر ولم يكن أهلًا أن يُروَى عنه.(12/439)
351 - أرسلان شاه السلجوقي. [المتوفى: 570 هـ]
صاحب همذان.
قَالَ سِبْط الْجَوْزيّ: تُوُفّي سَنَة سبعين.
قلت: سيأتي في سنة ثلاث وسبعين.(12/439)
352 - أسعد بْن هِبَة اللَّه، أَبُو المُظَفَّر الرَّبَعيّ، المؤدب، المعروف بابن الخيزرانيّ، البَغْداديُّ. [المتوفى: 570 هـ]
تَفَقَّه عَلَى مذهب أَبِي حنيفة، وتأدّب عَلَى ابن الْجَوَاليقيّ. وسَمِعَ ابن الحُصَيْن، وأبا غالب ابن البنّاء. روى عَنْهُ عَلِيّ بْن أَحْمَد الزَّيْديّ، وأحمد بن أحمد البندنيجي.(12/439)
353 - حامد بن محمود بْن حامد، أَبُو الفضل الحنبليّ. [المتوفى: 570 هـ]
قَدِمَ بغداد، وتَفَقَّه. وسَمِعَ من عَبْد الوهّاب الأنْماطيّ، وعاد إلى حَرَّان، ودَرَّس، وأفتى. وكان ورِعًا بِهِ وسواس فِي الطّهارة. ذكره ابن الْجَوْزيّ في " المنتظم ".
ويقال لَهُ: حامد بْن أَبِي الحجر.
قرأتُ بخطّ ابن الحاجب قَالَ: ذكر لي شيخنا عمر بن منجى أَنَّهُ قَدِمَ دمشق فِي دولة نور الدِّين، فأخذ والدي إلى حَرَّان.
قَالَ ابن الحاجب: وذكر لي عدْل حرّانيّ أنّ ابن حامد هذا كَانَ من أعيان البلد، ووجد من الجاه فِي أيّام نور الدِّين ما لا يجده غيره، واستنابه فِي جميع أمور البلد، وأمرهم أن يكتبوا لَهُ توقيعًا بذلك. فلمّا حضر عند الديوان ورأوا بزته وسمته وأنه ابن أبي الحجر قال بعضهم لبعض: ماذا يوم معاش ذا يوم [ص:440] صخرة. ففهم وتلا: " وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يتفجر منه الأنهار " وتبسم، فاستحيوا.(12/439)
354 - خديجة بِنْت أَحْمَد بْن الْحَسَن بْن عَبْد الكريم، فخر النساء بنت النهرواني، البغدادية، ويعرف أبوها بابن العنبري. [المتوفى: 570 هـ]
امْرَأَة صالحة مُسْنِدَة. روت عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه النِّعَاليّ. روى عَنْهَا ابن أخيها عَلِيّ بْن رَوْح، والمُوفَّق المَقْدِسيُّ، ونصر بْن عَبْد الرّزّاق، والشّيخ العماد المَقْدِسيُّ؛ وأظنّ ابن راجح.
تُوُفّيت فِي رمضان.(12/440)
355 - رَوْح بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن صالح، قاضي القضاة أَبُو طَالِب الحديثيّ، ثُمَّ البَغْداديُّ. [المتوفى: 570 هـ]
سَمِعَ إِسْمَاعِيل بْن الفضل الْجُرْجَانيّ، ومُحَمَّد بْن عَبْد الباقي البَجَليّ، وابن الحُصَيْن. سَمِعَ منه صدقة بْن الحسين، وعُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ. وحدَّث عَنْهُ إسفنديار بْن المُوفَّق. ولم يزل عَلَى قضاء القُضاة إلى حين وفاته.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ متديّنًا، حَسَن الطّريقة، عفيفًا، نزهًا، ولّاه المستضيء سنة ست وستين وخمسمائة بعد امتناعٍ منه شديد. تُوُفّي فِي المحرَّم، ولَهُ ثمانٍ وستّون سَنَة.
وآخر من روى عنه بالإجازة الرشيد بن مسلمة.(12/440)
356 - سَعِيد بْن صافي، أَبُو شجاع البَغْداديُّ، الحاجب، الجماليّ. [المتوفى: 570 هـ]
مولى أَبِي عَبْد اللَّه بْن جردة.
قرأ القرآن عَلَى جماعة، وسَمِعَ حضورًا من أبي الحسن ابن العلّاف، ثُمَّ من ابن بيان، وابن مَلَّة، وكتب الكثير بخطّه، روى عَنْهُ ابن الأخضر، وأبو محمد ابن قُدَامة. وتُوُفّي فِي رجب.(12/440)
357 - سُلَيْمَان بْن عَبْد الواحد، أَبُو الربيع الهَمَذَانيّ، الغَرْناطيّ، قاضي غَرْناطة. [المتوفى: 570 هـ]
لَهُ مُصَنَّف فِي الفقه. حدَّث عَنْهُ أَبُو القاسم الملّاحيّ. وأجاز فِي هذه السّنة لأبي عَبْد اللَّه الأنْدرشيّ، شيخ الأبار.(12/441)
358 - شَمْلَةُ التُّرْكُمانيّ. [المتوفى: 570 هـ]
كَانَ قد تغلّب عَلَى بلاد فارس، واستحدث قلاعًا، ونهب الأكراد والتُّركمان، وبدَّع، وقوي عَلَى السَّلْجُوقيَّة، وكان يُظهِر طاعة الْإِمَام مكْرًا منه، وتمَّ لَهُ الأمر أكثر من عشرين سَنَة إلى أن نهض عَلَى قتال بعض التركمان، فتهيؤوا لَهُ، واستعانوا بالبهلوان ابن إلْدكْز، فساعدهم بجيشة، وعملوا مُصافًّا، فأصاب شَمْلَةَ سهمٌ، وانكسر جيشه وأُخِذ أسيرًا هُوَ وولده وابن أخيه، ومات بعد يومين، لا رحمه اللَّه، فما كَانَ أظلمه وأغشمه.(12/441)
359 - عَبْد اللَّه بْن عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الرّزّاق، أَبُو مُحَمَّد السُّلَميّ، البَغْداديُّ. [المتوفى: 570 هـ]
ذكر أَنَّهُ من وُلِدَ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَميّ قارئ الكوفة. سَمِعَ أَبَا القاسم الرَّبَعيّ، وأبا الغنائم النَّرْسيّ، وابن بيان، وجماعة.
روى عَنْهُ ابن الأخضر، والمُوفَّق بْن قُدَامة، وابنه الشّمس أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه السُّلَميّ العطّار، ونصر بْن عبد الرزاق الجيلي، والخليل بن أحمد الجوسقي، وعثمان بْن أَبِي نصر ابن الوتّار، وجماعة.
وتُوُفّي فِي المحرَّم.(12/441)
360 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الباقي بن محمد بن عبد الباقي، أبو طَالِب التَّميميّ، الدّمشقيّ. [المتوفى: 570 هـ]
سمّعه أَبُوهُ من هِبَة الله ابن الأكفانيّ، وطبقته. ثُمَّ سَمِعَ هُوَ بنفسه واشتغل وحصَّل، وشهد عند القضاة. وتُوُفّي فِي شوَّال.
كتب عَنْهُ أَبُو المواهب بْن صَصْرَى.(12/441)
361 - عَبْد الصَّمَد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أبي الغنائم عبد الصمد بن علي ابن المأمون، أَبُو الغنائم الهاشميّ، العبّاسيّ. [المتوفى: 570 هـ]
شيخ صالح عابد، من بيت الحديث والشرف. روى عَنْ أَبِي عَلِيّ بْن نبهان، وأُبَيّ النَّرْسيّ. روى عَنْهُ أَحْمَد بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجيّ، وغيره.(12/442)
362 - عَبْد الملك ابن قاضي القضاة أَبِي طَالِب رَوْح بْن أَحْمَد الحديثيّ. [المتوفى: 570 هـ]
استنابه أَبُوهُ فِي القضاء بدار الخلافة، وعُيِّن بعد موت والده للقضاء، فبغته الموت وهُوَ شابّ. سَمِعَ من أَبِي عَبْد اللَّه السّلّال، والأُرْمَوِيّ. روى عَنْهُ عَبْد الملك بْن أَبِي مُحَمَّد البَرَدانيّ. وكان ديِّنًا حسن الطريقة، يكنى أبا المعالي.
قال ابن النجار: سَمِعْتُ جارنا أَبَا الْحَسَن بْن ملاعب يَقُولُ: كَانَ القاضي عَبْد الملك يخرج من دار والده بالطَّيْلسان والوُكلاء والركابيَّة بين يديه وهُوَ راكب، فإذا نزل ودخل ذهب الجماعة. ثُمَّ خرج هُوَ فِي ثيابٍ قصيرة وعِمامة لطيفة، والسَّجّاد عَلَى كتِفه، فيأتي مسجده بالسّوق، فيؤذّن ويُقيم. وكان يسحّر فِي رمضان، ولَهُ معرفة بالوقت.(12/442)
363 - عَبْد الوهّاب بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد القاهر الطُّوسيّ، [المتوفى: 570 هـ]
أخو خطيب المَوْصِل.
روى عَنْ جَعْفَر السّرّاج، وتُوُفّي فِي شوَّال. كتب عَنْهُ أَبُو سَعْد السّمعانيّ مَعَ تقدُّمه. وروى عنه عبد الكريم السيدي، ومُحَمَّد بْن ياقوت.(12/442)
364 - عثمان بْن فَرَج بْن خَلَف، أَبُو عَمْرو العَبْدَرِيّ، السَّرَقُسْطيّ. [المتوفى: 570 هـ]
حجَّ فسمع من أَبِي عَبْد اللَّه الرَازيّ، وعبد اللَّه بن طلحة اليابري، وأبي الحجاج بن زياد الميورقي، وأبي الحسن علي البيهقي الزاهد، وسكن القاهرة. روى عَنْهُ عَوَض بْن محمود، وأبو عَبْد اللَّه الأَنْدَرْشيّ، وغيرهما. [ص:443]
حدَّث فِي هذا العام ولا أعلم وفاته بعد.(12/442)
365 - عَلِيّ بْن خَلَف بْن عُمَر بْن هلال، أَبُو الْحَسَن الغَرْناطيّ. [المتوفى: 570 هـ]
روى عَنْ أَبِي الْحَسَن بْن الباذَش، وأبي بَكْر بْن الخلوف، وأبي القاسم ابن النخاس، ومنصور بن الخير، وأخذ عنه القراءات. سكن مَيُورقَة وغيرها، وأقرأ القراءات، وكان عارفًا بها، سخيًّا، جوادًا. روى عَنْهُ أَبُو عمر بن عياد، وأجاز لأبي الْخَطَّاب بْن واجب، وأبي بَكْر عتيق بن علي، وكف بصره بأخرة.
قال الأبار: توفي بميورقة في نحو سنة سبعين.(12/443)
366 - فاطمة بِنْت عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه الوقاياتي، أمّ عَلِيّ البغداديَّة. [المتوفى: 570 هـ]
سَمِعْتُ أَبَا عَبْد اللَّه ابن البُسْريّ، وأبا القاسم الرّزّاز. روى عَنْهَا ابن الأخضر، وموفق الدين بن قدامة، وجماعة.
ماتت فِي آخر السّنة.(12/443)
367 - فاطمة بِنْت المحدّث أَبِي غالب مُحَمَّد بْن الْحَسَن الماوَرْديّ، أمّ الخير. [المتوفى: 570 هـ]
سمّعها أبوها من أَبِي عَبْد اللَّه البُسْريّ، وأُبَيّ النَّرْسيّ. وعنها أَحْمَد البَنْدَنِيجيّ.
ماتت فِي ربيع الآخر.(12/443)
368 - قايماز، قُطْب الدِّين، مملوك المستنجد بالله. [المتوفى: 570 هـ]
ارتفع أمره وعلا قدره فِي أيّام مولاه، فلمّا استخلف المستضيء بالله عظم وصار مقدَّمًا عَلَى الكُلّ. ولم يكن عَلَى يده يد، وقد أراد المستضيء تولية وزير فمنعه قايماز من ذَلِكَ، وأغلق باب النُّوبيّ، وهمّ بأمر سوء، ثُمَّ خرج من بغداد فِي جيشٍ، فمات بناحية المَوْصِل فِي ذي الحِجَّة، وكفى اللَّه شرّه.
وكان كريمًا، طلْق الوجه، قليل الظُّلْم.(12/443)
369 - مُحَمَّد بْن حُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن حيُّوس، أَبُو عَبْد اللَّه الفاسيّ. [المتوفى: 570 هـ][ص:444]
شاعر مفلق، بديع النظم، سائر القول مدح الأمراء. ولَهُ " ديوان ". روى عَنْهُ عَبْد العزيز بن زيدان، وغيره. وعاش سبعين سَنَة.(12/443)
370 - مُحَمَّد بْن حمزة بْن عَلِيّ بْن طلحة الرّازيّ ثُمَّ البَغْداديُّ. [المتوفى: 570 هـ]
من أبناء المحتشمين. سَمِعَ هِبَة اللَّه بْن الحُصَيْن، وتُوُفّي فِي رمضان. كتب عَنْهُ عُمَر بْن عَلِيّ، وغيره.(12/444)
371 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن خليل، أَبُو عَبْد اللَّه القيسي، اللبلي. [المتوفى: 570 هـ]
صحب مالك بن وهيب ولازَمَه مُدَّة، وسَمِعَ " صحيح مُسْلِم " من أَبِي عَلِيّ الغسّانيّ. وروى عَنْهُ، وعن ابن الطَّلّاع، وخازم بْن مُحَمَّد، وأبي الْحُسَيْن بْن سِراج، وأبي عَلِيّ الصَّدَفيّ، وجماعة.
وذكر ابن الزُّبَيْر أنّ روايته " للموطّأ " عَنِ ابن الطَّلّاع إجازةً إنْ لم يكن سماعًا.
قَالَ الأَبّار: كَانَ من أهل الرّواية والدّراية. نزل فارس، ثُمَّ مَرّاكُش. أخذ عَنْهُ شيخنا أَبُو عَبْد اللَّه الأَنْدَرْشيّ، وأبو عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحقِّ، قاضي تِلِمْسان.(12/444)
372 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن أَبِي القاسم، أَبُو بَكْر الطُّوسيّ المُلَقَّب ناصح المسلمين. [المتوفى: 570 هـ]
فقيهٌ، إمامٌ، مُسْنِد. حدَّث فِي رجب من السّنة عَنْ عَلِيّ بْن أَحْمَد المَدِينيّ، ونصر اللَّه بْن أَحْمَد الخُشْنَاميّ، والفضل بْن عَبْد الواحد التّاجر أصحاب الحيريّ، ونحوهم.
روى عَنْهُ زينب الشّعريَّة، وولداها المؤيَّد وبيبي وَلَديْ نجيب الدِّين مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عُمَر الطُّوسيّ، وعثمان بْن أَبِي بَكْر الخبُوشانيّ، ومحمد ابن أبي طاهر العطاري، وأبو حامد مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي بكر السِّمْنانيّ، ثُمَّ الْجُوَيْنيّ، وجماعة.
وكان أسند من بقي بنَيْسابور فِي هذا الوقت، ولَهُ " أربعون " سمعناها، [ص:445] خرَّجها لَهُ عَلِيّ بْن عُمَر الطُّوسيّ. وممّن روى عَنْهُ الْحَسَن بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن القُشَيْريّ.(12/444)
373 - مُحَمَّد بْن المبارك بْن مُحَمَّد بْن جَابِر، أَبُو نصر البَغْداديُّ. [المتوفى: 570 هـ]
روى عَنْ أَبِي عَلِيّ بْن نبهان، ونور الهدى الزَّيْنَبيّ. روى عَنْهُ تميم بْن أَحْمَد، ونصر بْن عَبْد الرّزّاق، وغيرهما. وتُوُفّي فِي أواخر السّنة وقد أضرّ، وعاش نيِّفًا وسبعين سَنَة.(12/445)
374 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن فارس، أَبُو بَكْر بْن الشّاروق، الحريميّ، المقرئ. [المتوفى: 570 هـ]
أحد القرّاء الموصوفين بجودة الأداء وملاحة الصوت. سمع أبا الحسين ابن الطُّيُوريّ. روى عَنْهُ مُحَمَّد بْن مَشِّقْ، وابن الأخضر، وتوفي فِي رجب.(12/445)
375 - معالي بْن أَبِي بَكْر بْن معالي البَغْداديُّ الكيّال. [المتوفى: 570 هـ]
سَمِعَ أَبَا الغنائم النَّرْسيّ. روى عَنْهُ أَبُو مُحَمَّد بْن قُدَامة، والشّهاب بْن راجح، والعماد إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الواحد.(12/445)
376 - هبة الله بن بَكْر بْن طاهر الفَزَاريّ، البَغْداديُّ، القَزّاز. [المتوفى: 570 هـ]
روى عَنْ جَدّه أَبِي ياسر أَحْمَد بْن بُنْدار البقّال. وعنه ابن الأخضر. تُوُفّي فِي صَفَر.(12/445)
377 - هِبَة اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن منصور الأنطاكيّ ثُمَّ الدّمشقيّ، أَبُو القاسم الخطيب. [المتوفى: 570 هـ]
روى عَنْ عَبْد الكريم بْن حمزة. وعنه أَبُو القاسم بن صصرى.(12/445)
378 - وَرَع بِنْت أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد الخلّال، بَدْر التّمام. [المتوفى: 570 هـ]
رَوَتْ عَنْ أبيها عَنْ جَدّه الحافظ أَبِي مُحَمَّد. وعنها أبو الفتوح ابن الحصري، وغيره.(12/445)
379 - يحيى بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن المُعَمَّر بْن جَعْفَر الثَّقَفيّ، أَبُو الفضل، [المتوفى: 570 هـ]
صاحب مخزن المقتفي، والمستنجد.
ناب فِي الوزارة للمستضيء، وبقي فِي المناصب ثمانيًا وعشرين سَنَة. وكان حافظًا لكتاب اللَّه. وحجَّ مرّات كثيرة، وخَلَف ولدين ماتا شابَّيْن.(12/446)
380 - يوسف بْن المبارك بْن أَبِي شَيْبَة، أَبُو القاسم الخيّاط، المقرئ. [المتوفى: 570 هـ]
صار فِي آخر أيّامه وكيلًا بباب القاضي. وقد قرأ بالرّوايات عَلَى: أَبِي العز القلانِسيّ، وجماعة. وسَمِعَ ابن مَلَّة. وادّعى أَنَّهُ قرأ عَلَى أَبِي طاهر بن سوار، وبانَ كذِبه فِي ذَلِكَ. قرأ عَلَيْهِ جماعة. وروى عنه ابن الأخضر حديثًا.
وتوفي فِي رجب.(12/446)
-وفيها وُلِدَ:
سِبْط السِّلَفيّ. والشّرف المُرْسيّ، والبدر عُمَر بْن مُحَمَّد الكرْمانيّ الواعظ.(12/446)
-المتوفّون فِي هذه الحدود ما بين الستين إلى السبعين(12/447)
381 - أَحْمَد بْن زُهَير بْن مُحَمَّد بْن الفضل، أَبُو الْعَبَّاس المعروف بمَلَّة الإصبهانيّ. [الوفاة: 561 - 570 هـ]
سَمِعَ أَبَا نَهْشَل عَبْد الصَّمَد العنبريّ، ومُحَمَّد بْن طاهر المَقْدِسيُّ. وعنه عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة. حدَّث ببغداد سَنَة أربعٍ وستّين.(12/447)
382 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن أبي العاص، أبو جعفر النفزي، الشّاطبيّ، المعروف بابن اللَّاية المقرئ. [الوفاة: 561 - 570 هـ]
أخذ القراءات عَنْ أَبِيهِ الأستاذ أَبِي عَبْد اللَّه. ورحل إلى دانية فأخذ عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن سَعِيد. وخَلَف أَبَاهُ فِي الإقراء؛ أخذ عنه جماعة منهم ابن فيره الشاطبي.
قال ابن الأَبّار: كَانَ معروفًا بالضَّبْط والتّجويد كأبيه.
قلت: ذكر قبله مَن تُوُفّي سَنَة ثلاثٍ وستّين، وبعده من توفي سنة تسع وستين وخمسمائة.(12/447)
383 - رجاء بْن حامد بْن رجاء بْن عُمَر، أَبُو القاسم المعدانيّ الإصبهانيّ. [الوفاة: 561 - 570 هـ]
سَمِعَ رزق اللَّه التَّميميّ، وسُلَيْمان بْن إِبْرَاهِيم الحافظ، ومكّيّ بْن منصور بْن علّان الكَرْجيّ، وهذه الطّبقة.
روى عَنْهُ الحافظ عَبْد القادر الرُّهاويّ، وأبو نزار ربيعة اليمنيّ، وسُلَيْمان بْن دَاوُد بْن ماشاذَة، وسبطه مُحَمَّد بْن عُمَر بْن أَبِي الفضائل، ومحمود بن محمد بن أبي المعالي الوثابي. وبالإجازة كريمة، وغيرها.
أخبرنا سليمان بن قدامة، قال: أخبرنا مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي المَعَاليّ الوَثابيّ، قال: حدثنا رجاء بن حامد قراءة، فذكر حديثًا.(12/447)
384 - عَبْد اللَّه بْن أسد بْن عمّار الدَّقَّاق، أبو محمد ابن السويدي، الدمشقي. [الوفاة: 561 - 570 هـ]
شيخ معمر، روى بالإجازة المطلقة عَنْ عَبْد العزيز الكتّانيّ. روى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن صَصْرَى فِي " معجمه "، وقال: تُوُفّي بعد السّتّين.(12/448)
385 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الْعَبَّاس، أَبُو بَكْر النُّوقَانيّ. [الوفاة: 561 - 570 هـ]
قَدِمَ دمشقَ فِي سَنَة سبْعٍ وستّين، وحدَّث بها بحضرة الحافظ ابن عساكر. ونزل بقبة الطّواويس، وروى عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَكْر بْن خَلَف الشّيرازيّ، وغيره. روى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن صَصْرَى، وعبد الكريم خطيب زملكا، وآخرون.
مَوْلِدُه في سنة إحدى عشرة وخمسمائة.(12/448)
386 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن سهل العَبْدَرِيّ، [الوفاة: 561 - 570 هـ]
إمام جامع مَيُورقَة.
سَمِعَ بشاطِبة من أَبِي عِمران بْن أَبِي تليد. وأقرأ بإشبيلية القراءات على شريح.
مات بعد الستين وخمسمائة.(12/448)
387 - عبد الملك بْن عُمَر بْن سليخ، أَبُو مُحَمَّد الْبَصْرِيّ. [الوفاة: 561 - 570 هـ]
حدَّث بمِرْبَد البصرة، كَانَ منزله بها. سَمِعَ من جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن الفضل العبّادانيّ، ولعله آخر من سمع منه. روى عَنْهُ أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، ويوسف بْن أَحْمَد الشّيرازيّ، وأبو السُّعود مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر الْبَصْرِيّ، وغيرهم. وحدَّث فِي سَنَة ثمانٍ وستّين.
وآخر من روى عَنْهُ أَبُو السّعود عَبْد اللَّه بْن عَبْد الودود الْبَصْرِيّ الدّبّاس.(12/448)
388 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه، أَبُو الفُتُوح الجوهري، الإصبهانيّ. [الوفاة: 561 - 570 هـ]
سَمِعَ أَبَا نصر عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد السِّمْسار، وأبا بكر أحمد بن محمد [ص:449] ابن أَحْمَد بْن مَرْدَوَيْه، وإسماعيل بْن أَبِي عثمان الصّابونيّ، وأحمد بْن أَبِي الفتح الخرقيّ. أجاز لابن اللّتِّيّ، ولكريمة.(12/448)
389 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد القاهر، أَبُو مُحَمَّد الطوسي، الخطيب. [الوفاة: 561 - 570 هـ]
كان بالموصل مع إخوته. وولد ببغداد في سنة ثمانين وأربعمائة. وسَمِعَ من طِراد، وابن طلْحة النِّعَاليّ. وسَمِعَ كتاب " شريعة المقارئ " لأبي بَكْر بْن أَبِي دَاوُد عَلَى أَبِي الْحُسَيْن ابن الطُّيُوريّ فِي سَنَة إحدى وتسعين وأربعمائة.
سَمِعَ منه أَبُو المحاسن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، وأبو الحسن الزيدي، وأبو محمد ابن الأخضر، وابن أخيه عَبْد المحسن ابن خطيب الموصل. وأجاز لأبي منصور بن عفيجة، ولكريمة.
وبقي إلى بعد السّتّين.(12/449)
390 - عَبْد الرَّحْمَن بن محمد بْن مَسْعُود بْن أَحْمَد، أَبُو حامد المسعوديّ، البَنْجَدِيهيّ، الخَمْقَريّ، المَرْوَزِيّ. [الوفاة: 561 - 570 هـ]
ذكره أَبُو سَعْد السّمعانيّ في " التحبير " فقال: من أهل بنج ديه، شيخ صالح، عفيف، معمّر. تفرد برواية " الجامع " للتِّرمِذيّ، عَنِ القاضي أَبِي سَعِيد مُحَمَّد بْن علي ابن الدّبّاس. سَمِعْتُ منه بعض الكتاب، ونشأ لَهُ وُلِدَ اسمه مُحَمَّد، فهم الحديث، وبالغ فِي طلبه، ورحل إلى العراق، والشّام، ومصر، والإسكندريَّة.
قلت: هُوَ تاج الدِّين مُحَمَّد بْن عَبْد الرحمن المسعودي المتوفى بعد الثمانين وخمسمائة.
وأمّا أَبُوهُ عَبْد الرَّحْمَن صاحب التّرجمة فروى عَنْهُ " جامع " التِّرْمِذِيّ بالإجازة القاضي أَبُو نصر ابن الشّيرازيّ.(12/449)
391 - عَبْد الرحيم بْن عَبْد الجبّار بْن يوسف، أبو محمد التجيبي، الأندلسي، الشمنتي، وشمنت حصن. [الوفاة: 561 - 570 هـ][ص:450]
أخذ القراءات بالمَرِية عَنْ أَبِي القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن رضا. وتصدر للإقراء بمُرْسِية. وتُوُفّي فِي حدود السّبعين. مَوْلِدُه سَنَة ثمان وتسعين وأربعمائة.(12/449)
392 - عَبْد الرحيم بْن مُحَمَّد بْن أَبِي العيش، أَبُو بَكْر الْأَنْصَارِيّ. [الوفاة: 561 - 570 هـ]
روى عَنْ أَبِي مُحَمَّد بن عتاب، وأبي عَلِيّ الصَّدَفيّ، وأبي عِمران بْن أَبِي تليد، وجماعة. وسكن مراكش وحدَّث بها. وتُوُفّي فِي رأس السّبعين تقريبًا.
روى عَنْهُ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الرَّحْمَن بْن أبي الحسن الزهري، وأبوه القاضي أَبُو الْحَسَن الزُّهْرِيّ.(12/450)
393 - عَبْد الصَّمَد بْن ظفر بن سعيد بن ملاعب، أبو نصر الربعي، الحلبيّ، المعروف بالقبّاني. [الوفاة: 561 - 570 هـ]
سَمِعَ من طاهر بْن عبد الرحمن ابن العجميّ جزءًا من رواية عَلِيّ بْن عُمَر الحَرْبيّ السُّكَّريّ. روى عَنْهُ أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وأخوه أَبُو القاسم. لَقَيَاه بحلب فِي حدود الستين وخمسمائة.(12/450)
394 - عبد العزيز بن عليّ بن مُحَمَّد بن سَلَمَةَ، أَبُو الأَصْبَغ، ويقال: أَبُو حُمَيْد السّماتيّ، الإشبيليّ، الطّحّان، ويُعرف بابن الحاجّ أيضًا. [الوفاة: 561 - 570 هـ]
من جِلَّة المقرئين. قرأ عَلِيّ أَبِي الْحَسَن شُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبي الْعَبَّاس ابن عَيْشون.
وقد مرّ فِي سَنَة إحدى وستّين عَلَى التّقريب.(12/450)
395 - عَبْد الكريم بْن عُمَر بْن أَحْمَد بْن عَبْد الواحد، أَبُو إِبْرَاهِيم الإصبهانيّ العطّار، المعروف بالْجُنَيْد. [الوفاة: 561 - 570 هـ]
سَمِعَ القاسم بْن الفضْل الثَّقَفيّ. وأجاز لكريمة.(12/450)
396 - عسكر بن أُسامة بنِ جامع بن مُسلْمِ، أبو عبد الرحمن العدوي النصيبي، [الوفاة: 561 - 570 هـ]
إمام مسجد كندة.
ذكره ابن السمعاني في " الذيل "، فقال: شاب عالم، صالح، دين، كثير [ص:451] الصلاة والذكر، دائم التلاوة. سمع بقراءتي الكثير، ورأيته بمكة في الحجتين.
رحل قبلي وسمع أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن وأبا العز بْن كادش. وطبقتهما. وكنت أراقبه مدة صحبتنا فوجدته مأمونا، صدوقا، متمسكا بالسنة، ونشر العلم، وترغيب الناس في كتابته وطلبه. ولد سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة بنصيبين.
وقال الحافظ عبد القادر: هو شيخ أهل نصيبين في العلم والحديث والورع، ورأيت أبا بكر بن إسماعيل الحراني قد جاءه زائرا. وكان عاقلا وقورا، ورعا، نزه المجلس، طويل الصمت، لازما لبيته، محبا للخمول. حضرت عنده في مسجده رحمه الله.
قلت: بقي إلى سنة اثنتين وستين أو بعدها رحمه الله.(12/450)
397 - علي بن أبي منصور عَبْد الصَّمَد بْن أَبِي بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الحافظ أَبِي بَكْر أَحْمَد بن مُوسَى بْن مَرْدَوَيْه بْن فُورَك، أَبُو المحاسن الإصبهانيّ. [الوفاة: 561 - 570 هـ]
من بيت الحديث والعِلْم، سَمِعَ القاسم بْن الفضل، ومكّيّ بْن منصور السّلّار، وغيرهما. روى عنه عبد القادر الرهاوي. وبالإجازة: ابن اللتي، وكريمة.(12/451)
398 - عمر بن محمد بن أحمد بن علي بن عديس، أبو حفص القضاعي، البلنسي اللغوي، [الوفاة: 561 - 570 هـ]
صاحب أَبِي مُحَمَّد البَطَلْيُوسيّ.
حمل عنه الكثير، ورحل إلى باجة، فأخذ عَنْ أَبِي الْعَبَّاس بْن حاطب، وقرأ عَلَيْهِ " الكامل " للمبرّد وغيره فِي سَنَة ستٍّ وعشرين. وصَنَّف كتابًا حافلًا فِي المثلَّث فِي عشرة أجزاء ضخام، دلَّ عَلَى تبحّره وسعة اطّلاعه وحِفْظه للُّغَة. وشرح " الفصيح " شرحًا مفيدًا. وسكن تونس، وبها تُوُفّي فِي حدود السّبعين، قاله الأبار.(12/451)
399 - محمد بن أحمد بن عسكر، الْأَزْدِيّ، المُرْسيّ. [الوفاة: 561 - 570 هـ]
سَمِعَ " الشّهاب " من أَبِي القاسم ابن الفحام لما حج، وحدث به قبل السبعين. سمع منه عَبْد الكبير بْن بَقِيّ، وغيره.(12/451)
400 - مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن هِبَة اللَّه، أَبُو عبد الله ابن عساكر الدمشقي، [الوفاة: 561 - 570 هـ]
أخو الحافظ أبي القاسم، والصائن.
ولد بعد الخمسمائة بقليل.
قال القاسم ابن عساكر: هو عمي الأوسط. سَمِعَ الكثير من عَبْد الكريم بْن حمزة، وأبي الحسن بن قبيس المالكيّ. وتَفَقَّه عَلَى أَبِي الفتح نصر اللَّه المِصِّيصيّ. وسمعت بقراءته كثيرًا. وما أظنّه حدَّث. وكان شيخًا كريمًا، حَسَن الأخلاق، كثير التّلاوة.
قلت: هو والد العلامة فخر الدين الفقيه وزين الأمناء، وتاج الأُمناء أَبِي نصر عَبْد الرحيم.
توفي سَنَة بضْعٍ وستّين.(12/452)
401 - مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن أَحْمَد بْن مدرك، أَبُو عَبْد اللَّه وأبو بَكْر الغسّانيّ المالِقيّ. [الوفاة: 561 - 570 هـ]
رَوَى عَنْ أَبِي الْحَسَن بْن مغيث، وأبي جعفر بن عبد العزيز، وأبي بكر ابن العربي، وجماعة.
قَالَ الأَبّار: وكان مؤرّخًا، نسّابة، فصيحًا، جمع ما لا يوصف من الكتب. وحدَّث عَنْهُ أَبُو الحجاج ابن الشَّيْخ، وأبو عَلِيّ الرنْديّ، وأبو مُحَمَّد بْن غلبون شيخنا.(12/452)
402 - مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي عَلِيّ الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن الْحَسَن، الإصبهانيّ، الحدّاد. [الوفاة: 561 - 570 هـ]
روى عَنْ جَدّه، وأبي الْعَبَّاس أحمد بن أبي الفتح الخرقي، وغيرهما. وأجاز لكريمة وحدَّث. وكان خطيبًا نبيلًا، حريصًا عَلَى الرواية، لَهُ فهم ومعرفة. وقد سَمِعَ أيضًا من أَبِي مُطيع مُحَمَّد بن عبد الواحد المصري، وأبي سعد المطرّز. ووُلِدَ بنَيْسابور إذ أَبُوهُ بها، وحضر عند أَبِي سَعْد بْن أَبِي صادق، وغيره.(12/452)
403 - مُحَمَّد بْن أَبِي الحَكَم عُبَيْد اللَّه بْن مظفر، الباهلي الأندلسي، ثم الدّمشقيّ، أَبُو المجد الطّبيب، رئيس الأطبّاء بدمشق، ويُلقّب بأفضل الدَّولة. [الوفاة: 561 - 570 هـ][ص:453]
كَانَ مَعَ براعته فِي الطّبّ بصيرًا بالهندسة، لعّابًا بالعود، مجوِّدًا للموسيقى، ولَهُ يدٌ فِي عمل الآلات. قد صنع أرغنًا، وبالغ في تحريره.
اشتغل عَلَى والده أَبِي الحَكَم المُتَوَفّي سَنَة تسعٍ وأربعين. وكان السُّلطان نور الدِّين يُقدّمه ويرى لَهُ، وردّ إِلَيْهِ أمر الطّبّ بمارستانه الَّذِي أنشأه، فكان يدور عَلَى المرضى، ثُمَّ يجلس فِي الإيوان يُشغل الطَّلَبة، ويبحثون نحو ثلاث ساعات.
وكان حيًّا فِي هذا الوقت، لم يذكر ابن أَبِي أُصَيْبَعَة وفاته.(12/452)
404 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه، أَبُو بَكْر البتماريّ، الحريميّ، المعروف بابن العُجَيْل، [الوفاة: 561 - 570 هـ]
وبتماري من قرى النّهروان.
سَمِعَ أَحْمَد بْن المُظَفَّر بْن سوسن، وأبا سَعْد بْن خُشَيْش. روى عَنْهُ أَحْمَد بْن طارق الكَرْكيّ.
قَالَ ابن النّجّار: بلغني أَنَّهُ تُوُفّي بعد السّبعين.(12/453)
405 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن محمد بن الْحُسَيْن بْن حمدان بْن الْحُسَيْن، أَبُو الغنائم الجصاني، الهيتي، الأديب، اللُّغَويّ. [الوفاة: 561 - 570 هـ]
نزيل الأَنبار.
ويُنْسَب إلى جُصَّيْن، أحد ملوك الفرس، كَانَ صاحب قلعة عند الأنبار فِي الزّمن القديم.
سَمِعَ أَبُو الغنائم من يحيى بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن الأخضر الأنباريّ، وقرأ القراءات ببغداد عَلَى أَبِي بَكْر المَزْرَفيّ، وسِبْط الخيّاط. وسَمِعَ من ابن الحُصَيْن، وجماعة. وحدَّث بهيت والأنبار سَنَة اثنتين وستّين. وصَنَّف كتاب " روضة الآداب " في اللغة، و" المثلث الحمداني "، و" الحماسة "، وغير ذَلِكَ.
ووُلِدَ بهيت فِي سَنَة أربعٍ وثمانين وأربعمائة، ولم تُضبط وفاته.
سَمِعَ منه أَبُو أَحْمَد ابن سُكَيْنَة، ويوسف بْن أَحْمَد الشّيرازيّ.(12/453)
406 - محمد بن عريب بن عبد الرحمن بن عريب، أَبُو الوليد العبْسيّ، السَّرَقُسْطيّ، [الوفاة: 561 - 570 هـ]
نزيل شاطِبة.
روى عَنْ أَبِي عَلِيّ الصَّدَفيّ، وابن عتّاب. وتصدّر للإقراء بشاطِبة. وولي خطابتها. أخذ عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه بْن سعادة حرف نافع.(12/454)
407 - مُحَمَّد بْن محمود بْن عَلِيّ بْن أَبِي عَلِيّ الحسن بن يوسف بن حجر بن عَمْرو، العَلَّامة أَبُو الرّضا الأَسَديّ، الطّرازيّ، الْبُخَارِيّ. [الوفاة: 561 - 570 هـ]
قال عبد الرحيم ابن السّمعانيّ: كَانَ إمامًا فاضلًا، مبرِّزًا، ورِعًا، تقيًّا، كثير الذِّكْر والتهجُّد والتّلاوة. تَفَقَّه عَلَى الْإِمَام الحسين بن مسعود ابن الفرّاء بمَرْو الرُّوذ، وعلى الْإِمَام عَبْد العزيز بْن عُمَر ببُخَارَى.
وسَمِعَ أَبَا الفضل بَكْر بْن مُحَمَّد الزَّرَنْجَرِيّ، ومُحَمَّد بْن عَبْد الواحد الدَّقَّاق، ومُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن حفص، وهُوَ أوّل أستاذ لي فِي الفقه. وُلِدَ سَنَة تسع وتسعين وأربعمائة ببُخَارَى.(12/454)
408 - مُحَمَّد بْن أَبِي الرجاء أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد، أَبُو عَبْد اللَّه الإصبهانيّ المعروف بالكسائيّ. [الوفاة: 561 - 570 هـ]
سَمِعَ أَبَا مُطيع مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد الْمَصْرِيّ، وغيره. روى عَنْهُ بالإجازة ابن اللتي، وكريمة.
وتوفي بعد الستين.(12/454)
409 - محمد بن المرجى بن الحسن بْن مُحَمَّد بْن الفضل بْن عَلِيّ، أَبُو جَعْفَر التَّيْميّ، الإصبهانيّ. [الوفاة: 561 - 570 هـ]
سَمِعَ أَبَا الْعَبَّاس أَحْمَد بْن أَبِي الفتح الخرقيّ، وأبا مُطيع الْمَصْرِيّ. وعنه بالإجازة: ابن اللّتّي، وكريمة.(12/454)
410 - محمود بْن إِسْمَاعِيل بْن عُمَر بْن عَلِيّ، الْإِمَام العَلَّامة أَبُو القاسم الطُّرَيْثِيثيّ، النَّيْسَابوريّ، الفقيه. [الوفاة: 561 - 570 هـ]
تخرَّج بأبي بَكْر مُحَمَّد بْن منصور السّمعانيّ فِي الفقه. وبرع فِي الأصول، والنَّظَر والمذهب. وكان حَسَن السّيرة متواضعًا مطَّرِحًا للتّكلُّف. سَمِعَ عَبْد الغفار الشِّيُرويّي، وصاعد بْن سَيّار. سَمِعَ منه عَبْد الرحيم ابن السمعاني، وغيره.(12/454)
411 - مَسْعُود بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن أبي يعلى، أبو علي الشيرازي، ثم البغدادي. [الوفاة: 561 - 570 هـ]
سمع أبا الحسين المبارك ابن الطيوري، وأبا سعد بن خشيش. روى عنه مُحَمَّد بْن أَحْمَد الصُّوفيّ، وعبد السّلام الدّاهريّ الخفاف.(12/455)
412 - يوسف بْن إِسْمَاعِيل، أَبُو الحَجّاج المخزوميّ، القُرْطُبيّ، المعروف بالمراديّ اللُّغويّ. [الوفاة: 561 - 570 هـ]
أخذ عَنْ أبي الحسين بن سراج فأكثر، وعن أبي عبيدة جراح بن موسى، وأبي جعفر بن عبد العزيز. وجلس لإقراء العربية واللغة. وكان حافظا للغريب، معتنيا باللغات. لازمه أبو جعفر بن يحيى مدة وأكثر عنه.
آخر الطبقة والحمد لله(12/455)
-الطبقة الثامنة والخمسون 571 - 580 هـ(12/457)
بسم الله الرحمن الرحيم
- (الحوادث)(12/459)
-سنة إحدى وسبعون وخمسمائة
قال ابْن الجوزيّ: تُقُدَّمَ إلي بالجلوس تحت المنظرة، فتكلَّمت فِي ثالِث المُحَرَّم والخليفة حاضر، وكان يومًا مشهودًا. ثُمَّ تُقَدَّمَ إليَّ بالجلوس يوم عاشوراء، فكان الزحام شديدًا زائدًا على الحد، وحضر أمير المؤمنين.
وفي صَفَر قبض على أستاذ الدّار صندل الّذي جاء فِي الرسلية إلى نور الدّين، وعلى خادمين أرجف الناس على أنَهم تحالفوا على سوءِ. ووُلي أَبُو الفضل ابن الصاحب أستاذدارية الدار، وولي مكانه في الحجابة ابن الناقد.
قال ابن الجوزي: وكانت بنتي رابعة قد خُطِبَت، فَسَأل الزوج أن يكون العقد بباب الحجرة، فحضرنا يوم الجمعة، وحضر قاضي القضاة ونقيب النقباء والأكابر. فزوجتها بأبي الفرج ابن الرشيد الطبري، وتزوَّج حينئذٍ ولدي أَبُو القاسم بابنة الوزير عون الدين بْن هُبَيرة.
قلت: رابعة هي والدة الواعظ شمس الدين ابن الجوزي، لم يَطُل عُمَر ابْن رشيد معها، ثم تزوَّجها أَبُو شمس الدين.
وأما ابنه أبو القاسم فإنه تحارف وصار ينسخ بالأجرة، وهو ممَّن أجاز للقاضي تقي الدين الحنبلي.
قال: وتكلمت فِي رجب تحت المنظرة وازدحم الخَلْق، وحضر أمير [ص:460] المؤمنين. وكنت إذا تكلَّمت أصعد المِنْبر، ثمّ أضع الطرحة إلى جانبي، فإذا فرغتُ أَعدتُها.
وكان المستضيء بالله كثيرًا ما يحضر مجلس ابْن الجوزي فِي مكان من وراء السَّتْر، وقال مَرَّةٌ: ما على كلام ابْن الجوزي مزيد. يعني في الحسن.
قال: وكان الرَّفْض قد كَثُر، فكتب صاحب المخزن إلى أمير المؤمنين: إنُ لَمْ تقوِّ يد ابن الجوزي لم يطق دفع البِدَع! فكتب بتقوية يدي، فأخبرت الناس بذلك على المِنْبر، فقلت: إنْ أمير المؤمنين صلوات اللَّه عَلَيْهِ قد بلغه كَثْرة الرَّفْض، وقد خرج توقيعه بتقوية يدي فِي إزالة البِدَع، فَمَن سمعتموه يسب فأخبروني حتى أخرب داره وأسجنه. فأنكف الناس.
وأمر بمنع الوُعَّاظ إلَّا ثلاثة: أَنَا، وأبو الخير القزويني مِنَ الشافعية، وصهر العَبادي مِنَ الحنفية. ثم سُئلَ فِي ابن الشيخ عبد القادر، فأطلق.
وفي ذي القعدة خرج المستضيء إلى الكشك الَّذِي جدده راكبًا، والدولة مُشَاة، ورآه الناس، ودعوا له.
وفيها خلع على الظهير ابن العطار بولاية المخزن.
وفِيهَا عمل الوزير ابْن رئيس الرؤساء دعوة جمع فِيهَا أرباب المناصب، وخَلَع عليَّ، ونُصَب لي منبرا فِي الدار، وحضر الخليفة الدعوة. فلمّا أكلوا تكلَّمت، وحضر السلطان والدولة، وجميع علماء بغداد ووعاظها إلا النادر.
وفِيهَا أرسِل إلى صاحب المدينة تقليد بِمَكَّةَ، فجرت فتنة لذلك بِمَكَّةَ، وقُتل جماعة. ثمّ صعِد أميرُ مَكَّة المعزول، وهو مكثر بْن عيسى بْن فُليتَة، إلى القلعة التي على أَبِي قُبَيْس، ثم نزل وخرج عَن مَكَّة. ووقع النَّهب بمكة، وأحرقت دور كثيرة.
وحكى القليوييُّ في" تاريخه " أن الرَّكْب خرجوا عَن عَرَفَات، ولم يبيتوا بمُزْدَلِفَة، ومروا بها، ولم يقدروا على رَمْي الْجِمار. وخرجوا إلى الأبَطح، فبكروا يوم العيد، وقد خرج إليهم من يحاربهم من مَكَّة، فتطاردوا وقتِل [ص:461] جماعة بين الفريقين. ثمّ آل الأمرُ إلى أن صيح في الناس: الغزاة الغَزَاة إلى مَكَّة.
قال ابْن الجوزي: فحدثني بعض الحاجّ أنْ زرَّاقا ضرب بالنفط دارًا فاشتعلت، وَلَا حَوْلَ وَلَا قوَّة إلَّا بالله، وكانت تلك الدار لأيتام. ثم سَوَّى قارورة نفط ليضرب بها، فجاءه حجر فكسرها، فعادت إليه وأحرقته. وبقي ثلاثة أيام منتفخ الْجَسَد، ورأى بنفسه العجائب، ثُمّ مات.
قال: ثم إن ذلك الأمير الجديد قَالَ: لَا أجْسُر أن أقيم بعد الحاج بمكة. فأمروا غيره.
وفِيهَا كانت وقعة تلّ السلطان، وحديث ذلك أنَّ عسكر المَوْصِل نكَثوا وحَنَثوا ووافوا تلَّ السلطان بنواحي حلب فِي جُمُوع كثيرة، وعلى الكُلّ السلطان سيف الدين غازي بْن مودود بْن زنكي، فالتقاهُم السلطان صلاح الدين فِي جمع قليل، فهزمهم وأسر فيهم، ونهب، وحَقَنَ دِماءهم. ثم أحضر الأمراء الذين أسرهم فأطْلقهم ومَنَّ عليهم.
قال ابْن الأثير: لم يُقتل من الفريقين - على كثْرتهم - إلَّا رجلٌ واحد. ووقفتُ على جريدة العَرْض، فكان عسكر سيف الدين غازي فِي هذه الوقعة يزيدون على ستة آلاف فارس، والرجالة أقلّ من خمسمائة.
قلت: ثم سار صلاح الدين إلى مَنْبِج فأخذها، ثم سار إلى عزاز، فنازل القلعة ثمانية وثلاثين يومًا، ثم قفز عَلَيْهِ وهو محاصرها قومٌ مِنَ الفداوية، وجُرِح في فخذه، وأخذوا فقتلوا. ثم افتتح عزاز.
ومن كِتَاب فاضليّ عَن صلاح الدين إلى الخليفة " يطالع بأن الحلبيين والمَوْصِليين لما وضعوا السلاح، وخفضوا الجناح - اقتصرنا بعد أن كانت البلاد فِي أيدينا على استخدام عسكر الحلبيين فِي البيكارات إلى الكفر، [ص:462] وعرضنا عليهم الأمانة فحملوها، والأيْمان فبذلوها.
وسار رسولنا، وحَلَّف صاحب الموصل يمينًا جعلَ اللَّه فِيهَا حَكَمًا. وعاد رسوله ليسمع منا اليمين، فلما حَضَر وأحضر نسختها أومأ بيده ليخرجها، فأخرج نسخة يمينٍ كانت بين المَوْصِليين والحلبيين على حربنا، والتداعي إلى حربنا. وقد حَلَفَ بها كمُشْتِكِين الخادم بحلب، وجماعة معه يمينًا نقضت الأولى، فردَدْنا اليمين إلى يمين الرَّسُول، وقلنا: هذه يمين عَن الأيمان خارجة، وأردت عمرًا وأراد اللَّه خارجة.
وانصرف الرَّسُول، وعِلمنا أن النَّاقد بصير، والمواقف الشريفة مستخرجة الأوامر إلى المَوْصِليّ؛ إما بكتاب مؤكد بأن لا ينقض العهد، وإما الفسحة لنا في حربه.
وقال ابن أبي طيئ: لما ملك صلاح الدين مَنْبِج فِي شوال صعِد الحصنَ، وجلس يستعرض أموال ابْن حسان وذخائره، فكانت ثلاثمائة ألف دينار، ومن أواني الذهب والفضة والذخائر والأسلحة ما يناهز ألفي ألف دينار، فرأى على بعض الأكياس والآنية مكتوبًا " يوسف "، فسأل عَن هذا الاسم، فقيل: لَهُ ولدٌ يحبُه اسمه يوسف، كان يدخر هذه الأموال لَهُ. فقال السلطان: أَنَا يوسف، وقد أخذت ما خبئ لي.
ومن كِتَاب السلطان إلى أخيه العادل يقول: ولم يَنَلْني مِن الحشيشي الملعون إلَّا خَدْش قَطَرتْ منه قَطَرَات دمٍ خفيفة، أنقطعت لوقتها، واندملت لساعتها.
وأما صلاح الدين فسار من عزاز، فنازل حلب فِي نصف ذي الحجة، وقامت العامة فِي حِفْظها بكُل ممكن، وصابَرَها صلاح الدين شهرًا، ثم تردَّدَت الرُسُل فِي الصُّلْح، فترحَّلَ عَنْهُمْ، وأطلَق لابنة نور الدين قلعة عزاز.
قال ابْن الأثير: وفي رَمَضَان انكسفت الشمس ضَحْوة نهار، وظهرت الكواكب، حتى بقي الوقت كأنه ليلٌ مظلم، وكنت صبيًا حينئذٍ.(12/459)
-سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة
فِي المحرَّم وعَظَ ابْن الجوزي، وحضر الخليفة في المنظرة، وازدحمت الأمم.
قال: وكان عُرس ابنتي رابعة، وحضرت الجهة المعظّمة، وجهزتها من عندها بمال كثير.
وفي صَفَر نقصت دِجْلة واخترقت حتى ظهرت جزائر كثيرة، وكانوا يجرون السُفُن فِي أماكن.
وجاء في آب برد شديد ببغداد، فنزلوا من الأسطحة، ثم عاد الحر وطلعوا.
وفي جُمَادَى الآخرة وَعَظْتُ بجامع القصر، واجتمع خلائق، فحزر الجمع بمائة ألف، وكان يومًا مشهودًا.
وفيها قارب بغدادَ بعضُ السَّلْجُوقية مِمَّن يروم السلطنة، وجاء رسوله ليُؤذن لَهُ فِي المجيء، فلم يلتفت إليه، فجمع جَمْعًا، ونهب قُرى. فخرج إليه عسكر فتواقعوا، وخرج جماعة. ورجع العسكر فعاد هُوَ إلى النَّهْب، فرد إليه العسكر وعليهم شُكر الخادم، فترحَّل إلى ناحية خراسان.
وفيها كانت بالري وقزوين زلزلة عظيمة.
وفِيهَا قَالَ رجلٌ لطحان: أعطني كارة دقيق. فقال: لَا. فقال: وَاللَّه ما أبرح حتى آخُذ! فقال الطحان: وحق علي الَّذِي هُوَ خير من اللَّه ما أُعطيك! فشهد عَلَيْهِ جماعة، فَسُجِن أيامًا. ثم ضُرِب مائة سَوط، وسُود وجهُهُ وصُفِعَ والناس يرجمونه، وأعيدَ إلى الحبس.
وجلس ابْن الجوزي فِي السنة غير مرة، يحضر فيها الخليفة.
وفِيهَا كانت وقعة الكنز مقدَّم السودان بالصعيد، جمع خلقًا كبيرا، وسار إلى القاهرة فِي مائة ألف ليُعيد دولة العُبيديين، فخرج إليه العادل سيف الدين [ص:464] وأبو الهيجا الهكّاري، وعز الدين موسك، فالتقوا، فقتل الكنز، وما انتطح فيها عنزان، وقتل خلق كثير من جموعه، حتى قِيل: إنه قُتِلَ منهم ثمانون ألفًا. كذا قَالَ أَبُو المظفر بْن قزغلي، فالله أعلم بذلك.
وفِيهَا أخذ صلاح الدين مَنْبِج من صاحبها قُطْب الدين ينال بْن حسان المَنْبِجي، وكان قد ولاه إياها الملكُ نورُ الدين لما انتزعها نور الدين من أخيه غازي بْن حسان.
وفِيهَا حاصر صلاح الدين حلب مدة، ثم وَقَعَ الصُلْح، وأبقَى حلب على الملك الصالح إسماعيل ابن نور الدين ورد عليه عزاز. وعاد إلى مصياب بلد الباطنية، فنصب عليها المجانيق، وأباح قتْلهم، وخرّب بلادهم، فضرعوا إلى شهاب الدين صاحب حماه خال السلطان، فَسَأل فيهم، فترحَّل عَنْهُمْ. وتوجه إلى مِصْر وأمَرَ ببناء السور الأعظم المحيط بمصر والقاهرة، وجعل على بنائه الأمير قراقوش.
قال ابْن الأثير: دُورة تسعة وعشرون ألف ذراع وثلاثمائة ذراع بالهاشمي، ولم يزل العمل فيها إلى أن مات صلاح الدين.
وقال أَبُو المظفر ابْن الجوزي: ضيَّع فِيهِ أموالًا عظيمة، ولم ينتفع به أحد.
وأمَرَ بإنشاء قلعة بجبل المقطَّم وهي التي صارت دار السلطنة.
قال ابْن واصل: شرع بهاء الدين قراقوش الأسدي فيها، وقطع [ص:465] الخندق وتعميقه، وحَفَر واديه، وهناك مسجد سعد الدولة، فدخل فِي القلعة. وحفر فِيهَا بئرًا كبيرًا فِي الصَّخْر. ولم يتأتَّ هذا بتمامه إلَّا بعد موت السلطان بمدة. وبعد ذلك كمل السلطان الملك الكامل ابْن أخي صلاح الدين العمارات بالقلعة وسكنها، وهو أول من سكنها، وإنما كان سُكْناه وسُكْنى من قبِله بدار الوزارة بالقاهرة.
ثمَّ سافر إلى الإسكندرية، وسمع فِيهَا من السلفي، وتردَّد إليه مرَّات عديدة، وأسمع منه ولديه: الملك العزيز، والملك الأفضل. ثم عاد إلى مِصْر وبنى تربة الشافعي.(12/463)
-سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة
في أوَّلها دخل بغداد تتامِش الأمير الَّذِي خرج مع قَيماز، ونزل تحت التاج، وقَبلَ الأرض مرارًا، فعفي عنه، وأعطي إمرية.
وحضر ابن الجوزي مرتين فوعظ، وأمير المؤمنين يسمع، واجتمع خَلْق لَا يُحْصَوْن.
وجَرَت ببغداد همرجة، وقبض على حاجب الحجاب وعلى جماعة.
قال ابْن الجوزي: وجاءتني فتوى فِي عَبْدٍ وأَمَةٍ، أعتقهما مولاهما، وزوَّج أحدهما بالآخر، فبقيت معه عشرين سنةً، وجاءت منه بأربعة أولاد، ثم بانَ الآن أنها أخته لأبَوَيْه، وقد وقعا فِي البكاء والنحيب. فعجِبْتُ من وقوع هذا، وأعلمتهما أنه لَا إثم عليهما، وبوجوب العُدة، وأنْه يجوز لَهُ النَّظر إليها نَظَره إلى أخته، إلا أن يخاف على نفسه.
وفي ليلة رجب تكلَّمت تحت المنظرة الشريفة، والخليفة حاضر، ومِن الغد حضرنا دعوة الخليفة التي يعملها كلَّ رجب، وحضر الدولة والعُلماء والصُّوفية، وختمت ختْمة. وخلع على جماعةٍ كثيرة، وأنصرفَ مَن عادته الانصراف، وبات الباقون على عادتهم لسماع الأبيات، وفرق عليهم المال. [ص:466]
وفِيهَا عمل الخليفة مسجدًا عظيمًا ببغداد، وجعل إمامه حنبليًا، وزَخْرفه، وتقدم إلي فصليت فِيهِ التراويح.
وتكلَّمت فِي رَمَضَان فِي دار صاحب المخزن وازدحموا، وكان الخليفة حاضرًا.
وفي شوال هبت ريحٌ عظيمة ببغداد، فزلزلت الدنيا بتراب عظيم، حتى خيف أن تكون القيامة. وجاء بَرَدٌ ودام ساعة، ووقعت مواضع على أقوام، ومات بعضهم.
وتهيأ الوزير ابن رئيس الرؤساء للحج، فقيل: إنه اشترى ستمائة جمل، منها مائة للمنقطعين. ورحل في ثالث أو رابع ذي القعدة، فلما وصل فِي الموكب إلى باب قطفتا قَالَ رَجُل: يا مولانا، أنا مظلوم. وتقرّب، فزجره الغلمان، فقال: دعوه. فتقدَّم إليه، فضربه بسكين فِي خاصرته، فصاح الوزير: قتلني. ووَقَعَ وانكشف رأسه، فغطى رأسه بكمه على الطريق، وضُرِب ذلك الباطني بسيف. فعاد وضرب الوزير، فَهَبرُوه بالسيوف.
وقيل: كانوا اثنين، وخرج منهم شابُ بيده سكين فَقُتِلَ، ولم يعمل شيئًا، وأحْرِقَ الثلاثة. وحمل الوزير إلى دار، وجُرِح الحاجب. وكان الوزير قد رَأَى أنه مُعَانِق عثمان رضى اللَّه عنه، وحكى عَنْهُ ابنه أنه اغتسل قبل خروجه، وقال: هذا غُسل الْإِسْلَام؛ فإني مقتولٌ بلا شك. ثم مات بعد الظُهْر، ومات حاجبه بالليل.
وعُمِل عزاء الوزير، فلم يحضره إلا عددٌ يسير، فتُعُجب من هذه الحال؛ فإنه قد يكون عزاء تاجر أحسن من ذلك. وكان انقطاع الدولة إرضاء لصاحب المخزن. ولما كان فِي اليوم الثاني لم يقعد أولاده، فلما علم السلطان بالحال أمَرَ أرباب الدولة بالحضور فحضروا، وتكلمت على كرسي.
ثم وُلي ابْن طلحة حجابة الباب، وبعث صاحب المخزن بعلامة بعد ثلاثٍ إلى الأمير تتامش فحضر، فوكل به فِي حُجرةٍ من داره، ونفذ إلى بيته، فأخذت الخيل والكوسات، وكل ما فِي الدار. واختلفت الأراجيف في نيته، وقيل: إنه اتُهم بالوزير، وخيف أن تكون نيته رديئة للخليفة، فقيل إنه كاتب [ص:467] أمراء خُراسان، وما صح ذلك. وناب صاحب المخزن في الوزارة.
وجاء أهل المدائن فشكوا من يهود المدائن، وأنهم قَالُوا لهم: قد آذيتمونا بكثرة الأذان. فقال المؤذّن: لا نبالي تأذّيتم أم لَا. فتناوشوا وجَرَت بينهم خصومة استظهر فِيهَا اليهود، فجاء المسلمون مستصرخين إلى صاحب المخزن، فأمر بحبْس بعضهم، ثم أطلقهم.
فاستغاثوا يوم الجمعة بجامع الخليفة، فخفف الخطيب. فلما فرغت الصلاة استغاثوا، فخرج إليهم الْجُند فضربوهم ومنعوهم، فانهزموا. وغضب العوام نُصْرة للإسلام، فضجوا وشتموا، وقلعوا طوابيق الجامع، وضربوا بها الْجُنْد وبالآجُر، وخرجوا فنهبوا المخلّطين؛ لأن أكثرهم يهود.
فوقف حاحب الباب بيده السيف مجذوبًا، وحمل على الناس ثانية فرجموه، وانقلب البلد، ونهبوا الكنيسة، وقلعوا شبابيكها، وقطعوا التوراة، واختفى اليهود. فتقدَّم الخليفة بإخراب كنيسة المدائن، وأن تجعل مسجدًا.
وبعد أيام أخرج لصوص قطعوا الطريق، فَصُلِبوا بالرحبة، وكان منهم شاب هاشمي.
وفِيهَا وقعة الرملة، فسار السلطان صلاح الدين من القاهرة إلى عسقلان فسَبى وغنم. وسار إلى الرملة، فخرج عَلَيْهِ الفِرَنج مطلبين وعليهم البرنْس أرناط صاحب الكَرَك، وحملوا على المسلمين، فانهزموا، وثبت السلطان وابنُ أخيه المظفر تقي الدين عُمَر.
ودخل الليل، واحْتَوَت الملاعين على أثقال المسلمين، فلم يبق لهم قدرةٌ على ماءٍ وَلَا زاد، وتعسفوا تلك الرمال راجعين إلى مصر، وتمزقوا وهلكت خيلهم.
ومن خبر هذه الوقعة أن الفقيه عيسى أُسِر، فافتداه السلطان بستين ألف دينار، وكان موصوفًا بالشجاعة والفضيلة، أسِر هُوَ وأخوه ظهير الدين، وكانا قد ضلا عَن الطريق بعد الوقعة. ووصل صلاح الدين إلى القاهرة فِي نصف جُمَادى الآخرة. [ص:468]
قال ابْن الأثير: رَأَيْت كتابًا بخط يده كتبه إلى شمس الدولة تُورانشاه، وهو بدمشق، يذكر الوقعة، وفي أوله:
ذكرتك والخطيّ يخطر بينَنَا ... وقد نَهَلَتْ منّا المَثقَّفةُ السمْرُ
ويقول فِيهِ: لقد أشرفنا على الهلاك غير مرة، وما نجانا اللَّه إلَّا لأمرٍ يريده.
وما ثبتت إلَّا وفي نفسها أمرُ.
وقال غيره: انهزم السلطان والناس، ولم يكن لهم بلد يلجؤون إليه إلا مصر، فسلكوا البرية، ورأوا مشاقًا، وقل عليهم القوت والماء، وهلكت خيلهم، وفُقد منهم خلْقٌ.
ودخل السلطانُ القاهرةَ بعد ثلاثة عشر يومًا، وتواصل العسكر، وأسر الفرنج منهم. واستشهد جماعة منهم: أَحْمَد ولد تقي الدين عُمَر المذكور، وكان شابًا حَسَنًا لَهُ عشرون سنة. وكان أشد الناس قتالًا يومئذ الفقيه عيسى الهكاري. وحملت الفِرَنج على صلاح الدين، وتكاثروا عليه، فانهزم يسير قليلًا قليلًا. وكانت نوبةً صعبة.
وفِيهَا نزلت الفرنج على حماه، وهي لشهاب الدين محمود بْن تِكِش خال السلطان، وكان مريضًا، وكان الأمير سيف الدين المشطوب قريبًا من حماه، فدخلها وجمع الرجال. فزحفت الفِرَنج على البلد، وقاتلهم المسلمون قتالًا شديدًا مدةَ أربعة أشهر، ثم ترحلوا عَنْهَا. وأما السلطان فإنه أقام بالرملة أيامًا بمن سَلِم معه، ثم خرج من مِصْر. وعيد بالبركة، ثم كمل عدة جيشة، فَبَلَغهُ أمرُ حماه، فأسرع إليها، فلما دخل دمشق تحقق رحيل الفرنج عن حماة.
وعصى الأمير شمس الدين محمد بن المقدم ببَعْلَبَك، فكاتَبَه السلطان وترفق به، فلم يجب، ودام إلى سنة أربع.
وجاء كِتَاب ابْن المشطوب أن الَّذِي قُتِلَ من الفِرنج على حماه أكثر من ألف نفس.
ووردت مطالعة القاضي الفاضل إلى صلاح الدين تتضمن التوجع لقتل الوزير عضُد الدين ابْن رئيس الرؤساء، وفيها: " وما ربّك بظلاّم للعبيد " فقد كان -عفا اللَّه عَنْهُ- قتل وَلَدي الوزير ابْن هُبيرة، وأزهق أنفُسَهما [ص:469] وجماعة لَا تُحصَى.
وهذا البيت، بيت ابْن المسلمة، عريق فِي القتْل. وجدُهُ هُوَ المقتول بيد البساسِيري. ثم قَالَ: وقد ختمت لَهُ السعادة بما حتمت له به الشهادة، لاسيما وهو خارج من بيته إلى بيت اللَّه، ووقع أجره على اللَّه:
إن المِساءَةَ قَدْ تَسُرُّ وَرُبَّمَا ... كَانَ السرورُ بِمَا كرهتَ جديرا
إِنَّ الوزيرَ وزيرَ آلِ مُحَمَّد ... أوْدَى فَمَنْ يَشْنَاكَ كان وزيرا
وهما فِي أَبِي سَلمة الخلال وزير بني الْعَبَّاس قبل أن يستخلفوا.(12/465)
-سنة أربع وسبعين وخمسمائة
قال ابْن الجوزي: تكلمت فِي أول السنَة وفي عاشوراء تحت المنظرة، وحضر الخليفة، وقلت: لو أني مثُلت بين يَدَيِ السُدَّة الشريفة لقلت: يا أمير المؤمنين، كُنْ للهِ سبحانه مع حاجتك إليه كما كان لك مع غناه عنك. إنه لم يجعل أحدًا فوقك، فلا تَرضَ أن يكون أحدٌ أشكر لَهُ منك. فتصدق أمير المؤمنين يومئذ بصدقات، وأطلق محبوسين.
وأنكسفَ القمر فِي ربيع الأول، وكُسِفَتَ الشمس في التاسع والعشرين منه أيضا. ووُلِدت امرأةٌ من جيراننا ابنًا وبنتين فِي بطن، فعاشوا بعض يوم.
وفِيهَا جدد المستضيء قبَر أَحْمَد بْن حنبل رَحِمَهُ اللَّهُ، وعمِل لَهُ لوحٌ فِيهِ: " هذا ما أمر بعمله سيدنا ومولانا الْإِمَام المستضيء بأمر اللَّه أمير المؤمنين ". هذا فِي رأس اللوح. وفي وسطه: " هذا قبر تاج السنة، ووحيد الأمة، العالي الهمة، العالم، العابد، الفقيه، الزاهد، الْإِمَام أَبِي عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن حنبل الشيباني رَحِمَهُ الله، توفّي في تاريخ كذا وكذا ". وكتب حول ذلك آية الكرسي.
وتكلمت فِي جامع المنصور، فاجتمع خلائق، وحُزِر الجمع بمائة ألف [ص:470] وتاب خلق، وقُطعت شعورهم. ثم نزلتُ فمضيتُ إلى قبر أحمد بن حنبل، فتبعني من حزر بخمسة آلاف.
وفيه أطلق الأمير تتامش إلى داره.
وتقدَّم المستضيء بعمل دكَّة بجامع القَصْر للشيخ أبي الفتح بْن المُنَى الحنبلي، وجلس فِيهَا، فتأثر أهل المذاهب من عمل مواضع للحنابلة.
وكان الوزير عضُد الدّين ابْن رئيس الرؤساء يقول: ما دخلت قط على الخليفة إلَّا أجرى ذِكْر فلان، يعنيني. وصارَ لي اليوم خمسُ مدارس، ومائة وخمسون مصنَّفًا فِي كل فنّ. وقد تاب على يدي أكثر من مائة ألف، وقطعت أكثر من عشرة آلاف طائلة، ولم يُرَ واعظٌ مثل جمْعي؛ فقد حضر مجلسي الخليفة والوزير وصاحب المخزن وكبار العلماء، والحمد لله.
وفي رجب عمل المستضيء الدعوة، ووعظت وبالغُت في وعظ أمير المؤمنين، فمما حكيته أن الرَّشيد قَالَ لشَيبان: عِظْني. قَالَ: لأن تصحب مَن يخوفك حتى يدركك الأمنُ خيرٌ لك من أن تَصْحَب من يؤمنك حتى يُدركك الخوف. قال: فسَّر لي هذا. قال: من يقول لك: أنت مسؤول عَن الرعية؛ فأتق اللَّه - أنصَح لك ممن يقول: أنتم أهلُ بيتٍ مغفورٌ لكم، وأنتم قرابة نبيكم. فبكى الرشيد حتى رحمه مَن حوله.
وقلت له في كلامي: يا أمير المؤمنين، إن تكلمت خفت منك، وأن سكت خفتُ عليك، وأنا أقَدم خوفي عليك على خوفي منك.
وفي رمضان جاء مُشَعبِذ، فذكر أنه يُضرب بالسّيف والسّكين ولا يؤثر فيه، لكن بسيفه وسكّينه خاصة.
وفيه أخِذَ ابْن قرايا الَّذِي ينشد على الدكاكين من شعْر الرافضة، فوجدوا فِي بيته كتبًا فِي سب الصَّحابة، فقُطِع لسانه ويده، وذُهب به إلى المارستان، فَرَجَمَتْه العوام بالآجُر، فهرب وسبح وهم يضربونه حتى مات.
ثم أخرجوه وأحرقوه، وعملت فِيهِ العامة كان وكان. ثم تَتبع جماعة من الروافض، وأحرِقت كُتُبٌ عندهم، وقد خمدت جمْرتهم بمرة، وصاروا أذَل من اليهود. [ص:471]
ولم يخرج الرّكْب العراقي لعدم الماء والعشب، وكانت سنة مُقْحِطة. وحجَّ مَن حج على خَطَر. ورجع طائفة فنزلت عليهم عرب، فاخذوا أكثر الأموال، وقتل جماعة.
وفي ذي القعدة هبت ببغداد ريح شديدة نصف الليل، وظهرت أعمدة مثل النار فِي أطراف السماء كأنها تتصاعد من الأرض، واستغاث الناس استغاثة شديدة. وبقي الأمر على ذلك إلى السّحر.
قال ابن الجوزي: وجلست يوم الجمعة بباب بدر، وأمير المؤمنين يسمع.
وفيها اجتمعت الفِرَنج عند حصن الأكراد، وسار السلطان الملك الناصر صلاح الدين فنزل على حمص فِي مقابلة العدوّ. فلما أمن من غاراتهم سار إلى بَعْلَبِك، فنزل على رأس العين، وأقام هناك أشهرًا يراود شمسَ الدين ابْن المقدم على طاعته، وهو يَأبى.
ولم يزل الأمرُ كذلك إلى أن دخل رَمَضَان، فأجاب شمس الدين إلى تسليم بَعَلَبك على عِوَضٍ طَلَبَه. فتسلمها السلطان، وأنعم بها على أخيه المعظم شمس الدولة تُورانشاه بْن أيوب. وسار إلى دمشق فِي شوال. ثم أقطع أخاه شمسَ الدولة تورانشاه بمصر، واستردّ منه بعلبكّ.
قال ابن الأثير: وفي ذي القعدة أغارت الفِرَنْج على بلاد الْإِسْلَام وعلى أعمال دمشق، فسارَ لحربهم فَرُخشاه ابْن أخي السلطان فِي ألف فارس، فالتقاهم وألقى نفسه عليهم، وقتل مِن مقدميهم جماعة، منهم هنفري، وما أدراك ما هنفري! به كان يضرب المثل في الشجاعة.
وفيها أغار البرنس صاحب أنطاكية على شيزر.
وأغار صاحب طرابلس على التركمان.
وفِيهَا أنعم السلطان على ابْن أخيه الملك المظفَّر تقيُّ الدِّين عُمَر بْن شاهنشاه بْن أيّوب بحماه، والمَعَرَة، وفامية، ومَنْبج، وقلعة نجم. فتسلمها وبعث نوابه إليها، وذلك عند وفاة صاحب حماه شهاب الدين محمود خال السلطان. ثم تَوجَّه إليها الملك المظفر تقي الدين، ورتب فِي خدمته أميران كبيران: شمس الدين ابن المقدم، وسيف الدين علي ابن المشطوب، فكانوا فِي مقابلة صاحب [ص:472] أنطاكية. ورتب بحمص ابْن شيركوه فِي مقابلة القومص.
وجاء من إنشاء الفاضل: وأما ما أمر به المولى من إنشاء سور القاهرة فقد ظهر العمل، وطلع البناء، وسلكت به الطريق المؤدية إلى الساحل بالمقسم. وَاللَّه يُعَمّر المولى إلى أن يراه نطاقًا على البلدين، وسورًا بل سوارًا يكون الْإِسْلَام به مُحَلى اليدين، والأمير بهاء الدين قراقوش ملازم للاستحثاث بنفسه ورجاله.
قلت: وهذه السنة هِيَ آخر " المنتظم ".(12/469)
-سنة خمس وسبعين وخمسمائة
أجاز لنا شيخنا أَبُو بَكْر محفوظ بْن معتوق بْن أَبِي بَكْر بْن عُمَر البغدادي بن البُزُوري التاجر قد ذيل " المنتظم " فِي عدة مجلدات ذهبت فِي أيام التتار الغازانية سنة تسع وتسعين وستمائة من خزانة كُتُبه الموقوفة بتُربته بسفْح قاسيون، ثم ظفرنا ببعضها.
فذكر فِي حوادث هذه السنة، سنة خمس وسبعين وخمسمائة، أن أَبَا الْحَسَن علي بْن حمزة بْن طلحة حاجب باب النوبي عُزِل بعميد الدين أبي طالب يحيى بن زيادة.
وفي صفر وصل إلى بغداد ثلاثة عشر نجابًا، نفذهم صلاح الدين يبشرون بكسرة الفِرَنج، فضُرِبت الطبول على باب النوبي، وخُلِع عليهم، وأخبروا أن صلاح الدين حارب الفِرنج ونُصِر عليهم وأسَرَ أعيانهم، وأسَرَ صاحب الرملة، وصاحب طبرية.
قلت: وهي وقعة مرج العيون. ومن حديثها أن صلاح الدين كان نازلًا بتل بانياس يبث سراياه، فلما استَهلَّ المحرَّم ركب فرأى راعيًا، فسأله عن الفِرَنج، فأخبر بقربهم. فعادَ إلى مخيَّمه، وأمر الجيش بالركوب، فركبوا، وسار بهم حتى أشرف على الفِرَنج وهم فِي ألف قنطارية، وعشرة آلاف مقاتل مِن فارس وراجل. فحملوا على المسلمين، فثبت لهم المسلمون، وحملوا عليهم فولوا الأدْبار، فَقُتِلَ أكثرهم، وأسِرَ منهم مائتان وسبعون أسيرًا، منهم: بادين [ص:473] مقدم الداوية وأود بن القومصة، وأخو صاحب جبيل، وابن صاحب مَرقية، وصاحب طبرية.
فأما بادين بن بارزان فاستفك نفسه بمبلغ وبألف أسير من المسلمين. واستفك الآخر نفسه بجملة. ومات أود في حبس قلعة دمشق. وانهزم من الوقعة ملكهم مجروحًا.
وأبلى في هذه الوقعة عز الدين فرخشاه بلاءً حسنًا، وأتفق أنْ فِي يوم الوقعة ظفر أسطول مِصْر بَبُطْسَتَين، وأسروا ألف نفس، فلله الحمدُ على نصره.
وكان قليج أرسلان سلطان الروم طالب حصن رَعْبَان، وزعم أنه من بلادهم، وإنما أخذه منه نور الدين على خلاف مُراده، وأن ولده الصالح إسماعيل قد أنعم به عليهم. فلم يفعل السلطان، فأرسل قِليج عشرين ألفًا لحصار الحصن، فالتقاهم تقي الدين عُمَر صاحب حماة ومعه سيف الدين على المشطوب فِي ألف فارس، فهزمهم لأنه حَمَل عليهم بغتةً وهم على غير تعبئة، وضُرِبت كوساته، وعمل عسكره كراديس.
فلما سمعت الروم الضجة ظنوا أنهم قد دهمهم جيش عظيم، فركبوا خيولهم عُرْيًا، وطلبوا النَّجاة وتركوا الخيام بما فِيهَا، فأسر منهم عددًا، ثم مَنَّ عليهم بأموالهم وسرَّحهم. ولم يزل تقي الدين يدل بهذه النصرة، ولا ريب أنها عظيمة.
وورد بغداد رسولُ صلاح الدين، وهو مبارز الدين كشطغاي، وجلس لَهُ ظهير الدين أَبُو بكر ابن العطار، وبين يديه أرباب الدولة، فجاؤوا بين يديه اثنا عشر أسيرًا عليهم الخوذ والزرَديات. ومع كلّ واحدٍ قنطارية، وعلى كتِفِه طارقة منها طارقة ملك الفِرَنج، وعلى القنْطاريات سُعَف الفِرنج.
وبين يديه أَيْضًا من التُحَف والنفائس، من ذلك صنم حجر طوله ذراعان، فِيهِ صناعة عجيبة، قد جعل سبابته على شفته كالمتبسم عجبًا. ومن ذلك صينية ملأي جواهر. وضلْعُ آدمي نحو سبعة أشبار فِي عرض أربع أصابع، وضلْع سمكة طوله عشرة أذرع في عرض ذراعين.
وفِيهَا رتب حاجب الحُجاب أَبُو الفتح مُحَمَّد ابن الداريج، وكان من حجاب المناطق.
وفِيهَا قدِم رسولُ صلاح الدين، وهو القاضي أبو الفضائل القاسم ابن الشهرزوري، وبين يديه عشرة من أسرى الفِرَنج، وقدم جواهر مثمنة. [ص:474]
وفيها عُزل عَن نقابة النقباء أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد ابن الزوال بأبي الهيجا نصر بْن عدنَان الزينبي.
وفي شوال مرض الخليفة وأرجف بموته، وهاش الغوغاء ببغداد. ووقع نهب، وركب العسكر لتسكينهم، فتفاقم الشرّ، وأتسَع الخَرْق، وركبت الأمراء بالسلاح. وصُلِب جماعةٌ من المؤذين على الدكاكين. وكانت العامة قد تسوروا على دار الخلافة، ورموا بالنشاب فوقعت نشابةٌ فِي فرس النائب ومعه جماعة، فتأخروا من مكانهم.
وفيه وُقعَ للأمير أَبِي الْعَبَّاس أَحْمَد بولاية العهد. وقال الوزير لمن حَضَرَ من الدولة: اليوم الجمعة، وَلَا بُد من إقامة الدعوة والجهة بنفشا، يعني امْرَأَة الخليفة قد بالغت فِي كتم مرض أمير المؤمنين، وَلَا سبيل إلى ذلك إلَّا بتيقُن الأمر؛ فإنْ كان حيًا جرت الخطبة على العادة، وإنْ كان قد تُوفيَ خَطَبنا لولده حيث وقع لَهُ بولاية العهد.
ثم عيّن الشيخ أبو الفضل مسعود ابن النادر ليحضر بين يدي الخليفة، فدخل صُحبة سعد الشرابي، وقبل الأرض وقال: المملوك الوكيل، يشير بقوله إلى ظهير الدين ابن العطار، يُنهي أنه وقع بالخُطْبة للأمير أَحْمَد بولاية العهد، وما وسع المملوك إمضاء ذلك بدون مشافهة. فقال المستضيء: يمضي ما كُنَّا وقعنا به. فقبلَ الأرض. وعاد فأخبر الوزير ظهير الدين، فسجد شكرا لله تعالى على عافيته، وخطب بولاية العهد لأبي الْعَبَّاس، ونُثِرت الدنانير فِي الجوامع عند ذكره.
وفي شوال ملك عَبْد الوهاب بْن أَحْمَد الكردي قلعة الماهكي، وعمل سلالم موصولة، ونصبها عليها فِي ليلةٍ ذات مطر ورعد، فشعر الحارس، فذهب وعرف المقدم كمشتِكِين، فقام بيده طَبَر، وبين يديه المِشْعَل، فوثبوا عَلَيْهِ فقتلوه، وقتلوا الحارس، ونادوا بشعار عَبْد الوهاب.
وفي سلخ شوّال مات الخليفة. وبويع ابنه أَحْمَد، ولقبوه الناصر لدين اللَّه، فجلس للمبايعة فِي القُبة. فبدأ أخوه وبنو عمّه وأقاربه، ثم دخل الأعيان، فبايعه الأستاذدار مجد الدين هبة اللَّه ابْن الصاحب، ثم شَيْخ الشيوخ، ثم فخر الدولة أَبُو المظفَّر بْن المطلب، ثم قاضي القُضاة علي ابْن الدامغانيّ، وصاحب [ص:475] ديوان الإنشاء أَبُو الفَرَج مُحَمَّد ابن الأنباري، والحاجب أبو طالب يحيى بن زبادة.
ثم طلب الوزير ظهير الدين ابن العطار، وكان مريضًا، فأركب على فرس، ثم تعضّده جماعة، وأدخل فصعد وبايع، ووقف على يمين الشُباك الَّذِي فِيهِ الخليفة، فعجز عَن القيام. فأدخل إلى التاج، ثم راح إلى داره. وبايع مِنَ الغَد من بقي من العلماء والأكابر.
وتقدّم بعزْل النقيب أَبِي الهيجا، وبإعادة ابْن الزوال، وتَوَجَّهت الرُسُل إلى النواحي بإقامة الدعوة الناصرية.
وفي اليوم الخامس مِن البَيعة تقدم إلى عماد الدين صَنْدل المُقْتَفَوي، وسعد الدولة نَظَر المستنجدي الحَبَشي بالمُضِي إلى دار ابْن العطار في عدّة من المماليك للقبض عليه، فجاؤوا ودخلوا عَلَيْهِ من غير إذْن، وقبضوا عَلَيْهِ من الحريم. وترسّم بداره أستاذدار، فنهبت العامّة فيها، وعجز الأستاذدار.
وفي سادس ذي القعدة خُلِع على طاشتِكِين خِلْعة إمرة الحاج، وتوجه إلى الحج، وتقدمه خروج الرّكب.
وقُيد ابْن العطار، وسُحِب وسُجِن فِي مطبق، فهلك بعد ثلاثٍ. وحُمِل إلى دار أخته، فغُسَّل وكُفّن، وأخرج بسَحَر فِي تابوت، ومعه عدةٌ يحفظونه. فعرفت العامة به عند سوق الثلاثاء، فسبّوه وهمّوا برجمه، فدافعهم الأعْوان، فكثُرت الغَوغَاء، وأجمعوا على رجْمه، وشرعوا.
فخاف الحمالون من الرجْم، فوضعوه عَن رؤوسهم وهربوا. فأخرج من التابوت وسُحِب، فتعرى من أكفانه، وبدت عَوْرته، وجعلوا يصيحون بين يديه: بسم اللَّه، كما يفعل الحُجاب. وطافوا به المحال والأسواق مسلوبًا مهتوكًا، نَسأل اللَّه السَّتْر والعافية.
قال ابن البزوريّ: وحكى التيميّ قَالَ: كنت بحضرته وقد ورد عَلَيْهِ [ص:476] شَيْخ يلوح عَلَيْهِ الخير، فجعل يَعظُه بكلام لطيف، ونهاه عَن محرَّمات، فقال: أخْرِجوه الكلْب سحبا. وكرّره مِرارًا.
وقال الموفق عَبْد اللطيف: صحَّ عندي بعد سِنين كثيرة أن ابْن العطار هُوَ الَّذِي دس الحشيشية على الوزير عضُد الدين حتى قتلوه. وُليَ المخزن، وسكن فِي دار قطب الدين قيماز الذي هلك بنواحي الرحبة، وأخذ يجيب على الوزير، وانتصب لعداوته.
قال ابْن البُزُوري: ثم فِي آخر النهار خلَّص مماليك الحاجب ابْن العطار من باب الأزَج بعد تغيُر حاله وتجرُد لحمه عَن عظْمه، فحُمِل على نَعْشٍ مكشوف، فوارَتهُ امرأةٌ بإزار خليع. ثم دفن.
وكان الوباء والغلاء والمرض شديدًا ببغداد، وكَر القمح بمائة وعشرين دينارًا.
وفي سلْخ الشهر خُلِع على جميع الدولة، وأرسِلت الخِلَع إلى ملوك الأطراف، وركبوا بالخِلَع فِي مُستَهَل ذي الحجة، وجلس الناصر لدين الله للهناء. فدخل إلى بين يدي سُدته أستاذ الدار مجد الدين ابْن الصاحب، وتلاه نائب الوزارة شرف الدين سليمان بن ساروس، فقبلا الأرض.
ثم خرج نائب الوزارة فركب، وخُلِع على ابْن الصاحب قميصٌ أطْلَس أسود، وفرجية نسيج، وعِمامة كُحِلية بعراقي، وقُلد سيفًا مُحَلى بالذهَب. وركب فرسًا بمركب ذهب، وكنْبُوش إبريسم، وسيف ركاب، وضُرِبت الطُبُول على بابه.
وجاءت ببلاد الجبل زلزلة عظيمة سقطت قِلاع كثيرة، وهلك خلق.(12/472)
-سنة ست وسبعين وخمسمائة
في أوّلها عزل شرف الدين سليمان بن ساروس عَن نيابة الوزارة لأجل عُلُو سِنه وثَقل سَمْعه، ووليها جلال الدين هبة اللَّه بْن عليّ ابن البخاريّ.
وفي المحرم ركب الناصر لدين اللَّه إلى الكشك، وصلّى الجمعة بجامع الرصافة.
وفيه قدم رسول الملك طغرل السلجوقيّ.
وفيه تقدّم إلى أستاذالدار بالقبض على كمال الدين عُبيد اللَّه ابْن الوزير [ص:477] عضُد الدين مُحَمَّد ابْن رئيس الرؤساء. فنفذ للقبض عَلَيْهِ عز الدولة مَسْعُود الشرابي فِي جماعة من المماليك، فحمل مسحوبًا إلى بين يديه، فأمرهم أن يرفقوا به، وقيّد وسجن.
وفي صَفَر وصل أمير الحاج، وفي صُحبته صاحب المدينة عز الدين أَبُو سالم القاسم بن مهنّا للمبايعة.
وفِيهَا توجَّهَ السلطان صلاح الدين قاصدًا بلاد الأرمن وبلادَ الروم ليحارب قَلِيج رسلان بْن مَسْعُود بْن قَلِيج رسلان. والمُوجب لذلك أن قَليِج زوج بنته لمحمد بْن قرا رسلان بْن دَاوُد صاحب حصن كيفا، ومكثت عنده حينًا. وأنه أحبَّ مُغنيةً وشغف بها، فتزوجها، وصارت تحكم فِي بلاده. فلما سمع بذلك حُمُوُه قصد بلاده عازمًا على أخْذ ابنته منه، فأرسل مُحَمَّد إلى صلاح الدين يستنجد به، وكرَّرَ إليه الرُسُل. ثم استقر الحال على أن يصبروا عَلَيْهِ سنةً، ويُفارق المُغنية.
ونزل صلاح الدين على حصنٍ من بلاد الأرمن فأخذه وهده. ثم رجع إلى حمص فأتاه التقليد والخِلَع من الخليفة الناصر، فركب بها بحمص، وكان يومًا مشهودًا.
ومن كِتَاب السلطان صلاح الدين إلى الخليفة: " والخادم ولله الحمد يعدد سوابق في الإسلام والدولة العباسية لا يعدها أوليّة أبي مسلم؛ لأنه والى ثم وارى، وَلَا آخرية طُغْرلبك؛ لأنه نَصَر ثم حَجَر. والخادم خلع من كان ينازع الخلافة رداءها، وأساغ الغصة التي ذخر اللَّه للإساغة فِي سيفه ماءها، فرجَّل الأسماء الكاذبة الراكبة على المنابر، وأعِزّ بتأييدٍ إبراهيمي، فكسر الأصنام الباطنة بسيفه الظاهر.
وقال العماد الكاتب: توجه السلطان إلى الإسكندرية، وشاهد الأسوار التي جدَّدها، وقال: نغتنم حياة الْإِمَام أَبِي طاهر بْن عون. فحضرنا عنده وسمعنا عَلَيْهِ " الموطأ ". وكتب إليه القاضي الفاضل يُهنيه ويقول: أدام اللَّه دولة الملك الناصر سلطان الْإِسْلَام والمسلمين، مُحيي دولة أمير المؤمنين، وأسعده [ص:478] برحلته للعلم، وأثابه عليها.
ولله وفي الله رحلتاه، وفي سبيل اللَّه يوماه: يوم سَفَك دم المحابر تحت قلمه، ويوم سفك دم الكافر تحت عَلَمِه. ففي الأول يطلب حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيجعل أثره عينًا لَا تُسْتر. وفي الثاني يحفل لنُصرة شريعة هداه على الضلال، فيجعل عينه أثرًا لَا يظهر.
إلى أن قَالَ: وما يحسب المملوك أن كاتب اليمين كتب لملك رحلة قط فِي طلب العِلْم إلَّا للرشيد، فرحل بولديه الأمين والمأمون لسماع هذا الموطأ الَّذِي اتفقت الهمتان الرشيدية والناصرية على الرغبة فِي سماعه، والرحلة لانتجاعه. وكان أصل " الموطأ " بسماع الرشيد على مالك فِي خزانة المصريين، فإن كان قد حصل بالخزانة الناصرية فهو بركة عظيمة، وإلا فليلتمس.
وفِيهَا أرسِل شَيْخ الشيوخ صدْر الدين عَبْد الرَّحِيمَ، وبشير المستنجدي الخادم إلى السلطان صلاح الدين بتقليد ما بيده من البلاد، وهو من إنشاء قوام الدين بن زبادة، فمنه: ولما كان الملك الأجلّ السيد صلاح الدين، ناصر الْإِسْلَام، عماد الدولة، جمال الملة، فخر الأمة، صفي الخلافة، تابع الملوك والسلاطين، قامع الكَفَرة والمتمردين، قاهر الخوارج والمشركين، عز المجاهدين، ألْب غازي بك أَبُو يعقوب يوسف بْن أيوب، أدام اللَّه عُلُوَّه على هذه السجايا مقبلًا.
وذكر التقليد، وفيه: آمرُه بتقوى الله، وآمره أن يتخذ القرآن دليلًا، وآمره بمحافظة الصلاة، وحضور الجماعة ولزوم نزاهة الحرمات. وآمره بالإحسان وبإظهار العدل، وأن يأمر بالمعروف، وأن يحتاط فِي الثغور، وأن يجيب إلى الأمان. وآمرُه بكذا وأمرُه بكذا. وكُتِب في صفر سنة ست وسبعين.
وفِيهَا وصل الفقيه هبة اللَّه بْن عَبْد الله من عند صاحب جزيرة قيس رسولًا، وقدم هدايا.
وفي جُمادى الأولى يوم الجمعة ركب الخليفة في الدست تظله الشمسية، [ص:479] السوداء وعلى كريمه الطرْحَة، والكُل مُشاة. وخرج إلى ظاهر السور، ثم رد إلى جامع المنصور وصلى، وأقام بكشك الملكية أسبوعًا. وركب الجمعة الأخرى فِي موكبه، وصلى بجامع الرَّصَافة، وركب فِي الشَّبارة الطويلة، تُظِلُه القُبة السَّوداء، وأرباب الدولة قيام في السفن والخلق يدعون له.
وَفِيهَا أُقُطِع طُغْرُل الناصري الخاص البصْرةَ بعد موت متوليها قسيم الدولة بهاء الدين.
وفي جُمادى الآخرة ركب الناصر لدين اللَّه فِي موكبه، وخرج إلى الصَّيد، وطاف البلاد والأعمال، وغاب أسبوعًا.
وَفِيهَا وُلي نيابةَ دمشق عز الدين فَرُخْشاه ابْن أخي السلطان، وكان حازمًا، عاقلًا، شجاعًا، مقدامًا، كثير الحرمة.(12/476)
-سنة سبع وسبعين وخمسمائة
فِيهَا قصد عز الدين فَرُخْشاه بْن شاهنشاه الكَرَك بالعساكر وخربها، وعاد. وكان ملك الفرنج برنْس لعنه اللَّه قد سولت لَهُ نفسه قَصْد المدينة النبوية ليتملكها، فسار فرُوخْشاه إلى بلد المذكور ونهبه، فآل البرنس بالخيبة.
وفي رجب ركب الخليفة فِي موكبه إلى الكشك، فنزل به، وقدم إلى بغداد بزرافة من صاحب جزيرة قيس.
وفيها أرسل من الديوان رسالة إلى السلطان صلاح الدين يأخذ عَلَيْهِ فِي أشياء، منها تَسَميه بالملك الناصر، مع عِلْمه أن الإمام اختار هذه السمة لنفسه.
وفي شعبان ساق عز الدين مَسْعُود وأخذ حلب، وكان الصالح إِسْمَاعِيل بْن نور الدين قد أوصى له بها.
وفي شوال تزوَّج بأم الصالح، ثم قايض أخاه عماد الدين بِسنْجار، وقدِم عماد الدين فتسلم حلب.(12/479)
-سنة ثمان وسبعين وخمسمائة
فيها تراخت الأسعار بالعراق.
وَفِيهَا وثب على عَبْد الوهاب الكردي صاحب قلعة الماهكي ابن عمه جوبان، فأخرجه منها، ونادى بشعار الدولة العباسية، فأرسلت إليه الخلعة والتقليد بولايتها.
وَفِيهَا وصل قاضي الموصل ووزيرها ابْن الشهرزوري إلى الديوان العزيز يطلب أن يتقدم إلى السلطان صلاح الدين بالارتحال عَن الموصل، فإنه نزل محاصرًا، ذاكرًا أن الخليفة أقطعه إياها، فأجيب سؤاله، وكتب إلى السلطان بالارتحال عَنْهَا. وسار إليه فِي الرسلية شَيْخ الشيوخ صدر الدين عبد الرحيم.
وفِيهَا افتتح ملك الروم قلِيج رسلان بْن مَسْعُود بلدًا كبيرًا بالروم كان للنَّصاري، وكُتِب إلى الديوان بالبشارة.
وافتتح فِيهَا صلاح الدين حرّان، وسَرُوج، وسِنْجار، ونصيبين، والرقة، والبيرة. ونازلَ المَوْصِل وحاصرها، فبهره ما رَأَى من حصانتها، فرحل عَنْهَا، وقصده شاه أرمن بعساكر جمة، واجتمع فِي ماردين بصاحبها، وفتح آمد. ثم رجع إلى حلب فتملكها، وعوّض صاحبها سنجار.
وَفِيهَا تفتى الناصر لدين اللَّه إلى الشَّيْخ عَبْد الجبار، ولُقَّب بشرف الفُتُوة عَبْد الجبار، وخلع عليه. وكان النقيب لهم أبا المكارم أحمد بن محمد بن دادا بن النيلي. وفتى الناصر لدين اللَّه فِي ذلك الوقت ولد رفيقه علي بْن عَبْد الجبار، وخلع عَلَيْهِ وعلى النقيب.
وكان عَبْد الجبار هذا في مبدأ أمره شجاعًا مشهورًا، تهابه الفتيان، وتخافه الرجال. ثم ترك ذلك ولزِم العبادة، وبنى لنفسه موضعًا، فأمر الخليفة بإحضاره حين تضوع عبير أخباره، وتفتي إليه، وجعل المعول فِي شرعها عليه.
وَفِيهَا خرج صلاح الدين من مِصْر غازيًا، وما تهيأ له العود إليها، وعاش بعد ذلك اثنتي عشرة سنة. [ص:481]
وَفِيهَا بعث صلاح الدين أخاه سيف الْإِسْلَام طُغْتِكِين على مملكة اليمن، وإخراج نواب أخيه تورانشاه منها، فدخل إليها، وقبض على متولي زَبِيد حطان بْن مُنقذ الكِناني. فيقال: إنه قتله سِرًّا، وأخذ منه أموالًا لَا تُحصى. وهرب منه عز الدين عثمان ابن الزنجيلي. وتمكن سيف الإسلام من اليمن.
وَفِيهَا مات عز الدين فَروخْشاه ابْن شاهنشاه بْن أيوب، فبعث عمه على نيابة دمشق شمس الدين محمد ابن المقدّم.(12/480)
-سنة تسع وسبعين وخمسمائة
فِي المحرَّم قدِم رسول ملك مازَنْدران، فتُلقي وأكرِم، ولم يكن لمرسله عادةٌ بمراسلة الديوان، بل الله هداه من غيّ هواه، وقدم هدية.
وفيه جاء رَجُل إلى النظامية يستفتي، فأفتى بخلاف غرضه، فسبَّ الشافعي، فقام إليه فقيهان، لَكَمَهُ أحدُهما، وضربه الآخر بنعله، فمات ليومه. فحُبِس الفقيهان أيامًا، وأطلقا عملًا بمذهب أبي حنيفة.
وفي جَمادى الأولى قبض عز الدين مَسْعُود صاحب الموصل على نائبه وأتابِكه مجاهد الدين قايماز، وكان هُوَ سلطان تلك البلاد فِي المعنى، وعز الدين معه صورة. ولكن انخرم عليه النظام بإمساكه وتعب، ثم إنه أخرجه وأعاده إلى رتبته.
وفي رَمَضَان جاء إلى صلاح الدين بالرسلية شيخ الشيوخ، وبشير الخادم.
وفي شوال فُرِغ من رباط المأمونية وفتح، أنشأته والدة الناصر لدين اللَّه، ومُدَّ به سماط، وحضره أرباب الدولة والقُضاة والأئمة والأعيان، ورتب شهاب الدين السُهْروردي شيخًا به، ووُقِفَتْ عَلَيْهِ الوقوف النفيسة.
وقدِم رئيس إصبهان صدر الدين عَبْد اللطيف الخجندي للحج، فتلقّي بموكب الديوان، وأقيمت لَهُ الإقامات. وزعيم الحاج فِي هذه السنين مجير الدين طاشتكين. [ص:482]
ومن كِتَاب فاضلي إلى الديوان كان الفِرَنج قد ركبوا من الأمر نكرا، واقتضوا من البحر بكرا، وعمروا مراكب حربية شحنوها بالمقاتلة والأسلحة والأزواد، وضربوا بها سواحل اليمن والحجاز، وأثخنوا وأوغلوا فِي البلاد، واشتدت مخافة أهل تلك الجوانب، بل أهل القِبلة، لما أومض إليهم من جلل العواقب.
وما ظن المسلمون إلَّا أنها الساعة، وقد نشر مطوي أشراطها، وانتظر غضب اللَّه لفناء بيته المحرَّم، ومقام خليله الأكرم، وضريح نبيّه الأعظم صلّى الله عليهما وسلّم. ورجوا أن تشحذ البصائر آية كآية هذا البيت إذ قصده أصحاب الفيل، ووكلوا إلى اللَّه الأمر، فكان حَسْبُهُم ونِعْم الوكيل.
وكان للفرنج مقصدان: أحدهما قلعة أيْلَة، والآخر الخوض فِي هذا البحر الَّذِي تجاوره بلادهم من ساحله. وانقسموا فريقين: أما الذين قصدوا أيلة فإنهم قدروا أن يمنعوا أهلها من مورد الماء، وأما الفريق القاصد سواحلَ الحجاز واليمن فقدروا أن يمنعوا طريق الحاج عَن حَجه، ويحول بينه وبين فَجه، ويأخذ تجار اليمن وكارم وعدن ويلم بسواحل الحجاز فيستبيح، والعياذ بالله، المحارم.
وكان الأخ سيف الدين بمصر قد عمر مراكب، وفرقها على الفرقتين، وأمرهم بأن تُطْوَى وراءهم الشُقَّتَين. فأما السائرة إلى قلعة أيلة فإنها انقضت على مُرابطي الماء انقضاضَ الجوارح على بنات الماء، وقذفتها قذف شهب السماء، وكسرت أكثر مقاتلتها، إلا من تعلق بهضبة وما كاد، أو دخل فِي شِعْب وما عاد؛ فإن العربان اقتصوا آثارهم، والتزموا إحضارهم.
وأما السائرة إلى بحر الحجاز فتمادت فِي الساحل الحجازي، فأخذت تُجارًا، وأخافت رفاقا، ودلها على عورات البلاد من هُوَ أشد كُفْرًا ونفاقا. وهناك وقع عليها أصحابُنا، وأُخذت المراكب بأسرها، وفر فِرَنْجُها، فسلكوا في الجبال مهاوي المهالك، ومعاطن المعاطب.
وركب أصحابنا وراءهم خيل العرب، يقتلون ويأسرون، حتى لم يتركوا مُخْبِرًا، ولم يُبقُوا لهم [ص:483] أثرًا " وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا "، وقيّد منهم إلى مصر مائة وسبعون أسيرًا.
وفي المحرَّم نزل صلاح الدين على حلب، ثم تسلمها صلحًا.
وَفِيهَا سار شهاب الدين الغوري بعد ما ملك جبال الهند، وعَظُم سلطانه إلى مدينة لهاوور فِي جيش عظيم وبها السلطان خُسرُوشاه بْن بهرام شاه السُبكتِكِيني الَّذِي كان صاحب غَزنة من ثلاثين سنة، فحاصره مدة، ثم نزل بالأمان فاكرمه ووفى لَهُ.
فورد رسول السلطان غياث الدين إلى أخيه يأمره بإرسال خُسرُوشاه إليه، فقال لَهُ: أَنَا لي يمين فِي عُنقك. فطيب قلبه ومَنَّاه، وأرسله هُوَ وولده، فلم يجتمع بهما غياث الدين بل رفعهما إلى بعض القلاع، فكان آخر العهد بهما. وهذا آخر ملوك بني سبكِتِكين. وكان ابتداء دولتهم من سنة ست وستين وثلاثمائة، فتبارك الله الذي لا يزول ملكه.
وَفِيهَا عاد شَيْخ الشيوخ وبشير من الرسْلية، ومعهما رسول صلاح الدين بتقدمتين كان منها شمسة، يعني جترا، وهي مصنوعة من ريش الطواويس، لم يُرَ فِي حُسْنها، وعليها اسم المستنصر بالله مَعَد العبيدي.
وتوفي الخلال أبو المظفر ابن البخاري نائب الوزارة، فولي مكانه حاجب باب النوبي عز الدين أبو الفتح بن صدقة. وولي الحجابة أحمد بن هبيرة.
وعاد إلى الشام شَيْخ الشيوخ وبشير على الفَور، فمرِضا، وطلبا الرجعة إلى العراق، فقال صلاح الدين: أقيما. فلم يفعلا، وسارا فِي الحر، فماتا في الرحبة.
ونازل السلطان حلب، وحاصرها أشد حصار، ثم وقع الصُلْح بين صاحبها عماد الدين وبين السلطان، على أن يعوضه عَنْهَا سِنْجار ونصيبين والرقة وسَرُوج والخابور. وتسلم حلب فِي ثاني عشر صفر. وفيه يقول القاضي محيي الدين ابن القاضي زكي الدين ابن المنتجب يمدحه بأبيات منها:
وفَتْحكُمُ حَلَبًا بالسيف فِي صَفَر ... مبشِّرٌ بفُتُوحِ القدس في رجب [ص:484]
وقد ذكر صاحب " الرَوْضَتَين " أن الفقيه مجد الدين بن جهبل الحلبي الشافعي وقع إليه " تفسير القرآن " لأبي الحكم بْن بُرجان، فوجد فِيهِ عنَد قوله تعالى: " الم. غلبت الروم " - أن الرُوم يُغلبون فِي رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، ويفتح بيت المقدس، ويصير دارًا للإسلام إلى آخر الأبد. واستدل بأشياء فِي كتابه.
فلما فُتحت حلب على يد السلطان صلاح الدين كتب إليه المجد بن جهبل ورقة يبشره بفتح القدس على يديه، ويعين فيه الزمان، وأعطاها للفقيه عيسى. فلم يتجاسر أن يعرضها على السلطان، وحدث بما فِيهَا لمحيي الدين، وكان واثقًا بعقل المجد وأنه لَا يقول هذا حتّى يحققه، فعمل القصيدة التي فِيهَا هذا البيت.
فلما سمعه السلطان بُهِت وتعجب، فلما اتفق لَهُ فتح القدس في رجب سار إليه المجد مهنئًا، وذكر لَهُ حديث الورقة، فتعجب وقال: قد سبق إلى ذلك محيي الدين، غير أني أجعل لك حظًا.
ثم جمع لَهُ مَن فِي العسكر من الفُقَهاء والصُلحاء، ثم أدخله بيت المقدس والفِرَنج بعدُ فِيهِ لم يُنظف منهم، وأمره أن يذكر درسًا على الصَّخْرة. فدخل ودرس هناك، وحظي بذلك.
ثم قَالَ أَبُو شامة: وقفت أَنَا على ما فسره ابن برّجان من أن بيت المقدس استولت عَلَيْهِ الروم عام سبعةٍ وثمانين وأربعمائة، وأشار إلى أنه يبقى بأيديهم إلى تمام خمسمائة وثلاثٍ وثمانين سنة.
قال أَبُو شامة: وهذا الَّذِي ذكره أَبُو الحَكم من عجائب ما اتفق. وقد تكلم عَلَيْهِ شيخنا السخَاوي، فقال: وقع فِي " تفسير " أَبِي الحَكَم أخبار عَن بيت المقدس، وأنه يُفْتَح فِي سنة ثلاثٍ وثمانين. قال: فقال لي بعض الفُقهاء: إنه استخرج ذلك من فاتحة السُورة. فأخذتُ السُورةَ، وكشفتُ عَن ذلك، فلم أره [ص:485] أخَذَ ذلك من الحروف، وإنما أخذه فيما زَعَم من " غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سنين " فبنى الأمر على التاريخ كما يفعل المنجمون، ثم ذكر أنهم يغلبون فِي سنة كذا، وفي سنة كذا، على ما تقتضيه دوائر التقدير.
وهذه نجامة وافقت إصابة إنْ صح أنه قَالَ ذلك قبل وقوعه، وليس ذلك من الحروف، وَلَا هُوَ من قبيل الكرامات؛ فإنّ الكرامة لاتكتسب، وَلَا تفتقر إلى تاريخ، ولذلك لم يوافق الصواب لما أراد الحساب على القراءة الأخرى الشّاذّة وهي "غلبت" بالفتح، ويوضح ذلك أنه قال في سورة القَدْر: لو عُلِم الوقتُ الَّذِي نزل فِيهِ القرآنُ لعُلِم الوقتُ الَّذِي يُرفع فِيهِ. فهذا ما ذكره.
ومن كِتَاب إلى الديوان: أشقى الأمراء من سمن كيسه وأهزل الخلْق، وأبعدهم مِن الحق من أخذ المكْس وسماه الحق. ولما فتحنا الرِّقة أشرفنا على سُحْتٍ يؤكل، وظُلْمٍ مما أمر الله به أن يقطع، وأمر الظالمون أن يوصل - فأوجبنا على كافة الولاة من قِبَلنا أن يضعوا هذه الرسوم بأسرها، ويلقوا الرعايا من بشائر أيام ملكنا بأسرها، وتعتق الرقّة من رقها، وتُسَد هذه الأبواب وتُعطل، وتُنْسَخ هَذه الأمور وتبطل، ويعفى خبر هذه الضرائب من الدواوين، ويسامح بها جميعها جميع الأغنياء والمساكين مسامحة ماضية الأحكام، دائمة الخلود، خالدة الدوام، تامّة البلاغ، بالغة التمام، ملعونا من يطمح إليها ناظِرُه.
ومنه: وإذا ولاه أمير المؤمنين ثغرًا لم يثبت فِي وسطه، ولم يقم فِي ظل غُرَفِه، بل يبيت السّيف له ضجيعًا، ويصبح ومعترك الحرب له ربيعًا، لا كالذين يغبون أبواب الخلافة إغباب الاستبداد، ولا يؤامرونها فِي تصرُفاتها مؤامرة الاستعباد، وكأن الدنيا لهم إقطاع لَا إيداع، وكأن الإمارة لهم تخليدٌ لا تقليد.
وكأن السلاح عندهم زينة لحامله ولابسه، وكأن مال الله عندهم وديعة لا عذر لمانعه ولا لحابسه. وكأنهم في البيوت الدّمى في لزوم خدورها، لا في مستحسنات صورها. راضين من الدّين بالعروة اللقبية، ومن إعلاء كلمته [ص:486] بما يسمعونه على الدرَجَات الخشبية، ومن جهاد الخوارج باستحسان الأخبار المُهَلبية، ومن قتال الكفار بأنه فرض كفاية، تقوم به طائفةٌ فيسقط عن الأخرى.
وَفِيهَا سارَ السلطان بجيوشه إلى الكَرَك فحاصرها، ونصب عليها المجانيق. ثم جاءته الأخبار باجتماع الفِرَنج، فترك الكَرَك، وسار إليهم بعد أن كان أشرف على أخْذِها، فخالفوه فِي الطريق إلى الكَرَك، وأتوا إليها بجموعهم. فسار إلى نابلس، ثم إلى دمشق.
وأعطى أخاه نائب مِصْر الملكَ العادل سيفَ الدين حلب وأعمالها، فإنه ألحّ عليه فِي طلبها. فَسَارَ إليها، وانتقل منها الملك الظاهر غازي، وقدم على والده. وبعث السلطان ابْن عمه الملك المظفر تقي الدين عُمَر صاحب حماه على نيابة الديار المصريّة موضع الملك العادل.(12/481)
-سنة ثمانين وخمسمائة
فِيهَا جعل الخليفة الناصر مشهد موسى الكاظم أمنا لمن لاذ به، فالتجأ إليه خلْق، وحصل بذلك مفاسد.
وفي صَفَر راهن رجلٌ ببغداد على خمسة دنانير أن يندفن من غدوة إلى الظّهر، فدفن وأهيل عليه التُراب، ثم كُشِف عَنْهُ وقت الظُهْر، فوُجِد ميتًا وقد عضض سواعده لهول ما رأى.
وَفِيهَا كتب زين الدين بن نَجِية الواعظ كتابًا إلى صلاح الدين يشوقه إلى مِصْر ويصف محاسنها، ومواضع أنسها. فكتب إليه السلطان بإنشاء العماد فيما أظن: " ورد كِتَاب الفقيه زين الدين: لَا ريب أنّ الشام أفضل، وأجر ساكنه أجزل، وأن القلوب إليه أميَل، وأن زلاله البارد أغلى وأنْهَل، وأن الهواء فِي صيفه وشتائه أعْدَل، وأن الجمال فِيهِ أجمل وأكمل، وأن القلب به أرْوَح، وأن الروح به أقبَل؛ فدمشق عاشقها مُسْتَهَام، وما على مُحِبها مَلام. وما في ربوتها ريبة، ولكلّ نور فيها شبيبة، وساجعاتها على منابر الورق خطباء تطرب، [ص:487] وهزاراتها وبلابلها تُعْجم وتُعْرب، وكم فِيهَا من جوار ساقيات، وسواق جاريات، وأثمار بلا أثمان، وفاكهة ورُمان، وخَيرات حِسان.
وكونه تعالى أقَسم به فقال: " وَالتِّينِ والزّيتون " - يدلُ على فضله المكنون. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشَّامُ صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ بِلَادِهِ، يَسُوقُ إِلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ ". وعامة الصحابة اختاروا به المُقام. وفتْح دمشق بكْر الْإِسْلَام.
وما يُنكَر أن اللَّه تعالى ذكر مِصْر، لكنّ ذلك خرج مخرج العَيْب لَهُ والذم؛ ألا ترى أنْ يوسف عَلَيْهِ السَّلَامُ نقل منها إلى الشام؟
ثم المُقام بالشام أقرب إلى الرباط، وأوجب للنشاط. وأين قطوب المقطّم من سنا سنير؟ وأين ذرى منف من ذروة الشرف المنير؟ وأين لُبانة لبنان من الهَرَمَين؟ وهل هما إلَّا مثل السلْعتَين؟ وهل للنيل مع طول نيله وطول ذيله برد بردى في نفع العليل؟ وما لذاك الكثير طلاوة هذا القليل.
وأن فاخرنا بالجامع وفيه النّسر، ظهر بذلك قصَر القَصْر، ولو كان لهم مثل باناس لما احتاجوا إلى قياس المقياس، ونحن لَا نجفو الوطن كما جفوته، وحب الوطن من الْإِيمَان. ونحن لَا ننكر فضل مِصْر، وأنه إقليم عظيم، ولكن نقول كما قَالَ المجلس الفاضلي: إن دمشق تصلُح أن تكون بستانًا لمصر ".
وفيها هجم السّلطان نابلس، وكان وصل لنجدته عسكر ديار بَكْر وعسكر آمِد والحصن والعادل من حلب، وتقي الدين من حماه، ومظفر الدين صاحب إربل. هكذا ذكر أَبُو المظفر فِي مرآته. قَالَ: نازل الكَرَك ونصب عليها [ص:488] المجانيق، فجاءتها نجدات الفِرَنْج من كل فَج، وأجلبوا وطلبوا. واغتنم السلطان خلوّ السواحل منهم، ورأى أنّ حصارهم يطول، فسار ونزل الغَوْر وهجم نابلس، فقتل وسبى، وطلع على عَقَبة فِيق، ودخل دمشق.
وأما ابن الأثير فقال: نازل الكَرَك، ونَصَب المنجنيقات على رَبضه ومَلَكه، وبقي الحصن وهو والربض على سطح واحدٍ، إلَّا أنْ بينهما خندقًا عظيمًا، عمقه نحو ستين ذراعًا.
فأمر السلطان بإلقاء الأحجار والتُراب فِيهِ ليطمه، فلم يقدروا على الدُنُو منه لكثرة النشاب وأحجار المجانيق، فأمر أن يلقى من الأخشاب واللّبن ما يمكن الرجال يمشون تحت السقائف، فيلقون فِي الخندق ما يُطمه، ومجانيق المسلمين مع ذلك ترمي الحصن ليلًا ونهارًا.
فاجتمعت الفرنج عَن آخرها، وساروا عَجِلِين، فوصل صلاح الدين إلى طريقهم يتلقاهم، فقرُب منهم، ولم يمكن الدُنُو منهم لخشونة الأرض وصعوبة المسلك. فأقام ينتظر خروجهم إليه، فلم يبرحوا منه، فتأخر عَنْهُمْ، فساروا إلى الكَرَك.
فعلم صلاح الدين أنه لَا يتمكن منهم حينئذٍ، وَلَا يبلغ غَرَضَه، فسار إلى نابلس، ونهب كلّ ما على طريقة من قرى الفرنج، وأحرق نابلس وأسر وسبى، واستنقذ الأسرى. وبثّ السّرايا يمينًا وشمالًا.
قال: وفي شعبان خرج ابْن غانية الملثم وهو علي بْن إِسْحَاق، من كبار الملثَّمين الذين كانوا ملوك المغرب، وهو حينئذٍ صاحب مَيُورقَة - إلى بِجَاية، فَمَلَكَها بقتال يسير. وذلك إثر موت يوسف بْن عَبْد المؤمن، فقويت نفس ابْن غانية وكثُر جموعه، ثم التقاه متولي بِجَاية، وكان غائبًا عَنْهَا.
وكَسَرَ علي متولي بجاية، فانهزم إلى مَراكُش، واستولى ابْن غانية على أعمال بِجَاية سوى قسنطينية الهواء، فحصرها إلى أن جاء جيش الموحدين فِي صَفَر سنة إحدى وثمانين فِي البر والبحر إلى بِجاية، فهرب منها أخَوَا ابْن غانية فلحقا به.
فترحّل عن قسنطينية، وسار إلى إفريقية، فحشد وجمع، والتف عَلَيْهِ سليم ورياح والترك الذين كانوا قد دخلوا من مصر مع قراقوش وبوزبا.
وصاروا في جيش عظيم، فتملك بهم ابْن غانية جميعَ بلاد إفريقية سوى تونس والمَهْدية، حفظتهما عساكر الموحدين على شدةٍ وضيقٍ نالهم. وانضاف إلى ابْن غانية كل [ص:489] مفسد وكل حرامي، وأهلكوا العباد والبلاد.
ونزل على جزيرة باشو وهي بقرب تونس، تشتمل على قُرى كثيرة، فطلب أهلها الأمان فأمنهم. فلما دخل عسكره نهبوها وسلبوا الناس، وامتدَّت أيديهم إلى الحريم والصبيان، والله المستعان.
وأقام ابْن غانية بإفريقية الخطْبة العباسية، وأرسل إلى الناصر لدين اللَّه يطلب منه تقليدًا بالسَّلْطَنة. ونازل قفصة فِي سنة اثنتين وثمانين، فتسلمها من نُواب ابْن عَبْد المؤمن بالأمان وحصنها. فجهز يعقوب بْن يوسف بْن عَبْد المؤمن جيوشه.
وسار فِي سنة ثلاثٍ لحربه، فوصَلَ إلى تونس، وبعث ابْن أخيه فِي ستة آلاف فارس، فالتقوا، فأنهزم الموحدون؛ لأنهم كان معهم جماعة من الترك، فخامروا عليهم حال المصاف، وَقُتِلَ جماعةٌ من كبار الموحدين. وكانت الوقعة فِي ربيع الأول سنة ثلاثٍ.
فسار يعقوب بنفسه، فالتقوا فِي رجب بالقُرب من مدينة قابس فانهزم ابن غانية، واستحر القتل بأصحابه فتمزّقوا، ورجع يعقوب إلى قابس فافتتحها، وأخذ منها أهل قراقوش، فبعثهم إلى مَراكُش.
ونازل قفصة فحاصرها ثلاثه أشهر وبها الترك، فتسلّموها بالأمان. وبعث بالأتراك ففرقهم فِي الثغور لِما رَأَى من شجاعتهم. وقتل طائفة من الملثمين، وهدم أسوار قَفْصة، وقطع أشجارها.
واستقامت لَهُ إفريقية بعدما كادت تخرج عَن بيت عَبْد المؤمن. وامتدت أيام ابْن غانية إلى حدود عام ثلاثين وستمائة.
وفي جُمادى الأولى جمع السلطان الجيوش، وسار إلى الكَرَك فنازلها، ونزل بواديها، ونصب عليها تسعة مجانيق قُدام الباب، فهدمت السور، ولم يبق مانع إلاّ الخندق العميق، فلم تكن حيلة إلَّا ردمه، فضرب اللبن، وجُمِعت الأخشاب، وعملوا مثل درب مسقوف يمرّون فيها، ويرمون التُراب فِي الخندق، إلى أن أمتلأ، بحيث أن أسيرًا رمى بنفسه من السُور إليه ونجا.
وكاتبت الفرنج من الكرك سائر ملوكهم وفرسانهم يستمدون بهم، فأقبلوا من كل فجّ في حدّهم وحديدهم، فنزلوا بمضايق الوادي، فرحل السلطان، ونزل على البلقاء، وأقام ينتظر اللقاء. فما تغيّروا، فتقهقر عن حسبان فراسخ، فوصلوا إلى الكَرَك، فقصد السلطان الساحل لخُلُوه، ونهب كل ما فِي طريقه، وأسر وسبى، فأكثر وبدع بسبسطيَة وجينين، ثم قدم دمشق. [ص:490]
ومن كِتَاب عمادي فِي حصار الكَرَك يقول: لولا الخندق الذي هو وادٍ لسهل المشرع، فعملنا دبّابات قدّمناها، وبنينا إلى شفيره ثلاثة أسراب باللِبن وسقفناها، وشرعنا فِي الطم، وتسارع الناس، ولم يبق إلَّا من يستبشر بالعمل، وتجاسروا حتى ازدحموا نهارًا، كازدحامهم يوم العيد وليلًا كاجتماعهم في جامع دمشق ليلة النصف السعيد، وهم من الجراح سالمون، وبنصر اللَّه موقنون.
وإن أبطأ العدوّ عن النجدة فالنصر قريبٌ سريع، والحصن بمن فِيهِ صريع، قد خرقت الحجارة حجابه، وقُطِعت بهم أسبابه، وناولته من الأجل كتابه، وحسرت لثام سوره وحلت نقابه، فأنوف الأبراج مجدوعة، وثنايا الشرفات مقلوعة ورؤوس الأبدان محزوزة، وحروف العوامل مهموزة، وبطون السقوف مبقورة، وأعضاء الأساقف معقورة، ووجوه الْجُدُر مسلوخة، وجلود البواشير مبشورة، والنصر أشهر من نارٍ على عَلَم، والحرب أقوم من ساق على قدم.
وقدم السلطان وبدمشق الرسولان شيخ الشيوخ صدر الدين والطواشي بشير، فمرضا، ومات جماعة من أصحابهما. وكان الشيخ نازلًا بالمنيبع، فكان السلطان يعوده فِي كل يوم. وكان قدومهما فِي الصُلح بين السلطان وبين عز الدين صاحب المَوْصِل، فلم ينبرم أمرٌ. فطلبا العَوْد إلى بغداد، وعادا، فمات بشير بالسخنة، وشيخ الشيوخ بالرحبة.
وأذن السلطان للجيوش بالرجوع إلى أوطانهم، وخلع على نور الدين بْن قُرا رسلان صاحب حصن كيفا الخِلْعة التي جاءته هذه المرة من الخليفة بعد أن لبسها السلطان. ثم كتب لزين الدّين يوسف ابن زين الدين علي صاحب إربل منشورًا بإربل وأعمالها لمّا اعتزى إليه، وفارق صاحب الموصل.
ثم وصلت رُسُل زَين الدين يوسف إلى السلطان بأن عسكر الموصل وعسكر قزل صاحب العجم نازلوا إربل مع مجاهد الدين قيماز. وأنهم نهبوا وأحرقوا، وأنه نُصِر عليهم وكسرهم، فكان هذا مما حرَك عزْمَ السلطان على قصد الموصل هذه المرَّة. فسار السلطان على طريق البقاع وَبَعْلَبَكَّ، ثم حمص وحماه، فأقام بحماه إلى انسلاخ السّنة.
وَفِيهَا مات صاحب ماردِين قُطْب الدين إيلغازي ابن نجم الدّين الأرّتقيّ.(12/486)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
- (الوفيات)(12/491)
-سنة إحدى وسبعين وخمسمائة(12/491)
1 - أَحْمَد بْن علي بْن مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس، الشريف أبو جعفر ابن المقشوط، الهاشمي، البغدادي. [المتوفى: 571 هـ]
تُوفي فِي ربيع الآخر.(12/491)
2 - إسماعيل بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد، أَبُو مُحَمَّد القيسي الدمشقيّ الواعظ. [المتوفى: 571 هـ]
سمع من ابْن الأكفاني، وغيره. وعنه أَبُو القاسم بْن صصرى.(12/491)
3 - الخضر بن محمد بن نمر، أَبُو الْحَسَن الإشبيلي الضرير الفقيه الظاهري. [المتوفى: 571 هـ]
قال الأبار: كان يُجتَمع إليه، ويُناظَر عَلَيْهِ. أخذ عنه مفرّج بن حسين الضّرير، وغيره.(12/491)
4 - طُغدي بْن خُمارتِكين، أَبُو مُحَمَّد التُركي، [المتوفى: 571 هـ]
من شَيْوخ بغداد.
سمع أَبَا القاسم الرَّبعي، وابن بدران الحلواني. روى عَنْهُ ابْن الأخضر، ومنصور بْن السَّكَن، وغيره.
تُوفي فِي ذي الحجة.(12/491)
5 - عَبْد اللَّه بْن حمزة بْن مُحَمَّد بْن سماوة، أَبُو الفَرَج الكرْماني، ثم الجيرُفتيّ، ثم الدّمشقيّ. [المتوفى: 571 هـ][ص:492]
تفقه على جمال الْإِسْلَام السُلمي، وولي خطابة دومة زمانًا. روى عَن جمال الْإِسْلَام. روى عَنْهُ أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وقال: كان ثقة صالحًا.
تُوفي فِي ربيع الآخر، وهو فِي عَشْر الثمانين.
وروى عنه أيضا أبو القاسم بن صصرى.(12/491)
6 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن سهل، أَبُو مُحَمَّد الغَرْناطي الضرير المقرئ، ويُعرف بوجه نافخ. [المتوفى: 571 هـ]
أخذ القراءات عن أبي الحسن بْن دُري ولازمَه. وعن عَبْد الرحيم بْن الفَرَس وسمع منهما، ومن غالب بْن عطية، وجماعة. وأجاز لَهُ أَبُو علي بْن سُكَّرة، وغيره.
قال الأبار: كان بارعًا فِي العربية. حدث عَنْهُ ابنه أَبُو عَبْد اللَّه، وابن عيّاد. تُوُفّي فِي ذي القعدة.(12/492)
7 - عَبْد الحق بْن سُلَيْمَان، أَبُو عَبْد اللَّه القيسي التلمساني، قاضي تلمسان. [المتوفى: 571 هـ]
سمع القاضي أبا بكر ابن العربي، وغيره.
قال الأبار: كان جليل القدر، عظيم الوجاهة، يستظهر " مقامات الحريري "، ثم تزهَّد ورفض الدُنيا، وحج وجاور، وأجهد نفسه صلاةً وصومًا وطوافًا. وتوفّي بالمدينة النبوية كهلًا.(12/492)
• - عَبْد الرَّحْمَن بْن خَلَفِ اللَّه بْن عطية. [المتوفى: 571 هـ]
فِي المتوفين تقريبًا.(12/492)
8 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد، أَبُو مُحَمَّد السُلمي المِكْناسي الكاتب الأديب. [المتوفى: 571 هـ]
قال الأبار: خُتِمت به البلاغة بالأندلس، ورأسَ فِي الكتابة. وديوان رسائله بأيدي الناس يتنافسون فِيهِ. وكتب لأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن سعد، وغيره من الأمراء. وتُوفي كهْلًا، رَحِمَهُ اللَّهُ.(12/492)
9 - عثمان بْن عَبْد الملك اللخمي الصفار الواعظ. [المتوفى: 571 هـ]
سمع أبا الحسن ابن العلاف، وابن فتحان الشهرزوري، وابن بيان. روى عَنْهُ ابْن الأخضر، وغيره.(12/493)
10 - علي بْن إِبْرَاهِيم بْن محمد بْن عيسى بْن سعد الخير، أبو الْحَسَن البلنسيّ البلد الْأَنْصَارِيّ النحوي. [المتوفى: 571 هـ]
قال الأبار: سمع من أَبِي محمد القلني وأبي الوليد ابن الدبّاغ. ولازم أبا الحسن ابن النعمة وتأدب به، وكان عالمًا بالعربية واللغة، إمامًا فِي ذلك، أقرأها حياته كلها.
وكان بارع الخط، كاتبًا بليغًا، شاعرًا مُجِيدًا، مولدًا. وكانت فِيهِ غَفْلة معروفة، وَلَهُ مُصَنف على كِتَاب " الكامل " للمبرّد، وغير ذلك. تُوفي بإشبيلية فِي ربيع الآخر. وقيل: تُوفي سنة سبعين.(12/493)
11 - علي بْن الْحَسَن بْن هبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن الحُسَيْن، الحافظ الكبير أَبُو القاسم ثقة الدين ابْن عساكر الدمشقي، الشافعي، [المتوفى: 571 هـ]
صاحب " تاريخ دمشق "، أحد أعلام الحديث.
وُلِد فِي مُستَهَل سنة تسعٍ وتسعين وأربعمائة. وسمعه أخوه الصائِن هبة اللَّه سنة خمسٍ وخمسمائة وبعدها من الشريف أَبِي القاسم النسيب، وأبي القاسم قوام بْن زيد، وأبي الوحش سُبَيع بْن قيراط، وأبي طاهر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الحنّائيّ، وأبي الحسن ابن الموازيني، وأبي الفضائل الماسح، ومحمد بْن علي المصيصي.
ثم سمِع بنفسه من أَبِي مُحَمَّد ابن الأكفاني، وأبي الْحَسَن بْن قُبيْس المالكي، وعبد الكريم بْن حمزة، وطاهر بْن سهل، ومَن بعدهم.
ورحل إلى بغداد سنة عشرين، فأقام بها خمس سِنين. وحجَّ فِي سنة [ص:494] إحدى وعشرين، فسمع بِمَكَّةَ من عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن الغَزال الْمَصْرِيّ صاحب كريمة المَرْوَزِية.
وسمع ببغداد من أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وأبي الْحَسَن الدينَوري، وأبي العز بْن كادش، وقراتكين بن أسعد، وأبي غالب ابن البنّاء، والبارع أَبِي عَبْد اللَّه الدباس، وهبة اللَّه الشُروطي، وخلق كثير.
وعلق " مسائل الخلاف " على أَبِي سعد إِسْمَاعِيل بْن أَبِي صالح المؤذن. ولازَم الدرْس والتفقه بالنظامية، ورجع بِعلْمٍ جَمٍّ وسماعات كثيرة. وسمع بالكوفة من عُمَر بْن إِبْرَاهِيم العلوي.
ثم رحل سنة تسع وعشرين على أذربيجان إلى خراسان، وجالَ فِي بلادها، ودخل إلى إصبهان، وبقي فِي هذه الرحلة نحو أربع سنين، فسمع أَبَا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن الفضل الْفُرَاوِيّ، وعبد المنعم ابن القشَيري، وهبة اللَّه السيدي، وتميم بْن أَبِي سَعِيد الْجُرْجاني الهَرَوي، ويوسف بْن أيوب الزاهد، وزاهر بْن طاهر الشحامي، والحسين بْن عَبْد الملك الأديب، وسعيد بن أَبِي الرجاء، وغانم بْن خَالِد، وإسماعيل بْن مُحَمَّد الحافظ، والموجودين فِي هذا العصر.
وخرَّج أربعين حديثًا فِي أربعين بلدًا كالسلفي. وعدة شيوخه ألف وثلاثمائة شَيْخ وثمانون امْرَأَة ونيف. وحدث بخُراسان، وإصبهان، وبغداد. وسمع منه الكبار كالحافظ أَبِي العلاء الهَمَذَاني، والحافظ أبي سعد السَّمعاني.
وصنف التصانيف المفيدة، ولم يكن فِي زمانه أحفظ وَلَا أعرف بالرجال منه. ومن تصفَّح " تاريخه " علم قدر الرجل.
وأجاز له من الكبار: أبو الحسن ابن العلاف، وأبو القاسم بْن بيان، وأبو علي بْن نبهان، وأبو الفتح أَحْمَد بْن مُحَمَّد الحدّاد، وغانم البرجيّ، وأبو بكر بن عبد الغفّار الشيروييّ، وأبو علي الحداد، وأبو صادق مرشد بْن يحيى، وأبو عَبْد اللَّه الرازي، وطائفة.
روى عَنْهُ ابنه القاسم، وبنو أخيه فخر الدين أبو منصور، وتاج الأمناء، وزين الأمناء، وعبد الرحيم، وعزّ الدين النسّابة محمد ابْن تاج الأمناء، والحافظ أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وأخوه أَبُو القاسم الْحُسَيْن، والقاضي أبو [ص:495] القاسم ابن الحرستانيّ، وأبو جعفر القرطبيّ، والحافظ عبد القادر، وأبو الوحش عَبْد الرَّحْمَن بْن نسيم، والحسن بْن علي الصيقلي، وصالح بْن فلاح الزاهد، وظهير الدِّين عَبْد الواحد بْن عَبْد الرَّحمن بْن سلطان القُرشي، وأبو العز مظفر بْن عقيل الشّيبانيّ الصفار والد النجيب.
والصائن نصر اللَّه بْن عَبْد الكريم بن الحرستانيّ، والبدر يونس بْن مُحَمَّد الفارقي الخطيب، والقاضي أَبُو نصر بْن الشيرازي، ومحمد ابْن أخي الشَّيْخ أبي البيان، وعبد القادر بن الحسين البغدادي، ونصر اللَّه بْن فتيان، وإبراهيم وعبد العزيز ابنا الخُشُوعي.
ويونس بْن منصور السقباني، وإدريس بن الخضر السقباني، ومحمد بن رومي السقباني، وحاطب بْن عَبْد الكريم المِزي، وذاكر بْن عبد الوهاب السقباني، وذاكر اللَّه بْن أَبِي بَكْر الشعيري، ومحمد بْن غسان، ومحمد بْن عَبْد الكريم بْن الهادي، والمسلم بْن أَحْمَد المازني، وعبد العزيز بن محمد ابن الدجاجية، وعبد الرَّحْمَن بْن عَبْد المؤمن زُرَيق العطار، وشعبان بْن إِبْرَاهِيم، ومحمد بْن أَحْمَد بن زهير، ومحمود بن خضير الدارانيون.
وعبد الرَّحْمَن بْن راشد البيت سَوَائي، ونجم الأمْناء عَبْد الرَّحْمَن بْن علي الْأَزْدِيّ، وعمر بن عبد الوهاب ابن البراذعي، وعتيق السلماني، وبهاء الدين علي ابن الجميزي، وعبد المنعم بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي المضاء نزيل حماه، ومات فِي آخر سنة أربع وأربعين، والرشيد أَحْمَد بْن مَسْلَمَة، وعبد الواحد بْن هلال، وخلْق آخرهم وفاةً أبو محمد مكي بْن المسلم بْن علان.
وقد رَوَى عَنْهُ الكثير أَبُو سعد السمعاني، ومات قبل ابْن علان بتسعين سنة.
فمن تصانيفه: " التاريخ " ثمانمائة جزء، و"الموافقات " اثنان وسبعون جزءا، و" الأطراف التي للسنن " ثمانية وأربعون جزءًا، و" عوالي مالك " أحد وثلاثون جزءًا، و" التالي لحديث مالك العالي " تسعة عشر جزءا، و"غرائب مالك " عشرة أجزاء، و" معجم القرى والأمصار " جزء، و" معجم شيوخه " اثنا عشر جزءًا، و" مناقب الشبان " خمسة عشر جزءًا، و"فضل أصحاب الحديث " أحد عشر جزءًا. و" السباعيات " سبعة أجزاء، وكتاب " تبيين كذِب المفتري فيما [ص:496] نسب إلى الأشعري " مجلّد، و " المسلسلات " له مجلّد، وكتاب " فضل الجمعة " مجلّد، و" الأربعون الطوال " ثلاثة أجزاء، و" عوالي شعبة " مجلّد، و" كتاب الزّهادة في ترك الشهادة " مجلّد، و" عوالي الثوريّ " مجيليد، و" الأربعون الجهاديّة "، و" الأربعون البلديّة "، و" الأربعون الأبدال ". و" مسند أهل داريّا " مجلّد، " ومن وافقت كنيته كنية زوجته " مجلد صغير، و" شيوخ النبل " مجلد لطيف، و" حديث أهل صنعاء الشام " مجلد صغير، و"حديث أهل قرية البلاط " مجلد صغير، و" فضائل عاشوراء " ثلاثة أجزاء، و" كتاب الزلازل " ثلاثة أجزاء، و" ثواب المصاب بالولد " جزآن، و" طرق قبض العلم " جزء، و" كتاب فضل مكّة "، و" كتاب فضل المدينة "، و" كتاب فضل القدس "، وجزء " فضائل عسقلان "، وجزء " فيمن نزل المزّة ". وجزء في " فضائل الرّبوة والنيرب "، وجزء فِي " مقام إِبْرَاهِيم وبَرزَة "، وجزء في " أهل قرية الحِميريين "، و" جزء أهل كفرسوسية "، و" جزء أهل كفربطنا "، و" جزء بيت قوفا "، و" بيت رانس "، و" جزء سعد بن عبادة "، و" المنيحة "، و" جزء أهل حرستا "، و" جزء أهل زملكا "، و" جزء بيت لِهيا "، و" جزء جوبر "، و" جزء أهل حردان "، و" جزء أهل جدَيا "، و" جزء أهل برزة "، و" جزء أهل منين "، و" جزء أهل بيت سوا "، و" جزء أهل بَعْلَبَك "، وجزء " المبسوط لمنكر حديث الهبوط "، و" الجواهر واللآلئ " ثلاثة أجزاء، وغير ذلك.
وأملى أربعمائة مجلس وثمانية مجالس فِي فنون شتى، وخرج لشيخه أبي غالب ابن البنّاء " مشيخة "، ولشيخه جمال الْإِسْلَام " مشيخة "، وأربعين حديثًا مصافحات لرفيقه أَبِي سعد السمعاني، وأربعين حديثًا مساواة لشيخه الفُرَاوي.
وخرَّج فِي آخر عُمره لنفسه " كِتَاب الأبدال " ولم يُتمُه، ولو تم لجاء فِي نحو مائتي جزء.
ذكره ابْن السمعاني في " تاريخه " فقال: كثير العلم، غزير الفضل، حافظ، ثقة، متقِن، دين، خير حَسَن السَّمْت، جمع بين معرفة المُتُون والأسانيد، صحيح القراءة، متثبت، محتاط. رحل وتِعب، وبالَغَ فِي الطلب [ص:497] إلى أن جمع ما لم يجمع غيره، وأربى على أقرانه.
ودخل نَيْسابور قبلي بشهر أو نحوه فِي سنة تسعٍ وعشرين، فسمع بقراءتي وسمعت بقراءته مدة مُقامنا بها، إلى أن اتّفق خروجه إلى هراة وخروجي إلى أصبهان. واجتمعت به ببغداد بعد رجوعه فِي سنة ثلاثٍ وثلاثين. وسمعت منه كِتَاب " المجالسة " بدمشق، و" معجم شيوخه ". وكان قد شرع فِي " التاريخ الكبير " لمدينة دمشق، وصنف التصانيف، وخرج التخاريج.
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْنُ الأُمَنَاءِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ الْقَزْوِينِيِّ عَنْ وَالِدِهِ مُدَرِّسِ النِّظَامِيَّةِ، يَعْنِي أَبَا الْخَيْرِ، قَالَ: حَكَى لَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْفُرَاوِيُّ قَالَ: قَدِمَ أَبُو القاسم ابن عَسَاكِرَ فَقَرَأَ عَلَيَّ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَأَكْثَرَ وَأَضْجَرَنِي، وَآلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ أُغْلِقَ الْغَدَّ بَابِي وَأَمْتَنِعَ. فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَدِمَ عَلَيَّ شَخْصٌ فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكَ. قُلْتُ: مَرْحَبًا بِرَسُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ، فَقَالَ لِي: امْضِ إِلَى الْفُرَاوِيِّ وَقُلْ لَهُ: قَدِمَ بَلَدَكَمُ رَجُلٌ مِنَ الشَّامِ أَسْمَرُ اللَّوْنِ يطلب حديثي، فَلا يَأْخُذْكَ مِنْهُ ضَجَرٌ وَلَا مَلَلٌ. قال القزويني: فواللهِ ما كان الفُراوي يقوم من المجلس حتى يقوم الحافظ ابتداء منه.
وقال ابنه القاسم أَبُو مُحَمَّد الحافظ: كان رَحِمَهُ اللَّهُ مواظبًا على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن، يختم فِي كل جمعة، ويختم فِي رَمَضَان كل يوم، ويعتكف فِي المنارة الشرقية. وكان كثير النوافل والأذكار.
وكان يُحيى ليلة النصف والعيدَين بالصلاة والذكر، وكان يحاسب نفسه على لحظة تذهب فِي غير طاعة. وقال لي: لما حَمَلَتْ بي أمي رأت فِي منامها قائلًا يقول لها: تَلدين غلامًا يكون لَهُ شأن.
وحدثني أن أَبَاهُ رَأَى رؤيا معناها: يولدُ لك ولد يُحيى اللَّه به السُنة. حدّثني أبي رحمه الله قال: كنت يوما أقرأ على أَبِي الفتح المختار بْن عَبْد الحميد وهو يتحدث مع الجماعة، فقال: قدم علينا أبو عليّ ابن الوزير، فقلنا: ما رأينا مثله. ثم قدِم علينا أبو سعد ابن السمعاني، فقلنا: ما رأينا مثله، حتى قدِم علينا هذا، فلم نر مثله.
وحكى لي أَبُو الْحَسَن علي بْن إِبْرَاهِيم الْأَنْصَارِيّ الحنبلي عَن أَبِي الْحَسَن سعد الخير قَالَ: ما رأينا فِي سِنّ الحافظ أَبِي القاسم مثله. وحدثنا مُحَمَّد بْن عبد الرحمن المسعوديّ قال: سمعت أَبَا العلاء الهَمَذَاني يقول لرجل، وقد استأذنه أن يرحل، فقال: إنْ عرفتَ [ص:498] أستاذًا أعرف مني أو فِي الفضل مثلي فحينئذ آذَنُ لكَ أن تسافر إليه، إلَّا أن تسافر إلى الحافظ ابْن عساكر؛ فإنه حافظ كما يجب. فقلت: مَن هذا؟ فقال: حافظ الشام أبو القاسم يسكن دمشق. وأثنى عَلَيْهِ.
وكان يجري ذِكره عند خطيب الموصل أَبِي الفضل، فيقول: ما نعلم مَن يستحق هذا اللقب اليوم، أعني الحافظ، ويكون به حقيقًا سواه. كذا حدثني أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وقال: لما دخلت هَمَذَان أثنى عليه الحافظ أبو العلاء، وقال لي: أَنَا أعلم أنه لَا يُساجل الحافظ أَبَا القاسم فِي شأنه أحد، فلو خالق الناس ومازجهم كما أصنع إذًا لَاجتمع عَلَيْهِ الموافِق والمخالِف.
وقال لي يومًا: أي شيء فُتِح لَهُ، وكيف ترى الناسَ لَهُ؟ قُلْت: هُوَ بعيد من هذا كله، لم يشتغل منذ أربعين سنة إلاّ بالجمع والتصنيف والتّسميع حتى فِي نُزَهِهِ وخَلَوَاته. فقال: الحمد لله، هذا ثمرة العِلم، ألا إنا قد حصل لنا هذا المسجد والدار والكُتُب، هذا يدل على قلة حظوظ أهل العلم فِي بلادكم. ثم قَالَ لي: ما كان يُسمى أَبُو القاسم ببغداد إلَّا شُعلة نارٍ من تَوَقُده وذكائه وحُسْن إدراكه.
وقال أَبُو المواهب: أما أَنَا فكنت أذاكره فِي خَلَوَاتِه عَن الحُفاظ الذين لقِيَهُم، فقال: أما ببغداد فأبو عامر العَبدَرِي، وأما بإصبهان فأبو نصر اليُونَارتي، لكن إِسْمَاعِيل الحافظ كان أشهر منه. فقلت لَهُ: فَعَلَى هذا ما رَأَى سيدنا مثله؟ فقال: لَا تَقُلْ هذا، قَالَ اللَّه تعالى: " فَلا تُزَكُّوا أنفسكم ". قُلْت: وقد قَالَ تعالى: " وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فحدّث ". فقال: نعم، لو قَالَ قائل: إن عيني لم تَرَ مثلي - لَصَدَق.
قال أَبُو المواهب: وأنا أقول: لم أر مثله، وَلَا مَن اجتمع فِيهِ ما اجتمع فِيهِ من لُزُوم طريقةٍ واحدةٍ مدَّة أربعين سنة، من لزوم الصلوات فِي الصف الأول إلَّا من عُذْر، والاعتكاف فِي رَمَضَان وعَشر ذي الحجة، وعدم التطلُع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدور.
وقد أسقط ذلك عَن نفسه، وأعرض عَن طلب المناصب من الإمامة والخطابة، وأباها بعد أن عُرِضَت عَلَيْهِ. وقلة التفاته إلى الأمراء، وأخُذِ نفسه بالأمر بالمعروف والنهْي عَن المنكر، لَا تأخذه فِي اللَّه لومةُ لائم.
قال لي: لما عزمت على التحديث، وَاللَّه المطَّلعُ أنه ما حملني على ذلك حبُّ الرياسة والتقدم، بل قُلْت: مَتَى أروي كلَّ ما سمعت؟ وأي فائدةٍ [ص:499] فِي كوني أخلفه بعدي صحائف؟ فاسْتَخَرْتُ اللَّه تعالى، وأستأذنت أعيان شيوخي ورؤساء البلد، وطُفْتُ عليهم، فكلٌّ قَالَ: ومن أحق بهذا منك؟ فشرعت فِي ذلك فِي سنة ثلاثٍ وثلاثين.
وقال عمر بن الحاجب الحافظ: حكى لي زين الأمناء أن الحافظ لما عزم على الرحلة اشترى جَمَلًا، وتركه بالخان. فلما رحل القفل تجهّز، وخرج فوجد الجمال قد مات. فقال لَهُ الجماعة الذين خرجوا لوداعه: ارجِعْ؛ فما هذا فألٌ مبارك! وفندوا عَزْمَه، فقال: وَاللَّه، لو مشيت راجلًا لَا أثنيت عزمي، وحمل خرجه لما شرع، وتبع الركب، واكترى منهم في القصير. وكانت طريقه مباركة.
وقال أَبُو مُحَمَّد القاسم: قَالَ لي والدي: لما قدِمت فِي سَفَري: قَالَ لي جدي القاضي أَبُو المفضل يحيى بْن علي: اجلس إلى ساريةٍ من هذه السواري حتى نجلس إليك. فلما عزمت على الجلوس اتفق أنه مرض ولم يقدر له بعد ذلك خروج إلى المسجد.
وكان أَبِي رحمه الله قد سمع أشياء لم يحصل منها نُسَخًا اعتمادًا على نُسَخ رفيقه الحافظ أبي عليّ ابن الوزير، وكان ما حصّله ابن الوزير لا يحصّله أبي وما حصله أَبِي لَا يحصله ابْن الوزير. فسمعته يقول: رحلت، وما كأني رحلت.
كنت أحسب أن ابْن الوزير يقدم بالكُتُب مثل الصحيحين، وكُتُب البَيهَقي والأجزاء، فاتفق سُكْناه بمَرْو، وكنت أؤمل وصولَ رفيق آخر يوسف بْن فارو الجياني، ووصول رفيقنا المُرادي، وما أرى أحدًا منهم قدِم. فلا بُد من الرحلة ثالثًا وتحصيل الكُتُب والمَهَمات. فلم يمض إلَّا أيام يسيرة حتى قدِم أَبُو الْحَسَن المرادي، فأنزله أَبِي عندنا، فقدِم بأربعة أسفاط كُتُب مسموعة، ففرح أبي بذلك، وكفاه الله مؤونة السَّفَر.
وأقبل على النَّسْخ والاستنساخ، وقابل، وبقي من مسموعاته نحو ثلاثمائة جزء، فأعانه عليها ابْن السمعاني، ونقل إليه منها جملة حتى لم يبق عَلَيْهِ أكثر من عشرين جزءًا. وكان كلما حصل لَهُ جزء منها كأنه قد حصل على ملْك الدنيا.
قلت: وَلَهُ شِعْر جيد يُملي منه عقيب مجالسه، فمنه:
[ص:500]
أيا نفسُ ويْحكِ جاء المَشِيب ... فماذا التصابي وماذا الغزل
تولّى شبابي كأنْ لم يكُنْ ... وجاء مَشيبي كأنْ لم يَزَلْ
فيا لَيْتَ شِعْري ممّن أكون ... وما قدَّرَ اللَّه لي في الأزل.
سمعت أبا الحسين اليونيني يقول: سمعت أَبَا مُحَمَّد المُنْذري الحافظ يقول: سَأَلت شيخنا أَبَا الْحَسَن علي بْن المفضّل الحافظ عَن أربعةٍ تعاصروا أيُّهم أحفظ؟ فقال: من؟ قلت: الحافظ ابْن ناصر، وابن عساكر. فقال: ابْن عساكر. فقلت: الحافظ أَبُو مُوسَى المَدِيني، وابن عساكر. قال: ابْن عساكر. فقلت: الحافظ أبو الطاهر السَّلَفي، وابن عساكر. فقال: السَّلَفيّ شيخُنا، السَّلَفي شيخنا!
قلت: يعني أنه ما أحب أن يصرح بأن ابْن عساكر أفضل من السِّلَفيّ، ولوَّح بأنه شيخه، ويكفي هذا فِي الإشارة.
قلت: والرجل ورع ثبت. وما أطلق أنه ما رأى مثل نفسه في جواب الحافظ أبي المواهب إلا وهو بار صادق. وكذلك رَأَيْت شيخنا أَبَا الحَجّاج المِزّي يميل إلى هذا. وأنا جازِمٌ بذلك أنه ما رَأَى مثل نفسه. هُوَ أحفظ من جميع الحُفاظ الذين رآهم من شيوخه وأقرانه.
وقال الحافظ أَبُو مُحَمَّد عَبْد القادر الرُهاوي: رَأَيْت الحافظ السَّلَفي، والحافظ أَبَا العلاء، والحافظ أَبَا مُوسَى، ما رَأَيْت فيهم مثل ابْن عساكر.
قرأت بخط عُمَر بْن الحاجب: قَالَ: حكى لي مَن أثق به أن الحافظ عَبْد الغني قَالَ: الحافظ ابْن عساكر برجال الشام أعرف من الْبُخَارِيّ لهم، وندِم على ترك السماع منه ندامة كُلية.
وذكره ابْن النجار فِي " تاريخه "، فقال: إمام المحدثين فِي وقته، ومن انتهت إليه الرياسة في الحفظ الإتقان والمعرفة التامة والثقة، وبه خُتم هذا الشأن. روى عَنْهُ جماعةٌ وهو فِي الحياة، وحدَّثوا عَنْهُ بالإجازة فِي حياته.
قال: وقرأت بخط الحافظ مَعْمَر بْن الفاخر فِي " معجمه ": أخبرني أَبُو القاسم علي بْن الْحَسَن الدمشقي الحافظ من لفْظه بمِنَى إملاء يوم النفْر الأول، [ص:501] وكان أحفظ مَن رَأَيْت مِن طَلَبة الحديث والشُّبان، وكان شيخنا الْإِمَام إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد يفضله على جميع مَن لقيناهم من أهل إصبهان وغيرها. قدِم إصبهانَ، وسمع ونزل فِي داري، وما رَأَيْت شابًا أورع وَلَا أتْقن وَلَا أحفظ منه.
وكان مع ذلك فقيهًا أديبًا سنيًا، جزاه اللَّه خيرًا، وكثَّر فِي الْإِسْلَام مثله. أفادني فِي الرحلة الأولى والثانية ببغداد كثيرًا، وسألته عَن تأخره فِي الرحلة الأولى عَن المجيء إلى إصبهان، فقال: لم تأذن لي أمي.
قلت: وهو مع جلالته وحفظه يروي الأحاديث الواهية والموضوعة ولا يبينها، وكذا كان عامة الحُفّاظ الذين بعد القرون الثلاثة، إلَّا من شاء ربكَ فَلَيْسألَنَّهم اللَّه تعالى عَن ذلك. وأي فائدةٍ بمعرفة الرجال ومصنفات التاريخ والجرح والتعديل إلَّا كشف الحديث المكذوب وهتكه؟
قال ابنه أَبُو مُحَمَّد: تُوُفي أَبِي فِي حادي عشر رجب، وحضر الصلاة عَلَيْهِ السلطان صلاح الدين، وصليت عَلَيْهِ فِي الجامع، والشيخ قُطْب الدين فِي المَيْدان الَّذِي يُقابل المُصلى. ورأى لَهُ جماعة من الصالحين منامات حَسنَةً، ورُثِيَ بقصائد، ودُفن بمقبرة باب الصغير.
قلت: قبره مشهور يُزار، رَحِمَهُ اللَّهُ.(12/493)
12 - علي بْن المبارك بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن بكري، أَبُو الحَسَن البغدادي. [المتوفى: 571 هـ]
سمع أَبَا علي ابن المهدي، وأبا الغنائم ابن المهتدي بالله، وابن الحُصَيْن. سمع منه عُمَر بْن علي القُرَشي، وعمر العُلَيْمي الدمشقيان.
تُوُفي فِي جُمَادَى الأولى.(12/501)
13 - علي بْن المظفر بْن علي بْن حسين الظَّهِيري، أَبُو القاسم [المتوفى: 571 هـ]
والد الأعز. [ص:502]
سمع هبة الله بن أحمد الموصلي، وأبا الغنائم النَّرْسي. روى عَنْهُ تميم بْن أَحْمَد البندنيجي، وعبد العزيز ابن الأخضر، وأبو الفتوح ابن الحُصْري، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامَة، وغيرهم.
تُوُفي في جمادى الآخرة في الطريق فجاءة، وَلَهُ ستٌ وسبعون سنة. وكان مَهِيبًا، وَقورًا، صَمُوتًا.(12/501)
14 - عُمَر بْن هدية بْن سلامة، أَبُو حفص البغدادي الصواف السِّمْسار. [المتوفى: 571 هـ]
سمع أَبَا القاسم بْن بيان، وأبا الخطاب الكَلْوَذاني. روى عَنْهُ أبو الفرج بن الجوزي ووثّقه. وعاش تسعًا وثمانين سنة.(12/502)
15 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان، أَبُو عَبْد اللَّه الغافقي، المعروف بالقُبَاعي، [المتوفى: 571 هـ]
من أهل الجزيرة الخضراء.
روى ببلده عن أبي عبد الله بن عبد الخالق، وأبي عَبْد اللَّه بْن أَبِي صوفة، وغيرهما. وأجاز لَهُ أَبُو علي بْن سُكرة الصَّدفي، ووُلي خطابة بلدة.
قال الأبار: وكان فقيهًا مشاوَرًا، ذا دُعابة مع خشْية وخشوع. حدَّث عنه أبو الحسن بن القاسم، وأبو الصبر السبتي، ويعيش بن القديم، وأبو الخطاب عُمَر بْن الجميل. وأجاز فِي رجب من السَّنَة. ولم تُؤرخ وفاته.(12/502)
16 - مُحَمَّد بْن أسعد بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن، الْإِمَام مجد الدين، أَبُو منصور الطُوسي العطاري، المعروف بحَفَدَة، الفقيه الشافعي. [المتوفى: 571 هـ]
كان فقيهًا واعظًا أصوليًا فاضلًا، تفقَّه بمَرْو على أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن منصور السمْعاني، ثم انتقل إلى مَرْو الروذ، وتفقه على القاضي أَبِي مُحَمَّد الْحُسَيْن بْن مَسْعُود الفراء البَغَوِي، وسمع منه كتابيه: " شرح السنّة "، و" معالم التنزيل "، وغير ذلك.
ثم انتقل إلى بُخَارَى، واشتغل بها على البرهان عَبْد العزيز بْن عُمَر بْن مازة الحنفي. ثم عاد إلى مَرْو، وقدِم أذَرْبَيْجَان والجزيرة، واجتمع [ص:503] الناس عَلَيْهِ بسبب الوعظ. وكان مجلسه فِي الوعظ من أحسن المجالس، وَلَا ندري لِمَ لُقِّب حَفَدَة.
روى عَنْهُ أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وأبو أَحْمَد بْن سُكَيْنَة، وعبد العزيز بن الأخضر، وأبو المجد مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن القزْويني، والقاضي أَبُو المحاسن يوسف بْن رافع بن شداد، وآخرون.
قال ابن السَّمْعاني: كتبت عَنْهُ بمَرْو ونَيسابور. وكان فقيهًا، واعِظًا، شاطرًا، جَلْدا، فصيحًا. سمع من عَبْد الغفار الشيرويي، وأبي الفِتْيان الرواسي، وناصر بْن أَحْمَد العِياضي.
أخبرنا أحمد بن إسحاق قال: أخبرنا يُوسُفُ بْنُ رَافِعٍ الْأَسَدِيُّ، قَدِمَ عَلَيْنَا مِصْرَ، قال: أخبرنا محمد بن أسعد، قال: أخبرنا محيي السنّة الحسين بن مسعود، قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الصَّالِحِيُّ (ح)، وأخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن قال: أخبرنا ابن قدامة، قال: أخبرنا البطّيّ، قال: أخبرنا أبو الحسن الأنباري، قالا: أخبرنا أبو الحسين بن بشران، قال: أخبرنا إسماعيل الصفّار قال: حدثنا أحمد بن منصور، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ - أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ".
قال ابْنُ خَلكان: تُوُفي فِي ربيع الآخر سنة إحدى بتبريز. وقال: قيل أَيْضًا: إنه تُوُفي فِي رجب سنة ثلاثٍ وسبعين، فَاللَّه أعلم.
والثاني أصح. وكان مولده سنة ستٌ وثمانين وأربعمائة.(12/502)
17 - مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن علي بْن هلال بْن همصا بْن نافع العِجلي، أخو هبة اللَّه الدَّقاق، البغدادي. [المتوفى: 571 هـ]
روى عَن علي بْن مُحَمَّد بْن علي الأنباري الحنبلي، وسعد اللَّه بْن أيوب، وأبي الخطاب الكَلْوَاذاني. وتفقه على أسعد المَيْهَني. وأخذ الأدب عَن أَبِي منصور ابن الجواليقي. وكان مولده سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة. وله أخ آخر باسمه، كنية ذاك أَبُو المعالي.(12/504)
18 - مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن المعلم، القاضي أَبُو منصور الحنفي. [المتوفى: 571 هـ]
ناب فِي القضاء عَن قاضي القُضاة أَبِي الْقَاسِم الزينبي، ودرس. وسكن هَمَذان مدة، ثم قدِم بغداد رسولًا. روى عَن أَبِي القاسم بن بيان، وعلي بن أحمد الموحد. سمع منه أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وغيره بهَمَذَان.
وعاش ثمانين سنة.(12/504)
19 - مُحَمَّد بْن عُبيد اللَّه بْن علي، أَبُو حنيفة بْن أَبِي القاسم الأصبهاني، الخطيبي. [المتوفى: 571 هـ]
من بيت عِلْمٍ وشُهْرة، قدِم بغداد حاجًا سنة نيف وستين. وحدث عَن جَدّه لأمه حَمْد بْن صَدَقَة، وأبي مطيع المصري، وأبي بكر بن مردويه، وأبي الفتح الحداد، وعبد الرحمن بْن حَمْد الدُّوني.
وأملى عدَّة مجالس. وكان حنفي المذهب. روى عَنْهُ أَبُو طَالِب بْن عَبْد السَّميع، وموفق الدين بْن قُدَامَة، وأبو القاسم بْن صَصْرَى، لقِيه بِمَكَّةَ، وسمع منه بقراءة أبيه.
توفي أبو حنيفة في صفر بإصبهان، وَلَهُ ثلاثٌ وثمانون سنة.
وروى عَنْهُ ابْن الأخضر.(12/504)
20 - مُحَمَّد ابْن الوزير علي بْن طراد الزَّيْنَبي، أَبُو الْعَبَّاس المعروف بالأمير التركي؛ لأنه ابْن تركية. [المتوفى: 571 هـ]
كان مُقْبِلًا على العِلم، قرأ الفرائض والأدب، وقرأ الحديث على هبة الله [ص:505] الشبلي، وابن البطي. ولم يلحق أن يسمع من أَبِيهِ. وتُوُفي شابًا.(12/504)
21 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بن حمود، أَبُو الأزهر الواسطي المقرئ الصوفي. [المتوفى: 571 هـ]
قرأ بالروايات على أَبِي العز القلانسي، وسمع من أبي نعيم محمد بن إبراهيم الجماري، وببغداد من أبي غالب ابن البناء. وأقرأ الناسَ مدةً.
روى عَنْهُ عُمَر بْن يوسف خَتَن ابْن الشعار، وعمر بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد الديَنورِي، ومحمد بْن أَحْمَد بْن إِسْمَاعِيل القزويني.
ذكره ابْن النجار فأطنب فِي وصفه، وقال: كان شيخًا صالحًا، ورِعًا، تقيًا، زاهدًا، قانعًا، منقطعًا عَن الناس، يرجع إلى فضل وعلم بالقراءات.
وتوفي ببغداد فِي رجب.(12/505)
22 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أحمد بن خلف بن إبراهيم بن لب، الإمام أبو القاسم ابن الحاج التُجَيبي، القُرْطُبي. [المتوفى: 571 هـ]
سمع من والده الشهيد أبي عبد الله ابن الحاج، وأبي مُحَمَّد بْن عَتاب، وأبي علي بن سكرة، وأبي الوليد بن رشد، وأبي بحر بْن العاص. وأجاز لَهُ أَبُو عَبْد اللَّه الخَوْلاني.
وكان بصيرًا بمذهب مالك، عارفًا بالمسائل، ذاكرًا للخلاف. وجلس للمناظرة مكان أَبِيهِ، ولم يكن يعرف الحديث. وكان وَقُورًا مَهيبًا، لَا يتكلَّم إلَّا فِي النادر. ولي قضاء الجماعة بقُرْطُبة وقتًا، ثم خرج عَنْهُ فِي الفتنة، وتجول بالأندلس، واستقر بمُرْسِية مرتسمًا فِي ديوان الْجُنْد عند الأمير محمد بن سعد. ثم سار إلى مَيُورقَة بعد موت ابْن سعد، فحدَّث بها.
روى عنه عقيل بن عطية، وابن سُفْيان، وغيرهما. ثم وفد إلى إشبيلية، فمات بها.(12/505)
23 - مبارك بْن الحَسِن، أَبُو النَّجْم ابْن القابلة الفَرَضي. [المتوفى: 571 هـ]
بغدادي، عارف بالفرائض والمواقيت. سمع أَبَا الحسين ابن القاضي أَبِي يَعْلَى.(12/506)
24 - محفوظ بْن أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد المنعم، أَبُو جَعْفَر ابن الوراق البغدادي، الوكيل بباب القاضي. [المتوفى: 571 هـ]
سمع أَبَا الحسين ابن الطُيُوري، وأَبَا سعد الأسَدِي. روى عَنْهُ حفيده محمد بن يوسف، وعبد العزيز ابن الأخضر، وجماعة. وتُوُفي فِي جُمادَى الآخرة، وَلَهُ ثمان وسبعون سنة.(12/506)
25 - مَسْعُود بْن الْحُسَيْن بْن سعد، القاضي أبو الحسن اليَزْدي الحَنَفي. [المتوفى: 571 هـ]
أفتى، ودرَّس، وناب فِي القضاء ببغداد، ثم خرج إلى الموصل ودرس بها. وتُوُفي فِي جُمادى الآخرة، وَلَهُ بضعٌ وستون سنة.(12/506)
26 - هبة اللَّه بْن يحيى بْن الْحَسَن، أَبُو جعفر ابن البُوقي الواسطي العطار الفقيه الشافعي. [المتوفى: 571 هـ]
كان عارفًا بالمذهب والخلاف والفرائض. تفقه على أَبِي علي الفارقي. وسمع أَبَا نُعَيْم الجماري، وأبا نُعَيْم بْن زبزب، وخميسًا الحَوْزِي. وببغداد: أَبَا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وغيره. وبرع فِي المذهب، وناظر الفُقهاء. ثم استقدمه الوزير عون الدين فحدث ببغداد. روى عَنْهُ ابْن الأخضر، وأبو إِسْحَاق الكاشْغَري، وجماعة.
وتوفي في ذي القعدة بواسط، وله ثلاث وثمانون سنة.(12/506)
27 - يحيى بْن سَعِيد بْن أَبِي الأسود، أَبُو علي الثقفي، الأصبهاني. [المتوفى: 571 هـ]
حدث ببغداد عَن أَبِي علي الحداد، وطائفة. وعنه مُحَمَّد بْن مَشق، وأبو طالب بن عبد السميع.
مات في رجب.(12/507)
-سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة(12/508)
28 - أَحْمَد بْن عَبْد العزيز بْن الفضل بْن الخليع الْأَنْصَارِيّ الناسخ الأندلسي، الشُرِيُوني. [المتوفى: 572 هـ]
أخذ عَن أَبِي مُحَمَّد البطليُوسي. وأحكم العربية، وكان أديبا شاعرا، بديع الكتابة، نسخ الكثير، وقتل صبرا بإشبيلية في حدود هذا العام.(12/508)
29 - أحمد بن محمد بن هبة الله، أبو منصور ابن سركيل البغداديّ. [المتوفى: 572 هـ]
سمع أبا الحسن ابن العلاف. روى عنه عبد العزيز بن الأخضر. وتوفي في جمادى الآخرة.(12/508)
30 - إبراهيم بن خلف بن الحبيب الفهري الأندلسي، [المتوفى: 572 هـ]
من ولد أمير الأندلس عياض بن يوسف.
أخذ الصحيحين عَن ميمون بْن ياسين، وغلب عَلَيْهِ عِلم الأدب والفرائض. روى عَنْهُ أَبُو الخطاب بْن واجب. وعاش أربعًا وثمانين سنة.
ذكره أَحْمَد بْن فرتون فِي " تاريخه "، فقال: سمع " المُوَطأ " عام سبعةٍ وخمسمائة من القاضي أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن علي بْن حمدين. وكان من أهل الإتقان، مشارًا إليه فِي العِلم والذكاء.(12/508)
31 - إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن يحيى بْن إِسْمَاعِيل العثماني الديباجي، أَبُو الطاهر [المتوفى: 572 هـ]
أخو المحدث أَبِي مُحَمَّد عَبْد اللَّه.
سمع بإفادة أخيه من جماعة. أخذ عنه الحافظ أبو الحسن بن المفضل، وقال: مات فِي ذي القعدة بعد أخيه بتسعة عشر يومًا بالإسكندريّة.(12/508)
32 - بشير الهندي، مولى عَبْد الحق اليوسُفي. [المتوفى: 572 هـ]
سمع من أَبِي سعد بْن خُشَيْش، وأبي القاسم بن بيان. وكان رجلًا صالحًا. روى عنه ابن الأخضر، وغيره. وتوفي في ذي الحجة. وروى عنه أيضًا نصر بن عبد الرزاق الجيلي.(12/509)
33 - الحَجاج بْن يوسف الهواري، قاضي الجماعة بمَراكُش وخطيبها، يُكني أَبَا يوسف، [المتوفى: 572 هـ]
وهو من أهل بِجاية.
قال ابْن الأبار: كان فصيحًا مفوهًا، بليغًا، مدركًا، نال دنيا عريضة. ولما تُوُفي حضر دفُنه السلطان.(12/509)
34 - الْحَسَن بْن سَعِيد بْن أحمد بن الحسن ابن البنّاء، أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي القاسم البغدادي، الحربي، [المتوفى: 572 هـ]
والد غياث.
سمع الكثير من جَعْفَر السراج، وأبي غالب الباقِلاني، وأبي سعد بْن خُشَيْش، وغيرهم. روى عَنْهُ ابْن الأخضر، وابن الحُصري، وغيره. وهو من بيت الرواية.
تُوفي فِي رجب.(12/509)
35 - الْحَسَن بْن عَبْد اللَّه بْن هبة اللَّه ابْن المسلمة، تاج الدين [المتوفى: 572 هـ]
أخو الوزير أَبِي الفَرَج.
سمع أَبَا منصور بْن خيرون.(12/509)
36 - الحسن بن عبد الجبّار، أبو محمد ابن البردغوُلي. [المتوفى: 572 هـ]
روى عَن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن قريش.(12/509)
37 - الحَسَن بْن علي بْن نصر بْن مُحَمَّد بْن خميس، القاضي أَبُو علي الكعبي المَوُصلي، [المتوفى: 572 هـ]
قاضي العسكر.
تُوُفي فِي أول سنة اثنتين وسبعين عَن ستٌ وستين سنة. كتب عَنْهُ أبو المواهب بن صصرى.(12/510)
38 - صالح بْن المبارك بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد، أبو محمد ابن الرخلة البغداديّ المقرئ القزّاز الكَرْخِي. [المتوفى: 572 هـ]
سمعه أَبُوهُ من أَبِي عَبْد اللَّه بن طلحة النّعاليّ، وأبي الحسين ابن الطُيُوري. روى عَنْهُ تميم بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجي، ومحمد بْن مشِّق، وأبو مُحَمَّد، وأبو إِسْحَاق إبراهيم بن عبد الواحد المقدسيّ، وآخرون.
وتوفّي في صفر.(12/510)
39 - ظَفَر بْن عُمَر، أَبُو أَحْمَد الخباز. [المتوفى: 572 هـ]
سمع من شجاع الذُهلي، ومحمد بْن عَبْد الواحد القزّاز. وحدّث. وتوفّي فِي صَفَر أَيْضًا. روى عَنْهُ عَبْد الرَّحْمَن بن محفوظ، والأعزّ بن فضائل.(12/510)
40 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن خَلَف بْن سعادة، أَبُو مُحَمَّد الإصْبَحي الداني. [المتوفى: 572 هـ]
سمع أَبَا بَكْر بْن نمارة، وأبا الْحَسَن بْن سعد الخير. ثم رَحَل فأكثر عَن السِّلفيّ، وأبي الطاهر بن عوف. وكتب بخطه الكثير. سمع منه جعفر بن أبي ميمون الشّاطبيّ، وعبد الملك بْن مُحَمَّد.
وحدث عَنْهُ أَبُو القاسم عيسى بن الوجيه عبد العزيز بن عيسى الشُّريشيّ، وحَمَّلَهُ الرواية عَن قومٍ لم يَرَهمْ وَلَا أدركهم، وبعضهم لَا يُعرف، قاله أَبُو عَبْد اللَّه الأبار فِي " تاريخه "، ثم قَالَ: وذلك من أوهام عيسى هذا، واضطرابه فِي روايته. [ص:511]
قال: وقال أَبُو عَبْد اللَّه التُجيبي: كان ابْن سَعادة مُقْرِئًا، محدثًا، ورِعًا، فاضلًا، أُخبرت أنه غرق فِي البحر عند صدره.
قلت: توفّي في حدود هذه السّنة فيما أرى، أو في الّتي تليها، كهلًا.(12/510)
41 - عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن يحيى بْن إِسْمَاعِيل، القاضي أَبُو مُحَمَّد العثماني الأمَوي الديباجي الإسكندراني المحدث. [المتوفى: 572 هـ]
روى عَن أَبِيهِ، وأبي القاسم ابن الفحام الصقلي المقرئ، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن الوليد الطُرْطُوشي، وأبي عَبْد اللَّه الرازي، وأبي الفضل جَعْفَر بْن إِسْمَاعِيل بْن خَلَف الْمُقْرِئ، وعبد اللَّه بْن يحيى بْن حمود، وطائفة.
وله فوائد فِي ثمانية أجزاء رواها جَعْفَر الهَمَذَاني عَنْهُ. وروى عَنْهُ الحافظ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الغني، والحافظ عَبْد القادر الرُهَاوي، والحافظ علي بْن المفضل، وابن راجح، وآخرون.
وكان يُعرف بابن أَبِي اليابس.
قال ابْن المفضل: كان عنده فنون عِدة. تُوُفي فِي شوال، ومولده في سنة أربع وثمانين وأربعمائة.
قال حماد الحَراني: رَمَى السلَفي العثماني بالكذب.
وقال حماد: ذكر لي جماعة من أعيان الإسكندرية أن العثماني كان صحيح السماعات، وكان ثقة ثَبتا، صالحًا، متعففًا. وكان يُقرِئ النحو واللُغة والحديث. وسمعتُ جماعة يقولون: إنه كان يَقُولُ: كُلّ من بيني وبينه شيء فهو فِي حل ما عدا السلَفي فبيني وبينه وقفةٌ بين يدي اللَّه تعالى.
أنشدنا أَبُو عليّ ابن الخلاّل، قال: أنشدنا جعفر، قال: أنشدنا أبو محمد العثمانيّ، قال: انشدني أَبُو الْحَسَن علي بْن مُحَمَّد البغدادي لنفسه:
ما أجهل الإنسان فِي فِعْله ... من جمع آثام وأوزار
يبخل بالمال على نفسه ... وهو بها يسخو على النارِ(12/511)
42 - عَبْد اللَّه بْن عطاف الأَزديّ الإسكندرانيّ. [المتوفى: 572 هـ]
ورخه الحافظ ابْن المفضل وَرَوَى عَنْهُ، وقال: تُوُفي فِي صفر، وكان ثقة متحريًا. سمع أبا عبد الله الرازي، وأبا بكر الطرطوشي. وكان لَا بأس به فِي الفقه.(12/511)
43 - عَبْد الصمد بْن سعد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد، أَبُو مُحَمَّد النسوِي ثم الدمشقي، المعروف بالقاضي. [المتوفى: 572 هـ]
ولد سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وتُوفي فِي صَفَر بدمشق. وسمع من قِوام الدين بْن زيد فِي سنة خمسٍ وتسعين.
روى عنه الحافظ أبو المواهب بن صصرى، وأخوه أبو القاسم، وعبد الحق بْن خَلَف، والعز مُحَمَّد بْن أَحْمَد النسابة، وغيرهم.(12/512)
44 - علي بْن عساكر بْن المُرَحَّب بْن العوَّام، أَبُو الْحَسَن البطَائحي الضرير المقرئ الأستاذ، والبطائح: بين واسط والبصرة. [المتوفى: 572 هـ]
قدِم بغداد وحفظ بها القرآن، وقرأه بالروايات الكثيرة المشهورة والشاذة على أَبِي العز القلانِسِي، وأبي عَبْد اللَّه البارع، وأبي بكر المزرَفيّ، وسِبْط الخياط.
وقرأ بالكوفة على الشريف عُمَر بْن إِبْرَاهِيم العَلَوي. وسمع من أَبِي طَالِب بن يوسف، وابن الحُصَيْن، وطائفة. وروى الكثير وتصدر للإقراء. وأقرأ القراءات مدة طويلة. وكان بارِعًا فِيهَا، جيد المعرفة بالعربية، ثقة صحيح السماع، أثنى عَلَيْهِ غير واحد.
ولد سنة تسعين وأربعمائة أو قُبَيلها.
وروى عَنْهُ القراءات خلق كثير، من آخِرهم وفاة عَبْد العزيز بْن دُلَف. وسمع منه الكبار. وحدث عَنْهُ الحافظ عَبْد الغني، وأبو مُحَمَّد بْن قُدامة، والحافظ عَبْد القادر، والزاهد أبو عمر المقدسيّ، والشّهاب ابن راجح، وأبو صالح الجيلي، وعبد العزيز بْن باقا. وآخر من رَوَى عَنْهُ وقرأ عَلَيْهِ القراءات العشر الإمام بهاء الدّين عليّ ابن الجمّيزيّ.
توفّي في الثامن والعشرين من شعبان.(12/512)
45 - الفضل بْن مُحَمَّد بْن هبة اللَّه، أَبُو مُحَمَّد البغدادي، المعروف بابن المطلب. [المتوفى: 572 هـ]
سمع أَبَا الْحَسَن العلاّف، وأبا طالب اليوسفيّ. سمع منه مكي الغراد، وغيره.(12/512)
46 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي الفَرَج بْن ماشاذة، أَبُو بَكْر الأصبهاني السُكَّري المقرئ. [المتوفى: 572 هـ]
مقرئ، مجوّد، عالِم بُطرُق القُراء، طويل العُمْر. سمع الحافظ سُلَيْمَان بْن إِبْرَاهِيم وتفرَّد عَنْهُ، والقاسم بْن الفضل الرئيس، ومكي بْن منصور السلار وغيرهم. روى عَنْهُ مُحَمَّد بْن مكي الحنبلي، والحافظ عَبْد القادر، وعبد الأعلى بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الرُسْتَمي، وإسحاق بْن المطهر اليزدي القاضي، وأحمد بْن إِبْرَاهِيم بْن سُفيان بْن مَنْدَهْ، وجامع بْن أَحْمَد الخباز الأصبهانيون، وآخرون. وبالإجازة كريمة القُرِشِية.
وتُوُفي فِي هذا العام وَلَهُ نيفٌ وتسعون سنة.(12/513)
47 - مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن مُحَمَّد بن عمر، أبو سعيد ابن الْإِمَام أَبِي منصور الرزاز البغدادي المعدَّل. [المتوفى: 572 هـ]
سمع أَبَا القاسم بْن بيان، وابن نَبْهان، وزاهر بْن طاهر، وابن الحُصَيْن. وتفقه على والده، وَلَهُ شِعْر حَسَن. وَلي نظر الحشرية مدةً، فلم تُحمد سِيرتُه؛ قاله ابْن النجار. روى عَنْهُ أَبُو نصر عُمَر بْن مُحَمَّد الدينَوَرِي. وتُوُفي فِي ذي الحجة وَلَهُ إحدى وسبعون سنة.(12/513)
48 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن القاسم بْن المظفر بْن علي، قاضي القُضاة كمال الدّين أبو الفضل بن أبي محمد ابن الشهرُزُوري، ثم المَوْصِلي الفقيه الشافعي ويُعرفون قديمًا ببني الخراسانيّ. [المتوفى: 572 هـ]
ولد سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، وتفقه ببغداد على أسعد المَيْهَني. وسمع الحديث من نور الهدى أَبِي طَالِب الزينبي. وبالموصل من أَبِي البركات بْن خميس، وجده لأمه علي بْن أَحْمَد بْن طَوق.
ووُلي قضاء بلده. وكان يتردد إلى بغداد وخُراسان رسولًا من أتابك زنكي، ثم قدِم الشامَ وافدًا على نور الدين، فبالغ فِي إكرامه، ونفذه رسولًا من حلب إلى الديوان العزيز. وقد بنى بالمَوْصِل مدرسة، وبنى بمدينة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ص:514] رِباطًا. ثم ولاه السلطان نور الدين قضاء دمشق، ونظر الأوقاف ونظر أموال السلطان وغير ذلك. فاستناب ابنه القاضي أَبَا حامد بحلب، وابن أخيه أَبَا القاسم بحماه، وابن أخيه الآخر فِي قضاء حمص. وحدَّث بالشام وبغداد.
قال القاسم بْن عساكر: ولي قضاءَ دمشق سنة خمسٍ وخمسين، وكان يتكلم فِي الأصول كلامًا حَسَنًا، وكان أديبًا، شاعرًا، ظريفًا، فِكهَ المجلس، وقف وُقُوفًا كثيرة، وكان خبيرًا بالسياسة وتدبير الملك. وقد أخبرنا بحضرة أبي قال: أخبرنا ابْن خميس فذكر حديثًا.
وقال ابْن خَلكان: ولي قضاء دمشق، وترقى إلى درجة الوزارة، وحكم فِي البلاد الشامية، واستناب ولده محيي الدين فِي الحكم بحلب. وتمكن فِي الأيام النوريّة تمكّنًا بالغًا. فلما تملّك السلطان صلاح الدين أقره على ما كان عَلَيْهِ. وله أوقاف كثيرة بالموصل، ونصّيبين، ودمشق. عظمت رياسته، ونال ما لم ينله أحدُ من التقدُم.
وقال سبط ابْن الجوزي: قدِم صلاح الدين سنة سبعين فأخذ دمشق. قال: وكان عسكر دمشق لما رَأوْا فِعْل العوام والتقاءهم لَهُ، ونثْره عليهم الدُراهم والذهب، فدخلها ولم يُغْلَق فِي وجهه باب، وانكفأ العسكر إلى القلعة، ونزل هُوَ بدار العقيقي، وكانت لأبيه. وتمنعت عَلَيْهِ القلعة أيامًا. ومشى صلاح الدين إلى دار القاضي كمال الدين، فانزعج وخرج لتلقيه، فدخل وجلس وباسَطَه وقال: طِبْ نفْسًا، وقُر عينًا، فالأمر أمرك، والبلد بلدك. فكان مَشْي صلاح الدين إليه من أحسن ما وُرّخَ، وهو دليلٌ على تواضعه، وعلى جلالة كمال الدين.
وقال أَبُو الفَرَج ابْن الجوزي: كان أَبُو الفضل رئيس أهل بيته، بنى مدرسة بالموصل، ومدرسة بنصيبين. وولاه نور الدين القضاء، ثم استوزره، ورد بغداد رسولًا، فذكر أنه كتب قصة إلى المقتفي، وكتب على رأسها مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الرَّسُول، فكتب المقتفي: صلّى الله عليه وسلّم. [ص:515]
وقال شمس الدين سِبْط ابْن الجوزي: لما جاء الشَّيْخ أَحْمَد بْن قُدَامة والد الشَّيْخ أَبِي عُمَر إلى دمشق خرج إليه أبو الفضل ومعه ألف دينار، فعرضها فلم يقبلها، فاشترى بها قرية الهامة، ووقفها على المَقَادِسة.
ولما تُوُفي رثاه بحلب ابنه محيي الدين بقصيدته التي أولها:
ألِمُوا بسَفْحَيْ قاسِيُونَ وسلموا ... على جدَث بادي السَّنَا وترحَّموا
وأدوا إليه عَن كئيب تحية ... يكَلفكُم إهداءَها القلبُ والفَمُ
تُوُفي فِي المحرم يوم الخميس السادس منه.
وقد رَوَى عنه أبو المواهب بن صصرى، وأخوه أبو القاسم بن صصرى، وموفق الدين بْن قُدَامَة، وبهاء الدين عَبْد الرَّحْمَن، وشمس الدين عمر بن المنجى، وأبو محمد ابن الأخضر، وآخرون.
ومن شعره:
وجاؤوا عشاءً يهرعون وقد بدا ... بجسمي من داء الصَّبَابة ألْوانُ
فقالوا وكلّ معظم بعض ما رَأَى ... أصابَتْكَ عَيْنٌ قُلْت: إن وأجفانُ(12/513)
49 - مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بن أحمد بن علي ابن النرسي، أَبُو الفتح الأزجي الضرير. [المتوفى: 572 هـ]
من بيت حديث وعدالة. سمع أَبَاهُ، وأبا القاسم بْن بيان، وغيرهما.
روى عنه أبو محمد ابن الأخضر، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، وجماعة.
وتُوُفي فِي ربيع الأول؛ ورخه الدبيثي.
وقال ابْن مَشق: تُوُفي فِي ذي الحجة.
والأول أصح وهو الَّذِي نقله ابْن النجار.(12/515)
50 - مُحَمَّد بْن علي بْن مُحَمَّد بْن مهنَّد، أَبُو عَبْد الله ابن السقّاء، الحريمي المقرئ. [المتوفى: 572 هـ]
شيخ صالح ملقن لقن خلْقًا، وكان يستقي الماء إلى بيوت الناس ويتعفف به. روى عَن أَبِي القاسم بْن بيان، وغيره. [ص:516]
تُوفي فِي صَفَر.
روى عَنْهُ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخباز، وغيره.(12/515)
51 - مُحَمَّد بْن غالب، أَبُو عَبْد اللَّه الأندلسي، الرصافي، رصافة بَلَنْسِية، الرفاء، [المتوفى: 572 هـ]
نزيل مالقة.
كان يعيش من صناعة الرفو بيده.
قال الأبّار: وكان شاعر زمانه، سكن غَرْناطَة مدة، وأمتدح أميرها. وشِعْره مدون يتنافس فِيهِ الناس. كان ينظم البديع، ويُبدع المنظوم. ولم يتزوج وكان متعففًا. روى عَنْهُ من نَظْمه أَبُو علي بْن كسرى المالقي، وأبو الْحُسَيْن بْن جُبَيْر. تُوفي فِي رَمَضَان بمالقة.(12/516)
52 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبدِكان، أَبُو المحاسن البغدادي المقرئ. [المتوفى: 572 هـ]
قرأ القرآن على أَبِي الخير المبارك الغسال، وأبي سعد محمد بن عبد الجبار الجويمي. قرأ عليه عبد الوهاب بن بزغش.
وله مصنف فِي الأصول سماه " نور المحجة " على طريقة الأشعري.
ويُعْرَف بابن الضجَة.(12/516)
53 - مُحَمَّد بن محمود بن محمد، أبو طالب ابن الشيرازي، البغدادي، المعروف بابن العلوية. [المتوفى: 572 هـ]
سمع أَبَا غالب مُحَمَّد بْن الحَسَن الباقِلاني. روى عَنْهُ ابْن الأخضر، والحافظ عَبْد القادر، وجماعة. وولي قضاء بعض البلاد، وأقام بواسط مدة، وبها تُوفي فِي ذي الحجة.(12/516)
54 - مُحَمَّد بْن المحسن بْن الْحُسَيْن بْن أَبِي المضاء. الخطيب شمس الدين أَبُو عَبْد اللَّه البَعْلَبَكي ثم الْمَصْرِيّ. [المتوفى: 572 هـ][ص:517]
نشأ بمصر وقرأ بها الأدب. وسمع بدمشق من الحافظ ابن عساكر، وغيره. ورحل إلى بغداد وسمع بها وقرأ الفقه. وعاد إلى مصر، واتصل بالسلطان صلاح الدين. وهو أول من خطب بمصر لبني العباس. ثم نفذه السلطان رسولا إلى الديوان. وسمع ببغداد من أبي زرعة، وابن البطي. ومات بدمشق ولم يكمل أربعين سنة.(12/516)
55 - المبارك بن عبد الجبار بن محمد، أبو عبد الله البردغولي. [المتوفى: 572 هـ]
روى عَن أَحْمَد بْن علي بْن قريش. روى عنه ابنه عبد السلام، وغيره.
توفي فِي جُمادَى الأولى.(12/517)
56 - المبارك بْن مُحَمَّد بْن المبارك، أَبُو جَعْفَر البصْري، المواقيتي، الكتاني الشافعي المعدّل. [المتوفى: 572 هـ]
ولد سنة تسعين وأربعمائة. وسمع من أَبِي طاهر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم العَبْدي، والغَطريف بْن عَبْد اللَّه السعيداني، وجابر بْن مُحَمَّد بْن جَابِر، وعدة. وحدّث ببغداد؛ روى عَنْهُ عُمَر بْن مُحَمَّد بْن جَابِر الصوفي، ومحمد بن أبي غالب الباقداري، وطائفة. وسمع من السلَفي بالبصرة.
قال ابْن النجار: مات بالبصرة بعد السبعين وخمسمائة.(12/517)
57 - محمود بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن ماشاذة الأصبهاني الصُوفي، [المتوفى: 572 هـ]
نزيل بغداد وشيخ رباط الأقفاصيين.
زاهد عابد عارف. سمع من زاهر الشحّامي، وأبي غالب ابن البناء، وأبي بَكْر المَزْرَفي. وله مصنفات فِي الحقائق. سمع منه عُمَر بْن علي القُرَشي، ومحمد بن بقاء الضرير. تُوُفي فِي ربيع الآخر؛ كذا ترجمة ابْن النجار.(12/517)
58 - مسعود بْن عَبْد اللَّه بْن عُبَيد اللَّه، أَبُو عَبْد اللَّه البغدادي الواعظ. [المتوفى: 572 هـ]
روى بدمشق عَن أَبِي الوقت. وعنه أَبُو القاسم بْن صَصْرَى.
مات فِي رَمَضَان.(12/517)
59 - مسلم بن ثابت بن زيد بن القاسم، أبو عبد الله ابن النخاس الوكيل البغدادي، ويُعرف بابن جُوالِق [المتوفى: 572 هـ]
والد عَبْد اللَّه.
فقيه إمام حنبلي، تفقه على أَبِي بَكْر الدينَوَرِي، وتوكل لبعض الأمراء، وعَلَت سِنه. وحدَّث بالكثير عَن أَبِي بَكْر بْن سَوْسَن، وأبي القاسم بْن بيان، وابن نَبهان، وأبي النرْسي، وجماعة.
ووُلِد سنة أربعٍ وتسعين وأربعمائة.
روى عَنْهُ أَبُو مُحَمَّد بْن قُدَامة، ونصر بن عبد الرزاق الجيلي، وأبو البقاء إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد بْن يحيى الهَمَذَاني، والحسين بْن مَسْعُود البيع، وعثمان بْن أبي نصر ابن الوتار، وآخرون.
توفي في ذي الحجة.
وقد سمع منه أبو المحاسن عمر بن علي القرشي، والقدماء.(12/518)
60 - نصر بْن سيار بْن صاعد بْن سيار، شرف الدين، أَبُو الفتح الكِناني، الهَرَوِي، القاضي الحنفي الفقيه. [المتوفى: 572 هـ]
من بيت القضاء والحشْمة والرواية. وكان خبيرًا بالمذهب، عالي الإسناد، معمرًا. سمع الكثير من جَدّه القاضي أَبِي العلاء صاعد بْن سيار بْن يحيى بْن مُحَمَّد بْن إدريس، والقاضي أَبِي عامر محمود بْن القاسم الْأَزْدِيّ، وأبي عطاء عَبْد الأعلى بْن أَبِي عُمَر المَلِيحي، والزاهد مُحَمَّد بْن علي العُمَيْري، ونجيب بْن ميمون الواسطي، وأبي نصر أَحْمَد بن أحمد المعروف بأميرجة شك، وغيرهم. وأجاز لَهُ شَيْخ الْإِسْلَام أَبُو إِسْمَاعِيل الْأَنْصَارِيّ، وأبو القاسم أَحْمَد بْن مُحَمَّد الخليلي.
قال ابن السمعاني: كان فقيهًا، مناظرًا، فاضلًا، متدينًا، حَسَن السيرة، مطبوع الحركات، تاركًا للتكلف، سليم الجانب. ولِد فِي شوال سنة خمسٍ وسبعين وأربعمائة.
قلت: رَوَى عَنْهُ هُوَ، وابنه أَبُو المظفر عَبْد الرحيم، وأبو القاسم زنكي بْن أبي الوفاء، ومودود بْن محمود الشقاني، والحافظ عَبْد القادر الرهاوي، [ص:519] والمفتي ضياء الدين أَبُو بَكْر بْن علي المامنجي الهروي، وآخرون. وبالإجازة القاضي شمس الدين ابْن الشيرازي.
قال السمعاني فِي " تحبيره ": سمعت منه " جامع التِّرْمِذِي "، وسمعت منه كِتَاب " الزُهد " لسعيد بْن منصور، بروايته عَن جَدّه.
وقال ابْن نُقْطة: إنه حدث بكتاب " الجامع " للترمذي، عَن أبي عامر الْأَزْدِيّ. وسمع " صحيح الإسماعيلي "، من جَدّه. وكان سماعه صحيحًا. وبلغني أنه تُوفي يوم الثلاثاء عاشر المحرم.
قلت: عاش سبْعًا وتسعين سنة، وكان رَحِمَهُ اللَّهُ أسندَ من بقي بخراسان.(12/518)
61 - هبة الله بن علي بن محمد بن زَنْبَقَة، أَبُو القاسم الصَّفَّار. [المتوفى: 572 هـ]
شيخ بغدادي سمع شجاعًا الذهلي، وأبا علي ابن المهدي. روى عَنْهُ عَبْد الوهاب بْن أزْهَر.
قال ابن القطيعي: مات في شوال سنة اثنتين.(12/519)
62 - هبة اللَّه بْن يحيى بْن مُحَمَّد بْن هبة اللَّه، أَبُو مُحَمَّد البغدادي، الوكيل بباب القُضاة. [المتوفى: 572 هـ]
سمع أَبَا الْحَسَن العَلاف. روى عَنْهُ أبو الفتوح ابن الحصري.
توفي في ربيع الآخر.(12/519)
63 - يحيى بن أحمد، أبو شجاع ابن البراج، الوكيل بباب القُضاة. [المتوفى: 572 هـ]
ثم زكي، وشَهِد وتقدم. روى عَن أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وغيره. كتب عنه عمر القرشي، وغيره.(12/519)
64 - يحيى بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، أَبُو زكريا بْن الخطاب الرّازي ثم الإسكندراني. [المتوفى: 572 هـ]
سمع من والده، وتوفي في هذه السنة، وقد حدّث. [ص:520]
ضعفه ابْن المفضل وقال: لَا أروي عَنْهُ.(12/519)
-وفيها ولد:
الشيخ الفقيه بيونين في رجب، والصفي إسماعيل بن إبراهيم ابن الدرجي بدمشق، والكمال على بْن شجاع الضرير بمصر في شعبان، والشيخ أوحد الدين عمر الدويني.(12/520)
-سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة(12/521)
65 - أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن عَبْد العزيز بْن أَبِي يَعْلى، أَبُو جَعْفر ابْن القاص الشيرازي ثم البغدادي القطفتي المُقْرِئ الزاهِد. [المتوفى: 573 هـ]
صَاحب رِياضَة وتعبُّد ونُسُك وعِرْفان وتَصَوف. قَرَأ القراءات على أَحْمَد بْن علي بْن بدران الحلْواني، وأبي الخير المبارك الغسال، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن بركات بْن سلامة الدارمي الآمدي. وسمع أبا محمد ابن الآبنوسي، وأبا القاسم ابن بيان، وجماعة. وحدَّث وأقرأ الناس. أخذ عَنْهُ جماعة وأثنوا عَلَيْهِ. وتوفي في صَفَر وله سبع وسبعون سنة.
روى عَنْهُ أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وأبو بَكْر بْن مَشقْ، وآخرون، وأبو القاسم بْن صَصْرَى، وأحمد بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجي. وقرأ عَلَيْهِ بالروايات عَبْد العزيز بْن دُلَف، وجماعة.(12/521)
66 - أَحْمَد بْن حامد بْن الفُرات بْن أَحْمَد بْن مَهْدِي، أَبُو الْعَبَّاس الربعِي، الضميري، البزاز. [المتوفى: 573 هـ]
سمع ابْن الخطاب الرازي بثغر الإسكندرية. روى عَنْهُ ابْن صَصْرَى فِي " مشيخته "، وفِيهَا أنه وُلِد بقرية ضمير سنة ستٌ وثمانين وأربعمائة. وله شِعْرٌ حَسَن. مات فِي جُمادى الآخرة سنة ثلاثٍ هذه.(12/521)
67 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن المبارك بْن أَحْمَد بْن بكْرُوس، أَبُو الْعَبَّاس البغدادي الحنبلي الفقيه الزاهد. [المتوفى: 573 هـ]
وُلِد سنة إحدى وخمسمائة. وسمع من أبي سعد ابن الطيوري، وأبي طال الزينبي. وتفقه على أَبِي بَكْر الدّينَوري، وأبي خازم ابن القاضي أبي يعلى. وأنشأ له نصر ابن العطار التاجر مدرسةً ودرّس بها. وأقرأ الفقراء وتخرَّج به جماعة. وكان زاهدًا عابدًا، خيرًا، متبتّلًا، كبير القَدْر. قرأ أَيْضًا القراءات على أَبِي عَبْد اللَّه البارع، وأبي بَكْر المَزْرَفي.
روى عَنْهُ موفق الدين المقدسي وقال: كان من أصحاب أَحْمَد، وَلَهُ [ص:522] مسجد ومدرسة، يتكلم فِي مسائل الخلاف ويدرس، وكان يتزهَّد وما علمت منه إلَّا الخير.
قال ابْن مَشقْ: تُوُفي فِي خامس صَفَر.
وروى عَنْهُ أَيْضًا عَبْد العزيز بْن باقا، ومحمد بْن أَحْمَد بْن شافع.(12/521)
68 - أرسلان بْن طُغْرل بْن مُحَمَّد بْن مَلِكْشاه السَّلْجُوقي السلطان. [المتوفى: 573 هـ]
تُوُفي فِي هذا العام، وكان القائم بدولته زوج أمه شمس الدين إلدكز، وابنه البهلوان. وكان أرسلان سلطانًا مستضْعَفًا، لَهُ السكة والخطْبة. ولما مات خُطِب بعده لولده طَغْرل الَّذِي قتله خُوارَزْم شاه، كما يأتي إن شاء الله تعالى.(12/522)
69 - الحسن بن أحمد بن محمد بن أحمد، أبو علي ابن الحويزي، العباسي. [المتوفى: 573 هـ]
سمع إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْدِي، وطائفة. وقرأ بالروايات على الشهْرزُوري، وأقرأ القراءات والعربية بواسط. وكان يعلم الموسيقى، فِيهِ دين وتعبّد.
أرّخه ابن النجار.(12/522)
70 - دَاوُد بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن خَالِد، القاضي أَبُو سليمان الخالدي الإربلي ثم الحَصْكفي الفقيه الشافعي. [المتوفى: 573 هـ]
ولد سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة بالموصل. وتفقه ببغداد.
سمع أَبَا القاسم بْن بيان ببغداد؛ وأبا منصور مُحَمَّد بْن علي بْن محمود الكُراعي بمرْو. وقدِم دمشقَ رسولًا فحدَّث بها، ثم سكن الموصل وحدَّث بها بأشياء منها " صحيح الْبُخَارِيّ "، لكنه أسقط من إسناده إلى الْبُخَارِيّ رجلًا، واستمر الوهم عليهم وعليه. [ص:523]
روى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن صَصْرَى، والقاضي أبو نصر ابن الشيرازي. وأجاز للبهاء عَبْد الرَّحْمَن. وتُوُفي بالموصل يوم النحْر، وقد ولي قضاء حصن كيفا مُدَّة.(12/522)
71 - دَاوُد بْن يزيد، أَبُو سُلَيْمَان السعدي، الغَرْناطي. [المتوفى: 573 هـ]
بقية النَّحْويين بالأندلس. أخذ عَن أَبِي الْحَسَن بْن الباذش، وكان من أكبر تلامذته. وسمع من أَبِي مُحَمَّد بْن عتاب، وأبي بحر بْن العاص، وابن مغيث، وغيرهم. وكان لَهُ مشاركة فِي عِلم الحديث. أخذ الناس عَنْهُ، ومن رواته أَبُو بَكْر بْن أَبِي زَمَنين، وأبو الْحَسَن بْن خروف، وأبو القاسم الملاحي.
وتوفي عن خمس وثمانين سنة.(12/523)
72 - صَدَقَة بْن الْحُسَيْن بْن الْحَسَن بْن بختيار، أبو الفرج ابن الحداد البغدادي، الفقيه، الحنبلي، الناسخ. [المتوفى: 573 هـ]
تفقه على: أبي الوفاء بن عقيل، وأبي الحسن ابن الزاغوني؛ وسمع منهما. ومن أَبِي عثمان بْن مَلَّة، وأبي طَالِب اليُوسُفي.
وكان قيمًا بالفرائض والحساب، ويفهم الكلام. وأقرأ الناس، وتخرَّج به جماعة. وكان مليح الخط، نسخ الكثير، وكان ذلك معاشه. وكان يؤم بمسجدٍ وهو يقيم فيه.
قال أبو الفرج ابن الجوزي: ناظَرَ وأفْتى إلَّا أنه كان يظهر فِي فَلَتَات لسانه ما يدل على سوء عقيدته. وكان لَا ينضبط، فكل من يجالسه يعثر منه على ذلك. وكان تارة يميل إلى مذهب الفلاسفة، وتارة يعترض على القَدَر. دخلتُ عَلَيْهِ يومًا وعليه جرب فقال: ينبغي أن يكون هذا على جَمَل لَا علي.
وقال لي يومًا: أَنَا لَا أخاصم إلَّا من فوق الفَلَك. وقال لي القاضي أَبُو يعلى ابن الفراء: مُذْ كتب صَدَقَةُ "الشفاء " لابن سينا تغير. وحدثني علي بْن الْحَسَن المقرئ فقال: دخلت عَلَيْهِ فقال: وَاللَّه ما أدري من أَيْنَ جاؤوا بنا، وَلَا إلى أي مُطْبَق يريدون أن يحملونا. وحدثني الظهير الحنفي قَالَ: دخلت عَلَيْهِ فقال: أني لأفرح بتعثيري. قُلْت: ولِمَ؟ قَالَ: لأن الصانع يقصدني. وكان طول [ص:524] عُمره ينسخ بالأجرة، وفي آخر عمره تفقده رئيس، فقيل: إنه قَالَ: أَنَا كنت أنسخ طول عُمري فلا أقدر على دجاجة، فأنظر كيف بعث لي الحلواء والدجاج فِي وقتٍ لَا أقدر أن آكله.
وهو كقول ابن الريوندي: وكنت أنا أتأمل عَلَيْهِ إذا قام للصلاة، وأكون إلى جانبه، فلا أرى شَفَتَيه تتحرك أصْلًا. ومن شعره:
لا توطّنها فليست بمُقامِ ... واجْتَنِبْها فهي دارُ الانتقام
أتُراها صَنْعة من صانع ... أمْ تُرَاها رَمْيةً من غير رامِ
فلما كثُر عُثُوري على هذا منه هَجَرْتُه، ولم أصَل عَلَيْهِ حين مات. وكان يُعرف منه فواحش. وكان يطلب من غير حاجة. وخلّف ثلاثمائة دينار. وحكي عنه أنه رئي لَهُ منامات نحسة، نسأل اللَّه العفو.
تُوُفي في ربيع الآخر في عشر الثمانين.(12/523)
73 - عَبْد الباقي بْن أَبِي العز بْن عَبْد الباقي ابن الكواز البغدادي الصُّوفي، ويعرف بابن القوالة. [المتوفى: 573 هـ]
روى عَن أبي الحسين ابن الطُيُوري. روى عَنْهُ عُمَر بْن بكْرُون، وابن الأخضر. وتُوُفي فِي ربيع الآخر.(12/524)
74 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي القاسم أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أحمد بن مَخْلَد بن عبد الرحمن بن أحمد بن بقيّ بن مخلد أبو الحسن القرطبي. [المتوفى: 573 هـ]
روى عن أبيه وعمه أبي الحسن عبد الرحمن وأبي القاسم بن النخاس، وأبي مُحَمَّد بْن عتاب، وغيرهم.
قال الأبار: وكان فقيهًا مشاوَرًا. ولي القضاء، وكان عريقًا فِي العلم والنباهة. سمع منه ابنه أَبُو الوليد يزيد، وحفيده شيخنا أَبُو القاسم أَحْمَد بن يزيد. وتوفي عَن ثمانٍ وسبعين سنة.(12/524)
75 - عَبْد العزيز بْن أحمد بن غالب، أبو الأصبغ بن موصّل البلنسي، الزاهد، المقرئ. [المتوفى: 573 هـ][ص:525]
قال الأبّار: أخذ القراءات عَن ابْن هُذَيْل، وكان مقدَّمًا فِيهَا، عارفًا بالتعليل، مجودًا، فَرْدًا فِي الاجتهاد، صَوامًا قَوامًا، صاحب ليل. ولم يتزوج قط. تُوُفي فِي حدود سنة ثلاث.(12/524)
76 - عبد الواحد بْن عسكر، أَبُو مُحَمَّد المخزومي، الخالدي، الهَمَذَاني الأصل. [المتوفى: 573 هـ]
ولِد بمصر، وسكن الإسكندرية. وكان يُعرف بالنجار. سمع من أَبِي صادق مرشد، وأبي عَبْد اللَّه الرازي.
قال الحافظ ابْن المفضل: سألته عَن مولده فقال: فِي رجب سنة سبع وتسعين. سمعنا منه كتاب " الإيمان " لابن أَبِي شيبة، والحادي والعشرين من " حديث الذُهلي ". وكان شيخًا صالحًا. قَالَ لي: نَسَبي عندي بخط أَبِي إلى خَالِد بْن الوليد رضى اللَّه عَنْهُ. وتُوُفي فِي تاسع عشر ذي الحجّة.
قلت: رَوَى عَنْهُ جَعْفَر الهَمَذَاني، وعبد الوهاب بن رواج، وجماعة.(12/525)
77 - عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مَسْعُود بْن عَيشون، أَبُو مروان المعافري، البلنسي. [المتوفى: 573 هـ]
روى عن أبي الوليد ابن الدباغ. وحج فلقي: أبا علي ابن العرجاء، وأبا عَبْد اللَّه المازري، وأبا طاهر بْن سِلَفَة. روى عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه بْن نوح الغافقي.
قال الأبار: وكان نهاية فِي الصَّلاح والبِر والخير، متواضعًا. لم يتزوج، وكان ذا ثروة، واقتنى كثيرًا من الكتب. وتُوُفي سنة ثلاث أو أربع وسبعين.(12/525)
78 - عتيق بْن عَبْد العزيز بْن علي بْن صيلا، أَبُو بَكْر الحربي، الخباز، [المتوفى: 573 هـ]
والد عَبْد الرَّحْمَن، وعبد العزيز.
سمع عَبْد الواحد بْن علوان الشَّيْبَانيّ، وأحمد بْن عَبْد القادر بْن يوسف، وغيرهما. روى عنه أبو محمد ابن الأخضر، وعبد الرّزّاق الْجِيليّ، وأحمد بْن أحمد البندنيجي، والبهاء عبد الرحمن، والأنجب بْن مُحَمَّد بْن صيلا الحمامي، وأبو القاسم بن أبي الحسن المالحاني، وآخرون. [ص:526]
ولد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة. ومات فِي ربيع الآخر وَلَهُ خمسٌ وثمانون سنة.(12/525)
79 - علي بْن الْحُسَيْن بْن علي، أَبُو الْحَسَن اللُوَاتي الفاسي. [المتوفى: 573 هـ]
روى عَن أَبِي جَعْفَر بن باقي، وأبي الحسن ابن الأخضر الإشبيلي أخذ عنه النحو واللغة. وسمع أبا عبد الله بن شبرين. وأجاز له أبو عبد الله الخولاني، وأبو علي الصدفي. وحدث " بالموطأ " عَن الخَوْلاني، لقِيه سنة إحدى وخمسمائة، وأجاز له وروى عن جماعة آخرين.
قال الأبار: كان فقيهًا، مشاوَرًا، فاضلًا، متقِنًا. أخذ عنه يعيش بن القديم، وأبو عبد الله بن عبد الحق التلمساني، وأبو الخطاب بن الجميل، يعني ابْن دِحْية. ووُلِد سنة تسعٍ وتسعين وأربعمائة.(12/526)
80 - علي بْن عَبْد اللَّه بْن حمُّود، أَبُو الْحَسَن المِكناسي، الفاسي، [المتوفى: 573 هـ]
وأصله من مِكْناسة الزيتون.
حج سنة اثنتى عشرة. وأخذ عَن أَبِي بكر الطرطوشي " سنن أبي داود "، و" صحيح مسلم "، أخذه عن ابن طرخان، و" جامع أبي عيسى "، عَن ابْن المبارك. ودخل الأندلس مرابِطًا. ثم حج ثانيًا وجاور، وأقام بالحَرَم.
قال ابن الأبّار: وكان زاهدًا، ورعًا، محسنًا إلى الغرباء. تُوُفي بِمَكَّةَ عن سبْعٍ وسبعين سنة.(12/526)
81 - فاطمة بنت نصر ابن العطار البغدادية. [المتوفى: 573 هـ]
أخت صاحب المخزن.
امْرَأَة محتشمة، زاهدة، عابدة، كبيرة القدر. شيعها أرباب الدولة لأجل أخيها، وخلْق كثير.
وقال أخوها: إنها ما خرجت من البيت فِي عُمرها إلَّا ثلاث مرات رضى اللَّه عَنْهَا.(12/526)
82 - فتيان بْن حَيْدَرة، أَبُو المجد البَجلي، الكاتب. [المتوفى: 573 هـ][ص:527]
تُوُفي بدمشق فِي جُمادى الأولى. يروي عَن الْحَسَن بْن صَصْرَى. روى عَنْهُ الحافظ أَبُو المواهب، وقال: ولد سنة خمس وثمانين وأربعمائة. ويُعرف بابن الرُّمَيْلي.
وروى عَنْهُ أَيْضًا أَبُو القاسم بن صصرى.(12/526)
83 - كمشتكين، نائب حلب للملك الصالح إسماعيل ابن نور الدين، ولَقَبُه: سعد الدين. [المتوفى: 573 هـ]
وهو مدبر دولة الصالح. وكان الرئيس أَبُو صالح ابْن العجمي كالوزير فِي دولة إِسْمَاعِيل فقُتل، فأتهموا به سعد الدين، وحسَّنوا للصالح القبض عَلَيْهِ، فقبض عَلَيْهِ وَقُتِلَ تحت العذاب فِي هذه السنة؛ لأنْ رفقاءه الخدام حَسدوا مرتبته، ومالوا إلى أَبِي صالح، فصارت الأمور كلها إلى أَبِي صالح، فجهَّز كُمُشْتِكِين عَلَيْهِ جماعة من الباطنية، فقتلوه يوم جمعة.(12/527)
84 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الجبار. الفقيه، أَبُو المظفر الحنفي، المعروف بالمُشَطب السمَنَاني. [المتوفى: 573 هـ]
تفقه بمَرْو على أَبِي الفضل الكرْماني، وأفتى، وناظَر، ودرس. وكان مولده فِي سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة؛ وجال فِي بلاد المشرق، ثم استوطن بغداد، ودرس المذهب بمدرسة زيرك.
وحدث عَن أَبِي المعالي جَعْفَر بْن حيدر، والحسين بْن مُحَمَّد بْن فَرُخَان. وعنه عُمَر القُرَشي. وتُوُفي فِي حادي عشر جُمادى الأولى، وشيَّعه قاضي القُضاة، والناس.(12/527)
85 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن هِبة اللَّه بْن مُحَمَّد، أَبُو عَبْد اللَّه بْن أَبِي منصور الدِّيناري. [المتوفى: 573 هـ]
ذكر أنه من ولد ذي الرياستين. روى عَن أَبِي القاسم بْن بيان. وأبي النرْسي. سمع منه عُمَر بْن علي القُرَشي، وعمر بْن مُحَمَّد العُلَيمي، وعبد العزيز ابن الأخضر. وتُوُفي فِي آخر العام، وقيل: تُوُفي في شوّال سنة خمس وسبعين.(12/527)
86 - مُحَمَّد بن أسعد حفَدة العطاري [المتوفى: 573 هـ]
درس، وأفتى، وناظر، وأخذ عَن الغزالي.
وقد ذُكِر فِي سنة إحدى وسبعين. وذكره فِي سنة ثلاثٍ أبو الفرج ابن الجوزي، وابن الدبيثي وقال: رَوَى عَن أَبِي الفتيان عمر الدّهستانيّ. حدثنا عَنْهُ عَبْد الوهاب بْن سُكَيْنَة، وابن الأخضر.
وطوّل فيه ابْن النجار.(12/528)
87 - مُحَمَّد بْن بدر بْن عَبْد اللَّه، أَبُو الرضا الشيحي. [المتوفى: 573 هـ]
كان أَبُوهُ يروي عَن أَبِي بَكْر الخطيب. سمع أَبَاهُ، وأبا الحسن ابن العلاف، وأبا القاسم بن بيان. روى عنه أحمد بن أحمد البندنيجي، وابن الأخضر. وآخر من روى عنه يحيى بن القميرة.
توفي في ربيع الأول.(12/528)
88 - محمد بن بُنيمان بن يوسف الهمذاني. [المتوفى: 573 هـ]
توفي في آخر السنة عَن تسعين سنة. وكان مسنِد همذان فِي وقته. يحول إلى هنا. نعم، هُوَ أَبُو الفضل المؤدب الأديب.
سمع مُحَمَّد بْن جامع القطان الجوهري، شَيْخ هَمَذَانيّ. وقد رَوَى عَن ابنه جامع بن محمد، والرّيحانيّ. وتوفّي سنة إحدى وسبعين.
وسمع من مكي بْن منصور السلار الكُرْجي، ومن سعد بْن علي العِجْلي مفتي همذان، ومن عَبْد الرَّحْمَن بْن حمد الدّونيّ، وغيرهم. روى: " سنن النّسائيّ "، و" عمل اليوم والليلة " لابن السُّنّي، عَن الدوني.
قال السَّمْعاني: هُوَ أَبُو الفضل المؤدب المؤذن الأُشنانيّ. وهو سِبْط [ص:529] حمد بْن نصر الحافظ الأعمش. شَيْخ أديب فاضل، جميل الطريقة، لَهُ سمتٌ، ووقار، وصلاح، وتودُد، مكثر من الحديث. سمع من جَدّه، وعَبْدُوس بْن عَبْد اللَّه بن عبدوس، والحسن بْن ياسين، وجماعة كبيرة بإفادة جده. وقرأ الأدب على أَبِي المظفر الأبِيورَدي. سمعت من لفظه كِتَاب " سُنَن التَحدْيث " لصالح بْن أَحْمَد الهَمَذَانيّ، و" جزء الذُهليّ ".
قلت: حدَّث عَنْهُ يوسف بْن أَحْمَد الشيرازي فِي " الأربعين البُلْدانية " لَهُ، وأبو المواهب بن صصرى، ومحمد بن محمد ابن الكرابيسي الهَمَذَانيّ، وصالح بْن المعزم، وأحمد بْن آدم الكرابيسي، وآخرون. وكان أسند من بقي ببلده. وكان شيخًا صالحًا، أديبًا، فاضلًا، انفرد بالرواية عَن جماعة.
قال أَبُو المواهب: سَأَلْتُهُ عن مولده فقال: سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة. وتُوُفي فِي آخر سنة ثلاثٍ وسبعين بهَمَذَان.(12/528)
89 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن هبة اللَّه بن المظفر ابن رئيس الرؤساء أبي القاسم علي ابْن المسلمة، أَبُو الفَرَج، [المتوفى: 573 هـ]
وزير العراق.
سمع من ابْن الحُصَين، وعُبيد اللَّه بْن محمد ابن البَيْهَقي، وزاهِر الشحامي. روى عَنْهُ حافده دَاوُد بْن علي. وكان أولًا أستاذ دار المقتفي، والمستنجد، ووَزر للمستضيء. وكان فِيهِ مروءة وإكرام للعلماء. ولد سنة أربع عشرة وخمسمائة، وكان يُلَقب عَضُدَ الدين. وكان سَرِيًا، مَهيبًا، جوادًا.
قال الموفق عَبْد اللطيف: كان إذا وزن الذهب يرمي تحت الحُصْر قُرَاضة كثيرة قدْر خمسة دنانير، فأخذتُ منها يومًا، فَنَهَرني أَبِي وقال: هذه يرميها الوزير برسم الفراشين. وكان يسير فِي داره، فلا يرى واحدًا منا معشر الصبيان إلَّا وضع فِي يده دينارًا، وكذا كان يفعل ولداه كمال الدين، وعماد الدين، إلَّا أن دينارهما أخف. وكان والدي ملازِمه على قراءة القرآن والحديث. استوزره الْإِمَام المستضيء أول ما ولي، واستفحل أمره. وكان المستضيء كريمًا رؤوفًا، واسع المعروف، هيّنًا، ليّنًا. وكانت زوجته بنفشه كثيرة الصدقات والمروءة. وكان الوزير ذا انصباب إلى أهل العِلم والصُوفية، يُسبغ عليهم النعمة، ويشتغل هُوَ وأولاده بالحديث والفقه والأدب. وكان الناس معهم فِي [ص:530] بلهَنيّة، ثم وقعت كُدُورات، منها الإحنة التي وقعت بينه وبين قُطْب الدين قايماز.
قلت: قد ذكرتُها فِي مكانها.
وعُزِلَ ثم أُعيد إلى الوزارة. وخَرج من بيته حاجًا فِي رابع ذي القعدة، فضربه واحد من الباطنية أربع ضربات على باب قطُفتا، فَحُمِل إلى دارٍ هُنَاك، فلم يتكلم، إلَّا أنه كان يقول: اللَّه، اللَّه. وقال: ادفنوني عند أَبِي. ثم مات بعد الظُهْر، رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى.(12/529)
90 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن بْن السَّكن، أبو سعد ابن المعوَجّ. [المتوفى: 573 هـ]
ولّي حجابة باب النوبي فِي سنة إحدى وسبعين، وجرِح مع الوزير أَبِي الفَرَج المذكور جراحاتٍ مُنْكَرَة، ومات ليلتئذٍ.(12/530)
91 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن هِبَة اللَّه بْن أَحْمَد بن منصور، أبو الثناء ابن الزّيتوني، الواعظ، المجهز، [المتوفى: 573 هـ]
سبط ابن الواثق.
ولد سنة اثنتين وخمسمائة ببغداد وسمع هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبا بَكْر الْأَنْصَارِيّ. وبنَيْسابور من مُحَمَّد بْن الفضل الفراوي، وعبد الجبّار الخواريّ، وأبي سعيد مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن صاعد، وزاهر بْن طاهر، وعبد الغافر بْن إِسْمَاعِيل. وبهراة: تميم بْن أَبِي سَعِيد الْجُرْجاني.
ولِزم مسجدًا فِي آخر عُمره يعِظ فِيهِ، ويروي الحديث. وسمع منه خلْق، وحدث بكتاب " أسباب النزول " للواحدي. روى عَنْهُ أَبُو طَالِب بْن عَبْد السميع، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وطائفة.
قال ابْن قُدَامة: كان شَيْخ جماعة، لَهُ أصحاب. حدثني الشهاب الهَمَذَانيّ أنه رَجُل صالح لَهُ كرامات.
وقال ابْن النجّار: لزم مسجده منعكفًا على الإقراء والتحديث والوعظ ونفْع الناس. وكان مشهورًا بالصلاح والزّهد والعبادة والتّقى، وكان الناس يتبركون به ويستشفون بدُعائه، وكان لَهُ صِيت عظيم عند الخاص والعام؛ كان [ص:531] السلطان مَسْعُود يأتي إلى زيارته، ويقال: إنه وُجد فِي ترِكته عدة رقاع قد كتبها إليه السلطان يخاطبه فِيهَا بخادمه. وكان مليح الخلقة، ظريف الشكل، بزِيّ الصوفية، وله تلامذة ومريدون.
وقال الدبيثي: تُوُفي فِي نصف رَمَضَان رَحِمَهُ اللَّهُ.(12/530)
92 - مُحَمَّد بْن ميدمان، أَبُو عَبْد اللَّه الكلبي، القرطبيّ. [المتوفى: 573 هـ]
سمع " جامع الترمذيّ " سنة عشرين وخمسمائة من عبّاد بن سرحان. وكان أديبًا كاتبا متصرّفًا؛ ذكره الأبّار.(12/531)
93 - محمود بن تكَش، الأمير شهاب الدين الحارمي، [المتوفى: 573 هـ]
خال السلطان صلاح الدين.
أعطاه السلطان حماه عندما تملكها، فبقي بها هذه المدة، ومرض فحاصرته الفرنج حصارًا شديدًا، ولولا لُطْف اللَّه لأخذت الفرنج حماه. ولما ترحلوا توفّي شهاب الدين. وتوفّي قبله بثلاثة أيام ولدُهُ، وكان شابًا مليحًا، من أحسن أهل زمانه.(12/531)
94 - مَنَوية، أمَة الواحد بِنْت عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عَبْد القادر بْن يوسف، [المتوفى: 573 هـ]
ابنة عم أَبِي الْحُسَيْن بْن عبد الحق وزوجته.
سمعت من أبي الحسن ابن العلاّف.
وصفها أبو سعد ابن السمعاني، وروى عنها هو، وموفّق الدين ابن قدامة، وآخرون.
توفّيت فِي المحرَّم فِي عَشْر الثمانين، رحمها اللَّه.(12/531)
95 - هارون بْن الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن محمد ابن المأمون، أَبُو مُحَمَّد الهاشمي، العباسي، المأموني، البغدادي، الأديب. [المتوفى: 573 هـ]
سمع أَبَا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وأبا منصور بْن زُريق الشَّيْبَانيّ، وغيرهما. وصنف شرحًا " لمقامات الحريري " مختصرًا. وجمع تاريخًا على السّنين فِيهِ [ص:532] أخبار الأوائل والحوادث والدول فِي مجلدين.
تُوُفي فِي ذي الحجة.(12/531)
96 - هبة اللَّه بْن محفوظ بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن صَصْرَى، القاضي الجليل أَبُو الغنائم الربعي، التغلبي. الدمشقي. [المتوفى: 573 هـ]
روى عَن يحيى بْن بطريق، وابن المسلم، وهبة اللَّه بن طاوس، وجماعة. وتفقه وقرأ القرآن، وحصل وشهد على القضاة، وحدَّث بدمشق والحرمين. روى عَنْهُ ولداه أَبُو المواهب، وأبو القاسم. وكان كثير البِر والتعبُّد والتلاوة، يختم فِي شهر رَمَضَان ثلاثين ختمة.
تُوُفي فِي جُمادى الآخرة سنة ثلاث، وله اثنتان وستون سنة.(12/532)
97 - لاحقُ بْن علي بْن منصور بْن كَارَة، أَبُو مُحَمَّد [المتوفى: 573 هـ]
أخو دَهْبَل.
روى عَن أَبِي القاسم بن بيان، وابن نبهان. كتب عنه أَبُو سعد السمْعاني، وذكره فِي " تاريخه ". وحدث عَنْهُ ابْن الأخضر، والشيخ الموفق، والبهاء، وآخرون.
تُوُفي ليلة نصف شعبان، وَلَهُ ثمان وسبعون سنة.
وعنه ابْن المقير، وعبد العزيز بْن دلف.(12/532)
98 - يحيى بْن موهوب بْن المبارك بْن السدنْك، أَبُو نصر المستعمل، [المتوفى: 573 هـ]
أخو أَحْمَد.
سمع أَبَا القاسم بْن بيان، وأبا العز مُحَمَّد بْن المختار، وغيرهما. روى عَنْهُ ابْن الأخضر، وعبد العزيز ابن الزبيدي، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، ومحمد بْن عَبْد الواحد بْن سُفيان، وجماعة. وتُوُفي فِي شوال، وَلَهُ أربعٌ وسبعون سنة.(12/532)
99 - يحيى بْن يوسف بْن أَحْمَد، أَبُو شاكر السِّقْلاطُوني، عُرِف بصاحب ابْن بالان. [المتوفى: 573 هـ]
شيخ مُسْنِد، مُعَمَّر. روى عَن ثابت بن بندار، والحسين بن علي ابن البسري، وابن الطيوري، وأبي سعد بن خشيش، وأحمد بْن سَوْسن، وغيرهم. [ص:533]
روى عَنْهُ ابْن الأخضر، وابن قُدَامة، والبهاء، والمبارك بْن علي المطرز، وأبو الحَسَن علي بن هبة الله ابن الْجُميزي، وآخرون. وكان خبازًا.
تُوُفي فِي شعبان.(12/532)
100 - يوسف بْن مُحَمَّد، أَبُو الحَجاج الإسكندري، المؤدب. [المتوفى: 573 هـ]
سمع أَبَا بَكْر الطُرْطُوشيّ.
قال ابْن المفضل: حدثنا، وكان فَرَضِيًّا، لَهُ شِعْر.(12/533)
-وَفِيهَا وُلِد:
الشريف أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن بْن علي الحُسَيْني، الحلبي، ثم الْمَصْرِيّ فِي رَمَضَان، ومحمد بْن سُلَيْمَان بْن أَبِي الفضل الأنصاري ليلة الفطر.(12/533)
-سنة أربع وسبعين وخمسمائة(12/534)
101 - أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن علي، أَبُو منصور النهرواني، المؤدب، المعروف بابن بَهْدل. [المتوفى: 574 هـ]
سمع أَبَا سعد أحمد ابن الطيوري، وغيره. سمع منه عُمَر الْقُرَشِيّ، وأبو القاسم ابن البندنيجي. وتوفي في رمضان عن ثمانين سنة.
روى عنه مكي ابن الطيبي.(12/534)
102 - أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن هِبَة اللَّه بْن مُحَمَّد بن علي ابن المهتدي بالله، أَبُو تمام بْن أَبِي الْحَسَن بْن أَبِي تمام الهاشمي ابْن الغريق، [المتوفى: 574 هـ]
خطيب الحربية.
روى عَن ابْن الحُصَيْن، وغيره. كتب عَنْهُ مُحَمَّد بْن المبارك بْن مَشق.(12/534)
103 - أَحْمَد بن علي بن الحسين ابن الناعم، أَبُو بَكْر الوكيل بباب القاضي. [المتوفى: 574 هـ]
سمع هبة اللَّه بْن أَحْمَد المَوُصلي، وأبا القاسم بْن بيان، وابن بدران الحلواني، والقاسم بْن علي الحريري. روى عَنْهُ ابْن الأخضر، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وجماعة.
تُوُفي فِي ربيع الأول.(12/534)
104 - أَحْمَد بْن نصر بْن تميم، الفقيه أَبُو زيد الحموي، الأشعري، المتكلم. [المتوفى: 574 هـ]
كان متعصبًا فِي علم الكلام. ولي حسْبه دمشق وحسبة مِصْر.(12/534)
105 - إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد، والد البهاء عَبْد الرَّحْمَن المقدسي. [المتوفى: 574 هـ]
تُوُفي فِي رجب.
قرأت ترجمته بخط الضياء، وقال: ولد في حدود سنة خمس وعشرين [ص:535] وخمسمائة. وسألت عَنْهُ خالي الموفق، فقال: كان رجلًا كاملًا حَسَن الخَلْق، كان يمازحني وأنا صغير، وكنت أحبه لحسن خلقه. سمعت أن عمي إِبْرَاهِيم سافر إلى مِصْر فِي تجارة، ومضى إلى إسكندرية فسمع من السلفي. وكان مقدم الفرنج قد حبسه وأراد صلبه لأنهم وجدوه ومعه متاع من الذي للكنيسة قد اشتراه من سارق، فهرب هُوَ وغيره من الحبس بالليل.(12/534)
106 - أسعد بن يلدرك بْن أَبِي اللقاء، أَبُو أَحْمَد الجبريلي، البواب بدار الخلافة. [المتوفى: 574 هـ]
شيخ بغدادي، معمر؛ قال عُمَر بْن علي الْقُرَشِيّ: سَأَلْتُهُ عَن مولده فقال: في ربيع الأول سنة سبعين وأربعمائة.
قلت: كان يمكن أن يُجيز لَهُ أَبُو الحسين ابن النقور، وأن يسمع من أَبِي نصر الزينبي فيبقى مسند الدنيا.
قال الدبيثي: كان أَبُوهُ صاحبًا للرئيس أَبِي الخطاب ابن الجرّاح، فأسمعه منه، ومن أبي الحسن ابن العلاف. روى عَنْهُ ابْن الأخضر، والشيخ الموفق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، ومحمد بْن أَبِي البدر مقبل بْن فتيان بْن المني، وطائفة سواهم. توفي في سلخ ربيع الأول.(12/535)
107 - بنيمان بْن أَبِي الفوارس بْن أَبِي بَكْر، أَبُو بكر الأصبهاني، السباك. [المتوفى: 574 هـ]
سمع أبا مطيع محمد بن عبد الواحد. وحدث فِي رجب من السنة. ولا أعلم وفاته. روى عنه الحافظ عبد الغني.(12/535)
108 - الحسن بن علي بن محمد بن فرح، الكلبي، المعروف بابن الجميل الداني، [المتوفى: 574 هـ]
والد عُمَر وعثمان المحدثين النازلين بديار مِصْر.
نزل أَبُو علي سبْتة، وبها تُوفي عَن ثمانين سنة. [ص:536]
قال الأبّار: لا أعلم له رواية.(12/535)
109 - زيد بن نصر بن تميم، الحموي، الفقيه الشافعي. [المتوفى: 574 هـ]
كذا سماه أَبُو المواهب بن صَصْرَى، وهذا هُوَ أَبُو زيد أَحْمَد بْن نصر المذكور آنفًا. وقال: تُوُفي فِي شعبان بدمشق وقد جاوز السبعين، وكان ذا فنون وذا خبرة بمقالة الأشعري.
روى عَن عَبْد الكريم بْن حمزة، وجمال الْإِسْلَام وتفقه عَلَيْهِ مدة.
قال البهاء ابْن عساكر: كان شديد التعصب فِي مذهب الحق، وهو زيد أَبُو القاسم الحموي، ثم تسمى بأحمد، وتكني بأبي زيد.
قلت: رَوَى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن صصرى.(12/536)
110 - سعد بْن مُحَمَّد بْن سعد بْن صَيْفي، شهاب الدين، أَبُو الفوارس، التميمي الشاعر المشهور، الملقب بالحَيْص بَيص، ومعناهما: الشدة والاختلاط. [المتوفى: 574 هـ]
قيل: إنه رَأَى الناس فِي شدةٍ وحركة، فقال: ما للناس فِي حَيْصَ بَيْص؟ فلزمه ذلك.
وكان من فُضَلاء العالم، تفقه فِي مذهب الشافعي بالري على القاضي مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم الوزان، وتكلم فِي مسائل الخلاف.
وذكره ابْن السمعاني فِي " ذيله " فقال: كان فصيحًا، حسن الشعر.
وذكره ابن أبي طيئ فِي "تاريخ الشيعة " فقال: شاعر فاضل، بليغ، وافر الأدب، عظيم المنزلة فِي الدولتين العباسية والسلجوقية، وكان ذا معرفة تامة بالأدب، ونفاذ فِي اللغة، وحفْظ كثير للشعْر، وكان إمامًا فِي الرأي، حَسَن العقيدة. حدثني عَبْد الباقي بْن زُرَيق الحلبي الزاهد قَالَ: رَأَيْته واجتمعت به فكان صدْرًا فِي كل عِلم، عظيم النفس، حَسَن الشارة، يركب الخيل العربية الأصيلة ويتقلّد بسيفين، ويحمل خلفة الرمح، ويأخذ بنفسه بمآخذ الأمراء، ويتبادى فِي لفْظه، ويعقد القاف، وكان أفصح مَن رَأَيْت. وكان يناظر على رأي الجمهور. [ص:537]
وقال الدبيثي: سمع من أَبِي طَالِب الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد الزَّيْنَبي، وبواسط من أَبِي المجد مُحَمَّد بْن جهور.
وله ديوان شعر مشهور وترسّل، وكان بارعًا في الشعر، محسنًا، بديع المعاني، بليغ الرسائل ذا خبرة تامة باللغة.
ومن شِعره:
ما أنصفت بغداد ناشئها الذيِ ... كثُر الثناء به على بغداد
سَل ذا إذا مد الجدال رِواقَهُ ... بصوارم غير السيوف حدادِ
وجرت بأنواع العلوم مقالتي ... كالسيل مَدَّ إلى قرار الوادي
وذعرت ألباب الخصوم بخاطر ... يقظان في الإصدار والإيراد
فتصدعوا متفرقين كأنهم ... مالٌ تفرقه يد ابْن طِراد
وله يستعفى من حضور سِماط ابْن هُبَيرة، ويسمون السماط: الطَّبَق، لِما كان يناله من تألمه بقعود بعض الأعيان فوقه، فقال:
يا باذلَ المال فِي عَدمٍ وفي سَعَة ... ومُطْعمَ الزاد فِي صُبْحِ وفيِ غَسَقِ
فِي كل بيت خِوانٌ من فَوَاضله ... يَمِيرُهُم وَهْوَ يدعوهم إلى الطبَقِ
فاض النوال، فلولا خوفُ مفعمة ... من بأس عدلك نادى الناسُ بالغرقِ
فكل أرض بها صوب وساكبة ... حتى الوَغَى من نجيع الخيل والعَرَقِ
صُنْ مَنكِبي عن زِحامٍ إنْ غضبتُ لَهُ ... تمكَّنَ الطَّعْنُ من عقلي ومن خُلُقي
وإن رضيتُ به فالذُلُ منقصة ... وكم تكلّفته حملا فلم أطقِ
وإنْ تَوَهَّم قومٌ أنه حُمُقُ ... فربما اشتبه التوقير بالحمق
وقد مدح الخلفاء والوزراءَ، واكتسب بالشُعْر.
وكان لَا يخاطب أحدًا إلَّا بالكلام العربي، ويلبس زي العرب، ويتقلد سيفًا. فعمل فِيهِ أَبُو القاسم بْن الفضل:
كم تَبَادَى وكم تُطَولُ طرطو ... رك ما فيك شَعْرهٌ من تميم
فَكُلِ الضَّبَّ واقرط الحنظل اليا ... بس واشرب ما شئت بَوْل الظليم
ليس ذا وجه من يضيف ولا يق ... ري وَلَا يدفع الأذى عَن حريم [ص:538]
فعمل أَبُو الفوارس لما بلغته الأبيات:
لا تضع من عظيم قدر وإن كن ... ت مشارًا إليه بالتعظيم
فالشريف الكريم يصغر قدرًا ... بالتعدي على الشريف الكريم
ولع الخمر بالعقول رمى الخم ... ر بتنجيسها وبالتحريم
رواها عَنْهُ القاضي بهاء الدين بْن شداد سماعًا.
وقد رَوَى عَنْهُ مُحَمَّد بن أبي البدر ابن المَني، وغيره. وتُوُفي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي سادس شعبان.(12/536)
111 - سعد اللَّه بْن نجا بْن مُحَمَّد بن فهد، أبو صالح ابن الوادي الدلال فِي الدُّور. [المتوفى: 574 هـ]
سمع الكثير من زاهر، وهبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه الشُرُوطي، وأبي غالب ابن البناء، وهبة الله ابن الطبر، وطبقتهم. وبورك لَهُ فِي مسموعاته، وروى الكثير، وسمع منه خلْق.
قال ابْن الدبيثي: كان ثقة، مضى على الصحة، وأجاز لي مَرْوِياته.
قلت: رَوَى عَنْهُ ابْن قُدَامة، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وجماعة من البغداديين. وتُوُفي فِي ذي الحجة.(12/538)
112 - شُهْدَة بنتُ أَبِي نصر أَحْمَد بْن الفَرَج بْن عُمَر الدَينَوَري، ثم البغدادي، الإبرِي، الكاتبة، فخر النساء، [المتوفى: 574 هـ]
مُسْنِدة العراق.
قال ابْن الدبيثي: امْرَأَة جليلة صالحة، ذات دِين، وورع، وعبادة. سمعَت الكثير وعُمرت، وصارت أسند أهل زمانها، وعُني بها أبوها. وسمعت من طِراد بْن مُحَمَّد الزَّيْنَبي، وابن طلحة النعالي، وأبي الْحَسَن بن أيوب، وأبي الخطّاب ابن البطِر، وأحمد بْن عَبْد القادر بْن يوسف، والحسن بْن أَحْمَد بْن سلمان الدقاق، وثابت بْن بُنْدار، وأخيه أَبِي ياسر أَحْمَد، وعبد الواحد بْن علوان الشَّيْبَانيّ، وجعفر السراج، وأبي منصور مُحَمَّد بْن هريسة، ومنصور بْن [ص:539] حيد النيسابوري، وأبي البركات محمد بْن عَبْد اللَّه الوكيل، وأبي غالب الباقِلاني، وجماعة.
روى عَنْهَا الحفاظ الكبار أَبُو القاسم ابن عساكر، وأبو سعد السمعاني، وأبو مُحَمَّد عَبْد الغني، وعبد القادر الرهاوي، وعبد العزيز ابن الأخضر، وأبو الفرج ابن الْجَوْزي، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، والعماد إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الواحد، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والشهاب بْن راجح، والقاضي أَبُو صالح الْجِيلي، والناصح ابْن الحنبلي، والفخر الإربلي، وعبد الرزاق بْن سُكَيْنَة، وشيخ الشيوخ أَبُو مُحَمَّد بْن حَمُوَيْه، والأعز ابْن العُليق، وإبراهيم بْن الخير، وأبو الحسن ابن الْجُمَّيْزي، وأبو القاسم بْن قميرة، ومحمد بْن مقبل ابن المَني، وخلق كثير.
وكانت تكتب خطًا مليحًا.
قال أبو الفرج ابن الْجَوْزي: قرأت عليها كثيرًا من حديثها. وكان لها خطٌ حَسَن. وتزوَّجت ببعض وُكَلاء الخليفة، وعاشت مخالِطة للدار ولأهل العلم. وكان لها بِر وخير. وقرِئ عليها الحديث سِنين، وعُمرت حتى قاربت المائة. وتُوفيت ليلة الإثنين رابع عشر المحرم، وصُلِّيَ عليها بجامع القصر، وأزِيل شباك المقصورة لأجْلها، وحَضَرها خلْقٌ كثير وعامة العُلماء.
وقال الشَّيْخ المُوَفق، وقد سُئل عَنْهَا انتهى إليها إسناد بغداد، وعُمرتْ حتى ألحقت الصغار بالكِبار. وكان لها دار واسعة، وقل ما كانت تَردُّ أحدًا يريد السماع. وكانت تكتب خطًا جيدًا، لكنه تغير لكِبَرِها.
وقال أَبُو سعد السمعاني فِي " الذيل " وذكرها، فقال: امْرَأَة من أولاد المحدثين، متميزة فصيحة، حَسَنَة الخط، تكتب على طريقة الكاتبة بِنْت الأقرع. وما كان ببغداد فِي زمانها من يكتب مثل خطها. وكانت مختصة بأمير المؤمنين المقتفي. سَمَّعها أبوها الكثير، وعُمرت حتى حدثت. قرأتُ عليها " جزء الحفّار ".(12/538)
113 - صالح بْن عَبْد الملك بْن سَعِيد، أَبُو الْحَسَن الأوسي، المالِقي. [المتوفى: 574 هـ][ص:540]
أخذ القراءات عَن أَبِيهِ، وأبي المطرف بْن زيد الورّاق، ومنصور ابن الخير. وروى عن أبي بحر الأسدي، وأبي القاسم بْن رشد، وغالب بْن عطية، وشُرَيْح، وخلْق سواهم. وكان من أهل العِلم والزُّهد. وكان يشارك فِي الأصول.
قال الأبار: لم يكن بالضابط. أخذ عَنْهُ أَبُو بَكْر بْن أَبِي زَمَنِين، وأبو الصبر السبتي، وابن عَيْشُون وأجاز لَهُ فِي صَفَر من هذه السنة.
ولا نعلم وفاته.(12/539)
114 - ظفر بْن مُحَمَّد بْن مَسْعُود بْن السدنك، أَبُو الفتح الحريمي. [المتوفى: 574 هـ]
سمع أبا الحسن العلاف، وأبا علي بْن نبهان، وغيرهما. سمع منه أَبُو سعد السمعاني، وذكره فِي " الذيل ". وروى عَنْهُ أحمد بن منصور الكازروني، وغيره، وابن الأخضر، وأبو المعالي بْن شافع. وتوفي في رمضان.(12/540)
115 - عَبْد اللَّه بْن الخَضِر بْن الْحُسَيْن، الفقيه أبو البركات ابن الشيرجي، المَوْصِلي، الشافعي، [المتوفى: 574 هـ]
أحد الأئمة.
انتفع به جماعة، وحصَّلَ المذهب وناظر. وسمع أَبَا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وأبا منصور الشَّيْبَانيّ، وجماعة. روى عَنْهُ غير واحدٍ بالمَوْصِل، منهم: مُحَمَّد بْن علوان الفقيه، والقاضي بهاء الدين ابن شداد.
وكان زاهدًا إمامًا، متقشفًا.(12/540)
116 - عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر، أَبُو رشيد الأصبهاني. [المتوفى: 574 هـ]
سمع الرئيس أَبَا عَبْد اللَّه الثقفي، وأحمد بْن عَبْد الغفار بْن أشْتَة، وهو آخر من رَوَى عَنْهُمَا بإصبهان. وتُوُفي فِي ربيع الآخر عَن نيفٍ وتسعين سنة.
روى عَنْهُ طائفة بإصبهان. وبالإجازة ابْن اللتي، وكريمة.(12/540)
117 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَلِيِّ بْن خَلَف، أَبُو مُحَمَّد الشاطبي. [المتوفى: 574 هـ]
أخَذَ القراءات عن أَبِيهِ. وسَمِعَ من أَبِي الوليد ابن الدبّاغ، وأبي إسحاق [ص:541] ابن جماعة، وأبي بَكْر بْن أسد وتفقهَ به. وأخذ الأدب عَن جماعة. وعاش ستين سنة؛ ذكره الأبَّار.(12/540)
118 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عيسى، أبو محمد ابن المالقي، الْأَنْصَارِيّ، [المتوفى: 574 هـ]
نزيل مَراكُش.
أخذ عن أَبِي الحكم بْن برجان، واختلَف إليه. وبَرَعَ فِي عِلمه. وكان فقيهًا، نظارا، خطيبًا، مفوهًا متيقظًا. وكان ذا دنيا واسعة وجاه.(12/541)
119 - عَبْد الرحيم بْن عَبْد الخالق بْن أَحْمَد بْن عَبْد القادر بْن مُحَمَّد بْن يوسف، أَبُو نصر ابن الحافظ أَبِي الفَرَج، [المتوفى: 574 هـ]
أخو أَبِي الْحُسَيْن عَبْد الحق البغدادي.
من بيت حديثٍ وصلاح. حدث عن أبي القاسم بن بيان، وابن نبهان، وأبي الْحَسَن مُحَمَّد بْن مرزوق، وأبي طَالِب بْن يوسف.
قال أَبُو المحاسن عُمَر بْن علي القرشي: كتبت عَنْهُ، وكان خياطًا، خيرًا، ذا مروءة تامة. ولد سنة خمس وخمسمائة، وتوفي بمكة.
قلت: حدث ببغداد ودمشق؛ روى عَنْهُ ابْن الأخضر، والشيخ موفق الدين، والبهاء عبد الرحمن، وعبد الحق الفيالي، والشمس أَحْمَد بْن عَبْد الواحد، وكتائب بْن مهدي، وآخرون آخرهم عَبْد الحق بْن خَلَف.(12/541)
120 - عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن خَلَف بْن عياش، أَبُو مروان الْأَنْصَارِيّ، القُرْطُبي، [المتوفى: 574 هـ]
نزيل مالقة.
سمع " الموطأ " من أَبِي مُحَمَّد بْن عتّاب سنة اثنتي عشرة وخمسمائة. وكان رجلًا صالحًا. حدث عَنْهُ أَبُو الْعَبَّاس بْن الجنان المالقي.(12/541)
121 - علي بْن عيسى بْن هبة الله، الشيخ مهذّب الدين ابن النقاش البغدادي، الطبيب، الأديب، [المتوفى: 574 هـ]
صاحب أمين الدولة ابْن التلميذ.
سمع من ابْن الحُصَيْن، وحدث. وكان بزازًا، وكان أَبُوهُ أديبًا. تُوُفي سنة [ص:542] أربع وأربعين، وهو من شيوخ ابْن السمعاني.
قدِم المهذب دمشق وطب بها، ورأس واشتغل وأشغَلَ، واشتهر ذِكره. وخدم نور الدين بالطب والإنشاء، وخدم فِي زمانه فِي مارستانه. ثم طَب صلاح الدين. وتُوُفي فِي المحرم بدمشق.(12/541)
122 - علي بن محمد بن علي، الأصبهاني، الوزير، جلال الدين ابْن الوزير جمال الدين الجواد، [المتوفى: 574 هـ]
وزير صاحب المَوْصِل.
وَزَرَ هذا للملك سيف الدين غازي بْن مودود فِي سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، فظهرت منه فضيلة وخبرة بالديوان، وَلَهُ خمسٌ وعشرون سنة. ثم قُبض عَلَيْهِ بعد سنتين فشفع فِيهِ حُمْوُه كمال الدين وزير صاحب آمِد، فأطلِق لَهُ، فسار إلى آمِد مريضًا، وتعلل ثم مات بدنيسر سنة أربعٍ وسبعين، ثم حُمِل إلى المدينة النبوية، فدُفِن عند والده رحمهما اللَّه تعالي.(12/542)
123 - علي بْن مَهْدي بن علي بن قلنبا، أبو القاسم اللخمي، الفقيه الإسكندري. [المتوفى: 574 هـ]
وبنو قلنبا من أقدم بيت فِي الْإِسْلَام. يقال: إنْ أسلافهم حضروا فتح الإسكندرية.
ذكر هذا الحافظ ابْن المفضَّل، وقال: كان ثقة، وَلَهُ أدبٌ وشِعر. حَدَّثَنَا عَن أَبِي عَبْد اللَّه الرازي، وأبي بَكْر الطرْطُوشيّ، وأبي الْحَسَن التونسي.
قلت: وإليه ينسب " جزء ابن قلنبا " الَّذِي للسَّلَفي.(12/542)
124 - علي بْن خَلَف بْن العريف، أبو القاسم الإسكندراني. [المتوفى: 574 هـ]
قال ابن المفضّل: توفي في صفر، وحدثنا عَن أَبِي عَبْد اللَّه الرازي.(12/542)
125 - عُمَر بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الخَضِر بْن مسافر، أَبُو الخطاب العُلَيْمي، ثم الدمشقي، التاجر، ويُعرف بابن حوائج كاش. [المتوفى: 574 هـ]
سافر للتجارة إلى مِصْر، والعراقيْن، وخُراسان، وما وراء النهر. وكان يطلب الحديث ويسمع ويكتب حتى أكْثَرَ من ذلك. سمع نصر اللَّه بْن مُحَمَّد المصُيصي، ونصر بْن أَحْمَد بْن مقاتل، وناصر بْن عَبْد الرَّحْمَن النجار، وأبا القاسم بْن البن بدمشق، والشريف ناصر بن إسماعيل الحسيني الخطيب، وعبد اللَّه بْن [ص:543] رفاعة بمصر؛ والسلَفي بالثغْر؛ والحسين بْن خميس بالموصل، ونصر بْن المظفر الشخص بهَمَذَان؛ وأبا الأسعد هبة الرحمن ابن القشيري، وأبا البركات عبد الله ابن الفراوي، وعمر بْن أَحْمَد الصفار، وعبد الخالق بْن زاهر بَنيْسابور، وهبة اللَّه الدقاق، ومحمد بْن عَبْد اللَّه الحراني، وابن البطي ببغداد. وبالَغَ حتى سمع مِن أقرانه ومَن دونهم. وكان يفهم ويدري.
قال ابْن النجار: كان صدوقًا محمود السيرة، روى اليسير ببغداد، ودمشق. حدثنا عَنْهُ ابْن الأخضر وأثنى عَلَيْهِ، وسمع منه شيخه أَبُو سعد السمعاني.
وروى عَنْهُ زين الأمَناء وقال: سمعته يقول: مولدي سنة عشرين وخمسمائة. قال: وتُوُفي بدمشق فِي شوال. وكان فاضلًا، حسن الأخلاق، طيب المعاشرة.(12/542)
126 - فتح بن محمد بن فتح، أبو نصر الإشبيلي، الْأَنْصَارِيّ. [المتوفى: 574 هـ]
أخذ القراءات عَن منصور بْن الخيّر، وأبي العباس ابن القصبي، وأبي الأصبَغ عيسى بْن حزْم، وغيرهم. وتصدَّر بقُرْطُبة مدة، ثم أقرأ بشِلْب، ثم تحول إلى فاس، فأخذ عنه أبو القاسم ابن الملجوم، ومفرج الضرير، وعبد الجليل بْن مُوسَى، وعقيل بْن عطية.
تُوُفي فِي شهر رجب.(12/543)
127 - كرم بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن قنية الدارقزي. [المتوفى: 574 هـ]
سمع الكثير بنفسه من أَبِي غالب ابن البنّاء، وأبي المواهب بن ملوك، والقاضي أبي بكر، وطائفة. وروى عَنْهُ صفية بِنْت عَبْد الجبار. وأضرّ بأخرة.(12/543)
128 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَنْصَارِيّ، الإشبيلي أَبُو عَبْد اللَّه ابْن المجاهد الزاهد. [المتوفى: 574 هـ]
وقيل لأبيه المجاهد لأنه كان كثير الغزو.
ولد أَبُو عَبْد اللَّه في سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة، وقد سمع من أَبِي مروان الباجي؛ ولازمَ أبا بكر ابن العربي. وأخذ النحو عن أبي الحسن ابن الأخضر.
قال الأبار: كان المشار إليه فِي وقته بالصلاح والورع والعبادة وإجابة الدعاء. كان أحد أولياء الله الذين تذكّر به رؤيتهم. آثاره مشهورة وكراماته معروفة رضى اللَّه عنه، مع الحظ الوافر من الفِقه والقراءات. وعُمر وأسَنْ. وأخذ عَنْهُ أَبُو بَكْر بْن خير، وأبو عمران الميرتلي وهو الَّذِي سلك طريقته من بعده، وأبو عَبْد اللَّه بْن قسوم الفهمي، وأبو الخطاب بْن الجميل. وتُوُفي فِي شوال.
وكان قد انقطع من مجلس أبي بكر ابن العربي، فقيل لَهُ فِي ذلك، فقال: كان يدرس وبغلته عند الباب ينتظر الركوب إلى السلطان.(12/544)
129 - مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد، أَبُو عَبْد الرَّحْمَن القيْسي، المُرْسي، الفقيه. [المتوفى: 574 هـ]
أخذ بقرطبة عن أبي مروان بن مسرة وطبقته. ثم أقبل على مطالعة كُتُب الأوائل، فصار إمامًا فِيهَا، وَاللَّه أعلم بما يعتقده منها. تُوُفي بمراكُش.(12/544)
130 - مُحَمَّد بْن علي بْن أَحْمَد بْن واصل، أَبُو المظفر ابْن الموازيني، الْمَصْرِيّ، ثم البغدادي [المتوفى: 574 هـ]
سِبْط ابْن الأخوة.
روى عَن ابْن بيان الرزاز. وعنه ابْن الأخضر وابن الحُصْري.(12/544)
131 - مُحَمَّد بْن نسيم بْن عَبْد اللَّه العَيْشوني، أَبُو عَبْد اللَّه، [المتوفى: 574 هـ]
كان نسيم مولى أَبِي الفضل بْن عَيْشُون. [ص:545]
سمع محمد من أبي الحسن ابن العلاف، وأبي القاسم بْن بيان. روى عَنْهُ ابْن الأخضر، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والمأمون بْن أَحْمَد الرشيدي، وعبد القادر الرهاوي، والحسين بْن باز الموصلي، وأبو الحسن علي ابن الْجُميزي، وآخرون.
ومات شهيدًا، فإنه وقع من سُلم بيته فمات لوقته فِي جُمادى الآخرة.(12/544)
132 - مُحَمَّد بْن هبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه، السدِيد، السلَمَاسي، الفقيه الشافعي. [المتوفى: 574 هـ]
قال ابْن خَلكان: هو الذي شهر طريقة الشريف بالعراق، قصده الناس واشتغلوا عَلَيْهِ، وخرج من تلامذته علماء ومدرسون منهم العماد مُحَمَّد والكمال مُوسَى ابنا يونس، والشرف مُحَمَّد بْن علوان بْن مهاجر. وكان مسددًا فِي الفتوى. أعاد ببغداد بالنظامية، وأتقن عدة فنون. وتُوُفي فِي شعبان.(12/545)
133 - المبارك بْن مُحَمَّد بْن مكارم بْن سكينة، أَبُو المظفر. [المتوفى: 574 هـ]
بغدادي محتشم، روى عَن أَبِي القاسم بْن بيان. وعنه ابْن الأخضر.
تُوُفي فِي رجب بأرض السواد.
ذمّه ابن النجار بأكل الربا.(12/545)
134 - المشرف بن علي بن مشرف بن المسلم، أبو الفضل الأنماطي. [المتوفى: 574 هـ]
توفي بالإسكندرية، ومولده سنة ست وخمسمائة. قاله ابن المفضّل الحافظ.
*المهذّب ابن النقاش الطبيب.
هو علي بن عيسى البغدادي، مرّ.(12/545)
135 - نفيس بن دينار الرزّاز. [المتوفى: 574 هـ][ص:546]
روى عَن ابْن الحُصَيْن. وعنه تميم البَنْدَنِيجي.(12/545)
136 - ياقوت النقاش. [المتوفى: 574 هـ]
عن ابْن الحُصَيْن. وعنه ابْن الأخضر، وجماعة.(12/546)
-وَفِيهَا وُلِد:
الصدر البكري، وإبراهيم بْن نجيب بْن بشارة بالقاهرة، والحسن بْن علي بن منتصر الكتبي، وأحمد بن حامد بن أحمد الأرتاحي.(12/546)
-سنة خمس وسبعين وخمسمائة(12/547)
137 - أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَسَن، أَبُو بَكْر الفارسي. شيخ رباط الزَّوْزَني ببغداد. [المتوفى: 575 هـ]
قال ابْن الدبيثي: كان كثير العبادة دائم الصوم والصلاة والتلاوة، وهو أصغر من أخيه الْحَسَن. وقد سمع هبة اللَّه بْن الطبر، وأبا بكر الأنصاري، وابن زريق الشَّيْبَانيّ، وغيرهم. سمع منه مُحَمَّد بْن سعد الله الدجاجي، ومحمد بن علي ابن الرأس. تُوُفي كهلًا فِي ذي القعدة.(12/547)
138 - أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن سلمان بْن حمزة بْن الخضِر السلمي، الدمشقي، أَبُو الْحُسَيْن. [المتوفى: 575 هـ]
سمع عم أبيه عَبْد الكريم بْن حمزة. روى عَنْهُ أَبُو المواهب، وأبو القاسم ابنا صَصْرَى. وتُوُفي فِي ذي القعدة وقد جاوز السبعين.(12/547)
139 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن ابْن الدينورِي، أَبُو الْعَبَّاس البغدادي [المتوفى: 575 هـ]
شَيْخ مُقِلّ. سمع أبا علي ابن المهدي، وابن الحُصَيْن. وعنه أَبُو المحاسن القُرَشي، وابنه عَبْد اللَّه بْن عُمَر.
تُوُفي فِي رَمَضَان.(12/547)
140 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن، أَبُو الْعَبَّاس اليافعي، السبتي. [المتوفى: 575 هـ]
روى عَن شُرَيْح، والقاضي عِياض. وعنه أَبُو الخطاب بْن دحية، وغيره.(12/547)
141 - أَحْمَد بْن مَسْعُود بْن عَبْد الواحد بْن مطر، أَبُو الْعَبَّاس الهاشمي، البغدادي. [المتوفى: 575 هـ]
سمع أبا الغنائم النرسي، وأبا الحسن بن مُحَمَّد بْن مرزوق.
سَمِعَ مِنْهُ: [ص:548] ابناه، وعمر بْن علي، وغير واحد. وَرَوَى عَنْهُ: الشَّيْخ موفق الدين، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وآخرون.
تُوُفي فِي شعبان وَلَهُ ثمان وسبعون سنة.(12/547)
142 - أَحْمَد بْن أَبِي الوفاء بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الصمَد، أَبُو الفتح، البغدادي، الحنبلي، ابْن الصائغ. ويُعرف بغلام أَبِي الخطاب [المتوفى: 575 هـ]
لخدمته لَهُ.
روى عَن أَبِي القاسم بْن بيان. وحدّث بحلب، وحرّان. روى عَنْهُ الحافظ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الغني، والحافظ يوسف بن أحمد الشيرازي، وأبو القاسم بن صصرى، وإبراهيم بن أبي الحسن الزيّات، وأخواه محمد وبركات، وعلي بن سلامة الخياط، وعمار بن عبد المنعم بن منيع، وعبد الحق بن خلف، وسليمان بن أحمد المقدسي الفقيه، وابنه عبد الرزاق بن أحمد.
وتوفي بحرّان.
قال ابن النجار: درّس بحرّان وأفتى. مولده سنة تسعين وأربعمائة، وتوفي سنة ستّ. كذا قال في موته.(12/548)
143 - إبراهيم بْن علي، أَبُو إِسْحَاق السلمي، الأمِدي، ظهير الدين ابْن الفراء. [المتوفى: 575 هـ]
قرأ ببعض الروايات على أَبِي عَبْد اللَّه البارع. وسمع من ابْن الحُصَيْن، والفراوي. وتفقه على أسعد الميهَني. وعلقَ الخلاف بنَيْسابور عَن الْإِمَام مُحَمَّد بْن يحيى. وحدّث " بصحيح مسلم ". ومولده سنة إحدى وخمسمائة. وكان فقيهًا، مَهِيبًا، عارفًا بمذهب الشافعي.
ومن شِعره:
تَحَامَتْهُ غزْلان الحِمَى ومها النَّقا ... كما تَتَحَامى العَيْنُ سهْمًا مُفَوقا
وبات يُرَجى من مزار مزور ... وِصالًا مُحالًا واعتِذارًا منمقا
وكم جمعت بين الشتيتين غفوةٌ ... فما التَقَتِ الأجفانُ حتى تفرّقا(12/548)
144 - إِبْرَاهِيم بْن علي بْن مواهب، أَبُو إِسْحَاق ابْن الزراد الأزجي. [المتوفى: 575 هـ]
سمع أَبَا الغنائم مُحَمَّد بْن علي النرسي، وابن الحُصَيْن. روى عَنْهُ أَبُو سعد السمعاني وهو أقدم منه، وأبو الْحَسَن القطيعي فِي " تاريخه ".
تُوُفي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تاسِع رجب.(12/549)
145 - إِسْحَاق بْن مَوْهُوب بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الخضِر، أَبُو طاهر بن أبي منصور ابن الجواليقي. [المتوفى: 575 هـ]
سمع زاهر بْن طاهر، وابن الحُصَيْن، وجماعة. ووُلِد سنة سبْع عشرة.(12/549)
146 - إِسْمَاعِيل بْن موهوب ابن الجواليقي، أَبُو مُحَمَّد. [المتوفى: 575 هـ]
تُوُفي فِي شوال بعد أخيه إِسْحَاق بشهرين. وكان إِسْمَاعِيل أديبًا لغَويًا.
قرأ على والده. وسمع من ابْن الحُصَيْن، وأبي العز بْن كادش. وأقرأ الناس العربية بعد أَبِيهِ. وروى عَنْهُ ابْن الأخضر، وغيره. وولد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.
قال ابْن النجار: كان من أعيان العلماء بالأدب، صحيح النقل، كثير المحفوظ، ثقة، نبيلًا، مليح الخط. تأدبَ على أَبِيهِ، وَلَهُ حَلْقة بجامع القصر. وقد كتب أولاد الخلفاء كأبيه، مع النزاهة والديانة والرزانة.
قال ابْن الْجَوزي: ما رأينا ولدًا أشبه أباه مثل إسماعيل ابن الجواليقي.(12/549)
147 - إِسْمَاعِيل بْن أَبِي القاسم نصر بْن نصر، العُكبَريّ، أَبُو مُحَمَّد الواعظ. [المتوفى: 575 هـ]
سمع أَبَا طالب بن يوسف، وأبا سعد أحمد ابن الطيوري. وتوفّي في شوّال، وولد سنة خمسمائة. [ص:550]
قال ابْن النجار: كان فقيهًا شافعيًا، حَسَن الوعظ.(12/549)
148 - اليسَع بْن عيسى بْن حَزْم بْن عَبْد اللَّه بْن اليَسَع، أَبُو يحيى الغافقي، الجياني، المقرئ. [المتوفى: 575 هـ]
سكن أَبُوهُ المَريّة. أخذ القراءات عن أبيه، وأبي العبّاس القصبي، وأبي القاسم بْن أَبِي رجاء، وأبي الْحَسَن شُريح. وسمع منهم، ومن أَبِي عَبْد اللَّه بْن زُغيبة، وابن موهَب الجذامي، وأبي الفضل بن شرّف، وابن أخت غانم. ولقى بِبَلَنْسيَة: أَبَا حفص بْن واجب، وأبا إِسْحَاق بْن خَفَاجة الشاعر. وأجاز له أبو محمد بن عتاب، وأبو عمران بْن أبي تليد، وجماعة.
ورحل واستوطن الإسكندرية، وأقرأ بها القراءات. ثم رحل إلى القاهرة واشتمل عَلَيْهِ الملك صلاح الدين، وَرَسَم لَهُ جاريًا يقوم به. وكان يُكْرمه ويحترمه ويقبل شفاعته. وكان مِن أول من خطب بالدعوة العباسية.
وكان فقيهًا، مشاوَرًا، مُقْرئًا، محدثًا، حافظًا، نسابة، بديع الخط، بليغ الإنشاء، رائق النظم. وَلَهُ تصنيف سماه " المُغرب فِي محاسن المغرب ". وقيل: هُوَ متهم فِي هذا التصنيف.
روى عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه التُجيبيّ، والحافظ أَبُو الْحَسَن بن المفضّل، وأبو القاسم ابن الصفراوي، وآخرون. وقرأ عَلَيْهِ بالروايات ابْن الصفراوي، وغيره.
وتُوُفي فِي رجب وقد جاوز السبعين.(12/550)
149 - تجَني أم عِتب الوَهْبانية، عتيقة أَبِي المكارم بْن وَهبان. [المتوفى: 575 هـ]
شيخة مُسْنِدة معمرة. وهي مِن آخر من سمع فِي الدنيا من طِراد الزَّينبيّ، وابن طلْحة النعَالي. روى عَنْهَا أَبُو سعد السمعاني، والشيخ الموفق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والناصح بْن نجم الحنبلي، وعبد الرحيم بْن عُمَر بْن علي القرشيّ، وعمر بن عبد العزيز ابن الناقد، وعبد السلام بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن سكينة، وأبو الفتوح نصر ابن الحُصري، وهبة اللَّه بْن الْحَسَن الدوامي، وسيدة بنت عبد الرحيم ابن السهْروَرْدي، ومحمد بْن عَبْد الكريم السيدي، وزُهرة بنت [ص:551] حاضر، وفخر النساء بِنْت الوزير مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه ابْن رئيس الرؤساء، ويوسف بْن يحيى البزّاز، وأبو البدر بن منصور بْن عَبْد اللَّه بْن عفيجة، وإبراهيم بْن الخير، ويحيى بْن القُميرة، وآخرون.
قال ابْن الدبيثي: أجازت لنا، وتُوُفيت فِي شوال.(12/550)
150 - الحجاج بْن علي بْن حَجاج، أَبُو القاسم ابن الدبيثي، الواسطي. [المتوفى: 575 هـ]
قال ابْن الدبيثي: هُوَ جدي لأمي. سمع بواسط من القاضي الجلابي. وسمع ببغداد من أَبِي السعادات أَحْمَد بْن أَحْمَد، وابن الحصين. سألته عن مولده فقال: سنة خمس وخمسمائة يوم عاشوراء وتُوفي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَفَر. سمعته يتمثل بشِعر.(12/551)
151 - الْحَسَن المستضِيء بأمر اللَّه، أمير المؤمنين أبو محمد ابن المستنجد بالله يوسف ابن المقتفي محمد ابن المستظهر أحمد ابن المقتدي الهاشمي العباسي. [المتوفى: 575 هـ]
بويع بالخلافة بعد موت أبيه فِي ربيع الآخر سنة ست وستين وخمسمائة. وكان القائم بأخذ البيعة لَهُ الوزير عَضُد الدين أَبُو الفَرَج مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه ابْن رئيس الرؤساء واستوزره يومئذٍ.
وُلِد المستضيء في سنة ست وثلاثين وخمسمائة، وكان ذا حُلُم وأناة، وفيه رَأفة. وكان كثير الصدَقة والمعروف. وأمه أرمنية تُدْعى غضة، وكان لَهُ من الولد أَحْمَد، وهو الْإِمَام الناصر، وهاشم أَبُو منصور.
قال ابْن الْجَوْزي فِي " المنتظم ": بايعة الناس ونودي برفع المكوس، ورد مظالم كثيرة، وأظهر من العدل والكرم ما لم نره فِي أعمارنا. وفَرق مالًا عظيمًا على الهاشميين، والعلويين، والعُلماء، والمدارس، والرُبط. وكان دائم البَذْل للمال ليس لَهُ عنده وقْع. ولما استخلف خلع على أرباب الدولة وغيرهم، فحكى خياط المخزن أنه فصل ألفًا وثلاثمائة قباء أبريسم. وخُطب لَهُ على [ص:552] منابر بغداد، ونُثرت لَهُ الدنانير كما جَرَت العادة. ووُلّى رَوح ابن الحديثي قضاء القضاة، ثم أمر سبعة عشر مملوكًا.
وللحَيْص بَيص فِيهِ:
يا إمامُ الهُدَى علوتَ عن الجو ... د بمالٍ وفضّةٍ ونضارٍ
فوهبتُ الأعمارَ والأمن والبل ... دان فِي ساعةٍ مَضَتْ من نَهَارِ
فبماذا نُثْني عليك وقد جا ... وزت فضلَ البُحُورِ والأمطارِ
إنما أنت مُعجِزٌ مستقلٌّ ... خارقٌ للعقول والأفكار
جمعَت نفسُك الشريفة بالبأ ... س وبالجود بين ماءٍ ونارِ
قال ابْن الجوزي: واحتجبِ المستضيء عن أكثر الناس، فلم يركب إلا مع الخدم، ولم يدخل عَلَيْهِ غير قَيماز.
وفي خلافته انقضت دولة بني عُبَيد المصريين، وخُطب لَهُ بمصر، وضُربت السكة باسمه، وجاء البشير بذلك إلى بغداد، فغُلقت الأسواق ببغداد وعُملت القباب. وصنّفتُ كتابًا سميته " النصر على مِصْر " وعرضته على الْإِمَام المستضيء. تُوُفي فِي شوال.
قلت: رُزق سعادة عظيمة فِي خلافته، وخُطِب له باليمن، وبرقة، وتَوزر، ومصر إلى أسوان. ودانت الملوك بطاعته. وكان يطلب ابْن الجوزي، ويأمر بعقد مجلس الوعظ، ويجلس بحيث يُسمَع، ويميل إلى الحنابلة. وفي أيامه ضعُف الرفْض ببغداد ووهى، وأمِن الناس.
وقال ابن النجار: بويع المستضيء وله إحدى وعشرون سنة، وهذا وهم، قال: وكان حليمًا، رحيمًا، شفيقًا، لينًا، كريمًا. نقلت من خط أبي طالب بن عَبْد السميع أنه كان من الأئمة الموفقين كثير السخاء، حَسَن السيرة، إلى أن قَالَ: اتصل بي أنه وهب فِي يومٍ لجهاتٍ وحظايا زيادة على خمسين ألف دينار.
وقال عبد العزيز بن دلف: حدثنا مسعود بن النادر قَالَ: كنت أنادم المستضيء، وكان صاحب المخزن ابن العطّار قد عمل تور شمعة من ألف [ص:553] دينار. قال: فحضر وفيه الشمعة، فلما قمت قام الخادم بها بين يدي، فأطلق لي التور.
مات في سلخ شوّال.(12/551)
152 - سالم بْن علي بْن سلامة الدلال ابْن البيطار. [المتوفى: 575 هـ]
بغدادي، سمع بنفسه من القاضي أَبِي بكر الأنصاريّ، وعليّ ابن الصباغ، وجماعة. وحدث.(12/553)
153 - سَعِيد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مفضل، أَبُو القاسم الأزَجيّ. [المتوفى: 575 هـ]
سمع أبيا النرسي، ومحمد بْن عَبْد الباقي الدُّوريّ. وكان كاتبًا مذموم السيرة. سمع منه أبو محمد ابن الخشاب، والقدماء. وتوفّي في شعبان.(12/553)
154 - شافع بن صالح بن شافع بْن حاتم الجيلي ثم البغدادي، [المتوفى: 575 هـ]
أخو الحافظ أَحْمَد بْن صالح، وشافع الأكبر.
وكان من عدول بغداد. سمع أبا سعد ابن الطيُوري، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وهبة اللَّه الشُرُوطي. روى عَنْهُ إلياس بْن جامع الإربلي، وجماعة.
قال ابْن الدبيثي: أجاز لنا، وتُوُفي في آخر السنة.(12/553)
155 - الضحاك بْن أَبِي الفوارس مُحَمَّد بْن هبة اللَّه، أَبُو شجاع البواب. [المتوفى: 575 هـ]
أسمعه خاله علي بْن أبي سعد الخباز من أَبِي نصر بْن رضوان، وهبة الله ابن الحصين. روى عنه غير واحد.(12/553)
156 - عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن بكران، أَبُو مُحَمَّد الداهري الضرير المقرئ، [المتوفى: 575 هـ]
والد عَبْد السلام الخفاف. والداهرية من قُرى السواد.
قرأ على سبط الخيّاط. وسمع من أبي غالب ابن البنّاء. وتُوُفي راجعًا من الحج.(12/553)
157 - عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن علي بْن قُرَشي، أَبُو الوليد الحَجْري القُرطُبي. [المتوفى: 575 هـ]
سمع من أبي الوليد ابن الدباغ، وأبي الْحَسَن بْن النعمة، وجده لأمه أَبِي الْحَسَن بْن فيد. وصحِب أَبَا بَكْر عتيق ابن الخصم وتأدّب به، وبأبي الْحَسَن بْن سعد الخير. ومَهَرَ فِي صناعة العربية واللُغة، وجلس لإقرائهما. وَلَهُ النظْم والنثْر؛ أخذ عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه بْن سعادة النحْوي، وغيره.(12/554)
158 - عَبْد الحق بْن عَبْد الخالق بْن أَحْمَد بْن عَبْد القادر بْن مُحَمَّد بْن يوسف، أَبُو الْحُسَيْن. [المتوفى: 575 هـ]
الشَّيْخ، الثقة، من بيت الحديث والفضل. وُلِد سنة أربع وتسعين وأربعمائة. وسمّعه أبوه الكثير من أبي الحسين ابن الطيوري، وجعفر السراج، وأبي القاسم الربعي، وأبي سعد بْن خُشَيْش، وأبي الْحَسَن العلاف، وابن بيان، وخلْق سواهم.
وكان أَبُو الفضل بْن شافع يقول: هُوَ أثبت أقرانه.
وقال عَبْد العزيز بْن الأخضر: كان عَبْد الحق لَا يحدث بما سمعه حُضُورًا، ترك ذلك تورعًا.
روى عَنْهُ ابْن السمعاني، وذكره فِي " تاريخه "، وأبو الفرج ابن الجوزي، وقال: كان حافظًا لكتاب اللَّه، دينًا، ثقة، سمع الكثير وحدث. وهو من بيت المحدثين.
وقال البهاء عَبْد الرَّحْمَن: سمعنا كثيرًا على عَبْد الحق، وكان من بيت الحديث فإنّه روى لنا عَن أَبِيهِ عَن أَبِيهِ عَن أَبِيهِ.
قال: وكان صالحًا فقيرًا، وكان عسِرًا فِي السَّماع جدًا. ورزُقت منه حظًّا، لأَنَّه كَانَ يراني مُنْكَسرًا مُواظبًا، وكان يُعيرني الأجزاءَ فأكتبها. وأُلهم فِي آخر عِمره القرآن، فكان يقرأ كُلَّ يوم عشرين جزءًا أو أكثر.
قلت: وَرَوَى عنه الحافظان عبد العزيز ابن الأخضر، وعبد القادر الرُهاوي، والشيخ موفق الدين، والحافظ عبد الغنيّ، والشّهاب ابن راجح، وحمد بن [ص:555] صدّيق الحرّانيّ، وأبو الحسن القطيعي، وعبد الرَّحْمَن بْن بخْتيار، وقَيصَر البواب، وإبراهيم ابن الخيّر، ويحيى ابن القميرة، وعليّ بن هبة الله ابن الجمّيزيّ، والأعز ابن العلّيق، ومحمد بن عبد الكريم السِيديّ، وخلق سواهم.
وقال ابْن مشِّق: تُوُفي فِي السادسِ والعشرين من جُمادى الأولى.(12/554)
159 - عَبْد المحسن بْن تُريك بْن عَبْد المحسن بْن تُرَيْك، أَبُو الفضل الأزَجيّ البيع. [المتوفى: 575 هـ]
سمع أَبَا الغنائم النرْسِي، وأبا القاسم بْن بيان، وأبا عَبْد اللَّه الدوري. سمع منه أَحْمَد وتميم أبنا أحمد البندنيجيّ، وعبد العزيز ابن الأخضر، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، ونصر بْن عَبْد الرزاق، وآخرون.
تُوُفي يوم عَرَفَة.(12/555)
160 - عُبَيْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن قُدَامة، [المتوفى: 575 هـ]
أخو الشَّيْخ أَبِي عُمَر، والشيخ الموفق.
وُلِد فِي أول سنة خمسين، وعاش خمسًا وعشرين سنة. ومات فِي طريق الحج. وقد سافر إلى بغداد، وسمع من شُهدة، وعبد الحق، وجماعة. وكان ذا مُروءة وكَرَم. رُمِيَ بسهمٍ بين مَكَّة وعَرَفات فبقي منه مريضًا حتى مات بين تَيْماء والمدينة.
قال الضياء: وسمعت أن ابنه الشرف كان طفلًا نائمًا، فانتبه فقال: الساعة يدفنون أَبِي، فَزَجَرَتْه أمه. فلما قدِم الحاج تبين أنهم دفنوه تلك الليلة. خلف من الولد: أَحْمَد، وسارة، وزينب.(12/555)
161 - عَلم زَوْجَة الشيخ مُحَمَّد بْن يحيى الزبيدي. [المتوفى: 575 هـ]
امْرَأَة زاهدة، صالحة، واعِظة. قدِمَت بغداد مع زوجها، وهي أم المبارك وجدة الْحُسَيْن. تزوج بها بدمشق، وعُمّرت دهرًا.(12/555)
162 - علي بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن حَسَن، أَبُو الْحَسَن العَلويّ الحسيني الزيدي البغدادي القُدْوَة السيد الفقيه الشافعي المحدث. [المتوفى: 575 هـ]
قال ابْن الدبيثي: أحد الأعيان والزهاد والنساك. حفظ القرآن وحصل الفقه، وكتب الكثير من الحديث وجمعه. وكان نبيلًا، جامعًا لِصفات الخير. سمعتُ شيخنا ابْن الأخضر يعظم شأنه ويُثني عَلَيْهِ ويصف زُهده ودينه. وقال: أوّل سماعه سنة سبع وأربعين وإلى آخر عمره. سمع الحافظ ابْن ناصر، وابن الزاغونيّ، ونصر ابن العُكْبَري. وانتخبَ لنفسه أجزاء، وحدث بها وسمع منه شيوخه وأقرانه تَبَركًا به، منهم عُمَر القُرَشي، وعمر العُليميّ، وأبو المواهب بْن صَصْرَى. وكان ثقة صدوقًا. وُلِد سنة تسعٍ وعشرين وخمسمائة، وتُوُفي فِي شوال وأبواه فِي الحياة، ودُفِنَ بداره. ووقف كتبه، وانتفع بها الناس.
وقيل: إن الوزير عضُد الدين ابْن رئيس الرؤساء لما عادَ إلى الوزارة بعث إليه بألف دينار، وكان نذَرها إن عاد إلى الوزارة، فلمّا سمع المستضيء بذلك بعث إلى الشريف بألف دينار أخرى، وبعثت إليه بنفشه أمّ الخليفة بألف دينار، فلم يتصرف فِيهَا بل بنى مسجدًا واشترى كُتُبًا كثيرة وقفها فِيهِ وانتفع بها الناس.(12/556)
163 - علي بْن حُميد بْن عمار، أبو الحسن الأنصاري الأطرابلسي ثم المكي النحوي المقرئ. [المتوفى: 575 هـ]
حدث فِي هذا العام " بصحيح الْبُخَارِيّ "، عَن أَبِي مكتوم عيسى بْن أَبِي ذَر الهَروي سماعًا، وهو آخر مَن سمع منه. روى عنه محمد بن عبد الرحمن التُجيبيّ الأندلسي، وعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي حرَميّ فُتُوح بْن بَنِين الْمَكِّيّ العطار، وناصر بْن عَبْد اللَّه الْمَصْرِيّ العطار نزيل مَكَّة ستين عامًا، وأبو الربيع سليمان بن أحمد السّعديّ المغربل الشارعيّ، وآخرون. حدّث فِي سنة خمسٍ وسبعين.(12/556)
164 - عَلِيّ بْن هبة اللَّه بْن علي بْن خلدون، أَبُو المعالي الواعظ. [المتوفى: 575 هـ]
وُلِد ببغداد، ونشأ بالكوفة، وحج، ودخل مِصْر فتعلم الوعْظ، ثم قدِم دمشقَ وسمع بها من أبي الحسين علي ابن المَوَازيني. وسكنها حتى مات.
روى عَنْهُ أَبُو المواهب بْن صَصْرَى وقال: تُوُفي فِي ربيع الآخر عَن ثلاثٍ وتسعين سنة ممتَّعًا بحواسه.
قلت: وَرَوَى عَنْهُ عتيق السلماني، ومكي بْن عِلان.(12/557)
165 - عُمَر بْن عَليّ بْن الخَضر بْن عَبْد اللَّه بْن علي، أبو المحاسن القرشي الزبيري الدمشقي القاضي الحافظ. [المتوفى: 575 هـ]
قال ابْن الدبيثي: حافظ، ثقة، عالم. عني بطلب الحديث وبسماعه، وكتابته. وسمع بدمشق، وحلب، وحَران، والمَوْصِل، وبغداد، والكوفة، والحجاز، ورزق الفهم في الحديث. سمع أَبَا الدُّر ياقوت، وأبا القاسم بْن البنّ، وأبا طالب عبد الرحمن ابن العجمي، وحامد بْن محمود الحراني. وقدِم بغدادَ في سنة ثلاث وخمسين، وسكنها. وسمع أَبَا الوقت، وأبا جعفر العباسي، وأَبَا المظفر ابن التريكي، وأبا محمد ابن المادح، فَمَن بعدهم. حتى سمع من أصحاب قاضي المَرِسْتان. وصحِب أَبَا النجيب السهروردي. وولاه قاضي القضاة روح ابن الحديثي قضاء الحريم. ونُفذَ رسولًا إلى نور الدين وما كان بلغ الثلاثين سنة. سمع منه أبو بكر الباقداري، وأحمد بن أحمد البندنيجي، وأبو الفتوح ابن الحصْري، وابنه أَبُو بَكْر عَبْد اللَّه بْن عُمَر. وأجاز لي. وُلِد بدمشق فِي شَعْبان سنة ست وعشرين. وتُوُفي فِي ذي الحجة.(12/557)
166 - عمر بن المبارك بن أحمد بن سهلان، أبو حفص النعالي. [المتوفى: 575 هـ]
سمع الحديث، وطلب بنفسه؛ سمع أبا علي ابن المهدي، وأبا العز بن كادش، وجماعة.
كتب عَنْهُ أَبُو سعد السمْعاني وذكره فِي " الذيل " فقال: كان صالحا صدوقا خيرا، قنوعا، كتب لي جزءا وحدثني به، وقال لي: ولدت سنة خمسمائة. [ص:558]
قلت: وعاش بعد أبي سعد دهرا، وحمل الناس عنه، وتوفي في ذي القعدة.(12/557)
167 - عيسى بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه، أَبُو هاشم الدُّوشابي، الهاشمي، العباسي، البغدادي، الهراس. [المتوفى: 575 هـ]
وهو منسوب إلى دوشاب بْن علي العباسي.
سمع من أَبِي عَبْد اللَّه الْحُسَيْن بن علي ابن البُسْري.
قال أَبُو سعد السمعاني: كان هراسًا، كتبتُ عَنْهُ حديثين.
قلت: وَرَوَى عَنْهُ البهاء عَبْد الرَّحْمَن، وأبو بَكْر عَبْد اللَّه بْن نصر قاضي حران، وحمد بْن صُدَيق، وابن المقيّر، وجماعة. وتوفي في رجب.(12/558)
168 - عيسى ابن الْإِمَام المسترشد بالله. [المتوفى: 575 هـ]
تُوُفي كهلًا فِي المحرم.(12/558)
169 - القاسم بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن دحمان، أَبُو مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ، المالقي، المقرئ. [المتوفى: 575 هـ]
قال الأبار: أخذ القراءات عن أبي منصور ابن الخير، وأبي عَبْد اللَّه ابْن أخت غانم، وأبي الحسين ابن الطراوة، وأبي الفتح سَعْدون المرادي أخذ عَنْهُ كُتُب النحو. وناظر فِي " المدونة " على: أَبِي محمد ابن الوحيدي، وأبي عبد الله ابن الأديب. وسمع منهما " صحيح الْبُخَارِيّ ". وأجاز لَهُ أَبُو بحر الأسَدي، وأبو عَبْد اللَّه بْن الحاج، وجماعة. وكان مقرِئًا جليلًا، نحويًا ماهرًا، عالمًا بالقراءات والعربية، متصدّرًا لإقرائها. حدث عَنْهُ جماعة من شيوخنا. وقد أخذ عَنْهُ أَبُو زيد السُهَيْلي مَعَ تقدمه، وأبو الْحَسَن بْن خروف. تُوُفي بمالقة وقد نيّف على الثمانين.(12/558)
170 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الفَرَج، أَبُو منصور الدقاق، البغدادي [المتوفى: 575 هـ]
الوكيل بباب القاضي. وهو أحد الإخوة الأربعة.
سمعه خاله الحافظ مُحَمَّد بْن ناصر من أحمد بن محمد ابن المحاملي، وعبد الله بن أحمد ابن السمرقندي، وأبي طَالِب اليُوسُفي، وأبي العز القلانِسي. وحدث عَنْهُمْ. وكان ثقة. روى عَنْهُ الحافظ أبو بكر الحازمي، وأبو محمد ابن الأخضر، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وطائفة سواهم.
وتُوُفي فِي ذي الحجة. وكان مولده فِي سنة أربع وخمسمائة. وأول سماعه سنة إحدى عشرة من ابْن يوسف.(12/559)
171 - مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن الْحَسَن بْن الخليل، أَبُو الفَرَج الأديب الهيتي. [المتوفى: 575 هـ]
سمع أَبَا القاسم بْن الطبر، وعبد الوهاب الأنماطي. وقرأ العربية على ابْن الشجري. كتب عَنْهُ ابْن السمعاني مع تقدمه. وتُوُفي فِي ربيع الآخر.(12/559)
172 - مُحَمَّد بْن خير بْن عُمَر بْن خليفة، المقرئ، الأستاذ، الحافظ، أَبُو بَكْر اللمتوني، الإشبيلي. [المتوفى: 575 هـ]
أخذ القراءات عَن شُريْح، وأختص به حتى برع وفاق. وسمع من أبي مروان الباجي، وأبي بكر ابن العربي. ورحل إلى قرطبة فسمع من أَبِي جعفر بْن عَبْد العزيز، وابن عمه أَبِي بَكْر، وأبي القاسم بْن بقي، وابن مغيث، وابن أَبِي الخصال، وطائفة.
قال الأبار: وكان مكثرًا إلى الغاية بحيث أنه سمع من رفاقه، وسمع أكثر من مائة نفر. وَلَا نعلم أحدًا من طبقته مثله. وتصدر بإشبيلية للإقراء والإسماع. وأخذ الناس عَنْهُ. وكان مقرئًا مجودًا، ومحدثًا مُتقنًا، أديبًا، نَحويًا، لغويًا، واسع المعرفة، رضًا، مأمونًا. ولما مات بيعت كتبه بأغلى ثمن لصحتها. ولم يكن لَهُ نظير فِي هذا الشأن مع الحظ الأوفر من علم اللسان. [ص:560]
تُوُفي فِي ربيع الأول، وكان لَهُ جنازة مشهودة. وولد سنة اثنتين وخمسمائة. أكثر عنه شيخنا ابْن واجب.(12/559)
173 - مُحَمَّد ابْن قاضي القضاة أَبِي الْحَسَن علي بْن أَحْمَد بْن عَليّ بْن مُحَمَّد بْن علي. القاضي أَبُو الفتح ابن الدامَغَاني. [المتوفى: 575 هـ]
كان عارفًا بمذهب أَبِي حنيفة، وناب فِي الحُكْم عَن والده. وتُوُفي شابًا عَن سبع وعشرين سنة.(12/560)
174 - مُحَمَّد بْن علي بْن حمزة بن محمد، أبو يعلى ابن الأقساسي، العلوي، الشريف، الكوفي، [المتوفى: 575 هـ]
أخو النقيب أَبِي محمد الحسن بن علي.
كان كاتبا أديبًا، شاعرًا. سمع من أَبِي النرسي، وأبي البركات عُمَر بْن إِبْرَاهِيم العَلَوي. وتُوُفي فِي ذي الحجة وقد قارب الثمانين.(12/560)
175 - محمد ابن القاضي عياض بْن مُوسَى بْن عياض. اليحصُبي السبتي أَبُو عَبْد اللَّه قاضي دانية. [المتوفى: 575 هـ]
قيل: تُوُفي فِي هذه السنة، أو سنة أثنتين وسبعين.(12/560)
176 - مُحَمَّد بْن أَبِي غالب بْن أَحْمَد بْن مرزوق، الحافظ أَبُو بَكْر الباقداري، الضرير. [المتوفى: 575 هـ]
قدِم بغداد فِي صباه من باقدار، وقرأ على جماعة. وسمع الحديث من خلق كثير.
وقال ابْن الدبيثي: وانتهى إليه معرفة رجال الحديث وحفظه، وعليه كان المعتمد فِيهِ.
وقال أبو الفتوح ابن الحُصْري: هُوَ آخر من بقي من حفاظ الحديث الأئِمة.
وقال ابْن الدبيثي: سمعتُ غير واحدٍ من شيوخنا يذكرون أَبَا بَكْر الباقداري، ويصفُونه بالحفْظ ومعرفة الرجال، والمُتُون، والإتقان، مع كونه [ص:561] ضريرًا مقصورًا، إلَّا أنه كان حفَظَة، حَسَن الفهم. سمع أَبَا مُحَمَّد سبط الخياط، وابن ناصر، وابن الزاغوني، والفضل بن سهل الإسفراييني، والناس بعدهم. وبلغني أن ابْن ناصر كان يُراجع الباقداري فِي أشياء، ويرجع إلى قوله.
وقال الحافظ زكي الدين عَبْد العظيم، وذكر ابن الباقداري فقال: كان أَبُوهُ أحد حُفاظ بغداد المشهورين بمعرفة الرجال، والتقدم مع ضرره.
قلت: وسمع منه إِبْرَاهِيم الشعار، وعمر بْن علي القرشي، ونصر ابن الحصري.
وقال ابن الدّبيثي: أخبرنا عبد الله بن عمر الوكيل، قال: أخبرنا الحافظ أبو بكر، قال: أخبرنا ابن الزاغوني، وسعيد ابن البنّاء، وابن المادح قالوا: أخبرنا أَبُو نصر الزَّيْنَبي، فذكر من البعث أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوفيت بنته زينب، فخرج لجنازتها. . الحديث.
تُوُفي الحافظ أَبُو بَكْر فِي ذي الحجة كهْلًا. وكانت بنته عجيبة من أسند شيوخ بغداد. سمعها واستجاز لها الكبار.(12/560)
177 - محمد بن محمد ابن الأنباري، أَبُو الفَرَج. [المتوفى: 575 هـ]
صاحب ديوان الإنشاء ببغداد.
ناب فِي الوزارة. وقد كتب الإنشاء سبعة عشر عامًا وأشهرًا. وحدث عَن عَبْد اللَّه بن أحمد ابن السمَرْقَنْدي.
تُوُفي فِي ذي القعدة وَلَهُ ثمان وستون سنة.
روى عَنْهُ أَحْمَد بْن طارق الكَرْكي.
وكان ناقص الفضيلة، ظاهر القصور فِي التَرسُل. وإنما رُوعي لأجل [ص:562] والده سديد الدولة مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم.(12/561)
178 - مُحَمَّد بْن محرز، أبو عَبْد اللَّه الوَهْرَاني المغربي، ركن الدين. وقيل: جمال الدين. [المتوفى: 575 هـ]
أحد ظُرفاء العالم وأدبائهم.
قدِم من بلاده إلى ديار مِصْر وهو يدعي أنه يعرف صناعة الإنشاء، فرأى بها القاضي الفاضل والعماد الكاتب وتلك الحلبة، فعلم من نفسه أنه ليس من طبقتهم، فسلك سبيل الهزل، وعمل المنامات المشهورة، والرسائل المعروفة. ولو لم يكن فِي ذلك إلَّا المنام الكبير لكفاه، فإنه ما سُبِق إلى مثله.
قدم دمشق وأقام بها مُدَيْدَة، وبها تُوُفي فِي رجب.
وأما وَهْران فمدينةٌ كبيرةٌ على أرض القيروان بينها وبين تلمسان يومان. بنيت سنة تسعين ومائتين.
فمن كلامه، مما كتب به إلى القاضي الأثير: " فالخادم كلما ذكر تلك المائدة الخصيبة، وما يجري عليها من الخواطر المصيبة علِم أن التخلف عَنْهَا هُوَ المصيبة. لكنه إذا ذكر ما يأتي بعدها من القيام والقعود، والركوع والسجود، علم أن هذا أجْرة ما يأكله من تلك الوليمة، نحو من عشرين تسليمة، كل لُقْمة بنقْمة، فما تحصل الشبعة إلَّا بأربعين ركعه، فيكون الدعوة عَلَيْهِ لَا لَهُ، والحضور فِي الشرطة أحب إليه منها لَهُ. فزهدتُ حينئذٍ فِي الوصول، إذ ليس للخادم من الدين، وَلَا قوة اليقين، ما يهجر لأجله مؤاكلة الوجوه القمرية، بمشاهدة السنة العمرية. فموعد الإتمام انقضاء شهر الصيام، والسلام ".
وكتب رقعة إلى أبي القاسم العوني الأعور: يا مولانا الشَّيْخ الزاهد، دبوس الْإِسْلَام، لت الفقهاء، قنطارية العلماء، تافروت الأئمة، طبل باز السنة، نصر اللَّه خاطرك، وستر ناظرك. أنت تعلم أن اللَّه ما خلقك إلَّا تلْعة، فكُنْ فِي رقاب الرافضة واليهود، وما صورك إلَّا لالكة في رؤوس المبْتَدِعة، وأراذل الشهود. وأنت بلا مِرْية جعموس عظيم، ولكنْ فِي ذقون الزائغين، فَاللَّه [ص:563] ينفعك بالإسلام، وَلَا يوقعك يوم القيامة فِي يد علي عَلَيْهِ السَّلَامُ، وأنْ يُنْقذك من الهاوية، بشفاعة معاوية.
وله: وصل كِتَاب الأمير المولي تقي الدين مصطفى أمير المؤمنين أطال اللَّه بقاءه، حتى يتوب المخلص من القيادة، وينقطع المُعيدي إلى العبادة، بألفاظ أحسن من فتور الألحاظ، ومعاني كترجيع المغاني. وكان ذلك أجمل فِي عيني من الرَّوض غب السَّحاب، وألذ من الصَّفْع بخفاف القِحاب، لَا بل أحلى من مطابقة الزامر للعَوَّاد، وأَشْهى إلى النفس من مواعيد القوَّاد، فطرب المملوك وَلَا طَرَب فلان الفُلاني لما اجتمع بفلانة فِي دعوة فلان فِي المحرم من هذه السنة، وغنَّت لَهُ:
ما غيَّر البُعْد ودا كنت تعرفه ... وَلَا تبدَّل بعد الذكْر نسيانا
ولا ذكرت صديقًا كنت آلفه ... إلَّا جعلتك فوق الذكر عنوانا
فإنه لما سمع ذلك قام وقعد، وصاح ولطم، وفتل شَعْر عنْفُقَته، وأدار شربوشه على رأسه، وشق غلالته، وجَرَى إلى الشمعة ليحرق ذقنه فيها فلم يزل يحلف بحياة الجماعة، لَيَسْكِبَن قدحه فِي سرّتها، ويتلقّاه بهمز من بين أشفارها، بحيث أن تكون لحيته ستارة على ثُقبها، فمنعه عشيقها، فحلف برأس الملك العظيم ليشْرِبَن بخُفها، فقال: هذا هيّن، فلو أردت أن أسقيك بالخف ثلاثمائة فَعَلْت. فَعَبَّ فِي الخُف إلى أن وقع. إلى أن قال: لَا وَاللَّه وَلَا طَرَب الصوفية ليلة العيد، إذ حضر عندهم مرتضى المغني، معشوق العماد الكاتب، وقد أسبل شَعْره على كتفيه، وأمسك أَبُو شعيب الشمعة بين يديه، وهو يغني لابن رشيق القيرواني:
فتور عينيك ينهاني ويأمرني ... وورد خديك يغري بي ويغريني
أما لئن بِعْت ديني واشتريت به ... دنيا فما بِعت فيك الدين بالدُّونِ
سُبحانَ من خَلَق الأشياء قاطبةً ... تُراه صور ذاك الجسم من طينِ
استغفر اللَّه لَا وَاللَّه ما نَفَعَتْ ... من سِحْرِ مُقْلته آياتُ ياسين
فإنهم لما سمعوا هاجوا وماجوا، وصاحوا وناحوا، وزعقوا وقفزوا إلى السماء، وجلخوا حتى انخسف ببعضهم الموضع، فنُبِشوا وكُفنوا ودُفنوا، والباقون يرقصون وَلَا يدرون. [ص:564]
وبعد هذا فالذي فعله مولانا تقي الدين من التقاء الْجَمْع الكثير بالعدد القليل عين الخطأ، لأنه ما المغرورُ بمحمودٍ وإنْ سَلِم. فَاللَّه اللَّه لَا يكون لها مَثنوية، وَلَا يرجع المولى يلتقي ألفًا وستمائة فارس إلَّا أن يكون فِي ثلاثين ألفًا، بشرط أن يكون العدو مثل حمزة الزامر، وعثمان الجنكي، وأبي علي القوّاد، وحُمَيدة المخنث، وأمثال هؤلاء الفرسان، ويكون جُنْدك مثل فُلان وفُلان الذين ما اجتمع المملوك بواحدٍ منهم إلَّا تجشأ فِي وجهي سيوف وسكاكين، ويزعم أنه يُقرقش الحديد. والرأي عندي غير هذا كله. وهو أن تستقيل من الخدمة، وتنقطع فِي بستان القابون، وتنكث التوبة، وتجمع عُلُوق دمشق، وقِحاب الموصل، وقَوادين حلب، ومغاني العراق، وتقطع بقية العُمر على القصْف، وتتكل على عفو الغفور الرحيم. فَيَوْمٌ من أيامك فِي دِمياط مكفر لهذا كله. فإنْ قِبلت مني فأنت صحيح المِزاج، وإنْ أبَيْت ولعنت كل من جاء من وَهْران، فأنت منحرف محتاج إلى العلاج.
وله، جواب كِتَاب إلى الكِنْدي: " فأما تعريضه لخادمه بالقِيَادة، وعَتَبِه علي بالتزويج بالنساء العَوَاهر، فسيدي معذور، لأنه لم يَذُق حلاوة هذه الصنعة، ولو أنه أدام اللَّه عزه خرج يومًا من البيت، ولم يترك إلَّا ثمن الخُبْز والْجُبن، ورجع بعد ساعة، وجد السَنْبُوسَك المورد، والدجاج المسمن، والفاكهة المنوعة، والخُضْرة النضرة، فتربع فِي الصدْر، فأكل وشرب وطرِب، ولم يخرج في هذا كله إلا إلى التغافل وحسن الظن، وقلة الفضول وسأل اللَّه أن يُحْييه قوادًا، وأن يُميته قوادًا، وأن يحشره مع القوادين.
ويظن الخادم أنه فِي هذا القول كجالب التمر إلى هَجَر، ورُب حامِل فقهٍ إلى من هُوَ أفقه منه، ومهما جهل من فضل نكاح المِلاح النهِمات، فلا يجهل أن أكل الحلاوة مع الناس أحسن من أكل الخرا منفردًا ".(12/562)
179 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عثمان، أَبُو الفضل ابن الدباب البابصري، الدبّاس. [المتوفى: 575 هـ][ص:565]
عن هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأحمد بْن المُجلي.
وعنه مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن صالح الْجِيلي.
وكان شيخًا صالحًا، كثير الصدق، مات فِي شعبان.(12/564)
180 - المبارك بْن علي بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد، أَبُو مُحَمَّد بْن الطباخ البغدادي، الحنبلي. [المتوفى: 575 هـ]
نزيل مَكَّة.
كان إمام الحنابلة بِمَكَّةَ ويكتب العُمر ويبيعها.
سمع أَبَا السعادات أَحْمَد بْن أَحْمَد المتوكلي، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وابن كادَش، وإسماعيل بْن أَبِي صالح المؤذن، وجماعة، ونسخ بخطه.
سمع منه أَبُو سعد السمعاني مع تقدمه.
وروى عَنْهُ أَبُو مُحَمَّد بْن قدَامة، وابن الأخضر، وغير واحد. وتوفي في شوال.
أخبرني عبد الحافظ، قال: أخبرنا ابن قدامة، قال: أخبرنا ابن الطباخ، قال: أخبرنا زاهر، وإسماعيل ابن المؤذن بالمسلسل بالأولية.(12/565)
181 - المبارك بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن قيداس، أَبُو المعالي الحريمي. [المتوفى: 575 هـ]
سمع ابْن بيان، وأبيا النرْسي. وعنه عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخباز.
وكان ظريفًا مطبوعًا. بقي إلى هذه السنة، وتُوُفي فِي الغُربة.(12/565)
182 - المبارك بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم بْن أَبِي الفوارس، أَبُو الفُتُوح الهاشمي، البغدادي. [المتوفى: 575 هـ]
سمع ابْن بيان، وابن نبهان. وقرأ القرآن على: أَبِي بَكْر المزْرَفي.
سمع منه عُمَر القرشي، وابن الأخضر. وتوفي فِي ذي القعدة.(12/565)
183 - محمود بْن تكَش، الأمير شهاب الدين الحارِمي [المتوفى: 575 هـ]
صاحب حماه. خال السلطان صلاح الدين يوسف بْن أيوب.
مات فِي هذه السنة كهْلًا.(12/565)
184 - مكي بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الملك. الهَمَذَانيّ، أَبُو مُحَمَّد الشعار. [المتوفى: 575 هـ][ص:566]
من بيت الحديث، ذكره ابْن النجار فقال: كان حافظًا ذا فهم ثاقب وإدراك صائب. وكان من أصحاب الحافظ أَبِي العلاء العطار، خِصيصًا به، مُقَدمًا عنده.
قدِم بغداد، وحدث عَن مُحَمَّد بْن علي بْن كاكوَيْه الكاتب، وأبي الْحَسَن مُحَمَّد بْن عَبْد الملك الكرجي، وأبي جَعْفَر مُحَمَّد بْن أَبِي عليّ الحافظ، وهبة اللَّه ابْن أخت الطويل.
روى عنه محمد بن محمود الحراني، وأبو الحَسَن القطيعي.
وتوفي في المحرم عن اثنتين وخمسين سنة.(12/565)
185 - منصور بْن نصر بْن منصور بْن الحسين، أبو بكر ابن العطار الحرّاني، ثم البغدادي، الكاتب الوزير. [المتوفى: 575 هـ]
كان أَبُوهُ من كبار التجار.
قال ابْن النجار: نشأ أَبُو بَكْر، وسمع الكثير وقرأ العلم.
وقال ابن الدبيثي: لقبه ظهير الدين.
سمع من ابن ناصر، وأبي بكر الزاغوني، وأبي الوقت.
سمع منه مكي الغراد. فلما مات أبوه بسط يده في المال وخالط الدولة.
قال ابن النجار: ورث نعمة طائلة، وخالط الكبراء وأرباب المناصب، وبذل معروفه، وتوصل حتى صار له اختصاص بالإمام المستضيء قبل أن يلي الخلافة. فلما استخلف قربه وولاه مُشارفة المخزن، ثم ولاه نظر المخزن والوكالة المطلقة، وارتفع أمره. فلما قُتِلَ الوزير أَبُو الفَرَج ابْن رئيس الرؤساء رد المستضيء جميع أمور دواوينه إليه، وناب في الوزارة. وكان كل الدولة يحضرون عنده. وكان يولي ويعزل. وكان شَهْمًا مِقدامًا، لَهُ هيبة عظيمة، وشدة وطأة، ولم يزل على ذلك حتى مات المستضيء، فأقره الناصر على نظر المخزن فقط، ثم خلاه أيامًا وقبض عَلَيْهِ وسجنه أيامًا، ومات.
وبلغني أنْ مولده سنة أربع وثلاثين وخمسمائة.
وأنبأنا ابن الجوزي قال: منصور ابن العطار كان مِقْدامًا على القطْع والصلْب، ولما مات حُمِل إلى بيت أخته، فأخْرج بعد الصُبْح، فعلم به الناس فضربوا التابوت بالآجُر، ثم رُمي فطُرح التابوت فِي النار، وخرق الكفن، وأخذ القُطْن، فأخرج عريانًا، وشُد فِي رجله [ص:567] حبلٌ، وسُحِب إلى المدبغة. ورمَوْه فِيهَا. ثم سُحِب إلى قراح أَبِي الشحْم، والصبيان يصيحون بين يديه: يا مولانا وقع لنا. إلى أن جاء جماعة من الأتراك فاستخلصوه منهم، ولفوه فِي شقة، ومضوا به فألقوه فِي قبر والده.
تُوُفي فِي ذي القعدة وأراح اللَّه منه، إلَّا أنه كان نقمة وعذابًا على الشيعة.(12/566)
186 - منوجهر بْن مُحَمَّد بْن تركانشاه، أَبُو الفضل الكاتب، [المتوفى: 575 هـ]
كاتب الأمير قُطْب الدين قايماز المستنجدي.
قال ابْن النجار: كان أديبًا فاضلًا، حاذقا، حَسَن الطريقة، صدوقًا.
سمع أَبَاهُ أَبَا الوفاء، وهبة اللَّه بْن أَحْمَد المَوْصِلي، وأبا القاسم بْن بيان، والقاسم بْن علي الحريري رَوَى عَنْهُ المقامات مِرارًا. وهو آخر من رواها عَنْهُ ببغداد. روى عَنْهُ أَبُو سعد السمعاني. وحدثنا عنه ابن الأخضر، وأبو الفتوح ابن الحصري، وأحمد ابن البَنْدَنِيجي، وسعيد بْن المبارك الحمامي. وقرأتُ مولده بخطه في شوال سنة تسع وثمانين وأربعمائة. وحدث بكتاب إصلاح المنطق عَن أَبِي عَبْد اللَّه البارع.
قلت: وأصله من بروجرد، وهو بغدادي. وروى عَنْهُ البهاء عَبْد الرَّحْمَن، ونصر بن عبد الرزاق الجيلي، ويوسف بن عمر بن صقير، وطائفة سواهم. وتوفي في جمادى الآخرة.(12/567)
187 - نصر اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد السَّلَام، أَبُو الفتوح اللمغانيّ، الفقيه، الحنفيّ. [المتوفى: 575 هـ]
كان مُفتيًا، مناظِرًا ببغداد، كثير العبادة، دينًا خيّرًا رحمه الله.(12/567)
188 - يوسف بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن، أَبُو طَالِب اللبان. [المتوفى: 575 هـ]
لَهُ دكان ببغداد لبيع اللبن. سمع أبا المعالي أحمد ابن الْبُخَارِيّ، وأخاه هبة اللَّه، وأبا العز بْن كادش.
وعنه أحمد ابن البَنْدَنِيجي، وعبد الرَّحْمَن بْن عُمَر بْن الغزال. [ص:568]
مات فِي شعبان عَن خمسٍ وسبعين سنة.(12/567)
189 - يوسف بْن عَبْد اللَّه بْن سَعِيد بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي زيد الأندلسي اللُّرييّ الأستاذ أَبُو عُمَر بْن عياد. [المتوفى: 575 هـ]
أخذ القراءات عن أبي عبد الله بن أبي إسحاق. وقدم بلنسية سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، ولقي بها أعلام المقرئين: أبا مروان بن الصّيقل، وابن هذيل، وأبا الحسن بن النعمة، فأخذ عنهم. وسمع من أبي الوليد ابن الدبّاغ، وطارق بن يعيش، وخلق. وكتب إليه أبو القاسم بن ورد، وأبو محمد بن عطيّة.
وكان معنيًّا بصناعة الحديث، جمّاعة للدفاتر والدواوين، معدودًا في الأثبات المكثرين. سمع العالي والنازل، ولقي خلقًا، ولو اعتنى بذلك من أول أمره اعتناءه به فِي الآخر لبذ أقرانه وفات أصحابه. وكان يحفظ أخبار المشايخ وينقب عليهم ويعتني بهم، ويؤرخ وَفَيَاتَهم ويُدون قصصهم، وفي ذلك أنفق عمره.
وكان قد شرع فِي تذييل كِتَاب ابْن بشكُوال، وَلَهُ كِتَاب " الكفاية فِي مراتب الرواية " و " المرتضى في شرح المنتقى لابن الجارود "، و" بهجة الألباب في شرح الشّهاب "، و" الأربعون حديثًا في النشر وأهوال الحشر "، و " أربعون حديثًا في وظائف العبادة "، و" المنهج الرائق في الوثائق "، و " بهجة الحقائق فِي الزهد والرقائق "، وكتاب " طبقات الفقهاء " من عصر ابْن عَبْد البر إلى عصره.
حدث عَنْهُ ابنه أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد، وأبو الحَجاج بْن عَبدَة، وأبو مُحَمَّد بْن غَلْبُون، وغيرهم.
وصفه بعض أصحابه بالمشاركة فِي الآداب والفقه وفهم القراءات. وكان من أهل التواضع والخُلُق السهْل.
واستشهد ببلده عند كبسة العدو، فقاتل حتى أُثخن جراحًا، ثم أجهزوا عَلَيْهِ، وذلك يوم العيد. وعاش سبعين سنة.
ترجمه الأبّار.(12/568)
190 - يوسف بْن عُمَر بْن الحَسَن، أَبُو الحَجاج ابن البستنبان البغدادي، المقرئ. [المتوفى: 575 هـ]
سمع أَبَا طَالِب بْن يوسف، وحدث. وتُوُفي فِي المحرم وقد شاخ.(12/569)
-وَفِيهَا وُلد:
ابْن عَبْد الدائم، والأمام مجد الدين إِسْمَاعِيل بْن باطيش الفقيه، ومحمد بْن الأنجب النعال، وعبد الغني بْن بنين، والعماد أَبُو بَكْر بْن هلال بْن عباد الحنفي.(12/569)
-سنة ست وسبعين وخمسمائة(12/570)
191 - أحمد بن مُحَمَّد بْن عَليّ بْن هبة اللَّه بْن عَبْد السَّلَام، أَبُو الغنائم الكاتب. [المتوفى: 576 هـ]
سمعه أَبُوهُ أَبُو الفتح من جَدّه، وأبي الغنائم ابن المهتدي بالله، وأبي علي بْن المهدي، وابن الحُصَيْن. روى عَنْهُ أَحْمَد بْن طارق الكَرْكي، وغيره.
ذُبِح غِيلة فِي جُمادى الأولى ولم يعلم قاتله.(12/570)
192 - أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن علي بْن حمدي، أَبُو المظفر البغدادي، المقرئ، الشاهد. [المتوفى: 576 هـ]
قرأ القراءات عَلَى أَبِي مُحَمَّد سبط الخَيّاط، وقبله على أَبِي بَكْر المَزْرَفي، وأبي عَبْد اللَّه البارع. وأقام بعد بمسجد ابْن جردة. وكان طيب الصوت مجودًا. سمع أَبَا سعد ابن الطُيُوري، وأبا العز بْن كادش، وزاهر بْن طاهر، وابن الحُصين، وخلْقًا سواهم. وحدث بالكثير.
وولد سنة عشر وخمسمائة، وتُوُفي فِي جُمادى الأولى.
روى عَنْهُ أَبُو مُحَمَّد بْن قُدامة، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، ومحمد بْن مقبل بْن المَني.(12/570)
193 - أَحْمَد بْن عَبْد الله ابن الْإِمَام أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن أَحْمَد الشاشي، ثم البغدادي، العلامة أَبُو نصر [المتوفى: 576 هـ]
مدرس النظامية، وأحد المصنفين فِي المذهب.
تفقه على أَبِيهِ، وعلى أَبِي الْحَسَن بْن الخَل. وسمع من أَبِي الوقت. ومات شابًا رَحِمَهُ اللَّهُ.(12/570)
194 - أَحْمَد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إِبْرَاهِيم. الحافظ الكبير أَبُو طاهر بْن أَبِي أَحْمَد بْن سِلَفة الأصبهاني، الْجَرْواني، [المتوفى: 576 هـ]
وجَرْوان: محلة بإصبهان. وسِلَفة لقب أَحْمَد وإليه يُنْسَب. [ص:571]
قال الحافظ عَبْد الغني: سمعت السِّلَفيّ يقول: أَنَا أذكر قتل نظام المُلْك فِي سنة خمسٍ وثمانين، وكان عمري نحو عشر سِنين. وقد كتبوا عني فِي أول سنة اثنتين وتسعين وأنا ابْن سبْع عشرة سنة أكثر أو أقل، وليس فِي وجهي شَعرة كالبخاري؛ يعني لما كتبوا عَنْهُ.
وأول سماع السلَفي سنة ثمانٍ وثمانين. سمع من القاسم بْن الفضل الثقفي، وسمع من عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن يوسف السمْسار، وسعيد بْن مُحَمَّد الجوهري، ومحمد بن محمد بن عبد الوهاب المديني، والفضل بْن علي الحنفي، وأحمد بْن عَبْد الغفار بْن أشتة، وأحمد ومحمد ابني عَبْد الله ابن السُوذَرْجَاني، ومكي بْن منصور بْن علان الكرجي، ومَعْمَر بْن أَحْمَد اللنباني، وخلْق كثير.
وعمل معجمًا حافلًا لشيوخه الأصبهانيين. ثم رحل فِي رَمَضَان إلى بغداد، من سنة ثلاثٍ وتسعين وأدرك أَبَا الخطاب نصر بْن البَطِر، فقال حماد الحراني: سمعت السلفي يقول: دخلت بغداد فِي رابعِ شوال سنة ثلاثٍ، فساعةَ دخولي لم يكن لي همّة إلى أنْ مضيتُ إلى ابْن البَطِر فدخلت عَلَيْهِ، وكان شيخًا عَسِرًا، فقلت: قد وصلت من إصبهان لأجلك. فقال: اقرأ. جعل بدل الراء غَيْنًا. فقرأتُ عَلَيْهِ وأنا مُتِكئ لأجل دمامل بي، فقال: أبصِرْ ذا الكلب. فاعتذرتُ بالدماميل، وبكيت من كلامه، وقرأت سبعة عشر حديثًا، وخرجت، ثم قرأتُ عَلَيْهِ نحوًا من خمسة وعشرين جزءًا، ولم يكن بذاك.
قلت: فسمع منه، ومن أبي بكر الطريثيثي، وأبي عبد الله ابن البُسْري، وثابت بْن بُنْدَار، والموجودين بها.
وعمل معجَمًا لشيوخ بغداد، ثم حج وسمع فِي طريقة بالكوفة من أَبِي البقاء المعمر بْن مُحَمَّد الحبال وغيره، وَبِمَكَّةَ من الْحُسَيْن بْن علي الطبري، وبالمدينة: أَبَا الفَرَج القزويني.
وقدِم بغدادَ، وأقبل على الفقه، والعربية، حتى برع فيهما، واتقن مذهب الشافعي.
ثم رحل إلى البصرة سنة خمسمائة، فسمع من مُحَمَّد بْن جَعْفَر العسكري، وجماعة. وبزَنجان: أَبَا بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن زَنْجُوَيْه الفقيه، الراوي عَن أَبِي علي بْن شاذان. وبهمذان: أبا غالب أحمد بن محمد المزكّي، [ص:572] وطائفة.
وجال في الجبال ومدنها. وسمع بالريّ، والدينَوَر، وقزوين، وساوة، ونهاوند. وكذا طاف بلاد أذربيجان إلى درَبند، فسمع بأماكن، وعاد إلى الجزيرة من ثغر آمد وسمع بخِلاط ونصيبين والرحبة.
وقدم دمشق سنة تسع وخمسمائة بعلم جمّ، فأقام بها عامين. وسمع بها من أبي طاهر الحنّائي، وأبي الحسين ابن المَوَازِيني، وخلْق. ثم مضى إلى صُور، وركب منها البحر الأخضر إلى الإسكندرية، فاستوطنها إلى الموت، لم يخرج منه إلَّا مرة فِي سنة سبع عشرة إلى مِصْر، فسمع من أَبِي صادق المَدِيني، والموجودين. وعاد.
وكان إمامًا، مُقرئًا، مجودًا، ومحدثًا، حافظًا، جَهْبَذًا، وفقيهًا متقنًا، ونَحْويًا ماهرًا، ولُغَوِيًا محققًا، ثقة فيما ينقله، حُجة، ثبتًا، انتهى إليه عُلُو الإسناد فِي البلاد. وقد جمع معجمًا ثالثًا لباقي البلدان التي سمع بها، سوى أصبهان، وبغداد، فإن لكل واحدة معجمًا.
سمع منه ببغداد من شيوخه ورفاقه: أَبُو علي البرَدانيّ، وهزارسْب بْن عِوَض، وأبو عامر العَبْدَري، وعبد الملك بْن يوسف، وسعد الخير الأندلسي. وروى عَنْهُ الحافظ مُحَمَّد بْن طاهر شيخه، وسبطُه أَبُو القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن مكي، وبينهما فِي الموت مائة وأربعٌ وأربعون سنة. وروى عَنْهُ الحافظ سعد الخير، وعلي بْن إِبْرَاهِيم السرَقسطيّ، وأبو العزّ محمد بن علي المُلقاباذيّ، والطيب بْن مُحَمَّد المَرْوَزِي، وقد رَوَى عَن هؤلاء الثلاثة عَنْهُ أَبُو سعد السمعاني. ومات ابْن السمعاني قبله بأربع عشرة سنة. وروى عَنْهُ أيضاً: الصائن هبة الله ابن عساكر، ويحيى بْن سعدون القُرطُبي. وروى عنه بالإجازة جماعة ماتوا قبله، منهم القاضي عِياض.
وروى عَنْهُ أمم منهم: حماد الحَراني، والحافظ علي بن المفضل، والحافظ عَبْد الغني، والحافظ عَبْد القاهر الرُّهاويّ، وابن راجح، وعبد القوي بْن الجباب، وفرقد الكنانيّ، وعبد الغفّار المحلي، ونصر بْن جرو، والفخر الفارسي، والشيخ حَسَن الإوقي، وعيسى بْن الوجيه اللخمي، ومحمد بْن [ص:573] عمّاد، ومحمد بن عبد الوهّاب ابن الشيرجي، وعبد الخالق بْن إِسْمَاعِيل التنيسي، وعلي بْن رحال، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد المأموني، ومُرتَضَى بْن أَبِي الجود، وأبو القاسم عبد الرحمن ابن الصفراوي، وأبو الفضل جعفر الهمذاني، وإبراهيم ومحمد ابنا عبد الرحمن ابن الجبّاب، وأحمد بن محمد ابن الجبّاب، وعبد الرحيم بن الطفيل، والحسن بن دينار، وعلي بن مختار، ويوسف ابن المخيلي، وظافر بْن شحْم، وعلي بْن زيد التسارَسيّ، ومحمد بْن علي بْن تاجر عينه، وحمزة بْن أوس الغزال، وعلي بْن جُبَارة، ويحيى بْن عَبْد العزيز الأغمَاتي، وحسين بْن يوسف الشاطبي، وعبد العزيز ابن النقّار، ومظفّر ابن الفوّيّ، ومنصور ابن الدماغ، وعلي بْن مُحَمَّد السخاوي، وعلي بْن عَبْد الجليل الرازي، وأبو الوفاء عَبْد الملك ابن الحنبليّ، وشعيب الزعفراني، والعَلم ابن الصابوني، والعز بْن روَاحة، وعبد الوهاب بْن رَواج، ويوسف بن محمود الساويّ، وبهاء الدين ابن الجميزيّ، وهبة اللَّه بْن مُحَمَّد ابْن الواعظ. وتُوُفي سنة خمسين وستمائة، والسِّبط.
وبقي أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن الْحَسَن السّفاقُسيّ إلى سنة أربعٍ وخمسين، فروى عَن السِلَفيّ " المُسَلْسَل بأول حديثٍ "، رَوَاهُ حضورًا، ولم يكن عنده سواه. وهو ابْن أخت الحافظ علي بْن المفضل.
أَنْبَأَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَلَامَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ سَعْدٍ الْخَيِّرِ (ح). وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ سَعْدٍ الْخَيِّرِ، قالت: أخبرنا أبي سنة ثمان وعشرين وخمسمائة قال: حَدَّثَنِي أَبُو طَاهِرِ بْنُ سِلَفة سَنَةَ سَبْعٍ وتسعين وأربعمائة، قال: أخبرنا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الثَّقَفِيُّ، فَذَكَرَ حَدِيثَ الْبَلَدِ الرابع، وَهُوَ إِصْبَهَانُ، مَتْنُهُ: إِنَّكُمُ الْيَوْمَ عَلَى دِينٍ وَإِنِّي مُكاثر بِكُمُ الأُمَمَ.
ولا أعلم أحدًا فِي الدنيا حدث نيفًا وثمانين سنة سوى السلفيّ. وقد [ص:574] أملى المجالس الخمسة بسلَماس، وعُمره ثلاثون سنة. وعمل " الأربعين البلدية " التي لم يُسبق إلى مثلها.
وقد انتخب على غير واحدٍ من شيوخه.
قال الزاهد أَبُو علي الأوقي: سمعت السِلَفيّ يقول: لي ستون سنة ما رَأَيْت منارة الإسكندرية إلَّا من هذه الطاقة. رواها ابْن النجار عَن الأوقي.
وقال ابْن المفضل فِي معجمة: عدة شيوخ شيخنا السلفي تزيد على ستمائة نفس بإصبهان. وخرج إلى بغداد وَلَهُ نحو من عشرين سنة أقل أو أكثر، ومشيخته البغدادية خمسة وثلاثون جزءًا. وَلَهُ تصانيف كثيرة. وكان يستحسن الشعْر ويَنْظمُه، ويُثيب من يمدحه. وأخذ الفقه عَن إلكِيا أَبِي الْحَسَن علي بْن مُحَمَّد الطبري، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن أَحْمَد الشاشي، وأبي القاسم يوسف بْن علي الزَنجاني. والأدب عَن أَبِي زكريا التبرِيزي، وأبي الكرم بن فاخر، وعلي بن محمد الفصيحيّ. وسمعته يقول: مَتَى لم يكن الأصل بخطي لم أفرح به. وكان جيد الضبط، كثير البحث عما يُشْكل عَلَيْهِ. وكان أوحد زمانه فِي علم الحديث، وأعْرَفهم بقوانين الرواية والتحْدِيث. جمع بين علوّ الإسناد، وغلوّ الانتقاد، وبذلك كان ينفرد عَن أبناء جنسه.
وقال ابْن السمعاني فِي " الذيل ": هُوَ ثقة ورع، متقن، متثبت، حافظ، فَهْم، لَهُ حِفْظ من العربيه، كثير الحديث، حَسَن الفهم والبصيرة فِيهِ. روى عَنْهُ الحافظ ابْن طاهر فسمعت أَبَا العلاء أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الفضل الحافظ يقول: سمعت مُحَمَّد بْن طاهر المقدسي يقول: سمعت أَبَا طاهر الأصبهاني، وكان من أهل الصنْعة، يقول: كان أبو حازم العبدوييّ: إذا رَوَى عَن أَبِي سعد المالِيني يقول: أخبرنا أَحْمَد بْن حفص الحديثي هذا أو نحوه.
وقال الحافظ عَبْد القادر الرهاوي: سمعت من يحكي عَن الحافظ ابْن ناصر أنه قَالَ عَن السلفي: كان ببغداد كأنه شُعْلة نار فِي تحصيل الحديث.
قال عَبْد القادر: وكان له عند ملوك مصر الجاه والكلمة النافذة مع مخالفته لهم فِي المذهب. وكان لَا يبدو منه جفوة لأحد، ويجلس للحديث فلا يشرب ماء، وَلَا يَبزق، وَلَا يتورك، وَلَا يبدو لَهُ قَدَم، وقد جاز المائة. بلغني أن سلطان مِصْر حضر عنده للسماع، فجعل يتحدّث مع أخيه فزَبَرهما وقال: أيش [ص:575] هذا، نَحْنُ نقرأ الحديث وأنتما تتحدثان؟! قال: وبلغني أنه فِي مدة مُقامة بالإسكندرية، وهي أربعٌ وستون سنة، ما خرج إلي بستان وَلَا فرجة غير مرةٍ واحدة. بل كان عامة دهره لازمًا مدرسَتَه، وما كُنَّا نكاد ندخل عَلَيْهِ إلَّا نراه مطالِعا فِي شيء. وكان حليمًا، متحمّلاّ لجفاء الغرباء. وقد سمعت بعض فُضَلاء هَمَذَان يقول: السلفيّ أحفظ الحفّاظ.
وقال ابن عساكر: سمع السلفي ممن لا يحصى، وحدث بدمشق فسمع منه أصحابنا ولم أظفر بالسماع منه. وسمعت بقراءته من شيوخ عدة. ثم خرج إلى مِصْر، واستوطن الإسكندرية، وتزوج بها امْرَأَة ذات يسار، وحصلت لَهُ ثروة بعد فقرٍ وتصوف. وصارت لَهُ بالإسكندرية وجاهة. وبنى له العادل عليّ بن إسحاق ابن السلار أميرُ مِصْر مدرسةً بالإسكندرية. وحدثني عَنْهُ أخي وأجاز لي. أخبرنا ابن البطر قال: أخبرنا ابْن البيِّع فذكر حديثًا، وهو موافقة مُسْلِم من سادس المَحَامِليات.
ثم قَالَ: أنشدنا أَبُو سعد السمعانيّ بدمشق، قال: أنشدنا أَبُو العز مُحَمَّد بْن علي البُستي، قال: أنشدنا أَبُو طاهر أَحْمَد بْن مُحَمَّد الحافظ لنفسه بميافارِقين:
إن علم الحديث عِلْم رجال ... تركوا الابتداع للأتباع
فإذا الليل جنهُم كتبوه ... وإذا أصبحوا غدوا للسماع
قلت: أنشدناهما أبو الحسين اليونينيّ وأبو عليّ ابن الخلاّل قالا: أنشدنا جعفر بن عليّ، قال: أنشدنا السلفي، فذكرهما.
وقال الحافظ عَبْد القادر عَنْهُ: وكان آمرًا بالمعروف، ناهيًا عَن المنكَر، حتّى أنّه كان قد أزال من جواره مُنْكَرات كثيرة. ورأيته يومًا وقد جاء جماعة من المقرئين بالألحان فأرادوا أن يقرؤوا، فمنعهم من ذلك وقال: هذه القراءة بِدْعة، بل اقرؤوا ترسُّلًا، فقرؤوا كما أمرهم.
قرأت بخط الحافظ عَبْد الغني جزءًا فِيهِ نقل خطوط المشايخ للسِلفيّ بالقراءات: وقد قرأ بحرف عاصم على أَبِي سعد المطرز، وقرأ بحمزة [ص:576] والكِسائي على مُحَمَّد بْن أَبِي نصر القصار، وقرأ برواية قالون على نصر بْن مُحَمَّد الشيرازي، وبرواية قُنبل على عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخِرقيّ. وقد قرأ عليهم سنة إحدى وتسعين وبعدها.
وقال ابْن نُقْطَة: كان حافظًا، ثقة، جَوالًا فِي الآفاق. سَأَلَ عَن أحوال الرجال شجاعًا الذُّهلي، والمؤتَمن الساجي، وأبا علي البرَداني، وأبا الغنائم النَرسي، وخميسًا الحَوْزِي. وحدثني عبد العظيم المنذريّ الحافظ قال: لمّا أرادوا أن يقرؤوا " سُنَن النسائي " على السلَفي أتَوْه بنسخة سعد الخير وهي مصححة قد سمعها من الدُّوني. فقال: اسمي فِيهَا؟ قَالُوا: لَا. فاجتذبها من يد القارئ بغيظ وقال: لَا أُحدث إلَّا من أصلٍ فِيهِ اسمي. ولم يُحدث بالكتاب. وقال لي عَبْد العظيم: إن أَبَا الْحَسَن المقدسي قَالَ: حفظت أسماء وكنَى، وجئت إلى السِلفي فذاكَرتُه بها، فجعل يذكرها من حفْظه، وما قَالَ لي: أحسنت. وقال: ما هذا شيء مليح، أَنَا شَيْخ كبير فِي هذه البلدة هذه السنين لَا يُذاكرني أحدٌ وحِفْظي هكذا.
وقال أَبُو سعد السمعاني: أنشدنا يحيى بن سعدون النّحوي بدمشق قال: أنشدنا السِلفيّ لنفسه:
ليس حُسْنُ الحديث قربَ رجالٍ ... عند أرباب عِلْمِهِ النقادِ
بل علوُّ الحديث عند أولي الإتـ ... قان والحِفظ صحةُ الإسناد
فإذا ما تجمعا فِي حديث ... فاغتنمه فذاك أقصى المراد
قلت: أنشدنا اليونينيّ، وابن الخلاّل قالا: أنشدنا جعفر قال: أنشدنا السِلفيّ فذكرها.
قرأت بخط السيف ابن المجد: سمعت أَحْمَد بْن سلامة النجار يقول: إن الحافظَين عَبْد الغني وعبد القادر أرادا سماع كِتَاب اللالكائي، يعني " شرح السنة "، على السلفيّ، فأخذ يتعلّل عليهما مرّة، ويدافعهم عَنْهُ أخرى بأصل السماع، حتى كلمته امرأته في ذلك. [ص:577]
قرأت بخط الحافظ عمر ابن الحاجب أنّ " معجم السفَر " للسلفي يشتمل على ألفَيْ شَيْخ.
وقال الحافظ زكي الدين عبد العظيم: كان السلفيّ مُغرى بجمع الكُتُب والاستكثار منها. وما كان يصل إليه من المال يُخرجه فِي شرائها. وكان عنده خزائن كُتُب، وَلَا يتفرغ للنظر فِيهَا. فلما مات وجدوا مُعظم الكتب فِي الخزائن قد عَفنت، والتصق بعضها فِي بعض، لنداوة الإسكندرية. وكانوا يستخلصونها بالفأس فتلَفَ أكثرها.
أنبأنا أَحْمَد بْن سلامة الحداد، عَن الحافظ عَبْد الغني، أن السلَفي أنشدهم لنفسه:
ضل المجسم والمعطل مثله ... عَن منهج الحق المبين ضلالا
وأتى أماثلهم بنكر لَا رعوا ... من مَعْشرٍ قد حاولوا الأشكالا
وغدّوا يقيسون الأمور برأيهم ... ويُدلسون على الوَري الأقوالا
فالأولون تعدوا الحَد الَّذِي ... قد حُد فِي وصف الإله تعالى
وتصوروه صورة من جنسنا ... جسمًا، وليس اللَّه عز مثالا
والآخرون فعطلوا ما جاء في الـ ... قرآن أقبح بالمقال مقالا
وأبوا حديث المصطفى أنْ يقبلوا ... ورأوه حَشْوًا لَا يفيد منالا
وهي بضعةٌ وعشرون بيتًا. وله قصيدةٌ أخرى نحو من تسعين بيتًا، سمى فِيهَا أئمة السنة ورؤوس البدعة، أوردتها في ترجمته التي أفردتها.
وقال الوجيه عيسى بْن عَبْد العزيز اللخمي: توفي الحافظ السلفي صبيحة الجمعة خامس ربيع الآخر سنة ست وسبعين، وَلَهُ مائة وست سنين. ولم يزل يُقرأ عَلَيْهِ الحديث إلى أن غربت الشمس من ليلة وفاته، وهو يرد على القارئ [ص:578] اللحن الخفي، وصلى يوم الجمعة الصبح عند انفجار الفجر، وتوفي بعدها فجاءةً.
قلت: قد اضطرب قول السلَفي فِي مولده، وقد ذكرنا قوله للحافظ عَبْد الغني: إنه كان ابْن نحو عشر سِنين وقت قُتِلَ نظام المُلْك، فيكون مولده على هذا القول فِي حدود سنة خمسٍ وسبعين.
وقال الْإِمَام شهاب الدين أَبُو شامة: سمعت الْإِمَام عَلَم الدين السَخَاوي يقول: سمعت أَبَا طاهر السلَفي يومًا وهو ينشد لنفسه شعرًا قاله قديمًا، وهو:
أَنَا من أهل الحديث ... وهم خير فئة
جزت تسعين وأرجو ... أن أجوزن المائة
فقيل لَهُ: قد حقق اللَّه رجاءك. فعلمت أنه قد جاوز المائة. وذلك فِي سنة اثنتين وسبعين وخمس مائة.
وقال مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن علي التجيبي الأندلسي: سمعت الحديث على السلَفي، ووجدت بخطه: مولدي بإصبهان سنة اثنتين وسبعين وأربع مائة تخمينًا لَا يقينًا.
وقال قاضي القضاة ابْن خَلكان: كانت ولادة السلفي سنة اثنتين وسبعين تقريبًا. قال: ووجدت العلماء بالديار المصرية من جملتهم الحافظ زكي الدين عَبْد العظيم يقولون فِي مولده هذه المقالة. قال: ثم وجدت فِي كِتَاب " زهر الرياض " لجمال الدين عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد المجيد الصفْراوي يقول: إن السلَفي كان يقول: مولدي -بالتخمين لَا باليقين - سنة ثمانٍ وسبعين.
قلت: قد شذَّ الصفْراوي عَن الجماعة بهذا القول، والسلَفي فقد جاوز المائة بلا رَيْب. وقد طلب الحديث، وكتب الأجزاء، وقرأ بالروايات في سنة تسعين وبعدها، وقد حكى للحافظ عَبْد الغني أنه حدث سنة اثنتين وتسعين، وما فِي وجهه شعرة، وأنه كان ابْن سبع عشرة سنة أو نحوها، ولكنه اختلف قوله، فتارة قَالَ: سنة اثنتين وسبعين تقريبًا، وتارة يقول: فِي سنة خمسٍ وسبعين تقريبًا، وهذا تبايُن ظاهر.(12/570)
195 - أَحْمَد بْن أَبِي الوفاء، الصائغ الحنبلي. [المتوفى: 576 هـ][ص:579]
قد ذُكِر فِي العام الماضي. وقيل: تُوُفي فِي هذا العام.(12/578)
196 - إِبْرَاهِيم بْن علي بْن مواهب، أَبُو إِسْحَاق ابْن الزراد الأزَجي البزاز. [المتوفى: 576 هـ]
روى عَن أَبِي الغنائم النرْسي. سمع منه أَبُو سعد السمعاني. وتُوُفي فِي رجب.(12/579)
197 - أيوّب بْن مُحَمَّد بْن وهْب بْن مُحَمَّد بْن وهْب بْن أيوب، أَبُو مُحَمَّد الغافقي، المعروف بابن نوح، وهو لَقَب جدهم وهْب بْن أيوب لُقب به لكثرة أولاده. [المتوفى: 576 هـ]
كان أَبُو مُحَمَّد من رؤساء سَرَقُسْطَة. روى عن أبيه محمد، وأبي زيد ابن الوراق، وأبي مروان بْن الصيقل، وجماعة.
وأخذت الروم سَرَقُسطَة فخرج منها سنة اثنتي عشرة إلى طرطُوشَة، ثم سكن غُرْناطة، ولقي أَبَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي الخصال، وكتب عَنْهُ خطَبَه التي عارض بها ابْن نُباته. ثم كَر إلى بَلَنسِية فسكنها، وولي قضاء جزيرة شقر بعد أَبِيهِ. ونسخ عِلما كثيرًا، وجمع شيئًا من التاريخ رَوَاهُ عَنْهُ ابنه القاضي أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن نوح، وقال: تُوُفي أبي في صفر عن تسعين سنة.(12/579)
198 - بدر الحبشي الخدادادي الطواشي، أَبُو الضياء، مولى العدل أَبِي عَبْد الله محمد بن خداداد، الإسكندري أو الْمَصْرِيّ، والثاني أقرب. [المتوفى: 576 هـ]
سمع أَبَا عبد الله محمد بن أحمد الرازي، وأبا صادق المديني، وأبا الحسن الفراء، وعبد الرَّحْمَن بْن فاتك، وأبا القاسم ابن الدوري.
روى عَنْهُ أَبُو الْحَسَن بْن المفضل، ويوسف بْن جبريل اللواتي، وأبو القاسم سِبط السلفي، وآخرون.
وتوفي في شوال.(12/579)
199 - تورانشاه، الملك المعظم شمس الدولة بْن أيوب بْن شاذي، أخو صلاح الدين والسلطان سيف الدين، وكان يُلقب أَيْضًا بفخر الدين. [المتوفى: 576 هـ]
وكان أسَن من صلاح الدين، فكان يحترمه ويرجحه على نفسه. وسيره سنة ثمان وستين إلى بلاد النوبة ليفتحها، فلما قدِمَها وجدها لَا تساوي التعب، فرجع بغنائم كثيرة ورقيق. ثم أرسله إلى اليمن، وبها عَبْد النَّبِيّ بْن مهدي قد استولى على أكثر اليمن. فقدِمَها تورانشاه، وظفر بعبد النَّبِيّ وقتله، وملك معظم اليمن. وكان سخيًا جوادًا.
ثم إنه قدِم دمشق فِي آخر سنة إحدى وسبعين، وقد تمهدت لَهُ مملكة اليمن، لكنه كره المقام بها، وحن إلى الشام وثِماره. وكان قد جاءه رسول من أخيه صلاح الدين يرغبه فِي المُقام باليمن، فلما أدى الرسالة طلب ألف دينار، وقال لغلام لَهُ: امض إلى السوق واشترِ لي بها قطعة ثلج. فقال: ومن أين هنا الثلج؟ فقال: فاشتر بها طَبَق مشْمش، فقال: ومن أَيْنَ يوجد ذلك؟ فأخذ يذكر لَهُ أنواع الفواكه، والغلام يقول ما يوجد. فقال للرسول: ليت شِعْري، ما أصنع بالأموال إذا لم أنتفع بها فِي شهوتي؟! ورجع الرَّسُول فأذِن لَهُ السلطان فِي القُدوم. وقد كتب لَهُ بإنشاء القاضي الفاضل:
لا تضجرن مما أبث فإنه ... صدرٌ لأسرار الصبابة ينَفِثُ
أما فِراقُكَ واللقاءُ فإن ذا ... منهُ أمُوتُ وذا منه أبعَثُ
حَلَف الزمان على تفرق شَمِلنا ... فمتَى يرق لنا الزمان ويَحْنَثُ؟
حول المضاجع كتبُكُم فكأنني ... مَلْسُوعُكُمْ وهي الرقاةُ النفثُ
كم يَلْبَثُ الجسمُ الَّذِي ما نفسُهُ ... فِيهِ وَلَا أنفاسُهُ كم يلبث
فلما قدم دمشق استنابه صلاح الدين لما رجع إلى مِصْر. ثم انتقل تورانشاه إلى مِصْر سنة أربعٍ وسبعين.
وكانت وفاته بالإسكندرية فِي صَفَر سنة ست، فنقلته شقيقته ست الشام فدفنته فِي مدرستها.
وذكر المهذب محمد بن علي ابن الخيمي الحلي الأديب قَالَ: رَأَيْت [ص:581] فِي النوم شمس الدولة تورانشاه بعد موته، فمدحته بأبيات وهو فِي القبر، فلف كفنه ورماه إلى، ثم قَالَ:
لا تستقلن معروفًا سمحتُ به ... ميتًا فأمسيت منه عاريَ البدن
ولا تظننَ جودي شَانَهُ بَخَل ... من بعد بذْليَ ملك الشام واليمن
إني خرجتُ من الدنيا وليس معي ... من كل ما ملكت كفي سوى كَفني
تورانشاه: معناه ملك الشرق.
قَالَ ابْن الأثير: كان لما قدِم من اليمن وعمل نيابة دمشق قد ملك بَعْلَبَك، ثم عوضه أخوه عَنْهَا بالإسكندرية إقطَاعًا، فذهب إليها. وكان لَهُ أكثر بلاد اليمن، ونوابه هناك يحملون إليه الأموال من زَبِيد، وعدن، وما بينهما. وكان أجْوَد الناس وأسخاهم كفًا، يُخرجِ كل ما يُحمل إليه من البلاد، ومع هذا مات وعليه نحو مائتي ألف دينار، فَوَفاها أخوه صلاح الدين عنه. وكان منهمكًا على اللهو واللعب، فيه شر وظلم.(12/580)
200 - حماد بْن إِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق بْن أَحْمَد بْن شيث بْن نصر بْن شيث بْن الحَكَم بْن افلذ بْن أبان بْن عُقْبة بْن يزيد، الْإِمَام قِوام الدين أَبُو المحامد ابْن الْإِمَام رُكْن الدين أَبِي إِسْحَاق ابْن الْإِمَام أَبِي إِبْرَاهِيم الوائلي، الْبُخَارِيّ ابن الصّفّاري الحنفي. [المتوفى: 576 هـ]
سمع من أبيه، وإسماعيل بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن البيهقي. وعنه إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد البَيلقي، وإبراهيم بْن سالار الخُوارزميّ، وأبو الفضل عُبَيْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم المحبوبي، والأديب أَبُو عليّ الحسين بْن عُمَر التَرْمِذيّ، وبُرهان الْإِسْلَام عُمَر بْن مَسْعُود بْن مازة، وآخرون آخرهم موتًا تاج الْإِسْلَام مُحَمَّد بْن طاهر بْن مُحَمَّد الخُداباذيّ الْبُخَارِيّ، نقلت ذلك من خط الفرَضيّ.
ثم قَالَ: وأبوه رُكْن الدين من كبار مشايخ بخارى. سمع على والده، وعلى عُمَر بْن منصور البزّاز المعروف بخَنب، وعبد العزيز بن المستقر [ص:582] الكرمينيّ، وأجاز له جماعة سماهم الفرضي، روى عنه ابنه هذا، والأديب أبو الفتح محمد بن محمود النسفي، وشيخ الْإِسْلَام أَبُو نصر أَحْمَد بْن عثمان العاصمي البلخي، وغيرهم. قال: وتُوُفي رُكْن الدين بعد سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة. وأبوه إِسْمَاعِيل الوائلي. روى عَن عُمَر بْن عَبْد العزيز بْن مُحَمَّد بْن النضْر الشُروطي، وأبي عاصم مُحَمَّد بْن علي البلْخي، وأبي الْحُسَيْن عَبْد الغافر بْن مُحَمَّد الفارسي. وعنه ولده رُكن الدين. ولم يذكر الفرَضيّ لهذا وفاة.(12/581)
201 - خَلف بْن يحيى بْن خطاب، أَبُو القاسم القرْطُبي الزاهد. [المتوفى: 576 هـ]
من أهلِ التصوف والهَدْي الصالح، وكان يوصف بإجابة الدعوة. أمَّ بجامع قُرْطُبة مُدَيدَة، ثم رغب فِي الانقباض. وكان يعظ ويقصده الناس للبركة.(12/582)
202 - سالم بْن إِسْحَاق بْن الْحُسَيْن البزاز، أَبُو المعالي التنوخي. [المتوفى: 576 هـ]
تاجر صاحب مُرُوءة وخير.
قال الشيخ الموفق: كان ذا مروءة وكرم، حملني والحافظ عبد الغني من بغداد إلى دمشق، وكنا نرى منه كرماُ وبذلا.
قلت: روى عَن سعيد ابن البنّاء، وجماعة من البغداديين. سمع منهم بعد الأربعين وخمس مائة.
وروى عَنْهُ أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، والحافظ عَبْد القادر، والشيخ الموفق. وكان يسافر كثيرًا للتجارة. وتُوُفي فِي عَشْر الستين.(12/582)
203 - سَعِيد بْن الْحُسَيْن بْن سَعِيد بْن مُحَمَّد، أَبُو المَفَاخر الهاشمي المأموني النيسابوري الشريف. [المتوفى: 576 هـ]
قدِم مصر وحدث بها " بصحيح مُسْلِم " غير مرة عَن أَبِي عَبْد اللَّه الفراوي. روى عَنْهُ أَبُو الْحَسَن بْن المفضل المقدسي، وصالح بْن شجاع المدلَجي، وأحمد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز ابْن الجباب، وحفيده مُحَمَّد بْن مُحَمَّد المأموني، وآخرون.
ورخه ابن المفضل.(12/582)
204 - سَعِيد بْن عَبْد اللَّه بْن القاسم، فخر الدين أَبُو الرضا، [المتوفى: 576 هـ]
أخو القاضي كمال الدين مُحَمَّد الشهرزوري.
فقيه شافعي، سمع بالعراق من زاهر الشحامي، والقاضي أَبِي بَكْر، وجماعة. وتفقه بخُراسان عند الفقيه مُحَمَّد بْن يحيى. وعاد إلى المَوْصِل، وتقدم وسادَ، وصار أوجه أهل بيته، وسار فِي الرسلية إلى بغداد.
سمع منه هبة اللَّه بْن الْحَسَن الفقيه، والياس بْن جامع الإربلي، وأحمد بْن صَدَقة. وتُوُفي فِي جُمادى الآخرة فِي العَشْر الأخير عَن سبعين سنة.(12/583)
205 - سُلَيْمَان بْن أَحْمَد بْن سُلَيْمَان، وبعض أصحابه قال فيه: سليمان بن خَلَف، أَبُو الْحُسَيْن الإشبيلي، جد أَبِي الْعَبَّاس أحمد ابن سيد الناس لأمه. [المتوفى: 576 هـ]
سمع من أَبِي بَكْر بْن طاهر، وأبي الْحَسَن شُرَيْح، وأخذ عَنْهُ القراءات. وسمع من ابْن العربي، وغير واحد.
وكان مُقْرِئًا، نَحْوِيًا، ضابطًا، مجودًا. أخذ عَنْهُ أَبُو مُحَمَّد، وأَبُو سُلَيْمَان ابْنَا حوط الله، ومفرَّج بْن حسين الضرير، وغيرهم.
حدث فِي هذا العام وأنقطع ذِكره.(12/583)
206 - سُلَيْمَان بْن مُحَمَّد بْن حَسَن، أَبُو طَالِب العُكبريّ، ثم الواسطي، المقرئ. [المتوفى: 576 هـ]
قرأ القراءات على ابْن شيران، وأبي بَكْر المزرَفيّ، وسِبْط الخياط، والشهرزوري.
قرأ عَلَيْهِ ابن الدّبيثي، وعليّ بن منصور البُرسفيّ.(12/583)
207 - عبد الله ابن المحدِّث عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن صابر السُّلَميّ، أَبُو المعالي الدمشقي، ويُعرف بابن سيده. [المتوفى: 576 هـ]
وُلِد سنة تسعٍ وتسعين وأربع مائة. وسمع الشريف أَبَا القاسم النسيب، وأبا طاهر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الحِنّائيّ، وابن الموازيني، وطبقتهم. [ص:584]
وحدث ببغداد فسمع منه الحافظ أَبُو سعد السمعانيّ كتاب " المروءة ". وذكره فِي " الذيل " فقال: شابٌ قدِم بغداد للتجارة.
وذكره أَبُو المواهب بْن صَصْرَى فِي " معجمه " فقال: باع كُتُب أَبِيهِ وعمه بثمنٍ بخْس، وأعرض عَن الخير فِي وسط عمره، ثم أقلعَ فِي آخره. وسُمع منه مِن النُّسَخ التي بأيدي الناس. وتُوُفي فِي رجب.
قلت: وَرَوَى عَنْهُ الحافظ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الغنيّ، والشيخان أبو عمر والموفق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والشمس عُمَر بْن المنجى، وسالم بْن عَبْد الرزاق، وأخوه يحيى، وعبد الحق بْن خَلَف، والحافظ الضياء، وغيرهم.(12/583)
208 - عَبْد اللَّه بْن خَلَف بْن مُحَمَّد بْن حبيب بْن فَرقد، أَبُو مُحَمَّد القُرشِي، الفِهْري، الأندلسي، الإشبيليّ. [المتوفى: 576 هـ]
سمع من أخيه أَبِي إِسْحَاق من أَبِي مُحَمَّد بْن عتّاب، وأبي الحسن بن بقيّ. وناظَرَ فِي الرأي عَن أَبِي عَبْد اللَّه ابن الحاجّ. وأخذ القراءات عن أبي عمرو موسى بْن حبيب عَن مكي بْن أَبِي طَالِب.
وقال الأبار: كان حافظًا للفقه، صادِعًا بالحق. مولده بعد التسعين وأربع مائة حدث عَنْهُ ابنه أَبُو القاسم.(12/584)
209 - عَبْد اللَّه بْن مُغِيث بْن يونس بْن مُحَمَّد بْن مغيث بْن مُحَمَّد بْن يونس بْن عَبْد اللَّه بْن مغيث، أبو محمد ابن الصفار الْأَنْصَارِيّ، القُرْطُبي. [المتوفى: 576 هـ]
روى عَن جَدّه أَبِي الحسن، وأبي عبد الله ابن الحاجّ، وأبي الحسن شُرَيح، وأبي بكر ابن العربي، وجماعة. ووُلّي قضاء الجماعة بقُرطُبة ثمانية عشر عامًا.
قال الأبار: رَوَى عَنْهُ أَبُو القاسم ابن الملجوم، وعامر بْن هاشم، وأبو [ص:585] مُحَمَّد بْن حَوْط الله، وأخوه أَبُو سُلَيْمَان بْن حَوط اللَّه. وتُوُفي فِي ربيع الأول وَلَهُ ستون سنه.(12/584)
210 - عَبْد اللَّه بْن يَزِيدَ بْن عَبْد اللَّه، القاضي أَبُو مُحَمَّد السعدي، الغَرناطيّ، ثم اليحصُبيّ. [المتوفى: 576 هـ]
من قلعة يحصُب.
حدث فِي هذا العام عَن أَبِي الوليد بْن طريف، وأبي الحسن بن الباذش، وطائفة. وعنه الأخَوان ابنا حوط اللَّه، وابن دحية، وآخرون.(12/585)
211 - عَبْد اللَّه بْن يوسف بْن عليّ بن محمد، القضاعيّ، المريي. [المتوفى: 576 هـ]
سمع من أَبِيهِ. وبالثغر من أَبِي عَبْد الله مُحَمَّد بن أَحْمَد الرازي. روى عنه علي بْن المفضل الحافظ.
بقي إلى هذا العام.(12/585)
212 - عبد الجبار بْن يحيى بْن علي بْن هلال، أَبُو سَعِيد الأزَجيّ، الدباس، المعروف بابن الأعرابي. [المتوفى: 576 هـ]
سمع أَبَا القاسم بْن بيان، وأَبَا ياسر البرَدانيّ، ومُحَمَّد بْن عَبْد الباقي الدوري، وابن الحُصَيْن، وجماعة. سمع منه أبو محمد ابن الخشاب مع تقدمه. وروى عَنْهُ ابْن الدبيثي، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وجماعة. وتُوُفي فِي ربيع الآخر وَلَهُ ستٌ وسبعون سنة.(12/585)
213 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد العزيز بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ بن عبد الرحمن بن سَعِيد بْن حُميد بْن أَبِي العجائز، أَبُو الفهْم الأَزديّ، الدمشقي. [المتوفى: 576 هـ]
من بيت الحديث والرواية. سمع أَبَا طاهر الحِنّائيّ، وغيره. روى عَنْهُ الحافظ ابْن عساكر، وابنه القاسم، وأبو المواهب بن صصرى، وإبراهيم ابن الخُشوعيّ، ومكي بْن علان، وطائفة.
وكان ملازمًا لحلقة الحافظ ابْن عساكر. [ص:586]
تُوُفي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي جُمادى الآخرة، وَلَهُ ثمانون سنة. وهو راوي حديث ابن سختام.(12/585)
214 - عبد الرحمن بن أحمد بن أحمد بن محمد، أبو جعفر ابن القصير الأَزديّ، الغرناطي. [المتوفى: 576 هـ]
روى عَن أبيه أَبِي الْحَسَن، وعمه أَبِي مروان عَبْد الملك، وأبي الْحَسَن بْن الباذش، وأبي الوليد بْن رُشْد، والقاضي عِياض.
وكان وجيهًا في بلده، من بيت تقدم، وكان كثير العناية بالرواية، وَلَهُ حظٌ وافرٌ من الفقه والأدب. وصنف تصانيف منها شيء من مناقب أهل عصره. وحج وسكن بإفريقية وتونس. ووُلّي القضاء. وحدث عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه بْن نافع الخطيب.
غرق فِي البحر فِي آخر العام رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى.(12/586)
215 - عَبْد العزيز بْن عَبْد الواحد بْن عَبْد الماجد بْن عَبْد الواحد بْن أَبِي القاسم القُشيريّ، أَبُو المحاسن النَّيْسابوري، الصوفي. [المتوفى: 576 هـ]
تُوُفي فِي ربيع الأول، وَلَهُ خمسون سنة.
روى عن عبد المنعم ابن القُشيريّ. رَوَى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن صَصْرَى.(12/586)
216 - عُبَيْد اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هبة الله ابن رئيس الرؤساء، أبو الفضل ابْن الوزير أَبِي الفَرَج، يُلَقب كمال الدين. [المتوفى: 576 هـ]
استنابه أبوه في الأستاذداريّة ثم استقل بها عندما وَزَر أَبُوهُ. وكان ذا غِلْظة وشدة وطأة وصرامةٍ وقساوة وسوء سيرة. كانت الألسِنة مُجْمِعَة على ذَمْه. وَلَهُ شِعْرٌ جيد.
قال العماد الكاتب: هُوَ شهم مَهِيب، وَلَهُ فهم مُصيب. وهو غضنفر بني المظفّر، وقيل: بني الرفيل. ومن شعره: [ص:587]
وأهيَفُ معسول النكاهة واللَّمى ... مليح التثني والشمائل والقدّ
به ريّ عيني وهو ظام إلى دمي ... وخدي لَهُ ورد ومن خده وردي
تُوُفي فِي الكُهُولة. وقد عُزل عَن أستاذية الدار لسوء سيرته، فِي أيام أَبِيهِ. وخافه مجد الدين ابْن الصاحب أستاذ دار الخليفة الناصر، فدقق الحيلة فِي القبض عَلَيْهِ، ثم صادره وعاقبه عقوبة شديدة. وقيل إنه رفسه بِرجله فمات منها.(12/586)
217 - علي بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن بكروس، أَبُو الْحَسَن. [المتوفى: 576 هـ]
وُلِد سنة تسع وخمس مائة. وتُوُفي فِي ثالث ذي الحجة ببغداد.
كذا سماه ابْن مشِّق، وسيُعاد.(12/587)
218 - عليّ بن عبد الرحيم بن الحسن بن عبد الملك، أبو الحسن ابن العصّار السُّلَميّ، المِرداسيّ، الرَقّيّ، ثم البغدادي، اللغوي. [المتوفى: 576 هـ]
كان علامة العرب وحُجة الأدب فِي نقل اللغة. أخذ عن أبي منصور ابن الجواليقي، وكتب الكثير. وأكثر المطالعة. وكان مليح الخط، وأنيق الوِراقة والضبط، ثقة، ثبتا. سافر إلى مصر تاجرا، وأقام بها مدة، وقرأ بها الأدب على أبي الحجاج يوسف بن محمد بن الحسين الكاتب ابن الخلال صاحب ديوان الإنشاء. ثم قدِم بغداد، وتصدر للإقراء والإفادة فِي داره. وكان الفُضلاء يترددون إليه، ويقرؤون عليه كتب الأدب. وسمع من أبي الغنائم ابن المهتدي، وأبي العز بْن كادَش، وجماعة. روى عنه أبو الفتوح ابن الحُصري، وابن أخته أَحْمَد بْن طارق، وغيرهما.
وتُوُفي فِي المحرم. ووُلِد سنة ثمانٍ وخمس مائة.
قال ابْن النجار: وخلف مالًا طائلًا، وكان بخيلًا مقترًا على نفسه رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى.
قلت: كان آيةً فِي اللغة، وهو متوسط فِي النحْو، وكان تاجرًا متمولًا، سافر إلى مِصْر. ويحضر حلقة ابْن بَري ويأخذ عَنْهُ النحو. وكان ابْن بَري [ص:588] يأخذ عَنْهُ اللغة، وكان يحفظ من أشعار العرب ما لا يوصف.(12/587)
219 - علي بْن مُحَمَّد بْن المبارك بْن أَحْمَد بْن بَكْروس، أَبُو الْحَسَن أخو أَبِي الْعَبَّاس، البغدادي الحنبلي. [المتوفى: 576 هـ]
شيخ صالح، سمع الكثير بنفسه. روى عَن أَبِي الغنائم مُحَمَّد بْن محمد ابن المهتدي بالله، وابن الحصين، وأبي غالب ابن البناء، وهبة اللَّه الشُروطيّ، وجماعة.
روى عَنْهُ موفّق الدين ابن قُدامة، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والياس الإربلي وآخرون.
تُوُفي فِي ذي الحجَّة.(12/588)
220 - عُمَر بْن عَبْد الرحمن بن عذرة، أبو حفص الْأَنْصَارِيّ، الأندلسي، [المتوفى: 576 هـ]
من أهل الجزيرة الخضراء.
روى عن أبي بكر ابن العربي، وأبي الْحَسَن بْن مُغِيث، وأبي القاسم بْن بقِيّ. ووُلي قضاء بلده وقضاء سبتَة. وكان فقيها مشاورا، له النظم والنثر.
أخذ عَنْهُ أَبُو الوليد القسطَليّ، وعمر بْن عَبْد المجيد النحويّ، وجماعة.
توفّي في رمضان.(12/588)
221 - غازي، سيف الدين صاحب الموصل ابْن الملك قُطْب الدين مودود بْن أتابك زنكي بْن أقسنقر التركي. [المتوفى: 576 هـ]
والد سنجر شاه صاحب جزيرة ابْن عُمَر.
لما مات أَبُوهُ قُطْب الدين بلغ السلطانَ نورَ الدين الخبر، وهو على تل باشَر، فسار فِي الحال إلى الموصل، وأتى الرقة فِي أول سنة ست وستين فملكها، ثم سار إلى نصيبين فمكلها، ثم أخذ سَنْجَار فِي ربيع الآخر، ثم أتى الموصل، وقصد أن لَا يقابلها، فعبر بجيشه من مخاضة بلدٍ ثم نزل قُبَالة الموصل، وأرسل إلى غازي وعرفه صحة قصده، فصالحه. ونزل الموصل ودخلها، وأقر صاحبها فِيهَا، وزوجه بابنته، وعاد إلى الشام، فدخل حلب في [ص:589] شعبان من السنة. فلما تملك صلاح الدين وسار إلى حلب وحاصرها، سير إليه غازي جيشًا عَلَيْهِ أخوه عز الدين مَسْعُود، فالتقوا عند قرون حماه، فأنكسر عز الدين. فتجهز غازي وسار بنفسه، فالتقوا على تل السلطان، وهي قرية بين حلب وحماه فِي شوال سنة إحدى وسبعين، فانكسرت ميسرة صلاح الدين بمظفّر الدين ابن زين الدين صاحب إربل، فإنه كان على ميمنة غازي، فحمل السلطان صلاح الدين بنفسه، فأنهزم جيش غازي فعاد إلى حلب، ثم رحل إلى الموصل. ومات بالسل فِي صَفَر. وعاش نحوًا من ثلاثين سنة.
قال ابْن الأثير: كان مليح الشباب، تام القامة، أبيض اللون، وكان عاقلًا وقُورًا، قليل الالتفات. لم يُذكر عنه ما ينافي العفة. وكان غيورًا شديد الغيرة، يمنع الخدّام الكبار من دخول الدور، وَلَا يحب الظُّلْم، على شحّ فيه وجبن.
قلت: ودار الخمر والزنا ببلاده بعد موت نور الدين، فمقته أهل الخير. وقد تاب قبل موته بيسير، وتملك بعده أخوه مَسْعُود، فبقي ثلاث عشرة سنة.(12/588)
222 - مُحَمَّد بْن حامد، أَبُو سَعِيد الأصبهاني. [المتوفى: 576 هـ]
من حفاظ الحديث ببلده.
يروي عَن أَبِي العلاء صاعد بْن سيار الدهان. وغيره.
تُوُفي بإصبهان.(12/589)
223 - مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن هشام. الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه الخُشني، الرندي، نزيل مالقة، ويُعْرف قديمًا باسم العويص. [المتوفى: 576 هـ]
أخذ القراءات عن منصور ابن الخير، وعن أَبِي القاسم بْن رضا. وسمع من ابْن مغيث، وابن مكي، وجماعة. وناظر فِي " كِتَاب سِيبوَيْه " على ابْن الطرَاوة وَرَوَى عَنْهُ، وعن أَبِي مُحَمَّد البَطَلْيوسي.
قال الأبار: وكان مقرئًا ماهرًا، نحويًا، لغويًا، دأب على تعليم القرآن والعربية دهره. وحدّث. وتوفي بمالقة في شوال. حدثنا عنه ابن حوط الله، وأبو العباس العزفي.(12/589)
224 - مُحَمَّد بْن علي بْن محبوب، أَبُو بَكْر البغدادي المُسَدي. [المتوفى: 576 هـ]
سمع أَبَا العز مُحَمَّد بْن المختار، وأحمد بْن الْحُسَيْن بْن قريش. وعنه ابْن الحُصْري، ومحمد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بن جرير. وكان رجلا مباركًا.
تُوُفي فِي ربيع الآخر.(12/590)
225 - مُحَمَّد بْن محمد بن مواهب، أبو العز ابن الخُراساني، البغدادي، الشاعر، [المتوفى: 576 هـ]
صاحب العَرُوض ومصنف النوادر المنسوبة إلى حدّة الخاطر.
قرأ الأديب على: أبي منصور ابن الجواليقي. وله ديوان شعر في خمسة عشر مجلدا، قاله العماد الكاتب، ومصنفات أدبية. ومدح الخلفاء والوزراء، وتغير ذهنه في آخر أيامه قليلا. وكان بارع الأدب، بصيرا بالعروض، مقدما في اللغة والنحو، صاحب مُجْون وخلاعة ونوادر.
سمع أَبَا الْحُسَيْن المبارك بْن عَبْد الجبار، وأبا سعد بْن خُشَيْش، وأحمد بْن المظفر بْن سَوْسن، وأبا علي بْن نبهان.
قال ابن الدّبيثي: سمعت منه وتركته لتغيره. وأجاز لي قبل أن يتغيَّر ذهنه.
قلت: رَوَى عَنْهُ الشَّيْخ الموفق، والبهاء عبد الرحمن، وجماعة. وتوفي فِي رَمَضَان، وَلَهُ اثنتان وثمانون سنة.
قال ابْن الدبِيثي: أنشدنا فِي المسترشد بالله:
قُلْ للإمام الَّذِي أنعامه نعمٌ ... وسح كفَّيْهِ منه تخجل الديَمُ
وعرضه وافر فِي كل نازِلة ... وماله فِي جميع الناس مقتسَمُ
وبحره الْجَم عذْبٌ ماؤه غدَقٌ ... سهل الشرائعِ غمر طيب شبم
مسترشد إنْ بَدَا فالبدر غُرَّتُهُ ... وإنْ يقلْ كَلِما فالدُّرُّ منتظِم(12/590)
226 - المبارك بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد، أَبُو منصور البغدادي. [المتوفى: 576 هـ][ص:591]
قال الدبِيثي: كان خيرًا متيقظًا. سمعت عَلَيْهِ. روى عَن ابْن الحُصَيْن، وزاهر بْن طاهر. ولازَم ابْن ناصر فأكثر. وتُوُفي فِي رَمَضَان.(12/590)
227 - المبارك بْن المبارك بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن الحكيم، أَبُو بَكْر الخياط البغدادي. [المتوفى: 576 هـ]
سمع أَبَا الْحَسَن العلاف، وشجاعًا الذُّهْلي، وأبا علي بْن المهديّ، وغيرهم. روى عَنْهُ إلياس بْن جامع، وابن الأخضر، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وآخرون.
تُوُفي أَيْضًا فِي رَمَضَان.(12/591)
228 - المبارك بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بن العرمرم، أبو جعفر ابن أبي طاهر ابن الواسطي، البغدادي. [المتوفى: 576 هـ]
له إجازة من جَعْفَر السراج، وأبي الحسين ابن الطيوري. سمع منه علي بن أحمد الزيدي، ومحمد بن سعيد ابن الدَّبيثي.
مات فِي ذي القعدة سنة ست.(12/591)
229 - مَسْعُود بن عُمَر الملّاح. [المتوفى: 576 هـ]
سمع أَبَا الْحَسَن ابن الزَّاغوني، وعلي بْن الفاعوس. روى عَنْهُ أَبُو الْحَسَن القطِيعي فِي " تاريخه ".(12/591)
230 - مَسْعُود بْن محمود بْن أَحْمَد بْن عَبْد المنعم بْن ماشاذة، الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه الأصبهاني، المفسر، الفقيه. [المتوفى: 576 هـ]
قال ابن النجار: كان إمامًا حافظًا، قيمًا بالمذهب، والخلاف، والتفسير، والوعظ. سمع غانمًا البُرجي، وأَبَا علي الحداد، ومحمود بْن إِسْمَاعِيل، وعبد الكريم بْن فُورجة. وحجَّ وحدث ببغداد، وجلس للوعظ، ولقي القبول التام، واستحسن الأكابر كلامه.
قلت: ولم يذكر أن أحدًا روى عنه.(12/591)
231 - المسلم بْن عَبْد المحسن بْن أَحْمَد، أَبُو الغنائم الكَفَرْطابيّ، ثم الدمشقي، البزاز. [المتوفى: 576 هـ]
سمع من جدِّه لأمه أَبِي طاهر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الحِنائي. ودخل بغداد للتجارة، وسمع بها عَليّ بْن هبة اللَّه بْن عَبْد السَّلَام. أخذ عَنْهُ عُمَر بْن مُحَمَّد بْن جَابِر، وإلياس بْن جامع، وغيرهما. وتُوُفي فِي جُمادى الآخرة عَن إحدى وسبعين سنة.(12/592)
232 - مطهر بْن خَلَف بْن عَبْد الكريم بْن خَلَف بْن طاهر بْن مُحَمَّد الشحامي النَّيْسابوري. [المتوفى: 576 هـ]
حدث بدمشق عَن وجيه بْن طاهر. وكان صوفيًا ينسخُ بالأجرة.
روى عَنْهُ أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وأخوه أَبُو القاسم، ومحمد البَلْخي المقرئ.(12/592)
233 - المظفّر بن محمد بن عبد الباقي بن حند، أبو عبد الله البناء، البغدادي، [المتوفى: 576 هـ]
وهو ابن عم أبي المعمر بقاء بْن عُمَر.
سمع أَبَا طَالِب بْن يوسف، وأبا الحسن الزاغوني، وأبا غالب ابن البناء. روى عَنْهُ أَحْمَد بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجي وأثنى عليه. وتوفي في ربيع الآخر.(12/592)
234 - نصر اللَّه بْن أَحْمَد بْن حمزة بْن أبي الجحجّاج، أَبُو الفتح العَدَوي، الحلبي، ثم الدمشقي، العطار. [المتوفى: 576 هـ]
حدث عَن هبة اللَّه بْن طاوس. وعنه أبو القاسم بن صصرى.(12/592)
235 - هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن هلال، أبو الفرج ابن الإعرابي، الأزجي، الدَّبَّاس. [المتوفى: 576 هـ]
سمع أَبَا القاسم بْن بيان، وأَبَا الغنائم النرْسي، وأَبَا ياسر البرْداني. سمع منه أبو محمد ابن الخشاب، وعمر بْن علي القُرَشي. وتُوُفي فِي رجب.
وهو أسَنْ من ابْن عمّه عَبْد الجبار بعامين.(12/592)
236 - واثق بْن الْحُسَيْن بْن علي العطار أَبُو الحسين ابن السّمّاك. [المتوفى: 576 هـ]
سمع أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا غالب ابن البناء. روى عنه عبد الله بن أحمد الخباز. وعاش ثلاثًا وستين سنة.(12/593)
237 - يوسُف بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَبِي سعد الموصلي ثم البغدادي، [المتوفى: 576 هـ]
أخو سُلَيْمَان وعلي، ووالد الموفق عَبْد اللطيف.
صحِب أَبَا النجيب السهروردي وتفقّه عليه. وسمع أبا القاسم ابن السمرقندي، وأَبَا منصور بْن خَيْرون، وخلقًا. وسمع ابنه، وحدث.
وتُوُفي فِي المحرم، وَلَهُ إحدى وستون سنة.(12/593)
238 - يونس بْن مُحَمَّد، أَبُو الوليد القَسْطلي، الأندلسي. [المتوفى: 576 هـ]
مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ وأعيان البُلغاء. كتب لبعض ملوك الأندلس، وصنفَ فِي الأدب.(12/593)
-وَفِيهَا وُلِد:
كمال الدين مُحَمَّد ابْن قاضي القُضاة صَدْر الدّين عَبْد الملك بْن درباس الماراني فِي ربيع الأول.(12/593)
-سنة سبع وسبعين وخمس مائة(12/594)
239 - أحمد بن جميل بْن الْحَسَن، أَبُو منصور الأزَجْي الكاتب، الشَّيْبَانيّ، [المتوفى: 577 هـ]
مصنف " المقامات العشرين ".
أديب بارع، وشاعر مُحْسِن. روى عَنْهُ ولده يوسف.
تُوُفي فِي ربيع الأول ببغداد.(12/594)
240 - أَحْمَد بْن عَبْد الملك بْن عُمَيْرة، أَبُو جَعْفَر الضبي، الأندلسي. [المتوفى: 577 هـ]
سمع بُمرْسية من أَبِي علي الصَّدَفي، وأبي مُحَمَّد بْن أَبِي جَعْفَر الفقيه. وبقرطُبة أَبَا مُحَمَّد بْن عتاب، وابن رُشْد. ولقي بمصالة منصور بْن الخير وأخذ عَنْهُ القراءات. وحجَّ، وكان زاهدًا عابدًا، قانتًا لله.
روى عَنْهُ سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه، وأحمد بْن يحيى بْن عُمَيْرة.
وتُوُفي عَن سِن عالية.(12/594)
241 - أَحْمَد بْن عَليّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن سُلَيْمَان بن سند، أبو العباس الأندلسي، الكناني، النحْوي، من أهل إشبيلية. وكان يُعرف باللص؛ [المتوفى: 577 هـ]
لإغارته على الأشعار فِي حداثته.
روى عَن أبي بحر الأسدي، وأبي محمد بن صارة. وأقرأ العربية والآداب واللغة. وكان شاعرًا مُحْسِنًا.
روى عَنْهُ أَبُو الحسين بن زرقون، وأبو الخطاب بْن دحية.
وعاش بضعًا وسبعين سنة، وتُوُفي سنة سبع أو سنة ثمانٍ وسبعين.(12/594)
242 - أَحْمَد بْن علي بْن سَعِيد، أَبُو العباس الخوزي الصوفي. [المتوفى: 577 هـ]
قرأ القرآن بواسط، وسمع بها من أبي علي الحسن بن إبراهيم الفارقي. وببغداد من أَبِي بَكْر الْأَنْصَارِيّ. [ص:595]
وكان رجلًا صالحًا. عاش سبعا وسبعين سنة.(12/594)
243 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَليّ بْن هبة اللَّه بْن عَبْد السَّلَام، أَبُو الغنائم الكاتب، [المتوفى: 577 هـ]
أخو أبي منصور عبد الله.
سمع أبا علي ابن المهدي، وأَبَا القاسم بْن الحُصَيْن. وحدث.
قتله غلام له بداره طمعًا في شئ كان لَهُ فِي المحرم. وقيل: فِي سنة ست.
ووُلِد سنة أربعٍ وخمس مائة.(12/595)
244 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي القاسم، الشَّيْخ أَبُو الرشيد الخفيفي، الصوفي، الزاهد. [المتوفى: 577 هـ]
قال ابْن النجار: قدِم بغداد شابًا من أبهَر زنجان، وتفقه مدة. وسمع زاهر الشحامي، وأبا بَكْر مُحَمَّد بن عبد الباقي، وجماعة. ثم صحب أَبَا النجيب السَّهْرُوَرديّ؛ وانقطع، وجلس فِي الخَلْوَة، وظهر لَهُ الكرامات، وفُتِح عَلَيْهِ.
روى لنا عَنْهُ أَبُو نصر عُمَر بْن مُحَمَّد بْن جابر المقرئ.
وقرأت بخط عُمَر بْن علي القُرَشي: جَلَسَ أَبُو الرشيد الأبهري فِي الخَلْوة اثنتي عشرة سنة، وفُتِح لَهُ خيرٌ كثير، وظهر كلامه. وقد كتب من كلامه ما يُقارِب ثمانين مجلدة.
قال ابن النجار: بلغني أنه مات فِي جُمادى الآخرة. وكان منسوبًا إلى ابْن خفيف الشيرازي.(12/595)
245 - أَحْمَد بْن مواهب بْن حَسَن، أَبُو عَبْد الرَّحْمَن البغدادي، المعروف بغلام الزاهد ابْن العلبي. [المتوفى: 577 هـ]
شيخ صالح، سمع أَبَا طَالِب بْن يوسف. سمع منه ابنه عَبْد الرَّحْمَن، وتميم بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجي، والحافظ عَبْد القادر الرهاوي. سمعوا منه فِي هذه السنة، وانقطع خبره.(12/595)
246 - إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مهران، الإمام رضي الدين أبو طاهر الجزَري الفقيه الشافعي. [المتوفى: 577 هـ]
تفقه وبرع على شيخه أبي القاسم ابن البزْري، ثم تفقه ببغداد بالنظامية. وسمع من الكروخي. ودرس ببلده وساد بعد ابْن البزري.
مات فِي المحرم عَن أربعٍ وستين سنة.
ذكره الفرضي.(12/596)
247 - إسماعيل، الملك الصالح نور الدين، أبو الفتح ابن الملك العادل نور الدين محمود بْن زنكي التركي. [المتوفى: 577 هـ]
خَتنه أَبُوهُ فِي سنة تسعٍ وستين، وسر به، وزينوا دمشق، وكان وقتًا مشهودًا وهو يوم عيد الفِطْر. وزُينت دمشق أيامًا وضُرِبت خيمة بالميدان، وصلى هناك بالناس شمس الدين قاضي العسكر، وخَطَب، ثم مُدَّ السّماط العام، وأُنِهبَ على عادة التُّرْك. وعاد نور الدين إلى القلعة فمد سماطه الخاص، ولعب من الغد بالكرة، فاعترضه برتقش أمير آخر وقال له: باش. فاغتاظ بخلاف عادته، وزبر برتقش، ثم ساقَ ودخل القلعة، فما خرج منها إلَّا ميتًا.
وتُوُفي نور الدين بعد الخِتان بأيام، فحلف أمراء دمشق لابنه أنْ يكون فِي السَّلْطَنة بعده، وهو يومئذ صبي، ووقعت البطاقة إلى حلب بموت نور الدين، ومتوليها شاذبخت الخادم، فأمر بضرب البشائر، وأحضر الأمراء والعلماء وقال: هذا كِتَاب من السلطان بأنه ختن ولده وولاّه العهد بعده. ومشى بين يديه فسروا بذلك ثم قال تحلفون له كما أمر بأن حلب له؟ فحلفوا كلهم فِي الحال. ثم قام إلى مجلس فلبس الحِداد، وخرج إليهم وقال: يُحسِن الله عزاكم في الملك العادل وبكى.
وأما صلاح الدين فسار إلى الشام ليكون هو المدبّر لدولة هذا الصبي، ويستولي على الأمور.
ووقعت الفتنة بحلب بين السنة والرافضة. ونهبت الشيعة دار قطب [ص:597] الدين ابن العجمي، ودار بهاء الدين ابن أمين الملك. ونزل جماعة من القلعة وأمَرهُم الأمير شمس الدين علي بْن مُحَمَّد ابْن الداية والي القلعة أن يزحفوا إلى دار أبي الفضل ابن الخشاب رئيس الشيعة، فزحفوا إليها ونهبوها، واختفى ابْن الخشاب.
ثم وصل الصالح إِسْمَاعِيل إلى حلب فِي ثاني المحرم من سنة سبعين، ومعه سابق الدين عثمان ابْن الداية، فقبض عَلَيْهِ، وصعِد القلعة، وظهر ابْن الخشاب، وركب فِي جَمْعٍ عظيم إلى القلعة، فصعدِ إليها، والشيعة تحت القلعة وُقُوف. فَقُتِلَ بها ابْن الخشاب وتفرق ذلك الْجَمْع. وسُجِن شمس الدين علي ابن الداية وأخواه: سابق الدين عثمان، وبدر الدين حَسَن.
ودخل السلطان صلاح الدين دمشق فِي سلخ ربيع الآخر، ثم سار إلى حمص فملكها. ثم نازلَ حلب فِي سَلْخ جُمادى الأولى، فنزل الملك الصالح إلى البلد، واستنجد بأهل البلد، وذكرهم حقوق والده، فوعدوه بالنَّصْر، وجاءته النجدة من ابْن عمّه صاحب الموصل مع عز الدين مَسْعُود بْن مودود. فرد السلطان صلاح الدين إلى حماه، وتِبعه عز الدين مَسْعُود، فالتقوا عند قرون حماه فِي رَمَضَان. فانكسر عز الدين وانهزم، ورد صلاح الدين فنازل حلب، فصالحوه وأعطوه المَعَرَّة، وكَفَرْطاب، وبارين.
ثم جاء صاحب الموصل سيف الدين غازي فِي جيشٍ كثيف، وجاء صلاح الدين بعساكره، فالتقوا فِي شوال سنة إحدى وسبعين، فانكسر صاحب الموصل على تل السلطان، وسار صلاح الدين، فأخذ منبج، ثم نازل عزاز ففتحها، ثم نازل حلب فِي ذي القعدة، وأقام عليها مدة. وبذل أهلها المجهود فِي القتال، بحيث أنهم كانوا يحملون ويصلون إلى مخيم صلاح الدين، وأنه قبض على جماعة منهم، فكان يشرح أسافل أقدامهم، وَلَا يمنعهم ذلك عَن القتال، فلما ملَّ صالَحَهُم وسار عَنْهَا. وخرجت إليه أخت الملك الصالح، وكانت طفلة، فأطلق لها عزاز لما طَلَبَتْها منه. وكان تدبير أمر حلب إلى والدة الصالح، وإلى شاذبخت، وخالد ابن القيسراني. [ص:598]
ثم إن الصالح مرض بالقولنج جُمعَتَين، ومات فِي رجب من سنة سبْع، وتأسَّفوا عَلَيْهِ، وأقاموا عليه المآتم، وفرشوا الرَّماد فِي الأسواق، وبالغوا فِي النوح عَلَيْهِ. وكان أمرًا مُنْكَرًا.
وكان ديِّنًا، عفيفًا، ورِعًا، عادلًا، محببًا إلى العامة، متِبعًا للسنة، رَحِمَهُ اللَّهُ، ولم يبلغ عشرين سنة.
وَذَكَرَ الْعَفِيفُ بْنُ سُكَّرَةَ الْيَهُودِيُّ، لَا رَحِمَهُ اللَّهُ، وَكَانَ يُطَبِّبُهُ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: يَا مَوْلانَا، وَاللَّهِ شِفَاؤُكَ فِي قَدَحِ خَمْرٍ، وَأَنَا أَحْمِلُهُ إِلَيْكَ سِرًّا، وَلَا تُعْلِمْ وَالِدَتَكَ، وَلَا اللالا، ولا أحد. فَقَالَ: كُنْتُ أَظُنُّكَ عَاقِلًا، نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهَا ". وَتَقُولُ لِي أَنْتَ هَذَا. وَمَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ أَشْرَبَهُ وَأَمُوتُ وَهُوَ فِي جَوْفِي؟!.
وقيل: تُوُفي وَلَهُ قريبٌ من ثماني عشر سنة. فتملك حلبَ بعده عز الدين مَسْعُود ابْن عمّه مودود.(12/596)
248 - أشرف بْن هبة اللَّه، أَبُو الْعَبَّاس الهاشمي البياضي، [المتوفى: 577 هـ]
إمام جامع المنصور.
سمع أحمد بن المُجلي، وهبة اللَّه بْن الحُصَين. سمع منه مُحَمَّد بْن مَشقْ، وأحمد بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجي. وتوفي في أول السنة.(12/598)
249 - خمرتاش، مولي أَبِي الفَرَج هبة اللَّه ابْن رئيس الرؤساء. [المتوفى: 577 هـ]
سمع من أبي الحسين ابن العلاف. روى عَنْهُ ابْن الأخضر، وغيره، ونصر ابن الحصري. وتوفي في رمضان.(12/598)
250 - سليمان بن أرسلان، المعروف بشرف الدين ابن شاووش البغدادي. [المتوفى: 577 هـ]
كان يخدم فِي السواد فَعَلا وساد، وناب فِي وزارة الناصر لدين اللَّه أول ما استخلف، ثم عُزِل بعد شهرين لشيخوخته وضعفه.
تُوُفي فِي جُمادى الأولى عَن سنّ عالية.(12/599)
251 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي سَعِيد، كمال الدين أَبُو البركات الأنباري النحوي، الرجل الصالح، [المتوفى: 577 هـ]
صاحب التصانيف المفيدة.
سكن بغداد من صباه، وتفقَّه بالنظامية على أبي منصور ابن الرزاز، وقرأ النحو على أبي السعادات ابن الشجري، واللغة على أبي منصور ابن الجواليقي. وبرع فِي الأدب حتى صار شَيْخ العراق فِي عصره، وأقرأ الناس ودرَّس النحو بالنظامية، ثم انقطع فِي منزله مشتغِلًا بالعِلم والعبادة والورع وإفادة الناس. وكان زاهدًا ناسكًا، تاركًا للدُّنيا، ذا صِدق وإخلاص.
قال الموفق عَبْد اللطيف: أما شيخنا كمال الدين الأنباري فلم أر في العبّاد والمنقطعين أقوى منه فِي طريقه، وَلَا أصدق منه فِي أسلوبه، جد محض لَا يعتريه تصنُّع، وَلَا يعرف الشرور، وَلَا أحوال العالم. وكان لَهُ من أَبِيهِ دار يسكنها، ودار وحانوت مقدار أجرتهما نصف دينار فِي الشهر ينتفع به ويشتري منه ورقًا. وسير إليه المستضيء خمس مائة دينار فردها، فقالوا لَهُ: اجعلها لولدك، فقال: إنْ كنت خَلَقْتُه فأنا أرزقه. وكان لَا يوقِد عَلَيْهِ ضوءًا. وتحته حصير قَصَب، وعليه ثوب وعمامة من قُطْن يلبسهما يوم الجمعة. وكان لَا يخرج إلَّا للجمعة، ويلبس فِي بيته ثوبًا خلقًا. وكان ممن قعد فِي الخَلْوة عند الشَّيْخ أَبِي النجيب. قرأ عَلَيْهِ مُعيد بالنظامية، فبقي يُكْثر الصياح والكلام، فلطمه على رأسه وقال: ويلك، إذا كنت تَجْتَر فِي المرعى مَتَى ترعى؟ وللشيخ مائة وثلاثون مصنفًا، أكثرها نحو، وبعضها فِي الفِقْه والأصول، والتصوف، والزهد، أتيت على أكثرها قراءة، وسماعًا وحِفْظًا.
قلت: من كُتُبه " أسرار العربية "، " الإنصاف فِي مسائل الخلاف"، [ص:600] " أخبار النحَاة "، " الداعي إلى الْإِسْلَام فِي عِلم الكلام "، " النور اللائح فِي اعتقاد السلَف الصالح "، " الجمل في علم الجدل "، " كتاب ما "، و" غرائب إعراب القرآن "، " ديوان اللغة "، " الضاد والظاء "، " تفسير لغة المقامات "، " شرح الحماسة "، " شرح المتنبي "، " نزهة الألبّاء في طبقات الأدباء "، " تاريخ الأنبار "، " نَسْمَةُ العبير فِي علم التعبير ".
روى الحديث عَن أبيه، وخليفة بْن محفوظ الأنباري، ومحمد بن محمد بن محمد بن عطّاف، وأحمد ابن نظام الملك. رَوَى عَنْهُ الحافظ أَبُو بَكْر الحازمي، وابن الدبيثي، وطائفة.
وتُوُفي فِي شعبان. وَلَهُ أربعٌ وستون سنة.
ومن شِعره:
دَع الفؤاد بما فيه من الحرق ... ليس التصوُّفُ بالتلبيس والخِرَقِ
بل التصوف صَفْوُ القلب من كدر ... ورؤية الصفو فيه أعظم الخرق
وصبر نفس على أدنى مطاعمها ... وعن مطامعها فِي الخلق بالخلق
وترك دعوى بمعنى فِيهِ حقته ... فكيف دعوى بلا معنى وَلَا خلق؟(12/599)
252 - عَبْد الصمَد بْن علي، أبو القاسم ابن الأخرم البغدادي، الحذاء. [المتوفى: 577 هـ]
سمع أَبَا علي الباقرحي، وأبا سعد ابن الطيوري، وأَبَا طَالِب اليُوسُفي.
سمع منه عُمَر القرشي، وجماعة. وتوفي فجاءة فِي ذي الحجة، وَلَهُ سبعون سنة.(12/600)
253 - عَبْد القادر بن علي بن نومة، أَبُو مُحَمَّد الواسطي الشاعر. [المتوفى: 577 هـ]
جالس أَبَا السعادات ابن الشجري، وأبا منصور ابن الجواليقي. ومَدَح الخلفاء. ومات غريبًا بمصر. [ص:601]
ومن شِعره:
أصيب ببلوى الجسم أيوب فاغْتَدَى ... به تضرب الأمثال إذ يذكر الصبرُ
فلما انتهى بلواه من بعد جسمه ... إلى القلب نادى مُعْلنًا: " مَسَّنِي الضر "
وكلُّ بلائيَ عند قلبي ولم أبحْ ... بشكوى الَّذِي ألقى ولم يظهر السر
هذا هَذَيان وقَولٌ من وراء العافية، ومجرد دعوى كاذبة. كما فشر من قَالَ:
وكُلُّ بلاء أيوب بعضُ بليتي
ولكن الشعراء فِي كل واد يهيمون، ويقولون ما لَا يفعلون. وكما قيل: أمْلَح الشعْر أكذبه.(12/600)
254 - عثمان بْن يوسف بْن أَبِي بَكْر بن عبد البرّ بن سيّدا بْن ثابت، أَبُو عَمْرو الْأَنْصَارِيّ، السرقسطي، المعروف بالبلجيطي. [المتوفى: 577 هـ]
أخذ القراءات عَن أَبِي زيد الوراق، ويحيى بْن مُحَمَّد القلعي.
وأخذ قراءة نافع عَن أَبِي زيد بْن حيوة. واختلف إلي أَبِي جَعْفَر بن سراج، وأبي الحسن بن طاهر وأخذ عنه العربية. وسمع " التيسير " سنة إحدى وعشرين وخمس مائة من ابن هذيل. وأقرأ القراءات، وسكن بلد لريّة ثم ولّي قضاءها.
وكان محققًا للقراءات، ضابطًا، إخباريًا، ذاكرًا، ماهرًا بالقضاء والشروط.
توفي عَن تسعين سنة فِي نصف ذي القعدة.
أخذ عنه أبو عمر بن عياد، وأبو عَبْد اللَّه بْن عياد، وأبو عَبْد اللَّه الشوني، وأبو الربيع بْن سالم.(12/601)
255 - علي بْن مُحَمَّد بْن الحَسَن، أَبُو المفاخر المستوفي البيهقي، الواعظ، الصُّوفي. [المتوفى: 577 هـ]
حدث ببغداد وواسط عَن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن صاعد، وعبد الغافر بْن إسماعيل، وأبي عبد الله الفراوي، وغيرهم. وتوفي رحمه الله في شعبان.(12/601)
256 - عمر بن علي ابن الزاهد محمد بن علي بن حمويه، أبو الفتح الجويني الصوفي، [المتوفى: 577 هـ]
شيخ الشيوخ بدمشق.
ولد في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة. وسمع من جده، وأبي عبد الله الفراوي، وأبي القاسم الشّحامي، وأبي الفتوح عبد الوهاب الشاذياخي، وعبد الجبار الخواري، وعبد الواحد الفارمذي. وأقام بدويرة السميساطي. وحدث؛ وإليه انتهى التقدم فِي التصوف. وكان السلطان صلاح الدين يحترمه ويُعَظْمه، وهو أخو أَبِي بَكْر وأبي سعد عَبْد الواحد.
روى عَنْهُ الحافظ أَبُو المواهب، وأخوه أَبُو القاسم الْحُسَيْن، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والحافظ الضياء، وآخرون. وتُوُفي فِي رجب، ودُفِن بمقابر الصوفية.
وذكره العماد الكاتب فقال: كبير الشأن كثير الإحسان، لم يكن لَهُ فِي عِلْم الطريقة والحقيقة مُسَاوٍ. وأقبلَ عَلَيْهِ نور الدين بكلّيته، وأمرني بإنشاء منشور لَهُ بمشيخة الشام، ورغبة بالإحسان فِي المُقام، ومن جملة ما أتحفه به عِمامةٌ ذهبية نفذ بها صلاح الدين من مِصْر، فبُذل لَهُ فِيهَا ألف دينار بزنة ذهبها، فلم يجب.(12/602)
257 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز، أَبُو عَبْد اللَّه الحِمْيَري، القُرْطُبيّ، المعروف بالأسْتِجِي [المتوفى: 577 هـ]
نزيل مالقة.
سمع " صحيح الْبُخَارِيّ " من شُرَيْح. وولي خطابة مالقة. وكان من أهل الفضل والصلاح.
ورّخه الأبّار، وقال: حدثنا عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه الأندرشي، وأبو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه.(12/602)
258 - مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن مَسْعُود بْن بَشْكُوال. أخو الحافظ أَبِي القاسم، أَبُو عَبْد اللَّه القُرْطُبيّ. [المتوفى: 577 هـ]
روى عَن أبيه، وأبي جَعْفَر البَطْروجي، وأبي الْحَسَن بْن مغيث. وكان فقيهًا شروطيًا. وأجاز لَهُ أَبُو علي بْن سُكرَة. [ص:603]
تُوُفي فِي جُمادى الآخرة قبل أخيه.(12/602)
259 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن شجاع بْن أَحْمَد بْن علي، أَبُو الطيب اللفتواني الأصبهاني. [المتوفى: 577 هـ]
سمع أباه أَبَا بَكْر، وجعفر بْن عَبْد الواحد الثقفي، وفاطمة الجوزدانية، وجماعة. وطلب بنفسه، وكتب، وقرأ.
تُوُفي فِي صَفَر.(12/603)
260 - المبارك بْن علي بْن مُحَمَّد بن خَلَف، أَبُو الفائز البرداني، الدلال فِي الدور. [المتوفى: 577 هـ]
سمع أَبَا الغنائم النرْسي، ومحمد بن الحسن ابن البنّاء، وأبا طَالِب بْن يوسف. روى عَنْهُ أَبُو بَكْر الحازمي، وابن الأخضر، وآخرون.
تُوُفي فِي جُمادى الآخرة وَلَهُ سبْعٌ وسبعون سنة. وقيل: إحدى وثمانون سنة.(12/603)
261 - هاشم بْن أَحْمَد بْن عَبْد الواحد بْن هاشم، أَبُو طاهر الحلبي، الخطيب. [المتوفى: 577 هـ]
شَيْخ زَاهِد، خير، بارع فِي العربية. كتب عَنْهُ أَبُو سعد ابن السمعاني، والخطيب يونس بْن مُحَمَّد الفارقي. وتُوُفي فِي جُمادى الآخرة.
وروى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن صَصْرَى، وقال: كان خطيب حَلَب، جامعًا لفنونٍ شتى.
وقال ابْن النجار: أديب، بليغ، فصيح، لَهُ تصانيف وخُطَب، وَلَهُ كِتَاب " التنبيه عن اللحن الخفي ". قرأه عليه حمزة ابن القُبيطي. عاش ثلاثًا وثمانين سنة.(12/603)
262 - هبة اللَّه بن المبارك بْن بكري الحريمي. [المتوفى: 577 هـ]
من بيت رواية. سمع أَبَا الْحَسَن الدَّينَوَرِيّ، وابن الحُصَيْن. أخذ عَنْهُ ابْن مَشقْ، وغيره. وتُوُفي فِي شوال. [ص:604]
وروى عنه عبد الوهاب بن بزغش، وعبد الرَّحْمَن بْن عُمَر الغزال.(12/603)
263 - هبة اللَّه بْن أَبِي الكرم نصر اللَّه بْن مُحَمَّد بن محمد بن مخلد، أبو العباس ابن الْجَلَخْت الواسطي المعدل. [المتوفى: 577 هـ]
ثقة، صحيح السماع، من بيت رواية وعدالة. وُلِد سنة أربعٍ وثمانين وأربع مائة. وسمع أَبَا نُعَيْم مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الجماري، وأبا نُعَيْم مُحَمَّد بْن زبزب، ومحمد بن محمد ابن السوادي. وسمع ببغداد من هبة الله ابن الْبُخَارِيّ، وأَبَا بَكْر القاضي.
وروى الكثيرَ؛ روى عَنْهُ أَبُو عَبْد الله ابن الدّبيثي وترجمه، وقال: توفي في رجب.(12/604)
264 - يحيى بن علي بن يحيى بن أبي العافية. المؤذن أَبُو زكريا الدمشقي، المقرئ. [المتوفى: 577 هـ]
سمع من جمال الْإِسْلَام أَبِي الْحَسَن.
كتب عَنْهُ أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وقال: تُوُفي فِي ربيع الأول.(12/604)
265 - أَبُو الفَهْم بْن فتيان بْن حيدرة الْبجَلي الدمشقي ابْن الكاتب. [المتوفى: 577 هـ]
زاهد عابد ورع. روى عَن جمال الْإِسْلَام. وعنه ابْن صَصْرَى.(12/604)
-وَفِيهَا وُلد:
أَبُو البيان بْن سعد اللَّه بْن راهب الحموي بحماة؛ وشمس الدين إسحاق بن بلكوَيْه، وأبو الفتح عَبْد الهادي بْن عَبْد الكريم القَيْسي، وعبد العزيز بْن عَبْد الوهاب الكفرطابي، وعماد الدين ابن الحَرَسْتانيّ، وكمال الدين أَحْمَد بْن نعمة بنابلس.(12/604)
-سنة ثمان وسبعين وخمس مائة(12/605)
266 - أحمد بن أبي الحسن علي بْن أَحْمَد بْن يحيى بْن حازم بْن علي بْن رفاعة، الزاهد الكبير، سلطان العارفين فِي زمانه أَبُو الْعَبَّاس الرفاعي المغربي - رضى اللَّه عنه -. [المتوفى: 578 هـ]
قدِم أَبُوهُ العراقَ وسكن البطائح بقرية اسمها أم عَبِيدةَ، فتزوج باخت الشَّيْخ منصور الزاهد، ورُزِق منها أولادًا منهم الشيخ أحمد ابن الرفاعي رَحِمَهُ اللَّهُ.
وكان أَبُو الْحَسَن مُقرِئًا يؤم بالشيخ منصور، فمات وزوجته حامل بالشيخ أحمد، فربّاه وأدبه خاله منصور، فقيل: إنه وُلِد فِي أول المحرم سنة خمس مائة.
ويُروى عَن الشَّيْخ يعقوب بْن كِراز قَالَ: كان سيدي أَحْمَد ابن الرفاعي فِي المجلس، فقال لأصحابه: إي سادة، أقسمتُ عليكم بالعزيز سبحانه، مَن كان يعلم فيّ عيبًا يقوله. فقام الشيخ عمر الفاروثي وقال: إي سيدي، أنا أعلم فيك عيبًا. فقال: يا شَيْخ عُمَر، قله لي. قال: إي سيدي عَيبك نَحْنُ الذين مثلنا فِي أصحابك. فبكى الشَّيْخ والفقراء، وقال: أي عُمَر، إن سلم المركب حمل من فيه في التعدية.
وقيل: إنْ هرة نامت على كُم الشَّيْخ أَحْمَد، وجاء وقت الصلاة، فقص كُمه ولم يزعجْها، وعاد من الصلاة فوجدها قد فاقت، فوصل الكُم بالثوب وخيطه وقال: ما تغير شيء.
وعن يعقوب بْن كِراز، وكان يؤذن فِي المنارة ويُصلي بالشيخ، قَالَ: دخلت على سيدي أَحْمَد فِي يوم باردٍ، وقد تَوضأ ويده ممدودة، فبقي زمانًا لَا يُحرك يده، فتقدمتُ وجئت أقبلها فقال: أي يعقوب، شوشْتَ على هذه الضعيفة. قلت: من هِيَ؟ قال: بَعُوضة كانت تأكل رزقها من يدي، فهربتْ منك.
قال: ورأيته مرة يتكلم ويقول: يا مُباركة ما علمت بك، أبعدتك عَن وطنك. فَنظَرتُ فإذا جرادةٌ تعلقت بثوبه، وهو يعتذر إليها رحمةً لها. [ص:606]
وعنه قَالَ: سلكت كل الطُرُق الموصلة، فما رأيت أقرب ولا أسهل ولا أصلحّ من الافتقار، والذل، والانكسار. فقيل لَهُ: يا سيدي، فكيف يكون؟ قَالَ: تعظم أمرَ اللَّه، وتُشْفِق على خلْق اللَّه، وتقتدي بسنة سيدك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وورد أنه كان فقيهًا، شافعي المذهب.
وعن الشَّيْخ يعقوب بْن كِراز قَالَ: كان سيدي أَحْمَد إذا قدِم من سَفَرٍ شمَّرَ، وجمع الحَطَب، ثم يحمله إلى بيوت الأرامل والمساكين، فكان الفقراء يوافقونه ويحتطبون معه. وربما كان يملأ الماء للأرامل ويؤثرهم.
وعن يعقوب قال: قال لي سيدي أحمد: لما بويع الشيخ منصور رَحِمَهُ اللَّهُ. قيل لَهُ: أي منصور أطلب. فقال: أصحابي. فقال رَجُل لسيدي أَحْمَد: يا سيدي وأنت أيش؟ فبكى فقال: أي فقير، ومَن أَنَا فِي البَيْن، ثَبت نَسَب وأطْلُب ميراث. فقلت: يا سيدي أقسم عليك بالعزيز أيْش أنت؟ قال: أي يعقوب، لما اجتمع القوم وطلب كل واحدٍ شيئًا دارت النوبة إلى هذا اللاش أَحْمَد وقيل: أيْ أَحْمَد أطلُبْ. قُلْت: أيْ رب عِلْمُكَ محيط بطلبي. فكرر علي القول، قُلْت: أي مولاي، أريد أن لَا أريد، وأختار أن لَا يكون لي اختيار. فأجابني، وصار الأمر لَهُ وعليه. أيْ يعقوب، مَن يختاره العزيز يجيبه إلى هذه البُقْعة.
وعن يعقوب قَالَ: مرَّ سيدي على دار الطعام، فرأى الكلاب يأكلون التمر من القوصرّة، وهم يتحارشون، فوقف على الباب لئلا يدخل إليهم أحد يؤذيهم، وهو يقول: إي مُبارَكين اصطلحوا وكُلُوا، ولا يدروا بكم يمنعوكم.
ورأي فقيرًا يقتل قملة فقال: لَا واخَذَكَ اللَّه، شفيتَ غيظك؟
وعن يعقوب، قَالَ لي سيدي أَحْمَد: يا يعقوب، لو أن عَن يميني خمس مائة يروحوني بمراوح الند والطيب، وهم من أقرب الناس إلي، وعن يساري مثلهم من أبغض الناس إلي، معهم مقاريض يقرضون بها لحمي، ما زاد هؤلاء عندي، ولا نقص هؤلاء عندي بما فعلوه. ثم قرأ: " لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كل مختال فخور ". وكان [ص:607] سيدي أَحْمَد إذا حضر بين يديه تَمْرٌ أو رُطَبٌ ينقي الشيص والحشف لنفسه يأكله ويقول: أَنَا أحق بالدُّون من غيري، فإني مثله دون. وكان لَا يجمع بين لبس قميصين لَا فِي شتاء وَلَا فِي صيف، ولا يأكل إلا بعد يومين أو ثلاثة أكلةً. وإذا غسل ثوبه ينزل فِي الشط كما هُوَ قائم يفركه، ثم يقف فِي الشمس حتى ينشف. وإذا ورد عَلَيْهِ ضيفٌ يدور على بيوت أصحابه يجمع الطعام فِي مِئزِر.
وأحضر ابْن الصيرفي وهو مريض ليدعو لَهُ الشَّيْخ ومعه خَدَمه وحَشَمه، فبقي أيامًا لم يكلّمه، فقال يعقوب بْن كِراز: أيْ سيدي ما تدعو لهذا المريض؟ فقال: أيْ يعقوب، وعِزَّةِ العزيزِ لأحمد كلّ يوم عليه مائة حاجة مقضيّة، وما سألتوه منها حاجةً واحدة. فقلت: أي سيدي فتكون واحدة لهذا المريض المسكين. فقال: لَا كرامة ولا عزازة، تريدني أكون سيئ الأدب. لي إرادة وَلَهُ إرادة؟! ثم قرأ: " أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ العالمين " أيْ يعقوب، الرجل المتمكن فِي أحواله، إذا سَأَلَ حاجة وقُضِيتَ لَهُ، نقص تمكُنُه درجة. فقلت: أراكَ تدعو عقيب الصَّلَوات وكلّ وقت. قَالَ: ذاك الدعاء تعبُّد وامتثال. ودعاء الحاجات لها شروط، وهو غير هذا الدعاء. ثم بعد يومين تَعَافى ذلك المريض.
وعن يعقوب أنه سَأَلَ الشَّيْخ أَحْمَد: أيْ سيدي، لو كانت جهنّم لك ما كنت تصنع تُعَذبُ بها أحدًا؟ فقال: لَا وعِزتِهِ، ما كنت أدخل إليها أحدًا. فقال: أي شَيْخ، فأنت تقول: إنك أكرم ممن خلقها لينتقم بها ممن عصاه. فزعق وسقط على وجهه زمانًا، ثم أفاق وهو يقول: من هُوَ أَحْمَد فِي البَيْن؟ يكررها مرات. وقال: أيْ يعقوب، المالك يتصرف سبحانه.
وعن يعقوب أن الشَّيْخ أَحْمَد كان لَا يقوم لأحد من أبناء الدُّنيا، ويقول: النظر إلى وجوههم يُقسي القلب.
وعن الشَّيْخ يعقوب، وسُئل عَن أوراد سيدي أَحْمَد، فقال: كان يُصلي أربع رَكْعاتٍ بألف " قل هو الله أحد ". ويستغفر اللَّه كل يوم [ص:608] ألف مرةٍ، واستغفارُه أن يقول: لَا إله إلَّا أنت سبحانك إنّي كنتُ من الظالمين، عملت سوءًا، وظلمت نفسي، وأسرفت فِي أمري، وَلَا يغفر الذنوب إلَّا أنت، فاغفِرْ لي، وتُبْ عليَّ، إنك أنت التوابُ الرَّحيم. يا حيُّ يا قَيومُ، لَا إله إلَّا أنت. وذكر غير ذلك.
وكان يترنم بهذا البيت:
إن كان لي عند سُلَيْمى قَبُولُ ... فلا أبالي بما يقول العَذُولُ
وكان يقول:
ومستخبر عَن سِرِّ ليلى تركته ... بعَمْياء من ليلى بغير يقين
يقولون: خبّرْنا، فأنت أمينُها ... وما أَنَا إنْ خبرتهم بأمين
ويقول:
أرى رجالًا بدون العَيش قد قنعوا ... وما أراهم رضوا الدنيا على الديِن
إذا رَأَيْت ملوكَ الأرض أجمعها ... بلا مراء ولا شك ولا مين
وقيل: هل فوقهم فِي الناس مرتبةً ... فقُلْ: نَعَم مَلِكٌ فِي زِي مسكينِ
ذاك الَّذِي حَسُنِت فِي الناس سِيرتُهُ ... وصار يصلُحُ للدنيا وللدين
ويقول:
أغارُ عليها من أبيها وأمها ... ومِن كلّ من يرنو إليها وينظر
وأحذر من أخذّ المرآة بكَفها ... إذا نظرت منك الَّذِي أَنَا أنظرُ
ومنه:
إذا تذكرتُ من أنتم وكيف أَنَا ... أجللت ذِكْركم يجري على بالي
ولو شريت بروحي ساعةً سَلَفَتْ ... من عيشتي معكم ما كان بالغالي
وكان كثير التعظيم لخاله سيدي الشَّيْخ منصور، ويقول للفقراء: إذا قبلتم عَتَبة الشَّيْخ منصور، فإنما تقبلون يده. ويقول: أَنَا ملاح لسفينة الشَّيْخ منصور، فاسألوا ربنا به فِي حوائجكم. وكان يقول: إلى أن يُنْفَخُ فِي الصُّور لَا يأتي مثل طريق الشَّيْخ منصور.
وعن ابْن كِراز: سمعت يوسف بْن صُقَيْر المحدث يقول: كُنَّا فِي قريةٍ [ص:609] الضريّة مع سيدي أحمد قدس الله روحه، وقد غنى ابْن هدية:
لو يسمعون كما سمعت حديثَها ... خروا لعِزّه ركعًا وسُجُودا
فقام سيدي وتواجد، وردد البيت، ولم يَزَلْ حتى كادت قلوب الفقراء تنفطر. وكان ذلك فِي بدايته بعد موت سيدي الشَّيْخ منصور. ولما كان فِي النهاية بقي سبع سِنين لَا يسمع الحادي وهو قريب منه حتى تُوُفي.
وعنه قَالَ: ذكر الشَّيْخ جمال الدين أبو الفرج ابن الجوزي أن سبب وفاة سيدي أَحْمَد أبيات أنشِدت بين يديه، تواجَدَ عند سماعها تواجُدًا كان سبب مرضه الَّذِي مات فِيهِ. وكان المنشد لها الشيخ عبد الغني ابن نُقْطَة حين زاره، وهي:
إذا جن ليلي هام قلبي بذِكركمْ ... أنوحُ كما ناح الحمامُ المطوقُ
وفوقي سَحَابٌ يمطِرُ الهم والأسى ... وتحتي بحار بالدموع تتدفّق
سلوا أم عَمْروٍ كيف بات أسيرها ... تُفَكُّ الأسارى دونه وهو موثّق
فلا هو مقتول ففي القتل راحة ... ولا هو ممنون عليه فيعتق
قال: وتُوُفي يوم الخميس ثاني عشر جُمادى الأولى سنة ثمانٍ وسبعين.
وعن يعقوب بْن كِراز قَالَ: كان سيدي أَحْمَد والفقراء فِي نهر وليد فقال: لَا إله إلَّا اللَّه، قد حان أوان هذا المجلس، فليُعلم الحاضرُ الغائبَ أنْ أَحْمَد يقول، وأنتم تسمعون: مَن خَلا بامرأةٍ أجنبية، فأنا منه بريء، وسيدي الشَّيْخ منصور منه بريء، وسيدي المصطفى - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منه بريء، وربنا سبحانه منه بريء، ومن خلا بأمْرَدٍ فَكذلك، ومن نكث البَيْعة فإنما ينكث على نفسه. ثم قام من مجلسه. وبعد شهر عَبَر إلى اللَّه، ودُفن فِي قبة الشَّيْخ يحيى النجار.
وحكى الشَّيْخ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر بْن أَبِي طَالِب الصوفي أنه سمع جدّه عفيف الدين أَبَا طَالِب يقول: سمعت الشَّيْخ عَبْد الرَّحْمَن شَمْلَة يقول: سمعت سيدي عليّ يقول: لما حَضَرَت الوفاةُ سيدي أحمدَ قبْلها بأيام قُلْت: أيْ سيدي، ما نقول بعدك، وأيش تورثنا؟ فقال: أيْ علي، قُلْ عني: إنه ما نام ليلةً إلَّا وكلُّ الخَلْق أفضل منه، وَلَا حرد قط، وَلَا رأي لنفسه قيمة قط. وأما ما أورثه فيا ولدي تشهد أنّ لي مالا حتى أورثكم؟! إنما أورثكم قلوبَ الخَلْق. [ص:610]
فلما سمعت من سيدي خرجت إلى الشَّيْخ يعقوب بْن كِراز فأخبرته، فقال: لك حَسبٌ، أو لذريتك معك؟ فعدت إلى سيدي فقلت لَهُ فقال: لك ولذُريتك إلى يوم القيامة، البَيْعة عامة، والنعمة تامة، والضمين ثقة، هِيَ اليوم مشيخة وإلى يوم القيامة مملكة بمشيخة.
نقلت أكثر ما هنا عَن يعقوب من كِتَاب " مناقب ابْن الرفاعي - رضى اللَّه عنه - " جمع الشَّيْخ محيي الدين أَحْمَد بْن سُلَيْمَان الهمامي الحسيني الرفاعي شَيْخ الرواق المعمور بالهلالية بظاهر القاهرة، سمعه منه الشَّيْخ أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَبِي بكر ابن الشيخ أبي طَالِب الْأَنْصَارِيّ الرفاعي الدمشقي، ويُعرف بشيخ حِطين، بالقاهرة سنة ثمانين وست مائة. وقد كتبه عَنْهُ مناولة وإجازة المولى شمسُ الدين أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الْجَزَري، وأودعه تاريَخه فِي سنة خمسٍ وسبع مائة، فأوله قَالَ: ذِكر ولادته. ثم قَالَ: قَالَ الشَّيْخ أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن ابْن الشَّيْخ يعقوب بْن كِراز؛ وأكثر الكتاب عَن الشَّيْخ يعقوب، وهو نحو من أربعة كراريس. وهو ثمانية فصول فِي مقاماته وكراماته، وغير ذلك. وهي بلا إسناد، وقع الاختيار منها على هذا القَدَر الَّذِي هنا.
وتُوُفي الشَّيْخ ولم يُعْقِب، وإنما المشيخة فِي أولاد أخيه.
قال القاضي ابْن خَلكان: كان رجلًا صالحًا، شافعيًا، فقيهًا، أنضم إليه خلْقٌ من الفقراء، وأحسنوا فِيهِ الاعتقاد، وهم الطائفة الرفاعية، ويُقال لهم الأحمدية، ويقال لهم البطائحية، ولهم أحوالٌ عجيبة من أكل الحيّات حيّةً، والنزول إلى التنانير وهي تتضرم نارًا، والدخول إلى الأفرية وينام الواحدُ منهم فِي جانب الفُرن والخباز يخبز فِي الجانب الآخر، وتُوقد لهم النار العظيمة، ويُقام السماع، فيرقصون عليها إلى أن تنطفئ. ويُقال: إنهم فِي بلادهم يركبون الأسود ونحو ذلك وأشباهه. ولهم أوقات معلومة يجتمع عندهم من الفقراء عالم لَا يُحْصَوْن ويقومون بكفاية الجميع. والبطائح عدَّة قرى مجتمعة فِي وسط الماء بين واسط والبصرة.
* أَحْمَد بْن المسلم. سيأتي.(12/605)
267 - الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن المعمر، أَبُو جَعْفَر البغدادي. [المتوفى: 578 هـ]
سمع أَبَا القاسم بْن بيان. وعنه نسيبه أَبُو طَالِب علي بْن جَعْفَر.
مات فِي صَفَر؛ قاله ابْن النجار.(12/611)
268 - الحسن بن علي بن الحسن بْن شِيرُويْه، أَبُو علي الدَّيْلمي الأصل الأزجي. [المتوفى: 578 هـ]
سمع أبا الغنائم محمد بن علي النرسي. روى عَنْهُ أَحْمَد وتميم ابنا البَنْدَنِيجي، ونصر ابن الحصري، وأبو الحسن ابن المُقَير، وجماعة. وتُوُفي فِي وسط السنة.(12/611)
269 - الْحَسَن بْن هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن علي بْن المطلب، فخر الدولة أَبُو المظفر ابْن الوزير أبي المعالي. [المتوفى: 578 هـ]
كان متصوّفًا متزهدًا، كثير الحجّ والصدَقات والأوقاف، كبير الشأن، وافر الحُرْمة. لَهُ جامع كبير بغربي بغداد. وله مدرسة بشرقي بغداد ورباط، ولم يدخل فِي الولايات.
سمع أَبَا الْحَسَن العلاف، وقرأ الأدب على أَبِي بَكْر بْن جُوامرد. وأمتنع فِي كِبَره من الرواية. وقد سمع منه أَبُو سعد السمعاني، وأحمد بن صالح الجيلي، والكبار. وتوفي في شوال في هذا العام.(12/611)
270 - الخضِر بْن هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن علي بْن طاوس، أَبُو طالب الدمشقي. [المتوفى: 578 هـ]
قرأ القراءات على أَبِي الوحش سُبَيْع بْن قيراط صاحب أَبِي علي الأهوازي، وهو آخر من قرأ فِي الدنيا عَلَيْهِ، وآخر من سمع من الشريف أَبِي القاسم النسيب، وأبي الْحَسَن علي بْن طاهر.
ومولده فِي سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة. وكان أَبُوهُ وجده من كبار المقرئين.
روى عَنْهُ أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وأخوه أَبُو القاسم. وقال أَبُو [ص:612] القاسم: تُوُفي فِي ثامن شوال. وروى عَنْهُ أيضاً موفق الدين ابن قُدَامة، والشمس والضياء ابنا عَبْد الواحد، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وزين الأمَناء، وطائفة سواهم، وأحمد بْن الْحَسَن بْن ريش، والعز النسابة، وإبراهيم ابن الخُشُوعي.(12/611)
271 - خَلَف بْن عَبْد الملك بْن مَسْعُود بْن مُوسَى بْن بشْكُوال بْن يوسف بْن داحة، أَبُو القاسم الْأَنْصَارِيّ، القُرْطُبيّ، المحدث، [المتوفى: 578 هـ]
حافظ الأندلس فِي عصره ومؤرخها ومُسندها.
وُلِد سنة أربع وتسعين وأربع مائة. وسمع أباه، وأبا مُحَمَّد بْن عتاب فأكثر، وأبا بحر بْن العاص، وأبا الوليد بْن رُشد، وأبا الوليد بْن طريف، وأبا القاسم بْن بَقِي، وخلْقًا. ورحل إلى إشبيلية فسمع شُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبا بكر ابن العربي. وأجاز لَهُ علي بْن سُكَّرَة، وأبو القاسم بْن منظور، وطائفة. ومن العراق أَبُو المظفّر هبة الله ابن الشبلي بأخَرَة. وله " مُعْجَم " مفيد.
قال أَبُو عَبْد اللَّه الأبار: كان متسع الرواية، شديد العناية بها، عارفًا بوجوهها، حجة، مُقدمًا على أهل وقته، حافظًا، حافلًا، إخباريًا، تاريخيًا، ذاكرًا لأخبار الأندلس القديمة والحديثة. سمع العالي والنازل، وأسند عَن شيوخه نيفًا وأربع مائة كِتَاب بين صغيرٍ وكبير. ورحل إليه الناس وأخذوا عنه. وحدثنا عَنْهُ جماعة، ووصفوه بصلاح الدخلة، وسلامة الباطن، وصحة التواضع، وصِدق الصبر للطلبة، وطول الاحتمال. وألفَ خمسين تأليفًا فِي أنواع العِلم. ووُلي بإشبيلية قضاء بعض جهاتها لأبي بكر ابن العربي. وعقد الشروط، ثم اقتصر على إسماع العِلم وعلى هذه الصناعة، وهي كانت بضاعته. والرواة عَنْهُ لَا يُحْصون، منهم: أَبُو بَكْر بن خير، وأبو القاسم القنطري، وأبو بكر بْن سَمْحُون، وأبو الْحَسَن بْن الضحاك. وكلهم مات قبله. وصنف كِتَاب " الصلة " فِي علماء الأندلس، وَصَلَ به " تاريخ ابْن الفَرَضي "، وقد حمله عنه شيخه أبو العباس ابن العريف الزاهد.
قلت: وَلَهُ " كِتَاب الحكايات المستغربة " مجلّد، و" غوامض الأسماء المبهمة " عشرة أجزاء، و" كتاب معرفة العلماء الأفاضل " أحد وعشرون جزءًا [ص:613] " طرق حديث المِغْفَر " ثلاثة أجزاء، " القربة إلى اللَّه بالصلاة على نبيه " جزء كبير، " من رَوَى الموطأ عَن مالك " فِي جزءين، " اختصار تاريخ أبي بكر الفنشّي " فِي تسعة أجزاء، " أخبار سُفْيان بْن عُيَيْنَة " جزء كبير، " أخبار ابن المبارك " جزءان، " أخبار الأعمش " ثلاثة أجزاء، " أخبار النسائي " جزء، " أخبار شبطون " جزء، " أخبار المحاسبي " جزء، " أخبار ابن القاسم " جزء، " أخبار إِسْمَاعِيل القاضي " جزء، " أخبار ابْن وهْب " جزء، " أخبار أَبِي المطرف عَبْد الرحمن بن مروان القُنازعي " جزء، " قُضاة قُرطبة " ثلاثة أجزاء، " المسلسلات " جزء، " طُرق من كذَب علي " جزء إلى غير ذلك.
وممن رَوَى عَنْهُ أَبُو القاسم أحمد بن محمد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن رُشْد، وأحمد بْن عَبْد المجيد المالقي، وأحمد بن محمد ابن الأصلع، وأبو القاسم أَحْمَد بْن يزيد بْن بَقِي، وأحمد بْن عياش المُرْسي، وأحمد بْن أَبِي حُجة القيْسي، وثابت بْن مُحَمَّد الكَلاعي، ومحمد بن إبراهيم بن صلتان، ومحمد بن عبد الله ابن الصفار القُرْطُبيّ، وموسى بْن عَبْد الرَّحْمَن الغَرْناطي، وأبو الخطاب عُمَر بْن دِحْيَة، وأخوه عثمان بْن دِحْيَة. وبالإجازة أَبُو الفضل جَعْفَر بْن علي الهَمَذَانيّ، وأبو القاسم سِبْط السلَفي، وآخرون.
قال الأبار: تُوُفي فِي ثامن رَمَضَان، ودُفن بقرب قبر يحيي بْن يحيي الليثي، وَلَهُ أربعٌ وثمانون سنة.(12/612)
272 - خليفة بْن المسلم بْن رجاء، أَبُو طَالِب التنوخي الإسكندراني، ويُعرف بأحمد اللخمي. [المتوفى: 578 هـ]
قال أَبُو الْحَسَن بْن المفضل الحافظ: غلب عَلَيْهِ أَحْمَد. سمع أَبَا عَبْد اللَّه الرازي، وأَبَا بَكْر الطرطُوشي، وعبد المُعْطي بْن مسافر. وكان عارفًا بالفقه والأصول، ماهرًا فِي عِلم الكلام، وفيه لِينٌ فيما يرويه، إلَّا أَنَا لم نسمع منه إلَّا مِن أصوله. تُوُفي فِي رَمَضَان.
قلت: وَرَوَى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن رواحة، وعبد الوهاب بْن رواج، وأبو علي الإوقي، ونبأ بن هجّام.(12/613)
273 - روزبهان العبد الصالح. [المتوفى: 578 هـ][ص:614]
توفي بالقاهرة، في ذي القَعْدَةِ.(12/613)
274 - عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد القاهر، الخطيب أَبُو الفضل بْن أَبِي نصر الطوسي ثم البغدادي، [المتوفى: 578 هـ]
نزيل المَوْصِل وخطيبها.
وُلِد فِي صَفَر سنة سبْعٍ وثمانين وأربع مائة. وسمع حضورًا من طراد الزَّيْنَبي، وأبي عَبْد اللَّه بْن طلحة النعالي، وطائفة. وسمع من ابْن البَطِر، والطُرَيثيثي، وأحمد بْن عَبْد القادر، وأبي الفضل مُحَمَّد بْن عَبْد السلام، وجعفر السراج، وأبي الخطاب بْن الجراح، وأبي غالب الباقلاني، وأبي الحسن بن أيّوب البزّاز، ومنصور بن حيد، والحسين ابن البسري وأبي منصور الخيّاط، وجماعة. وتفرد بالرواية عَن أكثرهم.
وكان فِي نفسه ثقة. وكان أبو بكر الحازمي إذا روى عنه قال: أخبرنا أَبُو الفضل من أصله العتيق؛ يقول ذلك احترازًا مما زور لَهُ وغيره مُحَمَّد بْن عَبْد الخالق اليُوسُفي. لكن لما بين المحدثون ذلك للخطيب أَبِي الفضل رجع عن روايته. ثم خرج لنفسه المشيخة المشهورة من أصوله.
روى عَنْهُ أَبُو سعد السمعاني. وعبد القادر الرهاوي، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والقاضي أَبُو المحاسن يوسف بْن شداد، وأبو الْحَسَن علي بْن الأثير، وأبو البقاء يعيش النحوي، وعبد الكريم بْن عَبْد الرَّحْمَن التُرابي، وأبو الخير إياس الشَّهْرزُوري، وإبراهيم بْن يوسف بن ختة الكُتُبي المَوْصِلي، وآخرون.
قال الشَّيْخ الموفق: كان شيخًا حَسَنًا، قرأت عَلَيْهِ " المعتقد " لعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي حاتم، فكتب فِي آخره سماعي، وكتب: هذا اعتقادي وبه أدين لله تعالي. ولم نَرَ منه إلَّا الخير.
وقال ابْن الدبيثي: أنشدنا لنفسه كتابة:
أقولُ وقد خيّمت بالخيف من منىً ... وقرّبت قُرْباني وقَضَّيْتُ أنْسَاكي
وحُرْمةِ بيتِ اللَّه ما أنا بالذي ... أمَلُكِ مَعَ طولِ الزمان وأنْسَاك [ص:615]
تُوُفي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رَمَضَان فِي اثنتين وتسعين سنة.
وقال الحافظ ابْن النجار فِي " تاريخة ": وُلِد ببغداد، وقرأ الفقه والأصول على إلِكيا أَبِي الْحَسَن عَليّ بْن مُحَمَّد الهَرَّاسِيّ، وأبي بَكْر الشاشي. وقرأ الأدب على أَبِي زكريا التبريزي، وأبي محمد الحريري. وسمع بإصبهان من أَبِي علي الحداد، وبَنيْسابور من أبي نصر ابن القُشَيْري، وبترمذ من أَبِي المظفر ميمون بْن محمود، وبالموصل من أبيه وعمه، وولي خطابتها زمانًا. وتفرّد وقصده الرحالون. حدثنا عَنْهُ هبة اللَّه بْن باطيش، وعلي الطبيب، وأبو الحسن محمد ابن القَطِيعي.(12/614)
275 - عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن علي بن حمتيس، أَبُو مُحَمَّد السراج البغدادي. وقيل: اسمه عُبَيْد اللَّه. [المتوفى: 578 هـ]
سمع أَحْمَد بْن المظفر بْن سوسن، وأَبَا القاسم بْن بيان، وأبا العز مُحَمَّد بن المختار، وأبا الحسن ابن العلاّف، وأبا سعد بن خشيش.
قال ابْن الأخضر: كان عاميًا لَا يفهم، وَلَا يُحسن أن يُصلي، وَلَا يقرأ التحيات.
قلت: روى عنه تميم البندنيجي، ونصر ابن الحصري، وأبو عبد الله ابن الدبيثي، وأبو صالح الجيلي، ومحمد بْن إِسْمَاعِيل الطبال، وعبد اللطيف بْن المبارك النهرواني، وآخرون.
ومات في رجب عَن سنٍ عالية.(12/615)
276 - عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه، أَبُو الخير الرومي الجوهري، [المتوفى: 578 هـ]
مولي جَعْفَر الطيبي.
قال الدبيثي: كان خيرًا حافظًا للقرآن. قرأ لأبي عَمْرو على أَبِي العزّ القلانِسي سنة سبْع عشرة وخمس مائة ببغداد. وأقرأ الناس، وروى عَن أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن.(12/615)
277 - عَبْد اللَّه بْن يحيى بْن عَبْد اللَّه بْن فُتُوح، أَبُو مُحَمَّد الحضرمي، الداني النحوي، المعروف بعبدون، وبابن صاحب الصلاة. [المتوفى: 578 هـ]
أخذ القراءات عن أبي عبد الله بن سعيد الداني، وقرأ عَلَيْهِ الأدب، وعلى والده يحيى، وأبي الْحَسَن طاهر. وحمل عَن الحافظ أَبِي الوليد بْن خيرة.
وأقرأ النحو بشاطِبة زِمانًا. ثم أدب بني صاحب بَلَنْسِيَة. وكان مبرزًا فِي العربية، مشاركًا فِي الفقه وقَوْل الشعر، متواضعًا، طيب الأخلاق.
أخذ عَنْهُ جِله، منهم أَبُو جَعْفَر الذهَبي، وأبو الْحَسَن بْن حريق، وأبو مُحَمَّد بْن نصرون، وأبو الربيع بْن سالم.
وتُوُفي فِي مُسْتَهل رجب ببَلَنْسِية وَلَهُ إحدى وستون سنة.(12/616)
278 - عبد الرحيم ابن القاضي أَبِي خازم مُحَمَّد ابن القاضي أبي يعلى ابن الفراء الحنبلي، [المتوفى: 578 هـ]
أخو أَبِي يَعْلَى الصغير.
سمع أَبَاهُ، وابن الحُصَيْن، وابن كادش. وعنه القطِيعي، وعبد اللَّه بْن أَحْمَد الخباز.
وُلِد سنة عشرٍ وخمس مائة، ومات فِي ذي الحجة.(12/616)
279 - علوان بْن عَبْد اللَّه بْن علوان، أَبُو عَبْد اللَّه الأسَدي، الحلبي [المتوفى: 578 هـ]
المجاور بالحجاز، أخو أَبِي مُحَمَّد ابْن الأستاذ.
إمام زاهد عابد. علق عَنْهُ أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وقال: أقام بالحجاز سنين، وكان للمجاورين به راحة. قدِم علينا سنة ثمانٍ وسبعين، ثم سَأَلَ من صلاح الدين أن يرسل معه من يخفره إلى المدينة، فأرسل معه مَن خفره، فوصل ومرض، فمات فِي شعبان منها.(12/616)
280 - علي بْن أنوشتكين، أَبُو الْحَسَن الجوهري. [المتوفى: 578 هـ]
روى عَن أَبِي النرْسِيّ. سمع منه عُمَر بْن علي، وغيره. وتُوُفي فِي رجب، وقد نيف على الثمانين.(12/616)
281 - علي بْن الْحُسَيْن، أَبُو الْحَسَن الأندلسي، النجار، الزاهد المعروف بابن سَعْدوك. [المتوفى: 578 هـ]
من جزيرة شُقْر، سكن بَلَنْسِيَة.
قال الأبار: كان من أهل الزهد والصلاح التام والعِلم، يستظهر كثيرًا من " صحيح مُسْلِم ". وتؤثَر عَنْهُ كرامات مشهورة ومقالات عجيبة. وكان يخبر بأشياء خَفِية لَا تتوانى أن تظهر جلية. وكان أمارًا بالمعروف، نهاءًا عَن المُنْكَر. يجلس للناس ويِعظ. وكانت العامة حزبه. ولما مات ازدحم الخلْق على نَعشه، رَحِمَهُ اللَّهُ.(12/617)
282 - عيسى بْن عِمران، أَبُو مُوسَى المِكْناسي. [المتوفى: 578 هـ]
صحِب أَبَا القاسم بْن ورد وأختصَّ به. وكان يقول: لم يكن بالأندلس مثل أبي القاسم بن ورد. ولقي بأغمات أَبَا مُحَمَّد اللخْمي فسمع منه فِي سنة ثلاثين. وكان من الراسخين فِي العِلم، قائمًا على الأصول والفروع، أديبًا شاعرًا، خطيبًا، مُفَوَّهًا، مدركًا، من رجال الكمال. ولي قضاء مَراكُش فحُمِدت سيرته.
وُلِد سنة اثنتي عشرة وخمس مائة. وتُوُفي فِي شعبان، وَلَهُ ستٌ وستون سنة.(12/617)
283 - فَرُّوخْشَاه بْن شاهنشاه بْن أيّوب بْن شاذي، الملك عز الدين أَبُو سعد، [المتوفى: 578 هـ]
صاحب بَعْلَبَك، ابْن أخي السلطان صلاح الدين.
كان كثير الصدَقة والتواضُع، ولديه فضيلة فِي العربية والشَّعْر. ناب عَن صلاح الدين بالشام، وكان للتاج الكِنْدي به اختصاص. وقد مدحه هُوَ والعماد الكاتب.
تُوُفي بدمشق فِي جُمادى الأولى، ودُفن بقبتِه. ومدرسته بالشرف الأعلى. وولي بَعْلَبَكَّ بعده ابنه الملك الأمجد.(12/617)
284 - القاسم بْن عُمَر، الأديب البارع، أَبُو عَبْد اللَّه البغدادي، المؤدب، ويُعرف بالخليع، الشاعر [المتوفى: 578 هـ]
مدح الخلفاء والوزراء. روى عنه أبو الحسن ابن القَطِيعي. وكان من فحول الشعراء. لَهُ قصيدة طنانة فِي المستضيء.
مات فِي جُمادى الأولى سنة ثمان، وله إحدى وستون سنة.(12/618)
285 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عُبَيْد اللَّه بْن حسين، أَبُو المفضل الآمِدي ثم الواسطي [المتوفى: 578 هـ]
سِبط ابْن الأغلاقي.
من أهل القرآن والحديث والتصوف. سمع من أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن حمدون المقرئ، والمبارك بْن إِبْرَاهِيم الخطيب، وأبي علي بن الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم الفارقي. وتُوُفي فِي ذي الحجة بواسط، وَلَهُ ثلاثٌ وسبعون سنة.
روى عنه أبو عبد الله ابن الدبيثي فِي " تاريخه ".(12/618)
286 - مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن علي بْن مُحَمَّد، أَبُو المحاسن الهَمَذَانيّ. [المتوفى: 578 هـ]
كان أَبُوهُ محدثًا مُكثِرًا، قدِم بغداد واستوطنها. وسمع مُحَمَّد من ابْن الفاعوس، وابن الحُصَيْن، وأحمد بْن رضوان، وزاهر بْن طاهر.
وكان مُحَمَّد ثقة مطبوعًا، سمع منه جماعة. وتُوُفي فِي ذي الحجة.
أجاز لابن الدبِيثي، وللشيخ الضياء. وحدث عَنْهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن عُمَر الغزال.(12/618)
287 - مُحَمَّد بْن عتيق بْن عطّاف، أَبُو عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ اللارِدي، المعروف بابن المؤذن. [المتوفى: 578 هـ]
سكن بَلَنْسِيَة. وأخذ عَن أَبِي مُحَمَّد القلني وناظر عَلَيْهِ فِي "المدونة ". ورحل إلى قُرْطُبة فناظر على أبي عبد الله ابن الحاج. وقُدم للشورى والفتيا بِبَلَنْسيَة. وكان عارفًا بالفقه، حافظًا إمامًا.
توفي فِي شعبان وقد تعدى الثمانين.(12/618)
288 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر، أَبُو عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الفتح الكشمهيَنيّ، المروَزيّ، الواعظ. [المتوفى: 578 هـ]
والد أبي المحامد محمود.
قدِم بغداد سنة ستين وخمس مائة. وحدث " بصحيح مُسْلِم " عَن الفُراوي فِي مجلس الوزير ابْن هُبَيْرة. وسمع أَيْضًا من أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن منصور السمعاني، وأَبَا حنيفة النعمان بن إِسْمَاعِيل، وأَبَا منصور مُحَمَّد بْن علي الكُراعي. وقد سمع ببغداد من هبة اللَّه بْن الطّبر، وأبي غالب ابن البنّاء. وسمع بنَيْسابور من أَحْمَد بْن علي بْن سلموَيه، والفُرَاوي، وعبد الغافر بْن إِسْمَاعِيل.
وقد قدِم الشام وحدث بها، روى عَنْهُ أَبُو الفتوح ابن الحُصْري، والأستاذ عَبْد الرَّحْمَن الأسَديّ بحلب، وزين الأُمناء ابْن عساكر، وأبو القاسم بْن صَصْرَى بدمشق. حدث بها هُوَ وابنه محمود ولم يذكرهما ابْن عساكر فِي " تاريخه " فإنهما قدِما دمشق بعد أن فرغ من " التاريخ ".
وآخر من رَوَى عَنْهُ أَبُو إِسْحَاق الكاشغَريّ. سمع منه " جزء الكُرَاعي " أو بعضه فِي سنة ستين وخمس مائة.
وكان ورِعًا دينًا، مليح الوعظ.
وروى عنه أبو الفرج ابن الجوزي، وغيره.
توفّي فِي المحرم بمَرو، وَلَهُ خمسٌ وثمانون سنة إلَّا شهرًا.(12/619)
289 - مُحَمَّد بْن مالك بْن أَحْمَد بْن مالك، أَبُو بكر وأبو عَبْد اللَّه الميرتليّ [المتوفى: 578 هـ]
نزيل إشبيلية.
أخذ القراءات عَن شُريح، والعربية عَن أَبِي الْعَبَّاس بْن حاطب. وروى عَن أبي بكر ابن العربي. وحجَّ وحدث.
وكان فاضلًا زاهدًا، مشارًا إليه بإجابة الدعوة.
روى عَنْهُ ثابت بْن خيار. وقرأ عَلَيْهِ " كِتَاب سِيبَويْه "، وأبو إِسْحَاق الأصبحي، وأخذ عَنْهُ القراءات وأجاز لَهُ فِي شوال من السنة.(12/619)
290 - مروان بْن عَبْد اللَّه بْن مروان بْن مُحَمَّد، أَبُو عَبْد الملك البلَنسيّ، قاضي بلَنسِية ورئيسها. [المتوفى: 578 هـ]
سَمِعَ من أَبِي الْحَسَن بْن هُذيل، وَأَبِي عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الداني، وأبي الوليد ابن الدباغ. وأجاز لَهُ أَبُو علي بْن سُكَّرَةَ، وجماعة.
ووُلي القضاء سنة تسعٍ وثلاثين، ثم تأمر ببلده عند انقراض الدولة اللمتُونية فِي شوال من سنة تسعٍ، وبويع بالإمرة فِي صَفَر سنة أربعين. ثم خُلع بعد قليل، وحبسه اللمتونيّون في حصن نيف عشرة سنة. ثم خلص وسار إلى مَراكُش وحدث بها.
قال الأبار: أخذ عَنْهُ أَبُو مُحَمَّد، وأَبُو سُلَيْمَان ابْنَا حَوْط اللَّه، وعقيل بْن عطية، وأبو الخطّاب بن الجميّل، وأخوه عثمان. ومات بمَراكُش وَلَهُ أربعٌ وسبعون سنة.(12/620)
291 - مَسْعُود بْن مُحَمَّد بْن مَسْعُود. قُطْب الدين النيْسابوري أَبُو المعالي الطُرَيثيثيّ، الفقيه الشافعي، [المتوفى: 578 هـ]
نزيل دمشق.
وُلِد سنة خمسٍ وخمس مائة. ورأى: أبا نصر عبد الرحيم ابن القُشَيْري. وتفقه بنْيسابور على ابْن يحيى. وقرأ الأدب على والده أَبِي عَبْد اللَّه الطُرَيثيثيّ. ثم رحل إلى مَرْو، فتفقه على أَبِي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد المَروَزيّ. وسمع من هبة الله السّيدّيّ، وعبد الجبّار البيهقيّ.
ودرّس بنظاميّة نَيْسابور نيابةً، واشتغل بالوعظ. وورد بغداد ووعظ بها، وحصل لَهُ القبول التام. وكان دينًا، عالمًا، متفننًا.
ثم راح إلى دمشق سنة أربعين، وأقبلوا عَلَيْهِ، ودرس بالمجاهدية ثم بالزاوية الغزالية بعد موت أَبِي الفتح نصر اللَّه المصيصي. وكان حَسَن النّظَر.
ثم خرج إلى حلب، وولي بها تدريس المدرستين اللتين بناهما نور الدين وأسد الدين، ثم مضى إلى همَذان وولي بها التدريس مدة، ثم عاد إلى دمشق، ودرّس بالغزاليّة وحدّث، وتفرّد برياسة الشافعية.
قال القاسم ابن عساكر: كان حَسَن الأخلاق، متوددا، قليل التصنع. [ص:621]
مات في سلخ رمضان. ودفن يوم العيد.
قلت: وقد ورد بغداد رسولًا، وكتب عَنْهُ عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، وأَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وأجاز للبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وللحافظ الضياء. وروى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن صَصْرَى، وتاج الدين عبد الله بن حمويه وجماعة. وتخرج به جماعة.
وقيل: إنه وعظ مرةً، فسأل نور الدين أن يحضر مجلسه، فحضر فشرع فِي وعظه يناديه: يا محمود، كما كان يفعل البرهان البلْخي شَيْخ الحنفية، فقال للحاجب: اصعد إليه، وقُلْ لَهُ: لَا تخاطبني باسمي. فسُئل نور الدين عَن ذلك فيما بعد. فقال: إن البلْخي كان إذا قَالَ: يا محمود قامت كل شعرةٍ فِي جَسَدي هيبةً لَهُ، ويرق قلبي، والقُطْبُ إذا قَالَ: يا محمود يقسو قلبي ويضيق صدري. حكاها سِبْط ابْن الجوزي، وقال: كان القُطْب غريقًا فِي بحار الدنيا.
قلت: وكان معروفًا بالفصاحة والبلاغة وكثرة النوادر ومعرفة الفقه والخلاف. تخرج به جماعة. ودرس أَيْضًا بالجاروخية. ودُفن بتُربةٍ أنشأها بغربي مقابر الصوفية. وبني مسجدًا على الصخرات التي بمقبرة طاحون الميدان، ووقف كتُبه.(12/620)
292 - معَدّ بْن حَسَن بْن عَبْد اللَّه، أبو نزار البغدادي، المنادي. [المتوفى: 578 هـ]
سمع: أَبَا سعد أَحْمَد بْن عَبْد الجبار الصيْرفي، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن. سمع منه أَحْمَد بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجي.
وكان لَا بأس به ينادي على السَّقط. وتُوُفي فِي جُمادى الآخرة.(12/621)
293 - مودود الذهبي الزاهد. [المتوفى: 578 هـ]
بغدادي كبير القدْر. [ص:622]
قال ابْن النجار: ذكر لي شيخنا السّهروَرْدي أنه كان من أولياء اللَّه المكاشفين. قال: وصحِبته.
قال ابْن النجار: وذكر لي أَبُو الْحَسَن القَطِيعي: أُخذ مودود الذهبي فِي حادثه إلى باب النوبي، فأمروا بضربه، فلما رفع الضارب يده لم يقدر على حطها. فأُطلق فأُطلقت يد الضارب، فأنقطع عَن الناس. وكان جارنا أَبُو البركات الشهرزوري الخياط يذكر لنا أحواله وكراماته.
تُوُفي فِي هذا العام.(12/621)
294 - هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن هبة اللَّه بْن مميل، أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي نصر الشيرازي، ثم البغدادي. [المتوفى: 578 هـ]
وُلِد ببغداد سنة خمس مائة، وسمع بها: أَبَا علي بْن نبهان، ومحمد بن الحسن بن باكير الفارسي، وجماعة.
وكان عدْلًا فاضلًا، وصوفيًا واعظًا. قدِم دمشقَ سنة ثلاثين وخمس مائة فاستوطنها، وولي إمامة مشهد علي بالجامع. وفُوّض إليه عقد الأنكحة. وكان دينًا، حَسَن الطريقة.
ولما تُوُفي فِي ربيع الأول خلَفه فِي إمامة المشهد ابنه القاضي أَبُو نصر.
روى عَنْهُ ابنه، وابن ابنه أَبُو المعالي أَحْمَد بْن محمد، وأبو المواهب بن صصرى، وآخرون.(12/622)
295 - وفاء بْن أسعد بْن النفيس بْن البهي، أَبُو الفضل التركي، ثم البغدادي الخباز. [المتوفى: 578 هـ]
شيخ صالح من أولاد الأجناد. سمع أَبَا القاسم بْن بيان، وأبا الخطاب الكَلوَاذانيّ، وأَبَا طاهر عَبْد الرَّحْمَن اليُوسُفي، وجماعة. ووُلِد سنة خمس مائة.
روى عنه أبو محمد ابْن الأخضر، وأبو مُحَمَّد بْن قُدامة، والبهاء عبد الرحمن، وأبو صالح الجيليّ، وجماعة.
وقال أبو الفتوح ابن الحصري: توفّي في ربيع الآخر.(12/622)
296 - يحيى بْن أَحْمَد بْن يحيى بْن سيدبونه، أَبُو زكريا الخُزَاعي، الداني. [المتوفى: 578 هـ]
روى عَن أبيه، وأبي إِسْحَاق بْن جماعة. وأخذ القراءات عَن أَبِي عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الداني. وحجَّ، وسمع بالإسكندرية.
سمع منه فِي هذا العام مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عامر الداني.(12/623)
-وَفِيهَا وُلد:
بعقرباء، مكي بْن عَبْد الرزاق.(12/623)
-سنة تسع وسبعين وخمس مائة(12/624)
297 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن مُحَمَّد، الْإِمَام أَبُو جَعْفَر الْأَنْصَارِيّ، الأندلسي، الملقب بالطيلسان؛ لِحُسْنِ بِزّته. [المتوفى: 579 هـ]
أكثر عَن أَبِي مروان بْن مسَرّة، وغيره. وطال عُمره.
قال حفيده أَبُو القاسم ابن الطيْلسان: تُوُفي فِي صَفَر.(12/624)
298 - إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عثمان، أَبُو إِسْحَاق الْأَنْصَارِيّ، الغَرناطيّ. [المتوفى: 579 هـ]
سمع من غالب بْن عطية، وأبي الْحَسَن بْن الباذش، وأبي الوليد بْن بقوة، وابن عتاب. وقرأ بالروايات على منصور بن الخير، وابن شفيع، وابن المطرِّف ابن الوراق. وسمع " الموطأ " فِي يومٍ واحد على ابْن موهب. وله إجازة من أَبِي بَكْر الطرَطُوشي. وأول سماعه سنة أربع عشرة وخمس مائة.
وكان ذا تفنن فِي العلوم. وُلّي القضاء بأماكن.
روى عَنْهُ أَبُو الخطاب بْن واجب.
مات فِي جُمادى الأولى، وَلَهُ أربعٌ وثمانون سنة، رحمه الله.(12/624)
299 - إِسْمَاعِيل بْن قاسم الزيات الْمَصْرِيّ. [المتوفى: 579 هـ]
روى عَن أَبِي صادق. مرشد بْن يحيي المَدِيني، وغيره. روى عَنْهُ الحافظ عَبْد الغني، والشيخ أَبُو عُمَر، ونبا بْن أَبِي المكارم الأطرابلُسيّ، وكريمة بِنْت عَبْد الحق القُضاعيّة، وجماعة.
قال أَبُو الْحَسَن بْن المفضل: أجاز لي ولولدَيَّ. وتُوُفي بمصر في شعبان.(12/624)
300 - بنجير بن عليّ بن بنجير القاضي أبو الفتح الأشتريّ، الفقيه، [المتوفى: 579 هـ]
نزيل دمشق. [ص:625]
حدث عَن عَبْد الملك الكَروخيّ. روى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن صَصْرَى، وغيره.
وناب فِي القضاء عن الشهرزوريّ. ودرس بالغزاليّة مدةً، وعاش نيفًا وسبعين سنة.
تُوُفي فِي تاسع ربيع الآخر.(12/624)
301 - بوري، تاج الملوك مجد الدين، [المتوفى: 579 هـ]
أخو السلطان صلاح الدين.
صار إلى عفو اللَّه فِي الثالث والعشرين من صَفَر، وَلَهُ ثلاثٌ وعشرون سنة. وكان أصغر أولاد نجم الدين أيوب.
وكان أديبًا فاضلًا لَهُ ديوان شِعر، منه:
يا حياتي حين يرضى ... ومماتيِ حين يسخط
آه من ورد على خد ... يك بالمسك منقط
بين أجفانك سلطا ... ن على ضعفي مُسلط
قد تصبّرت وإن بر ... ح الشّوق وأفرط
فلعلّ الدّهر يومًا ... بالتلاقي منك يغلط
وله:
رمضان بل مرضان إلَّا أنهم ... غلطوا إذًا فِي قولهم وأساؤوا
مرضان فيه تحالفا، فنهاره ... سِلّ وسائر ليله استسقاءُ
وله:
أقبل من أعشقه راكبًا ... من جهة الغرب على أشهب
فقلت: سُبحانك يا ذا العُلا ... أشرقت الشمس من المغرب
توفّي على حلب من طعنةٍ أصابت رُكبته يوم سادس عشر المحرم يوم نزول أخيه عليها، فمرض منها. وكان السلطان قد أعدّ للصالح عماد الدين صاحب حلب ضيافة فِي المخيم بعد الصُّلح، وهو على السِّماط إذ جاءه الحاجب فأسرَّ إليه موت بوري، فلم يتغير وأمره بتجهيزه ودفْنه سرًا، وأعطي الضيافة حقّها. فكان يقول: ما أخذنا حلب رخيصة. [ص:626]
وبوري بالعربيّ: ذئب.(12/625)
302 - تَقية أم علي الشاعرة بِنْت المحدث غَيْث بْن علي السُّلَميّ الأرْمَنَازي، ثم الصُّوري. [المتوفى: 579 هـ]
والدة المحدث تاج الدين علي بْن فاضل بْن صمدون الصّوري.
صحبت السِّلفي بالإسكندريّة، وأثنى عليها في تعاليقه، وقال: عثُرتُ في منزلي، فانجرح أخمصي، فشقت وليدةٌ فِي الدار خِرقةً من خمارها وعصَبته، فأنشدتْ تقية فِي الحال لنفسها:
لو وجدت السبيلَ جُدتُ بخدي ... عِوَضًا عَن خمار تلك الوليدة
كيف لي أن أُقبِّل اليومَ رِجلًا ... سلكت دهرَها الطريق الحميده
وذكر الحافظ زكي الدين المنذري أن تقية نظمت قصيدةً تمدح بها الملك المظفّر تقي الدين عُمَر ابْن أخي السلطان صلاح الدين، فوصفت الخمر وآلة المجلس، فلما قرأها قَالَ: الشَّيْخة تعرف هذه الأحوال من صباها. فبلغها ذلك، فعملت قصيدةً أخرى حربية وأرسلتها، تقول: عِلمي بذاك كعِلمي بهذا.
وُلِدت بدمشق في أول سنة خمسٍ وخمس مائة. وتُوفيت فِي أوائل شوال.
وقد رَوَى عَنْهَا من شِعرها أَبُو القاسم عَبْد اللَّه بْن رَواحة.
وتُوُفي ابنها فِي سنة ثلاثٍ وست مائة.(12/626)
303 - ثعلب بْن مذكور بْن أرنب أَبُو الْحَسَن، وقيل: أَبُو الحُصَيْن الأكاف، [المتوفى: 579 هـ]
أخو رجب.
سمع من أبي العز بن كادش، وأبي القاسم بن الحصين، وأبي غالب ابن البناء.
وكان حارسًا سيئ الطريقة، ليس بأهلٍ أن يُحمل عَنْهُ. كان مقدّم حرّاس الخلافة. [ص:627]
مات في رمضان.(12/626)
304 - الْحَسَن بْن سَعِيد بْن عَبْد اللَّه بْن بُندار، أبو عليّ الشّاتانيّ عَلَم الدين الشاعر. [المتوفى: 579 هـ]
قدِم بغداد وتفقه وتأدب. وسمع من قاضي المَرِستان، وابن الحُصَيْن، وإسماعيل ابن السّمَرقَنديّ. وأنشأ الرسائل، وسكن الموصل، ونفذه أميرها رسولًا إلى الديوان. وخرج إلى الشام، وحدث بها. وسماه ابْن عساكر فِي " تاريخه ".
وكان ابْن هُبَيرة الوزير مقبلًا عَلَيْهِ.
تُوُفي فِي شعبان بالموصل.(12/627)
305 - الحسَن بْن عسكر، أَبُو مُحَمَّد الواسطي. [المتوفى: 579 هـ]
سمع أَبَا علي الفارقي، وغيره.
روى عَنْهُ ابْن الدبيثي قَالَ: كنت ببغداد فِي ليلة رجب سنة إحدى وعشرين وخمس مائة جالسًا على دكَة للفُرْجَة بباب أبرَز، إذ جاء ثلاثُ نِسْوة فجلسْنَ إلى جانبي، فأنشدتُ متمثلًا:
هواءٌ ولكنه راكدٌ ... وماءٌ ولكنه غير جاري
فقالت لي إحداهنّ: هَلْ تحفظ لهذا البيت تماما؟
فقلت: لا.
فقالت: فإن أنشَدَك أحدٌ تمامه ماذا تُعطية؟
قلت: أقبل فاه.
فأنشدتني:
وخمرٌ مِن الشّمس مخلوقةٌ ... بدت لك فِي قَدَحٍ من نُضار
إذا ما تأمّلتَها وهي فِيهِ ... تأمّلتَ نورًا محيطًا بنار
هواءٌ ولكنه راكدٌ ... وماءٌ ولكنه غير جاري
كأنّ المدير لها باليمين ... إذا دار بالشرب أو باليَسارِ
توشح ثوبًا من الياسمين ... لَهُ فرد كُمٍّ من الجُلَّنَار(12/627)
306 - الحسين ابن القاضي أبي الحسين أَحْمَد ابْن قاضي القضاة علي بْن مُحَمَّد الدّامَغانيّ. [المتوفى: 579 هـ][ص:628]
استنابه أخوه قاضي القُضاة فِي القضاء ببغداد سنة ستٍّ وأربعين وخمس مائة.
قال ابْن النجّار: ولم يُحمَد في القضاء. حدثنا عنه أحمد بن الحسن بن حنظلة الكتبي. وقد سمع من ابْن الحُصَين، وأبي غالب ابن البناء. وعاش نيفًا وستين سنة.(12/627)
307 - الْحُسَيْن بْن هبة اللَّه بن رُطبة، أَبُو عَبْد اللَّه السّورائيّ، [المتوفى: 579 هـ]
شَيْخ الشيعة، وأبو شيخهم الفقيه العلامة أَبِي طاهر هبة اللَّه.
كان متبحرًّا فِي الأصول والفُروع على مذهب الرافضة. قرأ الكثير، ورحل إلى خُراسان، والريّ، ومازندَران، ولقي كبار الشيعة، وصنّف، وأشغل بسورا والحِلّة. وتوفّي في رجب.(12/628)
308 - سُبَيع بْن خَلَف بْن مُحَمَّد، أَبُو الوحش الأسَديّ، الأديب. [المتوفى: 579 هـ]
شاعر دمشقي معروف، مليح القول.
روى عَنْهُ أَبُو المواهب بْن صَصرى، وقال: مات فِي عاشر رجب.
وأنشدني لنفسه:
يَمَّمْتُ دار أبي فلانٍ قاصدًا ... بمدائحي فيه وحسن مقاصدي
فرأيت منه ضِدّ ما عوّدتُه ... من بُخْلِه المتكاثف المتزايد
فذكرتُ لمّا أنْ رجعتُ مُجَلببًا ... بعطائه ولقيتُ غير عوائدي
وَلُربَّما جاد البخيلُ وما به ... جودٌ ولكن من نجاح القاصد(12/628)
309 - صالح بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن علي بْن زَرعان، أَبُو مُحَمَّد البغدادي، [المتوفى: 579 هـ]
التاجر، أحد الأعيان
سمع ابن الحصين، وأبا غالب ابن البناء، وأَبَا غالب مُحَمَّد بْن الْحَسَن الماوَرديّ وجماعة. وكتب بنفسه عَنْهُمْ. سمع منه جماعة.(12/628)
310 - طاهر بْن عطية، أَبُو منصور اللَّخميّ، الإسكندريّ. [المتوفى: 579 هـ][ص:629]
رجلٌ صالح.
روى عَن أَبِي بَكْر الطَّرطوشيّ. أخذ عنه أبو الحسن المقدسيّ، وغيره.(12/628)
311 - عبد اللَّه بن أَحْمَد بن أَبِي الفتح بن محمد بن أحمد، أبو الفتح القاسمي، الخِرَقيّ، الأصبهاني. [المتوفى: 579 هـ]
شيخ نبيل صالح من أولاد المحدّثين، ومن بقايا المسندين. سمع أباه أبا العباس الراوي عَن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر الذَّكْوانيّ، وأَبَا مطيع مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد الصحاف، وأبا الفتح أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد السوذَرجانيّ، وأبا الفتح أَحْمَد بْن مُحَمَّد الحداد، وبُندار بْن مُحَمَّد الخلْقاني القاضي، وعبد الرَّحْمَن بْن حمْد الدوني، وأبا أَحْمَد حَمْد بْن عَبْد اللَّه بْن حنَّة، وعبد الرَّحْمَن بْن أبي عثمان الصابوني، وعمر بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن علُّوَيْه، وأبا علي الحداد، وطائفة سواهم.
وتفرّد بالرواية عَن جماعة، وسماعه من ابْن علّوَيْه فِي سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة حضورًا، فأخبرنا ابن الخلاّل، قال: حدثنا مُحَمَّد بْن يوسف البِرْزالي الحافظ أنْ هذا الشَّيْخ وُلد فِي يوم عيد النَّحر سنة تسعين وأربع مائة. وكان جدّه حيًا، فسمّاه باسمه وكناه بكْنيته. وعاش بعد ذلك شهرًا.
قلت: رَوَى عَنْهُ الحافظ عَبْد الغني، ومحمد بْن مكي الحنبلي، وعبد اللَّه بْن أَبِي الفرج الجُبّائيّ، والمهذب بْن الْحُسَيْن بْن زينة، وأبو الفضل بن سلامة العطّار، ومحمد بن خليل الراراني، وآخرون. وبالإجازة: ابْن اللّتي، وكريمة، والحافظ الضّياء، والرشيد إسماعيل ابن العراقي، وغيرهم.
وقرأت وفاته بخطّ زكيّ الدين البِرزاليّ فِي يوم الثلاثاء بعد فراغه من صلاة الصُّبح السابع والعشرين من رجب، ودُفن بالمُصَلي، وصلى عَلَيْهِ الحافظ أَبُو مُوسَى المَدِينيّ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارُ بقراءتي: قال أخبرنا أبو الفضل بن سلامة بحرّان، قال: أخبرنا أَبُو الْفَتْحِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بِإِصْبَهَانَ، قال: أخبرنا غنّام بن عبد الملك، قال: حدثنا أبو بكر بن بُندار، قال: حدثنا الطبراني، قال: حدثنا أحمد بن المُعلّى الدمشقي، قال حدثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي [ص:630] الْحَوَارِيِّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ الفِريابي يَقُولُ: عَلَى الإِمَامِ أَنْ يَضْرِبَ أَعْنَاقَ الْجَهْمِيَّةِ وَالرَّوَافِضِ، فَإِنَّهُمْ زَنَادِقَةٌ.(12/629)
312 - عَبْد اللَّه بْن فَرَج، أَبُو مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ، القُرْطُبّي، الوراق، الزّمِن. الرجل الصالح. [المتوفى: 579 هـ]
أجاز لَهُ أَبُو محمد بْن عتاب ما رَوَاهُ عَن مكي بْن أَبِي طَالِب خاصة. وأخذ أَيْضًا عَن أَبِي الوليد بْن طريف، وأبي بكر ابن العربي. وتوفي فِي رَمَضَان.(12/630)
313 - علي بْن علي بْن نَمَا بْن حمدون. الكاتب أَبُو الْحَسَن الحِلّي، الرافضي، الخبيث. [المتوفى: 579 هـ]
مدح ملوك الشام، وَلَهُ ديوان. وقد أكفر الصحابة - رضى اللَّه عَنْهُمْ -. وهو القائل، لعنه الله:
أيُولّى على البريّة من ليـ ... س علي حَمْل سورةٍ بأمينِ
وهذا البيت من قصيدة ينشدها أهل الرفض فِي المواسم.
ذكره ابن النجّار.(12/630)
314 - كرم بْن بختيار بْن علي البغدادي، الزاهد. [المتوفى: 579 هـ]
أحد الصالحين.
روى عَن هبة اللَّه بْن الحُصَيْن. أخذ عَنْهُ ابْن مشِّق، وعبد العزيز بْن الأخضر، وأحمد بْن أَبِي بَكْر البزاز، وغيرهم. وتُوُفي فِي ذي الحِجَّة.(12/630)
315 - محمد بن أحمد بن بلال، أَبُو سَعِيد المزي، الحارثي، الدهان. [المتوفى: 579 هـ]
حدث عَن جمال الْإِسْلَام أَبِي الْحَسَن. وعنه أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وأخوه الْحُسَيْن.(12/630)
316 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن حمزة بْن جيا، أَبُو الفَرَج الكاتب الحلي، [المتوفى: 579 هـ]
من فرسان البلاغة والشعْر.
لَهُ النظْم والنثْر. روى عَنْهُ علي بْن نصر بْن هارون الحِلي، ومحمود بْن [ص:631] مُفَرّج، وأبو بَكْر عُبَيْد اللَّه بْن علي التيمي.
ولم يكن بالعراق مثله فِي الترسُّل والأدب، ولكنه كان ناقص الحظّ، لَهُ ملْك يتبلغ منه.
مات فِي المحرَّم.(12/630)
317 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد. أَبُو عَبْد الله بْن عراق الغافقي، القُرْطبي، المُقرئ. [المتوفى: 579 هـ]
أخذ القراءات، سوى قراءة الكوفيين، عن أبي القاسم ابن النخاس، وعَوْن اللَّه بن محمد. وسمع من أبي محمد بن عتاب، وأبي بحر بن العاص. وتصدّر للإقراء والتسميع.
روى عنه ابن حَوط الله، وأبو الخطاب بن دحية.
وتوفي في رجب. ومولده في سنة تسعين وأربع مائة.(12/631)
318 - محمد بن بختيار، أبو عبد الله البغدادي، الأبله، الشاعر، [المتوفى: 579 هـ]
صاحب الديوان المشهور.
كان شابًا ظريفًا وشاعرًا محِسنًا، يلبس زي الْجُنْد. وشِعره فِي غاية الرقة وحُسْن المَخْلَص إلى المدح. وكان أحد الأذكياء، ولذا قيل لَهُ: الأبله بالضِّدّ. وقيل: بل كان فيه بَلَه ما.
توفّي ببغداد فِي جُمادى الآخرة. وقد سار لَهُ هذا البيت:
ما يعرف الشوقَ إلَّا مَن يُكابدُه ... وَلَا الصبابةَ إلَّا من يُعانيها
وله:
دارك يا بدرَ الدّجى جنّةٌ ... بغيرها نفسي ما تلهو
وقد أتى فِي خبرٍ أنه ... أكثر أهل الجنة البلهُ
وله:
أقول للغيث لما سال واديهِ ... تحدثي عَن جفوني يا غواديهِ
أعرت مُزنَكَ أجفانًا بكيت بها ... فمن أعارك ضوء البرق من فيه
أعاد زورته والشُّهب ناعسةٌ ... والليل قد راق أو كادت حواشيه [ص:632]
لقد وهَى عزْمُ صبري يوم ودّعَني ... أحوى ضعيف نطاق الخصر واهيه
عصيت في حبّه من بات يعذلني ... ما أطعت الهوى إلا لأعصيه
بالله يا لائمي فيمن كلفتُ به ... إقامةُ الغُصن أحلى، أم تثنيهِ؟
قال أَبُو الفَرَج ابن الجوزي: ذكِر عَنْهُ أنه خَلَف ثمانية آلاف دينار، وشاع أنه كان يُعامل بالربا. ثم ورَّخ وفاته كما مرَّ.
روى عَنْهُ أَبُو الْحَسَن القَطِيعي، وعلي بْن نصر الأديب.(12/631)
319 - مُحَمَّد بن جَعْفَر بْن عَقِيل، أَبُو العلاء البصْري، ثم البغدادي، المقرئ. [المتوفى: 579 هـ]
قرأ القراءات على أَبِي الخير المبارك الغسال. وسمع أَبَا القاسم بْن بيان، وأبا الغنائم النرسِي، وأَبَا غالب مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد القزاز.
قال ابْن الدبيثي: وكان حَسَن المحاضرة، كثير المحفوظ من الأشعار والحكايات. وأجاز له: أبو الحسن ابن العلاف، وأبو الفتح الحداد الأصبهاني.
ذكره ابْن السمعاني فِي " الذيل ".
قلت: رَوَى عَنْهُ أمين الدين سالم بْن صَصْرَى، ومحمد بْن أَحْمَد بن غنيمة ابن الخرّاط، ومحمد بن سعيد ابن الخازن، وآخرون. ولم أظفر باسم أحدٍ ممن قرأ عَلَيْهِ بالروايات.
وتُوُفي فِي جُمادى الآخرة، وَلَهُ ثلاثٌ وتسعون سنة.(12/632)
320 - مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز بن عَليّ بْن عيسى، أَبُو الْحَسَن الغافقيّ، القُرْطُبيّ، المعروف بالشقوري. [المتوفى: 579 هـ]
سمع من أَبِي عبد الله بن الأحمر، وأبي بكر ابن العربي، وأبي جَعْفَر البطروجي، وجماعة. [ص:633]
قال الأبار: وكان حافظًا لأخبار الأندلس، مَعْنِيًّا بالرجال، ضابطًا، متقنًا، لَهُ مشاركة فِي اللغة والنحو، مع الزهد والفضل. ووُلي قضاء شَقُورة وحُمِدت سيرته، وأخذ الناس عَنْهُ. وتُوُفي فِي المحرم. وكان مولده فِي سنة عشرين وخمس مائة.(12/632)
321 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الْجُنيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْجُنيد، أَبُو مُسْلِم الأصبهاني. [المتوفى: 579 هـ]
سمع أَبَا الفتح الحداد، وأبا سعد المطرز، والحافظ مُحَمَّد بْن طاهر المقدسي. وقدِم بغداد حاجًا مع خاله أبي غانم محمد بن الحسين بن زينة، فكتب عَنْهُ المبارك بْن كامل الخفاف حديثين.
وكان ثقة من بيت حديث وتصوف.
تُوُفي في رجب، وله اثنتان وثمانون سنة.
وقد رَوَى الكثير بإصبهان.(12/633)
322 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن حمزة بْن أَبِي جيش، أَبُو طالب الأزدي، الدمشقي. [المتوفى: 579 هـ]
سمع هبة الله ابن الأكفاني. روى عَنْهُ المسلم بْن عَبْد الوهاب، وأبو القاسم بْن صَصْرَى.(12/633)
323 - مُحَمَّد بْن أَبِي الأزهر علي بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن علي بْن يوسف، أَبُو طَالِب الواسطي، الكتاني، المحتسب، المعدل. [المتوفى: 579 هـ]
كان على حسْبة واسط هُوَ وأبوه. وُلِد سنة خمسٍ وثمانين وأربع مائة.
قال ابْن الدبيثي: سمع مُحَمَّد بْن علي بْن أَبِي الصَّقْر الشاعر، وأبا نُعَيْم مُحَمَّد بن إبراهيم الجماري، وأبا الْحَسَن كاتب الوقف، وأبا نُعَيْم بْن زَبزَب، وأحمد بْن أَبِي مُحَمَّد العُكْبَري، وأَبَا غالب مُحَمَّد بْن أَحْمَد، والمبارك بْن فاخر، وهبة الله ابن السقَطي. وانفرد فِي الدنيا بإجازة أَبِي طاهر أَحْمَد بْن الْحَسَن الباقلانيّ، وأبي منصور عَبْد المحسن الشيحي، وأبي الْحَسَن بْن أيوب [ص:634] البزاز. ورحل إلى بغداد فسمع أَبَا الْحَسَن ابن العلاف، وأَبَا القاسم بْن بيان، ونور الهدى الزَّيْنَبي.
وكان ثقة، صحيح السماع، متخشعًا، يرجع إلى دين وصلاح.
رحل الناس إليه وكتبوا عَنْهُ. روى عَنْهُ أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، ويوسف بْن أَحْمَد الشيرازي، وعبد القادر الرُهاوي، وأبو بكر بن موسى الحازمي، وأبو الفتح المندائي، وأبو طالب بن عبد السميع. وسمعنا منه الكثير ونِعْمَ الشَّيْخ كان. سمعت منه بقراءتي فِي سنة أربع وسبعين.
قلت: وروى عنه المرجّى بْن شُقيْر كِتَاب " الطوالات " للتنوخي.
قال ابْن الدبِيثي: وأنشدنا قَالَ: أنشدنا مُحَمَّد بْن علي بن زبزب سنة أربع وخمس مائة قال: أنشدنا أَبُو تمام علي بْن مُحَمَّد بْن حسن قاضي واسط لبعضهم:
لمّا تكهّل مَن هَوَيْت ... وقلت: رَبْعٌ قد دثر
عاينت من طلابه ... بالباب أفواجًا زُمَر
وكذاك أرباب الحديث ... نفاقهم عند الكبر
توفي فِي ثاني المحرم بواسط، وَلَهُ أربعٌ وتسعون سنة.(12/633)
324 - محمود بْن نصر بْن حماد بْن صدقة ابن الشعار، أبو المجد الحراني، ثم البغدادي، [المتوفى: 579 هـ]
والد المحدث إِبْرَاهِيم.
شيخ صالح، سمع الكثير بنفسه من هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وهبة الله ابن الطبَر، وأبي بَكْر المَزْرَفي، فَمَن بعدهم.
قال ابْن الدبيثي: كان ثقة، صحيح النقل. تُوُفي فِي رَمَضَان وَلَهُ ثمان وسبعون سنة. قرأتُ عَلَيْهِ ونِعْمَ الشَّيْخ كان.
قلت: وَرَوَى عَن العلامة أبي الوفاء بن عقيل. روى عَنْهُ القاضي أَبُو منصور سَعِيد بْن مُحَمَّد بْن جحدر الصُوفي.
وقد قرأ بالروايات على هبة الله ابن الطَّبر؛ وكان ثقة.(12/634)
325 - مُقَاتل بْن عزّون الرقي، المعروف بابن العريف. [المتوفى: 579 هـ]
مصري، واسع الرواية. [ص:635]
قال الحافظ ابْن المفضّل فِي " الوَفَيَات ": قرأتُ عَلَيْهِ " سُنَن أَبِي دَاوُد "، وأخبرنا ابْن المشرف، عَن الحبال، عَن أَبِي مُحَمَّد النحاس، عَن ابْن الأعرابي مناولة، عَنه.
وقرأتُ عَلَيْهِ ستة أجزاء من أول كِتَاب " الأسماء والكنَى " للنَّسَائي، وهو عشرون جزءًا، عَن ابْن المشرف، عَن الحبّال، عَن ابْن الخصيب، عَن ابْن النسائي، عَن أَبِيهِ.
وناولني " صحيح مُسْلِم "، أصل سماعه من يوسف المَيُورقي، اللخْمي، عَن الْحُسَيْن بْن عليّ الطبَري، بسَنَده. وتُوُفي فِي رَمَضَان، ومولده سنة إحدى وخمس مائة.(12/634)
326 - الموفَّق بْن شوعة اليهودي الْمَصْرِيّ الطبيب، الملقب بالقيثارة. [المتوفى: 579 هـ]
من أعيان الأطباء والكحالين. وكان ظريفًا، شاعرًا، ماجنًا.
خدم السلطان صلاح الدين بالطب. وكان الشَّيْخ نجم الدين الخَبُوشاني لَهُ صورة بمصر، وفيه صلاح وتمفقر، فإذا رَأَى ذِميًا راكبًا قصد قتْله، فكانوا يتحامونه، فرأى الموفق راكبًا فضربه بشيء أصاب عينه، فقلعها وراحت هدْرًا.
وله، أعني الموفق، قصيدة يهجو فِيهَا ابْن جُمَيع اليهودي رأس الأطباء بالقاهرة ويرميه بالأبنة. فلهم اللعنة.(12/635)
327 - يوسف بْن إِبْرَاهِيم بْن عثمان، أَبُو الحَجّاج العَبْدَري، الغَرْناطيّ، المعروف بالثَغْري. [المتوفى: 579 هـ]
أخذ القراءات عَن عَبْد الرحيم بْن الفَرَس، وأبي الْحَسَن شُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبي بَكْر يحيى بْن الخلوف، وأبي الحسن ابن الباذش.
وسمع منهم، ومن أَبِي مروان الباجّي، وأبي بكر ابن العربي، وأبي الْحَسَن بْن مغيث، وخلْق.
وصحِب أَبَا بَكْر بْن مَسْعُود النَّحْوي مدَّة، وأخذ عَنْهُ العربية. وأجاز لَهُ أَبُو علي بْن سكّرة، وأبو بكر الطرطوشي.
قال ابن الأبار: وكان فقيهًا حافظًا، محدثًا، راوية، مقرئًا، ضابطًا، مفسرًا، أديبًا. نزل فِي الفتنة قليوشة وأقرأ بها. وولى الصلاة والخطْبة.
أكثر عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه التُّجيْبي وقال: لم أر أفضل منه، وَلَا أزهد، وَلَا أحفظ لحديثٍ [ص:636] وتفسير منه. ولم أر بالبلاد المشرقية أفضل من أَبِي مُحَمَّد العثماني وَلَا أزهد وَلَا أورع.
قال: وروي عَن أَبِي الحَجّاج: أَبُو عُمَر بْن عياد، وأبو الْعَبَّاس بْن عُمَيْرَة، وأبو سليمان بن حوط الله.
وتوفي في شوال، وله ست وسبعون سنة.(12/635)
328 - يونس بْن مُحَمَّد بْن منعة بْن مالك بْن مُحَمَّد، الْإِمَام رضي الدين أَبُو الفضل المَوْصِلي الإربلي الأصل، الشافعي. [المتوفى: 579 هـ]
والد الشَّيْخ كمال الدين مُوسَى وعماد الدين مُحَمَّد.
وُلِد بإربل، وتفقَّه بالموصل على الْحُسَيْن بْن نصر بْن خميس الْجُهَنيّ، وسمع منه كثيرًا من حديثه. ثم انحدر إلى بغداد وتفقَّه بها على أَبِي منصور سَعِيد بْن مُحَمَّد الرّزاز.
ثم ردَّ إلى الموصل وسكنها، وصادف بها قبولًا عند متوليها زين الدين علي كَوْجَك صاحب إربل. ودرَّس وأفتى وناظر، وتفقَّه به جماعة.
تُوُفي فِي المحرَّم وَلَهُ ثمانٍ وستّون سنة. ورَّخه ابْن خَلكان.(12/636)
-وَفِيهَا وُلد:
نقيب الأشراف بهاء الدين علي بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الجن، وأبو المجد عَبْد الملك بْن نصر ابن الفوي بالثغْر. سمع من ابْن المفضل، وأبو بَكْر بْن عليّ بْن مكارم بْن فتيان الدمشقي في شعبان.(12/636)
-سنة ثمانين وخمس مائة(12/637)
329 - أَحْمَد بْن علي بْن معمر بْن رضوان، أَبُو بَكْر بْن جرادة المشاهر البغدادي. [المتوفى: 580 هـ]
سمع إِسْمَاعِيل بْن ملة، وأَبَا طَالِب بْن يوسف. سمع منه عُمَر بْن علي.
وتُوُفي فِي جُمادى الآخرة، وهو ابْن خمسٍ وتسعين سنة، قاله ابن الدبيثي.(12/637)
330 - أَحْمَد بْن المبارك بْن دَرَك، أَبُو الْعَبَّاس البغدادي، الضّرير، المقرئ، الدارقَزّي. [المتوفى: 580 هـ]
شيخ صالح. سمع أَبَا القاسم بْن بيان، وأحمد بْن علي بْن قريش. سمع منه أَحْمَد بْن طارق، وعبد العزيز ابن الأخضر، وغيرهما.
وقال إلياس بْن جامع الإربلي: قرأت عَلَيْهِ جزءًا تحت شجرةٍ فِي داره، فقال لي: قرأتُ تحت هذه الشجرة عشرة آلاف ختْمة.
تُوُفي فِي جُمادى الآخرة، وَلَهُ ثمانٍ وسبعون سنة.(12/637)
331 - إِبْرَاهِيم بْن حسين بْن يوسف بْن محارب، أَبُو إِسْحَاق القيْسي البَلَنْسِي، المقرئ. [المتوفى: 580 هـ]
أخذ القراءات عَن أَبِي عَبْد اللَّه بْن سَعِيد. سمع من أَبِي بَكْر بْن برنجال. وأخِذت عَنْهُ القراءات وكتبها. وكان مشهورا بالتجويد.
قال الأبار: أخذ عنه شيوخنا أبو عبد الله بن واجب، وأبو الحجاج بن أيوب، وأبو الحسن بن خيرة. وقرأ عليه في صغره أبو جعفر بن عون الله الحصّار.
توفي سنة ثمانين أو إحدى وثمانين.(12/637)
332 - إيلغازي بْن ألبي بْن تمرتاش بْن إيلغازي بْن أرتق. الملك قطب الدين [المتوفى: 580 هـ]
صاحب ماردين.
وليها مدةً طويلة بعد أَبِيهِ. وكان موصوفًا بالشجاعة والعدل. [ص:638]
تُوُفي فِي جُمادى الآخرة، وخلف ولدين صغيرين، فأقيم فِي الأمر أحدهما، وهو حسام الدين، وقام بتدبيره مملوكه نظام الدين ألْبُقش من تحت جناح خال أَبِيهِ شاه أرمن صاحب خلاط. فلما مات ولي الأخ الآخر قُطب الدين، فامتدت أيامه إلى أن قتل ألبقش واستقل بالأمر.(12/637)
333 - بدر بْن عَبْد الغني بْن مُحَمَّد، أَبُو النجْم الطحان، الواسطي، المقرئ. [المتوفى: 580 هـ]
قرأ على: علي بن شيران، وأبي محمد سبط الخياط. وروى القراءات بواسط.
قال الدّبيثي: سمعنا منه. وتوفي في ربيع الأول.(12/638)
334 - الْحَسَن بْن عيسى بْن أصبغ، أَبُو الوليد الْأَزْدِيّ، القُرْطُبيّ، المعروف بابن المناصف. [المتوفى: 580 هـ]
روى عَن عم أمه أَبِي مُحَمَّد بْن عتاب، سمع منه " المدونة " وكتابه الكبير فِي المواعظ الملقب " بشفاء الصدور ".
وله إجازة من أَبِي علي بْن سُكَّرَة.
ولي خطابة إشبيلية. وحدّث عنه أبو القاسم ابن الملجوم، وأبو سليمان بن حوط الله، وأبو الخطاب بن دحية.
وتوفي في المحرم. وولد ظنا سنة اثنتين وخمس مائة.(12/638)
335 - الحسين بن علي بن عبد الواحد بن شبيب، أبو عبد الله الطيبي، ثم البغدادي، الكاتب. [المتوفى: 580 هـ]
كان كاتبا منشئا، فصيحا، بليغا، مفوها، له النظم والنثر.
وكان يدخل على المستنجد بالله ويجالسه، ويحب سماع كلامه. ويأمره بإطالة مقامه. قَالَ لَهُ مرةً مصحفًا: أين شتيت؟ فجاوبه مسرعاً: عند مولانا.
توفي في ربيع الآخر.(12/638)
336 - زهير بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي سعد، أبو غالب الأصبهاني، يعرف بشعرانة. [المتوفى: 580 هـ]
والد محمد ابن شعرانه الَّذِي أجاز للقاضي تقي الدين الحنبلي.
سمع سَعِيد بْن أَبِي الرجاء الصيرَفي.
قال الدبيثي: وكان مقرئًا مجودًا، قدِم بغداد، ولقِيتُه بالحِلة وبمدينة النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وسمعتُ منه.
وتُوُفي معنا بوادي العروس فِي تاسع المحرم.(12/639)
337 - السّديد، أبو البيان ابن المدوَّر اليهوديّ، [المتوفى: 580 هـ]
طبيب السلطان صلاح الدّين.
كان حاذقًا بصيرًا بالعلاج، خدم الخلفاء الباطنية، وخدم بعدهم صلاح الدين، وطال عمره وانقطع. وكان لَهُ فِي الشهر أربعة وعشرون دينارًا إلى أن مات إلى لعنة اللَّه.
وكان يُقرئ الطبَّ فِي داره بمصر، وعاش ثلاثًا وثمانين سنة. ومن تلامذته زين الحساب.
تُوُفي سنة ثمانين.(12/639)
338 - سعد بْن الْحَسَن بْن سلمان، أَبُو مُحَمَّد الحراني، ثم البغدادي، ويُعرف بابن التوراني. [المتوفى: 580 هـ]
وتُوران قرية علي باب حَران.
كان تاجرًا معروفًا، وأديبًا شاعرًا. جالس أبا منصور ابن الجواليقي، وغيره. روى عنه أبو سعد من شِعره فِي " الذيل ". وتُوُفي فِي ذي القعدة.(12/639)
339 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن وقاص، أَبُو مُحَمَّد اللمطي، المَيُورقي، [المتوفى: 580 هـ]
خطيب مَيُورقَة ومفتيها.
استشهد فِي الحادثة الكائنة بقصر مَيُورقَة فِي هذا العام.(12/639)
340 - عَبْد الرحيم بْن أَبِي البركات إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سعد أَحْمَد بْن مُحَمَّد. صدر الدين أَبُو القاسم النيْسابوري، ثم البغدادي، الصُّوفي. [المتوفى: 580 هـ]
شَيْخ الشيوخ.
كان حَسَن النظْم والنثر، وَلَهُ رأي ودهاء وتقدمٌ وجاه عريض. فكان المشار إليه فِي حُسْن الرأي والتدبير، مع زُهد وعبادة. ترسل إلى الشام، وكانت الملوك تستضيء برأيه.
سمع أَبَاهُ، وأَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وزاهر بْن طاهر، وأَبَا علي الفارقي، ومقرب بْن الْحُسَيْن النساج.
وروي الكثير، وكان صدوقًا نبيلًا. سمع منه أبو سعد السمعاني مع تقدمه، وأبو الخير القزويني، وأبو منصور حَفَدَة العطاري. وروى عَنْهُ أَبُو احمد بْن سُكَيْنَة، وابنه أبو الفتوح، وأبو عبد الله محمد ابن الدّبيثي، وسالم بن صَصْرَى، وآخرون.
وكان فِي الرسْليَة من قِبَل أمير المؤمنين، هُوَ والطواشي شهاب الدين بشير، فمرضا بدمشق، وطلبا العود إلى بغداد. وسارا فِي الحَرّ، فتوفي بشير بالسخْنة. وأما الشَّيْخ صدر الدين فإنه لم يستعمل فِي مرضه هذا دواء توكُّلًا على اللَّه تعالى. كذا نقل ابْن الأثير فِي تاريخه.
وتُوُفي بالرحْبَة فِي رجب. وكان معه كَفَنُهُ إلى أَيْنَ سافر، وكان من غزْل أمه، ومعه دينار لتجهيزه، من أجرة غزْل أمه.(12/640)
341 - عَبْد الرحيم بْن عُمَر بْن عَبْد الرحيم بْن أَحْمَد، أَبُو القاسم الحضْرمي، الفاسي، المعروف بابن عكيس. [المتوفى: 580 هـ]
سمع بقُرْطُبة وإشبيلية من أَبِي الْحَسَن بْن مغيث، وأبي بكر ابن العربي.
وكان حافظًا، مشاورًا، فقيهًا، مبرزًا، لَهُ تواليف. حدث عَنْهُ ابنه عُمَر، وأبو مُحَمَّد بْن مطروح.
تُوُفي فِي شعبان وَلَهُ ثمانون سنة.(12/640)
342 - عَبْد القادر بْن هبة اللَّه الغضائري، [المتوفى: 580 هـ]
سمع أبا القاسم بن الحصين، وأبا الحسين ابن الفراء.
كتب عَنْهُ ابْن مَشقْ، وغيره.(12/641)
343 - عَبْد اللطيف بْن مُحَمَّد بْن ثابت الْخُجَنْدِيُّ، [المتوفى: 580 هـ]
رئيس إصبهان، عالم، إمام كبير القدْر، بعيد الصيت.
قدِم بغداد ووعظ، وحجَّ، وعاد إلى بلده،
فتُوُفّي فِي ربيع الأول، وقد حدث.(12/641)
344 - عُبَيْد الله بن علي بن محمد بن محمد بن الحسين ابن الفرّاء، أبو القاسم بن أبي الفرج بن أَبِي خازم ابْن القاضي أَبِي يَعْلَى البغدادي، الحنبلي. [المتوفى: 580 هـ]
سمعه أَبُوهُ الكثير من أَبِي منصور عَبْد الرَّحْمَن القَزَّاز، وأبي منصور بْن خيرون، وأبي عَبْد اللَّه السلال، وأبي الْحَسَن بْن عَبْد السلام. وطلب هُوَ بنفسه، وأكثر عَن أصحاب عاصم بْن الْحَسَن، وطِراد، وبالغ حتى سمع من أصحاب ابْن الحُصَيْن. وكتب وحصل الأصول.
قال ابْن النجار: وكانت داره مجمعًا لأهل العِلم والشيوخ، وينفق عليهم ويتكرَّم. وكان لطيفًا حَسَن الأخلاق ذا مروءة. قرأ الفقه وشهد على القضاة، ثم عُزِل لما ظهرت منه أشياء لَا تليق بأهل الدين قبل موته بقليل، سمع منه ابْن الأخضر، وكان يصفه بالسخاء والعطاء، وقال لي ابْن القطيعي: كان عَدْلًا فِي روايته ضعيفًا فِي شهادته، مات سنة ثمانين فِي آخرها. مرض بالفالج أسبوعًا. ومولده سنة سبْعٍ وعشرين.
قلت: رَوَى عَنْهُ الشَّيْخ الموفق وقال: كان آخر مَن بقي مِن ذرية القاضي أَبِي يَعْلَى ممن لَهُ حشمة وجاه ومنصب. وكان لَهُ دار واسعة، وعنده أكثر كتب أَبِي يَعْلَى، ثم افتقر فباع أكثرها.(12/641)
345 - عتيق بْن أَحْمَد بْن سلمون، أَبُو بَكْر البَلَنْسِي، النحْوي، [المتوفى: 580 هـ]
أخذ القراءات عَن ابْن هُذَيل؛ والنحو عَن أَبِي مُحَمَّد بن عبدون. [ص:642]
استشهد فِي كائنة غربالة.(12/641)
346 - عثمان بْن مُحَمَّد بْن عيسى، أَبُو عَمرو اللخْمي، المُرْسِي، البشجي، [المتوفى: 580 هـ]
نسبة إلى بعض الثغور.
أخذ عَن أَبِي الحَسَن بن هُذَيْل، وأبي عبد الله بن سعادة. وكان فقيهًا ماهرًا، مدرسًا، مناظِرًا. تفقه به أَبُو سُلَيْمَان بْن حوْط اللَّه، وروى عَنْهُ هُوَ، وأبو عيسى بْن أَبِي السداد.(12/642)
347 - علي بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الوارث، أَبُو الْحَسَن الغَرْناطيّ. [المتوفى: 580 هـ]
روى عَنْ أَبِي الْحَسَن بْن ثابت، وابن العربي، وشُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبي جَعْفَر البطْروجي، قال ابْن الزُبَيْر: صاحب رواية ودراية وخير وتواضع. تُوُفي سنة ثمانين أو نحوها.(12/642)
348 - عَليّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الملك، أَبُو الحَكَم اللخْمي الإشبيلي. [المتوفى: 580 هـ]
نزل به أَبُوهُ قرطبة. سمع أباه، وأبا عبد الله بن مكي، وأبا الحسن بْن مغيث، ووُلي خطة الكتابة بمَرّاكُش، وكان كاتبًا بليغًا مفوّهًا، من بيت رياسة، حدّث في هذا العام واختفى خبره.(12/642)
349 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي عَليّ، أَبُو بَكْر الأصبهاني، ثم البغدادي السيدي، [المتوفى: 580 هـ]
منسوب إلى خدمة الأمير السيد أَبِي الْحَسَن العَلوي.
شيخ صالح. سمع فِي الكهولة من ابْن البطيّ، وأبي زُرْعة، ومُعَمّر بْن الفاخر، وسمع ابنه عَبْد الكريم، وحفيده أَبَا جَعْفَر محمدًا، وكان ثقة، روى عَنْهُ إلياس بْن جامع الإربلي فِي مصنفاته، وتُوُفي فِي شعبان، وَلَهُ سبعون سنة.(12/642)
350 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي علي مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن نبهان، أَبُو الفَرَج البغدادي، الكرّاخي. [المتوفى: 580 هـ][ص:643]
سمع من جَدّه، وابن بيان الرزاز. روى عَنْهُ تميم البَنْدَنِيجي، والْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد القاهر، وأبو بَكْر عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد المقرئ، وسالم بْن صَصْرَى، ومحمد بْن إِسْمَاعِيل الطبال، وجماعة. وكان شاعرًا يمدح الرؤساء، وَلَهُ:
تركتُ القريضَ لمن قالَهُ ... وجُودَ فلان وأفضالَهُ
وتبت من الشعر لما رَأَيْت ... كساد القريض وإهمالَهُ
وعدتُ إلى منزلي واثقًا ... بربٌ يرى الخلْق سوالَهُ
تُوُفي فِي رَمَضَان وَلَهُ أربعٌ وتسعون سنة.(12/642)
351 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن طاهر، أَبُو بَكْر الْأَنْصَارِيّ، الإشبيلي، النحوي، ويُعرف بالخِدَب. [المتوفى: 580 هـ]
أخذ العربية عَن أَبِي القاسم بْن الرماك، وأبي الْحَسَن بْن مُسْلِم، وسادَ أهل زمانه فِي العربية، ودرّس فِي بلادٍ مختلفة. وكان قائمًا على كتاب سيبويه، وله عليه تعليق سماه بالطرر، لم يُسبق إلى مثله، وكان يتعانى التجارة، فدخل مدينة فاس وأقرأ أهلها مدَّة، أخذ عَنْهُ أَبُو ذَرّ الخُشَنيّ، وأبو الْحَسَن بْن خَرُوف.
وحجّ، وأقرأ بمصر، وحلب، والبصْرة، ثم رجع. واختلط عقله فأقام ببجاية وربما ثاب إليه عقل فيتكلم فِي مسائل أحسن ما يكون.
ذكره الأبار.(12/643)
352 - مُحَمَّد بْن حمزة بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن سلامة بْن أَبِي جميل. القُرَشي أَبُو عَبْد اللَّه بْن أَبِي يَعْلَى الشُّرُوطي المعدل الدمشقي، المعروف بابن أَبِي الصقر. [المتوفى: 580 هـ]
أحد محدثي دمشق الثقات.
وُلِد فِي رجب سنة تسع وتسعين وأربع مائة، وسمع من هبة الله ابن الأكفاني، وعلي بْن أَحْمَد بْن قبيس، وجمال الْإِسْلَام أَبِي الْحَسَن السلَمي، وطائفة، ورحل سنة تسع وعشرين، فسمع هبة الله ابن الطَّبَر، وأبا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وجماعة. [ص:644]
ولم يزل مشتغلًا بالطلَب والإفادة، وسمع ولده مكرمًا من حمزة ابن الحُبُوبي، وطبقته. وكان شُرُوطي البلد.
روى عَنْهُ البهاء عَبْد الرَّحْمَن، وعبد القادر الرهاوي، وأبو الْحَسَن القطِيعي، والضياء مُحَمَّد، وآخرون.
وقرأت وفاته بخط الحافظ الضياء فِي يوم السَّبْت السابع والعشرين من صفر سنة ثمانين.
قلت: وروى عَنْهُ أَبُو المواهب بْن صَصْرَى.(12/643)
353 - مُحَمَّد بْن خَالِد بْن بختيار، أَبُو بَكْر الأزَجي ابْن الرزاز، الضرير، المقرئ. [المتوفى: 580 هـ]
قال الدبيثي: شَيْخ فاضل، عارف بالقراءات والأدب، قرأ على أَبِي عَبْد اللَّه البارع، وسِبْط الخياط، ودعوان بْن علي، وسمع منهم. وأقرأ الناس مدة، وتخرج به جماعة فِي النحو. وكان ثقة عارفًا بوجوه القراءات رحمه الله.
أم مدة بمسجد دعوان بباب الأزَج.
وتُوُفي في المحرم رحمه الله.(12/644)
354 - محمد بن سعد بْن عُبَيْد اللَّه، أَبُو المظفر المؤدب. [المتوفى: 580 هـ]
شَيْخ بغدادي، مليح الخط، علّم خلقًا.
قال الدّبيثي: هو مؤدبنا علم خلقا كثيرا. وكان شيخنا ابْن ناصر يقول: هُوَ علمني الخط، حدث عَن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عبد الباقي الأنصاري، وأبي منصور ابن الجواليقي، وجماعة، وتُوُفي فِي ربيع الآخر.(12/644)
355 - مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم بْن الفضل، أَبُو الفضل القزويني، الرافعي، الشافعي، [المتوفى: 580 هـ]
والد صاحب الشرح.
تفقه ببلده على ملكداد بْن علي العمركي، وأبي علي بْن شافعي، وأبي [ص:645] سُلَيْمَان الزُبَيْري. وسمع منهم، ثم قدِم بغداد، وتفقه على أبي منصور ابن الرزاز بالنظامية، وسمع منه، ومن سعد الخير، ومحمد بْن طِراد الزَّيْنَبي، وغيرهم، ثم رحل إلى مُحَمَّد بْن يحيى فقيه نَيْسابور فتفقه عنده، وبرع فِي المذهب، وسمع من عَبْد الله ابن الفراوي، وعبد الخالق ابن الشحامي، ثم عاد إلى وطنه، ودرس الفقه وَرَوَى الحديث.
أخذ عَنْهُ ابنه الْإِمَام أَبُو الفضائل، وغيره.
وتُوُفي فِي رَمَضَان وهو فِي عَشْر السّبعين.(12/644)
356 - مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن، أَبُو عَبْد الرَّحْمَن المَرْوَزي، الكُشْميهني، الصوفي. [المتوفى: 580 هـ]
قدِم دمشق سنة ثمانٍ وخمسين، وحدث بها عَن مُحَمَّد بْن علي الكراعي، روى عَنْهُ أبو القاسم بن صصرى، وغير واحد.
مات سنة ثمانين وخمسمائة.(12/645)
357 - المبارك بْن مُحَمَّد بْن يحيى، أَبُو بَكْر ابْن الواعظ الزبيدي، [المتوفى: 580 هـ]
قدِم مع أبيه بغداد وسكنها، وتكلم فِي الوعظ،
وسمع ابنيه الْحَسَن والحسين من أَبِي الوقت،
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي غالب ابن البناء، وغيره.
أَخَذَ عَنْهُ: مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن صالح الجيلي، وابن الدبيثي، وغيرهما.
وتُوُفي فِي جُمادى الآخرة، وله ستٌّ وسبعون سنة.(12/645)
358 - محمود بْن أَبِي القاسم بْن عُمَر بْن حَمَكَا، أَبُو الوفاء سِبْط مُحَمَّد بْن أَحْمَد، البغدادي الأصبهاني. [المتوفى: 580 هـ]
شيخ معمر، مُسْنِد، ثقة. حمل الناس عَنْهُ، وطال عمره. وتفرد فِي عصره، وكانت لَهُ إجازة من النقيب طِراد الزَّيْنَبي، وابن طلْحة النعالي، وسمع أَبَا الفتح أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه السوذرْجاني، وحدث ببغداد فِي سنة ست وخمسين وخمس مائة، وتُوُفي سنة ثمانين هذه فِي ربيع الآخر وَلَهُ إحدى وتسعون سنة. [ص:646]
روى عَنْهُ مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بن واقا، وأبو الفتوح ابن الحُصْري، والحافظ عَبْد الغني.
وهو ابْن أخت الحافظ أبي سعد البغدادي.(12/645)
359 - هبة اللَّه بْن أَبِي نصر مُحَمَّد بْن هبة الله بن محمد ابن الْبُخَارِيّ، أبو المظفر، [المتوفى: 580 هـ]
ابْن عم قاضي القُضاة أَبِي طَالِب.
تفقه على مذهب الشافعي، وبرع فِي علم الكلام. وولاه أمير المؤمنين الناصر نيابة الوزارة إلى أن مات فِي المحرم؛ بقي فيها بعض سنة.(12/646)
360 - وشاح بْن جواد بْن أَحْمَد، أَبُو طاهر البغدادي، الضرير. [المتوفى: 580 هـ]
سمع أَبَا طَالِب عَبْد القادر بن يوسف، أخذ عنه أبو محمد ابن الأخضر، وغيره.
توفي في شعبان.(12/646)
361 - يوسف بْن عَبْد المؤمن بْن علي، السلطان أَبُو يعقوب [المتوفى: 580 هـ]
صاحب المغرب.
لما مات عَبْد المؤمن فِي سنة ثمانٍ وخمسين كان قد جعل الأمرَ بعده لابنه الأكبر مُحَمَّد، وكان لا يصلح للملك لإدمانه الخمور وكثرة طيشه، وقيل: كان به أَيْضًا جُذام. فاضطرب أمره، وخلعه الموحدون بعد شهرٍ ونصف. ودار الأمر بين أخويه يوسف وعمر، فامتنع عُمَر وبايع أخاه مختارًا، وسلم إليه الأمر، فبايعه الناس، واتفقت عَلَيْهِ الكلمة بسعي أخيه عُمَر، وأمهما هِيَ زينب بِنْت مُوسَى الضرير.
وكان أَبُو يعقوب أبيض بحُمرة، أسود الشعْر، مستدير الوجه، أفوَه، أعيَن، إلى الطول ما هُوَ، حُلْو الكلام، فِي صوته جهارة، وفي عبارته فصاحة. حُلْو المفاكهة، لَهُ معرفة تامة باللغة والأخبار. قد صَرَفَ عنايته إلى ذلك لما ولي لأبيه إشبيلية، وأخذ عَن علمائها، وبرع فِي أشياء من القرآن والحديث والأدب. [ص:647]
قال عَبْد الواحد بْن علي التميمي فِي كِتَاب المعجِب: صح عندي أنه كان يحفظ أحد الصحيحين، غالب ظني أنه الْبُخَارِيّ. وكان سديد الملوكية، بعيد الهمة، سخيًا، جوادًا، استغنى الناس فِي أيامه، وتمولوا.
قال: ثم إنه نظر فِي الفلسفة والطب، وحفظ أكثر الكتاب الملكي. وأمر بجمع كُتُب الفلاسفة، فأكثر منها وتطلبها من الأقطار. وكان ممن صحبه أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن طُفيل الفيلسوف، وكان بارعًا فِي علم الأوائل، أديبًا، شاعرًا، بليغًا، فكان أَبُو يعقوب شديد الحب لَهُ. بلغني أنه كان يقيم عنده فِي القصر أيامًا ليلًا ونهارًا، وكان هُوَ الَّذِي نبه على قدر الحكيم أَبِي الوليد مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن رُشْد المتفلسف، وسمعت أَبَا بَكْر بْن يحيى القُرطُبي الفقيه يقول: سمعت الحكيم أَبَا الوليد يقول: لما دخلت على أمير المؤمنين أَبِي يعقوب وجدته هُوَ وأبو بَكْر بْن طُفيل فقط، فأخذ أَبُو بَكْر يُثني على ويُطريني، فكان أول ما فاتحني به أمير المؤمنين أن قَالَ لي: ما رأيهم، يعني الفلاسفة، فِي السماء، أقديمة أمْ حادثة؟ فأدركني الخوف فتعللت وأنكرت اشتغالي بعلم الفلسفة، ففهم مني الرَّوع، فالتفت إلى ابْن طُفَيْل وجعل يتكلم على المسألة، ويذكر قول أرسطو فِيهَا، ويُورد احتجاجَ أهل الْإِسْلَام على الفلاسفة، فرأيت منه غزارةَ حِفْظٍ لم أظنها فِي أحدٍ من المشتغلين. ولم يزل يبسطني حتى تكلمت، فعرف ما عندي من ذلك. فلما قمت أمر لي بخلعةٍ ودابّةٍ ومال.
وقد وَزَرَ لأبي يعقوب أخوه عُمَر أيامًا، ثم رفع قدره عَنْهَا، وولى أَبَا العلاء إدريس بْن جامع إلى أن قبض عَلَيْهِ سنة سبْعٍ وسبعين، وأخذ أمواله، واستوزر ولي عهده ولده يعقوب، وكتبَ لَهُ أَبُو مُحَمَّد عياش بْن عَبْد الملك بْن عياش كاتب أَبِيهِ، وأبو القاسم القالميّ، وأبو الفضل جَعْفَر بْن أَحْمَد بْن محشوه البِجّائيّ. وكان على ديوان جيشة أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الطوسي. وكان حاجبه مولاه كافور الخَصيّ. وكان لَهُ من الولد ستة عشر ذَكَرًا مِنهم صديقي يحيى، قال: ومنه تلقيت أكثر أخبارهم. ولم أر فِي الملوك وَلَا فِي السّوقة مثله. [ص:648]
قال: وقُضاته: أَبُو مُحَمَّد المالقي، ثم عيسى بن عمران التّازي، وتازا من أعمال فاس. ثم الحَجاج بْن إِبْرَاهِيم التُجيبيّ الأغماتيّ الزاهد، فاستعفى، فولي بعده أَبُو جَعْفَر أَحْمَد بْن مضاء القُرْطُبيّ.
وفي سنة اثنتين وستين وخمس مائة نزعت قبيلة غمارة الطاعة، وكان رأسهم سُبع بن حيّان ومرزدغ فدعوا إلى الفتنة. واجتمع لهم خلْق، وبلاد غَمارة طولًا وعرضًا مسيرة اثنتي عشرة مرحلة، فخرج أَبُو يعقوب بجيوشه، فأسلمت الرجلين جموعهما فأُسِرا، وشرّدهما إلى قرطبة.
ودخل الأندلس في سنة سبع وستين مظهرا غزو الروم ومبطنا إتمام تملك جزيرة الأندلس، والتغلب على ما بيد مُحَمَّد بْن سعد بْن مردنيش، فنزل إشبيلية، وجهز العساكر إلى مُحَمَّد، وأمر عليهم أخاه أمير غَرناطة عثمان. فخرج مُحَمَّد فِي جموع أكثرها من الفرنج. وكانوا أجناده، قد اتّخذهم أنصاره لمّا أحسّ باختلاف قواده عَلَيْهِ، فقتل أكثرهم، وأمر الفرنج وأقطعهم. وأخرج الكثير من أهل مُرسِية وأسكن الفِرنج دُورَهم. فالتقى هُوَ والموحدون على فرسخ من مُرسية، فانكسر وانهزم جيشة، وقُتل منهم جملة. ودخل مُرسية مستعدًا للحصار، فضايقه الموحدون، وما زالوا محاصرين لَهُ إلى أن مات، فسُتِرت وفاتُه إلى أن ورد أخوه يوسف بْن سعد من بَلَنْسِيَة، فاتفق رأيه ورأي القُواد على أن يسلموا إلى أَبِي يعقوب البلادَ. ففعلوا ذلك، وقد قيل: إن مُحَمَّد بْن سعد لما احتضر أشار على بنيه بتسليم البلاد.
وسار أَبُو يعقوب من إشبيلية قاصدًا بلاد الأدفنش لعنه اللَّه تعالى، فنازل مدينة وَبذة، وهي مدينة عظيمة، فحاصرها أشهرًا إلى أن اشتد الأمر وأرادوا تسليمها.
قال: فأخبرني جماعة أن أهل هذه المدينة لما برح بهم العطش أرسلوا إلى أَبِي يعقوب يطلبون الأمان، فأبى، وأطمعه ما نُقِل إليه من شدة عَطَشَهم وكثْرة من يموت منهم، فلمّا يئسوا مما عنده سُمِع لهم فِي الليل لغَط وضجيج، وذلك أنهم اجتمعوا يدعون اللَّه ويستسقون، فجاء مطرٌ عظيم كأفواه القِرَب ملأ [ص:649] صهاريجهم وتقووا، فرحل عَنْهُمْ أَبُو يعقوب بعد أن هادَنَ الأدفنش سَبْع سِنين، وأقام بإشبيلية سنتين ونصف، ورجع إلى مَراكُش فِي آخر سنة تسعٍ وستين وقد ملك الجزيرة بأسرها.
وفي سنة إحدى وسبعين خرج إلى السُّوس لتسكين خلافٍ وقع بين القبائل فسكنهم.
وفي سنة خمس وسبعين خرج إلى بلاد إفريقية حتى أتى مدينة قَفْصة. وقد قام بها ابْن الرند، وتلقب بالناصر لدين النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحاصره وأسره، وصالح ملك صقَلية وهادنه على أن يحمل إليه كل سنة مالًا، فأرسل إليه فيما بلغني ذخائر معدومة النظير، منها حجر ياقوت على قدر استدارة حافر الفرَس، فكللوا به المصحف، مع أحجار نفيسة. وهذا المصحف من مصاحف عثمان رضى اللَّه عنه، من خزائن بني أمية، يحمله الموحدون بين أيديهم أني توجهوا على ناقةٍ عليها من الحُلِي والديباج ما يعدل أموالًا طائلة. وتحته وِطاء من الديباج الأخضر، وعن يمينه وشماله لواءان أخضران مذهبان لطيفان. وخلف الناقة بغلٌ مُحَلّى عَلَيْهِ مصحف آخر. قيل: إنه بخط ابْن تومَرت. هذا كله بين يدي أمير المؤمنين.
قال: وبلغني من سخاء أَبِي يعقوب أنه أعطى هلال بْن مُحَمَّد بْن سعد المذكور أَبُوهُ فِي يوم اثني عشر ألف دينار وقربه، وبالغ فِي رفْع منزلته.
وقال الحافظ أبو بكر ابن الجد: كُنَّا عند أمير المؤمنين أَبِي يعقوب، فسألَنا عَن سِحْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كم بقي مسحورًا؟ فبقي كل إنسانٍ منا يتزمزم، فقال: بقي به شهرًا كاملًا. صحَّ ذلك، وكان أمير المؤمنين إماما يتكلم فِي مذاهب الفقهاء فيقول: قول فلانٍ صواب، ودليله من الكتاب والسنة كذا وكذا، فنتابعه على ذلك.
قال عَبْد الواحد: ولما تجهز لحرب الروم أمر العلماء أن يجمعوا أحاديث في الجهاد تملى على الموحّدين ليدرسوها، ثم كان يُملي بنفسه عليهم، فكان كل كبيرٍ من الموحدين يجيء بلوح ويكتب. [ص:650]
وكان يُسهل عَلَيْهِ بذل الأموال سعة ما يتحصّل من الخراج. كان يرتفع ما يخرج إليه من إفريقية فِي كل سنة مائةٌ وخمسون حمل بغل، هذا سوى حملِ بِجاية وأعمالها وتلْمِسان وأعمالها. وكانت أيامه مواسم وخصْبًا وأمْنًا.
وفي سنة تسع وسبعين تجهز للغزو واستنفر أهل السهل والجبل والعرب، فعبر بهم الأندلس فنزل إشبيلية، ثم قصد مدينة شَنترين أعادها إلى المسلمين، وهي بغرب الأندلس. أخذها ابن الريق لعنه اللَّه، فنازلها أَبُو يعقوب وضايقها، وقطع أشجارها، وحاصرها مدة. ثم خاف المسلمون البرد وزيادة النهر، فأشاروا على أَبِي يعقوب بالرجوع فوافقهم، وقال: غدًا نرحل. فكان أول من قَوض خباءه أَبُو الْحَسَن علي ابن القاضي عَبْد اللَّه المالقي، وكان خطيبهم. فلما رآه الناس قوضوا أخبيتهم ثقة به لمكانه، فعبر تلك العشية أكثرُ العسكر النهرَ، وتقدموا خوف الزحام، وبات الناس يعبرون الليل كله، وأبو يعقوب لَا عِلم لَهُ بذلك. فلما رَأَى الروم عبور العساكر، وأخبرهم عيونهم بالأمر، انتهزوا الفُرصة وخرجوا وحملوا على الناس، فانهزموا أمامهم حتى بلغوا إلى مخيم أَبِي يعقوب، فَقُتِلَ على باب المخيم خلقٌ من أعيان الجند، وخلص إلى أمير المؤمنين أبي يعقوب، فطُعن تحت سُرّته طعنة مات منها بعد أيام يسيرة. وتدارك الناس، فانهزم الروم إلى البلد، وقد قضوا ما قضوا، وعَبَر الموحدون بأبي يعقوب جريحًا فِي مِحَفّة، وتهدد ابْن المالقي فهرب بنفسه حتى دخل مدينة شَنْتَرِين، فأكرمه ابن الريق. وبقي عنده إلى أن تهيأ لَهُ أمر، فكتب إلى الموحدين يستعطفهم ويتقرب إليهم بضعف البلد، ويدلّهم على عورته. وقال لابن الريق: إني أريد أن أكتب إلى عيالي بإكرام الملك لي. فإذِن لَهُ، فعثر على كتابه فأحضره وقال: ما حملك على هذا مع إكرامي لك؟ فقال: إن ذلك لَا يمنعني من النصح لأهل ديني. فأحرقه، ولم يسيروا بأبي يعقوب إلَّا ليلتين أو ثلاثًا حتى مات، فأخبرني من كان معهم أنه سمع فِي العسكر النداء الصلاة على جنازة رَجُل، فصلى الناس قاطبة لَا يعرفون على مَن صلوا. وصبروه وبعثوا به فِي تابوت مع كافور الحاجب إلى تينملل، فدُفن هناك مع [ص:651] أَبِيهِ وابن تومرت، مات فِي سابع رجب، وأخذ البيعة لابنه يعقوب عند موته، فبايعوه.(12/646)
-وَفِيهَا وُلد:
التقي عَبْد الرَّحْمَن بْن مُرهَف الناشري، المقرئ، وقاضي حماه أَبُو طاهر إِبْرَاهِيم بن هبة الله ابن البارزيّ الجُهنيّ فِي شعبان، وفاطمة بِنْت محمود ابْن الملثم العادلي، سمعت من البُوصِيري.
وَفِيهَا وُلد:
عَبْد الحميد بْن رضوان الْمَصْرِيّ، وأبو القاسم مُحَمَّد بْن عَبْد المنعم، رَوَى عَن ابْن طبَرزَد، وأبو بكر محمد بن زكريا بن رحمة.(12/651)
-المتوفون على التخمين(12/652)
362 - إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد اللخْمي السبتي، المعروف بابن المتقن. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
روى عَن أَبِي مُحَمَّد بْن عتاب، وأبي بحر الأسَدي، وحج، وسمع من السِّلفيّ.
قال الأبار: تُوُفي بعد السبعين وخمس مائة.(12/652)
363 - إسحاق بن هبة الله، أبو طاهر العراقيّ، المقرئ. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
قدِم دمشق سنة اثنتين وسبعين، وحدث عن علي ابن الصباغ، روى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن صَصْرَى، وغيره.(12/652)
364 - إِسْمَاعِيل بْن غانم بْن خَالِد، أَبُو رشيد الأصبهاني، البيع. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
سمع أَبَا الفتح أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه السوذَرْجاني، وأحمد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُوسَى بْن مردوَيُه، وجماعة، وعمر دهرًا، روى عَنْهُ الحافظ عَبْد الغني، ومحمد بْن سَعِيد بْن أَبِي أَحْمَد الأسواري، ومحمد ابن النجيب أَحْمَد بْن نصر الأصبهاني، وآخرون.
وبقي إلى سنة خمسٍ وسبعين. وهو من كبار الشيوخ الذين لحقهم عَبْد الغني بإصبهان.(12/652)
365 - إِسْمَاعِيل بْن يونس بْن سلمان، القُرشيّ، الدمشقي المعروف بابن الأفطس. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
سمع هبة الله ابن الأكفاني، وعلي بْن أَحْمَد بْن قُبَيْس، وأجاز للضياء محمد.(12/652)
366 - حبيب بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه، أَبُو رشيد الأصبهاني، المقرئ. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
سمع محمود بْن إِسْمَاعِيل الصيرفي، وغيره، وعنه الحافظ عَبْد الغني، وغيره، وأجاز للحافظ الضياء فيما أظن.(12/652)
367 - زاهر بْن إِسْمَاعِيل بْن أَبِي القاسم الهَمَذَانيّ. [الوفاة: 571 - 580 هـ][ص:653]
أجاز للضياء في سنة أربع وسبعين، وأدركه الحافظ عبد الغنيّ.(12/652)
368 - سالم بْن عَبْد السلام بْن علوان، أَبُو المُرجّى البوازيجي، الصُّوفي. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
صحِب أَبَا النجيب السّهروَرديّ ولازَمَه، وسمع معه من زاهر الشحامي، وغيره، وعنه يوسف بْن مُحَمَّد الواعظ، وعمر بْن مُحَمَّد المقرئ، وشهاب الدين السَّهْرُوَرديّ، وغيرهم.
وتُوُفي قبل الثمانين وخمس مائة؛ قاله ابْن الدبيثي.(12/653)
369 - سلامة الصياد المَنبِجيّ، الزاهد، رفيق الشَّيْخ عدِي. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
قال الحافظ عَبْد القادر الرُّهاوي: وكانا جميعًا من تلاميذ الشيخ عقيل المنبجيّ الزاهد، ساح ولقي المشايخ، ورأى منهم الكرامات، وأقام بالمَوْصِل مدة فِي زمن بني الشهرزُورِي حين كان لا يقدر أحدٌ أن يتظاهر بالموصل بالحنبلية وَلَا السنة. فأقام يُظهر السنة ويُحاجّ عنها. ثم رجع إلى منبج، فأقام بها إلى أن مات، وكان يتعيّش في المقاثي وعمل الحصر، وينتفق من ذلك. دخلتُ عَلَيْهِ بمنبج فِي داره وهو جالس على حصير يعمله، فترك العمل، وأقبل عليّ يحادثني، فرأيت منه وقارًا وعقلًا وحِفْظ لسان، وتعريًا من الدعاوَى، وكان قد لزِم بيته، وترك الخروج إلى الجماعة لأن أهل مَنْبِج كانوا قد صاروا ينتحلون مذهب الأشعري، ويبغضون الحنابلة بسبب واعظٍ قدِم يُسمى الدماغ، فأقام بها مدةً، وحسن لهم ذلك. وكان البلد خاليًا من أهل العلم، فشربت قلوبهم ذلك.
قال: وسمعت رجلًا يقول للشيخ عسكر النصيبي: أهل مَنْبِج قد صاروا يبغضون أهل حران. فقال: لَا يبغض أهل حران من فِيهِ خير، وسمعت الشَّيْخ سلامة يقول: لما مضى الدماغ إلى دمشق ومات، جاءنا الخبر فقاموا يُصلون عَلَيْهِ، ولم أقم أَنَا، فقالوا لي: ما تصلي عَلَيْهِ؟ فقلت: لَا، قُعُودي أفضل. وقالوا لي: لِمَ لَا تخرج إلى الجماعة؟ فقلت: جماعتكم قد صارت فِرقة، وقال لي: عبر الشَّيْخ الزاهد أَبُو بَكْر بْن إِسْمَاعِيل الحراني على مَنْبِج، ولم يدخل إلى، وبعث يقول: إنه لم يدخل إلي لأجل أهل منبج. وأنا إيش ذنبي، وكان [ص:654] الشَّيْخ أَبُو بَكْر يذكره كثيرًا، وينوه باسمه، ويحث على زيارته، وهو الَّذِي عرفنا به، سمعت الشَّيْخ سلامة يقول: كنت بالموصل فِي زمن بني الشهرزوري أذكر السنة، وأنكِر السماع، فسمعت رجلًا من أهل الموصل يقول: جئت إلى الجزيرة، فأخبرت أن الشَّيْخ هناك، فسألت عَنْهُ فوجدته فِي بعض المساجد، فجئت إليه، ثم خرجنا من هناك، فمشى بين يدي، فنظرت فإذا هو قد سبقني، فقلت فِي نفسي من غير أن يسمع: كذا وكذا من أخت كذا، فالتفت إلي وقال: أي أخواتي فإنهن جماعة؟ قلت: أيهن شئت.(12/653)
370 - سُلَيْمَان بْن مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان، أبو الربيع الحضرمي، الإشبيلي، المعروف بالمقوّقي. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
روى عن أبي محمد بن عتاب، وأبي بحر الأسَدي، وكان يعقد الشروط، وكان أَبُو بكر ابن الجد يغض منه ويغص به، روى عَنْهُ ابْن أخته مُحَمَّد بْن علي التُجِيبي.
قال الأبار: تُوُفي فِي حدود الثمانين.(12/654)
371 - السمَوْأل بْن يحيى بن عياش المغربي ثم البغدادي الحاسب. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
كان يهوديًا فأسلم، وبرع فِي العلوم الرياضية، وكان يتوقد ذكاءً، وسكن بلاد العجم مدةً بأذربيجان ونواحيها، ومات قبل أن يتكهل بمراغة في هذا القرب.
وقال الموفق عبد اللطيف: بلغ فِي العدديات مبلغًا لم يصله أحدٌ فِي زمانه، وكان حاد الذهن جدًا؛ بلغ فِي الصناعة الجبرية الغاية القُصْوى. وَلَهُ كِتَاب "المفيد الأوسط فِي الطب"، وكتاب "إعجاز المهندسين" صنفه فِي سنة سبعين وخمس مائة، وكتاب "الرد على اليهود"، وكتاب "القوامي في الحساب".(12/654)
372 - صالح بْن وجيه بْن طاهر بْن مُحَمَّد الشحامي. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
أجاز للشيخ الضياء مرويّاته.(12/654)
373 - عَبَّاس بْن أَبِي الرجاء بْن بدر، أَبُو الفضل الراراني. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
أجاز للضياء من إصبهان. وهو أخو خليل، سمع من الحداد.(12/655)
374 - عَبْد اللَّه بْن عَبْد الواحد بْن الْحَسَن بْن المفرج، أَبُو مُحَمَّد الكناني، الدمشقي، المؤدب، [الوفاة: 571 - 580 هـ]
إمام مسجد ابن لبيد بالفسقار.
سمع أبا الحسن ابن الموازيني، ومحمد بْن علي بْن مُحَمَّد بْن أَبِي العلاء المصيصي.
قال أَبُو المواهب بْن صَصْرَى: وكانت لَهُ حلقة بالجامع يقرئ بها الصبيان، وكان شيخًا صالحًا.
وقال ابْن خليل: وُلِد فِي رجب سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة.
قلت: رَوَى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن صَصْرَى، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وجماعة، وأجاز لجماعة، وتُوُفي سنة نيفٍ وسبعين، وقد جاوز الثمانين.(12/655)
375 - عبد الجبّار بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَبِي ذَرّ الصالحاني، أَبُو سَعِيد الأصبهاني. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
من كبار مُسْنِدي بلده، سمع من القاسم بْن الفضل الأصبهاني، الثقفي، وحدث سنة سبعين. وتُوُفي بعد ذلك بسنة أو نحوها.
روى عَنْهُ مُحَمَّد بْن خليل الراراني، وعمر بْن أَبِي بَكْر بْن مَسْعُود الأصبهاني. وبالإجازة كريمة.(12/655)
376 - عَبْد الرزاق بْن إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد بْن عثمان، أَبُو المحاسن الهَمَذَانيّ القُومَسَاني. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
سمع عَبْد الرَّحْمَن بْن حَمْد الدُّوني، وناصر بْن مَهْدي الهَمَذَانيّ، وغيرهما، روى عَنْهُ الحافظ عَبْد الغني، وأجاز للحافظ الضياء فِي سنة أربعٍ وسبعين.(12/655)
377 - عبد الملك بن محمد بن عبد الملك، أبو مروان الْأَنْصَارِيّ، الإشبيلي، الحمامي. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
سمع "تاريخ ابْن أَبِي خيثمة" من أَبِي الْحَسَن بْن مغيث، وعنه أَبُو القاسم الملاحي، وأبو سُلَيْمَان حوط الله. [ص:656]
مات قبل الثمانين وخمس مائة.(12/655)
378 - عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد التميمي، أَبُو الْحُسَيْن ابْن اللحياني، الإشبيلي، المقرئ. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
أخذ القراءات عَن شُرَيْح، وأحمد بْن عيشون، وتصدر للإقراء، قرأ عَلَيْهِ: أَبُو القاسم بْن أَبِي هارون، وحدث عَنْهُ مفرج بْن حسين الضرير.
تُوُفي فِي حدود الثمانين.(12/656)
379 - علي بْن بركات، أَبُو الْحَسَن المَشْغراني، ثم الدمشقي، المقرئ. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
تُوُفي بعد السبعين.
روى عَن نصر اللَّه بْن مُحَمَّد المصيصي، روى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن صَصْرَى.(12/656)
380 - علي بْن الْحُسَيْن اللواتي. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
مر فِي سنة ثلاثٍ وسبعين.(12/656)
381 - علي بْن خَلَف بْن غالب، أَبُو الْحَسَن الْأَنْصَارِيّ، الأندلسي، [الوفاة: 571 - 580 هـ]
نزيل قرطبة.
سمع من أَبِي القاسم بْن رضا، وأبي عَبْد اللَّه بْن مُعَمَّر، وأبي الْحَسَن بْن وليد بْن مَفوز، وتعلم الفرائض والحساب وتصوف. وصنف كِتَاب اليقين، رَوَاهُ عَنْهُ عَبْد الجليل بْن مُوسَى.
وقال أيوب بْن عَبْد اللَّه السبتي: رحَلت إليه مرات إلى قصر عَبْد الكريم وكان قد سكنه. وكان محدثًا شاعرًا.(12/656)
382 - علي بْن مُحَمَّد بْن ناصر، أَبُو الْحَسَن الْأَنْصَارِيّ، القُرْطُبيّ. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
أخذ القراءات عَن أَبِي عَبْد الله بن صاف، وعبد الجليل بْن عَبْد العزيز، [ص:657] وروى عَن أَبِي القاسم بْن بَقِي، وأبي جعفر البطروجي، وأبي القاسم بن رضا، وجماعة.
وكان مقرئًا، نحْويًا، روى عَنْهُ أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن علي الشريشي.(12/656)
383 - علي بْن هبة اللَّه الكاملي، الْمَصْرِيّ. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
سمع من أَبِي صادق مرشد المَدِيني، وغيره، رَوَى عَنْهُ الحافظ عَبْد الغني، والحافظ عَبْد القادر، وابن رواحة، وعلي بْن رحال، وعبد الرحيم بن الطفيل، ومحمود ابن الملثَّم، وآخرون.(12/657)
384 - علي بْن أَبِي القاسم بْن أبي جنّون، أَبُو الْحَسَن التلْمِساني، قاضي مَرّاكُش. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
روي عَن أَبِي عَبْد اللَّه الخَولاني، وأبي علي بْن سُكَّرَة، وعنه أَبُو عَبْد اللَّه بْن عبد الحق التلْمِساني، وعقيل بْن طلْحة، وأبو الخطاب ابْن دحية.
قال الأبار: كان حيًا فِي حدود الثمانين.(12/657)
385 - القاسم بْن علي بْن صالح، أَبُو مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ [الوفاة: 571 - 580 هـ]
نزيل دانية.
أخذ القراءات عَن أَبِي العباس القصبي، وأبي العباس ابن العريف، وابن غلام الفَرَس فسمع منه "التيسير" سنة سبع وعشرين وخمس مائة.
وتصدر للإقراء بدانية، أخذ عنه أسامة بن سليمان، وغيره.
بقي إلى قريب الثمانين وخمس مائة.(12/657)
386 - محمد بن التابلان المنبجي الزاهد. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
قال الحافظ عبد القادر: كان رفيق الشيخ عدي والشيخ سلامة، من تلاميذ الشيخ عقيل. حدثني بعض الصُّوفية أن الشَّيْخ عقيل أوصى لَهُ بعد موته بالجلوس فِي موضعه. دخلت عَلَيْهِ بمنْبج غير مرة فرأيت شيخًا وَقورًا مَهِيبًا، عاش عُمرًا طويلًا فِي طريقةِ حَسَنة ومحمود ذِكر. وكان لَهُ جماعة تلاميذ، وكان حافظًا للقرآن يؤم بالناس. وكان لَهُ ملْك يتعيْش منه رحمه الله. [ص:658]
قلت: كأن هذا بقي إلى قرب الست مائة، فإن ابنه الفقيه أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن التابلان المَنْبَجيّ سمع منه شيخنا الشهاب الدشْتيّ بمَنْبِج، وهو يروي عَن التاج الكِنْدي.(12/657)
387 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الغرناطي أبو عبد الله ابن الغاسل. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
سمع أَبَا عَبْد اللَّه النُمَيْري وصحِبَه زمانًا، ورحل معه فلقي أبا الحسن ابن الباذَش، وقرأ بالروايات على شُرَيْح، وسمع أَيْضًا: أَبَا الْحَسَن بْن مغيث، وأجاز لَهُ ابْن عتّاب.
وكان مقرئًا، محدّثًا، ضابطًا.
توفي سنة نيفٍ وسبعين.(12/658)
388 - مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز، الفقيه أَبُو عَبْد الله الإربلي، الشافعي. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
قدِم بغداد، وتفقه بالنظامية، وبرع فِي المذهب. وولي إعادة النظامية، ومن شِعره، وكتبه عَنْهُ عَبْد السلام بْن يوسف الدمشقي:
رُوَيدك فالدنيا الدَّنية كم دَنَتْ ... بمكروهها من أهلها وصحابها
لقد فاق فِي الآفاق كل موفق ... أفاقَ بها من سكره وصحا بها
فسَلْ جامعَ الأموالِ فِيهَا بِحِرْصه ... أخَلَّفَها من بعده أمْ سَرَى بها؟
هِيَ الآل فاحذَرْها وذرها لآلها ... فما الآل إلَّا لمعة من سرابها
وكم أسّد سادّ البرايا ببره ... ولو نابها خَطْب إذا ما دَنَى بها
فأصبح فِيهَا عبرةً لأولي النُّهى ... بمخلبها قد مزَّقَتْه ونابها
قال ابن النجار: بلغني أنْ أَبَا عَبْد اللَّه الإربلي سافر إلى الشام ومات هناك فِي حدود سنة ثمانين وخمس مائة.(12/658)
389 - مُحَمَّد بْن علي بْن عَبْد اللَّه بْن علي، أَبُو بَكْر البَتِمَّاري، النَّهْرواني، المعروف بابن العُجَيْل. [الوفاة: 571 - 580 هـ][ص:659]
سمع أَحْمَد بْن المُظَفَّر بْن سوسن، وأبا سَعْد بْن خُشَيْش، سمع منه عُمَر الْقُرَشِيّ، وغيره، وأصابه صَمَمٌ، وتُوُفي بعد السبعين.
ذكره ابْن النجار.(12/658)
390 - محمد بن كشيكة الحراني، الزاهد. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
قال الرهاوي: كان أحد مشايخ أهل حَران، زُهْدًا، وورعًا واجتهادًا فِي أبواب الخير، وكان متواضعًا، كريمًا، حييًا، لَا يكاد يرفع رأسه من الحياء، صبورًا على الفَقْر موثرًا، وكان الشَّيْخ أَبُو بَكْر بْن إِسْمَاعِيل يذكره ويمدحه بكونه يعيش من كسْبه، ولما مرض أَبُو بَكْر خرج مُحَمَّد إلى عيادته، فوصى لَهُ بثُلث رحاه، واستخلفه فِي موضعه بالمشهد، وسمعت بعض أصحابنا يقول: قَالَ أصحاب أَبِي بَكْر لأبي بَكْر: من تأمرنا نجالس بعدك؟ فقال: عليكم بسيد السادات الشيخ مُحَمَّد.
ذكر الرهاوي هؤلاء وغيرهم، وما أراه ذكر الشيخ حياة، وسأذكره فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِينَ إِنْ شَاءَ اللَّه تعالى.(12/659)
391 - محمود بْن مُحَمَّد، أَبُو الثناء البغدادي. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
حدث بالإسكندرية عَن هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبي منصور القزاز، روى عَنْهُ علي بْن المفضل، وغيره.(12/659)
392 - المطهر بْن عَبْد الكريم بْن مُحَمَّد بْن عثمان. الهَمَذَانيّ القُومَسَاني. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
روى عَن عَبْد الرَّحْمَن ابن الدوني، وناصر بْن مَهْدي، وعنه الحافظ أَبُو مُحَمَّد المقدسي، وغيره.
وناصر المذكور هُوَ ابْن مهدي بْن نصر بْن علي بْن نصر بْن عَبْدان، أَبُو علي المشطب الهَمَذَانيّ. بكر به أبوه أبو الحَسَن المشطب فأسمعه "سنن الحلواني" من علي بن شعيب بن عبد الوهاب الهمذاني، وكان علي بْن شُعيب مسند همذان في زمانه. روى عَن أَوس الخطيب، وجبريل العدل، وأبي أَحْمَد الغطرِيفي، وإسحاق بْن سعد بْن الْحَسَن بْن سُفيان، وطائفة، روى عَنْهُ علي بْن الْحُسَيْن، وابن ممان. وناصر هذا، وأحمد بْن عمر البيع، وكان ثقة، صَدُوقًا، صالحًا.
قال الحافظ شِيرُوَيْه: سمعت أَبَا بَكْر الْأَنْصَارِيّ يقول: لما رجع الشَّيْخ مُحَمَّد بْن عيسى، شَيْخ الصُّوفية، إلى هَمَذَان استقبله الخاص والعام، وكان علي بْن شُعيب مع من استقبله، وكان راجلًا، رث الهيئة، فكان أَبُو منصور مُحَمَّد بْن عيسى لَا ينزل لأحد، لَا للأشراف وَلَا للوجوه، وإنما يُصافحهم راكبًا. فلما رَأَى علي بن شعيب نزل عن دابته وعانقه وبجله، ومشى معه ساعة حتى سأله أن يركب فركب.
قلت: كان ابْن شُعيب باقيًا بعد الثلاثين وأربع مائة.(12/660)
393 - أَبُو بَكْر بْن إِسْمَاعِيل الحراني الزاهد. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
ذكره الحافظ عبد القادر فقال: كان من مفاريد الزمان. اجتمعت فِيهِ من خِلال الخير أشياء لو سُطِرت كانت سيرة. كان زاهدًا، ورِعًا، مجاهدًا، مجتهدًا، متواضعَا، ذا عزائم خالصة، بصيرًا بآفات أعمال الآخرة وعيوب الدنيا، ذا تجارب، ساح وخالط، وكان لَا تأخذه فِي اللَّه لومة لائم، منقادًا للحق، محبًا للخمول، عاريًا من تزيّ أهل الدين. ظاهرًا لَا يستوطن المواضع. كان تارة يكون مُعَممًا، وتارةً بغير عمامة، وتارة محلوقًا وتارة بشَعْر. إذا وقف بين جماعة لَا يعرفه الغريب، ولم يكن لَهُ فِي المسجد موضع يُعرف به. [ص:661]
وكان إذا قَالَ لَهُ أحد: أريد أن أتوب على يدك. يقول: إيش تعمل بيدي، تُبْ إلى اللَّه.
وكان شجاعًا. وهو الَّذِي جرّأ المسلمين على محاصرة الرُّها فِي سنة تسع وثلاثين وخمس مائة، واشتهر بين الناس أنهم يوم وقعت الثلمة بالرها التي دخل منها المسلمون رأوا رجلًا قد صعِد فيها، فهزم من كان بها من الفرنج، وصعد الناس بعده، فحكي لي عن بعض الناس أنه الشَّيْخ أَبُو بَكْر رضي اللَّه عَنْهُ.
وبلغني أن ناسًا اختلفوا فِيهِ، فحلف بعضهم أنه الشَّيْخ عدي بْن صخْر، فاختلفوا إليه فِي ذلك، فقال: ذاك الحراني. سمعته يقول: كان أَبِي قد أسره الفرنج إلى الرُّها، فقادوه، وأخذوني وأخي رهينةً، يعني وهما صغيران؛ فكان صاحب البلد يأخذني ويجيء بي عند الصليب، ويجعل يُحني رأسي نحوه، فأمتِنع عَلَيْهِ مع هيبته، ويقع فِي نفسي أني إنْ فعلت صرت نصرانيًا، وكان يأخذ أخي فيجيء به إلى الصليب، ليسجد لَهُ، فأتعلق به وأمنعه. ثم إنه خلص من أيدي الفِرنج، فسمعته يقول: كنت أمر إلى الرُّها فِي الليل فأصعد إلى السور، وأنزل إلى البلد، فإذا عرفوا بي صعدت إلى السور، فإذا صرت على السور ومعي سيفي وترسي لا أبالي بأحدٍ. وصعدت مرةً إلى السور، فلقيت اثنين، قتلت الواحد ودخل الآخر إلى البرُج، فدخلت خلفه فقتلته.
سمعته غير مرةٍ يقول: رَأَيْت قائلًا يقول لي: كن تَبَعًا إلَّا فِي ثلاثة: في الزهد، والورع، والجهاد.
وحج نحوًا من ثلاثين حَجَّة ماشيًا. وبلغني عَنْهُ أنه حج في بعضها، ولم ينم فِي تلك المدَّة حتّى خرج من الحج. ثم إنه ترك الحج، وسكن مشهدًا قريبًا من حَران، واشتغل بعمارة رحى هناك. ورتب الضيافة لكل وارد خبزًا ولحمًا وشهوات، وكان سبب ذلك كما حكى لي، قَالَ: كنت أَنَا وآخر فِي الشام، فجعْنا جوعًا شديدًا، ثم جئنا إلى قريةٍ، فصنع لنا إنسان طعامًا وقدّمه إلينا، فجعلنا نأكله وهو حار، فلما رَأَى شَرَهَنَا فِي الأكل مع حرارته قَالَ: [ص:662] أرِفقُوا فهو لكم. فأعتقد أنه لو كان لذلك الرجل ذنوب مثل الجبال لغُفِرت لِما صادف من إشباع جوعنا. فرأيت أن حجي ليس فِيهِ منفعة لغيري، وأني لو عملت موضعًا يستظل به إنسان كان أفضل من حجي، وكان مع ذلك يكره كثرة العلائق ويقول: لو قيل لي فِي المنام: إنك تصير إلى هذا الحال ما صَدَّقت.
وبنى عند المشهد خانًا للسبيل، وكان يعمل عامة نهاره فِي الحَر والغُبار، ويقول: لو أن لي من يعمل معي فِي الليل لعملت، وعمل لنفسه رحى، وكان يتقوَّت منه باليسير، ويُخرج الباقي فِي البِرّ.
دخلت عَلَيْهِ فِي بيته مِرارًا وهو يتعشى، فما رَأَيْته جالسًا فِي سِراج قط، وَلَا كان تحته حصير جيد قط وَلَا فِراش، بل حصير عتيق، تحته قش الرَز، وحضرت يومًا معه فِي مكانٍ، فلما حضر وقت الغداء جلسنا نتغدى، واخرج رغيفًا كان معه، فأكل نصفه، وناولني باقيه، وقال: ما بقي يصلح لي أن آكل شيئًا وَلَا أعمل شيئًا، وقال لي: وددت أني لآتي مكانًا لَا أخرج منه حتى أموت.
وسمعته يقول: وذكر لي إنسان أن بعض الرؤساء عرض عَلَيْهِ ملكًا يقفه عَلَيْهِ، فقال لَهُ أبو بكر: وأيش نعمل به، لو لم يكن فِي مالهم شُبْهة إلَّا الجاه لكفى.
سمعت فتيان بْن نياح الحراني، وكان عالِم أهل حَران وقد جرى بيننا ذِكر الكرامات فقال: أَنَا لَا أحكي عَن الأموات ولكن عَن الأحياء. هذا أَبُو بَكْر بْن إِسْمَاعِيل حج فِي بعض السنين، فلما قرُب مجيء الحاج جاء الخبر أن أَبَا بَكْر قد مات. فجلست محزونًا فجاءتني والدته وأنا فِي مكاني هذا، فسلمَتْ، فرددتُ عليها متحزْنًا، فقالت: إيش هُوَ؟ فقلت: هُوَ الذي يحكى، فقالت: ما هُوَ صحيح، قلت: من أَيْنَ لكِ؟ قَالَتْ: هُوَ قَالَ لي قبل أن يخرج إنه سَيَبْلُغُكِ أني قد مت، فلا تصدقي، فإني لا بد أجيء وأتزوج، وأرزقُ ابنًا وأموت، قال: فأول من جاء هُوَ، وتزوج ورُزق ابنًا، ومات، هذا مع كراهيته إظهار الكرامات والدعاوَى. [ص:663]
وكان عاقلًا فِطنًا، يتكلم بالحكمة فِي أمر الدين، حدثني مَن حضر موته قَالَ: كُنَّا أَنَا وفلان وفلان، فتوضأ ثم صار يسأل عَن وقت الظُهر، فقال بعضنا: جرت عادة الناس يأخذون من آثار مشايخهم للتبرك. فقال: إن قبِلتم منّي لَا تريدون شيئًا من الدنيا، قال: فبينما أَنَا جالس أغفيت، فرأيت كأن البيت الَّذِي نَحْنُ فِيهِ يخرج منه مثل ألسُن الشمع، يعني النور. ورأيت كأن شيخًا قد جاء إلى عند الشَّيْخ أَبِي بَكْر، فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا الشَّيْخ حمْد، فانتبهت فجعلت أسأل الجماعة عَن الشَّيْخ حمْد، ففِطن لي الشَّيْخ فقال: إيش تقول؟ فقصصت عَلَيْهِ الرؤيا، فقال: نعم، هذا الشَّيْخ حمْد بْن سُرور قد جاء إلينا. وكان الشَّيْخ حمْد من مشايخ حران، قال: ثم إنه ما زال يسأل عَن وقت الظُهر، حتى بقي من الوقت قدر قراءة جزء، ثم إنه تَفَلَ مثل النّفخة، فخرجت معها نفسُه وحُمِل إلى حَران فدُفن بها رضى الله عنه.(12/660)
394 - أبو جعفر بن هارون الترجالي، الأندلسي، [الوفاة: 571 - 580 هـ]
من كبار أهل إشبيلية.
وكان رأسًا فِي الفلسفة، والطب، والكحالة، ذا عناية بكتب أرِسْطُوطاليس، خدم أَبَا يعقوب بْن عَبْد المؤمن، وقد أخذ عن الفقيه أبي بكر ابن العربي، ولازمه مدة، وعنه أخذ أَبُو الوليد بن رشد الحفيد، علم الأوائل.
وترجالة: من ثغور الأندلس.(12/663)
395 - أَبُو الفتح المَوْصِلي العابد، ويُعرف بابن الرئيس. [الوفاة: 571 - 580 هـ]
قال الحافظ الرهاوي: كان زاهدًا، ورِعًا، قنوعًا، صائم الدهْر، نوراني الوجه، حَسَن الأخلاق، رزين العقل، متواضعًا، شديدًا فِي السنة، داعيًا إليها، حافظًا للقرآن، لقن خلْقًا. وكان خياطًا يتقوت باليسير والباقي ينفقه على أخيه وأولاد أخيه، وكان يلبس قميص خام ومِئزر خام خِشنًا، ولم يكن بالموصل فِي آخر زمانه مثله. مات وشيعه خلق لا يحصون رحمه الله تعالي.(12/663)
396 - أبو الوفاء شيخ أهل آمد في زمانه. [الوفاة: 571 - 580 هـ][ص:664]
قال الحافظ الرهاوي: تكررت إليه مدة مقامي بآمد، فرأيت منه عقلا وافرا، وحلما وتواضعا، وسخاء، وتألفا للناس علي مذهب احمد، وكان كثير الاحتمال للأذى في تألف الناس، مفيدا بكلامه، حافظا للسانه، ذكيا، فهما. لم أر في تردادي إليه سقطةً، ولا بلغتني عنه، ولقد فرحت برؤيتي له فرحا شديدا، وأحببته كأشد ما احببت احدا من المشايخ، وكان له شيء من الدنيا يتعيش منه، ويواسي منه الفقراء، رحمه الله تعالى.
آخر الطبقة(12/663)
-الطبقة التاسعة والخمسون 581 - 590 هـ(12/665)
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
- (الحوادث)(12/667)
-سنة إحدى وثمانين وخمس مائة
فِي المحرَّم وقع بناحية نهر الملك بَرَدٌ أهلك الزَّرْع وقتل المواشي، وُزِنت منه بَرَدة فكانت رِطْلين بالعراقيّ.
وَفِي صَفَر انفصل رَضِيُّ الدين أَبُو الخير القزْوينيّ عَنْ تدريس النّظامّية، وولي أَبُو طَالِب الْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك الكرْخيّ، وخُلِع عليه منَ الدّيوان العزيز بطرحة.
وفي رجب أمر الخليفة بمنْع الوعّاظ كلَّهم إلاّ ابن الجوزي.
ووُلِد بالعلث ولدٌ طول وجهه شبر وأربع أصابع، وله أُذُنٌ واحدة.
وفيها وردت الأخبار بأنَّ عليّ بْن إِسْحَاق الملثَّم خطب للنّاصر لدين اللَّه بمعظم بلاد المغرب، وخالف بني عبد المؤمن.
وفيها سار السّلطان الملك النّاصر قاصدًا الموصِل، فَلَمَّا قاربَ حلبَ تلقّاه صاحبها الملك العادل أخوه، ثمّ عَدَّى من الفراتَ إلى حَرّان، وكانت إذ ذاك لمظفّر الدين ابن صاحب إربِل، وَقَدْ بَذَل خطّه بخمسين ألف دينار يوم وصول السّلطان إلى حَرّان برسم النَّفَقَة، فأقام السّلطان أيّامًا لَمْ يَرَ للمال أثرًا، فغضب عَلَى مظفّر الدّين واعتقله، ثُمَّ عفا عَنْهُ، وكتب لَهُ تشريفًا بعد أن تسلَّمَ منه حرَّان، والرُّها، ثُمَّ أعادهما إِلَيْهِ فِي آخر العام ثم سار إلى المَوْصِل فحاصرها وضايقها، وبذلت العامَّةُ نفوسهم فِي القتال بكل ممكنٍ لكون بِنْت السلطان نور الدين زَوْجَة صاحب المَوْصِل عزّ الدّين سارت إلى صلاح الدّين قبل أن ينازل البلد، وخضعت لَهُ تطلب الصُّلْح والإحسان، فردّها خائبة، ثُمَّ إنَّه ندِم، ورأى أَنَّهُ عاجز عَنْ أخْذ البلد عَنْوةً، وأتته الأخبار بوفاة شاه أرمن صاحب خِلاط، [ص:668] وبوفاة نور الدين مُحَمَّد صاحب حصن كيفا وآمِد، فتقسّم فِكْرُه، واختلفت آراء أمرائه، فلم يلبث أن جاءته رُسُل أمراء خِلاط بتعجيل المسير إليهم، فأسرع إليهم، وَجَعَل عَلَى مقدِّمته ابنَ عمه ناصر الدين محمد بن شِيرَكُوه ومظفَّر الدّين كوكبري ابن صاحب إربل إلى خِلاط، فوجد الأمير بكتمر مملوك شاه أرمن قَدْ تملَّك، فنزلا بقربها، ووصل الملك شمس الدّين البهلوان مُحَمَّد بْن إلْدِكِز بجيش أذرْبَيْجان ليأخذ خِلاط فنزل أيضًا بقربها. وكان الوزير بها مجد الدين عَبْد اللَّه بْن الموفَّق بْن رشيق، فكاتب البهلوان مرة وصلاح الدّين أخرى.
ووصل صلاح الدّين ميّافارقين فنازلها وحاصرها، وكتب إلى مقدّمته يأمرهم بالعَود إِلَيْهِ فعادوا، وتسلّمها بالأمان، وسلّمها إلى مملوكه سُنْقُر فِي جُمادى الأولى. ورحل فأتته رُسُلُ البهلوان بما فِيهِ المصلحة وأن يرجع عَنْ خِلاط، فأجاب: عَلَى أن ترحل أنت صلاح الدين أيضًا إلى بلادك.
ثُمَّ عاد صلاح الدّين فنازل المَوْصِل وضايقها، فخرج إِلَيْهِ جماعة منَ النّساء الأتابكيّات فخضعْن لَهُ، فأكرمهنّ وقبِلَ شفاعتهنّ. واستقرّ الأمر عَلَى أن يكون عماد الدِّين زنكي بْن مودود بْن زنكي صاحب سنْجار هُوَ المتكلّم، فتوسَّط بأن تكون بلاد شهرزُور وحصونها للسّلطان، وتُضْرب السّكَّة باسمه والخطْبة لَهُ بالموصل، وأن تكون الموصل لصاحبها، وأن يكون طَوْعه.
ثم رجع السّلطان فتمرّض بحَرّان مُدَيْدَة، واستدام مرضه، وتناثر شَعْر رأسه ولحيته، وأرجفوا بموته، ثم عُوفي.
وتُوُفّي ناصر الدّين محمد ابن أسد الدّين صاحب حمص، فأنعم بها السّلطان عَلَى ولده الملك المجاهد أسد الدّين شِيركُوه بْن مُحَمَّد. وسِنُّه يومئذٍ ثلاث عشرة سنة، وامتدَّت أيّامه.
وأمّا أَهْل خِلاط فإنّهم اصطلحوا مَعَ البهلوان محمد، وصاروا من حزبه وخطبوا له.
قَالَ ابن الأثير: وفيها ابتداء الفتنة بَيْنَ التُّرْكمان والأكراد بالموصل، والجزيرة، وشهرزور، وأَذَرْبَيْجان، والشّام. وقُتِلَ فيها منَ الخلْق ما لا يُحصى، [ص:669] ودامت عدَّة سِنين، وتقطّعت الطُّرُق، وأُرِيقت الدّماء، ونُهبت الأموال، وسببها أن تُرْكمانيّة تزوَّجت بتُركمانيّ، فاجْتازوا بأكرادٍ، فطلبوا منهم وليمة العُرْس، فامتنعوا وجرى بينهم خصام آلَ إلى القتال، فقُتِل الزَّوج، فهاجت الفِتنة، وقامت التّرْكُمان عَلَى ساقٍ، وقتلوا جمْعًا كثيرا منَ الأكراد، فتناخت الأكراد وقتلوا فِي التُّرْكُمان. وتفاقم الشَّرّ ودام، إِلَى أن جمع الأمير مجاهد الدّين قايماز عنده جَمعًا من رؤوس التُّرْكُمان والأكراد وأصلح بينهم، وأعطاهم الخِلَع والثّياب، وأخرج عليهم مالًا جمًّا، فانقطعت الفتنة.
وفيها استولى ابن غانية الملثَّم عَلَى أكثر بلاد إفريقية كما ذكرناه فِي سنة ثمانين استطرادًا.(12/667)
-سنة اثنتين وثمانين وخمس مائة
فِي أوّلها صح مِزاج السّلطان بحَرّان فرحل منها، ومعه ولداه الظّاهر، والعزيز، وأخوه العادل، وقدِم دمشق، فبذل العادل بلاد حلب لأولاد أَخِيهِ، فشكره السّلطان عَلَى ذَلِكَ، وملّكها للسّلطان الملك الظّاهر غازي ولده، وسيَّر أخاه العادل إلى مصر، ونزل عَلَى نواحي البلقاء.
وقيل: إنّ الملك الظّاهر لمّا تزوَّج بابنة العادل نزل لَهُ العادل عَنْ حلب، وقَالَ: أَنَا ألزم خدمة أَخِي وأقنع بما أعطاني. وسمح بهذا لأنّ السّلطان أخاه كَانَ فِي مرضه قَدْ أوصى إليه على أولاده وممالكه، فأعجبه ذلك.
قَالَ العماد الكاتب: أجمع المنجّمون فِي سنة اثنتين وثمانين فِي جميع البلاد بخراب العالم فِي شعبان عِنْد اجتماع الكواكب السّتَّة فِي الميزان بطوفان الرّيح فِي سائر البلدان، وخوّفوا بِذَلِك من لا توثُّق لَهُ باليقين، ولا إحكامٌ لَهُ فِي الدّين من ملوك الأعاجم والروم، وأشعروهم من تأثيرات النّجوم، فشرعوا فِي حفر مغارات في التُّخُوم، وتعميق بيوتٍ فِي الأسراب وتوثيقها، وشدّ منافسها عَلَى الرّيح، ونقلوا إليها الماء والأزواد وانتقلوا إليها، وانتظروا الميعاد وسلطاننا متنمّر من أباطيل المنجّمين، مُوقنٌ أنّ قولهم مبنيّ عَلَى الكذب [ص:670] والتّخمين. فَلَمَّا كَانَتِ اللّيلة الّتي عيَّنها المنجّمون لمثل ريح عاد، ونحن جلوسٌ عِنْد السّلطان، والشُّموع توقد، وما يتحرَّك لنا نسيم، ولم نرَ ليلةً مثلَها فِي ركودها، وعمل فِي ذَلِكَ جماعةٌ منَ الشّعراء. فمما عمل أَبُو الغنائم محمد ابن المعلّم فيما ورَّخه أبو المظفَّر السبط فِي المرآة:
قُلْ لأبي الفضْل قَولَ معترفٍ ... مضى جُمادى وجاءنا رَجَبُ
وما جرت زعزعا كَمَا حكموا ... ولا بَدَا كوكبٌ لَهُ ذَنَبُ
كلاَّ، ولا أظلمت ذُكاء ولا ... أبدت أذىً في قرانها الشُّهُبُ
يقضي عليها من لَيْسَ يعلم ما ... يُقضى عليه هَذَا هُوَ العَجبُ
قَدْ بان كذِبُ المنجّمين وفي ... أي مقال قالوا وماكذبوا؟
قَالَ ابن البُزُوريّ: وَفِي يوم عاشوراء سنة اثنتين قَالَ مُحَمَّد بْن القادسيّ: فُرِش الرَّماد فِي الأسواق ببغداد، وعُلِّقت المُسُوح، وناح أَهْل الكَرخ والمختارة، وخرج النّساء حاسراتٍ يَلْطمْن ويَنُحْن من باب البدريَّة إلى باب حجرة الخليفة، والخِلَع تُفاض عليهنّ وعلى المُنْشِدين منَ الرجال، وتعدّى الأمر إلى سبِّ الصّحابة. وكان أَهْل الكرْخ يصيحون: ما بقي كتمان. وأقاموا ابنة قرايا، وكان الظّهير ابن العَطَّار قَدْ كبس دار أبيها، وأخرج منها كُتبًا فِي سبّ الصّحابة، فقطع يديه ورِجْلَيه، ورجمته العوامّ حَتَّى مات، فقامت هَذِهِ المرأة تحت منظرة الخليفة وحولها خلائق وهي تنشد أشعار العوْني وتقول: العنوا راكبةَ الجمل. وتذكر حديث الإفْك، قَالَ: وكلّ ذَلِكَ منسوبٌ إلى أستاذ الدّار، وَهُوَ مجد الدّين ابن الصّاحب، ثم قُتِل بعد.
وفيها وقع الخلاف بَيْنَ الفِرنج - لعنهم اللَّه - وتفرَّقت كلمتهم، وكان فِي ذَلِكَ سعادة الْإِسْلَام.
وفيها غدر اللّعين أرناط صاحب الكَرَك فقطع الطّريق عَلَى قافلةٍ كبيرة جاءت من مصر، فقتل وأسر، ثُمَّ شنّ الغارات عَلَى المسلمين، ونبذ العهد. فتجهّز السّلطان صلاح الدّين لحربه، وطلب العساكر منَ البلاد، ونذر إن ظَفَرَ بِهِ ليقتلنّه، فأظفره اللَّه بِهِ كَمَا يأتي. [ص:671]
أَنْبَأَنَا ابن البُزُوري فِي " الذَّيْل " قَالَ: وقدِم الحاجّ بغداد، وأخبروا أنّ سيف الْإِسْلَام طُغتِكين أخا صلاح الدّين خرج عَنِ الطّاعة، وترك مراضي الديوان وأتباعه، واستولى على مكّة وأهلها، وخطب لأخيه، وأخبروا أنّ قِفل الكعبة عَسُر عليهم فتحُه، وازدحم النّاس، فمات منهم أربعةٌ وثلاثون نفسًا.
قَالَ: وَفِي هَذِهِ السّنة كَانَ المنجّمون يزعمون أنّ فِي تاسع جُمادى الآخرة تجتمع الكواكب الخمسة في برج الميزان، وَهُوَ القِران الخامس، ويدلّ ذَلِكَ عَلَى رياحٍ شديدة، وهَلاك مدنٍ كثيرة، فلم يُرَ إلا الخير. وأُخبرتُ أنّ الهواء توقَّف فِي الشّهر المذكور عَلَى أَهْل السّواد، فلم يكن لهم ما يذرّون بِهِ الغلَّة.
قال ابن البزوري: وكان الخليفة أمر بأخْذ خطوط المنجمّين بِذَلِك، فكتبوا سوى قيماز، وكان حاذقًا بالنّجوم، فإنّه كتب: لا يتم من ذَلِكَ شيء. وخرج. فَقَالَ لَهُ منجّم: ما هَذَا؟ قَالَ: إنْ كَانَ كَمَا تزعمون من هلاك العالم مَن يوافقني؟ وإن كان ما قلته حظيت عندهم.
وفيها عقد أمير المؤمنين الناصر عَلَى الجهة سلجوق خاتون بِنْت قَلِج أرسلان بْن مَسْعُود صاحب بلاد الروم بوكالةٍ من أخيها كيخسْرُو، وسار لإحضارها الحافظ يوسف بْن أَحْمَد شيخ الرّباط الأرجواني.
وفيها جَرت فتنة عظيمة بَيْنَ الرافضة والسُّنة قُتل فيها خلقٌ كثير، وغلبوا أَهْل الكرْخ.
وفيها وردت الأخبار بالفِتَن بأصبهان، والقتال والنَّهب، وإحراق المساجد والمدارس، وقتْل الأطفال، فقُتِل أربعة آلاف نفس. وسببه اختلاف المذاهب بعد وفاة زعيم أصبهان البهلوان. ثم ملك بعده أخوه فهذَّب البلاد.
وأمير الركب العراقي فِي هَذِهِ الأعوام طاشتكين المستنجديّ.
وَفِي هَذِهِ الأيام كَثُر الخُلْف بديار بَكْر والجزيرة بَيْنَ الأكراد والتُّركمان، وبين الفرنج والروم والأرمن، وبين الإسماعيلية والنبوية. وقتلت الإسماعيليَّة ابن نيسان والد الّذي أَخَذَ منه صلاح الدّين آمِد.
ووقع بَيْنَ الكراكيّ واللَّقالق والإوَزّ، وصارت تصطدم بالجوّ وتتساقط جرحى وكَسْرَى، وامْتار النّاس منها بأرض حَرّان؛ قاله عَبْد اللّطيف.(12/669)
-سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة
قال لنا ابن البزوري: أوّل يوم فِي السّنة كَانَ أوّل أيام الأسبوع، وأوّل السّنة الشّمسيَّة وأوَل سِنيّ الفُرس، والشّمس والقمر فِي أوّل البروج. وكان ذَلِكَ من الاتفاقات العجيبة.
قَالَ: وَفِي صَفَر عُزل نقيب النُّقباء ابن الروال بأبي القاسم قُثَم بن طلحة الزَّينبيَ.
وَفِي ربيع الأوّل استدعيَ مجد الدّين هبة اللَّه ابن الصاحب أستاذ الدّار إلى باطن دار الخلافة، فقُتِل بها. وكان قَدِ ارتفعت رُتْبته وعلا شأنه وتولّى قتلَه ياقوتُ النّاصريّ، وعلَّق رأسه عَلَى باب داره. وولي أستاذيَّة الدّار قِوام الدّين أبو طالب يحيى بن زبادة، نقْلًا من حجابة الباب النُّوبيّ وأُمِرَ بكشْف ترِكة ابن الصّاحب، فكانت ألف ألف دينار وخمسة وثلاثين ألف دينار، سوى الأقمشة والآلات والأملاك. وتقدَّم أن لا يتعرّض إِلَى ما يخصّ أولاده من أملاكهم الّتي باسمهم.
وقَالَ سبط ابن الجوزيّ: قرَّبه النّاصر تقريبًا زائدًا، فبسط يده فِي الأموال، وسفك الدّماء، وسبّ الصحابة ظاهرًا، وبَطَر بطَرًا شديدا، وعزم عَلَى تغيير الدّولة، إلى أن قَالَ: وثب عليه فِي الدِّهليز ياقوت شِحنة بغداد فقتله، ووُجد لَهُ ما لم يوجد في دُور الخلفاء.
قُلْتُ: وتُوفّي النقيب عَبْد الملك بْن علي بالسّجن، وكان خاصًّا بابن الصّاحب والمنفّذ لمراسمه، وأُخرج، فَلَمَّا رأت العامَّة تابوته رَمَوه، وشدّوا فِي رِجْله حَبْلًا وسحبوه، وأحرقوه بباب المراتب.
وفي شوال عُزل ابن الداريج عَنْ نيابة الوزارة، ثُمَّ نُفِّذ إلى جلال الدّين أَبِي المظفّر عُبيد اللَّه بْن يُونُس فوُلي الأمر. ثُمَّ استُدْعيَ يوم الجمعة إلى باب الحجرة، وخُلعَ عليه خِلعة الوزارة الكاملة، ولُقِّب يومئذٍ جلال الدّين، وقبَّل يد الخليفة وقَالَ لَهُ: قلَّدتك أمور الرعيَّة فقدِّم تقوى اللَّه أمامك. [ص:673]
وَقَدْ كَانَ ابن يُونُس يشهد عِنْد قاضي القضاة أبي الحسن ابن الدّامغانيّ، وتوقَّف مرَّةَ فِي سماع قوله. فَلَمَّا كَانَ هَذَا اليوم كَانَ قاضي القُضاة مِمَّنْ يمشي بَيْنَ يديه. فَقِيل إنَّه قَالَ: لعن اللَّه طول العمر. ثُمَّ مات بعد أيام فِي ذِي الحجة، فوُلّي قضاءَ القُضاة بالعراق أَبُو طالب عليّ بن عليّ ابن البخاري.
وفيها أرسل السّلطان طُغْرُل بْن أرسلان بْن طُغْرُل بْن مُحَمَّد السَّلْجوقيّ إلى الدّيوان يطلب أن تُعمر دار المملكة ليجيء وينزلها، وأن يُسمى في الخطبة. فأمر الخليفة فَهُدمت دار المملكة وأُعيد رسوله بغير جواب. وكان مُستضعف المُلك مَعَ البهلوان لَيْسَ لَهُ غير الاسم. فلما مات البهلوان قويت نفسه وعسكر، وانضمَّ إِلَيْهِ أمراء.
وحجَّ بالركْب العراقيّ مُجِير الدّين طاشتِكين عَلَى عادته، وحجَّ منَ الشّام الأمير شمس الدّين مُحَمَّد بْن عَبْد الملك، المعروف بابن المقدَّم، فضرب كوساته، وتقدَّم من عَرَفَات قبل أصحاب الخليفة، فأرسل طاشتِكين يلومه، فلم يفكّر فِيهِ، فركب طاشتكين فِي أجناده، إلى قتاله، وتبعَه خلْق من ركْب العراق. ووقع الحرب، وقُتِل من رَكب الشام خلق، ثُمَّ أُسِرَ ابن المقدَّم، وجيء بِهِ إلى خيمة طاشتكين، وخيطت جراحاته، ثُمَّ مات بمِنى ودُفن بها.
قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ مِن كبار الأمراء النُّوريّة وولي نيابة دمشق للسّلطان صلاح الدّين وهو واقف المدرسة المقدّميَّة.(12/672)
-سنة الفتوحات
وفيها كتب السّلطان صلاح الدّين إلى الأقطار يستدعي الأجناد إلى الجهاد. وبرز فِي أوّل السّنة، ونزل عَلَى أرض بُصرى مرتقبًا مجيء الحاجّ ليخفرَهم منَ الفِرَنج. وسار إلى الكَرَك والشَّوبك، فأحرق ضياعهما، وأقام هناك شهرين، واجتمعت الجيوش برأس الماء عِنْد ولده الأفضل، فجهَّز بعثًا فأغاروا على طبرية، وقدِم منَ الشّرق مظفَّر الدّين صاحب إربِل بالعساكر، وقدِم بدر الدّين دلدرم عَلَى عسكر حلب، وقايماز النَّجْميّ عَلَى عسكر دمشق، فساروا مُدلجين حَتَّى صبَّحوا صَفُّورِيَّة، فخرجت الفِرَنج فنصر اللَّه المسلمين، [ص:674] وقُتِل منَ الفِرَنج خلقٌ منَ الإسبِتار، وأسروا خلقًا.
وأسرع السّلطان حَتَّى نزل بعشترا، وعرض العساكر وأنفق فيهم، وسار بهم وَقَدْ ملأوا الفضاء فنزل الأرْدُنّ، ونزل مُعظم العساكر. وسار إلى طبريَّة فأخذها عَنْوةً، فتأهَّبت الفِرَنج وحشدوا، وجاءوا من كُلّ فجّ وأقبلوا، فرتَّب عساكره فِي مقابلتهم وصابَحهم وبايتَهم.
وكان المسلمون اثني عشر ألف فارس وخلقٍ منَ الرجَّالة. وقيل: كَانَ الفِرَنج ثمانين ألفًا ما بين فارسٍ وراجلٍ. والتجؤوا إلى جبل حطين، فأحاط المسلمون به من كُلّ جانب، فهرب القومُّص لعَنه اللَّه، ووقع القتال، فكانت الدّائرة عَلَى الفِرَنج، وأُسِر خلقٌ منهم الملك كي، وأخوه جفْري، وصاحب جُبيل، وهنْفري بْن هَنفري، والإبرِنْس أرناط صاحب الكَرَك، وابن صاحب إسكندَرونة، وصاحب مَرَقيَّة.
وما أحلى قول العماد الكاتب: " فَمَن شاهد القَتْلَى يومئذٍ قَالَ: ما هناك أسير، ومَنْ عايَنَ الأسرى قَالَ: ما هناك قتيل.
قُلْتُ: ولا عَهْد للإسلام بالشّام بمثل هَذِهِ الوقعة من زمنَ الصّحابة. فقتل السّلطانُ صاحبَ الكَرَك بيده لأنه تكلَّم بما أغضب صلاح الدّين، فتنمّر وقام إليه فطيَّر رأسه، فأُرعب الباقون.
وقَالَ ابن شدّاد: بل كَانَ السّلطان نَذَر أن يقتله لأنه سار ليملك الحجاز، وغَدَرَ وأخذ قَفْلا كبيرًا، وَهُوَ الَّذِي كَانَ مقدَّم الفِرَنج نوبةَ الرملة لمّا كبسوا السلطان صلاح الدّين وكسروه سنة ثلاثٍ وسبعين، وكان أرناط فارس الفِرنج فِي زمانه، وَقَدْ وقع فِي أسْر الملك نور الدّين، وحبسه مدَّةً بقلعة حلب. فَلَمَّا مات نور الدّين وذهب ابنه إلى حلب وقصده صلاح الدّين غير مرةٍ ليأخذ منه حلب أطلق أرناط وجماعةً من كبار الفرنج ليُعِينوه عَلَى صلاح الدّين، ثُمَّ قيَّد جميع الأسارى وحُملوا إلى الحصون، وأخذ السّلطان يومئذٍ منهم صليب الصَّلَبُوت، وكانت وقعة حِطّين هَذِهِ فِي نصف ربيع الآخر، ولم ينْجُ فيها منَ الفِرَنج إلا القليل، وهي من أعظم الفتح في الإسلام، وقيل: كان الفرنج أربعين ألفًا، وأبيع فيها الأسير بدمشق بدينار فللَّه المنة. [ص:675]
قال أبو المظفَّر ابن الجوزيّ: خيَّم السّلطان عَلَى ساحل البحيرة فِي اثني عشر ألفًا منَ الفُرسان سوى الرّجّالة، وخرج الفِرَنج من عكّا، فلم يَدَعوا بها محتلِمًا. فنزلوا صَفُّوريَّة، وتقدَّم السّلطان إلى طبريَّة، فنصب عليها المجانيق، وافتتحها فِي ربيع الآخر، وتقدّمت الفِرَنج فنزلوا لوبية منَ الغد، وملك المسلمون عليهم الماء، وكان يومًا حارًّا. والتهب الغَوْر عليهم، وأضرم مظفَّر الدّين النّارَ فِي الزُّروع، وأحاط بهم المسلمون طول اللّيل، فَلَمَّا طلع الفجر قاتلوا إلى الظُّهر، وصعدوا إلى تلّ حِطّين والنّار تُضرَم حولهم، وساق القومُّص على حمِيَّة وحرق، وصعد إلى صفد، وعملت السيوف في الفرنج، وأسر منَ الملوك جماعة، وجيء بصليب الصَّلَبُوت إلى السّلطان، وَهُوَ مرصَّع بالجواهر واليواقيت فِي غلافٍ من ذهب. فأُسرَ ملكَ الفِرنج درباسُ الكُرديّ، وأسر إبرنس الكَرَك إِبْرَاهِيمُ غلام المهرانيّ.
قَالَ: واستدعاهم السّلطان، فجلس الملك عَنْ يمينه، ويليه إبْرنْس الكَرَك، فنظر السّلطان إلى الملك وَهُوَ يَلهَث عَطَشًا، فأمر لَهُ بماءٍ وثَلْج، فشرب وسقى البِرِنْس، فَقَالَ السّلطان: ما أذِنتُ لك فِي سقْيه. والتفتَ إلى البِرِنس فَقَالَ: يا ملعون يا غدّار، حَلَفت ونكثْت. وَجَعَل يعدّد عليه غَدْراته، ثُمَّ قام إِلَيْهِ فضربه حلَّ كتفه، وتمَّمه المماليك، فطار عقل الملك، فأمّنه السّلطان وقَالَ: هَذَا كلب غَدَر غير مرَّة.
إلى أن قَالَ: وأبيعت الأساري بثمنٍ بخسٍ، حَتَّى باع فقيرٌ أسيرًا بنَعل، فَقِيل لَهُ في ذلك فقال: أردتُ إهانتهم، ودخل القاضي ابن أَبِي عصرون دمشقَ وصليب الصَّلَبُوت منكَّسًا بَيْنَ يديه، وعاد السّلطان إلى طبريَّة، وآمن صاحبتها، فخرجت بأموالها إلى عكّا. وأمّا القومُّص فسار من صَفَد إلى طرابُلسَ فمات بها، فَقِيل: مات من جراحاتٍ أصابته. وقيل: إن امرأته سمّته.
قَالَ القاضي جمال الدّين ابن واصل: اجتمعت الجحافل عَلَى رأس الماء عِنْد الملك الأفضل ابن السّلطان، وتأخرت العساكر الحلبيَّة لانشغالها [ص:676] بفرنج أنطاكية وبالأرمن، فدخل الملك المظفر صاحب حماه فأخمد ثائرتهم، ثُمَّ ردّ إلى حماة ومعه فخر الدّين مسعود ابن الزعفرانيّ على عسكر المَوْصِل وعسكر ماردين، فلحقوا السّلطان بعشترا، ثُمَّ ساروا، وأحاطت جيوشه ببُحيرة طبرية عند قرية الصّنبرة، ثُمَّ نازل طبريَّة فافتتحها فِي ساعةٍ من نهار.
وحكى ابن الأثير عمّن أخبره عَنِ الملك الأفضل قَالَ: كُنْت إلى جانب والدي السّلطان فِي مُصافّ حطِّين، وهو أوَّل مُصافٍّ شاهدتُه، فلما صار ملك الفرنج على التل حملوا حملةً منْكَرَةً علينا، حَتَّى ألحقوا المسلمين بوالدي، فنظرت إِلَيْهِ وَقَدْ اربدَّ لونُه، وأمسك بلحيته، وتقدَّم وَهُوَ يصيح: كذب الشَّيْطان. فعاد المسلمون عَلَى الفِرَنج، فرجعوا إلى التّلّ. فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِكَ صُحت: هزمناهم، هزمناهم، فعاد الفِرَنج وحملوا حملةً ثانيةً حَتَّى ألحقوا المسلمين بوالدي، وفعَل مثل ما فعل أوّلًا، وعطف المسلمون عليهم وألحقوهم بالتّلّ، فصحت أَنَا: هزمناهم. فَقَالَ والدي: اسكُت، ما نهزمهم حَتَّى تسقط تِلْكَ الخيمة، يعني خيمة الملك، قَالَ: فهو يَقُولُ لي وَإِذَا الخيمة قَدْ سقطت، فنزل أَبِي وسجد وشكر الله، وبكى من فرحه، وكان سبب سقوطها أنّهم عطشوا، وكانوا يرجون بالحملات الخلاص، فَلَمَّا لَمْ يجدوه نزلوا عَنْ خيلهم وجلسوا، فصعِد المسلمون إليهم، وألقوا خيمة ملكهم، وأسروهم كلّهم.
قال القاضي بهاء الدّين ابن شدّاد: حدَّثني من أثَق بِهِ أَنَّهُ لقي بحَوران شخصًا واحدًا ومعه طنب خَيمة، وفيه نيّفٌ وثلاثون أسيرًا يجرهم وحده لخذلانٍ وقع عليهم.
ومن إنشاءٍ عِماديّ إلى الخليفة: " الحمد للَّه الَّذِي أعاد الْإِسْلَام جديدًا .. إلى أن قَالَ: ونورد البُشرى بما أنعم اللَّه من يوم الخميس الثّالث والعشرين من ربيع الآخر إلى الخميس الآخر، تلك سبْع ليالٍ وثمانية أيّام حُسُوما، فيوم الخميس فُتحت طبرية، ويوم الجمعة والسبت نُوزل الفِرَنج فكُسِروا كسرةً ما [ص:677] لهم بعدها قائمة، وَفِي يوم الخميس سلْخ الشّهر فُتحت عكّا بالأمان، ورُفعت بها أعلام الْإِيمَان، وهي أمُّ البلاد، وأخت إرمَ ذات العماد، إلى أن قَالَ: " فأما القتلى والأَسْرى فإنّها تزيد عَلَى ثلاثين ألفا، يعني فِي وقعة حِطّين وما حولها فِي هَذَا الأسبوع ".
وقد ذكر العماد أيضًا أَنَّهُ خُلّص من هَذِهِ السّنة من أسْر الكُفر أكثر من عشرين ألف أسير، ووقع فِي الأسر منَ الكفّار مائة ألف أسير. هكذا قال.
ثُمَّ سار السّلطان إلى عكا فوصلها بعد خمسة أيامٍ منَ الوقعة، فأخذها بالأمان، وملَكها بلا مَشَقَّة. وبلغ السّلطان الملك العادل هَذَا النصرُ العظيمُ، فخرج من مصر بالجيوش، فمرّ بيافا ومجدل فافتتحهما عَنْوةً، وغنِم منَ الأموال ما لا يوصف. ثُمَّ فتح اللَّه النّاصرة وصفُّوريَّة عَلَى يد مظفَّر الدّين صاحب إربل عنوةً، وفُتحت قيسارية على يد دلدرم وغرس الدّين قلِيج عَنوة، ونابلس عَلَى يد حسام الدّين لاجين بالأمان بعد قتالٍ شديد، ثُمَّ حصن الفولة بالأمان.
ثُمَّ نازل السّلطان تِبْنين فافتتحها، ثُمَّ صيدا فافتتحها، ثُمَّ بيروت ثُمَّ جُبَيل، ثُمَّ سار إلى عسقلان فحاصرها وضيّق عليها بالقتال والمجانيق، ثُمَّ أخذها بالأمان. وأخذ الرملة، والداروم، وغزة، وبيت جبريل، والنَّطرُون بالأمان.
ثُمَّ سار مؤيَّدًا منصورًا إلى البيت المقدّس، فنزل عليه من غربيّه فِي نصف رجب، وكان بها يومئذٍ ستّون ألف مقاتل. فقاتلهم المسلمون أشدّ قتال، ثُمَّ انتقل السّلطان بعد خمسٍ إلى الجانب الشّماليّ منَ البلد ونصب المجانيق ووقع الجد، فطلب الفِرنج الأمان، فأمَّنهم بعد تمنُّع، وقرَّر عَلَى كُلّ رجلٍ عشرة دنانير، وعلى كُلّ امرأةٍ خمسة دنانير، وعلى كُلّ صغير أو صغيرةٍ دينارين، وإن من عجز أُمهل أربعين يومًا، ثُمَّ يُسترقّ، فأجابوا إلى ذلك وجمع المال فكان سبعمائة ألف دينار، فقسّمه فِي الجيش. وبقي ثلاثون ألفًا ليس لهم فكاك، فاستعبدهم وفرَّقهم. وخلّص من أسارى المسلمين عشرين ألفًا، وخرج منها البترَك بأموالٍ لا تُحصى، فأراد الأمراء الغدر بِهِ فمنعهم وخَفَره، وقال: الوفاء خير منَ الغدر، وهذا البَتْرك عندهم أعظم رُتبةً من ملك الفِرَنج.
وكان هرب إلى بيت المقدس من الكبار صاحب الرملة ياليان بن [ص:678] بادران، وَهُوَ دون ملك الفِرَنج فِي الرُّتبة بقليل، وخلق كثير من كبار فرسانهم، ورأوا أن الموت أهون عليهم من أخْذ المسلمين القدس من أيديهم إذ هو بيت عباداتهم الأعظم، ومحلّ تجسُّد النّاسوت فيما زعموا باللّاهوت - تَعَالَى اللَّه وتقدَّس عمّا يقولون عُلوًا كبيرًا - وبه قُمامة التي تُدعى القيامة محلّ ضلالتهم وقِبلة جهالتهم، زعموا أن المسيح دُفن بعد الصَّلب بها ثلاثة أيّام، ثُمَّ قام منَ القبر، وصعِد إلى السّماء، فبالغوا فِي تحصينه بكل طريق. فنازله السّلطان، وما وجد عليه موضعًا أقرب إلا من جهة الشمال فنزل عليه، واشتدّ الحرب، وبقيت الفرسان تخرج منَ المدينة وتحمل وتقاتل أشدّ القتال وأقواه، ثُمَّ إنَّ المسلمين حملوا عليهم يومًا حَتَّى أدخلوهم القدس، ولصقوا بالخندق، ثمّ أخذوا فِي النُّقوب، وتتابع الرمْي بالمجانيق منَ الفريقين ووقع الجدّ، واجتمعت الفرنج، فاتفقوا عَلَى طلب الأمان، فامتنع السّلطان - أيَّده اللَّه - من إجابتهم فَقَالَ: لا أفعل فِيهِ إلا كَمَا فعلتم بأهله حين ملكتموه من نحو تسعين سنة. فرجعت رُسُلهم خائبين. فخرج صاحب الرملة ياليان بنفسه فطلب الأمان فلم يُعط، فاستعطف السّلطان فامتنع، فَلَمَّا أيس قَالَ: نَحْنُ خلقٌ كثير وإنّما يفترّون عَنِ القتال رجاء الأمان ورغبةً في الحياة، فإذا رأينا أنَّ الموت لا بدَّ منه لنقتلنّ أبناءنا ونساءنا، ونحرق أموالنا، ولا ندع لكم شيئًا، فإذا فرغنا أخربنا الصَّخرة والأقصى، وقتلنا الأسرى، وهم خمسة آلاف مُسْلِم، وقتلنا الدّوابّ، ثُمَّ خرجنا إليكم وقاتلنا قتال الموت، فلا يُقتل منّا رَجُل حَتَّى يقتل رَجُلا ونُموت أعزّاء، فاستشار حينئذٍ السّلطان أُمراءه فقالوا: المصلحة الأمان. وقالوا: نحسب أنهم أسارى بأيدينا فنبيعهم نفوسهم. فأمّنهم بشرط أن يزِن كُلّ رجلٍ عشرة دنانير، وكل امرأةٍ خمسة دنانير، والطفل دينارين.
ثُمَّ رُفعت أعلام الْإِسْلَام عَلَى السُّور، ورتَّب السّلطان أُمَنَاءه عَلَى أبواب القدس ليأخذوا المال مِمَّنْ يَخْرُج، وكان بها ستّون ألفًا سوى النّساء والوِلْدان. ووزن ياليان من عنده عَنْ ثمانية عشر ألف رَجُل. ثُمَّ بعد ذَلِكَ أُسر منها عشرة آلاف نفس فقراء لَمْ يقدروا عَلَى شراء أنفسهم.
ثُمَّ إنّ جماعةً منَ الأمراء ادَّعوا أن لهم فِي القدس رعيَّة، فكان يطلقهم [ص:679] كمظفّر الدّين ابن صاحب إربل ادَّعى أنّ جماعةً من أَهْل الرُّها بالقدس وعِدَّتهم ألف نفس. وكذلك صاحب البيرة ادّعى أنّ فيها خمسمائة نفس من أهل البيرة.
وكان عَلَى رأس قُبَّة الصَّخرة صليبٌ كبيرٌ مذهَّب، فطلع المسلمون ورموه، وضجّ الخلْق ضجَّةً عظيمة إلى الغاية.
وكان المسجد الأقصى مشغولًا بالخنازير والخبَث والأبنية، بنَت الدّاويةُ فِي غربيّه مساكن وفيها المراحيض، وسدّوا المحراب، فبادر المسلمون إلى تنظيفه وتطهيره، وبسطوا فِيهِ البُسط الفاخرة، وعُلَّقت القناديل، وخطب بِهِ النّاسَ يوم الجمعة، وهو رابع شعبان، القاضي محيي الدّين ابن الزّكيّ، وتسامع النّاس، وتسارعوا من كُلّ فجٍّ وقُربٍ وبُعدٍ للزّيارة، وازدحموا يوم هَذِهِ الجمعة حَتَّى فاتوا الإحصاء، وحضر السّلطان فصّلى بقرب الصَّخرة، وفرح إذ جعله اللَّه تَعَالَى فِي هَذَا الفتح ثانيًا لعمر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فاستفتح القاضي خطبته بقوله تَعَالَى: (فقُطعَ دابِرُ القومِ الَّذِينَ ظلمُوا وَالْحَمْدُ للَّه ربِّ العالمينَ)، ثُمَّ أول الأنعام، وآخر سُبحان، وأوّل الكهف، وحمدَلة النَّمل، وأول سبأ، وفاطر، ثم قال: الحمد للَّه مُعز الإسلام بنصره. . إلى آخرها. ثُمَّ خطب ثلاث جُمعٍ بعدها من إنشائه.
وَقَدْ كَانَ الملك نور الدّين أنشأ منبرًا برسم الأقصى قبل فتح بيت المَقْدِس طمعًا فِي أن يفتتحه، ولم تزل نفسه تحدّثه بفتحه، وكان بحلب نجّار فائق الصَّنعة، فعمل لنور الدّين هَذَا المِنبر عَلَى أحسن نعتٍ وأجمله وأبدعه، فاحترق جامع حلب، فنُصب فِيهِ لمَّا جُدّد المنبر المذكور، ثُمَّ عمل النّجّار المذكور ويُعرف بالأخترينيّ، نسبةً إلى قرية أخترين، محرابًا من نسبة ذَلِكَ المنبر، فَلَمَّا افتتح السّلطان بيت المقدس أمر بنقل المنبر فنصب إلى جانب محراب الأقصى، فللّه الحمد عَلَى هَذِهِ النِّعَم التي لا تُحصى.
وَقَدْ كَانَتِ الفِرَنج بنوا عَلَى الصَّخرة كنيسةً، وغيّروا أوضاعها وصوَّروها، ونصبوا مذبحًا، وعملوا عَلَى موضع القدم قُبةً لطيفة مذهَّبةً بأعمدة رخام، فخرّبت تِلْكَ الأبنية عَنِ الصَّخرة وأُبرزت. وكانت الفِرَنج قَدْ قطعوا منها قطعًا، وحملوها إلى القُسْطَنْطِينيَّة وإلى صَقَلّية، حَتَّى قِيلَ: كانوا يبيعونها بوزنها ذهبًا. [ص:680]
وحضر الملك المظفَّر تقي الدّين فحمل إليها أحمالًا من ماء الورد فغسلها بها، وكنس ساحاتها بيده، وغسل جدرانها، ثُمَّ بخَّرها بالطِّيب، وحضر الملك الأفضل ابن السّلطان ففرش فيها بُسطًا نفيسة، ورتَّب الأئمَّة والمؤذّنين والقُوَّام. ثُمَّ عيَّن السّلطان كنيسة صندجية وصيَّرها مدرسةً للشّافعيَّة ووقف عليها وقوفًا جليلة. وقرَّر دار البترك الأعظم رباطًا للفقراء، ومحا آثار النّصرانيَّة، وأمر بإغلاق كنيسة قُمامة، ومنع النصارى من ريادتها. ثُمَّ تقَّرر بعدُ على من زارها ضريبةً تؤخذ منه.
ولما افتتح عُمَر بيت المَقْدِس أقرَّ هَذِهِ الكنيسة ولم يهدمها، ولهذا أبقاها السّلطان.
وللنَّسَّابة محمد بن أسعد الجوانيّ نقيب الأشراف بمصر:
أتُرى منامًا ما بعيني أُبصرُ ... القدسُ يُفتح والنَّصارى تكسرُ؟
وقمامة قمت منَ الرجس الَّذِي ... بزواله وزوالها يتطهَّرُ
ومليكهم فِي القيد مصفودٌ ولم ... يُرَ قبل ذاك لهم مليك يؤسَرُ
قَدْ جاء نصر اللَّه والفتحُ الَّذِي ... وعد الرسولُ فسبّحوا واستغفروا
يا يوسف الصِّدِّيق أنت بفتحها ... فاروقها عمر الإمام الأطهرُ
قَالَ أَبُو المظفّر ابن الجوزيّ: ولمّا افتتح السّلطان عكّا راح إلى تِبنين فتسلّمها بالأمان، وتسلَّم صيدا، وبيروت، وجُبيل، وغزَّة، والداروم، والرملة، وبينا، وبيت جبريل، وبلد الخليل، ونازل عسقلان فقُتل عليها حسام الدّين ابن المهرانيّ ثُمَّ تسلّمها. فكان مدة استيلاء الفِرَنج عليها خمسًا وثلاثين سنة، إلى أن قَالَ: ملك السّلطان هَذِهِ الأماكن فِي أربعين يومًا أولها ثامن عشر جمادى الأولى، ثُمَّ نازل القدس، إلى أن قَالَ: وخلص منَ الأسر بعكا أربعة آلاف، ومن القدس ثلاثة آلاف، فلله الحمد.
وقَالَ ابن الأثير: سار السّلطان عَنْ بيروت نحو عسقلان، واجتمع بأخيه العادل سيف الدّين، ونازلوها فِي سادس جُمادى الآخرة، وزحفوا عليها مرةً بعد أخرى، وأُخذت بالأمان فِي سلْخ الشّهر وسار أهلها إلى بيت [ص:681] المَقْدِس، وتسلم البلد لثلاثٍ بقين من رجب. وأنقذه اللَّه منَ النَّصارى الأنجاس بعد إحدى وتسعين سنة، فَلَمَّا كَانَ يوم الجمعة رابع شعبان أقيمت الجمعة بالمسجد الأقصى، وخطب للناس قاضي القضاة محيي الدّين ابن الزَّكيّ خطبة مونقة بليغة، وابتدأ السّلطان فِي إصلاح المسجد الأقصى والصَّخرة، ومحو آثار الفِرَنج وشعارهم. وتنافس الملوك معه فِي عمل المآثر الحَسَنة والآثار الجميلة، فرزقنا اللَّه شُكر هَذِهِ النِّعم، ورحم اللَّه صلاح الدّين وأسكنه الجنّة.
وللعماد الكاتب يصف وقعة حِطّين: " حَتَّى إذا أسفر الصباح خرج الجاليشية تحرق نيران النصال أَهْل النّار، ورنَّت القسِيّ، وغنَّت الأوتار، واليوم ذاكٍ، والحرب شاكٍ، والقيظ عليهم فيض، وماء للغيظ منهم غَيْض، وَقَدْ وَقَدَ الحر، واستشرى الشّرّ، ووقع الكَرّ والفرّ، والجوّ محرق، والجوى مقلق، وأصبح الجيش على تعبيته، والنصر على تلبيته.
قَالَ: وبرَّح بالفِرنج العطش، وأَبَتْ عُثْرتها تنتعش، فرمى بعض مطوِّعة المجاهدين النّار فِي الحشيش، فتأجَّج عليهم استعارها، فرجا الفرنج فرجًا، وطلب طلبهم المحرج مخرجًا. وكلما خرجوا جُرحوا، وبرّح بهم حرّ الحرب فَمَا برحوا، فَشوتْهُم نار السّهام وأشوتهم، وصممت عليهم قلوب القسي القاسية وأصمتهُم.
وقال: وفتحوا عكا يوم الجمعة مستهل جُمادى الأولى، فجئنا إلى كنيستها العُظمى، فأزحنا عَنْهَا البُؤْسى بالنُّعمى، وحضر الأجلّ الفاضل فرتَّب بها المنبر والقبلة "، وأوّل من خطب بها جمال الدّين عَبْد اللطيف بْن أَبِي النّجيب السهرُورديّ، وولاه السّلطان بها القضاء والخطابة والأوقاف.
وقَالَ فِي حصار القدس: " أقامت المنجنيقات عَلَى حصانته حَدّ الرجم، وواقعت ثنايا شرفاته بالهَتْم، وتطايرت الصخور فِي نُصرة الصَّخرة المباركة، وحَجَرت عَلَى حكم السور بسَفَه الأحجار المتداركة، وحسرت النُّقوب عَنْ عروس البلد نقب الأسوار، وانكشفت للعيون انكشاف الأسرار ".
وفي رمضان توجه السلطان صلاح الدّين فنازل صور ونصب عليها [ص:682] المجانيق، وكان قَدِ اجتمع بها خلقٌ لا يُحصون منَ الفِرَنج، فقاتلهم قتالًا شديدًا، وحاصرها إلى آخر السنة وترحَّل عَنْهَا، وكان قَدْ خرج أصطول صور فِي الليل فكبس أصطول المسلمين، وأسروا المقدَّم والرَّئِّيس وخمس قِطَع، وقتلوا خلْقًا منَ المسلمين فِي أواخر شوال، فعظُم ذَلِكَ عَلَى السّلطان وتألَّم، وهجم الشِّتَاء والأمطار، فرحل فِي ثاني ذِي القعدة، وأقام بمدينة عكّا شهرين فِي خواصّه.(12/673)
-سنة أربع وثمانين وخمس مائة
ترحَّل السّلطان صلاح الدّين عَنْ صور لأنه تعذَّر عليه فتْحها لكثُرة من فيها وقوَّة شوكتهم. ونزل عَلَى حصن كوكب فِي وسط المحرَّم، فوجده حصنا لا يُرام، فرتَّب عليه قايماز النَّجْميّ فِي خمس مائة فارس، ثُمَّ قدِم دمشق وأقام بها مُديدَة. ورحل إلى بِعْلَبَكّ فرتَّب أمورها، ثُمَّ اجتمع هُوَ والملك عماد الدّين زنكي بن مودود صاحب سَنْجار عَلَى بُحَيرة قَدَس، وكان قَدْ جاء إلى السّلطان لأجل الغَزَاة، فجعله عَلَى ميمنته، وجعل مظفر الدّين ابن صاحب إربل عَلَى الميسرة. ثُمَّ سار السّلطان فنزل بأرض حصن الأكراد فِي ربيع الآخر، وبث العساكر فِي تخريب ضياع الفِرَنج، وقطع أشجارهم ونهبهم، ثُمَّ رحل إلى أنطرَطُوس، فافتتحها عَنوةً، وسار إلى جَبَلَة فتسلّمها عَنْوة فِي ساعتين، ثُمَّ تسلَّم بكاس والشُّغر وسلمها إلى الأمير غرس الدّين قليج والد الأميرين سيف الدّين وعماد الدّين، ثُمَّ سيَّر ولده الملك الظّاهر إلى سرمانية فهدمها.
قَالَ العماد الكاتب: فهذه ست مدن وقلاع فُتحت فِي ست جُمَع تِباع جَبَلَة، واللاذقية، وصهيون، والشغر، وبَكّاس، وسرمانية.
ثُمَّ نازل السّلطان حصن بَرزَيَة فِي جمادى الآخرة، وضربه بالمجانيق وأخذه بالأمان، وسلمه إلى الأمير عز الدّين ابن شمس الدّين ابن المقدّم، ثُمَّ رحل إلى دَرْبَسَاك فتسلَّمها، ثُمَّ رحل إلى بغراس فتسلّمها.
ثُمَّ عزم عَلَى قصد أنطاكية، فرغب صاحبها البرنس فِي الهدنة، فهادنه السّلطان. ثُمَّ رحل، وودَّعه عماد الدّين زنكيّ، وعاد إلى سِنْجار.
وأقام السّلطان بحلب أيامًا، ثُمَّ قدَم حماه وضيفه تقيّ الدّين عُمَر، [ص:683] فأعطاه الْجَبَلَة واللّاذقيَّة، وسار عَلَى طريق بِعْلَبَكّ فِي شعبان، ودخل دمشق وخرج منها فِي أوائل رمضان طالبًا للغزاة.
وأمّا الملك العادل أخوه فكان نازلًا عَلَى تِبْنين بعساكر مصر متحرّزًا عَلَى البلاد من غائلة العدو. وكان صِهره سعد الدّين كمشتية الأَسَديّ مُوَكلًا بحصار الكَرَك، فضاقت الميرة عليهم، ويئسوا من نجدةٍ تأتيهم، فتضرعوا إلى الملك العادل، وترددت الرسل منهم، وَهُوَ يشدد حَتَّى دخلوا تحت حكمه، وسلموا الحصن إلى المسلمين فِي رمضان لفَرْط ما نالهم منَ الجوع والقحط. ثُمَّ تسلم السّلطان الشوبك بالأمان.
وسار السّلطان إلى صفد فنازلها، ووصل إِلَيْهِ أخوه العادِل، ودام الحصار عليها إلى ثامن شوال وأُخذت بالأمان، وكان أهلها قَدْ قاربت ذخائرهم وأقواتهم أن تنفد، فلهذا سلموها، ولو اتكل أخذُها وأخْذ الكَرَك إلى فتحها بأسباب الحصار والنقوب لطال الأمر جدًا.
ثُمَّ سار إلى حصن كَوْكَب ونازلها وحاصرها، وأخذها بالأمان في نصف ذي القعدة.
ثُمَّ قصد بَيْتَ المَقْدِس فدخلها فِي ثامن ذِي الحجة هُوَ وأخوه فعيَّد. وسار إلى عسقلان فرتَّب أمورها، وجهَّز أخاه إلى مصر. ثُمَّ رحل صَوْب عكّا ووصلها فِي آخر السنة.
قال صاحب " مرآة الزمان ": وكل صلاح الدّين بحصار كَوْكَب قايماز النَّجْميّ، ووكل بصفد طغريل، وبعث إلى الكرك والشوبك كوخيا وَهُوَ صهر السّلطان. وسار فِي الساحل ففتح أنْطَرَسُوس، وكان بها برجان عظيمان، فخربهما، وَقُتِلَ من كَانَ فيهما.
وأمّا جَبَلَة فأرسل قاضيها منصور بن نبيل يشير على السّلطان بقصدهما، وأخذ أمانًا لأهل جَبَلَة. وكان إبرنس أنطاكية قَدْ سلَّمها إلى القاضي مَنْصُور ووثق بِهِ فِي حفظها، فنازلها صلاح الدّين وأخذها. وامتنع عليه الحصن يومًا، وتسلمه بالأمان.
وسار إلى اللاذقية، وهي بلد كبير على الساحل، بها قلعتان عَلَى تل، [ص:684] ولها ميناء مِن أحسن المواضع، وهي من أطيب البلاد، فحصرها أيّامًا، وافتتحها، وأخذ منها غنائم كثيرة، ثُمَّ نازل القلعتين، وغلقت النقوب، فصاحوا الأمان، وساروا إلى أنطاكية.
قَالَ العماد: ولقد كثر تأسُّفي عَلَى تِلْكَ العمارات كيف زالت، وعلى تلك الحالات كيف حالت.
وسار فنازل صهيون، وهي حصينة فِي طرف الجبل، لَيْسَ لها خندق محفور إلا من ناحية واحدة، طوله ستّون ذراعًا، نُقر فِي حجر، ولها ثلاثة أسوار. وكان عَلَى قُلّتها عَلَمٌ طويل عليه صليب، فَلَمَّا شارفها المسلمون وقع الصليب، فاستبشروا ونصبوا عليها المناجيق، وأخذوها بالأمان فِي ثلاثة أيام، ثُمَّ سلمها إلى الأمير ناصر الدّين منكورس ابن الأمير خُمارتكين، فسكنها وحصَّنها. وكان من سادة الأمراء وعُقلائهم. تُوُفّي وَهُوَ مالك صهيون. وولي بعده ولده مظفّر الدّين عُثْمَان، ثم وليها بعده سيف الدّين مُحَمَّد بْن عُثْمَان إلى بعد السبعين وست مائة.
وبثَّ السّلطان عسكره وأولاده فأخذوا حصون تلك الناحية مثل بلاطُنس، وقلعة الجماهريين، وبكاس، والشُّغر، وسَرْمانية، ودَرْبَسَاك، وبغراس، وبَرْزَيَة، قَالَ: وعُلُوّ قلعة برزية خمسمائة ونيفٌ وسبعون ذراعًا، لأنها عَلَى سنِّ جبلٍ شاهقٍ، ومن جوانبها أودية، فسلم دَرْبَسَاك إلى عَلَم الدّين سُلَيْمَان بْن جندر، وهي قلعة قريبة من أنطاكية.
ثُمَّ سار يقصد أنطاكية، فراسله صاحبها وقدَّم لَهُ. وكانت العساكر المشرقيَّة قَدْ ضجرت وخصوصًا عماد الدّين صاحب سِنْجار، فطال عليه المُقام. فهادن السّلطانُ صاحبَ أنطاكية ثمانية أشهر عَلَى أن يُطلق الأسارى. ودخل إلى حلب فبات بها ليلة وعاد إلى دمشق. وأعطى تقي الدّين عُمَر صاحب حماة جَبَلَة واللاذقية.
وقَالَ ابن الأثير: نزل صلاح الدّين تحت حصن الأكراد، وكنت معهم، فأتاه قاضي جَبَلَة مَنْصُور بْن نبيل، وكان مسموع القول عِنْد بيمند صاحب أنطاكية وجَبَلَة، وله الحُرمة الوافرة، ويحكم عَلَى جميع المسلمين [ص:685] بجبَلَة ونواحيها، فحملته غيرة الدّين عَلَى قصد السّلطان، وتكفَّل لَهُ بفتح جبلَة واللّاذقيَّة والبلاد الشمالية، فسار صلاح الدّين معه فأخذ أًنطرطُوس، وسار إلى المَرْقَب، وَهُوَ من حصونهم التي لا تُرام، ولا يحدّث أحد نفسه بملكه لعُلُوّه وامتناعه، ولا طريق إلى جبلَة إلا من تحته.
ثُمَّ ساق عز الدّين ابن الأثير فتوحات الحصون المذكورة بعبارةٍ طويلة واضحة، لأن عز الدّين حضر هَذِهِ الفتوحات الشمالية. ثُمَّ ذكر بعدها فتح الكَرَك، والشَّوْبك وما جاور تِلْكَ الناحية منَ الحصون الصغار. ثُمَّ ذكر فتح صَفَد، وكَوْكَب، إلى أن قَالَ: فتسلم حصن كَوْكَب فِي نصف ذِي القعدة، وأمّنهم وسيَّرهم إلى صور، فاجتمع بها شياطين الفِرَنج وشجعانهم، واشتدّت شوكتهم، وتابعوا الرُّسل إلى جزائر البحر يستغيثون، والإمداد كُلّ قليل تأتيهم. وكان ذَلِكَ بتفريط صلاح الدّين فِي إطلاق كُلّ من حضره، حَتَّى عضّ بنانه ندمًا وأسفًا حيث لَمْ ينفعه ذَلِكَ. وتمّ للمسلمين بفتح كَوْكَب من حد أيلَة إلى بيروت، لا يفصل بَيْنَ ذَلِكَ غير مدينة صور.
أَنْبَأَني ابن البُزُوريّ قَالَ: وَفِي المحرَّم خرج الوزير جلال الدّين ابن يُونُس للقاء السّلطان طُغرل بْن رسلان شاه فِي العساكر الدِّيوانيَّة، واستنيب فِي الوزارة قاضي القضاة أبو طالب عليّ ابن البخاري.
وَفِي ربيع الأوّل كَانَ المُصافّ بَيْنَ الوزير ابن يُونُس وطُغرل، وحرَّض الوزير أصحابه وكان فيما يَقُولُ: مَن هاب خاب، ومَن أقدم أصاب، ولكل أجلٍ كتاب. فَلَمَّا ظهر لَهُ تقاعُس عساكره عَنِ الإقدام، وزلت بهم الأقدام، تأسَّف عَلَى فوت المُرام، وثبت فِي نفرٍ يسير كالأسير، وبيده سيف مشهور، ومُصحف منشور، لا يقدم لهيبته أحدٌ عليه، بل ينظرون إِلَيْهِ فأقدم بعض خواص طُغرل وجاء فأخذ بعِنان دابّته، وقادها إلى خيمته، ثم أنزله وأجلسه، فجاء إِلَيْهِ السّلطان فِي خواصّه ووزيره، فلزم معهم الأدب وقانون الوزارة، ولم يقم إليهم، فعجبوا من فِعله، وكلَّمهم بكلام خَشِن، فلم يزل السّلطان طُغرل لَهُ مُكرِمًا، ولمنزلته محترمًا، إلى حين عَوْده. [ص:686]
وأمّا أَبُو المظفّر فَقَالَ فِي المرآة: أُخذ ابن يُونُس وكان محلوق الرأس، فأُحضر بَيْنَ يدي السّلطان طُغرل، فألبسه طرطورًا أحمر فِيهِ خلاخل، وَجَعَل يضحك عليه، ولم يرجع إلى بغداد منَ العسكر إلا القليل، تقطعوا فِي الجبال، وماتوا جوعًا وعطشًا، وعمل النّاس الأشعار فيها.
قَالَ: ثُمَّ كتب الخليفة إلى بكتمر صاحب خِلاط ليطلب ابن يُونُس من طُغرُل، وكان قزل أخو البهلوان قَدْ حشد وجمع، والتقى طُغْرُل عَلَى هَمذان، فانهزم طُغْرُل إلى خِلاط ومعه ابن يُونُس، فأنكر عليه بكتمر ما فعله بالوزير وعسكر الخليفة، فقال له: هم بدؤوني وبَغَوْا عليَّ، فقال لَهُ: أَطْلِق الوزير. فلم يُمكنه مخالفته فأطلقه، فبعث إِلَيْهِ بكتمر الخيل والمماليك، فردّ الجميع، وأخذ بغلين ببرذعتين، وركب هو بغلًا وغلامه بغلا، وسار فِي زي صوفي، وقدِم المَوْصِل، فانحدر في سفينة متنكرًا.
وَفِي ربيع الأول عُزل قاضي القضاة أَبُو طالب عن نيابة الوزارة.
وَفِي شعبان وُلّي الوزارةَ ببغداد شهاب الدّين أبو المعالي سعيد بن حديدة.
وَفِي رمضان عُزل أَبُو طالب عَلِيّ بْن علي عَنْ قضاء القضاة، وقُلده فخر الدّين أبو الحسن محمد بن جعفر العباسي.
وفيه وصل الوزير جلال الدّين فِي سفينةٍ منَ المَوْصِل، وصعِد إلى داره مختفيًا. وبلغ الخليفةَ فكتب إلى ابن حديدة يَقُولُ: أين هُوَ ابن يُونُس؟ فَقَالَ: يكون اليوم بتكريت. فَقَالَ لَهُ الخليفة: بهذه المعرفة تدبِّر دولتي؟ ابن يُونُس فِي بيته، وكان ابن حديدة بقوانين التجارة أعرف منه بقوانين الوزارة.
وفي شوال عزل عن الأستاذ دارية أبو طالب بن زبادة ووُلّي عليّ بن بختيار.
وفيها ثار بالقاهرة اثنا عشر من بقايا شيعة الباطنية في الليل، ونادوا: يا آلَ عليّ يا آلَ علي. وصاحوا فِي الدروب ليلبّي أحدٌ دعوتهم، فما التفت إليهم أحد، فاختفوا. [ص:687]
وفيها وهب السّلطان أخاه العادل سيف الدّين الكَرَك، واستعاد منه عسقلان.(12/682)
-سنة خمس وثمانين وخمس مائة
في أوّلها قدِم فرج الخادم شِحْنة أصبهان رسولًا منَ السّلطان طُغرُل، فقدم تُحفًا وهدايا، ومضمون الرسالة الاستغفار والاعتذار، لاجئا إلى الديوان لتقال عثرَتُه.
وَفِي صَفَر أمر الخليفة بالدعاء بالخُطبة لولي عهده أَبِي نصر مُحَمَّد، ونقش اسمه عَلَى الدينار والدرهم، وأن يُكتب بِذَلِك إلى سائر البلاد.
وَفِي صَفَر أيضًا وُلي أَبُو المظفّر عُبيد اللَّه بْن يُونُس الَّذِي كَانَ وزيرًا وكسره طغرُل صدرًا بالمخزن المعمور.
وفيه عُزل الوزير ابن حديدة. وكانت ولايته أقل من شهر.
وفي ربيع الأول وصل القاسم ابن الشهرَزُوريّ رسولًا منَ السّلطان صلاح الدّين وصُحبته صليب الصَّلبُوت التي تزعم النَّصارى أن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامَ صُلب عليه. فأُلقي بَيْنَ يدي عتبة باب النُّوبيّ، فبقي أيامًا.
وَفِي جُمادى توجه مُجير الدّين طاشتكين الحاجّ فِي جيشٍ فنزل عَلَى قلعة الحديثة وحاصرها.
وفي رجب قُلِّد مؤيد الدّين محمد ابن القصاب نيابة الوزارة.
وَفِي شوال قُتل زعيم قلعة تكْريت، وتسلمها نواب الخليفة.
وَفِي ذِي القعدة عُزل صدر المخزن أَبُو المظفَّر عُبيد اللَّه بن يونس.
وفيها وصل جماعة منَ الفِرَنج شبابُ مِلاح مُرد فِي القيود من جهة صلاح الدّين إلى الديوان الْعَزِيز، فَقَالَ فيهم قِوام الدّين يحيى بن زبادة:
أفدي بُدُورًا عَلَى غصونٍ ... أسْرَى يُقادون فِي القيود
قَدْ نُظموا فِي الحِبال حَسرى ... نظْم الجُمانات فِي العقود
إنْ سكنوا هَؤُلَاءِ نارًا ... فهي إذًا جنّة الخلود
وفيها سار السّلطان صلاح الدّين من عكّا إلى دمشق فدخلها فِي صفر، ثُمَّ توجَّه إلى شَقِيف أرنُون فأقام بمرج برغوث أيامًا، ثُمَّ أتى مَرْج عيون، فنزل [ص:688] أرناط صاحب الشقيف صيدا إلى خدمة السّلطان فخلع عليه واحترمه، وكان من أكبر الفِرَنج وكان يعرف العربية، وله معرفة بالتواريخ، فسلم الحصن من غير تعب وقَالَ: لا أقدر أُساكن الفِرَنج، والتمس المُقام بدمشق، ثُمَّ بدا منه غدر فقبض عليه وحبسه بدمشق، ووكل بالحصن من يحاصره، ثم بلغ السّلطان أن الفِرَنج قَدْ جمعوا وحشدوا وجيشوا من مدينة صور، وساروا لحصار صيدا وعكا ليستردوها، فسار إليهم فالتقاهم، فَظَهَر الفِرَنج وقُتل فِي سبيل اللَّه طائفة. ثُمَّ كر المسلمون عليهم فردوهم حَتَّى ازدحموا عَلَى جسرٍ هناك، فغرق مائتا نفس.
ثُمَّ سار السّلطان إلى تِبْنين فرتَّب أمورها، وسار إلى عكّا فأشرف عليها، وقرَّر بها أميرين: سيف الدّين علي المشطوب الكُرْديّ، وبهاء الدّين قراقوش الخادم الأبيض، وعاد فلم يلبث أنْ نازلت الفِرَنج عكّا، وجاءت منَ البَرّ والبحر، فسار السّلطان حَتَّى نزل قِبالتهم وحاربهم مراتٍ عديدة، وطال القتال عليهم، واشتد البلاء، وَقُتِلَ خلقٌ منَ الفِرَنج والمسلمين إلى أن دخلت السنة الآتية والأمر كذلك.
وفيها وُلي نيابة دمشق الأمير بدر الدّين مودود أخو الملك العادل لأمه.
وقَالَ ابن الأثير: اجتمع بصور عالم لا يُعد ولا يُحصى، ومنَ الأموال ما لا يَفنى. ثُمَّ إن الرُّهبان والقُسوس وجماعة منَ المشهورين لبسوا السّواد، وأظهروا الحزن عَلَى بيت المَقْدِس، فأخذهم بَتْرَكُ القُدس، ودخل بهم بلاد الفِرَنج يطوف بهم ويستنفرون الفِرَنج، وصوروا صورة المسيح وصورة النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم وَهُوَ يضرب المسيح وَقَدْ جرحه، فعظُم ذَلِكَ عَلَى الفِرَنج، وحشدوا وجمعوا حَتَّى تهيأ لهم منَ الرجال والأموال ما لا يتطرق إِلَيْهِ الإحصاء، فحدثني رجلٌ من حصن الأكراد من أجناد أصحابه الذين سلموه إلى الفِرَنج قديماُ، وكان قَدْ تاب وندم عَلَى ما كَانَ منه فِي الغارة مَعَ الفِرَنج عَلَى الْإِسْلَام، قال: دخلت مع جماعة منَ الفِرَنج من أَهْل حصن الأكراد إلى البلاد البحرية فِي أربعة شواني يستنجدون. قال: فانتهى بنا الطواف إلى رومية الكبرى، فخرجنا منها وَقَدْ ملأنا الشواني نُقْرة. [ص:689]
قَالَ ابن الأثير: فخرجوا عَلَى الصَّعْب والذَّلُول برّا وبحرًا من كُلّ فجٍّ عميق، ولولا أن اللَّه لطف بالمسلمين وأهلك ملك الألمان لما خرج إلى الشام، وإلا كَانَ يُقَالُ: إن الشام ومصر كانتا للمسلمين إلى أن قَالَ: ونازلوا عكّا فِي منتصف رجب، ولم يبق للمسلمين إليها طريق، فنزل صلاح الدّين عَلَى تل كيسان، وسير الكُتب إلى ملوك الأطراف بطلب العساكر، فأتاه عسكر المَوْصِل وديار بَكْر والجزيرة، وأتاه تقي الدّين ابن أخيه، إلى أن قَالَ ابن الأثير: فكان بَيْنَ الفريقين حروب كثيرة، فقاتلهم صلاح الدّين فِي أول شعبان، فلم ينل منهم غرضًا، وبات النّاس عَلَى تعبئة، وباكروا القتال منَ الغد، وصبر الفريقان صبرًا حار لَهُ مَن رآه إلى الظهر، فحمل عليهم تقي الدّين حملة مُنْكَرَة منَ الميمنة عَلَى من يليه فأزاحهم عَنْ مواقفهم، والتجؤوا إلى من يليهم، وملك تقي الدّين مكانهم والتصق بعكا. ودخل المسلمون البلد، وخرجوا منه، وزال الحصار. وأدخل إليهم صلاح الدّين ما أراد منَ الرجال والذخائر، ولو أن المسلمين لزِموا القتال إلى الليل لبلغوا ما أرادوا. وأدخل إليهم صلاح الدّين الأمير حسام الدّين السّمين.
ذكر الوقعة الكبرى
قَالَ: وبقي المسلمون إلى العشرين من شعبان، كل يوم يعاودون القتال ويراوحونه، والفِرَنج لا يظهرون من معسكرهم ولا يُفارقونه حَتَّى تجمعوًا للمشورة، فقالوا: عساكر مصر لَمْ تحضر، والحال مَعَ صلاح الدّين هكذا. والرأي أننا نلقَى المسلمين غدًا لعلَّنا نظفر بهم. وكان كثير من عساكر السّلطان غائبًا، بعضها في مقابل أنطاكية تخوفًا من صاحب أنطاكية، وبعضها فِي حمص مقابل طرابُلس، وعسكر فِي مقابل صور، وعسكر مصر بالإسكندرية ودِمياط، وأصبح صلاح الدّين وعسكره عَلَى غير أُهبة، فخرجت الفِرَنج منَ الغد كَأنَّهُمُ الجراد المنتشر، قَدْ ملأوا الطُّول والعَرْض، وطلبوا ميمنة الْإِسْلَام وعليها تقي [ص:690] الدّين عُمَر، فَرَدَفه السّلطان برجالٍ، فعطفت الفِرَنج نحو القلب، وحملوا حملة رجلٍ واحد، فانهزم المسلمون، وثبت بعضُهم، فاستشهد جماعة، منهم الأمير مجلي، والظهير أخو الفقيه عِيسَى الهكّاريّ، وكان متولي بيت المَقْدِس، والحاجب خليل الهكّاريّ. ثُمَّ ساقوا إلى التّلّ الَّذِي عليه خيمة صلاح الدّين فقتلوا ونهبوا، وقتلوا شيخنا جمال الدّين ابن رَوَاحة، وانحدروا إلى الجانب الآخر منَ التّلّ، فوضعوا السيف فيمن لقوه، ثُمَّ رجعوا خوفًا أن ينقطعوا عن أصحابهم، فحملت ميسرة الإسلام عليهم فقاتلوهم، وتراجع كثيرٌ منَ القلب، فحمل بهم السّلطان فِي أقفية الفِرَنج وهم مشغولون بالميسرة، فأخذتهم سيوف اللَّه من كُلّ جانب، فلم يفلت منهم أحدٌ، بل قُتل أكثرهم، وأُسر الباقون، فيهم مقدَّم الداوية الَّذِي كَانَ السّلطان قد أسره وأطلقه، فقتله الآن. وكان عِدَّة القتلى عشرة آلاف، فأمر بهم فأُلقوا فِي النهر الَّذِي يشرب منه الفِرَنج. وكان أكثرهم من فرسان الفرنج.
قال القاضي ابن شدّاد: لقَدْ رأيتهم يُلقون فِي النَّهر فحزرتُهم بدون سبعة آلاف.
قَالَ غيره: وقُتل منَ المسلمين مائة وخمسون نفرًا، وكان من جملة الأسرى ثلاث نِسْوة إفرنجيات كنَّ يقاتلْن عَلَى الخيل، وأمّا المنهزمون فبلغ بعضهم إلى دمشق، ومنهم من رجع إلى طبريَّة.
قَالَ العماد الكاتب: العَجَب أن الذين ثبتوا نحو ألف ردوا مائة ألف، وكان الواحد يَقُولُ: قتلت منَ الفِرَنج ثلاثين، قتلت أربعين، وجافَت الأرض من نَتَن القتلى، وانحرفت الأمزجة وتمرض صلاح الدّين، وحصل لَهُ قولَنْج كَانَ يعتاده. فأشار الأمراء عليه بالانتقال منَ المنزلة، وترك مضايقة الفِرَنج، وأن يبعد عَنْهُمْ، فَإِن رحلوا فقد كُفينا شَرَّهم، وإن أقاموا عُدنا، وأيضًا فلو وقع إرجاف، يعني بوفاتك، لهلك النّاس، فرحل إلى الخرُّوبة فِي رابع عشر رمضان.
وأخذت الفرنج في محاصرة عكا، وعملوا عليهم الخندق، وعملوا سورًا من تراب الخندق وجاءوا بما لَمْ يكن فِي الحساب، واشتغل صلاح الدّين بمرضه، وتمكن الفِرَنج وعملوا ما أرادوا. وكان مَن بِعَكَّا يخرجون إليهم كُلّ [ص:691] يومٍ ويقاتلونهم، وَفِي نصف شوال وصل العادل بالمصريين، فقويت النفوس، وأحضر معه منَ آلات الحصار شيئًا كثيرًا. وجمع صلاح الدّين منَ الرجالة خلائق، وعزم عَلَى الزَّحف، وجاءه الأصطول الْمَصْرِيّ عليه الأمير لؤلؤ، وكان شَهْمًا، شجاعًا، خبيرًا بالبحر ميمون النقيبة، فوقع عَلَى بطسةٍ للفرنج فأخذها، وحوَّل ما فيها إلى عكا فسكنت نفوس أهلها وقوي جَنانهم.
قَالَ: ودخل صفر من سنة ست وثمانين، فسمع الفِرَنج أن صلاح الدّين قَدْ سار يتصيد، ورأوا اليزَك الَّذِي عليهم قليلًا، فخرجوا مِن خندقهم عَلَى اليَزَك العصر، فحمي القتال إلى الليل وقُتل خلقٌ منَ الفريقين، وعاد الفِرَنج إلى سورهم، وجاءت السّلطان الأمدادُ، وذهب الشِّتَاء فتقدم منَ الخَرُّوبة نحو عكّا، فنزل بتل كيسان وقاتل الفرنج كل يوم وهم لا يسأمون، إلى أن قَالَ: وافترقوا فرقتين، فرقة تقابله، وفرقة تقاتل عكّا. ودام القتال ثمانية أيام متتابعة، ثُمَّ ساق قصة الأبراج الخشب التي يأتي خبرها، وقَالَ: فكان يومًا مشهودًا لَمْ يَرَ النّاس مثله، والمسلمون ينظرون ويفرحون، وَقَدْ أسفرت وجوههم بنصر اللَّه.
إلى أن قَالَ:
ذكر وصول ملك الألمان إلى الشام
والألمان نوع من أكثر الفِرَنج عددًا وأشدهم بأسًا. وكان قَدْ أزعجه أَخَذَ بيت المَقْدِس، فجمع العساكر وسار، فَلَمَّا وصل إلى القُسْطَنْطِينيَّة عجز ملكها عَنْ منعهم مِن العبور فِي بلاده، فساروا وعبروا خليج قُسْطَنْطِينيَّة، ومروا بمملكة قلج أرسلان، فثار بهم التركمان، فَمَا زالوا يسايرونهم ويقتلون منَ انفرد ويسرقونهم. وكان الثلج كثيرًا فأهلكهم البرد والجوع، وماتت خيلهم لعدم العلف وشدة البرد، وتمَّ عليهم شيء ما سُمِع بِمِثْلِهِ. فَلَمَّا قاربوا قُونية خرج قُطب الدّين ملكشاه بْن قلج أرسلان ليمنعهم، فلم يقو بهم، وكان قَدْ حجر عَلَى والده، وتفرَّق أولاده، وغلب كُلّ واحد عَلَى ناحية من بلاده. فنازلوا قونية وأرسلوا إلى قلج أرسلان هدية وقالوا: ما قصدُنا بلادك، وإنما قصدنا [ص:692] بيت المقدس وطلبوا منه أن يأذن لرعيته فِي إخراج سوق، وشبعوا وتزوَّدوا. وطلبوا من صاحب الروم جماعة تخفرهم من لصوص التُّرْكمان، فنفذ معهم خمسةً وعشرين أميرًا، فَمَا قدِروا عَلَى منع الحرامية لكَثْرتهم، فغضب ملك الألمان، وقبض عَلَى أولئك الأمراء، وقيَّدهم ونهب متاعهم، ثُمَّ منهم من خلص، ومنهم من مات في الأسر.
وقَالَ ابن واصل: جمع قُطْب الدّين صاحب قونية العساكر والتقاهم فكسروه كسرةً عظيمة، وهجموا قونية بالسيف، وقتلوا منها عالمًا عظيمًا. ووصل إلى السّلطان مناصحة من ملك الأرمن صاحب قلعة الروم: " كتاب المخلص الداعي الكاغيكوس " أن ملك الألمان خرج من دياره، ودخل بلاد الهنكْر، ثُمَّ أرض مقدم الروم، فقهره وأخذ رهائنه وولده وأخاه فِي جماعة، وأخذ منه أموالًا عظيمة إلى الغاية، وسار ملك الألمان حَتَّى أتى بلاد الأرمن، فأمدَّهم صاحبها بالأقوات وخضع لهم، ثُمَّ ساروا نحو أنطاكية فنزل ملكهم يغتسل فِي نهر هناك، فغرق فِي مكانٍ منه لا يبلغ الماء وسط الرجل، وكفى اللَّه شرّه، وقيل: بل غرق فِي مخاضةٍ، أَخَذَ فرسه التّيَار. وقيل: بل سبح فمرض أيامًا ومات، وصار فِي المُلْك بعده ولده، وسار إلى أنطاكية فاختلف أصحابه عليه، وأحبّ بعضهم العَوْد إلى بلاده، ومال بعضهم إلى تمليك أخ لَهُ فرجعوا، فسار من ثبت معه فوصلوا إلى أنطاكية، فكانوا نيفًا وأربعين ألفًا، فوقع فيهم الوباء وتبرَّم بهم صاحب أنطاكية، وحسَّن لهم المسير إلى الفِرَنج الذين عَلَى عكا، فساروا عَلَى جَبَلَة واللّاذقيَّة، وتخطف المسلمون منهم فبلغوا طرابُلُس، وأقاموا بها أيامًا، فكثُر فيهم الموت، ولم يبق منهم إلا نحو ألف رَجُل، وركبوا فِي البحر إلى الفِرَنج الذين عَلَى عكّا، فَلَمَّا وصلوا ورأوا ما نالهم وما هُمْ فِيهِ منَ الاختلاف عادوا إلى بلادهم، فغرق بهم المراكب، ولم ينج منهم أحدٌ. ورد اللَّه كَيْدهم فِي نحرهم.
قَالَ ابن واصل: ورد كتاب الملك الظّاهر من حلب إلى والده يخبره أَنَّهُ قَدْ صحَّ أن ملك الألمان قَدْ خرج من جهة القُسْطَنْطِينيَّة فِي عدةٍ عظيمةٍ، [ص:693] قِيلَ: إنهم مائتا ألف وستون ألفًا تريد الْإِسْلَام والبلاد.
قُلْتُ: كَانَ هلاك هَذِهِ الأمة منَ الآيات العظيمة المشهورة. وكان الحامل لخروجهم من أقصى البحار أخْذُ بيت المَقْدِس من أيديهم.
قَالَ ابن واصل: وصل إلى السّلطان كتاب كاغيكوس الأرمني صاحب قلعة الروم، وَهُوَ للأرمن كالخليفة عندنا، نسخة الكتاب: " كتاب الداعي المخلص الكاغيكوس: فَمَا أطالع بِهِ مولانا ومالكنا السّلطان الملك الناصر، جامع كلمة الْإِيمَان، رافع علم العدل والإحسان، صلاح الدنيا والدين، من أمر ملك الألمان، وما جرى لَهُ، فَإنَّهُ خرج من دياره، ودخل بلاد الهنْكر غصْبًا ثُمَّ دخل أرض مقدَّم الروم، وفتح البلاد ونهبها، وأخذ رهائن ملكها، ولَدَه وأخاه، وأربعين نَفَرًا من جُلَسائه، وأخذ منه خمسين قنطارًا ذهبًا، وخمسين قنطارًا فضة، وثياب أطلس مبلغًا عظيمًا، واغتصب المراكب، وعدَّى بها إلى هَذَا الجانب، يعني فِي خليج قسطنطينية، قال: إلى أن دخل إلى حدود بلاد قَلِج أرسلان، ورد الرهائن، وبقي سائرًا ثلاثة أيام، وتُرْكمان الأوج يَلْقوْنه بالأغنام والأبقار والخيل والبضائع، فتداخَلَهم الطَّمع وتجمَّعوا لَهُ من جميع البلاد، ووقع القتال بَيْنَ التُّرْكمان وبينهم، وضايقوه ثلاثة وثلاثين يومًا وَهُوَ سائر. ولما قرب من قونية جمع ابن قَلِج أرسلان العساكر، فضرب معه المصاف، فكسره ملك الألمان كسرة عظيمة، وسار حَتَّى أشرف عَلَى قونية، فخرج إِلَيْهِ جموع عظيمة، فردهم مكسورين، وهجم قونية بالسيف، وَقُتِلَ منهم عالمًا عظيمًا منَ المسلمين، وأقام بها خمسة أيام، فطلب قَلِج أرسلان منه الأمان فآمنه، وأخذ منه رهائن عشرين من أكابر دولته، وأشار عَلَى الملك أن يمروا على طرسوس ففعل، وقبل وصوله بعث إليَّ رسولًا، فأنفذ المملوك خاتمًا، وصُحْبته ما سَأَلَ، وجماعة إِلَيْهِ، فكثُرت عليه العساكر ونزل عَلَى نهرٍ فأكل خُبزًا ونام، ثُمَّ تاقت نفسه إلى الاستحمام ففعل، فتحرك عليه مرضٌ عظيم ومات بعد أيام قلائل، وأمّا لافون فسار لتلقيه، فَلَمَّا علم بهذا احتمى بحصنٍ لَهُ. وأمّا ابن ملك الألمان فكان أَبُوهُ منذ خرج نَصَب ولده هَذَا عوضه، وتأطدت قواعده، فَلَمَّا بلغه هرب رُسُل لافون نفذ يستعطفهم فأحضرهم [ص:694] وقَالَ: إن أَبِي كَانَ شيخًا كبيرا، وإنما قصد هذه الديار لأجل حج بيت المقدس وأنا الذي دبرت المُلك، فَمَنْ أطاعني وإلا قصدت بلاده. واستعطف لافون، واقتضى الحال الاجتماع بِهِ ضرورة. وبالجملة قَدْ عرض عسكره، فكانوا اثنين وأربعين ألف فارس، وأمّا الرجالة فلا يُحصون، وهم أجناس متفاوتة، وهم عَلَى سياسةٍ عظيمة، حَتَّى إن من جنى منهم جناية قُتِل. ولقد جنى كبير منهم عَلَى غلامه فجاوز الحدَّ فِي ضرْبه، فاجتمعت القسوس للحكم فأمروا بذبحه، فشفع إلى الملك منهم خلقٌ، فلم يلتفت إلى ذَلِكَ وذبحه. وَقَدْ حرّموا الملاذَّ عَلَى أنفسهم، ولم يلبسوا إلا الحديد، وهم منَ الصبر عَلَى الذُّل والتَّعَب والشقاء عَلَى حالٍ عظيم ". انتهى الكتاب.
فَلَمَّا هلك ملكهم سار بهم ولده إلى أنطاكية، وعمَّهم المرض، وصار مُعظمهم حَمَلة عِصِي ورُكاب حِمْيَر. فتبرَّم بهم صاحب انطاكية، وحسَّن لهم قصْدَ حلب، فأبوا وطلبوا منه قلعته ليُودِعوا فيها الخزائن، فأخلاها لهم، ففاز بما وضعوه بها وجاءت فرقة منَ الألمانية إلى بغْراس، وظنوا أنها للنَّصارى، ففتح واليها الباب، وخرج أصحابه فتسلموا صناديق أموال، وقتلوا كثيرًا منهُم، ثُمَّ خرج جُند حلب وتلقطوهم. وكان الواحد يأسر جماعة، فهانوا فِي النفوس بعد الهيبة والرعب منهم، وبيعوا فِي الأسواق بأبخس ثمن.
قَالَ ابن شدّاد: مرض ابن ملك الألمان مرضًا عظيمًا فِي بلاد ابن لاون، وأقام معه خمسة وعشرون فارسًا وأربعون داويًا، ونفذ عسكره نحو أنطاكية، حَتَّى يقطعوا الطريق، ورتبهم ثلاث فرق لكثْرتهم. فاجتازت فرقة تحت بغراس، فأخذ عسكر بغراس مَعَ قلته مائتي رجلٍ منهم. وسار بعض عسكر البلاد لكشف أخبارهم، فوقعوا على فرقة منهم، فقتلوا وأسروا زُهاء خمس مائة.
وقَالَ ابن شدّاد: حضرت من يخبر السّلطان عَنْهُمْ ويَقُولُ: هُمْ ضعفاء قليلو الخيل والعدة، وأكثر ثقلهم عَلَى حِمْيَر وخيلٍ ضعيفة، ولم أر مَعَ كُثير منهم طارقة ولا رُمحًا، فسألتهم عَنْ ذَلِكَ فقالوا: أقمنا بمرجٍ وخمٍ أيامًا، [ص:695] وقلَّت أزوادنا وأحطابنا، فأوقدنا معظم عُدَدنا، وذبحنا الخيل وأكلناها، ومات الكُند الَّذِي عَلَى الفِرقة الواحدة، وطمع ابن لاون حَتَّى عزم عَلَى أخذ مال الملك لمرضه وضعفه، وقلة من أقام معه، فشاور السّلطان الأمراء، فوقع الاتفاق عَلَى تسيير بعض العساكر إلى طريقهم. فكان أول من سار الملك المنصور محمد بن المظفر، ثم سار عز الدّين ابن المقدم صاحب بَعرين وفامية، ثُمَّ الأمجد صاحب بِعْلَبَكّ، ثُمَّ سابق الدّين عثمان ابن الداية صاحب شَيْزَر، ثُمَّ عسكر حماه، ثُمَّ سار الملك الظاهر إلى حِفْظ حلب، فخفت الميمنة، فانتقل إليها الملك العادل، ووقع فِي العسكر مرضٌ كثير، وكذلك فِي العدو، وتقدَّم السّلطان يهدم سور طبريَّة، ويافا، وأرسُوف، وقَيْساريَّة، وصيدا، وجُبيل، وانتقل أهلها إلى بيروت.
وَفِي رجب سار ملك الألمانيين من أنطاكية إلى اللّاذقيَّة ثُمَّ إلى طرابُلُس، وكان قَدْ سار إِلَيْهِ المركيس صاحب صور، فقوى قلبه، وسلك بِهِ الساحل، فكانت عدة من معه لما وصل إلى طرابُلُس خمسة آلاف بعد ذَلِكَ الجيش العظيم. ثم إنه نزل في البحر، وسار معظم أصحابه فِي الساحل، فثارت عليه ريح، فأهلكت من أصحابه ثلاثة مراكب، فوصل إلى عكّا فِي جَمْع قليل فِي رمضان، فلم يظهر لَهُ وقْع، ثُمَّ هلك عَلَى عكّا فِي ثاني عشر ذِي الحجة سنة ستٍّ وثمانين، فسبحان من أبادهم ومحقهم.
ويوم وصول ملك الألمان إلى عكّا ركبت الفِرَنج وأظهروا قوة وأرجفوا، وحملوا عَلَى يَزَك المسلمين، فركب السلطان، ووقع الحرب، ودام إلى الليل فكانت الدائرة عَلَى الكفار، ولم يزل السَّيف يعمل فيهم حَتَّى دخلوا خيامهم. ولم يُقتل يومئذٍ منَ المسلمين إلا رجلان، لكنْ جُرح جماعة كثيرة.
ولما مات طاغية الألمان حزنت عليه الفِرَنج، وأشعلوا نيرانًا هائلة بحيث لَمْ يبق خيمةٌ إلا أوقد فيها النار. ومات لهم كنْد عظيم، ووقع الوباء فيهم والمرض، ومرض كنْدهري، وصار يموت فِي اليوم المائة وأكثر فِي معسكرهم. واستأمن منهم خلْقٌ عظيم، أخرجهم الجوع، وقالوا للسّلطان: نَحْنُ نركب البحر فِي مراكب صِغار، ونكسب منَ النَّصارى، ويكون الكسب لنا ولكم. فأعطاهم السّلطان مركبًا فركبوا فيه، وظفروا بمراكب التجار النَّصارى، وأتوا بالغنائم إلى السّلطان فأعطاهم الجميع، فَلَمَّا رأوا هَذَا أسلم جماعة [ص:696] منهم، واستشهد فِي هَذِهِ السنة سبعة أمراء على عكا، والتقى شواني المسلمين وشواني الفرنج في البحر، فأحرقت للفِرنج شواني برجالها، وأحاطت مراكب العدو بشينيِّ مقدمه الأمير جمال الدّين مُحَمَّد بْن ألْدِكِز، فترامى ملاحو الشيني إلى الميناء، فقاتل جمال الدّين، فعرضوا عليه الأمان فَقَالَ: ما أضع يدي إلا فِي يد مقدمكم الكبير. فجاء مقدمهم إِلَيْهِ، فعانقه جمال الدّين وماسَكَه وشَحَطه، فوقعا فِي البحر وغرقا معًا.(12/687)
-سنة ست وثمانين وخمس مائة
استهلت والفرنج مُحدقون بعكا محاصرون لها، والسلطان بعساكره فِي مقابلتهم، والقتال عمَّال، فتارةً يظهر هَؤُلَاءِ، وتارةً يظهر هَؤُلَاءِ، وقدِمت العساكر البعيدة مَدَدا للسّلطان صلاح الدّين، فقدِم صاحب حمص أسد الدّين، وصاحب شَيْزَر سابق الدّين عُثْمَان ابن الداية، وعز الدّين ابن المقدَّم، وَغَيْرُهُمْ، ثُمَّ قدِمت عساكر الشرق مَعَ مظفَّر الدّين صاحب إربل، ومع عماد الدّين ابن صاحب سِنْجار، ومعز الدّين سَنْجَرشاه بْن غازي. واشتد الأمر، وجدَّت الفِرَنج فِي الحصار، وأتتهم الأمداد في البحر منَ الجزائر البعيدة حَتَّى ملأوا البر والبحر فتوفي صاحب إربل زين الدّين يوسف ابن زين الدّين علي كَوْجَك، ففوض السّلطان مملكة إربل من حينئذٍ إلى أَخِيهِ مظفَّر الدّين كَوْكُبرى بْن علي، ودام الحصار والنزال عَلَى عكّا حَتَّى فرغت السنَّة.؟
ومن كتابٍ فاضلي إلى بغداد: " ومن خبر الفِرَنج أنهم الآن عَلَى عكّا يمدهم البحر بمراكب أكثر عدةً من أمواجه، ويخرج للمسلمين أمر من أجَاجه، وَقَدْ تعاضدت ملوك الكُفْر عَلَى أن يُنهضوا إليهم من كُلّ فرقة طائفة، ويرسلوا إليهم من كُلّ سلاحٍ شوكة، فإذا قُتِلَ المسلمون واحدًا فِي البر بعثوا ألفًا عِوَضه فِي البحر، فالزَّرع أكثر منَ الحصاد، والثمرة أنْمى منَ الجذاذ. وهذا العدو قَدْ زرَّ عليه من الخنادق دروعًا متينة، واستجنّ من الجنونات بحصونٍ حصينة، فصار مستحجزًا، وممتنعًا حاسرًا، ومدرعًا، مواصلًا ومنقطعًا، وعددهم الجم قد كاثر القتل، ورقابهم الغلب، قَدْ قطعت النصل لشدة ما قطعها النصل. [ص:697]
وأصحابنا قَدْ أثَّرت فيهم المدة الطويلة، والكِلَف الثقيلة فِي استطاعتهم لا فِي طاعتهم، وَفِي أحوالهم لا فِي شجاعتهم، وكل من يعرفهم يُناشد اللَّه فيهم المناشدة النبويَّة فِي الصحابة البدرية، اللَّهُمَّ إن تهلك هَذِهِ العصابة، ويخلص الدعاء ويرجو عَلَى يد مولانا أمير المؤمنين الإجابة. وَقَدْ حرَّم باباهم، لعنه اللَّه، كُلّ مباح واستخرج منهم كلّ مذخور، وأغلق دونهم الكنائس، ولبس وألبس الحِداد، وحكم أن لا يزالوا كذلك أَوْ يستخلصوا المقبرة. فيا عُصبة مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخلفه فِي أمته بما تطمئن بِهِ مضاجعه، ووفَّه الحق فينا، فَإِنا والمسلمون عندك ودائعه، ولولا أن فِي التصريح ما يعود عَلَى العدالة بالتجريح، لقال الخادم ما يُبْكي العيون وينْكي القلوب، لكنه صابر محتسب، منتظر للنصر مرتقب. ربِّ إني لا أملك إلا نفسي، وها هي فِي سبيلك مبذولة، وأخي وَقَدْ هاجر هجرة يرجوها مقبولة، وولدي وَقَدْ بِذَلت للعدوّ صفحات وجوههم، وهان على محبوبك بمكروههم. ونقف عِنْد هَذَا الحد، وللَّه الأمر من قبل ومن بعد ".
وقَالَ الموفق عَبْد اللطيف: إن الفِرَنج عاثوا فِي سوق العسكر وَفِي الخِيَم، فرجع عليهم السّلطان فطحنهم طحنًا، وأحصى قتلاهم بأنْ غرزوا فِي كُلّ قتيل سهما، ثُمَّ جمعوا السهام، فكانت اثني عشر ألفًا وخمس مائة. والذين لحِقوا بأصحابهم هلك منهم تمام أربعين ألفًا. وبلغت الغرارة عندهم مائةً وعشرين دينارًا.
قَالَ: وخرجوا مرةً أخرى، فقُتل منهم ستة آلاف ونيّف، ومع هَذَا فصبرهم صبرهم. وعمروا عَلَى عكّا بُرجين من خشب كُلّ برج سبْع طبقات، بأخشاب عاتية، ومسامير هائلة، يبلغ المسمار نصف قنطار، وضبّات عَلَى هَذَا القياس، وصُفِّح كُلّ برج منها بالحديد، ولُبس الجلود، ثُمَّ اللُّبود المُشربة بالخل، وجُلِّل ذَلِكَ بشِباك من حبال القِنَّب لترد حدة المنجنيق، وكل واحدٍ يعلو سور عكّا بثلاث طبقات. وزحفوا بهما إلى السور، وَفِي كُلّ طبقة مقاتلة، فيئس المسلمون بعكا، فَقَالَ دمشقي يُقَالُ لَهُ ابن النّحّاس: دَعُوني أضربها بالمجانيق. فسخروا منه، فطلب من قراقوش أن يمكنه من الآلات، ورمى البرج بحجارة حَتَّى خَلْخَلَه، ثُمَّ رماه بقِدْر نِفط، ثُمَّ صاح: اللَّه أكبر، فعلا الدُّخان، فضج المسلمون، وبرزوا من عكا وعملت النار فِي أرجائه، والفرنج [ص:698] ترمي أنفسها منَ الطبقات، واشتعلوا، فأحرق المسلمون الستائر والعُدَد، فانكسرت صولتهم، ثم اجتمعت همتهم نوبةً، وعملوا كبشًا هائلا، رأسه قناطير من الحديد لينطحوا به السور فينهدم، فلما سحبوه وقربوا منَ السور ساخ فِي الرمل لِثقله، وعجزوا عَنْ تخليصه، وكان المسلمون فِي عكّا فِي مرض شديد وجوع قَدْ ملّوا منَ القتال، ما يحملهم سوى الْإِيمَان بالله تَعَالَى. وَقَدْ هدمت الفِرَنج برجًا ومئذنة، ثم سد المسلمون ذلك فِي الليل ووثقوه، وكان السّلطان يكون أول راكب وآخر نازل.
قُلْتُ: ولعله وجبت لَهُ الْجَنَّة برباطه هذين العامين.
ذكر العماد الكاتب أَنَّهُ حُزِر ما قُتل منَ الفِرَنج فِي مدة الحرب عَلَى عكّا، فكان أكثر من مائة ألف.
ومن كتاب إلى بغداد: " قد بُلي الْإِسْلَام منهم بقومٍ استطابوا الموت، واستجابوا الصوت، وفارقوا الأوطان والأوطار، والأهل والديار، طاعةً لقسِّيسهم وغيرة لمعبدهم وحميَّة لمعتقدهم، وتهالكًا عَلَى مقبرتهم، وتحرّقًا على قمامتهم، حَتَّى خرجت النّساء من بلادهن متبرزات، وسِرْن فِي البحر متجهِّزات، وكانت منهن ملكة استتبعت خمس مائة مقاتل، والتزمت بمؤونتهم، فأُخِذت برجالها بقرب الإسكندرية. ومنهن ملكة وصلت مَعَ ملك الألمان، وذوات المقانع منَ الفِرَنج مقنعات دارعات، يحملن الطوارق والقنطاريّات. وَقَدْ وُجدت فِي الوقعات التي جرت عدة منهن بَيْنَ القتلى. وما عُرفن حَتَّى سُلبن. والبابا الَّذِي برومية قد حرّم عليهم لذاتهم وكل مَن لا يتوجَّه إلى القدس فهو محرم، لا منكح لَهُ ولا مَطْعَم، فلهذا يتهافتون عَلَى الورود، ويتهالكون على يومهم الموعود ". وقال لهم: " إني واصل فِي الرَّبِيع، جامع عَلَى الاستنفار شمل الجميع، وَإِذَا نهض هَذَا اللعين فلا يقعد عَنْهُ أحد، ويصل معه كُلّ من يَقُولُ للَّه تعالى ولد ".
ومن كتاب فاضلي إلى السّلطان: " فَلَيْس إلا الدعاء والتّجلُّد للقضاء، فلا بُدَّ من قدر مفعول، ودعاء مقبول.
نَحْنُ الذين إذا علوا لم يبطروا ... يوم الهياج وإنْ عُلوا لَمْ يضجروا [ص:699]
ومَعاذ اللَّه أن يفتح علينا البلاد ثُمَّ يغلقها، وأن يسلم على يدينا القدس، ثُمَّ ينصِّره، ثُمَّ مُعَاذ اللَّه أن نغلب عن النصر، ثم معاذ اللَّه أن نغلب عَلَى الصَّبر. وَإِذَا كَانَ ما يُقدمنا اللَّه إِلَيْهِ لا بدَّ منه وَهُوَ لقاؤه، فلأن نلقاه والحجة لنا خيرٌ من أن نلقاه والحجة علينا. ولا تعظم هذه الفتوق عَلَى مولانا فتبهر صبره، وتملأ صدره، {فَلا تَهنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ واللَّه معكم}. وهذا دِين ما غُلب بكثرَة وإنما اختار اللَّه له أرباب نيات، وذوي قلوب وحالات، فليكن المولى نِعم الخلف لذلك السلَف، واشتدي أزمة تنفرجي، والغمرات تذهب ثُمَّ لا تجيء، واللَّه يُسمعنا ما يسر القلب، ويصرف عن الإسلام غاشية هذا الكرب. ونستغفر اللَّه فَإنَّهُ ما ابتلى إلا بذنب ".
ومن كتاب آخر يَقُولُ: " ولَسْتُ بملكٍ هازم لنظيره، ولكنك الْإِسْلَام للشِّرك هازم ". يشير رحِمَه اللَّه إلى أَنَّهُ وحده بعسكره فِي مقابلة جميع دين النصرانية، لأن نفيرهم إلى عكّا لَمْ يكن بعده بعد، ولا وراءه حد.
ثم قال: " هذا وليس لك منَ المسلمين مساعد إلا بدعوة، ولا خارج بين يديك إلا بأجرة، نشتري منهم الخطوات شبرًا بذراع، تدعوهم إلى الفريضة، وكأنك تكلفهم النّافلة، وتعرِض عليهم الْجَنَّة، وكأنك تريد أن تستأثر بها دونهم، والآراء تختلف بحضرتك، فقائل يَقُولُ: لَمْ لا يتباعد عَنِ المنزلة؟ وآخر: لَمْ لا يميل إلى المصالحة؟ ومشير بالتّخلّي عَنْ عكّا، حَتَّى كَأَنّ تركها تعليق المعاملة، ولا كأَنَّها طليعة الجيش، ولا قفل الدار، ولا خَرزة السِّلك إنْ وَهَت تَدَاعى السِّلك. فألهمك اللَّه قتل الكافر، وخلاف المخذل، فكما لَمْ يُحدث استمرارُ النِّعم لك بَطَرًا، فلا تُحدث لَهُ ساعات الامتحان ضجرًا "، وما أحسن قول حاتم:
شربنا بكأس الفقر يومًا وبالغنى ... وما منهما إلا سقانا به الدهرُ
فما زادنا بغيًا عَلَى ذِي قرابةٍ ... غِنانا ولا أزرى بأحسابِنا الفقر
وقال الآخر:
لا بطر إن تتابعت نِعَمٌ ... وصابر في البلاء محتسب
وقيل للمهلَّب: أيسرك ظفرٌ لَيْسَ فِيهِ تعب؟ فَقَالَ: أكره عادة العجز، ونحن في ضر قد مسَّنا، ولا نرجو لكشفه إلا منَ ابتلى. وَفِي طوفان فتنة، [ص:700] و " لاَ عاصِمَ اليومَ مِنْ أمرِ اللَّه إِلا من رَحِمَ "، ولنا ذنوب قد سدَّت طريق دعائنا، فنحن أولى أن نلوم أنفسنا، والله قدر لا سلاح لنا فِي دفعه إلا: لا حول ولا قوَّة إلا بِاللَّه. وَقَدْ أشرفنا عَلَى أهوال: " قُل اللَّه يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ". وَقَدْ جمع لنا العدو، وقيل لنا: اخشوه فنقول: " حسبنا الله ونعم الوكيل ". وليس إلاّ الاستعانة بالله، فما دلنا فِي الشدائد إلا عَلَى طروق بابه، وعلى التضرُّع لَهُ {فَلَوْلا إِذْ جاءَهم بأسُنا تَضَرَّعُوا ولكن قست قُلوبهم} نعوذ بِاللَّه منَ القسوة، ومنَ القنوط منَ الرحمة، وما شرَّد الكَرَى، وطوَّل عَلَى الأفكار السَّرى، إلا ضائقة القُوت بعكا. وهذه الغَمَرات هي نعم اللَّه عليه، وهي درجات الرضوان، فاشكر اللَّه كَمَا تشكره عَلَى الفتوحات، وأعلم أن مثوبة الصَّبْر فوق مثوبة الشُّكر. ومِن ربط جأْش عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قوله: لو كَانَ الصَّبْر والشُّكر بعيرَين ما باليت أيُّهما ركِبت. وبهذه العزائم سبقونا فلا نطمع بالغبار، وامتدت خُطاهم، ونعوذ باللَّه منَ العثار. ومن وصايا الفرس: إن نزل بك ما فيه حيلة فلا تعجز، وإن نزل بك ما لَيْسَ فِيهِ حيلة فلا تجزع ".
ولما اشتد الأمر بعكا وطال أرسل السّلطان كتابًا إلى شمس الدين ابن منقذ يأمره بالمسير إلى صاحب المغرب يعقوب بْن يوسف بْن عَبْد المؤمِن يستنصر بِهِ، ليقطع عنه مادتهم من جهة البحر. ويأمر ابن منقذ أن يستقرئ فِي الطريق والبلاد ما يُحيي بِهِ الملك يعقوب وكيف عاداتهم. وأن يقص عليه: من أول وصولنا إلى مصر، وما أزلنا بها منَ الإلحاد، وما فتحنا من بلاد الفِرَنج وغيرها وتفصيل ذَلِكَ كله، وأمر عكّا، وأنه لا يمضي يوم إلا عَنْ قوَّة تتجدَّد وميرة فِي البحر تصل، وأن ثغرنا حصروه، ونحن حصرناهم، فَمَا تمكَّنوا من قتال الثغر، ولا تمكنوا من قتالنا وخندقوا عَلَى نفوسهم عدة خنادق، فَمَا تمكنا من قتالهم. وقدَّموا إلى الثغر أبرجة من خشب أحرقها أهله. وخرجوا مرَّتين إلينا يبغون غرَّتنا، ينصرنا اللَّه عليهم، ونقتلهم قتلًا ذريعًا، أجلت إحدى النَّوبتين عَنْ عشرين ألف قتيل منهم. والعدو وإن حصر الثغر فَإنَّهُ محصور، ولو أبرز صفحته لكان بإذن اللَّه هُوَ المكسور، ويذكر ما دخل الثغر من أساطيلنا ثلاث مرات وإحراقها مراكبهم، وهي الأكثر، ودخولها بالسيف الأظهر تنقل إلى البلد الميرة. وإن أمر العدو قَدْ تطاول ونجدته تتواصل، [ص:701] ومنهم ملك الألمان فِي جموع جماهيرها مجمهرة وأموالها مقنطرة. وإن اللَّه سُبْحَانَهُ وتعالى قَدْ قصم طاغية الألمان، وأخذه أخْذ فرعون بالإغراق فِي نهر الدُّنْيَا، وإنهم لو أرسل اللَّه عليهم أسطولًا قويًا مستعدًا يقطع بحره، ويمنع ملكه، لأخذنا العدو بالجوع والحصر، أو القتال والنصر. فَإِن كَانَتْ بالجانب الغربي الأساطيل ميسَّرة، والرجال فِي اللقاء فارهة غير كارهة، فالبدار البدار، وأنت أيُّها الأمير أوّل منَ استخار اللَّه وسار، وما رأينا أهلًا لخطابنا، ولا كفؤًا لإنجادنا، إلاّ ذلك الجناب، فلم ندعه إلا لواجبٍ عليه. فقد كَانَتْ تتوقع منه همة تقدُ فِي الغرب نارها، ويستطير في الشرق سناؤها، ويغرس فِي العُدوة القصوى شجرتها، فينال من في العُدْوة الدُّنْيَا جناها، فلا ترضى همَّته أن يعين الكفر الكفر، ولا يعين الْإِسْلَام الْإِسْلَام. واختُص بالاستعانة لأن العدو جاره، والجار أقدر عَلَى الجار، وأهل الْجَنَّة أَوْلى بقتال أَهْل النار. ولأنه بحر والنجدة بحرية، ولا غرو أن تجيش البحار، وإن ذكر ما فعل بوزبا وقراقوش فِي أطراف المغرب، فيعرفه أنّهما ليسا من وجوه الأمراء، ولا منَ المعدودين فِي الطُّواشيَّة والأولياء، وإنما كسدت سوقهما، وتبعتهما ألفافٌ أمثالُهما. والعادة جارية أن العساكر إذ طالت ذيولها وكثُرت جُموعها، خرج منها وانضاف إليها، فلا يظهر مزيدها ولا نقصها. ولا كَانَ هذان المملوكان مِمَّنْ إذا غاب أحضر ولا إذا فقد افتقد، ولا يُقدر في مثلهما أنّهما مِمَّنْ يستطيع نكايةً، ولا يأتي بما يوجب شكوى من جناية. ومعاذ اللَّه أن نأمر مفسدًا يفسد فِي الأرض. واللَّه يوفق الأمير، ويهدي دليله، ويسهِّل سبيله. وكتب فِي شعبان سنة ستٍّ وثمانين ".
وأمّا الكتاب إِلَى صاحب المغرب فعنوانه: " بلاغ إلى محل التقوى الطاهر منَ الذَّنب، ومستقر حزب اللَّه الظاهر منَ الغرب، أعلا اللَّه بِهِ كلمة الْإِيمَان، ورفع بِهِ منار الإحسان "، وأوّله: بسم اللَّه الرَّحْمَن الرَّحيم، الفقير إلى رحمة ربه يوسف بْن أيوب، أما بعد، فالحمد للَّه الماضي المشية المُمضي القضية، البرُّ بالبريَّة، الحفيّ بالحنيفيَّة، الَّذِي استعمل عليها منَ استعمر بِهِ الأرض، وأغنى من أهلها من سأله القرض، وآجر من أجرى عَلَى يده النافلة [ص:702] والفَرْض، وصلّى اللَّه عَلَى مُحَمَّد الَّذِي أنزل عليه كتابًا فِيهِ الشفاء والتبيان، إلى أن قال: وهذه التحية الطيبة وفادة عَلَى دار الملك، ومدار النُّسك، ومحل الجلالة، وأصل الأصالة، ورأس الرياسة، ونفس النفاسة، وعلم العلم، وقائم الدّين وقيمه، ومقدم الْإِسْلَام ومقدّمه، ومثبت المتقين عَلَى اليقين، ومُعلي الموحدين عَلَى الملحدين، أدام اللَّه لَهُ النُّصرة، وجهَّز بِهِ العُسرة وبسط لَهُ باع القدرة. تحية أستنير منها الكتاب، وأستنيب عنها الجواب، وحفز لها حافزان، أحدهما شوق قديم كان مطل غريمه ممكنًا إلى أن تتيسر الأسباب، والآخر مُرام عظيم ما كره إذا استفتِحت بِهِ الأبواب. وكان وقت المواصلة وموسم المكاتبة هناؤه بفتح بيت المقدس وعدة منَ الثغور، ولم تتأخر المكاتبة إلا لُيتِم اللَّه ما بدا من فضله، والمفتتح بيد اللَّه مُدن وأمصار، وبلاد كبار وصغار، والباقي بيد الكُفر مِنها أطرابُلُس، وصور، وأنطاكية، يسر اللَّه أمرها بعد أن كسر اللَّه العدو الكسرة التي لَمْ يجبر بعدها، ولم يؤخر فتح هَذِهِ المُدُن الثلاثة، إلا أن فرع الكُفار بالشام استصرخ بأصله، فأجابوهم رجالا وفرسانًا، وزرافات ووحدانا، وبرًا وبحرًا، ومركبًا وظهرًا، وسهلًا ووعرًا. وخرج كُلّ يلبي دعوة بطرَكه، ولا يحتاج إلى عزمة ملكه. ونزلوا عَلَى عكّا يمدهم البحر بأمداده، ويصل إلى المقاتل ما يحتاجه من سلاحه وأزواده، وعدتهم مائة ألف أو يزيدون، كلما أفناهم القتْل أخلفتهم النجدة.
قَالَ: واستمرَّ العدو يحاصر الثغر محصورًا مِنَّا أشد الحصر، لا يستطيع قتال الثغر لأنا من خلفه، ولا يستطيع الخروج إلينا خوفًا من حتفه، ولا نستطيع الدخول إِلَيْهِ لأنه قَدْ سور وخندق، وحاجز من وراء الحجرات وأغلق. ولما خرج ملك الألمان بجيشه وعاد عَلَى رسم قديم إلى الشام، فكان العَوْد لأُمة أحمد أَحْمَد. فظنوا أَنَّهُ يزعجنا فبعثنا إِلَيْهِ مَن تلقاه بعسكرنا الشمالي، فسلك ذات الشمال متوعرًا، وأظهر أَنَّهُ مريض. وكان أَبُوه الطاغية قَدْ هلك فِي طريقه غرقًا، وبقي ابنه المقدم المؤخر، وقائد الجمع المكسر، وربما وصلهم إلى ظاهر عكّا فِي البحر، تهيُّبًا أن يسلك البر، ولو سبق عساكرنا إلى عساكر الألمان قبل دخولها إلى أنطاكية لأخذوهم، ولكن للَّه المشيئة، ولما كَانَتْ حضرة سلطان الْإِسْلَام، وقائد المجاهدين إلى دار السلام، أَولى من توجَّهَ إِلَيْهِ الْإِسْلَام بشكواه وبثه، واستعان بِهِ عَلَى حماية نسْله وحَرْثه، وكانت مساعيه [ص:703] ومساعي سَلَفه فِي الجهاد الغُرّ المحجَّلة، الكاشفة لكل مُعْضِلة، والأخبار بِذَلِك سائرة، والآثار ظاهرة.
إلى أن قَالَ: وكان المتوقَّع من تلك الدولة العالية، والعزمة الغادية مَعَ القدرة الوافية، والهمَّة المهديَّة الهادية، أن يمد غرب الْإِسْلَام المسلمين بأكثر مما أمد بِهِ غرْب الكفار الكافرين. فيملأها عليهم جواري كالأعلام، ومدنًا في اللجج كأَنَّها الليالي مقلعة بالأيام، تطلع علينا آمالًا، وعلى الكفر آجالا، وتردنا إما جملة وإما أَرسالًا ولما استُبْطِئْتَ ظُنَّ أنها قَدْ توقفت عَلَى الاستدعاء، فصرحنا بِهِ فِي هذه التحية، وسُير لحصون مجلسه الأطهر، ومحلَّه الأنور، الأمير الأجل المجاهد شمس الدّين أَبُو الحَرَم عَبْد الرَّحْمَن بْن منقذ، الهدية إليه ختمة في ربعة، وثلاثمائة مثقال مسك، وستمائة حبة عنبر، وعشرة أمنان عود دهن بلسان مائة درهم، مائة قوس بأوتارها، عشرون سرجًا، عشرون سيفًا، سبع مائة سهم.
وكان دخوله عَلَى يعقوب فِي العشرين من ذِي الحجة بمرّاكُش، فأقام سنة وعشرين يومًا، وخرج وقدم الإسكندرية فِي جُمادى الآخرة سنة ثمانٍ وثمانين، ولم يحصل الغرض، لأنه عزَّ عَلَى يعقوب كونه لَمْ يُخاطب بأمير المؤمنين.
وقد مدحه ابن منقذ بقصيدةٍ منها:
سأشكر بحرًا ذا عُبابٍ قطعته ... إلى بحر جود ما لنعماه ساحلُ
إلى معدن التقوى إلى كعبة الهدى ... إلى مَن سَمَت بالذِّكر منه الأوائِلُ
وكان السّلطان صلاح الدّين قَدْ هُمْ بأن يكتب إِلَيْهِ بأمير المؤمنين، فكتب إلى السّلطان القاضي الفاضل يَقُولُ: " والمملوك لَيْسَ عِنْد المولى من أَهْل الاتهام، والهدية المغربية نجزت كَمَا أمر به ". وكتب الكتاب عَلَى ما مثل، وفخَّم الوصف فوق العادة، وعند وصول الأمير نجم الدّين فاوضته فِي أَنَّهُ لا يمكن إلا التعريض لا التصريح بما وقع لَهُ أَنَّهُ لا تنجح الحاجة إلا بِهِ من لفظة أمير المؤمنين، وأن الذين أشاروا بهذا ما قَالُوا نقلًا، ولا عرفوا مكاتبة المصريين قديمًا. وآخر ما كتب فِي أيام الصالح بْن رُزّيك، فخوطب بِهِ أكبر أولاد عَبْد المؤمن وولي عهده بالأمير الأصيل النِّجار، الجسيم الفخار. وعادت [ص:704] الأجوبة إلى ابن رُزيك الَّذِي فِي أتباع مولانا مائة مثله، مترجمة بمعظِّم أمره، وملتزِم شكره. هَذَا والصّالح يتوقَّع أن يأخذ ابن عَبْد المؤمنَ البلاد من يديه، ما هُوَ أن يهرب مملوكان طريدان مِنَّا فيستوليان عَلَى أطراف بلاده، ويصل المشار إِلَيْهِ بالأمر من مَرّاكُش إلى القيروان، فيلقاهم فيُكسر مرة ويتماسك أخرى وأُعلم نجم الدّين بِذَلِك فأمسك مقدار عشرة أيام. ثُمَّ أنفذ نجم الدّين إِلَيْهِ عَلَى يد ابن الجليس بأن الهدية أُشير عليه بأن لا يستصحبها، وإن استصحبها تكون هدية برسم مَن حواليه، وأنَّ الكتاب لا يأخذه إلا بتصريح أمير المؤمنين، وأن السّلطان - عز نصرُه - رسم بِذَلِك، والملك العادل بأن لا يشير إلا بِذَلِك، وأَنَّهُ إذا لقي القوم خاطبهم بهذه التحية عَنِ السّلطان من لسانه، فأجابه المملوك بأن الخطاب وحده يكفي، وطريق جحدنا له ممكن، وإن الكتابة حجة تقيد اللسان عَنِ الإنكار، فلا ينبغي. ومتى قُرئت عَلَى منبر الغرب جُعلنا خالعين شاقين عصا المسلمين، مطيعين مَن لا تجوز طاعته ويفتح باب يعجز موارده عَنِ الإصدار، بل تمضي وتكشف الأحوال، فإنْ رَأَيْت للقوم شَوْكة، ولنا زبدة، فِعدْهم بهذه المخاطبة، واجعل كلما نأخذه ثمنًا للوعد بها خاصة فامتنع وقَالَ: أَنَا أقضي أشغالي، وأتوجه للإسكندرية، وأنتظر جواب السّلطان، وإلى أن أنجز أمر الموكب وأمر الركاب، فسيَّر المملوك النسخة فَإِن وافقت فيتصدَّق المولى بترجمة يلصقها عَلَى ما كتبه المملوك، ويأمر نجم الدّين بتسلم الكتاب، مَعَ أن ابن الجليس حدَّثه عَنْهُ أَنَّهُ ممتنع منَ السفر إلا بالمكاتبة بها. فأما الَّذِي يترجم بِهِ مولانا فيكون مثل الَّذِي يُدعى بِهِ عَلَى المنبر لمولانا، وَهُوَ الفقير إلى اللَّه تَعَالَى يوسف بْن أيوب. وَإِذَا كتب إليهم ابن رُزّيك منَ السيد الأجَلّ، الملك الصالح، قُبح أن يكتب إِلَيْهِ مولانا الخادم. وهذا مبلغ رأي المملوك وَقَدْ كتبت النسخة، ولم يبق إلا تلك اللفظة، وليست كتابة المملوك لها شرطًا، والمملوك وعقبه مستجيرون بِاللَّه، ثُمَّ بالسلطان من تعريضهم لكدر الحياة، ومعاداة مَن لا يُخفى عَنْهُ خبر، ولا تُقال بِهِ عَثْرَة. والكُتّاب الذين يشتغلون بتبييض النسخة موجودون، فينوبون عَنِ المملوك ". [ص:705]
ومن كتاب له إلى السّلطان: " تبرَّم مولانا بكثرة المطالبات، لا أخلاه اللَّه منَ القُدْرَة عليها، وهنيئًا لَهُ. فاللَّه تَعَالَى يطالبه بحفظ دينه، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يطالبه بحفظ حسن الخلافة فِي أمّته، والسَّلَف يطالبونه بمباشرة ما لو حضروه لما زادوا عَلَى ما يفعله المولى، وأهل الحزب يطالبونه بالذَّهب والفِضَّة والحديد، والرعيَّة تطالبه بالأمن فِي سربهم، والاستقامة فِي كسْبهم، والسلامة فِي سُبُلهم، ونفسه الكريمة تطالبه بالجنَّة، فهل عدم منَ اللَّه نُصرة؟ أم هَلِ استمرَّت بِهِ عُسرة؟ أم هَلْ تمَّت عليه لعدوه كرَّة؟ هل بات إلا راجيًا؟ هل أصبح إلا راضيًا "؟ إلى أن قَالَ: والمشهور أن ملك الألمان خرج فِي مائتي ألف، وأَنَّهُ الآن فِي دون خمسة آلاف.
قُلْتُ: وأُنبئِت عَنِ العماد الكاتب قَالَ: ووصلت فِي مراكب ثلاثمائة إفرنجيَّة من ملاحِهِم الزَّوَاني قَدْ سَبَلْنَ أنفسهن لعسكر الفِرَنج تغريةً لإسعاف الشباب من كُلّ تائقةٍ شائقة، مائقةٍ رائقة، رامقة مارقة، تميس كأنها قضيب، وتزينت وعلى لبها صليب، فتحنَ أبواب الملاذ، وسَبَلنَ ما بَيْنَ الأفخاذ ".
وفيها في المحرَّم خرجت جيوش بغداد، ومقدمها نجاح الشرابي إلى دقُوقًا لقتال الملك طُغرل، فوجدوه بعد أيام أدخل ولده ابن سبْع سِنين، يطلب العفو لأبيه، فعفا عنه.
وأنبأنا ابن البُزُوري قَالَ: فِي ربيع الأوّل وُلدت امْرَأَة ابنين وبنتين فِي جوفٍ واحد.
وَفِي جُمادى الآخرة فِي العشرين منه خرجت جيوش الفِرَنج من وراء خنادقهم، وحملوا عَلَى الملك العادل والمصريين فالتقوهم، واشتد القتال، فتقهقر المصريون، ودخل الفِرَنج خيامهم ونهبوها، فكرَّ المصريون عليهم فقاتلوهم بَيْنَ الخيام، وذهبت فرقة منَ المسلمين، فوقفت عَلَى فم الخندق تمنع من يَخْرُج مددًا، وأخذت الفِرَنج السُّيُوفُ من كُلّ ناحيةٍ، فَقُتِلَ منهم مقتلة عظيمة فوق العشرة آلاف؛ وقيل: ثمانية آلاف؛ وأقل ما قِيلَ خمسة آلاف. [ص:706]
وقُتل منَ المسلمين نحو عشرة أنفس فقط. وكان يومًا مشهودًا حاز فضله المصريون.
وجاءت الأخبار منَ الغد بموت ملك الألمان، وبالوباء فِي أصحابه، وتباشر المسلمون، وفرحوا بنصر اللَّه، فجاءت الفِرَنج نجدةٌ كبيرة لَمْ تكن فِي حسْبانهم مَعَ ملكهم كنْدهري، وجاءتهم أموال كثيرة وميرة وأسلحة، فقويت نفوسهم. وأنتنت منزلة المسلمين بريح القتلى، فانتقل صلاح الدّين، إلى الخرُّوبة فِي السابع والعشرين من جُمادى الآخرة، كَمَا انتقل عام أول. وقلَّت الأقوات بعكا، فبعث السّلطان إلى متولي بيروت فجهَّز بُطْسة عظيمة، وألبس الرجال لُبس الفِرَنج، ورفعوا الصُّلبان بالبطْسة، فوصلت إلى عكّا، فلم يشك الفِرَنج أنّها لهم، ولم يتعرضوا لها، فلما حاذت ميناء عكا ودخلت ندمت الفرنج، وانتعش المسلمون.
وَفِي شوال خرجت الفِرَنج من وراء خنادقهم فِي أكمل أُهبة وأكثر عدد، فالتقاهم السّلطان فِي تعبئةٍ حسنةٍ، فكان أولاده فِي القلب، وأخوه الملك العادل فِي الميمنة، وابن أَخِيهِ تقي الدّين عُمَر، وصاحب سِنْجار عماد الدّين في الميسرة. واتفق للسلطان قولنج كان يعتريه، فنُصبت لَهُ خيمة عَلَى تل، فرأى الفِرَنج ما لا قِبَل لهم بِهِ فتقهقروا.
قَالَ ابن الأثير: لولا الألم الَّذِي حدث لصلاح الدّين لكانت هِيَ الفيصل، وإنما للَّه أمر هُوَ بالِغُه. فلما دخل الفرنج خنادقهم، ولم يكن لهم بعدها ظهور منه، عاد المسلمون إلى خيامهم وَقَدْ قتلوا منَ الفِرَنج خلقًا يومئذٍ. إلا أن فِي الثالث والعشرين من شوال تعرَّض عسكر منَ المسلمين للفرنج، فخرج إليهم أربعمائة فارس فناوشوهم القتال وتطاردوا، فتبعهم الفِرَنج، فخرج كمين للمسلمين عليهم فلم يفلت منهم أحد.
واشتدّ الغلاء عَلَى الفِرَنج، وجاء الشِّتَاء، وانقطعت مادة البحر لهيجه، ولولا أن بعض الجهال كانوا يجلبون إليهم الغلات لأن الغرارة بلغت عندهم ألف دِرْهَم، لكانوا هلكوا جوعًا.
وأرسل أَهْل عكّا يشكون الضَّجَر والسّآمة، فأمر السّلطان بإخراجهم، [ص:707] وإقامة البَدَل، وكان ذَلِكَ من أسباب أخْذها. فأشار الجماعة عليه بأن يرسل إليهم النفقات الواسعة والذخائر، فإنهم قَدْ تدربوا، واطمأنت نفوسهم، فلم يفعل وتوهم فيهم الضَّجَر، وأن ذَلِكَ يحملهم على العجز. وكان بها أبو الهيجاء السمين، فنزل الملك العادل تحت جبل حَيْفا، وجمع المراكب والشواني، فكان يبعث فيها عسكرًا، ويرد عِوَضهم من عكّا فِي المراكب، لكنْ كَانَ بها ستون أميرًا، فخرج أولئك، ودخل بدلهم عشرون أميرًا، فكان ذَلِكَ منَ التفريط أيضًا. وتوانى أيضا صلاح الدّين، واتكل عَلَى غيره. وكان رأس الذين دخلوا سيف الدّين عَلِي المشطوب، وكان دخولهم فِي أوّل سنة سبْع وكان بها زهاء عشرين ألفًا. ولم يخرج قراقوش. وجهز السّلطان لعكا إقامةً كبيرةً وقُوتَ سنة، ولكن كان البحر فِي هيجه، فتكسرت عامة المراكب.(12/696)
-سنة سبع وثمانين وخمسمائة
دخلت وَقَدِ اشتدت مضايقة الفِرَنج لعكّا، والقتال بينهم وبين السّلطان مستمر، وكل وقتٍ يأتيهم مددٌ منَ البحر، فوصل ملك الإنكلتير فِي جمادى الأولى، وكان قد دخل قبرس وغَدر بصاحبها وتملكها جميعا، ثُمَّ سار إلى عكّا فِي خمسٍ وعشرين قطعة مملوءة رجالًا وأموالًا، وكان رَجُل وقْته مكرًا ودهاءً وشجاعة، ورُمي المسلمون منه بحجرٍ ثقيل، وعظم الخَطْب، وعملت الفِرَنج تلًّا عظيمًا منَ التّراب لا تؤثر فِيهِ النار ولا غيرها، فنفعهم فِي القتال؛ وأوهى المسلمين خروجُ أميرين فِي الليل ركبوا فِي شيني ولحِقوا بالمسلمين، فضعُفَت الهِمَم ووجلت القلوب، وراسلوا صلاح الدّين، فبعث إليهم أن اخرجوا منَ البلد كلكم عَلَى حمِية، وسيروا مَعَ البحر، واحملوا عليهم، وأنا أجيء من الجهة الأخرى فأكشف عنكم، وذَروا البلد بما فِيهِ. فشرعوا فِي هَذَا، فلم يتهيأ لهم، ولا تمكنوا منه، فَلَمَّا اشتد البلاء عَلَى أهل عكّا وضعُفت قلوبهم، وقلَّت مَنعتهم، ونُقبت بدنة منَ الباشورة، خرج الأمير سيف الدّين عَلِيّ بْن أَحْمَد المشطوب الهَكَّاري إلى ملك الفِرَنج وطلب الأمان، فأبى عليه إلا أن ينزل عَلَى حكمه، فَقَالَ: نَحْنُ لا نُسلّم البلد إلا أن نُقتل بأجمعنا، ورجع مغاضبًا.
فَلَمَّا كَانَ يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت من جُمادى الآخرة زحف الفرنج [ص:708] زحفًا شديدًا، وأشرفوا عَلَى أَخْذَ البلد، فطلب المسلمون منهم الأمان عَلَى أن يُسلموا إليهم عكا، ومائتي ألف دينار، وألفًا وخمسمائة أسير، ومائة أسير منَ الأعيان، وصليب الصَّلبوت. فوقع الأمان عَلَى ذَلِكَ، وأخذوا رهائن عَلَى تمام القطيعة، وملكوا عكّا. فَلَمَّا كَانَ فِي ثامن رجب جاءت رُسلهم لذلك، فأحضر السّلطان مائة ألف دينار، وصليب الصَّلبوت، والأسارى، فأبوا إلا جميع المال، واختلف الأمر نحو شهر، ثمّ كمل لهم المال، وأحضر إليهم صليبهم، وكانوا قد ظنُّوا أن السّلطان فرَّط فِيهِ، فَلَمَّا عاينوه خروا لَهُ سُجَّدًا. ثُمَّ ظهر للسّلطان غدرهم ومكْرهم، فتوقَّف فِي إمضاء المقرر.
قَالَ ابن شدّاد فِي " سيرة صلاح الدّين ": " إن الذين بعكا بذلوا للفرنج البلد بما فِيهِ منَ السلاح والآلات والمراكب، ومائتي ألف دينار، وخمسمائة أسير، ومائة أسير يقترحونهم معروفين، وصليب الصَّلَبُوت، عَلَى أن يخرجوا بأموالهم وأهلهم، ويعطوا للمركيس الَّذِي توسَّط بينهم أربعة آلاف دينار، فَلَمَّا وقف السّلطان على هذا أنكره وعظُم عليه، وجمع أَهْل الرأي، واضطربت آراؤهم، وتقسَّم فكره، وعزم عَلَى أن يكتب في تِلْكَ الليلة ينكر عليهم المصالحة، وبقي مترددًا، فلم يشعر إلا وَقَدِ ارتفعت صلبان الكُفْر عَلَى البلد، ونارهم وشعارهم عَلَى السور، وذلك ظُهْر يوم الجمعة سابع عشر من جُمادى الآخرة، وصاح الفرنج صيحةً واحدة، وعظُمت المصيبة عَلَى المسلمين، ووقع فيهم البكاء والنحيب، فإنا للَّه وإنا إِلَيْهِ راجعون.
وخيَّمَ ملك الأنكتير بيافا، وشرعوا فِي عمارتها. ثُمَّ راسل ملك الأنكتير السّلطان في طلب الهدنة، فكانت الرسل تتردَّد إلى الملك العادل، فتقررت القاعدة أن ملك الأنكتير يزوِّج أخته بالملك العادل، ويكون القدس وما بأيدي المسلمين من بلاد الساحل للعادل، وتكون عكّا لأخت ملك الأنكتير مضافًا إلى مملكةٍ كانت لها داخل البحر قَدْ ورثتها من زوجها. وأجاب صلاح الدّين إلى ذَلِكَ، فاجتمع الرهبان والقِسِّيسون، وأنكروا عَلَى الملكة، ومنعوها منَ الإجابة. ثُمَّ إن الفرنج نوهوا بقصد بيت المقدس، فساق صلاح الدّين إلى [ص:709] الرملة جريدةً، وجرت بَيْنَ المسلمين وبين الفِرَنج عدة وقعات صِغار فِي هَذِهِ الأيام، فِي سائرها يكون الظَّفَر للمسلمين. ثُمَّ دخل صلاح الدّين القدس لكثرة الأمطار، وتقدمت الفِرَنج إلى النطرون عَلَى قَصدْ بيت المَقْدِس. واشتد الأمر، وجرى بينهم وبين يَزَك المسلمين عدة وقعات. وجدّ صلاح الدّين فِي تحصين القدس بكل ممكن، حتى كان ينقل الحجارة عَلَى فرسه بنفسه.
ومما جرى أن ملك الأنكتير ركب بالفرنج فِي البحر، فركب السّلطان فِي البر لقتالهم. فأحضر الفرنج جماعة من أسارى المسلمين، فقتلوهم صبرًا، فحمل المسلمون عليهم وأزالوهم عَنْ مواقفهم، وقتلوا منهم جماعة، واستشهد من المسلمين جماعة. ثمّ تصرف السّلطان فِي المال المقرَّر، فَلَمَّا دخل شعبان رحلت الفِرَنج بخيلهم ورَجْلهم، فعرف السّلطان أن قصدهم عسقلان، فرحل بالجيش في قبالتهم، وبقي يَزَكُ المسلمين يقاتلونهم فِي كُلّ مرحلة. ثُمَّ كَانَتْ بينهم وبين السّلطان وقعة نهر القَصَب، استشهد فيها أياز الطويل وكان أحد الأبطال. ثُمَّ كَانَتْ وقعة أَرْسُوف، فكانت الدبرة على الفرنج خذلهم اللَّه.
ووصل السّلطان إلى عسقلان فأخلاها، وشرع فِي هدمها فِي أثناء شعبان. ثُمَّ رحل إلى الرملة، فأمر بتخريب حصنها، وتخريب لُدّ، ثُمَّ مضى جريدةً إلى القدس زائرا وعاد.
أَنْبَأَنَا ابن البُزُوريّ، قَالَ: فِي ربيع الأول حضر عَبْد الوهَّاب الكردي السّارق قلعة الماهكيّ مصفَّدًا بالحديد، فرحمه الخليفة وخلع عليه وأُعطي كوسات وأعلامًا، وأقطع الدينور.
وَفِي جُمادى الأولى عُزل عَنِ أستاذ دارية الخلافة عَلِيّ بْن بختيار، وولي جلال الدّين عبيد اللَّه بن يونس.
وَفِي جُمادى الآخرة عدا بركة الساعي من تكريت إلى بغداد فِي يومٍ ولم يُسبق إلى هَذَا، وحصل لَهُ خِلَع ومال طائل.
وَفِيه رُتب الْمَوْصِلِيّ النَّصْراني جاثليق النَّصارى، وخُلع عليه بدار الوزارة، وقُرئ عهده فِي كنيسة درب دينار.
وفي شوال خرج العسكر الخليفتي مع مؤيد الدّين ابن القصّاب نائب [ص:710] الوزارة، وعز الدّين نجاح الشرابي إلى بلاد خوزستان، ورجعوا في ذي الحجة.
وفيها ظهر بحلب الشهاب السَّهْرُوَرْديّ الفيلسوف الساحر. وكان فقيهًا واعظًا، ملعون الاعتقاد، بارعًا فِي علوم الأوائل، خبيرًا بالسيمياء، فعقد صاحب حلب الملك الظاهر لَهُ مجلسًا، فأفتوا بكُفْره، فحُبس فِي هَذِهِ السنة ثُمَّ أُحرِق بعد أن ميت جوعًا.
وفيها، فِي آخرها، تأخر الفِرَنج إلى الرملة لقلة الميرة عليهم. وقال ملك الأنكتير لمن معه: إني ما رَأَيْت القدس، فصوروها لي. فرأى الوادي يحيط بها ما عدا موضع يسير من جهة الشمال. فَقَالَ: هَذِهِ مدينة لا يمكن حصرها مَعَ وجود صلاح الدّين، ومع اجتماع كلمة المسلمين.
وفيها، قَالَ لنا ابن البُزُوريّ فِي مذيَّله: قدِم بغداد تاجر حلبي بمالٍ طائل، فعشق واحدةً فأنفق عليها ماله حَتَّى أفلس، ولم يَبْق يقدر عليها، ولا لَهُ صبر عَنْهَا، فدخل عليها فضربها بسِكّينٍ، وضرب نفسه فمات. وأما هي فخيط جرحها وعاشت.
وحجَّ بالناس من بغداد طاشتِكِين عَلَى عادته.
وفيها أَخَذَ دَاوُد أمير مكة ما فِي الكعبة منَ الأموال وطَوْقًا كَانَ يمسك الحجر الأسود لتشعُّثه، إذ ضربه ذاك الباطنيّ بعد الأربعمائة بالدّبوّس. فَلَمَّا قدِم الركْبُ عزل أمير الحاج دَاوُد، وولى أخاه مكثرًا، وهما ابنا عِيسَى بْن فُليتة بْن قاسم بْن مُحَمَّد بْن أبي هاشم الحسني، فأقام داود بنخلة إلى أن تُوُفّي فِي رجب سنة تسعٍ وثمانين، وَهُوَ وآباؤه الخمسة أمراء مكة.(12/707)
-سنة ثمان وثمانين وخمسمائة
قَالَ ابن البُزُوريّ: فِي صَفَر كُفَّت يد عبد الوهاب ابن الشَّيْخ عَبْد القادر عَنْ وقف الجهة الإخلاطية سلجق خاتون. ووجد عِنْد ابنه عَبْد السلام كُتُب بخط والده عَبْد الوهَّاب فيها يتخيَّر الكواكب، فسُئل: هَلْ هِيَ بخطك؟ فأقر، فأفتوا بقلة دينه، وأن الكاتب لها والقارئ لها مخطئ، ومُعتقدها كافر. وعُرضت [ص:711] الفتاوى عَلَى الخليفة فاستُتيب، وأُحرقت الكتُب فِي محفل. وكان فيها أنْ لا مدبِّر للعالم سوى الكواكب، وأنها هي الرازقة. ووهت حًرمة بني عبد القادر، وأُخرجوا عَنْ مدرستهم، وسُلمت إلى ابن الجوزي.
وفيها عُزل قاضي القُضاة الْعَبَّاسيّ لأنه حكم فِي كتابٍ زوّره حاجبه أَبُو جَعْفَر وابن الحراني.
وفيها نفذ شهاب الدّين السَّهْرُوَرْديّ رسولًا إلى زعيم خلاط بكتمر.
وفي رجب عُقد مجلس بدار أستاذدار الخليفة، وأحضر أمير الحاج مُجِير الدّين طاشتِكِين متولي الحلَّة، ثُمَّ أُخرج مكتوب فِيهِ الخادم طاشتكين يخدم السّلطان ويقول: أنا مشدود الوسط فِي خدمتكم، وهذا وقتكم، والبلاد خالية، فإذا هادنت الفِرَنج وعدت إلى الشام فأنا أتولى الخدمة. وَقَدْ توج المكتوب بالقلم الشريف: إنا ما أسأنا إلى طاشتِكِين قطّ وله حقوق، غير أن باطنه رديء ما يحبنا. فأنكر طاشتكين، وزعم أن هذا الخط لايعرفه. فشهد عليه جماعة ممن يختص بِهِ وكذَّبوه. فحُبس، وكان لَهُ إلى هَذِهِ السنة تسع عشرة حجة. ووُلي أيلبا إمرة الحاج.
وبنى الخليفة دارًا هائلة مزخرفة فِي بستانها منَ الطير والوحش ما يبهت الرّائي. فَلَمَّا انتهت وهبها لولده أبي نصر محمد.
وفيها فِي المحرَّم، أعني سنة ثمانٍ، نزل الفِرَنج بعسقلان وهي خراب، فأخذوا فِي عمارتها.
وَفِي ربيع الآخر قُتل المركيس صاحب صور، وكان من شياطين الفِرَنج، قدِم منَ البحر في مركبٍ بمالٍ وتجارة أيام فتح بيت المَقْدِس، فدخل صور وأهلها فِي هَرج ومرج، وليس لهم رأس، فملّكوه عليهم، فقام بأمرهم أتم قيام، وضبط البلد وحصَّنها، وحاصرهم صلاح الدّين مدة بعد فتح بيت المَقْدِس فلم يقدر عليهم، فجرد عَلَى البلد من يضيِّق عليهم ورحل.
وكان المركيس أحد من بالغ فِي حصار عكّا. وكان سبب قتله أن سِنانًا مقدم الإسماعيلية بعث إِلَيْهِ صلاح الدّين أن يرسل من يقتل ملك الإنكلتار، وإنْ قُتِلَ المركيس فَلَه عشرة آلاف دينار. فأرسل رجلين فِي زي الرهبان، فاتصلا بصاحب صيدا، فأظهرا العبادة، فأنِس بهما المركيس، ووثق لهما [ص:712] فقتلاه، وقُتلا معه. وتملَّك صور بعده كنْدهري ابن أخت ملك الأنكلتار، فبقي إلى سنة أربع وتسعين، فسقط من سطح ومات. وكان لما رحل خاله إلى بلاده أرسل يستعطف صلاح الدّين ويطلب منه خِلْعةً وقَالَ: أَنْت تعلم أن لبس القباء والشربُوش عندنا عَيب، وأنا ألبسهما منك محبةً فيك. فنفذ إِلَيْهِ خِلْعةً سَنِيَّة بشَرَبُوش، فلبسها بعكا.
وفيها فِي صَفَر نهبت بنو عامر البصرة. تجمعوا مَعَ أميرهم عُميرة، وكان بها أمير فحاربهم، فلم يقو بهم، وَقُتِلَ جماعة، ودخلوها وفعلوا كُلّ قبيح، وذهبت أمتعة الناس.
وفيها فِي جُمادى الأولى استولت الفِرَنج عَلَى حصن الداروم، ثُمَّ ساروا حَتَّى بَقُوا عَلَى فرسَخَين منَ القدس، فصب المسلمون عليهم البلاء، وتابعوا إرسال السّرايا، وبُلي الفِرَنج منهم بداهيةٍ، فرجعوا وتخطفهم المسلمون.
وكان شهاب الدّين الغُوري غزا الهند فِي سنة ثلاثٍ وثمانين فانهزم، فَلَمَّا كَانَ فِي هَذِهِ السنة خرج من غزنَة بجيوشه، وقصد عدوه، فتجهَّز الكافر ملك الهند وسار نحوه، فلما قاربه تقهقر شهاب الدّين، وتبِعه ملك الهند إلى أن قارب بلاد المسلمين، فندب شهاب الدّين شطر جيشه، فداروا فِي الليل حَتَّى صاروا من وراء الهنود، وحمل منَ الغد هُوَ من بَيْنَ أيديهم وأولئك من خلفهم، وكثُر القتل فِي الهنود، وأُسر ملكهم فِي خلقٍ من جُنْده، وغنم المسلمون ما لا يوصف. ومن ذَلِكَ أربعة عشر فيلًا، فَقَالَ ملك الهند: إن كُنْت طالبًا بلادنا فما بقي فيها من يحفظها، وإنْ كُنْت طَالِب مالٍ فعندي أموال تحمل منها جمالك كلها. فسار شهاب الدين، وهو معه، إلى قلعته واسمها أجمير، فتملكها شهاب الدّين وتملك جميع نواحيها، وأقطع الجميع لمملوكه قُطب الدّين أيْبك. وَقُتِلَ ملك الهند، ورجع إلى غزنة مؤيدًا منصورًا.
وكان عسكر مصر قَدْ خرجوا للغزاة فأقاموا ببِلْبِيس حَتَّى اجتمعت إليهم القوافل، وساروا فِي الرمل، فتهيَّأت الفِرَنج لكبْسهم وكمنوا لهم، ثُمَّ بيَّتوهم بأرض الحسا. فطاف الإنكلتير حول القَفَل فِي صورة بدوي، فرآهم ساكنين، فكبسهم فِي السَّحر بخيله ورَجْله، فكان الشجاع من نجا بنفسه. وكانت وقعة شنعاء لَمْ يُصب النّاس بمِثلها فِي هَذِهِ السنين. وتبدَّد النّاس فِي البريَّة وهلكوا، [ص:713] وحازت الفِرَنج أموالًا وأمتعة لا تُحصى، وأسروا خمسمائة نفس، ونحو ثلاثة آلاف جَمَلٍ محملة، فقويت نفوس الملاعين بالظَّفَر والغنائم، وعزموا عَلَى قصد القدس. وسار كنْدهري إلى صور، وطرابُلُس، وعكا، يستنفر النّاس، فهيَّأ السّلطان القدس وحصَّنها للحصار، وأفسد المياه التي بظاهر القدس كلها، وجمع الأمراء للمشورة، قال القاضي بهاء الدّين بْن شدّاد: فأمرني أن أحثهم عَلَى الجهاد، فَذَكَرَتْ ما يسَّر اللَّه، وقلت: أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا اشتد بِهِ الأمر بايع الصحابة عَلَى الموت، ونحن أول من تأسى به، فنجتمع عِنْد الصَّخرة، ونتحالف عَلَى الموت. فوافقوا عَلَى ذَلِكَ. وسكت السّلطان طويلًا، والناس كَأَنّ عَلَى رؤوسهم الطير، ثُمَّ قَالَ: الحمد للَّه والصلاة عَلَى رسول اللَّه. اعلموا أنكم جُنْد الْإِسْلَام اليوم ومَنعته، وأنتم تعلمون أن دماء المسلمين وأموالهم وذراريهم متعلقة فِي ذمَّتكم. وإن هَذَا العدو لَيْسَ لَهُ مَن يلقاه غيركم، فلو لوَيْتم أَعِنَّتكم، والعياذ بالله، طوى البلاد، وكان ذلك في ذمّتكم، فإنكم أنتم الذين تصدَّيْتم لهذا، وأكلتم بيت مال المسلمين. فانتدب لجوابه سيف الدّين المشطوب وقَالَ: نَحْنُ مماليكك وعبيدك، وأنت الَّذِي أنعمت علينا وعظَّمتنا، وليس لنا إلا رقابنا، وهي بَيْنَ يديك؛ واللَّه ما يرجع أحدٌ منَّا عَنْ نُصرتك إلى أن يموت. فَقَالَ الجماعة مثل ما قَالَ، فانبسطت نفس السّلطان وأطعمهم، ثُمَّ انصرفوا. فَلَمَّا كَانَ عشاء الآخرة اجتمعنا فِي خدمته عَلَى العادة وسَمَرْنا وهو غير منبسط. ثمّ صلينا العشاء الآخرة، وكانت الصَّلاة هِيَ الدُّستور العامّ، فصلّينا وأخذنا فِي الانصراف فاستدعاني وقَالَ: أَعَلِمتَ ما تجدَّد؟ قلت: لا. قال: إن أبا الهيجاء السمين نفذ إليّ اليوم وقَالَ: اجتمع اليوم عنده الأمراء، وأنكروا موافقتنا عَلَى الحصار، وقالوا: لا مصلحة فِي ذَلِكَ، فإنَّا نُحصر ويجري علينا ما جرى عَلَى أَهْل عكّا، وعند ذَلِكَ تؤخذ بلاد الْإِسْلَام أجمع. والرأي أنْ نعمل مُصَافًّا، فإنْ هزمْناهم مَلَكْنا بقية بلادهم، وإنْ تكن الأخرى سلِم العسكر وذهب القدس. وَقَدِ انحفظت بلاد الْإِسْلَام وعساكرها مدة بغير القدس. وكان السّلطان - رحِمَه اللَّه - عنده منَ القدس أمر عظيم لا تحمله الجبال، فشقَّت عليه هَذِهِ الرسالة. وبت تِلْكَ الليلة فِي خدمته إلى الصباح، [ص:714] وهي منَ الليالي التي أحياها فِي سبيل اللَّه.
وكان مما قالوه فِي الرسالة: " إنك إن أردتنا نقيم بالقدس فتكون أَنْت معنا أَوْ بعض أهلك، وإلا فالأكراد لا يدينون للأتراك، ولا الأتراك يدينون للأكراد ". فانفصل الحال على أن يقيم من أهله الملك مجد الدين صاحب بِعْلَبَكّ.
وكان رحِمَه اللَّه يحدِّث نفسه بالمُقام، ثُمَّ امتنع من ذَلِكَ لما فِيهِ من خطر الإسلام، فَلَمَّا صلّينا الصُّبح قُلْتُ لَهُ: ينبغي أن ترجع إلى اللَّه تَعَالَى، وهذا يوم جمعة، وفيه دعوة مُستجابة، ونحن فِي أَبْرك موضع. فالسلطان يغتسل الجمعة ويتصدَّق بشيء سرًا، وتصلي بَيْنَ الأذان والإقامة ركعتين تناجي فيهما ربَّك، وتفوِّض مقاليد أمورك إِلَيْهِ، وتعترف بعجْزك عما تصدَّيْت لَهُ، فلعله يرحمك ويستجيب لك. وكان رحِمَه اللَّه حَسَن الاعتقاد، تام الْإِيمَان، يتلقى الأمور الشرعيَّة بأحسن انقياد. فَلَمَّا كَانَ وقت الجمعة صليت إلى جانبه فِي الأقصى، وصلى ركعتين، ورأيته ساجدًا ودموعه تتقاطر. ثُمَّ انقضت الجمعة. فَلَمَّا كَانَ العشِيّ وصلت رقعة من عز الدّين جرديك، وكان فِي اليَزَك، يَقُولُ فيها: إن القوم قَدْ ركبوا بأسرهم، ووقفوا فِي البر عَلَى ظهر، ثُمَّ عادوا إلى خيامهم، وقد سيرنا جواسيس تكشف.
ولما كَانَ منَ الغد يوم السبت، وَهُوَ الحادي والعشرين من جُمادى الآخرة، وصلت رقعةٌ أخرى تُخْبر أنّ الجواسيس رجعوا، وأخبروا أنّ القوم اختلفوا فِي الصُّعود إلى القدس أَوِ الرحيل إلى بلادهم، فذهب الفرنسيسة إلى الصّعود إلى القدس وقالوا: إنما جئنا بسببه ولا نرجع. وقال الإنكلتير: إنّ هَذَا الموضع قَدْ أُفسِدت مياهُه ولم يبق حوله ماء، فَمنْ أَيْنَ نشرب؟ قَالُوا: نشرب من نهر نقوع، وهو على فرسخ من القدس؛ فقال: كيف نذهب إليه؟ قالوا: نتقسم، فقسم يذهب إلى السَّقْيِ، وقسم يبقى عَلَى البلد، فَقَالَ: إذًا يأخذ العسكر البرّانيّ الَّذِي لهم من يذهب مَعَ الدواب، ويخرج عسكر البلد عَلَى الباقين. فانفصل الحال على أنهم حكموا ثلاثمائة من أعيانهم، وحكم الثلاثمائة اثني عشر منهم، وحكَم الاثنا عشر ثلاثة منهم، وَقَدْ باتوا عَلَى حكم [ص:715] الثلاثة. فَلَمَّا أصبحوا حَكَموا عليهم بالرحيل، فلم يمكنهم المخالفة، فرحلوا ليومهم، وَهُوَ يوم السبت المذكور، نحو الرملة، ناكصين عَلَى أعقابهم. ثُمَّ نزلوا الرملة، وتواتر الخبر بِذَلِك إلى السّلطان، وكان يوم فرحٍ وسرور.
ثُمَّ ورد رسول الإنكلتير فِي الصُّلْح يَقُولُ: قَدْ هلكنا نَحْنُ وأنتم، والأصلح حَقْن الدماء، ولا تغتر بتأخيري عَنْ منزلتي، فالكبش يتأخَّر لينطح. وهذا ابن أختي كنْدهري قَدْ ملَّكْته هَذِهِ الديار، وسلمته إليك يكون بحكمك. وإنّ جماعة منَ الرُّهْبان قَدْ طلبوا منك كنائس، فَمَا بخلت بها عليهم، وأنا أطلب منك كنيسة في القدس، وما راسلتك بِهِ مَعَ الملك العادل قَدْ تركته، يعني من طلبه القدس وغيرها، ولو أعطيتني قرية أَوْ مقرعة لقبِلْتها. فاستشار السّلطان الأمراء، فأشاروا بالصّلح لِما بهم منَ الضَّجَر والتّعب وعلاهم من الديون. فاستقر الحال على أنّ الجواب ما جزاء الإحسان إلا الإحسان، وابن أختك يكون كبعض أولادي، وسيبلغك ما أفعل معه، وأنا أعطيك أكبر الكنائس، وهي القمامة، والبلاد التي بيدك بيدك، وما بأيدينا منَ القلاع الجبلية يكون لنا، وما بين العملين يكون مناصفة، وعسقلان وما وراءها يكون خرابًا.
فانفصل الرَّسُول طيب القلب. ثُمَّ ورد رسوله يَقُولُ: أن يكون لنا فِي القدس عشرون نفرًا، وإن من سَكَن منَ النَّصارى والفِرَنج فِي القدس لا يُتعرض لهم، وأمّا بقية البلاد فلنا منها الساحليات والوطاة، والبلاد الجبلية لكم. فأجابه السّلطان بأن القدس لَيْسَ لكم فِيهِ سوى الزيارة. فَقَالَ الرَّسُول: وليس عَلَى الزّوّار شيء؟ فَقَالَ السّلطان: نعم. وأطلق لهم بلاد عسقلان يزرعونها، وأن تكون قرى الدّاروم مناصفة.
وفيها قسم السّلطان صلاح الدّين عمارة سور بيت المَقْدِس عَلَى أَخِيهِ وأولاد أَخِيهِ. ولم يزل مُجدًا في عمارتها حتى ارتفعت.
وفيها كان خلاص سيف الدّين علي المشطوب أمير عكّا منَ الأسر عَلَى مالٍ قرَّره. ثُمَّ مات فِي آخر شوال. فعين السّلطان ثُلث نابلس لمصالح بيت المَقْدِس وباقيها للأمير عماد الدّين أحمد ابن المرحوم سيف الدّين المشطوب. [ص:716]
وفيها نازل الفِرَنج قلعة الدّاروم وافتتحوها بالسيف. ثُمَّ كَانَتْ وقعات بينهم وبين المسلمين، كلها للمسلمين عليهم، إلا وقعة واحدة كَانَ العادل أخو السّلطان مقدمها، ودهمهم العدو فهزموهم.
وفيها نزل السّلطان عَلَى يافا وأخذها بالسيف، وأخذ القلعة بالأمان، ثم طولوا ساعات الانتقال وأمهلوا وسوفوا، حتى جاءهم ملك الإنكلتير نجدةً فِي البحر بغتةً، ودخل القلعة وغدروا، فأسر السّلطان من كان خرج منهم، وسار إلى الرملة.
ثُمَّ وقعت الهدنة بينه وبين الفِرَنج مدة ثلاث سِنين وثمانية أشهر، وَجَعَل لهم من يافا إلى قَيْساريَّة إلى عكّا، إلى صور. وأدخلوا فِي الصلح طرابُلُس، وأنطاكية، واستعاد منهم الدّاروم؛ ودخل فِي هَذَا الصلح وَهُوَ كارْهٌ يأكل يديه منَ الحنق والغَيظ ولكنه عجز وكثُرت عليه الفِرَنج. وكُتِب كتاب الصلح بَيْنَ الملَّتَيْن فِي الثاني والعشرين من شعبان. ووقعت الأَيْمان والمواثيق عَلَى ذَلِكَ منَ الفريقين، ونوديَ بِذَلِك.
وكان فِي جملة من حضر عِنْد صلاح الدّين صاحب الرملة، فَقَالَ لصلاح الدّين: ما عمل أحدُ ما عملت، إننا أحصينا من خرج إلينا فِي البحر منَ المقاتلة فكانوا ستّمائة ألف رَجُل، ما عاد منهم إلى بلادهم من كُلّ عشرة واحد، بعضهم قُتِلوا، وبعضهم مات، وبعضهم غرق.
وأذِن صلاح الدّين فِي زيارة القدس للفرنج، وتردَّدت الرُّسل بين السّلطان وبين الفرنج. ثم سار فنزل بالعوجاء، وبلغه أن الإنكلتير بظاهر يافا في نفر يسير، فساق ليكبسه، فأتى فوجد نحو عشر خيم، فحمل السّلطان عليهم، فثبتوا ولم يتحرَّكوا، وكشروا عَنْ أنياب الحرب، فارتاع عسكر السّلطان وهابوهم، وداروا حولهم حلقة. وكانت عدة الخيل سبعة عشر، والرجالة ثلاثمائة. فوجَدَ السّلطان من ذَلِكَ وتألَّم، ودار عَلَى جُنْده ينخّيهم عَلَى الحملة، فلم يُجِب دعاءه سوى ولده الملك الظاهر. وقَالَ للسّلطان الجناح أخو سيف الدّين المشطوب: قل لغلمانك الذين ضربوا النّاس يوم فتح يافا وأخذوا منهم الغنيمة يحملون. وكان فِي نفوس العسكر غَيْظ عَلَى السّلطان حيث فوَّتهم الغنيمة. فغضب السّلطان وأعرض عن القتال. وذُكر أن الإنكلتير [ص:717] حمل يومئذٍ بُرمحه من طرف الميمنة على طرف الميسرة، وما تعرَّض لَهُ أحد. فرد السّلطان وسار إلى النطرون ثُمَّ إلى القدس.
ومرض الإنكلتير، وكانت رسُله تتردد فِي طلب الخَوْخ والكُمِّثْرَى، وكان السّلطان يمده بِذَلِك وبالثلج. ثُمَّ عُقدت الهدنة وتوثق منَ الفريقين، فحلف جماعة من ملوك الفرنج ومن ملوك الْإِسْلَام من آل السّلطان ومن أمرائه الأعيان، وكان يوم الصلح يومًا مشهودًا، عمَّ الفرح هَؤُلَاءِ وهَؤُلاءِ. ورجع إلى القدس فتمَّم أسواره ودخل دمشق في شوال.
وفيها قُتل سلطان الروم قلِج أرسلان.(12/710)
-سنة تسع وثمانين وخمسمائة
فيها قدِم عَلِيّ ابن الأمير شملة إلى الخليفة بمفاتيح قلاع أبيه، فخلع عليه.
وفيها ولي إمرة الحاج قُطْب الدّين سَنْجَر الناصري.
وفيها أعيد إلى القضاء أبو طالب علي ابن البخاري.
وفيها قُتل بكتمر المتغلب على مدينة خِلاط عَلَى يد الباطنية. وكان قَدْ تسلْطَن وضرب لنفسه الطبل فِي أوقات الصّلوات الخمس.
وفيها سار السّلطان طُغرل إلى الري، فقتل بها ألف نفس، وعاد إلى هَمَذَان، فمرض وبطل نصفه.
وفيها خلِع عَلَى قَيُماز شِحْنة أصبهان القادم في صُحبة مؤيد الدّين ابن القصاب وأُعطي ستة آلاف دينار، وتوجه إلى بلده وفي صحبته الأميران سنقر الطويل وإيلبا.
وتُوفي السّلطان صلاح الدّين، فوصل إلى بغداد في رمضان الرسول وصُحبته لأْمَة الحرب التي لصلاح الدّين وفَرسه ودينار واحد وستة وثلاثون درهمًا، لَمْ يخلف منَ المال سواها. وصُحبة ذَلِكَ صليب منَ الذهب الأحمر كان أخذه من القدس.
وفيها فُتحت المدرسة التي بُنيت ببغداد لوالدة الناصر لدين اللَّه، ودرَّس بها أَبُو علي النوقاني. [ص:718]
وفيها غزا السّلطان شهاب الدّين صاحب غَزْنة وتقدم مملوكه أَيْبك بالجيوش، فافتتح ما أمكنه، وسبى وغنم شيئًا كثيرًا، ورجع سالمًا.
قَالَ ابن الأثير: وفيها انقض كوكبان عظيمان واضطرما، وسُمع صوت هدَّةٍ عظيمة، وذلك بعد طلوع الفجر، وغلب ضوؤهما ضوء القمر وضوء النهار.(12/717)
-سنة تسعين وخمسمائة
في ربيع الأول ولي مجاهد الدّين ياقوت الرومي شِحْنكيَّة بغداد، فأقام سياسة البلد وأخلاه من المفسدين.
وفيها كان الحرب بَيْنَ السّلطان شهاب الدّين الغوري ملك غَزْنَة وَبَيْنَ بنارس سلطان الهند. وذلك أن أَيْبك مملوك شهاب الدّين لما دخل عام أول الهندَ فأغار عَلَى الأطراف تنمَّر بنارس وغضب، وَهُوَ أكبر ملوك الهند.
قَالَ ابن الأثير: وولايته من حد الصين إلى بلاد ملاو طولًا، ومنَ البحر إلى مسيرة عشرة أيام من لهاوور عَرْضًا، فحشد وجمع وقصد الْإِسْلَام، فطلبه شهاب الدّين بجيوشه، فالتقى الجمعان عَلَى نهر ماجون. قَالَ: وكان مع الهندي سبعمائة فيل - كذا قَالَ ابن الأثير - قَالَ: ومنَ العسكر عَلَى ما قِيلَ ألف ألف نفس، ومن جملة عسكره عدة أمراء مسلمين كانوا فِي تِلْكَ البلاد. فصبر الفريقان، واشتد الحرب، وكان النصر لشهاب الدّين، وكثُر القتل فِي الهنود حَتَّى جافت منهم الأرض، وأخذ شهاب الدّين تسعين فيلًا. وَقُتِلَ بنارس ملك الهند، ولم يعرفه أحد، إلا أَنَّهُ كَانَ قَدْ شد أسنانه بالذَّهَب، فبذلك عُرِف.
ودخل شهاب الدّين بلاد بنارس وحمل من خزائنها ألفًا وأربعمائة حمل، وعاد إلى غَزْنَة. ومن جملة الفِيَلَة التي أخذها فِيل أبيض. حَدَّثَنِي بِذَلِك من رآه، فَلَمَّا عُرِضت الفِيَلَة عَلَى شهاب الدّين خدمت جميعها إلا الفيل الأبيض فَإنَّهُ لَمْ يخدم.
وفيها، فِي جُمادى الأولى، وصل رسول من خُوارزم شاه وصُحبته ابن [ص:719] عَبْد الرشيد الَّذِي سار فِي رسالة الخليفة إلى خوارزم شاه يأمره بمحاربة المارق طُغرل السَّلْجُوقيّ. فمرض عَبْد الرشيد وأحس بالموت، فأمر ولده بالمسير إلى خوارزم شاه لأداء الرسالة، فقابل الرسالة بالسَّمْع والطاعة، وسار بجيوشه فحارب طُغرل وانتصر عليه، وهزم عساكره ونهب أمواله، وقتله، وحمل رأسه إلى بغداد صحبة رسوله، فأبرز للقيَّة الموكب، وأُتي بالرأس عَلَى رُمح، ودخل قاتله وَهُوَ شابٌّ تركيّ من أمراء خُوارزم شاه. وأوَّل كتابه: " الحمد للَّه الَّذِي جعل الملوك من أخلص المماليك عقيدة ونية، وأصحَّهم ولاء وعُبُودية، وأصفاهم سريرة وطَوِية.
وفيه: ولما وردت المراسيم بردع ذَلِكَ المارق المنافق، أرسل المملوك داعيًا لَهُ إلى الطريق اللّاحب، ومشيرًا عليه باعتماد الواجب، ليعود إلى طاعة الْإِمَام، وعارضًا عليه تجديد الْإِسْلَام، أَوِ الاستعداد للمصاف، والرجوع إلى حكم الاستئناف. وكان بالري، فزلف المملوك إِلَيْهِ في كتيبةٍ شهباء من جنود الإمام، مقنّعة بالزَّرَد المحبوك، مُحتفة بالملائكة، محفوفة بالملوك، يتألق حديدها، وتتذمر أُسودها، وهي كالجبل العظيم، والليل البهيم، خلفها السباع والذئبان وفوقها النسور والعقبان، وبين أيديها شخص المنون عريان، إلى أن وافت ذَلِكَ المخذول، وهو في جيش يُعجز عن الإحصاء، ويضيق عنهم الفضاء، فصب اللَّه عليهم الخذلان، لما تراءى الجمعان، وبرز الكفر إلى الْإِيمَان، فتلا المملوك: {قاتلوهم يُعذبهم اللَّه بأيديكُم}.
إلى أن قَالَ: " وأنفذ اللَّه حكمه فِي الطاغية، وعجَّل بروحه إلى الهاوية، وملك المملوك بلادهم ".
قَالَ ابن الأثير: وكان الخليفة قَدْ سيَّر نجدة لخُوارزم شاه، وسيَّر لَهُ مَعَ وزيره ابن القصاب خِلَع السَّلطنة، فنزل عَلَى فرسخٍ من هَمَذَان، فأرسل إليه خوارزم شاه بعد الوقعة يطلبه إِلَيْهِ، فَقَالَ مؤيَّد الدّين ابن القصاب: ينبغي أن تحضر أَنْت وتلبس خِلْعة أمير المؤمنين من خيمتي. وترددت الرُّسل بينهما، فَقِيل لخُوارزم شاه: إنها حيلة عَلَى القبض عليك. فرحل خُوارزم شاه ليأخذه، فاندفع بَيْنَ يديه، والتجأ إلى بعض الجبال. فامتنع بِهِ. [ص:720]
وفيها عُزِل أَبُو المظفّر عُبَيْد اللَّه بْن يُونُس منَ الأستاذ داريَّة، وحُبِس إلى أن مات، وولي مكانه تاج الدّين أَبُو الفتح بن رزين.
وفيها قُبض عَلَى ألب غازي متولّي الحِلَّة وأُخذت أمواله، وَقُتِلَ جزاءً بما كذب عَلَى الأمير طاشتكين.
وفي رمضان أحضر مؤيد الدّين ابن القصاب وشافهه الخليفة بالوزارة، وقال له: يا مُحَمَّد قَدْ قلّدتك ما وراء بابي، وجعلته في ذمتك، فاعمل فيما تراه برأيك. وخلع عليه، وضُربت النّوبة عَلَى بابه عَلَى قاعدة الوزراء، ثُمَّ توجَّه إلى تُسْتَر، فافتتح بلاد خوزستان.
وَفِي شوال وقع الرضا عَنْ أولاد الشَّيْخ عَبْد القادر وأُخذ ابن الجوزيّ إلى واسط، فحُبس بها مدة خمس سنين.
وكان سلطان مصر فِي هَذِهِ السنة: الملك العزيز عماد الدّين عثمان ابن صلاح الدّين، وسلطان دمشق: الملك الأفضل نور الدّين علي ابن صلاح الدّين، وسلطان حلب: الملك الظاهر غياث الدّين غازي ابن صلاح الدّين، والكَرَك وناحيتها، حرَّان، والرُّها، وتلك الناحية بيد الملك العادل سيف الدّين أَبِي بَكْر، وحماه، والمَعَرَّة، وسَلَمية، ومَنْبِج بيد الملك المنصور محمد ابن تقي الدّين عُمَر بْن شاهنشاه، وبِعْلَبَكّ بيد الأمجد بِهْرام شاه بْن فَرُّخْشاه، وحمص بيد المجاهد أسد الدّين شيركوه.
وكان الملك العادل بالكَرَك عِنْد موت أَخِيهِ وهي مُسْتَقَرَّهُ وحصْنه، فتوجه نحو دمشق لما بلغه مجيء الملك الْعَزِيز يحاصر أخاه الأفضل، ووافقه الظاهر غازي، فأصلح بينهم عمُّهم، ورجع الْعَزِيز إلى مصر فِي رمضان منَ السنة الماضية. ثُمَّ إن الْعَزِيز قصد دمشق فِي هَذِهِ السنة في شعبان.
وقَالَ الْإِمَام أَبُو شامة: وفيها استعادت الفِرَنج حصن جبيل بمعاملة من شخص كرديّ.
قُلْتُ: ثُمَّ افتتحها الملك الأشرف بعد مائة سنة.
قَالَ: وفيها قدِم العادل منَ الشرق وطلع إلى قلعة حلب وبات بها [ص:721] واستخلص دلدمر وبني عمه كبراء الباروقية منَ اعتقال ابن أَخِيهِ الملك الظاهر، ثُمَّ قدِم دمشق فأصلح بَيْنَ الأخوين الأفضل والعزيز، عَلَى أن للعزيز من بَيْسان إلى أسوان. وقدِم الظاهر من حلب إلى دمشق، ثُمَّ عاد كلّ إلى بلاده. وتزوج العزيز بابنة عمه العادل.
قُلْتُ: وَذَلِكَ من دهاء الملك العادل، فَإنَّهُ بقي يلعب بأولاد أَخِيهِ لعبًا، فَإنَّهُ قدِم من حلب بصاحبها، وبصاحب حماه ناصر الدّين مُحَمَّد بْن عُمَر، وبصاحب حمص، وَغَيْرُهُمْ، واتفقوا عَلَى حفْظ دمشق. وأوضح لهم العادل بإن الملك الْعَزِيز إنْ مَلَكَ دمشق أَخَذَ منكم بلادكم. فلما رأى العزيز اجتماعهم فتر وراسل فِي الصُّلح، فاستقرَّت القاعدة عَلَى أن يكون له مملكة فلسطين، وهي البيت المقدس وبلادها مَعَ مصر، عَلَى أن للعادل إقطاعه الأول بمصر، وأن يكون نائبًا للسلطنة بمصر. وأن للملك الأفضل دمشق والأردنّ، وأنّ للظاهر مملكة حلب مَعَ جَبَلَة واللّاذقيَّة. وتفرّقوا عَلَى ذَلِكَ. وخرج الأفضل فودَّع أخاه الملك الْعَزِيز.
قَالَ العماد الكاتب: قَالَ لي الأفضل: كُنْت قَدْ فارقت أَخِي منذ تسع سنين، وما التقينا إلا فِي هَذِهِ السنة. قَالَ: وأنشدني لنفسه فِي المعنى:
نظرتُكَ نظرةً من بَعْد تِسعٍ ... تقضَّت بالتفرُّق من سِنين
وغضّ الطَّرف عَنْهَا طرفٌ غدرٍ ... مسافة قرب طرفٍ من جبين
فَويح الدَّهْر لَمْ يسمحْ بقربٍ ... يعيدُ بِهِ الهجوعَ إلى الجُفُون
فراقٌا ثُمَّ يُعقبه بّينٌ ... يعيدُ إلى الحشا عَدَم السُّكون
ولا يُبدي جيوشَ القُربِ حَتَّى ... يرتبَ جيشَ بُعدٍ في الكمين
ولا يُدني محلّي منك إلا ... إذا دارتْ رَحى الحربِ الزَّبُون
فليتَ الدهرُ يسمحُ لي بأُخرى ... ولو أمضى بها حُكمَ المنون
فقلت: للَّه درُّك ما أبدع هَذَا المعنى، فكاتِبْ أخاك بما فيه استعطاف واستلطاف.
قَالَ العماد: فلو تُرِك الأفضلُ وفِطْنته الذكية، لجرت الأمور عَلَى [ص:722] السّداد، ولكنّ أصحابه وجلساءه أفسدوا أحواله، ورموا أكابر أمرائه بالمكاتبة والخيانة، فوقعت الوحشة، وقالوا لَهُ: أَنْت أحق بالسلطنة، وأنت أكبر الإخوة، وأنت ولي عهد أبيك. فتفرَّق عَنْهُ كبراء دولته، وتوجهوا إلى الْعَزِيز. فكان إذا قدِم منهم أميرٌ بالَغَ فِي إكرامه، فأخذوا يحرضون الْعَزِيز عَلَى قصد دمشق. وأقبل الأفضل مَعَ هَذَا عَلَى الشُّرب والأغاني ليله ونهاره، وأشاع نُدَماؤه أن عمّه العادل حضر عنده ليلةً، وحسَّن لَهُ ذَلِكَ واستحسن المجلس، وقال: أَيِّ حاجةٍ لك إلى التكتُّم، ولا خير فِي اللذات دونها سِتْر. فقبل وصيَّة عمّه وتظاهر. ودبر وزيره الأمور برأيه الفاسد. ثُمَّ إن الأفضل أصبح يومًا تائبًا من غير سبب، وأراق الخمُور، وأقبل عَلَى الزُّهد، ولبس الخشِن وأكثر التّعبُّد. وواظب عَلَى صيام أكثر الأوقات، وشرع فِي نسْخ مُصحَف، وضرب أواني الشرب دراهم ودنانير، واتخذ لنفسه مجلسا مسجدًا وجالسَ الفقراء.
قَالَ ابن واصل، وغيره: ولكنه كان قليل السعادة، ضعيف الآراء.(12/718)
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
- (الوفيات)(12/723)
-الموتى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة(12/723)
1 - أَحْمَد بْن سالم بْن نبهان، أَبُو سَعِيد الأَسَديّ، المطَّوعي، القاضي. [المتوفى: 581 هـ]
حدَّث فِي هَذَا العام بالإجازة ببغداد عن أحمد بن محمد الزمخشري.
روَى عَنْهُ أَحْمَد بْن محمود الواسطي.
ومولده سنة خمسمائة.(12/723)
2 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أحمد، أبو العباس ابن اليتيم الْأَنْصَارِيّ، البَلَنْسيّ، الأَنْدَرْشِي الْمُقْرِئ. [المتوفى: 581 هـ]
أَخَذَ القراءاتِ عَنْ أَبِي الْحَسَن بْن موهب الْجُذَاميّ، وأبي عَلِيّ بْن عُريب، وأبي إِسْحَاق بْن صالح، وأبي العباس ابن العريف، وجماعة لقيهم بالمَرِيَّة وسمع منهم. ومن ابن ورد، وابن عطية، وابن اللواز.
وأجاز لَهُ أَبُو عَلِيّ بْن سُكرة. وتصدَّر للإقراء بمالقة، وأخذ الناس عنهم.
قال الأبّار: حدثنا عَنْهُ ابنه أَبُو عَبْد اللَّه، وأَبُو القاسم بن بقي، وأبو الخطاب الكلبي.
وتُوفي فِي رمضان بالمريَّة.(12/723)
3 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بن أحمد بن علي ابن الطّيّبيّ، أَبُو الْعَبَّاس المعدَّل، [المتوفى: 581 هـ]
والد الوزير أَبِي المظفّر عُبيد اللَّه.
سَمِع من المعمَّر بْن مُحَمَّد البيِّع، وقاضي المَرِسْتان. وحدَّث.(12/723)
4 - إِبْرَاهِيم بْن محمد بن المنذر بْن أَحْمَد بْن سَعِيد بْن ملكون. الأستاذ أَبُو إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ، النَّحْويّ، الإشبيليّ. [المتوفى: 581 هـ][ص:724]
سَمِع من أَبِي مَرْوَان الباجيّ، وشُريح بْن مُحَمَّد، وعباد بْن سرحان، وأبي الْوَلِيد بْن حجَّاج، وأبي القاسم ابن الرماك، وعنهما أخذ علم العربية والأدب فرأسَ فيهما وبرع.
وأجاز لَهُ أَبُو الْحَسَن بْن مغيث، وجماعة.
واشتهر اسمه وصنف " إيضاح المنهج " جمع فِيهِ بَيْنَ كتابي ابن جني على " الحماسة ": " التنبيه " و " المبهج "، وصنَّف غير ذَلِكَ.
أَخَذَ عَنْهُ جماعة منَ الجلة، وأجاز لأبي سُلَيْمَان بْن حوط اللَّه.
وتُوفي بإشبيلية، ودُفن بداره.
حَمل عَنْهُ أَبُو علي الشّلوبين، والقاضي أَبُو مَرْوَان الباجيّ.(12/723)
5 - إِسْمَاعِيل بْن مكّيّ بْن إِسْمَاعِيل بْن عِيسَى بْن عَوْف. [المتوفى: 581 هـ]
من ولد حُميد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف.
صَدْر الْإِسْلَام أَبُو الطاهر القُرَشِيّ الزُّهري الإسكندريّ، الفقيه المالكي.
وُلِد سنة خمسٍ وثمانين وأربعمائة، وتفقّه عَلَى أَبِي بَكْر الطُّرْطُوشيّ، وبَرَع فِي المذهب وأقرأ النّاس، وتخرّج بِهِ جماعة.
وسمع منَ الطُّرْطُوشيّ، وأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد الرازي.
كتب عَنْهُ الحافظ أَبُو طاهر بْن سِلفة وَهُوَ من شيوخه.
وحدَّث عَنْهُ الحافظ عَبْد الغنيّ المقدسيّ، وعبد القادر الرُّهاوي، وعلي بْن المفضل، وآخرون، وأحفادُه الْحَسَن وعبد اللَّه وعَبْد الْعَزِيز بنو الفقيه عَبْد الوهَّاب ولده.
ورحل إِلَيْهِ السّلطان صلاح الدّين يوسف، وسمع منه " الموطأ ".
تُوفي في الخامس والعشرين من شعبان.(12/724)
6 - بهلوان بْن إلدِكز. الأتابَك شمس الدّين [المتوفى: 581 هـ]
صاحب أَذَرْبَيْجان وعراق العجم أصبهان، والري، وبلاد أران.
كان أبوه الأتابك إلدكز كبير القدر، وكان أتابك السلطان رسلان شاه بن طُغريل بن محمد بن ملكشاه، فمات هو وسلطانه في سنة سبعين وخمسمائة، فتملك البهلوان إلى أن مات فِي آخر هذا العام، وقام بعده الملك قزل أخوه من [ص:725] أُمّه، فبقي إلى أن مات سنة سبعٍ وثمانين وخمسمائة.
وكان البهلوان قَدْ أقام فِي المُلْك طُغْريل بْن أرسلان شاه آخر ملوك بني سلجوق، فكان من تحت حكم البهلوان.
وخلف البهلوان فيما قِيلَ خمسة آلاف مملوك وثلاثين ألف دابة، ومنَ الأموال ما لا يُحصى.
ثُمَّ قوي طُغريل وتحارب هُوَ وقَزَل، وجَرَت أمور طويلة.(12/724)
7 - ثعلب بْن عَلِيّ بْن حسن، أَبُو الوحش الأنصاري، المصري، الكاتب. [المتوفى: 581 هـ]
روى عن عَبْد اللَّه بْن رفاعة، وأحمد بْن الحُطيئة.
وعنه الحافظ ابن المفضل.(12/725)
8 - الحسن بن سعيد بن أحمد ابن البنّاء، أَبُو مُحَمَّد. [المتوفى: 581 هـ]
من بيت الْحَدِيث والإسناد.
قَدْ ذكرناه فِي سنة اثنتين وسبعين. وبعض النّاس ذكر أَنَّهُ مات فِي هَذَا العام فِي شعبان، فالله أعلم.(12/725)
9 - الحسن بْن مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه، أَبُو عَلِيّ المقدسي ثم المصري، عرف بابن القطان، والد القاضي أبي عبد الله محمد، ويعرف برضي الدولة. [المتوفى: 581 هـ]
لا رواية له.(12/725)
10 - حياة بْن قَيْس بْن رحال بْن سلطان الْأَنْصَارِيّ، الحرَّاني، الزَّاهد، شيخ حرّان وصالحها، قُدوة الزهاد بها. [المتوفى: 581 هـ]
كان عبدًا لله صالحًا، ناسكًا، قانتًا للَّه، صاحب أحوال وكرامات، وصدق وإخلاص، وجدٌّ واجتهاد، وتعفُّف وانقباض.
كَانَتِ الملوك والأعيان يزورونه ويتبرَّكون بلقائه. وكان كلمة إجماع بَيْنَ أهل بلده.
وقيل: إن السّلطان نور الدّين بْن زنكي زَارَه واستشاره فِي جهاد الفِرَنج، [ص:726] فقوَّى عَزمه ودعا لَهُ، ولما توجَّه السّلطان صلاح الدّين إلى حرب صاحب المَوْصِل دخل عَلَى الشَّيْخ حياة وطلب منه الدُّعاء، فأشار عليه بترك المسير إلى المَوْصِل، فلم يقبل، وسار إليها فلم يظفر بها.
ومن شيوخه: أَبُو عَبْد اللَّه الحُسين البواري الرجل الصالح تلميذ الشَّيْخ مُجلّي بْن ياسين.
وللشيخ حياة سيرةٌ فِي نحو مجلَّد كَانَتْ عِنْد ذُريته، فلما استولت التتار الغازانية عَلَى الشام نُهِبت فيما نُهب بالصالحية. وَقَدْ بَلَغَنا عنه أنه كان ملازمًا لزاويته بحرّان نحوًا من خمسين سنة لم تَفُته الجماعةُ إلا من عُذرٍ شرعيّ.
وكان بَشُوش الوجه، ليِّن الجانب، رحيم القلب، سخيًّا كريمًا، محبًا لله، راجيًا عفوه وكرمه، صاحبَ ليلٍ وتهجُّد.
انتقل إلى اللَّه فِي ليلة الأربعاء سلْخ جُمادى الأولى سنة إحدى وثمانين هَذِهِ، وله ثمانون سنة، رحِمَه اللَّه، ولم يخلف بحران بعده مثله.
نقلتُ كثيرًا من ترجمته من " تاريخ " صاحبنا العدل الجليل شمس الدّين أَبِي المجد مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم ابن الْجَزَريّ، وَهُوَ تاريخ مفيد استفدت منه أشياء مطبوعة لا تكاد توجد إلا فِيهِ. وَقَدْ كُنْت انتخبتُ منه مجلّدًا هُوَ الآن ملك الفقيه المحدث الأوحد صاحبنا صلاح الدّين خليل بْن كيكلديّ الشافعي، حفظه اللَّه وأصلحَه.(12/725)
11 - سعْد الدّين، ولد الأمير مقدَّم الجيوش معين الدّين أُنُر، اسمه مَسْعُود. [المتوفى: 581 هـ]
كَانَ من أكابر الأمراء النُّوريَّة والصّلاحيَّة لأبُوَّته ولمكان أخته الخاتون زَوْجَة نور الدّين وصلاح الدّين.
توفي فِي هَذِهِ السنة بعد أخته بيسير.
وكان زوج ربيعة خاتون أخت السّلطان صلاح الدّين، فتزوَّج بعدَه بها ابن صاحب إربل.(12/726)
12 - سَعِيد بْن أَبِي البقاء الموفّق بْن عَلِيّ بْن جَعْفَر، أَبُو مُحَمَّد النَيْسابوريّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الصّوفيّ، الخازن. [المتوفى: 581 هـ]
صحِب شيخ الشيوخ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سعد، وكان برباطِهِ.
وُلد سنة خمسٍ وخمسمائة، وسمع هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، والحسين بْن الفَرّخان السّمنانيّ.
رَوَى عَنْهُ ابنه مُحَمَّد، وعبد العزيز بن دلف، وجماعة.(12/727)
13 - شاكر بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه، الرَّئيسُ أَبُو اليُسْر التّنوخيّ، المعَرّي، ثُمَّ الدِّمشقيّ، [المتوفى: 581 هـ]
كاتب الإنشاء.
كَانَ أديبًا فاضلًا، جليلًا، ذكيًا، شاعرًا. قرأ الأدب عَلَى جده القاضي أَبِي المجد مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بحماه. وسمع من أَبِي عَبْد اللَّه الْحُسَيْن ابن العجمي، وغيره. وحدَّث.
ووُلد بشَيزَر فِي سنة ست وتسعين وأربعمائة.
روى عنه الحافظ أبو القاسم ابن عساكر مَعَ تقدُّمه، وَهُوَ جد المحدث تقي الدّين إِسْمَاعِيل.
وكان كاتب إنشاء ديوان الملك نور الدّين.
وروى عَنْهُ أيضًا: ابنه إِبْرَاهِيم، وأَبُو القاسم بْن صَصْرى.(12/727)
14 - شاه أرمن، صاحب مملكة خِلاط. [المتوفى: 581 هـ]
توفي بها فِي تاسع ربيع الآخر، وتملك بعده مملوكه بكتمر.(12/727)
15 - عَبْد اللَّه، أَبُو طَالِب ابن النّقيب الطاهر أبي عبد اللَّه أحمد بن علي بن المعمر العلوي، الحسيني، الْبَغْدَادِيّ، النقيب. [المتوفى: 581 هـ]
ولي النقابة بعد أَبِيهِ، وله شِعر جيْد.(12/727)
16 - عَبْد اللَّه بْن أسعد بْن عَلِيّ بْن عيسى، مهذب الدّين أَبُو الفَرَج ابن الدّهان، الْمَوْصِلِيّ، الفقيه، الشافعي، الأديب، الشاعر. ويُعرف أيضًا بالحمصيّ. [المتوفى: 581 هـ][ص:728]
لَهُ ديوان صغير؛ كَانَ مجموع الفضائل.
لما ضاقت بِهِ الحال بالموصل وعزم عَلَى قصد الملك الصالح طلائع بْن رُزّيك وزير مصر، كتب إلى الشريف ضياء الدّين زَيْد بْن مُحَمَّد نقيب المَوْصِل:
وذات شجوٍ أسالَ البَيْنُ عَبْرَتَها ... باتت تُؤمِّلُ بالتّقييد إمساكي
لجَّت فَلَمَّا رأتْني لا أُصيخُ لها ... بكتْ فأقرحَ قلبي جفنها الباكي
قالت وقد رأت الأجمال مخدجة ... والبَيْنُ قَدْ جمع المشكُوَّ والشّاكي:
منْ لي إذا غبتَ فِي ذا المحْلِ قُلْتُ لها ... اللَّه وابنُ عُبَيْد اللَّه مولاكِ
فَقَام النقيب بواجب حقها مدة غيبته بمصر.
ومدح ابن رزيك بالقصيدة الكافية التي يقول فيها:
أأمدحُ التُّرْكَ أبغي الفضلَ عندهُمُ ... والشِّعرُ ما زال عِنْد التُّركِ متروكا؟
لا نِلتُ وصْلَكِ إنْ كَانَ الَّذِي زعموا ... ولا شفا ظَمَأي جودُ ابنِ رُزِّيكا
ثُمَّ تقلّبت بِهِ الأحوال، وتولى التدريس بحمص. ثُمَّ قدِم عَلَى السّلطان صلاح الدّين، فأحسن إِلَيْهِ، وله فِيهِ مدائح جيدة.
ومن شعره:
يُضْحِي يُجَانُبني مُجانَبَةَ العِدَى ... ويَبيتُ وَهُوَ إلى الصّباح نديمُ
ويمرُّ بي يخشى الرقيبَ فلفظُه ... شتمٌ، وغنجُ لحاظِه تسليم
وله:
قالوا: سلا، صدقوا، عن السلـ ... ـوان ليس عن الحبيب
قالوا: فلم ترك الزيا ... رة؟ قلت: من خوف الرقيب
قالوا: فكيف تعيش ... مَعَ هَذَا؟ فقلتُ: منَ العجيبِ [ص:729]
ومن شعره:
تُردي الكتائبَ كُتْبُهُ فإذا انبرت ... لَمْ تدرِ أنفَذ أَسطرًا أم عسكرا
لَمْ يُحسِن الإتْرابَ فوق سُطورها ... إلا لأنّ الجيش يَعقدُ عِثْيَرا
وقَالَ جمال الدّين القفطي: ابن الدهان نَحْويّ، أديب، شاعر، قدِم الشام صُحبة أَبِي سعد بْن عصرُون، وكان يلزم درسَه؛ ثُمَّ إنَّه ولي التدريس بحمص.
تُوفي فِي شعبان بحمص.(12/727)
17 - عَبْد اللَّه بْن سماقة، قِوام الدّين أَبُو مُحَمَّد، [المتوفى: 581 هـ]
وزير ابن قُرا رسلان.
دخل عليه فِي ثامن رمضان مماليك مخدومه فطلبوه إلى الخدمة فجاء ودخل فِي الدِّهْليز، فأغلقوا الباب الَّذِي دخل منه، والباب الَّذِي من جهة الأمير وقتلوه، وأخرجوه.(12/729)
18 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَبِي عُبيد البكري، القُرْطبيّ، أَبُو عُبيد. [المتوفى: 581 هـ]
رَوَى عَنْ جَعْفَر بْن مكي، وأبي جَعْفَر البطْرُوجيّ، وغيرهما.
وكان من أَهْل المعرفة باللغة والأدب. وكان جَدّه أَبُو عُبيد عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْعَزِيز من مفاخر الأندلس.
وهذا أَخَذَ عَنْهُ أَبُو القاسم بْن بَقِيّ، وأَبُو القاسم الملاحي، وابنا حَوْط اللَّه.
وتُوفي بقرطبة عَنْ أربعٍ وسبعين سنة فِي جُمادى الأولى، قاله الأبار.(12/729)
19 - عَبْد الحق بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن حُسَيْن بْن سَعِيد، أَبُو مُحَمَّد الحافظ الْأَزْدِيّ، الإشبيليّ، ويُعرف أيضًا بابن الخراط. [المتوفى: 581 هـ]
رَوَى عَنْ شُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبي الحَكَم بْن برَّجان، وعمر بْن أيوب، وأبي بَكْر بْن مُدير، وأبي الْحَسَن طارق، وطاهر بْن عطية.
وأجاز لَهُ محدِّث الشام أبو القاسم ابن عساكر، وغيره.
ونزل بجايةَ وقت فتنة الأندلس بانقراض [ص:730] الدولة اللمتونية، فبث بها علمه وصنَّف التّصانيف، وولي الخطبة والصلاة بها.
قَالَ الأبار: وكان فقيهًا، حافظًا، عالمًا بالحديث وعلِلَه، عارفًا بالرجال، موصوفًا بالخير والصلاح، والزهد، والورع، ولُزُوم السُّنة، والتقّلُّل منَ الدُّنْيَا، مشاركًا فِي الأدب وقَوْل الشِّعْر. وَقَدْ صنّف فِي الأحكام نسختين " كُبرى " " وصُغرى ". سَبَقه إلى مثل ذَلِكَ أَبُو الْعَبَّاس بْن أَبِي مَرْوَان الشهيد بَلْبَلة، فحظي عبدُ الحق دونه؛ وله " الجمع بَيْنَ الصّحيحين " مصنّف. وله مصنّف كبير فِي " الجمع بَيْنَ الكُتُب الستة ". وله كتاب فِي " المُعْتَلّ منَ الْحَدِيث "، وكتاب فِي " الرقائق "، ومصنَّفات أُخَر.
وله فِي اللغة كتاب حافل ضاهَى بِهِ كتاب " الغريبين " للهَرَوِيّ.
حَدَّثَنَا عَنْهُ جماعة من شيوخنا.
وُلِد سنة عشرٍ وخمسمائة.
وتوفي ببجاية بعد محنةٍ نالته من قبل الولاة فِي ربيع الآخر.
ومن شِعره:
وَاهًا لدنيا ولمغرورها ... كم شابتِ الصَّفْوَ بتكدِيرها
أَيِّ امرئ أمن في سربه ... ولم ينله سوء مقدورها
وكان ذا عافيةٍ جسمُهُ ... مَن مَسّ بلْواها وتغييرها
وعنده بُلْغة يومٍ فقد ... حِيزَتْ إِلَيْهِ بحذافيرها
سَمِع منَ ابن عطية " صحيح مُسْلِم " عَنْ مُحَمَّد بْن بشر، عَنِ الصَّدَفيّ، عَنِ العُذْريّ، نازلًا.
وذكر ابن فرتون أن وفاته كَانَتْ سنة اثنتين وثمانين. وقَالَ: حَدَّثَنِي عنه أبو ذر، وأبو الحجاج ابن الشيخ، وأبو عبد اللَّه بن نقيمش. وحَدَّثَنِي أَبُو الْعَبَّاس العَزَفّي، بسَبْتَة: كتب إلي عبد الحق قال: حدثنا عبد العزيز بن خلف بن مدير، قال: حدثنا أبو العباس العذري، قال: حدثنا محمد بن روح بمكة، قال: حدثنا الطَّبَرَانِيّ، فذكر حديثًا.
ومن شِعره رحِمَه اللَّه تعالى: [ص:731]
إنّ فِي الموت والمعادِ لشُغْلا ... وادّكارًا لِذِي النُّهَى وبَلاغا
فاغْتَنِم خُطَّتَينْ قبل المنايا ... صحة الجسم يا أَخِي والفراغا
قُلْتُ: وروى عَنْهُ أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد المَعَافِرِي خطيب الأندلُس.(12/729)
20 - عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر بْن أَحْمَد بْن صولة، أَبُو القاسم الْمَصْرِيّ، المالكي، الكاتب المعدَّل. [المتوفى: 581 هـ]
حدَّث عَنِ الفقيه سلطان بن إبراهيم المقدسي.
توفي فِي ذِي القعدة.(12/731)
21 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أيوب بْن تمام، أَبُو القاسم الْأَنْصَارِيّ، المالِقيّ. [المتوفى: 581 هـ]
رَوَى عن أبي بكر ابن العربي، وأبي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي جَعْفَر البطْرُوجيّ، وجماعة. وكان عالما بالعربية، واللغة، والآداب، مبرزا فيها، مع مشاركة في الفقه والحديث. استوطن دانية وأقرأ بها العربية، وأسمع الحديث. روى عنه جماعة.
وتُوُفّي فِي شوال؛ قاله الأَبّار.(12/731)
22 - عَبْد الرَّحْمَن بن عبد اللَّه بن أحمد بن أصبغ بْن الْحُسَيْن بْن سعدون بْن رضوان بْن فتُّوح. الْإِمَام الحَبْر أَبُو القاسم، وأَبُو زَيْد، ويُقَالُ أيضًا: أَبُو الْحَسَن، ابن الخطيب أَبِي محمد ابن الخطيب أبي عمر بي أَبِي الْحَسَن الخثْعميّ السُّهيلي، الأندلسيّ المالقيّ، النَّحْويّ، الحافظ، [المتوفى: 581 هـ]
صاحب المصنَّفات.
أَخَذَ القراءات عَنْ سُلَيْمَان بْن يَحْيَى، وبعضها عَنْ أَبِي علي مَنْصُور بْن الخيّر.
وسمع أَبَا عَبْد اللَّه المعمر، وأبا بكر ابن العربي، وأبا عبد الله بن مكي، وأبا عبد الله بن نجاح الذَّهبي، وجماعة.
وأجاز له أبو عبد الله ابن أخت غانم، وغيره.
وناظرَ على أبي الحسين ابن الطَّراوة في " كتاب سيبويه " وسمع منه كثيرًا من كتب اللغة والآداب. وكفَّ بصرُه وَهُوَ ابن سبْع عشرةَ سنة.
وكان عالمًا بالقراءات، واللُّغات، والغريب، بارعًا فِي ذَلِكَ.
تصدَّر [ص:732] للإقراء والتّدريس والحديث. وبعُدَ صِيتُه، وجلَّ قَدْره.
جمع بَيْنَ الرواية والدّراية، وحمل النّاس عَنْهُ؛ وصنَّف " الروض الأنُف " فِي شرح " السيرة " لابن إِسْحَاق، دل عَلَى تبحُّره وبراعته. وَقَدْ ذكَرَ فِي آخره أَنَّهُ استخرجه من نيفٍ وعشرين ومائة ديوان.
وللسُّهيلي فِي ابن قرقول:
سَلا عَنْ سَلا أهلَ المعارف والنُّهى ... بها ودعا أمَّ الرَّباب ومَأْسَلَا
بَكَيْتُ دمًا أزمانَ كَانَ بسبتة ... فكيف التأسي حين منزله سَلا
وقال أناسٌ: إنَّ في البعد سلوة ... وقد طال هذا البعد والقلب ما سلا
فليت أبا إِسْحَاق إذْ شطَّت النَّوَى ... تحيَّته الْحُسْنَى مَعَ الريح أرسلا
فعادت دبُور الريح عندي كالصِّبَا ... لدى عُمَر إذا مر زَيْد تنسلا
وَقَدْ كَانَ يُهديني الحديثَ مُعَنْعَنًا ... فأصبح موصول الأحاديث مُرسلا
وله كتاب " التَّعريف والإعلام بما أُبهِمَ فِي القرآن منَ الأسماء الأعلام "، وكتاب " شرح آية الوصية "، و " شرح الجُمل " ولم يُتمّه. واستُدْعي إلى مَرّاكُش لُيسْمِع منه بها. وبها تُوفي فِي الخامس والعشرين من شعْبان هُوَ والإمام أَبُو الطاهر إِسْمَاعِيل بْن عَوْف شيخ الإسكندرية فِي يومٍ واحد، وعاش ثنتين أَوْ ثلاثًا وسبعين سنة.
قَالَ ابن خَلِّكان: فتُّوح جدّهم هُوَ الدّاخل إلى الأندلس، سَمِع منه أَبُو الخطَّاب بْن دحية. وقَالَ: كَانَ ببلده يتسوَّغ بالعفاف، ويتبلَّغ بالكفاف، حَتَّى نمي خبره إلى صاحب مَرّاكُش، فطلبه وأحسن إِلَيْهِ، وأقبل عليه. وأقام بها نحوًا من ثلاثة أعوام.
وسُهيل قرية بالقرب من مالقة سُميت بالكوكب، لأنه لا يُرى من جميع الأندلس إلا من جبلٍ مُطلّ عَلَى هَذِهِ القرية.
ثُمَّ وجدتُ عَلَى كتاب " الفرائض " للسُّهيلي أَنَّهُ ولد بإشبيلية سنة ثمان وخمسمائة، وأنه وُلي قضاءَ الجماعة، فحسُنت سيرته.(12/731)
23 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ، أَبُو القاسم السِّبْيي، ثُمَّ الْمَصْرِيّ؛ الرجل الصالح، المعروف بابن نُخيسة الجيار. [المتوفى: 581 هـ]
وُلِد سنة ثمانٍ وخمسمائة.
وسمع من سلطان بْن إِبْرَاهِيم المقدسي؛ وأجاز لَهُ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن بْن طَلْحَةَ التِّنِّيسيّ ابن النّخّاس.
روى عَنْهُ المصريون.
قال الحافظ زكي الدّين المنذري: حدثنا عَنْهُ جماعة من شيوخنا. وسِبْيه: مثل صِبْية بباء موحدة، من قُرى عسقلان، ونُخيسة والنّخّاس: بنون ثم خاء معجمة فيهما. والجيار: بجيم، ثُمَّ ياء آخر الحروف.(12/733)
24 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن بن عَبَّاس، أَبُو القاسم، وأبو مُحَمَّد الْجُذَاميّ الْمُقْرِئ، [المتوفى: 581 هـ]
نزيل سَبْتَة.
رَوَى عَنْ أَبِي الْحَسَن بْن مغيث، وأبي عبد اللَّه بن مكي، وأبي الْحَسَن شُريح وقرأ عليه القرآن، وعلى أَبِي القاسم بْن رضا.
وتصدَّر للإقراء والتَّحديث.
حدَّث عَنْهُ أَبُو سُلَيْمَان، وأَبُو مُحَمَّد ابنا حَوْط اللَّه، وأيوب بْن عَبْد اللَّه، وَغَيْرُهُمْ.(12/733)
25 - عَبْد الرزاق بن نصر بن المسّلم بْن نصر، أَبوْ مُحَمَّد، وأَبُو مُسْلِم الدمشقي، النجار، البناء. [المتوفى: 581 هـ]
سَمِع من أَبِي طاهر مُحَمَّد بن الحسين الحنائي، وأبي الحسن ابن الموازينيّ، وهبة اللَّه ابن الأكفانيّ، وأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي العلاء، وأبي الْحَسَن بْن مُسْلِم الفقيه، وعبد الرَّحْمَن بن صابر. [ص:734]
وولد في سنة سبعٍ وتسعين وأربعمائة.
وتُوُفّي في سادس ربيع الآخر.
رَوَى عَنْهُ عبد القادر الرهاوي، وعبد الله ابن الخُشوعي، وأبو المعالي أحمد ابن الشيرازي، والشمس مُحَمَّد بْن عَبْد الهادي المقدسي، والأمين أَبُو الغنائم سالم بْن صَصْرى، والتاج مُحَمَّد بْن أَبِي جَعْفَر القُرْطُبيّ، وآخرون.(12/733)
26 - عَبْد الصَّمَد بْن الْحُسَيْن بْن أَبِي الوفاء عَبْد الغفار، أَبُو المظفر الكُلاهينيّ، الزَّنْجانيّ، الصُّوفيّ، الواعظ المعروف بالبديع. [المتوفى: 581 هـ]
وعظ ببغداد دهرًا، وأخذ الوعظ عن أبي النجيب السهروردي وصحبه. وحدث بـ " مسند أَحْمَد " كله عَنِ ابن الحُصين. وروى أيضًا عَنْ زاهر الشّحّاميّ.
قَالَ ابن الدَّبيثي: وكان لَهُ رباط بقراح القاضي يجلس فِيهِ، وعنده جماعة منَ الفقراء.
قُلْتُ: وقرأ عليه الحافظ أَبُو بَكْر الحازمي " المُسند ".
وتُوُفّي فِي ربيع الآخر. وكان ذا تعبدٍ وتألهٍ.(12/734)
27 - عُبيد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن نجا بْن شاتيل، أَبُو الفتح الْبَغْدَادِيّ، الدباس. [المتوفى: 581 هـ]
سَمِع أباه، والحسين بن علي ابن البُسْريّ، وأبا غالب مُحَمَّد بْن الْحَسَن الباقِلّانيّ، وأحمد بْن المظفر بْن سُوسَن، وأبا الْحَسَن ابن العلَّاف، وانفرد عَنْهُمْ سوى أَبِيهِ؛ وأبا سعد بْن خُشيش، وأبا القاسم عَلِيّ بْن الْحَسَن الرَّبَعيّ، وأُبيا النَّرْسِيّ، وأبا عَلِيّ بْن نبهان، وطائفة.
ووُجد سماعه منقولًا بخط أَبِي بَكْر بْن كامل عَلَى جزء الإفْك، من أَبِي الخطاب ابن البطر سنة تسعين وأربعمائة، فسمعه عليه قوم، فإنْ كَانَ سماعه صحيحًا فتاريخه غَلَط، وإنْ كَانَ تاريخه صحيحًا فيكون لأخٍ لَهُ باسمِه مات.
قَالَ ابن النّجار: مَعَ أن أكثر أصحاب الْحَدِيث أبطلوا سماعه من ابن [ص:735] البَطِر، فَإنَّهُ ذكر أن مولده سنة إحدى وتسعين وأربعمائة.
وقَالَ بعضهم عَنْهُ: إنَّه وُلد سنة تسعٍ وثمانين وأربعمائة.
روى عنه أبو سعد ابن السّمعانيّ مَعَ تقدُّمه، وابن الأخضر، والشيخ الموَّفق، والبهاء عبد الرحمن، والعز محمد ابن الحافظ، وأبوه، وسالم بْن صَصْرى، ومُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر الحمّاميّ، ومُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن بقاء السباك، وفضل اللَّه الجيليّ، وخلْق كثير.
وكان مُسند بغداد فِي عصره. وآخر من رَوَى عَنْهُ بالإجازة الزين أَحْمَد بْن عَبْد الدائم.
قَالَ أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن أَحْمَد القَطِيعيّ: سَأَلْتُهُ عَنْ مولده فَقَالَ: فِي ذِي الحجة سنة إحدى وتسعين وأربعمائة.
وتُوُفّي فِي العشرين من رجب.
ووقع لَهُ حديثٌ بينه وبين أَبِي دَاوُد السّجِسْتانيّ، فِيهِ ثلاثة أنفس.(12/734)
28 - عُبيد اللَّه بْن عَلِيّ بْن غَلَنْدَة، أَبُو الحَكَم الأندلسي، [المتوفى: 581 هـ]
مَوْلَى بني أُميَّة.
نزل إشبيليَّة، وكان شاعرًا، طبيبا، ماهرًا، بارع الخط. نقل بخطّه الكثير. وطال عُمره. وتُوفي بمَرّاكُش.(12/735)
29 - عساكر بْن عَلِيّ بْن إِسْمَاعِيل بْن نصر، أَبُو الجيوش الصوري المولد، الخَنْدقيّ المنشأ، الْمَصْرِيّ، الْمُقْرِئ، النَّحْويّ، الشّافعيّ، المُعَدَّلُ. [المتوفى: 581 هـ]
وُلِد سنة تسعين وأربعمائة، وأخذ القراءات عَنْ أَبِي الْحُسَيْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن شُمول الْمُقْرِئ، وعلي بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن القاسم الْحَضْرَمِيّ نِفْطوَيْه، وأبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن أغلب النَّحْويّ، والشريف الخطيب.
وسمع من مُحَمَّد بْن أَحْمَد الرَّازيّ. وتفقَّه عَلَى قاضي القضاة مُجلِّي بْن جُميع. وقرأ العربية عَلَى ابن بري، وغيره. [ص:736]
وتصدَّر للإقراء بدار العلم وبالجامع الظّافريّ. وانتفع بِهِ الناسُ. أَخَذَ عَنْهُ عَلَم الدّين السَّخَاوي، وجماعة.
وتُوفي في تاسع المحرَّم. وكان رجلا صالحًا خيِّرًا.(12/735)
30 - عصمة الدِّين، الخاتون المحترمة بِنْت الأمير معين الدّين أنر. [المتوفى: 581 هـ]
زَوْجَة السّلطان نور الدّين، ثُمَّ زوجه السّلطان صلاح الدّين.
تزوج بها صلاح الدّين فِي سنة اثنتين وسبعين، وكانت من أعف النّساء وأجلّهن، وأوفرهنّ حشمةً. وهي واقفة المدرسة الخاتونيَّة بمحلة حجر الذَّهب بدمشق، والخانقاه الخاتونيَّة التي عَلَى بانياس. أما الخاتونية التي فِي آخر الشُرف القِبليّ فمنسوبة إلى زُمُرُّد خاتون بِنْت جاولي أخت الملك دُقاق لأمّه، وزوجة أتابَك زنكي والد نور الدّين.
تُوفيت عصمةُ الدّين بدمشق فِي ذِي القعدة، وتُعرف بالخاتون العِصميَّة، ودُفِنَت بتُربتها المنسوبة إليها بقاسيون قِبليّ قبَّة شركس. ومنارتها كلّها حجر.(12/736)
31 - عُمَر بْن عَبْد المجيد بْن عُمَر بْن حُسَيْن، أَبُو حَفْص الْقُرَشِيّ، العَبْدَريّ، الميانِشِيّ، [المتوفى: 581 هـ]
شيخ الحرم.
حدَّث عَنِ القاضي أَبِي المظفَّر مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن الشَّيْبَانِيّ الطبري، وأَحْمَد بْن مَعَد الإقليشيّ، ومُحَمَّد بْن عَلِيّ المازريّ، وأبي طاهر السِّلَفيّ.
ولقي أَبَا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد الرّازيّ وفرَّط بِهِ، فأكثر ما عمل أَنَّهُ تناول منه " سُداسياته ".
رَوَى عَنْهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَرَميّ، وجماعة. وآخر من حدَّث عَنْهُ صدر الدّين أَبُو علي البكْريّ.
توفي بمكَّة فِي جُمادى الأولى.
وكان محدِّثًا متقِنًا صالحًا، صنَّف جزءًا فِي " ما لا يسع المحدث جهله ".(12/736)
32 - الفضل بْن الْحُسَيْن بْن إِبْرَاهِيم بْن سُلَيْمَان، أَبُو المجد الحِمْيَريّ، البانياسي، الرئيس عفيف الدّين. [المتوفى: 581 هـ]
من كبار شيوخ دمشق.
وُلد بها فِي رجب سنة خمسٍ وتسعين وأربعمائة. وَهُوَ آخر من حدَّث عَنْ أَبِي القاسم الكِلابيّ. وحدث أيضًا عَنْ أَبِي الْحَسَن علي، وأبي الفضل محمد ابني الحسن ابن الموازيني، وغيرهم.
روى عنه موفق الدين الحنبلي، والبهاء عبد الرحمن، والحافظ الضياء، وعبد الرحمن بن أبي حَرمي المكي، وآخرون.
وتوفي في سابع شوال.
ولم يكن من بانياس، وإنما خزن مرةً أرُزًا كثيرا من بانياس، فكان الرزازون يَقُولُ أحدهم: اذهبوا بنا نشتري منَ البانياسيّ. وَإِلَيْهِ يُنسب الدَّرب الذي في الكتانيين.(12/737)
33 - مُحَمَّد ابْن الملك أسد الدِّين شيركوه بْن شاذي بْن مَرْوَان. الملك القاهر ناصر الدّين، [المتوفى: 581 هـ]
صاحب حمص، ابن عم صلاح الدّين.
تُوفي بحمص يوم عَرفة، وقت الوقفة، بمرضٍ حادٍ مزعج، وتملَّك حمصَ بعدَه ولده الملك المجاهد أسد الدّين شِيركُوه فطالت أيّامه.
وكان السّلطان صلاح الدّين قَدْ مرض فِي هَذِهِ السنة بحران فِي شوال حَتَّى اشتد مرضه وأوصى، فسار من عنده ناصر الدّين مُحَمَّد واجتاز بحلب، وأخذ جماعة منَ الأحداث وأعطاهم مالًا ووعدهم، وقدِم حمصَ فكاتبَ أَهْل دمشق بأن تكون لَهُ دمشق إن مات ابن عمّه. ثُمَّ عوفي صلاح الدّين.
وقيل: إنَّه سكر فقتله الخمر، وقيل: ابن عمّه سقاه سُمًّا، ونقلته زوجته بِنْت عمّه ست الشام بِنْت أيوب إلى تربتها بمدرستها الشامية بظاهر دمشق، ودفنته عِنْد أخيها شمس الدولة تورانشاه.
وكان موصوفًا بالشّجاعة والإقدام، لَهُ نفسٌ أَبيَّة، وهمّه أيّوبيَّة.
قَالَ ابن واصل: شرب خمرًا فأكثر منها فأصبح ميتًا. فأقطع السّلطان لولده الملك المجاهد وله اثنتا عشرة سنة، فتملك حمص بضْعًا وخمسين سنة.
وذُكِر العماد الكاتب أن التَّرِكَة بلغت ما قيمته ألف ألف دينار.(12/737)
34 - مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن عَبْد الوهَّاب بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ. الحافظ أَبُو سعْد الأصبهاني، الصائغ. [المتوفى: 581 هـ]
ولد سنة سبع وتسعين وأربعمائة. وسمع من أَبِي القاسم غانم البُرْجيّ، وأبي علي الحداد، وحمزة بْن الْعَبَّاس العَلَويّ، وجَعْفَر بْن عَبْد الواحد الثَّقَفيّ، وصاعد بْن سيار الدهان، وأبي عدنان محمد بن أحمد، ويحيى بن منده، وقوام السنة إسماعيل بن محمد التيمي، ومحمد بْن عَبْد الواحد الدقاق، وطائفة.
ورحل إلى الجبال، وفارس، وخُوزستان. وسمع بَهَمَذَان من جُميع بْن الْحَسَن، وأبي طاهر مُحَمَّد بْن عَبْد الغفار، وأبي جَعْفَر مُحَمَّد بْن أَبِي عليّ الحافظ.
سَمِع بشيراز من أَبِي مَنْصُور عَبْد الرحيم بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد الخطيب، وأبي الفتح هبة اللَّه بن الحسن، ومن جماعة.
وسمع بالأهواز من أبي القاسم عبد الْعَزِيز بْن الْحُسَيْن.
وحدَّث وخرَّج. وَقَدْ كتب عَنْهُ من أماليه الحافظ أَبُو سعد السّمعانيّ. وروى عَنْهُ الحافظ عَبْد الغنيّ، والفقيه أَبُو نزار ربيعة اليمني وآخرون.
وبالإجازة: كريمة، وابن اللَّتّي.
وتُوفي فِي الثاني والعشرين من ذِي القعدة.(12/738)
35 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بن محمد، أبو الفوارس العجلي البعقوبي. [المتوفى: 581 هـ]
ولد سنة إحدى عشرة وخمسمائة. وسمع من مُحَمَّد بْن طِراد، وعَلِيّ بْن الصّبّاغ. وحدَّث.(12/738)
36 - مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر عُمَر بْن أَبِي عِيسَى أَحْمَد بْن عُمَر بْن مُحَمَّد، الحافظ الكبير أَبُو مُوسَى المديني، الأصبهاني، [المتوفى: 581 هـ]
صاحب التصانيف وبقيَّة الأعلام.
وُلد فِي ذِي القعدة سنة إحدى وخمسمائة.
وسَمِع حضورًا فِي سنة ثلاثٍ باعتناء والده من أَبِي سعد مُحَمَّد بْن مُحَمَّد المطرِّز، ومات المطرز في شوال سنة ثلاثٍ وخمسمائة. وسمع من أبي منصور محمد بْن مَنْدَويْه الشُّروطي، وغانم البُرْجيّ، وأبي علي الحداد، وأبي الفتح مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه خوروست، [ص:739] وأبي الفتح مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الشرابي بِليزة، وأبي الرجاء مُحَمَّد بْن أَبِي زَيْد الجركاني، ومُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن المطهر العدنانيّ، وأبي الفضل مُحَمَّد بْن طاهر الحافظ، ومُحَمَّد بْن الفضل القرابي القصار، وأبي الرجاء أَحْمَد بْن عبد اللَّه بْن مَنْدَهْ، وإِبْرَاهِيم بْن أَبِي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن أَبروَيْه، وإِبْرَاهِيم بْن عَبْد الواحد بْن أَبِي ذر الصالحانيّ، وإِسْمَاعِيل بْن الفضل الإخشيد، وأبي القاسم إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد بْن الفضل الحافظ وبه تخرَّج وَهُوَ أستاذه، وإسحاق بْن أَحْمَد الراشتينانيّ، وتميم بْن عَلِيّ الواعظ، وجَعْفَر بْن عَبْد الواحد الثَّقَفيّ، وحمزة بْن الْعَبَّاس العَلَويّ، وأبي شكر حمد بْن عَلِيّ الحبال، وحبيب بن أبي مسلم الزاهد، ورجاء بْن إِبْرَاهِيم الخباز، وطَلْحَة بْن الْحُسَيْن الصالحاني، وطاهر بن أحمد البزاز، وأبي نهشل عبد الصمد بن أحمد العنبري، وعبد الكريم بْن عَلِيّ بْن فُورجة، وعَبْد الواحد بْن مُحَمَّد الدَّشْتَج، وعُثْمَان بْن عَبْد الرحيم اللّبيكيّ، النَيْسابوريّ، وعلي بْن عَبْد اللَّه النَيْسابوريّ الواعظ يرويان عَنِ ابن مسرور؛ وغانم بْن عَلِيّ العَطَّار مشكة، ومحمود بن إسماعيل الصيرفي الأشقر، ونصر بن أبي القاسم الصباغ، ونوشروان بن شيرزاد الديلمي، وهبة اللَّه بن الحسن الأبرقوهي، وهبة اللَّه بن الحصين، سَمِع منه " المسند "؛ وهبة اللَّه ابن الطبر الحريري، وهادي بْن إِسْمَاعِيل العَلَويّ، والهيثم بْن مُحَمَّد المعداني، ويحيى بْن عَبْد الوهَّاب بْن مَنْدَهْ الحافظ، وخُجسْتَه بِنْت عَلِيّ بْن أَبِي ذر، ودَعْجاء بِنْت أَبِي سهل الكاغّديّ، وفاطمة الْجُوزدانيَّة، وأبي العز بْن كادش، وخلْق كثير ببلده، وببغداد، وهَمَذَان.
وصنّف التّصانيف النَّافعة. وكان واسع الدائرة فِي معرفة الْحَدِيث، وعلله، وأبوابه، ورجاله، وفنونه، ولم يكن فِي وقته أحدٌ أحفظ منه، ولا أعلم، ولا أعلى سندًا مِمَّنْ يعتني بهذا الشأن.
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ: عاش حَتَّى صار أوحَدَ وقته وشيخ زمانه إسنادًا وحفظًا.
وقال أبو سعد السّمعانيّ: سَمِعْتُ منه وكتب عني، وَهُوَ ثقة صدوق. [ص:740]
قلت: وروى عنه الحَافِظ أَبُو بَكْر مُحَمَّد بن موسى الحازمي، والحافظ عَبْد الغني، والحافظ عَبْد القادر الرُهَاوي، والحافظ مُحَمَّد بْن مكي، وعبد العظيم بْن عَبْد اللطيف الشرابي، والْحَسَن بْن أَبِي مَعْشر الأصبهاني، والناصح ابن الحنبليّ، وأَبُو نجيح مُحَمَّد بْن مُعَاوِيَة مقرئ أصبهان، وخلْق كثير.
وبالإجازة: الفقيه مُحَمَّد اليُونينيّ، وعبد اللَّه ابن الخُشوعيّ، وآخرون.
وكانت رحلته إلى ابن الحُصَيْن سنة أربع وعشرين وخمسمائة.
ثُمَّ قَدم بغداد ثانيًا فِي سنة اثنتين وأربعين، وعاد إلى بلده وأقبل عَلَى التَّصنيف والإملاء وتعليم العِلم والأدب.
ومن مصنَّفاته الكتاب المشهور فِي " تتمَّة معرفة الصّحابة " الَّذِي ذيَّل بِهِ عَلَى أَبِي نُعَيْم، يدل عَلَى تبحره وحِفْظه، وكتاب " الطوالات " مجلدان، وكتاب " تتمَّة الغريبين " يدل عَلَى براعته فِي اللغة والغريب، وكتاب " الوظائف "، وكتاب " اللطائف " وكتاب " عوالي التّابعين "، وغير ذَلِكَ.
وعَرَض من حِفْظه كتاب " علوم الْحَدِيث " للحاكم عَلَى إِسْمَاعِيل الحافظ.
قَالَ الحافظ عَبْد القادر: إنّ أبا مُوسَى حصّل منَ المسموعات بأصبهان خاصة ما لَمْ يحصل لأحدٍ فِي زمانه فيما أَعْلم، وانضمّ إلى كثرة مسموعاته الحِفْظ والإتقان. ولَهُ التَّصانيف التي أربى فيها عَلَى تصانيف بعض من تقدَّمه، مَعَ الثقة فيما يَقُولُ، وتعففه الَّذِي لم نره لأحد من حفاظ الحديث في زماننا، له شيء يسير يتربح به وينفق منه، ولا يقبل من أحد شيئا قط، حتى إنه كان ببعض قرى أصبهان رجل من أهل العلم والدين أراد أن يحج حج نافلة، فجاء جماعة إلى الحافظ أَبِي مُوسَى فسألوه أن يشفع إِلَيْهِ فِي قعوده عَنِ الحج لما يرجون منَ الانتفاع بإقامته، فخرج معهم إلى القرية راكبًا عَلَى حمار، فأجابه إلى ذَلِكَ، فحملوا إلى أَبِي مُوسَى شيئًا منَ الذَّهب، فلم يقبله. فقالوا: فرقه في [ص:741] أصحابك. فقال: فرِّقوه أنتم إن شئتم.
وحدَّثني بعضُ مَن رحل بعدي إلى أصبهان أن رجلًا منَ الأغنياء أوصى إلى الشَّيْخ أَبِي مُوسَى بمالٍ كثيرٍ يفرقه فِي البرّ، فلم يقبل، وقَالَ: بل أوص إلى غيري، وأنا أدلك إلى مَن تدفعه إِلَيْهِ. ففعل. وفيه منَ التَّواضع بحيث أَنَّهُ يُقْرئ كُلّ من أراد ذَلِكَ من صغيرٍ وكبير. ويرشد المبتدئين، حَتَّى رَأَيْته يحفظ صبيانًا القرآن فِي الألواح. ولا يكاد يستتبع أحدًا إذا مضى إلى موضع، حَتَّى إنني تبعته مرَّةً فَقَالَ: ارجِع. ثُمَّ تبِعتُه، فالتفت إليَّ مُغضبًا وقَالَ لي: ألم أقُلْ لك لا تمش خلفي، أنتَ إذا مشيت خلفي لا تنفعني، وتبطل عَنِ النَّسْخ؛ وتردّدتُ إِلَيْهِ نحوًا من سنة ونصف، فَمَا رَأَيْت منه ولا سَمِعْتُ عَنْهُ سَقْطةً تُعاب عليه.
وقَالَ مُحَمَّد بْن محمود الرُّوَيْدَشْتيّ: تُوُفّي الحافظ أَبُو مُوسَى فِي تاسع جُمادى الأولى. وكان أَبُو مَسْعُود كُوتاه الحافظ يَقُولُ: أَبُو مُوسَى كنزٌ مَخْفِيّ.
وقَالَ الْحُسَيْن بْن يَوْحن الباوري: كنتُ فِي مدينة الخان فجاءني رَجُل فسألني عَنْ رؤيا، قَالَ: رَأَيْت كَأَنّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفّي. فقلت: هَذِهِ رؤيا الكبار، وإنْ صَدَقَتْ رؤياك يموت إمام لا نظير لَهُ فِي زمانه. فَإِن هَذَا المنام رُئِيَ حالةَ وَفاة الشافعي والثَّوريّ وأحمد بْن حنبل. قَالَ: فَمَا أمسينا حَتَّى جاءنا الخبر بوفاة الحافظ أبي موسى.
وعن عبد اللَّه بْن مُحَمَّد الخُجَنْدِيّ قَالَ: لما مات أبو موسى لم يكادوا يفرغون حَتَّى جاء مطر عظيم فِي الحَرّ الشديد، وكان الماء قليلًا بأصبهان.(12/738)
37 - مُحَمَّد بْن مُنْجح بْن عَبْد اللَّه، أَبُو شجاع الفقيه الشافعي، الصُّوفيّ الواعظ. [المتوفى: 581 هـ]
تُوُفّي ببغداد فِي ربيع الأول، وكان مولده فِي سنة خمس وخمسمائة.
وسمع من قاضي المَرِسْتان. وتفقه عَلَى: أَبِي مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر الشاشي؛ وأجاز لَهُ ابن طاهر المقدسي. وله شِعر حَسَن. وتفقَّه أيضًا بالجزيرة عَلَى الأستاذ أَبِي القاسم البزري، وخرج إلى الشام. ووُلي قضاء بِعْلَبَكّ، ثُمَّ عاد إلى بغداد.
ومن شِعره: [ص:742]
سلامٌ عَلَى وادي الغضا ما تناوحتْ ... عَلَى ضفَّتيه شمألً وجنوبُ
أحمل أنفاسي الخُزَامَى تحيَّةً ... إذا آنَ منها بالعشِيّ هبوبُ
لعمري لأن شطت بنا غربة النوى ... وحالت صروفٌ دوننا وخطوبُ
وما كُلّ رملٍ جئته رملٍ عالجٍ ... ولا كُلّ ماء عمْتَ فِيهِ شروبُ
رعى اللَّه هَذَا الدَّهْر كُلّ محاسني ... لديه وإن كثرتُهن ذنوبُ
وكان فِيهِ مِزاح ودُعابة. طاب وعْظُه لأهل واسط لما دخلها، فسألوه أن يجلس فِي الأسبوع مرَّتين، فكان كلما عيَّن يومًا يحتجون بأنّ القرّاء يكونون مشغولين، فَقَالَ: لو عرفتُ هَذَا كُنْت جئت معي بيومٍ من بغداد.
تُوفي ببغداد في ثامن عشر ربيع الأول.(12/741)
38 - الْمُبَارَك بْن فارس، أَبُو مَنْصُور المّاوَرْدِيّ. [المتوفى: 581 هـ]
حدَّث بدمشق فِي هَذِهِ السنة عَنْ قاضي المَرِسْتان بنسخة الْأَنْصَارِيّ.
سَمِع منه بَدَل التّبريزيّ.(12/742)
39 - محمود بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد، أَبُو الفتح المحمودي الْبَغْدَادِيّ الجعفري الصُّوفيّ، ابن الصّابونيّ. [المتوفى: 581 هـ]
من ساكني الجعفرية.
كَانَ من أجلاء الشيوخ. ولد سنة خمسمائة تقريبًا، وقرأ بالروايات عَلَى أَبِي العز القلانسيّ. وسَمِع الْحَدِيث من أبي القاسم بْن الحُصين، وأبي بكر المزرفي، وعلي بْن الْمُبَارَك بْن نَغُوبا، وأبي البدر الكَرْخيّ. وصحِب: أَبَا الْحَسَن عَلِيّ بْن مهدي الْبَصْرِيّ الصُّوفيّ، وحَمَّاد بْن مُسْلِم الدّبّاس.
وكان لَهُ رباط ببغداد. ثُمَّ إنَّه سافر إلى مصر وسكنها، وروى بها الكثير؛ حدَّث عَنْهُ ابنه عَلَم الدّين، وابن المفضل الحافظ، وجماعة.
ولقبُه جمال الدّين. وَهُوَ منسوب إلى جد أُمّه شيخ الْإِسْلَام أَبِي عُثْمَان الصّابونيّ، وقيل لجده أَبِي جَعْفَر عَلِيّ بْن أحمد المحموديّ، لاتصاله بالسلطان محمود بْن مُحَمَّد بْن ملكشاه.
ولما قدِم أبو الفتح هَذَا دمشق نزل إلى زيارته السّلطان نور الدّين [ص:743] محمود، وسأله الإقامة بدمشق، فذكر لَهُ قصْده زيارة الشافعي رحمه اللَّه، فجهزه صُحبة الأمير نجم الدّين أيوب عِنْدما سار إلى ولده صلاح الدّين، وصار بينه وبَيْنَ نجم الدّين مودة أكيدة، ومحبة عظيمة، فكان السلطانان الناصر والعادل يرعيانه ويحترمانه.
وَقَدْ كتب الشَّيْخ الزَّاهد عُمَر الملا الْمَوْصِلِيّ كتابًا إلى ابن الصّابونيّ هذا يطلب منه الدعاء.
تُوفي في الثاني والعشرين من شعبان.(12/742)
40 - مظفَّر بْن مُحَمَّد بْن عبد الخالق، أبو سعد البغدادي، النجار، معبر الرؤيا، ويُعرف بالحُجة. [المتوفى: 581 هـ]
كَانَ مشهورا بالكلام العجيب، وَقد سمع الكثير من عَبْد القادر بْن مُحَمَّد بْن يوسف، وابن الحُصين، وزاهر الشّحّاميّ.
رَوَى عَنْهُ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخياط، وغيره.
وتُوُفّي فِي شوال عَنْ سبعٍ وسبعين سنة.(12/743)
41 - مُوسَى بْن عَبْد اللَّه بْن هلْوات، أَبُو عِمْرَانَ الجُذامي، النّاتليّ، الْمَصْرِيّ، الفقيه الشافعي، المقرئ، الضرير. [المتوفى: 581 هـ]
قرأ القرآن عَلَى مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الكيزاني، وعَلِيّ بْن عَبْد الرَّحْمَن نِفْطوَيْه.
وسمع من مُنجب المُرْشديّ.
وتفقه عَلَى: القاضي المجلي بْن جُميع المخزومي.
رَوَى عَنْهُ ابنه، وحَرَميّ، وجماعة.
وتُوفي في ذي القعدة.(12/743)
42 - نور الدّين، صاحب آمِد وحصن كِيفا. اسمه محمد بن قُرا رسلان بن داود. [المتوفى: 581 هـ]
تُوُفّي فِي هَذِهِ السنة، وتملك بعده ابنه قُطب الدّين سُقْمان، وزرَ لَهُ القوام بْن سماقا الأسْعرديّ. فبادر سُقمان إلى خدمة السلطان صلاح الدّين وَهُوَ يحاصر ميافارقين، فأقرّه عَلَى ملك بلاده، وأنْ يصدر عَنْ أمره ونهيه. ثم إن قطب [ص:744] الدّين سكمان قتل غيلة في شهر رمضان من السنة.(12/743)
43 - يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم بْن عَلِيّ. القاضي أَبُو الْحُسَيْن الْمَصْرِيّ، الخيْميّ، الْمُقْرِئ، نائب الحكم بمصر. [المتوفى: 581 هـ]
رَوَى عَنْ أَبِي طَالِب عَبْد الجبار بْن مُحَمَّد المَعَافِرِي، وغيره.(12/744)
44 - يوسف بْن المظفر بْن فاخر، أَبُو الحَجَّاج الْبَغْدَادِيّ، الْمُقْرِئ، [المتوفى: 581 هـ]
نزيل واسط.
قرأ القراءات عَلَى جماعة بواسط، منهم: أَبُو الفتح بْن زُريق، وأبو يَعْلَى بْن تركان. وببغداد عَلَى: أَبِي مُحَمَّد سبْط الخياط، وأبي الكَرَم الشّهْرَزُوريّ. وأقرأ النّاس مدةً.
وكان بارعًا فِي الفنّ، حُلْو التلاوة، مجوِّدًا. ويُعرف بغلام كنينيّ.
تُوفي فِي أول ذِي الحجة.(12/744)
45 - يُونُس بْن أَحْمَد بْن عُبَيْد اللَّه بْن هِبة اللَّه، أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ، [المتوفى: 581 هـ]
والد الوزير أَبِي المظفر عُبيد اللَّه بْن يُونُس.
كَانَ متديِّنًا، حَسَن الطريقة، توكل لوالدة الخليفة. وحدَّث عَنْ هبة اللَّه بْن الحُصين، وأبي منصور القزاز.(12/744)
-وفيها وُلد:
قاضي قُوص صالح بْن الْحُسَيْن الجعفري الزّيْنبيّ، وله تواليف.
والعلامة زكي الدّين عَبْد العظيم المنذري.
ومجد الدين علي بْن وهب القُشَيْريّ بمنفلوط، والخطيب عَبْد المعطي بْن عَبْد الكريم الْأَنْصَارِيّ، ويوسف بْن عُمَر ابن خطيب بيت الآبار.(12/744)
-سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة(12/745)
46 - أَحْمَد بْن عَبْد الصَّمد بْن أَبِي عُبيدة مُحَمَّد بْن أَحْمَد، أَبُو جَعْفَر الخَزْرجيّ، القُرْطُبيّ، [المتوفى: 582 هـ]
نزيل بجَاية وغَرْناطة.
رَوَى عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه بْن مكي، وأبي جَعْفَر البطْرُوجيّ، وعبد الرحيم الحَجّاريّ، وشريح بن محمد، وأبي بكر ابن العربي.
وكان معتنيا بالآثار، صنف كتاب الأحكام وسمَّاه " آفاق الشموس وأعلاق النفوس ".
قال الآبار: حدثنا عَنْهُ ابن بَقِيّ، وأَبُو سُلَيْمَان بْن حَوط اللَّه.
وتُوُفّي بفاس فِي ذِي الحجة، وله أربع وستون سنة.(12/745)
47 - أَحْمَد بْن يوسف بْن عَبْد الْعَزِيز بْن محمد بن رشد، أبو القاسم القيسي، الوراق، القُرْطُبيّ. [المتوفى: 582 هـ]
رَوَى عَنْ أَبِيهِ، وأبي مُحَمَّد بْن عتاب، وأبي بحر الأَسَديّ، وابن رشد.
أَخَذَ عَنْهُ أَبُو القاسم بْن بَقِيّ، وأَبُو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه، وأَبُو الْحَسَن بْن قُطرال.
تُوُفّي يوم عَرَفة.(12/745)
48 - أحمد بن أَبِي بَكْر بْن الْمُبَارَك بْن الشّبْل، أبو السعود الحريمي، العَطَّار، الزَّاهد. [المتوفى: 582 هـ]
صاحب الشَّيْخ عَبْد القادر.
وكان منزله مجمع الفقراء، وَلَهُ قبول زائد. وصار يُشار إِلَيْهِ فِي الطريقة والمعرفة، وفيه رفق وانبساط.(12/745)
49 - بِيبشَ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن بِيبشَ، أَبُو بَكْر العَبْدَريّ، الشاطبي، الفقيه، قاضي شاطبة. [المتوفى: 582 هـ]
سَمِع أَبَا الْحَسَن بْن هُذَيْل، وأبا عَبْد اللَّه بن سعادة.
وكان امرأ صدق، حميد السيرة، مهابًا. قَلّ ما يغيب عَنْهُ شيء من [ص:746] " صحيح الْبُخَارِيّ " لِحفْظه إياه. وكان مُفْتيًا، مُفسرًا، مصنِّفًا، لَهُ آثار فِي الأمر بالمعروف وقمع الباطل. ألَّف الأحاديث التي انفرد بها مُسْلِم، واختصر " صحيح الْبُخَارِيّ ".
سَمِع منه أَبُو مُحَمَّد، وأَبُو سُلَيْمَان ابنا حَوْط اللَّه. وعاش ثمانيًا وخمسين سنة.(12/745)
50 - الحسن بن أحمد ابْن قاضي القضاة أَبِي الْحَسَن عَليّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ، القاضي الأجل أَبُو مُحَمَّد ابن الدامغاني. [المتوفى: 582 هـ]
ولد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة. وسمع هبة اللَّه ابن الطبر، وإِسْمَاعِيل بْن السَّمَرْقَنْدِيّ.
ووُلي القضاء برَبْع الكَرْخ، ثُمَّ وُلّي قضاء واسط مُضَافًا إلى قضاء الكرخ فانحدر إلى واسط، واستنابَ عَلَى الكرخ.
فلما عزل أخوه قاضي القضاة أبو الحسن عُزِلَ هَذَا فلازم بيته. فَلَمَّا وُلي قضاء القضاة رَوْح الحَدِيثيّ أعاد هَذَا إلى قضاء واسط.
تُوُفّي فِي رجب ببغداد.(12/746)
51 - الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم بْن عَلِيّ. فخر الكُتّاب الجُويني المجود. [المتوفى: 582 هـ]
كَانَ أوحد زمانه فِي براعة الخط، كتب عليه خلقٌ ببغداد. وخطَّه يُتَغَالَى فِي تحصيله بالثمنَ الوافر.
تُوُفّي فِي هَذِهِ السنة فيما نبَّأني ابن البُزُوريّ.(12/746)
52 - الْحَسَن بْن سيف، أَبُو علي الشّهْرابانيّ، ثمَّ الْبَغْدَادِيّ، التاجر العدل. [المتوفى: 582 هـ]
تُوُفّي بمكة في جمادى الأولى. وقد روى زاهر بْن طاهر الشّحّاميّ.(12/746)
53 - الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن بركة بْن عُبَيدة، أبو مُحَمَّد الكَرْخيّ، الْمُقْرِئ، النَّحْويّ. [المتوفى: 582 هـ]
من كبار القُرّاء. قرأ القراءات عَلَى أَبِي مَنْصُور بْن خيرون، وأبي مُحَمَّد السِّبْط. ورحل إلى الكوفة فقرأ عَلَى أَبِي البركات عُمَر بْن إِبْرَاهِيم.
وسمع الْحَدِيث منَ القاضي أَبِي بَكْر. وأخذ العربية عن أبي السعادات ابن الشِّجَريّ.
وكان إمامًا أيضًا فِي معرفة الفرائض والحساب. أقرأ النّاس، وتخرَّج بِهِ جماعة.
وتُوُفّي فِي شوال.
ومن شِعره:
وما شَنْآنُ الشَّيْبِ من أجل لونِهِ ... ولكنهُ حادٍ إلى الموتٍ مُسرعُ
إذا ما بَدَت منه الطّليعةُ آذَنَتْ ... بأنَّ المنايا بعدَها تتطلعُ
فإنْ قَصَّها المقراضُ جاءت بأُختها ... وتَطلعُ يتلوها ثلاثٌ وأربعُ
وإنْ خُضبت حالَ الخِضابُ لأنه ... يُغالِبُ صُنع اللَّه واللَّه أصنعُ(12/747)
54 - الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن مَهْجَل، أَبُو عَبْد اللَّه الْبَغْدَادِيّ، الضرير، الرجل الصالح. [المتوفى: 582 هـ]
قرأ القراءات عَلَى جماعة. وسمع من أَبِي عَبْد اللَّه البارع، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن.
رَوَى عَنْهُ ابن الدُّبيثي فِي " تاريخه ".
وتُوُفّي فِي ثالث ربيع الأول.
قَالَ ابن النجار: قرأ بالروايات على البارع.(12/747)
55 - الخضر بْن كامل بْن مَنْصُور. الأمير أَبُو مُحَمَّد الغَنَويّ، المعدَّل بدمشق. [المتوفى: 582 هـ]
رَوَى عَنْ مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن تغلب الآمديّ.
وعاش خمسًا وسبعين سنة.
وكان كبير المروءة، قاضيًا لحقوق النّاس. ويُنعت بصفِيّ الدّولة. [ص:748]
كتب عنه أبو المواهب.(12/747)
56 - ضياء بْن بدر بْن عَبْد اللَّه، أَبُو الفرج ابن البزّاز، عتيق ابن غواديّ التّاجر. [المتوفى: 582 هـ]
بغدادي يروي عن هبة اللَّه ابن الْبُخَارِيّ، والْحُسَيْن بْن مُحَمَّد البارع، وغيرهما.
كتب عَنْهُ عُمَر بْن عَلِيّ القُرشي. وأجاز لابن الدبيثي.
توفي في جمادى الآخرة.(12/748)
57 - طُغان شاه ابن الملك المؤيد أَيِّ أبَه. وكنيته أَبُو بَكْر. [المتوفى: 582 هـ]
تملك نَيْسابور بعد مقتل والده سنة ثمانٍ وستين.
وكان منهمكًا فِي اللذات، معاقرًا للخمر. التقى سنة ست وسبعين هو وسلطان شاه ابن صاحب خوارزم الَّذِي تملك مرو، فنُصِر عليه سلطان شاه وأخذ بعض بلاده. وتُوُفّي فِي المحرَّم سنة اثنتين هَذِهِ، وتملك بعده ابنه سَنْجَرشاه، وصيَّر أتابكه مملوك جَدّه أمير منكلي، فغلبَ عَلَى الأمور، وتفرَّق أمراء والده واتصل أكثرهم بسلطان شاه الخُوارَزْميّ، وهو أخو علاء الدّين تكش. وأساء منكلي وظَلَمَ وَعَسَفَ، وقتل بعض الأمراء، فسار إِلَيْهِ علاء الدّين تكش، وحَصَرَ نَيْسابور شهرين، ثُمَّ عاد لحصارها منَ العام الآتي، فتسلمها بالأمان، وقتل منكلي، وأخذ سنجر شاه معه إلى خوارزم، وأزوجه بابنته، وتزوَّج بوالدته، وبقيت البنت فِي صُحبة سَنْجَر مدةً وماتت، فتزوَّج بأخت علاء الدين. وعاش إلى سنة خمسٍ وتسعين وخمسمائة.
قاله أبو الحسن البيهقي في كتاب " مشارب التجارب ".(12/748)
58 - عَبْد اللَّه بْن بَرِّي بْن عَبْد الجبار بْن بري. العلامة أَبو مُحَمَّد بْن أَبِي الوحش المقدسيّ الأصل، الْمَصْرِيّ، النَّحْويّ، الشافعي. [المتوفى: 582 هـ][ص:749]
وُلد سنة تسع وتسعين وأربعمائة فِي رجبها. وقرأ الأدب عَلَى الْإِمَام أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الملك النَّحْويّ.
وسَمِع من أبي صادق المديني، وأبي عبد الله مُحَمَّد بْن أَحْمَد الرَّازيّ، وعبد الجبار بْن مُحَمَّد المَعَافِرِي، وعَلِيّ بْن عَبْد الرَّحْمَن الْحَضْرَمِيّ، وأبي البركات محمد بن حمزة ابن العرقي، وأبي الْعَبَّاس بْن الحُطَيْئة، وَغَيْرُهُمْ.
وتصدر بجامع مصر لإقراء العربية، وتخرَّج بِهِ جماعة كثيرة. وانفرد بهذا الشأن، وقَصَده الطَّلَبة منَ الأفاق.
قَالَ جمال الدّين القِفْطيّ: وكان عالمًا " بكتاب سِيبوَيْه " وعِلله، قيمًا باللغة وشواهدها. وكان إِلَيْهِ التصفُّح في ديوان الإنشاء، لا يصدر كتاب عن الدولة إلى ملوك النواحي إلا بعد أن يتصفَّحه. وكان يُنَسبُ إلى الغَفْلة فِي غير العربية، وتُحكى عَنْهُ حكايات. وَقَدْ تصدَّر غير واحد من أصحابه فِي حياته.
وكان قليل التصنيف، لَهُ مقدمة سماها " اللباب " وله " جواب المسائل العشرة " التي سأل عنها ملك النحاة. وله حواش على " صحاح الجوهري " أجاد فيها، وهي ستة مجلدات، وكان ثقة حُجّة.
تُوُفّي فِي السابع والعشرين من شوال.
رَوَى عَنْهُ الحافظ ابن المفضل، والزاهد أبو عُمَر المقدسيان، والفقيه عَبْد اللَّه بن نجم بن شاس، وأبو المعالي عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلِيّ المُغيريّ، ومصطفى بْن محمود، ونبأ بْن أَبِي المكارم الأطرابُلسي، والوجيه عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد القوصي، والزاهد أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد القَسْطَلانيّ، وعبد الرحيم بْن الطُّفَيْل، وبهاء الدّين علي ابن الْجُمَّيْزيّ، ومرتضى بْن أبي الجود حاتم.
ومن تلامذته: أبو موسى عيسى بن يللبخت الجزولي صاحب " القانون ".
وقال الموفق عَبْد اللطيف: كَانَ ابن بَرّي شيخًا محقِّقًا، صُحفيًّا، ساذَج الطِّباع، أبله فِي أمور الدُّنْيَا، مُبارك الصُّحْبة، ميمون الطلعة، وفيه تغفُّل [ص:750] عجيب، يستبعد مَن سمعه أن يجتمع فِي رَجُل متقِن للعِلم.
فَمنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يلبس ثيابًا فاخرة، ويأخذ فِي كُمّه الواسع العنب والبيض والحطب. وربمّا وجد منزله مُغلَقًا فرمى بالبيض منَ الطاقة إلى داخل، ويقطر ماء العنب عَلَى قدمه، فيرفع رأسه إلى السماء ويقول: العُجب أنها تُمطِر مَعَ الصَّحو. وكان يتحدَّث ملحونًا ولا يتكلفُ، ويتبرَّم بمن يخاطبه بإعراب.
قُلْتُ: وَقَدْ أجاز لجميع من أدرك حياته من المسلمين. قرأت ذلك بخط أحمد ابن الجوهري، عَنْ خط حَسَن بْن عَبْد الباقي الصَّقَلّيّ، عَنْهُ.(12/748)
59 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن جرير، أَبُو مُحَمَّد الْقُرَشِيّ، الأُمَويّ، الْبَغْدَادِيّ، الناسخ، [المتوفى: 582 هـ]
من وُلِد سَعِيد بْن العاص بْن أُمَية.
سَمِع الكثير وكتب منَ الكُتُب الكِبار شيئًا كثيرًا، وكان مليح الكتابة، محدثًا مفيدًا، مالكيَّ المذهب.
سَمِع القاضي أَبَا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وأبا منصور بْن زُريق، ويحيى بن علي ابن الطّرّاح، وأبا البدر الكرْخيّ، وأبا منصور بْن خَيْرون، وعبد الوهَّاب الأَنماطيّ، وخلقًا كثيرًا.
رَوَى عَنْهُ عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، وإلياس بْن جامع، ومُحَمَّد بْن مَشِّق، وآخرون.
وتُوُفّي فِي سابع ربيع الأوّل.
قَالَ ابن الدُّبيثي: ظاهرُ أمره الصِّدْق.
وقَالَ ابن النجار: كتب ما لا يدخل تحت الحَصْر بالأُجْرة. ويُقَالُ: إنَّه كتب بخمسمائة رطل حبرٍا أحصاها هُوَ، وكان حَسَن الطريقة، متديِّنًا.
تُوُفّي فِي شعبانِ، وله اثنتان وسبعون سنة.(12/750)
60 - عَبْد الرَّحْمَن بْن جامع بْن غَنِيمة ابن البناء، أبو الغنائم، ويُدعى أيضًا غَنِيمَة، الفقيه الصالح، الْبَغْدَادِيّ، الحنبلي. [المتوفى: 582 هـ]
تفقه عَلَى أَبِي بَكْر أحمد بْن مُحَمَّد الدِّينَوَرِيّ.
وسَمِع من أَبِي طَالِب بن يوسف.
وسمع من ابن الحصيُن المُسْنِد، ومنَ الْحُسَيْن بْن عَبْد الملك الخلَّال، والقاضي أَبِي بَكْر. [ص:751]
وكان فقيهًا مُناظِرًا، عارفًا بالمذهب.
رَوَى عَنْهُ الشَّيْخ الموفق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وحمْد بْن أحمد بن صديق وعمر بن بركات الحرانيان، وأبو عبد اللَّه ابن الدُّبِيثيّ، وآخرون.
تُوُفّي ثامن شوال.(12/750)
61 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن قاسم. الشريف الأجل أَبُو القاسم العَلَويّ الحُسيني. [المتوفى: 582 هـ]
تُوُفّي فِي شوال بالقاهرة.
وُلد بدمشق فِي حدود سنة عشرين وخمسمائة.
وَهُوَ جد الشريف عز الدّين الحافظ.(12/751)
62 - عَبْد السّلام بْن يوسُف بْن مُحَمَّد بْن مقلد، أَبُو الفُتُوح التّنُوخيّ، الْجُماهِريّ، الدمشقي الأصل، الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 582 هـ]
سَمِع ببغداد بإفادة أَبِيهِ منَ القاضي الأُرْمَوِيّ، وأبي مَنْصُور بْن خيرون، وابن ناصر، وأبي الوقت.
وطلب بنفسه، وقرأ على الشيوخ.
وحدَّث ببغداد، والمَوْصِل، ودمشق.
وبدمشق تُوُفّي فِي رجب.
كتب عَنْهُ أَبُو المواهب الحافظ وقَالَ: كَانَ قَدْ قدِم إلينا مسرورًا من عِنْد الملك الناصر صلاح الدّين وأعطاه ذَهَبًا. وكان يترسَّل وينظُم، وحُمِلت ترِكتُه إلى أهله بالعراق.
ومن شِعره:
عَلَى ساكني بطْنِ العقيق سلامُ
وهي أبيات مشهورة.(12/751)
63 - عَبْد الصَّمد بْن مُحَمَّد بْن يعيش الغساني الأندلسي، المُنكّبيّ، [المتوفى: 582 هـ]
خطيب المنكب. [ص:752]
أَخَذَ القراءات عَنْ أَبِي الْحَسَن بْن ثَابِت، وأبي بَكْر بْن الخلوف.
وروى عَنْ أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي الْحَسَن بْن مغيث، والقاضي عِياض.
وتصدَّر للإقراء. واخذ النّاس عَنْهُ.
رَوَى عَنْهُ أَبُو القاسم الملاحيّ، وأَبُو مُحَمَّد بْن حوط اللَّه.
وبقي إلى هذا العام.(12/751)
64 - عبد الغني ابن الحافظ أَبِي العلاء الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن الْحَسَن. الهَمَذَانيّ، العَطَّار، أَبُو مُحَمَّد. [المتوفى: 582 هـ]
رحَلَ بِهِ والده إلى أصبهان فسمع من جَعْفَر بْن عَبْد الواحد الثَّقَفيّ، وغانم بْن خَالِد.
ورحلَ بِهِ إلى بغداد فسمّعه من أَبِي القَاسِم بْن الحُصين، وأبي غالب ابن البنّاء وطبقتهما.
وبهَمَذَان من عَبْد الملك بْن مكي بْن بنجير، وهبة اللَّه ابن أخت الطويل، وطائفة. وَلَهُ إجازة من أَبِي علي الحدّاد.
توفي فِي رمضان ببلده، وكان مولده فِي المحرَّم سنة خمس عشرة وخمسمائة.
روى عنه أبو عبد اللَّه ابن الدُّبِيثيّ، فَإنَّهُ حجَّ سنة إحدى وثمانين. وحدَّث.(12/752)
65 - عَبْد الغنيّ بْن القاسم بْن الْحَسَن، أَبُو محمد المصري، الْمُقْرِئ، الشافعي الحجار. [المتوفى: 582 هـ]
الَّذِي اختصر " تفسير " سُليم الرازي، اختصره اختصاراُ حسنًا، وقال: أخبرنا بِهِ أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بن ثابت المقرئ، قال: أخبرنا سلطان بْن إِبْرَاهِيم المقدسيّ، عَنْ نصر المقدسيّ، عَنْ سُلَيْم.
سَمِع منه عَبْد اللَّه بْن خَلَف المِسْكيّ.
تُوفي فِي شوال.(12/752)
66 - عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ، أَبُو الْحَسَن الطُّلَيْطُليّ. [المتوفى: 582 هـ]
رَوَى عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه بْن مكي، وأبي جَعْفَر البطْرُوجيّ، وأبي الحسن شريح. وأخذ القراءات عَنْ شُرَيْح.
رَوَى عَنْهُ يعيش بْن القديم، وأبو الحسن [ص:753] ابن القطان. وكان حيًّا فِي هَذِهِ السنة.(12/752)
67 - عَلِيّ ابن الوزير عضُد الدّين أَبِي الفَرَج مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن هبةِ اللَّه بْن المظفَّر ابن رئيس الرؤساء، أَبُو الْحَسَن عماد الدّين. [المتوفى: 582 هـ]
تزهَّد وتصوَّف، وبنى رِباطًا بدار الخلافة، فلمّا نُكِب أخوه اُتُّهم هُوَ بمالِ إخوته الصّغار، فخرج إلى الشّام، فأكرمه السّلطان صلاح الدّين، وأدرّ عليه أنعامًا.
وكان قَدْ سَمِع منَ القاضي الأُرْمَوِيّ، وأبي الوقت.
وعاش أربعًا وأربعين سنة، ودُفن بجبل قاسيون.(12/753)
68 - عُمَر بْن أَبِي بَكْر بْن عَلِيّ بْن حُسَيْن، أَبُو حَفْص ابن التّبّان المأمونيّ، البغداديّ. [المتوفى: 582 هـ]
سَمِع هبة اللَّه بْن الحُصين، وزاهر بْن طاهر الشحامي، وأبا غالب ابن البناء، وجماعة.
وكان رَجُلًا صالحًا من سكان المأمونيَّة.(12/753)
69 - عِوَض بن إبراهيم بن علي بْن خَلَف، أَبُو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، المَرَاتبِيّ، الْمُقْرِئ. [المتوفى: 582 هـ]
قرأ القراءات عَلَى: أَبِي عَبْد اللَّه البارع، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن المَزْرَفيّ.
وسَمِع منَ ابن الحُصين.
أَخَذَ عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه ابن الدُّبيثي. وقرأ عليه بعض الخَتْمَة، وقَالَ: تُوُفّي في رجب.(12/753)
70 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن دَاوُد، الشَّيْخ أَبُو الرضا المؤدب، الحَيْسُوب، المعروف بالمفيد. [المتوفى: 582 هـ]
بغدادي بارع في الحساب، له تصانيف.
سمع من ابن البَطّيّ قليلًا، وتخرَّج عليه خلْق.(12/753)
71 - محمد بن أحمد ابن العلامة أبي المظفر منصور بْن عَبْد الجبار السمعاني، أَبُو المعالي المَرْوَزِيّ، الواعظ. [المتوفى: 582 هـ]
ورد بغداد، ووعظ بها مدةً، وتُوُفّي بها.
وَهُوَ ابن عم الحافظ أَبِي سعد.(12/754)
72 - مُحَمَّد بْن الحسن بن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن موهوب بْن عَبْد الملك بْن مَنْصُور. الفقيه أَبُو الْحَسَن، وقيل: أَبُو الفضل السَّمَرْقَنْدِيّ، المنصوريّ، الحنفيّ، الْمُقْرِئ، [المتوفى: 582 هـ]
خطيب سَمَرْقَنْد.
من علماء بلده. تفقه عَلَى الْحَسَن بْن عطاء السُّغْديّ، وعمر بْن مُحَمَّد النَّسَفيّ.
وسمع من أَبِي المحامد محمود بْن مَسْعُود القاضي السُّغْديّ، وعَلِيّ بْن عُثْمَان الخرّاط، وأبي إِبْرَاهِيم إِسْحَاق بْن مُحَمَّد النُّوحيّ، وإِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل الصفار.
وحدَّث ببغداد سنة ستٍّ وسبعين. وعاد إلى بلاده.
وتُوُفّي فِي هَذِهِ السنة عَنْ مائةٍ وأربع سنين، وكان معمَّرًا مُسندًا.
رَوَى عنه أبو الحسن ابن القطيعي، وعبد اللَّه بن أبي النجيب السهروردي.
وكان ممتَّعًا بحواسِّه فِي هَذِهِ السنة. وقيل: بل عاش خمسا وتسعين سنة.(12/754)
73 - مُحَمَّد بْن طَلْحَةَ بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد. الفقيه أَبُو أَحْمَد العامري، الْبَصْرِيّ، الفقيه المالكي، المفتي. [المتوفى: 582 هـ]
وٌلد سنة عشرين وخمسمائة.
وأقرأ القرآن وحدَّث، وأفتى.
سَمِع منَ ابن ناصر، وغيره.
وتوفي في رمضان بالبصرة.(12/754)
74 - مُحَمَّد ابن الحَافِظ أَبِي مَسْعُود عَبْد الجليل بْن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد. أَبُو حامد ابن كوتاه الأصبهاني، الْجُوباريّ. [المتوفى: 582 هـ][ص:755]
وأَبُو بَكْر هو الملقَّب بكوتاه، وعُرف بِذَلِك أيضًا عَبْد الجليل، وَهُوَ بالعربي: القصير. وجُوبار: محلة بأصبهان.
ولد سنة عشرين وخمسمائة. وسَمِعَ من جَعْفَر بْن عَبْد الواحد الثقفيّ، وسعيد بن أبي الرجاء الصَّيْرفيّ، وأبي نصر الغازي، ومَنْصُور بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن سُليم، والحُسين بْن عَبْد الملك الخلَّال.
وحدث ببغداد، وأصبهان، وجمع كتابًا فِي " أسباب الْحَدِيث ".
رَوَى عَنْهُ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخبّاز، وأَبُو نزار ربيعة اليمانيّ.
وتوفي في نصف المحرم.(12/754)
75 - محمد ابن القاضي السعيد عَلِيّ بْن عُثْمَان بْن إِبْرَاهِيم الْقُرَشِيّ، المخزومي، المُغيريّ، الْمَصْرِيّ، القاضي الأسعد أَبُو الطاهر الشافعي. [المتوفى: 582 هـ]
ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة.
وسمع منَ السِّلَفيّ، والعثماني.
واستشهد فِي صَفَر ببزاعة.(12/755)
76 - محمد بن علي بن فارس الفراش الشرابي، أَبُو بَكْر، ويُقال: أَبُو عبد اللَّه الزَّاهد. [المتوفى: 582 هـ]
حدَّث عَنْ أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وغيره.
وكان منقطعًا بمسجد كامل.(12/755)
77 - مُحَمَّد بْن أَبِي مَنْصُور الْمُبَارَك بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الخطيب، أَبُو المعالي قاضي المدائن وابن قاضيها الفقيه الشافعي. [المتوفى: 582 هـ]
رَوَى عَنْ أبي الوقت. وله شِعر.(12/755)
78 - هارون بْن أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن عات. أَبُو مُحَمَّد النَّفْزيّ، الشاطبيّ، الْمُقْرِئ. [المتوفى: 582 هـ][ص:756]
أَخَذَ القراءات عَنْ أَبِي مَرْوَان بْن يَسَار صاحب ابن الدّوش.
وسمع من أَبِي الْوَلِيد ابن الدّبّاغ.
وتفقَّه عَلَى أَبِي جَعْفَر الخشني ولازمه سبْع سِنين، وعرضَ عليه " المدوَّنة " مرّات. ومَهَر عنده.
وكان فقيهًا مشاوَرًا مستقلًّا بالفَتْوى، فَرَضيًّا، حاسبًا، مصنِّفًا. استُقضي بشاطِبة فحُمدَت سيرته.
رَوَى عَنْهُ أَبُو عُمَر بْن عياد، وأبو عَبْد اللَّه بْن سعادة، وابنه أَبُو عُمَر بْن عات.
وتُوُفّي فِي شعبان عَنْ سبعين سنة.
وكان من أئمة الأندلس.(12/755)
79 - واجب بْن أَبِي الخَطَّاب مُحَمَّد بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن واجب بْن عُمَر بْن واجب. أَبُو مُحَمَّد البَلَنْسيّ القَيْسيّ. [المتوفى: 582 هـ]
سَمِع ابن هُذَيْل، وأبا عَبْد اللَّه بْن سعادة. وأجاز لَهُ أَبُو مَرْوَان بْن قزمان، وأبو طاهر السِّلَفيّ. وسمع منه أبو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه.
وكان كاتبًا بليغًا، شاعرًا خطيبًا، مفوّهًا، من بيت جلالة. صحِب السّلطان، وتُوُفّي بمَرّاكُش.
وجدُّ جدِّه واجب سَمِع من أَبِي الْعَبَّاس العُذري، وتوفي قبل التسعين وأربعمائة.(12/756)
80 - أَبُو السعود بْن الشِّبل العَطَّار الحريمي الزَّاهد. [المتوفى: 582 هـ]
كَانَ عطارًا فزهِد، وصحِب الشَّيْخ عَبْد القادر، وصار من كبار الفقراء.
لَهُ كرامات وأحوال، وَقَبُولٌ عظيم. غلب عليه الفناء فكان لا يأكل ولا يلبس إلا أن يُطعموه أَوْ يُلبسوه. ولا يكاد يتكلَّم إلا جوابًا. ولا يزال عَلَى طهارة مستقبل القِبلة.
حكى لي عنه جماعة.
يقول أبو المظفر سبط ابن الجوزي: قَالوا: كَانَ جالسًا فوقع السقف، فجاء طرف جذْع عَلَى أضلاعه فكسرها، فلم يتحرَّك، فبقي عشرين سنة، فَلَمَّا [ص:757] مات وجُرِّد للغسْل رأوا أضلاعه مكسَّرَة.
تُوُفّي فِي عاشر شوال، وبنوا عَلَى قبره قبَّةً عالية، وقبره يُزار.(12/756)
-وفيها وُلد:
الكمال بْن طَلْحَةَ، وزكي البَيْلَقانيّ، وعثمان بن عبد الرحمن بن رشيق الرَّبعي.(12/757)
-سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة(12/758)
81 - أَحْمَد بْن المفرج بْن درع التكريتي. [المتوفى: 583 هـ]
حدَّث عَنْ أبي شاكر مُحَمَّد بْن سعد، وغيره.
وتُوُفّي بتكريت.(12/758)
82 - أَحْمَد بْن أَبِي المطَّرف عَبْد الرَّحمن بن أحمد بن عبد الرَّحمن بن جُزَيٍّ، أَبُو بَكْر البَلَنْسيّ. [المتوفى: 583 هـ]
سَمِع أَبَا مُحَمَّد البطليوسي، وطارق بن يعيش، وأبا الوليد ابن الدّبَّاغ. وأقرأ النَّاسَ الفرائض والحساب. وَهُوَ آخر الرّواة عَنِ البَطَلْيُوسي.
حدَّث عَنْه أَبُو عامر بْن نذير، وأَبُو الرَّبِيع بْن سالم، وابن نعمان.
وبالإجازة: الطيب بْن مُحَمَّد، وأَبُو عِيسَى بْن أَبِي السداد.
وتُوُفّي فِي المحرَّم عَنْ أربعٍ وثمانين سنة.(12/758)
83 - إِبْرَاهِيم بْن الْحُسَيْن، الأمير الكبير حسام الدّين المهراني، [المتوفى: 583 هـ]
أحد أمراء صلاح الدّين.
استُشْهِد عَلَى حصار عسقلان فِي جُمادى الآخرة.(12/758)
84 - الْحَسَن بْن حفاظ بْن الْحَسَن بْن الْحُسَيْن، أَبُو علي الغساني الدمشقي، النَّاسخ، المعدَّل. [المتوفى: 583 هـ]
حدَّث عَنْ طاهر بْن سهل الإسْفَرايينيّ. وعاش ستًا وثمانين سنة؛ رَوَى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن صصرى.
ضعف وأصابته رعشة وافتقر.(12/758)
85 - الْحَسَن بْن نصر اللَّه بْن عَبْد الواحد بْن أَحْمَد، أَبُو القاسم الدسْكرِي، ثمَّ الْبَغْدَادِيّ، المعروف بابن الفقيه. [المتوفى: 583 هـ]
سَمِع من هبة اللَّه بن الحصين، وأبي غالب أحمد ابن البناء. [ص:759]
وكان جَدّه أَبُو سعد عَبْد الواحد من أصحاب الشيخ أبي إسحاق الشّيرازي.(12/758)
86 - سَعِيد بْن عَبْد السميع بْن مُحَمَّد بْن شجاع، أَبُو الْحَسَن الهاشميّ، الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 583 هـ]
وُلِد سنة أربع عشرة وخمسمائة.
وسمع من هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وهبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه الشُّروطي، وأبي بَكْر الْأَنْصَارِيّ. كتب عَنْهُ جماعة.
وتوفي فِي ربيع الأول.(12/759)
87 - سُلَيْمَان بْن عَبْد اللَّه، أَبُو الرَّبِيع التُّجَيْبيّ الخَشينيّ، ويُقَالُ: الخُشَنيّ، الْمُقْرِئ. [المتوفى: 583 هـ]
رَوَى عَنْ أبي القاسم ابن الأبرش، وأحمد بْن يَعْلَى.
وأجاز لَهُ أَبُو مُحَمَّد بْن عتاب.
وكان عارفًا بالعربية والفقه. وتصدَّر للإقراء والعربية.
حدَّث عَنْه أَبُو مُحَمَّد، وأَبُو سُلَيْمَان، ابْنَا حَوْط اللَّه؛ وأجاز لهما في هذا العام، وانقطع خبره.(12/759)
88 - شروين بْن حسن، الأمير الكبير، جمال الدّين الزّرزاريّ، الصّلاحيّ. [المتوفى: 583 هـ]
كَانَ أول مَن بادر وخاطر فسبق بأصحابه إلى منازلة القدس قبل تواصل الجيش، فلقيه جمع كبير منَ الفِرَنج خرجوا يَزَكًا فقتلوه، وقتلوا جماعةً من أصحابه، رحمهم اللَّه.(12/759)
89 - عَبْد الجبار بْن يوسف بْن عَبْد الجبار بن شبل بن علي. القاضي الأكرم أبو محمد ابن القاضي الأجل أبي الحجاج الجذامي، الصويتي، المقدسي. [المتوفى: 583 هـ][ص:760]
ولد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة. وسمع منَ السِّلَفيّ.
ووُلّي ديوان الجيوش بمصر مدةً.
وصُوَيت: فخذ من جُذام.
تُوُفّي فِي سابع عشر ذِي القعدة ببيت المَقْدِس، ودُفِن بباب الرحمة. ومولده وداره بمصر.(12/759)
90 - عَبْد الجبار بْن يوسف بْن صالح الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 583 هـ]
شيخ الفُتُوَّة ورئيسها، ودُرَّة تاجها، وحامِلُ لوائها.
تفرَّد بالمروءة والعصبيَّة، وانفرد بشرفِ النَّفس والأُبُوَّة، وانقطع إلى عبادة اللَّه تَعَالَى بموضعٍ اتخذه لنفسه وبناه، فاستدعاه الْإِمَام الناصر لدين اللَّه، وتفتَّى إِلَيْهِ، ولبس منه.
خرج حاجًّا فِي هَذِهِ السنة فتُوُفّي بالمُعَلَّى، ودُفِن بِهِ فِي ذِي الحجة.(12/760)
91 - عَبْد الغني بْن أَبِي بَكْر الْبَغْدَادِيّ، الإسكاف، الفقير، المعروف بابن نُقْطَة، وهي أمُّه. [المتوفى: 583 هـ]
كَانَ يلعب بالحَمَام، فتاب على يد الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي، وصَحِب الفقراء فكثُر أتباعه، وبَنَتْ لَهُ أُمّ الخليفة مسجدًا، فكان يأتيه النّاس ويتكلَّم عليهم. ولم يكن يعرف شيئًا منَ العلم ولا القرآن ولا الخط، بل كَانَ رَجُلًا خيِّرًا.
توفي كهلًا في جمادى الآخرة، رحِمَه اللَّه.
وَهُوَ والد الحافظ أَبِي بَكْر مُحَمَّد مصنِّف " التقييد ". وذَكَر ابنه أَنَّهُ كَانَ لا يدخر شيئًا.
وَلَهُ أخبار مشهورة فِي الإيثار والتَّنَزُّه عَنِ الدُّنْيَا.(12/760)
92 - عَبْد المغيث بْن زُهير بْن زُهير بْن علويّ. المحدِّث أَبُو العزّ بْن أَبِي حرب الْبَغْدَادِيّ، الحربيّ. [المتوفى: 583 هـ]
أحد من عُني بهذا الشأن. قرأ الكثير، وحصَّلَ، ونَسَخَ، وخَرَّج، وصنّفَ. [ص:761]
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ: كَانَ ثقةً صالحًا، صاحب سُنَّة، منظورًا إِلَيْهِ بعين الدِّيانة والأمانة.
سَمِع أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا العز بْن كادش، وهبة اللَّه بن الطبر، وأبا غالب ابن البناء، فَمنْ بعدهم.
وحدَّث بالكثير، وأفاد الطلبة، ونِعْمَ الشيخ كان.
كان مولده في سنة خمسمائة، وتُوُفّي فِي الثالث والعشرين منَ المحرَّم.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ الشَّيْخ الموفَّق، والحافظ عَبْد الغني، وحَمْد بْن صُديق الحراني، والبهاء المقدسي، وأَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ، وخلْق سواهم.
وصنفّ كتابًا فِي " فضائل يزيد " أتى فِيهِ بالعجائب، ولو لَمْ يصنِّفه لكان خيرًا لَهُ. وعمله ردًا عَلَى ابن الجوزي. ووقَعَ بينهما عداوة لأجل يزيد، نسأل اللَّه أن يثبت عقولنا، فَإِن الرجل لا يزال بعقله حَتَّى ينتصب لعداوة يزيد أَوْ ينتصر لَهُ، إذْ لَهُ أُسوة بالملوك الظَّلَمة.
وذكر شيخنا ابن تيمية قَالَ: قَدْ قِيلَ: إن الخليفة الناصر لما بلغه نَهْيُ الشَّيْخ عَبْد المغيث عَنْ لعنة يزيد قَصَده متنكِّرًا، وسأله عَنْ ذَلِكَ، فعرَفَه عَبْد المغيث، ولم يُظْهِرُ أَنَّهُ يعرفه، فَقَالَ: يا هَذَا، أَنَا قصدي كف ألْسِنة النّاس عَنْ خلفاء المسلمين، وإلا فلو فتحنا هَذَا الباب لكان خليفة الوقت هَذَا أحق باللعن، فَإنَّهُ يفعل كذا؛ وَجَعَل يُعَدِّد خطايا الخليفة، حَتَّى قَالَ: يا شيخ ادعُ لي. وذهب.(12/760)
93 - عطاء بْن عَبْد المنعم بْن عَبْد اللَّه، أَبُو الغنائم الأصبهاني الخاني. [المتوفى: 583 هـ]
حدَّث ببغداد وأصبهان عَنْ غانم البرجي.
روى عنه أبو الفتوح ابن الحُصْريّ.
وعاش إلى هَذِهِ السنة. وكان مولده سنة ست وخمسمائة.(12/761)
94 - عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ، أَبُو الْحَسَن بن لبال الشريشي. [المتوفى: 583 هـ]
سَمِع " صحيح الْبُخَارِيّ " من أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وقرأ عليه بالرّوايات.
وروى عَنْ أَبِي بَكْر ابن العربي " الموطأ ". وولي قضاء شُرَيش. [ص:762]
وكان من أَهْل العَدَالة والوَرَع.
صنَّف شرحًا " لمقامات الحريري "، وَلَهُ النَّظم والنَّثر.
قَالَ الأَبّار: حدَّث عَنْهُ جماعةٌ من شيوخنا.(12/761)
95 - عَلِيّ بْن أحمد ابن قاضي القضاة أبي الحسن عليّ ابن قاضي القُضاة أَبِي عَبْد اللَّه الدّامْغَانيّ، أَبُو الْحَسَن قاضي القضاة بالعراق، الفقيه الحنفي. [المتوفى: 583 هـ]
ولد سنة ثلاث عشرة وخمسمائة ببغداد.
وسمع هبات اللَّه: ابن الحصين، وابن الطبر، والشروطي، وأبا الحسين ابن القاضي أَبِي يَعْلَى.
وكان ساكنًا وَقُورًا، رئيسًا، نبيلًا. وُلّي قضاء رَبع الكَرْخ بعد وفاة والده. ثُمَّ ولي قضاء القضاة بعد وفاة أَبِي القاسم الزَّيْنبي سنة ثلاثٍ وأربعين، فبقي فِيهِ إلى أن عزله المستنجدُ أوّل ما استخلف، وطالت أيام عزْله. ثُمَّ وُلي القضاء في سنة سبعين وخمسمائة.
سَمِع منه عُمَر الْقُرَشِيّ، ومُحَمَّد بْن عَبْد الواحد ابن الصباغ، وغيرهما.
وتُوُفّي فِي ذي القعدة، وشيَّعه أعيان الدولة وخلق كثير.
قَالَ ابن النجار: كان مهيبًا، جليلًا، عالمًا، ثخين الستر، عفيفًا، كامل العقل، نزهًا، جميل السيرة.(12/762)
96 - عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي مَنْصُور، جلال الدّين ابن الوزير أَبِي جَعْفَر الجواد [المتوفى: 583 هـ]
وزير السّلطان عز الدّين مَسْعُود.
تُوُفّي فِي المحرَّم. وقيل: تُوُفّي قبل هَذَا. وَقَدْ ذُكِر.(12/762)
97 - عيسى بْن مالك العُقَيْليّ، الأمير الشهيد عز الدّين، [المتوفى: 583 هـ]
ابن صاحب قلعة جعبَر.
أمير جليل، شجاع بطل. استُشْهِد فِي حصار القدس بعد أن بيَّن وأبلى بلاءً حسنًا، وتأسَّف المسلمون عَلَى قتله. قُتل فِي رجب، رحمه اللَّه.(12/762)
98 - مُحَمَّد بْن بركة بْن عُمَر، أبو عَبْد اللَّه الْبَغْدَادِيّ، الحلاج العَطَّار، لا القطان. [المتوفى: 583 هـ]
لَهُ إجازة عالية من أَبِي القاسم الرَّبَعيّ، وأبي الغنائم النَّرْسِيّ، وشجاع الذُّهلي. حدَّث بها عنهم.
سمع منه عبد الجبار ابن البُنْدار، وجماعة، ومحمد بْن أَحْمَد بْن شافع. مات فِي ذِي القعدة.(12/763)
99 - مُحَمَّد بْن ذاكر بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عُمَر، أَبُو بَكْر الأصبهاني، الخِرَقيّ. [المتوفى: 583 هـ]
حجَّ سنة ثمانٍ وستين. وحدَّث ببغداد عَنْ أَبِي علي الحداد، وجَعْفَر الثَّقَفيّ.
وسمع الكثير من أصحاب أَحْمَد بْن محمود الثَّقَفيّ، وسعيد العيار.
وخرَّج لنفسه مُعجمًا.
كتب عَنْهُ أَبُو بَكْر الحازمي، وجماعة، وابنه أَبُو نصر القاساني.
وتُوُفّي فِي رجب عَنْ ثمانين سنة.
وَهُوَ مُحَمَّد بْن أَبِي نصر.
قَالَ أَبُو رشيد الغزَّال: سَمِعْتُ منه الكثير بإفادة والدي، وَقَدْ رحل إلى نَيْسابور بعد الأربعين.(12/763)
100 - مُحَمَّد بْن عَبْد الخالق بْن أَبِي شُكر، أَبُو المحاسن الْأَنْصَارِيّ، الأصبهاني، الجوهري. [المتوفى: 583 هـ]
وُلد سنة سبعٍ وتسعين وأربعمائة. وسمع حضورًا " سُنن النَّسائيّ " منَ الدوني، وسمع كتاب " تاريخ أصبهان "، و " الحلية "، و " مُستخرج أبي نعيم على البخاري ومسلم " عَلَى أَبِي علي الحداد. وسمع " المعجم الكبير " للطبراني عَلَى المجسَّد بْن مُحَمَّد الإسكاف، بسماعه من ابن فاذشاه.
ورَّخ موته أَبُو رشيد الغزال.(12/763)
101 - مُحَمَّد بْن أَبِي مَسْعُود عَبْد الجليل بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد، أَبُو حامد كوتاه الأصبهاني. [المتوفى: 583 هـ]
والدُ أَبِي بَكْر مُحَمَّد. [ص:764]
محدث حافظ مصنّف، لَهُ كتاب " أسباب الْحَدِيث " على نموذج " أسباب النزول " للواحدي، لَمْ يُسبق إلى مثله. وسوَّد " تاريخًا لأصبهان "، وكتب الكثير، وكان صدوقًا نبيلًا.
سَمِع جَعْفَر بْن عَبْد الواحد، وزاهر بْن طاهر، وسعيد بْن أَبِي الرجاء.
رَوَى عَنْهُ أَبُو مُحَمَّد الغزّال.
تُوُفّي فِي المحرَّم وَلَهُ ثلاثٌ وستون سنة. وقيل: تُوفي فِي العام الماضي.(12/763)
102 - مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الْعَزِيز بْن خليفة بْن أَبِي العافية. الْأَزْدِيّ الغَرْناطيّ، أَبُو بَكْر الكُتندي. [المتوفى: 583 هـ]
رَوَى عَنْ أَبِي مُحَمَّد بْن أَبِي جَعْفَر، وأبي عَبْد اللَّه بْن مكي، وأبي الْحَسَن بْن مغيث.
ولقي ابن خَفَاجة الشّاعر وأخذ عَنْهُ.
رَوَى عنه أبو سليمان بن حوط اللَّه، وأبو القاسم الملاحيّ، وغيرهما. وكان أديبًا، كاتبًا، شاعرًا، لُغَويًّا.
تُوفي سنة ثلاثٍ أَوْ أربعٍ وثمانين.(12/764)
103 - مُحَمَّد بْن عَبْد الملك. الأمير شمس الدّين ابن المقدَّم. [المتوفى: 583 هـ]
من كبار أمراء الدّولتين النُّوريَّة والصّلاحيَّة. وَهُوَ الَّذِي سلَّم سنْجار إلى نور الدّين، وسكن دمشق. فَلَمَّا تُوفي نور الدّين كان أحد من قام بسلطنة ولد نور الدّين. ثُمَّ إن صلاح الدّين أَعْطَاه بِعْلَبَكّ، فتحوَّل إليها وأقام بها. ثُمَّ عصى عَلَى صلاح الدّين، فجاء إِلَيْهِ وحاصره، وأعطاه عِوَضها بعض القلاع. ثُمَّ استنابه عَلَى دمشق سنة نيفٍ وثمانين.
وكان بطلًا شجاعًا، محتشمًا. وَقَدْ حضر فِي هَذَا العام وقعة حِطّين، وفُتُوح عكّا، والقدس، والسّواحل. وتوجَّه إلى الحج فِي تجمُّل عظيم، فَلَمَّا بلغ عَرَفَات رفع علم صلاح الدّين وضرب الكوسات، فأنكر عليه طاشتِكِين أمير الركْب العراقيّ وقَالَ: لا يُرفع هنا إلّا علم الخليفة. فلم يلتفت إِلَيْهِ، [ص:765] وأمر غلمانَه فرموا علمَ الخليفة، وركب فيمن معه منَ الْجُنْد الشّامّيين، وركب طاشتِكِين، فالتقوا وَقُتِلَ بينهما جماعة. وجاء ابن المقدَّم سهمٌ فِي عينه، فخرّ صريعًا. وجاء طاشتِكِين فحمله إلى خيمته وخيط جَراحه، فُتُوفّي منَ الغد بمِنَى يوم الأضحى. ونُهِب الركْب الشّاميّ.
قَالَ العماد الكاتب: وصَل شمسُ الدّين عَرَفَات، وما عرف الآفات، وشاع وصوله، وضُربت طبوله، وجالت خيوله، وخفقت أعلامه، وضُربت خيامه، فغاظ ذَلِكَ طاشتِكِين، فركب فِي أصحابه، فأوقع بشمس الدّين وأترابه، وَقُتِلَ جماعة وجُرحوا.
قَالَ: ودُفن بالمُعلى، وارتاع طاشتِكِين لِمَا اجْتَرَمه، وأخذ شهادة الأعيان أنّ الذَّنْبَ لابن المقدّم. وقُرئ المحضر فِي الديوان. ولمّا بلغ السّلطان مقتلُهُ بكى وحزن عليه وقَالَ: قتلني اللَّه إنْ لَمْ أنتصر لَهُ. وتأكَّدت الوحْشة بينه وبين الخليفة. وجاءه رسولٌ يعتذر، فَقَالَ: أَنَا الجواب عمّا جرى. ثُمَّ اشتغل بالجهاد عَنْ ذَلِكَ.
وقَالَ ابن الأثير: لما فُتح بيت المَقْدِس طلب ابن المقدّم منَ السّلطان إذْنًا ليحجّ ويُحرم منَ القدس، ويجمع فِي سَنَته بَيْنَ الجهاد والحجّ، وزيارة الخليل والرسول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِما وَسَلَّمَ. وكان قَدِ اجتمع بالشّام ركبٌ عظيم، فحج بهم ابن المقدّم. فَلَمَّا كَانَ عشيَّةَ عرَفة، أمر بضرب كوساته ليتقدم للإفاضة، فأرسل إِلَيْهِ مُجير الدّين طاشتِكِين ينهاه عَنِ التّقدُّم، فأرسل إِلَيْهِ: إني لَيْسَ لي معك تعلُّق، وكلٌّ يفعلُ ما يراه. وسار ولم يقف. فركب طاشتِكِين فِي أجناده، وتبِعه منَ الغَوْغاء والطّمّاعة عالمٌ كبير، وقصدوا حاجّ الشّام، فَلَمَّا قربوا خرج الأمر عَنِ الضَّبْط، فهجم طماعةُ العراق عَلَى الشّاميّين وفتكوا فيهم، وقتلوا جماعة، ونُهبت أموالهم. وجُرح ابن المقدَّم عدَّة جراحات. وكان يكفُّ أصحابه عن القتال، ولو أذن لهم لانتصف منهم، ولكنه راقب اللَّه وحُرمة المكان واليوم، فَلَمَّا أُثخن بالجراحات أخذه طاشتِكِين إلى خيمته، وأنزله عنده ليمرّضه ويستدرك الفارط، فمات منَ الغد، ورُزق الشّهادة بعد الجهاد، رحمه اللَّه. [ص:766]
قُلْتُ: وَلَهُ دارٌ كبيرة إلى جانب مدرسته المقدَّمية بدمشق، ثُمَّ صارت لصاحب حماه، ثُمَّ صارت لقراسنقُر المنصوريّ، ثُمَّ صارت للسّلطان الملك الناصر بعده. وله تربة ومسجد وخان مشهور داخل باب الفراديس.(12/764)
104 - مُحَمَّد بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن واجب، أَبُو بَكْر القَيْسيّ البَلَنْسيّ. [المتوفى: 583 هـ]
سَمِع أَبَاه وعليه تفقّه، وأبا الْحَسَن ابن النّعمة.
وأخذ القراءات عَنْ أَبِي مُحَمَّد بْن سعدون الضرير.(12/766)
105 - مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن مواهب بْن إِسْرَائِيل، أَبُو الفتح البَرَدانيّ. [المتوفى: 583 هـ]
روى عن أبي علي بن نبهان، وأبي غالب مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد، وأبي عَلِيّ ابن المهدي، ومُحَمَّد بْن عَبْد الباقي الدّوُري.
قَالَ ابن الدُّبيثي: رَأَيْتُ بعضهم يتّهمه بالتَّحْدِيث بما لَمْ يسمعه، ولم أقِف عَلَى ما يُنافي الصّحة. سمعنا منه. وسمع منه عُمَر الْقُرَشِيّ، وأصحابنا.
ووُلد سنة تسع وتسعين وأربعمائة. وتوفي فِي جُمادى الأولى.(12/766)
106 - الْمُبَارَك بْن الأعز بْن سعد اللَّه، أَبُو المظفَّر التُّوثيّ القوَّال. [المتوفى: 583 هـ]
مغنّى بغداد فِي عصره، من أَهْل محلَّة التُّوثة.
كَانَ رأسًا فِي الغناء، وأخذ المطربون عَنْهُ الأنغام. وَلَهُ تصانيف فِي الموسيقى، وكان يخالط الصُّوفيَّة.(12/766)
107 - الْمُبَارَك بْن عَبْد الواحد بْن غَيْلانَ الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 583 هـ]
سَمِع منَ ابن الحُصين، وحدَّث.(12/766)
108 - محفوظ بْن أحمد ابن العلامة أَبِي الخَطَّاب محفوظ بْن أَحْمَد بْن الْحَسَن الكَلْوَذانيّ. [المتوفى: 583 هـ]
سَمِع ابن الحُصَيْن وحدَّث. [ص:767]
وكان أَبُوهُ من عُدُول بغداد.(12/766)
109 - مخلوف بْن عَلِيّ بْن عَبْد الحق، الفقيه أَبُو القاسم التَّمِيمِيّ، القَرَويّ، ثمَّ الإسكندرانيّ. الفقيه المالكي، المعروف بابن جارة. [المتوفى: 583 هـ]
تفقَّه وبرع فِي المذهب.
ومن شيوخه: أَبُو الحَجَّاج يوسف بْن عَبْد الْعَزِيز اللّخْميّ، ومُحَمَّد بْن أَبِي سَعِيد الأندلسيّ، وسَنَد بْن عنّان، وأَبُو عَبْد اللَّه المازريّ، وآخرون.
ودرّس وأفتى، وانتفع بِهِ جماعةٌ كثيرة فِي الفقه. وكان من أعلام المذهب.
تُوفي فِي رمضان بالثّغر.
تفقَّه بِهِ ابن المفضل، وروى عنه.(12/767)
110 - نصر اللَّه بْن أَبِي مَنْصُور عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد، أَبُو السعادات بْن زُريق الشَّيْبَانِيّ، القزَّاز، الحَرِيميّ. [المتوفى: 583 هـ]
مُسند بغداد فِي وقته.
كَانَ شيخًا صالحًا من بيت الرواية. سَمِع جَدّه أَبَا غالب، وأبا سعد بْن خُشيش، وأبا القاسم الرَّبَعيّ، وأبا الْحُسَيْن ابن الطيوري، وأبا الحسن ابن العلاف، وأبا العز مُحَمَّد بْن الْمُخْتَارِ، وأبا الْعَبَّاس أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عمروس، وأحمد بن محمد بن علي ابن العلاف، وأبا القاسم بْن بيان، وأبا عَلِيّ بْن نبهان، وشجاع بْن فارس الذُّهلي، وأُمّه شمس النَّهار بِنْت أَبِي علي البَرَدانيّ.
حدَّث عنه أبو سعد ابن السّمعانيّ، ومات قبله بإحدى وعشرين سنة. وابنه عُثْمَان، وابن الأخضر، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والتَّقِيّ بْن باسوَيْه، ومعالي بْن سلامة الحرّانيّ، وأَبُو عبد الله ابن الدبيثي، والجمال أبو حمزة، ومحمد ابن الحافظ عَبْد الغني، والأمين سالم بْن صَصْرى، وفضل اللَّه بْن عَبْد الرزاق الْجيليّ، ومُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن بقاء السّبّاك، ومُحَمَّد بْن أبي الفتوح ابن الحُصْريّ، وعَبْد اللَّه بْن عُمَر البَنْدَنِيجيّ، وآخرون.
وآخر من رَوَى عَنْهُ بالإجازة ابن عَبْد الدائم. [ص:768]
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ: أراني مولده بخط جَدّه أَبِي غالب فِي جُمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وأربعمائة. وتوفي في تاسع عشر ربيع الآخر، وله اثنتان وتسعون سنة.(12/767)
111 - نصر بْن فتيان بْن مطر، العلامة ناصح الدّين أبو الفتح ابن المَنّيّ النّهروانيّ، الحنبليّ، فقيه العراق. [المتوفى: 583 هـ]
وُلِد سنة إحدى وخمسمائة. وتفقه على أبي بكر أحمد بن محمد الدِّينَوَرِيّ، ولازمه حَتَّى بَرَعَ فِي المذهب.
وسمع من هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، والْحُسَيْن بْن مُحَمَّد البارع، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن عَلِيّ ابن الدَّنِف، والْحُسَيْن بْن عَبْد الملك الخلّال، وأبي الحسن بن الزاغوني، وأبي غالب ابن البناء، وأبي نصر اليُونارتيّ.
وتصدَّر للإِشغال، وطال عُمره، وقصده الطَّلبة منَ البلاد، وبَعُدَ صيتُه، واشْتَهَر اسمه، وتخرَّج بِهِ أئمَّة.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ ورِعًا عابدًا، حَسَن السَّمْت، عَلَى منهاج السَّلَف.
أضرّ فِي آخر عمره، وحصل لَهُ طَرَش. ولم يزل يدرّس الفقه إلى حين وفاته. تُوُفّي فِي خامس رمضان.
وقَالَ ابن الدُّبِيثيّ: كَانَ لَهُ مَسْجِد فِي المأمونيَّة، وبه يدرّس.
قُلْتُ: تفقَّه عليه الشَّيْخ الموفَّق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وروى عَنْهُ هما، وابن أَخِيهِ مُحَمَّد بْن مقبل، وأَبُو صالح نصر بْن عبد الرزاق، وجماعة.
قال ابن النجار: حمل على الرؤوس، وتولى حفْظ جنازته جماعة منَ الأتراك خوفًا من العوام وازدحامهم عليه، ودفن بداره.(12/768)
112 - هبة اللَّه بْن أَبِي القاسم عَلِيّ بْن هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن، المولى مجد الدّين أبو الفضل [المتوفى: 583 هـ]
ابن الصاحب، أستاذ دار المستضيء.
انتهت إليه الرياسة في زمانه. وبلغ من الرتبة رتب الوزراء وأبلغ، وصار يولي ويعزل. وماج فِي أيّامه الرْفض، وشمخت المبتدعة. وَقَدْ وُلّي حجابة الباب النُّوبيّ فِي أيّام المستنجد، ولما بويع الناصر قربه وأدناه، وحكمه فِي [ص:769] الأمور والصُّدور. ولم يزل عَلَى ارتقائه إلى أن سَعَى بِهِ بعض النّاس، فاستُدْعِيَ إلى دار الخلافة، فقتِل بها تاسع عشر ربيع الأول، وعُلِّق رأسه عَلَى داره.
وكان رافضّيًا سبابًا.
عاش إحدى وأربعين سنة، وخلف ترِكةً عظيمة منها ألف ألف دينار ونيّف.(12/768)
-وفيها وُلد:
التقي الحوراني الزاهد، وفراس ابن العسقلاني، والجمال يحيى ابن الصَّيْرفيّ، وعمر بْن عوة الْجَزَريّ، وآخرون.(12/769)
-سنة أربع وثمانين وخمسمائة(12/770)
113 - إِبْرَاهِيم بْن سُفْيَان بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الوهاب ابن الحافظ عَبْد اللَّه بْن مَنْدَه، أَبُو إِسْحَاق العبدي، الأصبهاني. [المتوفى: 584 هـ]
حدَّث عَنْ زاهر الشّحّاميّ، والْحُسَيْن الخلَّال، وخلْق.
قَالَ ابن النّجار: سَمِع كثيرًا وأسمع أولاده، وكتب بخطه وكان موصوفًا بالصدق والأمانة، وحُسْن الطريقة والديانة. تُوُفّي فِي ثاني عشر جُمادى الأولى.(12/770)
114 - إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الأعلى بْن أَحْمَد، أَبُو غالب الخطيب، الواسطيّ، المعدَّل. [المتوفى: 584 هـ]
شيخ صالح يخطب بقرية.
سَمِع أباه، ونصر اللَّه بن الجلخت، والحسن بن إبراهيم الفارقي الفقيه، والمبارك بن نغوبا.
قال ابن الدبيثي: قدِم بغداد، وكتبنا عَنْهُ وكان ثقة تُوُفّي فِي المحرَّم، وَلَهُ نيِّفٌ وسبعون سنة.(12/770)
115 - أُسَامَة بْن مُرشد بْن عَلِيّ بْن مُقَلّد بْن نصر بْن منقذ. الأمير الكبير مجد الدّين، مؤيَّد الدَّولة، أَبُو المظفَّر الكِنانيّ، الشَّيزَرِيّ الأديب، [المتوفى: 584 هـ]
أحد أبطال الْإِسْلَام، ورئيس الشعراء الأعلام.
وُلِد بشيزر في سنة ثمانٍ وثمانين وأربعمائة. وسمع سنة تسعٍ وتسعين " نسخة أَبِي هُدْبة " من عَلِيّ بْن سالم السِّنْبِسيّ.
سَمِع منه أَبُو القاسم بْن عساكر الحافظ وأَبُو سعد ابن السّمعانيّ، وأَبُو المواهب بْن صَصْرى، والحافظ عَبْد الغني، وولده الأمير أَبُو الفوارس مُرْهَف، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وشمس الدّين مُحَمَّد بْن عَبْد الكافي، وعبد الصَّمد بْن خليل بْن مقلد الصائغ، وعبد الكريم بْن نصر اللَّه بْن أَبِي سُراقة، وآخرون.
وَلَهُ شِعْر يروق وشجاعة مشهورة. دخل ديار مصر وخدم بها فِي أيام [ص:771] العادل ابن السّلّار، ثم قدِم دمشقَ، وسكن حماه مدةً، وكان أَبُوهُ أميرًا شاعرًا مُجِيدًا أيضًا.
وقَالَ ابن السّمعانيّ: قَالَ لي أَبُو المظفَّر: أحفظ أكثر من عشرين ألف بيت من شِعْر الجاهلية. ودخلتُ بغداد وقت مُحاربة دُبَيْس والمسترشد بالله، ونزلت الجانب الغربي، وما عبرتُ إلى شرقيّها.
وقَالَ العماد الكاتب: مؤيد الدولة أعرق أَهْل بيته فِي الحسب، وأعرفهم بالأدب. وجرت لَهُ نَبْوة فِي أيام الدمشقيين، وسافر إلى مصر فأقام بها سنين فِي أيام المصريين، ثم عاد إلى دمشق. وكنت أسمع بفضله وأنا بأصبهان. وما زال بنو منقذ مالكي شَيْزَر إلى أن جاءت الزَّلزَلة في سنة نيفٍ وخمسين وخمسمائة، فخرَّبت حصنها، وأذهبت حُسْنها، وتملَّكها نور الدّين عليهم، وأعاد بناءها، فَتَشعَّبوا شُعَبًا، وتفرَّقوا أيدي سبأ. وأسامة كاسمه فِي قوة نثره ونظْمه، تلوح فِي كلامه إمارة الأمارة، ويؤسِّسُ بيتُ قريضهِ عمارةَ العبارَة. انتقل إلى مصر فبقي بها مؤمَّرًا، مشارًا إِلَيْهِ بالتّعظيم إلى أيّام ابن رُزّيك، فعاد إلى دمشق محتَرَما حَتَّى أُخِذت شَيْزَر من أهله، ورشقهم صرف الزمان بنَبْله، ورماه الحِدْثان إلى حصن كِيفا مقيمًا بها فِي ولده، مؤثِرًا بلَدَها عَلَى بلده، حَتَّى أعاد اللَّه دمشق إلى سلطنة صلاح الدّين، ولم يزل مشغوفًا بذِكره، مستهترًا بإشاعة نظْمه ونثْره. والأمير عضُد الدولة وُلِد الأمير مؤيد الدولة جليسه ونديمه، فطلبه إلى دمشق وَقَدْ شاخ، فاجتمعتُ بِهِ وأنشدني لنفسه فِي ضرسه:
وصاحب لا أملُّ الدهرَ صُحبته ... يشقى لنفْعي ويسعى سعْي مجتهدِ
لَمْ أَلْقَهُ مُذْ تصاحبنا فحين بدا ... لناظِرَيَّ افترقنا فُرقة الأبدِ
قَالَ العماد: ومن عجيب ما اتّفق لي أنّي وجدتُ هذين البيتين مَعَ أُخر فِي ديوان أَبِي الْحُسَيْن أَحْمَد بْن منير الرّفّاء المُتَوَفّي سنة ثمانٍ وأربعين وخمسمائة، وهي: [ص:772]
وصاحبٍ لا أملُّ الدّهرَ صُحبته ... يسعى لنفعي وأجني ضُرَّه بيدي
أدنى إلى القلب من سمعي ومن بصري ... ومن تِلادي ومن مالي ومن ولدي
أخلو ببثي من خالٍ بوجنته ... مداده زائد التّقصير للمُددِ
والأشبه أن ابن منير أخذهما، وزاد عليهما.
ولأسامة فِي ضرسِ آخر:
أعجب بمحتجب عَنْ كُلّ ذِي نَظَر ... صحِبْتُه الدَّهرَ لَمْ أَسْبِرْ خلائقه
حتى إذا رابني قابلته فقضى ... حياؤه وإبائي أن أفارقه
وَلَهُ:
وصاحبٍ صاحَبَني فِي الصبى ... حَتَّى تردَّيت رداء المَشيبْ
لَمْ يبدُ لي ستّين حولًا ولا ... بلوت من أخلاقه ما يريبْ
أفسَده الدّهر ومن ذا الَّذِي ... يحافظ العهد بظّهر المغيب
منذ افترقنا لَمْ أصِبْ مثله ... عُمري ومثلي أبدًا لا يصيب
وَلَهُ:
قَالُوا نهتهُ الأربعون عَنِ الصبا ... وأخو المَشِيب يجور ثمَّتَ يهتدي
كم حار فِي ليلِ الشباب فدلَّه ... صُبْحُ المَشِيب عَلَى الطريق الأقصدِ
وَإِذَا عَدَدْتَ سِنِيّ ثُمَّ نَقَصْتَها ... زمنَ الهُموم فتِلكَ ساعةُ مولدي
وَلَهُ فِي الشَّيْب:
أَنَا كالدُّجى لما تناهى عُمره ... نشرت لَهُ أيدي الصّباح ذوائبا
وَلَهُ:
أنظر إلى لاعب الشَّطْرَنْج يجمعُها ... مُغالِبًا ثُمَّ بعد الجمْع يرميها
كالمرءِ يكدحُ للدّنيا ويجمعُها ... حَتَّى إذا مات خلّاها وما فيها
وَلَهُ إلى الصالح طلائع بْن رُزّيك وزير مصر يسأله تسييرَ أهله إلى الشام، وكان ابن رُزّيك يتوقَّع رجوعَه إلى مصر: [ص:773]
أذْكِرْهُمُ الودَّ إنْ صدُّوا وإنْ صَدَفوا ... إنّ الكرام إذا استعطفْتهُمُ عطفوا
ولا تُرد شافعًا إلاّ هواك لهم ... كفاك ما اختبروا منه وما كشفوا
يا حيرة القلب والفسطاطُ دارُهم ... لَمْ تصقب الدّار ولكنْ أصقب الكلفُ
فارقتُكُم مُكرهًا والقلب يخبرني ... أن ليس لي عوضٌ عنكم ولا خلفُ
ولو تعوَّضتُ بالدّنيا غُبنتُ وهل ... يُعوِّضني عَنْ نفس الجوهر الصدفُ
ولَسْتُ أُنكر ما يأتي الزّمان بِهِ ... كُلّ الورى لرزايا دهرهم هرفُ
ولا أسفتُ لأمرٍ فات مطلبه ... لكن لفرقةِ من فراقته الأسفُ
الملكُ الصالح الهادي الَّذِي شهِدَتْ ... بفضل أيامه الأنباءَ والصُحفُ
ملكٌ أقلّ عطاياه الغِنى فإذا ... أدناكَ منه فأدنى حظك الشرفُ
سعتْ إلى زُهده الدُّنْيَا بزُخْرُفها ... طَوْعًا وفيها عَلَى خطابها صلفُ
مسهدُ وعيونُ النّاس هاجعةٌ ... عَلَى التهجدِ والقرآنِ معتكفُ
وتُشرق الشمس من لألاء غُرتهِ ... فِي دَسْتِهِ فتكاد الشمس تنكسفُ
فأجابه الصالح، وكان يجيد النظم:
آدابُك الغُرّ بحرٌ ما لَهُ طرفُ ... فِي كل حين بدا من حُسنه طُرفُ
نقول لما أتانا ما بعثتَ بِهِ ... هَذَا كتابٌ أتى أمْ روضةٌ أنُفُ
إذا ذكرناك مجدَ الدّين عاوَدَنا ... شوقٌ تجدَّد منه الوجدُ والأسفُ
يا مَن جفانا ولو قد شاء كان الى ... جانبنا دون أهلِ الأرض ينعطفُ
وهي طويلة.
ولأسامة:
مع الثمانين عاث الضعفُ فِي جسدي ... وساءني ضعفُ رِجْلي واضطرابُ يدي
إذا كتبتُ فخطي خطُّ مضطربٍ ... كخطّ مُرْتَعِشِ الكفَّين مُرْتَعدِ
فاعْجب لضَعْفِ يدي عَنْ حَمْلها قَلَمًا ... من بَعْد حطمِ القَنَا فِي لبَّةِ الأسدِ
وإن مشيتُ وَفِي كفّي العصا ثقُلَتْ ... رِجلي كأنّي أخوضُ الوحل فِي الجلدِ
فقُلْ لمن يتمنّى طول مدَّتِهِ ... هذي عواقبُ طُولِ العُمرِ والمُدد
ولما قدِم من حصن كِيفا عَلَى صلاح الدّين قَالَ: [ص:774]
حَمِدْتُ عَلَى طول عُمري المَشِيبا ... وإنْ كنتُ أكثرتُ فِيهِ الذُّنوبا
لأنّي حييتُ إلى أن لقيت ... بعد العدو صديقًا حبيبا
وَلَهُ:
لا تَستعِرْ جلَدًا عَلَى هجرانهم ... فقِواك تضعفُ عَنْ صدود دائمِ
واعلم بأنك إن عدت إليهم ... طَوْعًا وإلّا عُدت عَودة راغمِ
وعندي لَهُ مجلَّدٌ يخبر فِيهِ بما رَأَى منَ الأهوال، قَالَ: حضرت منَ المصافّات والوقعات مَهْولَ أخطارِها، واصْطَليت من سعير نارِها، وباشرتُ الحربَ، وأنا ابن خمس عشرة سنة إلى أن بلغت مدى التّسعين، وصرتُ منَ الخوالِفِ، خَدِين المنزل، وعن الحروب والجهاد بمعزِل، لا أُعدُّ لِمُهِمّ، ولا أُدعى لدفاع مُلِمّ، بعدما كنتُ أوّل من تنثني عليه الخناصر، وأكبر العددِ لدفع الكبائر، أول من يتقدَّم السَّنْجَقِيَّة عِنْد حملة الأصحاب، وآخر جاذب عِنْد الجولة لحماية الأعقاب.
كم قَدْ شهدت منَ الحروب فليتني ... فِي بعضها مِن قبل نكسي أقتلُ
فالقتلُ أحسن بالفتى من قبل أن ... يفنى ويُبليه الزمانُ وأجملُ
وأبيكَ ما أحجمتُ عَنْ خوض الرَّدى ... فِي الحرب شهد لي بذاك المفصلُ
لكن قضاء اللَّه أخَّرني الى ... أجلي الموقت لي فماذا أفعلُ
ثُمَّ أَخَذَ يعدّ ما حضره منَ الوقعات الكبار، قَالَ: فَمنْ ذَلِكَ وقعة كَانَ بيننا وبين الإسماعيلية فِي قلعة شيزر لما توثبوا على الحصن في سنة سبعٍ وخمسمائة، ووقعة كَانَتْ بَيْنَ عسكر حماه وعسكر حمص في سنة خمس وعشرين وخمسمائة، ومصاف عَلَى تِكْريت بَيْنَ أتابَك زنكي بْن أقسنقر، وبَيْنَ قُراجا صاحب مرس فِي سنة ستٍّ وعشرين، ومصاف بَيْنَ المسترشد بِاللَّه وبَيْنَ أتابك زنكي على بغداد في سبعٍ وعشرين، ومصاف بَيْنَ أتابَك زنكي وبَيْنَ الأرتقيَّة وصاحب آمِد عَلَى آمد فِي سنة ثمانٍ وعشرين، ومصاف عَلَى رَفَنية بَيْنَ أتابَك زنكي وبَيْنَ الفِرَنج سنة إحدى وثلاثين، ومصاف عَلَى قِنَّسْرين بَيْنَ أتابَك وبَيْنَ الفِرَنج لَمْ يكن فيه لقاء في سنة اثنتين وثلاثين، ووقعة بَيْنَ [ص:775] المصريين وبَيْنَ رضوان الولخشي سنة اثنتين وأربعين، ووقعة بَيْنَ السُّودان بمصر فِي أيام الحافظ فِي سنة أربعٍ وأربعين. ووقعة كَانَتْ بَيْنَ الملك العادل ابن السّلّار، وبَيْنَ أصحاب ابن مَصال فِي السَّنة، ووقعة أيضًا بَيْنَ أصحاب العادل وبَيْنَ ابن مصال فِي السنة أيضًا بدلاص، وفتنة قُتل فيها العادل ابن السّلّار فِي سنة ثمانٍ وأربعين. وفتنة قُتل فيها الظافر وأخواه وابن عمّه فِي سنة تسعٍ وأربعين، وفتنة المصريين وعباس بن أَبِي الفتوح فِي السنة. وفتنة أخرى بعد شهر حين قامت عليه الْجُنْد. ووقعة كَانَتْ بيننا وبَيْنَ الفِرَنج فِي السنة.
ثُمَّ أَخَذَ يسرد عجائب ما شاهد فِي هَذِهِ الوقعات، ويصف فيها شجاعته وإقدامه.
وقد ذكره يحيى بن أبي طيئ في " تاريخ الشيعة " فقال: حدثني أبي رحمه الله، قَالَ: اجتمعت بِهِ دفعات، وكان إماميًا حَسَن العقيدة، إلا أَنَّهُ كَانَ يداري عَنْ منْصبه ويُظهر التَّقِيَّة. وكان فِيهِ خيرٌ وافر. وكان يرفد الشيعة، ويَصِل فُقراءهم، ويعطي الأشراف.
وصنَّف كتبًا منها " التاريخ البدري " جمع فِيهِ أسماء من شهد بدرًا منَ الفريقين، وكتاب " أخبار البلدان " في مدة عمره، وذيّل عَلَى " خريدة القصر " للباخَرْزِيّ، وَلَهُ " ديوان " كبير، ومصنفات.
وتوفي ليلة الثالث والعشرين من رمضان بدمشق، ودُفن بسفح قاسيون عَنْ سبْعٍ وتسعين سنة.(12/770)
116 - إقبال بن عليّ بن أحمد بْن بَرْهان، أَبُو القاسم الواسطيّ، الْمُقْرِئ، النَّحْويّ، المعروف بابن الغاسلة. [المتوفى: 584 هـ]
وُلِد بواسط سنة ثمانٍ وتسعين وأربعمائة، وقرأ القرآن عَلَى المظفَّر بْن سلامة الخباز، وجماعة.
وسمع من أَبِي علي الفارقيّ، وأبي السعادات الخطيب.
ودخل بغداد فسمع من أَبِي بكر ابن الزاغونيّ. [ص:776]
وكان عارفًا بالعربية.
تُوُفّي ليلة عيد الأضحى.
وبَرْهان: بالفتح.
رَوَى عَنْهُ ابن الدُّبيثي ووثقه.(12/775)
117 - أيوب بن محمد، أبو محمد ابن القلاطيّ، البَلَنْسيّ، المؤدِّب. [المتوفى: 584 هـ]
أَخَذَ القراءات عَنِ ابن هُذَيْل.
وكان صالحًا، محقِّقًا، مجوِّدًا. أَخَذَ عَنْهُ أَبُو الرَّبِيع بْن سالم، وأَبُو بَكْر بْن محرز.(12/776)
118 - الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيم، أَبُو علي الْجُوَيْنيّ الكاتب. [المتوفى: 584 هـ]
صاحب الخط المنسوب.
كَانَ أديبًا فاضلًا، شاعرًا، حدَّث عَنْ موهوب بْن أَحْمَد الجواليقي.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد المُنْذريّ: أنشدنا عَنْهُ غيرُ واحدٍ من أصحابه. وتُوُفّي فِي تاسع صَفَر بالقاهرة.
قَالَ: وقيل إنَّه تُوفي سنة ستٍّ وثمانين.
قُلْتُ: وكان مختصًا بالسلطان نور الدّين وبابنه لأدبه وظرفه.(12/776)
119 - الْحُسَيْن بْن مُسَافِر بْن تغلب، أَبُو عَبْد اللَّه الواسطيّ، البرجونيّ، الضرير، الْمُقْرِئ. [المتوفى: 584 هـ]
قدِم بغداد فِي صباه، وقرأ القراءات عَلَى سِبط الخيّاط وأكثر عَنْهُ، وعاد إلى بلده، وحمل النّاس عَنْهُ. وكان حاذِقًا بالفنّ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبيثي، وغيره.
تُوُفّي فِي ذِي الحجَّة.
وجَدّه تغلب: بغين معجمة.(12/776)
120 - خالص الأمير مجاهد الدّين الحبشي الخادم. [المتوفى: 584 هـ]
كَانَ ذا رأيٍ وعقل. وَلَهُ اختصاص بالدخول عَلَى الخليفة.
تُوُفّي فِي رجب.
قَالَ ابن الأثير: كان أكبر أمير ببغداد.(12/777)
121 - سلجوقي خاتون بِنْت قِليج رسلان بْن مَسْعُود الرّوميَّة، الجهة المعظمة، ابْنَة سلطان الروم، وتُعرف بالخِلاطيَّة. [المتوفى: 584 هـ]
زَوْجَة الناصر لدين اللَّه.
وكان يحبّها.
قدِمَتْ بغدادَ للحج، فوُصفت لأمير المؤمنين، وأُخبر بجمالها الزّائد، وكانت مزوَّجة بصاحب حصن كِيفا. فحجَت وعادت إلى بلدها، فتوفى زوجها، فراسل الخليفة أخاها وخَطَبها، فزوّجها منه. ومضى لإحضارها الحافظ يوسف بْن أَحْمَد شيخ رِباط الأرجوانيَّة في سنة اثنتين وثمانين، فأُحضرت وشُغِف الخليفة بها.
وبنَتْ لها رِباطًا وتربةً بالجانب الغربيّ، فتُوفّيت قبل فراغ العمارة، ودخل عَلَى الخليفة منَ الحزن ما لا يوصف، وذلك فِي ربيع الآخر، وحضرها كافة الدولة والقُضاة والأعيان. ورُفعت الغُرَز والطَّرحات، ولبسوا الأبيض ورفعت البسملة ووضعت على رؤوس الخدّام، وارتفع البكاء منَ الْجَوَارِي والخَدَم، وعُمل لها العزاء والخَتْمات.(12/777)
122 - سُلَيْمَان بْن أَبِي البركات مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن خميس، أبو ربيع الكعبيّ الْمَوْصِلِيّ المعدّل. [المتوفى: 584 هـ]
حدَّث عَنْ والده.
وتُوُفّي فِي أول السنة. وكان ثقة.
وأبوه أَبُو البَرَكات يروي عَنْ أَبِي نصر أَحْمَد بْن طَوق الْمَوْصِلِيّ.
وأَبُو البركات هُوَ عمّ الفقيه الْإِمَام أَبِي عَبْد اللَّه الْحُسَيْن بْن نصر بْن خميس الشافعي، وكان صاحب فنون. رَوَى عَنِ ابن البَطِر وطبقته، ومات بالموصل قبل أبي الوقت.(12/777)
123 - صَبِيح بْن عَبْد اللَّه، أبو الخير الحبشي، العطّاريّ، الْبَغْدَادِيّ، الزَّاهد، مَوْلَى أَبِي القاسم نَصْر بْن مَنْصُور العَطَّار، الحرَّاني، التاجر. [المتوفى: 584 هـ]
حفظ القرآن وسمع الكثير مَعَ ابن مولاه، وكتب بخطه الكثير. واعتنى بالسماع فسمع منَ ابن ناصر، ونَصْر العُكْبَرِيّ، وابن الزّاغونيّ، وأبي الوقت. وطبقتهم؟ وكان عبدًا صالحًا، وقف كُتُبه.
ويُقَالُ لَهُ: النَّصْري، نسبة إلى مُعْتِقِه نَصْر.
سَمِع منه: إِبْرَاهِيم بْن محمود الشعار، وعَلِيّ بْن الْحَسَن ابن رئيس الرؤساء، وأَبُو المواهب بْن صَصْرى، ودَاوُد بْن عَلِيّ.
تُوُفّي فِي صَفَر.
واسم أبيه: بكَّر مُثقَّل، وهو فردٌ.(12/778)
124 - ظاعن بْن مُحَمَّد بْن محمود بْن الفَرَج بْن زُرَير، أَبُو مُحَمَّد، وأَبُو المقيم الأَسَديّ، الزُّبَيْريّ، الأَزَجّي، الخياط، [المتوفى: 584 هـ]
من ذرِّيَّة أمير المؤمنين عبد الله بْن الزُّبَير.
سَمِع أَبَا عُثْمَان بْن مَلَّة، وأبا طَالِب بْن يوسف.
وكان حافظًا لكتاب اللَّه.
رَوَى عَنْهُ حفيده عَلِيّ بْن عَبْد الصمد شيخ الدمياطي، وغيره.
وآخر من حدَّث عَنْهُ أَبُو الْحَسَن ابن النعال.
وسمع منه أبو سعد ابن السّمعانيّ وقَالَ: شابٌّ من أهلِ دار الخلافة، لا بأس بِهِ، كتبت عَنْهُ شيئًا يسيرًا، وقَالَ لي: كنّاني المسترشد بِاللَّه بأبي مقيم، ولي أربعون سنة. قَالَ ذَلِكَ فِي سنة ستٍّ وثلاثين.
وقَالَ ابن الدُّبِيثيّ: وُلِد فِي ذي الحجة سنة ست وتسعين وأربعمائة.
قُلْتُ: آخر من رَوَى عَنْهُ مُحَمَّد بْن أنجب النّعّال الصُّوفيّ.(12/778)
125 - ظافر بْن عساكر بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد، أَبُو المَنْصُور الخَزْرجيّ، الْأَنْصَارِيّ، الْمَصْرِيّ، المالكي. [المتوفى: 584 هـ]
ولد سنة عشرين وخمسمائة.
وسمع من أَحْمَد بْن الحُطَيْئة. ومُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الكِيزانيّ.
وَهُوَ والد المحدَّث أَبِي اليُمَن بركات. وله شعر حسن.(12/779)
126 - عَبْد اللَّه بْن عَلِيِّ بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن حسن، أَبُو مُحَمَّد بْن سُوَيْدة التكْريتيّ. [المتوفى: 584 هـ]
سَمِع أَبَاه، ومُحَمَّد بْن خَلَف بتكْريت.
ورحل وطلب الْحَدِيث، فسمع بالموصل مُحَمَّد بْن القاسم الْأَنْصَارِيّ، وأَحْمَد بْن أَبِي الفضل الزُّبَيْريّ؛ وببغداد: أَبَا الفتح الكروخي، وابن ناصر، وعبد الخالق اليُوسُفيّ.
سَمِع منه أَهْل تَكْريت والرحالة.
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ: كَانَ فِيهِ تساهل في الراوية.
وتُوُفّي فِي ربيع الأوّل.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ البهاء عَبْد الرَّحْمَن، وعز الدّين ابن الأثير.
قال: وكان عالمًا بالحديث، له تصانيف حَسَنة.(12/779)
127 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن سَعْد اللَّه بْن مُحَمَّد، أَبُو مُحَمَّد البَجَليّ، الجريري، البغدادي، الحريمي، الحنفي الفقيه الواعظ، المعروف بابن الشاعر. [المتوفى: 584 هـ]
نزيل القاهرة.
تُوُفّي بالقاهرة عَنْ ثِنْتَين وسبعين سنة.
وكان ذا جاهٍ وَقَبُولٍ وتقدُّم فِي مذهبه.
رَوَى عَنِ ابن الحُصَيْن، وأبي المواهب بْن مُلُوك، والقاضي أَبِي بَكْر، وجماعة منَ الكبار.
وقدم دمشق وسمع من أَبِي المكارم بْن هلال، والحافظ ابن عساكر.
ودرَّس بالأَسَديَّة، وهي التي فِي قِبْلة الميدان. وحدَّث بدمشق، ومصر.
رَوَى عَنْهُ: ابن المفضل الحافظ، وأَبُو القاسم بْن صَصْرى.(12/779)
128 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الفضل، أَبُو بَكْر الطُّوسيّ، الشّنجيّ، [المتوفى: 584 هـ]
شيخ رِباط الشّونيزيَّة. وذكر أَنَّهُ ابن أخت الغزالي.
رَوَى عَنْ عبد المنعم ابن القُشَيْريّ.
وعنه أَبُو المواهب بْن صَصْرى.
تُوُفّي فِي ذِي الحجَّة سنة أربعٍ وثمانين.(12/780)
129 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مَسْعُود بْن خَلَف، أَبُو مُحَمَّد اللَّخْميّ، الإشبيليّ، [المتوفى: 584 هـ]
نزيل بَلَنْسِية.
رَوَى عَنْ أَبِي الْحَسَن بْن مغيث، وأبي بَكْر ابن العربي، وجماعة.
لقِيه أَبُو الرَّبِيع بْن سالم فِي هَذِهِ السّنة وأخذ عَنْهُ.(12/780)
130 - عَبْد الباقي بْن إِبْرَاهِيم. الواسطيّ، الحَنّائيّ. [المتوفى: 584 هـ]
يروي عَنْ أَبِي علي الفارقيّ.
رَوَى عَنْهُ ابن الدُّبيثي.
مات فِي جُمادى الأولى.(12/780)
131 - عَبْد الجبار بْن هبة اللَّه بْن القاسم بْن مَنْصُور، أَبُو طاهر بن أبي البقاء ابن البندار البغدادي. [المتوفى: 584 هـ]
ولد سنة اربع وخمسمائة.
وسمع من أَبِي الغنائم مُحَمَّد بْن مُحَمَّد ابن المهتدي بِاللَّه، وهبة اللَّه بْن عَلِيّ الْبُخَارِيّ، وعليّ بن عبد الواحد الدِّينَوَرِيّ، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبي غالب ابن البناء وجماعة.
روى عنه أبو بكر الحازمي، وأبو بَكْر بْن مشق، وجماعة.
وكان ثقة من بيت الرواية.
تُوُفّي فِي شوال.(12/780)
132 - عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحُسَيْن بْن الخَضِر بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن بْن عبدان. العدل أبو الحسين ابن العدْل أَبِي عَبْد اللَّه الْأَزْدِيّ، الدمشقي. [المتوفى: 584 هـ]
وُلِد سنة عشرين وخمسمائة.
وَسَمِعَ من عَبْد الكريم بْن حَمْزَة، وطاهر بن سهل الإسفراييني، وعلي بن قبيس المالكي، وجمال الْإِسْلَام.
ورحل فسمع ببغداد من أَبِي الفضل الأُرْمَوِيّ، والْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك التّعاويذيّ، وعَلِيّ بْن عَبْد السيد الصّبّاغ.
وتُوُفّي فِي رابع عشر شعبان.
رُوِيَ عَنْهُ.(12/781)
133 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن يوسف بْن أَبِي عِيسَى، القاضي أَبُو القاسم بْن حُبيش الْأَنْصَارِيّ الأندلسي المرّيّي، [المتوفى: 584 هـ]
نزيل مُرْسِيَة. وحُبيش خاله، فنُسب إِلَيْهِ، واشتَهَرَ بِهِ.
وُلِد سنة أربع وخمسمائة بالمرية، وقرأ القراءات عَلَى أَبِي القاسم أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن القَصَبيّ، وأبي القاسم بْن أَبِي رجاء البَلَويّ.
وأبي الأصْبَغ بْن الْيَسَع.
وتفقه بأبي القاسم بْن ورد، وأبي الْحَسَن بْن نافع. وسمع منهما، ومِن أَبِي عَبْد اللَّه بْن وضاح، وعبد الحق بْن غالب، وعَلِيّ بْن إِبْرَاهِيم الْأَنْصَارِيّ، وأبي الْحَسَن بْن مَوْهَب الْجُذَاميّ.
ورحل إلى قُرْطُبة، فأدرك بها يُونُس بْن مُحَمَّد بْن مغيث، وَهُوَ أسْند شيوخه، فسمع منه ومن جَعْفَر بْن مُحَمَّد بن مكين وقاضي الجماعة مُحَمَّد بْن أصْبَغ، وأبي بَكْر ابن العربي.
وأخذ الأدب عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَبِي زَيْد النَّحْويّ، وبَرَعَ فِي النَّحو.
فَلَمَّا تغلبت الروم عَلَى المَرِيَّة سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة خرج إلى مُرْسِيَة، ثُمَّ أوطن جزيرة شَقْر، ووُلّي القضاة والخطابة بها ثِنْتَيْ عشرة سنة. ثُمَّ نُقِل إلى خطابة مُرْسِيَة، ثُمَّ وُلّي قضاءها سنة خمسٍ وسبعين، فحُمِدت أحكامه مَعَ ضيقٍ فِي أخلاقه.
وكان أحد أئمة الْحَدِيث بالأندلس، والمسلَّم لَهُ فِي حِفْظ أغرِبة الْحَدِيث ولُغات العرب وأيامها، لَمْ يكن أحد يُجاريه فِي معرفة الرجال والتواريخ [ص:782] والأخبار. قاله أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار.
قَالَ: وسَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه يَقُولُ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ إنَّه مر عليه وقتٌ يذكر فِيهِ " تاريخ " أَحْمَد بْن أَبِي خَيْثَمَة أَوْ أكثره.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: وكان خطيبًا، فصيحا، حَسَن الصَّوت، لهُ خطبٌ حِسان.
وذكره أَبُو عَبْد اللَّه بْن عياد فَقَالَ: كَانَ عالمًا بالقرآن إمامًا فِي عِلم الْحَدِيث، عارفًا بعِلله، واقفًا عَلَى رجاله. لَمْ يكن بالأندلس مَن يُجاريه فِيهِ. أقرَّ لَهُ بِذَلِك أَهْل عصره، مَعَ تقدّمه فِي اللّغة والأدب. واستقلاله بغير ذَلِكَ من جُمَيْع الفنون.
قَالَ: وكان لَهُ حَظّ منَ البلاغة والبيان، صارمًا فِي أحكامه، جزِلًا فِي أموره. تصدّر للإقراء والتّسميع وتدريس الأدب، وكانت الرحلة فِي وقته إِلَيْهِ وطال عُمره.
قَالَ: وَلَهُ كتاب " المغازي " فِي عدة مجلدات حمّله عَنْهُ النّاس.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ أحمد بن محمد الطرسوسي، وأَبُو سليمان بْن حَوْط اللَّه، ومُحَمَّد بْن وهب الفِهْريّ، ومُحَمَّد بْن الْحَسَن اللَّخْميّ الدَّانيّ، ومحمد بن إبراهيم بن صلتان، ومحمد بن أحمد بن حيون المُرْسِيّ، ومُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي السداد اللّمتُونيّ، ونذير بْن وهب الفِهْريّ أخو مُحَمَّد، وعبد اللَّه بْن الْحَسَن المالقيّ، ويُعرف بابن القُرطبيّ الحافظ، وأَبُو الخَطَّاب عُمَر بْن دُحية الكلبيّ، وعَلِيّ بْن يوسف بْن الشريك، وعلي بْن أَبِي العافية القسطليّ، وخلْق سواهم.
وروى عَنْهُ بالإجازة أَبُو علي عُمَر بْن مُحَمَّد الشلوبين النَّحْويّ، وغيره.
قَالَ الأَبّار: تُوُفّي بمُرْسِيَة في رابع عشر صفر. وكاد يهلك الناس منَ الزَّحْمة عَلَى نعشه.(12/781)
134 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد، أَبُو الْحَسَن القُرطبي. [المتوفى: 584 هـ][ص:783]
رَوَى عَنْ أَبِيهِ: أَبِي بَكْر، وأبي الْحَسَن بن مغيث، وأبي عبد الله بن مكي، وأبي الْحَسَن شُرَيْح، وميمون بْن ياسين.
ووُلّي خطابة إشبيلية.
وكان من أَهْل الفضل والصلاح والانقباض.
أخذ الناس عنه.
وتوفي سنة أربعٍ، وقيل: سنة خمس وثمانين.(12/782)
135 - عَشِير بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن الفتح، أَبُو القبائل الشّاميّ، الجبلي، المزارع، القيِّم، الوقّاد، الرجُل الصَّالح، المعمّر. [المتوفى: 584 هـ]
وُلِد سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة.
وسَمِع وَهُوَ كبير من أَبِي صادق مرشد بْن يَحْيَى المَدِينيّ، وأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أحمد الرَّازيّ.
رَوَى عَنْهُ الحافظ عَبْد الغني، والحافظ عَبْد القادر، وطائفة آخرهم عَبْد الغني بْن بنين.
وعاش مائة وسنتين.
قَالَ الحافظ المُنْذريّ: قَالَ لي بعض شيوخنا: لولا بياض لحيته ما كُنْت تظنّه شيخًا لظهور قوته.
وكأَنَّه من جَبلة التي بالساحل.(12/783)
136 - عَلِيّ بن يحيى بن عليّ بن محمد ابن الطّرّاح، أبو الحسن بن أبي محمد البغدادي، المُدير. [المتوفى: 584 هـ]
سَمِع أَبَاه، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وهبة اللَّه الشُّروطي، ومُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الإسكاف، وجماعة.
وروى الكثير، رَوَى عَنْهُ ابن الدُّبِيثيّ فِي تاريخه، وأولاده: مُحَمَّد، وعزيزة، ونعمة، وجماعة.
ويُقال لمن يدور بالسجلات التي حكم بها القاضي عَلَى الشهود: المُدِير. واشتهر بهذا جدُّه.
تُوُفّي فِي رمضان.(12/783)
137 - عُمَر بْن بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الفضل. القاضي العلامة عماد الدّين أَبُو حَفْص ابن الْإِمَام، الكبير شمس الأئمَّة أَبِي الفضل الْأَنْصَارِيّ، الخَزْرجيّ، الجابري، الْبُخَارِيّ، الزَّرَنْجَرِيّ، [المتوفى: 584 هـ]
وزَرَنْجَرَة من أعمال بُخَارى. [ص:784]
الفقيه الحنفي، ويُكنّى أيضًا بأبي العلاء.
أَنْبَأَني أَبُو العلاء الفَرَضيّ، قَالَ: هُوَ نعمان الثاني فِي وقته، تفقَّه عَلَى أَبِيهِ وعَلَى بُرهان الأئمَّة ابن مازة رفيق والده.
وسَمِع " صحيح البخاري " من أبيه، قال: أخبرنا أبو سهل الأبيوردي، قال: أخبرنا أبو عليّ بن حاجب الكشاني، قال: أخبرنا الفِرَبْريّ، عَنِ المؤلف.
وسَمِع أيضا منَ الْحُسَيْن بْن أَبِي الْحَسَن الكاشْغَريّ، وأبي الفتح مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الحمدوني السَّرْخَسِيّ، وَغَيْرُهُمْ.
تفقَّه عليه شمسُ الأئمَّة، أَبُو الوحْدة مُحَمَّد بْن عَبْد الستار الكَرْدَريّ، ومُفتي الشرق: جمال الدّين عُبيد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم المحبوبيّ، وصدْر العالم: مُحَمَّد بْن عَبْد الْعَزِيز بْن مازة.
وسمع منه: أَبُو الوحدة المذكور، وأثير الدّين أَحْمَد بْن مُحَمَّد الخُجَنْدِيّ.
وعاش نحوًا من تسعين سنة. وانتهت إليه رياسة المذهب.
وتُوُفّي فِي تاسع عشر شوال.
وَهُوَ آخر من روى عَنْ أَبِيهِ.(12/783)
138 - عُمَر بْن نعمة بْن يوسُفَ بْن سَيْف بْن عساكر، أَبُو حَفْص الرُّؤْبيّ، المقدسيّ، ثُمَّ الْمَصْرِيّ، الْمُقْرِئ، البناء. [المتوفى: 584 هـ]
ولد سنة خمسمائة، وقرأ القرآن عَلَى سلطان بْن صخر.
وسَمِع من أَبِي الفتح الكَرُوخيّ.
وأقرأ القرآن مدةً طويلة بمسجده بسوق وَرْدان. وكان عجبًا فِي ملازمة التّلقين.
رَوَى عَنْهُ: ابنه أَبُو الحَرَم مكي، وقَالَ: إنَّه منسوب إلى رُؤبَة، وَإِنَّهُ صحابي؛ وهذا لا يُعرف.
وقيل: إن رُؤْبَة بلد بالشّام.(12/784)
139 - عِيسَى بْن مَوْدود بْن عَلِيّ بْن عَبْد الملك بْن شعيب. الأمير فخر الدّين أَبُو المَنْصُور التُّركيّ، [المتوفى: 584 هـ]
صاحب تَكْرِيت. من أتراك الشام.
كان حسن السير، كثير المروءة، سَمْحا، جوادًا، لَهُ نظمُ لطيف الأسلوب، وترسُّل، وديوان. [ص:785]
ومن شِعره:
وما ذات طوْق فِي فُروع أراكةٍ ... لها رنَّة تحت الدُّجى وصدوحُ
ترامت بها أيدي النَّوى وتمكَّنت ... بها فرقةٌ من أهلها ونُزوحُ
بأبرحَ مِن وجْدي لذِكراكم مَتَى ... تألَّق برقٌ أَوْ تنسَّم رِيحُ
وُلد بحماه، وقتلته إخوته بقلعة تَكْريت، ثُمَّ باع أخوه إلياس قلعة تكريت للخليفة.(12/784)
140 - غالب بْن مُحَمَّد بْن هِشَام، أَبُو تمّام العَوْفيّ، الأندلسيّ، [المتوفى: 584 هـ]
من أَهْل وادي آش.
رَوَى عَنْ أَبِي القاسم بْن ورد، وأبي مُحَمَّد بْن عطية، وأبي الحجاج القُضاعي، وجماعة.
حدَّث عَنْهُ: أَبُو القاسم الملاحي، وأَبُو سُلَيْمَان بْن حوط اللَّه، وأبو الوليد ابن الحاج.
عاش إلى هذه السنة.(12/785)
141 - مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد، أَبُو عَبْد اللَّه البُستيّ، الصُّوفيّ، العارف. [المتوفى: 584 هـ]
تُوُفّي برُوذَرَاوَر فِي رمضان عَنْ نيفٍ وثمانين سنة.
لَهُ تصانيف فِي الطريقة.(12/785)
142 - مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن مَسْعُود بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن، الْإِمَام: أَبُو سَعِيد وأبو عَبْد اللَّه بْن أَبِي السّعادات المسعودي، الخُراساني، البَنْجَدِيهيّ، الفقيه الصُّوفيّ، المحدِّث. [المتوفى: 584 هـ]
وُلد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة في أول ربيع الآخر.
وسمع بخُراسان من أَبِي شجاع عُمَر بْن مُحَمَّد البِسْطاميّ، وأبي الوقت السِّجْزيّ، ومُحَمَّد بْن أَبِي بكر السنجي، وعبد السلام بن أحمد بكبرة، وأبي النضر الفاميّ، ومَسْعُود بْن مُحَمَّد الغانميّ، والْحَسَن بْن أحمد بن محمد [ص:786] الموسياباذيّ.
وسمع ببغداد من أَبِي المظفَّر مُحَمَّد بْن أحمد ابن التُّريكي؛ وبمصر من عبد الله بن رفاعة؛ وبالإسكندرية منَ السِّلَفيّ.
وحدَّث عَنْ أَبِيهِ، وعبد الصَّبُور بْن عَبْد السلام، ومَسْعُود بْن الْحَسَن الثَّقَفيّ.
وأملى بمصر سنة خمسٍ وسبعين مجالس.
وبنجديه: من أعمال مروالرُّوذ.
وأدب الملك الأفضل ابن السّلطان صلاح الدّين. وصنَّف " شرح المقامات " وطوله، واقتنى كُتبًا نفيسة بجاه الملك.
قَالَ القِفْطيّ: فأخبرني أَبُو البركات الهاشميّ، قَالَ: لما دخل صلاح الدّين حلب سنة سبعٍ وسبعين، نزل البَنْجَدِيهيّ الجامع، واختار من خزانة الوقف جُملة كُتبٍ لَمْ يمنعه منها أحد، ورأيته يحشرها فِي عدْل. وكان المحّدثون يليّنونه فِي الْحَدِيث، ولَقَبُه: تاج الدّين.
وقَالَ المُنْذريّ: كتب عَنْهُ السلفي أناشيد. وحدثنا عَنْهُ: الحافظ عَلِيّ بْن المفضل، وآخرون. وَهُوَ منسوبٌ إلى جَدّه مَسْعُود.
قُلْتُ: روى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر البلْخيّ، وزين الأمناء أَبُو البركات، والتاج بْن أَبِي جَعْفَر، وجماعة.
وقَالَ ابن خليل الأَدَميّ: لَمْ يكن فِي نقله بثقةٍ ولا مأمون.
تُوُفّي المسعودي فِي سلْخ ربيع الأول، ودُفن بسفح جبل قاسيون، ووقف كتبه بالسُّمَيْساطِيَّة.
وقَالَ ابن النّجّار فِي " تاريخه ": كَانَ المسعودي منَ الفُضَلاء فِي كُلّ فنّ، فِي الفقه، والحديث، والأدب؛ وكان من أظرف المشايخ، وأحسنهم هيئة، وأجملهم لِباسًا.
قدِم بغدادَ سنة أربع وخمسين طَالِب حديث. وسمع بدمشق [ص:787] من عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الْحَسَن الدّارانيّ، والفَلَكيّ.
وأجاز لَهُ أَبُو العز بْن كادش.(12/785)
143 - مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه، أبو الفتح ابن التّعاويذيّ، [المتوفى: 584 هـ]
الشاعر المشهور صاحب الديوان الَّذِي فِي مجلَّدّتين.
وإنما عُرِف بابن التّعاويذيّ، لأنه سِبْط الْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك ابن التّعاويذيّ.
وكان عُبيد اللَّه والده مَوْلَى لبني المظفَّر، اسمه: نُشتكين، ثُمَّ سمّي عُبيد اللَّه. وأضرَّ أَبُو الفتح فِي آخر عمره.
وكان شاعر العراق فِي وقته. وَهُوَ القائل:
أَمِطِ اللّثامَ عَنِ العذارِ السّائلِ ... ليقومَ عُذري فيكّ عِنْد عواذلي
واغْمِدْ لحاظك قد فللت تجلدي ... واكفف سِهامك قَدْ أصبتَ مقاتلي
لا تجمع الشَّوْقَ المبرّح والقِلَى ... والبينَ لي أحدُ الثلاثة قاتلي
وبنفسي الغضبان لا يرضيه غيـ ... ر دمي وما فِي سفكهِ من طائل
عانقته أبكي ويبسم ثغره ... كالبرق أومضَ فِي غمامٍ هاطلِ
وكان كاتبًا بديوان المقاطعات، وكان الوزير أبو جعفر ابن البلدي قد عزل كتاب الدواوين وصادرهم وعاقبهم، فعمل ابن التّعاويذيّ فِي بغداد من قصيدة:
بادَت وأهلوها معًا فديارهم ... ببقاء مولانا الوزير خرابُ
والناسُ قَدْ قامت قيامتهم فلا ... أنسابَ بينهُم ولا أسبابُ
حَشرٌ وميزانٌ وهولٌ مفظعٌ ... وصحائفٌ منشورةٌ وحسابُ
ما فاتهم مِن كُلّ ما وُعِدوا بِهِ ... فِي الحشرِ إلا راحمٌ وهَّابُ
وَلَهُ:
قَالَتْ أتقنعُ أن أزورَك فِي الكَرَى ... فتبيتَ فِي حُلمِ المنامِ ضَجِيعي
وأبيكَ ما سَمَحتْ بطَيف خَيالِها ... إلا وَقَدْ مَلَكَتْ عليَّ هجوعي
وَلَهُ أشعارٌ كثيرة يرثي عينيه، ويبكي أيام شبابه. وكان قَدْ جمع ديوانه قبل العَمَى، ورتبه أربعة فصول. وكلما جدده بعد ذَلِكَ سمّاه: " الزّيادات ". [ص:788]
رَوَى عَنْهُ: عَلِيّ بْن الْمُبَارَك بْن الوارث.
توفي فِي شوال عَنْ خمسٍ وستين سنة.(12/787)
144 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْد الْعَزِيز بْن جَابِر بْن أوسَن، أَبُو عَبْد الله اليَحْصُبيّ، القُرْطُبيّ. [المتوفى: 584 هـ]
رَوَى عَنْ أَبِي مَرْوَان بْن مَسَرَّة، وأبي عَبْد اللَّه بْن أَصْبَغ.
وسمع " الموطأ " من أَبِي عَبْد اللَّه بْن نجاح الذهبي.
وقرأ القرآن عَلَى عياش بْن فَرَج، وأتقن العربية ووُلّي خطابة قُرْطُبة.
رَوَى عَنْهُ أَبُو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه، وأَبُو القاسم بْن ملجوم.
ووصفه غير واحد بالحِفْظ والدين.
وتُوُفّي فِي ذِي القِعْدَة.(12/788)
145 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن صَدَقة، أَبُو عَبْد اللَّه الحرَّاني، التاجر السّفّار، ويُعرف بابن الوَحِش. [المتوفى: 584 هـ]
شيخ صالح، صدوق، معمَّر، جليل، تردَّد فِي التجارة إلى خُراسان، وغيرها.
وسَمِع فِي الكهولة " صحيح مُسْلِم " من أَبِي عبد الله الفراوي سنة ثمانٍ وعشرين وخمسمائة وَلَهُ إحدى وأربعون سنة. وحدَّث بِهِ بدمشق، وسمعه منه خلْق.
روى عَنْهُ الشَّيْخ أَبُو عُمَر، والشيخ الموفَّق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والحافظ الضياء، وخطيب مردا، ومُحَمَّد بْن عَبْد الهادي، وابن عَبْد الدائم، ويوسف بْن خليل، وأَبُو المعالي أحمد بن محمد ابن الشّيرازيّ، ومُحَمَّد بْن سعد الكاتب، والعماد عَبْد الله بن الحسن ابن النحاس، ومُحَمَّد بْن سُلَيْمَان الصَّقَلّيّ الدّلّال، وخلْق سواهم.
وَقَدْ رَوَى ابن الدُّبيثي فِي " تاريخه " عَنِ ابن الأخضر، عَنْهُ.
تُوُفّي فِي ربيع الْأول. وقيل: فِي ربيع الآخر بدمشق، وَلَهُ سبعٌ وتسعون سنة. [ص:789]
وقَالَ ابن النجار: سكن دمشق، وبنى بها مدرسةً ووقفها عَلَى الحنابلة.(12/788)
146 - مُحَمَّد بْن المطهر بْن يَعْلَى بْن عِوَض بْن أميرجة، أَبُو الفُتُوح العَلَويّ، العُمَرِي، الهَرَوِيّ. [المتوفى: 584 هـ]
حدَّث ببغداد، والحجاز عَنْ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن صاعد، ومُحَمَّد بْن الفضل الفُرَاويّ.
روى عنه أبو عبد الله ابن الدبيثي، والتاج بن محمد بن أبي جعفر، ومحمد بن أبي البدر ابن المَنِّي، وأبو القاسم علي بن سالم بن الخشاب، وآخرون.
وتوفي بأذربيجان، ولعله حدَّث هناك، وعاش ثمانين سنة.(12/789)
147 - مُحَمَّد بْن مُوسَى بْن عُثْمَان بْن مُوسَى بْن عُثْمَان بْن حازم الحافظ أَبُو بَكْر الحازميّ، الهَمَذَانيّ. [المتوفى: 584 هـ]
وُلِد سنة ثمان وأربعين وخمسمائة.
وسمع بَهَمَذَان من أَبِي الوقت حضورًا، ومِن شَهردار بْن شِيرُويْه، وأبي زُرْعة بْن طاهر، وأبي العلاء العَطَّار، ومُحَمَّد بْن بنيمان، وعبد اللَّه بْن حيدر القزْوينيّ، ومعمر بْن الفاخر.
ورحل إلى بغداد سنة بضْعٍ وسبعين فسمع عَبْد اللَّه بْن عَبْد الصَّمد السُّلَمي العَطَّار، وأبا الْحُسَيْن عَبْد الحق، وأخاه أَبَا نصر عَبْد الرحيم، وأبا الثناء مُحَمَّد بْن مُحَمَّد ابن الزيتونيّ، وطائفة.
وسَمِع بالموصل من خطيبها أَبِي الفضل. وبواسط من أبي طالب الكتاني المحتسب، وأَحْمَد بْن سالم الْمُقْرِئ، وبالبصرة من محمد بن طلحة المالكي. وبدر بن عمر، وبأصبهان من أَبِي الفتح عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخِرَقيّ، وأَحْمَد بْن ينال، وأبي مُوسَى المَدِينيّ الحافظ، وطائفة سواهم.
وسمع بالجزيرة، والحجاز، والشام، وعُني بهذا الشأن، وكتب الكثير، وصنّف، وَلَهُ إجازة من أبي سعد السمعاني، وأبيعبد اللَّه الرُّسْتُميّ، وأبي طاهر السِّلَفيّ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ، والتقيّ عَلِيّ بْن باسويه المقرئ، وابن [ص:790] أَبِي جَعْفَر، وخطيب دمياط الجلال عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن السعدي، وآخرون.
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ: قدِم بغداد عِنْد بلوغه واستوطنها، وتفقَّه بها عَلَى مذهب الشافعي، وجالَسَ علماءَها، وتميّز، وفهِم وصار من أحفظ النّاس للحديث وأسانيده ورجاله، مَعَ زُهْدٍ، وتَعبُّد، ورياضةٍ وذِكر.
صنف فِي علم الْحَدِيث عدة مصنفات، وأملى عدة مجالس. سَمِعْتُ منه ومعَه. وكان كثير المحفوظ، حلْو المذاكرة، يغلب عليه معرفة أحاديث الأحكام. وأملى طُرُق الأحاديث التي فِي كتاب " المهذَّب " لأبي إِسْحَاق وأسندها. ولم يتمّه.
وقَالَ ابن النجار: كَانَ منَ الأئمَّة الحفاظ العالِمِين بفقه الْحَدِيث ومعانيه ورجاله. ألَّف كتاب " الناسخ والمنسوخ "، وكتاب " عجالة المبتدئ في الأنساب " و" المؤتلف والمختلف فِي أسماء البلدان "، وكتاب " إسناد الأحاديث التي فِي المهذَّب ". وأملى بواسط مجالس. وكان ثقة، حُجَّة، نبيلًا، زاهدًا، عابدًا، ورِعًا مُلازِمًا للخلْوة والتصنيف ونشْر العِلم. أدركه أَجَلُه شابًّا.
وسَمِعْتُ مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن غانم الحافظ بأصبهان يَقُولُ: كَانَ شيخنا الحافظ أَبُو مُوسَى يفضل أَبَا بَكْر الحازميّ عَلَى عَبْد الغنيّ بْن عَبْد الواحد المقدسيّ ويَقُولُ: هُوَ أحفظ منه. وما رَأَيْت شابًّا أحفظ منه.
سمعتُ مُحَمَّد بْن سَعِيد الحافظ يَقُولُ: ذكر لنا الحازميّ أنّ مولده فِي سنة تسع وأربعين وخمسمائة.
وتُوُفّي فِي ثامن وعشرين جُمادى الأولى.
قُلْتُ: عاش خمسًا وثلاثين سنة.(12/789)
148 - مُحَمَّد بْن أَبِي المعالي بْن قايد، أَبُو عَبْد اللَّه الأَوَانيّ، الصُّوفيّ، الصالح. [المتوفى: 584 هـ]
دخل عليه رَجُل منَ الملاحدة فِي الخامس والعشرين من رمضان، فوجده وحْده فقتله وَهُوَ صَائِم، ودُفِن فِي رِباطه رحِمَه اللَّه بأَوَانَا.
حكى عَنْهُ شهاب الدّين عُمَر السَّهْرُوَرْديّ وغيره حكايات.
وقايد بالقاف. وأَوَانا قرية عَلَى مرحلة من بغداد مما يلي المَوْصِل. [ص:791]
قَالَ سِبط ابن الجوزيّ: كَانَ صاحب كرامات وإشارات ورياضات، وكلام عَلَى الخواطر. أُقعِد زمانًا، وكان يُحمل فِي محفَّة إلى الجمعة. وقدِم أوانا واعظ فنال من الصحابة، فجاؤوا بِهِ فِي المحفة، فصاح عَلَى الواعظ، ثُمَّ قَالَ: انزلْ يا كلب، وكان الواعظ من دعاة سنان رأس الإسماعيلية، ورجمته العامَّة، فهرب إلى الشام، وحدث سِنانًا بما جرى عليه، فبعث لَهُ اثنين، فأقاما فِي رباطه أشهُرًا يتعبّدان، ثُمَّ وثبا عليه فقتلاه، وقتلا صاحبه عَبْد الحميد، وهربا مذعورَيْن، فدخلا البساتين، فرأيا فلّاحًا يسقي ومعه مرّ، فأنكرهما وحطّ بالمَرّ عَلَى الواحد فقتله، فحمل عليه الآخر فاتّقاه بالمَرّ، فقتل الآخر. ثُمَّ سُقِط فِي يده وندم، ورآهما بزي الفقراء. ووقع الصائح بأَوَانا حَتَّى بَطَلَت يومئذٍ الجمعة بها. وجاء الفلاح للضّجَّة فسأل: مَن قُتِلَ الشَّيْخ؟ فوصفوا لَهُ صفة الرَّجلين، فَقَالَ: تعالوا. فجاء معه فقراء فقالوا: هما واللهِ؟ وقالوا لَهُ أَعَلِمْتَ الغيب؟ قَالَ: لا واللَّه، بل أُلهمت إلهاما فأحرقوهما. وقيل: إن الشيخ عبد الله الأرموي نزيل قاسيون حضر هذه الوقعة.(12/790)
149 - المبارك بن أبي غالب أحمد بن وفاء بن منصور، الأزجي، أبو الفضل الدقاق، المعروف بابن الشيرجي. [المتوفى: 584 هـ]
ولد سنة ثلاث عشرة وخمسمائة، وحدث عَنْ أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وأبي غالب ابن البناء، وتوفي فِي شوال.(12/791)
150 - الْمُبَارَك بْن أَبِي بَكْر عَبْد الله بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الْحُسَيْن أَحْمَد بْن محمد ابن النَّقُّور، أَبُو الفَرَج الْبَغْدَادِيّ، المعدّل. [المتوفى: 584 هـ]
من بيت الرواية، والمشيخة. ولد سنة أربع عشرة وخمسمائة. وسمع بإفادة أبيه، وبنفسه من هبة اللَّه بن الحصين، وأحمد بن الحسن ابن البناء، وهبة اللَّه بْن أَحْمَد الحريريّ، وأبي بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وأبي مَنْصُور القزّاز، وطائفة.
وَهُوَ آخر أولاد ابن النقور، ولم يخلف ولدا ذكرًا. [ص:792]
سمع منه إبراهيم ابن الشعار، وعلي بن أحمد الزيدي، وعمر بن علي، وآخرون.
وتوفي فِي شعبان.(12/791)
151 - مَسْعُود بْن قُراتكين، أَبُو الفتح البدري، الجندي. [المتوفى: 584 هـ]
حدث عن أَبِي جَعْفَر أَحْمَد بن مُحَمَّد العَبَّاسيّ، وأبو الوقت، وجماعة بنابلس.
وكان جنديًا فتزهد وتعبد.(12/792)
152 - مفرج بْن سعادة، أَبُو الفَرَج الإشبيلي، المعروف بغلام أَبِي عَبْد اللَّه البَرْزاليّ. [المتوفى: 584 هـ]
رَوَى عَنْ ميمون بْن ياسين، وأبي القاسم الهَوْزَنيّ، ونعمان بْن عَبْد اللَّه.
وأجاز لَهُ أَبُو مُحَمَّد بْن عَتّاب.
وكان محدّثًا، حافظًا، متقنًا، نبيلًا.
أَخَذَ عَنْهُ أَبُو جَعْفَر بْن أَبِي مَرْوَان، وأبو مُحَمَّد بْن جَهْوَر، وأَبُو بَكْر بْن عُبيد.
وكان حيًا في هَذِهِ السَّنة.(12/792)
153 - المفضل بْن عَلِيّ بْن مفرج بْن حاتم بْن الْحَسَن. القاضي الأنجب أَبُو المكارم المقدسيّ، الأصل الإسكندرانيّ، المالكيّ. [المتوفى: 584 هـ]
وُلِد سنة ثلاثٍ وخمسمائة، وحدث عَنْ عمّه الْحُسَيْن بْن مفرج المقدسيّ.
رَوَى عَنْهُ ابنه الحافظ أَبُو الْحَسَن، وغيره.
وتُوُفّي فِي رجب بالإسكندرية.(12/792)
154 - ميمون بْن جُبَارة بْن خَلْفُون، أَبُو تميم الفرداويّ. [المتوفى: 584 هـ]
دخل الأندلس ووُلّي قضاء بَلَنْسِية مدة، ثُمَّ صُرف. وولي قضاء بجاية.
وكان من كبار العلماء، معدودًا فِي الرؤساء، كريم الأخلاق، عظيم الحُرْمة، وبه انتفع أَهْل بَلَنْسِية، واستقاموا وتفقّهوا.
استُقْدِمَ إلى مَرّاكُش لتولي قضاة مُرْسِيَة بعد وفاة الْإِمَام أَبِي القاسم بْن [ص:793] حُبيش، فتُوفّي فِي طريقه إليها بتِلمسان.
أَخَذَ عَنْهُ القاضي أَبُو عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحق، وغيره.(12/792)
155 - هارون بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن محمد، أبو جعفر ابن المهتدي بِاللَّه، الخطيب الْعَبَّاسيّ. [المتوفى: 584 هـ]
من بيت خطابة ورياسة. وُلّي خطابة جامع القصر زمانًا، وسمع أَبَا طَالِب بن يوسف، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن. وشهد عند قاضي القضاة أَبِي القاسم الزَّيْنبيّ.
وكان كثير الخشوع فِي صلاته، بليغ الموعظة.
تُوُفّي فِي صَفَر، وله أربعٌ وسبعون سنة.(12/793)
156 - يَحْيَى بْن عِيسَى بْن أزهر، أَبُو بَكْر الحَجْريّ، الشُّرَيْشِيّ، قاضي شُرَيْش. [المتوفى: 584 هـ]
أَخَذَ عَنْ أَبِيهِ، وأبي القاسم بن جهور. وعلم القرآن والعربية.
حدَّث عَنْهُ: أَبُو الْعَبَّاس بْن سَلَمَةَ اللَّوْرَقيّ، وأَبُو بَكْر الغزّال. وأجاز لأبي علي الشّلُوبينيّ.(12/793)
157 - يَحْيَى بْن محمود بْن سعد، أَبُو الفَرَج الثَّقَفيّ، الصُّوفيّ، الأصبهاني. [المتوفى: 584 هـ]
وُلِد سنة أربع عشرة وخمسمائة، وسمع حضورًا فِي الأولى من أَبِي علي الحداد، وحَمْزَة بْن الْعَبَّاس العَلَويّ، وأبي عدنان مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي نزار.
وسَمِع من حمزة بن محمد بْن طباطبا العَلَويّ، وعبد الكريم بْن عَبْد الرزاق الحَسْنَاباذيّ، والمحسن بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن واقد، وجَعْفَر بْن عَبْد الواحد الثَّقَفيّ، والْحُسَيْن بْن عَبْد الملك الأديب، وفاطمة بِنْت عَبْد اللَّه الْجُوزدانيَّة، وجَدّه لأمه إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد الحافظ مؤلف " الترغيب والتّرهيب ".
وحدَّث بأصبهان ودمشق، وحلب، والمَوْصِل، وكان لَهُ نسخٌ بمسموعاته، اقتناها لَهُ والده، ورحل فِي آخر عمره، ونشر حديثه. [ص:794]
رَوَى عَنْهُ الشَّيْخ الموفَّق، وأَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن حمُّوَية، والشيخ أَبُو عُمَر، وابنه عَبْد اللَّه بْن أَبِي عُمَر، ويوسف بْن خليل، ومُحَمَّد بْن عَبْد الواحد، وبدل التّبريزيّ، والخطيب عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ المَعَافِرِي، والرَّضِيّ عَبْد الرَّحْمَن المقدسيّ، والقاضي زين الدّين عَبْد الله ابن الأستاذ، ومُحَمَّد بْن طرخان الصّالحيّ، ونجم الدّين الْحَسَن بْن سلام، وسالم بْن عَبْد الرزاق خطيب عقربا، وعقيل بن نصر اللَّه ابن الصُّوفيّ، وإِسْحَاق بْن الْحُسَيْن بْن صَصْرى، وخطيب مَرْدا، والعماد عَبْد الحميد، ومُحَمَّد ابنا عَبْد الهادي، والضياء صقر الحلبيّ، وإِبْرَاهِيم بْن خليل، وخلْق كثير، آخرهم: الزَّين أَحْمَد بْن عَبْد الدّائم.
تُوُفّي قريبًا من هَمَذَان غريبًا عَنْ سبعين سنة.
وقيل: توفي في آخر سنة ثلاثٍ وثمانين.(12/793)
158 - يعقوب بْن مُحَمَّد بْن خَلَف بْن يُونُس بْن طَلْحَةَ، أَبُو يوسف الشُّقْريّ، [المتوفى: 584 هـ]
نزيل شاطبة.
قرأ " الموطأ: عَلَى أَبِي بَكْر عتيق بْن أسد، وصحِب أبا إِسْحَاق بْن خَفَاجة الشّاعر، وحمل عَنْهُ.
وكان فقيهًا مشاوَرًا، أديبًا، بارعًا، عالِمًا، بالشُّروِط.
رَوَى عَنْهُ: طَلْحَةُ بْن يعقوب، وأَبُو القاسم بْن بَقِيّ، وأَبُو القاسم البراق.
وعاش ثمانيًا وسبعين سنة.(12/794)
-وفيها ولد:
حسن بن المهير الْبَغْدَادِيّ، وأَبُو بَكْر عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن طُغان الطّرائفيّ، والرّشيد العَطَّار الحافظ، ويوسف بن مكتوم.(12/794)
-سنة خمس وثمانين وخمسمائة(12/795)
159 - أَحْمَد بْن أَبِي مَنْصُور أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن يَنَال، أَبُو الْعَبَّاس التُّرك الأصبهاني، [المتوفى: 585 هـ]
شيخ الصوفية بأصبهان.
كان دينا متواضعًا، معمرا عالي الرّواية، مُسْنِد أصبهان فِي عصره.
سَمِع أبا مطيع محمد بن عبد الواحد المصري، وعبد الرَّحْمَن بْن حَمْد الدُّونيّ، وتفرّد بالرّواية عَنْهُمَا، وقدم بغداد فِي صِباه، فسمع أَبَا عليّ بن نبهان الكاتب، وأبا طاهر عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد اليُوسُفيّ.
وطال عمره: وخرَّج لَهُ الحافظ أَبُو مُوسَى المَدِينيّ.
وروى عَنْهُ: أَبُو القاسم ابن عساكر الحافظ، والحافظ عَبْد الغنيّ، والحافظ أَبُو بَكْر الحازميّ، وأَبُو المجد القزْوينيّ، وخلْق كثير.
وبالإجازة: أبو المنجى ابن اللّتّيّ، والرّشيد إِسْمَاعِيل العراقي.
وتُوُفّي فِي شعبان بأصبهان عَنْ نيفٍ وتسعين سنة.(12/795)
160 - أَحْمَد بْن حَمْزَة بْن أبي الْحَسَن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن الْحُسَيْن بْن الموازينيّ. السُّلمي، الدمشقي، أَبُو الْحُسَيْن بْن أَبِي طاهر، المعدَّل. [المتوفى: 585 هـ]
وُلِد فِي ربيع الأول سنة ستٍّ وخمسمائة.
وسمع من جَدّه أبي الْحَسَن، وأُمّه شكر بِنْت سهل الإسفراييني.
ورحل إلى بغداد وَهُوَ كهْل، فسمع أَبَا الكرم الشهرزوريُّ، وأبا بكر ابن الزاغوني، ومُحَمَّد بْن عُبيد اللَّه الرُّطَبِيّ، وسُلَيْمَان بن مسعود الشحام. وسعيد ابن البناء، وجماعة.
وَلَهُ إجازة من أبي علي الحداد، وغيره.
وكان محدثًا، خيرًا، صالحًا، يحب العزلة والانقطاع.
رَوَى عَنْهُ البَهَاء عَبْد الرَّحْمَن، والضياء مُحَمَّد، والزين ابن عَبْد الدّائم، وجهمة بِنْت هبة اللَّه السُّلَميَّة، وعبد الحق بْن خَلَف، وعلي بْن حسان الكُتُبيّ، ويوسف بْن خليل الحافظ، ومُحَمَّد بْن سعد الكاتب، وأَبُو الفضل عَبَّاس بْن نصر اللَّه القَيْسَرانيّ، والعماد عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن ابن النّحّاس الأصم، وخطيب [ص:796] مَرْدا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل، والعماد عَبْد الحميد بْن عَبْد الهادي، وخلْق سواهم.
قرأتُ فِي حقّهِ بخط الضياء: كَانَ خيِّرًا، ديِّنًا كبيرًا، سمعنا عليه الكثير، وكان يسكن الجبل. وكان كُلّ ليلةٍ يأتي من منزله حَتَّى نسمع عليه، وكان قَدِ انحنى. وسمعنا عليه أكثر " الحلية " بإجازته من أَبِي علي الحداد.
وقرأتُ بخط ابن الحاجب أَنَّهُ سَمِع أيضًا من نصر بْن نصر العُكْبَرِيّ، وابن ناصر، وأبي العباس ابن الطّلايَّة، وأبي الفضل الأُرْمَوِيّ، وهبة اللَّه الحاسب، وأبي القاسم الكَروخيّ.
وبالموصل منَ: الْحُسَيْن بْن نصر بْن خميس؛ وبنصيّبين من عسكر بْن أسامة؛ وبدمشق أيضًا من حمزة بن كروس، ومُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي الحوافر، وحَمْزَة بْن أسد التَّمِيمِيّ.
ولم يزل مُؤْثِرًا للانقطاع عَنِ النّاس. أنفق مالًا صالحًا عَلَى زاويةٍ انقطع إليها بالجبل. وكان مُقْبلًا عَلَى شأنه، مفيدًا لمن قصده من إخوانه، مواسيًا، باذلًا.
خرج لنفسه مشيخة، وخرج في الرقائق والفضائل، ورحل إلى العراق مرَّتين.
وتُوُفّي فِي نصف المحرَّم.
قُلْتُ: كذا ورّخه الضياء، والدُّبِيثيّ، والمُنْذريّ، وَغَيْرُهُمْ.
وقَالَ أَبُو المواهب بْن صَصْرى: تُوُفّي فِي نصف ذِي الحجَّة سنة خمس، ولعله سَبْقُ قَلَمٍ.(12/795)
161 - أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن مَنْصُور بْن الفضل. الفقيه أبو الفضل ابن الشَّيْخ أَبِي القاسم بْن أَبِي عَبْد اللَّه الْحَضْرَمِيّ الصَّقَلّيّ الأصل، ثمَّ الإسكندرانيّ، المالكيّ. [المتوفى: 585 هـ]
تفقَّه وأحكم المذهب. وروى عَنْ أبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد الرَّازيّ، وَأَبِي الْوَلِيد مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن خيرة، ويوسف بن محمد الأرموي. وسمع فِي الكهولة بمصر من أَبِي مُحَمَّد بْن رِفاعة. وبمكَّة منَ الحافظ أبي مُوسَى المَدِينيّ. وحدث ودرّس. وقَالَ: مولدي فِي المحرَّم سنة اثنتين وعشرين، فعلى هَذَا يكون سماعه من الرازي حضورًا.
وهو من بيت الرواية والعلم، حدَّث هُوَ وأخوه القاضي مُحَمَّد، [ص:797] وأبوهما، وجدهما. وأبوهما آخر من حدَّث عَنِ الحبّال بالإجازة.
تُوُفّي أَحْمَد فِي سادس رجب، وهو أقدم شيخ لأبي الطاهر ابن الأنْماطيّ الحافظ، وروى عَنْهُ جماعة.(12/796)
162 - أَحْمَد بْن أبي نصر ابن نظام المُلْك، الطُّوسيّ، ثمَّ الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 585 هـ]
أحد الأكابر. كَانَ ذا فضل، وأدب، وحشمة، وجلالة. تُوُفّي ببغداد، وشيّعه الأعيان.(12/797)
163 - إِسْحَاق بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ، أَبُو إِبْرَاهِيم العَبْدَريّ المَيُورقيّ، ويُعرف بابن عَائِشَة. [المتوفى: 585 هـ]
فقيه مالكيّ مشاوّر، قائم عَلَى " المدُّونة " بعيد الصِّيت. تفقّه عليه غير واحد.
اشتغل عَلَى أَبِي إِسْحَاق بْن فتحون، وغيره. وتُوُفّي فِي حدود هَذِهِ السنة.(12/797)
164 - إِسْمَاعِيل بْن مَفْرُوح بْن عَبْد الملك بْن إِبْرَاهِيم، أَبُو العرب الكِنَانيّ السّبْتيّ، المغربيّ، ويُعرف بابن مَعِيشَة. [المتوفى: 585 هـ]
شابٌّ فاضل فِي عِلم الكلام والأدب. لَهُ شِعرٌ جيد. قدِم العراقَ وناظَر. وأوّل طلوعه منَ البحر من اللاذقية، فدخل حلب ومدح الملك الظاهر صاحبَها، فخلَع عليه، واتفق أَنَّهُ دخل الحمام، فرأى رجلًا يخاصم الناطور عَلَى عِمامةٍ لَهُ ضاعت، فَقَالَ: أَنَا أُقاسمك بقياري. ثُمَّ قطعه نصفين، وكان معروفًا بالكَرَم.
وَفِي شِعره يبوسة وفصاحة، فَلَه فِي الظاهر:
جَنِّبِ السِّرْبَ وخَفْ مِن أنْ تُصَدّ ... أيُّها الآمِلُ جُهْدًا أن يَصِدْ
واجتِنبْ رشْقَة ظبْيٍ إنْ رنا ... أثبت الأسهم في خلب الكبد
ثعلبي الطرفِ طائيّ الحَشَا ... مازِنيّ الفتْك صخْريّ الْجَلَدْ
أَهْيَفٌ لاعَبَهُ من شَعْره ... أرقَمٌ ماسَ عَلَى خوطه قد [ص:798]
فانْثنَتْ غُصْنًا ومن أزهاره ... بدرُ تمٍّ حلّ في برج الفند
منعته عرقبا أَصْداغِه ... مِن جنا لَثْم ومن تجميش يدْ
وحسامٍ من لِحاظٍ خِلْتُهُ ... صارمَ الظاهر يوم المطرد
ملكٌ قامت له هيبته ... عوض الجيش وتكثير العدد
علق الفَرْقَدُ فِي جَبْهَتِهِ ... والثُّرَيّا فِي عذارٍ فوق خد
وأرانا سَرْجُه شمس الضُّحَى ... فحسِبْنا أَنَّهُ بُرجُ الأَسَدْ
ثُمَّ رجع أَبُو العرب فِي هَذَا العام إلى مصر، فالتقى الحكيم أَبَا مُوسَى اليهودي الَّذِي أُهدر دمُه بالمغرب وهرب، فاصطنعه أبو العرب، فمني الخبر إلى صاحب المغرب، فطلب أَبَا العرب أيضًا، فهرب وطلع منَ اللّاذقيَّة ثانيًا، وأراد أن يتكلَّم فِي اليهودي بمصر، فبذل لرجلٍ ذَهَبًا حَتَّى يقتل أبا العرب، فأتاه وَهُوَ عَلَى شاطئ النيل، فضربه بخشبةٍ، فسقط فِي النيل.(12/797)
165 - تميم بْن الْحُسَيْن بْن أَبِي نصْر، أَبُو نصْر الْبَغْدَادِيّ، البزاز ويُعرف بابن القَرَاح. [المتوفى: 585 هـ]
رَوَى عَنْ هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وغيره.
والقَراح بالتخفيف.(12/798)
166 - حزب اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ، أَبُو مَرْوَان الْأَزْدِيّ، البَلَنْسيّ. [المتوفى: 585 هـ]
أَخَذَ القراءات عَنْ أَبِي عبد اللَّه بْن أَبِي إِسْحَاق.
وكان يحَفظ " الكامل " للمبرد، و" النوادر " للقالي.(12/798)
167 - الحسن بن أحمد بن يحيى، أبو علي الأنصاري، القرطبي، [المتوفى: 585 هـ]
نزيل مالقة. والد الحافظ أبي محمد.
أخذ القراءات عَنْ أَبِي الْحَسَن سعد بْن خَلَف، وأبي القاسم بْن رضا.
وسمع منهما، ومن أَبِي إِسْحَاق بْن قرقول.
وكان ذا فنون، وَلَهُ يد طُولَى فِي الفرائض. [ص:799]
أَخَذَ عَنْهُ ابنه: وأبو الرَّبِيع بْن سالم، وعَبْد الحق بْن بونة.
وتُوُفّي فِي رمضان فِي عَشْر السبعين.(12/798)
168 - الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الحسن أبو عليّ ابن الرهيبل الْأَنْصَارِيّ، البَلَنْسيّ. [المتوفى: 585 هـ]
سَمِع من أَبِي الْحَسَن بْن النعمة كثيرًا؛ وأخذ عَنْهُ القراءات.
وحج فسمع من السفلي، و" الصحيح " للْبُخَارِيّ، من عَلِيّ بْن عمار. ورجع فلزِم الزُّهْد والتَّبَتُّل.
سمعوا منه بالإسكندرية " التيسير " بروايته عَنِ ابن هُذَيْل. مات فِي شعبان كهلًا.(12/799)
169 - الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن رواحة، أَبُو علي الْأَنْصَارِيّ، الحموي، الفقيه الشافعي، [المتوفى: 585 هـ]
الشاعر ابن خطيب حماة.
ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة. وسمع بدمشق من أبي المظفَّر الفَلَكيّ، وأبي الْحَسَن عَلِيّ بْن سُلَيْمَان المُرَاديّ، والصائن هبة اللَّه، وجماعة.
ووقع فِي أسْر الفِرَنج، فبقي عندهم مدة، ووُلد لَهُ بجزائر البحر عز الدّين عَبْد اللَّه. ثُمَّ قدِم بِهِ إلى الإسكندرية، وسمعه الكثير من السفلي. وسبب أسْرهِ أَنَّهُ سافر فِي البحر إلى المغرب فأُسِر، ثُمَّ خلصه اللَّه سُبْحَانَهُ.
وَلَهُ شِعْرٌ رائق، وحصلت لَهُ الشهادة عَلَى عكّا.
قَالَ الحافظ المُنْذريّ: أنشدنا عَنْهُ أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن إِسْمَاعِيل الكِنْديّ بمصر، ومُحَمَّد بْن المفضل البَهْرَانيّ بمَنْبِج.
قَالَ القاضي ابن واصل فِي مصرعه: نقلت من خطَّة نَسَبَه هكذا: الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن بْن رَوَاحة بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن رَوَاحة بْن عُبَيْد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بن رواحة الأنصاري الخزرجي الحموي.(12/799)
170 - خاصة بِنْت أَبِي المعمر الْمُبَارَك بْن أَحْمَد بْن عَبْد الْعَزِيز الْأَنْصَارِيّ، الواعظة [المتوفى: 585 هـ]
صاحبة الشَّيْخ أَبِي النجيب السَّهْرُوَرْديّ.
كَانَتْ تعِظ برباطها عَلَى النساء، وقد حدثت.(12/800)
171 - الرشيد ابن البُوسَنْجيّ [المتوفى: 585 هـ]
نشأ ببغداد، وكان من ملاحها، فحصَّل الأدب، وقَالَ الشِّعر، ثُمَّ تحوَّل إلى الشام، واتصل بخدمة السّلطان صلاح الدّين، وعلا شأنه حَتَّى بعثه السّلطان رسولًا إلى الخليفة، فعز عليهم ذَلِكَ وقالوا: مَن هُوَ ابن البُوسَنْجيّ حَتَّى يُبعث إلى الديوان رسولًا؟ وحصَل فِي هَذَا إنكار.
ثُمَّ إنَّه استُشْهد عَلَى عكّا بسهم، وضُرِب لَهُ فِي الجهاد بسهم.
ومن شعره:
قفوا فاسألوا عَنْ حال قلبي وضعْفهِ ... فقد زاده الشوق الأسى فوق ضِعْفِهِ
وقولوا لمن أرجو الشفاء بوصلهِ ... مريضك قَدْ أشفى عَلَى الموت فاشفِهِ
أخو سقمٍ أخفاه إخفاؤه الهوى ... نحولًا ومن يُخْفِ المحبَّة تُخْفِهِ
وما شغفي بالدار إلا لأهلها ... وما جزعي بالجزع إلا لخشفه(12/800)
172 - سَعِيد بْن يَحْيَى بْن عَلِيّ بْن حَجّاج، أَبُو المعالي الدُّبِيثيّ. [المتوفى: 585 هـ]
والد الحافظ أَبِي عَبْد اللَّه، مِن قرية دُبيْثا.
قدِم جَدّه علي منها إلى واسط فسكنها. سَمِع سَعِيد من سعد الخيْر الْأَنْصَارِيّ.
وأجاز لَهُ أَبُو علي الفارقي الفقيه.
كتب عَنْهُ ابنُه، وقَالَ: تُوُفّي يوم الأضحى. وولد في سنة سبع وعشرين وخمسمائة.(12/800)
173 - عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه التُّجَيْبيّ القُرْطُبيّ، أَبُو مُحَمَّد الزَّاهد المعروف بالأندوجريّ. [المتوفى: 585 هـ][ص:801]
كَانَ صالحًا، عابدًا، قانتًا، مُجاب الدَّعوة، لَهُ ذكرٌ.(12/800)
174 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد ابن الخلال، أبو الفرج الأنباري، الْبَغْدَادِيّ، [المتوفى: 585 هـ]
من رؤساء العراق.
وُلّي صدريَّة ديوان الزّمام مدَّةً، ثُمَّ عُزِل.(12/801)
175 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن هبة اللَّه بْن المطهر بْن عَلِيّ بْن أَبِي عَصْرون بْن أَبِي السّريّ. [المتوفى: 585 هـ]
قاضي القضاة شرف الدّين أَبُو سعد التَّمِيمِيّ، الحديثي، ثم الموصلي الفقيه، أحد الأعلام.
تفقَّه أولًا عَلَى: القاضي المُرتَضَى ابن الشهرزوري، وأبي عبد اللَّه الحسين بن خميس الموصلي. وكان مولده سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، وتلقّن عَلَى المُسلّم السُّرُوجيّ.
وقرأ بالسَّبْع ببغداد عَلَى: أَبِي عَبْد اللَّه الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد البارع، وبالعَشْر عَلَى: أَبِي بَكْر المَزْرَفيّ، ودَعْوان، وسِبْط الخياط، وتوجَّه إلى واسط فتفقه بها عَلَى القاضي أَبِي علي الفارقيّ، وبَرَع عنده، وعلق ببغداد عن أسعد المِيهنيّ. وأخذ الأصول عَنْ أبي الفتح أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن بَرهان. وسمع من أَبِي القاسم بن الحصين، وأبي البركات ابن البخاري، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن.
ودرس النحو على: أبي الحسن بن دبيس، وأبي دلف.
وسمع قديمًا في سنة ثمانٍ وخمسمائة من أَبِي الْحَسَن بْن طوق.
ورجع إلى وطنه بعلمٍ كثير، فدرس بالموصل فِي سنة ثلاثٍ وعشرين وخمسمائة. ثم أقام بسنجار مدةً.
ودخل حلب فِي سنة خمسٍ وأربعين، ودرَّس بها، وأقبل عليه صاحبها السّلطان نور الدّين. فَلَمَّا أَخَذَ دمشق سنة تسعٍ وأربعين قدِم معه، ودرس بالغَزّاليَّة، ووُلّي نظر الأوقاف، ثُمَّ ارتحل إلى حلب.
ثُمَّ وُلّي قضاء سِنْجار، وحرّان، وديار ربيعة، وتفقه عليه جماعة، ثُمَّ عاد إلى دمشق فِي سنة سبعين، فوُلّي بها القضاء سنة ثلاثٍ وسبعين.
وصنَّف التصانيف، وانتفع به خلق، وانتهت إليه رياسة المذهب.
ومن تلامذته الشيخ فخر الدين أبو منصور ابن عساكر.
ومن تصانيفه: " صفوة [ص:802] المذهب فِي نهاية المطْلب " فِي سبْع مجلدات، وكتاب " الانتصار " فِي أربع مجلدات، وكتاب " المرشد " فِي مجلَّدين، وكتاب " الذَّريعة فِي معرفة الشريعة "، وكتاب التَّيْسير فِي الخلاف " أربعة أجزاء، وكتاب " مآخذ النظر " ومختصر فِي الفرائض، وكتاب " الإرشاد فِي نُصْرة المذهب " ولم يُكمله، وذهبَ فيما نُهب لَهُ بحلب.
وبنى لَهُ نور الدّين المدارس بحلب، وحماة، وحمص، وبِعْلَبَكّ. وبنى هُوَ لنفسه مدرسةً بحلب، وأخرى بدمشق. وَلَهُ أيضًا كتاب " التنبيه فِي معرفة الأحكام " وكتاب " فوائد المهذب " فِي مجلدين، وغير ذَلِكَ.
رَوَى عَنْهُ أَبُو القاسم بن صصرى، وأبو نصر ابن الشّيرازيّ، وأَبُو مُحَمَّد بْن قُدامة، وعبد اللطيف بْن سيما، والتاج بْن أَبِي جَعْفَر، وعبد الرَّحْمَن بْن عَبْدان، وعلي بْن قرقين، وصديق بْن رمضان، وخلْق آخرهم موتًا العماد أَبُو بكر عبد اللَّه ابن النحاس.
وأضرَّ فِي آخر عمره وَهُوَ قاض، فصنَّف جزءًا فِي " جواز قضاء الأعمى "، وَهُوَ خلاف مذهبه. وَفِي المسألة وَجْهان، والجواز أقوى، لأن الأعمى أجود حالًا منَ الأصم والأعجمي الذي يتعرف الأمور بترجمان ونحو ذلك.
وَقَدْ كَانَ وُلّي القضاء قبل شرف الدّين القاضي ضياء الدّين ابن الشّهْرَزُوريّ، بحكم العهد إِلَيْهِ من عمّه القاضي كمال الدّين قاضي الشام، فلم يعزله السّلطان صلاح الدّين، وآثر أن يكون الحكم لابن أبي عصرون، فاستشعر ذَلِكَ ضياء الدّين، فاستعفى فأُعفي، وبقي عَلَى وكالة بيت المال، ووُلّي القضاء ابن أَبِي عَصْرون، وناب فِي القضاء الأوْحد دَاوُد، والقاضي محيي الدّين محمد ابن الزَّكيّ، وكُتِب لهما توقيع سلطانيّ، فكانا فِي حكم المستقلين، وإنْ كَانَ فِي الظاهر نائبين، وذلك فِي سنة اثنتين وسبعين، فَلَمَّا عاد السّلطان من مصر في سنة سبْعٍ وسبعين تكلم النّاس فِي ذهاب بصر ابن أبي عَصْرون، ولم يذهب بالكلية أَوْ ذهب، فولى السّلطان القضاءَ لولده القاضي محيي الدّين من غير عزلٍ للوالد، واستمر هَذَا إلى سنة سبْعٍ وثمانين، فَصُرِف [ص:803] عن القضاء، واستقل قاضي القضاة محيي الدّين ابن الذكي.
ويُقَالُ: إن هَذَا لَهُ:
أؤمل أن أحيا وَفِي كُلّ ساعةٍ ... تمرُّ بي الموتى تهزّ نعوشها
وما أنا إلا منهم غير أن لي ... بقايا ليالٍ فِي الزمان أعيشها
تُوُفّي إلي رضوان اللَّه في حادي عشر رمضان، ودفن بمدرسته بدمشق.
وقد سُئل عَنْهُ الشَّيْخ الموفق، فَقَالَ: كَانَ إمام أصحاب الشافعي فِي عصره، وكان يذكر الدرس فِي زاوية الدَّوْلَعيّ، ويصلي صلاةً حَسَنَة ويُتِمّ الرُّكوع والسجود. ثُمَّ تولى القضاء فِي آخر عمره وعَمِي، وسمعنا درسه مَعَ أَخِي أَبِي عُمَر، وانقطعنا عَنْهُ، فسمعت أَخِي رحِمَه اللَّه يَقُولُ: دخلتُ عليه بعد انقطاعنا فَقَالَ: لِمَ انقطعتم عني؟ فقلت: إن ناسًا يقولون إنك أشْعرِيّ. فَقَالَ: واللَّه ما أَنَا بأشْعرِيّ. هذا معنى الحكاية.
ومن شِعر القاضي شرف الدّين:
كُلّ جَمْع إلى الشتات يصيرُ ... أيُّ صفوٍ ما شانه تكديرُ
أَنْت فِي اللَّهْو والأماني مقيمٌ ... والمنايا فِي كُلّ وقتٍ تسيرُ
والَّذِي غره بلوغُ الأماني ... بسَراب وخلبٍ مغرورُ
ويكِ يا نفسُ أخْلصي إنَّ ربّي ... بالَّذِي أَخْفَتِ الصُّدورُ بصيرُ(12/801)
176 - عَبْد اللَّه بْن أَبِي الفتوح بْن عِمْرَانَ، الْإِمَام أبو حامد القزويني الفقيه الشافعي. [المتوفى: 585 هـ]
رحل إلى نَيْسابور، وتفقه عَلَى الإمام مُحَمَّد بْن يَحْيَى.
وتفقه ببغداد عَلَى: أَبِي المحاسن يوسف بن بُنْدَار الدِّمَشْقِيّ.
وسمع من أَبِي الفضل الأُرْمَوِيّ، وابن ناصر الحافظ، وجماعة. وحدَّث بقَزْوين.(12/803)
177 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي عامر أَحْمَد بْن عَبْد الرحمن بن الربيع، الْأَشْعَرِيِّ، القُرْطُبيّ، أَبُو الْحُسَيْن. [المتوفى: 585 هـ][ص:804]
سمع أباه، وأبا بكر ابن العربي، وأبا جعفر البطروجي، وعباد بن سرحان، وأبا مَرْوَان بْن مَسَرَّة، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ أَبُو الرَّبِيع بْن سالم الحافظ، وغيره.
وَلَهُ جزء مفيد خرجه عَنْ " مشيخته ".
وُلّي قضاء أسْتَجة، وكان ذا عناية بالحديث، وعاش ستًّا وستّين سنة، لأنه وُلِد سنة تسع عشرة وخمسمائة.
وروى عَنْهُ أيضًا بنوه الرَّبِيع، ويَحْيَى، وأَحْمَد، وأبو يحيى بن الفَرس.(12/803)
178 - عبد الرحمن ابن قاضي القضاة عَبْد الملك بْن عِيسَى بْن درباس، أَبُو طَالِب الماراني. [المتوفى: 585 هـ]
تُوُفّي فِي حياة والده.
وكان قد ناب عَنْ أَبِيهِ فِي القضاء.(12/804)
179 - عَبْد الرّزّاق بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن عليّ ابن الجوزيّ، أَبُو البقاء الْبَغْدَادِيّ، الصفار، [المتوفى: 585 هـ]
أخو العلامة أَبِي الفَرَج.
تُوُفّي فِي المحرَّم.
يُقَالُ: إنَّه رَوَى شيئًا منَ الْحَدِيث. وكان مزوِّقًا دهّانًا. سمعه أخوه من هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبي غالب مُحَمَّد بْن الْحَسَن المّاوَرْدِيّ.
رَوَى عَنْهُ: ابن أَخِيهِ أَبُو القاسم علي، وأبو الحسن ابن القَطِيعيّ.
ومولده كَانَ فِي صَفَر سنة إحدى عشرة وخمسمائة.
سقط منَ الصقالة، فزَمن مدةً.(12/804)
180 - عَبْد السلام بْن عَبْد السميع بْن مُحَمَّد، أَبُو جَعْفَر الهاشمي البواب. [المتوفى: 585 هـ]
سمع من زاهر، وابن الحُصَيْن.
وعنه عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخباز.
مات فِي ربيع الأوّل.(12/804)
181 - عَبْد المجيد بْن الحسين بْن يوسف بْن الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن دُليل، أَبُو المفضل الكِنْديّ، الإسكندراني المعدَّل. [المتوفى: 585 هـ][ص:805]
سَمِع منَ الْإِمَام أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن الْوَلِيد الطُّرْطُوشيّ، وروى عَنْهُ: " سُنَن أَبِي دَاوُد ".
وحدث عنه أبو التقى صالح بْن بدر الشافعي، والحسن بْن ناصر المهدوي، وعلي بْن مُحَمَّد بْن منتصر، وآخرون.
توفي فِي تاسع شوال، وَلَهُ اثنتان وتسعون سنة.(12/804)
182 - عُبَيْد اللَّه بْن هبة اللَّه، أَبُو الوفاء القزْوينيّ، ثُمَّ الأصبهاني، الواعظ الحنفي، يُعرف بابن شِفروه، [المتوفى: 585 هـ]
أخو رزق اللَّه.
لَهُ النّظْم والنَّثْر، وكان فصيحًا بليغًا، عقد ببغداد مجلس الوعظ لما حج.
توفي في الكهولة.(12/805)
183 - عَلِيّ بْن سلمان بْن سالم، أَبُو الْحَسَن الكعكيّ. [المتوفى: 585 هـ]
سَمِع الكثير من أَبِي الفتح بْن شاتيل، وطبقته. وكتب بخطه، وعُني بالسّماع. ومات شابا.(12/805)
184 - عَلِيّ بْن عُثْمَان بْن يوسف بْن إِبْرَاهِيم بْن يوسف، القاضي السعيد، أَبُو الْحَسَن الْقُرَشِيّ المخزومي، الشافعي الْمَصْرِيّ. [المتوفى: 585 هـ]
وُلِد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.
وحدَّث عَنْ: عَبْد العزيز بْن عُثْمَان التُّونسيّ، وأَحْمَد بْن الحُطَيْئة، وإِسْمَاعِيل بْن الْحَارِث القاضي.
قَالَ أَبُو محمد المُنْذريّ: حدثونا عَنْهُ، وكان عارفًا بكتابة الخراج، صنَّف فِي ذَلِكَ كتابًا. وتقلَّب فِي الخِدَم، وتقدَّم فيها.(12/805)
185 - عِيسَى بْن مُحَمَّد بْن عِيسَى، الأمير العالِم، الفقيه، أَبُو مُحَمَّد الهَكّاريّ، الشافعي، ضياء الدّين، [المتوفى: 585 هـ]
أحد أمراء الدولة الصّلاحيَّة، بل واحدهم وكبيرهم.
كَانَ فِي مبدأ أمره يشتغل، فتفقه بالجزيرة عَلَى الْإِمَام أبي القاسم عمر ابن البِزْريّ شيخ الشافعية؛ واشتغل بحلب بالمدرسة الزجاجية، ثُمَّ اتصل بخدمة الملك أسد الدّين شِيرَكُوه، وصار إمامه فِي الصَّلَوات، وتوجَّه معه إلى مصر. وكان هُوَ أحد الأسباب المُعِينة عَلَى سلطنة صلاح الدّين بعد عمّه مَعَ الأمير [ص:806] الطواشي بهاء الدّين قراقوش، فرعيت له الخدمة وقِدمه، وكان ذا شجاعة وشهامة، فأمَّره أسد الدّين.
وَقَدْ سَمِع منَ الحافظ أَبِي طاهر السلفي، والحافظ ابن عساكر.
وحدَّث بقَيْسَارِيَّة، فسمع منه القاضي مُحَمَّد بْن عَلِيّ الْأَنْصَارِيّ، وغيره.
وكان ذا مكانةٍ عظيمة عِنْد صلاح الدّين، واشتهر بقضاء الحوائج، فكان لا يكاد يدخل عَلَى صلاح الدّين، إلا ومعه أوراق وقصص فِي عمامته ومنديله وَفِي يده، فيكتب له عليها.
توفي فِي ذِي القعدة بالمخيم أيام حَصْر عكّا. وَلَهُ ذكرٌ فِي الحوادث، وأنه أُسِر وخُلَّص من الأسر بستين ألف دينار.(12/805)
186 - غَيْداق بْن جَعْفَر الدَّيلميّ. [المتوفى: 585 هـ]
رَوَى شيئًا عَنْ أحمد بن ناقة.(12/806)
187 - قيصر، الأمير الأجَلٌ ابن الأمير طي ابْن الملك أمير الجيوش شاوَر بْن مُجير السَّعْدِيّ، الْمَصْرِيّ. [المتوفى: 585 هـ]
رَوَى عَنْ أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيم بْن المسلم الْأَنْصَارِيّ.
وتُوفي فِي ذِي القِعْدَة.(12/806)
188 - مُحَمَّد بن أَحْمَد بن عبد اللَّه، أبو عبد الله الجمدي المقرئ، [المتوفى: 585 هـ]
والجمد من قرى دجيل.
روى عن: أبي البدر الكرخي، وأبي الوقت، وجماعة.(12/806)
189 - محمد بن خلف بن محمد بْن عَبْد اللَّه بْن صاف، أَبُو بَكْر الإِشْبِيليّ، الْمُقْرِئ. [المتوفى: 585 هـ]
أَخَذَ القراءات عَنْ أَبِي الْحَسَن شُريح؛ واختلف إلى أبي القاسم ابن الرّمّاك فِي العربية، وأجاز لَهُ أَبُو الْحَسَن بْن مغيث، وابن مكّيّ.
وكان عارفًا بالقراءات والعربية متقدّمًا فيهما، من كبار أصحاب شُرَيْح. [ص:807]
شرح " الأشعار الستة " و" الفصيح " لثعلب، وغير ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الأبّار: حدَّث عَنْهُ جماعة من شيوخنا، وأقرأ نحْوًا من خمسين سنة.
وتوفي سنة خمس، ويُقَالُ سنة ست وثمانين عن بضعٍ وسبعين سنة.(12/806)
190 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الكريم. الْأَنْصَارِيّ، الطَّنْجيّ. [المتوفى: 585 هـ]
دخل الأندلس، وسَمِع من أَبِي الْحَسَن بْن مغيث، وغيره.
وكان أديبًا شاعرًا.
ورخه الأبّار.
وطَنْجَة من أقصى المغرب.(12/807)
191 - مُحَمَّد بن عبد العزيز بن إسماعيل الفقيه، أبو عبد الله الخزرجي التلمساني، ثم المصري المالكي المعدل. [المتوفى: 585 هـ]
سمع أبا محمد بن رفاعة وحدث.(12/807)
192 - مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن عَلِيّ، أَبُو الكَرَم الهاشميّ، المخرِّميّ. [المتوفى: 585 هـ]
سَمِع هبة اللَّه بْن الحصين، وأبا غالب ابن البناء.
روى عنه: عبد اللَّه بن أحمد الخباز، وغيره. وكتب عَنْهُ جماعة. وتُوُفّي فِي جمادى الأولى.(12/807)
193 - محمد بن عبد الواحد ابن العدل أَبِي غالب مُحَمَّد بْن عَلِيّ، الفقيه أبو جعفر ابن الصباغ، الْبَغْدَادِيّ، الشافعي. [المتوفى: 585 هـ]
سَمِع أَبَا السّعادات أَحْمَد بْن أَحْمَد المتوكّليّ، وأبا القاسم هبة اللَّه بْن الحُصين. وناب فِي تدريس النّظاميَّة.
سَمِع منه عُمَر بن علي الْقُرَشِيّ، وسعيد بْن هبة اللَّه، وَغَيْرُهُمَا.
وتُوُفّي فِي ذِي الحجَّة وَقَدْ شاخ. فإنه ولد في سنة ثمانٍ وخمسمائة.
وتفقَّه على سعيد ابن الرّزَّاز.
ووُلّي القضاء بحريم دار الخلافة، فلم تُحمد سيرته وعُزل. وكانت لَهُ إجازة منَ ابن بيان الرزاز. [ص:808]
وروى عنه من المتأخرين: محمد ابن النفيس الأَزَجّي، وغيره.(12/807)
194 - مُحَمَّد بْن الْمُبَارَك بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن، أَبُو السّعادات السُّلَميّ الجُبيّ. [المتوفى: 585 هـ]
سَمِع ابن شاتيل، وأبا السّعادات القزاز، وطائفة، وعُني بالحديث، ولزِم الحازميّ، وكتب تصانيفه.
والجُبّة: قرية من قُرى بغداد عَلَى طريق خُراسان، وبها تُوُفّي فِي ذِي الحجَّة.
وكان أَبُوهُ أحد الشيوخ الزُّهاد، كنيته أَبُو سَعْد.(12/808)
195 - مُحَمَّد بْن يوسف بْن مُحَمَّد بْن قائد. موفق الدّين الإربِليّ، البَحْرانيّ، النَّحْويّ، الشاعر. [المتوفى: 585 هـ]
كَانَ بارع الأدب، رائق الشعر، لطيف المعاني. قدِم دمشقَ، ومدح السّلطان صلاح الدّين، ومدح صاحب إربل زين الدّين يوسف ابن زين الدّين علي، إلا أَنَّهُ اشتغل بعلم الفلاسفة.
وكان يعرف الهندسة، وألف فيها.
وكان أَبُوهُ من تجار إربل يتردد إلى البحرين، فُولِد لَهُ الموفق بالبحرين.
وَلَهُ:
رُبّ دارٍ بالغضا طال بلاها ... عكف الدَّهرُ عليها فبكاها
درست إلاَّ بقايا أسطرٍ ... سمح الدّهر بها ثُمَّ محاها
وقفت فيها الغوادي وَقْفةً ... أَلصقت حَرَّ ثَرَاها بحشاها
وبكت أطلالُها نائبةً ... عَنْ جفوني أحسَن اللَّه جزاها
كَانَ لي فيها زمانٌ وانقضى ... فسَقَى اللَّه زماني وسقاها(12/808)
196 - الْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك، أبو طَالِب الكّرْخيّ، الفقيه الشافعي، [المتوفى: 585 هـ]
صاحب ابن الخَلّ.
وكان من أئمة الشافعية، درس، وأفتى، وكتب الخط المنسوب.
وسمع أبا القاسم بن الحصين، وأبا بكر الْأَنْصَارِيّ.
وكان ذا جاهٍ وَقَبُولٍ لكونه أدَّب السّادة الأمراء أولاد الناصر لدين اللَّه. [ص:809]
درس بالنّظاميَّة بعد أَبِي الخير القزْوينيّ سنة إحدى وثمانين، وتفقه بِهِ جماعة. وكتب عَنْهُ أَبُو بَكْر الحازميّ، وغيره.
وعاش اثنتين وثمانين سنة، وتُوُفّي فِي ثامن ذِي القعدة.
وذكره الموفق عَبْد اللطيف فَقَالَ: كَانَ ربّ عِلم، وعمل، وعفاف، ونُسك، وورع. وكان ناعم العَيْش، يقوم عَلَى نفسه وبدنه قيامًا حكميًّا، رَأَيْته يُلقي الدّرس، فسمعتُ منه فصاحةً رائعة، ونغمة رائقة، فقلت: ما أفصح هَذَا الرجل! فَقَالَ شيخنا ابن عبيدة النحوي: كان أبوه عوادًا، وكان هُوَ معي فِي المكتب، وضَرَب بالعود وأجاد وتحقق فِيهِ حَتَّى شَهِدوا لَهُ أَنَّهُ فِي طبقة مَعْبَد، ثُمَّ أَنِف واشتغل بالخط، إلى أن شهدوا لَهُ أَنَّهُ أَكْتَب منَ ابن البوّاب ولا سيما فِي الطُّومار والثُّلُث، ثُمَّ أنِف منه، واشتغل بالفِقْه، فصار كَمَا ترى. وعلَّم ولدي الناصر لدين اللَّه، وأصلحا مداسهُ.(12/808)
197 - مجاهد بْن مُحَمَّد بْن مجاهد، أَبُو الجيش الأندلسيّ. [المتوفى: 585 هـ]
قَالَ الأَبّار: رَوَى عَنْ أَبِي علي الصَّدَفيّ، وأبي مُحَمَّد بْن عتاب.
قَالَ يعيش بْن القديم: لقيته بمَرّاكُش.
وبها تُوُفّي فِي ذِي القعدة.(12/809)
198 - محمود بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي الرجاء، الأستاذ أَبُو طَالِب التَّمِيمِيّ، الأصبهاني، الشافعي، المعروف بالقاضي، [المتوفى: 585 هـ]
صاحب الطريقة فِي الخلاف.
كَانَ من كِبار الأئمَّة. تفقه عَلَى الْإِمَام مُحَمَّد بْن يَحْيَى صاحب الغزاليّ، وكان لَهُ فِي الوعظ اليد البيضاء، وكان ذا تفنُّن فِي العلوم.
تفقَّه بِهِ جماعة بأصبهان، وتوفي فِي شوال.
وَلَهُ تعليقه جمَّة المعارف.(12/809)
199 - مشرف بْن المؤيَّد بْن عَلِيّ، أَبُو المحاسن الهَمَذَانيّ، الصوفي، الشافعي، البزّاز، أثير الدّين، المعروف بابن الحاجب. [المتوفى: 585 هـ][ص:810]
سَمِع هِبَة اللَّه بْن الفرَج ابْن أخت الطويل، وأبا الفُتُوح الطّائِيّ. وقدم دمشق، فسمع بها من أبي المظفَّر الفلكي، ودخل مصر واستوطنها وسمع بها من أبي الحسن عليّ ابن بنت أبي سعد.
وقد سمع من جماعة سوى مَن ذكرنا. وحدَّث بمصر، وبها تُوُفّي فِي ثامن جُمادى الأولى. وَهُوَ أخو جدِّ شيخنا الأبرقُوهيّ.(12/809)
200 - مُنجبُ بنُ عَبْد اللَّه، أَبُو المعالي، وأَبُو النجاح، مَوْلَى مرشد بْن يَحْيَى المَدِينيّ، المُرْشِديّ. [المتوفى: 585 هـ]
رَوَى عَنْ مولاه " صحيح الْبُخَارِيّ "، وعاش قريبًا من مائة سنة. وكان ظاهر القوة يمشي في هَذَا السن بالقبقاب عدة فراسخ.
رَوَى عَنْهُ جماعة منهم: ضياء الدّين عِيسَى بْن سُلَيْمَان بْن رمضان، وكُتاب بِنْت مرتضى بْن أَبِي الجود، والحافظ عليّ بن المفضل.
توفي في المحرم.(12/810)
201 - موسى بن جكو، الأمير الكبير عز الدّين [المتوفى: 585 هـ]
ابن خال السّلطان صلاح الدّين.
تُوُفّي بمنزلة العسكر عَلَى عكّا مُرابطًا، رحمه اللَّه.(12/810)
202 - يزيد بْن مُحَمَّد بْن يزيد بْن رفاعة، أَبُو خَالِد اللَّخْميّ، الغَرْناطيّ. ويُعرف بابن الصّفّار أيضًا. [المتوفى: 585 هـ]
أَخَذَ القراءات عَنْ أَبِي الْحَسَن بْن الباذش. وسمع من أبي مُحَمَّد بْن عطية وابن العربي، والقاضي عِياض، وأجاز لَهُ أَبُو محمد بن عتاب، وأبو عمران بن أبي تُليد، وطائفة.
وكان عارفًا بالقراءات والعربية، راوية جليلًا، يعقد الوثائق.
مات فِي المحرم، وَلَهُ أربعٌ وسبعون سنة.(12/810)
203 - يوسف بْن أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه، الحافظ أَبُو يعقوب الشيرازي، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الصُّوفيّ، [المتوفى: 585 هـ]
شيخ الصُّوفيَّة بالرباط الأرجواني.
وُلد سنة تسعٍ وعشرين وخمسمائة. وسمعه أبوه من الحافظ أبي القاسم ابن السمرقندي، وأبي محمد ابن الطَّرّاح، وَأَبِي الْحَسَن بْن عَبْد السَّلَام، وَأَبِي سعد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، وعُمَر بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجيّ، والكَروخيّ.
وسمع بنفسه منَ ابن ناصر، وابن الزّاغونيّ، وهذه الطبقة.
وجال فِي الآفاق ما بَيْنَ خُراسان، وفارس، والجزيرة، والشام، والحجاز، والجبال.
وسمع أبا الْحَسَن بْن غبرة بالكوفة، وأبا الوقت السِّجْزيّ بكرمان، وعبد اللَّه بْن عُمَر بْن سَليخ بالبصرة، وأحمد بْن بختيار القاضي بواسط، وعبد الجليل بْن أَبِي سعد بهَرَاة، وأبا بَكْر مُحَمَّد بْن عَلِيّ الطُّوسيّ، وعبد الملك بْن جامع الفارسي بنَيْسابور، وأبا شجاع البسطاميّ ببلْخ، وإِسْمَاعِيل بْن عَلِيّ الحمّاميّ المعمر، ومَسْعُود الثَّقَفيّ، والرُّسْتُميّ، وطائفة بأصبهان، ونصر بْن المظفَّر، وشِيرُويْه بَهَمَذَان، وعبد الواحد بن هلال بدمشق.
وصنف وخرَّج وكتب الكثير. وكان ثقة واسع الرِّحلة، جمع " أربعي البلدان "، فأجاد تصنيفها.
رَوَى عَنْهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن عُمَر الواعظ، والتاج مُحَمَّد بْن أَبِي جَعْفَر القُرْطُبيّ، وأَبُو عبد اللَّه ابن الدُّبيثي، وآخرون.
وثّقه الدُّبِيثيّ، وكتب عَنْهُ أَبُو المواهب بْن صَصْرى، وقَالَ: اشتغل فِي آخر عمره بالتَّرَسُّل منَ الديوان إلى الأطراف، ووُلّي رباطًا ببغداد. وكان حَسَن المفاكهة والعشْرة.
وقَالَ ابن النّجّار: كَانَ ثقة حسَنَ المعرفة، نُفِّذ رسولًا منَ الديوان الْعَزِيز إلى الروم، ووُلّي المشيخة برباط الخليفة، وصارت لَهُ ثروة، وحدث باليسير. وتوفي في رمضان.(12/811)
-وفيها وُلد:
الحافظ زين الدّين خَالِد بْن يوسف بنابلس، وشرف الدّين عُمَر بْن عَبْد اللَّه بْن صالح السُّبكيُّ، وأَبُو البركات أَحْمَد بن عبد اللَّه ابن النّحّاس الإسكندريّ، وعبد الواحد بْن أَبِي بَكْر ابن الحموي.(12/812)
-سنة ست وثمانين وخمسمائة(12/813)
204 - أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد، أَبُو الْعَبَّاس الْمَازِنِيّ، النّصِيبيّ، الجابي، [المتوفى: 586 هـ]
المعروف أَبُوهُ بالخطيب.
شيخ دمشقيّ. وَهُوَ والد المسلّم.
سَمِع عبد الكريم بْن حَمْزَة، وغيره.
ووُلِد سنة ثمانٍ وتسعين وأربعمائة، وعاش ثمانيًا وثمانين سنة.
رَوَى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن صَصْرى.(12/813)
205 - أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن هبة اللَّه بْن المأمون، أبو العباس ابن الزَّوَال الْعَبَّاسيّ، المأموني، الْبَغْدَادِيّ، [المتوفى: 586 هـ]
أحد العدول والأشراف.
قرأ القراءات على: أبي بكر ابن المزرفي. والعربية على: أبي منصور ابن الجواليقي.
وسمع من أبي القاسم بن الحصين، وأبي العز بْن كادش، وبدر بْن عَبْد اللَّه الشّيحيّ.
وصنَّف فِي اللُّغة، وروى الكثيرَ.
روى عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه ابن الدُّبِيثيّ، وغيره.
ووُلّي قضاء دُجيل، وكان رأسًا في العربية.
ولد سنة تسعٍ وخمسمائة، وتُوُفّي فِي شعبان.
أَنْبَأَني ابن البُزُوريّ أن لَهُ مصنَّفًا سماه " أسرار الحروف "، قَالَ: ووقع لي جزء بخطُّه، فنقلت منه قوله:
قَدْ كُنْت أركب بالخيل العتاق فَمَا ... أَبقى لي الدهرُ لا بغلًا ولا فَرَسا
وكنت أنهضُ بالعبءِ الثّقيل فقد ... أجدَّ بي الدهرُ عَنْ نهضي بِهِ فَرَسا
وكم فرستُ أسودًا عَنْوةً فِرَسًا ... وعضّني الدهرُ حَتَّى خِلْته فَرِسا
فآه من دهرنا أُفٍّ لَهُ فلقد ... أضاع حرًّا كريمًا بيننا فَرسَا
مِنَ الفراسة.(12/813)
206 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن خَلَف، أَبُو جَعْفَر ابن برنجال الدانيّ. [المتوفى: 586 هـ][ص:814]
سَمِع أَبَاه، وأبا بَكْر بْن أسوة القاضي.
ووُلّي قضاء دانية.
وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى، وَقَدْ شاخ.(12/813)
207 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عُمَر، العلامة الزَّاهد، زين الدّين أَبُو القاسم الْبُخَارِيّ، العتابي، [المتوفى: 586 هـ]
من محلة عتاب بُخارى.
كَانَ من كِبار الحَنَفيَّة، صنَّف " الجامع الكبير " و" الزيادات " و" تفسير القرآن ".
لازمه شمس الأئمَّة مُحَمَّد بْن عَبْد السّتّار الكَرْدَريّ، وأخذ عَنْهُ.
ومات ببُخَارى. ورَّخه الفرضيّ.(12/814)
208 - الْحَسَن بْن هبة اللَّه بْن أَبِي البركات، محفوظ بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن صَصْرى. الحافظ الكبير أَبُو المواهب بْن أَبِي الغنائم الرَّبَعيّ، التَّغْلبيّ، البلديّ الأصل، الدمشقي، المعدَّل. [المتوفى: 586 هـ]
ولد سنة سبعٍ وثلاثين وخمسمائة، وكان اسمه أولًا نَصْر اللَّه، فغيره بالحَسَن.
سَمِع بدمشق: جَدّه أَبَا البركات، والفقيه نصر اللَّه بْن مُحَمَّد المصِّيصيّ، وعَبْدان بْن زَرِّين المقرئ، وعَلِيّ بْن حَيْدَرة العَلَويّ، ونصر بْن أَحْمَد بْن مقاتل، والْحُسَيْن بْن البُنّ الأَسَديّ، وأبا يَعلَى ابن الحُبُوبيّ، وأبا المظفَّر الفَلَكيّ، وحَمْزَة بْن كرّوس، وأبا الْحُسَيْن هبة اللَّه بْن الْحَسَن، وأبا يَعْلَى حَمْزَة بْن أسد التَّمِيمِيّ، وأبا النَّدى حسان بْن تميم، وخلْقًا كثيرًا.
ولِزم أَبَا القاسم الحافظ فأكثر عَنْهُ، وتخرَّج بِهِ، وعُني بها الشأن أتم عنايةٍ، ثُمَّ رحل فسمع بحماه: مُحَمَّد بْن ظَفَر الحجَّة، وبحلب: أبا طَالِب ابن العجمي، وابن ياسر الْجَيّانيّ، وبالموصل: الْحَسَن بْن عَلِيّ الكعبيّ، وسُلَيْمَان بْن مُحَمَّد بْن خميس، ويَحْيَى بْن سعدون الْمُقْرِئ، وطائفة.
وببغداد: هبة اللَّه بْن الْحَسَن الدّقّاق، ومُحَمَّد بْن عَبْد الباقي ابن البطيّ، ويحيى بن ثابت، وصالح بن الرخلة، وشُهْدَة الكاتبة، وجماعة.
وبَهَمَذَان: أَبَا العلاء العَطَّار الحافظ، وبأصبهان مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن ماشاذة صاحب سُلَيْمَان بْن إِبْرَاهِيم الحافظ، وأبا رشيد [ص:815] عَبْد اللَّه بْن عُمَر، وعَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مردوَيْه، والحافظ أَبَا مُوسَى المَدِينيّ، وطائفة.
وبتبريز: مُحَمَّد بْن أسعد العطّاريّ حفده، أَوْ لِقيه بالموصل.
رَوَى عَنْهُ ولده أمين الدّين سالم.
وصنَّف التصانيف، وجمع المعجم لنفسه فِي ستة عشر جزءًا، وصنف " فضائل الصحابة " و" فضائل القدس "، و" عوالي ابن عُيينة "، وجزءًا فِي " رُباعيات التابعين ". وأصيب بكُتُبه فإنها احترقت لما وقع الحريق بالكلاسة. ثُمَّ وقف بعد ذَلِكَ خزانةً أخرى.
وكان ثقةً متقنًا، مستقيم الطريقة، لين الجانب، سَمْحًا، كريمًا. رحل سنة ثمانٍ وسبعين بابنه أَبِي الغنائم سالم، فسمعه منَ ابن شاتيل وطبقته.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ: كَانَ ثقةً، وتُوُفّي سنة ستٍّ وثمانين. وكتب إلينا بالإجازة.
قُلْتُ: عاش تسعًا وأربعين سنة.(12/814)
209 - الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن، أَبُو علي الفارسي، الدّارابجرديّ، المقرئ، الخوّاصّ، المؤدب. [المتوفى: 586 هـ]
سمع هبة اللَّه ابن الأكفانيّ.
رَوَى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن صَصْرى.
وتوفي في رجب.(12/815)
210 - خلف بن رافع بن رئيس المسكي، ثُمَّ الْمَصْرِيّ. [المتوفى: 586 هـ]
سَمِع منَ الفقيه رسلان بْن عَبْد اللَّه بْن شعبان الشّارعيّ، وَهُوَ والد الحافظ أَبِي مُحَمَّد عَبْد اللَّه، المعروف بابن بصيلة.(12/815)
211 - صالح بْن أَبِي القاسم خَلَف بْن عُمَر، أبو الحسن الأنصاري، الأوسي، المالقيّ. [المتوفى: 586 هـ]
رَوَى عَنْ مَنْصُور بْن الخير، وأبي الحسين ابن الطراوة.
ورحل فلقي بتلمسان أَبَا جَعْفَر بْن باقي، وأخذ عَنْهُ علم الكلام. ولقي بتونس عبد الرزاق [ص:816] الفقيه.
وأخذ بالمهديَّة عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه المازري.
وكان متقدّمًا فِي علم الكلام والعقليات.
رَوَى عَنْهُ أَبُو مُحَمَّد، وأَبُو سُلَيْمَان ابْنَا حَوط اللَّه.
وتُوُفّي فِي رمضان وَلَهُ ستٌّ وثمانون سَنَةً.(12/815)
212 - عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن أَبِي بَكْر. سيف الدين، أبو القاسم المقدسي، الحنبلي الفقيه، [المتوفى: 586 هـ]
أحد الأعلام.
وُلد سنة تسعٍ وخمسين وخمسمائة بجبل قاسيون. ورحل إِلَى بغداد، وسمع بها الكثير، وتفقَّه.
قرأت أخباره بخط الحافظ الضياء، قَالَ: اشتغل بالفقه، والخلاف، والفرائض، والنَّحْو، وصار إمامًا، عالِمًا، ذكيًا، فطِنًا، فصيحًا، مليح الإيراد، حَتَّى إنني سَمِعْتُ بعض النّاس يَقُولُ عَنْ بعض الفقهاء إنَّه قَالَ: ما اعترض السيف عَلَى مستدلّ إلّا ثلم دليلَه. وكان يتكلَّم فِي المسألة غير مستعجلٍ بكلامٍ فصيح من غير توقف ولا تتعتع، وكان حَسَن الخَلْق والخُلُق، وكان أنكر منكَرًا ببغداد، فضربه الذي أنكر عليه وكسر ثنيته، ثُمَّ إنَّه مُكّن من ذَلِكَ الرجل، فلم يقتص منه.
وسافرتُ معه إِلَى بيت المَقْدِس، فرأيت منه من ورعِه وحُسنِ خُلقه ما تعجبت منه.
قَالَ: وشهِدنا غَزَاةً مَعَ صلاح الدّين، فجاء ثلاثة فقهاء فدخلوا خيمة أصحابنا، فشرعوا فِي المناظرة، وكان الشَّيْخ الموفق والبهاء حاضرين، فارتفع كلام أولئك الفقهاء، ولم يكن السيف حاضرًا، ثُمَّ حضر فشرع فِي المناظرة، فَمَا كَانَ بأسرع من أن انقطعوا من كلامِه.
وسمِعتُ البهاء عَبْد الرَّحْمَن يَقُول مرَّة: كَانَ أَبُو القاسم عَبْد اللَّه بْن عُمَر فِيهِ منَ الذكاء والفطنة ما يدُهِش أَهْل بغداد. كَانَ يحفظ درس الشَّيْخ إذا أُلقي عليه من مرَّة أَوْ مرَّتين، وكنت أَنَا أتعب حَتَّى أحفظه.
وكان ورِعًا، يتعلم منَ العماد، ويسلك طريقه، وكان مبرزًا فِي علم الخلاف.
واشتغل بعلم النحو عَلَى الشيخ أَبِي البقاء، فحفظ كتاب " الإيضاح " لأبي علي الفارسيّ، واشتغل بعلم العَرُوض وصنَّف فيه تصنيفا. [ص:817]
قَالَ الضياء: تُوُفّي بحَرّان فِي شوال، ورثاه سليمان ابن النجيب بقوله:
عَلَى مثلِ عَبْد اللَّه يُفترضُ الحزنُ ... وتُسفح آماقٌ ولم يغتمِضْ جفنُ
عليه بكى الدّين الحنيفيّ والتُّقى ... كَمَا قَدْ بكاه الفقه والذِّهنُ والحُسنُ
ثوى لمثواه كلُّ فضلٍ وسؤددٍ ... وعلمٍ جزيلٍ لَيْسَ تحمله البُدنُ
وهي بضعةٌ وستون بيتًا.
وقَالَ فِيهِ جبريل المُصْعَبيّ الْمَصْرِيّ:
صبْري لفَقْدِك عَبْد اللَّه مفقودُ ... ووجدُ قلبي عليك الدَّهر موجودُ
عدمتُ صبري لمّا قِيلَ إنك فِي ... قبر بحران سيفَ الدّين مغمودُ
نبكي عليك بشجوٍ بالدما كَمَا ... تبكي التعاليقُ حزنًا والمسانيدُ
وللمشايخ تعديدٌ عليك كَمَا ... للطير فِي الرُّوح تغريدٌ وتعديدُ
وهي ستة وعشرون بيتًا.(12/816)
213 - عَبْد الجبار بْن الْحَسَن بْن عَبْد الْعَزِيز، أَبُو الْحَسَن الْقُرَشِيّ، المخزوميّ، الفرّاش. [المتوفى: 586 هـ]
مصري قديم المولد.
سَمِع فِي الكهولة من عَبْد اللَّه بْن رفاعة.(12/817)
214 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلِيّ بْن عَبْد الْعَزِيز بْن عَلِيّ بْن قريش، أَبُو المجد المخزوميّ، الْمَصْرِيّ. [المتوفى: 586 هـ]
استُشْهِد فِي جُمادى الأولى بظاهر عكّا.
لَهُ رواية عَنِ السِّلَفيّ.(12/817)
215 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن غالب، أَبُو القاسم الْأَنْصَارِيّ القُرْطُبيّ المعروف بالشّرّاط. [المتوفى: 586 هـ]
أَخَذَ القراءات عَنْ أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي القاسم الحجازي، وأبي القاسم بْن رضا.
وسَمِع من أَبِي القاسم بْن بَقِيّ، وأبي الْحَسَن بْن مغيث، وأبي عبد اللَّه بن مكي، وأبي بكر ابن العربي، وجماعة.
وأخذ الأدب عَنْ أَبِي بَكْر بْن فندلة، وأبي الْوَلِيد بْن حَجّاج.
قَالَ الأَبّار: وكان عارِفًا بالقراءات، رأسًا فِي تجويدها، بصيرًا [ص:818] بالعربية، زاهدًا، ورِعًا، صاحب ليل، أقرأ النّاسَ القراءات والنَّحْو، وحدَّث.
رَوَى عَنْهُ ابنه غالب، وابن أخته الأستاذ أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد، وابنا حَوْط اللَّه، والحافظ أَبُو مُحَمَّد القُرْطُبيّ، وأَبُو علي الرّنديّ، وأَبُو مُحَمَّد بن عطية، وأبو الحسين ابن السراج، وأَبُو يَحْيَى بْن عَبْد الرحيم. وتُوُفّي في ثاني جمادى الآخر، وَلَهُ خمسٌ وسبعون سنة، ولم يتخلف عَنْ جنازته كبيرُ أحدٍ، ودُفِن بمقبرة أم سَلَمَةَ بظاهر قُرْطُبة.(12/817)
216 - عَبْد الرشيد بْن عَبْد الرّزّاق. الكرجي، الصُّوفيّ، أَبُو مُحَمَّد. [المتوفى: 586 هـ]
ذكره أَبُو شامة فِي " تاريخه " فِي ترجمة " إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد " فَقَالَ: جَرَت ببغداد واقعة؛ كَانَ ببغداد عَبْد الرّشيد، وكان ورِعًا عاملًا، وكان ببغداد النفيس الصُّوفيّ يضحك منه ويسخر بِهِ، وكان يدخل عَلَى الخليفة، فدخل يومًا مدرسة دار الذَّهب فجعل يتمسخر، فقال له الكرجي: اتقِ اللَّه، نَحْنُ فِي بحث العلم وأنت تهزل، فدخل على الخليفة وبكى، وقال: ضربني الكرجي وعيرني، فثار الخليفة وأمر بصلبه، فأُخرج وعليه ثوب ليصلبوه، فَقَالَ: دعوني أُصلي رَكْعتين. فصلّى وصلبوه، فجاء أمر الخليفة لا تصلبوه وَقَدْ فات، فلعن النّاس النفيس واختفى. ورأى بعض الصالحين الكرجي فِي النوم، فَقَالَ لَهُ: ما فعل اللَّه بك؟ قَالَ: أوقفني بَيْنَ يديه، فقلت: يا إلهي رضيتَ ما جرى علي؟ فَقَالَ: أَوْ ما سَمِعْتُ ما قُلْتُ: {وَلا تحسبنَّ الَّذِينَ قُتلوا فِي سَبِيلِ اللَّه أمواتا}، إني أردتُ أن تصل إلى درجة الشهداء.(12/818)
217 - عَبْد المحمود بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ، الفقيه الصالح أَبُو مُحَمَّد الواسطيّ، الشافعيّ. [المتوفى: 586 هـ]
تفقَّه بواسط على أبي جعفر هبة اللَّه ابن البُوقيّ.
وسَمِع بالكوفة من أَبِي الْعَبَّاس بْن ناقة، وبالبصرة منَ الْمُبَارَك بْن مُحَمَّد المواقيتيّ، وبمكةَ منَ الْمُبَارَك بْن عَلِيّ الطّبّاخ.
ودرَّس وأفتى، ومات كهلًا فِي ربيع الأول بواسط.(12/818)
218 - عَبْد المنعم ابْن الْمُقْرِئ الكبير أَبِي بَكْر يَحْيَى بْن خَلَف بْن النفيس، الْإِمَام أَبُو الطّيّب الحِمْيَريّ، الأندلسيّ، الغَرْناطيّ، الْمُقْرِئ، المُكْتِب. [المتوفى: 586 هـ]
أخذ القراءات عَنْ والده، وعن أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي الْحَسَن بْن ثَابِت الخطيب، وأبي عَبْد اللَّه النّوالشيّ، وأبي الْحَسَن بْن هُذَيْل، وجماعة.
وروى عن أبي بكر ابن العربي، وأبي الْحَسَن بْن مَوْهَب، والقاضي عِياض، وعبد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن رضا، وجماعة.
ونزل مَرّاكُش مدة، فأدَّب بالقرآن زمانًا، وأقرأ القراءات.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار: أُخِذَ عَنْهُ ولم يكن بالضابط لأسماء شيوخه مَعَ رداءة خطه. وكان لَهُ حظُّ منَ العربية، ثُمَّ إنَّه حج وتجول فِي بلاد المشرق، وسكن الإسكندرية وحدث بها، وأقرأ القراءات، وسمع منه هناك " الموطأ " أَبُو الْحَسَن بْن خيرة.
قُلْتُ: وقرأ عليه القراءات أَبُو القاسم بْن عِيسَى.
وسَمِع منه عَلِيّ بْن المفضل الحافظ، والفقيه أَبُو البركات مُحَمَّد بْن مُحَمَّد البَلَويّ.
وتُوُفّي فِي ربيع الأول، ويُعرف بابن الخُلوف.(12/819)
219 - عَبْد الواحد بْن أَبِي الفتح بْن عَبْد الرَّحْمَن بن عصية، أبو محمد البغدادي، الحربي. [المتوفى: 586 هـ]
رَوَى عَنْ عَبْد اللَّه بْن أحمد بن يوسف، وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى.(12/819)
220 - عَبْد الوهَّاب بْن عَبْد الصَّمد بْن مُحَمَّد بْن غِياث، أَبُو مُحَمَّد الصَّدَفيّ، [المتوفى: 586 هـ]
نزيل مالقة.
سَمِع أَبَا بَكْر ابن العربي، وأبا الْوَلِيد بْن بقوة.
وأخذ عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه النّوالشيّ كثيرًا من كتب القراءات.
وولي القضاء، وحدَّث.
وَقُتِلَ رحِمَه اللَّه بإشبيلية في فتنة الجزيري، وصُلِب فِي هَذِهِ السنة.(12/819)
221 - عُثْمَان بْن سعادة بْن غنيمة، اللّبّان المعّاز. [المتوفى: 586 هـ]
سمع من ابن ناصر.(12/820)
222 - عثمان بن محمد بْن الْحَسَن بْن قُديرة، أَبُو عَمْرو الْبَغْدَادِيّ، الدّقّاق. [المتوفى: 586 هـ]
حدَّث عَنْ أَبِي البدر إِبْرَاهِيم الكَرْخيّ، وغيره.(12/820)
223 - عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ، أَبُو الْحَسَن الْبَغْدَادِيّ، الضرير، الْمُقْرِئ الفقيه. [المتوفى: 586 هـ]
سَمِع أَبَا القاسم بن الحصين، وأبا غالب ابن البناء، وأبا القاسم ابن السَّمَرْقَنْدِيّ. وحدَّث.(12/820)
224 - عِيسَى بْن مُحَمَّد بْن شعيب، أَبُو مُوسَى الغافقي، الورَّاق. [المتوفى: 586 هـ]
رَوَى عَنْ أَبِي بكر ابن العربي، وأبي الفضل بْن الأعلم، وجماعة.
وكان فقيهًا، كاتبًا، شاعرًا. استوطن فاس.
وتُوُفّي فِي جُمَادَى الآخره.
روى عَنْهُ أَبُو الحسن ابن القطان.(12/820)
225 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن أَبِي الضوء، أبو الحارث الهاشمي، الواسطي، الضري. [المتوفى: 586 هـ]
سَمِع نصر بْن نصر العُكبَري، والْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك السّرّاج، وتُوُفّي بواسط.(12/820)
226 - مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن أَحْمَد بْن حُمَيْد بْن مأمون، أَبُو عَبْد اللَّه الأموي، البَلَنْسيّ، الْمُقْرِئ. [المتوفى: 586 هـ]
أَخَذَ القراءات عَنِ ابن هُذَيْل، ثُمَّ رحل إلى غَرْناطة فأخذ القراءات عَنْ أَبِي [ص:821] الْحَسَن بْن ثَابِت الخطيب، وأبي عَبْد اللَّه بن أبي سحرة.
وأخذ القراءات بإشبيلية عَنْ أَبِي الْحَسَن شُرَيْح.
وسَمِع منهم ومن أَبِي جَعْفَر بْن ثعبان.
وقرأ بجَيّان عِلم العربية واللغة عَلَى: أَبِي بَكْر بْن مَسْعُود. وأقرأ العربية واللغة، وحمل النّاس عَنْهُ.
وَقَدْ أجاز لَهُ أَبُو الْحَسَن بْن مغيث.
وسَمِع بالمَرِيَّة: أَبَا مُحَمَّد بْن عطية.
وولي قضاء بَلَنْسِية فَحُمدت طريقته. ثُمَّ أوطن مُرْسِيَة فِي آخر عمره.
وتُوُفّي فِي جُمادى الْأولى وَلَهُ ثلاثٌ وسبعون سنة.
رَوَى عَنْهُ أَبُو الرَّبِيع بْن سالم، وغيره.(12/820)
227 - مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن الخَضِر بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْدان، أَبُو طَالِب الْأَزْدِيّ، الدمشقي، العدل. [المتوفى: 586 هـ]
ولد سنة إحدى وعشرين وخمسمائة.
وسَمِع من عَبْد الكريم بْن حَمْزَة، وجمال الْإِسْلَام بْن المسلم، وأبي الْحَسَن عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن قُبَيْس، وطاهر بْن سهل.
رَوَى عنه الحافظ ابن خليل، وغيره.
وتوفي فِي ربيع الآخر.(12/821)
• - مُحَمَّد بْن خَلَف بْن صاف، [المتوفى: 586 هـ]
مَرَّ سنة خمس.(12/821)
228 - مُحَمَّد بْن أَبِي الطيب سَعِيد بْن أَحْمَد بْن سَعِيد بْن عَبْد البر بْن مجاهد، الفقيه أَبُو عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ، الإشبيليّ، المالكيّ، الْمُقْرِئ المعروف بابن زرقون. [المتوفى: 586 هـ]
ولد سنة اثنتين وخمسمائة، فأجاز لَهُ فِي هَذِهِ السنة أَبُو عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْخَوْلانِيّ، وانفرد فِي الدُّنْيَا بالرواية عَنْهُ.
وسَمِع بمَرّاكُش من أَبِي عمران موسى بن أبي تليد وتفرَّد بالسماع منه.
وسَمِع بسَبْتَة منَ القاضي عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عُمَر القَيْسيّ الوحيديّ.
وسَمِع أيضًا من عَبْد المجيد بْن عيذون، وخَلَف بْن يوسف، الأَبْرَش، والقاضي عِياض، ولزِمه زمانًا.
وحدث عَنْهُمْ، وعن أَبِي مُحَمَّد بْن عتاب، وحمد بْن شِبْرين الشَّلْبيّ، وأبي بحر بْن العاص، وأبي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي مَرْوَان عَبْد الملك بْن عَبْد الْعَزِيز.
وقرأ " التقصي " [ص:822] عَلَى أَبِي عِمْرَانَ بْن أَبِي تليد، وسَمِع " الموطّأ " منَ القاضي عِياض.
قَالَ الأَبّار: وولي قضاء سَبْتَه فشُكِر. وكان من سَرَوات الرجال، فقيهًا، مبرِّزًا، وأديبًا كاملًا، حَسَن البزة، لين الجانب، صبورًا عَلَى التسميع، جمع بَيْنَ " جامع " الترمذي و" وسُنَن " أَبِي دَاوُد، ورحل النّاس إِلَيْهِ لعُلُوّ روايته. ولم يكن لَهُ سماع كثير.
قَالَ: ولد بشريش فِي نصف ربيع الأول سنة اثنتين، وَفِي ذِي قعدتها أجاز لَهُ الْخَوْلانِيّ.
وتُوُفّي بإشبيلية فِي نصف رجب.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ أحمد بن محمد النباتي ابن الرُّوميَّة، وإبراهيم بْن قسوم اللَّخْميّ، وأَبُو سُلَيْمَان دَاوُد بْن حَوْط اللَّه، ومحمد بْن عَبْد اللَّه ابن القُرْطُبيّ، ومحمد بْن عَبْد النور الإشبيلي، ومحمد بْن عامر الفِهْريّ، ومحمد بْن مُحَمَّد اللّوشيّ الجيّانيّ، ومحمد بْن إِسْمَاعِيل بْن خَلْفُون الأُوَيْنيّ الحافظ، ومحمد بن عبد اللَّه ابن الصفار الضرير، وعبد الغني بْن مُحَمَّد الغَرْناطيّ الصَّيْدلانيّ، وأَبُو الخَطَّاب عُمَر بْن حسَن الكلبيّ ابن دحْية، وأخوه عُثْمَان، وخلْق كثير.
وكان مُسْنِد الأندلس فِي وقته.
وزَرْقون: هُوَ لَقبَ جدهم سَعِيد.(12/821)
229 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن يَحْيَى بْن فَرَج ابن الْجَدّ، أَبُو بَكْر الفِهْريّ، الإشبيليّ الحافظ، [المتوفى: 586 هـ]
أصلُهُ من لَبْلة.
سَمِع أَبَا الْحَسَن بْن الأخضر، وبحث عليه " كتاب " سِيبوَيْه، وأخذ عَنْهُ كتب اللغات، وسَمِع " صحيح مُسْلِم " من أَبِي القاسم الهَوْزنيّ، ومن أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي بَكْر ابن العربي، وكان لا يحدِّث عَنْهُمَا.
ولقي بقُرْطُبة أَبَا مُحَمَّد بْن عتاب، وأبا الْوَلِيد بْن رُشد، وأبا بحر بْن العاص.
وبرعَ فِي الفقه والعربية، وانتهت إليه الرياسة فِي الحفظ والفُتيا، وقُدِّم للشُّورَى مَعَ أَبِي بكر ابن العربي ونُظَرائه، سنة إحدى وعشرين. وعظُمَ جاهه وحُرمتُه مَعَ أَنَّهُ امتُحِن فِي كائنة لَبْلَة، وقُيِّد وسُجِن.
وكان فِي وقته فقيه الأندلس، وحافظ مذهب مالك. واستفاد ثروة عظيمةً ودنيا واسعة؛ ولم يكن الحديث من شأنه، معه أن إسناده فيه عال، وإليه كانت رياسة بلده. [ص:823]
وكان فقيهًا، فصيحًا، خطيبًا، مفوَّهًا، كبير الشأن، يبلغ بالبديهة ما لا يبلغه بالرواية.
أَخَذَ عَنْهُ جلةُ أَهْل الأندلس، وطال عُمره، واشتهر اسمه.
وتُوُفّي فِي رابع عشر شوال سنة ست وثمانين، وَلَهُ تسعون سنة كاملة وأشهُر.
ومِمَّن رَوَى عَنْهُ مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه الشُّرَيْشِيّ، وأَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن زَرْقون، وأَبُو بَكْر مُحَمَّد بن عليّ ابن الغزال، وأَبُو علي عُمَر بْن مُحَمَّد الشلوبين، وأَبُو الخَطَّاب بْن دُحِية، ويَحْيَى بْن أَحْمَد السَّكُونيّ، اللَّبْليّ، وخلْق سواهم.(12/822)
230 - مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بْن عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد الباقي، أَبُو الفتح الشَّهْرياريّ، الفارسيّ الأصل، الْبَغْدَادِيّ، المعروف بالداريح. [المتوفى: 586 هـ]
خدم حاجبًا، ثُمَّ وُلّي حجبة الحجاب، ثُمَّ نُقِل إلى صدريّه ديوان العّرْض، ثُمَّ خرج بالعسكر المَنْصُور إلى دقوقا فافتتحها.
وكان نجيبًا، شهْمًا، كامل السؤْدد، فوُلّي نيابة الوزارة، وعُزِل قبل موته.
وتُوُفّي فِي ثامن جُمادى الأولى.(12/823)
231 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن القاسم بن المظفر بن علي، قاضي القضاة أَبُو حامد ابن قاضي القضاة، كمال الدّين أبي الفضل ابن الشّهْرَزُوريّ الْمَوْصِلِيّ، الفقيه الشّافعيّ، الملقب بمحيي الدّين. [المتوفى: 586 هـ]
كَانَ أَبُوهُ من أمْيَز القضاة وأحشمهم، وَقَدْ مرَّ فِي سنة اثنتين وسبعين.
وتفقه هَذَا ببغداد على أبي منصور سعيد ابن الرزاز، ثُمَّ قدِم الشام، وولي قضاء حلب بعد أن ناب فِي الحكم بدمشق عَنْ أَبِيهِ، ثُمَّ بعد حلب انتقل إلى المَوْصِل وولي قضاءها، ودرَّس بمدرسة أَبِيهِ، وبالمدرسة النظامية بها، وتمكن منَ الملك عز الدّين مَسْعُود بْن زنكي، واستولى عَلَى أموره. وكان جوادًا سريا.
قال ابن خلكان: قِيلَ إنَّه أنْعَمَ فِي بعض رسائله إلى بغداد بعشرة آلاف [ص:824] دينار أميرية عَلَى الفقهاء والأدباء والشُّعراء. ويُقَالُ: إنَّه فِي مدةِ حكمه بالموصل لَمْ يعتقل غريمًا عَلَى دينارَيْن فَمَا دونها، بل كَانَ يوفيهما عنه ورعا.
ولي قضاء حلب بعد عزل ابن أَبِي جرادة، فتمكَّن أيضًا من صاحبها الملك الصالح إسماعيل ابن نور الدّين غاية التمكن، وفوض إِلَيْهِ تدبير مملكة حلب. ثُمَّ فارق حلب فِي سنة ثلاثٍ وسبعين.
وتوجه رسولًا إلى الخليفة غير مرة.
ويحكى عنه رياسة ضخمة، ومكارم كثيرة، وأنشدني لَهُ بعض الأصحاب فِي جرادة:
لها فخِذا بِكْرٍ وساقا نعامةٍ ... وقادِمَتَا نَسْرٍ وجُؤْجُؤُ ضَيْغَم
حَبَتْها أفَاعِي الرملِ بطنًا وأَنْعَمَتْ ... عليها جِيادَ الخيلِ بالرأسِ والفَم
قلت: حدَّث عَنْ عمّ أَبِيهِ أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن القاسم.
كتب عَنْهُ القاضي أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَلِيّ الْأَنْصَارِيّ.
وتُوُفّي فِي رابع عشر جُمادى الأولى. وَلَهُ اثنتان وستون سنة. ودُفِن بالموصل، وقيل: إنَّه نُقِل إلى المدينة النبوية، ولم يصح.
ومن شِعره:
قامت بإثبات الصِّفاتِ أدلةٌ ... قَصَمت ظهور أئمَّة التّعطيل
وطلائع التنزيه لما أقبلت ... هزمت ذوي التّشبيه والتّمثيل
فالحقّ ما صرْنا إِلَيْهِ جميعنا ... بأدلَّة الأخبار والتنزيل
من لَمْ يكن بالشَّرْع مقتديًا فقد ... ألقاه فرط الْجَهْل فِي التضليلِ(12/823)
232 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد بْن واجب، أَبُو عَبْد اللَّه القَيْسيّ، البَلَنْسيّ، الْمُقْرِئ. [المتوفى: 586 هـ]
رَوَى عَنْ أَبِيهِ، وأبي الْعَبَّاس ابن الخلَّال، وأبي عبد اللَّه بن سعادة، وأبي الحسن بن النعمة، وأخذ عنه القراءات والأدب، وقد قرأ ببعض الروايات عَنْ أَبِي القاسم مُحَمَّد بْن وضاح.
وكان موصوفًا بالتجويد والصلاح.
وتوفي في الكهولة.(12/824)
233 - محمد بن مالك بن محمد، أبو عبد اللَّه الغافقي، المرسي. [المتوفى: 586 هـ]
أخذ عَنْ أَبِي بَكْر ابن العربي. وكان بصيرًا بمذهب مالك، مقدمًا فيه، [ص:825] محققًا له، ذاكرا.(12/824)
234 - محمد بن المبارك بن الحسين بن طالب، أبو عبد اللَّه بن أبي السعود الحلاوي، الحربي، المقرئ. [المتوفى: 586 هـ]
شيخ معمر عتيق، لم يظهر له سماع ولا إجازة، ثم إن المحدث أحمد بن سلمان بن شريك ذكر إنه وجد لَهُ إجازات من جماعةٍ قدماء، منهم أبو الحسين ابن الطُّيُوريّ، وجَعْفَر بْن أَحْمَد السّرّاج، وجماعة. فازدحم عليه الطلبة، وقرؤوا عليه الكثير فِي زمنٍ يسير. ولم يَعِش بعد ظهور الإجازة إلا أربعين يومًا.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ: وكتب إلى تميم بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجيّ قَالَ: وجدتُ سماعَ هَذَا الشَّيْخ بعد موته فِي سنة تسعٍ وتسعين من جعفر السراج، وفي سنة ستٍّ وخمسمائة من أَبِي مَنْصُور عَلِيّ بْن مُحَمَّد الأنباريّ.
وقَالَ: مولده بمكة فِي جُمادى الآخرة سنة أربعٍ وتسعين وأربعمائة، ومات فِي التّاسع والعشرين من ذِي القعدة، ودُفِن عِنْد بِشر الحافي، وَلَهُ ثلاثٌ وتسعون سنة.
وقال ابن النجار: محمد ابن الحلاوي سَمِع أَبَاه، وأبا الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن محمد ابن الفرّاء، وظهرت لَهُ إجازة قديمة من أَبِي الفضل مُحَمَّد بْن عَبْد السلام الْأَنْصَارِيّ، والْحَسَن بن محمد التككي، وابن الطيوري وجعفر، فأكب عليه أصحاب الحديث يقرؤون عليه، سَمِع منه عامة رفقائنا، وحدَّثونا عَنْهُ.(12/825)
235 - مُحَمَّد بْن أَبِي اللَّيْث بْن أَبِي طَالِب، أَبُو بَكْر الرّاذّانيّ، الضرير، الْمُقْرِئ، العراقي، المعروف بالقُنَين. [المتوفى: 586 هـ]
قرأ القراءات عَلَى أَبِي مُحَمَّد سبط الخَيّاط، ودَعوان بْن عَلِيّ الْجُبّائيّ، وسَمِع منهما، ومن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن المَزْرَفيّ، وأبي سعد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، وجماعة، وأقرأ، وحدَّث.
وراذان ناحية منَ السواد كبيرة، وراذان قرية أيضًا من نواحي المدينة لها ذِكرٌ فِي حديث ابن مَسْعُود.(12/825)
236 - الْمُبَارَك بْن أَحْمَد بْن أَبِي مُحَمَّد، أَبُو محمد الدينوري ثم البغدادي، الشروطي [المتوفى: 586 هـ]
سبط ابن السلال.
سمع هبتي اللَّه ابن الحُصَيْن، وابن الْبُخَارِيّ، وأبا بَكْر الْأَنْصَارِيّ. سَمِع منه جماعة. وتوفي فِي ذِي الحجَّة.(12/826)
237 - مَسْعُود بْن عَلِيّ بْن عُبَيْد اللَّه بْن النادر، أَبُو الفضل الْبَغْدَادِيّ، المعدَّل، الْمُقْرِئ، المحدث. [المتوفى: 586 هـ]
وُلِد فِي أول سنة ست عشرة، وسَمِع الكثير، وتلقَّن القرآن على أبي بكر محمد بن الحسين المزرفي. وقرأ ببعض الروايات على أبي محمد سبط الخياط.
وسمع أبا بكر الأنصاري، ويحيى ابن البناء، وهبة اللَّه ابن الطبر، وأبا منصور بن زريق، وأبا القاسم ابن السمرقندي، وأبا البركات الأنماطي، وجماعة كثيرة. وعني بهذا الشأن، وكتب الكثير، وكان مليح الخط، ثقة، ظريفا صاحب نوادر.
قَالَ الدُّبِيثيّ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: كتبتُ القرآن بخطي مائة وإحدى وعشرين مرة، منها ختمة تحت ميزاب الكعبة.
قَالَ ابن النجار: كَانَ ثقةً موصوفًا بالدَّماثة والظُّرْف والتجمل والمزاح والدعابة. وكان خصيصًا بمنصور ابن العَطَّار صاحب المخزن، وبطريقه صار يجالس المستضيء وينادِمه.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ الشَّيْخ الموفق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وجماعة. وسَمِع منه أَبُو سعد ابن السّمعانيّ، وأَبُو بَكْر الحازميّ، وتقي الدّين عَلِيّ بن المبارك بن باسويه، وتوفي في الثالث والعشرين من المحرم.(12/826)
238 - نجم الدّين، الفقيه أَبُو العلاء ابْن شرف الإِسلْام أَبِي البركات عَبْد الوَهَّاب ابن الشَّيْخ أَبِي الفَرَج عَبْد الواحد بن محمد الأنصاري، الخَزْرجيّ، السَّعْديّ، العُبَاديّ، الشيرازي، ثُمَّ الدمشقي، الحنبلي، [المتوفى: 586 هـ][ص:827]
والد الناصح.
فقيه فاضل فِي مذهبه، أجاز لَهُ أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن عُبَيْد اللَّه بن الزاغوني، وغيره. وتُوُفّي فِي الثاني والعشرين من ربيع الآخر، ودُفِن بسفح قاسيون بتربتهم، وشيَّعه خلائق.(12/826)
239 - نصر اللَّه بْن عَلِيّ بْن مَنْصُور، أَبُو الفتح ابن الكيّال الواسطيّ، الْمُقْرِئ، الفقيه الحنفيّ، قارئ واسط. [المتوفى: 586 هـ]
أَخَذَ العشرة عَنْ أَبِي القاسم عَلِيّ بْن عَلِيّ بْن شِيران، ورحل إلى بغداد فقرأ القراءات عَلَى: أَبِي عَبْد اللَّه الْحُسَيْن البارع، وإبراهيم بْن مُحَمَّد الهيتيّ القاضي.
وتفقَّه وقرأ الخلاف وناظر ودرس.
وأخذ النحو عن أبي السعادات هبة اللَّه ابن الشِّجَريّ، وابن الجواليقيّ، وسَمِع من أَبِي علي الفارقيّ، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وجماعة.
وولي قضاء البصرة سنة خمسٍ وسبعين، ثُمَّ قدِم بغداد فأقرأ بها، وكان غزير الفضل، واسع العلم، ثُمَّ وُلّي قضاء واسط، وعاد إلى وطنه.
ولد سنة اثنتين وخمسمائة، وتُوُفّي فِي جُمادى الآخرة عَنْ أربعٍ وثمانين سنة.
وكان عالي الإسناد فِي القراءات.
رَوَى عَنْهُ أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن أحمد القَطِيعيّ، ومحمد بْن سَعِيد الحافظ، وعبد الوهَّاب بْن بزغش، وآخرون.
قال محمد بن سعيد الدبيثي: قرأتُ عليه بالروايات، وسَمِعْتُ منه الكثير، وكان ثقة صدوقًا.
قُلْتُ: وقرأ عليه بكتابه " المفيدة في العشر ": ابنُ الدُّبيثي وأَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن محمود بْن مُحَمَّد بْن حَمْزَة الناسخ الأَزَجّي.
وسَمِع منه الكتاب: هما، والمرجّي بْن شقيرة، وأَبُو طَالِب بْن عَبْد السميع، وعلي بْن مَسْعُود بْن هياب الجماجميّ، وعمر بْن عَبْد الواحد العطار الواسطيون.(12/827)
240 - هبة اللَّه بْن الْحُسَيْن، أَبُو المكارم الْمَصْرِيّ، الفقيه. [المتوفى: 586 هـ][ص:828]
ذكره: أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار فِي " تاريخه " فقال: كان من أهم العلم، عارِفًا بالأصول، حافظًا للحديث، متيقّظًا، حَسَن الصورة والشّارة. دخل الأندلس، وولي قضاء إشبيلية سنة تسع وسبعين وخمسمائة، وبِهِ صُرِفَ أَبُو القاسم الْخَوْلانِيّ. وأقام بها سنةً. وكان قدومه الأندلس خوفًا من صلاح الدّين، قدِم فِي قوم من شيعة العُبَيْديّ ملك مصر، ثُمَّ استصحبه المَنْصُور معه فِي غَزْوَة قَفْصَة الثانية، وولاه قضاء تونس، وولي صاحبَه أَبَا الوفاء الْمَصْرِيّ القضاء، تُوُفّي أَبُو المكارم عَلَى قضاء تونس سنة ستٍّ هَذِهِ.(12/827)
241 - يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد، أَبُو بَكْر الْأَنْصَارِيّ، القُرْطُبيّ، عُرف بالأركشيّ. [المتوفى: 586 هـ]
حَمل عَنْ أَبِي إِسْحَاق بْن خَفَاجة ديوانَه، وسَمِع من أَبِي الطَّاهر التَّمِيمِيّ، وعباد بن سرحان، وأبي بكر ابن العربي.
وكان أديبا، بليغا، كاتبا، شاعرا.
قُتل بقرطبة في داره وله إحدى وثمانون سنة.
روى عنه أبو سليمان بن حوط اللَّه.(12/828)
242 - يوسف، زين الدّين أبو يعقوب ابن زين الدين علي كوجك بن يلتكين، [المتوفى: 586 هـ]
صاحب إربل.
وليها بعد والده إلى أن مات، وولي بعدّه ولدُه فغلب عَلَى البلد أخوه مظفَّر الدّين.
وكانت وفاته بظاهر عكّا مرابطًا في شوال.(12/828)
-وفيها وُلد:
العز حسن بْن مُحَمَّد الضرير المتكلم، وأبو موسى عبد اللَّه بن علاق، والمعين أحمد ابن القاضي زين الدّين، والجمال عَبْد الرَّحْمَن بْن سُلَيْمَان الْبَغْدَادِيّ، وشيخ الشيوخ عَبْد الْعَزِيز بْن محمد الأنصاري، وإسماعيل بن عبد اللَّه ابن قاضي اليمن.(12/828)
-سنة سبع وثمانين وخمسمائة(12/829)
243 - أحمد بْن أَبِي طاهر، إِسْحَاق ابن العلّامة أَبِي منصور ابن الجواليقي النحوي. [المتوفى: 587 هـ]
توفي شابا، وله سماع من أبي بكر ابن الزاغوني وأبي الوقت.(12/829)
244 - أَحْمَد بْن سالم، أَبُو الْعَبَّاس البَرْجُونيّ، الواسطيّ الْمُقْرِئ. [المتوفى: 587 هـ]
شيخ معمَّر، وُلِد سنة سبعٍ وتسعين وأربعمائة.
وسَمِع من أَبِي علي الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم الفارقيّ.
رَوَى عَنْهُ عَلِيّ بْن الْمُبَارَك البَرْجُونيّ ابن باسويه، وعليه تلقَّن القرآن كله.(12/829)
245 - أَحْمَد بْن محمد بن أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن هبة اللَّه بْن عَبْد السلام، أَبُو الغنائم الْبَغْدَادِيّ الكاتب، [المتوفى: 587 هـ]
أخو أبي منصور عبد اللَّه.
سمع أبا عليّ ابن المهدي، وأبا القاسم بن الحصين، وأبا الْحَسَن بْن عَبْد السلام.
استُشْهِد ببغداد فِي سادس عشر المحرَّم، قتله غلامه لأجل سُحْت الدُّنْيَا.
كتب عَنْهُ عُمَر بْن عَلِيّ، وغيره.
وعاش ثلاثا وثمانين سنة.(12/829)
246 - أَحْمَد بْن أَبِي السَّعادات الْمُبَارَك بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد الوهَّاب بْن الْحُسَيْن بْن نغوبا، أبو الفرج الواسطي. [المتوفى: 587 هـ]
ولد سنة خمسمائة، وحدَّث عَنْ خميس بْن عَلِيّ الحوزيّ الحافظ، والفضل بْن الْحُسَيْن بْن تُرْكان، وأبي تغلب مُحَمَّد بْن عُجَيْف، وَغَيْرُهُمْ.
ونَغُوبا: لقبٌ لجدِّهِ، لُقِّبَ باسم ضيعةٍ كَانَ يُكثر المُضِيّ إليها. [ص:830]
تُوُفّي فِي ربيع الأول.
وقَالَ يوسف بْن خليل: روى جزء الأنصاري عَنْ أَبِي سَعِيد مُحَمَّد بْن حَمَّاد العميد، عن البرمكي سماعًا.(12/829)
247 - أَحْمَد بْن مَنْصُور بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه، أَبُو الْعَبَّاس الكازرُونيّ. [المتوفى: 587 هـ]
قدِم بغداد، وسَمِع أَبَا مُحَمَّد سِبْط الخياط، وأبا عَبْد الله ابن السّلّال، وأبا بَكْر أَحْمَد بْن الأشقر، وجماعة.
وكتب أكثر مسموعاته، وتفقه مدةً عَلَى مذهب الشّافعيّ. ثُمَّ وُلّي قضاء كازرون، ثُمَّ قدِم بعد مدةٍ رسولًا من أمير شيراز، وحدَّث.
رَوَى عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ فَقَالَ: سَمِعْتُ منه مشيخته فِي سبعة أجزاء جَمَعَها لنفسه، وقَالَ لي: وُلِدتُ سنة ست عشرة وخمسمائة.
وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى بشيراز.
وَقَدْ حفظ أبو العباس هذا جملة كتبٍ فِي اللغة والعربية.(12/830)
248 - أَحْمَد بْن أَبِي مُحَمَّد بْن أَبِي القاسم، أَبُو الرضا، الرجل الصالح الْمُقْرِئ النّجّاد. [المتوفى: 587 هـ]
من شيوخ بغداد.
سَمِع عَبْد الوهَّاب الأَنْماطيّ، وأبا الْحَسَن بْن عَبْد السلام، وغيرهما.
ويُعرف بابن العُوديّ.
قرأ القراءات عَلَى سِبْط الخيّاط. وكان ناسخًا.(12/830)
249 - إِبْرَاهِيم بْن بركة بْن إِبْرَاهِيم بْن طاقوَيْه، أَبُو إِسْحَاق الأزجي البيّع. [المتوفى: 587 هـ]
ولد سنة ثلاثٍ وخمسمائة، وقرأ ببعض الروايات عَلَى أَبِي بَكْر المَزْرَفيّ، وأبي الفضل الإسكاف.
وسَمِع أَبَا العز بْن كادش، وزاهر بْن طاهر، [ص:831] وابن الحُصَيْن، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ أَبُو بَكْر الحازميّ، وأبو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، ويوسف بْن خليل.
ولم يكن بالمَرْضِيّ فِي دينه.
تُوُفّي في ذي القعدة.
قال ابن النجار: كان يشرب الخمر.(12/830)
250 - إِسْحَاق بْن هبة اللَّه، أَبُو طاهر الأشنانبرتي الضرير الْمُقْرِئ، ويُسمّى أَحْمَد. [المتوفى: 587 هـ]
من سَوَاد العراق.
قرأ بالروايات على: هبة اللَّه ابن الطبر، وسِبْط الخيّاط.
وسَمِع من عَلِيّ بْن عَبْد السيد، وغيره.
وسكن دمشق وأقرأ بها. وكان صالِحًا، مجوِّدًا، مقرئًا.
سَمِع منه أَبُو المواهب بْن صَصْرى، والخَضِر بْن عَبْدان.
حدَّث فِي هَذِهِ السنة.(12/831)
251 - أسعد بْن إلياس بْن جرجس. المطران موفق الدّين الطبيب، [المتوفى: 587 هـ]
طبيب السّلطان صلاح الدّين، وشيخ الأطباء بالشام.
وكان من أَهْل الظَّرافة والنّظافة، ومن ذوي الفصاحة والحصافة.
وفَّقه اللَّه فِي بدايته للإسلام، ونال الحشمة والاحترام، وتُوُفّي فِي ربيع الأول.
وكان مَعَ براعته فِي الطب عارِفًا بالعربية، ذكيًّا، كثير الاشتغال، لَهُ تصانيف، وكان مليح الصورة، سَمْحًا، جوادًا، نبيلًا، يركب فِي مماليكَ تركٍ حَتَّى كأَنَّه وزير، ويتيه ويحمق، وَقَدِ اشتغل عَلَى مهذَب الدّين ابن النقاش.
ويُقال: إنَّه من عُجبه وبأوِهِ عمل أنابيبَ بركةِ قاعتِهِ ذَهَبًا.
وزوجه السّلطان بواحدةٍ من حظاياه.
وخلّف منَ الكُتُب نحوًا من عشرة آلاف مجلَّدة. وأجلّ تلامذته المهذّب عَبْد الرحيم بْن عَلِيّ الدّخوار.(12/831)
252 - أسعد بن نصر بن أسعد، أبو منصور ابن العَبَرْتيّ الشّاعر. [المتوفى: 587 هـ]
أَخَذَ الأدب عَنْ أَبِي مُحَمَّد ابن الخشاب، وغيره.
توفي فِي رمضان.(12/832)
253 - إقبال بْن الْمُبَارَك بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن، أَبُو جَعْفَر العُكْبَرِيّ، الواسطيّ، المعدّل. [المتوفى: 587 هـ]
سَمِع عَلِيّ بْن عَلِيّ بْن شِيران، وأبا عليّ الفارقي، وأبا عبد الله مُحَمَّد بْن عَلِيّ الجلّابيّ، وَغَيْرُهُمْ.
وحدَّث، وتُوُفّي في خامس رمضان.(12/832)
254 - الْحُسَيْن بْن حَمْزَة بْن الْحُسَيْن بْن حُبَيْش، البَهْرَاني، الحبشي، الحمويّ، القُضاعيّ، الشّافعيّ، قاضي حماه، أمين الدولة، أَبُو القاسم. [المتوفى: 587 هـ]
أحد الكُرماء الأجواد، كَانَ يُضيِّفُ الخاص والعام، وكان السّلطان صلاح الدّين يُكرمه ويُجله، وكان لا يقبل برَّ أحدٍ، نقلتُ هَذَا مِن تعاليق البرزاليّ، وأنه مات سنة سبعٍ، في ترجمة العدل كمال الدّين عبد الوهاب ابن القاضي محيي الدّين حَمْزَة بْن مُحَمَّد قاضي القُضاة بحماه أَبِي القاسم هَذَا.
قُلْتُ: ومن أولاده خطيب دمشق موفّقُ الدِّين مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن المفضّل بْن مُحَمَّد بْن عَبْد المنعم بْن أَبِي القاسم.(12/832)
255 - الْحُسَيْن بْن يَوْحن بْن أبويه، الباوري. [المتوفى: 587 هـ]
شيخ صالح تُوُفّي بأصبهان.
يروي عَنْ أَبِي الفضل الأُرْمَوِيّ، وابن ناصر.
فِي السنة الآتية، والأظهر أَنَّهُ تُوُفّي فِي هذا العام.(12/832)
256 - سُلَيْمَان بْن جَنْدَر، الأمير الكبير عَلَم الدّين [المتوفى: 587 هـ]
صاحب عزاز، وبغْراس، أحد الأمراء الكبار.
لَهُ مواقف مشهودة فِي جهاد الفِرَنج.
تُوُفّي فِي أواخر ذي الحجة بقرية غباغب.(12/832)
257 - صالح الزَّناتيّ، أَبُو الْحَسَن الإشبيلي العابد، [المتوفى: 587 هـ]
أحد الأولياء.
ذكره أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار فِي " تاريخه "، فَقَالَ: زاهد عابد لَمْ يتشبّث منَ الدنيا بقليل ولا كثير، ولا شاهدة أحدٌ يبتاع شيئًا، ولا يطبخ قدرًا. وكان يأوي إلى مسجد. شيع جنازته أمم لا يحصون.(12/833)
258 - عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحق، القاضي أبو مُحَمَّد الأندلسيّ الْأَنْصَارِيّ. [المتوفى: 587 هـ]
وُلّي قضاء إشبيلية.
قَالَ الأَبّار: كَانَ جزْلًا، صارمًا، صليبًا فِي الحقّ، ذا سطوةٍ مرهوبةٍ، وأحكامٍ محمودةٍ.(12/833)
259 - عَبْد اللَّه بْن عَبْد القادر بْن أَبِي صالح، أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الجيليّ. [المتوفى: 587 هـ]
كَانَ أكبر وُلِد الشَّيْخ؛ ولد سنة ثمانٍ وخمسمائة. وسمع هبة الله بن الحصين، وأبا غالب ابن البناء.
ويُقَالُ: إنَّه حدَّث ولم يكن مشتغلًا بالعلم.
تُوُفّي فِي صَفَر.(12/833)
260 - عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي يَعْلَى، أَبُو القاسم الشيرازي، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الخياط. [المتوفى: 587 هـ]
سَمِع أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا البركات عَبْد اللَّه بن أحمد البيع. وحدث، وتوفي فِي المحرَّم.
رَوَى عَنْهُ أَبُو الْحَسَن القَطِيعيّ.(12/833)
261 - عَبْد الحق بْن عَبْد الملك بْن بُونُهْ بْن سَعِيد، أَبُو مُحَمَّد المالقيّ، العَبْدَريّ، المعروف بابن البيطار، [المتوفى: 587 هـ]
نزيل مدينة المُنكَّب بالأندلس.
شيخ معمر، يروي عنه أَبِيهِ أَبِي مَرْوَان، وأبي مُحَمَّد بْن عتاب، وأبي بحر بْن العاص، وغالب بْن عطية، وأبي الْحَسَن بْن الباذش، وأبي الْحَسَن بْن [ص:834] مغيث، وطائفة. وأجاز لَهُ أَبُو عَلِيّ بْن سُكَّرَة.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار: كَانَ عالي الإسناد، صحيح السّماع، اعتنى بِهِ أَبُوه وسمعه صغيرًا، ورحل بِهِ إلى قُرْطُبة فأورثه نباهة، وأخذ عَنْهُ جماعة من شيوخنا، وقرأتٌ بخط ابن سالم أَنَّهُ تُوُفّي فِي آخر سنة سبعٍ وثمانين.
وقال ابن حَوْط اللَّه: تُوُفّي يوم الأضحى سنة ستّ وثمانين، وكان مولده فِي سنة أربعٍ وخمسمائة.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ جماعة كابن دحية، وغيره.
وقال ابن فرتون: حدثنا عنه هانئ بن هانئ، وابنا حَوْط اللَّه، وأَبُو الرَّبِيع بْن سالم، وَغَيْرُهُمْ.
ومن روايته عَنِ اثنين عَنْ أَبِي بَكْر عَنْ أَبِي الفضل الجوهري، قَالَ:
يا خَرِبَ القلب عامرَ الوطن ... عِشْتَ وغرَّتْكَ صحةُ البدنِ
لا أَنْت قصَّرتَ فِي القبيح ولا ... سترتَ بعضَ القبيح بالحسنِ
لو كنتَ مِمَّنْ تكفّه وَعْظةٌ ... كفك ذكرُ الحنُوط والكفنِ(12/833)
262 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلِيّ بْن المسلَّم بْن الْحُسَيْن، الفقيه أَبُو مُحَمَّد اللَّخْميّ، الدمشقي، الخِرَقيّ، الفقيه الشّافعيّ. [المتوفى: 587 هـ]
وُلِد فِي نصف شعبان سنة تسعٍ وتسعين وأربعمائة، وسمع أبا الحسن علي ابن المَوَازِينيّ، وعبد الكريم بْن حَمْزَة، وعلي بْن أَحْمَد بْن قُبَيْس، وأبا الْحَسَن بْن المسلم الفقيه، وطاهر بن سهل الإسفراييني، والْحُسَيْن بْن حَمْزَة الشُّعَيْريّ، ونصر اللَّه المَصِّيصيّ الفقيه، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ الشَّيْخ الموفق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والحافظ الضياء، ويوسف بْن خليل، وخطيب مردا، وإِبْرَاهِيم بْن خليل، وعبد الرَّحْمَن بْن سلطان الحنفيّ، وأَبُو الثناء محمود بْن نصر الله ابن البَعْلَبَكّيّ، ومحمد بْن سعد الكاتب، وأحمد بْن عَبْد الدائم، وطائفة سواهم.
ونقلت من خط عُمَر بْن الحاجب، قَالَ: حكى ابن نُقْطة عَنِ ابن الأَنْماطيّ أن الخِرَقيّ رَوَى نسخة أَبِي مُسْهِر بقوله، ولم يوجد لَهُ بها سماع، إنما [ص:835] سُمِعت عليه بقوله، عَنِ ابن المَوَازِينيّ.
قَالَ ابن الحاجب: وكان فقيهًا، عدْلًا، صالحًا، يقرأ كُلّ يومٍ وليلةٍ خَتْمة.
تُوُفّي فِي ذِي القعدة.
وأنبأني أبو حامد ابن الصابوني أن أبا محمد ابن الخِرَقيّ أعاد مدَّة بالأمينيَّة لجمال الْإِسْلَام أَبِي الْحَسَن السلمي، وكان من جِلة العدول بدمشق، وأضر فِي الآخر وأُقعِد، فاحتاج ليلةً إلى الوضوء، ولم يكن عنده فِي البيت أحد. فذُكِر عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: فبينا أَنَا أتفكر إذا بنورِ منَ السماء دخل البيت، فبصُرت بالماء فتوضأت، حدَّث بذلك بعض إخوانه، وأوصاه أن لا يخبر بها إلا بعد موته.(12/834)
263 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن مغاور، الفقيه أَبُو بَكْر السلمي، الشّاطبيّ الكاتب. [المتوفى: 587 هـ]
وُلِد فِي سنة اثنتين وخمسمائة.
وسَمِع من أَبِيهِ مُحَمَّد بْن مغاور بْن الحَكَم، وأبي علي الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد الصَّدَفيّ ابن سُكرة، وَهُوَ آخر مَن سَمِع منه.
وأخذ " صحيح الْبُخَارِيّ " عَنْ أَبِي جَعْفَر أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن غزلون صاحب أَبِي الْوَلِيد الباجيّ.
وسَمِع أيضًا من أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن جحدر الْأَنْصَارِيّ، الشّاطبيّ.
قَالَ الأَبّار: وكان بقية مشيخة الكتاب والأدباء والمشاهير، مع الثقة والكرم، بليغًا مفوهًا، مدركًا، له حظ وافرٌ من قرض الشعر وصدق اللهجة، طال عُمره وعلت روايته.
وتوفي في صفر.
حدث بشاطبة، فروى عنه أبو القاسم الطيب المرسي، وقَالَ: هُوَ رئيس البلاغة، وابنا حَوْط اللَّه، وهانئ بن هانئ، وأَبُو الرَّبِيع بْن سالم.(12/835)
264 - عَبْد المنعم بْن أَبِي البركات، عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن الفضل بن أَحْمَد بْن مُحَمَّد، أَبُو المعالي الصّاعديّ الفُراوي الأصل، النيسابوري. [المتوفى: 587 هـ]
ولد سنة سبع وتسعين وأربعمائة فِي ربيع الأول.
وسَمِع من جَدّه، وعبد الغفار بن محمد الشيرويي، وأبي نصر عبد الرحيم ابن القشيري، وأبي [ص:836] الفضل الْعَبَّاس بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد الشَّقَّانيّ، وأبي الحسن ظريف بْن مُحَمَّد الحِيرِيّ، وجماعة.
وحج فِي أواخر عمره، وحدَّث بالحَرَمَيْن وبغداد. وتفرَّد عَنْ أقرانه، وكان أسند أَهْل خُراسان.
رَوَى عَنْهُ مُكرم بْن مَسْعُود الفقيه، والإمام شمس الدّين أَحْمَد بن عبد الواحد والد الفخر ابن الْبُخَارِيّ، والتّقيّ عَلِيّ بْن باسُوَيْه، وأَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عُمَر القُرْطُبيّ الْمُقْرِئ، وأَبُو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن عَبْد الجبار الأُمَويّ، وأَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ، والنفيس مُحَمَّد بْن رواحة، والتاج مُحَمَّد بْن أَبِي جَعْفَر، وآخرون.
وَهُوَ من بيت الرواية والإسناد العالي هُوَ وابنه مَنْصُور، وأبوه، وجَدّه، وأَبُو جَدّه، وحفيده مُحَمَّد بْن مَنْصُور.
وفُراوَة: بالضّمّ والفتح، بُليدة مما يلي خُوارزم.
قدِم منها أَبُو مَسْعُود الفضل فسكن نيسابور.
توفي عبد المنعم فِي أواخر شعبان بنَيْسابور، وَلَهُ تسعون سنة.(12/835)
265 - عَلِيّ بْن أَبِي السَّعادات بْن عَلِيّ بْن مَنْصُور، أَبُو الْحَسَن الهاشمي، الْبَغْدَادِيّ، الخرّاط. [المتوفى: 587 هـ]
شيخ معمر، سَمِع " جزء ابن عَرَفَة " من أَبِي القاسم بْن بيان.
رَوَى عَنْهُ سَعِيد بْن الْمُبَارَك، وأبو بَكْر الخباز.
وتُوُفّي فِي صَفَر.(12/836)
266 - عمر ابن الأمير نور الدين شاهنشاه ابن الْأمير نجم الدِّين أيوب بْن شاذي، الملك المظفَّر تقي الدّين [المتوفى: 587 هـ]
صاحب حماه، وأَبُو ملوكها.
كَانَ بطلًا شجاعًا لَهُ مواقف مشهودة فِي قتال الفِرَنج مَعَ عمّه السّلطان صلاح الدّين، وكان يحبّه، وَهُوَ الَّذِي أَعْطَاه حماه. وَقَدِ استنابه على مصر مدة، وأعطاه المعرة، وسليمة، وكفر طاب، وميافارقين، ثُمَّ أَعْطَاه فِي العام الماضي حَرّان والرُّها بعد ابن صاحب إربل، فأذِن لَهُ السلطان فِي السَّفَر إلى تِلْكَ البلاد [ص:837] ليقرر قواعدها، فسار إليها وإِلَى ميافارقين في سبعمائة فارس، وكان عالي الهمَّة، فقصد مدينة حاني فحاصرها وافتتحها، فَلَمَّا سَمِع الملك بكتمر صاحب خِلاط سار لقتاله فِي أربعة آلاف فارس فالتقوا، فلم يثُبت عسكر خِلاط وانهزموا، فساق تقيّ الدّين وراءهم، وأخذ قلعةً لبكتمر، ونازل خِلاط وحاصرها، فلم ينل غَرَضًا لقلة عسكره، فرحل. ونازل منازكُرد مدَّة. وَلَهُ أفعال بِرّ بمصر والفيوم.
وسمع بالإسكندرية من السفلي، والفقيه إِسْمَاعِيل بْن عَوْف، وروى شيئًا من شِعره.
تُوُفّي عَلَى منازكرد محاصرًا لها، وهي من عمل أرمينيَّة فِي طريق خِلاط، فِي تاسع عشر رمضان، ونُقِل إلى حماه فدُفن بها. وكان فيه عدل وكرم ورياسة.
ثم فوض السلطان حماة، والمعرة، وسليمة إلى ولده الملك المَنْصُور ناصر الدّين مُحَمَّد.
وكان تقي الدين قد حدَّث نفسه بتملُّك الديار المصرية، فلم يتم لَهُ، وعُوفي عمّه صلاح الدّين، وطلبه إلى الشام، فامتنع واستوحش، وهَمَّ باللّحُوق بمملوكيه قراقوش وبوزبا اللَّذَين استوليا عَلَى بَرْقة وأطراف المغرب، وتجهَّز للمسير، ثُمَّ سار إِلَيْهِ الفقيه عِيسَى الهَكّاريّ الأمير، وكان مَهِيبًا مُطاعًا، فثنى عزْمه، وأخرجه إلى الشام، فأحسن إِلَيْهِ عمّه السّلطان وأكرمه وداراه، وأعطاه عدة بلاد.
قَالَ ابن واصل: كَانَ الملك المظفَّر عُمَر شجاعًا جوادًا، شديد البأس، عظيم الهيبة، ركنًا من أركان البيت الأيوبي. وكان عنده فضل وأدب، وَلَهُ شِعْر حَسَن، أصيب السّلطان صلاح الدّين بموته؛ لأنه كَانَ من أعظم أعوانه عَلَى الشدائد. وتملك حَرّان والرُّها بعده العادل سيف الدين.(12/836)
267 - غيّاث بْن هيّاب بْن غيّاث بْن الْحُسَيْن، أَبُو الفضل الْبَصْرِيّ، ثُمَّ الْمَصْرِيّ، المعروف بالأنطاكيّ. [المتوفى: 587 هـ]
سَمِع عَبْد اللَّه بْن رفاعة.
رَوَى عَنْهُ أبو الطاهر إسماعيل ابن الأنماطي. [ص:838]
وغياث وهياب بالتشديد.(12/837)
268 - فضالة بْن نصر اللَّه بْن جَوّاس، أَبُو المكارم العُرْضيّ. [المتوفى: 587 هـ]
سَمِع بدمشق من أَبِي الفتح نصر اللَّه المَصِّيصيّ.
وحدَّث.
رَوَى عَنْهُ مُحَمَّد وإِسْمَاعِيل ابنا أَبِي جَعْفَر.(12/838)
269 - الفضل بْن أَبِي المطهر القاسم بْن الفضل بْن عَبْد الواحد، أَبُو الفضائل الأصبهاني، الصَّيْدلانيّ. [المتوفى: 587 هـ]
رَوَى عَنْ أَبِي علي الحداد، وغيره.
رَوَى عَنْهُ الحافظان أَبُو بكر الحازميّ، وأبو نزار ربيعة اليمني.
تُوُفّي فِي الحادي والعشرين من جُمادى الآخرة.
وكان مُكثرًا. وهو أخو عبد الواحد.(12/838)
270 - قزل أرسلان أخو البهلوان مُحَمَّد بْن ألْدِكِز. [المتوفى: 587 هـ]
ولي أذربيجان، وأران، وهمذان، وأصبهان، والري بع أَخِيهِ، وَقَدْ كَانَ سار إلى أصبهان والفِتّن بها متّصلة بَيْنَ المذاهب، وَقَدْ قُتِلَ خلْق، فقبض عَلَى جماعة منَ الشّافعيَّة فصلب بعضهم، وعاد إلى هَمَذَان، وخطب لنفسه بالسلطنة.
وكان فيه كرم وعدل وحلم في الجملة.
وقتل ليلةً عَلَى فراشه غِيلة، ولم يُعرف قاتله، وذلك في شعبان. قاله ابن الأثير.(12/838)
271 - مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن وضاح، أَبُو القاسم اللَّخْميّ، الغرناطي. [المتوفى: 587 هـ]
أَخَذَ القراءات عَنْ أَبِي الْحُسَيْن بْن هُذيل.
وحجَّ فأخذ القراءات بمكة عن أبي علي ابن العرجاء سنة سبعٍ وأربعين.
وحج ثلاث حجج. ودخل بغداد، ثم رد واستوطن جزيرة واستوطن جزيرة شُقر خطيبا ومقرئا بلا معلوم. وكان زاهدا قانتا واحدا في وقته، يُشار إليه بإجابة [ص:839] الدعوة، أخذ عنه ابنه أبو بكر محمد بن محمد، وأبو عبد الله بن سعادة.(12/838)
272 - محمد بن أحمد بن سلطان، أبو الفضل الواسطي، الغرافي. [المتوفى: 587 هـ]
حدث عَنْ أَبِي علي الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم الفارقيّ.
والغَرَّاف: من سواد واسط.(12/839)
273 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الله، أَبُو عَبْد اللَّه الْجَمَديّ، [المتوفى: 587 هـ]
والْجَمَد: قرية بِدُجَيْل.
سكن بغداد، وسَمِع من أَبِي البدر الكَرْخيّ، وعبد الوهاب ابن الأَنْماطيّ، وسعد الخير الأندلسيّ، وطائفة.
رَوَى عَنْهُ مُحَمَّد بْن خَالِد الحربيّ.
وكان صالحًا خيّرًا، مُجاورًا بجامع الرّصافة.(12/839)
274 - مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد، أَبُو عَبْد اللَّه الرَّاذانيّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 587 هـ]
كَانَ من أولاد المشايخ.
سَمِع أَبَا بَكْر الأنصاري، وأبا القاسم ابن السمرقندي.
سمع منه محمد بن محمود ابن المعز الحراني، وغيره.
وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى.(12/839)
275 - مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم ابْن شيخ الشيوخ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سعد. النَّيْسابوريّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 587 هـ]
صحِب جَدّه، وسَمِع منه، ومن أَبِي الفتح عَبْد الملك الكَرُوخيّ، وأبي الوقت السَّجْزيّ.
وتُوُفّي فِي جمادى الآخرة.
حدَّث بدمشق فسمع منه أَحْمَد بْن عُثْمَان بْن أبي الحديد الدمشقي، ومحمد بن محمد ابن المروزي.(12/839)
276 - محمد ابن الوزير أبي طالب علي بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ، أَبُو المحاسن السُّمَيْرَميّ، الأصبهاني، الملقب بالعضد. [المتوفى: 587 هـ][ص:840]
قدم بغداد مع والده، فسمع من أبي البركات هبة الله ابن البخاري، وهبة الله بن الحصين، فقتل أَبُوهُ ببغداد سنة ست عشرة، وحُمل فِي تابوت، وسار معه ولده هَذَا إلى أصبهان. ثُمَّ إنَّه قدِم فِي دولة المقتفي والمستنجد ومَدَحهما، وخدم فِي الديوان، ثُمَّ عاد إِلَى أصبهان، ومضى إلى أَذَرْبَيْجان، وخدم السّلطان دَاوُد، وتولى الكتابة والإنشاء له، ثُمَّ عاد إلى أصبهان وتزهد وتعبد، وأقبل عَلَى شأنه.
وَقد سمع بأصبهان من غانم بن خالد، ومن إسماعيل الحافظ. وكتب كُتُبًا كثيرة بخطه المليح. وَلَهُ شعرٌ رائق. وترجل له قاضي أصبهان مرةً، فرآه وسرجه بالحرير، فأنكر عليه وعنّفه.
تُوُفّي فِي رمضان سنة سبعٍ وثمانين هذه.(12/839)
277 - مُحَمَّد بْن عُمَر بْن لاجين. ابن أُخت السّلطان صلاح الدّين، الأمير حسام الدّين. [المتوفى: 587 هـ]
تُوُفّي فِي تاسع عشر رمضان فِي الليلة التي تُوُفّي فِي صبيحتها صاحب حماه تقي الدّين، فحزن عليهما السّلطان.
ودُفِن حسام الدّين فِي التُّربة الحُساميَّة المنسوبة إِلَيْهِ من بناء والدته ستّ الشّام، وهي فِي الشّاميَّة الكبرى بظاهر دمشق.
وقيل اسمه عُمَر بْن لاجين.(12/840)
278 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد، أَبُو القاسم الْأَنْصَارِيّ القُرْطُبيّ الفقيه، قاضي مالقة. [المتوفى: 587 هـ]
رَوَى عَنْ أَبِي القاسم بْن رضا، وأبي جَعْفَر بْن الباذش. وعاش ثمانين سنة.(12/841)
279 - مُحَمَّد بْن الموفق بْن سَعِيد بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن. نجم الدّين أَبُو البركات الخُبوشاني، الصُّوفيّ، الفقيه الشّافعيّ. [المتوفى: 587 هـ]
قَالَ القاضي شمس الدّين: كَانَ فقيهًا ورِعًا، تفقّه بنَيْسابور عَلَى مُحَمَّد بْن يَحْيَى، وكان يستحضر كتابه " المحيط " حَتَّى قِيلَ أَنَّهُ عُدم الكتاب فأملاه من خاطره. وَلَهُ كتاب " تحقيق المحيط " وَهُوَ فِي ستة عشر مجلدًا رَأَيْته.
وقَالَ الحافظ المُنْذريّ: كَانَ مولده بأستوا بخبوشان فِي رجب سنة عشر وخمسمائة، وحدَّث عَنْ أَبِي الأسعد هبة الرَّحْمَن القُشَيْريّ.
وقدم مصر سنة خمس وستين فأقام بالمسجد المعروف بِهِ بالقاهرة عَلَى باب الجوانية مدةً، ثُمَّ تحوَّل إلى تربة الشّافعيّ رحِمَه اللَّه، وتبتل لعمارة التربة المذكورة والمدرسة، ودرس بها مدة طويلة، وأفتى، ووضع فِي المذهب كتابًا مشهورًا.
وخُبُوشان قرية من أعمال نَيْسابور.
وقَالَ القاضي ابن خلكان: كَانَ السّلطان صلاح الدّين يقرّبه ويعتقد فِي علمه ودِينه، وعمَّرَ لَهُ المدرسة المجاورة لضريح الشّافعيّ، ورأيتُ جماعةً من أصحابه، وكانوا يصفون فضله ودينه، وأَنَّهُ كَانَ سليم الباطن.
وقَالَ الموفَّق عَبْد اللَّطيف: كَانَ فقيهًا صوفيًا، سكن خانقاه السُميساطي بدمشق، وكانت له معرفة بنجم الدّين أيوب، وبأَسَد الدّين أَخِيهِ. وكان قَشفًا فِي العيش، يابسًا فِي الدّين، وكان يَقُولُ بمِلءِ فِيهِ: اصعد إلى مصر وأُزيل ملك بني عُبيد اليهوديّ. فَلَمَّا صعِد أَسَد الدّين صعِد ونزل بمسجد، وصرَّح بثلْب أهلِ القصر، وَجَعَل تسبيحه سبَّهم، فحاروا فِي أمره، فأرسلوا إِلَيْهِ بمالٍ عظيم، قِيلَ: مبلغه أربعة آلاف دينار، فَلَمَّا وقع نَظَرُه عَلَى رسولهم وَهُوَ بالزِّيّ [ص:842] المعروف، نهض إِلَيْهِ بأشدّ غضب وقَالَ: ويلك ما هَذِهِ البدعة؟ وكان الرجل قَدْ زوَّرَ في نفسه كلامًا لطيفا يلاطفه بِهِ، فأعجله عَنْ ذَلِكَ، فرمى الدّنانير بَيْنَ يديه، فضربه عَلَى رأسه، فصارت عمامته حَلقًا فِي عُنقه، وأنزله منَ السُّلَّم وَهُوَ يرمي بالدّنانير عَلَى رأسه، ويلعن أَهْل القصر.
ثُمَّ إن العاضد تُوُفّي، وتهيَّب صلاح الدّين أن يخطب لبني الْعَبَّاس خوفًا منَ الشّيعة، فوقف الخُبوشاني قُدام المنبر بعصاه، وأمَر الخطيب أن يذكر بني الْعَبَّاس، ففعل، ولم يكن إلا الخير. ووصل الخبر إلى بغداد، فزيّنوا بغداد وبالغوا، وأظهروا منَ الفرح فوق الوصْف.
ثُمَّ إن الخُبُوشاني أَخَذَ فِي بناء ضريح الشّافعيّ، وكان مدفونًا عنده ابن الكيزانيّ، رجلٌ ينسب إلى التّشبيه، وَلَهُ أتباع كثيرون منَ الشّارع.
قُلْتُ: بالغ الموفّق، فإنّ هَذَا رجلٌ سُني يلعن المشبِّهة، تُوُفّي فِي حدود السّتّين وخمسمائة.
قَالَ: فَقَالَ الخُبُوشانيّ: لا يكون صِدّيق وزِنديق فِي موضع واحد. وَجَعَل ينبش ويرمي عظامه وعظام الموتى الَّذِين حوله، فشد الحنابلة عليه وتألّبوا، وصار بينهم حملات حربيَّة، وزحفات إفرنجيَّة، إلى أن غلبهم وبنى القبر والمدرسة، ودرّس بها. وكان يركب الحمار، ويجعل تحته أكْسِية لئلّا يصل إِلَيْهِ عرقُه. وجاء الملك الْعَزِيز إلى زيارته وصافَحَه، فاستدعى بماءٍ وغَسَل يده وقَالَ: يا ولدي إنك تمسك العنان، ولا يتوقّى الغلمانُ عليه. فَقَالَ: اغسِل وجهك، فإنّك بعد المصافحة لمستَ وجهك. فقال: نعم. وغسَل وجهه.
وكان أصحابه يتلاعبون بِهِ، ويأكلون الدُّنْيَا بسببه، ولا يسمع فيهم قولًا، وَهُم عنده معصومون.
وكان مَتَى رَأَى ذِميًّا راكبًا قصد قتله، فكانوا يتحامونه، وإنَّه ظفر بواحد منهم، فوكزه بالمِقْرَعة، فأندرّ عينه وذهبت هَدْرًا. وكان هَذَا طبيبًا يُعرف بابن شوعَة؛ وكان صلاح الدّين لما توجه إلى الفِرَنج نوبة الرملة خرج فِي عسكرٍ كثيفٍ فيهم أربعة عشر ألف فارس من مزيحي العِلل، وجاء إلى وداعه، فالتمس منه أن يُسقط رسومًا لا يمكن إسقاطها، فسَاء عليه خُلُقه وقَالَ: قُمْ لا نَصَرَك اللَّه، ووكزّه بعصا، فوقعت قَلَنْسُوَتُه عَنْ رأسه. فوجمَ لها، ثم نهض [ص:843] متوجِّهًا إلى الحرب، فكُسر وأُسر كثيرٌ من أصحابه، فظنّ أنّ ذَلِكَ بدعوة الشَّيْخ، فجاء وقبل يديه، وسأله العفو.
وكان تقي الدّين عُمَر ابن أَخِي صلاح الدّين لَهُ مواضع يباعُ فيها المزرُ. فكتبَ ورقةً إلى صلاح الدّين فيها: إن هَذَا عُمَر لا جَبَره الله يبيع المِزْر. فسيرها إلى عُمَر وقَالَ: لا طاقة لنا بهذا الشَّيْخ فارْضِهْ. فركب إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ حاجبه ابن السّلّار: قفْ بباب المدرسة وأسبقك. فأُوطئ لك. فدخل وقَالَ: إن تقي الدين يسلم عليك. فقال: لا تقل تقي الدين بل شقي الدّين لا سلّم اللَّه عليه.
قَالَ: إنَّه يعتذر ويقول: لَيْسَ لي موضعُ يباع فِيهِ المِزْر. فَقَالَ: يكذب. فَقَالَ: إنْ كَانَ هناك موضع مزرٍ فأرِناه. فَقَالَ: ادنُ. وأمْسَكَ ذُؤابتيه وَجَعَل يلطم عَلَى رأسه وخدَّيه ويقول: لستُ مزارًا فأعرف مواضع المِزْر، فخلّصوه من يده، فخرج إلى تقيّ الدّين وقال: سلمتُ وفّدّيتك بنفسي.
وعاش هَذَا الشَّيْخ عُمره لَمْ يأخذ دِرهمًا من مال الملوك، ولا أكل من وقف المدرسة لُقمةً، ودُفن فِي الكساء الَّذِي صحِبه من خُبوشان. وكان بمصر رَجُل تاجر من بلده يأكل من ماله. وكان قليل الرُّزْءِ، لَيْسَ لَهُ نصيب فِي لذّات الدُّنْيَا.
ودخل يومًا القاضي الفاضل لزيارة الشّافعيّ، فوجده يُلقي الدّرس عَلَى كُرسي ضيّق، فجلس عَلَى طرفه وجّنْبه إلى القبر، فصاح به: قم قم ظهرك إلى الْإِمَام. فَقَالَ: إنْ كنتُ مُسْتَدْبِرُهُ بقالبي فأنا مستقبله بقلبي، فصاح فِيهِ أخرى وقَالَ: ما تعبّدنا بهذا. فخرج وَهُوَ لا يعقِل.
تُوُفّي فِي ذِي القعدة.(12/841)
280 - محمود بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن، الفقيه أَبُو القاسم القزْوينيّ، الشافعي، الواعظ. [المتوفى: 587 هـ]
ولد سنة سبع وعشرين وخمسمائة، وحدَّث بمصر عَنْ أَبِي شجاع عُمَر بْن محمد البسطامي، وأبي القاسم ابن عساكر، والسِّلَفيّ.
ودرّس بمشهد الْحُسَيْن مدَّةً. ووعظ.
وتوفي في صفر.(12/843)
281 - نور العين بِنْت أَبِي بَكْر بْن أَحْمَد بْن أَبِي اللّيات الحربيَّة البغداديَّة. [المتوفى: 587 هـ][ص:844]
أجاز لها شجاع الذُّهْليّ، وأبو طَالِب بْن يوسف، وعُبَيْد اللَّه بْن نَصْر الزّاغونيّ.
رَوَت بالإجازة.
وتوفيت في رجب.(12/843)
282 - يَحْيَى بْن حَبَش بْن أميرك. الشهاب السَّهْرُوَرْديّ، الفيلسوف. [المتوفى: 587 هـ]
شابٌ فاضل، متكلّم، مُناظر، يتوقّد ذكاء.
ذكره ابن أَبِي أُصيبعة فَقَالَ: اسمه عُمَر. كان أوحد فِي العلوم الحكميَّة، جامعًا لفنون الفلسفة، بارعًا فِي أصول الفِقه، مُفْرط الذكاء، فصيح العبارة، لَمْ يناظر أحدًا إلا أرْبى عليه، وكان عِلمه أكثر من عقله.
قَالَ فخر الدّين المارْدِينيّ: ما أذكى هَذَا الشّابّ وأفصحه إلا أنّي أخشى عليه لكثرة تهوّره واستهتاره تلافَه.
ثُمَّ إن الشهاب السَّهْرُوَرْديّ قدِم الشامَ فناظر فُقهاء حلب، ولم يُجاره أحدٌ، فاستحضره الملك الظاهر، وعقد لَهُ مجلسًا، فبان فضله، وبهر علمه، وحَسُنَ موقعه عِنْد السّلطان، وقرّبه، واختصّ بِهِ، فشنّعوا عليه، وعملوا محاضر بكُفره، وسيّروها إلى السّلطان صلاح الدّين، وخوّفوه من أن يفسد اعتقاد ولده، وزادوا عليه أشياء كثيرة، فبعث إلى ولده الملك الظاهر بخط القاضي الفاضل يَقُولُ فِيهِ: لا بد من قتله، ولا سبيل إِلَى أن يُطلق ولا يُبقى بوجه. فَلَمَّا لَمْ يبْقَ إلا قتْله اختار هُوَ لنفسه أن يُتْرَك فِي بيتٍ حَتَّى يموت جوعًا، ففُعل بِهِ ذَلِكَ فِي أواخر سنة ست وثمانين بقلعة حلب. وعاش ستًّا وثلاثين سنة.
حكى ابن أَبِي أُصيبعة هَذَا الفصل عَنِ السديد محمود بْن زُقَيْقَة. ثُمَّ قَالَ: وحَدَّثَنِي الحكيم إِبْرَاهِيم بْن صَدَقَة أَنَّهُ اجتمع مَعَ الشهاب هُوَ وجماعة، وخرج من باب الفَرَج إلى الميادين، فجرى ذِكر السِّيمياء، فمشى قليلًا وقَالَ: ما أحسن دمشق وهذه المواضع. فنظرنا فإذا من ناحية الشرق جواسق مبيضة كبيرة مزخرفة، وفي طاقاتها نساء كالأقمار ومغاني، وغير ذَلِكَ فتعجبنا وانذهلنا فبقينا ساعةً، وعُدنا إلى ما كنّا نعرفه، إلا أني عِنْد رؤية ذَلِكَ بقيت [ص:845] أحس من نفسي كَأَنِّي فِي سِنَّة خَفِيَّة، ولم يكن إدراكي كالحالة التي أتحقَّقها منّي.
وحَدَّثَنِي بعض فُقهاء العجم قَالَ: كُنَّا مَعَ شهاب الدين عند القابون، فقلنا: يا مولانا، نريد رأس غنم. فأعطانا عشرة دراهم، فاشترينا رأسًا، ثم تنازعنا نحن والتركماني، فَقَالَ الشَّيْخ: رُوحوا بالرأس وأنا أُرضيه، فتقدمنا، ثُمَّ تبِعَنا الشَّيْخ، فَقَالَ التُّرْكماني: أعطني رَحْلي وأرضني. وهو لا يرد فجاء التركماني، وجذب يد الشيخ وقَالَ: كيف تَرُوح وتُخلّيني؟ فإذا بيد الشَّيْخ قَدِ انخلعت من كتفه، وبقيت فِي يد التُّرْكمانيّ، ودمُها يَشْخَب. فتحيّر التُّرْكمانيّ، ورماها وهرب، فأخذ الشيخ تلك اليد بيده الأخرى، فَلَمَّا صار معنا رأينا فِي يده منديله لا غير.
وقَالَ الضياء صَقْر: فِي سنة تسعٍ وسبعين قدِم إلى حلب شهاب الدّين عُمَر السَّهْرُوَرْديّ، ونزل فِي مدرسة الحلاويَّة، ومدرسُها الافتخار الهاشميّ، فحَضَر وبحث وَهُوَ لابس دلق، وَلَهُ إبريق وعكّاز. فأخرج لَهُ افتخار الدّين ثوب عتابي، وبقيارًا، وغلالةً، ولباسًا، وبعثها مَعَ ولده إِلَيْهِ. فسكت عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: ضَعْ هَذَا واقضِ لي حاجةً. وأخرج فَصّ بَلَخْش كالبيضة، ما ملك أحدٌ مثله وقَالَ: نادِ لي عليه وعرِّفْني. فجاب خمسة وعشرين ألفًا. فأخذه العريف وطلع إلى الملك الظاهر غازي، فدفع فِيهِ ثلاثين ألفًا. فنزل وشاور، فأتاه ابن الافتخار وعرفه، فتألَّم وصعُب عليه، وأخذ الفَصَّ جعله عَلَى حَجَر، وضربه بحجرٍ آخر فتّته، وقَالَ: يا ولدي، خُذ هَذِهِ الثياب، وقبلْ يدَ والدك، وقُل لَهُ: لو أردنا الملبوس ما غُلبنا عليه. فراح إلى أَبِيهِ، وعرّفه فبقي متحيرًا.
وأمّا السّلطان فطلب العريف وقَالَ: أريد الفَصّ. فَقَالَ: هُوَ لابن الشريف الافتخار. فركب السّلطان، ونزل إلى المدرسة، وقعد فِي الإيوان وكلمه، فَقَالَ السّلطان: إن صَدَق حدسي فهذا الشهاب السَّهْرُوَرْديّ. ثُمَّ قام واجتمع بِهِ، وأخذه معه إلى القلعة، وصار لَهُ شأنٌ عظيم، وبحث مَعَ الفقهاء وعجزهم، واستطال عَلَى أهل حلب، وصار يكلمهم كلام من هُوَ أعلى منهم قدْرًا، فتعصبوا عليه، وأفتوا فِي دمه حَتَّى قُتل.
وقيل: إن الملك الظاهر سير إِلَيْهِ من خنقه، ثُمَّ بعد مدةٍ نقم عَلَى الَّذِين أفتوا فِي دمه، وحبس جماعةً وأهانهم وصادرهم. [ص:846]
حَدَّثَنِي السديد محمود بْن زُقَيْقَة قَالَ: كَانَ السَّهْرُوَرْديّ لا يلتفت إلى ما يلبسه، ولا يحتفل بأمور الدُّنْيَا. كنتُ أتمشى أَنَا وَهُوَ فِي جامع ميّافارقين وعليه جُبَّة قصيرة زرقاء، وعلى رأسه فُوطة، وَفِي رِجليه زرْبول، كأَنَّه خربنْدا.
وللشهاب شِعْر رائق حَسَن، وَلَهُ مصنفات منها كتاب " التّلويحات اللّوحيَّة والعرشيَّة "، وكتاب " اللَّمْحَة "، وكتاب " هياكل النور "، وكتاب " المعارج " وكتاب " المطارحات "، وكتاب " حكمة الإشراق ".
قُلْتُ: سائر كتبه فلسفة وإلحاد. نسأل اللَّه السلامة فِي الدّين.
قُتل سنة سبعٍ وثمانين.
وذكره في حرف الياء ابن خَلِّكان، فسماه كَمَا ذكرنا، وأنه قرأ الحكمة والأصول عَلَى مجد الدّين الْجِيليّ شيخ الفخر الرَّازيّ بَمَراغة، وقَالَ: كَانَ شافعيّ المذهب، وَلَهُ فِي النَّظْم والنَّثْر أشياء، ولقّبوه المؤيّد بالملكوت.
قَالَ: وكان يُتَّهم بانحلال العقيدة والتعطيل، ويعتمد مذهب الحكماء المتقدمين؛ اشتهر ذَلِكَ عَنْهُ، وأفتى علماء حلب بإباحة دمه. وكان أشدهم عليه زين الدّين، ومجد الدّين ابنّي جَهْبَل.
ابن خَلَّكان قَالَ: قَالَ السيفُ الآمِديّ: اجتمعت بالسَّهْرُوَرْديّ بحلب، فرأيته كثير العِلم، قليل العقل. قَالَ لي: لا بُد أن أمِلك الأرض. رأيتُ كَأَنِّي قَدْ شرِبتُ ماء البحر. فقلتُ: لعلّ هَذَا يكون اشتهار العِلم وما يناسب هَذَا، فرأيته لا يرجع. ولما أن تحقق هلاكه قَالَ:
أرّى قدمي أراقَ دمي ... وهانَ دمي فها نَدَمي
قَالَ ابن خَلِّكان: حَبَسه الملك الظاهر، ثُمَّ خنقه فِي خامس رجب سنة سبع.
وقال بهاء الدين ابن شدّاد: قُتِلَ ثُمَّ صُلب أيّامًا.
وقَالَ: أُخرج السَّهْرُوَرْديّ ميّتًا فِي سَلْخ سنة سبعٍ منَ الحبس، فتفرَّق عَنْهُ أصحابه.
وَقَدْ قرأتُ بخط كاتب ابن ودّاعة أن شيخنا محيي الدّين ابن النحاس [ص:847] حدّثه قَالَ: حَدَّثَنِي جدي موفق الدّين يعيش النَّحْويّ، أن السَّهْرُوَرِديّ لمّا تكلّموا فِيهِ قَالَ لَهُ تلميذ: قَدْ كثروا القول بأنك تَقُولُ النُّبُوَّة مُكْتَسَبة، فانْزَحْ بنا.
فَقَالَ: اصبرْ عليَّ أيّامًا حَتَّى نأكل البِطّيخ ونروح، فَإِن بي طرفًا منَ السِّلّ، وَهُوَ يوافقه.
ثُمَّ خرج إلى قرية دوبران الخشاب، وبها مَحْفَرة تُراب الرّاس، وبها بِطيخٌ مليح، فأقام بها عشرة أيام، فجاء يومًا إلى المَحْفَرة، وحفر فِي أسفلها، فطلع لَهُ حَصًى، فأخذه ودهنه بدهنٍ معه، ولفّه فِي قطنٍ وتحمّله فِي وسطه ووسط أصحابه أيّامًا. ثُمَّ أحضَر بعض من يحك الجوهر، فحكه فظهر كلُّه ياقوتًا أحمر، فباع منه ووهب. ولما قُتل وُجد منه شيءٌ فِي وسطه.(12/844)
283 - يَحْيَى بْن غالب بْن أحمد بن غالب، أَبُو القاسم الْبَغْدَادِيّ الحربي. [المتوفى: 587 هـ]
سَمِع عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يوسف.
وأجاز لَهُ شجاع الذُهلي، وأحمد بْن الْحُسَيْن بْن قريش.
وحدَّث.
وتوفي فِي شعبان.(12/847)
284 - يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن أَبِي إِسْحَاق، أبو بَكْر الْأَنْصَارِيّ الأندلسي الّلِريّيّ، [المتوفى: 587 هـ]
من أَهْل لِرْيَة.
أَخَذَ القراءات عَنْ أَبِيهِ، وسَمِع منه، ومن ابن هُذيل.
وأجاز لَهُ أَبُو عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الدَّانيّ، والسِّلَفيّ.
وتصدر للإقراء. وخَلَف أَبَاه جاريًا عَلَى مهْيَعه.
سَمِع منه مُحَمَّد بْن عياد كثيرًا، وأخذ عَنْهُ القراءات أَبُو عَبْد اللَّه بْن هاجر.
وسَمِع منه فِي هَذِهِ السنة أَبُو عَبْد اللَّه بْن غبَرة.(12/847)
285 - يَحْيَى بْن أَبِي القاسم مقبل بْن أَحْمَد بْن بركة بْن الصدر، أَبُو طاهر الْبَغْدَادِيّ الحريمي، المعروف بابن الأبيض. [المتوفى: 587 هـ]
ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة.
وسمع أبا القاسم بن الحصين، وأبا بكر الأنصاري. وحدث.
توفي فِي ذِي القعدة.(12/847)
286 - يَحْيَى بْن هبة اللَّه بْن فَضْل اللَّه بن محمد، أبو الحسن ابن النّخاس، بخاء معجمة، الواسطيّ الغَرَّافيّ. [المتوفى: 587 هـ]
حدَّث عَنْ أَبِي علي الفارقيّ، وأبي الْحَسَن بْن عَبْد السلام.
تُوُفّي فِي رابع شوال.
وكان أَبُوهُ أَبُو المعالي قاضيًا بالغرّاف.(12/848)
287 - يعقوب بْن يوسف بْن عُمَر بْن الْحُسَيْن، أَبُو محمد الحربي، الْمُقْرِئ. [المتوفى: 587 هـ]
قرأ القراءات عَلَى الْحُسَيْن بْن محمد البارع، ومحمد بْن الْحُسَيْن المَزْرَفيّ، وغيرهما.
وسَمِع منَ ابن الحُصَيْن، وابن كادش، وأبي الْحُسَيْن ابن الفراء، وجماعة.
وأقرأ النّاس القراءات، وكان مبرزًا فِي معرفتها، قيمًا بها، ثقة، مُسنًا.
رَوَى عَنْهُ البهاء عَبْد الرَّحْمَن، وقَالَ: سمعنا عليه، وعلى عَبْد المغيث " مُسنّد " الْإِمَام أَحْمَد.
وروى عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ؛ وأجاز للزَّين ابن عَبْد الدائم، وغيره.
وتُوُفّي فِي شوال عَنْ سِنٍّ عالية.
وعنه أيضًا: عَبْد الرَّحْمَن بْن يوسف بْن الكِلّ.(12/848)
288 - يوسف بْن الْحَسَن بْن أَبِي البقاء بْن الْحَسَن، أَبُو مُحَمَّد العاقُوليّ الأصل، الْبَغْدَادِيّ المأمونيّ الْمُقْرِئ. [المتوفى: 587 هـ]
وُلد سنة عشرٍ وخمسمائة. وسمع من أبي القاسم بن الحصين، وأبي بَكْر بْن عَبْد الباقي، وأبي مَنْصُور القزاز، وجماعة.
وكتب الكثير.
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ، كتبتُ عَنْهُ، وما أعلم من أمره إلا خيرًا. وتُوُفّي فِي صَفَر.
وقَالَ ابن النجار: كَانَ صالحًا متديّنًا، إلا أَنَّهُ لَمْ يكن يعرف شيئًا من علم الْحَدِيث، وَهُوَ كثير الغَلَط.(12/848)
289 - يوسف الأندلسي الشبربري الزَّاهد، أَبُو الحَجَّاج [المتوفى: 587 هـ]
تلميذ أَبِي عَبْد الله بْن المجاهد.
مشهور بالزُّهد والعبادة، وَلَهُ فِي ذَلِكَ أخبار وأحوال.
وعاش نَحْوًا من ثمانين سنة.
توفي في هذه السنة ظنًا.(12/849)
290 - أَبُو القاسم بْن حُبيش البَهْرَاني الحَمَويّ الفقيه الشّافعيّ، قاضي القُضاة بحماة، أمين الدّين. [المتوفى: 587 هـ]
قَالَ القاضي ابن واصل: تُوُفّي فِي حادي عشر رمضان.
قَالَ: وكان رئيسًا جوادًا، عظيم القدْر بحماه، مشهورًا عِنْد الملوك.
قُلْتُ: هُوَ من أجداد شيخنا موفق الدين الحموي خطيب دمشق.(12/849)
-وفيها ولد:
العماد أبو جعفر محمد ابن السهروردي، والمجد محمد بن إسماعيل ابن عساكر، والنجيب عبد اللطيف بن الصيقل، والنصير بن تمام رئيس المؤذنين، ونجم الدّين مظفَّر بْن مُحَمَّد بْن الياس ابن الشيرجي، والأمير يعقوب ابن المعتمد العادلي.(12/849)
-سنة ثمانٍ وثمانين وخمسمائة(12/850)
291 - أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد، الفقيه أَبُو العباس العراقيّ الحنبليّ الْمُقْرِئ [المتوفى: 588 هـ]
الملقّن بجامع دمشق تحت النَّسْر.
سَمِع مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن سهلون السِّبْط، وأبا الفتح الكَرُوخيّ، وسعد الخير الْأَنْصَارِيّ، وجماعة.
وَهُوَ والد الرشيد إِسْمَاعِيل الراوي بالإجازة عَنِ السِّلَفيّ.
رَوَى عَنْهُ الشَّيْخ موفق الدين، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وجماعة.
ذكر زكيّ الدّين المُنْذريّ: أَنَّهُ تُوُفّي فِي هَذِهِ السنة.
وقَالَ الضياء مُحَمَّد: تُوُفّي فِي جُمادى الأولى سنة ست وسبعين، فَوَهِم.
وذكره الشَّيْخ الموفق فَقَالَ: إمامٌ فِي السُّنَّة داعية إليها، إمامٌ فِي القراءة، كَانَ يقرئ تحت النَّسْر، وكان ديّنًا يَقُولُ شِعْرًا حَسَنًا. وشرحَ عبادات الخِرَقيّ بالشِّعر.
وقَالَ ابن النجار: قرأ القرآن عَلَى سِبْط الخيّاط، وسَمِع بدمشق فِي سنة إحدى وخمسين أيضًا من مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي الحوافر البَعْلَبَكّيّ.
وروى عَنْهُ أيضًا: يوسف بْن خليل، ومحمد بْن طرخان.
وقَالَ ابن خليل: قرأ القرآن بالقراءات عَلَى أَبِي مُحَمَّد، وغيره. وكان شيخًا فاضلًا، متفنِّنًا، طيب المحاضرة.
تُوُفّي سنة ثمانٍ.(12/850)
292 - أَحْمَد بْن محمد بْن خَلَف، أَبُو القاسم الكَلاعيّ، الإشبيليّ الفقيه، المعروف بالحوفي. [المتوفى: 588 هـ]
سَمِع " صحيح الْبُخَارِيّ " من أَبِي الْحَسَن شريح، وأبي بكر ابن العربي. وولي قضاء إشبيلية مرَّتين. وكان مشكورًا فِي الأحكام، فَرَضِيًّا.(12/850)
293 - إِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل بْن سَعِيد بْن أَبِي بَكْر. الفقيه، الإخباري أَبُو إِسْحَاق الهاشميّ، الْعَبَّاسيّ، الْمَصْرِيّ، [المتوفى: 588 هـ]
إمام مَسْجِد الزُّبَير.
من فُضلاء المالكيَّة.
حدث عن أبي القاسم ابن عساكر بمصر.
وألف تاريخًا فِي أمراء مصر إلى أيام صلاح الدّين، وجمع مجاميع. وَلَهُ كتاب " البُغية والاغتباط فيمن سكن الفُسطاط "، وكتاب فِي الوعظ. وله نَظْم.
تُوُفّي فِي ربيع الأول وَلَهُ ثلاثٌ وسبعون سنة.(12/851)
294 - إِسْمَاعِيل بْن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيم بْن أَبِي القاسم، أَبُو الفضل الْجَنْزَويّ الأصل، الدمشقي المولد والدّار، الفقيه الشّافعيّ الشُّرُوطيّ، الكاتب المعدَّل، الفَرَضيّ. ويُقَالُ فِيهِ أيضًا: الْجَنْزيّ. [المتوفى: 588 هـ]
وُلِد فِي ربيع الأول سنة ثمانٍ وتسعين وأربعمائة، وتفقّه عَلَى جمال الْإِسْلَام أَبِي الْحَسَن بْن المسلَّم، وأبي الفتح نصر اللَّه المَصِّيصيّ، وسَمِع منهما ومن الأمين هبة الله ابن الأكفانيّ، وعبد الكريم بْن حَمْزَة، وطاهر بْن سهل، وعلي بْن قُبَيْس، ويَحْيَى بْن بِطريق، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن القاسم الشّهْرَزُوريّ، وطبقتهم بدمشق.
ورحل فسمع أَبَا البركات هبة اللَّه ابن البخاري، وأبا محمد عبد الله ابن السَّمَرْقَنْدِيّ، وأبا علي الْحَسَن بْن إِسْحَاق الباقَرْحيّ، وأبا الْحَسَن مُحَمَّد بْن مرزوق الزَّعْفَرانيّ، وأبا نصر أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطُّوسيّ، وأبا القاسم هبة اللَّه الحريريّ، وأبا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وطائفة كبيرة ببغداد، وبالأنبار.
كتب عَنْهُ عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، وأَبُو المواهب بْن صَصْرى، وأَبُو محمد القاسم ابن الحافظ، وعبد الْعَزِيز بْن الأخضر، وعبد القادر الرهاويّ، ومحمد بْن عَبْد الواحد، ويوسف بْن خليل؛ الحَفّاظ، والشيخ موفق الدّين، والبهاء عَبْد الرحمن، والتاج ابن أَبِي جَعْفَر، وإبراهيم بْن خليل، وعبد اللَّه بْن الخُشوعي، والعماد عَبْد الحميد بْن عَبْد الهادي، والزَّين أَحْمَد بْن عَبْد الدائم.
وجَنْزَة من مُدُن أرّان، وإقليم أرّان بَيْنَ أَذَرْبَيْجان وأرمينية.
كَانَ يشهد عَلَى باب الجامع، وكان بصيرًا بكتابة الشُّروط، نبيهًا فِي الْحَدِيث، ذا عنايةٍ بسماعه وروايته. [ص:852]
تُوفي فِي سلْخ جُمادى الأولى.
ورحل إلى بغداد مرات، وعمر تسعين سنة.(12/851)
295 - الحسن ابن الْإِمَام أَبِي جَعْفَر هبة اللَّه بْن يَحْيَى بْن أَبِي نُعَيم الْحَسَن بْن أَحْمَد، الفقيه أَبُو علي الواسطيّ الشّافعيّ المعدَّل، المعروف بابن البوقي. [المتوفى: 588 هـ]
ولد سنة ثلاثٍ وعشرين وخمسمائة.
وتفقّه عَلَى أَبِيهِ، وبرع فِي المذهب.
وسَمِع من أَبِي الكَرَم نصر اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مَخْلَد، وأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَلِيّ الجُلابي، وسعد بْن عَبْد الكريم الغَنْدَجَانيّ.
وسَمِع ببغداد منَ الوزير أَبِي المظفَّر بْن هُبيرة، وأبي الفتح ابن البَطّيّ، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه الدبيثي وقال: كان إليه الفتوى بواسط. وتوفي فِي سادس شعبان.(12/852)
296 - الْحُسَيْن بْن يَوْحن بْن أَبَويْه بْن النُّعْمَان، أَبُو عَبْد الله الباوَرِيّ اليمنيّ. وباوَر جزيرة فِي البحر باليمن. [المتوفى: 588 هـ]
سَمِع ببغداد أَبَا الفضل مُحَمَّد بْن عُمَر الأُرْمَوِيّ، وابن ناصر، وابن الزّاغونيّ.
ودخل أصبهان وسكنها، وسَمِع بها من أَبِي الخير الباغْبَان، ومَسْعُود الثَّقَفيّ، وجماعة.
ثُمَّ قدِم بغداد، وسَمِع ولديه: الْحَسَن وعليًّا من شُهْدَة.
سَمِع منه عَبْد الله االجبائي، وعَلِيّ بْن يعيش القَوَاريريّ. وكان صالحًا صوفيًّا، كتب الكثير.
كَانَ الشَّيْخ عَبْد الرزاق الْجِيليّ يُثني عليه كثيرًا.
رَوَى عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ، وغيره.
قَالَ ابن النجار: تُوُفّي سنة ثمانٍ وثمانين بأصبهان، وَقَدْ نيف عَلَى الثمانين.(12/852)
297 - خَالِد بْن مُحَمَّد بْن نصر بْن صغير. الرئيس موفق الدين أبو البقاء ابن الأديب البارع أَبِي عَبْد اللَّه، المخزومي، الخالديّ، الحلبيّ، ابن القّيْسَرانيّ، الكاتب، [المتوفى: 588 هـ]
وزير السّلطان نور الدين. [ص:853]
كَانَ صدرًا نبيلًا، وافر الجلالة، بارع الكتابة، يكتب الخط المحقق كتابةً ينفرد بها.
بعثه نور الدّين رسولًا إلى الدّيّار المصرية، فسمع من عَبْد اللَّه بْن رفاعة، والسِّلَفيّ.
وسَمِع بدمشق منَ ابن عساكر.
وحدَّث بحلب؛ رَوَى عَنْهُ الموفق يعيش النَّحْويّ، وغيره.
ومات فِي جمادى الآخرة بحلب.(12/852)
298 - زينب ستّ النّاس، وتُدعَى مباركة، بِنْت الشَّيْخ أَبِي الفَتْح عَبْد الوهَّاب بْن مُحَمَّد الصَّابونيُّ، الخفاف، الحنبلي. [المتوفى: 588 هـ]
سمَّعَها أبوها من هبة اللَّه بن الحصين، وقراتكين بن الأسعد، وأحمد ابن البناء.
رَوَى عَنْهَا ابنها عُمَر بْن كرم الدِّينَوَرِيّ، والْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن حمدون.
وتُوُفِّيَت فِي ذي القعدة. وهي أخت عبد الخالق.(12/853)
299 - ستّ الدار بِنْت عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلِيّ بْن الأشقر الحربية. [المتوفى: 588 هـ]
رَوَت عَنْ أبيها، وعبد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يوسف.(12/853)
300 - سعد السُّعْود بْن أَحْمَد بْن هِشَام بْن إدريس، أَبُو الْوَلِيد الأُمَويّ الأندلسيّ اللَّبْليّ. ويُعرف بابن عُفَيْر. [المتوفى: 588 هـ]
رَوَى عَنْ أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي مُحَمَّد بْن كوثر، وأبي الْحَسَن بْن مؤمن، وأبي الْعَبَّاس بْن أَبِي مَرْوَان واختصَّ بِهِ ولزِمه. وسَمِع من جماعة آخرين.
قَالَ الأَبّار: وكان فقيهًا ظاهريًا، محدثًا، نظارًا، أديبًا، شاعرًا. حدَّث عَنْهُ ابنه أَبُو أُميَّة إِسْمَاعِيل، وأبو الْعَبَّاس النباتي، وأَبُو عَبْد اللَّه بْن خَلْفُون. وتُوُفّي في ذي القعدة بقرية برجلانة من قرى لَبْلَة. وعاش خمسًا وسبعين سنة.(12/853)
301 - طاهر بْن مكارم بْن أَحْمَد بْن سعد، أَبُو مَنْصُور الْمَوْصِلِيّ، القلانِسيّ، المؤدب، البقال. [المتوفى: 588 هـ]
سَمِع " مُسْنَد المُعَافى بْن أَبِي القاسم نصر بْن أحمد بن صفوان " في سنة [ص:854] اثنتي عشرة وخمسمائة.
رَوَى عَنْهُ أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بن الأثير، والحافظ ابن خليل، وغيرهما.
تُوُفّي فِي رابع رمضان بالموصل.(12/853)
302 - عَبْد السلام بْن عَلِيّ بْن عَبْد الْعَزِيز بْن عَلِيّ بْن قريش، القاضي الوجيه أَبُو المعالي الْقُرَشِيّ، المخزوميّ، الْمَصْرِيّ الكاتب. [المتوفى: 588 هـ]
تُوُفّي بالقدس ودُفِن بِهِ.
كتب للملك العادل مدة.(12/854)
303 - عَبْد الواحد بْن عَلِيّ ابْن القُدْوَة أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن حَمُّوَية، أَبُو سعد الْجُوَيْنيّ، البحيراباذيّ الشّافعيّ الصُّوفيّ. [المتوفى: 588 هـ]
وُلِد سنة تسعٍ وعشرين وخمسمائة.
وسَمِع من وجيه الشّحّاميّ. وببغداد من أَبِي الوقت. وبَهَمَذَان من شَهْرَدار بْن شيرُوَيْه، وأبي الفضل أحمد بْن سعد.
وحدَّث ببغداد، ومكة، ودمشق.
رَوَى عَنْهُ عَلِيّ بْن المفضل الحافظ، والتاج ابن أَبِي جَعْفَر، وآخرون. وتُوُفّي بالرّيّ.
ومِمَّن رَوَى عَنْهُ ابن أخته تاج الدّين عَبْد السلام، وأَبُو طاهر الْحَسَن بْن أَحْمَد التَّمِيمِيّ.
ووَهِم من قال: إنَّه تُوُفّي سنة خمسٍ وثمانين. وَقَدْ ذكر أبو حامد ابن الصابوني أن سنة ثمانٍ وهْمٌ أيضًا، وقَالَ: فَإِن شيخنا أَبَا طاهر التَّمِيمِيّ سَمِع منه " مشيخة وجيه " فِي المحرَّم سنة تسعٍ وثمانين.(12/854)
304 - عَبْد الوهَّاب بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ، أَبُو الفتح ابْن الكتاني، الواسطيّ. [المتوفى: 588 هـ]
رَوَى عَنِ الْحَسَن بن محمد ابن السّواديّ، وخميس بْن عَلِيّ الحّوْزِيّ الواسطيين.
مات في صفر.(12/854)
305 - عبد الوهاب بن هبة الله بن أبي ياسر عبد الوهاب بن علي بن أبي حبة، أبو ياسر الدقاق الطحان البغدادي. [المتوفى: 588 هـ]
سمع الكثير من هبة الله بن الحصين، وأبي غالب ابن البناء، وأبي الحسين ابن الفراء، وهبة الله ابن الطبر، ومحمد بن الحسين المزرفي، وزاهر الشحامي، وخلق كثير.
وروى الكثير، وحدَّث "بمُسْنَد أَحْمَد" بحران. وكان فقيرًا قانعًا.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ لا بأسَ بِهِ، صَبُورًا عَلَى فقْره.
وقَالَ ابن الدُّبِيثيّ: كَانَ فقيرًا، صبورًا، صحيح السماع، ولد سنة ست عشرة وخمسمائة، وأدركه أجَلُه بحرّان فِي الحادي والعشرين من ربيع الأول.
قُلْتُ: حدَّث ببغداد والموصل وحران.
وأَبُو حبة: بباء موحدة.
رَوَى عَنْهُ البهاء عَبْد الرَّحْمَن، وعَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد بْن صُديق.(12/855)
306 - عُبَيْد الله بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن عَلِيّ بْن السمين، أَبُو جَعْفَر بْن أَبِي المعالي الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 588 هـ]
من أولاد المحدثين.
سَمِع هبة الله بن أحمد الحريري، ومحمد بْن عَبْد الباقي الْأَنْصَارِيّ، وعبد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الشَّيْبَانِيّ، وعبد اللَّه بْن أَحْمَد اليُوسُفيّ، وعبد الملك الكَرُوخيّ، وطائفة سواهم.
وكتب بخطه الكثير لنفسه وللناس.
وخرَّج، وحدَّث ببغداد والموصل. وولد سنة ثلاثٍ وعشرين وخمسمائة.
قَالَ أَبُو الْحَسَن القَطِيعيّ: كتبتُ عَنْهُ، وكان ثقة من أَهْل التّقشُّف والصّلاح. كتب الكثير، وأكل من كسْب يده.
قُلْتُ: وروى عَنْهُ الْإِمَام أَبُو عَمْرو بْن الصّلاح.
وتُوُفّي فِي رمضان.(12/855)
307 - عَرَفة بْن عَلِيّ بْن أَبِي الفضل، أَبُو المعالي ابن البَقَليّ الْمُقْرِئ، الزَّاهد. [المتوفى: 588 هـ]
شيخ عابد منقطع فِي مسجده، يلقن القرآن.
روى عَنْ أَبِي نصر الْحَسَن بْن مُحَمَّد اليونارتيّ، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ مُحَمَّد بْن مقبل.
وعاش تسعًا وثمانين سنة.(12/856)
308 - عَلِيّ بْن أَحْمَد ابْن صاحب القلاع الهَكّاريَّة أَبِي الهيجاء بْن عَبْد اللَّه بْن المرزُبان بْن عَبْد اللَّه، الأمير الكبير، مقدَّم الجيوش، سيف الدّين الهَكّاريّ المشطوب. [المتوفى: 588 هـ]
وُلّي نيابة عكّا، ثُمَّ أقطعه السّلطان، صلاح الدّين القدس. وخلص منَ الفِرَنج الَّذِين أسروه من عكّا قبل موته بنحوٍ من ستة أشهر.
ولم يكن فِي أمراء الدولة أحدٌ يُدانيه حشمةً وجلالة. وكان يُلقب بالأمير الكبير. ولما استفك منَ الأسر وصل إلى السّلطان وَهُوَ بالقدس فِي جُمادى الآخرة.
قَالَ ابن شدّاد: دخل عَلَى السّلطان بغتةً وعنده أخوه العادل، فنهض له واعتنقه، وسُرَّ بِهِ سرورًا عظيمًا، وأخلى المكان، وتحدث معه طويلًا.
قُلْتُ: وقيل: إن خبزه كان يعمل ثلاثمائة ألف دينار. وقيل: إنَّه استفك نفسه منَ الفِرَنج بخمسين ألف دينار، وجاء فأعطاه السّلطان نابلس، فظلَم أهلها قليلًا، فَشَكوه إلى السّلطان، فعتب عليه. ثم مات عن قريب.
وأقطع السّلطان وَلَده عماد الدّين أَحْمَد ابن سيف الدين المشطوب ثلث بلد نابلس.
وأمّا سيف الدّين فتُوُفّي بالقدس فِي شوال. وكان ابنه عماد الدين ابن المشطوب من كبار أمراء الدولة الكامليَّة.(12/856)
309 - عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد الحَدِيثيّ، [المتوفى: 588 هـ]
أخو قاضي القضاة رَوْح.
سَمِع قاضي المَرِسْتان، وعبد الرَّحْمَن القزاز، وبدرا الشيحيّ.
وعنه يوسف بْن خليل، وغيره. [ص:857]
مات فِي ربيع الآخر.(12/856)
310 - عَلِيّ بْن مرتضي بن علي بن محمد، الداعي الشريف الأجل أبو الحسن ابن الشريف أَبِي الْحُسَيْن الْمُرْتَضَى الحُسَينيّ، الأصبهاني الأصل، الْبَغْدَادِيّ، الفقيه الحنفيّ، المعروف بالأمير السيد. [المتوفى: 588 هـ]
وُلِد سنة إحدى وعشرين وخمسمائة، وتفقّه وحدَّث عَنْ أَبِي سعد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ. ودرس مدَّة.
وكان من سراة النّاس وأعيانهم.
رَوَى عَنْهُ عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، وغيره.(12/857)
311 - عَوْن بْن عَبْد الواحد بْن شُنيف الْبَغْدَادِيّ الرجل الصالح. [المتوفى: 588 هـ]
رَوَى عَنْ أَبِي بكر الأنصاري، وغيره.
وكان عارفًا بالفرائض.(12/857)
312 - فارس بْن أَبِي القاسم بْن فارس بْن أَبِي سعد، أَبُو مُحَمَّد الحربي الحفّار، الشَّيْخ الصالح. [المتوفى: 588 هـ]
ولد سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.
وسمع علي بن محمد بن أبي البدر يَعْلَى الكوفيّ، وأَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن قريش، ومحمد بن محمد ابن المهْديّ، وهبة الله بْن الحُصَيْن، وجماعة.
وَهُوَ آخر من سَمِع مِن ابن قُريش.
رَوَى عَنْهُ يوسف بن خليل، وغيره.
وتوفي في شوال.(12/857)
313 - قاسم بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه، أَبُو إِبْرَاهِيم المقدسيّ، ثُمَّ الْمَصْرِيّ الشّافعيّ الشَّيْخ الصّالح. [المتوفى: 588 هـ]
ولد في حدود سنة ثلاث عشرة وخمسمائة.
وسَمِع من عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيم بْن صولة، وعبد الغنيّ بْن طاهر الزَّعْفَرانيّ، وابن رفاعة الفَرَضيّ.
رَوَى عَنْهُ عَلِيّ بْن المفضل الحافظ، وأَبُو نزار ربيعة اليمني، ومحمد بْن عبد اللَّه بْن مزيبل، وأَبُو محمد عَبْد المحسن بْن عَبْد الْعَزِيز المخزوميّ ابْن [ص:858] الصَّيْرفيّ، وعثمان بْن مكّيّ الشّارعيّ، وعبد الغنيّ بن بنين، وآخرون.
تُوُفّي فِي ثالث عشر المحرَّم.(12/857)
314 - قُراجا، الأمير أبو مَنْصُور الصّلاحيّ، [المتوفى: 588 هـ]
أمير الإسكندرية.
دُفِن بداره بالإسكندرية فِي جُمادى الأولى.
وسَمِع من أَبِي طاهر السِّلَفيّ.(12/858)
315 - قِلج أرسلان بْن مَسْعُود بْن قِلج أرسلان بْن سُلَيْمَان بْن قُتُلمش بْن إسرائيل بْن سَلْجُوق بْن دُقاق التُّرْكمانيّ، السّلطان عز الدّين. [المتوفى: 588 هـ]
- وقيل: والد قُتُلْمِش هُوَ رسلان بْن بيغو بْن سَلْجُوق، وقيل: قُتُلْمِش بْن أرسلان بيغو بْن سَلْجُوق بْن دُقاق. فبيغو بالعربي هُوَ إِسْرَائِيل - السّلجوقيّ ملك الروم.
كَانَ فِيهِ عدل وحُسْن سياسة، وسداد رأي.
طالت أيامه. وَهُوَ والد الجهة السّلجوقيَّة زَوْجَة الناصر لدين اللَّه.
وتسلطن بعده ولده السّلطان غياث الدّين كيخسرُو.
وقيل إنَّه قُتِلَ. وَهُوَ منَ السلاطين السَّلْجوقيَّة، وكان قَدْ قوي عليه أولاده، حَتَّى لَمْ يبق لَهُ معهم إلا مجرد الاسم، لكونه شاخ.
تُوُفّي بقونية فِي منتصف شعبان.
ورخه ابن الأثير، وقَالَ: كَانَ لَهُ منَ البلاد قونية، وأقصرا، وسِيواس، ومَلَطْية. وكانت مدة ملكه تسعًا وعشرين سنة. وكان ذا سياسة، وعدْل، وهيبةٍ عظيمة، وغزوات كثيرة فِي الروم. ولما كبر فرَّق بلاده عَلَى أولاده، فحجر عليه ابنه قُطْب الدّين، فهرب إلى ابنه الآخر، فتبرَّم بِهِ. ثُمَّ أكرمه ولده كيخسْرُو وسار فِي خدمته. وندم هُوَ عَلَى تفريق بلاده عَلَى أولاده.
وكان ملكه بضعًا وثلاثين سنة.(12/858)
316 - مُحَمَّد بْن أسعد بْن عَلِيّ بْن معمر بْن عُمَر بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد الْجَوَّانيّ بْن عُبَيْد الله بن حُسين بن زين العابدين علي بن الحسين، الشريف النسابة أَبُو عَلِيّ ابْن الشريف الأجل أَبِي البركات العَلَويّ الحُسَينيّ، العُبيدلي الْجَوَّانيّ الْمَصْرِيّ. [المتوفى: 588 هـ][ص:859]
وُلِد سنة خمسٍ وعشرين وخمسمائة، وقرأ عَلَى والده، وعلى الفقيه عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحُسَيْن بْن الجباب، وعبد المنعم بْن موهوب الواعظ، ومحمد بن إبراهيم ابن الكيزانيّ.
وحدَّث عَنْ عَبْد اللَّه بْن رفاعة، والسلفي.
قال الحافظ عبد العظيم: حدثنا عَنْهُ غير واحد. وولي نقابة الأشراف مدةٌ بمصر، وذُكِر أَنَّهُ صنف كتاب " طبقات الطالبيّين "، وكتاب " تاج الأنساب ومنهاج الصواب "، وغير ذَلِكَ.
وكان علامة النَّسَب فِي عصره. أَخَذَ ذَلِكَ عَنْ ثقة الدولة أَبِي الْحُسَيْن يَحْيَى بْن محمد بن حيدرة الحسيني الأرقطيّ.
ومُحَمَّد هَذَا منسوب إلى الْجَوَّانيَّة، وهي من عمل المدينة من جهة الفرع.
ذكر أن السّلطان صلاح الدّين وقَّع لأبي علي بربعها وأنه وكل عليها من يستغلها لَهُ.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ يُونُس بْن مُحَمَّد الفارقيّ هَذِهِ القصيدة التي مَدَح بها القاضي أبا سعد بن عصرون، ومنها:
هَتَفَتْ فمادت بالفروع غصونُ ... وبَكَتْ فجادتْ بالدّموعِ عيون
مرحت بها قضب الأراكة فانْثَنَى ... غصنٌ يميسُ بها وماد غَصونُ
ما لي وما للهاتفات ترنُّمًا ... يصبو لهنَّ فؤادي المحزون
وهي قصيدة طويلة.(12/858)
317 - مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن عُبيد اللَّه بْن ودَعة، الفقيه أَبُو عَبْد اللَّه بْن البقال الْبَغْدَادِيّ الشّافعيّ، مُعيد النظاميَّة. [المتوفى: 588 هـ]
كَانَ بارعًا فِي المذهب والخلاف، واخترمته المنية شابًا.(12/859)
318 - محمد ابن الْإِمَام أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن هُذَيل، الشَّيْخ أبو عَبْد اللَّه البلنسي. [المتوفى: 588 هـ][ص:860]
سَمِع من أَبِيهِ، وأبي عَبْد اللَّه بْن سعيد، وأبي الوليد ابن الدّبّاغ.
وحج سنة تسعٍ وثلاثين فسمع منَ السلفي.
أخذ عنه أبو عمر بن عياد، وابناه مُحَمَّد وأَحْمَد، وأبو الرَّبِيع بْن سالم الكَلاعيّ، وأَبُو بَكْر بْن مُحْرِز، وَغَيْرُهُمْ.
قَالَ الأَبّار: وكان فِي غاية الصلاح والورع، وَلَهُ حظٌّ من علم التعبير. عاش تسعًا وستين سنة.(12/859)
319 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن شَهْراشُوب بْن أَبِي نصر، أَبُو جَعْفَر السروري، المازندّرانيّ، رشيد الدّين الشيعي، [المتوفى: 588 هـ]
أحد شيوخ الشيعة، لا بارك الله فيهم.
قال ابن أبي طيئ فِي " تاريخه ": نشأ فِي العِلم والدراسة وحفظ القرآن وَلَهُ ثمان سِنين. واشتغل بالحديث، ولقي الرجال، ثُمَّ تفقّه وبلغ النهاية فِي فقه أَهْل البيت، ونبغ فِي علم الأصول حَتَّى صار رجله. ثُمَّ تقدَّم فِي علم القرآن؛ القراءات، والغريب، والتفسير، والنحو، وركب المِنْبر للوعظ. ونَفَقَتْ سُوقُه عِنْد الخاصة والعامة. وكان مقبول الصورة، مستعْذَب الألفاظ، مليح الغَوْص عَلَى المعاني.
حَدَّثَنِي قَالَ: صار لي سوقٌ بمازندّران حَتَّى خافني صاحبها، فأنفذ يأمرني بالخروج عَنْ بلاده، فصرتُ إلى بغداد فِي أيام المقتفي، ووعظت، فعظُمَتْ منزِلتي واستُدْعيت، وخلع علي، وناظَرْت، واستظهرت عَلَى خصومي، فَلُقِّبْتُ برشيد الدّين، وكنتُ أُلقب بعز الدّين. ثُمَّ خرجت إلى المَوْصِل، ثُمَّ أتيت حلب.
قَالَ: وكان نزوله عَلَى والدي فأكرمه، وزوَّجه ببنت أخته، فرُبّيتُ فِي حجْره، وغذّاني من عِلمه، وبصّرني فِي ديني.
وكان إمامَ عصره، وواحد دهره. وكان الغالب عليه علم القرآن والحديث، كشف وشرح، وميز الرجال، وحقق طريق طالبي الإسناد، وأبانَ مراسيل الأحاديث منَ الآحاد، وأوضح المفترق منَ المتفِق، والمؤتِلف منَ المختلِف، والسابق منَ اللّاحق، والفصل منَ الوصل، وفرَّق بَيْنَ رجال الخاصة ورجال العامة.
قُلْتُ: يعني بالخاصة الشيعة، وبالعامة السُّنَّة. [ص:861]
حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: ما زال أصحابنا بحلب لا يعرفون الفرق بين ابن بطة - بالضم - الشيعي منَ ابنَ بَطَّة الحنبلي، حَتَّى قدِم الرشيد فَقَالَ: ابنُ بَطة الحنبلي بالفتح، والشيعي بضمها. وكان رحمه الله عِنْد أصحابنا بمنزلة " الخطيب " للعامة، وكيحيى بْن مَعيِن فِي معرفة الرجال. وَقَدْ عارض كُلّ عِلم من علوم العامة بِمِثْلِهِ، وبرز عليهم بأشياء حسنة لَمْ يصلوا إليها. وكان بَهيّ المنظر، حَسَن الوجه والشّيْبَة، صدوق اللهجة، مليح المحاورة، واسع العلم، كثير الفنون، كثير الخشوع والعبادة والتّهجُّد، لا يجلس إلا عَلَى وضوء.
تُوُفّي ليلة سادس عشر شعبان سنة ثمانٍ وثمانين، ودُفِن بجبل جَوْشن عِنْد مشهد الْحُسَيْن.(12/860)
320 - محمود بْن مُحَمَّد بْن كرم، أَبُو المجد الْبَغْدَادِيّ، الضرير، الْمُقْرِئ. [المتوفى: 588 هـ]
رَوَى عَنْ أَبِي غالب ابن البناء. روى عنه عبد الله بن أحمد الخباز.
توفي في شهر رجب.(12/861)
321 - نَصْر بْن مَنْصُور بْن الْحَسَن بْن جوشن بْن مَنْصُور بْن حُمَيد، الأمير أَبُو المُرْهَف النُّمَيْرِيّ الشاعر المشهور. [المتوفى: 588 هـ]
من أولاد أمراء العرب، وأُمّه بنَّة بِنْت سالم بْن مالك بْن بدران بْن مقلد بْن مُسيَّب العُقَيْليّ.
وُلِد بالرافقة سنة إحدى وخمسمائة، ونشأ بالشام، وخالط أهل الأدب، وقال الشعر الفائق وَهُوَ مراهق. وأصابَه جُدّريّ وَلَهُ أربع عشرة سنة، فضعف بصره، فكان لا يُبصر إلا شيئًا قريبًا منه. ثُمَّ وقع الاختلاف بَيْنَ عشيرته بعد موت والده، واختل أمرهم. فسار إلى بغداد طامعًا فِي مداواة عينيه، فآيسه الأطباء من ذَلِكَ، فاشتغل بالقرآن فحفظه، وتفقه عَلَى مذهب أَحْمَد، وقرأ العربية عَلَى أَبِي منصور ابن الجواليقي.
وسمع من أبي القاسم بن الحصين، وأبي بَكْر الْأَنْصَارِيّ، ويَحْيَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الفارقي، وعبد الوهاب الأَنْماطيّ.
وقوّض ما تبقّى من بصره من ألمٍ أصابه، وصحِب الصالحين والأخيار، [ص:862] ومدح الخلفاء والوزراء.
وكان فصيح القول، حسن المعاني، وفيه دِين وتسنُّن.
رَوَى عَنْهُ عُثْمَان بْن مقبل، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، ويوسف بْن خليل، ومُحَمَّد بْن سَعِيد الدُّبِيثيّ، وعلي بْن يوسف الحمّاميّ، وآخرون.
قَالَ أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن أحمد القَطِيعيّ: منع الوزير ابن هُبَيْرة الشعراء من إنشاد الشعر بمجلسه، فكتب النُّمَيْرِيّ إِلَيْهِ قصيدة، فكتب الوزير عليها: هَذَا لو كَانَ الشعراء كلهم مثله فِي دِينه وقوله لَمْ يُمنعوا، وإنما يقولون ما لا يحل الإقرار عليه، وَهُوَ فالصَّديق، وما يذكره يوقف عليه، ورسومه تزاد.
قُلْتُ: وَفِي ديوانه عدة قصائد مدح بها المقتفي لأمر اللَّه، فَمنْ ذَلِكَ:
جوًى بَيْنَ أثناء الحشاء ما يزايلُه ... ودمعٌ إذا كفكفته لجَّ هاملُهْ
يضيق لبُعد النازلين عَلَى الشَّرى ... بمرفض دمع العين مني سائلُه
وهل أنسين الحيَّ من آل جندلِ ... تجاوَب ليلًا بُزله وصواهلُه
تُبوئهُ الثَّغرَ المخُوف محلّه طوالُ ... ردينياته ومناصلُه
وتقتنص الأعداءَ جهْرًا رجالُه ... كَمَا اقتنصت حر باز شهب أجادلُه
وكنت أرى أنّي صبورٌ عَلَى النَّوى ... فَلَمَّا افترقنا غالَ صبري غوائلُه
أفُرسان قيسٍ من نُميرٍ إذا القنا ... تولّج لبّاه الكُماة عواملُه
هَلِ السَّفْح من نجم المعاقل بالشرى ... عَلَى العهدِ منكم أمْ تعفَّت منازلُه؟
وهل ما يُقضى من زمان اجتماعنا ... بمردوده أسحارهُ وأصائلُه
بكم يأمن الجاني جريرة ما جنى ... ويَرْوي منَ الخُطى فِي الحرب ناهلُهْ
وأوهن طولُ البُعد عنكم تجلُّدي ... وغادر ليلي سَرْمَدًا متطاولُه
ولم أتّخِذْ إلْفًا منَ النّاس بعدكم ... وهل يألف الْإِنْسَان مَنْ لا يُشاكله
وَلَهُ فِيهِ:
لولا القنا والصوارم الخدمُ ... ما أقلعتْ عَنْ عنادها العجمُ
توهَّموا المُلك بالعراق وما ... شارفه مُسْلَمَ الحمَى لهمُ
وما دروا أنَّ دون حَوْزِتهِ ... مِنَ المنايا لأمرهِ خدمُ
تتابعوا في عجاجتي لجبٌ ... تضيف عَنْهُ البطاحُ والأكمُ
لا يحسبون الإمامَ من مُضرٍ ... مرصده للعِدى بِهِ النقمُ [ص:863]
حَتَّى إذا أبصروا كتائبَه ... حاروا فَمَا أقدموا ولا انهزموا
وقد تلقاهم بمرهفةٍ ... ما برحت من غمودها القممُ
فناشدوهُ الأمانَ والتزموا ... لأمره الطاعَة التي التزموا
وردَّ عَنْهُمْ عقابَه ملكٌ ... شِيمتُه العفْو حين يحتكمُ
للَّه دَرّ النّفوس هاديةً ... إذا أناسٌ عَنِ الرشاد عًمُوا
هُوَ الدّواء الَّذِي تزول بِهِ ... عَنِ القلوب الشكوك والتهمُ
ما ابتسمت والخطوب مظلمة ... إلا انْجلَتْ بابتسامتها الظلمُ
يسمع إنشادها إذا ارْتَحَلَتْ ... غرائبُ الموت مَنْ بِهِ صَمَمُ
وَلَهُ:
يزهدني فِي جُمَيْع الأنام ... قلةُ إنصافِ مَن يُصحبُ
وهل عرف النّاس ذو نُهية ... فأمسى لهم فيهمُ مأربُ
هم الناس ما لم تجربهمُ ... وطُلسُ الذئاب إذا جُربوا
ولَيْتَكَ تَسْلَمُ عِنْد البعادِ ... منهم فكيف إذا قُربوا؟
أنْشَدنا مُحَمَّد بن علي الواسطي، قال: أنشدنا عبد الرحمن بن إبراهيم، قال: أنشدنا نصر بْن مَنْصُور لنفسه:
أُحب عليًّا والبَتُولَ ووُلْدَها ... ولا أجحد الشَّيخيْن حقَّ التقدمِِ
وأبرأُ مِمَّنْ نال عُثْمَانَ بالأَذَى ... كَمَا أتبرأ من ولاء ابنِ مُلجمِ
ويُعجبني أهلُ الحديثِ لصِدْقِهم ... مَدَى الدَّهر فِي أفعالهم والتكلمِ
تُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي ربيع الآخر، وَلَهُ ثمانٌ وثمانون سنة.(12/861)
322 - نَصْر بْن أَبِي مَنْصُور المؤدب، المعروف بالحَكَم الشاعر. [المتوفى: 588 هـ]
تُوُفّي فِي هَذِهِ السنة أيضًا.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ من شِعره ابن الدُّبِيثيّ هذين البيتين:
ولمّا رَأَى ورْدًا بخدّيه يُجتنى ... ويقطفُ أحيانًا بغير اختياره
أقام عليه حارسًا من جُفُونِهِ ... وسَلَّ عليه مُرْهفًا من عِذاره [ص:864]
قُلْتُ: لو قَالَ " وسيجه صونًا بآسِ عِذاره " لكان أحسن.(12/863)
323 - يحيى بن عبد الجليل بن مجبر، أبو بَكْر الفِهْريّ، المُرْسِيّ، ثُمَّ الإشبيليّ، شاعر الأندلس فِي زمانه بلا مُدافعة. [المتوفى: 588 هـ]
أَخَذَ الأدب عَنْ شيوخ مُرْسِيَة، ومدح الملوك والأمراء، وشهد لَهُ بقوة عارضته، وسلامة طبْعه، قصائدُهُ البديعة التي سارت أمثالًا، وبعدتُ عَلَى قُربها منالًا.
أَخَذَ عَنْهُ أَبُو القاسم بْن حسان، وغيره.
تُوُفّي بمَرّاكُش ليلة عيد النَّحْر فِي الكهولة.
وقيل: تُوُفّي سنة سبْع الماضية.
وَلَهُ:
لا تغبط المُجْدِبَ فِي عِلمهِ ... وإنْ رأيتَ الخِصْبَ فِي حالهِ
إن الَّذِي ضيَّع من نفسِهِ ... فوقَ الَّذِي ثَمَّرَ من مالهِ
وَلَهُ أيضًا:
إن الشدائدَ قَدْ تَغْشى الكريمَ ... لأنْ تبين فضلَ سجاياه وتوضحُه
كمِبْرَدِ القين إذْ يَعْلُو الحديدَ بِهِ ... وليس يأكُلُهُ إلا ليُصْلحُه
ذكره أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار فِي " تكملة الصلة " وبالغ في وصفه.
ولأبي بكر بن مجبر ديوان أكثر ما فيه من المديح فِي السّلطان يعقوب صاحب المغرب. فَمنْ ذَلِكَ هَذِهِ القصيدة البديعة:
أتُراه يتركَ الغَزَلا ... وعليه شبَّ واكْتَهَلا
كلفٌ بالغِيد ما عِلقَت ... نفسْهُ السلوانَ مُذ عَقَلا
غير راضٍ عَنْ سجيةِ مَنْ ... ذاقَ طعَمَ الحُبّ ثُمّ سلا
أيُّها اللوامُ ويحكُم ... إن لي عَنْ لَوْمكُم شُغلا
نَظَرَتْ عيني لشِقْوَتِها ... نظراتٍ وافقَتْ أَجَلا
غادةً لما مَثَلْتُ لها ... تَرَكَتْني فِي الهوى مَثَلا
خَشِيَتْ أني سأُحرقُها ... إذْ رأتْ رأسي قَدِ اشتعلا [ص:865]
يا سراةَ الحي مثلُكُم ... يتَلافَى الحادثَ الْجَلَلا
قَدْ نزلنا فِي جواركُم ... فشَكَرْنا ذَلِكَ النُّزُلا
ثُمّ واجهْنا ظِباءكُم ... فلقِينا الهَوْلَ والوَهَلا
أَضَمِنْتُم أمْنَ جِيرتكمْ ... ثُمّ ما أمّنْتُمُ السُّبُلا
ليتنا نلقى السيوفَ ولم ... نلقَ تِلْكَ الأعينَ النُّجُلا
أشرعوا الأعطاف مايسةً ... حين أشرعنا القنا الذُّبُلا
واستفزَّتنا عيونُهُم ... فخلعنا البَيْضَ والأَسَلا
نُصروا بالحُسن فانْتَهَبُوا ... كُلّ قلبٍ بالهوى خُذلا
عطَّلَتْني الغِيدُ، مِن جَلَدي ... وأنا حلَّيْتُها الغَزَلا
حملت نفسي على فتنٍ ... سُمْتها صبْرًا فَمَا احتملا
ثُمّ قَالَت سوف نتركها ... سَلَبًا للحب أَوْ نَفَلا
قلتُ: أما وَهْيَ قَدْ علِقَتْ ... بأميرِ المؤمنين، فلا
ما عدا تأميلها ملْكًا ... مَنْ رآه أدْرَكَ الأَمَلا
فإذا ما الجودُ حركَّه ... فاض فِي كفيه فانْهَمَلا
وهي مائة وتسعة أبيات.
وَلَهُ يمدح يعقوب بْن يوسف بْن عَبْد المؤمن أيضًا:
دعا الشوقُ قلبي والركائب والركبا ... فلبَّوا جميعًا وَهُوَ أول من لبَّى
وظَلْنا نَشَاوَى للذي بقلوبنا ... نخال الهوى كأسًا وتحَسبُنا شرْبا
أرق نفوسًا عندما نَصِفُ الهَوَى ... وأقسَى قلوبًا عندما نشهدُ الحربا
ويؤلمنا لمعُ البُرُوقِ إذا بدا ... ويصرعُنا نفحُ النسيمِ إذا هبا
يقولون: داوِ القلب تسلُ عن الهوى ... فقلت: لَنِعْمَ الرأيُ لو أن لي قلْبا(12/864)
324 - يزيد بْن مُحَمَّد بْن يزيد بْن رفاعة، أَبُو خَالِد اللَّخْميّ، الغَرْناطيّ، المحدث. [المتوفى: 588 هـ]
قَدْ مرَّ فِي سنة خمسٍ وثمانين. [ص:866]
وقَالَ ابن الزُّبَير: كَانَ من جِلة الشيوخ، وثقاة الرواة، عارِفًا بالأسانيد، يعِظ ويُقرئ. وكان مُكثرًا. أكثرَ عَنْ أَبِي مُحَمَّد الرشاطيّ. وسمّى جماعة.
ثُمّ افتقر واحتاج بدخول النَّصارى المَرِيَّة، فجلس يؤدب.
مات من عطسةٍ فِي المحرّم سنة ثمانٍ وثمانين.(12/865)
-وفيها وُلِد:
إِسْمَاعِيل بْن عَبْد القوي بْن غزون، وتاج الدين علي بن أحمد ابن القسطلاني، والصاحب كمال الدّين عُمَر بْن العديم، والضياء زُهير بْن عُمَر الزُّرَعيّ، والكمال إِسْحَاق بْن خليل الشَّيْبَانِيّ قاضي زُرَع، وعمر بْن أَبِي الفتح بْن عوة الْجَزَريّ التاجر، ويحيى بْن شجاع بن ضرغام صاحب ابن المفضل المَقْدسيّ.(12/866)
-سنة تسع وثمانين وخمسمائة(12/867)
325 - أَحْمَد بْن أسعد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد، أَبُو المعالي الأصبهاني، المَدِينيّ. [المتوفى: 589 هـ]
سَمِع أَبَا الطاهر إِسْحَاق بْن أَحْمَد الراشتينانيّ.
وأجاز لَهُ غانم البُرْجيّ، وأَبُو علي الحداد.
وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى.(12/867)
326 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن حُسَيْن بْن السَّكَن، أَبُو الفتح بن أبي غالب ابن المعوج. [المتوفى: 589 هـ]
سمع أباه، وأبا القاسم ابن السَّمَرْقَنْدِيّ، وأبا الْحَسَن بْن عَبْد السلام، وجماعة كثيرة.
وطلب، ونسخ، وحصل.
رَوَى عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ، ويوسف بْن خليل.
وكان صحيح السماع، صالحًا.(12/867)
327 - إِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل بْن سَعِيد، الفقيه أَبُو إِسْحَاق الْقُرَشِيّ، الهاشميّ، الْمَصْرِيّ، المالكي. [المتوفى: 589 هـ]
ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة.
وحدث عن أبي القاسم ابن عساكر، وعبد المولى بْن مُحَمَّد المالكيّ.
وكان إمام مسجد الزبير بن العوام بمصر، وبه يعرف.
توفي في ربيع الآخر.
وله مجاميع في الرقائق وغيرها.(12/867)
328 - إِبْرَاهِيم بْن سَعِيد بْن يحيى بْن مُحَمَّد ابن الخشاب، القاضي الرئيس أبو طاهر الحلبي، [المتوفى: 589 هـ]
من أعيان الحلبيين وكبرائهم.
كان فاضلا، أديبا، شاعرا، منشئا، له نظر في العلوم، إلا أنه كان من أجلاد الشيعة المعروفين. وكان دمِث الأخلاق، ظريفًا، مطبوعًا، وَهُوَ والد المولى الصدر بهاء الدّين الحَسَن ابن الخشاب. [ص:868]
تُوُفّي فِي ذِي القعدة، وَلَهُ ثمانٌ وخمسون سنة.(12/867)
329 - أسعد بْن نَصر بْن أسعد، أَبُو منصور ابن العَبَرْتيّ الأديب. [المتوفى: 589 هـ]
أَخَذَ النَّحْو عَنْ أَبِي مُحَمَّد ابن الخشاب، والكمال عَبْد الرَّحْمَن الأنباريّ، وعلَّم النّاسَ العربية.
وكان لَهُ شِعْر حَسَن وتواليف، ومآخذ على النحاة.
توفي في رمضان.(12/868)
330 - بُزغُش، أَبُو علي عتيق أَبِي طاهر مُحَمَّد بْن عَلِيّ الْأَنْصَارِيّ، الدّبّاس. [المتوفى: 589 هـ]
سَمِع أَبَا القاسم بن الحصين، وأبا غالب ابن البناء، وأبا الحسين ابن الفراء.
روى عنه يوسف بْن خليل.
تُوُفّي فِي ذي القعدة.(12/868)
331 - بُكْتمر، سيف الدين [المتوفى: 589 هـ]
صاحب خِلاط، مملوك صاحبها.
تُوُفّي فِي أول جُمادى الأولى.
وكان قَدْ أسرف فِي إظهار الشماتة بموت صلاح الدّين، وفرح وعمل تخْتًا جلس عليه، ولقَّب نفسه بالسلطان المعظَّم صلاح الدّين، وسمّى نفسه عَبْد الْعَزِيز، وظهر منه رُعُونة، وتجهَّز لقصد ميّافارقين.
وكان مملوكٌ لشاه أرمن قَدْ تزوّج بابنة لبكتمر، وطمع فِي المُلْك، فجهّز عَلَى بُكْتمر مَن قتله، وتمَّلك بعده.
قَالَ ابن الأثير: وكان بُكْتمر خيِّرًا، صالحًا، كثير الصَّدَقة، مُحِبًّا للصّوفيَّة، حسن السيرة في الرعية.(12/868)
332 - حاتم بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن مُفَرِّج بْن حاتم، الفقيه أَبُو المحاسن المقدسيّ الأصل، الإسكندرانيّ. [المتوفى: 589 هـ]
ابن عم الحافظ عَلِيّ بْن المفضل.
تُوُفّي فِي الكهولة، ولا أعلمه رَوَى شيئًا.(12/868)
333 - حَرَميّ بْن مَغْفر، أَبُو مُحَمَّد الشاهد البزاز، الْمَصْرِيّ. [المتوفى: 589 هـ]
سَمِع مُنْجِبًا المرشديّ.(12/869)
334 - الْحَسَن بْن أَبِي سعد المظفر بن الحسن بن المظفر ابن السِّبْط الهَمَذَانيّ، أَبُو مُحَمَّد، ويُقَالُ اسمه ثَابِت. [المتوفى: 589 هـ]
وَهُوَ بكنيته أشهر.
شيخ بغدادي، رَوَى عَنْ جده أَبِي علي.
سَمِع منه أَحْمَد بْن طارق، وَجَعْفَر بن أحمد العباسي.
وتوفي في رجب.(12/869)
335 - الحسن بن أبي نصر بن أبي حنيفة بن القارص. أخو الحسين. وسماه بعضهم: المبارك. [المتوفى: 589 هـ]
روى عَنْ هبة اللَّه بْن الحُصَيْن.
رَوَى عَنْهُ يوسف بْن خليل، وغيره.(12/869)
336 - الْحُسَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن الخَضِر بْن عَبْدان الْأَزْدِيّ، الدمشقي، أَبُو عَبْد اللَّه المحدث. [المتوفى: 589 هـ]
لَهُ سماعات كثيرة وإجازات.
وتُوُفّي فِي رابع رمضان.(12/869)
337 - دَاوُد بْن عِيسَى بْن فُليتة بْن قاسم بْن مُحَمَّد بْن أَبِي هاشم. العَلَويّ، الحَسَنيّ، [المتوفى: 589 هـ]
صاحب مكة.
تُوُفّي فِي رجب.
قَالَ ابن الأثير: ما زالت إمرة مكة تكون لَهُ تارةً ولأخيه مُكثر تارةً إلى أن مات.(12/869)
338 - أَبُو رجال بْن غلبون. المُرْسِيّ الكاتب. [المتوفى: 589 هـ]
رَوَى عَنْ أَبِي جَعْفَر بْن وضاح، وحَمَل عَنِ ابن خَفَاجة " ديوانه ".
وكان أديبًا، بليغًا، فصيحًا.
أَخَذَ عَنْهُ أَبُو الرَّبِيع بْن سالم. وأجاز لأبي [ص:870] عبد الله ابن الأَبّار ديوان " أَبِي إِسْحَاق بْن خَفَاجة ".
توفي فِي ذِي الحجَّة.(12/869)
339 - رجب بْن مذكور بْن أرنب، أَبُو الحُرُم، ويُقَالُ: أَبُو عُثْمَان الأَزَجّي الأكّاف. [المتوفى: 589 هـ]
شيخٌ أُمّيّ، صحيح السَّماع، عالي الرّواية.
سَمِع هُوَ، وأخوه ثعلب من هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأَحْمَد بْن الْحَسَن البناء، وأبي العز أَحْمَد بْن كادش، وعَلِيّ بْن أَحْمَد بْن المُوّحِّد، وقُراتِكِين بْن الأسعد، وجماعة.
سَمِع منه عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، ومات قبله بأربع عشرة سنة.
وروى عَنْ رجب: يوسف بْن خليل، وسالم بْن صَصْرى، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وابن الدُّبِيثيّ.
قَالَ ابن النجار: شيخ لا بأس بِهِ.
تُوُفّي فِي ثالث عشر رمضان.(12/870)
340 - زُبيدة ابْنَة المقتفي لأمر اللَّه التي تزوج بها السّلطان مَسْعُود السَّلْجُوقيّ عَلَى مَهْر مائة ألف دينار، ولم يدخل بها. [المتوفى: 589 هـ]
عاشت إلى هذا العام.(12/870)
341 - سالم بْن سلامة، أَبُو مُحَمَّد السُّوسيّ، المغربيّ، [المتوفى: 589 هـ]
نزيل سجلْماسة.
سَمِع بفاس " صحيح الْبُخَارِيّ " من أبي عبد الله ابن الرّمّامة.
وكان حافظًا لمذهب مالك، زاهدًا، خيرًا، يورد الفقه بالَبْربريّ.
قَالَ الأَبّار: وَقَدْ نيف عَلَى المائة سنة.
سلطان شاه الخُوارَزْميّ. اسمه محمود. يأتي فِي موضعه.(12/870)
342 - سِنان بْن سَلْمان بْن مُحَمَّد، أَبُو الْحَسَن البصري، [المتوفى: 589 هـ]
كبير الإسماعيلية وصاحب الدعوة النزارية.
كان أديبًا، فاضلًا، عاقلا عارفًا بالفلسفة وشيء منَ الكلام والشِّعر والأخبار.
تفسير الدَّعوة النِّزاريَّة
وكانت فِي حدود الثمانين وأربعمائة فيما أحسب، وهي نسبةٌ إلى نزار بْن المستنصر بالله معد ابن الظاهر علي ابن الحاكم العُبيدي.
وكان نزار قَدْ بايع لَهُ أَبُوهُ، وبثَّ لَهُ الدُّعاة فِي البلاد بِذَلِك، منهم صبّاح صاحب الدّعوة. وكان صبّاح ذا سمتٍ، وذلقٍ، وإظهارِ نسكٍ، وَلَهُ أتباعٌ من جنسِه، فدخل الشّام والسّواحل، فلم يتمّ لَهُ مراد، فتوجه إلى بلاد العجم، وتكَّلم مَعَ أَهْل الجبال والغُتم الْجَهَلة من تِلْكَ الأراضي، فقصد قلعة المَوْت، وهي قلعة حصينة، أهلُها ضِعاف العقول، فُقَراء، وفيهم قوة وشجاعة.
فَقَالَ لهم: نَحْنُ قومٌ زُهاد نعبدُ اللَّه فِي هَذَا الجبل، ونشتري منكم نصف القلعة بسبعة آلاف دينار، فباعوه إياها، وأقام بها.
فَلَمَّا قوي استولى عَلَى الجميع. وبلغت عدة أصحابه ثلاثمائة ونيِّفًا.
واتّصل بملك تِلْكَ النّاحية: إن هاهنا قومًا يُفسدون عقائد الناس، وهم فِي تزيُّد، ونخافُ من غائلتهم. فَنَهَدَ إليهم، ونزل عليهم، وأقبلَ عَلَى سُكره ولّذَّاته. فَقَالَ رجلٌ من قوم صباح اسمه علي اليعقوبي: أَيِّ شيء يكون لي عندكم إنْ أنا كفيتكم مؤونة هَذَا العدو؟ قَالُوا: يكون لك عندنا ذُكْران. أَيِّ: نذكرك فِي تسابيحنا.
قَالَ: رَضِيتُ. فأمرهم بالنزول منَ القلعة ليلًا، وقسَّمهم أرباعًا فِي نواحي العسكر، ورتب معهم طُبُولًا وقَالَ: إذا سمعتم الصّياح فاضْربوا الطُّبول، ثُمّ انتهز علي اليعقوبي الفرصة من غِرَّة الملك، وهجم عليه فقتله، وصاحَ أصحابه، فقتلَ الخواص عليًّا، وضَرَب أولئك بالطبول، فأرجفوا الجيش، فهجوا عَلَى وجوههم، وتركوا الخيام بما فيها، فنُقِل الجميع إلى القلعة، وصار لهم أموال وأعتاد، واستفحل أمرهم. [ص:872]
وأمّا نزار، فَإِن عَمَّتَه خافت منه، فعاهدت أعيان الدولة عَلَى أن تُولي أخاه الآمر، وَلَهُ ست سِنين؛ وخاف نزار فهرب إلى الإسكندرية، وجَرَت لَهُ أمور، ثُمّ قُتِلَ بالإسكندرية. وصار أَهْل الألَموت يدعون إلى نزار، فأخذوا قلعة أخرى، وتسرع أهل الجبل منَ الأعاجم إلى الدخول فِي دعوتهم، وبايَنوا المصريين لكونهم قتلوا نزارًا. وبنوا قلعةً ثالثة، واتَّسَع بلاؤهم وبلادُهم، وأظهروا شُغُلَ الهجوم بالسكين التي سنها لهم علي اليعقوبي، فارتاع منهم الملوك، وصانعوهم بالتُّحَف والأموال.
ثُمّ بعثوا داعيًا من دُعاتهم في حدود الخمسمائة أَوْ بعدها إلى الشام، يُعرف بأبي مُحَمَّد، فجرت لَهُ أمور، إلى أن ملك قِلاعًا من بلد جبل السُّمّاق، كَانَتْ فِي يد النُّصّيْريَّة. وقام بعده سِنان هَذَا؛ وكان شَهْمًا، مهيبًا، وله فحولية، وذكاء، وغَور. وكَانَ لا يُرى إلا ناسكًا، أَوْ ذاكرًا، أو متخشعا، أَوْ واعظًا، كَانَ يجلس عَلَى حَجَر، ويتكلم كأَنَّه حجر، لا يتحرَّك منه إلا لسانه، حَتَّى اعتقد جُهالهم فِيهِ الإلهيَّة. وحصَّل كُتبًا كثيرة.
وأمّا صبّاح فَإنَّهُ قرَّر عِنْد أصحابه أن الْإِمَام هُوَ نِزار. فَلَمَّا طال انتظارهم لَهُ، وتقاضيهم بِهِ قَالَ: إنَّه بَيْنَ أعداء، والبلاد شاسِعة، ولا يمكنه السلوك، وَقَدْ عزم أن يختفي فِي بطنِ حاملٍ، ويجيء سالمًا، ويستأنف الولادة. فرضوا بِذَلِك - اللهُم ثبِّت علينا عقولنا وديننا وإيماننا - ثُمّ إنَّه أحضر جاريةً مصرية قَدْ أَحْبَلها وقَالَ: إنَّه قَدِ اختفى فِي بطن هَذِهِ، فأخذوا يعظمونها، ويتخشعون لرؤيتها، ويرتقبون الْإِمَام المنتظَر أن يَخْرُج منها، فولدت ولدًا، فسمّاه حَسَنًا.
فَلَمَّا تسلطن خُوارزم شاه مُحَمَّد بْن تكش، واتسع ملْكه، وفخم أمرُه، قصد بلاد هَؤُلَاءِ الملاحدة، وهي قلاع حصينة، منيعة كبيرة، يُقَالُ: إنها ممتدَّة إلى أطراف الهند.
وَقَدْ حكم عَلَى الملاحدة بعد صبّاح ابنه مُحَمَّد، ثُمّ بعده الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن صباح المذكور، فرأى الحسنُ منَ الحزم أن يتظاهر بالإسلام، وذلك في سنة سبعٍ وستمائة، فادعى أَنَّهُ رَأَى عليًّا عَلَيْهِ السَّلامَ فِي النوم يأمره أن يُعيد شعارَ الْإِسْلَام منَ الصّلاة والصيام، والأذان، وتحريم الخمر. ثُمّ قصَّ المنام عَلَى أصحابه وقَالَ: أليس الدّينُ لي؟ قَالُوا: بلى. قَالَ: فتارةً أرفع التكاليف، [ص:873] وتارة أضعها.
قَالُوا: سمعًا وطاعة.
فكتب بِذَلِك إلى بغداد والنواحي، واجتمع بمن جاوره مِنَ الملوك، وأدخل بلادَه القرّاء، والفُقهاء، والمؤذنين، واستخدم فِي ركابه أَهْل قَزْوين. وذلك منَ العجائب.
وجاء رسوله ونائبه فِي صُحبة رسول الخليفة إلى الملك الظاهر إلى حلب، بأنْ يقتل النّائب الأوّل ويقيم هَذَا النّائب لَهُ عَلَى قِلاعهم التي بالشام. فأنفق عليهم الظاهر وأكرمهم، وخلصوا بإظهار الْإِسْلَام من يد خُوارزم شاه.
رجعنا إِلَى أخبار سنان. كَانَ أعرج لحجرٍ وقع عليه منَ الزّلزلة الكائنة فِي دولة نور الدّين. فاجتمع إِلَيْهِ مُحُّبوه، عَلَى ما ذكر الموفّق عَبْد اللّطيف، لكي يقتلوه. فَقَالَ لهم. ولِمَ تقتلوني؟.
قَالُوا: لترجع إلينا صحيحًا، فإنّا نكره أن يكون فينا أعرج.
فشكرهم ودعا لهم، وقَالَ: اصبروا عليَّ، فَلَيْس هَذَا وقته. ولاطَفَهم. ولما أراد أن يُحلهم منَ الْإِسْلَام، ويُسقط عَنْهُمُ التكاليف لأمرٍ جاءه منَ الأَلَمُوت عَلَى عهد إلْكِيّا مُحَمَّد، نزل إِلَى مقثأةٍ فِي شهر رمضان، فأكل منها، فأكلوا معه، واستمر أمرهم عَلَى ذَلِكَ.
وأوّل قدوم سِنان كَانَ إِلَى حلب، فذكر سعْد الدّين عبد الكريم، رسول الإسماعيلية، قَالَ: حكى سِنان صاحب الدعوة قَالَ: لما وردتُ الشامّ اجتزتُ بحلب، فصلّيت العصر بمشهد عليّ بظاهر باب الْجِنان، وثَمَّ شيخ مُسن، فسألته: من أَيْنَ يكون الشَّيْخ؟ قَالَ: من صبيان حلب.
وقَالَ الصاحب كمال الدّين فِي " تاريخ حلب ": أخبرني شيخ أدرك سِنانًا أنّ سِنانًا كَانَ من أَهْل البصْرة، وكان يعلم الصبيان، وأَنَّهُ مر وَهُوَ طالع إِلَى الحصون عَلَى حمارٍ حين ولّاه إيّاها صاحب الأَلَمُوت، فمر بإقمِيناس، فأراد أهلها أَخْذَ حماره، فبعد جَهْد تركوه، وبلغ من أمره ما بلغ. وكان يُظهر لهم التَّنَسُّك حَتَّى انقادوا لَهُ، فأحضرهم يومًا وأوصاهم، وقَالَ: عليكم بالصفاء بعضكم لبعض، ولا يمنعنّ أحدُكم أخاه شيئًا هُوَ لَهُ. فنزلوا إِلَى جبل السُّمّاق وقالوا: قَدْ أمرنا بالصّفاء، وأن لا يمنع أحدُنا صاحبَه شيئًا هُوَ لَهُ. فأخذ هَذَا زوجَة هَذَا، وهذا بِنْت هَذَا سِفاحًا، وسمّوا أنفُسهم " الصفاة ". فاستدعاهم [ص:874] سِنان إِلَى الحصون، وَقُتِلَ منهم مقتلةً عظيمة.
قَالَ الصاحب كمال الدّين: وتمكن فِي الحصون، وانقادوا لَهُ ما لَمْ ينقادوا لغيره، وتمكن. وأخبرني علي ابن الهوّاريّ أن الملك صلاح الدّين سيَّر إِلَيْهِ رسولًا، وَفِي رسالته تهديد، فَقَالَ للرسول: سأريك الرجال الَّذِين ألقاه بهم. وأشار إِلَى جماعةٍ من أصحابه بأن يُلقوا أنفسّهم من أعلى الحصن، فألقوا نفوسهم فهلكوا.
قَالَ: وبلغني أَنَّهُ أحل لهم وطْء أمهاتهم، وأَخَواتهم، وبناتهم، وأسقط عَنْهُمْ صوم رمضان.
قَالَ: وقرأت بخط أَبِي غالب بْن الحُصين فِي " تاريخه ": وفيه يعني محرم سنة تسع وثمانين، هلك سِنان صاحب دار الدعوة النِّزاريَّة بالشام بحصن الكهف. وكان رَجُلًا عظيمًا، خَفِيّ الكّيْد، بعيد الهمة، عظيم المخاريق، ذا قُدرة عَلَى الإغواء، وخديعة القلوب، وكتْمان السّرّ، واستخدام الطَّغَام والغَفَلَة فِي أغراضه الفاسدة. وأصلُه من قريةٍ من قرى البصرة، وتُعرف بعُقْر السدف. خَدَم رؤساء الإسماعيلية بالأَلَمَوت، وراضَ نفسه بعلوم الفلسفة. وقرأ كثيرًا من كُتُب الجدل والمغالطة، و " رسائل " إخوان الصفا وما شاكلها منَ الفلسفة الإقناعية المشوقة غير المبرهنة.
بنى بالشام حصونًا لهذه الطائفة، بعضها مُسْتَجَدَّة، وبعضها كَانَتْ قديمة، فاحتال في تحصيلها وتحصينها، وتوعير مسالكها.
وسالمته الأنام، وخافته الملوك من أجل هجوم أصحابه عليهم. ودام لَهُ الأمر بالشام نيِّفًا وثلاثين سنة. وسيَّر إِلَيْهِ داعي دُعاتهم من أَلَمُوت جماعةً فِي عدة مِرار ليقتلوه خوفًا منَ استبداده عليه بالرياسة، فكان سِنان يقتلهم، وبعضهم يخدعه سِنان، ويُثنيه عمّا سُير لأجله.
قَالَ كمال الدّين: وقرأتُ بخط الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن الفضل الرَّازيّ فِي " تاريخه " قَالَ: حَدَّثَنِي الحاجب معين الدّين مودود أَنَّهُ حضَرَ عِنْد الإسماعيلية سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، وأَنَّهُ خلا بسِنان، وسأله عَنْ سبب كونه فِي هَذَا المكان، فَقَالَ: إنّني نشأت بالبصرة، وكان والدي من مقدميها. فوقع هَذَا الْحَدِيث فِي قلبي، فجرى لي مَعَ إخوتي أمرٌ أحوجني إِلَى الانصراف عَنْهُمْ، فخرجتُ بغير زاد ولا ركوب، فتوصَّلتُ حَتَّى بلغت الأَلَمُوت، فدخلتها وبها [ص:875] إلْكِيّا مُحَمَّد متحكِّم، وكان لَهُ ابنان سماهما: الْحَسَن، والحسين، فأقعدني معهما فِي المكتب، وكان يَبُرُّني بِرَّهُما، ويساويني بهما. وبقيت حَتَّى مات وولي بعده ابنُه الْحَسَن، فأنفذني إِلَى الشام.
قَالَ: فخرجت مثل خروجي منَ البصرة، فلم أقارب بلدًا إلّا فِي القليل. وكان قَدْ أمرني بأوامر، وحمّلني رسائل. فدخلت المَوْصِل، ونزلت مَسْجِد التّمّارين، وسرتُ من هناك إِلَى الرَّقَّة، وكان معي رسالة إِلَى بعض الرّفاق بها، فأديت الرسالة، فزودني، واكترى لي بهيمةً إِلَى حلب. ولقيت آخر أوصلتُ إِلَيْهِ رسالةً، فاكترى لي بهيمةً، وأنفذني إِلَى الكهْف. وكان الأمر أنْ أقيم بهذا الحصْن. فأقمت حَتَّى تُوُفّي الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي الجبل، وكان صاحب الأمر، فتولى بعده الأخواجة عَلِيّ بْن مَسْعُود بغير نصٍّ، إلا باتّفاق بعض الجماعة. ثُمّ اتفق الرئيس أَبُو مَنْصُور بن أحمد ابن الشَّيْخ أَبِي مُحَمَّد، والرئيس فهْد، فأنفذوا مَنْ قتله، وبقي الأمر شورى، فجاء الأمر منَ الأَلَمُوت بقتْل قاتله، وإطلاق فهْد، ومعه وصيَّة، وأُمِر أن يقرأها عَلَى الجماعة، وهذه نسخة المكتوب: " هَذَا عهدٌ عهِدْناه إِلَى الرئيس ناصر الدّين سِنان، وأمرناه بقراءته عَلَى سائر الرّفاق والإخوان، أعاذكم اللَّه جميعَ الإخوان منَ اختلاف الآراء، واتباع الأهواء، إذ ذاك فتنةُ الأولين، وبلاء الآخرين، وفيه عبرة للمُعْتَبِرين، مَنْ تبرَّأ من أعداء اللَّه، وأعداء وليه ودينه، عليه مُوالاة أولياء اللَّه، والاتحاد بالوحْدة سُنة جوامع الكِلم، كلمة اللَّه والتّوحيد والإخلاص، لا إله إلا اللَّه، عُروة اللَّه الوُثقى، وحبْله المتين، ألا فتمسّكوا بِهِ، واعتصموا عباد الله الصالحين، فيه صلاح الأوَّلين، وفَلاح الآخرين. أجمعوا آراءكم لتعليم شخصٍ معيّن بنصٍّ منَ اللَّه ووليّه. فتلقّوا ما يُلقيه إليكم من أوامره ونواهيه بِقَبُولٍ، فلا وربِّ العالَمين لا تؤمنون حَتَّى تحكّموه فيما شَجَرَ بينكم، ثُمّ لا تجدوا فِي أنفسكم حَرَجًا مما قضى، وتسلموا تسليمًا. فذلك الاتحادُ بِهِ بالوحدة التي هِيَ آية الحقّ، المُنْجية منَ المهالك، المؤدّية إِلَى السّعادة السَّرمديَّة، إذ الكثرة علامة الباطل، المؤديَّة إِلَى الشّقاوة المخزية، والعياذ بالله من زواله، وبالواحد من آلِهةٍ شتَّى، [ص:876] وبالوحدة منَ الكَثْرة، وبالنّصّ والتّعليم منَ الأدواء والأهواء المختلفة، وبالحقّ منَ الباطل، وبالآخرة الباقية منَ الدُّنْيَا الملعونة، الملعون ما فيها، إلا ما أُريد بِهِ وجه اللَّه، ليكون عِلمكم وعملكم خالصًا لوجهه الكريم. يا قوم إنما دنياكم ملعبةٌ لأهلها، فتزودوا منها للأخرى، وخير الزّاد التَّقْوى ".
إِلَى أن قَالَ: أطيعوا أميركم ولو كَانَ عبدًا حبشيًّا، ولا تزكُّوا أنفُسكم ".
قَالَ كمال الدّين: وكتب سِنان إِلَى سابق الدّين صاحب شَيْزَر يُعزّيه عَنْ أَخِيهِ شمس الدّين صاحب قلعة جَعْبَر:
إنّ المنايا لا يطأن بمنسمِ ... إلا عَلَى أكتاف أَهْل السؤددِ
فلئن صبرت فأنت سيد معشرٍ ... صُبُروا وإنْ تَجْزَعْ فغيرُ مُفندِ
هَذَا التّناصُرُ باللّسان ولو أتى ... غيرُ الحِمام أتاكَ نصري باليدِ
وهي لأبي تمام.
وقال: ذُكر أن سنانا كتب إِلَى نور الدّين محمود بْن زنكي، والصحيح أنه إلى صلاح الدّين:
يا ذا الَّذِي بقراع السيف هدَّدنا ... لا قام مصرعُ جنْبي حين تصرعُه
قام الحَمَام إِلَى البازيّ يُهددُهُ ... واستيقظَتْ لأُسُود البَرّ أضبعُه
أضحي يسد فم الأفعي بإصبعه ... يكفيه ما قد تُلاقي منه أصبعه
وَقَفْنَا عَلَى تفصيله وجُمله، وعلمنا ما هدَّدنا بِهِ من قوله وعمله، ويا لله العَجَب من ذُبابة تطِنّ فِي أُذُن فيل، وبعوضة تُعد فِي التّماثيل، ولقد قَالَها قومٌ من قبلك آخرون، فدمرنا عليهم وما كَانَ لهم ناصرون، أَلِلْحَقّ تدحضون، وللباطل تنصرون؟! وسيعلم الَّذِين ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون. ولَئْن صدر قولك فِي قطْع رأسي، وقلْعك لقلاعي منَ الجبال الرّواسي، فتلك أمانيُّ كاذبة، وخيالات غير صائبة، فإن الجواهر لا تزول بالأعراض، كَمَا أن الأرواح لا تضمحل بالأمراض. وإن عُدنا إِلَى الظواهر، وعدلنا عَنِ البواطن، فلنا فِي رَسُول اللَّهِ أُسْوة حَسَنَة: " ما أوُذي نبيٌ ما أُوذيتُ ". وَقَدْ علِمتم ما جرى عَلَى عتُرته [ص:877] وشِيعته، والحال ما حال، والأمرُ ما زال، ولله الأمرُ فِي الآخرة والأولى. وَقَدْ علِمتم ظاهر حالنا، وكيفيَّة رجالنا، وما يتمنَّونَه منَ الفَوْت، ويتقرّبون بِهِ إلى حِياض الموت، وَفِي المّثَل: أَوَ لِلْبَطّ تهدّد بالشّطّ؟ فهيّئ للبلايا أسبابا، وتدرّع للرّزايا جِلْبابا، فلأَظْهَرَنّ عليك منك، وتكون كالباحث عَنْ حتْفه بظلفِه، وما ذَلِكَ عَلَى اللَّه بعزيز، فإذا وقفتّ عَلَى كتابنا هَذَا، فكُن لأمرنا بالمرصاد، ومن حالك عَلَى اقتصاد، واقرأ أول " النَّحل " وآخر " ص ".
وقَالَ كمال الدّين: حَدَّثَنِي النَّجم مُحَمَّد بْن إِسْرَائِيل قَالَ: أخبرني المنتجبُ بْن دفتر خوان قَالَ: أرسلني صلاح الدّين إلى سِنان زعيم الإسماعيلية حين وثبوا عَلَى صلاح الدّين للمرَّة الثّالثة بدمشق، ونعى القُطب النَّيْسابوريّ، وأرسل معي تهديدًا وتخويفًا، فلم يُجبه، بل كتب عَلَى طُرة كتاب صلاح الدّين، وقَالَ لنا: هَذَا جوابكم:
جاء الغرابُ إِلَى البازيّ يهددهُ ... ونبهت لصراع الأُسْد أضبعُه
يا مَنْ يهدّدني بالسِّيف خُذهُ وقُم ... لا قام مصرعُ جنْبي حين تصرعُه
يا مَنْ يسدّ فم الأَفْعَى بإصبعه ... يكفيه ما لَقِيَتْ من ذاك إصبعُه
ثم قال: إن صاحبك يحكم عَلَى ظواهر جُنده، وأنا أحكم عَلَى بواطن جُندي، ودليله ما تشاهد الآن. ثُمّ دعا عشرةً من صبيان القاعة، وكان عَلَى حصنه المنيف، فاستخرج سكينًا وألقاها إِلَى الخندق، وقَالَ: مَنْ أراد هَذِهِ فليُلقِ نفسَه خلفها. فتبادَروا جميعًا وثْبًا خلفها، فتقطعوا. فعُدنا إِلَى السّلطان صلاح الدّين وعرّفناه، فصالحه.
وذكر الشَّيْخ قُطْب الدّين فِي " تاريخه " أنّ سنانًا سيَّر إِلَى صلاح الدّين رحِمَه اللَّه رسولًا، وأمره أن لا يؤدّي رسالته إلّا خَلْوةً، ففتَّشه صلاح الدّين، فلم يجد معه ما يخافه، فأخلى له المجلس، إلا نفرا يسيرا، فامتنع من أداء الرسالة حَتَّى يخرجوا، فأخرجهم كلَّهم، سوى مملوكين، فَقَالَ: هاتِ رسالتك. فَقَالَ: أُمِرْت أن لا أقولها إلا فِي خَلْوة. فَقَالَ: هذان ما يخرجان، فإنْ أردتَ تذكر رسالتك، وإلا قم: قَالَ: فلِمَ لا يَخْرُج هذان؟ قَالَ: لأنهما مثل أولادي. [ص:878]
فالتفت الرَّسُول إليهما، وقَالَ لهما: إذا أمرتكما عَنْ مخدومي بقتل هَذَا السّلطان تقتلانه؟ قَالا: نعم. وجَذَبا سيفيهما. فبُهت السّلطان، وخرج الرَّسُول وأخذهما معه. وجَنَحَ صلاح الدّين إِلَى الصُّلح والدخول فِي مَرَاضيه.
قُلْتُ: هَذِهِ حكاية مرسَلَة، واللَّه أعلم بصحّتها.
وقَالَ كمال الدّين: أنشدني بهاء الدين الحسن بن إبراهيم ابن الخشاب، قال أنشدني شيخ من الإسماعيلية، قَالَ: أنشدني سِنان لنفسه:
ما أكثرَ النّاسَ وما أقلهُم ... وما أقلَّ فِي القليل النُّجَبَا
ليتَهُمْ إذْ لَمْ يكونوا خُلِقُوا ... مُهذَّبين صحبُوا مُهذبا
قَالَ: وقرأتُ عَلَى ظهر كتابٍ لسِنان صاحب الدّعوة:
أَلْجَأَني الدهرُ إِلَى معشرٍ ... ما فيهم للخير مستمعُ
إنْ حدَّثوا لَمْ يُفهِموا سامِعًا ... أَوْ حُدِّثوا مَجُّوا ولم يَسْمَعُوا
تقدُّمي أخَّرني فيهمُ ... مَنْ ذنبه الإحسانُ ما يصنعُ؟(12/871)
343 - شمس النهار بِنْت كامل البغداديَّة. [المتوفى: 589 هـ]
رَوَت عَنْ أَبِي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن أَبِي يَعْلَى الفرّاء.
توفيت في تاسع ربيع الآخر.(12/878)
344 - طُغدي بْن خُتلُغ بْن عَبْد اللَّه، أَبُو مُحَمَّد الأميري، الْبَغْدَادِيّ، الفَرَضيّ، ويُسمى عَبْد المحسن، وهو بطُغدي أشهر. [المتوفى: 589 هـ]
ولد سنة أربع وثلاثين وخمسمائة، وقرأ القراءات عَلَى: عَلِيّ بْن عساكر البَطَائحيّ زوج أُمّه، وَهُوَ الَّذِي ربّاه. وسَمِع بإفادته مِنْ أَبِي الفضل الأُرْمَوِيّ، وابن باجة، وهبة اللَّه بْن أَبِي شُريك، وأبي الوقت.
وكان أستاذًا فِي الفرائض، قدِم الشّامَ واستوطنها وحدَّث بها.
وتُوُفّي فِي المحرَّم.
رَوَى عَنْهُ يوسف بن خليل، والضياء محمد.(12/878)
345 - ظَفَر بْن أَحْمَد بْن ثَابِت بْن مُحَمَّد، أَبُو الغنائم ابن الحافظ أَبِي الْعَبَّاس الطَرْقيّ، ثم اليزدي. [المتوفى: 589 هـ][ص:879]
سَمِع من أَبِيهِ، وأبي علي الحداد، وجماعة.
وقدم بغدادَ حاجًّا فحدَّث بها.
وطَرْق: بُليدة من نواحي أصبهان.(12/878)
346 - عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن بْن الخَضِر بْن عَبْدان. الْأَزْدِيّ، الدّمشقيّ. [المتوفى: 589 هـ]
رَوَى شيئًا يسيرًا عَنْ أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن أشْليها، وأبي يَعْلَى ابن الحُبوبي.
تُوُفّي فِي المحرَّم.(12/879)
347 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَلِيِّ بْن هبة اللّه بْن عَبْد السلام، أَبُو مَنْصُور بْن أَبِي الفتح الْبَغْدَادِيّ، الكاتب. [المتوفى: 589 هـ]
من بيت حديث وكتابة. وُلِد فِي جُمادى الأولى أَوْ فِي ربيع الآخر سنة ست وخمسمائة.
وسَمِع من أَبِي القاسم هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وقبله من أَبِي القاسم بْن بيان، وسماعه منه حضورًا.
ومن أَبِي عَلِيّ بْن نَبْهان، ومُحَمَّد بْن عَبْد الباقي الدُّوري، وعبد القادر بْن يوسف، وجَعْفَر بْن المحسن السَّلَمَاسيّ، وَغَيْرُهُمْ.
وَهُوَ والد الفتح مُسند بغداد فِي زمانه.
تُوُفّي فِي تاسع ربيع الأول.
رَوَى عَنْهُ يوسف بْن خليل، والشيخ الموفق، والجلال عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن قاضي دِمياط، وعَلِيّ بن عبد اللطيف ابن الخَيْميّ، ومُحَمَّد بْن نفيس الزعيميّ، وأَحْمَد بْن شُكْر الكِنْديّ، وآخرون.
قَالَ عَبْد الْعَزِيز بْن الأخضر: سمعتُ منه، ومن أَبِيهِ وجَدّه.(12/879)
348 - عبد الله بن المبارك بن أبي نصر المبارك بن زوما، أبو بكر الأزجي البزاز. [المتوفى: 589 هـ]
روى عَنْ أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وزاهر الشّحّاميّ.
روى عنه تميم بن [ص:880] أحمد، ويوسف بن خليل، وغيرهما.
وتوفي بعد الذي قبله بيومين.(12/879)
349 - عبد الخالق بن أبي هاشم محمد بن المبارك، الشريف أبو جعفر الهاشمي، الكوفي، القصري؛ قصر الكوفة. [المتوفى: 589 هـ]
روى عَنْ هبة الله بْن الحُصَيْن.(12/880)
350 - عَبْد الْعَزِيز بْن أبي بكر بن عبد العزيز بن صيلا الحربي الخباز. [المتوفى: 589 هـ]
روى عن سعيد ابن البناء.
وتُوُفّي فِي سابع شعبان.
رَوَى عَنْهُ ابن خليل.(12/880)
351 - عَتِيق بْن هِبَة الله بْن ميمون بْن عتيق بْن ورْدان، أَبُو الفضل. من ذرّية عِيسَى بْن ورْدان التابعي، الْمَصْرِيّ. [المتوفى: 589 هـ]
حدَّث عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبائه بنسخةٍ مُنكرةٍ بعيدة عَنِ الصّحَّة.
رَوَى عَنْهُ ولده المحدث أَبُو الميمون عَبْد الوهَّاب، وغيره.
تُوُفّي فِي العشرين من شعبان.(12/880)
352 - عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن كوثر، أَبُو الْحَسَن المحارِبيّ الغَرْناطيّ. [المتوفى: 589 هـ]
سَمِع من أَبِيهِ أَبِي الْعَبَّاس.
وحجّا معًا، فسمِعا بمكة من أَبِي الفتح الكَرُوخيّ سنة سبعٍ وأربعين " جامع أَبِي عِيسَى ".
وأخذ القراءات بمكة عن أبي علي ابن العرجاء القَيْروانيّ، وأبي الْحَسَن بْن رضا البَلَنْسيّ الضرير، وسَمِع منهما، ومن أَبِي الفضل الشَّيْبَانِيّ، وأبي بَكْر بْن أَبِي الْحَسَن الطُّوسيّ.
وقرأ بمصر عَلَى أَحْمَد بْن الحُطَيْئة سنة ثلاثٍ وخمسين، وعَلَى الشريف أَبِي الفُتُوح الخطيب.
وأخذ العربية عَنِ ابن برّيّ.
وحمل عَنِ السِّلَفيّ كثيرًا، وتصدَّر بغَرْناطة للإقراء والرواية، وصنف فِي القراءات، وأخذ النّاس عَنْهُ.
وتُوُفّي فِي ربيع الآخر.(12/880)
353 - عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن قَنَان بْن أَبِي بَكْر بْن خطاب، أَبُو الْحَسَن الأنباري ثُمّ البغدادي السمسار الربي. [المتوفى: 589 هـ]
ولد سنة خمسمائة.
سَمِع أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وزاهر بْن طاهر، وهبة الله ابن الطبر، وهبة اللَّه الشُّرُوطيّ، ويَحْيَى وأَحْمَد ابني البناء، وجماعة كثيرة.
وحج نحوًا من أربعين حَجَّة.(12/881)
354 - عَلِيّ بْن أَبِي شجاع بْن هبة اللَّه بْن رَوْح الأمينيّ، أَبُو الْحَسَن الْبَغْدَادِيّ الشاعر. [المتوفى: 589 هـ]
تُوُفّي فِي هَذَا العام.
وَلَهُ:
لكُمْ عَلَى الدنفِ العليلِ ... حُكمُ العزيز على الذليلِ
ما لي إذا ما جُرتُمُ ... يومًا سِوَى الصَّبْرِ الجميلِ
من لي بأسمر كالقضيب ... ضياء طلعته دليلي
مَنْ لَحْظه سحرُ العيونِ ... ولفْظهِ شركُ العقولِ
كيف السَّبيلُ إِلَى لماهُ ... ورشْف ذاك السلسبيلِ
ما لي عُدُولٌ عَنْ هواهُ ... فَدَعْ مَلامَكَ يا عذُولي(12/881)
355 - عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرحيم، أَبُو الْحَسَن الفِهْريّ، البَلَنْسيّ الْمُقْرِئ. [المتوفى: 589 هـ]
أَخَذَ القراءاتِ عَنْ أَبِي الْحَسَن بْن هُذيل.
وروى الْحَدِيث عَنْ أَبِي الْوَلِيد بْن الدّبّاغ، وجماعة.
وكان صالحًا، منعزلًا عَنِ النّاس.
رَوَى عَنْهُ أَبُو الربيع بن سالم، وقال: توفي في حدود التسعين وخمسمائة.(12/881)
356 - عيسى ابن الصالح عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن الفضل الوراق، أَبُو شجاع العتابي الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 589 هـ][ص:882]
سَمِع من جَدّه لأمّه أَبِي السُّعْود أَحْمَد بْن عَلِيّ المُجَليّ، وهبة اللَّه بْن الحُصين، وأَحْمَد بْن ملوك الوراق.
وحدَّث، رَوَى عَنْهُ يوسف بن خليل.
وأجاز لابن الدبيثي.(12/881)
357 - مُحَمَّد بْن أَبِي علي الْحَسَن بْن الفضل بْن الْحَسَن الأَدَميّ، أَبُو الفضل الأصبهاني. [المتوفى: 589 هـ]
سَمِع من أبي علي الحداد، وأجاز له.
توفي في ذي القعدة.(12/882)
358 - محمد ابن الفقيه أَبِي علي الْحُسَيْن بْن مفرج بْن حاتم. المقدسيّ ثُمّ الإسكندراني، رشيد الدّين الواعظ. [المتوفى: 589 هـ]
وُلد سنة ثلاث عشرة وخمسمائة.
وسَمِع من أَبِيهِ.
رَوَى عَنْهُ ابن عمّه الحافظ أَبُو الْحَسَن.
وتُوُفّي في رمضان.(12/882)
359 - مُحَمَّد بْن ساكن بْن عِيسَى بْن مخلوف، أَبُو عَبْد اللَّه الحِمْيَريّ، الْمَصْرِيّ. [المتوفى: 589 هـ]
شيخ جليل عالم، جمع لنفسه مشيخة. ذكر فيها أنه قرأ القرآن عَلَى أَبِي الْحَسَن عَليّ بْن مُحَمَّد الرَّوْحانيّ، والشريف أَبِي الفُتُوح ناصر بْن الْحَسَن، وأبي الْعَبَّاس بْن الحُطَيْئة، ومُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم ابن الكِيزانيّ.
وأَنَّهُ سَمِع من عَبْد الرَّحْمَن بْن الحسين الجباب، والفقيه عُمَر بْن مُحَمَّد البَلَويّ الذهبي، وعبد اللَّه بْن رفاعة، والسِّلَفيّ، وطائفة.
وحدَّث وألَّف مجاميع، وتصدَّر بجامع مصر، وخطب بجيزة الفُسْطاط مدَّة.
تُوُفّي فِي أوائل شوال.(12/882)
360 - مُحَمَّد بْن عبد الله ابن الفقيه مُجلي بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن الْحَارِث الرملي الأصل، الْمَصْرِيّ، الفقيه الشّافعيّ، القاضي أبو عبد الله. [المتوفى: 589 هـ]
ولد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.
ناب فِي القضاء بمصر نحْوًا من عشرين سنة.
وسَمِع من أَبِي الفتح سلطان بْن إِبْرَاهِيم الفقيه، وأبي صادق [ص:883] مرشد بْن يَحْيَى، وابن رفاعة.
وحدَّث. وكان يُقال لَهُ: حسّون.
وَهُوَ والد القاضي أَبِي مُحَمَّد عبد اللَّه.
وكان جَدّه الفقيه مُجلي قَدْ سَمِع منَ القاضي الخلَعيّ، وولي عقد الأَنْكِحَة بالرملة.(12/882)
361 - مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن مَنْصُور بْن مُحَمَّد بْن الفضل بن منصور بن أحمد بن يونس بن عَبْد الرَّحْمَن بْن الليث بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن المغيث بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن العلاء بْن الْحَضْرَمِيّ، الفقيه أَبُو عَبْد اللَّه ابن الشَّيْخ أَبِي القاسم بْن أَبِي عَبْد اللَّه الْحَضْرَمِيّ العلائي، الصَّقَلّيّ، ثُمّ الإسكندرانيّ المالكيّ. [المتوفى: 589 هـ]
وُلِد سنة أربع عشرة وخمسمائة بالإسكندرية، وسَمِع من أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد الرَّازيّ، وتفقه عَلَى مذهب مالك. وكان فِي القضاء بالثغر مدة.
رَوَى عَنْهُ أبو الحسن بن المفضل، وابن رواج، وعبد الرَّحْمَن بْن يَحْيَى بْن علاس القصديري، وعَلِيّ بْن إِسْمَاعِيل بْن سُكَيْن، وعَلِيّ بْن عُمَر بْن ركاب الإسكندرانيون.(12/883)
362 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد، أَبُو بَكْر السَّرْخَسِيّ، ثُمّ الْبَغْدَادِيّ، الخياط المعروف بالخاتونيّ. [المتوفى: 589 هـ]
سَمِع من أَبِي القاسم سعيد ابن البناء، وأبي بكر ابن الزّاغونيّ، وجماعة، وحدَّث.(12/883)
363 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الحميد بْن الْحَارِث، أَبُو عبد اللَّه وأَبُو بَكْر اليعمُريّ الأندلسيّ الأديب الشاعر. [المتوفى: 589 هـ]
رَوَى عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي الخصال.
روى عنه أبو عبد الله ابن الصفار، وغير واحد.(12/883)
364 - الْمُبَارَك بْن كامل بْن مُقَلَّد بْن عَلِيّ بْن نصر بْن منقذ، الأمير سيف الدولة أَبُو الميمون الكِنانيّ، الشَّيزَرِيّ. [المتوفى: 589 هـ]
وُلِد بشَيْزَر سنة ست وعشرين وخمسمائة، وسمع بمكة قليلًا من أَبِي حَفْص الميانِشِيّ.
رَوَى عَنْهُ ولده الأمير إِسْمَاعِيل.
وَقَدْ وُلّي سيف الدولة أمر الدواوين بمصر مدةً، وَلَهُ شعرٌ يسير، وكان مَعَ شمس الدولة تورانشاه أَخِي السّلطان لما ملك اليمن، فناب فِي مدينة زَبِيد عَنْهُ، ثُمّ رجع معه، واستناب أخاه حطان، فَلَمَّا مات شمس الدولة حبسه السّلطان، لأنه بلغه عَنْهُ أَنَّهُ قتل باليمن جماعةً، وأخذ أموالهم، فصادره، وضيق عليه، وأخذ منه مائة ألف دينار، وذلك فِي سنة سبعٍ وسبعين.
ولما توجه سيف الْإِسْلَام طُغْتِكِين إِلَى اليمن، تحصن الأمير حطان فِي قلعةٍ وعصى، فخدعه سيف الْإِسْلَام حَتَّى نزل إِلَيْهِ، فاستصفى أمواله وسجنه، ثُمّ أعدمه.
وقيل: إنَّه أَخَذَ منه سبعين غلاف زَرَدِيَّة مملوءًا ذَهَبًا.
تُوُفّي سيف الدولة فِي رمضان بالقاهرة.(12/884)
365 - الْمُبَارَك بْن أَبِي بَكْر بْن أَبِي العز، أَبُو الفتح الْبَغْدَادِيّ، الْمُقْرِئ المعروف بابن غلام الديك، وبابن الديك. [المتوفى: 589 هـ]
ولد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، وسمع من أبي القاسم بن الحصين، وأبي القاسم ابن الطبر، وأبي السعُود أحمد ابن المُجَليّ، وأبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن الفراء، وجماعة.
وكان واعظًا فاضلًا؛ سَمِع منه مُحَمَّد بْن مشق، وتميم البَنْدَنِيجيّ، وجماعة.
واسم أبيه أَحْمَد.
تُوُفّي فِي المحرَّم.(12/884)
366 - الْمُبَارَك بْن أَبِي نصر بْن أَبِي عَبْد الله بن أبي طاهر بن أبي حنيفة، أبو محمد ابن القارص الْبَغْدَادِيّ، الحريميّ. [المتوفى: 589 هـ]
ويُقَالُ اسمه الْحَسَن.
سَمِع من أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وجماعة.
وتُوُفّي فِي شعبان.(12/885)
367 - مبشر بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ، أَبُو الرشيد الرَّازيّ، ثُمّ الْبَغْدَادِيّ، الفَرَضيّ، الحاسب. [المتوفى: 589 هـ]
لَهُ مصنفات مفيدة.
رَوَى عَنْ أَبِي الوقت، وتُوُفّي براس عين فِي ذِي القعدة، وانتفع عليه جماعة.
ولقد بالغ ابن النجار في تقريظه، وقَالَ: كَانَ إمامًا فِي الجبر، والمقابلة، والمساحة، وخواص الأعداد، واستخراج الضمير، وحساب الوقت، وقسمة الفرائض، والمنطق، والفلسفة، والهيئة؛ صنف فِي جُمَيْع ذَلِكَ، وكان شديد الذكاء، شُدت إِلَيْهِ الرحال إِلَى أن قَالَ: وكان يُرمى بفساد العقيدة وإنكار البعث، ويتهاون بالفرائض.
نُفَّذ منَ الديوان رسولًا إِلَى الشام، فمات برأس العين.(12/885)
368 - محاسن بْن أَبِي بَكْر بْن سَلْمان بْن أَبِي شَريك، أَبُو البدر الحربي. [المتوفى: 589 هـ]
رَوَى عَنْ عَبْد اللَّه بْن أحمد اليُوسُفيّ. وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى.(12/885)
369 - محمود ابن خوارزم شاه أرسلان ابن خوارزم شاه أتسز بن محمد بن أنوشتكين، السّلطان الخُوارزميّ، ولَقَبُه: سلطان شاه. [المتوفى: 589 هـ]
وَهُوَ أخو علاء الدّين خُوارزم شاه تكش.
تملَّك بعد والده فِي سنة ثمانٍ وستين، وجَرَت لَهُ أمورٌ يطول شَرحُها، وكان أخوه قَدْ سلَّم إِلَيْهِ أَبُوهُ بعضَ المدائن، فحشد وجمع وقصد أخاه، فترك خُوارزم وهرب، وذلك مذكورٌ فِي الحوادث.
ثُمّ إنَّه استولى عَلَى مملكة مَرْو.
وكان نظيرًا لأخيه فِي الحزْم والعزْم والرأي والشجاعة، وحضر غير مصاف. واستعان بجيش الخَطَا. وافتتح جماعة مدائن. وكان السيف بينه وبَيْنَ أَخِيهِ؛ لأنه أَخَذَ منه خُوارزم، والتقاه فهزمه، وأسرَ أُمّه أم محمود فقتلها، [ص:886] واستولى على أكثر حواصل أبيهما؛ أعني علاء الدّين.
ونقل ابن الأثير فِي " كامله " فصلًا طويلًا في أخبارهما استطرادًا. وحكى فِيهِ عَنْ بعض المؤرخين أن سلطان شاه أَخَذَ مَرْو، ودفع الغُزّ عَنْهَا، ثُمّ تجمعوا لَهُ وأخرجوه، وانتهبوا خزائنه، وقتلوا أكثر رجاله، فاستنجد بالخَطَا، وجاء بعسكرٍ عظيم، وأخرج الغُز عَنْ مَرْو، وسَرْخَس، ونَسَا، وأَبِيوَرْد، وتملَّكها، ورجعت الخَطَا إلى بلادهم بالأموال.
ثم كاتب غياث الدين الغوري ليسلم إليه هراة، وبعث إليه غياث الدين أيضا، فأمره أن يخطب لَهُ ببلاده، فسار وشن الغارات، ونهب بلاد الغوري، وظلم وعَسَف، فجهز الغُوريّ لحربه ابن أَخِيهِ بهاء الدّين وصاحب سِجِسْتَان، فتقهقر سلطان شاه إِلَى مَرْو بعد أن عمل كُلّ قبيح بالقُرى، فتحزب لقصده غِياث الدّين وأخوه شهاب الدّين صاحب الهند. وجمع سلطان شاه العساكر، واستخدم الغُز وأُولي الطَّمَع، وعسكَرَ بمَرْو الرُّوذ، وعسكر الغُوريُّون بالطّالقان. وبقوا كذلك شهرين، وترددت الرُسُل فِي معنى الصُّلْح، فلم ينتظم أمر. ثُمّ التقى الْجَمْعان، وصبر الفريقان، ثُمّ انهزم جيش سلطان شاه، ودخل هُوَ مَرْو فِي عشرين فارسًا، فانتهز أخوه تكش الفرصة، وسار فِي عسكر، وبعث عسكرًا إِلَى حافة جَيْحُون يمنعون أخاه منَ الدخول إِلَى الخَطَا إنْ أرادهم، فَلَمَّا ضاقت السُّبُل عَلَى سلطان شاه، خاطر وسار إِلَى غياث الدّين، فبالغ فِي إكرامه واحترامه، وأنزله معه، فبعث علاء الدّين تكش إِلَى غياث الدّين يأمره بالقبض عليه، فلم يفعل. فبعث علاء الدّين يتهدده بقصد بلاده، فتجهَّز غياث الدّين وجمع العساكر، فلم ينشب سلطان شاه أن تُوفي فِي سلْخ رمضان فِي سنة تسعٍ هَذِهِ، فاستخدم غياث الدّين أكثر أجناده، وأنعم عليهم، وجرى بعده لعلاء الدّين تكش ولغياث الدّين اختلاف وائتلاف طمعت بسبب ذَلِكَ الغُز، وعادوا إِلَى النَّهْب والتّخريب، فتجهَّز علاء الدّين تكش، وسار ودخل مَرْو، وسَرْخَس، ونَسَا، وتطرق إِلَى طُوس.
قُلْتُ: وساق ابن الأثير رحِمَه اللَّه قولًا آخر مخالِفًا لهذا فِي أماكن، واعتَذَرَ عَنْهُ ببُعْد الديار، واختلاف النَّقَلَة منَ السُّفّار.(12/885)
370 - مسعود ابن الملك مودود بْن أتابك زنكي بْن آقسُنقُر، السّلطان عز الدّين أَبُو المظفَّر [المتوفى: 589 هـ]
صاحب المَوْصِل.
وصل إلى حلب قبل السلطنة مُنجدًا لابن عمّه الصالح إِسْمَاعِيل بْن نور الدين على السلطان الملك الناصر صلاح الدّين، وليُرهب صلاح الدّين، لئلّا يطمع ويقصد المَوْصِل، فانضم إِلَيْهِ عسكر حلب، وسار فِي جمعٍ كثير، فوقع المصاف عَلَى قُرُون حماه، فكسره صلاح الدّين، وأسَر جماعةً من أمرائه فِي سنة سبعين، كَمَا ذكرناه فِي الحوادث.
ولما احتضر الصالح أوصى بمملكة حلب لابن عمه عز الدين هذا، فساق إليها، وصعد القلعة، وورث ابن عمه واستولى على الخزائن النورية وتزوج بامرأة الصالح، وعلم أنه لا يمكنه حفظ حلب والموصل، فاستناب بحلب مظفر الدين ابن صاحب إربل، ورجع، فلما وصل إلى الرقة لقيه أخوه عماد الدين زنكي صاحب سنجار، فقايضه بسنجار وجاء إلى حلب فتملكها.
وبلغ السلطان صلاح الدين أن عز الدين مسعود قد راسل الفرنج يحثهم على قتال صلاح الدين، فعلم أنه قد غدر، فقصد حلب والموصل، فنازل حلب في سنة ثمان وسبعين، فأقام عليها ثلاثة أيام. ثم جاءه مظفر الدين ابن صاحب إربل منابذا لعز الدين فقوى عزمه على قصد الجزيرة، فعدا الفرات فأخذ الرها والرقة ونصيبين وسروج واستناب بها.
ثم سار فنزل على الموصل وعلم أنه بلد عظيم لا ينال بالمحاصرة، فترحل ونزل على سنجار أياما، فأخذها وأعطاها إلى ابْن أخيه الملك المظفَّر تقي الدين عُمَر، وعاد إلى حران.
ثم عاد بعد سنتين إلى منازلة الموصل، فنزلت إليه والدة مسعود وطلبت المصالحة، فردها ظنا أن ذلك عجز من ولدها، واعتذر إليها، ثم ندم بعد.
وبذل أهل الموصل جهدهم في القتال لكون صلاح الدين رد المصالحة، فأقام عليها إلى أن بلغته وفاة شاه أرمن صاحب خلاط وقيام مملوكه بكتمر.
ثم عجز بكتمر وكاتب صلاح الدين أن يسلم إليه خلاط وأن يعوضه عنها، فقصد خلاط وترك حصار الموصل، فنزل بطوانة، بليدة بقرب خلاط، وراسل بكتمر، وإذا شمس الدين [ص:888] بهلوان بن إلدكز صاحب أذربيجان وعراق العجم قد قرب من خلاط قاصدا محاصرتها، فبعث إليه يعرفه بأنه إن لم يرجع عنه وإلا سلم البلد إلى صلاح الدين، فصالحه، فنزل صلاح الدين على ميافارقين، فقاتلها قتالا شديدا، ثم أخذها صلحا بالخديعة، وكان صاحبها قطب الدين إيلغازي بن ألبي الأرتقي، فمات وخلف ولده حسام الدين بولق أرسلان وهو صبي، فطمع صلاح الدين وتسلمها بمعاملة من واليها، وأما بكتمر فقويت نفسه بمصاهرته لصاحب أذربيجان.
وعاد صلاح الدّين فنازل المَوْصِل ثالثًا، فمرض فِي الحَرّ مرضًا أشفى منه عَلَى الموت، فترحّل إِلَى حَرَّان، فسير صاحب المَوْصِل عز الدّين رسولًا، وَهُوَ القاضي بهاء الدّين يوسف بْن شدّاد إِلَى صلاح الدّين فِي الصُّلْح، فأجاب وحلف لَهُ وَقَدْ تماثل من مرضهِ، ووفى لَهُ إِلَى أن مات. فلم تطُلْ مدة عز الدّين بعد صلاح الدّين، وعاش أشهرًا.
وتُوُفّي فِي شعبان فِي التاسع والعشرين منه.
قَالَ ابن الأثير: وكان قَدْ بَقِيّ ما يزيد عَلَى عشرة أيام لا يتكلم إلا بالشهادتين وتلاوة القرآن، وَإِذَا تكلَّم بغيرها استغفر اللَّه، ثُمّ عاد إِلَى التلاوة، فرُزق خاتمة خير.
وكان خير الطَّبْع، كثير الخير والإحسان، يزور الصالحين ويقربهم ويشفعهم. وكان حليمًا حيِّيًّا، لَمْ يكلم جليسه إلا وَهُوَ مُطرق. وكان قَدْ حج، ولبس بمكة خِرْقَةَ التَّصَوُّف. فكان يلبس تِلْكَ الخِرْقة كُلّ ليلة، ويخرج إِلَى مَسْجِد داره، فيصلّي فِيهِ إلى نحو ثلث الليل. وكان رقيق القلب، شَفوقًا عَلَى الرعية.
قُلْتُ: ودُفن فِي مدرسته بالموصل، وهي مدرسة كبيرة عَلَى الشافعية والحنفية، وتسلطن بعده ولده نور الدّين إِلَى أن مات عَنْ ولدين وهما: القاهر عز الدّين مَسْعُود، والمَنْصُور عماد الدّين زنكي.
وقسم البلاد بينهما، فأعطى القاهر المَوْصِل، وأعطى المنصور قلاعًا.
وقد توفي القاهر صاحب الموصل فجاءةً في سنة خمس عشرة وستمائة، ودُفن بمدرسته.
وأمّا زنكي فانتقل إِلَى إربل، وتزوَّج بابنة صاحبها مظفَّر الدّين، وكان من [ص:889] أحسن النّاس صورة، ثُمّ قبض عليه مظفَّر الدّين لأمور جَرَت، وسيَّره إِلَى الملك الأشرف موسى، ثم أطلقه وعاد. وأُعطي بلد شَهْرَزُور وأعمالها. وتُوُفّي فِي حدود سنة ثلاثين وستمائة، وقام بعده ولده قليلًا ومات.(12/887)
371 - المكرَّم بْن هبة اللَّه بْن المكرَّم، أَبُو مُحَمَّد الصُّوفيّ، [المتوفى: 589 هـ]
أخو أَبِي جَعْفَر مُحَمَّد.
شيخ معروف سَمِع أَبَا بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي، وعَلِيّ بْن عَلِيّ بْن سُكينة، وأبا سَعْد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الزَّوْزَنيّ، وشيخ الشيوخ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سَعْد، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ الشَّيْخ الموفق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والضياء مُحَمَّد، والزَّيْن بْن عبد الدائم، وجماعة. وحدَّث بدمشق، وبغداد.
وتوفي فِي رجب.(12/889)
372 - مَنْصُور بْن الْمُبَارَك بْن الفضل بْن أَبِي نُعيم، أَبُو المظفَّر الواسطيّ الواعظ، الملقب بجرادة. [المتوفى: 589 هـ]
سَمِع من أَبِي الوقت السَّجْزيّ، وذُكِر أَنَّهُ سَمِع " المقامات " من أَبِي مُحَمَّد الحريري؛ وَلَهُ فصول وعظية.
وكان شيخًا مُسِنًّا، يُقَالُ إنَّه جاوز المائة، والصحيح أَنَّهُ عاش سبْعًا وثمانين سنة.
وَلَهُ نظم ونثْر ودُعابة. وكان يعِظ فِي الأعزية ببغداد.
ذكره ابن النجار.(12/889)
373 - مُوسَى بْن حَجاج، أَبُو عِمْرَانَ الأَشِيريّ. [المتوفى: 589 هـ]
دخل الأندلس فِي سنة بضع وثلاثين وخمسمائة.
وسمع بقرطبة من أبي عبد الله محمد بْن أصْبَغ الفقيه، وأبي مَرْوَان بْن مَسَرَّة، وسَمِع بإشبيلية مِنْ أَبِي الْحَسَن شُريح. وبالمَرِيَّة من عَبْد الحق بْن عطية. وعُني بالرّواية.
قال الأبار: إلا أَنَّهُ عديم الضَّبْط، نزل الجزائر وأمَّ بها وحدث بها، وتوفي في صفر.(12/889)
374 - هبة اللَّه بْن عَبْد المحسن بْن عَلِيّ، الفقيه أَبُو البركات الْأَنْصَارِيّ، المالكيّ، الْمَصْرِيّ، [المتوفى: 589 هـ]
مدرس المدرسة المجاورة لجامع مصر العتيق.
تفقَّه عليه جماعة، وكان مشهورًا بالصلاح والعلم.
توفي في ذي القعدة.(12/890)
375 - يَحْيَى بْن علي بْن عَبْد الرَّحْمَن، أَبُو زكريا القيسي، المقرئ، المالكيّ. [المتوفى: 589 هـ]
سَمِع من عَبْد اللَّه بْن رفاعة، وتصدَّر بالجامع العتيق بمصر.(12/890)
376 - يوسف السّلطان الملك الناصر صلاح الدين، أبو المظفر ابن الْأمير نجم الدِّين أيوب بْن شاذي بْن مَرْوَان بْن يعقوب الدُّوِينيّ الأصل، التكريتيّ المولد. [المتوفى: 589 هـ]
ودُوِين بطرف أَذَرْبَيْجان من جهة أرّان والكَرَج، أهلها أكراد رَوَاديَّة، والرَوَاديَّة بطن منَ الهَذَبّانيَّة.
ولد سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة إذْ أَبُوهُ والي تكريت.
وسَمِع من أَبِي الطاهر السِّلَفيّ، والإمام أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيم بْن المسلم ابْن بِنْت أَبِي سَعْد، وأبي الطاهر بن عوف، وعبد الله بن بري النَّحْويّ، والقُطْب مَسْعُود النَّيْسابوريّ، وجماعة.
وروى الْحَدِيث، وملك البلاد، ودانت لَهُ العباد، وافتتح الفتوحات، وكسر الفِرَنج مرات، وجاهد فِي سبيل اللَّه بنفسه ومالِهِ. وكان خليقًا للمُلك. وأقام فِي السلطة أربعًا وعشرين سنة.
رَوَى عَنْهُ يُونُس بْن مُحَمَّد الفارقيّ، والعماد الكاتب، وغيرهما.
وتُوُفّي بقلعة دمشق بعد الصُّبْح من يوم الأربعاء السابع والعشرين من صَفَر، وحَضَر وفاته القاضي الفاضل.
وذُكِر أَبُو جَعْفَر القُرْطُبيّ إمام الكلّاسة أَنَّهُ لما انتهى فِي القراءة إِلَى قوله تَعَالَى: " هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عالم الغيب والشهادة " سمعه وَهُوَ يَقُولُ: صحيح. وكان ذهنه غائبًا قبل ذَلِكَ. ثُمّ تُوُفّي. وهذه يقظة عِنْد [ص:891] الحاجة، وغسّله الدَّوْلِعيّ، وأُخرج فِي تابوت، وصلّى عليه القاضي محيي الدين ابن الزَّكيّ، وأُعيد إِلَى الدار التي فِي البستان التي كان متمرضًا فيها. ودفن بالصفة الغربية منها. وارتفعت الأصوات بالبكاء، وعظُم الضجيج، حَتَّى إن العاقل يتخيّل أنّ الدُّنْيَا كلها تصيح صوتًا واحدًا.
وغَشِيَ النّاس منَ البكاء والعويل ما شغلهم عَنِ الصَّلاة، وصلى عليه النّاس أَرسالًا، وتأسَّف النّاسُ عليه، حَتَّى الفِرَنج، لِما كان من صِدْق وفائه إذا عاهد. ثُمّ بنى ولده الأفضل صاحب دمشق قبة شمالي الجامع، وهي التي شباكها القِبْلي إِلَى الكلّاسة، ونقله إليها يوم عاشوراء من سنة اثنتين وتسعين، ومشى بَيْنَ يدي تابوته. وأراد العلماء حمله على أعناقهم، فقال الأفضل: تكفيه أدْعِيتكم الصالحة. وحمله مماليكه، وأُخرِج إِلَى باب البريد، فصُلّي عليه قُدّام النَّسْر. وتقدم فِي الإمامة القاضي محيي الدّين بإذْن ولده. ودخل الأفضل لَحْدَه وأودعه وخرج، وسد الباب، وجلس هناك للعزاء ثلاثة أيام، وذلك خلاف العادة، وخلاف السُّنَّة.
كَانَ رحِمَه اللَّه كريمًا، جوادًا، بطلًا، شجاعًا، كامل العقل والقُوَى، شديد الهيبة، افتتح بسيفه وبأقاربه منَ اليمن إِلَى المَوْصِل، إِلَى أوائل الغرب، إِلَى أسوان.
وَفِي " الروضتين " لأبي شامة إن السّلطان رحِمَه اللَّه لَمْ يخلف فِي خزائنه منَ الذَّهَب والفضة إلا سبعةً وأربعين درهمًا، ودينارًا واحدًا صوريًّا. ولم يخلف ملكًا ولا عقارًا، وخلف سبعةَ عشر ولدًا ذَكَرًا، وابنة صغيرة.
ومن إنشاء العماد الكاتب إِلَى الخليفة عَلَى لسان الأفضل: " أصدر العبدُ هَذِهِ الخدمة وصدرهُ مشروح بالولاءِ، وقلبه مغمور بالضياءِ، ويده مرفوعة إِلَى السماء، ولسانه ناطق بالشكر والدُّعاء، وجَنَانه ثَابِت منَ المهابة والمحبَّة عَلَى الخوف والرجاء، وطرفه مغمض من الحياء. وهو للأرض مقبل، وللفرض متقبل، يمتُّ بما قدمه منَ الخدمات، وذخَره ذخر الأقوات لهذه الأوقات، وَقَدْ أحاطت العلوم الشريفة بأن الوالد السعيد الشهيد الشديد السديد المبيد للشرك المبير، لم يزل مستقيمًا على جديد الجد، ومصر بل الأمصار باجتهاده فِي [ص:892] الجهاد شاهده، والأنجاد والأغوار فِي نظر عزمه واحده، والبيتُ المُقَدَّسُ من فتوحاته، والمُلك العقيم من نتائج عزماته، وَهُوَ الَّذِي ملك ملوك الشرق، وغلَّ أعناقها، وأسرَ طواغيت الكُفر، وشد خناقها، وقَمَعَ عَبَدَةَ الصُّلْبان، وقطع أصلابها، وجمع كلمة الْإِيمَان وَعَصَم جنابها، وقُبِضَ وعدلُه مبسوط، ووِزْره محطوط، وعمله بالصلاح منوط، وخرج منَ الدُّنْيَا وَهُوَ فِي الطاعة الأمامية داخلْ.
قَالَ العماد الكاتب: لما تُوُفّي وملكت أولاده كَانَ العزيز عُثْمَان بمصر يقرِّب أصحاب أَبِيهِ ويكُرمهم، والأفضل بدمشق يفعل بضد ذَلِكَ. وأشار عليه جماعة كالوزير الجزري الذي استوزره، يعني الضياء ابن الأثير.
وفيه يَقُولُ فتيان الشاغوريّ:
مَتَى أرَى وزيرَكم ... وما لَهُ من وزرِ
يقلعه اللَّه فذا ... أوانُ قلْع الجزرِ
ومن كتاب فاضلي: أمّا هَذَا البيت، فَإِن الآباء منه اتفقوا فملكوا، وأنّ الأبناء منه اختلفوا فهلكوا.
قُلْتُ: خلَّف منَ الأولاد صاحب مصر السّلطان الملك الْعَزِيز، والملك الأفضل عليّ صاحب دمشق، والملك الظاهر غازي صاحب حلب، والملك المعز فتح الدين إسحاق، والملك المؤيد نجم الدين مسعود، والملك الأعز شرف الدين يعقوب، والملك الظافر مظفَّر الدّين خضر، والملك الزاهر مجير الدّين دَاوُد، والملك المفضل قُطْب الدّين مُوسَى، والملك الأشرف عزيز الدّين مُحَمَّد، والملك المحسن ظهير الدّين أَحْمَد، والملك المعظم فخر الدّين تورانشاه، والجواد ركن الدّين أيوب، والغالب نصير الدّين ملك شاه، وعماد الدّين شاذي. ونُصْرة الدّين مَرْوَان، والمَنْصُور أَبُو بَكْر، ومؤنسة زَوْجَة الكامل.
هَؤُلَاءِ كلهم عاشوا بعده، وكان أكثرهم بحلب عِنْد الظاهر، وآخرهم موتًا تورانشاه، تُوُفّي بعد أخْذ حلب، وكان بقلعتها.
قَالَ الموفق عَبْد اللطيف: أتيتُ الشام، والملك صلاح الدّين بالقدس، فأتيته فرأيته ملكًا عظيمًا، يملأ العيون روعَةً، والقلوب محبة، قريبًا بعيدًا، سَهْلًا محببًا، وأصحابه يتشبهون بِهِ، يتسابقون إِلَى المعروف كَمَا قال الله [ص:893] تَعَالَى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}. وأول ليلةٍ حَضَرْتُهُ وجدتُ مجلسًا حفِلًا بأهل العلم يتذاكرون فِي أصناف العلوم، وَهُوَ يُحسن الاستماع والمشاركة، ويأخذ فِي كيفية بناء الأسوار، وحفْر الخنادق، ويتفقّه فِي ذَلِكَ، ويأتي بكلّ معنى بديع.
وكان مهتمًّا فِي بناء سور القدس، وحفْر خندقه، يتولى ذَلِكَ بنفسه، وينقل الحجارة عَلَى عاتقه، ويتأسّى بِهِ جُمَيْع النّاس الأغنياء والفقراء، والأقوياء والضعفاء، حَتَّى العماد الكاتب والقاضي الفاضل، ويركب لذلك قبل طلوع الشّمس إِلَى وقت الظُّهْر، ويأتي دارَه فيمدّ السِّماط، ثُمّ يستريح، ويركب العصر، ويرجع فِي ضوء المشاعل، ويُصرّف أكثر الليل فِي تدبير ما يعمل نهارًا. وقَالَ لَهُ بعض الصُّنّاع: هَذِهِ الحجارة التي تُقطع من أسفل الخندق، ويُبنى بها السور رخْوة. قَالَ: نعم، هَذِهِ تكون الحجارة التي تلي القرار والنداوة، فإذا ضربتها الشمس صَلُبَت. وكان رحِمَه اللَّه يحفظ " الحماسة "، ويظن أن كُلّ فقيه يحفظها، فكان ينشد القطعة، فإذا توقف فِي موضعٍ استطعم فلم يُطعَم. وجرى لَهُ ذَلِكَ مَعَ القاضي الفاضل، ولم يكن يحفظها، فخرج من عنده، فلم يزل حَتَّى حفظها. وكتب لي صلاح الدّين بثلاثين دينارًا فِي الشهر عَلَى ديوان الجامع بدمشق، وأطلق لي أولاده رواتب، حَتَّى تقرَّر لي فِي كُلّ شهر مائة دينار.
ورَجَعْتُ إِلَى دمشق، وأكبَّيْت عَلَى الاشتغال وإقراء النّاس بالجامع.
قَالَ: وكان عمّه أسد الدّين شِيركُوه من أمراء دولة نور الدّين، وكان أَبُوهُ أيوب معروفًا بالصلاح. وكان شيركوه معروفًا بالشجاعة، وكان لأيوب بنون وبنات، ولم يكن صلاح الدّين أكبرهم. وكان شِحْنَة دمشق، ويشرب الخمر، فمُذْ باشَر المُلْك طلق الخمر واللّذّات. وكان محببًا، خفيفًا إلى قلب نور الدّين، يلاعبه بالكُرَة. وملك مصر.
وكانت وقعته مَعَ السودان سنة بضْع وستين، وكانوا نحو مائتي ألف، ونُصِر عليهم، وَقُتِلَ أكثرهم، وهرب الباقون، وابتنى سورَ القاهرة ومصر عَلَى يد الأمير قَراقُوش.
وَفِي هَذِهِ الأيام ظهر ملك الخَزَر، ومَلَكَ دُوِين وَقُتِلَ منَ المسلمين ثلاثين ألفًا. [ص:894]
ثُمّ فِي سنة سبْعٍ قطع صلاح الدّين خطبة العاضد بمصر، وخطب للمستضيء. ومات العاضد واستولى صلاح الدّين عَلَى القصر وذخائره، وقبض عَلَى الفاطميين.
وَفِي سنة ثمانٍ وستين فتح أخوه شمس الدولة بَرْقة ونَفُوسَا.
وَفِي سنة تسعٍ مات أَبُوهُ، ونور الدّين، وافتتح أخوه شمس الدولة اليمن، وقبض عَلَى المتغلب عليها عَبْد النَّبِيّ بْن مهْديّ المهديّ، وكان شابًا أسود.
وَفِي سنة سبعين سار من مصر، وملك دمشق.
وَفِي سنة إحدى وسبعين حاصَرَ عَزَاز. قَالَ ابن واصل: حاصر عَزَاز ثمانيةً وثلاثين يومًا بالمجانيق، وَقُتِلَ عليها كثير من عسكره. وكانت لجاولي الأمير خيمة، كَانَ السّلطان يحضر فيها، ويحض الرجال عَلَى الحرب، فحضرها والباطنية، الَّذِين هُمُ الإسماعيلية، فِي زي الأجناد وقوفٌ، إذ قفَزَ عليه واحد منهم، فضرب رأسه بسِكين، فلولا المِغْفَر الزَّرَد، وكان تحت القَلَنْسُوَة، لقتله. فأمسك السّلطان يد الباطني بيديه، فبقي يضرب فِي عُنقه ضرْبًا ضعيفًا، والزّرَدُ يمنع، فأدرك السّلطان مملوكُه يازكوج الأمير، فأمسك السِّكين فجرحته، وما سيبها الباطني حَتَّى بضّعوه. ووثب آخر، فوثب عليه الأمير دَاوُد بْن منكلان، فجرحه الباطني الآخر فِي جنْبه فمات وَقُتِلَ الباطنيّ، ثُمّ جاء باطنيٌّ ثالث، فماسَكَه الأمير عَلِيّ بْن أَبِي الفوارس، فضمّه تحت إبطه، وبقيت يد الباطنيّ من ورائه لا يقدر عَلَى الضَّرْب بالسِّكين، ونادى: اقتلوني معه، فقد قتلني وأذهب قوتي. فطعنه ناصر الدّين مُحَمَّد بْن شِيركُوه فقتله، وانهزم آخر فقطعوه، وركب السّلطان إِلَى مخيمه ودمه سائل عَلَى خده، واحتجب فِي بيت خشب، وعرض الْجُنْد، فَمنْ أنكره أبعده. ثُمّ تسلَّم القلعة بالأمان.
وَفِي سنة ثلاثٍ كسرته الفِرَنج عَلَى الرملة، وفرَّ عندما بَقِيّ فِي نفرٍ يسير.
وَفِي سنة خمسٍ وسبعين كسرهم. وأسَرَ ملوكهم وأبطالهم.
وَفِي سنة ست أمَرَ ببناء قلعة القاهرة عَلَى جبل المقطم. [ص:895]
وَفِي سنة ثمانٍ عَبَر الفرات، وفتح حرَان، وسَرُوج، والرها، والرَّقَّة، والبيرة، وسنجار، ونصيبين، وآمِد، وحاصر المَوْصِل، وملك حلب، وعوض عَنْهَا سِنْجار لصاحبها عماد الدّين زنكي الَّذِي بنى العمادية بالمَوْصِل.
ثُمّ إن صلاح الدّين حاصر المَوْصِل ثانيًا وثالثًا، ثُمّ هادنه صاحبها عز الدّين مَسْعُود، ودخل فِي طاعته، ثُمّ تسلم صلاح الدّين البوازيج، وشَهْرَزُور، وأنزل أخاه الملك العادل عَنْ قلعة حلب، وسلمها لولده الملك الظاهر، وعمره إحدى عشر سنة. وسير العادل إِلَى ديار مصر نائبًا عَنْهُ، وكان بها ابن أَخِيهِ تقي الدّين عُمَر بْن شاهنشاه، فغضب حيث عزله، وأراد أن يتوجه إِلَى المغرب، وكان شهْمًا شجاعًا، فخاف صلاح الدّين من مَغَبَّة أمره، فلاطَفَه بكل وجهٍ حَتَّى رجع مُغضبًا وقَالَ: أَنَا افتح بسيفي ما أستغني بِهِ عما فِي أيديكم. وتوجه إِلَى خِلاط، وفيها بُكْتمر، فالتقى هُوَ وبُكْتمر، فانكسر بُكْتمر شر كسره، وسير تقي الدّين عَلَمَه وفَرَسَه إِلَى دمشق وأنا بها، وكان يومًا مشهودًا.
وَفِي سنة ثلاثٍ وثمانين فتح صلاح الدّين طبريَّة، ونازل عسقلان، وكانت وقعة حِطِّين، واجتمع الفِرَنج، وكانوا أربعين ألفًا، عَلَى تل حِطّين، وسبقَ المسلمون إِلَى الماء، وعطش الفِرَنج، وأسلموا نفوسهم وأخذوا عن بكرة أبيهم، وأُسِرت ملوكهم.
ثُمّ سار فأخذ عكّا، وبيروت، وقلعة كَوْكَب، والسواحل. وسار فأخذ القدس بالأمان بعد قتالٍ لَيْسَ بالشديد.
ثُمّ إن قَراقُوش التركيّ مملوك تقي الدّين عُمَر المذكور توجه إِلَى المغرب لما رجع عَنْهَا مولاه، فاستولى عَلَى أطراف المغرب، وكسر عسكر تونس، وخطب لبني الْعَبَّاس. وإن ابن عَبْد المؤمن قصد قَراقُوش، ففرَّ منه ودخل البرية. ثُمّ دخل إليه مملوك آخر يسمى بُوزبَّةُ، واتفقا، ثُمّ اختلفا، ولو اتفقا مَعَ المايرقيّ لأخذوا المغرب بأسره. ووصلت خيل المايرقيّ إِلَى قريب مَرّاكُش، وتهيأ الموحدون للهرب، لكنْ أرسلوا رَجُلًا يُعرف بعبد الواحد لَهُ رأي ودهاء، فقاوم المايرقيّ بأنْ أفسد أكثر أصحابه والعرب الَّذِين حوله بالأموال، وكسره مرات، وجَرَت أمورٌ لَيْسَ هَذَا موضعها.
ثُمّ إن الفِرَنج نازلوا عكّا مدةً طويلة، وكانوا أُممًا لا يُحصون، وتعب المسلمون، واشتد الأمر. [ص:896]
قَالَ: ومدة أيامه لَمْ يختلف عليه أحدٌ من أصحابه، وفُجع النّاس بموته. وكان الناس في أيامه يأمنون ظُلمه، ويرجون رِفْده. وأكثر ما كَانَ عطاؤه يصل إِلَى الشجعان، وإلى أَهْل العلم، وأهل البيوتات. ولم يكن لمُبْطِلٍ، ولا لصاحب هزلٍ عنده نصيب.
ووُجد فِي خزائنه بعد موته دينارٌ صوريّ، وثلاثون درهمًا.
وكان حسن الوفاء بالعهود، حسن المقدرة إذا قدر، كثير الصَّفْح. وَإِذَا نازل بلدًا وأشرف عَلَى أخْذِه، ثُمّ طلبوا منه الأمان أمَّنهم، فيتألَّم جيشه لذلك لفوات حظهم. وَقَدْ عاقد الفِرَنج وهادنهم عندما ضرس عسكره الحرب وملوا.
قَالَ القاضي بهاء الدين ابن شدّاد: قَالَ لي السّلطان فِي بعض محاوراته فِي الصُّلح: أخاف أنْ أصالح، وما أدري أَيّ شيءٍ يكون مني، فيقوى هَذَا العدو، وَقَدْ بقيت لهم بلادٌ فيخرجون لاستعادة ما فِي أيدي المسلمين، وترى كُلّ واحدٍ من هَؤُلَاءِ، يعني أخاه وأولاده وأولاد أَخِيهِ، قَدْ قعد فِي رأس تلةٍ، يعني قلعته، وقَالَ لا أنزل. ويهلك المسلمون.
قَالَ ابن شدّاد: فكان واللَّه كَمَا قَالَ؛ تُوُفّي عَنْ قريبٍ، واشتغل كُلّ واحدٍ من أَهْل بيته بناحية، ووقع الخُلف بينهم، وبعد، فكان الصُّلح مصلحةً، فلو قُدر موتُه والحربُ قائمةٌ لكان الْإِسْلَام على خطر.
قال الموفق: حم صلاح الدين ففصده من لا خبرة له، فخارت القوة ومات قبل الرابع عشر، ووَجِدَ النّاس عليه شبيهًا بما يجدونَه عَلَى الأنبياء. وما رَأَيْت ملكًا حزن النّاس لموته سواه، لأنه كَانَ محبَّبًا، يحبه البَرّ والفاجر، والمسلم والكافر.
ثُمّ تفرق أولاده وأصحابه أيادي سبأ، ومُزقوا فِي البلاد.
قلت: ولقد أجاد في مدحه العماد حيث يقول:
وللناس بالمالك الناصر الص ... صلاح صلاحٌ ونصرٌ كبيرٌ
هُوَ الشمس أفلاكه فِي البلا ... دِ ومطلعه وسرجُه والسريرُ
إذا ما سطا أَوْ حبا واحتبى ... فَمَا الليثُ مَنْ حاتم ما ثبير
وقد طول القاضي شمس الدين ترجمته فعملها في تسعٍ وثلاثين ورقة [ص:897] بالقطع الكبير، فمما فيها بالمعني أن صلاح الدين قدم به أبوه وهو رضيع، فناب أبوه ببعلبك لما أخذها الأتابك زنكي في سنة ثلاثٍ وثلاثين.
وقيل: إنهم خرجوا من تكريت في الليلة التي ولد فيه صلاح الدّين، فتطيروا بِهِ، ثُمّ قَالَ بعضُهم: لعل فِيه الخِيَرَة، وأنتم لا تعلمون.
ثُمّ خدم نجمّ الدّين أيوب وولَدَه صلاح الدّين السلطانُ نورُ الدّين، وصيرهُما أميرين، وكان أسد الدّين شيركوه أخو نجم الدّين أرفع منهما منزلةً عنده، فَإنَّهُ كَانَ مقدَّم جيوشه، وولي صلاح الدّين وزارة مصر، وهي كالسلطنة فِي ذَلِكَ الوقت، بعد موت عمّه أسد الدّين سنة أربعٍ وستين، فَلَمَّا هلك العاضد فِي أول سنة سبع، استقل بالأمر، مَعَ مُداراة نور الدّين ومراوغته، فَإِن نور الدّين عزم عَلَى قصد مصر ليُقيم غيره فِي نيابته، ثُمّ فَتَر، ولما مات نور الدّين سار صلاح الدّين إِلَى دمشق مظهرًا أَنَّهُ يقيم نفسَه أتابكًا لولد نور الدّين لكونه صبيًا، فدخلها بلا كلْفة، واستولى عَلَى الأمور فِي سلْخ ربيع الأول سنة سبعين، ونزل بالبلد بدار أَبِيهِ المعروفة بالشريف العقيقيّ التي هِيَ اليوم الظاهرية، ثُمّ تسلم القلعة، وصعِد إليها، وشال الصبيَّ منَ الوسط، ثُمّ سار فأخذ حمص، ولم يشتغل بأخذ قلعتها، فِي جُمادى الأولى، ثُمّ نازل حلب في سلخ الشهر، وهي الوقعة الأولى، فجهَّز السّلطان غازي بْن مودود أخاه عز الدّين مَسْعُود فِي جيشٍ كبيرٍ لحرْبه، فترحل عَنْ حلب، ونزل عَلَى قلعة حمص فأخذها، وجاء عز الدّين مَسْعُود، فأخذ معه عسكر حلب، وساق إِلَى قرون حماه، فراسلهم وراسلوه، وحرص عَلَى الصُّلْح فأبوا، ورأوا أن المصاف معه ينالون بِهِ غرضهم لكثرتهم، فالتقوا، فكانت الهزيمة عليهم، وأسَر جماعة، وذلك فِي تاسع عشر رمضان، ثُمّ ساق وراءهم، ونزل عَلَى حلب ثانيًا، فصالحوه وأعطوه المَعَرَّة، وكَفَرْطاب، وبارين.
وجاء صاحب المَوْصِل غازي فحاصر أخاه عماد الدّين زنكي بسنْجار، لكونه انتمى إِلَى صلاح الدّين، ثُمّ صالحه لما بلغ غازي كسرةُ أَخِيهِ مَسْعُود، ونزل بنصيبين، وجمع العساكر، وأنفق الأموال، وعبر الفُرات، وقدِم حلب، فخرج إلى تلقيه ابن عمه الصالح ابن نور الدّين، وأقام عَلَى حلب مدة، ثُمّ كَانَتْ وقعة تل السّلطان، وهي منزلة بَيْنَ حلب وحماه، جرت بَيْنَ صلاح الدّين وبَيْنَ غازي صاحب المَوْصِل فِي سنة إحدى وسبعين، فنُصِر صلاح الدّين، ورجع غازي فعدى الفُرات، وأعطى صلاح الدّين لابن أَخِيهِ عز الدّين فرخشاه [ص:898] ابن شاهنشاه صاحب بِعْلَبَكّ خيمة السّلطان غازي، ثُمّ سار فتسلَّم مَنْبِج وحاصر قلعة عزاز، ثُمّ نازل حلب ثالثًا فِي آخر السنة، فأقام عليها مدةً، فأخرجوا ابنةً صغيرة لنور الدّين إِلَى صلاح الدّين، فسأَلَتْه عَزاز، فوهبها لها، ثُمّ دخل الديار المصرية واستعمل عَلَى دمشق شمسَ الدولة تُورانشاه، وكان قَدْ جاء مِنَ اليمن، وخرج سنة ثلاثٍ من مصر، فالتقى الفرنج عَلَى الرملة، فانكسر المسلمون يومئذٍ، وثبت صلاح الدّين، وتحيز بمن معه، ثُمّ دخل مصر، ولمَّ شعث العسكر.
وتقدم أكثر هَذَا القول مفرَّقًا.
ونازل حلب فِي أول سنة تسعٍ، فطلب منه عماد الدّين زنكي بْن مودود أن يأخذ ما أراد منَ القلعة، ويعطيه سِنْجار، ونصيبين، وسروج، وغير ذَلِكَ، فحلف لَهُ صلاح الدّين عَلَى ذَلِكَ، وكان صلاح الدّين قَدْ أَخَذَ سنْجار مِنْ أربعة أشَهر، وأعطاها لابن أَخِيهِ تقي الدّين عُمَر، ثُمّ عوضه عَنْهَا، ودخل حلب، ورتَّب بها ولده الملك الظاهر، وَجَعَل أتابكه يازكوج الأَسَديّ، ثُمّ توجه لمحاصرة الكرك، وجاءه أخوه العادل من مصر، فحشدت الفرنج، وجاؤوا إِلَى الكَرَك نجدة، فسيَّر صلاح الدّين تقي الدّين عُمَر يحفظ لَهُ مصر، ثُمّ رحل عَنِ الكَرَك فِي نصف شعبان، وأعطى أخاه العادل حلب، فدخلها فِي أواخر رمضان، وقدم الظاهر وأتابكه، فدخلا دمشق فِي شوال، وقيل: أَعْطَاه عِوَض حلب ثلاث مائة ألف دينار، ثُمّ إن صلاح الدّين رَأَى أن عَوْد العادل إِلَى مصر، وعَوْد الظاهر إِلَى حلب أصلح، وعوض بعدُ العادل بحران، والرُّها، وميّافارقين.
وَفِي شعبان سنة إحدى وثمانين نزل صلاح الدّين عَلَى المَوْصِل، وترددت الرُّسُل بينه وبَيْنَ صاحبها عز الدّين، ثُمّ مرض صلاح الدّين، فرجع إِلَى حَرّان، واشتد مرضه حَتَّى أَيِسوا منه، وحلفوا لأولاده بأمره، وَجَعَل وصيَّه عليهم أخاه العادل وكان عنده، ثُمّ عوفي ومرَّ بحمص وَقَدْ مات بها ابن عمّه ناصر الدّين مُحَمَّد بْن شيركوه، فأقطعها لولده شيركوه، ثُمّ استعرض الترِكة فأخذ أكثرها، قَالَ عز الدّين ابن الأثير: وكان عُمَر شيركوه اثنتي عشرة سنة.
ثُمّ إنَّه حضر بعد سنة عند صلاح الدّين، فقال له: إلى أَيْنَ بلغت فِي [ص:899] القرآن؟ قَالَ: إلى قوله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بطونهم ناراً} فعجب الحاضرون من ذكائه.
وَفِي سنة اثنتين وثمانين عاد الظاهر فدخل حلب، وزوجه أَبُوهُ بغازية بِنْت أَخِيهِ الملك العادل، فدخل بها بحلب فِي السنة.
وَفِي سنة ثلاثٍ افتتح صلاح الدّين بلاد الفِرَنج، وقهرهم وأباد خضراءهم، وأسَرَ ملوكهم، وكسرهم عَلَى حِطّين، وافتتح القدس، وعكا، وطبرية، وغير ذَلِكَ.
وكان قَدْ نذر أن يقتل البرنس أَرْناط صاحب الكَرَك، فكان مِمَّنْ وقع فِي أسرهْ يومئذٍ، وكان قَدْ جاز بِهِ قومٌ من مصر فِي حال الهدنة، فغدر بهم، فناشدوه الصلح الذي بينه وبَيْنَ المسلمين، فَقَالَ ما فِيهِ استخفاف بالنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقتلهم، فاستحضرهم صلاح الدّين، ثُمّ ناول الملك جفري شربةً من جُلاب وثلج، فشرب، وكان فِي غاية العَطَش، ثُمّ ناولها البرنْس أرناط فشرب، فَقَالَ السّلطان للتَّرجُمان: قُلّ للملك جفْري، أَنْت الَّذِي سقيته، وإلا أَنَا فَمَا سقَيْتُه.
ثُمّ استحضر البرنس فِي مجلسٍ آخر وقَالَ: أَنَا انتصر لمحمد منك، ثُمّ عَرَضَ عليه الْإِسْلَام، فامتنع فسلَّ النيمجاه، وحلَّ بها كتِفَه، وتممه بعض الخاصة، وافتتح فِي هَذَا العام مِنَ الفتوحات ما لَمْ يفتحه ملك قبله، وطار صيتُه فِي الدُّنْيَا، وهابته الملوك.
ثُمّ وقع المأتم والنَّوح فِي جزائر الفِرَنج، وإلى رومية العُظْمَى، ونودي بالنفير إِلَى نُصرة الصليب، فأُتي السلطانَ من عساكر الفِرَنج ما لا قِبَل لَهُ بِهِ، وأحاطوا بعكا يحاصرونها، فسار السّلطان إليها ليكشف عَنْهَا، فعِيلَ صبرُه، وبذل فوق طاقته، وجرت لَهُ أمورٌ وحروبٌ قَدْ ذكرتُها فِي الحوادث، وبقي مرابطًا عليه نحوًا من سنتين، فالله يُثيبه الْجَنَّة برحمته.
وكتب القاضي الفاضل بطاقة إِلَى ولده الملك الظاهر صاحب حلب: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، {إنَّ زلزلة الساعة شيء عظيم}، كتبتُ إِلَى مولانا السّلطان الملك الظاهر أحسن اللَّه عزاءه، وجَبَرَ مُصابه، وَجَعَل فِيهِ الخَلف فِي الساعة المذكورة، وَقَدْ زُلزل المسلمون زلزالًا شديدًا وَقَدْ حفرت الدموعُ المحاجر، وبلغت القلوبُ [ص:900] الحناجر، وَقَدْ ودَّعت أباكَ ومخدومي وداعًا لا تلاقي بعده، وقبلت وجهه عني وعنك، وأسلمته إِلَى اللَّه تَعَالَى، مغلوبَ الحيلة، ضعيف القوة، راضيًا عن اللَّه، وَلا حَوْلَ وَلا قوَّة إِلا بِاللَّه، وبالباب مِنَ الجنود المجنَّدة، والأسلحة المعمّدة، ما لَمْ يدفع البلاء ولا ما يرد القضاء، تدمع العين، ويخشع الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرضي الرَّبَّ، وإنا بك يا يوسف لمحزونون، وأمّا الوصايا فَمَا تحتاج إليها، والآراء فقد شغلني المُصاب عَنْهَا، وأمّا لائح الأمر فإنه إن وقع اتفاقٌ فَمَا عدِمتم إلا شخصَه الكريم، وإنْ كَانَ غيره فالمصائب المستقبلة أهونها موته، وَهُوَ الهولُ العظيم "؟ وَقَدْ كتب إِلَى صلاح الدّين ابن التعاويذيّ هذه القصيدة يمتدحه:
إنْ كَانَ دينك فِي الصَّبابة ديني ... فقِفِ المطيَّ برملَتيْ يبرينِ
وألثم ثَري لو شارفتْ بي هَضْبَةُ ... أيدي المطي لثمته بجفوني
وأنشد فؤادي فِي الظباء معرضًا ... فبغير غزْلان الصريم جنوني
ونشيدتي بَيْنَ الخيام، وإنما ... غالطتُ عَنْهَا بالظباءِ العينِ
للَّهِ ما اشتملتْ عليهِ قبابُهم ... يوم النَّوَى من لؤلؤٍ مكنونِ
مِنْ كُلّ تائهةٍ عَلَى أترابها ... فِي الحُسْن غانية عَنِ التّحسين
خودٍ تَرى قمرَ السماء إذا بدت ... ما بَيْنَ سالفةٍ لها وجبين
يا سَلمَ إنْ ضاعت عهودي عندكم ... فأنا الَّذِي استودعتُ غيرَ أمين
هيهات ما للبِيض فِي ودّ امرِئٍ ... أربٌ وَقَدْ أربى عَلَى الخمسين
ليت الضنين عَلَى المحب بوصلهِ ... لقن السماحة من صلاح الدّين
ولعلَم الدّين حَسن الشاتانيّ فِيهِ قصيدةٌ مطلعها:
أرى النصرَ مقرونًا برايتك الصَّفرا ... فسِرْ واملكِ الدُّنْيَا فأنْت بها أَحْرَى
وللمهذب عمر بن محمد ابن الشِّحْنة الْمَوْصِلِيّ قصيدةٌ فِيهِ مطلعها:
سلامُ مشوقٍ قَدْ براه التشوُّقُ ... عَلَى جيرة الحي الَّذِين تفرقوا
منها: [ص:901]
وإني امرؤٌ أحببتكم لمكارم ... سمعتُ بها والأذْن كالعينِ تعشقُ
وقالت لي الآمال: إنْ كنتَ لاحقًا ... بأبناء أيوب فأنت الموفقُ
وللقاضي السعيد هبة اللَّه ابن سناء الملك فِيهِ:
لستُ أدري بأي فتحٍ تُهنّا ... يا مُنيل الْإِسْلَام ما قَدْ تمنى
أنهنيك إذ تملكت شاما ... أم نهنيك إذ تبوأت عدنا
قَدْ ملكت الجنان قصرًا فقصرًا ... إذْ فتحت الشامَ حصْنًا فحصْنا
لَمْ تَقِفْ في المعارك قطُّ إلا ... كُنْت يا يوسف كيوسف حُسنا
قصدَتْ نحوكَ الأعادي، فرد ... اللَّه ما أملوه عنك وعنا
حملوا كالجبال عُظمًا ولكنْ ... جَعَلَتْها حملاتُ خَيْلك عِهنا
كُلّ من يجعل الحديدَ لَهُ ثوبًا ... وتاجًا وطيلسانًا ورُدنا
خانهم ذَلِكَ السلاح فلا الرمحُ ... تَثَنَّى، ولا المهند طنّا
وتولت تِلْكَ الخيولُ وكم يُثنى ... عليها بأنها لَيْسَ تُثنى
وتصيدتهم لحلقة صيدٍ ... تجمع الليثَ والغزال الأَغَنّا
وجَرَت منهم الدماء بِحارًا ... فَجَرَت فوقها الجزائرُ سُفنا
صُنعت فيهم وليمةُ وحشٍ ... رقص المشرفي فيها وغنى
وحوى الأسرُ كُلّ ملك يظن ... الدَّهْر يَفْنَى وملكه لَيْسَ يفنى
والملكُ العظيمُ فيهم أسيرٌ ... يتثنى فِي أدهمٍ يتثنى
كم تمنى اللقاء حتى رآهُ ... فتمنى لو أَنَّهُ ما تمنى
رق من رحمةٍ لَهُ القيدُ والغل ... عليه فكُلما أنَّ أنَا
واللّعين البرنس أرناط مذبوحٌ ... بيُمْنَى مَنْ بات للدِّين يُمنى
أَنْت ذكَّيته فَوَفَيْتَ نَذْرًا ... كُنْت قدَّمتهُ فَجُوزِيت حُسنا
قَدْ ملكت البلادَ شرقًا وغربًا ... وحويتَ الآفاقَ سهْلًا وحَزنا
واغْتَدَى الوصفُ فِي عُلاك حسِيرًا ... أيُّ لفظٍ يُقَالُ أَوْ أيُّ مَعْنى
فَمنْ فتوحاته: افتتح أولًا الإسكندرية سنة أربعٍ وستين، وقاتل معه أهلها لما حاصرتهم الفِرَنج أربعة أشهر، ثُمّ كشف عنه عمه أسد الدّين شيركوه، وفارقاها وقدما الشام. [ص:902]
ثُمّ تملك وزارة العاضد بعد عمّه شيركوه سنة أربع وستين، وَقُتِلَ شاور، وحارب السودان؛ واستتب لَهُ أمرُ ديار مصر، فأعاد بها الخطبة العباسية، وأبادّ بني عُبيد، وَعَبيدهم.
ثُمّ تملَّك دمشق بعد نور الدّين، ثُمّ حمص، وحماه، ثُمّ حلب، وآمِد، وميافارِقين، وعدة بلاد بالجزيرة، وديار بَكْر.
وأرسل أخاه فافتتح لَهُ اليمن، وسار بعض عسكره فافتتح لَهُ بعض بلاد إفريقية.
ثُمّ لَمْ يزل أمره فِي ارتقاء، وملكه فِي ارتفاع، إلى أن كَسَرَ الفِرَنج نوبة حِطّين، وأسرَ ملوكهم، ثم افتتح طبريَّة، وعكا، وبيروت، وصيدا، ونابلس، والناصرة، وقَيْساريَّة، وصَفُّوريَّة، والشَّقيف، والطُّور، وحيفا، ومَعْليا، والفولة، وغيرها منَ البلاد المجاورة لعكا، وسبَسْطية التي يُقال لها قبر زكريا، وتبْنين، وجُبيل، وعسقلان، وغزة، وبيت المَقْدِس، ثُمّ نازل صور مدة أشهُر، فلم يقدر عليها وترحل عَنْهَا، وافتتح هونين، وكوكب، وأنْطَرَسُوس، وجَبَلَة، وبكسرائيل، واللّاذقيَّة، وصهيون، وقلعة العيذ، وقلعة الجماهرية، وبلاطنُس، والشَّغر، وبَكّاس، وسرمانية، وبرزُية، ودربْساك، وبغراس، وكانا كالجناحين لأنطاكية، ثُمّ عقد هدنةً مَعَ إبرنس أنطاكية، ثُمّ افتتح الكَرَك، والشَّوْبك، وصَفَد، والشَّقِيف المنسوب إِلَى أَرْنُون.
وحضر مصافاتٍ عدة ذُكرت سائرها فِي الحوادث، رحِمَه اللَّه وأسكنه جنته بفضله.(12/890)
-وفي سنة تِسْعٍ وُلِد:
تقي الدّين إِسْمَاعِيل بْن أَبِي اليُسر، والكمال عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد، والتاج مظفَّر بْن عَبْد الكريم الحنبلي، والشهاب مُحَمَّد بْن يعقوب بْن أَبِي الدنية، والزين أحمد بْن أَبِي الخير سلامة، والنجيب محاسن بْن الْحَسَن السُّلمي، والزكي إِسْرَائِيل بْن شُقَيْر، والعلامة عز الدِّين عَبْد الرّزّاق بْن رزق اللَّه الرّسْعَنيّ، وسعد اللَّه بْن أَبِي الفضل التّنُوخيّ البزاز، والشيخ زين الدّين الزّواويّ، وعبد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن ناصر بْن طُغان الطريفي، والجمال مُحَمَّد بْن عَبْد الحق بْن خَلَف، وإمام الدّين مُحَمَّد بْن عُمَر بْن الْحَسَن الفارسيّ، وقاضي القُضاة صدر الدّين أحمد ابن سنيّ الدولة.(12/902)
-سنة تسعين وخمسمائة(12/903)
377 - أَحْمَد بْن إِسْمَاعِيل بْن يوسف، أَبُو الخير الطالقاني القزْوينيّ، الفقيه الشّافعيّ، الواعظ، رضي الدّين، [المتوفى: 590 هـ]
أحد الأعلام.
ولد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة بقزوين، وتفقه عَلَى الفقيه أَبِي بَكْر بْن مَلَكداذ بْن عَلِيّ العَمْركيّ، ثُمّ ارتحل إِلَى نَيْسابور، وتفقه عَلَى مُحَمَّد بْن يَحْيَى الفقيه حَتَّى برع فِي المذهب، وسَمِع الكثير من أبيه، ومن أبي الحسن عَلِيّ الشّافعيّ القَزْوينيّ، وأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن الفضل الفُراوي، وزاهر الشحامي، وعبد المنعم ابن القُشَيْريّ، وعبد الغافر بْن إِسْمَاعِيل الفارسي، وعبد الجبار الخواري، وهبة اللَّه بْن سهل السيدي، وأبي نصر مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الأَرْغِيانيّ، ووجيه بْن طاهر، وسَمِع بالطَّابران من مُحَمَّد بْن المنتصر المتُّوثي، وببغداد من أَبِي الفتح ابن البَطّيّ.
ودرس ببلده مدةً، ثُمّ درس ببغداد فِي سنة بضعٍ وخمسين ووعظ، وخُلِع عليه، وعاد إِلَى بلده، ثُمّ قدِمَها قبل السبعين وخمسمائة، ودرس بالنظامية.
قَالَ ابن النجار: كَانَ رئيس أصحاب الشّافعيّ، وكان إمامًا فِي المذهب، والخلاف، والأصول، والتفسير، والوعظ، حدَّث بالكتب الكبار كـ " صحيح مسلم "، و" مُسند إسحاق "، و" تاريخ نيسابور " للحاكم، و" السنن الكبير " للبيهقي، و" دلائل النبوة "، و" البعث والنُّشُور " لَهُ أيضًا، وأملى عدة مجالس، ووعظ، ونَفَق كلامه عَلَى النّاس، وأقبلوا عليه لحسن سَمْته، وحلاوة منطقه، وكثْرة محفوظاته، ثُمّ قدِم ثانيًا، وعقد مجلس الوعظ، وصارت وجوه الدولة ملتفته إِلَيْهِ، وكثُر التَّعصُب لَهُ منَ الأمراء والخواص، وأحبه العوام، وكان يجلس بالنظامية، وبجامع القصر، ويحضر مجلسه أممٌ، ثُمّ وُلّي تدريس النظامية سنة تسعٍ وستين، وبقي مدرّسها إلى سنة ثمانين وخمسمائة، ثُمّ عاد إِلَى بلده، وكان كثير العبادة والصَّلاة، دائم الذكر، قليل المأكل، وكان مجلسه كثير الخير، مشتملًا عَلَى التفسير، والحديث، والفقه، وحكايات الصالحين [ص:904] من غير سجعٍ، ولا تزويقِ عبارةٍ ولا شِعْر، وَهُوَ ثقة فِي روايته، وقيل: إنَّه كَانَ لَهُ في كل يومٍ ختمةٌ مَعَ دوام الصوم، وقيل: إنَّه يُفطر عَلَى قُرْصٍ واحد.
وقَالَ ابن الدُّبِيثيّ: أملى عدة مجالس، وكان مقبِلًا عَلَى الخير، كثير الصَّلاة، لَهُ يدٌ باسطةٌ فِي النظر، واطلاع عَلَى العلوم، ومعرفة بالحديث، وكان جماعةً للفنون، رحِمَه اللَّه، رجع إِلَى بلده سنة ثمانين، فأقام بها مشتغلًا بالعبادة إِلَى أن تُوُفّي فِي محرَّم سنة تسعين.
وقَالَ الحافظ عَبْد العظيم: حكى عَنْهُ غيرُ واحدٍ أَنَّهُ كَانَ لا يزال لسانه رطبًا من ذِكر اللَّه، تُوُفّي فِي الثالث والعشرين منَ المحرَّم.
وأنبأني ابن البزُوري أَنَّهُ أوَّل مَنْ تكلَّم بالوعظ بباب بدر الشريف.
قُلْتُ: هُوَ مكان كَانَ يحضر فِيهِ وعظه الْإِمَام المستضيء من وراء حجاب، وتحضر الخلائق، فكان يعظ فِيهِ القَزْوينيّ مرةً، وابن الجوزي مرةً.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ " مُسْنَد إِسْحَاق بن راهويه " أبو البقاء لإسماعيل بْن مُحَمَّد المؤدب البغدادي، وروى عَنْهُ ابن الدُّبيثي، ومُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي سهل الواسطيّ، والموفق عَبْد اللطيف بْن يوسف، وبالغ فِي الثناء عليه، وقَالَ: كَانَ يعمل فِي اليوم والليلة، ما يعجز المجتهد عَنْ عملهِ فِي شهر، ولما ظهر التشيُّع فِي زمان ابن الصاحب التمس العامة منه يوم عاشوراء عَلَى المِنْبر أن يلعن يزيد فامتنع، ووثبوا عليه بالقتل مرات، فلم يُرع، ولا زَلَّ لَهُ لسانٌ ولا قَدَم، وخلص سليمًا، وسافر إِلَى قزوين.
قَالَ: وَفِي أيام مجد الدّين ابن الصاحب صارت بغداد بالكَرْخ، وجماعةٌ منَ الحنابلة تشيعوا، حَتَّى إن ابن الجوزي صار يسجع ويُلغِز، إلا رَضِيَ الدّين القَزْوينيّ، فَإنَّهُ تصلب فِي دِينه وتشدد. [ص:905]
قُلْتُ: ورخه فِي هَذِهِ السنة ابن الدُّبِيثيّ، والزكي المُنْذريّ، وورَّخه ابن النجار سنة تسعٍ وثمانين فِي المحرم، ورواه عَنْ ولده أَبِي المناقب مُحَمَّد بْن أَحْمَد رحِمَه اللَّه.(12/903)
378 - أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه، أَبُو الْعَبَّاس الشّافعيّ، الواعظ، فخر الدّين ابن فُويرة. [المتوفى: 590 هـ]
قدِم دمشق ووعظ بها، وبمصر، وحصل لَهُ قبولٌ تامٌّ، وكان حُلو الإيراد، تُوُفّي فِي شوال.(12/905)
379 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ، أَبُو بكر الأصبهاني، الْجُورْتانيّ، الحنبلي الحمّاميّ. [المتوفى: 590 هـ]
سَمِع من سَعِيد بْن أَبِي الرجاء الصَّيْرفيّ، وغيره.
وتُوفي قبل والده بأيامٍ أَوْ بأشهر.(12/905)
380 - أَحْمَد بْن يوسف بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ، أَبُو الْعَبَّاس بْن المأمون الهاشميَ الْعَبَّاسيّ، المأموني، نقيب العباسيين، ببغداد، ويُعرف بابن الزوال. [المتوفى: 590 هـ]
تُوُفّي ببغداد فِي صَفَر؛ وَلَهُ سماعٌ نازلٌ من أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن ذاكر الأصبهاني.(12/905)
381 - إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم بْن يعقوب بْن أَحْمَد، أَبُو إِسْحَاق الأنصاري، البلنسي، المحدث، نزيل الإسكندرية، ويُعرف بابن الجمش. [المتوفى: 590 هـ][ص:906]
رحل وحجَّ واستوطن الإسكندرية، فأكثر الكتابة عَنِ السِّلَفيّ، وبدر الحبشي، وأبي طاهر بن عوف، وخُّطهُ كيِّس مغربي، رفيع، نسخ شيئا كثيرا، وزهد فيما بعد وتنسك، وأقبل على شأنه، وكان يُنفق في الشهر أقل من درهمين يتقنع بها، وكان حافظا، فهما، متيقظا.
توفي في آخر السنة في ذي الحجة، وقيل: في السابع والعشرين من ذي القعدة.(12/905)
382 - إبراهيم بن مسعود بن حسان، أبو إسحاق الضرير، الرصافي، النحوي المعروف بالوجيه الذكي. [المتوفى: 590 هـ]
أخذ العربية عَنْ مُصدق بْن شبيب النَّحْويّ، وتُوُفّي شابًا فِي جُمادى الأولى، وكان قَدْ برع فِي الأدب.(12/906)
383 - تميم بْن سَلْمان بْن معالي، أَبُو كامل العُبَاديّ، الرَّبَعيّ، ربيعة الفَرَس، الأَزَجّي. [المتوفى: 590 هـ]
حدَّث عَنْ أَبِي الكرم الشّهْرَزُوريّ، رَوَى عَنْهُ تميم البَنْدَنِيجيّ، وابن خليل.(12/906)
384 - جاكير الزَّاهد، [المتوفى: 590 هـ]
أحد شيوخ العراق.
كَانَ كبير القدر، صاحب أحوال، وكرامات، واتباع، وسُنّة، وعبادة، وَلَهُ أصحاب مشهورون فيهم دِين وتعبُّد.
بلغني أنه صحب الشيخ عليّ ابن الهيْتيّ، وتُوُفّي فِي هَذَا العام أَوْ بعده بسنة رحِمَه اللَّه.
وذكر لي الشَّيْخ شُعيب التُّرْكمانيّ أحد منَ اختُصي وخدم بيت الشَّيْخ فِي صباه، أن اسم الشَّيْخ جاكير مُحَمَّد بْن دَشَم الكُرديّ الحنبلي، وأنه لَمْ يتزوَّج، ثُمّ ذكر لي عَنْهُ كرامات، وأنّ زاويته وضريحه بقرية راذان، وهي عَلَى بريدٍ من سامرّا، وأنّ أخاه الشَّيْخ قعد فِي المسجد بعده، ثُمّ بعده ابنه الغَرس. [ص:907]
ثُمّ وُلي المشيخة بعد الغَرْس ولدُه مُحَمَّد، ثُمّ ولدُه الآخر أَحْمَد، ثُمّ جلس فِي المسجد بعد أَحْمَد ابنه عَلِيّ بْن أَحْمَد، وَهُوَ حيٌّ، وفيه مخالطة للتتار، مخلِّطٌ عَلَى نفسه، كثير الخباط، وَقَدِ ابْيَض رأسُه ولحيتُه، وهو في آخر الكهولة.(12/906)